You are on page 1of 22

‫الفصل الخامس‬

‫الــزواج‬
‫أهم حدث اجتماعى وثقافى فى حياة البدو المتريف‬
‫مقدمة‬
‫تتعدد تعريفات الزواج فى كتب التراث النثروبولوجى‬
‫والسوسيولوجى نتيجة لختلف الثقافات التى تم على أساسها تعريف‬
‫الزواج‪ .‬وهذا ما تؤكده "شارلوت سيمور‪-‬سميث" بأنه ل يوجد تعريف‬
‫واحـد عام ومقبول للزواج بسبب الختلف الشديد بين الثقافات فى‬
‫تنظيمها الجتماعى للعلقة النوعية بين الذكور والناث‪ .‬وقد حاول بعض‬
‫الكتاب أن يعرفوا الزواج من خلل الشارة إلى الوظائف الجوهرية‬
‫العامة لتلك المؤسسة والتى تتعلق فى العادة بالتحكم فى النشاط‬
‫الجنسى وفى حقوقه‪ ،‬وكذلك فى شرعية الطفال‪.‬‬
‫ويؤكد جوف ‪ Gough‬على القواعد الشرعية ذاكرا ً أن الزواج‬
‫مؤسسة اجتماعية منتشرة عالميا ً تؤسس شرعية الطفال‪ .‬فى حين‬
‫يركز جودنف ‪ Goodenough‬على علقة الزواج بوصفها علقة تعاقدية‬
‫تخول الحق للممارسة الجنسية مع المرأة)‪ .(1‬ويميل الباحث إلى تعريف‬
‫الزواج على أنه "علقة تعاقدية بين الرجل والمرأة تتم وفق‬
‫عادات وتقاليد وطقوس المجتمع وتحدد حقوقها وواجباتها‬
‫الثقافة السائدة‪ ،‬وتنال رضا أفراد المجتمع‪ .‬وتمنح العلقة‬
‫الجنسية بين الرجل والمرأة الشرعية الكافية لضمان تحقيق‬
‫انتماء الطفال النتماء القرابى لعشيرتى الزوج والزوجة"‪.‬‬
‫‪ 5-1‬الزواج‬
‫الزواج هو أهم حدث اجتماعى وثقافى تمارسه الجماعة البدوية‬
‫محل الدراسة‪ ،‬لذلك حرصت الدراسة على التعامل مع الزواج بشئ‬
‫من التفصيل‪ ،‬لنه يعكس بشكل واضح آثار استقرار الجماعة البدوية‬
‫فى الريف‪ .‬كما تكشف الدراسة الميدانية عن حدوث بعض التغيرات‬
‫فى الممارسة الظاهرية‪ ،‬مثل شكل احتفالية الزفاف أو جهاز‬
‫العروسين أو حتى بعض الغانى‪ ،‬فى حين أن هناك تفاصيل جوهرية‬
‫مازالت مستمرة مثل "الصله" وطريقة التعامل مع غشاء البكارة‪،‬‬
‫التى لم تتأثر الجماعة البدوية المتريفة فيها بالثقافة الريفية‪ .‬وكذلك‬
‫هناك مناطق تزاوجت فيها النماط البدوية مع النماط الريفية ليجمع‬
‫النمط المعاصر الذى يمارس الن فى المجتمع ما بين الخصائص‬
‫البدوية وبين الريفية فى وقت واحد‪.‬‬
‫كما تحاول الدراسة الميدانية الكشف عن العلقة بين التغيرات‬
‫التى طرأت على نظام الزواج البدوى فى ظل تغيرات النشاط‬
‫القتصادى والستقرار‪ ،‬وهى على النحو التالى‪:‬‬
‫‪ 5-2‬الستعداد للزواج‪:‬‬
‫يصور رأى الخبارى رقم )‪ (1‬فى الزواج نظرة المجتمع لعملية‬
‫‪ ()1‬شارلوت سيمور‪-‬سميث‪ ،‬موسوعة علم النسان‪ :‬المفاهيم والمصطلحات‬
‫النثروبولوجية‪ ،‬ترجمة محمد الجوهرى وآخرون‪ ،‬المجلس العلى للثقافة‪،‬‬
‫المشروع القومى للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص ‪.413‬‬

‫‪73‬‬
‫الزواج‪ ،‬فنجده يقول‪" :‬الجواز دستور العرب"‪ .‬ويعنى بذلك أن‬
‫الزواج أهم العمليات التى تطبق فيها الحكام العرفية البدوية‪ ،‬وأنه‬
‫يحتوى على معظم القواعد القانونية البدوية على اعتبار أنه أهم حدث‬
‫اجتماعى وثقافى فى حياة الفرد داخل الجماعية البدوية‪ .‬أما عن‬
‫مراحل الستعداد للزواج فتبدأ مع مرحلة البلوغ‪ ،‬فمجرد بلوغ الشاب أو‬
‫الفتاة يجعلهما مؤهلين للزواج فى أية لحظة تحددها السرة‪ -‬وخصوصا ً‬
‫الفتيات‪ -‬لن المجتمع محل الدراسة يفضل زواج الفتيات فى سن‬
‫صغيرة تبدأ من ‪ 14‬سنة‪ ،‬كما أن أفراد المجتمع ل يهتمون بزواج‬
‫فتياتهم حسب ترتيبهن العمرى‪ ،‬بمعنى أنه من الممكن أن تتزوج أصغر‬
‫فتاة قبل أختها الكبر‪ ،‬ويقول فى ذلك "اللى يجيلها عدلها تروح‪ ،‬وإن‬
‫جالك الفرح عجل به"‪.‬‬
‫أما الشباب فتحدد السن المناسبة لزواجهم عدة عوامل أهمها‪:‬‬
‫وضعهم القتصادى بما يضمن المقدرة على إعالة السرة الجديدة‪.‬‬
‫وكذلك ترتيبهم وعددهم‪ ،‬بمعنى أنهم يحرصون على زواجهم من الكبر‬
‫إلى الصغر‪ .‬وفى هذا يقول الخبارى‪" :‬إذا كان فى واحد عنده‬
‫عّيل واحد وعايز يفرح بيه يجوزه صغير‪ .‬أما لو راجل عنده‬
‫كذا عّيل يجوز الكبير‪ ،‬والكبير يساعده فى جواز إخواته"‪.‬‬
‫وكشفت الدراسة أن عملية الستقرار أثرت كثيرا ً فى فكرة السن‬
‫المناسبة للزواج‪ ،‬فمثل ً ارتفع سن زواج الفتيات خلل السنوات الخيرة‬
‫نسبيًا‪ ،‬فبعد أن كان زواج الفتاة مرتبطا ً بوصولها لمرحلة البلوغ‪،‬‬
‫أصبحت الفتاة الن ل تتزوج فى سن أقل من ‪ 16‬إلى ‪ 18‬سنة لن‬
‫الجماعة البدوية اتجهت الن لتوثيق العقود الخاصة بالزواج‪ ،‬مما يتطلب‬
‫رفع سن الزواج‪ .‬وإن كانوا يتحايلون على هذا الموضوع بأكثر من‬
‫طريقة‪ ،‬منها إعادة القيد وتسنين الفتاة بسن أكبر‪ .‬ومعظمهن يتزوج‬
‫بدون توثيق من خلل "الصله"‪ ،‬وبعد ذلك يوثق العقد‪.‬‬
‫كما أسهم فى ارتفاع السن المناسبة للزواج عند الفتيات ارتفاع‬
‫حدود السن المناسبة للزواج بالنسبة للشباب بسبب اتجاههم لداء‬
‫الخدمة العسكرية‪ ،‬وسفر بعضهم للعمل بالسعودية‪ .‬هذا فضل ً عن أن‬
‫ارتفاع تكلفة الزواج بعد الستقرار ممل خلق وجود عقبات اقتصادية‬
‫أمام الشباب جعلته يحتاج إلى فترة من الوقت للتغلب عليها‪.‬‬
‫‪ 5-2-1‬الزواج المفضل‪:‬‬
‫كشفت الدراسة الميدانية داخل مجتمع البحث عن وجود جميع‬
‫أنواع الزواج المتعارف عليها فى المجتمعات البدوية‪ ،‬إل أنها كشفت‬
‫عن تغير ترتيب هذه النواع فى مرحلة الستقرار عنها فى مرحلة‬
‫الترحال‪ ،‬فبعد أن كان الزواج الداخلى وخصوصا ً من أبناء العمومة هو‬
‫الزواج المفضل لدى أفراد الجماعة لسباب عديدة منها‪ :‬أسباب‬
‫اقتصادية كالحفاظ على ممتلكاتهم المتمثلة فى الغنام‪ ،‬وأسباب‬
‫اجتماعية تتمثل فى رغبتهم فى الحفاظ على النقاء العصبى والنتماء‬
‫للقبيلة‪.‬‬
‫وبعد الستقرار أصبح الزواج الختيارى هو الكثر انتشارا ً وخصوصا ً‬
‫فى السنوات الخمس الماضية‪ .‬كما اتجه عدد كبير من أفراد المجتمع‬
‫للزواج الخارجى‪ .‬وأصبح من حق الشاب أن يختار من يحب بشرط أن‬
‫تكون فى نفس مستوى قبيلته‪ ،‬كما أصبح من حق الفتاة رفض من ل‬
‫ترغب فى الزواج منه‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫وأكد الخباريان )‪ (7 ،6‬أنهما اختارا زوجاتهما برغبتهما من خارج‬
‫المجتمع بعد أن حصل على موافقة والديهما‪ ،‬وأنهما حرصا على أن‬
‫يتزوجا من نفس المتداد القبلى ‪ .‬كما أوضح الخبارى رقم )‪ (1‬أنه‬
‫أعطى الحق لبناته فى رفض أكثر من شاب تقدموا لخطبتهن بسبب ما‬
‫حدث مع ابنته الكبيرة التى تزوجت دون رغبتها من ابن عمتها ولم تكن‬
‫مرتاحة معه‪ ،‬فيقول "بعد ماجوزت الكبيرة على كيفى وبقت‬
‫مش مرتاحة قلت آخد رأيهم علشان مشلش ذنبهم"‪.‬‬
‫كما كشفت الدراسة الميدانية أن هناك تفاوتا ً فى ترتيب الفضلية‬
‫فى نوعية الزواج بين عرب عمران وعرب رفيع؛ فأبناء عمران يفضلون‬
‫زواج أبناء العمومة العاصبة فى المرتبة الولى ثم الزواج من العرب‬
‫من خارج المجتمع ووفق رغبة الهل‪ ،‬ولم يجد الباحث حالة للزواج‬
‫الختيارى فى عرب عمران‪ .‬أما عرب رفيع فيتجهون بالساس للزواج‬
‫من خارج المجتمع‪ ،‬كما يعطون حق اختيار شريك الحياة‪ .‬وهناك‪ -‬من‬
‫ناحية أخرى‪ -‬أسباب وراء هذه التفضيلت منها أسباب ديموجرافية‪،‬‬
‫أهمها أن فتيات عرب رفيع وخصوصا ً من جيل البناء كانت أعمارهن‬
‫أكبر من الشباب‪ ،‬ولذلك لم تكن مناسبات لهم‪ .‬وهناك أسباب‬
‫اقتصادية‪ ،‬فعرب رفيع إمكاناتهم القتصادية متواضعة مقارنة بعرب‬
‫عمران؛ لذلك يسعى الهل دائما ً لعمل حراك اقتصادى وتزويج بناتهم‬
‫لشباب من خارج المجتمع‪ ،‬ولكنهم فى نفس الوقت يرفضون تزويج‬
‫فتياتهم للسعوديين على عكس عرب عمران‪ .‬إلى جانب أن الجد رفيع‬
‫له إخوة أبناء عمومة فى منطقة قريبة من المجتمع اسمها )السبخايه(‬
‫ومعظم زيجات عرب رفيع تتم بينهم وبين أطراف من هذه المنطقة‪.‬‬
‫ويسجل الباحث مجموعة من الملحظات أهمها رفض أفراد‬
‫المجتمع الن لفكرة زواج البدل؛ رغم أنها كانت منتشرة فى جيل‬
‫الباء‪ ،‬وبعض من تزوجوا بهذه الطريقة يرفضون تزويج أبنائهم بنظام‬
‫زواج البدل‪ .‬ويفسرون ذلك بأنه يظلم إحدى الزيجتين‪ ،‬فعندما تخطئ‬
‫المرأة فى بيت زوجها تعاقب الخرى فى البيت الخر‪ .‬ويقولون "جواز‬
‫البدل ده ظلم يبقى واحدة طيبة والتانية ردّية‪ ،‬ودى تشيل‬
‫وزر دى حرام‪ ،‬والبدل بيزعل الناس من بعضهم"‪.‬‬
‫كما لحظ الباحث أن تنوع أنماط الزواج فى عرب عمران أكثر منه‬
‫فى عرب رفيع فهم يعرفون نظام التسمية من الصغر‪ ،‬وإن كانت فى‬
‫حالة واحدة فقط فيقولون "إن مرعى بعد ماتولد قالوا هياخد‬
‫حنان بنت عطيه وهى بنت عمه وفضلوا كده لحد ما‬
‫جوزوهم"‪ .‬كما لوحظ أن عرب عمران يميلون لتزويج بناتهم فى‬
‫السعودية من بعض العرب هناك‪ ،‬فى حين أن عرب رفيع يرفضون هذه‬
‫الفكرة تماما ً ويقولون "إحنا منبعش عيالنا لحد"‪.‬‬
‫كما لحظ الباحث أنه لم تتم أية زيجة بين الجماعتين المستقرتين‬
‫بمجتمع الدراسة رغم روابط القرابة التى تجمعهما‪ .‬أما القانون الذى‬
‫يطبق فى فكرة الختيار الزواجى– كما أوضحوا– هى فكرة النتماء‬
‫القبلى‪ ،‬فهم يفضلون أن يتزوجوا من نفس قبيلتهم وإن لم يكن فمن‬
‫قبيلة فى نفس مستوى قبيلتهم‪.‬‬
‫‪ 5-2-2‬موجبات وموانع الزواج‪:‬‬
‫أجمع الخباريون على أن المانع الول والساسى لتمام عملية‬
‫الزواج هو النتماء القبلى‪ ،‬بمعنى أن الرجل ل يقبل بالزواج من فتاة‬
‫تنتمى لقبيلة ليس لها أصول بدوية تساوى قبيلته )ويطلقون على الفتاة‬

‫‪75‬‬
‫التى ليست لها أصول بدوية‪" :‬هتيم")*((‪ .‬وإن قبل الرجل ذلك فإن‬
‫والدته ترفض العيش مع امرأة "هتيم"‪ .‬ويقول أحد الخباريين "الواحد‬
‫وز وحدها ملهاش أصل دا الصل بيونس‪.‬‬ ‫ما يقبلش يج ّ‬
‫وحتى لو كانت ملكة جمال العالم مخدهاش لنها هتخلى‬
‫أهلى يعايرونى بيها وعيالى ميبقلهمش خال‪ .‬وحتى لو‬
‫شيه من البيت‪،‬‬ ‫واحد حب واحده ملهاش أصل أمه تم ّ‬
‫وهترفض تعيش مع واحده "هتيم" وتتساوى بيها"‪.‬‬
‫كما أن أهل الفتاة الصيلة يرفضون الزواج من شاب "هتيمى"‪،‬‬
‫مهما كان ثريا ً أو متعلمًا‪ ،‬ويعتبرون زواج الفتاة من شاب "هتيمى" عيبا ً‬
‫كبيرا ً قد يدفع والد الفتاة ثمنه طرده من القبيلة وخصوصا ًَ أن أبناء‬
‫المجتمع محل الدراسة من أبناء قبيلة الحويطات وهى إحدى أهم‬
‫القبائل فى العرب‪ .‬وخلل الدراسة الميدانية شهد الباحث واقعة مهمة‬
‫فى هذا السياق تدور أحداثها حول شخص ينتمى لعرب عمران كان قد‬
‫ترك المجتمع منذ عدة سنوات واستقر فى منطقة أبوالمطامير‬
‫بالبحيرة‪ .‬ولكن انتماءه القبلى مازال لعرب عمران‪ ،‬وهو حويطى‬
‫ومعروف نسبه‪ .‬وكانت لديه فتاة فى سن الزواج‪ ،‬فتقدم لها رجل‬
‫"هتيم" ليس له أصل – على حد وصف الخباريين – فزوجها له‪ ،‬فثار‬
‫أهله عليه‪ ،‬وطلبوا اجتماع كل فروع الحويطات‪ .‬وبالفعل جمعوا كبار‬
‫العرب واتفقوا على "تشميسه")*( أى طرده من القبيلة‪ .‬ويعلق‬
‫الخباريون بأنهم "قطعوا الفرع اللى كان هيجيبلهم العار"‪.‬‬
‫وبذلك تكون النتماءات القبلية أحد المؤهلت المهمة للزواج‪ ،‬بحيث أن‬
‫*)*( الهتيم‪ :‬لفظ يستخدمه أفراد الجماعة البدوية المتريفة لوصف الفراد الذين‬
‫ينتمون لعشائر أو قبائل ضعيفة النسب‪ ،‬أو كما يصفونها بأنها "ليس لها أصل فى‬
‫تاريخ البدو"‪ .‬والهتيم إما أصلهم غجر أو بربر وإذا زوج رجل بدوى من قبيلة أصيلة‪-‬‬
‫مثل الحويطات‪ -‬ابنته من رجل هتيم يطرد من قبيلته‪ .‬ويحكى أفراد المجتمع أن‬
‫الرجل الذى يتزوج من فتاة أصلها هتيم ل يمكن أن تقبل أخرى بالزواج منه حتى ل‬
‫تتساوى بالهتيمية‪ ،‬ول يقبل البدو على الرتباط بأبنائه‪.‬‬
‫*)*( التشميس‪ :‬يعنى الطرد من القبيلة ومقاطعة الشخص الذى يحكم عليه‬
‫بالتشميس‪ .‬وفسر عدد من الخباريين الكلمة بأنها تعنى أن الشخص الذى يحكم‬
‫عليه بهذا الحكم يخرج من ظل القبيلة ويصبح وكأنه معرض للشمس بل حماية أو‬
‫وقاية‪ .‬هم عموما ً ل يعرفون أصل الكلمة تحديدًا‪ .‬ويحكم على الفرد بالتشميس فى‬
‫حالة إتيانه فعل ً يجلب العار على قبيلته وخصوصا ً فيما يتعلق بأمور نسب القبيلة‬
‫ووضعها بين القبائل كأن يزوج ابنته من رجل ليس له أصل قبلى محترم أو من يقل‬
‫نسبا ً عن قبيلته‪ .‬وأضاف أحد الخباريين أن من يزوج ابنته فلحا ً قد يلقى نفس‬
‫المصير‪ .‬ويتم الحكم بالتشميس باجتماع كبراء ومشايخ القبيلة فى جلسة عرفية‬
‫يتم العلن عنها‪ ،‬ويحضرها أبناء القبيلة من كل مكان‪ .‬وقد يتسبب فرد واحد فى‬
‫تشميس عشيرته بأكملها‪ .‬وخلل الدراسة الميدانية تم تشميس فرد وأسرته بسبب‬
‫تزويجه ابنته من أحد الشخاص الذين يعرفهم أفراد المجتمع "بالهتيم" أى ليس له‬
‫أصل فى البدو‪ .‬واجتمعت "بطون" القبيلة من كل النحاء وحكموا على هذا الرجل‬
‫وعشيرته بالتشميس والتى تضم عرب عمران‪ ،‬إل أن عشيرته أعلنت تبرأها منه‬
‫ومن أبنائه‪ .‬ولذلك عقد بعد ذلك مجلس عرفى آخر وُأعلن تشميسه وحده هو‬
‫وأولده ورفع التشميس عن عشيرته‪ .‬وتسبب ذلك المر فى تعطل الدراسة‬
‫الميدانية فى عرب عمران ما يزيد على ثلثة أشهر حتى حسم المر‪ ،‬وتأكد عدم‬
‫تشميس عرب عمران جميعهم وأن التشميس للفرد الذى زوج ابنته فقط‪ .‬وبالفعل‬
‫خرج من القبيلة وهو يعيش حاليا ً فى منطقة أبوالمطامير بمحافظة البحيرة على‬
‫حسب رواية الخباريين‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الشاب والفتاة الذين ينتمون لقبائل كبيرة تكون فرص زواجهم من أية‬
‫قبيلة أخرى فرصا ً كبيرة‪ .‬ولحظ الباحث أن الفروق القتصادية بين‬
‫العريس والعروس ل تمثل عائقا ً أمام الزواج مهما بلغت فإنه من‬
‫الممكن مواجهتها والتغلب عليها‪ ،‬لن كلفة الزواج ليست عالية ويمكن‬
‫لى شاب تحملها‪.‬‬
‫‪ 5-3‬الخطوبة‬
‫لم يعرف أفراد المجتمع كلمة الخطوبة أثناء ترحالهم‪ ،‬وكانوا‬
‫يطلقون على هذه الفترة فترة "التفاق"‪ .‬ولكن بعد الستقرار‬
‫استخدموا كلمة الخطوبة ومشتقاتها مثل خطيبة فلن وخطيب فلنة‪.‬‬
‫ويبادر الشباب دائما ً بالخطوات الولى فى الخطوبة‪ ،‬ولم يحدث قبل‬
‫ذلك سواء قبل الستقرار أو بعده أن سعى أهل العروس لتزويجها من‬
‫شاب معين‪ ،‬بل إن الخباريين اعتبروا ذلك عيبا ً كبيرا ً فى حق الفتاة‬
‫وقالوا "دى العيلة اللى ترفض واحد بيبقى شرف ليها وأهلها‬
‫يقولوا دا فلن جالنا وإحنا رفضنا ويتحاكوا بيها مش‬
‫الواحدة أو أهلها )يسوى()*( فعل العريس"‪ .‬ولكن الخباريين‬
‫أكدوا أن خطوات الخطوبة ومراحلها وشكل العلقة بين الخطيبين‬
‫تغيرت كثيرا ً فى مرحلة الستقرار عنها قبل ذلك‪ ،‬وهذا ما سنوضحه‬
‫فى السطور القادمة‪.‬‬
‫‪ 5-3-1‬الخطوبة قبل الستقرار‪:‬‬
‫يقول الخباريون إن الشاب كان يعرف الفتيات من أزيائهن‪،‬‬
‫وعندما يصل لمرحلة البحث عن عروس كان يتربص بالفتيات ويحاول‬
‫أن يختار منهن دون أن يشعر به أحد‪ .‬فإذا رأى فتاة تضع الشال على‬
‫أنفها عرف أنها بنت بنوت‪ ،‬ويراقبها حتى يعرف بيتها أو أهلها وبعدين‬
‫"ياخد أبوه أو أخوه" ويذهب لهل الفتاة دون وسيط أو سابق إنذار‬
‫ويجلسون معًا‪ ،‬وإذا اتفقوا يعلنون "التفاق"‪ .‬وبعدها بعدة أيام يذهب‬
‫العريس ووالدته ومعه شاه وبعض القطع الذهبية التى توضع فى‬
‫الخمار أو البرقع‪ ،‬لنها بعد التفاق سوف تبدأ ترتدى البرقع وتضع فيه‬
‫القطع الذهبية التى يهديها لها العريس‪ .‬وبعد ذلك يحضر والد العريس‬
‫وأهله ويجتمع بأهل العروس فى جلسة "مدادة الصله" ويدفع‬
‫"سياقها"‪ ،‬وهو المهر وسنتحدث عنه بالتفصيل فى موضع آخر‪.‬‬
‫وكان الشاب ل يرى الفتاة التى خطبها ول يتحدث معها فى منزلها أو‬
‫خارجه‪ ،‬حتى فى المناسبات التى تجمعهما حتى ولو كانت بنت عمه‪.‬‬
‫وبالرغم من أنه يمكن أن يتحدث معها قبل الخطوبة‪ ،‬أما أثناء‬
‫الخطوبة‪ -‬وخصوصا ً أمام الناس‪ -‬فل يتحدثان ول يسلم عليها‪ .‬وإذا زار‬
‫أهلها فى المنزل ل يراها‪ ،‬ول تظهر أمامه لنه يجلس مع أخيها أو‬
‫والدها فى المكان المخصص للرجال‪.‬‬
‫وكان الرجال يجلسون فى مكان يطلقون عليه "المقعد" هو المكان‬
‫المخصص لستقبال الضيوف والغرباء‪ .‬كما يستخدم فى الحتفالت أو‬
‫الجتماعات التى يتشاورون فيها فى أمر العشيرة‪ .‬وبالتالى تكون هذه‬
‫الماكن بعيدة عن مجالس النساء التى يتواجد بها الخطيبة فيصعب أن‬
‫تلتقى بخطيبها‪.‬‬
‫كما أن العروس لم يكن مسموحا ً لها بأن تبدى رأيها فى عريسها‪ ،‬وكان‬
‫*)*( يسوى‪ :‬أى يفعل الشئ‪ ،‬وهو لفظ يساوى فعل ويسبق معظم تصرفاتهم‬
‫فيقولون سويت لك خدمه أى خدمتك‪ ،‬وسوى الشئ الفلنى أى أنجزه‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫قرار رفضه أو قبوله هو قرار أهلها‪ ،‬ولكنها كانت تملك آلية أخرى‬
‫للرفض تتمثل فى "النزالة" وتتم بعد الزواج وسنتعرض لها فى موضع‬
‫آخر‪.‬‬
‫ولم تكن هناك هدايا تقدم من العريس أكثر من الذبائح وبعض القطع‬
‫الذهبية‪ ،‬ويقال عليها "دهبات"‪ ،‬تستخدم فى تزين الخمار الذى ترتديه‬
‫العروس يوم الزفاف‪ ،‬وبعدها يزين بها البرقع الذى ترتديه فى حياتها‬
‫اليومية‪.‬‬
‫"والدهبات"‪ -‬كما يسمونها‪ -‬عبارة عن قطع ذهبية تشبه الجنيه الذهب‪،‬‬
‫ولكن وزن الواحدة منها ل يزيد عن نصف جرام‪ ،‬ويسمونها "دهبات"‬
‫حتى ولو كانت مصنوعة من الفضة أو النحاس المطلى بماء الذهب‪.‬‬
‫ومع ارتفاع أسعار الذهب والتخلى عن ارتداء البرقع بشكله التقليدى‪-‬‬
‫بعد أن حل محله الخمار‪ -‬لم يعد هناك مجال لن تتضمن الشبكة هذه‬
‫"الدهبات"‪.‬‬
‫‪ 5-3-2‬الخطوبة بعد الستقرار‪:‬‬
‫لحظ الباحث‪ -‬من خلل أقوال الخباريين‪ -‬أن تفاصيل الخطوبة تغيرت‬
‫كثيرا ً بعد الستقرار‪ .‬وكانت أهم العوامل التى أثرت فى ذلك هى‬
‫التعليم وخروج الفتيات إلى المدارس إلى جانب الحتكاك والتصال‬
‫المباشر بالفلحين ومشاركتهم احتفالتهم بالزواج والخطوبة‪ .‬ويقول‬
‫الخبارى رقم )‪" (6‬البنات دلوقت بيروحوا المدارس وإحنا‬
‫عرفينهم وكل واحد عايز واحدة بيبقى عارف هى عايزاه‬
‫ول ل‪ ،‬والتليفزيون عّرف البنات كل حاجة"‪ .‬كما اختلفت‬
‫الطقوس والترتيبات وعرف المجتمع‪-‬حديثًا‪ -‬وسيط الزواج أو المرسال‪،‬‬
‫وإن كان "المرسال" أو الوسيط ليس محترفا ً لهذه المهنة‪ .‬ولكنه‬
‫شخص يختاره العريس ليكون واسطة بينه وبين العروس وأهلها‪ ،‬وغالبا ً‬
‫ما يكون شخصا ً تجمعه علقة مشتركة بين السرتين ‪.‬‬
‫وتبدأ خطوات الخطوبة بإرسال "مرسال" إلى أهل العروس يعرض‬
‫عليهم رغبة الشاب فى الزواج من ابنتهم‪ ،‬فإذا وافقوا يسألهم على‬
‫شروطهم وينقلها لهل العريس‪ .‬إذا كانت مناسبة لهم أكملوا خطوات‬
‫الزواج‪ ،‬وإن لم تكن مناسبة إما أن يتفاوضوا فيها أو يسحبوا عرضهم‬
‫بالزواج‪.‬‬
‫ويعد ظهور الوسيط فى عملية الزواج أحد المظاهر التى انتقلت‬
‫من المجتمع الريفى إلى الجماعة البدوية‪ .‬فقبل الستقرار لم تكن‬
‫الجماعة البدوية تعرف وسيط الزواج أو "المرسال"‪ ،‬ولكنهم عرفوه‬
‫مع استقرارهم فى مجتمع الدراسة ومع وجود "الخاطبة" فى المجتمع‬
‫الريفى‪ .‬ولكنهم لم يلجأوا إلى الخاطبة الريفية بسبب عدم إلمامها‬
‫اللمام الكافى بمفهومات الختيار ولن الخاطبة الريفية ليست ملمة‬
‫بكل بنات وأبناء الجماعة البدوية التى تعيش فى المجتمع كما أنهم ل‬
‫يرغبون فى استخدام وسيط فى الزواج مقابل أجر‪ .‬لهذا لم تظهر‬
‫الخاطبة بشكلها التقليدى‪ ،‬وإنما ظهرت صورة مختلفة لها هى ما‬
‫يطلقون عليه "المرسال"‪ .‬وهو فى الغالب رجل يختاره الشاب الراغب‬
‫فى الزواج ليكون وسيطا ً فى زواجه‪ .‬وقد تبدأ عملية الوساطة بتوسط‬
‫ذلك الشخص بين الشاب وأسرته‪ ،‬كأن يطلب الشاب من هذا الوسيط‬
‫أن يحيط أهله برغبته فى الزواج من فتاة معينة‪ ،‬أو مجرد أن يلفت‬
‫انتباه أسرة الشاب أن ابنهم يرغب فى الزواج‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ويجرى التفاق على الشروط التى غالبا ً ما تكون متعلقة بالمهر‬
‫وجهاز العروس وتفاصيل قائمة الجرد)*(؛ وكلها أمور لم تكن معروفة‬
‫قبل الستقرار ولم يعرفها المجتمع إل بعد الستقرار والتصال‬
‫بالمجتمع الريفى‪ ،‬وهى نفس الطريقة التى تتم بها الخطبة فى‬
‫المجتمع الريفى‪ .‬وبعد نجاح الوسيط فى الوصول إلى اتفاق يذهب‬
‫العريس وأهله ومعهم هدايا للعروس‪ -‬وتسمى "الزيارة"‪ -‬وتكون فى‬
‫الغالب ملبس للعروس ووالدتها وفاكهة‪ .‬ويعطى كل من العريس‬
‫ووالده مبلغا ً ماليا ً للعروس يتراوح ما بين خمسين إلى مائتى جنيه‪.‬‬
‫ويفسر البعض اختلف نوع الهدايا عما كان فى السابق بأن الذبائح‬
‫الن باتت غالية الثمن‪ ،‬ويصل ثمن الخروف إلى ألف جنيه وهو مبلغ‬
‫أكثر بكثير من قيمة الهدايا والمبالغ التى يعطيها العريس وأهله‬
‫للعروس الن‪ ،‬كما أنه لم يعد للقطع الذهبية التى كانت توضع فى‬
‫البرقع أية فائدة لن النساء الن ل يرتدين البراقع وبعضهن استبدلها‬
‫بالنقاب‪ .‬وبعد الزيارة الولى للعريس وأهله يتفق الطرفان على موعد‬
‫قراءة "الفاتحة" و"مدادة الصله"‪ .‬وفى هذا اليوم يقوم العريس‬
‫بإحضار مشغولت ذهبية على حسب قدرته‪ ،‬وتكون فى الغالب خاتما ً‬
‫أو غوايش أو فروع زيتونة )وهو عقد من الذهب(‪ .‬ويمكن أن يشترى‬
‫دبلة خطوبة أو ل يشترى فل يهتم أفراد المجتمع بالدبلة‪ .‬ولحظ الباحث‬
‫أن الفتيات المخطوبات حاليا ً يرتدين الدبلة فى اليد اليسرى‪ ،‬وهو ما‬
‫يدل على أن الدبلة ليس لها نفس الدللة الرمزية لمرحلة الخطوبة‬
‫والزواج كما هو المر بالنسبة للمجتمع الريفى‪ .‬ولكن ظهور الدبلة فى‬
‫حد ذاته يمثل نوعا ً من التغير‪ ،‬كما أن المشغولت الذهبية تمثل تجديدا ً‬
‫فى نوعيات الهدايا‪.‬‬
‫وفى "قراءة الفاتحة" يحضر أهل العروسين‪ ،‬وبعد قراءة الفاتحة‬
‫يحصل العريس على "الصله")*(‪ ،‬وهو تقليد يحرص عليه البدو حتى‬
‫الن‪ .‬ومن هذه اللحظة يصبح من حقه التردد على منزل العروس‬
‫والجلوس معها فى حضور محرم )أبيها أو أخيها الكبير(‪ .‬وأصبحت‬
‫طبيعة المسكن الن تسمح بمثل هذا اللقاء مع وجود المنازل وغرف‬
‫استضافة الضيوف ووجود الرجال والنساء فى مكان واحد‪ ،‬المر الذى‬
‫سهل فكرة التصال بين الخطيبين‪ .‬وأصبح من حق العريس أن يتحدث‬
‫مع عروسه ويسلم عليها‪ .‬وعلوة على ذلك ومع انتشار وسائل التصال‬
‫فى بعض المنازل أصبح بوسع الخطيبين أن يتبادل الحاديث التليفونية‪.‬‬
‫كما أنهما يستطيعان أن يلتقيا فى المناسبات المختلفة ويتحدثان معا ً‬
‫أمام الناس‪.‬‬
‫*)*( قائمة الجرد‪ :‬هى قائمة تتضمن كل محتويات جهاز العروسين التى اشتراها‬
‫العريس وأهله والعروس وأهلها وكذلك الشبكة‪ .‬ويوقع عليها العريس وتعد‬
‫مسئوليته عنها مسئولية قانونية‪ .‬وإذا ما حدث طلق تطالب الزوجة بها ويكون‬
‫الزوج مطالبا ً بردها كاملة‪ .‬ولم يعرف البدو المتريف قائمة الجرد إل بعد الستقرار‬
‫وتوثيق عقود الزواج والحتكاك بالفلحين الذين يحرصون على قائمة الجرد لضمان‬
‫حق الزوجة‪.‬‬
‫لصلة‪ :‬يعتقد أفراد الجماعة البدوية أن مسمى "الصلة" هو اسم لشجرة‬ ‫*)*( ا ً‬
‫تنبت فى الجزيرة العربية تبقى أغصانها خضراء طوال العام وحتى بعد أن يتم‬
‫قطعها تبقى خضراء لفترة طويلة‪ .‬ويرمز اللون الخضر هنا لبركة الحياة الزوجية‬
‫واستمرارها‪ .‬كما أن الزوج يضع العود الخضر الذى يطلق عليه "الصلة" فى‬
‫عمامته أى على رأسه أو فى جيبه تعبيرا ً عن احترامه وحفاظه على زوجته‪،‬‬
‫وفسرها البعض بأنه نوع من الفخر بزوجته‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ 5-4‬الشبكة والمهر‬
‫يعبر أفراد الجماعة المتريفة عن كلمة المهر بكلمة "السياء" )أى‬
‫السياق()**( ويقولون‪" :‬العريس بيسوق فيها فلوس" أى يدفع‬
‫مهرا ً لعروسه‪ .‬ويحرص أفراد المجتمع على دفع المهر منذ مرحلة‬
‫الترحال وحتى الن بنفس الدرجة‪ .‬وقد يكون الختلف الوحيد الذى‬
‫اعترى المهر هو قيمته‪ ،‬فبعد أن كانت قيمة المهر ل تتجاوز عشرين‬
‫جنيها ً فى نهاية فترة الترحال؛ وصلت إلى مائتى جنيه عند بداية‬
‫الستقرار‪ ،‬وهى الن تتراوح ما بين ثلثة آلف إلى ستة آلف جنيه‪.‬‬
‫ويلتزم والد العريس بدفعه لوالد العروس أو ولى أمرها فى جلسة‬
‫مدادة الصله‪ ،‬أو بعدها بشرط أن يكون دفع المهر قبل الزفاف بوقت‬
‫كاف‪ .‬وغالبا ً ما يأخذ والد العروس المهر ويشترى به ذهبا ً للعروس وقد‬
‫يزيد عليه مبلغا ً إضافيًا‪ .‬فمثل ً إذا كان مهر العروس ثلثة آلف جنيه‬
‫يذهب والد العروس إلى الصائغ ويشترى لها مشغولت ذهبية بثلثة‬
‫آلف وخمس مائة جنيه‪ ،‬وكلما زاد فى الرقم الذى يضيفه إلى المهر‬
‫تزيد قيمته وشرفه ومفاخرته أمام أهل العريس‪.‬‬
‫ولذلك ل يعرف أفراد المجتمع الشبكة كما هى فى المجتمع‬
‫الريفى؛ فمثل ً المشغولت الذهبية التى يهديها العريس لعروسه ل‬
‫تخضع لى اتفاق مسبق‪ ،‬ول يمكن أن تعتبرها شبكة‪ .‬كما أنهم ل‬
‫يحتفلون باحتفالية "لبس الشبكة" كما هو الحال فى المجتمع الريفى‬
‫مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ 5-5‬عقد القران‬
‫إذا كان الزواج يمثل أهم حدث اجتماعى وثقافى فى الجماعة‬
‫البدوية‪ ،‬فعقد القران هو أهم ما فى الزواج‪ .‬ولعقد القران طقوس‬
‫وأسلوب لم يتغير‪ ،‬وإن كانت قد أدخلت عليه بعض الضافات‪ .‬فقبل‬
‫الستقرار كان أفراد الجماعة يكتفون "بالصله" كعقد للزواج‪ ،‬ولكن مع‬
‫الستقرار أصبحوا يوثقون عقود زواجهم إلى جانب "الصله"‪.‬‬
‫‪ 5-5-1‬مدادة الصلة‬
‫ويروى الخباريون – واتفقوا فى روايتهم – أن أهل العروسين‬
‫يجتمعون فى منزل أهل العروس أو المكان الذى تستقبل فيه عشيرتها‬
‫ضيوفها‪ ،‬ويمسك والد العروس بعود أخضر‪ -‬قد يكون من فرع شجرة‬
‫أو عود برسيم‪ -‬ولبد وأن يكون جزءا ً من نبات أخضر‪ ،‬ويتفاءلون بأنه‬
‫أخضر وليس جافًا‪ .‬ويقرأ الفاتحة والجميع يقرأون معه‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫"بنتى طلعت من ذمتى وبقت فى ذمتك"‪ ،‬ويمد يده بالعود‬
‫الخضر الذى يسمى "الصلة"‪ .‬ويمسكها منه العريس ويقول له‪:‬‬
‫"بنتكم فى ذمتى"‪ ،‬ويأخذ الصلة ويضعها فى عمامته على رأسه أو‬
‫فى جيبه ويحتفظ بها فترة حتى تجف‪ .‬وأثناء جلسة "مدادة الصلة"‬
‫يخرج العريس من جيبه مبلغا ً معينا ً )غير محدد سلفًا(‪ ،‬ويرسل أحد‬
‫الشخاص لشراء بعض المأكولت أو المشروبات‪ ،‬وحاليا ً يحضر صندوق‬
‫*)**( السياء أو السياق‪ :‬يقصد أفراد الجماعة البدوية المتريفة بهذه الكلمة ما‬
‫يدفعه العريس للعروس وأهلها ليحصل عليها‪ .‬أى أنها تساوى كلمة المهر ولكنها‬
‫أشمل لنها تتضمن الهدايا وما يحضره العريس فى جلسة مدادة الصلة وما يهديه‬
‫للعروس فى المناسبات المختلفة‪ .‬وعندما تفشل الزيجة قبل الدخول سواء لرفض‬
‫أهل العروس أو لدخول أحد أبناء عمومتها معلنا ً رغبته فى الزواج بها يرد للعريس‬
‫سياقه أو كل ما دفعه للعروس وأهلها‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫مياه غازية وسجائر ومعسل وتسمى هذه الشياء "تحية مدادة الصلة"‪.‬‬
‫وُيعقد المجلس الذى تتم فيه عملية "مدادة الصلة" بأحد ديار أهل‬
‫العروس‪ .‬وقد ُتعقد هذه الجلسة فى منزل والدها أو عمها أو فى‬
‫"مقعد" الضيوف تبعا ً لظروف وإمكانيات منزل والد العروس‪ .‬ويفضل‬
‫أن تتم هذه العملة فى مكان خارج منزل والد العروس لن النساء ل‬
‫يحضرنها كما أن الب يكون حريصا ً على إتاحة الفرصة لهل بيته‬
‫للحتفال "بمدادة الصلة" وخصوصا ً أن العريس يحرص على إحضار‬
‫أخته أو والدته لزيارة العروس فى هذا اليوم‪ .‬كما أن والد العروس‬
‫يحرص على أن يتم مجلس مدادة الصلة خارج منزله كنوع من الشهار‬
‫لزوج ابنته‪ .‬وفى نفس الوقت يشرك جماعته القرابية فى هذا المر‬
‫ويقول أحد الخباريين‪" :‬الناس فى اليوم ده بتجامل بعض وأبو‬
‫العروسة بيكبر أخوه أو ابن عمه ويقول نقعد عندك علشان‬
‫نعطيهم أصلة البنت" )يقصد العروس(‪ .‬ومنذ لحظة مدادة الصلة‬
‫تصبح العروس حلل ً لزوجها حتى ولو لم يتم الزفاف‪ .‬وله أن يأخذ‬
‫عروسه بدون زفاف إذا رغب فى ذلك على حسب رواية الخباريين‪.‬‬
‫ولكنهم أكدوا أن هذا لم يكن يحدث إل فى حالة المرأة المطلقة أو‬
‫الرملة‪ ،‬لنه ل يقام بمناسبة احتفال بالزفاف أو الحنة‪" .‬وكان العريس‬
‫يأخذ عروسه إذا كانت مطلقة أو أرملة من بيت أبيها يوم ما يأخذ‬
‫أصلتها"‪.‬‬
‫ويوضح الخباريون أنهم يعتبرون أن العروس منذ هذه اللحظة‬
‫زوجة العريس‪ ،‬يقال‪" :‬رسنها مع أصلتها"‪ ،‬أى أنه عندما يحصل‬
‫على الصلة‪ ،‬وكأنه حصل على الحبل الذى تربط به الشاه‪ ،‬فإذا أمسك‬
‫الرجل بحبل الشاه فقد أخذها‪ .‬ول يسمح لى امرأة بحضور جلسة‬
‫"مدادة الصلة" بما فى ذلك العروس نفسها‪ .‬ويؤكد الخباريون أن‬
‫العروس هى حلل العريس بعد "مدادة الصله"‪ ،‬ول يمنعه عنها إل أن‬
‫تكون "مدخلة"‪ ،‬و"الدخل" هو أن يكون أحد أبناء عمومتها يرغب فى‬
‫الزواج منها وسوف نتعرض لها بالتفصيل فى موضع آخر‪.‬‬
‫‪ 5-5-2‬عقد القران‬
‫مع استقرار الجماعة البدوية وتعرفهم على عادات وتقاليد المجتمع‬
‫الريفى واحتياجهم لستخراج أوراق رسمية مثل شهادات الميلد‬
‫وجوازات السفر وبطاقات التموين كان لبد أن يأخذوا بممارسة‬
‫الفلحين القائمة على توثيق عقود الزواج بشكل رسمى على يد مأذون‬
‫شرعى‪ .‬وكان أول عقد زواج تم توثيقه أو كتابته على يد مأذون كان‬
‫فى بداية الثمانينيات‪ .‬وظل البدو المتريف يعقد جلسات الصلة‬
‫بالتوازى مع توثيق العقود‪ .‬وكان السبب فى ذلك أن الزواج بالصلة ل‬
‫يشترط سن زواج محدد للعروسين فى حين أن القسائم الموثقة‬
‫تشترط بلوغ الزوجين للسن المقرر‪ .‬فكان البدوى يتزوج من الفتاة‬
‫التى يقل عمرها عن السن القانونى‪ ،‬وبعدها ينتظر حتى تبلغ السن‬
‫القانونى وبعدها يوثق العقد‪.‬‬
‫وفى حالت أخرى يقومون بعملية التسنين على يد طبيب الوحدة‬
‫الصحية ويستخرجون شهادات ميلد تسمح للعروس بالزواج‪ .‬وكل هذه‬
‫الطرق توضح حرص البدوى على الزواج زواجا ً موثقا ً على يد مأذون‬
‫بمقتضى قسيمة رسمية يمكنه أن يستخدمها أمام الجهات الرسمية‬
‫سواء لقيد أبنائه أو لستخراج بطاقة عائلية وغيرها من الوراق‬
‫الرسمية‪ .‬والعائق الوحيد أمام عقد القران بشكل رسمى هو تكلفة‬

‫‪81‬‬
‫هذه العقود‪ ،‬فالبدو المتريف يتعامل مع اثنين من المأذونين المحليين‬
‫وأقل أجر يطلبه المأذون لتمام العقد هو ‪ 200‬جنيه فى حالة أن تكون‬
‫العروس مستوفية شروط السن‪ .‬أما إذا كانت أصغر من السن‬
‫القانونى فيطلب المأذون أجرا ً أعلى قد يصل إلى ‪ 500‬جنيه‪ ،‬وهى‬
‫مبالغ كبيرة بالنسبة للبدوى‪ .‬وقد لجأ بعض الشباب المتزوج حديثا ً‬
‫للدفع بالتقسيط أو تأجيل الدفع للمأذون إلى ما بعد يوم الحنة حتى‬
‫يجمع نقوطه ثم يسدد أجر المأذون‪.‬‬
‫ول تأخذ جلسة توثيق عقد الزواج رسميا ً أى شكل طقوسى‪ ،‬إذ تنفذ‬
‫بمجرد أن يحضر العريس ومعه المأذون ووالده أو وكيله والشهود إلى‬
‫منزل والد العروس‪ .‬ويتم تحرير العقد مرفقا ً به صور للعريس‬
‫والعروس‪ .‬ويمكن أن تحضر هذه الجلسة أم العريس أو أم العروس أو‬
‫العروس نفسها‪ ،‬على عكس ما كان يحدث فى مجلس "مدادة‬
‫الصلة"‪ .‬وبسؤال أحد المأذونين أفاد أن البدو المتريف عرف "كتب‬
‫الكتاب" أو توثيق العقود منذ فترة قريبة وأنهم فى حالت كثيرة ل‬
‫يوثقون عقود زواجهم إل بعد فترة من الزواج بسبب صغر سن‬
‫العروس‪ .‬وأضاف أن البدوى ل يحرص على الحصول على وثيقة الزواج‬
‫أو القسيمة إل بعد فترة طويلة من الزواج قد تصل لعامين على عكس‬
‫الفلحين الذين يحرصون على الحصول على القسيمة بمجرد إنهاء‬
‫الجراءات المتعلقة بتوثيق العقد‪.‬‬
‫ويفسر الخباريون اتجاههم لتوثيق العقود بأنهم الن مستقرون‬
‫وأبناءهم يتجهون للتعليم‪ ،‬ولكى يلتحق البناء بالمدارس لبد من‬
‫شهادات الميلد التى ل تستخرج إل بقسيمة الزواج‪ .‬كما أن البدو الن‬
‫يحتاجون لقسيمة الزواج فى أمور كثيرة وخصوصا ً مع اتجاه البعض‬
‫للسفر إلى الخارج واستخراج جوازات السفر وغيرها من الوراق‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫وهناك تفسير آخر يطرحه البعض‪ ،‬وهو أنه إذا فشلت الزيجة‬
‫وحدث الطلق يمكن أن تلجأ الزوجة للمحكمة لتطالب بحقها‪ ،‬كما أن‬
‫هناك آخرين موظفين بالحكومة‪ ،‬وتحتاج زوجاتهم لقسيمة الزواج‬
‫للحصول على المعاش والتأمينات‪.‬‬
‫‪ 5-6‬الزفاف‬
‫احتفالية الزفاف لها عناصر كثيرة وتتضمن أكثر من مرحلة‪،‬‬
‫وسوف نتناولها على مستويين‪ ،‬المستوى الول‪ :‬ما قبل الستقرار‪ ،‬ثم‬
‫نرصد ما تم من تغيرات فى هذه الحتفالية بعد الستقرار‪ ،‬ونحاول أن‬
‫نتلمس آثار الستقرار الثقافية على الجماعة البدوية‪ .‬وقد شارك‬
‫الباحث أثناء الدراسة الستطلعية بحضور احتفالية زفاف ليتمكن من‬
‫تعميق فهمه وتدقيق وصفه لهذه الحتفالية بالشكل الذى تتم به الن‪،‬‬
‫وإن كانت احتفالية الزفاف الن تتخذ أكثر من شكل‪.‬‬
‫‪ 5-6-1‬الزفاف قبل الستقرار‪:‬‬
‫كان الستعداد للزفاف يبدأ قبل يوم الزفاف الذى يطلقون عليه‬
‫"يوم الدخلة" بفترة طويلة كانت تصل إلى ‪ 20‬يومًا‪ .‬وفى كل يوم‬
‫يجتمع أصدقاء العريس وأهله وجيرانه ويشعلون النيران فى موقد كبير‬
‫يطلق عليه "المنقد أو الراكية")*( يعدون عليها الشاى ويتجمعون حولها‬
‫*)*( المنقد أو الراكية‪ :‬هى مكان إشعال النيران التى يجتمع حولها الجماعة البدوية‬
‫التى تقيم الحتفال ويستخدمونها فى عدة أمور أهمها عمل الشاى والتدفئة عليها‬

‫‪82‬‬
‫يتسامرون ويتبادلون الحاديث‪ .‬وكانت النساء تحضر هذه الجلسات‬
‫ولكنها ل تشارك فى أحاديث الرجال وغالبا ً ما كانت جماعات الرجال‬
‫تجلس بجوار "راكية" النار وعلى بعد منهم تتجمع النساء‪.‬‬
‫وخلل اليام التى كانت تسبق الزفاف كان البدو يحرصون على إقامة‬
‫الحتفالت وإحيائها بالغناء والرقص البدوى ويطلقون على هذه‬
‫الحتفالت "السامر"‪ .‬وهو يعرفون نوعين من الغناء‪ :‬الول يطلقون‬
‫عليه "الكف" أو "السامر"‪ .‬ويحرص الشباب على المشاركة فى الغناء‬
‫على الكف وأطلق عليه هذا السم لن الغناء يتم وفق إيقاع التصفيق‬
‫على الكف فيتجمع مجموعة من الشباب )ما بين عشرة إلى ‪ 20‬شابا(ً‬
‫ويتراصون فى صف واحد واقفين متلصقة أكتافهم ويصفقون بشكل‬
‫جماعى‪ ،‬وبإيقاع سريع مرددين بعض الغانى مثل "الريح الغربى‬
‫واللى فيه طراوه والزين محليه"‪ ،‬و"ياما خلق ياما صور كعب‬
‫البت ريال مدور"‪ ،‬و"حلوة بيضه فى الميزان"‪ ،‬و"الميه جات‬
‫فى وادى النيل واحنا غلبه ومساكين"‪ .‬وفى الغالب تقسم كل‬
‫أغنية من هذه الغانى إلى شطرين وينقسم المؤدون من الشباب‬
‫المتراص فى الصف إلى قسمين وكل قسم منهم يرد شطر من‬
‫شطرى الغنية فيقول القسم الول من الشباب الواقف "الريح‬
‫الغربى واللى فيه"‪ ،‬فيرد عليه القسم الخر "طراوه والزين‬
‫محليه"‪.‬‬
‫وتشارك النساء فى هذا اللون من الغناء والحتفال بالرقص ورغم‬
‫ما يحاول البدوى من إثبات تحفظه على خروج المرأة أو احتكاكها‬
‫بالخرين إل أنهم ل يعتبرون أن الرقص فى "الكف" وأمام الشباب عيبا ً‬
‫أو فيه ما ينتقص من وضع المرأة أو يمس هيبة زوجها أو والدها إن‬
‫كانت لم تتزوج بعد‪ .‬والمرأة التى تشارك بالرقص تمسك بعصا فى‬
‫يدها وتربط حزام حول وسطها وتبدأ تتمايل مع إيقاع التصفيق‬
‫وتستخدم حركة بسيطة من قدمها مع تحريك خصرها وتتحرك شمال ً‬
‫ويمينا ً ملوحة بالعصا التى فى يدها‪ .‬ولن المرأة التى ترقص تضع حزام‬
‫حول وسطها)*( ليساعدها فى أداء الحركات الراقصة فيتبع نساء مجتمع‬
‫وسيلة أخرى لتحديد إذا كانت المرأة التى ترقص متزوجة أو غير‬
‫متزوجة من خلل استخدام غطاء للوجه‪ .‬فالمرأة المتزوجة تكشف عن‬
‫وجهها أثناء الرقص أما غير المتزوجة فتغطى وجهها‪ .‬كما يحرص‬
‫الشباب من الرجال على المشاركة فى "الكف" ويعتبرونه اللون‬
‫الغنائى المفضل لديهم لسرعة إيقاعه وسهولة كلماته وأداءه فكل‬
‫أغنية فى الكف ل تزيد عن الجملة الواحدة‪ .‬تميل أيضا ً الفتيات والنساء‬
‫إذا كان الحتفال شتاًء‪ .‬كما كانوا يعتمدون عليها فى الضاءة قبل أن تصل الكهرباء‬
‫للمجتمع‪ .‬وبالرغم من أن المنقد والراكية يعبران عن مكان إشعال النيران إل أن‬
‫الفرق بينهما كبير‪ ،‬فالمنقد هو وعاء كبير يتكون من ثلثة أجزاء‪ :‬الجزء العلى هو‬
‫القرصة وهى عبارة عن قطعة دائرية مفرغة من الوسط وملتحمة بالجزء الوسط‬
‫)وهو اسطوانة مفرغة(‪ ،‬والجزء السفلى هو القاعدة وهى دائرية الشكل‪ .‬وهناك‬
‫أكثر من نوع من المنقد منتشرة هناك منها المنقد الفخار وهناك أنواع مصنوع من‬
‫النحاس والحديد‪ .‬أما الراكية فهى عبارة عن حفرة عميقة فى الرض توضع بداخلها‬
‫قطع الخشب ويتم إشعال النيران فيها ثم تزود بالمزيد من الخشاب على نحو‬
‫يترك فراغات بين قطع الخشب تسمح بخلخلة الهواء فتزداد النيرات توهجًا‪.‬‬
‫*)*( معروف لدى أفراد المجتمع أن المرأة ل تربط حزام حول وسطها إل إذا كانت‬
‫متزوجة‪ .‬ولكن عندما ترقص البنت البكر فى "الكف" تضطر لوضع الحزام‬
‫ليساعدها فى الرقص فتل>ا لخفاء وجهها لتظهر أنها غير متزوجة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫صغيرات السن على المشاركة فى "الكف" من خلل الرقص لن‬
‫إيقاعه سريع ويساعد على الرقص ول يحتاج لحركات صعبة‪.‬‬
‫أما اللون الثانى من الغناء فهو غناء "الدحية" ويبدأ بأن يقف‬
‫المؤدين وهم فى الغالب من كبار السن فى صف واحد يشبه الصف‬
‫فى "الكف" ولكن العدد فى "الدحية" يكون أقل ول يزيد على عشرة‬
‫أشخاص‪ .‬وتبدأ "الدحية" بموال يقوله أحد المؤدين وهو جالس ثم يأخذ‬
‫مقطع منه ويردده الباقون وهم واقفون ثم يقف صاحب الموال‬
‫ويشاركهم ترديد هذا المقطع مع صقفة خفيفة وتكرارها بشكل أبطأ‬
‫مما هى عليه فى "الكف" ثم بعد ذلك ينقسم المؤدين إلى قسمين‪،‬‬
‫يقف أحدهم ويجلس بجوارهم القسم الثانى ويبدأ الجالسون فى اختيار‬
‫أحدهم لغناء موال ويرددون وراءه كل كلمة يقولها ثم يقفون مرة‬
‫أخرى ليرددون جزء من هذا الموال‪ ،‬وبعدها يجلس القسم الذى كان‬
‫واقفا ً فى المرة الولى فيقولون موال‪ ..‬وهكذا‪ .‬وفى كثير من الحيان‬
‫يتم ارتجال هذه المواويل وهى ليست ثابتة فقد يبدأ المؤدى الموال ثم‬
‫بعد ذلك يبدأ يرتجل حسب الموقف والجماعة التى تشاركه "الدحية"‬
‫وكثيرا ً ما تأخذ عملية الرتجال شكل تنافسى بين المؤدين‪.‬‬
‫وطوال أداء "الدحية" تكون هناك سيدة تقوم بحركات راقصة‬
‫وممسكة فى يدها عصا ويطلقون عليها "البوش" وإذا ما بدأت‬
‫"الدحية" بدون امرأة ترقص أمام المؤدين ينادون عليها "هو هاى يا‬
‫بوش" فتقوم إحدى السيدات لترقص مع "الدحية" ولكن رقص‬
‫"الدحية" أصعب لنه ل يعتمد على إيقاع تصفيق المؤدين‪ ،‬ولكن هناك‬
‫حركات معروفة ومعقدة تؤديها الراقصة فضل ً عن أنها ترتدى "شال"‬
‫كبير أو "قعنه" تغطى بها وجهها ومعظم أجزاء جسدها وكل ما تقوم به‬
‫بيدها أو من خلل التحرك بقدميها شمال ً ويمينا ً وللمام وللخلف‪ .‬كما‬
‫تختلف رقصات "الدحية" عن رقصات "الكف" فى أن الراقصة أو‬
‫المرأة التى تؤدى رقصات "الدحية" تكون بعيدة عن المؤدين بمسافة‬
‫ل تقل عن عشرة أمتار بينما فى "الكف" تقف المرأة التى تؤدى‬
‫الرقصة أمام المؤدين مباشرة لدرجة أنها قد تضرب أحدهم بالعصا‬
‫التى فى يدها وهذا يحدث غالبا ً مع زوجها أو أخيها إذا كان من بين‬
‫المشاركين فى "الكف"‪ .‬وتعتبر الغانى التى تؤدى فى "الكف" أو‬
‫"الدحية" مؤشر على ثقافة الجماعة البدوية وإن كانت معظمها تدور‬
‫فى إطار من العزل سواء العفيف أو الصريح ولكنها تعبر عن نظرة‬
‫الرجل للمرأة فى المجتمع البدوى‪ .‬كما أنها تعكس نوعا ً من التحرر فى‬
‫الحديث ل نجده فى الحاديث اليومية؛ بل إن إقدام المرأة على الرقص‬
‫فى "الكف" أو "الدحية" ينافى ما يحاول البدوى تأكيده على رفضه‬
‫للختلط بين الرجال والنساء لدرجة أن المرأة بعدما ترقص أمام‬
‫الرجال سواء فى "الكف" أو "الدحية" تذهب لتجلس مع الخريات ول‬
‫تقدر على القتراب من مجالس الرجال‪.‬‬
‫وتبدأ احتفالية الحنة بذبح الذبائح‪ ،‬وكانت الذبائح قبل الستقرار‬
‫عبارة عن الخراف والماعز‪ ،‬بينما كان البعض يذبح جم ً‬
‫ل‪ .‬وكانوا‬
‫يحرصون على أن يتم الذبح فى مكان ظاهر وواضح للضيوف‪ ،‬وبالرغم‬
‫من أن عملية الطهى فى اليام العادية هى مسئولية أصيلة من‬
‫مسئوليات المرأة البدوية‪ ،‬إل أن فى احتفالية "الحنة" كانت تسند‬
‫للرجال‪ .‬وقد أرجع الخباريون ذلك لعدة أسباب أهمها أن عملية الذبح‬
‫والطهى كانت تتم فى أماكن ظاهرة وكثيرا ً ما كانت تتم فى نفس‬
‫المكان الذى يجلس فيه الرجال وبالتالى إذا أسندت عملية الطهى‬
‫للنساء يصعب تواجدهم وسط الرجال‪ .‬كما أن صاحب الفرح يحرص‬

‫‪84‬‬
‫على أن يشاهد الحاضرين ذبائحه وطعامه لبراز مدى كرمه‪ .‬لدرجة أن‬
‫صاحبا الفرح يحرص على أن تلطخ دماء الذبائح ملبسه حتى يراها‬
‫الحضور ويتأكدوا أنه ذبح لهم وأعد لهم الطعام‪) .‬انظر الصورة رقم‬
‫‪(15،14‬‬
‫كما أضاف الخباريون أن كثيرا ً من الرجال يعتبرون النساء ل‬
‫يحافظون على الطعام ولحم الذبائح ويقولون" لو المره مسكت‬
‫الكل هتديه للعيال والرجاله مش هيفضلها حاجه أو كل‬
‫واحد بخيلة يعيلها هتعرف لها والرجال ماتكلش"‪ .‬كما أوضحت‬
‫إحدى الخباريات بقولها "الرجاله بيقولوا المره بتعفرت الكل‬
‫والنسوان يقلوا من بركه اللحمة وعشان كده النسوان ل‬
‫تدبح ول تطبخ فى الفراح"‪ .‬وهذا يكشف عن بعد عقائدى فى‬
‫أذهان الرجال البدوى فى تلك المرحلة وأنه كان يعتقد أن المرأة تقلل‬
‫من بركة الكل وخصوصا ً أنهم يتشائمون من المرأة فى فترة "الدورة‬
‫الشهرية" ويعتبرونها نجسة وقد ل يرغبون فى إسناد إعداد الطعام‬
‫للنساء فى الفراخ خوفا ً من أن تكون إحداهن على هذه الحالة‪.‬‬
‫ويسبق حضور العروس إلى عريسها احتفاليتها الخاصة فى بيتها‪،‬‬
‫التى كانت تبدأ يوم الحنة فقط‪ ،‬وليس كما يتم عند العريس‪ .‬وتبدأ‬
‫احتفاليتها بحمام العروس وكان "حمام العروس" يتم على يد أختها‬
‫ووالدتها بإزالة الشعر الزائد من جسدها وتحديد الحواجب ووضع الزينة‬
‫والعطر‪ .‬وأثناء الحمام تتعرف العروس على الخبرة فى التعامل مع‬
‫عريسها أو زوجها وخصوصا ً فى عملية فض غشاء البكارة‪ .‬وبعد حمام‬
‫العروس الذى يتم يوم الحنة يأتى إليها جيرانها وبنات عشيرتها‬
‫ويجلسن معها ويغنين لها‪ ،‬وترتدى فى هذا اليوم ملبسها العادية‪ .‬وفى‬
‫يوم الدخلة صباحا ً تبدأ فى جمع ملبسها وأغراضها وتحزمها فى‬
‫صندوق‪ ،‬وترتدى زى الفرح وكان عبارة عن فستان أبيض من الحرير‬
‫يسمى "البدله" وعلى وجهها برقع يزين بقطع ذهبية يسمى "خمارًا"‬
‫ويبدأ من رأسها وحتى قدميها‪ .‬وكان أخو العروس أو عمها يذهبون بها‬
‫إلى بيت العريس ويستقبلهم أهل العريس ويأخذون العروسة إلى‬
‫مكانها حيث يجلسونها فى انتظار عريسها‪ ،‬ول يدخل معها إل أمها أو‬
‫أختها‪ .‬ويقوم أهل العريس بإطعام القادمين مع العروس‪ .‬ول يحضر‬
‫العريس هذه اللحظات بل يحرص على أل يشاهده أحد عند دخوله إلى‬
‫خيمته أو ما كانوا يسمونه "البرزة")*( وعندما يدخل تخرج كل من كانت‬
‫مع العروس‪.‬‬
‫‪ 5-6-2‬الزفاف بعد الستقرار‪:‬‬
‫ما نقصده هنا ليس الزفاف بعد الستقرار مباشرة ولكن ما هو موجود‬
‫الن‪ ،‬أى نقصد الزفاف الن كيف يتم‪ ،‬وإلى أى مدى تغير‪ ،‬وكيف تأثرت‬
‫هذه الممارسة الثقافية بعملية التريف؟ يبدأ الستعداد للزفاف الن‬
‫قبل يوم الحنة بثلثة أيام على الكثر‪ ،‬وتجرى خلل هذه اليام‬
‫ممارسات تشبه ما كان يحدث قديما ً من إشعال للنيران وإعداد الشاى‪،‬‬
‫وإن كان أفراد المجتمع الن يميلون إلى غناء الكف أو السامر‪ ،‬وقليل‬

‫*)*( البرزة‪ :‬هى المكان الذى يجهز لدخول العريس بعروسه وهى عبارة عن خيمة‬
‫أو بيت شعر ويطلقون عليها اسم "البرزة" من كونها دائما ً ما توضع فى مكان بعيد‬
‫نسبيا ً عن باقى خيام أو بيوت العشيرة فتكون بارزة‪ .‬وأوضح أحد الخباريين أنه‬
‫تزوج فى البرزة ولكن فى مجتمع الدراسة وقام أهله بإقامتها من بيت شعر‬
‫وأقاموها فى منطقة الجسر الوسطانى المواجهة لمنازل عشيرته‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫منهم يحفظ أغانى الدحية‪ .‬وحتى الغانى التى يغنونها فى الكف‬
‫تغيرت‪ .‬فأغانى الكف كانت تدور حول القيم التى يعتز بها المجتمع‬
‫البدوى مثل إكرام الضيف وحسن الضيافة والستقبال فكانوا يقولون‬
‫التاكسى اللى جاب البيه هات الورد ورش عليه"‪ .‬وكانت هذه‬
‫الغنية دائما ً تتردد فى حالة حضور أحد الضيوف الكبار من مشايخ البدو‬
‫لحفل "السامر" أو "الكف"‪ .‬كما أنهم كانوا يغنون عن مشاكلهم‬
‫الحياتية فمثل ً يقولون "الميه جات فى وادى النيل واحنا غلبه‬
‫ومساكين" دليل ً على أنهم من سكان الصحارى ولم تكن لهم علقة‬
‫بوادى النيل ويعتبرون أنفسهم مساكين لحرمانهم من الستفادة من‬
‫هذه المياه وبالطبع تغير الوضع مع استقرارهم واشتغالهم بالزراعة‬
‫أصبحوا من سكان وادى النيل ويستفيدون بمياهه‪ .‬كما أن أغانيهم كانت‬
‫تعكس ما يعانونه من حر شديد فى الصحراء وأن أفضل مكان بالنسبة‬
‫لهم هو المكان الظليل حيث تنخفض درجة الحرارة فيه فكانوا يقولون‬
‫"الريح الغربى واللى فيه طراوه والزين محليه" أى المكان‬
‫الغربى "طراوه" أى به هواء بارد و"الزين" المقصود به الحبيب‬
‫"محليه" أى زاده حلوة‪.‬‬
‫ولكن الن‪ -‬وعلى حسب رواية الخباريين‪ -‬أصبحت أغانى "الكف" أكثر‬
‫انفتاحا ً وتتناول موضوعات فى معظمها غزلية واستقوها من شرائط‬
‫الكاسيت فيقول مثل ً "داريت همى ونواره حبها فى دمى"‪،‬‬
‫و"شارى وانت بعتنى بالوهم وعشمتنى"‪ ،‬و"انت يا بنت‬
‫المير حبيتك وأنا الفقير"‪ ،‬و"عل يا عل حرام البهدله انت‬
‫ساكنه المدينه وأنا ساكن فى الخل"‪ ،‬و"ينستتنى فيك‬
‫بنستنى تخدنا بيدك للجنه"‪ .‬وهناك مجموعة من المطربين البدو‬
‫المحترفين المعروفين لبناء الجماعة البدوية المتريفة أشهرهم حامد‬
‫الفرجانى وصالح أبوخشيم وخميس ناجى وميلد القذافى وأيمن أبوزيد‬
‫وفيصل العربى‪ .‬وهناك أغنيات يتم ارتجالها أثناء أداء الكف فمثل ً هناك‬
‫أغنية قالها أحد الخباريين للباحث ارتجلها أثناء أداءه للكف تقول‬
‫"عشانك لزيد الكف وأعملك طابور وصف"‪ ،‬وكانت عبارة عن‬
‫غزل فى الفتاة التى كانت ترقص فى "الكف"‪.‬‬
‫وتبدأ احتفالية الحنة مع بداية النهار‪ ،‬والن ل يقوم أفراد المجتمع بذبح‬
‫الذبائح كما كان فى السابق‪ ،‬وأصبح صاحب الفرح يشترى لحوما ً من‬
‫الجزارين فى القرية‪ ،‬وغالبا ً ما يقوم بشراء مائة كيلو جرام لحم‪.‬‬
‫ويفسر الخباريون ذلك بأنه راجع للظروف القتصادية ويقولون‬
‫"الناس الوقت مايقدروش يدبحوا دبايح زى زمان‪ .‬كان‬
‫زمان الواحد يدبح عشرة خرفان مايهموش‪ ،‬لكن الوقت‬
‫مافيش حد عنده عشرة خرفان للدبيح‪ .‬ولو عنده مايقدرش‬
‫يدبحهم‪ .‬الخروف دلوقت تمنه يعدى اللف جنيه‪ ،‬الواحد‬
‫يروح يجيب مائة كيلو جرام لحمة من الجزار بألفين ونصف‬
‫يعنى تمن خروفين ويقضوا الفرح"‪.‬‬
‫وهنا نرصد تغيرات طرأت على الممارسة الثقافية متأثرة بالتغيرات‬
‫القتصادية التى طرأت على المجتمع مع اتجاههم للزراعة وانحسار‬
‫عمليات الرعى‪ ،‬مما أدى إلى قلة عدد الغنام الموجود وارتفاع‬
‫أسعارها‪ .‬ولم يعد الن الرجال من أقارب العريس هم الذين يعدون‬
‫الطعام للضيوف‪ ،‬ولكن يستقدمون طباخا ً متخصصًا‪ .‬وهذه العملية‬
‫انتقلت إليهم من المجتمع الريفى‪ .‬ويقوم الطباخ بإعداد الرز‬
‫والمكرونة والسلطة ويطهو اللحم بعد أن يقطعه إلى شرائح صغيرة‪.‬‬
‫وتوضع "سفرة" )مائدة( طويلة داخل أحد المنازل أو فى مكان محاط‬

‫‪86‬‬
‫بقطع من "الصوان والفراشة"‪ .‬وتمتد السفرة وتستقبل أكثر من‬
‫عشرين فردا ً فى كل مرة‪ ،‬ويستمر الكل من بعد العصر يوم الحنة‬
‫وحتى بعد دخول العريس‪.‬‬
‫أما ليلة الحنة فتتم الن بأكثر من شكل فى السر الفقيرة‪ ،‬حيث يكون‬
‫احتمال استمرار حفلت السامر والكف‪ ،‬وذلك فى وجود عدد أكبر من‬
‫الحضور‪ .‬أما الحتمال الخر‪ ،‬فهو أن يحضر شباب من العرب معروف‬
‫عنهم إجادتهم للغناء ويقومون بقيادة الكف والسامر دون أجر‪.‬‬
‫أما فى السر الميسورة اقتصاديا ً نسبيا ً فيستقدمون مطربا ً بدويا ً‬
‫محترفًا‪ .‬وهناك أسماء بعينها يتم استقدامها منها حامد الفرجانى وسالم‬
‫الحلوسى‪ ،‬وكثيرا ً ما يلجأ أفراد الجماعة البدوية لستقدام هؤلء‬
‫المطربين كنوع من التفاخر والعتزاز ببداوتهم وتأكيد هويتهم البدوية‪.‬‬
‫وفى أحد الفراح التى حضرها الباحث قبل البدء فى الدراسة الميدانية‬
‫– أثناء الدراسة الستطلعية ‪-‬أحياه مطرب بدوى ومعه راقصة محترفة‬
‫ترتدى بدلة رقص‪ ،‬رغم أن أفراد المجتمع يرفضون هذا النمط من‬
‫الحتفال‪ .‬وتأكد الباحث أثناء الدراسة الميدانية أنهم كانوا غير راضين‬
‫عن استقدام هذه الراقصة وأنهم لن يكرروا هذا المر‪ .‬وعلم الباحث‬
‫أن المطرب والراقصة التى كانت معه كانوا " نقوط " لصاحب الفرح‬
‫من أحد رجال العمال الذى يعمل لديه والد العريس‪ ،‬وليس للجماعة‬
‫البدوية علقة باستقدامهم‪ .‬ويستخدمون الن مكبرات الصوت فى‬
‫الفراح ويطلقون النيران كما يحدث فى الفراح الريفية رغم أنهم ل‬
‫يمتلكون أسلحة؛ إل أنهم يستعيرونها من الفلحين‪ .‬ويشارك الفلحون‬
‫فى أفراح العرب أو الجماعة البدوية والعكس بالعكس‪ .‬واستعارة البدو‬
‫للسلحة النارية من الفلحين وخصوصا ً البنادق اللية والمسدسات‬
‫يعكس عمق العلقة بين الفلحين والبدو كما أنه يعكس حرص البدو‬
‫على إظهار أنهم متساويين مع الفلحين فى كل شئ حتى فى‬
‫استخدامهم للسلحة النارية للحتفال بأفراحهم وتتم عملية الستعارة‬
‫بشكل شائع حيث يعطى الفلح الذى يملك سلح نارى سواء مرخص أو‬
‫غير مرخص ويقوم البدوى بشراء الذخيرة‪ .‬وأوضح معظم الخباريين أن‬
‫موضة "ضرب النار" الن أصبحت أقل بسبب ارتفاع أسعار الذخيرة‬
‫والخوف من أن تتسبب هذه السلحة فى إصابة المدعوين وخصوصا ً‬
‫بعد أكثر من حادث تعرضت له أفراح الفلحين فى السنوات الماضية‪.‬‬
‫كما أصبح أفراد الجماعة البدوية يعرفون الن "النقوط"‪ ،‬حيث يضع‬
‫صاحب الفرح منضدة وعليها دفتر وكاتب يجلس ويجمع النقوط ويكتبها‪.‬‬
‫وعلى صاحب الفرح أن يرده لمن أعطاه النقوط فى أقرب مناسبة‬
‫تحدث عنده سواء فرح أو حادث آخر من ختان أو خطوبة وأما النقوط‬
‫"بالعشا" فيرد فى أى مناسبة حتى ولو كانت وفاة أو سفر إلى الخارج‪.‬‬
‫ورد النقوط أمر واجب ل يمكن أن يخل به صاحب الفرح‪ .‬ويعلق‬
‫دى لبعض‬ ‫الخباريون على عملية النقوط بقولهم "زمان كنا نو ّ‬
‫دبايح‪ ،‬إنما الوقت الواحد بيروح يدفع عشرين جنيه وخلص‪.‬‬
‫ولما يكون عنده فرح بترجعله أربعين لكن محدش يقدر‬
‫يودى دبايح إل إذا كان هيودى عشا"‪ .‬ويقصدون "بالعشا" نوعا ً‬
‫من النقوط ذا شكل عينى‪ .‬ويتضمن "العشاء" كميات من الرز والسكر‬
‫والمكرونة والخضروات إلى جانب ذبيحة )تكون فى الغالب خروفًا(‪.‬‬
‫والنقوط بالعشا عادة معروفة فى المجتمع الريفى‪.‬‬
‫وتتم الدعوة الن لحضور الفراح من خلل بطاقات دعوة مطبوعة‬
‫يقوم العريس وأصدقاؤه بتوزيعها على من يرغبون فى دعوتهم‪ ،‬على‬

‫‪87‬‬
‫عكس ما كان يحدث قديمًا‪ ،‬حيث كانت تتم الدعوة شفاهيًا‪ .‬ولم يكن‬
‫مطلوبا ً من العريس وأهله أن يدعوا الناس بشكل فردى‪ ،‬ولكن يمكن‬
‫أن يتم إخطار فرد واحد فى كل مجتمع‪ ،‬ويكلف بإعلن الخبر بين‬
‫عشيرته‪ .‬كما يستخدمون الن التليفون للدعوة إلى الفراح‪.‬‬
‫أما "يوم الدخلة" فتغير كليا ً وأصبح نسخة من يوم الفرح عند‬
‫الفلحين‪ ،‬فيبدأ يوم الدخلة "بحلقة العريس" على يد حلق القرية‪.‬‬
‫ويجلس العريس مع أصدقائه الذين يقدمون النقوط للحلق‪ ،‬وذلك فى‬
‫منزل العريس وأمام والده وأهله‪ .‬ثم يستحم العريس ويرتدى ملبسه‬
‫الجديدة‪ ،‬وهى عبارة عن جلباب أبيض وسروال أبيض وعمامة بيضاء‪.‬‬
‫ويجمع مجموعة من الشباب‪ ،‬ويأخذون السيارات بعد صلة العصر‬
‫متوجهين إلى منزل العروس ويصحبها إلى بيته‪ .‬ويقوم أهله بعمل زفة‬
‫له ويجلس معها فى "الكوشة" ويلتقطون الصور‪ .‬وبعد ذلك يأخذها‬
‫ويدخل إلى حجرته أمام الجميع ويعلق الخبارى رقم )‪" (1‬دلوقت‬
‫الدنيا غير زمان خالص الوقت الواحد يفضل واقف فى وش‬
‫أبوه طول النهار‪ .‬وبعدين العريس دلوقت هو اللى بيروح‬
‫يجيب العروسة زى الفلحين ويقعد جنبها على الكرسى‬
‫ويصورها كمان قدام الناس وياخدها ويدخل‪ .‬وده كله غير‬
‫اللى إحنا كنا فيه زمان"‪.‬‬
‫وتأتى هذه التغيرات التى رصدتها الدراسة الميدانية ومن خلل‬
‫روايات الخباريين نتيجة لعملية انتقال العناصر الثقافية من الثقافة‬
‫الريفية إلى الثقافة البدوية فيما يتعلق باحتفالية الزواج‪ .‬فكل ما سرده‬
‫الخباريون وذكرناه سابقا ً هو بالضبط ما يحدث فى المجتمع الريفى‬
‫الملصق لمجتمع الدراسة‪ .‬وهو ما تفسره الرؤية النظرية للدراسة‬
‫فيما يتعلق بالتصال والستهلك الثقافى‪ .‬فاحتفالية الزواج كانت تتم‬
‫فى مرحلة البداوة والترحال وفق الظروف اليكولوجية والقتصادية‬
‫التى كانت تعيشها الجماعة البدوية فى تلك الفترة ومع تغير الظرف‬
‫اليكولوجى والقتصادى مع الستقرار انتقلت العناصر الثقافية الخاصة‬
‫باحتفالية الزواج من الثقافة الريفية التى تعد فى هذه المرحلة هى‬
‫الثقافة المستقرة والقوى فى الموقف التصالى الثقافى‪ .‬وبالتالى‬
‫كانت هى المأخوذة عنها أو المستهلك منها ثقافيا ً إلى الثقافة الوافدة‬
‫فى هذه الحالة وهى الثقافة البدوية ليظهر النمط المتريف الذى يجمع‬
‫بين البداوة والثقافة البدوية فيما يتعلق باختيار العروس والحرص على‬
‫النقاء العرفى وبين عناصر الثقافة الريفية فيما يتعلق بالحتفاليات‬
‫والممارسات المتعلقة باحتفالية الزواج فضل ً عن ذلك فالظرف‬
‫اليكولوجى الن لم يعد يسمح بأن تتم احتفالية الزواج وبالتحديد‬
‫"الدخلة" كما كانت قبل ذلك فمع تحديد إقامة المجتمع وتحديد شكل‬
‫ملكية الراضى المحيطة به لم تعد هناك فرصة لقامة "البرزة" فى‬
‫مكان بعيد عن منزل أهل العريس ولم يعد هناك مجال لختباء العريس‬
‫كما أن تغير نمط المسكن لم يجعل "للبرزة" وجود وبالتالى لم يكن‬
‫هناك داعى لختفاء العريس مع تمثله بالثقافة الريفية وفى ظل وجود‬
‫وسائل التصال والمواصلت أصبح يحرص على أن يحضر عروسه‬
‫بنفسه وأن يصطحب معه أقاربه وأصدقاؤه‪.‬‬
‫كما أن هذه الممارسات الحتفالية بهذا الشكل تشعر البدوى‬
‫بمساواته الكاملة بالفلحين‪ .‬كما أنها تعطيه ثقة فى أن وجود على هذه‬
‫الرض أصبح وجودا ً كامل ً وأنه متساوٍ مع أبناء القرية الصليين فى كل‬
‫شئ‪ .‬وهذا ما يكشفه الخبارى بقوله "زى الفلحين" كما أننا ل‬
‫يمكننا أن نغفل دور وسائل العلم فجميع المسلسلت والفلم وأغانى‬

‫‪88‬‬
‫الفيديو كليب تصور العريس وهو مع عروسه فى سيارة فارهة صاعدا ً‬
‫بها إلى غرفة نومه وهو مشهد يتكرر فى وسائل العلم عشرات‬
‫المرات فى اليوم وبالطبع يؤثر فى ثقافة البدوى المتريف بل أن‬
‫وسائل العلم كان لها دورا ً أساسيا ً فى أن ينتشر السائد حاليا ً من‬
‫احتفاليات خاصة بالزواج فى المجتمع الريفى الخالص الذى ينقل عنه‬
‫المجتمع المتريف‪.‬‬
‫كما أن هذه التغيرات ليست من طرف العريس وحده‪ ،‬ولكن من‬
‫ناحية العروس أيضا ً فأصبحت ليلة حنة العروس تتم فى احتفالية كبيرة‪،‬‬
‫ترتدى فيها العروس فستانا ً سواريه وهو عبارة عن فستان يصنع من‬
‫قماش لمع أو يتم تطريزه بالخرز "والترتر" بحيث يحصل على مظهر‬
‫لمه وتحرص الفتيات على أن يكون طويل يغطى الجسد من أسفل‬
‫الرقبة وحتى القدمين وتتميز الفساتين السواريه بأنها ضيقة فى الجزء‬
‫العلى من الجسم ثم تتسع كلما اتجهنا لسفل ويحرصن على أن يكون‬
‫الفستان أقرب لفساتين الزفاف البيضاء التقليدية ولكنه يكون من لون‬
‫مختلف عن البيض‪ .‬وسهل الحصول على هذه النوعية من الفساتين‬
‫انتشار المحلت التى تقوم بتأجيرها فى قرية أبورجوان ومركز‬
‫البدرشين ويبدأ إيجار الفستان من ‪ 50‬جنيه حسب حالة الفستان‬
‫وقيمته‪ .‬ول تغطى شعرها وتضع المكياج وتجلس على كرسى مرتفع‬
‫وأهلها وأصدقاؤها يغنون لها أغان من أغانى الفلحين‪ .‬وفى بعض‬
‫المرات يحضرون كاسيتا ً كبيرا ً ويديرون عليها أغانى حكيم وفاطمة عيد‬
‫وغيرهم من المطربين الشعبيين‪ .‬أما "يوم الدخلة" فشهد تغيرا ً كبيرا ً‬
‫بالنسبة للبدو وهو أن العروس أصبحت الن تذهب "للكوافير"‬
‫المتخصص فى تزيينها وتعود منه بمفردها إلى منزل والدها تنتظر‬
‫العريس‪ .‬وكانت العروس فى الماضى‪ -‬فى مرحلة بداية الستقرار‪-‬‬
‫تعتمد على أن تقوم بزينتها إحدى الفلحات من صديقاتها أو أى امرأة‬
‫تملك أدوات التجميل وتجيد عملية إزالة الشعر من الوجه ووضع الكحل‬
‫بشكل مناسب دون أن تكون محترفة أو تمتهن هذه المهنة وكانوا‬
‫يطلقون على علب "المكياج" أو أدوات الزينة "علب التواليت" وتقول‬
‫إحدى الخباريات "كانت العروسة تبقى مصاحبة فلحة عندها‬
‫علبة توالت ونجيلها يوم فرحها نعملها وشها وتحطلها‬
‫الحمير والرميل" وتقصد "بالحمير" أحمر الشفاه أما "الرميل" فهو‬
‫مسحوق أزرق اللون يوضع أسفل العين أو مع الكحل‪ .‬وترتدى العروس‬
‫الن فستان زفاف أبيض وطرحة‪ ،‬وتضع تاجا ً على رأسها وتمسك ببوكيه‬
‫ورد فى يدها‪ .‬وتعلق الخبارية رقم )‪ (8‬أن الفتيات الن غير زمان‬
‫"الواحده النهارده بتروح الكوافير وتلبس فستانا ً أبيض‪ .‬وفيه‬
‫كمان بنات بتجيب فستان الفرح يوم الحنة وده كله بسبب‬
‫الفساتين اللى بتتأجر‪ ،‬وفى بنات بيجيبوا فساتين من‬
‫الفلحين"‪ .‬وفى احتفالية الزفاف يبدو تأثير الجماعة البدوية بالمجتمع‬
‫الريفى واضحًا‪ ،‬بل إن التعاون والختلط بين الجماعة البدوية والريفية‬
‫يكون أقوى ما يكون فى الفراح‪) .‬انظر الصورة رقم ‪(16‬‬
‫‪ 5-7‬فض غشاء البكارة‬
‫تختلف قبيلة الحويطات عن قطاع كبير من القبائل البدوية فيما‬
‫يتعلق بعملية فض غشاء البكارة أو أخذ الشرف‪ ،‬فيقول الخباريون‬
‫"فى كتير من العرب بيرفعوا الريه وياخدوا شرفهم وهما‬
‫واقفين‪ ..‬قال يعنى كده شرف‪ ..‬ده أكبر عيب إحنا عندنا‬
‫عيب كبير مجرد الكلم فى هذا الموضوع‪ ،‬وبعدين إذا كان‬

‫‪89‬‬
‫فى حاجه أهو الستر مطلوب"‪ .‬وهذا يعنى أن عملية فض غشاء‬
‫البكارة تتم بسرية تامة ولم تختلف الطقوس المرتبطة بهذه النقطة‬
‫فى مجتمع الدراسة قبل الدراسة أو بعده‪.‬‬
‫وتبدأ هذه العملية مع انفراد العريس بعروسه فى مسكنهما‪ -‬أو ما كان‬
‫يطلق عليه "البرزة" قديمًا‪ -‬ول يستعين العريس بأحد فى فض غشاء‬
‫البكارة سواء كانت سيدة متخصصة فى ذلك أو من تعرف "بالداية أو‬
‫الماشطة" والتى تقوم بعملية التوليد فى المجتمع‪ ،‬ويعتبرون ذلك عيبا ً‬
‫فى حق رجولته‪.‬‬
‫ويضيف أحد الخباريين أن عملية فض غشاء البكارة تتوقف على طبيعة‬
‫العلقة بين الزوجين‪ ،‬فإذا كانت علقتهما حميمة ويرغبان فى بعضهما‬
‫البعض يتم الموضوع بسهولة‪ ،‬ويقول "أما لو كان واخدها غصبا ً‬
‫عنها هيبقى الموضوع صعب‪ ،‬كما أن بنات العرب ميعرفوش‬
‫حاجه وبيتعبوا العريس فى هذا الموضوع"‪.‬‬
‫ويؤمن أفراد المجتمع بالممارسات السحرية ويحرصون على أن يكون‬
‫مع العريس حجاب "التحويطة"‪ ،‬ويؤكدون إذا فشل العريس فى فض‬
‫غشاء البكارة ليلة الدخلة فهو "مربوط"‪ ،‬أى أنه مسحور بشكل يجعله‬
‫ل يستطيع إنجاز هذه العملية‪ .‬ويتم التعامل مع هذه العملية بحساسية‬
‫شديدة وسرية كاملة‪ .‬وبعد إتمام عملية فض غشاء البكارة يمكث‬
‫العريس وعروسه‪ ،‬ول يراهما أحد قبل شروق الشمس‪ ،‬ويبقيان داخل‬
‫مكان إقامتهما أسبوعا ً على القل‪ .‬ورغم أن جميع الخباريون أكدوا أن‬
‫عملية الربط للعروسين لم تحدث بالمجتمع من قبل إل أنهم يحرصون‬
‫على عمل "التحويطات" لما يسمعوه عن حدوث مثل هذه العمليات‬
‫فى مجتمعات مجاورة سواء فى البدو أو الفلحين‪ .‬وأوضح عدد من‬
‫الخباريين أنهم يلجأون لعدد من المشايخ من الفلحين فى قريتى‬
‫أبورجوان ومزغونه لعمل هذه "التحويطات" وهى عبارة عن حجاب‬
‫ورقى مكتوب به آيات قرآنية على ما يعتقدون‪.‬‬
‫أما من يقوم بعملية الربط فجميعهم أشاروا لعدد من الحره فى قرية‬
‫دهشور وقرية أبورجوان يمارسون هذه العمال ومن "يربط" العريس‬
‫أى يقوم بعمل سحرى يفقه قدرته الجنسية وبالتحديد قدرته على جماع‬
‫زوجته أو إتمام الجماع فيقول أحد الخباريين "الراجل اللى يتربط‬
‫بيبقى عادى مع أى واحدة إل مراته وحتى مع مراته ممكن‬
‫يعمل معاها كل حاجة إل أنه يكمل جماعه بها واللى يعمل‬
‫فى واحد كده حاجه من اتنين إما كان يريد يتجوز مراته‬
‫ومقدرش أو بيكره الراجل ده عشان كده عايز يذله"‪ .‬ويوضح‬
‫هذا الخبارى أن الدوافع التى قد تدفع أحد أفراد الجماعة لعمل مثل‬
‫هذه العمال السحرية تكون إما رغبته فى الحصول على الزوجة التى‬
‫تزوجها غيره ولذلك يحاول أن يؤذيه أو أنه يكرهه لمر آخر‪ .‬ولكن‬
‫إحدى الخباريات أضافت بقولها "ممكن واحده تربط راجل فمثل ً‬
‫الواحده تربط جوزها لو اتجوز عليها واحدة مش عجباها أو‬
‫ممكن واحده كانت مخطوبة لواحد وسابها تربطه عشان‬
‫تذله وفى كمان حريم يبقى عايزه تئذى العروسه فتربط‬
‫العريس" وبالتالى يمكن أن تكون الغيره أو الرغبة فى النتقام هى‬
‫الدافع لمثل هذه الممارسات‪.‬‬
‫وحاول الباحث كثيرا ً فى الكشف عن أى فرد من أفراد الجماعة‬
‫يكون قد تعرض لهذه العمال إل أنه تأكد أن هذه العمال غير شائعة‬

‫‪90‬‬
‫بالجماعة رغم أنها شائعة بالمجتمع الريفى الملصق لهم وأن انتشارها‬
‫فى المجتمع الريفى هو سبب اعتقادهم الشديد فيها وحرصهم على‬
‫اتقاء شرورها وخوفهم من أن تصيبهم‪.‬‬
‫‪ 5-8‬بيت الزوجية‬
‫عرف البدو أثناء ترحالهم بيت الزوجية تحت اسم "البرزة"‪ ،‬وكانت‬
‫عبارة عن خيمة صغيرة يقيمها أهل العريس بالقرب من مساكنهم‬
‫ويتكون أثاثها من قطعة من صوف الغنام ينام عليها العروسان تسمى‬
‫"الفرشة أو الحرام"‪ ،‬وقطعة أخرى يتغطيان بها‪ ،‬وصندوق خشبى‬
‫يعرف باسم "السحارة" توضع فيه الملبس وعدة الشاى‪ .‬كانت هذه‬
‫هى مكونات بيت الزوجية قديما ً وكل جهاز العروسين‪ ،‬وخصوصا ً أنهم‬
‫كانوا يتلقون الطعام من منزل والد العريس طوال فترة وجودهما‬
‫بالبرزة‪ ،‬وبعدها يخرج العريس وعروسه لتناول الطعام فى منزل‬
‫والده‪.‬‬
‫وكان أهل العريس يجهزون له "البرزة" فى مكان بعيد عن منزل‬
‫والده‪ ،‬لنه كان من العيب أن يرى الرجل ولده المتزوج حديثًا‪ ،‬بل إن‬
‫العريس يخجل أن يراه والده فى أسبوع الفرح‪ .‬ولهذا السبب كان يأخذ‬
‫أصدقاءه ويختفى عن النظار فى يوم الدخلة‪ .‬وكان نمط المسكن‬
‫قديما ً فى وجود الخيام يسمح بذلك‪ ،‬ومن السهل تجهيز "البرزة" فى‬
‫يوم واحد وبتكلفة بسيطة‪ ،‬وانفصال العروسين فى "البرزة" ل يعنى‬
‫انفصالهما عن السرة الم‪.‬‬
‫ولكن بعد الستقرار وتغير نمط المسكن أصبح بيت الزوجية جزءا ً‬
‫من بيت والد العريس‪ ،‬وغالبا ً ما يكون غرفة يتم تجهيزها للعروسين‪.‬‬
‫ويتم تجهيز غرفة العروسين بغرفة نوم مكونة من الدولب والسرير‬
‫و"التسريحة"‪ .‬ويقوم والد العريس بشرائها من أحد معارض الثاث‬
‫المنتشرة بالقرى المجاورة وبعضهم يشتريها بالتقسيط‪ .‬ولم تعد هناك‬
‫استخدامات للمفروشات المصنوعة من صوف الغنام‪ ،‬ولكنهم يشترون‬
‫الن بطاطين ومعظمها يتم جلبه من السعودية‪ ،‬وكذلك الملءات‬
‫والمراتب والوسائد‪ .‬ويتم تجهيز غرفة النوم كاملة بمعرفة العريس‬
‫وأهله‪.‬‬
‫كما أن العروس لم يعد كل ما تحضره ينحصر فقط فى ملبسها‬
‫وعدة الشاى‪ ،‬ولكنها الن تحضر معها أدوات المطبخ وأوانى الطبخ‪.‬‬
‫وبعض العرائس تم تجهيزهن بجهاز البوتاجاز وأوانى "تيفال"‪ .‬وتحرص‬
‫العرائس الن على إحضار هدايا لم العريس تتمثل فى بعض‬
‫المفروشات أو قطعة قماش‪.‬‬
‫‪ 5-9‬قائمة الجرد‬
‫عرف المجتمع حديثا ًَ "قائمة الجرد" منذ عدة سنوات فقط على حد‬
‫تعبير الخباريين‪ ،‬وهى عبارة عن قائمة تضم كل محتويات بيت‬
‫الزوجية‪ ،‬وثمن المشغولت الذهبية التى أهداها العريس لعروسه‪ ،‬وثمن‬
‫المشغولت الذهبية التى قام والدها بشرائها من قيمة "السياق" الذى‬
‫دفعه العريس‪ .‬ولم تشهد الجماعة البدوية حتى الن خلفا ً على قائمة‬
‫الجرد ولم تستخدم بشكل قانونى ضد أحد‪ ،‬ولكنهم يقرونها ويعتبرونها‬
‫ضمانة لحقوق الزوجة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ 5-10‬أمور متعلقة بالزواج‬
‫‪ 5-10-1‬النزالة‪:‬‬
‫"النزالة" آلية لرفض العروس لعريسها وتعرفها معظم القبائل‬
‫العربية‪ ،‬وهى عبارة عن فرار الزوجة من زوجها والنزول على أحد كبار‬
‫العائلت‪ ،‬وتطالبه بأن يحصل لها على طلقها من زوجها‪ .‬والنزالة‬
‫معروفة فى المجتمع وحدثت مع إحدى السيدات منذ ما يقرب من ‪25‬‬
‫عاما ً عندما ضغط عليها والدها لتزويجها من ابن عمها‪ ،‬وكانوا يعرفون‬
‫أنها ل تريده‪ .‬وعندما دخلت "البرزة" وقبل دخول العريس بها هربت‬
‫ونزلت على خالها وقالت له "أنا نازلة عليك ول أغادرك إل لما‬
‫ة‪ ،‬وأخبر والدها وعريسها‪ ،‬وتم تطليقها‪،‬‬ ‫تريحنى"‪ .‬وبالفعل ذبح لها شا ً‬
‫ورد للعريس "سياقه" الذى دفعه فيها‪ .‬وبعد ذلك زوجت العروس‬
‫وتزوج العريس أيضًا‪ .‬ومع أن المجتمع يعرف "النزالة" إل أنهم ل‬
‫يعرفون "الشرد"‪ ،‬وهو أن تخرج الفتاة من المجتمع قبل أن يعقد‬
‫قرانها وتطلب أل يعقد القران وأل يتم الزواج‪.‬‬
‫‪ 5-10-2‬الدخل‪:‬‬
‫"الدخل" يعرفه التراث فى الدراسات البدوية بعادة مسك بنت‬
‫العم‪ ،‬بمعنى أن من حق الرجل أن يتزوج بنت عمه‪ ،‬وأنه أولى بها من‬
‫أى شخص آخر‪ .‬فإذا أقدم شاب على خطبة فتاة‪ ،‬وكان ابن عمها‬
‫يريدها فيقابل الشاب المتقدم ويقول له فلنة التى تريد الزواج منها‬
‫"مدخلة"‪ ،‬ويختار ثلثة من الرجال العدول ويذكرهم أنها مسئولة منهم‬
‫وأنه أودع مصير زواجها منه أمانة لديهم‪ .‬ول يجب أن يتم الزواج إل‬
‫باجتماع المدخلين وابن عم العروس والشاب المتقدم‪ .‬وإذا كان الشاب‬
‫المتقدم قد دفع السياق أو حتى حصل على "الصلة" يرجع كل شئ‬
‫إلى الصل ول يعتد بالصلة أو "السياق"‪ .‬وإذا حدث خلف وتمسك‬
‫الرجل ببنت عمه يدفع ما دفعه الشاب المتقدم لخطبتها ويقول "من‬
‫نقيصتك وجاى" أى خذ مهرك واتركها‪.‬‬
‫ولو كان الشابان من أبناء عمومة العروس يكون القرب فى خط‬
‫نسب الب هو الولى‪ ،‬فمثل ً إذا كان الشاب المتقدم ابن خال العروس‬
‫مباشرةً ومن يريدها من أبناء "عمومتها الدائرة")*( يفضل ابن العمومة‬
‫والقرب فالقرب‪ .‬وإذا تساويا فى درجة القرابة يكون الفضلية لمن‬
‫ل‪ ،‬وقد يأخذ رأى والدها فيمن يفضل منهم‪ .‬ولم تشهد زيجات‬ ‫تقدم أو ً‬
‫المجتمع فى السنوات الخيرة مثل هذه الحالت وإن كانت قد حدثت‬
‫قديمًا‪.‬‬
‫‪ 5-11‬الصباحية‪:‬‬
‫فى فترة ما قبل الستقرار كانت وسائل المواصلت غير متوفرة‬
‫فكان ضيوف العريس وأهل العروس يبيتون من "ليلة الدخلة" حتى‬
‫شروقابتهاجا ًَ‬ ‫صباح اليوم التالى أو ما يطلقون عليه "الصباحية"‪ .‬ومع‬
‫الشمس كان أهل العريس ووالده يحضرون الطعام للضيوف‬
‫بالعروسين وفى نفس الوقت يودعون ضيوفهم‪ .‬وأوضح الخبارى رقم‬
‫)‪" :(1‬زمان كان المداعى وأهل العروسه يباتو للصبح ويقوم‬

‫*)*( يقسم الفراد فى المجتمع أبناء العمومة إلى قسمين‪ :‬العمومة العاصبة وهم‬
‫أبناء أخوة الب الشقاء‪ ،‬أما العمومة الدائرة فهم أبناء أقارب الب وأبناء عمومته‬
‫العاصبة‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫أبو العريس واخواته يجيبوا اللبن أو الكل اللى يفضل من‬
‫الفرح ويوكلوا الضيوف وأهل العروسه قبل ما يرجعوا على‬
‫ديارهم"‪.‬‬
‫ولكن الن – كما يوضح الخباريون – بمجرد أن يدخل العريس‬
‫بعروسه فإن المدعوين يغادرون ول يبقى منهم أحد‪ .‬أما ما يحدث فى‬
‫الصباحية فيزور أهل العروس العروسين ومعهم بعض الهدايا‪ ،‬وغالبا ً ما‬
‫تكون بعض المأكولت والحلويات‪ .‬ول يحضر من أهل العروس إل‬
‫ة‪،‬‬
‫السيدات‪ ،‬لنه من العيب أن يرى الرجل ابنته بعد زواجها مباشر ً‬
‫وحتى تلد أول مولود لها لدرجة أنهه قديما ً كانت السيدة إذا قابلت‬
‫والدها فى الطريق وهى حامل تجلس فى الرض حتى ل يراها‪.‬‬
‫أما الن‪ ،‬فل يذهب والد العروس لبنته حتى تزوره فى منزله أول‬
‫مرة‪ ،‬وقد يحدث بعد الربعين أو ثلثة أشهر من الزواج‪ .‬وفى بعض‬
‫الحيان يذبح والد العريس ذبيحة يوم الصباحية ويوزع لحومها على‬
‫جيرانه من الفلحين والعرب ابتهاجا ً بإتمام الزواج وخصوصا ً إذا نجح‬
‫ابنه فى إتمام عملية فض غشاء البكارة وتأكد الب من أن ابنه غير‬
‫من على ابنه‬ ‫مربوط‪ .‬ويقول أحد الخباريين "الواحد ساعة ما يط ّ‬
‫الصبح بيبقى عايز يعمل أى حاجة يفّرح بيها الناس حبايبه‬
‫ممكن يدبح أو يفرق حاجة لله"‪.‬‬
‫ويكشف هذا الكلم أن أقصى درجات القلق التى تصيب الجماعة‬
‫البدوية تكون على فحولة الرجل وليس بكارة الفتاة وذلك لعدة أسباب‬
‫أهمها أن الفحولة الجنسية تعد أحد أبرز سمات الرجولة فى المجتمع‬
‫البدوى كما أن عجز الرجل عن القيام بدوره كزوج يفقده احترام‬
‫زوجته ويقلل من فرصه فى الزواج بأخرى كما أنه يعطى الزوجة الحق‬
‫فى طلب الطلق أو القيام بـ "النزالة"‪ .‬أما فيما يتعلق بالبكارة‬
‫فالمجتمع يحرص على عدم إفشاء أمر الفتاة كنوع من الستر إن لم‬
‫تكن بكرا ً ويصعب أن يعلن العريس ذلك حى يوم "الصباحية"‪ .‬كما أن‬
‫الجماعة تحاول من خلل هذا الجراء‪ -‬وحسب تحليل الباحث‪ -‬على‬
‫الحفاظ على وحدة الجماعة لنه إذا أعلن العريس عن أن عروسه‬
‫ليست بكرا ً قد يتسبب فى عملية قتل أو الدخول فى دائرة ثأرية فضل ً‬
‫أنه فى ظل التقاليد البدوية سيكون من الصعب إثبات إدعاءه‪ .‬فيفضل‬
‫معظمهم أن يتم الطلق بعد الزواج بفترة خيرا ً من أن يكشف عن‬
‫حقيقة المر‪ .‬وجدير بالذكر أن لم تحدث مثل هذه الحوادث بالمجتمع‬
‫ولكن هذه وجهات النظر التى جمعها الباحث من خلل الخباريين وعبر‬
‫مناقشتهم فى أمور عديدة متعلقة بالزواج والثأر والجرائم‪.‬‬

‫‪ 5-12‬الرجل والمرأة بعد الزواج‪:‬‬


‫تبدأ المرأة فى مزاولة أعمالها المنزلية بشكل تدريجى بعد الزواج‬
‫بحوالى أسبوع‪ ،‬وغالبا ً ما تكلف بأن تحضر المياه للسرة أو تجمع‬
‫الوقود الخاص بإشعال النار‪ .‬وتوضح الخباريات "الواحده بعد‬
‫الجواز‪ -‬وخصوصا ً لو كانت غريبة عن الحتة اللى اتجوزت‬
‫فيها‪ -‬تروح تمل ميه أو تلم "الوقيد" لحد ما تعرف الحتة‬
‫اللى هى فيها‪ ،‬وبعدين تدخل على الطبيخ وتسوى الخبز‪،‬‬
‫وبعدين لو عندهم غنم بتسرح مع الغنم"‪.‬‬
‫وهو يوضح المهام المنوط بالمرأة أداؤها داخل منزلها‪ ،‬وتتم هذه‬

‫‪93‬‬
‫العملية بشكل تدريجى حتى تنخرط الزوجة بشكل كامل فى أسرة‬
‫زوجها‪ .‬وُتعامل زوجة البن على أنها واحدة من السرة مثلها مثل‬
‫أخوات الزوج البنات‪ ،‬وتنادى على حماها بكلمة يا أبى والم وكأنها أمها‪.‬‬
‫أما أهم التغيرات التى تطرأ على المرأة هى زيها‪ ،‬حيث ترتدى مع أول‬
‫مرة تخرج فيها من بيت الزوجية جلبابا ً أسود وتربط حزاما ً حول‬
‫خصرها‪ ،‬والزى السود والحزام هو علمة ورمز ثقافى على أنها‬
‫متزوجة‪.‬‬

‫‪94‬‬

You might also like