Professional Documents
Culture Documents
تطور مبادئ القانون الجنائي من قواعد راسخة إلى قواعد جديدة في مواجهة جرائم الأعمال
تطور مبادئ القانون الجنائي من قواعد راسخة إلى قواعد جديدة في مواجهة جرائم الأعمال
زكية عومري
أستاذة باحثة بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية عين الشق -جامعة الحسن الثاني
ملخص:
يتناول هذا البحث مسألة تحول بعض مبادئ القانون الجنائي عن المرجعيات التاريخية التي أسس عليها
القانون الجنائي الحديث بغية مكافحة فعالة لجرائم األعمال ،فمن المعلوم أن هناك مبادئ أساسية يرتكز عليها
القانون الجنائي والتي تقوم عليها كل من العدالة الجنائية واألمنين القانوني والقضائي ،ولعل من أهم هذه
المبادئ ،مبدأ الشرعية الجنائية الذي نادت به المدرسة التقليدية ،وأن العقاب في الجرائم يتواله القضاء دون
غيره من األجهزة األخرى .
ويثير هذا البحث أهمية نظرية تتجلى في توضيح مظاهر تطور بعض القواعد التقليدية الراسخة في القانون
Correspond auteur : الجنائي بشكل جعله يخرج عن المبادئ العالمية المنصوص عليها في المواثيق الدولية التي تعتبر جذورا
zakiaomri@gmail.com تاريخية نادت بها المدارس الفقهية المؤسسة للقانون الجنائي الحديث ،كما تصبو هذه الدراسة للقول بإمكانية
التأسيس لنظرية خاصة بسياسة جنائية لألعمال منفصلة عن المبادئ القديمة التي أسس عليها القانون الجنائي.
Accepté le : 25/08/2023
وتمت دراسة هذا البحث وفق منهج تحليلي مقارن ،بين القانونين المغربي والفرنسي ،حيث تبين أن هذا
التطور الذي طال بعض مبادئ القانون الجنائي صار أمرا محتوما ،ومقترنا بجرائم معينة السيما جرائم األعمال
التي تقتضي معالج ة خاصة ال يمكن للقواعد التقليدية للقانون الجنائي أن تسعف في مكافحة هذه النوعية من
الجرائم .هذا مع مناقشة ما يثيره هذا الخروج عن القواعد العامة من زعزعة للقواعد المتعلقة بحقوق وحريات
األفراد التي ال طالما نادت بها المدارس الفقهية للقانون الجنائي الحديث.
ولإلحاطة بهذه الجوانب والوقوف على مدى خروج القواعد الحديثة للقانون الجنائي عن الجذور التاريخية
المؤسسة له ،ارتأينا تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين ،حيث نتناول في المبحث األول نظرية التجريم في جرائم
األعمال ثم نعرض في مبحث ثان إلى تطور نظرية العقاب والمتابعة في جرائم األعمال.
الكلمات الدالة :القانون الجنائي ـ القانون الجنائي لألعمال ـ السياسة الجنائية ـ جرائم األعمال.
المقدمة
أدى التطور الذي عرفه العالم ،إلى إحداث عدة تغيرات في المجتمعات وذلك على عدة مستويات؛ من رفاه
اقتصادي واجتماعي وثقافي ،حيث تغير نمط العيش ،من سرعة في التعامل واألداء وتداول األخبار ،فالتطور لم يكن
إيجابيا وحسب ،وإنما سلبيا أيضا ،حيث تفشت الجريمة السيما من ناحية طرق ارتكابها ،إذ تطورت أساليبها ،وتقنياتها،
بشكل أصبح تتبع المجرمين وكشف الجريمة صعبا باالستناد للمبادئ التي أسس في ضوئها القانون الجنائي المعاصر.
وتأسيسا على ما سلف ،فإن منطق األشياء يقتضي مواكبة التغيير على مستوى بعض النظريات المؤسسة
للقانون الجنائي ،وهو ما حققه الفكر الجنائي الحديث ،الذي قام بتطوير القواعد الجنائية من حين آلخر ،1إذ يالحظ من
خالل استقراء العديد من نصوص التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية ،إنشاء جرائم حديثة وبروز قواعد جديدة ال
سيما فيما يخص الجرائم الماسة بمجال المال واألعمال ،ومن هنا أصبحنا نقرأ ونسمع عن وجود لقانون جنائي
لألعمال ،2له تقنيات خاصة في التجريم تتعارض في العديد من الحاالت عن القواعد المألوفة في القانون الجنائي
والمؤسسة له في ظل المدارس الحديثة ،من هنا يجدر بنا تحديد المقصود بالقانون الجنائي لألعمال حتى نعمل على
اإلحاطة بمظاهر التطور الذي طاله.
نتناول في هذه الدراسة مبادئ القانون الجنائي من حيث التطورات التي عرفتها وذلك منذ تأسسها في منتصف
القرن الثامن عشر ،على يد المدارس الفقهية الفكرية للقانون الجنائي الحديث ،إذ عملت هذه المبادئ على تغيير الوضع
القاسي الذي كانت تعرفه المجتمعات في التجريم والعقاب ،وعلى الحد من سلطات القضاء الذي كان يلعب دور القاضي
والمشرع في نفس اآلن ،وتتلخص أهم هذه المبادئ في مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ،ومبدأ شخصية العقوبة ،ومبدأ
عدم رجعية القوانين ،والتشدد في تفسير القواعد الجنائية ....
1ذلك أن التغيير أمر بديهي يواكب طبيعة القاعدة القانونية التي مآلها التغير والتطور وليس الثبات الذي ال يعدو إال أن يكون مؤشرا على الجمود والتخلف ،فمن
خصائص القاعدة القانونية أنها اجتماعية ،وبذلك فليس من شأنها الثبات لمدة طويلة ،بل مواكبة تغير حاجيات ومتطلبات المجتمع.
2تعريف للقانون الجنائي لألعمال ليس واضحا ومحددا ،ألنه مفهوم حديث نسبيا ،استعملته ألول مرة األستاذة دلماس مارتي ،وقبل ذلك كان يستعمل لفظ القانون
الجنائي االقتصادي أو ا لقانون الجنائي للمقاولة للداللة على الجرائم التي تمس المجال االقتصادي سواء تعلق باإلنتاج بكافة أنواعه أو استهالك البضائع والمعامالت
المالية وتقديم الخدمات.
فمن حيث التجريم خرجت قواعد القانون الجنائي عن مبدأ اليقين القانوني ،وكذا مبدأ الشرعية الجنائية؛ أما
من حيث اإلثبات ،خرج عن قاعدة أن األصل في اإلنسان هو البراءة؛ إذ قلب نظرية عبء اإلثبات ،وفي العقاب خرج
عن مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية وغيرها .مما جعله فرعا مستقال بذاته وله خصوصيته ،نظرا الرتباطه
باعتبارات السياسة االقتصادية والمالية للدولة.
ويقصد بجرائم األعمال محور الدراسة تلك الجرائم التي تمس مجاالت التجارة واألعمال مثل جرائم الشركات
وجرائم النقود والصرف والجرائم الضريبية والجمركية وجرائم السوق المالية وغسل األموال وجرائم الملكية
الصناعية ،وعموما كل األفعال التي تشكل ضررا أو تهديدا يمس كل المجاالت الحيوية في البالد ،خاصة المجال
االقتصادي سواء تعلق باإلنتاج بكافة أنواعه أو استهالك البضائع والمعامالت المالية وتقديم الخدمات.4
وعليه ،يطرح هذا الموضوع أهمية نظرية مهمة تتجلى في البحث في دراسة مظاهر تطور قواعد القانون
الجنائي لألعمال ومن ثم مناقشة مدى إمكانية التأسيس لنظرية خاصة بجرائم األعمال مخالفة للنظرية العامة للقانون
الجنائي.
3جرائم األعمال هي جرائم متناولة بالتنظيم من خالل فروع وأقسام في قوانين تنظيمية وتأسيسية لمجاالت اقت صادية ،وكمثال على ذلك القانون التجاري أو قانون
الشركات التي لها طابع مزدوج؛ إذ أنها تتضمن جزءا يتعلق بأحكام تأسيس وتنظيم المجال من الناحية اإلدارية والتعاقدية في إطار القوانين المدنية والتجارية .وجزءا
محددا في نصوص زجرية تحدد الجرائ م التي تقع بالمخالفة للقواعد المنظمة للمهنة أو النشاط المعين .وذلك دون عرض األحكام العامة المتعلقة بالتجريم والعقاب
المنصوص عليها بالقانون الجنائي العام.
4
Wilfrid Jeandidier : « Droit pénal des Affaires », 2 édition, Dalloz, 1996 ,p 61
إن كان الخروج عن األحكام العامة والمرتكزات األصولية له مبرراته ،كون طبيعة الحياة اإلنسانية تقتضي
التطور ،مما يتحتم معه أحيانا تجاوز مبادئ وأحكام كانت تعد في زمن قديم من المسلمات ،فإن إشكال البحث ال يدور
فقط حول فكرة هذا الخروج بقدر ما يدور حول أشكاله ومبررات هذا التغيير وأثره ومداه.
وفي هذا الصدد نتساءل عن مظاهر تطور قواعد القانون الجنائي لألعمال للقواعد الجنائية الراسخة ومداها؟
إن الوقوف على هذا اإلشكال يقتضي بنا الدفاع عن تأسيس نظرية خاصة بجرائم األعمال مخالفة للقواعد
التقليدية الزجرية ،وهو ما يستدعي التسلح بمجموعة من البراهين والمعطيات ،ألن األفكار الحديثة والقواعد الجديدة
تصطدم مع مبادئ الحقوق والحريات التي ال يمكن التنازل عنها .فهنا نبحث أيضا في إمكانية التوفيق بين نظريات
جديدة للقانون الجنائي لألعمال تساهم في تتبع المجرمين والحد من الجريمة االقتصادية والمالية وبين الحفاظ على
الحقوق والحريات المكتسبة.
-3منهج الدراسة
سنتناول دراسة هذا البحث وفق منهج تحليلي مقارن ،وذلك بين المشرعين المغربي والفرنسي من جهة ،وبين
النصوص الجنائية فيما بينها من جهة أخرى ،إذ نقارن بين النصوص القديمة والنصوص الحديثة وما طالها من تعديل،
من خالل تحليل مقتضياتها وذلك إلبراز مدى التطور الحاصل في القواعد الجنائية من أجل مكافحة جرائم األعمال
وفهم تداعيات هذا التغيير ،هذا مع االستعانة بالمنهج التطبيقي من خالل إدراج بعض القرارات القضائية.
-4خطة الدراسة
انطالقا مما ما سبق ،سنعمل في هذه الدراسة من ناحية أولى على الوقوف على الحاالت التي خرج فيها
القانون الجنائي لألعمال عن أصول قواعد القانون الجنائي من خالل المتغيرات التي طالت نظرية التجريم وكذا
تطبيقاتها (المبحث األول) ،ثم نعرض من ناحية ثانية لتطور أشكال العقاب والمتابعة في جرائم األعمال (المبحث
الثاني).
عرفت نظرية التجريم تغيرات ،ولم تبق ثابتة ،حيث طال التغيير كل أركان جريمة األعمال ،إلى حد يمكن
القول بأننا أصبحنا أمام نظرية خاصة بجرائم األعمال دون بقية الجرائم التي تخضع للنظرية العامة للقانون الجنائي.
وللوقوف على المتغيرات التي عرفتها نظرية التجريم ،سنتناول األركان األساسية في تكوين الجريمة ،أي كل
من الركن القانوني للجريمة ،والمتمثل في النص القانوني المكتوب (المطلب األول) الذي يحدد النشاط اإلجرامي
ونتيجته (المطلب الثاني) ،والركن المعنوي للجريمة (المطلب الثالث).
الركن القانوني أو الشرعي للجريمة هو تلك القاعدة القانونية المحددة ألركان الجريمة وأيضا لعنصر العقاب
عليها ،فهي إذن وسيلة المشرع في التعبير عن إرادته لتحديد ما يعتبره جريمة من سلوك األفراد والجزاءات المترتبة
عن مخالفتهم للقاعدة القانونية.
ويرتكز هذا الركن على مبدأ الشرعية ،فهو قوامه الذي ال يمكن أن يقوم إال به ،والذي يعني من جهة أنه ال
يمكن متابعة شخص وتوقيع العقاب عليه إال بوجود نص قانوني محددا تحديدا كافيا بشكل ال يسمح للملزمين االعتذار
بجهله ،ويعني من جهة أخرى أنه ينبغي أن يكون القانون هو المصدر الوحيد الذي يخضع له التجريم والمتابعة والعقاب
وليس غيره من لوائح أو مراسيم.
وقد عرف مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ـ الذي ناضلت من أجله األمم ،ونادت به المدرسة التقليدية األولى،5
حتى صار مبدأ دستوريا لدى جميع التشريعات ـ مجموعة من المتغيرات جاءت على إثر تطور نمط عيش المجتمعات
وأيضا على إثر طفرات اقتصادية ،فما هي هذه المتغيرات ،وما مبرراتها ،وهل يصل مداها إلى درجة الحد من حقوق
وحريات األفراد؟
سنحاول الوقوف على هذه المتغيرات من خالل تقنيات التجريم والعقاب في صياغة النص الزجري لجرائم
األعمال ،والجهة المصدرة للنص القانوني الزجري.
5المدرسة التقليدية األولى هي من المدارس األولى المؤسسة للقانون الجنائي الحديث ،تأسست في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ،و من أبرز زعمائها بيكاريا
و فيورباخ ،و من أهم ما نادت به هو إقرار مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات تحقيقا للمساواة بين األفراد في العقاب والتنديد بالعقوبات القاسية آنذاك ،شادية الشومي
" :محاضرات في القانون الجنائي العام" الطبعة األولى ،دار السالم ،1997 ،ص.8.
إن األصل في السياسة الجنائية أن السلطة التشريعية هي صاحبة االختصاص األصيل تطبيقا لمبدأ الفصل بين
السلطات ،وذلك دون السلطة التنفيذية أو القضائية ،فال يجوز من جهة إنشاء جريمة أو تقرير عقوبة إال بتشريع صادر
عن السلطة التشريعية ،ومن جهة أخرى يمنع على القاضي توقيع عقوبة لم يصدر بشأنها تشريع جنائي معين ،هو ما
كرسه و الذي جاء فيه الفصل 3من مجموعة القانون الجنائي المغربي " :ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل ال يعد جريمة
بصريح القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون ،".هذا بخالف المجاالت القانونية األخرى حيث يجوز فيها
ل لقاضي في حال غياب نص قانوني اللجوء إلى مصادر احتياطية أخرى من عرف ومبادئ للشريعة اإلسالمية أو
القانون الطبيعي.
لكن ،يالحظ أن مهمة التشريع في المجال الجنائي أصبحت تعرف تقلصا وانكماشا لفائدة السلطة التنفيذية ،التي
شرعت في تولي هذه المهمة كلما تعلق األمر بالتشريع الجنائي لألعمال (أوال) ،فما هي حدود تدخل السلطة التنفيذية
في هذا المجال وهل الحجج التي يستند عليها أصحاب هذا االتجاه مبررة؟
وفضال عن تقنية التفويض التشريعي التي أضحت مستعملة بكثرة في مجال جرائم األعمال ،فإن هناك تقنيات
أخرى يعوزها الوضوح ،وتتمثل في كل من تقنية التجريم على بياض ،التي يقصد بها قيام المشرع بتجريم الفعل في
نص قانوني معين ،دون تحديد العقاب المخصص له( ،ثالثا) أو إحالته على نص آخر يحدد عقاب الجريمة ،وهي ما
يسمى بتقنية اإلحالة (ثانيا).
يقصد بالتفويض التشريعي كل ترخيص يمنحه البرلمان للحكومة بممارسة الوظيفة التشريعية في مجال محدد
و لفترة زمنية محددة و لتحقيق غاية معينة 6و ذلك باالستناد على نص صريح من الدستور يجيز له ذلك وفق شروط
معينة أو بناء على عرف دستوري.7
6محمد لشكاكي ":التفويض التشريعي في المغرب وتونس" ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،العدد الخاص بالقانون الدستوري والمؤسسات السياسية،
مارس ،2020ص .238
7سكينة فروج ،آمال عيشاوي " :تفويض التجريم والعقاب في مجال األعمال" ،المجلة النقدية للقانون وللعلوم السياسية ،المجلد ،16العدد ،2021 ،2ص3.
والتفويض التشريعي مبدأ منصوص عليه دستوريا في مختلف الدساتير العالمية ،فمثال ينص الدستور المغربي
في الفصل 70على أنه " للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ،ولغاية معينة ،بمقتضى
مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها" ،9وبذلك فإعماله مسألة مشروعة ،وال تمس بالشرعية الجنائية ،غير أنه
ينبغي أن يكون مجال إعمالها استثنائيا ،يؤخذ بها في أضيق الحدود مثل ظروف الكوارث والحروب ،حيث يتعذر على
السلطة التشريعية سن القانون في ظرف وجيز تستدعيه مواكبة الظروف الطارئة والخاصة.
لكن الواقع أصبح يشهد العكس ،إذ أصبحت القاعدة معكوسة في مجال جرائم األعمال ،حيث تتولى السلطة
التنفيذية التشريع فيما يخص جرائم األعمال أكثر مما قد تتواله السلطة التشريعية ،والمبررات لهذا النهج تتحدد أساسا
في كون المشرع في نطاق التجريم االقتصادي ال يساير جمود القاعدة الجنائية التقليدية ،وأن التشريع في مجال جرائم
األعمال يتطلب دراية فنية قد ال تتوفر إال لدى السلطة المعنية بالتفويض ،وكذا تمكين السلطة التنفيذية من مواجهة
الظواهر االقتصادية.10
وما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد ،أن ما يقصد بالتفويض تحديدا في التشريع الجنائي ليس تجريم أفعاال لم
ينص عليها نص تشريعي سابق ،وإنما ما يقصد به أساسا تحديد عناصر الجريمة في أدق جزئياتها ،والمبرر لهذا
التفويض هو أن المجال االقتصادي يتسم بالتطور والحركية ودراية فنية ،وهو ما ال تستطيع القاعدة الجنائية التقليدية
مسايرته ،لذا تم التنازل لإلدارة القيام بمهمة التشريع في جرائم األعمال من خالل إصدار اللوائح وذلك بالنظر لما
تضطلع به من قدرات.11
8رنا العطور" :اقتسام مكافحة اإلجرام بين القانون والنظام في التشريع الجنائي الفرنسي" ،مجلة جامعة النجاح لألبحاث (العلوم االنسانية) المجلد ،2013 ، )9( ،27
ص1825.
9ينص الدستور الفرنسي أيضا على نفس المقتضى وذلك في الفصل 38منه و الذي جاء فيه:
« Le Gouvernement peut, pour l'exécution de son programme, demander au Parlement l'autorisation de prendre par
» ordonnances, pendant un délai limité, des mesures qui sont normalement du domaine de la loi.
10سكينة فروج ،آمال عيشاوي " :تفويض التجريم والعقاب في مجال األعمال" مرجع سابق ،ص326.
11أحالم شميعة " :مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي" ،السياسة الجنائية بالمغرب :الواقع واآلفاق 2004ـ ،2018مكتبة
الرشاد ،2018 ،ص94.
وهكذا ،يبدو أن هناك تطورا وتغيرا مع الزمان بخصوص السلطة المختصة بالتشريع في المجال الجنائي،
إذ أصبحت السلطة التنفيذية تتقاسم مع السلطة التشريعية الحق في التشريع الجنائي ،و من ثم فمصدر القاعدة الجنائية
لم يعد محصورا في القانون الجنائي وحده الصادر عن السلطة التشريعية ،بل أصبحت مجموعة من اللوائح الصادرة
عن السلطة التنفيذية مصدرا للتشريع الجنائي 13،حيث أصبح التفويض التشريعي مسألة مقبولة ومعموال بها من لدن
العديد من التشريعات في المجال الجنائي ،السيما فيما يخص جرائم األعمال.
ويعتبر تعدد مصادر التجريم من العيوب التي وجهت لهذه التقنية على أساس أنها تؤدي إلى تضخم تشريعي،
يصعب معه اإلحاطة بجميع النصوص التشريعية ذات الصلة.14
يقصد باإلحالة في القانون الجنائي ،تجريم المشرع لفعل معين ثم إحالته على نص آخر ألجل تحديد مفهومه
أو كيفية تطبيقه أو النص على عقوبة له في مقتضى آخر ،وميزة هذه التقنية أو الهدف منها هو تجنب اإلطناب وتفادي
التكرار.15
ونميز في االحالة كتقنية قانونية بين إحالة داخلية؛ فيحيل المشرع على نص آخر في ذات المجموعة الجنائية؛
و مثاله المادة 37من قانون حرية األسعار و المنافسة حيث يحيل على العقوبة المنصوص عليها في المادة 39من
12ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77.339بتاريخ 25شوال 9( 1397أكتوبر )1977يصادق بموجبه على مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الراجعة
إلدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ،كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم 99.02المصادق عليه بالظهير رقم 222-00-1بتاريخ
2ربيع األول 5 1421يونيو 2000
13
Marie-Line DRAGO : « Le Principe de Normativité Criminelle, Reconfiguration du principe de Légalité Criminelle »,
Thèse de Doctorat en Droit Privé et Sciences Criminelles, Université Montpellier, 2016, P. 133.
14أحالم شميعة " :مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي ،مرجع سابق ،ص94.
15
Marie-Line DRAGO : « Le Principe de Normativité Criminelle, Reconfiguration du principe de Légalité Criminelle »,
Op.cit., p. 132.
وتعتبر األفعال المجرمة في إطار القانون الجنائي لألعمال مجاال خصبا لهذه التقنية التي تتنافى ومبادئ
الشرعية الجنائية الهادفة لتحقيق األمن القانوني المتوخى من التشريع عموما والتشريع الجنائي خصوصا ،إذ يضطر
المهتم والباحث إلى التنقيب عن النصوص المتضمنة للعقاب ،والتي بدورها قد تكون متعددة ومتفرقة ،وهي مهمة
ليست باليسيرة وهو ما يضرب قاعدة األمن القانوني.
التجريم على بياض ،هو نوع من التفويض التشريعي ،يتراخى فيها شق الجزاء عن شق التكليف والذي يحدد
بناء على قاعدة أخرى غير جنائية ،19أي أن يكتفي المشرع بتحديد العقاب فقط دون األفعال المعاقب عليها تاركا
السلطة التنفيذية مهمة تحديدها من خالل نصوص غير زجرية.
وتطبيقات التجريم على بياض معتمدة من قبل المشرع المغربي ومن قبل تشريعات عديدة ،كالنصوص
المنظمة لمجال األعمال خاصة ميدان الجمارك ومجال الصرف ،ففي التشريع المغربي نجد الفصل 287من القانون
16تنص المادة 37من قانون حرية األسعار والمنافسة على أنه" :إ ذا لم تعارض إحدى الهيئات أو المنشآت صحة المؤاخذات المبلغة إليها ،جاز للمقرر العام أن يقترح
على مجلس المنافسة ،الذي يستمع إلى األطراف ومندوب الحكومة دون إعداد تقرير مسبق ،الحكم بالعقوبة المالية المنصوص عليها في المادة 39من هذا القانون
مع األخذ بعين االعتبار غياب أي اعتراض .وفي هذه الحالة ،يقلص المبلغ األقصى للعقوبة المحكوم بها إلى النصف" .ظهير شريف رقم 1.14.116صادر في 2
رمضان 30( 1435يونيو )2014بتنفيذ القانون رقم 104.12المتعلق بحرية األسعار والمنافسة ،الجريدة الرسمية عدد 6276الصادرة بتاريخ 26رمضان 1435
( 24يوليو ،)2014ص6077
17
Geneviève Judith Delage : « Droit pénal des affaires », http://bibliotheque.pssf.net/livres/droit pénal des affaires
18تنص المادة 41من قانون حرية األسعار والمنافسة على أنه ":يجوز منح إعفاء كلي أو جزئي من العقوبات المالية لمنشأة أو هيأة ،قامت مع أطراف أخرى
بممارسة محظورة بموجب مقتضيات المادة 6من هذا القانون ،إذا ساهمت في إثبات وقوع الممارسة المحظورة وتحديد مرتكبيها ،من خالل تقديم معلومات لم تتوفر
لمجلس المنافسة أو اإلدارة من قبل .وتبعا لتصرف المنشأة أو الهيأة ،فإن مجلس المنافسة ،بطلب من المقرر العام أو اإلدارة ،يصدر لهذه الغاية رأيا باإلعفاء يحدد
الشروط التي يخضع لها اإلعفاء المزمع ،بعد تقديم مندوب الحكومة والمنشأة أو الهيأة المعنية لمالحظاتها ،ويوجه هذا الرأي إلى المنشأة أو الهيأة وإلى اإلدارة ،وال
يتم نشره .وتزامنا مع القرار المتخذ تطبيقا للمادة 39أعاله ،يجوز لمجلس المنافسة ،إذا تم احترام الشروط المحددة في رأي اإلعفاء ،منح إعفاء من العقوبات المالية
يتناسب مع المساهمة المقدمة إلثبات المخالفة.
وتحدد كيفيات تطبيق هذه المادة بنص تنظيمي"
19عبد الحفيظ بلقاضي " :مدخل إلى األسس العامة للقانون الجنائي" الجزء األول ،دار األمان ،2000 ،ص118.
و يبرر لجوء المشرع لهذه التقنية أن السلوك الذي يتكون منه شق التكليف عادة ما يكون شديد االرتباط ببعض
فروع القانون األخرى التي تختلف في مداها والغايات المرسومة لها عما هو مرتبط بالقاعدة الجنائية مثل األنشطة
االقتصادية أو البيئية ،فهذه المجاالت السيما االقتصادية يخضع تقنينها إلى ظروف تاريخية واجتماعية معينة تتسم
بتطور بوثيرة سريعة ،يتحتم معه مواكبة المشرع لها ،و هو الشيء الذي يجعل القاعدة الجنائية معرضة للتعديل
باستمرار و هو ما يعرض القاعدة الجنائية إلى انعدام األمن القانوني و صعوبة في التطبيق ،و من ثم ،استدعت ضرورة
تقنين القاعدة الجنائية ترك مهمة النص على السلوك المجرم إلى قاعدة أخرى غير جنائية عوضا عن القاعدة الجنائية
نفسها التي يتعين أن تتسم بقدر معين من الثبات.20
ويبدو مما سبق أن مبدأ الشرعية بمفهومه الدقيق الذي ال يعني فقط وجود نص قانوني ،وإنما تحديد هذا النص
تحديدا دقيقا أصبح متجاوزا فيما يخص جرائم األعمال ،وهذا يفيد أن مفهوم الشرعية بدوره خضع للتعديل أو التطور،
حيث أصبح مطاطا أو مرنا ،وهو أمر فرضته مسألة التضخم التشريعي وأيضا طبيعة المجاالت المتعددة ذات الطبيعة
االقتصادية التي يخترقها القانون الجنائي.
يتمثل الركن المادي للجريمة في كل من النشاط اإلجرامي والنتيجة اإلجرامية وعالقة سببية رابطة بينهما،
وما يميز توجه المشرع في تحديد نوعية الجرائم أن معظمها إيجابية ومحدثة ألضرار على المجتمع ،فكان ذلك هو
سبب تدخل المشرع الجنائي ،فالقانون الجنائي قائم أساسا على فكرة تجريم األفعال المشكلة للضرر أكثر من جرائم
الخطر ،إذ نجد الفصل األول من مجموعة القانون الجنائي المغربي ينص على أنه " :يحدد التشريع الجنائي أفعال
اإلنسان التي يعدها جرائم ،بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ،ويوجب زجر مرتكبيها"....
20عبد الحفيظ بلقاضي " :مدخل إلى األسس العامة للقانون الجنائي" ،مرجع سابق ،ص119.
وهكذا ،فمن حيث السلوك اإلجرامي ،يالحظ في مجال جرائم األعمال تنامي عدد الجرائم السلبية مقارنة
بالجرائم اإليجابية ،كما هو الحال في جرائم غسل األموال ،حيث يتابع المستخدم في أحد المؤسسات الخاضعة لقانون
غسل األموال والملزمة بالتصريح باالشتباه باإلهمال عن التبليغ عن االشتباه بجنحة غسل األموال في حال إغفاله القيام
بهذا الواجب للهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية ،أو في قانون الشركات ،حيث يعاقب المشرع عن االمتناع عن
التسجيل في السجل التجاري وعن التبليغ بالنسبة لمراقب الحسابات.
أما بالنسبة لصور وأشكال الركن المادي لجرائم األعمال ،فهي بدورها تشهد تميزا و تغيرا عن المألوف في
القواعد العامة للقانون الجنائي ،ففي هذا الصدد يالحظ تشدد المشرع بشأن وصف االشتراك في الجريمة ،ذلك أن
التشريعات الوطنية جعلت من بعض األفعال التي ال تشكل جرائم قائمة بذاتها صفة الجريمة المستقلة ،إذ أصبح من
الممكن متابعة الشخص دون قيامه بالجريمة األصلية ،22مثل اعتبار بعض أفعال المساعدة في جريمة غسل األموال
التي ال ترقى في األصل لفعل مستقل إلى جريمة تامة ،حيث نص الفصل 574في الفقرة السادسة من قانون مكافحة
غسل األموال المغربي على أنه " :تقديم المساعدة أو المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال أو
تحويل أو نقل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة في
الفصل 574.2بعده".
أما من حيث النتيجة اإلجرامية فيالحظ تجريم أفعال الخطر أكثر من تجريم أفعال الضرر ،وبذلك تم تغليب
الجرائم الشكلية أكثر من الجرائم المادية ،حيث يكتفي المشرع الجنائي بالسلوك اإلجرامي لقيام الجريمة تامة ،وسواء
تحققت نتيجة إجرامية أم ال ،فيتدخل المشرع بمجرد المحاولة ،إذ اعتبرها بصريح القانون مساوية للجريمة التامة،
وهذا النهج يفسر على أن المشرع عند تدخله بالتجريم في ميدان األعمال ال يقيم وزنا لتحقق النتيجة مما يؤدي الى
21الجرائم الشكلية أو جريمة الخطر هي التي ال يشترط المشرع لقيام ركنها المادي ضرورة تحقق نتيجة معينة ،فال يكترث المشرع ما قد ينجم عنها من أضرار
بقدر ما يهتم لألخطار المحتملة التي قد تترتب عنها والتي قد تعرض المصالح األساسية للمجتمع ،بينما الجرائم المادية أو جرائم النتيجة فيتطلب لقيام ركنها المادي
صدور نشاط إجرامي و تحقق نتيجة معينة سواء كان هذا النشاط إيجابيا أم سلبيا ،راجع في ذلك :عبد الواحد العلمي ".شرح القانون الجنائي المغربي" ،القسم العام،
الطبعة الثامنة ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،2018 ،ص 305.و.306
22زكية عومري " :جريمة غسل األموال وآليات مكافحتها" دار السالم ،2015 ،الطبعة األولى ،الرباط ،ص235 .
المطلب الثالث :تقلص الركن المعنوي من أجل مكافحة فعالة لجرائم األعمال
يمثل الركن المعنوي األصول النفسية لماديات الجريمة والمسيطرة عليها ،ألن هذه الماديات ال يعنى بها
المشرع مبدئيا إال إذا صدرت عن إرادة تتحمل العقاب المقرر عليها.
ومبدئيا فإن كل الجنايات والجنح عمدية ،تتطلب عنصري العلم واإلرادة ،إال أنه استثناء يمكن تقرير أن الجنح
ترتكب خطأ طبقا للفصل 133من مجموعة القانون الجنائي المغربي ،وذلك حسب ما تقتضيه طبيعة الجريمة،
والسياسة الجنائية المتخذة بشأن مكافحتها.
وعليه ،فإن الركن المعنوي للجريمة يتخذ صورتين رئيستين بالنسبة للجنح :األولى وهي القصد الجنائي حيث
تكون اإلرادة فيها مسيطرة بشكل تام على ماديات الجريمة ،والثانية وهي الخطأ غير العمدي ،ال تقوم فيه السيطرة
الفعلية لإلرادة إال على بعض ماديات الجريمة ،إذ في القصد يعلم الجاني بكافة ماديات الجريمة ويريدها ،في حين ال
يتوافر في الخطأ غير العمدي العلم إال ببعض هذه العناصر وإرادة بعضها ،إذ تقصد إرادة الجاني السلوك اإلجرامي
دون النتيجة اإلجرامية.
وباستقراء معظم جرائم األعمال ،يالحظ أن المشرع أضفى من ناحية صفة المخالفة على عدد ال بأس به من
الجرائم االقتصادية ،وكما هو معلوم فالمخالفات ال يتطلب لقيامها وجود ركن معنوي ،ويالحظ من ناحية أخرى أن
بعض الجنح المصنفة ضمن جرائم األعمال ،إما تفتقد لعنصر العمد فترتكب باإلهمال على غرار المخالفات وإما أن
المشرع اكتفى فيها فقط بالقصد العام للجريمة دون القصد الخاص ،وهو ما يزيد من فرص المتابعة بشكل أكبر.
وتأسيسا على ما سبق ،يستنتج أن هذا الركن لم يبق محافظا على قواعده األصولية ،بل صار يتسم بالضعف،
حيث تم استبعاد الخطأ في جريمة األعمال ،فتمت تسوية العمد واإلهمال ،فيستخلص العمد بمجرد اإلهمال ،وهنا يمكن
القول إن القصد الجنائي أصبح مفترضا في جرائم األعمال.23
23أحالم شميعة " :مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي" ،مرجع سابق ،ص.99.
ويرجع سبب افتراض الركن المعنوي هو الصعوبات التي تواجهها سلطات االتهام في إثبات جرائم األعمال،
وذلك بالنظر للدور الذي يقوم به مجرمو األعمال في إخفاء معالم الجريمة ،فيعمل المشرعون والقضاة على الخروج
على القواعد التقليدية ،ألنهم يكونون في مواجهة مجرمي الياقات البيضاء ،لهم من الدراية والمكانة االجتماعية ما
يخول لهم اإلفالت من عواقب الجرائم التي يقترفونها.26
المبحث الثاني :مسايرة نظرية العقاب والمتابعة الحتياجات مكافحة جرائم األعمال
العقوبة هي ذلك النوع من الجزاء الذي يوقعه القضاء على كل من ارتكب فعال أو تركا مخالفة لقواعد القانون
الجنائي ،وذلك من أجل تحقيق الردعين العام والخاص ،وأيضا لتحقيق التوازن داخل المجتمع ،لذلك نجد تنوع في
العقوبات ،لتناسب بذلك كل عقوبة الفعل المرتكب ،وهو ما يدفع للتساؤل عن طبيعة العقوبات المرصودة لجرائم
24قرينة البراءة خصها التشريع بمكانة عليا ،حيث نص عليها دستور المملكة المغربية لسنة 2011في لفصل "23منه حيث يقول " :قرينة البراءة والحق في محاكة
عادلة مضمونان" ،و أي ضا المادة األولى من قانون المسطرة الجنائية الذي جاء فيه " :كل متهم أو مشبوه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا"...
25جاء في القرار " :حيث إن إنكار المتهم لجنحة غسل المساعدة على غسل األموال سواء من خالل االستنطاق التفصيلي لدى السيد قاضي التحقيق أو أمام المحكمة
تكذبه اعترافاته المفصلة لدى الضابطة القضائية ،كما يكذبه عجزه عن إثبات مصدر مداخيله بأي دليل مادي ،ذلك أن وضعيته المادية ،كما تستشف من وثائق الملف
وكذا من تصريحات زوجته ....لدى الضابطة القضائية ،ال يمكن لها بأي حال من األحوال أن تسمح له باقتناء مركب بحري سياحي ودراجة مائية بمبلغ يساوي 850
ألف درهم ،إضافة إلى المصاريف اليومية الستغاللهما ،".قرار عدد 1/964صادر بتاريخ 2010/09/22في الملف الجنحي عدد ،2010/7875قرار غير
منشورقرينة
26إلياس بوزيدي" :الركن المعنوي في جرائم األعمال بين افترا ض اإلدانة و قرينة البراءة" ،المجلة المتوسطية للقانون واالقتصاد ،المجلد ،5العدد ،2السنة
،2020ص .85
تجمع أغلب الدراسات المتعلقة بنظرية العقاب 27والسيما تلك المتخصصة في الجرائم االقتصادية 28أن
التعامل مع الجرائم ذات الطابع المالي ينبغي أن يكون مختلفا بشكل يالئم طبيعة هذه الجرائم ،وعليه ،فإن ال التشريعات
الوطنية وال االتفاقيات الدولية ذات الصلة تغلب العقوبات المالية واإلدارية على العقوبات الحبسية ،على اعتبار أن
العقوبة السالبة للحرية ال يمكن أن تشكل وسيلة رادعة لرجل األعمال الذي يمتلك الماليين مقارنة بحرمانه من أمواله،
ولعل هذا الهاجس يبدو جليا في السياسة العقابية للمشرع ،وذلك من خالل إضفائه صفة الجنح على جرائم األعمال
عوض صفة الجنايات.29
فالسياسة العقابية في المجال االقتصادي لها هدفان أساسين ،يتمثل األول في ردع مقترف الجريمة من العود
إلى نفس الجريمة والحيلولة دون اقتداء غيره به ،بينما الهدف الثاني يتجلى في حماية النظام االقتصادي ،من خالل
إعادة التوازن االقتصادي من خالل تمكين اإلدارة من استرجاع األموال المتحصلة من الجرائم.
وباالطالع على العقوبات المرصودة للجرائم االقتصادية ،نجد أنها تتمثل في عقوبة الغرامة كعقوبة أصلية
وعقوبات تكميلية مثل المصادرة ونشر الحكم على نفقة المحكوم عليه والمنع المؤقت أو النهائي من مزاولة مهنة أو
فن أو أكثر المستغلة القتراف الجريمة المالية ،أو حل الشخص المعنوي نهائيا بسبب استغالل أعضائه له كغطاء
الرتكاب جرائم ذات صبغة مالية ،أما العقوبات السالبة للحرية فمدتها قصيرة لكونها ال تعدو سوى عقوبات لجنح وليس
لجنايات.
ومن األمثلة على النهج الجديد للمشرع الجنائي بصدد جرائم األعمال ،التعديالت التي أجراها المشرع المغربي
على العقوبات المطبقة في مجال الشركات التجارية من خالل القانون رقم 20.05الصادر سنة ،200830حيث ألغى
27
Manuel des principes fondamentaux et pratiques prometteuses sur les alternatives à l’emprisonnement, Série de Manuels
sur la Justice Pénale, Office des Nations Unies Contre la Drogue et le Crime, Vienne , Publication Nations Unis,2008,P.3
28محي الدين أمزازي " :العقوبة" ،منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية ،مطبعة األمنية ،الرباط ،1993 ،ص150.
29أحالم شميعة " :مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي" ،مرجع سابق ،ص.111.
30ظهير شريف رقم 1.08.18صادر في 17من جمادى األولى 23( 1429ماي )2008بتنفيذ القانون رقم 20.05القاضي بتغيير وتتميم القانون
رقم 17.95المتعلق بشركات المساهمة ،الجريدة الرسمية عدد 5639الصادرة يوم اإلثنين 16يونيو ،2008ص 1359
وفضال عن العقوبات الزجرية السالفة الذكر ،يالحظ أن هناك توجها حديثا بصدد نظرية العقاب في الجرائم
االقتصادية ،فمختلف التشريعات ،أضحت تفضل توقيع عقوبات إدارية إما إلى جانب العقوبات الزجرية ،أو كبديل
عنها تماما ،وهذا التوجه يدل على رغبة التشريعات في تأسيس نظرية مستحدثة للعقاب خاصة بجرائم األعمال.
وفي هذا السياق ،ظهر الحديث والنقاش لتأسيس قانون جنائي إداري يتدخل لعقاب مجموعة من األفعال التي
تمس بالميدان االقتصادي 32إلى جانب القانون الجنائي العام ،وذلك إما للتقليل أو للحد تماما من مجال تدخل القانون
الجنائي في زجر المخالفات الماسة بمجال األعمال ،و السماح لقانون آخر يقوم بهذا الدور في إطار ما يسمى بنظرية
بالحد من العقاب في المجال االقتصادي.33
ومن األمثلة على تطبيقات العقوبات اإلدارية الخاصة بالمجال االقتصادي ،نجد أن التشريعات الوطنية تمنح
اختصاص توقيع العقاب إلى جهات إدارية مثل هيئة معالجة المعلومات المالية أو إدارة الجمارك أو البنك المركزي
من خالل عقوبات مهنية وإدارية كالمنع من الولوج إلى بعض المهن ،سحب الرخص أو التوقيف لمدة معينة عم
ممارسة النشاط التجاري ،بل أحيانا يمنح لهذه الجهات اإلدارية صالحية توقيع عقوبات مالية ،ومن األمثلة على ذلك،
المادة 28من قانون مكافحة غسل األموال المغربي التي تنص على أنه ":دون اإلخالل بالعقوبات األشد وبالعقوبات
المنصوص عليها في التشريعات المطبقة عليهم ،يمكن معاقبة األشخاص الخاضعين ومعاقبة مسيريهم وأعوانهم ،عند
االقتضاء ،الذين يخلون بواجباتهم المنصوص عليها في المواد 3و 4و 5و 6و 7و 8و 9و 11و 13و 13.1و
31
Hicham Hammouni : « Harmonisation de la politique d’incrimination et la vie des affaires, enjeux et perspectives à la
lumière de la charte de la réforme judiciaire », Revue Marocaine de Droit Pénal et de Sciences Criminelles, N.3, 2016,p.55
32
Sébastien Saunier : « Codifier le Droit des Sanctions Administratives, une Fiction ? » Dalloz | « Revue de science criminelle
et de droit pénal comparé », 2019, p. 31 -39
33في إطار االخذ بنظرية الحد من العقاب ،هناك تشريعات فضلت تماما اللجوء إلى تعويض العقوبات المالية الجنائية بالعقوبات اإلدارية هو نمط
التشريع األلماني و اإليطالي ،للتوسع في ذلك ،راجعGeneviève Judith Delage: «Droit pénal des affaires» , op cit , p. 4 :
إن المسطرة المتبعة في اكتشاف الجرائم والمتابعة إلى النطق بالحكم وتنفيذه مقيدة بمبادئ معينة تروم احترام
حقوق وحريات األفراد ،وهو أمر يتزعزع أحيانا بصدد النظر في المساطر المتبعة بشأن كشف ومتابعة جرائم األعمال
مثل منح اختصاص قيام بالبحث التمهيدي من ضبط ومعاينة إلى جهات إدارية إما عوضا عن الشرطة القضائية التي
تعتبر صاحبة االختصاص األصيل أو إما إلى جانب الشرطة القضائية ،وذلك بالنظر لخصوصية بعض الجرائم السيما
المتعلقة بمجال األعمال و التجارة ،34و السند القانوني األصلي الذي فتح هذا المجال منصوص عليه في قانون المسطرة
الجنائية وذلك في المادة 27حيث جاء فيها" :يمارس موظفو وأعوان اإلدارات والمرافق العمومية الذين تسند إليهم
بعض مهام الشرطة القضائية بموجب نصوص خاصة ،هذه المهام حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه
النصوص"
وعديدة هي الجهات اإلدارية 35التي صارت تتدخل في جانب التنقيب والتحري عن الجريمة ،ومن بينها الهيئة
الوطنية لمعالجة المعلومات المالية فيما يخص جرائم غسل األموال ،حيث تقوم طبقا لالختصاصات المخولة لها
بمقتضى المادتين 15و 22من القانون رقم 43.05المتعلق بمكافحة غسل األموال بالبحث عن مصدر األموال
المشتبه فيها وتتبع مسارها ،36و كذا تلقي التصاريح باالشتباه و اإلحالة على النيابة العامة ،كما خول المشرع الجنائي
إلى إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة القيام بمهام ضباط الشرطة القضائية من تحري وضبط الجرائم الجمركية،
34يوسف أسهوبة " :النظام اإلجرائي في جرائم األعمال" ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون المدني والتجاري ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،عين الشق ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية 2019ـ ،2020ص 15 ,و ما يليها
35هناك جهات أخرى تتولى القيام بمهام البح ث التمهيدي غير التي سبق ذكرها في المتن ،مثل مجلس المنافسة والهيئة الوطنية لسوق الرساميل.
36تنص المادة 15من قانون 43.05المتعلق بمكافحة غسل األموال ":يعهد إلى الوحدة ،على الخصوص ،بالمهام التالية
-تلقي التصاريح باالشتباه والمعلومات األخرى ذات الصلة بواحدة أو أكثر من الجرائم المشار إليها ...من مجموعة القانون الجنائي وتحليلها وتعميم نتائج
هذا التحليل؛
-إحالة المعلومات ونتائج التحليل الذي تقوم به ،تلقائيا أو بناء على طلب ،إلى السلطات القضائية أو اإلدارية المختصة
وتنص المادة 22من نفس القانون على أنه " :بصرف النظر عن جميع المقتضيات القانونية المخالفة ،يجب على اإلدارات والمؤسسات العمومية واألشخاص
االعتباريين اآلخرين الخاضعين للقانون العام أو الخاصé&>:غ______è
-إطالع الوحدة تلقائيا أو بناء على طلب منها على جميع الوثائق والمعلومات التي من شأنها أن تسهل القيام بمهامها؛
-إشعار الوحدة بالمخالفات ألحكام هذا القانون التي يكتشفونها عند ممارسة مهامهم؛
وهكذا ،تقوم مختلف هذه الجهات وكل حسب االختصاصات الممنوحة لها قانونا ،بالقيام بمهام البحث التمهيدي
من تحري عن مصادر األموال ،وتتبع مجراها ،والقيام بالزيارات لالطالع على الوثائق وإنجاز المحاضر ،وأخيرا
إخطار الجهاز القضائي المكلف في حال التثبت أو االشتباه بوجود جريمة.
ومنح هذا االختصاص لجهات إدارية في نظرنا مسألة تتماشى مع طبيعة المخالفات االقتصادية التي أحيانا
تستدعي السرية والدراية الفنية التي يتوفر عليها موظفو قطاعات مهنية ،بيد أن نجاح مرحلة البحث التمهيدي من
طرف األعوان اإلداريون مرهون بمصاحبته بتكوين قانوني متميز لألطر اإلدارية ،باإلضافة ألهمية الخضوع
إلشراف جهاز قضائي ،وكذا تمكين مختلف الجهات اإلدارية المنوطة بالبحث التمهيدي بوسائل واإلمكانيات المادية
مماثلة لتلك التي لدى الشرطة القضائية.
37للمزيد من التعمق حول الخصوصية التي تتميز بها دعاوى الجمارك ،انظر مصطفى حسني " :دعاوى الجمارك و إشكاالتها في ضوء القانون المغربي و
التشريع المقارن" ،مجلة المنبر القانوني ،العدد ،12ابريل ،2017ص13.
38جاء في أحد القرارات الصادرة عن محكمة النقض بشأن محاضر موظفي إدارة الجمارك ... " ،إن حجية المحاضر المحررة من طرف موظفي و أعوان غدارة
الجمارك تكتسي قوة قانونية غير قابلة إلثبات العكس فيما يتوصلون إليه من إثبات لوقائع و معاينات تم إجراؤها بمناسبة قيامهم بمهامهم "...قرار عدد 776صادر
بغرفتين بتاريخ 4شتنبر 2012في الملف الجنحي عدد ،2011/3/6/7392منشور بالموقعhttps://www.maroclaw.com :
39
Abdelaziz El Idrissi: « le particularisme de l’action en répression des infractions douanières », Revue Trimestrielle D’études
et de Recherches en Droit Pénal et Sciences Criminelles, Numéro double 4 et 5, Décembre 2017, p .15
وهذه النتيجة تمت معاينتها من خالل تفحص النصوص الواردة في هذه الدراسة ،تؤدي بنا للقول أن التغيرات
التي طرأت على بعض بنود القانون الجنائي المتعلقة بمجال األعمال مسألة منطقية وملحة تتماشى مع ضرورات
العصر ،فاألهداف والمصالح االجتماعية التي كانت موجودة في عهد المدارس الفقهية للقانون الجنائي الحديث والتي
ابتدأت من القرن الثامن عشر لم تعد ذاتها ،بل تغيرت وعرفت تطورا جذريا بسبب تطور الحياة االجتماعية واالقتصادية
و كذا السياسية للمجتمعات.
وكخالصة لما سبق ،فإننا ننادي ونؤيد مسالة إقرار نظرية خاصة بالقانون الجنائي لألعمال ،لها قواعدها
المستوحاة من سياق تطور التجارة واالقتصاد والمصالح الجديدة المواكبة للعصر ،و من ثم قواعدها مختلفة مع القواعد
العامة للقانون الجنائي في العديد من الجوانب.
• أحالم شميعة " :مالمح السياسة الجنائية في الجرائم االقتصادية من منظور القانون المغربي" ،السياسة الجنائية
بالمغرب :الواقع و اآلفاق 2004ـ ،2018مكتبة الرشاد2018 ،
• إلياس بوزيدي" :الركن المعنوي في جرائم األعمال بين افتراض اإلدانة و قرينة البراءة" ،المجلة المتوسطية
للقانون واالقتصاد ،المجلد ،5العدد ،2السنة 2020
• شادية الشومي :محاضرات في القانون الجنائي العام" الطبعة األولى ،دار السالم1997 ،
• عبد الحفيظ بلقاضي " :مدخل إلى األسس العامة للقانون الجنائي" الجزء األول ،دار األمان2000 ،
• عبد الواحد العلمي ".شرح القانون الجنائي المغربي" ،القسم العام ،الطبعة الثامنة ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدار البيضاء ،2018 ،ص 305.و306
• محمد لشكاكي ":التفويض التشريعي في المغرب وتونس" ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،العدد
الخاص بالقانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،مارس 2020
محي الدين أمزازي " :العقوبة" ،منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية ،مطبعة األمنية ،الرباط، •
،1993ص150.
مصطفى حسني " :دعاوى الجمارك وإشكاالتها في ضوء القانون المغربي والتشريع المقارن" ،مجلة المنبر •
القانوني ،العدد ،12ابريل 2017
سكينة فروج ،آمال عيشاوي " :تفويض التجريم والعقاب في مجال األعمال" ،المجلة النقدية للقانون وللعلوم •
السياسية ،المجلد ،16العدد ،2021 ،2
رنا العطور" :اقتسام مكافحة اإلجرام بين القانون والنظام في التشريع الجنائي الفرنسي" ،مجلة جامعة النجاح •
لألبحاث (العلوم االنسانية) المجلد 2013 ،)9( ،27
• زكية عومري " :جريمة غسل األموال وآليات مكافحتها" دار السالم ،2015 ،الطبعة األولى ،الرباط
• يوسف أسهوبة " :النظام اإلجرائي في جرائم األعمال" ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون المدني
والتجاري ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،عين الشق ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية 2019
ـ 2020
The criminal law principles evolution to face business crimes in Moroccan law
This research deals with the issue of the transformation of some principles of criminal law from the
traditional school on which criminal law was based in order to effectively fight financial crime.
As we know, there are basic principles on which criminal law is based and upon which both criminal
Perhaps among the most important of these principles, there is the principle of criminal legality
advocated by the traditional school, and that punishment for crimes is taken over by the judiciary without
This research has some theoretical importance that is manifested in clarifying the manifestations of
the development of some of the traditional rules established in criminal law in a way that makes it
incompatible with the global principles stipulated in international conventions, which are considered
historical roots advocated by the jurisprudence schools that established modern criminal law, this study
also aims to advance the possibility of establishing a special theory for a criminal policy of business
separate from the old principles upon which criminal law was founded.
This study was carried out following a comparative analytical approach, between Moroccan and
French laws, where it was shown that this evolution that targeted some principles of criminal law became
inevitable and typical to certain crimes especially financial crime that require special treatment because
the traditional rules become not efficient to combat this kind of crimes. Without neglecting the necessity
In the aim to discuss these points and determine the extent to which the modern rules of criminal law
depart from its historical roots, we opted to divide this study to two sections. In the first one, we deal
with the theory of criminalization in business crime, while the second one focuses on the evolution of
Key words: criminal law, financial criminal law, criminal policy, criminal offenses.