You are on page 1of 2

‫اإلشكال المفتوح‬

‫ي‬ ‫االشتغال عىل السؤال‬


‫الغي تهديدا للهوية الشخصية؟‬
‫هل يشكل وجود ر‬
‫الفـهـم‪:‬‬
‫الفلسق بهذا المفهوم لم يحتل مركز الصدارة إال‬ ‫التفاعىل‪ ،‬واالهتمام‬ ‫العالئق‬ ‫ر‬
‫الغي عىل الوضع البشي يف بعده‬ ‫يحيل مفهوم ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الغي ليس فردا بعينه‪،‬‬ ‫خالل المرحلة الحديثة مع الفيلسوف "هيجل" بعدما كان كل اهتمام الفالسفة منصبا عىل موضوع الذات‪ .‬إن ر‬
‫إنه بنية أو نظام لعالقات وتفاعالت ربي الذوات واألشخاص؛ وعىل هذا المستوى نواجه تناقضات ومفارقات وجودية ومعرفية تتجىل‬
‫والجماع‪ ،‬الشبيه والمختلف‪ ،‬القريب والبعيد‪ ،‬الصديق والعدو‪ ،‬من هذه المفارقات‬ ‫البشي اآلخر الفردي‬ ‫الغي هو الوجود ر‬ ‫يف كون ر‬
‫ي‬
‫الغي بالنسبة لألنا؟ هل هو شط ضوري لوجود الذات ووعيها بنفسها أم أن األنا تحقق وعيها‬ ‫ر‬ ‫التال‪ :‬ماذا يمثل وجود ر‬ ‫ينتج اإلشكال‬
‫ي‬
‫وع‬‫الغي عىل ي‬ ‫التأثي الذي يمارسه ر‬ ‫ر‬ ‫الغي تهديدا للهوية الشخصية أم إغناء لها؟ ما طبيعة‬ ‫الغي؟ وهل يشكل وجود ر‬ ‫بذاتها بمعزل عن ر‬
‫سلب؟‬ ‫ي‬ ‫إيجاب أم‬ ‫ي‬ ‫تأثي‬
‫األنا وإرادتها وحريتها‪ ،‬هل هو ر‬
‫التحليل‪:‬‬
‫قضيتي أو‬‫ر‬ ‫التخيي ربي‬ ‫ر‬ ‫إشكال مفتوح يبدأ بأداة استفهام "هل" وتفيد‬ ‫ي‬ ‫أول ما يستوقفنا قبل تحليل السؤال المطروح‪ ،‬هو أنه سؤال‬
‫الغي‬ ‫الغي تهديدا للهوية الشخصية‪ .‬والثانية ب "ال"‪ :‬ال يشكل وجود ر‬ ‫متعارضتي‪ ،‬األول تكون ب "نعم"‪ :‬يشكل وجود ر‬ ‫ر‬ ‫إجابتي‬
‫ر‬
‫الغي يمثل تهديدا لهوية الشخص‪.‬‬ ‫تهديدا للهوية الشخصية‪ .‬واألطروحة المفيضة يف السؤال تعتي أن وجود ر‬
‫الغي هو الوجود البشي اآلخر الفردي‬ ‫ر‬ ‫ينبغ الوقوف عليها لتحليل األطروحة‪ :‬ف ر‬ ‫الب‬
‫ي‬ ‫يتضمن السؤال مجموعة من المفاهيم األساسية ي‬
‫فالغي ليس‬ ‫ر‬ ‫عب‪.‬‬‫والجماع‪ ،‬الشبيه والمختلف‪ ،‬القريب والبعيد‪ ،‬الصديق والعدو‪ .‬إنه األنا الذي ليس أنا ولست أنا إياه‪ ،‬وهو مستقل ي‬ ‫ي‬
‫الب يكون‬ ‫ي‬ ‫الخاصية‬ ‫ه‬
‫ي‬ ‫‪:‬‬‫الشخصية‬ ‫الهوية‬ ‫‪:‬‬‫الثاب‬
‫ي‬ ‫والمفهوم‬ ‫‪.‬‬ ‫واألشخاص‬ ‫الذوات‬ ‫بي‬‫ر‬ ‫وتفاعالت‬ ‫لعالقات‬ ‫نظام‬ ‫أو‬ ‫بنية‬ ‫إنه‬ ‫بعينه‪،‬‬ ‫فردا‬
‫تغيات جسدية أو فكرية أو نفسية ‪...‬إلخ‪ ،‬ويكون‬ ‫الب تطرأ عليه سواء كانت ر‬ ‫التغيات ي‬ ‫ر‬ ‫الشخص بموجبها هو هو مطابقا لذاته رغم‬
‫غيه‪.‬‬‫مختلفا عن ر‬
‫الفعىل للكائن كما نجد مفهوم التهديد الذي‬ ‫‪.‬‬ ‫الشء يف الذهن أو يف الخارج‪ ،‬أو الحضور‬ ‫ر‬ ‫ويشي إل تحقق‬ ‫ر‬ ‫أما الوجود‪ :‬هو ضد العدم‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫فه‬
‫للغي‪ ،‬ي‬ ‫معاب التخويف واليهيب واإلنذار بالسوء‪ .‬وكل هذه المفاهيم بينها رابطة نستنبط من خاللها عدم حاجة الذات ر‬ ‫ي‬ ‫شي إل‬ ‫ي ر‬
‫الوع بوجودها وبمقوماتها‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫األخي يشكل تهديدا لها ولخصوصيتها من هذا المنطلق تصبح كل ذات قادرة عىل‬ ‫ر‬ ‫يف غب عنه ما دام هذا‬
‫سلب ألنه يذيب الذات ويفقدها تفردها‬ ‫ي‬ ‫الغي هو وجود‬ ‫وبالتال فو جود ر‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬‫الذاتية دون وساطة طرف آخر قد يؤدي إل محو هويتها‬
‫تميها‪ ،‬وبدل أن تشعر بتطابقها مع ذاتها كذات مستقلة تمتلك هوية خاصة بها‪ ،‬تصبح مجرد نسخة مطابقة لآلخرين يف المجتمع‪،‬‬ ‫و ر‬
‫ر‬
‫لشء الذي يقوي السمة‬ ‫غيها وفق ما هو مطلوب منها اجتماعيا‪ ،‬وإال تعرضت للنبذ واإلقصاء والعنف أحيانا‪ .‬ا ي‬ ‫تترصف وتفكر مثل ر‬
‫وه حرية اإلرادة‪.‬‬ ‫الغي‪ ،‬وهنا تفقد األنا إحدى أهم مقوماتها األساسية داخل الوجود المشيك ي‬ ‫االستبدادية لوجود ر‬
‫تميها‪ ،‬وأنه‬ ‫الب ر‬ ‫ر‬
‫والوع بالخصائص ي‬ ‫ي‬ ‫الغي إلدراك وجودها‬ ‫أما األطروحة النقيض‪ ،‬فتؤش عىل خالف ذلك‪ ،‬أي أن الذات يف حاجة إل ر‬
‫يشكل مصدر إغناء لها‪.‬‬
‫الغي الذي قد يجهز عىل حريتها‬ ‫إن األطروحة المفيضة يف السؤال ذات قيمة فكرية وفلسفية إذ تكشف عن مخاوف الذات تجاه ر‬
‫الب تمارسها الجماعة أو اآلخرون‪ ،‬فالذات اإلنسانية‬ ‫ويــهدد هويتها‪ ،‬كما رك زت عىل البعد التحرري والفردي للذات ورفضت الهيمنة ي‬
‫غي أنه يمكن أن نسجل بأن هذا الطرح محدود نظرا لكون وجود‬ ‫غيها‪ .‬ر‬ ‫وجدت مستقلة وحرة‪ ،‬ولها خصوصية تجعلها متفردة عن ر‬
‫اجتماع ال يعيش يف‬ ‫ي‬ ‫الغي مع الذات ليس دائما أمرا سلبيا مهددا لها‪ ،‬بل قد يصبح مطلوبا وضوريا بالنسبة للذات‪ ،‬فاإلنسان كائن‬ ‫ر‬
‫غي‪.‬‬ ‫فه بحاجة لالنفتاح عىل ال ر‬ ‫وبالتال ي‬
‫ي‬ ‫مبب عىل التعاون والتكامل‪،‬‬ ‫االجتماع ي‬
‫ي‬ ‫عزلة‪ ،‬بل إنه موجود ليعيش مع اآلخرين‪ .‬والوجود‬
‫المناقشة‬
‫تسي يف‬ ‫لتعميق النقاش حول الموضوع‪ ،‬يمكن االنفتاح عىل تصورات ومواقف فلسفية مختلفة‪ .‬فإذا كانت األطروحة المفيضة ر‬
‫ينق وجود تقارب‬ ‫األلماب "مارتن هايدغر" يتبب نفس الموقف‪ ،‬حيث ي‬ ‫ي‬ ‫الغي تهديد لهوية الذات‪ ،‬فالفيلسوف‬ ‫اتجاه اعتبار أن وجود ر‬
‫بالغي‪ ،‬فتفقد هويتها‬ ‫ر‬ ‫الشء الذي يجعل الوجود الخاص للذات محكوما‬ ‫ر‬ ‫حميم ربي الذوات يف إطار الحياة االجتماعية المشيكة‪،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الذاب فيصبح وجودها مماثال لوجود اآلخرين من خالل ممارسة أنشطة يومية متشابهة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وجودها‬ ‫منها‬ ‫ع‬ ‫يني‬ ‫الغي‬
‫ر‬ ‫إن‬ ‫‪.‬‬ ‫وتفردها‬
‫الغي لم تحتل األولوية يف فلسفة "ديكارت" الذي توجه نحو إثبات وجود الذات وجودا‬ ‫يف نفس السياق نجد أن إشكالية وجود ر‬
‫الغي‪ .‬يف فجر العرص الحديث‪ ،‬عمل ديكارت عىل تكريس نزعة ذاتية تؤكد عىل استقاللية الذات وانفصالها عن‬ ‫مستقال عن وجود ر‬
‫‪.‬‬
‫الغي يف وعيها بذاتها واكتفائها بملكة الفكر عىل اعتبار أن ماهية اإلنسان تتمثل يف "الذات المفكرة" فاألنا تستمد إدراكها لذاتها من‬ ‫‪.‬‬ ‫ر‬
‫الغي وعن العالم‬ ‫وبالتال فوجود األنا الواعية حقيقة يقينية بمعزل عن ر‬ ‫ي‬ ‫نفسها‪ ،‬بفضل التفك ري الخالص الذي يعتي جوهرا فطريا ثابتا‪،‬‬
‫الوع بالذات ال يمر‬ ‫ي‬ ‫يعب أن‬ ‫‪.‬‬
‫الغي بالنسبة لها سوى وجود ممكن ومحتمل وهو ما ي‬ ‫الخارج‪ ،‬ال تحتاج إل استدالل‪ .‬وال يمثل وجود ر‬ ‫ي‬
‫الغي‪.‬‬ ‫بالرصورة عي اآلخر أو ال يشيط وجود ر‬
‫الغي؟‬
‫ر‬ ‫وجود‬ ‫عن‬ ‫بمعزل‬ ‫بها‬ ‫والوع‬
‫ي‬ ‫لكن إل حد يمكن إثبات وجود الذات‬
‫الغي ضوري من أجل وجود األنا ومعرفته‬ ‫السابقي‪ ،‬قدم الفيلسوف "جون بول سارتر" تصورا أبرز فيه أن وجود ر‬ ‫ر‬ ‫يف مقابل التصورين‬
‫فالغي هو‬ ‫ر‬ ‫"الغي هو الوسيط الرصوري ربي األنا وذاته"‪ .‬من هنا‬ ‫ر‬ ‫منعزلي‪ ،‬وذلك واضح يف قوله‪:‬‬ ‫ر‬ ‫لذاته‪ ،‬إذ ال يمكن أن نكتشف أنفسنا‬
‫عنرص مكون لألنا وال غب له عنه يف وجوده‪ .‬فهو ممر ضوري يف مجال المعرفة اإلنسانية‪ .‬فالذات ال يمكن أن تعرف كينونتها إال عن‬
‫ّ‬
‫كثيا يف حياة األنا‪ ،‬ويعرف مجموعة من التفاصيل‬ ‫الغي يتدخل ر‬‫الغي الذي يراقبها‪ ،‬ويستطيع تقييمها بشكل جيد ودقيق‪ .‬كما أن ر‬ ‫طريق ر‬
‫ه عالقة تشييئية‪ ،‬خارجية وانفصالية ينعدم‬ ‫غي أن العالقة الموجودة بينهما ي‬ ‫الغي أو اآلخر‪ .‬ر‬
‫الدقيقة عن الذات المرصودة من قبل ر‬
‫الغي كموضوع مثله مثل الموضوعات واألشياء‬ ‫كشء وليس كأنا آخر‪ .‬هكذا فالتعامل مع ر‬ ‫ر‬
‫فيها التواصل مادام يعامل بعضهما البعض ي‬
‫فحي يكون إنسان ما‬‫والغي؛ ر‬
‫ر‬ ‫الوع والحرية واإلرادة‪ .‬ويقدم سارتر هنا مثال النظرة المتبادلة ربي األنا‬
‫ي‬ ‫يؤدي إل إفراغه من مقومات‬
‫وحده يترصف بعفوية وحرية‪ ،‬وما إن ينتبه إل أن أحدا آخر يراقبه وينظر إليه حب تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها‪.‬‬
‫إمكانياب‬
‫ي‬ ‫تشلب من‬
‫ي‬ ‫إل‬ ‫الشهية‪" :‬الجحيم هم اآلخرون"‪ .‬إن نظرة ر‬
‫الغي ي‬ ‫ر‬ ‫الغي جحيما‪ ،‬وهو ما تعي عنه قولة سارتر‬
‫هكذا يصبح ر‬
‫وحريب‪.‬‬
‫ي‬ ‫ادب‬
‫وتسلبب إر ي‬
‫ي‬ ‫كاب‬
‫ومقوماب كأنا‪ ،‬فتعمل عىل تجميد حر ي‬
‫ي‬
‫اليكيب‬
‫سلب إذ يشكل تهديدا للهوية الشخصية‪ ،‬فتفقد الذات خصوصيتها‬ ‫ي‬ ‫متناقضي‪ :‬فهو من جهة يتسم بطابع‬
‫ر‬ ‫الغي بعدين‬
‫يتخذ وجود ر‬
‫ر‬
‫وحريتها وعفويتها‪ .‬إال أنه من جهة أخرى يعد إيجابيا ألنه شط تحقق الذات ووعيها بذاتها‪ ،‬كما أن اإلنسان يحيا ويعيش يف اآلخرين‬
‫تعبي‬ ‫ر‬
‫أكي مما يعيش يف فرديته الخاصة رغم أن الوجود المشيك مع اآلخرين قد يتحول إل مجال للرصاع أو إل جحيم عىل حد ر‬
‫سارتر‪.‬‬

You might also like