Professional Documents
Culture Documents
العزوبية في الجزائر - اسبابها ونتائجها
العزوبية في الجزائر - اسبابها ونتائجها
راشدي خضرة
Rachedi khadra
kha-dra@hotmail.fr : البريد االلكتروني،) (الجزائر2 وهران.جامعة محمد بن أحمد
:ملخص
يهدف البحث الحالي إلى ابراز واقع العزوبة في الجزائر واسبابها واثارها حيث اشارت الكثير من الدراسات إلى انتشار العزوبة والعنوسة بشكل
ارتفاع املستوى التعليمي للمرأة املقرون بارتفاع سنوات تمدرسها وكذا ولوجها، ارتفاع املهور وتكاليف األعراس، أزمة السكن،مقلق بسبب البطالة
.مليادين العمل تغير نظرة األفراد للزواج كأولوية واهتمامهم أوال بتحسين أوضاعهم قبل التفكير في ذلك
واعتمادا على مجموعة من املعطيات تبين أن نسبة العزوبة ارتفعت بشكل كبير عند كال الجنسين خاصة عند االناث مما أدى إلى ارتفاع سن
ولذا من جملة اقتراحات البحث االهتمام بدعم.الزواج وتفاقم العنوسة باإلضافة إلى ظهور أنماط جديدة من االسر قد تؤثر على النسق االجتماعي
.الشباب نفسيا وماديا لتشجيعه على الزواج
. نتائج العزوبية، أسباب العزوبية، العنوسة، العزوبية:الكلمات املفتاحية
Abstract:
Current research aims to show the reality, causes and effects of celibacy in
Algeria. Numerous studies have highlighted the alarming rise in celibacy due to unemployment,
the housing crisis, the high cost of dowry and marriage costs, the high level of education of women,
their years of schooling and their access to work.
On the basis of a series of data, it has been shown that the proportion of single people has
increased significantly in both sexes, particularly among women, resulting in a higher age of
marriage, a worsening of spinsterhood, and the emergence of new types of families that can affect
social harmony. Therefore, one of the research proposals is to provide psychological and material
support to young people to encourage them to marry
Keywords: celibacy, spinsterhood, reasons of celibacy, consequences of celibacy.
-1مقدمة:
يعتبر الزواج رباطا شرعيا واجتماعيا مقدسا في املجتمع الجزائري ،يبنى على قواعد محددة ومشروطة تضمن حقوق الزوجين
وتحدد واجباتهما تجاه بعضهما البعض وتجاه أطفالهما ،وال يعترف بالعالقات الجنسية واإلنجاب إال في إطاره .و حتى وقت قريب
كان الزواج شامال حيث ال تتعدى العزوبة النهائية بعد سن الخمسين ℅1بالنسبة للجنسين أي أن الجزائريين تقريبا ينتهي كلهم
إلى الزواج ،و لئن كانت العزوبية أمرا عاديا بالنسبة للرجل أو على األقل ليست هناك نظرة سلبية تجاه الرجل األعزب ،فان األمر
يختلف بالنسبة للمرأة ،ففي املجتمع الجزائري تنعت املرأة التي لم تتزوج و تقدمت في السن بأوصاف قاسية تنم عن نظرة احتقار
وازدراء تجاهها فتنعت مثال ﺑ املسكينة" أو "البايرة" وأول ما تسأل عنه األسرة في حال بلوغ بناتهن هل تمت خطبتهن هل تزوجن مما
يعني أهمية الزواج للفتاة اجتماعيا و ارتباط ظاهرة العنوسة باملرأة ال بالرجل..
في السنوات األخيرة ومع تعقد الحياة وتزايد املؤثرات االقتصادية واالجتماعية والثقافية ارتفع سن الزواج األول كثيرا عند
النساء وتعدى 30سنة في املتوسط وبقي فارق السن بين الزوجين في حدود الخمس سنوات مع توازن نسبي بين عدد اإلناث والذكور
بالنسبة إلجمالي عدد السكان ولكن مع اختالل كبير بالنسبة لعدد العزاب .فهل فعال أصبحت العزوبية ومن ثم العنوسة ظاهرة
مقلقة؟ وإلى أي مدى؟ وهل كل عزباء هي عانس؟ ومتى تعتبر املرأة عانسا؟ وما انعكاساتها على سوق الزواجية؟ وهل لذلك أثر على
تكوين وبنية األسرة الجزائرية؟
وقبل التطرق للموضوع بالتفصيل سنعرف أوال العزوبة وأنواعها وأهم أسبابها ثم نتناول تطورها اعتمادا على أهم
اإلحصائيات املتوفرة مركزين خاصة على السكان اإلناث وأهم املؤشرات الديموغرافية املتعلقة بهن واألهمية العددية للعازبات
وأخيرا سنحاول أن نرى أثرها على الفرد وتكوين وبنية األسرة.
أهمية البحث :ومبرراته:
تنبع أهمية البحث من أهمية الظاهرة املدروسة ،فما من شك أن العزوبية تعرف في السنوات األخيرة ارتفاعا كبيرا بسبب
عوامل اجتماعية واقتصادية ساهمت في تأخر الزواج ،وأصبح لها اثار واضحة على الفرد واملجتمع .واهتمامنا بهذا املوضوع راجع
ألسباب ثالث ،أولها أننا الحظنا في الجزائر أن األرقام املتداولة حول العنوسة ،واملرتبطة أساسا بالعزوبة ،مبالغ فيها وهذا ال ينفي
وجود املشكلة ولكن يحدد على األقل درجتها .وثانيا أن املفاهيم املتعلقة بالعنوسة تبقى غامضة وغير متفق عليها خاصة سنها وثالثا
أن العزوبية ترتبط ارتباطا وثيقا بأهم الظواهر الديموغرافية واألكثر تأثيرا في الحركة الطبيعية للسكان وهي اإلنجاب الذي ال
يحدث إال في إطار الزواج .وفي هذا سنوضح بعض األمور املتعلقة بهذين السببين بمقاربة ديموغرافية بسبب ارتباط هذه الظاهرة
بالزواجية واإلنجاب وبالتالي تكوين وبنية األسرة.
أهداف البحث
يهدف هذا البحث ،وبمقاربة ديموغرافية ،إلى ابراز واقع العزوبية في الجزائر ،واسبابها واثارها على الفرد واملجتمع .باإلضافة إلى
تصحيح املغالطات املتداولة بشأن الرقم الحقيقي لعدد العوانس في الجزائر.
املنهج املتبع والبيانات املستخدمة :استجابة ألهداف الدراسة أعاله ،اعتمدنا على املنهج الوصفي باستخدام مجموعة من
البيانات املستقاة من التعدادات واملسوح السكانية أهمها بيانات اخر مسح عنقودي (.2019) Mics6
-مفاهيم البحث
-العزوبية :العزوبية تخص كل فرد بالغ عاقل لم يسبق له الزواج أي أنها ' حالة عدم الزواج وتنطبق بنوع خاص على الفرد الذي
قرر عدم الزواج '(بدوي ،1978 ،ص .)54.وهي نوعان:
98
العزوبية في الجزائر :األسباب والنتائج
اختيارية :ويكون الشخص في هذه الحالة هو من يقرر ،وبإرادته ،عدم الزواج ويظل على هذه الحال مدة تطول أو تقصر أو قد
ينتهي أعزبا طول حياته .وهذا االختيار يكون العتبارات وقناعات شخصية ونفسية دون أن تكون هناك أسباب وعوامل خارجية
تؤثر فيه .كأن يفضل االستقالل الذاتي أو قناعته بثقل املسؤولية أو تشاؤمه نتيجة تجارب فاشلة ....
اضطرارية يكون الشخص في هذه الحالة مجبرا على عدم الزواج ألسباب خارجة عن إرادته كاألسباب الدينية (كما هو سائد في
بعض املجتمعات والديانات التي تمنع فئة الكهان وخدمة املعابد من الزواج )...أو اقتصادية كتفاقم البطالة وضعف الدخل الذي
يحول دون تكوين أسرة أو اجتماعية كاحترام نوع من التقاليد واألعراف في الزواج (كضرورة الزواج من نفس العائلة أو املنطقة أو
املستوى االجتماعي )...وما إن تزول هذه العوائق فان الشخص سيتزوج في حينها.
-العنوسة :وهي ظاهرة مرتبطة بالعزوبة وعدم الزواج وتخص اإلناث دون الذكور والعانس لغة كما جاء في قاموس املحيط :نقول
عنست الجارية عنوسا وعناسا أي طال مكثها في أهلها بعد إدراكها ،حتى خرجت من عداد األبكار ولم تتزوج قط (قاموس املحيط،
حرف العين) .وهذا يعني أن الفتاة ال تعد عانسا إال إذا تعدت سنا معينة هي في الواقع غير محددة ،وهذه السن تخضع حتما
للعوامل االجتماعية والثقافية (وحتى الزمنية) ،والتي بدورها تحدد خصائص كل مجتمع وعليه ال توجد سن معينة للعنوسة ولكن
ما نتفق عليه هو أنه كلما تقدمت الفتاة في السن ولم تتزوج كلما كانت أقرب إلى العنوسة .ومصطلح العنوسة يستعمل في الدراسات
االجتماعية أكثر من الدراسات الديموغرافية التي تستعمل مصطلح العزوبية والتي تقابلها الزواجية حيث تتناولها الديموغرافيا
من منظور ديناميكي له تأثير ذو داللة معنوية على تكوين وبنية األسرة.
-2أسباب العزوبية:
والعزوبية ظاهرة مقلقة تهدد استقرار األسرة واملجتمع تعود إلى جملة من األسباب أهمها:
-1-2ثقل املسؤوليات املادية واملعنوية للزواج :إن عزوف الشباب عن الزواج سببه خاصة تلك الصورة النمطية املسبقة
والتشاؤمية عن مشاكل الزواج وتبعاته ،وكذا ثقل املسؤوليات املادية واملعنوية التي يجبر على تحملها ومواجهتها تجاه الزوجة
واألطفال ومتطلبات البيت‘ .وفي بعض األحيان يتخذ الشباب موقفا سلبيا تجاه الزواج [ ]...ويفضلون عدم التفكير فيه ‘( Brahimi,,
.)1994, p.517
-2-2زيادة املشاكل االقتصادية واالجتماعية :نتيجة تطور الحياة وزيادة تعقيداتها خاصة في املناطق الحضرية.
-3-2االختالط واالنفتاح :والذي تعرفه املجتمعات ساهم كثيرا في تغير النظرة تجاه األخر وتغير املفاهيم املرتبطة بالزواج ،كإعادة
النظر أكثر من مرة في اختيار الشريك وتحديد مواصفاته وفق ما تمليه عليه ظروفه النفسية واالجتماعية واالقتصادية.
-4-2العادات والتقاليد :تبقى الصعوبات املتعلقة بالعادات والتقاليد -وإن تراجعت -وأهمها الزواج الداخلي واملغاالة في املهور من
األسباب الرئيسة التي تدفع إلى العزوف عن الزواج.
-5-2تعقيدات الحياة العصرية :والتي تستوجب الحصول وبشكل صعب على عمل ومسكن قار ومناسب تساهم وبشكل حاد في
تأخير الزواج '.وفي وضع اقتصادي صعب يعبر عنه ببطالة الشباب وندرة السكن ،يظهر جليا صعوبة تحمل األعباء الضرورية
لتأسيس أسرة جديدة ،والتي تتطلب في أحيان كثيرة سنوات طويلة من العمل واالدخار '()Ajbilou, 1997, p.652
-6-2أولويات تسبق الزواج :اصيح الشباب أكثر تفكيرا في أمور أخرى قبل تفكيرهم بالزواج كأولويات أهمها الحصول على مراتب
تعليمية وتكوينية عالية تتطلب سنوات طويلة ،وبعدها عمل يناسب ذلك والحصول على كل متطلبات الحياة الضرورية وحتى
الكمالية تشغل اهتمام الشباب أكثر من فكرة الزواج.
99
خضرة راشدي
-7-2ظهورالنزعة الفردية :حيث يفكر الشاب في استغالل فترة شبابه في تحقيق طموحاته ورغباته وفق الحياة العصرية التي تعطي
لبعض الكماليات (بالنسبة لطبيعة مجتمعاتنا) أولويات تسبق الزواج كالتمتع والسياحة.
-8-2ظهور بدائل للزواج :سمح االختالط واالنفتاح على الجنس اآلخر بتأجيل فكرة الزواج الذي يراه البعض مقيدا للحريات ما
دام أن أمورا كثيرة متاحة وبشكل أبسط وبدون التزامات ،وإن كان األمر ليس باألهمية ،إال أنه وارد في غياب دراسات خاصة بذلك
(ونعني هنا املساكنة).
وقد تجتمع هذه األسباب كلها أو بعضها في نفس الشخص فتمنعه عن الزواج.
-3تطورالعزوبية في الجزائر:
إن الحديث عن تطور العزوبية في الجزائر يرتبط بظاهرة الزواجية وتطورها ،ذلك أن الزواج هو الخطوة األولى واألساسية
لتأسيس أسرة ،وإحالل العالقات الجنسية واإلنجاب املعترف به دينا وعرفا وما خال ذلك فانه منافي لهما وال يتقبله املجتمع .ولم
تصبح العزوبة ظاهرة لها أهميتها وانعكاساتها السلبية إال بعدما بدا سن الزواج في االرتفاع عند كال الجنسين ليتعدى 30سنة في
املتوسط .فحتى أواخر القرن املاض ي كان الجزائريون يتزوجون في سن صغيرة خاصة عند الفتيات.
الجدول رقم :1تطور سن الزواج األول في الجزائر 2019-1966
الجزائر حضر ريف املنطقة
التعداد/الجنس ذكور إناث ذكور إناث ذكور إناث
18.3 23.8 19 25 18 23 1966
20.9 25.3 23 27 20 24 1977
23.7 27.6 24.9 28.8 22.3 26.4 1987
27.6 31.3 27.9 31.8 27.0 30.3 1998
29.1 32.9 29.5 33.1 28.9 32.4 2008
27.1 33.9 27.3 34.3 27.0 33.3 2019
املصدر,ONS : annuaire statistique de l’Algérie n°26 p31, Mics6,p129:،
في سنة 1966كان سن الزواج األول في املتوسط يقدر ب 18.3سنة عند اإلناث و 23.8سنة عند الذكور ارتفع سنة 2019
ليصل إلى 27.1سنة و33.9سنة على التوالي مع مالحظة أن هذه السن لم تتوقف عن االرتفاع بالنسبة للذكور في حين استمرت
كذلك بالنسبة لإلناث حتى سنة 2008لتعاود االنخفاض سنة .2019وهذا االرتفاع يعني ارتفاع في عدد السنوات التي يقضيها
الجزائريون في العزوبة حيث أن متوسط سن الزواج األول ارتفع من الفئة العمرية األولى 19-15سنة إلى الفئة العمرية الرابعة -30
35سنة وهو يعني املزيد من العزاب في هذه الفئات املعنية أكثر بالزواج الرتباطها بالفترة األخصب لإلنجاب خاصة بالنسبة لإلناث.
لكنه وحسب مسح ،Mics6.2019صرحت النساء املبحوثات أن أفضل سن لزواج الرجل هو 30سنة في املتوسط و 24.2سنة
بالنسبة لإلناث وهي اعمار اقل بكثير من تلك املسجلة في هذا السمح.
وبعدما كان هناك فرق واضح بين الحضريين والريفيين يكاد هذا الفرق يتالش ى بين الريفيات والحضريات ابتداء من 1998
حيث ال يتعدى سنة واحدة ويتساوى تقريبا في سنة ،2019وهو ما يعني أن الظاهرة عامة في كل مناطق الوطن وال تخص فقط
املناطق الحضرية والتي عادة تشجع ظروف الحياة فيها إلى تأخر الزواج.
100
العزوبية في الجزائر :األسباب والنتائج
في حين نالحظ ارتفاع فارق السن بين الزوجين إلى حوالي 6سنوات في الريف و 7سنوات في الحضر وهو فارق كبير جدا لم
يحدث ابدا.
الشكل رقم :1تطور فارق السن بين الزوجين بين 1966و.2019
8
6,8
7
6 5,5 5,3
الفارق بالسنوات
5 4,4
4 3,8
4
3
2
1
0
1966 1977 1987 1998 2008 2019
السنوات
101
خضرة راشدي
وما هو مقلق حقا هو ارتفاع هذه النسبة أيضا في باقي الفئات العمرية خاصة عند اإلناث ،حيث نالحظ في سنة 2019أن حوالي
%26من النساء بين 30و 35سنة هن عازبات وتفوق %23في الفئة املوالية 39-35سنة بعدما لم تكن تتعدى %4و %2على
التوالي سنة 1977أي أن كلهن تقريبا كن متزوجات في هذه السنة مقارنة بسنة ،2019وهو أمر خطير يهدد االستقرار االجتماعي
والنفس ي لهذه الفئات إذا ما استمرت هذه الظاهرة.
كما أن العزوبية النهائية (أي في الفئات العمرية األخيرة ابتداء من 50سنة) هامة جدا مقارنة بالسنوات املاضية إذ أنها تصل إلى
حوالي %8بعدما كانت ال تتعدى %2بالنسبة للذكور وأكثر من %15بعدما كانت %1فقط بالنسبة لإلناث بين 1977و .2019وهي
تخص األجيال القديمة والتي تزوجت تقريبا كلها وفي أعمار صغيرة .وهي ظاهرة جديدة على املجتمع الجزائري الذي كان يتميز بزواج
شامل حتى بالنسبة لألرامل واملطلقين والذين كان إعادة زواجهم ال يطرح أي اشكال .ويمكن أن تتولد عنها ظهور أنماط جديدة من
األسر خاصة األسر من فرد واحد .وللتقرب أكثر من الظاهرة سنراقب سوق الزواجية عن طريق حساب عدد الذكور إلى عدد
اإلناث في سن الزواج .حيث افترضنا أن فارق السن بين كل زوجين هو 5سنوات حيث يتزوج الذكور من فئة عمرية معينة من
اإلناث في الفئة العمرية التي تسبقها بخمس سنوات وقمنا بحساب عدد العازبات إلى 100أعزب فتحصلنا على البيانات التالية:
الجدول رقم :3عدد العازبات إلى 100أعزب سنة 2019
القيمة املؤشر
98 إ/19-15ذ24-20
87 إ/24-20ذ29-25
75 إ/29-25ذ34-30
86 إ/34-30ذ39-35
137 إ/39-35ذ44-40
255 إ/44-40ذ49-45
319 إ/49-45ذ54-50
املصدرMICS6.2019 :
حتى السن 35سنة تبقى عدد النساء العازبات اقل من عدد العزاب الذكور وهذا يعني أن التوازن في سوق الزواجية في هذه
االعمار الزال قائما رغم تراجع نسبة املتزوجات في هذه االعمار .ويبدأ االختالل بعد هذا العمر .حيث كلما تقدمت الفتيات في السن
كان عددهن يفوق عدد العزاب الذي (فرضا) يناسبوهن سنا ،وهو يعكس تراكم األجيال املتعاقبة من اإلناث خاصة تلك الناتجة
عن االنفجار الديموغرافي (تعدى معدل النمو السكاني في هذه املرحلة %3وكان من أعلى املعدالت في العالم) أي يخص العازبات
اللواتي ولدن قبل سنة 1984وتتراوح أعمارهن في سنة 2019بين 35و50سنة .وما قلل فرص زواجهن هو التحاق عدد كبير من
األجيال الجديدة والتي تعتبر أصغر سنا واألوفر حظا للزواج .كما أن هذه الفئة يشكل عددها ثالث مرات عدد العزاب وهو رقم
مخيف سيزيد من نسبة العزوبية النهائية للنساء ويفاقم من ظاهرة العنوسة مستقبال.
هذا االختالل في التوازن العمري والعددي للنساء مقارنة بالذكور ليس بسبب ميالد عدد إناث أكثر من الذكور ألنه طبيعيا يولد
الذكور بعدد أكبر بقليل من عدد اإلناث (إال في حاالت اإلجهاض املتعمد لإلناث كما في الصين والهند) ولكنها نتيجة للوفيات في
أعمار معينة تصيب الذكور خاصة وبسبب أن اإلناث يتزوجن في سن أصغر من الذكور .وعموما 'يلخص )Dixon (1978العوامل
املؤثرة في الزواجية [وهي نفسها املشجعة على ارتفاع العزوبية إن غابت] في ثالث و هي :توفر الشريك ،الظروف االقتصادية التي
تساعد على الزواج وأخيرا العوامل السلوكية' . ) Tapinos.1985,p.89(.
كما يمكن إيعاز التفوق العددي للنساء عامة والعازبات خاصة كما الحظنا إلى مجموعة من األسباب أهمها:
102
العزوبية في الجزائر :األسباب والنتائج
103
خضرة راشدي
104
العزوبية في الجزائر :األسباب والنتائج
105
خضرة راشدي
مما ال شك فيه أن االنسان بطبعه ميال إلى الحياة االجتماعية التشاركية ،وال يمكن ان تستمر الحياة ويتكاثر االفراد
ويستقر املجتمع إال بتلك العالقة التي تجمع بين الرجل واملرأة وتضمن لهما التكامل النفس ي واالجتماعي واملادي في إطار اسرة
يمارسان فيها حقوقهما وواجباتها ليكتمل دورهما في استمرار النوع والحفاظ على النفس والعالقات.
وعادة ال يتقبل املجتمع (مجتمعاتنا العربية واإلسالمية) فكرة أن يبقى الفرد بدون زواج ،فغالبا ما نرى الوالدين أكثر حرصا
على زواج ابنائهما ببلوغهم مرحلة عمرية مناسبة ،كما نجد أن الكثير من الشباب يجد ويكد من أجل زواجه كمشروع ذو أولوية.
لكن مع التغير االجتماعي وتعقد الحياة وزيادة متطلباتها مقابل شح املوارد املالية وارتفاع البطالة والعادات املعرقلة للزواج ،ارتفعت
العزوبة بشكل رهيب وأصبحت لها اثار نفسية واجتماعية على الفرد وتتعمق هذه االثار عندما يكون هذا الفرد انثى.
وقد اشارت الكثير من الدراسات إلى الصورة النمطية السلبية التي تعاني منها العازبة خاصة إذا تقدمت بها العمر والتحقت
بمصاف العانسات .حيث توصلت دراسة عباس ( )2016إلى أن نظرة املجتمع للمرأة العازبة تتميز بالعنف والدونية ،وال تأخذ مكانة
اجتماعية الئقة إال أذا تزوجت وأصبحت أما ،ولكن هذا ال يمنع من أن النظرة لألعزب تبقى أقل حدة إال أن املجتمع ال يرى اكتمال
الرجل لرجولته ومكانته إال بزواجه.
إن هذه النظرة النمطية للعازبة من قبل املجتمع تتأكد قسوتها من خالل الكثير من االمثال الشعبية التي تدعو إلى ضرورة
تزويج البنت وعدم إضاعة أي فرصة لذلك كقولهم' ...وابنتك اذا كبرت اعطيها ،راهو بالها في الدار يزيد' وغيرها من االمثال ذات
العنف الرمزي والذي يجعل الفتاة غير املتزوجة تعاني ضغطا نفسيا واجتماعيا كبيرا .وال يقتصر االمر على هذا ،فطبيعة املجتمع
الجزائري ،تجعل الفتيات أكثر ارتباطا ماديا باسرهن حيث الرجل (أبا او اخا) عادة ما يتكفل برعايتهن وتوفير متطلباتهن
واستمرارهن في بيت اسرتها يجعلها تحس انها عبء عليها مالم تكن تعمل .وفي دراسة للعزوبة من منظور جندري (الغزاوي
وآخرون )2020،وجدت الباحثات أن النظرة السلبية والشعور بالوحدة هي من أهم االثار االجتماعية للعزوبة عند كال الجنسين.
في حين وجدن أنه من الناحية اإليجابية ،أصبح العزاب أكثر اعتمادا على أنفسهم.
إن ارتفاع عدد العزاب وصعوبة تكوين اسرة ،قد يؤدي إلى الحرمان العاطفي والجنس ي وقد يؤدي باألعزب إلى املعصية
والخطأ وان طالت فترة العزوبة ،فقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية كالغيرة والحسد والشعوذة والعزلة والخوف من املواجهة بسبب
النظرة الدونية خاصة عند الفتاة.
-2-6أثرالعزوبة على تكوين وبنية األسرة:
إن الحديث عن أثر العزوبة على تكوين وبنية األسرة يجر إلى الحديث عن أثر ارتفاع سن الزواج وعدم الزواج على تكوين
األسرة من جهة وعلى الخصوبة التي تعتبر إحدى محددات حجم هذه األسرة .وبما أن تكوين أسرة ال يتم إال بالزواج فان العزوبة،
وخاصة إن طالت مدتها ،فإنها تمنع أو تؤجل تكوين أسر جديدة وهو ما يؤثر على النسق االجتماعي للمجتمع وهيكله الذي يضمن
استمراره بشكل طبيعي ويحافظ على خصوصياته ،وتسمح بظهور أنواع وأنماط جديدة من األسر تجمع أفرادها عالقات وروابط
خاصة دخيلة عن طبيعة املجتمع الثقافية والدينية وهو ما يولد تغييرا في املفاهيم والسلوكيات القادرة بدورها على تغيير مفهوم
األسرة املتعارف عليه.
ولعل أهم هذه األنواع هي تلك األسر املكونة من شخص واحد (األعزب(ة)) أو مجموعة من العزاب تربطهم عالقة صداقة،
عمل ،دراسة ،أو أي رابطة تختلف عن القرابة واملصاهرة ،وهي أنواع تفرضها العزوبة وتشجع على ظهورها ظروف اجتماعية
واقتصادية تحتم تجمع هؤالء األفراد تحت سقف واحد .وهذين النوعين نجدهما شائعين وبنسبة هامة في الدول الصناعية حيث
فرضت طبيعة الحياة العصرية املعقدة وتنامي الحريات الفردية التي تكفلها القوانين املدنية ظهورهما وبشكل موسع على حساب
106
العزوبية في الجزائر :األسباب والنتائج
األسرة املبنية خاصة على الزواج .وما من شك أن هذا يؤثر على بنيتها ووظائفها ويمارس ضغطا على الضبط االجتماعي الذي تتصف
به والذي يسمح بإرساء قواعد محددة (الطاعة ،التكافل والتضامن ،الحماية واألمن ،اإلشباع النفس ي واالجتماعي ،التنشئة،
العالقات املتبادلة )...تضمن استمرار املجتمع واستقراره في حدود الكل ال الجزء.
إن وصول نسبة كبيرة من األفراد إلى سن معينة دون زواج مصحوبة باالستقالل املادي واالجتماعي ،تؤدي إلى تغيير
املواقف واملعايير التي تبنى عليها العالقات االجتماعية ،وتؤدي إلى ظهور أساليب وتطلعات جديدة تصل إلى حد رفض التقاليد وتبني
أفكار وقيم جديدة تتعلق بالزواج واألسرة واألدوار داخلها وكذا اإلنجاب .كما أن تراكم عدد من العزاب في سن متقدمة في نفس
األسرة قد يتولد عنه ظهور صراعات حادة داخل هذه األسرة نتيجة األفكار السابقة وتلك الضغوطات الناتجة عن عدم الزواج،
والتي تؤدي إلى تفككها والذي يؤدي بدوره إلى ظهور أنماط جديدة من األسر أحادية الوالد أو مكونة من اإلخوة أو أحدهم .فقد
أشار مسح ،2019إلى أن % 15.7من االسر املكونة من فرد واحد من جنس انثى هي لعازبات حوالي نصفهن من املستويات التعليمية
العالية.
كما أن بقاء الفرد ملدة طويلة أعزبا يجعله اقل تقبال لطرف أخر يفرض عليه التزامات ومسؤوليات محددة تجعله أكثر
ارتباطا وتقيدا ،ويكون األمر أكثر تعقيدا إذا كان هذا الفرد امرأة .ويرى أن الحياة األسرية ستجبره على تغيير نمط حياته املتصف
بالحرية واالستقاللية إلى نمط أكثر ارتباطا باآلخرين (الزوجة ،األبناء )...والذي يفرض عليه أعباء وواجبات تجعل حياة العزوبة أكثر
راحة من الحياة الزواجية .ورغم أننا لم نصل في بالدنا إلى الحد الذي يجعل هذا األمر منتشرا (في انتظار دراسات اجتماعية
وديموغرافية من هذا النوع) إال أن إمكانية حدوثه غير مستبعدة ،ذلك أن وسائل االتصال واإلعالم الحديثة والتنقل تساهم بدور
كبير في انتشار ثقافة الفردية ،والتشجيع على تحقيق الطموحات والرغبات الشخصية ،والتعريف بالحقوق والحريات .كما أن
التقنيات الحديثة تحمل ثقافات ضمنية تؤثر على األفكار والتصرفات بشكل غير مرئي وغير مباشر نظرا لقدرتها على تجاوز الحدود
الجغرافية وحدود الضوابط واملراقبة مما يوسع رقعة االهتمام بالتوجهات الفردية وبالذات وإعطاء األولوية لها على حساب بناء
أسرة وتوسيعها عن طريق الزواج واإلنجاب.
إن من االنعكاسات السلبية للعزوبية على النسق االجتماعي هو تراجع عدد األسر املبنية على الزواج ،وألن األسرة هي 'الخلية
البنائية للتركيب االجتماعي '(القصير ،1999،ص )6.فإن هذا التراجع سيخل بهذا التركيب نتيجة ظهور أنواع جديدة من الزواج
والعالقات (املسيار ،الفرند ،املساكنة )،تختلف شكال ومضمونا عن الزواج املتعارف عليه وهو ما يهدد املفهوم الطبيعي واالجتماعي
للعالقات والحقوق والواجبات.
كما أثبتت الدراسات الديموغرافية ،منذ نهاية السبعينيات ،أن لتراجع الزواج دور كبير في تراجع الخصوبة التي تلعب دورا كبيرا
في الحفاظ على معدل إحالل األجيال وعلى حجم األسرة .إذ وصلت نسبة تدخل الزواجية في انخفاض الخصوبة العامة إلى أكثر
من %50في بعض فترات الدراسة وبقيت هامة منذ .)Boumghar et Amokrane ,2007(1998
ونشير في األخير إلى أن تغير األفكار واالتجاهات لم يدع فقط إلى التخلي عن العادات واملوروث الثقافي وحتى الديني لبعض
السلوكيات املتعلقة بالزواج ،ولكنه أيضا دعا في جانب معاكس إلى العودة إلى بعض املظاهر التي كانت و ال تزال تلقى اعتراضا
شديدا وأهمها على اإلطالق التعدد .حيث أشارت إحدى الدراسات إلى أن %81من العازبات ضد منع التعدد وأن %38منهن ال
يمانعن العيش ضمن زواج متعدد .وقد يدل هذا على الظروف النفسية واالجتماعية التي تواجهها العازبات مما يضطرهن إلى
املوافقة على التعدد (.)CIDDEF,2009
107
خضرة راشدي
-7خاتمة
تشير اإلحصائيات ومختلف الدراسات الديموغرافية إلى ارتفاع متواصل للعزوبية خاصة عند اإلناث وفي كل األعمار لعدة
أسباب أهمها انتشار التعليم وطول مدته ،وكذا تغير سلوكيات واهتمام الشباب بالزواج وتبعاته تحت مجموعة من املؤثرات أهمها
وسائل اإلعالم واالتصال والتقنيات الحديثة .وبارتفاع سن الزواج وعدد العازبات ظهرت العنوسة كظاهرة اجتماعية تهدد استقرار
األسر واملجتمع نظرا النعكاساتها االجتماعية والنفسية على الفتيات .ورغم أن األرقام املتوفرة والرسمية تؤكد عدم صحة تلك التي
تتداولها بعض الدراسات واإلعالم ،إال أن هذا ال يخفي أهميتها وال يمنع من التخوف منها مستقبال وهو ما يدعو إلى ضرورة البحث
عن حلول قبل تفاقمها
إن أكبر خاسر من تصاعد هذه املشكلة هو األسرة حيث سيتسبب عدم الزواج في تراجع األسر املبنية على الزواج من
جهة ،وزيادة املشاكل والصراعات داخل األسر التي يتراكم فيها عدد العزاب من جهة أخرى .وهو ما قد يؤدي مستقبال إلى ظهور
اختالل في التوازن العمري والجنس ي للسكان ،وبالتالي تغيرات في التركيب والوظائف االجتماعية وأهمها وظيفة اإلنجاب بما يكفي
للمحافظة على تجدد األجيال.
والن للعزوبة اثار سلبية على الفرد واملجتمع ،فإن من جملة ما يمكن اقتراحه هو:
-تشجيع الشباب على الزواج عن طريق الزواج الجماعي وصناديق الزواج
توعية العائالت بضرورة التخلي عن العادات واملغاالة في املهور والشروط املعيقة للزواج -
خلق فرص العمل واملساعدات على تمكين الشباب من تحقيق مشاريعهم لدعم مواردهم املالية لتوفير السكن ولتسهيل -
زواجهم وتكوين اسر.
اقامة دورات للدعم النفس ي واالجتماعي ،خاصة للفتيات غير املتزوجات لتجاوز النظرة السلبية للمجتمع ،والتخلي عن -
األفكار السلبية والسلوكيات تجاه الزواج واختيار الشريك والتي تمنعهم من الزواج.
108
األسباب والنتائج:العزوبية في الجزائر
: قائمة املصادرواملراجع-
. مكتبة بيروت. لبنان. معجم مصطلحات العلوم االجتماعية.)1978( . أحمد زكي،بدوي .1
، انسانيات. املجتمع املحلي بالجزائر انموذجا. العزوبة النسوية في الخطاب املجتمعي املتداول بالجزائر.)2016( . فريال،عباس .2
.40-9 .71العدد
. دار الحديث. القاهرة. القاموس املحيط.)2008( . مجد الدين محمد بن يعقوب،الفيروزابادي .3
. لبنان. دراسة ميدانية في علم االجتماع الحضري واألسري، األسرة املتغيرة في مجتمع املدنية العربية.)1999( . عبد القادر،القصير .4
.دار النهضة العربية
املجلس. قطر. دراسة استطالعية على عينة من الشباب القطري، اتجاهات الشباب نحو قضايا الزواج.)2010( . علي الغانم،كلثم .5
.األعلى لشؤون األسرة
. دار جامعة محمد بن خليفة للنشر. قطر.)1 حالة الزواج في الوطن العربي(ط.)2019( .معهد الدوحة الدولي لألسرة .6
. دراسة ميدانية تحليلية في مدينة عمان: العزوبية من منظور جندري.)2020( . عبير، ودبابنة، أمل، والعواودة، منال،الغزاوي .7
.1224-1198.)7(34 املجلد،)مجلة جامعة النجاح لألبحاث (العلوم اإلنسانية
. العرب. تفاقم العنوسة في الجزائر يطلق أجراس االحتماء بالدولة من ظلم املجتمع.)2020/10/04( . صابر،بليدي .8
https://alarab.co.uk
9. Ajbilou. Aziz (1997). Crise et monté du célibat en Afrique du Nord. Tabutin, Dominique et
autres, Théories, paradigmes et courants explicatifs en démographie (639-660). Chaire
Quételet, L’Harmattan,
10. Boumghar, Amel et Amokrane, Faouzi. (2007). Nuptialité et Fécondité en Algérie. ONS, LEA
et MSPRH, Enquête algérienne sur la santé de la famille 2002(35-95). Etude approfondies.
11. Brahimi, Rabeh. (1994). Monté du célibat et fécondité en Algérie. AMEP, démographie :
problèmes de la jeunesse et de l’enfance maghrébine, 8éme colloque de l’AMEP, 13-15 oct.
1991(511-534). Alger.
12. CIDDEF. (2009). Connaissances des droits des femmes et des enfants en Algérie. Alger.
13. Mahfoud, Dora. (1990). La famille tunisienne aujourd’hui : quelles formes de conjugalité ?
CERES, L’avenir de la famille au moyen orient et en Afrique du Nord, série psychologique,
n° 7, Tunis.
14. Ouddah –Bedidi. Zahia. (2005). Avoir 30 et être encore célibataire : une catégorie émergente
en Algérie. Autre part .2005/2n°34. 29-49.
15. ONS. (2010). Annuaire statistique de l’Algérie n°26. Résultats :2006-2008.
16. ONS. (2019a). Démographie algérienne. N°890/Bis.
17. ONS. (2019b). Activité, emploi et chômage en Mai2019.N° 879.
18. ONS et MSPRH (2020) : Enquête nationale à indicateurs multiples (MICS2019). Rapport
principal
19. Tapinos, George. (1985). Eléments de démographie, déterminants socioéconomiques et
histoires de population. Paris. Armant Colin. Collections u.
109