You are on page 1of 95

‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫عــونُ الربِ المُغيثِ‬

‫في تقرير‬

‫قواعد مصطلح الحديثِ‬

‫للشيخ‬

‫وليد بن راشد السعيدان‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 1‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫اغبمد ﵁ رب العاؼبني والصالة والسالـ على رسوؿ ا﵁ األمني وعلى آلو وأصحابو الطيبني‬
‫الطاىرين ومن تبعهم بإحساف إىل يوـ الدين ‪.‬‬

‫ٍب أما بعد ‪:‬‬

‫فهذه ىي اؼبرحلة الثالثة من دراسة ىذا الفن العظيم وىو دراسة علوـ اغبديث ‪ ،‬وقد شرحنا يف‬
‫اؼبرحلة األوىل منت " البيقونية " وفصلنا يف مسائلو و﵁ اغبمد ‪ٍ ،‬ب شرحنا يف اؼبرحلة الثانية منت "‬
‫لببة الفكر " لإلماـ اغبافظ ابن حجر رضبو ا﵁ تعاىل ‪ ،‬وىذه ىي اؼبرحلة الثالثة ‪ ،‬ويبقي بعدىا‬
‫مرحلة رابعة وىي دراسة " الالمية " يف اؼبصطلح وىي من تأليفي ‪.‬‬

‫وىذه اؼبرحلة الثالثة ىي عبارة عن وضع النقاط على اغبروؼ يف مادة مصطلح اغبديث فلن يكوف‬
‫فيها تفصيل زائد أكثر من أف أظبعكم صبال كثرية من القواعد اليت يقررىا العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل يف‬
‫ىذا الفن ‪ ،‬وىي عبارة عن مائة قاعدة ‪ ،‬ولن تأخذ القاعدة حظا كبري من الشرح وإمبا بعبارات‬
‫يسرية نوضح شيئا من مفرداهتا ‪ ،‬ونوضح كذلك شيئا من معناىا اإلصبايل مع ضرب مثاؿ أو مثالني‬
‫أو أكثر ‪ ،‬وقد سبر معنا بعض القواعد بال أمثلة لوضوحها ويسر ألفاظها ‪ ،‬وأف أجزـ جزـ‬
‫اؼبتأكدين اؼبستقرئني ؽبذا العلم أف من حفظ ىذه اؼبائة قاعدة فإنو سيكوف ذا شأف كبري يف مصطلح‬
‫اغبديث بإذف ا﵁ تعاىل فا﵁ ا﵁ ّٔذه القواعد وىي ستكوف متنا يسريا يف قواعد اؼبصطلح جريا على‬
‫تأليف أصوؿ الفقو على منهج أىل اغبديث ‪ ،‬فالقاعدة ٍب شيء يسري من الكالـ عليها ويرتؾ‬
‫التوسع وكثرة ضرب اؼبثاؿ لشراح الذين يتولوهنا إف شاء ا﵁ تعاىل ‪.‬‬

‫وكثير من طلبة العلم يدخل يف ىذا الفن وال يدري عن القاعدة اليت يتكلم عنها اؼبؤلف ‪ ،‬ولذلك الكالـ‬
‫سيكوف ىنا من باب وضع النقاط على اغبروؼ ‪.‬‬

‫وإليك ىذه القواعد اليت زبدـ األصل الثاين من أصوؿ اإلسالـ وىو السنة فنقوؿ وبا﵁ التوفيق ‪-:‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 2‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )1‬القاعدة األولى ‪ :‬السنة حجة ‪.‬‬


‫وقد أصبع علماء اإلسالـ رضبهم ا﵁ تعاىل على أف السنة الصحيحة الثابتة عن النيب ﷺ أهنا حجة ‪،‬‬
‫فال هبوز ألحد أف يرد االستدالؿ بالسنة أو أف يُلغيها عن كوهنا عن مصدر من مصادر التشريع ‪ ،‬ولذلك‬
‫فاغبق اغبقيق عند العلماء رضبهم ا﵁ أف من أنكر حجيتها فإنو يكفر لتكذيبو اؼبتواتر من أدلة الكتاب‬
‫وصحيح السنة ‪ ،‬وألنو أنكر معلوما من الدين بالضرورة ‪ ،‬وقد تقرر عند العلماء رضبهم ا﵁ أنػ[ من أنكر‬
‫معلوما من الدين بالضرورة فإنو يكفر ] ‪ ،‬وقد دؿ على حجيتها الكتاب والسنة واإلصباع ‪.‬‬

‫‪ ‬أما من الكتاب فآيات كثيرة نأخذىا في جمل من األنواع ‪-:‬‬


‫أ‪ -‬النوع األوؿ ‪ -:‬كل آية فيها األمر بطاعة النيب ﷺ فهي دليل على أف السنة حجة ‪ ،‬كقوؿ ا﵁ عز‬
‫وؿ ‪ ، )1( ‬وقد أخرب ا﵁ عز وجل أف طاعة رسولو ىي اؽبداية فقاؿ‬ ‫الر ُس َ‬‫َطيعُوا َّ‬ ‫َطيعوا اللَّو وأ ِ‬
‫ِ‬
‫وجل ‪َ  :‬وأ ُ َ َ‬
‫عز وجل ‪َ ‬وإِ ْف تُ ِطيعُوهُ تَػ ْهتَ ُدوا ‪. )2( ‬‬
‫ب‪ -‬النوع الثاني ‪ - :‬كل آية يف األمر دبتابعة النيب ﷺ فهي دليل على أف السنة حجة ‪ ،‬كقوؿ‬
‫َّيب ْاأل ُّْم َّي الَّ ِذي َِهب ُدونَوُ َمكْتُوبًا ِعْن َد ُى ْم ِيف التػ َّْوَراةِ َو ِْ‬
‫اإل ِْقب ِيل‬ ‫وؿ النِ َّ‬ ‫ين يَػتَّبِعُو َف َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫َّ ِ‬
‫ا﵁ عز وجل ‪  :‬الذ َ‬
‫وه‬ ‫ر‬‫ز‬‫َّ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪ )3( ‬ىذه اآلية واآلية بعدىا أيضا من سورة األعراؼ ؛ قاؿ ا﵁ ‪  :‬فَالَّ ِذين آمنُوا بِِ‬
‫و‬
‫َ ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ك ُى ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َف (‪. )4(  )757‬‬ ‫ونَصروه واتَّػبػعوا الن ِ‬
‫ُّور الَّذي أُنْ ِزَؿ َم َعوُ أُولَئِ َ‬
‫َ َُ ُ َ َ ُ َ‬
‫ت‪ -‬النوع الثالث ‪ -:‬كل آية فيها أف اغبكمة أُنزلت مع القرآف فهي دليل على أف السنة حجة ‪ ،‬وقد‬
‫اتفقت كلمة اؼبفسرين يف ما نعلم على أف اغبكمة إذا قُرنت مع الكتاب يف مقاـ اإلنزاؿ فاؼبراد ّٔا‬
‫ْمةَ ‪ ، )5( ‬فقرف اغبكمة مع‬ ‫ك الْ ِكتَاب و ِْ‬ ‫السنة ؛ كقوؿ ا﵁ عز وجل ‪َ  :‬وأَنْػَزَؿ اللَّوُ َعلَْي َ‬
‫اغبك َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫القرآف يف مقاـ اإلنزاؿ ‪ ،‬وكذلك يف مقاـ التعليم يف قوؿ ا﵁ عز وجل ‪َ  :‬ويػُ َعلّْ ُم ُه ُم الْكتَ َ‬
‫اب‬
‫ْمةَ ‪. )6( ‬‬ ‫و ِْ‬
‫اغبك َ‬ ‫َ‬
‫)‪ (1‬المائدة (‪. ) 92‬‬

‫)‪ (2‬النور ( ‪. ) 54‬‬

‫)‪ (3‬األعراؼ ( ‪. ) 157‬‬

‫)‪ (4‬األعراؼ ( ‪. ) 157‬‬

‫)‪ (5‬النساء ( ‪. ) 113‬‬

‫)‪ (6‬البقرة ( ‪. ) 129‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 3‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ث‪ -‬النوع الرابع ‪ -:‬كل آية فيها أف ما يقولو النيب ﷺ وحي فهو دليل على أف السنة حجة ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحى (‪ ، )1(  )4‬وكقولو‬ ‫كقوؿ ا﵁ عز وجل ‪َ  :‬وَما يَػْنط ُق َع ِن ا ْؽبََوى (‪ )3‬إ ْف ُى َو إَّال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫اب (‪)7‬‬ ‫يد الْعِ َق ِ‬‫وؿ فَ ُخ ُذوهُ َوَما نَػ َها ُك ْم َعْنوُ فَانْػتَػ ُهوا َواتَّػ ُقوا اللَّوَ إِ َّف اللَّوَ َش ِد ُ‬ ‫الر ُس ُ‬
‫تعاىل ‪َ  :‬وَما آتَا ُك ُم َّ‬
‫اب َوِمثْػلَوُ َم َعوُ " (‪. )3‬‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫‪ )2( ‬ويقوؿ النيب ﷺ ‪ " :‬أَالَ إِ ّّْن أُوتِيت الْ ِ‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫ج‪ -‬النوع الخامس ‪ -:‬كل آية فيها التحذير من ـبالفة النيب ﷺ فهي دليل على أف السنة حجة‬
‫اػبِيَػَرةُ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضى اللَّوُ َوَر ُسولُوُ أ َْمًرا أَ ْف يَ ُكو َف َؽبُ ُم ْ‬ ‫‪ ،‬كقوؿ ا﵁ عز وجل ‪َ  :‬وَما َكا َف ل ُم ْؤم ٍن َوَال ُم ْؤمنَة إِذَا قَ َ‬
‫ض َالًال ُمبِينًا (‪ ، )4(  )36‬وكقولو عز وجل ‪ :‬‬ ‫ض َّل َ‬ ‫ص اللَّوَ َوَر ُسولَوُ فَػ َق ْد َ‬ ‫ِم ْن أ َْم ِرِى ْم َوَم ْن يَػ ْع ِ‬
‫صيبػهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يم (‪. )5(  )63‬‬ ‫اب أَل ٌ‬‫ين ُىبَال ُفو َف َع ْن أ َْم ِرِه أَ ْف تُصيبَػ ُه ْم فْتػنَةٌ أ َْو يُ َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫فَػ ْليَ ْح َذر الذ َ‬
‫ح‪ -‬النوع السادس ‪ -:‬كل آية يف تربئة النيب ﷺ من أقواؿ األولني فهي دليل على أف السنة حجة‬
‫ني (‪ٍُ )45‬بَّ‬ ‫َخ ْذنَا ِمْنوُ بِالْيَ ِم ِ‬‫ض ْاألَقَا ِو ِيل (‪َ )44‬أل َ‬ ‫‪ ،‬كقوؿ ا﵁ عز وجل ‪َ  :‬ولَ ْو تَػ َق َّوَؿ َعلَْيػنَا بَػ ْع َ‬
‫ِ‬ ‫لََقطَعنا ِمْنو الْوتِني (‪ )46‬فَما ِمْن ُكم ِمن أ ٍ‬
‫ين (‪ ، )6(  )47‬واآليات يف ىذه اؼبعين‬ ‫َحد َعْنوُ َحاج ِز َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ َ‬
‫كثرية ‪.‬‬
‫‪ ‬وأما األدلة من السنة فهي كثيرة جدا أيضا وإف األنواع التي ذكرنها في االستدالؿ على حجية‬
‫السنة بالقرآف ىي بعينها األنواع التي نطلب ذكرىا في االحتجاج بالسنة ونزيدىا ما يلي ‪-:‬‬
‫خ‪ -‬أوال ‪ -:‬كل أمر فيو ربرمي اإلحداث يف الدين فهو دليل على أف السنة حجة ‪ ،‬كقوؿ النيب‬
‫س فِ ِيو ( ِمْنوُ) فَػ ُه َو َردّّ " (‪ ، )7‬وكقولو ﷺ ‪" :‬‬ ‫َح َد َ ِ ِ‬
‫ث يف أ َْمرنَا َى َذا َما لَْي َ‬ ‫ﷺ ‪َ " :‬م ْن أ ْ‬
‫ت‬‫ث الْ َكثِ ِري أَصاب أَرضا فَ َكا َف ِمْنػها نَِقيَّةٌ قَبِلَ ِ‬
‫مثَل ما بػعثَِين ا﵁ بِِو ِمن ا ْؽب َدى والْعِْل ِم َكمثَ ِل الْغَي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ًْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ ََ‬
‫ِ‬ ‫ت الْ َك َلَ والْع ْشب الْ َكثِري وَكانَت ِمْنػها أ ِ‬ ‫الْماء فَأَنْػبتَ ِ‬
‫ات) أ َْم َس َكت الْ َماءَ فَػنَػ َف َع ا﵁ُ‬‫ب (إِ َخاذَ ٌ‬
‫َجاد ُ‬ ‫ََ ْ َ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََ َ‬

‫)‪ (1‬النجم ( ‪. ) 4 – 3‬‬

‫)‪ (2‬الحشر ( ‪. ) 7‬‬

‫)‪ (3‬سنن أبي داود (‪ ، )4606‬ومسند أحمد (‪ ، )17174‬قاؿ األلباني ‪ " :‬صحيح " ‪.‬‬

‫)‪ (4‬األحزاب ( ‪. ) 36‬‬

‫)‪ (5‬النور ( ‪. ) 63‬‬

‫)‪ (6‬الحاقة ( ‪. ) 47 – 44‬‬

‫)‪ (7‬صحيح البخاري (‪ ، )2697‬وصحيح مسلم (‪. )4589‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 4‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِّٔا النَّاس فَ َش ِربوا وس َقوا وزرعوا وأَصاب ِ‬


‫ك َماءً َوَال‬ ‫ُخَرى إَِّمبَا ى َي ق َيعا ٌف َال سبُْ ِس ُ‬ ‫ِ‬
‫ت مْنػ َها طَائ َفةً أ ْ‬ ‫َ ُ َ َ ْ َ ََ ُ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َمثَ ُل َم ْن فَػ ُقوَ (فَقوَ) ِيف دي ِن ا﵁ َونَػ َف َعوُ َما بَػ َعثَِين ا﵁ُ بِو فَػ َعل َم َو َعلَّ َم َوَمثَ ُل َم ْن َلْ‬ ‫ت َك َلً فَ َذل َ‬ ‫تُػْنبِ ُ‬
‫ت بِِو " (‪ ، )1‬وكقولو ﷺ يف كل خطبة ‪" :‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يَػ ْرفَ ْع بِ َذل َ‬
‫ك َرأْ ًسا َوَلْ يَػ ْقبَ ْل ُى َدى ا﵁ الَّذي أُْرس ْل ُ‬
‫اب اللَّ ِو َو َخْيػ ُر ا ْؽبَُدى ُى َدى ُؿبَ َّم ٍد ﷺ َو َشُّر األ ُُموِر ُْؿب َدثَاتُػ َها‬ ‫أ ََّما بػع ُد فَِإ َّف خيػر ْ ِ ِ ِ‬
‫اغبَديث كتَ ُ‬ ‫ََْ‬ ‫َْ‬
‫ضالَلَةٌ " (‪ ، )2‬وكحديث العرباض ابن سارية يف السنن مرفوعا " فَػ َعلَْي ُك ْم بِ ُسن َِّيت‬ ‫ٍ‬
‫َوُك ُّل بِ ْد َعة َ‬
‫ات ْاأل ُُموِر‪ ،‬فَِإ َّف ُك َّل‬ ‫ضوا علَيػها بِالنػَّو ِاج ِذ ‪ ،‬وإِيَّا ُكم وُْؿب َدثَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اػبلَ َف ِاء َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ني‪َ ،‬و َع ُّ َ ْ َ َ‬ ‫ين الْ َم ْهديّْ َ‬
‫الراشد َ‬ ‫َو ُسنَّة ُْ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ض َاللَةٌ " (‪ ، )3‬ومثلها ما يف الصحيحني من حديث أيب موسي‬ ‫ُْؿب َدثَة بِ ْد َعةٌ‪َ ،‬وإِ َّف ُك َّل بِ ْد َعة َ‬
‫األشعري رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ النيب ﷺ ‪ " :‬إَِّمبَا َمثَلِي َوَمثَ ُل َما بَػ َعثَِين اللَّوُ بِِو َك َمثَ ِل‬
‫ِ‬ ‫ش بِ َعْيػ ََّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اعوُ‬‫َّجاءَ فَأَطَ َ‬ ‫ين َوإ ّْين أَنَا النَّذ ُير الْعُْريَا ُف فَالن َ‬ ‫اعبَْي َ‬
‫ت ْ‬ ‫َر ُج ٍل أَتَى قَػ ْوًما فَػ َق َاؿ يَا قَػ ْوـ إِ ّْين َرأَيْ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫َصبَ ُحوا َم َكانَػ ُه ْم‬ ‫ت طَائ َفةٌ مْنػ ُه ْم فَأ ْ‬ ‫طَائ َفةٌ م ْن قَػ ْومو فَأ َْد َعبُوا فَانْطَلَ ُقوا َعلَى َم َهل ِه ْم فَػنَ َج ْوا َوَك َّذبَ ْ‬
‫ت بِِو َوَمثَ ُل َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع ِين فَاتػَّبَ َع َما جْئ ُ‬ ‫ك َمثَ ُل َم ْن أَطَ َ‬ ‫اح ُه ْم فَ َذل َ‬ ‫اجتَ َ‬‫ش فَأ َْىلَ َك ُه ْم َو ْ‬ ‫اعبَْي ُ‬
‫صبَّ َح ُه ْم ْ‬‫فَ َ‬
‫اغبَ ّْق " (‪. )4‬‬ ‫ت بِِو ِم ْن ْ‬ ‫عص ِاين وَك َّذ ِ ِ‬
‫ب دبَا جْئ ُ‬ ‫ََ َ َ‬
‫د‪ -‬ثانيا ‪ -:‬كل حديث فيو اإلخبار وبياف بأف اؼبستمسك بالسنة مهتد فهو دليل على أف السنة‬
‫َخ ْذ ًُْب ِِّٔ َما أ َْو َع ِم ْلتُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫حجة ‪ ،‬كقولو ﷺ ‪ " :‬إِ ّّْن قَ ْد خلَّ ْف ِ‬
‫ت في ُك ْم َما لَ ْن تَضلُّوا بَػ ْع َد ُنبَا َما أ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ض " ‪ ،‬وىذه رواية اإلماـ البيهقي رضبو ا﵁‬ ‫اب اللَّ ِو َو ُسن َِّت َولَ ْن تَػ َفَّرقَا َح َّت يَِرَدا َعلَ َّى ْ‬
‫اغبَ ْو َ‬
‫ِِ ِ‬
‫ّٔ َما كتَ َ‬
‫(‪ ، )5‬وكقولو ﷺ ‪ " :‬إين تارؾ فيكم ما إف سبسكتم بو لن تضلوا بعدي كتاب ا﵁ وسنيت "‬
‫رواه مسلم يف صحيحو من حديث جابر رضي ا﵁ عنو (‪. )6‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪ ، )79‬وصحيح مسلم (‪. )6093‬‬

‫)‪ (2‬صحيح مسلم (‪. )2042‬‬

‫)‪ (3‬سنن أبي داود (‪ ، )4607‬وسنن الترمذي (‪ ، )2676‬وسنن ابن ماجة (‪. )42‬‬

‫)‪ (4‬صحيح البخاري (‪ ، )7283‬وصحيح مسلم (‪. )6094‬‬

‫)‪ (5‬السنن الكبرى للبيهقي (‪. )20834‬‬

‫)‪ (6‬صحيح مسلم (‪، )1715‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 5‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ذ‪ -‬ثالثا ‪ -:‬كل حديث فيو الدعاء لناقل السنة وحاملها فهو دليل على أف السنة حجة ‪،‬كقولو‬
‫ب َح ِام ِل فِ ْق ٍو َال‬
‫اىا‪ٍُ ،‬بَّ أ ََّد َاىا إِ َىل َم ْن َلْ يَ ْس َم ْع َها‪ ،‬فَػ ُر َّ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ ‪ " :‬نَضََّر ا﵁ُ ْامَرأً َظب َع َم َقالَِيت ‪ ،‬فَػ َو َع َ‬
‫ب َح ِام ِل فِ ْق ٍو إِ َىل َم ْن ُى َو أَفْػ َقوُ ِمْنوُ " (‪. )1‬‬
‫فِ ْقوَ لَوُ‪َ ،‬وُر َّ‬
‫ر‪ -‬رابعا ‪ -:‬كل حديث فيو التغليظ الشديد على الكذب أو يف الكذب على النيب ﷺ فهو دليل‬
‫ب َعلَ َّي ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُ‬‫على أف السنة حجة ‪ ،‬كقولو ﷺ يف اغبديث اؼبتواتر ‪َ " :‬م ْن َك َذ َ‬
‫َح ٍد فَ َم ْن‬‫َ َ‬ ‫أ‬ ‫ى‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫ذ‬‫ِمن النَّا ِر " (‪ ، )2‬ويف الصحيح كقولو ﷺ ‪ " :‬إِ َّف َك ِذبا علَى لَيس َك َك ِ‬
‫ً َ َّ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب َعلَ َّى ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النَّار ِِ " (‪ ، )3‬وقد أصبع أصحاب النيب ﷺ على‬ ‫َك َذ َ‬
‫االستدالؿ بالسنة واالحتجاج ّٔا من غري خالؼ وال نكري بينهم ؛ فكاف إذا نزؿ عليهم نازلة أو‬
‫وقع عليهم شيء فإهنم يطلبوف حكمو يف أوؿ األمر من القرآف ؛ فإف ل هبدوه اذبهوا لطلبو من‬
‫السنة وىذا ؾبمع عليو بني العلماء رضبهم ا﵁ بل كاف بعض الصحابة يغلظ التغليظ الشديد على‬
‫من يراه ـبالفا لسنة وىذا لو أمثلة كثرية ذبدوهنا مذكورة يف كتب اغبديث ‪ ،‬وقد ذبرأ بعض أىل‬
‫البدع إىل القدح يف االستدالؿ بالسنة جبمل من الشبو والقوادح اليت ال تسمن وال تغين من جوع‬
‫وقد استوفيتها يف عشرة أوجو يف كتاب يل اظبو ( تعريف الطالب بأصوؿ الفقو يف سؤاؿ وجواب )‬
‫(‪ ، )4‬ولعل القارئ الكرمي يرجع إليها ‪ ،‬وىذه ىي أوؿ قاعدة ينبغي طرقها يف قواعد مصطلح‬
‫اغبديث ألف صبيع ما يأٌب بعدىا من القواعد إمبا يُنتفع بو إذا قلنا أف " السنة حجة " ؛ ألف كل‬
‫ىذه القواعد تبحث يف علم السنة سندا ومتنا ‪ ،‬فإذا قلنا إف السنة ليست حبجة أصال فما الداعي‬
‫إىل البحث يف أسانيدىا وأتعاب العقوؿ يف الكالـ على رجاؽبا ‪ ،‬أو البحث يف متوهنا ‪.‬‬

‫)‪ (1‬مسند أحمد (‪ ، )16738‬وسنن ابن ماجة (‪ ، )231‬قاؿ األلباني ‪ " :‬صحيح " ‪.‬‬

‫)‪ (2‬صحيح البخاري (‪ ، )1291‬وصحيح مسلم ( ‪. ) 4‬‬

‫)‪ (3‬صحيح مسلم ( ‪. ) 5‬‬

‫)‪ - (4‬راب ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة صػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ حة الكت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػب ال قهي ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة للش ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػيخ وم ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػن ض ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػمنها كت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاب (تعريػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ الط ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػالب بأص ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػوؿ ال ق ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػو ف ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػي سػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ اؿ وج ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػواب ) ‪:‬‬

‫‪. http://www.saaid.net/Doat/wled/f.htm‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 6‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )2‬القاعدة الثانية ‪ :‬ما رواه الجمع عن الجمع من مبدأ السند إلى منتهاه فهو متواتر ‪.‬‬
‫‪ ‬وبعض أىل العلم يزيد عليو شرطين ‪-:‬‬
‫أ) أف تكوف ىذه الكثرة حبيث ُربيل ‪ -‬أي ‪ :‬مانعة ‪ -‬العادة تواطؤىم على الكذب ‪.‬‬
‫ب) وأف يكوف مسند خربىم اغبس ‪.‬‬
‫والحس أي ‪ :‬يقولوا ظبعنا ‪ -‬رأينا ‪ -‬ؼبسنا ‪ -‬مشمنا ‪ ، -‬وىي اغبواس اػبمس ‪.‬‬

‫وىما شرطاف صحيحاف ‪.‬‬

‫‪ ‬وبياف القاعدة أف نقوؿ ‪ :‬اعلم السنة تنقسم باعتبار طرؽ وصولها إلينا إلى قسمين ‪-:‬‬
‫المتواتر ‪ -:‬وىو تلك األحاديث اليت رواىا اعبمع الكثري عن اعبمع الكثري عن اعبمع الكثري من‬ ‫‪-7‬‬
‫مبدأ السن إىل منتهاه كثرة سبنع العادة تواطؤىم على الكذب ‪.‬‬
‫ب‬‫فهذا النوع من السنة الذي كثر ناقلوه ىذا يسمي بػػ( اؼبتواتر ) ؛ كقوؿ النيب ﷺ ‪َ " :‬م ْن َك َذ َ‬
‫َعلَ َّي ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النَّا ِر " (‪ ، )1‬فهذا من األحاديث اؼبتواترة ‪ ،‬وكقولو ﷺ ‪َ " :‬م ْن بَػ َن‬
‫لِلَّ ِو َم ْس ِج ًدا بَػ َن اللَّوُ لَوُ ِمثْػلَوُ ِيف اعبَن َِّة " (‪ ، )2‬وىذا من األحاديث اؼبتواترة ‪ ،‬وكقولو ﷺ ‪ " :‬يَػْن ِزُؿ‬
‫وؿ من ي ْدع ِوين فَأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السم ِاء ُّ ِ‬ ‫ٍِ‬
‫يب‬
‫َستَج َ‬ ‫ْ‬ ‫ث اللَّْي ِل ْاآلخ ُر يَػ ُق ُ َ ْ َ ُ‬ ‫ني يَػْبػ َقى ثػُلُ ُ‬
‫الدنْػيَا ح َ‬ ‫َربػُّنَا تَػبَ َارَؾ َوتَػ َع َاىل ُك َّل لَْيػلَة إ َىل َّ َ‬
‫لَوُ َم ْن يَ ْسأَلُِين فَأ ُْع ِطيَوُ َم ْن يَ ْستَػ ْغ ِف ُرِين فَأَ ْغ ِفَر لَوُ " (‪ ، )3‬وقد راوه أكثر من اثنني وعشروف صحايب ‪،‬‬
‫ض ُّامو َف ِيف ُرْؤيَتِ ِو " (‪، )4‬‬
‫وكذلك قوؿ النيب ﷺ ‪ " :‬إِنَّ ُك ْم َستَػَرْو َف َربَّ ُك ْم َك َما تَػَرْو َف َى َذا الْ َق َمَر َال تُ َ‬
‫فهو أيضا من األحاديث اؼبتواترة ‪.‬‬
‫اآلحاد ‪ :‬وىي تلك األحاديث اليت جاءتنا عن النيب ﷺ براوية الواحد أو األثنني أو الثالثة أو‬ ‫‪-2‬‬
‫األربعة أو األكثر ولكنها ليست كثرة توصل إىل عدد التواتر ‪.‬‬
‫‪ ‬فلو نظرت إىل الطرؽ اليت جاءتنا السنة عن قِبلها ؼبا وجدهتا خارجة عن أحد عن ىاذين الطريقني (‬
‫متوتر ‪ -‬آحاد ) ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪ ، )1291‬وصحيح مسلم ( ‪. ) 4‬‬

‫)‪ (2‬سنن الترمذي (‪ ، )318‬وسنن ابن ماجة (‪ ، ) 736‬قاؿ األلباني ‪ " :‬صحيح " ‪.‬‬

‫)‪ (3‬صحيح البخاري (‪ ، )1145‬وصحيح مسلم (‪. )1808‬‬

‫)‪ (4‬صحيح البخاري (‪ ، )554‬وصحيح مسلم (‪. )1466‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 7‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬وفي المتواتر فروع ‪-:‬‬


‫ال رع األوؿ ‪ -:‬ىل يشرتط يف التواتر عدد معني ؟‬

‫نقوؿ فيو خالؼ بني أىل العلم والقوؿ الصحيح أف األعداد يف التواتر غري مشرتطة وإمبا العربة بإفادة‬
‫العلم ؛ فأي عدد يفيد العلم فالتواتر بو حاصل ‪ ،‬فال شأف لنا باألعداد فاألعداد عندنا ليست معوال ‪،‬‬
‫وىذا القوؿ ىو الصحيح إف شاء ا﵁ تعاىل ‪ ،‬ولذلك ردبا يأٌب خرب كثر ناقلوه ولكن ال يُفيدنا التواتر‬
‫بينما يأتينا خرب قل ناقلوه ولكن يفيدنا العلم القطعي ‪ ،‬فلو جاء ثالثوف رجال كلهم من أصدؽ الناس‬
‫ووبد ثوننا خبرب فإننا قبد يف قلوبنا أنو ىناؾ ضرورة لقبوؿ خربىم وىذا ىو (التواتر ) ‪ ،‬بينما يف خرب أخر‬
‫قد يأتينا سبعوف رجال ولكن عليهم بعض اؼبالحظات ى صدقهم وأمانتهم فال قبد قلبونا مضطرة‬
‫لقبوؿ خربىم فاألعداد إذا ليست معوال وإمبا العربة بصفات الناقلني وإفادة العلم ‪.‬‬

‫ال رع الثاني ‪ -:‬ما الذي يفيده اػبرب اؼبتواتر ؟‬

‫نقوؿ أنو يفيد القطع والعلم واليقني ‪ ،‬ونعين بو ذلك العلم الضروري الذي ال تسطيع نفسك أف ترده‬
‫‪ ،‬وال أف زبرجو من دائرهتا ‪.‬‬

‫ال رع الثالث ‪ -:‬التواتر قسماف ‪-:‬‬

‫أ) التواتر الل ظي ‪ :‬وىو ما تواتر لفظو ومعناه ‪ ،‬فكل واحد من الناقلني ينقل نفس الكلمات بنفس‬
‫الرتتيب الذي ينقلها الرجل األخر فهذا تواتر لفظو وتواتر معناه ‪ ،‬وىو قليل يف السنة ‪ ،‬مثل‬
‫ب َعلَ َّي ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النَّا ِر " (‪ ، )1‬وكحديث ‪َ " :‬م ْن بَػ َن لِلَّ ِو‬
‫حديث ‪َ " :‬م ْن َك َذ َ‬
‫َم ْس ِج ًدا بَػ َن اللَّوُ لَوُ ِمثْػلَوُ ِيف اعبَن َِّة " (‪ ، )2‬وأكثر األحاديث اؼبتواتر ىي بالتواتر الثاين وىو التواتر‬
‫اؼبعنوي ‪.‬‬
‫ب) التواتر المعنوي ‪ :‬وىو ما اتفق معناه واختلف لفظو ‪ ،‬كأحاديث اؼبسح على اػبفني فإهنا تبلغ‬
‫السبعني حديثا ولكن ألفاظها ـبتلفة إال أف كلها تصب مصب واحد وىو جواز اؼبسح على اػبفني ‪،‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪ ، )1291‬وصحيح مسلم ( ‪. ) 4‬‬

‫)‪ (2‬سنن الترمذي (‪ ، )318‬وسنن ابن ماجة (‪ ، ) 736‬قاؿ األلباني ‪ " :‬صحيح " ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 8‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫فألفاظها ل تتواتر وإمبا الذي تواتر معناىا ‪ ،‬وكأحاديث رؤية ا﵁ عز وجل يوـ القيامة ‪ ،‬وأحاديث‬
‫الشفاعة فكلها من األحاديث اؼبتواتر ‪ ،‬ولكن تواترىا تواتر معنوي ال لفظي ‪.‬‬
‫‪ )3‬القاعدة الثالثة ‪ :‬كل حديث فقد شرطا من شروط التواتر فآحاد ‪.‬‬
‫‪ ‬إف قاؿ قائل ‪ :‬ؼبا ُظبي آحادا ؟‬
‫نقوؿ ألف نقلتو ىم الواحد واالثناف والثالثة أي آحاد ليس نقلتو ؾبموعات كثرية ال وإمبا ىم أفراد ‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قلت ‪ :‬وىل يُقبل تقسيم السنة إىل متواتر وآحاد ؟‬


‫نقوؿ نعم يقبل إذا كاف اؼبقصود منو ؾبرد معرفة الطرؽ اليت وصلت السنة إلينا من قِبلها فقط ‪ ،‬وقد‬
‫أصبع علماء أىل السنة رضبهم ا﵁ على أف ىذا التقسيم ال شأف لو بقوؿ اغبديث من عدمو يف أي‬
‫باب كاف ؛ ألف القبوؿ من عدمو مبين على صحة اغبديث من عدمو ‪ ،‬فإذا صح اغبديث فالواجب‬
‫قبولو متواتر كاف أو آحادا ‪ ،‬وإذا كاف اغبديث ضعيفا فإف الواجب رده ‪ ،‬فتقسيم السنة إىل متواترة‬
‫وآحاد ال شأف لو بقضية القبوؿ والرد فانتبو ؽبذا يا رعاؾ ا﵁ ‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قاؿ قائل ‪ :‬وما الذي يفيده خرب اآلحاد ؟‬


‫‪ ‬نقوؿ‪ :‬خرب اآلحاد يفيد الظن باألصالة إال إف اقرتنت بو قرائن ترفعو إىل إفادة اليقني والعلم والقطع ‪.‬‬
‫‪ o‬وىذه القرائن كما يلي ‪-:‬‬
‫أوال ‪ -:‬أف يتفق على زبرهبو الشيخاف اإلماماف اغبافظاف البخاري ومسلم ‪ ،‬فهو وإف كاف حديث‬
‫آحاد لكن ىناؾ قرينة ترفعو إىل إفادة القطع وىو اتفاؽ الشيخني على زبرهبو ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -:‬ومن القرائن أيضا تلقي األمة لو بالقبوؿ فحديث اآلحاد إذا تلقتو األمة بالقبوؿ واالعتماد‬
‫والتسليم واإلذعاف فال جرـ أف ىذه قرينة ترفعو إىل رتبة إفادة القطع واليقني ‪.‬‬

‫‪ ‬ثم اعلم رضبك ا﵁ تعاىل أف قولنا إف خرب اآلحاد يفيد الظن باألصالة إمبا نعين بو يف إفادة العلم ‪،‬‬
‫وأما يف وجوب العمل بو فإنو يفيد القطع والوجوب ‪ ،‬فال هبوز للعبد أف يتخلف عن العمل بشيء‬
‫من أخبار اآلحاد مطلقا فإذا ظبعت أىل اغبديث يقولوف إف خرب اآلحاد يفيد الظن فقط فإياؾ أف‬
‫تتساىل بو من ناحية العمل ألهنم يقصدوف أنو يفيد الظن باألصالة باعتبار العلم ‪ ،‬وأما باعتبار‬
‫العمل فأىل السنة متفقوف على وجوب ولزوـ العمل دبا صح عن النيب ﷺ متواترا كاف أو آحادا ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 9‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )4‬القاعدة الرابعة ‪ :‬خبر الواحد الصحيح حجة في باب المعتقد ‪.‬‬


‫فأىل السنة واعبماعة رضبهم ا﵁ تعاىل ال يفرقوف بني متواتر وآحاد يف باب العقائد ‪ ،‬فمتى ما صح‬
‫اغبديث بعقيدة من العقائد فإهنم يضعوف اغبديث على رؤوسهم كالتاج ويعتمدوف مدلولو وال ىبالفوف فيو‬
‫طرفة عني ‪ ،‬ولم تأت كلمة واحدة عن أىل السنة يف رد حديث من أحاديث االعتقاد بسبب كونو‬
‫حديث آحاد فهذا ال يعرؼ بإصباع أىل السنة واعبماعة ‪ ،‬بينما أكثر أىل البدع وعامتهم على رد حديث‬
‫اآلحاد يف مسائل االعتقاد فيقولوف كبن ال نقبل يف مسائل العقيدة إال اؼبتواترات وأما اآلحاد فإننا ال‬
‫نقبلها يف مسائل االعتقاد ومذىبهم ىذا باطل كل البطالف ‪ ،‬واألدلة على ذلك يف كتايب ( تعريف‬
‫الطالب بأصوؿ الفقو يف سؤاؿ وجواب ) ‪.‬‬

‫‪ ‬وأذكر ىنا طرفا منها وىي كما يلي ‪-:‬‬


‫‪ ‬الدليل األوؿ ‪ :‬قوؿ ا﵁ تعاىل ‪َ  :‬وَما َكا َف الْ ُم ْؤِمنُو َف لِيَػْن ِف ُروا َكافَّةً فَػلَ ْوَال نَػ َفَر ِم ْن ُك ّْل فِْرقٍَة ِمْنػ ُه ْم‬
‫َّهوا ِيف الدّْي ِن َولِيُػْن ِذ ُروا قَػ ْوَم ُه ْم إِ َذا َر َجعُوا إِلَْي ِه ْم لَ َعلَّ ُه ْم َْوب َذ ُرو َف (‪ ، )1(  )722‬فأمر ا﵁ عز‬ ‫ِ ِ‬
‫طَائ َفةٌ ليَتَػ َفق ُ‬
‫وجل الطائفة اػبارجة بأف تقبل ما تقولو الطائفة القاعدة من العلم ‪ ،‬والطائ ة اسم يصدؽ على الواحد‬
‫واالثين والثالثة ‪ ،‬فإذا كاف ما عند الطائفة القاعدة أمر عقدي وجب على الطائفة اػبارجة للجهاد أف‬
‫تقبل ما عندىا ألف ا﵁ أطلق ىنا ول يقل إال إذا ما جاء بو أمر عقدي فال بد من خرب متواتر ال بل ألزـ‬
‫ا﵁ الطائفة اػبارجة للجهاد أف تقبل خرب الطائفة القاعدة والطائفة اسم للواحد واالثنني والثالثة فدؿ‬
‫ذلك على وجوب قبوؿ األخبار مطلقا ‪ ،‬ولو من اآلحاد إذا صح سندىا ‪.‬‬
‫أف النػػيب ﷺ بعػػث معػػاذا إىل الػػيمن بأصػػوؿ العقائػػد كمػػا يف الصػػحيحني مػػن حػػديث ابػػن عبػػاس عػػن‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬ ‫ػك سػتَأٌِْب قَػومػا أ َْىػل كِتَ ٍ‬
‫ػاب فَػِإ َذا جْئػتَػ ُه ْم فَ ْ‬
‫ػادعُ ُه ْم‬ ‫ًْ َ‬
‫ِ‬
‫معاذ أنو قػاؿ ‪ :‬بعثػين النػيب ﷺ إىل الػيمن فقػاؿ " إنَّ َ َ‬
‫وؿ اللَّ ِو " ‪ ،‬وىذه عقائد ويف رواية ‪ " :‬إِن َ‬ ‫إِ َىل أَ ْف يَ ْش َه ُدوا أَ ْف َال إِلَوَ إَِّال اللَّوُ َوأ َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫َّك تَػ ْق َد ُـ َعلَى‬ ‫َف ُؿبَ َّم ًدا َر ُس ُ‬
‫وى ْم إِ َىل أَ ْف يػُ َو ّْح ُدوا ا﵁َ تَػ َع َاىل " (‪ ، )3‬فلو كاف خػرب الواحػد غػري‬ ‫اب فَػ ْليَ ُك ْن أ ََّوَؿ َما تَ ْدعُ ُ‬ ‫قَػوٍـ ِمن أ َْى ِل الْ ِكتَ ِ‬
‫ْ ْ‬
‫مقبػوؿ يف مسػػائل العقائػػد ؼبػػا كػػاف النػػيب ﷺ قػػد بلػػغ الػػبالغ اؼببػػني وال أًب ا﵁ بػو النعمػػة والػػدين ؛ فقػػد‬

‫)‪ (1‬التوبة ( ‪. ) 122‬‬

‫)‪ (2‬صحيح البخاري (‪ ، )1496‬وصحيح مسلم (‪ ، )130‬والل ظ للبخاري ‪.‬‬

‫)‪ (3‬صحيح البخاري (‪. )7372‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 11‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫كاف ﷺ يبعث رسائلو وكتبو بالعقائد والتوحيد فيبعػث ّٔػا الواحػد إىل األمصػار وإيل القػري آّػاورة لػو‬
‫وكان ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػت تقػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػوـ علػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػيهم اغبج ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة بنقػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػل ىػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػذا الواحػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػد ‪.‬‬
‫فإف قاؿ قائل ‪ :‬وىل ىناؾ عقائد أثبتتها السنة بأخبار آحاد ؟‬
‫فنقوؿ ‪ :‬نعم منها " صفة الضحك " أىل السنة واعبماعة يؤمنوف أف ﵁ ضحكا يليق جباللو‬
‫وعظمتو ‪ ،‬ودليلو الذي بو ثبت خرب آحاد ‪ ،‬ومنها صفة " األصابع " فيعتقد أىل السنة واعبماعة أف‬
‫﵁ أصابع تليق جباللو وعظمتو واػبرب الذي بو ثبتت ىذه الصفة خرب آحاد ‪ ،‬ومنها كذلك صفة " اؼبلل‬
‫" فللو ملل يليق جباللو وعظمتو واغبديث الذي بو ثبتت ىذه الصفة إمبا ىو خرب آحاد ‪ ،‬ومنها كذلك‬
‫صفة الفرح " فللو فرح يليق جباللو وعظمتو واغبديث الذي ثبتت بو ىذه الصفة إمبا ىو خرب آحاد ‪،‬‬
‫وكذؿ كصفة " الغرية " فللو غرية تليق جباللو وعظمتو واغبديث الذي ثبتت ىذه الصفة إمبا ىو خرب‬
‫آحاد ‪ ،‬وكذلك صفة " اؽبرولة " وصفة " البشبشة " وغريىا من الصفات اليت أثبتها أىل السنة‬
‫واعبماعة بأخبار آحاد ‪ ،‬فإذا أىل السنة واعبماعة ال يهتموف بقضية التواتر واآلحاد يف مسائل العقيدة‬
‫وإمبا العربة عندىم بصحة النص وجب قبولو واعتماده واؼبصري إليو وربرـ ـبا لفتو ‪.‬‬

‫‪ )5‬القاعدة الخامسة ‪ :‬خبر الواحد الصحيح حجة في ما تعم بو البلوى ‪.‬‬


‫وىذه القاعدة خالفنا فيها األئمة اغبنفية فقط رضبهم ا﵁ تعاىل ‪ ،‬ولكنها قاعدة معتمدة عند أىل‬
‫اغبديث ألف العربة عند صباىري أىل العلم إمبا ىي صحة النص عن اؼبعصوـ ﷺ ‪ ،‬فإذا صح السند‬
‫عن اؼبعصوـ ﷺ وجب قبولو واعتماده والتسليم إليو وربرـ ـبالفتو أو معارضتو بقياس أو اجتهاد أو‬
‫قوؿ أو مذىب ‪.‬‬

‫ولذلك فالقوؿ الصحيح ىو أف مس الذكر ناقض للوضوء إذا كاف بشهوة ‪ ،‬وبال حائل ؛ مع أف‬
‫األحاديث اليت أثبتت كونو ناقضا إمبا ىي أحاديث آحاد ‪.‬‬
‫وكذلك فالقوؿ الصحيح أف خيار آّلس خيار صحيح ثابت وإف قاؿ اؼبالكية خبالفو ولكننا نقبلو مع‬
‫أنو يف مسائل تعم البلوى وخربه خرب آحاد إال أف القضية عندنا إمبا ىي صحة النص فخيار آّلس‬
‫حينئذ صحيح ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 11‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫وكذلك نقوؿ القوؿ الصحيح مشروعة الوضوء من ما مستو النار وىذه اؼبشروعية ىي مشروعية‬
‫استحباب ال إهباب ‪ ،‬مع اؼبسألة فبا تعم ّٔا البلوى وخربىا خرب آحاد ‪.‬‬
‫وكذلك القوؿ الصحيح انتقاض الوضوء من غبم اإلبل مع أف أخباره أخبار آحاد وىو يف مسألة‬
‫وبتاجها اعبميع فأكثر الناس يأكلوف غبم اإلبل فنكتفي يف االستدالؿ على القوؿ بنقضو حبديثني‬
‫صحيحني فقط فهما خرب آحاد يف مسألة تعم ّٔا البلوى وال بأس بذلك ‪.‬‬
‫وكذلك أيضا القوؿ الصحيح مشروعية رفع اليدين يف اؼبواضع األربعة يف الصالة واليت ىي ( عند تكبرية‬
‫اإلحراـ – وعند اؽبوي إىل لركوع –وعند الرفع من الركوع – وبعد القياـ من التشهد األوؿ ) مع أف ىذه‬
‫الصفة فبا تعم ّٔا البلوى ووبتاجها اؼبسلموف صبيعا وأخبارىا أخبار آحاد وىذا ال يضرينا وال يهمنا مطلقا‬
‫ال يف صدر وال ورد ‪.‬‬
‫‪ ‬فنَخلص من ىذا أف تقسيم السنة إلى متواتر وآحاد منو ما ىو مقبوؿ ومنو ما ىو مرفوض ‪-:‬‬
‫أ) فإذا كاف مبدأ ىذا التقسيم معرفة طرؽ وصوؿ اغبديث إلينا فقط فهذا تقسيم مقبوؿ ‪.‬‬
‫ب) وأما إذا كاف ىذا التقسيم يفضي إىل قبوؿ بعض السنة ورد بعض السنة يف بعض األبواب فال جرـ أف‬
‫ىذا تقسيم مرفوض غري مقبوؿ ‪.‬‬
‫‪ )6‬القاعدة السادسة ‪ :‬خبر اآلحاد الصحيح مقدـ على عمل أىل المدينة ‪.‬‬
‫وىذا ما ندين ا﵁ عز وجل بو ‪ ،‬فال هبوز ألحد كائنا ما كاف ال أىل اؼبدينة وال أىل مكة ‪ ،‬وال أىل‬
‫الشاـ ‪ ،‬وال أىل العراؽ ‪ ،‬وال أي بالد كانت يف ىذه الدنيا أف يردوا حديثا صحيحا ألنو ىبالف العمل‬
‫اؼبشهور عندىم ‪ ،‬ولكن األئمة اؼبالكية رضبهم ا﵁ تعاىل وأجزؿ ؽبم األجر واؼبثوبة وقعوا يف ىذه اغبفرة‬
‫فقالوا ‪ " :‬إننا نقبل حديث اآلحاد ما ل ىبالف العمل عندنا فميت ما خالف حديث اآلحاد العمل‬
‫عندنا فإف العمل عندنا ُمقَّدـ على خرب اآلحاد " ‪ ،‬وىذا كالـ باطل ؛ فإف اؼبقدـ على اإلطالؽ كالـ‬
‫ني يَ َد ِي اللَّ ِو َوَر ُسولِِو‬
‫ّْموا بَػ ْ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ا﵁ وكالـ رسولو ﷺ ؛ يقوؿ ا﵁ عز وجل ‪  :‬يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا َال تُػ َقد ُ‬
‫يم (‪ ، )1(  )7‬فال هبوز أف نقدـ على السنة ال عمل بلد ‪ ،‬وال قوال ‪ ،‬وال‬ ‫واتَّػ ُقوا اللَّو إِ َّف اللَّو َِظب ِ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عقال ‪ ،‬وال رأيا ‪ ،‬وال قياسا ‪ ،‬وال غري ذلك ‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحجرات ( ‪. ) 1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 12‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ولذلك فالقوؿ الصحيح الذي تدؿ عليو األدلة ىو أف العبد إذا دخل اؼبسجد واإلماـ ىبطب فمن السنة‬
‫قبل أف هبلس أف يصلي ركتني ‪ ،‬ولكن بعض اؼبالكية يرفض ىذا ويرد ىذا اغبديث مع أنو ثابت يف‬
‫الصحيحني حبجة أنو ليس عليو العمل يف بالدنا ‪.‬‬
‫ومثاؿ ذكرناه يف قاعدة أخرى وىو خيار آّلس فقد ذىب اعبمهور من الشافعية واغبنفية واغبنابلة‬
‫يثبتوف خيار " آّلس " ‪ ،‬وىو ‪ :‬ذلك اػبيار الذي يثبت للمتعاقدين بعد اإلهباب والقبوؿ من كل‬
‫منهما ما ل يتفرقا وأحاديثو أحاديث آحاد ‪ ،‬ولكن اإلماـ مالك وبعض اؼبالكية ل يأخذوا بو ألنو ليس‬
‫عليو العمل يف بالدىم ؛ ونقوؿ ىذا ليس بقادح معترب ‪ ،‬وال علة تقبل ‪ ،‬فإف العربة إمبا ىي صحة النص‬
‫عن النيب ﷺ ‪.‬‬
‫‪ )7‬القاعدة السابعة ‪ :‬الحديث الصحيح حجة بذاتو ‪.‬‬
‫أي ال يكتسب ُح ّْجيتو بعمل أحد أو دبوافقة أحد فهو حجة بذاتو وإف ل يعمل بو أحد ‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك عموـ األدلة الواردة بأف السنة حجة ‪ ،‬وألف األئمة األربعة رضبهم ا﵁ تعاىل كانوا يوصوف أتباعهم‬
‫بأف يأخذوا بأقواؽبم ما ل تعارض السنة فإذا عارضت السنة فإهنم يرموف بأقواؽبم عرض اغبائط ‪ ،‬وألف‬
‫قوؿ الشارع ال يبكن أف يتوقف االستدالؿ بو على موافقة غريه ألف اغبجية يف الكتاب والسنة إمبا ىي‬
‫ُح ّْجية ذاتيو ال مكتسبة ‪.‬‬
‫‪ ‬واعلم أف األدلة عندنا قسماف باعتبار االحتجاج بها ‪-:‬‬
‫‪ -7‬أدلة ىي حجة بالذات ‪ :‬ونبا دليالف فقط ونبا الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫‪-2‬وأدلػة حجػة بػالغري ‪ :‬كاإلصبػاع ‪ ،‬والقيػاس ‪ ،‬وقػوؿ الصػػحايب ‪ ،‬وشػرع مػن قبلنػا وغريىػا مػن األحاديػث الػػيت‬
‫يذكرىا األصوليوف فهي ليست حجة بذاهتا كالكتاب والسنة وإمبا ىي حجة بالتبع (بالغري) ‪.‬‬
‫ولػذلك ال هبػوز ألحػد مػن النػاس أف يػرتؾ العمػل حبػديث صػحيح ل يُنسػ حبجػة أنػو ل يعمػل بػو أحػػد‬
‫من العلماء مع أننا مع استقراء السنة وجػدنا أف كػل حػديث يُػدعي أنػو ل يعمػل بػو أحػد وجػدنا أنػو قػد‬
‫عمػػل بػػو بعػػض العلمػاء وإف كػػانوا قلػػيال ‪ ،‬فػػال هبػػوز رد السػػنة دبثػػل ىػػذه العلػػة أو دبثػػل ىػػذا القػػدح ؛ بػػل‬
‫الواجػب علينػػا قبػػوؿ اغبػػديث إذا صػػح مػػن غػػري نظػػر ىػػل وافػػق ىػػذا اغبػػديث عمػػل أحػػد مػػن النػػاس أـ ل‬
‫يوافق ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 13‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬وأضرب على ذلك مثالين ‪-:‬‬


‫ما قالو اإلماـ الرتمذي رضبو ا﵁ تعاىل يف أخر كتاب جامعو العلل ‪ " :‬صبيع ما يف ىذا‬ ‫‪-7‬‬
‫الكتاب من اغبديث ىو معموؿ بو ‪ ،‬وبو أخذ بعض أىل العلم ما خال حديثني ‪:‬‬
‫حديث ابن عباس ‪ " :‬أف النيب صلى ا﵁ عليو وسلم صبع بني الظهر والعصر باؼبدينة ‪،‬‬
‫واؼبغرب والعشاء من غري خوؼ وال سفر ‪ ،‬وال مطر " ‪.‬‬
‫وحديث النيب صلى ا﵁ عليو وسلم أنو قاؿ ‪ " :‬إذا شرب اػبمر فاجلدوه فإف عاد يف الرابعة فاقتلوه " ))‬
‫(‪ ، )1‬ويقولوف ل يعمل بو أحد من الفقهاء وبعد البحث وجدنا أف بعض العلماء قد عمل بو ‪ ،‬وإف‬
‫ظبلنا أف أحدا من األمة ل يعمل بو فالقاعدة تقوؿ ‪ [ :‬اغبديث الصحيح حجة بذاتو ] ‪.‬‬
‫ولذلك فالقوؿ الصحيح يف ىذه اؼبسألة ىو أف قتل شارب اػبمر ال يعترب حدا وإمبا يعترب من باب االجتهاد‬
‫على نظر اغباكم ‪ ،‬فإذا رأى اغباكم أف ىذا الرجل أكثر شرب اػبمر ‪ ،‬وأكثر اإلضرار بالناس ورأي أنو يقتل‬
‫فلوي األمر قتلو تعزيرا ‪ ،‬فإذف قضية شارب اػبمر من عدمو إمبا يُرجع فيها لويل األمر ؛ وىذا ىو الفرع األوؿ‬
‫‪.‬‬
‫ادعى البعض أف حديث ابن عباس (‪ )2‬يف صبع النيب ﷺ يف اؼبدينة بني الظهر والعصر‬ ‫‪-2‬‬
‫وبني اؼبغرب والعشاء من غري خوؼ وال مطر ‪ ،‬ويف رواية " وال سفر " أنو حديث ل يعمل‬
‫بو أحد ألف اعبمع ال هبوز إال إذا ربقق القاعدة سببو ؛ وىنا يقوؿ قد صبع وليس ىناؾ‬
‫سبب فلم يكن خوؼ يف اؼبدينة وال مطر ‪ ،‬فقاؿ البعض من أىل العلم أنو ال يُعمل بو ألنو‬
‫ال يُعلم أف أحدا عمل بو ‪ ،‬وىذا فيو نظر فقد عمل بو راويو ابن عباس رضي ا﵁ عنو وقد‬
‫فسره بقولو ؼبا سؤؿ عنو قاؿ " أراد أف ال ُوبّْر َج أمتو " ‪ ،‬فمتى ما وقعت األمة يف شيء من‬
‫اغبرج فقد جعل ا﵁ ؽبا فرجا وـبرجا وىي أف ذبمع بني الظهرين وبني العشاءين كالربد‬
‫الشديد الذي ال يستطيع العبد اػبروج من البيت إىل اؼبسجد ‪ ،‬أو كالغبار الشديد ‪ ،‬أو‬
‫كاؼبطر الذي يبل الثياب ويعث الوحل وكبوه ‪ ،‬وكالسفر ‪ ،‬واػبوؼ الشديد ‪ ،‬وكبوىا من‬

‫)‪ (1‬سنن الترمذي ‪. 230/6‬‬

‫شػ ػ ِ‬
‫ػاء بِالقم ِدينػ ػ ِػة فِػ ػػى ‪َ.‬ي ػ ػ ِر َخػ ػػو ٍ‬ ‫ب َوال ِقع َ‬ ‫ػاؿ ‪ " :‬جمػ ػػع رسػ ػ ُ ِ‬
‫ؼ َوالَ َمطَػ ػ ٍر " ‪ .‬قػ ػػاؿ‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫َ َ‬ ‫ػوؿ اللَػ ػػو ‪-‬صػ ػػلى اي عليػ ػػو وسػ ػػلم‪ -‬بَػ ػ قػي َن الظِ قه ػ ػ ِر َوال َقع ق‬
‫ص ػ ػ ِر َوال َقمعق ػ ػ ِر ِ‬ ‫ََ َ َُ‬ ‫)‪ (2‬ونػ ػػص الحػ ػػديث ‪َ ،‬ع ػ ػ ِن ابقػ ػ ِن َعبَػ ػ ٍ‬
‫ػاس قَػ ػ َ‬

‫ِج أَُمتَوُ " [ صحيح مسلم (‪ ، )1667‬وسنن الترمذي (‪ ، )187‬والل ظ لمسلم ‪.‬‬
‫اؿ ‪َ " :‬ك قى الَ يُ قحر َ‬ ‫اس لِ َم فَػ َع َل ذَلِ َ‬
‫ك ؟ قَ َ‬ ‫َوكِي ٍع ‪ :‬قُػل ُ‬
‫قت ِالبق ِن َعبَ ٍ‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 14‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫األسباب اؼبقررة يف جواز اعبمع ‪ ،‬فإذا ىذا اغبديث نعمل بو وال يبكن أف نرده فهو يف‬
‫صحيح اإلماـ مسلم واغبديث الصحيح حجة بذاتو وإف ل يعمل بو أحد ‪.‬‬
‫‪ )8‬القاعدة الثامنة ‪ :‬كل قاعدة خال ت حديثا صحيحا فهي باطلة ‪.‬‬
‫فالقاعدة اؼبقررة على خالؼ األحاديث الصحيحة ىي يف اغبقيقة قاعدة ال خري فيها ‪ ،‬وكي أف يُعارض‬
‫كالـ ا﵁ وكالـ رسولو ﷺ بشيء جري عليو التأصيل والتقعيد !؟ ولعمر ا﵁ لنسف ألف قاعدة‬
‫وألف أصل ‪ ،‬وألف ضابط ‪ ،‬أيسر عندنا وأىوف على قلوبنا من رد حديث واحد ‪.‬‬
‫فال هبوز أف تقبل أهنا قاعدة إذا بُنيت ىذه القاعدة على خالؼ األدلة كتابا وسنة ‪.‬‬
‫‪ ‬فإف أردت أمثلة على جمل من القاعدة التي ُوضعت على خالؼ الحق فإليك بها فمنها ‪-:‬‬
‫قاعدة اغبنفية رضبهم ا﵁ تعاىل [ خرب اآلحاد ال يقبل يف ما تعم بو البلوي ] ‪ ،‬فهذه قاعدة‬ ‫‪-7‬‬
‫ليست بصحيحة مطلقا ؛ ألف العمل ّٔا يقتضي منا أف نرد أحاديث كثرية قد صحت عن النيب ﷺ ‪،‬‬
‫والمتقرر أنػ[ كل القاعدة أو استلزـ العمل ّٔا رد شيء من السنة الصحيحة الثابتة فإهنا باطلة ] ‪.‬‬
‫قاعدة أىل اؼبدينة أف [ خرب الواحد إذا عارض عمل أىل اؼبدينة فإنو مردود ] ‪ ،‬وقد بينا أهنا من‬ ‫‪-2‬‬
‫القواعد الباطلة اليت ال ينبغي اعتمادىا ‪.‬‬
‫‪ ‬و يا ليت بعض طلبة العلم انتدب ؽبذا الباب وألف فيو ‪ ،‬وىي رسالة هبمع فيها صبال من القواعد‬
‫يف اؼبذاىب ‪ ،‬أو عند األصوليني اليت يستدلوف ّٔا ويستلزـ االستدالؿ ّٔا رد كثريا من أحاديث السنة‬
‫فهذا من أعظم ما ينصر بو الدين ألف كثريا من الناس ردوا األحاديث الصحيحة بسبب ىذه‬
‫األصوؿ الباطلة ‪ ،‬فلو أف أحد أىل العلم انتدب لرسالة هبمع فيها ىذه األصوؿ ويبني وجو بطالهنا‬
‫ويصححها ويسري دفتها إىل ما يتفق مع الكتاب والسنة لكاف عمال جليال ‪.‬‬
‫قاعدة أىل البدع يف رد حديث اآلحاد يف مسائل االعتقاد وىذه قاعدة ملعونة غري مقبولة وال‬ ‫‪-3‬‬
‫يبكن أف نعتمدىا ألهنا تتضمن رد كثري من السنة الثابتة الصحيحة عن النيب ﷺ ‪ ،‬واؼبقصود‬
‫ىنا التمثيل ال االستيفاء ‪.‬‬
‫‪ )9‬القاعدة التاسعة ‪ :‬ليس في النصوص الصحيحة شيء على خالؼ القياس ‪.‬‬
‫ألننا ال قبزـ أف كل قياس جرى وقرر على خالؼ النص فهو قياس باطل ‪ ،‬فال هبوز معارضة النص باألقيسة‬
‫مطلقا ‪ ،‬فإذا رأي العبد أف ىذ النص جرى على خالؼ القياس فإف ىناؾ إحدى علتني ال ثالث ؽبما ‪-:‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 15‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫إما أف يكوف ىذا النص من النصوص الضعيفة أو النقوالت الواىية ‪ ،‬فحينئذ يُرمي ويلغي ؛ ألف األحاديث‬
‫الضعيفة و النقوالت الواىية غري مقبولة ‪ ،‬فإذا كاف النص صحيحا فإننا نظر إىل حقيقة القياس الذي يُدعي‬
‫أنو ـبالف لنص ‪ ،‬فالبد أف تكوف العلة يف أحدنبا ولكن إذا كاف النص صحيحا والقياس سليما فو ا﵁‬
‫الذي ال إلو غريه إف األقيسة ال ذبري إال على ِوفق النصوص ‪ ،‬والنصوص الصحيحة ال ذبري إال على وفق‬
‫األقيسة السليمة وال تعارض بني نص وال بني قياس ‪.‬‬

‫‪ o‬ولكن ىناؾ أقيسة يُظن فيها السالمة والصحة ويقاؿ أنها على خالؼ النصوص مثاؿ ذلك في‬
‫جمل من ال روع ‪-:‬‬
‫ال رع األوؿ ‪ :‬قالوا الوضوء من غبم اإلبل على خالؼ القياس ‪ ،‬قلنا ؽبم ؼباذا ؟‬

‫قالوا ‪ :‬ألف القياس أف اللحم ال يُتوضأ منو وىذا ىو األصل ‪ ،‬فجاء غبم اإلبل على خالؼ األصل وعلى‬
‫خالؼ القياس ‪.‬‬

‫قلنا ‪ :‬ؽبم إف الشريعة اؼبتقررة اليت جاء ؿبمد ﷺ مبناىا على اعبمع بني اؼبتماثلني والتفريق بني‬
‫اؼبختلفني ‪ ،‬فلو أف الشريعة ل زبص غبم اإلبل بوجوب الوضوء منو لكاف عدـ التخصيص ىو على‬
‫خالؼ القياس ‪ ،‬ولكن ؼبا خصصت غبم اإلبل بوجوب الوضوء منو خبصوصو دؿ ذلك على أهنا‬
‫جارية على وفق القياس ‪ ،‬فكالمهم ىذا ليس بصحيح بل كالمنا ىو اغبق بدليل أف الشارع قد‬
‫خص اإلبل جبمل من اػبصائص ‪ ،‬ومن صبلة ما خص الشارع اإلبل ّٔا أهنا ربمل تلك الطبائع‬
‫اإلبليسية الشيطانية من شدة االنتقاـ ‪ ،‬وعدـ نسياف اػبطأ ‪ ،‬ومن الكرب والتعايل ‪ ،‬والفخر ‪ ،‬وقد‬
‫جري يف عرؼ الناس والطبائع أف العبد زبتلف أخالقو باختالؼ مطعمو فمن أكل حالال فأخالقو‬
‫ومطعمو ستكوف طيبة ‪ ،‬ومن أكل حراما فالنار أوىل بو ‪.‬‬

‫ولذلك حرمت الشريعة علينا أف نأكل كل ذي ناب من السباع ألف طبيعتها سبعية افرتاسيو ‪ ،‬وحرمت‬
‫علينا أكل اػبنزير والنجاسات ألف من أكل النجاسات ماتت غريتو ‪ ،‬فإذا طبائع اإلنساف وأخالقو‬
‫زبتف باختالؼ ما يتغذى بو ‪ ،‬فلما كاف يف اإلبل طبائع شيطانية والشيطاف ـبلوؽ من النار ناسب‬
‫بعد أكل غبمها أف نتوضأ لنطفئ ىذه اغبظوظ الشيطانية واؼبفاسد اإلبليسية والطبائع اؼبرضبة حت‬
‫يصفوا لنا االستمتاع بلحمها وتذىب مضرهتا ‪ ،‬وىذا ىو القياس ‪ ،‬فلحم اإلبل ليس كسائر اللحم ‪،‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 16‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫فبما أنو ليس كسائر اللحم فلماذا تريدوف من الشريعة أف ذبمعو مع اللحم يف حكمو !؟ فالشريعة‬
‫جاءت بالتفريق بني اؼبختلفات ال باعبمع بينها ‪ ،‬فإذا كانت الشريعة زبص ىذا اللحم حبكم خاص‬
‫دوف غريه من اللحم فيكوف جاري على ِوفق القياس ‪.‬‬

‫ال رع الثاني ‪ -:‬قالوا إف رجم الزاين على خالؼ القياس ألف القياس ىو عقوبة العضو الذي فعل اعبريبة ؛‬
‫كالس رقة فإنو تقطع يده ‪ ،‬ولو أنك جنيت على لساف أحد فلو اغبق أف يطالب بالقصاص من لسانك وإذا‬
‫جنيت على ظبع أحد فلو اغبق أف يطالب على القصاص من نفس عضوؾ الذي جنيت عليو ‪ ،‬فلذلك‬
‫العقوبة تكوف على نفس ىذا العضو ‪ ،‬والزنا كاف مقتضي القياس أف نقطع ذكر الزاين لكن الشريعة عدلت‬
‫على ىذه العقوبة اليت ىي على ِوفق القياس إىل عقوبة أخرى وىي رجم جسده ىكذا قالوا ؛ وىذا كالـ غري‬
‫صحيح ألف اؼبقصود من العقوبات الزجر ‪ ،‬ويد السارؽ عضوا ظاىر يراه الناس فيحصل بو الزجر والرد ‪ ،‬لكن‬
‫لو أننا قطعنا ذكر الزاين فالذكر عضوا مستور ال وبصل بقطعو ال الزجر وال غريه ؛ فلماذا تريدوف منا أف‬
‫نسوي بني اؼبختلفات !؟‬

‫وكذلك نقوؿ أيضا إف من مقاصد الشريعة تكثر النسل فلو أننا قطعنا يد السارؽ ؼبا انقطع ىذا اؼبقصود‬
‫‪ ،‬ولكن لو قطعنا ذكر الزاين النتفى ذلك اؼبقصود ‪ ،‬فبينهما فرؽ ‪ ،‬وأيضا لو أننا قطعنا يد السارؽ لبقي‬
‫عنده يد أخرى يعمل ّٔا ‪ ،‬ولكن لو قطعنا ذكر الزاين فليس شبة ذكر أخر لو ‪ ،‬فالشريعة ال تأٌب أبدا إال‬
‫على ِوفق القياس ‪ ،‬وقد عقد اإلماـ ابن القيم رضبو ا﵁ يف " إعالـ اؼبوقعني " مبحثا حافال صبيال يف ىذه‬
‫اؼبسألة أف ليس شيء من الشريعة على خالؼ القياس ‪.‬‬

‫‪ )10‬القاعدة العاشرة ‪ :‬اإلسناد من الدين ‪.‬‬


‫قاؿ عبداف ظبعت عبدا﵁ ابن اؼببارؾ يقوؿ ‪ " :‬اإلسناد من الدين ولوؿ اإلسناد لقاؿ من شاء ما شاء‬
‫" رواه مسلم يف مقدمة صحيحو (‪ ، )1‬وقاؿ سفياف الثوري رضبو ا﵁ ‪ " :‬اإلسناد سالح اؼبؤمن إذا ل‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم ‪. 12/1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 17‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫يكن معو سالح فبأي شيء يقاتل " (‪ ، )1‬وقاؿ شعبة رضبو ا﵁ تعاىل ‪ " :‬كل حديث ليس فيو قاؿ‬
‫ظبعت فهو َخ ُّل وبقل " (‪ )2‬أي شيء ال فائدة فيو ‪.‬‬

‫واإلسناد اؼبتلقي عن العلماء ىو من خصائص ىذه األمة فإف األمم قبلنا ل تكن تعرؼ اإلسناد يف نقل‬
‫دينها وإمبا ُخصت ىذا األمة بالبحث يف أسانيد اؼبنقوالت والنظر يف أحواؿ الرجاؿ ‪ ،‬ولذلك بدلت‬
‫وحرفت وغريت وزيد فيها ونُقص ألف شرائعها تُنقل جزافا من غري سلسلة رجاؿ إسناد ‪،‬‬
‫الشرائع السابقة ُ‬
‫وأما ىذه األمة فلم يدخل دينها التغيري وال التبديل ألف ا﵁ حفظ أصوؿ شريعتها ‪ ،‬وألنها اىتمت‬
‫برجاؿ اػبرب قبل النظر يف اػبرب ‪ ،‬فإذا صح اإلسناد فهو الغاية ‪ ،‬ولذلك أىل العلماء يشددوف كثريا على‬
‫مسألة اإلسناد ‪.‬‬

‫قاؿ الناظم ‪:‬‬


‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫عوال‬
‫ػها وإسنادىا حت تكوف ُم َّ‬ ‫‪.‬‬ ‫شرطوا سالمة متنػ‬ ‫ولكنهم‬

‫فنحن يف ىذا اؼبصطلح نبحث يف اإلسناد فيستشعر الواحد منا أنو يبحث يف ما وبصن بو ىذا الدين‬

‫الزيادة والنقص واإلدخاؿ والتبديل والتغيري ‪ ،‬فدراسة اإلسناد فبا ُربفظ بو الشريعة ‪.‬‬

‫‪ )11‬القاعدة الحادية عشر ‪ :‬إذا تعارض رأي الراوي وروايتو قُدمت روايتو ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ألننا سنسأؿ يوـ القيامة عن روايتو ال رأيو ‪ ،‬لقوؿ ا﵁ عز وجل ‪َ  :‬ماذَا أ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫‪،‬‬ ‫ني (‪)65‬‬
‫َجْبتُ ُم الْ ُم ْر َسل َ‬
‫وألننا متعبدوف بقبوؿ الرواية ال بقبوؿ الرأي ‪ ،‬فروايتو لنا ورأيو لو ‪ ،‬وألف الذي هبب أف يُعتذر عنو ليس‬
‫الراوية وإمبا الرأي الذي خالف الرواية وىذه القاعدة معتمد عند علماء اغبديث ‪ ،‬فقد اعتمدىا فقهاء‬
‫اؼبالكية ‪ ،‬واغبنابلة ‪ ،‬والشافعية ‪ ،‬وعارض األئمة اغبنفية رضبهم ا﵁ ولكن معارضتهم غري معتد ّٔا ‪.‬‬

‫)‪ (1‬معرفة علوـ الحديث للحاكم (‪. )4‬‬

‫)‪ (2‬رواه الخطيب في " الك اية في علم الرواية " ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في عبارة الرواية ‪.‬‬

‫)‪ (3‬أي أىل الحديث ‪.‬‬

‫)‪ (4‬القصص ( ‪. ) 65‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 18‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ولذلك فالقوؿ الصحيح أف اإلناء إذا ولغ فيو الكلب يُغسل سبعا مع أف أبا ىريرة كاف يغسلو ثالثا وىو‬
‫الذي روي حديث التسبيع ‪ ،‬ولكن ال شأف برائيو وإمبا الشأف يف روايتو ‪.‬‬

‫والقوؿ الصحيح أف صالة اؼبسافر ركعتاف وإف كانت عائشة رضي ا﵁ عنها قد أسبت يف سفرىا وىي اليت‬
‫روت لنا خرب الركعتني يف حق اؼبسافر ؛ فرأيها ؽبا ولكن روايتها لنا ‪.‬‬

‫وكذلك نقوؿ القوؿ الصحيح وجوب إعفاء اللحية مطلقا وحرمة التعرض ؽبا بشيء ال بقص وال بغريه ‪،‬‬
‫وإف كاف ابن عمر كاف يقبض القبضة وما زاد عليها قصو ؛ ألنو ىو الذي روي لنا وجوب إكرامها‬
‫وإعفائها فعملو لو وروايتو لنا ‪.‬‬

‫وكذلك القوؿ الصحيح أف من مات وعليو صوـ صاـ عنو وليو والراوي ؽبذا اغبديث عائشة رضي ا﵁‬
‫عنها وقد كانت تفيت رضي ا﵁ عنها أف من مات وعليو صوـ فال يصوـ عنو وليو وىذا رائيها ‪ ،‬ولكن‬
‫راويتها لنا ‪.‬‬
‫إذا فاعتمدوا ىذه القاعدة معاشر ا﵀دثني إذا تعارض رأي الراوي وراويتو فإف روايتو ىي اؼبقدَّمة عندنا ورأيو‬
‫ُ‬
‫يكوف لو ‪.‬‬
‫‪ )12‬القاعدة الثانية عشر ‪ :‬كل حديث رواه عدؿ تاـ الضبة عن مثلو بسند متصل بال شذوذ وال‬
‫علة قادحة فصحيح لذاتو ‪.‬‬

‫‪ ‬أقوؿ ‪ :‬اعلم رضبك ا﵁ أف العلماء قسموا أخبار اآلحاد باعتبار القبوؿ والرد إىل طبسة أقساـ ‪-:‬‬

‫وىو أعالىا وأفضلها وىو " الصحيح لذاتو "‪.‬‬ ‫‪-7‬‬


‫الصحيح لغريه ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اغبسن لذاتو ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اغبسن لغريه ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الضعيف ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪ ‬ىذا تقسيم ألخبار اآلحاد باعتبار القبوؿ والرد ‪ ،‬فالذي يقبل من أخبار اآلحاد إمبا ىو أربعة‬
‫أقساـ فقط وأما القسم اػبامس فإننا نرده وال نقبلو ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 19‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬فالصحيح لذاتو مقبوؿ ‪ ،‬والصحيح لغريه مقبوؿ ‪ ،‬واغبسن لذاتو مقبوؿ ‪ ،‬واغبسن لغريه مقبوؿ ‪،‬فهذه‬
‫األربعة مقبوؿ ؿبتج ّٔا عند علماء اغبديث ‪ ،‬وأما اغبديث الضعيف فإنو مردود ‪.‬‬
‫‪ ‬وىذه القاعدة تتكلم عن اغبديث الصحيح ‪ ،‬وباعبملة فال يبكن أف يوصف اغبديث بأنو صحيح‬
‫لذاتو إال إذا توفر فيو طبسة شروط ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أف يرويو أىل العدالة ؛ والعدالة ىي ‪ -:‬ملكة يف النفس ربمل صاحبها على مالزمة التقوي‬
‫واؼبروءة ‪.‬‬
‫‪ ‬وتتحقق قاعدة التقوي بأمرين ‪-:‬‬
‫(‪ )7‬بفعل اؼبأمورات ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وترؾ اؼبنهيات ‪.‬‬
‫فمن فعل اؼبأمورات وترؾ اؼبنهيات فيوصف بأنو من اؼبتقني ‪.‬‬
‫‪ ‬واعلم رحمك اي أف العدالة يشترط في تحققها جمل من الشروط وىي ‪-:‬‬
‫‪ -1‬اإلسالـ ‪-:‬‬
‫فاؼبسلم ىو العدؿ ‪ ،‬وبناء على اشرتاط اإلسالـ فالكافر ليس بعدؿ ‪ ،‬فإذا أخربنا الكافر خبرب حاؿ كونو‬
‫كافرا فإننا ال نقبل خربه ‪ ،‬وأما إذا ربمل وىو كافر ٍب أدي بعد إسالـ فستأتينا قاعدتو اػباصة بو إف‬
‫شاء ا﵁ تعاىل ‪.‬‬
‫‪ -2‬العقل ‪-:‬‬
‫فال يبكن ألحد أف يوصف بأنو عدؿ إال إذا كاف عاقال ‪ ،‬وبناء عليو فآّنوف ليس بعدؿ ‪.‬‬
‫‪ -3‬البلوغ ‪-:‬‬
‫وضده الصغر ‪ ،‬فال يوصف أحد بأنو عدؿ إال إذا كاف بالغا ‪ ،‬وبناء عليو فلو أف الصيب قبل بلوغو‬
‫حدثنا خبرب عن النيب ﷺ فال نقبلو ألف من شروط اغبديث الصحيح أف يكوف ناقلو عدال ‪ ،‬والبلوغ‬
‫شرط يف العدالة ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 21‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ -4‬السالمة من ال سق ‪-:‬‬
‫والفسق قسماف ‪-:‬‬
‫(أ) فسق شهوة ‪.‬‬
‫(ب) فسق شبهة ‪.‬‬
‫وكلها ستأٌب يف قواعد خاصة ‪.‬‬
‫‪ ‬فال اسق غري مقبوؿ اغبديث إال يف حاالت سيأٌب الكالـ عليها مفصال يف ما بعد ‪.‬‬
‫‪ -5‬المروءة ‪-:‬‬
‫بأف ال يفعل الراوي شيئا من األفعاؿ أو يقوؿ شيئا من األقواؿ تعارض مروياتو أماـ الناس ‪ ،‬وسيأتينا‬
‫صبال من األصوؿ والقواعد يف ىذا األمر إف شاء ا﵁ تعاىل ‪ ،‬فمن توفرت فيو تلك الشروط اػبمسة فإنو‬
‫يكوف عدال ‪ ،‬وإذا اختل شرطا منها فإنو ال يعد عدال ‪.‬‬
‫‪ )13‬القاعدة الثالثة عشر ‪ :‬الصحابة كلهم عدوؿ ثقات أثبات ‪.‬‬
‫فال يبحث عن عدالة الصحابة مطلقا اكتفاء بتوثيق ا﵁ ؽبم وتعديلو ؽبم يف كتابو ‪ ،‬وتعديل النيب‬
‫ﷺ يف صحيح سنتو ‪ ،‬فإذا رجاؿ أنزؿ ا﵁ فيهم التعديل والثناء واؼبدح يف كتابو ال يبكن أبدا أف‬
‫قبعلهم ؿبطا لسؤاؿ ىل ىم عدوؿ أو غري عدوؿ ‪ ،‬ولكننا فقط نبحث عن عدالة من دوهنم يف‬
‫اإلسناد التابعي ومن دونو ‪ ،‬فإذا بلغنا إىل مرتبة الصحايب فإننا ال نبحث عن عدالتو مطلقا ‪ ،‬ولذلك‬
‫ال نعلم عن أي كتاب من كتب الراجل اليت تتكلم عن عدالة الرواة من غري ىا أهنم وبرصوف أو‬
‫يتكلموف على توثيق صحايب أو اثبات كونو ثقة ألف ا﵁ امتدحهم يف كتابو وأي ندح بعد مدح ا﵁‬
‫تعاىل ؛ وىذا ؾبمع عليو بني أىل السنة واعبماعة فاعتقادنا بأف الصحابة عدوؿ ثقات أثبات ىذه‬
‫عقيدية قد تغلغلت يف قلوبنا وتشربتها أرواحنا ودؿ عليها دليل الكتاب والسنة وإصباع أىل العلم‬
‫رضبهم ا﵁ تعاىل ‪.‬‬
‫‪ )14‬القاعدة الرابعة عشر ‪ :‬يُعت ر في الراوي الخطأ اليسير ال المعتاد الكثير ‪.‬‬
‫وذلك ألف من شروط اغبديث الصحيح لذاتو أف يكوف راويو تاـ الضبط ‪ ،‬والضبة إما ‪-:‬‬
‫(‪ )7‬ضبة كتاب ‪ :‬و ىو أف يكوف لراوي كتابا خاصا هبمع فيو صبيع مروياتو ووبافظ على كتابو من أف‬
‫سبسو األيدي حت ال يُزاد وال يُنقص منو ‪ ،‬وىذا ىو ضبط الكتاب ‪ ،‬ويصححو باغبركات وينقط‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 21‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫حروفو ‪ ،‬ووبفظو من األرضة والتلف باؼباء ‪ ،‬أو من مس الصبياف لو ‪ ،‬أو تلف أوراقو ‪ ،‬وىذه ىو‬
‫ضبط الكتاب ‪ ،‬وىذا للقوـ الذين ل يفتح ا﵁ عليهم اغبفظ ‪.‬‬
‫وإما ضبة صدر ‪ ،‬وىو أعظم من ضبط الكتاب وىو ‪ :‬أف يكوف الصدر والقلب كالشعب ما‬ ‫(‪)2‬‬
‫أُلقي فيو التقمو ‪ ،‬وىذا نسأؿ ا﵁ أف يرزقنا إياه ‪ ،‬وىذا ىو ضبط الصدر وىو ضبط اغبفظ ‪ ،‬وقد‬
‫تكلم أىل العلم رضبهم ا﵁ تعاىل على أنبية اغبفظ لطالب العلم بكالـ قد ذُكر يف النخبة والبيقونية ‪.‬‬
‫‪ ‬والكالـ يف ىذه القاعدة أف فبا يعرؼ بو ضبط الراوي عدـ خطاءه وغفلتو ونسيانو ‪ ،‬ولكن جرت‬
‫عادة البشر أهنم ال بد أف ىبطئوا أو ينسوا أو يغفلوا ‪ ،‬فالنسياف اليسري الذي ليس دبعتاد وال بكثري‬
‫‪ ،‬والع لة اليسرية واألخطاء اليسرية ال زبرج الراوي عن كونو ضابطا ‪ ،‬فقد نسي أشرؼ اػبلق‬
‫ﷺ ‪ ،‬ولذلك ُشرع يف الدين باب اظبو باب سجود السهو ‪ ،‬وننقل فيو أحاديث عن النيب‬
‫ﷺ أنو سها وغفل عن بعض صالتو ‪ ،‬فإذا السهو اليسري والنسياف اليسري ال يؤثر يف ضبط‬
‫الراوي إذا ال ىبلو منو أحد ‪ ،‬يقوؿ النيب ﷺ ‪ " :‬إَِّمبَا أَنَا بَ َشٌر ِمثْػلُ ُك ْم أَنْ َسى َك َما تَػْن َس ْو َف فَِإ َذا‬
‫يت فَ َذ ّْك ُر ِوين " (‪ ، )1‬وابن سريين متفق على جاللتو وقدره وتوثيقو ومع ذلك يقوؿ يف حديث‬ ‫ِ‬
‫نَس ُ‬
‫صلَّى ا﵁ُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم‬ ‫ذي اليدين ‪ ،‬فعن اب ِن ِس ِريين عن أَِيب ىريػرةَ قَ َاؿ ‪ " :‬صلَّى بِنَا رس ُ ِ‬
‫وؿ ا﵁ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْح َدى َ‬
‫(‪)2‬‬
‫يت " ‪ ،‬ولكن ىذا ليس ىو‬ ‫اىا أَبُو ُىَريْػَرَة َولَك ْن نَس ُ‬ ‫ص َال ٌَِب الْ َعش ّْي قَ َاؿ ابْ ُن سري َ‬
‫ين َظبَّ َ‬
‫طبعو وأمره الدائم وإمبا نسياف عرضي وغفلة عرضيو ‪.‬‬
‫‪ ‬فإذا ىذه القاعدة تبني لنا أف ؾبرد وجود النسياف ليس بقادح يف الراوي ‪ ،‬وؾبرد وجود الغفل ليس‬
‫بقادح يف الراوي ‪.‬‬
‫‪ ‬ويعتبر النسياف يف الراوي والغفلة يف الراوي من القوادح إذا كثر ذلك منو وصار ىو ديدنو كلما‬
‫حدث أخطاء وصار خطاءه ونسيانو وغفلتو أكثر من صوابو وضبطو ‪.‬‬
‫‪ )15‬القاعدة الخامسة عشر ‪ :‬يُعت ر في التحمل ما ال يُعت ر في األداء ‪.‬‬
‫فالتحمل عند العلماء يرخصوف فيو ماال يرخصوف يف األداء ‪ ،‬فاألداء يشرطوف فيو شروطا ال يشرطوهنا‬
‫يف باب التحمل فباب التحمل عندىم واسع ‪ ،‬وباب األداء عندىم ضيق ‪ ،‬وعلى ذلك فروع ‪-:‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪ ، )401‬وصحيح مسلم (‪. )1302‬‬

‫)‪ (2‬صحيح البخاري (‪. )482‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 22‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ -1‬القوؿ الصحيح أف اغبديث إذا ربملو الكافر ٍب أداه بعد إسالمو فراويتو مقبولة صحيحة ‪،‬‬
‫ونقبل راويتو مع كونو ربملو كافرا ألنو يغتفر يف التحمل ما ال يُغتفر يف األداء ‪ ،‬وعلى ذلك ما‬
‫يف الصحيح من حديث جبري ابن مطعم رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪َِ " :‬ظبعت رس َ ِ‬
‫صلَّى ا﵁ُ‬
‫وؿ ا﵁ َ‬ ‫ْ ُ َُ‬
‫ب بِالطُّوِر " (‪ ، )1‬وكبتج ّٔذا اغبديث مع أف جبري رضي ا﵁ عنو ربملو‬ ‫َعلَْي ِو وسلَّم قَػرأَ ِيف الْم ْغ ِر ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫يف فرتة الصلح إذا كاف كافرا وقتها ‪ ،‬وبعدىا أسلم ‪ ،‬ولذلك قاؿ يف أخر اغبديث ‪ " :‬حت إذا‬
‫ِ ِ‬ ‫بلغ ‪ ‬أَـ خلِ ُقوا ِمن َغ ِري شي ٍء أَـ ىم ْ ِ‬
‫يب صلى ا﵁‬ ‫اػبَال ُقو َف (‪  )35‬قاؿ ‪َ :‬ظب ْعتُػ َها م َن النَِّ ّْ‬ ‫ْ ْ َْ ْ ُُ‬ ‫ْ ُ‬
‫عليو وسلم ‪َ ،‬وأَنَا ُم ْش ِرٌؾ ‪ ،‬فَ َك َاد قَػ ْلِيب أَ ْف يَ ِط َري " (‪ ، )2‬فهنا ربمل اغبديث وىو كافر ولكن ؼبا‬
‫أداه لنا أداه حاؿ إسالمو فقبل العلماء ذلك ‪.‬‬
‫وكذلك حديث أيب سفياف يف قصتو مع ىرقل (‪ )3‬وأف ىرقل بدأ يسألو وأبو سفياف هبيبو ‪ ،‬فالعلماء قبلوا‬
‫ىذا التحديث من أبو سفياف ألنو أداه بعد إسالمو ‪.‬‬
‫‪ ‬فإف قاؿ قائل وىل ربملو حاؿ كونو كافر ىل يؤثر يف اغبديث ؟‬
‫‪ ‬نقوؿ ال ‪ ،‬ألنو يغتفر يف التحمل ما ال يغتفر يف األداء ‪.‬‬
‫‪ -2‬لو أف الصيب ربمل اغبديث حاؿ صباه ٍب أداه بعد بلوغو فنقبل حديثو ‪ ،‬وقلنا بقبولو مع كونو‬
‫ربملو يف حاؿ ال يُقبل فيها أداه ألننا نغتفر يف التحمل ما ال يُغتفر يف األداء ؛ وعلى ذلك ما‬
‫يف صحيح اإلماـ البخاري من حديث ؿبمود ابن الربيع قاؿ ‪ " :‬ع َق ْل ِ‬
‫صلَّى ا﵁ُ‬ ‫ت م َن النِ ّْ‬
‫َّيب َ‬ ‫َ ُ‬
‫ني ِم ْن َدلْ ٍو " (‪ ، )4‬فهو ىنا ربمل اغبديث‬ ‫علَي ِو وسلَّم َؾبَّةً َؾبَّها ِيف وج ِهي وأَنَا ابن طبَْ ِ ِ ِ‬
‫س سن َ‬ ‫َ َ ْ َ ُْ‬ ‫َْ ََ َ‬
‫حاؿ كونو صبيا ل يبلغ وأداه بعد بلوغو فقبل العلماء ىذا األداء ؛ فيغتفر يف التحمل ما ال‬
‫يُغتفر يف األداء ‪.‬‬
‫‪ -3‬لو أف اإلنساف ربمل اغبديث حاؿ كونو مبتدعا ‪ ،‬ثم تاب إىل ا﵁ والتزـ بالسنة وأدى اغبديث بعد‬
‫التزامو فنقبل روايتو ألنو يُغتفر يف التحمل ما ال يُغتفر يف األداء ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪. )3050‬‬

‫)‪ (2‬مسند الحميدي (‪. )556‬‬

‫)‪ (3‬صحيح البخاري (‪ ، )7‬وصحيح مسلم (‪. )4707‬‬

‫ػوؿ اللَػ ػ ِػو ‪-‬صػ ػػلى اي عليػ ػػو وسػ ػػلم‪ِ -‬مػ ػ قػن َدلق ػ ػ ٍو فِػ ػػى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫)‪ (4‬صػ ػػحيح البخػ ػػاري ( ‪ ،. ) 77‬وصػ ػػحيح مسػ ػػلم (‪ ، )1530‬والل ػ ػػظ للبخػ ػػاري ‪ ،‬ول ػ ػػظ مسػ ػػلم ‪ " :‬إنةػ ػػى ألَ قعقػ ػ ُ‬
‫ػل َم َج ػ ػةً َم َج َهػ ػػا َر ُسػ ػ ُ‬

‫َدا ِرنَا " ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 23‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫وكذلك لو أف فاسقا فسق شهوة ربمل اغبديث حاؿ كوهنا فاسقا ٍب أداه بعد توبتو إىل ا﵁ عز وجال فال‬
‫جرـ أننا نقبل روايتو ألنو يغتفر يف التحمل ما ال يغتفر يف األداء ‪.‬‬
‫‪ )16‬القاعدة السادسة عشر ‪ :‬العدالة تعتبر في كل زماف بحسبو ‪.‬‬
‫أي لكل زماف رجالو وعدالتو رجالو فال يطلب يف األزمنة اؼبتأخرة ما كنا نطلبو من العدالة يف األزمنة‬
‫اؼبتقدمة ‪ ،‬فقد كاف بعض أىل اغبديث ىبرجوف الراوي عن دائرة قبوؿ الراوية بأمور قبد أف أكثر أىل زمانا‬
‫يفعلوهنا من غري نكري يف ما بينهم ‪ ،‬فالعدالة يف الراوية والناس يف الشهادة يف باب القضاء ال يطلب من‬
‫العدالة يف الشهود والرواة ما كنا نطلبو يف الشهود يف صدر اإلسالـ وال يف الرواة السابقني يف صدر‬
‫اإلسالـ ‪.‬‬
‫ولذا العدالة زبتلف من زماف إىل زماف وكلما أبعدنا عن زماف النبوة كلما تساىلنا يف بعض شروط العدالة‬
‫ين يَػلُونَػ ُهم قِ " (‪ ، )2‬وال يبكن أبدا‬ ‫َّاس قَػرِين (‪ٍُ )1‬بَّ الَّ ِذين يػلُونَػهم ٍُبَّ الَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫؛ لقوؿ النيب ﷺ ‪َ " :‬خْيػ ُر الن ِ ْ‬
‫أف تكوف عدالة الصحابة كعدالة التابعني ‪ ،‬فكذلك عدالة التابعني ليست كعدالة تابعي التابعني وىكذا‬
‫كلما تَقادـ عصر األمة ‪.‬‬
‫ولذلك بعض ا﵀دثني يف السابق ردبا يرد اغبديث لرجل معني ألنو رآه يأكل يف الشارع ‪ ،‬ولو أف ىذا‬
‫ا﵀دث قد جاء إىل زماننا وراء كثرة اؼبطاعم وغريىا لتبني لو أف ىذا الشرط غري مشرتط يف ىذا الزماف ‪.‬‬
‫وكذلك كاف أكل العلك قديبا قادحا يف الراوي ‪ ،‬وكذلك بعض ا﵀دثني ردبا رد حديث الرجل ألنو‬
‫رآه يلعب على برذوف (‪ ، )3‬وبعضهم رد حديث رجل ألنو رآه يضاحك أىلو ‪ ،‬وبعضهم رد حديث‬
‫رجل ألنو رآه حاسرا رأسو يف الشارع ليس عليو عمامة ‪ ،‬فنقوؿ إذا ىذه القاعدة صحيحة وىي أف‬
‫العدالة تطلب يف كل زماف حبسبو ‪ ،‬فال يشرتط يف عدالة الرواة والشهود يف األزمنة اؼبػتأخرة ما كنا‬
‫نشرتطو يف عدالة الرواة يف األزمنة اؼبتقدمة ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪ ، )2652‬وصحيح مسلم (‪. )6635‬‬

‫)‪ (2‬أمانة وثقة وعدالة ‪.‬‬

‫)‪ (3‬وىو نوع من أنواع الخيل ال يركبها ‪.‬البا إال الملوؾ وأبنائهم أو ال ساؽ ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 24‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )17‬القاعدة السابعة عشر ‪ :‬العدالة المشترطة ىي العدالة األ‪.‬لبية ‪.‬‬

‫والمراد بذلك أف خروج بعض الرواة عن دائرة العدالة أحيانا ليس دائما ىذا ال يؤثر فيهم ‪ ،‬ولذلك‬
‫لو أذنب بعض الرواة ذنبا وىو من رواة األحاديث وليس بطبيعتو الذنب ولكنو بذنبو ىذا ل ىبرج عن‬
‫حد العدالة ؛ ألف ىذا الذنب ليس ىو ُىجراه وال ديدنو وإمبا وقع فيو ألنو من طبيعة البشر الوقوع يف‬
‫األخطاء والغفلة وتقدمي النفس وشهوهتا أحيانا ‪ ،‬فإذا قلنا يشرتط يف الراوي أف يكوف عدال ليس‬
‫اؼبقصود أف يكوف عدال يف كل تصرفاتو ويف كل أقوالو ‪ ،‬ويف كل ـبرج لو ويف كل مدخل لو ‪،‬وأف ال‬
‫يرتكب مطلق الذنب ‪ ،‬وأف ال يقوؿ إال اغبق‪ ،‬ال ال ‪ ،‬وإنما نقصد أف تكوف أغلب أحوالو وتصرفاتو‬
‫وأقوالو موصوفا فيها بالعدالة وإف كاف يلم ببع الذنوب الصغرية اليت ال زبرجو عن دائرة العدالة فإف‬
‫إؼبامو ّٔذه الذنوب ال يسلم منها أحد ‪.‬‬
‫أي لو كاف‬ ‫(‪)1‬‬
‫ولذلك ﵁ در اإلماـ الشافعي ؼبا قاؿ ‪ " :‬لو كاف العدؿ من ل يذنب ل قبد عدال "‬
‫كل ذنب ىبرج العبد من دائرة العدالة فإننا نتفقد وجوه الناس نريد عدال وال قبد ‪.‬‬
‫ولكن من ترؾ الكبائر ‪ ،‬وكانت ؿباسنو أكثر من مساوئو وكاف أغلب أحوالو على العدالة فهذا ىو العدؿ‬
‫اؼبطلوب ‪.‬‬
‫إذا اؼبقصود يف العدالة ليست العدالة الكلية ‪ ،‬وإمبا العدالة األغلبية‪.‬‬
‫ونقوؿ أيضا ال اعتداد بدناءة الصنائع يف باب العدالة ‪ ،‬فال يعترب من خوارـ اؼبروءة بعض الصنائع‬
‫الرديئة الدنيئة كاغبجاـ واغبذاء ‪ ،‬والدباغ وكبوىا من الصنائع الدنيئة وىذا يف أصح قويل أىل العلم‬
‫رضبهم ا﵁ ‪ ،‬فال هبوز لنا أف نرد رواية أو نسقط عدالة أحد بسبب صنعتو اليت ال هبد إال ىي وإال‬
‫لتكفف الناس وسأؽبم وشحذ منهم فهذا ال يبكن أبدا وال من العدؿ وال من اإلنصاؼ ‪ ،‬فدناءة‬
‫الصنائع ال شأف ؽبا برد الرواية فنقبل رواية الراوي وإف كانت صنعتو من أدين الصنائع إذا ل هبد إال ىي‬
‫‪ ،‬ولذلك يف صحيح اإلماـ البخاري من حديث الزبري ابن العواـ رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ ‪ :‬النيب‬

‫)‪ (1‬ثمرات النظر في علم األثر لمحمد الصنعاني (‪. )72‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 25‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫علَى ظَه ِرهِ فَػيبِيعها فَػي ُك َّ ِ‬


‫َح ُد ُك ْم َحْبػلَوُ فَػيَأٌِْبَ ِحبُْزَم ِة ْ‬
‫اغبَطَ ِ‬
‫ف اللَّوُ َّٔا َو ْج َهوُ‬ ‫ﷺ ‪َ " :‬ألَ ْف يَأْ ُخ َذ أ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ ْ َ ََ َ‬ ‫ب‬
‫َّاس أ َْعطَْوهُ أ َْو َمنَػعُوهُ " (‪. )2‬‬ ‫ِ‬
‫َخْيػٌر لَوُ م ْن أَ ْف يَ ْسأ ََؿ الن َ‬
‫ولكن إذا كاف اغبُر يقدر على صنعة أفضل منها فال جرـ أنو ال ينبغي لو من باب اؼبروءة أف يتجو إىل‬
‫الصنائع الدنيئة واؼبكاسب الدنيئة مع قدرتو التامة على طرؽ األبواب يف صنائع العالية الرفيعة ‪ ،‬ولذلك‬
‫يث " (‪ )3‬ويوصف بأف كسب اغبجاـ‬ ‫اغبَ َّج ِاـ َخبِ ٌ‬
‫ب ْ‬ ‫قاؿ النيب ﷺ ‪َ " :‬م ْه ُر الْبَغِ ّْي َخبِ ٌ‬
‫يث‪َ ،‬وَك ْس ُ‬
‫خبيث إذا كاف يستطيع أف هبد صنعة أخري أفضل منها ولكنو ترؾ األفضل واذبو إىل اؼبفضوؿ فهذا‬
‫دليل دناءة وكسبو خبيث يف ىذه اغبالة وىو خبث دناءة ال خبث ربرمي ‪ ،‬وقد أمر النيب ﷺ‬
‫ؿبيصة ؼبا كاف حجاما يبتهن اغبجامة هناه عن ذلك وأمر أف يُعلف كسبو الناضح (‪ )4‬أي ما اكتسبو‬
‫يعلفو ناضحا فاغبر ال ينبغي لو أف وبرتؼ تلك اغبرؼ الدنيئة إذا كاف قادرا على ما ىو أعلى منها ‪،‬‬
‫ولكن إذا سدت األبواب يف وجهو أو ل يستطع أف يطرؽ إال ىذا الباب فال جرـ أف صنعة دنيئة خري‬
‫من أف يبذؿ وجهو أماـ الناس وتكفف الناس ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪. )1471‬‬

‫)‪ (2‬والحطاب من الصنائع الدنيئة ‪.‬‬

‫الجامع الصعير ‪ ،‬تحت رقم (‪ " : )5388‬صحيح " ‪.‬‬ ‫)‪ (3‬مستدرؾ الحاكم (‪ ، )2278‬قاؿ األلباني في صحيح وضعي‬

‫ػوؿ اللَػ ػ ِػو ‪-‬صػ ػػلى اي عليػ ػػو وسػ ػػلم‪ -‬فِػ ػػى إِجػ ػ ِ‬ ‫ِ‬ ‫)‪ (4‬سػ ػػنن أبػ ػػو داود (‪ ، )3424‬ول ظػ ػػو ‪َ " :‬ع ػ ػ ِن ابقػ ػ ِن ِشػ ػ َػه ٍ‬
‫قح َجػ ػ ِػاـ فَػنَػ َهػ ػػاهُ َعقنػ َهػ ػػا فَػلَػ ػ قػم‬
‫ػارة ال َ‬
‫َ َ‬ ‫ص ػ ػةَ َعػ ػ قػن أَبِيػ ػػو أَنَػ ػػوُ ق‬
‫اسػ ػػتَأقذَ َف َر ُسػ ػ َ‬ ‫اب َع ػ ػ ِن ابقػ ػ ِن ُم َحية َ‬

‫ك َوَرقِي َق َ‬
‫ك " ‪ ،‬قاؿ األلباني ‪ " :‬صحيح " ‪.‬‬ ‫َف ا قعلِ ق وُ نَ ِ‬
‫اض َح َ‬ ‫يػز قؿ يسأَلُوُ ويستَأ ِقذنُوُ حتَى أَمرهُ أ ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ََ َ ق ََ ق‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 26‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )18‬القاعدة الثامنة عشر ‪ :‬من تحمل الحديث عن من فوقو بطريق للحديث معتبر فتحملو‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫أي أف ربديثو عنو يعترب ‪ ،‬وىذا ىو الشرط الثالث من شروط اغبديث الصحيح لذاتو وىو اتصاؿ‬
‫السند ؛ ومعناه أف يتحمل كل راو من رجاالت اإلسناد عن من فوقو ىذا اغبديث بطريق صحيح‬
‫من طرؽ التحمل الصحيحة عند علماء اغبديث رضبهم ا﵁ تعاىل ‪.‬‬

‫‪ ‬وطرؽ التحمل ىي ثمانية طرؽ ‪-:‬‬


‫‪ -1‬السماع من ل ظ الشيخ ‪-:‬‬
‫أي يقرأ الشي اغبديث وأنت تسمعو فبعدىا لك أف تقوؿ حدثنا أو حدثين وىو من أعلى الطرؽ‬
‫على اإلطالؽ ‪.‬‬

‫‪ -2‬القرأءة على الشيخ ‪-:‬‬


‫أف تقرأ أنت اغبديث والشي يستمع لقراءتك ؛ فلك يف ىذه اغبالة إذا رويت ىذا اغبديث أف‬
‫تقوؿ " أخربنا ‪ ،‬أو أخربين " ‪.‬‬

‫‪ ‬وىاتاف اؼبرتبتاف ال خالؼ يف قبوؽبما وصحة التحمل ّٔما بني أىل اغبديث ‪.‬‬
‫‪ -3‬اإليجازة ‪-:‬‬
‫وىي أف ُهبيز الشي لتلميذ أف يروي عنو صبيع مروياتو أو بعضها ‪ ،‬وىي طريق من طرؽ التحمل‬
‫الصحيحة وقد ورد فيها خالؼ بني ا﵀دثني ولكن الصحيح اؼبعتمد عند األكثر أهنا طريق صحيحة‬
‫لتحمل ‪،‬وسيأٌب الكالـ عليها يف ما يُستقبل إف شاء ا﵁ ‪.‬‬

‫‪ -4‬المناولة ‪-:‬‬
‫أف يُناوؿ الشي مروياتو (كتابو ) لتلميذ ‪ ،‬وكوف ىذه الطريقة ذبيز لتلميذ أف يروي عن الشي ىذا‬
‫الكتاب فيو خالؼ بني أىل العلم ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 27‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫والقوؿ األقرب ىو القوؿ الوسط وىي أف اؼبناولة ال زبلوا من حالتني ‪-:‬‬

‫الحالة األولى ‪ :‬أف تكوف مقرونة باإلذف ‪ ،‬فالرواية ّٔا صحيحة وىي يف ىذه اغبالة تكوف‬ ‫(أ)‬
‫قريبة من اإلجازة ‪.‬‬
‫(ب) الحالة الثانية ‪ :‬وىي اؼبناولة اؼبطلقة عن اإلذف واإلجازة ‪ ،‬وذلك بأف يسلمو الكتاب وال‬
‫يقوؿ لو إروهِ عين ‪ ،‬فاألقرب أنو يف ىذه اغبالة ال يصح الرواية ّٔا وال تعترب طريقا صحيحا‬
‫لتحمل ‪.‬‬
‫ولذلك قاؿ العراقي رضبو ا﵁ تعاىل يف ألفيتو ‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫قيل تصح واألصح باطلة‬ ‫اؼبناولة‬ ‫ٍ‬


‫إذف‬ ‫عن‬ ‫خلت‬ ‫وإف‬
‫‪.‬‬
‫‪ ‬فنقوؿ إذا التحمل يُقبل باؼبناولة إذا كاف مقرونا باإلذف ‪.‬‬
‫‪ -5‬المكاتبة ‪-:‬‬
‫أف يكتب الشي اغبديث ويرسلو ألحد تالميذه ‪ ،‬وىي طريق معترب من طرؽ الرواية ‪ ،‬وقد ُوجدت‬
‫ىذه الطريق بني الصحابة يف ما بينهم ‪ ،‬وبني التابعني يف ما بينهم ‪ ،‬ومن بعدىم إىل شيوخ األئمة‬
‫فقد رووا ّٔا واعتربوىا طريقا معتربا ‪.‬‬

‫‪ -6‬اإلعالـ ‪-:‬‬
‫أي إعالـ الشي لتلميذه بأف ىذا من مروياتو ‪ ،‬أف يقوؿ لتلميذ ىذا اغبديث من مروياٌب ‪،‬‬
‫واألصح يف ىذا الطريق أنو طريق ضعيف ‪ ،‬فالتحمل بو ال يعترب ربمال صحيحا ‪ ،‬فالرواية دبجرد‬
‫اإلعالـ تعترب ضعيفة وإف وجد اػبالؼ ولكن األصح أهنا ضعيفة ‪.‬‬

‫‪ -7‬الوصية ‪-:‬‬
‫أي أف يوصي الشي بكتبو ومروياتو ألحد ‪ ،‬كأف أوصي أنا مثال دبؤلف من مؤلفاٌب ؛ فهل حينها‬
‫يكوف لطلب أف يروي ىذا اغبديث أو ىذا الكتاب دبجرد الوصية من الشي وقولو لو خذ ىذا‬
‫الكتاب ول يوصو أف يروه عنو ؟‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 28‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫نقوؿ فيو خالؼ بني أىل العلم ‪ ،‬والصحيح أف التحمل ّٔا ال يعترب ليس بصحيح ‪ ،‬فال هبوز أف‬
‫يروي أحد دبجرد الوصية إال على قوؿ شاذ غري معترب وال معتد بو ‪.‬‬

‫‪ -8‬الوجادة ‪-:‬‬
‫وىي أف هبد الطالب كتاب الشي الذي فيو مروياتو ‪ ،‬وقد اختلف العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل ىل‬
‫هبوز لطالب إذا وجد ىذا الكتاب أف يرويو عن شيخو ؟‬

‫نقوؿ أيضا فيو خالؼ بني أىل العلماء واألقرب جوازىا ‪ ،‬وفي اؼبسند أحاديث كثرية يقوؿ عبدا﵁‬
‫ابن اإلماـ أضبد وجدت خبط أيب ؛ فهي طريق معتربة‪ ،‬ولكن شرطها عدـ الشك يف خط الشي ‪،‬‬
‫أي يكوف خط الشي معروفا عند ىذا الطالب ال إشكاؿ فيو وال احتماؿ أف يُنسب إىل غريه ‪ ،‬فإذا‬
‫ربمل الراوي عن من فوقو شيء من األحاديث أو اؼبرويات والنُػ ُقوؿ بطريق معترب من طرؽ التحمل‬
‫فيعترب ربملو صحيح معترب ‪.‬‬

‫‪ )19‬القاعدة التاسعة عشر ‪ :‬أصح األسانيد نسبي مقيد ال ُكلي مطلق ‪.‬‬
‫أي ليس ىناؾ يف السنة إسناد يصح أف نطلق عليو أصح األسانيد مطلقا ‪ ،‬فال هبوز لك أف تطلق‬
‫أصح األسانيد على إسناد يف السنة إال إذا قيدتو بصحايب أو بالد أو طائفة ‪ ،‬كقولك مثال أصح‬
‫األسانيد عن ابن عمر ىو " ما رواه نافع وعن نافع مالك ‪ ،‬وعن مالك الشافعي ‪ ،‬وعن الشافعي‬
‫اإلماـ أضبد " وىي اؼبسماة بالسلسة الذىبية ‪ ،‬فهذا ليس أصح األسانيد مطلقا يف الدنيا وإمبا ىو‬
‫أصح األسانيد مقيدا ّٔذا الصحايب اؼبخصوص ‪ ،‬فال نقوؿ أصح األسانيد مطلقا وإمبا ننسبو ونقيده‬
‫‪.‬‬

‫ومثال أف نقوؿ أصح األسانيد عن عائشة رضي ا﵁ عنها ىي ما رواه الزىري عن عروة عن عائشة‬
‫رضي ا﵁ عنها ‪ ،‬وىذا أصح األسانيد عن عائشة رضي ا﵁ عنها فقط دوف غريىا من الصحابة ‪.‬‬

‫وكأف نقوؿ أصح األسانيد عن ابن مسعود ىو ما رواه سفياف الثوري عن منصور عن إبراىيم‬
‫النخعي عن علقمة عن ابن مسعود ‪ ،‬فيكوف ىذا اإلسناد عن ابن مسعود أصحها عنو فأشدد‬
‫يديك بو وعضد عليو بالنواجذ ‪ ،‬واؼبهم ىو أف األصح ىو تقييد أصح األسانيد ال إطالقو ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 29‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )20‬القاعدة العشروف ‪ :‬االن راد بالتصحيح من المتساىل ال يُوثَ ُق بو ‪.‬‬


‫وذلك كاألحاديث اليت انفرد اإلماـ اغباكم رضبو ا﵁ تعاىل بتصحيحها وال يعرؼ أف إماماً آخر‬
‫غريه صححها كما نص عليو أىل العلم ‪ ،‬حتى إف بعض أىل العلم رضبهم ا﵁ تعاىل وغفر ؽبم ظبي‬
‫مستدرؾ اغباكم بػ "مسترتؾ اغباكم " أي أف األحاديث حقها أف ترتؾ ‪ ،‬وىذا الكالـ فيو نظر ال‬
‫جرـ ألف من أحاديث اؼبستدرؾ ما ىو صحيح معترب ‪ ،‬فإذا جاء التصحيح من قاؿ فيو العلماء أنو‬
‫متساىل فال بد أف تعرض ىذا التصحيح على أقواؿ أىل العلم فبن يوثق بتصحيحهم ‪.‬‬

‫ومن األمثلة على ذلك أيضا اإلماـ ابن حزـ رضبو ا﵁ كما عُرؼ عنو بتساىلو يف التصحيح ‪ .‬ومنهم‬
‫كذلك اإلماـ السيوطي ‪ ،‬واإلماـ ابن حباف رضبهم ا﵁ تعاىل ومن فوقهم أيضا كما قيل يف اإلماـ‬
‫الرتمذي ‪ ،‬وكما قيل يف اإلماـ ابن خزيبة ‪ ،‬وكما قيل يف اإلماـ العِجلي رضبة ا﵁ على اعبميع ‪ ،‬وقيل‬
‫ىذ األمر يف غريىم ‪ ،‬وعلى ُك ِل إذا رأيت أىل العلم ينصوف على أف ىذا اإلماـ عنده تساىل يف‬
‫مسألة التصحيح ‪ ،‬فالواجب عليهم إف كنت طالب علم عارؼ دبسالك التصحيح والتضعيف أف‬
‫ال تركن إىل تصحيح ىذا الصنف رفع ا﵁ قدرىم ومنازؽبم ؛ وإنما عليك أف تنظر وتنقب وتبحث‬
‫يف اغبديث بنفسك ‪.‬‬

‫‪ )21‬القاعدة الواحدة والعشروف ‪ :‬التقليد في التصحيح والتضعي لعير العارؼ بطرقو جائز‪.‬‬
‫كما يُقاؿ يف التقليد يف غريىا من اؼبسائل الفقهية والعقدية ‪ ،‬فالتقليد هبوز لغري العارؼ ولغري‬
‫(‪)1‬‬
‫الذ ْك ِر إِ ْف ُكْنتُ ْم َال تَػ ْعلَ ُمو َف (‪ )43‬‬
‫اسأَلُوا أ َْىل ّْ‬
‫َ‬ ‫آّتهد اؼبتأىل لعموـ قوؿ ا﵁ عز وجل ‪  :‬فَ ْ‬
‫‪ ،‬وقد أطلق ا﵁ عز وجل سؤاؿ أىل الذكر ول يقيده بعلم دوف علم وال دبسألة دوف مسألة واألصل‬
‫ىو بقاء اؼبطلق على إطالقو وال يقيد إال بدليل ‪.‬‬

‫فإف كاف الطالب عارفا دبسالك التصحيح والتضعيف فال هبوز لو أف يقلد أحدا من أىل العلم يف‬
‫ىذا بل عليو أف ينقب عن األمر ىو بنفسو ويبحث عن حكم اغبديث بنفسو وىذا قليل يف الناس‬
‫‪ ،‬فيكتفي العبد يف تقليد إماـ معترب من أئمة اعبرح والتعديل ‪.‬‬

‫)‪ (1‬النحل ( ‪ ، ) 43‬واألنبياء ( ‪. ) 7‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 31‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪)22‬القاعدة الثانية والعشروف ‪ :‬جمهور ما في الصحيحين معتمد عند األمة متلقا بالقبوؿ ‪.‬‬
‫وقولو " صبهور " ىذا يعين أف األغلبية الواردة يف أحاديث الصحيحني كلها من ما اتفقت عليو‬
‫األمة بالقبوؿ والتلقي واالعتماد ‪ ،‬ولكن يبقي بعض األحاديث اليت فيها شيء من كالـ أىل العلم‬
‫ال بد فيها من التنقيب والبحث ‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قيل لك ما أصح كتاب بعد كتاب ا﵁ عز وجل ؟‬


‫‪ ‬فقل أصح كتاب بعد كتاب ا﵁ عز وجل ىو صحيح اإلماـ البخاري رضبو ا﵁ تعاىل ‪ٍ ،‬ب يتلوه‬
‫يف الصحة صحيح اإلماـ مسلم رحم ا﵁ اعبميع رضبة واسعة ‪.‬‬
‫ولذلك العلماء رضبهم ا﵁ نصوا على أف أصح األحاديث ىي يف ما اتفق عليو الشيخاف ‪ ،‬ثم ما‬
‫انفرد البخاري بإخراجو ‪ ،‬ثم ما انفر د اإلماـ مسلم بإخراجو ‪ ،‬ثم ما كاف على شرطهما يف غري‬
‫صحيحهما ‪ ،‬ثم ما كاف على شرط البخاري يف غري صحيحو ‪ ،‬ثم ما كاف على شرط مسلم يف‬
‫غري صحيحو ‪ ،‬ثم ما كاف على شرط فيت غرينبا ‪ ،‬كما نص علي ذلك أىل العلم رضبهم ا﵁ تعاىل‬
‫‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قيل أيهما أفضل صحيح اإلماـ البخاري أـ صحيح اإلماـ مسلم ؟‬
‫‪ ‬فقل لكل فضلو ولكن األقرب أنو باعتبار الصحة فاؼبقدـ ىو صحيح اإلماـ البخاري ‪ ،‬وباعتبار‬
‫ترتيب األحاديث وإخراجها يف مكاف واحد يقدـ اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ تعاىل ‪.‬‬
‫‪ ‬فإف قيل من أوؿ من ألف يف الصحيح ؾبردا ؟‬
‫‪ ‬فنقوؿ ىو ؿبمد ابن إظباعيل البخاري رضبو ا﵁ تعاىل ‪.‬‬
‫‪ ‬فإف قيل لك كيف تقوؿ إف أصح الكتب بعد كتاب ا﵁ ىو صحيح اإلماـ البخاري وقد ثبت‬
‫دبا ال يدع ؾباال لشك عن اإلماـ الشافعي رضبو ا﵁ أف قاؿ " ما ربت أدمي السماء كتاب أصح‬
‫من موطأ اإلماـ مالك " وىذا اإلماـ الشافعي ا﵀دث ؟‬
‫‪ ‬فنقوؿ إف ىذه الكلمة قاؽبا اإلماـ الشافعي قبل تأليف اإلماـ البخاري لصحيحو ‪.‬‬
‫إذا نقوؿ يبقي بعض األحاديث يف الصحيحني فبن تكلم فيها العلماء ال بد فيها من االبتالء‬
‫والتمحيص ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 31‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )23‬القاعدة الثالثة والعشروف ‪ :‬حديث خ ي الضبة حسن لذاتو ‪.‬‬


‫وقد عرؼ العلماء اغبديث اغبسن لذاتو بقوؽبم ‪ " :‬ما رواه عدؿ خفيف الضبط عن مثلو بسند‬
‫حسن لذاتو "‪ ،‬فإذا الفرؽ بني تعرؼ اغبسن لذاتو ‪ ،‬والصحيح‬
‫متصل بال شذوذ وال علة قادحة ف ٌ‬
‫لذاتو إمبا ىو كلمة " خفيف الضبط " ففي الصحيح لذاتو قلنا "حديث تاـ الضبط " ‪ ،‬ويف اغبسن‬
‫لذاتو قلنا " خفيف الضبط " فقط ‪.‬‬

‫‪ ‬واالحتجاج بو ‪ -‬اغبسن لذاتو ‪ -‬ىو حجة معتمدة تثبت ّٔا األحكاـ الشرعية ‪.‬‬
‫‪ ‬ومن أمثلتو أحاديث كثيرة منها ‪-:‬‬
‫‪ -1‬سلسلة عمرو ابن شعيب عن أبيو عن جده ‪.‬‬
‫‪ -2‬سلسلة ّٔز ابن حكيم عن أبيو عن جده ‪.‬‬
‫‪ -3‬ما رواه رجل يقاؿ لو "ؿبمد ابن إسحاؽ "إذا صرح بالتحديث فحديثو حسن ‪.‬‬
‫‪ ‬فاغبديث اغبسن حجة ‪.‬‬
‫‪ )24‬القاعدة الرابعة والعشروف ‪ :‬الحسن لذاتو إذا ورد من طرؽ تقوية فيرتقي إلى الصحيح‬
‫لعيره ‪.‬‬
‫أي يرتفع من مرتبة اغبسن لذاتو إىل الصحيح لغريه ‪ ،‬وىذا ىو القسم الثالث من أقساـ أحاديث‬
‫اآلحاد وىو الصحيح لغريه ‪.‬‬

‫فالحديث الصحيح لغريه ىو بعينو اغبديث اغبسن لذاتو ‪ ،‬ولكن ؼبا تعددت طرقو جعلناه صحيحا‬
‫لغريه ؛ فيكوف تعريف اغبديث الصحيح لغريه ىو ‪ " :‬اغبديث اغبسن لذاتو إذا تعددت طرقو مثلو‬
‫أو أقوي منو " ‪.‬‬

‫وسمي صحيحا لغريه ؛ ألف الصحة ل يكتسبها من ذات إسناده وإمبا بسب انضماـ أسانيد أخري‬
‫لو فصححناه بانضماـ غريه لو ال بالنظر إىل ذاتو ‪.‬‬

‫ومرتبة الصحيح لغريه بني األقساـ اػبمسة ىو يف مرتبة متوسطة ربت الصحيح لذاتو وفوؽ اغبسن‬
‫لذاتو ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 32‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬ومثاؿ الحديث الصحيح لعيره ‪-:‬‬


‫ىو حديث ؿبمد بن عمرو عن أيب سلمة عن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو أف رسوؿ ا﵁ ﷺ قاؿ "‬
‫صالَةٍ " ّٔذا اإلسناد (‪ )1‬؛ وأصل اغبديث يف‬ ‫َش َّق علَى أ َُّم ِيت ألَمرتُػهم بِ ّْ ِ ِ‬
‫الس َواؾ عْن َد ُك ّْل َ‬ ‫َْ ُ ْ‬ ‫لَ ْوالَ أَ ْف أ ُ َ‬
‫الصحيحني (‪ )2‬بغري ىذا اإلسناد ‪ ،‬فقد قاؿ ابن الصالح رضبو ا﵁ ‪ " :‬فمحمد بن عمرو بن علقمة‬
‫من اؼبشهور بالصدؽ والصيانة ولكنو ل يكن من أىل اإلتقاف ‪ -‬أي كاف خفيف الضبط – حت‬
‫ضعفو بعضهم من جهة سوء حفظو ‪ ،‬ووثقو بعضهم لثقتو وجاللتو فحديثو من ىذه اعبهة حسن ‪،‬‬
‫فل َما انضم إىل ذلك كونو ُروي من أوجو أخرى صحيحة زاؿ بذلك ما كنا لبشاه عليو من جهة‬
‫سوء اغبفظ واقبرب بو ذلك النقص اليسري فصح ىذا اإلسناد والتحق بدرجة الصحيح " (‪. )3‬‬

‫‪ )25‬القاعدة الخامسة والعشروف ‪ :‬كل حديث خال عن شرط الصحة والحسن فضعي ‪.‬‬
‫فأي حديث زبلف عنو شرط من شروط الصحة ومن شروط اغبسن فهو من قبيل اغبديث‬
‫الضعيف ‪.‬‬

‫والواجب عند رواية اغبديث الضعيف بياف ضعفو حت تنتبو األمة لو ‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قاؿ قائل وىل ُوبتج باغبديث الضعيف يف األحكاـ الشرعية ؟‬


‫‪ ‬فنقوؿ ال وبتج بو فيها يف قوؿ عامة أىل العلم رضبهم ا﵁ ؛ ألف اؼبتقرر عند العلماء أف "‬
‫األحكاـ الشرعية تفتقر يف ثبوهتا للدلة الصحيحة الصروبة " ‪.‬‬

‫)‪ (1‬سنن الترمذي ( ‪. ) 22‬‬

‫ص ػ ػلَى ايُ‬
‫ضػ ػػي اي َعقنػ ػػوُ أَ َف رسػ ػ َ ِ‬
‫ػوؿ اي َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ػاؿ أَ قخبَػ َرنَػ ػػا َمالِػ ػ ٌ‬
‫ػك َعػ ػ قػن أَبِػ ػػي ال ةزنَػ ػػاد َع ػ ػ ِن قاألَ قعػ ػ َػر ِج َعػ ػ قػن أَبِػ ػػي ُى َريق ػ ػ َػرَة َر َ ُ‬
‫ِ‬
‫)‪ (2‬صػ ػػحيح البخػ ػػاري (‪ ، )887‬ونصػ ػػو ‪َ " :‬ح ػ ػ َدثَػنَا َعقب ػ ػ ُد اي بقػ ػ ُػن يُ ُ‬
‫وس ػ ػ َ قَػ ػ َ‬

‫ص َالةٍ " ‪.‬‬ ‫َاس َألَمرتُػهم بِال ة ِ‬


‫س َواؾ َم َع ُك ةل َ‬
‫ِ‬ ‫َعلقَي ِو َو َسلَ َم قَ َ‬
‫اؿ ل قَوَال أَ قف أَ ُش َق َعلَى أَُمتي أ قَو َعلَى الن ِ َ ق ُ ق‬
‫ب قَ ػػالُوا حػ ػ َدثَػنَا سػ ػ ق يا ُف َع ػػن أَبِ ػػى ال ةزنَػ ِ‬
‫ػاد َعػ ػ ِن األَ قع ػ َػر ِج َع ػ قػن أَبِ ػػى ُى َريقػ ػ َػرةَ َعػ ػ ِن النَبِ ػ ةػى ‪-‬ص ػػلى‬ ‫يد َو َع قم ػ ٌػرو النَاقِػ ػ ُد َوُزَىقيػ ػػر بق ػ ُػن َح ػ قػر ٍ‬
‫وص ػػحيح مس ػػلم (‪ ، ) 612‬ونص ػػو ‪ " :‬حػ ػ َدثَػنَا قُػتػيبػ ػةُ ب ػػن س ػ ِػع ٍ‬
‫ق‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ قَ ق ُ َ‬ ‫َ‬

‫صالَةٍ » "‬ ‫يث زىي ٍر علَى أَُمتِى ‪ -‬ألَمرتُػهم بِال ة ِ ِ‬ ‫ِِ‬


‫س َواؾ عقن َد ُك ةل َ‬ ‫َق ُ ق‬ ‫ين ‪َ -‬وفِى َح ِد ِ ُ َ ق َ‬
‫اؿ « ل قَوالَ أَ قف أَ ُش َق َعلَى ال ُقم ق من َ‬
‫اي عليو وسلم‪ -‬قَ َ‬

‫‪.‬‬

‫)‪ (3‬مقدمة ابن الصالح ( ‪. ) 104‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 33‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫وأما عن االحتجاج بو يف فضائل األعماؿ ففيو خالؼ بني أىل العلم والقوؿ األقرب إف شاء ا﵁‬
‫أنو ليس حبجة مطلقا ؛ ال يف إثبات األحكاـ الشرعية وال يف فضائل األعماؿ ؛ وقد اختار القوؿ‬
‫بعدـ االحتجاج بو اإلماـ البخاري وصبع من أىل العلم واغبديث ونقاده ‪.‬‬

‫‪ )26‬القاعدة السادسة والعشروف ‪ :‬ال تُروى األحاديث الضعي ة إال بصيغ التمريض ال‬
‫التصحيح ‪.‬‬
‫والمقصود بصيغ التمريض ىي الصيغة اؼببنية للمجهوؿ ؛ فبدؿ أف تقوؿ َروي تقوؿ ُروي عن النيب‬
‫ﷺ كذا وكذا ‪ ،‬وبدؿ أف تقوؿ َحكي تقوؿ ُحكي عن أيب ىريرة مثال كذا وكذا‪ ،‬وبدؿ أف‬
‫تقوؿ قاؿ قِيل ‪ ،‬وبدؿ أف تقوؿ نقل تقوؿ نُقل ‪ ،‬فالمبنية للمعلوـ ىي من صيغ التصحيح ‪،‬‬
‫والمبنية للمجهوؿ ىي من صيغ التمريض ‪ ،‬وىذا أمر نشكو فيو إىل ا﵁ عز وجل من كثري من‬
‫طلبة العلم ؛ فتجد البعض يأٌب إىل أحاديث يف الصحيحني ويقولوف ُروي عن النيب ﷺ كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬أو يأتوف إىل أحاديث حكم العلماء بضعفها فيقولوف " قاؿ رسوؿ ا﵁ ﷺ " أو يقولوف‬
‫نقل أبو ىريرة عن رسوؿ ا﵁ كذا وكذا ‪.‬‬

‫إذا نقوؿ األحاديث الضعيف ال هبوز فيها العبارات اليت تُنسب إىل التصحيح ‪ ،‬وإمبا تقوؿ العبارات‬
‫اؼببنية للمجهوؿ ‪.‬‬

‫‪ )27‬القاعدة السابعة والعشروف ‪ :‬ما علَقو البخاري في صحيحة بصيعة الجزـ فصحيح ‪ ،‬وما‬
‫علقو بصيعة التمريض فضعي ‪.‬‬
‫وىذه القاعدة تنفعك كثريا يف دراسة صحيح البخاري ‪ ،‬فإنو رضبو ا﵁ إذا بوب الباب ردبا يفسر‬
‫ترصبتو ىذه جبمل من النقوؿ واألحاديث ولكن ليست على شرطو فأخرجها ـبرج التعليق فهي "‬
‫معلقات " يف صحيحو ‪.‬‬

‫فنقوؿ ما علقو البخاري رضبو ا﵁ يف صحيحو إف كاف علقو بصيغة اعبزـ فهو صحيح ‪ ،‬وإف علقو‬
‫بصيغة التمريض فضعيف ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 34‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬قاؿ اإلماـ ابن كثري رضبو ا﵁ ‪ " :‬وحاصل األمر أف ما علقو البخاري بصيغة اعبزـ فصحيح إىل‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫من علقو عنو ٍب النظر يف ما بعد ذلك وما كاف منها بصيغة التمريض فضعيف "‬
‫‪ )28‬القاعدة الثامنة والعشروف ‪ :‬في األحاديث الصحيحة ‪ُ.‬نية عن النقوؿ الضعي ة في‬
‫األحكاـ وال ضائل ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم‬ ‫فاي تعاىل قد كمل للمة دينها فقاؿ ا﵁ تعاىل ‪  :‬الْيَػ ْوَـ أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ت لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوأَْسبَ ْم ُ‬
‫اإل ْس َال َـ ِدينًا ‪ ، )2( ‬فمن تكميل دين ا﵁ تعاىل أنو ال يبكن أبدا أف تفتقر‬ ‫يت لَ ُكم ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن ْع َم ِيت َوَرض ُ ُ‬
‫األمة يف شيء من أحكامها أو فضائل أعماؽبا إىل نقل ضعيف ‪ ،‬فاألمة تكتفي يف صبيع أمور دينها‬
‫وقضايا شريعتها باألحاديث الصحيحة ‪.‬‬

‫فإذا رأيت أحدىم يذكر حديثا ضعيفا يف شيء من األحكاـ الشرعية أو الفضائل فقل ‪ :‬ال ‪ ،‬ال‬
‫يبكن أف هبعل ا﵁ عز وجل األمة يف حاجة إىل منقولك ىذا فإف الدين كامل بنقولو ونصوصو‬
‫الصحيحة يف كل باب من أبوابو ؛ وقد كاف الشي العالمة األلباين رضبو ا﵁ تعاىل كثريا ما يدندف‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫حوؿ ىذه القاعدة يف مؤلفاتو " يف الصحيح غُنية عن الضعيف "‬

‫إذا تعددت طرقو ولم يكن فيها متهم‬ ‫‪ )29‬القاعدة التاسعة والعشروف ‪ :‬الحديث الضعي‬
‫بالكذب ‪ ،‬وال بشديد الضع فهو حسن لعيره ‪.‬‬
‫ومثلها ‪-:‬‬

‫إذا اشتد ضع و ال يرتقي إلى درجة الحسن لعيره‬ ‫‪ )30‬القاعدة الثالثوف ‪ :‬الحديث الضعي‬
‫بتعدد الطرؽ ‪.‬‬
‫أي أف ىناؾ من الضعف ما ىو منجرب ‪ ،‬ومن الضعف ما ليس دبنجرب ‪.‬‬

‫الذي ينجرب ىو الضعف بسبب سوء اغبفظ ‪ ،‬أو ال يكوف ضعف الراوي فيو شديدا ؛‬ ‫فالضع‬
‫ولذلك كل أنواع األحاديث الضعيفة تقبل االعتبار واالقببار ‪ ،‬وتترقي بتعدد الطرؽ إىل اغبسن‬

‫)‪ (1‬الباعث الحثيث في اختصار علوـ الحديث ‪.‬‬

‫)‪ (2‬المائدة ( ‪. ) 3‬‬

‫)‪ (3‬قاؿ األلباني في كتابو [ ص ة صالة النبي صلى اي عليو وسلم ] ‪ ،‬ص حة ( ‪ " : ) 18‬أعتقد أف فيما ثبت من الحديث ‪ُ.‬نيةً عن الضعي منو " ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 35‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫لغريه ؛ إال اغبديث الذي يف سنده راو كذاب ‪ ،‬أو وضاع ‪ ،‬أو كاف متهما بالكذب ولو ؾبرد اهتاـ ‪،‬‬
‫وكذلك اغبديث اؼبوصوؼ بأنو مرتوؾ فاؼبرتوؾ ال يقبل التقوية مطلقا ‪ ،‬والوضاع ال يقبل التقوية‬
‫مطلقا ‪ ،‬وكذلك اغبديث الشاذ ال يقبل التقوية ‪ ،‬وكذلك اغبديث اؼبنكر ال يقبل التقوية ‪ ،‬فهناؾ‬
‫ضعف منجرب وضعف أخر غري منجرب ‪.‬‬

‫‪ ‬وعند تعريفنا للحسن لغريه نقوؿ ‪ :‬ىو اغبديث الضعيف الذي ل يشتد ضعفو إذا ُروي من‬
‫طرؽ أخرى دبتابع أو شاىد ‪.‬‬
‫قاؿ اإلماـ ابن الصالح رضبو ا﵁ تعاىل ‪ " :‬ليس كل ضعف يف اغبديث يزوؿ دبجيئو من طرؽ‬
‫أخرى بل ذلك يتفاوت فمنو ضعف يُزيلو ذلك بأف يكوف ضعفو ناشئا من حفظ راويو مع كونو‬
‫(الراوي ) من أىل الصدؽ والديانة ‪ ،‬فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجو أخر عرفنا أنو فبن حفظ ول‬
‫ىبتل فيو ضبطو لو ‪ ،‬وكذلك إذا كاف ضعفو من حيث اإلرساؿ بنحو ذلك كما يف اؼبراسيل اليت‬
‫يُرسلها ‪ ، " ....‬إىل أخر كالمو رضبو ا﵁ ‪ ،‬إىل أف قاؿ ‪ " :‬ومن ذلك ضعف ال يزوؿ بنحو ذلك‬
‫لقوة الضعف ‪ ،‬وتقاعد ىذا اعبابر عن جربه ومقاومتو وذلك كالضعف الذي ينشأ من كوف الراوي‬
‫متهما بالكذب ‪ ،‬أو كوف اغبديث شاذا ‪ ،‬وىذه صبلة من تفاصيلها تدرؾ باؼبباشرة والبحث فاعلم‬
‫ذلك فإنو من النفائس " (‪ )1‬أىػ ‪.‬‬

‫‪ ‬فنقوؿ حينئذ يرتقي الحديث الضعي إلى رتبة الحسن لعيره بأمور ‪-:‬‬
‫‪ -1‬إذا ل يكن ضعفو شديدا ‪.‬‬
‫‪ -2‬أف يأٌب من طرؽ أخرى ولو كانت ضعيفة ولكن ضعفها ال يكوف شديدا ‪.‬‬
‫‪ )31‬القاعدة الواحدة والثالثوف ‪ :‬الجهالة في الراوي علة يرد بها مرويو ‪.‬‬
‫‪ )32‬القاعدة الثانية والثالثوف ‪ :‬حديث مجهوؿ العين ال يصلح ال في الشواىد وال في‬
‫المتابعات ‪.‬‬
‫‪ )33‬القاعدة الثالثة والثالثوف ‪ :‬حديث مجهوؿ الحاؿ يصلح في الشواىد والمتابعات ‪.‬‬
‫‪ )34‬القاعدة الرابعة والثالثوف ‪ :‬حديث المستور موقوؼ على التبين ‪.‬‬

‫)‪ (1‬علوـ الحديث البن الصالح ( ‪. ).34-33‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 36‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ىذه القواعد ‪ :‬تتكلم عن مسألة مهمة وىي مسألة حديث آّهوؿ ‪.‬‬

‫والمجهوؿ عند العلماء ليس ىو اؼببهم ال ؛ فاؼببهم ىو الذي ال نعرؼ اظبو ‪.‬‬

‫وأما المجهوؿ ‪ -:‬فهو الذي ال ندري عن توثيقو أو جرحو ‪ ،‬فال قبد لو عند علماء اعبرح ال‬
‫جرحا وال تعديال ‪ ،‬فآّهوؿ ىو الذي ال يعرؼ فيو قادح وال جارح ‪.‬‬

‫‪ ‬وىذا المجهوؿ قسمو العلماء قسمو العلماء إلى ثالثة أقساـ ‪-:‬‬
‫‪ -1‬ؾبهوؿ عني ‪.‬‬
‫‪ -2‬ؾبهوؿ حاؿ ‪.‬‬
‫‪ -3‬اؼبستور ‪.‬‬
‫ى الء يتفقوف صبيعا يف أف كل واحد منهم ال ندري عن جارح وال معدؿ ‪ ،‬فمجهوؿ العين ال نعلم‬
‫فيو ال جرحا وال تعديال ‪ ،‬ومجهوؿ الحاؿ ال نعلم فيو جرحا وال تعديال ‪ ،‬والمستور ال نعلم فيو‬
‫جرحا وال تعديال ‪ ،‬ولكنهم يختل وف يف أف مجهوؿ العين ال قبد لو يف السنة إال راوي واحد فقط‬
‫؛ أي ال يروي عنو يف السنة إال راوي واحد فقط ‪ ،‬فال نعرؼ حديث ىذا الرجل إال من طريق ىذا‬
‫الراوي ؛ فجهلت عدالتو ول يروي عنو إال رواي واحد ؛ فمن جهلت عدالتو وال يروي عنو إال‬
‫راوي واحد فاصطلح ا﵀دثوف على تسميتو " دبجهوؿ العني " ‪.‬‬

‫فيكوف تعري (‪ )1‬مجهوؿ العين ىو ‪ -:‬من ُجهلت عدالتو ول يروي عنو إال واحد ‪.‬‬

‫(‪)2‬ومجهوؿ الحاؿ ىو كذلك من ُجهلت عدالتو ولكن روي عنو اثناف ‪.‬‬

‫‪ ‬فال رؽ بني ؾبهوؿ العني وؾبهوؿ اغباؿ ‪ ،‬أف مجهوؿ العين من ُجهلت عدالتو ول يروي عنو‬
‫إال واحد ‪ ،‬وأما ـجهوؿ الحاؿ من ُجهلت عدالتو ولكن روي عنو يف ُّ‬
‫السنة اثناف ‪.‬‬

‫والثالث (‪ )3‬مستور الحاؿ فهو معلوـ العدالة ظاىرا فقط ‪ ،‬فهو مسلم من صبلة اؼبسلمني وكل‬
‫مسلم فيو من العدالة بقدر إيبانو واسالمو وىذا ال اشكاؿ فيو ‪ ،‬وأما عدالتو الباطنة من كونو حافظا‬
‫‪ ،‬ضابطا ‪ ،‬صدوقا ‪ ،‬وال أقصد بعدالتو الباطنة أحوالو بينو وبني أىلو أو ما يفعلو يف بيتو ال ال ‪ ،‬فلنا‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 37‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫الظاىر وا﵁ يتوىل السرائر ‪ ،‬ولكن إذا قاؿ ا﵀دثوف عدالة الباطن يقصدوف ّٔا عدالتو يف صدقو ‪،‬‬
‫ومروءتو ‪ ،‬وضبطو ‪ ،‬وحفظو ‪ ،‬فهو معروؼ العدالة يف الظاىر ولكننا قبهل عدالتو يف الباطن ‪.‬‬

‫من أىل العلم من قاؿ إف اؼبستور ىو عني ؾبهوؿ اغباؿ ‪ ،‬ومنهم من قاؿ وىو اغبافظ وغريه من‬
‫فصلوف بني ؾبهوؿ اغباؿ واؼبستور واألصح ىو التفصيل ‪.‬‬
‫أىل العلم يُ ّْ‬
‫‪ ‬نرجع إلى مجهوؿ العين في بياف حكم كل واحد منهم في القواعد المذكورة آن ا ‪-:‬‬
‫‪ -1‬مجهوؿ العين ال يقبل حديثو يف نفسو ‪،‬وال يصلح أف يكوف معضدا لغريه ‪ ،‬فلو روي‬
‫لنا شيئا فروايتو غري مقبولة ‪ ،‬ولو احتاج حديث أخر أف يتقوى فراوية ؾبهوؿ العني ال‬
‫نبت فهو ال ينفع نفسو وال ينفع غريه ؛ وىذا الذي نقصده بقولنا‬
‫تعترب مقوية لو فهو ُم ُّ‬
‫‪ " :‬حديث ؾبهوؿ العني ضعيف " ‪ ،‬وقولنا ‪ " :‬حديث ؾبهوؿ العني ال يصلح يف‬
‫الشواىد واؼبتابعات " ‪.‬‬
‫‪ ‬فإف قيل وىل الشواىد واؼبتابعات األخرى تقوى حديث ؾبهوؿ العني ؟‬
‫‪ ‬نقوؿ ال فال يقوى غريه وال يتقوى بغريه ؛ فهذا مردود مطلقا فال يصلح يف باب الشواىد وال يف‬
‫باب اؼبتابعات مطلقا ‪.‬‬
‫من ىذا حاؿ آّهوؿ الثاين وىو ‪ " -:‬مجهوؿ الحاؿ " ؛ فمجهوؿ اغباؿ يصلح يف‬ ‫‪ -2‬أخ‬
‫الشواىد واؼبتابعات (يتقوى) فإذا روي لنا ؾبهوؿ اغباؿ حديثا فإننا كبكم عليو بأنو حديث‬
‫ضعيف ‪ ،‬ولكن إذا ورد لو ما يقويو من الشواىد واؼبتابعات فإننا نرفع حديثو من كونو ضعيفا‬
‫إىل حسن لذاتو ‪.‬‬
‫فكل اعبهالة ال تصلح للمتابعات والشواىد ‪ ،‬وليس كل اعبهالة ال تصلح لشواىد واؼبتابعات ؛ وإمبا‬
‫فيو التفصيل على حالتني ‪-:‬‬

‫الحالة األولى ‪ :‬جهالة العني ال تصلح مطلقا ال يف الشواىد وال يف اؼبتابعات مطلقا فال تقوى وال‬
‫تتقوى ‪.‬‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬ؾبهوؿ اغباؿ فيصلح حديثو يف الشواىد واؼبتابعات فيعترب مقويا لغريه ‪ ،‬ويعترب ىو‬
‫يف نفسو قويا إذا عاضده شاىد أو متابعة ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 38‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ -3‬وأما حديث مستور الحاؿ قاؿ فيو ىنا يف القاعدة ‪ [ :‬حديث مستور اغباؿ موقوؼ على‬
‫التبني ] فال نقبل حديثو مطلقا ‪ ،‬وال نرد حديثو مطلقا ‪ ،‬وإنما ىو موقوؼ على البحث‬
‫والنظر ومطابقة روايتو لرواية الثقات ‪ ،‬فال نرده مطلقا وال نقبلو مطلقا وإمبا ىو موقوؼ على‬
‫التبني ؛ أي نقوؿ قفوا حبديث ىذا الرجل حت تتبني حالو وعدالتو يف الباطن ‪.‬‬
‫القاعدة الخامسة والثالثوف ‪ :‬االنقطاع في اإلسناد علة في رد الرواية ‪.‬‬ ‫‪)35‬‬
‫والمراد باالنقطاع ىو عدـ االتصاؿ وقد تقدـ أف اتصاؿ السند شرط من شروط تصحيح اغبديث‬
‫‪ ،‬ونحن نعين يف ىذه القاعدة ذلك اغبديث الذي حدث السقط فيو يف أثناء اإلسناد ‪.‬‬

‫‪ ‬مثاؿ لتوضيح ‪-:‬‬


‫نقوؿ حدثنا وليد عن ؿبمد عن عبد الرضبن عن فهد عن ناصر ؛ وأخر اإلسناد ىو صاحب‬
‫‪ ،‬فهنا قاؿ االنقطاع يف االسناد‬ ‫(‪)1‬‬
‫الكتاب الذي رواه وىو أحد األئمة مثال من رواة كتب السنة‬
‫ىو سقوط بعض رجالو يف أثناء السند ‪ ،‬فصاحب الكتاب الذي نقل اغبديث ىو أوؿ اإلسناد‬
‫ووليد ىنا اؼبمثل بو يف اؼبثاؿ أخر اإلسناد ‪ ،‬واالنقطاع ال وبصل ال يف أوؿ اإلسناد وال يف أخره ‪،‬‬
‫وإنما يقع االنقطاع فيو يف أثناء اإلسناد ‪ ،‬أي يكوف االنقطاع فيو من ؿبمد إيل ناصر فقط ‪ ،‬واحد‬
‫منهم ‪ ،‬فنقوؿ لو سقط أحد منهم فيكوف سقط راوي أثناء اإلسناد فيسميو العلماء منقطع ‪ ،‬ولو‬
‫سقط راوياف فال ىبلو اغباؿ من أمرين ‪-:‬‬

‫إما أف يكوف راوياف على التوايل فيسمي " معضل " وستأٌب قاعدة خاصة بو ‪،‬‬ ‫(أ)‬
‫فيكوف االعضاؿ ىو ‪ -:‬سقوط راويني على التوايل يف أثناء اإلسناد ‪.‬‬
‫(ب) وإف كاف سقوطهما ليس على التوايل أي سقط عبدالرضبن وناصر ‪ ،‬فال يسمي معضال‬
‫وإمبا يسمي منقطعا أيضا ‪ ،‬فاالنقطاع صار لو صورتاف ‪- :‬‬
‫الصورة األولى ‪ :‬أف يسقط راو يف أثناء اإلسناد ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬أف يسقط راوياف من أثناء اإلسناد ولكن ليسا على التوايل ‪.‬‬
‫‪ ‬فإف كاف السقط على التوايل فيسمي معضال ‪.‬‬

‫)‪ (1‬ونحرص أف ال تكوف األمثلة أسانيد في السنة حتى يكوف الحذؼ واالثبات فيها وارداً ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 39‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬ولو كاف السقط يف مرتبة الصحايب ‪ -‬أي أف الصحايب غري موجود يف السند ‪ -‬بل التابعي رفع‬
‫اغبديث مباشرة وأسقط الصحايب ‪ ،‬وىذا السقط من أوؿ اإلسناد فيسمي إرساال ؛ واإلرساؿ‬
‫قسماف ‪-:‬‬
‫(‪ )7‬القسم األوؿ ‪ :‬إرساؿ من صحايب إىل النيب ﷺ وال يذكر الصحايب الذي روي عنو‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬القسم الثاني ‪ :‬إرساؿ من تابعي إىل النيب ﷺ وستأٌب قواعده يف ما بعد ‪.‬‬
‫‪ ‬وإذا كاف السقط ليس يف أوؿ اإلسناد ولكن يف أوؿ اإلسناد فصاحب الكتاب روي اغبديث‬
‫مباشرة عن ؿبمد (يف اؼبثاؿ ىنا ) فأسقط ثالثة من أوؿ اإلسناد فهذا يسمي " باغبديث اؼبعلق‬
‫" ‪ ،‬ولو أسقطهم صبيعا إىل النيب ﷺ وىي غالب روايتنا كما يف بلوغ اؼبراـ ‪ ،‬فنحن عندنا‬
‫نقوؿ مباشرة عن أيب ىريرة وباقي اإلسناد بيننا وبني أيب ىريرة أسقطناه ‪ ،‬فأ‪.‬لب ما يرويو األف‬
‫الناس يف اؼبختصرات وا﵀اضرات والكلمات أغلبها أحاديث معلقة ‪ ،‬بل قد أُسقط الصحايب‬
‫كذلك ونقل مباشرة فقاؿ قاؿ رسوؿ ا﵁ ﷺ ‪ ،‬وسيأتي الكالـ يف ما بعد عن مدى‬
‫صحة اغبديث اؼبعلق ‪.‬‬
‫فالسقة يف اإلسناد ىبتلف وباختالفو ىبتلف اظبو ‪ ،‬فإذا كاف السقط لواحد يف أثناء اإلسناد فهو‬
‫" منقطع " ‪ ،‬وإذا كاف السقط لراويني ليسا على التوايل يف أثناء اإلسناد فهو أيضا " منقطع " ‪،‬‬
‫وإذا كاف السقط لراويني على التوايل يف أثناء اإلسناد فهو " معضل " ‪ ،‬وإذا كاف السقط يف مرتبة‬
‫الصحايب يسمي " مرسل " ‪ ،‬وإذا كاف السقط من أخر اإلسناد يسمي " معلقا " سواء سقط‬
‫واحد أو اثنني أو ثالثة بل ردبا يسقط سلسلة اإلسناد كلها ‪.‬‬

‫وصار االنقطاع علة لتضعيف اغبديث ‪ ،‬ألف من شروط اغبديث الصحيح أف يكوف السند متصال‬
‫‪ ،‬وقد فقد شرطا من شروط الصحة ‪ ،‬وقد تقدـ سابقا أف كل سند فقد شرطا من شروط اغبديث‬
‫الصحيح أو اغبسن فهو ضعيف ‪ ،‬فاتصاؿ اإلسناد شرط يف التصحيح وىنا ال ندري عن حاؿ‬
‫الراوي الذي سقط ‪ ،‬أو الراويني الذين سقطا ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 41‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )36‬القاعدة السادسة والثالثوف ‪ :‬االعضاؿ في اإلسناد سبب لرده ‪.‬‬


‫فنقوؿ تعري المعضل حينئذ ىو ‪ :‬ما سقط يف أثناء إسناده راوياف على التوايل ‪.‬‬

‫وحكم اغبديث اؼبعضل أنو حديث ضعيف ال تقوـ بو حجة ‪.‬‬

‫فإذا كنا نرد اغبديث الذي انقطع إسناده يف رجل واحد فكيف باغبديث الذي سقط من إسناده‬
‫راوياف ‪ ،‬فال جرـ أنو يستحق الرد من باب أوىل ‪.‬‬

‫‪ )37‬القاعدة السابعة والثالثوف ‪ :‬اإلبهاـ في المتن ال يضر ‪.‬‬


‫واإلبهاـ ىو ‪ :‬ذكر الشخص من غري ربديد اظبو ‪.‬‬

‫‪ ‬واإلبهاـ ‪-:‬‬
‫أ‪ -‬إما أف يكوف يف اإلسناد ‪.‬‬
‫ب‪ -‬وإما أف يكوف اإلّٔاـ يف اؼبنت ‪.‬‬
‫مثاؿ اإلبهاـ في المتن ‪ -:‬قوؿ طلحة ابن عبيد ا﵁ جاء رجل إىل النيب ﷺ من أىل قبد ‪،‬‬
‫فهذا الرجل عينو ليست معروفة فهو غري معلوـ العني ‪،‬فهو مبهم مع كوف اغبديث يف الصحيحني‬
‫(‪ )1‬ألف اإلّٔاـ وقع يف اؼبنت ‪ ،‬وعندنا القاعدة [ اإلّٔاـ يف اؼبنت ال يضر ] ‪.‬‬

‫‪ )38‬القاعدة الثامنة والثالثوف ‪ :‬إبهاـ الصحابي معت ر ‪.‬‬


‫فتجد أنو يذكر أنو ظبع اغبديث من صحايب ولكن ال يذكر لنا اسم ىذا الصحايب ‪ ،‬فعدـ ربديد‬
‫اسم الصحايب ال يضر ؛ ألف اؼبتقرر عند أىل السنة واعبماعة كلهم عدوؿ ثقات أثبات ‪ ،‬مثالو‬
‫‪-:‬‬

‫قولو يف اغبديث ‪ " :‬عن رجل صحب النيب ﷺ ‪ ،‬أو يقوؿ قاؿ لنا رجل من أصحاب رسوؿ‬
‫ا﵁ ﷺ ‪ ،‬أو يقوؿ دخلنا اؼبسجد فرأينا رجال من أصحاب النيب ﷺ فسمعناه يقوؿ فإّٔاـ‬
‫الصحايب ال يضر ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري ( ‪ ، ) 46‬وصحيح مسلم ( ‪. ) 109‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 41‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )39‬القاعدة التاسعة والثالثوف ‪ :‬اإلبهاـ في من دوف الصحابي علة قادحة ‪.‬‬


‫أي أف اإلّٔاـ يف مرتبة التابعي وتابعي التابعي ‪ ،‬ومن بعدىم ىذا إّٔاـ يضر وال نقبل ىذا اإلسناد ‪،‬‬
‫فأي إسناد ل يُسمي أحد رجالو فإننا ال نقبلو يف من دوف الصحايب ‪.‬‬

‫مثالو ‪ :‬كحديث الرتديد خلف اؼبقيم عند أيب داود (‪ )1‬وىو من حديث شهر ابن حوشب ‪ ،‬قاؿ‬
‫أبو داود حدثنا ؿبمد ابن ثابت العبدي عن رجل من أىل الشاـ ‪ ،‬فالرجل من أىل الشاـ ىنا ال‬
‫نعرفو ‪ ،‬فحينئذ ل تظهر عدالتو وضبطو ول تكن متيقنة فمن باب االحتياط لسنة نرد ىذا اإلسناد ؛‬
‫فهذا حديث ضعيف لوجود اإلّٔاـ يف من دوف الصحايب ‪.‬‬

‫يرتقي إلى مرتبة االحتجاج لتلقي األمة لو بالقبوؿ‬ ‫‪ )40‬القاعدة األربعوف ‪ :‬الحديث الضعي‬
‫واالعتماد ‪.‬‬
‫فإذا وجدت األمة تلقت ىذا اغبديث الذي وصف بشيء من الضعف بالقبوؿ واالعتماد والعمل‬
‫واالستدالؿ من غري نكري بينهم فال جرـ أف إصباعهم قرينة وطريق يقوي بو ىذا اغبديث الضعيف‬
‫ويرتقي إىل مرتبة اغبسن ‪.‬‬

‫كحديث ‪ :‬عمرو ابن شعيب عن أبيو عن جده يف مقادير الديات فإنو وإف كاف يف شيء من‬
‫الضعف إال أف األمة تلقتو بالقبوؿ وعملت دبا فيو من األحكاـ الشرعية فحينئذ تلقيها لو بالقبوؿ‬
‫(‪)2‬‬
‫يعترب قرينة يقوى ّٔا ىذا اغبديث ‪.‬‬

‫)‪ (1‬سنن أبو داود (‪. )528‬‬

‫)‪ )2‬ق ػ ػػاؿ اب ػ ػػن عب ػ ػػد الب ػ ػػر ‪ " :‬وكت ػ ػػاب عم ػ ػػرو ب ػ ػػن ح ػ ػػزـ ى ػ ػػذا ق ػ ػػد تلق ػ ػػاه العلم ػ ػػاء ب ػ ػػالقبوؿ والعم ػ ػػل ‪ ،‬وى ػ ػػو عن ػ ػػدىم أش ػ ػػهر وأظه ػ ػػر م ػ ػػن اإلس ػ ػػناد الواح ػ ػػد المتصػ ػ ػل " [ االس ػ ػػتذكار‬

‫(‪. ] )471/2‬‬

‫وق ػ ػػاؿ الح ػ ػػافظ ب ػ ػػن حج ػ ػػر رحم ػ ػػو اي ‪ " :‬وق ػ ػػد ص ػ ػػحح الح ػ ػػديث بالكت ػ ػػاب الم ػ ػػذكور جماع ػ ػػة م ػ ػػن األئم ػ ػػة ‪ ،‬ال م ػ ػػن حي ػ ػػث اإلس ػ ػػناد ‪ ،‬ب ػ ػػل م ػ ػػن حي ػ ػػث الش ػ ػػهرة " [ التلخ ػ ػػيص الحبي ػ ػػر‬

‫(‪. ] ٍ)58/4‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 42‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )41‬القاعدة الواحدة واألربعوف ‪ :‬صحة المعنى ال تعني عن صحة اإلسناد ‪.‬‬


‫فال حق ألحد من الناس أف يروي لنا حديثا ضعيفا فإذا عارضناه بسبب ضعف إسناده قاؿ أوليس‬
‫معناه صحيحا !؟ ‪ ،‬فإننا وإف سلمنا أف معناه صحيحا إال أف صحة معناه ال تغين عن صحة‬
‫إسناده فال بد من اؼبطلبني صبيعا ‪:‬‬

‫أ‪ -‬أف يكوف صحيحا يف مبناه ‪ -‬أي اإلسناد ‪. -‬‬


‫ب‪ – -‬وصحيحا يف معناه ‪.‬‬
‫فالسالمة من الشذوذ ومن االنقطاع أو اإلرساؿ أو غريىا من علل اإلسناد مطلب يف اإلسناد‬
‫ومطلب يف اؼبنت ‪ ،‬فالسالمة مطلوبة يف األمرين صبيعا يف اإلسناد ويف اؼبنت ؛ ولذلك ذبد بعض فبن‬
‫عندىم تساىل يف نقل األحاديث الضعيفة ال سيما إذا كانت يف فضائل األعماؿ ذبده يروي حديثا‬
‫ضعيفا ويقوؿ ‪ " :‬وإف كاف ضعيفا إال أف معناه صحيح " وىذا ليس بصواب فال بد من سالمة‬
‫اإلسناد أيضا ‪.‬‬

‫‪ )42‬القاعدة الثانية واألربعوف ‪ :‬المرويات الواىية والنقوالت الباطلة ليست محال صالحا‬
‫الستنباط األحكاـ الشرعية ‪.‬‬
‫ألف كوهنا واىية وباطلة ىذا أنزؿ من وصفها بأهنا ضعيفة ‪ ،‬فإذا كنا نرد اغبديث الضعيف أصال وال‬
‫نقبلو يف استنباط شيء من األحكاـ الشرعية ؛ فال أف نرد ما كاف باطال واىيا من باب أوىل ‪.‬‬

‫‪ )43‬القاعدة الثالثة واألربعوف ‪ :‬رواية المبتدع المحكوـ عليو بالك ر ببدعتو ال تقبل ‪.‬‬
‫وذلك ألننا اشرتطنا يف شروط اغبديث الصحيح العدالة ومن كاف كافرا فإف عدالتو ـبرتقة غري‬
‫مقبولة ‪ ،‬وألف ا﵁ عز وجل قد أمرنا بالتبني إذا جاءنا اػبرب من فاسق فكيف بالكافر ‪ ،‬فال جرـ أف‬
‫خربه يرد من باب أوىل ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 43‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )44‬القاعدة الرابعة واألربعوف ‪ :‬رواية المبتدع ال اسق ببدعتو مقبولة إذا كاف محال للصدؽ‬
‫وانت اء التهمة في الرواية واألمانة ‪.‬‬
‫وذلك ألف البدعة تنقسم إلى قسمين ‪-:‬‬

‫‪ -1‬بدعة مكفرة ‪.‬‬


‫‪ -2‬بدعة مفسقة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬أو دبفسق‬ ‫(‪)1‬‬
‫وعلى ذلك قوؿ اإلماـ اغبافظ رضبو ا﵁ يف النخبة قاؿ ‪ٍ " :‬ب البدعة إما دبكفر‬
‫" (‪ ، )3‬والمقصود بقولو ‪" :‬دبفسق" أي فسق اعتقاد ‪ ،‬وفسق شبهة ال فسق شهوة ‪ ،‬ثم بني بعد‬
‫ذلك أف اؼببتدع الكافر ال تقبل روايتو قوال واحدا ‪.‬‬

‫وأما المبتدع ال اسق فقد اختلف أىل العلم رضبهم ا﵁ فيو والصحيح أهنا مقبولة ّٔذا الشرط آنفا‬
‫يف القاعدة ‪ ،‬ولذلك قاؿ الشي " فاألوؿ ‪ -‬من بدعتو مكفرة ‪ -‬ال يقبل صاحبها اعبمهور ‪ -‬أي‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬قاؿ النووي رضبو ا﵁ ‪ " :‬من كفر ببدعتو ل وبتج بو‬ ‫من علماء اغبديث رضبهم ا﵁ – "‬
‫باالتفاؽ " ‪ ،‬ولذلك قلنا ىنا قوال واحد ‪ ،‬وقاؿ اإلماـ ابن كثري رضبو ا﵁ ‪ " :‬اؼببتدع إذا كفر ببدعتو‬
‫فال إشكاؿ يف رد روايتو " (‪ٍ ، )5‬ب قاؿ " والثاين ‪ -‬من كانت بدعتو دبفسق ‪ -‬يقبل ما ل يكن‬
‫داعية يف األصح إال أف يروي ما يقوي بدعتو فريد على اؼبختار وبو صرح اعبوجزاين شي النسائي "‬
‫(‪. )6‬‬

‫فهنا اغبافظ رضبو ا﵁ قد فصل يف ىذا النوع بني البدعة اؼبكفرة والبدعة اؼبفسقة ‪ ،‬ولكن ما ذىب‬
‫إليو ىو رضبو ا﵁ يف البدعة اؼبفسقة ىذا فيو نظر ‪.‬‬

‫)‪ (1‬كبدعة الرافضة مثال ‪ ،‬والجهمية أتباع الجهم ابن ص واف ‪ ،‬وبدعة القوؿ بخلق القرآف ‪.‬‬

‫)‪ (2‬كبدعة المعتزلة واألشاعرة والماتريدية ‪ ،‬والكالبية ‪ ،‬والمرجئة ‪ ،‬ونحوىم ‪.‬‬

‫)‪ (3‬نزىة النظر في توضيح نخبة ال كر في مصطلح أىل األثر ( ‪. ) 277‬‬

‫)‪ (4‬نزىة النظر في توضيح نخبة ال كر في مصطلح أىل األثر ( ‪. ) 277‬‬

‫)‪ (5‬تدريب الراوي (‪ ، )383/1‬وانظر شرحو على صحيح مسلم (‪. )60/1‬‬

‫)‪ (6‬نزىة النظر في توضيح نخبة ال كر في مصطلح أىل األثر ( ‪. ) 277‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 44‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ولذلك فالقوؿ الصحيح أف اؼببتدع الفاسق نقبل روايتو إذا كاف ؿبال لصدؽ وؿبال النتفاء التهمة‬
‫وىو القوؿ الصحيح إف شاء ا﵁ تعاىل ‪.‬‬

‫ولذلك يف صحيح اإلماـ البخاري ومسلم رضبهما ا﵁ تعاىل أحاديث كثرية عن ىذا الصنف من‬
‫واللفظ لو‬ ‫(‪)1‬‬
‫الناس ؛ وىو من ُوصف بالبدعة اليت ال زبرج صاحبها عن اؼبلة ؛ فقد روي البخاري‬
‫؛ وكذا مسلم (‪ )2‬من طريق إظباعيل عن أيب خالد عن قيس عن عمرو ابن العاص رضي ا﵁ عنو‬
‫اب ُؿبَ َّم ِد بْ ِن َج ْع َف ٍر‬
‫آؿ أَِيب قَ َاؿ َعمرو ِيف كِتَ ِ‬
‫ٌْ‬ ‫قاؿ ظبعت النيب ﷺ جهارا غري سر يقوؿ ‪ " :‬إِ َّف َ‬
‫ني " ‪ ،‬وقيس ابن أيب حازـ قد ُرمي ببدعة النصب‬ ‫ِِ‬ ‫بػياض لَيسوا بِأَولِيائِي إَِّمبَا ولِيّْي ا﵁ و ِ‬
‫صال ُح الْ ُم ْؤمن َ‬
‫َ َ َُ َ‬ ‫ََ ٌ ْ ُ ْ َ‬
‫(‪ ، )3‬وىذا اغبديث ظاىره يف ما يؤيد بدعتو ومع ذلك أخرج لو اإلماـ البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫وكذلك قد أخرج مسلم ابن اغبجاج (‪ )4‬رضبو ا﵁ تعاىل من طريق عدي بن ثابت عن ذر ابن‬
‫حبيش عن علي بن أيب طالب رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ " :‬والَّ ِ‬
‫َّس َمةَ إِنَّوُ لَ َع ْه ُد النِ ّْ‬
‫َّب‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫أ‬‫ر‬
‫َ‬ ‫ػ‬
‫َ‬‫ب‬‫و‬‫َ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫َّ‬‫َ‬‫اغب‬
‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ػ‬
‫َ‬‫ف‬ ‫ى‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ض ِن إِالَّ ُمنَافِ ٌق " ‪ ،‬وىذه رواية يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ىل أَ ْف الَ ُوببَِّن إِالَّ ُم ْؤم ٌن َوالَ يػُْبغ َ‬
‫األ ُّْم ّْى ‪-‬صلى ا﵁ عليو وسلم‪ -‬إِ ََّ‬
‫آؿ البيت ‪ ،‬والشيعة يعظموف آؿ البيت ‪ ،‬مع كوف عدي بن ثابت من قصاص الشيعة ومع ذلك‬
‫أخرج حديثو يف ما يقوى بدعتو اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ تعاىل ‪ ،‬فعدى ابن ثابت من الشيعة وروي‬
‫شيئا يقوي بدعتو وىي يف حث الناس يف ؿببة آؿ البيت ‪ ،‬فاإلماـ ابن حجر يقوؿ " اؼببتدع الفاسق‬
‫ترد روايتو إذا روي ما يقوي بدعتو " ‪ ،‬فهنا مثال رجل من الشيعة روي شيئا عن آؿ البيت يف‬
‫مدحهم ومع ذلك قبلنا روايتو ‪ ،‬فليست القضية داعية إىل بدعتو أو غري داعية ‪ ،‬وليست القضية أف‬
‫يروي ما يقوي بدعتو أو يروي شيئا أخر ال ‪ ،‬وإمبا القضية عني الراوي ىل ىو ؿبل لصدؽ وانتفاء‬
‫التهمة أـ ال !؟ وىذا الصنف كثري يف الصحيحني ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪. )5990‬‬

‫)‪ (2‬صحيح مسلم (‪. )541‬‬

‫)‪ (3‬أي ىو من الخوارج ‪.‬‬

‫)‪ (4‬صحيح مسلم (‪. )249‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 45‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫قاؿ اإلماـ الذىيب رضبو ا﵁ تعاىل ‪ " :‬عدي بن ثابت عال الشيعة وصادقهم وقاصهم وإماـ‬
‫‪ ،‬ومع ذلك خرج لو اإلماـ مسلم ىذا اغبديث ‪ ،‬فباف بذلك أف اؼببتدع الكافر ال‬ ‫(‪)1‬‬
‫مسجدىم "‬
‫تقبل روايتو قوال واحدا ‪ ،‬وأما غريه من أىل البدع فإننا نقبل روايتو إذا كانوا حفاظا صادقني‬
‫ضابطني ليسوا بكذابني وليسوا ؿبال لتهمة ‪ ،‬وىذا أقرب األقواؿ وعليو عمل صاحيب الصحيح ‪.‬‬

‫‪ )45‬القاعدة الخامسة واألربعوف ‪ :‬قوؿ األئمة رحمهم اي ىذا الحديث أصح شيء في‬
‫الباب ال يعتبر تصحيحا للحديث ‪.‬‬
‫كثيرا ما هبد الدارس لكتب أىل العلم اؼبتقدمني قوؽبم ‪ " :‬أصح شيء يف الباب ىو كذا وكذا " ‪،‬‬
‫فيظن من ال خربة لو دبصطلحات القوـ واطالقاهتم أهنم يريدوف تصحيح ذلك اغبديث اؼبشار إليو‬
‫بتلك العبارة وىذا فيو نظر شديد ‪ ،‬إذا قد يطلق الناقد ىذه العبارة على ما ىو ضعيف ولكن ىذا‬
‫الباب قد روي فيو أحاديث أخرى كثرية فأصح شيء ُروي فيها باعتبار ىذا الباب ‪ ،‬أي أصح شيء‬
‫ُروي فيها باعتبار الضعف اؼبوجود يف أحاديث ىذا الباب ىو ىذا اغبديث ‪ ،‬فقولهم ‪ " :‬أصح‬
‫شيء يف الباب ىو حديث فالف " ‪ ،‬ىذا ال يؤخذ منها أف ىذا اغبديث صحيح ‪ ،‬فمثل ىذه‬
‫العبارة ال تعترب ؿبطا صاغبا للحكم على اغبديث بأنو صحيح ‪.‬‬

‫قاؿ اإلماـ ابن القطاف الفاسي رضبو ا﵁ ‪ " :‬إف قوؿ البخاري أصح شيء يف الباب ليس معناه أنو‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬أي ليس كقولو حديث صحيح ‪.‬‬ ‫صحيح فاعلمو "‬

‫وقاؿ اغبافظ الزيلعي رضبو ا﵁ ‪ " :‬قاؿ ابن القطاف يف كتابو ىذا ليس بصريح يف التصحيح فقولو ىو‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫أصح شيء يف الباب أي أشبو ما يف الباب وأقل ضعفا "‬

‫وقاؿ ابن سيد الناس رضبو ا﵁ يف توضيح مراد اإلماـ الرتمذي من قولو ‪ " :‬أصح شيء يف الباب‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫كذا وكذا قاؿ " ‪ " ،‬ال يلزـ من قولو ىذا أف يكوف صحيحا عنده "‬

‫)‪ (1‬ميزاف االعتداؿ ‪. 61/3‬‬

‫)‪ (2‬بياف الوىم واإليهاـ (‪. )262/2‬‬

‫)‪ (3‬نصب الراية (‪. )217/2‬‬

‫)‪ (4‬الن ح الشذي (‪. )39/1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 46‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫وقاؿ اغبافظ النووي رضبو ا﵁ تعاىل ‪ " :‬وال يلزـ من ىذه العبارة ‪ -‬أصح شيء يف الباب‪ -‬أف يكوف‬
‫حديث صالة التسبيح صحيحا فإهنم يقولوف ىذا أصح ما جاء يف الباب وإف كاف ضعيفا ومرادىم‬
‫أي أرجحو وأقلو ضعفا " (‪. )1‬‬

‫وقاؿ اإلماـ ؿبدث العصر ؿبمد ابن ناصر الدين األلباين رضبو ا﵁ تعاىل " قلت ‪ :‬ينبغي أف يُعلم أف‬
‫عبارة اغبافظ ىذه ‪ -‬أصح شيء يف الباب ‪ -‬ال تفيد عند ا﵀دثني أف اغبديث صحيح وإمبا تُعطي‬
‫لو نسبة من الصحة " (‪. )2‬‬

‫وقاؿ الشي عبدالكرمي اػبضري حفظو ا﵁ قاؿ " أبو عيسي الرتمذي ىذا اغبديث أصح شيء يف‬
‫ىذا الباب وأحسن قاؿ حفظو ا﵁ " أصح " ىذه أفعل تفضيل وكذلك حسن ومن مقتضي أفعل‬
‫التفضيل أف يكوف ىناؾ شيئني اشرتكا يف وصف وىو ىنا الصحة واغبسن وفاؽ أحدنبا األخر‬
‫فيكوف ىذا اغبديث أي حديث ابن عمر " أصح يف ىذا الباب " أي باعتبار ضعف غريه " (‪. )3‬‬

‫‪ ‬وأضرب مثاال ىنا ‪-:‬‬


‫قولي مثال صبيع من ىنا ضعفاء وأصحهم فهد ‪ ،‬فأقصد أصحهم يف انتفاء التهمة عنو بالضعف‬
‫الشديد ‪.‬‬

‫فنخلص من ذلك أف ىذه العبارة ( أصح شيء يف الباب ) ال تفيد صحة اغبديث عند قائلها‬
‫ولكن فائدهتا أف صبيع ما سوي ذلك اغبديث عند الناقد صاحب العبارة كلو ضعيف ال يقوى على‬
‫االحتجاج بو ‪.‬‬

‫)‪ (1‬األذكار (‪ ،)186‬تحقيق ‪:‬األرن وط ‪.‬‬

‫)‪ (2‬تماـ المنة (‪. )168‬‬

‫)‪ (3‬شرح الخضير على الترمذي (‪. )14/2‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 47‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )46‬القاعدة السادسة واألربعوف ‪ :‬مرسل الصحابي مقبوؿ ‪.‬‬


‫والمراد بمرسل الصحابي أي ‪ -:‬ما أرسلو الصحايب إىل النيب ﷺ من غري ذكر الصحايب‬
‫الذي أسقطو ‪ ،‬وسواء ذكره أو أسقطو فإف إسقاطو ال يضر ألف الصحابة كلهم عدوؿ ثقات أثبات‬
‫ال يُبحث وال يُسأؿ عن عدالتهم البتة ‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قاؿ قائل أو ال وبتمل أف يكوف ما أسقطو الصحايب تابعي ؟‬


‫‪ ‬نقوؿ نعم ُوبتمل ولكنو احتماؿ ضعيف ‪ ،‬واالحتماؿ القوي أف الصحايب يروي عن الصحايب‬
‫وال يروي الصحايب عن التابعي ػ والعربة بالكثري الشائع ال بالقليل النادر ‪.‬‬
‫ومثػػاؿ ذل ػػك ‪ -:‬األحاديػػث الػػيت يرسػػلها ابػػن عبػػاس إىل النػػيب ﷺ ‪ ،‬كمػػا يف الصػػحيحني مػػن‬
‫صػلَّى ا﵁ُ َعلَْي ِػو َو َسػلَّ َم تَػ َػزَّو َج َمْي ُمونَػةَ َوُى َػو ُْؿبػ ِرٌـ " (‪ ، )7‬وىػذا اغبػديث ل‬ ‫حديث ابن عباس " أ َّ‬
‫َف النِ َّ‬
‫َّيب َ‬
‫يره ابن عباس ول يسمعو وإمبػا نقػل لػو ألف ىػذا األمػر يف عمػرة اغبديبيػة الػيت ُرد فيهػا النػيب ﷺ ‪،‬‬
‫واب ػػن عب ػػاس إذا ذاؾ ك ػػاف ص ػػغريا يف اؼبدين ػػة ل يص ػػحبهم ‪ ،‬فال ػػذي نقػ ػل الب ػػن عب ػػاس ى ػػذا اغب ػػديث‬
‫صحايب أخر ولكننا ال نعرؼ اظبو ‪ ،‬فابن عباس رضي ا﵁ عنو ارسلو ‪.‬‬
‫وكذلك مرسالت أيب ىريرة فإف أيب ىريرة يروي لنا شيئا حصل لنيب ﷺ قبل أف يُسلم أبو ىريرة‬
‫فإنو أسلم عاـ خيرب فريوي لنا أشياء حدثت لنيب ﷺ وىو يف مكة ‪ ،‬فجزما ويقينا أف أيب ىريرة‬
‫ظبعها من غريه ولكنو رضي ا﵁ عنو أسقط ىذه الواسطة وسقوطها ال يضر ألنو مرسل صحايب ‪،‬‬
‫ومراسيل الصحابة مقبولة ‪ ،‬ألف األغلب أف الصحابة ال يرووف إال عن صحابة ‪.‬‬

‫وكذلك مراسيل عائشة رضي ا﵁ عنها فإف عائشة تروي لنا شيئا حصل لنيب ﷺ يف مكة أو‬
‫تروي لنا أشياء حصلت لو ﷺ قبل البعثة ‪ ،‬ومع ذلك العلماء يعتمدوف روايتها ويقبلوهنا ‪ ،‬وكبن‬
‫قبزـ أهنا أرسلت اغبديث ولكن مرسلة مقبوؿ ؿبتمل ألف مراسيل الصحابة مقبولة ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح البخاري (‪ ، )1837‬وصحيح مسلم (‪. )3517‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 48‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )47‬القاعدة السابعة واألربعوف ‪ :‬مرسل التابعي ضعي ضع ا منجبر ‪.‬‬


‫قاؿ اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ تعاىل ‪ " :‬واؼبرسل من الروايات يف أصل قولنا وقوؿ أىل العلم باألخبار‬
‫ليس حبجة ‪ ،‬وإمبا كاف ليس حبجة " (‪ ، )1‬ؼباذا وصفتو من العلة حت يبحث عن ظباع من حدثو بو‬
‫‪ ،‬فالبد من البحث عن الواسطة اليت سقطت ‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قلت أو ال وبتمل أف الواسطة اليت سقطت ىو الصحايب ؟‬


‫‪ ‬فنقوؿ بال ؿبتمل ولكن الذي هبعلنا ال كبملو الكالـ على ىذا االحتماؿ ىو كثرة رواية التابعني‬
‫بعضهم عن بعض ‪ ،‬فربما يكوف الصحايب وردبا يكوف التابعي ‪ ،‬والعربة باألكثر ‪ ،‬فالتابعي‬
‫يروي كثريا عن الصحابة ويروي أكثر عن التابعي ؛ فحينئذ ال ندري عن عني الساقط ‪ ،‬فلو‬
‫تبني لنا أف الذي أسقطو ىو الصحايب وثبت لنا ذلك وأنو ربمل اغبديث الصحايب مباشرة فال‬
‫جرـ أف سقوط الصحايب ال يضر و﵁ اغبمد كما تبني سابقا ‪ ،‬ولكن ؼبا ل يتبني ذلك جزمنا‬
‫بالرد ‪.‬‬
‫قاؿ اإلماـ السخاوي رضبو ا﵁ ‪ " :‬وباعبملة فاؼبشهور عن أىل اغبديث خاصة القوؿ بعدـ صحتو‬
‫‪ -‬مرسل التابعي ‪ -‬بل ىو قوؿ صبهور الشافعية واختيار إظباعي القاضي وابن عبد الرب وغرينبا من‬
‫اؼبالكية ‪ ،‬واختاره القاضي أبو بكر الباقالين وصباعة كثرية من أىل األصوؿ " (‪. )2‬‬

‫قاؿ النووي رضبو ا﵁ ‪ " :‬اغبديث اؼبرسل ال ُوبتج بو عندنا ‪ ،‬وعند صبهور ا﵀دثني وصباعة من‬
‫الفقهاء وصباىري أصحاب األصوؿ والنظر ‪ ،‬وحكاه اغباكم أبو عبد ا﵁ ابن البيع عن سعيد ابن‬
‫اؼبسيب ومالك وصباعة من أىل اغبديث والفقهاء واغبجاز " (‪. )3‬‬

‫ومرسل التابعي ـبتلف فيو بني أىل العلم ولكن األقرب ما ذكرتو آنفا ‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم ‪. 23/1‬‬

‫)‪ (2‬فتح المعيث شرح أل ية الحديث ‪. 143/1‬‬

‫)‪ (3‬المجموع شرح المهذب ‪. 60 / 1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 49‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫(‪)1‬‬
‫بالعنعنة مردودة إال إذا صرح بالسماع ‪.‬‬ ‫‪ )48‬القاعدة الثامنة واألربعوف ‪ :‬راوية المدلس‬
‫‪ ‬وقد اختلف العلماء يف رواية اؼبدلس ما حكمها ؟‬
‫فمنهم من قبل عنعنة اؼبدلس مطلقا ‪ ،‬ومنهم من رد رواية اؼبدلس مطلقا سواء صرح بالسماع أو ل‬
‫يصرح بالسماع ‪ ،‬والقوؿ الثالث وىو األقرب ‪ -:‬ىو أننا ال نقبل روايتو إذا حدثنا باألننة أو‬
‫العنعنة ‪ ،‬فإذا جاء أحد اؼبدلسني عن من فوقو وروي اغبديث بلفظة "عن أو أف "فإننا ال نقبل‬
‫روايتو ‪ ،‬لقوة شبهة التدليس حينئذ والتدليس عيب يف الرواية ترد بو ‪ ،‬وأما إذا ترؾ العنعنة واألننة‬
‫وقاؿ " ظبعت " أو قاؿ " حدثين " فتنتفي ىنا شبهة التدليس ‪ ،‬فرواية اؼبدلس موقوفة على تصروبو‬
‫بالسماع ؛ ألف عنعنتو توجب شبهة التدليس ‪ ،‬والتدليس عيب يف الرواية وىذه الشبهة تنتفي إذا‬
‫صرح بالسماع أو التحديث ‪.‬‬

‫‪ )49‬القاعدة التاسعة واألربعوف ‪ :‬رواية الثقة التي خال بها الثقات شاذة ‪.‬‬
‫وذلك ألننا اشرتطنا يف اغبديث الصحيح أف يكوف راويو ضابطا ‪.‬‬

‫وضبة الراوي يُعرؼ بقياس روايتو على روايات الثقات واالعتبار روايات الثقات ‪ ،‬فإذا كاف ال‬
‫يروي رواية إال ويتفق مع الثقات فهو ضابط ‪،‬ولكن إذا روى رواية خالف ّٔا الثقات فال جرـ أف‬
‫حديثو يف ىذه اغبالة انتفي عنو وصف الضبط فتخلف شرط من شروط التصحيح فيكوف ضعيفا ‪،‬‬
‫ولذلك نشرتط يف اغبديث الصحيح مع سباـ الضبط أف ال يكوف شاذا ‪ ،‬فاغبديث الشاذ ضعيف ‪.‬‬

‫ومثاؿ الرواية من الثقة على خالؼ روايات الثقات حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ‬
‫رسوؿ ا﵁ ﷺ ‪ " :‬إذا صلي أحدكم ركعيت الفجر فليضجع على يبينو " وىذا اغبديث مرفوعا‬
‫خطأ ‪ ،‬وإمبا ا﵀فوظ ىو أنو منقوؿ من فعل النيب ﷺ ‪ ،‬أما من قولو فخطأ من رجل يسمي‬
‫عبدالواحد بن زياد وىو ثقة ‪ ،‬ولكن صبيع الثقات رووه عن أيب ىريرة من فعل النيب ﷺ ‪،‬‬
‫وىكذا رواه سهيل بن أيب صاحل عن أبيو عن أيب ىريرة عند بن ماجة ‪ ،‬ورواه كذلك النسائي ّٔذا‬
‫اإلسناد يف الكربى ‪ ،‬وكذا رواه ؿبمد بن إبراىيم عن أيب صاحل عند البيهقي ‪ ،‬وقد صرح صبع من‬
‫األئمة بشذوذ رواية عبدالواحد بن زياد عفا ا﵁ عنا وعنو ‪.‬‬
‫(‪ ) 1‬والتدليس وأوصاف التدليس قد بُحثت في موضع أخر لعلكم ترجعون لها في "البيقونية " أو في" نخبة الفكر " ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 51‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫فالضجعة بعد ركعيت الفجر ثابتة من فعل النيب ﷺ ال من قولو ‪ ،‬وأما ما جاء مرفوعا أنو من‬
‫قولو فهي رواية شاذة ‪ ،‬وحكمنا عليها بالشذوذ ألف الثقة الذي رواىا ألنو خالف رواية الثقات وال‬
‫تُقبل رواية الثقة إذا خالف الثقات ‪.‬‬

‫ومثاؿ أخر ‪ :‬حديث عبدا﵁ بن عباس اآلنف الذكر يف قولو " تزوج النيب ﷺ ميمونة وىو ؿبرـ‬
‫" وىذا اغبديث مع كونو يف الصحيحني إال أف متنو شاذ ‪ ،‬والشذوذ تارة يكوف يف اإلسناد وتارة‬
‫يكوف يف اؼبنت وكال الشذوذين علة قادحة ترد ّٔا الرواية ‪.‬‬

‫وكوننا حكمنا عليو بالشذوذ ألف رواية الثقات متفقة على أف النيب ﷺ إمبا تزوج ميمونة وىو‬
‫حالؿ غري ؿبرـ ‪ ،‬فال يُعوؿ على حديث ابن عباس ىذا ‪ ،‬فقد روى مسلم يف صحيحو من حديث‬
‫ميمونة نفسها " أف النيب ﷺ تزوجها وىو حالؿ غري ؿبرـ " (‪ ، )1‬وقد تقرر يف األصوؿ أنػ[‬
‫صاحب القصة أعرؼ دبا جرى عليو من غريه ] ‪ ،‬بل ومن شاىد وعاصر أحداث القصة وىو أبو‬
‫رافع رضي ا﵁ عنو قاؿ "تزوج النيب ﷺ ميمونة وىو حالؿ وكنت السفري بينهما ‪ ،‬واؼبتقرر يف‬
‫القواعد أنػ[ رواية من شاىد أحداث القصة مقدمة على رواية من نقلت لو القصة ] ‪ ،‬وابن عباس ل‬
‫يشاىد ىذه القصة ألنو إذا ذاؾ كاف باؼبدينة صغريا وإمبا نقلت لو القصة فاػبطأ ليس من ابن عباس‬
‫وإمبا اػبطأ فبن نقل ىذا القوؿ البن عباس ‪.‬‬

‫مثاؿ أخر ‪ :‬يف قوؿ النيب ﷺ يف حديث السبعني الذين يدخلوف اعبنة بغري حساب وال‬
‫عذاب (‪ )2‬قاؿ " وال يرقوف " (‪ ، )3‬والصحيح الثابت ىي قولو " وال يسرتقوف " أي ال يطلبوف ما‬
‫يرقيهم ‪ ،‬وأما قولو " وال يرقوف " فإهنا زيادة شاذة ‪.‬‬

‫قاؿ شي اإلسالـ ابن تيمية رضبو ا﵁ تعاىل ‪ " :‬وقد ُروي فيو " ال يرقوف " وىو غلط فإف رقياىم‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬وقاؿ يف موضع أخر " وراوية من روى يف ىذا " ال يرقوف "‬ ‫لغريىم وألنفسهم حسنة "‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ضعيفة وغلط "‬

‫)‪ (1‬صحيح مسلم ( ‪. ) 48‬‬

‫)‪ (2‬صحيح البخاري (‪. )5752‬‬

‫)‪ (3‬صحيح مسلم (‪. )549‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 51‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫وقاؿ ابن حجر رضبو ا﵁ معلقا على كالـ شي اإلسالـ ‪ " :‬وأجاب غريه بأف الزيادة من الثقة‬
‫(‪)3‬‬
‫مقبولة وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم واعتمد مسلم على روايتو ىذه "‬
‫‪.‬‬

‫ولكن سعيد بن منصور وإف كاف ثقة إال أف صبيع فبن روي ىذا اغبديث ل يروي فيو " وال يرقوف "‬
‫ولذلك ىذه الزيادة زيادة شاذة ‪.‬‬

‫‪ )50‬القاعدة الخمسوف ‪ :‬الزيادة من الثقة مقبولة ما لم تخال ثقات ‪.‬‬


‫وىذه القاعدة ىي مفهوـ القاعدة األوىل ‪ ،‬ألف القاعدة اليت قبلها فيها منطوؽ ومفهوـ ‪-:‬‬

‫فمنطوقها أف الثقة إذا خالف الثقات فإنو ال يعترب ‪.‬‬

‫وأما م هومها فهو عني ىذه القاعدة وىي أف الثقة إذا انفرد عن الثقات بزيادة ال زبالف روايتهم‬
‫مطلقا وإمبا ىي زيادة بيانية أو تفسريية فإف ىذا مقبوؿ والبأس بو عند العلماء رضبهم ا﵁ ‪.‬‬

‫ولذلك ذىب اغبنابلة والشافعية بل ىو مذىب صبهور العلماء إىل أف التكبري يف أوؿ األذاف أربع‬
‫تكبريات قبل األذاف غبديث عبدا﵁ بن زيد ‪ ،‬بينما ذىب األئمة اؼبالكية رضبهم ا﵁ إىل أف التكبري‬
‫يف أوؿ األذاف ؾبرد تكبريتني فقط واستدلوا على ذلك حبديث أيب ؿبذورة يف صحيح اإلماـ مسلم‬
‫ب اللَّ ِو ‪ -‬صلى ا﵁ عليو وسلم ‪َ -‬علَّ َموُ َى َذا األَ َذا َف « اللَّوُ أَ ْكبَػ ُر اللَّوُ أَ ْكبَػ ُر أَ ْش َه ُد أَ ْف الَ‬ ‫قاؿ " أ َّ‬
‫َف نَِ َّ‬
‫إِلَوَ إِالَّ اللَّوُ ‪ ، )4( " ...‬فذكر التكبري يف أولو مرتني فقط ‪ ،‬ولكن أصحاب السنن (‪ )5‬رووا ىذا‬
‫اغبديث بعينو ‪ -‬حديث أيب ؿبذورة ‪ -‬وزادوا تكبريتني ‪ ،‬فرواه مسلم يف صحيحو بتكبريتني ورواه‬
‫أصحاب السنن مربعا ‪ ،‬فزيادة التكبريتني مروية عن ثقة وزيادة الثقة مقبولة ما ل زبالف رواية‬
‫الثقات ‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجموع ال تاوى ‪. 182/1‬‬

‫)‪ (2‬مجموع ال تاوى ‪. 328/1‬‬

‫)‪ (3‬فتح الباري ‪. 409/11‬‬

‫)‪ (4‬صحيح مسلم (‪. )868‬‬

‫)‪ (5‬سسن أبو داود ( ‪ ، ) 499‬وسنن النسائي ( ‪ ، ) 631‬وسنن ابن ماجة ( ‪. ) 709‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 52‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫قاؿ اإلماـ النووي رضبو ا﵁ ‪ " :‬احتج اعبمهور بأف الزيادة من الثقة مقبولة وبالرتبيع عمل أىل مكة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وىي َؾبمع اؼبسلمني يف اؼبواسم وغريىا ول ينكر ذلك أحد من الصحابة "‬

‫وأما قوؿ بعض اؼبالكية بأف عمل أىل اؼبدينة على تكبريتني ‪ ،‬فنقوؿ إف عمل أىل اؼبدينة ال يعترب‬
‫حجة أصال ‪ ،‬وإمبا اغبجة يف ما صح عن النيب ﷺ ‪.‬‬

‫ومن األمثلة على زيادة الثقة ‪ :‬حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو يف شأف أخر من يدخل اعبنة يقوؿ‬
‫ا﵁ لعبد من عباده وىو أخر من يدخل اعبنة يقوؿ ا﵁ لو " َسبَ َّن فَػيَتَ َم َّن َح َّت إِذَا انْػ َقطَ َع أ ُْمنِيَّتُوُ قَ َاؿ‬
‫ك‬ ‫اللَّو عَّز وج َّل ِمن َك َذا وَك َذا أَقْػبل ي َذ ّْكره ربُّو ح َّت إِ َذا انْػتػهت بِِو ْاألَم ِاينُّ قَ َاؿ اللَّو تَػع َاىل لَ ِ‬
‫ك َذل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َ َ ُ ُُ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ََ ْ‬
‫َوِمثْػلُوُ َم َعوُ " (‪ )2‬فقاؽبا مرة واحدة ىنا ‪ ،‬ولكن ورد ىذا اغبديث من رواية أيب سعيد وليس من رواية‬
‫أيب ىريرة ‪ ،‬ففي رواية أيب سعيد اػبدري قاؿ ا﵁ تعاىل " ذلك لك ومثلو معو " (‪ )3‬ويف رواية "‬
‫َو َع َشَرةُ أ َْمثَالِِو َم َعوُ " (‪ ، )4‬وأبو ىريرة روي اغبديث بواحدة ‪ ،‬وأبو سعيد روي اغبديث بزيادة عشرا‬
‫فال نرد ىذه الزيادة ألهنا من ثقة ول يعارض ّٔا رواية الثقات ‪.‬‬

‫صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم‬ ‫مثاؿ أخر ‪ :‬ما رواه السبعة من حديث أنس رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪َ " :‬كا َف النِ ُّ‬
‫َّيب َ‬
‫اػبَبائِ ِ‬ ‫ك ِمن ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َذا َد َخ َل ْ‬
‫ث " (‪ ، )5‬قاؿ ىنا إذا دخل اػبالء وىذا‬ ‫اػبُبُث َو ْ َ‬ ‫اػبََالءَ قَ َاؿ اللَّ ُه َّم إ ّْين أَعُوذُ ب َ ْ‬
‫الذكر يُشرع قبل الدخوؿ ال بعده ‪ ،‬وظاىر اغبديث أنو يقولوه بعد الدخوؿ ولكن ىذا ؾبانب‬
‫لصواب بل الصواب أف اؼبراد باغبديث إذا أراد أحدكم أف يدخل اػبالء ‪ ،‬والدليل على ىذا زيادة‬
‫عند البخاري يف األدب اؼبفرد فقاؿ حدثنا النعماف قاؿ حدثنا سعيد ابن زيد قاؿ حدثنا عبدالعزيز‬
‫ابن صهيب قاؿ حدثنا أنس قاؿ كاف النيب ﷺ إذا أراد أف يدخل اػبالء قاؿ " اللهم إين أعوذ‬

‫)‪ (1‬شرح النووي لصحيح مسلم ‪. 81/4‬‬

‫)‪ )2‬صحيح البخاري (‪. ) 806‬‬

‫)‪ )3‬صحيح البخاري (‪ ، ) 7438‬وصحيح مسلم (‪. ) 469‬‬

‫)‪ )4‬صحيح البخاري (‪ ، ) 7438‬وصحيح مسلم (‪. ) 469‬‬

‫)‪ )5‬صػ ػ ػ ػػحيح البخػ ػ ػ ػػاري (‪ ، )142‬وصػ ػ ػ ػػحيح مسػ ػ ػ ػػلم (‪ ، )857‬ومسػ ػ ػ ػػند أحمػ ػ ػ ػػد (‪ ، ) 11947‬وسػ ػ ػ ػػنن أبػ ػ ػ ػػي داود (‪ ، ) 4‬وسسػ ػ ػ ػػن الترمػ ػ ػ ػػذي ( ‪ ، ) 6‬وسػ ػ ػ ػػنن النسػ ػ ػ ػػائي ( ‪، ) 19‬‬

‫وسنن ابن ماجة (‪. ) 298‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 53‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫بك من اػببث واػببائث " (‪ )7‬فقولو " إذا أرد " زيادة من الثقة بني ّٔا رواية الثقات ول يُعارض ّٔا‬
‫رواية الثقات والزيادة من الثقة مقبوؿ وأزالت ىذه الزيادة اإلشكاؿ و﵁ اغبمد وقطعت اػبالؼ ‪،‬‬
‫فهذه قاعدة طيبة جليلة ال بد من االىتماـ ّٔا ‪.‬‬

‫صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم أ ُّ‬


‫َي‬ ‫ت النِ َّ‬
‫َّيب َ‬ ‫مثاؿ أخر ‪ :‬حديث ابن مسعود يف الصحيحني قاؿ ‪َ " :‬سأَلْ ُ‬
‫الص َالةُ َعلَى َوقْتِ َها " (‪ ، )2‬فرواية الصحيحني ىذه ربتمل أوؿ الوقت‬ ‫ب إِ َىل اللَّ ِو ؟ قَ َاؿ ‪َّ :‬‬ ‫الْ َع َم ِل أ َ‬
‫َح ُّ‬
‫‪ ،‬وأوسط الوقت ‪ ،‬وأخر الوقت ‪ ،‬ألنو قاؿ الصالة على وقتها ول وبدد شيئا من ذلك ‪ ،‬ولكن روي‬
‫ىذا اغبديث اإلماـ الرتمذي بسنده من طريق علي ابن حفص اؼبدائين وىو ثقة وزاد على رواية‬
‫(‪)3‬‬
‫الصالَةُ ِيف أ ََّوِؿ َوقْتِ َها " وىي عند اغباكم‬ ‫الثقات لفظة بينت اؼبراد وىي قولو ﷺ " َّ‬
‫والدارقطين (‪ )4‬والرتمذي (‪ )5‬من طريق ىذا الراوي ‪ ،‬ولذلك قاؿ اإلماـ الشنقيطي " والظاىر ثبوت‬
‫ىذه الزيادة " ‪.‬‬

‫‪ )51‬القاعدة الواحدة والخمسوف ‪ :‬الحديث الم نن كالحديث المعنعن في حكمو وشروطو ‪.‬‬
‫فما نقوؿ يف اغبديث اؼبعنعن تقوؿ مباشرة يف اغبديث اؼبؤنن ‪.‬‬

‫أف فالنا قاؿ ‪ ،‬فبدؿ من أف يقوؿ عن فالف يقوؿ " َّ‬


‫أف‬ ‫أف دبعين قاؿ َّ‬
‫والم نن ‪ :‬اسم مفعوؿ من َّ‬
‫فالف " ؛‬

‫واصطالحا ىو ‪ :‬قوؿ الراوي حدثنا فالف أف فالنا قاؿ كذا وكذا ‪.‬‬

‫‪ ‬ما حكم اغبديث اؼبؤنن ؟‬


‫‪ ‬نقوؿ حكمو كما قاؿ اإلماـ أضبد وغريه ىو يف حكم االتصاؿ إال من مدلس " ‪ ،‬فال تقبل‬
‫أنئنة اؼبدلس إال إذا صرح بالسماع ‪ ،‬فكلمة أ ّف كعن سباما ‪.‬‬

‫)‪ )1‬األدب الم رد للبخاري (‪ ، ) 692‬قاؿ األلباني في صحيح األدب الم رد ‪ " :‬صحيح " ‪.‬‬

‫)‪ )2‬صحيح البخاري (‪ ، ) 527‬وصحيح مسلم (‪. ) 264‬‬

‫)‪ )3‬مستدرؾ الحاكم (‪. ) 675 ، 674‬‬

‫)‪ )4‬سنن الدارقطني (‪. ) 968‬‬

‫)‪ )5‬سنن أبي داود (‪ ، )426‬من حديث أـ فروة ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 54‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )52‬القاعدة الثانية والخمسوف ‪ :‬معاصرة الراوي لمن روي عنو محمولة على االتصاؿ إال‬
‫من المدلس ‪.‬‬
‫وىذا ما يشرتطو اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ تعاىل ‪ ،‬وقد زاد اإلماـ البخاري على اإلماـ مسلم اللقاء بني‬
‫الراويني فال يكتفي اإلماـ البخاري دبجرد معاصرة الراوي دبن روي عنو ‪ -‬أي يكوف موجودا يف‬
‫عصره ‪ -‬ال بل ال بد أف يثبت لقائو بو وظباعو منو ‪ ،‬ولذلك صارت أحاديث البخاري يف صحيحو‬
‫أصح وأرفع شأنا يف مسألة الصحة من أحاديث اإلماـ مسلم ‪ ،‬والجمهور ما قرره اإلماـ مسلم من‬
‫أف اؼبعاصرة كافية يف قبوؿ الرواية إال إذا كاف الراوي ؿبكوما عليو بالتدليس فحينها ؾبرد اؼبعاصرة ال‬
‫تكفي بل ال بد أف نعلم أنو ظبع أو حدث ‪ ،‬فيقوؿ " ظبعت أو حدثين " فمثال لو قلنا روي ؿبمد‬
‫عن أضبد فالراوية مقبولة ألف كل من ؿبمد وأضبد يف عصر واحد فال يشرتط بعد ذلك يف صحة‬
‫اغبديث أف تبحث وتنقب ىل لقي ؿبمد أضبد أـ ال ؟ ألف اؼبعاصرة كافية ‪.‬‬

‫ولكن اإلماـ البخاري يشرتط مالقاة ؿبمد ألضبد ‪.‬‬

‫فإذا كاف أحد الراويني كمحمد أو أضبد أحدنبا مدلسا فمجرد اؼبعاصرة حينها ال تكفي بل ال بد‬
‫من التصريح بالسماع أو التحديث فنغلظ يف رواية اؼبدلس حت تنتفي عنو شبهة التدليس ‪ ،‬والقوؿ‬
‫الراجح قوؿ اعبمهور وىو االكتفاء باؼبعاصرة إال يف رواية اؼبدلس ‪.‬‬

‫‪ )53‬القاعدة الثالثة والخمسوف ‪ :‬سكوت أبي داود عن الحديث ال ي يد حسنو وال يعني عن‬
‫النظر في إسناده ‪.‬‬
‫فتجد أف كثريا من اؼبخرجني يقولوف " وسكت عنو اؼبنذري وأبو داود " ‪ ،‬وسكوت اؼبنذري سيأتينا‬
‫الكالـ عليو ‪.‬‬

‫‪ ‬ولكن ىل األحاديث اليت سكت عليو أبو داود تعد حسنة ؟‬


‫‪ ‬نقوؿ ‪ :‬ىو رضبو ا﵁ ل يصححها ول يضعفها ‪ ،‬وهبيب عن ىذا السؤاؿ إماـ أىل اغبديث‬
‫يف ىذا العصر الشي ؿبمد ابن ناصر الدين األلباين رضبو ا﵁ يف " سباـ اؼبنة " فقاؿ ‪" :‬‬
‫أُشتهر عن أيب داود أنو قاؿ يف حق كتابو السنن ما كاف يف كتايب ىذا من حديث فيو وىن‬
‫شديد بينتو وما ل أذكر فيو شيئا فهو صاحل (حسن ) " فاستنبط بعض أىل العلم أف‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 55‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫سكوتو يدؿ على حسن ما سكت عنو وصالحيتو لالحتجاج فقاؿ الشي األلباين "‬
‫فاختلف العلماء يف فهم مراد أيب دواد من قولو فهو صاحل ‪ ،‬فذىب بعضهم إىل أنو أراد أنو‬
‫حسن ُوبتج بو ‪ ،‬وذىب أخروف إىل أنو أراد ما ىو أعم من ذلك فيشمل ما وبتج بو وما‬
‫يستشهد بو وىو الضعيف الذي ل يشتد ضعفو ‪ ،‬وىذا (القوؿ الثاين ) ىو الصواب بقرينة‬
‫قولو "وما فيو وىن شديد بينتو "فإنو يدؿ قولو ىذا دبفهومو على أف ما كاف فيو وىن شديد‬
‫ال يُبينو فدؿ أنو ليس كل ما سكت عنو يكوف حسنا عنده ‪ ،‬ويشهد ؽبذا وجود أحاديث‬
‫كثرية عنده ال يشك عال يف ضعفها وىي فبا سكت عنها أبو داود " (‪ ، )7‬وكالمو رضبو‬
‫ا﵁ واضح وصريح ‪.‬‬
‫ومع ىذا فقد جري اإلماـ النووي رضبو ا﵁ على االحتجاج دبا سكت عنو أبو داود يف كثري من‬
‫عرج على مراجعة أسانيدىا فكثر تصحيح الضعيف عند اإلماـ النووي رضبو ا﵁ ‪،‬‬ ‫األحاديث ول يُ ّْ‬
‫وىذا القوؿ ىو الصحيح إف شاء وىو أف سكوت أيب داود ال يعترب ربسينا للحديث وال يغين عن‬
‫البحث يف إسناده وقد رجح ىذا صبع من العلماء ا﵀ققني أمثاؿ ابن َمْنده واإلماـ الذىيب وابن عبد‬
‫اؽبادي وابن كثري وغريىم ‪.‬‬

‫‪ )54‬القاعدة الرابعة والخمسوف ‪ :‬سكوت المنذري عن الحديث ال ي يد حسنو وال يعني عن‬
‫البحث في حالو ‪.‬‬
‫" يف حالو " أي الضعف ‪.‬‬

‫قاؿ اإلماـ الشي العالمة األلباين رضبو ا﵁ تعاىل ‪ " :‬األصل أنو ال هبوز إيراد اغبديث الضعيف إال‬
‫ببياف حالو كما سيأٌب بيانو ‪ ،‬ولذلك يظن بعضهم أف ما سكت عنو اؼبنذري يف الرتغيب والرتىيب‬
‫يدؿ على أنو غري ضعيف عنده وعليو جري الشي سيد سابق يف غري ما حديث وىو ذىوؿ عن‬
‫اصطالح اؼبنذري الذي صرح بو يف مقدمة كتابو " (‪ٍ )2‬ب نقل رضبو ا﵁ كالـ اإلماـ اؼبنذري رضبو‬
‫ا﵁ ‪.‬‬

‫)‪ )1‬تماـ المنة في التعليق على فقو السنة ( ‪. ) 27‬‬

‫)‪ )2‬تماـ المنة في التعليق على فقو السنة ( ‪. ) 30‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 56‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫فال يغرنك أيها القارئ قوؿ بعض اؼبخرجني " وىو حديث حسن لسكوت اؼبنذري عنو " ألف‬
‫سكوت اؼبنذري ال يعترب ربسينا للحديث بل ال بد من حبثو ‪.‬‬

‫‪ )55‬القاعدة الخامسة والخمسوف ‪ :‬رموز السيوطي في كتابو الجامع ال يُوثَ ُق بها ‪.‬‬
‫وكتابو اعبامع قد صبع فيو صبال كثرية تفوؽ تسعة آالؼ أو شبانية آالؼ حديث عن النيب ﷺ‬
‫وأكثر من ىذا ‪ ،‬وقد رمز رضبو ا﵁ لكل حديث بالضعف أو باغبسن أو بالصحة يف رموز بني مراده‬
‫منها يف أوائل اعبامع ؛ فهل يعتمد على ىذه الرموز ؟‬

‫نقوؿ ال يُعتمد على ىذه الرموز ‪ ،‬فال نقوؿ ورمز لو السيوطي بالصحة أي أنك تصحح اغبديث‬
‫ألف السيوطي رضبو ا﵁ قد رمز لو بالصحة فرموزه غري معتد ّٔا ‪.‬‬

‫قاؿ اإلماـ األلباين رضبو ا﵁ تعاىل يف كتابو " سباـ اؼبنة يف التعليق على فقو السنة " قاؿ ‪ " :‬اشتهر‬
‫أيضا بني كثري من العلماء االعتماد على رمز السيوطي رضبو ا﵁ للحديث بالصحة واغبسن أو‬
‫الضعف وتبعهم يف ذلك الشي سيد سابق ونري أنو (أي االعتماد على رموز السيوطي ) غري سائغ‬
‫لسببني ‪ -:‬األوؿ طروء التحريف على رموزه من النساخ فكثريا ما رأيت اغبديث فيو مرموزا لو‬
‫خبالؼ ما ينقلو شارحو اإلماـ اؼبناوي رضبو ا﵁ تعاىل ‪ ،‬ولذلك قاؿ بعض أىل العلم وأما ما يوجد‬
‫ُ‬
‫يف بعض النس من الرمز إىل الصحيح أو اغبسن والضعيف بصورة رأس صاد وحاء وضاء فال ينبغي‬
‫الوثوؽ بو لغلبة ربريف النساخ عليو ‪ ،‬والثانية أف السيوطي رضبو ا﵁ معروؼ بتساىلو يف التصحيح‬
‫والتضعيف فاألحاديث اليت صححها أو حسنها فيو قسم كبري منها ردىا عليو الشارح اؼبناوي وىي‬
‫ُ‬
‫تبلغ اؼبئات إف ل نقل أكثر من ذلك ‪ ،‬وكذلك وقع فيو أحاديث كثرية موضوعة مع أنو قاؿ يف‬
‫مقدمتو وصنتو عن ما تفرد بو وضاع أو كذاب فهذا يدؿ على أف السيوطي يتساىل يف تصحيح‬
‫اغبديث ‪،‬وقد تتبعتها بصورة سريعة وىي تبلغ األلف وتزيد قليال أو تنقص قليال وأرجوا أف أوفق‬
‫إلعادة النظر فيها وإجراء قلم التحقيق عليها وإخراجها لناس " (‪ )7‬اىػ رضبو ا﵁ ‪ ،‬وقد فعل رضبو‬
‫ا﵁ يف كتابني " صحيح اعبامع وزيادتو " و" ضعيف اعبامع وزيادتو " وىو من الكتب اليت ال بد أف‬
‫يقتنيها طالب العلم ‪.‬‬

‫)‪ )1‬تماـ المنة في التعليق على فقو السنة ( ‪. ) 29 - 28‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 57‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )56‬القاعدة السادسة والخمسوف ‪ :‬قوؿ بعض أىل العلم في حديث رواتو ثقات أو رجالو‬
‫رجاؿ الصحيح ال يعتبر تصحيحا للحديث ‪.‬‬
‫وذلك كقوؿ ا﵀دث اإلماـ اؽبيثمي يف " آّمع " وكذلك اؼبنذري رضبو ا﵁ يف " الرتغيب والرتىيب‬
‫" فإهنما يقوالف كثريا عن اغبديث رجالو ثقات أو موثوقوف أو رجالو رجاؿ الصحيح وىذه ال تعين‬
‫صحة اغبديث ألف ا﵀دث حكم على الرواة فقط وبقي اغبكم على اتصاؿ السند وعلى السالمة‬
‫من الشذوذ والعلة القادحة وىذا أمر معروؼ عند كثري من طالب العلم وإمبا أردت تأصيلو والتنبيو‬
‫عليو من باب الفائدة ؼبن ال يعلم ذلك ‪.‬‬

‫فقوؿ ا﵀دث ىذا حديث رجالو ثقات أو رجالو رجاؿ الصحيح أو رواتو ؿبتج بو يف الصحيح ىذا‬
‫كلو ال يُغين عن البحث يف اغبديث ألنو أعطانا شرطا واحدا من شروط اغبديث الصحيح وىو‬
‫ضبط الرواة فقط ‪ ،‬ولكن بقي شروط أخرى ال بد من النظر فيها ‪.‬‬

‫‪ )57‬القاعدة السابعة والخمسوف ‪ :‬الضعي إذا خال ت روايتو روايات الثقات فمنكرة ‪.‬‬
‫ولذلك نقوؿ إف الثقات إذا خالفهم أحد فال زبلوا من حاليتني ‪-:‬‬

‫إما أف ىبالفهم ثقة مثلهم ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬


‫إما أف ىبالفهم ضعيف ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فإذا خالف الثقات ثقة مثلهم فحديثو شاذ وقد تقدـ التأصيل فيو والتقعيد ‪.‬‬

‫وأما إذا خالف الثقات راو ضعيف فمخالفتو تسمي "منكرة " ‪.‬‬

‫فإف قيل أيها أشد الشاذ أـ اؼبنكر ؟‬

‫نقوؿ ال جرـ أنو اؼبنكر ‪ ،‬ألننا نرد روايتو لسببني ‪ -:‬ألنو ضعيف أصال ومع ضعفو خالف الثقات‬
‫فهي ظلمات بعضها فوؽ بعض ‪.‬‬

‫وأما ـبالفة الثقة لرواية الثقات فإننا نردىا لعلة واحدة وىي اؼبخالفة إذا لو ل توجد اؼبخالفة لقبلنا‬
‫حديثو ألنو حديث ثقة ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 58‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫فإف قيل لك ما الذي يقابل الشاذ ؟‬

‫نقوؿ يقابلو اغبديث ا﵀فوظ ‪.‬‬

‫وإف قيل لك وما الذي يقابل الرواية اؼبنكرة ؟‬

‫فقل اؼبعروؼ ‪ ،‬فإنو يقاؿ ىذا حديث منكر وىذا حديث معروؼ ‪.‬‬

‫فنقوؿ حينئذ إذا خالف رواية الثقة روايات الثقات فروايتو شاذة وروايتهم ؿبفوظة ‪ ،‬وإذا خالف‬
‫الضعيف رواية الثقات فروايتو منكرة ‪ ،‬وراويتهم معروفة ‪.‬‬

‫وأضرب مثاؿ على المنكر ‪:‬‬

‫ما رواه ابن أيب حاًب من طريق حبيب ابن حبيب وىو أخو ضبزة ابن حبيب الزيات اؼبقرئ اؼبعروؼ‬
‫الصال َة ‪،‬‬ ‫عن أيب إسحاؽ عن العيزار ابن ُحريث عن ابن عباس عن النيب ﷺ قاؿ " َمن أ َ‬
‫َقاـ َّ‬
‫َّيف ‪َ ،‬د َخ َل اعبَنَّةَ " (‪. )7‬‬
‫صاـ َرَمضا َف ‪َ ،‬وقَػَرى الض َ‬
‫يت ‪َ ،‬و َ‬ ‫َوآتَى َّ‬
‫الزكا َة ‪َ ،‬و َح َّج البَ َ‬
‫قاؿ أبو حاًب " ىو حديث منكر ؛ ألف غريه من الثقات رواه عن أيب إسحاؽ موقوفا وىو اؼبعروؼ‬
‫(‪)2‬‬
‫وا﵁ أعلم " ‪.‬‬

‫وىذه نكارة يف السند ألف النكارة قد تكوف يف السند تارة ‪ ،‬وقد تكوف اؼبنت تارة ‪.‬‬

‫‪ )58‬القاعدة الثامنة والخمسوف ‪ :‬ما كاف في إسناده متروؾ فهو متروؾ ‪.‬‬
‫والحديث المتروؾ ‪ :‬ىو اغبديث الذي يرويو رجل متهم بالكذب ‪ ،‬ألنو لو كاف كذابا لقلنا‬
‫موضوع ‪ ،‬ولكنو متهم بالكذب فيكوف حديثو مرتوكا ‪ ،‬وقد أصبع علماء اغبديث على أف ىذا‬
‫اغبديث ضعيف بل شديد الضعف ‪ ،‬وىذا القادح حصل يف عدالتو ومن مهمات علم اغبديث أف‬
‫تعرؼ من حكم العلماء النقاد بأنو مرتوؾ ‪ ،‬وفي ذلك صبال من الكتب تعرفك باؼبرتوكني ككتاب‬
‫اإلماـ النسائي ‪ ،‬والدارقطين اؼبسميني بػ " الضعفاء واؼبرتوكني " فإذا رأيت يف إسناد من األسانيد‬

‫)‪ )1‬علل الحديث البن أبي حاتم (‪. ) 2043‬‬

‫)‪ )2‬نزىة النظر في توضيح نخبة ال كر في مصطلح أىل األثر ( ‪. ) 86‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 59‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫رجل يقاؿ لو عمر ابن ىاروف فاحكم علي اإلسناد واغبديث بأنو مرتوؾ ‪ ،‬وىذا الرجل يستدؿ بو‬
‫صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم يَأْ ُخ ُذ ِم ْن ِغبْيَتِ ِو ِم ْن‬ ‫من يأخذ من غبيتو فقد روي حديثا مرفوعا " َكا َف النِ ُّ‬
‫َّيب َ‬
‫وؽبَا " (‪ )7‬كما رواه الرتمذي وغريه ‪ ،‬وىذا اغبديث مرتوؾ ألف يف إسناده مرتوؾ ‪ ،‬واؼبتقرر‬ ‫عر ِضها وطُ ِ‬
‫َْ َ َ‬
‫أف رواية اؼبرتوؾ مرتوكة ‪.‬‬

‫السدي األصغر فاعرؼ أف ىذا‬ ‫وكذلك إذا رأيت يف حديث رجال يقاؿ لو ؿبمد ابن مرواف ُ‬
‫اغبديث مرتوؾ ‪ ،‬بل قيل إف ىذا الرجل حديثو موضوع ‪ ،‬فالبد لطالب العلم أف يتعرؼ ولو من‬
‫باب اإلصباؿ على صبال من أظباء اؼبرتوكني ووبفظهم حت إذا نظر يف أسانيد األحاديث فوجد رجال‬
‫منهم يتبني أف ىذا اغبديث شديد الضعف ‪.‬‬

‫‪ )59‬القاعدة التاسعة والخمسوف ‪ :‬اتصاؿ اإلسناد في رواية الثقة زيادة يجب قبولها‪.‬‬
‫وبيانها أف نقوؿ إف الثقات إذا رووا حديثا موقوفا على صحايب فروايتهم موقوفة ‪ ،‬ثم جاء ثقة أخر‬
‫ورفع ىذا اغبديث إىل النيب ﷺ فهذا يعترب زيادة من ثقة ؛ والزيادة من الثقة مقبولة ما ل‬
‫ىبالف الثقات وىنا ل ىبالف الثقات فزيادتو ىذه يف اإلسناد مقبولة ألهنا زيادة من ثقة ‪ ،‬فإذا روي‬
‫الثقات شيئا موقوفا على صحايب أو تابعي ٍب رفعو ثقة أخر فإف رفعو زيادة تعترب مقبولة ‪ .‬ومثالها ‪:‬‬
‫حديث رواه بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن عباس قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ﷺ ‪ " :‬ال رضاع‬
‫إال ما كاف يف اغبولني " (‪ ، )2‬قاؿ ؾبد الدين بن تيمية رضبو ا﵁ يف اؼبنتقي ‪ " :‬رواه الدارقطين ‪...‬‬
‫وقاؿ ‪ ...‬ل يُسنده عن بن عيينة غري اؽبيثم بن صبيل وىو ثقة حافظ ‪ -‬أي ل يرفعو إىل النيب‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬فالرفع من الثقة زيادة هبب قبوؽبا‬ ‫ﷺ من الثقات إال ىذا الرجل ‪ -‬فقبل العلماء رفعو "‬
‫ويتبني لنا ّٔذا أف زيادة الثقة ال تكوف يف اؼبنت فقط ‪ ،‬بل تكوف يف اؼبنت ويف اإلسناد ‪.‬‬

‫)‪ )1‬سنن الترمذي ( ‪. ) 2762‬‬

‫)‪ )2‬سنن الدارقطني (‪. ) 4364‬‬

‫(‪ ) 3‬المنتقى في األخبار الشرعية من كالـ خير البرية ‪ ،‬للمجد بن تيمية ‪ ،‬ص حة ( ‪ ، ) 664‬تحقيق ‪ :‬طارؽ عوض اي ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 61‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )60‬القاعدة الستوف ‪ :‬كل حديث ثبت بالبرىاف انقالبو على راويو فهو ضعي ‪.‬‬
‫وىذه القاعدة زبص نوعا من أنواع اغبديث يسمي باغبديث المقلوب وىو ‪ :‬إبداؿ لفظ بأخر يف‬
‫سند اغبديث أو متنو بتقدمي أو تأخري ‪.‬‬

‫وينقسم المقلوب إلى قسمين ‪:‬‬

‫مقلوب اإلسناد ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬


‫مقلوب اؼبنت ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ومقلوب السند ىو ‪ :‬ما وقع القلب فيو يف سنده إما بتقدمي را ٍو وتأخري را ٍو أخر ‪ ،‬أو أف يبدؿ‬
‫راويا برا ٍو أخر أصال ‪.‬‬

‫مثالو ‪:‬‬

‫أف يأتينا حديث عن سال عن ابن عمر فيأٌب الراوي يف من دونو فيبدؿ اغبديث فيجعلو من رواية‬
‫نافع عن ابن عمر ‪ ،‬فنافع أثبت يف ابن عمر من سال ‪ ،‬وقد كاف يُعرؼ رجل ّٔذا القلب اظبو "‬
‫ضباد بن عمر ِ‬
‫النصييب " وقد أطلق عليو العلماء سراؽ اغبديث ‪.‬‬

‫ومثاؿ أخر ‪:‬‬

‫وىو حديث رواه ضباد النصييب عن األعمش عن أيب صاحل عن أيب ىريرة مرفوعا ‪ " :‬إذا لقيتم‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬فهذا اغبديث ّٔذا السند ضعيف ألنو مقلوب فقد‬ ‫اؼبشركني يف طريق فال تبدؤوىم بالسالـ "‬
‫قلبو ضباد فجعلو عن األعمش وىذا اغبديث معروؼ من رواية ُسهيل ابن أيب صاحل عن أبيو عن أيب‬
‫ىريرة فهو من مسند ُسهيل وليس من مسند األعمش ولكن جاء ىذا الرجل وأدخل األعمش بدال‬
‫من سهيل فهذا حديث مقلوب وىو حديث ضعيف ألف اغبديث اؼبقلوب ضعيف ‪.‬‬

‫(‪َ ) 1‬ى ِذهِ الطريق المقلوبة ِعقن َد العقيلي ‪ ، 308/1‬وأنظر [ شرح التبصرة والتذكرة ] للحافظ العراقي ‪. 320/1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 61‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫مع كوف ىذا اغبديث يف صحيح اإلماـ مسلم ولكن ليس من رواية النصييب ىذا وإمبا من رواية‬
‫(‪)7‬‬
‫سهيل ابن أيب صاحل عن أبيو عن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ‪.‬‬

‫ومقلوب المتن قرر العلماء أف لو صورتني ‪-:‬‬


‫أف ي ِ‬
‫قدـ الراوي ويؤخر يف لفظ اغبديث ‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ُ‬
‫ومثالو ‪:‬‬

‫حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو يف السبعة الذين يظلهم ا﵁ يف ظلو يوـ ال ظل إال ظلو ‪ ،‬فقد‬
‫انقلب ىذا اغبديث على بعض الرواة مع كونو يف الصحيحني ولكن ىذه الرواية اؼبقلوبة ضعيفة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬فهي رواية ضعيفة ألهنا‬ ‫فقاؿ يف ‪ " :‬رجل تصدؽ بصدقة حت ال تعلم يبينو ما تنفق مشالو "‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫مقلوبة ‪ ،‬ورواية الثقات " حت ال تعلم مشالو ما تنفق يبينو "‬

‫ب‪ -‬أف يقلب صبلة كاملة جبملة ‪.‬‬


‫ومثالو‪:‬‬

‫كقوؿ اإلماـ ابن القيم يف حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو قاؿ ‪ :‬قاؿ النيب ﷺ ‪ " :‬إذا سجد‬
‫أحدكم فال يربؾ كما يربؾ البعري وليضع يديو قبل ركبتيو " (‪ ، )4‬قاؿ اإلماـ ابن القيم ‪َ " :‬وَكا َف يَػ َق ُع‬
‫ض ْع ُرْكبَتَػْي ِو‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َصلُوُ َولَ َعلّوُ " َولْيَ َ‬ ‫ب َعلَى بَػ ْع ِ ّ‬
‫الرَواة َمْتػنُوُ َوأ ْ‬ ‫ِيل أَ ّف َحد َ‬
‫يث أَِيب ُىَريْػَرَة َك َما ذَ َك ْرنَا فبّا انْػ َقلَ َ‬
‫قَػْب َل يَ َديْ ِو " " (‪. )5‬‬

‫وكالـ اإلماـ ابن القيم وإف كاف فيو شيء من النظر وإمبا نريد التمثيل فقط ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬أنظر [ شرح التبصرة والتذكرة ] للحافظ العراقي ‪. 320/1‬‬

‫(‪ ) 2‬صحيح مسلم ‪ ،‬برقم (‪. ) 2427‬‬

‫(‪ ) 3‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪ ، ) 660‬وسنن الترمذي ‪ ،‬برقم (‪ ، ) 2391‬ومسند أحمد ‪ ،‬برقم (‪. ) 9665‬‬

‫(‪ ) 4‬سنن أبي داود ‪ ،‬برقم ( ‪. ) 840‬‬

‫(‪ ) 5‬زاد المعاد في ىدي خير العباد ‪. 226/1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 62‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ومن أمثلة الحديث المقلوب أيضا ‪:‬‬


‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫من حديث‬ ‫وابن حباف‬ ‫وابن خزيبة‬ ‫ما انقلب على بعض الرواة يف ما رواه اإلماـ أضبد‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬وصواب اغبديث‬ ‫أُنيسة مرفوعا ‪ " :‬إذا أذف ابن أـ مكتوـ فكلوا واشربوا حت يؤذف بالؿ "‬
‫يف الصحيحني من حديث عائشة وابن عمر رضي ا﵁ عنهما مرفوعا ‪ " :‬إف بالال يؤذف بليل فكلوا‬
‫واشربوا حت يؤذف ابن أـ مكتوـ " (‪ ، )5‬فاألذاف الذي ينقطع بو األكل والشرب يف اغبديث ىو‬
‫أذاف ابن أـ مكتوـ فهنا انقلب على الراوي ‪.‬‬

‫ومن أمثلتو أيضا ‪:‬‬

‫ما راوه اإلماـ الطرباين (‪ )6‬من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو مرفوعا ‪ " :‬فَِإ َذا أ ََم ْػرتُ ُك ْم بِ َش ْػي ٍء فَػأْتُوهُ ‪،‬‬
‫اس ػػتَطَ ْعتُ ْم " ‪ ،‬فه ػػذا اغب ػػديث منقل ػػب ‪ ،‬ف ػػإف اؼبع ػػروؼ م ػػا يف‬ ‫وإِ َذا نَػهي ػػتُ ُكم ع ػػن َش ػػي ٍء فَ ػ ِ‬
‫ػاجتَنبُوهُ َم ػػا ْ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ ْ َ ْ ْ‬
‫اسػتَطَ ْعتُ ْم " (‪، )7‬‬ ‫ِ‬ ‫الصحيحني بلفظ " فَِإ َذا نَػهيتُ ُكم عن َشي ٍء فَ ِ‬
‫اجتَنبُوهُ َوإِ َذا أ ََم ْرتُ ُك ْم بِأ َْم ٍر فَػأْتُوا مْنػوُ َمػا ْ‬
‫َْ ْ َ ْ ْ ْ‬
‫فاالستطاعة ليست معلقة بالرتؾ ‪،‬وإمبا معلقة دبا يُفعل ‪.‬‬
‫‪ ‬مسألة ‪ :‬ما حكم قلب األحاديث ؟‬
‫نقوؿ ال هبوز تعمده إصباعا إال إذا كاف اؼبقصود منو االمتحاف مع وجوب تعديل األحاديث ورد‬
‫األسانيد واؼبتوف إىل صوأّا قبل التفرؽ من آّلس ‪ ،‬ويستدلوف على ذلك دبا فعل أىل بغداد مع‬
‫اإلماـ البخاري رضبو ا﵁ تعاىل ‪.‬‬

‫ادي بَِال ٌؿ ‪ -‬أَو ابن أُ ةـ مكقت ٍ‬


‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وـ ‪. " -‬‬‫ق قُ َ ُ‬ ‫(‪ ) 1‬مسند أحمد ‪ ،‬برقم (‪ ) 27441‬بل ظ ‪ " :‬إ َف ابق َن أُ ةـ َمكقتُوـ ‪ -‬أ قَو ب َال ًال ‪ -‬يُػنَادي بلقَي ٍل فَ ُكلُوا َوا قش َربُوا َحتَى يُػنَ َ‬
‫ادي بِال ٌؿ ‪ ،‬أَ ِو ابن أُ ةـ مكقت ٍ‬ ‫(‪ ) 2‬صحيح ابن خزيمة ‪ ،‬برقم (‪ ، )405‬بل ظ ‪ " :‬إِ َف ابن أُ ةـ مكقت ٍ‬
‫وـ " ‪.‬‬‫قُ َ ُ‬ ‫ادي بِلقَي ٍل ‪ ،‬فَ ُكلُوا َوا قش َربُوا َحتَى يُػنَ ِ َ َ‬
‫وـ ‪ ،‬أَو بِالَالً يػنَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫قَ َ ُ‬

‫(‪ ) 3‬صحيح ابن حباف ‪ ،‬برقم (‪ ، )3474‬بل ظ ‪ " :‬ذا أذف ابن أـ مكتوـ فكلوا واشربوا وإذا أذف بالؿ فال تأكلوا وال تشربوا " ‪.‬‬

‫(‪ ) 4‬المعجم الكبير للطبراني ‪ ،‬برقم ( ‪. ) 482‬‬

‫(‪ ) 5‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪. ) 623/622‬‬

‫(‪ ) 6‬المعجم الكبير للطبراني ‪ ،‬برقم ( ‪. ) 553‬‬

‫(‪ ) 7‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪ ، )7288‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم (‪. )6259‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 63‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫وىناؾ لفظة يف القاعدة مهمة جدا وىي قولنا ‪ " :‬ثبت بالربىاف انقالبو " ‪ ،‬نست يد منها أنو ال‬
‫تقبل دعوي االنقالب إال بالربىاف ‪ ،‬إذا ليس كل أحد من العلماء يدعي أف ىذا اغبديث قد‬
‫انقلب على صاحبو تكوف دعواه مقبولة إال إذا ثبت بالسرب والتتبع والنظر أف دعواه صحيحو ألنػ[‬
‫األصل عدـ االنقالب ] ‪ ،‬واألصل اؼبتقرر ىو [ وجوب البقاء على األصل حت يرد الناقل ] ‪.‬‬

‫‪ )61‬القاعدة الواحدة والستوف ‪ :‬االضطراب في الحديث علة لضع و إال إف أمكن الجمع أو‬
‫الترجيح بين أوجهو ‪.‬‬
‫وىذه القاعدة يف اغبديث " اؼبضطرب " ‪ ،‬وىو ‪ :‬اغبديث اؼبروي على أوجو ـبتلفة ال يبكن اعبمع‬
‫وال الرتجيح بينها ‪.‬‬

‫فقولو ‪ " :‬على أوجو " ‪ ،‬ىذا قيد يف التعريف ىبرج ما ال اختالؼ فيو أصال ‪ ،‬فما ل يُروي إال‬
‫بإسناد ووجو واحد فهذا حديث مستقيم وليس دبضطرب ‪.‬‬

‫وقولو ‪ " :‬على أوجو ـبتلفة " ‪ ،‬يخرج اغبديث اؼبروي على أوجو ولكن يبكن اعبمع بينها أو‬
‫الرتجيح بينها ‪.‬‬

‫ولذلك قالوا ‪ " :‬وال يبكن اعبمع وال الرتجيح بينها " ‪ ،‬وقد أفادنا أىل العلم بذلك فقالوا ‪ :‬أف‬
‫االضطراب الذي يعترب سببا لضعف اغبديث ىو اختالؼ األوجو اختالفا على حاؿ ال يبكن مطلقا‬
‫أف قبمع بينها وال أف نرجح بني أوجهها ‪ ،‬فليس كل اضطراب يعترب قادحا ‪ ،‬وإنما االضطراب‬
‫الذي يعترب قادحا ىو ما ال يبكن اعبمع أو الرتجيح بني أوجهو ‪.‬‬

‫قاؿ اإلماـ ابن الصالح ‪ " :‬اؼبضطرب من اغبديث ىو الذي زبتلف الرواية فيو فريويو بعضهم على‬
‫وجو ‪ ،‬وبعضهم على وجو أخر ـبالف لو ‪ ،‬وإمبا نسميو مضطربا إذا تساوت الروايتاف وأما إذا‬
‫ترجحت إحدانبا حبيث ال تقاومها األخرى بأف يكوف غري راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي‬
‫عنو أذلك من وجوه الرتجيحات اؼبعتمدة فاغبكم لراجحة وال يطلق عليو حينئذ وصف اؼبضطرب‬
‫(‪)7‬‬
‫اىػ ‪.‬‬ ‫وال لو حكمو "‬

‫(‪ ) 1‬مقدمة ابن الصالح ‪ ،‬ص حة ( ‪. ) 269‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 64‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬فباف لنا بذلك أف الحديث ال يوص باالضطراب إال بثالثة شروط ‪-:‬‬
‫‪ -7‬أف يكوف ـبتلفا على عدة ٍ‬
‫أوجو ‪.‬‬
‫أف تكوف تلك األوجو ـبتلفة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أف ال يبكن اعبمع وال الرتجيح بينها لشدة اختالفها أو لتساويها ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وقد قرر العلماء أف االضطراب قد يقع يف اؼبنت تارة ‪ ،‬وقد يقع يف اإلسناد تارة أخرى (‪ ، )7‬وكال‬
‫(‪)2‬‬
‫ا﵀لني سبب لضعف الرواية ‪.‬‬

‫‪ )62‬القاعدة الثانية والستوف ‪ :‬المختلة الضعي روايتو ضعي ة باألصالة ‪.‬‬


‫وىذه القاعدة تتكلم عن حديث " اؼبختلط " ‪.‬‬

‫‪ ‬حديث المختلة ال يخلوا من حالتين ‪-:‬‬


‫أف يكوف ضعيفا أصال واختلط يف أخر حياتو ‪ ،‬فجمع بني علتني الضعف ‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫واالختالط ‪ ،‬فاختالط ىذا النوع ال يؤثر ألف حديثو مردودا أصال ‪ ،‬ولذا نقوؿ ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬فهنا يرد إذ عظم البالء ألنو كاف مردودا‬ ‫حديث اؼبختلط الضعيف باألصالة‬
‫بسبب ضعفو أصال ٍب زاد الطني بلة بأف اختلط ظلمات بعضها فوؽ بعض ‪ ،‬فإذا كنا‬
‫نرده بسبب ضعفو فكيف بكونو ضعيف وـبتلط فرده من باب أوىل ‪.‬‬
‫اؼبختلط الذي كاف ثقة وىذا النوع ينقسم إلى قسمين ‪-:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أف يكوف خلطو يسريا ‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬أف يكوف خلطو كثريا ‪.‬‬
‫(‪ )7‬فالثقة إذا اختلط وكاف خلطو يسريا فإف الخلة اليسري غري اؼبقصود وال اؼبتعمد ال يعترب‬
‫وال يعد قادحا فيو ‪ ،‬ولذلك من الثقات من توقف عن التحديث ؼبا رأي أف يف حديثو‬
‫شيئا من اػبلط حت ال يوجب رد روايتو السابقة ‪ ،‬فه الء يقبل حديثهم وإف وصفوا‬

‫(‪ ) 1‬قاؿ ابن الصالح في مقدمتو ‪ " :‬إف االضطراب قد يقع في اإلسناد وقد يقع في المتن " [مقدمة ابن الصالح ‪ ،‬ص حة ( ‪. ] ) 270‬‬

‫)‪ - ) 2‬األمثلة مذكورة في "البيقونية " و "النخبة " ‪.‬‬

‫(‪ ) 3‬أي أنو من أصلو ضعي ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 65‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫باالختالط ؛ ألف اختالطهم قصري الزماف يسري الوقوع ‪ ،‬فقصير الزماف ألهنم توقفوا ‪،‬‬
‫ويسير الوقوع إذا ىو بعد التتبع واالستقراء كاف يعد على األصابع ليس كثريا ‪.‬‬
‫الثقة الذي اختلط وكاف اختالطو كثريا قسمو أىل العلم إىل ثالثة أقساـ باعتبار من‬ ‫(‪)2‬‬
‫ظبع منو ال باعتبار اختالطو ىو ‪ ،‬فإف الذي يسمع منو ال يخلو من ثالث حاالت‬
‫‪-:‬‬
‫أف قبزـ أف ظباعو منو كاف قبل االختالط ‪ ،‬فروايتو عن اؼبختلط الثقة قبل االختالط‬ ‫(أ)‬
‫مقبولة لعدـ وجود العلة اؼبوجبة لردىا ‪.‬‬
‫(ب) رواة قبزـ جزما أهنم ما ظبعوا منو إال بعد االختالط ‪ ،‬ف ي ىذه اغبالة روايتهم مردودة‬
‫ألف االختالط يف الراوي سبب لرد مرويو ‪.‬‬
‫(ت) رواة رووا عن ىذا اؼبختلط الثقة ‪ ،‬ولكن ال ندرى عن زمن روايتهم عنو ألننا لو جزمنا‬
‫أف روايتهم عنو قبل االختالط عبزمنا بقبوؽبا ‪ ،‬ولو جزمنا أف روايتهم عنو بعد االختالط‬
‫عبزمنا بردىا ‪ ،‬ولكننا ىنا شككا يف وقت ظباعهم فال ندرى أظبعوا منو ىذا اغبديث‬
‫قبل االختالط أـ بعد االختالط ؛ ف ي ىذه اغبالة – أي حالة الشك ‪ -‬ال نرد مطلقا‬
‫وال نقبل مطلقا ‪ ،‬وإنما توقف روايتو على التبني والتثبت حت تتبني ‪ ،‬ونسرد ؼبا ًب بيانو‬
‫ىذه القواعد يف اؼبختلط ‪.‬‬
‫‪ )63‬القاعدة الثالثة والستوف ‪ :‬المختلة الثقة ال تقبل الرواية عنو إال قبل االختالط ال بعده ‪.‬‬
‫والكالـ ىنا عن من اختلط كثريا كما سبق بيانو ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 66‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫في قبوؿ الرواية عن المختلة الثقة مع الشك في‬ ‫‪ )64‬القاعدة الرابعة والستوف ‪ :‬يُتوق‬
‫زماف التحمل عنو ‪.‬‬
‫‪ ‬وأسباب االختالط لو عدة أسباب فمنها ‪-:‬‬
‫من الرواة من اختلط بسب كربه ‪ ،‬قاؿ ا﵁ ﴿ َوِمْن ُك ْم َم ْن يػَُرُّد إِ َىل أ َْرذَ ِؿ الْعُ ُم ِر لِ َك ْي َال‬ ‫‪-7‬‬
‫يَػ ْعلَ َم بَػ ْع َد ِع ْل ٍم َشْيئًا ﴾ (‪ ، )7‬وىو ما يسميو ا﵀دثوف بػ[ اختالط اػبرؼ ] ‪ ،‬وفي زمننا‬
‫اؼبعاصر يسمي بػ[ الزىايبر ] ‪ ،‬كما قيل يف حق عطاء بن السائب رضبو ا﵁ تعاىل ‪.‬‬
‫يكوف بسبب احرتاؽ كتبو ‪ ،‬كما قيل يف حق عبدا﵁ بن ؽبيعة رضبو ا﵁ ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫يكوف بسبب عمى البصر ال عمى البصرية ‪ ،‬كما قيل يف حق اإلماـ عبدالرزاؽ بن نباـ‬ ‫‪-3‬‬
‫الصنعاين رضبو ا﵁ ‪.‬‬
‫ومنهم من اختلط ؼبا تويل منصب القضاء ‪ ،‬كحفص بن غياث النخعي ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ومنهم من اختلط بسبب علة أصابتو ؛ كسهيل بن أيب صاحل فقد أصابتو شجة يف رأسو‬ ‫‪-5‬‬
‫فاختلط ‪.‬‬
‫ومنهم من اختلط بسبب مصيبة نزلت عليو ؛ ك قد ولد أو فقد عزيز عليو ؛ كما قيل‬ ‫‪-6‬‬
‫يف ؿبمد بن عبد القادر اغبنبلي إنو اختلط بسبب موت ولده ‪.‬‬
‫‪ ‬وبهذا الت صيل يتبني لنا أف األمر يف اؼبختلط على ىذا النحو اؼبذكور و﵁ اغبمد ‪.‬‬
‫س بمعتبر‬ ‫َ‬ ‫‪ )65‬القاعدة الخامسة والستوف‪ :‬متى توبِ َع سيء الح ظ والمستور‬
‫والمرس ُل والمدل ُ‬
‫َ‬
‫صار حديثهم حسنا لعيره ال لذاتو ‪.‬‬
‫وىذه من قواعد اإلماـ ابن حجر رضبو ا﵁ تعاىل يف " لببة الفكر " ‪ ،‬فقد أفادنا فيها اإلماـ اغبافظ‬
‫رضبو ا﵁ تعاىل أف منو أنواعا فبا حكمنا عليو بأنو ضعيف أفادنا بأهنا قد تتقوى بورود متابع ؽبا ‪،‬‬
‫وىذا التخصيص يفيدنا بأف ىناؾ من أنواع الضعف ما ال ينجرب مطلقا ‪.‬‬

‫قولهم ‪" :‬سيء اغبفظ" ‪ ،‬ىذا تنفع فيو اؼبتابعات والشواىد ‪ ،‬و" المستور " ‪ :‬ىو ؾبهوؿ العدالة‬
‫ويتقوى إذا وجد شاىد أو متابع لو ‪.‬‬
‫َ‬ ‫يف الباطن فهذا أيضا يُقو ِى‬

‫(‪ ) 1‬سورة النحل ‪. 70 :‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 67‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫وكذلك إذا أرسل أحد الضعفاء حديثا ٍب ُروي موصوال من طريق آخر فال جرـ أف ىذا يُعترب تقوية‬
‫لو ‪.‬‬

‫وكذلك من رددنا روايتو بسبب تدليسو إذا ُروي من طريق آخر من غري ىذا اؼبدلس فحينئذ روايتو‬
‫تكوف صحيحة معتربة ‪.‬‬

‫وما أقرب ىذه القاعدة بالقواعد اليت سبقت اغبديث الضعيف ؛ أف من اغبديث ما ينجرب ‪ ،‬ومن‬
‫اغبديث الضعيف ما ال ينجرب ‪.‬‬

‫‪ )66‬القاعدة السادسة والستوف ‪ :‬تعليق الحديث موجب لرده إال إف كاف لو في الحقيقة‬
‫إسناد صحيح ولكن حذؼ اختصارا ‪.‬‬
‫والحديث المعلق ىو ‪ :‬ما حذؼ من أخر إسناده را ٍو أو أكثر وىو غالب روايات الناس اليوـ ‪.‬‬

‫وحكمو ‪ :‬أنو مردود ؛ ألنو فقد شرطا من شروط القبوؿ وىو ‪ " :‬اتصاؿ السند " ‪ ،‬وذلك حبذؼ‬
‫را ٍو فأكثر من إسناده ؛ مع عدـ علمنا حباؿ ذلك الراوي ‪.‬‬

‫‪ ‬فإف قيل وىل ُوبكم على كل حديث معلق بأنو ضعيف مطلقا ؟‬
‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬ألف يف القاعدة استثناء قاؿ ‪ " :‬إال إذا كاف لو إسناد صحيح ‪ ،‬ولكن حذفو اإلنساف‬
‫اختصار " فإف كاف لو إسناد صحيح سبكن دراستو ومعلوـ ‪ ،‬ولكن كاف سبب اغبذؼ ؾبرد‬
‫اختصار اللفظ للحديث ؛ فهذا ال بأس بو ؛ فالتعليق جائز إذا كاف للحديث إسناد صحيح ؛‬
‫وكاف اؼبقصود من اغبذؼ ؾبرد االختصار ‪.‬‬

‫‪ )67‬القاعدة السابعة والستوف ‪ :‬تجوز رواية الحديث بالمعنى بشروطها " أو "بشرطها "‬
‫كالىما صواب ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد اشترط العلماء جمال من الشروط من أىما ما يلي ‪-:‬‬
‫أف تكوف الرواية باؼبعن من رجل عارؼ دبعناه وبدالالت اللغة وما ُوبيل الكالـ عن‬ ‫‪-7‬‬
‫معناه ‪ ،‬وبناء على ىذا الشرط أف تكوف الرواية باؼبعن من عارؼ دبعناه – أي اغبديث‬
‫‪ -‬وبدالالت اللغة وما ُوبيل الكالـ عن معناه ؛ وبناء على اشرتاط ىذا الشرط فال هبوز‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 68‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫للعامي الذي هبهل دالالت اللغة ومرتادفات األلفاظ ال هبوز لو أف يروي اغبديث‬
‫باؼبعن ‪.‬‬
‫أف تدعوا الضرورة لو ‪ ،‬بأف يكوف الراوي إما ناسيا للفظ وحافظا ؼبعناه ‪ ،‬أو كاف‬ ‫‪-2‬‬
‫اغبديث يشتمل على بعض األلفاظ اليت يعسر فهمها على العامة ‪ ،‬فحينها ترويو باؼبعن‬
‫لكي يفهموا اغبديث ‪ ،‬فمن ىنا نعلم أنو البد من قياـ الضرورة أو اغباجة ‪ ،‬بل لو كاف‬
‫اؼبخاطب أعجميا وال يفقو اللغة العربية فيجوز نقل اغبديث لو باؼبعن ‪.‬‬
‫أف ال يكوف اللفظ متعبدا بذاتو ؛ كألفاظ األذكار وكبوىا ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أف ال تكوف الرواية باؼبعن ُِـبلة بأصل اؼبعن ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أف ال يكوف اغبديث واردا يف بياف صفة عبادة معينة ؛ كاألحاديث اؼبروية يف صفة‬ ‫‪-5‬‬
‫الصالة فال تروى باؼبعن ‪ ،‬أو األحاديث الواردة يف صفة اغبج ال تروى باؼبعن ‪ ،‬أو‬
‫األحاديث الواردة يف بياف صفة صالة الكسوؼ أو اػبسوؼ فكل ىذا ال ترويو باؼبعن‬
‫بل ترويو بلفظو ‪.‬‬
‫أف ال يكوف اغبديث من جوامع الكلم ‪ ،‬ألنك إف رويتو باؼبعن فستخرجو عن إعجازه‬ ‫‪-6‬‬
‫وعن معناه ‪ ،‬ألف جوامع الكلم ىو ذلك اغبديث الذي يشتمل ويدخل يف طياتو معاف‬
‫كثريا فبأي معن ستعرب عن ىذا اغبديث !؟ فال شك أف رواية اؼبعن ستكوف مقصرة يف‬
‫بياف معناه ‪.‬‬
‫‪ ‬تنبيو لطي ىنا ‪:‬‬
‫وىي أنك إذا رويت حديثا باؼبعن فالبد أف تقرف روايتك ىذه بلفظ يُشعر السماع أنك رويتو باؼبعن‬
‫؛ كقولك مثال ‪ " :‬أو ما يف معناه " ‪ ،‬أو تقوؿ ‪ " :‬أو كما قاؿ الرسوؿ ﷺ " ‪ ،‬وكبوىا من‬
‫العبارات من باب إبراء الذمة ‪.‬‬

‫‪ )68‬القاعدة الثامنة والستوف ‪ :‬تصح الرواية بالوجادة بشرطها ‪.‬‬


‫والوجادة ىي ‪ :‬أف هبد التلميذ كتابا أو بعض مرويات الشي ‪ ،‬وقد ذكرنا سابقا أف الوجادة طريق‬
‫من طرؽ التحمل ‪ ،‬ولكننا قلنا يف القاعدة " بشرطها " ؛ وشرطها ‪ :‬أف يكوف خط الشي معروفا‬
‫واضحا ال لبس فيو وال خفاء ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 69‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )69‬القاعدة التاسعة والستوف ‪ :‬إنكار الراوي لمرويو جزما وقطعا تعلل بو الرواية ؛ وإف كاف‬
‫احتماال أو نسيانا فال تُعلل بو الرواية ‪.‬‬
‫قاؿ اإلماـ اػبطيب البغدادي رضبو ا﵁ يف الكفاية ‪ " :‬إف كاف إنكاره لذلك إنكار شاؾ متوقف‬
‫وىو ال يدري ىل حدثو بو أو ال فهو غري جارح ؼبن روي عنو وال مكذب لو وهبب قبوؿ ىذا‬
‫اغبديث والعمل بو ألنو قد وبدث الرجل باغبديث وينسي أنو حدث بو وىذا غري قاطع على‬
‫تكذيب من روي عنو ‪ ،‬وإف كاف جحوده لرواية عنو جحود مصمما على تكذيب الراوي عنو‬
‫وقاطع على أنو ل ُوبدثو بو ويقوؿ كذب على فذلك جرح منو لو فيجب أف ال يعمل بذلك‬
‫(‪)7‬‬
‫‪.‬‬ ‫اغبديث "‬

‫أي دبا ُوبدث أبو ىريرة رضي ﵁ عنو حبديث وبعد زماف يسمع الراوية عنو ّٔذا اغبديث فينكره ‪،‬‬
‫فهل يعترب إنكار الراوي ؼبا روي علة ترد ّٔا الراوية ؟‬

‫نقوؿ ال نقوؿ نعم مطلقا وال نقوؿ ال مطلقا ‪ ،‬وإنما األمر فيو على التفصيل فيختلف اغبكم‬
‫باختالؼ نوع اإلنكار إف إنكاره ىو اإلنكار عن جحود وتصميم وقطع وجزـ فال جرـ أف ىذا‬
‫يعترب علة يف الرواية ‪ ،‬وأما إف كاف إنكار احتماؿ أو نسياف أو غفلة أو ذىوؿ فإف ىذا ال يعترب‬
‫قادحا يف الرواية ألف النسياف ال يسلم منو أحد ‪.‬‬

‫‪ )70‬القاعدة السبعوف ‪ :‬العلة التي ترد بها الرواية ىي العلة القادحة المعتبرة ‪.‬‬
‫فليس كل ما عُلل بو اغبديث يكوف علة مقبولة ‪ ،‬بل ال بد وأف نتعرؼ على عني ىذه العلة ٍب‬
‫نقيسها على كالـ العلماء النقاد فإف وجدنا أف النقاد يُعللوف األحاديث ويردوهنا دبثل ىذه العلة‬
‫فمرحبا ّٔا ‪ ،‬وأما تلك العلل اليت يتفوه ّٔا بعض النقاد وال تعترب يف حقيقية األمر قادحة فإهنا ال‬
‫تعترب من صبلة ما ترد ّٔا الرواية ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬الك اية في علم الرواية ‪. 415/1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 71‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬ونضرب أمثلة على العلل التي ال تعتبر قادحة ‪-:‬‬


‫عند األئمة اغبنفية يعتربوف ـبالفة الراوي ؼبرويو علة قادحة يف الرواية ‪ ،‬ولكن يف حقيقة‬ ‫‪-7‬‬
‫األمر ال تعترب ىذه علة قادحة ‪ ،‬بل اؼبعلل ىو عمل الراوي على خالؼ روايتو والرواية‬
‫صاغبة لالعتماد وهبب قبوؽبا ‪.‬‬
‫أىل اؼبدينة يعتربوف وردوا حديث اآلحاد على خالؼ عمل أىل اؼبدينة يعدونو علة‬ ‫‪-2‬‬
‫تقدح يف اغبديث ‪.‬‬
‫وىذا أيضا ال يعد علة صحيحة قادحة وال هبوز رد اغبديث ؼبثل ىذا التعليل ‪.‬‬

‫الحن ية يعتربوف ورود حديث اآلحاد يف مسألة تعم ّٔا البلوى علة تقدح يف حديث‬ ‫‪-3‬‬
‫اآلحاد ؛ ولذلك يردونو بسبب ىذه العلة ؛ وىذه أيضا علة غري معتربة ‪ ،‬بل هبب‬
‫قبوؿ خرب اآلحاد وإف كاف يف مسألة تعم ّٔا البلوى ‪.‬‬
‫بعض النقاد يعتربوف اختالؼ الرواة بالزيادة والنقصاف يف منت اغبديث أو إسناده علة‬ ‫‪-4‬‬
‫قادحة ‪ ،‬وىذا ليس بعلة قادحة إذا كاف يبكن احتماؽبا كزيادة الثقة إذا ل ىبالف‬
‫الثقات ‪ ،‬أو زيادة الوصوؿ على اغبديث اؼبرسل فهذه ليست من صبلة العلل اليت يُعلل‬
‫ّٔا اغبديث ‪.‬‬
‫‪ )71‬القاعدة الواحدة والسبعوف ‪ :‬الحكم على الحديث بالعرابة ال ينافي الحكم عليو‬
‫بالصحة أو الحسن ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد قسم علماء حديث خبر اآلحاد باعتبار عدد رواتو إلى ثالثة أقساـ ‪-:‬‬
‫حديث ‪.‬ريب ‪ :‬وىو ما انفرد بروايتو راو واحد يف أي طبقة من طبقات إسناده سواء‬ ‫‪-7‬‬
‫يف طبقة الصحابة أو يف طبقة التابعني أو الطبقات اليت دوهنم ‪.‬‬
‫حديث عزيز ‪ :‬وىو ما انفرد بروايتو راوياف يف أي طبقة من طبقات السند ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫حديث مشهور ‪ :‬وىو ما انفرد بروايتو ثالثة يف أي طبقة من طبقات السند ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ ‬واعلم أيها القاري اغببيب أف ىذه األوصاؼ ال أثر ؽبا يف كوف اغبديث صحيحا أو حسنا ‪،‬‬
‫فربما يكوف ىذا اغبديث عزيزا أو غريبا أو مشهورا لكنو ضعيف ‪ ،‬وربما يكوف ىذا اغبديث‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 71‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫صحيحا مع أنو غريب أو عزيز أو مشهور ‪ ،‬فإذا وصف الطريق بأنو غريب أو عزيز أو مشهور‬
‫ال أثر لو مطلقا يف وصف اغبديث بأنو صحيح أو حسن ‪.‬‬
‫ولذلك عندنا ُصبل من األحاديث يف الصحيحني وبكم العلماء عليها بأهنا غريبة كحديث ‪ " :‬إمبا‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬فهو حديث غريب باعتبار الطبقة األوىل – أي الصحابة ‪ -‬فلم يرويو‬ ‫األعماؿ بالنيات "‬
‫ّٔذا اللفظ إال عمر بن اػبطاب رضي ا﵁ عنو ‪ ،‬ورواه عن عمر رضي ا﵁ عنو واحد وىو ؿبمد بن‬
‫إبراىيم التيمي ‪ ،‬وراوه عنو واحد وىو علقمة بن وقاص الليثي ‪ ،‬ثم رواه عنو وبي بن سعيد‬
‫األنصاري وعن وبي انتشر ىذا اغبديث وكثر رواتو ‪ ،‬فهو حديث غريب ومع ذلك نصفو بأنو من‬
‫اغبديث بأحد األوصاؼ الثالثة بكونو غريبا أو‬ ‫األحاديث الصحيحة اؼبقطوع بصحتها ‪ ،‬فوص‬
‫مشهورا أو عزيزا ىذه أوصاؼ ال أثر ؽبا يف أمر صحة اغبديث من ضعفو ‪.‬‬

‫‪ )72‬القاعدة الثانية والسبعوف ‪ :‬العلو في اإلسناد مطلب كمالي ال أصلي ‪.‬‬


‫واإلسناد العالي ىو ‪ :‬ذلك اإلسناد الذي قَػلَّت فيو أعداد الرواة يف ما بني الراوي والنيب ﷺ ‪.‬‬

‫وضد العالي اإلسناد النازؿ وىو ‪ :‬ما كثر عدد رواتو ‪ ،‬فعلوا اإلسناد ونزولو ال شأف لو يف أمر‬
‫قضية صحة اغبديث من ضعفو ‪ ،‬ولكن ألف القوـ قد علت نبمهم وصاروا يطلبوف الكماؿ يف كل‬
‫شيء صاروا يتتبعوف علوا اإلسناد ‪ ،‬ولذلك كاف بعضهم يرحل إىل الشي إىل مناطق بعيده ليسمع‬
‫منو مباشرة مع أنو ظبع نفس اغبديث يف بلده ولكن بينو وبني الشي صبل من الوسائط فهو يريد أف‬
‫يريد أف يسقط ىذه الوسائط ويذىب للشي نفسو فيسمع اغبديث منو ‪ ،‬وىذا ليس شرط أساسي‬
‫أصلي بل ىو مطلب كمايل ‪.‬‬

‫‪ ‬وطلب العلو سنة وال بأس ّٔا وقد كاف بعض الصحابة يذىب إىل الشاـ ليسمع حديثا واحدا ‪،‬‬
‫وال يُنكر على من فعلو ‪ ،‬ولكن ال تعلق لو بصحة اغبديث أو ضعفو ‪ ،‬ولكن نبم القوـ عالية‬
‫يف طلب كل شيء ‪ ،‬فال تالزـ إذاً بني الصحة واإلسناد العايل وال تالزـ بني الضعف واإلسناد‬
‫النازؿ ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم ( ‪ ، ) 1‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم (‪. ) 5036‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 72‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫المقيد‬ ‫المطلق يوجب الرد المطلق ‪ ،‬والتضعي‬ ‫‪ )73‬القاعدة الثالثة والسبعوف ‪ :‬التضعي‬
‫يوجب الرد المقيد ‪.‬‬
‫‪ ‬وىذه القاعدة تعرفنا بأف تضعي النقاد لبعض الرواة على قسمين ‪:‬‬
‫تضعيف مطلق ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫تضعيف مقيد ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ ‬فمن ضعفو النقاد التضعيف اؼبطلق فإننا نضعفو يف كل رواياتو ‪.‬‬
‫‪ ‬وأما من ضعفو النقاد من وجو دوف وجو فإننا نضعفو يف الوجو الذي ضعفو النقاد فيو فقط‬
‫ونقبل أحاديثو يف غري ىذا الوجو ‪.‬‬
‫‪ ‬مثالو ‪-:‬‬
‫رجل يقاؿ لو إظباعيل بن عياش ‪ ،‬ىذا الرجل ضعفو العلماء يف وجو دوف وجو قاؿ ؿبمد بن عثماف‬
‫ني يَػ ُق ْوؿ ‪ :‬إظباعيل بن عياش ثقة فِْي َما‬
‫ت َْوبَي بن َمعِ ْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ابن أيب شيبة عن إظباعيل ىذا قاؿ ‪َ " :‬ظب ْع ُ َ‬
‫َرَوى َع ْن الشاميني ‪ ،‬وأما روايتو َع ْن أىل اغبجاز فإف كتابو ضاع فخلط يف حفظو َعْنػ ُه ْم " (‪. )7‬‬

‫وقاؿ مضر بن ؿبمد األسدي رضبو ا﵁ عن إظباعيل ىذا ‪ " :‬إذا حدث عن الشاميني وذكر اػبرب‬
‫(‪)2‬‬
‫فحديثو مستقيم ‪ ،‬وإذا حدث عن اغبجازيني والعراقيني خلَّط " ‪.‬‬

‫إظباعيل بن عياش حينئذ نقوؿ عنو ىو من قبيل التضعيف اؼبقيد ال اؼبطلق ‪ ،‬فمن ضعفو‬ ‫فتضعي‬
‫العلماء تضعيفا مقيدا نضعفو يف ما ضعفوه فيو فقط ‪ ،‬ألنك ستجد يف كتب الرجاؿ "ضعيف يف‬
‫حديث فالف " فقط فحينئذ ما رواه ىذا الراوي عن فالف يكوف ضعيفا وإف روى فالف عن فالف‬
‫األخر يكوف حديثو صحيحا ‪.‬‬

‫أو يقولوف ‪" :‬حديثو ضعيف عن الشاميني أو العراقيني أو عن اغبجازيني وىكذا " ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬تهذيب الكماؿ ‪. 250/1‬‬

‫(‪ ) 2‬تهذيب التهذيب‪. 282/1 ،‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 73‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )74‬القاعدة الرابعة والسبعوف ‪ :‬األصل أف رواية عمرو بن شعيب عن أبيو عن جده مقبولة‬
‫إال بقرينة خارجة توجب ضع ها ‪.‬‬
‫والقبوؿ ىنا على كوف أف ىذا اإلسناد حسن ‪ ،‬فأي حديث عمرو بن شعيب عن أبيو عن جده‬
‫فهو إسناد حسن إف كاف من قبل عمرو فبن تقبل روايتهم ‪ ،‬وقد جعلتها قاعدة لكثرة األحاديث يف‬
‫السنة اليت رواىا عمرو بن شعيب عن أبيو عن جده ‪.‬‬

‫‪ )75‬القاعدة الخامسة والسبعوف ‪ :‬اإلدراج في الراوية ممنوع إال لداع ‪.‬‬


‫اإلدراج في اللعة ىو‪ :‬اإلدخاؿ ‪ ،‬إدخاؿ شيء يف شيء ‪ ،‬كقولك أُدرج اؼبيت يف أكفانو ‪.‬‬

‫وفي االصطالح عند المحدثين فهو ‪ :‬إقحاـ لفظة يف اغبديث ليست منو ‪.‬‬

‫‪ ‬إذا أدخل بعض الرواة جملة أو كلمة فال يخلو إدراجو من ثالث حاالت ‪-:‬‬
‫أف يكوف إدراجو يف أوؿ اغبديث ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫أف يكوف إدراجو من وسط اغبديث ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وإما أف يكوف إدراجو يف أخر اغبديث ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ ‬إف قيل ما مثاؿ اإلدراج يف أوؿ اغبديث ؟‬
‫‪ ‬نقوؿ مثالو حديث أيب ىريرة ‪ " :‬أسبغوا الوضوء ويل للعقاب من النار " (‪. )7‬‬
‫الكلمة اؼبدرجة ىنا " أسبغوا الوضوء " فقد قرر العلماء ليست من كالـ النيب ﷺ وإمبا ىي من‬
‫كالـ أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو فحكم العلماء عليها بأهنا مدرجة ‪.‬‬

‫أبو ىريرة رضي ا﵁ عنو بإدراجو ىذا يستنبط حكما ‪ ،‬أي إذا كاف ويل للعقاب من النار فيستفاد‬
‫من ىذا وجوب اسباغ الوضوء فيكوف ىذا إدراج لبياف حكم ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم ( ‪ ، ) 165‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم ( ‪. ) 593‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 74‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ومثاؿ اإلدراج في وسة الحديث ‪:‬‬

‫ما في الصحيحني من حديث عائشة رضي ا﵁ عنها يف ربديد عن ما كاف يفعلو النيب ﷺ قبل‬
‫البعثة يف غار حراء قالت ‪ " :‬وكاف يدخل يف غار حراء فيقعد فيو الليايل ذوات العدد فيتحنث فيو "‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬ثم أكمل اغبديث ‪ ،‬فهذه مدرجة من كالـ الزىري‬ ‫قاؿ الراوي وىو التعبد الليايل ذوات العدد‬
‫رضبو ا﵁ (وىو التعبد الليايل ذوات العدد) فهنا أراد أف يشرح غريبا من ألفاظ اغبديث ‪ ،‬فاختل‬
‫ىنا ىو عن مقصود أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ‪ ،‬فتبين لنا من ىذا أف اإلدراج قد يكوف داعيو بياف‬
‫حكم ‪ ،‬أو بياف غريب ‪.‬‬

‫ومثاؿ اإلدراج في أخر الحديث ‪:‬‬

‫ما جاء يف الصحيحني من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ‪ " :‬إف أميت يدعوف يوـ القيامة غرا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬فقد قرر اإلماـ ابن‬ ‫ؿبجلني من أثار الوضوء ‪ ،‬فمن استطاع منكم أف يطيل غُرتو فليفعل "‬
‫وابن القيم (‪ )4‬وصبع كبري من ا﵀ققني من أىل العلم رضبهم ا﵁ أف ىذا اغبديث أولو‬ ‫(‪)3‬‬
‫تيمية‬
‫مرفوع ‪ ،‬ولكن من عند قولو ‪ " :‬فمن استطاع منكم أف يطيل غرتو فليفعل " ‪ ،‬ىذا ليس من كالـ‬
‫النيب ﷺ وإنما ىو من كالـ أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ‪ ،‬وىذا اإلدراج لبياف حكم اغبديث ‪،‬‬
‫فإذا كانوا يأتوف يوـ القيامة ؿبجلني أي بيضاء يف األطراؼ فمن أثار الوضوء ىذا فكلما أطلت‬
‫مقدار الوضوء كلما طاؿ النور فقاؿ يُستفاد من ىذا أف ‪ " :‬من استطاع منك أف يطيل غرتو فليفعل‬
‫" ‪ ،‬وىذه مسألة فقهيو قد حبثناىا من قبل ولنا فيها حبثا مستقل ‪ ،‬ولكن الشاىد أف ىذا مثاؿ على‬
‫اإلدراج يف أخر اغبديث ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم ( ‪ ، ) 3‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم ( ‪. ) 422‬‬

‫(‪ ) 2‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم ( ‪ ، ) 136‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم ( ‪. ) 603‬‬

‫(‪ ) 3‬مجموع ال تاوى ‪ ، 279/1‬ط ‪ :‬دار الوفاء ‪.‬‬

‫(‪ ) 4‬حادي األرواح إلى بالد األفراح ‪ ،‬ص حة ( ‪ ، ) 428‬ط ‪ :‬دار عالم ال وائد ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 75‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬فصار اإلدراج ‪-:‬‬


‫تارة يكوف يف أولو ‪.‬‬ ‫‪.I‬‬
‫وتارة يكوف يف أوسطو ‪.‬‬ ‫‪.II‬‬
‫وتارة يكوف يف أخره ‪.‬‬ ‫‪.III‬‬
‫واإلدراج يف اغبديث ال هبوز إال إذا كاف ىناؾ داع لو ‪ ،‬ولذلك كبن أحيانا يف ؿباضراتنا ردبا مبر يف‬
‫اغبديث بكلمة صعبة فنفسرىا وال نقوؿ ىي من عندنا فندرجها ؛ ال على أهنا من أصل كالـ‬
‫رسوؿ ا﵁ ﷺ أو على أهنا من ذات ألفاظ اغبديث وإمبا ىي من ألفاظنا ‪ ،‬ولكن الذي داعانا‬
‫إىل ذلك إما استنباط حكم ‪ ،‬أو بياف لفظة غريبة وىذا أغلب ما يقع يف اإلدراج وىو بياف الغريب‬
‫من األلفاظ ‪.‬‬

‫ف ي الصحيحني من حديث عائشة وابن عمر رضي ا﵁ عنهما قاال ‪ :‬قاؿ النيب ﷺ " إف بالال‬
‫يؤذف بليل فكلوا واشربوا حت يؤذف ابن أـ مكتوـ ‪ ،‬وكاف رجال أعمى ال ينادي لصالة حت يقاؿ لو‬
‫(‪)7‬‬
‫‪.‬‬ ‫أصبحت أصبحت "‬

‫ل ظة " وكاف ‪ "..‬لبياف علة وبياف حكم فاعتمدنا ىذا كما قاال ‪ " :‬وكاف رجل أعمي ال ينادي‬
‫لصالة إال إذا قيل لو أصبحت أصبحت " فآذانو يعتمد من أجل ذلك ‪.‬‬

‫ومن أدرج لفظة أو صبلة يف اغبديث على أهنا من كالـ رسوؿ ا﵁ ﷺ فهو كذاب ‪ ،‬والكذب‬
‫على النيب ﷺ كبرية من الكبائر ‪.‬‬

‫‪ )76‬القاعدة السادسة والسبعوف ‪ :‬ال يعتبر في الشواىد والمتابعات حديث مضطرب ‪ ،‬وال‬
‫شاذ ‪ ،‬وال معلوط أو مقلوب ‪.‬‬
‫فالحديث اؼبضطرب ال يقوي وال يُقوي بو ‪ ،‬والحديث الشاذ كذلك ‪ ،‬وكذلك اغبديث اؼبقلوب‬
‫أو اؼبغلوط ال يصلح أف يكوف مقويا ‪ ،‬وال يبكن أف ينجرب ضعفو ‪.‬‬

‫‪ ‬إف قيل ما الفرؽ بني الشاىد واؼبتابع ؟‬

‫(‪ ) 1‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪. ) 617‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 76‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬نقوؿ ‪ :‬ننظر إىل الصحايب فإف اختالفا فهو شاىد ‪ ،‬وإف اتفق الصحايب واختلف من دونو‬
‫فهو متابع ‪.‬‬
‫مثالو ‪:‬‬

‫روى بعض التابعني عن ابن عمر ‪ ،‬فقاؿ عن نافع عن ابن عمر وىذا اغبديث مثال ضعيف ‪،‬‬
‫ووجدنا ؽبذا اغبديث شاىدا أخر ولكن من رواية رجل أخر عن أيب ىريرة وبمل نفس اؼبوضوع ‪،‬‬
‫وىنا اختلف الصحايب ‪ ،‬فعند اختالؼ الصحايب فاغبديث الثاين ال يسمي متابعا ‪ ،‬وإنما يسمي‬
‫شاىدا لو ؛ مثلما نقوؿ آية تشهد ؽبا آية أخرى مستقلة أخرى يف سورة أخرى ‪.‬‬

‫وأما المتابع فهو أف يأتينا طريق أخر للحديث ينتهي بابن عمر نفسو ولكن من رواية سال عن ابن‬
‫عمر فنفس الراوي ىنا ل ىبتلف وإمبا اختلف من دونو ‪ ،‬فإذا كاف للحديث طريقاف أو أكثر كلها‬
‫ـبرجها را ٍو واحد فالطرؽ يقوي بعضها بعضا باؼبتابعة ‪ ،‬وأما إذا ل قبد لو متابعا ولكن وجدا حديثا‬
‫عن صحايب أخر وبمل نفسا اؼبعن ونفس اؼبوضوع فهذا نسميو شاىدا ‪ ،‬فن رؽ بني الشواىد‬
‫واؼبتابعات دبا ذكر ‪.‬‬

‫‪ )77‬القاعدة السابعة والسبعوف ‪ :‬كل حكم ثبت في حق النبي ﷺ فإنو يثبت في حكم‬
‫أمتو تبعاً إال بدليل االختصاص ‪.‬‬
‫فال هبوز للعبد أف ىبصص النيب ﷺ حبكم من األحكاـ الشرعية إال وعلى ىذا التخصيص‬
‫(‪)7‬‬ ‫ِ ِ‬
‫دليل ؛ ألنو ىو قدوة ألمتو قاؿ ا﵁ جل وعال ‪ ﴿ :‬لََق ْد َكا َف لَ ُك ْم ِيف َر ُسوؿ اللَّو أ ْ‬
‫ُس َوةٌ َح َسنَةٌ ﴾‬
‫‪ ،‬فهو أسوة لنا يف كل أقوالو فنقولو كما قاؿ ‪ ،‬وفي كل أفعالو فنفعل كما فعل ‪ ،‬فال هبوز إخراج‬
‫قوؿ فبا قالو أو فعل فبا فعلو إال بدليل ‪ ،‬وألف األصل يف أفعاؿ النيب ﷺ ىو التشريع فال هبوز‬
‫إخراج فعل من أفعالو عن ىذا اؼبوضوع واألصل إال بدليل ناقل ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬سورة األحزاب ‪. 21 :‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 77‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )78‬القاعدة الثامنة والسبعوف ‪ :‬كل حكم ثبت في حكم واحد من األمة فإنو يثبت في حق‬
‫األمة تبعاً إال بدليل االختصاص ‪.‬‬
‫فإذا أقر النيب ﷺ واحدا من األمة على قوؿ قالو أو فعل فعلو أو دلو على شيء أو أمره بشيء‬
‫فإف ىذا اغبكم يدخل فيو ىذا الشخص باألصالة وتدخل معو كل األمة تبعاً إال إذا قامت قرينة‬
‫تدؿ على أف ىذا اغبكم ـبصوص بعني ىذا الشخص بعينو ‪ ،‬ويوضح ىذا القاعدة اليت بعدىا ‪.‬‬

‫‪)79‬القاعدة التاسعة والسبعوف ‪ :‬األصل في الخصائص التوقي على األدلة ‪.‬‬


‫ألف اؼبتقرر يف القواعد أنػ[ األصل يف التشريع التعميم ] ‪ ،‬وأنػ[ األحكاـ الشرعية وردت عامة ال‬
‫زبص طائفة وال ؾبتمعا وال فردا بعينو ] ‪ ،‬فمن ادعي خالؼ ذلك بتخصيص حكم من األحكاـ‬
‫الشرعية يف حق أحد من الناس أو طائفة من الناس أو زمن من األزمنة فإنو مطالب بالدليل الداؿ‬
‫على ىذه الدعوي ألهنا خالؼ األصل ‪ ،‬و [ الدليل يطلب من الناقل عن األصل ال من الثابت‬
‫عليو ] ‪ ،‬وال أجد نفسي مضطرا للبحث يف أمثلتها ألنا طرقناىا كثريا استدالؿ وتفريعا فتطلب يف‬
‫(‪)7‬‬
‫مظاهنا ‪.‬‬

‫‪ )80‬القاعدة الثمانوف ‪ :‬قوؿ الصحابي حجة بشرطو ‪.‬‬


‫(‪)2‬‬
‫والصحابي ىو ‪ :‬من لقي النيب ﷺ مؤمنا بو ومات على اإليباف وإف زبللت ردة يف األصح‬
‫‪.‬‬

‫وقد اختلف أىل العلم رضبهم ا﵁ يف حكم قوؿ الصحايب أو فعلو أو حكم مذىب الصحايب ‪،‬‬
‫والصحيح ىو ما اعتمدتو ىذه القاعدة الطيبة العريقة وىو قوؿ صبهور أىل العلم رضبهم ا﵁ تعاىل‬
‫من أف قوؿ الصحايب يعترب حجة ودليال ‪ ،‬ولكنو ليس دليال ذاتيا وإمبا دليل بالغري ‪ ،‬ألف األدلة من‬

‫(‪ ) 1‬راجػ ػػع فػ ػػي أمثلتهػ ػػا كتػ ػػاب [إتحػ ػػاؼ أىػ ػػل األلبػ ػػاب بمعرفػ ػػة التوحيػ ػػد فػ ػػي س ػ ػ اؿ وجػ ػػواب ] ‪ ،‬وكتػ ػػاب [نصػ ػػر الشػ ػػرعة بقمػ ػػع البدعػ ػػة ] ‪ ،‬وكتػ ػػاب [تحقيػ ػػق المػ ػػأموؿ فػ ػػي ضػ ػػبة‬

‫قاعػ ػ ػػدة األصػ ػ ػػوؿ ] ‪ ،‬وكتػ ػ ػػاب [إتحػ ػ ػػاؼ النبهػ ػ ػػاء بضػ ػ ػػوابة ال قهػ ػ ػػاء ] ‪ ،‬وكتػ ػ ػػاب [تبصػ ػ ػػير الناسػ ػ ػػك بأحكػ ػ ػػاـ المناسػ ػ ػػك ] ‪ ،‬وكتػ ػ ػػاب [تحريػ ػ ػػر القواعػ ػ ػػد ومجمػ ػ ػػع ال رائػ ػ ػػد ] ‪ ،‬وكتػ ػ ػػاب‬

‫[تعريػ ػ الط ػػالب بأص ػػوؿ ال ق ػػو ف ػػي سػ ػ اؿ وج ػػواب ] ‪ ،‬وكت ػػاب [فق ػػو ال ػػدليل والتعلي ػػل والتأصػ ػػيل ] ‪ ،‬و‪.‬يرى ػػا م ػػن كت ػػب ش ػػيخنا ولي ػػد ب ػػن راش ػػد الس ػػعيداف ‪ ،‬كم ػػا ف ػػي صػ ػ حتو علػ ػػى‬

‫موقع صيد ال وائد ‪. /http://www.saaid.net/Doat/wled :‬‬


‫(‪ ) 2‬نزىة النظر في توضيح نخبة ال كر ‪ ،‬البن حجر ‪ ،‬ص حة ( ‪ ، ) 140‬ت ‪ :‬عبد اي الرحيلي ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 78‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫الكتاب والسنة قد امتدحت الصحابة وأثنت عليهم ‪ ،‬وزكتهم يف أقواؽبم وأعماؽبم واعتقاداهتم‬
‫وظواىرىم وبواطنهم ‪ ،‬ولكن العلماء يشرتطوف لالحتجاج بقولو صبال من الشروط ‪-:‬‬

‫أف ال ىبالف قولو نصا من النصوص الصحيحة الثابتة ‪ ،‬فمتى ما خالف قوؿ الصحايب‬ ‫‪-7‬‬
‫شيئا من النصوص فليس حبجة بإصباع العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل ‪.‬‬
‫أف ال ىبالفو يف قولو ومذىبو أو رأيو صحايب أخر ‪ ،‬فمتى ما خالفو صحابيا أخر فليس‬ ‫‪-2‬‬
‫قولو حبجة بإصباع العلماء ‪.‬‬
‫‪ )81‬القاعدة الواحدة والثمانوف ‪ :‬قوؿ الصحابي من السنة كذا لو حكم الرفع ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬وؼبا سئل ابن عباس عن اعبلوس‬ ‫كقوؿ ابن مسعود رضي ا﵁ عنو من السنة إخفاء التشهد‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫على العقبني يف اعبلسة بني التشهدين وقيل لو إننا نراه جفاء بالرجل قاؿ تلك السنة‬

‫فمتى ما ظبعت الصحايب يقوؿ يف حديث ‪ " :‬ىذه السنة " أو " تلك السنة " أو " ىذه سنة‬
‫نبيكم ﷺ " فاعلم أنو يف حكم اؼبرفوع ‪.‬‬

‫‪ ‬وقد قسم العلماء المرفوع إلى قسمين ‪-:‬‬


‫مرفوع حقيقي ‪ :‬وىو ىو ما صرح فيو الصحايب بنفس لفظ رسوؿ ا﵁ ﷺ ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫مرفوع حكمي ‪ :‬واؼبرفوع اغبكمي لو صبل من األنواع ىذه أحدىا ؛ أف يقوؿ الصحايب‬ ‫‪-2‬‬
‫من السنة كذا ‪.‬‬
‫ف ي صحيح اإلماـ البخاري (‪ )7‬من حديث عكرمة رضي ا﵁ عنو قاؿ صليت وراء شي دبكة فكرب‬
‫اثنينت وعشرين تكبرية فقلت البن عباس إنو أضبق ‪ ،‬فقاؿ ثكلتك أمك تلك السنة ‪.‬‬

‫‪ " :‬صػ ػ ػػحيح " ‪ ،‬ونػ ػ ػػص الحػ ػ ػػديث ‪ِ " :‬مػ ػ ػ َػن ال ِ‬
‫س ػ ػ ػن َِة أَ قف‬ ‫(‪ ) 1‬سػ ػ ػػنن أبػ ػ ػػي داود ‪ ،‬بػ ػ ػػرقم ( ‪ ، ) 986‬وسػ ػ ػػنن الترمػ ػ ػػذي ‪ ،‬بػ ػ ػػرقم ( ‪ ، ) 291‬قػ ػ ػػاؿ األلبػ ػ ػػاني‬

‫ش ِه ُد " ‪.‬‬
‫يُ قخ َ ى التَ َ‬
‫ػاؿ ِىػ ػ َػى ال ِ‬
‫س ػ ػنَةُ ‪ .‬فَػ ُقلقنَػ ػػا‬ ‫ػاس فِػ ػػى ا ِإلقػقعػ ػ ِ‬
‫ػاء َعلَػ ػػى الق َق ػ ػ َد َم قي ِن فَػ َقػ ػ َ‬ ‫(‪ ) 2‬صػػػحيح مسػػػلم ‪ ،‬بػػػرقم (‪ ، ) 1226‬ونصػ ػػو ‪ " :‬قُػلقنَػ ػػا ِالبقػ ػ ِن َعبَػ ػ ٍ‬
‫َ‬
‫ك ‪-‬صلى اي عليو وسلم‪. " -‬‬ ‫اس بَ قل ِى َى ُسنَةُ نَبِية َ‬ ‫اؿ ابق ُن َعبَ ٍ‬ ‫اء بِال َر ُج ِل ‪ .‬فَػ َق َ‬ ‫ِ‬
‫لَوُ إنَا لَنَػ َراهُ َج َ ً‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 79‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )82‬القاعدة الثانية والثمانوف ‪ :‬قوؿ الصحابي ‪ " :‬كنا ن عل " أو " كانوا ي علوف " لو حكم‬
‫اإلجماع ‪.‬‬
‫ألف األصل أف الصحايب عريب بسليقتو عارؼ بدالالت األلفاظ وىذا التعبري منو كبملو على صبيع‬
‫الصحابة وىو ما يسميو العلماء " باإلصباع " لكنو ليس من اإلصباع النطقي القطعي وإمبا من "‬
‫اإلصباع الظين " ‪.‬‬

‫‪ )83‬القاعدة الثالثة والثمانوف ‪ :‬إذا قاؿ الصحابي قوال ال مجاؿ لالجتهاد فيو فلو حكم الرفع‬
‫‪.‬‬
‫كأف ىبرب بعبادة من العبادات أو ىبرب عن أمر من األمور الغيبية ‪ ،‬أو ىبرب عن ثواب أو عقاب ‪،‬‬
‫فإذا ظبعت الصحايب يقوؿ شيئا من ذلك أو كبوه فاعلم أنو من قبيل اؼبرفوع حكما أي كأف النيب‬
‫ﷺ قالو ‪.‬‬

‫‪ )84‬القاعدة الرابعة والثمانوف ‪ :‬قوؿ الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا لو حكم الرفع ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬وكقوؿ‬ ‫كقوؿ الرباء ابن عازب رضي ا﵁ عنو يف الصحيح ‪ " :‬أُمرنا بسبع وُهنينا عن سبع "‬
‫أـ عطية رضي ا﵁ عنها يف الصحيح ‪ " :‬أمرنا أف ُلبرج العواتق واغبيض وذوات اػبدور يف العيدين‬
‫يشهدف اػبري ودعوة اؼبسلمني وتعزؿ اغبيض اؼبصلي " (‪ ، )3‬وكقولها رضي ا﵁ عنها ‪ " :‬هنينا عن‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬وذلك ألف الصحايب عارؼ باألدلة ومسالك االحتجاج ‪ ،‬فال‬ ‫اتباع اعبنائز ول يعزـ علينا "‬
‫يبكن أف يقوؿ ىذا القوؿ إال إذا كاف ناقال عن من لو حق األمر وحق النهي وىو النيب ﷺ ‪.‬‬

‫ين تَ قكبِي ػ ػ َػرًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صػ ػ ػلَقي ُ‬ ‫(‪ ) 1‬صػ ػػحيح البخ ػ ػػاري ‪ ،‬ب ػ ػػرقم ( ‪ ، ) 788‬ونص ػ ػػو ‪َ " :‬ع ػ ػ قػن ِع قك ِرَمػ ػ ػةَ قَػ ػ َ‬
‫ت َخ قلػ ػ ػ َ َش ػ ػ قػي ٍخ ب َم َكػ ػ ػةَ فَ َكبَػ ػ ػ َػر ث قنتَػ ػ ػ قػي ِن َوع قشػ ػ ػ ِر َ‬ ‫ػاؿ َ‬
‫صلَى ايُ َعلَقي ِو َو َسلَ َم " ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ك ُسنَةُ أَبِي الق َقاس ِم َ‬ ‫اؿ ثَ ِكلَقت َ‬
‫ك أُ ِم َ‬ ‫اس إِنَوُ أ ق‬
‫َح َم ُق فَػ َق َ‬ ‫قت ِالبق ِن َعبَ ٍ‬ ‫فَػ ُقل ُ‬
‫ص ػ ػ ػلَى ايُ َعلَقيػ ػ ػ ِػو‬ ‫‪ ، ) 5175‬وصػ ػ ػػحيح مسػ ػ ػػلم ‪ ،‬بػ ػ ػػرقم (‪ ، ) 5510‬ونصػ ػ ػػو ‪ " :‬أ ََم َرنَػ ػ ػػا النَبِػ ػ ػ ِػي َ‬
‫(‬ ‫ػرقم‬‫ػ‬ ‫ػ‬ ‫ػ‬‫ب‬ ‫‪،‬‬ ‫ػاري‬‫ػ‬ ‫ػ‬ ‫ػ‬‫خ‬ ‫الب‬ ‫ػحيح‬ ‫ػ‬ ‫ػ‬ ‫ػ‬‫ص‬ ‫(‪) 2‬‬

‫سػ ػ ِػم‬ ‫ػاط ِ ِ‬ ‫يت القعػ ػ ِ‬ ‫ػازةِ (القجنَػ ػػائِ ِز) وتَ قشػ ػ ِػم ِ‬ ‫يض واتػةبػ ػ ِ ِ‬ ‫وس ػ ػلَم بِسػ ػػب ٍع ونَػهانَػ ػػا عػ ػػن سػ ػػب ٍع أَمرنَػ ػػا بِ ِعيػ ػ ِ‬
‫س َوإبق ػ ػ َػرا ِر الق َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ػاع القجنَػ ػ َ َ‬ ‫ػادة ال َقم ػ ػ ِر ِ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ق َ َ َ ق َ ق ََ َ َ‬
‫ب َو َعػ ػ قػن آنِيَػ ػ ِػة الق ِ َ‬
‫ضػ ػ ِػة َو َع ػ ػ ِن‬ ‫يم ال ػ ػ َذ َى ِ‬ ‫َاعي َونَػ َهانَػ ػػا َعػ ػ قػن َخػ ػ َػواتِ ِ‬ ‫سػ ػ َػالِـ وإِجابػ ػ ِػة ال ػ ػد ِ‬ ‫ػوـ وإِفق َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شػ ػػاء ال َ َ َ َ‬ ‫ص ػ ػ ِر ال َقمظقلُػ ػ َ‬ ‫(ال ُقمقسػ ػ ِػم) َونَ ق‬
‫س َالِـ " ‪.‬‬ ‫ش ِاء ال َ‬ ‫ث فِي إِفق َ‬ ‫ش قيبَانِ ِي َع قن أَ قش َع َ‬ ‫اج ت تَابَػ َعوُ أَبُو َع َوانَةَ َوال َ‬ ‫اإل قستَقبػ َر ِؽ َوالدةيبَ ِ‬ ‫سيَ ِة َو قِ‬ ‫ال َقميَاثِ ِر َوالق َق ة‬
‫(‪ ) 3‬صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪. ) 974‬‬
‫صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪ ، ) 1278‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم (‪. ) 2209‬‬ ‫(‪) 4‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 81‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫المثبِ ُ‬
‫ت ُمق َد ٌـ على النافي ‪.‬‬ ‫‪ )85‬القاعدة الخامسة والثمانوف ‪ُ :‬‬
‫ولذلك كبن قدمنا قوؿ حذيفة رضي ا﵁ عنو على قوؿ عائشة رضي ا﵁ عنهػا يف مسػألة البػوؿ قائمػاً‬
‫فقدمنا قولو رضػي ا﵁ عنػو لِ َمػا أثبػت لنػا كمػا يف الصػحيحني مػن حديثػو رضػي ا﵁ عنػو قػاؿ ‪ " :‬أَتَػى‬
‫صػلَّى ا﵁ُ َعلَْيػ ِػو َو َسػلَّ َم ُسػػبَاطَةَ قَػ ْػوٍـ فَػبَػ َ‬
‫ػاؿ قَائِ ًمػػا " (‪ ، )7‬بينمػػا عائشػػة رضػػي ا﵁ عنهػػا تنفػػي‬ ‫رسػ ُ ِ‬
‫ػوؿ ا﵁ َ‬ ‫َُ‬
‫وتقػػوؿ ‪ " :‬مػػن حػػدثكم أف النػػيب ﷺ كػػاف يبػػوؿ قائمػػا فػػال تصػػدقوه ‪ ،‬مػػا كػػاف يبػػوؿ إال قاعػػدا "‬
‫(‪ ، )2‬فهػػو يثبػػت ‪ ،‬وىػػي تنفػػي رضػػي ا﵁ عنهمػػا ‪ ،‬وإذا تعػػارض قػػوؿ اؼبثبػػت والنػػايف فإننػػا نقػػدـ يف‬
‫األصالة قوؿ اؼبثبت على النايف ؛ ألف مع اؼبثبت زيادة علم حفظها ول وبفظهػا النػايف ‪ ،‬والمتقػرر يف‬
‫القواعد أنػ[ من حفظ حجة على من ل وبفظ ] ‪.‬‬
‫‪ )86‬القاعدة السادسة والثمانوف ‪ :‬من ح ظ حجة على من لم يح ظ ‪.‬‬
‫ولذلك كبن قدمنا حديث أيب سعيد رضي ا﵁ عنو على نفي أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو يف ما يُعطاه‬
‫أخر رجل يدخل اعبنة ‪ ،‬فأبي ىريرة رضي ا﵁ عنو يروي لنا أف ا﵁ يقوؿ لو ‪ " :‬لك الدنيا ومثلها‬
‫معها " (‪ ، )3‬فعد ِمثال واحدا ‪ ،‬بينما أبو سعيد رضي ا﵁ عنو حفظ أكثر فبا حفظو أبو ىريرة‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬فقدمنا قوؿ أيب سعيد رضي ا﵁ عنو ألنو‬ ‫رضي ا﵁ عنو فقاؿ ‪ " :‬ولك عشرة أمثاؽبا معها "‬
‫حفظ على قوؿ أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ألنو ل وبفظ ‪ ،‬ومن حفظ حجة على من ل وبفظ ‪.‬‬

‫‪ )87‬القاعدة السابعة والثمانوف ‪ :‬ذكر الراوي بما فيو ليس من العيبة المحرمة بل من‬
‫النصيحة الواجبة ‪.‬‬
‫ولقد تقرر عندنا باألدلة الكثرية أف ِغيبة اؼبسلم وذكر أخيك دبا فيو ال هبوز ألنو من الكبائر ؛ قاؿ‬
‫ضا ﴾ (‪ ، )5‬وقد أجمع العلماء على أف غيبة العبد من جلمة‬
‫ض ُك ْم بَػ ْع ً‬
‫ب بَػ ْع ُ‬
‫ا﵁ ‪َ ﴿ :‬وَال يَػ ْغتَ ْ‬

‫صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪ ، )224‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم (‪ ، ) 647‬والل ظ للبخاري ‪.‬‬ ‫(‪) 1‬‬

‫سنن الترمذي ‪ ،‬برقم (‪ ، )12‬قاؿ األلباني ‪ " :‬صحيح " ‪.‬‬ ‫(‪) 2‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪. )6573‬‬ ‫(‪) 3‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ،‬برقم (‪. )6574‬‬ ‫(‪) 4‬‬

‫(‪ ) 5‬سورة الحجرات ‪. 12 :‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 81‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫الكبائر اؼبتوعد عليها بالعقوبة البليغة الغليظة يوـ القيامة ‪ ،‬ولكن العلماء استثنوا من أبواب الغيبة‬
‫صبال من اؼبسائل منها ‪-:‬‬

‫ذكر الرواة دبا فيهم من باب التحذير والتعريف اؼبضطر إليو من باب ضباية الدين من دخوؿ‬
‫الوضاعني أو اؼبتهمني بالكذب وعدـ قبوؿ الرواية ‪ ،‬فإذا ظبعت الرواة يقولوف يف أحد الرواة " ىذا‬
‫سيء اغبفظ " أو" ىذا وضاع " أو " ىذا دجاؿ " أو " ىذا كذاب " ‪ ،‬فإياؾ أف تعتقد أف ىذا‬
‫من الغيبة ا﵀رمة بل ىو من النصيحة الواجبة من باب ضباية الدين ونصح األمة ‪ ،‬فهو داخل يف‬
‫عموـ قوؿ النيب ﷺ ‪ " :‬الدين النصيحة قلنا ؼبن يا رسوؿ ا﵁ قاؿ " ﵁ ولكتابو ولرسولو وللئمة‬
‫اؼبسلمني وعامتهم " (‪. )7‬‬

‫بل ال يجوز للعبد أف يعرؼ حاؿ را ٍو وأف فيو قادحا من قوادح عدـ قبوؿ الرواية ويسكت عنو‬
‫س ِمنَّا " (‪. )2‬‬
‫مراعاة لعدـ غيبتو فإف ىذا من الغش " َوَم ْن َغشَّنَا فَػلَْي َ‬
‫‪ )88‬القاعدة الثامنة والثمانوف ‪.ِ :‬يبة الرجل حيا وميتا تباح لعرض شرعي ال يمكن الوصوؿ‬
‫إليو إال بذلك ‪.‬‬
‫"إال بذللك " أي بغيبتو ‪ ،‬وال تعتبر ىذه من الغيبة اؼبذمومة بل ىي من النصيحة الواجبة ‪.‬‬

‫وكما قاؿ الناظم ‪:‬‬

‫ومع ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ةرؼ ومحػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػذر‬


‫مػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػتظلم ُ‬ ‫ال ػ ػ ػ ػ ػػذـ ل ػ ػ ػ ػ ػػيس بعيب ػ ػ ػ ػ ػػة ف ػ ػ ػ ػ ػػي س ػ ػ ػ ػ ػػتة‬
‫طل ػ ػ ػ ػػب اإلعان ػ ػ ػ ػػة ف ػ ػ ػ ػػي إزال ػ ػ ػ ػػة منكػػ ػ ػ ػػر‬ ‫وم ػ ػ ػ ػ قػن‬
‫ولمظه ػ ػ ػ ػػر فس ػ ػ ػ ػػقا ومس ػ ػ ػ ػػت ت َ‬

‫ولكن لينتبو ؛ فال ت خذ ىذه القواعد على وجو اإلطالؽ بل ال بد من تقييدىا بالقاعدة التالية ‪.‬‬

‫صحيح مسلم ‪ ،‬برقم (‪. )205‬‬ ‫(‪) 1‬‬

‫صحيح مسلم ‪ ،‬برقم ( ‪. ) 294‬‬ ‫(‪) 2‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 82‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )89‬القاعدة التاسعة والثمانوف ‪ :‬ال يجوز الجرح فوؽ الحاجة ‪.‬‬


‫وما أجمل ما مبثل بو يف قولنا ‪ " :‬إف جرح الرواة كاألكل من اؼبيتة للمضطر " ‪ ،‬فال هبوز للعبد أف‬
‫يأكل من غبم أخيو إال ما تدعوا لو الضرورة واغباجة ‪ ،‬كما أف اإلنساف إذا أبيح لو أكل اؼبيتة فال‬
‫هبوز لو أف يتجاوز باألكل منها قدر ضرورتو ألف األصل حرمة عرض اؼبسلم ‪ ،‬قاؿ ﷺ ‪ " :‬إف‬
‫دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حراـ كحرمة يومك ىذا يف شهركم ىذا يف بلدكم ىذا ‪" ...‬‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬ولكن ا﵀رـ هبوز لضرورة واؼبتقرر عند العلماء أنػ[ الضرورات تبيح ا﵀ظورات ] واؼبتقرر أنػ[‬
‫الضرورات تقدر بقدرىا ] ‪.‬‬

‫ولزيادة القيد على ما مضي نضيف قاعدة أخرى وىي القاعدة التالية ‪.‬‬

‫‪ )90‬القاعدة التسعوف ‪ :‬ال يجوز جرح من ال يُحتاج إلى جرحو ‪.‬‬


‫فإذا كاف العبد متهما بشيء من عيوب الرواية ‪ ،‬ولكن وجوده كعدمو الستقرار األسانيد قبل زمانو‬
‫فإف وجوده يف الرواية ال يُنظر بعني االعتبار ‪ ،‬كاألسانيد اليت يرويها من يرويها من يف زمانا إىل‬
‫اإلماـ البخاري ‪ ،‬فلو وجد يف سلسلة ىذا اإلسناد رجل ضعيف أو كذاب أو وضاع فهل األمة‬
‫ربتاج إىل بياف حالو ؟‬

‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬ألف العربة باإلسناد من اإلماـ البخاري إىل النيب ﷺ ‪ ،‬فلو روى لنا رجل صحيح‬
‫البخاري وىو ضعيف ‪ ،‬أو ضعفو ىذا يقتضي ضعف صحيح البخاري ؟‬

‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬ألف وجوده كعدمو ‪ ،‬وضع و كعدالتو ال شأف لنا ّٔا ‪.‬‬

‫فهنا ال كبتاج إىل جرح إىل مثل ىذا الراوي فيكوف جرحو من باب العدواف واالعتداء وذباوز اغبد‬
‫اؼبشروع ‪.‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ،‬برقم ( ‪ ، ) 67‬وصحيح مسلم ‪ ،‬برقم (‪. ) 3009‬‬ ‫(‪) 1‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 83‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )91‬القاعدة الواحدة والتسعوف ‪ :‬ال يقبل الجرح في من اشتهرت عدالتو وتلقت األمة روايتو‬
‫بالقبوؿ واالعتماد ‪.‬‬
‫فلو أننا ظبعنا برجل هبرح يف اإلماـ أضبد رضبو ا﵁ أو يكوف جرحو يف اإلماـ أضبد مقبوؿ ؟‬

‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪.‬‬

‫وكذلك لو أف رجال قدح يف اإلماـ مالك إماـ دار اؽبجرة أمري اؼبؤمنني يف اغبديث ‪ ،‬أو اإلماـ‬
‫البخاري أو اإلماـ مسلم أو يقدح يف اإلماـ الشافعي ‪ ،‬أو من اشتهر يف األمة صيتو وإمامتو‬
‫وأطبقت األمة على قبوؿ روايتو أفنقبل جرحو ؟‬

‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬ولذلك ذبريح أىل البدع ألئمة أىل السنة غري مقبوؿ (‪ ، )7‬فقد قدح أىل البدع يف‬
‫اإلماـ أضبد واإلماـ ابن تيمية رضبهما ا﵁ ‪ ،‬أو قدحهم يكوف مقبوؿ يف ىؤالء األئمة الذين أطبقت‬
‫األمة على إمامتهم وجاللتهم وقبوؿ خربىم ؟‬

‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬بل إف ىذا الصغري يفضح نفسو إذا قدح يف ىذا الكبري ‪.‬‬

‫ولذلك لو جاءنا رجل يقدح يف اإلماـ ابن باز األف أو نقبل قدحو ؟ أو يقدح يف اإلماـ الفوزاف ؟‬
‫أو يقدح يف اإلماـ ؿبمد ابن عثيمني ؟ أو يقدح يف الشي اإلماـ ابن جربين ؟ يقدح يف ىؤالء‬
‫األئمة الكبار الذين اتفقت األمة على جال اللتهم وعلمهم وديانتهم ورسوخهم أو يقبل جرحو ؟‬
‫(‪)2‬‬
‫‪:‬‬ ‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬كما قاؿ القائل‬

‫الو ِع ػ ػ ػ ػ ػ ػ ُػل‬ ‫ِ‬


‫فَػلَ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ْػم يَض ػ ػ ػ ػ ػ ػ ْػرىا َو ْأوَى ػ ػ ػ ػ ػ ػػى قَػ ْرنَػ ػ ػ ػ ػ ػػوُ َ‬ ‫ػخرًة يَػ ْوم ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػاً ليوىنه ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػا‬
‫ص ػػػػػػػ َ‬
‫ِ‬
‫َكنَ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاط ٍح َ‬

‫(‪) 1‬‬
‫أي أئمة السنة المشتهرين ‪.‬‬
‫وىو األعشى في معلقتو ‪.‬‬ ‫(‪) 2‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 84‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )92‬القاعدة الثانية والتسعوف ‪ :‬الجرح إذا صدر عن تعصب وعداوة أو منافرة فهو مردود ‪.‬‬
‫فهي من أصح القواعد يف اعبرح والتعديل ؛ وذلك ألننا نسمع كثريا من يتكلم يف أحواؿ رجاؿ‬
‫زماننا أو من قبلهم ‪ ،‬ولكنو ليس من باب اؼبناصحة وإمبا من باب اؼبفاضحة ‪ ،‬فهو فاضح وليس‬
‫بناصح ‪ ،‬ولذلك قرر العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل يف مثل قدح ىذا الصنف من الناس أنو مردود عليو ‪،‬‬
‫ألننا ال نقبل القدح يف شخص إال إذا كاف سببو اؼبناصحة للئمة وبياف حالو شفقة على األمة ‪،‬‬
‫وأما النصح الذي ُىبفي ورائو التشفي والعداوة والنيل وبرد الغليل كل ىذا من القدح واعبرح الذي‬
‫ال يقبلو العلماء وال ينظروف لو بعني االعتبار مطلقا ‪ ،‬وقريب من ذلك القاعدة اليت بعدىا واليت‬
‫تقوؿ ‪-:‬‬

‫‪ )93‬القاعدة الثالثة والتسعوف ‪ :‬كالـ األقراف يُطوى وال يُروى ‪.‬‬


‫وذلك ألنو جرت عادة األقراف يف السن أو العلم أف يغار بعضهم من بعض ‪ ،‬فإذا قدر ا﵁ عن‬
‫رجل من األقراف أف ينصرؼ الناس عنو إىل غريه من أقرانو فال جرـ أف نفسو ستنفتح أبوأّا لوسوسة‬
‫الشيطاف وتسويلو بأف يقدح يف أخيو ليصرؼ أنظار الناس عنو ‪.‬‬

‫ولذلك بعض أىل العلم ل يقبل قدح اإلماـ النسائي رضبو ا﵁ على جاللتو يف بعض من عاصره ‪،‬‬
‫ولم يقبل قدح اإلماـ الذىيب رضبو ا﵁ يف الطويف يف كونو شيعي صرؼ ألهنما من تالميذ أيب العباس‬
‫ابن تيمية رضبو ا﵁ فكالمهما من األقراف الذي يطوي وال يروي ‪ ،‬وىذه من أوؿ القواعد اليت‬
‫درستها يف سريي يف طلب العلم ‪ ،‬وقد است دتها من أيب العباس رضبو ا﵁ تعاىل ولذلك وجدت يف‬
‫أوؿ كتاب ألفتو على اإلطالؽ " القواعد اؼبذاعة يف مذىب أىل السنة واعبماعة " و﵁ اغبمد ‪،‬‬
‫فمن ترىب على ىذه القواعد يف مقتبل عمره التعليمي فسيجين من ورائها خريا عظيما جدا وجرب‬
‫ذبد ‪.‬‬

‫‪ )94‬القاعدة الرابعة والتسعوف ‪ :‬الجارح المتعنت المتشدد توثيقو معتبر وجرحو ال يُعتبر ‪ ،‬إال‬
‫نص جرحو فيعتبر ‪.‬‬ ‫إذا وافق ‪.‬يره ممن ي ِ‬
‫ُ‬
‫فإف من الناس من ال تسمعو إال جارحا ومعيبا وناقدا ومكتشفا للخطاء والذي جعلو يفعل ذلك‬
‫إمبا ىو تعنتو وتشدده يف اشرتاط أسباب للجرح ليست جبرح معترب ؛ كالذي هبرح غريه إذا خرج يف‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 85‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫الشارع بال عمامة فهذا تشدد يف اعبرح وتنطع يف اعبرح ‪ ،‬وكالذي هبرح غريه إذا أكل يف الشارع ‪،‬‬
‫وكالذي هبرح غريه إذا ركب على نوع دابة من الدواب ‪ ،‬فهذا من اعبرح اؼبتشدد اؼبتعنت ؛ فمثل‬
‫اؼبوثق‬
‫ىذا اعبارح إذا وثق غريه فإننا قبزـ أنو ل تصدر عبارات التوثيق منو إال بعد سبحيص ىذا َ‬
‫سبحيصا كامال ‪ ،‬فالعلماء يقبلوف توثيقو ‪.‬‬

‫وأما جرحو يف األخرين فال يقبلونو إال يف حالة إذا جرح األخرين بشيء جرحو ّٔم غري ىذا الرجل‬
‫فبن ىو منصف ومعتدؿ يف جرحو فحينئذ جرحو يُعترب ‪.‬‬

‫‪ )95‬القاعدة الخامسة والتسعوف ‪ :‬ان راد ابن حباف بالتوثيق ال يُوثَق بو ‪.‬‬
‫ألف قاعدة اإلماـ ابن حباف يف التوثيق ىي توثيق من ال هبد فيو جرحا وال تعديال ‪ ،‬فهذه قاعدتو‬
‫رضبو ا﵁ وأجزؿ لو األجر وعاملو بكماؿ مغفرتو ورضبتو وجعل قربه روضة من رياض اعبنة ىو عامة‬
‫علماء اؼبسلمني ‪ ،‬وىذه قاعدة نقدىا علماء اغبديث ‪ ،‬ولذلك إذا انفرد ابن حباف بتوثيق را ٍو ال‬
‫قبد توثيق أخر مع ابن حباف فحينئذ ال نأخذ بتوثيق ابن حباف وال قبعل اغبديث صحيحا إال إذا‬
‫عرفنا وعلمنا جزما حقيقة ىذا الراوي من توثيق رجل أخر غري ابن حباف رضبو ا﵁ ألنو متساىل يف‬
‫التوثيق بسبب تقريره ؽبذه القاعدة ‪ ،‬ولذلك ُوجد توثيق البن حباف يف رجاؿ ؾباىيل وضعفاء ألنو‬
‫يوثق من ال يعلم فيو جرحا وال تعديل إذا االصل عنده أف اؼبسلم جار على العدالة ‪.‬‬

‫‪ )96‬القاعدة السادسة والتسعوف ‪ :‬التعديل المبهم مقدـ على الجرح المبهم ‪.‬‬
‫فإذا عدؿ بعض نقاد اغبديث راويا ول يُبينوا لنا سبب تعديلو بينما قبد أخرين جرحوه ومع ذلك ل‬
‫يبينوا لنا سبب جرحو ‪ ،‬فهنا تعارض تعديل مبهم مع جرح مبهم ‪ ،‬فأيهما نقدـ ؟‬

‫نقوؿ ‪ :‬نقدـ التعديل اؼببهم ؛ ألنو ىو األصل حت يُبني لنا من جرحو سبب جرحو ‪ ،‬فالجرح‬
‫اؼببهم ال يقاوـ التعديل اؼببهم إذا األصل يقوي جانب التعديل يف ىذه اغبالة ‪.‬‬

‫‪ )97‬القاعدة السابعة والتسعوف ‪ :‬الجرح الم سر مقدـ على التعديل المبهم ‪.‬‬
‫فإذا اجتمع يف راو جرح وتعديل ورأينا من عدلوه قد عدلوه بإّٔاـ من غري بياف أسباب تعديلو ‪،‬‬
‫بينما من جرحوه وضحوا أسباب ذبروبو كقوؽبم ‪ " :‬ضعيف لتدليسو " ‪" ،‬ضعيف لسوء حفظو " ‪،‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 86‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫"ضعيف الختالطو " ‪ ،‬فال جرـ أف يف ىذه اغبالة أف ما فُسر مقدـ على ما أِّٔم تعديال كاف أو‬
‫جرحا ‪ ،‬فالجرح اؼبفسر يف ىذه اغبالة نقدمو على التعديل اؼببهم ؛ ألف مع ّْ‬
‫آّرح زيادة علم‬
‫خفيت على اؼبعدّْؿ ومن علم حجة على من ل يعلم ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ )98‬القاعدة الثامنة والتسعوف ‪ :‬التعديل الم سر مقدـ على الجرح المبهم ‪.‬‬
‫فإذا كاف التعديل لو أّٔم أصال لقدمناه على اعبرح اؼببهم فكيف اغباؿ إذا كاف التعديل مفسرا‬
‫واعبرح مبهما ؟‬

‫فال جرـ أننا نقدمو يف ىذه اغبالة من باب أوىل ‪.‬‬

‫‪ )99‬القاعدة التاسعة والتسعوف ‪ :‬التعديل الم سر مقدـ على الجرح الم سر إذا كثُر‬
‫الم ِ‬
‫عدلوف ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فهنا قيدنا بالشرط اؼبذكور ؛ ألف اعبارحني قد فسروا واؼبعدلني قد فسروا ‪ ،‬فإذا كاف اؼبفسروف مع‬
‫تعديلهم ىم األكثر فحينئذ ال جرـ أف تعديلهم مقدـ على اعبرح اؼبفسر ‪ ،‬ورجحناه عليو ألمرين‬
‫‪-:‬‬

‫أف التعديل ىو األصل ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬


‫جانب التعديل أكثر ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ )100‬القاعدة المائة ‪ :‬الجرح الم سر مقدـ على التعديل الم سر إذا كثُر الجارحوف ‪.‬‬
‫أو كانوا أوثق وأعرؼ ّٔذا الفن من غريىم واؼبهم أننا كبتاج إىل مرجح ‪.‬‬

‫‪ )101‬القاعدة الواحدة بعد المائة ‪ :‬الجرح والتعديل يثبتاف بقوؿ واحد عارؼ بمسالكو ‪.‬‬
‫وىذا أصح قويل أىل العلم رضبو ا﵁ تعاىل يف ىذه اؼبسألة ‪ ،‬فال يشرتط تعدد اعبارحني وال تعدد‬
‫اؼبعدلني وإمبا ننظر إىل من انفرد بو ‪ ،‬فإذا انفرد بو عارؼ بأسبابو مطلع على مسالكو عنده خربة‬
‫ودراية دبسالك اعبرح والتعديل فال جرـ أننا نقبل قولو ولو كاف واحدا ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 87‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )102‬القاعدة الثانية بعد المائة ‪ :‬رواية أىل السير ال يعتمد عليها أىل الحديث في العالب‬
‫‪.‬‬
‫وذلك ألف أىل السري ال يشرتطوف غالبا يف رواياهتم الصحة بل يذكروف الروايات على عواىلها يف‬
‫كثري من مواطن السري مع أف منهم من يشرتط الصحة ‪ ،‬ولكن األعم األغلب يف كتب السري أهنا‬
‫ال تقرف األحداث بأسانيد يبكن دراستها ‪.‬‬

‫ولذلك إذا رأيت يف بعض السري رواية تقتضي ثبوت حكم شرعي فال تعتمد على رواية أىل السري‬
‫ؽبا بل ال بد أف تبحث إسنادىا وتنظر حكم نقاد علماء اغبديث عليها ‪ ،‬وكم من الروايات اليت‬
‫أبطلها علماء اغبديث ؼبا نظروا يف أسانيدىا مع أف كثريا منها قد اشتهر ‪ ،‬وأضرب ىنا مثالني ‪-:‬‬

‫قصة لو وضع الشمس يف يبيين والقمر يف مشايل على أف أترؾ ىذا األمر ‪ ،‬ىذه مع‬ ‫‪-7‬‬
‫(‪)7‬‬
‫شهرهتا يرويها أىل السري ولكن إسنادىا ضعيف ‪.‬‬
‫وحن عليها‬
‫قصة إسالـ عمر ؼبا ضرب أختو حفصة واختبأ زوجها وساؿ الدـ ٍب عطف َّ‬ ‫‪-2‬‬
‫؛ ىذه أيضا إسنادىا معضل ‪ ،‬والصحيح يف قصة إسالمو أنو ظبع النيب ﷺ يتلوا‬
‫القرآف فأسلم ‪ ،‬وأما أنو دخل عليو وقاؿ إىل ميت ‪ ...‬فكل ىذا إسناده معضل ؛ فلذا ال‬
‫تنخدع برواية أىل السري إال بعد التمحيص ال سيما الرواية اليت يقتضي قبوؽبا إثبات‬
‫حكم شرعي ألنػ[ األحكاـ تفتقر يف ثبوهتا للدلة الصحيحة الصروبة ] ‪.‬‬
‫‪ )103‬القاعدة الثالثة بعد المائة ‪ :‬يقبل تعديل العبد والمرأة العرافين بمسالكو ‪.‬‬
‫ألف ىذا الباب ال يشرتط فيو حرية وال ذكورية وإمبا يشرتط فيو اؼبعرفة التامة واػبربة الكاملة والدراية‬
‫دبسالك اعبرح والتعديل ‪ ،‬فإذا َّ‬
‫جرحت أو عدَّلت امرأة أو عبد أحد الرواة وكانت من العارفني أو‬
‫كاف من العارفني دبسالك اعبرح والتعديل فال جرح أف ىذا التعديل وىذا اعبرح يقبل إذ ال يُشرتط‬
‫حرية وال ذكورية ‪.‬‬

‫(‪) 1‬‬
‫ػل "‬
‫ق ػػاؿ الش ػػيخ األلب ػػاني ‪ -‬رحم ػػو اي ‪ -‬ع ػػن اس ػػناد ى ػػذه القص ػػة ‪ ،‬ق ػػاؿ م ػػا نص ػػو ‪ ":‬وى ػػذا إس ػػنا ٌد ض ػػعي ٌ معض ػ ٌ‬
‫[سلسلة األحاديث الضعي ة‪ .‬رقم الحديث ‪ .909‬الطبعة الثالثة ‪1406‬ىػ ] ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 88‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ )104‬القاعدة الرابعة بعد المائة ‪ :‬رواية المحدود في القذؼ تقبل إف كاف شاىدا وال تقبل‬
‫إف كاف قاذفا إال بالتوبة ‪.‬‬
‫قد أوجب ا﵁ عز وجل شبانني جلدة يف ظهر من قذؼ غريه إذا ل يقم شهودا على قذفو قاؿ ا﵁‬
‫ني َج ْل َد ًة َوَال تَػ ْقبَػلُوا‬‫ِ‬ ‫ات ٍُبَّ َل يأْتُوا بِأَربػع ِة شه َداء فَ ِ‬
‫تعاىل ‪ ﴿ :‬والَّ ِذين يػرمو َف الْمحصنَ ِ‬
‫وى ْم َشبَان َ‬
‫اجل ُد ُ‬
‫َْ َ ُ َ َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َْ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫َصلَ ُحوا فَِإ َّف اللَّوَ َغ ُف ٌ‬
‫ور‬ ‫ك َوأ ْ‬ ‫ين تَابُوا ِم ْن بَػ ْعد ذَل َ‬ ‫ِ‬ ‫َؽبُ ْم َش َه َادةً أَبَ ًدا َوأُولَئِ َ‬
‫ك ُى ُم الْ َفاس ُقو َف (‪ )4‬إَّال الذ َ‬
‫يم (‪. )7( ﴾ )5‬‬ ‫ِ‬
‫َرح ٌ‬
‫فالعلماء رضبهم ا﵁ تعاىل ال يقبلوف الرواية إال من العدؿ ‪ ،‬وال سق ضد العدالة ‪ ،‬والذي جلد يف‬
‫القذؼ وصفو ا﵁ بأنو فاسق والفاسق غري مقبوؿ الرواية ‪ ،‬ولكن من باب إحقاؽ اغبق والعدؿ‬
‫وإعطاء كل ذي حق حقو قسم العلماء ا﵀دود يف القذؼ ‪ -‬آّلود ‪ -‬إىل قسمني ‪-:‬‬

‫الشاىد ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬


‫القاذؼ ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فيجب جلد الشاىد يف القذؼ إذا ل يكمل نصاب الشهادة ‪ ،‬ولكن الشاىد يف ىذه اغبالة ليس‬
‫بآٍب فقد شهد دبا رأه ‪ ،‬ولكن الشريعة اشرتطت أربعة وىو واحد ‪ ،‬وشهد معو آخر وبقي للشهادة‬
‫بالزنا رجالف فلما يأتيا ‪ ،‬فالشاىد ىنا شهد دبا رأه ل يكذب فحينئذ إذا ل يتم نصاب الشهادة‬
‫فإف القاضي وبكم جبلد الشهود صبيعا ‪ ،‬ولكن ال هبلدىم على أهنما قذفا ولكن هبلدىم بسب عد‬
‫كماؿ نصاب شهادهتم ‪ ،‬فإذا كاف ا﵀دود يف القذؼ ُحد بسبب نقصاف كماؿ الشهادة فإف روايتو‬
‫تقبل ولو بعد اغبد مباشرة ؛ ألنو ليس موصوفا بأنو فاسق ‪.‬‬

‫وأما القسم الثاني ‪ :‬الذي ُخص بالرد فهو القاذؼ نفسو الذي باشر القذؼ بنفسو فقاؿ لغريه "يا‬
‫زاين " أو " يا لوطي " ول يأت بنصاب الشهادة كامال فحينئذ وبده القاضي على أنو قاذؼ ‪،‬‬
‫فهذا القاذؼ ا﵀دود يف القذؼ ال نقبل روايتو إال إذا تاب وصدؽ يف التوبة وظهرت منو بوادر‬
‫ك ىم الْ َف ِ‬
‫اس ُقو َف (‪ )4‬إَِّال‬ ‫ِ‬
‫التوبة النصوح ‪ ،‬والدليل على ذلك قوؿ ا﵁ عز وجل عن القذفة ﴿ َوأُولَئ َ ُ ُ‬

‫(‪ ) 1‬سورة النور ‪. 5 – 4 :‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 89‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫(‪7‬‬
‫يم (‪ ، ﴾ )5‬فهنا يزوؿ الفسق عنو إذا تاب‬ ‫ك وأَصلَحوا فَِإ َّف اللَّو َغ ُف ِ‬‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫ين تَابُوا م ْن بَػ ْعد ذَل َ َ ْ ُ‬
‫الذ َ‬
‫وظهرت منو عالمات التوبة النصوح ‪ ،‬وىذا قوؿ الجمهور رحهم ا﵁ من اؼبالكية والشافعية‬
‫واغبنابلة ؛ خالفا للئمة اغبنفية الذين يسقطوف بعد التوبة وصف الفسق ويردوف الرواية ويقولن ما‬
‫داـ قد ُحد يف القذؼ ال نقبل روايتو ‪.‬‬

‫ولبياف مأخذ خالؼ اغبنفية للجمهور وىو قاعدة أصولية و يا ال أنبية ىذه القواعد اليت تبني معرفة‬
‫أصل خالؼ العلماء ومآخذىم يف اػبالؼ ّٔذه القواعد اؽبامة نقوؿ ‪-:‬‬

‫‪ ‬بعد التوبة رتب اي على القذؼ ثالث عقوبات ‪-:‬‬


‫اعبلد ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫عدـ قبوؿ الشهادة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الوصف بالفسق ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فصار على القاذؼ ثالث عقوبات ‪ ،‬فقاؿ ا﵁ تعاىل ‪ " :‬إال الذين تابوا ‪ ..‬اآلية " ‪ ،‬فهذا االستثناء‬
‫قد تعقب صبال وعقوبات ثالث ‪ ،‬فعند الجمهور قاعدة أصولية تقوؿ [ االستثناء إذا ورد بعد صبل‬
‫فإنو يرجع ؽبا صبيعا ] ‪.‬‬

‫وأما األئمة الحن ية فلديهم قاعدة تقوؿ [ إف االستثناء إذا تعقب صبال فإمبا يرجع للخرية فقط‬
‫وتبقي ما قبلها ] ‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإذا تاب القاذؼ عند اعبمهور يسقط صبيع العقوبات اليت ىي من حقوؽ ا﵁‬
‫تعاىل إال حقوؽ اآلدميني فإهنا ال تسقط ألهنا حق آلدمي ‪.‬‬

‫فعند الجمهور تقبل شهادتو ومن قبلت شهادتو قبلت روايتو ‪ ،‬وكذلك يسقط الوصف بالفسق ‪.‬‬

‫ولكن عند األئمة الحن ية يسقط الوصف بالفسق ‪ ،‬وأما عدـ قبوؿ الشهادة فإنو ال يسقط ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬سورة النور ‪. 5 – 4 :‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 91‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫ولذلك قاؿ الجمهور ‪ :‬إذا تاب القاذؼ الذي باشر القذؼ وظهرت منو ـبايل التوبة الصادقة‬
‫النصوح فجميع ما مضى من العقوبات إال ما كاف من حقوؽ اآلدميني فإنو يسقط ولذلك قبلوا‬
‫شهادتو وروايتو ونفوا وصف الفسق عنو ‪.‬‬

‫وأما الحن ية رضبهم ا﵁ فيقولوف كبن نوافق اعبمهور يف سقوط اعبملة األخرية عنو فال حق الحد أف‬
‫يصفو بعد التوبة بالفسق ‪ ،‬ولكن ال حق ألحد أف يقبل شهادتو الف االستثناء ال يستطيع أف يلغي‬
‫إال الوصف األخري فقط ‪.‬‬

‫واألصح ‪ :‬ال جرـ ىو قوؿ اعبمهور ألف االستثناء إذا تعقب صبال رجع إال صبيعها ‪.‬‬

‫فإف قيل ‪ :‬ىل الشاىد ىل يشرتط توبتو ؟‬

‫نقوؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬بل نقبل روايتو مباشرة‬

‫‪ )105‬القاعدة الخامسة بعد المائة ‪ :‬إنما بُعثت ألتمم مكارـ األخالؽ ‪.‬‬
‫وذلك ألف شبرة العلم األدب ‪ ،‬فإذا رأيت أحدا قد حصل علوما ول يتأدب وال أدب عنده ال مع‬
‫نفسو وال يف ما بينو وبني ا﵁ وال يف ما بينو وبني اؼبخلوقني فقل على علمو السالـ فعلمو حجة عليو‬
‫ونكاؿ وعذاب عليو يوـ القيامة ؛ ألف الشيء إذا ل يثمر فال خري فيو وأعظم شبرة هبنيها العبد من‬
‫العلم ىي تقوى ا﵁ عز وجل والتأدب باألخالؽ اغبميدة ألف عنده علم الكتاب والسنة ولذلك‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم (‪ ، )7( ﴾ )4‬ولما‬
‫وصف ا﵁ نبيو ﷺ دبكارـ األخالؽ فقاؿ ‪َ ﴿ :‬وإِن َ‬
‫ذكر لنا أخالؽ أنبيائو ورسلو وجدنا أهنم قد حققوا اؼبرتبة العالية ألهنم أكمل الناس علما ‪ ،‬فكلما‬
‫ازداد علم العبد ال بد وأف يزداد أدبو وأخالقو ‪ ،‬وأما الرعونة والطيش وصفاقة األخالؽ وتتبع‬
‫سفاسف األمور فهذا إنساف جاىل يف اغبقيقة وإف مل ما بني دفتيو علما فليست العربة بكثرة‬
‫العلم وإمبا العربة بتطبيق ىذا العلم وإخراجو أخالقا وأدبا يظهر على سلوكك وعلى أقوالك وعلى‬
‫تصرفاتك وأفعالك ‪.‬‬

‫(‪ ) 1‬سورة القم ‪. 4 :‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 91‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫فمن باب االىتماـ ّٔذا األمر هناية صبيع ما قررناه يف ىذه القواعد ىو ىذه القاعدة فهذه هنايتها‬
‫فمن ل تثمر تلك القواعد وتلك العلوـ واؼبعارؼ اليت درسها ىذه اآلداب فكأنو ل يتعلم ‪ ،‬فهو‬
‫واعباىل سواء بل ردبا يكوف بعض اعبهاؿ فيو من اآلداب واألخالؽ والقيم العالية ما ليس يف رجل‬
‫قد امتلت جوانبو من اغبفظ ومن العلم واؼبسائل ‪ ،‬ومن أعظم ما ينبغي أف يتأدب معو طالب‬
‫العلم شيخو الذي يطلب عليو العلم فاؼبشاي الذين يدرسونك ويعلمونك ىؤالء أحق الناس بأف‬
‫تصرؼ ؽبم األدب ‪.‬‬

‫‪ ‬واألدب ثالثة أقساـ ‪-:‬‬


‫أدب اإلنساف مع ربو و ىو ‪ -:‬القياـ بأمره بامتثاؿ أمره واجتناب هنيو ومراقبتو يف السر‬ ‫‪)7‬‬
‫والعالنية ‪.‬‬
‫أدب الطالب مع ن سو ‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫أدب الطالب مع شيخو ‪ ،‬وعلى ذلك ُصبل من اآلداب ال بد من طرقها ‪-:‬‬ ‫‪)3‬‬
‫(‪ )7‬احرتاـ الشيوخ وتوقريىم وطلب رضاىم ‪،‬واغبذر فبا يسخطهم وعدـ منادهتم بأظبائهم آّردة‬
‫بل ينبغي مناداة الشي بلقبو أو بكنيتو أو دبا وبب أف يُنادي بو ‪ ،‬فقلة أدب بعض الطالب‬
‫على اؼبشاي ىذا دليل على ضعف استفادهتم من العلم اؼبكنوف يف صدورىم ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرفق بالشيوخ وعدـ اإلغباح عليهم حت ال يبلوا أو يستثقلوا الطالب أو وبملهم اؼبمل على‬
‫اإلساءة أو كتم شيء فبا هبب بيانو ‪ ،‬فالرتفق الرتفق بالشيوخ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪-4‬دـ امتحاف الشيوخ فمن الطالب من وبفظ مسألة ووبققها ويأٌب يفتل عضالتو على شيخو ‪ ،‬أو‬
‫التعال على الشي ‪ ،‬أو سؤالو على جهة التعنت واالستقصاء فإف ذلك فبا يفسد شيخو عليو وردبا‬
‫حجب عنو كثري من العلم وحرمو من كثري من الفوائد بسبب معرفة الشي بسوء خلق ىذا الطالب‬
‫فاألدب األدب مع اؼبشائ ‪.‬‬

‫‪-5‬احساف الظن بشيخو والتماس العذر لو إذا أخطأ وعدـ تتبع ىفواتو أو أخطاءه وإف علم منها‬
‫شيئا فليسرتىا سرت ا﵁ عليو وال يفشها أو يشيعها بني الناس فذلك من سوء اآلداب ومن نكراف‬
‫اعبميل‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 92‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪-6‬استنصاح الشي يف أموره كلها واستشارتو يف األمور اليت تعرض لك أيها الطالب سواء كانت‬
‫أمورا علمية أو أمورا شخصية فإف الشي دبنزلة األب لطالب ‪ ،‬ولكنها أبوه روحيو علمية ال جسدية‬
‫طينية فو يف منزلة أبيك الطيين ‪.‬‬

‫‪-7‬ومنها مصارحة الشي ومراجعتو يف ما ل يفهمو الطالب ال سيما إذا شدد الشي أو كاف من‬
‫النوع الذي يشدد يف وصوؿ اؼبعلومة إىل أذىاف الطالب فإذا سألك الشي أفهت؟ فال ذبامل‬
‫وتقوؿ فهمت إذا علمت من شيخيك أنو يكره أنك ل تفهم األمر حقيقة أو على وجهو الصحيح‬

‫‪-8‬ينبغي لطالب أف هبتهد ما استطاع يف طلب العلم وأخذ األمر جبد وقوة فالعلم عزيز ال ينالو‬
‫متالعب وال متقاعس وال متكاسل وال فاتر فال بد من سهر الليايل وإطالة النظر يف الكتب والسفر‬
‫للشياخ واعبثو بالركب عند العلماء لتستفيد العلم فالعلم وبتاج إىل زمن ووبتاج إىل طوؿ نفس فال‬
‫يناؿ العلم يف دقائق وال يف سويعات معدودات وال يف سنيات قليلة بل العلم ال بد لو من زمن‬
‫طويل وال بد لو من زبطيط ؿبكم ‪.‬‬

‫‪-9‬أف الطالب ينبغي لو أف يبدأ يف طلب العلم مبكرا يف حاؿ عدـ كثرة الصوارؼ والشواغل عنو‬
‫وذلك عادة ما يكوف يف مقتبل العمر فإف العبد يف مقتبل عمره قليلة صوافو قليلة مشاغلة فهو زمن‬
‫صاحل لتحصيل قبل أف تتفلت عليك اللحظات وتندـ يف وقت ال ينفع فيو الندـ‬

‫‪-71‬عدـ اؼببادة إىل التصدر واالفتاء والتعليم قبل أف تستكمل مؤىالت ذلك ‪ ،‬فال ينبغي أف‬
‫وبملك حب الشهرة والظهور أف تستعجل يف تعليم الناس واالنتصاب ؽبم قبل أف يصلب عودؾ‬
‫وتقوي ورقتك وتظهر عليك ـبايل القدرة على التعليم ‪ ،‬وقد كاف كثري من السلف قبل أف هبلس‬
‫على كرسي االستفتاء يسأؿ مشائخو وعلماء بلده الذين تريب عليهم ىل بلغت مرتبة أجلس فيها‬
‫لتعليم الناس أـ ال ؟‬

‫فإف قالوا لو نعم جلس ‪.‬‬

‫وال بد قبل اعبلوس أف تستجيز شيخك من باب كماؿ األدب ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 93‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪-77‬ال ينبغي للطالب مطلقا أف وبدث وال يُعلم وال يُفيت يف آّلس الذي فيو شيخو إال بعد‬
‫استئذانو فإف من قلة األدب اؼبتناىية أف يبادر الطالب إذا سؤؿ الشي بسؤاؿ ألف يبادر الطالب‬
‫باإلجابة وشيخو حاضر إما حضورا حقيقيا أو حضورا حكميا ‪.‬‬

‫‪-72‬اغبرص على العمل بالعلم أكثر من اغبرص على استجماعو واالستكثار منو فإف من شبرات‬
‫العلم العمل وفبا يػُ ُقوي رسوخ العلم يف قلبك أف تعمل بو ‪ ،‬فال يكن نبك أيها الطالب أف‬
‫تستجمع اؼبعلومات فقط بل ليكن نبك األوؿ أف تعمل ّٔذا العلم ‪ ،‬فالعبد معذب يوـ القيامة على‬
‫علم ل يعمل بو وال داعي للعبد أف يستكثر من حجج ا﵁ عليو إذا ل يكن سيعمل ّٔا قاؿ ا﵁ عز‬
‫وجل {أتأمروف الناس بالرب وتنسوف أنفسكم } ل يعيبهم ا﵁ على تعليم الناس الرب ‪ ،‬ولكن عأّم‬
‫على نسياف أنفسهم ‪ ،‬وقاؿ ا﵁ عز وجل { ؼبا تقولوف ما ال تفعلوف كرب مقتا عند ا﵁ أف تقولوا ما‬
‫ال تفعلوف } ويقولوا النيب ﷺ يف الرجل الذي يُ َ‬
‫ؤٌب بو يوـ القيامة فيلقي يف النار فتندلق أقتاب‬
‫بطنو(أمعائو ) يف النار فيدور يف النار كما يدور اغبمار يف الرحي فيجتمع عليو أىل النار ويقولوف يا‬
‫فالف أولست كنت تأمرنا باؼبعروؼ (يف الدنيا ) وتنهانا عن اؼبنكر قاؿ بلى كنت أمرؾ باؼبعروؼ وال‬
‫آتيو ‪ ،‬وكنت أهناكم على اؼبنكر وآتيو "‬

‫والعمل بالعلم الواجب واجب وباؼبستحب مستحب ‪ ،‬أي إذا أمرت الناس بقياـ الليل فال هبب‬
‫عليك أف تقوـ الليل فال يعاقبك ا﵁ على عدـ قياـ الليل ألف ىذا العلم مستحب والعمل‬
‫باؼبستحب مستحب ‪ ،‬ولكن كونك تأمر الناس بالصدؽ وأنت تكذب ػ‪،‬أو تأمر الناس برب الوالدين‬
‫وأنت تعق والديك ‪ ،‬أو كونك تأمر الناس بإعفاء اللحي وأنت ربلق غبيتك ؛ فاؼبخالفة يف األمور‬
‫الواجبة ىي اليت يُعاقب عليها الطالب ‪ ،‬ولكن كونك تامر الناس بالصدقة وأنت ال تتصدؽ ىذا‬
‫عيب عليك دنيوي ونقد ولكن ليس ؿبال للعقوبة يف األخرة ؛ ألف من الناس من يقوؿ أعمل بكل‬
‫ما أعلم ىذه مشكلة كبرية إذا لن أدعوا الناس إال دبا أستطيع أف أُطيقو عمال ؟ نقوال ‪ ،‬ال‪ ،‬فإذا‬
‫أمرت الناس بأمر واجب فالواجب عليك أف تعمل بو ‪ ،‬واألمر الواجب هبب عليك العمل بو سواء‬
‫دعوت الناس لو أو ل تدعوىم لو ‪ ،‬ولكن من باب الكماؿ يف الدعوة أف تقوـ باألمر اؼبستحب‬
‫الذي ربث الناس عليو أوال ‪ ،‬ولكن لو خالفت ول تعمل باألمر اؼبستحب فال جناح باعتبار األخرة‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 94‬‬


‫‪‬‬ ‫عونُ الرب المُغيث في تقرير قواع ِد مصطلح الحديث‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬ولكن ما أصربؾ على نقد الناس باعتبار الدنيا ألف الناس سيقولوف كيف تأمرنا بشيء وأنت ال‬
‫تعمل بو ؟‬

‫‪-73‬أف وبرص على اغبفظ كذلك ‪ ،‬فالبد من اغبفظ وإياكم يا طلب العلم أف تعتمدوا على الفهم‬
‫آّرد عن اغبفظ فإف اغبفظ أصل أصيل وركن ركني يتخرج عليو الطالب ول يُ ِّربز من بػُّْرز من العلماء‬
‫إال حبفظو ‪ ،‬فال بد من اغبفظ ؛ وأعظم ما وبفظو الطالب كتاب ا﵁ عز وجل وما تيسري من سنة‬
‫ؿبمد ﷺ على حسب ما يستطيع أف وبفظ منها ‪.‬‬

‫فهذه صبل من اآلداب واألخالؽ أسالو عز وجل أف هبعلنا صبيعا فبن حاز العلم ووفق للعمل وأف‬
‫يشرح صدورنا للعمل دبا علمناه وأف هبعلنا ىداة مهتدين ال ضالني وال مضلني ‪ ،‬وأسأؿ ا﵁ أف‬
‫هبزي القارئ خري اعبزاء على حسن متابعتو واىتمامو ّٔذا الفن ‪ ،‬وا﵁ أعلى وأعلم ‪ ،‬وصلي ا﵁ على‬
‫نبينا ؿبمد وعلى آلو وصحبو وسلم ‪.‬‬

‫نسأؿ ا﵁ أف قبعل ما كتبناه زادا إىل حسن اؼبصري إليو وعتادا إىل ُيبن القدوـ عليو إنو بكل صبيل‬
‫كفيل وىو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫‪ ‬صفحة | ‪ 95‬‬

You might also like