You are on page 1of 9

‫معهد ابن رشد حي الرياض سوسة‬ ‫اعداد وحيد الغماري‬

‫مسألة الدولة‪ :‬السيادة والمواطنة‬

‫تمهيد‪ :‬في ضرورة الدولة‬

‫إن تحقق النساني في النسان على نحو كوني‪ ،‬يفرض تجاوز الوجود النساني مستوى‬
‫الوجود المرتبط بضمان الحاجات الضرورية‪ ،‬التي تضمن شروط حفظ البقاء‪ .‬فتجاوز‬
‫مستوى الوجود الطبيعي نحو الرتقاء إلى مستوى الوجود النساني يستلزم قيام مجتمع‬
‫إنساني يكون للقيم في إطاره دللة ومعنى‪ .‬غير أننا سواء نظرنا إلى ضرورة الجتماع‬
‫النساني في علقة بمبدأ التعاون والتقسيم الجتماعي للعمل‪ ،‬أو في مستوى التأسيس لوجود‬
‫ثقافي يرتبط بالقيم والمعنى‪ ،‬نلحظ أن استمرار هذا الجتماع وتماسكه وثباته يضل غير‬
‫ممكنا‪ ،‬بسبب اختلف وتعارض مصالح الفراد وطباعهم وقيمهم‪.‬‬
‫يشترط تثبيت الوجود الجتماعي تنظيم الشأن العام‪ ،‬ويحيلنا مفهوم الشأن العام إلى احد أبعاد‬
‫الوجود النساني الساسية المتمثلة في وجوده السياسي‪ .‬يتحدد هذا الوجود السياسي بمقتضى‬
‫تنظيم الشأن العام‪ ،‬أي المجال الذي تتقاطع فيه مصالح الفراد تكامل وتناقضا‪ .‬فبقدر ما‬
‫يجعلنا وجودنا الجتماعي متعاونين متآلفين‪ ،‬باعتبار ارتباط مصلحتنا الخاصة بالخرين‪،‬‬
‫فان مصلحتنا الخاصة تكون دائما كذلك مقيدة بمصلحة الخرين‪.‬‬
‫يستلزم تجاوز مجمل هذه العوائق التي تحول دون ثبات الجتماع بما يحقق الغاية منه‪،‬‬
‫توفر سلطة تكون قادرة على تنظيم الشأن العام‪ ،‬والتوفيق بين المصالح المتقابلة بين الفراد‬
‫بما يضمن استقرار المجتمع وتماسكه‪ .‬تتحدد " السلطة بما هي البنية الساسية للسياسي"‬
‫)بول ريكور(‪ .‬إذ أن السلطة السياسية هي المقتضى الذي يضمن تنظيم الشأن العام‪ .‬تقوم‬
‫السلطة السياسية على أساس اقتران وجودها بالقوة‪ ،‬فهذا القتران هو الذي يوفر للسلطة‬
‫إمكانات الفعل والتأثير القائمة على أدوات المراقبة والعقاب‪ .‬دون توفر مثل هذه السلطة التي‬
‫تكون قادرة على كبح جميع مظاهر العنف ومعاقبة كل من يتعدى على مقتضيات الوجود‬
‫الجتماعي يتحول هذا الوجود إلى فوضى مطلقة‪ .‬على هذا الساس يمكن تعريف الدولة من‬
‫جهتين‪ :‬من جهة توفرها على ثلثة أركان هي القليم‪ ،‬والشعب‪ ،‬والسلطة السياسية‬
‫)مؤسسات الدولة وأجهزتها من حكومة وشرطة وقضاء وجيش‪ (...‬ومن جهة تمتعها‬
‫بالسيادة بمعنى توفرها على سلطة وقدرة مطلقة ل تقبل القسمة ول المشاركة ول التجزئة بما‬
‫يجعل من ممارستها للسلطة ممكنا‪.‬‬

‫‪ /1‬الدولة والسيادة‬

‫السيادة تتحدد إذا باعتبارها الخاصية المميزة لكل سلطة سياسية‪ ،‬وهي ما يضفي المشروعية‬
‫على هذه السلطة بحيث تكون سلطة الدولة هي تجسيد لسياستها‪ .‬هذا الربط بين سلطة الدولة‬
‫ومفهوم السيادة هو ما يجعل من سلطة الدولة سلطة عليا ومطلقة‪ .‬أن تتمتع الدولة بالسيادة‬
‫فإن ذلك يعني أن هذه السيادة هي منبع السلطات الخرى‪ ،‬على هذا الساس يكون للدولة‬
‫الحق المطلق في تشريع القوانين وإنفاذها دون أن تكون‪ ،‬في ذلك‪ ،‬محتاجة للرجوع إلى مبدأ‬
‫غير ذاتها‪ ،‬ول إلى مشروعية غير مشروعيتها الخاصة‪ .‬يحيل مفهوم السيادة بذلك على‬
‫معاني الهيمنة والسلطة والتحكم التي يتقوم بها وجود الدولة في إطار حدود و مجال‬
‫سلطتها الواقعي والقانوني‪.‬‬
‫إذا كانت السيادة تعني داخل حدود الدولة السلطة المطلقة والعليا‪ ،‬المحتكرة لحق سن‬
‫القوانين المنظمة لعلقة الفراد فيما بينهم‪ ،‬والسهر على فرض هيبة واحترام هذه القوانين‪،‬‬
‫فهي تفيد في إطار العلقة بين الدول استقللية الدولة عن كل سلطة خارجية‪ ،‬أي عن سلطة‬
‫أي دولة أخرى‪ .‬وبذلك فانه ل يمكن الحديث عن دولة دون توفرها عن سيادة تامة ومطلقة‬
‫بما يجعلها قادرة على بسط سلطتها وممارسة هذه السلطة في استقللية تامة عن تأثير أو‬
‫مراقبة أي دولة أخرى‪ .‬يحيل مفهوم السيادة في هذا السياق على مبدأ سيادة المة واستقلل‬
‫إرادتها في مقابل سيادة بقية الدول الخرى‪.‬‬
‫إن هذا التحديد الولي لمفهوم السيادة من خلل ربطه باحتكار السلطة داخل حدود الدولة‪،‬‬
‫على أساس انفرادها بمشروعية تشريع القوانين وإنفاذها من جهة ‪ ،‬واستقللها عن كل تأثير‬
‫أو تدخل خارجي من جهة ثانية‪ ،‬أصبح اليوم‪ ،‬وفي ضل مظاهر العولمة القتصادية‬
‫والسياسية خاصة يواجه تحديات حقيقية مع تشكل وتنامي ما أصبح يعرف بالقانون الدولي‬
‫خاصة‪ .‬إن سلطة الدولة وان بدت ل محدودة انطلقا من مبدأ السيادة إل أن التفاقات الدولية‬
‫التي نشأ عنها القانون الدولي والمؤسسات الدولية الحقوقية جعلت من مفهوم السيادة الوطنية‬
‫موضوع للمساءلة وإعادة التأسيس‪.‬‬

‫‪ /2‬السيادة ومأزق العنف‬

‫* السيادة والحاجة للعنف‬

‫يرتبط مفهوم السيادة‪ ،‬في حضارتنا المعاصرة‪ ،‬بالدولة تحديدا‪ ،‬إذ ل يمكن أن نربط أي‬
‫وجود اجتماعي سياسيي بمبدأ السيادة‪ ،‬غير الحديث عن سيادة الدولة‪ .‬تكون الدولة بهذا‬
‫المعنى هي الجهة ‪ ،‬وبغض النظر عما إذا ما كانت تتحدد في شخص‪ ،‬أو في مؤسسة‪ ،‬أو في‬
‫مجموعة مؤسسات منفصلة ومستقلة‪ ،‬ولكنها في نفس الوقت متكاملة‪ ،‬في احتكار فعاليتين‬
‫رئيستين؛ تشريع القوانين المنظمة للشأن العام من جهة‪ ،‬وإنفاذ هذه القوانين ‪ ،‬من خلل‬
‫آليات المراقبة والعقاب ‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬
‫ترتبط الدولة‪ ،‬إذن بممارسة العنف ولكن العنف الذي تمارسه الدولة يضل عنفا شرعيا ل من‬
‫جهة غاياته المتمثلة في ضرورته لتنظيم الشأن العام وإنما من جهة اعتباره شرعيا بالمعنى‬
‫القانوني‪ .‬إن عنف الدولة هو العنف الذي يبرره القانون ويفرضه‪ .‬فالدولة هي الجهة التي‬
‫تحتكر الحق في ممارسة العنف الشرعي حسب عبارة ماكس فيبر‪ .‬هذا الربط بين الدولة‬
‫والعنف يجعلها ليست غير تعبير عن علقات الهيمنة السائدة داخل المجتمع‪.‬‬
‫يمثل العنف‪ ،‬كممارسة مبررة ومشروعة‪ ،‬الوجه الخر للسيادة التي تؤسس لوجود‬
‫الدولة‪ ،‬وما يجعل من ممارستها للسلطة أمرا واقعيا‪ .‬حين نربط الدولة بالعنف فان المسالة ل‬
‫تتعلق بشكل الدولة‪ ،‬باعتبار نظامها السياسي إذا ما كان مستبدا أو ديمقراطيا‪ ،‬وإنما بالدولة‬
‫بإطلق وبغض النظر عن هذه الفروقات‪ .‬والعنف ذاته يمكن أن يتجلى ضمن وسائط متعددة‬
‫سواء كان عنفا ماديا مباشرا يقوم على إلحاق الذى المادي والمعنوي‪ ،‬أم كان عنفا رمزيا‬
‫يقوم على توجيه الرأي العام على أساس المغالطة والتزييف والوهم‪ .‬ولعل السمة البارزة‬
‫لممارسة العنف اليوم تتمثل في شيوع آليات العنف الرمزي القائمة على التضليل من خلل‬
‫الدور المؤثر الذي أصبحت تلعبه اليوم وسائل العلم بأصنافها المتعددة حتى صار هذا‬
‫الشكل من أشكال العنف القائم على التضليل بمثابة العلم القائم بذاته‪.‬‬
‫يتخذ هذا العنف المنظم الذي تمارسه الدولة وجهين متمايزين ولكنهما متكاملين‪ .‬فالدولة‬
‫الحديثة في ممارستها لسلطتها وتثبيت هذه السلطة تستند على منظومتين من الجهزة كما‬
‫بين ذلك "ألتوسير" منظومة الجهاز القمعي وهي تتشكل من جملة مؤسسات الدولة القانونية‬
‫والمتمثلة في الحكومة والدارة وجهاز الشرطة والقضاء وهي كلها أدوات تعتمدها الدولة‬
‫لتكريس ذاتها كسلطة تحتكر ممارسة العنف وتقمع كل من يحاول مشاركتها في التفرد في‬
‫هذه الخاصية‪ ،‬أو عدم العتراف بسيادتها وحتى محاولة الخروج عن هذه السيادة‪.‬‬
‫غير أن الدولة الحديثة خاصة تعتمد منظومة ثانية من المؤسسات والجهزة التي تمارس‬
‫نوعا مغايرا من العنف هو العنف الرمزي‪ .‬إن آليات العقاب وحتى المراقبة المباشرة ل‬
‫يمكن لها أن تضمن استمرار سلطة الدولة واحترام سيادتها ما لم تعمد إلى تشكيل أو إعادة‬
‫تشكيل وعي الفراد على النحو الذي يجعلهم يقبلون بسلطة الدولة على أساس كونها تتوفر‬
‫على السيادة‪ .‬يتعلق المر في هذا المستوى بمفهوم اليدولوجيا كما صاغته "الفلسفة‬
‫الماركسية"‪ .‬تتمثل اليدولوجيا في مجموع الفكار والمعتقدات والمفاهيم التي تسعى‬
‫الدولة)باعتبارها ممثلة لمصالح طبقة اجتماعية محددة( لجعلها تبدو في الذهان بمثابة حقائق‬
‫مقبولة ل يمكن التشكيك فيها أو الخروج عنها‪ .‬تعتمد الدولة في تشكيلها لهذا الوعي الزائف‬
‫على مجموعة من الجهزة التي قد ل تبدو مرتبطة ضرورة بالدولة ذاتها كالمؤسسة الدينية‬
‫والمدرسة ووسائل العلم والمنظمات والحزاب‪ ....‬على هذا الساس تتحدد اليدولوجيا‬
‫باعتبارها أقسى أشكال العنف نظرا لقدرتها الفائقة على المغالطة حين تتحول المراقبة إلى‬
‫مراقبة ذاتية‪.‬‬
‫ليس العنف بالوسيلة أو الداة الوحيدة التي تؤمن من خللها الدولة سيادتها وتتيح لها‬
‫إمكان ممارسة سلطتها غير أن العنف مع ذلك يبقى وسيلتها الخاصة‪.‬‬
‫بقدر ما يضل اعتماد العنف مبررا باعتباره أحد الشروط الرئيسية التي بمقتضاها يمكن‬
‫ضمان أقصى ما يمكن من مستلزمات العيش المشترك‪ ،‬فإن ارتباط الممارسة السياسية‬
‫بالعنف يضعنا في مواجهة جملة من الحراجات‪ .‬فممارسة العنف في ضل مطلب تثبيت‬
‫وتكريس سيادة الدولة وأحقيتها بالنفراد بممارسة السلطة السياسية يمثل قطعا خطرا وتهديدا‬
‫لمصير الفراد الخاضعين لها‪ ،‬ذلك أن العنف هو عنف موجه بداية ضدهم‪ ،‬وبغض النظر‬
‫عن مبرراته‪ .‬وحتى في حالة القبول بربط سيادة الدولة بأحقيتها باستعمال العنف باعتباره‬
‫عنف شرعيا فان السؤال عن حجم ومدى العنف المسموح به يضل قائما على نحو جدي‪.‬‬
‫حتما‪ ،‬إن كل عنف يمكن أن بصدر عن الفراد بما يهدد العيش المشترك‪ ،‬من الواجب‬
‫مجابهته بعنف مضاد لردعه‪ ،‬غير أن السؤال عن حجم العنف المناسب في مقابل هذا العنف‬
‫الول يضل سؤال وجيها‪ .‬إن مجموعة من المشجعين لفريق كورة قدم حين يبادرون للعنف‬
‫كتعبير عن عدم رضاهم على قرارات حكم مباراة هو فعل وان كان ل يهدد بجد العيش‬
‫المشترك فانه يضل فعل غير مقبول يجب مواجهته‪ ،‬إل انه في هذه الحالة يستوجب المر أن‬
‫نتساءل هل يجب إن نواجه هذا العنف بعنف مماثل في الدرجة؟ أم بكمية أكثر أو اقل؟‬
‫يحيلنا هذا التساؤل إلى إحراج حقيقي يتعلق ل بشرعية العنف وضرورته‪ ،‬إذ أن مبدأ السيادة‬
‫ذاته يفترضه‪ ،‬وإنما إلى التساؤل عن حدوده ومداه‪ .‬ذلك أن كل تعسف في استعمال القوة‬
‫والعنف حتى وان كان في إطار قانوني بما يضفي عليه شرعية‪ ،‬يجعل من السيادة ذات طابع‬
‫إطلقي يربطها بالستبداد‪ ،‬فينفي عن ممارسة السلطة المرتبطة بها كل مشروعية بافتقادها‬
‫لمعيار الحق‪.‬‬
‫يحيلنا التحليل السابق إلى مفارقة أولى‪ :‬إن ضمان العيش المشترك بما هو مطلب كل‬
‫ممارسة سياسية ‪ ،‬وبما هو مبرر مبدأ السيادة ذاته يفترض العنف وسيلة وأداة‪ ،‬أ فليس من‬
‫المفارقة إذن إن يكون شرط ضمان العيش المشترك بما هو قيمة أخلقية عليا تؤسس للوجود‬
‫النساني وتضفي عليه بعدا كونيا مشروطا باستعمال العنف والرغام؟ أ ل يحيلنا الوجود‬
‫السياسي للنسان في نهاية المر إلى مفارقة‪ ،‬حسب صياغة بول ريكور‪ ،‬تتمثل في التقابل‬
‫بين موقف النسان المبدئي الرافض للعنف أخلقيا من جهة في حين أن وجوده السياسي‬
‫مقترنا بالعنف؟‬
‫إن هذا المأزق بين تحديد لفق الجتماع النساني القائم على استهجان العنف من جهة وربط‬
‫سيادة الدولة بممارسة العنف يضعنا في مواجهة مأزق نظري عملي في آن واحد يتعلق‬
‫بالتساؤل عن مشروعية ربط مبدأ السيادة بالعنف‪.‬‬
‫فبأي معنى تمثل السيادة المطلقة والغير مقيدة‪ ،‬والقائمة على اعتماد العنف استبدادا يتنافى‬
‫ومعيار الحق‪ ،‬وكونية الوجود النساني‪.‬‬

‫* السيادة والستبداد‬

‫تحيلنا دللة مفهوم سيادة الدولة في علقة بمسالة العنف‪ ،‬حين نتناول السيادة بما هي سيادة‬
‫داخلية‪ ،‬إلى مبدأ السيادة باعتبارها مطلقة وغير مقيدة بحيث تكون إرادتها فوق كل إرادة‬
‫أخرى سواء تعلق المر بإرادة جهة معنوية أو بإرادة شخص مادي‪ .‬بذلك تكون السيادة‬
‫مصدرا لسلطة مطلقة بحيث ل تخضع هذه السلطة إل لذاتها‪ ،‬وهو ما يفيد على صعيد‬
‫الممارسة العملية أن هذه السيادة تحتكر على نحو كامل ل يقبل المشاركة التشريع للقوانين‬
‫المنظمة للشأن العام كما إنفاذ هذه القوانين وفرض احترامها‪ .‬وهو ما يعني أن السلطة التي‬
‫تنبثق عن هذه السيادة هي سلطة مطلقة ل تقبل القسمة أو المشاركة‪.‬‬
‫إن هذا الربط بين السيادة والسلطة المطلقة التي ل تقبل القسمة أو المشاركة ينتهي بنا إلى‬
‫مفهوم الستبداد باعتباره شكل السلطة السياسية المنبثق عن سمات السيادة هذه‪ .‬يتعين‬
‫الستبداد هنا بما هو الحكم الذي يقوم على التفرد بالسلطة بشكل مطلق ول يقبل مشاركة من‬
‫أي طرف آخر في إدارة الشأن العام على نحو قطعي‪.‬‬
‫ل يرتبط الستبداد بشكل محدد للدولة ولشكل نظام الحكم فيها‪ ،‬فقد يتعين في صورة‬
‫شخص يكون ملكا أو أميرا أو زعيما‪ ،‬ويمكن أن يتعين في نظام حكم ملكي أو جمهوري‪،‬‬
‫ويمكن أن يستند لشخصية الزعيم الملهم أو الحزب الواحد‪ ،‬ولكننا في كل الحالت أمام‬
‫أشكال وصور متعددة لوجه واحد هو وجه الستبداد‪ .‬غالبا ما ل يقدم المستبد نفسه على‬
‫أساس كونه مستبدا وإنما يقوم بالتشريع لسلطته المطلقة من خلل مبررات ودعاوي أخلقية‬
‫تتعلق بتحقيق المن وخدمة المصلحة العامة وتوفر المستبد على خصال استثنائية وتحديد‬
‫أولويات تنظيم الشأن العام ترتبط باختيارات تتقابل في إطارها مطالب التنمية والمن‬
‫الداخلي أو الخارجي مع مطالب الحرية‪.‬‬
‫بغض النظر عن تطور أشكال الستبداد‪ ،‬وتنوع مبرراته‪ ،‬فان سمته الجوهرية تضل ذاتها‬
‫إذ تتعلق بغياب فكرة المواطنة وتحديدا منع وإقصاء الفراد عن المشاركة في إدارة الشأن‬
‫العام سواء تعلق المر بتحديد الختيارات العامة المنظمة للشأن العام أو التشريع للقوانين‬
‫المنظمة للعيش المشترك‪.‬‬
‫أما السمة الثانية الجوهرية المتعلقة بكل نظام استبدادي فتتعين في غياب المراقبة إذ ل‬
‫تخضع سلطة المستبد لي شكل من إشكال المراقبة على ممارسته السلطوية تشريعا وإنفاذا‬
‫باعتبارها سلطة أولى ل سلطة فوقها‪.‬‬
‫إن غياب مفهوم المواطنة وتغييب الفراد من مجال المشاركة السياسية من جهة‪ ،‬وغياب‬
‫جميع أشكال المراقبة عن سلطة المستبد بما يجعل منها سلطة غير مقيدة‪ ،‬ينزع عن هذا‬
‫النمط من السلطة كل مشروعية‪ ،‬نظرا لفتقاد السيادة التي تتأسس عليها هذه السلطة‬
‫لمشروعية الحق وتؤسسها على مشروعية القوة‪.‬‬
‫إن نظام حكم استبداديا يختزل السيادة في شخص الحاكم أو الحزب الواحد‪ ،‬ينتهي تهديدا‬
‫لمكان العيش المشترك بتهديده ونقضه لرهانات مطلب العيش المشترك‪ .‬ليس العيش‬
‫المشترك غاية في حد ذاته‪ ،‬وإنما هو المقتضى الذي يوفر شروط ارتقاء الوجود النساني‬
‫إلى مستوى الوجود الكوني‪ .‬تتمثل شروط هذا الرتقاء في احترام ايتيقا التعايش مع الخر‬
‫القائمة على العتراف المتبادل والتعاون والحوار وفق مقتضيات العقل‪ ،‬غير أن نظاما‬
‫استبداديا حين ينزع إلى اعتماد العنف غاية ووسيلة وقمع الحرية والحق في الختلف‬
‫واسترقاق المواطنين وحجب صفة النضج والعقل عنهم من خلل الحكم بعدم أهليتهم في‬
‫المشاركة في تسيير الشأن العام إنما هو انحطاط بالوجود البشري إلى مستوى الوجود‬
‫الحيواني القائم على توفير شروط ضمان البقاء المادية ل غير‪ .‬كما دلت التجربة التاريخية‬
‫أن كل نظام مستبد يضخم بشكل ل نهائي من سيادته مقابل شعبه إنما ينتهي إلى كوارث‬
‫حقيقية ترتبط بمغامرات الحرب والعنف ضد الدول الخرى وما ينتج عنه من دمار متبادل‬
‫يعرض الوجود النساني إلى مخاطر الفناء المادي والفعلي‪.‬‬
‫إن ربط السيادة بالعنف والستبداد‪ ،‬وبغض النظر عن كل مبررات هذا الربط يستوجب‬
‫إعادة النظر في مفهوم السيادة ذاتها من جهة مراجعة حدود هذه السيادة‪ ،‬من خلل تعيين‬
‫حدود ذاتية للسيادة تنبع من مقتضياتها وأسسها ذاتها‪ .‬في هذا الطار تتنزل محاولت عدد‬
‫من المفكرين منذ بدايات العصر الحديث في محاولتهم إعادة التفكير في حدود والتزامات‬
‫السيادة‪.‬‬
‫‪ /3‬السيادة والمواطنة‬

‫إن جميع أشكال الستبداد تجد أساسها في فهم محدد لدللة السيادة يتقوم باعتبارها مطلقة ل‬
‫تقبل القسمة ول المشاركة‪ ،‬وبالتالي فان من يمتلك السيادة يمتلك سلطة مطلقة‪ ،‬غير مقيدة‬
‫وغير محدودة‪ .‬سواء تعلق المر بشواهد التاريخ‪ ،‬وارتباط الحروب والنزاعات بالنظمة‬
‫الستبدادية‪ ،‬أو عودة على قيم العقل النساني المطلقة والخالدة المتمثلة في الحق والخير فإننا‬
‫نجد أنفسنا مجبرين على إعادة التفكير في مفهوم السيادة من جهة التضنن على تعريفها‬
‫الملتبس الذي يتصورها مطلقة ل حد لها‪.‬‬
‫نشأ الفكر السياسي الحديث على أساس مراجعة مفهوم السيادة من جهة تحديدها وتقييدها‬
‫ذاتيا بمعنى أن تجاوز جميع أشكال الستبداد يستوجب تقييد السيادة ذاتها من داخلها من جهة‬
‫ضبط أسسها بشكل يجعل من السلطة المنبثقة عنها سلطة مقيدة بمقتضيات السيادة ذاتها‪ .‬إن‬
‫لحظة القطع الحقيقية التي أذنت بميلد التفكير الفلسفي الحديث في الدولة ارتبط بمرجعية‬
‫فلسفية وقانونية أصطلح على تسميتها بفلسفة "العقد الجتماعي"‪.‬‬
‫تحيلنا فلسفة "العقد الجتماعي" على جملة من الفلسفة أهمهم جون لوك وروسو وسبينوزا‬
‫وهوبس‪ .‬رغم أهمية الختلفات في مواقف هؤلء الفلسفة‪ ،‬والى حد التناقض أحيانا‪ ،‬فان‬
‫ذلك ل ينفي تقاطعهم حول فكرة رئيسية مثلت أساسا لنشأة الدولة في صيغتها وشكلها‬
‫المعاصر‪ .‬يتجلى هذا التقاطع بين هؤلء الفلسفة في مبدأين أساسيين‪:‬‬
‫‪ -‬ربط التفكير في الدولة بدراسة الطبيعة النسانية وضعيا‪ ،‬بحيث تكون نشأة الدولة ناتجة‬
‫عن خصوصية الطبيعة النسانية ذاتها‪ .‬إن هذه العودة لدراسة الطبيعة النسانية في تحديد‬
‫أسس الدولة مثل قطعا مطلقا مع التفكير اللهوتي الذي كان يربط التفكير في الدولة بحقائق‬
‫متعالية ومتجاوزة للوضع النساني‪ .‬يفترض فلسفة العقد الجتماعي وجودا أول للنسان‬
‫تغيب عنه كل أشكال السلطة فيكون هذا الوضع "حالة الطبيعة"‪ .‬ترتبط هذه الحالة بالعنف‬
‫والصراع الناتج عن غلبة الهواء وتناقض مصالح الفراد بما يهدد الحياة النسانية‪ .‬إن‬
‫وضعا مثل هذا يضل وضعا مناقضا لما يقره العقل كما طبيعة النسان التي تجعل من الحياة‬
‫قيمة قصوى ل يمكن المغامرة بها بما يفرض على هؤلء الفراد البحث عن مخرج يجنبهم‬
‫خطر الموت العنيف‪ .‬يكون اتفاقهم لتجاوز هذا الخطر هو إنشاء دولة تكون مهمتها تيسير‬
‫العيش المشترك‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار الدولة اصطناعا وإنشاء إنسانيا فهي قد نشأت بإرادة وفعل النسان‪ ،‬هذه الرادة‬
‫التي تجلت في العقد الجتماعي‪ ،‬بما هو عقد إرادي واختياري‪ .‬فالوعي بخطورة استمرار‬
‫حالة الحرب المميزة لحالة الطبيعة يدفع هؤلء الفراد إلى إبرام اتفاق يلتزم خلله كل عضو‬
‫على التخلي عن حقوقه الطبيعية وخاصة حقه في حماية مصالحه بنفسه وحقه في استعمال‬
‫العنف للدفاع عن مصالحه لصالح الدولة التي ستنشأ عن هذا العقد بشرط تخلي كل فرد عن‬
‫نفس الحقوق‪ .‬فسيادة الدولة محكومة بذلك ببنود العقد ذاته التي تتحدد في نسق روسو مثل‬
‫بحماية الحريات المدنية والحفاظ على المصلحة العامة‪ ،‬ليكون مبرر طاعة الدولة‬
‫والعتراف بشرعية سيادتها هو احترامها للتزاماتها‪.‬‬
‫إن هذا التأسيس لسيادة الدولة على أساس احترام الحريات وحماية المصلحة العامة يحدث‬
‫تحول جوهريا في منزلة النسان داخل الدولة الحديثة إذ يتحول الفرد من منزلة الرعية الذي‬
‫تتحدد علقته بالحاكم بالخضوع واللزام إلى منزلة المواطنة القائمة على المشاركة في‬
‫الحكم والطاعة للقانون المبنية على أساس أن المواطن ذاته مصدر القوانين التي تشرع‬
‫باسمه كأحد أفراد الشعب‪.‬‬
‫هذا النتقال من مفهوم الرعايا إلى مفهوم الشعب يحيلنا على نظام الحكم الديمقراطي المبني‬
‫كما أسلفنا على سيادة الشعب‪ .‬تتحقق هذه السيادة من خلل جملة من الليات تقوم على‬
‫اعتبار الفرد مواطنا يتمتع بجملة من الحقوق الساسية أهمها حقه في المشاركة في الحياة‬
‫السياسية انطلقا من الحق في الترشح للمناصب العامة والحق في اختيار ممثليه من خلل‬
‫النتخاب الحر والنزيه‪.‬‬

‫‪ /4‬الديمقراطية وحق المقاومة‬

‫بقدر ما يمثل النظام الديمقراطي حل لمأزق العنف والستبداد من خلل تأسيس السيادة على‬
‫مبدأ سيادة الشعب فيكون الشعب مصدر السيادة من جهة كونه المشرع للقوانين المنظمة‬
‫للعيش المشترك عبر التمثيل النيابي ومن جهة كون الحكومة التي تسهر على تطبيق وفرض‬
‫احترام القانون يختارها الشعب ذاته وتعبر بذلك عن الرادة العامة فان النظام الديمقراطي ل‬
‫يخلو ذاته من مشاكل عديدة بما يجعل من قيم الحرية والعدل محل سؤال‪.‬‬
‫إن النظام الديمقراطي يفيد سلطة الشعب‪ ،‬سلطة غير مباشرة من خلل ممثليه في السلطتين‬
‫التشريعية والتنفيذية الذين يختارهم المواطن‪ .‬غير أننا هنا نقع في مأزق ذا وجهين‪:‬‬
‫‪ -‬فمن جهة أولى يفترض النظام الديمقراطي حق الغلبية في القيادة والحكم وهو ما يعني إن‬
‫كل عملية انتخابية تنتهي ضرورة إلى إقصاء وتهميش عدد من المواطنين الذين لم يساهموا‬
‫في اختيار الحاكم وهو يجعل من علقتهم مع هذه السلطة المنتخبة قائمة على الخضوع‬
‫لرادة الغلبية ومصادرة حقهم في المشاركة في السلطة‪ .‬يصبح مثل هذا الوضع خطيرا‬
‫حين تكون هذه القلية ‪ 49‬في المائة من مجموع المنتخبين فيكون النظام الديمقراطي سببا‬
‫لتغييب نصف المواطنين تقريبا من المشاركة في السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬أما من جهة ثانية فاعتبار أن مشروعية الحاكم تكمن في حصوله على أغلبية الصوات ل‬
‫يجعل من حكمه ‪،‬ضرورة حكما شرعيا من جهة الحق والمعايير الخلقية إذ إن التاريخ قد‬
‫أوضح لنا بشكل جازم أن الغلبية يمكن تحت تأثير المغالطات والتزييف والشعور القومي‬
‫المتطرف أن تكون سببا في قيان أنظمة حكم ل أخلقية ول إنسانية تمثل خطرا حقيقيا على‬
‫المن والسلم داخليا وخارجيا‪.‬‬
‫إن التأكيد على أهمية وضرورة التمسك بالنظام الديمقراطي كشكل للحكم يحقق غايات‬
‫العيش المشترك ضمن مقتضيات الحق ل يعني مطلقا أن القبول بالخضوع لمقتضيات‬
‫الممارسة السياسية داخل النظام الديمقراطي يفيد خنوعا وسلبية تجعل المواطن بجميع أشكال‬
‫التعدي على حقوقه الساسية باسم حكم الغلبية أو المصلحة العامة‪ .‬الساس النظري الذي‬
‫يقوم عليه مفهوم السيادة والمتمثل في نظرية العقد الجتماعي هو ذاته الذي يجعل من مقاومة‬
‫ورفض الخضوع لجميع إشكال التعدي على الحقوق المدنية ذاته ضروريا‪ .‬إن العقد يقوم‬
‫على أساس التزامات متبادلة فكما يكون المواطن ملزما باحترام سيادة الدولة فان الدولة ذاتها‬
‫تكون ملزمة باحترام حقوق النسان لذلك فان إخلل الفرد بالتزاماته كما يلزم وقوعه تحت‬
‫طائلة العقاب القانوني فان إخلل الدولة يجعل من الفرد حل من العتراف بطاعة الدولة‬
‫ومقاومة سلطتها المتعسفة‪.‬‬
‫تخذ هذه المقاومة أشكال متعددة إذ يمكن أن تكون مقاومة سلمية ترتبط باللعنف اليجابي‬
‫كما تجسد في مقاومة غاندي للستعمار النكليزي لبلده‪.‬‬
‫الشكل الثاني من المقومة والذي يميز الممارسة السياسية المعاصرة هو ما أصبح يعرف‬
‫بمقاومة الحشود أي حركات الحتجاج الشعبي الضخمة التي تعمد إلى محاصرة المؤسسات‬
‫العامة وقطع الطرق الرئيسية والمتناع عن العمل وسط تغطية إعلمية كبرى تمنع ممارسة‬
‫العنف الشديد من قبل السلطة ضد المتظاهرين ‪.‬‬
‫في كل الحالت يبقى الحق في المقاومة حق مطلق للمواطن في كل حالة تخل فيها الدولة‬
‫باستحقاقاتها المتمثلة في ربط السيادة بالشعب‪.‬‬
‫‪ /4‬المواطن العالمي‬

‫تكمن أهمية الربط بين السيادة وسلطة الشعب واعتبار أن الشعب مصدر السيادة داخل نظام‬
‫حكم ديمقراطي‪ ،‬في تأكيد أولوية وقداسة حقوق المواطن باعتباره شريكا فاعل في تنظيم‬
‫الشأن العام من خلل القرار بجملة من الحقوق الساسية التي ل يمكن مجاوزتها بأي حال‪.‬‬
‫إن الدولة الديمقراطية هي الدولة التي تضمن لمواطنيها جملة من الحقوق المدنية تتنوع‬
‫مابين حقوق سياسية واجتماعية وثقافية تسهم جميعها في ضمان كرامة الفرد احترام شخصه‬
‫بعيدا عن كل أشكال التعسف والوصاية‪.‬‬
‫غير أن ما يجب ملحظته أن جملة هذه الحقوق التي يكتسبها الفرد داخل نظام الحكم‬
‫الديمقراطي إنما يستمدها باعتبارها مواطنا يقر دستور البلد التي ينتمي إليها مجمل هذه‬
‫الحقوق‪ .‬ترتبط حقوق النسان إذن بالمواطنة كانتماء قومي لدولة يعينها‪ .‬إن هذا الربط بين‬
‫حقوق النسان والمواطنة في علقتها بالهوية القومية يثير جملة من الحراجات الساسية‪.‬‬
‫‪ -‬يتعلق الحراج الول بوضعية القليات التي ل تحمل نفس الهوية الثقافية للغلبية من‬
‫المواطنين‪ .‬إن مثل هذا الوضعية غالبا ما ينتهي إلى وضعية إقصاء وتهميش لهذه القليات‬
‫باعتبار أن قانون الغلبية يمنعها من إمكان المشاركة الفعلية في إدارة الشأن العام‪.‬‬
‫‪ -‬يتعلق الحراج الثاني بوضع المهاجرين لدول غير دولتهم الصلية‪ .‬إن هذه الوضعية غالبا‬
‫ما تكون مقترنة بتهميش الجاليات المهاجرة وتعرضها للعنصرية باعتبار أن عدم حملها‬
‫لجنسية الدولة التي تقيم فيها‪ ،‬يحرمها من الكثير من الحقوق التي يتمتع بها فقط المواطنون ‪.‬‬
‫هذا الربط بين الحقوق والمواطنة وفي ضل التحولت التي يعرفها عالمنا المعاصر المرتبطة‬
‫بتنامي ظاهرة الهجرة لسباب متعددة‪ ،‬وخاصة اقتصادية‪ ،‬جعل من مراجعة هذا الربط‬
‫ضروريا‪ .‬تتمثل هذه المراجعة خصوصا في تجاوز الربط الضروري بين حقوق النسان‬
‫والمواطنة على أساس ربط هذه الحقوق بحقوق النسان‪ .‬تكمن أهمية هذا الربط في تأسيس‬
‫هذه الحقوق على وجه مطلق وكلي يربط بين الحقوق والنسان ليس باعتباره مواطنا في‬
‫دولة ما ولكن باعتباره إنسانا بغض النظر عن كل انتماء قومي أو ثقافي‪ .‬بذلك فانه سواء‬
‫تعلق المر بمواطن أو بأقلية ثقافية أو بمهاجر فان التمتع بالحقوق يكون لزما من النتساب‬
‫للنسانية ل غير وهو ما نصت عليه مواثيق المم المتحدة في العلن العالمي لحقوق‬
‫النسان‪.‬‬

‫‪ /5‬السيادة في ضل العولمة‬

‫يفترض القانون الدولي أن كل الدول تتمتع من حيث المبدأ بالسيادة على أساس المساواة‬
‫الكاملة‪ ،‬وتمتع كل دولة باستقللها التام‪ ،‬بما يفرض أن تكون العلقة القائمة بين الدول قائمة‬
‫على أساس احترام كل دولة لسيادة الدول الخرى وامتناعها عن التدخل في شؤونها‬
‫الخاصة‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول‪.‬‬
‫إذا ما كان من المفترض في العلقات الدولية أن تقوم على أساس عدم التدخل في الشؤون‬
‫الداخلية فان القانون الدولي ذاته يفرض على هذه الدول اللتزام بالتفاقات الدولية التي‬
‫تمضيها وتصبح ملزمة لها‪ .‬تصبح هذه التفاقات بمثابة القيود التي تحد من سيادة الدول‪ .‬ان‬
‫هذه التفاقات أصبحت في عصرنا أكثر حضورا وأكثر تضييقا لسيادة الدولة من جهة بروز‬
‫منظمات واتفاقات تجعل من سلطة بعض المنظمات أعلى من سلطة الدولة ذاتها ‪ .‬فسواء‬
‫تعلق المر بالحق في التدخل لسباب إنسانية‪ ،‬أو ملحقة مجرمي الحرب ‪ ...‬فان سيادة‬
‫الدولة تفتقد لصفة الطلق‪ ،‬وتصبح محدودة بحدود القانون الدولي‪.‬‬
‫بقدر ما يمثل هذا الحد من سيادة الدولة عامل ايجابيا في حماية حقوق النسان وملحقة‬
‫مجربي الحرب والقائمين بجرائم التعذيب أو ضد النسانية فان تدخل العوامل والمصالح‬
‫السياسية لبعض الدول بحيث تضخم من بعض الحوادث لتهمل النظر في وقائع وجرائم ل‬
‫تقارن في خطورتها وانتهاكها لكل القيم النسانية يجعل من السؤال عن هذا التجاه المتنامي‬
‫في التأسيس لمبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للدول محل سؤال‪.‬‬

You might also like