Professional Documents
Culture Documents
مهدي المخزومي جهوده وآراؤه النحوية دراسة وتحليل
مهدي المخزومي جهوده وآراؤه النحوية دراسة وتحليل
الديمقراطية الشعبية
The People’s Democratic Republic Of Algeria
ّ
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
Ministry Of Higher EducationAnd Scientific Research
املركزالجامعي صالحي أحمد-النعامة-
Salehi Ahmed University Center –Naama-
ّ ّ
قسم اللغة واألدب العربي معهد اآلداب واللغات
مذكرة م ّ
كملة لنيل شهادة املاتر
بعنوان:
ّ
اّلل علي ّ
وأولها إلى أحد أعظم نعم
عائلتي.
أساتذتي.
أخي ا:
عائلتي.
أساتذتي.
2
امل ـق ـ ّدم ـ ـ ــة
َ
املحدثين ما جادت به أفكار ومن الجهود املشكورة والنتائج امليسورة التي فاضت بها عقول
النحو العربي ،وهي دراسة جدير الدكتور مهدي املخزومي على مدى سنوات من د استه وتد يسه ّ
ر ر
ّ
ودوافع وآراء نحوية وأخرى تيسيرية َونتائجها.
َ الوقوف عليها لالطالع على ما جاء به صاحبها من أهداف
ُ َ وما دفعنا الختيار هذا املوضوع أسباب كثيرةّ ،
استحدث في علم العربية، أهمها الوقوف على ما
السر الذي جعل التراث ّ ّ
النحوي بدءا من الخليل وأصحابه صامدا أمام ّ َورغبة في االطالع على
النقدية التي اعترضته.الد اسات ّ
ّ
ر
والدراسات ،أصبحت مصادر ومراجع يستقي منها الباحث الشك فيه ّأن هذه البحوث ّ
ّ ّ
ومما
ّ ّ مادته ّ
ّ
املاسة إلى تيسيره للطالب واملتعلمين الذين الزالوا َيد ُرسون نحو
ظل الحاجة ّ النحويةّ ،
خاصة في ّ
جني وغيرهم .فكان جليا أن نقف على نظرية املخزومي وما َجادت به قرائحه الخليل وسيبويه وابن ّ
ّ مست جوانب كثيرة في ّ
من أفكار ّ
النحو وتيسيره.
ّ
التساؤالت ّ
أهمها: ونهدف في بحثنا هذا إلى اإلجابة على جملة من
َ تمثلت جهود املخزومي وآ اؤه ّ َ ّ
النحوية؟ وكيف كان َموقفه من التراث القديم؟ وعلى أ ّي ر فيم
َ
استطاع املخزومي إيجاد أي َ
مدى نظريته في تيسير ا ّلنحو؟ َوما منهجه في ذلك؟ وإلى ّ
أساس قامت ّ
يتبنى تدريس نحو الخليل ومن بعده؟ النحو في ّظل الواقع ّ
التعليمي الذي ّ لحل مشكالت تعليم ّ
البدائل ّ
ّ ّ ّ َ
بحث ملوضوعنا املوسوم« :مهدي املخزومي ،آراؤهولإلجابة على هذه التساؤالت ،اتبعنا خطة ٍ
ّ ّ
وجهوده النحوية-دراتة وتحليل .»-وتمثلت بالترتيب كما يلي:
تطرقنا فيه إلى نشأة ّ
النحو العربي وتقعيده وصوال إلى الدعوة لتيسيره. املدخلّ ،
3
امل ـق ـ ّدم ـ ـ ــة
النحوي) ّ ّ
(حظ املخزومي من الفكر ّ
قسمناه إلى ثالثة وقد تناولنا في الفصل الثاني من البحث
مباحث رأيناها األقرب إلى رأي املخزومي وفكره ،فكان املبحث ّ
األول بعنوان (أثر الفكر الخليلي في
الد س ّ
النحوي عند املخزومي) ّ ّ ّ ّ
وأما الدرس النحوي عند املخزومي) ،والثاني (أثر املذهب الكوفي في ر
املبحث الثالث فبعنوان (أثر فكر إبراهيم مصطفى في املخزومي) وهي مصادر نحوية تأثر بها املخزومي
التيسيري رفقة أستاذه إبراهيمحددت ّاتجاهه ّ والكوفيين ،ومصادر جديدة ّ
ّ قديما مع الخليل
مصطفى.
هينا ميسورا كما قد يعتقد بعض وقد اعترضتنا عقبات كثيرة ،فليس البحث في ّ
النحو ّ
ثم إلى الرعيل ّ
األول من النحاةَ ، فجدية املوضوع جعلتنا نقف أمام ّ
النحو منذ نشأته عند ّ الدا سينّ ،ّ
ر
النحو ّ
التيسيري املخزومي ،وما دعا إليه أصحابه .هذا مع مد ستي البصرة َوالكوفة ،وصوال إلى ّ
ر
4
امل ـق ـ ّدم ـ ـ ــة
صعوبة اإلملام بكل ما جاء به املخزومي في كتبه ،إضافة إلى صعوبة الوصول إلى بعض املصادر
األساسية.
النحوي املخزومي مفتوحة أبوابه أمام الباحثينّ ،
ألن غزارته ال الد س ّ ّ
وال يزال البحث في ر
ّ
تتوقف عند بحثنا أو بحث غيرنا ،فال نحسب ّأننا قد أحطنا ّ
بكل جوانب هذا املوضوع ،وال ّندعي
ّ
لبحثنا الكمال ،ورجاؤنا أن يكون بعدنا من الطلبة من يواصل مسيرة البحث ويكشف عن جوانب
أخرى فيه.
ختاما ّ
نتوجه إلى أستاذنا الفاضل الدكتور أحمد محمد دويس بجزيل الشكر في متابعته هذا
ّ
البحث ،بصدر رحب وأناة وتوجيه غير منقطع ونسأل اّلل التوفيق.
5
املدخل:
نشأة ّ
النحو العربي
املــدخل
تمهيد:
ّإن قيمة املرء ُتؤخذ بما ينطق به لسانه وتثيره َمكنونات ضمائره من أفكار ّ
يعبر عنها بمختلف
إال بسالمة ّ ّ ّ األلفاظ املنسجمة فيما بينهاُ ،
النطق وفصاحة فيطلق العنان للبيان وال يتأتى ذلك
اللغوية قدرا ،وأكثرها نفعا ،وأعمقها أثراّ .ّ النحو ّفإن ّ ّ
اللسان .ولهذا ّ
وأهمها شأنا يعد من أسمى العلوم
اللحن ّ ّ اللغة العربية ّ ّ
والتحريف الذي أصابها بمقدساتها من وأرفعها مكانة وأعالها منزلة ،فسالمة
ذات فترة اجع بفضل هللا إلى هذا العلم الذي أصبح تدوينه عمال عبادة وإ ساؤه سعيا في سبيل ّ
الدين ر ر
النحو قائال: صدق ابن َخلف البهراني حين ّ
تغنى بعلم ّ والعروبة تخليصا َ
وإفادة ،وقد َ ُ
وتطوراته عبر مختلف العصور واألزمنة ،ليرى من ّ العلم وأسبابه ،ونشأته ،وتاريخه ،وإرهاصاته،
َ التقعيد ،والحفظّ ،
والتدوين ،ما ُيورثه َر َج َ وتحملهم في سبيل ّ
احة عقل وس َعة خصال علمائه وصبرهم ّ
صدر ،و رزانة فكر وفطنة إقبال ،وحكمة إدبار ،وطول بال ،وقدرة على االمتثالّ .
وأول ما نبدأ به َ
النحو ونشأته ّ
والتقعيد له. بحثنا نظرات في مفهوم ّ
ّ
1ابن عبد ربه األندلس ي ،العقد الفريد ،كتاب الياقوتة في العلم واألدب ،باب في اإلعراب واللحن ،ج ،02ص.489
7
املــدخل
ّ
أوال-في مفهوم النحو:
ّ ذكر في لسان العرب تعريف ّ
النحو بأنه ((يقال نحوت نحوك أي قصدت قصدك ويجمع على
ُ
أنحاء ون ُح ّو ويكون ظرفا كما يكون اسما :نحاه ،ينحوه وينحاه .انتحى لفالن أي عرض له بالكالم
وقصده ،وأنحى عليه ضربا أي أقبل ،وأنحى له السالح ضربه بها وطعنه)).1
النحو باختالف ُ ّ
اللغة في مفهوم ّ كما اختلفت ّ
الرؤى ،واملذاهب واألفكار، التعريفات بين علماء
ّ ّ
جني بأنه(( :انتحاء َسمت كالم العرب في تصريفه وإعرابه وغيره كالتثنية والجمع، ّ
فعرفه ابن
ّ والتحقيرّ ،ّ
والتكسير ...ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة ،فينطق بها وإن لم
يكن منهم ،وإن ّ
شد بعضهم عنها ر ّد إليها)).2
ّ كما ّ
عرفه الدكتور محمد أحمد دويس بأنه(( :علم بالقوانين واملقاييس املستنبطة من استقراء
كالم العرب وأصول مقاصدها في الكالم)).3
ّ
النحو هو ال ّدرس الذي يبحث في قواعد اللسان العربي وما
بأن ّ
ومن هذه التعريفات نخلص ّ
ّ
1محمد أحمد دويس ،شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية ،دار الخلدونية ،الجزائر2018 ،م ،ص.14
جني ،أبو الفتح عثمان ،الخصائص ،عالم الكتب ،بيروت ،لبنان ،ط1983 ،03م ،ج ،1ص.34 2ابن ّ
ّ
3شذرات ونظرات في علوم اللغة العربي ،ص .16
8
املــدخل
الفئات واألعمارّ ،
مما لفت انتباه املسؤولين وأولي األمر واألمراء وغيرهم من أهل الحل والعقد
واالجتهاد.
اللغة وجمعها واستنباط أحكامها ،وقواعدها ّ ّ اللحن الباعث ّ ّ ّ
النحوية، األول لتدوين ويعد
صصّ ،
وتعددت ّ الق ََ ُ
وق ّ
الروايات الواصلة إلينا في أسباب وضع صت وتصنيفها وقد تتابعت األحداث،
ّ ّ
الطيب(( :واعلم ّأن ّأول ما ّ ّ
اختل من كالم العرب وأحوج إلى التعلم :اإلعراب، النحو ،وفي ذلك قول أبو
ّ ّ ّ ّ
واملتعربين من عهد النبي صلى اّلل عليه وسلم ،فقد روينا ّأن رجال لحن
ّ ألن اللحن ظهر في كالم املوالي
((ألن أقرأ فأسقط أحب َّ
إلي من أن أقرأ بحضرته فقال(( :أرشدوا أخاكم فقد ظل)) .وقال أبو بكر:
ّ ّ
((ومر عمر بن الخطاب على قوم ُيسيئون الرمي ،فقرعهم ،فقالوا :إنا قوم ّ فألحن)) 1 .وقال ياقوت:
طؤكم في لسانكم ّ َ ُ ّ
أشد علي من خطئكم في رميكم)) ،2وقال "متعلمين" فأعرض مغضبا وقال :وهللا لخ
ابن عبد به(( :ودخل على الوليد بن عبد امللك جل من أشراف قريش فقال له الوليد :من َ
خت َن َك؟ ر ر
َ ّ ّ
قال :فالن اليهودي ،فقال :ما تقول؟ ويحك! قال :لعلك إنما تسأل عن ختني يا أمير املؤمنين هو فالن
اللحن وأصبح من العرب الفصحاء من ّ ّ
يعدون على األصابع فقط. بن فالن)) .3وهكذا انتشر
وقد افقت نشأة ّ
النحو عوامل ثالثة ذكرها تمام الحسان وهي:4 ر
.1العامل الديني:
9
املــدخل
ّ
الصحف والعظام ،واللخاف وسعف النخل ،فكان ّأول مصحف
تفرق منه في ّ
القرآن ،واستكتبوا ما ّ
ُ
سمي باسمه ونسب إليه.
ّ
تعداها إلى البوادي فقد روى الجاحظ ّأن ّأول لحن سمع في
واللحن لم يبق حبيس األمصار بل ّ
صاي)ّ ،
وأول لحن ُسمع في العراقّ :
حي على الفالح ،بكسر الياء.1 البادية :هذه عصاتي بدل َ
(ع َ
ّ
كما أضحت قراءة القرآن عرضة للحن كونه كان خاليا من الشكل والنقط ،فقد شهد يحيى
ّ
بني يعمر على الحجاج باللحن في كتاب هللا أثناء الصالة ،لهذا عمل أبو األسود الدؤلي على نقط
املصحف وإعرابه وهي البداية التا يخية التي ال جدال فيها حول بداية نشأة ّ
النحو العربي. ر
.2العامل القومي:
وتوسع رقعة الحضارة العربية وجد العرب أنفسهم أمام أمم، ّ بعد الفتوحات اإلسالمية
وشعوب وحضارات قديمة قدم الزمان ،لها ثقافاتها ّ
املتنوعة التي لم يكن لهم فيها صاع وال باع فتلك
ثقافة الساسانيين ،والعراق ،والفرس ،والروم ،واليونان ،والهند مع ّ
تعدد األجناس من قبط ،ويهود،
وسريان ونبط ،فكان على العرب وهم قادة زمانهم حمل راية اإلسالم ومواكبة الحضارة بثقافاتها و
يكونوا أصحاب سالة تستند إلى ثقافة عربية منفتحة على الشعوب األخرى حتى ّ
يقدموا لإلسالم ر
صورته الحقيقية التي دعا إليها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد التحاقه ّ
بالرفيق األعلى ،والسعي
الجمة والفتح املبين ،وكان القرآن الرسالة الربانية التي أغدقتهم ّ
بالنعم ّ إلنشاء ثقافة قومية تحوي ّ
النحو ،والفقه حتى ّ
يقرب معاني القرآن ملعتنقي محورا لهذه الثقافة العربية فنشأ ّ
التفسير بجانب ّ
واملتعلمين الجدد ّللغة العربية ّ
والداخلين لثقافتها الجديدة ،وللمجاز في القرآن حظ وافر
ّ
اإلسالم،
ّ ألجله كانت البالغة ،لهذا ّ
فإن العامل القومي أثمر على العرب بمختلف العلوم اللغوية التي كانت
والزالت أساس ثقافتنا العربية املحضة.
10
املــدخل
عضودا ،وجعلوا من السياسة سببا في نشر التفرقة بين املسلمين بأجناسهم ،وأعراقهمّ ،
وفضلوا بني
تسلطوا وجعلوا عتادهم في ذلك لسانهم العربي؛ الذي هو لغة ّ ّ
الدولة جلدتهم من العرب الذين
همشوا ولم يقيموا لهم وزنا داخل بالدوالقرآن الذي أوصلهم للمناصب الرفيعة دون املوالي؛ الذين ّ
ّ
املسلمين وتحت لواء العرب ،فكان هذا دافعا إلقبال املوالي على تعلم علوم العربية؛ وقد وجدوا
ّ
ضالتهم املنشودة بعد ما جاء به جال الطبقة األولى من تصنيفات ّأولية في ّ
النحو كأقسام الكلم، ر
والدولة بل واستطاعوا انتزاع اية ّ
الدين ّ
تعلم لغة ّّ ّ
النحو من ر وحركات اإلعراب ،و نحوها ،وتمكنوا من
ّ ّ أيدي العرب ،فنشأ ّ
النحو ،وترعرع على أيديهم وال نكاد نرى بعد هذه الطبقة نحاة عربا إال القلة
فدون التاريخ ّأن املوالي قد
القليلة كأبي عمرو بن العالء ،والخليل بن أحمد ،وأبى عثمان املازنيّ (( .
أمية فاستعاضوا عن ذلك بحيازة العلوم ومن حاز العلوم حاز امللك)).1 أقصاهم حكم بني ّ
ّ ّ
والذي ّبيناه فيما مض ى من أحداث اللحن دفع القوم على االجتهاد في سبيل حفظ اللغة العربية
ّ
تمكنوا منهّ ، تعلمها لألعاجم؛ فشرعوا ّ ّ
وتم لهم هذا يتحدثون عن اإلعراب وقواعده حتى وتسهيل
النحو ّأن موطنه البصرة ،بها ترعرع ّ
التا يخ وما ذكرته في نشأة ّ
الفن .ولع ّل ما أجمعت عليه مصادر ر
ّ ّ
وتفيأ ظالل أشجار كان فيها مجلس العلم والعلماء فاتسع ،وتكامل ،ونضج ثم تفلسف ،وكان بنزعته
السماعية والقياسية نابعا من رؤوس أينعت بالبصرة.
النحو أبو األسود الدؤلي املتوفى سنة(67ه) ،وقيل ّإن علي بن أبي طالب
تحدث في ّ
وأول من ّ ّ
ّ
النحو" ،وقيل ّإن ّأول من تكلم
ثم قال له ":أنح هذا ّ ألقى إلى أبي األسود الدؤلي ببعض أبواب ّ
النحوّ ،
فيه نصر بن عاصم املتوفى سنة( 117هـ) ،وقيل عبد الرحمن بن هرمز املتوفى سنة( 117ه) ،وقيل
لم يصل إلينا ش يء عن أحد قبل يحيى بن عمر املتوفى سنة( 129ه) ،وابن أبي إسحاق الحضرمي
وتعددت األقاويل ،غير ّأن الراجح وما أجمعوا عليه في ّأن أبا
املتوفى سنة( 117ه) ،وقيل ...وقيل ّ
ّ األسود الدؤلي ،وما ّ
قدمه من خدمة جلية للغة العربية بنقطه القرآن للداللة على الرفع ،والنصب،
النحو لعلي بن أبي طالب، النحو .2كما َن َس َب ابن األنباري ّ
يعد الخطوة األولى إلى ّ
و الج ّر ،والتنوين ّ
عما معه من ّ
النحو فالروايات ّكلها تسند للدؤلي وأبو األسود يسنده إلى علي وذكر ّأن أبا األسود سئل ّ
((لفقت حدوده من علي بن أبي طالب)) .3وذكر األستاذ محمد أحمد دويس ّأن أبا األسود الدؤلي فقالّ :
ّ
1شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية ،ص.27
2ينظر :من تاريخ ّ
النحو ،سعيد األفغاني ،دار الفكر ،بيروت ،لبنان ،د.ط ،د.س ،ص.28-27
ّ
3ينظر :شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية ،ص.27
11
املــدخل
ّ
اللغة ،وراويا للحديث والشعرُ ،
فعرف جمع علوم عصره ،وإلى جانب حفظه القرآن كان ُملما بقضايا
برجاحة عقله ،وسداد رأيه؛ الذي استعان به الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعلي ،ما ّ
يرجح نسبة
النحو إليه دون سواه .1ويذهب أحمد أمين هذا املذهب إذ يقول(( :ويظهر لي ّأن نسبة ّ
النحو إلى وضع ّ
أبي األسود لها أساس صحيح ،ذلك ّأن الرواة يكادون ّيتفقون على ّأن أبا األسود قام بعمل من هذا
ّ
النمط وهو أنه ابتكر شكل املصحف)).2
والتقعيد له كان للخليل بن أحمد الفراهيدي ذي العقل النحو ّّإن الفضل األكبر في وضع ّ
املتوقد املبتكر؛ الذي َقل َأن ُوجد له نظير بين علماء ذلك العصر ،وهو الذي عمل ّ
النحو الذي نعرفه
ّ
َ
إلى اليوم ،وليس بغريب على الدؤلي الذي أوتي كذلك العلم الواسع أن ُي َلهم هذا الفن ،ويضع تعاليمه
التي ُيسار عليها وينسج على منوالها.3
وتطور شيئا فشيئا عبر العصور باختالف عقليات أفرادها ونظرة ّ النحو العربي،لقد نشأ ّ
خاصة ،وما ورثوه عن أسالفهمّ ، ّ عامةّ ، ّ
اللغوية ّ
ودونوه لألجيال وللنحو علمائها ورؤيتهم للعلوم
النحوّ ،
والتقعيد له ،بحيث تطور ّبعدهم ،وقد ذكر التاريخ في صفحات نحسبها من ذهب مراحل ّ
ّ ّ
اللتان كانتا منبعا ّ النهضة ّ
بدأت ّ
للدراسات اللغوية، النحوية في ّأول أمرها بصرية ،ثم انتقلت للكوفة
فنضج فيهما ،واستوى إلى أن ّ
توسع واكتمل.
ّ والنظر في هذه األطوار تجعل موروثنا ّ
ّ
النحوي من أهم ،وأبرز ،وأكثر العلوم في اللغة التي ذاع
كل عصر علماء أرجح عقال ،وأسلم منطقا وفكرا ليواصلوا ما صيتها وطالت أزمنتها ،وأخرجت من ّ
ّ ّ
بدأه األقدمون ،ونذكر ّأن لهذا املوروث جناحان يحلق بهما في الفضاء اللغوي الفسيح وهما:
ّ ّ .1قواعد ّ
النحو العربي التي تمثل األحكام الضابطة للصواب اللغوي.
يفسر القواعد ّ
النحوية ويبدو هذا واضحا عند .2التنظير ّ
والتقعيد ويمثل بداية لعمل منهجي ّ
ّ النحويين في تفسيرهم للمسائل ّّ
النحوية باالعتماد على العامل والسماع والقياس والعلة
واألصل والفرع ،واإلعراب وغيرها.4
ّ
1ينظر :شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية ،ص.30
2الطنطاوي ،نشأة ّ
النحو وتاريخ أشهر النحاة ،ط ،2دار املعارف القاهرة ،ص .27
3املرجع ّ
السابق ،ص .29-28
ّ
4ينظر :شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية ،ص.30
12
املــدخل
واستخدم النحاة القواعد لتحديد الصواب في الكالم ،وتفصيل األبواب ّ
النحوية ،وهي تعبير
ّ اللغوية ،وجزء ال ّّ ّ ّ
يتجزأ من النسيج اللغوي العام، عما تبث لدى النحويين عن طريق استقراء املادة
يوضح ّ
ويفسر القاعدة باالعتماد على التنظيري الذي ّيعد الجانب ّ وأما ّ
التقعيد فهو غير القاعدة إذ ّ ّ
ّ
يؤكد لنا الفرق بين القاعدة ّ التعليل ،وهو ّ
والتقعيد.1 محل اجتهاد ،وهذا
ّ
إال ّأنه عانى كثيرا من ّ النحو ّ
ونذكر ّأن ّ
الصعاب وإن كان قد وصل ملراحل نضجه ،واكتماله
و التعقيدات بسبب تأثر علمائه باملنطق والفلسفة ،ودخول نظريات أثقلت كاهلهّ ،
وغيرت مساره،
وهدفه األساس الذي وجد ألجله وهو في غنى عنها كنظرية العامل التي حاربها ودعا إلى إلغائها بعض
ّ ّ ّ
املتأخرين ،ودعوا إلى إعادة تبسيط ّ
النحو ،وتيسيره في ظل هذه الكمية الضخمة من املؤلفات،
صعبت على األجيال الناشئة د اسة هذا العلم ،واالستمتاع ّ
بتلقي علوم واملتون ،والشروحات التي ّ
ر
ّ ّ
العربية ،وأصبح يد ّرس دراسة جافة دفعت بالكثيرين للنفور من تعلمه ،ومن بين العلماء الذين دعوا
إلى ضرورة النظر في هذا العلم وإعادة إحياء ما جاء به األوائل ،نجد ابن مضاء القرطبي ،وبعده دعاة
ّ ّ
التيسير الذي قاده الدكتور إبراهيم مصطفى ،وتلميذه الدكتور مهدي املخزومي الذي شاء اّلل أن
يكون علم هذا األخير موضوعا لدراستنا هذه على أن يكون جهده ورأيه فيما نرى ركيزة ّ
هامة ،وأساسا
ّ
للنحو الذي نرغبه في عصرنا وزماننا هذا.
ّ
للنشر ّ 1ينظر :التفكير العلمي في ّ
والتوزيع ،عمان ،األردن ،الطبعة األولى،2002 . النحو العربي ،حسن خميس امللخ ،دار الشروق
ص.40-39
13
الفصل ّ
األول:
ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية.
تمهيد:
ّ
اللغات اهتماما بالغا منذ الق َدمّ ، ّ
خاصة بعد الذي شهدته في نالت اللغة العربية كغيرها من
ّ ّ ّ
اإلسالمية من تحريف للكلم ،ولحن في اللسان ،بسبب اختالط العرب الخلص بغيرهم من الحضارة
العجم ،حيث أفنى العلماء على مدى أجيال جهودهم لحفظها ،وصيانتها ّ
بشتى الطرق واألساليب،
َ وكان علم ّ
لكل باحث في العربية وخير َمعل ٍم لها ،ملا له من الفضل الكبير في حفظ قواعدها
النحو دليال ّ
النحوية ما يصعب علينا ّ املصنفات ّ
ّ ّ
عده وإحصائه ،فبرزت وسالمتها ،ومن هذا املنطلق ألف العلماء
قدمهجهودهم على مدى قرون وما الت محفوظة لحد اآلن ،ومن الجهود الجبا ة التي نقف عليها ما ّ
ر ز
النحو بمؤلفاته التي الزالت تعتبر مصدرا هاما من مصادر الحداثة في الدكتور مهدي املخزومي لعلم ّ
ّ
مؤلفاته و ما ّ النحو ،ولنقف في بادئ األمر على حياته ،وثقافته ّ ّ
قدمه من جهود في النحوية وأهم
النحو. ّ
15
املبحث ّ
األول
َ
َمهدي املخزومي ،ومسي ته العلمية:
ّأوال-حياة مهدي املخزومي.
ثانيا-أساتذته ومكانته العلمية بين العلماء.
ثالثا-ثقافته ّ
النحوية ورحالته.
رابعا-وفاته.
خامساّ -
الدراسات التي تناولت نحو املخزومي.
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ َش َ
اب الدكتور مهدي املخزومي يب ّ
وشك كبيران ،إلى ما آلت إليه أوضاع علوم اللغة العربية، ر
الضارة الواجب قطعها ،حتى ال يغرق ّ
فالنحو الذي وصل إلينا بصورته الحالية مليء باألعشاب ّ
النحو ّ
التعليمي ،كما يراه املخزومي ،كان أولى اهتمامات النحاة في حين ولعل ّ
الدارس في تشابكهاّ ، ّ
شيد صرحه (الخليل بن أحمد الفراهيدي) ،الذي النحو العلمي الخالص الذي ّ كل البعد عن ّ
ابتعدوا ّ
ُ ّ
شق النحاة بعده به طرقا وعرة ،وأنبتوه في واد غير واديه ،فأفسدوا زرعه وذهبوا بنضارته التي هي
أهدافه املرجوة التي أرادها األوائل من وضعه.
بالنحو إلى أصوله ّ ّ
املتأخرين ،إلى ضرو ة العودة ّ
الطيبة، ر ولقد دعا مهدي املخزومي ،وهو من
يدل على رغبتهالدعوة ما ّ األول وقصد بهم الخليل وأصحابه ،وفي هذه ّ
الرعيل ّمن خالل قراءة تراث ّ
ّ ّ
(فالشعوب ال ّ والتدرج في د استه التراث ّ
ّ
تحقق نهضتها إال باالنتظام في تراثها)).1 النحوي ( ر في االنتظام
ّ النحوي ،ال نقصد بذلك ّ َ ّ
نطلع على تراثه ّ
تصيد األخطاء وال التسليم ونحن نقرأ للمخزومي ،و
ُ املطلق ملا قال بهّ ،
ّ
وتصور ّ
فنحول هذا التراث إلى أداة معرفة، ولكنا نراها رحلة بحث نثري بها َوعينا،
النحو العربي ،فقد كان هاجسه الوحيد ّ
تبني الرجل وكشف فيه عن منهجه في ّ جسده هذا ّ حي ملا ّ
ّ
اللغة من جهة ،وأن يعيد ّ
النحو إلى سابق عهده من جهة أخرى ،وقبل أن نقف منهج علمي يعالج به
النحويةّ ،
البد لنا الوقوف ّأوال على حياة هذا ّ
الرجل وتاريخه وعلمه. على جهود املخزومي ّ
هو َمهدي بن محمد صالح من أسرة عربية تعرف بآل زاير ،ينتهي نسبها إلى بني مخزوم
القرشية ،2ولد سنة 1917م ،في النجف األشرف.3
عاش َمهدي املخزومي ((في أسرة كريمة وذاق اليتم صغيرا ،فقد توفى والده وهو صغير لم
ّ
يتجاوز عمره السنتين ،وفقد ّأمه قبل أن ُيتم الخامسة ،فتولت أخته التي تكبره باثنتي عشرة سنة
رعايته ،والعناية به وعاش في كنف أخته فما إن أنهى الخامسة حتى ختم القرآن ثم أنهى دراسته
االبتدائية ،واملتوسطة والتحق بعد ذلك في عام 1933باملدارس الدينية املنتشرة آنذاك في مدينة
ُ
النجف فدرس النحو ،والبالغة على يد أساتذة علماء فأتقن العربية ،وكان المعا فيها منذ نشأته؛
1محمد عابد الجابري ،التراث ومشكل املنهج ،مجلة عالم الفكر ،املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،مج ،23ع -01
1994 ،02م ،ص.456
ّ ّ ّ
الس ّواد ،مهدي املخزومي وجهوده النحوية ،دار الراية ،عمان ،األردن ،ط1430 ،01ه2009 /م ،ص .21
ّ 2رياض ّ
محمد البياتي ،ص.42النحو العربي :نقد وتوجيه) ،مهدي املخزومي ،سهيلة طه ّ 3املنهج الوصفي في كتاب (في ّ
17
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
طموحا متفتح الفكر على آفاق املستقبل ولم يكن مقيدا بقيود املحافظة التي منعت غيره من التطور
خرج ّ
فحصل من العلم ما فاق به أقرانه إلى أن ت ّ الفكري والعلمي)) ،1وقد دخل معترك الحياة العلمية،
اللغة العربية سنة 1934م ،ثم عاد لوطنه "العراق" ّّ
كمدرس لقواعد اللغة العربية بالثانوي. من قسم
اقية فرصة أخرى ليعود إلى القاهرةّ ،
ويتلقى دراسته في جامعتها، وقد أتاحت له وزارة املعارف العر ّ
ّ
واستمر بعد ففزع من تلك ال ّدراسة بإعداد بحثه في للماجستير ،ونوقش فيه وأجيز سنة 1951م،
فتم وأجيز سنة 1953م.2 ذلك ّ
يعد بحثه في الدكتوراهّ ،
ّ ّ
املتمدن ،طارق حميد أمين ،العدد 2012/09/30 ،3066م. 1ينظر :مجلة الحوار
ّ ّ 2محاولة تيسير ّ
النحو عند مهدي املخزومي ،مجلة الذاكرة ،مخبر التراث اللغوي واألدبي في الجنوب الشرقي الجزائري.2017 ،
النحو العربي نقد وتوجيه ،املكتبة العصرية ،بيروت ،ط1964 ،01م ،ص.11 3مهدي املخزومي ،في ّ
18
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
صحتها في أبواب ّ
النحو بأنها اعتمدت على ّ
التطبيق الختبار ّ أشمل محاوالت إصالح ّ
النحو وتمتاز عنها ّ
املختلفة ،بعد أن حاول إرساء منهجه على أسس نظرية)) .1وقال فيه الدكتور حلمي خليل(( :كان
النحوي ،لفت أنظار ّ
الدارسين في العراق ،والوطن الد س ّ
ّ
املخزومي صوتا عاليا وجهدا جادا في مجال ر
العربي)).2
ّ
-3ثقافته النحوية ورحالته:
نشأ مهدي املخزومي في كنف بيئة ّ
علمية اعتالها من قبله والده الفقيه الشيخ صالح ،وخاله
ّ ّ
الشيخ محمد حسين الذي ُعرف عنه أنه كان أصوليا عروضيا وخطاطا بارعا ،وشاعرا وفقيها ،فأبى
ّ
َمهدي املخزومي الذي انتعش من جذور عائلته ،إال أن يبلغ بعدهم بلوغ العلماء ومنزلة العارفين،
ّ ّ ّ وفسر ّ النحويين ،واستأنف طريقهم فعرض ّ فد س علم ّ
ثم أثر فألف ما رأى فيه ومحص ،وتأثر ر
صالحا ّ
للنحو ونظرا فيه ،رؤية جديدة ملساراته ومناهجه.
وكان موضوع بحثه ّ
األول للماجستير "الخليل بن أحمد الفراهيدي :أعماله ومنهجه" ،الذي
ّ
أعده تحت إشراف أستاذه املرحوم إبراهيم مصطفى .وبعدها بسنوات نال الدكتوراه بعنوان
"مدرسة الكوفة النحوية ،ومناهجها في اللغة والنحو" تحت إشراف أستاذه مصطفى السقا ،وفي نفس
كلية اآلداب ،ثم ّ
عين عميدا سنة السنة رجع إلى جامعة بغداد حيث تولى تدريس النحو العربي في ّ
1958م.
وفي عام 1964م سافر إلى اململكة العربية السعودية ،وعمل أستاذا في ّ
كلية اآلداب بجامعة
الرياض .3وفي غربته هذه ُعهدت إليه رئاسة قسم اللغة العربية في كلية آداب جامعة الرياض؛ فتوالها
وكان نعم املتولي ،وقام بها خير قيام ،حتى قال عنه وعن صديقه مسؤول كبير(( :جعلوا الجامعة
جامعة)) .وقال آخر(( :رفعتم رأس األستاذ الجامعي ،وأثبتم أن في الوطن العربي أساتذة أساتذة)).4
ّ ّ
ويسر إليه أمر العودة إلى الوطن بعد هذا االغتراب الطويل .إال أنه لم يتنازل عن مروءته التي
ّ
جبل عليها ،طاملا ّأن مدة العقد لم تنته بعد؛ يقول(( :إني متعاقد مع هذه الجامعة التي استقبلتني في
النحوي عند العرب ،أصوله ومناهجه ،الدار العربية للموسوعات ،بيروت ،لبنان ،ط،01 1علي مزهر الياسري ،الفكر ّ
1423ه2003/م ،ص.413
2باقر الكرباس ي ،وضوح املنهج وحداثة الرؤية ،مالحق املدى ،العراق2011،م.
3ينظر :قراءة في تراث مهدي املخزومي ،زهير غازي زاهد ،مجلة معهد املخطوطات العربية ،القاهرة1415 ،ه1994/م ،مج ،38ع،2-1
ص.314
حوية ،ص.23 -22 ّ
4مهدي املخزومي وجهوده الن ّ
19
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ُ املحنه ،وأكرمت وفادتي ،وذبت ّ
عني األذى في الوقت الذي كانت جامعتي ت َجعج ُع بي ...فليس من
ّ املروءة ،وال من كرم الخلق ،أن أنهي تعاقــدي اآلنّ ،
والدراسة ماضية بجد ،وقد خطت شوطا
ّ
بعيدا)) ،1ثم عاد إلى العراق سنة 1978م ،مدرسا فرئيسا لقسم اللغة العربية في كلية اآلداب بجامعة
للتقاعد عام1979م ،وقيل عام 1981م. وظل هناك إلى أن أحيل ّ
بغدادّ 2
النحوي عند الدكتور املخزومي كانت مع انتقاله إلى مصر للد س ّولعل ّأول انطالقة ّ ّ
ّ
جادة ر
تحصله على بعثة دراسية في كلية اآلداب بجامعة القاهرة (فؤاد ّ
األول) سنة 1938م، للدراسة فيها بعد ّّ
الجيد وإتقانه لعلوم ّ
النحو والعربية ،باإلضافة لكونه حافظا للقرآن الكريم الذي كان نتيجة تحصيله ّ
ّ
ظله الظليل وحصنه املتين في استيعاب ّ
النحو .وتتلمذ على يد الدكتور إبراهيم مصطفى ،والدكتور
النحو العربي نقد وتوجيه) للدكتور مهدي املخزومي:مقدمة كتاب (في ّ مصطفى ّ
السقا الذي قال في ّ
مؤلف هذا البحث منذ أن كان طالبا في ّ ّ ((ع َر ُ
َ
كلية اآلداب بجامعة فت الدكتور مهدي املخزومي
اللغة العربية وقواعدها ّ ّ ّ
خاصة)) ،وقال والجد الخالص في دراسة القاهرة ،وعرفت فيه امليل الشديد
ّ حقه(( :أعتقد ّأننا إذا قرأنا ّ
في ّ
النحو القديم كما قرأه الدكتور املخزومي ،فإننا سنكون قادرين على
ّ
موثقة لتهذيب ّ ّ
النحو العربي وتنقيحه ،وإقراره على القواعد املحكمة ،التي ال أن نضع خطة شاملة
للتغيير(( 3.وغيرهم من الذين عاصرهم النفوس شهوة ّيتناولها التغيير والتبديلّ ،كلما قامت في ّ
املخزومي أمثال األستاذ محمد علي ّ
النجار ،وإبراهيم ّبيومي مدكور.
لكل ّ
الدارسين والباحثين والعلماء ،واألخيار األول) آنذاك قبلة ّ لقد كانت جامعة (فؤاد ّ
تدفق العلوم ّ ّ بمختلف أجناسهم ،وثقافاتهم عربا كانوا أو مستشرقينّ ،
وتحققها كعلم مما أسهم في
النحو ،ومنها تابع د استه ّ
متنقال بين مصر والعراق متأثرا متكامل ،ومترامي األطراف لدى املخزومي في ّ
ر
ّ ّ ّ في بادئ مسيرته ّ
البحثية النحوية بثقافة العالمة الخليل بن أحمد الفراهيدي ،بحيث كلل مسيرته
ثم موضوع بحثه ّ
للدكتوراه برسالة ماجستير (الخليل بن أحمد الفراهيدي :أعماله ومنهجه)ّ ،
ّ اللغة ّّ
والنحو)(( .وقد وفق الدكتور مهدي في اختياره موضوع (مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة
اللذين ّ ّ
تفجرت منهما البحثين توفيقا كبيرا جدا ،إذ أتاحا له الوقوف على املنبعين األصليين،
ّ
اللغوية ّ ّ
والنحوية ،منذ نشأة التأليف فيهما كما وقف على منهجين مختلفين اختالفا كثيرا، الدراسات
1من رسالة للشيخ محمد رضا البغدادي .نقله د .عبد الجبار املطلبي في كلمته " املخزومي اإلنسان " امللقاة في اتحاد األدباء والكتاب
العراقيين بمناسبة أربعينية املخزومي.
2ينظر :قراءة في تراث مهدي املخزومي ،زهير غازي زاهد ،ص.314
النحو العربي ،نقد وتوجيه (تصدير الكتاب) ،ص.11 3مصطفى السقا ،في ّ
20
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّأول املنهجين منهج علماء البصرة ،ورأسهم الخليل بن أحمد الفراهيدي ،ومنهج علماء الكوفة
ورأسهم علي بن حمزة الكسائي)).1
النحو مقبال عليه ،حتى استخلص منه نظريته الجديدة في تقديم التراث وال ال باحثا في علم ّ
ز
خاصة بعد أن تتلمذ على يد أستاذه الدكتور إبراهيم مصطفى للدارسين الجددّ ، النحوي القديم ّ ّ
ّ
للنحو نظرة إصالحية ،وآراء جديدة أسهمت في تكوين ثقافته ال ّنحوية واللغوية ،وقد أثمرتقدم ّالذي ّ
ّ النحو التي استوعبت ّالنحو من خالل تأليفه لكتب ّ مجهوداته في ّ
الدرس اللغوي منذ بداياته رفقة
النحوي الكوفيّ ،
محددا الخليل الفراهيدي ،والنحاة الذين عاصروه بمختلف مذاهبهم ،متأثرا بالفكر ّ
ثم جامعا ما هو نحوي نظري وما هو تطبيقي ،ثم استخلص موقفه من الخالف البصري الكوفيّ ،
النحو العربي ّ
متصال وقدم خالصته للباحثين ،كما واصل سالته في تد يس ّ النحوّ ، ويسر في ّ
منهجه ّ
ر ر
حقه وبلغ منه مبلغه فكان عالمللنحو ّنظريات جديدة ،فأوفى ّ ّ
مستجد فيه من مناهج ،و ّ بذلك مع ّ
كل
مانه ،وأكاديميا ضليعا ،وباحثا ّ
قدم فأمتع تاركا خلفه أساسا ّ
علميا متينا. ز
-4وفاته:
توفي مهدي املخزومي رحمه هللا يوم الجمعة من شهر رمضان سنة 1414ه(( .حيث لزم بيته
ومكتبته فكان مجلسه األسبوعي يوم الجمعة في بيته عامرا بتالمذته ومريديه وزمالئه إلى أن وفاته في
يتصدرها املخزومي ،وإذا بالقدر املحتوم يسدل ّ ظهر يوم الجمعة 1993/3/5م ،والندوة عامرة
أستاره على القلب الكبير الذي طالت معاناته ،عندما كان في مجلسه يتحدث عن الفراهيدي والقياس
ّ
كرسيه ليفارق الحياة .هكذا فارق املخزومي هذه الدنيا لديه ،إذا به يضع يده على جبهته ثم ارتمى على
وسموه وصبره)) ،2ونشر خبر وفاته باألرجاء ،وأينما انتشر نشر معه الحزن ّ وهو على هده ّ
وعفته ز
فقد إنسان عالم ّأدى ّ
لألمة في خدمة قد إنسان مجلبة للحزن فكيف ُي ُ واألس ى واألسف ((فإذا كان َف ُ
ّ
لغتها الكثي ــر الكثير ،وله مع خدمة اللغة خدمات أعم وأخالق أدل)).3
النحو العربي ،نقد وتوجيه (تصدير الكتاب) ،مصطفى السقا ،ص.05،06 1ينظر :في ّ
ّ ّ
املتمدن ،طارق حميد أمين ،العدد 2012/09/30 ،3866م. 2ينظر :مجلة الحوار
3مهدي املخزومي وجهوده ّ
الن ّ
حوية ،ص .24
21
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ ّ -5
الدراتات التي تناولت نحو املخزومي:
لم تكن قراءة املخزومي للتراث قراءة مستهلكة ،كما هي قراءة كثير ممن َعنوا بهذا العلم على
النحو العربي ،الذين أعادوا ما قاله سابقوهمّ ،
وكرروه في كتبهم ومباحثهم.1 امتداد تا يخ ّ
ر
النحوية الحديثةّ ، الد اسات ّ
ّ
خاصة بعد لقد أحدث الدكتور مهدي املخزومي ثورة في تاريخ ر
الذي جاء به من نظريات وإصالحات للتعامل مع التراث ّ
النحوي القديمّ ،
مما دفع بكثير من الباحثين
ثم طبعت فنسخت في ربوع الوطن خاصة ،حيث ّألفت كتب كثيرة ّ
إلى دراسة نحو املخزومي دراسة ّ
ّ
كافة ،كما أصبح علمه في ّ
النحو موضوعا لرسائل املاجستير والدكتوراه في مختلف جامعات العربي
التجديد في نحو املخزومي ومنهجه ولعل أغلبها ا تكزت في بادئ األمر على نظرية ّ
العالم العربيّ ،
ر
املعتمد ،وكما هو الحال ّ
فإن لكل عالم فذ أثر في نفوس تالمذته الذين اقتفوا أثره من بعده ،وأكرموه
بد اساتهم لعلمه ،وكان للمخزومي من هؤالء تلميذه الدكتور هير غازي اهد الذي ّ
يعد ّأول دارس ز ز ر
ّ
ملجهودات املخزومي في كتابه (قراءة في تراث مهدي املخزومي ،مجلة معهد املخطوطات العربية،
اللغة ّّ القاهرة1994،م)(( .هكذا أستطيع أن ّ
والنحو ،فهو لم يكن أحدد تراث املخزومي وجهوده في
الد اسة ّ
ّ ّ ّ
والدارسين في العالم العربي ،وهذا تقويمه كما ،إنما كان كثيرا نوعا وأثرا في آفاق ر كثيرا
وتقييمه أيضا لدى دارسيه)) .2ومن بعده الدكتور رياض ّ
السواد في كتابه (مهدي املخزومي وجهوده
النحوية) الذي طبع في األ دن سنة 2009م ،عرض فيه إحياء ّ
النحو والتجديد عند املخزومي ،وتطرق ّ
ر
لرؤية الناقدين حول آرائه في أربعة فصول من الكتاب .كما نشر الدكتور نايف شقير دراسة بعنوان
النحو في كتابه في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه) ،مجلة جامعة البعث، (د اسة محاولة املخزومي تيسير ّ
ر
ّ
املجلد ،34العدد ،2012 ،26كما ّ
قدم الباحث الجزائري عمر لحرش رسالة املاجستير في جامعة
الد س ّ
النحوي عند مهدي املخزومي بين التقليد ّ
قاصدي مرباح بورقلة سنة 2012م بعنوان ( ر
والتجديد) ،و نشرت الدكتورة إيمان جباري بإشراف األستاذ الدكتور أحمد جاليلي دراسة صدرت
ّ
عن مجلة الذاكرة الصادرة عن مخبر التراث اللغوي واألدبي في الجنوب الشرقي الجزائري سنة 2017
النحو عند مهدي املخزومي) ،والباحثة الجزائرية سهام نهاري رسالتها فيبعنوان (محاوالت تيسير ّ
ّ
املاجستير بعنوان (الحداثة عند مهدي املخزومي) سنة ،2018وقد صدر عن مجلة فصل الخطاب ،
ّ العدد،01في ما س 2022م د اسة بعنوان ( ّ
التفكير ّ
النحوي وتجلياته لدى مهدي املخزومي) للباحث ر ر
22
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ
الشحود ،تحت إشراف الدكتور وليد ّ
السراقبي من جامعة حماة بسوريا ،وغيرها من البحوث عامر
الكثيرة.
23
املبحث الثاني
ّ
جهود مهدي املخزومي النحوية
ّأوال-آثار مهدي املخزومي ّ
النحوية.
ثانيا-القواعد واألسس التي بنى عليها املخزومي نظريته ّ
النحوية.
ثالثا-قضايا أصول ّ
النحو عند املخزومي.
الد س ّ
النحوي املخزومي. ّ
رابعا-قضايا اإلعراب ونظرية العامل في ر
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ ّإن ّ
لكل باحث في علوم اللغة نصيبا من بحثه استطاع من خالله طرح آرائه وأفكاره في الساحة
ّ العلمية كما فعل الكثير من قبل ،والدكتور مهدي املخزومي كغيره من الباحثينّ ،
والدارسين األجالء؛
وقدموا الجديد فاجتهد في سبيل إعادة تقويم ّ
النحو العربي وتيسيره للناشئة، الذين أخلصوا لعلمهمّ ،
ّ
مخلدة في ذاكرة الكتب محفوظة بين ّ ولعل جهوده ّ
ّ
السطور ملن أدرك أفكاره، النحوية كانت وال زالت
ّ ّ
ميسرا لتعلم العربية ،وحفظ لسانها من ا ّلتعقيد
وتفكر في هذا العلم الذي جاء ّ واستلهم خواطره،
الذي ساورها لسنوات طوال ،وبقي عالقا فيها حتى ما عاد للعربي أن ّ
يفرق بين لسانه السليم ولسانه
الهجين.
ّ ّ قدم املخزومي جهودا في ّ
ولقد ّ
النحو اتضحت لنا منذ اطالعنا على حياته العلمية ،وثقافته،
ودراساته الجامعية التي التقى من خاللها بعلماء وأدباء عاصر زمانهم؛ فأخذ من علمهم ،وزاد عليها،
ّ النحو ووافق ّ
وقدم البدائل في ّ
وفسرّ ،وعللّ ،
واستزاد ،وأوضح فيه ّ
التيسير ،فألف من الكتب ما
شهدت على جهوده الكبيرة في علم ّ
النحو ولهذا نقف أمام هذه املجهودات وأهمها:
ّ
-1آثاره النحوية:
مؤلفاتهم وبحوثهم ود اساتهم التي ّّ
تعد خالصة وثمرة ر ّإن ّأول ما ينبع من ثقافة العلماء وعلمهم،
ونطلع على جديدهم وآ ائهمّ ، ّ
ألن العلوم وأفكارها فيض وتدوينها قيد ر جهودهم ،فمنها نرتشف علمهم
ال ّبد منه ،حتى ال تزول بزوال األيام ومرورها ،وقد ترك الدكتور مهدي املخزومي للعالم العربي آثارا
اللغة ّ ّ ّ
والنحو العربي نذكر منها: نفيسة جدا من الكتب العلمية وأدقها في علوم
.1الخليل بن أحمد الفراهيدي ،أعماله ومنهجه :كان موضوع رسالة املاجستير للمخزومي في
األول) سنة 1951م ،تحت إشراف الدكتور إبراهيم مصطفى ،طبع فيجامعة القاهرة (فؤاد ّ
25
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ
.4في النحو العربي قواعد وتطبيق :طبع الكتاب مرتين بالقاهرة سنة 1966م ،وبيروت سنة
للد س ّ
النحوي الذي عرضه في كتابه (في النحو العربي). ّ
1986م ،قدم فيه نموذجا تطبيقيا ر
.5عبقري في البصرة :هو عبارة عن مجموعة من اإلضافات والزيادات التي عرضها الدكتور
ّ
مهدي املخزومي كتعليقات أراد إلحاقها في رسالته للماجستير السابقة ،غير أنه في نهاية األمر
جمعها في هذا الكتاب ،وقد طبع ثالث مرات :األولى ببغداد سنة 1972م ،والثانية ببيروت سنة
1986م ،واألخيرة ببغداد دار الشؤون الثقافية سنة 1989م.
ّ
النحوي في بغداد :هو كتاب تناول فيه الدكتور مهدي املخزومي أهم قضايا ّ ّ .6
النحو في الدرس
بغداد ،طبع في بغداد سنة 975م ،وفي بيروت سنة1987م.
كتيب صغير جمع فيها وترجم ألهم أعالم ونحاة ّ
النحو العربي :عبارة عن ّّ
النحو .7أعالم في
العربي أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويهّ ،
والفراء ،وعلي بن حمزة الكسائي ،طبع
ببغداد سنة1980م.
ّ
النحو وتأ يخه :عرض فيه للمنهج النحوي باإلضافة لبعض الظواهر ّ
النحوية التي ر .8قضايا في
كانت ّ
محل جدل وخالف منذ القدم.
هذا باإلضافة ملجموعة من املقاالت والبحوث التي نشرها املخزومي في املجالت األدبية ّ
والنقدية
ّ ّ
ومجلة ّ ّ ّ
كمجلة ّ
كلية اآلداب بجامعة بغداد ،واملعلم الجديد نبوة املتنبي ،ومجلة التلوين الجديد،
وغيرها ،كما ساهم في تحقيق بعض الكتب والدواوين ومن ذلك معجم العين للفراهيدي الذي ّ
حققه
ّ رفقة الدكتور إبراهيم ّ
الس ّ
امرائي والذي طبع بالعراق سنة 1980م ،وكتاب مدخل إلى نحو اللغات
السامية املقارن-سباتينو موسكاتي-ترجمه بمشاركة الدكتور عبد ّ
الجبار املطلبي .كما ترك آثارا
مخطوطة وهي:1
26
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ
بروق خاطفة ،مجلة الحضارة ،العدد 1945 ،11 .4 .2م(العراق).
تحقيق كتاب العين للخليل في ( 08أجزاء) مع إبراهيم ّ
الس ّ
امرائي 1980م.
جمع وتحقيق ديوان الجواهري االشتراك مع علي جواد الطاهر ،وإبراهيم ّ
الس ّ
امرائي1980 ،م.
ّ ّ
حول بعث الشعر الجاهلي ،مجلة العرى ،العدد الخامس1939 ،م(العراق).
ّ
الشاعر املنس ي ،مجلة الحضارة العدد 1945 ،38م (العراق).
ّ
العربية النموذجية قديما وحديثا ،مجلة البيان الكويتية ،العدد 12الفكر 1976م (الكويت).
ّ
في ضوء قانون الحفاظ على اللغة العربية ،مجلة املعلم الجديد ،ج 1978 ،02م( ،العراق).
النحو وتاريخه (مخطوطة في 150ص). قضايا في ّ
كتاب في ّ
النحو بمثابة انقالب ،مجلة البالغ ،العدد الخامس1973 ،م(العراق).
كتاب مالحظات (مخطوطة في 100ص).
ّ ّ
اللغة العربية في مدارسنا ،مجلة املعلم الجديد ،ج (1945 ،05 ،04العراق).
ّ السالم البن الفقيه الهمذانيّ ،
مالحظات في كتاب بغداد مدينة ّ
املحقق صالح أحمد العلي ،مجلة
جامعة املوصل ،العدد 1980 ،09م( ،لعراق).
ّ نبوة ّ
ّ
املتنبي ،مجلة العرى ،العدد 1945 ،21 .20 .19م(العراق).
ّ ّ
النجف الرأي العام ،مجلة البيان ،األعداد1946 ،4 .3 .1 ،م.
ّ
نظرة في كتاب :زهديات أبي نواس لعلي الزبيدي ،مجلة املعلم الجديد ،ج1959 ،01م.
ّ
والدة ابن زيدون ،مجلة العرى ،العدد 1947 ،19م(العراق).
تنوع ثقافات العرب ،وفنونهم ،فشمل األدب والنقد، واملالحظ ّأن اهتمامات املخزوميّ ،
متنوعة ّ
ّ
واللغة ّ
والنحو ((فلو لم يكن املخزومي نحويا لكان شاعرا ،ولو لم يكن شاعرا لكان مقاليا ،ولو لم
الدراسات،ألن نظرته العلمية واالستكشافية ،وسعت مجموعة من ّ يكن مقاليا ،لكان ناقدا))ّ .1
ّ فكان املخزومي من أحد الباحثين والعلماء الذين ّ
تصدروا الساحة اللغوية في العالم العربي،
ومرجعا من املراجع املعرفية ّ
والرهانات الفكرية.
1الطاهر علي جواد ،املخزومي في خطوط من تاريخ صداقة(مقال) ،جريدة القادسية ،العراق ،الثالثاء 15أيار1993م ،ص.10
27
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ
-2القواعد واألتس التي بنى عليها املخزومي نظريته النحوية:
الدكتور مهدي املخزومي القواعد واألصول لنظريته ّ
النحوية وجعلها قائمة على هدفين لقد وضع ّ
أساسين هما:
النحوي من سطوة العامل ،وتخليصه من الشوائب الفلسفية الد س ّ ّ
أ .تخليص ر
للد س ّ
النحوي بسبب العامل. ّ واملنطقية التي بقيت عالقة فيه ّ
وتسربت ر
النحوي حتى ّيتضح للباحث طريقه في دراسته هذا العلم.الد س ّّ
ب .تحديد موضوع ر
النحوية الذي يعالج موضوعين متكاملين ومترابطين ورفض الد اسة ّ
ّ ّ
لقد حدد املخزومي موضوع ر
تفريط ّ
السابقين فيهما هما:
التأليف ّ
والنظم وطبيعة أجزائها. أ .الجملة من حيث ّ
تؤديها أدوات ّ
التعبير كالتوكيد وأدواته وغيرها ،التي ب .ما يطرأ على الجملة من معان ّ
28
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
الد س ّ
النحوي من خالل التأكيد على أهمية الجملة. ّ
تحدد موضوع ر
مركب إسنادي ّ ّ
تتكون من مسند ومسند انتقاد التقسيم القديم للجملة ،وإعادة تقسيمها فهي
إليه وهي قسمان :فعلية واسمية.
تقسيم الكلمة إلى قسمين :معربة ومبنية.
للد اسة ،فهو يرى ّأن د اسة ّ
ّ ّ
النحو هي دراسة ر اعتماده املنهج الوصفي والدعوة للعمل به كمنهج ر
وصفية تطبيقية.
الضمة علم إسناد والكسرة علم اإلضافة ،وبذلك وافق أستاذه إبراهيم مصطفى ّ
بأنهما ّ جعل
ّ
املتكلم ّ
يدل بها على معنى خالل تأليف الكالم. ليستا أثرا للعامل بل هما من عمل
ّ والنحويةّ ،
االهتمام باملستويات الثالث :الصرفية ،الصوتيةّ ،
فالدراسة اللغوية ال غنى لها عن
هذه املستويات.
تحديد أزمنة كثيرة للماض ي والحاضر وإثباتها.
بط علم ّ
النحو بعلم املعنى وجعلهما علما واحدا. ر
تقسيم الكالم إلى أربعة أقسام :اسم وفعل وأداه وكناية.
رفض نائب الفاعل واعتباره فاعال ،وأجاز تقديم الفاعل على الفعل.
اعتبار الجملة الشرطية جملة واحدة ال جملتان.
ّ ّ
يرى بعض املوضوعات التي شذت عن املبادئ التي اتبعتها العربية ،ليست بشاذة كاملثنى ،جمع
املذكر السالم واملجموع باأللف والتاء.1
وختم ّد استه ّ
بالتطبيق اإلعرابي ،مستفيدا بما خلص إليه في نظريته ّ
النحوية. ر
ّ
وضمنها دراساته كما أضاف ّ
الدكتور مهدي املخزومي مجموعة من املصطلحات الجديدة
ّ
النحوية منها:
ّ األداة :التي أطلقها على القسم الثالث من أقسام الكالم وهي (ماال ّ
يدل على معنى إال في أثناء
الكالم) 2ومن أمثلتها (هل) في جملة االستفهام وهي من املصطلحات التي تناولها الكوفيون.
ّ ّ
الفعل الدائم :وفي معناه يقول املخزومي (هو فعل في معناه وفي استعماله ،إال أنه في أكثر
استعماالته يدل على استمرار وقوع الحدث ودوامه) وهو مصطلح كوفي أيضا.
1في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.93-90
2في ّ
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص.38
29
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
الم التوكيد :هي الم االبتداء التي تدخل على جملة القسم عند البصريين ،والم القسم عند
الكوفيين.
الفاعل اإلرادي والفاعل الالإرادي :وفي ذلك أورد املثال ُ(كسرت ّ
الجرة) ،فهو يرى ّأن ّ
الجرة ليست
ولكنها تمثل الفاعل الالإرادي ،وقد رفض استخدام مصطلح نائب الفاعل في ذهن القارئ؛ ّ
الفاعل.
فعل الفاعل الذي ال اختيار له :وهو الفعل املبني للمجهول كقولنا ُ
(ضر َب الولد) وهو عند النحاة
في القديم (ما لم يسمى فاعله).
ّ ّ
كلمة(النفي) ،اقتبسوه من ألفاظ املتكلمين، الجحد :ويعني به الكوفيون ما يعني به البصريون
وكالمهم في الثبوت والثابتّ ،
والنفي واملنفي ،1وقد استعمل الخليل كال املصطلحين ،فقال في
((وأما َ
(الت) ّ
فإنها ُينفى بها كما ُينفى بـ (ال) ،2))...وقال في مصطلح الجحد(( :ال: استعماله ّ
النفيّ :
حرف ينفى به ُويجحد)) .3ولم يخف املخزومي ميله في استخدام مصطلح الجحد ،فقد استعمله
يؤيد ما نحن بصدد تأكيده من ّأن الفراء وثعلب كثيرا ،ولم يستعمال كلمة ّ
النفي ((وهذا ما ّ ّ
ّ
اللغوية من البصريين))4 الكوفيين أقرب إلى الطريق
والصفة :هما مصطلحان اختلف فيهما أهل البصرة والكوفة ،فقد ذهب الكوفيون إلى ّ ّ
النعت
النعت ،وذهب البصريون إلى مصطلح ّ
الصفة ،وأخذ املخزومي بكال املصطلحين في مصطلح ّ
د استه ّ
النحوية. ر
ّ
اللفظي :لقد أراد املخزومي بهذا املصطلح تقديم ّ ّ
تصور جديد ملفهوم الجملة وتحديدها، املركب
ّ ّ ّ فقد أى ّ
بأن الجملة مركب إسنادي ،تحتوي بالضرورة على مسند ومسند إليه ،وإال فهي مركب ر
ّ لفظي وذكر ّ
النداء على أنه كذلك.
ّ
أداة التشريك :وتسمى أدوات العطف في ال ّنحو ،وهذا املصطلح استخدمه من قبله سيبويه في
ودل به على العطف وحروفه ،يقول(( :وينبغي أن تقول :ر ّب رجل وأخاه .فليس ذا
كتابه الكتابّ ،
ّ
األول)) .5وقال(( :واعلم ّأن ما بعد حتى
التشريك اآلخر فيما دخل فيه ّ من ق َبل ذاّ ،
ولكنها حروف
ّ
اللغة ّ
والنحو ،شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده ،مصر، 1مهدي املخزومي ،مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة
ط1377 ،02ه1958 /م ،ص.309
ّ ّ
2الخليل بن أحمد الفراهيدي ،معجم العين ،تح :مهدي املخزومي ،إبراهيم السامرائي ،د.ط ،د.ت ،ج ،8ص.157
3املصدر السابق ،ص.349
4مدرسة الكوفة ،ص.309
السالم هارون ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،ط1408 ،3ه1988 /م.187/3 ، 5سيبويه ،عمرو بن عثمان أبو بشر ،الكتاب ،تح عبد ّ
30
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ال يشرك الفعل الذي قبل حتى في موضوعه كشركة الفعل اآلخر ّ
األول إذا قلت :لم أجيء
ّ ُ
فأقل .1))...فسيبويه إذن أطلق مصطلح (التشريك) على (العطف) ،وهي تفيد معنى التشريك
ألنها تشرك ما قبلها وما بعدها في حكم واحد ،أي ّأن هناك أدوات تختلف فيما بينها معنى
حقاّ ،
يصح جعلها من قبيل واحد وال إدراجها في باب واحد .والحقيقة ّأن (املخزومي) لم
ووظيفة ،فال ّ
ّ
يعمل إال أن أحيى املصطلح من جديد ،ذلك ّأن الخليل قد استعمله.2
الخفض :ويريد به الكوفيون ما يريد به البصريون بكلمة (الجر) ،كما شاع عن الكوفيين ّأنهم
ّ
ابتكروا هذا املصطلح ،3وأغلب الظن ّأن هذا املصطلح مقتبس من أوضاع الخليل ،ومصطلحاته،
ّ املنونة وغير ّتوسعوا فيه ،فاستعملوه في الكلمات ّ ّ
إال ّأنهم ّ
املنونة ،ولم يستعمله الخليل إال في
ّ ّ
خلص من ّ
الساكنين ،نحو :لم املنون ،ونقل البصريون (الجر) في كونه حركة ُيستعان َبها على الت
ّ
منونة أو غير ّ
منونة.4 خاصة باألسماء املعربة ،سواء كانت ّ
الرجل ،إلى كونه حركة ّ يذهب ّ
املستقبل :لقد رأى مهدي املخزومي ّأن مصطلح املضارع يعني املشابهة وبالتالي ال عالقة له بالزمن
عده املخزومي فعال يخرجه بل يصلح للحال ،كما ّأن القول بمضا عة الفعل السم الفاعل ،الذي ّ
ر
يجرد هذا الفعل من صيغته ّ
الزمنية، ((إن مصطلح املضارع ّ من طائفة األفعال ،يقول املخزوميّ :
ّ
ألنه ليس في اسمه ما يشير إلى زمنّ ،أما وظيفة املضارع في الكالم بوصفه صيغة زمنية فأمر لم
تحرجوا من استعمال مصطلح املضارعة ،فكان تقسيمهم منطقيا، يعن به النحاة)) .5والكوفيين ّ
الزمني ،فذهبوا إلى ّ
التعبير عن البناء َ
(يفعل) بالقول: التقسيم ّ وعلميا يقوم على أساس ّ
املستقبل.6
الزمان واملكان :أطلق املخزومي هذا املصطلح على (املفعول فيه) ،كما ذهب البصريون ّ
املكنى به ّ
ّ ّ
(الظرف)ّ ،أما الكوفيون فاستعملوا مصطلح (املحل) ،يقول ابن ّ
((وكل ما السراج: إلى تسميته
َ
نصب املفعول على كان من أسماء ّ
الزمان يجوز أن يكون اسما ،وأن يكون ظرفا ،فلك أن تنصبه
ضربت زيداّ ،ُ ُ ّ َ
يلة ،فتنصب نصب ( يد) إذا ُق َ السعة ،تقولُ :قمت َ
ويتبين لك لت: ز اليوم ،وقعت الل
اليوم ،فتنصبه نصب املفعول على السعةّ ،
فكنيت عنه، َ قمت هذا في الكناية ّإنك إذا َ
قلتُ :
1الكتاب.23/3 ،
ّ
2املخزومي وجهوده النحوية ،ص.31 0
3ينظر :نشأة ّ
النحو العربي ،الطنطاوي ،ص .119
4مدرسة الكوفة ،ص.311
ّ
5مهدي املخزومي ،قضايا مطروحة للمناقشة(مقال) ،مجلة جامعة املوصل ،العراق ،العدد 1972 ،02م ،ص.39
6ينظر :املرجع السابق.37 ،
31
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
الظرف َ
قلتُ : َُ ُ َ ّ َ
فقلتُ :
قمت فيه))،1ذهب املخزومي إلى األخذ بمصطلح قمت ُه ،وإذا نصبته نصب
ّ
للصواب حيث الظرف أو املفعول فيه مجانب ّ الكوفيين واستروح له ،ورأى ّأن استعمال مصطلح
ّ ّ
التسمية ّ يقول (( :وقد ّ
ألنها تسمية عقلية ال مجال ملثلها في البحث اللغوي)).2 تجنبنا مثل هذه
ّ
-3قضايا أصول النحو عند املخزومي:
السباقين لوضع أصول رواية ّ تذكر صفحات التا يخ والتراثّ ،
بأن علماء الحديث كانوا ر
ّ
اللغة في روايتها ،وسلك ّ
النحويون منهم مسلك الفقهاء؛ فوضعوا الحديث ،ثم حذا حذوهم علماء
ّ األصول محاكاة ألصولهم ،3ويعتبر كتاب (الخصائص) البن ّ
جني(ت392ه) ،وكتاب(ملع األدلة) البن
عد أصول ّ
النحو األنباري(ت577ه) من الكتب األولى التي ّألفت في هذا العلم ،ونذكر ّأن ابن ّ
جني ّ
ثالثة هي :سماع وإجماع وقياس ،وهي عند ابن األنباري :نقل وقياس واستصحاب حال ،وجعلها
السيوطي في كتابه (االقتراح)أربعة هيّ :
السماع واإلجماع والقياس واستصحاب الحال.4
ّ
السماع: .3.1
ّ ّ
القلة إلى ّ هو ((الكالم العربي املنقول ّ
النقل ّ
حد الكثرة)) ،5وهذا الكالم الصحيح الخارج عن حد
العربي يشمل القرآن الكريم ،واألحاديث النبوية الشريفة ،وكالم العرب املوثوق بفصاحتهم.
ّإن موقف النحاة من االستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاته جعل فريقا منهم يلجؤون ألقيسة
مما دفعهم إلى التأويل مع ماال ّيتفق وأحكامهم ،ونسبوا النحو وجعلها عيا ا على الشواهد ّ
النحويةّ ، ر
ّ
الضعف والشذوذ .6وذكر ابن املخزومي ّأن البصريين لجأوا إلى ّ
التأويل عن بعض القراءات إلى ّ
مواجهتهم قراءة من القراءات ّ
السبع التي ال سبيل من إنكارها ،وتغليط لغيرها كما فعلوا في نظره مع
قراءة ابن عامر ،والحسن ،والقعقاع ،وقتادة ،وغيرهمّ ،أما الكوفيون فقد قبلوا هذه القراءات التي
32
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ
واحتجوا بها ّ
وقعدوا على ما جاء فيها كثيرا من أصولهم وأحكامهم .1وليس صحيحا ر ّدها البصريون،
والفراء وهما على رأس مدرسة الكوفة في بعض ّ
القراء كحمزة وابن كثير. فقد طعن الكسائي ّ
ّ للنحو اعتمد القرآن الكريم النموذج ّ ونذكر ّأن املخزومي في د استه ّ
األول ملصادر اللغة ر
النحوية ما يقارب ثالث مائة شاهد( .)300بينما أخذ على النحاة العربية ،بحيث أورد في د استه ّ
ر
األوائل الذين تركوا االستشهاد بالحديث لسبب روايته باملعنى ،واعتبروا أكثر رواته من املواليّ ،
وعده
ّ ّ
اهماال ألهم مصدر من املصادر اللغوية ،باإلضافة إلى ّأن الكثير من رواة الحديث كانوا عربا خلصا
ّ ّ
وحماد بن سلمة(ت167ه) ،كما ّأيد منهج
عبي(ت103ه)ّ ، الش ّ يعتد بفصاحتهم كعامر بن شرحبيل
النحو العربي .وفي ّ
النظر إلى األحاديث كشواهد في درس التوسع في ّ
ّ ابن مالك وأصحابه حين ذهبوا إلى
ّ
املخزومي وكتبه نلتمس منها القلة القليلة.
كما تأثر املخزومي بمنهج الكوفيين في االستشهاد بكالم العرب الذين ّ
توسعوا في الشواهد
ّ
توسعا رفضه أهل البصرة ،ور ّجح منهجهم في االستشهاد باملثال الواحد ،كونه يمثل لهجة
الشعرية ّ
بعينها ،وقد بلغت الشواهد الشعرية التي اعتمدها املخزومي في دراسته ثمانية وعشرين ومائتي()228
شاهد شعري.
كفة الكوفيين على ّ
كفة أهل البصرة ،ويرى ّأن ونخلص في هذا األصل إلى ّأن املخزومي ّجح ّ
ر
ّ ّ وظيفة النحوي الذي يريد معالجة ّ
النحو ،ليس من شأنه أن يفرض على املتكلمين قاعدة ،أو يخطئ
النحو د اسة وصفية تطبيقية ال ّ
تتعدى هذا املجال.2 ألن ّ
لهم أسلوباّ ،
ر
اإلجماع: .3.2
ّ
اللغة ّ
والنحو ،مهدي املخزومي ،ص .341 1ينظر :مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.192ينظر :في ّ
33
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
دل على ش يءّ ،إنما ّ
يدل على مصطفى ،كما ّأنه رفض العامل وثار عليه ودعا إلى إلغائه ،وهذا إذا ّ
فضه اإلجماع الذي أجمع عليه النحاة من قبل في كثير من القضايا ّ
النحوية التي خالفهم فيها. ر
القياس: .3.3
عرفه ابن األنباري بأ ّنه(( :حمل غير املنقول على املنقول ،إذا كان في معناه)) ،1ويذهب الدكتور
ّ
ّ مهدي املخزومي إلى ّأن القياس الذي ّ
البد من اتباعه هو القياس الذي أخذ به الخليل ابن أحمد
ّ وعده قياسا مقبوال في ّ والفراءّ ،ّ
الدرس اللغوي ،ومن ذلك قياس جزم الفعل املضارع الفراهيدي
ول ر ِِّ ِ ِ ِ َُ
ب لَ ْوَاَل أَ رَّ َْْ ِِ ِ ََ َ ق ي ف
َ تو مل
ْ
َ َ َ ُ َْ ُ َُ َا م ك
ُ د
َ َح
أ ِ
ِتْ
َي ن
ْ َ
أ ِ
ل ب َق ن م م ك
ُ ان ق
ْ
َ ُ ْ َ ََ َ ْ ْ ْزر ام ن م او قف ْنَأ
و ﴿ تعالى قوله في ) ن ك (أ
ّ رق وأَ ُكن ِمن ال ر ِِ َج ٍل قَ ِْ ٍ
يب فَأَ ر
جر في قول زهير ابن أبي سلمى: صاِلني﴾ ،على ٍ صد َ َ ْ َ أَ
2
الدارس الستنباط حكم لغوي أو نحوي ،وهو حمل والقياس هو الطريق الطبيعية التي يسلكها ّ
ّ
مجهول على معلوم ،وحمل مالم ُيسمع على ما ُسمع ،وحمل ما يجد من تعبير على ما اختزنته الذاكرة،
ته من تعبيرات وأساليب كانت قد عرفت ،أو ُسمعت ،وهذا القياس هو الطريق ووع ُ
وحفظته َ
الد س ّ
ّ ّ ّ ّ
النحوي املخزومي ،قياسه الثنائي مادة اللغة واتساعها ،5ومن أمثلة القياس في ر الطبيعية لنمو
من الكلم على الثالثي ،فإذا وردت أسماء مكونة ألفاظها من حرفين نحو :يد ،أخ ،وأريد جمعها زيد
34
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
حرف ثالث ،ثم تجمع جمع الثالثي ،فيقال في جمع يد ،أيدي ،وفي جمع أخ ،إخوة وإخوان ،وذهب إلى
جواز نيابة بعض حروف الجر(اإلضافة) عن بعض قياسا ،كأن ينوب حرف الجر(في) عن
ّ
وع النا ْخ ِل﴾ 1وفي معناها ألصل ّبنكم على جذوع
ُصلِِّبح نا ُك ْم ِِف ُج ُذ ِ
الحرف(على) ،نحو قوله تعالى ﴿ :حوحَل ح
النخل ،وهو قياس ذهب إليه الكوفيون ،وخالفهم البصريون الذين رفضوا في هذا املوضع نيابة ّ
35
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
قديما دون األخذ باعتبارات املنطق واملوروث النحوي املختلط بالفلسفة ،وعلم الكالم الذي بات في
نظر كثير من النحاة جزءا ال ّ
يتجزأ منه.
ونخلص في ختام حديثنا عن هذه األصولّ ،أن املخزومي ذهب مذهب الكوفيين ،وكان أكثر ما
ّ ّ
يرجح آراءهم حتى لنشك في أنه كوفي املذهب ،فقد رفض من آراء أهل البصرة إبعاد كثير من القبائل
النحوي ورأى -في زعمهّ -أنها قيود فرضوها على القياس؛ في حين وافق الكوفيين في من االحتجاج ّ
36
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ
سوى كسرة ممطولة ،وكذلك األلف ليست إال فتحة ممطولة)) .1وهو رأي أستاذه إبراهيم الذي
ّ
سنتطرق إليه فيما يلي من البحث.
ّ
إال ّأن املخزومي لم يذكره أو ّ ّ
أدلة ّ
يصرح به النحو عند النحاة، وإذا كان االستصحاب أضعف
في كتبه ود اساته ّ
النحوية ،واكتفى بذكر ّ
السماع ثم القياس. ر
ّ -4قضايا اإلعراب ونظرية العامل في ّ
الدرس النحوي املخزومي:
ّ )1اإلعراب في ّ
الدرس النحوي املخزومي:
ّ ّ
اللغوية التي َ ّ
عني بها النحاة قديما وحديثا ،فاإلعراب إنما هو يعد اإلعراب من أهم الظواهر
َ النحو وأحد ركائزه األساسية ،فهو دليل على املعاني ،وبه ُن ّ
فرق بين الفاعلية واملفعولية، بوابة ّ
واإلضافة.
واإلعراب ظاهرة قديمة ق َدم العربية ،ولو لم يكن مبنيا على املعاني ما التزمت به العرب في
ّ
كالمها ،وملا نزل القرآن الكريم معربا ،ولقد أجمع النحاة على أ ّن العالمات اإلعرابية دالة على املعاني،
ممن خرج عنهم أمثال محمد بن املُستنير ّ
امللقب ُبقطرب(ت206ه) ،وزعم ّأن العرب لم
ّ
إال القليل ّ
بالسكون السكون ،ولو َوصلوه ّ
ألن االسم في الوقف يلزمه ّ ُتعرب كالمها ّ
للداللة على املعانيّ ،إنما ّ
التحريك ُم َتابعا
التحريك في الوصل ،جعلوا ّ
فلما أمكنهم ّ
والوقفّ ،أيضاَ ،ل َل َزم ُهم اإلسكان في الوصل َ
مرة ،ورفعه أخرى ،ولكان جر الفاعل ّ لإلسكان ليتعدل الكالم ،2ولو كان كما يقول قطرب لجاز ّ
ّ ّ اللسان .واإلعراب كما ّّ ّ
املتكلم ّ
جني بأنه ((اإلبانة عن املعاني عرفه ابن مخيرا وهذا فساد ولحن في
وه ،علمت من رفع أحدهما،
َ
وشك َر َسعيدا ُأب ُ سمعتَ ،أك َر َم َسعيد ُ
أباه، َ ّ
باأللفاظ ،أال ترى أنك إذا
املفعول)) .3فهو إذن الوسيلة التعبيرية التي من خاللها ّالفاعل من ُ َ
تؤدى املعاني. ونصب اآلخر
ّ
وقصروا في حقه من ّ
الدراسة وقد عرض املخزومي لظاهرة اإلعراب ،ورأى ّأنه لم ّيو َف ّ
للتغييرات الطارئة على أواخر الكلم ،بل ربطوه بالعوامل التي كانت أساسا تبنى عليه تفسيرهم ّ
ّ
املتعلقة باملعنى داخل الكالم ،فلم ّ د اساتهم ّ
يقدموا النحوية ،وبالتالي أهملوا كثيرا من القضايا ر
1في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.68
الز ّجاجي ،تحقيق مازن مبارك ،دار ّ
النفائس ،بيروت ،ط،03 الرحمان بن إسحاق ّ 2ينظر :اإليضاح في علل ّ
النحو ،عبد ّ
1399ه1979/م ،ص.70 ،69
3عثمان أبو الفتح بن جني ،الخصائص ،تحقيق محمد علي النجار ،عالم الكتب ،بيروت ،ط1427 ،1ه2006 /م ،ص.68
37
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
ّ التقديم ّ
تفسيرات حول ّ
والتأخير ،وعالقة املتكلم باملخاطب ،وجعلوا من العامل أثرا في اإلعراب وهو
بالنحو عن ّاتجاهه ،وحمله على سلوك نهج ليس من طبيعته1.
ما انحرف ّ
ّ
كما نقل املخزومي تعريفات ذكرها النحاة لإلعراب بأنه ((اختالف أواخر الكلم باختالف
ّ
بأنه ((أثر ظاهر أو ّ
مقدر يجلبه العامل في آخر املعرب)) ،ور ّدها إلى العوامل لفظا أو تقديرا)) ،أو
ّ
تأثرهم بالفلسفة وعلم الكالم واملنطق ،ثم أعاد صياغة معنى سليم لإلعراب بأنه بيان ما للكلمة أو
الجملة من وظيفة لغوية ،أو من قيمة نحوية ،ككونها مسندا إليه ،أو مضافا إليه ،أو فاعال ،أو
تؤديها الكلمات في ثنايا الجملّ ،
وتؤديها الجمل في ثنايا مفعوال ،أو حاال ،أو غير ذلك من الوظائف التي ّ
الكالم أيضا ،2وهو امتداد لرأي أستاذه إبراهيم مصطفى في نقده للنحاة الذين جعلوا ّ
النحو علم
اإلعراب.
للنحو أمران ّأولهما ّأنه خالف إجماع ّ
النحاة على تعريفهم اإلعراب وفي تعريف املخزومي ّ
ّ وبالتالي ُي َ
وهم إجماعهم عليه ،والثاني أنه اعتمد في نقده للنحاة على تعريفات من مصادر لنحاة
ّ
متأخرين كـ (أسرار العربية) البن األنباري ،وكتاب (قطر الندى) هشام األنصاري ،وغير ذلك نجد ّأن
النحاة كانوا على خالف في تعريفهم ّ
للنحو ،فظهرت طائفتان اختلفتا في كونه –اإلعراب– لفظيا أو
ّ معنويا ،فمن ّ
األول نجد ابن خاروف والشلوبين ،وابن مالك ،ونسب الثاني لألعلم وجماعة من
للنحو ،كما ّأن زعمه النحاة عنوا بأواخر
الحد الذي وضعه النحاة القدماء ّ
املغا بة 3.فاملخزومي ترك ّ
ر
الكلم دون التراكيب اإلسنادية مردود مطروح في الطريق ،وخير شاهد على ذلك قول الرض ّي:
ّ ّ
((واملعاني املوجبة لإلعراب إنما تحدث في االسم عند تركيبه مع العوامل ،فالتركيب شرط موجب
اإلعراب)).4
ّ والقول ّأن األوائل قصروا ّ
النحو على الشكل دون املعنى مطروح مردود أيضا ،ونستشهد بما
ذكره ابن هشام األنصاري حين قالّ :
((وأول واجب على املعرب ،أن يفهم معنى ما يعربه مفردا أو
ّ
حيان-وقد عرض اجتماعنا-عالم عطف (ب َحقلد) من قول زهير:
مركبا( ،)...وسألني أبو ّ
1ينظر :في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.66
2املصدر السابق ،ص.67
3ينظر :همع الهوامع في شرح الجوامعّ ،
السيوطي ،تحقيق عبد السالم هارون ،وعبد العال سالم مكرم ،عالم الكتب ،القاهرة،
ط1421ه2001 /م ،ج ،01ص.41 ،40
4اإلستراباذي ،شرح ّ
الرض ي لكافية ابن حاجب ،جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،د .ط2009 ،م ،ج ،01ص.17
38
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
َ ُ ٌّ ٌّ َ ّ َ
نقي لم يكثر غنيمة ب َنهكة ذي ق َربى ،وال بحقلد. تقي
ُ ُُ ّ َ ُ
فقلت :هو معطوف على ش ٍيء فقلت :حتى أعرف ما الحقلد؟ فنظرنا ،فإذا هو الس ّيء الخلق،
ّ
متوه ٍم إذ املعنى :ليس ُبمكث ٍر غنيمة)).1
خالف املخزومي جمهور النحاة في تحديده معاني اإلعراب وكان رأيه فيها كما يلي:2
ّ
الضمة: .1.1
تعبر عن املسند إليه أو ما يتبعه ،وهو قول قاله الضمة علما لإلسناد ،فهي بذلك ّتعد ّو ّ
فالضمة ليست بأثر لعامل لفظي كان أو معنوي كما ذكر النحاة سابقا، ّ املخزومي إللغاء العامل،
ّ
اللغة العربية ،واملرفوعات كما ذكرها ّ ّ
النحاة قديما كثيرة ومنها :املبتدأ إنما هي مظهر من مظاهر
ّ والخبر والفاعل ونائب الفاعل ،واسم كان وخبر ّإن ،ومنها ّ
التوابع التي تتبع واحدا من هؤالء .وهو
قسم املرفوعات إلى نوعين :مرفوعات أصلية وأخرى تابعة ،فاألصلية تقسيم قال به املخزومي ،بحيث ّ
والنعت وعطف البيان.تمثل املسند إليه داخل الجملة كالفاعل واملبتدأ ،والتابعة لهما كالخبر ّ
الكسرة(الخفض): .1.2
يرى املخزومي ّأن الخفض هو علم اإلضافة ،والكسرة ّتدل على ّأن ما لحقته مضاف إليه ،أو
تامة وجد الخفض ،ويكون ّإما بأداة تابع له ،فحيث ما وجد ارتباط بين كلمتين ال ّ
يعبران عن فكرة ّ
(سافرت من الكوفة إلى البصرة) ،ف (من) و (إلى) واسطتين إلضافة ُ جر التي تستعمل كواسطة نحو: ّ
مما ال يضاف أبدا ،ومث َل املخزومي ذلك ُ
(سافرت) ببنائها وهيئتها ّ ألن ُ
(سافرت) إلى الكوفة والبصرةّ ،
أعج َبني أن تقرأ 3.يقول بن الحاجب(( :املضاف (أن) في وضع الفعل موضع الفاعل نحوَ : باستعانة َ
كل اسم نسب إليه ش يء بواسطة حرف جر لفظا أو تقديرا)) .4أو بغير أداة نحو(َ :م َط ُر ّ
السماء) إليهّ :
ٍ
ّ وهذا ما فضه املخزومي وذهب إلى ّأن النحاة ّ
قدموا تأويالت بعيدة على منطق اللغة ،حيث حاولوا ر
39
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
كل مخفوض بوجود عامل حرفي سابق له ،عمل فيه الخفض ،فقولنا" :هذا كتاب محمد"، تبرير ّ
ّ ّ
تمحل ثقيل وتقدير مكلف ،ذلك ّأن قولنا:
الالم ،1وهو ّ العامل في (محمد) هو عامل محذوف تقديره
تباط واقع بن (الكتاب) َو(محمد) ،وبين أن ّ
((هذا كتاب محمد ،قد عبرت اإلضافة املباشرة هنا عن ار ٍ
ّ
نضيف بالحرف وغيره فرق بين الناحية الشكلية واملعنوية)).2
الفتحة: .1.3
والفتحة ليست علما لش يء خاصّ ،
لكنها علم كون الكلمة خارجة عن نطاق االسناد كما في
الضمة ،واإلضافة كما في الكسرة ،وتدرج فيها موضوعات كثيرة كقولنا بالحال ّ
والتمييز واملفاعيل ّ
ّ
استحبها العرب. وغيرها ،وهي الحركة الخفيفة التي
ويبدو ّأن املخزومي لم ّ
يقدم في دراسته لإلعراب وعالماته آراء مقنعة ،ولم يجعل قواعده
مطردة شاملة ،وبقيت كثير من املوضوعات واألساليب ّ
النحوية تخالف القواعد التي جاء بها ،فلجأ
هو األخير إلى التأويل الذي عابه على النحاة قديما.
ّ
الضمة والكسرة ،فرفض الفتحة وجعلها حركة وعالمات اإلعراب عند املخزومي ال ّ
تتعدى
املثنى والجمع ،التي ال ّ
يعدها عالمات لإلعراب حتى، خفيفة ،وأهمل العالمات الفرعية في إعراب ّ
ّ
بالضمة تحذف األلف، فاملثنى مرفوع دون عالمة إسناد ،واأللف فيه هي ّ
الدالة على التثنية ،وبرفعه ّ
ّ
دالة على اإلسناد ،وأثناء ّ ُ
جره جيء بالياء وهي وبذلك يذهب بذهابها معنى التثنية ،فترك بال عالمة
املثنى في حالة ّ
املثنى ،وبقيت صيغة ّدالة على ّ ّ
النصب كما هي كسرة ممطولة ،والفتحة قبل الياء تبقى
بضمة ممطولة( الواو) التي ّ ّ
املذكر ّ
تعد علم اإلسناد وعالمة السالم فمرفوع ّ الجرّ ،أما جمع
في حالة ّ
النصب كما هو في حال ويجر بكسرة ممطولة( الياء) وهي علم اإلضافة ،ويبقى في حال ّ ّ للجمع،
اإلضافة.
1ينظرّ :
النحو الوافي ،حسن ّ
عباس ،دار املعارف ،مصر ،ط ،07د.ت ،ج ،03ص.16
2في ّ
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص .183
40
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
بالنحو عن مساره الجاد الذي رسمه بضرو ة إلغاء نظرية العامل كونها – في نظرهم -انحرفت ّ
ر
النظرية التي ّ ّ
إال بتخليصه من هذه ّ ّ
يخلص ّ
تعد نتاج تأثر النحو من شوائبه العالقة فيه القدماء ،فال
بعلوم غربية ال تنتمي للبيئة العربية الخالصة املحضة ،وكان منهم الدكتور إبراهيم املصطفى الذي
عد من أوائل ّ
الداعين إللغائه ،وحذا حذوه تلميذه الدكتور مهدي املخزومي. ّ
ّ
سيؤدي إلى بطالن كثير من التقديرات يرى الدكتور مهدي املخزومي ّأن إبطال نظرية العامل،
والتنازع ،واإللغاء ّ
والتعليق ،وإلغاؤه والتأويالت التي جاء بها النحاة قديما ،كبطالن باب االشتغال ّ
سيلغي معه القول ّ
بأن اإلعراب أثر للعوامل ،فحركات اإلعراب هي دوال على معان نحوية ال صلة لها
بالعامل.1
شك-في اعتقاد املخزوميّ ،أن نظرية العامل هي نتاج ذهاب النحاة للتأويالت والتفسيرات
إذ -ال ّ
41
ّ الف ـص ــل ّ
مهدي املخزومي وجهوده النحوية األول:
فإن أكثر ما اهت ّم به النحاة هو ّ
التغيير الذي طرأ على أواخر الكلم ،وفي وحسب أي املخزومي ّ
ر
ثنايا الجمل ،وهذا ّ
التغيير أكثر ما لفت انتباههم ،فأقبلوا عليه تعليال وتفسيرا ،وبنوا عليه نظرية
العامل 1.ونقد منهجهم بحيث ذكرنا سابقا ّأن الحركات عند املخزومي ال ترتبط بالعامل ،والقول ّ
بأن
الضمة ليست أثرا ّ
ألي عامل سواء وأن ّبأي حال على العامل ووجودهّ ، تدل ّ ّ
الضمة علم اإلسناد ال ّ
ّ ّ كان هذا العامل لفظيا أو معنوياّ ،
وإنها هي مظهر من مظاهر اللغة العربية في توزيع الوظائف اللغوية
القيم ّ
النحوية.2 أو ّ
ّ
وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي من أوائل من نقل إلينا كالمه عن العامل ،ومن املشهور أنه
ّ
دون في كتاب تلميذه سيبويه ،واملطلع عليه يرى رؤيا العين ّأن لم يترك كتابا في ّ
النحوّ ،
لكن علمه ّ
ومد فروعها ،وأحكمها إحكاما بحيث أخذت صورتها التي الخليل هو الذي أثبت أصول نظرية العامل ّ
ّ
مر العصور ،3إال ّأن أحدا لم يستطع إثبات تأثره بعلم الفلسفة والكالم ،فقد زعم كثير من
ثبتت على ّ
املقفع(142ه) الذي ترجم ألرسطوّ ، ّ
املتأخرين ّأن الخليل كان على ّاتصاله بابن ّ
وبالرغم من ذلك لم
يستطيعوا إثبات هذا التأثر ،فنحونا كان نتاج بيئة عربية خالصة.
ّ ّ وعلى ّ
الرغم من الثورة الشديدة التي كان هدفها إلغاء العامل ،إال أننا نراه ،أقرب ما يكون إلى
تفسير الظواهر اإلعرابية ،وإن كان النحاة قديما قد تأثروا بش يء من املنطق والفلسفة فهذا ال يعدوا
فإن العامل جاء ّأول أمره لغرض تعليمي ،قال ابن النحو مبنيا على أصول غربية ،فضال عن هذا ّ كون ّ
وإنما قال ّ ّ
لفظي ،وعامل معنو ّي،
ّ الن ّ
حويون :عامل مما ال يجوز أن يكون إليه الفعل، ّ
((والصوت ّ جني:
وبعض ُه
ُ رت بزيد) ،و( َ
ليت عمرا قائم)، مسببا عن لفظ يصحبه كـ َ(م َر ُ وك ّأن بعض العمل يأتي ّ ُلي ُر َ
ٍ ٍ
ّ
يأتي عاريا من مصاحبة لفظ يتعلق به ،كرفع املبتدأ باالبتداء)).4
1في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.65
ّ
اللغة الحديث من أصول ّ 2ينظر :في ّ
النحو النحو العربي قواعد وتطبيق ،مهدي املخزومي ،ص ،15نقال عن مطير املالكي ،موقف علم
(رسالة ماجستير) ،جامعة أم القرى ،السعودية1423،ه ،ص.140
3شوقي ضيف ،املدارس ّ
النحوية ،دار املعارف ،ط ،07القاهرة ،ص.38
4الخصائص ،ص.117
42
الفصل الثاني:
ّ ّ
حظ مهدي املخزومي من الفكرالنحوي.
الد س ّ
ّ
النحوي عند املخزومي. أثر الفكر الخليلي في ر
الد س ّ
ّ
النحوي عند املخزومي. أثر املذهب الكوفي في ر
أثر فكر إبراهيم مصطفى على املخزومي.
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
تمهيد:
ّإن العلم َرحم جامع ألهله ،وكذلك الفكر البشري يستمر ويتدفق مادام اإلنسان حيا عبر
ّ مختلف األ منة والعصور ،فهو سلسلة ّ
متصلة حلقاتها؛ إذا انفكت واحدة منها ظهرت فجوة فكرية ز
ّ
التدفق ،وضرورة ّ ّ أو سقطت حقبة من الحقب الزمنيةّ ،
مهمة ولعل قضية التأثير والتأثر أساس هذا
ُ خاصةّ ،
ّ ّ
ألن األجيال الخالفة فطرت على تقليد األجيال لديمومة الفكر اإلنساني عامة والعربي
الشك فيها ّأن
ّ السالفة؛ فكان التراث العربي املحفوظ إلى اآلن خير دليل على ذلك ،والحقيقة التي
سائر العلوم كما هي اآلن وما بلغته من كمال ،هي بقايا من حبل فكري غير منقطع ،ونهاية صرح
معرفي ،أنشأه ّ
األولون ّ
وظل ينمو شيئا فشيئا مع تواتر األجيال بفعل التأثر والتأثير إلى أن نضج
واكتمل.
يعد ّ
النحو ،نتاج صنيع اختلطت فيه أدمغة ّ
السلف واملتأثرين من الخلف ،ومازال هذا ّ
التأثير باقيا حتى عصرنا هذا ،فالذي وصل إلينا هو مزيج من نحو الخليل وسيبويه والكسائي ،وأبو
النحو قد علقت فيهالنحاة ،وال ضير في ّأن هذا ّ
على الفا س ي وابن جني وتالمذتهم ،ومن طبقات ّ
ر
الشوائب وكان ال ّبد من إصالحها دون املساس بجوهره األساس .هذا الذي دعا إليه ّ
الدكتور مهدي
ّ ّ
النحو ونادى رفقة أساتذته إلى تيسيره ،إال ّأن مالمح التأثر
املخزومي فهو وإن جاء محاوال إصالح ّ
44
املبحث ّ
األول
ّ أثرالفكرالخليلي في ّ
الدرس النحوي عند املخزومي
ّ
ّأوال-حول أصل نشأة اللغة.
ّ
ثانيا-العالقة بين اللفظ واملعنى.
النحوي الشامل. الد س ّ
ّ
ثالثا -ر
ابعا-املصطلح ّ
النحوي. ر
خامسا-القياس.
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ
يعد الخليل بن أحمد الفراهيدي األزهري أحد أعظم علماء العرب على ّ
مر التاريخ ،فقد كان
موسوعة علمية ،بفضل ذكائه وفطنته التي كان يضرب بها املثل في زمانه ،وإليه ترجع بدايات العلوم
ّ العربية فكان واضعا لعلم العروضّ ،
ومؤسسا للمعاجم العربية من خالل كتابه (العين) ،وباحثا لغويا
ّ
مخلدة ،وفي علوم ّ ّ
الصرف الكثير ،من خالل ترتيب األصوات ،ودراسة قدم في علم األصوات جهودا
أبنية الكلمات وغيرها.
دون سيبويه ما أخذه عن أستاذه الخليل ،في كتابه (الكتاب) الذي ّ
يعد بداية االنطالق ولقد ّ
ّ
للدرس ال ّنحوي ،فكل ما كتبه سيبويه في كتابه من قواعد وأصول للسماع والقياس ،والعلة
الجاد ّ
يعد عند الكثير األب الروحي ّ
للنحو العربي. والعامل رويت وأخذت عن الخليل ،ولهذا ّ
وقد وقف الدكتور مهدي املخزومي وقفة متأمل لهذه الشخصية العلمية الفذة؛ معجبا بما
قدمه للتاريخ العلمي العربي ،من خالل كتابه (الخليل بن أحمد الفراهيدي :أعماله ومنهجه) الذي ّ
ّ ّ ّ
ثم ألف كتابه (الخليل بن يعد ّأول عمل أكاديمي في مسيرته البحثية نال من خالله درجة املاجستير،
أحمد عبقري من البصرة) الذي ّ
يدل على مدى احتكاك املخزومي بثقافة الخليل ،ورغبته في تناول
متتبعا ملا أبدعه فكر الخليل ّ
فحقق له كتابه معجم (العين) رفقة وظل ّالنحو السليم مباشرة منهاّ ، ّ
الدكتور إبراهيم ّ
الس ّ
امرائي.
ّ
ورأى املخزومي ّأن االطالع على ما جاء به الخليل ليس بسهل ،فال بد من تظافر الجهود لجمع
وإن دراسة ((إن اإلملام بأعمال الخليل غاية ليس من اليسير تحقيقهاّ ،
مادته وعلمه .يقول في ذلكّ : ّ
َ
تفرقت بين متخصص واحد ،يضاف إلى ذلك ّأن كثيرا من آرائه كانت قد ّ ّ أعماله ل َتحتاج إلى أكثر من
للدارس أن يقف عليها… وال يكفي كتاب سيبويه في تيسر ّ
بطون الكتب ،وذهب بها تقادم العهد ،ولم ّ
ّ
بكل آرائه ،أو اإلحاطة بكل أقواله ،فلم يكن الخليل في هذا الكتاب إال نحويا)) .1كما أور ّد في
اإلملام ّ
النحوية التي تظهر مدى تأثر النحوي وفيما يلي نذكر القضايا ّ كتبه آ اء للخليل وعليها بنى د سه ّ
ر ر
املخزومي بالفكر الخليلي:
1املخزومي ،مهدي ،الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه- ،بيروت – لبنان ،دار الرائد العربي ،ط1406 ،2ه1986/مّ ،
مقدمة
الكتاب.
46
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ
-1حول أصل نشأة اللغة:
ّ نشب منذ األ مان بين الباحثين العرب والغرب على ّ
حد سواء خالف حول أصل نشأة اللغة، ز
ّ ّ
وقد ساقهم البحث فيها إلى نظريات مختلفة .فقد ذهب علماء العربية قديما إلى أن اللغة إلهام إلهي
آلدم ،وقد قال بهذا علماء غربيون وشرقيون ،قدماء ومحدثون ،ومن العرب الفقهاء أمثال عبد هللا
ّ ّ
بن عباس ،ومن األصوليين ابن الحاجب كما نادى بهذا الرأي األشاعرة ،واملتكلمين ،فقد رأوا ّأن اللغة
(الصاحبي)(( :اعلم أن لغة العرب ّ توقيف من هللا تعالى فهو صانعها ،يقول ابن فارس في كتابه
اء ُكلا حها ﴾ ،1كان ابن عباس يقول :علمه األسماء كلها
حْسح ح توقيف ،دليل ذلك قوله تعالى ﴿ حو حعلا حم ح
آد حم ْاَل ْ
وهي هذه األسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض ،وسهل وجبل ،وحمار ،وأشباه ذلك من األمم
وغيرها)) ،2فظاهر النص ّأن األسماء كلها معلمة من عند هللا ،وكذلك األفعال والحروف التي ّ
تعد من
ّ
اللغة ،وغير ذلك ّ
فإن التكلم باألسماء وحدها متعذر.3 األسماء ،والتمييز بينها من فعل النحاة ال
ّ
وذهب آخرون وأكثرهم املعتزلة إلى القول بنظرية االصطالح واملواضعة ،بحيث ّأن اللغة
ظاهرة اجتماعية نشأت نتيجة حاجة الناس للتعبير ّ
والتواصل ،4ومن هؤالء الفارابي الذي يقول
مرجحا نظرية االصطالح(( :فهكذا تحدث أوال حروف تلك األمة وألفاظها الكائنة عن تلك الحروف،
ويكون ذلك أوال ممن اتفق منهم ،فيتفق أن يستعمل الواحد منهم تصويتا أو لفظة في الداللة على
ش يء ما عندما يخاطب غيره فيحفظ السامع ذلك ،فيستعمل السامع ذلك بعينه عندما يخاطب
املنش ئ األول لتلك اللفظة ،ويكون السامع األول قد احتذى بذلك فيقع به ،فيكونان قد اصطلحا
وتواطآ على تلك اللفظة ،فيخاطبان بها غيرهما إلى أن تشيع عند جماعة ،ثم كلما حدث في ضمير
إنسان منهم ش يء احتاج أن يفهمه غيره ممن يجاوره ،اخترع تصويتا فدل صاحبه عليه وسمعه منه
ا
فيحفظ كل واحد منهما ذلك وجعاله تصويتا داال على ذلك الش يء ،وال يزال يحدث التصويتات واحدا
بعد آخر ممن اتفق من أهل ذلك البلد ،إلى أن يحدث من يدبر أمرهم ويضع باإلحداث ما يحتاجون
إليه من التصويتات لألمور الباقية التي لم يتفق لها عندهم تصويتات دالة عليها ،فيكون هو واضع
47
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
لسان تلك األمة ،فال يزال منذ أول ذلك يدبر أمرهم إلى أن توضع األلفاظ لكل ما يحتاجون إليه في
ضرورية أمرهم)).1
ّ ّ
بأن اللغة نشأت نتيجة محاكاة وذهب فريق منهم أمثال الدكتور إبراهيم أنيس إلى القول
بتطور اإلنسان وحياته االجتماعيةّ ،
وتبدل رغباته، وتطورت ّ اإلنسان وتقليده ألصوات الطبيعةّ ،
عما يخالج ّ
النفس.2 وحاجته إلى ّ
التعبير ّ
الدكتور مهدي املخزومي ّأن الخليل بن أحمد الفراهيدي من األوائل الذين أدركوا ّأن
ويرى ّ
للطبيعة ،وينفي نسبتها البن جني(ت392ه) الذي ذكر هذه ّ ّ ّ
النظرية في كتابه أصل اللغة محاكاة
(الخصائص)ّ ،
ألن ابن جني قد عرضها على ّأنها رأي قديم دون أن ينسبها إلى قائل بعينه ،وجعلها وجها
صالحا ،ومذهبا ّ
متقبال.3
ّ ّ ّ ّ
اللغة ّ وإن لم يكن الخليل قد ّ
تامة كاملة إال أنه ملح لها وبدت ماثلة في قدم نظريته حول نشأة
النظرية يجده قد أشار إليها ،وبالتاليواملتتبع ألقوال الفراهيدي في نظر املخزومي حول هذه ّ
ّ ذهنه.
الدارس أن ينسب هذا الرأي مطمئنا للخليل ،فهو صاحب هذا الرأي بين علماء العربية.4 يستطيع ّ
ّ
فقد جاء القرآن الكريم ُمحدثا حركة نقلية لتاريخ اللغة العربية ،معتمدا على األدوات الصوتية
التي كان يألفها الشاعر العربي في بيئته ،من إيقاع ،ووزن وقافية ،كما بدأ الخليل دراسته بما يجب
ّ
بحواسه علما يحاكي فطرة اإلنسان العربي وسليقته ،فعم َل أن يبدأها فدرس علم األصوات ،وأدرك
ّ
الحسية ومدلوالتها ثم ّ
تطورت حتى تباعد ما بين مدلوالتها األولى على مماثلة األصوات املسموعةّ ،
ّ ّ ّ الريح وحنين ّ
املعنوية ،كذوي ّ
ثم ولدت اللغات الرعد ،وخرير املاء ،وشحيح الحمار ،ونعيق الغراب،
بعد ذلك ،5فهذه النظرية تبسط أوال من خالل مجهر الزمانية في البحث عن نقطة التولد في أصل
النشأة ،6وينزل الخليل قضية املحاكاة في سياق التماثل الحاصل بين األلفاظ واملعاني على أساس
(املضهاة) بين أجراس الحروف وأصوات األفعال التي تعبر األجراس عنها ،وحينئذ تغدو قضية التماثل
مظهرا دالليا في ارتباط الدوال باملدلوالت ،ولعله ّأول القائلين بهذا الرأي بين علماء العربية ،ولم
ّ 1جالل ّ
الدين السيوطي ،املزهر في علوم اللغة ،ج ،01ص .18
2ينظر :داللة األلفاظ ،إبراهيم أنيس ،مكتبة األنجلو املصرية ،القاهرة ،دط1997،م ،ص.21
جني ،عالم الكتب بيروت ،ط1427 ،1هـ2006/م ،ص.76 النجار ،عثمان أبو الفتح ابن ّ 3ينظر :الخصائص ،تح محمد علي ّ
4مهدي املخزومي ،الفراهيدي عبقري من البصرة ،دار الشؤون الثقافية ّ
العامة ،بغداد ،العراق ،ط1989 ،02م ،ص.53
جني ،ص.46/1 .5ينظر :الخصائص ،ابن ّ
ّ
املسدي ،التفكير اللساني في الحضارة العربية ،الدار العربية للكتاب ،ليبيا ،تونس ،ط1981 ،1م ،ص.79 6عبد السالم
48
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
يسبقه غيره إليه ،1ومن األمثلة التي استشهد بها على وجود العالقة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله
قوله(( :يقولون :صل اللجام صليال ؛ فلو حكيت ذلك وتثقلها ،وقد خففتها من الصلصلة ،وهما
جميعا صوت اللجام ؛ فالتثقيل ّ
مد ،والتضعيف ترجيع))2.
والذين ذهبوا إلى القول ّإن ظاهرة اجتماعية ،ظهرت حكاية لألصوات املسموعات من الطبيعة
ّ ّ
والحيوان ،واإلنسان رأوا ّأن املناسبة بين اللفظ واملعنى طبيعية ،فاللفظ هو مجموعة من األصوات
التي حوكي بها املسموع من أصوات اآلدميين والحيوانات.
ّ
ويرى املخزومي ّأن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان ّأول الذاهبين إلى وجود العالقة الطبيعية
ّ جني عن الخليل في هذه ّ واحتج في ذلك بما نقله ابن ّ
ّ ّ
((صر الجندب النظرية: بين اللفظ ومعناه ،
ومداّ ،
وتوهموا في صوت توهموا في صوت الجندب استطالة ّ كأنهم ّصريرا ،وصرصر األخطب صرصرةّ ،
األخطب ترجيعا)) ،4وقال عن نون التوكيد الخفيفة والثقيلةّ (( :إنهما للتوكيد ،كما التي تكون فصال،
ؤكد ،وإذا جئت بالثقيلة فأنت ّ ُ ّ
أشد توكيدا)) ،5ورأى في أقوال أخرى فإذا جئت بالخفيفة فأنت م
ّ نسبها ابن جني إلى سيبويه ّأن مصدرها الخليل الذي ّ
مهد لهذه املدرسة السبيل إلى دراسة اللغة على
49
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ
أساس هذا املبدأ القائم على أساس من حكاية اللغة لألصوات ،ووجود املناسبة الطبيعية بين
األلفاظ ومدلوالتها1.
ّ
غير ّأن املخزومي قد جعل من القول بنظرية محاكاة أصوات الطبيعة في نشأة اللغة مالزما
ّ ّ
للقول بالعالقة الطبيعية بين اللفظ واملعنى ،وهو ما تنفيه اللسانيات الحديثة ،فقد رفض ديسوسير
(( Ferdinand de saussureالقول باملناسبة الطبيعية التي تجمع ّ
الدال واملدلول ،واعتبر العالقة
يدل على املدلول .2ونقصد بذلك بينهما عالقة اعتباطية ،بحيث ال يوجد في سلسلة أصوات ّ
الدال ما ّ
حدد ديسوسير ّ ّ
معلل ،ولقد ّ ّأن العالقة بين الدال واملدلول هي ّ
تصوره من خالل مجرد اصطالح غير
ّ
معين ،بحيث ّأن ركيزته املادية هي الصوت))،3
اللغوي ((الذي يدل على ش يء أو معنى ّ تحديده للدليل
فالدليل ّاللغوي ّ
يعبر عن الصورة الذهنية ،وهي املدلول ،والصورة الصوتية وهي الدال ،وبالتالي َي ُ
عد
ّ ّ
ومسماه) ،وهذا الوصل يكون بكيفية ديسوسير هذا الدليل همزة وصل بين الصوت (أي اللفظ
فإن العالقة بين الدال واملدلول عالقةالدليل االعتباطية ،وبالتالي ّ
اعتباطية ،فمن خصائص هذا ّ
ّ
معللة منطقيا ،يقول (( :وهكذا ّ
فإن معنى لفظ أخت ( )sœurليس اعتباطية غير طبيعية ،وغير
بأية عالقة قد نتخيلها موجودة ،داخل سلسلة أصوات لفظ األخت ،S-O-Rوهي أصوات مرتبطا ّ
َ
اتخذت وسيلة كصوت دال))، 4فلو كانت هناك عالقة بين الدال واملدلول ،ملا كانت املسميات
ألن كلمة (أخت) بالعربية ليست هي بالفرنسية )(Sœurوليست هي تختلف من لغة ألخرى ّ
باإلنجليزية).(Sister
ّ
-3الدرس النحوي الشامل(املتكامل):
ذكر املخزومي ّأن ما جاء به الخليل ،لم يكن نحوا خالصا محضا ،بل كان بمثابة درس لغوي
ّ
النحو والصرف وعلوم األصوات ،وغيرها من علوم اللغة ،ورأى ّأن كتاب سيبويه
ونحوي شامل يجمع ّ
للنحو ،مسائل لغوية وصرفية ،ور ّد هذا العرض لكون ّ
النحو جاء في بداياته وسط قد عرض باإلضافة ّ
بيئة عربية بعيدة عن البحث العلمي ال دراية لها بمناهج البحث ،ثم جاء دارسون آخرون وتناولوا
ّ
اللغوي في املنهج الكالمي فأغراهم منه ّ ّ
تتبع الفلسفة واملنطق حتى غلوا فيه غلوا ذهب بالدرس الدرس
50
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
للنحو خالف ما سلكهالنحوي إلى معاناته ،وبذلك يرى املخزومي ّأن منهج الخليل بن أحمد في عرضه ّ
ّ
مما أصبحت الحاجة ّ
ماسة إلى تفريق املوضوعات التي تناولها الخليل ّ
والفراء ،حتى الذين من بعدهّ ،
الدارس موضع قدمه ،ليكون درسه أوضح حدودا ّ
وأعم فائدة ،وإلى أن ينبري ّ
لكل موضوع يعرف ّ
كل فريق منهم موضوعه بإحاطة وعمق ،لكي يتعاون ّ
الدارسون جميعا في ّ
مختصون ،يتناول ّ دارسون
وبالرغم من تناول الخليل ّ
الدرس للدارسين بحث لغوي ناضجّ .1 تقديم ما يحصلون عليه ،ليتم ّ
قدم في ّ ّ
إال ّأنه ّ ّ
النحو لذاته والصرف لذاته وعلم الصوت لذاته ما يلي: النحوي مختلطا
ّ -1
الدرس الصوتي:
ّ ّ
الدراسة اللغوية األولى التي يعنى بها اللغويون ،وبها َيعرف ال ّدارس كثيرا
والد اسة الصوتية هي ّ
ر
ّ
ّ ّ
اللغوية التي ُتد س في كتب ّ
الصوت اللغوي؛ ُوي َع ّد
الدرس هو ّ النحو .2وموضوع هذا ّ
ر من الظواهر
وأول من ّنبه للدراسة الصوتيةّ ،الخليل بن أحمد الفراهيدي ّأول عالم من علماء العربية عرض ّ
ََ َ ّ
التف َت ولفت إلى الصوت اللغة وفقه بنائها العامّ ،
وأول من األذهان إلى جدوى هذه ّ
الدراسة لفهم
ّ ّ
اللغوي وأهميته في ّ
الدراسة اللغوية ،وإلى دراسة مخارج الحرف ،وصفاتها ،وتمازج بعضها مع البعض.
ّ ّ ّ ّ
وقد ذهب املخزومي إال أنه لم يكن لعلم األصوات اللغوية عند الغربيين تاريخ بعيد ،إال ما
أخذوه عن اليونان الذين درسوا الظواهر من ناحية السماع فقط ،فلم يتناولوا دراسة األصوات من
ّ حيث مخارجها ،وال من حيث صفاتها ّ
بالصورة التي ّتمت على يد الخليل ،فلم يسبقوا الخليل إال بهذه
وخلفوا ما ّّ َ ّ
سمي عند املحدثين بعلم استكملوا ما تناوله اليونانيون، الدراسة ما سبقه الهنود ،ملا
ّ
الدراسة إال ّأن
تعددت مصادر هذه ّ األصوات الوصفي ،( Description phonétique) :ومهما ّ
املخزومي جعل الخليل ّأول من عرض لها بين علماء العربية ،ورفض أن يكون الخليل قد تأثر بعمل
ّ ّ من سبقه ،أو وقف على ما أنجزه اليونان والهنود ّ
مما يتعلق باألصوات اللغوية.3
لقد بدت مالمح الدرس الصوتي في أعمال الخليل واضحة ّ
جلية من خالل ضبطه ملخارج
الحروف وصفاتها وإعادة ترتيب األصوات بدأ من حروف الحلق وصوال إلى الحروف الشفوية ،4فبعد
انتهائه من مراقبة الحروف أثناء إخراجها ،وتحديد مخارجها ،ومالحظة ما لها من صفات أخذ يراقب
1ينظر :في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.27-25
2املصدر السابق ،ص .27
3ينظر :الفراهيدي عبقري من البصرة ،ص.42-41
4ينظر :املصدر السابق ،ص.42
51
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ
األصوات حين تتآلف وتتجاور ،ومنها من تتنافر فتحدث عثرات في اللسان ،كتجاور الهاء والعين في
ُ ُ
الهعخع ،التي أنكر الخليل تأليفها.1 كلمة واحدة ،وليس بينهما فاصل نحو:
ّ ّ
وخلص إلى ّأن األصوات تتفاعل فيما بينها ،وألجل هذا ترتبت ظواهر لغوية تفطن لها الخليل
وهي :اإلدغام واإلبدال واإلعالل ،وقد ذهب مهدي املخزومي إلى ّأن هذه الظواهر ّ
ترتبت على ما
للدراسة كما فعل علماءلألصوات من خصائص وصفات كما يرى ّأن جعل هذه الظواهر موضوعا ّ
التوهم لم يعمل به الخليلّ ،
ألن موضوع دراستهم هو بنية الكلمة ،وما يعرض التصريف هو ضرب من ّ ّ
التخليط الذي وقع فه علماء ّ
التصريف إلى ّأنهم لم تغير في وزنها ،أو يادة في أصولها ،ور ّد هذا ّ
لها من ّ
ز
ويدل على أ ّنهم لم ّ
يتفهموا ما كان يرمي إليه يقيموا دراستهم على فهم واع لحدودها وموضوعاتهاّ ،
ٍ
الخليل.2
ّ
تأثر الدكتور مهدي املخزومي بمنهج الخليل ،ودعا إلى إعادة دراسة اللغة العربية وفق منهجه،
الصوتية ،وعرض لهذا الرأي في َالدراسة ّ ّ
اللغوي ،هي ّ كون ّ
كتابيه الدراسة األولى التي يجب أن يعنى بها
الصوت،مهد فيه لدراسة ّ النحو العربي نقد وتوجيه) َو (في ّ
النحو العربي قواعد وتطبيق) حيث ّ (في ّ
ّ
إال في موضعين :حين ّ
عد الهمزة ّأول َومخارج الحروف ،فلم يخالف الخليل بن أحمد في هذا ّ
التمهيد
الحلقية ،وحين ّ
قدم الهاء على العين في ترتيب أحرف الحلقّ ،
مرجحا ترتيب سيبويه وابن الحروف َ
ّ
جني في ذلك.3
ّ -2
الدرس الصرفي:
ّ ّ والد ّ اسة الصرفية هي ّ
الدراسة اللغوية الثانية التي يعنى بها اللغويون بعد دراسة األصوات، ر
تضمنته من اشتقاق ونحت وتركيب.وما ّ
الصوت كانت قد سقطت منألن دراسة ّ الصرف د اسة واعية في نظر املخزوميّ ،
ولم ُيدرس ّ
ر
شدة ّاتصالها ّ
بالدرس الصرفي والفراء وتالميذهما ،والتفتوا إلى ّ حساب ّ
الدارسين ،وإن بدأها الخليل ّ
الد استين من ّاتصال وثيق ،وأهملوا ّ
الدرس ّ ّ ّ ّ
الصوتي، والدرس النحوي ،لهذا لم يدرك الخلف ما بين ر
وصرفوا جهودهم إلى دراسة الكلمة وما يعرض لها.
52
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
الدرس ّ
الصرفي هو الكلمة املفردة التي يبحث في بنيتها ووزنها واشتقاقها ،وفي ّ
تجردها وموضوع ّ
تتعلق بعلم ّ ّ وزيادتها إلى غير ّ
الصرف.1 مما يتعلق بالكلمة ،وغيرها من القضايا التي
ّ
وكان هذا منهج الخليل الذي وافقه فيه املخزومي وسار على خطاه؛ في حين رأى ّأن املتأخرين
الدرس الصرفي، النحو كاإلدغام واإلعالل واإلبدال في ّ
النحاة تناولوا مواضيع لغوية تد س في كتب ّ
من ّ
ر
واع لحدودها وموضوعاتها ،يقول حاتم فهم على استهم
ر د يقيموا لم هم يدل على ّ
أن واعتبره تخليط ّ
ٍ
ُ الضامن وهو من تالميذ املخزومي(( :موضوع علم ّ ّ
الصرف هو املفردات العربية من حيث البحث،
ُ
البحث عن أحوالها العارضة لها من ّ عن ّ
صحة وإعالل كيفية صياغتها إلفادة املعاني ،أو من حيث
ونحوهما)).2
يقل بناؤه عن ثالثة أحرف ،بينما ذهب املخزومي إلى ّأن مثل
رأى الخليل ّأن االسم في العربية ال ّ
َ
هذه الكلمات ثنائية ،فإذا أريد جمعها زيد في آخرها واو أو ياء نحو :أيدي ،ودماء بإبدال الهمزة من
الواو.3
ّ ّ -3
الدرس النحوي:
ّ
اللغوي ،فال يمكن للباحث أو ّ وهو الحلقة الثالثة من حلقات ّ
الدارس في علوم العربية الدرس
أن يبحث في التراكيب ّ
النحوية ،أو يدرس الكلم ضمن هذه التراكيب دون أن يلج املراحل السابقة،
الصوتية ،وبعدها ّ
الدراسة ّ
الصرفية. الدراسة ّونقصد بذلك ّ
الد س ّ
النحوي بدأ ّأول ّ ّ ّ ّ
مرة مع عبد هللا بن أبي إسحاق ذهب الدكتور مهدي املخزومي أن ر
مد القياس والعلل ،ور ّددوا له أقواال هي منالحضرمي (ت117ه) الذي َنسب إليه النحاة قديما ّ
النحو بمعناه الخاص ،معتمدين على ُ
النقول املنسوبة إليهم في كتاب (الكتاب) لسيبويه،4 موضوعات ّ
كما ّأرخ لطبقة الحضرمي ،وعيس ى بن عمر(ت149ه) ،وأبي عمرو بن العالء(ت154ه) ،بعدما ّ
دون
النحوية ،وإن كان نحوهم ال ينتظم أبواب ّ
بالد س املسائل ّ
ّ
النحو ومسائله. عنهم ّأنهم تناولوا ر
1ينظر :في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.28 ،27
2حاتم ّ
الضامن ،الصرف ،دار الحكمة ،املوصل ،العراق ،ط1991 ،01م ،ص.13
3في ّ
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص.44
4الفراهيدي عبقري من البصرة ،ص.75
53
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
النحو ونضج ،فتا يخ ّ
النحو جملة فإذا جاء عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي ،اكتمل ّ
ر
ّ
وتفصيال كان نتاج فكر مبدع خصب من أقوال وآراء وتعليالت وقياسات ،وردت كلها في (الكتاب)
النحو الذي نعرفه مسائل وأصوالّ ،
وألن الخليل إذا قيست أعماله بأعمال من دون فيه سيبويه ّ
الذي ّ
النحوي نقلة،الد س ّ
ّ
سبقه ،كان املبدع لهذا العلم ،لفرط ذكائه ،وثقوب ذهنه ،وسعة عقله ،فنقل ر
الدرس مثلها سرعة ورسوخا ،فقد درس نحو العربية من حيث يجب أن يدرس ،فبدأ لم يشهد تا يخ ّ
ر
النحوي الخالص ،ثم درس الجملة وأنواعهاّ ، الد س ّ
ّ ّ
وتطرق بالكلمة مؤلفة في الجملة ،وهو موضوع ر
إلى عالقة الكلمات بعضها ببعض في ثنايا الجملة ،وبسط املعاني اإلعرابية ،والعالمات ّ
الدالة عليها،
مهد لنظرية العاملّ ، ّ
تؤثر في الكلمات حين تتجاور في الكالم ،كما ّ
وتحدث عن أنواع واملؤثرات التي
اللفظية ،وأنواع املعربات ،واستوعب بعض األساليب ّ ّ
النحوية كاالختصاص والتحذير الذم العوامل
ّ ّ واملدح .1واهتدى إلى كثير من مسائل ّ
النحو إن لم نقل جلها أو كلها.
لهذا كان يرى املخزومي ّأن ترتيب املستويات الثالثة كما ّ
تطرق إليها الخليل ،ضرورة للباحثين
ّ اللغة العربية ،وكتاب (الكتاب) كما وضعه سيبويه ،حوى هذه ّ ّ
الدراسة كاملة متكاملة ،إال في علوم
النحوي في بداية الكتابَ ،تلت ُه املوضوعات ّ
الصرفية ،وانتهى الد س ّ
ّ ّ
ّأنها جاءت غير مرتبة ،فقد جاء ر
مرتباّ ،ّ ي ّ الصوتي ،فلو بدأنا قراءة (الكتاب) من آخره لكان ّ ّ
بالدرس ّ
ولعل هذا الترتيب الدرس اللغو
ّ
كان من فعل النساخ ال غير.2
ّ
يؤكد ّ ّ ّ
صحته وإسنادا يق ّويه، إن القول بترتيب (الكتاب) كان من فعل النساخ يحتاج إلى ٍ
دليل
وهذا الذي ال نجده عند املخزومي أثناء طرحه القضية ،فالغالب ّأن ترتيب (الكتاب) هو من فعل
سيبويه ال ّ
النساخ.
ّ
-4املصطلح النحوي:
الد س ّ
النحوي ،فهو يساعدنا في معرفة كثير ّ ُ ّ ّ
إن تحديد مصطلحات النحو له أهمية كبيرة في ر
ّ
الخاصة التي للنحوّ ،
فلكل مصطلح داللته من املفاهيم ،التي نصل من خاللها إلى الفهم الصحيح ّ
النحوي من أكثر القضايا التي َ
تحدث فيها النحاة ،بحيث نلحظ ويعد املصطلح ّ
تختلف من علم آلخرّ ،
54
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ويعد الخليل بن أحمد الفراهيدي ّأول واضع ملصطلحات ّ
النحو نقلها عنه تلميذه سيبويه ّ
بالرفع ّ
والنصب بأمانة في كتابه (الكتاب) ،فإليه يرجع الفضل في تسمية عالمات اإلعراب في األسماء ّ
والخفض ،وتسمية عالمات البناء ّ
بالضم والفتح ،والكسر ،وهو من أطلق على ّ
السكون وقفا ،وغيرها
من املصطلحات التي استخدمها املخزومي ووقف عليها ،وسعى إلى تصحيح نسبتها إلى الخليل ،فأحيا
منها ما طالت عليه األزمان ،وتتابعت بعده املصطلحات فجعلته غابرا ال يؤخذ به ،فهو إن كان لم
ّ ّ
يفرد بابا للحديث عن هذه املصطلحات في كتبه ،إال أنه أشار إليها بين ثنايا دراسته.
وفيما يلي نقف على بعض املصطلحات التي ّ
تحدث عنها املخزومي ونسبها للخليل:
ّ
التشريك :سبق وذكرنا هذا املصطلح الذي نسبه املخزومي للخليل ،وليس في حديثه ما ّ
يدل .1
على نسبته للخليل ،كما ذكر رياض ال ّ
سواد الذي نسب بعض املصطلحات إلى الخليل ،وهي
ثم زعم ّأن املخزومي قال بها إحياء
في حقيقة األمر منسوبة ألهل الكوفة كاإلضافة والكنايةّ ،
لتراث الخليل.1
الخالف:
ِ .2
يعد هذا املصطلح من أهم مصطلحات ّ
النحو الكوفي ،وهو نوع من أنواع العوامل املعنوية ّ
التي شاع استخدامها عند نحاة الكوفة ،والخالف هو أن يكون في الكالم ما يوهم اشتراك كلمتين
األول في حركة إعرابه ،وهي ّ
تعد قرينة على هذا االختالف في الحكم ،لكن الثاني منهما يختلف عن ّ
ّ
في الحكم ،وقد أعمله الكوفيون في أربعة مواضع هي :املفعول معه ،الظرف املنصوب الواقع خبرا،
ّ املضارع املنصوب بعد واو أو فاء ّ
الس ّ
ببية في سياق الطلب.
والخالف مصطلح لم ُيقل به البصريون ،إذ ذهب املخزومي إلى ّأن الكوفيين ّ
تصيدوه من كالم
وطبقوه في موضوعاتهم ّ
النحوية ،كما ذهب إلى إمكانية توسيعه الخليل في حديثه عن االستثناءّ ،
ّ
ب(إال) ،وخبر(ليس) ،و(ما الحجازية) ،وال فرق عنده بيم مصطلحي ّ
الصرف والخالف ليشمل املستثنى
فمالكهما واحد.2
واملالحظ ّأن اختيار املخزومي لهذه املصطلحات نابع من تأثره الكبير بالخليل بن أحمد
خاصة ّ
وأن هذه املصطلحات أخذ بها الكوفيون فكانت أقرب إلى طبيعة الفراهيدي ،وولعه بعلمهّ ،
النحوية ،رياض ّ
السواد ،ص.49 ،48 1ينظر :مهدي املخزومي وجهوده ّ
ّ
اللغة ّ
والنحو ،ص.298 ،297 ،294 2ينظر :مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة
55
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ
اللغة التي د سها الخليل ،وبالتالي ّ
فإن البصريين هم من خرجوا عن األصل وجعلوا ألنفسهم ر
مصطلحات بنوها نتيجة تصوراتهم الفلسفية وتأثرهم بعلوم العقل واملنطق.
56
املبحث الثاني
ّ أثراملذهب الكوفي في ّ
الدرس النحوي عند املخزومي
ّأوال-مد سة الكوفة ّ
النحوية. ر
النحو البصري قد تهيأت له الظروف أن ينضج ويرسم معامله رفقة الخليلعلى الرغم من ّأن ّ
وتلميذه سيبويه ومن جاء بعدهم ،في الوقت الذي كانت فيه الكوفة مقرا ّ
للدراسات القرآنية وتفسيره
َ
والتفت علماؤها التفاتة جادة لهذا ّ ّ
إال ّأنها ما لبثت أن عرفت ّ
الدرس؛ فشرعوا النحو ورواية الشعر،
مع بداية القرن الثاني للهجرة ،بإنشاء مدرسة نحوية ألنفسهم ،ورسموا لها منهجا جديدا بطابع
النحو ألعالمه ،فورد في كتباملؤرخون في نسبة هذا ّ
خاص أملته عليهم ظروف املنطقة .وقد اختلف ّ
وأن مد سة الكوفة ّ
النحاة ّ ّ
الطبقات أسماء لبعض الكوفيين أوا ّأنهم كانوا من ّ
النحوية كانت قد بدأت ر ر
ّ الهراءّ ،
الرواس ي ،ومعاذ ّ بهم أمثال :أبو جعفر ّ
وعدهما محمد الطنطاوي في الطبقة األولى من نحاتها.1
النحو الكوفي كان مع علي بن حمزة الكسائي ،وتلميذه ّ
الفراء، الدكتور شوقي ضيف ّأن بداية ّ ويرى ّ
ويرجع لهما الفضل في رسم منهجه ،ووضع أصوله ،حتى استقل بخصائصه عن نحو البصرة .2وهذا
ّ
الظن ّأن الكسائي وتلميذه ّ
الفراء هما ّ
املؤسسان الحقيقيان ما ّأرخ له مهدي املخزومي بقوله(( :أكبر
لهذه ّ
املدرسة)).3
خاصة ّ
وأن ّ والراجح ّأن مدرسة الكوفة لم تنشأ من عدم ،بل ّ
تفرعت عن مدرسة البصرة ّ
األول لها هو األخفش األوسط(215ه)ّ ،4
ولكن نشأتها الحقيقية كمدرسة ذات أصول وقواعد املوجه ّ
ّ
ّ
مستقلة ظهرت مع الكسائي(18ه) وتلميذه ّ
الفراء(207ه).
ّ
.1مدرتة الكوفة النحوية:
النحوية وقفة دارس دؤوب على كل ما الدكتور مهدي املخزومي أمام هذه املّد سة ّ
لقد وقف ّ
ر
ّ
وحللّ ، النحويّ ،
فركز ّ للد س ّّ
وفسر ،وقارن ،ونتاج ذلك كتاباه ومحص، جاءت به من قواعد وأصول ر
النحوي في بغداد) ،وقد ّ
(الد س ّ ّ ّ ّ
األول ّأول
عد ّ (مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو) و ر
كلية اآلداب بجامعة القاهرة ليحصل على درجة الدكتوراه سنة 1953م. قدمه إلى ّبحث جامعي ّ
58
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
تجسد في الد س ّ
النحوي عند النحو بعد الخليل الذي ّ استطاع من خالله الوقوف أمام تا يخ ّ
ر ر
تتبع حركة ّ
النحو الكوفي وخصها ّ
بالدراسة(( ،فكل راغب اآلن في ّ ّ الكسائي ّ
والفراء متأثرا بمنهج الكوفة
منذ نشأته في القرن الثاني إلى نهاية القرن الرابع الهجري أو بعدها بقليل ،ال يجد مرجعا أوفى ،وال
ّ
اللغة العربية ّ تاريخا أشمل ّ
أجل خدمة، وأدق ،من هذا البحث الذي خدم به الدكتور مهدي املخزومي
ّ ّ
وأحقها بالذكر)) .1وجدير بالذكر ّأن مهدي املخزومي قد أنصف نحو الكوفة إنصافا علميا لم يعهد
والنصوصوبين اعتمادها على الرواية ّ النحو من قبل ،فعرض لطبيعة ّ
الدراسة الكوفيةّ ، في كتب ّ
القرآنية ،والنثر والشعر ،أكثر من اعتمادها على األقيسة ّ
النظرية واملنطقية التي عمل بها نحاة
البصرة ،وهذا ما استحسنه املخزومي ،كما درس كثيرا من املسائل النحوية عند نحاة البصرة
والكوفة ور ّجح آراء الكوفة ّ
وفضل أغلبها.
النحوية تبتدئ بالكسائي ،فهو عالم أهل الكوفة وإمامهم، أى املخزومي ّأن مد سة الكوفة ّ
ر ر
بالرعايةّ ،الفراء من بعده ّ ّ
تواله ّ الذي نهج ّ
وعدهما على رأس هذه املدرسة وإليهما بالنحو منهجا جديدا
ّ
يعزى تأسيسها وتنظيم منهجها ،وبهما يبدأ تاريخها ،يقول(( :أكبر الظن ّأن الكسائي وتلميذه الف ّراء
ّ
الدقيق الد اسة)) ،2ويقول(( :وال نكاد نعرف في الكوفة نحويا باملعنى ّ
ّ هما ّ
املؤسسان الحقيقيان لهذه ر
متطور قبل الكسائي انتقل من ّ لهذه الكلمة ،قبل الكسائي...كذلك ال نكاد نرى أثرا لنحو كوفي
العامة))ّ 3
.ويرد على املزاعم التي مجرد خطرات جزئية إلى مجموعة من األصول ّ للتعقيد ومن ّالبساطة ّ
النحوية ،القول ب ّأنها بقيت قرابة قرن ونصف من ساق املخزومي في تأ يخه ملد سة الكوفة ّ
ر ر
َ ّ الزمن ،وانتهى نشاطها ّ
واألئمة الثالثة الذين ُبدئت
ّ النحوي واللغوي في أواخر القرن الثالث للهجرة،
تأسست هم الكسائي ّ ُ
وخ َتمت بهم وعلى آرائهم ّ
والفراء وأحمد بن يحيى ثعلب ،ويذكر وجود نحاة إلى
ّ
إال ّأنهم ّ
ممن خلطوا بين املنهجين الكوفي والبصري فنتجت عن آرائهم مدرسة بغداد جانب هؤالء،
59
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ
إال ّأنه أعاد ّ ّ
النظر في حقيقة وجود هذه املدرسة إلى جانب الكوفة والبصرة حين كتب كتابه النحوية.
النحوي في بغداد) ور ّد مزاعم القائلين بوجودها آنذاك. (الد س ّ
ّ
ر
60
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ترخيم ما كان على ثالثة أحرف وهو ،مذهب الخليل وسيبويه)) ،1وهذا جعل املخزومي يتعرض
للتناقض والتضارب في آرائه ،فقد أنكر املخزومي أن يكون الخليل بصريا حين قال(( :وأن رأينا ّأن
ّ الخليل بن أحمد لم يكن بصريا ،وال كوفيا باملعنى ّ
الدقيق...وإنما انبعثت عن أعماله مدرستا الكوفة
والبصرة)) .2فكيف تأثر الكسائي بالبصريين مثال في ترك االحتجاج باألحاديث النبوية؟
ّ
اللغةّ ،
فبالرغم من أخذهم كما ر ّجح املخزومي منهج أهل الكوفة ورآه أقرب ما يكون إلى طبيعة
ّ
بالقياس وا ّلتعليل إال ّأنهم ألغوا منهما الخصائص الفلسفية التي ُعرفت عند البصريين.
ّ
ويلخص املخزومي أصول الفكر ّ
النحوي الكوفي في هذه املسائل:3
تحررهم من قيود املنطق والفلسفة التي خضع لها نحاة البصرة الذين كانوا أبعد من طبيعةثالثاّ .
ّ
منهج البحث في اللغة.
بالد س ّ
النحوي. ّ ّ
رابعا .رفض التعليالت التي ال صلة لها ر
ّ
.3مظاهرالتأثربالنحو الكوفي:
بالد س ّ
ّ ّ ّ ّ
النحوي الكوفي ،ومنهجه إن االطالع على ثقافة املخزومي النحوية ّتبين مدى تأثره ر
الذي يعتبر مصد ا مهما من مصاد ه التي بنى عليها د اساته ّ
النحوية ،وفيما يلي نعرض مجموعة من ر ر ر
املظاهر التي تبرز هذا التأثر:
61
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
الشاذة الجامدة ،واسم الفعل هو ما ناب عن الفعل معنى واستعماال نحوّ :ّ
شتان وهي األفعال
تؤدي معنى الفعل ّ
لكنها ال تقبل عالماته ،وليست على صيغته ،وهي عند وصه وأوه ،1وهي ألفاظ ّ
ّ ّ
أف ،وهيصهٍ ،
مهٍ ،
البصريين معدودة في األسماء ألن عددا منها يقبل عالمة االسم كالتنوين ،نحوٍ :
عند الكوفيين أفعال لداللتها على الحدث ّ
والزمان.2
ّ
التعد أفعاال ّ
ألنها وإن ّ
تضمنت معانيها ويرى املخزومي ّأن أسماء األفعال عند البصريين
َ واستعملت استعمالها ال َتقبل واحدة من عالمات األفعال ،وليست أسماءّ ،
ألنها وإن قبلت بعض
تدل على الحدث والزمان ،وهذا عم نراه غير صحيحّ ،
ألن البصريين التنوين ّعالمات األسماء ،وهو ّ
ز
ّيتخذونها أسماء ،يقول سيبويه(( :واعلم ّأن هذه الحروف التي هي أسماء للفعل ،ال تظهر فيها عالمة
املضمر ،وذلك ّأنها أسماء))ّ ،3أما عند الكوفيين فهي أفعال حقيقية ،وذلك لداللتها على الحدث
بالزمان ،وإلجرائها مجرى األفعال في االستعمال ،وهو الرأي الصحيح في ّ
ظن املخزومي4. مقرونة ّ
1ابن هشام األنصاري ،أوضح املسالك إلى ألفية ابن مالك ،ج ،03ص .116
ّ 2أبو البركات ابن االنباري ،اإلنصاف في مسائل الخالف بين ّ
النحويين البصريين والكوفيين ،تح محمد محي الدين عبد الحميد،
مطبعة السعادة ،القاهرة ،ط1380 ،04ه1961 ،م ،ج ،01ص .235
3الكتاب ،ج ،01ص .242
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص .2024في ّ
السابق ،ص.119،116 5املصدر ّ
62
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
والدوام1.ويرى مهدي املخزومي ّأن إسقاط هذه األبنية عند البصريين ليس له ما ّ
يؤيده ال في دراستهم،
ولم يحالفهم ّ
التوفيق في ذهابهم إلى جريان هذا البناء مجرى األفعال ،إذا وقع في سياق االستفهام أو
النفي.2
ّ فعل) (ل َ
ّأما فعل األمر فهو معرب مقتطع من املضارع املجزوم ،فأصل (ا َ
تفعل) ،حذفت الالم
ّ
علل املخزومي ّ
صحة ذهابه إلى لكثرة االستعمال ،فهو إذن معرب مجزوم بالم محذوفة تخفيفا .وقد
فعلية (فاعل) ،استعمال هذا البناء استعمال األفعال في إلحاقها بالفاعل واملفعول ،والنائب عن
الزمن واألفعال ،كما ذهب إلى ّأن الفعل ّ
الدائم مبني، الفاعل ،لتضمنها معنى الفعل وداللتها على ّ
نعته)ّ ،
فإن (عجب ُت من ماهر في َ
ص َ ّ
التغير بالجوار ،فقولنا َ كغيره من األفعالّ ،
وفسر هذا
ٍ
(ع ُ ّ
الذات ّ
ألن األصل فيها قولنا َ
جبت من (ماهر)مجرور باإلضافة بعد (من) ،واملجرور الحقيقي هو
ماهر في صنعته).3
جل ٍ ر ٍ
وقد ر ّجح املخزومي ذهاب الكوفيين إلى القول بعدم اعتبار فعل األمر قسيما للماض ي
واملضارع ،غير ّأنه خالفهم في إعرابه ،وقولهم ّأنه مقتطع من املضارع املجزومّ ،
ألن فعل األمر عنده
ّ محددّ ،إنما ّ
يدل على من ّ
ليس بفعل ،فهو ال ّ
يدل على طلب الفعل فحسب .كما أنه ليس طرفا في ز
اإلسناد ،فهو ال يكون مسندا كغيره من األفعال ،وإسناده إلى ألف االثنين ،أو واو الجماعة ،أو نون
النسوة ،وياء املخاطبة ،أو الضمير املستتر ،ال يعتبرها املخزومي إسنادا ،فهي عنده ّ
مجرد كنايات أو
إشارات ّ
تدل على جنس املخاطب وعدده.4
واملالحظ ّأن املخزومي ّ
تردد في شأن بناء(اف َعل) بعدما أخرجه من جملة األفعال ،فقد ّ
ضمنه
في أبنية األفعال تحت عنوان (أبنية أخرى) في كتابه (في ّ
النحو العربي قواعد وتطبيق).5
1ينظر :في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.125 ،122
2املصدر السابق ،ص .126
السابق ،ص.1393ينظر :املصدر ّ
4ينظر :في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص .120 ،118
5ينظر :في ّ
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص.23،24
63
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
باسم ويسمى املبتدأ والثانية تبدأ بفعل يأتي بعده الفاعل ،بينما ذهب الكوفيون إلى القول بجواز
قام ،بحيث ّأن الجملتين فعليتين و( َزيد) هو الفاعل
قام زيد ،وزيد َ
تقدم الفاعل عن فعله ،نحوَ : ّ
فيهما.
ذهب املخزومي مذهب الكوفيين في جواز تقديم الفاعل عن فعله ،فالجملتان (طلع ُ
البدر)
تأخر في األولى ّّ و(البدر َ
ُ
وتقدم في الثانية، طلع) جملتان فعليتان ،واملسند إليه الذي هو الفاعل
الدارسين فتقديم الفاعل ال يغير شيئا في طبيعة الجملة ،ويرى ّأن القول بوجوب تأخر الفاعل يدخل ّ
َ إلى تأويالت وتعقيدات ذهنية هو في غنى عنها ،إذ ليس بممتنع أن ّ
يتقدم الفاعل ،فالفعل(ساف َر) في
ّ
متحمل لضمير مستتر يعرب فاعال ،لكن هذا الرأي ال ينطبق في قولنا افر محمد) غير قولنا َ
(س َ
َ
(سافر ّ
الرجالن) ألن األصل هو تقديم الفاعل فنقول سافر) ّ
َ الر ُ
جال (الرجالن َس َ
افر) ،وقولنا( ّ ّ
ّ
والضمائر في هكذا جملتين يعرب ُ
سافروا) و(الر ُ
جال ّ َ
سافرا) الر ُ
جال) ،أو نقول ّ
(الرجالن َ
و(سافر ّ
عرب(الرجالن) ّ
و(الرجال) مبتدأ مرفوع في جملتين اسميتين. ّ فاعال للفعل فيحين ي
ّ
التنازع: .3.4
فاألصل الذي عقد عليه البصريون هذا الباب هو ّ
تقدم عاملين على املعمول ،وفي معناه أن
ّ
متصرف واسم يشبهه ،ويتأخر عنهما معمول ّ
متصرفان أو اسمان يشبهانهما ،أو فعل ّ
يتقدم فعالن
غ حعلحْي ِه قِْط اْرا غير سببي مرفوع ،وهو مطلوب ّ
لكل منهما من حيث املعنى ،1نحو قوله تعالى﴿ آتُ ِوِن أُفْ ِر ْ
﴾سورة الكهف ( .)96ووجه االستشهاد :أتى عامالن( :آتوني) َو(أفرغ) وتأخر عنهما املعمول (قطرا)؛
فكالهما يطلبه مفعوال به؛ وقد أعمل الثاني في املفعول الظاهر ،وأعمل الفعل األول في ضميره ،ومن
ثم حذف؛ لكونه فضلة ،ولو أعمل األول في (قطرا) ألعمل الثاني في ضميره ،ولقال( :أفرغه) .2ونحو
ّ (ج َل َ
س) ،وتأخر عنهما تقدم في هذه الجملة عامالن هما(َ :د َخ َل) َو َ دخل َو َج َل َ
س خالد ،فقد ّ قولناَ :
املعمول(خالد) ،وكان ّ
كل من العاملين طالبا له ،فال يجوز عندهم أن يكون (خالد) معموال للفعلين
معا ،بل ال ّبد أن يكون ألحدهما فقطّ ،
وأما الثاني فيعمل في ضميره فقط.
واألصل الذي بنى عليه النحاة هذا الباب باطل من أساسه ،فليس الفعل عامال ،وليس هو
ّ الرفع ّ الذي يرفع وينصبّ ،
ألن ّ
والنصب ،وغيرهما عوارض يقتضيها األسلوب ،وتقتضيها طبيعة اللغة،
64
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ ُ
بطل هذا الباب وغيره ّ ُ
بط َل ّ
كل ما َ
مما كان مبنيا بني على هذا من أحكام ،ثم فإذا لم يكن الفعل عامال
على مثل هذا األساس.
الفراء الذي قال ّ
بأن الفعل الثاني يطلب أيضا ولقد أبدى مهدي املخزومي إعجابه في رأي ّ
ُ َ الفاعلية ،نحوَ :
ض َر َب َوأك َر َم َزيد َعمرا ،فجاز أن نعمل العاملين في املتنازع فيكون االسم الواحد فاعال
الفراء ّأن الفعلين املتقدمين إذا كان اقتضاؤهما واحدا كان االسم بعدهما لهما فمؤدى رأي ّ للفعلينّ ،
ُ
اشتريت وأكلت رطبا ،وكان الرفع ،نحوُ :يحس ُن ُويس يء ابناك ،أو النصب ،نحو:
جميعا ،كأن يقتضيا ّ
رأي ّ
الفراء بذلك مخالفا ألصول البصريين.1
لرد باب التنازعّ ،أن النحاة بنوه على ّ ّ
األدلة التي اعتمدها املخزومي في كتابه ّ
تصورات ومن
تصور النحاة أن بين فعلين تنازعاّ ،
تصور عقلي محض ،ال ينبني على عقلية محضة حيث قالّ :
((فإن ّ
ّ
أساس ،وال يستند إلى واقع)) ،2وذهب في تطبيق كالمه على الشواهد الشعرية التي استشهد بها
النحاة ،نحو:
َ َ ّ ّ ُ َ
َج ُفو ٍني َولم أجف األخال َء إنني ......لغير َجميل من خليلي مهمل.3
تصوروا ّأنهما تنازعا املعمول ...لم يعد بينهما تنازع بعد أن أعمل ّ ّ
اللذان ّ
األول- قال(( :فالفعالن
ّ ّ حد تعبيرهم-في ّ على ّ
الضمير ،والثاني في االسم الظاهر ،وقد حلت مشكلتهما منذ أن قيل البيت ،وقبل
ّ
اللغة ،وإلى ّأن الفعلين في البيت (عامالن) يقتض ي ّ أن يفطن ّ
كل منهما الدارسون إلى وجود (عامل) في
معموال)).4
ّ إذا املالحظ ّأن املخزومي أنكر التنازع في ّ
النحو العربي ،ألنه ال يوجد أصال عامالن تنازعا
األول في ّ
الضمير والثاني في االسم معموال ،بل كل عامل أخذ معموال ،كما رأينا في البيت ،فعمل ّ
ّ
الظاهر ،وفي هذا تخريج الذي ذكره املخزومي يادة ال حاجة ّ
للنحو إليها ،فهو يخالف هدفه الذي ز
ّ ّ
ألننا إذا قلناّ :إن الواو في (جفوني) حرف ّ يريد به تسهيل ّ
يدل على الفاعل ،و(األخال َء) هي النحو،
(األخالء) فكيف ّ
نعدها فاعال، َ الفاعل ،وقعنا في مخالفة صريحة ملا ُروي عليها البيت ،أي نصب
65
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
والفعل (أجف) يحتاج إلى معمول منصوب ،لذا يظهر ّأن املخزومي يلوي النصوص ليثبت رأيه في
إنكار ّ
التنازع ال غير.
االشتغال: .3.5
االشتغال هو ّ
كل اسم بعده فعل أو ما يعمل عمله كاسم الفاعل ،وهو أن يتقدم اسم واحد
ويتأخر عنه عامل مشتغل عن العمل في ذلك االسم بالعمل في ضميره مباشرة ،أو في سببه ،بحيث لو
ّ
فرغ من ذلك املعمول وسل ط على االسم املتقدم؛ لعمل فيه النصب لفظا أو محال .واملراد بسبب
االسم املتقدم :كل ش يء له صلة وعالقة به؛ من قرابة أو صداقة أو عمل 1.وذكر املخزومي في أساس
باب االشتغال ،أن ّ
يتقدم اسم على فعل صالح ألن ينصبه لفظا أو محال ،وشغل الفعل عن عمله فيه
بعمله في ضميره .ويرى ّأن ّ
النحاة قد ّ
قسموا االسم الواقع بعده فعل ناصب لضميره خمسة أقسام:
يرجح نصبه على رفعه ،وما ّ
يرجح رفعه على نصبه ،وما يستوي فيه النصب ما وجب نصبه ،وما ّ
والرفع2 .
التقسيم الذي وضعه النحاة تقسيم عقلي في رأي املخزومي ،وهو أبعد ما يكون لطبيعة ّإن ّ
النحاة قد عقدوا لالشتغال بابا ال يجدر أن يكون موضعا للبحث لدى ّ ّ
اللغة ،ويرى ّأن ّ
الدارسين
النحاة ّإنما هو مفعول ّ
مقدم لالهتمام بهّ ،أما الضمير املشغول به، يسميه ّ
فاالسم املشغول عنه كما ّ
الد س ّّ ّ
النحوي عند فليس إال كناية عن املفعول به ،وال إعراب له ،وبهذا يلغى باب االشتغال من ر
املخزومي ،كما ألغي باب نائب الفاعلّ ،
والتنازع ،وأسماء األفعال ،وهو املنهج الذي أراد من خالله
الد س ّ
النحوي من آثار الفلسفة والعامل الذي علق به لفترة طويلة من الزمن. ّ
تخليص ر
ّ
قدم الدكتور شوقي ضيف بحثا قال فيه(( :من األبواب التي ّ
تعس على الناشئة لكثرة تفريعاتها،
ٍ
باب االشتغال ،وما له من أحكام ،وبعد أن ذكرها قال :وأرى أن يحذف الباب من كتب الناشئة،
والرفع ور ّجحان الرفع ،وهي جواز ّ
النصب ّ النصب ووجوب ّ وتعرض أمثلة الوجوه الثالثة بعد وجوب ّ
66
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ
وتوصلت إلى ّأن دراسة
ّ وناقشت اللجنة األصول هذا البحث ،وتدارست موضوع باب االشتغال
ّ
باب باالشتغال كما درسه النحاة عسير على مدارك املتعلم ،وانتهت إلى ّأنه يجوز رفع االسم املشغول
ّ ّ ّ
عنه ونصبه ،وال داعي لذكر حاالت الوجوب أو الترجيح .1والظاهر ّأن إقرار هذا يؤكد مدى صعوبة
يرجح أي املخزومي وأصحابه في ّ ّ بعض األبواب ّ
الدعوة إلى مما ّ ر املتعلم ّ النحوية على قدرات وفهم
النحو لتخفيف الحمل على الناشئة.التخلص من بعض األبواب في ّ ّ
1اإلعراب ّ
امليسر ،ص.57
67
املبحث الثالث
العامة للبحث ّ
النحوي عند إبراهيم مصطفى. ّأوال-األسس ّ
ّ
ثانيا-مظاهر تأثر مهدي املخزومي بنحو إبراهيم مصطفى.
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
النحوي من وجوه ّ
متعددة ،بعضها ينادي ظهرت في مطلع هذا القرن ،د اسات تناولت ّ
التفكير ّ
ر
النحو ،وبعضها ينادي بضرو ة تسهيله للناشئة ،وبعضها يقول بتيسيره وتجديده ،ولهذا ّ
جد بإحياء ّ
ر
ّ
من هم أهل للفكر على رصد املخزون اللغوي ،والوقوف على ما يمكن أن يكون قد لحق به من نقص،
مما جادت به القرائح ،وكان ّأول صوت عال مستجدات الحياة وعصرهاّ ،
فمده نبضا جديدا ّ ّ بفعل
النحوي ،وما آل إليه من مآل مخيفّ ،
هدده بالجمود ،وكاد أن يورثه الد س ّ
ّ ّ
داعيا وجوب النظر في ر
الركود ،صوت الدكتور إبراهيم مصطفى-رحمه هللا -الذي ارتبط اسمه في أذهان الباحثين منزلة ّ
النحو) الذي صدر عام( 1937م) ،وهو ّأول كتاب حديث جاء لنقد النحويين بكتابه الشهير( إحياء ّ
ّ
النحو ،كان باكورة جهد جهيد وهو يغوص في أعماق ّ
النحو ومصادره ،فقد دعا من خالله نظريات ّ
إلى إعادة تمهيد الطريق ّ
للنحو العربي بتيسيره وتبسيط أساليب تدريسه للناشئة في العصر الحديث،
ّ
وتأنيه ثمرة ناضجة نالت إعجاب ّ بعد أن ال م د استه سنوات ّ
النحويين واألدباء، عدة ،وكان صبره ز ر
النحو) حين حتى ُل ّقب عند بعضهم بسيبويه الجديد ،وقد أحسن طه حسين في ّ
مقدمة كتاب (إحياء ّ
قال(( :أنا معجب بهذا الصبر ،ولكن إعجابي بنتائجه عظيم أيضا ،وما رأيك في رجل يستطيع أن ّ
يؤرخ
النحو ،وإطالة ّ
النظر فيه، نشأة النثر العربي ،يستخلص تا يخه لهذا الفن األدبي العظيم من د س ّ
ر ر
يرد تفكير ّ
النحويين إلى النحو ،فإذا هو ّويصل إلى نتائج باهرة حقا؟ وما أيك في جل يطيل النظر في ّ
ر ر
ّ يرد قصور ّ ّ
واملتكلمين من املسلمين ،وإذا هو ّ
النحو وتقصيره إلى علته الطبيعية وهي تفكير الفالسفة
النحو ،فقصروا به عن أن يذوق جمال العربية ،ويصور ذوقها كما ينبغي أنالنحويين قد فلسفوا ّ ّأن ّ
ّ
يصور)).1
تصور ّ
النحو بعيدا عن اشتباكاته التي توارثت في كتب لقد عمل الدكتور إبراهيم مصطفى على ّ
النحو الكثيرة العامرة بالفلسفة ،دون ّ
النحو الذي أراده الخليل ،وسائر األوائل بأغراضه الحقيقية ّ
ودوافعه السليمة ،كما أراد من خالل كتابه إعادة إحياء منهج قائم على أسس وركائز نحوية
أغير منهج البحث ّ
النحوي للغة العربية، صحيحة ،ف ّ
حدد هدفه الذي سعى إليه قائال(( :أطمع أن ّ
ّ
املتعلمين إصر هذا ّ
النحو ،وأبدلهم منه أصوال سهلة يسيرة ّ
تقربهم من العربية ،وتهديهم وأن أرفع عن
إلى حظ من الفقه بأساليبها)).2
69
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
ّ وقد أينا أن نقف على ما ّ
قدمه من قضايا كان قد تأثر بها تلميذه (املخزومي) ،الذي وجد في ر
ّ
مظان هذه القضايا النحوية ،ونكتفي بذكر محاوالت أستاذه منهال استخلص منه كثيرا من آ ائه ّ
ر
والتأثيرات فيما يلي:
ّ .1األتس ّ
العامة للبحث النحوي عند إبراهيم مصطفى:
النحو كما سمه ّ
النحاة، حد ّالنحو) ّلقد تناول الدكتور إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء ّ
ر
ّ النحوي قضية العلل ّوأورد في وجهات البحث ّ
النحوية ،ثم تطرق إلى أصل اإلعراب ،ومعانيه ،وفلسفة
ّ
العامل ودعا خالل ذلك بإلغاء هذه النظرية ،كما أشار إلى علم العالمات واملسائل املتعلقة بالتوابع
ولعل املحور الرئيس ي الذي تدور حوله أبحاث الكتاب ما قاله ((وجب أن ندرس عالمات والصرفّ .
عما تشير إليه كل عالمة منها ،ونعلم ّأن اإلعراب على ّأنها ّ
دوال على معان ،وأن نبحث في ثنايا الكالم ّ
ٍ
هذه الحركات تختلف باختالف موضع الكلمة من الجملة وصلتها بما معها من الكلمات ،فأحرى أن
العزاوي محاولةعد الدكتور نعمة رحيم ّ تكون مشيرة إلى معنى في تأليف الجملة وربط الكلم)) 1ولقد ّ
التجديد في هذا العصر ،فتأثر بها الدكتور إبراهيم مصطفى ((املحاولة الرائدة التي فتحت باب ّ
تلميذاه الجواري ومهدي املخزومي ،وسارا على هديها فوافقاه على كثير مما ذهب إليه في
محاولتيهما)).2
لقد جرى وصف إحياء النحو باملحاولة الرائدة على الرغم من وجود محاوالت سابقة للتجديد
والتيسير ،ولكن هذه املحاولة ّ
تعد الرائدة لخروجها من اإلطار التعليمي للنحو إلى املساس شيئا ما
لتلمس ما ّ
يؤيد ّ
الرأي بأصول النحو واإلفادة من االستقراء ،وإعادة النظر إلى ما روي عن العرب ّ
الجديد زيادة على ابتعاده عن الفلسفة والعلل املنطقية .وفي هذا الصدد أشاد مهدي املخزومي بعمل
أستاذه قائال(( :فتحت هذه املحاولة أفقا جديدا في الدرس النحوي ،وكانت محاولة تستنهض الهمم
لقيام بمحاوالت جدية أخرى)).3
العامة للبحث ّ
النحوي عند الدكتور إبراهيم مصطفى ،دونما ونقف اآلن في بيان األسس ّ
تفصيل ،حتى ال نخرج عن املنهج العام للبحث:
70
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
حدد إبراهيم مصطفى مفهوم ّ
النحو فقال(( :هو قانون تأليف الكالم وبيان ّ
لكل ما يجب، ّ -
حتى ّتتسق العبارة ،ويمكن أن ّ
تؤدي معناها)).1 أن تكون عليه الكلمة في الجملة مع الجملّ ،
71
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
تاما ،وألغي معها ما استتبعت من طبيعته ،وال من منهجه فقد ألغيت فيه نظرية العامل إلغاء ّ
بالد س ّ
النحوي)).4 ّ
اعتبارات عقلية ال صلة لها ر
ّ
النحو واملعنى: .2.2
72
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
جلية في مفهوم ّ
النحو استطاع مهدي املخزومي الخروج ّ
بالنحو من دائرة اإلعراب التي نراها ّ
عند النحاة ،وجعله في محيط املعاني ،فتخطى ّ
بالنحو مراحل الجمود عند القاعدة ،إلى آفاق املعاني،
النحوي القديم كما جاء به الخليل وأصحابهّ ،
وأكد ضرو ة فهم الفكر ّّ
ألن النحاة املتأخرين فصلوا ر
بين ّ
النحو واملعنى.1
ّ ّ ّ
يستمد حيويته من املعاني ،وقد تجلت عنايته باملعنى في دراسته للجملة والنحو عند املخزومي
النحوية في العبارة ،والبحث عن ماهية الجملة العربية ،واهتمامه بها ،من خالل استكشافه املعاني ّ
مؤيدا بذلك دعوة أستاذه إبراهيم مصطفى التي ّ
تنص بتوسيع واأللفاظ والعالقات التي تربط بينهاّ ،
ّ
استقل بها علم املعاني. ومدها لتشمل املوضوعات التيالنحويةّ ،الد اسة ّ
ّ
موضوع ر
ّأما اإلعراب بمفهوم املخزومي فهو ((بيان ما للكلمة في الجملة ،وما للجملة في الكالم من وظيفة
لغوية أو قيمة نحوية ،ككونها مسندا إليه ،أو مضافا إليه ،أو كونها مفعوال أو حاال أو تمييزا)) ،2وهو
التعريف نفسه الذي ارتضاه أستاذه إبراهيم مصطفى.3 ّ
الضمة والكسرة عالمتين للبناء ،غير ّأن املخزومي لم يوافق أستاذه في اإلسناد واإلضافةّ ،
وحددا ّ
73
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
بالنقد نحاة البصرة ،وذهب إلى تحكيمهم املنطق وتأثرهم خص ّ ّ ضد العامل،وفي ثورته ّ
ّ ّ بالنحو عن مساره ّ بالفلسفة التي انحرفت ّ
الصحيح ،فالعامل ما هو إال أثر من آثار هذا التأثر ،كما
ّ
اللغة في د استهم ّ
النحوية. ر يرى ّأن الكوفيين كانوا أقرب إلى طبيعة
فجل آ ائه ّ
النحوية هي امتداد آلراء وال ننس ى تأثر املخزومي الكبير بأستاذه إبراهيم مصطفى ّ ،ر
واتهموا النحاة بعدموفسروا ظاهرة اإلعراب ومعاني عالماتهّ ،
أستاذه ،إذ ألغوا نظرية العاملّ ،
النحوية ،في حين لم ّ
يقدم املخزومي بدائل متكاملة لنظريته ونراها مجرد الد اسة ّ
ّ
تحديدهم موضوع ر
نقد أكثر من كونها إصالحا.
1إحياء ّ
النحو ،ص.43
2املرجع السابق ،ص .55
74
ّ
النحوي حظ مهدي املخزومي من الفكر الف ـص ــل الثاني:
عد الذي ذكرناه نقول ّأن الدكتور مهدي املخزومي استوفى بعلمه وفهمه ونحوه مطالب وإنصافا َب َ
الدقيق ،فاستطاع أن يستوعب تا يخ ّ
النحو العربي وثقافته بعد طول ّ
تتبع ،وأناة، البحث العلمي ّ
ر
ّ
بأنه قد أحسن باهتمامه بتا يخ ّ
النحو العربي منذ ر ويكفي في ذلك ما قاله عنه أستاذه إبراهيم السقا
نشأته األولى ،وبتاريخه في القرن الثاني الهجري ،حين جعل الخليل بن أحمد الفراهيدي رأس
األول ،وحين جعل (مد سة الكوفة ّ
النحوية) في القرن الثالث املدرسة البصرية ،موضوعا لبحثه ّ
ر
ّ
موضوع دراسته وبحثه الثاني الذي صدر عن كاتبه في أناة ودقة ،واستقامة فكر وأصالة منهج،
ووضوح نتائج ،وغزارة مادة ،مع صفاء العبارة ،وإشراق الديباجة.
75
الفصل الثالث:
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي.
آ اء املخزومي في تيسير ّ
النحو.
ر
معالم ّ
التجديد في فكر املخزومي.
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
تمهيد:
ّ ال يخفى علينا أن علم ّ
النحو ركيزة اللغة العربية وأساس علومها ،فهو باكورة ونتاج جهد جهيد
الدينية من الخطأ ّ
ّ اللغة العربية ّّ
والزلل بعدما ومقدساتها لعلمائها الذين كان هدفهم من إنتاجه حفظ
ّ ّ ّ
ولعل انتشار اإلسالم واتساع رقعته ،وبعد الفتوحات أصاب اللحن والتحريف لسانها القويم،
ّ ّ
األعجمية التي باتت تشكل خطرا على سالمة اإلسالمية املعروفة ،اختلط العرب بغيرهم من األلسنة
ّ حل لهذه املعضلةّ ، العربية وفصاحتها ،فانبرى العلماء وراموا إليجاد ّ
فأسسوا القواعد وألفوا الكتب،
التصحيف ،وتلقينها لغير العرب تلقينا وبالرغم من ّأن الهدف في البداية كان تخليص العربية من ّ ّ
تفرده كعلم مستقل من علوم خاصة بعد ّ ّ النحوي بدأ في أخذ منحى آخر الد س ّّ ّ ّ
سليما ،إال أن ر
مما أسهم بشكل كبير في جعله النحويةّ ، العربية ،ونشوء الخالف بين علمائه وبالتالي بروز املدا س ّ ّ
ر
ّ ّ
علما يتسم بالتعقيد ،وبالتالي أثقل كاهل األجيال واملتعلمين الذين لم يستسيغوا له طعما ،فنادى
ّ ّ تعقد من ّ بعض العلماء بضرو ة تبسيط ما ّ
النحو وتسهيله بما يوافق ومتطلبات العصر ،ومتعلميه، ر
ّ النحو دون ّ واألخذ بعلوم ّ
مشقة وتكليف؛ فألفوا الكتب التي دعوا من خاللها لضرورة إلغاء التأويالت
ّ
املنطقية ،والرؤى الفلسفية ،كما دعوا إلى إلغاء نظرية العامل والعلة والقياس التي دعا إليها النحاة
النحوُ ،واطلقت على هذه الدعوة مسميات ّ
عدة سمي بتيسير ّ قديما ،و نهج املحدثون منهجا جديدا ّ
النحو ،تبسيط ّ
النحو .وباتت كلها ّ
تصب في مجال واحد هو النحو ،تجديد ّ
النحو ،إحياء ّمنها :إصالح ّ
التيسير في ّ
النحو العربي.
ّ أي باحث ّأن مفتاح إتقان ّ
ال يخفى على ّ
أي علم من العلوم ،هو القدرة على التعامل مع اللغة
ّ ّ ّ
بفهمها وضبط قواعدها ،فكلما كانت هذه اللغة بسيطة وسهلة ،كلما انبسط فراش العلم وصار
ّ ّ أقرب ّ
ألي باحث فيه ،بل واستساغ بفكره هذه اللغة ورغب الناس في تعلمها فاإلنسان بطبعه يميل
النحو لألجيال الناشئة التي عجزت عنالتعقيد ،لهذا بات من الضروري تيسير ّ ويفر من ّ
للبساطة ّ
ّ املادة ّ
استيعاب ّ
النحوية ،حتى أنه كان يقال ملن أراد قراءة (الكتاب) لسيبويه :هل ركبت البحر؟
ّ
ومشقة. النحوي في كتابه الذي يحتاج لجهد الد س ّ
ّ
كناية عن صعوبة ر
77
املبحث ّ
األول
ّ
آراء املخزومي في تيسي النحو.
تمهيد:
ّ ّ كان ّ
الدرس اللغوي في فترة من الزمن مختلطا يجمع مختلف العلوم اللغوية التي هي اليوم علوم
ّ النحو ،وعلم الصرفَ ،وعلم البالغة َوالعروض وغيرها ،لكون ّ ّ
مستقلة بذاتها كعلم ّ
الدرس اللغوي
ّ
عد دليال لفهم القرآن الكريم ُوضع من أجله وألجله ،إال ّأن علم العربية كعلم مستقل كان له
آنذاك ّ
ّ
الدور الكبير في حفظ القرآن الكريم ولغته العربية من اللحن الذي سار إليها سير الرياح العاتيات،
فأفسد عليها لسانها الفصيح.
ُ
الكتب َو ّ ّ ّ َوكان ّ
دونوا في سبيل للنحو أعالم أجالء خاضوا ألجل العربية دروبا وعرة ،فألفوا
َ
حفظها املخطوطات الكثيرة ،فكانوا أهال لذاك العلم ،إذ أخذ عنهم علمهم َوفهمهم َوتفسيرهم
َ َ لكل املشكالت املستعصية ،غير ّأن َّوتعليلهم ملا فيه ،ومن أفواههم ُت َلتقط الحلول ّ
كما ذكرنا النحو
العقول ،فانحرف عن هدفه األساس بعد أن المستهَسابقا قد اشتبك وصار علما عسيرا على ُ
الفلسفة َوعلوم الكالم واملنطق ،ما دفع كثيرين إلى ّ
الدعوة لتيسيره ،وإعادة تحديث منهج البحث
فيه ،وهذا الذي دعا إليه املخزومي والذين قبله ومن عاصروه.
َ
)1امل َنهج الوصفي عند املخزومي:
ّ ّ
الطريق الواضح ّ
البين ،وقد ّ ّ ّ ّ
عرفه أفالطون قائال(( :إنه الطريق يعرف املنهج في اللغة على أنه
املؤدي إلى كشف الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامةُ ،تهيمن على سير العقل،
ّ
وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة)) ،1وبالتالي يمكننا القول ّإن املنهج هو املسار الذي
ّ
يسلكه الباحث خالل مسيرته البحثية بغرض الوصول إلى الحقائق والنتائج النهائية للبحث.
َ
واضحة َ ّ
ولعل مهدي املخزومي كغيره من َ
املعالم خالل دراسته الباحثين ،أ َراد أن يسلك طرقا
الوصفي ،الذي التيسيري وفق أسس َو َقواعد املَنهج َ النحوية ،فاختار أن َيسير في مشروعه ّ
للمادة ّ
ّ
التا يخي الذي سيطر على ّ َ َ ّ َ
يعتبر َم َنهجا ّ
للدر َ
الدراسات اسات اللغوية الحديثة؛ على غرار امل َنهج ر
ّ اللغوية القديمة ،وإذا ّّ
عرفناه كونه منهجا من مناهج علم اللغة الحديثة نقول(( :منهج ظهر في أوروبا
ّ
1مجمع اللغة العربية ،املعجم الوسيط ،مكتبة الشروق الدولية ،ط2004 ،04م ،ص.957
79
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ
اللغة السنسكريتية ،على يد وليم جونز سنة 1786م)) ،1وبالتالي ّ
فإن املنهج الوصفي بعد اكتشاف
ّ ّ ّ
ويتفحص ظواهرها ،بحيث يعنى بدراسة اللغة لذاتها. هو الذي يصف اللغة
ّ ويعد العصر الحديث في العالم العربي ،عصر سيادة املنهج الوصفي في ّ
ّ
الدراسات اللغوية
الصرفيةّ ،
الصوتيةّ ، ّ
كافةّ :
النحوية ،الداللية ،...فالدكتور تمام حسان من العربية في مستوياتها
الذين أسهموا بشكل واضح في بلورة هذه الحركة ،وكذلك الدكتور عبد الرحمن أيوب ،والدكتور
والدكتور حسن ظاظا ،والدكتور كمال بشرَ ،ومن تالمذة هؤالء الذين أرسوا دعائم محمود السعران ّ
وجه الدكتور محمود فهمي الحجازي ّ
...والدكتور مهدي املخزومي من العراقّ ،
كل هؤالء هذا ّ
الت ّ
ّ
وغيرهم كان لهم اآلثار اإليجابية على الحركة اللغوية في القرن العشرين.2
ّ -1أتس املنهج الوصفي في ّ
الدرس النحوي عند مهدي املخزومي:
قدم مهدي املخزومي ّ
للنحو العربي جهودا ّ
جمة ،ويبدو ذلك واضحا جليا في مخالفته لكثير ّ
مما جاء به النحاة قديما ،وخاصة بعد اعتماده جملة من األسس املغايرة ألسسهم ،باختياره املنهجّ
ّ
(النحو العربي نقد وتوجيه) إلى ّأن
تطرق في بداية كتابه ّ
اللغوية ،وقد ّ الوصفي كمنهج لدراسته
النحو فقال(( :ليس من وظيفة ّ وأقر به منهجا لد اسة ّ
املنهج الوصفي؛ ّ ّ َ
النحوي ر موضوعاته تخص
خطئ لهم أسلوباّ ،ُ ّ ّ ّ
ألن الذي يريد أن يعالج نحوا للغة من اللغات أن يفرض على املتكلمين قاعدة أو ي
ّ النحو د اسة وصفية تطبيقية ال ّ
ّ
تتعدى ذلك بحال)) ،3ولعلنا نجمل القول في أسس املنهج الوصفي ر
الد س ّ
النحوي عند مهدي املخزومي فيما يلي: ّ
في ر
النحو العربي ّ
والدرس الحديث ،الدكتور عبده الراجحي.23، 1ينظرّ :
ّ
2ينظر :اللسانيات في الثقافة العربية الحديثة ،مصطفى غلفان ،املغرب ،منشورات املدارس.
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.19 3في ّ
80
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
مهد للفلسفة واملنطق أن نفذا إليه ،وبالتالي ّ
تحوله إلى درس لغوي انحرفوا به عن طريقه ّ
مما ّ
ّ
ملفق.1
ّإن هذه اآلراء التي طرحها املخزومي في ّ
الساحة العلمية ،هي نتيجة تأثره وأصحابه الذين تبنوا
الرحمن الحاج صالحاملنهج الوصفي كمنهج لبحثهم بآراء وأفكار املستشرقين ،وقد وقف الدكتور عبد ّ
النحو باملنطق كان مع ّ
الفراء النحو قد تأثر بمنطق اليونان ،وذهب إلى ّأن امتزاج ّ
مفندا عمهم في كون ّّ
ز
وهشام بين معاوية(ت209ه) واألخفش األوسط(ت214ه) ،واملا ني وممن عاصروه ،وغير ذلك ّ
فإن ز
النحو منذ نشأته لم يتأثر باملنطق الفي منهجه ،وال في مضمونه ّ
التحليلي.2 ّ
مادتهم ّ
النحوية ،من خالل توسيع رقعة مراجعة األصول التي استقى منها ّ
النحاة قديما ّ .1.2
النحوي زمانا ومكانا ،ويذهب املخزومي إلى ّأن النحاة قد ّ
ضيقوا لالستشهاد االستشهاد ّ
النحوي قعته ،فحصروه في بعض لهجات القبائل كقيس وتميم ،وغيرها ،كما ّ
حددوا عصر ّ
ر
االستشهاد في أواخر القرن الثاني للهجرة بالنسبة للحاضرة ،وحتى القرن الرابع للهجرة في
النحو شيئا من النقص .كما ذهب املخزومي إلى استحسان منهج البادية ،ولهذا طال ّ
ّ
الكوفيين ويراه أقرب ما يكون إلى طبيعة اللغة والوصف.3
ّإن َما ذكره املخزومي في اعتماد الكوفيين منهج الوصف في د سهم ّ
النحويّ ،
ألنهم شاركوا ر
البصريين في صفحات من التاريخ ،قوانين األصول ،واالحتجاجَ ،وذهبوا إلى القياس والتعليل،
َ
والتأويل ،وقالوا بالعامل ّ
النحوي ،وطعنوا في كثير من القراءات القرآنية.
َ ّ ّ َ
العرب ،وقد ُعرف عن
كالم َ واللغة العربية ّ
القيمة في دراسة الفصل بين اللهجات العربية، .1.3
العرب قديما ّأنهم كانوا ينتقون ما حسن من ألفاظ العربية ،واستعمالها خالل األسواق
العربية الشهيرة كسوق عكاظ الذي يجمع مختلف القبائل العربية باختالف لهجاتهم ،ولقد
ّ
أخذ املخزومي على النحاة عدم فصلهم بين لغة الشعر ولغة النثر ،ورأى ّأنهم اعتمدوا في
تصحيحهم للقواعد على الشواهد الشعرية ،وأهملوا كثيرا من النصوص النثرية على ّ
الرغم
81
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ
من ّأنها ُعدت في عصر االحتجاج ،كما أخذ عليهم خلطهم بين املستويات اللغوية فلم يف ّرقوا
ّ
بين اللغة الفصحى ،ولهجات الخطاب.1
ولعل هذا ّ
الزعم الذي توهمه املستشرقون أثر في كثير من الباحثين املعاصرين العرب ،وتابعهم ّ
ّ
الرحمن الحاجاللغة العربية الفصحى ،بجانبها لهجات أخرى ،وقد ذكر عبد ّ املخزومي في ّأن هناك
ظنهم ّأن كلمة
صالحّ ،أن ما أوقع هذا الفريق من املستشرقين والباحثين العرب في هذا الوهم هو ّ
(لغة) التي أوردها سيبويه وغيره من القدماء في كتبهم كقولهم (لغة تميم) و(لغة هذيل)ّ ،
تدل على
ّ ّ
مصطلح (لهجة) ،غير ّأن سيبويه يريد بهذا االستعمال اللغوي الخاص عنصرا من اللسانُ ،يسمع ّإما
من جميع العرب أو أكثرهم.2
ثم إعادة وصلهاالفصل بين مستويات التحليل في دراسة العربية بعد أن خلط النحاة بينهاّ ، .1.4
النحوية مثمرة ناضجة .بحيث ذهب املخزومي إلى ّأن النحاة لم الد اسة ّّ
حتى تكون نتائج ر
الصرفيةّ ،
(الصوتيةّ ،
اللغوية ّ ّ يميزوا بين مستويات ّّ
النحوية) ،فتناولوها مختلطة التحليل
اللغة بأربعة مستويات هيّ : ّ والد س ّ
ّ
الصوتية، النحوي الحديث يعنى في تحليل متشابكة ،ر
لكل مستوى من هذه املستويات موضوعه الذي ال ّبد من ّ
الصرفية ،التركيبية ،الدالليةّ .
ّ
اللغة عن ّ اإلحاطة به ،مع اإلبقاء على ترتيب هذه املستويات ،وال غنى ّ
أي للدارس في علوم
واحد منها دون سابقتها أو الحقتها.3
ّإن أي املخزومي ،أودي به إلى ساحة ّ
التناقضات التي جعلته في واجهة نقد ّ
الدارسين ،فقد ر
ذكر الدكتور حلمي خليلّ ،أن املخزومي يرفض من ناحية فكرة ّ
النحو الشامل الذي جاء به الخليل
ثم يرى ّأن هذا ّ
النحو الشامل له أهمية بالغة ،حيث هذه املستويات تحتاج أن يستند بعضها والفراءّ ،
ّ
الدا سون ،وبعدها ّّ إلى بعضّ ،
الدراسة ّ
الصرفية، الصوتية هي ّأول ما يجب أن يعنى به ر فالدراسة ّ
فالنحوية ،كما أخذ حلمي خليل اقتصار املخزومي على هذه املستويات مهمال املستوى ّ
الداللي،4 ّ
ّ والداللي ،وجعل علم املعنى لصيقا ّ
النحوي ّ وبالرغم من ّأن املخزومي جمع بين املستوى ّ
ّ
بالنحو ،إال
ّ
تتعلق باملستوى ّ ّأن هناك معاني ال يتطرق إليها دا س ّ
الداللي فقط. النحو ،وهي في األخير ر
82
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
االستغناء عن مبدأ الصواب والخطأ في دراسة التراث القديم واالهتمام باملعنى في دراسة .1.5
عد املخزومي هذا املبدأ قائما على وضع القواعد ّ ّ
اللغوية ،وقد ّ
النحوية وفق معايير الظواهر
خاصة لالستعمال في ّ
النحو العربي ،واعتبر ّ ألن املعيارية تهدف إلى فرض نماذجخاصةّ ،
ّ
القواعد التي وضعها نحاة البصرة لالحتجاج بكالم العرب مظهرا من مظاهر املعيارية ،كما
ذهب إلى ّأن املعيارية قائمة على أسس منطقية فهي ال تهتم سوى ّ
بسن القواعد التي ّ
تفرق
ّ ّ
اللغة ّ
البد أن تخضع ّأوال للمالحظة، الصحيح والخاطئ ،ثم ذهب إلى أن بين االستعمال ّ
ّ واالستقراء ،فإذا تم ذلكُ ،
انتق َل إلى وصف املادة اللغوية.
ّ ّ ّ ّ ّ واملتتبع ّ
املادة اللغوية ُجمعت ّأول مرة للنحو العربي يدرك تماما أنه لم يكن كله معياريا ،ألن ّ
ّ
يؤكد االستعمال الذي ّ
يعد ركيزة املنهج الوصفي ،كما نلحظ بعض مالمح من أعراب البادية ،وهذا ما
النحوي املخزومي ،الذي اعتمد مبدأ الخطأ في كثير من موضوعات ّ
النحو العربي، الد س ّ
ّ
املعيارية في ر
ّ ّ
وبخاصة ذهابه إلى الترجيح في مسائل الخالف بين مدرستي الكوفة والبصرة.
ّ ّ
ّ
للتطور ،بتطور كما ّأن اللغة في نظر مهدي املخزومي عبارة عن ظاهرة اجتماعية خاضعة
الحياة االجتماعية ،وهذا ما دفعه لرفض القياس على القوالب الكالمية الثابتة ،وإلغاء التأويالت
النحاة قديما ،كتقدير الفعل أو تقدير الفعل من باب االشتغال .ورأى ّأن
والتقديرات التي دعا إليها ّ
ّ ّ
اللغة التي تتطور بشكل دائم ومستمرّ ، ّ
وعد ديمومتها أساس املنهج الوصفي النحو خاضع لتطور
ّ
الذي اتبعه املخزومي.
ّ
)2التيسي في النحو العربي:
وتوسع بعد ا تباطه ّ
بالنحو العربي وتعليم العربية ّ
خاصة عند املحدثين ظهر مصطلح التيسير ّ
ر
عرفه الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح قائال(( :هو تكييف وانبرى كل منهم يكتب عنه وفيه ،فقد ّ
التربية الحديثة عن طريق تبسيط ّّ ّ
النحو ّ
الصورة التي تعرض فيها والصرف مع املقاييس التي تقضيها
النحو ،ال في ّ
النحو ذاته))1 التيسير في كيفية تعليم ّ ّ
املتعلمين ،فعلى هذا ينحصر ّ القواعد على
املادة ّ
النحوية وتبسيطها بما يتناسب ومتطلبات العصر .وهو عرض ويقصد بذلك مسايرة ّ
ّ
املتعلم دون ّ وتقديم للمادة ّ
النحوية بطرق وأساليب سهلة ،وبسيطة ّ
مشقة وتعقيد، تقرب إلى ذهن
ّ ّ
1عبد الرحمن الحاج صالح ،بحوث ودراسات في علوم اللسان ،موفم للنشر ،الرغاية ،الجزائر2007،م ،ص.236
83
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
بأنه ((عرض جديد ملوضوعات ّ
النحو ،وترسيخ لها بطرق ّ ي ّ وقد ّ
حية جذابة عرفه الدكتور محمد صار
تنصب جهود ّ
التيسير)).1 ّ فيها إبداع وابتكار ،وعلى هذا يجب أن
ّ
واملطلع على كتاب الدكتور شوقي ضيف (تيسير ّ
النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده)
يرى ّأن ((التيسير بناه على حذف كل ما فيه من الصعاب وعلى حذف ما تمليه ّ
نظرية العامل في بناء
ّ النحو ّالنحو ،ذلك بتخليص ّ ّ
التعليمي من قواعده وأبوابه الفرعية وزوائده الضارة وتعقيداته
العسرة)) ،2وذلك على ضوء ما جاء به ابن مضاء القرطبي من أفكار تجديدية في ّ
النحو.
((وبين ّأن ّ
التيسير ال يقوم على االختصار؛ للتيسير ّفض الدكتور مهدي املخزومي هذا املفهوم ّ
ر
النحو ،ولكن ينبني على النحويةّ ،
والتعليقات والحواش ي التي تمأل بطون كتب ّ وال على حذف الفروع ّ
الد س ّ
النحوي وموضوعاته ،أصوال ّ ّ
العرض الجديد ملوضوعات النحو بإصالح شامل ملنظومة ر
وفروعا ،ومنها إلغاء نظرية العامل)).3
ّ
وملخص التيسير عند الدكتور أنيس فريحة يتمثل في الدعوة إلى العامية ،وإلغاء اإلعراب،
ّ
باإلضافة إلى استبدال الحروف الالتينية بالعربية ،يقول(( :وال نزال إلى يومنا هذا نؤلف كتبا لتيسير
النحوّ ،
النحو النحو ،إحياء ّ
أظننا قد أفلحنا ،وأعتبر عناوين كتب ّالناس ،وال ّ
النحو وتقريبه إلى أفهام ّ
ّ
ّ ّ التسهيلّ ، ّ الواضح ،الشافيّ ،
تقيد اللغة والتوضيح ،وحاشية فالن على كتاب فالن ،وغيرها التقريب،
ّ
اللغة التي توقفها عند ّ ّ
النمو ،قد تبقى في بطون الكتب بأحكام مرهقة ،يوقف نمو اللغة ،وهذه
ّ واملعاجم ،ولكن لغة ّ
الناس تسير سيرها غير عابئة باألحكام ،والشاهد على هذا لغتنا العامية)).4
النحوي إذن ليس اختصارا ،وال حذفا للشروح والتعليقات ،ولكنه عرض جديد ّ
فالتيسير ّ
ييسر للناشئين أخذها واستيعابها وتمثلها ،ولن يكون ّ
التيسير وافيا بهذا ما لم النحو ّملوضوعات ّ
يسبقه إصالح شامل ملنهج هذا ّ
الدرس وموضوعاته أصوال ومسائل.5
ّ ّ
)3جهود النحاة في تيسي النحو العربي قديما وحديثا:
ّ
1بحوث ودراسات في علوم اللسان ،ص .18
2شوقي ضيف ،تيسير ّ
النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده ،دار املعارف ،ص.77
3في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.16
4أنيس فريحة ،نحو عربية ّ
ميسرة ،دار الثقافة ،بيروت ،ص.25 ،24
5ينظر ،في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.15
84
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّإن قضية الفكر التيسيري هي قضية قديمة وليست وليدة العصر الحديث كما يعتقد الكثير
سجلت كتب ّ
النحو القديمة كثيرا من النقد واملآخذ التي أخذت على النحاة، الدارسين ،فقد ّ من ّ
النحويّ ،ضمنوه من فلسفة وتأويالت في تراثهم ّ
للنحو ودراسته ،ومن ذلك ما ّ وغلوهم في التقعيد ّّ
مما
بالنحو من ضررّ .
ومما قيل دفع باملتعلمين آنذاك واملقبلين على د استه إلى الشكوى والتذمر لم لحق ّ
ر
((كنا نحضر عند ثالثة مشايخ من ّ
النحويين فمنهم من ال نفهم فيه ما رواه ابن األنباري عن بعضهمّ :
من كالمه شيئا ،ومنهم من نفهم بعض كالمه دون بعض ،ومنهم من نفهم جميع كالمهّ ،
فأما من لم
وأما من نفهم جميع كالمه فأبو سعيد نفهم بعض كالمه دون بعض فأبو على الفارس يّ ،
تعلمني من ّ ّ ّ
النحو ما أقيم به لساني، السيوطي((أن رجال قال البن خالوية :أريد أن السيرافي)) .1و َر َوى
ّ ّ
أتعلم ّ
النحو ،ما تعلمت ما أقيم به لساني)) ،2فحتى سيبويه فقال له ابن خالوية :أنا منذ خمسين سنة
الزجاجي ّأنه أملى على ّ
اللحن ،وروى عنه ّ ّ وهو من علماء ّ
حماد بن سلمة النحو الجهابذة لم يسلم من
ّ ّ
قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(( :ليس من أصحابي أحد إال لو شئت أخذت عليه ،ليس أبا
الدرداء ،فقال سيبويه(ليس أبو الدرداء) فصاح به حماد :لحنت يا سيبويه ليس هذا حيث ذهبت،
ّ ّ
ألطلبن علما ال تلحنني معه ،فمض ى ولزم مجلس وإنما هو استثناء ،فقال سيبويه :ال جرم ،وهللا
األخفش ،مع يعقوب الحضرمي والخليل وسائر ّ
النحوين)).3
وكان ّ
النحو في بداية أمره مع الخليل وتلميذه سيبويه والكسائي ،وأبي على الفارس ي ،وتلميذه
ابن جني ،نحوا يسيرا ّ
هينا بحكم الفترة الزمنية الكائنة بين عصر االحتجاج وزمن هؤالء ،فكان كتاب
ّ وأهم مصدر ّ((الكتاب)) لسيبويه حلقة نافذة ،وعلما خالصا ّ
للنحو العربي حتى عصرنا الحاضر ،إال
ّ ّ
متعلمي ّ ّ
النحو واملطلعين على علم سيبويه بعد ذلك ،فقد انحرف أنه لم يسلم من التعقيد لدى
ّ ّ
،واتجه علم ّ ّ ّ
النحو من وسيلة لتقويم ملكة اللسان إلى غاية وسجيته اللسان الفصيح عن سليقته
ّ
املصنفات محفوفة بالعقل والتعقيد ،فأخذ النحاة يتسابقون على دراسة الكتاب وشرحه وتوالت
ّ
ومطولة وعلى سبيل املثال نذكر كتاب (تنقيح األلباب في شروح غوامض الكتاب) البن مختصرة
خروف(ت،)609و كتاب (شرح عيون كتاب سيبويه) ألبي نصر القرطبي ،إضافة لظهور املختصرات
كمقدمة ّ
النحو لخلف األحمر.4 ّ واملنظومات ّ
النحوية،
85
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ عدة ظهرت من علماء أ ادوا تيسير ّ دون ُمحاوالت ّ والتاريخ ّ
النحو فألفوا الكثير من الكتب، ر
ّ وأسقطوا منها كثيرا من الظواهر ّ
النحوية التي ال تتناسب ومقاصد هذا العلم وال تخدم متعلميه،
نذكر من بين هؤالء أبو بكر الزبيدي اإلشبيلي ّ
النحوي في كتابه (الواضح) ،و محاولة ابن جني في كتابه
وبالرغم من ذلك ظ ّل ّ
ّ ّ
(اللمع في العربية) ،وكتاب (الجمل) ّ
النحو مثقال بالتعليالت للزجاجي،
والتأويالت ،فكانت صيحة ابن مضاء في القرن السادس الهجري (ت592.ه) دعوة جريئة لتحرير
(الرد على ّ
النحاة).1 كبلته وأثقال التي أقعدته ،وهي الثورة التي ّ
ضمنها في كتابه ّ ّ
النحو من أغالل التي ّ
وفي ذلك ندرج أهم الجهود واملحاوالت التي جاء بها علماء التيسير قبل مهدي املخزومي:
ّ
1شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية ،ص.103
2ينظر :مدرسة الكوفة ،ص.398
الرد على ّ
النحاة ،ابن مضاء القرطبي ،تح شوقي ضيف ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،مصر ،ط1947 ،01م1322 ،ه ،ص.76 ّ 3
4الكتاب ،ص .13
86
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
تفهمهاّ ،
ألنها موضع عامل الذي حاول تغيير أحكامه فهو باب(( ّ
تعسر على من أراد تفهيمها ،أو ّ
ومعمول وال داعي إلى إنكار العامل واملعمول)).1
ومن القضايا التي فضها ابن مضاء ،وحكم عليها بالفساد واالضطراب (القياس ّ
النحوي) ،قال ر
ّ في ذلك(( :والعرب ّأمة حكيمة ،فكيف ّ
تشبه شيئا بش يء ،وتحكم عليه بحكمه ،وعلة حكم األصل
غير موجود في الفرع ،وإذا فعل واحد من ّ
النحويين ذلك جهل ولم ُيقبل قوله فلم ينسبون إلى العرب
ّ ّ
ما يجعل به بعضهم بعضا ،وذلك ّأنهم ال يقيسون الش يء ،ويحكمون عليه بحكمه ،إال إذا كانت علة
ّ
حكم األصل موجودة في الفرع)) .2كما أسقط العلل الثواني والثوالث ألنه رأى ّأن ال فائدة منها ،ورفض
ّ ّ ّ
العملية ((وهي ّ ّ
املتحدث في تعامله باللسان العربي مع غيره، كل ماال ينتفع به اإلنسان التمارين غير
فهي قضايا يراها غير مجدية ّ
وبالتالي ينبغي إسقاطها كإسقاط نظرية العامل)).3
النحو القديم والحديثّ ،
واملنبه الذي لقد كانت نظرية ابن مضاء القرطبي بمثابة الفيصل بين ّ
ّ
ومتعلميه ،غير ّأنها بقيت حبرا على ورق ،ووصفها املخزومي ّ أعاد بصيحته روح ّ
بأنها النحو لدارسيه
ظل أصحاب التجديد ّ
والتيسير من وبالرغم من ذلك ّ محاولة عقيمة تحتاج ّ
لسد بعض الفراغاتّ .4
بعده يقفون على مبادئ دعوته القائلة بإلغاء نظرية العامل.
قسم املخزومي محاوالت املحدثين بعد ابن مضاء القرطبي إلى قسمين ،أو لنقل ُمحاولتين، ّ
فذكر في املحاولة األولى ما جاء به شوقي ضيف ،الذي ّ
يعد أحد ّرواد األدب العربي ،وأشهر األدباء
واللغويين في العصر الحديثّ ،
ولعل تحقيقه لكتاب ّ ّ
(الرد على النحاة) البن مضاء كان بمثابة دافع
ّ ّ كبير إلشراكه في الفكر التيسيري التجديدي ّ
التجديدية للنحو ،بحيث تشكلت شخصية شوقي ضيف
مطلع على مدخل الكتاب الذي ّ ّ ّ
خصصه لذكر موقفة من التجديد وتأييده لهذا الفكر، أمام كل
تجسدت في كتابه (تجديد ا ّلنحو) وقد قال في
عدة ّ وتبينت نيته ونزعته إلى التيسير بعد اجتهادات ّ
ّ
ّ أجدد به ّ
ذلك(( :وظللت أفكر في وضع كتاب ّ
النحو ،وأقربه لدارسيه )) .5وقد تكلم شوقي ضيف في
النحو من خالل إعادة تنسيق أبواب ّ
النحو ،ودعا كتابه مجموعة من القضايا أهمها :أسس تجديد ّ
إلى إلغاء اإلعراب ّ
املحلي التقديري ،مخالفا بذلك النحاة في بعض األعاريب كإعراب النعت السببي،
87
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
خصص قسما تناول فيه قواعد النطق السليم للحروفوإلغاء العالمات الفرعية في اإلعراب ،وقد ّ
وصفاتها ،وأورد األسماء وتصاريفه واستعماالته ،كما ّ
تطرق للمرفوعات واملنصوبات ،وكان هدفه من
الصعيدي ،في كتابه ّ
(النحو هذا العمل تحاش ي التعقيد الذي لحق ّ
النحو ،وذكر محاولة عبد املتعال ّ
النحو تصنيفا جديداّ ،
لكنه لم يفعل شيئا ،ولم ّ
يمس الجديد) الذي حاول فيه تصنيف أبواب ّ
ّ ظنه جديدا ال ّ
وكل ما ّ ّ
إال إلى تصعيبّ ،
يتعدى الشكل ،وكان املوضوع في ش يء ،بل لم ينته من تيسيره
ّ
سماعي ،وإغفاله تقسيم الكلم إلى معرب من مظاهر تجديده املزعوم :تقسيمه الفعل إلى قياس ّي و
التيسير في جزئيات األبواب عرض للمبتدأ ،فجعله مبتدأ مرفوعا ،ومبتدأولكنه حين تناول ّ
ومبنيّ ،
إال نوعا واحداّ ،ّ منصوبا ،ومبتدأ يرفع وينصب ،ولم يكن املبتدأ في ّ
كأن الغاية من النحو القديم،
تجديده ،إخراج نحو غاية في اإليجاز ،أو ّ
كأن الغاية منه إبداع في إخراج أوجز املتون ،1فقد قال في
سيسرهم ّأن واحدا منهم ،وصل إلى هذا التجديد في ّ
النحو ،قبل أن ّ كتابهّ (( :إن إخواني األزهريين،
يصل إليه غيرهم)).2
جادة في إصالح ّ
النحو وتجديده، وكان من املحاوالت الثانية التي نعتها املخزومي ّأنها محاوالت ّ
ودراسته في ضوء ما استحدثته املناهج :محاولة األستاذ إبراهيم مصطفى التي عرضنا لها سابقا،
ومحاولة األستاذ أمين الخولي التي ّ
قدمها إلى مؤتمر املستشرقين املنعقد في إسطنبول سنة 1950م،
النحو العربي) ،الذي اقترح فيه لتجديد ّ
النحو:3 وموضوعه (االجتهاد في ّ
ّ
ألن جمعها لم يستكمل من طرف القدماء ،ويرى ّأن
اللغوية ّ -1أن يعاد ّ
النظر في جمع الثروة
استكمالها ممكن.
-2يرى ّأن األجيال توارثوا في الطبيعة العربية ألجيال شؤونا لغوية وأدبية ،من لهجات وأوضاع،
مما دعت إلى استئناف ّ
النظر واجتهاد رأي. وأساليب وكلماتّ ،
ّ ّ الخاصة ،فتوضع ّ
ّ ّ
الدراسة اللغوية على درجة السلم -3االستفادة من علم اللغة العام ،وفروعه
النحو على ضوء ّ
الدراسة النظر في منهج ّتم ذلك أعيد ّالتي تقف فيها الحياة اليوم ،فإذا ّ
التخلي عن ّ
العام بوجه الخصوص ،وذلك يقتض ي ّ ّ ّ
التعليالت الحديثة ،وفي ضوء علم اللغة
88
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ
اللغوية املنطقية من صيغ إعرابية تلقينيهّ ، ّ ّ النحويةّ ، ّ
تردد في غير وعي عما خلفته والتخلي
كالقول في اإلعرابّ :إن النون عوض عن ّ
التنوين في االسم املفرد.
ّ
اللتان هدفتا إلى إصالح ّ هاتان املحاولتان في نظر املخزومي ّ
النحو وبنائه من هما املحاولتان
ّ
جديد على منهج لغوي أو نحو ّي سليم ،فقد اتفق معهم على أصل هام هو استبعاد الفلسفة
الد اسة ّ
النحوية ،بصلة أو قرابة.1 ّ ّ ّ
الكالمية ،والتعليالت املنطقية العقلية ،وماال يتصل بطبيعة ر
ّ ّ
)4التيسي النحوي عند مهدي املخزومي:
فعني بذلك منذ لقد سعى َمهدي املخزومي إلى استظهار ما طمح فيه إلى تيسير ّ
النحو العربيُ ،
والتم شمله بأساتذته من الدعاة للفكر التيسيري اإلصالحي ،فحاول قراءة التراث أن وطأ الجامعةّ ،
ّ كل شائبة من شوائب ّ مركزة ،وقف فيها على ّّ
النحو فلم يترك شاردة وال واردة إال القديم قراءة عميقة
للنحو من سابقتها ،وقد استوعب املخزومي َمالمح وقال فيها نقدا؛ ثم ألحقها ببدائل آها أصلح وأنفع ّ
ر
التأليف والتدوين بداية من كتابه (مدرسة الكوفة النحوي خطوة بخطوة خالل مسيرته في ّ الد س ّّ
ر
والنحو) الذي عرض فيه ألهم املسائل ّ اللغة ّ ّ
النحوية بين أبرز مدرستين في تاريخ ومنهجها في دراسة
الخاصة في كل مسألة من تلك املسائل ّ
مقررا ّ النحو مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة ،مدليا بآرائه ّ
الصواب من كالم حجته بشواهد من كالم العرب والقرآن الكريم وما هو مجانب ّ ّأيهما أحق ،مقيما ّ
جادة منه سنة مصنفا ناقدا بأسلوب متواضع تواضع أهل العلم فيه ،وكانت ّأول محاولة ّ العربّ ،
النحو العربي قواعد وتطبيق) النحو العربي نقد وتوجيه) ثم كتاب (في ّ 1964م ،حين ّألف كتابه (في ّ
للدرستخير ّ
النحو ،ثم ّجل مصادر ّالنحوي في بغداد) ليسع فكره بذلك ّ (الد س ّ
ّ
سنة 1966م ،وكتابه ر
النحوي الحديث ما هو أيسر وأصلح له ،بما يواكب ظروف العصر ومتطلباته ،ولقد وصف الباحثون ّ
الد س ّّ ّ ّ
النحوي ،وذلك بما وضعه من املخزومي بأنه صاحب مشروع جعله من كبار املجددين في ر
(النحو العربي نقد وتوجيه) وفي ّ
النحو العربي قواعد سيما في كتابيه في ّ
دراسات في هذا املوضوع ،وال ّ
النحو أخذ ينحرف عن طريقه وتطبيق 2ونال عنهما جائزتين كأحسن كتابين .3ويرى املخزومي ّأن ّ
ّ ّ شيئا فشيئا إلى د س ّ
الدرس اللغوي إال مظهره وشكله)) ،4كما ّأن
ملفق غريب ،ليس فيه من سمات ّ
ر
89
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
يتسنى لهم عرض قد اتهم في ّ
التحليل ،بينما النحو حتى ّ النحاة اهتموا بطرح مشكالت في ساحة ّ
ر
ّ ّ أهملوا الهدف األسمى من ظهور ّ
النحو ،ووظيفته في الكالم .كما ظل ساخطا على كثرة املؤلفات التي
ّ وعدها مجرد حشو واجترار َلم يزد في ّ
النحو إال تعقيدا بالد س الغريب؛ ّّ ُأ ّلفت في ّ
النحو الذي ّ
سماه ر
ّ
املؤلف في هذا ّ
الدرس الغريب ،موسوعات ومختصرات ومتونا وشروحا ،ولكنها فقال(( :كثرت الكتب
ّ لم تخطو خطوة في تطوير ّ
النحوّ ،
ألنها لم تكن إال تكرارا واجترارا ،وضج الدارسون في مختلف
النحو بداية العمل الجاد عد محاولة أستاذه إبراهيم مصطفى في كتابه إحياء ّ العصور)) 1.كما ّ
تقدم شيئا جديدا ّ
ظلت ناقصة ولم ّّ ّ
للنحو ((ولم تفعل شيئا النحوي ،غير ّأن هذه املحاوالت
للتيسير ّ
ّ تصحح وضعا ،ولم ّ
ّ قوته وحيويتهّ ، الدرس ّ يعيد إلى هذا ّ
تجدد منهجا ولم تأت بجديد إال ألنها لم
اصالحا في املظهر ،وأناقة في اإلخراجّ ،أما القواعد فهي هيّ ،
وأما املوضوعات فكما ورثناها ،حتى
ّ األمثلة ،لم يصبها من ّ
التجديد إال نصيب ضئيل)) .2فالتيسير ليس مجرد اختصار وحذف وشروح
كما كانوا يعتقدون بل هو ((عرض جديد ملوضوعات ّ
النحو بيسر للناشئين أخذها واستيعابها
وتمثلها)).3
مهدت ّ
للتيسير ّ
السليم ،مما أدى لقد ُع ّد املشروع ّ
النحوي عند املخزومي بداية طريق جديد ّ
النحوي في العصر الحديث ،فقد عرض ملوضوعاتهالد س ّ إلى إحداث ثورة حقيقية أسهمت في ّ ّ
تطور ر
يمسهم من أهداف ّ املادة ّ
وتعلم ّّ
النحو ما النحوية على أن ّ بما يتماش ى َوقدرة الناشئة في استيعاب،
ّ ((الد اسة ّ
ّ ّ ّ
النحوية كلها موضوعات لغوية كان يبتغيه النحاة األوائل الذين وضعوه ،وهو ما يؤكد أن ر
تهدف إلى ناحية تطبيقية تفيد منها األجيال ،فيما تقرأ وفيما تتكلم وفيما تفيد)).4
فالد س ّ
النحوي عند املخزومي يعالج موضوع الجملة التي اعتبرها موضوعا له؛ ونقطة ّ
إذن ،ر
املكونة لها ،وما ّ
يمسها من تقديم انطالقة عند البدء به ،وذلك من حيث تأليفها ونظامها وأجزائها ّ
وتأخير ،وإضمار ،وإظهار .وما يعرض لها من معان عند ّاتصالها بأدوات التعبير ّ
كالتوكيد ،والنفي ٍ
وأدواته ،وغيرها من املعاني ّ
العامة بما يتناسب ومقتض ى الخطاب والقول.
1ي ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.15
2املصدر السابق ،ص.15
3املصدر السابق ص.15
الدرس ّ
النحوي في بغداد ،ص.27 ّ 4
90
املبحث الثاني
ّ
معالم التجديد في الفكراملخزومي.
الد س ّ
ّ
النحوي املخزومي. ّأوال-الجملة في ر
الد س ّ
النحوي املخزومي. ّ
ثانيا-أقسام الكالم في ر
ظل الواقع ّ
التعليمي ّ
للنحو العربي. ثالثا-اآل اء ّ
التيسيرية عند املخزومي في ّ ر
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
َ
علماء أخذوا من كنوز النحو العربي ،الزالت ُتستخلص من بطون عربية َ
أنجبت صا ة ّ ّ
إن ُع َ ر
ٍ
النحو؛ ّ َ
وتكليفاُ ،مبحرين في عالم ّ ّ
متدبرين في صنيع األولين علمهم وميراثهم ،تأليفا وتصنيفا وتمحيصا
النحاة من عسجد نحوي القدماء بما حملته كتب التراث ،فعملوا على انتقاء ما جادت به عقول ّ
مكنون ،وواكب صرح الحضا ة العربية وأدمغة أبنائها .وكان ّ
الدكتور مهدي املخزومي من أولئك ر
صفاءه ،وجاهدوا في سبيل ذلكَ ،فحملوا أنفسهم عليه من د اسة ّ
للنحو حتى َ الذين أ ادوا ّ
للنحو
ر ر
ّ
قدم في القديم كتبا ُحفظت للتراث واستخلص منه لجديده ما يحفظ مع التراث.
ّ
وفي هذا الشطر من بحثنا ،أوردنا من فكر املخزومي والقضايا املتعلقة بالجملة والكالم في
د سه ّ
النحوي ،وهي كاآلتي: ر
ّ )1الجملة في ّ
الدرس النحوي املخزومي:
-1الجملة:
لقد تناول الدكتور مهدي املخزومي الجملة العربية نقدا وتحليال ،فدعا في كتابه ّ
(النحو العربي
النحوي وتقويمه على ضوء دراسته الجملة، الد س ّّ ّ
نقد وتوجيه) إلى إعادة النظر في موضوعات ر
النحو العربي قواعد وتطبيق) .وقد ع ّرف مهدي املخزومي الجملة مطبقا ما دعا إليه في كتابه (في ّ ّ
ّ
املركب الذي ّ ّ ّ
يبين بقوله(( :هي الصورة اللفظية الصغرى للكالم املفيد في ّأية لغة من اللغات ،وهي
ّ ّ
املتكلم به ّأن صورة ذهنية كانت قد تألفت أجزاؤها في ذهنه ،وهي الوسيلة التي تنقل ما جال في ذهن
اللغات هي أصغر وحدة ّ ّ ّ ّ
نتلفظ بها أثناء السامع)) .1ويقصد بهذا ّأن الجملة في كلاملتكلم إلى ذهن ّ
ّ
اللفظي إلى ّ
الت ّ
صور الذهني الكالم على أن تكون فيه إفادة ،فهي بالضرورة تؤدي بالسامع من التركيب
ّ ّ
يؤدي للفهم الصحيح للغة ،وهي األداة الناقلة للصور الذهنية بين املتكلمين ،في حين ّأن في العقل ما ّ
ّ أصغر وحدة لغوية في ّ
الدرس اللساني الحديث هو الفونيم وتعتبر الجملة أكبر وحدة لغوية عند هذا
الدكتور (حلمي خليل) تعريف املخزومي للجملة فقالّ (( :أما ّأنها أصغر الوحدات األخير .كما انتقد ّ
الصحيح ،أي ّأنالكالمية الصغرى فهو تعريف لم يقل به املنهج العلمي الحديث ،بل العكس هو ّ
الجملة هي الوحدة الكالمية الكبرىّ ،أما الوحدة الكالمية الصغرى فهي الفونيم)).2
92
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
عرفها ّ
بأنها ((في ولقد كان تعريف املخزومي للجملة نابع من تأثره بالدكتور إبراهيم أنيس حين ّ
أقصر صورها هي أقل قدرا من الكالم يفيد السامع معنى مستقال بنفسه سواء أ تركب هذا القدر
من كلمة واحدة أو أكثر)).1
ويذهب املخزومي بفكره ا ّلنحوي إلى تخصيص الجملة فيذكر (الجملة ّ
التامة) معتبرا ّإياها
يصح السكوت عليها ،وقوامها الرئيس هو اإلسناد بطرفيه املسند واملسند أبسط الصور الذهنية التي ّ
ّ النسيم) جملة ّ ّ ّ
تامة أساسها إسناد املسند (النسيم) إلى املسند إليه ،وساق لنا األمثلة في قوله( :هب
إليه ّ
(هب) ،فكان اإلسناد بمثابة العالقة الذهنية الرابطة بينهما2.
ّ
كما يرى املخزومي أنه لم ُي ّر قط في علوم العربية لفظ يدل على اإلسناد ،وهذا ليس صحيحا
ّ
ألن الجملة العربية ّ
تضمنت في استعماالتها قديما ما يعبر عنه بفعل الكينونة ،وأورد في ذلك ما قالته
العرب قديما:
َ َ َ َ َ َ َ
إذا ته ُّب ش ْمأ ٌل َب ِليل اج ٌد ن ِبيل َ
أنت تكون م ِ
الرافعة لالسم ،والناصبة للخبر ،وهي فعل الكينونة كما ف )تكون( زائدةّ ،
ألنها لم تعمل عمل (كان) ّ
ّ
وجلي ّأن هذا العنصر الثالث-
ويعلق الدكتور علي أبو املكارم على هذا الرأي فيقولّ (( : زعم املخزومي.
اإلسناد-الذي أضافه املخزومي ال وجود له من ّ
الناحية الواقعية في بناء الجملة العربية ،وإن التمس
له بعض الجذور التاريخية ،األمر الذي يقف بنا عمليا في إطار املأثورات التراثية)).3
ّ ّ ولقد استغنى نحاة العربية قديما في ّ
وحل محله الداللة على اإلسناد عن فعل الكينونة،
وسماه أهل الكوفة (عمادا) وكان الهدف من استعماله فسمي عند البصريين (فصال) ّّ الضمير (هو)
الشاعر ،حتى ال يظن ّ
الدارس ّأنهما نعتان ال مسندان4. ُ ّ
اجتناب اللبس في الجملة االسمية نحو :محمد
بحيث ّأن كال من املسند (محمد) واملسند إليه(الشاعر) ،في هذه الجملة معرفة ،وهذه الجملة ّ
تامة
ّ ّ
مستوفية متطلبات اإلسناد ،فإذا جيء بهذا الضمير (هو) ،زال اللبس ،وكان الكالم نصا في اإلسناد،
نحو :محمد هو الشاعر.
ّ
1إبراهيم أنيس ،من أسرار اللغة ،مكتبة األنجلو املصرية ،القاهرة ،ط1981 ،01م ،ص.276
2في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.31
ّ ّ 3علي أبو املكارمّ ،
مقومات الجملة العربية ،دار غريب للطباعة والنشر ،القاهرة ،ط2006 ،01م ،ص .37
4ينظر :في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،ص.32
93
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
كما أشار مهدي املخزومي الجملة العربية في أكثر حاالتها ّ
تضمن ما يشير إلى اإلسناد ،وهو
ّ َ ّ ّ
تعد علم اإلسناد ،وهو رأي جاء به الدكتور إبراهيم الضمة اللصيق باملسند إليه والتي صوت
وأن موضعها هوالضمة علم اإلسنادّ ،
األول ّأن ّ
النحوية حين قال(( :واألصل ّ نظريته ّ
مصطفى في ّ
املسند إليه املتحدث عنه)) 1ووافقه فيه تلميذه املخزومي.
حظها من ّ ّ ّ الد س ّ
ّ
الدراسة عند النحاة النحوي ،إال ّأنها لم تنل وبالرغم من أهمية الجملة في ر
ّ
كما يذكر املخزومي ،فهم لم يعرضوا لها كموضوع خاص وإنما أشاروا إليها في بعض ثنايا مواضيع
مما أصاب هذه ّ
الدراسة الجمود وحرمت أخر ،كعرضهم الخبر والنعت والحال في الجملة العربية ّ
مصادر حيويتها.
-2أقسام الجملة:
الدكتور مهدي املخزومي صيده ّ
النحوي في الجملة العربية حين ّ
تطرق إلى تقسيماتها لقد أثرى ّ
ر
عند ّ
النحويين قديما ،فكانت عندهم على قسمين :جملة إسمية ،وجملة فعلية ،وهو ((تقسيم صحيح
ّ ّ
يقره الواقع اللغوي)) ،2وقد أضاف ابن هشام األنصاري إلى هذين القسمين قسما ثالثا وسماه الجملة
ّ الظرفية ،وأضاف أبو علي الفارس ي ّ
والزمخشري قسما رابعا ّ
سماه الجملة الشرطية.
ّ
يوفقوا في تصنيف الجملتين االسمية والفعلية ،وذكر من ر ّ
أي نحاة رأى املخزومي ّأن النحاة لم
البصرة وابن هشام الذي استفاض في حديثه حول الجملة العربية حين رأى ّأن الجملة االسمية هي
تصدرها فعل نحو :قام زيد،الزيدان ،والجملة الفعلية ما ّ ما ّ
تصدرها اسم كقولنا :زيد قائم ،وقائم ّ
ّ التقسيم الذي نعته املخزومي ّ اللص ،هذا ّ ّ ُ
بالتقسيم الساذج الذي ال يقوم إال على أساس وضرب
ُ ُ ّ
الط ُ ُ َ ُ لفظي نحو تحديدنا َ
البدر) جمل الع ،وطالع و(البدر طالع ،البدر البدر) جملة فعلية، (طلع
اسمية.
واملبرد ،الذين ّ
عدوا كما أخذ املخزومي على ابن هشام وغيره من البصريين أمثال سيبويه ّ
ّ الجملة االسمية أساسا للجمل العربية ،وذكر ّأن جملة (قائم َ
الزيدان) تمثيل غير موفق ،واعتبر
(الزيدان) فاعال ال مبتدأ ،وهذا ما ينفي اسمية الجملة ،كما أنكر عليهم جعل االسم أصال للفعل
94
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ ألن الفعل أساس ّ
التعبير في جميع اللغات ،وذهب إلى ّأن الفعل أصل ومصدر أصل للمشتقاتّ ،
ٍ
واالسم فرع 1،وهذا رأي أستاذه إبراهيم مصطفى أيضا.
وقد ّ
قسم مهدي املخزومي الجملة العربية إلى ثالثة أقسام هي:
95
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
َ َ
قديما؛ حين جعلوا من هكذا جمل جمال اسمية ،فطبيعة الجملة االسمية تختلف عن طبيعة الجملة
الفعلية ال ّبد فيهما من التفريق بين املسند إليه في األولى والثانية ليكون ّ
األول مبتدأ ويكون الثاني
فاعال ،سواء كان الفعل فيهما مبنيا للمعلوم أو املجهول.1
در َط َل َع) جملة اسمية ّ
يحملنا على الذهاب إلى اعتبار االسم (البدر) مبتدأ، فالقول ّأن َ
(الب ُ
وبالتالي خال الفعل من فاعله ،واضطر ّ
الدارس إلى تقدير الفاعل ،بضمير يعود على املبتدأ ،لتصبح
ّ
علل بن األنباري هذا ّ ّ
بأن ((الفاعل ينزل منزلة الجزء من الكلمة وهي هذه الجملة مركبة .وقد
ّ ّ
الفعل)) ،2وذهب ابن يعيش مثل مقالته وعلل وجوب تأخر الفاعل عن الفعل بقوله(( :إنما وجب
تقديم خبر الفاعل-يعني الفعل-ألمر وراء كونه خبرا ،وهو كونه عامال ،ورتبة العامل أن يكون قبل
ثم ذهب املخزومي إلى ّأن كلمة(البدر) في الجملة
املعمول ،وكونه عامال فيه سبب أوجب تقديمه))ّ ،3
ّ السابقة هو فاعل ّ
مقدم للفعل املتأخر بعده (طلع) فلم يطرأ أي تغيير سوى تقدم املسند إليه الذي
نسميه في الجملة الفعلية فاعال ،فالقول ّأن الجملة (طلع ُ
البدر) اسمية ،فهذا يبعدنا عن التأويالت ّ
والتقديرات التي ال طائل منها.4
ّ
الجملة الظرفية والجملة الشرطية: .2.3
الدار يد؟) إذا ّ
قدرنا (زيدا) هي الجملة البادئة بظرف أو مجرور نحو( :أعندك يد؟) أو (أفي ّ
ز ز
ّ
فاعال بالظرف الجار واملجرور ،ال باالستقرار املحذوف ،وال مبتدأ مخبرا عنه .5وهي عند املخزومي
التي يكون فيها املسند ظرفا أو مضافا إليه بالجار واملجرور ،ويكون املسند إليه نكرة كقولنا( :عند زي ٍد
الدار رجل) فهذه الجمل ليست جمال فعلية؛ ّ
ألنها ال تحتوي فعال ،وال نمرة)( ،أمامك عقبات) َو( في ّ
ّ ّ
اسمية كون املبتدأ لم يبتدئ بها ولم يتأخر لسبب ،بل كان أساس هذه الجملة االبتداء بالظرف
ّ
وتأخر املسند إليه ّ (أمامك) أو الجار واملجرور (في ّ
النكرة(عقبات) و (نمرة)(،رجل) ،فأعربه الدار)،
بالظرف أو بالجار واملجرورّ ،أما إذا كان معرفة نحو( :في ّ ّ
الدار زيد) فالجملة هنا هي جملة فاعال
قدم لالهتمام به.6ألن املسند ّ
اسمية ال ظرفية ّ
96
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ
ويبدو ّأن ما جعله املخزومي قبيل الجملة الظرفية هو من أشكال الجملة االسمية ألنه يصح
عقبات ،ولو كان املسند إليه النواسخ ،نحوّ :إن عند يد نميرةّ ،
وإن أمامك أن ندخل على املسند ّ
ٍ زٍ
فاعال كما رأى املخزومي ملا ّ
صح دخول هذه النواسخ عليه.
ّ
الشرطيةّ ، ّ
ويعد ّ
وعدها قسما مستقال، الزمخشريّ ،أول نحوي ورد عنه مصطلح الجملة
مخالفا جمهور النحاة الذين ّ
عدوها جملة فعلية مركبة من جملة الشرط وجملة جواب الشرط،
بالتحليل العقلي على جزأين ،يقوم ّ
األول مقام ويرى املخزومي ّأن الشرط هو أسلوب لغوي ينبني ّ
بتحقق ّإال ّ ّ املسبب ،وال ّ
السبب ،والثاني مقام ّ
األول ،وعرض لرأي النحاة الذين جعلوا يتحقق الثاني
الجزم بوصفه إعر ُابا يقوم على جملة الشرط وجوابها ،غير ّأن املخزومي أى ّأنه كان ّ
البد من دراسة ر
تعبر عن فكرة واحدة ،ور ّد القول ّ
بأنها تامة ّ
الشرط على كونه جملة واحدة فهي بالنسبة له جملة ّ
تنقسم لشطرين إلى التحليالت العقلية واملنطقية التي تأثر بها النحاة قديما1.
ّ
ولعل اشتراط اإلسناد في الجملة عند املخزومي ،يجعله يتناقض في تفسيره للجملة الشرطية،
تتألف من جملتين تربطهما أداة شرط ،وكل جملة من الجملتين ّّ
يتحقق فيها شرط اإلسناد ،بينما فهي
ّ
املعنى ال يكتمل في الجملة األولى إال باكتمال الجملة الثانية ،فهو جعلهما جملة واحدة ،وذهب إلى ّأن
ّ
املعنى مهم في مفهوم الجملة؛ فاتخذه دليال ومعيارا لقوله ،بعدما رأى ّأن الجملة تعتمد على املسند
واملسند إليه ،واإلسناد ،ولهذا وطأ مواطن االضطراب في تحديده ملفهوم الجملة.
ّ )2أقسام الكالم في ّ
الدرس النحوي املخزومي:
يكاد يجمع النحاة على ّأن تقسيم الكالم يكون على ثالثة أقسام :اسمَ ،وفعل ،وحرف .وجاء
السراج وغيرهم 2وقد أضاف ّ
والزجاج ،وابن ّ والفراءّ ،
واملبرد، ّ ذلك على لسان سيبويه ،والكسائي،
ّ بعضهم قسماّ ،
وسماه (الخالفة) .3واختلفوا في تحديدهم ملفاهيم هذه األقسام ،فطبيعة اللغة
َوسعتهاَ ،و ّ
تعدد املعنى الواحد والداللة والزمن سبب في هذا الخالف ،فهي بطبعها ال تخضع لهذه
التقسيمات التي وضعها النحاة ،ولهذا نجد من املحدثين من يعتمد ّ
التقسيم ّ
الرباعي للكالم ،كما هو ّ
97
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
السباعي كما فعل تمام حسانّ 2
فعدد التقسيم ّ الحال عند الدكتور فؤاد ُترزي 1وهناك من اعتمد ّ
ّ االسمَ ،و ّ
الصفة ،والفعل ،والضمير ،الخالفة ،والظرف واألداة ،وتابعه في ذلك فاضل الساقي ،3ولنا
أن نناقش هذه األقسام كما ذكرها املخزومي في ضوء ّ
التقسيم الثالثي الذي اعتمده النحاة قديما.
يقول سيبويه(( :فالكلم اسم وفعل َوحرف ملعنى ليس باسم وال فعل ،فاالسم رجلَ ،وفرس،
ّ
وأما الفعل فأمثلته أخذت من لفظ أحداث األسماء وبنيت ملا مض ى وملا يكون ولم يقع ،وما هو كائن
لم ينقطع)).4
-1األفعال:
لفظ أحداث األسماءّ ،
وقسمه إلى ثالثة أقسام :ماض ي، ّ
ذكر سيبويه أن الفعل هو ما أخذ من ٍ
ثم عرض لوظائفه ّ
الصرفية فقالّ :
((وأما الفعل فأمثلته أخذت من لفظ أحداث َومضارع َوأمرّ ،
َ
وسمع األسماء ،وبنيت ملا مض ى وملا يكون ولم يقع ،وما هو كائن لم ينقطعّ ،
فأما بناء ما مض ى فذهب
اذهبُ ، فإنه َ
قولك آمراَ : ّ وحم َدّ ، َ
ومك َثَ ،
واقتل ،واضربُ ،ومخبرا :يقبلَ ،ويذهب، وأما بناء ما لم يقع
دل على معنى ،وزمانالسراج ّأن الفعل ما ّ
ويضرب ،وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن)) .6وذكر ابن ّ
ُ
الصرفيتين الحدث والزمن ،وذهب إلى ّأن الزمن الذي ّ
يدل عليه الفعلّ ،إما أن مستندا إلى وظيفتيه ّ
ّ
اللغة ّ
والنحو ،مكتبة لبنان ،ط2006 ،01م ،ص.86 1فؤاد ُترزي ،في أصول
ّ
2تمام حسان ،اللغة العربية ،ص.86
3فاضل الساقي ،أقسام الكالم العربي ،ص.92
4الكتاب.12/1 ،
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص .60 ،45 5في ّ
6الكتاب.13 ،12/1 ،
98
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ََ
يرى فاضل الساقي إلى ّأن الكوفيين ومعهم املخزومي ،ربما قد مل ُحوا في هذه الصيغة –فاعل-
دورا وظيفيا يشبه دور الفعل ،وأنكر عليهم ذلك ،فهي صيغة تختلف عن الفعل شكال ووظيفة،
ّ
فالفعل معناه الحدث والزمن ،وهذه الصيغة معناه املوصوف بالحدثّ ،أما على مستوى الشكل فهذه
ّ
الصيغة ال تقبل عالمة شكلية واحدة من عالمات الفعل.5
-2االتم:
99
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
وفعل َوحرف ملعنى ليس باسم وال فعل ،فاالسم جلَ ،وفرس)) ،1وهذا التمثيل ال ّ
يتعدى كونه تمثيال ر
شكليا.
املبرد ّأن االسم ما كان واقعا على نحو :رجل ،وفرس ،وزيد ،وعمرو ،وما شابه ذلك ،وذكر
وذكر ّ
ّ ّأن أشهر عالمة ّ
يتميز بها االسم عنده ،هي دخول حرف الج ّر عليه وإال فهو ليس باسمُ ،مراعيا
دل على معنى مفرد ،وذلكالسراج ّأن االسم ما ّ بذلك الجانب الشكلي في ّ
التقسيم .2وذكر ابن ّ
املعنى يكون شخصا ،وغير شخص ي ،مراعيا املعنى الوظيفي ّ
للتقسيم وهو داللة االسم على ّ
مسمى
والظروف فقالّ :ّ الزمن ،وأدرج في ّ
مجرد عن ّ
ّ
((وأما ما كان غير شخص ي فنحو: حده املصادر
ّ
والظن))3. الضرب ،واألكل،
ويرى املخزومي ّأن االسم هو ما ّ
دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان ،ويكون معربا ومبنيا،
الضمة ،والكسرة ،والفتحة ،4ومن األسماء املبنية األسماء وعالمات اإلعراب عند املخزوميّ ،
املقصورة نحو قولنا (مصطفى) و(ليلى) ورآه أقرب االختيا ات لتيسير تعليم ّ
النحو ،وهو يمثل املسند ر
يتميز االسم بالتعريف والتنكير والتأنيث ّ
والتذكير واإلفراد والجمع، في الجملة كما سبق وذكرنا ،كما ّ
-3األداة:
1الكتاب.12/1 ،
2فاضل الساقي ،أقسام الكالم العربي ،ص.36
3األصول.1/1 ،
ّ مؤيديه ومعارضيه ودوره في ّ 4خليل أحمد عمايرة ،العامل ّ
النحوي بين ّ
التحليل اللغوي ،دار الفكر1986 ،م ،ص .77
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص.20 ،19 5ينظر :في ّ
6أقسام الكالم العربي ،ص.134
100
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ
اللغة نذكر منها أدوات ّ
التوكيد إذ يرى املخزومي ّأن النحاة قديما قد عالجوا واألدوات كثيرة في
التوكيد والحظوا ما لها من دالالت واستعماالت ووظائف ،كما تقصوا مواضيعها ،غير ّأنهم أدوات ّ
ّ
مقطعا ال عالقة لبعض أجزاءه ببعضها ،فبحثوا في ّ بحثوا في ّ
(إن) حين عرضوا كل أداة على حدة بحثا
التوكيد حن عرضوا للمضارع وإعرابه وبناءه، للمبتدأ والخبر ولنواسخ حكمهما ،وبحثوا في نون ّ
1الكتاب .12/1
2مدرسة الكوفة ،ص.242
3املصدر السابق ،ص.242
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص.316 4في ّ
5ينظر :في ّ
النحو العربي قواعد وتطبيق ،ص.22
6ينظر :أقسام الكالم العربي ،ص .130
101
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ثم د س املخزومي أدوات ّ
التوكيد وجمعها وعرضوا ملَن وإن والباء حين عرضوا لـ َ(لي َ
س) و (ما) وغيرها ّ ،ر
فرأى ّأن أدوات ّ
التوكيد في العربية على ثالثة:
-4الكناية:
وهي رابع قسم من أقسام الكلمة العربية عند املخزومي ،يقول في ذلك(( :الكنايات أو اإلشارات
خاصة واستعمال خاص وألهميتها في الكالم أعرض كل طائفة منها بطريقة ّ في العربية طوائف ّ
تتميز ّ
هنا لتصنيفها وبيان وظائفها بقدر ما تسمح به ظروف هذا العمل ،وال ريب ّأن النحاة قد التفتوا إليها،
يهمهم من جوانبها ّ
املتنوعة ووظائفها في ولكنهم لم يمنحوها ما يجب أن تمنح من عناية واهتمام ،ولم ّ
ّ
إال ما كانوا ّ
يتوهمون لها من عمل وتأثير فيما بعدها من أسماء وأفعال ،والكنايات في العربية الكالم
تؤدى وظيفة معينة مشتركة)) ،2والواضح كل مجموعة منها ألفاظ ّ ّ
تتجمع في مجموعات ،ويندرج في ّ
تتميز كمجموعات عن بعضها من هذا القول كما نراه ّأن املخزومي ّ
يسمي الكنايات أيضا باإلشاراتّ ،
البعض باعتبار االستعمال واألهمية في الكالم العربي ،كما يعيب على النحاة ّأنهم ما منحوا لهذه
الد اسة ّ
حقها كغيرها من األقسام السابقة .كما أدرج املخزومي في هذا القسم الضمائر ،واإلشارات، ّ
ر
واملوصول بالجملة ،واملستفهم به ،وكلمات الشرط ،وكما ذكرنا سابقا ّ
فإن النحاة قديما لم ّ
قسموا
الكالم إلى ثالثة أقسام ولم يأخذوا بالكناية كما فعل املخزومي وبعض النحاة.
ومما َس َ
بق ذ ُ
كره في تقسيم الكلمة عند الدكتور مهدي املخزومي ،يرى األستاذ فاضل الساقي ّ
ّأن الدكتور مهدي املخزومي لم ّ
يوضح األسس التي ينبغي مراعاتها في تقسيم الكلمة ،فاكتفى بذكر
بعض عالمات االسم والفعل الشكلية ،ولم يعرض لعالمات األداة ،كما أى ّأنه لم ّ
يحدد طوائف ر
الكلمات التي تندرج تحت مفهوم االسم ،بينما استفاض في دراسة الفعل وأقسامه ودالالته ،متأثرا
مما ّأدى إلى إهمال الكثير من الكلمات ذات سمة شكلية ووظيفية ّ
خاصة باألسماء ّ
بالنحو الكوفي؛ ّ
102
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
واألفعال .كما ذكر ّأن تسمية املخزومي للفعل الدائم لم تكن ناتجة عن تقدير سليم في وضع األسس
الصحيحة لتقسيم الكلمة ،ومن املآخذ التي أخذت على املخزومي كذلك ّأنه ّ
سمى اإلشارات ّ
واملوصوالت أسماء بعنوان :أسماء اإلشارة واألسماء املوصولة وذلك في كتابه (مدرسة الكوفة ومنهجها
اللغة ّّ
والنحو) ،بينما اعتبرها من الكنايات في كتاب (في النحو العربي قواعد وتطبيق) ،كما في دراسة
اللغة ،فلم ّ ّ ّ
يحدد موقع املدح والذم أنه أهمل في تقسيمه للكلمة كثيرا من الكلمات املتداولة في
سماه النحاة اسم الفاعل وكان وأخواتها ،وما كان عليه أن يغفل على (الخالفة) وماوالتعجب ،وما ّ
يندرج تحتها كلمات.1
ّ ّ ّ
التيسي ية عند املخزومي في ّ
ظل الواقع التعليمي للنحو العربي: )3اآلراء
وتتبعه لقضاياه وموضوعاته إلى هدف رئيس كان النحويّ ، للد س ّ
ّ
انتهى املخزومي في معالجته ر
النظر في د اسة ّ
النحو التي متفرقة من د استه ،واملتمثل في إعادة ّ
وصرح به في مواضع ّ يرمي إليهّ ،
ر ر
ُ وء به ّ
صارت عبء ثقيال َي ُن ُ
الدارسون ،والسبيل إليها وعرة ،يض ُل فيها السالكون .وهي دعوة سبقتها
الد اسة ّ
النحويةُ ، ّ
وعقمها، دعوات كثيرة ،نادى بها من قبل الباحثون ،بعد إحساسهم بعدم جدوى ر
الدوافع التي دفعت أصحابها الدعوات إلى إصالح وتجديد علم العربية تختلف تبعا الختالف ّ فكانت ّ
قدم الفكري الذي يالبس العصر الذي فيه يعيشون .ويرى املخزومي ّأن ّ
النحو امتزج إليهاّ ،
والت ّ
الرابع ،الذي طغت فيه الفلسفة ،والتزم الدارسون في القرن ّ باملنطق ،وهو مالم يستسغه حتى ّ
الدا سون بحدود منهجها ،فما ّ
حققه النحاة نتيجة هذا االمتزاج ليس من ا ّلنحو في ش يء.2 ّ
ر
والنحوي ّ ّ
اللغوي ّ
بالدرس ،فيرى ّأنهم كما يقف املخزومي أمام ما تناوله الكوفيون في منهجهم
السليم للوصول إلى أحكام يتقيدوا بش يء ،وبنوا د استهم على االستقراء ّ
والنقل ،وهما السبيل ّ لم ّ
ر
التجاهل من نحوية صحيحة ،تتمثل فيها العربية ظواهرها وطوا ئها تمثيال صادقا ،وهي محاولة القت ّ
ر
امليسرين ل ّلنحو ،وفي ذلك يقول(( :كان حريا بهذه املحاوالت أن تنظر إلى ّ
النحو الكوفي نظرتها إلى قبل ّ
النحو البصري ،وأن تفيد من أعمال الكوفيين من تجديد ّ
النحو أو تيسيره ،ولكن لم يكن من بين ّ
ّ
الكوفيين)) .3ويضيف: أصحاب املحاوالت قديما وحديثا ،من التفت إلى ضرورة االستفادة من أعمال
النحو البصري وحده ،أو((ستظل هذه املحاوالت تعاني نقصا كبيرا مادامت قصرت جهدها على ّ
1ينظر :الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة ،فاضل الساقي ،ص .135-133
2ينظر :مدرسة الكوفة ،ص.397
3املصدر السابق ،ص .408
103
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ
النحو الذي وصل إلينا ،وهو نحو يكاد يكون بصريا خالصا ،لوال بعض اآلثار الكوفية التي فرضت
نفسها على هذه الدراسة ،وأعانها على البقاء نحاة حاولوا الجمع بين أعمال السلف املختلفة ،وانتقاء
الصالح منها ،وما وصل إليهم قليل من كثير لو توافر لديهم ملا عاقهم عن األخذ به عائق من عصبية
أو غيرها)).1
امليسرين آ اء و مقترحات مختلفة حول نظريتهم ّ
التيسيرية ،حيث يذهب قدم بعض ّ ولقد ّ
ر
الصواب في معالجة هذا ّ
النحو السبل إلى ّ
((لعل أدنى ّ
ّ عبدالس ّتار الجواري إلى القول:
ّ ا ّلدكتور أحمد
الذي يدرس في صورته األولى دراسة واعية عميقة ،ال تغفل عن الغاية ،وال تتجاهل أسباب االنحراف
مجمعة ّ
ملفقة ،ال ثم تعرف ما اختلط بها من أمور بعيدة عن طبيعتها ،حتى جعلتها أخالطا ّ عنهاّ ،
ّ
تحقق غرضها وال تبلغ غايتها ،ثم يأتي بعد ذلك إدراك ملا ينبغي أن يبقى ،وما ينبغي أن ُيحذف من
ّ ّ
لتسد حاجة لغوية ،ال لتقتض ي حاجة فكرية ،إنما أجزائها وأبوابها ،ذلك ّأن منها أجزاء وضعت
ّ
متصور)) .2وهو في هذا يدعو إلى وضعت الستقصاء قاعدة منطقية ،أو ّ
سد ذريعة ،أور ّد اعتراض
إعادة استقراء شامل ّ
للنحو الذي يد ّرس للناشئة.
النظر في بناء القواعد العربية ،علينا ّأوال أن ّ
نحدد ويقول سعيد األفغاني(( :فإذا أ دنا اليوم ّ
ر
حددناه وضعنا أخصر املناهج ،وأوضحها وأسرعها في إبالغنا ّإياه)) .3وهنا هدفنا من القواعد ،فإذا ّ
104
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ الصفوف املنتهيةّ ، النحوي ،كما يرى ّأنه من الواجب تدريس ّ
ّ
ألن مدارك املتعلمين رّبما الصرف في ّ
تكون أكثر استعدادا إليه في مراحله األخيرة.1
ُ ُ وفي ضوء هذه الجهود واملقترحات التي بذلها أصحاب ّ
حضوره سؤال
ٍ التيسير ،نقف أمام
ضرو ة معرفية ،ومنهجية ،هل استطاع أصحاب ّ
التيسير إصالح علم العربية؟ وهل أعادوا ّ
للنحو ر
حيويته ونشاطه؟
التعليمي شيئا جديدا ،يقولّ :
((إن للنحو ّ
تقدم ّتوصل املخزومي إلى ّأن هذه املحاوالت لم ّ
ّ
تقدم جديدا ،ولم تفعل شيئا يعيد إلى هذا ّ
الدرس محاوالت ّ
التيسير التي ظهرت في الكتب املد سية لم ّ
ر
ّ تصحح وضعا ،ولم ّ قوته وحيويتهّ ،
ألنها لم ّ
تجدد منهجا ،ولم تأت بجديد إال اصالحا في املظهر ،وأناقة
وأما املوضوعات فكما ورثناها ،حتى األمثلة ،لم يصبها من ّ
التجديد في اإلخراجّ ،أما القواعد فهي هيّ ،
ّ
إال نصيب قليل)).2
وفي هذا تقليل من جهود أصحاب ّ
التيسير ،الذين بذلوا الجهد الجهيد في سبيل ّ
حل مشاكل
النحو ،وفيه من الصدق والواقعية ما تشمله املنظومة التعليمية والواقع ّ
النحوي الذي نعيشه ،فقد ّ
كانت هذه املحاوالت في النهاية مجرد حبر على ورق وباءت بكثير من الفشل.
امليسرين ،ومن ضمنهم (املخزومي) ّ
تؤدي إلى حقيقة جلية في حركة الدارسة آلراء ّّإن القراءة ّ
ّ
شخصوا التنظير ّ
والتدريسّ .3
ألنهم النحو العربي ومناهجه ،بين ّ ّ
التيسير ،وهي الخلط بين بناء قواعد ّ
ّ ّ أ مة ّ
النحو على أساس صعوبة تعلم قواعده ،وقد أساؤوا إلى نظريتهم حين ذهبوا إلى فرض ما يتطلبه ز
النحوية والتراث القديم ،يقول الدكتور إبراهيم مصطفى(( :أطمع أن ّ
أغير الصناعة ّ
التعليم على ّ ّ
املتعلمين إصر هذا ّّ ّ البحث ّ
النحو ،وأبدلهم منه أصوال سهلة النحوي للغة العربية ،وأن أرفع عن
يدل على ّأن أصحاب ّ ّ
حظ من الفقه بأساليبها)) ،4وهذا ّ يسيره ّ
التيسير تقربهم من العربية ،وتهديهم إلى
ّ النحو من خالل مشاكل ّ أ ادوا إصالح ّ
التعليم والتعلم ،في حين انحرف مسارهم وخلطوا بين صعوبة ر
النحوية ،واعتبروا هذه الصعوبة مؤشرا على عقم الفكر ّ
النحوي. تيسير القواعد ّ
105
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ولعل النحاة قديما كانوا أكثر فطنة في مسألة الفصل بين ّ
التأليف النظري ،والعمل على تدوين ّ
املختصرات ،وهو الواجب الذي كان ّ
البد على املحدثين العمل عليه ،من خالل الفصل بين قضايا
ّ يعد زرعا صالحا إلنبات صرح ّ
النحو وفكره الذي ّ ّ
التد يس وقضايا ّ
النحو كما ينبغي له أن يكون تعلمه ر
ّ امليسرين ّركزوا على جوانب النقص في ّ وتعليمهّ ،
وألن ّ
النحو وأهملوا ما دونه ،وبالتالي ظلت نظريتهم
النقص ((فكم من عالم من علمائنا العرب قد تهافتوا فانخرطوا في حزب ّ
الدعوة إلى البساطة، تعاني ّ
والتبسيط ،و التيسير واالستسهال فنسوا وظيفة إنتاج املعرفة ،وامتطوا مراكب رفع األمية
العلمية)).1
ّ
النحو ،إال ّأن مبادرتهم ومحاولتهم يمكن استثمارها
امليسرين وإن فشلوا في تيسير ّ
ولكن ّ
كإجراءات نفعية في تعليم ّ
النحو العربي.
اتتخالص عام:
تعد امتدادا ملحاوالت ّ
امليسرين قبله ،أمثال أستاذه ّإن محاولة مهدي املخزومي التيسيريةّ ،
الدكتور إبراهيم مصطفى ،فهي تعاني كغيرها من املحاوالت كثيرا من النقائص التي ّأدت إلى فشل
تحقيق هذه النظرية في واقع تعليم ّ
النحو العربي.
الرجل ،يجب معرفة ّأن املخزومي نهج منهج الباحثين الذي يستند إلى ّ
الحجة وإنصافا ّ
منا لهذا ّ
ّ
((مترفعا عن ّ ّ ّ ّ ّ
والدليلّ ،
تعصبات مذاهبه ،رافعا وبالرغم من أنه كان مولعا بآراء الكوفيين إال أنه كان
ّ سراج املنهج العلمي ،واالستقراء املوضوعي ،وفي تمحيص مشكالت ّ
النحو ومعضالته مدققا في
أصوله)).2
النحوي املخزومي ،يجعلنا نلحظ ّأن دراسته ّ الد س ّّ اطالعنا على ما ّّ ّ
للمادة تيسر لنا من ر إن
والدا سين لقواعد ّ ّ
املتعلمين ّ ّ ّ
النحوية لم تكن ّ
النحو العربي ،بل للباحثين ر موجهة في أغلب الظن إلى
ّ وامل ّ
تخصصين في علوم العربية ،حتى تتجلى لهم قيمة الفكر التيسيري ،الذي يهدف إلى حذف ما علق
ّ
بالنحو من شوائب.
ّ 1عبد ّ
السالم املسدي ،العربية واإلعراب ،مركز النشر الجامعي ،تونس ،2003 ،ص.202
ّ
2املخزومي املعلم والباني( ،مقال)شارك فيه جمع من األساتذة ،مطبوعات مكتبة أمير املؤمنين ،بغداد ،ص .10
106
ّ ّ ّ
مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي الف ـص ــل الثالث:
ّ كما ّأن املخزومي أعاد قراءة التراث ّ
النحوي قراءة ثانية ،حين درس من علم الخليل ما مكنه
من تدوين رسالة املاجستير بعنوان (الخليل بن أحمد الفراهيدي :أعماله ومنهجه)ّ ،
ثم بلور فكره
باالنكباب على نحو الكوفيين ،فأخذ عنهم ما َقو َيت ّ
حجته وبان برهانه ،ورفض مالم ّ
يؤيده بفكره.
وخالصة القول ،إ ّن املخزومي وإن لم يكن قد ّ
حقق غايته املنشودة من د استه ّ
للنحو العربي، ر
ّ
إال ّأن ما يمكن االطمئنان إليه ،تجربته الرائدة التي فتحت أمام الباحثين آفاقا جديدة وأبوابا لم
يكونوا قد انتبهوا إليها في د استهم ّ
للنحو ومنهجه. ر
107
الخاتمة
الخ ــاتـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــة
عرضت هذه املذكرة بين تضاعيف صفحاتها ،دراسة استهدفنا من خاللها نحو املخزومي وآرائه
التيسيرية ،ومنهجه الذي نهجه في دراسته لعلم العربية ما أمكننا ذلك ،وهو ما ّ
حرك فينا روح التأمل
ّ ي َ
فث ُقل الحمل ،واستحالت أفكارنا املعرفية ّ ّ
جراء ذلك الذهاب إلى آفاق واالطالع على التراث النحو ،
الرحلة الطويلة من البحث جملة من استقر في أذهاننا بعد هذه ّ
ّ واسعة حول هذه ّ
الدراسة .وقد
النتائج التي ّ
توصلنا إليها ّ
وأما التفصيل فبين تقاطيعه وأجزائه:
النحوية على أساسين :نقد التراث ّ
النحوي العربي ،وتقديم مجموعة بنى املخزومي نظريته ّ
النحو وقدرة املتعلمين.النحو مع ما يتناسب وكل باب ،حتى يتناسب ّ واملناهج ،وإعادة تبويب ّ
تأثر املخزومي بآ اء وأفكار أستاذه الدكتور إبراهيم مصطفى ،وذهب معه إلى الثورة ّ
ضد ر
الضمة علما على اإلسناد ،والكسرة علما على اإلضافة ،والفتحة ّ العاملَ ،ووافقه في اعتبار
حركة خفيفة مستحبة عند العرب.
109
الخ ــاتـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــة
للد س ّ
ّ
النحوي ،وما يطرأ عليها من املعاني ذهب املخزومي إلى جعل الجملة العربية موضوعا ر
في الكالم ،وأخذ على النحاة إهمالهم الجملة ،وقصر اإلعراب على أواخر الكلمات.
ّ
قسم املخزومي الكالم في اللغة العربية إلى أربعة أقسام هي :االسم َوالفعل ،واألداةَ ،والكناية.
ّ
النحو العربي على أساس املعنى ،ال العمل اإلعرابي ،فلم أعاد املخزومي تبويب موضوعات ّ
يولي اهتماما بتبويب النحاة وترتيب موضوعاته ورآها قائمة على أساس العامل ،فرفض
ذلك وعمل على تخليصها من سيطرته.
يمكننا القول ّأن مصادر املخزومي التي اعتمدها في دراسته شملت الخليل بن احمد
ّ
الفراهيدي ،ومدرسة الكوفة ،وفي العصر الحديث ما تأثر به من أستاذه إبراهيم مصطفى.
110
املصادر واملراجع
املصادر واملراجع
القرآن الكريم (رواية حفص ،عن عاصم).
-1الكتب:
ابن جني ،عثمان أبو الفتح ،الخصائص ،تحقيق محمد علي النجار ،عالم الكتب ،بيروت ،ط،1
1427ه2006 /م.
حاتم ّ
الضامن ،الصرف ،دار الحكمة ،املوصل ،العراق ،ط1991 ،01م.
ّ ّ
الحاج صالح ،عبد الرحمن ،بحوث ودراسات في علوم اللسان ،موفم للنشر ،الرغاية،
الجزائر2007،م.
ابن الحاجب ،عثمان بن عمر ،منتهى الوصول واألمل في علمي األصول والجدل ،مطبعة
السعادة ،مصر ،ط1326 ،01ه.
112
حسان ،تمام ،األصول ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األولى 1981م.
للنشر ّّ حسن خميس امللخ ،التفكير العلمي في ّ
والتوزيع ،عمان، النحو العربي ،دار الشروق
األردن ،الطبعة األولى.2002 .
عباسّ ،
النحو الوافي ،دار املعارف ،مصر ،ط ،07د.ت ،ج.03 حسن ّ
ّ مؤيديه ومعا ضيه ودوره في ّ خليل أحمد عما ة ،العامل ّ
النحوي بين ّ
التحليل اللغوي ،دار الفكر ر ر
للنشر والتوزيع ،ط1987 ،1م.
الخليل بن أحمد الفراهيدي ،معجم العين ،تح :مهدي املخزومي ،إبراهيم ّ
الس ّ
امرائي ،د.ط ،د.ت،
ج. 8
ّ ّ
خليل حلمي ،العربية وعلم اللغة البنيوي ،دراسات في الفكر اللغوي العربي الحديث ،دار املعرفة
الجامعية ،مصر1995 ،م.
ّ ّ
خولة طالب اإلبراهيمي ،مبادئ في اللسانيات ،دار القصبة للنشر ،الجزائر ،ط02،2006م.
الرايةّ ،
عمان ،األردن ،ط1430 ،01ه/ حوية ،دار ّ الس ّواد ،مهدي املخزومي وجهوده ّ
الن ّ رياض ّ
2009م.
ال ّزجاجي ،الجمل ،مطبعة جول كربونل ،الجزائر ،د .ت ،د .ط1926 ،م.
النحو ،تحقيق مازن مبا ك ،دار ّ
النفائس، الرحمان بن إسحاق ،اإليضاح في علل ّ
ال ّز ّجاجي ،عبد ّ
ر
بيروت ،ط1399 ،03ه1979/م.
الديوان ،تحقيق علي حسن فاعور ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط،01 هير بن أبي سلمىّ ،
ز
1408ه1988/م.
ال ّ
سامرائي ،إبراهيم ،ملخص معاني األبنية في العربية ،جامع الكتب اإلسالمية -املجلد .- 1
الرحمن ،االقتراح في علم أصول ّ
النحو ،تحقيق محمد سليمان السيوطي ،جالل ّ
الدين عبد ّ
ياقوت ،دار املعرفة الجامعية ،القاهرة ،ط1426 ،01ه2006/م.
ال ّسيوطي ،جالل ّ
الدين عبد ّ
الرحمن ،همع الهوامع في شرح الجوامع ،تحقيق عبد السالم هارون،
وعبد العال سالم مكرم ،عالم الكتب ،القاهرة ،ط1421ه2001 /م ،ج.01
خديجة الحديثي ،الشاهد وأصول ّ
النحو في كتاب سيبويه ،مطبوعات جامعة الكويت ،ط،01
1394ه1974/م.
شوقي ضيف ،املدا س ّ
النحوية ،دار املعارف ،ط ،07القاهرة( ،د.س). ر
113
ال ّ
صعيدي عبد املتعال ،النحو الجديد ،دار الفكر العربي ،القاهرة (د .ت).
الطاهر علي جواد ،املخزومي في خطوط من تاريخ صداقة(مقال) ،جريدة القادسية ،العراق،
الثالثاء 15أيار1993م.
النحو وتاريخ أشهر النحاة ،عالم الكتب ،بيروت ،ط1426 ،01ه2005 /م. ال ّطنطاوي ،نشأة ّ
ّ عباس محمد علي ،اإلعراب ّ أبو ال ّ
امليسر ،دار الطالئع ،القاهرة ،د.ط ،د.ت.
ّ
ابن عبد ربه األندلس ي ،العقد الفريد ،كتاب الياقوتة في العلم واألدب ،باب في اإلعراب واللحن،
ج.02
ّ ّ
علي أحمد مدكور ،تدريس فنون اللغة العربية ،دار الشواف للنشروالتوزيع1991،م.
علي بن أحمد الواحدي ،شرح ديوان ّ
املتنبي ،منشورات أي-كتب ،د.ط ،د .ت ،ج.3
علي مزهر الياسري ،الفكر ّ
النحوي عند العرب ،أصوله ومناهجه ،الدار العربية للموسوعات،
بيروت ،لبنان ،ط1423 ،01ه2003/م.
عمرو بن عثمان أبو بشر ،سيبويه ،الكتاب ،تح عبد ّ
السالم هارون ،مكتبة الخانجي ،القاهرة،
ط1408 ،3ه1988 /م ،ج .3
العيساني عبد املجيد ،النحو العربي بين األصالة والتجديد ،دار ابن حزم ،بيروت ،ط2008 ،1م.
ابن فارس أبو الحسين أحمد ،الصاحبي في فقه اللغة ،تحقيق السيد أحمد صقر ،مطبعة
الحلبي ،القاهرة ،بدون تاريخ.
فاضل ّ
الساقي ،أقسام الكالم العربي ،مكتبة الخانجي ،القاهرة1397،ه1977 /م ،د.ط.
ّ
فردينان ديسوسير ،محاضرات في علم اللسان العام ،ترجمة :عبد القادر قنيني ،ط،02
املغرب2008،م ،أفريقيا الشرق للنشر والتوزيع.
ّ
والنحو ،مكتبة لبنان ،ط2006 ،01م.اللغة ّ فؤاد ُترزي ،في أصول
قنوني منيرة ،نشأة ّ
النحو العربي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،د.ط2013 ،م.
لطفي عبد البديع ،عبقرية العربية ،النادي األدبي الثقافي ،جدة ،ط1986 ،2م.
ّ
محمد أحمد دويس ،شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية ،دار الخلدونية ،الجزائر2018 ،م.
علي ّ ّ
الض ّباع ،القاهرة ،ج.01 النشر في القراءات العشر ،تحقيق محمد ّ محمد بن محمد الجزري،
ّ ّ محمد حسين آل ياسينّ ،
الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث ،مكتبة الحياة،
بيروت ،ط1400 ،01ه1980 /م.
114
ّ
محمد داود ،العربية وعلم اللغة الحديث ،دار الغريب ،القاهرة ،د.ط2001 ،م.
محمد عبد هللا بن أحمدّ ،
النحو العربي بين القديم والحديث مقارنة وتحليل ،دروب ثقافية
للنشر والتوزيع ،ط( ،01د.س).
امل ّ
سدي ،عبد ّ
السالم ،التفكير اللساني في الحضارة العربية ،الدار العربية للكتاب ،ليبيا ،تونس،
ط1981 ،1م.
الرد على ّ
النحاة ،تح شوقي ضيف ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،مصر ،ط،01 ابن مضاء القرطبيّ ،
1947م1322 ،ه.
ّ ّ أبو املكارم عليّ ،
مقومات الجملة العربية ،دار غريب للطباعة والنشر ،القاهرة ،ط2006 ،01م.
مهدي املخزومي ،الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه- ،بيروت – لبنان ،دار الرائد
العربي ،ط1406 ،2ه1986/م.
الد س ّ
النحوي في بغداد ،دار ّ
الرائد العربي ،بيروت ،ط1407 ،02ه1987 ،م. ّ
مهدي املخزومي ،ر
مهدي املخزومي ،الفراهيدي عبقري من البصرة ،دار الشؤون الثقافية ّ
العامة ،بغداد ،العراق،
ط1989 ،02م.
مهدي املخزومي ،في ّ
النحو العربي نقد وتوجيه ،املكتبة العصرية ،بيروت ،ط1964 ،01م.
مهدي املخزومي ،قواعد وتطبيق على املنهج العلمي الحديث ،ط ،02بيروت ،دار الرائد العربي،
1406ه1986-م.
ّ
اللغة ّ
والنحو ،شركة مكتبة ومطبعة مهدي املخزومي ،مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة
مصطفى البابي الحلبي وأوالده ،مصر ،ط1377 ،02ه1958 /م.
ّ ُ ّ
ابن هشام األنصاري ،مغني اللبيب عن كتب األعاريب ،تح عبداللطيف الخطيب ،املجلس الوطني
للثقافة والفنون َواآلداب ،الكويت ،ط1421 ،01ه2000 /م ،ج.06
ّ
مجمع اللغة العربية ،املعجم الوسيط ،ط2004 ،04م ،مكتبة الشروق الدولية.
ّ
-2املجالت واملنشورات:
زهير غازي زاهد ،قراءة في تراث مهدي املخزومي ،مجلة معهد املخطوطات العربية ،القاهرة،
1415ه1994/م ،مج ،38ع.2-1
ّ ّ ال ّشا ف لطروش ،آ اء مهدي املخزومي في تيسير ّ
النحو ،مجلة مجمع اللغة العربية، ر ر
دمشق1431،ه2010 /م ،مج ،85ج.02
115
ّ ّ
املتمدن ،العدد 2012/09/30 ،3066م. طارق حميد أمين ،مجلة الحوار
الدين مجدوب ،املنوال ّ
النحوي العربي ،قراءة لسانية جديدة ،منشورات كلية اآلداب، عز ّ
ّ
سوسة ،تونس ،ط1998 ،01م.
محمد عابد الجابري ،التراث ومشكل املنهج ،مجلة عالم الفكر ،املجلس الوطني للثقافة
والفنون واآلداب ،الكويت ،مج ،23ع 1994 ،02-01م.
ّ
منيرة قليل ،املحاولة التيسيرية عند إبراهيم مصطفى في ميزان النقد والتقييم ،مجلة
إشكاالت في اللغة واألدب2021،م.
ّ
مهدي املخزومي ،قضايا مطروحة للمناقشة(مقال) ،مجلة جامعة املوصل ،العراق ،العدد
1972 ،02م.
ّ
اللغوي واألدبي في الجنوب الشرقي الجزائري ،محاولة تيسير ّ
النحو عند مهدي مخبر التراث
ّ
املخزومي ،مجلة الذاكرة2017،م.
ّ
املخزومي املعلم والباني( ،مقال)شارك فيه جمع من األساتذة ،مطبوعات مكتبة أمير
املؤمنين ،بغداد.
من رسالة للشيخ محمد رضا البغدادي .نقله د .عبد الجبار املطلبي في كلمته " املخزومي
اإلنسان " امللقاة في اتحاد األدباء والكتاب العراقيين بمناسبة أربعينية املخزومي.
-3املذكرات:
ّ
اللغة الحديث من أصول ّ
النحو (رسالة ماجستير) ،جامعة أم مطير املالكي ،موقف علم
القرى ،السعودية1423،ه.
-4املراجع األجنبية:
Ferdinand de saussure, cours de linguistique générale, ENAG, Alger, 2edt, 1994,
p100.
116
فهرس املوضوعات
فهرس املوضوعات:
ّ
الصفحة املوضوعات
اإلهداء
كلمة ّ
البد منها
ّ
املقدمة .................................................................................................................................أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ه
تمهيد07 ...................................................................................................................................
في مفهوم ّ
النحو08 ...................................................................................................................
حول نشأة ّ
النحوالعربي13-8 .......................................................................................................
تمهيد15 ...................................................................................................................................
املبحث ّ
األولَ :مهدي املخزومي ومسيرته العلمية
118
املبحث الثاني :جهود مهدي املخزومي ّ
النحوية
.3.2اإلجماع34-33 .................................................................................................................
تمهيد44 ....................................................................................................................................
119
.2الخالف56 ..................................................................................................
النحوي عند املخزومي الد س ّ ّ
املبحث الثاني :أثر املذهب الكوفي في ر
108-77 التجديد ّ
والتيسير في ّ
النحو العربي عند املخزومي الفصل الثالث :مظاهر ّ
تمهيد77 .............................................................................................................................
األول :آ اء املخزومي في تيسير ّ
النحو. املبحث ّ ر
120
النحوي املخزومي97-92 ..................................................................... الد س ّ ّ
)1الجملة في ر
-1الجملة94-92 ......................................................................................................
-2أقسام الجملة97-94 ..........................................................................................
.2.1الجملة الفعلية95 ................................................................................
.2.2الجملة االسمية96-95 ................................................................................
.2.3الجملة الظرفية97-96 ...............................................................................
الد س ّ
النحوي املخزومي103-97 ....................................................... ّ
)2أقسام الكالم في ر
-1األفعال99-98 ....................................................................................................
-2االسم100-99 ......................................................................................................
-3األداة102-100 .......................................................................................................
-4الكناية103-102 ....................................................................................................
للنحو العربي107 -103 .............. التعليمي ّ ظل الواقع ّ التيسيرية عند املخزومي في ّ )3اآل اء ّ
ر
استخالص عام107-106 .................................................................................................
الخاتمة110-109 .......................................................................................................................
121