Professional Documents
Culture Documents
عون الرب المغيث في تقرير قواعد مصطلح الحديث 3
عون الرب المغيث في تقرير قواعد مصطلح الحديث 3
في تقرير
للشيخ
اغبمد ﵁ رب العاؼبني والصالة والسالـ على رسوؿ ا﵁ األمني وعلى آلو وأصحابو الطيبني
الطاىرين ومن تبعهم بإحساف إىل يوـ الدين .
فهذه ىي اؼبرحلة الثالثة من دراسة ىذا الفن العظيم وىو دراسة علوـ اغبديث ،وقد شرحنا يف
اؼبرحلة األوىل منت " البيقونية " وفصلنا يف مسائلو و﵁ اغبمد ٍ ،ب شرحنا يف اؼبرحلة الثانية منت "
لببة الفكر " لإلماـ اغبافظ ابن حجر رضبو ا﵁ تعاىل ،وىذه ىي اؼبرحلة الثالثة ،ويبقي بعدىا
مرحلة رابعة وىي دراسة " الالمية " يف اؼبصطلح وىي من تأليفي .
وىذه اؼبرحلة الثالثة ىي عبارة عن وضع النقاط على اغبروؼ يف مادة مصطلح اغبديث فلن يكوف
فيها تفصيل زائد أكثر من أف أظبعكم صبال كثرية من القواعد اليت يقررىا العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل يف
ىذا الفن ،وىي عبارة عن مائة قاعدة ،ولن تأخذ القاعدة حظا كبري من الشرح وإمبا بعبارات
يسرية نوضح شيئا من مفرداهتا ،ونوضح كذلك شيئا من معناىا اإلصبايل مع ضرب مثاؿ أو مثالني
أو أكثر ،وقد سبر معنا بعض القواعد بال أمثلة لوضوحها ويسر ألفاظها ،وأف أجزـ جزـ
اؼبتأكدين اؼبستقرئني ؽبذا العلم أف من حفظ ىذه اؼبائة قاعدة فإنو سيكوف ذا شأف كبري يف مصطلح
اغبديث بإذف ا﵁ تعاىل فا﵁ ا﵁ ّٔذه القواعد وىي ستكوف متنا يسريا يف قواعد اؼبصطلح جريا على
تأليف أصوؿ الفقو على منهج أىل اغبديث ،فالقاعدة ٍب شيء يسري من الكالـ عليها ويرتؾ
التوسع وكثرة ضرب اؼبثاؿ لشراح الذين يتولوهنا إف شاء ا﵁ تعاىل .
وكثير من طلبة العلم يدخل يف ىذا الفن وال يدري عن القاعدة اليت يتكلم عنها اؼبؤلف ،ولذلك الكالـ
سيكوف ىنا من باب وضع النقاط على اغبروؼ .
وإليك ىذه القواعد اليت زبدـ األصل الثاين من أصوؿ اإلسالـ وىو السنة فنقوؿ وبا﵁ التوفيق -:
ث -النوع الرابع -:كل آية فيها أف ما يقولو النيب ﷺ وحي فهو دليل على أف السنة حجة ،
ِ ِ ِ
وحى ( ، )1( )4وكقولو كقوؿ ا﵁ عز وجل َ :وَما يَػْنط ُق َع ِن ا ْؽبََوى ( )3إ ْف ُى َو إَّال َو ْح ٌي يُ َ
اب ()7 يد الْعِ َق ِوؿ فَ ُخ ُذوهُ َوَما نَػ َها ُك ْم َعْنوُ فَانْػتَػ ُهوا َواتَّػ ُقوا اللَّوَ إِ َّف اللَّوَ َش ِد ُ الر ُس ُ
تعاىل َ :وَما آتَا ُك ُم َّ
اب َوِمثْػلَوُ َم َعوُ " (. )3 َ ت
َ )2( ويقوؿ النيب ﷺ " :أَالَ إِ ّّْن أُوتِيت الْ ِ
ك ُ
ج -النوع الخامس -:كل آية فيها التحذير من ـبالفة النيب ﷺ فهي دليل على أف السنة حجة
اػبِيَػَرةُ ٍِ ِ ِ
ضى اللَّوُ َوَر ُسولُوُ أ َْمًرا أَ ْف يَ ُكو َف َؽبُ ُم ْ ،كقوؿ ا﵁ عز وجل َ :وَما َكا َف ل ُم ْؤم ٍن َوَال ُم ْؤمنَة إِذَا قَ َ
ض َالًال ُمبِينًا ( ، )4( )36وكقولو عز وجل : ض َّل َ ص اللَّوَ َوَر ُسولَوُ فَػ َق ْد َ ِم ْن أ َْم ِرِى ْم َوَم ْن يَػ ْع ِ
صيبػهم ع َذ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
يم (. )5( )63 اب أَل ٌين ُىبَال ُفو َف َع ْن أ َْم ِرِه أَ ْف تُصيبَػ ُه ْم فْتػنَةٌ أ َْو يُ َ ُ ْ َ ٌ فَػ ْليَ ْح َذر الذ َ
ح -النوع السادس -:كل آية يف تربئة النيب ﷺ من أقواؿ األولني فهي دليل على أف السنة حجة
ني (ٍُ )45بَّ َخ ْذنَا ِمْنوُ بِالْيَ ِم ِض ْاألَقَا ِو ِيل (َ )44أل َ ،كقوؿ ا﵁ عز وجل َ :ولَ ْو تَػ َق َّوَؿ َعلَْيػنَا بَػ ْع َ
ِ لََقطَعنا ِمْنو الْوتِني ( )46فَما ِمْن ُكم ِمن أ ٍ
ين ( ، )6( )47واآليات يف ىذه اؼبعين َحد َعْنوُ َحاج ِز َ ْ ْ َ َ َْ ُ َ َ
كثرية .
وأما األدلة من السنة فهي كثيرة جدا أيضا وإف األنواع التي ذكرنها في االستدالؿ على حجية
السنة بالقرآف ىي بعينها األنواع التي نطلب ذكرىا في االحتجاج بالسنة ونزيدىا ما يلي -:
خ -أوال -:كل أمر فيو ربرمي اإلحداث يف الدين فهو دليل على أف السنة حجة ،كقوؿ النيب
س فِ ِيو ( ِمْنوُ) فَػ ُه َو َردّّ " ( ، )7وكقولو ﷺ " : َح َد َ ِ ِ
ث يف أ َْمرنَا َى َذا َما لَْي َ ﷺ َ " :م ْن أ ْ
تث الْ َكثِ ِري أَصاب أَرضا فَ َكا َف ِمْنػها نَِقيَّةٌ قَبِلَ ِ
مثَل ما بػعثَِين ا﵁ بِِو ِمن ا ْؽب َدى والْعِْل ِم َكمثَ ِل الْغَي ِ
َ َ َ ًْ ْ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ََ
ِ ت الْ َك َلَ والْع ْشب الْ َكثِري وَكانَت ِمْنػها أ ِ الْماء فَأَنْػبتَ ِ
ات) أ َْم َس َكت الْ َماءَ فَػنَػ َف َع ا﵁ُب (إِ َخاذَ ٌ
َجاد ُ ََ ْ َ َ َ ُ َ ََ َ
) (3سنن أبي داود ( ، )4606ومسند أحمد ( ، )17174قاؿ األلباني " :صحيح " .
) (3سنن أبي داود ( ، )4607وسنن الترمذي ( ، )2676وسنن ابن ماجة (. )42
ذ -ثالثا -:كل حديث فيو الدعاء لناقل السنة وحاملها فهو دليل على أف السنة حجة ،كقولو
ب َح ِام ِل فِ ْق ٍو َال
اىاٍُ ،بَّ أ ََّد َاىا إِ َىل َم ْن َلْ يَ ْس َم ْع َها ،فَػ ُر َّ ِ
ﷺ " :نَضََّر ا﵁ُ ْامَرأً َظب َع َم َقالَِيت ،فَػ َو َع َ
ب َح ِام ِل فِ ْق ٍو إِ َىل َم ْن ُى َو أَفْػ َقوُ ِمْنوُ " (. )1
فِ ْقوَ لَوَُ ،وُر َّ
ر -رابعا -:كل حديث فيو التغليظ الشديد على الكذب أو يف الكذب على النيب ﷺ فهو دليل
ب َعلَ َّي ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُعلى أف السنة حجة ،كقولو ﷺ يف اغبديث اؼبتواتر َ " :م ْن َك َذ َ
َح ٍد فَ َم ْنَ َ أ ى ل
َ ع ب ٍ ذِمن النَّا ِر " ( ، )2ويف الصحيح كقولو ﷺ " :إِ َّف َك ِذبا علَى لَيس َك َك ِ
ً َ َّ ْ َ َ
ب َعلَ َّى ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النَّار ِِ " ( ، )3وقد أصبع أصحاب النيب ﷺ على َك َذ َ
االستدالؿ بالسنة واالحتجاج ّٔا من غري خالؼ وال نكري بينهم ؛ فكاف إذا نزؿ عليهم نازلة أو
وقع عليهم شيء فإهنم يطلبوف حكمو يف أوؿ األمر من القرآف ؛ فإف ل هبدوه اذبهوا لطلبو من
السنة وىذا ؾبمع عليو بني العلماء رضبهم ا﵁ بل كاف بعض الصحابة يغلظ التغليظ الشديد على
من يراه ـبالفا لسنة وىذا لو أمثلة كثرية ذبدوهنا مذكورة يف كتب اغبديث ،وقد ذبرأ بعض أىل
البدع إىل القدح يف االستدالؿ بالسنة جبمل من الشبو والقوادح اليت ال تسمن وال تغين من جوع
وقد استوفيتها يف عشرة أوجو يف كتاب يل اظبو ( تعريف الطالب بأصوؿ الفقو يف سؤاؿ وجواب )
( ، )4ولعل القارئ الكرمي يرجع إليها ،وىذه ىي أوؿ قاعدة ينبغي طرقها يف قواعد مصطلح
اغبديث ألف صبيع ما يأٌب بعدىا من القواعد إمبا يُنتفع بو إذا قلنا أف " السنة حجة " ؛ ألف كل
ىذه القواعد تبحث يف علم السنة سندا ومتنا ،فإذا قلنا إف السنة ليست حبجة أصال فما الداعي
إىل البحث يف أسانيدىا وأتعاب العقوؿ يف الكالـ على رجاؽبا ،أو البحث يف متوهنا .
) (1مسند أحمد ( ، )16738وسنن ابن ماجة ( ، )231قاؿ األلباني " :صحيح " .
) - (4راب ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة صػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ حة الكت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػب ال قهي ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة للش ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػيخ وم ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػن ض ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػمنها كت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاب (تعريػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ الط ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػالب بأص ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػوؿ ال ق ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػو ف ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػي سػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ اؿ وج ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػواب ) :
. http://www.saaid.net/Doat/wled/f.htm
)2القاعدة الثانية :ما رواه الجمع عن الجمع من مبدأ السند إلى منتهاه فهو متواتر .
وبعض أىل العلم يزيد عليو شرطين -:
أ) أف تكوف ىذه الكثرة حبيث ُربيل -أي :مانعة -العادة تواطؤىم على الكذب .
ب) وأف يكوف مسند خربىم اغبس .
والحس أي :يقولوا ظبعنا -رأينا -ؼبسنا -مشمنا ، -وىي اغبواس اػبمس .
وبياف القاعدة أف نقوؿ :اعلم السنة تنقسم باعتبار طرؽ وصولها إلينا إلى قسمين -:
المتواتر -:وىو تلك األحاديث اليت رواىا اعبمع الكثري عن اعبمع الكثري عن اعبمع الكثري من -7
مبدأ السن إىل منتهاه كثرة سبنع العادة تواطؤىم على الكذب .
بفهذا النوع من السنة الذي كثر ناقلوه ىذا يسمي بػػ( اؼبتواتر ) ؛ كقوؿ النيب ﷺ َ " :م ْن َك َذ َ
َعلَ َّي ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النَّا ِر " ( ، )1فهذا من األحاديث اؼبتواترة ،وكقولو ﷺ َ " :م ْن بَػ َن
لِلَّ ِو َم ْس ِج ًدا بَػ َن اللَّوُ لَوُ ِمثْػلَوُ ِيف اعبَن َِّة " ( ، )2وىذا من األحاديث اؼبتواترة ،وكقولو ﷺ " :يَػْن ِزُؿ
وؿ من ي ْدع ِوين فَأ ِ ِ السم ِاء ُّ ِ ٍِ
يب
َستَج َ ْ ث اللَّْي ِل ْاآلخ ُر يَػ ُق ُ َ ْ َ ُ ني يَػْبػ َقى ثػُلُ ُ
الدنْػيَا ح َ َربػُّنَا تَػبَ َارَؾ َوتَػ َع َاىل ُك َّل لَْيػلَة إ َىل َّ َ
لَوُ َم ْن يَ ْسأَلُِين فَأ ُْع ِطيَوُ َم ْن يَ ْستَػ ْغ ِف ُرِين فَأَ ْغ ِفَر لَوُ " ( ، )3وقد راوه أكثر من اثنني وعشروف صحايب ،
ض ُّامو َف ِيف ُرْؤيَتِ ِو " (، )4
وكذلك قوؿ النيب ﷺ " :إِنَّ ُك ْم َستَػَرْو َف َربَّ ُك ْم َك َما تَػَرْو َف َى َذا الْ َق َمَر َال تُ َ
فهو أيضا من األحاديث اؼبتواترة .
اآلحاد :وىي تلك األحاديث اليت جاءتنا عن النيب ﷺ براوية الواحد أو األثنني أو الثالثة أو -2
األربعة أو األكثر ولكنها ليست كثرة توصل إىل عدد التواتر .
فلو نظرت إىل الطرؽ اليت جاءتنا السنة عن قِبلها ؼبا وجدهتا خارجة عن أحد عن ىاذين الطريقني (
متوتر -آحاد ) .
) (2سنن الترمذي ( ، )318وسنن ابن ماجة ( ، ) 736قاؿ األلباني " :صحيح " .
نقوؿ فيو خالؼ بني أىل العلم والقوؿ الصحيح أف األعداد يف التواتر غري مشرتطة وإمبا العربة بإفادة
العلم ؛ فأي عدد يفيد العلم فالتواتر بو حاصل ،فال شأف لنا باألعداد فاألعداد عندنا ليست معوال ،
وىذا القوؿ ىو الصحيح إف شاء ا﵁ تعاىل ،ولذلك ردبا يأٌب خرب كثر ناقلوه ولكن ال يُفيدنا التواتر
بينما يأتينا خرب قل ناقلوه ولكن يفيدنا العلم القطعي ،فلو جاء ثالثوف رجال كلهم من أصدؽ الناس
ووبد ثوننا خبرب فإننا قبد يف قلوبنا أنو ىناؾ ضرورة لقبوؿ خربىم وىذا ىو (التواتر ) ،بينما يف خرب أخر
قد يأتينا سبعوف رجال ولكن عليهم بعض اؼبالحظات ى صدقهم وأمانتهم فال قبد قلبونا مضطرة
لقبوؿ خربىم فاألعداد إذا ليست معوال وإمبا العربة بصفات الناقلني وإفادة العلم .
نقوؿ أنو يفيد القطع والعلم واليقني ،ونعين بو ذلك العلم الضروري الذي ال تسطيع نفسك أف ترده
،وال أف زبرجو من دائرهتا .
أ) التواتر الل ظي :وىو ما تواتر لفظو ومعناه ،فكل واحد من الناقلني ينقل نفس الكلمات بنفس
الرتتيب الذي ينقلها الرجل األخر فهذا تواتر لفظو وتواتر معناه ،وىو قليل يف السنة ،مثل
ب َعلَ َّي ُمتَػ َع ّْم ًدا فَػ ْليَتَبَػ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النَّا ِر " ( ، )1وكحديث َ " :م ْن بَػ َن لِلَّ ِو
حديث َ " :م ْن َك َذ َ
َم ْس ِج ًدا بَػ َن اللَّوُ لَوُ ِمثْػلَوُ ِيف اعبَن َِّة " ( ، )2وأكثر األحاديث اؼبتواتر ىي بالتواتر الثاين وىو التواتر
اؼبعنوي .
ب) التواتر المعنوي :وىو ما اتفق معناه واختلف لفظو ،كأحاديث اؼبسح على اػبفني فإهنا تبلغ
السبعني حديثا ولكن ألفاظها ـبتلفة إال أف كلها تصب مصب واحد وىو جواز اؼبسح على اػبفني ،
) (2سنن الترمذي ( ، )318وسنن ابن ماجة ( ، ) 736قاؿ األلباني " :صحيح " .
فألفاظها ل تتواتر وإمبا الذي تواتر معناىا ،وكأحاديث رؤية ا﵁ عز وجل يوـ القيامة ،وأحاديث
الشفاعة فكلها من األحاديث اؼبتواتر ،ولكن تواترىا تواتر معنوي ال لفظي .
)3القاعدة الثالثة :كل حديث فقد شرطا من شروط التواتر فآحاد .
إف قاؿ قائل :ؼبا ُظبي آحادا ؟
نقوؿ ألف نقلتو ىم الواحد واالثناف والثالثة أي آحاد ليس نقلتو ؾبموعات كثرية ال وإمبا ىم أفراد .
ثانيا -:ومن القرائن أيضا تلقي األمة لو بالقبوؿ فحديث اآلحاد إذا تلقتو األمة بالقبوؿ واالعتماد
والتسليم واإلذعاف فال جرـ أف ىذه قرينة ترفعو إىل رتبة إفادة القطع واليقني .
ثم اعلم رضبك ا﵁ تعاىل أف قولنا إف خرب اآلحاد يفيد الظن باألصالة إمبا نعين بو يف إفادة العلم ،
وأما يف وجوب العمل بو فإنو يفيد القطع والوجوب ،فال هبوز للعبد أف يتخلف عن العمل بشيء
من أخبار اآلحاد مطلقا فإذا ظبعت أىل اغبديث يقولوف إف خرب اآلحاد يفيد الظن فقط فإياؾ أف
تتساىل بو من ناحية العمل ألهنم يقصدوف أنو يفيد الظن باألصالة باعتبار العلم ،وأما باعتبار
العمل فأىل السنة متفقوف على وجوب ولزوـ العمل دبا صح عن النيب ﷺ متواترا كاف أو آحادا .
كاف ﷺ يبعث رسائلو وكتبو بالعقائد والتوحيد فيبعػث ّٔػا الواحػد إىل األمصػار وإيل القػري آّػاورة لػو
وكان ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػت تقػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػوـ علػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػيهم اغبج ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة بنقػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػل ىػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػذا الواحػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػد .
فإف قاؿ قائل :وىل ىناؾ عقائد أثبتتها السنة بأخبار آحاد ؟
فنقوؿ :نعم منها " صفة الضحك " أىل السنة واعبماعة يؤمنوف أف ﵁ ضحكا يليق جباللو
وعظمتو ،ودليلو الذي بو ثبت خرب آحاد ،ومنها صفة " األصابع " فيعتقد أىل السنة واعبماعة أف
﵁ أصابع تليق جباللو وعظمتو واػبرب الذي بو ثبتت ىذه الصفة خرب آحاد ،ومنها كذلك صفة " اؼبلل
" فللو ملل يليق جباللو وعظمتو واغبديث الذي بو ثبتت ىذه الصفة إمبا ىو خرب آحاد ،ومنها كذلك
صفة الفرح " فللو فرح يليق جباللو وعظمتو واغبديث الذي ثبتت بو ىذه الصفة إمبا ىو خرب آحاد ،
وكذؿ كصفة " الغرية " فللو غرية تليق جباللو وعظمتو واغبديث الذي ثبتت ىذه الصفة إمبا ىو خرب
آحاد ،وكذلك صفة " اؽبرولة " وصفة " البشبشة " وغريىا من الصفات اليت أثبتها أىل السنة
واعبماعة بأخبار آحاد ،فإذا أىل السنة واعبماعة ال يهتموف بقضية التواتر واآلحاد يف مسائل العقيدة
وإمبا العربة عندىم بصحة النص وجب قبولو واعتماده واؼبصري إليو وربرـ ـبا لفتو .
ولذلك فالقوؿ الصحيح ىو أف مس الذكر ناقض للوضوء إذا كاف بشهوة ،وبال حائل ؛ مع أف
األحاديث اليت أثبتت كونو ناقضا إمبا ىي أحاديث آحاد .
وكذلك فالقوؿ الصحيح أف خيار آّلس خيار صحيح ثابت وإف قاؿ اؼبالكية خبالفو ولكننا نقبلو مع
أنو يف مسائل تعم البلوى وخربه خرب آحاد إال أف القضية عندنا إمبا ىي صحة النص فخيار آّلس
حينئذ صحيح .
وكذلك نقوؿ القوؿ الصحيح مشروعة الوضوء من ما مستو النار وىذه اؼبشروعية ىي مشروعية
استحباب ال إهباب ،مع اؼبسألة فبا تعم ّٔا البلوى وخربىا خرب آحاد .
وكذلك القوؿ الصحيح انتقاض الوضوء من غبم اإلبل مع أف أخباره أخبار آحاد وىو يف مسألة
وبتاجها اعبميع فأكثر الناس يأكلوف غبم اإلبل فنكتفي يف االستدالؿ على القوؿ بنقضو حبديثني
صحيحني فقط فهما خرب آحاد يف مسألة تعم ّٔا البلوى وال بأس بذلك .
وكذلك أيضا القوؿ الصحيح مشروعية رفع اليدين يف اؼبواضع األربعة يف الصالة واليت ىي ( عند تكبرية
اإلحراـ – وعند اؽبوي إىل لركوع –وعند الرفع من الركوع – وبعد القياـ من التشهد األوؿ ) مع أف ىذه
الصفة فبا تعم ّٔا البلوى ووبتاجها اؼبسلموف صبيعا وأخبارىا أخبار آحاد وىذا ال يضرينا وال يهمنا مطلقا
ال يف صدر وال ورد .
فنَخلص من ىذا أف تقسيم السنة إلى متواتر وآحاد منو ما ىو مقبوؿ ومنو ما ىو مرفوض -:
أ) فإذا كاف مبدأ ىذا التقسيم معرفة طرؽ وصوؿ اغبديث إلينا فقط فهذا تقسيم مقبوؿ .
ب) وأما إذا كاف ىذا التقسيم يفضي إىل قبوؿ بعض السنة ورد بعض السنة يف بعض األبواب فال جرـ أف
ىذا تقسيم مرفوض غري مقبوؿ .
)6القاعدة السادسة :خبر اآلحاد الصحيح مقدـ على عمل أىل المدينة .
وىذا ما ندين ا﵁ عز وجل بو ،فال هبوز ألحد كائنا ما كاف ال أىل اؼبدينة وال أىل مكة ،وال أىل
الشاـ ،وال أىل العراؽ ،وال أي بالد كانت يف ىذه الدنيا أف يردوا حديثا صحيحا ألنو ىبالف العمل
اؼبشهور عندىم ،ولكن األئمة اؼبالكية رضبهم ا﵁ تعاىل وأجزؿ ؽبم األجر واؼبثوبة وقعوا يف ىذه اغبفرة
فقالوا " :إننا نقبل حديث اآلحاد ما ل ىبالف العمل عندنا فميت ما خالف حديث اآلحاد العمل
عندنا فإف العمل عندنا ُمقَّدـ على خرب اآلحاد " ،وىذا كالـ باطل ؛ فإف اؼبقدـ على اإلطالؽ كالـ
ني يَ َد ِي اللَّ ِو َوَر ُسولِِو
ّْموا بَػ ْ َ
َّ ِ
ا﵁ وكالـ رسولو ﷺ ؛ يقوؿ ا﵁ عز وجل :يَا أَيػُّ َها الذ َ
ين َآمنُوا َال تُػ َقد ُ
يم ( ، )1( )7فال هبوز أف نقدـ على السنة ال عمل بلد ،وال قوال ،وال واتَّػ ُقوا اللَّو إِ َّف اللَّو َِظب ِ
يع َعل ٌ
َ ٌ َ َ
عقال ،وال رأيا ،وال قياسا ،وال غري ذلك .
ولذلك فالقوؿ الصحيح الذي تدؿ عليو األدلة ىو أف العبد إذا دخل اؼبسجد واإلماـ ىبطب فمن السنة
قبل أف هبلس أف يصلي ركتني ،ولكن بعض اؼبالكية يرفض ىذا ويرد ىذا اغبديث مع أنو ثابت يف
الصحيحني حبجة أنو ليس عليو العمل يف بالدنا .
ومثاؿ ذكرناه يف قاعدة أخرى وىو خيار آّلس فقد ذىب اعبمهور من الشافعية واغبنفية واغبنابلة
يثبتوف خيار " آّلس " ،وىو :ذلك اػبيار الذي يثبت للمتعاقدين بعد اإلهباب والقبوؿ من كل
منهما ما ل يتفرقا وأحاديثو أحاديث آحاد ،ولكن اإلماـ مالك وبعض اؼبالكية ل يأخذوا بو ألنو ليس
عليو العمل يف بالدىم ؛ ونقوؿ ىذا ليس بقادح معترب ،وال علة تقبل ،فإف العربة إمبا ىي صحة النص
عن النيب ﷺ .
)7القاعدة السابعة :الحديث الصحيح حجة بذاتو .
أي ال يكتسب ُح ّْجيتو بعمل أحد أو دبوافقة أحد فهو حجة بذاتو وإف ل يعمل بو أحد ،والدليل على
ذلك عموـ األدلة الواردة بأف السنة حجة ،وألف األئمة األربعة رضبهم ا﵁ تعاىل كانوا يوصوف أتباعهم
بأف يأخذوا بأقواؽبم ما ل تعارض السنة فإذا عارضت السنة فإهنم يرموف بأقواؽبم عرض اغبائط ،وألف
قوؿ الشارع ال يبكن أف يتوقف االستدالؿ بو على موافقة غريه ألف اغبجية يف الكتاب والسنة إمبا ىي
ُح ّْجية ذاتيو ال مكتسبة .
واعلم أف األدلة عندنا قسماف باعتبار االحتجاج بها -:
-7أدلة ىي حجة بالذات :ونبا دليالف فقط ونبا الكتاب والسنة .
-2وأدلػة حجػة بػالغري :كاإلصبػاع ،والقيػاس ،وقػوؿ الصػػحايب ،وشػرع مػن قبلنػا وغريىػا مػن األحاديػث الػػيت
يذكرىا األصوليوف فهي ليست حجة بذاهتا كالكتاب والسنة وإمبا ىي حجة بالتبع (بالغري) .
ولػذلك ال هبػوز ألحػد مػن النػاس أف يػرتؾ العمػل حبػديث صػحيح ل يُنسػ حبجػة أنػو ل يعمػل بػو أحػػد
من العلماء مع أننا مع استقراء السنة وجػدنا أف كػل حػديث يُػدعي أنػو ل يعمػل بػو أحػد وجػدنا أنػو قػد
عمػػل بػػو بعػػض العلمػاء وإف كػػانوا قلػػيال ،فػػال هبػػوز رد السػػنة دبثػػل ىػػذه العلػػة أو دبثػػل ىػػذا القػػدح ؛ بػػل
الواجػب علينػػا قبػػوؿ اغبػػديث إذا صػػح مػػن غػػري نظػػر ىػػل وافػػق ىػػذا اغبػػديث عمػػل أحػػد مػػن النػػاس أـ ل
يوافق .
شػ ػ ِ
ػاء بِالقم ِدينػ ػ ِػة فِػ ػػى َ.ي ػ ػ ِر َخػ ػػو ٍ ب َوال ِقع َ ػاؿ " :جمػ ػػع رسػ ػ ُ ِ
ؼ َوالَ َمطَػ ػ ٍر " .قػ ػػاؿ ق ق َ َ ػوؿ اللَػ ػػو -صػ ػػلى اي عليػ ػػو وسػ ػػلم -بَػ ػ قػي َن الظِ قه ػ ػ ِر َوال َقع ق
ص ػ ػ ِر َوال َقمعق ػ ػ ِر ِ ََ َ َُ ) (2ونػ ػػص الحػ ػػديث َ ،ع ػ ػ ِن ابقػ ػ ِن َعبَػ ػ ٍ
ػاس قَػ ػ َ
ِج أَُمتَوُ " [ صحيح مسلم ( ، )1667وسنن الترمذي ( ، )187والل ظ لمسلم .
اؿ َ " :ك قى الَ يُ قحر َ اس لِ َم فَػ َع َل ذَلِ َ
ك ؟ قَ َ َوكِي ٍع :قُػل ُ
قت ِالبق ِن َعبَ ٍ
األسباب اؼبقررة يف جواز اعبمع ،فإذا ىذا اغبديث نعمل بو وال يبكن أف نرده فهو يف
صحيح اإلماـ مسلم واغبديث الصحيح حجة بذاتو وإف ل يعمل بو أحد .
)8القاعدة الثامنة :كل قاعدة خال ت حديثا صحيحا فهي باطلة .
فالقاعدة اؼبقررة على خالؼ األحاديث الصحيحة ىي يف اغبقيقة قاعدة ال خري فيها ،وكي أف يُعارض
كالـ ا﵁ وكالـ رسولو ﷺ بشيء جري عليو التأصيل والتقعيد !؟ ولعمر ا﵁ لنسف ألف قاعدة
وألف أصل ،وألف ضابط ،أيسر عندنا وأىوف على قلوبنا من رد حديث واحد .
فال هبوز أف تقبل أهنا قاعدة إذا بُنيت ىذه القاعدة على خالؼ األدلة كتابا وسنة .
فإف أردت أمثلة على جمل من القاعدة التي ُوضعت على خالؼ الحق فإليك بها فمنها -:
قاعدة اغبنفية رضبهم ا﵁ تعاىل [ خرب اآلحاد ال يقبل يف ما تعم بو البلوي ] ،فهذه قاعدة -7
ليست بصحيحة مطلقا ؛ ألف العمل ّٔا يقتضي منا أف نرد أحاديث كثرية قد صحت عن النيب ﷺ ،
والمتقرر أنػ[ كل القاعدة أو استلزـ العمل ّٔا رد شيء من السنة الصحيحة الثابتة فإهنا باطلة ] .
قاعدة أىل اؼبدينة أف [ خرب الواحد إذا عارض عمل أىل اؼبدينة فإنو مردود ] ،وقد بينا أهنا من -2
القواعد الباطلة اليت ال ينبغي اعتمادىا .
و يا ليت بعض طلبة العلم انتدب ؽبذا الباب وألف فيو ،وىي رسالة هبمع فيها صبال من القواعد
يف اؼبذاىب ،أو عند األصوليني اليت يستدلوف ّٔا ويستلزـ االستدالؿ ّٔا رد كثريا من أحاديث السنة
فهذا من أعظم ما ينصر بو الدين ألف كثريا من الناس ردوا األحاديث الصحيحة بسبب ىذه
األصوؿ الباطلة ،فلو أف أحد أىل العلم انتدب لرسالة هبمع فيها ىذه األصوؿ ويبني وجو بطالهنا
ويصححها ويسري دفتها إىل ما يتفق مع الكتاب والسنة لكاف عمال جليال .
قاعدة أىل البدع يف رد حديث اآلحاد يف مسائل االعتقاد وىذه قاعدة ملعونة غري مقبولة وال -3
يبكن أف نعتمدىا ألهنا تتضمن رد كثري من السنة الثابتة الصحيحة عن النيب ﷺ ،واؼبقصود
ىنا التمثيل ال االستيفاء .
)9القاعدة التاسعة :ليس في النصوص الصحيحة شيء على خالؼ القياس .
ألننا ال قبزـ أف كل قياس جرى وقرر على خالؼ النص فهو قياس باطل ،فال هبوز معارضة النص باألقيسة
مطلقا ،فإذا رأي العبد أف ىذ النص جرى على خالؼ القياس فإف ىناؾ إحدى علتني ال ثالث ؽبما -:
إما أف يكوف ىذا النص من النصوص الضعيفة أو النقوالت الواىية ،فحينئذ يُرمي ويلغي ؛ ألف األحاديث
الضعيفة و النقوالت الواىية غري مقبولة ،فإذا كاف النص صحيحا فإننا نظر إىل حقيقة القياس الذي يُدعي
أنو ـبالف لنص ،فالبد أف تكوف العلة يف أحدنبا ولكن إذا كاف النص صحيحا والقياس سليما فو ا﵁
الذي ال إلو غريه إف األقيسة ال ذبري إال على ِوفق النصوص ،والنصوص الصحيحة ال ذبري إال على وفق
األقيسة السليمة وال تعارض بني نص وال بني قياس .
oولكن ىناؾ أقيسة يُظن فيها السالمة والصحة ويقاؿ أنها على خالؼ النصوص مثاؿ ذلك في
جمل من ال روع -:
ال رع األوؿ :قالوا الوضوء من غبم اإلبل على خالؼ القياس ،قلنا ؽبم ؼباذا ؟
قالوا :ألف القياس أف اللحم ال يُتوضأ منو وىذا ىو األصل ،فجاء غبم اإلبل على خالؼ األصل وعلى
خالؼ القياس .
قلنا :ؽبم إف الشريعة اؼبتقررة اليت جاء ؿبمد ﷺ مبناىا على اعبمع بني اؼبتماثلني والتفريق بني
اؼبختلفني ،فلو أف الشريعة ل زبص غبم اإلبل بوجوب الوضوء منو لكاف عدـ التخصيص ىو على
خالؼ القياس ،ولكن ؼبا خصصت غبم اإلبل بوجوب الوضوء منو خبصوصو دؿ ذلك على أهنا
جارية على وفق القياس ،فكالمهم ىذا ليس بصحيح بل كالمنا ىو اغبق بدليل أف الشارع قد
خص اإلبل جبمل من اػبصائص ،ومن صبلة ما خص الشارع اإلبل ّٔا أهنا ربمل تلك الطبائع
اإلبليسية الشيطانية من شدة االنتقاـ ،وعدـ نسياف اػبطأ ،ومن الكرب والتعايل ،والفخر ،وقد
جري يف عرؼ الناس والطبائع أف العبد زبتلف أخالقو باختالؼ مطعمو فمن أكل حالال فأخالقو
ومطعمو ستكوف طيبة ،ومن أكل حراما فالنار أوىل بو .
ولذلك حرمت الشريعة علينا أف نأكل كل ذي ناب من السباع ألف طبيعتها سبعية افرتاسيو ،وحرمت
علينا أكل اػبنزير والنجاسات ألف من أكل النجاسات ماتت غريتو ،فإذا طبائع اإلنساف وأخالقو
زبتف باختالؼ ما يتغذى بو ،فلما كاف يف اإلبل طبائع شيطانية والشيطاف ـبلوؽ من النار ناسب
بعد أكل غبمها أف نتوضأ لنطفئ ىذه اغبظوظ الشيطانية واؼبفاسد اإلبليسية والطبائع اؼبرضبة حت
يصفوا لنا االستمتاع بلحمها وتذىب مضرهتا ،وىذا ىو القياس ،فلحم اإلبل ليس كسائر اللحم ،
فبما أنو ليس كسائر اللحم فلماذا تريدوف من الشريعة أف ذبمعو مع اللحم يف حكمو !؟ فالشريعة
جاءت بالتفريق بني اؼبختلفات ال باعبمع بينها ،فإذا كانت الشريعة زبص ىذا اللحم حبكم خاص
دوف غريه من اللحم فيكوف جاري على ِوفق القياس .
ال رع الثاني -:قالوا إف رجم الزاين على خالؼ القياس ألف القياس ىو عقوبة العضو الذي فعل اعبريبة ؛
كالس رقة فإنو تقطع يده ،ولو أنك جنيت على لساف أحد فلو اغبق أف يطالب بالقصاص من لسانك وإذا
جنيت على ظبع أحد فلو اغبق أف يطالب على القصاص من نفس عضوؾ الذي جنيت عليو ،فلذلك
العقوبة تكوف على نفس ىذا العضو ،والزنا كاف مقتضي القياس أف نقطع ذكر الزاين لكن الشريعة عدلت
على ىذه العقوبة اليت ىي على ِوفق القياس إىل عقوبة أخرى وىي رجم جسده ىكذا قالوا ؛ وىذا كالـ غري
صحيح ألف اؼبقصود من العقوبات الزجر ،ويد السارؽ عضوا ظاىر يراه الناس فيحصل بو الزجر والرد ،لكن
لو أننا قطعنا ذكر الزاين فالذكر عضوا مستور ال وبصل بقطعو ال الزجر وال غريه ؛ فلماذا تريدوف منا أف
نسوي بني اؼبختلفات !؟
وكذلك نقوؿ أيضا إف من مقاصد الشريعة تكثر النسل فلو أننا قطعنا يد السارؽ ؼبا انقطع ىذا اؼبقصود
،ولكن لو قطعنا ذكر الزاين النتفى ذلك اؼبقصود ،فبينهما فرؽ ،وأيضا لو أننا قطعنا يد السارؽ لبقي
عنده يد أخرى يعمل ّٔا ،ولكن لو قطعنا ذكر الزاين فليس شبة ذكر أخر لو ،فالشريعة ال تأٌب أبدا إال
على ِوفق القياس ،وقد عقد اإلماـ ابن القيم رضبو ا﵁ يف " إعالـ اؼبوقعني " مبحثا حافال صبيال يف ىذه
اؼبسألة أف ليس شيء من الشريعة على خالؼ القياس .
يكن معو سالح فبأي شيء يقاتل " ( ، )1وقاؿ شعبة رضبو ا﵁ تعاىل " :كل حديث ليس فيو قاؿ
ظبعت فهو َخ ُّل وبقل " ( )2أي شيء ال فائدة فيو .
واإلسناد اؼبتلقي عن العلماء ىو من خصائص ىذه األمة فإف األمم قبلنا ل تكن تعرؼ اإلسناد يف نقل
دينها وإمبا ُخصت ىذا األمة بالبحث يف أسانيد اؼبنقوالت والنظر يف أحواؿ الرجاؿ ،ولذلك بدلت
وحرفت وغريت وزيد فيها ونُقص ألف شرائعها تُنقل جزافا من غري سلسلة رجاؿ إسناد ،
الشرائع السابقة ُ
وأما ىذه األمة فلم يدخل دينها التغيري وال التبديل ألف ا﵁ حفظ أصوؿ شريعتها ،وألنها اىتمت
برجاؿ اػبرب قبل النظر يف اػبرب ،فإذا صح اإلسناد فهو الغاية ،ولذلك أىل العلماء يشددوف كثريا على
مسألة اإلسناد .
فنحن يف ىذا اؼبصطلح نبحث يف اإلسناد فيستشعر الواحد منا أنو يبحث يف ما وبصن بو ىذا الدين
الزيادة والنقص واإلدخاؿ والتبديل والتغيري ،فدراسة اإلسناد فبا ُربفظ بو الشريعة .
)11القاعدة الحادية عشر :إذا تعارض رأي الراوي وروايتو قُدمت روايتو .
ِ
ألننا سنسأؿ يوـ القيامة عن روايتو ال رأيو ،لقوؿ ا﵁ عز وجل َ :ماذَا أ َ
()4
، ني ()65
َجْبتُ ُم الْ ُم ْر َسل َ
وألننا متعبدوف بقبوؿ الرواية ال بقبوؿ الرأي ،فروايتو لنا ورأيو لو ،وألف الذي هبب أف يُعتذر عنو ليس
الراوية وإمبا الرأي الذي خالف الرواية وىذه القاعدة معتمد عند علماء اغبديث ،فقد اعتمدىا فقهاء
اؼبالكية ،واغبنابلة ،والشافعية ،وعارض األئمة اغبنفية رضبهم ا﵁ ولكن معارضتهم غري معتد ّٔا .
) (2رواه الخطيب في " الك اية في علم الرواية " ،باب :ما جاء في عبارة الرواية .
ولذلك فالقوؿ الصحيح أف اإلناء إذا ولغ فيو الكلب يُغسل سبعا مع أف أبا ىريرة كاف يغسلو ثالثا وىو
الذي روي حديث التسبيع ،ولكن ال شأف برائيو وإمبا الشأف يف روايتو .
والقوؿ الصحيح أف صالة اؼبسافر ركعتاف وإف كانت عائشة رضي ا﵁ عنها قد أسبت يف سفرىا وىي اليت
روت لنا خرب الركعتني يف حق اؼبسافر ؛ فرأيها ؽبا ولكن روايتها لنا .
وكذلك نقوؿ القوؿ الصحيح وجوب إعفاء اللحية مطلقا وحرمة التعرض ؽبا بشيء ال بقص وال بغريه ،
وإف كاف ابن عمر كاف يقبض القبضة وما زاد عليها قصو ؛ ألنو ىو الذي روي لنا وجوب إكرامها
وإعفائها فعملو لو وروايتو لنا .
وكذلك القوؿ الصحيح أف من مات وعليو صوـ صاـ عنو وليو والراوي ؽبذا اغبديث عائشة رضي ا﵁
عنها وقد كانت تفيت رضي ا﵁ عنها أف من مات وعليو صوـ فال يصوـ عنو وليو وىذا رائيها ،ولكن
راويتها لنا .
إذا فاعتمدوا ىذه القاعدة معاشر ا﵀دثني إذا تعارض رأي الراوي وراويتو فإف روايتو ىي اؼبقدَّمة عندنا ورأيو
ُ
يكوف لو .
)12القاعدة الثانية عشر :كل حديث رواه عدؿ تاـ الضبة عن مثلو بسند متصل بال شذوذ وال
علة قادحة فصحيح لذاتو .
أقوؿ :اعلم رضبك ا﵁ أف العلماء قسموا أخبار اآلحاد باعتبار القبوؿ والرد إىل طبسة أقساـ -:
فالصحيح لذاتو مقبوؿ ،والصحيح لغريه مقبوؿ ،واغبسن لذاتو مقبوؿ ،واغبسن لغريه مقبوؿ ،فهذه
األربعة مقبوؿ ؿبتج ّٔا عند علماء اغبديث ،وأما اغبديث الضعيف فإنو مردود .
وىذه القاعدة تتكلم عن اغبديث الصحيح ،وباعبملة فال يبكن أف يوصف اغبديث بأنو صحيح
لذاتو إال إذا توفر فيو طبسة شروط -:
-1أف يرويو أىل العدالة ؛ والعدالة ىي -:ملكة يف النفس ربمل صاحبها على مالزمة التقوي
واؼبروءة .
وتتحقق قاعدة التقوي بأمرين -:
( )7بفعل اؼبأمورات .
( )2وترؾ اؼبنهيات .
فمن فعل اؼبأمورات وترؾ اؼبنهيات فيوصف بأنو من اؼبتقني .
واعلم رحمك اي أف العدالة يشترط في تحققها جمل من الشروط وىي -:
-1اإلسالـ -:
فاؼبسلم ىو العدؿ ،وبناء على اشرتاط اإلسالـ فالكافر ليس بعدؿ ،فإذا أخربنا الكافر خبرب حاؿ كونو
كافرا فإننا ال نقبل خربه ،وأما إذا ربمل وىو كافر ٍب أدي بعد إسالـ فستأتينا قاعدتو اػباصة بو إف
شاء ا﵁ تعاىل .
-2العقل -:
فال يبكن ألحد أف يوصف بأنو عدؿ إال إذا كاف عاقال ،وبناء عليو فآّنوف ليس بعدؿ .
-3البلوغ -:
وضده الصغر ،فال يوصف أحد بأنو عدؿ إال إذا كاف بالغا ،وبناء عليو فلو أف الصيب قبل بلوغو
حدثنا خبرب عن النيب ﷺ فال نقبلو ألف من شروط اغبديث الصحيح أف يكوف ناقلو عدال ،والبلوغ
شرط يف العدالة .
-4السالمة من ال سق -:
والفسق قسماف -:
(أ) فسق شهوة .
(ب) فسق شبهة .
وكلها ستأٌب يف قواعد خاصة .
فال اسق غري مقبوؿ اغبديث إال يف حاالت سيأٌب الكالـ عليها مفصال يف ما بعد .
-5المروءة -:
بأف ال يفعل الراوي شيئا من األفعاؿ أو يقوؿ شيئا من األقواؿ تعارض مروياتو أماـ الناس ،وسيأتينا
صبال من األصوؿ والقواعد يف ىذا األمر إف شاء ا﵁ تعاىل ،فمن توفرت فيو تلك الشروط اػبمسة فإنو
يكوف عدال ،وإذا اختل شرطا منها فإنو ال يعد عدال .
)13القاعدة الثالثة عشر :الصحابة كلهم عدوؿ ثقات أثبات .
فال يبحث عن عدالة الصحابة مطلقا اكتفاء بتوثيق ا﵁ ؽبم وتعديلو ؽبم يف كتابو ،وتعديل النيب
ﷺ يف صحيح سنتو ،فإذا رجاؿ أنزؿ ا﵁ فيهم التعديل والثناء واؼبدح يف كتابو ال يبكن أبدا أف
قبعلهم ؿبطا لسؤاؿ ىل ىم عدوؿ أو غري عدوؿ ،ولكننا فقط نبحث عن عدالة من دوهنم يف
اإلسناد التابعي ومن دونو ،فإذا بلغنا إىل مرتبة الصحايب فإننا ال نبحث عن عدالتو مطلقا ،ولذلك
ال نعلم عن أي كتاب من كتب الراجل اليت تتكلم عن عدالة الرواة من غري ىا أهنم وبرصوف أو
يتكلموف على توثيق صحايب أو اثبات كونو ثقة ألف ا﵁ امتدحهم يف كتابو وأي ندح بعد مدح ا﵁
تعاىل ؛ وىذا ؾبمع عليو بني أىل السنة واعبماعة فاعتقادنا بأف الصحابة عدوؿ ثقات أثبات ىذه
عقيدية قد تغلغلت يف قلوبنا وتشربتها أرواحنا ودؿ عليها دليل الكتاب والسنة وإصباع أىل العلم
رضبهم ا﵁ تعاىل .
)14القاعدة الرابعة عشر :يُعت ر في الراوي الخطأ اليسير ال المعتاد الكثير .
وذلك ألف من شروط اغبديث الصحيح لذاتو أف يكوف راويو تاـ الضبط ،والضبة إما -:
( )7ضبة كتاب :و ىو أف يكوف لراوي كتابا خاصا هبمع فيو صبيع مروياتو ووبافظ على كتابو من أف
سبسو األيدي حت ال يُزاد وال يُنقص منو ،وىذا ىو ضبط الكتاب ،ويصححو باغبركات وينقط
حروفو ،ووبفظو من األرضة والتلف باؼباء ،أو من مس الصبياف لو ،أو تلف أوراقو ،وىذه ىو
ضبط الكتاب ،وىذا للقوـ الذين ل يفتح ا﵁ عليهم اغبفظ .
وإما ضبة صدر ،وىو أعظم من ضبط الكتاب وىو :أف يكوف الصدر والقلب كالشعب ما ()2
أُلقي فيو التقمو ،وىذا نسأؿ ا﵁ أف يرزقنا إياه ،وىذا ىو ضبط الصدر وىو ضبط اغبفظ ،وقد
تكلم أىل العلم رضبهم ا﵁ تعاىل على أنبية اغبفظ لطالب العلم بكالـ قد ذُكر يف النخبة والبيقونية .
والكالـ يف ىذه القاعدة أف فبا يعرؼ بو ضبط الراوي عدـ خطاءه وغفلتو ونسيانو ،ولكن جرت
عادة البشر أهنم ال بد أف ىبطئوا أو ينسوا أو يغفلوا ،فالنسياف اليسري الذي ليس دبعتاد وال بكثري
،والع لة اليسرية واألخطاء اليسرية ال زبرج الراوي عن كونو ضابطا ،فقد نسي أشرؼ اػبلق
ﷺ ،ولذلك ُشرع يف الدين باب اظبو باب سجود السهو ،وننقل فيو أحاديث عن النيب
ﷺ أنو سها وغفل عن بعض صالتو ،فإذا السهو اليسري والنسياف اليسري ال يؤثر يف ضبط
الراوي إذا ال ىبلو منو أحد ،يقوؿ النيب ﷺ " :إَِّمبَا أَنَا بَ َشٌر ِمثْػلُ ُك ْم أَنْ َسى َك َما تَػْن َس ْو َف فَِإ َذا
يت فَ َذ ّْك ُر ِوين " ( ، )1وابن سريين متفق على جاللتو وقدره وتوثيقو ومع ذلك يقوؿ يف حديث ِ
نَس ُ
صلَّى ا﵁ُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم ذي اليدين ،فعن اب ِن ِس ِريين عن أَِيب ىريػرةَ قَ َاؿ " :صلَّى بِنَا رس ُ ِ
وؿ ا﵁ َ َُ َ ُ َْ َ َ َْ ْ
ِ ِ ِِ ِ
إِ ْح َدى َ
()2
يت " ،ولكن ىذا ليس ىو اىا أَبُو ُىَريْػَرَة َولَك ْن نَس ُ ص َال ٌَِب الْ َعش ّْي قَ َاؿ ابْ ُن سري َ
ين َظبَّ َ
طبعو وأمره الدائم وإمبا نسياف عرضي وغفلة عرضيو .
فإذا ىذه القاعدة تبني لنا أف ؾبرد وجود النسياف ليس بقادح يف الراوي ،وؾبرد وجود الغفل ليس
بقادح يف الراوي .
ويعتبر النسياف يف الراوي والغفلة يف الراوي من القوادح إذا كثر ذلك منو وصار ىو ديدنو كلما
حدث أخطاء وصار خطاءه ونسيانو وغفلتو أكثر من صوابو وضبطو .
)15القاعدة الخامسة عشر :يُعت ر في التحمل ما ال يُعت ر في األداء .
فالتحمل عند العلماء يرخصوف فيو ماال يرخصوف يف األداء ،فاألداء يشرطوف فيو شروطا ال يشرطوهنا
يف باب التحمل فباب التحمل عندىم واسع ،وباب األداء عندىم ضيق ،وعلى ذلك فروع -:
-1القوؿ الصحيح أف اغبديث إذا ربملو الكافر ٍب أداه بعد إسالمو فراويتو مقبولة صحيحة ،
ونقبل راويتو مع كونو ربملو كافرا ألنو يغتفر يف التحمل ما ال يُغتفر يف األداء ،وعلى ذلك ما
يف الصحيح من حديث جبري ابن مطعم رضي ا﵁ عنو قاؿ َِ " :ظبعت رس َ ِ
صلَّى ا﵁ُ
وؿ ا﵁ َ ْ ُ َُ
ب بِالطُّوِر " ( ، )1وكبتج ّٔذا اغبديث مع أف جبري رضي ا﵁ عنو ربملو َعلَْي ِو وسلَّم قَػرأَ ِيف الْم ْغ ِر ِ
َ ََ َ َ
يف فرتة الصلح إذا كاف كافرا وقتها ،وبعدىا أسلم ،ولذلك قاؿ يف أخر اغبديث " :حت إذا
ِ ِ بلغ أَـ خلِ ُقوا ِمن َغ ِري شي ٍء أَـ ىم ْ ِ
يب صلى ا﵁ اػبَال ُقو َف ( )35قاؿ َ :ظب ْعتُػ َها م َن النَِّ ّْ ْ ْ َْ ْ ُُ ْ ُ
عليو وسلم َ ،وأَنَا ُم ْش ِرٌؾ ،فَ َك َاد قَػ ْلِيب أَ ْف يَ ِط َري " ( ، )2فهنا ربمل اغبديث وىو كافر ولكن ؼبا
أداه لنا أداه حاؿ إسالمو فقبل العلماء ذلك .
وكذلك حديث أيب سفياف يف قصتو مع ىرقل ( )3وأف ىرقل بدأ يسألو وأبو سفياف هبيبو ،فالعلماء قبلوا
ىذا التحديث من أبو سفياف ألنو أداه بعد إسالمو .
فإف قاؿ قائل وىل ربملو حاؿ كونو كافر ىل يؤثر يف اغبديث ؟
نقوؿ ال ،ألنو يغتفر يف التحمل ما ال يغتفر يف األداء .
-2لو أف الصيب ربمل اغبديث حاؿ صباه ٍب أداه بعد بلوغو فنقبل حديثو ،وقلنا بقبولو مع كونو
ربملو يف حاؿ ال يُقبل فيها أداه ألننا نغتفر يف التحمل ما ال يُغتفر يف األداء ؛ وعلى ذلك ما
يف صحيح اإلماـ البخاري من حديث ؿبمود ابن الربيع قاؿ " :ع َق ْل ِ
صلَّى ا﵁ُ ت م َن النِ ّْ
َّيب َ َ ُ
ني ِم ْن َدلْ ٍو " ( ، )4فهو ىنا ربمل اغبديث علَي ِو وسلَّم َؾبَّةً َؾبَّها ِيف وج ِهي وأَنَا ابن طبَْ ِ ِ ِ
س سن َ َ َ ْ َ ُْ َْ ََ َ
حاؿ كونو صبيا ل يبلغ وأداه بعد بلوغو فقبل العلماء ىذا األداء ؛ فيغتفر يف التحمل ما ال
يُغتفر يف األداء .
-3لو أف اإلنساف ربمل اغبديث حاؿ كونو مبتدعا ،ثم تاب إىل ا﵁ والتزـ بالسنة وأدى اغبديث بعد
التزامو فنقبل روايتو ألنو يُغتفر يف التحمل ما ال يُغتفر يف األداء .
ػوؿ اللَػ ػ ِػو -صػ ػػلى اي عليػ ػػو وسػ ػػلمِ -مػ ػ قػن َدلق ػ ػ ٍو فِػ ػػى ِ ِ
) (4صػ ػػحيح البخػ ػػاري ( ،. ) 77وصػ ػػحيح مسػ ػػلم ( ، )1530والل ػ ػػظ للبخػ ػػاري ،ول ػ ػػظ مسػ ػػلم " :إنةػ ػػى ألَ قعقػ ػ ُ
ػل َم َج ػ ػةً َم َج َهػ ػػا َر ُسػ ػ ُ
وكذلك لو أف فاسقا فسق شهوة ربمل اغبديث حاؿ كوهنا فاسقا ٍب أداه بعد توبتو إىل ا﵁ عز وجال فال
جرـ أننا نقبل روايتو ألنو يغتفر يف التحمل ما ال يغتفر يف األداء .
)16القاعدة السادسة عشر :العدالة تعتبر في كل زماف بحسبو .
أي لكل زماف رجالو وعدالتو رجالو فال يطلب يف األزمنة اؼبتأخرة ما كنا نطلبو من العدالة يف األزمنة
اؼبتقدمة ،فقد كاف بعض أىل اغبديث ىبرجوف الراوي عن دائرة قبوؿ الراوية بأمور قبد أف أكثر أىل زمانا
يفعلوهنا من غري نكري يف ما بينهم ،فالعدالة يف الراوية والناس يف الشهادة يف باب القضاء ال يطلب من
العدالة يف الشهود والرواة ما كنا نطلبو يف الشهود يف صدر اإلسالـ وال يف الرواة السابقني يف صدر
اإلسالـ .
ولذا العدالة زبتلف من زماف إىل زماف وكلما أبعدنا عن زماف النبوة كلما تساىلنا يف بعض شروط العدالة
ين يَػلُونَػ ُهم قِ " ( ، )2وال يبكن أبدا َّاس قَػرِين (ٍُ )1بَّ الَّ ِذين يػلُونَػهم ٍُبَّ الَّ ِ
َ ذ َ َ ُْ ؛ لقوؿ النيب ﷺ َ " :خْيػ ُر الن ِ ْ
أف تكوف عدالة الصحابة كعدالة التابعني ،فكذلك عدالة التابعني ليست كعدالة تابعي التابعني وىكذا
كلما تَقادـ عصر األمة .
ولذلك بعض ا﵀دثني يف السابق ردبا يرد اغبديث لرجل معني ألنو رآه يأكل يف الشارع ،ولو أف ىذا
ا﵀دث قد جاء إىل زماننا وراء كثرة اؼبطاعم وغريىا لتبني لو أف ىذا الشرط غري مشرتط يف ىذا الزماف .
وكذلك كاف أكل العلك قديبا قادحا يف الراوي ،وكذلك بعض ا﵀دثني ردبا رد حديث الرجل ألنو
رآه يلعب على برذوف ( ، )3وبعضهم رد حديث رجل ألنو رآه يضاحك أىلو ،وبعضهم رد حديث
رجل ألنو رآه حاسرا رأسو يف الشارع ليس عليو عمامة ،فنقوؿ إذا ىذه القاعدة صحيحة وىي أف
العدالة تطلب يف كل زماف حبسبو ،فال يشرتط يف عدالة الرواة والشهود يف األزمنة اؼبػتأخرة ما كنا
نشرتطو يف عدالة الرواة يف األزمنة اؼبتقدمة .
) (3وىو نوع من أنواع الخيل ال يركبها .البا إال الملوؾ وأبنائهم أو ال ساؽ .
والمراد بذلك أف خروج بعض الرواة عن دائرة العدالة أحيانا ليس دائما ىذا ال يؤثر فيهم ،ولذلك
لو أذنب بعض الرواة ذنبا وىو من رواة األحاديث وليس بطبيعتو الذنب ولكنو بذنبو ىذا ل ىبرج عن
حد العدالة ؛ ألف ىذا الذنب ليس ىو ُىجراه وال ديدنو وإمبا وقع فيو ألنو من طبيعة البشر الوقوع يف
األخطاء والغفلة وتقدمي النفس وشهوهتا أحيانا ،فإذا قلنا يشرتط يف الراوي أف يكوف عدال ليس
اؼبقصود أف يكوف عدال يف كل تصرفاتو ويف كل أقوالو ،ويف كل ـبرج لو ويف كل مدخل لو ،وأف ال
يرتكب مطلق الذنب ،وأف ال يقوؿ إال اغبق ،ال ال ،وإنما نقصد أف تكوف أغلب أحوالو وتصرفاتو
وأقوالو موصوفا فيها بالعدالة وإف كاف يلم ببع الذنوب الصغرية اليت ال زبرجو عن دائرة العدالة فإف
إؼبامو ّٔذه الذنوب ال يسلم منها أحد .
أي لو كاف ()1
ولذلك ﵁ در اإلماـ الشافعي ؼبا قاؿ " :لو كاف العدؿ من ل يذنب ل قبد عدال "
كل ذنب ىبرج العبد من دائرة العدالة فإننا نتفقد وجوه الناس نريد عدال وال قبد .
ولكن من ترؾ الكبائر ،وكانت ؿباسنو أكثر من مساوئو وكاف أغلب أحوالو على العدالة فهذا ىو العدؿ
اؼبطلوب .
إذا اؼبقصود يف العدالة ليست العدالة الكلية ،وإمبا العدالة األغلبية.
ونقوؿ أيضا ال اعتداد بدناءة الصنائع يف باب العدالة ،فال يعترب من خوارـ اؼبروءة بعض الصنائع
الرديئة الدنيئة كاغبجاـ واغبذاء ،والدباغ وكبوىا من الصنائع الدنيئة وىذا يف أصح قويل أىل العلم
رضبهم ا﵁ ،فال هبوز لنا أف نرد رواية أو نسقط عدالة أحد بسبب صنعتو اليت ال هبد إال ىي وإال
لتكفف الناس وسأؽبم وشحذ منهم فهذا ال يبكن أبدا وال من العدؿ وال من اإلنصاؼ ،فدناءة
الصنائع ال شأف ؽبا برد الرواية فنقبل رواية الراوي وإف كانت صنعتو من أدين الصنائع إذا ل هبد إال ىي
،ولذلك يف صحيح اإلماـ البخاري من حديث الزبري ابن العواـ رضي ا﵁ عنو قاؿ :قاؿ :النيب
الجامع الصعير ،تحت رقم ( " : )5388صحيح " . ) (3مستدرؾ الحاكم ( ، )2278قاؿ األلباني في صحيح وضعي
ػوؿ اللَػ ػ ِػو -صػ ػػلى اي عليػ ػػو وسػ ػػلم -فِػ ػػى إِجػ ػ ِ ِ ) (4سػ ػػنن أبػ ػػو داود ( ، )3424ول ظػ ػػو َ " :ع ػ ػ ِن ابقػ ػ ِن ِشػ ػ َػه ٍ
قح َجػ ػ ِػاـ فَػنَػ َهػ ػػاهُ َعقنػ َهػ ػػا فَػلَػ ػ قػم
ػارة ال َ
َ َ ص ػ ػةَ َعػ ػ قػن أَبِيػ ػػو أَنَػ ػػوُ ق
اسػ ػػتَأقذَ َف َر ُسػ ػ َ اب َع ػ ػ ِن ابقػ ػ ِن ُم َحية َ
ك َوَرقِي َق َ
ك " ،قاؿ األلباني " :صحيح " . َف ا قعلِ ق وُ نَ ِ
اض َح َ يػز قؿ يسأَلُوُ ويستَأ ِقذنُوُ حتَى أَمرهُ أ ِ
َ ََ ََ َ ق ََ ق
)18القاعدة الثامنة عشر :من تحمل الحديث عن من فوقو بطريق للحديث معتبر فتحملو
صحيح .
أي أف ربديثو عنو يعترب ،وىذا ىو الشرط الثالث من شروط اغبديث الصحيح لذاتو وىو اتصاؿ
السند ؛ ومعناه أف يتحمل كل راو من رجاالت اإلسناد عن من فوقو ىذا اغبديث بطريق صحيح
من طرؽ التحمل الصحيحة عند علماء اغبديث رضبهم ا﵁ تعاىل .
وىاتاف اؼبرتبتاف ال خالؼ يف قبوؽبما وصحة التحمل ّٔما بني أىل اغبديث .
-3اإليجازة -:
وىي أف ُهبيز الشي لتلميذ أف يروي عنو صبيع مروياتو أو بعضها ،وىي طريق من طرؽ التحمل
الصحيحة وقد ورد فيها خالؼ بني ا﵀دثني ولكن الصحيح اؼبعتمد عند األكثر أهنا طريق صحيحة
لتحمل ،وسيأٌب الكالـ عليها يف ما يُستقبل إف شاء ا﵁ .
-4المناولة -:
أف يُناوؿ الشي مروياتو (كتابو ) لتلميذ ،وكوف ىذه الطريقة ذبيز لتلميذ أف يروي عن الشي ىذا
الكتاب فيو خالؼ بني أىل العلم .
الحالة األولى :أف تكوف مقرونة باإلذف ،فالرواية ّٔا صحيحة وىي يف ىذه اغبالة تكوف (أ)
قريبة من اإلجازة .
(ب) الحالة الثانية :وىي اؼبناولة اؼبطلقة عن اإلذف واإلجازة ،وذلك بأف يسلمو الكتاب وال
يقوؿ لو إروهِ عين ،فاألقرب أنو يف ىذه اغبالة ال يصح الرواية ّٔا وال تعترب طريقا صحيحا
لتحمل .
ولذلك قاؿ العراقي رضبو ا﵁ تعاىل يف ألفيتو :
-6اإلعالـ -:
أي إعالـ الشي لتلميذه بأف ىذا من مروياتو ،أف يقوؿ لتلميذ ىذا اغبديث من مروياٌب ،
واألصح يف ىذا الطريق أنو طريق ضعيف ،فالتحمل بو ال يعترب ربمال صحيحا ،فالرواية دبجرد
اإلعالـ تعترب ضعيفة وإف وجد اػبالؼ ولكن األصح أهنا ضعيفة .
-7الوصية -:
أي أف يوصي الشي بكتبو ومروياتو ألحد ،كأف أوصي أنا مثال دبؤلف من مؤلفاٌب ؛ فهل حينها
يكوف لطلب أف يروي ىذا اغبديث أو ىذا الكتاب دبجرد الوصية من الشي وقولو لو خذ ىذا
الكتاب ول يوصو أف يروه عنو ؟
نقوؿ فيو خالؼ بني أىل العلم ،والصحيح أف التحمل ّٔا ال يعترب ليس بصحيح ،فال هبوز أف
يروي أحد دبجرد الوصية إال على قوؿ شاذ غري معترب وال معتد بو .
-8الوجادة -:
وىي أف هبد الطالب كتاب الشي الذي فيو مروياتو ،وقد اختلف العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل ىل
هبوز لطالب إذا وجد ىذا الكتاب أف يرويو عن شيخو ؟
نقوؿ أيضا فيو خالؼ بني أىل العلماء واألقرب جوازىا ،وفي اؼبسند أحاديث كثرية يقوؿ عبدا﵁
ابن اإلماـ أضبد وجدت خبط أيب ؛ فهي طريق معتربة ،ولكن شرطها عدـ الشك يف خط الشي ،
أي يكوف خط الشي معروفا عند ىذا الطالب ال إشكاؿ فيو وال احتماؿ أف يُنسب إىل غريه ،فإذا
ربمل الراوي عن من فوقو شيء من األحاديث أو اؼبرويات والنُػ ُقوؿ بطريق معترب من طرؽ التحمل
فيعترب ربملو صحيح معترب .
)19القاعدة التاسعة عشر :أصح األسانيد نسبي مقيد ال ُكلي مطلق .
أي ليس ىناؾ يف السنة إسناد يصح أف نطلق عليو أصح األسانيد مطلقا ،فال هبوز لك أف تطلق
أصح األسانيد على إسناد يف السنة إال إذا قيدتو بصحايب أو بالد أو طائفة ،كقولك مثال أصح
األسانيد عن ابن عمر ىو " ما رواه نافع وعن نافع مالك ،وعن مالك الشافعي ،وعن الشافعي
اإلماـ أضبد " وىي اؼبسماة بالسلسة الذىبية ،فهذا ليس أصح األسانيد مطلقا يف الدنيا وإمبا ىو
أصح األسانيد مقيدا ّٔذا الصحايب اؼبخصوص ،فال نقوؿ أصح األسانيد مطلقا وإمبا ننسبو ونقيده
.
ومثال أف نقوؿ أصح األسانيد عن عائشة رضي ا﵁ عنها ىي ما رواه الزىري عن عروة عن عائشة
رضي ا﵁ عنها ،وىذا أصح األسانيد عن عائشة رضي ا﵁ عنها فقط دوف غريىا من الصحابة .
وكأف نقوؿ أصح األسانيد عن ابن مسعود ىو ما رواه سفياف الثوري عن منصور عن إبراىيم
النخعي عن علقمة عن ابن مسعود ،فيكوف ىذا اإلسناد عن ابن مسعود أصحها عنو فأشدد
يديك بو وعضد عليو بالنواجذ ،واؼبهم ىو أف األصح ىو تقييد أصح األسانيد ال إطالقو .
ومن األمثلة على ذلك أيضا اإلماـ ابن حزـ رضبو ا﵁ كما عُرؼ عنو بتساىلو يف التصحيح .ومنهم
كذلك اإلماـ السيوطي ،واإلماـ ابن حباف رضبهم ا﵁ تعاىل ومن فوقهم أيضا كما قيل يف اإلماـ
الرتمذي ،وكما قيل يف اإلماـ ابن خزيبة ،وكما قيل يف اإلماـ العِجلي رضبة ا﵁ على اعبميع ،وقيل
ىذ األمر يف غريىم ،وعلى ُك ِل إذا رأيت أىل العلم ينصوف على أف ىذا اإلماـ عنده تساىل يف
مسألة التصحيح ،فالواجب عليهم إف كنت طالب علم عارؼ دبسالك التصحيح والتضعيف أف
ال تركن إىل تصحيح ىذا الصنف رفع ا﵁ قدرىم ومنازؽبم ؛ وإنما عليك أف تنظر وتنقب وتبحث
يف اغبديث بنفسك .
)21القاعدة الواحدة والعشروف :التقليد في التصحيح والتضعي لعير العارؼ بطرقو جائز.
كما يُقاؿ يف التقليد يف غريىا من اؼبسائل الفقهية والعقدية ،فالتقليد هبوز لغري العارؼ ولغري
()1
الذ ْك ِر إِ ْف ُكْنتُ ْم َال تَػ ْعلَ ُمو َف ( )43
اسأَلُوا أ َْىل ّْ
َ آّتهد اؼبتأىل لعموـ قوؿ ا﵁ عز وجل :فَ ْ
،وقد أطلق ا﵁ عز وجل سؤاؿ أىل الذكر ول يقيده بعلم دوف علم وال دبسألة دوف مسألة واألصل
ىو بقاء اؼبطلق على إطالقو وال يقيد إال بدليل .
فإف كاف الطالب عارفا دبسالك التصحيح والتضعيف فال هبوز لو أف يقلد أحدا من أىل العلم يف
ىذا بل عليو أف ينقب عن األمر ىو بنفسو ويبحث عن حكم اغبديث بنفسو وىذا قليل يف الناس
،فيكتفي العبد يف تقليد إماـ معترب من أئمة اعبرح والتعديل .
)22القاعدة الثانية والعشروف :جمهور ما في الصحيحين معتمد عند األمة متلقا بالقبوؿ .
وقولو " صبهور " ىذا يعين أف األغلبية الواردة يف أحاديث الصحيحني كلها من ما اتفقت عليو
األمة بالقبوؿ والتلقي واالعتماد ،ولكن يبقي بعض األحاديث اليت فيها شيء من كالـ أىل العلم
ال بد فيها من التنقيب والبحث .
فإف قيل أيهما أفضل صحيح اإلماـ البخاري أـ صحيح اإلماـ مسلم ؟
فقل لكل فضلو ولكن األقرب أنو باعتبار الصحة فاؼبقدـ ىو صحيح اإلماـ البخاري ،وباعتبار
ترتيب األحاديث وإخراجها يف مكاف واحد يقدـ اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ تعاىل .
فإف قيل من أوؿ من ألف يف الصحيح ؾبردا ؟
فنقوؿ ىو ؿبمد ابن إظباعيل البخاري رضبو ا﵁ تعاىل .
فإف قيل لك كيف تقوؿ إف أصح الكتب بعد كتاب ا﵁ ىو صحيح اإلماـ البخاري وقد ثبت
دبا ال يدع ؾباال لشك عن اإلماـ الشافعي رضبو ا﵁ أف قاؿ " ما ربت أدمي السماء كتاب أصح
من موطأ اإلماـ مالك " وىذا اإلماـ الشافعي ا﵀دث ؟
فنقوؿ إف ىذه الكلمة قاؽبا اإلماـ الشافعي قبل تأليف اإلماـ البخاري لصحيحو .
إذا نقوؿ يبقي بعض األحاديث يف الصحيحني فبن تكلم فيها العلماء ال بد فيها من االبتالء
والتمحيص .
واالحتجاج بو -اغبسن لذاتو -ىو حجة معتمدة تثبت ّٔا األحكاـ الشرعية .
ومن أمثلتو أحاديث كثيرة منها -:
-1سلسلة عمرو ابن شعيب عن أبيو عن جده .
-2سلسلة ّٔز ابن حكيم عن أبيو عن جده .
-3ما رواه رجل يقاؿ لو "ؿبمد ابن إسحاؽ "إذا صرح بالتحديث فحديثو حسن .
فاغبديث اغبسن حجة .
)24القاعدة الرابعة والعشروف :الحسن لذاتو إذا ورد من طرؽ تقوية فيرتقي إلى الصحيح
لعيره .
أي يرتفع من مرتبة اغبسن لذاتو إىل الصحيح لغريه ،وىذا ىو القسم الثالث من أقساـ أحاديث
اآلحاد وىو الصحيح لغريه .
فالحديث الصحيح لغريه ىو بعينو اغبديث اغبسن لذاتو ،ولكن ؼبا تعددت طرقو جعلناه صحيحا
لغريه ؛ فيكوف تعريف اغبديث الصحيح لغريه ىو " :اغبديث اغبسن لذاتو إذا تعددت طرقو مثلو
أو أقوي منو " .
وسمي صحيحا لغريه ؛ ألف الصحة ل يكتسبها من ذات إسناده وإمبا بسب انضماـ أسانيد أخري
لو فصححناه بانضماـ غريه لو ال بالنظر إىل ذاتو .
ومرتبة الصحيح لغريه بني األقساـ اػبمسة ىو يف مرتبة متوسطة ربت الصحيح لذاتو وفوؽ اغبسن
لذاتو .
)25القاعدة الخامسة والعشروف :كل حديث خال عن شرط الصحة والحسن فضعي .
فأي حديث زبلف عنو شرط من شروط الصحة ومن شروط اغبسن فهو من قبيل اغبديث
الضعيف .
والواجب عند رواية اغبديث الضعيف بياف ضعفو حت تنتبو األمة لو .
ص ػ ػلَى ايُ
ضػ ػػي اي َعقنػ ػػوُ أَ َف رسػ ػ َ ِ
ػوؿ اي َ َُ
ِ ِ ػاؿ أَ قخبَػ َرنَػ ػػا َمالِػ ػ ٌ
ػك َعػ ػ قػن أَبِػ ػػي ال ةزنَػ ػػاد َع ػ ػ ِن قاألَ قعػ ػ َػر ِج َعػ ػ قػن أَبِػ ػػي ُى َريق ػ ػ َػرَة َر َ ُ
ِ
) (2صػ ػػحيح البخػ ػػاري ( ، )887ونصػ ػػو َ " :ح ػ ػ َدثَػنَا َعقب ػ ػ ُد اي بقػ ػ ُػن يُ ُ
وس ػ ػ َ قَػ ػ َ
.
وأما عن االحتجاج بو يف فضائل األعماؿ ففيو خالؼ بني أىل العلم والقوؿ األقرب إف شاء ا﵁
أنو ليس حبجة مطلقا ؛ ال يف إثبات األحكاـ الشرعية وال يف فضائل األعماؿ ؛ وقد اختار القوؿ
بعدـ االحتجاج بو اإلماـ البخاري وصبع من أىل العلم واغبديث ونقاده .
)26القاعدة السادسة والعشروف :ال تُروى األحاديث الضعي ة إال بصيغ التمريض ال
التصحيح .
والمقصود بصيغ التمريض ىي الصيغة اؼببنية للمجهوؿ ؛ فبدؿ أف تقوؿ َروي تقوؿ ُروي عن النيب
ﷺ كذا وكذا ،وبدؿ أف تقوؿ َحكي تقوؿ ُحكي عن أيب ىريرة مثال كذا وكذا ،وبدؿ أف
تقوؿ قاؿ قِيل ،وبدؿ أف تقوؿ نقل تقوؿ نُقل ،فالمبنية للمعلوـ ىي من صيغ التصحيح ،
والمبنية للمجهوؿ ىي من صيغ التمريض ،وىذا أمر نشكو فيو إىل ا﵁ عز وجل من كثري من
طلبة العلم ؛ فتجد البعض يأٌب إىل أحاديث يف الصحيحني ويقولوف ُروي عن النيب ﷺ كذا
وكذا ،أو يأتوف إىل أحاديث حكم العلماء بضعفها فيقولوف " قاؿ رسوؿ ا﵁ ﷺ " أو يقولوف
نقل أبو ىريرة عن رسوؿ ا﵁ كذا وكذا .
إذا نقوؿ األحاديث الضعيف ال هبوز فيها العبارات اليت تُنسب إىل التصحيح ،وإمبا تقوؿ العبارات
اؼببنية للمجهوؿ .
)27القاعدة السابعة والعشروف :ما علَقو البخاري في صحيحة بصيعة الجزـ فصحيح ،وما
علقو بصيعة التمريض فضعي .
وىذه القاعدة تنفعك كثريا يف دراسة صحيح البخاري ،فإنو رضبو ا﵁ إذا بوب الباب ردبا يفسر
ترصبتو ىذه جبمل من النقوؿ واألحاديث ولكن ليست على شرطو فأخرجها ـبرج التعليق فهي "
معلقات " يف صحيحو .
فنقوؿ ما علقو البخاري رضبو ا﵁ يف صحيحو إف كاف علقو بصيغة اعبزـ فهو صحيح ،وإف علقو
بصيغة التمريض فضعيف .
قاؿ اإلماـ ابن كثري رضبو ا﵁ " :وحاصل األمر أف ما علقو البخاري بصيغة اعبزـ فصحيح إىل
()1
. من علقو عنو ٍب النظر يف ما بعد ذلك وما كاف منها بصيغة التمريض فضعيف "
)28القاعدة الثامنة والعشروف :في األحاديث الصحيحة ُ.نية عن النقوؿ الضعي ة في
األحكاـ وال ضائل .
ِ
ت َعلَْي ُك ْم فاي تعاىل قد كمل للمة دينها فقاؿ ا﵁ تعاىل :الْيَػ ْوَـ أَ ْك َم ْل ُ
ت لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوأَْسبَ ْم ُ
اإل ْس َال َـ ِدينًا ، )2( فمن تكميل دين ا﵁ تعاىل أنو ال يبكن أبدا أف تفتقر يت لَ ُكم ِْ ِ ِ
ن ْع َم ِيت َوَرض ُ ُ
األمة يف شيء من أحكامها أو فضائل أعماؽبا إىل نقل ضعيف ،فاألمة تكتفي يف صبيع أمور دينها
وقضايا شريعتها باألحاديث الصحيحة .
فإذا رأيت أحدىم يذكر حديثا ضعيفا يف شيء من األحكاـ الشرعية أو الفضائل فقل :ال ،ال
يبكن أف هبعل ا﵁ عز وجل األمة يف حاجة إىل منقولك ىذا فإف الدين كامل بنقولو ونصوصو
الصحيحة يف كل باب من أبوابو ؛ وقد كاف الشي العالمة األلباين رضبو ا﵁ تعاىل كثريا ما يدندف
()3
. حوؿ ىذه القاعدة يف مؤلفاتو " يف الصحيح غُنية عن الضعيف "
إذا تعددت طرقو ولم يكن فيها متهم )29القاعدة التاسعة والعشروف :الحديث الضعي
بالكذب ،وال بشديد الضع فهو حسن لعيره .
ومثلها -:
إذا اشتد ضع و ال يرتقي إلى درجة الحسن لعيره )30القاعدة الثالثوف :الحديث الضعي
بتعدد الطرؽ .
أي أف ىناؾ من الضعف ما ىو منجرب ،ومن الضعف ما ليس دبنجرب .
الذي ينجرب ىو الضعف بسبب سوء اغبفظ ،أو ال يكوف ضعف الراوي فيو شديدا ؛ فالضع
ولذلك كل أنواع األحاديث الضعيفة تقبل االعتبار واالقببار ،وتترقي بتعدد الطرؽ إىل اغبسن
) (3قاؿ األلباني في كتابو [ ص ة صالة النبي صلى اي عليو وسلم ] ،ص حة ( " : ) 18أعتقد أف فيما ثبت من الحديث ُ.نيةً عن الضعي منو " .
لغريه ؛ إال اغبديث الذي يف سنده راو كذاب ،أو وضاع ،أو كاف متهما بالكذب ولو ؾبرد اهتاـ ،
وكذلك اغبديث اؼبوصوؼ بأنو مرتوؾ فاؼبرتوؾ ال يقبل التقوية مطلقا ،والوضاع ال يقبل التقوية
مطلقا ،وكذلك اغبديث الشاذ ال يقبل التقوية ،وكذلك اغبديث اؼبنكر ال يقبل التقوية ،فهناؾ
ضعف منجرب وضعف أخر غري منجرب .
وعند تعريفنا للحسن لغريه نقوؿ :ىو اغبديث الضعيف الذي ل يشتد ضعفو إذا ُروي من
طرؽ أخرى دبتابع أو شاىد .
قاؿ اإلماـ ابن الصالح رضبو ا﵁ تعاىل " :ليس كل ضعف يف اغبديث يزوؿ دبجيئو من طرؽ
أخرى بل ذلك يتفاوت فمنو ضعف يُزيلو ذلك بأف يكوف ضعفو ناشئا من حفظ راويو مع كونو
(الراوي ) من أىل الصدؽ والديانة ،فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجو أخر عرفنا أنو فبن حفظ ول
ىبتل فيو ضبطو لو ،وكذلك إذا كاف ضعفو من حيث اإلرساؿ بنحو ذلك كما يف اؼبراسيل اليت
يُرسلها ، " ....إىل أخر كالمو رضبو ا﵁ ،إىل أف قاؿ " :ومن ذلك ضعف ال يزوؿ بنحو ذلك
لقوة الضعف ،وتقاعد ىذا اعبابر عن جربه ومقاومتو وذلك كالضعف الذي ينشأ من كوف الراوي
متهما بالكذب ،أو كوف اغبديث شاذا ،وىذه صبلة من تفاصيلها تدرؾ باؼبباشرة والبحث فاعلم
ذلك فإنو من النفائس " ( )1أىػ .
فنقوؿ حينئذ يرتقي الحديث الضعي إلى رتبة الحسن لعيره بأمور -:
-1إذا ل يكن ضعفو شديدا .
-2أف يأٌب من طرؽ أخرى ولو كانت ضعيفة ولكن ضعفها ال يكوف شديدا .
)31القاعدة الواحدة والثالثوف :الجهالة في الراوي علة يرد بها مرويو .
)32القاعدة الثانية والثالثوف :حديث مجهوؿ العين ال يصلح ال في الشواىد وال في
المتابعات .
)33القاعدة الثالثة والثالثوف :حديث مجهوؿ الحاؿ يصلح في الشواىد والمتابعات .
)34القاعدة الرابعة والثالثوف :حديث المستور موقوؼ على التبين .
ىذه القواعد :تتكلم عن مسألة مهمة وىي مسألة حديث آّهوؿ .
والمجهوؿ عند العلماء ليس ىو اؼببهم ال ؛ فاؼببهم ىو الذي ال نعرؼ اظبو .
وأما المجهوؿ -:فهو الذي ال ندري عن توثيقو أو جرحو ،فال قبد لو عند علماء اعبرح ال
جرحا وال تعديال ،فآّهوؿ ىو الذي ال يعرؼ فيو قادح وال جارح .
وىذا المجهوؿ قسمو العلماء قسمو العلماء إلى ثالثة أقساـ -:
-1ؾبهوؿ عني .
-2ؾبهوؿ حاؿ .
-3اؼبستور .
ى الء يتفقوف صبيعا يف أف كل واحد منهم ال ندري عن جارح وال معدؿ ،فمجهوؿ العين ال نعلم
فيو ال جرحا وال تعديال ،ومجهوؿ الحاؿ ال نعلم فيو جرحا وال تعديال ،والمستور ال نعلم فيو
جرحا وال تعديال ،ولكنهم يختل وف يف أف مجهوؿ العين ال قبد لو يف السنة إال راوي واحد فقط
؛ أي ال يروي عنو يف السنة إال راوي واحد فقط ،فال نعرؼ حديث ىذا الرجل إال من طريق ىذا
الراوي ؛ فجهلت عدالتو ول يروي عنو إال رواي واحد ؛ فمن جهلت عدالتو وال يروي عنو إال
راوي واحد فاصطلح ا﵀دثوف على تسميتو " دبجهوؿ العني " .
فيكوف تعري ( )1مجهوؿ العين ىو -:من ُجهلت عدالتو ول يروي عنو إال واحد .
()2ومجهوؿ الحاؿ ىو كذلك من ُجهلت عدالتو ولكن روي عنو اثناف .
فال رؽ بني ؾبهوؿ العني وؾبهوؿ اغباؿ ،أف مجهوؿ العين من ُجهلت عدالتو ول يروي عنو
إال واحد ،وأما ـجهوؿ الحاؿ من ُجهلت عدالتو ولكن روي عنو يف ُّ
السنة اثناف .
والثالث ( )3مستور الحاؿ فهو معلوـ العدالة ظاىرا فقط ،فهو مسلم من صبلة اؼبسلمني وكل
مسلم فيو من العدالة بقدر إيبانو واسالمو وىذا ال اشكاؿ فيو ،وأما عدالتو الباطنة من كونو حافظا
،ضابطا ،صدوقا ،وال أقصد بعدالتو الباطنة أحوالو بينو وبني أىلو أو ما يفعلو يف بيتو ال ال ،فلنا
الظاىر وا﵁ يتوىل السرائر ،ولكن إذا قاؿ ا﵀دثوف عدالة الباطن يقصدوف ّٔا عدالتو يف صدقو ،
ومروءتو ،وضبطو ،وحفظو ،فهو معروؼ العدالة يف الظاىر ولكننا قبهل عدالتو يف الباطن .
من أىل العلم من قاؿ إف اؼبستور ىو عني ؾبهوؿ اغباؿ ،ومنهم من قاؿ وىو اغبافظ وغريه من
فصلوف بني ؾبهوؿ اغباؿ واؼبستور واألصح ىو التفصيل .
أىل العلم يُ ّْ
نرجع إلى مجهوؿ العين في بياف حكم كل واحد منهم في القواعد المذكورة آن ا -:
-1مجهوؿ العين ال يقبل حديثو يف نفسو ،وال يصلح أف يكوف معضدا لغريه ،فلو روي
لنا شيئا فروايتو غري مقبولة ،ولو احتاج حديث أخر أف يتقوى فراوية ؾبهوؿ العني ال
نبت فهو ال ينفع نفسو وال ينفع غريه ؛ وىذا الذي نقصده بقولنا
تعترب مقوية لو فهو ُم ُّ
" :حديث ؾبهوؿ العني ضعيف " ،وقولنا " :حديث ؾبهوؿ العني ال يصلح يف
الشواىد واؼبتابعات " .
فإف قيل وىل الشواىد واؼبتابعات األخرى تقوى حديث ؾبهوؿ العني ؟
نقوؿ ال فال يقوى غريه وال يتقوى بغريه ؛ فهذا مردود مطلقا فال يصلح يف باب الشواىد وال يف
باب اؼبتابعات مطلقا .
من ىذا حاؿ آّهوؿ الثاين وىو " -:مجهوؿ الحاؿ " ؛ فمجهوؿ اغباؿ يصلح يف -2أخ
الشواىد واؼبتابعات (يتقوى) فإذا روي لنا ؾبهوؿ اغباؿ حديثا فإننا كبكم عليو بأنو حديث
ضعيف ،ولكن إذا ورد لو ما يقويو من الشواىد واؼبتابعات فإننا نرفع حديثو من كونو ضعيفا
إىل حسن لذاتو .
فكل اعبهالة ال تصلح للمتابعات والشواىد ،وليس كل اعبهالة ال تصلح لشواىد واؼبتابعات ؛ وإمبا
فيو التفصيل على حالتني -:
الحالة األولى :جهالة العني ال تصلح مطلقا ال يف الشواىد وال يف اؼبتابعات مطلقا فال تقوى وال
تتقوى .
الحالة الثانية :ؾبهوؿ اغباؿ فيصلح حديثو يف الشواىد واؼبتابعات فيعترب مقويا لغريه ،ويعترب ىو
يف نفسو قويا إذا عاضده شاىد أو متابعة .
-3وأما حديث مستور الحاؿ قاؿ فيو ىنا يف القاعدة [ :حديث مستور اغباؿ موقوؼ على
التبني ] فال نقبل حديثو مطلقا ،وال نرد حديثو مطلقا ،وإنما ىو موقوؼ على البحث
والنظر ومطابقة روايتو لرواية الثقات ،فال نرده مطلقا وال نقبلو مطلقا وإمبا ىو موقوؼ على
التبني ؛ أي نقوؿ قفوا حبديث ىذا الرجل حت تتبني حالو وعدالتو يف الباطن .
القاعدة الخامسة والثالثوف :االنقطاع في اإلسناد علة في رد الرواية . )35
والمراد باالنقطاع ىو عدـ االتصاؿ وقد تقدـ أف اتصاؿ السند شرط من شروط تصحيح اغبديث
،ونحن نعين يف ىذه القاعدة ذلك اغبديث الذي حدث السقط فيو يف أثناء اإلسناد .
إما أف يكوف راوياف على التوايل فيسمي " معضل " وستأٌب قاعدة خاصة بو ، (أ)
فيكوف االعضاؿ ىو -:سقوط راويني على التوايل يف أثناء اإلسناد .
(ب) وإف كاف سقوطهما ليس على التوايل أي سقط عبدالرضبن وناصر ،فال يسمي معضال
وإمبا يسمي منقطعا أيضا ،فاالنقطاع صار لو صورتاف - :
الصورة األولى :أف يسقط راو يف أثناء اإلسناد .
الصورة الثانية :أف يسقط راوياف من أثناء اإلسناد ولكن ليسا على التوايل .
فإف كاف السقط على التوايل فيسمي معضال .
) (1ونحرص أف ال تكوف األمثلة أسانيد في السنة حتى يكوف الحذؼ واالثبات فيها وارداً .
ولو كاف السقط يف مرتبة الصحايب -أي أف الصحايب غري موجود يف السند -بل التابعي رفع
اغبديث مباشرة وأسقط الصحايب ،وىذا السقط من أوؿ اإلسناد فيسمي إرساال ؛ واإلرساؿ
قسماف -:
( )7القسم األوؿ :إرساؿ من صحايب إىل النيب ﷺ وال يذكر الصحايب الذي روي عنو
.
( )2القسم الثاني :إرساؿ من تابعي إىل النيب ﷺ وستأٌب قواعده يف ما بعد .
وإذا كاف السقط ليس يف أوؿ اإلسناد ولكن يف أوؿ اإلسناد فصاحب الكتاب روي اغبديث
مباشرة عن ؿبمد (يف اؼبثاؿ ىنا ) فأسقط ثالثة من أوؿ اإلسناد فهذا يسمي " باغبديث اؼبعلق
" ،ولو أسقطهم صبيعا إىل النيب ﷺ وىي غالب روايتنا كما يف بلوغ اؼبراـ ،فنحن عندنا
نقوؿ مباشرة عن أيب ىريرة وباقي اإلسناد بيننا وبني أيب ىريرة أسقطناه ،فأ.لب ما يرويو األف
الناس يف اؼبختصرات وا﵀اضرات والكلمات أغلبها أحاديث معلقة ،بل قد أُسقط الصحايب
كذلك ونقل مباشرة فقاؿ قاؿ رسوؿ ا﵁ ﷺ ،وسيأتي الكالـ يف ما بعد عن مدى
صحة اغبديث اؼبعلق .
فالسقة يف اإلسناد ىبتلف وباختالفو ىبتلف اظبو ،فإذا كاف السقط لواحد يف أثناء اإلسناد فهو
" منقطع " ،وإذا كاف السقط لراويني ليسا على التوايل يف أثناء اإلسناد فهو أيضا " منقطع " ،
وإذا كاف السقط لراويني على التوايل يف أثناء اإلسناد فهو " معضل " ،وإذا كاف السقط يف مرتبة
الصحايب يسمي " مرسل " ،وإذا كاف السقط من أخر اإلسناد يسمي " معلقا " سواء سقط
واحد أو اثنني أو ثالثة بل ردبا يسقط سلسلة اإلسناد كلها .
وصار االنقطاع علة لتضعيف اغبديث ،ألف من شروط اغبديث الصحيح أف يكوف السند متصال
،وقد فقد شرطا من شروط الصحة ،وقد تقدـ سابقا أف كل سند فقد شرطا من شروط اغبديث
الصحيح أو اغبسن فهو ضعيف ،فاتصاؿ اإلسناد شرط يف التصحيح وىنا ال ندري عن حاؿ
الراوي الذي سقط ،أو الراويني الذين سقطا .
فإذا كنا نرد اغبديث الذي انقطع إسناده يف رجل واحد فكيف باغبديث الذي سقط من إسناده
راوياف ،فال جرـ أنو يستحق الرد من باب أوىل .
واإلبهاـ -:
أ -إما أف يكوف يف اإلسناد .
ب -وإما أف يكوف اإلّٔاـ يف اؼبنت .
مثاؿ اإلبهاـ في المتن -:قوؿ طلحة ابن عبيد ا﵁ جاء رجل إىل النيب ﷺ من أىل قبد ،
فهذا الرجل عينو ليست معروفة فهو غري معلوـ العني ،فهو مبهم مع كوف اغبديث يف الصحيحني
( )1ألف اإلّٔاـ وقع يف اؼبنت ،وعندنا القاعدة [ اإلّٔاـ يف اؼبنت ال يضر ] .
قولو يف اغبديث " :عن رجل صحب النيب ﷺ ،أو يقوؿ قاؿ لنا رجل من أصحاب رسوؿ
ا﵁ ﷺ ،أو يقوؿ دخلنا اؼبسجد فرأينا رجال من أصحاب النيب ﷺ فسمعناه يقوؿ فإّٔاـ
الصحايب ال يضر .
مثالو :كحديث الرتديد خلف اؼبقيم عند أيب داود ( )1وىو من حديث شهر ابن حوشب ،قاؿ
أبو داود حدثنا ؿبمد ابن ثابت العبدي عن رجل من أىل الشاـ ،فالرجل من أىل الشاـ ىنا ال
نعرفو ،فحينئذ ل تظهر عدالتو وضبطو ول تكن متيقنة فمن باب االحتياط لسنة نرد ىذا اإلسناد ؛
فهذا حديث ضعيف لوجود اإلّٔاـ يف من دوف الصحايب .
يرتقي إلى مرتبة االحتجاج لتلقي األمة لو بالقبوؿ )40القاعدة األربعوف :الحديث الضعي
واالعتماد .
فإذا وجدت األمة تلقت ىذا اغبديث الذي وصف بشيء من الضعف بالقبوؿ واالعتماد والعمل
واالستدالؿ من غري نكري بينهم فال جرـ أف إصباعهم قرينة وطريق يقوي بو ىذا اغبديث الضعيف
ويرتقي إىل مرتبة اغبسن .
كحديث :عمرو ابن شعيب عن أبيو عن جده يف مقادير الديات فإنو وإف كاف يف شيء من
الضعف إال أف األمة تلقتو بالقبوؿ وعملت دبا فيو من األحكاـ الشرعية فحينئذ تلقيها لو بالقبوؿ
()2
يعترب قرينة يقوى ّٔا ىذا اغبديث .
) )2ق ػ ػػاؿ اب ػ ػػن عب ػ ػػد الب ػ ػػر " :وكت ػ ػػاب عم ػ ػػرو ب ػ ػػن ح ػ ػػزـ ى ػ ػػذا ق ػ ػػد تلق ػ ػػاه العلم ػ ػػاء ب ػ ػػالقبوؿ والعم ػ ػػل ،وى ػ ػػو عن ػ ػػدىم أش ػ ػػهر وأظه ػ ػػر م ػ ػػن اإلس ػ ػػناد الواح ػ ػػد المتصػ ػ ػل " [ االس ػ ػػتذكار
(. ] )471/2
وق ػ ػػاؿ الح ػ ػػافظ ب ػ ػػن حج ػ ػػر رحم ػ ػػو اي " :وق ػ ػػد ص ػ ػػحح الح ػ ػػديث بالكت ػ ػػاب الم ػ ػػذكور جماع ػ ػػة م ػ ػػن األئم ػ ػػة ،ال م ػ ػػن حي ػ ػػث اإلس ػ ػػناد ،ب ػ ػػل م ػ ػػن حي ػ ػػث الش ػ ػػهرة " [ التلخ ػ ػػيص الحبي ػ ػػر
(. ] ٍ)58/4
)42القاعدة الثانية واألربعوف :المرويات الواىية والنقوالت الباطلة ليست محال صالحا
الستنباط األحكاـ الشرعية .
ألف كوهنا واىية وباطلة ىذا أنزؿ من وصفها بأهنا ضعيفة ،فإذا كنا نرد اغبديث الضعيف أصال وال
نقبلو يف استنباط شيء من األحكاـ الشرعية ؛ فال أف نرد ما كاف باطال واىيا من باب أوىل .
)43القاعدة الثالثة واألربعوف :رواية المبتدع المحكوـ عليو بالك ر ببدعتو ال تقبل .
وذلك ألننا اشرتطنا يف شروط اغبديث الصحيح العدالة ومن كاف كافرا فإف عدالتو ـبرتقة غري
مقبولة ،وألف ا﵁ عز وجل قد أمرنا بالتبني إذا جاءنا اػبرب من فاسق فكيف بالكافر ،فال جرـ أف
خربه يرد من باب أوىل .
)44القاعدة الرابعة واألربعوف :رواية المبتدع ال اسق ببدعتو مقبولة إذا كاف محال للصدؽ
وانت اء التهمة في الرواية واألمانة .
وذلك ألف البدعة تنقسم إلى قسمين -:
وأما المبتدع ال اسق فقد اختلف أىل العلم رضبهم ا﵁ فيو والصحيح أهنا مقبولة ّٔذا الشرط آنفا
يف القاعدة ،ولذلك قاؿ الشي " فاألوؿ -من بدعتو مكفرة -ال يقبل صاحبها اعبمهور -أي
()4
،قاؿ النووي رضبو ا﵁ " :من كفر ببدعتو ل وبتج بو من علماء اغبديث رضبهم ا﵁ – "
باالتفاؽ " ،ولذلك قلنا ىنا قوال واحد ،وقاؿ اإلماـ ابن كثري رضبو ا﵁ " :اؼببتدع إذا كفر ببدعتو
فال إشكاؿ يف رد روايتو " (ٍ ، )5ب قاؿ " والثاين -من كانت بدعتو دبفسق -يقبل ما ل يكن
داعية يف األصح إال أف يروي ما يقوي بدعتو فريد على اؼبختار وبو صرح اعبوجزاين شي النسائي "
(. )6
فهنا اغبافظ رضبو ا﵁ قد فصل يف ىذا النوع بني البدعة اؼبكفرة والبدعة اؼبفسقة ،ولكن ما ذىب
إليو ىو رضبو ا﵁ يف البدعة اؼبفسقة ىذا فيو نظر .
) (1كبدعة الرافضة مثال ،والجهمية أتباع الجهم ابن ص واف ،وبدعة القوؿ بخلق القرآف .
) (5تدريب الراوي ( ، )383/1وانظر شرحو على صحيح مسلم (. )60/1
ولذلك فالقوؿ الصحيح أف اؼببتدع الفاسق نقبل روايتو إذا كاف ؿبال لصدؽ وؿبال النتفاء التهمة
وىو القوؿ الصحيح إف شاء ا﵁ تعاىل .
ولذلك يف صحيح اإلماـ البخاري ومسلم رضبهما ا﵁ تعاىل أحاديث كثرية عن ىذا الصنف من
واللفظ لو ()1
الناس ؛ وىو من ُوصف بالبدعة اليت ال زبرج صاحبها عن اؼبلة ؛ فقد روي البخاري
؛ وكذا مسلم ( )2من طريق إظباعيل عن أيب خالد عن قيس عن عمرو ابن العاص رضي ا﵁ عنو
اب ُؿبَ َّم ِد بْ ِن َج ْع َف ٍر
آؿ أَِيب قَ َاؿ َعمرو ِيف كِتَ ِ
ٌْ قاؿ ظبعت النيب ﷺ جهارا غري سر يقوؿ " :إِ َّف َ
ني " ،وقيس ابن أيب حازـ قد ُرمي ببدعة النصب ِِ بػياض لَيسوا بِأَولِيائِي إَِّمبَا ولِيّْي ا﵁ و ِ
صال ُح الْ ُم ْؤمن َ
َ َ َُ َ ََ ٌ ْ ُ ْ َ
( ، )3وىذا اغبديث ظاىره يف ما يؤيد بدعتو ومع ذلك أخرج لو اإلماـ البخاري ومسلم .
وكذلك قد أخرج مسلم ابن اغبجاج ( )4رضبو ا﵁ تعاىل من طريق عدي بن ثابت عن ذر ابن
حبيش عن علي بن أيب طالب رضي ا﵁ عنو قاؿ " :والَّ ِ
َّس َمةَ إِنَّوُ لَ َع ْه ُد النِ ّْ
َّب َ ن ال َ
أر
َ ػ
َبوَ ة
َ ب
ََّاغب
ْ قَ ل
َ ػ
َف ى ذ َ
ض ِن إِالَّ ُمنَافِ ٌق " ،وىذه رواية يف ِ ِ ِ
ىل أَ ْف الَ ُوببَِّن إِالَّ ُم ْؤم ٌن َوالَ يػُْبغ َ
األ ُّْم ّْى -صلى ا﵁ عليو وسلم -إِ ََّ
آؿ البيت ،والشيعة يعظموف آؿ البيت ،مع كوف عدي بن ثابت من قصاص الشيعة ومع ذلك
أخرج حديثو يف ما يقوى بدعتو اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ تعاىل ،فعدى ابن ثابت من الشيعة وروي
شيئا يقوي بدعتو وىي يف حث الناس يف ؿببة آؿ البيت ،فاإلماـ ابن حجر يقوؿ " اؼببتدع الفاسق
ترد روايتو إذا روي ما يقوي بدعتو " ،فهنا مثال رجل من الشيعة روي شيئا عن آؿ البيت يف
مدحهم ومع ذلك قبلنا روايتو ،فليست القضية داعية إىل بدعتو أو غري داعية ،وليست القضية أف
يروي ما يقوي بدعتو أو يروي شيئا أخر ال ،وإمبا القضية عني الراوي ىل ىو ؿبل لصدؽ وانتفاء
التهمة أـ ال !؟ وىذا الصنف كثري يف الصحيحني .
قاؿ اإلماـ الذىيب رضبو ا﵁ تعاىل " :عدي بن ثابت عال الشيعة وصادقهم وقاصهم وإماـ
،ومع ذلك خرج لو اإلماـ مسلم ىذا اغبديث ،فباف بذلك أف اؼببتدع الكافر ال ()1
مسجدىم "
تقبل روايتو قوال واحدا ،وأما غريه من أىل البدع فإننا نقبل روايتو إذا كانوا حفاظا صادقني
ضابطني ليسوا بكذابني وليسوا ؿبال لتهمة ،وىذا أقرب األقواؿ وعليو عمل صاحيب الصحيح .
)45القاعدة الخامسة واألربعوف :قوؿ األئمة رحمهم اي ىذا الحديث أصح شيء في
الباب ال يعتبر تصحيحا للحديث .
كثيرا ما هبد الدارس لكتب أىل العلم اؼبتقدمني قوؽبم " :أصح شيء يف الباب ىو كذا وكذا " ،
فيظن من ال خربة لو دبصطلحات القوـ واطالقاهتم أهنم يريدوف تصحيح ذلك اغبديث اؼبشار إليو
بتلك العبارة وىذا فيو نظر شديد ،إذا قد يطلق الناقد ىذه العبارة على ما ىو ضعيف ولكن ىذا
الباب قد روي فيو أحاديث أخرى كثرية فأصح شيء ُروي فيها باعتبار ىذا الباب ،أي أصح شيء
ُروي فيها باعتبار الضعف اؼبوجود يف أحاديث ىذا الباب ىو ىذا اغبديث ،فقولهم " :أصح
شيء يف الباب ىو حديث فالف " ،ىذا ال يؤخذ منها أف ىذا اغبديث صحيح ،فمثل ىذه
العبارة ال تعترب ؿبطا صاغبا للحكم على اغبديث بأنو صحيح .
قاؿ اإلماـ ابن القطاف الفاسي رضبو ا﵁ " :إف قوؿ البخاري أصح شيء يف الباب ليس معناه أنو
()2
،أي ليس كقولو حديث صحيح . صحيح فاعلمو "
وقاؿ اغبافظ الزيلعي رضبو ا﵁ " :قاؿ ابن القطاف يف كتابو ىذا ليس بصريح يف التصحيح فقولو ىو
()3
. أصح شيء يف الباب أي أشبو ما يف الباب وأقل ضعفا "
وقاؿ ابن سيد الناس رضبو ا﵁ يف توضيح مراد اإلماـ الرتمذي من قولو " :أصح شيء يف الباب
()4
. كذا وكذا قاؿ " " ،ال يلزـ من قولو ىذا أف يكوف صحيحا عنده "
وقاؿ اغبافظ النووي رضبو ا﵁ تعاىل " :وال يلزـ من ىذه العبارة -أصح شيء يف الباب -أف يكوف
حديث صالة التسبيح صحيحا فإهنم يقولوف ىذا أصح ما جاء يف الباب وإف كاف ضعيفا ومرادىم
أي أرجحو وأقلو ضعفا " (. )1
وقاؿ اإلماـ ؿبدث العصر ؿبمد ابن ناصر الدين األلباين رضبو ا﵁ تعاىل " قلت :ينبغي أف يُعلم أف
عبارة اغبافظ ىذه -أصح شيء يف الباب -ال تفيد عند ا﵀دثني أف اغبديث صحيح وإمبا تُعطي
لو نسبة من الصحة " (. )2
وقاؿ الشي عبدالكرمي اػبضري حفظو ا﵁ قاؿ " أبو عيسي الرتمذي ىذا اغبديث أصح شيء يف
ىذا الباب وأحسن قاؿ حفظو ا﵁ " أصح " ىذه أفعل تفضيل وكذلك حسن ومن مقتضي أفعل
التفضيل أف يكوف ىناؾ شيئني اشرتكا يف وصف وىو ىنا الصحة واغبسن وفاؽ أحدنبا األخر
فيكوف ىذا اغبديث أي حديث ابن عمر " أصح يف ىذا الباب " أي باعتبار ضعف غريه " (. )3
فنخلص من ذلك أف ىذه العبارة ( أصح شيء يف الباب ) ال تفيد صحة اغبديث عند قائلها
ولكن فائدهتا أف صبيع ما سوي ذلك اغبديث عند الناقد صاحب العبارة كلو ضعيف ال يقوى على
االحتجاج بو .
وكذلك مراسيل عائشة رضي ا﵁ عنها فإف عائشة تروي لنا شيئا حصل لنيب ﷺ يف مكة أو
تروي لنا أشياء حصلت لو ﷺ قبل البعثة ،ومع ذلك العلماء يعتمدوف روايتها ويقبلوهنا ،وكبن
قبزـ أهنا أرسلت اغبديث ولكن مرسلة مقبوؿ ؿبتمل ألف مراسيل الصحابة مقبولة .
قاؿ النووي رضبو ا﵁ " :اغبديث اؼبرسل ال ُوبتج بو عندنا ،وعند صبهور ا﵀دثني وصباعة من
الفقهاء وصباىري أصحاب األصوؿ والنظر ،وحكاه اغباكم أبو عبد ا﵁ ابن البيع عن سعيد ابن
اؼبسيب ومالك وصباعة من أىل اغبديث والفقهاء واغبجاز " (. )3
ومرسل التابعي ـبتلف فيو بني أىل العلم ولكن األقرب ما ذكرتو آنفا .
()1
بالعنعنة مردودة إال إذا صرح بالسماع . )48القاعدة الثامنة واألربعوف :راوية المدلس
وقد اختلف العلماء يف رواية اؼبدلس ما حكمها ؟
فمنهم من قبل عنعنة اؼبدلس مطلقا ،ومنهم من رد رواية اؼبدلس مطلقا سواء صرح بالسماع أو ل
يصرح بالسماع ،والقوؿ الثالث وىو األقرب -:ىو أننا ال نقبل روايتو إذا حدثنا باألننة أو
العنعنة ،فإذا جاء أحد اؼبدلسني عن من فوقو وروي اغبديث بلفظة "عن أو أف "فإننا ال نقبل
روايتو ،لقوة شبهة التدليس حينئذ والتدليس عيب يف الرواية ترد بو ،وأما إذا ترؾ العنعنة واألننة
وقاؿ " ظبعت " أو قاؿ " حدثين " فتنتفي ىنا شبهة التدليس ،فرواية اؼبدلس موقوفة على تصروبو
بالسماع ؛ ألف عنعنتو توجب شبهة التدليس ،والتدليس عيب يف الرواية وىذه الشبهة تنتفي إذا
صرح بالسماع أو التحديث .
)49القاعدة التاسعة واألربعوف :رواية الثقة التي خال بها الثقات شاذة .
وذلك ألننا اشرتطنا يف اغبديث الصحيح أف يكوف راويو ضابطا .
وضبة الراوي يُعرؼ بقياس روايتو على روايات الثقات واالعتبار روايات الثقات ،فإذا كاف ال
يروي رواية إال ويتفق مع الثقات فهو ضابط ،ولكن إذا روى رواية خالف ّٔا الثقات فال جرـ أف
حديثو يف ىذه اغبالة انتفي عنو وصف الضبط فتخلف شرط من شروط التصحيح فيكوف ضعيفا ،
ولذلك نشرتط يف اغبديث الصحيح مع سباـ الضبط أف ال يكوف شاذا ،فاغبديث الشاذ ضعيف .
ومثاؿ الرواية من الثقة على خالؼ روايات الثقات حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو قاؿ :قاؿ
رسوؿ ا﵁ ﷺ " :إذا صلي أحدكم ركعيت الفجر فليضجع على يبينو " وىذا اغبديث مرفوعا
خطأ ،وإمبا ا﵀فوظ ىو أنو منقوؿ من فعل النيب ﷺ ،أما من قولو فخطأ من رجل يسمي
عبدالواحد بن زياد وىو ثقة ،ولكن صبيع الثقات رووه عن أيب ىريرة من فعل النيب ﷺ ،
وىكذا رواه سهيل بن أيب صاحل عن أبيو عن أيب ىريرة عند بن ماجة ،ورواه كذلك النسائي ّٔذا
اإلسناد يف الكربى ،وكذا رواه ؿبمد بن إبراىيم عن أيب صاحل عند البيهقي ،وقد صرح صبع من
األئمة بشذوذ رواية عبدالواحد بن زياد عفا ا﵁ عنا وعنو .
( ) 1والتدليس وأوصاف التدليس قد بُحثت في موضع أخر لعلكم ترجعون لها في "البيقونية " أو في" نخبة الفكر " .
فالضجعة بعد ركعيت الفجر ثابتة من فعل النيب ﷺ ال من قولو ،وأما ما جاء مرفوعا أنو من
قولو فهي رواية شاذة ،وحكمنا عليها بالشذوذ ألف الثقة الذي رواىا ألنو خالف رواية الثقات وال
تُقبل رواية الثقة إذا خالف الثقات .
ومثاؿ أخر :حديث عبدا﵁ بن عباس اآلنف الذكر يف قولو " تزوج النيب ﷺ ميمونة وىو ؿبرـ
" وىذا اغبديث مع كونو يف الصحيحني إال أف متنو شاذ ،والشذوذ تارة يكوف يف اإلسناد وتارة
يكوف يف اؼبنت وكال الشذوذين علة قادحة ترد ّٔا الرواية .
وكوننا حكمنا عليو بالشذوذ ألف رواية الثقات متفقة على أف النيب ﷺ إمبا تزوج ميمونة وىو
حالؿ غري ؿبرـ ،فال يُعوؿ على حديث ابن عباس ىذا ،فقد روى مسلم يف صحيحو من حديث
ميمونة نفسها " أف النيب ﷺ تزوجها وىو حالؿ غري ؿبرـ " ( ، )1وقد تقرر يف األصوؿ أنػ[
صاحب القصة أعرؼ دبا جرى عليو من غريه ] ،بل ومن شاىد وعاصر أحداث القصة وىو أبو
رافع رضي ا﵁ عنو قاؿ "تزوج النيب ﷺ ميمونة وىو حالؿ وكنت السفري بينهما ،واؼبتقرر يف
القواعد أنػ[ رواية من شاىد أحداث القصة مقدمة على رواية من نقلت لو القصة ] ،وابن عباس ل
يشاىد ىذه القصة ألنو إذا ذاؾ كاف باؼبدينة صغريا وإمبا نقلت لو القصة فاػبطأ ليس من ابن عباس
وإمبا اػبطأ فبن نقل ىذا القوؿ البن عباس .
مثاؿ أخر :يف قوؿ النيب ﷺ يف حديث السبعني الذين يدخلوف اعبنة بغري حساب وال
عذاب ( )2قاؿ " وال يرقوف " ( ، )3والصحيح الثابت ىي قولو " وال يسرتقوف " أي ال يطلبوف ما
يرقيهم ،وأما قولو " وال يرقوف " فإهنا زيادة شاذة .
قاؿ شي اإلسالـ ابن تيمية رضبو ا﵁ تعاىل " :وقد ُروي فيو " ال يرقوف " وىو غلط فإف رقياىم
()1
،وقاؿ يف موضع أخر " وراوية من روى يف ىذا " ال يرقوف " لغريىم وألنفسهم حسنة "
()2
. ضعيفة وغلط "
وقاؿ ابن حجر رضبو ا﵁ معلقا على كالـ شي اإلسالـ " :وأجاب غريه بأف الزيادة من الثقة
()3
مقبولة وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم واعتمد مسلم على روايتو ىذه "
.
ولكن سعيد بن منصور وإف كاف ثقة إال أف صبيع فبن روي ىذا اغبديث ل يروي فيو " وال يرقوف "
ولذلك ىذه الزيادة زيادة شاذة .
وأما م هومها فهو عني ىذه القاعدة وىي أف الثقة إذا انفرد عن الثقات بزيادة ال زبالف روايتهم
مطلقا وإمبا ىي زيادة بيانية أو تفسريية فإف ىذا مقبوؿ والبأس بو عند العلماء رضبهم ا﵁ .
ولذلك ذىب اغبنابلة والشافعية بل ىو مذىب صبهور العلماء إىل أف التكبري يف أوؿ األذاف أربع
تكبريات قبل األذاف غبديث عبدا﵁ بن زيد ،بينما ذىب األئمة اؼبالكية رضبهم ا﵁ إىل أف التكبري
يف أوؿ األذاف ؾبرد تكبريتني فقط واستدلوا على ذلك حبديث أيب ؿبذورة يف صحيح اإلماـ مسلم
ب اللَّ ِو -صلى ا﵁ عليو وسلم َ -علَّ َموُ َى َذا األَ َذا َف « اللَّوُ أَ ْكبَػ ُر اللَّوُ أَ ْكبَػ ُر أَ ْش َه ُد أَ ْف الَ قاؿ " أ َّ
َف نَِ َّ
إِلَوَ إِالَّ اللَّوُ ، )4( " ...فذكر التكبري يف أولو مرتني فقط ،ولكن أصحاب السنن ( )5رووا ىذا
اغبديث بعينو -حديث أيب ؿبذورة -وزادوا تكبريتني ،فرواه مسلم يف صحيحو بتكبريتني ورواه
أصحاب السنن مربعا ،فزيادة التكبريتني مروية عن ثقة وزيادة الثقة مقبولة ما ل زبالف رواية
الثقات .
) (5سسن أبو داود ( ، ) 499وسنن النسائي ( ، ) 631وسنن ابن ماجة ( . ) 709
قاؿ اإلماـ النووي رضبو ا﵁ " :احتج اعبمهور بأف الزيادة من الثقة مقبولة وبالرتبيع عمل أىل مكة
()1
. وىي َؾبمع اؼبسلمني يف اؼبواسم وغريىا ول ينكر ذلك أحد من الصحابة "
وأما قوؿ بعض اؼبالكية بأف عمل أىل اؼبدينة على تكبريتني ،فنقوؿ إف عمل أىل اؼبدينة ال يعترب
حجة أصال ،وإمبا اغبجة يف ما صح عن النيب ﷺ .
ومن األمثلة على زيادة الثقة :حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو يف شأف أخر من يدخل اعبنة يقوؿ
ا﵁ لعبد من عباده وىو أخر من يدخل اعبنة يقوؿ ا﵁ لو " َسبَ َّن فَػيَتَ َم َّن َح َّت إِذَا انْػ َقطَ َع أ ُْمنِيَّتُوُ قَ َاؿ
ك اللَّو عَّز وج َّل ِمن َك َذا وَك َذا أَقْػبل ي َذ ّْكره ربُّو ح َّت إِ َذا انْػتػهت بِِو ْاألَم ِاينُّ قَ َاؿ اللَّو تَػع َاىل لَ ِ
ك َذل َ َ ُ َ َ ََ ْ َ َ ُ ُُ َ ُ َ َ ُ َ ََ ْ
َوِمثْػلُوُ َم َعوُ " ( )2فقاؽبا مرة واحدة ىنا ،ولكن ورد ىذا اغبديث من رواية أيب سعيد وليس من رواية
أيب ىريرة ،ففي رواية أيب سعيد اػبدري قاؿ ا﵁ تعاىل " ذلك لك ومثلو معو " ( )3ويف رواية "
َو َع َشَرةُ أ َْمثَالِِو َم َعوُ " ( ، )4وأبو ىريرة روي اغبديث بواحدة ،وأبو سعيد روي اغبديث بزيادة عشرا
فال نرد ىذه الزيادة ألهنا من ثقة ول يعارض ّٔا رواية الثقات .
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم مثاؿ أخر :ما رواه السبعة من حديث أنس رضي ا﵁ عنو قاؿ َ " :كا َف النِ ُّ
َّيب َ
اػبَبائِ ِ ك ِمن ْ ِ ِ ِ إِ َذا َد َخ َل ْ
ث " ( ، )5قاؿ ىنا إذا دخل اػبالء وىذا اػبُبُث َو ْ َ اػبََالءَ قَ َاؿ اللَّ ُه َّم إ ّْين أَعُوذُ ب َ ْ
الذكر يُشرع قبل الدخوؿ ال بعده ،وظاىر اغبديث أنو يقولوه بعد الدخوؿ ولكن ىذا ؾبانب
لصواب بل الصواب أف اؼبراد باغبديث إذا أراد أحدكم أف يدخل اػبالء ،والدليل على ىذا زيادة
عند البخاري يف األدب اؼبفرد فقاؿ حدثنا النعماف قاؿ حدثنا سعيد ابن زيد قاؿ حدثنا عبدالعزيز
ابن صهيب قاؿ حدثنا أنس قاؿ كاف النيب ﷺ إذا أراد أف يدخل اػبالء قاؿ " اللهم إين أعوذ
) )5صػ ػ ػ ػػحيح البخػ ػ ػ ػػاري ( ، )142وصػ ػ ػ ػػحيح مسػ ػ ػ ػػلم ( ، )857ومسػ ػ ػ ػػند أحمػ ػ ػ ػػد ( ، ) 11947وسػ ػ ػ ػػنن أبػ ػ ػ ػػي داود ( ، ) 4وسسػ ػ ػ ػػن الترمػ ػ ػ ػػذي ( ، ) 6وسػ ػ ػ ػػنن النسػ ػ ػ ػػائي ( ، ) 19
بك من اػببث واػببائث " ( )7فقولو " إذا أرد " زيادة من الثقة بني ّٔا رواية الثقات ول يُعارض ّٔا
رواية الثقات والزيادة من الثقة مقبوؿ وأزالت ىذه الزيادة اإلشكاؿ و﵁ اغبمد وقطعت اػبالؼ ،
فهذه قاعدة طيبة جليلة ال بد من االىتماـ ّٔا .
)51القاعدة الواحدة والخمسوف :الحديث الم نن كالحديث المعنعن في حكمو وشروطو .
فما نقوؿ يف اغبديث اؼبعنعن تقوؿ مباشرة يف اغبديث اؼبؤنن .
واصطالحا ىو :قوؿ الراوي حدثنا فالف أف فالنا قاؿ كذا وكذا .
) )1األدب الم رد للبخاري ( ، ) 692قاؿ األلباني في صحيح األدب الم رد " :صحيح " .
)52القاعدة الثانية والخمسوف :معاصرة الراوي لمن روي عنو محمولة على االتصاؿ إال
من المدلس .
وىذا ما يشرتطو اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ تعاىل ،وقد زاد اإلماـ البخاري على اإلماـ مسلم اللقاء بني
الراويني فال يكتفي اإلماـ البخاري دبجرد معاصرة الراوي دبن روي عنو -أي يكوف موجودا يف
عصره -ال بل ال بد أف يثبت لقائو بو وظباعو منو ،ولذلك صارت أحاديث البخاري يف صحيحو
أصح وأرفع شأنا يف مسألة الصحة من أحاديث اإلماـ مسلم ،والجمهور ما قرره اإلماـ مسلم من
أف اؼبعاصرة كافية يف قبوؿ الرواية إال إذا كاف الراوي ؿبكوما عليو بالتدليس فحينها ؾبرد اؼبعاصرة ال
تكفي بل ال بد أف نعلم أنو ظبع أو حدث ،فيقوؿ " ظبعت أو حدثين " فمثال لو قلنا روي ؿبمد
عن أضبد فالراوية مقبولة ألف كل من ؿبمد وأضبد يف عصر واحد فال يشرتط بعد ذلك يف صحة
اغبديث أف تبحث وتنقب ىل لقي ؿبمد أضبد أـ ال ؟ ألف اؼبعاصرة كافية .
فإذا كاف أحد الراويني كمحمد أو أضبد أحدنبا مدلسا فمجرد اؼبعاصرة حينها ال تكفي بل ال بد
من التصريح بالسماع أو التحديث فنغلظ يف رواية اؼبدلس حت تنتفي عنو شبهة التدليس ،والقوؿ
الراجح قوؿ اعبمهور وىو االكتفاء باؼبعاصرة إال يف رواية اؼبدلس .
)53القاعدة الثالثة والخمسوف :سكوت أبي داود عن الحديث ال ي يد حسنو وال يعني عن
النظر في إسناده .
فتجد أف كثريا من اؼبخرجني يقولوف " وسكت عنو اؼبنذري وأبو داود " ،وسكوت اؼبنذري سيأتينا
الكالـ عليو .
سكوتو يدؿ على حسن ما سكت عنو وصالحيتو لالحتجاج فقاؿ الشي األلباين "
فاختلف العلماء يف فهم مراد أيب دواد من قولو فهو صاحل ،فذىب بعضهم إىل أنو أراد أنو
حسن ُوبتج بو ،وذىب أخروف إىل أنو أراد ما ىو أعم من ذلك فيشمل ما وبتج بو وما
يستشهد بو وىو الضعيف الذي ل يشتد ضعفو ،وىذا (القوؿ الثاين ) ىو الصواب بقرينة
قولو "وما فيو وىن شديد بينتو "فإنو يدؿ قولو ىذا دبفهومو على أف ما كاف فيو وىن شديد
ال يُبينو فدؿ أنو ليس كل ما سكت عنو يكوف حسنا عنده ،ويشهد ؽبذا وجود أحاديث
كثرية عنده ال يشك عال يف ضعفها وىي فبا سكت عنها أبو داود " ( ، )7وكالمو رضبو
ا﵁ واضح وصريح .
ومع ىذا فقد جري اإلماـ النووي رضبو ا﵁ على االحتجاج دبا سكت عنو أبو داود يف كثري من
عرج على مراجعة أسانيدىا فكثر تصحيح الضعيف عند اإلماـ النووي رضبو ا﵁ ، األحاديث ول يُ ّْ
وىذا القوؿ ىو الصحيح إف شاء وىو أف سكوت أيب داود ال يعترب ربسينا للحديث وال يغين عن
البحث يف إسناده وقد رجح ىذا صبع من العلماء ا﵀ققني أمثاؿ ابن َمْنده واإلماـ الذىيب وابن عبد
اؽبادي وابن كثري وغريىم .
)54القاعدة الرابعة والخمسوف :سكوت المنذري عن الحديث ال ي يد حسنو وال يعني عن
البحث في حالو .
" يف حالو " أي الضعف .
قاؿ اإلماـ الشي العالمة األلباين رضبو ا﵁ تعاىل " :األصل أنو ال هبوز إيراد اغبديث الضعيف إال
ببياف حالو كما سيأٌب بيانو ،ولذلك يظن بعضهم أف ما سكت عنو اؼبنذري يف الرتغيب والرتىيب
يدؿ على أنو غري ضعيف عنده وعليو جري الشي سيد سابق يف غري ما حديث وىو ذىوؿ عن
اصطالح اؼبنذري الذي صرح بو يف مقدمة كتابو " (ٍ )2ب نقل رضبو ا﵁ كالـ اإلماـ اؼبنذري رضبو
ا﵁ .
فال يغرنك أيها القارئ قوؿ بعض اؼبخرجني " وىو حديث حسن لسكوت اؼبنذري عنو " ألف
سكوت اؼبنذري ال يعترب ربسينا للحديث بل ال بد من حبثو .
)55القاعدة الخامسة والخمسوف :رموز السيوطي في كتابو الجامع ال يُوثَ ُق بها .
وكتابو اعبامع قد صبع فيو صبال كثرية تفوؽ تسعة آالؼ أو شبانية آالؼ حديث عن النيب ﷺ
وأكثر من ىذا ،وقد رمز رضبو ا﵁ لكل حديث بالضعف أو باغبسن أو بالصحة يف رموز بني مراده
منها يف أوائل اعبامع ؛ فهل يعتمد على ىذه الرموز ؟
نقوؿ ال يُعتمد على ىذه الرموز ،فال نقوؿ ورمز لو السيوطي بالصحة أي أنك تصحح اغبديث
ألف السيوطي رضبو ا﵁ قد رمز لو بالصحة فرموزه غري معتد ّٔا .
قاؿ اإلماـ األلباين رضبو ا﵁ تعاىل يف كتابو " سباـ اؼبنة يف التعليق على فقو السنة " قاؿ " :اشتهر
أيضا بني كثري من العلماء االعتماد على رمز السيوطي رضبو ا﵁ للحديث بالصحة واغبسن أو
الضعف وتبعهم يف ذلك الشي سيد سابق ونري أنو (أي االعتماد على رموز السيوطي ) غري سائغ
لسببني -:األوؿ طروء التحريف على رموزه من النساخ فكثريا ما رأيت اغبديث فيو مرموزا لو
خبالؼ ما ينقلو شارحو اإلماـ اؼبناوي رضبو ا﵁ تعاىل ،ولذلك قاؿ بعض أىل العلم وأما ما يوجد
ُ
يف بعض النس من الرمز إىل الصحيح أو اغبسن والضعيف بصورة رأس صاد وحاء وضاء فال ينبغي
الوثوؽ بو لغلبة ربريف النساخ عليو ،والثانية أف السيوطي رضبو ا﵁ معروؼ بتساىلو يف التصحيح
والتضعيف فاألحاديث اليت صححها أو حسنها فيو قسم كبري منها ردىا عليو الشارح اؼبناوي وىي
ُ
تبلغ اؼبئات إف ل نقل أكثر من ذلك ،وكذلك وقع فيو أحاديث كثرية موضوعة مع أنو قاؿ يف
مقدمتو وصنتو عن ما تفرد بو وضاع أو كذاب فهذا يدؿ على أف السيوطي يتساىل يف تصحيح
اغبديث ،وقد تتبعتها بصورة سريعة وىي تبلغ األلف وتزيد قليال أو تنقص قليال وأرجوا أف أوفق
إلعادة النظر فيها وإجراء قلم التحقيق عليها وإخراجها لناس " ( )7اىػ رضبو ا﵁ ،وقد فعل رضبو
ا﵁ يف كتابني " صحيح اعبامع وزيادتو " و" ضعيف اعبامع وزيادتو " وىو من الكتب اليت ال بد أف
يقتنيها طالب العلم .
)56القاعدة السادسة والخمسوف :قوؿ بعض أىل العلم في حديث رواتو ثقات أو رجالو
رجاؿ الصحيح ال يعتبر تصحيحا للحديث .
وذلك كقوؿ ا﵀دث اإلماـ اؽبيثمي يف " آّمع " وكذلك اؼبنذري رضبو ا﵁ يف " الرتغيب والرتىيب
" فإهنما يقوالف كثريا عن اغبديث رجالو ثقات أو موثوقوف أو رجالو رجاؿ الصحيح وىذه ال تعين
صحة اغبديث ألف ا﵀دث حكم على الرواة فقط وبقي اغبكم على اتصاؿ السند وعلى السالمة
من الشذوذ والعلة القادحة وىذا أمر معروؼ عند كثري من طالب العلم وإمبا أردت تأصيلو والتنبيو
عليو من باب الفائدة ؼبن ال يعلم ذلك .
فقوؿ ا﵀دث ىذا حديث رجالو ثقات أو رجالو رجاؿ الصحيح أو رواتو ؿبتج بو يف الصحيح ىذا
كلو ال يُغين عن البحث يف اغبديث ألنو أعطانا شرطا واحدا من شروط اغبديث الصحيح وىو
ضبط الرواة فقط ،ولكن بقي شروط أخرى ال بد من النظر فيها .
)57القاعدة السابعة والخمسوف :الضعي إذا خال ت روايتو روايات الثقات فمنكرة .
ولذلك نقوؿ إف الثقات إذا خالفهم أحد فال زبلوا من حاليتني -:
وأما إذا خالف الثقات راو ضعيف فمخالفتو تسمي "منكرة " .
نقوؿ ال جرـ أنو اؼبنكر ،ألننا نرد روايتو لسببني -:ألنو ضعيف أصال ومع ضعفو خالف الثقات
فهي ظلمات بعضها فوؽ بعض .
وأما ـبالفة الثقة لرواية الثقات فإننا نردىا لعلة واحدة وىي اؼبخالفة إذا لو ل توجد اؼبخالفة لقبلنا
حديثو ألنو حديث ثقة .
فقل اؼبعروؼ ،فإنو يقاؿ ىذا حديث منكر وىذا حديث معروؼ .
فنقوؿ حينئذ إذا خالف رواية الثقة روايات الثقات فروايتو شاذة وروايتهم ؿبفوظة ،وإذا خالف
الضعيف رواية الثقات فروايتو منكرة ،وراويتهم معروفة .
ما رواه ابن أيب حاًب من طريق حبيب ابن حبيب وىو أخو ضبزة ابن حبيب الزيات اؼبقرئ اؼبعروؼ
الصال َة ، عن أيب إسحاؽ عن العيزار ابن ُحريث عن ابن عباس عن النيب ﷺ قاؿ " َمن أ َ
َقاـ َّ
َّيف َ ،د َخ َل اعبَنَّةَ " (. )7
صاـ َرَمضا َف َ ،وقَػَرى الض َ
يت َ ،و َ َوآتَى َّ
الزكا َة َ ،و َح َّج البَ َ
قاؿ أبو حاًب " ىو حديث منكر ؛ ألف غريه من الثقات رواه عن أيب إسحاؽ موقوفا وىو اؼبعروؼ
()2
وا﵁ أعلم " .
وىذه نكارة يف السند ألف النكارة قد تكوف يف السند تارة ،وقد تكوف اؼبنت تارة .
)58القاعدة الثامنة والخمسوف :ما كاف في إسناده متروؾ فهو متروؾ .
والحديث المتروؾ :ىو اغبديث الذي يرويو رجل متهم بالكذب ،ألنو لو كاف كذابا لقلنا
موضوع ،ولكنو متهم بالكذب فيكوف حديثو مرتوكا ،وقد أصبع علماء اغبديث على أف ىذا
اغبديث ضعيف بل شديد الضعف ،وىذا القادح حصل يف عدالتو ومن مهمات علم اغبديث أف
تعرؼ من حكم العلماء النقاد بأنو مرتوؾ ،وفي ذلك صبال من الكتب تعرفك باؼبرتوكني ككتاب
اإلماـ النسائي ،والدارقطين اؼبسميني بػ " الضعفاء واؼبرتوكني " فإذا رأيت يف إسناد من األسانيد
رجل يقاؿ لو عمر ابن ىاروف فاحكم علي اإلسناد واغبديث بأنو مرتوؾ ،وىذا الرجل يستدؿ بو
صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم يَأْ ُخ ُذ ِم ْن ِغبْيَتِ ِو ِم ْن من يأخذ من غبيتو فقد روي حديثا مرفوعا " َكا َف النِ ُّ
َّيب َ
وؽبَا " ( )7كما رواه الرتمذي وغريه ،وىذا اغبديث مرتوؾ ألف يف إسناده مرتوؾ ،واؼبتقرر عر ِضها وطُ ِ
َْ َ َ
أف رواية اؼبرتوؾ مرتوكة .
السدي األصغر فاعرؼ أف ىذا وكذلك إذا رأيت يف حديث رجال يقاؿ لو ؿبمد ابن مرواف ُ
اغبديث مرتوؾ ،بل قيل إف ىذا الرجل حديثو موضوع ،فالبد لطالب العلم أف يتعرؼ ولو من
باب اإلصباؿ على صبال من أظباء اؼبرتوكني ووبفظهم حت إذا نظر يف أسانيد األحاديث فوجد رجال
منهم يتبني أف ىذا اغبديث شديد الضعف .
)59القاعدة التاسعة والخمسوف :اتصاؿ اإلسناد في رواية الثقة زيادة يجب قبولها.
وبيانها أف نقوؿ إف الثقات إذا رووا حديثا موقوفا على صحايب فروايتهم موقوفة ،ثم جاء ثقة أخر
ورفع ىذا اغبديث إىل النيب ﷺ فهذا يعترب زيادة من ثقة ؛ والزيادة من الثقة مقبولة ما ل
ىبالف الثقات وىنا ل ىبالف الثقات فزيادتو ىذه يف اإلسناد مقبولة ألهنا زيادة من ثقة ،فإذا روي
الثقات شيئا موقوفا على صحايب أو تابعي ٍب رفعو ثقة أخر فإف رفعو زيادة تعترب مقبولة .ومثالها :
حديث رواه بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن عباس قاؿ :قاؿ رسوؿ ا﵁ ﷺ " :ال رضاع
إال ما كاف يف اغبولني " ( ، )2قاؿ ؾبد الدين بن تيمية رضبو ا﵁ يف اؼبنتقي " :رواه الدارقطين ...
وقاؿ ...ل يُسنده عن بن عيينة غري اؽبيثم بن صبيل وىو ثقة حافظ -أي ل يرفعو إىل النيب
()3
،فالرفع من الثقة زيادة هبب قبوؽبا ﷺ من الثقات إال ىذا الرجل -فقبل العلماء رفعو "
ويتبني لنا ّٔذا أف زيادة الثقة ال تكوف يف اؼبنت فقط ،بل تكوف يف اؼبنت ويف اإلسناد .
( ) 3المنتقى في األخبار الشرعية من كالـ خير البرية ،للمجد بن تيمية ،ص حة ( ، ) 664تحقيق :طارؽ عوض اي .
)60القاعدة الستوف :كل حديث ثبت بالبرىاف انقالبو على راويو فهو ضعي .
وىذه القاعدة زبص نوعا من أنواع اغبديث يسمي باغبديث المقلوب وىو :إبداؿ لفظ بأخر يف
سند اغبديث أو متنو بتقدمي أو تأخري .
مثالو :
أف يأتينا حديث عن سال عن ابن عمر فيأٌب الراوي يف من دونو فيبدؿ اغبديث فيجعلو من رواية
نافع عن ابن عمر ،فنافع أثبت يف ابن عمر من سال ،وقد كاف يُعرؼ رجل ّٔذا القلب اظبو "
ضباد بن عمر ِ
النصييب " وقد أطلق عليو العلماء سراؽ اغبديث .
وىو حديث رواه ضباد النصييب عن األعمش عن أيب صاحل عن أيب ىريرة مرفوعا " :إذا لقيتم
()7
،فهذا اغبديث ّٔذا السند ضعيف ألنو مقلوب فقد اؼبشركني يف طريق فال تبدؤوىم بالسالـ "
قلبو ضباد فجعلو عن األعمش وىذا اغبديث معروؼ من رواية ُسهيل ابن أيب صاحل عن أبيو عن أيب
ىريرة فهو من مسند ُسهيل وليس من مسند األعمش ولكن جاء ىذا الرجل وأدخل األعمش بدال
من سهيل فهذا حديث مقلوب وىو حديث ضعيف ألف اغبديث اؼبقلوب ضعيف .
(َ ) 1ى ِذهِ الطريق المقلوبة ِعقن َد العقيلي ، 308/1وأنظر [ شرح التبصرة والتذكرة ] للحافظ العراقي . 320/1
مع كوف ىذا اغبديث يف صحيح اإلماـ مسلم ولكن ليس من رواية النصييب ىذا وإمبا من رواية
()7
سهيل ابن أيب صاحل عن أبيو عن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو .
حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو يف السبعة الذين يظلهم ا﵁ يف ظلو يوـ ال ظل إال ظلو ،فقد
انقلب ىذا اغبديث على بعض الرواة مع كونو يف الصحيحني ولكن ىذه الرواية اؼبقلوبة ضعيفة
()2
،فهي رواية ضعيفة ألهنا فقاؿ يف " :رجل تصدؽ بصدقة حت ال تعلم يبينو ما تنفق مشالو "
()3
. مقلوبة ،ورواية الثقات " حت ال تعلم مشالو ما تنفق يبينو "
كقوؿ اإلماـ ابن القيم يف حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو قاؿ :قاؿ النيب ﷺ " :إذا سجد
أحدكم فال يربؾ كما يربؾ البعري وليضع يديو قبل ركبتيو " ( ، )4قاؿ اإلماـ ابن القيم َ " :وَكا َف يَػ َق ُع
ض ْع ُرْكبَتَػْي ِو ض ِ ِ ِ
َصلُوُ َولَ َعلّوُ " َولْيَ َ ب َعلَى بَػ ْع ِ ّ
الرَواة َمْتػنُوُ َوأ ْ ِيل أَ ّف َحد َ
يث أَِيب ُىَريْػَرَة َك َما ذَ َك ْرنَا فبّا انْػ َقلَ َ
قَػْب َل يَ َديْ ِو " " (. )5
وكالـ اإلماـ ابن القيم وإف كاف فيو شيء من النظر وإمبا نريد التمثيل فقط .
( ) 3صحيح البخاري ،برقم ( ، ) 660وسنن الترمذي ،برقم ( ، ) 2391ومسند أحمد ،برقم (. ) 9665
ما راوه اإلماـ الطرباين ( )6من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو مرفوعا " :فَِإ َذا أ ََم ْػرتُ ُك ْم بِ َش ْػي ٍء فَػأْتُوهُ ،
اس ػػتَطَ ْعتُ ْم " ،فه ػػذا اغب ػػديث منقل ػػب ،ف ػػإف اؼبع ػػروؼ م ػػا يف وإِ َذا نَػهي ػػتُ ُكم ع ػػن َش ػػي ٍء فَ ػ ِ
ػاجتَنبُوهُ َم ػػا ْ
ْ َ َْ ْ َ ْ ْ
اسػتَطَ ْعتُ ْم " (، )7 ِ الصحيحني بلفظ " فَِإ َذا نَػهيتُ ُكم عن َشي ٍء فَ ِ
اجتَنبُوهُ َوإِ َذا أ ََم ْرتُ ُك ْم بِأ َْم ٍر فَػأْتُوا مْنػوُ َمػا ْ
َْ ْ َ ْ ْ ْ
فاالستطاعة ليست معلقة بالرتؾ ،وإمبا معلقة دبا يُفعل .
مسألة :ما حكم قلب األحاديث ؟
نقوؿ ال هبوز تعمده إصباعا إال إذا كاف اؼبقصود منو االمتحاف مع وجوب تعديل األحاديث ورد
األسانيد واؼبتوف إىل صوأّا قبل التفرؽ من آّلس ،ويستدلوف على ذلك دبا فعل أىل بغداد مع
اإلماـ البخاري رضبو ا﵁ تعاىل .
( ) 3صحيح ابن حباف ،برقم ( ، )3474بل ظ " :ذا أذف ابن أـ مكتوـ فكلوا واشربوا وإذا أذف بالؿ فال تأكلوا وال تشربوا " .
وىناؾ لفظة يف القاعدة مهمة جدا وىي قولنا " :ثبت بالربىاف انقالبو " ،نست يد منها أنو ال
تقبل دعوي االنقالب إال بالربىاف ،إذا ليس كل أحد من العلماء يدعي أف ىذا اغبديث قد
انقلب على صاحبو تكوف دعواه مقبولة إال إذا ثبت بالسرب والتتبع والنظر أف دعواه صحيحو ألنػ[
األصل عدـ االنقالب ] ،واألصل اؼبتقرر ىو [ وجوب البقاء على األصل حت يرد الناقل ] .
)61القاعدة الواحدة والستوف :االضطراب في الحديث علة لضع و إال إف أمكن الجمع أو
الترجيح بين أوجهو .
وىذه القاعدة يف اغبديث " اؼبضطرب " ،وىو :اغبديث اؼبروي على أوجو ـبتلفة ال يبكن اعبمع
وال الرتجيح بينها .
فقولو " :على أوجو " ،ىذا قيد يف التعريف ىبرج ما ال اختالؼ فيو أصال ،فما ل يُروي إال
بإسناد ووجو واحد فهذا حديث مستقيم وليس دبضطرب .
وقولو " :على أوجو ـبتلفة " ،يخرج اغبديث اؼبروي على أوجو ولكن يبكن اعبمع بينها أو
الرتجيح بينها .
ولذلك قالوا " :وال يبكن اعبمع وال الرتجيح بينها " ،وقد أفادنا أىل العلم بذلك فقالوا :أف
االضطراب الذي يعترب سببا لضعف اغبديث ىو اختالؼ األوجو اختالفا على حاؿ ال يبكن مطلقا
أف قبمع بينها وال أف نرجح بني أوجهها ،فليس كل اضطراب يعترب قادحا ،وإنما االضطراب
الذي يعترب قادحا ىو ما ال يبكن اعبمع أو الرتجيح بني أوجهو .
قاؿ اإلماـ ابن الصالح " :اؼبضطرب من اغبديث ىو الذي زبتلف الرواية فيو فريويو بعضهم على
وجو ،وبعضهم على وجو أخر ـبالف لو ،وإمبا نسميو مضطربا إذا تساوت الروايتاف وأما إذا
ترجحت إحدانبا حبيث ال تقاومها األخرى بأف يكوف غري راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي
عنو أذلك من وجوه الرتجيحات اؼبعتمدة فاغبكم لراجحة وال يطلق عليو حينئذ وصف اؼبضطرب
()7
اىػ . وال لو حكمو "
فباف لنا بذلك أف الحديث ال يوص باالضطراب إال بثالثة شروط -:
-7أف يكوف ـبتلفا على عدة ٍ
أوجو .
أف تكوف تلك األوجو ـبتلفة . -2
أف ال يبكن اعبمع وال الرتجيح بينها لشدة اختالفها أو لتساويها . -3
وقد قرر العلماء أف االضطراب قد يقع يف اؼبنت تارة ،وقد يقع يف اإلسناد تارة أخرى ( ، )7وكال
()2
ا﵀لني سبب لضعف الرواية .
( ) 1قاؿ ابن الصالح في مقدمتو " :إف االضطراب قد يقع في اإلسناد وقد يقع في المتن " [مقدمة ابن الصالح ،ص حة ( . ] ) 270
باالختالط ؛ ألف اختالطهم قصري الزماف يسري الوقوع ،فقصير الزماف ألهنم توقفوا ،
ويسير الوقوع إذا ىو بعد التتبع واالستقراء كاف يعد على األصابع ليس كثريا .
الثقة الذي اختلط وكاف اختالطو كثريا قسمو أىل العلم إىل ثالثة أقساـ باعتبار من ()2
ظبع منو ال باعتبار اختالطو ىو ،فإف الذي يسمع منو ال يخلو من ثالث حاالت
-:
أف قبزـ أف ظباعو منو كاف قبل االختالط ،فروايتو عن اؼبختلط الثقة قبل االختالط (أ)
مقبولة لعدـ وجود العلة اؼبوجبة لردىا .
(ب) رواة قبزـ جزما أهنم ما ظبعوا منو إال بعد االختالط ،ف ي ىذه اغبالة روايتهم مردودة
ألف االختالط يف الراوي سبب لرد مرويو .
(ت) رواة رووا عن ىذا اؼبختلط الثقة ،ولكن ال ندرى عن زمن روايتهم عنو ألننا لو جزمنا
أف روايتهم عنو قبل االختالط عبزمنا بقبوؽبا ،ولو جزمنا أف روايتهم عنو بعد االختالط
عبزمنا بردىا ،ولكننا ىنا شككا يف وقت ظباعهم فال ندرى أظبعوا منو ىذا اغبديث
قبل االختالط أـ بعد االختالط ؛ ف ي ىذه اغبالة – أي حالة الشك -ال نرد مطلقا
وال نقبل مطلقا ،وإنما توقف روايتو على التبني والتثبت حت تتبني ،ونسرد ؼبا ًب بيانو
ىذه القواعد يف اؼبختلط .
)63القاعدة الثالثة والستوف :المختلة الثقة ال تقبل الرواية عنو إال قبل االختالط ال بعده .
والكالـ ىنا عن من اختلط كثريا كما سبق بيانو .
في قبوؿ الرواية عن المختلة الثقة مع الشك في )64القاعدة الرابعة والستوف :يُتوق
زماف التحمل عنو .
وأسباب االختالط لو عدة أسباب فمنها -:
من الرواة من اختلط بسب كربه ،قاؿ ا﵁ ﴿ َوِمْن ُك ْم َم ْن يػَُرُّد إِ َىل أ َْرذَ ِؿ الْعُ ُم ِر لِ َك ْي َال -7
يَػ ْعلَ َم بَػ ْع َد ِع ْل ٍم َشْيئًا ﴾ ( ، )7وىو ما يسميو ا﵀دثوف بػ[ اختالط اػبرؼ ] ،وفي زمننا
اؼبعاصر يسمي بػ[ الزىايبر ] ،كما قيل يف حق عطاء بن السائب رضبو ا﵁ تعاىل .
يكوف بسبب احرتاؽ كتبو ،كما قيل يف حق عبدا﵁ بن ؽبيعة رضبو ا﵁ . -2
يكوف بسبب عمى البصر ال عمى البصرية ،كما قيل يف حق اإلماـ عبدالرزاؽ بن نباـ -3
الصنعاين رضبو ا﵁ .
ومنهم من اختلط ؼبا تويل منصب القضاء ،كحفص بن غياث النخعي . -4
ومنهم من اختلط بسبب علة أصابتو ؛ كسهيل بن أيب صاحل فقد أصابتو شجة يف رأسو -5
فاختلط .
ومنهم من اختلط بسبب مصيبة نزلت عليو ؛ ك قد ولد أو فقد عزيز عليو ؛ كما قيل -6
يف ؿبمد بن عبد القادر اغبنبلي إنو اختلط بسبب موت ولده .
وبهذا الت صيل يتبني لنا أف األمر يف اؼبختلط على ىذا النحو اؼبذكور و﵁ اغبمد .
س بمعتبر َ )65القاعدة الخامسة والستوف :متى توبِ َع سيء الح ظ والمستور
والمرس ُل والمدل ُ
َ
صار حديثهم حسنا لعيره ال لذاتو .
وىذه من قواعد اإلماـ ابن حجر رضبو ا﵁ تعاىل يف " لببة الفكر " ،فقد أفادنا فيها اإلماـ اغبافظ
رضبو ا﵁ تعاىل أف منو أنواعا فبا حكمنا عليو بأنو ضعيف أفادنا بأهنا قد تتقوى بورود متابع ؽبا ،
وىذا التخصيص يفيدنا بأف ىناؾ من أنواع الضعف ما ال ينجرب مطلقا .
قولهم " :سيء اغبفظ" ،ىذا تنفع فيو اؼبتابعات والشواىد ،و" المستور " :ىو ؾبهوؿ العدالة
ويتقوى إذا وجد شاىد أو متابع لو .
َ يف الباطن فهذا أيضا يُقو ِى
وكذلك إذا أرسل أحد الضعفاء حديثا ٍب ُروي موصوال من طريق آخر فال جرـ أف ىذا يُعترب تقوية
لو .
وكذلك من رددنا روايتو بسبب تدليسو إذا ُروي من طريق آخر من غري ىذا اؼبدلس فحينئذ روايتو
تكوف صحيحة معتربة .
وما أقرب ىذه القاعدة بالقواعد اليت سبقت اغبديث الضعيف ؛ أف من اغبديث ما ينجرب ،ومن
اغبديث الضعيف ما ال ينجرب .
)66القاعدة السادسة والستوف :تعليق الحديث موجب لرده إال إف كاف لو في الحقيقة
إسناد صحيح ولكن حذؼ اختصارا .
والحديث المعلق ىو :ما حذؼ من أخر إسناده را ٍو أو أكثر وىو غالب روايات الناس اليوـ .
وحكمو :أنو مردود ؛ ألنو فقد شرطا من شروط القبوؿ وىو " :اتصاؿ السند " ،وذلك حبذؼ
را ٍو فأكثر من إسناده ؛ مع عدـ علمنا حباؿ ذلك الراوي .
فإف قيل وىل ُوبكم على كل حديث معلق بأنو ضعيف مطلقا ؟
نقوؿ :ال ،ألف يف القاعدة استثناء قاؿ " :إال إذا كاف لو إسناد صحيح ،ولكن حذفو اإلنساف
اختصار " فإف كاف لو إسناد صحيح سبكن دراستو ومعلوـ ،ولكن كاف سبب اغبذؼ ؾبرد
اختصار اللفظ للحديث ؛ فهذا ال بأس بو ؛ فالتعليق جائز إذا كاف للحديث إسناد صحيح ؛
وكاف اؼبقصود من اغبذؼ ؾبرد االختصار .
)67القاعدة السابعة والستوف :تجوز رواية الحديث بالمعنى بشروطها " أو "بشرطها "
كالىما صواب .
وقد اشترط العلماء جمال من الشروط من أىما ما يلي -:
أف تكوف الرواية باؼبعن من رجل عارؼ دبعناه وبدالالت اللغة وما ُوبيل الكالـ عن -7
معناه ،وبناء على ىذا الشرط أف تكوف الرواية باؼبعن من عارؼ دبعناه – أي اغبديث
-وبدالالت اللغة وما ُوبيل الكالـ عن معناه ؛ وبناء على اشرتاط ىذا الشرط فال هبوز
للعامي الذي هبهل دالالت اللغة ومرتادفات األلفاظ ال هبوز لو أف يروي اغبديث
باؼبعن .
أف تدعوا الضرورة لو ،بأف يكوف الراوي إما ناسيا للفظ وحافظا ؼبعناه ،أو كاف -2
اغبديث يشتمل على بعض األلفاظ اليت يعسر فهمها على العامة ،فحينها ترويو باؼبعن
لكي يفهموا اغبديث ،فمن ىنا نعلم أنو البد من قياـ الضرورة أو اغباجة ،بل لو كاف
اؼبخاطب أعجميا وال يفقو اللغة العربية فيجوز نقل اغبديث لو باؼبعن .
أف ال يكوف اللفظ متعبدا بذاتو ؛ كألفاظ األذكار وكبوىا . -3
أف ال تكوف الرواية باؼبعن ُِـبلة بأصل اؼبعن . -4
أف ال يكوف اغبديث واردا يف بياف صفة عبادة معينة ؛ كاألحاديث اؼبروية يف صفة -5
الصالة فال تروى باؼبعن ،أو األحاديث الواردة يف صفة اغبج ال تروى باؼبعن ،أو
األحاديث الواردة يف بياف صفة صالة الكسوؼ أو اػبسوؼ فكل ىذا ال ترويو باؼبعن
بل ترويو بلفظو .
أف ال يكوف اغبديث من جوامع الكلم ،ألنك إف رويتو باؼبعن فستخرجو عن إعجازه -6
وعن معناه ،ألف جوامع الكلم ىو ذلك اغبديث الذي يشتمل ويدخل يف طياتو معاف
كثريا فبأي معن ستعرب عن ىذا اغبديث !؟ فال شك أف رواية اؼبعن ستكوف مقصرة يف
بياف معناه .
تنبيو لطي ىنا :
وىي أنك إذا رويت حديثا باؼبعن فالبد أف تقرف روايتك ىذه بلفظ يُشعر السماع أنك رويتو باؼبعن
؛ كقولك مثال " :أو ما يف معناه " ،أو تقوؿ " :أو كما قاؿ الرسوؿ ﷺ " ،وكبوىا من
العبارات من باب إبراء الذمة .
)69القاعدة التاسعة والستوف :إنكار الراوي لمرويو جزما وقطعا تعلل بو الرواية ؛ وإف كاف
احتماال أو نسيانا فال تُعلل بو الرواية .
قاؿ اإلماـ اػبطيب البغدادي رضبو ا﵁ يف الكفاية " :إف كاف إنكاره لذلك إنكار شاؾ متوقف
وىو ال يدري ىل حدثو بو أو ال فهو غري جارح ؼبن روي عنو وال مكذب لو وهبب قبوؿ ىذا
اغبديث والعمل بو ألنو قد وبدث الرجل باغبديث وينسي أنو حدث بو وىذا غري قاطع على
تكذيب من روي عنو ،وإف كاف جحوده لرواية عنو جحود مصمما على تكذيب الراوي عنو
وقاطع على أنو ل ُوبدثو بو ويقوؿ كذب على فذلك جرح منو لو فيجب أف ال يعمل بذلك
()7
. اغبديث "
أي دبا ُوبدث أبو ىريرة رضي ﵁ عنو حبديث وبعد زماف يسمع الراوية عنو ّٔذا اغبديث فينكره ،
فهل يعترب إنكار الراوي ؼبا روي علة ترد ّٔا الراوية ؟
نقوؿ ال نقوؿ نعم مطلقا وال نقوؿ ال مطلقا ،وإنما األمر فيو على التفصيل فيختلف اغبكم
باختالؼ نوع اإلنكار إف إنكاره ىو اإلنكار عن جحود وتصميم وقطع وجزـ فال جرـ أف ىذا
يعترب علة يف الرواية ،وأما إف كاف إنكار احتماؿ أو نسياف أو غفلة أو ذىوؿ فإف ىذا ال يعترب
قادحا يف الرواية ألف النسياف ال يسلم منو أحد .
)70القاعدة السبعوف :العلة التي ترد بها الرواية ىي العلة القادحة المعتبرة .
فليس كل ما عُلل بو اغبديث يكوف علة مقبولة ،بل ال بد وأف نتعرؼ على عني ىذه العلة ٍب
نقيسها على كالـ العلماء النقاد فإف وجدنا أف النقاد يُعللوف األحاديث ويردوهنا دبثل ىذه العلة
فمرحبا ّٔا ،وأما تلك العلل اليت يتفوه ّٔا بعض النقاد وال تعترب يف حقيقية األمر قادحة فإهنا ال
تعترب من صبلة ما ترد ّٔا الرواية .
الحن ية يعتربوف ورود حديث اآلحاد يف مسألة تعم ّٔا البلوى علة تقدح يف حديث -3
اآلحاد ؛ ولذلك يردونو بسبب ىذه العلة ؛ وىذه أيضا علة غري معتربة ،بل هبب
قبوؿ خرب اآلحاد وإف كاف يف مسألة تعم ّٔا البلوى .
بعض النقاد يعتربوف اختالؼ الرواة بالزيادة والنقصاف يف منت اغبديث أو إسناده علة -4
قادحة ،وىذا ليس بعلة قادحة إذا كاف يبكن احتماؽبا كزيادة الثقة إذا ل ىبالف
الثقات ،أو زيادة الوصوؿ على اغبديث اؼبرسل فهذه ليست من صبلة العلل اليت يُعلل
ّٔا اغبديث .
)71القاعدة الواحدة والسبعوف :الحكم على الحديث بالعرابة ال ينافي الحكم عليو
بالصحة أو الحسن .
وقد قسم علماء حديث خبر اآلحاد باعتبار عدد رواتو إلى ثالثة أقساـ -:
حديث .ريب :وىو ما انفرد بروايتو راو واحد يف أي طبقة من طبقات إسناده سواء -7
يف طبقة الصحابة أو يف طبقة التابعني أو الطبقات اليت دوهنم .
حديث عزيز :وىو ما انفرد بروايتو راوياف يف أي طبقة من طبقات السند . -2
حديث مشهور :وىو ما انفرد بروايتو ثالثة يف أي طبقة من طبقات السند . -3
واعلم أيها القاري اغببيب أف ىذه األوصاؼ ال أثر ؽبا يف كوف اغبديث صحيحا أو حسنا ،
فربما يكوف ىذا اغبديث عزيزا أو غريبا أو مشهورا لكنو ضعيف ،وربما يكوف ىذا اغبديث
صحيحا مع أنو غريب أو عزيز أو مشهور ،فإذا وصف الطريق بأنو غريب أو عزيز أو مشهور
ال أثر لو مطلقا يف وصف اغبديث بأنو صحيح أو حسن .
ولذلك عندنا ُصبل من األحاديث يف الصحيحني وبكم العلماء عليها بأهنا غريبة كحديث " :إمبا
()7
،فهو حديث غريب باعتبار الطبقة األوىل – أي الصحابة -فلم يرويو األعماؿ بالنيات "
ّٔذا اللفظ إال عمر بن اػبطاب رضي ا﵁ عنو ،ورواه عن عمر رضي ا﵁ عنو واحد وىو ؿبمد بن
إبراىيم التيمي ،وراوه عنو واحد وىو علقمة بن وقاص الليثي ،ثم رواه عنو وبي بن سعيد
األنصاري وعن وبي انتشر ىذا اغبديث وكثر رواتو ،فهو حديث غريب ومع ذلك نصفو بأنو من
اغبديث بأحد األوصاؼ الثالثة بكونو غريبا أو األحاديث الصحيحة اؼبقطوع بصحتها ،فوص
مشهورا أو عزيزا ىذه أوصاؼ ال أثر ؽبا يف أمر صحة اغبديث من ضعفو .
وضد العالي اإلسناد النازؿ وىو :ما كثر عدد رواتو ،فعلوا اإلسناد ونزولو ال شأف لو يف أمر
قضية صحة اغبديث من ضعفو ،ولكن ألف القوـ قد علت نبمهم وصاروا يطلبوف الكماؿ يف كل
شيء صاروا يتتبعوف علوا اإلسناد ،ولذلك كاف بعضهم يرحل إىل الشي إىل مناطق بعيده ليسمع
منو مباشرة مع أنو ظبع نفس اغبديث يف بلده ولكن بينو وبني الشي صبل من الوسائط فهو يريد أف
يريد أف يسقط ىذه الوسائط ويذىب للشي نفسو فيسمع اغبديث منو ،وىذا ليس شرط أساسي
أصلي بل ىو مطلب كمايل .
وطلب العلو سنة وال بأس ّٔا وقد كاف بعض الصحابة يذىب إىل الشاـ ليسمع حديثا واحدا ،
وال يُنكر على من فعلو ،ولكن ال تعلق لو بصحة اغبديث أو ضعفو ،ولكن نبم القوـ عالية
يف طلب كل شيء ،فال تالزـ إذاً بني الصحة واإلسناد العايل وال تالزـ بني الضعف واإلسناد
النازؿ .
المقيد المطلق يوجب الرد المطلق ،والتضعي )73القاعدة الثالثة والسبعوف :التضعي
يوجب الرد المقيد .
وىذه القاعدة تعرفنا بأف تضعي النقاد لبعض الرواة على قسمين :
تضعيف مطلق . -7
تضعيف مقيد . -2
فمن ضعفو النقاد التضعيف اؼبطلق فإننا نضعفو يف كل رواياتو .
وأما من ضعفو النقاد من وجو دوف وجو فإننا نضعفو يف الوجو الذي ضعفو النقاد فيو فقط
ونقبل أحاديثو يف غري ىذا الوجو .
مثالو -:
رجل يقاؿ لو إظباعيل بن عياش ،ىذا الرجل ضعفو العلماء يف وجو دوف وجو قاؿ ؿبمد بن عثماف
ني يَػ ُق ْوؿ :إظباعيل بن عياش ثقة فِْي َما
ت َْوبَي بن َمعِ ْ ٍ ِ
ابن أيب شيبة عن إظباعيل ىذا قاؿ َ " :ظب ْع ُ َ
َرَوى َع ْن الشاميني ،وأما روايتو َع ْن أىل اغبجاز فإف كتابو ضاع فخلط يف حفظو َعْنػ ُه ْم " (. )7
وقاؿ مضر بن ؿبمد األسدي رضبو ا﵁ عن إظباعيل ىذا " :إذا حدث عن الشاميني وذكر اػبرب
()2
فحديثو مستقيم ،وإذا حدث عن اغبجازيني والعراقيني خلَّط " .
إظباعيل بن عياش حينئذ نقوؿ عنو ىو من قبيل التضعيف اؼبقيد ال اؼبطلق ،فمن ضعفو فتضعي
العلماء تضعيفا مقيدا نضعفو يف ما ضعفوه فيو فقط ،ألنك ستجد يف كتب الرجاؿ "ضعيف يف
حديث فالف " فقط فحينئذ ما رواه ىذا الراوي عن فالف يكوف ضعيفا وإف روى فالف عن فالف
األخر يكوف حديثو صحيحا .
أو يقولوف " :حديثو ضعيف عن الشاميني أو العراقيني أو عن اغبجازيني وىكذا " .
)74القاعدة الرابعة والسبعوف :األصل أف رواية عمرو بن شعيب عن أبيو عن جده مقبولة
إال بقرينة خارجة توجب ضع ها .
والقبوؿ ىنا على كوف أف ىذا اإلسناد حسن ،فأي حديث عمرو بن شعيب عن أبيو عن جده
فهو إسناد حسن إف كاف من قبل عمرو فبن تقبل روايتهم ،وقد جعلتها قاعدة لكثرة األحاديث يف
السنة اليت رواىا عمرو بن شعيب عن أبيو عن جده .
وفي االصطالح عند المحدثين فهو :إقحاـ لفظة يف اغبديث ليست منو .
إذا أدخل بعض الرواة جملة أو كلمة فال يخلو إدراجو من ثالث حاالت -:
أف يكوف إدراجو يف أوؿ اغبديث . -7
أف يكوف إدراجو من وسط اغبديث . -2
وإما أف يكوف إدراجو يف أخر اغبديث . -3
إف قيل ما مثاؿ اإلدراج يف أوؿ اغبديث ؟
نقوؿ مثالو حديث أيب ىريرة " :أسبغوا الوضوء ويل للعقاب من النار " (. )7
الكلمة اؼبدرجة ىنا " أسبغوا الوضوء " فقد قرر العلماء ليست من كالـ النيب ﷺ وإمبا ىي من
كالـ أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو فحكم العلماء عليها بأهنا مدرجة .
أبو ىريرة رضي ا﵁ عنو بإدراجو ىذا يستنبط حكما ،أي إذا كاف ويل للعقاب من النار فيستفاد
من ىذا وجوب اسباغ الوضوء فيكوف ىذا إدراج لبياف حكم .
ما في الصحيحني من حديث عائشة رضي ا﵁ عنها يف ربديد عن ما كاف يفعلو النيب ﷺ قبل
البعثة يف غار حراء قالت " :وكاف يدخل يف غار حراء فيقعد فيو الليايل ذوات العدد فيتحنث فيو "
()7
،ثم أكمل اغبديث ،فهذه مدرجة من كالـ الزىري قاؿ الراوي وىو التعبد الليايل ذوات العدد
رضبو ا﵁ (وىو التعبد الليايل ذوات العدد) فهنا أراد أف يشرح غريبا من ألفاظ اغبديث ،فاختل
ىنا ىو عن مقصود أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ،فتبين لنا من ىذا أف اإلدراج قد يكوف داعيو بياف
حكم ،أو بياف غريب .
ما جاء يف الصحيحني من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو " :إف أميت يدعوف يوـ القيامة غرا
()2
،فقد قرر اإلماـ ابن ؿبجلني من أثار الوضوء ،فمن استطاع منكم أف يطيل غُرتو فليفعل "
وابن القيم ( )4وصبع كبري من ا﵀ققني من أىل العلم رضبهم ا﵁ أف ىذا اغبديث أولو ()3
تيمية
مرفوع ،ولكن من عند قولو " :فمن استطاع منكم أف يطيل غرتو فليفعل " ،ىذا ليس من كالـ
النيب ﷺ وإنما ىو من كالـ أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ،وىذا اإلدراج لبياف حكم اغبديث ،
فإذا كانوا يأتوف يوـ القيامة ؿبجلني أي بيضاء يف األطراؼ فمن أثار الوضوء ىذا فكلما أطلت
مقدار الوضوء كلما طاؿ النور فقاؿ يُستفاد من ىذا أف " :من استطاع منك أف يطيل غرتو فليفعل
" ،وىذه مسألة فقهيو قد حبثناىا من قبل ولنا فيها حبثا مستقل ،ولكن الشاىد أف ىذا مثاؿ على
اإلدراج يف أخر اغبديث .
( ) 4حادي األرواح إلى بالد األفراح ،ص حة ( ، ) 428ط :دار عالم ال وائد .
ف ي الصحيحني من حديث عائشة وابن عمر رضي ا﵁ عنهما قاال :قاؿ النيب ﷺ " إف بالال
يؤذف بليل فكلوا واشربوا حت يؤذف ابن أـ مكتوـ ،وكاف رجال أعمى ال ينادي لصالة حت يقاؿ لو
()7
. أصبحت أصبحت "
ل ظة " وكاف "..لبياف علة وبياف حكم فاعتمدنا ىذا كما قاال " :وكاف رجل أعمي ال ينادي
لصالة إال إذا قيل لو أصبحت أصبحت " فآذانو يعتمد من أجل ذلك .
ومن أدرج لفظة أو صبلة يف اغبديث على أهنا من كالـ رسوؿ ا﵁ ﷺ فهو كذاب ،والكذب
على النيب ﷺ كبرية من الكبائر .
)76القاعدة السادسة والسبعوف :ال يعتبر في الشواىد والمتابعات حديث مضطرب ،وال
شاذ ،وال معلوط أو مقلوب .
فالحديث اؼبضطرب ال يقوي وال يُقوي بو ،والحديث الشاذ كذلك ،وكذلك اغبديث اؼبقلوب
أو اؼبغلوط ال يصلح أف يكوف مقويا ،وال يبكن أف ينجرب ضعفو .
نقوؿ :ننظر إىل الصحايب فإف اختالفا فهو شاىد ،وإف اتفق الصحايب واختلف من دونو
فهو متابع .
مثالو :
روى بعض التابعني عن ابن عمر ،فقاؿ عن نافع عن ابن عمر وىذا اغبديث مثال ضعيف ،
ووجدنا ؽبذا اغبديث شاىدا أخر ولكن من رواية رجل أخر عن أيب ىريرة وبمل نفس اؼبوضوع ،
وىنا اختلف الصحايب ،فعند اختالؼ الصحايب فاغبديث الثاين ال يسمي متابعا ،وإنما يسمي
شاىدا لو ؛ مثلما نقوؿ آية تشهد ؽبا آية أخرى مستقلة أخرى يف سورة أخرى .
وأما المتابع فهو أف يأتينا طريق أخر للحديث ينتهي بابن عمر نفسو ولكن من رواية سال عن ابن
عمر فنفس الراوي ىنا ل ىبتلف وإمبا اختلف من دونو ،فإذا كاف للحديث طريقاف أو أكثر كلها
ـبرجها را ٍو واحد فالطرؽ يقوي بعضها بعضا باؼبتابعة ،وأما إذا ل قبد لو متابعا ولكن وجدا حديثا
عن صحايب أخر وبمل نفسا اؼبعن ونفس اؼبوضوع فهذا نسميو شاىدا ،فن رؽ بني الشواىد
واؼبتابعات دبا ذكر .
)77القاعدة السابعة والسبعوف :كل حكم ثبت في حق النبي ﷺ فإنو يثبت في حكم
أمتو تبعاً إال بدليل االختصاص .
فال هبوز للعبد أف ىبصص النيب ﷺ حبكم من األحكاـ الشرعية إال وعلى ىذا التخصيص
()7 ِ ِ
دليل ؛ ألنو ىو قدوة ألمتو قاؿ ا﵁ جل وعال ﴿ :لََق ْد َكا َف لَ ُك ْم ِيف َر ُسوؿ اللَّو أ ْ
ُس َوةٌ َح َسنَةٌ ﴾
،فهو أسوة لنا يف كل أقوالو فنقولو كما قاؿ ،وفي كل أفعالو فنفعل كما فعل ،فال هبوز إخراج
قوؿ فبا قالو أو فعل فبا فعلو إال بدليل ،وألف األصل يف أفعاؿ النيب ﷺ ىو التشريع فال هبوز
إخراج فعل من أفعالو عن ىذا اؼبوضوع واألصل إال بدليل ناقل .
)78القاعدة الثامنة والسبعوف :كل حكم ثبت في حكم واحد من األمة فإنو يثبت في حق
األمة تبعاً إال بدليل االختصاص .
فإذا أقر النيب ﷺ واحدا من األمة على قوؿ قالو أو فعل فعلو أو دلو على شيء أو أمره بشيء
فإف ىذا اغبكم يدخل فيو ىذا الشخص باألصالة وتدخل معو كل األمة تبعاً إال إذا قامت قرينة
تدؿ على أف ىذا اغبكم ـبصوص بعني ىذا الشخص بعينو ،ويوضح ىذا القاعدة اليت بعدىا .
وقد اختلف أىل العلم رضبهم ا﵁ يف حكم قوؿ الصحايب أو فعلو أو حكم مذىب الصحايب ،
والصحيح ىو ما اعتمدتو ىذه القاعدة الطيبة العريقة وىو قوؿ صبهور أىل العلم رضبهم ا﵁ تعاىل
من أف قوؿ الصحايب يعترب حجة ودليال ،ولكنو ليس دليال ذاتيا وإمبا دليل بالغري ،ألف األدلة من
( ) 1راجػ ػػع فػ ػػي أمثلتهػ ػػا كتػ ػػاب [إتحػ ػػاؼ أىػ ػػل األلبػ ػػاب بمعرفػ ػػة التوحيػ ػػد فػ ػػي س ػ ػ اؿ وجػ ػػواب ] ،وكتػ ػػاب [نصػ ػػر الشػ ػػرعة بقمػ ػػع البدعػ ػػة ] ،وكتػ ػػاب [تحقيػ ػػق المػ ػػأموؿ فػ ػػي ضػ ػػبة
قاعػ ػ ػػدة األصػ ػ ػػوؿ ] ،وكتػ ػ ػػاب [إتحػ ػ ػػاؼ النبهػ ػ ػػاء بضػ ػ ػػوابة ال قهػ ػ ػػاء ] ،وكتػ ػ ػػاب [تبصػ ػ ػػير الناسػ ػ ػػك بأحكػ ػ ػػاـ المناسػ ػ ػػك ] ،وكتػ ػ ػػاب [تحريػ ػ ػػر القواعػ ػ ػػد ومجمػ ػ ػػع ال رائػ ػ ػػد ] ،وكتػ ػ ػػاب
[تعريػ ػ الط ػػالب بأص ػػوؿ ال ق ػػو ف ػػي سػ ػ اؿ وج ػػواب ] ،وكت ػػاب [فق ػػو ال ػػدليل والتعلي ػػل والتأصػ ػػيل ] ،و.يرى ػػا م ػػن كت ػػب ش ػػيخنا ولي ػػد ب ػػن راش ػػد الس ػػعيداف ،كم ػػا ف ػػي صػ ػ حتو علػ ػػى
الكتاب والسنة قد امتدحت الصحابة وأثنت عليهم ،وزكتهم يف أقواؽبم وأعماؽبم واعتقاداهتم
وظواىرىم وبواطنهم ،ولكن العلماء يشرتطوف لالحتجاج بقولو صبال من الشروط -:
أف ال ىبالف قولو نصا من النصوص الصحيحة الثابتة ،فمتى ما خالف قوؿ الصحايب -7
شيئا من النصوص فليس حبجة بإصباع العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل .
أف ال ىبالفو يف قولو ومذىبو أو رأيو صحايب أخر ،فمتى ما خالفو صحابيا أخر فليس -2
قولو حبجة بإصباع العلماء .
)81القاعدة الواحدة والثمانوف :قوؿ الصحابي من السنة كذا لو حكم الرفع .
()7
،وؼبا سئل ابن عباس عن اعبلوس كقوؿ ابن مسعود رضي ا﵁ عنو من السنة إخفاء التشهد
()2
. على العقبني يف اعبلسة بني التشهدين وقيل لو إننا نراه جفاء بالرجل قاؿ تلك السنة
فمتى ما ظبعت الصحايب يقوؿ يف حديث " :ىذه السنة " أو " تلك السنة " أو " ىذه سنة
نبيكم ﷺ " فاعلم أنو يف حكم اؼبرفوع .
مرفوع حكمي :واؼبرفوع اغبكمي لو صبل من األنواع ىذه أحدىا ؛ أف يقوؿ الصحايب -2
من السنة كذا .
ف ي صحيح اإلماـ البخاري ( )7من حديث عكرمة رضي ا﵁ عنو قاؿ صليت وراء شي دبكة فكرب
اثنينت وعشرين تكبرية فقلت البن عباس إنو أضبق ،فقاؿ ثكلتك أمك تلك السنة .
" :صػ ػ ػػحيح " ،ونػ ػ ػػص الحػ ػ ػػديث ِ " :مػ ػ ػ َػن ال ِ
س ػ ػ ػن َِة أَ قف ( ) 1سػ ػ ػػنن أبػ ػ ػػي داود ،بػ ػ ػػرقم ( ، ) 986وسػ ػ ػػنن الترمػ ػ ػػذي ،بػ ػ ػػرقم ( ، ) 291قػ ػ ػػاؿ األلبػ ػ ػػاني
ش ِه ُد " .
يُ قخ َ ى التَ َ
ػاؿ ِىػ ػ َػى ال ِ
س ػ ػنَةُ .فَػ ُقلقنَػ ػػا ػاس فِػ ػػى ا ِإلقػقعػ ػ ِ
ػاء َعلَػ ػػى الق َق ػ ػ َد َم قي ِن فَػ َقػ ػ َ ( ) 2صػػػحيح مسػػػلم ،بػػػرقم ( ، ) 1226ونصػ ػػو " :قُػلقنَػ ػػا ِالبقػ ػ ِن َعبَػ ػ ٍ
َ
ك -صلى اي عليو وسلم. " - اس بَ قل ِى َى ُسنَةُ نَبِية َ اؿ ابق ُن َعبَ ٍ اء بِال َر ُج ِل .فَػ َق َ ِ
لَوُ إنَا لَنَػ َراهُ َج َ ً
)82القاعدة الثانية والثمانوف :قوؿ الصحابي " :كنا ن عل " أو " كانوا ي علوف " لو حكم
اإلجماع .
ألف األصل أف الصحايب عريب بسليقتو عارؼ بدالالت األلفاظ وىذا التعبري منو كبملو على صبيع
الصحابة وىو ما يسميو العلماء " باإلصباع " لكنو ليس من اإلصباع النطقي القطعي وإمبا من "
اإلصباع الظين " .
)83القاعدة الثالثة والثمانوف :إذا قاؿ الصحابي قوال ال مجاؿ لالجتهاد فيو فلو حكم الرفع
.
كأف ىبرب بعبادة من العبادات أو ىبرب عن أمر من األمور الغيبية ،أو ىبرب عن ثواب أو عقاب ،
فإذا ظبعت الصحايب يقوؿ شيئا من ذلك أو كبوه فاعلم أنو من قبيل اؼبرفوع حكما أي كأف النيب
ﷺ قالو .
)84القاعدة الرابعة والثمانوف :قوؿ الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا لو حكم الرفع .
()2
،وكقوؿ كقوؿ الرباء ابن عازب رضي ا﵁ عنو يف الصحيح " :أُمرنا بسبع وُهنينا عن سبع "
أـ عطية رضي ا﵁ عنها يف الصحيح " :أمرنا أف ُلبرج العواتق واغبيض وذوات اػبدور يف العيدين
يشهدف اػبري ودعوة اؼبسلمني وتعزؿ اغبيض اؼبصلي " ( ، )3وكقولها رضي ا﵁ عنها " :هنينا عن
()4
،وذلك ألف الصحايب عارؼ باألدلة ومسالك االحتجاج ،فال اتباع اعبنائز ول يعزـ علينا "
يبكن أف يقوؿ ىذا القوؿ إال إذا كاف ناقال عن من لو حق األمر وحق النهي وىو النيب ﷺ .
ين تَ قكبِي ػ ػ َػرًة ِ ِ ِ صػ ػ ػلَقي ُ ( ) 1صػ ػػحيح البخ ػ ػػاري ،ب ػ ػػرقم ( ، ) 788ونص ػ ػػو َ " :ع ػ ػ قػن ِع قك ِرَمػ ػ ػةَ قَػ ػ َ
ت َخ قلػ ػ ػ َ َش ػ ػ قػي ٍخ ب َم َكػ ػ ػةَ فَ َكبَػ ػ ػ َػر ث قنتَػ ػ ػ قػي ِن َوع قشػ ػ ػ ِر َ ػاؿ َ
صلَى ايُ َعلَقي ِو َو َسلَ َم " . ِ
ك ُسنَةُ أَبِي الق َقاس ِم َ اؿ ثَ ِكلَقت َ
ك أُ ِم َ اس إِنَوُ أ ق
َح َم ُق فَػ َق َ قت ِالبق ِن َعبَ ٍ فَػ ُقل ُ
ص ػ ػ ػلَى ايُ َعلَقيػ ػ ػ ِػو ، ) 5175وصػ ػ ػػحيح مسػ ػ ػػلم ،بػ ػ ػػرقم ( ، ) 5510ونصػ ػ ػػو " :أ ََم َرنَػ ػ ػػا النَبِػ ػ ػ ِػي َ
( ػرقمػ ػ ػب ، ػاريػ ػ ػخ الب ػحيح ػ ػ ػص () 2
سػ ػ ِػم ػاط ِ ِ يت القعػ ػ ِ ػازةِ (القجنَػ ػػائِ ِز) وتَ قشػ ػ ِػم ِ يض واتػةبػ ػ ِ ِ وس ػ ػلَم بِسػ ػػب ٍع ونَػهانَػ ػػا عػ ػػن سػ ػػب ٍع أَمرنَػ ػػا بِ ِعيػ ػ ِ
س َوإبق ػ ػ َػرا ِر الق َق َ َ َ ػاع القجنَػ ػ َ َ ػادة ال َقم ػ ػ ِر ِ َ َ َ َ َ َ ق َ َ َ ق َ ق ََ َ َ
ب َو َعػ ػ قػن آنِيَػ ػ ِػة الق ِ َ
ضػ ػ ِػة َو َع ػ ػ ِن يم ال ػ ػ َذ َى ِ َاعي َونَػ َهانَػ ػػا َعػ ػ قػن َخػ ػ َػواتِ ِ سػ ػ َػالِـ وإِجابػ ػ ِػة ال ػ ػد ِ ػوـ وإِفق َ ِ ِ ِ
شػ ػػاء ال َ َ َ َ ص ػ ػ ِر ال َقمظقلُػ ػ َ (ال ُقمقسػ ػ ِػم) َونَ ق
س َالِـ " . ش ِاء ال َ ث فِي إِفق َ ش قيبَانِ ِي َع قن أَ قش َع َ اج ت تَابَػ َعوُ أَبُو َع َوانَةَ َوال َ اإل قستَقبػ َر ِؽ َوالدةيبَ ِ سيَ ِة َو قِ ال َقميَاثِ ِر َوالق َق ة
( ) 3صحيح البخاري ،برقم (. ) 974
صحيح البخاري ،برقم ( ، ) 1278وصحيح مسلم ،برقم (. ) 2209 () 4
المثبِ ُ
ت ُمق َد ٌـ على النافي . )85القاعدة الخامسة والثمانوف ُ :
ولذلك كبن قدمنا قوؿ حذيفة رضي ا﵁ عنو على قوؿ عائشة رضي ا﵁ عنهػا يف مسػألة البػوؿ قائمػاً
فقدمنا قولو رضػي ا﵁ عنػو لِ َمػا أثبػت لنػا كمػا يف الصػحيحني مػن حديثػو رضػي ا﵁ عنػو قػاؿ " :أَتَػى
صػلَّى ا﵁ُ َعلَْيػ ِػو َو َسػلَّ َم ُسػػبَاطَةَ قَػ ْػوٍـ فَػبَػ َ
ػاؿ قَائِ ًمػػا " ( ، )7بينمػػا عائشػػة رضػػي ا﵁ عنهػػا تنفػػي رسػ ُ ِ
ػوؿ ا﵁ َ َُ
وتقػػوؿ " :مػػن حػػدثكم أف النػػيب ﷺ كػػاف يبػػوؿ قائمػػا فػػال تصػػدقوه ،مػػا كػػاف يبػػوؿ إال قاعػػدا "
( ، )2فهػػو يثبػػت ،وىػػي تنفػػي رضػػي ا﵁ عنهمػػا ،وإذا تعػػارض قػػوؿ اؼبثبػػت والنػػايف فإننػػا نقػػدـ يف
األصالة قوؿ اؼبثبت على النايف ؛ ألف مع اؼبثبت زيادة علم حفظها ول وبفظهػا النػايف ،والمتقػرر يف
القواعد أنػ[ من حفظ حجة على من ل وبفظ ] .
)86القاعدة السادسة والثمانوف :من ح ظ حجة على من لم يح ظ .
ولذلك كبن قدمنا حديث أيب سعيد رضي ا﵁ عنو على نفي أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو يف ما يُعطاه
أخر رجل يدخل اعبنة ،فأبي ىريرة رضي ا﵁ عنو يروي لنا أف ا﵁ يقوؿ لو " :لك الدنيا ومثلها
معها " ( ، )3فعد ِمثال واحدا ،بينما أبو سعيد رضي ا﵁ عنو حفظ أكثر فبا حفظو أبو ىريرة
()4
،فقدمنا قوؿ أيب سعيد رضي ا﵁ عنو ألنو رضي ا﵁ عنو فقاؿ " :ولك عشرة أمثاؽبا معها "
حفظ على قوؿ أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ألنو ل وبفظ ،ومن حفظ حجة على من ل وبفظ .
)87القاعدة السابعة والثمانوف :ذكر الراوي بما فيو ليس من العيبة المحرمة بل من
النصيحة الواجبة .
ولقد تقرر عندنا باألدلة الكثرية أف ِغيبة اؼبسلم وذكر أخيك دبا فيو ال هبوز ألنو من الكبائر ؛ قاؿ
ضا ﴾ ( ، )5وقد أجمع العلماء على أف غيبة العبد من جلمة
ض ُك ْم بَػ ْع ً
ب بَػ ْع ُ
ا﵁ َ ﴿ :وَال يَػ ْغتَ ْ
صحيح البخاري ،برقم ( ، )224وصحيح مسلم ،برقم ( ، ) 647والل ظ للبخاري . () 1
سنن الترمذي ،برقم ( ، )12قاؿ األلباني " :صحيح " . () 2
الكبائر اؼبتوعد عليها بالعقوبة البليغة الغليظة يوـ القيامة ،ولكن العلماء استثنوا من أبواب الغيبة
صبال من اؼبسائل منها -:
ذكر الرواة دبا فيهم من باب التحذير والتعريف اؼبضطر إليو من باب ضباية الدين من دخوؿ
الوضاعني أو اؼبتهمني بالكذب وعدـ قبوؿ الرواية ،فإذا ظبعت الرواة يقولوف يف أحد الرواة " ىذا
سيء اغبفظ " أو" ىذا وضاع " أو " ىذا دجاؿ " أو " ىذا كذاب " ،فإياؾ أف تعتقد أف ىذا
من الغيبة ا﵀رمة بل ىو من النصيحة الواجبة من باب ضباية الدين ونصح األمة ،فهو داخل يف
عموـ قوؿ النيب ﷺ " :الدين النصيحة قلنا ؼبن يا رسوؿ ا﵁ قاؿ " ﵁ ولكتابو ولرسولو وللئمة
اؼبسلمني وعامتهم " (. )7
بل ال يجوز للعبد أف يعرؼ حاؿ را ٍو وأف فيو قادحا من قوادح عدـ قبوؿ الرواية ويسكت عنو
س ِمنَّا " (. )2
مراعاة لعدـ غيبتو فإف ىذا من الغش " َوَم ْن َغشَّنَا فَػلَْي َ
)88القاعدة الثامنة والثمانوف .ِ :يبة الرجل حيا وميتا تباح لعرض شرعي ال يمكن الوصوؿ
إليو إال بذلك .
"إال بذللك " أي بغيبتو ،وال تعتبر ىذه من الغيبة اؼبذمومة بل ىي من النصيحة الواجبة .
ولكن لينتبو ؛ فال ت خذ ىذه القواعد على وجو اإلطالؽ بل ال بد من تقييدىا بالقاعدة التالية .
ولزيادة القيد على ما مضي نضيف قاعدة أخرى وىي القاعدة التالية .
نقوؿ :ال ،ألف العربة باإلسناد من اإلماـ البخاري إىل النيب ﷺ ،فلو روى لنا رجل صحيح
البخاري وىو ضعيف ،أو ضعفو ىذا يقتضي ضعف صحيح البخاري ؟
نقوؿ :ال ،ألف وجوده كعدمو ،وضع و كعدالتو ال شأف لنا ّٔا .
فهنا ال كبتاج إىل جرح إىل مثل ىذا الراوي فيكوف جرحو من باب العدواف واالعتداء وذباوز اغبد
اؼبشروع .
صحيح البخاري ،برقم ( ، ) 67وصحيح مسلم ،برقم (. ) 3009 () 1
)91القاعدة الواحدة والتسعوف :ال يقبل الجرح في من اشتهرت عدالتو وتلقت األمة روايتو
بالقبوؿ واالعتماد .
فلو أننا ظبعنا برجل هبرح يف اإلماـ أضبد رضبو ا﵁ أو يكوف جرحو يف اإلماـ أضبد مقبوؿ ؟
وكذلك لو أف رجال قدح يف اإلماـ مالك إماـ دار اؽبجرة أمري اؼبؤمنني يف اغبديث ،أو اإلماـ
البخاري أو اإلماـ مسلم أو يقدح يف اإلماـ الشافعي ،أو من اشتهر يف األمة صيتو وإمامتو
وأطبقت األمة على قبوؿ روايتو أفنقبل جرحو ؟
نقوؿ :ال ،ولذلك ذبريح أىل البدع ألئمة أىل السنة غري مقبوؿ ( ، )7فقد قدح أىل البدع يف
اإلماـ أضبد واإلماـ ابن تيمية رضبهما ا﵁ ،أو قدحهم يكوف مقبوؿ يف ىؤالء األئمة الذين أطبقت
األمة على إمامتهم وجاللتهم وقبوؿ خربىم ؟
نقوؿ :ال ،بل إف ىذا الصغري يفضح نفسو إذا قدح يف ىذا الكبري .
ولذلك لو جاءنا رجل يقدح يف اإلماـ ابن باز األف أو نقبل قدحو ؟ أو يقدح يف اإلماـ الفوزاف ؟
أو يقدح يف اإلماـ ؿبمد ابن عثيمني ؟ أو يقدح يف الشي اإلماـ ابن جربين ؟ يقدح يف ىؤالء
األئمة الكبار الذين اتفقت األمة على جال اللتهم وعلمهم وديانتهم ورسوخهم أو يقبل جرحو ؟
()2
: نقوؿ :ال ،كما قاؿ القائل
() 1
أي أئمة السنة المشتهرين .
وىو األعشى في معلقتو . () 2
)92القاعدة الثانية والتسعوف :الجرح إذا صدر عن تعصب وعداوة أو منافرة فهو مردود .
فهي من أصح القواعد يف اعبرح والتعديل ؛ وذلك ألننا نسمع كثريا من يتكلم يف أحواؿ رجاؿ
زماننا أو من قبلهم ،ولكنو ليس من باب اؼبناصحة وإمبا من باب اؼبفاضحة ،فهو فاضح وليس
بناصح ،ولذلك قرر العلماء رضبهم ا﵁ تعاىل يف مثل قدح ىذا الصنف من الناس أنو مردود عليو ،
ألننا ال نقبل القدح يف شخص إال إذا كاف سببو اؼبناصحة للئمة وبياف حالو شفقة على األمة ،
وأما النصح الذي ُىبفي ورائو التشفي والعداوة والنيل وبرد الغليل كل ىذا من القدح واعبرح الذي
ال يقبلو العلماء وال ينظروف لو بعني االعتبار مطلقا ،وقريب من ذلك القاعدة اليت بعدىا واليت
تقوؿ -:
ولذلك بعض أىل العلم ل يقبل قدح اإلماـ النسائي رضبو ا﵁ على جاللتو يف بعض من عاصره ،
ولم يقبل قدح اإلماـ الذىيب رضبو ا﵁ يف الطويف يف كونو شيعي صرؼ ألهنما من تالميذ أيب العباس
ابن تيمية رضبو ا﵁ فكالمهما من األقراف الذي يطوي وال يروي ،وىذه من أوؿ القواعد اليت
درستها يف سريي يف طلب العلم ،وقد است دتها من أيب العباس رضبو ا﵁ تعاىل ولذلك وجدت يف
أوؿ كتاب ألفتو على اإلطالؽ " القواعد اؼبذاعة يف مذىب أىل السنة واعبماعة " و﵁ اغبمد ،
فمن ترىب على ىذه القواعد يف مقتبل عمره التعليمي فسيجين من ورائها خريا عظيما جدا وجرب
ذبد .
)94القاعدة الرابعة والتسعوف :الجارح المتعنت المتشدد توثيقو معتبر وجرحو ال يُعتبر ،إال
نص جرحو فيعتبر . إذا وافق .يره ممن ي ِ
ُ
فإف من الناس من ال تسمعو إال جارحا ومعيبا وناقدا ومكتشفا للخطاء والذي جعلو يفعل ذلك
إمبا ىو تعنتو وتشدده يف اشرتاط أسباب للجرح ليست جبرح معترب ؛ كالذي هبرح غريه إذا خرج يف
الشارع بال عمامة فهذا تشدد يف اعبرح وتنطع يف اعبرح ،وكالذي هبرح غريه إذا أكل يف الشارع ،
وكالذي هبرح غريه إذا ركب على نوع دابة من الدواب ،فهذا من اعبرح اؼبتشدد اؼبتعنت ؛ فمثل
اؼبوثق
ىذا اعبارح إذا وثق غريه فإننا قبزـ أنو ل تصدر عبارات التوثيق منو إال بعد سبحيص ىذا َ
سبحيصا كامال ،فالعلماء يقبلوف توثيقو .
وأما جرحو يف األخرين فال يقبلونو إال يف حالة إذا جرح األخرين بشيء جرحو ّٔم غري ىذا الرجل
فبن ىو منصف ومعتدؿ يف جرحو فحينئذ جرحو يُعترب .
)95القاعدة الخامسة والتسعوف :ان راد ابن حباف بالتوثيق ال يُوثَق بو .
ألف قاعدة اإلماـ ابن حباف يف التوثيق ىي توثيق من ال هبد فيو جرحا وال تعديال ،فهذه قاعدتو
رضبو ا﵁ وأجزؿ لو األجر وعاملو بكماؿ مغفرتو ورضبتو وجعل قربه روضة من رياض اعبنة ىو عامة
علماء اؼبسلمني ،وىذه قاعدة نقدىا علماء اغبديث ،ولذلك إذا انفرد ابن حباف بتوثيق را ٍو ال
قبد توثيق أخر مع ابن حباف فحينئذ ال نأخذ بتوثيق ابن حباف وال قبعل اغبديث صحيحا إال إذا
عرفنا وعلمنا جزما حقيقة ىذا الراوي من توثيق رجل أخر غري ابن حباف رضبو ا﵁ ألنو متساىل يف
التوثيق بسبب تقريره ؽبذه القاعدة ،ولذلك ُوجد توثيق البن حباف يف رجاؿ ؾباىيل وضعفاء ألنو
يوثق من ال يعلم فيو جرحا وال تعديل إذا االصل عنده أف اؼبسلم جار على العدالة .
)96القاعدة السادسة والتسعوف :التعديل المبهم مقدـ على الجرح المبهم .
فإذا عدؿ بعض نقاد اغبديث راويا ول يُبينوا لنا سبب تعديلو بينما قبد أخرين جرحوه ومع ذلك ل
يبينوا لنا سبب جرحو ،فهنا تعارض تعديل مبهم مع جرح مبهم ،فأيهما نقدـ ؟
نقوؿ :نقدـ التعديل اؼببهم ؛ ألنو ىو األصل حت يُبني لنا من جرحو سبب جرحو ،فالجرح
اؼببهم ال يقاوـ التعديل اؼببهم إذا األصل يقوي جانب التعديل يف ىذه اغبالة .
)97القاعدة السابعة والتسعوف :الجرح الم سر مقدـ على التعديل المبهم .
فإذا اجتمع يف راو جرح وتعديل ورأينا من عدلوه قد عدلوه بإّٔاـ من غري بياف أسباب تعديلو ،
بينما من جرحوه وضحوا أسباب ذبروبو كقوؽبم " :ضعيف لتدليسو " " ،ضعيف لسوء حفظو " ،
"ضعيف الختالطو " ،فال جرـ أف يف ىذه اغبالة أف ما فُسر مقدـ على ما أِّٔم تعديال كاف أو
جرحا ،فالجرح اؼبفسر يف ىذه اغبالة نقدمو على التعديل اؼببهم ؛ ألف مع ّْ
آّرح زيادة علم
خفيت على اؼبعدّْؿ ومن علم حجة على من ل يعلم .
ُ
)98القاعدة الثامنة والتسعوف :التعديل الم سر مقدـ على الجرح المبهم .
فإذا كاف التعديل لو أّٔم أصال لقدمناه على اعبرح اؼببهم فكيف اغباؿ إذا كاف التعديل مفسرا
واعبرح مبهما ؟
)99القاعدة التاسعة والتسعوف :التعديل الم سر مقدـ على الجرح الم سر إذا كثُر
الم ِ
عدلوف . ُ
فهنا قيدنا بالشرط اؼبذكور ؛ ألف اعبارحني قد فسروا واؼبعدلني قد فسروا ،فإذا كاف اؼبفسروف مع
تعديلهم ىم األكثر فحينئذ ال جرـ أف تعديلهم مقدـ على اعبرح اؼبفسر ،ورجحناه عليو ألمرين
-:
)101القاعدة الواحدة بعد المائة :الجرح والتعديل يثبتاف بقوؿ واحد عارؼ بمسالكو .
وىذا أصح قويل أىل العلم رضبو ا﵁ تعاىل يف ىذه اؼبسألة ،فال يشرتط تعدد اعبارحني وال تعدد
اؼبعدلني وإمبا ننظر إىل من انفرد بو ،فإذا انفرد بو عارؼ بأسبابو مطلع على مسالكو عنده خربة
ودراية دبسالك اعبرح والتعديل فال جرـ أننا نقبل قولو ولو كاف واحدا .
)102القاعدة الثانية بعد المائة :رواية أىل السير ال يعتمد عليها أىل الحديث في العالب
.
وذلك ألف أىل السري ال يشرتطوف غالبا يف رواياهتم الصحة بل يذكروف الروايات على عواىلها يف
كثري من مواطن السري مع أف منهم من يشرتط الصحة ،ولكن األعم األغلب يف كتب السري أهنا
ال تقرف األحداث بأسانيد يبكن دراستها .
ولذلك إذا رأيت يف بعض السري رواية تقتضي ثبوت حكم شرعي فال تعتمد على رواية أىل السري
ؽبا بل ال بد أف تبحث إسنادىا وتنظر حكم نقاد علماء اغبديث عليها ،وكم من الروايات اليت
أبطلها علماء اغبديث ؼبا نظروا يف أسانيدىا مع أف كثريا منها قد اشتهر ،وأضرب ىنا مثالني -:
قصة لو وضع الشمس يف يبيين والقمر يف مشايل على أف أترؾ ىذا األمر ،ىذه مع -7
()7
شهرهتا يرويها أىل السري ولكن إسنادىا ضعيف .
وحن عليها
قصة إسالـ عمر ؼبا ضرب أختو حفصة واختبأ زوجها وساؿ الدـ ٍب عطف َّ -2
؛ ىذه أيضا إسنادىا معضل ،والصحيح يف قصة إسالمو أنو ظبع النيب ﷺ يتلوا
القرآف فأسلم ،وأما أنو دخل عليو وقاؿ إىل ميت ...فكل ىذا إسناده معضل ؛ فلذا ال
تنخدع برواية أىل السري إال بعد التمحيص ال سيما الرواية اليت يقتضي قبوؽبا إثبات
حكم شرعي ألنػ[ األحكاـ تفتقر يف ثبوهتا للدلة الصحيحة الصروبة ] .
)103القاعدة الثالثة بعد المائة :يقبل تعديل العبد والمرأة العرافين بمسالكو .
ألف ىذا الباب ال يشرتط فيو حرية وال ذكورية وإمبا يشرتط فيو اؼبعرفة التامة واػبربة الكاملة والدراية
دبسالك اعبرح والتعديل ،فإذا َّ
جرحت أو عدَّلت امرأة أو عبد أحد الرواة وكانت من العارفني أو
كاف من العارفني دبسالك اعبرح والتعديل فال جرح أف ىذا التعديل وىذا اعبرح يقبل إذ ال يُشرتط
حرية وال ذكورية .
() 1
ػل "
ق ػػاؿ الش ػػيخ األلب ػػاني -رحم ػػو اي -ع ػػن اس ػػناد ى ػػذه القص ػػة ،ق ػػاؿ م ػػا نص ػػو ":وى ػػذا إس ػػنا ٌد ض ػػعي ٌ معض ػ ٌ
[سلسلة األحاديث الضعي ة .رقم الحديث .909الطبعة الثالثة 1406ىػ ] .
)104القاعدة الرابعة بعد المائة :رواية المحدود في القذؼ تقبل إف كاف شاىدا وال تقبل
إف كاف قاذفا إال بالتوبة .
قد أوجب ا﵁ عز وجل شبانني جلدة يف ظهر من قذؼ غريه إذا ل يقم شهودا على قذفو قاؿ ا﵁
ني َج ْل َد ًة َوَال تَػ ْقبَػلُواِ ات ٍُبَّ َل يأْتُوا بِأَربػع ِة شه َداء فَ ِ
تعاىل ﴿ :والَّ ِذين يػرمو َف الْمحصنَ ِ
وى ْم َشبَان َ
اجل ُد ُ
َْ َ ُ َ َ ْ َْ َ َ َْ ُ ُ ْ َ
ِ ِ ِ َّ ِ
َصلَ ُحوا فَِإ َّف اللَّوَ َغ ُف ٌ
ور ك َوأ ْ ين تَابُوا ِم ْن بَػ ْعد ذَل َ ِ َؽبُ ْم َش َه َادةً أَبَ ًدا َوأُولَئِ َ
ك ُى ُم الْ َفاس ُقو َف ( )4إَّال الذ َ
يم (. )7( ﴾ )5 ِ
َرح ٌ
فالعلماء رضبهم ا﵁ تعاىل ال يقبلوف الرواية إال من العدؿ ،وال سق ضد العدالة ،والذي جلد يف
القذؼ وصفو ا﵁ بأنو فاسق والفاسق غري مقبوؿ الرواية ،ولكن من باب إحقاؽ اغبق والعدؿ
وإعطاء كل ذي حق حقو قسم العلماء ا﵀دود يف القذؼ -آّلود -إىل قسمني -:
وأما القسم الثاني :الذي ُخص بالرد فهو القاذؼ نفسو الذي باشر القذؼ بنفسو فقاؿ لغريه "يا
زاين " أو " يا لوطي " ول يأت بنصاب الشهادة كامال فحينئذ وبده القاضي على أنو قاذؼ ،
فهذا القاذؼ ا﵀دود يف القذؼ ال نقبل روايتو إال إذا تاب وصدؽ يف التوبة وظهرت منو بوادر
ك ىم الْ َف ِ
اس ُقو َف ( )4إَِّال ِ
التوبة النصوح ،والدليل على ذلك قوؿ ا﵁ عز وجل عن القذفة ﴿ َوأُولَئ َ ُ ُ
(7
يم ( ، ﴾ )5فهنا يزوؿ الفسق عنو إذا تاب ك وأَصلَحوا فَِإ َّف اللَّو َغ ُف ِِ ِ ِ َّ ِ
ور َرح ٌ
َ ٌ ين تَابُوا م ْن بَػ ْعد ذَل َ َ ْ ُ
الذ َ
وظهرت منو عالمات التوبة النصوح ،وىذا قوؿ الجمهور رحهم ا﵁ من اؼبالكية والشافعية
واغبنابلة ؛ خالفا للئمة اغبنفية الذين يسقطوف بعد التوبة وصف الفسق ويردوف الرواية ويقولن ما
داـ قد ُحد يف القذؼ ال نقبل روايتو .
ولبياف مأخذ خالؼ اغبنفية للجمهور وىو قاعدة أصولية و يا ال أنبية ىذه القواعد اليت تبني معرفة
أصل خالؼ العلماء ومآخذىم يف اػبالؼ ّٔذه القواعد اؽبامة نقوؿ -:
وأما األئمة الحن ية فلديهم قاعدة تقوؿ [ إف االستثناء إذا تعقب صبال فإمبا يرجع للخرية فقط
وتبقي ما قبلها ] .
وبناء على ذلك فإذا تاب القاذؼ عند اعبمهور يسقط صبيع العقوبات اليت ىي من حقوؽ ا﵁
تعاىل إال حقوؽ اآلدميني فإهنا ال تسقط ألهنا حق آلدمي .
فعند الجمهور تقبل شهادتو ومن قبلت شهادتو قبلت روايتو ،وكذلك يسقط الوصف بالفسق .
ولكن عند األئمة الحن ية يسقط الوصف بالفسق ،وأما عدـ قبوؿ الشهادة فإنو ال يسقط .
ولذلك قاؿ الجمهور :إذا تاب القاذؼ الذي باشر القذؼ وظهرت منو ـبايل التوبة الصادقة
النصوح فجميع ما مضى من العقوبات إال ما كاف من حقوؽ اآلدميني فإنو يسقط ولذلك قبلوا
شهادتو وروايتو ونفوا وصف الفسق عنو .
وأما الحن ية رضبهم ا﵁ فيقولوف كبن نوافق اعبمهور يف سقوط اعبملة األخرية عنو فال حق الحد أف
يصفو بعد التوبة بالفسق ،ولكن ال حق ألحد أف يقبل شهادتو الف االستثناء ال يستطيع أف يلغي
إال الوصف األخري فقط .
واألصح :ال جرـ ىو قوؿ اعبمهور ألف االستثناء إذا تعقب صبال رجع إال صبيعها .
)105القاعدة الخامسة بعد المائة :إنما بُعثت ألتمم مكارـ األخالؽ .
وذلك ألف شبرة العلم األدب ،فإذا رأيت أحدا قد حصل علوما ول يتأدب وال أدب عنده ال مع
نفسو وال يف ما بينو وبني ا﵁ وال يف ما بينو وبني اؼبخلوقني فقل على علمو السالـ فعلمو حجة عليو
ونكاؿ وعذاب عليو يوـ القيامة ؛ ألف الشيء إذا ل يثمر فال خري فيو وأعظم شبرة هبنيها العبد من
العلم ىي تقوى ا﵁ عز وجل والتأدب باألخالؽ اغبميدة ألف عنده علم الكتاب والسنة ولذلك
َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم ( ، )7( ﴾ )4ولما
وصف ا﵁ نبيو ﷺ دبكارـ األخالؽ فقاؿ َ ﴿ :وإِن َ
ذكر لنا أخالؽ أنبيائو ورسلو وجدنا أهنم قد حققوا اؼبرتبة العالية ألهنم أكمل الناس علما ،فكلما
ازداد علم العبد ال بد وأف يزداد أدبو وأخالقو ،وأما الرعونة والطيش وصفاقة األخالؽ وتتبع
سفاسف األمور فهذا إنساف جاىل يف اغبقيقة وإف مل ما بني دفتيو علما فليست العربة بكثرة
العلم وإمبا العربة بتطبيق ىذا العلم وإخراجو أخالقا وأدبا يظهر على سلوكك وعلى أقوالك وعلى
تصرفاتك وأفعالك .
فمن باب االىتماـ ّٔذا األمر هناية صبيع ما قررناه يف ىذه القواعد ىو ىذه القاعدة فهذه هنايتها
فمن ل تثمر تلك القواعد وتلك العلوـ واؼبعارؼ اليت درسها ىذه اآلداب فكأنو ل يتعلم ،فهو
واعباىل سواء بل ردبا يكوف بعض اعبهاؿ فيو من اآلداب واألخالؽ والقيم العالية ما ليس يف رجل
قد امتلت جوانبو من اغبفظ ومن العلم واؼبسائل ،ومن أعظم ما ينبغي أف يتأدب معو طالب
العلم شيخو الذي يطلب عليو العلم فاؼبشاي الذين يدرسونك ويعلمونك ىؤالء أحق الناس بأف
تصرؼ ؽبم األدب .
-5احساف الظن بشيخو والتماس العذر لو إذا أخطأ وعدـ تتبع ىفواتو أو أخطاءه وإف علم منها
شيئا فليسرتىا سرت ا﵁ عليو وال يفشها أو يشيعها بني الناس فذلك من سوء اآلداب ومن نكراف
اعبميل
-6استنصاح الشي يف أموره كلها واستشارتو يف األمور اليت تعرض لك أيها الطالب سواء كانت
أمورا علمية أو أمورا شخصية فإف الشي دبنزلة األب لطالب ،ولكنها أبوه روحيو علمية ال جسدية
طينية فو يف منزلة أبيك الطيين .
-7ومنها مصارحة الشي ومراجعتو يف ما ل يفهمو الطالب ال سيما إذا شدد الشي أو كاف من
النوع الذي يشدد يف وصوؿ اؼبعلومة إىل أذىاف الطالب فإذا سألك الشي أفهت؟ فال ذبامل
وتقوؿ فهمت إذا علمت من شيخيك أنو يكره أنك ل تفهم األمر حقيقة أو على وجهو الصحيح
-8ينبغي لطالب أف هبتهد ما استطاع يف طلب العلم وأخذ األمر جبد وقوة فالعلم عزيز ال ينالو
متالعب وال متقاعس وال متكاسل وال فاتر فال بد من سهر الليايل وإطالة النظر يف الكتب والسفر
للشياخ واعبثو بالركب عند العلماء لتستفيد العلم فالعلم وبتاج إىل زمن ووبتاج إىل طوؿ نفس فال
يناؿ العلم يف دقائق وال يف سويعات معدودات وال يف سنيات قليلة بل العلم ال بد لو من زمن
طويل وال بد لو من زبطيط ؿبكم .
-9أف الطالب ينبغي لو أف يبدأ يف طلب العلم مبكرا يف حاؿ عدـ كثرة الصوارؼ والشواغل عنو
وذلك عادة ما يكوف يف مقتبل العمر فإف العبد يف مقتبل عمره قليلة صوافو قليلة مشاغلة فهو زمن
صاحل لتحصيل قبل أف تتفلت عليك اللحظات وتندـ يف وقت ال ينفع فيو الندـ
-71عدـ اؼببادة إىل التصدر واالفتاء والتعليم قبل أف تستكمل مؤىالت ذلك ،فال ينبغي أف
وبملك حب الشهرة والظهور أف تستعجل يف تعليم الناس واالنتصاب ؽبم قبل أف يصلب عودؾ
وتقوي ورقتك وتظهر عليك ـبايل القدرة على التعليم ،وقد كاف كثري من السلف قبل أف هبلس
على كرسي االستفتاء يسأؿ مشائخو وعلماء بلده الذين تريب عليهم ىل بلغت مرتبة أجلس فيها
لتعليم الناس أـ ال ؟
-77ال ينبغي للطالب مطلقا أف وبدث وال يُعلم وال يُفيت يف آّلس الذي فيو شيخو إال بعد
استئذانو فإف من قلة األدب اؼبتناىية أف يبادر الطالب إذا سؤؿ الشي بسؤاؿ ألف يبادر الطالب
باإلجابة وشيخو حاضر إما حضورا حقيقيا أو حضورا حكميا .
-72اغبرص على العمل بالعلم أكثر من اغبرص على استجماعو واالستكثار منو فإف من شبرات
العلم العمل وفبا يػُ ُقوي رسوخ العلم يف قلبك أف تعمل بو ،فال يكن نبك أيها الطالب أف
تستجمع اؼبعلومات فقط بل ليكن نبك األوؿ أف تعمل ّٔذا العلم ،فالعبد معذب يوـ القيامة على
علم ل يعمل بو وال داعي للعبد أف يستكثر من حجج ا﵁ عليو إذا ل يكن سيعمل ّٔا قاؿ ا﵁ عز
وجل {أتأمروف الناس بالرب وتنسوف أنفسكم } ل يعيبهم ا﵁ على تعليم الناس الرب ،ولكن عأّم
على نسياف أنفسهم ،وقاؿ ا﵁ عز وجل { ؼبا تقولوف ما ال تفعلوف كرب مقتا عند ا﵁ أف تقولوا ما
ال تفعلوف } ويقولوا النيب ﷺ يف الرجل الذي يُ َ
ؤٌب بو يوـ القيامة فيلقي يف النار فتندلق أقتاب
بطنو(أمعائو ) يف النار فيدور يف النار كما يدور اغبمار يف الرحي فيجتمع عليو أىل النار ويقولوف يا
فالف أولست كنت تأمرنا باؼبعروؼ (يف الدنيا ) وتنهانا عن اؼبنكر قاؿ بلى كنت أمرؾ باؼبعروؼ وال
آتيو ،وكنت أهناكم على اؼبنكر وآتيو "
والعمل بالعلم الواجب واجب وباؼبستحب مستحب ،أي إذا أمرت الناس بقياـ الليل فال هبب
عليك أف تقوـ الليل فال يعاقبك ا﵁ على عدـ قياـ الليل ألف ىذا العلم مستحب والعمل
باؼبستحب مستحب ،ولكن كونك تأمر الناس بالصدؽ وأنت تكذب ػ،أو تأمر الناس برب الوالدين
وأنت تعق والديك ،أو كونك تأمر الناس بإعفاء اللحي وأنت ربلق غبيتك ؛ فاؼبخالفة يف األمور
الواجبة ىي اليت يُعاقب عليها الطالب ،ولكن كونك تامر الناس بالصدقة وأنت ال تتصدؽ ىذا
عيب عليك دنيوي ونقد ولكن ليس ؿبال للعقوبة يف األخرة ؛ ألف من الناس من يقوؿ أعمل بكل
ما أعلم ىذه مشكلة كبرية إذا لن أدعوا الناس إال دبا أستطيع أف أُطيقو عمال ؟ نقوال ،ال ،فإذا
أمرت الناس بأمر واجب فالواجب عليك أف تعمل بو ،واألمر الواجب هبب عليك العمل بو سواء
دعوت الناس لو أو ل تدعوىم لو ،ولكن من باب الكماؿ يف الدعوة أف تقوـ باألمر اؼبستحب
الذي ربث الناس عليو أوال ،ولكن لو خالفت ول تعمل باألمر اؼبستحب فال جناح باعتبار األخرة
،ولكن ما أصربؾ على نقد الناس باعتبار الدنيا ألف الناس سيقولوف كيف تأمرنا بشيء وأنت ال
تعمل بو ؟
-73أف وبرص على اغبفظ كذلك ،فالبد من اغبفظ وإياكم يا طلب العلم أف تعتمدوا على الفهم
آّرد عن اغبفظ فإف اغبفظ أصل أصيل وركن ركني يتخرج عليو الطالب ول يُ ِّربز من بػُّْرز من العلماء
إال حبفظو ،فال بد من اغبفظ ؛ وأعظم ما وبفظو الطالب كتاب ا﵁ عز وجل وما تيسري من سنة
ؿبمد ﷺ على حسب ما يستطيع أف وبفظ منها .
فهذه صبل من اآلداب واألخالؽ أسالو عز وجل أف هبعلنا صبيعا فبن حاز العلم ووفق للعمل وأف
يشرح صدورنا للعمل دبا علمناه وأف هبعلنا ىداة مهتدين ال ضالني وال مضلني ،وأسأؿ ا﵁ أف
هبزي القارئ خري اعبزاء على حسن متابعتو واىتمامو ّٔذا الفن ،وا﵁ أعلى وأعلم ،وصلي ا﵁ على
نبينا ؿبمد وعلى آلو وصحبو وسلم .
نسأؿ ا﵁ أف قبعل ما كتبناه زادا إىل حسن اؼبصري إليو وعتادا إىل ُيبن القدوـ عليو إنو بكل صبيل
كفيل وىو حسبنا ونعم الوكيل .