Professional Documents
Culture Documents
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية-1
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية-1
البريد الالكتروني
hamlatmouad@gmail.com
~ ~ 61
املجلد 10العدد رقم ( 10جانفي )2122 مجلة قضايا معرفية
.
ملخص:
كثيرا ما شغل بال الباحتين في ألانتروبولوجيا،وعلماء النفس إشكالية تفسير الاضطرابات النفسية،و
املناقشات حولها ،بكل أبعادها النفسية و املعرفية والاجتماعية و الثقافية و الدينية ،ففي الثقافات إلانسانية
ترتبط ظاهرة الاضطرابات النفسية ،و طرق عالجها ببعض املفاهيم الثقافية كالدين والقيم واملعايير والعادات
الاجتماعية السائدة في هذه املجتمعات
و يمكن تفسير ذلك على أن الثقافة الشعبية هي مسؤولة عن ظهور هذه الرؤى الثقافية لالضطرابات
و ألسبابه .و هكذا فإن للبعد الثقافي دور في توضيح الاضطرابات النفسية.
كلمات مفتاحية :الثقافة ،ألانتروبولوجيا،املمارسة،العالج ،علم النفس.
Abstract:
Often preoccupied with researchers in anthropology and psychologists the problem of
interpreting mental disorders, and discussions about them, in all their psychological, cognitive,
social, cultural and religious dimensions. In these societies, it can be interpreted that popular culture is
responsible for the emergence of these cultural visions of the unrest and its causes. Thus the role of the
cultural dimension Dovey is to clarify mental disorders.
Keywords: the culture; Anthropology; practice; treatment; psychology
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية حمالت بن عتو
مقدمة:
القدم تفسير الظواهر وألاحداث التي تحيط به في إلاطار البيئي (الاجتماعي والثقافي) الذي حاول إلانسان منذ ِ
يعيش فيه ،واستمد تصوراته املعرفية والثقافية حول ألامراض النفسية وأسلوب عالجها من مصادر ثقافية ،وصار
التقدم العلمي الراهن وانتشار الوعي ّ هذا الرصيد الاعتقادي يؤدي وظائف عديدة في مواجهة ألامراض ،والواقع أن
وتقدم العلوم الطبية املختلفة لم يقض تماما على هذا الرصيد الاعتقادي ،فال تزال قطاعات عريضة من الصحي ّ
املجتمع تستمد تصوراتها ومفاهيمها وتفسيراتها املختلفة لالضطرابات و ألامراض النفسية من هذا التراث الثقافي
املتنوع ،وبهذا املعنى نجد أن الاضطراب والعالج حقيقة ثقافية كماهو حقيقة طبية .
ّ
التصورات التصورات الحديثة فحسب بل تتضمن ّ لتصور الاضطرابات ّ
النفسية ال ينحصر في ّ ّ
التطرق إن
ّ
التفكير ،وفهم وإد اك مختلف الظواهر والعمليات ّ ّ
مختلف ألافكار واملعتقدات الشعبية الخاصة ببناء نمط ّ
املتصلة ر
تصورات الاضطرابات تتضمن أيضا ألافكار واملعتقدات ّ
التقليدية املتعلقة بفهم بالوجود إلانساني.ومن ّثمة ،فإن ّ
التصورات من املحاوالت الفردية ّ النفس ي وكذا الكشف عن أهم املسببات ،وتصدر هذه وتفسير الاضطراب ّ
والجماعية التي يبذلها ألاشخاص العاديون ،وبالتالي هي جملة من ألافكار التي تستند إلى التجربة الشخصية حول
مختلف املفاهيم واملعتقدات الخاصة باالضطراب.
ّ
فللخلفية الثقافية دور كبير على تصور وإدراك الناس لظاهرة املرض،وفي أجزاء عديدة من العالم مازال
السكان متمسكين بالتغيرات الثقافية للمرض،وبهذا املعنى نجد أن الخلفية الثقافية هي التي تحدد للمريض تقييمه
وتصوره لحالته املرضية وأفعاله تجاه املرض.
التقد م العلمي في املجال الصحي ،فال تزال املجتمعات تعرف تنوعا في أساليب العالج بين ما هو تقليدي ّ ورغم
وما هو حديث.ومن ثم لم يعد للطب الحديث فقط السيطرة على املرض وفهم سلوك املريض ،خاصة بعد أن حظي
موضوع الصحة واملرض اهتمام العلوم الاجتماعية والنفسية وألانثروبولوجي التي أثارت قضايا مهمة من بينها تأثير
العوامل الثقافية والاجتماعية والدينية على فهم وتفسير املرض وكذا اختيار أسلوب العالج املناسب.
تطور مفهوم الصحة تطور في املعارف والتصورات الخاصة باملرض والعالج ،فاتسعت بوتقة لقد صاحب ّ
ّ
والتصورات القديمة والحديثة ،بين املعرفة الخاصة بفهم املرض من حيث نوعه وأسبابه وأعراضه ،بين املعتقدات
والتقني الحديث ،مما صعب على الشخص عملية الفهم الديني للمرض،وبين العالج الشعبي ّ التوجه العلمي والطرح ّ
وإلادراك لألساليب الناجعة ملواجهة املرض.
السهل دراسة ألاعراض وتشخيص املرض ،لكن هل املريض من السهل عليه التعرف على نوع مرضه فقد يبدو من ّ
وتحديد أعراضه بدقة ،أو أن يقتنع ويدرك السبب ألاساس ي ملرضه ،أو اختيار العالج املناسب ،حين يجد نفسه بين
العديد من النماذج العالجية،وهل من السهل نفي عليه أن يتحمل عدم جدوى عالج ما ،أو طول مدة العالج.ففي
الحقيقة هناك أمور كثيرة تتحكم في املريض كشخص أو ككائن ثقافي في وسط اجتماعي تتنوع فيه الثقافات
ّ واملعتقدات ّ
الدينية والشعبية.
املجلد 10العدد رقم ( 10جانفي )2122 مجلة قضايا معرفية
لقد أوضحت الكثير من الدراسات كيفية تأثير السياق الثقافي على استجابات الناس حيال املرض وأسلوب
العالج باختالف املجتمعات والثقافات.
و لتحديد مشكلة الدراسة وصياغتها بشكل أفضل و ،أوضح ،أو أكثر دقة نطرح التساؤالت التالية :ـ ـ هل الحاالت
التي تشخص من منظور ثقافي شعبي على أنهاحا لة "مس" ،أو "سحر" ،أو "عين "تتميز ببنية نفسية مرضية ؟
ـ ـ هل تندرج الحاالت التي تعاني من "املس" ،أو "السحر" ،أو "العين" ضمن الاضطرابات النفسية ذات البعد
الثقافي؟
ـ ـ ما مدى شيوع الاضطرابات الانفعالية واملزاجية بين حاالت "املس" ،و"السحر" ،و"العين" ؟
الفرضيات:
ـ ـ تتسم الحاالت التي تشخص من منظور ثقافي شعبي على أنهاحا لة "مس" ،أو "سحر" ،أو "عين "تتميز ببنية نفسية
مرضية
ـ تندرج الحاالت التي تعاني من "املس" ،أو "السحر" ،أو "العين" ضمن الاضطرابات النفسية ذات البعد الثقافي
ـ تنتشر الاضطرابات الانفعالية واملزاجية بين حاالت "املس" ،و"السحر" ،و"العين".
ألاهداف:
ـ الكشف عن مدلول و ماهية الحاالت التي شخصت من منظور ثقافي شعبي على أنها حاالت "مس" " أو ،سحر" " أو،
"عين من حيث
تميزها ببنية نفسية مرضية
ـ الكشف عن مدى شيوع الاضطرابات الانفعالية و املزاجية بين حاالت "املس" "و ،السحر"" ،و العين" من خالل
دراسة العالقة الارتباطية بين حاالت ("املس" و" ،السحر" و" ،العين) والاضطرابات الانفعالية و املزاجية
ـ الكشف عن الفروق املوجودة بين حاالت "املس" و" ،السحر" و"العين" ،من حيث الاضطرابات الانفعالية و
املزاجية و ،مؤشرات الصحة النفسية ،ومستويات تقدير الذات.
. 1تع ـ ـ ــريف الصح ـ ـ ــة النفـ ـ ــسي ـ ـ ــة :ليس من السهولة بمكان وضع تعريف محدد للصحة النفسية الن ذلك يتطلب
تحديد ماهية النفس ،فالصحة النفسية تكوين فرض ي يمكن التعرف عليه من خالل بعض الظواهر إلانسانية التي
تخص سلوك إلانسان وشخصيته .ولقد تعددت وتنوعت تعريفات العلماء والباحثين في الصحة النفسية،فما من
نظرية أو مذهب أو مدرسة في علم النفس إال وافترض تعريفا في الصحة النفسية،ويمكن إجمال التعريفات املقترحة
للصحة النفسية في
. 2تعريف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات أصحاب امل ـ ـ ـ ـ ـ ــدارس :
0. 2التحلي ـ ـ ــل النفس ـ ـ ــي :مؤلفها سيجموند فرويد Freudوتركز هذه النظرية على الخبرات في مرحلة الطفولة .في
بداية التحليل النفس ي كان مفهوم الصحة النفسية يعرف باعتباره نقيضا للمرض ،فكان مجرد غياب ألاعراض ثم
أصبح يعني غياب أنواع الصرع الالشعوري املعطلة إلمكانات الفرد في قطاعي الانجاز والحب الناضج بحيث يمكن
تعريف الصحة النفسية بحسب فرويد بأنها القدرة على الحب والعمل والاستمتاع بالعمل الخالق ،فالصحة
لنفسية وفقا للتحليل النفس ي ليس نفيا أو إلغاء ملا هو طفلي أو ال شعو ري وليس امتثاال لواقع جامد ،بل هو
تفاعل دينامي خالق بين هذه املكونات جميعها ،ويعرف فرويد الصحة النفسية بقوله أينما يتواجد الهو تتواجد
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية حمالت بن عتو
ألانا ،وتحرص هذه النظرية على متطلبات الواقع الاجتماعي الذي يعمل على التوافق بين عناصر الشخصية الثالثة
الهو وألانا و ألانا ألاعلى(مصطفى خليل الشرقاوي3891،ص( 24
2. 2الاتجـ ـ ـ ـ ــاه السل ـ ـ ــوكي :من روادها ثورنديك ،وطسون،بافلوف ،وسنكر تعرف املدرسة السلوكية الصحة النفسية
بان يأتي الفرد السلوك املناسب في كل موقف حسب ما تحدده الثقافة والبيئة التي يعيش في كنفها،فاملحك
املستخدم هنا للحكم على صحة الفرد النفسية محك اجتماعي ،فالسلوكية تعتبر البيئة املنزلة ألاولى واعتبرها من
أهم العوامل التي تعمل على تكوين الشخصية(أحمد محمد عبد الخالق،،3881،ص) 11
3. 2الاتج ـ ـ ـ ــاه إلااسنسانـي :ويعد كل من كارل روجرز وأبراهام ماسو من أشهر رواد هذا الاتجاه الصحة النفسية كما
يراها ماسلو Maslowهي تحقيق الذات ويذهب ماسلو إلى أن صاحب الشخصية السوية يتميز بخصائص معينة
النفسانين على العجزة والعصابين ومتخلفي بالقياس إلى غير السوي،ويعتقد أنه إذا اقتصرت د اسة ألاخصائين ّ
ر
النمو فإنهم بالضرورة سيقدمون علما عاجزا ،ولكي يمكن نمو علم لإلنسان أكثر اكتماال وشموال يصبح حتما على
علماء النفس دراسة الذين حققوا إمكاناتهمم إلى أقص ى مداها ،حيث قام ماسلو بدراسة مجموعة من ألاشخاص
حققوا ذواتهم ،فقد اختار الطريقة املباشرة فدرس أصحاء من الناس الذين تتجلى وحدة شخصياēم وكليتها بوضوح
أكثر بوصفهم أشخاصا حققوا
ذواتهم(مصطفى فهمي ،3898ص)41
واعتقد رالف لينتون R. Lintonأننا إذا عرفنا مضمون الثقافة أمكننا التنبؤ بشكل معقول ،بالصورة التي
تتخذها هذه الحالة املرضية.والواقع أن هذه الوجهة من النظر تكشف عن حقيقة هامة وهي أن املجرى الاجتماعي
للمرض يتأثر إلى حد كبير باملضمون الثقافي للمجتمع،ويتكامل مع نماذج الحياة القائمة في تلك الثقافة .فثقافة
الجماعة تؤثر في كل جانب من جوانب نمو الفرد وتطوره،واكتساب أساليب الحياة،وتحديد ألاهداف
والتطلعات،وعوامل الخطر التي يتعرض لها الفرد،وأساليب استجابته لهذه ألاخطار وتوافقه معها( .محمد علي
وآخرون ،4133،ص.)57
4.1تعريف ألامراض الشعبية
ّ
تعرف ألامراض الشعبية باألعراض التي يزعم أفراد جماعة معينة أنهم يعانون منها،وتحدد لهم ثقافتهم
الخاصة أسباب هذه ألامراض وتشخيصها وإجراءات الوقاية منها ونظم وأساليب عالجها.ولكل نوع من هذه ألامراض
شكل مستقل من ألاعراض والعالجات والتغيرات السلوكية خاص به ،فهو بمثابة أعراض مرتبطة بثقافة ما بمعنى
أنه بمثابة اعتالل وقتي يتم التعرف عليه بواسطة ألاعضاء املشتركين في هذه الثقافة.ويكون املرض مرضا مرتبطا
بالثقافة حينما تلتصق أعراض هذا املرض بمجتمع معين،ويستجيب أعضاء هذا املجتمع لهذه ألاعراض واملظاهر
بأساليب منمطة وبشكل متماثل( .عاطف ،4115،ص.)483
.4الثقافة الشعبية و تفسير ها لظاهرة الاضطرابات النفسية
يرتبط التصور التقليدي لالضطراب النفس ي بالثقافة السائدة وفيه ينتمي تفسير املرض إلى بعض العوامل
املشخصة فوق الطبيعية مثل:السحر،الحسد ،ارتكاب املحرمات الدينية وألاخالقية ،الكائنات فوق الطبيعية
كاألرواح الشريرة،الجان،وتنقسم إلى قسمين :التفسير الديني والتفسير املرتبط بالسحر.
0 .4املعتقد الديني وتفسيره ألسباب الاضطرابات النفسية
توجد بعض املعتق دات وألافكار في الثقافات القديمة عن املرض حيث اعتقدت الشعوب أن أسباب املرض
تنحصر في أن املرض يحدث نتيجة عقاب على ألافعال الغير املقبولة دينيا وأخالقيا والتي قد يرتكبها املريض ،كذلك
يوجد سبب آخر للمرض لدى إلانسان في الثقافات التقليدية ،فاملرض تسببه بعض ألارواح الشريرة (الشياطين)
وأن إلانسان من املمكن أن يعالج من خالل الصلوات والابتهاالت الدينية.وترى مرجريت ميد mead Margaretفي
دراستها للثقافة والصحة واملرض في بعض املجتمعات الريفية بالشرق ألاوسط أن أحد املعتقدات السائدة حول
أسباب املرض تتركز في اعتقاد السكان بأن املرض يحدث نتيجة التقصير في أداء
الشعائر والفرائض الدينية الهامة مثل عدم أداء فريضة الحج (بشاي 3882 ،ص.)328
القاسية كضرب املريض بهدف إيذاء الروح الشريرة حتى تهرب من الجسم و تخرج منه و يشفى املصاب (الخشاب ،
، 3891ص . )397
أما التفسير التقليدي لألمراض النفسية فيظهر أنه يركز على العوامل الخارجية أكثر من العوامل الداخلية للفرد
فاالضطراب يفسر عامة بأسباب متعلقة باللعنة إلالهية ،أو تأثير السحر ،الجن أو القوى الخفية.ولذلك فإن "
املرض ال يمثل في الحقيقة إال مظهرا من املظاهر العامة لعمل القوى الخفية ،)zerdouni , 1982 , p 123)"...وتفسير
املرض مثال بخلل في الجهاز العصبي هو تفسير مستبعد في كثير من ألاحيان.
لقد قام "طوالبي" ( ،3899ص ،21أ) أحد املختصين الجزائريين في هذا املجال ببحث حول موضوع إلاصابات
العقلية ،فاستنتج" أن 79.7من العينة التي درسها صرحت أن إلاصابات العقلية هي ناتجة عن مرض يعجز عنه
البحث العلمي"،ويتمثل املرض بطبيعة الحال في الجن والعين والقوى الشريرة املختلفة .يظهر إذن أن التفسير
التقليدي لالضطرابات النفسية يرتكز أساسا على أفكار ميتافيزيقية،ويالحظ نفس الش يء بالنسبة للعالج.
3 .4التفسير الثقافي الشعبي لألسباب التقليدية املتعلقة باالضطرابات النفسية
في كل ألازمان ومنذ بداية إلانسانية حدثت تظاهرات وسلوكيات تثير تساؤالت البشرية عن معناها وعن مصيرها
ومدى تهديدها لتحطيم التحام وتوازن الجماعات واملجتمعات .فاملرض العقلي من الظواهر املثيرة ،فحاول إلانسان
أن يفسرها ويبحث عن أسبابها كي يستطيع عالجها.ورغم الاكتشافات والتطورات بقي املجتمع العربي والعالمي
مرتبطا بفكرة أن املرض العقلي له عالقة باألرواح:الجن،الشياطين،السحر ،العين ....
وهذه الاعتقادات راسخة في فكر إلانسان مهما كان مستوى تطوره الثقافي والاجتماعي والنفس ي،وإذا كان لنا
شك في ذلك فما علينا إال أن نطلع على ما يحدث في الجرائد والحصص التليفزيونية بفرنسا والبلدان الغربية التي
تعتبر ذات مستوى عالي في جميع
املستويات( ..ميموني ،4117 ،ص )47-47
.5السحر:
ذهب Hammondإلى أنه مع غياب التفسيرات العلمية للمرض وألسبابه يكون الاعتماد دائما على التفسيرات
الثقافية املتصلة بالسحر والدين والقوى الفوق طبيعية كمفسرات ألسباب املرض وألساليب العالج ،كذلك توصل
إلى أن الاعتماد على القوى فوق الطبيعية لتفسير حدوث املرض أمر يتالئم مع ثقافة املجتمع الذي يسود فيه هذا
الاعتقاد ولذلك كان من الصعب على السكان تقبل املمارسات الطبية املتعلقة بالطب الرسمي الحديث في حالة
كونها غير متجانسة مع العادات والقيم واملعتقدات الثقافية السائدة( .عبدالستار إبراهيم ب ،4111 ،ص.)482
0 .5الابتعاد عن القيم ألاخالقية:
ويتمثل في ارتباط حدوث املرض بارتكاب املريض أو أبويه ألحد الخطايا وآلاثام أو الجرائم كالقتل والزنا
باملحارم والكذب والغش واملمارسات الجنسية غير ألاخالقية مع الحيوان أو مع أفراد من نفس النوع ويكون الاعتراف
بمثابة خطوة تمهيدية لتحقيق الشفاء .كما أنه في كثير من املجتمعات يظهر تأثير الدين على السلوك حيث نجد
الخروج على قواعد التابو يجلب معه العقوبة والشر وألالم للعصاة.
2 .5ولوج ألارواا الشريرة جسد الصخص مسةبة لا املرض:
املجلد 10العدد رقم ( 10جانفي )2122 مجلة قضايا معرفية
كانت الفكرة السائدة لدى قدماء املصريين أن ألامراض تنشأ عن غضب آلهتهم أو من تأثير أرواح املوتى وتقمصها
لجسد املريض وامتالكه.ومن الحاالت التي تنسب لألرواح الشريرة وينتج منها الضرر لإلنسان حاالت الضعف
العقلي والجنون والصرع والانجذاب واملزاج الحزين،وكان املجنون عند عرب الجاهلية رجل صرعته جنية واملجنونة
امرأة صرعها جني وكانوا يعتقدون أن الصرع نتيجة ملخالطة الجن لإلنس،ويذهب Lintonإلى أن الثقافات الغربية
لها تصور عن أسباب املرض النفس ي كالهستيريا يختلف عن الثقافات البدائية فاألولى تربطها بالعلم بينما الثانية
فترجعها للثقافة وأن هذا املرض خاضع لروح شيطانية (تلبسه) أو املس (اللمسة ألارضية).
3 .5فقدان الشعور بالروا:
يسود الاعتقاد لدى قبائل مورنجن Murnginالواقعة شمال استراليا أن فقد الروح يؤدي إلى املرض والوفاة
لبقية أعضاء ألاسرة وعالج هذه الحالة يستلزم إعادة الروح إلى الجسد وذلك عن طريق نوع من السحر الطقوس ي
واستخدام الرقى والتعاويذ.
ويمكن القول أنه ليس كل مجتمع يدرك تلك الفئات املسببة للمرض وإنما عديد من املجتمعات ترتكز على
سبب أو سببين ،فاالسكيمو على سبيل املثال يرجع أصل ألامراض لفقد الروح وخرق التابو بينما يمثل السحر
والعرافة العامل ألاساس ي لدى العديد من الثقافات إلافريقية( .عباس فيصل ،4111،ص.)489-485-487
.6أهم التصنيفات التقليدية لالضطرابات النفسية
إن إلانسان في كل مكان يستنبط أو يتنبأ ألاسباب لألحداث الهامة أو ذات املعنى في حياته ،فاألمراض التي
تهاجم الجسم والعقل تفسر في حدود أو مصطلحات طبيعية وفوق طبيعية (ميتافيزيقية) .لكن غالبا ال يعالج
الجرح،واملرض ال يستجيب للعالج،وإن كل من التنبؤ والتوقع املألوف ال يحدث ،ففي مثل تلك الحاالت فهناك نظام
آخر للتفسير يوظف لهذا متمثال في التصور التقليدي.ولعل أهم التصنيفات التقليدية التي نجدها اليوم،هي:
0 .6املس في املعتقد الشعبي:
ً
يعتبر املس،والاستحواذ،والاقتران،والصرع،من املفاهيم التي تستخدم كنموذج لتفسير بعض املظاهر النفسية
املرضية التي تنتشر في الوسط الجزائري،فمفهوم" املس "في املعتقد الشعبي حسب ما يذكره"علي عويطة" مرتبط
بفكرة احتالل أو امتالك الجن أو الشيطان لجسم إلانسان،دون أن يكون لهذا ألاخير علم مسبق ،أو نصيب من
املسؤولية فيما يحدث له.
فمعلومات الناس عن عالم الجن،مستوحاة من ينابيع و مصادر عديدة،فمنها ما هو نابع من معتقدات
بدائية،تكونت من خوف إلانسان من الطبيعة،منها ما هو إسقاط لتصورات ورغبات خفية،منها ما هو عائد إلى
أساطير وقصص وخرافات،منها ما هو من وسوسة الشيطان،و منهاما هو من الشرع الحنيف أوتحريفاله .وألن الجن
يقرب وجوده النص القرآني،ويتحدث عن بعض خصائصه،كمأكله ،ومشربه ،وقوته ،وزواجه ،وأدواره في أكثر من
موقف،وألن هذه الخصائص وهذه الوظائف امتزجت بالكثير من املعتقدات والخرافات والتصورات؛فإن هذا يعطيها
القوة و الصالحية في السيطرة والتأثير على املخيلة الجماعية والضمير الشعبي،والذي لم يتردد في تضخيمها و جعلها
محل عناية واهتمام بين الناس.
وتتميز ألاساليب التي تستخدمها هذه القوى الخفية،في الاستحواذ على الشخص املستهدف حسب املنظور
الثقافي الشعبي،بمجموعة من السمات نشرحها فيما يلي:
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية حمالت بن عتو
2.6املسكون:
هو الشخص الذي يسكن أو يقتحم جسده الجن،ويتكلم على لسانه ) ،(Ouitis, 1998, p142ويتحكم في سلوكه
وتفكيره،فيصبح إلانسان كالسكن،وهنا تغيب الشخصية ألاصلية ،و تحل محلها شخصية أخرى تتميز بمجموعة من
ألاعراض منها إلاغماء ،والارتعاش ،والتشنج،والهذيان ،والهلوسة ،وهروب ألافكار،وكالم غير منسجم و غامض و غير
منطقي كاالطالع على الغيب ،وغالبا ال يقوم املريض بأعمال عنيفة اتجاه املريض،فتشبه هذه الحالة ازدواج
الشخصية في علم النفس املرض ي( .ميسوم ،4132،ص.)72
3 .5املضروب:
هو الشخص الذي يتعرض للضرب من قبل الجن،فيقال فالن" ضرب "أو"شحط " أي" َمشحوط"،أو " أو سقطه
أرضا،وتتم عملية الضرب بسرعة فائقة،وعادة ما يكون مكان إلايذاء في املجاري املائية ،أو ألاماكن املهجورة،أو
املزابل ..إلخ.
أماالزمان فعادة مايكون مابين العصر واملغرب ،وهو وقت انتشار هذه املخلوقات ،وشدة الضربة تتوقف على
درجة إيذاء رإلانسان للجن ،و مكان وزمان الضربة،فتظهر مجموعة من ألاعراض أهمها :الذهول ،والحيرة ،والقلق
مع حالة من الاستثارة وهنا اليفقد املريض التوجه الزماني واملكاني عكس الهجمة الهذيانية .وقد ينتج عن هذا
إلايذاء شلل جزئي ومفاجئ للجسم صمم ،عمى ،أوشلل في الشفتين ،أو شق في الوجه ،ويكون الاستحواذ على جسد
"املضروب "أقصر من ذلك الذي يتعرض له" املسكون"( .ميسوم ،4132،ص.)77
تأخذ عملية "الضرب" شكل الانتقام .حيث أن "املضروبين" يقومون بإزعاج الجن الذي يكون في حالة هدوء،
حيث يقوم هذا ألاخير بضرب أو صفع الشخص املزعج. (Ouitis, 1998, p142) .
4.6املخطوف:
يستخدم هذا املفهوم للداللة على الجنون،أي على الحالة التي يفقد فيها إلانسان عقله ،وتتفكك فيها شخصيته
جراء استحواذ الجن عليه.فاملخطوف هو من تعرض لنوع من الخطف وإلافراغ ،فينسحب من العالم و يصبح
عاجزا عن التواصل مع الغير ،وغير واع باألحداث الخارجية ،وذلك بسبب التأثير السيئ لعملية الاستحواذ ،والتي
تدخله في نوع من الذهول والغشاوة ،فهذه
الحالة تشبه كثيرا حالة الاكتئاب.
5.6املصروع :
هو كل شخص تعرض لهزات متكررة نتيجة استحواذ الجن عليه ،فتتجسد في السقوط على ألارض نتيجة إلاغماء،
وتكون مصحوبة بحركات متشنجة ،وتستدعي من املحيطين باملريض استعمال مفتاح إلسعافه والعودة به إلى حالته
الطبيعية( .ميسوم ،4132،ص.)75
6.6السحر:
السحر :هو كل ما لطف مأخذه ودق ،فهو سحر ،والجمع أسحار وسحور ،وسحره يسحره سحرا وسحرا
وسحره ،ورجل ساحر من قوم سحرة وسحار ،وسحار من قوم سحارين ،وال يكسر،والسحر :البيان في فطنة ،كما
جاء في الحديث :إن من البيان لسحرا،فكأنه قد سحر السامعين بذلك .وأصل السحر صرف الش يء عن حقيقته إلى
املجلد 10العدد رقم ( 10جانفي )2122 مجلة قضايا معرفية
غيره فكأن الساحر ملا أرى الباطل في صورة الحق وخيل الش يء على غير حقيقته ،قد سحر الش يء عن وجهه أي
صرفه.وسمت العرب السحر سحرا ألنه يزيل الصحة إلى املرض( .ابن منظور ،ص.)315
والسحر هو قيام شخص معين لديه قوة سحرية بأداء بعض ألانماط السلوكية الفنية الواعية ،التي يستهدف
إلحاق الشر وإلايذاء بشخص آخر (مداس ،4111،ص.)317
السحر هو إخراج الباطل في صورة الحق،الفساد،الشعوذة،الفتنة.وسحر ِسحراوسحرا أيخدع ،عمل له ّ
ِ
ّ
السحر ،فتن الشخص وسلب لبه( .هزاز وآخرين ،ص.)151 ّ
السحر :هو استعمال وسائل مختلفة لجلب ألاذى أو لعالج أضرار مختلفة سواء جسمية أو نفسية بطرق خاصة.
(ميموني ،4117،ص.)49
7.6أقسام السحر
وقمنا بتقسيمه حسب الخطاب الثقافي إلى قسمين ،قسم حسب الطريقة املستعملة والقسم آلاخر حسب الهدف
املنشود.
0.6القسم ألاول:ونقصد به الوسيلة التي من خاللها يحقق السحر مبتغاه ،وينقسم بدوره إلى نوعين:
9.5سحر التوكال:ويرتبط هذا السحر بالطعام (ألاكل والشرب) حيث يعتبر كسند مادي يسمح بدخول العمل
السحري في جسم الشخص املراد سحره.وتتميز أعراض هذا السحر بظهور آالم على مستوى املعدة والجهاز الهضمي
وانتفاخ في البطن .ويرى بعض الباحثين "أن بعض السموم التي قد نجدها في بعض املستحضرات النباتية
املستعملة في سحر التوكال"(claisse- dauchy ,1996 , p53(.
01.6سحر التخطي:ويسمى أيضا بالسحر املرشوش،وهو كل عمل سحري يرش أو يوضع (قد يكون على شكل حرز)
على مداخل البيت أو املحالت أو في أماكن العمل ،أو أي موضع يثبت مرور الشخص املقصود سحره عليه.وهذا
السحر ينفذ إلى جسم املسحور عن طريق ألارجل.وهو سحر سهل الاستعمال مقارنة بسحر التواكل ،الذي يستوجب
اطعام املسحور.ويتم تشخيص هذا السحر إذا ُثبت وجود آالم على مستوى ألاطراف السفلى أو الرجلين.
00.6القسم الثااسني:ونقصد به الهدف الذي من خالله يحقق السحر مبتغاه،وينقسم بدوره إلى ثالثة أنواع:
02.6سحر التفريق:ويقصد به كل عمل سحري يفرق بين اثنين تربطهما عالقة خاصة .كالتفريق بين الرجل وزوجته
كما هو مذكور في آلاية "فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين املرء وزوجه" (البقرة ،آلاية .)314ومن أهم ألاعراض التي
تدل على هذا السحر هو نفور الزوج وتغير طباعه اتجاه الزوجة فجأة ودون سابقإنذار.
03.6سحر التعطيل:وهو كل سحر يؤدي إلى تعطيل الحياة العامة للفرد داخل املجتمع .مثل العمل والزواج.
04.6سحر املحبة:ويهدف إلى زرع الحب واملودة بين شخصين متنافرين أو توطيد عالقة يحتمل فكها.
.7ألاسس الثقافية للسحر:
إن ارتباط السحر بالعالجات التقليدية يرجع بال شك إلى التصورات املرتبطة باملعاناة العضوية أو النفسية أو
الاجتماعية.والسحر كتنظيم عالجي يحاول تسوية املجتمع من خالله تسوية بعض النزاعات والصراعات
الاجتماعية.ويسمح السحر بتحديد املعنى الثقافي لإلصابة من خالل التصورات واملمارسات العالجية.ويعتمد هذا
املعنى أوال في تحديد عالقة ثنائية تمثل الضحية من جهة واملعتدي من جهة أخرى .ثم يأتي املعالج كطرف ثالث
للربط بين الضحية واملعتدي( .حاج بن علو ،4134،ص .)311-88
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية حمالت بن عتو
0 .7العين:يعتبر البعض أن الحسد أصل إلاصابة بالعين ،فاملصطلحان يحمالن نفس املعنى ،ويستعمله العامة
بمفهوم واحد رغم وجود بعض الاختالفات بينهما ،والتي تعتبر مهمة بالنسبة للمتخصصين في مجال العالج.
وقد ذكرت نادية بلحاج عن "وستر مارك" أن هذا الاعتقاد ينتشر في مختلف بلدان البحر املتوسط" :العين
تخشاها شعوب مختلفة،ويبدو إلايمان في التأثير الفعلي للعين الشريرة متشابها عند الساميين وألاوروبيين وشعوب
البحر ألابيض املتوسط،واستعمال الخامسة (اليد) منتشر في بلدان البحر ألابيض املتوسط والهند ُووجد في قبور
ومعابد املصريين والبابليين والفينيقين و القرطاجيين و في الهند القديمة" (نادية بلحاج ،3892،ص.)58
2.7ا ألسس الثقافية لظاهرة العين:إن العين كظاهرة مرضية ذات أساس ثقافي تعني أوال وقبل كل ش يء أن نتعامل
معها كبناء اجتماعي ملرض قائم بذاته وليس فقط كإثيولوجية ملرض آخر سواء كان عضوي أو نفس ي أو
اجتماعي.ونعني بذلك أن مفهوم العين قد ال يأخذ معناه إال من الخطاب الثقافي الذي ينتمي إليه من خالل
التصورات واملمارسات العالجية عند العناصر الفاعلة من املعالجين التقليديين واملرض ى.
3.7الحسد:الحسد أن تتمنى زوال نعمة املحسود إليك.يقال :حسده يحسده حسودا ،قال ألاخفش :وبعضهم يقول
يحسده،بالكسر ،واملصدر حسدا،بالتحريك،وحسادة .وتحاسد القوم ،ورجل حاسد من قوم حسد وحساد وحسدة
مثل حامل وحملة ،وحسود من قوم حسد ،وألانثى بغير هاء ،وهم يتحاسدون .وحكى ألازهري عن ابن ألاعرابي:
الحسدكالقراد ،ومنه أخذ :الحسد يقشر القلب كما تقشر القراد الجلد فتمتص دمه( .ابن منظور ،4111،ص
.)335
4.7الفرق بين العين والحسد:
ال شك أن هناك تشابه وتداخل بين أعراض العين والسحر ،التي تطرح بعض اللبس والغموض في التفريق
بينهما،وحدد (حاج بن علو ،4134ص )313بعض النقاط التي قد تساعد على تحديد كل إصابة على حدة: ّ
-السحر غالبا ما يحدد موضعه في عضو من أعضاء الجسم كاملعدة أو ألارجل ،على عكس العين التي نجد فيها
يعم جسم املصاب بالعين نوع من ألالم ينتقل من عضو آلخر ،فتارة الرأس وتارة الظهر أو أي مكان آخر.وعموما ُ
الخمول والفشل.
-السحر يعتمد على بعض آلاليات واملمارسات أما العين فال تحتاج إلى وسيط بين العائن واملعيون.
-السحر عمل إرادي يقوم به املعتدي من أجل إلحاق الضرر باآلخر ،عكس العين التي غالبا ما يكون الضررغير
مقصود.
-في حالة تشابه ألاعراض غالبا ما يلجأ املعالج التقليدي إلى البحث عن السحر أوال ،فإن ثبت عدم وجوده تكون
العين هي سبب إلاصابة.ويذكر (املعاني،4111ص )341-332بعض الفروق بين العين لذا "القاتل بالسحر يقتل لكن
القاتل بالعين ال يقتل ،ألن ألاذى الناتج عن عينه فطري ،إنه ال يريده ونجد بقايا هذه الفكرة في الذاكرة الشعبية
ُ (ممكن أن ّ
نعين) آخر عن حب ال عن حسد ودون قصد.ونجد أن عدد الاضطرابات النفسية ترجع إلى إلاصابة
بالعين" (ميموني ،4117،ص.)49
نظرة العلم إلى العين والحسد
يقول الدكتور شتانيلرون" :إن الحسد أشبه بساحرة لها ثالثة رؤوس :احداها الحسد ،أما الاثنان آلاخران
فهما :الحقد والغيرة ...وحيثما استشعرت في انسان الحقد والغيرة فاعلم أن الحسد موجود فيه".ويقول أيضا أن
املجلد 10العدد رقم ( 10جانفي )2122 مجلة قضايا معرفية
آخر ما أمكن أن يصل إليه العلم في هذا الشأن ما أعلنته الجامعات ومعاهد العلم من أن العين تخرج منها أشعة
تستطيع التأثير عن ُبعد في املاديات( .مرعب ،ماهر فرحان ،ص .)55
و يذكر الدكتور رؤوف عبيد " :أن املبادئ العلمية املسلم بها عند العلماء املختصين ،وجود كيان أثيري في كل كائن
حي ،و هو ال يخضع لحواسنا املادية بسبب ارتفاع اهتزازه أكثر من اهتزاز الضوء ،و يقوم هذا الكيان بربط الجهاز ّ
العصبي باملستودع الكوني للطاقة و ينفذ من جسم إلانسان إلى ما حوله من خالل املخ و ألاذن و العين ،و يوجد
وراء كل حاسة من حواسنا الخمس طاقة كهربائية تؤثر بعمق خطير على هيئة إشعاعات حارة ،تنفذ كأشعة
سن رسول هللا (ص) للمعيون أن يغتسل بغسالة العائن ُليبطل عمل الشمس في ألاجسام املقابلة ،و قد ّ
إلاشعاعات في الجسد املصاب ،و يرجع التوازن املفقود إلى الجسم ( .غانم ،محمد حسن ، 4115ص .)59
الفرق بين ألامراض النفسية للعين والحسد والسحر :ومن أهم الفروقات بين ألامراض النفسية وصرع ألارواح
الخبيثة ألامور التالية:
5.7أسباب إلاصابة :ألامراض النفسية تصيب إلانسان أحيانا نتيجة ظروف وعوامل اجتماعية وأمور متنوعة
أخرى ،بينما صرع ألارواح الخبيثة يكون نتيجة أسباب معينة كاإليذاء والسحر والعين والعشق ونحوه.
6.7النمط الخاص بالحالة املرضية :حاالت املرض النفس ي يكون لها نمط معين في السلوك والتصرف ،بينما صرع
ألارواح الخبيثة ليس لها نمط أو سلوك محدد.
7.7طبيعة ألاعراض :حاالت املرض النفس ي غالبا ما تكون ألاعراض مستمرة ومتناسبة مع نوعية املرض الذي تعاني
منه الحالة املرضية ،بينما مرض ى صرع ألارواح الخبيثة تختلف تلك ألاعراض وتتذبذب من فترة ألخرى.
0.7ألاعراض أثناء الرقية الشرعية :حاالت املرض النفس ي ال يظهر عليها أية أعراض أثناء الرقية الشرعية ،وقد
يشعرون براحة وسكينة ،بينما مرض ى صرع ألارواح الخبيثة تظهر عليهم تأثيرات وأعراض نتيجة الرقية الشرعية.
9.7تصخيص الحالة املرضية :يتم تشخيص ألامراض النفسية بواسطة ألاطباء النفسيين املتخصصين ،وأما صرع
ألارواح الخبيثة فيتم تشخيصها من قبل املعالج الحاذق املتمرس.
01.7طريقة العالج :يتم عالج ألامراض النفسية لدى ألاطباء النفسيين وكذلك الاستشفاء بالرقية الشرعية الثابتة
في الكتاب والسنة ،وأما صرع ألارواح الخبيثة فيتم عالجه بالرقية الشرعية ووسائل العالج املتاحة واملباحة املتعلقة
بها.
00.7أسباب واملسةبات :كثير من ألامراض النفسية ال يتم أحيانا تحديد ألاسباب الداعية لها كما مر معنا آنفا،
بينما مرض ى صرع ألارواح الخبيثة تكون معلومة ألاسباب في أغلب الحاالت.
02.7النوبات التي تصاحب الحالة املرضية :النوبات التي تحصل ملرض ى ألامراض النفسية طبيعتها تختلف كلية
عن طبيعة
مرض ى صرع ألارواح الخبيثة.
الجدول رقم :10جدول يبين النسب املئوية لدى لالضطرابات الانفعالية لدى حاالت املس
النسبة عددأفراد
التكرار(ك) الوسيط الاضطرابات الانفعالية
املئوية العينة(ن)
80% 31 8 5 إلاكتآب
50% 31 6 1 القلق
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية حمالت بن عتو
الجدول رقم :12جدول يبين النسب املئوية لدى لالضطرابات الانفعالية لدى حاالت العين
النسبة عددأفراد
التكرار(ك) الوسيط الاضطرابات الانفعالية
املئوية العينة(ن)
59 % 35 8 4
الاكتآب
53% 35 9 1 القلق
الجدول رقم :13جدول يبين النسب املئوية لدى لالضطرابات الانفعالية لدى حاالت السحر
النسبة عددأفراد
التكرار(ك) الوسيط الاضطرابات الانفعالية
املئوية العينة(ن)
72,22% 39 34 4
الاكتآب
83,33% 39 2 1 القلق
.0عرض النتائج
إذن يمكن أن نستنتج من خالل هذه الدراسة أن هناك عالقة بين الثقافة الشعبية ،و الاضطراب النفس ي .فأما
بخصوص العالقة بين الثقافة و الاضطراب النفس ي فيرجع إلى ألافكار املسبقة حول الاضطراب وأسبابه وذلك من
خالل تكرار ألاعراض املرضية وكذا اختيار العالج املناسب.وكذلك نواحي الشبه والاختالف بين الحالة املعروضة
وبين الحاالت املشابهة التي يعرفها املعالج بحيث يستطيع إدراجها تحت صنف معين من أصناف ألامراض املحددة
ثقافيا.وهناك أيضا ألاعراض الغريبة املصاحبة لالضطراب مما يضفي عليها نوع من الروحانية،وهذا العامل من بين
العوامل املؤثرة على تصورات املريض في فهمه وتفسيره للمرض .حيث ترتبط ألامراض النفسية ببعض املفاهيم
واملعتقدات في مجتمعات العالم املختلفة ،حيث يحيط الكثير من الغموض باملرض النفس ي،ويدفع ذلك إلى أن يعزو
الناس إلاصابة باألمراض النفسية إلى عقاب على خطيئة أو بالء من هللا أو نتيجة تأثير القوى الخفية مثل السحر
والجن والحسد والعين الشريرة .كما تلعب التنشئة الاجتماعية والبيئة ألاسرية كمرجعية لفهم املرض وأسبابه،حيث
تتميز ألاسرة بتنظيمها الداخلي الفريد في سماتها الخاصة التي تتميز بها ،وفي تعريفاتها الخاصة لديانتها ورؤيتها للعالم
وتاريخها الشخص ي وأساطيرها ،وعاداتها ،وطقوسها ،وتفسيرها لألمراض وطرق عالجها ،كما لها لغتها الخاصة في
املجلد 10العدد رقم ( 10جانفي )2122 مجلة قضايا معرفية
التعبير عن ألالم سواء بطريقة لفظية أو غير لفظيةُ " .ويعبر املرض عن الاستجابة الشخصية للمريض ولكل الذين
حوله لكونه مريضا وخاصة تلك الطريقة التي يفسر بها املريض وكل من حوله مصدر ومغزى هذا املرض وكيف أنه
يؤثر في سلوكه وفي عالقته مع الناس آلاخرين وفي الخطوات املختلفة التي سيتخذها لعالجه.
وتعتبر الثقافة الشعبية مسؤولية مباشرة عن تشكيل وتحديد رؤى وتصورات ألافراد لالضطراب
النفس ي،وبهذا املعنى نجد أن الثقافة هي التي تحدد للمريض تقييمه وتصوره لحالته املرضية وأفعاله تجاه املرض،
فهو إما يذهب للطبيب أو يذهب للمعالج التقليدي ،فقد يؤمن الفرد بأن مرضه ناجم عن اضطراب نفس ي ولكن
أصل الحادث هو العين والحسد.
وأما بخصوص العالقة بين الثقافة واختيار أسلوب العالج فيرجع إلى دور الثقافة بالنسبة للعالج والذي
يتمثل في هيكلة التصور العام الذي ُيحمس الفرد التباعه ،ثم في تنظيم الطقوس املعروفة ليصل في نهاية ألامر إلى
ألاغراض العالجية املرجوة واملتمثلة في استرجاع التوازن النفس ي للمصابين والحد من الاضطرابات التي يعانون منها.
وتعتبر التنشئة الاجتماعية التي ينشأ عليها الفرد في ألاسرة املحدد الرئيس ألسلوب العالج الذي يتبناه هذا
ألاخير في حالة إص ابته باملرض ،فإذا كانت ألاسرة التي يعيش ضمنها تؤمن بالغيبيات أو بفعالية العالج الشعبي فمما
ال شك فيه أن املسار العالجي الذي سيسلكه املريض طلبا للعالج سيكون املعالج الشعبي ،ألن الناس تعتقد في قدرة
املعالج والعالج التقليدي على تشخيص وعالج أمراض عجز عنها الطب الحديث.ومن خالل مقابالت بعض أفراد
املجتمع حول تصورهم الاجتماعي للطب الشعبي وجدنا أن أغلبهم يرون في قدرة املعالج الشعبي على التشخيص
وتقديم العالج إذا ما تعلق ألامر بعالج مرض قد أخفق الطب الحديث في عالجه أو ما تعلق بالسحر والتلبس بالجان
أي أن ألامور الغيبية حسب رأيهم توكل مهمة عالجها للطب الشعبي وليس بمقدور الطب الحديث عالجها .ولقد
أشارت كثير من الدراسات الانثربولوجية الخاصة بموضوع الاختيار العالجي بين العالج التقليدي املرتبط بالنسق
الثقافي السائد (بالدين والسحر) وبين العالج الطبي الحديث إلى أن هناك بعض العوامل الثقافية املسؤولة عن
استمرار وجود أنساق العالج الشعبي بجانب أنساق العالج الطبي الحديث وأن هذا الوجود املتالزم لكال منهما ال
يوجد في املجتمعات البدائية والتقليدية فقط ،بل يوجد كذلك في املجتمعات الحديثة.ومن هنا يظهر لنا مدى
التكامل بين النسقين العالجيين ألن هناك أمراض ال تعالج إال عن طريق الطب الرسمي ،في حين نجد أخرى ال يصلح
معها إال العالج التقليدي .ولكن يظل السبب الرئيس الذي يحدد أسلوب العالج هو اختالف البواعث سواء في
استعصاء املرض أو استبطاء الشفاء (البحث عن الشفاء السريع).
.9مناقشة النتائج
تؤكد النتائج املتحصل عليها من املجموعات املدروسة سواء كانت حاالت "املس" ،أو"السحر" ،أو "العين " تعاني
من وجود اضطرابات نفسية ،وبالتحديد عصابية انفعالية و مزاجي وهذا ما يؤكده الشيوع الكبير واملهم لها في
مجموعات الثالثة ،مع بعض التفاوت البسيط فيما بينها فاأل فراد الذين يعانون من املس" ،أو "السحر" ،أو
"العين" يعيشون حالة من الارتباك والحيرة ،ممزوجة بشاعر نقص الحيرة في الحياة العامة ،وكذا الشعور العام
بالحزن ،و املصحوب باليأس والتشاؤم ،و الرغبة في الانتحار أحيانا ،و التوقع والخوف من املجهول والضجر ،و
ً
ضعف التركيز وسرعة الانفعال كما يعانون أيضا من الخجل ،و توقع ألاذى من آلاخر ،و سرعة الغضب ،و
الاستثارة الزائدة ،و العصبية الشديدة مصحوبة أحيانا بعدوانية ذاتية أو خارجية .فالشيوع الكبير لالضطرابات
تفسير ظاهرة الاضطرابات النفسية من منظورالثقافة الشعبية حمالت بن عتو
الانفعالية ،يؤكد على أن هذه الحاالت ما هي في حقيقة ألامر؛ إال اضطرابات نفسية عصبية طغت عليها صبغة
الثقافة الشعبية فسميت سواء حاالت"املس" ،أو" السحر" أو "العين " .فأخذت هذه الحاالت تسميات ،و مظاهر ،
وأعراض متباينة ،ولكنها تعكس حقيقة واحدة وأساسية ؛ أال وهي وجود املرض النفس ي .والسبب في أخذ الاعتبار
َ
لتغير في السلوك اضطرابه قبل ألاخذ "باملس" ،أو "السحر" ،أو "العين" ،يرجع إلى كون باملرض النفس ي كسبب ل
ألامراض النفسية هي شائعة جدا باملقارنة مع الحاالت الحقيقية "املس" ،و"السحر" ،و"العين" ،و خاصة في عصر
كثرت فيه الضغوط والتناقضات بكافة أنواعها ،فما أكثر ما نتعرض له من مواقف يومية وانفعاالت مستمرة .كما
أن عدـم وجو د العالقة إلارتباطية بين حاالت "املس" و"السحر" ،و"العين "
.01الخاتمة:
رغم تطور ميادين علم النفس إلاكلينيكي والطب العقلي ال تزال مختلف املجتمعات تعرف تنوعا في أساليب العالج
بين ما هو تقليدي وما هو حديث .ومن ثم لم تعد السيطرة على املرض وفهم سلوك املريض حكرا على هذه امليادين
خاصة بعد أن حظي موضوع "الصحة واملرض" اهتمام العلوم الاجتماعية والنفسية وألانثروبولوجية التي أثارت
والدينية على فهم وتفسير املرض وكذا اختيار أسلوب العالج املناسب. قضايا مهمة من بينها تأثير العوامل الثقافية ّ
تقدم مكانة للدور الذي فاتسعت بالتالي بؤرة املعا ف الخاصة بفهم املرض من حيث نوعه وأسبابه وأعراضه ،ل ّ
ر
يلعبه السياق الثقافي فهم وتفسير الاضطراب النفس ي عند كل من املريض واملعالج ،ففي الحقيقة ألامر كل منهما
كائن ثقافي يعيش في وسط اجتماعي تتنوع فيه املعتقدات الدينية والشعبية .حيث رأت الشعوب في الثقافات
القديمة أن أسباب املرض تنحصر في أنه يحدث نتيجة عقاب على ألافعال الغير املقبولة دينيا وأخالقيا والتي قد
يقوم بها املريض ،كذلك يوجد سبب آخر للمرض لدى إلانسان في الثقافات التقليدية ،فاملرض تسببه بعض
ألارواح الشريرة (الشياطين) وأن إلانسان من املمكن أن يعالج من خالل الابتهاالت الدينية،كما يسود اعتقاد لدى
العديد من الثقافات البدائية والتقليدية أن بعض الكائنات فوق الطبيعية تتخذ جسم إلانسان مسكنا مؤقتا
لتسكن فيه لبعض الوقت و من هنا فهي تسبب له بعض ألامراض النفسية و العقلية ،لذا يتوجه املريض إلى
املعالج الديني الذي يقوم ببعض املمارسات السحرية لطرد هذه الروح خارج الجسم.
.00قائمة املراجع
.3مصطفى خليل الشرقاوي،3891،علم الصحة النفسية،بيروت،دار النهضة العربية
.4أحمد محمد عبد الخالق،3881،أصول الصحة النفسية،الاسكندرية،دار املعرفة الجامعية
.1مصطفى فهمي ،3898التوافق الشخص ي والاجتماعي،القاهرة
.2الساعاتي ،سامية ،389 4،الثقافة والشخصيةدار النهضة العربية ،مصر،القاهرة
.7ابن منظور أبو الفضل جمال الدين ،3882لسان العرب ،دار صادر ،ط،2بيروت.
.5بشاي ،أليس اسكندر ،3882علم الاجتماع ألانثربولوجية الطبية ،دار املعارف ،مصر،القاهرة
.9بلحاج،نادية،3892التطبيب والسحر في املغرب الشركة العربية للناشرين املتحدين ،الدار البيضاء
. 9الجابري ،محمد ،3882املسألة الثقافية في الوطن العربي (ط، )4مركز دراسات الوحدة العربية لبنان،بيروت
.8حاج بن علو ،نورالدين ،4134ألاسس ألانثربولوجية للعالجات التقليدية ،الجزائر
.31الخشاب،أحمد،3891دراسات انثربولوجية ، .دار املعارف ،مصر،الاسكندرية
املجلد 10العدد رقم ( 10جانفي )2122 مجلة قضايا معرفية
.33كمال حسن ،3889ألامراض النفسية والعقلية والاضطرابات السلوكية عند ألاطفال ،دار الفكر العربي
،لبنان،بيروت
.34طوالبي ،نور الدين ،3899الدين والطقوس والتغيرات،ديوان املطبوعات الجامعية ،الجزائر
.31طوالبي ،نور الدين ،3899في اشكالية املقدس،الجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية
.32عباس .فيصل ،4117العالج النفس ي والطريقة الفرويدية ،دار املنهل اللبناني للطباعة والنشر ،لبنان.بيروت
.37عبد الستار ،ابراهيم ،4113العالج النفس ي السلوكي املعرفي الحديث ،.الهيئة املصرية العامة للكتاب،
مصر،القاهرة
.35غانم ،محمد حسن ،4115الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية ،مكتبة الانجلو املصرية ،مصر،القاهرة
.39محمد ،علي محمد،والخولي،سناء،وآخرين ،4133دراسات في علم الاجتماع الطبي ،دار املسيرة ،ألاردن،عمان
.39مداس ،فاروق ،4111قاموس مصطلحات علم الاجتماع ،دار مدني ،الجزائر
.38مرعب ،ماهر فرحان ،4132أثر الثقافة على الصحة النفسية.مجلة علوم إلانسان واملجتمع ،العدد -321،33
.341قاملة،الجزائر.
.41ميسوم ليلي ،4132الاضطراب النفس ي ما بين علم النفس املرض ي واملنظور الثقافي الشعبي .رسالة ماجستير في
علم النفس العيادي .قسم العلوم الاجتماعية ،جامعة تلمسان،الجزائر.
.43ميموني ،بدرة معتصم ،4117الاضطرابات النفسية والعقلية عند الطفل واملراهق،ديوان املطبوعات الجامعية،
الجزائر
.44نصار ،كريستين ،3889اتجاهات معاصرة في العالج النفس ي ،شركة املطبوعات للتوزيع والنشر .بيروت
. 41هزاز ،راتب أحمد،وجميل ،أبو نصري،ونعمة ،رمزية حسن ، 4119زاد الطالب قاموس مصور
باأللوان.لبنان.بيروت ،دار الراتب الجامعية.
.42وصفي،عاطف ،3893الثقافة والشخصية،دار النهضة العربية ،لبنان.بيروت
.47بشاي ،أليس اسكندر ،3882علم الاجتماع ألانثربولوجية الطبية ،.دار املعارف ،مصر،القاهرة