You are on page 1of 22

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬

‫تطور مبادئ القانون الجنائي لمواجهة جرائم األعمال‬

‫في القانون المغربي‬

‫زكية عومري‬
‫أستاذة باحثة بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية عين الشق ‪ -‬جامعة الحسن الثاني‬

‫ملخص‪:‬‬

‫يتناول هذا البحث مسألة تحول بعض مبادئ القانون الجنائي عن المرجعيات التاريخية التي أسس عليها‬
‫القانون الجنائي الحديث بغية مكافحة فعالة لجرائم األعمال‪ ،‬فمن المعلوم أن هناك مبادئ أساسية يرتكز عليها‬
‫القانون الجنائي والتي تقوم عليها كل من العدالة الجنائية واألمنين القانوني والقضائي‪ ،‬ولعل من أهم هذه‬
‫المبادئ‪ ،‬مبدأ الشرعية الجنائية الذي نادت به المدرسة التقليدية‪ ،‬وأن العقاب في الجرائم يتواله القضاء دون‬
‫غيره من األجهزة األخرى ‪.‬‬
‫ويثير هذا البحث أهمية نظرية تتجلى في توضيح مظاهر تطور بعض القواعد التقليدية الراسخة في القانون‬
‫‪Correspond auteur :‬‬ ‫الجنائي بشكل جعله يخرج عن المبادئ العالمية المنصوص عليها في المواثيق الدولية التي تعتبر جذورا‬
‫‪zakiaomri@gmail.com‬‬ ‫تاريخية نادت بها المدارس الفقهية المؤسسة للقانون الجنائي الحديث‪ ،‬كما تصبو هذه الدراسة للقول بإمكانية‬
‫التأسيس لنظرية خاصة بسياسة جنائية لألعمال منفصلة عن المبادئ القديمة التي أسس عليها القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪Accepté le : 25/08/2023‬‬
‫وتمت دراسة هذا البحث وفق منهج تحليلي مقارن‪ ،‬بين القانونين المغربي والفرنسي‪ ،‬حيث تبين أن هذا‬
‫التطور الذي طال بعض مبادئ القانون الجنائي صار أمرا محتوما‪ ،‬ومقترنا بجرائم معينة السيما جرائم األعمال‬
‫التي تقتضي معالج ة خاصة ال يمكن للقواعد التقليدية للقانون الجنائي أن تسعف في مكافحة هذه النوعية من‬
‫الجرائم‪ .‬هذا مع مناقشة ما يثيره هذا الخروج عن القواعد العامة من زعزعة للقواعد المتعلقة بحقوق وحريات‬
‫األفراد التي ال طالما نادت بها المدارس الفقهية للقانون الجنائي الحديث‪.‬‬
‫ولإلحاطة بهذه الجوانب والوقوف على مدى خروج القواعد الحديثة للقانون الجنائي عن الجذور التاريخية‬
‫المؤسسة له‪ ،‬ارتأينا تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين‪ ،‬حيث نتناول في المبحث األول نظرية التجريم في جرائم‬
‫األعمال ثم نعرض في مبحث ثان إلى تطور نظرية العقاب والمتابعة في جرائم األعمال‪.‬‬

‫الكلمات الدالة‪ :‬القانون الجنائي ـ القانون الجنائي لألعمال ـ السياسة الجنائية ـ جرائم األعمال‪.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬

‫المقدمة‬

‫أدى التطور الذي عرفه العالم‪ ،‬إلى إحداث عدة تغيرات في المجتمعات وذلك على عدة مستويات؛ من رفاه‬
‫اقتصادي واجتماعي وثقافي‪ ،‬حيث تغير نمط العيش‪ ،‬من سرعة في التعامل واألداء وتداول األخبار‪ ،‬فالتطور لم يكن‬
‫إيجابيا وحسب‪ ،‬وإنما سلبيا أيضا‪ ،‬حيث تفشت الجريمة السيما من ناحية طرق ارتكابها‪ ،‬إذ تطورت أساليبها‪ ،‬وتقنياتها‪،‬‬
‫بشكل أصبح تتبع المجرمين وكشف الجريمة صعبا باالستناد للمبادئ التي أسس في ضوئها القانون الجنائي المعاصر‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سلف‪ ،‬فإن منطق األشياء يقتضي مواكبة التغيير على مستوى بعض النظريات المؤسسة‬
‫للقانون الجنائي‪ ،‬وهو ما حققه الفكر الجنائي الحديث‪ ،‬الذي قام بتطوير القواعد الجنائية من حين آلخر‪ ،1‬إذ يالحظ من‬
‫خالل استقراء العديد من نصوص التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية‪ ،‬إنشاء جرائم حديثة وبروز قواعد جديدة ال‬
‫سيما فيما يخص الجرائم الماسة بمجال المال واألعمال‪ ،‬ومن هنا أصبحنا نقرأ ونسمع عن وجود لقانون جنائي‬
‫لألعمال‪ ،2‬له تقنيات خاصة في التجريم تتعارض في العديد من الحاالت عن القواعد المألوفة في القانون الجنائي‬
‫والمؤسسة له في ظل المدارس الحديثة‪ ،‬من هنا يجدر بنا تحديد المقصود بالقانون الجنائي لألعمال حتى نعمل على‬
‫اإلحاطة بمظاهر التطور الذي طاله‪.‬‬

‫‪1‬ـ التعريف بالموضوع وأهميته‬

‫نتناول في هذه الدراسة مبادئ القانون الجنائي من حيث التطورات التي عرفتها وذلك منذ تأسسها في منتصف‬
‫القرن الثامن عشر‪ ،‬على يد المدارس الفقهية الفكرية للقانون الجنائي الحديث‪ ،‬إذ عملت هذه المبادئ على تغيير الوضع‬
‫القاسي الذي كانت تعرفه المجتمعات في التجريم والعقاب‪ ،‬وعلى الحد من سلطات القضاء الذي كان يلعب دور القاضي‬
‫والمشرع في نفس اآلن‪ ،‬وتتلخص أهم هذه المبادئ في مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬ومبدأ شخصية العقوبة‪ ،‬ومبدأ‬
‫عدم رجعية القوانين‪ ،‬والتشدد في تفسير القواعد الجنائية ‪....‬‬

‫‪ 1‬ذلك أن التغيير أمر بديهي يواكب طبيعة القاعدة القانونية التي مآلها التغير والتطور وليس الثبات الذي ال يعدو إال أن يكون مؤشرا على الجمود والتخلف‪ ،‬فمن‬
‫خصائص القاعدة القانونية أنها اجتماعية‪ ،‬وبذلك فليس من شأنها الثبات لمدة طويلة‪ ،‬بل مواكبة تغير حاجيات ومتطلبات المجتمع‪.‬‬
‫‪ 2‬تعريف للقانون الجنائي لألعمال ليس واضحا ومحددا‪ ،‬ألنه مفهوم حديث نسبيا‪ ،‬استعملته ألول مرة األستاذة دلماس مارتي‪ ،‬وقبل ذلك كان يستعمل لفظ القانون‬
‫الجنائي االقتصادي أو ا لقانون الجنائي للمقاولة للداللة على الجرائم التي تمس المجال االقتصادي سواء تعلق باإلنتاج بكافة أنواعه أو استهالك البضائع والمعامالت‬
‫المالية وتقديم الخدمات‪.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 1‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫وقد كرست التشريعات الحديثة مضمون العديد مما جاءت به مختلف المدارس الفقهية للقانون الجنائي الحديث‬
‫سواء المستوى الوطني من خالل الدساتير أو القوانين العادية أو على المستوى الدولي من خالل المواثيق واالتفاقيات‬
‫الدولية المتعددة األطراف‪ .‬غير أن ما تم تكريسه مما ذكر أصبح يتزعزع بفعل تطور مجال التجارة واألعمال وأيضا‬
‫بفعل االحتياج إلى قواعد جديدة تحمي النظام االقتصادي العالمي الجديد‪ ،‬ومظاهر ذلك تجلت في صياغة قوانين للتجارة‬
‫واألعمال الحديثة‪ ،‬فباالطالع على القواعد الخاصة بتجريم األفعال المنافية لمجال األعمال ـــ وهي جد متناثرة بين‬
‫عدة مجاالت قانونية‪ 3‬ــــ نجد أن القانون الجنائي لألعمال خرج عن األصول والمبادئ العامة؛ فهو يتأرجح بين الطابع‬
‫الزجري المتشدد والمرن‪ ،‬حيث صارت بعض أحكامه تتسم بالمرونة واللين أحيانا‪ ،‬لكن في أحيان أخرى متشددة إلى‬
‫درجة أنها تمس بقواعد الشرعية وحقوق األفراد‪.‬‬

‫فمن حيث التجريم خرجت قواعد القانون الجنائي عن مبدأ اليقين القانوني‪ ،‬وكذا مبدأ الشرعية الجنائية؛ أما‬
‫من حيث اإلثبات‪ ،‬خرج عن قاعدة أن األصل في اإلنسان هو البراءة؛ إذ قلب نظرية عبء اإلثبات‪ ،‬وفي العقاب خرج‬
‫عن مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية وغيرها‪ .‬مما جعله فرعا مستقال بذاته وله خصوصيته‪ ،‬نظرا الرتباطه‬
‫باعتبارات السياسة االقتصادية والمالية للدولة‪.‬‬

‫ويقصد بجرائم األعمال محور الدراسة تلك الجرائم التي تمس مجاالت التجارة واألعمال مثل جرائم الشركات‬
‫وجرائم النقود والصرف والجرائم الضريبية والجمركية وجرائم السوق المالية وغسل األموال وجرائم الملكية‬
‫الصناعية‪ ،‬وعموما كل األفعال التي تشكل ضررا أو تهديدا يمس كل المجاالت الحيوية في البالد‪ ،‬خاصة المجال‬
‫االقتصادي سواء تعلق باإلنتاج بكافة أنواعه أو استهالك البضائع والمعامالت المالية وتقديم الخدمات‪.4‬‬

‫وعليه‪ ،‬يطرح هذا الموضوع أهمية نظرية مهمة تتجلى في البحث في دراسة مظاهر تطور قواعد القانون‬
‫الجنائي لألعمال ومن ثم مناقشة مدى إمكانية التأسيس لنظرية خاصة بجرائم األعمال مخالفة للنظرية العامة للقانون‬
‫الجنائي‪.‬‬

‫‪ 3‬جرائم األعمال هي جرائم متناولة بالتنظيم من خالل فروع وأقسام في قوانين تنظيمية وتأسيسية لمجاالت اقت صادية‪ ،‬وكمثال على ذلك القانون التجاري أو قانون‬
‫الشركات التي لها طابع مزدوج؛ إذ أنها تتضمن جزءا يتعلق بأحكام تأسيس وتنظيم المجال من الناحية اإلدارية والتعاقدية في إطار القوانين المدنية والتجارية‪ .‬وجزءا‬
‫محددا في نصوص زجرية تحدد الجرائ م التي تقع بالمخالفة للقواعد المنظمة للمهنة أو النشاط المعين‪ .‬وذلك دون عرض األحكام العامة المتعلقة بالتجريم والعقاب‬
‫المنصوص عليها بالقانون الجنائي العام‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Wilfrid Jeandidier : « Droit pénal des Affaires », 2 édition, Dalloz, 1996 ,p 61‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 2‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫‪ -2‬إشكالية الدراسة‬

‫إن كان الخروج عن األحكام العامة والمرتكزات األصولية له مبرراته‪ ،‬كون طبيعة الحياة اإلنسانية تقتضي‬
‫التطور‪ ،‬مما يتحتم معه أحيانا تجاوز مبادئ وأحكام كانت تعد في زمن قديم من المسلمات‪ ،‬فإن إشكال البحث ال يدور‬
‫فقط حول فكرة هذا الخروج بقدر ما يدور حول أشكاله ومبررات هذا التغيير وأثره ومداه‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد نتساءل عن مظاهر تطور قواعد القانون الجنائي لألعمال للقواعد الجنائية الراسخة ومداها؟‬

‫إن الوقوف على هذا اإلشكال يقتضي بنا الدفاع عن تأسيس نظرية خاصة بجرائم األعمال مخالفة للقواعد‬
‫التقليدية الزجرية‪ ،‬وهو ما يستدعي التسلح بمجموعة من البراهين والمعطيات‪ ،‬ألن األفكار الحديثة والقواعد الجديدة‬
‫تصطدم مع مبادئ الحقوق والحريات التي ال يمكن التنازل عنها‪ .‬فهنا نبحث أيضا في إمكانية التوفيق بين نظريات‬
‫جديدة للقانون الجنائي لألعمال تساهم في تتبع المجرمين والحد من الجريمة االقتصادية والمالية وبين الحفاظ على‬
‫الحقوق والحريات المكتسبة‪.‬‬

‫‪ -3‬منهج الدراسة‬

‫سنتناول دراسة هذا البحث وفق منهج تحليلي مقارن‪ ،‬وذلك بين المشرعين المغربي والفرنسي من جهة‪ ،‬وبين‬
‫النصوص الجنائية فيما بينها من جهة أخرى‪ ،‬إذ نقارن بين النصوص القديمة والنصوص الحديثة وما طالها من تعديل‪،‬‬
‫من خالل تحليل مقتضياتها وذلك إلبراز مدى التطور الحاصل في القواعد الجنائية من أجل مكافحة جرائم األعمال‬
‫وفهم تداعيات هذا التغيير‪ ،‬هذا مع االستعانة بالمنهج التطبيقي من خالل إدراج بعض القرارات القضائية‪.‬‬

‫‪ -4‬خطة الدراسة‬

‫انطالقا مما ما سبق‪ ،‬سنعمل في هذه الدراسة من ناحية أولى على الوقوف على الحاالت التي خرج فيها‬
‫القانون الجنائي لألعمال عن أصول قواعد القانون الجنائي من خالل المتغيرات التي طالت نظرية التجريم وكذا‬
‫تطبيقاتها (المبحث األول)‪ ،‬ثم نعرض من ناحية ثانية لتطور أشكال العقاب والمتابعة في جرائم األعمال (المبحث‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 3‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مسايرة نظرية التجريم لمتطلبات مكافحة جرائم األعمال‬

‫عرفت نظرية التجريم تغيرات‪ ،‬ولم تبق ثابتة‪ ،‬حيث طال التغيير كل أركان جريمة األعمال‪ ،‬إلى حد يمكن‬
‫القول بأننا أصبحنا أمام نظرية خاصة بجرائم األعمال دون بقية الجرائم التي تخضع للنظرية العامة للقانون الجنائي‪.‬‬

‫وللوقوف على المتغيرات التي عرفتها نظرية التجريم‪ ،‬سنتناول األركان األساسية في تكوين الجريمة‪ ،‬أي كل‬
‫من الركن القانوني للجريمة‪ ،‬والمتمثل في النص القانوني المكتوب (المطلب األول) الذي يحدد النشاط اإلجرامي‬
‫ونتيجته (المطلب الثاني)‪ ،‬والركن المعنوي للجريمة (المطلب الثالث)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬متغيرات الركن القانوني لجريمة األعمال‬

‫الركن القانوني أو الشرعي للجريمة هو تلك القاعدة القانونية المحددة ألركان الجريمة وأيضا لعنصر العقاب‬
‫عليها‪ ،‬فهي إذن وسيلة المشرع في التعبير عن إرادته لتحديد ما يعتبره جريمة من سلوك األفراد والجزاءات المترتبة‬
‫عن مخالفتهم للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫ويرتكز هذا الركن على مبدأ الشرعية‪ ،‬فهو قوامه الذي ال يمكن أن يقوم إال به‪ ،‬والذي يعني من جهة أنه ال‬
‫يمكن متابعة شخص وتوقيع العقاب عليه إال بوجود نص قانوني محددا تحديدا كافيا بشكل ال يسمح للملزمين االعتذار‬
‫بجهله‪ ،‬ويعني من جهة أخرى أنه ينبغي أن يكون القانون هو المصدر الوحيد الذي يخضع له التجريم والمتابعة والعقاب‬
‫وليس غيره من لوائح أو مراسيم‪.‬‬

‫وقد عرف مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ـ الذي ناضلت من أجله األمم‪ ،‬ونادت به المدرسة التقليدية األولى‪،5‬‬
‫حتى صار مبدأ دستوريا لدى جميع التشريعات ـ مجموعة من المتغيرات جاءت على إثر تطور نمط عيش المجتمعات‬
‫وأيضا على إثر طفرات اقتصادية‪ ،‬فما هي هذه المتغيرات‪ ،‬وما مبرراتها‪ ،‬وهل يصل مداها إلى درجة الحد من حقوق‬
‫وحريات األفراد؟‬

‫سنحاول الوقوف على هذه المتغيرات من خالل تقنيات التجريم والعقاب في صياغة النص الزجري لجرائم‬
‫األعمال‪ ،‬والجهة المصدرة للنص القانوني الزجري‪.‬‬

‫‪ 5‬المدرسة التقليدية األولى هي من المدارس األولى المؤسسة للقانون الجنائي الحديث‪ ،‬تأسست في النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ،‬و من أبرز زعمائها بيكاريا‬
‫و فيورباخ‪ ،‬و من أهم ما نادت به هو إقرار مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات تحقيقا للمساواة بين األفراد في العقاب والتنديد بالعقوبات القاسية آنذاك‪ ،‬شادية الشومي‬
‫‪ " :‬محاضرات في القانون الجنائي العام" الطبعة األولى‪ ،‬دار السالم‪ ،1997 ،‬ص‪.8.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 4‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تقنيات التشريع الجنائي لألعمال‬

‫إن األصل في السياسة الجنائية أن السلطة التشريعية هي صاحبة االختصاص األصيل تطبيقا لمبدأ الفصل بين‬
‫السلطات‪ ،‬وذلك دون السلطة التنفيذية أو القضائية‪ ،‬فال يجوز من جهة إنشاء جريمة أو تقرير عقوبة إال بتشريع صادر‬
‫عن السلطة التشريعية‪ ،‬ومن جهة أخرى يمنع على القاضي توقيع عقوبة لم يصدر بشأنها تشريع جنائي معين‪ ،‬هو ما‬
‫كرسه و الذي جاء فيه الفصل ‪ 3‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ " :‬ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة‬
‫بصريح القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون‪ ،".‬هذا بخالف المجاالت القانونية األخرى حيث يجوز فيها‬
‫ل لقاضي في حال غياب نص قانوني اللجوء إلى مصادر احتياطية أخرى من عرف ومبادئ للشريعة اإلسالمية أو‬
‫القانون الطبيعي‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬يالحظ أن مهمة التشريع في المجال الجنائي أصبحت تعرف تقلصا وانكماشا لفائدة السلطة التنفيذية‪ ،‬التي‬
‫شرعت في تولي هذه المهمة كلما تعلق األمر بالتشريع الجنائي لألعمال (أوال)‪ ،‬فما هي حدود تدخل السلطة التنفيذية‬
‫في هذا المجال وهل الحجج التي يستند عليها أصحاب هذا االتجاه مبررة؟‬

‫وفضال عن تقنية التفويض التشريعي التي أضحت مستعملة بكثرة في مجال جرائم األعمال‪ ،‬فإن هناك تقنيات‬
‫أخرى يعوزها الوضوح‪ ،‬وتتمثل في كل من تقنية التجريم على بياض‪ ،‬التي يقصد بها قيام المشرع بتجريم الفعل في‬
‫نص قانوني معين‪ ،‬دون تحديد العقاب المخصص له‪( ،‬ثالثا) أو إحالته على نص آخر يحدد عقاب الجريمة‪ ،‬وهي ما‬
‫يسمى بتقنية اإلحالة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال ـ إعمال تقنية التفويض في التشريع‬

‫يقصد بالتفويض التشريعي كل ترخيص يمنحه البرلمان للحكومة بممارسة الوظيفة التشريعية في مجال محدد‬
‫و لفترة زمنية محددة و لتحقيق غاية معينة‪ 6‬و ذلك باالستناد على نص صريح من الدستور يجيز له ذلك وفق شروط‬
‫معينة أو بناء على عرف دستوري‪.7‬‬

‫‪ 6‬محمد لشكاكي‪ ":‬التفويض التشريعي في المغرب وتونس"‪ ،‬مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬العدد الخاص بالقانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪،‬‬
‫مارس ‪ ،2020‬ص ‪.238‬‬
‫‪ 7‬سكينة فروج‪ ،‬آمال عيشاوي‪ " :‬تفويض التجريم والعقاب في مجال األعمال"‪ ،‬المجلة النقدية للقانون وللعلوم السياسية‪ ،‬المجلد ‪ ،16‬العدد ‪ ،2021 ،2‬ص‪3.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 5‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫وعرفت هذه التقنية بشكل متزايد في القرن العشرين بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬وذلك بعد توالي األزمات‬
‫االقتصادية والتحوالت االجتماعية‪ ،‬وأيضا بسبب كثرة تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‪ ،‬حيث منحت السلطة‬
‫التشريعية للسلطة التنفيذية صالحية التشريع في المجال الجنائي‪ ،‬إلى أن صار هذا التدخل مقبوال شيئا فشيئا‪.8‬‬

‫والتفويض التشريعي مبدأ منصوص عليه دستوريا في مختلف الدساتير العالمية‪ ،‬فمثال ينص الدستور المغربي‬
‫في الفصل ‪ 70‬على أنه " للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود‪ ،‬ولغاية معينة‪ ،‬بمقتضى‬
‫مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها"‪ ،9‬وبذلك فإعماله مسألة مشروعة‪ ،‬وال تمس بالشرعية الجنائية‪ ،‬غير أنه‬
‫ينبغي أن يكون مجال إعمالها استثنائيا‪ ،‬يؤخذ بها في أضيق الحدود مثل ظروف الكوارث والحروب‪ ،‬حيث يتعذر على‬
‫السلطة التشريعية سن القانون في ظرف وجيز تستدعيه مواكبة الظروف الطارئة والخاصة‪.‬‬

‫لكن الواقع أصبح يشهد العكس‪ ،‬إذ أصبحت القاعدة معكوسة في مجال جرائم األعمال‪ ،‬حيث تتولى السلطة‬
‫التنفيذية التشريع فيما يخص جرائم األعمال أكثر مما قد تتواله السلطة التشريعية‪ ،‬والمبررات لهذا النهج تتحدد أساسا‬
‫في كون المشرع في نطاق التجريم االقتصادي ال يساير جمود القاعدة الجنائية التقليدية‪ ،‬وأن التشريع في مجال جرائم‬
‫األعمال يتطلب دراية فنية قد ال تتوفر إال لدى السلطة المعنية بالتفويض‪ ،‬وكذا تمكين السلطة التنفيذية من مواجهة‬
‫الظواهر االقتصادية‪.10‬‬

‫وما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد‪ ،‬أن ما يقصد بالتفويض تحديدا في التشريع الجنائي ليس تجريم أفعاال لم‬
‫ينص عليها نص تشريعي سابق‪ ،‬وإنما ما يقصد به أساسا تحديد عناصر الجريمة في أدق جزئياتها‪ ،‬والمبرر لهذا‬
‫التفويض هو أن المجال االقتصادي يتسم بالتطور والحركية ودراية فنية‪ ،‬وهو ما ال تستطيع القاعدة الجنائية التقليدية‬
‫مسايرته‪ ،‬لذا تم التنازل لإلدارة القيام بمهمة التشريع في جرائم األعمال من خالل إصدار اللوائح وذلك بالنظر لما‬
‫تضطلع به من قدرات‪.11‬‬

‫‪ 8‬رنا العطور‪" :‬اقتسام مكافحة اإلجرام بين القانون والنظام في التشريع الجنائي الفرنسي"‪ ،‬مجلة جامعة النجاح لألبحاث (العلوم االنسانية) المجلد ‪،2013 ، )9( ،27‬‬
‫ص‪1825.‬‬
‫‪ 9‬ينص الدستور الفرنسي أيضا على نفس المقتضى وذلك في الفصل ‪ 38‬منه و الذي جاء فيه‪:‬‬
‫‪« Le Gouvernement peut, pour l'exécution de son programme, demander au Parlement l'autorisation de prendre par‬‬
‫» ‪ordonnances, pendant un délai limité, des mesures qui sont normalement du domaine de la loi.‬‬
‫‪ 10‬سكينة فروج‪ ،‬آمال عيشاوي‪ " :‬تفويض التجريم والعقاب في مجال األعمال" مرجع سابق‪ ،‬ص‪326.‬‬
‫‪ 11‬أحالم شميعة‪ " :‬مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي"‪ ،‬السياسة الجنائية بالمغرب‪ :‬الواقع واآلفاق ‪2004‬ـ ‪ ،2018‬مكتبة‬
‫الرشاد‪ ،2018 ،‬ص‪94.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 6‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫ولعل من أبرز األمثلة هو ما ورد في مدونة الجمارك المغربية ‪12‬في الفصل ‪ 204‬منها‪ ،‬حيث نصت على أن‪":‬‬
‫الجنحة أو المخالفة الجمركية عمل أو امتناع مخالف للقوانين واألنظمة الجمركية ومعاقب عليها بمقتضى هذه‬
‫النصوص‪ ،".‬وهو ما يفيد قيام السلطة التنفيذية فيما يرجع لها من اختصاص التشريع بمجال الالئحة‪ ،‬حيث تتدخل إدارة‬
‫الجمارك بإصدار لوائح تدخل في المجال الجنائي كل ما دعت الضرورة إلى ذلك‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يبدو أن هناك تطورا وتغيرا مع الزمان بخصوص السلطة المختصة بالتشريع في المجال الجنائي‪،‬‬
‫إذ أصبحت السلطة التنفيذية تتقاسم مع السلطة التشريعية الحق في التشريع الجنائي‪ ،‬و من ثم فمصدر القاعدة الجنائية‬
‫لم يعد محصورا في القانون الجنائي وحده الصادر عن السلطة التشريعية‪ ،‬بل أصبحت مجموعة من اللوائح الصادرة‬
‫عن السلطة التنفيذية مصدرا للتشريع الجنائي‪ 13،‬حيث أصبح التفويض التشريعي مسألة مقبولة ومعموال بها من لدن‬
‫العديد من التشريعات في المجال الجنائي‪ ،‬السيما فيما يخص جرائم األعمال‪.‬‬

‫ويعتبر تعدد مصادر التجريم من العيوب التي وجهت لهذه التقنية على أساس أنها تؤدي إلى تضخم تشريعي‪،‬‬
‫يصعب معه اإلحاطة بجميع النصوص التشريعية ذات الصلة‪.14‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقنية اإلحالة‬

‫يقصد باإلحالة في القانون الجنائي‪ ،‬تجريم المشرع لفعل معين ثم إحالته على نص آخر ألجل تحديد مفهومه‬
‫أو كيفية تطبيقه أو النص على عقوبة له في مقتضى آخر‪ ،‬وميزة هذه التقنية أو الهدف منها هو تجنب اإلطناب وتفادي‬
‫التكرار‪.15‬‬

‫ونميز في االحالة كتقنية قانونية بين إحالة داخلية؛ فيحيل المشرع على نص آخر في ذات المجموعة الجنائية؛‬
‫و مثاله المادة ‪ 37‬من قانون حرية األسعار و المنافسة حيث يحيل على العقوبة المنصوص عليها في المادة ‪ 39‬من‬

‫‪ 12‬ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.77.339‬بتاريخ ‪ 25‬شوال ‪ 9( 1397‬أكتوبر ‪ )1977‬يصادق بموجبه على مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الراجعة‬
‫إلدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة‪ ،‬كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم ‪ 99.02‬المصادق عليه بالظهير رقم ‪ 222-00-1‬بتاريخ‬
‫‪ 2‬ربيع األول ‪ 5 1421‬يونيو ‪2000‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Marie-Line DRAGO : « Le Principe de Normativité Criminelle, Reconfiguration du principe de Légalité Criminelle »,‬‬
‫‪Thèse de Doctorat en Droit Privé et Sciences Criminelles, Université Montpellier, 2016, P. 133.‬‬
‫‪ 14‬أحالم شميعة‪ " :‬مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪94.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪Marie-Line DRAGO : « Le Principe de Normativité Criminelle, Reconfiguration du principe de Légalité Criminelle »,‬‬
‫‪Op.cit., p. 132.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 7‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫نفس القانون‪ ،16‬وبين إحالة خارجية‪17‬؛ حيث يحيل على نص قانوني يتواجد في غير المجموعة الجنائية‪ ،‬كأن يجرم‬
‫فعل معين و يترك شق العقاب إلى السلطة التنفيذية‪ ،‬و من بين األمثلة على ذلك ما جاء في المادة ‪ 41‬من قانون حرية‬
‫األسعار والمنافسة ‪18‬و الذي أحال فيه القانون على نص تنظيمي يحدد كيفيات تطبيق المادة المعفية من العقاب‪ ،‬كما‬
‫يمكن التمييز في هذا الصدد بين االحالة البسيطة واالحالة المركبة والتي تتعدد النصوص التي يحيل أحدها على االخر‬
‫إلى ثالث او أربع نصوص مما يجعل تعقب النص واجب التطبيق أمرا صعبا للغاية‪ ،‬الشيء الذي يؤثر سلبا على فعالية‬
‫النصوص الجنائية‪.‬‬

‫وتعتبر األفعال المجرمة في إطار القانون الجنائي لألعمال مجاال خصبا لهذه التقنية التي تتنافى ومبادئ‬
‫الشرعية الجنائية الهادفة لتحقيق األمن القانوني المتوخى من التشريع عموما والتشريع الجنائي خصوصا‪ ،‬إذ يضطر‬
‫المهتم والباحث إلى التنقيب عن النصوص المتضمنة للعقاب‪ ،‬والتي بدورها قد تكون متعددة ومتفرقة‪ ،‬وهي مهمة‬
‫ليست باليسيرة وهو ما يضرب قاعدة األمن القانوني‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التجريم على بياض‬

‫التجريم على بياض‪ ،‬هو نوع من التفويض التشريعي‪ ،‬يتراخى فيها شق الجزاء عن شق التكليف والذي يحدد‬
‫بناء على قاعدة أخرى غير جنائية‪ ،19‬أي أن يكتفي المشرع بتحديد العقاب فقط دون األفعال المعاقب عليها تاركا‬
‫السلطة التنفيذية مهمة تحديدها من خالل نصوص غير زجرية‪.‬‬

‫وتطبيقات التجريم على بياض معتمدة من قبل المشرع المغربي ومن قبل تشريعات عديدة‪ ،‬كالنصوص‬
‫المنظمة لمجال األعمال خاصة ميدان الجمارك ومجال الصرف‪ ،‬ففي التشريع المغربي نجد الفصل ‪ 287‬من القانون‬

‫‪ 16‬تنص المادة ‪ 37‬من قانون حرية األسعار والمنافسة على أنه‪" :‬إ ذا لم تعارض إحدى الهيئات أو المنشآت صحة المؤاخذات المبلغة إليها‪ ،‬جاز للمقرر العام أن يقترح‬
‫على مجلس المنافسة‪ ،‬الذي يستمع إلى األطراف ومندوب الحكومة دون إعداد تقرير مسبق‪ ،‬الحكم بالعقوبة المالية المنصوص عليها في المادة ‪ 39‬من هذا القانون‬
‫مع األخذ بعين االعتبار غياب أي اعتراض‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يقلص المبلغ األقصى للعقوبة المحكوم بها إلى النصف"‪ .‬ظهير شريف رقم ‪ 1.14.116‬صادر في ‪2‬‬
‫رمضان ‪ 30( 1435‬يونيو ‪ )2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 104.12‬المتعلق بحرية األسعار والمنافسة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6276‬الصادرة بتاريخ ‪ 26‬رمضان ‪1435‬‬
‫(‪ 24‬يوليو ‪ ،)2014‬ص‪6077‬‬
‫‪17‬‬
‫‪Geneviève Judith Delage : « Droit pénal des affaires », http://bibliotheque.pssf.net/livres/droit pénal des affaires‬‬
‫‪ 18‬تنص المادة ‪ 41‬من قانون حرية األسعار والمنافسة على أنه‪ ":‬يجوز منح إعفاء كلي أو جزئي من العقوبات المالية لمنشأة أو هيأة‪ ،‬قامت مع أطراف أخرى‬
‫بممارسة محظورة بموجب مقتضيات المادة ‪ 6‬من هذا القانون‪ ،‬إذا ساهمت في إثبات وقوع الممارسة المحظورة وتحديد مرتكبيها‪ ،‬من خالل تقديم معلومات لم تتوفر‬
‫لمجلس المنافسة أو اإلدارة من قبل‪ .‬وتبعا لتصرف المنشأة أو الهيأة‪ ،‬فإن مجلس المنافسة‪ ،‬بطلب من المقرر العام أو اإلدارة‪ ،‬يصدر لهذه الغاية رأيا باإلعفاء يحدد‬
‫الشروط التي يخضع لها اإلعفاء المزمع‪ ،‬بعد تقديم مندوب الحكومة والمنشأة أو الهيأة المعنية لمالحظاتها‪ ،‬ويوجه هذا الرأي إلى المنشأة أو الهيأة وإلى اإلدارة‪ ،‬وال‬
‫يتم نشره‪ .‬وتزامنا مع القرار المتخذ تطبيقا للمادة ‪ 39‬أعاله‪ ،‬يجوز لمجلس المنافسة‪ ،‬إذا تم احترام الشروط المحددة في رأي اإلعفاء‪ ،‬منح إعفاء من العقوبات المالية‬
‫يتناسب مع المساهمة المقدمة إلثبات المخالفة‪.‬‬
‫وتحدد كيفيات تطبيق هذه المادة بنص تنظيمي"‬
‫‪ 19‬عبد الحفيظ بلقاضي‪ " :‬مدخل إلى األسس العامة للقانون الجنائي" الجزء األول‪ ،‬دار األمان‪ ،2000 ،‬ص‪118.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 8‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫الجنائي‪ ،‬عاقب األفعال المتعلقة بمخالفة القواعد التنظيمية الخاصة بالمنتجات المعدة للتصدير‪ ،‬دون توضيح مضمون‬
‫الفصل ليفسح بذلك المجال لجهة أخرى تهتم بملء هذا الفراغ‪ ،‬إذ ينص الفصل المذكور على ما يلي‪" :‬كل إخالل‬
‫بالتنظيم المتعلق بالمنتجات المعدة للتصدير الذي يهدف إلى ضمان جودتها ونوعها وحجمها‪ ،‬يعاقب بغرامة تتراوح‬
‫بين مائتين وخمسة آالف درهم وبمصادرة السلعة"‪.‬‬

‫و يبرر لجوء المشرع لهذه التقنية أن السلوك الذي يتكون منه شق التكليف عادة ما يكون شديد االرتباط ببعض‬
‫فروع القانون األخرى التي تختلف في مداها والغايات المرسومة لها عما هو مرتبط بالقاعدة الجنائية مثل األنشطة‬
‫االقتصادية أو البيئية‪ ،‬فهذه المجاالت السيما االقتصادية يخضع تقنينها إلى ظروف تاريخية واجتماعية معينة تتسم‬
‫بتطور بوثيرة سريعة‪ ،‬يتحتم معه مواكبة المشرع لها‪ ،‬و هو الشيء الذي يجعل القاعدة الجنائية معرضة للتعديل‬
‫باستمرار و هو ما يعرض القاعدة الجنائية إلى انعدام األمن القانوني و صعوبة في التطبيق‪ ،‬و من ثم‪ ،‬استدعت ضرورة‬
‫تقنين القاعدة الجنائية ترك مهمة النص على السلوك المجرم إلى قاعدة أخرى غير جنائية عوضا عن القاعدة الجنائية‬
‫نفسها التي يتعين أن تتسم بقدر معين من الثبات‪.20‬‬

‫ويبدو مما سبق أن مبدأ الشرعية بمفهومه الدقيق الذي ال يعني فقط وجود نص قانوني‪ ،‬وإنما تحديد هذا النص‬
‫تحديدا دقيقا أصبح متجاوزا فيما يخص جرائم األعمال‪ ،‬وهذا يفيد أن مفهوم الشرعية بدوره خضع للتعديل أو التطور‪،‬‬
‫حيث أصبح مطاطا أو مرنا‪ ،‬وهو أمر فرضته مسألة التضخم التشريعي وأيضا طبيعة المجاالت المتعددة ذات الطبيعة‬
‫االقتصادية التي يخترقها القانون الجنائي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الركن المادي في جريمة األعمال‬

‫يتمثل الركن المادي للجريمة في كل من النشاط اإلجرامي والنتيجة اإلجرامية وعالقة سببية رابطة بينهما‪،‬‬
‫وما يميز توجه المشرع في تحديد نوعية الجرائم أن معظمها إيجابية ومحدثة ألضرار على المجتمع‪ ،‬فكان ذلك هو‬
‫سبب تدخل المشرع الجنائي‪ ،‬فالقانون الجنائي قائم أساسا على فكرة تجريم األفعال المشكلة للضرر أكثر من جرائم‬
‫الخطر‪ ،‬إذ نجد الفصل األول من مجموعة القانون الجنائي المغربي ينص على أنه‪ " :‬يحدد التشريع الجنائي أفعال‬
‫اإلنسان التي يعدها جرائم‪ ،‬بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي‪ ،‬ويوجب زجر مرتكبيها‪"....‬‬

‫‪ 20‬عبد الحفيظ بلقاضي‪ " :‬مدخل إلى األسس العامة للقانون الجنائي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪119.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 9‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫غير أن توجه المشرع الحالي السيما فيما يخص جرائم األعمال أصبح وقائيا‪ ،‬أكثر منه زجريا‪ ،‬ويتجلى ذلك‬
‫من خالل توسيعه لدائرة الجرائم الشكلية عوض المادية‪ 21‬وكذلك للجرائم السلبية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فمن حيث السلوك اإلجرامي‪ ،‬يالحظ في مجال جرائم األعمال تنامي عدد الجرائم السلبية مقارنة‬
‫بالجرائم اإليجابية‪ ،‬كما هو الحال في جرائم غسل األموال‪ ،‬حيث يتابع المستخدم في أحد المؤسسات الخاضعة لقانون‬
‫غسل األموال والملزمة بالتصريح باالشتباه باإلهمال عن التبليغ عن االشتباه بجنحة غسل األموال في حال إغفاله القيام‬
‫بهذا الواجب للهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية‪ ،‬أو في قانون الشركات‪ ،‬حيث يعاقب المشرع عن االمتناع عن‬
‫التسجيل في السجل التجاري وعن التبليغ بالنسبة لمراقب الحسابات‪.‬‬

‫أما بالنسبة لصور وأشكال الركن المادي لجرائم األعمال‪ ،‬فهي بدورها تشهد تميزا و تغيرا عن المألوف في‬
‫القواعد العامة للقانون الجنائي‪ ،‬ففي هذا الصدد يالحظ تشدد المشرع بشأن وصف االشتراك في الجريمة‪ ،‬ذلك أن‬
‫التشريعات الوطنية جعلت من بعض األفعال التي ال تشكل جرائم قائمة بذاتها صفة الجريمة المستقلة‪ ،‬إذ أصبح من‬
‫الممكن متابعة الشخص دون قيامه بالجريمة األصلية ‪ ،22‬مثل اعتبار بعض أفعال المساعدة في جريمة غسل األموال‬
‫التي ال ترقى في األصل لفعل مستقل إلى جريمة تامة‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 574‬في الفقرة السادسة من قانون مكافحة‬
‫غسل األموال المغربي على أنه‪ " :‬تقديم المساعدة أو المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال أو‬
‫تحويل أو نقل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة في‬
‫الفصل ‪ 574.2‬بعده‪".‬‬

‫أما من حيث النتيجة اإلجرامية فيالحظ تجريم أفعال الخطر أكثر من تجريم أفعال الضرر‪ ،‬وبذلك تم تغليب‬
‫الجرائم الشكلية أكثر من الجرائم المادية‪ ،‬حيث يكتفي المشرع الجنائي بالسلوك اإلجرامي لقيام الجريمة تامة‪ ،‬وسواء‬
‫تحققت نتيجة إجرامية أم ال‪ ،‬فيتدخل المشرع بمجرد المحاولة‪ ،‬إذ اعتبرها بصريح القانون مساوية للجريمة التامة‪،‬‬
‫وهذا النهج يفسر على أن المشرع عند تدخله بالتجريم في ميدان األعمال ال يقيم وزنا لتحقق النتيجة مما يؤدي الى‬

‫‪ 21‬الجرائم الشكلية أو جريمة الخطر هي التي ال يشترط المشرع لقيام ركنها المادي ضرورة تحقق نتيجة معينة‪ ،‬فال يكترث المشرع ما قد ينجم عنها من أضرار‬
‫بقدر ما يهتم لألخطار المحتملة التي قد تترتب عنها والتي قد تعرض المصالح األساسية للمجتمع‪ ،‬بينما الجرائم المادية أو جرائم النتيجة فيتطلب لقيام ركنها المادي‬
‫صدور نشاط إجرامي و تحقق نتيجة معينة سواء كان هذا النشاط إيجابيا أم سلبيا‪ ،‬راجع في ذلك‪ :‬عبد الواحد العلمي‪ ".‬شرح القانون الجنائي المغربي"‪ ،‬القسم العام‪،‬‬
‫الطبعة الثامنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2018 ،‬ص‪ 305.‬و‪.306‬‬
‫‪ 22‬زكية عومري‪ " :‬جريمة غسل األموال وآليات مكافحتها" دار السالم‪ ،2015 ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص‪235 .‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 10‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫كثرة الجرائم الشكلية‪ ،‬نظرا للخطر الذي قد يترتب عليها دون النظر لألضرار الفعلية‪ ،‬وهو ما ينعكس على قيمة الركن‬
‫المعنوي في هذه النوعية من الجرائم‪"'.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تقلص الركن المعنوي من أجل مكافحة فعالة لجرائم األعمال‬

‫يمثل الركن المعنوي األصول النفسية لماديات الجريمة والمسيطرة عليها‪ ،‬ألن هذه الماديات ال يعنى بها‬
‫المشرع مبدئيا إال إذا صدرت عن إرادة تتحمل العقاب المقرر عليها‪.‬‬

‫ومبدئيا فإن كل الجنايات والجنح عمدية‪ ،‬تتطلب عنصري العلم واإلرادة‪ ،‬إال أنه استثناء يمكن تقرير أن الجنح‬
‫ترتكب خطأ طبقا للفصل ‪ 133‬من مجموعة القانون الجنائي المغربي‪ ،‬وذلك حسب ما تقتضيه طبيعة الجريمة‪،‬‬
‫والسياسة الجنائية المتخذة بشأن مكافحتها‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن الركن المعنوي للجريمة يتخذ صورتين رئيستين بالنسبة للجنح‪ :‬األولى وهي القصد الجنائي حيث‬
‫تكون اإلرادة فيها مسيطرة بشكل تام على ماديات الجريمة‪ ،‬والثانية وهي الخطأ غير العمدي‪ ،‬ال تقوم فيه السيطرة‬
‫الفعلية لإلرادة إال على بعض ماديات الجريمة‪ ،‬إذ في القصد يعلم الجاني بكافة ماديات الجريمة ويريدها‪ ،‬في حين ال‬
‫يتوافر في الخطأ غير العمدي العلم إال ببعض هذه العناصر وإرادة بعضها‪ ،‬إذ تقصد إرادة الجاني السلوك اإلجرامي‬
‫دون النتيجة اإلجرامية‪.‬‬

‫وباستقراء معظم جرائم األعمال‪ ،‬يالحظ أن المشرع أضفى من ناحية صفة المخالفة على عدد ال بأس به من‬
‫الجرائم االقتصادية‪ ،‬وكما هو معلوم فالمخالفات ال يتطلب لقيامها وجود ركن معنوي‪ ،‬ويالحظ من ناحية أخرى أن‬
‫بعض الجنح المصنفة ضمن جرائم األعمال‪ ،‬إما تفتقد لعنصر العمد فترتكب باإلهمال على غرار المخالفات وإما أن‬
‫المشرع اكتفى فيها فقط بالقصد العام للجريمة دون القصد الخاص‪ ،‬وهو ما يزيد من فرص المتابعة بشكل أكبر‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يستنتج أن هذا الركن لم يبق محافظا على قواعده األصولية‪ ،‬بل صار يتسم بالضعف‪،‬‬
‫حيث تم استبعاد الخطأ في جريمة األعمال‪ ،‬فتمت تسوية العمد واإلهمال‪ ،‬فيستخلص العمد بمجرد اإلهمال‪ ،‬وهنا يمكن‬
‫القول إن القصد الجنائي أصبح مفترضا في جرائم األعمال‪.23‬‬

‫‪ 23‬أحالم شميعة‪ " :‬مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.99.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 11‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬نلمس أن هناك تطورا وتغيرا في أساس المسؤولية الجنائية التي تقوم على مبدأ اليقين إلى مسؤولية‬
‫جنائية قائمة على مجرد التخمين واالفتراض‪ ،‬وهذا الخروج عن المبدأ هو عبارة عن تعديل في قواعد اإلثبات‪ ،‬إذ‬
‫يالحظ أن المشرع قلب القاعدة التي تقضي بأن عبء اإلثبات يقع على المدعي‪ ،‬حيث إن البراءة هي المفترضة‪،24‬‬
‫والحال أن األمر بدأ يتغير‪ ،‬فبدال أن تقوم النيابة العامة بإقامة الدليل على المتهم بنسبة التهمة إليه‪ ،‬أصبح على المتهم‬
‫القيام بإثبات براءته‪ ،‬فمثال في جريمة غسل األموال يفترض فيه أنه متهم بجريمة غسل األموال بمجرد أنه مثال لم‬
‫يستطع تبرير وجود مبالغ مالية كبيرة ال تتناسب ودخله‪ ،‬و قد ذهب القضاء في هذا المنحى‪ ،‬حيث اعتبرت محكمة‬
‫النقض المغربية في قرار لها ‪25‬سنة ‪ 2010‬أن محكمة االستئناف محقة في اعتبارها عجز المتهم عن إثبات قدرته‬
‫على اقتناء مركب بحري ودراجة مائية‪ ،‬و تبرير مصدر مداخيله‪ ،‬فضال عن ارتباطه بأحد كبار تجار المخدرات دليل‬
‫على اقترافه جنحة غسل األموال ‪.‬‬

‫ويرجع سبب افتراض الركن المعنوي هو الصعوبات التي تواجهها سلطات االتهام في إثبات جرائم األعمال‪،‬‬
‫وذلك بالنظر للدور الذي يقوم به مجرمو األعمال في إخفاء معالم الجريمة‪ ،‬فيعمل المشرعون والقضاة على الخروج‬
‫على القواعد التقليدية‪ ،‬ألنهم يكونون في مواجهة مجرمي الياقات البيضاء‪ ،‬لهم من الدراية والمكانة االجتماعية ما‬
‫يخول لهم اإلفالت من عواقب الجرائم التي يقترفونها‪.26‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مسايرة نظرية العقاب والمتابعة الحتياجات مكافحة جرائم األعمال‬

‫العقوبة هي ذلك النوع من الجزاء الذي يوقعه القضاء على كل من ارتكب فعال أو تركا مخالفة لقواعد القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬وذلك من أجل تحقيق الردعين العام والخاص‪ ،‬وأيضا لتحقيق التوازن داخل المجتمع‪ ،‬لذلك نجد تنوع في‬
‫العقوبات‪ ،‬لتناسب بذلك كل عقوبة الفعل المرتكب‪ ،‬وهو ما يدفع للتساؤل عن طبيعة العقوبات المرصودة لجرائم‬

‫‪ 24‬قرينة البراءة خصها التشريع بمكانة عليا‪ ،‬حيث نص عليها دستور المملكة المغربية لسنة ‪ 2011‬في لفصل ‪ "23‬منه حيث يقول‪ " :‬قرينة البراءة والحق في محاكة‬
‫عادلة مضمونان"‪ ،‬و أي ضا المادة األولى من قانون المسطرة الجنائية الذي جاء فيه‪ " :‬كل متهم أو مشبوه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا‪"...‬‬
‫‪ 25‬جاء في القرار‪ " :‬حيث إن إنكار المتهم لجنحة غسل المساعدة على غسل األموال سواء من خالل االستنطاق التفصيلي لدى السيد قاضي التحقيق أو أمام المحكمة‬
‫تكذبه اعترافاته المفصلة لدى الضابطة القضائية‪ ،‬كما يكذبه عجزه عن إثبات مصدر مداخيله بأي دليل مادي‪ ،‬ذلك أن وضعيته المادية‪ ،‬كما تستشف من وثائق الملف‬
‫وكذا من تصريحات زوجته‪ ....‬لدى الضابطة القضائية‪ ،‬ال يمكن لها بأي حال من األحوال أن تسمح له باقتناء مركب بحري سياحي ودراجة مائية بمبلغ يساوي ‪850‬‬
‫ألف درهم‪ ،‬إضافة إلى المصاريف اليومية الستغاللهما‪ ،".‬قرار عدد ‪ 1/964‬صادر بتاريخ ‪ 2010/09/22‬في الملف الجنحي عدد ‪ ،2010/7875‬قرار غير‬
‫منشورقرينة‬
‫‪ 26‬إلياس بوزيدي‪" :‬الركن المعنوي في جرائم األعمال بين افترا ض اإلدانة و قرينة البراءة"‪ ،‬المجلة المتوسطية للقانون واالقتصاد‪ ،‬المجلد ‪ ،5‬العدد ‪ ،2‬السنة‬
‫‪ ،2020‬ص ‪.85‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 12‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫األعمال و عن نفعيتها (المطلب األول)‪ ،‬غير أن الوصول لتطبيق العقاب كما هو معلوم يسبقه حكم قضائي و متابعة‬
‫ينبغي أن تتوفر فيها شروط الشرعية اإلجرائية و كذا الفعالية في مواكبة الجرائم ذات الطابع المالي( المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نظرية العقاب في جرائم األعمال‬

‫تجمع أغلب الدراسات المتعلقة بنظرية العقاب ‪27‬والسيما تلك المتخصصة في الجرائم االقتصادية ‪ 28‬أن‬
‫التعامل مع الجرائم ذات الطابع المالي ينبغي أن يكون مختلفا بشكل يالئم طبيعة هذه الجرائم‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن ال التشريعات‬
‫الوطنية وال االتفاقيات الدولية ذات الصلة تغلب العقوبات المالية واإلدارية على العقوبات الحبسية‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫العقوبة السالبة للحرية ال يمكن أن تشكل وسيلة رادعة لرجل األعمال الذي يمتلك الماليين مقارنة بحرمانه من أمواله‪،‬‬
‫ولعل هذا الهاجس يبدو جليا في السياسة العقابية للمشرع‪ ،‬وذلك من خالل إضفائه صفة الجنح على جرائم األعمال‬
‫عوض صفة الجنايات‪.29‬‬

‫فالسياسة العقابية في المجال االقتصادي لها هدفان أساسين‪ ،‬يتمثل األول في ردع مقترف الجريمة من العود‬
‫إلى نفس الجريمة والحيلولة دون اقتداء غيره به‪ ،‬بينما الهدف الثاني يتجلى في حماية النظام االقتصادي‪ ،‬من خالل‬
‫إعادة التوازن االقتصادي من خالل تمكين اإلدارة من استرجاع األموال المتحصلة من الجرائم‪.‬‬

‫وباالطالع على العقوبات المرصودة للجرائم االقتصادية‪ ،‬نجد أنها تتمثل في عقوبة الغرامة كعقوبة أصلية‬
‫وعقوبات تكميلية مثل المصادرة ونشر الحكم على نفقة المحكوم عليه والمنع المؤقت أو النهائي من مزاولة مهنة أو‬
‫فن أو أكثر المستغلة القتراف الجريمة المالية‪ ،‬أو حل الشخص المعنوي نهائيا بسبب استغالل أعضائه له كغطاء‬
‫الرتكاب جرائم ذات صبغة مالية‪ ،‬أما العقوبات السالبة للحرية فمدتها قصيرة لكونها ال تعدو سوى عقوبات لجنح وليس‬
‫لجنايات‪.‬‬

‫ومن األمثلة على النهج الجديد للمشرع الجنائي بصدد جرائم األعمال‪ ،‬التعديالت التي أجراها المشرع المغربي‬
‫على العقوبات المطبقة في مجال الشركات التجارية من خالل القانون رقم ‪ 20.05‬الصادر سنة ‪ ،200830‬حيث ألغى‬

‫‪27‬‬
‫‪Manuel des principes fondamentaux et pratiques prometteuses sur les alternatives à l’emprisonnement, Série de Manuels‬‬
‫‪sur la Justice Pénale, Office des Nations Unies Contre la Drogue et le Crime, Vienne , Publication Nations Unis,2008,P.3‬‬
‫‪ 28‬محي الدين أمزازي‪ " :‬العقوبة"‪ ،‬منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،1993 ،‬ص‪150.‬‬
‫‪ 29‬أحالم شميعة‪ " :‬مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪ 30‬ظهير شريف رقم ‪ 1.08.18‬صادر في ‪ 17‬من جمادى األولى ‪ 23( 1429‬ماي ‪ )2008‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 20.05‬القاضي بتغيير وتتميم القانون‬
‫رقم ‪ 17.95‬المتعلق بشركات المساهمة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5639‬الصادرة يوم اإلثنين ‪ 16‬يونيو ‪ ،2008‬ص ‪1359‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 13‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫المشرع عقوبة الحبس لحوالي ‪ 10‬جرائم‪ ،‬كما عوض العقوبات السالبة للحرية بغرامات مالية‪ ،‬وكذا تخفيض مبالغ‬
‫بعض الغرامات المالية‪ ،‬و يعلق توجه فقهي على هذا التعديل بكونه في حقيقة األمر ال يعدو سوى أن يكون تجريما‬
‫أرقى وأفضل لما كان عليه الوضع و ال يعتبر حدا من العقاب‪.31‬‬

‫وفضال عن العقوبات الزجرية السالفة الذكر‪ ،‬يالحظ أن هناك توجها حديثا بصدد نظرية العقاب في الجرائم‬
‫االقتصادية‪ ،‬فمختلف التشريعات‪ ،‬أضحت تفضل توقيع عقوبات إدارية إما إلى جانب العقوبات الزجرية‪ ،‬أو كبديل‬
‫عنها تماما‪ ،‬وهذا التوجه يدل على رغبة التشريعات في تأسيس نظرية مستحدثة للعقاب خاصة بجرائم األعمال‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬ظهر الحديث والنقاش لتأسيس قانون جنائي إداري يتدخل لعقاب مجموعة من األفعال التي‬
‫تمس بالميدان االقتصادي ‪ 32‬إلى جانب القانون الجنائي العام‪ ،‬وذلك إما للتقليل أو للحد تماما من مجال تدخل القانون‬
‫الجنائي في زجر المخالفات الماسة بمجال األعمال‪ ،‬و السماح لقانون آخر يقوم بهذا الدور في إطار ما يسمى بنظرية‬
‫بالحد من العقاب في المجال االقتصادي‪.33‬‬

‫ومن األمثلة على تطبيقات العقوبات اإلدارية الخاصة بالمجال االقتصادي‪ ،‬نجد أن التشريعات الوطنية تمنح‬
‫اختصاص توقيع العقاب إلى جهات إدارية مثل هيئة معالجة المعلومات المالية أو إدارة الجمارك أو البنك المركزي‬
‫من خالل عقوبات مهنية وإدارية كالمنع من الولوج إلى بعض المهن‪ ،‬سحب الرخص أو التوقيف لمدة معينة عم‬
‫ممارسة النشاط التجاري‪ ،‬بل أحيانا يمنح لهذه الجهات اإلدارية صالحية توقيع عقوبات مالية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪،‬‬
‫المادة ‪ 28‬من قانون مكافحة غسل األموال المغربي التي تنص على أنه‪ ":‬دون اإلخالل بالعقوبات األشد وبالعقوبات‬
‫المنصوص عليها في التشريعات المطبقة عليهم‪ ،‬يمكن معاقبة األشخاص الخاضعين ومعاقبة مسيريهم وأعوانهم‪ ،‬عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬الذين يخلون بواجباتهم المنصوص عليها في المواد‪ 3‬و‪ 4‬و ‪ 5‬و ‪ 6‬و ‪ 7‬و ‪ 8‬و ‪ 9‬و ‪ 11‬و ‪ 13‬و ‪ 13.1‬و‬

‫‪31‬‬
‫‪Hicham Hammouni : « Harmonisation de la politique d’incrimination et la vie des affaires, enjeux et perspectives à la‬‬
‫‪lumière de la charte de la réforme judiciaire », Revue Marocaine de Droit Pénal et de Sciences Criminelles, N.3, 2016,p.55‬‬
‫‪32‬‬
‫‪Sébastien Saunier : « Codifier le Droit des Sanctions Administratives, une Fiction ? » Dalloz | « Revue de science criminelle‬‬
‫‪et de droit pénal comparé », 2019, p. 31 -39‬‬
‫‪ 33‬في إطار االخذ بنظرية الحد من العقاب‪ ،‬هناك تشريعات فضلت تماما اللجوء إلى تعويض العقوبات المالية الجنائية بالعقوبات اإلدارية هو نمط‬
‫التشريع األلماني و اإليطالي‪ ،‬للتوسع في ذلك‪ ،‬راجع‪Geneviève Judith Delage: «Droit pénal des affaires» , op cit , p. 4 :‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 14‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫‪16‬أعاله‪ ،‬بعقوبة مالية تتراوح بين ‪ 20.000‬و ‪ 1.000.000‬درهم‪ ،‬تصدرها سلطات اإلشراف والمراقبة‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 13.1‬أعاله"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تطور نظرية اإلجراءات في مجال جرائم األعمال‬

‫إن المسطرة المتبعة في اكتشاف الجرائم والمتابعة إلى النطق بالحكم وتنفيذه مقيدة بمبادئ معينة تروم احترام‬
‫حقوق وحريات األفراد‪ ،‬وهو أمر يتزعزع أحيانا بصدد النظر في المساطر المتبعة بشأن كشف ومتابعة جرائم األعمال‬
‫مثل منح اختصاص قيام بالبحث التمهيدي من ضبط ومعاينة إلى جهات إدارية إما عوضا عن الشرطة القضائية التي‬
‫تعتبر صاحبة االختصاص األصيل أو إما إلى جانب الشرطة القضائية‪ ،‬وذلك بالنظر لخصوصية بعض الجرائم السيما‬
‫المتعلقة بمجال األعمال و التجارة‪ ،34‬و السند القانوني األصلي الذي فتح هذا المجال منصوص عليه في قانون المسطرة‬
‫الجنائية وذلك في المادة ‪ 27‬حيث جاء فيها‪" :‬يمارس موظفو وأعوان اإلدارات والمرافق العمومية الذين تسند إليهم‬
‫بعض مهام الشرطة القضائية بموجب نصوص خاصة‪ ،‬هذه المهام حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه‬
‫النصوص"‬

‫وعديدة هي الجهات اإلدارية ‪35‬التي صارت تتدخل في جانب التنقيب والتحري عن الجريمة‪ ،‬ومن بينها الهيئة‬
‫الوطنية لمعالجة المعلومات المالية فيما يخص جرائم غسل األموال‪ ،‬حيث تقوم طبقا لالختصاصات المخولة لها‬
‫بمقتضى المادتين ‪ 15‬و ‪ 22‬من القانون رقم ‪ 43.05‬المتعلق بمكافحة غسل األموال بالبحث عن مصدر األموال‬
‫المشتبه فيها وتتبع مسارها‪ ،36‬و كذا تلقي التصاريح باالشتباه و اإلحالة على النيابة العامة‪ ،‬كما خول المشرع الجنائي‬
‫إلى إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة القيام بمهام ضباط الشرطة القضائية من تحري وضبط الجرائم الجمركية‪،‬‬

‫‪ 34‬يوسف أسهوبة‪ " :‬النظام اإلجرائي في جرائم األعمال"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون المدني والتجاري‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية ‪ ،‬عين الشق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪ 2019‬ـ ‪ ،2020‬ص‪ 15 ,‬و ما يليها‬
‫‪ 35‬هناك جهات أخرى تتولى القيام بمهام البح ث التمهيدي غير التي سبق ذكرها في المتن‪ ،‬مثل مجلس المنافسة والهيئة الوطنية لسوق الرساميل‪.‬‬
‫‪ 36‬تنص المادة ‪ 15‬من قانون ‪ 43.05‬المتعلق بمكافحة غسل األموال‪ ":‬يعهد إلى الوحدة‪ ،‬على الخصوص‪ ،‬بالمهام التالية‬
‫‪ -‬تلقي التصاريح باالشتباه والمعلومات األخرى ذات الصلة بواحدة أو أكثر من الجرائم المشار إليها ‪...‬من مجموعة القانون الجنائي وتحليلها وتعميم نتائج‬
‫هذا التحليل؛‬
‫‪ -‬إحالة المعلومات ونتائج التحليل الذي تقوم به‪ ،‬تلقائيا أو بناء على طلب‪ ،‬إلى السلطات القضائية أو اإلدارية المختصة‬
‫وتنص المادة ‪ 22‬من نفس القانون على أنه‪ " :‬بصرف النظر عن جميع المقتضيات القانونية المخالفة‪ ،‬يجب على اإلدارات والمؤسسات العمومية واألشخاص‬
‫االعتباريين اآلخرين الخاضعين للقانون العام أو الخاص‪é&>:‬غ‪______è‬‬
‫‪ -‬إطالع الوحدة تلقائيا أو بناء على طلب منها على جميع الوثائق والمعلومات التي من شأنها أن تسهل القيام بمهامها؛‬
‫‪ -‬إشعار الوحدة بالمخالفات ألحكام هذا القانون التي يكتشفونها عند ممارسة مهامهم؛‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 15‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫هذا فضال عن انفرادها بإثارة الدعوى العمومية دون النيابة العامة كلما تعلق األمر بالمخالفات الجمركية‪ ، 37‬و كذا‬
‫إضفائها على المحاضر المحررة من طرف أعوان و موظفي إدارة الجمارك قوة ثبوتية غير قابلة إلثبات العكس‪ ،‬ما‬
‫لم يطعن فيها بالزور‪ ،‬و هو ما تم تأكيده من قبل محكمة النقض في عدة مناسبات‪ ، 38‬و توجه المشرع هذا الصدد لم‬
‫يكن محل تأييد‪ ،‬فهناك من يعارض مسألة خصوصية هذه النوعية من الجرائم و ينادي بجعلها على قدم المساواة ببقية‬
‫المبادئ الزجرية‪,39‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تقوم مختلف هذه الجهات وكل حسب االختصاصات الممنوحة لها قانونا‪ ،‬بالقيام بمهام البحث التمهيدي‬
‫من تحري عن مصادر األموال‪ ،‬وتتبع مجراها‪ ،‬والقيام بالزيارات لالطالع على الوثائق وإنجاز المحاضر‪ ،‬وأخيرا‬
‫إخطار الجهاز القضائي المكلف في حال التثبت أو االشتباه بوجود جريمة‪.‬‬

‫ومنح هذا االختصاص لجهات إدارية في نظرنا مسألة تتماشى مع طبيعة المخالفات االقتصادية التي أحيانا‬
‫تستدعي السرية والدراية الفنية التي يتوفر عليها موظفو قطاعات مهنية‪ ،‬بيد أن نجاح مرحلة البحث التمهيدي من‬
‫طرف األعوان اإلداريون مرهون بمصاحبته بتكوين قانوني متميز لألطر اإلدارية‪ ،‬باإلضافة ألهمية الخضوع‬
‫إلشراف جهاز قضائي‪ ،‬وكذا تمكين مختلف الجهات اإلدارية المنوطة بالبحث التمهيدي بوسائل واإلمكانيات المادية‬
‫مماثلة لتلك التي لدى الشرطة القضائية‪.‬‬

‫‪ 37‬للمزيد من التعمق حول الخصوصية التي تتميز بها دعاوى الجمارك‪ ،‬انظر مصطفى حسني‪ " :‬دعاوى الجمارك و إشكاالتها في ضوء القانون المغربي و‬
‫التشريع المقارن"‪ ،‬مجلة المنبر القانوني‪ ،‬العدد ‪ ،12‬ابريل ‪ ،2017‬ص‪13.‬‬
‫‪ 38‬جاء في أحد القرارات الصادرة عن محكمة النقض بشأن محاضر موظفي إدارة الجمارك‪ ... " ،‬إن حجية المحاضر المحررة من طرف موظفي و أعوان غدارة‬
‫الجمارك تكتسي قوة قانونية غير قابلة إلثبات العكس فيما يتوصلون إليه من إثبات لوقائع و معاينات تم إجراؤها بمناسبة قيامهم بمهامهم‪ "...‬قرار عدد ‪ 776‬صادر‬
‫بغرفتين بتاريخ ‪ 4‬شتنبر ‪ 2012‬في الملف الجنحي عدد ‪ ،2011/3/6/7392‬منشور بالموقع‪https://www.maroclaw.com :‬‬
‫‪39‬‬
‫‪Abdelaziz El Idrissi: « le particularisme de l’action en répression des infractions douanières », Revue Trimestrielle D’études‬‬
‫‪et de Recherches en Droit Pénal et Sciences Criminelles, Numéro double 4 et 5, Décembre 2017, p .15‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 16‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫خاتمة‬
‫يبدو مما سلف‪ ،‬أن التطور الذي طال القواعد الزجرية الخاصة بمكافحة جرائم األعمال مرده تطور وظيفة‬
‫األهداف الحديثة للمجتمع‪ ،‬والتي لم تعد رهينة بحماية مجموعة معينة من مصالح جوهرية للحياة االجتماعية القائمة‬
‫وقت التشريع‪ ،‬إلى أكثر ذلك‪ ،‬إلى وظيفية وقائية وتوجيهية أكثر من الوظيفة الحمائية‪ ،‬فالقانون الجنائي لألعمال أصبح‬
‫أكثر فاعلية‪ ،‬ويقوم بدور إيجابي حيث يتدخل من أجل دفع حركة المجتمع نحو التطور والتقدم‪ .‬وهكذا أصبحت القاعدة‬
‫القانونية تحمي مصالح أخرى تبدو جديرة بالحماية من أجل تحقيق األهداف المتطورة للمجتمع‪ .‬وبذلك تحولت وظيفة‬
‫القانون الجنائي من الحماية إلى التوجيه‪.‬‬

‫وهذه النتيجة تمت معاينتها من خالل تفحص النصوص الواردة في هذه الدراسة‪ ،‬تؤدي بنا للقول أن التغيرات‬
‫التي طرأت على بعض بنود القانون الجنائي المتعلقة بمجال األعمال مسألة منطقية وملحة تتماشى مع ضرورات‬
‫العصر‪ ،‬فاألهداف والمصالح االجتماعية التي كانت موجودة في عهد المدارس الفقهية للقانون الجنائي الحديث والتي‬
‫ابتدأت من القرن الثامن عشر لم تعد ذاتها‪ ،‬بل تغيرت وعرفت تطورا جذريا بسبب تطور الحياة االجتماعية واالقتصادية‬
‫و كذا السياسية للمجتمعات‪.‬‬

‫وكخالصة لما سبق‪ ،‬فإننا ننادي ونؤيد مسالة إقرار نظرية خاصة بالقانون الجنائي لألعمال‪ ،‬لها قواعدها‬
‫المستوحاة من سياق تطور التجارة واالقتصاد والمصالح الجديدة المواكبة للعصر‪ ،‬و من ثم قواعدها مختلفة مع القواعد‬
‫العامة للقانون الجنائي في العديد من الجوانب‪.‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 17‬‬


‫‪ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020‬‬
‫الئحة المراجع‬
‫المراجع باللغة العربية‬

‫• أحالم شميعة‪ " :‬مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي"‪ ،‬السياسة الجنائية‬
‫بالمغرب‪ :‬الواقع و اآلفاق ‪2004‬ـ ‪ ،2018‬مكتبة الرشاد‪2018 ،‬‬
‫• إلياس بوزيدي‪" :‬الركن المعنوي في جرائم األعمال بين افتراض اإلدانة و قرينة البراءة"‪ ،‬المجلة المتوسطية‬
‫للقانون واالقتصاد‪ ،‬المجلد ‪ ،5‬العدد ‪ ،2‬السنة ‪2020‬‬
‫• شادية الشومي‪ :‬محاضرات في القانون الجنائي العام" الطبعة األولى‪ ،‬دار السالم‪1997 ،‬‬
‫• عبد الحفيظ بلقاضي‪ " :‬مدخل إلى األسس العامة للقانون الجنائي" الجزء األول‪ ،‬دار األمان‪2000 ،‬‬
‫• عبد الواحد العلمي‪ ".‬شرح القانون الجنائي المغربي"‪ ،‬القسم العام‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،2018 ،‬ص‪ 305.‬و‪306‬‬
‫• محمد لشكاكي‪ ":‬التفويض التشريعي في المغرب وتونس"‪ ،‬مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬العدد‬
‫الخاص بالقانون الدستوري والمؤسسات السياسية‪ ،‬مارس ‪2020‬‬
‫محي الدين أمزازي‪ " :‬العقوبة"‪ ،‬منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫•‬
‫‪ ،1993‬ص‪150.‬‬
‫مصطفى حسني‪ " :‬دعاوى الجمارك وإشكاالتها في ضوء القانون المغربي والتشريع المقارن"‪ ،‬مجلة المنبر‬ ‫•‬
‫القانوني‪ ،‬العدد ‪ ،12‬ابريل ‪2017‬‬
‫سكينة فروج‪ ،‬آمال عيشاوي‪ " :‬تفويض التجريم والعقاب في مجال األعمال"‪ ،‬المجلة النقدية للقانون وللعلوم‬ ‫•‬
‫السياسية‪ ،‬المجلد ‪ ،16‬العدد ‪،2021 ،2‬‬
‫رنا العطور‪" :‬اقتسام مكافحة اإلجرام بين القانون والنظام في التشريع الجنائي الفرنسي"‪ ،‬مجلة جامعة النجاح‬ ‫•‬
‫لألبحاث (العلوم االنسانية) المجلد ‪2013 ،)9( ،27‬‬
‫• زكية عومري‪ " :‬جريمة غسل األموال وآليات مكافحتها" دار السالم‪ ،2015 ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرباط‬
‫• يوسف أسهوبة‪ " :‬النظام اإلجرائي في جرائم األعمال"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون المدني‬
‫والتجاري‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬عين الشق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪2019‬‬
‫ـ ‪2020‬‬

‫‪ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020‬‬ ‫‪Page 18‬‬


ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020
:‫المراجع باللغة الفرنسية‬

• Abdelaziz El Idrissi : « le particularisme de l’action en répression des infractions


douanières », Revue Trimestrielle D’études et de Recherches en Droit Pénal et
Sciences Criminelles, Numéro double 4 et 5, Décembre 2017
• Geneviève Judith Delage : « Droit pénal des affaires »,
http://bibliotheque.pssf.net/livres/droit pénal des affaires
• Hicham Hammouni : « Harmonisation de la politique d’incrimination et la vie des
affaires, enjeux et perspectives à la lumière de la charte de la réforme judiciaire »,
Revue Marocaine de Droit Pénal et de Sciences Criminelles, N.3, 2016
• Wilfrid Jeandidier : « Droit pénal des Affaires », 2 édition, Dalloz, 1996

• Marie-Line DRAGO : « Le Principe de Normativité Criminelle, Reconfiguration


du principe de Légalité Criminelle », Thèse de Doctorat en Droit Privé et Sciences
Criminelles, Université Montpellier, 2016

• Manuel des principes fondamentaux et pratiques prometteuses sur les alternatives


à l’emprisonnement, Série de Manuels sur la Justice Pénale, Office des Nations
Unies Contre la Drogue et le Crime, Vienne, Publication Nations Unis,2008

• Sébastien Saunier : « Codifier le Droit des Sanctions Administratives, une


Fiction ? » Dalloz | « Revue de science criminelle et de droit pénal comparé», 2019

ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020 Page 19


ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020
Abstract

The criminal law principles evolution to face business crimes in Moroccan law

This research deals with the issue of the transformation of some principles of criminal law from the

traditional school on which criminal law was based in order to effectively fight financial crime.

As we know, there are basic principles on which criminal law is based and upon which both criminal

justice and legal and judicial security are based.

Perhaps among the most important of these principles, there is the principle of criminal legality

advocated by the traditional school, and that punishment for crimes is taken over by the judiciary without

any other organ.

This research has some theoretical importance that is manifested in clarifying the manifestations of

the development of some of the traditional rules established in criminal law in a way that makes it

incompatible with the global principles stipulated in international conventions, which are considered

historical roots advocated by the jurisprudence schools that established modern criminal law, this study

also aims to advance the possibility of establishing a special theory for a criminal policy of business

separate from the old principles upon which criminal law was founded.

This study was carried out following a comparative analytical approach, between Moroccan and

French laws, where it was shown that this evolution that targeted some principles of criminal law became

inevitable and typical to certain crimes especially financial crime that require special treatment because

the traditional rules become not efficient to combat this kind of crimes. Without neglecting the necessity

ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020 Page 20


ReMaDAC V1 N1 (2021) 001-020
to discuss the destabilization of the rules related to the rights and freedoms of individuals caused by this

deviation from the general rules.

In the aim to discuss these points and determine the extent to which the modern rules of criminal law

depart from its historical roots, we opted to divide this study to two sections. In the first one, we deal

with the theory of criminalization in business crime, while the second one focuses on the evolution of

the theory of punishment and how to sue in business crime.

Key words: criminal law, financial criminal law, criminal policy, criminal offenses.

ReMaDAC V2 - N° 1 (2022) 001-020 Page 21

You might also like