Professional Documents
Culture Documents
(#815579) - 1360979
(#815579) - 1360979
Atıf Gösterme: HAROUSH, Ayman, “”مبادئ السياسة الشرعية, Ağrı İslâmi İlimler Dergisi
(AGİİD), Aralık 2020 (7), s.223-238.
يمكن تسميتها، لقد قامت أحكام الشريعة اإلسالمية على أسس وثوابت إيمانية وأخالقية:ملخص
Geliş Tarihi:
قامت على كثير من تلك المبادئ، والسياسة الشرعية جزء من منظومة الشريعة،بمبادئ التشريع
. كالشورى والحرية والعدالة والكفاءة ونحو ذلك،التي قام عليها التشريع
23 Ekim 2020
وكذلك كل عامل في،وإن أي مجتهد في السياسة الشرعية ال بد أن يبني أحكامه على هذه المبادئ
Kabul Tarihi: يجب أن تقوم سلوكياتهم وأفكارهم،حقل السياسة أو كل جماعة أو دولة تقيم نظامها على الشريعة
. وإال كانت سياستهم مخالفة للشريعة،عليها
15 Aralık 2020 استقرأتها من النظر في أصول وأحكام،وفي هذا البحث بيان ألسس ومبادئ السياسة الشرعية
.الشريعة عامة وأحكام السياسة خاصة
الشورى – العدل – الحرية- السياسة – الشرعية – مبادئ – أسس:كلمات مفتاحية
© 2020 AGİİD
Özet: Şüphesiz ki İslam Hukukunun hükümleri bir takım imani ve ahlaki
Tüm Hakları Saklıdır. esaslar ve sabiteler üzerinde kuruludur. Bunlara hukuk ilkeleri demek de
mümkündür. Siyaset-i Şer'iyye de bu hukukun parçalarından biridir. O da
Islam Hukukunun dayandığı esaslar üzerinde kuruludur. Bu ilkeler de şura,
hürriyet, adalet, eşitlik ve benzeri ilkelerdir. Muhakkak ki Siyaset-i Şer'iyye
konusunda ictihad eeen her müctehidin istinbat ettiği hükümleri bu ilkelere
dayandırması gerekmektedir. Aynı şekilde siyaset konusunda oluşturduğu
sistemini kurmaya çalışan her alim, kurum veya devletin kendi hükümlerini,
metot ve yöntemlerini, görüş ve düşüncelerini bu temel esaslar çerçevesinde
inşa etmesi gerekmektedir. Aksi takdirde te'sis ettikleri siyasetleri İslam
Şeriatına aykırı olacaktır. İşte bu araştırmada Şer'î siyasetin yani İslam
Siyaset Hukukunun temel prensipleri ve ilkeleri incelenmiştir. Aynı şekilde
bu konu, usul-i fıkıh ilmi nazar-ı itibara alınarak İslam Hukukunun Genel
Hükümleri ile Siyaset-i Şeri'yye konusunun özel hükümleri çerçevesinde
araştırılmıştır
Anahtar Kelimeler: İlke, Prensip, Şura, Adalet, Hürriyet
مفهوم السياسة:ًأوال
223
( )1
لغةً :مصدر للفعل ساس ،بمعنى قام باألمر ،والسائس الذين يدير أمور القوم ويرعاهم.
فالمعنى اللغوي هو التدبير والرعاية
( )2
القيام على الشيء بما يصلحه. -
( )3
أقرب إلى الصالح وأبعد عن الفساد.
َ الناس معه
ُ ما كان من األفعال بحيث يكون -
وهذه تشمل كل سياسة ،أي كل رعاية وتدبير ،سواء لشؤون الحكم أم لمدرسة أم للبيت.
( )4
القانون الموضوع لرعاية اآلداب والمصالح وانتظام األحوال . -
( )5
السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها ،وإن لم يرد بذلك الفعل دلي ٌل جزئي. -
وهذان التعريفان يظهر منهما قص ُْر معنى السياسة على تصرفات اإلمام ،أو في مجال الحكم ،والثاني
هو تعريف للسياسة الشرعية في حقيقته وليس للسياسة فقط.
وهذا يقصران السياسة على إدارة الحكم ،وبما أن مقصودنا من البحث هو شؤون الحكم ،وهو الغالب
في استعمال السياسة ،فنختار أن نعرفها بأنها " :رعاية شؤون العامة بما يحقق مصالحهم "
( – )1الفيومي ،أحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت770:ه1368/م) ،المصباح المنير ،بيروت ،المكتبة العلمية،ج ،2ص.295
( – )2النووي ،يحيى بن شرف الحوراني النووي (ت676 :ه1278/م) -شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن
الحجاج)،بيروت ،دار إحياء التراث ،ط 1392 ،2ه ،ج،12ص231
العيني ،بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى العيني الحنفي (ت855:ه1451/م) ،عمدة القاري شرح صحيح البخاري ،بيروت ،دار إحياء
التراث العربي ،ج ،6ص.43
السندي ،نور الدين محمد بن عبد الهادي التتوي (ت1138:ه1726/م) ،حاشية السندي على سنن ابن ماجه (كفاية الحاجة في شرح سنن
ابن ماجه) ،بيروت ،دار الجيل ،ج ،2ص.204
الطيبي ،شرف الدين الحسين بن محمد بن عبد هللا (ت743:ه1342 /م) ،شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (الكاشف عن حقائق
السنن) ،مكة ،مكتبة مصطفى الباز ،ط1433 ،1ه ،ج ،8ص.2564
الصنعاني ،محمد بن إسماعيل األمير (ت1182:ه1768/م)،التحبير إليضاح معاني التيسير ،الرياض ،مكتبة الرشيد ،ط1433 ،1ه ،ج،3
ص.713
ابن األثير ،مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن األثير الجزري (ت606:ه1210/م)،النهاية في غريب الحديث واألثر،
بيروت ،المكتبة العلمية1399 ،ه1979 /م ،ج ،2ص.421
ابن ا لملقن ،سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد األنصاري (ت804:ه1401/م)،التوضيح لشرح الجامع الصحيح ،دمشق ،دار
النوادر ،ط1429 ،1ه ،ج ،19ص )609/19( .609
( - )3ابن قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (ت751:ه1350/م)،إعالم الموقعين ،السعودية ،دار ابن الجوزي ،ط،1
1432ه ،ج ،4ص.283
( – )4المقريزي ،تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر(ت845:ه1441/م) ،المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار ،بيروت ،دار الكتب
العلمية ،ط1418 ،1ه ،ج ،3ص.383
( - )5ابن نجيم ،زين الدين بن إبراهيم بن محمد (ت970:ه1563/م)،البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،دار الكتاب اإلسالمي،
ط،2ج،5ص.11
224
() 6
لغة :موضع الماء الذي يرد عليه الشاربة ،والشرعة والشريعة بمعنى واحد "
اصطال ًحا :عرفت بأنها:
( )7
ع هللا ُ لعباده من الدين.
ما ش ََر َ -
وفي هذا التعريف الدور( )8وهو غير الئق بالتعريفات ،ويالحظ أنه اعتبر الشريعة شاملة لكل أحكام الدين.
( )9
الشريعة هي األحكام العملية التي تختلف باختالف الرسل. -
وهذا تعريف يقصرها على األحكام العملية فقط ،ويخرج منها األحكام العقدية واألخالقية.
وال يخفى اطالق أهل العلم للشريعة في كتبهم وأبحاثهم على األحكام االجتهادية أيضًا ،وبناء على ما سبق،
نختار أن نعرف الشريعة بأنها" :األحكام العملية الواردة في الكتاب والسنة واجتهادات العلماء ".
فنقول :السياسة الشرعية" :هي رعاية شؤون العامة في مختلف نواحي الحياة من خالل الحكم ،بما
يحقق مصالحهم من جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم ،وفق أحكام الدين اإلسالمي التي جاءت في الكتاب والسنة
واجتهادات أهل العلم".
أو يمكن اختصاره بالقول" :هي رعاية شؤون العامة وفق أحكام الشريعة اإلسالمية".
لغة :المبادئ جمع مبدأ ،والمبدأ على وزن ( َم ْف َعل ) ،وهذه الصيغة هي صيغة اسم المكان والزمان من الثالثي
بدأ ( ،)10وكذلك المصدر الميمي له (.)11
( – )6الطبري ،أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد(ت310:ه923/م) ،تفسير الطبري (جامع البيان في تفسير القرآن) ،بيروت ،مؤسسة
الرسالة ،ط1420 ،1ه2000/م ،ج ،10ص.384
( – )7القرطبي ،شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي (ت671:ه1273/م) ،تفسير القرطبي
(الجامع ألحكام القرآن) ،القاهرة ،دار الكتب المصرية ،ط1384 ،2ه ،ج ،6ص.211
الشوكاني ،محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الشوكاني (ت1250:ه1834/م) ،فتح القدير ،دمشق ،دار ابن كثير ،ط1414 ،1ه ،ج،5
ص.9
( )8قال الجرجاني" :الدور :هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه ،ويسمى :الدور المصرح ،كما يتوقف "أ" على "ب" ،وبالعكس ،أو
بمراتب ،ويسمى :الدور المضمر ،كما يتوقف"أ" على "ب" ،و "ب" على "ج" ،و "ج" على "أ"" الجرجاني ،علي بن محمد بن علي
(ت816:ه1413/م)،التعريفات ،بيروت ،دار الكتب العلمية ،ط1403 ،1ه1983/م ،ص.105
وهنا عرف الشريعة بأنها ما شرع هللا ،فيتوقف فهم (ما شرع) على فهم الشريعة ،وهذا دور.
( – )9المراغي ،أحمد بن مصطفى المراغي (ت1371:ه1952/م)،تفسير المراغي ،مصر ،مكتبة مصطفى البابي الحلبي ،ط،1
1356ه1946/م ،ج ،6ص.130
( - )10الحمالوي ،أحمد الحمالوي (ت1932:م) ،شذا العرف ،مكتبة ابن عطية ،ط2007 ،7م ،ص .153
( - )11المرجع السابق ص .128
225
والبد ُء فعل الشيء أو ُل ( ،)12أي االفتتاح به( ،)13وإذا قلنا المبدأ اسم مكان فمعناها المكان الذي يتم منه البدء،
ي – ولعله األرجح – فمعناها بمعنى المصدر القياسي البدء ،أي االفتتاح بالشيء وفعله وإن قلنا هي مصدر ميم ٌ
أوالً ،وحين تضاف ألمر ما ،كقولنا مبدأ الخلق أي ما تم افتتاح الخلق به ،ومبدأ العلم والفن أي ما يتم افتتاح العلم
()14
به ،فمبدأ الشيء "قواعده األساسيّة التي يقوم عليها".
اصطال ًحا :عرفت المبادئ ،بأنها (:)15
التي يتوقف عليها مسائل العلم . -
التي ال تحتاج إلى برهان ،بخالف المسائل. -
المقدمات التي تنتهي األدلة والحجج إليها من الضروريات والمسلمات. -
ويظهر منها أن تعرف مبادئ العلوم ،فتبين أن األمور العلمية التي يستفتح بها العلم ويرجع إليها وال تحتاج
للبرهان.
ولما كان لإلنسان قواعد يصدر أفعاله منها ،سميت تلك القواعد مبادئ ،فيقال الصدق عنده مبدأ ،أي يرجع له
في سلوكياته ،ومنه يستفتح أفعاله.
ومن خالل فهمنا السابق لمصطلح السياسة الشرعية ،ولمفهوم كلمة المبادئ ،نستطيع صياغة تعريف لمسمى
(مبادئ السياسة الشرعية) ،فنقول :هي القواعد واألسس التي تبدأ منها وتنطلق السياسة الشرعية ،وترجع إليها في
مسائلها.
وإذا تأملنا نصوص الشريعة التي تتحدث عن السياسة الشرعية ،وأفعال النبي ﷺ السياسية ،نستطيع أن نتلمس
ونستنبط األسس والقواعد التي تنطلق منها السياسة الشرعية ،وقد كتب في ذلك كثيرون من أهل العلم المعاصرين،
واستنبطوا األسس السياسية ،وكانوا بين مقل ومكثر ،وتتبع أحد الباحثين ما كتبوه ،فكانت حوالي خمسة وعشرين
مبدأ ً ( ، )16لكنها ال تخلوا من التداخل في المضمون مع تغاير اللفظ ،كالتكافل االجتماعي والتضامن االجتماعي،
سا للدولة كإشراف الحاكم على تطبيق الشريعة ،ولهذا سنركز على
وبعضها قيمة أخالقية وأدائية أكثر من كونها أسا ً
ما هو قيمية تأسيسية ،تبنى عليها وتنطلق منها السياسة الشرعية.
وقد يلتبس هذا المصطلح بمصطلحي أصول السياسة الشرعية أو مقاصد السياسة الشرعية ،وبين هذه
المصطلحات فروق ال تخفى على الناظر ،فأصول العلم هي قواعده التشريعية التي يستنبط منها أحكامه ،ومقاصده
وقد يسر هللا لي أن كتبت بحثًا عن أصول السياسة الشرعية( ،)17وبحثًا عن مقاصد السياسة الشرعية( ،)18ويأتي
هذا البحث ليتمم نظم العقد بالحديث عن مبادئ السياسة الشرعية إن شاء هللا تعالى ،وسأستعرض كل مبدأ في مطلب
مستقل ،في المطالب اآلتية.
الحاكم في اإلسالم هو هللا تعالى ،بمعنى أن الذي يشرع ويحلل ويحرم هو هللا سبحانه وتعالى ،وليس لبشر أن
يقتحم أسوار التحليل والتحريم ،وإال وقع في الشرك ،وما دور أهل العلم إال نقل شرع هللا لعباده أو االجتهاد على
نصوص الشرع ،بل كان من ورعهم ال يقولون حالل وحرام إال لما قوي دليله عندهم ،يقول القرطبي " :قال مالك:
لم يكن من فتيا الناس أن يقولوا هذا حالل وهذا حرام ،ولكن يقولون إياكم كذا وكذا ،ولم أكن ألصنع هذا .ومعنى
هذا :ان التحليل وتحريم إنما هو هلل عز وجل ،وليس ألحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من األعيان ،اال ان
يكون الباري تعالى يخبر بذلك عنه .وما يؤدي إليه االجتهاد في أنه حرام يقول :إني أكره [كذا] ( ) .....وقد يقوى
()19
الدليل على التحريم عن المجتهد فال بأس عنه ذلك أن يقول ذلك ،كما يقول إن الربا حرام في غير األعيان الستة"
وهذا مبحث أصيل في الدين تعرض له علماء األصول في مباحث الحكم الشرعي ،وبينوا أن الحاكم هو الشرع
() 21
باالتفاق( ، )20وإنما وقع الخالف في تحسين العقل وتقبيحه فيما قبل البعثة.
( - )17نشر في مجلة ( قطر الندى) ،العدد الحادي والعشرون ،جمادى األولى 1440ه /شباط 2019م.
( - )18سينشر قريبا في مجلة كلية العلوم االجتماعية ،جامعة آغري .
( ، )19القرطبي ،تفسير القرطبي ،ج ،10ص197
( - )20الشوكاني ،محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت1250:ه) ،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول ،بيروت ،دار الكتاب
العربي ،ط1419 ،1ه1999/م،ج،1ص .28
اآلمدي ،أبو الحسين علي بن أبي علي بن محمد الثعلبي اآلمدي (ت631:ه) ،اإلحكام في أصول الحكام ،بيروت ،المكتب اإلسالمي ،ج،1
ص.79
( - )21الشوكاني ،إرشاد الفحول ،ج ،1ص.28
( - )22ابن قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (ت751:ه) ،إعالم الموقعين عن رب العالمين ،بيروت ،دار الكتب
العلمية ،ط1،1411ه1991/م،ج،1ص.40
( )23القرضاوي ،د .يوسف القرضاوي ،السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها ،مكتبة وهبة ،ص.12
227
غيابًا لسلطان الشر يعة وسيادتها إال بعد إسقاط الخالفة العثمانية ،فانبرى المصلحون الدينيون للحديث عنها وبيان
أصالتها وجوهريتها ،ال سيما وقد ظهر من يهون منها ويراها ليست من الواجبات(.)24
إن تقييد السياسة بكونها شرعية يعني أنها تستند إلى الشرع وال تخالفه ،ومن المعلوم أن لكل دولة عقيدة تبنى
عليها وتستند إليها كمرجعية أصيلة ،والدولة في اإلسالم عقيدتها ومرجعيتها اإلسالم ،وبناء عليه فإن النص الديني
أو الشريعة هي المادة ما فوق الدستورية كما يسمونها ،ولها السيادة والحاكمية في الدولة والحكم.
وهي أهم مبدأ وركيزة تأسيسية في السياسة الشرعية ،بل هي قلبها النابض ،الذي يمنحها سائر المبادئ من
العدل والحرية وأخواتها ،وإذا فقدت الشورى ووقع االستبداد واحتكر القرار وتهاوت باقي المبادئ وانزلقت عجلة
السياسة الشرعية نحو الظلم واالستبداد ،ولهذا كان مبدأ الشورى واض ًحا في السياسة الشرعية ،إذ نصت عليها
ب َال ْنفَضُّوا مِ ْنظ ْال َق ْل ِ
غلِي َ
ظا َ َّللاِ ِل ْنتَ لَ ُه ْم َولَ ْو كُ ْنتَ فَ ًّ
نصوص الشريعة ،ومن النصوص قوله تعالىَ { :ف ِب َما َرحْ َم ٍة مِنَ ه
َّللا يُحِ بُّ ْال ُمت ََو ِ ّكلِينَ } [آل علَى ه ِ
َّللا ِإ هن ه َ عزَ ْمتَ فَت ََو هك ْل َ ْف َع ْن ُه ْم َوا ْست َ ْغف ِْر لَ ُه ْم َوشَا ِو ْرهُ ْم فِي ْاأل َ ْم ِر فَإِذَا َ
َح ْولِكَ فَاع ُ
عمران.]159:
قال القرطبي" :قال ابن عطية :والشورى من قواعد الشريعة وعزائم األحكام ،من ال يستشير أهل العلم والدين
فعزله واجب ،هذا ما ال خالف فيه" (.)25
وقال أيضًا " :وقال ابن خويز منداد :واجب على الوالة مشاورة العلماء فيما ال يعلمون ،وفيما أشكل عليهم من
أمور الدين ،ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ،وجوه والناس فيما يتعلق بالمصالح ،ووجوه الكتاب والوزراء
()26
والعمال فيما يتعلق بمصالح البالد وعمارتها"
فتأمل كالم ابن عطية في وصفه الشورى بأنها من قواعد الشريعة ،أي من أسسها التي بنيت عليها ،وهو ما
نعنيه بالمبادئ ،وهي في باب السياسة الشرعية أهم وأخطر ،ألن السياسة باب مبني على االجتهاد واختيار األصلح،
وهو أمر كلما ازداد عدد الناظرين فيه ،زاد اقترابهم من الحق ،وكلما قلت اآلراء زادت نسبة الخطأ والزلل ،كما
()27
قال الحسن البصري " :ما شاور قوم قط إال هُد ُوا ألرشد أمورهم"
ولقد سار النبي ﷺ في سياسته للناس ومن بعده الخلفاء الراشدون على مبدأ الشورى في كل سلوكياتهم الحكمية.
( - )24وهو ما دار حوله كتاب ،علي عبد الرزاق ،اإلسالم وأصول الحكم ،القاهرة ،دار الكتاب المصري1433 ،ه2012/م.
( – )25القرطبي ،تفسير القرطبي ،ج ،4ص .249
( – )26المرجع السابق ج ،4ص .250
( – )27الطبري ،تفسير الطبري ،ج ،7ص .344
228
وأهم ما يجب أن يلتزم فيه بالشورى هو اختيار الحاكم ،فال شرعية لحاكم لم يأت بشورى المسلمين ،يقول عمر
رضي هللا عنه " :من بايع رجال عن غير مشورة من المسلمين فال يبايع هو وال الذي بايعه ،تغرة ( )28أن يقتال"(،)29
()30
فالمعنى واضح أنه من انفرد ببيعة دون مشورة من المسلمين فحكمه القتل.
وهو أساس الملك كما قال ابن خلدون" الظلم مؤذن بخراب العمران" ثم ساق قصة رجل الدين عند بهرام ملك
صرف تحت أمره ونهيه وال عزه ّإال بال ّ
شريعة والقيام هَّلل بطاعته والت ّ ّ إن الملك ال يت ّم ّ
فارس وجاء فيها " :أيّها الملك ّ
للرجال ّإال بالمال وال سبيل إلى المال ّإال بالعمارة وال عز للملك ّإال ّ
بالرجال وال قوام ّ شريعة ّإال بالملك وال ّ
قوام لل ّ
()32
سبيل للعمارة ّإال بالعدل والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة نصبه ّ
الربّ وجعل له قيّما وهو الملك"
وإذا كان اإلنسان خليفة هللا تعالى في عمارة األرض ،وتحقيق العبودية ،فإن هذه المهمة قوامها وأساسها العدل،
فإن بالعدل قوام الدين والدنيا ،كما يقول الماوردي " :شريعة وأدب سياسة .فأدب الشريعة ما أدى الفرض ،وأدب
السياسة ما عمر األرض .وكالهما يرجع إلى العدل الذي به سالمة السلطان ،وعمارة البلدان؛ ألن من ترك الفرض
()33
فقد ظلم نفسه ،ومن خرب األرض فقد ظلم غيره "
فجعل العدل جامع األوامر والفرائض لما يريده هللا تعالى ،واإلحسان لما هو مستحب منهم( ،)34وحين ذكر ما
َّللا َيأ ْ ُم ُركُ ْم أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا ْاأل َ َمانَا ِ
ت ِإلَى أ َ ْه ِل َها َو ِإذَا َحك َْمت ُ ْم َبيْنَ أمر به في الحكم اقتصر على العدل ،فقال تعالىِ { :إ هن ه َ
اس أَ ْن ت َحْ كُ ُموا بِ ْالعَد ِْل} [النساء.]58 :
النه ِ
( - )28تغرة ،مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر ،والمعنى من فعل ذلك فقد غرر بنفسه و بصاحبه وعرضهما للقتل.
شهاب الدين القتيبي ،أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطالني (ت923:ه) ،إرشاد الساري لشرح البخاري ،القاهرة ،المطبعة
الكبرى األميرية ،ط1323 ،7ه ،ج ،10ص22
( - )29البخاري ،صحيح البخاري ،كتاب الحدود ،باب رجم الحبلى إذا أحصنت ،رقم الحديث ،6830ج ،8ص.168
( - )30ابن تيمية ،تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن تيمية الحراني (ت728:ه) ،منهاج السنة النبوية ،الرياض ،جامعة
اإلمام محمد بن سعود ،ط1406 ،1ه1986/م ،ج،8ص.278
( – )31ابن تيمية ،مجموع الفتاوى ،المدينة المنورة ،مجمع الملك فهد1416 ،ه1995/م ،ج ،28ص .146
( – )32ابن خلدون ،عبد الرحمن بن محمد بن محمد ابن خلدون (ت8080:ه) ،تاريخ ابن خلدون ( ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب
والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ،بيروت ،دار الفكر ،ط1408 ،2ه1988/م ،ج ،1ص .354
( - )33الماوردي ،أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الشهير بالماوردي (ت450 :ه) ،أدب الدنيا والدين ،دار مكتبة الحياة1986 ،م ،ص
.134
( - )34القرطبي ،تفسير القرطبي ،ج ،10ص.166
229
فاعتبر العدل أساس الحكم ،وجعله حقا ً للناس جميعا ً ( ،)35فالعدل حق للجميع وواجب على الحاكم لجميع الناس،
مسلمهم وكافرهم ،وهذا منهج لم يوجد نظريا ً إال في السياسة الشرعية اإلسالمية ،وال عمليا ً إال في تاريخ المسلمين.
والعدل قيمية أخالقية تتفق عليها كلها الشرائع والقوانين ،ولو نظريًا ،ولكن الخالف في آليات العدل وما هو
القانون الذي يحقق العدل؟
والحق أن العدل الحق هو ما جاء به الشرع ،فتطبيق الشريعة هو ما يحقق العدل بين الناس ،ولهذا كانت اآلية
الرسُولَ َوأُولِي ْاأل َ ْم ِر مِ ْنكُ ْم فَإ ِ ْن
َّللا َوأَطِ يعُوا ه
التي بعد اآلية السابقة هي قوله تعالى{ :يَا أَيُّ َها الهذِينَ آ َمنُوا أَطِ يعُوا ه َ
سنُ ت َأ ْ ِو ً
يال} [النساء: اَّلل َو ْال َي ْو ِم ْاآلخِ ِر ذَلِكَ َخي ٌْر َوأ َ ْح َ
الرسُو ِل ِإ ْن كُ ْنت ُ ْم ت ُ ْؤ ِمنُونَ ِب ه ِ ش ْيءٍ فَ ُردُّوهُ ِإلَى ه ِ
َّللا َو ه تَنَازَ ْعت ُ ْم فِي َ
،] 59فأمرت بالطاعة واالمتثال ألمر هللا ورسوله ﷺ ،يقول ابن تيمية" :وعلى الحكام أن ال يحكموا إال بالعدل" .
والعدل " هو ما أنزل هللا" (.)36
وعندما عرفه ابن الموصلي قال " :العدل هو الحكم بما أنزل هللا" ( ،)37ولذا فمن التدليس والتضليل أن يقال إن
العدل قد يتحقق بغير الشريعة اإلسالمية فليس من الضروري تطبيقها ،فالمهم هو العدل وليست ذات األحكام.
السعدي ،عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت1376 :ه) ،تفسير السعدي ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان) ،بيروت ،مؤسسة
الرسالة ،ط1420 ،1ه2000/م ،ص .447
( - )35سيد قطب ،سيد إبراهيم حسين الشاربي (ت1385:م) ،في ظالل القرآن ،بيروت ،دار الشروق ،ط1412 ،17ه ،ج ،2ص .689
( - )36ابن تيمية ،مجموع الفتاوى ،ج ،35ص.361
( - )37ابن الموصلي ،محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان ابن الموصلي (ت774:ه) ،حسن السلوك الحافظ دولة الملوك ،الرياض،
دار الوطن ،ص 55
( - )38المرجع السابق ،ص.85
( - )39مسلم ،صحيح مسلم ،كتاب اإلمارة ،باب كراهة اإلمارة بغير ضرورة ،رقم الحديث ( ،)1825/16ج ،3ص .1457
أحمد ،مسند اإلمام أحمد ،رقم الحديث ،21513ج ،35ص .404
230
تتضمن األمانة( ، )40بل هي ركن أصيل في اإلمامة لتحقيق مقاصدها ،فاإلمامة تقوم على القوة واألمانة( ،)41كما
قال تعالىِ { :إ هن َخي َْر َم ِن ا ْست َأ ْ َج ْرتَ ْالقَ ِو ُّ
ي ْاألَمِينُ} [القصص.]26 :
ومن طريف األخبار النافعة الهادفة أنه لما دخل أبو مسلم الخوالني على معاوية بن أبي سفيان فقال :السالم
عليك أيها األجير ،فقالوا :قل السالم عليك أيها األمير ،فقال السالم عليك أيها األجير ،فقالوا :قل :السالم عليك أيها
األمير ،فقال السالم عليك أيها األجير ،فقالوا قل السالم عليك أيها األمير ،فقال :السالم عليك أيها األجير ،فقال
معاوية :دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول ،فقال :إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها ،فإن أنت هنأت
جرباها وداويت مرضاها وحبست أوالها على أخراها ،وفاك سيدها أجرك ،وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو
() 42
مرضاها ،ولم تحبس أوالها على أخراها ،عاقبك سيدها.
ومن هذا المبدأ كانت تصرفات اإلمام من حيث اختيار العمال أو سن األحكام أو غير ذلك ،منوطةً بتحقيق
األصلح واألفضل للرعية ،ألن األمين عليه أن يختار األفضل لمن أمنهه ،يقول ابن تيمية" :الخلق عباد هللا والوالة
نواب هللا على عباده وهم وكالء العباد على نفوسهم؛ بمنزلة أحد الشريكين مع اآلخر؛ ففيهم معنى الوالية والوكالة؛
ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجال وترك من هو أصلح للتجارة أو العقار منه وباع السلعة بثمن وهو
يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن؛ فقد خان صاحبه ال سيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قرابة فإن
()43
صاحبه يبغضه ويذمه ويرى أنه قد خانه وداهن قريبه أو صديقه"
المطلب الخامس :الحرية
وهي من أهم الصفات التي ميز هللا بها اإلنسان عن الحيوان ،فمن يريد أن يسلب اإلنسان حريته ويجعله عبدًا
ذليالّ فقد خالف سنة هللا الكونية والشرعية.
وقد تناول أهل العلم الحرية ك ٌل من الزاوية التي تتعلق بفنه ،ففي العقيدة تكلموا عن حرية العبد في اختيار
أعماله ،وفي الفقه المالي تكلموا عن حريته في التصرفات المالية كاالحتكار مثالً ،وفي الفقه الجنائي عن أثر الحرية
وانعدامها في الجريمة ،ونحو ذلك.
وما يهمنا هو الحرية في الفقه السياسي ،وهي حرية اإلنسان في اختيار من يحكمه وحريته في ممارسته حقوقه
السياسة من الترشح واالختيار والوالية والتنقل واإلقامة واالنتفاع بمرافق الدولة من التعليم والصحة ونحو ذلك.
والحرية السياسة هي روح الشورى فال معنى للشورى بدون الحرية ،بل ستصبح كاالنتخابات العربية لألنظمة
االستبدادية ،ولهذا يمكن القول إن الشورى – وهي ركن أصيل ومبدأ راسخ في السياسة -فرع عن وجود الحرية.
وإذا كانت الوالية أمانة كما تقدم فمن حق المؤتمِن أن يسأل وينتقد ويحاسب من أمنّه ،فالسياسة أكبر باب يحتاج
للحرية لمنع الظلم واالستبداد ،وليستطيع الناس ممارسة النقد وتصحيح المسار وبناء الدولة ،وكلما فتحت منافذ
الحرية كلما انتعش البلد وتحسنت بيئته،
( - )40الجويني ،إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا الجويني (ت478:ه) ،غياث األمم في التياث الظلم ،مكتبة إمام الحرمين،
ط1401 ،2ه ،ص .88
الماوردي ،أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الشهير بالماوردي (ت450:ه) ،األحكام السلطانية ،القاهرة ،دار الحديث ،ص.19
( - )41ابن تيمية ،مجموع الفتاوى ،ج ،28ص .253
( - )42ابن تيمية ،مجموع الفتاوى ،ج ،28ص .251
( - )43المرجع السابق .
231
وال شك أن الحرية لها ضوابط كغيرها من الصفات التي ميز هللا بها اإلنسان ،كما أن البيت لو صار كله نوافذ
لفقد وظيفته وما عاد سكنًا ،والضوابط هي ما نص عليها الشرع المنزل ،وليس ما رسمته أهواء الملوك والطغاة،
ورقعه وشرعه كهنتهم.
ومن تأمل سنة النبي ﷺ في سياسة الرعية وسياسة الصحابة الخلفاء بعده ،يالحظ الحرية الحقيقة والضوابط
الصحيحة لها في أسمى صورها ،ولعل كلمة عمر بن الخطاب راحت في التاريخ خالدة مدوية" :متى استعبدتم
أحرارا"( ،)44وسبقت ميثاق األمم المتحدة في حقوق اإلنسان.
ً الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
ولقد استعمل هذا المصطلح اليوم في عصرنا استعماال خاطئاً ،فقد أطلق على اإللحاد واإلباحية والرأسمالية اسم
الحرية ،وكل من حاربها يقال عنه مستبد وقامع للحريات ،وهذا من الفوضى الفكرية التي نعيشها في عصرنا،
ولهذا ال بد من قيود وضوابط لمفهوم الحرية.
والشريعة خير من ضبطت وقيدت الحرية ،فهي فتحت باب الحرية بالقدر الذي يحصن المجتمع من االستبداد
والفساد والظلم ،ويكفل وصول األكفأ واألفضل ،وقيدته بالقدر الذي يحافظ على القيم اإليمانية واألخالقية في المجتمع
المسلم ،فعلى سبيل المثال قيدت حرية الترشح بأن يكون الحاكم مسل ًما عدالً ،وذلك ألن الكافر والفاسق ليس محل
ثقة وأمان للحفاظ على القيم الدينية واألخالقية للمجتمع المسلم.
وهذا ما نجده في سياسة النبي ﷺ حيث كان يتفقد األسواق ويتحسس أخبار الرعية ،ويراقب عماله ويصحح
أخطاءهم كما فعل مع ابن اللتبية الذي قبل الرشوة وظنها هدية (.)45
وعلى هدية سار الخلفاء وال سيما عمر رضي هللا عنه فسيرته مع عماله في محاسبتهم ومراقبتهم معلومة
ومشهورة.
واإلمام كما يراقب عماله فهو أيضًا يحتاج لمن يراقبه ويصحح سيرته في الحكم ،وهذه السلطة من حق الرعية
متمثلة في أهل الحل والعقد والشورى ،بنصيحته وإرشاده ،وإن أبى فال طاعة له عليهم ،وقد تصل درجة تقويم
اإلمام لخلعه وعزله( ، )46وهذه جزئيات تحتاج لتفصيل ليس هذا محلها ،ولكن ما نريد بيانه هنا -وهو متفق عليه -
( - )44السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ،حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ،مصر ،عيسى البابي
وشركاه ،ط1387 ،1ه1967/م،ج ،1ص ،578
( - )45مسلم ،صحيح مسلم ،كتاب اإلمارة ،باب تحريم هدايا العمال ،رقم الحديث ( ،)1832/26ج ،3ص.1463
( - )46البياتي ،الدكتور منير حميد البياتي ،النظام السياسي في اإلسالم ،دار النفائس ،األردن ،ط1434 ،4ه2013/م ،ص .255
232
أن اإلمام ال يسير بال رقابة وتوجيه ،بل هو مقيد بالشرع ومسؤول أمام من واله وفوضه وهم أهل الحل والعقد،
كما أن عماله كذلك مسؤولون أمامه ،فالرقابة والمحاسبة مبدأ ال بد منه في بنيان السياسة الشرعية.
المسلمون أمة واحدة ،هذه حقيقة أكدتها النصوص ،كقوله تعالى{ :إِ هن َه ِذ ِه أ ُ همتُكُ ْم أ ُ همةً َواحِ دَة ً َوأَنَا َربُّكُ ْم فَا ْعبُد ِ
ُون}
[األنبياء ،]92 :وكقوله ﷺ فيما كتب ه في صحيفة المدينة وهي أول وثيقة دستورية في اإلسالم ( :المسلمون أمة من
دون الناس).
وقد يكون المعنى بوحدة األمة في النصوص أنها أمة واحدة بدينها ووالئها لبعضها( ،)47وهذا حق ،ولكن هناك
معنى وبعد ٌ سياسي للوحدة ،وهو أن األمة يجب أن تبقى تحت حكم واحد وسيادة واحدة ،وال يجوز أن تنقسم إلى
دول شتى ،وهذا ما أكده أهل الفقه ،قال الماوردي " :إذا عقدت اإلمامة إلمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما؛ ألنه ال
يجوز أن يكون لألمة إمامان في وقت واحد ،وإن شذ قوم فجوزوه"( ،)48وإن كان قلة من العلماء نسب لهم ذلك عند
عدم القدرة على نصب إمام وتفرق البالد وانفراد كل واحد بإقليم( ،)49لكن هو قول للضرورة كأكل الميتة حتى ال
تذهب البالد وتضيع الحقوق ،ومع ذلك فالتحقيق والترجيح عدم جواز ذلك ،كما قال العمراني " :وقال الجويني:
يجوز عقد اإلمامة إلمامين في صقعين متباعدين .وهذا خطأ؛ إلجماع األمة :أن ذلك ال يجوز"( ،)50وهذا يعني أنه
حال القدرة واإلمكان ال يجوز أن تتمزق األمة في دولتين فضالً عن دويالت ،ومعنى القدرة هنا إمكان قيام األمر
بذاته وليس موافقة الحكام أهل األهواء.
وهذا يقودنا لبحث مشروعية تفريق األمة اليوم على أكثر من خمسين دولة ،وليس هذا مرادًا للبحث هنا ،ولكن
المراد أن نبين أن وحدة األمة مبدأ وركن من النظام السياسي في اإلسالم ،وأن قبولنا لواقعنا المر والمخالف للشرع،
ال يعني مشروعيته.
المال من أهم مقومات الدولة ،وهو في الدولة كالحكم ليس مل ًكا للحاكم يفعل فيه ما يشاء ،بل هو أمانة ،فكما بينا
سابقًا أن الحكم أمانة فكذلك المال العام هو أمانة بيد الحاكم ،وعليه أن ينفق منه وفق ما تسمه له به الشريعة ويرضي
هللا تعالى.
لقد أوضح القرآن مصادر صرف المال الذي أوكل للوالة النظر فيه ،وهي ثالثة أموال الفيء والغنيمة والزكاة،
قال ابن قدامة " :قال – أي الخرقي( : -واألموال ثالثة فيء وغنيمة ،وصدقة) يعني -وهللا أعلم -أن األموال التي
مِن أ َ ْه ِل
علَى َرسُو ِل ِه ْ تليها الوالة من أموال المسلمين ،فأنها ثالثة أقسام" (،)51ففي الفيء قال تعالىَ { :ما أَفَا َء ه
َّللاُ َ
سبِي ِل َك ْي َال يَكُونَ د ُولَةً بَيْنَ ْاأل َ ْغنِيَاءِ مِ ْنكُ ْم }
ِين َواب ِْن ال ه ِلرسُو ِل َو ِلذِي ْالقُ ْربَى َو ْاليَتَا َمى َو ْال َم َ
ساك ِ ْالقُ َرى فَ ِلله ِه َول ه
[الحشر ،] 7:والفيء "هو المال الراجع للمسلمين من مال الكفار بغير قتال"(،)52
فدور الحاكم هو أداء هذه األمانة وصرف المال في وجوه المشروعة ،وهي مما اتفق عليه أهل العلم في واجبات
الحاكم( ،)54وليس له أن يتصرف به كما لوكان مل ًكا خا ً
صا به.
ْث أُم ِْرتُ )( ،)55وهذا نص صريح وواضح أن النبي ويقول ﷺ َ ( :ما أُعْطِ يكُ ْم َوالَ أ َ ْمنَعُكُ ْمِ ،إنه َما أَنَا قَا ِس ٌم أ َ َ
ض ُع َحي ُ
ﷺ يقسم المال على الوجه الذي أمره هللا به ،وليس له أن يتصرف به كما يريد بصفته حاكما ً للدولة ،قال القتيبي" :
كثيرا فبقدر هللا
ً إنما أنا (قاسم أضع حيث أمرت) .ال برأيي فمن قسمت له قليالً فذلك بقدر هللا له ومن قسمت له
أيضًا"(.)56
ق ،فَلَ ُه ُم ال هن ُ
ار َّللا بِغَي ِْر َح ّ ٍ
ال ه ِويحذر النبي ﷺ من التصرف بالمال بالهوى ،فيقول ( :إِ هن ِر َج ًاال َيتَخ هَوضُونَ فِي َم ِ
يَ ْو َم ال ِقيَا َمةِ)( ،)57ويتخوضون يعني يتصرفون به بالباطل( ،)58فال يقسمونه بالعدل وال في الجهات التي أمر هللا بها،
بل إن تسمية المال العام بـاسم (مال هللا) تنبيه وإشعار بأن التصرف فيه يعود ألمر هللا وليس لشهوة الحاكم ،كما
( - )51ابن قدامة ،أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت620:ه) ،المغني ،مكتبة القاهرة1388 ،ه1968/م،
ج ،6ص.453
( - )52المرجع السابق.
( - )53المرجع السابق.
( - )54الماوردي ،األحكام السلطانية ،ص.40
( - )55البخاري ،صحيح البخاري ،كتاب فرض الخمس ،باب قول هللا تعالى(فأن هلل خمسه) ،رقم الحديث ،3117ج،4ص.85
( - )56شهاب الدين محمد القتيبي ،إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ،ج ،5ص.204
( - )57البخاري ،صحيح البخاري ،كتاب فرض الخمس ،باب قول هللا تعالى(فأن هلل خمسه) ،رقم الحديث ،3118ج،4ص.85
( - )58ابن حجر ،أحمد بن علي بن حجر العسقالني ،فتح الباري شرح صحيح البخاري ،بيروت ،دار المعرفة1379 ،ه ،ج ،6ص.219
234
إشعارا بأنه ال ينبغي التخوض في مال هللا ورسوله
ً قال ابن حجر " :وقوله :من مال هللا ،مظهر أقيم مقام المضمر،
والتصرف فيه بمجرد التشهي"(.)59
وفي الهامش الذي منحته الشريعة للحاكم ليضع المال فيه ،وهو مصالح المسلمين ،هو مقيد بما فيه مصلحة
()60
المسلمين ،والمصلحة أصل من أصول السياسة الشرعية .
إن هذه النظرة للمال العام أصل عظيم ومبدأ مهم في بناء السياسة الشرعية في التصرفات المالية.
الخاتمة
حاولت االقتصار على أهم المبادئ الرئيسية التي تبنى عليها السياسة الشرعية ،متجنبًا التكرار والتشابه في
حصرها ،وأهم ما يمكن أن نخلص إليه من نتائج في هذا البحث ،هو أن السياسة الشرعية بنيان فقهي متكامل له
أصوله وقواعده ومبادئه .ومع أن هامش االجتهاد كبير في مجال السياسة الشرعية لكنه مقيد ببنائه على أصول
ومبادئ االجتهاد ،وليس مترو ًكا لهواء العاملين في السياسة ،وإن وحدة األمة وحاكمية الشريعة هي أهم األسس
التأسيسية للنظام السياسي في اإلسالم ،والشورى والعدل والحرية هي أهم القيم األدائية والتأسيسية في السياسة
الشرعية ،واألمانة على الحكم والمال ،والرقابة ركن القيم األخالقية في السياسة الشرعية.
فهرس المصادر
ابن األثير ،مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن األثير الجزري ،النهاية في غريب الحديث
واألثر ،بيروت ،المكتبة العلمية1399 ،ه1979 /م.
ابن تيمية ،تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم ابن تيمية الحراني ،منهاج السنة النبوية ،الرياض ،جامعة
اإلمام محمد بن سعود ،ط1406 ،1ه1986/م.
ابن تيمية ،مجموع الفتاوى ،المدينة المنورة ،مجمع الملك فهد1416 ،ه1995/م.
ابن خلدون ،عبد الرحمن بن محمد بن محمد ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون ( ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ
العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ،بيروت ،دار الفكر ،ط1408 ،2ه1988/م.
ابن فارس ،أبو الحسين أحمد بن فارس الرازي ،مقاييس اللغة ،بيروت ،دار الفكر ،ط1399 ،1ه1979/م.
ابن قدامة ،أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ،المغني ،مكتبة القاهرة،
1388ه1968/م.
ابن قيم الجوزية ،محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ،إعالم الموقعين ،السعودية ،دار ابن الجوزي ،ط1432 ،1ه.
ابن كثير ،إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي ،تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) ،دار طيبة،
ط2،1420ه1999/م.
ابن منظور ،محمد بن مكرم بن علي ،لسان العرب ،بيروت ،دار صادر ،ط1414 ،3هـ.
ابن الملقن ،سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد األنصاري ،التوضيح لشرح الجامع الصحيح ،دمشق،
دار النوادر ،ط1429 ،1ه.
ابن الموصلي ،محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان ابن الموصلي ،حسن السلوك الحافظ دولة الملوك،
الرياض ،دار الوطن.
ابن نجيم ،زين الدين بن إبراهيم بن محمد ،البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،دار الكتاب اإلسالمي ،ط.2
اآلمدي ،أبو الحسين علي بن أبي علي بن محمد الثعلبي اآلمدي ،اإلحكام في أصول الحكام ،بيروت ،المكتب
اإلسالمي.
البياتي ،الدكتور منير حميد البياتي ،النظام السياسي في اإلسالم ،دار النفائس ،األردن ،ط1434 ،4ه2013/م.
الجرجاني ،علي بن محمد بن علي ،التعريفات ،بيروت ،دار الكتب العلمية ،ط1403 ،1ه1983/م.
الجويني ،إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا الجويني ،غياث األمم في التياث الظلم ،مكتبة إمام
الحرمين ،ط1401 ،2ه.
الحمالوي ،أحمد الحمالوي ،شذا العرف ،مكتبة ابن عطية ،ط2007 ،7م.
سيد قطب ،سيد إبراهيم حسين الشاربي ،في ظالل القرآن ،بيروت ،دار الشروق ،ط1412 ،17ه.
السعدي ،عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تفسير السعدي ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان) ،بيروت،
مؤسسة الرسالة ،ط1420 ،1ه2000/م.
236
السندي ،نور الدين محمد بن عبد الهادي التتوي ،حاشية السندي على سنن ابن ماجه (كفاية الحاجة في شرح
سنن ابن ماجه) ،بيروت ،دار الجيل.
السيوطي ،جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ،حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة ،مصر،
عيسى البابي وشركاه ،ط1387 ،1ه1967/م،ج ،1ص ،578
الشوكاني ،محمد بن علي بن محمد بن عبد هللا الشوكاني ،فتح القدير ،دمشق ،دار ابن كثير ،ط1414 ،1ه.
الشوكاني ،محمد بن علي بن محمد الشوكاني ،إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول ،بيروت ،دار
الكتاب العربي ،ط1419 ،1ه1999/م.
الصنعاني ،محمد بن إسماعيل األمير ،التحبير إليضاح معاني التيسير ،الرياض ،مكتبة الرشيد.
الطبري ،أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد ،تفسير الطبري (جامع البيان في تفسير القرآن) ،بيروت ،مؤسسة
الرسالة ،ط1420 ،1ه2000/م.
الطيبي ،شرف الدين الحسين بن محمد بن عبد هللا ،شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (الكاشف عن حقائق
السنن) ،مكة ،مكتبة مصطفى الباز.
علي عبد الرزاق ،اإلسالم وأصول الحكم ،القاهرة ،دار الكتاب المصري1433 ،ه2012/م.
عمر ،د .أحمد مختار عبد الحميد عمر ،معجم اللغة العربية المعاصرة ،القاهرة ،عالم الكتب ،ط1429 ،1ه.
العمراني ،أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني ،البيان في مذهب اإلمام الشافعي ،جدة ،دار
المنهاج ،ط1421 ،1ه2000/م.
العيني ،بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى العيني الحنفي ،عمدة القاري شرح صحيح البخاري ،بيروت ،دار
إحياء التراث العربي
الفيومي ،أحمد بن محمد بن علي الفيومي ،المصباح المنير ،بيروت ،المكتبة العلمية.
القتيبي ،أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطالني ،إرشاد الساري لشرح البخاري ،القاهرة ،المطبعة
الكبرى األميرية ،ط1323 ،7ه.
القرافي ،أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي ،الذخيرة ،بيروت ،دار الغرب ،ط1994 ،1م.
القرضاوي ،د .يوسف القرضاوي ،السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها ،مكتبة وهبة.
القرطبي ،شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي ،تفسير القرطبي
(الجامع ألحكام القرآن) ،القاهرة ،دار الكتب المصرية ،ط1384 ،2ه.
كوناتا ،د.حسن كوناتا ،النظرية السياسية عند ابن تيمية ،الدمام ،دار األخالء ،ط1415 ،1ه1994/م.
237
مسلم ،صحيح مسلم.
الماوردي ،أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الشهير بالماوردي ،األحكام السلطانية ،القاهرة ،دار الحديث.
الماور دي ،أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الشهير بالماوردي ،أدب الدنيا والدين ،دار مكتبة الحياة1986 ،م.
المراغي ،أحمد بن مصطفى المراغي ،تفسير المراغي ،مصر ،مكتبة مصطفى البابي الحلبي ،ط،1
1356ه1946/م.
المقريزي ،تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر ،المواعظ واالعتبار بذكر الخطط واآلثار ،بيروت ،دار الكتب
العلمية ،ط1418 ،1ه.
المناوي ،زين الدين محمد عبد الرؤوف المناوي ،التوقيف بمهمات التعاريف ،القاهرة ،عالم الكتب ،ط،1
1410ه1990/م.
النووي ،يحيى بن شرف الحوراني النووي ،شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)،بيروت،
دار إحياء التراث.
هاروش ،أيمن هاروش ،أصول السياسة الشرعية ،بحث محكم ،مجلة قطر الندى ،العدد الحادي والعشرين ،شباط
2019م.
238