Professional Documents
Culture Documents
تأليف
جميع الحقوق محفوظة
4
مقدمـــــــــــة
س لواًرحلدةة لولخ للق رم كنيلهاً س اًتلييقوُاً لربليكيمُ اًلرذيِ لخ للقيكمُ بمنَ نَليكف ة+لياً أليميلهاً اًللناً ي
ر ر ر ل ر ر لزوجهاً وب ل ر
ساًءليلوُلن به لواًلكرلحاًلم ساًءح لواًتلييقوُاً اًلل اً ذيِ تل ل ث م كنييهلماً رلجاًلح لكثيْحراً لونَ ل ك ل ل لل
ككمُ لرقيْحباً" ]النساء.[1: ر إرلن اًلل لكاًلن لع لكيْ ي
صلركح ليككمُ ألكعلماًليككمُ ر ر
+لياً أليميلهاً اًلذيلنَ آلمنيوُاً اًتلييقوُاً اًلل لويقوُليوُاً قليكوُلح لسديحداً يي ك
لويليغكرفكر ليككمُ ذيينَوُبليككمُ لولمنَ ييرطرع اًلل لولريسوُلهي فليلقكد لفاًلز فليكوُحزاً
ظيْحماً" ]الحزابا.[71 ،70 : لع ر
أما بعد:
فإن موضوع فقه التمكين في القرآن الكريم
يحتاج لبحث تحليلي عميق لخطورته ولهميته في
حياتنا المعاصرة حيث إن المة تمر بفترة عصيبة
من تاريخها ,فهي في أشد الحاجة لفهم فقه
التمكين حتى ترسم أهدافها وتسعى لتحقيق
آمالها وفق سنن الله الجارية في الشعوبا والمم
والمجتمعات والدول ،ولقد لحظت في دراستي
للقرآن الكريم أن أصول فقه التمكين واضحة
المعالم في كتابا الله الكريم ,فما على الباحث
إل أن يجمعها ويرتبها ويحللها ويبين أثرها على
حياة المة عندما حرصت على تطبيقه في كل
شئون حياتها ،وماذا أصابها عندما ابتعدت عن
كتابا ربها وسنة نبيها × ،إن وصول المة
السلمية في هذا الزمان إلى التمكين ليس بالمر
السهل ،ولكنه كذلك ليس بالمر المستحيل ،إذ
5
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
6
مقدمـــــــــــة
7
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
8
تمهيـــــــــــــــد
9
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
10
أنواع التمكين
فــــــي القرآن
الكريم
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
12
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
تمهيد
صير يريس للناً لواًلرذيلنَ آلمنيوُاً رفيِ اًلكلحليْاًرة اًلمدنَكيليْاً لويليكوُلم يلييقوُيم قال تعالى+:إرلنَاً للنن ي
شلهاًيد"]غافر.[51 : اًل ك
صير اًلكيمكؤرمرنيْلنَ" ]الروما .[47 :وقال تعالى: وقال سبحانه+ :لولكاًلن لحققاً لع لكليْيلناً نَل ك
ت لكلرلمتييلناً لررعلباًردلنَاً صكريككمُ" ]محمد .[7:وقال تعالى+ :لوللقكد لسبليلق ك صيرواً اًلل يليكن ي +رإن تليكن ي
ن" ]الصافات.[173 -171 : صوُيرولن لوإرلن يجنلدلنَاً ليهيمُ اًلكلغاًلريبوُ ل ر
اًلكيمكرلسليْلنَ إرنَلييهكمُ ليهيمُ اًلكلمن ي
إن هذه اليات وأمثالها تشير إلى نصر الله وإعزاز أهل اليمان
ممن يحرصون على الدعوة ويتحملون المشاق في سبيلها سواء
ما أو أحد المؤمنين ،وهذا العزاز والنتصار كان الداعية رسول ل كري ل
والتمكين يكون في الحياة الدنيا قبل الخرة.
ونجد في القرآن الكريم والسننة النبوية المطهرة ،أن من
النبياء من قتله أهل الكفر والشرك ،كيحيي وزكريا عليهما السلما
وغيرهما ،ومنهم من حاول قومه قتله إل أن الله نجاه منهم كنبينا
محمد × وعيسى ابن مريم عليه السلما ،وكإبراهيم الذي ترك
قومه وعشيرته مهاجلرا إلى الشاما ,ونجد من أهل اليمان على مر
العصور ومر الدهور من يساما سوء العذابا وفيهم من يلقى في
خدود الرض المليئة بالنيران المحرقة ،ومنهم من يقتل في سبيل
الله صابلرا محتسلبا مقبل ل غير مدبر ،ومنهم من يعيش في كربا
وشدة واضطهاد ،فأين وعد الله لهم بالنصر والظفر والتمكين؟
)(1 وقد ع
طردوا أو قتلوا أو عذبوا؟
يقول سيد قطب -رحمه الله ) :-ويدخل الشيطان إلى
النفوس من هذا المدخل ،ويفعل بها الفاعيل:
إن الناس يقيسون بظواهر المور ،ويغفلون عن قيم كثيرة
وحقائق كثيرة في التقدير.
إن الناس يقيسون بفترة قصيرة من الزمان وحيز محدود من
المكان وهي مقاييس بشرية صغيرة ،فأما المقياس الشامل،
فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة من الزمان والمكان ،ول
يضع الحدود بين عصر وعصر ،ول بين مكان ومكان ،ولو نظرنا
إلى قضية اليمان والعتقاد لرأيناها تنتصر من غير شك .وانتصار
قضية اليمان هو انتصار أصحابها ،فليس لصحابا هذه القضية
1
)( اناظر :حقيقة الناتصار ،ص ).(14 ،13
13
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الفصل الول
1
)( اناظر :الظللا ).(5/3086
2
)( الصدر نافسه.(5/3086) ،
3
)( الصدر نافسه.(5/3086) ،
14
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
15
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
16
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
17
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
-8في قوله+ :لولماً لرليِ لل ألكعبييد اًلرذيِ فلطللررنَيِ" استفهاما استنكاري ،وفيه
إشارة إلى أن المر من جهة عبادة الله وحده ل خفاء فيه ،وعلى
دما السبب الذي يمنعه من عبادته ،أما أنا فل الذي ل يعبده أن يق ل
أجد مانلعا يمنعني من عبادته.
-9وفي قوله+ :لولماً لرليِ لل ألكعبييد اًلرذيِ فلطللررنَيِ" لطيفة أخرى ،حيث عدل
عن مخاطبة القوما إلى الحديث عن نفسه ،والحكمة في ذلك،
وهو أنه ل يخفى عليه حال نفسه ،ولذلك فهو ل يطلب العلة
والدليل من أحد آخر ،لنه أعلم بحال نفسه.
-10جمع في قوله+ :لولماً لرليِ لل ألكعبييد اًلرذيِ فلطللررنَيِ" بين أمرين يتعلقان
بإيمانه بالله.
الول :هو عدما المانع الذي يمنعه من اليمان في قوله+ :لولماً لرليِ
لل ألكعبييد اًلرذيِ".
والثاني :هو قياما المقتضى الذي يدعوه إلى اليمان ،وهو في
قوله+ :اًلرذيِ فلطللررنَيِ" ،فالله الخالق مالك ومنعم ,وعلى العبيد عبادته
وشكره.
-11قدما عدما المانع من اليمان على المقتضى الذي يدعوه
لليمان في قوله+ :لولماً لرليِ لل ألكعبييد اًلرذيِ فلطللررنَيِ" ولم يقل) :فطركم( لنه
هو الهم من المقصود من السياق.
18
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
19
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
صىَ اًلكلمردينلرة لريجرل يلكسلعىَ لقاًلل لياً قليكوُرم اًتلبرعيوُاً اًلكيمكرلسرليْلنَ" ر
وقال تعالى+ :لولجاًءل مكنَ ألقك ل
]يس.[20:
]غافر.[28: وقال تعالى+:لولقاًلل لريجرل مكؤرمرنَ بمكنَ آرل فركرلعكوُلن يلككتييمُ رإيلماًنَلهي"
صلدقيوُاً لماً لعاًلهيدواً اًلل لعلكيْره فلرم كنييهمُ لمنَ قل ل رر ر
ضىَ نَلكحبلهي وقال تعالى+:ملنَ اًلكيمكؤمنيْلنَ رلجاًرل ل
ورم كنيهمُ لمنَ ينت ر
ظير لولماً بللدليوُاً تليكبرديلح" ]الحزابا.[23 : لل ل ي
ح لهي رفيْلهاً رباًلكغييدبو ر ة ر ر
وقال تعالى+:فيِ بييييْوُت ألذلن اًلي لأن تييكرفللع لوييكذلكلر فيْلهاً اًكسيمهي يير ل
سب ي
صللةر لورإيلتاًء اًللزلكاًةر" ]النور،36 : واًللصاًرل رجاًرل لل تييكلرهيْرهمُ ترجاًرةر ولل بيكيْرع لعنَ رذككرر اً ر
ل لوإرلقاًرم اًل ل ك لل ل ل ل ل ل
.[37
20
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
إن الذين يسعون لتمكين شرع الله في دنيا الناس عليهم أن
يتصفوا بصفات الرجولة ويحرصوا على ضم من تظهر فيهم هذه
الصفات الجميلة إلى صفوفهم.
ما بارلزا على طريق سا ومعل ل
إن ذلك الرجل الرباني أصبح نبرا ل
الدعوة ،يقتدي به الدعاة في انحيازهم إلى جانب الحق والتزامه
ت برلربيككمُ
والدعوة إليه ،ولسان حال أحدهم يقول للخرين+ :إربنَيِ آلمن ي
لفاًكسلميعوُرن".
إن انتصار منهج الله والتمكين له وتعرف الناس عليه ،يحتاج
إلى رجال يرفعون أصواتهم حتى يسمع الخرون ،إن جمال الحياة
ورونقها البهي وحلوتها النضرة تكون بنصرة الحق ودك الباطل
في حصونه.
وإن المواقف اليمانية ابتغاء مرضاة الله رفعة للداعية في
الدنيا والخرة.
ما الرابحون ،فعندما يدفع إن أصحابا المواقف اليمانية هم دائ ل
النسان المؤمن حياته وعمره ودنياه ،وهو هبة ومنحة وعطية
وفضل من الله مقابل الجنة والنعيم الدائم والخلود البدي يكون
ما.
حا وفيلرا وفاز فولزا عظي ل
ربح رب ل
إن أهل اليمان يكظمون غيظهم ،ويحلمون على الجهلة
والصبر على دعوة الشرار وأهل البغي والسعي في تخليصهم,
ويبتعدون عن الشماتة بالعداء ,أل ترى كيف تمنى الرجل الرباني
)(2
الخير لقتلته ،والباغين له الغوائل ،وهم كفرة عبده أصناما.
إن دخول الجنة مع الشهادة في سبيل الله نوع من التمكين،
واستئصال أهل الشرك الذين عاندوا الدعاة نوع من النصر لولياء
الله.
المبحث الثاني
1
)( اناظر :مع قصص السابقي للخالدى ).(7/256
2
)( الصدر السابق.(7/260) ،
21
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أصحـــــابا الخــــــــــدود
إن قصة الغلما مع الملك الكافر من أوضح القصص في تمكين
الله تعالى للدعاة في تبليغ رسالتهم وأداء أمانتهم.
قال رسول الله ×» :كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له
ساحر ،فلما كبر الساحر قال للملك :إني قد كبر سني ،وحضر
ما كان يعلمه ما لعلمه السحر ،فدفع إليه غل ل ى غل ل
أجلي ،فادفع إل ز
السحر ،وكان بين الساحر وبين الملك راهب ،فأتى الغلما على
الراهب فسمع من كلمه فأعجبه نحوه وكلمه ،وكان إذا أتى
الساحر ضربه ،قال :ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب ،فقال:
إذا أراد الساحر أن يضربك فقل :حبسني أهلي ،وإذا أراد أهلك أن
يضربوك فقل :حبسني الساحر ،فبينما هو ذات يوما إذ أتى على
دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فل يستطيعون أن يجوزوا،
فقال :اليوما أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أما أمر الساحر ،قال:
فأخذ حجلرا ،فقال :اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى
من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ،ورماها
فقتلها ،ومضى الناس ،فأخبر الراهب بذلك ،فقال :أي بنى أنت
ى؛ فكان الغلما عيبرئأفضل مني ,ستبتلي ،فإن ابتليت فل تدل عل ز
الكمه والبرص وسائر الدواء ويشفيهم بإذن الله ,وكان للملك
جليس فعمى ،فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة ،فقال :اشفني ،فقال:
ل ،فإن آمنت به دعوت ج ز
دا ،إنما يشفى الله ع عزز وع عما أنا أشفى أح ل
الله فشفاك ،فآمن فدعا الله فشفاه ،ثم أتى الملك فجلس منه
نحو ما كان يجلس ،فقال له الملك :يا فلن ،من رد ل عليك بصرك؟
فقال :ربي ،فقال :أنا؟ قال :ل ،ربي وربك الله ،قال :أو لك ربا
غيري؟ قال :نعم ،ربي الله وربك الله ،فلم يزل يعذبه حتى د ل
ل
على الغلما ،فبعث إليه فقال :أي بنى ،بلغ من سحرك أن تبرئ
دا ،إنما يشفىالكمه والبرص ،وهذه الدواء؟ قال :ما أشفى أح ل
ل ،قال :أنا؟ قال :ل .قال :ولك ربا غيري؟ قال :ربي ج ز
الله ع عزز وع ع
ضا بالعذابا لم يزل به حتى دل على الراهب، وربك الله ،فأخذه أي ل
فأتى الراهب ،فقال :ارجع عن دينك ،فأبي فوضع المنشار في
مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الرض ،وقال للغلما :ارجع عن
دينك ،فأبي ،فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا ،فقال :إذا بلغتم
ذروته فإن رجع عن دينه وإل فدهدهوا ،فذهبوا به ،فلما علوا به
الجبل ،قال :اللهم اكفنيهم بما شئت ،فرجف بهم الجبل فدهدهو،
أجمعون ،وجاء الغلما يلتمس حتى دخل على الملك فقال :ما فعل
أصحابك ،فقال :كفانيهم الله -تعالى ,-فبعث به مع نفر في
22
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
قرقور في البحر ،فقال :إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإل
فغلرقوه في البحر ،فلججوا به البحر ،فقال :الغلما :اللهم اكفنيهم
بما شئت ،فغرقوا أجمعون ،وجاء الغلما حتى دخل على الملك،
فقال :ما فعل أصحابك؟ فقال :كفانيهم الله تعالى ،ثم قال للملك:
إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ،فإن أنت فعلت ما آمرك
به قتلتني ،وإل فإنك ل تستطيع قتلي ،قال :وما هو؟ قال :تجمع
ما منالناس في صعيد واحد ،ثم تصلبني على جذع وتأخذ سه ل
كنانتي ،ثم قل :بسم الله ربا الغلما ،فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني،
ففعل ,وضع السهم في كبد قوسه ،ثم رماه ،وقال :بسم الله ربا
الغلما ،فوقع السهم في صدغه ،فوضع الغلما يده على موضع
السهم ومات ،فقال الناس :آمنا بربا الغلما.
فقيل للملك :أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك ،قد آمن
دد فيها الخاديد ،وأضرمت فيها الناس كلهم ،فأمر بأفواه السكك فخ ز
النيران ،وقال :من رجع عن دينه فدعوه ،وإل فأقحموه فيها ،قال:
فكانوا يتعادون ويتدافعون ،فجاءت امرأة بابن لها ترضعه ،فكأنما
تقاعست أن تقع في النار ،فقال الصبي :اصبرى يا ألماه فإنك على
)(1
الحق«.
لقد انتصر الغلما بعقيدته على الملك الكافر ،وتمكن منهجه
الرباني في نفوس رعايا الملك المشرك الغادر ,وثبتوا على
عقيدتهم وضحوا بأنفسهم من أجل إيمانهم وعلموا البشرية معنى
من معاني النتصار.
قال سيد قطب رحمه الله) :في حسابا الرض يبدو أن
الطغيان قد انتصر على اليمان ,وأن هذا اليمان الذي بلغ تلك
الذروة العالية في نفوس الفئة الخيرية الكريمة الثابتة المستعلية،
لم يكن له وزن ول حسابا في المعركة التي دارت بين اليمان
والطغيان.
في حسابا الرض تبدو هذه الخاتمة أسيفة أليمة.
ولكن القرآن يعلم المؤمنين شيلئا آخر ،ويكشف لهم عن
حقيقة أخرى.
إن الحياة وسائر ما يلبسها من لذائذ وآلما ,ومن متاع
وحرمان ،ليست هي القيمة الكبرى في الميزان ،وليست هي
السلعة التي تقرر حسابا الربح والخسارة ،والنصر ليس مقصولرا
1
)( مسلم ،كتاب الزهد والرقائق ،باب أصأحاب الخأدود ) (3/2299رقم .3005
23
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
24
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
25
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
كا يدل على صفاء العقيدة ،ووضوح المنهج ،وسلمة الطريق، مبار ل
وفهم لحقيقة النتصار.
سزنة أي ذكر لهؤلء الظلمة، إننا ل نجد في القرآن ول في ال ن
وماذا كان مصيرهم في الدنيا ,ولله في ذلك حكمة قد تخفى
علينا ) ..(1نعم وردت آية في آخر قصتهم فيها دعوة لهم وتحذير:
ر ر رر ر
ب اًلكلحرريرق" +إرلن اًلذيلنَ فليتلينيوُاً اًلكيمكؤمنيْلنَ لواًلكيمكؤملناًت ثيلمُ لكمُ يلييتوُبيوُاً فلي ليهكمُ لعلذاً ي
ب لجلهنللمُ لوليهكمُ لعلذاً ي
]البروج.[10 :
)(2
قال الحسن البصري » :انظروا إلى هذا الكرما والجود ،قتلوا
)(3
أولياءه ،وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة«.
ن المنتصر؟ م ن
أن هذه النهاية تحقق معنى من معاني النتصار ،ع
حلرق بضع دقائق ،ثم انتقل إلى الذي نصر عقيدته ودين ربه ،و ع
جنات النعيم ،أو ذلك الذي تمتع بأياما في الحياة الدنيا ثم مآله -
إن لم يتب -إلى عذابا جهنم وعذابا الحريق؟
هل هناك مقارنة بين الحريق الول ،والحريق الثاني ..حريق الدنيا
وحريق الخرة؟ إنها نقلة بعيدة ،وبون شاسع ،أما المؤمنون الذين
ت تلكجرريِ رمنَ تلكحترلهاً اًلنَكيلهاًير" ]البروج ،[11 :وتعلن
حلرقوا في الدنيا ،فـ +ليهكمُ لجلناً ر
ع
ر
ك اًلكلفكوُيز اًلكلعظيْيمُ" أليس هذا هو ر
النتيجة التي ل مراء فيها ول جدال+ :لذل ل
النتصار؟ ) (4هذا في الخرة ,وفي الدنيا تمكن المنهج من قلوبا
الناس وتم ظهوره.
1
)( اناظر :حقيقة الناتصار ص )(14 ،13
2
)( هو سيد التابعي السن بن أب السن يسار البصري الناصاري مولهم زاهد فاضل ثقة ,كان من أفصح الناس وأجلهم,
توف 110هـ وهو ابن ) 88تذيب التهذيب .(270 -2/263
3
)( تفسي ابن كثي ).(4/496
4
)( اناظر :حقيقة الناتصار ص).(55
26
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
المبحث الثالث
تمكين الله تعالى لرسول الله × لتبليغ الرسالة في
مكة
بعد العداد الرفيع الذي قاما به النبي × لتربية أصحابه ,وبناء
القاعدة الصلبة على أسس عقدية وخلقية وأمنية وتنظيمية ،وبعد
أن قطع المرحلة السرية بكل نجاح وتفوق ،نزل قول الله تعالى:
ك اًلقكيلرربيْلنَ" ]الشعراء [214 :فخرج رسول الله × حتى صعد+لوألنَرذكر لعرشيْلرتل ل
الصفا فهتف» :يا صباحاه« ،فاجتمعت إليه قريش ،فقال» :يا بنى
فلن ،يا بنى عبد مناف ،يا بنى عبد المطلب ،أرأيتكم لو أخبرتكم
ي؟« قالوا :ما جربلناأن خيل ل تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدق ز
عليك كذلبا .قال» :فإني نذير لكم بين يدي عذابا شديد« فقال أبو
ت
لهب :تلبا لك ،أما جمعتنا إل لهذا ,ثم قاما فنزلت هذه السورة +تليبل ك
ب" ]المسد.[1: ب لوتل ل يللداً ألربيِ لله ة
من الطبيعي أن يبدأ الرسول × دعوته العلنية بإنذار عشيرته
القربين ،إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية ،فبدء الدعوة
بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته ،كما أن القياما
بالدعوة في مكة ل بد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد من
مركز ديني خطير ،فجلبها إلى حظيرة السلما ل بد أن يكون له
وقع كبير على بقية القبائل ،على أن هذا ل يعنى أن رسالة
السلما كانت في أدوارها الولى محدودة بقريش ،لن السلما كما
يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق
)(1
رسالته العالمية.
ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والعراض
والسخرية واليذاء والتكذيب ،والكيد المدبر المدروس ،ولقد اشتد
الصراع بين النبي × وأصحابه ،وبين شيوخ الوثنية وزعمائها،
وأصبح الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك الصراع في كل مكان،
وهذا في حد ذاته مكسب عظيم للدعوة ،ساهم في أشد وألد
أعدائها ،ممن كانوا يشيعون في القبائل قالة السوء عنها ،فليس
سسلمون بدعاوى القرشيين ،بل كان يوجد من مختلف كل الناس ي ع ع
القبائل من يتابع الخبار ،ويتحرى الصوابا فيظفر به.
وكانت الوسيلة العلمية في ذلك العصر تناقل الناس للخبار
1
)( دراسة ف السيةر النبوية ،د .عماد الدين خأليل ص .125 ،124
27
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
28
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
كا ل عيظلم أحد عنده، لهم رسول الله ×» :إن بأرض الحبشة مل ل
جا مما أنتم فيه«جا ومخر ل فالحقوا ببلده حتى يجعل الله لكم فر ل
فخرجنا إليها أرسال ل حتى اجتمعنا بها ،فنزلنا بخير دار إلى خير
ما( ).(1جار ,أمنا على ديننا ولم نخش منه ظل ل
لقد كانت هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة ذات أبعاد
سياسية وإعلمية ودعوية ,وكان اختيار النبي × للحبشة في غاية
الدقة وبعد النظر؛ لنه )التفت × إلى ما يحيط به من الداخل
والخارج ،وما ينتظر دعوته من أخطار ،فوجد أن جذورها قد
امتدت في أعماق الجزيرة العربية ،بين مؤمن قوى اليمان ،وبين
كافر معاند شديد الحرص على زعامتها ،عظيم الحقد على الدعوة
وصاحبها(.
وأما خارج الجزيرة ،فتوجد إمبراطورية فارس وقد أعماها
دخان النار ،وإمبراطورية الروما وقد عبدوا الملوك ودنياهم ،أما
الحبشة فما يزال بها بعض وميض من صدق رسالة عيسى عليه
كا ل عيظلم أحد بأرضه ).(2السلما ،وأن بها مل ل
وهذا يدل على اهتماما رسول الله × بما يدور حوله ومعرفة
الدول وطبائعها.
ولقد كانت الهجرة وسيلة من أهم وسائل العلما في السلما؛
لن مجرد خروج المسلمين من بلد كانوا فيه منذ النشأة ،يخلق
تساؤل ل كبيلرا في المجتمع المليء
بالكذبا والراجيف والمتخصص في تشويه أخبار الدين الجديد،
وخرجوا وقد تركوا تساؤل ل في أذهان الناس :ما الذي حملهم على
ترك أوطانهم وأموالهم وأهليهم؟ إنه
لمر عظيم.
لقد خرج الوفد العلمي السلمي الول للحبشة بخطة
محكمة وتدبير مقصود لنشر الدعوة السلمية وإعلنها في كل
مكان ,حيث إن الرسول × أرسل كتالبا للنجاشي يشير فيه إلى
البر بالمسلمين ويدعوه فيه إلى السلما ).(3
وهكذا ترى أن اختيار الزمن والمكان لم يكن لمجرد الصدفة
والهروبا من شدة العذابا فقط ،بل كان بعضهم في حماية قبيلة
1
)( ابن هشام ).(1/334
2
)( اناظر :الوفود العلمية ف العصر الكي لعلى السطل ،ص).(111
3
)( اناظر :الوفود العلمية ف العصر الكي لعلى السطل.(114) ،
29
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( الصدر نافسه ،ص ).(115
2
)( اناظر :الغرباء الولون ص ).(171
3
)( الصدر نافسه ,ص ).(169
4
)( هو ممد بن إسحاق بن يسار من كتاب السيةر )اناظر :سي أعلم النبلء .(7/34
5
)( السي والغازي لبن إسحاق ،ص ،213تقيق :سهيل زكار.
30
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ،فدعانا إلى أن نعبد الله
وحده ل شريك له ،ونصل الرحم ،ونحسن الجوار ،ونصلى ونصوما،
ول نعبد غيره(.
فقال :هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم
فنشروا المصاحف حوله ،فقال جعفر :نعم.
ى ما جاء به.
ل عل ز قال :هعل ع ز
م فات ع
فقرأ عليهم صدلرا من كهيعص ) ،(1فبكى والله النجاشي حتى
اخضلت لحيته ،وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال :إن
هذا الكلما ليخرج من المشكاة التي جاء بها عيسى ..انطلقوا
راشدين.
ولما أخفقت محاولة وفد قريش في استعادتهم ،أثار عمرو بن
العاص في اليوما التالي موقف المسلمين من عيسى عليه
السلما ،فقال للنجاشي :أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قول ل
ما ,فأرسل النجاشي إليهم فسألهم فقال له جعفر :نقول هو عظي ل
عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول.
فقال النجاشي :ماعدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود,
وأعطى النجاشي المان للمسلمين ،فأقاموا مع خير جار في خير
).(2
دار كما تقول أما سلمة رضي الله عنها
إن مسارعة قريش لرسال وفد لستعادة المسلمين
المهاجرين إلى الحبشة تدل على إدراكها لخطورة الموقف إذا ما
حصل المسلمون على مأوى لهم يأمنون فيه ،والحبشة نصرانية،
وملكها عرف بالعدل ،وهي قريبة من مكة ،وكل ذلك يشكل خطلرا
على قريش في المستقبل.
لقد فتحت جبهة جديدة لقريش انهزمت فيها معنوليا وسياسليا
وإعلمليا أماما
ضربات المسلمين الموفقة ،وخطواتهم المتزنة ،وأساليبهم
الرصينة من أجل تبليغ دعوة الله وإبلغا رسالته.
لقد قاد المعركة السياسية والدعوية والعقدية جعفر بن أبي
طالب ،وكان صادق اللهجة ،فصيح اللسان ،قوي البيان ،فتأثر
النجاشي من قوله وخابت آمال قريش ،وظهرت ملمح اليمان
في وجه النجاشي.
1
)( سورةر مري.
2
)( اناظر :السيةر النبوية لبن هشام.
31
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
إن جعفر رضي الله عنه قاوما حملة قريش العلمية المضللة
بكل دقة وموضوعية وصدق ونقل الخبار والحقائق من مصادرها،
فأعلن رضي الله عنه ما سمعه من
دا على سؤال النجاشي في أمر عيسى عليه السلما النبي × ر ل
دون مداهنة أو مواربة أو نفاق ،لقد تلل وجه النجاشي باليمان
الصادق دون بطارقته وقال للمهاجرين) :اذهبوا فأنتم شيوما
أرضى آمنون ،من سبكم غرما -كررها ثللثا ،-ما أحب أن لي دبلرا
) (1من ذهب ،وأني آذيت رجل ل منكم .ردوا عليهما هداياهما فل
ى ملكي حاجة لي بها ,فوالله ما أخذ الله منى الرشوة حين رد ل عل ل
فآخذ الرشوة فيه ،وما أطاع الناس فيل فأطيعهم فيه(.
ظا على السلما والمهاجرين دا وغي ل
وقد امتلت القلوبا حق ل
الذين اطمأنوا في عبادتهم ونشر دينهم بالحكمة والموعظة
الحسنة ،وقد آمن النجاشي ملك الحباش وكسبت الدعوة أنصالرا
جدلدا ,وتوسعت دائرة المسلمين وكسبوا معارك سياسية
وإعلمية ،ودعوية بتوفيق الله تعالى لهم ).(2
لقد بقى المسلمون في الحبشة إلى أن استقر السلما في
المدينة فهاجر بعضهم إليها وبقى جعفر ومن معه ) (3إلى فتح خيبر
سنة 7هـ.
وحاول رسول الله × أن يوسع مجال دعوته؛ فخرج إلى
الطائف وعرض السلما على زعمائها إل أنهم رفضوا ذلك وبالغوا
في السفه وسوء الدبا معه ،فقاما رسول الله × من عندهم،
وقصد مكة ليواصل تبليغ الرسالة وأداء المانة ونصح المة ,ولم
يدخل مكة بدون تخطيط أو دراسة مستوعبة لكل الملبسات
والظروف المحيطة به ،بل درس المر وخطط للمرحلة القادمة،
ورأى بثاقب بصره وبعد نظره أن يتصل بمطعم بن عدى سيد
قبيلة بنى نوفل بن عبد مناف وطلب جواره ,فاستجابا لطلب
النبي × ودخل رسول الله × ومعه زيد بن حارثة في حراسة بنى
نوفل الذين تحلقوا حوله بالسلح وهو يصلي في البيت الحراما
وذهبوا في حراسته حتى دخل بيته.
لقد كان بنوا نوفل مؤسسة قوية في المجتمع القرشي الذي
له أعرافه وتقاليده المقدسة ،فاستفاد الرسول × من تلك
1
)( اناظر :ابن هشام ).(1/338
2
)( اناظر :الوفود ف العهد الكي ص ).(123
3
)( اناظر :السيةر النبوية الصحيحة ،د .أكرم ضياء العمري ).(1/176
32
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
33
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
من أهل المدينة للنبي × فالتقي بهم عند العقبة -عقبة منى -
فعرض عليهم السلما ،فاستبشروا وأسلموا ،وعرفوا أنه النبي
الذي توعدهم به اليهود ،ورجعوا إلى المدينة ،فأفشوا ذكر
النبي × في بيوتها ) ،(1وكان هذا هو »بدء إسلما النصار« كما
يسميه أهل السير ).(2
لقد كانت المدينة المنورة تربة صالحة لنتشار السلما ،فاليهود
يهددون بنبي أظل زمانه يتبعونه ويقتلون الوس والخزرج قتل عاد
وإرما ,والعربا أهل فراسة ونخوة أضاءت بعض شموع الحق
بينهم ،وكأنها إرهاصات للنصرة والنجدة وقاما الوفد بتبليغ الرسالة
وأداء المانة.
ضعف العدد الول - ولما جاء وقت العاما التالي وافي الموسم ق
اثنا عشر رجل ل من المؤمنين -فبايعهم النبي × على أل يشركوا
بالله شيلئا ول يسرقوا ول يزنوا ول يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم
وأرجلهم ,ول يعصوه في معروف ,وتعرف هذه البيعة ببيعة العقبة
الولى.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال) :إني لمن النقباء
الذين بايعوا
رسول الله × ،وقال :بايعناه على أل نشرك بالله شيلئا ول نزني،
ول نسرق ،ول نقتل النفس التي حرما الله إل بالحق ،ول ننهب ،ول
نعصى ،فالجنة إن فعلنا ذلك ،فإن
غشينا ) (3من ذلك شيلئا كان قضاء ذلك إلى الله( ).(4
ولقد بعث الرسول × مع المبايعين مصعب بن عمير يعلمهم
الدين ويقرؤهم القرآن ،فكان يسمى في المدينة المقرئ وكان
يؤمهم في الصلة ).(5
ولقد اختاره الرسول × عن علم بشخصيته من جهة ،وعلم
بالوضع القائم في المدينة من جهة أخرى ،حيث كان رضي الله
عنه بجانب حفظه لما نزل من القرآن ،يملك من اللباقة والهدوء
1
)( اناظر :ابن هشام ).(1/430
2
)( الصدر نافسه ).(1/428
3
)( ارتكبنا ذناببا.
4
)( مسلم ،كتاب الدود ،باب الدود كفارات لهلها ) (3/1333رقم ).(1079
5
)( اناظر :سيةر ابن هشام ).(1/431
34
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( الصدر نافسه ).(1/435
35
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
36
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
الفصل الثاني
هلك الكفار ونجاة المؤمنين أو نصرهم في
المعارك
إن قصة نوح وموسى عليهما السلما نموذج رفيع للتدليل على
أن من أنواع التمكين هلك الكفار ونجاة المؤمنين ،وقصة نوح مع
قومه منهج عظيم للدعاة إلى الله ,وقصته مليئة بالدروس والعبر،
ومما يكسبها أهمية خاصة ما تميزت به ،ومن ذلك:
حا عليه السلما أول رسول إلى البشر ،وكل أول له -1أن نو ل
خصوصيته وميزته.
-2امتداد الزمن الذي قضاه في دعوة قومه ) 950سنة(.
-3كونه من أولى العزما الذين ذكروا في القرآن.
-4ورد اسمه كثيلرا في القرآن الكريم حيث بلغ ) (43مرة في
) (29سورة من سور القرآن ،أي في ربع سور القرآن تقريلبا ،مع
ورود سورة باسمه في القرآن.
وأما قصة موسى عليه السلما مع فرعون ،فتبين ضراوة
الصراع بين الحق والباطل ,والهدى والضلل ،واليمان والكفر،
والنور والظلما ,وتسلط الضواء على استكبار فرعون وتجبره
دا،
ما وعبي لما وحش ل
واستعباده عباد الله واستضعافهم واتخاذهم خد ل
وكيف أراد الله لبنى إسرائيل أن يرد إليهم حريتهم المسلوبة
وكرامتهم المغصوبة ,ومجدهم الضائع وعزهم المفقود ،إن من
يقف أماما إرادة الله فهو عاجز ضعيف ،وهو فاشل مهزوما ,وإن
أعداء الله أينما كانوا هم إلى هزيمة وخسارة وهوان ،وتبين لنا
كيف انتقم الله من فرعون ونصر وليه موسى عليه السلما
وقومه.
وأما قصة طالوت ،فتوضح مرحلة مرت بها أمة بنى إسرائيل،
فبعد أن وقعوا في المعاصي ،وانحرفوا عن منهج الله وسلط الله
عليهم العداء وأصابا بني إسرائيل ذل وخيم ،ومرارة أليمة،
وهزيمة عظيمة ,وأرادوا أن يغيروا واقعهم المهين ،وأن يبدلوا
ذلهم عزة وهزيمتهم نصلرا ،وعلموا أن السبيل لذلك هو الجهاد
والقتال ،فطلبوا من نبيهم أن يختار لهم مل ل
كا يتولى أمورهم،
ويقودهم إلى العزة والنصر ،ويقاتل لهم أعداءهم ،في سبيل الله،
37
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
كا عليهم ،ومن ثم يقودهم فوقع خيار الله على طالوت ليكون مل ل
إلى النصر والعزة والتحرير ،فاعترض المل على نبيهم قائلين:
ك رمكنهي لولكمُ يييكؤ ل
ت لسلعةح بملنَ اًلكلماًرل"، ك لع لكليْيلناً ونَلكحنَ ألحمق رباًلكمكل ر
ي ل ي ل +أللنَىَ يليكوُين لهي اًلكيمكل ي
فبين لهم نبيهم أن الله اصطفاه عليهم ،والله حكيم خبير ،وإن الله
زاده بسطة في العلم والجسم ،وتسلم طالوت قيادة بنى
إسرائيل وكانت قصة طالوت مع بنى إسرائيل من أروع القصص
القرآني في بيان سنن الله في النهوض بالمم المستضعفة ،وما
هي السمات والصفات المطلوبة للقيادة التي تتصدى لمثل هذه
العمال العظيمة لتقوية الشعوبا والنهوض بها نحو المعالي ،وفق
منهج رباني ووسائل عملية وتربوية عميقة على معاني الطاعة
والثبات والتضحية والفداء من أجل العقيدة الصحيحة.
وفي سيرة النبي × نجد هذا النوع من التمكين -أل وهو النصر
در ظرفه حا ،فبعد أن هاجر × إلى المدينة ق ل على العداء -واض ل
وزمانه ومكانه وجهز قوات جهادية حققت أهدافها القريبة
عا في الخذ بالسبابا دا على الله في ذلك ،شار ل والبعيدة ،معتم ل
التي أمره الله بها ،فترك لنا معالم نيلرة في مغازيه الميمونة,
سا عظيمة في كيفية تحقيق النصر على العداء والتمكين ودرو ل
لدين الله تعالى ،بدأ بالسرايا ،فحققت أهدافها ،ومضى يحاصر
قوى البغي والكفر والضلل حتى فتحت مكة ،ومن ثم وحدت
جزيرة العربا ,وأثناء ذلك كان يوجه الضربات المحكمة إلى
الوثنية في كل مكان وإلى اليهود الذين نقضوا العهود ,وإلى ملوك
الرض يدعوهم للسلما ،فترك البناء متيلنا .وقاما الخلفاء
الراشدون من بعده ليتوسعوا بالسلما شرلقا وغرلبا ،وهكذا توالت
الجيال لحمل الرسالة ولداء المانة ،وكان تاريخ أمتنا مليلئا بهذا
النوع من التمكين ،ففي عهد صلح الدين كانت موقعة حطين
على يديه وكان فتح القدس ،وفي عهد يوسف بن تاشفين كانت
لقة ،وفي عهد محمد الفاتح كان فتح القسطنطينية، معركة الز ل
وأما في العصر الحديث ،فالملحمة الجهادية بين الروس والفغان
انتهت بهزيمة اللحاد ،والمعارك بين السلما والنصرانية في جنوبا
السودان فتحت للمسلمين أبوابا الشهادة والعزة والنصر
والتمكين ،والصراع بين اليهود والمسلمين في فلسطين بين الكر
ما عون الله لهل التوحيد واليمان على مر والفر ،وهكذا نجد دائ ل
العصور وكر الدهور وتوالى الزمان.
المبحث الول
قصة نجاة نوح عليه السلما وهلك قومه
38
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
39
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ت ألكحلكيمُ اًلكلحاًكررميْلنَ" ]هود ،[45 :وقال تعالى+ :قييكللناً اًكحرمكل رفيْلهاً رمنَ يكلل لزكولجكيْرنَ اًلكلحمق لوألنَ ل
ر
ك إرلل لمنَ لسبللق لع لكيْه اًلكلقكوُيل لولمكنَ آلملنَ لولماً آلملنَ لملعهي إرلل قلليْرل" ]هود .[40 :وفي ر اًثكينليكيْرنَ لوألكه ل ل
نهاية المطاف وفي آخر مراحل الدعوة وبعد أن علم استحالة
استجابة قومه لدعوة التوحيد ،قال كما حكى عنه القرآن الكريم
ب إرلن قليكوُرميِ لكلذيبوُرن لفاًفكيتلكح بليكيْرنيِ لوبل كييْينلييهكمُ فليكتححاً لونَلبجرنيِ لولمنَ لمرعليِ في قوله تعالى+:لقاًلل لر ب
ب فلاًنَتل ر ر ر
صكر" ملنَ اًلكيمكؤمرنيْلنَ" ]الشعراء ،[118 ،117 :وقوله تعالى+:فللدلعاً لربلهي ألبنَيِ لمغكيلوُ ر
ك ض رملنَ اًلكلكاًفررريلنَ لدلياًحراً إرنَل ل ب لل تللذكر لعللىَ اًللكر ر ح لر ب ]القمر ،[10 :وقال تعالى+:لولقاًلل ينَوُ ر
ضلموُاً رعلباًلدلك لولل يللريدواً إرلل لفاًرجحراً لكلفاًحراً" ]نوح.[27 ،26 : رإن تللذريهمُ ي ر
ك كي
لقد استجابا الله لدعوة نوح عليه السلما ,ولقد أحسن نوح
عليه السلما استعمال هذا السلح العظيم الذي يغفل عنه الكثير
من الدعاة العاملين.
مةر سماًرء برماًةء م كنيله ر ر قال تعالى+:فللدلعاً لربلهي ألبنَيِ لمغكيلوُ ر
ب اًل ل ل ل ب فلاًنَتلصكر فليلفتلكحلناً لأبكيلوُاً ل
ت أللكلوُاًةح لويديسةر تلكجرريِ ر
ض عييْوُحنَاً لفاًكلتليلقىَ اًلكماًء لعللىَ ألكمةر قلكد قيدر وحمكللناًهي لعللىَ لذاً ر
ل للل ل ي لوفللجكرلنَاً اًللكر ل ي
برألكعيْينرلناً لجلزاًءح لبلمكنَ لكاًلن يكرفلر لوللقد تليلرككلناًلهاً آيلةح فليلهكل رمنَ ملدكرةر" ]القمر ،[15 -10 :لقد لبث
قرابة عشرة قرون ،وكانت النتيجة:
-1لم يؤمن من قومه إل قليل.
-2لم تؤمن زوجته ول أحد أبنائه وهم أقربا الناس إليه ,ومع
ذلك فإنه يعد منتصلرا ،بل إنه حقق أعظم النتصارات وتمثل ذلك
في:
-1صبره وثباته طوال هذه القرون ،وعدما ميله إلى محاولت
قومه -وحاشاه من ذلك -أو تأثره باستهزائهم وسخريتهم.
ك لويك للماً لملر لع لكيْره لملر بمنَ قليكوُرمره لسرخيرواً رمكنهي لقاًلل رإن تلكسلخيرواً رملناً صنليع اًلكيفكل ل
قال تعالى+:لويل ك
ن" ]هود.[38 : فلرإلنَاً نَلكسلخير رمكنيككمُ لكلماً تلكسلخيرو ل
ر ر
ح -2حماية الله له من كيدهم ومؤامراتهم+:لقاًليوُاً لئنَ لكمُ تليكنتله لياً ينَوُ ي
لمكريجوُرميْلنَ" ]الشعراء ،[116 :ولم ينته نوح عن دعوة التوحيد لتليكوُنَللنَ رملنَ اً ك ل
ل.وتحقيق معاني العبادة لله ومع ذلك ما استطاعوا إليه سبي ل
-3إهلك قومه الذين كذبوا بالغرق+:لوألكغلرقكيلناً اًلرذيلنَ لكلذبيوُاً ربآِلياًترلناً إرنَلييهكمُ لكاًنَيوُاً
نَ" ]العراف.[64 : ر
قليكوُحماً لعميْ ل
ك" ]العراف: جيْيلناًهي واًلرذينَ معهي رفيِ اًلكيفكل ر
-4نجاة نوح ومن آمن معه+فلألنَك ل ك ل ل ل ل
40
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
]القمر،13 : ت أللكلوُاًةح لويديسةر تلكجرريِ برألكعيْينرلناً لجلزاًءح لبلمكنَ لكاًلن يكرفلر "
+.[64وحمكللناًهي لعللىَ لذاً ر
للل
.[14
-5إن قصة انتصار نوح وإهلك قومه أصبحت آية يعتبر بها،
وجعل الله لنوح لسان صدق في الخرين+:لوللقد تليلرككلناًلهاً آيلةح فليلهكل رمنَ ملدكرةر"
]القمر+ .[15 :ذيبريلةل لمكنَ لحلمكللناً لملع ينَوُةح إرنَلهي لكاًلن لعكبحداً لشيكوُحراً" ]السراء+ .[3 :لسللمر لعللىَ
صطللفىَ آلدلم لوينَوُححاً لوآلل رإبكيلراًرهيْلمُ لوآلل رعكملراًلن لعللىَ ر
ينَوُةح فيِ اًلكلعاًلرميْلنَ" ]الصافات+.[79 :إرلن اًلل اً ك
نَ" ]آل عمران.[33 : ر
اًلكلعاًلميْ ل
وهكذا تتضح حقيقة النصر من خلل قصة نوح عليه السلما..
إن قوما نوح لم يكن في زمانهم على وجه البسيطة إل هم ،وقد
كفروا بالله ،وتمردوا على رسوله ،سوى فئة قليلة هي التي آمنت
به ،فإن الله -سبحانه -أهلك جميع من في الرض ،يومئذ سوى
نوح ومن آمن معه ،حماية للمنهج الذي ذكر نوح أنه معرض
للزوال إن بقى هؤلء.
ضلموُاً رعلباًلدلك لولل يللريدواً إرلل لفاًرجحراً لكلفاًحراً" ]نوح.[27 : ك رإن تللذريهمُ ي ر
ك كي قال تعالى+:إرنَل ل
فأهلك هؤلء على كثرتهم من أجل عدد من البشر يحملون
الحق ويدافعون عنه ،لقد أهلك الله تعالى أهل الكفر والطغيان،
ومكن لهل التوحيد واليمان ,وأصبحوا على وجه البسيطة
موحدين محققين لمعاني العبادة في الحياة ).(1
قال تعالى+:ذيبريلةل لمكنَ لحلمكللناً لملع ينَوُةح" ]السراء ،[13 :قال الماما الطبري
) (2رحمه الله) :وذلك أن كل من على الرض من بنى آدما فهم من
ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة ،قال قتادة ) :(3والناس
كلهم ذرية من أنجى الله من تلك السفينة ،قال مجاهد ) :(4بنوه
ونساؤهم ونوح( ).(5
1
)( اناظر :حقيقة الناتصار للدكتور نااصأر العمر ص ).(39 ،38
2
)( هو المام التهد أبو جعفر ممد بن جرير بن يزيد بن كثي بن غالب الآملى الطبي البغدادي ،ولد سنة 224هـ ,حفظ
القرآن ورحل ف طلب العلم وعمره 12سنة ,ول يزلا طالببا للعلم مولبعا به إل أن مات .واشتهر بالتفسي والفقه والتاريخ ت
310هـ اناظر :سي أعلم البنلء ).(14/267
3
)( هو قتادةر بن دعامة بن عزيز أبو الطاب السدوسى العمى الافظ الفسر ،عال أهل البصرةر ,مات بواسط سنة 117هـ ،
اناظر :تذكرةر الفاظ ).(1/122
4
)( هو ماهد بن جب الكي أبو الجاج الخزومي القرئ الفسر الافظ مول السائب بن أب السائب ،كان فقيبها وربعا عاببدا،
قالا ماهد :عرضت القرآن على ابن عباس ثلثا عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نازلت وكيف كانات ،توف سنة 103هـ.
اناظر :طبقات الفاظ للسيوطي ،ص .42
5
)( اناظر :تفسي الطبي ).(215 /8
41
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ك اًلرذيلنَ ألنَكيلعلمُ اًلي لع لكيْرهمُ بملنَ اًلنلبريْبيْلنَ رمنَ ذيبريلرة آلدلم لورملمكنَ لحلمكللناً لملع
قال سبحانه+:يأولئر ل
]مريم.[58 : ينَوُةح"
إن التمكين الفعلي والنتصار العظيم والعزاز الكريم عندما
يتمكن منهج ربا العالمين من نفوس أهل اليمان ،وإن كانوا قلة،
فالعبرة ليست بكثرة المؤمنين والمستجيبين للحق ،وإنما في
صفاء المنهج الرباني الذي يعتقده أولئك الفراد سواء أقلوا أما
كثروا ،ولذلك فإن بضعة نفر أو يزيدون ،ول يتجاوزون ثلثة عشر
دا يحملون معنى التوحيد ،ويحققون معنى العبودية ،يهلك أهل فر ل
الرض جميلعا حماية لهؤلء وللمنهج الذي يمثلونه ويحملونه ،ما داما
هناك خطر يهدد بزوالهم ،ومن ثم زوال المنهج الذي يحملونه:
ضلموُاً رعلباًلدلك لولل يللريدواً إرلل لفاًرجحراً لكلفاًحراً" ]نوح.[27 :
ك رإن تللذريهمُ ي ر
ك كي +إرنَل ل
إن هلك الكافرين ونجاة المؤمنين ،وسلمة المنهج الرباني
القائمين عليه وما بذلوه من الصبر والثبات على ذلك نوع من
أنواع التمكين التي يكرما الله بها من يشاء من عباده.
إن الله مكن لنوح عليه السلما ومن آمن به على وجه الرض،
فأمر السماء أن تقلع والماء أن يغيض في الرض ,والسفينة أن
تستوي على جبل الجودي تمكيلنا لسفينة اليمان وأهلها ).(1
***
1
)( اناظر :حقيقة الناتظار ،ص ).(40
42
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
قصة موسى مع فرعون
ض لونَلكجلع ليهكمُ ألئرلمةح ضرعيفوُاً رفيِ اًللكر ر قال تعالى+:لونَيررييد لأن نَليملنَ لعللىَ اًلرذيلنَ اًكستي ك
يِ فركرلعكوُلن لولهاًلماًلن لويجينوُلديهلماً رم كنييهمُ لماً لكاًنَيوُاً يلكحلذرولن" لونَلكجلع ليهيمُ اًلكلوُاً ررثيْلنَ لونَيلمبكلنَ ليهكمُ رفيِ اًللكر ر
ض لونَيرر ل
]القصص.[6 ،5 :
لقد تطاول فرعون وعل وأسرف في الرض وأذل بنى
وا واستكبالرا في
ما وعل ل
إسرائيل ،فقتل الولد واستحيا النساء ظل ل
الرض ،وأراد الله بحكمته ومشيئته وقدرته أن يمن على بنى
كا وولة ويجعلهم يرثون الرض من بعد إسرائيل ويجعلهم ملو ل
فرعون ,ويمكن لهم بعد الذل والصغار ,وينتقم من فرعون
وهامان وجنودهما ويريهم ما كانوا يخافون من زوال ملكهم على
رجل من بنى إسرائيل ).(1
وقال الماما ابن كثير ) (2في تفسيره) :لقد سلط على بنى
إسرائيل هذا الملك الجبار العتيد )فرعون( يستعملهم في أخس
العمال ،ويكدهم ليل ل ونهالرا في أشغال رعيته ويقتل مع هذا
أبناءهم ويستحيى نساءهم إهانة لهم واحتقالرا لهم ,وخولفا من أن
يوجد منهم الغلما الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه يكون
سبب هلكه وذهابا دولته على يديه ،وكانت القبط قد تلقوا هذا
من بنى إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل
عليه السلما حين ورد الديار المصرية وجرى له مع جبارها ما جرى
حين أخذ سارة ليتخدها جارية فصانها الله منه ومنعه منها بقدرته
وسلطانه ،فبشر إبراهيم عليه السلما ولده أنه سيولد من صلبه
وذريته من يكون هلك مصر على يديه ،فكانت القبط تحدث بهذا
عند فرعون فاحترز فرعون من ذلك وأمر بقتل ذكور بنى
إسرائيل ،ولن ينفع حذر من قدر ،لن أجل الله إذا جاء ل يؤخر
ولكل أجل كتابا.
أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى فما نفعه من
ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي ل يخالف أمره القدري ول
يغلب ،بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدما بأن يكون هلك
فرعون على يديه ,بل يكون هذا الغلما الذي احترزت من وجوده
1
)( اناظر :تفسي الطبي ).(29 ،11/28
2
)( هو الافظ الؤمرخ الفقيه الفسر إساعيل بن عمر بن كثي بن درع القرشي الدمشقي أبو الفداء ،ولد سنة 701هـ ,طلب العلم من
صأغره ورحل من أجله ،توف ف دمشق سنة 774هـ .اناظر :شذرات الذهب ).(6/231
43
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
44
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
45
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
46
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
47
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
48
البابا الول :أنواع التمكين في القرآن الكريم
1
)( اناظر :تفسي المام القاسي ).(90-11/87
49
شــــــــروط
التمكــــين
وأسبابـــــــه
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
51
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تمهيد:
إن الستخلف في الرض ,والتمكين لدين الله ,وإبدال الخوف
أملنا ,وعد من الله تعالى متى حقق المسلمون شروطه .ولقد
أشار القرآن الكريم بكل وضوح إلى شروط التمكين ,ولوازما
الستمرار فيه.
ت ليْلكستلكخلرلفنلييهكمُ رفيِ صاًلرحاً ر ر ر ر
قال تعالى+ :لولعلد اًلي اًلذيلنَ آلمنيوُاً مكنيككمُ لولعمليوُاً اًل ل ل
ضىَ ليهكمُ ف اًلرذيلنَ رمنَ قليكبلررهكمُ لوليْيلمبكنللنَ ليهكمُ ردينلييهيمُ اًلرذيِ اًكرتل لض لكلماً اًكستلكخ ل ل اًللكر ر
كلوليْيبلبدلنلييهمُ بمنَ بليكعرد لخكوُفررهكمُ ألكمحناً يليكعبييدونَلرنيِ لل ييكشرريكوُلن ربيِ لشكيْحئاً لولمنَ لكلفلر بليكعلد لذلر ل
صلللة لوآتيوُاً اًللزلكاًلة لوألرطيْعيوُاً اًللريسوُلل للع ليككمُ تييكرلحيموُلن" ك يهيمُ اًلكلفاًرسيقوُلن لوألرقيْيموُاً اًل ل
فليأولئر ل
]النور.[56،55:
لقد أشارت اليات الكريمة إلى شروط التمكين وهي :اليمان
بكل معانيه وبكل أركانه ,وممارسة العمل الصالح ,بكل أنواعه,
والحرص على كل أنواع الخير وصنوف البر ,وتحقيق العبودية
الشاملة ,ومحاربة الشرك بكل أشكاله وأنواعه وخفاياه ,وأما
لوازما استمرار التمكين فهي :إقامة الصلة ,وإيتاء الزكاة ,وطاعة
الرسول ×.
وأما ما يتعلق بأسبابا التمكين ,فقد أمر الله تعالى بالعداد
الشامل في قوله تعالى+ :لوألرعمدواً ليهكمُ لماً اًكستلطلكعيتمُ بمنَ قييلوُةة لورمنَ برلباًرط
خكيْرل" ]النفال.[60:
اًلك ل
والعداد في حقيقته أخذ بالسبابا ,فالعداد المطلوبا من
خلل مفهوما الية إعداد شامل؛ لن كلمة قوة جاءت نكرة في
سياق المر ,فيشمل قوة العقيدة واليمان ,وقوة الصف والتلحم,
وقوة السلح والساعد.
إن الية الكريمة تفتح أذهان المسلمين على العداد
الشامل؛ المعنوي والمادي ,العلمي والفقهي على مستوى
الفراد والجماعات ,وتدخل في طياتها
العداد التربوي والسلوكي والعداد المالي ,والعلمي
والسياسي والمني,
والعسكري ....إلخ.
وفي هذا البابا سنتعرض لبيان شروط التمكين في فصل
مستقل وبيان أسبابه في فصل آخر بإذن الله تعالى ,لكي يستفيد
منها المسلمون في حركتهم الجادة لتمكين شرع الله في الرض.
52
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
الفصل الول
شــــــــــروط التمكـــــــــين
المبحث الول
اليمان بالله والعمل الصالح
لقد بين الله سبحانه لعباده حقيقة اليمان الذي يقبل الله به
العمال ويتحقق به وعد الله للمؤمنين.
فمن شروط الستخلف في الرض تحقيق اليمان بكل معانيه
واللتزاما بشروطه والبتعاد عن نواقضه.
وقد فصل القرآن الكريم والسنة النبوية موضوع اليمان
وأركانه وشروطه ولوازمه.
وقد بين علماء أهل السنة في تعاريفهم بيان حقيقة اليمان
فقالوا :بأن اليمان هو التصديق بالقلب والنطق بالشهادتين
والعمل بالجوارح والركان ,أي هو :اعتقاد وقول وعمل ,فهذه
الثلثة كلها مندرجة فيه وتمثل أجزاء من حقيقته.
وقد تواترت أقوال العلماء ومن بعدهم على هذه الحقيقة,
واستدلوا بأدلة كثيرة من اليات القرآنية والحاديث النبوية على
صحة هذا القول في حقيقة اليمان).(1
تت قيييلوُبيييهكمُ لوإرلذاً تيلريْل كقال تعالى+ :إرنَللماً اًلكيمكؤرمينوُلن اًلرذيلنَ إرلذاً ذيكرلر اًلي لورج ل ك
صللةل لورملماً لرلزقكيلناًيهكمُ لع لكيْرهكمُ آلياًتيهي لزاًلدتكييهكمُ رإيلماًحنَاً لولعللىَ لربرهكمُ يليتليلوُلكيلوُلن اًلرذيلنَ ييرقيْيموُلن اًل ل
حققاً" ]النفال.[4-2 : ر يييكنرفيقوُلن يأولئر ل
ك يهيمُ اًلكيمكؤمينوُلن ل
فقد جمعت هذه اليات -وهي تعرض صفات المؤمنين -بين
عمل القلب وعمل الجوارح ,واعتبرت هذا كله إيمالنا ,وقصرت
اليمان عليه بأداة القصر والحصر +إرنَللماً" وعرفت المؤمنين بتلك
ك يهيمُ اًلكيمكؤرمينوُلن لحققاً"
الصفات مجتمعة ,عندما ضمنتها بعبارة +يأولئر ل
وأعمال الجوارح في هذه الصفات هي :إقامة الصلة والنفاق في
سبيل الله.
ومنها قوله تعالى+ :إرنَللماً يييكؤرمينَ ربآِلياًترلناً اًلرذيلنَ إرلذاً ذيبكيرواً برلهاً لخمرواً يسلجحداً
1
)( اناظر :ف ظللا اليإان للخالدي ,ص .23
53
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
54
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
ر
اشتاق الرجل إلى مولده ,قال الله عز وجل+ :يقل ل اًلكلمكشرريق لواًلكلمغكرر ي
ب
صرفت صلراًةط مكستلرقيْةمُ" ]البقرة ,[142:فقال أناس -لما ع شاًء إرللىَ ر ر
يليكهديِ لمنَ يل ل ي
القبلة نحو البيت الحراما :-كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا
ضيْلع رإيلماًنَليككمُ" ]البقرة ,[143:ثم أورد الولى؟ فأنزل الله+ :وماً لكاًلن اًل لريْ ر
ي ي لل
الماما الطبري إحدى عشرة رواية عن الصحابة والتابعين في أن
المراد باليمان في الية الصلة ,وأنها نزلت جوالبا على تساؤل لبعض
الصحابة عن مصير الصلة التي صلوها إلى بيت المقدس ,وتساؤل
آخرين منهم عن مصير صلة إخوانهم إلى بيت المقدس الذين ماتوا
قبل تحويل القبلة إلى الكعبة).(1
ضيْلع رإيلماًنَليككمُ" على ما تضافرت به فمعنى قوله+ :وماً لكاًلن اًل لريْ ر
ي ي لل
الرواية من أنه الصلة ,وما كان الله ليضيع تصديق رسول الله ×
بصلتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره ,لن ذلك كان
عا لمري ,وطاعة منكم لي( ).(2 منكم تصديلقا لرسولي ,واتبا ل
وقد التفت الماما الطبري إلى الربط بين اليمان والصلة ,ولحظ
وجود التصديق في ممارسة الصلة والتوجه فيها إلى بيت المقدس
ثم إلى الكعبة المشرفة ,وهذه اللفتة من الطبري لطيفة ,وهذا الربط
منه رائع ,يشير إلى موهبته الفذة في التفسير واللغة وغيرهما).(3
ومن اليات التي أطلقت كلمة اليمان على العمال قوله
ت يليكهرديرهكمُ لربمييهكمُ بررإيلماًنَررهكمُ تلكجرريِ رمنَصاًلرحاً ر ر ر
تعالى+ :إرلن اًلذيلنَ آلمنيوُاً لولعمليوُاً اًل ل ل
ت اًلنلرعيْرمُ" ]يونس.[9: تلكحتررهمُ اًلنَكيلهاًر رفيِ جلناً ر
ل ي ي
ذهبت طائفة من المفسرين إلى أن المراد باليمان هنا
العمال التي كانوا يعملونها في الدنيا ..وقد أورد الماما الطبري
أقوال مجموعة من التابعين في هذا المعنى ,منها قول ابن جريج:
)يهديهم ربهم بإيمانهم قال :يمثل له عمله في صورة حسنة وريح
طيبة ,يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ,فيقول له :من أنت؟
فيقول :أنا عملك! فيجعل له نولرا من بين يديه حتى يدخله الجنة,
فذلك قوله+ :يليكهرديرهكمُ لربمييهكمُ بررإيلماًنَررهكمُ" والكافر يمثل له عمله في صورة
سيئة وريح منتنة ,فيلزما صاحبه ويلزمه حتى يقذفه في النار( ).(4
1
)( اناظر :تفسي الطبي ).(169-3/167
2
)( الصدر نافسه ).(3/169
3
)( ف ظللا اليإان ,د .الالدي ,ص .26
4
)( تفسي الطبي ).(15/28
55
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وهناك آيات أخرى أطلقت على اليمان عبارات أخرى تشير إلى
العمل وتتضمنه ,أورد الماما البخاري في صحيحه بعضها.
ككمُ" ]الفرقان.[77: منها قوله تعالى+ :قيكل لماً يليكعبلأي بريككمُ لرببيِ لكوُلل يدلعاًيؤي
قال البخاري) :دعاؤكم :إيمانكم ...ومعنى الدعاء في اللغة:
)اليمان(.
وجعل ابن عباس رضي الله عنهما الدعاء بمعنى اليمان قال) :لول
دعاؤكم :إيمانكم( ).(1
س اًلكبرلر لأن تييلوُلموُاً يويجوُلهيككمُ قربللل اليات قوله تعالى+ :لكيْ رل ومن هذه
ر ر ر ر ر ر ر ر
ب لولكلنَ اًلكبلر لمكنَ آلملنَ باًل لواًكليْليكوُم اًللخرر لواًلكلمللئلكة لواًلككلتاًب لواًلنلببيْيْلنَر ر اًلكلمكشرررق لواًلكلمغكرر ر
ساًئررليْلنَ لورفيِ ساًركيْلنَ لواًبكلنَ اًل ل
سربيْرل لواًل ل ر
لوآلتىَ اًلكلماًلل لعللىَ يحبه لذرويِ اًلكيقكرلبىَ لواًلكيْللتاًلمىَ لواًلكلم ل
صاًبررريلنَ رفيِ اًلكبلأكلساًرءصلللة لوآلتىَ اًللزلكاًلة لواًلكيموُيفوُلن برلعكهردرهكمُ إرلذاً لعاًلهيدواً لواًل ل ب لوأللقاًلم اًل ل اًلبرلقاً ر
ك يهيمُ اًلكيمتلييقوُلن" ]البقرة.[177 : صلدقيوُاً لويأولئر ل س يأولئر ل ر
ك اًلذيلنَ ل ضلراًرء لورحيْلنَ اًلكبلأك رلواًل ل
قا وإيمالنا ,وجعلت أعمال البر فالية اعتبرت هذه الخصال تصدي ل
هذه من اليمان .ووجه الدللة من الية ما فسره رسول الله ×
حيث روى عبد الرزاق) (2وغيره عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه
س اًلكبرلر
أنه سأل رسول الله × عن اليمان فتل عليه هذه الية +لكيْ ل
لأن تييلوُلموُاً يويجوُلهيككمُ " .....إلى آخرها ..والحديث رجاله ثقات).(3
ومن فقه الماما البخاري وفطنته -وهو البصير في الحديث
والتفسير -أنه جعل هذه الية وما فيها من خصال البر من أمور
اليمان ,وضمن بابا أسماه »بابا أمور اليمان« وقرنها مع اليات
الولى من سورة »المؤمنون« التي تتحدث عن صفات المؤمنين,
ومع الحديث الذي يقرر أن اليمان بضع وستون شعبة).(4
ومن هذه اليات :ثلث آيات أوردها الماما البخاري في صحيحه
ضمن بابا» :من قال إن اليمان هو العمل« وهي قوله تعالى:
ك اًلكلجنلةي اًلرتيِ يأورثكيتييموُلهاً برلماً يككنتيكمُ تليكعلميلوُلن" ]الزخرف [72 :قال ابن حجر
+لوتركل ل
1
)( صأحيح البخاري ,كتاب اليإان ,باب دعاؤكم إيإاناكم ).(1/9
2
)( هو المام العلمة الافظ عبد الرزاق بن هام الصنعان ,صأاحب الصنف ,رحل الئمة إليه ,من اليمن ,وله أوهام مغمورةر ف
سعة علمه ,توف 211هـ ,العب ).(1/283
3
)( فتح الباري ,كتاب اليإان ,باب أمور اليإان ).(1/74
4
)( الصدر نافسه ).(1/74
56
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
ن" ]الحجر.[93،92:
لكاًنَيوُاً يليكعلميلوُ ل
قال البخاري عن» :ل إله إل الله« قال ابن حجر في الشرح:
يدخل فيها المسلم والكافر ,فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بل
خلف ,بخلف باقي العمال ففيها الخلف ..فالسؤال عن التوحيد
متفق عليه ,فهذا هو دليل التخصيص ,وحمل الية عليه أولى,
بخلف الحمل على جميع العمال لما فيه من الختلف).(2
من هذه اليات التي أوردناها يتبين لنا أن اليمان في القرآن
عا
شامل للعتقاد وللنطق وللعمل ,ولبد من القول بهذا اتبا ل
للقرآن الكريم ,الذي يجب أن تؤخذ منه القوال والراء ,وأن
يعتمد عليه في الستدلل والستنباط ,وأن يدخله المتأمل
والباحث دون مقررات مسبقة ..فما قرره القرآن قبل ,وما عرضه
أخذ به ,وما قال به لزما المؤمنين القول به ..وإليك أخي القارئ
طائفة من أحاديث رسول الله × التي اعتبرت اليمان شامل ل
للقول والعمل والعتقاد :روى الماما البخاري في صحيحه عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي × قال» :اليمان بضع وستون
شعبة ..والحياء شعبة من اليمان« ).(3
وفي رواية للماما مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي × قال» :اليمان بضع وسبعون شعبة ,أفضلها قول ل إله إل
الله ,وأدناها إماطة الذى عن الطريق ..والحياء شعبة من
اليمان (4) «..والشاهد في الحديث ما ذكره رسول الله ×,
فالشهادة قول وإماطة الذى عن الطريق عمل ,والحياء خلق
وسلوك ,وجعل الثلثة من اليمان دليل على حقيقته ,ومعظم
شعب اليمان هي أعمال).(5
وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنهما عن النبي
× قال» :ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه«).(6
1
)( فتح الباري ,كتاب اليإان ,باب :من قالا إن اليإان هو العمل ).(1/109
2
)( الصدر نافسه ).(1/110
3
)( رواه البخاري ,كتاب اليإان ,باب :أمور اليإان ) (1/10رقم .9
4
)( رواه مسلم ,كتاب اليإان ,باب :بيان عدد شعب اليإان ) (1/63رقم .57
5
)( ف ظللا اليإان ,ص .30
57
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
6
)( رواه البخاري ,كتاب اليإان ,باب :من اليإان أن يب لخأيه ) (1/11رقم .13
1
)( رواه البخاري ,كتاب اليإان ,باب :حب الرسولا × من اليإان ) (1/11رقم .14
2
)( رواه البخاري ,كتاب اليإان ,باب+ :فلرإن لتاًبيوُاً لوأللقاًيموُاً اًل ل
صلللة" ) (1/14رقم .26
3
)( رواه البخاري ,كتاب اليإان ,باب :أداء المس من اليإان ) (1/23رقم .53
4
)( هو المام العابد الجة الثقة عبد الرحن بن عمر الوزاعي الفقيه ,روى عن خألق كثي من التابعي ,وكان رأبسا ف العلم
والعمل والتباع ,باربعا ف الكتابة ,كان يكثر من الصلةر والعبادةر وقيام الليل ,توف ف بيوت عام 158هـ ,تذيب التهذيب )
,(6/238شذرات الذهب ).(1/341
5
)( هو إمام الشرق إسحاق بن إبراهيم الروزي ث النيسابوري الافظ ابن راهويه ,عال خأراسان والعراق ف عصره ,توف سنة
238هـ ,حلية الولياء .9/234
6
)( اناظر :الطحاوية ,ص .373
7
)( من الزهاد الكبار والعباد الشهورين اشتهر بالتصوف السن وبالكم الميلة.
58
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
1
)( اليإان لابن تيمية.163 :
2
)( هو سفيان بن مسروق شيخ السلم من أهل الديث ,توف 161هـ ,سي أعلم النبلء ).(7/229
3
)( هو معمر بن راشد أبو عمر البصري من تلميذ عبد الرزاق الصنعان ت 153هـ ,ميزان العتدالا .4/154
4
)( هو ممد أبو ممد بن عيينة بن أب عمران اللل ,توف 198هـ ,تذيب التهذيب ).(4/117
5
)( حذيفة بن اليمان صأحاب جليل صأاحب سر رسولا ال ×.
6
)( هو إبراهيم بن يزيد النخعي ,توف 96هـ ,تذيب التهذيب ).(1/177
7
)( من سادات التابعي اشتهر بالعلم والعبادةر والزهد ,توف 110هـ بالبصرةر.
8
)( هو عطاء بن أب رباح فقيه أهل الجاز ,أفضل أهل زماناه ,توف 114هـ ,العب ).(1/108
9
)( طاوس بن كيسان اليمان أبو عبد الرحن أحد العلم علبما وأدببا )ت 106هـ( ,العب ).(1/99
10
)( كان من الاهدين العاملي جعت فيه خأصالا الي توف 181هـ ,وفيات العيان ).(3/32
11
)( مسلم مع شرح النووي ,كتاب اليإان ).(147-1/146
12
)( رواه البخاري ,كتاب اليإان ,باب :قولا النب ×» :بن السلم على خس« ).(1/9
59
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
60
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
ك رباًلكعيكرلوةر اًلكيوُثكيلقىَ"
سل ر ر ر ر ر ل ر
كل طاغوت +فللمكنَ يلككيفكر باًلطاًيغوُت لويييكؤمنَ باًل فليلقد اًكستلكم ل
]البقرة.[256 :
وبهذه الية يتضح أن النسان ل يكون مؤملنا إل بالكفر
بالطاغوت.
إرلكيْيكمُ وكلمة التوحيد ولء لشرع الله ,قال تعالى+ :اًتلبرعيوُاً لماً أينَكرزلل
ن" ]العراف.[3: بمنَ لربيككمُ لولل تليتلبرعيوُاً رمنَ يدونَرره ألكولرليْاًءل قلرليْلح لماً تللذلكيرو ل
لع لكليْيلهاً" س ك رللبديرنَ حرنيْحفاً فرطكر ل ر لر وقال تعالى+ :فلألقركمُ لوكجله ل
ت اًل اً تيِ فلطللر اًللناً ل ل ل
]الروما.[30 :
ك اًلي بر ي
ضلر فللل سكس ل ر
-3والخوف والرجاء لقوله تعالى+ :لوإن يلكم ل
1
)( اناظر :الولء والباء ف السلم لمد سعيد القحطان ,ص .25
61
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
شاًء رمنَ رعباًردهر ر ف لهي إرلل هوُ ورإن يمرركدلك برلخيْةر فللل راًلد لرلف ك ر رلكاًرش ل
ب بره لمنَ يل ل ي ك ل
ضله ييصيْ ي ل ك يل ل
لويهلوُ اًلكغليفوُير اًللررحيْيمُ" ]يونس.[107 :
ولقد جاء القرآن من أوله إلى آخره يبين معنى ل إله إل الله,
ينفي الشرك وتوابعه ويقرر الخلص وشرائعه ,فكل قول وعمل
صالح يحبه الله ويرضاه هو من مدلولت كلمة الخلص ,لن
ما),(3
ل التزا دللتها على الدين كله إما مطابقة) ,(1وإما تضملنا) ,(2وإما
يقرر ذلك أن الله سماها كلمة التقوى.
-4والتقوى :أن يتقي سخط الله وعقابه بترك الشرك
والمعاصي ,وإخلص العبادة لله ,واتباع أمره على ما شرعه ,كما
قال ابن مسعود رضي الله عنه» :أن تعمل بطاعة الله ,على نور
من الله ,ترجو ثوابا الله ,وأن تترك معصية الله ,على نور من
الله ,تخاف
عقابا الله«).(4
لقد تم لصحابا رسول الله × معرفة هذه الكلمة والتزاما
أحكامها والعمل بمقتضاها ولوازمها.
قال سفيان بن عيينة عندما سأله رجل عن اليمان فقال :قول
وعمل ,قال :يزيد وينقص؟ قال :يزيد ما شاء الله ,وينقص حتى ل
يبقى منه مثل هذه ,وأشار سفيان بيده ,قال الرجل :كيف نصنع
بقوما عندنا يزعمون :أن اليمان قول ل عمل؟ قال سفيان :كان
القول قولهم قبل أن تقرر أحكاما اليمان وحدوده ,إن الله عز
دا × إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا :ل إله وجل بعث نبينا محم ل
إل الله ,وأنه رسول الله .فلما قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم
إل بحقها وحسابهم على الله عز وجل ,فلما علم الله عز وجل
صدق ذلك من قلوبهم ,أمره أن يأمرهم بالصلة ,فأمرهم ففعلوا,
فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم القرار الول ول صلتهم ,فلما علم
الله جل وعل صدق ذلك من قلوبهم ,أمره أن يأمرهم بالهجرة
إلى المدينة ,فأمرهم ففعلوا ,فوالله لو لم يفعلوا ما نفهم القرار
الول ول صلتهم ,فلما علم الله تبارك وتعالى صدق ذلك من
قلوبهم ,أمرهم بالرجوع إلى مكة ليقاتلوا آباءهم وأبناءهم ,حتى
1
)( دللة الطابقة :هي دللة اللفظ على معناه.
2
)( دللة التضمي :هي دللة اللفظ على جزء من معناه.
3
)( دللة اللتزام :هي دللة اللفظ على معن خأارج عنه لكنه لزم له.
4
)( اناظر :الورد العذب الزللا .مموعة الرسائل النجدية ).(4/99
62
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
قال سفيان الثوري :فمن ترك خلة من خلل اليمان كان بها
عندنا كافلرا ومن تركها كسل ل أو تهاولنا بها ,أدبناه وكان بها عندنا
سنة أبلغها عني من سألك صا ,هكذا ال ن ناق ل
)(1
من الناس .
طا سبعة لـ»ل إله إل الله« وقد ذكر العلماء رحمهم الله شرو ل
ل تنفع صاحبها إل باجتماع هذه الشروط .وإليك شرحها:
شروط كلمة التوحيد:
لبد أن تعلم أنه) :ليس المراد من هذا عد ز ألفاظها وحفظها,
فكم من عامي اجتمعت فيه والتزمها ,ولو قيل له أعدها لم يحسن
ذلك ,وكم حافظ للفاظها يجري فيها كالسهم ,وتراه يقع كثيلرا
فيما يناقضها والتوفيق بيد الله ,والله المستعان( ).(2
وقد قال وهب بن منبه ) (3لمن سأله) :أليس »ل إله إل الله«
مفتاح الجنة؟ قال :بلى .ولكن ما من مفتاح إل وله أسنان ,فإن جئت
بمفتاح له أسنان فتح لك ,وإل لم يفتح لك( ).(4
وأسنان هذا المفتاح هي شروط »ل إله إل الله« التية:
1
)( كتاب الشريعة لب بكر ممد بن السي الجري ,ص .104
2
)( معارج القبولا للشيخ الافظ الكمي ).(1/418
3
)( وهب بن منبه بن كامل اليمان الصنعان روى عن أب هريرةر وأب سعيد وابن عباس وابن عمر ,توف 110هـ ,اناظر :تذيب
التهذيب ).(1/167
4
)( رواه البخاري ,كتاب النائز ,باب :من كان آخأر كلمه :ل إله إل ال ).(2/87
63
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
64
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
ك لل يييكؤرمينوُلن لحلتىَ ييلحبكيموُلك رفيْلماً لشلجلر بلي كيْينلييهكمُ ثيلمُ لل وقال تعالى+ :فللل لولرب ل
ر يلرجيدواً رفيِ ألنَكييفرسرهكمُ لحلرحجاً بملماً قل ل
سليْحماً" ]النساء.[65 : سلبيموُاً تل ك
ت لويي ل
ضكيْ ل
قال ابن كثير في تفسيرها) :يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة
كم الرسول × في جميع المور, المقدسة أنه ل يؤمن أحد حتى عيح ل
فما حكم به فهو الحق الذي يجب النقياد له باطلنا وظاهلرا ,ولهذا
سلبيموُاً تلكسرليْحماً" أي :إذا ت لويي ل قال+ :ثيلمُ لل يلرجيدواً رفيِ ألنَكييفرسرهكمُ لحلرحجاً بملماً قل ل
ضكيْ ل
جا مما حكموك يطيعونك في بواطنهم فل يجدون في أنفسهم حر ل
حكمت به ,وينقادون لك في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك
ما كلليا من غير ممانعة ول مدافعة ,ول منازعة ,كما ورد في تسلي ل
الحديث» :والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبلعا
لما جئت به« ).(1)((2
1
)( رواه البخاري ,كتاب العلم ,باب :فضل من ععللم وعلم ) (1/32رقم .79
65
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
2
)( الديث مروي ف الربعي النووية ص ,134قالا فيه النووي :وهو حديث حسن صأحيح رويناه ف كتاب الجة بإسناد
صأحيح.
1
)( تفسي ابن كثي ).(1/533
1
)( رواه البخاري ,كتاب العلم ,باب :من خأص بالعلم قوبما ) (1/47رقم .128
2
)( التبيان ف أقسام القرآن لبن القيم ,ص .43
3
)( كلمة الخألص لبن رجب ,ص .28
66
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
ر ر
]الزمر.[3 : ص" قال تعالى+ :أللل ل اًلبديينَ اًلكلخاًل ي
وقال تعالى+ :وماً أيرمرواً إرلل لريْيكعبيدواً اًل مكخلر ر
صيْلنَ لهي اًلبديلنَ يحنليلفاًءل"
]البينة: ل ي لي لل ي
.[5
67
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ربه :تقديم محابه وإن خالفت هواه ,وبغض ما يبغض ربه وإن مال
إليه هواه ,وموالة من والى الله ورسوله ,ومعاداة من عاداه,
واتباع رسوله × ,واقتفاء أثره ,وقبول هداه( ).(1
ويقول ابن القيم في »النونية«:
على محبته بل عصيان شرط المحبة أن توافق من
تحب
فك ما يحب فأنت ذو بهتان فإذا ادعيت له المحبة من
خل
حلبا له ما ذاك في إمكان أتحب أعداء الحبيب وتدعي
أين المحبة يا أخا دا أحبابه
وكذا تعادي جاه ل
الشيطان؟
)(2
والركان ليس العبادة غير توحيد
المحبة
وبعد أن بينت حقيقة اليمان وشروطه التي يتحقق بها التمكين
لدين الله والنصرة على العداء يتضح لنا :أن الفرد بغير اليمان
الحقيقي بالله ,ريشة في مهب الريح ,ل تستقر على حال ,ول
تسكن إلى قرار ,والنسان بغير الدين السلمي يتحول إلى حيوان
شره ,أو وحش مفترس ,ل تستطيع الثقافة الوضعية ول القانون
الجاهلي أن يحدا من شراهته أو يمنعاه من الفتراس.
والمجتمع بغير دين صحيح ,وإيمان قوي ,مجتمع متوحش
مظلم متألم ,وإن لمعت فيه بوارق الحضارة المهترئة وامتل
بأدوات الرفاهية وأسبابا النعيم الحسي ,فهو مجتمع البقاء فيه
للقوى ,ل للفضل والتقى ,مجتمع تقرأ التعاسة والشقاء في
وجوه أصحابه ,وإن زينوا وجوههم بأنواع الصباغا والمحسنات,
وركبوا الطائرات ,وسكنوا العمارات واغتصبوا أعظم الثروات ,فهو
مجتمع تافه رخيص هزيل ,لن غايات أهله غايات ساذجة ,سطحية
هزيلة ل تتجاوز شهوات البطون والفروج ,قال تعالى+ :لواًلرذيلنَ لكلفيرواً
ل اًلنَكيلعاًيم لواًللناًير لمثكيحوُىَ ليهكمُ" ]محمد.[12 :
يليتللمتلييعوُلن لويلأكيكيلوُلن لكلماً تلأكيك ي
بخلف مجتمع اليمان والسلما المبني على الحب في الله والرضا
بكل ما صدر عن الله عز وجل واهب الحياة ومنشئ الخلق ,وصاحب
المر والنهي المطلق في الوجود كله ,وهذا أمر طبيعي ,في أن يحب
النسان ربه ,وخالقه ورازقه ,لن النفوس مجبولة على حب من أحسن
1
)( معارج القبولا ).(2/424
2
)( النوناية ,ص .158
68
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
إليها ,وأي إحسان كإحسان من خلق فقدر وشرع فيسر ,وجعل النسان
في أحسن تقويم ,ووعد من أطاعه بجنة الخلد التي فيها ما ل عين
رأت ول أذن سمعت ,ول خطر على قلب بشر.
لهذا كله ولكثر منه ,أحب المؤمنون ربهم حلبا ل يقاس بغيره
مما هو دونه ,فقدموا أنفسهم وأهليهم وأموالهم في سبيل الله,
بل تردد أو منة ,بل اعتبروا ذلك تفضل ل من الله عليهم ,أن فتح لهم
بابا الجهاد والستشهاد في سبيله ويسر لهم أسبابه ,فقاموا بذلك
الواجب خير قياما).(1
إن اليمان الحقيقي بالله ,هو الذي ينبعث منه الحب في الله
الذي يحرك إرادة القلب ,ويوجهها إلى المحبوبات وترك المحظورات,
وكلما ازداد اليمان بالله في نفس المؤمن كلما ازدادت المحبة في
الله لديه قوة وصلبة ,وتحول المر حللوا ,والكدر صفاء ,واللم شفاء,
والنصرة جهالدا ,والبتلء رحمة ,والحجاما عن نصرة أهل الحق خيانة,
وتراجلعا عن السلما.
فالحب في الله أخص من الرضا وأعمق أثلرا حيث إنه الضمان
الوحيد لترابط المجتمع واحتراما حقوقه) ,(2ولذلك ورد في الحديث
الشريف » :ل تدخلوُاً اًلجنة حتىَ تؤمنوُاً ,ول تؤمنوُاً حتىَ تحاًبوُاً ,أول أدلكمُ علىَ
شيِء إذاً فعلتموُه تحاًببتمُ؟ أفشوُاً اًلسلم بيْنكمُ«).(3
فحقيقة المحبة في الله ل تتم إل بموافقة الباري جل وعل في
حب ما يحب
)(4
وبغض ما يبغض .
ولذلك فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلهم إيمالنا من كان أقربهم
إلى الله في محبته ,وأقواهم في طاعته ,وأتمهم عبودية له).(5
وهذه الصفات تستلزما محبة الرسول × ومحبة ما جاء به من
عند الله ,ومحبة المؤمنين بهذا الدين ,وإيثارهم على النفس
بالمال والنصرة والتأييد والنضماما في حزبهم حيث إنهم حزبا
الله من انضم إلى حزبا الله فقد أفلح في دنياه وأخراه.
1
)( اناظر :كتاب اليإان وأثره ف الياةر ,د .القرضاوي ,ص .12-5
2
)( اناظر :الوالةر والعاداةر للجلعود ).(1/245
3
)( رواه مسلم ,كتاب اليإان ,بيان ل يدخأل النة إل الؤممنون ) (1/74رقم .93
4
)( اناظر :مموعة التوحيد ,ص .423-422
5
)( انظر :مموعة التوحيد ,ص .423 ،422
69
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
70
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
إليه ,ول يتكفف له ,ول يرتع من كبريائه وعظمته ,لن الله هو
العظيم القادر ,وهذا بخلف المشرك والكافر.
-2ينشأ من اليمان بهذه الكلمة من أنفة النفس وعزتها:
تواضع من غير ذل ,وترفع من غير كبر ,فل يكاد ينفخ أوداجه
شيطان الغرور ويزهيه بقوته وكفاءته لنه يعلم ويستيقن أن الله
الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء ,أما الملحد
فإنه يتكبر ويبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة.
-3المؤمن بهذه الكلمة :يعلم علم اليقين أنه ل سبيل إلى
النجاة والفلح إل بتزكية النفس والعمل الصالح.
-4من آثار اليمان الصحيح عدما تسربا اليأس ,والبعد عن
القنوط ,لنه يؤمن أن الملك والخزائن لله ربا العالمين ,لذلك
فهو على طمأنينة وسكينة ,وأمل ,حتى ولو طرد العبد أو أهين
وضاقت عليه سبل العيش.
-5من آثار كلمة اليمان والتوحيد في نفس العبد إعطاء قوة
عظيمة من العزما والقداما والصبر والثبات والتوكل والتطلع إلى
معالي المور ابتغاء مرضاة الله تعالى ,مع شعوره أن وراءه قوة
مالك السماء والرض ,فيكون ثباته ورسوخه وصلبته التي يستمدها
من هذا التصور ,كالجبال الراسية ,وأنى للكفر والشرك بمثل هذه
القوة والثبات؟.
-6من آثار اليمان الحقيقي تشجيع النسان وامتلء قلبه جرأة؛
لن الذي يجبن النسان ويوهن عزمه شيئان :حبه للنفس والمال
دا غير الله يميت النسان ,فإيمانوالهل ,أو اعتقاده أن هناك أح ل
المرء بل إله إل الله يرفع عن قبله كل ل من هذين السببين ,فيجعله
موقلنا بأن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله ,فعندئذ يضحي في
سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده .وينزع الثاني بأن يلقي في
روعه أنه ل يقدر على سلب الحياة منه إنسان ول حيوان ول قنبلة ول
مدفع ,ول سيف ول حجر ,وإنما يقدر ذلك الله وحده .من أجل ذلك ل
يكون في الدنيا أشجع ول أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى ,فل يكاد يخيفه
أو يثبت في وجهه زحف الجيوش ,ول السيوف المسلولة ,ول مطر
الرصاص والقنابل.
-7ومن ثمار اليمان الصحيح ,التحلي بالخلق الرفيعة والتطهر من
الخلق الوضيعة.
صا على التمسك -8ومن ثمار اليمان على العبد تجعله حري ل
بشرع الله تعالى ومحاف ل
ظا عليه.
-9ومن ثمار اليمان تربية العبد على أن يكون جندليا من جنود
71
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( اناظر :ف ظللا اليإان ,ص .63
2
)( رسائل حسن البنا ,ص .16
72
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
73
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
حياة الجماعات ل تقوما على خرافة غامضة ,ول تعتمد على التهويل
والرؤى ,إنها تقوما على أسبابا مدركة وعلى قواعد ثابتة ,إن العقيدة
الدينية فكرة كلية تربط النسان بقوى الكون الظاهرة والخصبة,
وتثبت روحه بالثقة والطمأنينة ,وتمنحه القدرة على مواجهة القوى
الزائلة والوضاع الباطلة ,بقوة اليقين في النصر ,وقوة الثقة في الله,
وهي تفسر للفرد علقاته بما حوله من الناس والحداث والشياء,
وتوضح له غايته واتجاهه وطريقه ,وتجمع القوى والطاقات حول
محور واحد ,وتوجيهها في اتجاه واحد ,تمضي إليه مستنيرة الهدف,
في قوة وفي ثقة وفي يقين«.
ويضاعف قوتها أنها تمضي مع الخط الثابت الذي يمضي فيه
الكون كله ظاهرة وخافية ,وأن كل ما في الكون من قوى مكنونة
ها إيمانليا ,فيلتقي المؤمن في طريقه ,وينضم إلى زحفها تتجه اتجا ل
الهائل لتغليب الحق على الباطل مهما يكن للباطل من قوة
ظاهرة لها في العيون بريق«).(1
وبهذا لعلي أكون قد أوضحت حقيقة اليمان التي نسعى
ليجادها في أفراد المة والجماعة المسلمة لنقطع خطوة نحو
التمكين المنشود.
***
1
)( الصدر نافسه ).(6/3353
74
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
المبحث الثاني
تحقيـــــــــق العبـــــــادة
ل :معنى العبادة في اللغة والشرع: أو ل
أ -في اللغة :العبادة والعبدية والعبودية :الطاعة).(1
وفي لسان العربا :أصل العبودية :الخضوع والتذلل.
والتعبد :التنسك ,والعبادة :الطاعة.
والتعبد :التذلل ,والتعبيد :التذليل.
)(2
بعير معبد :مذلل ,وطريق معبد :مسلوك مذلل .
دا إلىويرى أبو العلى المودوي في معنى العبادة استنا ل
الستعمال اللغوي لمادة )ع با د( أن أصل معنى العبادة هو
الذعان الكلي ,والخضوع الكامل والطاعة المطلقة).(3
با -العبادة في الشرع :خضوع وحب) ,(4والعبادة المأمور بها
العبد تتضمن معنى الذل والخضوع لله ,ومعنى الحب فهي تتضمن
غاية الذل لله بغاية المحبة له).(5
قال ابن تيمية -رحمه الله) :-والله هو المعبود الذي يستحق
غاية الحب والعبودية والجلل والكراما والخوف والرجاء.(6) (.....
وينص ابن القيم -رحمه الله :-على أن )العبادة تجمع أصلين
غاية الحب بغاية الذل والخضوع() .(7ودعائم هذه العبادة التي
تنتظم أعمال النسان كلها القلبية ,والعملية الفردية والجماعية:
المحبة والخوف والرجاء ,وقد جعل ابن القيم هذه الثلث في قلب
المؤمن) :بمنزلة الطائر ,فالمحبة رأسه ,والخوف والرجاء جناحاه
فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران ,ومتى قطع
الرأس مات الطائر ,ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد
1
)( القاموس اليط كتاب )الدالا( ,فصل )العي( .378
2
)( لسان العرب ,كتاب الدالا ,فصل العي الهملة .3/271
3
)( الصطلحات الربعة ف القرآن للمودودي ,ص .97
4
)( العبادةر ف السلم للقرضاوي ,ص .31
5
)( اناظر :مموع الفتاوى ).(1/207
6
)( الصدر نافسه ).(28/35
7
)( مدارج السالكي ).(1/74
75
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
76
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
1
)( مموع الفتاوى ).(10/150
2
)( اقتضاء الصراط الستقيم ).(1/399
77
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( مموع الفتاوى ).(117-29/116
2
)( اناظر :حقيقة البدعة وأحكامها للغامدي ).(1/19
3
)( رواه مسلم ,كتاب الزكاةر ,باب أن اسم الصدقة يقع على كل ناوع من العروف ).(1/697
4
)( شرح النووي مع مسلم ,كتاب الزكاةر ,باب كل ناوع من العروف صأدقة ).(7/97
5
)( مقاصأد الكلفي ,د .عمر الشقر ص .47-46
78
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
رليْليكعبييدواً إرلحهاً لواًرححداً لل إرلهل إرلل يهلوُ يسكبلحاًنَلهي لعلماً ييكشرريكوُلن" ]التوبة+ ,[31:قيكل إرلن
ت لوأللنَاً ك أيرمكر ي ك لهي لوبرلذلر ل
ب اًلكلعاًلرميْلنَ لل لشرري ل
ل لر بصللرتيِ ونَيسركيِ ومكحيْاًيِ ومماًرتيِ ر
لل ل ل لل ل ل ي ل
ر ر ر ر ر
أللويل اًلكيمكسلميْلنَ" ]النعاما+ ,[163،162:لولماً أيميرواً إلل ليْليكعبييدواً اًلل يمكخلصيْلنَ لهي اًلبديلنَ ر ر
نَ اًللقيْبلمرة" ]البينة.[5: صلللة وييكؤتيوُاً اًللزلكاًلة ولذلر ل ر ر
ك دي ي ل يحنليلفاًءل لوييقيْيموُاً اًل ل ل ي
ومن السنة أحاديث كثيرة بعضها في عموما العادات بدون
تخصيص وبعضها الخر في أفراد السلوك العادي ,وفي هذا الخير
دليل وتشبيه على المعنى العاما المقصود إثباته هنا فمن ذلك:
قوله ×» :إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة ,وهو يحتسبها
كانت له صدقة« ).(1
قوله ×» :كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم«).(2
قوله ×» :ديناًر أنَفقته فيِ سبيْل اًل ,وديناًر أنَفقته فيِ رقبة ,وديناًر تصدقت
به علىَ اًلمسكيْنَ ,وديناًر أنَفقته علىَ أهلك ,أعظمهاً أجحراً اًلذيِ أنَفقته علىَ أهلك«
).(3
سلمي من الناس عليه صدقة ,كل يوما تطلع فيه وقال ×» :كل ع
الشمس تعدل بين الثنين صدقة ,وتعين الرجل على دابته فيحمل عليها,
أو ترفع له متاعه صدقة ,والكلمة الطيبة صدقة ,وكل خطوة تخطوها
إلى الصلة صدقة ,ودل الطريق صدقة ,وتميط الذى عن الطريق
صدقة«).(4
وأما الستدلل على عموما العبادة وشمولها لحياة النسان
بفعل السلف وفهمهم ففيما روى البخاري في صحيحه عن أبي
بردة) (5في قصة بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن ,وفي آخره
قال أبو موسى لمعاذ :فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال» :أناما أول
الليل فأقوما وقد قضيت جزئي من النوما فأقرأ ما كتب الله لي,
فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي«) .(6وفي كلما معاذ رضي
1
)( رواه البخاري ,كتاب اليإان ,باب :ما جاء أن العمالا بالنيات ) (1/24رقم .55
2
)( سلسلة الحاديث الصحيحة لللبان ).(3/22
3
)( رواه مسلم ,كتاب الزكاةر ,باب :النفقة على العيالا والملوك ).(1/191
4
)( رواه البخاري ,كتاب الصلح ,باب :فضل الصألح بي الناس ) (3/227رقم .2707
5
)( هو التابعي الثقة أبو بردةر حارثا ,وقيل عامر بن أب موسى عبد ال بن قيس الشعري ,ثقة كثي الديث ,تول قضاء الكوفة
للحجاج ,ث عزله ,ت 107هـ ،اناظر :سي أعلم النبلء ).(4/343
6
)( البخاري ,كتاب الغازي ,باب :بعثة أب موسى ومعاذ إل اليمن ) (5/156رقم .43،42
79
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( مسلم ,كتاب الزكاةر ,باب :قبولا الصدقة من الكسب الطيب ).(2/703
2
)( مسلم شرح النووي ,كتاب العبد ,باب :المر بإحسان الذبح )ملد (5ج ,13ص .106
3
)( اناظر :العبادةر ف السلم ,د .القرضاوي ,ص .63،62
4
)( اناظر :مفاهيم ينبغي أن تصحح لمد قطب ,ص .173
80
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
81
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
للسلما).(1
إن قضية العبادة ليست قضية شعائر ,وإنما هي قضية دينونة
واتباع ,وإنها لذلك استحقت كل هذه الرسل والرسالت ,وكل هذا
الهتماما).(2
وحتى تستحق المة السلمية اليوما وعد الله بالتمكين فإن
عليها أن تصيغ حياتها كلها صياغة جديدة على منهج الله ربا
العالمين ,لتصبح كلها عبادة من لحظة التكليف إلى لحظة الموت,
ل تند ل عنها لحظة واحدة من لحظات الوعي ,ول لمحة ,ول خاطر,
قا لقول الله تعالى: ول لون من ألوان النشاط) ,(3امتثال ل وتحقي ل
نَ" ]النعاما.[162: ر +قيل إرلن صللرتيِ ونَيسركيِ ومكحيْاًيِ ومماًرتيِ ر
ب اًلكلعاًلميْ ل
ل لر ب لل ل ل لل ل ل ي ل ك
إن من أسبابا ضياع المة وضعفها ,وانهزامها أماما أعدائها
فقدها لشرط مهم من شروط التمكين أل وهو تحقيق العبودية
بمفهومها الشامل الصحيح.
ثاللثا :أهمية الجانب العبادي في حياة النسان:
إن العبادات التي سنها الله لنا ذات تأثير شامل مشرق ,ولها
أخطر المهمات في تمكين الحقائق العليا للرسالت اللهية,
وتحقيق الفطرة النسانية على وجهها الصحيح المستقيم ,طالما
تمثلت فيها عناصر الحب والذل ,والرجاء والخوف ونحوها,
دا أصلليا ,وهو التوجه إلى ومعلوما لدى العلماء أن للعبادة مقص ل
الواحد الصمد ,وإفراده بالعبادة في كل حال ,طللبا لرضا الله,
والفوز بالدرجات العل ,وهناك مقاصد تابعة للعبادة :صلح النفس,
واكتسابا الفضيلة ,فالصلة مثل ل أصل مشروعيتها الخضوع لله
تعالى ,وإخلص التوجه إليه ,والنتصابا على قدما الذلة والصغار
صلللة لررذككرريِ"بين يديه ,وتذكير النفس بذكره ,قال تعالى+ :لوألقررمُ اًل ل
شاًرء واًلكمكنلكرر ولرذككر اً ر ]طه ,[14:وقال+ :إرلن اًل ل
ل ألككبليير" ل ي صلللة تلي كنيلهىَ لعرنَ اًلكلفكح ل ل ي
]العنكبوت [45:يعني أن اشتمال الصلة على التذكير بالله هو
المقصود الصلي ,ثم إن لها مقاصد تابعة كالستراحة إليها من
أنكاد الدنيا وإنجاح الحاجات كصلة الستخارة وصلة الحاجة,
وكذلك سائر العبادات لها فوائد أخروية وهي العامة ,وفوائد دنيوية
1
)( اناظر :مفاهيم ينبغي أن تصحح ,ص .251-250
2
)( اناظر :ف ظللا القرآن ).(4/1943
3
)( اناظر :التمكي للمة السلمية ,ص .59
82
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
83
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)حي على الصلة ,حي على الصلة( لن الذان كما قلنا أبعد مدى,
وأشمل آثالرا.
سا :الدعوة العامة إلى الصلح المطلق ,المتمثل ثم تأتي خام ل
في الستجابة لهذا الدين اللهي الغر ,ومثله وتعاليمه ,وفي
مقدمتها الصلة بداهة).(1
ولذلك يعود الشارع بالمؤذن إلى نقطة البدء ليكبر في الختاما
التأكيد على تفرده تعالى بالكبرياء ,وإعلن التوحيد بصيغة القرار
والثبات بعد صيغة الشهادة السابقة )الله أكبر ,الله أكبر ,ل إله إل
الله( معنى هذا أن الذان وحده يجري على ألسنة المؤمنين,
ويسكب في ضمائرهم ,ويغرس في حياتهم ووجدانهم إفراد الله
تعالى بالكبرياء )ثلثين( مرة يومليا ,وإفراده تعالى بصفة اللوهية
الذي تفرده بالعبادة والطاعة »خمس عشرة« مرة ,وهو نداء ل
يتقيد بحدود معبد ,أو مسجد ,وإنما ينطلق ليدخل كل بيت,
ويصافح كل سمع ,ويطرق كل قلب يريد الهدى.
وإذا كان هذا هدف الوسيلة في تقرير الصول العليا فإن القصد
الذي تؤدي إليه )وهي الصلة( أعظم شألنا ,وأتم مظهلرا ,فقد فرضها
الله على كل بالغ من الذكور والناث خمس مرات في اليوما والليلة,
وهي تبدأ بالتكبير ويطلب من المصلي تكرار هذه الجملة )الله أكبر(
في صلوات الفرض فقط )أربلعا وتسعين مرة( عدا ما يقرع سمعه
بعددها من صلوات إمامه إذا صلى جماعة ,فضل ل عن السنن الراتبة
والنوافل المطلقة وهي أضعاف ذلك.
ثم إن العبد يتلو كتابا ربه في صلته ,ويحني له ظهره راكلعا,
دا ,وداعليا, حا ,وحام ل ما ,ومسب ل دا ,ويناجي موله معظ ل ويخر بجبهته ساج ل
وليس هناك في الوجود أسمى وأجل من هذه الشعيرة في ربط العبد
بهذا السلطان اللهي ,وإلهابا نفسه بمعاني عظمته وسموه).(2
إن الصلة عندما تؤخذ على وجهها الصحيح -واحة وراحة-
يسكن إلى ظلها المؤمن كلما مسه تعب الحياة ولغوبها ,وهذا
شمر لجيزوحعاًسهي اًل ل ساًلن يخلرلق لهيلوُحعاً إرلذاً لم ل ر
مصداق قول الله تعالى+ :إلن اًرلنَك ل
صللتررهكمُ لداًئريموُلن" ر
صبليْلنَ اًلذيلنَ يهكمُ لعللىَ لخيْيير لمينوُحعاً إرلل اًلكيم ل لوإرلذاً لم ل
سهي اًلك ل ك
]المعارج.[23-19 :
-2تثبيت القيم الخلقية:
1
)( وسطية القرآن ف العبادةر والخألق والتشريع ,ص .40
2
)( اناظر :النهاج القرآن ف التشريع ,ص .458
84
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
85
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( العواتق :جع عاتقة وهي الت عتقت من الدمة أو من قهر أبويها.
2
)( هي ناسيبة بنت الارثا وقيل بنت كعب من فقهاء الصحابة ت 70هـ ,اناظر :سي أعلم النبلء ).(2/318
3
)( ذوات الدور :الستور.
4
)( رواه البخاري ,كتاب العيدين ,باب :خأروج النساء واليض إل الصلى ).(2/9
5
)( اناظر :النهاج القرآن ف التشريع.462 :
86
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
87
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
1
)( الصدر نافسه.468 :
88
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
1
)( ف ظللا القرآن ).(2/820
89
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثالث
محاربــــــــــة الشـــــــرك
ومن شروط التمكين المهمة؛ محاربة الشرك بجميع أشكاله
وأنواعه؛ ولذلك على الجماعة المسلمة والتي تسعى لتحكيم شرع
الله تعالى أن تعرف حقيقة الشرك وخطره وأسبابه وأدلة بطلنه
وأنواعه وأن تنقي صفها منه بجميع الساليب الشرعية ,ول يمكن
للنسان أن يحذر من الشرك وأن يحذر غيره إل إذا عرفه وعرف
خطره.
ومعرفة الشرك وما يتعلق به له فوائد عديدة:
أحدها :أن النسان يمكنه بمعرفة الشرك أن يحذر من الوقوع
فيه.
الثاني :أنه يمكنه أن يحذر غيره.
الثالث :أنه يظهر له بذلك حسن السلما والتوحيد ,وذلك أنه
إذا عرف الشرك وظهر له بطلنه ,عرف أن ضده وهو التوحيد
أفضل العمال ,وبضدها تتميز الشياء إلى غير ذلك من الفوائد.
ولهذه السبابا وغيرها فقد اهتم الدعاة الصادقون والعلماء
المخلصون والقادة الربانيون ببيان الشرك وأقسامه وأسبابه
وخطره وجميع ما يتعلق به ,وبينوا أن تحقيق اليمان الصحيح ل
يتم ول يقبل من صاحبه إل بترك الشرك والبعد عنه.
يقول الشيخ السعدي -رحمه الله) :-ول يتم توحيد العبادة حتى
يخلص العبد لله في جميع إرادته وأقواله وأفعاله ,وحتى يدع
عا
الشرك الكبر المنافي للتوحيد كل المنافاة ,وهو أن يصرف نو ل
من العبادة لغير الله تعالى ,وتحقيق هذا التوحيد وتمامه أن يدع
الشرك الصغر وهو :كل وسيلة يتوسل بها إلى الشرك الكبر
كالحلف بغير الله ,ويسير
الرياء ونحو ذلك( ).(1
أما حقيقة الشرك بالله) :أن يعبد المخلوق كما يعبد الله ,أو
يعظم كما يعظم الله ,أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية
واللوهية( ).(2
1
)( الفتاوى السعدية للعلمة عبد الرحن السعدي ,ص .13
2
)( الشيخ عبد الرحن السعدي وجهوده ف توضيح العقيدةر لعبد الرزاق العباد ,ص .178
90
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
91
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
92
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
أي :أن الناس كانوا على ملة آدما عليه السلما حتى عبدوا
حا عليه السلما فكان أول رسول بعثه الصناما فبعث الله إليهم نو ل
الله إلى أهل الرض).(1
س لع لكليْيلهاً ك رللبديرنَ حرنيْحفاً فرطكر ل ر لر وقال تعالى+ :فلألقركمُ لوكجله ل
ت اًل اً تيِ فلطللر اًللناً ل ل ل
ن" ]الروما.[30: ك اًلبديينَ اًلكلقيْبيمُ لولركلنَ ألككثليلر اًللناً ر
س لل يليكع ليموُ ل ل ذللر ل
لل تليكبرديل لرلخكلرق اً ر
ل
وقال تعالى+ :لوللقكد بليلعثكيلناً رفيِ يكبل أيلمةة لريسوُلح ألرن اًكعبييدواً اًلل لواًكجتلنربيوُاً
ت" ]النحل .[36:وقال ×» :كل مولود يولد على الفطرة فأبواه اًللطاًيغوُ ل
يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه« ).(2
وهذه الدلة الدامغة التي ذكرناها تدل على أن الناس كانوا
على التوحيد وأن الشرك طارئ وحادث فيهم.
إن الجماعة المسلمة التي رضيت بالله رلبا وبالسلما ديلنا
وبمحمد × رسول ل تحرص على تحقيق التوحيد ومحاربة الشرك
وهي تسعى لتحكيم شرع الله ,لنها تعلم علم اليقين أن من
شروط التمكين وإقامة دولة السلما تحقيق التوحيد وتهذيبه
وتصفيته من الشرك الكبر والصغر ,ومن البدع القولية
والعتقادية ,والبدع الفعلية العملية ,ومن المعاصي وذلك بكمال
الخلص لله في القوال والفعال والرادات ,وبالسلمة من
الشرك الكبر المناقض لصل التوحيد ,ومن الشرك الصغر
المنافي لكماله وبالسلمة من البدع) ,(3وتربي الناس على
الستعانة بالله في جميع أمور حياتهم والستعانة به والنذر له
والذبح له وحده سبحانه وتعالى وأن تكون الحاكمية لله ربا
العالمين.
وهي تحاربا شرك القبور ,وكذلك شرك القوانين الوضعية
وتدعو إلى إفراد العبودية لله وحده في جميع شئون الحياة
صللرتيِ النسانية ,ولسان حالها ومقالها قول الله تعالى+ :قيكل إرلن ل
ك لهي" ]النعاما.[162،163: ب اًلكلعاًلرميْلنَ لل لشرري ل ل لر ب ونَيسركيِ ومكحيْاًيِ ومماًرتيِ ر
لل ل ل لل ل ل ي
لذلك لبد من محاربة الشرك ومداخله وألوانه وجميع طرقه
لن الشرك ذلة في الدنيا وعذابا أليم في الخرة ,ولن من
متطلبات اليمان ولوازمه محاربة ضده أل وهو الشرك.
1
)( اناظر :تفسي ابن كثي ).(1/250
2
)( مسلم ,كتاب القدر ,باب :كل مولود يولد على الفطرةر ) (4/2047رقم .2658
3
)( اناظر :الشيخ عبد الرحن السعدي وجهوده ف توضيح العقيدةر ,ص .191
93
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
94
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
]الزمر.[29: يليكعليموُلن"
-5إحباط العمل:
ك لوإرللىَ اًلرذيلنَ رمنَ قليكبلر ل
ك لئركنَ ألكشلركك ل
ت ليْلكحبلطللنَ قال تعالى: +لوللقكد يأورحليِ إرلكيْ ل
ك لولتليكوُنَللنَ رملنَ
اًلكلخاًرسرريلنَ" ]الزمر.[65 :
لعلملي ل
هذه بعض الثار التي تحدث للنسان الذي يقع في الشرك ول
شك أن تلك الثار تبعد المجتمع من التمكين الرباني.
1
)( اناظر :ركائز اليإان ,ص .145-144
95
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الرابع
تقـــــوى الله عز وجـــــل
قال تعالى+ :ولوُ أللن ألكهل اًلكيقرىَ آمنيوُاً واًتليلقوُاً للفتلكحلناً لعلكيْرهمُ بيرلكاً ة
ت بملنَ ك لل ل ل ل ل ك لك
ض ول ر اًل ل ر
كنَ لكلذبيوُاً] "...العراف.[96: سلماًء لواًللكر ر ل
إن من شروط التمكين المهمة -التي نضيفها إلى المباحث
السابقة -تقوى الله عز وجل ,لن تقوى الله لها ثمرات عظيمة
مفي الدنيا والخرة ,وهذه الثمرات تظهر على الفراد ,ومن ث ز
على الجماعة المسلمة التي تسعى لتحكيم شرع الله والتمكين
لدينه .إن تقوى الله تعالى تجعل بين العبد وبين ما يخشاه من ربه
ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك ,وهي أن تعمل
بطاعة الله على نور من الله ترجو ثوابا الله ,وأن تترك معصية
الله على نور من الله تخاف عقابا الله.
ل :ثمرات التقوى العاجلة والجلة: أو ل
-1المخرج من كل ضيق والرزق من حيث ل يحتسب
العبد:
ب" ر قال تعالى+ :لولمنَ يليتلرق اًلل يلكجلعل لهي لمكخلرحجاً لويليكريزقكهي رمكنَ لحكيْ ي
ث لل يلكحتلس ي
]الطلق.[3،2 :
-2السهولة واليسر في كل أمر:
ر ل ر
سحراً" ]الطلق.[4: قال تعالى+ :لولمنَ يليتلرق اًلل يلكجلعل هي مكنَ ألكمرره يي ك
قال سيد قطب رحمه الله» :واليسر في المر غاية ما يرجوه
النسان ,وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله المور ميسرة لعبد من
عباده؛ فل عنت ول مشقة ول عسر ول ضيق يأخذ المور بيسر
في شعوره وتقديره ,وينالها بيسر في حركته وعمله ,ويرضاها
ي ن عد قيل
خ لبيسر في حصيلتها ونتيجتها ,ويعيش من هذا في يسر عر ق
حتى يلقى الله«).(1
-3تيسير العلم النافع:
شيِةء لعرليْرمُ" ]البقرة: ر ب
قال تعالى+ :لواًتلييقوُاً اًلل لويييلعليميكيمُ اًلي لواًلي بيكبل ل ك
.[282
1
)( ف ظللا القرآن ).(6/3602
96
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
قال العلمة محمد رشيد رضا) :أي اتقوا لله في جميع ما
أمركم به ونهاكم عنه ,وهو يعلمكم ما فيه قياما مصالحكم وحفظ
أموالكم وتقوية رابطتكم ,فإنكم لول هدايته ل تعلمون ذلك ,وهو
سبحانه العليم بكل شيء ,فإذا شرع شيلئا فإنما يشرعه عن علم
محيط بأسبابا درء المفاسد وجلب المصالح لمن تبعه شرعه,
وكرر لفظ الجللة لكمال التذكير وقوة التأثير( ) ,(1لقد تكرر لفظ
الجللة في قوله تعالى+ :لواًتلييقوُاً اًلل لويييلعلبيميكيمُ اًلي لواًلي بريكبل لشكيِةء لعرليْرمُ"
ثلث مرات ,فالولى حث على التقوى ,والثانية وعد د بإنعامه,
والثالثة تعظيم شأنه سبحانه وتعالى.
-4إطلق نور البصيرة:
قال تعالى+ :رإن تليتلييقوُاً اًلل يلكجلعل ليككمُ فييكرلقاًحنَاً" ]النفال .[29:إن تقوى
الله تعالى في المور كلها تعطي صاحبها نولرا يفرق به بين الحق
والباطل ,وبين دقائق الشبهات التي ل يعلمهن كثير من الناس,
وعندما تسيطر تقوى الله على الصف المسلم يصبح يتحرك بفرقان
رباني.
-5محبة الله عز وجل ومحبة ملئكته والقبول في الرض:
نَ" ]آل ر قال تعالى+ :بليللىَ لمكنَ ألكولفىَ برلعكهردهر لواًتليلقىَ فلرإلن اًلل ييرح م
ب اًلكيمتلقيْ ل
عمران.[76 :
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله × أنه قال:
»إذا أحب الله العبد قال لجبريل :قد أحببت فللنا فأحبه ,فيحبه
جبريل عليه السلما ,ثم ينادي في أهل السماء ,إن الله قد أحب
فللنا فأحبوه ,فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في
الرض«).(2
-6نصرة الله عز وجل وتأييده وتسديده:
وهي المعية المقصودة بقول الله عز وجل+ :لواًتلييقوُاً اًلل لواًكع ليموُاً
أللن اًلل لملع اًلكيمتلرقيْلنَ" ]البقرة .[194:فهذه المعية هي معية التأييد والنصرة
والتسديد ,وهي معية الله عز وجل لنبيائه وأوليائه ,ومعيته
للمتقين والصابرين وهي تقتضي التأييد والحفظ والعانة كما قال
تعالى لموسى عليه السلما وهارون+ :لل تللخاًلفاً إرنَلرنيِ لملعيكلماً ألكسلميع لوأللرىَ"
]طه.[46:
1
)( تفسي النار ).(3/128
2
)( مسلم ,كتاب الب والصلة والداب ,باب :إذا أحب ال تعال ) (4/2030رقم .2637
97
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أما المعية العامة مثل قوله تعالى+ :لويهلوُ لملعيككمُ أليكلنَ لماً يككنتيكمُ"
ل لويهلوُ لملعيهكمُ إركذ س ولل يستلكخيفوُلن رمنَ اً ر ر
ل ]الحديد .[4 :وقوله+ :يلكستلكخيفوُلن ملنَ اًللناً ر ل ل ك
ضىَ رملنَ اًلكلقكوُرل" ]النساء .[108:فتستوجب من العبد الحذر يييبلييْبيتوُلن لماً لل يليكر ل
والخوف ومراقبة الله عز وجل.
-7البركات من السماء والرض:
قال تعالى+ :ولوُ أللن ألكهل اًلكيقرىَ آمنيوُاً واًتليلقوُاً للفتلكحلناً لع لكيْرهمُ بيرلكاً ة
ت بملنَ ك لل ل ل ل ل ك لك
ض] "....العراف.[96 : سلماًرء لواًللكر ر
اًل ل
قال القاسمي رحمه الله+ :لولكوُ أللن ألكهلل اًلكيقلرىَ" أي :القرى
مهنعلكة +آلمنيوُاً" أي :بالله ورسله +لواًتليلقكوُاً" أي :الكفر والمعاصي ال ع
ض" أي :لوسعنا عليهم الخير ر
سلماًء لواًللكر ر +للفتلكحلناً لعلكيْرهمُ بيرلكاً ة
ت بملنَ اًل ل ك لل
ويسرناه لهم من كل جانب ,مكان ما أصابهم من فنون العقوبات
التي بعضها من السماء وبعضها من الرض( ).(1
ويدل على هذا المعنى قوله عز وجل+ :لولأن لروُ اًكستليلقاًيموُاً لعللىَ
ر
اًلطلرريلقة لكس ل ك
قيْيلناًيهمُ لماًءح غللدحقاً" ]الجن.[16:
1
)( اناظر :ماسن التأويل ).(7/221
2
)( البخاري ,كتاب الرؤيا ,باب :رؤيا الصالي ) (8/88رقم .6986
98
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
1
)( البخاري ,كتاب الرؤيا ,باب البشرات ) (8/89رقم .6990
2
)( مسلم ,كتاب الرؤيا ,باب البشرات ).(4/2034
3
)( تفسي القرآن العظيم ).(1/329
4
)( اناظر :ماسن التأويل للقاسي ).(5/47
99
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
100
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
101
-3ويتحرون العدل ويحكمون به ،ول يحملنهم بغض أحد على
ب رللتليكقلوُىَ ر ر ة
تركه ,قال تعالى+ :لولل يلكجررلمنليككمُ لشلنآِين قليكوُم لعللىَ أللل تليكعدليوُاً اًكعدليوُاً يهلوُ ألقكيلر ي
لواًتلييقوُاً اًلل إرلن اًلل لخربيْرر برلماً تليكعلميلوُلن" ]المائدة.[8 :
وفي الية تعليم وإرشاد على وجوبا العدل مع الكفار الذين
هم أعداء الله ،فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه
وأحباؤه.
-4يتبعون سبيل الصادقين من النبياء والمرسلين وصحابة
سيد الولين والخرين × ,قال تعالى+ :لياً أليميلهاً اًلرذيلنَ آلمنيوُاً اًتلييقوُاً اًلل لويكوُنَيوُاً لملع
صاًردرقيْلنَ" ]التوبة.[119 : اًل ل
فل شك أن من صفات المتقين أنهم ينتهجون منهج الصحابة
رضي الله عنهم ،لنهم أولى الناس بهذه الصفات التي أمرنا الله
أن نكون مع أهلها ،فقد شهد الله لهم الصدق ،وشهد لهم رسوله
× ،فل يجوز لحد أن يلزمهم بشيء ،أو يتهمهم بما برأهم الله عز
وجل منه ورسوله × ،فالصحابة كلهم عدول ،وظهرت فيهم من
علمات الصدق واليمان واليقين ما يجعل العاقل يقطع بتعديلهم،
فمن تقوى الله عز وجل موالتهم ومحبتهم ونصرتهم والحتجاج
بإجماعهم ،وفهم الكتابا والسنة على منهجهم وطريقتهم ،وبغض
من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم).(1
دعون ما ل بأس به حذلرا مما به بأس ويتقون الشبهات، -5ي ع ع
إن المتقين يتورعون عن الشبهات وعما يرتابون فيه مما ليس
حلل بينلا ،وذلك أدعى أن يتورعوا عن الحراما البين ،ومن اجترأ ل
على الشبهة اجترأ كذلك على الحراما.
ولهذا قال رسول الله ×» :إن الحلل بلين وإن الحراما بين
وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس ،فمن اتقى
الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ،ومن وقع في الشبهات وقع
في الحراما« ).(2
ولبد من التنبه لمر مهم وهو أن التدقيق في التوقف عن
الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله في
التقوى والورع ،فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد
أن يتورع عن شيء من دقائق الشبهات فإنه ل يحتمل ذلك ،بل ينكر
عليه ،كما قال ابن عمر رضي الله عنهما لمن سأله من أهل العراق:
)( انظر :الجامع لحكاما القرآن للقرطبي ).(8/289 1
)( البخاري ،كتابا اليمان ،بابا :من استبرأ لدينه ) (1/22رقم .22 2
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( البخاري ،فضائل الصحابة ،بابا مناقب الحسن والحسين ).(4/261 1
103
الفصل الثاني
أســـــــبابا التمكــــــــــين
تمهيد:
إن الخذ بالسبابا التي تؤدي إلى التمكين أمر أرشدنا إليه
القرآن الكريم ،وحثنا على الخذ بها سيد المرسلين × ،وقد أمر
الله تعالى بالعداد الشامل فقال+ :لوألرعمدواً ليهكمُ لماً اًكستلطلكعيتمُ بمنَ قييلوُةة لورمنَ برلباًرط
اًلكلخكيْرل" ]النفال.[60 :
والعداد في حقيقته أخذ بالسبابا.
وأشارت الية الكريمة إلى المر بإعداد:
-2ومن رباط الخيل. -1ما استطعتم من قوة.
والغاية:
-1ترهبون به عدو الله وعدوكم -2 .وآخرين من دونهم ل
تعلمونهم.
وإعداد القوة ،لفظ عاما يشمل كل قوة ،فقوة العقيدة
واليمان قوة ،وقوة الصف والتلحم قوة ،وقوة السلح والساعد
قوة .ورباط الخيل إشارة إلى السلح الثقيل ،وإشارة إلى وجوبا
وجوده في أيدي المسلمين ل تأخذه شراء أو هبة من أحد.
ول يمنع من الحفاظ على الخيل كجزء من العداد السلمي،
لنها عند اللتحاما أقوى من التحاما الفراد بغير أفراس ،وقد أثبتت
الحروبا الحديثة أهمية الخيل كما حدث للمجاهدين في جبال
الفغان ضد الشيوعيين ،وفي جنوبا السودان ضد النصارى.
إن الية الكريمة تضع أذهان المسلمين على العداد الشامل،
المعنوي والمادي ،العلمي والفقهي على مستوى الفراد
والجماعات ،وتدخل في طياتها ،العداد التربوي ،والسلوكي،
والعداد المالي ،والعداد العلمي ،والسياسي والمني
والعسكري ...إلخ.
كما أن الية الكريمة وضحت أن العداد يحتاج إلى إنفاق هائل
ووعدت بالتعويض في الدنيا والجزاء في الخرة لتحفز المسلمين
ف إرلكيْيككمُ وتحثهم على ذلك ,قال تعالى+ :وماً تييكنرفيقوُاً رمنَ لشيِةء رفيِ سبريْرل اً ر
ل يييلوُ ل ل ك لل
لوألنَكيتيكمُ لل تيظك ليموُلن" ]النفال.[60 :
المبحث الول
سنة الخذ بالسبابا وإرشاد القرآن للعداد
أولل :سنة الخذ بالسبابا:
إن من أهم السنن الربانية التي ترتبط بعلقة مباشرة مع سنن
التمكين سنة الخذ بالسبابا ،ولذلك يجب على الفراد والجماعات
العاملة للتمكين لدين الله فهمها واستيعابها وإنزالها على أرض
الواقع.
قال الماما الرازي :أصل السبب في اللغة :الحبل ،قالوا :ول
يدعي الحبل سبلبا حتى ينزل ويصعد به ,ومنه قوله تعالى+ :فليكليْلكميدكد
سلماًرء ثيلمُ كليْليكقطلكع] "...الحج .[15 :ثم قيل لكل شيء سبب لنك ب إرللىَ اًل لسبل ة بل
ر
سبلحباً" ]الكهف: بسلوكه تصل الموضع الذي تريده ,قال تعالى+ :فلألتكيبللع ل
[85أي طريقا ،وأسبابا السموات أبوابها ،لن الوصول إلى
السماء يكون بدخولها ،قال تعالى مخبرا عن فرعون+ :للعبليِ لأبكيلييغ
سماًواً ر
ت" ]غافر [37 - 36 :والمودة بين القوما تسمى سببا ب ألكسلباً ل
ب اًل ل ل ل اًلكسلباً ل
لنهم بها يتواصلون .والسبب في اصطلح الشرع :ما يوصل إلى
الشيء ول يؤثر فيه كالوقت للصلة).(1
واستعير السبب لكل ما يتوصل به إلى أمر من المور) ،(2إن
سنة الخذ بالسبابا مقررة في كتابا الله تعالى ،ولقد وجه الله
عباده المؤمنين إلى وجوبا مراعاة هذه السنة في كل شئونهم
الدنيوية والخروية سواء.
ن" ]التوبة[105 : سيْليلرىَ اًلي لعلم ليككمُ لولريسوُليهي لواًلكيمكؤرمينوُ ل
قال تعالى+ :لوقيرل اًكعلمليوُاً فل ل
شوُاً رفيِ ملناًكربرهاً ويكليوُاً رمنَ بركزقرره وإرليْهر ر
ل ك ل ل ل وقال سبحانه+ :يهلوُ اًلذيِ لجلعلل ليكيمُ اًللكر ل
ض ذليلوُلح لفاًكم ي
شوُير" ]الملك..[15 : اًلنم ي
ولقد أخبرنا القرآن الكريم أن الله تعالى طلب من السيدة
مريم أن تباشر
ر ر ر ر
السبابا وهي في أشد حالت ضعفها ,قال تعالى+ :لويهبزيِ إلكيْك بجكذرع
ساًقركط ر
اًلنلكخلة تي ل
ك يرطلحباً لجنرقيْاً" ]مريم.[25 : لع لكيْ ر
)( انظر :مفردات القرآن كتابا السين ،ص ،220المعجم الوسيط ،ص .426 2
وهكذا يؤكد القرآن الكريم على ضرورة مباشرة السبابا في كل
المور والحوال).(1
»ولقد قدر الله سبحانه وتعالى لدينه أن ينتصر ،وللمسلمين
أن عيمكنوا ،وللمشركين أن ينهزموا ،ومع ذلك فهل قال الله تعالى
للمسلمين :ما دمت قدرت لكم النصر والتمكين فاقعدوا وانتظروا
إنفاذي قدري ،وهو لبد نافذ؟ كل ،وإنما قال لهم+ :لوألرعمدواً ليهكمُ لماً
ل لولعيدلويككمُ] "...النفال [60 :وقال اًكستلطلكعيتمُ بمنَ قييلوُةة ورمنَ برباًرط اًلكلخكيْرل تييررهبوُلن برره لعيدلو اً ر
ك ي ل ل
ض" ]محمد.[4 : ضيككمُ رببليكع ة ر ر
صلر م كنييهكمُ لولكنَ لبلكيْبيليلوُ بليكع ل تعالى+ :لذلر ل
شاًءي اًلي للنَكيتل لك لولكوُ يل ل
ت ألقكلداًلميككمُ" ]محمد [7 :فلبد
صكريككمُ لويييثلب ك وقال عز وجل+ :رإن تليكن ي
صيرواً اًلل يليكن ي
من اتخاذ السبابا للنصر والتمكين ،وإن كان ذلك قدلرا مقدولرا
من عند الله).(2
»وليس الله -سبحانه وتعالى -عاجزا عن نصرة الحق بغير
الدوات البشرية ،وهو الذي يقول للشيء كن فيكون ،ولكن هكذا
اقتضت مشيئته وهكذا تجري سننه«).(3
ورسول الله × وهو أفضل المتوكلين كان أوعى الناس لهذه
السنة الربانية ،فكان وهو يؤسس لبناء الدولة السلمية يأخذ بكل
ما في وسعه من أسبابا ،ول يترك شيئا يسير جزافا ،والمتتبع
للسيرة النبوية يلمس ذلك تماما» ..ففي الهجرة -على سبيل
المثال -لم يترك رسول الله × أمرا من المور إل أعد له عدته،
وحسب له حسابه ،ورسم له خطته على نحو يستوعب كل
الطاقات والوسائل.
فقد أعد النبي × الرواحل والدليل ،واختار الرفيق والمكان
الذي سيتوارى فيه -هو وصاحبه -حتى يهدأ الطلب ،ويفتر
الحماس ،وأحاط ذلك كله بما يمكن للبشر من أخذ الحذر،
والكتمان ،وأسبابا الحتياط ،وترك للرادة اللهية -بعد ذلك -ما
ل حيلة له فيه).(4
وكذلك المر بالنسبة لغزوة بدر ،وأحد ،والحزابا ...وجميع
غزواته ×
انظر :التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن لمحمد سيد ،ص .248 )( 1
مفاهيم ينبغي أن تصحح لمحمد قطب ،ص 263 ،262بتصرف يسير. )( 2
حول التفسير السلمي للتاريخ محمد قطب ،ص .104 )( 3
أولويات الحركة السلمية في المرحلة المقبلة ,د .القرضاوي ،ص .18 ،17 )( 4
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
وكل أموره.
وكان × يوجه أصحابه دائما إلى مراعاة هذه السنة الربانية،
في أمورهم الدنيوية والخروية على السواء ,ففي أمورهم كان
النبي × يرشدهم دائما إلى الخذ بما يمكن من أسبابا للوصول
إلى حياة كريمة بعيدا عن ذل السؤال ومهانة العوز والحاجة ،روى
أبو داود والترمذي عن أنس × فسأله
عطاء ،فقال الرسول × :أماً فيِ بيْتك شيِء؟ قال :بلى .حلس نلبس
بعضه ،ونبسط بعضه ،وقعب نشربا فيه ،قال :اًئتنيِ بهماً ،فأتاه
بهما ،فأخذهما رسول الله × بيده وقال :منَ يشتريِ منيِ هذينَ؟ قال
رجل :أنا آخذهما بدرهم ،قال رسول الله × :منَ يزيد علىَ درهمُ؟
مرتين أو ثلثا ،فقال رجل :أنَاً آخذهماً بدرهميْنَ ،فأعطاهما إياه فأخذ
الدرهمين ،وأعطاهما النصاري ،وقال له :اًشتر بأحدهماً طعاًحماً فاًنَبذه إلىَ
أهلك ،واًشتر باًلخر قدوماً فاًئتنيِ به ،فأتاه به ،فشد فيه رسول الله ×
عودا بيده ،ثم قال :اًذهب فاًحتطب وبع ،ول أرينك خمسة عشر يوُماً ,فجاء ل
ثوبا ،وببعضها طعاملا, وقد أصابا عشرة دراهم ،فاشترى ببعضها ل
فقال له رسول الله × :هذاً خيْر لك منَ أن تجئ اًلمسألة نَكتة سوُداًء فيِ
وجهك يوُم اًلقيْاًمة).(1
»وهذا نفس المعنى الذي أشار إليه أمير المؤمنين عمر بن
الخطابا :
« » :
ض لواًبكيتليغيوُاً رمكنَ
صللةي فلاًنَكيتلرشيرواً رفيِ اًللكر ر ر
ضيْ ر
ت اًل ل + : فلرإلذاً قي ل
ضرل اً ر
ل] "...الجمعة.[10 : فل ك
نعم ،لبد من بذل الجهد ،لن الخذ بالسبابا والكدح للحصول
على ما يرغب النسان في تحقيقه هو ذاته من سنن الله
تعالى.(2) «...
وكذلك بالنسبة لمر الخرة ،لبد من الخذ بالسبابا حتى يصل
النسان إلى ما يرجو من رحمة الله وجنته ،قال تعالى+ :لولمكنَ أللراًلد
اًللرخلرلة لولسلعىَ للهاً لسكعيْليلهاً لويهلوُ يمكؤرمرنَ فليأولئر ل
ك لكاًلن لسكعيْيييهمُ لمكشيكوُحراً" ]السراء [19 :لقد كان
)( رواه أبو داود ،كتابا الزكاة ،بابا :ما تجوز فيه المسألة ).(2/120 1
107
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الغزو الثقافي يمتد من فراغنا للغزالي ،ص .150 :147 2
108
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( رواه الترمذي في صفة القيامة بابا ) (4/668) (60رقم .537 3
)( انظر :التوكل على الله تعالى وعلقته بالسبابا ،د .عبد الله الدميجي ،ص 4
.179
)( الترمذي ،كتابا الزهد ،بابا التوكل على الله ) (4/573رقم ،2344حسن 5
صحيح.
109
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
مسلم :كتابا القدر بابا المر بالقوة ) (4/2052رقم .2664 )( 4
110
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
في ظلل القرآن ) (2/919تفسير آية 54من سورة المائدة. )( 1
مسلم مع شرح النووي ،كتابا الجهاد ،بابا :فضل الرمي ).(13/64 )( 5
111
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
يتقوى به على
حربا العدو ،وكل ما هو آلة للغزو والجهاد ،فهو من جملة
القوة ،وقوله عليه السلما» :القوة الرمي« ل ينفي كون
غير الرمي معتبرا كما أن قوله:
»الحج عرفة« ) .(1وقوله» :الدين النصيحة« ل ينفي
)(2
اعتبار غيره ،بل يدل على أن هذا المذكور جزء شريف من
المقصود وكذا هنا).(3
كما يساعد على هذا الفهم مجيء كلمة »قوة« هنا نكرة ل
معرفة ,فهي تشمل كل سلح معروف أو سيعرف مع الزمن
المتجدد فهي تتسع لعداد الطائرات والصواريخ والدبابات ..وكل
السلحة التي لها التأثير الحاسم في المعركة).(4
ومعنى »رباط الخيل« قال النسفي :هي اسم للخيل التي
ترابط في سبيل الله تعالى) ،(5وقال صاحب تفسير المنار :الرباط
في أصل اللغة :الحبل الذي يربط به الدابة،
ر ر ر
ورباط الخيل :حبسها واقتناؤها) ,(6ومعنى +تييكرهيبوُلن به" أي :تخزون،
كما قال الطبري) ،(7وقال ابن كثير :تخوفون به) ،(8وقال الشيخ
المراغي :الرهبة :هي الخوف
المقترن بالضطرابا).(9
ومعنى +لوآلخرريلنَ رمنَ يدونَررهكمُ" قال الطبري :هم كل عدو للمسلمين
غير الذي أمر النبي ×؛ أن يشرد بهم من خلفه) ،(10وذكر الفخر
الرازي فيه وجوها ثم قال :وأصح ما قيل في المقصود منهم:
»أنهم المنافقون«).(11
ذكر الله تعالى في هذه الية الكريمة ما لجله أمر بإعداد هذه
الشياء ,فقال جل شأنه+ :تييررهبوُلن برره لعيدلو اً ر
ل لولعيدلويككمُ لوآلخرريلنَ "...ذلك أن ك ي
الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له
) (3،مسلم ،كتابا اليمان ،بابا :إن الدين النصيحة ).(1/74 1
2
112
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
113
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المؤمن الضعيف«).(1
وما أحوج المسلمين اليوما إلى أن يحصلوا كل أسبابا القوة،
فهم يواجهون نظاما عالميا وقوى دولية ل تعرف إل لغة القوة,
فعليهم أن يقرعوا الحديد بالحديد ،ويقابلوا الريح بالعصار،
ويقاتلوا الكفر وأهله بكل ما يقدرون عليه ،وبكل ما امتدت إليه
يدهم وبكل ما اكتشف النسان ووصل إليه العلم في ذلك العصر
من سلح وعتاد واستعداد حربي ،ل يقصرون في ذلك ول
يعجزون).(2
إن هذا العداد الشامل من أجل تمكين الله يدخل تحت
مسمى الجهاد والذي بدونه يستحال التمكين لشرع الله
وإقامة دولة تحكم بمنهج الله ،يقول الشيخ محمد الغزالي:
»إن التغيير السلمي الذي تنشده المة السلمية ل يمكن
تحقيقه من غير جهاد ،وبدون صياغة جيل مجاهد ،فالمهمة
التغييرية مهمة شاقة ،فالقوى الظاهرة والخفية القابضة
على الزماما في عالمنا قوى شريرة ،وقد هيأها أعداء لهذا
الدور من زمن بعيد ،وهي تعمل ليل نهار على خفت صوت
السلما بشتى الطرق والوسائل ,وإزالة هذه القوى ،وإقامة
السلما مكانها ليس بالمر السهل ،فهي ستتشبث بمواقعها
حتى النفس الخير وذلك يحتاج أول وقبل كل شيء إلى
تربية جهادية تخرج أنماطا من المجاهدين ،يحبون الموت
م السلما وقضاياه كما يحب الناس الحياة ،ويعيشون ه ز
ليلهم ونهارهم .لبد من بناء قاعدة صلبة متينة تستطيع أن
تصمد في هذا الصراع الجبار ,وتقف في وجه المؤامرات،
وتجاهد في كل المجالت والجبهات ،وتدفع ثمن التمكين
لدين الله في الرض من زهرة
أبنائها الشهداء).(3
»إن الواجب على المة السلمية اليوما لتنهض وتتقدما وتترقى
في مصاعد المجد أن تجاهد -بمالها ونفسها -الجهاد الذي أمرها
الله به في القرآن الكريم مرارا عديدة ،فالجهاد بالمال والنفس
هو العلم العلى الذي يهتف بالعلوما كلها ،فإذا تعلمت المة هذا
)( انظر :ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ لبي الحسن الندوي ،ص .225 2
114
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( انظر :لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدما غيرهم؟ المير شكيب أرسلن ،ص 4
.164
115
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
الســــــــبابا المعنــــــوية
ويحتل العداد المعنوي المكانة الولى ،حتى إن التمكين
ليرتبط بالدرجة الولى بمدى الخذ بهذه السبابا ومن أهمها:
أولل :إعداد الفراد الربانيين:
ولقد رسم لنا النبي × منهجا متميزا في تربية الفراد على
معاني الربانية وتحمل أداء رسالة ربا البرية ،وكان × مهتما ببناء
القاعدة الصلبة وتربية أتباعه على معاني العقيدة الصحيحة ،فقد
حرص × منذ اليوما الول من بعثته على أن يعطي الناس التصور
الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم ،مدركا أن هذا التصور سيورث
التصديق واليقين عند من صفت نفوسهم ،واستقامت فطرتهم،
ولقد ركز النبي × في تربيته لصحابه على عدة جوانب منها:
أن الله منزه عن النقائص ،موصوف بالكمالت التي ل -1
تتناهى فهو سبحانه واحد ل شريك له ،ولم يتخذ صاحبة ول ولدا.
وأنه سبحانه خالق كل شيء ،ومالكه ،ومدبر أمره +أللل -2
لهي اًلكلخكليق
لواًلكمير" ]العراف.[54 :
وأنه تعالى جده مصدر كل نعمة في هذا الوجود ،دقت -3
ر ر ة ر
أو عظمت ،ظهرت أو خفيت +لولماً بيكمُ بمنَ نَبيكعلمة فلملنَ اًل" ]النحل.[53 :
وأن علمه محيط بكل شيء ،فل تخفى عليه خافية في -4
ل
الرض ،ول في السماء ،ول ما يخفى النسان وما يعلن+:لوألن اًلل قلكد
أللحاًلط بريكبل لشكيِةء رعكلحماً" ]الطلق.[12 :
وأنه سبحانه يقيد على النسان أعماله بواسطة ملئكته، -5
في كتابا ل يترك صغيرة ول كبيرة إل أحصاها ،وسينشر ذلك في
ب لعرتيْرد" ر ر اللحظة المناسبة والوقت المناسب +ماً ييكلرف ي ر
ظ منَ قليكوُةل إرلل للديكه لرقيْ ر ل ل
]ق.[18 :
وأنه سبحانه يبتلي عباده بأمور تخالف ما يحبون ،وما -6
يهوون ،ليعرف الناس معادنهم ،من منهم يرضى بقضاء الله
وقدره ،ويسلم له ظاهرا وباطنا ،فيكون جديرا بالخلفة والمامة
116
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
والسيادة ،ومن منهم يغضب ويسخط ،فل يساوي شيئا ،ول يسند
ر إليه شيء+ :اًلرذيِ لخ للق اًلكلمكوُ ل
ت لواًلكلحليْاًةل للكيْبيليلوُيككمُ أليميككمُ ألكح ل
سينَ لعلملح" ]الملك.[2 :
وأنه سبحانه يوفق ويؤيد وينصر من لجأ إليه ،ولذ -7
ر ر
بحماه ،ونزل على حكمه في كل ما يأتي وما يذر+ :إرلن لوليْلليِ اًلي اًلذيِ
صاًلررحيْلنَ" ]العراف.[196 :
ب لويهلوُ يليتليلوُللىَ اًل ل ر
نَليلزلل اًلككلتاً ل
وأنه وأن حقه سبحانه وتعالى على العباد أن يعبدوه، -8
ر
شاًكرري ل
نَ" ]الزمر: ويوحدوه ،فل يشركوا به شيئا+ :بلرل اًلل لفاًكعبيكد لويكنَ بملنَ اًل ل
.[66
وأنه -سبحانه -حدد مضمون هذه العبودية ،وهذا -9
التوحيد في القرآن العظيم.
وظل × يطرق معهم هذه الجوانب ،ويكرر على أصحابه ومن
آمن به ,ويفتح عيونهم عليها من خلل الكتابا المنظور ،والكون
المسطور حتى خشعت قلوبهم وسمت أرواحهم ,وطهرت
نفوسهم ،ونشأ لديهم تصور وإدراك لحقيقة ومضمون اللوهية
يخالف تصورهم الول ،وإدراكهم القديم).(1
واهتم × بغرس حقيقة المصير وسبيل النجاة لصحابه موقنا
أن من عرف منهم عاقبته ،وسبيل النجاة والفوز في هذه العاقبة،
سيسعى بكل ما أوتي من قوة ووسيلة لسلوك هذا السبيل ،حتى
يظفر غدا بهذه النجاة ,وذلك الفوز ،وركز × في هذا البيان على
الجوانب التالية:
أن هذه الحياة الدنيا مهما طالت فهي إلى زوال ،وأن -1
ر ة ر ل ر
متاعها مهما عظم ،فإنه قليل حقير+ :إنَلماً لمثليل اًلكلحليْاًة اًلمدنَكيليْاً لكلماًء ألنَكيلزلكلناًهي ملنَ
ض يزكخيرفليلهاً لواًلزيلينل ك
ت ت اًللكر ي ض رملماً يأكيكل اًللناًس واًلنَكيعاًم حلتىَ إرلذاً أللخلذ ر
ل ي ي ل لي ل ت اًللكر ر سلماًرء لفاًكختلي ل ل
ط برره نَليلباً ي اًل ل
لوظللنَ ألكهليلهاً ألنَلييهكمُ لقاًرديرولن لع لكليْيلهاً أللتاًلهاً
ت لرلقكوُةم يليتليلفلكيرولن" صل اًللياً ر
ك نَييلف ب ي ل س لكلذلر ل
صيْحداً لكلأن لكمُ تليغكلنَ رباًلكم ر ألكمرلنَاً لكيْلح ألو نَليلهاًراً فلجعكللناًلهاً ح ر
ل ك ح لل ي
ر
]يونس+ .[24 :قيكل لملتاًعي اًلمدنَكيليْاً قلليْرل" ]النساء.[77 :
وأن كل الخلق إلى الله راجعون ،وعن أعمالهم -2
بس ي مسئولون ومحاسبون ,وفي الجنة أو في النار مستقرون+:أليلكح ل
)( انظر :منهج الرسول × في غرس الروح الجهادية ،د .سيد نوح ،ص .160 :10 1
117
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
+يكليوُاً لواًكشلربيوُاً لهنريْحئاً برلماً ألكس لكفتيكمُ رفيِ اًللياًرم اًلكلخاًلريْلرة" ]الحاقة.[24 :
وأن الناس مع زوال الدنيا ،واستقرارهم في الجنة ،أو -4
في النار ،سيمرون بسلسلة طويلة من الهوال والشدائد+ :لياً أليميلهاً
ضيع ت لوتل ل ضلعةة لعلماً ألكر ل
ضلع ك ساًلعرة لشيِء لعرظيْمُ ييوُم تليرونَليلهاً تلكذلهل يكمل مر ر س اًتلييقوُاً لربليككمُ إرلن لزلكلزلةل اًل ل
ي يك ك ر ر لك ل لك اًللناً ي
شرديرد" ]الحج: ل ل ت حمةل حمللهاً وتليرىَ اًللناًس سلكاًرىَ وماً يهمُ برسلكاًرىَ ولركلنَ لعلذاًب اً ر
ل ي ل ل ل ي ل لل يكمل لذاً ل ك ل ك ل ل
ر
.[1،2
سلماًءي يمنلفرطرر برره لكاًلن
ف تليتلييقوُلن رإن لكلفكرتيكمُ يليكوُحماً يلكجلعيل اًلكروُلكلداًلن رشيْحباً اًل ل
وقال تعالى+ :فللككيْ ل
لوكعيدهي لمكفيعوُلح" ]المزمل.[18 ،17 :
وسبيل النجاة من شر هذه الهوال ،ومن تلك الشدائد، -5
)(1
والظفر بالجنة والبعد عن النار ،باليمان بالله تعالى وعمل
ر صاًلرحاً ر ر ر
ت تلكجرريِ منَ
ت ليهكمُ لجلناً ر الصالحات ابتغاء مرضاته +إرلن اًلذيلنَ آلمنيوُاً لولعمليوُاً اًل ل ل
تلكحترلهاً اًلنَكيلهاًير لذلر ل
ك اًلكلفكوُيز اًلكلكربيْير" ]البروج.[11 :
ومضى × كذلك يبصرهم ويذكرهم بدورهم ورسالتهم في
الرض ،ومنزلتهم ومكانتهم عند الله ،وظل × معهم على هذه
الحال من التبصير والتذكير حتى انقدح في ذهنهم ما لهم عند
الله ،وما دورهم ،ورسالتهم في الرض ،وتأثرا بتربيته الحميدة
تولدت الحماسة والعزيمة في نفوس أصحابه ،فانطلقوا عاملين
بالليل والنهار بكل ما في وسعهم ،وما في طاقتهم دون فتور أو
توان ،ودون كسل أو ملل ،ودون خوف من أحد إل من الله ،ودون
طمع في مغنم أو جاه إل أداء هذا الدور وهذه الرسالة ،لتحقيق
السعادة في الدنيا والفوز والنجاة في الخرة).(2
دا ربانيا وكانتوكان × يحرص على إعداد أصحابه إعدا ل
خطواته تتم بكل هدوء وتدرج وسرية ،وانصبت أهدافه التربوية
على تعليم الكتابا والسنة وتلوة القرآن الكريم وتطهير النفوس
)( انظر :منهج الرسول × في غرس الروح الجهادية ،د .سيد نوح ص .34 :19 1
118
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
119
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
120
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
.1763
)( صحيح أبي داود ) (2/499كتابا الجهاد ،بابا :ما يدعي عند اللقاء )(2/499 2
رقم .2291
)( صحيح أبي داود ).(2/286 3
)( البخاري ) ،(5/172كتابا آيات القرآن ،بابا :إن الناس قد جمعوا ).(5/203 4
121
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( دعوة الله بين التكوين والتمكين ،د .علي جريشة ،ص .92 ،91 1
122
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
).(1
وروى مسلم في الصحيح عن طاوس قال» :أدركت ناسا من
أصحابا رسول الله × يقولون :كل شيء بقدر ،قال :وسمعت
عبد الله بن عمر يقول» :كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو
الكيس والعجز«).(2
وقال ×» :وإن أصابك شيء فل تقل لو أني فعلت كذا كان
كذا وكذا ,ولكن قل قدر الله وما شاء فعل« ).(3
إن اليمان بالقضاء والقدر يجعل الفراد العاملين في الدعوة
والذين يسعون لتحكيم شرع الله تعالى يتذوقون ثمارا كثيرة
تجعلهم يبذلون الغالي والرخيص من أجل عقيدتهم ودينهم وكتابا
ربهم وسنة نبيهم.
ويستفيدون من تلك الثمار اليانعة في مسيرتهم الدعوية
المباركة ،بل هذه الثمرات تعود بالخير العميم على الفراد
والمجتمعات في الدنيا والخرة.
ومن أهم هذه الثمرات:
- 1أداء عبادة الله عز وجل ،فالقدر مما تعبدنا الله سبحانه
وتعالى باليمان به.
- 2اليمان بالقدر طريق الخلص من الشرك ،لن الذي يؤمن
بالقدر على الوجه الصحيح يتخلص من آفات ربما توقعه في
الشرك بالله ،أما اليمان الصحيح بالقدر فهو طريق توحيد الله
تعالى.
- 3الشجاعة والقداما ،فالذي يؤمن بالقدر يعلم أنه لن يموت
ل
إل إذا جاء أجله ول يناله إل ما كتب له ،فيقدما غير هيابا ،ول مبا ض
بما يناله من الذى والمصائب في سبيل الله ،كما قال أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب :
)(
)( مسلم ,كتابا اليمان ،بابا ما جاء في القدر ) (1/38رقم .8 1
)( مسلم ,كتابا القدر ،بابا كل شيء بقدر ) (4/2045رقم .2655 2
)( مسلم ,كتابا القدر ،بابا المر بالقوة وترك العجز ) (4/2053رقم .2664 3
123
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
-
.
-
, ,
.( )
ل ومنَ ييكؤرمنَ رباً ر
ل يليكهرد ر ر + : - ماً ألصاً ر ر ة
ب منَ مصيْبلة إرلل بررإكذن اً ل ل ي ك
ل ل ل
قليكلبلهي" ]التغابن.[11 :
- الكرما ،فالذي يؤمن بالقدر ،وأن الفقر والغنى بيد الله ,وأنه
ل يفتقر إل إذا قدر الله له ذلك ،فإنه ينفق ول يبالي.
- الخلص ،فالذي يؤمن بالقدر ل يعمل لجل الناس ،لعلمه
أنهم ل ينفعونه إل بشيء قد كتبه الله له.
- إحسان الظن بالله وقوة الرجاء ،فالمؤمن بالقدر حسن
الظن بالله ،قوى الرجاء به في كل أحواله.
- الخوف والحذر من الله ،فالمؤمن بالقدر على حذر من الله
تعالى ،إذ ل يأمن مكر الله إل القوما الخاسرون ،فل يغتر بعمله
مهما كان كثيرا ،فإن القلوبا بين أصبعين من أصابع الرحمن
يقلبها حيث يشاء والخواتيم علمها عند الله.
-اليمان بالقدر يقضي على كثير من المراض التي تفتك
بالمجتمعات وتزرع الحقاد بينهم ,وذلك مثل رذيلة الحسد،
فالمؤمن ل يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ،فاليمان
منه بأن الله هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك ،فأعطى من شاء
ومنع من شاء ابتلء وامتحانا منه عز وجل ،وأنه حين يحسد غيره،
إنما يعترض على القدر).(2
-التوكل واليقين والستسلما لله ،والعتماد عليه كما قال
)( انظر :اليمان بالقضاء والقدر لمحمد إبراهيم ،ص .25 1
)( انظر :مجلة البحوث السلمية ،عدد ،34ص ،250مبحث وسطية أهل السنة 2
في القدر.
124
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
ل ر
تعالى+ :يقل لنَ يمصيْبليلناً إرلل لماً لكتل ل
ب اًلي للناً" ]التوبة.[51 :
- عدما العتماد على الكهان والمنجمين والمشعوذين والتمسح
بأتربة القبور ودعاء غير الله ،وصرف شيء من أنواع العبادة لغير
الله ،لنها ل تملك لنفسها نفعا ول ضرا.
-التواضع ،فالمؤمن بالقدر إذا رزقه الله بمال ،أو جاه ،أو
علم ،أو غير ذلك تواضع لله ،لعلمه أن هذا من الله ،ولو شاء الله
لنتزعه منه ،وإنه على كل شيء قدير.
-ومن ثمرات اليمان بالقدر ،السلمة من العتراض على
أحكاما الله الشرعية ،وأقداره الكونية والتسليم لله في ذلك كله.
-ومن ثمراته الجد والحزما في المور ,والحرص على كل
خير ديني أو دنيوي ،كما في قوله ×» :اًحرص علىَ ماً ينفعك واًستعنَ باًل
ول تعجز ،وإن أصاًبك شيِء فل تقل لوُ أنَيِ فعلت كذاً كاًن كذاً وكذاً ولكنَ قل
قدر اًل وماً شاًء فعل«).(1
-الشكر ،فالمؤمن بالقدر يعلم أن ما به من نعمة فمن الله
وحده ،وأن الله هو الدافع لكل مكروه ونقمة ،فينبعث بسبب ذلك
إلى شكر الله إذ هو المنعم المتفضل الذي قدر له ذلك وهو
المستحق للشكر ،وهذا ل يعني أل يشكر الناس.
-الرضا ،فيرضى بالله ربا مدبرا مشرعا ،فتمتلئ نفسه
بالرضا عن ربه فإذا رضي بالله أرضاه الله عز وجل» ،فالرضا بابا
الله العظم وجنة الدنيا ،ومستراح العابدين «).(2
حرمت منه أمم -فرح المؤمن بذلك اليمان بالقدر الذي ع
خيْيرر بملماً يلكجلميعوُلن" ل لوبرلركحلمترره فلبرلذلر ل
ك فليكليْليكفلريحوُاً يهلوُ ل ك ضرل اً ر
كثيرة ,قال تعالى+ :قيكل برلف ك
]يونس.[58 :
-الستقامة على المنهج سواء في السراء والضراء ،فالعباد
فيهم قصور ،ونقص وضعف ل يستقيمون على منهج سواء إل من
آمن بالقدر ،فإن النعمة ل تبطره والمصيبة ل تقنطه.
-عدما اليأس من انتصار الحق ,فالمؤمن بالقدر يعلم علم
اليقين أن العاقبة للمتقين ،وأن قدر الله في ذلك نافذ ل محالة،
فل يدبا اليأس إلى قلبه ،ول يعرف إليه طريقا مهما احلولكت
)( مسلم ،كتابا القدر ،بابا المر بالمعروف والنهي عن المنكر ) (4/2052رقم 1
.2664
)( جامع العلوما والحكم لبن رجب ).(2/476 2
125
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ظلمة الباطل.
-علو الهمة وعدما الرضا بالدون ،وعدما الرضا بالواقع الليم،
فالمؤمن بالقدر تجده عالي الهمة ل يرضى بالدون ول بالواقع
الليم المر ،ول يستسلم له محتجلا بالقدر ،إذ أن هذا ليس مجال
الحتجاج بالقدر ،لنه ليس من المصائب ،والحتجاج بالقدر إنما
يسوغا عند المصائب دون المعائب ،بل إن إيمانه بالقدر يحتم عليه
حثيثا لتغيير هذا الواقع حسب قدرته ل سعيا
ل أن يسعى
)(1
واستطاعته .
-اليمان بالقدر على وجه الحقيقة يكشف للنسان حكمة
سىَ لأن
الله عز وجل فيما يقدره من خير أو شر ,قال تعالى+ :لولع ل
سىَ لأن تيرحبموُاً لشكيْحئاً لويهلوُ لشور ليككمُ لواًلي يليكع ليمُ لوألنَكيتيكمُ لل تليكع ليموُلن" تلككريهوُاً لشكيْحئاً ويهوُ ل ك ل
خيْيرر يككمُ لولع ل ل ل ل
]البقرة.[216 :
)(2
كامنة كم نعمة ل تستقل
بشكرها
وقال آخر:
طي الحوادث محبوبا تجري المور على حكم
ومكروه القضاء وفي
)(3
أرجوه وربما سرني ما كنت
أحذره
-ومن ثمراته :عزة النفس والقناعة والتحرر من رق
المخلوقين ،فالمؤمن بالقدر يعلم أن رزقه مكتوبا ،وأنه لن يموت
حتى يستوفي رزقه ،ويدرك أن الله كافيه وحسبه ورازقه ،وأن
العباد مهما حاولوا إيصال الرزق له ،أو منعه عنه فلن يستطيعوا
إل بشيء قد كتبه الله ،فينبعث بذلك إلى القناعة وعزة النفس
والجمال في الطلب وترك التكالب على الدنيا والتحرر من رق
المخلوقين ،وقطع الطمع مما في أيديه ,والتوجه بالقلب إلى ربا
العالمين ،وهذا أساس فلحه ورأس نجاحه).(4
-سكون القلب وطمأنينة النفس وراحة البال ،فهذه المور
من ثمرات اليمان بالقضاء والقدر ،وهي هدف منشود ،فكل من
على وجه البسيطة يبتغيها ويبحث عنها ،وإنك لتجد عند خواص
)( (2) ,انظر :جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى ،للغرناطي ).(3/52 2
3
)( انظر :جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى ،للغرناطي ) 3/529
126
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( الشهادة الزكية في ثناء الئمة على ابن تيمية لمرعي الحنبلي ،ص .34 2
)( شيخ السلما ابن تيمية جهاده ودعوته وعقيدته ،أحمد القطان ومحمد الزين، 3
ص .101
)( قادة الغربا يقولون ،جلل العالم ص .63 4
127
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
التايمز اللندنية قائل» :إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلما
المناسب عن السلما فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر
كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى«) ،(1وقال
المستشرق الصهيوني» :برنارد لويس« تحت عنوان» :عودة
السلما« في دراسة نشرها عاما 1976ما ...» :إن غيابا القيادة
العصرية المثقفة؛ القيادة التي تخدما السلما بما يقتضيه العصر
من علم وتنظيم ،إن غيابا هذه القيادة قد قيدت حركة السلما
كقوة منتصرة ،ومنع غيابا هذه القيادات الحركات السلمية من
أن تكون منافسا خطيرا على السلطة في العالم السلمي ,لكن
هذه الحركات يمكن أن تتحول إلى قوى سياسية هائلة إذا تهيأ
لهذا النوع من القيادة«).(2
ويظهر للباحث أهمية القيادة الربانية في فقه التمكين ،وقد
تكلم العلماء عن صفات القائد الرباني ونجملها في أمور ونركز
على بعضها بالتفصيل ،فمن أهم هذه الصفات :سلمة المعتقد،
والعلم الشرعي ،والثقة بالله ،والقدوة ،والصدق ،والكفاءة،
والشجاعة ،والمروءة ،والزهد ،وحب التضحية ،وحسن اختياره
لمعاونيه ،والتواضع ،وقبول التضحية ،والحلم ،والصبر وعلو الهمة،
و التميز بخفة الروح والدعابة ،والحزما والرادة القوية ،والعدل
والحتراما المتبادل والقدرة على حل المشكلت ،والقدرة على
التعليم وإعداد القادة ،وغير ذلك من الصفات.
إن من أهم أسبابا التمكين أن يتولى أمور الدعوة وقيادة
المسلمين قيادة ربانية قد جرى اليمان في قلبها وعروقها
وانعكست ثماره على جوارحها وتفجرت صفات التقوى في
أعمالها وسكناتها وأحوالها.
إن القيادة الربانية تستطيع أن تنتقل بفضل الله وتوفيقه
بالحركة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة ,ولبد أن يكون
العلماء الربانيون هم قلب القيادة الربانية وعقلها المفكر حتى
تسير الحركة والمة على بصيرة وهدى وعلم.
ولبد أن نحدد من هم العلماء الذين يكونون على رأس القيادة
الربانية.
والعلماء المقصودون هم :العارفون بشرع الله ،المتفقهون في
دينه ،العاملون بعلمهم على هدى وبصيرة ،الذين وهبهم الله
128
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
خيْيراً لكرثيْراً لولماً يللذلكر إرلل يأويلوُ اًللكلباً ر ر الحكمة +ومنَ ييكؤ ل ر
]البقرة: ب" ي ت اًلكحككلمةل فليلقكد يأوتليِ ل ك ح ح لل ي
.[269
والعلماء هم :الذين جعل الله عز وجل عماد الناس عليهم في
الفقه ،والعلم ,وأمور الدين والدنيا).(1
والعلماء هم) :فقهاء السلما ،ومن دار الفتيا على أقوالهم بين
عنوا بضبط قواعد الحلل الناما الذين خصوا باستنباط الحكاما ،و ع
والحراما( ).(2
والعلماء هم :أئمة الدين ،نالوا هذه المنزلة العظيمة بالجتهاد
صبلييرواً لولكاًنَيوُاً ربآِلياًترلناً ييوُقرينوُلن" ر ر
والصبر واليقين +لولجلعكللناً م كنييهكمُ ألئلمةح يليكهيدولن برألكمررلنَاً للماً ل
]السجدة.[24 :
والعلماء هم :ورثة النبياء ،ورثوا عنهم العلم ،فهم يحملونه في
صدورهم وينطبع في الجملة -على أعمالهم -ويدعون الناس
إليه ،والعلماء هم :الفرقة التي نفرت من هذه المة لتتفقه في
دين الله ،ثم تقوما بواجب الدعوة ،ومهمة النذار +لولماً لكاًلن اًلكيمكؤرمينوُلن
لرليْنرفيرواً لكاًفلةح فلي لكوُلل نَليلفلر رمنَ يكبل فركرقلةة بم كنييهكمُ لطاًئرلفةر لرليْتليلفلقيهوُاً رفيِ اًلبديرنَ لولرييْنرذيرواً قليكوُلميهكمُ إرلذاً لرلجعيوُاً إرلكيْرهكمُ
للع ليهكمُ يلكحلذيرولن" ]التوبة.[122 :
والعلماء هم هداة الناس الذين ل يخلو زمان منهم حتى يأتي
أمر الله ،فهم رأس الطائفة المنصورة إلى قياما الساعة ,يقول
الرسول ×) :ل تزاًل طاًئفة منَ أمتيِ قاًئمة بأمر اًل ل يضرهمُ منَ خذلهمُ ،أو
خاًلفهمُ حتىَ يأتيِ أمر اًل وهمُ ظاًهرون علىَ اًلناًس( ).(3
كيف يعرف العلماء؟
إن العلماء يعرفون بعلمهم ،فالعلم هو الميزة التي تميزهم
عن غيرهم ،فهم إن جهل الناس نطقوا بالعلم الموروث عن إماما
المرسلين × )ويعرفون برسوخ أقدامهم في مواطن الشبهة،
حيث تزيغ الفهاما فل يسلم إل من آتاه الله العلم ،أو من اتبع
أهل العلم(.
فالعلماء أطواد ثابتة ،لنهم أهل اليقين الراسخ الذي اكتسبوه
)( البخاري ،كتابا العتصاما ،بابا قول النبي ×» :ل تزال (8/189) «...رقم 3
.7311
129
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
بالعلم ،يقول الماما ابن قيم الجوزية -رحمه الله ) :-إن الراسخ
في العلم لو وردت عليه من الشبهة بعدد أمواج البحر ما أزالت
يقينه ،ول قدحت فيه شكا ،لنه قد رسخ في العلم فل تستفزه
س العلم وجيشه مغلولة الشبهات (1،بل إذا وردت عليه ردها حر ع
مغلوبة( ) .
إن العلماء يعرفون -أيضا -بجهادهم ،ودعوتهم إلى الله عز
وجل ,وبذلهم الوقات ،والجهود في سبيل الله.
ويعرفون بنسكهم وخشيتهم لله ،لنهم أعرف الناس بالله,
شىَ اًلل رمكنَ رعلباًردره اًلكعي للماًءي إر ل
ن اًلل لعرزيرز غليفوُرر" ]فاطر: يقول الله عز وجل+ :إرنَللماً يلكخ ل
.[28
وقال الماما ابن تيمية رحمه الله» :ومن له في المة لسان
صدق عاما بحيث يثني عليه ويحمد في جماهير أجناس المة،
فهؤلء أئمة الهدى ومصابيح الدجى«).(2
وهذا حق ،فالمسلمون شهداء الله في أرضه).(3
وعن أنس بن مالك :
×» :وجبت« .ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا ،فقال» :وجبت«.
فقال عمر بن الخطابا :
» :هذاً أثنيْتمُ عليْه خيْراً ،فوُجبت له اًلجنة ،وهذاً أثنيْتمُ عليْه شراً ،فوُجبت
له اًلناًر ,أنَتمُ شهداًء اًل فيِ اًلرض«).(4
ومما يعرف به العالم شهادة مشايخه له بالعلم ،فقد دأبا
علماء المسلمين من سلف هذه المة ومن تبعهم بإحسان على
توريث علومهم ،الذين يتبوؤون من بعدهم منازلهم وتصبح لهم
الريادة ،والمامة في المة ،ول يتصدر هؤلء التلميذ حتى يروا
إقرار مشايخهم لهم بالعلم ،وإذنهم لهم بالتصدر ،والفتاء
والتدريس.
قال الماما مالك -رحمه الله ) :-ل ينبغي لرجل يرى نفسه
أهل لشيء حتى
انظر :قواعد في التعامل مع العلماء ،د .اللويحق ،ص .26 )( 3
البخاري ،كتابا الجنائز ،بابا :ثناء الناس على الميت ) (2/132رقم .1367 )( 4
130
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)(1
ويحيى يسأل من كان أعلم منه ،وما أفتيت حتى سألت ربيعة
)(2
بن سعيد
فأمراني بذلك ،ولو نهياني لنتهيت( ).(3
وقال ...) :ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للتحديث
والفتيا جلس ،حتى يشاور فيه أهل الصلح والفضل ،وأهل الجهة
من المسجد ،فإن رأوه أهل لذلك جلس ,وما جلست حتى شهد
لي سبعون شيخلا من أهل العلم أني موضع ذلك( ).(4
هذه بعض الدلئل الدالة على علم العالم ،أما المناصب ونحوها
ليست الدليل على العلم.
إن العلماء ل يحددون ويختارون عن طريق النتخابات ،ول عن
طريق التعيين الوظيفي ،أو الشهادات الجامعية والدرجات
واللقابا العلمية ،فكأين من عالم في تاريخ المة تصدر وعل
ذكره ،وأصبح إماما للمة كلها ،وهو لم يعرف المناصب ،وما الماما
أحمد بن حنبل ،وابن تيمية إل مثل من هذا التاريخ الطويل.
وهذا ل يعني أن كل من عين في منصب علمي ليس بعالم،
بل المراد أن المنصب ليس دليل على العلم ،وإل فإن الشأن
عندما يكون الحاكم خيرا ،أن يكون الولة ،والقضاة ،والمفتون
كذلك ،بل قد يوجد في عهد ظالم قضاة عادلون ومفتون ثقات).(5
وهناك ملحظة مهمة جدا أل وهي التفريق بين العلماء وبين ما
قد يشتبه بهم.
فلبد من التفريق بين العلماء والقراء:
شاسعا بين القارئ للعلوما الشرعية والفقيه فيها.
ل إن هناك بونلا
إن القارئ لديه نتف وجزئيات أمسك بها من خلل قراءته
لبعض الكتب ،وإطلعه على أقوال أهل العلم فهو لم يعان العلم،
حعلق ،ولذلك فإنهولم يشافه العلماء ،ولم يزاحمهم بالركب في ال ق
وإن رأيته متضلعا في موضوع من موضوعات الفقه والشريعة إل
أنه يغلق عليه عندما يسأله في مسألة من مسائل العلم).(6
)( هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ الماما المفتي ،عالم الوقت مفتي المدينة 1
المشهور بربيعة الرأي ،كان من أهل الجتهاد )ت 136هـ( ,سير أعلما النبلء )
.(6/89
)( هو الماما يحيى بن سعيد أبو سعيد القطان توفي )198هـ( ,تهذيب التهذيب 2
.11/16
)( صفة الفتوى والمستفتي لبن حمدان ).(7 3
131
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
132
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
قال ابن مسعود » :
.()«
- -
.
.
إن الشريعة السلمية أعطت اعتبارا للعلماء وبنته على
أمرين مهمين:
-1أن طاعتهم طاعة لله عز وجل ولرسوله × فالتزاما أمرهم
واجب.
-2أن طاعتهم ليست مقصودة لذاتها ،بل هي تبع لطاعة الله
ورسوله ×.
والدلة على هذه المنزلة وهذا العتبار للعلماء في الشريعة
غير منحصرة فمنها:
اًلدليْل اًلول :قوله تعالى+ :لياً أليميلهاً اًلرذيلنَ آلمنيوُاً ألرطيْعيوُاً اًلل لوألرطيْعيوُاً اًللريسوُلل لويأورليِ
اًلكمرر رمكنيككمُ" ]النساء.[59 :
وقد اختلف المفسرون في أولي المر منهم على أقوال:
فقيل :هم السلطين وذوو القدرة.
وقيل :هم أهل العلم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما» :يعني أهل الفقه والدين،
وأهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم ،ويأمرونهم
بالمعروف ،وينهونهم عن المنكر فأوجب الله سبحانه طاعتهم
على عباده«).(2
ويقول ابن كثير -رحمه الله » :-والظاهر والله أعلم أنها عامة
في كل أولي المر من المراء والعلماء«).(3
يقول الماما ابن قيم الجوزية -رحمه الله » :-والتحقيق أن
133
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
134
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
إن المثال تضربا للناس كلهم ولكن تعقلها وفهمها خاص بأهل
العلم ,قال ابن كثير -رحمه الله) :وما يفهمها ويتدبرها إل
الراسخون في العلم المتضلعون منه( ).(1
وقال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله ) :-وما يعقلها( أي:
بفهمها وتدبرها وتطبيقها على ما ضربت له ،وعقلها في القلب،
)إل العالمون( :أي :أهل العلم الحقيقي الذي وصل العلم إلى
قلوبهم.
وهذا مدح للمثال التي يضربها ،وحث على تدبرها وتعقلها،
ومدح لمن يعقلها ،وأنه عنوان على أنه من أهل العلم ،فعلم أن
من لم يعقلها ليس من العالمين).(2
اًلدليْل اًلخاًمس :أن أهل العلم أبصر الناس بالبشر ومداخل الشر،
ر ر ر لر
نَ" ]النحل: سوُءل لعللىَ اًلكلكاًفرري ل قال تعالى+ :لقاًلل اً ذيلنَ يأوتيوُاً اًلكعكللمُ إرلن اًلكخكز ل
يِ اًلكيْليكوُلم لواًلك م
.[27
قال الشيخ العلمة ابن سعدي -رحمه الله :-
ر ر لر
+لقاًلل اً ذيلنَ يأوتيوُاً اًلكعكللمُ" أي :العلماء الربانيون +إرلن اًلكخكز ل
يِ اًلكيْليكوُلم" أي :يوما
سوُءل" أي :سوء العذابا +لعللىَ اًلكلكاًفررريلنَ". القيامة +لواًلك م
وفي هذه فضيلة أهل العلم ،وأنهم الناطقون بالحق في هذه
الدنيا ،ويوما يقوما الشهاد ،وأن لقولهم اعتبارا عند الله وعند
خلقه).(3
ويقول سبحانه في سياق قصة قارون+ :لولقاًلل اًلرذيلنَ يأوتيوُاً اًلكرعكللمُ لويكيليككمُ
خيْيرر] "....القصص.[80 : ثليوُاًب اً ر
ل لك ل ي
فأهل العلم هنا كانوا متميزين عن غيرهم ،فهم بصراء بالشر
وعلماء بالخير ،فلما رأوا الناس يتمنون مثل ما أوتي قارون،
حذروهم من الشر ،وبينوا لهم الخير ،وأن الدار الخرة خير لمن
آمن وعمل صالحا.
ولم يعرف هؤلء الذين تمنوا حظوظ الدنيا أن العلماء على
صبللح اًلرذيلنَ تللمنليكوُاً الحق إل حينما حلت عقوبة الله بقارون عندها+ :لوأل ك
ط
سي لملكاًنَلهي رباًلكم ر
س يلييقوُيلوُلن لويكلكأللن اًلل يليكب ي
)( تفسير القرآن العظيم ).(3/414 1
135
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ر شاًء رمكنَ رعلباًردره ويليكقردر لكوُلل لأن لملنَ اًلي لع لكليْيلناً للخس ل ر ر
ف بلناً لويكلكألنَلهي لل يييكفل ي
ح ل ل ي اًلبركز رلق للمنَ يل ل ي
اًلكلكاًفيرولن"]القصص.[82 :
ولما كان العلماء هم العارفين بالشر صاروا هم الذين ينهون
الناس عن الوقوع فيه ،قال تعالى+ :لكوُلل يلي كنيلهاًيهيمُ اًللرلباًنَرميْوُلن لواًلكحلباًير لعنَ قليكوُلرهيمُ
ر
صنلييعوُلن" ]المائدة.[63 : س لماً لكاًنَيوُاً يل ك سكح ل ر
ت لبكئ ل اًرلثكلمُ لوألككلررهيمُ اًل م
أي :هل نهاهم العلماء المتصدون لنفع الناس عن هذه الشرور
العظيمة ،وهم -أي :العلماء -العارفون بالشر ومداخل الشر
فكان لزاما أن يبينوا للناس.
والناس عليهم لزوما طاعة العلماء والستجابة لتحذيرهم من الشر
ونهيهم عن المعاصي).(1
هذه بعض الدلة في القرآن الكريم ،وأقوال المفسرين فيها
ترشدنا إلى أهمية العلماء في قيادة المة وقيادة الصفوة التي
تقود المة.
وقد جاءت الحاديث النبوية في إرشاد المة إلى منزلة
العلماء:
اًلدليْل اًلول :أن اًلعلماًء ورثة اًلنَبيْاًء ،وهمُ اًلمفضلوُن بعد اًلنَبيْاًء علىَ ساًئر
اًلبشر:
عن أبي الدرداء) × : (2يقول» :فضل اًلعاًلمُ علىَ
اًلعاًبد كفضل اًلقمر ليْلة اًلبدر علىَ ساًئر اًلكوُاًكب ،وإن اًلعلماًء ورثة اًلنَبيْاًء ،وإن
اًلنَبيْاًء لمُ يوُرثوُاً ديناًراً ول درهماً ،ولكنهمُ ورثوُاً اًلعلمُ ,فمنَ أخذه أخذ بحظ واًفر«
).(3
قال الماما ابن رجب) - (4رحمه الله » :-يعني أنهم ورثوا ما
جاء به النبياء من العلم ،فهم خلفوا النبياء في أممهم بالدعوة
إلى الله وإلى طاعته ،والنهي عن معاصي الله والذود عن دين
الله«).(5
اًلدليْل اًلثاًنَيِ :إن اًلعلماًء همُ اًلمبلغوُن عنَ اًلنَبيْاًء:
)( انظر :قواعد في التعامل مع العلماء ،ص)(53 1
)( هو الصحابي الجليل عويمر بن عامر الخزرجي النصاري ،توفي عاما 133هـ، 2
الصابة ).(3/46
)( رواه أبو داود ،كتابا العلم ،بابا الحث على طلب العلم ) (317/3رقم .3641 3
)( هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي ،توفي 795هـ، 4
136
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( البخاري ،كتابا فرض الخمس ،بابا :قول الله +فلله خمسه" ) (4/60رقم 2
.3116
)( رفع الملما عن الئمة العلما )ص .(11 3
137
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
حكمهم الذاتي ،بل سؤال عما يفهمون عن الله -عز وجل -عن
رسوله ×.
ولبد أن ننبه إلى أمر عظيم أل وهو أن بعض المنسوبين إلى
الخير والصلح اليوما يعتبرون للعلماء منزلة وطاعة في بعض
جوانب الحياة ،ويرون أن هناك جوانب أخرى ليس للعلماء فيها
اعتبار ،وإنما العتبار لغيرهم من المفكرين أو الساسة أو الدعاة
أو قادة الجماعات أو غيرهم ,وهذا أمر ل شك أنه غير صحيح ،لن
العلماء يفهمون السياسة الشرعية ،وأمور الجهاد ،والهدنة
والمصالح والمفاسد وغير ذلك من الحكاما التي تتناول مظاهر
الحياة جميعا.
وعلى المختصين في جوانب الحياة من الكوادر القتصادية،
والسياسية ،والطبية ،والعسكرية أن يبينوا واقع تخصصاتهم إلى
العلماء الربانيين حتى يطبق العلماء الحكم الشرعي على الوقائع
المتجددة.
وهناك ملحظة مهمة ،أل وهي أن العلماء جاء اعتبارهم عن
طريق الشرع فإنه ل يرفع هذا العتبار إل الشرع ,فإذا قارف
العالم عمل أو قال قول يخرما دينه ،ويجعله غير أهل لمامة المة،
ول يستحق أن يكون على رأس قيادتها فإنه يزال عنه اعتبار
طاعته وأخذ قوله ،وأما إذا كان رفع اعتبار هذا العالم جاء من جهة
عدما رضا الناس برأيه أو عزله ،أو حسد قرنائه له ،فإن ذلك ليس
هادما لعتباره ،وإل لهدمنا اعتبار أئمة الهدى
-من أمثال :أحمد بن حنبل ،وابن تيمية ،وغيرهما رحمهم الله -
الذين مروا بأحوال وأزمان لم يعتبر الناس لهم فيها رأيا حتى
أيدهم الله بتأييده).(1
إن العلماء في مسيرة الحياة السلمية دائما وأبدا يتصدرون
شعوبهم وأممهم ,وبهم تقاما الدول ويمكن لشرعه على أيديهم
وإليهم المرجع عند الفتن والملحم والمحن ،فلبد من إعطاء
العلماء الربانيين المستوعبين لواقعهم العاملين بكتابا ربهم وسنة
نبيهم × والملمين بتاريخ المم والدول والشعوبا دورهم الطبيعي
في المة عموما وفي الحركات السلمية خصوصا فهذا من فقه
التمكين.
ول شك أننا اليوما في محنة عظيمة وفتن أليمة كقطع الليل
138
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
139
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
يتصور اتفاقهم على أمر إذا لم يكن لهم سراة يصدرون عن
رأيهم ،ولذلك كان الرد إلى أهل الحل والعقد.
إن قياما مسألة النكار في المور العامة هو على فهم مسألة
عظيمة هي ،المكان وعدما المكان ,وتحديد هذا المكان وعدمه
ليس إلى جمهور الناس وعوامهم ،بل هو إلى العلماء بشرع الله
البصراء بواقع الناس).(1
فلبد من وضع الثقة بالعلماء الربانيين ،فكثير من الناس من
يطالب العلماء بعمل من العمال هم عنه ممتنعون ،وما امتناعهم
عنه إل لنظرهم من مآلت المور وعواقبها.
إذ بعض المصالح قد يمتنع عنه لما يؤدي إليه من المآل من
المفاسد العظمى ،والدين السلمي يراعي المصالح ،فل يقر
اعتبار مصلحة دنيا على حسابا وقوع مفسدة عظمى.
أل ترى أن قتل المنافق الثابت نفاقه ،المعروف باستهزائه
بآيات الله وبرسوله × ،وبالمؤمنين ..أمر مشروع بل موجب
للقتل ،وهو الردة ومفارقة الدين؟
فقد امتنع عنه النبي × لما يفضي إليه هذا القتل من المفاسد,
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) (2أنه قال :كنا مع النبي ×
في غزاة ،فكسع رجل من المهاجرين رجل من النصار ،فقال
النصاري :يا للنصار ،وقال المهاجري ،يا للمهاجرين ،فقال رسول
الله ×» :ما بال دعوى الجاهلية« قالوا :يا رسول الله ,كسع رجل
من المهاجرين رجل من النصار ,فقال» :دعوها فإنها منتنة«
فسمعها عبد الله بن أبي ،فقال :قد فعلوها ،والله لئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن العز منها الذل ,قال عمر :دعني أضربا عنق
هذا المنافق ،فقال» :دعه ل يتحدث الناس أن محمدا يقتل
أصحابه« ).(3
إن النبي × امتنع عن قتل المنافق خشية أن يتحدث الناس أن
رسول الله × يقتل أصحابه في وقت كانت الدعوة فيه في طور
النتشار ،مما ينفر الناس عن اليمان برسالة محمد × ,وهذا
المحظور أعظم من المصلحة المتحققة بقتل هذا المنافق).(4
إن وضع الثقة في العلماء الربانيين لخطوة مباركة نحو تحكيم
)( المصدر نفسه ،ص .123 1
)( هو جابر بن عبد الله النصاري السلمي ،من أهل بيعة الرضوان ،شهد مع النبي 2
× 19غزوة) ،ت 78هـ( وقيل غير ذلك ،انظر :الستيعابا ).(110 ، 2/109
)( البخاري ،كتابا التفسير ،بابا تفسير سورة المنافقين ) (79-6رقم .4907 3
140
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( انظر :وجوبا لزوما الجماعة وترك التفرق ،د .جمال بادي ،ص .136 ،135 1
)( عبد الله بن سبأ اليهودي قيل :أصله من صنعاء وقيل غير ذلك رأس الطائفية 2
السبئية التي كانت تقول بألوهية علي ,أظهر السلما ونشر الفتنة بين المسلمين
وتذرع بحب آل البيت وكانت له مصائب عظيمة على المسلمين ,توفي 40هـ.
)( انظر :مقالت السلميين للشعري ).(1/86 3
)( هو بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي العدوي ،فقيه معتزلي ،عارف 4
142
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( انظر :وجوبا لزوما الجماعة وترك التفرق ،ص .136 1
)( نص الشاطبي على أن أسبابا الوقوع في الختلف ثلثة أمور وهي :الجهل، 2
واتباع الهوى ،والتصميم على اتباع العوائد وإن فسدت وإن كانت مخالفة للحق
)العتصاما.(180 – 2/172 :
)( انظر :وجوبا لزوما الجماعة وذما التفرق ،ص .137 3
)( القاموس المحيط للفيروز آبادي ) ,(4 ،3/3الصحاح للجوهري )(3/1183 4
143
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( البخاري ،كتابا الصلح ،بابا :إذا اصطلحوا على صلح ) (3/22رقم .2697 3
144
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
145
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( البخاري كتابا العلم ،بابا :كيف يقبض العلم ) (1/39رقم .100 2
)( شرح النووي ،كتابا العلم ،بابا :رفع العلم وقبضه ) (337 ،2/336رقم 3
.2136
)( انظر :وجوبا لزوما الجماعة وترك التفرق ص .171 4
146
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
جـ -الهوى:
عرف أهل اللغة الهوى بأنه» :محبة النسان للشيء وغلبته
على قلبه«).(5
وأما في الصطلح :ميلن النفس إلى ما تستلذه من الشهوات
من غير داعية الشرع).(1
ويعتبر اتباع الهوى من أهم السبابا في نشأة الكثير من
الفرق الضالة ،والطوائف المنحرفة ،لن أصحابا هذه الفرق
قدموا أهواءهم على الشرع أول ،ثم حاولوا جاهدين أن يستدلوا
بالشريعة على أهوائهم ،وحرفوا النصوص والدلة لتوافق ما هم
عليه من البدع ،فلم يأخذوا الدلة الشرعية مأخذ الفتقار إليها ،بل
اعتمدوا على آرائهم وعقولهم في تقرير ما هم عليه ،ثم جعلوا
الشريعة مصدرا ثانويا ،نظروا فيها بناء على ما قرروه وأصلوه،
ولجل ذلك كان علماء السلف الصالح يطلقون على أهل البدع
وفرق الضللة لفظة »أهل الهواء«) ،(2بل كانوا يطلقونها على كل
من خرج عن موجب الكتابا والسنة من العلماء والعباد).(3
ولذلك فكل مخالف لما بعث الله به رسوله × من الوامر
والنواهي ،والعبادات ،والطاعات إنما يكون متبعا لهواه ،ول يكون
متبعا لدين شرعه الله تبارك وتعالى).(4
ل
والهوى من السبابا التي لجلها خالفت كثير من المم أنبياءها
فاستكبروا ولم يقبلوا الحق والهدى والنور الذي جاءتهم به
أنبياؤهم ،عليهم السلما.
قال تعالى+ :للقكد أللخكذلنَاً رميْلثاًلق بلرنيِ إركسلراًرئيْلل لوألكرلسكللناً إرلكيْرهكمُ يريسلح يك للماً لجاًءليهكمُ لريسوُرل برلماً
سيهكمُ فلرريحقاً لكلذبيوُاً لوفلرريحقاً يليكقتيييلوُلن" ]المائدة.[70 : لل تليكهلوُىَ ألنَكييف ي
إن الله تعالى ذكر داود عليه السلما وبزين في كتابه أسبابا
المحافظة على التمكين وذكر من ذلك البتعاد عن الهوى ,قال
س رباًلكلحبق لولل تليتلبررع اًلكلهلوُىَ تعالى+ :لياً لداًيويد إرلنَاً لجلعكللناًلك لخرليْلفةح رفيِ اًللكر ر
ض لفاًكحيككمُ بليكيْلنَ اًللناً ر
ب لشردييد برلماً نَلسوُاً يليكوُلم اًلكرحساً ر
ب" ل ليهكمُ لعلذاً ر ضملوُلن لعنَ سبريْرل اً ر
ل
ل إرلن اًلرذينَ ي ر
لل
ك لعنَ سبريْرل اً ر
ل
فلييْ ر
ضل ل ي
ل ي
لسان العربا ).(15/371 )( 5
انظر :جامع العلوما والحكم لبن رجب ،ص .36 )( 4
147
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
]ص.[26 :
يقول ابن تيمية -رحمه الله » :-ونفس الهوى -وهو الحب
والبغض الذي في النفس -ل يلما عليه ،فإن ذلك قد ل يملك ,وإنما
يلما على اتباعه«).(1
وقال في موضع آخر» :ومجرد الحب والبغض هوى ،لكن
المحرما اتباعه حبه وبغضه بغير هدى من الله «).(2
إن اتباع الهوى من أسبابا الفرقة ,والفرقة من أسبابا تأخر
التمكين ،فإذن فعلى المخلصين من أبناء المة السلمية،
الحريصين على تحكيم شرع الله تعالى ،محاربة الهوى وقلع
جذوره وأسبابه من النفوس.
إن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بأن يتقوه بفعل ما أمرهم
به من الجتماع على دينه متحابين متعاونين على الخير ،وأن ل
يموتوا إل وهم مستسلمين لمره منقادين لطاعته مبتعدين عن
معصيته.
إن محاربة الهواء طريق نحو الجتماع والئتلف ،ونحو الخذ
بأسبابا التمكين لهذا الدين.
جهودا ضخمة في العمل السلمي ،وأمرض
ل إن اتباع الهواء شتت
قلوبا كانت حية.
ل
إن العلج الناجع والبلسم الشافي لمن ابتلى بشيء من
الهوى ،إلزاما النفس بالكتابا والسنة ،واتباع منهج السلف الصالح
وتربية النفس باستمرار على التقوى والخشية من الله تعالى،
واتهاما النفس ومحاسبتها دائما فيما يصدر منها وعدما الغترار
بأهوائها وتزييناتها وخداعها ،والكثار من استشارة أهل العلم
واليمان واستجلء آرائهم حول ما يريد أن يقوله ويفعله ،وكذلك
ترويض النفس على استنصاح الخرين وتقبل الراء الصحيحة
الصائبة وإن كانت مخالفة لما في النفس ،وتعويدها على التريث
وعدما الستعجال في إصدار الحكاما وإمضاء العمال ،والحذر من
ردود الفعال التي قد يكون فيها إفراط وتفريط وغلو أو تقصير،
وجهل وبغي وعدوان ،وإكثار المرء من الدعاء والتضرع إلى الله
تعالى بأن يجنبه اتباع الهوى ومضلت الفتن ,ويسأله تعالى أن
يوفقه لقول كلمة الحق في الغضب والرضا ،ويكثر من الدعاء
)( الفتاوى ).(28/131 1
148
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
الله.
)( رواه الترمذي وصححه اللباني -رحمه الله -كما في صحيح سنن الترمذي ) 2
(3/183
)( العتصاما ).(2/318 3
149
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
بل ينقاد إليها انقيادا حكيما رزينا مسترشدا بنور الوحي الذي يحرر
العقل من الخرافات والخزعبلت ،ويحثه على النظر في الكون
والتحرر من التقليد والهوى والتعصب.
إن إقحاما العقل في غير مجاله كما فعل أهل الكلما والهواء
شتت المة وفرقها ,وجعلها تبتعد عن كتابا ربها وسنة نبيها ×،
ولقد تخبط كثير من علماء الكلما في دياجير الظلما وحيرة
ن الله عليهم وألهمهم رشدهم في آخر حياتهم م ز
العقول حتى ع
فتابوا إلى الله عز وجل وندموا على ما كان منهم ,وتحسروا على
إضاعة أعمارهم في القيل والقال ،واعترفوا بخطأ الطريق الذي
ساروا فيه ،وأن منهج القرآن والسنة الذي سلكه السلف الصالح
هو أفضل السبل على الطلق ونذكر من هؤلء العلما:
)( هو محمد بن محمد الغزالي الطوسي له مائتا مصنف ,توفي عاما 505هـ, 3
150
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
جامع بيان العلم وفضله لبن عبد البر ).(2/117 )( 2
151
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أللولكوُ لكاًلن آلباًيؤيهكمُ لل يليكع ليموُلن لشكيْحئاً لولل يليكهتليدولن" ]المائدة.[104 :
قال ابن كثير) :أي إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه
وترك ما حرمه قالوا :يكفينا ما وجدنا عليه الباء والجداد من
الطرائق والمسالك( ).(1
فالتقليد العمى والتعصب ،يؤديان إلى مهاوي الردى ويقودان
صاحبهما إلى مسالك الغواية والضلل ،ويصدان عن اتباع النور
والهدى ،فتكون النتيجة تخبطا وانتكاسا في الدنيا وهلكا وخسرانا
في الخرة).(2
لقد انتشر مرض التعصب والتقليد في شعوبا المة السلمية
لسيما في العصور المتأخرة ،وأصبح هو الساس والصل ،ونتج
عن تفشيه نتائج وخيمة وأمور جسيمة.
يصف الماما الشوكاني -رحمه الله -حال المة السلمية
عندما انقادت للتقليد واتبعت العوائد السيئة فيقول» :وبهذه
الذريعة الشيطانية ،والوسيلة الطاغوتية بقى المشرك من
الجاهلية على شركه ،واليهودي على يهوديته ,والنصراني على
نصرانيته ,والمبتدع على بدعته ،وصار المعروف منكرا والمنكر
معروفا ،وتبدلت المة بكثير من المسائل الشرعية وغيرها ،وألفوا
ذلك ومرنت عليه نفوسهم وقبلته قلوبهم وأنسوا إليه ,حتى لو أراد
من يتصدى للرشاد أن يحملهم على المسائل الشرعية البيضاء
النقية التي تبدلوا بها غيرها لنفروا عن ذلك ،ولم تقبله طبائعهم،
ونالوا ذلك المرشد بكل المكروه ،ومزقوا عرضه بكل لسان،
وهكذا كثير موجود في كل فرقة من الفرق ل ينكره إل من هو
منهم في غفلة«).(3
إن نتائج التعصب و التقليد جسيمة وخطيرة من أشدها عدما
قبول الحق ،ورده إذا جاء من المخالف ،وهذا إلى جانب كونه
مؤديا إلى العداوة والبغضاء والتفرق ،فهو خصلة ذميمة من خصال
اليهود ،والذين أمرنا الله تعالى ورسوله × ،بمجانبة طريقهم
وعدما التشبه بهم.
قال تعالى+ :لوإرلذاً قريْلل ليهكمُ آرمنيوُاً برلماً ألنَكيلزلل اًلي لقاًليوُاً نَييكؤرمينَ برلماً أينَكرزلل لع لكليْيلناً لويلككيفرولن برلماً
صبدحقاً لبلماً لملعيهكمُ" ]البقرة.[91 : لولراًءلهي لويهلوُ اًلكلحمق يم ل
)( تفسير القرآن العظيم لبن كثير ).(2/213 1
)( الدر النفيس في إخلص كلمة التوحيد للشوكاني ،ص).(29 – 28 3
152
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
153
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
154
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
3
)( المصدر نفسه ،ص .5
155
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( كيف تستعيد المة السلمية مكانتها من جديد؟ د .الشقر ،ص .69 1
156
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( مسلم ،كتابا الصحابة ،بابا فضل الصحابة ) (4/1963رقم .2533 1
)( أخرجه مالك في الموطأ ،كتابا الجامع ،بابا النهي عن القول بالقدر ،رقم 2
.1619
)( حلية الولياء ).(1/379 3
157
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( مسلم ،كتابا الحج ،بابا حجة النبي × ) (2/890رقم .1218 1
158
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
159
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
إن الله تعالى في كتابه الكريم ،بين أنه ل يوجد منزلة ثالثة بين
الحق والباطل ,فقال سبحانه+ :فللماًلذاً بليكعلد اًلكلحبق إرلل اًل ل
ضلليل" ]يونس.[32 :
قال القرطبي -رحمه الله » :-قال علماؤنا :حكمت هذه الية
بأنه ليس بين الحق والباطل منزلة ثالثة في هذه المسالة التي
هي توحيد الله تعالى ،وكذلك هو المر في نظائرها ،وهي مسائل
الصول فإن الحق فيها في طرف واحد«).(1
والحق لبد فيه من اليقين ،ول يكفي فيه مجرد الظن ،قال
تعالى+ :إرلن اًلظللنَ لل يييغكرنيِ رملنَ اًلكلحبق لشكيْحئاً إرلن اًلل لعرليْرمُ برلماً يليكفلعيلوُلن" ]يونس.[36 :
قال ابن كثير» :أي ل يجدي شيئا ول يقوما أبدا مقاما الحق«),(2
وقد عد النبي × رد الحق وعدما قبوله ،من الكبر الذي هو من
أشنع الخصال وأردأ الفعال.
قال رسول الله ×» :اًلكبر بطر اًلحق وغمط اًلناًس« ).(3
إن بطر الحق هو دفعه وإنكاره ترفعا وتكبرا واستعلء ،وأما
غمط الناس فهو احتقارهم.
إن الحق هو ما دلت عليه نصوص الكتابا والسنة ،وعلى كل
مسلم أن يتبع
ر
ف لع لكيْهكمُيِ فللل لخكوُ ر ر
كل دليل شرعي علمه وتبينه ,قال تعالى+ :فللمنَ تلبلع يهلداً ل
لولل يهكمُ يلكحلزينَوُلن" ]البقرة.[38 :
ومن أهم الوسائل التي تعين على طلب الحق والتحري في
ذلك ،تقوى الله عز وجل ،والخلص والتجرد ،واللجوء إلى الله عز
وجل والفتقار إليه ،وتدبر الكتابا والسنة واتباع سبيل السابقين
الولين ،والصحبة الطيبة.
هـ -تحقيق الخوة بين أفراد المسلمين:
إن من الصول العظيمة التي تحقق وحدة الصف وقوة
التلحم ،ومتانة التماسك بين أفراد المسلمين تحقيق الخوة في
أوساطهم ،إن الخوة منحة من الله عز وجل ،يعطيها الله
للمخلصين من عباده والصفياء والتقياء من أوليائه وجنده وحزبه.
ك اًل هوُ اًلرذيِ أليللدلك برنلصررهر
ك قال تعالى+ :لورإن يمررييدواً لأن يلكخلديعوُلك فلرإلن لحكسبل ل ي ي ل
)( الجامع لحكاما القرآن ).(8/336 1
160
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( انظر :رسالة التعاليم ،د .محمد عبد الله الخطيب ،ص .296 2
161
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المودة والتآخي الحقيقية ،ل يمكن أن تتحد حول مبدأ ما ،وما لم
يكن التحاد حقيقة قائمة في المة أو الجماعة ،فل يمكن أن تتألف
منها الدولة .على أن التآخي لبد أن يكون مسبوقا بعقيدة يتم
اللقاء عليها واليمان بها ،فالتآخي بين شخصين يؤمن كل منهما
بفكرة أو عقيدة مخالفة للخرى خرافة ووهم ،خصوصا إذا كانت
تلك الفكرة أو العقيدة مما يحمل صاحبها على سلوك معين في
الحياة العملية ,ومن أجل ذلك فقد جعل رسول الله × أساس
الخوة التي جمع عليها أفئدة أصحابه ،العقيدة السلمية التي جاء
بها من عند الله تعالى ,والتي تضع الناس كلهم في مصاف
العبودية الخالصة لله تعالى دون العتبار لي فارق إل فارق
التقوى والعمل الصالح ،إذ ليس من المتوقع أن يسود الخاء
والتعاون واليثار بين أناس شتتتهم العقائد والفكار المختلفة
فأصبح كل منهم ملكا لنانيته وأهوائه.
إن المجتمع -أي مجتمع -إنما يختلف عن مجموعة ما من
الناس منتشرة متفككة بشيء واحد هو قياما مبدأ التعاون
والتناصر فيما بين أشخاص هذا المجتمع ،وفي كل نواحي الحياة
ومقوماتها ،فإن كان هذا التعاون والتناصر قائمين دون ميزان
العدل والمساواة فيما بينهم ،فذلك هو المجتمع الظالم المنحرف.
وإذا كان المجتمع المسلم إنما يقوما على أساس من العدالة
في الستفادة من أسبابا الحياة والرزق ،فما الذي يضمن سلمة
هذه العدالة وتطبيقها على خير وجه؟
إن الضمانة الطبيعية والفطرية الولى لذلك ،إنما هي التآخي
والتآلف.
إن تحقق مبادئ العدالة والمساواة بين الفراد ،فإنها ل تحقق
ما لم تقم على أساس من التآخي والمحبة فيما بينهم ،بل إن هذه
المبادئ ل تعدو أن تكون حينئذ مصدر أحقاد وضغائن تشيع بين
أفراد ذلك المجتمع ,ومن شأن الحقاد والضغائن أن تحمل في
طيها بذور الظلم والطغيان في أشد الصور والشكال.
من أجل هذا اتخذ رسول الله × من حقيقة التآخي الذي أقامه
بين المهاجرين والنصار أساسا لمبادئ العدالة الجتماعية التي
قاما على تطبيقها أعظم وأروع نظاما اجتماعي في العالم ،ولقد
تدرجت مبادئ هذه العدالة فيما بعد بشكل أحكاما وقوانين شرعية
ملزمة.
ولكنها كلها إنما تأسست وقامت على تلك »الرضية« الولى،
162
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
أل وهي الخوة السلمية ولول هذه الخوة العظيمة التي تأسست
بدورها على حقيقة العقيدة السلمية لما كان لتلك المبادئ أي أثر
تطبيقي وإيجابي في شد أزر المجتمع السلمي ودعم كيانه).(1
لم يكن ما أقامه الرسول × بين أصحابه من مبدأ التآخي
مجرد شعار في كلمة أجراها على ألسنتهم ،وإنما كان حقيقة
عملية تتصل بواقع الحياة وبكل أوجه العلقات القائمة بين النصار
والمهاجرين ،ولذلك جعل النبي × من هذه الخوة مسئولية
حقيقية تشيع بين هؤلء الخوة ,وكانت هذه المسئولية محققة
فيما بينهم على خير وجه .لقد كانت رابطة الخوة بين الصحابة
الكراما من أسبابا قوتهم ونصرة الله لهم.
إن مناط الخوة وأساسها ،إنما هو رابط السلما وعقيدته
الصحيحة وهي من أهم أسبابا وحدة الصف ،وقوة البنيان بين
أفراد المة المسلمة التي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى ،كما ل
ننسى أن من أسبابا وحدة صفوف المة :العلم النافع ،والخلص
وتجريد المتابعة ،وغير ذلك من السبابا المعنوية التي جاءت في
كتابا الله وسنة رسوله × لتوحيد صفوف المة إل أنني ذكرت
أهمها خوفا من الطنابا والطالة.
إن التحابب بين المسلمين والحرص على روابط الخوة
المستمدة من اليمان والعقيدة سر قوة المة ،ومفتاح نجاحها.
***
163
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثالث
الســــــــبابا الماديـــــــة
بعد أن بينت أهم أسبابا التمكين المعنوية رأيت من المناسب
أن أتطرق إلى السبابا والوسائل المادية المهمة ،من تدريب،
وإعداد عدة ،وتوفير كوادر في كل مناشط الحياة ،وهذا يحتاج إلى
تخطيط وإدارة واعية ،وتنظيم متين يشرف على إعداد خطة بينة
المعالم ،محددة الهداف ،متطورة المناهج ،شرعية في أسبابها
ووسائلها ،ل تعتمد على الشخاص والفراد وإنما تهتم بنظاما
المؤسسات حتى يستمر النشاط ويتطور ويراعى الوصول إلى
المعلومات الصحيحة ،والحصاءات الدقيقة ،وتعتمد على
الدراسات والمكانات ،والتحليلت العلمية ،والمقارنات
الموضوعية والمكانات المادية والبشرية القائمة والمحتملة،
وتدرس جميع العوائق المادية والمعنوية ،الداخلية والخارجية،
الواقعية والمتوقعة ،دون تهويل أو تهوين .ويشرف على وضع هذه
الفاق والخطط البعيدة جهاز متخصص متكامل من خبراء
ضا يستعينون بكل من متمكنين ,متنوعي الثقافة يكمل بعضهم بع ل
يرون الستفادة منه برأي أو معلومة ،من أفراد أو أجهزة أو لجان
متخصصة ,ومن الضروري بمكان أن تهتم الحركة بمبدأ التفرغا،
والتخصص ،ومراكز المعلومات وبالعداد المادي ،والمني
والسياسي والعلمي والعسكري.
أولل :التفرغا ،والتخصص ،ومراكز البحوث:
أ -التفرغا:
إن من أسبابا التمكين لهذا الدين والنطلق بدعوة الله بين
الناس أن تهتم الحركات السلمية على المستوى القطري،
والقليمي والدولي بمبدأ التفرغا لصحابا القدرات المتميزة في
المواقع المهمة ,وخصوصا في مجال العلم والفكر ،ومجال التربية
والتكوين ،ومجال الدعوة والعلما ،ومجال السياسة والتخطيط،
ومجال القتصاد والمال ،ومجال المن والستخبارات ،وكل
مجالت الحياة اللزمة لتحكيم شرع الله على جميع أفراد الشعب
ومؤسسات الدولة.
إن العمال العظيمة تحتاج إلى أوقات كبيرة وجهود ضخمة
وهمم عالية ،ولذلك تضطر الحركة السلمية إلى مبدأ التفرغا مع
164
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
165
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
166
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
167
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
168
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
169
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
170
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
)( انظر :الدارة في السلما نقل عن التخطيط والرقابة أساس نجاح الدارة ص 1
.97
)( انظر :سورة يوسف دراسة تحليلية ،د .أحمد نوفل ،ص .409 2
171
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( مواقف إسلمية ،د .عبد العزيز كامل ،ص).(86 – 83 1
172
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
173
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
174
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
قال سيد قطب -رحمه الله ):-ثم يأتي من بعد ذلك سبع
شداد -ل زرع فيهن -يأكلن ما قدمتم لهن ,وكأن هذه السنوات
ر
هي التي تأكل بذاتها كل ما يقدما لها لشدة نهمها وجوعها+ :إرلل قلليْلح
صينوُلن" أي إل قليل مما تحفظونه وتصونونه من التهامها ،ثم بملماً تيكح ر
تنقضي هذه السنوات الشداد العجاف المجدبة ،التي تأتي على ما
خزنتم وادخرتم من سنوات الخصب ,تنقضي ويعقبها عاما رخاء،
يغاث الناس فيه بالزرع والماء ،وتنمو كرومهم فيعصرونها خمرا
زيتا .وهنا نلحظ أن هذا العاما وسمسمهم وخسهم فيعصرونها ل
الرخاء ل يقابله رمز في رؤيا الملك فهو إذن من العلم اللدني
الذي علمه الله يوسف عليه السلما ،فبشر به الساقي ليبشر
الملك والناس ،بالخلص من الجدبا والجوع بعاما رخي رغيد(...
).(1
ونلحظ في اليات القرآنية الكريمة التي تكلمت عن خطة
يوسف عليه السلما عنصر المل والتفاؤل ,وهذا المر مهم في
س لورفيْره الخطة الناجحة ،قال تعالى+ :ثيلمُ يلأكرتيِ رمنَ بليكعرد لذلر ل
ك لعاًرم رفيْره يييلغاً ي
ث اًللناً ي
صيرولن" ]يوسف.[49 :ييكع ر
ل
إن بعد الشدة التي أشار إليها يوسف انفراجا ورخاء ،وستعود
المور بإذن الله تعالى إلى سيرتها الولى ،ولكن بداية العودة
تكون عاما مباركا غير معهود العطاء وفرة وكثرة ،وكأن الخير فيه
سيفيض بغير جهد ،فهو عاما فيه يغاث الناس أي :يسقون الغيث،
أو يغاثون :ينجدون من الغوث ،وكل ذلك متلزما» ،وفيه يعصرون«
إشارة أخرى إلى فيض الخير ،فل يلجأ الناس إلى العصر للثمار إل
بعد أن تفيض عن حاجة الستهلك الساسية وهي الكل.
ولبد من المل والتفاؤل في أي خطة ،وإل فإن كان ل أمل
فما الداعي إلى العمل ،ولقد حرك يوسف عليه السلما دوافع
العمل عندهم بتحذيرهم من شدة سنوات القحط ،ثم حركها ثانية
بفتح نافذة المل).(2
مظلوما مضطهدلا في سجن ل إن يوسف عليه السلما كان
الملك وهو يملك من المعلومات والخطط ما يجعله في محل قوة
عند المفاوضة إل أنه ل يشترط لنفسه شيئا ،بل جادت نفسه
الزكية بالتفضل بالخير والعطاء والنصح والرشاد بدون أي مقابل
175
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
من الخلق ،وهذه الخلق الكريمة والصفات الجميلة يكرما الله بها
من يريد أن يجعله قدوة لدينه ومعلما لدعوته ،كما نلحظ أن
يوسف عليه السلما كان مستوعبا لفقه الخلف حيث إن الملك
وشعبه بعيدون عن منهج الله ،منغمسون في مناهج الجاهلية ,ومع
هذا التقى معهم في الخير المحض والسعي نحو إنقاذ البلد
والعباد من محنة المجاعة والقحط ,وهذه السعة في الفهم
والستيعابا العميق يحتاجها من يتصدى لدعوة الناس ودفعهم نحو
تمكين دين الله في الرض.
لقد كان من ثمار تدبير يوسف عليه السلما وتخطيطه أن
حفظ شعلبا من الهلك والجوع وخرج من الشدائد وعاد إلى
الرخاء .وفي هذا القصص القرآني إشارات إلى واقع تخطيطي
لكي ندرك أن السلما ل يقوما على التخمين أو التواكل ،ولكنه
يهتم بأدق الساليب وأعمقها سواء في جوانب القتصاد أو
السياسة أو غيرها.
با -من سيرة سيد الخلق × :
إن سيرة الرسول × معلم بارز في جميع جوانب الحياة
ونلحظ من سيرته العطرة جانب التخطيط وإحكاما الدارة ودقة
التنظيم في كل مراحل دعوته ،فإذا نظرنا مثل إلى الهجرة النبوية
نجد أن الرسول × وضع لها خطة احتوت على هذه العناصر:
تحديد الهدف ،تنظيم الوسائل ،رسم أسلوبا التنفيذ ،محاولة التنبؤ
بالمستقبل ،ولذلك
نلحظ التي:
-تحديد اًلهدف:
لقد حدد النبي × هدفه من الهجرة ،وهو مغادرته هو وأصحابه
مكة إلى المدينة آمنين ،ثم نشر دعوة السلما في بيئة جديدة
تتطلع إلى رسالة ربا العالمين ،وتدافع عن المؤمنين وتدفع عنهم
ل يلرجكد رفيِ اًللكر ر
ض يملراًغلحماً لكرثيْحراً لولسلعةح لولمنَ الذى ,قال تعالى+ :ومنَ ييلهاًرجر رفيِ سربيْرل اً ر
ل لل ي ك
ر
ت فليلقكد لوقللع ألكجيرهي لعللىَ اًل لولكاًلن اًلي غليفوُحراًل لولريسوُلرره ثيلمُ ييكدرككهي اًلكلمكوُ ي
يكخرج رمنَ بيكيْترره ملهاًرجراً إرللىَ اً ر
ل يك ل ي ح
لررحيْحماً" ]النساء.[100 :
176
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
177
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الدعاة والتخطيط ،د .محمد عبد الله الخطيب ،ص .61-59 1
178
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
179
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ضمان النجاح وعدته ،ولقد بلغ الحتياط مداه ،باتخاذ طرق غير
مألوفة للقوما ،والستعانة على ذلك بخبير يعرف مسالك البادية
ومساربا الصحراء ..ولو كان ذلك الخبير مشركا ما داما يملك
خبرات جيدة ومحل ثقة في تنفيذ المهمة ,واختياره × لشخصيات
عاقلة رزينة تتوقد ذكاء لتقوما بالمعاونة في شئون الهجرة ،ووضع
× كل فرد في عمله المناسب ،فقاما علي
,× وحققت تلك الفكرة أهدافها وخرج رسول الله ×
والمشركون معلقة أبصارهم بمضجع الرسول × ،وأحكم × أموره
وأوصى عليا
× ليقتلوه ،وعامر بن فهيرة
الراعي يسدد أقداما المسيرة التاريخية بأغنامه كيل يستدل بها
القوما ,ويمد النبي × وصاحبه باللحم واللبن ،وعبد الله بن أريقط،
دليل الهجرة المين ،وخبير الصحراء البصير ينتظر في يقظة
إشارة البدء من الرسول الكريم × ليأخذ الركب طريقه من الغار
إلى المدينة ،فهذا تدبير للمور على نحو رائع دقيق ،واحتياط
للظروف بأسلوبا حكيم ،ووضع كل شخص في مكانه المناسب،
وسد لجميع الثغرات ,وتغطية جميلة لكل
مطالب الرحلة ،واقتصار على العدد اللزما من الشخاص من غير
زيادة ول إسراف ،لقد أخذ × بالسبابا المعقولة أخذا قويا حسب
استطاعته مع توكله على الله
وتفويض أمره إليه).(1
إن تخطيط الرسول × للهجرة النبوية المباركة دليل واضح
على أن التخطيط ضروري لمزاولة أي نشاط بشري مهما يكن
نوعه ،يستوي في ذلك أن يكون القائم به فردا أو جماعة ،وأن
يستهدف شأنا من شئون السلم أو في شئون الحربا ،وإذا كان
التخطيط -اصطلحا -من مستحدثات العصر فإنه معنى يضربا
بجذوره في أعماق القدما ،قد اقترن بحياة الفرد وحياة المجتمع
منذ كان النسان على الرض ،فقد شاء الله
-سبحانه وتعالى -أن يزوده بهذه القدرة المستمدة من العقل
لحفظ الجنس البشري حتى تستمر الحياة عبر مراحل نموها
المتعاقبة ،وكل امرئ خلقه الله في هذه الحياة يباشر التخطيط
تلقائيا في جميع خطواته وفي مختلف تصرفاته دون أن يدري
المدلول العلمي
)( انظر :الهجرة في القرآن ،أحزمي سامعون جزولي ،ص .363 -361 1
180
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
نقل عن
ل )( انظر :قضايا أساسية على طريق الدعوة للستاذ مصطفى مشهور 3
181
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
182
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
183
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :النظاما القتصادي في السلما ,محمود الخطيب ،ص .75 ،74 2
184
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
القتصادي.
ولقد اهتم السلما بالموارد المالية وبين طرق الكسب
المشروع ،كالبيوع والميراث والوصايا والهبات وغيرها ،ووضح
طرق الكسب غير المشروع ،كالربا والغرر ،والغش والحتكار
وغيرها ,وكانت موارد الدولة السلمية في زمن النبي × والخلفاء
من بعده من الزكاة ,والغنائم والفيء ،والخراج والتجارة.
إن الحركات السلمية التي تسعى لتقوية جوانبها القتصادية
والمالية وتوظيفها في دعوة الله تعالى قد أخذت بسبب مهم من
أسبابا التمكين المادي.
إن من القواعد المهمة في القتصاد السلمي :العمل على
تحقيق الكتفاء
الذاتي للمة.
بمعنى أنها يجب أن يكون لديها من الخبرات والوسائل والدوات
ما يجعلها قادرة على أن تنتج ما يفي بحاجاتها المادية والمعنوية،
ويسد ثغراتها المدنية والعسكرية ،عن طريق ما يسميه الفقهاء
فروض الكفاية ،وهي تشمل كل علم أو عمل أو صناعة أو مهارة
يقوما بها أمر الناس في دينهم أو دنياهم ،فالواجب عليهم حينئذ
تعلمهما وتعليمها وإتقانها حتى ل يكون المسلمون عالة على غيرهم،
ول يتحكم فيهم سواهم من المم الخرى.
وبغير هذا الستغناء والكتفاء ،لن يتحقق لهم العزة التي كتب
ل اًلكرعلزةي لولرلريسوُلرره لولركليمكؤرمنريْلنَ" ]المنافقون.[8 : الله لهم في كتابه+ :و ر
ل
وبغيره لن يتحقق لهم الستقلل والسيادة الحقيقية ,وهو ما
ذكره القرآن+ :لوللنَ يلكجلعلل اًلي لركللكاًفررريلنَ لعللىَ اًلكيمكؤرمنريْلنَ لسربيْلح" ]النساء.[141 :
ولن يتحقق لهم مكان الستاذية والشهادة على المم ،وهو
المذكور في قوله سبحانه+ :لولكلذلر ل
ك لجلعكللناًيككمُ أيلمةح لولسحطاً لبتليكوُنَيوُاً يشلهلداًءل لعللىَ اًللناً ر
س
لويليكوُلن اًللريسوُيل لع لكيْيككمُ لشرهيْحداً"
]البقرة.[143 :
فل عزة لمة يكون سلحها من صنع غيرها ،يبيعها منه ما
يشاء ،متى شاء ،بالشروط التي يشاء ويكف يده عنها أنى شاء
وكيف شاء.
ول سيادة حقيقية لمة تعتمد على خبراء أجانب عنها في أخص
185
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
186
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
187
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
فإن النقود لم تخلق لتحبس وتكتنز ،إنما خلقت لتتداول وتنتقل من يد
إلى يد؛ ثمنا لبيع أو أجرا لعمل ،أو عيلنا ينتفع بها ،أو رأس مال لشركة أو
مضاربة ،فهي وسيلة لغراض شتى ،وليست غرضا في ذاتها.
هذه بعض الخطوط العريضة للوصول إلى الكتفاء الذاتي
وتحرير المة من العبودية القتصادية لغيرها ،والقترابا بها نحو
تمكين دينها ،كما ننبه على أهمية توزيع الزكاة ورعاية أموال
الوقاف ووضعها في محلها الصحيح فيه من الثروات الهائلة ,فلبد
من تحرير الوقاف فإنها تصل إلى المليين في البلدان السلمية
ولم تستثمر كما ينبغي من أجل تقوية دعوة الله والتمكين في
الرض.
رابلعا :العداد العلمي:
للعلما أهميته الخطيرة في العصر الحديث ،وقد نال اهتماما
بالغا من كل الدول حتى أنشئت له كليات خاصة وهي »كليات
العلما« ,وأنشئت له وزارات خاصة وهي »وزارات العلما« التي
تشرف على مختلف وسائل ونواحي العلما في الدولة ,ويعين
وزير لها من أكفأ الوزراء وأشدهم ولء لنظاما الحكم القائم في
الدولة ،وذلك لخطره الكبير وأهميته في هذا العصر الذي انتشرت
فيه وتقدمت العلوما الحديثة والمخترعات المتعددة والنظريات
المختلفة ،فللعلما تأثيره على الفرد والسرة والمجتمع والدولة
والمجتمع الدولي كله.
وتتضح أهمية العلما في التي:
-1تزويد الناس بالمعلومات والحقائق وغيرها من ضروبا
المعرفة وآخر الحداث والخبار ،لتشبع رغبتهم الملحة للمعرفة،
ويقسوموا المور التي حولهم في المجتمع تقويما عادل ويفهموا طبيعة
البيئة التي يعيشون فيها ويتمكنوا من التكيف معها والتجاوبا مع
أفرادها.
-2نشر الوعي والحقائق الثابتة وتثقيف العقول وتنوير
الذهان ،ومحاربة الخرافات والساطير والبدع الضارة حتى يتغير
أسلوبا الحياة وتتغير الفكار إلى الفضل والحسن وذلك بعرض
الجوانب اليجابية من الحياة عرضا إعلميا مناسبا وعرض
المعلومات والفكار الحديثة والعصرية التي تؤدي لنهضة المة
وزيادة وعيها وثقافتها.
-3دفع عجلة التنمية القتصادية والجتماعية والسياسية
وإحداث التغيير فيها للفضل ،وذلك بتخطيط إعلمي سليم يتم به
188
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
ر
ت برره فييلؤاًلدلك لولرتليكللناًهي تليكرتيْلح لولل يلأكيتوُنَل ل
ك برلمثلةل إرلل رج كئيلناًلك نَييبزلل لع لكيْره اًلكيقكرآين يجكم لةح لواًرحلدحة لكلذلر ل
ك لرنيثلب ل
سلنَ تليكفرسيْحراً" ]الفرقان.[33 ،32 : باًلكلحبق لوألكح ل
ر
)( انظر :فقه الدعوة السلمية والعلما عند المودودي لفاروق الصاوي ،ص ،20 1
.21
)( التقان في علوما القرآن للسيوطي )(1/42 2
189
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
إن نزول القرآن الكريم منجما حسب الحداث والوقائع كان له
أهداف إعلمية عظيمة ل يمكن تحقيقها في مدة قصيرة من
الزمن إل بهذا السلوبا المعجز.
ومن أهم هذه الهداف العلمية:
-1مساعدة الرسول × على حل المشاكل الجتماعية
المتجددة ،فمن ذلك أن عبد الله بن رواحة تزوج من أمة له
سوداء بعد أن أعتقها إثر ضربه لها وهي أمة مؤمنة ,فطعن عليه
ناس من المسلمين فقالوا :تزوج أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا
إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم ,فنزل قوله تعالى:
خيْيرر بمنَ مكشررلكةة لولكوُ ألكعلجبلكتيككمُ لولل تييكنركيحوُاً ر ر +ولل تليكنركحوُاً اًلكمكشررلكاً ر
ت لحلتىَ يييكؤملنَ لولللمةر مكؤمنلةر ل ك ي ي ل
ك يلكديعوُلن إرللىَ اًللناًر لواًلي يلكديعوُ رئ ي
أو مُ ل ة ر ر ر ر ر
ل ل اًلكيم ك ل ل ي ك ي ل ل ك ر ك ر ل ك ر ب ك ل ك ك ل ل ي ك
كب ج عأ وُلو ك ر ش م منَ ر ي خيْ نَ مؤ م د ب علو اً
وُ ن مؤ ي ي تىَ
ل ح نَ كيْ ر ش
س للع ليهكمُ يليتللذلكيرولن" ]البقرة.[221 : إرللىَ اًلكلجنلرة لواًلكلمغكرفلرةر بررإكذنَرره لويييبلييْبينَ آلياًترره رلللناً ر
فكان العرف السائد في الجاهلية وحتى ظهور السلما أن
التفاضل بين الناس بالنسابا والحسابا فقط ،وكان هذا الحدث
وما حصل فيه من استغرابا وقيل وقال قد أتاح الفرصة لعلما
الناس بمقياس السلما الحقيقي في التفاضل بين الناس؛ وهو
تقوى الله عز وجل واليمان به وبرسوله × .وهذا المقياس فيه
رفع من شأن المؤمن وإعلما بشرفه على الكافر ،ولو كان هذا
المؤمن عبدا أو أمة ،وكما ل يخفى فإن فيه تصغيرا لشأن الكافر
وإعلما بتفاهته ولو كان أشرف الناس في حسبه ونسبه .ونزول
هذه اليات عقب هذا الحدث الذي هيأ النفوس وأثار انتباهها إعلما
لكل الطرفين بذلك.
-2مساعدة الرسول × في الجابة الموجهة إليه من قبل
المؤمنين أو الكافرين؛ عندما بعث المشركون إلى اليهود بالمدينة
يسألونهم عن أمره فقالت اليهود عنه أشياء ثلثة ،فإن لم يجب
عنها أو أجابا عنها جميعا فهو ليس بنبي ,وإن أجابا عن اثنين ولم
يجب عن الثالث فهو نبي وهذه المور الثلثة هي:
* فتية فقدوا في الزمن الول ما كان من أمرهم؟
* رجل بلغ شرق الرض وغربها ..ما خبره؟
* وعن الروح؟
فسأله القرشيون عن هذه الشياء فوعدهم بالجابة عليها في
اليوما التالي ولم يقل إن شاء الله »قال مجاهد :إن الوحي تأخر عنه
190
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
اثنتي عشرة ليلة«) ,(1وقيل غير ذلك حتى كثر القيل والقال بين
غدا وقد أصبحنا ل يخبرنامحمدا ل ل الناس ،وقال قائل قريش :وعدنا
بشيء .واشتد الحزن على الرسول × بسبب ذلك حتى إذا تهيأت
نفوس الناس وتوترت أعصابهم والتفتت أنظارهم لنتيجة هذا الحدث
العظيم الذي يعتبر من أهم الدلة والبراهين على صدق الرسول ×
وأنه مرسل من عند الله نزل الوحي من الله يقول بشأن الفتية:
ف لواًللررقيْرمُ لكاًنَيوُاً رمكنَ آلياًترلناً لعلجحباً" ]الكهف.[9 :
ب اًلكلككه ر +ألكم لحرسكب ل
ت أللن أل ك
صلحاً ل
]الكهف:ك لعنَ رذيِ اًلكلقكرنَليكيْرنَ"
ونزل فيمن بلغ الشرق والغربا +لويلكسأليلوُنَل ل
.[83
ح رمكنَ ألكمرر لرببيِ" ]السراء.[85 : ك لعرنَ اًلمرورح قيرل اًلمرو ي
ونزل في الروح +لويلكسأليلوُنَل ل
فأجابا عن اثنين من السئلة ولم يجب عن واحد ،المر الذي جعل
القرشيين وغيرهم يوقنون بصدق دعوى الرسول × بأنه مرسل وأنه
صادق أمين كما عهدوه .وهكذا كان القرآن الكريم يجيب عن كل
سؤال يوجه إلى الرسول × سواء كان هذا السؤال من المؤمنين أو
الكافرين ،أو كان لغرض التثبت والتأكد أو للسترشاد والمعرفة).(2
ولقد تعددت الغراض العلمية من نزول القرآن منجما
فبالضافة إلى ما ذكرنا ثمت أغراض أخرى منها :رفع معنوية
الرسول × من وقت لخر بتبشيره بالنصر على العداء وحمايته،
وفضح أعداء هذا الدين من المشركين والمنافقين وأهل الكتابا,
تنبيه الرسول × وأصحابه من وقت لخر على أخطائهم ,من ذلك
ما وقع للرسول × مع أسرى المشركين يوما بدر).(3
ولقد أرشد القرآن الكريم إلى الدستور العلمي في القرآن
في قوله تعالى:
صكوُاً رباًلكلحبق صرر إرلن اًرلنَكساًلن لرفيِ يخسةر إرلل اًلرذينَ آمنيوُاً ولعرمليوُاً اًل ل ر ر
صاًللحاًت لوتليلوُاً ل ل ل ل ك ل +لواًلكلع ك
صكبرر" ]العصر [3 -1 :حيث استنبط متخصصو العلما من هذه صكوُاً رباًل ل
لوتليلوُاً ل
السورة الدستور العلمي المكون من:
-1العلم واليمان.
-2العمل الصالح.
-3تبليغ الرسالة.
)( تفسير البغوي بهامش الخازن ).(4/181 1
191
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :مذكرات في الدعوة السلمية ،عبد الغفار عزيز ،ص .5 2
192
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
أحد«).(1
-5القدوة الحسنة:
صاًبرريلنَ" ]النحل ,[126 :فالعفو عند المقدرة في خيْيرر بلل ل
صبليكرتيكمُ ليهلوُ ل ك ر
+لولئكنَ ل
بعض الحيان يكون أعمق أثرا وأكثر فائدة من النتقاما والضربا
بيد من حديد على يد الظالم يصبح حتميا ،لن فيه دفع الضرر
وإعلما لمن خلفهم ولكل من سولت له نفسه الضرار بهذه
الدعوة وأهلها أن هذا هو المصير الذي ينتظره ،والجدير بالذكر أن
هاتين القاعدتين )أعني)(2الجهاد والقدوة الحسنة( تمثلن السلوبا
العلمي العملي في السلما ..وبعد أن أرشدنا القرآن الكريم إلى
القواعد الساسية للسلوبا العلمي الناجح الذي تنتهجه في نشر
هذه الدعوة الخالدة ،أشار إشارة واضحة إلى ما سيلقيه الرسول
× والمسلمون من أساليب إعلمية مضادة شيطانية للقضاء على
هذه الرسالة والنيل منها ,فحثهم على الصبر في هذا الصراع
العلمي المرير بين الحق والباطل وأن العاقبة ستكون له
كوللمؤمنين ,والخزي والفشل لعداء هذا الدين قال تعالى+ :لولل تل ي
ضكيْةق بملماً يلكميكيرولن إرلن اًلل لملع اًلرذيلنَ اًتليلقكوُاً لواًلرذيلنَ يهمُ مكحرسينوُلن" ]النحل.[128 ،127: رفيِ ل
ومن الملحظ أن القرآن الكريم قد انتهج هذا الدستور مع
الرسول × ,فأول ما نزل من القرآن الكريم هو إعلما الرسول ×
بحقيقة »قاعدة التصور اليماني العريض«) ,(3قال تعالى+ :اًقكيلرأك رباًكسرمُ
ساًلن رمكنَ لع لةق اًقكيلرأك لولربم ل
ك اًلككلريم اًلرذيِ لع للمُ رباًلكلق لرمُ لع للمُ ك اً ذيِ لخ للق لخ للق اًرلنَك ل
رب ل ل ر
ل
ن لماً لكمُ يليكع لكمُ" ]العلق.[5-1 : ساً ل ر
اًلنَك ل
»فالله هو الذي خلق وهو الذي علم ,فمنه البدء والنشأة ,ومنه
التعليم والمعرفة ..والنسان يتعلم ما يتعلم ويعلم ما يعلم..
فمصدر هذا كله هو الله الذي خلق
والذي علم«).(4
وكانت هذه هي البداية مع الرسول × فأول ما نزل عليه من
القرآن الكريم كان الهدف منه إعلما الرسول × بقاعدة التصور
اليماني واليمان بها ،فلما علم هذه القاعدة وآمن بها أمره الله
)( (3) ,انظر السلوبا العلمي في القرآن الكريم ،محمد الطلبي ،ص .35 2
3
)( انظر :السلوبا العلمي في القرآن الكريم ،ص .35
193
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
2
)( تفسير السعدي ) .(7/508
194
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
195
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
196
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
197
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :فقه الدعوة السلمية والعلما عند المودودي ،ص .389 :383 2
198
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
199
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الستخبارات العسكرية في السلما ,عبد الله علي ،ص .105 3
200
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
هي ظروف حربا بدليل قوله تعالى+ :لويحرشلر لركس لكيْلماًلن يجينوُيدهي رملنَ اًلكرجبنَ
س لواًلطلكيْرر فلييهكمُ ييوُلزيعوُلن" ]النمل ,[17 :نلحظ في هذه الية تطبيق عناصر لواًرلنَك ر
الستخبارات التي هي:
-إقرار مبدأ الحصول على المعلومات:
ت ألكم صلدقك ل إذ أقر سليمان الهدهد ثم أرسله مرة أخرى+ :لقاًلل لسلننظيير أل ل
ت رملنَ اًلكلكاًرذربيْلنَ" ]النمل [27 :ثم قال+ :اًكذلهب بركلتاًربيِ لهلذاً فلأللكرقكه إرلكيْرهكمُ ثيلمُ تليلوُلل لع كنييهكمُيكن ل
لفاًنَكظيكر لماًلذاً يليكررجيعوُلن" ]النمل.[28 :
-عرض المعلومات المجمعة:
مُ ت رمنَ يكبل لشيِةء ولهاً لعر ر ت اًكملرألحة تلكملريكيهكمُ لويأوتريْل ك
قال تعالى+ :إربنَيِ لولجد م
ش لعظيْ رك لل ك ر
سربيْرل
صلديهكمُ لعرنَ اًل ل س رمنَ يدون اًل لولزيللنَ ليهيمُ اًل ل
شكيْلطاًين ألكعلماًليهكمُ فل ل
ر ر شكم رلولجدتميلهاً لوقليكوُلملهاً يلكسيجيدولن رلل ل
فلييهكمُ لل يليكهتليدولن] " ...النمل.[24 ،23 :
-تقييم المعلومات المعروضة وتقرير مدى صحتها:
ت رملنَ اًلكلكاًرذربيْلنَ" ]النمل.[27 : ت ألكم يكن لصلدقك ل +لقاًلل لسلننظيير أل ل
-تحليل ودراسة المعلومات واستخلص النتائج المفيدة
منها.
-إمداد المسئولين وإطلع القادة على المعلومات:
فالهدهد كجندي من جنود سليمان رأى أن من واجبه أن يأتي
بما حصل عليه من معلومات إلى مسئوله وهو سليمان) (1عليه
ك رمنَ لسبلةأ برنلبلةأ يلرقيْةنَ"]النمل.[22 : السلما+ :لورجكئتي ل
-المباغتة والمفاجأة في جمع المعلومات وتوصيلها وغير
ذلك من الدروس والعبر:
-4قال تعالى+ :لويحرشلر لركس لكيْلماًلن يجينوُيدهي رملنَ اًلكرجبنَ لواًرلنَك ر
س لواًلطلكيْرر فلييهكمُ ييوُلزيعوُلن لحلتىَ
ساًكرنليككمُ لل يلكحرطلمنليككمُ يس لكيْلماًين لويجينوُيدهي إرلذاً ألتليكوُاً لعللىَ لواًرديِ اًلنلكمرل لقاًل ك
ت نَلكم لةر لياً أليميلهاً اًلنلكميل اًكديخليوُاً لم ل
لويهكمُ لل يلكشعييرولن" ]النمل.[18 ،17 :
نلحظ في هذه اليات الكريمة أن المعلومات السابقة ل تقتصر
على بني البشر ,فقد يستفيد منها الحيوان والطير ،إذ استفاد
)( انظر :الستخبارات العسكرية في السلما ،ص .108 1
201
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
202
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
203
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
204
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
.( )«
نلحظ في هذه المهمة أمورا منها:
-1إن هذه السرية كانت سرية استطلع ،غايتها مراقبة العدو
واستطلع أخباره على نحو السرايا الستكشافية التي تضعها
الجيوش أمامها ،أو على جانبها ،أو على نحو المغافر المامية في
جهة القتال ،وكانت مهمتها المراقبة ،والستطلع فقط دون
التعرض للعداء بالتحرش أو الحتكاك أو القتال ،وهذا ما يسمى
الستخبارات الهجومية ،هدفها جمع المعلومات عن العدو فقط
لمصلحة الدولة السلمية.
-2إن الرسول × أمر أن تبقى سرية حتى على من يحملها
وسينفذها أخذا بالحتياط اللزما وخوفا من تسربا أدنى معلومة
للعدو ،وتربية لصحابه أن المعلومة تكون على قدر الحاجة).(2
وحكما لجمعل وعبرا
ل وفي غزوة بدر ترك النبي × دروسلا
المعلومات عن العداء وتوظيفها لنزع النصر من المشركين،
فنلحظ أن النبي × جمع معلومات متكاملة عن العداء ،وقاما ×
بالشراف على جهاز الستخبارات وساهم بنفسه وبغيره في جمع
المعلومات عن مشركي مكة ،ويمكن لنا أن نحصر أساليب
الستطلع التي قاما بها النبي × للحصول على المعلومات من
مشركي مكة:
-أرسل بسيسة بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء حتى يأتياه
بخبر عير أبي سفيان فعادا وأخبراه بموعد وصول العير).(3
-قيامه × ،وبصحبته أبو بكر الصديق
.
× , -من
استنطاق هذين السيرين أمورا مهمة جدا منها:
-عدد أفراد جيش المشركين ،موقع قريش ،قيادة جيش
المشركين ،ومن فيه من أشراف مكة).(4
وعتم النبي × على المشركين أخبار المسلمين ,وقاما بأمر
سنن البيهقي ).(9/12 )( 1
مسلم ،كتابا المارة ،بابا ثبوت الجنة للشهيد ) (3/1510رقم .1501 )( 3
انظر :العبقرية العسكرية ،لواء محمد فرج ،ص .58 ،57 )( 4
205
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
مسلم ،كتابا الجهاد والسير ،بابا :المداد بالملئكة ) (3/1383رقم .1767 )( 1
مسلم ،كتابا المارة ،بابا ثبوت الجنة للشهيد ).1901 (3/1501 )( 3
206
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
.(3/1128
)( الستيعابا ).(2/812 2
207
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
208
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
209
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
قدمه له من نصح.
كر بني قريظة بمصير بني قينقاع وبني النضير -2أنه ذ ز
صرهم بالمستقبل الذي ينتظرهم إن هم استمروا في حربهم وب ز
للرسول × .فكان هذا الساس سببلا في تغيير أفكارهم وقلب
مخططاتهم العدوانية.
-3أنه نجح في إقناع كل الطراف بأن يكتم كل طرف ما قاله
له ,وفي استمرار هذا الكتمان نجاح في مهمته ،فلو انكشف أمره
لدى أي طرف من الطراف لفشلت مهمته ،وقد حققت مساعي
نعيم في تخذيل بني قريظة أمرين مهمين لجيش النبي × وهما:
-1أن المسلمين بعد انسحابا بني قريظة من التحالف مع
الحزابا أصبحوا في أمان لن هؤلء اليهود كانوا يسكنون المدينة
فلو بقوا في هذا التحالف لما أمن المسلمون من توجيه طعنة لهم
من الخلف لنهم مشغولون بمواجهة خصمهم من الماما.
-2أن المسلمين اطمأنوا إلى أن بني قريظة سيتسمرون في
إمدادهم بالمؤن التي يتطلبها الموقف ،وذلك لشدة حاجتهم إليها,
وانشغالهم عن توفيرها بمواجهة العداء).(1
وكلف × الزبير بتتبع أحوال بني قريظة وجمع المعلومات عن
نواياهم ،ومدى التزامهم بالعهد ،ورصد تحركهم المريب) .(2ومع
أخذه × بكل السبابا إل أنه × كان كثير التضرع والدعاء
والستعانة بالله وخصوصا في مغازيه وعندما اشتد الكربا على
المسلمين أكثر مما سبق حتى بلغت القلوبا الحناجر وزلزلوا
زلزال شديدا وجاء المسلمون إلى النبي × وقالوا :يا رسول الله
هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوبا الحناجر؟ قال :نعم» :اللهم
استر عوراتنا وآمن روعاتنا«).(3
ودعا ×» :اًللهمُ منزل اًلكتاًب سريع اًلحساًب ،اًهزم اًلحزاًب ،اًهزمهمُ
وزلزلهمُ«).(4
وقال ×» :ل إله إل الله وحده ،أعز جنده ونصر عبده وغلب
رواه أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري عن أبيه ).(8/18 )( 3
البخاري ،كتابا المغازي ،بابا :غزوة الخندق (5/59) ،رقم .4115 )( 4
210
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
مسلم ،كتابا الجهاد والسير ,بابا غزوة الحزابا ) (3/1414رقم .1788 )( 2
السيرة النبوية دراسة تحليلية ،د .محمد أبو فارس ،ص .366 )( 4
211
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وفي فتح مكة لما قرر النبي × فتحها حرص على مباغتة
قريش ,وكتم المر حتى ل يصل الخبر إلى قريش فتعد العدة
لمجابهته وتصده قبل أن يبدأ في تنفيذ هدفه ,وشرع في الخذ
بالسبابا التية لتحقيق مبدأ المباغتة:
-1أنه كتم أمره حتى عن أقربا الناس إليه:
قال ابن إسحاق -رحمه الله ) :-إن أبا بكر دخل على عائشة
وهي تغربل حنطة فقال :ما هذا؟ أمركم رسول الله × بالجهاز؟
قالت :نعم ،قال :وإلى أين؟ قالت :ما سمى لنا شيئلا ،غير أنه قد
أمرنا بالجهاز( ).(1
ضم: -2أنه بعث سرية بقيادة أبي قتادة إلى بطن إ ع
بعث النبي × قبل مسيرة مكة سرية مكونة من ثمانية رجال
وذلك لسدال الستار على نيته الحقيقية ،وفي ذلك يقول ابن
سعد) :لما هم رسول الله × بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن
ضم) ،(2ليظن ظان أن ربعي في ثمانية نفر سرية إلى بطن إ ع
رسول الله × توجه إلى تلك الناحية ولن تذهب بذلك الخبار...
شب)،(3 خ عفمضوا ولم يلقوا جمعا فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي ع
فبلغهم أن رسول الله × قد توجه إلى مكة ،فأخذوا على »بيبن«
حتى لقوا النبي × بالسقيا).(5) .(4
-3أنه بعث العيون لمنع وصول المعلومات إلى العداء:
بث رسول الله × عيونه داخل المدينة وخارجها حتى ل تنتقل
أخباره إلى قريش وأخذ رسول الله × بالنقابا) ،(6فكان عمر بن
الخطابا » :
..
.«
-4دعاؤه × بأخذ العيون والخبار عن قريش:
فعندما أعلم رسول الله × الناس أنه سائر إلى مكة وأمر
بالجد والتهيؤ قال) :اًللهمُ خذ اًلعيْوُن واًلخباًر عنَ قريش حتىَ نَبغتهاً فيِ
)( بطن إضم :وادي المدينة الذي تجتمع فيه الوديان الثلثة :بطحان ،وقناة، 2
والعقيق.
ميل عن المدينة.
ل )( ذو خشب :موضع على مرحلة من المدينة إلى الشاما يبعد 35 3
)( السقيا :موضع يقع في وادي القرى :معجم البلدان ).(3/288 4
212
الثاني :شروط التمكين وأسبابه البابا
بلدهاً( ).(1
وهذا شأن النبي × في أموره يأخذ بكل السبابا البشرية ول
ينسى التضرع والدعاء لربا البرية ليستمد منه التوفيق والسداد.
-5إحباط محاولة تجسس حاطب لصالح قريش:
عندما أكمل النبي × استعداده للسير إلى فتح مكة ،كتب
حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى مكة يخبرهم فيه نبأ تحرك النبي ×
إليهم ،ولكن الله سبحانه وتعالى أطلع نبيه × عن طريق الوحي
على هذه الرسالة ،فقضى × على هذه المحاولة وهي في مهدها،
فأرسل النبي × عليا والمقداد فأمسكا بالمرأة في روضة خاخ
على بعد اثني عشر ميل من المدينة ،وهدداها أن يفتشاها إن لم
فسلمته لهما ،ثم استدعى حاطب ) : تخرج الكتابا
- : -
.
) :× أماً إنَه قد صدقكمُ( فقال عمر :
» : إنَه قد شهد بدراً ،وماً يدريك لعل اًل اًطلع علىَ منَ
شهد بدراً فقاًل :اًعملوُاً ماً شئتمُ فقد غفرت لكمُ) .(2فأنزل الله+ :لياً أليميلهاً اًلرذيلنَ
آلمنيوُاً لل تليتلرخيذواً لعيدبويِ لولعيدلويككمُ ألكولرليْاًءل تييكليقوُلن إرلكيْرهكمُ رباًلكلملوُلدرة لوقلكد لكلفيرواً برلماً لجاًلءيكمُ بملنَ اًلكلحبق
ضاًرتيِل لربيككمُ رإن يككنتيكمُ لخلركجتيكمُ رجلهاًحداً رفيِ لسربيْرليِ لواًبكترلغاًءل لمكر ل يكخررجوُلن اًللرسوُلل وإرلياًيكمُ لأن تييكؤرمنيوُاً رباً ر
ي ل ك ي ي
ر
سبيْل" ر ضلل لسلوُاًءل اًل ل ر ر
تيرسمرولن إلكيْهكمُ باًلكلملوُلدة لوأللنَاً ألكع ليمُ بلماً ألكخلفكيْتيكمُ لولماً ألكع لكنتيكمُ لولمنَ يليكفلعكلهي مكنيككمُ فليلقكد ل
ر ر ر ر
]الممتحنة.[1 :
نجد من خلل قصة حاطب أن النبي × له فقه عميق في
معاملة أصحابه وحرص شديد على الوفاء لهم وإقالة عثرات ذوي
السوابق الحسنة ،لقد جعل × من ماضي حاطب
.
,
)( البخاري ،كتابا المغازي ،بابا غزوة الفتح ) (5/105رقم .4274 2
213
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
214
مراحـــــــــل التمكـــين
وأهدافـــــه
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
216
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
تمهيد:
إن التمكين لدين الله في الرض يمر بمراحل لبد منها ,وهذه
المراحل هي :مرحلة التعريف ،ومرحلة العداد والتربية ،ومرحلة
المغالبة ،ومرحلة الظهور ,وكل هذه المراحل سنستعرضها في
مباحث مستقلة في هذا البابا -إن شاء الله -ونركز على السنن
الربانية التي تمر بها حركة التمكين لدين الله تعالى.
وأما أهداف التمكين فجامعها قول الله تعالى:
صللةل وآتليوُاً اًللزلكاًلة وألمرواً رباًلكمعرو ر
ف لونَليلهكوُاً لعرنَ اًلكيمكنلكرر +اًلرذيلنَ رإن لملكلناًيهكمُ رفيِ اًللكر ر
ل لي ل كي ض أللقاًيموُاً اًل ل ل ي
ل لعاًقربلةي اًلييموُر" ]الحج.[41 : ور
ل
ويدخل تحت مفهوما هذه الية الكريمة أهداف الدولة السلمية
التي تسعى لتحقيقها ,وهي في حقيقتها تحقيق العبودية لله بحيث
ل يعبد في الرض سواه ,ومحاربة الباطل بأشكاله وأنواعه،
ومناصرة الحق وأتباعه .ففي هذا البابا نحاول أن نبين أهداف
التمكين التي تسعى الدولة لتحقيقها من ترسيخ دعائم الدولة،
ونظاما الحكم الشرعي ،وإيجاد الحاكم الصالح ،والرعية الصالحة،
ووضع نظاما عاما للدولة ،ونشر دعوة الله في العالم كله وإقامة
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ,وجلب المصالح للمة ودفع
المفاسد وإحياء الخلق الكريمة وإحياء فريضة الجهاد وغير ذلك
من المور التي سنوضحها في هذا البابا تحت مباحث متعددة
بإذن الله تعالى.
***
217
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الفصل الول
مراحــــــــل التمكـــــــين
تمهيد:
إن دعوة الله أمانة يتحملها أهل اليمان الصحيح ،وهذه المانة
ثقيلة في حد ذاتها ،وكذلك حملها وأداؤها ،والوفاء بها ،فكيف وهي
متعلقة بدين الله تعالى؟
ولذلك من أعظم المانات وأشدها ثقل أمانة الدعوة التي
تحتاج إلى رجال مؤمنين يتخلقون بأفضل الخلق الربانية
ونفوسهم مليئة باليمان العميق ،فهم على استعداد تاما لتبليغ دين
الله ,ولذلك يسعون بدين الله حتى يتمكن من قلوبا الناس
وإقامة دولة اليمان والسلما.
إن مرحلة التمكين أو إقامة دولة اليمان تسبقها مراحل
استخلصها العلماء من دراسة كتابا الله ودراسة التاريخ المتأنية،
ولعل من أهم هذه المراحل:
-مرحلة الدعوة والتعريف بالسلما.
-مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة.
-مرحلة المغالبة.
-مرحلة الظهور.
وسنحاول خلل هذا الفصل دراسة هذه المراحل وتحديد السمات
التي تتميز بها كل مرحلة وكيفية تحقيقها والنتقال بها إلى المرحلة التي
تليها لسيما المرحلة الخيرة مرحلة التمكين.
إن استيعابا مراحل التمكين يعين الدعاة إلى الله على تحقيق
هدفهم المنشود من التمكين لهذا الدين كما يبصرهم بحقيقة
الطريق ,ومعرفة عوائق التمكين التي تعترض تحقيق أهدافهم
وكيفية التغلب عليها من خلل القرآن الكريم وسيرة سيد
المرسلين ,وتاريخ المة المجيد والتعامل مع سنن الله الربانية
المبثوثة في الكون والحياة والشعوبا والمجتمعات.
218
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الول
مرحلة الدعوة والتعريف بالسلما
إن الخطوة الولى في سبيل إقامة الدولة المسلمة أو التمكين
للسلما هو التعريف به والدعوة إليه ،وقد كان هذا نهج النبياء
والمرسلين ومنهج القرآن ،والدعاة إلى الله هم ورثة النبياء،
والنبياء عليهم السلما ل يورثون مال ول عقارا ،ولكنهم يورثون
علما ودعوة ومبادئ وقيما وأخلقا وعقيدة صحيحة وتصورا سليما
للكون والحياة والنسان والخلق العليم.
إن الله سبحانه وتعالى قد بين لنا في كتابه وظيفة رسل الله
والدعاة إليه كما في قوله تعالى+ :لكلماً ألكرلسكللناً رفيْيككمُ لريسوُلح بمكنيككمُ يل كيتييلوُ لع لكيْيككمُ
ب لواًلكرحككلمةل لويييلعلبيميكمُ لماً لكمُ تليكوُنَيوُاً تليكع ليموُلن" ]البقرة.[151 : ر ر
آلياًتلناً لويييلزبكيْيككمُ لويييلعلبيميكيمُ اًلككلتاً ل
وتمثل هذه الواجبات المور التية:
أولل :تبليغ وحي الله إلى الناس ،وتعريفهم به +يلي كتييلوُ لعلكيْيككمُ آلياًترلناً"
ويكون هذا التبليغ بالمور التية:
-1شرح أصول السلما وقواعده للناس.
-2تفسير نصوص القرآن والسنة تفسيرا متبعا لمنهج السلف
وملئما للعصر الذي يتم فيه التفسير من حيث السلوبا
والوسيلة.
-3جمع الناس على السلما ومبادئه وأخلقه وتوجيههم نحو
الفهم والعمل.
-4استهداف كل الناس بالدعوة سواء كانوا مشركين أو
نصارى أو يهودا أو ملحدة أو علمانيين أو منافقين أو
فاسقين أو عصاة مع إعطاء الولوية للصف الداخلي
للمة).(1
-5بيان الخطار التي تواجهها المة السلمية من أعدائها
والعمل على اجتيازها في حدود ما تتطلبه المرحلة.
ثانيلا :تزكية الناس ،أي تزكية نفوسهم وتطهير وتنميتها
بالخيرات والبركات في الدنيا والخرة ،بحيث يصير النسان في
الدنيا مستحقلا للوصاف المحمودة ،وفي الخرة الجر والمثوبة،
)( انظر :حقيقة الدعوة إلى الله ,د .علي عبد الحليم ).(1/263 1
219
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
220
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المولى عز وجل ذلك في قوله تعالى+ :إرلن اًلرذينَ يككتيموُلن ماً ألنَكيزلكلناً رمنَ اًكلبييْبيلناً ر
ت لل ي ل ل ل ل
ن" ]البقرة: ك ليللعنيييهيمُ اًلي لويليكللعنيييهيمُ اًلللرعينوُ لب يأولئر ل س رفيِ اًلكركلتاً رلواًلكيهلدىَ رمنَ بليكعرد لماً بلييْليلناًهي رلللناً ر
.[159
والمعنى أن من عرف الحق ،فقد وجب عليه أن يبينه للناس،
ومن لم يفعل فقد أثم.
كما نعى الله ذلك الكتمان على أهل الكتابا في قوله تعالى:
س لولل تلككتييموُنَلهي فلينلبليذوهي لولراًءل ظييهوُررهكمُ لواًكشتليلركواً ب ليتبلييْبينيينلهي رلللناً ر ر ر ر
+لوإركذ أللخلذ اًلي ميْلثاًلق اًلذيلنَ يأوتيوُاً اًلككلتاً ل
س لماً يلكشتلييرولن" ]آل عمران.[187 : ر ر رر
به ثللمحناً قلليْلح فلبكئ ل
وإذا كانت آيات القرآن الكريم قد أوجبت على الدعاة ،وأهل
العلم ،أن يبلغوا الناس بهذا العلم ,فإن السنة المطهرة شارحة
القرآن قد فاضت بالحاديث في هذا المجال.
روى الماما البخاري بسنده ،عن ابن عباس رضي الله عنهما،
بابا تحريض النبي × وفد عبد القيس) (1على أن يحفظوا اليمان
والعلم ،ويخبروا من وراءهم ,قال مالك بن الحويرث) ،(2وهو من
بني عبد قيس :قال لنا النبي ×» :ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم«.
وعن ابن عباس قال :قال النبي × ،لما قدما إليه وفد عبد القيس:
ن الوفد -أو من القوما؟ قالوا :ربيعة ,فقال» :مرحباً باًلقوُم -أو م ن» ع
الوفد -غيْر خزاًياً ول نَداًمىَ« ,قالوا :إنا نأتيك من شقة بعيدة ،وبيننا
وبينك هذا الحي من كفار مضر ،ول نستطيع أن نأتيك إل في شهر
حراما ،فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا ،ندخل به الجنة ،فأمرهم
بأربعة ونهاهم عن أربعة :أمرهم باليمان بالله عز وجل وحده
قال» :هل تدرون ما اليمان بالله وحده؟« قالوا :الله ورسوله
أعلم ،قال» :شهادة أن ل إله إل الله ،وأن محمدلا رسول الله،
وإقاما الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وصوما رمضان ،وتعطوا الخمس من
المغنم«.
)( عبد قيس :من القبائل التي كانت تسكن الجزيرة العربية وهي من بطون 1
ربيعة.
)( هو مالك بن الحويرث ،أبو سليمان الليثي ،صحابي نزل البصرة ،مات سنة أربع 2
221
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( هو شعبة بين الحجاج الوردي أبو بسطاما الواسطي ،ثقة ،حافظ متقن ,كان 4
مدافعا عن السننة ،ت 160هـ ،انظر :تقريب التهذيب ،ص .266 ل
)( أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء. 5
)( البخاري ،كتابا اليمان ،بابا :أداء الخمس ) (1/23رقم .53 7
)( البخاري ،كتابا أحاديث النبياء ،بابا ما ذكر من بني إسرائيل ) (4/175رقم 8
.4361
222
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
223
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
إن أمر التعاون بين الدعاة واجب شرعي ,قال تعالى+ :لوتليلعاًلونَيوُاً
لعللىَ اًكلببر لواًلتليكقلوُىَ لولل تليلعاًلونَيوُاً لعللىَ اًرلثكرمُ لواًلكعيكدلواًرن" ]المائدة.[2 :
إن الدعوة ليست محصورة في مجال معين ،أو وسيلة واحدة،
بل هي ميدان رحب ولها وسائل شتى ,وذلك يعني أنه لبد من
بذل جهود عظيمة ولبد من إدراك أن الداعية مهما تعددت مواهبه
فإنها تقصر عن البداع والتقان في كل مجال ،فهناك من يستطيع
الخطابة ويجيدها ،وهناك من يحسن التأليف ويتقنه ،وهناك من
ينشر العلم ويدرسه ،وهناك من يعرف العمل السياسي ،وآخر
يبدع في العمل الخيري ،وهكذا ول يتصور أن تغطى هذه المجالت
إل باستفراغا كل داعية جهده في مجال إتقانه ليحصل التكامل،
ورحم الله الماما مالكا إماما دار الهجرة الذي نصب نفسه في
224
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
نزهة الفضلء ،تهذيب سير أعلما النبلء ،د .محمد حسن عقيل.(2/734) ، )( 4
225
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الترك؟ قال :ل ،قال :فهل قاتلت الفرس؟ قال :ل ،قال :فهل
قاتلت الديلم؟ قال :ل ،قال :أفسلم منك الترك والفرس والديلم
ول يسلم منك أخوك المسلم؟ ).(1
فكن أنت محتال لزلته عذرا إذا ما بدت من صاحب لك
زلة
كأن به عن كل فاحشة وقرا أحب الفتى ينفي الفواحش
سمعه
ول مانع خيرا ول قائل هجرا سليم دواعي الصدر ل
باسط أذى
إن في أعدائنا كفاية لستنفاد جهودنا في حربهم ،ومواجهتهم,
فكيف نغفل عن هذا ونوجه سهامنا لبعضنا؟ ).(2
إن نجاح الدعاة في تنظيم جهودهم ووضعها وفق خطة
شاملة وتوحيد قيادتهم يعين العاملين في مجال الدعوة على
تحقيق أهدافهم ,ويستطيعون أن يبذلوا طاقاتهم في البناء
وانتقاء العناصر الجيدة التي تعتز وتنتمي إلى السلما وتثبت
على هذا العتزاز وتتجرد ممن سواه ،وتورثه إلى غيرها من
الناس ،وممن يظهر حماسهم والتزامهم الحاسم بكل ما هو
إسلمي .ويستطيع الدعاة أن يفرزوا قاعدة قوية بين الناس
تؤمن بالعمل الجماعي للسلما وتراه فرضا عليها ،وعلى كل
المسلمين القادرين على العمل ,وتكون تلك القاعدة طليعة
لقاعدة أوسع من العاملين للسلما ،في عمل جماعي تشرف
عليه لجان مشكلة على جميع مستوياته الفكرية ,والثقافية،
والجتماعية ،والقتصادية والسياسية ،والتربوية ،والحركية
والدعوية وفق خطط مجهزة ،وتنظيم محكم ،وإدارة واعية
وتربية عميقة ,يشرف عليها علماء ربانيون وفقهاء عاملون
مستوعبون للحياة النسانية وقضاياها ومشكلتها.
وسائل الدعاة في هذه المرحلة:
لقد انتشر في هذا العصر العلم وكثرت فيه وسائل العلما
والتربية وازدهرت فيه الخطابة والكتابة وعمت الجامعات في كل
مكان ،وكذلك المدارس في المدن والقرى والجبال والسهول
والرياف ،وتدفقت السيول من المطبوعات والمنشورات من
المطابع ودور النشر ،ونبغ فيها علماء باحثون ،ووعاظ مرشدون،
فلهذا يجب على الدعاة أن يتبعوا كل أسلوبا يوصلهم إلى قلوبا
)( (4) ,انظر مقومات الداعية الناجح ،ص .147 1
2
)( انظر مقومات الداعية الناجح ،ص .147
226
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ك" ونشعر ولنستشعر إعجاز القرآن في قوله+ :اًكدعي إرللىَ لسربيْرل لرب ل
بمدى أبعاد الطلق الذي جاء في هذه الية ،وأبعاد التقييد الذي
ك" ما حدد وما عين شيئا معينا جاء فيها فأطلق وقال+ :إرللىَ لسبريْرل لرب ل
خاصا ،فيدخل في ذلك الحث على الصلة ودعوة الناس إلى
مكارما الخلق والفضيلة وإلى تطبيق شرع الله على أنفسهم
ك" يحوي كل شيء ويمتد على اتساع جميع وأهليهم+ ,لسربيْرل لرب ل
الفاق ،وهو ل يختص بالخطابة ول يختص بالكتابة ول يختص
بالوعظ والنصيحة إنما قال +اًكدعي" والدعوة عامة شاملة هذه
المعاني كلها ،وهذه الساليب كلها ).(2
ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى) :إن الدعوة دعوة إلى
سبيل ،ل لشخص الداعية ول لقومه ،والدعوة بالحكمة والنظر في
أحوال المخاطبين وظروفهم والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة
حتى ل يثقل عليهم ول يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها،
والطريقة التي يخاطبهم بها والتنويع في هذه الطريقة حسب
مقتضياتها ،فل تستبد به الحماسة والندفاع والغيرة فيتجاوز
الحكمة في هذا كله وفي سواه( ).(3
ويقول أيضا) :بالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوبا
برفق ،وتتعمق المشاعر بلطف ،ل بالزجر والتأنيب في غير
موجب ،ول بفضح الخطاء التي قد تقع عن جهل أو عن حسن نية،
فإن الرفق في الموعظة كثيرا ما يهدي القلوبا الشاردة ،ويؤلف
القلوبا النافرة ،ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ( ).(4
ويقول أيضا في معنى الجدل بالتي هي أحسن) :أي بل تحامل
)( انظر :أسس الدعوة ،محمد سيد الوكيل ،ص .21 1
)( انظر :حكمة الدعوة وصفة الدعاة لبي الحسن الندوي ،ص .8 2
4
)( في ظلل القرآن ) .(4/2198
227
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الدعوة السلمية بين الفردية والجماعية ،سليمان مرزوق ،ص .19 2
)( انظر :أسس الدعوة ،د .محمد السيد الوكيل ،ص .20 3
228
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
-2الكتب والبحوث:
امتلت الدنيا بالمؤلفات ،وأصبح في كل بيت مكتبة ،بل في
كل مكتب مكتبة ،وكثرت دور النشر ،وشجع تقدما فن الطباعة
على مضاعفة المطبوعات بشكل هائل.
إن الكتب والمجلت الجنسية والروايات والقصص ،وكتب
الجريمة والفساد ،وكتب الفكار الهدامة والمنحرفة انتشرت
في دنيا الناس انتشار النار في الهشيم بكل اللغات والوسائل،
فيجب على الدعاة أن يكتبوا الكتب والبحوث بأسلوبا سهل
ممتع و جذابا يفهمه عامة الناس وخاصتهم ،وتعرف الناس
بالسلما وتشرح لهم تعاليمه ,وتقنعهم أنه منهج كامل يتناول
جميعا ،وأنه كفيل بإسعاد الناس وجلب الرخاء ل شئون الحياة
والمن والسلما لهم جميعا ,حيث إنه أوجد حضارة مشرقة
صحيحا ،ويحسن أن تعرض ل طبق تطبيقاوتاريخا مجيدا يوما أن ع
هذه الفكار ونظيراتها في كتيبات يسهل حملها كما تسهل
قراءتها بحيث تكون كل فكرة أو بحث في كتيب على حدة،
وتتسلسل في ربط قوي ،وجاذبية مؤثرة تجعل القارئ ل ينتهي
من كتيب حتى يجد نفسه مشدودا إلى قراءة الذي يليه).(1
وهكذا يسعى الدعاة إلى توظيف كل الوسائل من الخطبة
والمحاضرة والدرس والمناظرة ..إلخ للتعريف بدعوة السلما،
ولبد لهم من استيعابا فقه المر بالمعروف والنهي عن المنكر
ووسائله وأساليبه والهتماما بإقامة المنشآت والمؤسسات النافعة
التي تجلب الخير للناس وتدفع عنهم الشر .ولبد أن يكون الدعاة
الذين يتصدون لتعليم الناس وتعريفهم بدعوة السلما قدوة بين
الناس ،لن القدوة هي الصورة الحية للفكرة ،والتطبيق العملي
للدعوة ،والتوضيح الجلي للحجة ،ولشك أنها من أعظم أسبابا
بذر المحبة في القلوبا ،ووجود القناعة في العقول ,وكثير من
المدعوين ينتفعون بالسيرة ولسيما العامة وأربابا العلوما
القاصرة فإنهم ينتفعون من السيرة والخلق الفاضلة والعمال
الصالحة ما ل ينتفعون من القوال التي قد ل يفهمونها).(2
ولله در ابن القيم حيث قال» :إن الناس قد أحسنوا القول
فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصابا حظه ,ومن خالف قوله
فعله فذاك إنما يوبخ نفسه«).(3
)( انظر :كيف ندعو الناس ،عبد البديع خضر ،ص .75 1
229
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
230
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
231
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( الترمذي ،كتابا الزهد ،بابا :ما جاء في هوان الدنيا على الله ،حديث رقم 2
.2320
232
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ول ينسى خبر سحرة فرعون لما آمنوا وهددوا بالموت هتفوا
ضيِ لهرذره اًلكلحليْاًلة اًلمدنَكيليْاً" ]طه.[72 :
ض إرنَلماً تليكق ر
ت لقاً ة ل قائلين+ :لفاًقك ر
ض لماً ألنَ ل
-2الخشية من الله:
وهي من أعظم آثار اليمان وأبرز أوصاف المؤمنين +اًلرذيلنَ
ساًلعرة يمكشرفيقوُلن" ]النبياء.[49 : شكوُلن لربلييهكمُ براًلكغلكيْ ر
ب لويهمُ بملنَ اًل ل يلكخ ل
233
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
234
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ول يعنيهم إدراك التكبير ،ولست أدري ما يقول هؤلء إذا سمعوا
مقالة إبراهيم بن زيد التيمي» :إذا رأيت الرجل يتهاون في
التكبيرة الولى فاغسل يدك منه«) ،(1وبماذا يعلقون إذا علموا أن
سعيد بن عبد العزيز التنوخي »كان إذا فاتته صلة الجماعة
بكى«).(2
والحقيقة أن المر في هذا يطول والتفريط فيه من بعض
الدعاة كثير وخطير ،ونصوص الكتابا والسنة أشهر من أن تذكر.
والذكر عظيم المنزلة فهو »منشور الولية الذي من أعطيه
اتصل ،ومن منعه عزل ،وهو قوت قلوبا القوما الذي متى فارقها
صارت الجساد لها قبورا ،وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه
صارت بورا ،وهو سلحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ،وماؤهم
الذي يطفئون به التهابا الحريق ،ودواء أسقامهم الذي متى
فارقهم انتكست به القلوبا«) (3والذكر هو العبادة المطلوبة بل حد
ينتهي إليه +لياً أليميلهاً اًلرذيلنَ آلمنيوُاً اًكذيكيرواً اًلل رذككحراً لكرثيْحراً" ]الحزابا [41 :وبل وقت
ف اًلنليلهاً ر ر ل ر
تختص به +لومكنَ آلنَاًء اًل كيْرل فل ل
سبكح لوألطكلراً ل
ضىَ" ]طه [130 :وبل حال تستثنى منه +اًلرذيلنَ يلكذيكيرولن اًلل قرليْاًحماً لوقيييعوُحداً للع ل ل
ك تليكر ل
لولعللىَ يجينوُبررهكمُ" ]آل عمران.[191 :
والذاكرون هم السابقون في رياض الجنة يرتعون ,وبوصية
المصطفى × يعملون ،وبمباهاة الملئكة يسعدون).(4
والستغفار من أعظم الذكار وكان المصطفى × يستغفر في
اليوما والليلة سبعين مرة).(5
وأخبر أمته أن »من لزما الستغفار جعل الله له من كل ضيق
مخرجا ،ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث ل يحتسب« ) ،(6ولذا
فلبد للداعية من الذكار ليحيى الله قلبه ،ولبد له من الستغفار
ليمحو الله ذنبه.
وأعظم الذكر تلوة القرآن التي هي من أقوى الصلت بالله
التي يحتاجها الدعاة ،ولها أثرها في واقع الدعوة والحياة» ،ومن
البخاري ،كتابا الدعوات ،بابا استغفار النبي × ) (2/178رقم .1518 )( 5
أبو داود ،كتابا الصلة ،بابا :الستغفار ) (2/178رقم .1518 )( 6
235
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الصلة بالله إعزاز كتابا الله وإدمان تلوته وتدبر معانيه ،وعقد
مقارنة مستمرة بين المثل التي يحدو العالم إليها ،والواقع الذي
ثوى الناس فيه ،لتكون هذه المقارنة حافزا على تذكير الناس
بالحق ،وقيادتهم إلى الله ،وتأهليهم ،وقربا الداعية من كتابا الله
يجب أن يكون متعة لروحه وسكنا لفؤاده وشعاعا لعقله ،ووقودا
لحركته ومرقاة لدرجته«) ،(1والصلة بالقرآن موجبة للتميز كما قال
ابن مسعود » :
)(
. «
» ,
.( )«
,
.
ثانيا :الرصيد العلمي والزاد الثقافي:
وهذا أساس لبد منه حتى يجد الناس عند الداعية إجابة
للتساؤلت ،وحلول للمشكلت ,إضافة إلى ذلك هو العدة التي بها
يعلم الناس أحكاما الشرع ،ويبصرهم بحقائق الواقع ،وبه أيضا
يكون الداعية قادرا على القناع وتفنيد الشبهات ،ومتقنا في
العرض ،ومبدعا في التوعية والتوجيه)» .(4وإذا كانت الدعوة إلى
الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي ل تحصل إل بالعلم
الذي يدعو به وإليه ،ولبد من كمال الدعوة من البلوغا في العلم
إلى حد يصل إليه السعي«) .(5والخوض في غمار الدعوة وميادينها
لبد للداعي من علم وإل ترتب على ذلك آثار وخيمة لن »العامل
على غير علم كالسالك على غير طريق ،والعامل على غير علم ما
مع الله ،ص .191 )( 1
236
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
أصول الدعوة ،د .عبد الكريم زيدان ،ص .135 )( 3
237
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
]النحل: عن الحوادث ,فقال عز وجل+ :لفاًكسألليوُاً ألكهلل اًلبذككرر رإن يككنيتمُ لل تليكع ليموُلن"
[43وقال تعالى+ :وإرلذاً جاًءهمُ ألمر بمنَ اًلمرنَ ألرو اًلكلخوُ ر
ف أللذاًعيوُاً برره ولكوُ رمدوهي إرللىَ اًللريسوُلر
ل ل ك ل ل لي ك كر ل ك
طوُنَلهي" ]النساء.[83 : لوإرللىَ يأورليِ اًلكمرر رم كنييهكمُ للعلرلمهي اًلرذيلنَ يلكستليكنبر ي
وإذا سلك الداعية طريق العلم حظى بالخيرية الربانية الثابتة
في حديث رسول
الله ×» :من سلك طريقلا يلتمس به علما سهل الله به طريقلا من
طرق الجنة« ).(1
وإذا نال الداعية حظا وافيا من العلم واندرج في سلك طلبة
العلم فإنه يكون في مجتمعه نبراسا يهتدى به ,كما قال ابن القيم
عن الفقهاء» :إنهم في الرض بمنزلة النجوما في السماء ,بهم
يهتدي في الظلماء ،حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى
الطعاما والشرابا ،وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة المهات
والباء«) .(2وعندما يتحرك الداعية ناشرا علمه ساعيا بين الناس
ناعيا عليهم الغفلة والفساد فإنه يحظى بشرف الوصف ل بالصلح,
الذي ذكره الماما أحمد حين قال» :الحمد لله الذي جعل في كل
فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى
ويصبرون منهم على الذى ،يحيون بكتابا الله تعالى الموتى،
ويبصرون بنور الله أهل العمى ،فكم من قتيل لبليس قد أحيوه،
وكم من ضال تائه قد هدوه ،فما أحسن أثرهم على الناس وما
أقبح الناس عليهم«) .(3وأهل العلم والبصيرة من الدعاة شهد
التاريخ أنهم »هم من اهتدى بهم الحائر ،وسار بهم الواقف ،وأقبل
بهم المعرض ،وكمل بهم الناقص ،ورجع بهم الناكص ،وتقوى
بهم الضعيف«).(4
ومن أهم العلوما التي يجب أن يهتم بها الدعاة علم القدوما
على الخرة الذي قل وجوده بين الناس ،وبين طلبا العلم ،والذي
بدونه ل يعتبر العالم عالما وإن حفظ الشروح والمتون والحكاما,
ومل رأسه منها ورددها على لسانه .إن هذا العلم لب العلوما
وغايته ،وكل مسلم محتاج إليه ,والعالم أشد حاجة إليه ،والداعي
أحوج من الجميع إليه .إن هذا العلم هو الذي فقهه الصحابة
الكراما وأشربت به قلوبهم وتنورت به عقولهم فضنوا بوقتهم أن
يذهب سدى من غير طاعة الله ودعوة إليه ،فاجتهدوا في أمور
أبو داود ،كتابا العلم ،بابا الحث على العلم ) (4/57رقم .3641 )( 1
238
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :مقومات الدعوة والداعية الناجح ،ص .53 -51 2
239
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
240
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
241
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
242
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
هؤلء:
-1الكافرون الذين ل يؤمنون بالكتابا والسنة.
-2المعتدون بعقولهم المقدمون لها على النص النقلي.
-3المخدوعون بالشبهات.
-4المعاندون الذين يتبعون الباطل تبعا لمصالحهم ويسعون
إلى إضلل غيرهم.
-5الواقعون تحت تأثير الوضاع والعراف الخاطئة حتى ألفوها
صوابا ,وهناك أساليب كثيرة مستنبطة من الكتابا والسنة في
ل ورأوها
إقامة الحجة العقلية واستخداما القيسة المنطقية وهي تعين الدعاة
على التأثير في الناس وخصوصا عند التفكر العميق والتأمل الهادئ.
ومن هذه الساليب المهمة:
أ -أسلوبا المقارنة:
وذلك بعرض أمرين أحدهما هو الخير المطلوبا الترغيب فيه،
والخر هو الشر المطلوبا الترهيب منه ،وذلك باستثارة العقل
للتفكر في كل المرين وعاقبتهما للوصول -بعد المقارنة) - (1ومن
أمثلة ذلك:
ضلوُاًةن ل ك
ل لور ك -1قال جل وعل+:ألفلمنَ أللسس بي كنييْاًنَلهي لعللىَ تليكقوُىَ رمنَ اً ر
خيْيرر لأم لمكنَ أللس ل
س ل ل لك ل يل
ظاًلررميْلنَ"]التوبة.[109 : ل
بي كنييْاًنَله لعللىَ لشلفاً جر ة
ف لهاًةر فلاًنَكيلهاًلر برره رفيِ لنَاً ر لجلهنلمُ لواًلي لل يليكهرديِ اًلكلقكوُلم اًل ل
يي يل ي
قال القرطبي» :وهذه الية ضربا مثل لهم ،أي من أسس
بنيانه على السلما خير أما من أسس بنيانه على الشرك والنفاق,
وبين أن بناء الكافر كبناء على جرف جهنم يتهور بأهله فيها ،وفي
هذه الية دليل على أن كل شيء ابتدئ بنية تقوى الله تعالى
والقصد لوجهه الكريم فهو الذي يبقى ويسعد به صاحبه ويصعد
إلى الله ويرفع إليه«).(2
-2ومن المثلة النبوية التي تبين استخداما النبي × لسلوبا
المقارنة قوله ×» :إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء
كحامل المسك ،ونافخ الكير ,فحامل المسك إما أن يحذيك وإما
ريحا طيبة ،ونافخ الكير إما أن
ل أن تبتاع منه ،وإما أن تجد منه
يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحلا خبيثة« ).(3
(6/178
243
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
البخاري،كتابا الطلق ،بابا :إذا عزرض بنفي الولد ،الفتح ).(9/442 )( 4
244
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
245
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
والتزوير والتمويه«).(1
ول ريب أن الداعية مطالب بتفهم هذه الساليب والفادة منها
ليكتسب فطنة تساعده على تقرير المسائل وإقامة الحجة
وسرعة البديهة.
ولقد كان لئمة الدعاة أقوال ومواقف دلت على رجاحة
عقولهم وقوة حجتهم ،فهذا القاضي أبو بكر الباقلني سأله بعض
النصارى بحضرة ملكهم فقال :ما فعلت زوجة نبيكم؟ وما كان من
أمرها بما رميت من الفك؟ فقال الباقلني على البديهة :هما
امرأتان ذكرتا بسوء ،مريم وعائشة فبرأهما الله عز وجل ,وكانت
عائشة ذات زوج ولم تأت بولد ،وأتت مريم بولد ولم يكن لها
زوج).(2
فكان هذا الجوابا في غاية الروعة والفحاما ،لن ذلك الخبيث
أراد التعريض والحراج بقصة حادثة الفك التي اتهمت فيها عائشة
رضي الله عنها ،فأجابا الباقلني بأن هذه فرية برأها الله منها
ولكنه قرن ذلك بذكر مريم ،ليشير إلى أن براءة عائشة عقل
أولى ،لن لو تطرق إلى العقل احتمال الريبة فهو في حق مريم
أعظم ،فإن قبلتم أيها النصارى براءتها فيلزمكم قبول براءة
عائشة من بابا أولى).(3
رابعا :رحابة الصدر وسماحة النفس: ل
إن الداعية الرباني في العادة يتحلى برحابة الصدر وسماحة
النفس ليستوعب الناس ويستميلهم للخير والحق» ,فالناس في
حاجة إلى كنف رحيم ،وإلى رعاية فائقة ،وإلى بشاشة سمحة،
وإلى ود يسعهم ،وحلم ل يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ،في
حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ول يحتاج منهم إلى عطاء ويحل
همومهم ول يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائما الهتماما والرعاية
والعطف والسماحة والود والرضا«).(4
وهكذا كان قلب رسول الله × ,وهكذا كانت حياته مع الناس
»ما غضب لنفسه قط ول ضاق صدره بضعفهم البشري ،ول
احتجز لنفسه شيئا من أغراض هذه الحياة ،بل أعطاهم كل ما
ملكت يداه في سماحة ندية ،ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده
246
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الكريم ،وما من واحد منه عاشره ،أو رآه إل امتل قلبه بحبه ،نتيجة
لما أفاض عليه × من نفسه الكبيرة والرحيبة«).(1
إن هذه الخلق مهمة في تكوين الداعية يحتاج أن يجتهد في
اكتسابها لنها وقود محرك له في دعوته كما أنها ترفع كفاءة
القبول ،وتكبح جماح النفعالت النفسية ذات الثار السلبية،
وتتجلى هذه الخلق في عدد من الصفات توضحها وتبين أثرها
ومن أهمها:
أ -الرحمة والشفقة:
»إن الداعي لبد أن يكون ذا قلب ينبض بالرحمة والشفقة
على الناس ،وإرادة الخير لهم والنصح لهم ،ومن شفقته عليهم
دعوتهم إلى السلما ،لن في هذه الدعوة نجاتهم من النار
وفوزهم برضوان الله تعالى ،وأن يحب لهم ما يحب لنفسه
)(2
وأعظم ما يحبه لنفسه اليمان والهدى فهو يحب ذلك إليهم« .
وهذا الشعور الغامر بالشفقة على الناس يبعث في النفس
الحزن والسى على حال المعرضين والعاصين ،ويتولد إثر ذلك
قوة نفسية دافعة لستنقاذهم من الخطر المحدق بهم ،والهلك
القادمين إليه ،وما أبلغ وأدق النص القرآني في بيان هذه الصفة
ك لعللىَ آلثاً ررهكمُ رإن لكمُ يييكؤرمنيوُاً برلهلذاً
سل عند الرسول الكريم ×+ :فلي لع ل ل ر
ك لباًخرع نَليكف ل ل
اًلكحردي ر
ث أللسحفاً" ]الكهف.[6 : ل
تأمل هذه اليات فإنه» :من فرط شفقته × داخله الحزن
لمتناعهم عن اليمان ،فهون الله سبحانه عليه الحال ،بما يشبه
م كل هذا؟ ليس في امتناعهم - العتابا في الظاهر كأنه قال له :ل ق ع
في عدنا -أثر ،ول في الدين من ذلك ضرر).(3
فالرحمة -كما ترى -باعث دافع ومحرك للدعوة استنقاذا
للناس من الهلك ،وهي في الوقت نفسه عامل استمرار واطراد
وتوسيع لدائرة الستيعابا والتأثير رغم الصد والعراض).(4
با -الحلم والناة:
إن الحلم» :فضيلة خلقية نافعة ..تقع في قمة عالية دونها
منحدرات ،فهو أناة حكيمة بين التسرع والهمال أو التواني،
1
)( في ظلل القرآن ) .(501 – 1/500
247
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
2
)( الخلق السلمية ) .(2/353
)( مسلم ،كتابا اليمان ،بابا :المر باليمان بالله ورسوله ).(1/48 3
)( البخاري ،كتابا الطهارة ،بابا :صب الماء على البول في المسجد )الفتح( ) 4
.(1/324
)( خلق المسلم ،ص .204 5
248
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
وعندما وقعت حادثة الفك ،كان وقعها على آل أبي بكر شديدا
فلما نزلت البراءة حلف أبو بكر ,
سلعرة لأن يييكؤتيوُاً يأورليِ اًلكيقكرلبىَ
ضرل رمنيككمُ لواًل ل
+ : لولل يلأكتلرل يأويلوُ اًلكلف ك
صلفيحوُاً أللل تيرحمبوُلن لأن يليغكرفلر اًلي ليككمُ لواًلي غليفوُرر واًلكمساًركيْنَ واًلكملهاًرجررينَ رفيِ سربيْرل اً ر
ل لولكيْليكعيفوُاً لولكيْل ك ل ل ل لل لل ي
لررحيْرمُ" ]النور .[22 :فصفح الصديق وعفا واستمر في نفقته على
مسطح.
إن رحابة الصدر وسماحة النفس تتضمن الرحمة التي تدعو
إلى الحلم الذي يقود إلى العفو ,فيكون من وراء ذلك التأثير
سينَ فلرإلذاً اًلرذيِ بل كييْينل ل ر لر ر
ك التلقائي لن النسان يتأثر بالحسان +اًكدفلكع باً تيِ هليِ ألكح ل
لوبل كييْينلهي لعلداًلوةر لكألنَلهي لولرويِ لحرميْرمُ" ]فصلت.[34 :
وهذا أمر مشاهد حيث نرى أن من كان سمح النفس يستطيع
»أن يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له ،وثقة الناس به ،لنه
يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب ،والتغاضي عن السيئات
والنقائص ،فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه
رقيقا لينا ،سمحا ،يسر بالنصيحة ول يريد الفضيحة ،يسد الثغرات
ول ينشر الزلت والعثرات«).(1
هذه يعض العدة التي لبد منها للدعاة الذين يتصدرون الناس
لدعوتهم إلى السلما.
المراعاة والتدرج في السلما:
إن المراعاة والتدرج لزمان للتغيير وحصول الستجابة ،لن
تغيير النفوس وإزاحتها عن مألوفاتها ،ونقلها من ميولها أمر ليس
سهل ،كما أن تغيير العراف التي تجذرت في النفوس ،واستقرت
في العقول وتواطأ الناس عليها ل تتغير بأمر يصدر أو دعوة توجه،
ولذلك لبد في الدعاة من مراعاة الطبائع والفهاما ،والمقاصد
والنيات ،والحوال الخاصة ،والعراف والعوائد العامة ،والولويات،
والمصالح والمفاسد ،والوقات عندما يتصدرون لدعوة الناس
وتعريفهم بالسلما.
إن التدرج سنة ربانية من سنن الله تعالى في خلقه وكونه،
وهو من السنن الهامة التي يجب على المة أفرادا وجماعات أن
تراعيها وهي تعمل للتمكين.
249
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
منهج أهل السنة والجماعة في قضية التغيير ،ص 69 ،68بتصرف. )( 2
250
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
في التشريع ونزول القرآن فقالت» :إنما أنزل القرآن سورا فيها
ذكر الجنة والنار ،حتى إذا ثابا الناس إلى السلما نزل الحلل
والحراما ،ولو نزل أول شيء ل تشربوا الخمر ول تزنوا لقالوا :ل
ندع الخمر ول الزنا أبدا«).(1
وأوضح مثال معروف في هذه القضية هو التدرج في تحريم
الخمر :فلقد كانت متغلغلة في نفوس الناس بصورة كبيرة ،فكان
من الحكمة أن يفطموا عنها
بطريقة تدريجية).(2
وكان القضاء على الرق خاضعلا لسنة التدرج .يقول الدكتور
القرضاوي» :ولعل رعاية السلما للتدرج هي التي جعلته ل يقدما
على إلغاء نظاما الرق الذي كان نظاما سائدا في العالم كله عند
ظهور السلما ،وكان محاولة إلغائه تؤدي إلى زلزلة في الحياة
الجتماعية والقتصادية ,فكانت الحكمة في تضييق روافده ،بل
ردمها كلها ،ما وجد إلى ذلك سبيل ،وتوسيع مصارفه إلى أقصى
حد ،فيكون ذلك بمثابة إلغاء الرق
بطريق التدرج«).(3
يقول أبو العلي المودودي» :إننا درسنا القرآن الكريم والسنة
المطهرة دراسة عميقة علمنا كيف وبأي تدرج وانسجاما تم التغيير
السلمي في بلد العربا ،ومنها إلى العالم كله على يد النبي ×,
فلقد كانت المور تسير رويدا رويدا حسب مجراها الطبيعي حتى
تستقر في مستقرها الذي أراده الله ربا العالمين.(4) «...
إن المة السلمية التي تتطلع اليوما إلى تمكين الله تعالى لها لبد
أن تراعي في عملها سنة التدرج ،فما هدما في أعواما ل يمكن أن
يبنى في أياما ,فعليها أن تتبنى سياسة النفس الطويل والصبر
الجميل ،فتصبر على البذرة حتى تنبت ،وعلى النبتة حتى تورق ،وعلى
الورقة حتى تزهر ،وعلى الزهرة حتى تثمر ،وعلى الثمرة حتى تنضج،
وتؤتي أكلها بإذن ربها).(5
وينبغي للدعاة العاملين اليوما للسلما أن» :يراعوا في عملهم
سنة التدرج في تحقيق ما يريدون من أهداف ،آخذين في العتبار
سمو الهدف ومبلغ المكانات وكثرة المعوقات ,فل ينبغي أن
رواه البخاري ،كتابا فضائل القرآن ،بابا :تأليف القرآن. )( 1
251
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
يستعجل الشيء قبل أن يبلغ الجل المقدور لمثله ،فإن الزرع إذا
حصد قبل إبانه ،والثمر إذا قطف قبل أوانه ل ينتفع به النفع
المرجو ،بل قد يضر ول ينفع ,فإذا كان النبات ل يؤتي أكله إل بعد
أشهر أو سنة ,وبعض الشجر ل يثمر قبل سنوات عدة فإن بعض
العمال الكبيرة ل تقطع ثمارها إل بعد عقود من السنين ,وكلما
كان العمل عظيما وقاعدته متسعة كانت ثمرته أبطأ.
وقد يبدأ جيل عمل تأسيسيا ذا شأن فل يستفيد منه الجيل
الثاني ،أو الثالث ،أو ما بعد ذلك ،ول ضير في ذلك ما داما كل
شيء يسير في خطه المعلوما وطريقه المرسوما«).(1
نعم فالقدار طويلة النفاس ،والصراع بين الحق والباطل ل
تنكشف عقباه في سنة أو سنتين ,ول في جولة أو جولتين ,إنه قد
ف لسنلةة بملماً تليعيمدولن" يستوعب السنين والقرون +..لوإرلن يليكوُحماً رعكنلد لرب ل
ك لكأللك ر )(2
]الحج.[47 :
إن استيعابا سنة التدرج يعين الدعاة على التعامل الصحيح مع
الناس ولبد للدعاة الذين يعرفون الناس بالسلما أن تكون لهم
قدرة على التخطيط والتنظيم وحسن الدارة ،ول يخفى أن هذه
المور المذكورة من صميم كل مرحلة من مراحل التمكين بل هي
من صميم أي عمل يراد له أن يحقق أهدافه ،وأن يصل إلى غايته.
إن مرحلة التعريف تحتاج إلى الدعاة أن يهتموا بالتخطيط
والتنظيم وحسن الدارة.
فبالتخطيط يمكن أن يستفاد من الموارد المادية والمعنوية
والبشرية ،على أفضل وجه ممكن ،وبأقل تكاليف ممكنة ،وفي
الوقت المناسب.
وبالتنظيم :يمكن تحديد الواجبات والختصاصات بين الفراد
ويمكن تحديد الوقات التي تؤدي فيها العمال ،بغية الوصول إلى
الهداف التي حددت من ذي قبل ،وهو عمل يجب أن يمارسه
الدعاة إلى الله ،بل يتمرسوا به ،ويجيدوه ،لنه ل ينجح عمل بدون
ذلك.
وبحسن الدارة :يمكن إخراج التخطيط والتنظيم إلى حيز
الوجود للعمل والتنفيذ ،وتحدد الطاقات وتوظف مهماتها في
العمل ،وفق ما تقتضيه الخطة وما يتطلبه النظاما ويمكن تأمين
)( الصحوة السلمية بين الجمود والتطرف ،ص .107 ،106 1
252
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم.(302 -1/295) ، 1
253
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة
إن رسل الله الكراما عليهم أفضل الصلوات والسلما عندما
بلغوا رسالت الله إلى أقوامهم ،اختاروا من الناس من استجابا
لدعوتهم وغرسوا في نفوسهم المعاني اليمانية والخلق الربانية
حتى يستطيعوا أن يحملوا معهم دعوة الله إلى الناس ،فهذا
رسول الله موسى قاما بهذه المهمة الشاقة ,وذاك رسول الله
عيسى الذي اختار أنصاره الحواريين الذين حملوا دعوته ورسالته
من بعده ,وإن كان بعضهم انحرف عن المنهج الرباني الصحيح،
ومن سيرة النبي × نرى أن هذه المرحلة واضحة المعالم في
اختيار العناصر التي لها استعداد لتحمل تكاليف ومشاق ومصاعب
الدعوة إلى الله.
وقد اهتم كثير من الدعاة إلى الله بهذه المرحلة وأعطوها
اهتماما خاصا على مر العصور ،وكر الدهور ،ول زال المهتمون
بأمر الدعوة والذين يسعون لتطبيق شرع الله تعالى يعطون هذه
المرحلة أوقاتهم وجهدهم ،ولقد أرشد القرآن الكريم المة إلى
الهتماما بالعداد في قوله تعالى+ :وألرعمدواً لهمُ لماً اًستطلعتمُ بمنَ قييلوُةة ورمنَ برباًطر
ل ل ي ك ك ل كي ل
اًلكلخكيْرل تييررهبوُلن برره لعيدلو اً ر
ل لولعيدلويككمُ] "...النفال.[60 : ك ي
إن العداد في الية الكريمة كلمة عامة تبدأ بالعداد النفسي،
وتنتهي بكل أنواع العداد المادية التي قد تحتاج إليها المعركة،
والمسلم في هذه المرحلة بالذات عليه أن يعد نفسه للقاء أعداء
الله ،فيأخذ نفسه بكل أسبابا القوة ،ويحول بينه وبين أي سبب
من أسبابا الضعف ،ويعيش منتظرا ذلك اليوما الذي يجاهد فيه
في سبيل الله ،ويقاتل أعداءه ،ويسعى لزالة الحواجز التي تمنع
دخول الناس في السلما ،وتمنع تحكيم شرع الرحمن).(1
إن مرحلة اختيار العناصر اللزمة لتحمل الدعوة وتربيتهم على
الكتابا والسنة
من أهم المراحل في تمكين دين الله ،كما أن أهدافها أكثر دقة
من أهداف المرحلة
التي قبلها.
أول :أهم أهداف هذه المرحلة:
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم ).(1/447 1
254
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم ).(1/421 1
255
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الشخصية المختارة.
-5القدرة النتاجية :يكون قد استقطب وضم للصف السلمي
آخر أو آخرين ،لصفوف العمل السلمي عموما ،أو إلى صفوف
مرحلة الدعوة والتبليغ ,وأن يتصف باليجابية الفعالة القادرة على
العمل وأن يكون متحمسا للعمل ل يفتر عنه ،وأن يكون محسنا في
العمل الذي يسند إليه ,وأن يكون ذا علقة جيدة بالناس ،وأن يكون
قد فقه تماما معنى كونه داعية إلى الله ،ومن لم تتوافر له هذه
الصفات ،أو تلك الشروط ،وفق تلك المعايير التي ذكرنا يكون له
انسجاما وملءمة لطاقته
ل موقع آخر في العمل السلمي أكثر
وقدراته ،وأفيد للعمل ،لن من المور التي تهلك العمال توسيدها
إلى غير أهلها.
الهدف الثاني :التوظيف:
أي تحديد العمل للفرد ،وتقديره في حدود إمكانات الفرد
وطاقته ,ويحدد له الزمن المناسب لداء العمل ,وإسناد العمل
المناسب للفرد المناسب يستوجب على من يشرف على العمل
أن يكون على علم ووعي وإدراك لما يلي:
-1تحديد الهدف من كل عمل من العمال.
-2تحديد الوسائل التي تكفل للعمل النجاح
-3تحديد الفرد والفراد الملئمين للعمل.
-4تحديد الطار الزمني للعمل.
الهدف الثالث :العداد والتربية:
ونعني بهذا الهدف تهيئة الفراد وتجهيزهم وتنمية قواهم الجسدية
والخلقية والعقلية ،ليكونوا أقوياء قادرين على حمل أعباء الجهاد في
سبيل الله ،ولذلك تعتبر مرحلة العداد والتربية من أهم مراحل
الدعوة إلى الله ،لنها تكون أفرادا متكاملي البناء ،وحسبهم أنهم
قادرون على حمل أعباء الجهاد الذي كما هو معروف سناما السلما،
وأعلى منزلة بين منازله.
الهدف الرابع :النضباط:
وذلك بالوصول بالفراد إلى النضباط وحفظهم بالحزما حفظا
جيدا ،وإحكاما إعدادهم وتكوينهم والقياما على أمرهم خير قياما.
إن حياة المسلم العادي منضبطة في كل شيء ،وفق القوانين
256
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
التي جاء بها السلما ,فمن بابا أولى الذين يعدون لحمل تكاليف
الجهاد ,فالمسلم منضبط وفق الشرع في العقيدة والفكر ،وفي
العبادة ،وفي الخلق والسلوك وفي المعاملت كلها ،وفي الكلما
والصمت وفي الزي والمأكل والمشربا والمنكح ،وفي النوما
واليقظة ،وفي الحقوق والواجبات ،وفي محاسبة النفس ,وفي
الدعوة إلى الله والعمل من أجل السلما ،وفي اللتزاما بوعده
وموعده ،وفي النتماء والعتزاز بأنه مسلم.
وليس المسلمون في ذلك سواء فمنهم من ينضبط وفق هذه
المعايير ،ومنهم من يقصر في بعضها ،ومنهم من يلبس عليه
الشيطان أو الهوى أمره فل ينضبط ,ولقد كان من حكمة الله
سبحانه ورحمته بالناس ،أن جعل لعدما النضباط عقوبات مقدرة
»حدودا« ليلتزما الناس بأدبا السلما وخلقه ،ومنهجه ،ونظامه.
إن مرحلة العداد والتربية من أهدافها الصيلة ،أن يتربى
المسلم على النضباط في كل شيء وفق المعايير والقوانين التي
شرعها الله سبحانه وتعالى ليحقق الخذ بها سعادة الدنيا والخرة.
ومن أهم الوسائل لتحقيق هذه الهداف أن يتعهد الفراد
المستهدفون في هذه المرحلة من قبل مشرف مختص ليشرف
أسبوعيا ،وفق دراسة معينة ،وعيتعهدوا أيضا كل شهر ل على تربيتهم
ونصف ببرنامج مكثف ,وتستخدما الدورات والندوات والمخيمات
والمعسكرات والرحلت لتحقيق هذه الهداف السامية ،أما
البرنامج المعد لهذه المرحلة فيحتوي على تربية روحية وعقلية
وجسمية واجتماعية وخلقية.
ثانيلا :التربية الروحية:
ح رمكنَ ألكمرر لرببيِ لولماً يأورتيْيتمُ بمنَ اًلكرعكلرمُ إرللك لعرنَ اًلمرورح قيرل اًلمرو ي قال تعالى+ :لويلكسأليلوُنَل ل
ت فيْه منَ مروحيِ" ]ص [72 :وقال ر ر ر ر قلرليْلح" ]السراء [85 :وقال تعالى+:لونَليلفكخ ي
صاًلر لواًللفكئرلدةل قلرليْلح لماً تلكشيكيرولن" سكملع لواًللبك ل تعالى+ :ثيلمُ لسلوُاًهي لونَليلفلخ رفيْره رمنَ مرورحره لولجلعلل ليكيمُ اًل ل
]السجدة .[9 :ولتزكية الروح وتربيتها طرق عدة من أهمها:
-1التدبر في كون الله ومخلوقاته وفي كتابا الله تعالى حتى
تشعر بعظمة الخالق وحكمته سبحانه وتعالى ,قال تعالى+ :إرلن لربليكيمُ
ش يييغكرشيِ اًل لكيْلل اًلنليلهاًلر يلطكليبيهي ض رفيِ رستلرة أللياًةم ثيلمُ اًكستليلوُىَ لعللىَ اًلكلعكر ر سماًواً ر لر
ت لواًللكر ل اًلي اً ذيِ لخ للق اًل ل ل ل
ب اًلكلعاًلرميْلنَ"ت برألكمررهر أللل لهي اًلكلخكليق لواًلكمير تليلباًلرلك اًلي لر م شمس واًلكلقمر واًلنمجوُم مسلخراً ة
لحثيْحثاً لواًل ل ك ل ل ل ل ل ي ل ي ل ل
ر
]العراف.[54 :
257
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم ).(1/472،471 1
258
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ،د .علي عبد الحليم ).(1/472،471 2
259
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
قوله تعالى+ :رإن يليتلبريعوُلن إرلل اًلظللنَ لوإرلن اًلظللنَ لل يييغكرنيِ رملنَ اًلكلحبق لشكيْحئاً" ]النجم.[28 :
وقوله سبحانه+ :لقاًليوُاً بلكل نَليتلبريع لماً أللك ل كفيْيلناً لع لكيْره آلباًءللنَاً أللولكوُ لكاًلن آلباًيؤيهكمُ لل يليكعرقيلوُلن لشكيْحئاً
لولل يليكهتليدولن" ]البقرة.[170 :
-2إلزاما العقل بالتحري والتثبت ,قال تعالى+ :لياً أليميلهاً اًلرذيلنَ آلمنيوُاً رإن
نَ" ]الحجرات: رر صيْبيوُاً قليكوُحماً برلجلهاًلةة فليتي ك ر جاًءيكمُ لفاًرسيق برنلبةأ فليلتبييْلينيوُاً لأن تي ر
صبيحوُاً لعللىَ لماً فليلعكلتيكمُ لنَاًدميْ ل ل ل لل ك
.[6
-3دعوة العقل إلى التدبر والتأمل في نواميس الكون ,قال
ض لولماً بل كييْينلييهلماً إرلل رباًلكلحبق" ]الحجر.[85 : سماًواً ر
ت لواًللكر ل تعالى+ :لولماً لخ لكقلناً اًل ل ل ل
-4دعوة العقل إلى التأمل في حكمة ما شرع الله لعباده من
عبادات ،ومعاملت ,وأخلق وآدابا ،وأسلوبا حياة كامل ،في
السلم والحربا ،في القامة والسفر ،لن ذلك فوق أن ينضج
العقل وينميه بتعرفه على تلك الحكم ،يعطيه أحسن الفرص
ليطبق الشرع الرباني في حياته ،ول يبغي عنه حول ،لما فيه من
السكينة والطمأنينة والسعادة البشرية ،ولن الله سبحانه وتعالى
إنما شرع ما شرع لذلك ,قال سبحانه+ :ييررييد اًلي لرييْبلييْبلنَ ليككمُ لويليكهرديليككمُ يسنللنَ
ب لع لكيْيككمُ لوييررييد اًلرذيلنَ يليتلبريعوُلن ر ر ر ر ر
اًلذيلنَ منَ قليكبليككمُ لويلييتوُ ل
ب لع لكيْيككمُ لواًلي لعليْرمُ لحكيْرمُ لواًلي ييررييد لأن يلييتوُ ل
ضرعيْحفاً" ]النساء-26 : ر ت لأن تلرميْليوُاً لمكيْلح لعرظيْحماً ييررييد اًلي لأن ييلخبف ل شلهوُاً ر
ساًين ل ف لعكنيككمُ لويخللق اًرلنَك ل اًل ل ل
.[28
ضطيرررتيمُ إرلكيْره وإرلن لكرثيْراً ليْ ر
ضملوُلن ح ي صلل ليكمُ لماً لحلرلم لع لكيْيككمُ إرلل لماً اً ك ك ك ل
وقال سبحانه+ :لوقلكد فل ل
ر برألكهلوُاًئررهمُ برغلكيْرر رعكلةمُ إرلن لربل ل
ك يهلوُ ألكع ليمُ رباًلكيمكعتلديلنَ" ]النعاما.[119 :
إن علماء المة وفقهاءها على مر العصور والزمان منذ بزوغا
السلما إلى عصرنا الحاضر غاصوا في حكم التشريع وحكمته
وتركوا للعالم كله رصيدا هائل ضخما في أبوابا الفقه السلمي،
والمعاملت بين الناس كان من أسبابا سعادة الدنيا والخرة لمن
التزما بالمنهج الرباني).(1
-5دعوة العقل إلى النظر في سنة الله في الناس عبر التاريخ
البشري ،ليتعظ الناظر في تاريخ الباء والجداد والسلف ,ويتأمل
في سنن الله في المم والشعوبا والدول.
260
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ض لماً لكمُ نَيلمبكنَ قال تعالى+ :أللكمُ يليلركواً لككمُ ألكه لككلناً رمنَ قليكبلررهمُ بمنَ قليكرةن لملكلناًيهكمُ رفيِ اًللكر ر
شأكلنَاً رمنَ
سلماًءل لع لكيْرهمُ بمكدلراًحراً لولجلعكللناً اًلنَكيلهاًلر تلكجرريِ رمنَ تلكحتررهكمُ فلألكه لككلناًيهكمُ بريذينَوُبررهكمُ لوألنَك ل
ليككمُ لوألكرلسكللناً اًل ل
بليكعردرهكمُ قليكرحنَاً آلخرريلنَ" ]النعاما.[6 :
ت لولماً وقال تعالى+ :وللقكد ألكه لككلناً اًلكيقرولن رمنَ قليكبلريكمُ للماً ظللموُاً وجاًءتكييهمُ رسلييهمُ رباًكلبييْبيلناً ر
ل ي ل ل ل ك يي ك ي ل
ف يْ
ل ل ك لك
ل ر يظ نن ر
ل ر
همُ ر
د عي ب ر
منَ ر
ض ر ل
ل اً ر
فيِ ف ر
ئ ل خ مُ ك
ي ناً ل
ك ع ج مُيث نَ ر
ك نَلكجرزيِ اًلك ك ل ي ك ل ل ل ل ل ك ل ل ل
ميْر
ر ج م ك
ل اً موُقل لكاًنَيوُاً لريْييكؤرمنيوُاً لكلذلر ل
لك ك
ف لكاًلن لعاًقربلةي اًلرذيلنَ رمنَ قليكبلررهكمُ وقال سبحانه+ :أللو لكمُ ليسيْريرواً رفيِ اًللكر ر
ض فليليْنظييرواً لككيْ ل
ض ولعمرولهاً ألككثلير رملماً لعمرولهاً وجاًءتكييهمُ رسلييهمُ رباًكلبييْبيلناً ر ر
ت فللماً لكاًلن ل لي ل ل ل ك ي ي ل لكاًنَيوُاً أللشلد م كنييهكمُ قييلوُةح لوأللثاًيرواً اًللكر ل ل ل ي
سيهكمُ يلظكلريموُلن" ]الروما.[9 : ر ر ر
اًلي ليْلظكللميهكمُ لولكنَ لكاًنَيوُاً ألنَكييف ل
وهذا هو المنهج الرباني للعقل لكي ل يضل في التيه ،الذي
ضل فيه كثير من الفلسفة الذين قدسوا العقل وأعطوه أكثر مما
يستحق.
وأما الثار العملية من هذا التوجيه الرباني في العقل
فتتمثل في أمور من أهمها:
-1تنقية العقل من الوهم والخرافة ،والدجل والمسلمات
المبنية على الظنون والوهاما وتربيته على التريث والتثبت ،حتى ل
يتسرع فيظلم ويندما وحينئذ ل
ينفع الندما.
-2تعويد العقل على إدراك حقيقة هذا الكون الذي يعيش فيه
وإلزامه بأن يتعرف على الحق عن قربا ويقين.
-3إقدار العقل على التأمل والنظر في حكمة الله سبحانه
وتعالى ،فيما شرعه للناس من منهج ونظاما ،يحقق لهم سعادة
الدارين ،وتمكين العقل من التأمل في تاريخ البشرية ،وهذا
أبوابا وفصول ليخرج بفائدة جليلة
ل التاريخ هو أكبر كتابا وأوسعه
يستطيع أن يقارن بدقة وحسم بين الكفر واليمان ،وأعمال
المؤمنين وضلل الكافرين.
رابعا :تربية الجسم:
ل
إن الله تعالى أخبرنا أنه خلق آدما عليه السلما من سللة من
طين ،ثم سواه ونفخ فيه من روحه ،وجعل له السمع والبصر
261
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
262
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
وأوجب ما يكون زينة عند الذهابا إلى المسجد قال تعالى+ :لياً بلرنيِ
آلدم يخيذواً رزينلتليكمُ رعكنلد يكبل مس ر
جةد" ]العراف[31 : لك ك ل
-3وضبط الحاجة إلى المأوى بقوله تعالى+:لواًلي لجلعلل ليكمُ بمنَ بييييْوُتريككمُ
لسلكحناً" ]النحل.[8:
-4وضبط حاجته إلى الزواج والسرة ،بإباحة النكاح ،بل إيجابه
في بعض
ر ل
الحيان ،وتحريم الزنا والمخادنة ،واللواط ،قال تعالى+ :لواً ذيلنَ يهكمُ
ر ظوُلن إرلل لعللىَ ألكزلواًرجرهكمُ ألكو لماً لم للك ك لريفيرورجرهكمُ لحاًفر ي
ت أليكلماًنَيييهكمُ فلرإنَلييهكمُ لك
غيْيير لميلوُميْلنَ فللمرنَ اًبكيتليلغىَ لولراًءل
ن" ]المؤمنون.[7 -5 : ك يهيمُ اًلكلعاًيدو لك فليأولئر للذلر ل
-5وضبط حاجته إلى التملك والسيادة ،بأن أباح التملك للمال
والعقار ،ولكن حرما الحتكار ،واكتناز الموال ،قال تعالى+ :اًلكلماًيل
لواًكلبليينوُلن رزينلةي اًلكلحليْاًرة اًلمدنَكيليْاً"]الكهف.[46:
-6وضبط السلما السيادة بتحريم الظلم والعدوان والبغي,
قال تعالى+ :إرنَلهي لل يييكفلريح اًللظاًلريموُلن" ]النعاما [21 :وقال تعالى+ :لوألكعتلكدلنَاً
رلللظاًلررميْلنَ لعلذاًحباً" ]الفرقان [37 :مع أنه سبحانه وتعالى جعل هذه المة
س" ]البقرة: ك لجلعكللناًيككمُ أيلمةح لولسحطاً لبتليكوُنَيوُاً يشلهلداًءل لعللىَ اًللناً ر وسطا قال تعالى+ :لولكلذلر ل
.[143
-7وضبط حاجته إلى العمل والنجاح ،بأن جعل من اللزما أن
يكون العمل مشروعا ،وغير ضار بأحد من الناس ،ونادى على
المسلمين أن يعملوا في هذه الحياة الدنيا ما يكفل لهم القياما
بعبء الدعوة والدين ،وما يدخرون عند الله سبحانه ،قال تعالى:
ف تليكعلميلوُلن" ]العراف [129 :وربط العمل +لويلكستلكخلرلفيككمُ رفيِ اًللكر ر
ض فليليْنظيلر لككيْ ل
باليمان في كثير من آيات القرآن الكريم ،وشرط في العمل أن
صاًلرحاً ر ر ر
ت إرلنَاً لل يكون صالحا ،قال سبحانه وتعالى+ :إرلن اًلذيلنَ آلمنيوُاً لولعمليوُاً اًل ل ل
ر
سلنَ لعلملح" ]الكهف.[30 : نَيضيْيع ألكجلر لمكنَ ألكح ل
بل طالب بالحسان في العمل ،فقال سبحانه+:إرلن اًلل يلأكيمير رباًلكلعكدرل
ساًرن"
لواًلكح ل
]النحل.[90:
263
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
264
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
على ما كانت عليه ،من قوة ووثاقة ,ول تزال بين الواعين من
المؤمنين حتى اليوما ،ولقد تأكدت الخوة بين المؤمنين بقوله
سبحانه +إرنَللماً اًلكيمكؤرمينوُلن إركخلوُةر" ]الحجرات.[10 :
ولقد كان من مقتضى فقه النصار للخوة في الله ،أن حملوا
أعباء إخوانهم المهاجرين ،ومدح الله سبحانه ذلك الفقه والعمل،
وأثنى عليه بقوله سبحانه+ :لواًلرذيلنَ تليبليلوُءيواً اًللداًلر لواًرليلماًلن رمنَ قليكبلررهكمُ ييرحمبوُلن لمكنَ لهاًلجلر
ر ر ر ر ر
صةر لولمنَ صيدورهكمُ لحاًلجةح بملماً يأوتيوُاً لويييكؤثيرولن لعللىَ ألنَكييفسرهكمُ لولكوُ لكاًلن بررهكمُ لخ ل
صاً ل إرلكيْرهكمُ لولل يلجيدولن فيِ ي
ك يهيمُ اًلكيمكفلريحوُلن" ]الحشر.[9 : ييوُلق يشلح نَليكفرسره فليأولئر ل
الدعامة الثانية :استجابة السلما لحاجات المجتمع
كاستجابته لحاجات الفرد:
وقد عمل على تحقق حاجات المجتمع في إطار ما أحل الله،
وبحيث ل يضر بأحد من الناس .ومن حاجات المجتمع):(1
-1التعاون والتكافل:
لقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتعاون وأوجبه عليهم,
ر
قال تعالى+ :لوتليلعاًلونَيوُاً لعللىَ اًكلببر لواًلتليكقلوُىَ لولل تليلعاًلونَيوُاً لعللىَ اًرلثكرمُ لواًلكعيكدلواًن لواًتلييقوُاً اًلل إرلن اًلل
ب" ]المائدة.[2 : لشردييد اًلكرعلقاً ر
-2التناصر والتواصي بالحق والصبر:
صاًلرحاً ر ر ر ر
ت ساًلن لفيِ يخكسةر إرلل اًلذيلنَ آلمنيوُاً لولعمليوُاً اًل ل ل قال تعالى+ :لواًلكلع ك ر
صرر إلن اًرلنَك ل
صكبرر" ]العصر [3 -1 :والتواصي بالحق يدفع عن صكوُاً رباًل ل
صكوُاً رباًلكلحبق لوتليلوُاً ل
لوتليلوُاً ل
الناس كل مصيبة ويقضي على المنكرات والثاما التي في
المجتمع ويجعلها تنحسر ،والتواصي بالصبر يجعل المجتمع تسري
فيه العدالة ويرتفع الظلم وتسوده المودة وتزول العجلة.
-3الحث على التراحم بين أفراد المجتمع:
ر ر ر
قال تعالى+ :يملحلمرد لريسوُيل اًل لواًلذيلنَ لملعهي ألشلداًءي لعللىَ اًلكيكلفاً ر ير ل
حلماًءي بلي كيْينلييهكمُ" ]الفتح:
.[29وأثنى سبحانه وتعالى على المؤمنين المتراحمين في قوله
صكوُاً رباًلكلمكرلحلمرة يأولئر ل صكوُاً رباًل ل ر ر
ب ك أل ك
صلحاً ي صكبرر لوتليلوُاً ل سبحانه+ :ثيلمُ لكاًلن ملنَ اًلذيلنَ آلمنيوُاً لوتليلوُاً ل
اًلكلمكيْلمنلرة" ]البلد.[18 ،17 :
وهذه اليات لم تحصر حاجات المجتمع ،بل حثته بمفهومها
)( انظر :فقه الدعوة إلى الله ).(1/507 1
265
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
266
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( هو الصحابي كاتب الوحي وصهر الرسول × ,تولى خلفة المسلمين وتوفي 4
267
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
.(10/529
)( الترمذي ،كتابا البر والصلة ،بابا :ما جاء في التجاربا ).(4/379 1
)( مسلم ،كتابا اليمان ،بابا :تفاضل أهل اليمان ).(1/71 4
268
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
البخاري مع الفتح ,كتابا مناقب النصار ،بابا :المعراج ).(7/202 )( 3
الترمذي ،كتابا صفة القيامة ،بابا :حدثنا هناد ).(4/659 )( 4
269
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
يحدثهم حديثا ل تبلغه عقولهم ،قال علي » :
.()«
» :
.()«
.( )
با -أن يكون ذا سياسة حكيمة:
إن النبي × هو أسوتنا وقدوتنا ،وإماما الدعاة إلى الله ،فقد
مسلكا عظيملا في سياسته الحكيمة فكان له عظيم النفع ل سلك
والثر في نجاح دعوته ،وإنشاء دولته ،وقوة سلطانه ،ورفعة
مقامه ،ولم يعرف في تاريخ السياسات البشرية أن رجل من
الساسة المصلحين في أي أمة من المم كان له مثل هذا الثر
من من المصلحين المبرزين -سواء كان قائدا محنكا ،أو العظيم ،و ع
مربيا حكيما -اجتمع لديه من رجاحة العقل ،وأصالة الرأي ،وقوة
العزما ،وصدق الفراسة ما اجتمع في رسول الله ×؟ ولقد برهن
على وجود ذلك فيه ،صحة رأيه ،وصوابا تدبيره ،وحسن تأليفه،
ومكارما أخلقه ×).(4
وأهم الطرق في السياسة الحكيمة في الدعوة إلى الله
كثيرة منها ما يأتي:
-1تحري أوقات الفراغا ،والنشاط ،والحاجة عند المدعوين:
حتى ل يملوا عن الستماع ويفوتهم من الرشاد والتعليم
النافع ،والنصائح الغالية الشيء الكثير ،وقد ثبت عن النبي × أنه
كان يتخول أصحابه بالموعظة كراهة السآمة عليهم ،فعن عبد الله
بن مسعود × » : يتخولنا بالموعظة في الياما كراهة
السآمة علينا«).(5
ولهذا طبق الصحابة هذه السياسة ،فقد كان عبد الله بن
مسعود يذكر الناس في كل خميس ،فقال له رجل :يا أبا عبد
الرحمن ،لوددت أنك ذكرتنا كل يوما ،قال» :أما إنه يمنعني من
ما دون قوما ).(1/225البخاري مع الفتح ،كتابا العلم ،بابا :من خص بالعلم قو ل )( 1
مسلم ،في المقدمة ،بابا :النهي عن الحديث بكل ما سمع ).(1/111 )( 2
انظر :هداية المرشدين ،للشيخ علي بن محفوظ ،ص .31 ،24 )( 4
270
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ذلك أني أكره أن أملكم ،وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي
× يتخولنا بها مخافة السآمة علينا«).(1
وقد ثبت عنه × أنه قال» :يسروا ول تعسروا ،وبشروا ول
تنفروا« ).(2
-2أن يحرص على سلح التأليف بالعفو عند المقدرة:
فيعمل على أن يضع الحسان في مكان الساءة ،واللين في
موضع المؤاخذة ،والصبر على الذى ،فيقابل الذى بالصبر
الجميل ،ويقابل الحمق بالرفق والحلم ،ويقابل العجلة والطيش
بالناة والتثبت ،وبذلك يملك قلوبا إخوانه والمدعوين إلى السلما
عموما.
وبمثل هذه المعاملة الحسنة جمع النبي × قلوبا أصحابه حوله
فتفانوا في محبته والدفاع عنه ،وعن دعوته بمؤازرته ومناصرته،
وقد مدح الله رسوله × وأمره بالعفو والصفح والستغفار لمن
ر
ضوُاً مكنَ ظ اًلكلقكل ر
ب للنَكيلف م ت فلقظاً غلرليْ ل ت ليهكمُ لولكوُ يكن لل رلن ل
تبعه من المؤمنين +فلبرماً ركحمةة بمنَ اً ر
ل ل ل ل
ب ر ل ر ر
ت فليتليلوُككل لعللىَ اًل إن اًلل ييح م ل ف لع كنييهكمُ لواًكستليغكرفكر ليهكمُ لولشاًروكريهكمُ رفيِ اًلكمر فلإلذاً لعلزكم ل
ر ر لحكوُلر ل
ك لفاًكع ي
اًلكيمتليلوُبكرليْلنَ" ]آل عمران.[159 :
)( البخاري كتابا العلم ،بابا :كان النبي يتخولهم بالموعظة ).(1/3 1
)( البخاري ،كتابا الذان ،بابا :وجوبا صلة الجماعة ) (1/179رقم .644 3
271
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
لتخطفن أبصارهم«).(1
وقال ×» :ما بال أقواما قالوا كذا وكذا ،لكني أصلي وأناما،
وأصوما وأفطر ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس
مني«).(2
ولما بلغه أن قوما اشترطوا الولء بعد بيع المة فخطب الناس
فقال» :ما بال أناس يشترطون شروطلا ليست في كتابا الله ،من
اشترط شرطلا ليس في كتابا الله فليس له ،وإن شرط مائة
مرة ،شرط الله أحق وأوثق« ).(3
وهذا إرشاد نبوي حكيم في عدما مواجهة الناس بالعتابا ستلرا
فا ,ويستطيع أن يخاطب الناس عن طريق قا بهم ،وتلط ل عليهم ورف ل
مخاطبة الجمهور إذا كان المدعو المقصود بينهم ومن جملتهم
وهذا من أحكم الساليب.
-4إعطاء الوسائل صورة ما تصل إليه:
كقوله ×» :من دل على خير فله مثل أجر فاعله«).(4
فقد صور × الدللة على فعل الخير في صورة الفعل نفسه،
وكقوله ×» :من جهز غازيا فقد غزا« ).(5
وقال ×» :إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ،قيل :يا
رسول الله ،وكيف يلعن الرجل والديه؟ ،قال :يسب الرجل أبا
الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه«).(6
وهذا أصل في سد الذرائع ،ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى
محرما يحرما عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرما) ،(7كما
سبموُاً اًلل لعكدحواً برغلكيْرر رعكلةمُ" ]النعاما: ر ر ر لر
سبموُاً اً ذيلنَ يلكديعوُلن منَ يدون اًل فلييْل ي
قال تعالى+ :لولل تل ي
.[108
فقد أعطى النبي × من يسب أبا الغير وأمه صورة من يسب
والديه ،لنه تسبب في سبهما.
-5أن تكون له مقدرة على ضربا المثال:
البخاري ،كتابا الذان ،بابا :رفع البصر في الصلة ) (1/205رقم .750 )( 1
مسلم ،كتابا الفضائل ،بابا :علمه × وشدة خشيته ).(4/1829 )( 2
مسلم ،كتابا العتق ،بابا :إنما الولء لمن أعتق ).(2/1142 )( 3
مسلم ،كتابا المارة ،بابا :فضل إعانة الغازي في سبيل الله ).(3/1506 )( 4
البخاري ،كتابا الدبا ،بابا :ل يسب الرجل والديه ) (7/92رقم .5973 )( 6
272
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( البخاري ،كتابا الدبا ،بابا :رحمة الناس والبهائم (1/103) ،رقم .6011 2
273
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أهل الخرة ,ويعيشون فوق الرض وقلوبهم تهفو إلى رضا المولى
عز وجل ودخول جناته ,ورفقة النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين .وأبرز ما يميزهم عن غيرهم أنهم مخلصون لله ربا
العالمين ،فإذا جاءتهم الدنيا جعلوها في أيديهم ولم يدخلوها في
قلوبهم ،ل يعبدون الشخاص ,ول الهواء ,ول الطاغوت أيا كان
فقد تبين لهم الرشد من الغي ,فكفروا بالطاغوت وآمنوا بالله
وحده فاستمسكوا بالعروة الوثقى ل انفصاما لها.
-2اًلشعوُر بمعيْة اًل عز وجل :وهذا الشعور يدفع العبد المؤمن إلى
الصدع بالحق ويطلق صاحبه الجبن والخوف والهلع ,ويحدث في
النفس انقلبا نفسيا في حياة الداعية ,ولنتذكر حين قال أصحابا
موسى :إنا لمدركون قال موسى -عليه السلما + :-لكلل إرلن لمرعليِ لرببيِ
لسيْليكهرديرنَ" ]الشعراء.[62 :
-3غرباًء فيِ هذه اًلدنَيْاً :إن هذا الصنف هو الذي أشار إليه رسول
الله × حين قال» :بدأ السلما غريبلا وسيعود غريبلا كما بدأ فطوبى
للغرباء ،قيل :ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال :الذين يصلحون إذا
فسد الناس« ).(1
والمسلم إذا شرح الله صدره للسلما ومل قلبه باليمان يستسهل
كل صعب ويستعذبا كل كدر ،إن هذا الغريب يرسل للناس من
الشعة الهادية ما ينير لهم الطريق ،فهي ليست غربة عزلة وفرار،
ولكنها غربة رفعة وسمو وحرص على إيصال دعوته للجميع ،فهو ل
بعيدا عن الناس ،بل يتفاعل معهم ويحمل
ل يعيش في برج عاج
همومهم ويعاونهم في حل مشاكلهم ,فالناس جزء منه وهو جزء منهم
فل يتصور أن يتعالى عليهم.
-4طلب آخرة :لعلمهم بأن متاع الدنيا قليل وبأنه ينتهي ويزول
خيْيرر لبلمرنَ اًتليلقىَ لولل تيظك ليموُلن فلرتيْلح" ]النساء [77 :ولذلك تنشئ سعة في ر
+لواًللخلرةي ل ك
نفوسهم ،ورقة في مشاعرهم ،وتحررا من المادة وظلمها.
-5أواًبوُن توُاًبوُن :يجب أن يتربى المسلمون على الحذر من
معصية الله أكثر مما نحذر من أعداء الله ،ويجب أن نخاف
المعاصي ،والمسالك التي تقربا منها سدا للذريعة وبعدا عن
الفتنة واتقاء للشبهة ،ونستغفر الله ونذكره كثيرا إذا وقعنا في
274
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
275
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( مسلم ،كتابا الفضائل ،بابا :كان رسول الله × أحسن الناس خلقا )(4/1804 2
رقم .2312
276
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
277
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
على الرض ،فل يجري وراء خيال كاذبا ول أماني موهومة فيسبح
في غير ماء ،ويطير بغير جناح ،جيل كبير المال ولكنه واقعي
التفكير ،ول ييأس من روح الله ول يقنط من رحمة ربه لكنه
يعرف حدود قدراته ،ودوائر إمكاناته ،يراعي سنن الله في كونه
كما يراعي أحكامه في شرعه ويتبنى سياسة النفس الطويل
والصبر الجميل ،يؤمن بالعلم ويحترما العقل ،ول يتبع الظن وما
تهوى النفس ،ويرفض الخرافة.
-3جيْل عمل وبناًء جماًعيِ :فل يقف أبناؤه عند التغني بأمجاد
الماضي ،ول عند النواح على هزائم الحاضر ،ول عند التمني
لنتصارات المستقبل ،إنما يؤمن بالعمل والعطاء والنتاج ،وأن
اليمان الحق ما وقر في القلب وصدقه العمل ،وما خلق الله
ر
الناس إل ليعملوا بل ما خلقهم إل +للكيْبيليلوُيككمُ أليميككمُ ألكح ل
سينَ لعلملح" ]الملك.[2 :
وقد علموا من حقائق التاريخ وقراءة الواقع أن أهل الباطل
يتكتلون حول باطلهم فأولى بأهل الحق أن يتجمعوا حول حقهم
رر ر ر +إرلن اًل يرح م ر
ص" ]الصف.[4 : صوُ ر ب اًلذيلنَ يييلقاًتيلوُلن فيِ لسبريْله ل
صقفاً لكألنَلييهكمُ بيي كنيليْاًرن لمكر ي لي
لهذا صمموا على أن يبحثوا على أشباههم ممن ينشدون الحق
ويرفضون الباطل ,ويدعون إلى الخير وينكرون الشر ,ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ،فمضوا في طريق العمل الجماعي
يعملون في صمت ،ويبنون في صبر ويجاهدون بل كلل ،ول ملل،
وعزموا على أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى متكاتفين في
السراء والضراء.
-4جيْل دعوُة وجهاًد :كما كان الصحابة من المهاجرين والنصار ل
يشغلهم جهاد عن جهاد ول ميدان عن ميدان ,فهم دائما في صراع
متواصل مع الفجرة في الداخل والكفرة في الخارج ،ل يلقون
سلحهم ول يستريحون من كفاحهم حتى ل تكون فتنة ويكون
الدين كله لله.
قد ترى أحدهم وهو العربي يقاوما الزحف الشيوعي الحمر
في أفغانستان ،وترى آخر وهو أفغاني يقاتل الصربا في البوسنة,
ضيهكمُ ألكولرليْاًءي بليكع ة
ض" ]النفال.[73 : فالكفر ملة واحدة +لواًلرذيلنَ لكلفيرواً بليكع ي
ض" ]التوبة.[71 : ضيهكمُ ألكولرليْاًءي بليكع ة +لواًلكيمكؤرمينوُلن لواًلكيمكؤرملناً ي
ت بليكع ي
يجاهدون في سبيل الله في كل معركة تطلبهم وبكل سلح
278
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
يمكنهم.
-5جيْل توُاًزن واًعتداًل :فهم متوازنون معتدلون على صراط
مستقيم ل يميلون إلى اليمين ول ينحرفون إلى الشمال ,ل
يغرقون في الماديات ول يغرقون في الروحانيات ،يعلمون أن
لربهم عليهم حقا وأن لنفسهم عليهم حقا ،وأن لسرهم عليهم
حقا ،ولمجتمعهم عليهم حقا ,فهم يعطون كل ذي حق حقه ،غير
جانحين إلى الفراط ول مائلين إلى التفريط ،يأخذون بالعزائم ول
يغفلون الرخص ,فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى
عزائمه ..يبشرون ول ينفرون ،وييسرون ول يعسرون ،ويجادلون
سنلرة لولجاًردلكيهكمُ رباًلرتيِ رهليِ ر ر بالتي هي أحسن +اًكدعي إرللىَ سربيْرل رب ل ر ر ر
ك باًلكحككلمة لواًلكلمكوُعظلة اًلكلح ل ل ل
سينَ" ]النحل .[125 :يفرقون بين الصول والفروع ،والكليات ألكح ل
والجزئيات ،والقضايا المصيرية والمسائل الجانبية ،ويمزجون بين
الروح والمادة ،والعقل والقلب ،وبين الثبات على الغايات والتطور
في الساليب ،بين أداء الواجبات وطلب الحقوق ،بين الحرص
على القديم والستفادة من الجديد ،فل ينقطعون عن الماضي ول
ينعزلون عن الحاضر ،فرسان بالنهار ورهبان بالليل ،ل تلهيهم
نافلة عن فريضة ول فرض عن مثله.
-6جيْل منضبط :يعيش جو النطلقة بضوابطه فيتحرك بدعوته
وفكره بين الناس مراعيا الضوابط الحركية حتى ل تكون حركة
غوغاء ,ول تمنعه الطاعة من إبداء آرائه في جو من الصراحة
والوضوح وتتسع صدوره لراء المخالفين ،ول يجد غضاضة في
التنازل عن رأيه إذا استقر رأي الشورى على رأي آخر ،يعرف ما
الذي يعلن من دعوته فل يتردد في الجهر به وتعليمه للناس ,وما
الذي يسر فل يبوح به ول لقربا الناس إليه.
د -الصفات النفسية:
من الصفات النفسية التي يجب أن يتحلى بها جيل التمكين:
-1إراًدة قوُية ل يتطرق إليْهاً ليْنَ ول ضعف :يقول تعالى+ :لولكألبينَ بمنَ
كاًنَيوُاً" ]آل
ضعييفوُاً لولماً اًكستل ل نَلبرليِ لقاًتلل معهي ربيميْوُلن لكرثيْر فلماً ولهنيوُاً لرماً ألصاًبييهمُ رفيِ سربيْرل اً ر
ل لولماً ل ل ل لل ك ر ل ل ل لل
عمران [146 :ومن مظاهرها:
-معرفة الهدف والصرار على تحقيقه والوفاء له.
-الهمة العالية والعمل الدائب المتواصل.
279
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
280
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
281
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ترتفع به راية الله في أرض الله ،هذا الجيل هو الجدير بأن يتنزل
عليه نصر الله عز وجل ،عندما كانت صفات جيل التمكين متمكنة
في الجيل السلمي الول استطاع ذلك الجيل:
-أن يحرر الجزيرة العربية من دنس الصهيونية في بني
النضير وبني المصطلق وبني قينقاع وخيبر.
-أن يستأصل شأفة الوثنية في بدر والحزابا وفتح مكة.
-أن ينكس رايات الصهيونية في اليرموك وحطين.
-أن يهزما المجوسية في القادسية.
نحن نحتاج اليوما إلى جيل كالجيل الذي كان منه:
-الحاكم الذي ل يستنكف عن العتراف بالخطأ فيقول في
شجاعة كما قال عمر .()« » :
, -
.()« » :
-
:
)(
× حرص كل الحرص في طور الدعوة السرية أن
يربي أصحابه على صفات جيل التمكين ,ونلحظ من خلل دراستنا
للسيرة أنه × قاما بإعلن الدعوة على قريش والمشركين بعد
العداد الجيد وبناء القاعدة الصلبة على أسس عقدية وخلقية
وأمنية وتنظيمية ،وحان موعد إعلن الدعوة بنزول قوله تعالى:
ك اًلقكيلرربيْلنَ] "...الشعراء [214 :فخرج رسول الله × حتى +لوألنَرذكر لعرشيْلرتل ل
صعد الصفا فهتف :يا صباحاه ,فاجتمعت إليه قريش ،فقال» :ياً بنيِ
فلن ،ياً بنيِ عبد مناًف ،ياً بنيِ عبد اًلمطلب ،أرأيتكمُ لوُ أخبرتكمُ أن خيْل تخرج
بسفح هذاً اًلجبل أكنتمُ مصدقيِ؟« قالوا :ما جربنا عليك كذبا ،قال» :فإنَيِ
)( سنن البيهقي ) (7/233قال البيهقي :هذا منقطع ومع انقطاعه فيه مجالد وهو 1
ضعيف.
)( الطبري في تاريخه ).(4/30 2
)( انظر :عبد الله بن المبارك الماما القدوة لمحمد عثمان. 3
282
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
نَذير لكمُ بيْنَ يديِ عذاًب شديد« ,فقال أبو لهب :تبا لك ،أما جمعتنا إل
ب" ]المسد: ت يللداً ألربيِ لله ة
ب لوتل ل لهذا ثم قاما ,فنزلت هذه السورة +تليبل ك
)(1
.[1
»ومن الطبيعي أن يبدأ الرسول × دعوته العلنية بإنذار
عشيرته القربين ،إذ إن مكة بلد توغلت فيه الروح القبلية ،فبدء
الدعوة بالعشيرة قد يعين على نصرته وتأييده وحمايته ،كما أن
القياما بالدعوة في مكة لبد أن يكون له أثر خاص لما لهذا البلد
من مركز ديني خطير ،فجلبها إلى حظيرة السلما لبد أن يكون
له وقع كبير على بقية القبائل ،على أن هذا ل يعني أن رسالة
السلما كانت في أدوارها الولى محدودة بقريش ،لن السلما كما
يتجلى من القرآن اتخذ الدعوة في قريش خطوة أولى لتحقيق
رسالته العالمية«).(2
ولقد كانت النتيجة المباشرة لهذا الصدع هي الصد والعراض
والسخرية واليذاء والتكذيب ،والكيد المدبر المدروس ،ولقد اشتد
الصراع بين النبي × وصحبه ،وبين شيوخ الوثنية وزعمائها ,وأصبح
الناس في مكة يتناقلون أخبار ذلك الصراع في كل مكان ،وهذا
في حد ذاته مكسب عظيم للدعوة ،ساهم فيه أشد وألد أعدائها،
ممن كانوا يشيعون في القبائل قالة السوء عنها ،فليس كل الناس
يسلمون بدعاوى القرشيين ،بل كان يوجد من مختلف القبائل من
يتابع الخبار ،ويتحرى الصوابا فيظفر به.
وكانت الوسيلة العلمية في ذلك العصر تناقل الناس للخبار
مشافهة وسمع القاصي والداني بنبوة الرسول × ,وأصبح هذا
الحدث العظيم حديث الناس في كل مكان ،وبدأ رسول الله ×
يشق طريقه لكسر الحصار المفروض على الدعوة ،والنتقال بها
إلى مواقع جديدة بعد أن رفضت قريش الستجابة والنقياد للحق
المبين) ,(3وكان موقفهم كموقف القواما السابقة من رسلهم
وتعرض النبي × وأصحابه لسنة البتلء.
ثامنلا :سنة البتلء:
البتلء -بصفة عامة -سنة الله تعالى في خلقه ,وهذا واضح
من اليات القرآنية الكريمة ،قال تعالى+ :لويهلوُ اًلرذيِ لجلع ليككمُ لخللئر ل
ف اًللكر ر
ض
283
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن الكريم ،ص .235 انظر: )( 2
التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن الكريم ،ص .237 انظر: )( 4
285
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
286
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
صحيح. 2
)( مسلم شرح النووي )مجلد (17/151) (6كتابا القيامة والجنة والنار. 3
287
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
288
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
حاسما
ل موقفا
ل الدنيا وطمع في مغانمها إل أن رسول الله × اتخذ
في وجه الباطل دون مراغمة أو مداهنة ،أو الدخول في دهاء
سياسي أو محاولة وجود رابطة استعطاف أو استلطاف مع زعماء
قريش) ،(1لن قضية العقيدة تقوما على الوضوح والصراحة والبيان
دا عن المداهنة والتنازل ،ولذلك كان رد رسول الله ×» :ما بي بعي ل
ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ،ول الشرف
رسول ،وأنزل عليل فيكم ،ول الملك عليكم ،ولكن الله بعثني إليكم
كتابا ,وأمرني أن أكون لكم بشيرلا ونذيرلا ،فبلغتكم رسالة ربي ل
ونصحت لكم ،فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا
ي أصبر لمر الله حتى يحكم الله بيني وإن تردوا عل ل والخرة،
)(2
وبينكم« .
بهذا الموقف اليماني الثابت رجع كيدهم في نحورهم ،وثبتت
قضية من أخطر قضايا العقيدة السلمية وهي خلوص العقيدة من
أي شائبة غريبة عنها سواء في جوهرها أما في الوسيلة الموصلة
إليها).(3
-4مطالب التحدي :أخذ عناد المشركين يقوى ولجاجتهم
تشتد ,وقد أرادوا إحراج الرسول × وتحديه بمطالبته بالتيان
بمعجزات تثبت نبوته.
قال عبد الله بن عباس :قالت قريش للنبي :ادع لنا ربك أن
يجعل الصفا ذهلبا ونؤمن بك ،قال» :وتفعلون؟« قالوا :نعم ،قال:
فدعا فأتاه جبريل فقال» :إن ربك عز وجل يقرأ عليك السلما
ذهبا ،فمن كفر بعد ذلك منهم ل ويقول :إن شئت أصبح لهم الصفا
أحدا من العالمين ،وإن شئت فتحت لهم بابا ل عذابا ل أعذبه
ل عذبته
التوبة والرحمة« قال» :بل بابا التوبة والرحمة« ).(4
قال ابن عباس» :فأنزل الله عز وجل هذه الية+ :لولل تلكجلعكل يللدلك
سوُحراً" ]السراء.«[29 : ر لمغكيلوُلةح إرللىَ عينيرق ل
سطكلهاً يكلل اًلكبلكسط فليتليكقعيلد لميلوُحماً لمكح ي
ك لولل تليكب ي
لقد كان الهدف من تلك المطالب هو شن حربا إعلمية ضد
الدعوة والداعية وتآملرا على الحق كي تبتعد القبائل العربية عنه
× ,لنهم يطالبون بأمور يدركون أنها ليست من طبيعة هذه
الدعوة ولهذا أصروا عليها ،بل لقد صرحوا بأن لو تحقق شيء من
ذلك فلن يؤمنوا أيضا بهذه الدعوة ،وهذا كله محاولة منهم لظهار
انظر :الوفود في العهد المكي ،وأثره العلمي لعلي السطل ،ص .37 )( 1
289
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
290
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
291
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أحد منهم عن دينه ،بل زاده ذلك العذابا صبلرا وتجلدا وعمل في
سبيل دينه).(1
-1اليذاء الجسدي:
فقوى البغي والطغيان حينما تجد الثبات والصلبة عند
المؤمنين قد بلغت مداها وأن اليذاء النفسي والحصار القتصادي
والجتماعي ،والعزل ..إلخ ل تجدي أماما صلبة اليمان في نفوس
الفئة المؤمنة ،حينما تصبح تلك الصورة بارزة أماما قوى الطاغوت
يطيش عقلها وتلجأ إلى البطش الجسدي مهما كلفها ذلك من
عواقب).(2
ونلحظ هنا من خلل ما سبق أن البطش قد وجه ضد المؤمنين
من أصحابا رسول الله × ,فتعرضوا للتنكيل والتعذيب وتولت كل
قبيلة شأن المسلمين من أبنائها سواء من الحرار أما من العبيد ،أما
من النساء أما من الرجال ،ومنهم من قتل تحت التعذيب كسمية أما
عمار رضي الله عنهما ،ولقد ضربا المسلمون الوائل أروع المثل
في الصبر وقوة التحمل).(3
وكان × وهو في تلك المحن والشدائد والبلء يربي أصحابه
على:
-التأسي بالسابقين من النبياء والمرسلين وأتباعهم في تحمل
الذى في سبيل الله ويضربا لهم المثلة في ذلك.
-التعلق بما أعده الله في الجنة للمؤمنين الصابرين من
النعيم ،وعدما الغترار بما في أيدي الكافرين من زهرة الحياة
الدنيا.
-التطلع للمستقبل الذي ينصر الله فيه السلما في هذه الحياة
الدنيا ،ويذل فيه أهل الشرك والعصيان.
ومع هذا كله كان × مع هذه الشياء كلها كان يخطط ويستفيد
من السبابا المادية المتعددة ،لرفع الذى والظلم عن أتباعه،
وكف المشركين عن فتنتهم ،وإقامة الدولة التي تجاهد في سبيل
الدين ،وتتيح الفرصة لكل مسلم أن يعبد ربه حيث يشاء ,وتزيل
الحواجز والعقبات والتي تعترض طريق الدعوة إلى الله).(4
لقد فكر النبي × بالخروج بالدعوة من مكة لتحقيق أمور من
)( انظر :تاريخ صدر السلما ،ص .44 1
3
)( تاريخ صدر السلما ،ص .44
292
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
أهمها:
-1البحث عن موطن يأمن فيه المسلمون على دينهم،
ويسلمون من أذى قريش وفتنتها حيث ل تطالهم يدها ،ول يمتد
إليهم بطشها.
-2البحث عن بيئة تقبل الدعوة ،وتستجيب لها ،في مقابل
عنت القرشيين وكنودهم ،ومن هذه البيئة تنطلق إلى آفاق
الرض ،تحقيقا لمر الله بالتبليغ للعالمين) (1وتم له ذلك × وهاجر
إلى المدينة ودخل مرحلة التمكين.
لقد تعرض أصحابا رسول الله × لشد أنواع التعذيب ,فإذا
كان المشركون الولون يعذبون أولياء الله بالرمضاء والنار -في
بعض الحيان -فإن تعذيب آلت الكهرباء الطويل أشد ،وإذا كان
الكفار السابقون يصلبون أولياء الله على الجدران والخشابا وفي
جذوع النخل ,فإن أعداء الله يصلبون أولياءه الن على أعمدة
الحديد المتصلة بتيار الكهرباء ،وإذا كان أعداء الله كانوا يقلبون
أولياء الله على حر الرمضاء ظهرا بربط أيديهم ويجرونهم
بالحبال ،فإن أعداء الله الن يسحبون أولياءه باللت السريعة
كالسيارات في الشوارع ويدخلون الواحد منهم عجلة السيارة بعد
أن يضموا رأسه مع رجليه ويديرونها باللت وهو مكشوف العورة،
ويملون الحواض بالماء الساخن في شدة الحر أياما الصيف
ويقذفون فيها بالمؤمن مجردا من ثيابه ويبقى فيها الساعات حتى
ينسلخ جلده ،ويملونها في أياما الشتاء والبرد القارس بالماء البارد
ويلقونه فيها كذلك ,ويودعون ولي الله في حجرة ضيقة لنومه
وطعامه وشرابه وفضلته ويجيعون الكلبا المدربة ويضعونها معه
في حجرته لتنهش جسمه وتكثر من العواء والنباح على رأسه,
ويضربونه بالسياط حتى تسيل الدماء وقد تتجاوز دفعة الضربا
في المرة الواحدة خمسمائة سوط ويتركونه حتى يتورما جسمه،
ثم يلهبونه بالسياط في مواضع الضربا السابقة ويسيل قيحه
وينتن جسمه فل يسمحون لطبيب يداوي جراحه ويأمرونه مع
زملئه من أمثاله بالجري وهم في تلك الحال لمسافات طويلة
ومن أظهر التعب ضربوه حتى يغمى عليه أو يموت وهكذا).(2
وهكذا تمر المحن والبتلءات على الفراد والجماعات لتصقل
العاملين في ساحة العمل السلمي على مستوى الفراد والجماعات,
وتمضي هذه السنة في كل الزمنة والمكنة إلى عصرنا الحاضر,
)( المصدر نفسه ،ص .168 1
)( انظر :الجهاد في سبيل الله ،د .عبد الله القادري ).(2/215 2
293
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
إن طور البلء لبد منه قبل التمكين ,وتخرج الدعوة والدعاة
بعد هذا الطور أصلب عودا وأقوى مما كانت عليه لتنطلق لتحطيم
عروش الطغاة وتبدد الظلما لتبني حياة إسلمية صحيحة راشدة.
***
)( انظر :الجهاد في سبيل الله ) (2/223وهذا الشادي هو سيد قطب رحمه الله 1
تعالى.
294
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الثالث
مرحـــــــلة المغالبــــــة
إن من أهم المراحل في العمل السلمي هي هذه المرحلة،
حيث هي مرحلة التركيز والتخصص ،لسد ثغرات العمل السلمي
كله ،من حيث الكم ومن حيث النوع ومن حيث الستجابة لكل
متطلبات الدعوة وأعبائها في كل مراحلها ،كما أن هذه المرحلة
يعقبها التمكين لدين الله بإذنه سبحانه وتعالى ،إن أجمع تعريف
لهذه المرحلة :أنها مرحلة المؤمنين ،الذين صدقوا ما عاهدوا الله
عليه ،وأعدوا للعمل السلمي ما يحتاج إليه من حكمة وقوة ،إنها
مرحلة المجاهدين في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العلياء).(1
إن أفراد هذه المرحلة اكتسبوا من المعارف والخبرات
والتجاربا والعلوما النافعة حتى وصلوا إلى النضج السليم ،ولشك
أن لكل مرحلة من مراحل الدعوة السلمية أولويات تقدما على
غيرها ،ومن أهم هذه الولويات أن يكون على رأس هذه المرحلة
فقهاء وعلماء قد بلغوا درجة النظر في الدين وفي معرفة كيف
تسعى لتحكيم شرع الله ،إن العلماء هم :هداة الناس الذين ل
يخلو زمان منهم حتى يأتي أمر الله ,فهم رأس الطائفة المنصورة
إلى قياما الساعة ,يقول الرسول ×» :ل تزال طائفة من أمتي
قائمة بأمر الله ل يضرهم من خذلهم ،أو خالفهم حتى يأتي أمر
الله وهم ظاهرون على الناس«).(2
ومن الولويات في هذه المرحلة:
الهتماما بالفراد المتخصصين القادرين على سد ثغرات العمل
السلمي في كل مجالته ،بمعنى أن يختار من أفراد هذه المرحلة
مجموعات تتخصص في دراسة المجالت التي لبد منها في تكوين
الدول ليصبحوا علماء متخصصين في كل مجالت الحياة النسانية,
وتصبغ روح الشريعة عليها كلها ،وعلى سبيل المثال في مجال علم
الجتماع ،وفي مجال علم السياسة ،وفي مجال القتصاد ،وفي مجال
التربية ،وفي مجال العلما ،وفي مجال علوما الزراعة والمياه ،وفي
مجال علوما طبقات الرض والتعدين ،وفي مجال علوما الفضاء ،وفي
مجال علوما الصناعة والتقنية ،وفي كل مجال يحتاج إليه ،وفي مجال
)( البخاري ،كتابا العتصاما ،بابا :قول النبي ×» :ل تزال طائفة(8/189) «.. 2
رقم .7311
295
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
296
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
297
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
298
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :العتصاما للشاطبي ) ،(1/58والنتقاء في فضائل الئمة الثلثة الفقهاء، 1
299
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( أبو داود ،كتابا الجهاد ،بابا :دواما الجهاد ) (3/11رقم .2484 1
)( مسلم ،كتابا المارة ،بابا :قوله × » (1/1524) «.. رقم .176 2
)( العينة :هي أن يشتري من رجل سلعة بثمن معلوما مؤجل ثم يبيعها له بأقل من 4
الثمن.
300
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
إلى دينكم«).(1
فقد تترك عامة المة الجهاد في سبيل الله ،وتخلد إلى الرض،
وتشتغل بالزرع أو غيره من شئون دنياها ،وتلهو به عما أخرجت له
من الجهاد وحربا أعداء الله بالسلح ،وعملها على إزالة العوائق
والعقبات التي تحول دون الجهاد ،فإنه إذا وجب عليها القتال
والحربا لعداء الدين ،فقد وجب عليها الستعداد لهذه الحربا
بكل وسيلة ممكنة ,ووجب عليها السعي لزالة الموانع الحائلة
دون قيامها بالواجب ،ما استطاعت إلى ذلك سبيلل ,وبجهود هذه
الطائفة ترجع المة -عامة -إلى الجهاد ،وتخوض الغمرات إلى
أعدائها ،حتى ينصرها الله ،ويعيد لها عزتها ومجدها وكرامتها ،إن
الجهاد الذي بدأ في عهد الرسول × ل ينتهي حتى آخر الدهر،
قبيل قياما الساعة ،والطائفة التي أكرمها الله تعالى بحمل الراية
جيل بعد جيل ،ورعيل بعد رعيل ،هي الطائفة المنصورة القائمة
بأمر الله).(2
د -أنها المجددة للمة أمر دينها:
إن التجديد لهذا الدين هو الخط المقابل للغربة ،والمجددون
هم الذين يدافعون غربة الدين ،ويدفعونها ،ويحيون ما اندرس
من الشرائع وهي بذلك تعمل على إحياء الدين ،وتجديده ،ودفع
الغربة عنه وعن أهله ,وتتضاعف مسئولياتها وتعظم كلما ازداد
الشر والفساد في المة ،واستفحل وتضاعف ،فـ »التجديد إنما
يكون بعد الدروس وذاك هو غربة السلما«).(3
وكما وعد رسول الله × بطائفة منصورة ظاهرة قائمة بأمر
الله إلى قياما الساعة ،فقد وعد وعدا خاصا مندرجا في هذا الوعد
العاما ،وهو البشارة ببعثة من يجدد لهذه المة أمر دينها ،فعن أبي
هريرة × قال» :إن الله يبعث لهذه المة على رأس
كل مائة سنة من يجدد لها دينها« ).(4
ولفظ )من( في الحديث يطلق على الفرد ،وعلى الجماعة،
فيحتمل المعنى أن يكون المبعوث فردا ،ويحتمل أن يكون جماعة
أو طائفة ،فإن كان المجدد فردا ،فلبد أنه من الطائفة المنصورة،
وهذا مما ل يحتاج إلى بيان ,وإن كانت مهمة التجديد موكولة إلى
)( أبو داود ،كتابا البيوع ،بابا :النهي عن العينة ) (3/740رقم .3462 1
)( أبو داود ،كتابا الملحم ،بابا :ما يذكر في قرن المائة ) (4/280رقم 291 4
إسناده صحيح.
301
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
.(179 – 1/178
)( فتح الباري ،كتابا العتصاما ،بابا» :ل تزال طائفة (13/12) «...رقم .7312 2
)( هو أبو السعادات مبارك بن محمد بن الثير توفي عاما 606هـ ،انظر :جامع 3
الصول.
)( انظر :صفة الغرباء ،ص .187 4
302
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
بارزون مستعلون.
وهذا -في الجملة -وصف صحيح لهذه الطائفة ،لن تصديقها
للدعوة ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والجهاد وإقامة الحجة،
يعني أنها ظاهرة ،مشهورة ,ولها مؤسساتها وأجهزتها ووسائلها
المعروفة ،وقياما هذه الطائفة بواجب البلغا والدعوة ،وحربا المنكر،
وقتال العداء ،يقتضي أن تكون ظاهرة غير مستترة ،حريصة على
التبليغ لصوت الحق لكل مسلم ،بل ولكل إنسان وإن كان هذا ل يمنع
أن يستخفي بعض أفرادها بإسلمهم ,أو بدعوتهم لملبسات خاصة
في مكان معين ،وزمان معين ،فالعبرة بالطائفة جملة ،ل ببعض
أجزائها ،أو بعض أفرادها ،والعبرة بالحال العاما المستمر الثابت ،ل
بالحال المؤقت الطارئ.
-2ثباتهم على ما هم عليه من الحق والدين ،والستقامة،
والقياما بأمر الله ،وجهاد أعدائه ،بحيث ل يثنيهم عن ذلك شيء
من العقبات والعوائق والمثبطات ،وغلبتهم بالحجة والبيان
وسيطرة منطقهم على العقول والقلوبا ،لما يعتمد عليه الحق
الصريح المقتبس من الكتابا والسنة ،وهذا يدعو إلى اتباعهم
وموافقتهم ،فالحق غلبا والباطل خلبا ،وكلما كانت هذه الطائفة
أوسع علما ،وأعظم فهما للوحي ،وأكثر إدراكا لثقافة عصرها،
وأقدر على التعبير عن منهجها ،كانت حجتها أغلب ،وطريقتها
أصوبا).(1
-3الظهور بمعنى الغلبة ،وقد دلت النصوص على هذا المعنى
أوضح دللة ،فقد وصفوا في الحاديث بكونهم ظاهرين ،ول شك
أن الظهور يأتي كثيرا بمعنى الغلبة والتمكن والعلو والظفر ،كما
في قوله تعالى+:يهلوُ اًلرذيِ ألكرلسلل لريسوُلهي براًلكيهلدىَ لورديرنَ اًلكلحبق لريْيظكرهلرهي لعللىَ اًلبديرنَ يكلبره"
صبليحوُاً لظاًرهرريلنَ" ر ر
]التوبة .[33 :وكما قال تعالى+ :فلأليلكدلنَاً اًلذيلنَ آلمنيوُاً لعللىَ لعيدبوهكمُ فلأل ك
]الصف.[14 :
ل لويهكمُ لكاًريهوُلن" ]التوبة.[48 : وقوله +حلتىَ جاًء اًلكحمق وظللهر ألكمر اً ر
ل لل ل ل ل ي
وقوله+ :إرنَلييهكمُ رإن يلظكلهيرواً لع لكيْيككمُ يليكريجيموُيككمُ ألكو ييرعيْيدويككمُ رفيِ رم لتررهكمُ" ]الكهف.[20 :
وقد أكد إرادة هذا المعنى مجيء روايات أخرى تكاد أن تكون
صريحة في ذلك ،كقوله» :ظاًهرينَ لعدوهمُ«).(2
)( مسلم ،كتابا المارة بابا قوله ×» :ل تزال طائفة (3/1524) «...رقم .176 2
303
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( أبو داود ،كتابا الجهاد ،بابا :دواما الجهاد ،رقم ).(3/11) (2484 1
)( انظر :الطبراني )الكبير( ترجمة أبي أمامة رقمها .(8/171) 736 2
)( البخاري ،كتابا التوحيد ،بابا :قول الله تعالى+ :إرنَللماً قليكوُليلناً" الية )(8/189 4
)( مسلم ،كتابا المارة ،بابا :قول النبي ×» :ل تزال طائفة (3/1523) «..رقم 5
.170
)( رواه سعيد بن منصور ،كتابا الجهاد ،بابا :من قال :الجهاد ماض ،رقم 2376 6
304
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :من وسائل دفع الفرية للشيخ سلمان العودة ،ص .67 2
305
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( الجهاد ميادينه وأساليبه ،د .محمد نعيم ياسين ،ص .235 2
306
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
في جميع نشاطاتها ,ومن هنا كان لكل نوع من تلك النواع أهميته
الخاصة وكانت حاجة المؤمنين إلى ممارسة كل منها حاجة ماسة.
والجماعة السلمية الواعية والتي تسعى أن يكون المجتمع
وربانيا لبد أن تجاهد في الله حق جهاده ،كما قال تعالى:
ل إسلميا
ّ
+لولجاًرهيدواً فيِ اًل لحلق جلهاًده" ]الحج [78 :وحق الجهاد هو التصدي لكل عدو
ر ر ر ر ر
يقف أماما دعوة الله ،وممارسة جميع النواع الجهادية بكل حكمة
وعقل ورزانة ,وتقدير للمصالح والمفاسد ,ومعرفة تامة لمقاصد
الشريعة والموازنة بين أفضل المصلحتين وأقل الضررين بحيث
تسد كل الثغور ،ويسد المجال أماما كل عدو ،وهذه صفة من
الصفات الربانية اللزما ظهورها في الصف المتحرك لتمكين شرع
الله والذي يذبا ويجاهد من أجل هذا الدين.
لقد جاءت اليات القرآنية والحاديث النبوية ،والرشادات
الفقهية تبين فضل الجهاد وضرورته وأنواعه.
والواقع العملي يدلنا على أن أشكال الجهاد مرتبطة بعضها
ببعض ،فجهاد النفس هو في حقيقته ،أصل تلك النواع جميعلا،
وهي متفرعة عنه ومعتمدة عليه ،فهو بذرتها ،وهو شرطها ،وهو
عدتها ،يقول ابن القيم -رحمه الله » :-ولما كان جهاد أعداء الله
في الخارج فرعا عن جهاد العبد نفسه في ذات الله ،كما قال
النبي ×» :المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله ,والمهاجر من
مقدما على جهاد
ل هجر ما نهى الله عنه« ) .(1كان جهاد النفس
العدو في الخارج وأصل له ،فإنه من لم يجاهد نفسه أول ،لتفعل
ما عأمرت به ،وتترك ما عنهيت عنه ،ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد
عدوه في الخارج «).(2
-وأما جهاد الشيطان فهو ضروري للتمكين من جهاد النفس،
وجهاد أعداء الله في الخارج ،لن الشيطان عدو يثبط النسان عن
جهاد نفسه وجهاد الكفار والمنافقين والفاسقين ،ولبد للعبد من
جهاده والتغلب عليه إذا أراد أن يتغلب على شهوات نفسه ،وعلى
كل عدو يصد عن سبيل الله :يقول ابن القيم بيانا لهذا المعنى بعد
أن بين أهمية جهاد النفس وجهاد أعداء الله في خارج النسان:
»وبينهما عدو ثالث ل يمكنه جهادهما إل بجهاده ،وهو واقف بينهما
يثبط العبد عن جهادهما ،ويخذله ويرجف به ،ول يزال يخيل له ما
في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ ،وفوت اللذات
)( زاد المعاد ).(2/38 1
307
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
308
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
البخاري،كتابا الحج ،بابا فضل الحج المبرور ) (2/172رقم .1519 )( 2
انظر :الجهاد ميادينه وأساليبه ،د .محمد ياسين ،ص .238 )( 4
309
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
من الحق.
-2تحرير الناس من عبودية المناهج الكفرية وعبادة الحكاما:
الذين يضعون مناهج عقدية وسياسية واجتماعية واقتصادية
وعسكرية لتحقيق هدف واحد لهم ،وهو إخضاع الناس عن طريق
الترغيب والغراء وعن طريق الترهيب واليذاء ،ويستعين الحكاما
في تحقق هذه الهداف الخبيثة بأصحابا النفوس المريضة الذين
يبجلون الحكاما ويسعون لمرضاتهم من أجل مال زائل وجاه خادع
وحظوة مذمومة ,ويحرص الحكاما على هذه الطبقة الذليلة
فيقدمون لهم ما يريدون من جاه ومال وسلطة قال ابن تيمية -
رحمه الله ) :-وكذلك طالب الرئاسة والعلو في الرض قلبه رقيق
لمن يعينه عليها ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم ،فهو
في الحقيقة يرجوهم ويخافهم فيبذل لهم الموال والوليات ويعفو
عنهم ليطيعوه ويعينوه ،فهو في الظاهر رئيس مطاع وفي
الحقيقة عبد مطيع لهم ،والتحقيق أن كليهما فيه عبودية للخر،
وكلهما تارك لحقيقة عبادة الله وإذا كان تعاونهما على العلو في
الرض بغير الحق كانا بمنزلة المتعاونين على الفاحشة أو قطع
الطريق ,فكل واحد من الشخصين لهواه الذي استعبده واسترقه
يستعبده الخر«).(1
-3القضاء على القوانين والنظمة التي شرعوها لتخدما
أهواءهم:
والتي جعلوها بكيفية تجد لهم ما يريدون وتحريم ما ل
يشتهون،وتمكنهم من العتداء على النفوس والعراض والموال.
إن الطغاة ل يطيقون أن يقف أماما رغباتهم وأهوائهم أي
ة ر
قانون ،قال تعالى+ :لوإرللىَ لمكديللنَ أللخاًيهكمُ يشلعكيْحباً لقاًلل لياً قليكوُم اًكعبييدواً اًلل لماً ليكمُ بمكنَ إله لك
غيْييرهي ر
ب يليكوُةم مرحيْةط لولياً قليكوُرم ألكوفيوُاً ف لع لكيْيككمُ لعلذاً ل صوُاً اًلكرمككليْاًلل لواًلكرميْلزاًلن إربنَيِ أللراًيككمُ برلخكيْةر لوإربنَيِ أللخاً ي
لولل لتنيق ي
لت اً ر ض يمكفرسرديلنَ بلرقيْل ي س ألكشليْاًءليهكمُ لولل تليكعثليكوُاً رفيِ اًللكر ر ر ر ر ر ر
سوُاً اًللناً ل
اًلكمككليْاًلل لواًلكميْلزاًلن باًلكقكسط لولل تليكبلخ ي
ك تلأكيميرلك لأن نَل كيتييرلك لماً يليكعبييد ر ر ة رر لك ل ر
صلتي ل ب أل ل خيْيرر يككمُ إن يككنيتمُ مكؤمنيْلنَ لولماً أللنَاً لع لكيْيككمُ بلحفيْظ لقاًليوُاً لياً يشلعكيْ ي
ت اًلكلحرليْيمُ اًللررشيْيد" ]هود.[87 -84 : ك للنَك ل آلباًيؤلنَاً ألكو لأن نَليكفلعلل رفيِ ألكملوُاًلرلناً لماً نَل ل
شاًءي إرنَل ل
-4كشف الحقائق للناس وبيان خداعهم للعواما وغشهم بقلب
الحقائق:
وبيان كذبهم في إظهار النصح والخوف على مصالح الناس من
)( الفتاوى ).(189-1 1
310
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
خطر الدعاة إلى الله في إقامة حكم الله في الرض ,كما قال
ر الله عن فرعون+ :لولقاًلل فركرلعكوُين لذيرورنَيِ ألقكيتيكل يموُلسىَ لولكيْلكدعي لربلهي إربنَيِ أللخاً ي
ف لأن يييبلبدلل دينليككمُ
ساًلد" ]غافر [26 :يعني موسى يخشى فرعون أن ألكو لأن ييظكرهلر رفيِ اًللكر ر
ض اًلكلف ل
يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم ،وهذا كما يقال في
كرا ،يعني واعظا يشفق على الناس من مذ ع سالمثل :صار فرعون ع
)(1
موسى عليه السلما .
وقال سيد قطب -رحمه الله :-ولعله من الطريف أن نقف
ف لأن يييبلبدلل ردينليككمُ ألكو لأن ييظكرهلر أماما حجة فرعون في قتل موسى+ :إربنَيِ أللخاً ي
ساًلد" أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل رفيِ اًللكر ر
ض اًلكلف ل
داعية مصلح ،أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه
الحق الجميل ،أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لثارة
الخواطر في وجه اليمان الهادي؟ إنه منطق واحد يتكرر كلما
التقى الحق والباطل واليمان والكفر والصلح والطغيان على
توالي الزمان واختلف المكان ،والقصة قديمة مكررة تعرض بين
الحين والحين).(2
-5كشف خطط الطغاة في جعل الناس شيعا وأحزابا:
ودعوة الناس للجتماع على كتابا الله وسنة رسوله × ،قال
ح لأبكيلناًءليهكمُ ضرع ي ر
ف لطاًئلفةح بم كنييهكمُ ييلذ ب ي ض لولجلعلل ألكه للهاً رشيْليحعاً يلكستل ك
تعالى+ :إرلن فركرلعكوُلن لعلل رفيِ اًللكر ر
ساًءليهكمُ إرنَلهي لكاًلن رملنَ اًلكيمكفرسرديلنَ" ]القصص.[4 : ر ر
لويلكستلكحيْيِ نَ ل
هذه أهم السس التي تقوما عليها عروض الطغاة في الرض،
وأي أساس منها فقد كان جديرا بتحطيم تلك العروش ولسيما
الول منها والثاني).(3
ولذلك يهتم الدعاة إلى الله في كل مراحل دعوتهم بتوجيه
السهاما إلى تلك السس وخصوصا في مرحلة المغالبة حيث تنشط
كتائب المجاهدين بتوجيه الضربات المسددة إلى تلك السس
الطاغوتية ,وبعد تدميرها يصل الدعاة بإذن الله تعالى بدعوتهم إلى
مرحلة التمكين.
إن هذه المرحلة المهمة من مراحل الدعوة يكون أفراد
الجماعة السلمية العاملة يسعون بكل إخلص وصدق على تنفيذ
)( تفسير ابن كثير ).(4/76 1
)( انظر :الجهاد في سبيل الله ،د .عبد الله أحمد القادري ).(2/235 3
311
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الدعوة إلى السلما ،حسن أدهم جرار ،ص .121 )( 1
312
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الرابع
مرحــــلة التمكــــــــين
إن مرحلة التمكين هي ذروة العمل السلمي المنظم ،وهي
تمثل الثمرة الناضجة إذا مثلت المراحل التي سبقتها التربة
الصالحة والبذرة الصالحة ،والتعهد والرعاية ،وأن الجهد الذي
أوصل إلى هذه المرحلة كله من توفيق الله ،ويستطيع أن يمس
المؤمن أثر توفيق الله سبحانه وتعالى في الوصول إلى مرحلة
التمكين لدينه في الرض في دراسته القرآنية المتأنية ،أو في
نظرته التاريخية المستوعبة للتاريخ السلمي المجيد ومرحلة
التمكين في الدعوة
إلى الله تعني أن الله تبارك وتعالى يمكن لدينه في الرض ،عن
طريق المؤمنين الذين يعملون الصالحات ،وأن هذا التمكين
يسبقه الستخلف والملك والسلطان ,ويعقبه أمن بعد خوف ،كما
أن الوصول إلى التمكين يكون بعد تحقق شروطه من إيمان
وعمل صالح ،وتحقيق العبودية ،ومحاربة الشرك ،وتقوى الله ،كما
طا منها إقامة الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وطاعة أن لستمراره شرو ل
الرسول × ,وهذه الثلثة هي إجمال للسلما كله ,فالصلة عماد
الدين وهي دليل السلما وعلمته ،وهي تنهى عن الفحشاء
والمنكر ،والزكاة تراحم وتكافل ،ودفع لحاجات المحتاجين الذين
ت لركليفلقلراًرء" ]التوبة [60 :كما حدد الله سبحانه أنواعهم في آية +إرنَللماً اًل ل
صلدلقاً ي
هي طهارة لقلب المزكي ،وطهارة لماله ،وطاعة الرسول × هي
اللتزاما بكل ما أمر والنتهاء عن كل ما نهى ,وذلك السلما كله,
صاًلرحاً ر ر ر ر
ت وما ذكرته يوضحه قوله تعالى+ :لولعلد اًلي اًلذيلنَ آلمنيوُاً مكنيككمُ لولعمليوُاً اًل ل ل
ضىَ ليهكمُ ف اًلرذيلنَ رمنَ قليكبلررهكمُ لوليْيلمبكنللنَ ليهكمُ ردينلييهيمُ اًلرذيِ اًكرتل ل
ض لكلماً اًكستلكخ ل ل ليْلكستلكخلرلفنلييهكمُ رفيِ اًللكر ر
ك يهيمُ لوليْيبلبدلنلييهمُ بمنَ بليكعرد لخكوُفررهكمُ ألكمحناً يليكعبييدونَلرنيِ لل ييكشرريكوُلن ربيِ لشكيْحئاً لولمنَ لكلفلر بليكعلد لذلر ل
ك فليأولئر ل
صللةل لوآتيوُاً اًللزلكاًلة لوألرطيْعيوُاً اًللريسوُلل للع ليككمُ تييكرلحيموُلن" ]النور.[56 ،55 : اًلكلفاًرسيقوُلن لوألقريْيموُاً اًل ل
وستظل الطاعة للرسول × وإقاما الصلة وإيتاء الزكاة،
ر ر ل
مصاحبة للتمكين ل تنفك عنه ،ول ينفك عنها ،قال تعالى+ :اً ذيلنَ إن
ل لعاًقربلةيف ونَليلهوُاً لعرنَ اًلكمكنلكرر و ر ر لملكلناًيهكمُ رفيِ اًللكر ر
ي ل صلللة لوآتلييوُاً اًللزلكاًلة لوأللميرواً رباًلكلمكعيرو ل كض أللقاًيموُاً اًل ل
اًلييموُر " ]الحج.[41 :
وفي هذه الية النص على المر بالمعروف والنهي عن المنكر،
313
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
314
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :فقه المسئولية ،د .علي عبد الحليم ،ص .358 1
315
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أهمها:
-1دخول مكة تحت نفوذ المسلمين وزوال دولة الكفر
وانطلقت كتائب السلما بعد ذلك لتحطيم بعض الجيوش في حنين
والطائف ،ومن ثم إلى العالم أجمع.
-2تطهير الكعبة من الصناما وإنهاء الوثنية في مكة بعد أن
دمرت أصناما القلوبا وأصلحت العقائد الفاسدة والتصورات
المنحرفة.
-3استخدما النبي × أسلوبا العفو عند المقدرة فأعلن العفو
العاما وأحسن إلى أهل مكة مما كان سببا في دخول كثير من
زعمائهم السلما وتمكن اليمان من قلوبهم من أمثال عكرمة بن
أبي جهل ،وصفوان بن أمية.
-4أصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العربا ،وبعد فتح
مكة ،وتحقق أمنية الرسول × بدخول قريش في السلما ،برزت
قوة كبرى في الجزيرة العربية ل يستطيع أي تجمع قبلي الوقوف
في وجهها وهي مؤهلة لتوحيد العربا تحت راية السلما ثم
النطلق إلى القطار المجاورة ،لزالة حكومات الظلم والطغيان،
وتأمين الحرية لخلق الله كي يدخلوا في دين الله ،ويعبدوه وحده
من دون سواه).(1
-5تمكين الله للمؤمنين الصادقين بعدما ضحوا بالغالي
والنفيس وحققوا شروط التمكين وأخذوا بأسبابه ,ول ننسى تلك
مؤذنا للصلة بعد أن
ل الصورة الرائعة وهي وقوف بلل فوق الكعبة
عذبا في بطحاء مكة وهو يردد :أحد أحد في أغلله وحديده
ويجروه الصبيان ,ها هو اليوما قد صعد فوق الكعبة ويرفع صوته
الجميل بالذان وهو في نشوة اليمان ،لقد قاما النبي × بتبليغ
المانة ،وأداء الرسالة ولحق بالرفيق العلى فجزاه الله عنا وعن
السلما خير الجزاء ،وجاء الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم،
فتسلموا الراية ،وساروا والمسلمون معهم على دربا نبيهم × ما
غيروا وما بدلوا ،بل ثبتوا على دينهم واندفعوا في مشارق الرض
ومغاربها يبلغون دعوة الله إلى البشرية ,فهدى الله بهم من شاء
من عبادة العباد إلى عبادة ربا العباد ،ومن ضيق الدنيا إلى
سعتها ،ومن ظلم الديان إلى عدل السلما.
وكانت فترة الخلفة الراشدة التي ما تجاوزت ثلثين عاما
قصيرة في عمر الزمن ولكنها في ميزان القيم أقل من عمر
316
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
انظر :هل نحن مسلمون؟ لمحمد قطب ،ص .100 )( 2
انظر :واقعنا المعاصر لمحمد قطب ،ص ،117وما بعدها. )( 4
317
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
318
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
تسربت خلل الحكم العباسي ،ولم يكن انهيار الدولة العباسية هو
نهاية المة السلمية ,فقد برزت إلى الوجود دولة إسلمية جديدة،
كنة في الرض زهاء فتية وهي الدولة العثمانية ،والتي بقيت مم ز
خمسة قرون استطاعت خللها أن تحفظ كيان المسلمين وأن
تحميهم من غارات الصليبيين المتتالية ،بل وتوغلت في أوروبا
الصليبية ،وفتحت للسلما أراضي وقلوبلا ،فدخل الناس في
السلما بعشرات المليين ،كما منعوا قياما الدولة اليهودية على
أرض السلما ،وغير ذلك الكثير.
ولكن هذا وغيره ل ينفي وجود انحرافات كثيرة ،سواء في
الدولة أو في حياة المة في ظل الدولة ،وقد آتت هذه النحرافات
ثمارها السيئة على مدى الياما).(1
-فكانت هذه أول دولة للخلفة لم تستعربا.
-وكان الوالي في آخر عهد الدولة العثمانية على أي قطر
يتولى لفترة محدودة ثم يعزل ,فكان يجعل من فترة وليته فرصة
لجمع ثروة من المال تكفيه مدى الحياة.
-وأصابا الدولة العثمانية في آخر أيامها الجمود والتخلف في
أرجائها.
-وتسلل العداء إلى كيان الدولة وشرعوا في نخرها ،ودخلت
اليدي الجنبية وكانت بدايتها المشئومة في عهد السلطان سليم،
والذي اشتهر باسم سليمان القانوني).(2
وأما المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فقد كانت المة قد تخلت
عنه بالنسبة لحكامها منذ زمن بعيد ،ولم يكن من المتوقع أن تعود إليه
في الجو العسكري الذي قامت فيه الدولة العثمانية.
-وانشغل المسلمون عن دينهم الصحيح ببدع ،وخرافات،
ص ،وران عليهم جو التواكل والقعود عن الخذ بالسبابا. ومعا ض
ولكن على الرغم من ذلك لم يكن السلما ذاته في نفوسهم
موضع نقاش ل بوصفه عقيدة ،ول بوصفه منهجا للحكم ،بل ظل
حيا محفوظا من التحريف والتبديل ،وظلت مشاعل الصلح
متسلسلة بعضها من بعض ل تطفئها العواصف).(3
ودخل العالم مرحلة جديدة من تاريخه مع بداية القرن السابع
عشر الميلدي حيث شن الغربا النصراني حروبه على أنحاء المة
)( المصدر نفسه ،ص .138 1
319
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
320
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ول يعني هذا -بطبيعة الحال -أن المة قد خربت ،ول أن
الساحة قد خلت من المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ولكننا
حين نطلق ما نطلق من تعميمات نقصد بذلك الصورة الغالبة،
والصورة الغالبة هي التي تقرر الموقف العملي في الحقيقة،
وليست القلة المتميزة مهما يكن لها من تميز ،إل أن يكون في
أيديها مقاليد المور).(1
ويحفظ التاريخ السلمي كثيرا من أدوار البطولة في جهاد
المحتلين ،لكنها كانت بطولت المنهزما ،يضربا آخر ضرباته قبل
الستسلما ,فقد كانت العقيدة قد توارت خلف الركاما ،فكان حقا
على الناس أن ينتهوا إلى الهزيمة والستسلما).(2
نعم حدث هذا وكان لبد أن يحدث ،لن المسلمين فقدوا
أسبابا التمكين في الرض ،فعصفت بهم الرياح الهوجاء ،وأزالتهم
من مكان الريادة ،لتلقي بهم في حضيض التخلف والتبعية +لولماً
سيهكمُ يلظكلريموُلن" ]العراف [160 :لقد مرت المة السلمية ر
ظلليموُلنَاً لولكنَ لكاًنَيوُاً ألنَكييف ل
بثلث فترات نوعية:
-1فترة التطبيق الفائق للسلما ،وما صاحبها من تمكين فائق.
-2فترة التطبيق العادي للسلما ،وما صاحبها من التمكين
العادي.
-3فترة النحسار وتزايد البعد عن حقيقة السلما ،وما صاحبها
من زوال التمكين وغلبة العداء).(3
لقد كان لسبابا زوال التمكين عن المة عوامل عديدة منها:
انحراف كثير من المسلمين عن الفهم الصحيح -1
للسلما ،وانصرافهم عن الدين كعقائد وأعمال إلى ألفاظ
ومصطلحات.
إهمال كتابا الله تعالى وسنة رسوله × ،والخروج عن -2
السلما في نظاما الحياة.
تفرق المسلمين ،واحتداما الخلفات السياسية -3
والعصبية ،والدينية ،في صفوف المة السلمية.
ضعف القيادة السلمية ،واستغلل الرياسة لتحقيق -4
321
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :مجموعة الرسائل ،ص ،132 ،131ومجلة الوعي الكويتية ،عدد ربيع 1
322
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الخامس
الحركات السلمية ودورها في العودة إلى التمكين
بدأت بشائر العودة إلى التمكين ومظاهره مع الحركات
السلمية منذ القرنين الماضيين ,وتوارثت الجيال الحاضرة تلك
التجاربا التي تركت لنا معالم فقه التمكين ,ومن أهم هذه
الحركات:
أولل :حركة الشيخ محمد بن عبد الوهابا:
هو الشيخ محمد بن عبد الوهابا بن سليمان بن علي بن محمد
بن أحمد بن راشد التميمي ،ولد سنة 1115هـ1703 ،ما في بلدة
العينية الواقعة شمال الرياض ,بينها وبين الرياض مسيرة سبعين
كيلو مترا ،أو ما يقاربا ذلك من جهة الغربا).(1
ونشأ على حب العلم ،فطلبه منذ صغره وظهر منه نبوغا
وتميز ،فحفظ القرآن الكريم ودرس الفقه الحنبلي والتفسير
والحديث ،وتتلمذ على كتب ابن تيمية في الفقه والعقائد والرأي
وأعجب بها أيما إعجابا ,وتأثر بكتب ابن القيم ،وابن عروة
الحنبلي وغيرهم من فحول هذا المنهل السلفي).(2
ورحل في طلب العلم إلى مكة ،والمدينة ،والبصرة،
والحساء ،وتعرض لفتن عديدة عندها جاهر بآرائه في العراق ثم
رجع بعد ذلك إلى نجد.
أ -إعلن دعوته:
وعندما رجع إلى حريملء ببلد نجد بدأ بدعوته بالمر بالمعروف
والنهي عن المنكر والشتغال بالعلم والتعليم ،والدعوة إلى عقيدة
التوحيد الصافية ،وحذر من الشرك ومخاطره وأنواعه ,وتعرض
لمحاولة اغتيال من بعض السفهاء في حريملء وانتقل بعد ذلك
إلى بلدته العينية وتلقاه أميرها بالترحيب وشجعه على أمر
الدعوة ،فأقاما الشرع ونفذ الحدود ،وهدما القبابا ولم يستمر في
حريملء طويل بسب بضغط أمير الحساء على أمير حريملء لقتل
الشيخ محمد بن عبد الوهابا فخرج ماشيلا على القداما إلى
الدرعية.
با -تحالفه مع محمد بن سعود:
)( انظر :إماما التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهابا ،أحمد القطان ،ص .35 1
323
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :إماما التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهابا ،ص .46 ،45 )( 1
انظر :إماما التوحيد محمد بن عبد الوهابا ،ص .53 )( 3
324
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
على الدعوة .وبعد فتح الرياض اتسعت رقعة الرض التي تخضع
للدعوة ودخل كثير من الناس في الدعوة مختارين ،فقد أزيلت
العوائق التي كانت تصدهم عنها ،وانفرجت المور بعد ضيق ،وجاء
اليسر بعد العسر ،وكثرت الموال ،وهدأت الحوال ,وأمن الناس
في ظل الدولة السلمية الفتية ،التي حرما الناس من نعمة المن
والستقرار مدة غيابها).(1
لقد أخذ الشيخ محمد بن عبد الوهابا بالسنن لتمكين دين الله
تعالى ،فنلحظ في دعوته أخذه بشروط التمكين ودعوة الناس
وتربيتهم عليها من اليمان بالله ،والعمل الصالح ،وتحقيق العبودية
ومحاربة الشرك ،وتقوى الله تعالى ،وأخذه بأسبابا التمكين
ويظهر حرصه على الخذ بالسبابا في تحالفه مع المير محمد بن
سعود الذي وظف جيشه ،وحكومته وماله وسلحه ,ورجاله لخدمة
الدعوة ،ومرت الدعوة بالمراحل الطبيعية من التعريف بها وإعداد
من يحملها ،ومغالبة أعدائها والتمكين لها ،ومر الشيخ بسنة
البتلء ،ومارس سنة التدرج ،وشرع في الخذ بسنة تغيير
النفوس ،واستخداما سنة التدافع بين الحق والباطل ،ولم يترك
سنة الخذ بالسبابا ،وهذا كله يدخل تحت فقه التمكين الذي
مارسه الشيخ محمد بن عبد الوهابا رحمه الله.
ثانيلا :حركة الشيخ أحمد بن عبد الحد السرهندي:
هو أحمد بن عبد الحد بن زين العابدين السرهندي يتصل نسبه
إلى سيدنا عمر بن الخطابا - ,
« »
,
,
)( انظر :استمرارية الدعوة ،د .محمد الوكيل ).(3/294 1
325
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
,
. .. ,
, ,
.
, , - -
.( )
منهج الماما السرهندي للوصول إلى مرحلة التمكين:
-1اهتم بتعليم وتربية مجموعات هائلة من أفراد المة وأعدهم
إعدادا تربويا عمليا ،دعويا رفيع المستوى ثم أرسلهم إلى القرى
والمدن لدعوة الناس.
-2اهتم بنقد فكر الفلسفة المنحرف ،والصوفية الباطلة من
أصحابا وحدة الوجود والحلول والتحاد ,وبين الطريق الصحيح
لمعرفة الحق ،والوصول اليقيني إلى معرفة الله الواحد من خلل
القرآن ومنهج أهل السنة والجماعة.
-3حاربا كل أنواع الشرك ومن أقواله في ذلك» :إن تعظيم
مظاهر الشرك وأعياد الجاهلية من أعظم أنواع الشرك بالله -عز
وجل -وإن من يعتقد بصحة دينين ،وصلحيتهما في وقت واحد،
فهو مشرك ،وإن من يعمل بأحكاما السلما وأعمال الكفر
والشرك فهو مشرك ،ول يتم السلما إل بالبراءة من الشرك
ومحادته ومعاداته ،وإن التوحيد هو الشمئزاز والتبرما من كل
شائبة من شوائب الشرك).«(2
-4اهتم بالدعوة إلى التوحيد الخالص ،وخلود رسالة محمد ×
ودعم وحدة المسلمين وإعادتهم إلى حظيرة السلما ،وكان سببا في
حماية المسلمين في بلد الهند من ردة محققة.
-5قاوما المد الشيعي الذي اخترق البلط الملكي في عهد نور
)( استمرارية الدعوة والدعاة ).(207 – 3/205 1
326
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الدين جهانكير بن الملك أكبر ورفع راية أهل السنة جهارا نهارا،
بل استطاع أن يصل إلى معسكر الملك وبلطه بواسطة تلميذه
بديع الدين السهارنبوري.
-6اهتم بالمراء الذين ظهر منهم تدين ،وفيهم شهامة وحب
للخير ،فهذا المير خان جهان وكان الملك جهانكير يحبه حبا جما،
ويعتمد عليه في كثير من شئون الدولة كتب إليه السرهندي يحثه
على نصرة دين الله فيقول له» :لو جمعتم بين ما تتبوأون من
منصب كبير ،وبين العمل على الشريعة السلمية ،لديتم أمانة
النبياء -عليهم الصلوات والتسليمات -وأوضحتم الدين المتين
أعواما
ل وأضأتموه وعممتموه ،ولو جهدنا -نحن الفقراء -أنفسنا
طوال لما لحقنا بغبار أمثالكم من صقور السلما.
ل
)(1
وأعوان أبيات لهم همم
أل نفوس ز
327
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
في الهند.
إن القترابا من رجال الدولة والملوك والمراء من أجل
دعوتهم إلى السلما وتمكين دينه قاما به العلماء والدعاة من
أمثال الماما السرهندي وحققت نتائج طيبة في نصرة دين الله.
***
328
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الفصل الثاني
أهـــــــــــداف التمكــــــــين
تمهيد:
إن من القضايا المهمة التي يجب بحثها أهداف التمكين
ومقاصده الساسية ،وإذا رجعنا لنصوص القرآن والسنة نجد أن
من أهداف التمكين ما يلي:
-1أن يتمكن المجتمع المسلم من إقامة سلطة سياسية
تستند على مبادئ واضحة وقواعد بينة وأصول متينة ،وتستمد تلك
القواعد والصول من القرآن الكريم و نظاما الحكومة في عصر
النبي × والزمن الراشدي حيث ساد القانون اللهي ،والعدل بين
الناس ,والمساواة ,وظهرت مسئولية الحاكم ،والرعية ،وطبق
نظاما الشورى ،وإقامة نظاما الحياة السلمية على المر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،والدعوة إلى الله ،والجهاد في
سبيله ،وإقامة الحدود ...إلخ ،وقد كان ذلك كله ترجمة عملية
صللةل وآتليوُاً اًللزلكاًلة وألمرواً براًلكمعرو ر لقوله تعالى+ :اًلرذيلنَ رإن لملكلناًيهكمُ رفيِ اًللكر ر
ف ل لي ل كي ض أللقاًيموُاً اًل ل ل ي
ل لعاًقربلةي اًلييموُر" ]الحج.[41 : ونَليلهوُاً لعرنَ اًلكمكنلكرر و ر
ي ل ل ك
كما يقول الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله » :-إن الية
الكريمة تصرح بالنتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في هذا
القتال المشروع ،فهي ليست استعمار الشعوبا ،ول أكل خيراتها،
ول انتهابا ثرواتها ،ول إذلل كرامتها ،وإنما هي نتائج لمصلحة
النسانية ،ولفوائد المجتمعات فهي:
-1لنشر السمو الروحي في العالم عن طريق العبادة +أللقاًيموُاً
صلللة" اًل ل
-2ولنشر العدالة الجتماعية بين الشعوبا عن طريق الزكاة
+لوآتلييوُاً اًللزلكاًلة"
-3ولتحقيق التعاون على خير المجتمع وكرامته ورقيه +لوأللميرواً
ف" رباًلكمعرو ر
ل كي
-4وللتعاون على مكافحة الشر والجريمة والفساد +لونَليلهكوُاً لعرنَ
اًلكيمكنلكرر"
تلك هي النتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في قتالهم
329
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( السيرة النبوية للدكتور مصطفى السباعي ،ص .110 ،109 1
)( انظر :نظاما الحكم في السلما ،د .عارف خليل أبو عيد ،ص .70 -68 2
330
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المبحث الول
إقامـــــة المجتمع المســـــــلم
إن من أهداف التمكين إقامة المجتمع المسلم الذي تتحقق
فيه العبودية الشاملة لله تعالى ،ولذلك لبد من إقامة دولة
السلما بدعائمها ودستورها ،وقواعدها ومبادئها ،ولبد من إقامة
فريضة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والدعوة إلى مكارما
الخلق ،وتطبيق الحدود ،وتعليم المة ما ينفعها في الدنيا
والخرة ،وممارسة قواعد النظاما السياسي السلمي من الشورى
والعدالة والمساواة ...إلخ.
أول :إقامة دولة السلما ودعائمها ودستورها:
إن من الوسائل المهمة في تحقيق العبودية لله تعالى -بحيث
ل يعبد في الرض سواه -إقامة دولة إسلمية ،تحاربا الباطل
بأشكاله وأنواعه ،وتناصر الحق وأتباعه ,وللدولة السلمية دعائم
مهمة تقوما عليها ،ومبادئ تستند لها وأهداف تسعى لتحقيقها،
وقواعد تعمل على ترسيخها ،إن السعي لقامة دولة إسلمية
ينبعث من كون الدولة جزلءا من تحقيق السلما الشامل ،ولم تكن
هذه الدولة فكرة نظرية مجردة ،بل كانت واقعا عاشه المسلمون
فترة طويلة من الزمان قامت في كنفها حضارة وانتشر خللها
السلما في شتى أنحاء العالم ،ورغم أن الدولة مرت بفترات من
القوة والضعف ودبا الوهن في جسمها فإنها ظلت متمسكة
بالساس الذي قامت عليه ،ولم تتنازل عن الميثاق الذي ربط
عراها وهو الكتابا والسنة ،وتبلور من النظرية والتطبيق أسس
معينة ميزت الدولة السلمية وجعلتها نموذجا حاولت البشرية أن
ترتقي إليه من خلل نظمها النسانية ولكن هيهات.
أما تلك الدعائم التي قامت عليها الدولة السلمية وميزتها عن
غيرها فتتمثل
فيما يأتي:
القوة والضعف ،والسلمة والمرض ،ولكنها لم تتنازل أبدا عن
سر بقائها وهو دستورها الوحيد المتمثل في الكتابا والسنة ،إن
أجيال المسلمين في الماضي البعيد ،والحاضر القريب توقن إيقانا
راسخا بأن هناك ارتباطا وثيقا بين دولة السلما وعقيدة السلما،
فقوة الدولة رفعة للعقيدة ،وحماية للعقيدة ،ومما يدل على عمق
الشعور بالرتباط بين الدولة والعقيدة لدى جماهير المسلمين
331
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الحكم والتحاكم في خطابا الوحي ) (2/537عبد العزيز مصطفى. 1
332
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
محض العبودية لله ،لن بذلك يتحقق التوحيد ويقوما الدين ،قال
ن" ]يوسف: س لل يليكع ليموُ لك اًلبديينَ اًلكلقيْبيمُ لولركلنَ ألككثليلر اًللناً ر تعالى+ :أللملر أللل تليكعبييدواً إرلل إرلياًهي لذلر ل
[40يعني» :ما الحكم الحق في الربوبية والعقائد والعبادات
والمعاملت إل لله وحده يوحيه لمن اصطفاه من رسله ،ل يمكن
لبشر أن يحكم فيه برأيه وهواه ،ول بعقله واستدلله ,ول باجتهاده
واستحسانه ،فهذه القاعدة هي أساس دين الله تعالى على ألسنة
جميع رسله ل تختلف باختلف الزمنة والمكنة«).(1
ويقول الستاذ سيد قطب -رحمه الله » :-لقد رسم يوسف
عليه السلما بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة كل
معالم هذا الدين ،وكل مقومات هذه العقيدة ،كما هز بها كل
هزا شديدلا. قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية ّ
إن الطاغوت ل يقوما في الرض إل مدعيلا أخص خصائص
اللوهية ،وهي الربوبية ،أي حق تعبيد الناس لمره وشرعه،
ودينونتهم لفكره وقانونه ,وهو إذ يزاول هذا في عالم الواقع يدعيه
-ولم ينطق بلسانه -فالعمل دليل أقوى من القول ،وإن
الطاغوت ل يقوما إل في غيبة الدين القيم والعقيدة الصالحة عن
قلوبا الناس ،فما يمكن أن يقوما وقد استقر في اعتقاد الناس
فعل أن الحكم لله وحده ،لن العبادة ل تكون إل لله وحده، ل
والخضوع للحكم عبادة ،بل هي) (2أصل مدلول العبادة«).(3
لقد نزل القرآن الكريم من أجل تحقيق العبودية والحاكمية لله
ك اًلكركلتاًب براًلكحبق لفاًكعبرد اًل مكخلرصاً لهي اًلبدينَ أللل ر
ل تعالى ،قال سبحانه+ :إرلنَاً ألنَكيلزلكلناً إرلكيْ ل
ل ي لي ح ل ل
ب رباًلكلحبق لرتلكحيكلمُ اًلبدينَ اًلكلخاًلرص" ]الزمر [3 ،2 :وقال سبحانه+ :إرلنَاً ألنَكيزلكلناً إرليْ ل ر
ك اًلككلتاً ل ل ك ي ي
س بلماً أللراًلك اًلي" ]النساء [105 :فكما أن تحقيق العبودية غاية من ر بليكيْلنَ اًللناً ر
إنزال الكتابا فكذلك تطبيق الحاكمية غاية من إنزاله ،وكما أن
العبادة ل تكون إل عن وحي منزل ،فكذلك ل ينبغي أن يحكم إل
منزل ،أو بما له أصل في شرع منزل).(4 بشرع ع
ر ر ر ر
س قال تعالى+ :للقكد ألكرلسكللناً يريس للناً رباًكلبلييْبيلناًت لوألنَكيلزلكلناً لملعيهيمُ اًلككلتاً ل
ب لواًلكميْلزاًلن ليْلييقوُلم اًللناً ي
صيرهي لويريسلهي رباًلكغلكيْ ر رباًلكرقسرط وألنَكيزلكناً اًلكحرديلد رفيْره بأكس لشرديرد ومناًرفع رلللناً ر ر
ب إرلن اًلل س لوليْليكعللمُ اًلي لمنَ يليكن ي ل لل ي ل ر ك ل لل ل
صدقا ،وما ل يِ لعرزيرز" ]الحديد [25 :فالكتابا والميزان هما :ما نقل قلروُ و
تفسير المنار ).(12/309 )( 1
هكذا الضمير في الصل المطبوع )هي( ولعل الوفق للسياق )هو(. )( 2
333
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
عدل لقامة الناس على شريعة الحق اتباعلا للرسل ،فمن ل شرع
)(1
رادعا لكل معاند بعد قياما الحجة .إن ل أبى فقد جعل الحديد
إقامة حكم الله على المجتمع من خلل الدولة عهد وميثاق ذكره
ل لع لكيْيككمُ لورميْلثاًقلهي اًلرذيِ لواًثليلقيكمُ برره إركذ قييكلتيكمُ لسرمكعلناً
الله تعالى في قوله+ :واًكذيكرواً نَركعمةل اً ر
ل ي ل
صيدور " ]المائدة [7 :فهذا تذكير من الله ت اًل م وألطلكعلناً واًتلييقوُاً اًل إرلن اًل لعرليْمُ برلذاً ر
ل ر ل ل ل
لعباده المؤمنين بنعمته عليهم في الشرع الذي شرعه لهم في
هذا الدين العظيم ،المرسل به الرسول الكريم ،وأخذ للعهد
والميثاق عليهم في متابعته ونصرته وإبلغه والقياما به ،وهذا
مقتضى البيعة التي كان الصحابة يبايعون عليها رسول الله ×،
على السمع والطاعة في المنشط والمكره ،كما أن الخلل بعهد
ل يحككحماًالحاكمية جاهلية ,قال تعالى+ :ألفلحككمُ اًلكجاًرهلريْلرة ي كيبييغوُلن ومنَ ألكحسنَ رمنَ اً ر
لل ك ل ي ل ل ي ل ل
لبلقكوُةم ييوُقرينوُلن" ]المائدة [50 :ففي الية الكريمة إنكار وتوبيخ وتعجب من
حال من يتولى عن حكم الله وهو يبغي حكم غيره ،والية تعبير
لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتابا وعلم يبغون حكم الجاهلية التي
هي هوى وجهل ل يصدر عن كتابا ول يرجع إلى وحي) .(2إن
تحقيق الحاكمية ،تمكين للعبودية ،وقياما بالغاية التي من أجلها
س إرلل رليْليكعبييدورن" ر خلق النسان والجان ،قال تعالى+ :وماً لخ لكق ي ر
ت اًلكجلنَ لواًلنَك ل لل
)(3
]الذاريات [56 :أي ليطيعوه وحده ل شريك له .وإن المفهوما
الواسع الرحيب للعبادة ليشمل علئق وأعمال كثيرة ،منها ما
يمكن أن يقيمه الفراد ومنها ما ل يمكن تحقيقه على الوجه
الكمل إل في ظل دولة السلما ،أو بمعنى آخر :منها ما يتم
بالتحاكم ومنها ما يتم بالحكم ،ولشك أن دولة السلما تقصد إلى
تهيئة المجتمع السلمي للقياما بالعبادة بهذا المعنى الشامل،
ونحن عندما نقول إن الدولة في السلما تقصد إلى تحقيق
العبودية فالمراد أنها تحمي أصول هذه العبودية ول تمكن أحدا من
العتداء عليها كما يحدث في الدول التي ل تحكم بما أنزل الله.
وإذا كان للعبادة أصلن أحدهما :أن ل عيعبد إل الله.
والثاني :أن عيعبد بما أمر وشرع) ,(4فإنه مما ل شك فيه أن
دولة السلما مسئولة عن حماية هذين الصلين بمحاربة الشرك
في داخلها وتعمل على تقليص نفوذه خارجها ،وهي تحمي الشرع
انظر :تفسير ابن كثير ).(4/315 )( 1
334
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( الكتابا والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر ،ص .89 2
)( انظر :النظاما السياسي في السلما ،د .محمد أبو فارس ،ص .23 3
335
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الحكم ،ص .36 ،35 1
)( انظر :إدارة عمر بن عبد العزيز ،محمد القحطاني ،ص .278 3
336
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
337
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( ابن ماجه ،كتابا الفتن ،بابا السواد العظم ) (2/464رقم .4014 1
338
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
339
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :تطبيق الشريعة السلمية ،د .عبد الله الطريقي ،ص .61 ،60 1
340
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
341
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الحكاما السلطانية للقاضي أبي يعلي ،ص 19وللماوردي ،ص .4 )( 4
342
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
المسلمين).(1
وقال النووي رحمه الله) :أجمع العلماء على أن المامة ل
تنعقد لكافر ،وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل ،قال :وكذا لو
ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها().(2
الشرط الثاني :العدالة:
والعدالة هي التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل مع ترك
المعاصي ,وكل ما يخل بالمروءة ،وهي تثبت بالستفاضة
والشهرة).(3
الشرط الثالث :الذكورة:
أجمع العلماء على أن المرأة ل يجوز أن تكون إماما).(4
قال الشنقيطي رحمه الله) :من شروط الماما العظم كونه
ذكرا ،ول خلف في ذلك بين العلماء ،ويدل له ما ثبت في صحيح
البخاري وغيره أن النبي × لما بلغه أن فارسا ملكوا ابنة كسرى،
قال» :لنَ يفلح قوُم ولوُاً أمرهمُ اًمرأة«().(5
الشرط الرابع :القدرة وسلمة الحواس:
صطللفاًهي لع لكيْيككمُ لولزاًلدهي بلكسطلةح رفيِ اًلكرعكلرمُ لواًلكرجكسرمُ لواًلي يييكؤرتيِ يمكللكهي
قال تعالى+ :إرلن اًلل اً ك
شاًءي" ]البقرة.[247 :
لمنَ يل ل
قال الشنقيطي» :أي يكون سليم العضاء ،غير زمن ول أعمى
ونحو ذلك«).(6
الشرط الخامس :القرشية:
قال رسول الله ×» :إن هذا المر في قريش ،ل يعاديها أحد
إل كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين«) ،(7وشرط
القرشية قد اختلف في كونه شرط صحة أو شرط كمال ،وذهب
الجمهور إلى أنه شرط صحة ،وكما أن شرط القرشية قيد بشرط
)( انظر :تفسير الطبري ) (8/503تحقيق أحمد شاكر. 1
)( انظر :الفصل بين الملل والنحل ) ,(4/110ومراتب الجماع ،ص .125 4
)( البخاري ،كتابا الفتن ،بابا ،18 :حديث رقم ،7099فتح الباري ).(13/58 5
)( البخاري،كتابا الحكاما ،بابا :المراء من قريش ،فتح الباري ) (13/122رقم 7
.7139
343
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
تفسير القرطبي ) ،(1/270انظر :الفصل بين الملل والنحل )(4/11 )( 2
344
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
الجتهاد«).(1
الشرط العاشر :الحنكة في أمور الحربا والسلم:
فينبغي لولي أمر المسلمين أن يكون ذا خبرة ورأي حصيف
في أمور الحربا مثل :تدبير الجيوش ،وسد الثغور وحماية بيضة
المسلمين ومنازلة العداء ,وحسن الستفادة من الصدقاء،
وكذلك في أمور السلم بأن يملك زماما المة ويأخذ من ظالمها
لمظلومها ولضعيفها من قويها ،ويقيمها على الحق ويقيم بها
الحق).(2
وعد القاضي أبو يعلي من شرط الماما »أن يكون قيما بأمر
الحربا والسياسة وإقامة الحدود ،ل تلحقه رأفة في ذلك«) ،(3وهذا
الشرط من شروط الصحة عنده وعند الماوردي) ,(4وكذلك ابن
خلدون).(5
على أن الشروط المعتبرة ،رغم نص العلماء عليها ،ليست
ضربة لزبا كلها ،بحيث لو وجد شخص فيه معظمها ل تنعقد له
المامة حتى توجد فيه كلها ،ل ،بل إن في المر مرونة تناسب
تغير الحوال بل قال القرطبي» :يجوز نصب المفضول مع وجود
الفاضل خوف الفتنة وأل يستقيم أمر المة ,وذلك أن الماما إنما
نصب لدفع العدو وحماية البيضة وسد الخلل ،واستخراج الحقوق
وإقامة الحدود ،وجباية الموال لبيت المال وقسمتها على أهلها،
فإذا خيف بإقامة الفضل الهرج والفساد وتعطيل المور التي
لجلها ينصب الماما ،كان ذلك عذرا ظاهرا في العدول عن
الفاضل للمفضول ،ويدل على ذلك أيضا علم عمر وسائر المة
وقت الشورى بأن الستة) ،(6فيهم فاضل ومفضول«).(7
ول شك أن من أهداف مرحلة التمكين تقديم الحاكم الصالح الذي
تتدعم به
دولة السلما.
إن إقامة الدستور على نهج كتابا الله وسنة رسوله × وبيان
)( العتصاما للشاطبي ).(2/126 1
)( الستة هم الذين نصح عمر المسلمين أن يختاروا واحدا منهم لولية المر بعده 6
حين طلب إليه أن يعهد عهدا ،وهم :علي ،وعثمان ،وعبد الرحمن بن عوف ،وسعد
بن أبي وقاص ،والزبير بن العواما ،وطلحة بن عبيد الله.
)( تفسير القرطبي ).(5/259 7
345
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
346
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
347
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أوامره واجتنابا نواهيه ،ثم بطاعة رسوله ثانيا فيما أمر به ونهى
ثالثا ،على قول الجمهور وأبي هريرة وابن
ل عنه ،ثم بطاعة المراء
عباس وغيرهم«).(1
وفي المجتمع السلمي ،الشريعة فوق الجميع ،يخضع لها
الحاكم والمحكوما ،ولهذا فإن طاعة الحكاما مقيدة دائما بطاعة
الله ورسوله ،كما قال رسول الله ×» :ل طاعة في المعصية إنما
الطاعة في المعروف« ).(2
-2النصرة:
فالواجب على الرعية نصرة الماما الحاكم بما أنزل الله
ومعاضدته ومناصرته في أمور الدين وجهاد العدو ,قال تعالى:
+لوتليلعاًلونَيوُاً لعللىَ اًكلببر لواًلتليكقلوُىَ" ]المائدة.[2 :
قال ×» :من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد منكم ،يريد
أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه« ) ,(3ومن نصرة
الماما أل يهان ،ومن معاضدته أن يحترما ،وأن يكرما ,فقوامته على
المة وقيادته لها لعلء كلمة الله ،تستوجب تبجيله وإجلله
وإجلل ،وإكراما لشرع الله سبحانه الذي ينافح
ل ل تبجيل وإكرامه
ويدافع عنه ،يقول رسول
الله ×» :إن من إجلل الله تعالى :إكراما ذي الشيبة المسلم،
وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ،وإكراما ذي السلطان
المقسط« ).(4
-3النصح:
إن السلما أوجب على الرعية أن تناصح ولة أمرها قال ×:
»الدين النصيحة -ثلثا -قال الصحابة :لمن يا رسول الله؟ قال:
لله -عز وجل -ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم« ).(5
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتناصحون -رعاة ورعية
,-فهذا عمر » :
)( تفسير القرطبي ).(5/259 1
)( البخاري ،كتابا الحكاما ،بابا السمع والطاعة للماما ،حديث رقم ) 7145 2
.(8/135
)( مسلم ،كتابا المارة بابا حكم من فرق أمر المسلمين ) (3/1480رقم 3
.1852
)( رواه أبو داود ،كتابا الدبا ,بابا تنزيل الناس منازلهم ،رقم الحديث ،4822 4
348
مراحل التمكين وأهدافه:البابا الثالث
.()«
: التقويم-4
لقد استقر في مفهوما الصحابة أن بقاء المة على الستقامة
فهذا أبو بكر،رهن باستقامة ولتها
» :
,
.( )«
» :
.( )«
- -
.
.
: إقامة قواعد النظاما السلمي:ثانيلا
ويدخل ضمنا في أهداف التمكين الحرص على إقامة قواعد
ومن أهم,النظاما السلمي التي تساهم في إقامة المجتمع المسلم
. والحريات، والمساواة، والعدل،هذه القواعد الشورى
: الشورى-أ
إن تداول الرأي في الحوادث مارسته الشعور منذ أقدما
، والرومان، والهنود، والمصريون، مارسه العربا والفرس،العصور
ولم يوجد شعب ول أمة، ومارسه الملوك والفراعنة،والصينيون
.إل مارسته في القديم والحديث
.(1/169) )( أورده الماما الدارمي في مقدمة سننه 1
. إسناده صحيح:( وقال ابن كثير6/306) )( البداية والنهاية لبن كثير 2
349
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الشورى بين الصالة والمعاصرة ،عز الدين التميمي ،ص .17 1
)( انظر :دعوة سليمان ،علي منسي عشكان ،ص .69 2
)( مختصر صحيح البخاري للمنذري ،ص ،16رقم الحديث .34 3
)( هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عبد الرءوف بن تماما بن عطية، 4
يكنى أبا محمد ،وهو من نسل زيد ابن محاربا ,وكان فقيها عالما بالتفسير
والحكاما والحديث والفقه والنحو واللغة ,توفي عاما 546هـ ،انظرالديباج المذهب
في معرفة علماء المذهب ،ص .175 ،174
)( المحرر الوجيز في تفسير الكتابا العزيز ).(3/397 5
350
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي كان مشهورا بالزهد والورع ,تبحر في العلوما 1
وتلقى على يديه خلق كثير توفي 370هـ ،الطبقات السنية في تراجم الحنفية )
.(480 – 1/477
)( أحكاما القرآن للجصاص ).(3/386 2
351
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( هو أحد علماء مصر المشهورين ،وشيخ الزهر الشريف ،له مؤلفات كثيرة في 3
)( هو الشيخ الجليل محمد أبو زهرة أحد فحول علماء مصر المعدودين ,كان جريئلا في 5
مدافعا عن السلما ،ل يخشى في ذلك لومة لئم ،له مصنفات كثيرة في الفقه ل الحق،
والصول وتاريخ التشريع ,ومن كتبه علم أصول الفقه ،والماما مالك ،والشافعي ،وأبو
حنيفة ,وأحمد ،وابن حزما ،وابن تيمية ،وتاريخ المذاهب السلمية.
)( تاريخ المذاهب السلمية في السياسة والعقائد ،ص .94 ،93 6
)( ولد سنة 1880ما بكفر الزيات والتحق بالزهر الشريف سنة 1900ما ،بعد أن 7
حفظ القرآن الكريم ودرس في مدرسة القضاء الشرعي ،وتخرج فيها عاما
1915ما ،وعين مدرسلا بها وشارك في ثورة 1919ما ,فبرزت مواهبه الخطابية
والكتابية ومارس القضاء ودرس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة ) (22سنة،
توفي 1956ما ،مقدمة كتابه أصول الفقه.
352
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
خاصا بفرد وإنما هو للمة ممثلة في أهل الحل ّ المر فيها ليس
والعقد ،لن الله سبحانه جعل أمر المسلمين شورى بينهم ،وساق
وصفهم بهذا مساق الوصاف الثابتة ،والسجايا اللزمة كأمة شأن
السلما ومن مقتضياته ..وإذا كان المسلمون أهملوا تنظيم هذه
الشورى حتى ذهبت روحها ،وجرؤ بعضهم أن يقول :إنها مندوبة ل
محتومة ،وصمت الذان عن سماعها ،وأضاعوا البيعة ومسخوها
حتى جعلوها أمرا صوريا ،ل يحقق الغرض منها ول يشعر بإرادة
المة «).(1
وقال الستاذ عبد القادر عودة) - (2رحمه الله :-
»والسلما يرد نظاما الحكم في الجماعة إلى الشورى،
لتستطيع الجماعة أن تختار الحكاما الصالحين للقياما بأمر الله في
الجماعة ،ولتستطيع أن تعزلهم كلما عجزوا عن أداء واجباتهم أو
حادوا عن الطريق القويم ،كما أن نظاما الشورى يحول بين
الحكاما وبين السئثار بشئون الجماعة ،إذ يجعل الجماعة رقيبة
على الحكاما الذين اختارتهم ،وقد جاء السلما بنظاما الشورى
وطبقه المسلمون قبل أن تعرفه الدول الغربية بأحد عشر قرنا
على القل ،وقد فرض هذا النظاما بقوله تعالى+ :لوألكميريهكمُ يشوُلرىَ بلي كيْينلييهكمُ"
وبقوله+ :لولشاًروكريهكمُ رفيِ اًلكمرر" ]آل عمران.(3) .[159 :
وقال الستاذ عبد الكريم زيدان -حفظه الله » :-إن وكالة
رئيس الدولة عن المة وكالة مقيدة ،ومن قيودها أن يشاور المة،
لن المشاورة ورد بها النص الشرعي ،فل تملك المة التنازل
عنها ،لن سلطتها محدودة بحدود الشرع فل تستطيع أن تفوض
وكيلها -رئيس الدولة -استعمال سلطانها إل بهذا القيد ،قيد
الشورى ،سواء صرحت بهذا عند انتخابه أو لم تصرح«).(4
ولقد استدل القائلون بوجوبا الشورى بالكتابا والسنة وسيرة
الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم أجمعين -والمعقول.
الدلة من القرآن الكريم:
)( السياسة الشرعية أو نظاما الدولة في الشئون الدستورية والخارجية والمالية، 1
ص .29-25
)( عبد القادر عودة من كبار المحامين في مصر ،درس الحقوق ونبغ فيها ،ودرس 2
الفقه السلمي الجنائي دراسة شاملة ،وواعية ,وألف فيه كتابه المشهور التشريع
الجنائي السلمي ،وهو من أفضل الكتب في هذا المجال أعدمه جمال عبد الناصر
في محنة الخوان المسلمين في مصر وكان إعدامه – رحمه الله – سنة 1955ما.
)( السلما وأوضاعنا القانونية ،ص .132 – 122 3
353
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ضوُاً رمكنَ
ب للنَكيلف م ت فلقظاً غلرليْ ل
ظ اًلكلقكل ر ت ليهكمُ لولكوُ يكن ل ل رلن ل
-1قال تعالى+ :فلبرماً ركحمةة بمنَ اً ر
ل ل ل ل
ب ر
ح
لي م ي ل اً ل
ن ر
إ ر
ل اً لىَل ع ل ل
كوُي يتل
لل ك ل ل ل ك لف ت مز ع اً ذ
ل ر
إلف ر
ر م
ك اًل ف لع كنيهمُ واًستليغكرفر لهمُ ولشاًرورهمُ ر
فيِ ك لفاًكع ي ي ك ل ك ك ي ك ل ك ي ك لحكوُلر ل
اًلكيمتليلوُبكرليْلنَ" ]آل عمران.[159 :
لقد نزلت هذه الية بعد غزوة أحد وما جرى فيها من أحداث
وآلما حلت بالمسلمين ،وكان القرار في الخروج مبنيا على
الشورى ،وحتى ل تنشأ فكرة استبعاد الشورى عند بعض الصحابة
نزلت هذه الية ،تأمر رسول الله × بأن يعفو عن المؤمنين وأن
يستغفر لهم ويشاورهم في المر ,ولو كان نتيجة الشورى مرة،
كما حدث في أحد.
وإذا كان الله تبارك وتعالى قد أمر رسول الله × -وهو أرجح
الناس عقل ،وأقواهم رأيا -بالشورى ،فالمر في حق غيره من
الحكاما والمراء والسلطين آكد وأوجب ،ومن المعروف عند
علماء الصول أن المر يفيد الوجوبا ما ل ترد قرينة تصرفه من
الوجوبا إلى الندبا ،وصيغة »وشاورهم« صيغة أمر ،وهي تدل
على وجوبا الشورى ،ولم ترد قرينة تصرفها من الوجوبا إلى
الندبا ،بل جاءت النصوص الخرى من الكتابا والسنة تؤكد هذا
الوجوبا وتؤيده).(1
قال الفخر الرازي في تفسيره» :ظاهر المر للوجوبا ،فقوله:
)وشاورهم ،يقتضي الوجوبا( ).(2
وقال أبو حيان الندلسي)» :(3في هذه الية دليل على
المشاورة وتخمير الرأي وتنقيحه والتفكر فيه ،وأن ذلك مطلوبا
شرعا خلفا لما كان عليه بعض العربا من ترك الشورى ،ومن
الستبداد برأيه من غير فكر في عاقبة«).(4
وقال الستاذ محمد رشيد رضا -رحمه الله -في تفسيره
لقوله تعالى+ :لولشاًروكريهكمُ رفيِ اًلكمرر"» :أي في المر العاما الذي هو
سياسة المة ،في الحربا والسلم ،والخوف والمن ،وغير ذلك من
مصالحهم الدنيوية ،أي أداما المشاورة وواظب عليها كما فعلت
قبل الحربا في هذه الموقعة )غزوة أحد( وإن أخطأوا الرأي ،فإن
الخير كل الخير في تربيتهم على العمل بالمشاورة دون العمل
)( انظر :حكم الشورى في السلما ،ونتيجتها ،د .محمد أبو فارس ،ص .32 ،31 1
)( هو محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الديب النحوي اللغوي مفسر 3
354
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
برأي الرئيس وإن كان صوابا ،لما في ذلك من النفع لهم في
مستقبل حكومتهم إن أقاموا هذا الركن العظيم )المشاورة(،
والخطر على المة في تفويض أمرهم إلى الرجل الواحد أشد
وأكبر«).(1
وقال سيد قطب -رحمه الله » :-وبهذا النص الجازما +لولشاًروكريهكمُ
رفيِ اًلكمرر" يقرر السلما هذا المبدأ في نظاما الحكم -حتى ومحمد
رسول الله × هو الذي يتوله -وهو نص قاطع ل يدع للمة
المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي ،ل يقوما السلما على
أساس سواه«).(2
وقال أيضا» :لو كان وجود القيادة الراشدة في المة يكفي
ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشئون لكان وجود محمد
× ومعه الوحي من الله -سبحانه وتعالى -كافيا لحرمان الجماعة
المسلمة يومها من حق الشورى! وبخاصة على ضوء النتائج
المريرة التي صاحبتها في ظل الملبسات الخطيرة لنشاة المة
المسلمة ،ولكن وجود محمد رسول الله × ومعه الوحي اللهي
ووقوع تلك الحداث ،ووجود تلك الملبسات ،لم يلغ هذا الحق لن
الله -سبحانه -يعلم أنه لبد من مزاولته في أخطر الشئون،
ومهما تكن النتائج ،ومهما تكن الخسائر ،ومهما يكن انقساما
الصف ،ومهما تكن كلها جزئيات ل تقوما أماما إنشاء المة
الراشدة ،المدربة بالفعل على الحياة ،المدركة لتبعات الرأي
والعمل ،الواعية لنتائج الرأي والعمل ،ومن هنا جاء المر اللهي
ف لع كنييهكمُ لواًكستليغكرفكر ليهكمُ لولشاًروكريهكمُ رفيِ اًلكمرر" ليقرر في هذا الوقت بالذات +لفاًكع ي
المبدأ في مواجهة أخطر الخطار التي صاحبت استعماله ،وليثبت
هذا القرار في حياة المة المسلمة أيا كانت هذه الخطار التي تقع
في أثناء التطبيق ،وليسقط الحجة الواهية التي تثار لبطال هذا
المبدأ في حياة المة المسلمة ،كلما نشأ عن استعماله بعض
العواقب التي تبدو سيئة ،ولو كان هو انقساما الصف ،كما وقع في
أحد والعدو على البوابا ،لن وجود المة الراشدة مرهون بهذا
المبدأ ،ووجود المة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في
الطريق).(3
صللةل لوألكميريهكمُ يشوُلرىَ بلي كيْينلييهكمُ لورملماً
-2وقال تعالى+ :لواًلرذيلنَ اًكستللجاًبيوُاً لرلربرهكمُ لوأللقاًيموُاً اًل ل
)( تفسير المنار ).(4/166 1
355
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
لرلزقكيلناًيهكمُ يييكنرفيقوُلن" ]الشورى ,[38 :لقد قرنت الية الكريمة الشورى بين
المسلمين بإقامة الصلة ،فدل ذلك على أن حكم الشورى كحكم
الصلة ،وحكم الصلة واجبة شرعا ،فكذلك الشورى واجبة
شرعا).(1
إن هذه الية قد نزلت في سورة سميت سورة الشورى ،وهي
مكية ,ولقد جاءت مؤكدة أن تكون الشورى صفة ملزمة للجماعة
السلمية ،وسلوكا اجتماعيا ل يغادرهم قبل قياما الدولة السلمية
وبعد قيامها ،فإن كلمة أمرهم من ألفاظ العموما تشمل جميع
شئونهم العامة وحياتهم المشتركة).(2
قال سيد قطب -رحمه الله -في تفسيره لهذه الية» :والتعبير
يجعل أمرهم كله شورى ،لصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة ،وهو كما قلنا
نص مكي قبل قياما الدولة السلمية.
فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين،
إنه طابع الجماعة السلمية في كل حالتها ،ولو كانت الدولة
بمعناها الخاص لم تقم بعد.
والواقع أن الدولة في السلما ليست سوى إفراز طبيعي
للجماعة وخصائصها الذاتية ،والجماعة تتضمن الدولة ،تنهض وإياها
بتحقيق المنهج السلمي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.
ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكرا ،وكان مدلوله
أوسع وأعمق من محيط الدولة وشئون الحكم فيها ،إنه طابع ذاتي
للحياة السلمية ،وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية،
وهي من ألزما صفات القيادة«).(3
ويقول الستاذ عبد القادر عودة -رحمه الله » :-الشورى دعامة
من دعائم اليمان وصفة من الصفات المميزة للمسلمين ،سزوى الله
بينها وبين الصلة والنفاق في قوله+ :لواًلرذيلنَ اًكستللجاًبيوُاً لرلربرهكمُ لوأللقاًيموُاً اًل ل
صلللة
ن" ]الشورى[38: لوألكميريهكمُ يشوُلرىَ بل كييْينلييهكمُ لورملماً لرلزقكيلناًيهكمُ يييكنرفيقوُ ل
فجعل للستجابة لله نتائج بين لنا أبرزها ،وأظهرها ،وهي إقامة
الصلة والشورى والنفاق ،وإذا كانت الشورى من اليمان فإنه ل
يكمل إيمان قوما يتركون الشورى ،ول يحسن إسلمهم إذا لم
يقيموا الشورى إقامة صحيحة ،ومادامت الشورى صفة لزمة
)( انظر :النظاما السياسي في السلما لبي فارس ،ص .90 1
356
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
357
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
أو بالكثرية«).(1
وقال الشيخ شلتوت -رحمه الله » :-وضع السلما مبدأ
الشورى ،وعمل به
النبي × في حياته ،والخليفتان من بعده ،وكان له في صدر
السلما شأن تجلى به سمو السلما في تقرير حق النسان ،وكان
فيه الحرية التامة في إبداء الرأي من أهل الرأي ،وقد جاء في
بيان المصادر التي يجب على المؤمنين اتباع الحكاما والنظم
والوامر الصادرة عنها ،قوله تعالى +لياً أليميلهاً اًلرذيلنَ آلمنيوُاً ألرطيْعيوُاً اًلل لوألرطيْعيوُاً
اًللريسوُلل لويأورليِ اًلكمرر رمكنيككمُ" ]النساء [59 :وإذا كانت إطاعة الله هي العمل
بما تضمنه كتابه الواضح الذي ل يحتمل الرأي ،وكانت إطاعة
الرسول × هي العمل بما تضمنته أقواله التشريعية العامة
الموثوق بنسبتها إليه ،كان )أولو المر( هم أهل النظر الذين
عرفوا في المة بكمال الختصاص في بحث الشئون وإدراك
المصالح والغيرة عليها ،وكانت طاعتهم هي الخذ بما يتفقون عليه
في المسألة ذات النظر والجتهاد ،أو بما يترجح فيها عن طريق
الغلبية أو قوة البرهان«).(2
وقال في كتابه من توجيهات السلما تعقيبا على موقف
السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة -رضي الله عنهما -من
رفض إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة ،وقد كان رسول الله ×
يرى ذلك:
»وهذه الحادثة تضع تقليدلا دستوريلا هاملا ،وهو أن الحاكم ولو
كان رسول معصوما يجب عليه أل يستبد بأمر المسلمين ،ول أن
يقطع برأي في شأن هاما ،ول أن يعقد معاهدة تلزما المسلمين
بأي التزاما دون مشاورتهم وأخذ آرائهم ،فإن فعل كان للمة حق
إلغاء كل ما استبد به من دونهم ،وتمزيق كل معاهدة لم يكن لهم
فيها رأي«).(3
ويقول الستاذ عبد الكريم زيدان» :الخذ برأي رئيس الدولة
سديد من الناحية النظرية ،ولكن نظرا لضرورات الواقع ،وتغير
النفوس ،ورقة الدين ،وضعف اليمان ،وندرة الكفاء الملهمين،
كل هذا يقتضينا أن نأخذ بالرأي الثاني ،فنلزما رئيس الدولة برأي
الكثرية بشروط ،الول :إذا لم يقتنع رئيس الدولة برأي الكثرية
)( الحكومة السلمية ،ص .94 1
358
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
359
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
360
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :دستور المة من القرآن والسنة ،د .عبد الناصر العطار ،ص)،173 2
.(174
361
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( انظر :الشورى بين الصالة والمعاصرة ،ص .59 ،58 2
362
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :النظاما السياسي في السلما ،د .محمد أبو فارس ،ص .49 2
363
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)( هو العلمة الخباري أبو بكر القرشي الكلبي مولهم المدني صاحب السيرة 1
مره النبي ×)( هو سواد بن غزية النصاري من بني عدي بن النجار ،شهد بدرا وأ ز
3
سيرة ابن إسحاق وهو من أئمة اللغة ،توفي 418هـ ،انظر :سير أعلما النبلء )
.(10/429
)( مستنصل :أي خارج من نصل ،بمعنى خرج ،لسان العربا ).(11/662 5
)( سيرة ابن هشاما (1/626) :تحقيق مصطفى السقا وزملئه. 6
364
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( البخاري،كتابا الحدود ،بابا كراهية الشفاعة إذا رفع إلى السلطان )(12/87 2
رقم .6788
)( هو مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو ،إماما دار الهجرة ،ولد عاما 53هـ، 3
365
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
» :
: : ,
. :
: :
:
: :
:
:
.( )
,
× ,
كيف أحبوا ذلك وأيدوه »فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه« ل
تشفيا منه ول شماتة بعمرو وابنه ،فالقوما فوق ذلك وأبعد ما
يكونون عن التشفي والشماتة ،ولكنهم جيل أحب العدل وعاشه
وتربى عليه على يد رسول الله × ،لذا فهو يبغض الجور ول يحب
فا لها في عقيدتها ودينها رؤيته في المة ولو كان رجل ل مخال ل
وشرعها ،ويفرح أشد الفرح لرؤية العدالة ترمي بجذورها في
أعماق المة ليؤخذ حق ضعفائها وأتباعها من أقويائها).(2
إن الناس إذا شعروا بإقامة العدالة في مجتمعهم ،وسيادة
العدل في حياتهم ،على المسلمين وغير المسلمين ،تستقر
نفوسهم ،وتطمئن قلوبهم ،وتهدأ أحوالهم ،ويزدهر مجتمعهم
ويعمهم الخير والمن والمان والسلمة والسلما).(3
إن تحقق العدل اللهي في حياة البشرية هدف لكل مسلم
فرد أو جماعة ,حاكم أو محكوما ,ومن هنا كانت وظيفة كل نبي
ورسول ومهمته أن يقيم في الناس القسط ،قال تعالى+ :للقكد ألكرلسكللناً
س رباًلكرقكسرط"]الحديد.[25: ر ر ر ر
يريس للناً رباًكلبلييْبيلناًت لوألنَكيلزلكلناً لملعيهيمُ اًلككلتاً ل
ب لواًلكميْلزاًلن ليْلييقوُلم اًللناً ي
إن الدولة السلمية واجب عليها أن تقيم العدل بين الناس
وتفسح المجال وتيسر السبل أماما كل إنسان يطلب حقه أن يصل
)( انظر :فتوح مصر و المغربا لبن عبد الحكم.226 ،225 : 1
)( انظر :وسطية أهل السنة بين الفرق ،ص .170 2
366
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
إلى حقه بأيسر السبل وأسرعها ،دون أن يكلفه ذلك جهد أو
مال) ,(1وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل من شأنها أن تعيق
صاحب الحق من الوصول إلى حقه.
لقد أوجب السلما على الحكاما أن يقيموا العدل بين الناس
دون النظر إلى لغاتهم أو أوطانهم أو أحوالهم الجتماعية ،فهو
يعدل بين المتخاصمين ويحكم بالحق ول يهمه أن يكون المحكوما
لهم أصدقاء أو أعداء ,أغنياء أو فقراء ،عمال أو أصحابا عمل،
ب رللتليكقلوُىَ" ]المائدة: ر ر ة
قال تعالى+ :لولل يلكجررلمنليككمُ لشلنآِين قليكوُم لعللىَ أللل تليكعدليوُاً اًكعدليوُاً يهلوُ ألقكيلر ي
,[8والمعنى ل يحملنكم بغض قوما على ظلمهم ،ومقتضى هذا أنه
ل يحملنكم حب قوما على محاباتهم والميل معهم).(2
يقول الستاذ أبو علي المودودي -رحمه الله -معقبا على
ت لكعردلل بل كييْينليكيمُ" ]الشورى [15 :ما نصه» :يعني أنني قوله تعالى+ :لوأيرمكر ي
مأمور بالنصاف دون عداوة ،فليس من شأني أن أتعصب لحد أو
ضد أحد ،وعلقتي بالناس كلهم سواء ،وهي علقة العدل
والنصاف ،فأنا نصير من كان الحق في جانبه ،وخصيم من كان
الحق ضده ،وليس في ديني أي امتيازات لي فرد كائنا من كان،
وليس لقاربي حقوق ،وللغرباء عني حقوق أخرى ،ول للكابر
عندي مميزات ل يحصل عليها الصاغر ،والشرفاء والوضعاء عندي
سواء ،فالحق حق للجميع والذنب والجرما ذنب للجميع ،والحراما
حراما على الكل والحلل حلل للكل ،والفرض فرض على الكل
حتى أنا نفسي لست مستثنى من سلطة القانون اللهي«).(3
إن من أهداف التمكين إقامة المجتمع المسلم الذي يسود فيه
العدل بين الناس ،ولبد من إقامة القضاء المستقل في الدولة
المسلمة بحيث ل يتعرض القضاء لي ضغوط كانت ,ويصبحون
لهم الحرية في إصدار أحكامهم العادلة فيما يعرض عليهم من
قضايا في حرية تامة ول تأخذهم في إقامة العدل لومة لئم،
القوي والضعيف ،الحاكم والمحكوما ،المسلم والذمي ،الراعي
والمرعي ،المير والحقير ..كل أماما القضاء سواء.
جـ -المســــــــــــــــــاواة:
يعد مبدأ المساواة أحد المبادئ العامة التي أقرها السلما ،وهي
من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم ،ولقد أقر هذا
)( انظر :النظاما السياسي في السلما ،ص .58 1
367
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :مبادئ نظاما الحكم في السلما ،عبد الحميد متولي ،ص .385 )( 2
انظر :فلسفة التربية السلمية ،ماجد عرسان الكيلني ،ص .179 )( 4
انظر :الثقافة السلمية وتحديات العصر ،شوكت محمد ،ص .308 )( 5
انظر :مبادئ علم الدارة ،محمد نور الدين ،ص .116 )( 6
368
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :نظاما الحكم في السلما ،د .عارف خليل ،ص .271 3
369
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
سيرة عمر بن عبد العزيز ،ابن عبد الحكم ،ص .112 )( 1
370
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
عمر :قد أنفقنا عليها ،قال القاضي :ذلك بما نلتم من غلتها ،فقد
نلتم مثل نفقتكم ،فقال عمر :لو حكمت بغير هذا ما وليت لي
أمرا أبدا ،وأمر بردها «).(1
وزنا لمبدأ المساواة بين المسلمين ،حتى في ل وكان عمر يقيم
المور العامة ،ومن ذلك أمره بأن ل عيخص أناس بدعاء المسلمين،
والصلة عليهم ،فكتب إلى أمير الجزيرة يقول ...» :وقد بلغني أن
ناسا من القصاص قد أحدثوا صلة على أمرائهم ،عدل ما يصلون ل
على النبي × ,فإذا جاءك كتابي هذا ،فمر القصاص ،فليجعلوا
صلتهم على النبي × خاصة ،وليكن دعاؤهم للمؤمنين والمسلمين
عامة ،وليدعوا ما سوى ذلك«).(2
ومن ذلك يتضح اهتماما عمر بالمساواة بين عامة الناس ،حتى
في الدعاء لهم ،ول يختص أحد بالدعاء ,فالمسلمون عامة في
حاجة إلى دعوة الله عز وجل لهم ،والله سبحانه وتعالى جدير
بالجابة) .(3ولم يكتف عمر بالخذ بمبدأ المساواة بنفسه فحسب،
بل كان يأمر عماله وولته بذلك فقد كتب إلى عامله على المدينة
يقول له» :اخرج للناس ،فآس بينهم في المجلس والمنظر ،ول
يكون أحد الناس آثر عندك من أحد ول تقولن هؤلء من أهل بيت
أمير المؤمنين ،فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوما
سواء ،بل أنا أحرى أن أظن بأهل بيت أمير المؤمنين أنهم يقهرون
من نازعهم«).(4
وبعد هذا العرض الموجز نرى أن الدولة السلمية لبد لها
أن تعمل على إنزال هذا المبدأ في دنيا الناس وعليها أن
تراعي التي:
-1العلم بأن مبدأ المساواة ل يخلو من أنه أمر تعبدي ،تؤجر
عليه من خالق الخلق سبحانه وتعالى.
-2إسقاط العتبارات الطبقية ،والعرقية ،والقبلية ،والعنصرية،
والقومية ،والوطنية ،والقليمية وغير ذلك من الشعارات الماحقة
لمبدأ المساواة النسانية ،والتي تقوما عليها وتستحسنها بعض
الجماعات ،والدول ،والمؤسسات ،بل والمجتمعات وإحلل المعيار
اللهي بدل عنها للتفاضل ،أل وهو )التقوى(.
عمر بن عبد العزيز وسياسته في رد المظالم ،ماجدة زكريا ،ص .210 )( 1
سيرة عمر بن عبد العزيز لبن الجوزي ،ص .273 )( 2
371
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
السلما تربية النسان ،إبراهيم سعادة ،ص .139 انظر: )( 2
نظاما الحكم في السلما ،د .عارف خليل ،ص .151 انظر: )( 4
372
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
373
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :أولويات الفاروق ،د .غالب القرشي ،ص .364 ،363 )( 1
374
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
375
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وقد بينا في بحثنا هذا موقف الخلفاء الراشدين ،وهذا عمر بن عبد
العزيز عندما تولى الخلفة أعاد المور إلى نصابها وأعلن استئناف
الحرية السياسية وشجع على المر بالمعروف والنهي عن المنكر،
منكرا على الناس واقعهم المظلم ،وأن السلما ل يرضى
السكوت على الظلم ،فقد خطب الناس يوما فقال ...» :أل ل
سلمة لمرئ في خلف السنة ،ول طاعة لمخلوق في معصية
الله ،أل وإنكم تسمون الهاربا من ظلم إمامه العاصي ،أل وإن
أولهما بالمعصية
الماما الظالم«).(1
ولقد قاما هذا الخليفة العادل بالتنازل عن الخلفة عقب إعلن
العهد له بالخلفة ،وطلب من الئمة أن تختار لهم خليفة ،فاختاره
مجال واسعلا للرأي ل أهل الحل والعقد وبايعته المة ،ولقد أعطاهم
والتعبير وأتاح لكل متظلم أن يشكو من ظلمه ,وأطلق للكلمة
حريتها ،وترك للناس حرية التعبير ،قال القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق) » : (2
,()«
.
.
» :× إذاً سمعتمُ
به بأرض فل تقدموُاً عليْه ،وإذاً وقع بأرض وأنَتمُ فيْهاً فل تخرجوُاً فراًراً منه«).(4
ومن الحريات الشخصية التي كفلها السلما لكل فرد في
الدولة حق المن ،فل يجوز في نظر الشريعة حبس شخص إل
بسبب جريمة تستحق العقوبة ،لن الصل في هذه الحالت أن
النسان برئ حتى تثبت إدانته ,فالمسكن مصون في السلما ،فل
)( سيرة عمر بن عبد العزيز للماما ابن الجوزي ،ص .240 1
)( هو حفيد أبي بكر الصديق ،تابعي من الفقهاء السبعة ,توفي عاما 112هـ ،ابن 2
سعد ).(5/344
)( الطبقات لبن سعد )(5/344 3
)( البخاري ،كتابا الحيل ،بابا ما يكره من الحتيال في الفرار من الطاعون ) 4
(8/28رقم .6973
376
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :نظاما الحكم في السلما ،د .عارف خليل ،ص .155 5
377
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
المبحث الثاني
نشــــــــر الدعوة إلـــى الله
وذلك أن دين السلما ،دين دعوة مستمرة ،ل تتوقف ،حتى
تتوقف الحياة البشرية من على وجه الرض.
وممارسة الدعوة بعد التمكين هي الممارسة المجدية القادرة
على الوصول إلى أهدافها ,لن دولة وحكومة ترعيانها وتؤيدانها،
واضحا ،فإنه بحاجة إلى قوة تؤيده وتحميه ،ذاك ل والحق مهما كان
الشأن هو سنة من سنن الله في الرض ،إن الدولة المحكمة
لشرع الله هي المناط بها إعداد وتهيئة وحماية الدعاة ،وتوفير
السبل والوسائل المعينة لهم على القياما بهذه المهمة ،وهي
المسئولة أيضا عن نشر هذه الدعوة في أرجاء الرض وربط
السياسة الخارجية على السس الدعوية العقدية ،قبل بنائها على
السس المصلحية النفعية ،وذلك كما كان يفعل رسول الله ×
كان يقوما بتبليغ الدعوة إلى الفاق امتثال لقول الله تعالى+ :لياً أليميلهاً
س إرلن اًلل ك رملنَ اًللناً ر ت رساًلتلهي واًل ييكع ر
صيم ل ك لورإن لكمُ تليكفلعكل فللماً بلي لغك ل ل ل ي ل ك رمنَ لرب ل
اًللريسوُيل بليلبكغ لماً أينَكرزلل إرلكيْ ل
لل يليكهرديِ اًلكلقكوُلم اًلكلكاًفررريلنَ" ]المائدة.[67 :
وقد امتثل × للمر وأرسل إلى ملوك الرض فكتب إلى ملك
الروما ،فقيل له :إنهم ل يقرأون كتابلا إل إذا كان مختوملا ،فاتخذ
خاتما من فضة ,وختم به الكتب إلى الملوك ،وبعث كتلبا ورسل ل ل
إلى ملوك فارس والروما ،والحبشة ومصر والبلقاء واليمامة في
يوما واحد ،ثم بعث إلى حكاما عمان والبحرين واليمن وغيرهم).(1
إن الدولة المسلمة من أهدافها دعوة الناس إلى دين الله,
ولذلك ربما تؤسس وزارة أو مؤسسة أو هيئة خاصة بأمور الدعوة
وظيفتها إعانة الدعاة للتغلب على هموما الدعوة ،بكل ما أوتيت
من إمكانات فهي التي تشرف على:
-1إعداد الدعاة على المستوى الذي يتطلبه العصر الذي
يعيشون فيه ،والمجتمع الذي يمارسون فيه الدعوة ،إعدادا علميا
فنيا ميدانيا.
-2تنظيم وسائل العلما والتنسيق بينها لتؤدي مهمتها في
الدعوة إلى الله.
378
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
379
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ف وتلي كنيلهوُلن لعرنَ اًلكمكنلكرر وتييكؤرمينوُلن رباً رر ت رلللناً رخيْيلر أيلمةة أيكخررلج ك
]آل عمران: ل" ي ل س لتأيميرولن رباًلكلمكعيرو ل ك لك
.[110
إن المر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عنوان خيرية هذه
المة ،حتى إن الية قدمته في الذكر قبل اليمان ،لن اليمان
والدين ل يحفظان في حياة المسلمين دون المر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
ومما يدل على أن الدين يضيع إذا لم يأتمر الناس بالمعروف
ويتناهون عن المنكر ما حدث لبني إسرائيل ،إذ كان إهمالهم لتلك
الفريضة بداية النهاية لفقدهم رتبة التفضيل على ألسنة الرسل،
ك ر
سىَ اًبكرنَ لمكريللمُ ل ل
ل ذ ر كما قال تعالى+ :ليرعنَ اًلرذينَ لكلفرواً رمنَ برنيِ إرسراًرئيْل لعللىَ لر ر
ساًن لداًيولد لوعيْ ل ل ل كل ل ل ل ي
ن" ]المائدة: لوُي عف ي ي اً
وُ نَ كاً
ل ل ي ك ل ل ل ي لك ل ل ماً س ئر
بل هلوُ
ي ع ي ف ة
ر ك
ل من
م عنَ برلماً لع ل
صكوُاً لولكاًنَيوُاً يليكعتليدولن لكاًنَيوُاً لل يليتليلناًلهكوُ ل ل
ن
.[79 ،78
إن من واجبات الدولة المسلمة العمل على إحياء هذه الشعبة
)المر بالمعروف والنهي عن المنكر( وإعداد من يقوما عليها فقها،
وخلقا ،وتفرغا ،واحتسابا لوجه الله تعالى.
بل إن الدولة تقوما بإنشاء هيئة خاصة بالمر بالمعروف والنهي
عن المنكر لها مؤسساتها ونظمها وقوانينها ولوائحها ,تقوما هذه
الهيئة بإلزاما الناس بمنهج السلما في الحياة وتقف الحكومة من
وراء هذه الهيئة وتدعمها ،ويدخل تحت المر بالمعروف والنهي
عن المنكر إقامة الحدود ،وجلب المصالح ،وإحياء الخلق الكريمة،
فإقامة حدود الله وفق تطبيق أمثل وأحكاما عادلة ،أمن للمة
واستقرار للمجتمع وثبات للدين ،وقوة للدولة ،ورضا لربا العباد,
يقول ابن القيم رحمه الله» :الحدود جعلها الله تعالى زواجر
ونكال وتطهيلرا فشرعها من أعظم مصالح العباد ل للنفوس وعقوبة
في المعاش والمعاد ,بل ل تتم سياسة ملك من ملوك الرض إل
بزواجر وعقوبات«).(1
وإن من يستقرئ أحوال المجتمعات القديمة والمعاصرة يرى
ما تصنعه من وسائل وأجهزة ،وما تستحدثه من فلسفات ومناهج
وأساليب تقف من ورائها مؤسسات علمية وتربوية وفنية إلى
جانب السياسات التشريعية والتنفيذية ،كل هذا من أجل تثبيت
أركان المبادئ التي تقوما عليها هذه المجتمعات ومنع ما قد
يتهددها من أخطار .ومجتمع السلما يقوما بمبادئ الدين الحق،
380
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
381
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
382
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
كل فتنة وكل كفر من كافر ،فالقتال فيها محاربة للكفر الذي يعتبر
أكبر تهديد للدين ،ولهذا »كله« بالتأكيد الحصري).(1
وقد روى أبو بكر الصديق عن رسول الله × قوله» :أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل الله فمن قالها فقد عصم مني
ماله ونفسه إل بحقه ،وحسابه على الله« وقال أبو بكر » :
,
× لقاتلنهم على منعه«).(2
وهو قتال من أجل نشر الدعوة للدين ،وقال ×» :من بدل
دينه فاقتلوه« ) (3وهو من أجل حفظ الدين من عبث المرتدين.
-2النفس:
جاءت شريعة السلما بأحكاما القصاص للمحافظة على
النفس ،ودرء المفاسد الناشئة عن شيوع القتل وسفك الدماء
ص رفيِ اًلك ل كقتيللىَ"
صاً ي
ر
ب لع لكيْيكيمُ اًلكق ل
ر لر
المحرمة ،كما قال تعالى+ :لياً أليميلهاً اً ذيلنَ آلمنيوُاً يكت ل
]البقرة.[178 :
ن" ]البقرة: ص لحليْاًةر لياً يأورليِ اًللكلباً ر
ب للع ليككمُ تليتلييقوُ ل صاً ر ر ر
وقال تعالى+ :لوليككمُ فيِ اًلكق ل
[179
ر ر ر ر ر ر
وقال تعالى+ :لولمنَ قيتلل لمظكيلوُحماً فليلقكد لجلعكللناً للوُليْبه يسكللطاًحنَاً فللل ييكسررف فيِ اًلكلقكترل إنَلهي لكاًلن
صوُحراً" ]السراء.[33 :
لمكن ي
-3العقل:
وقد جاءت الحكاما الشرعية بالمحافظة على العقل الذي ميز
الله به النسان وكرمه ,فحرمت الخمر التي تذهب بالعقل وتغيبه
ر ر
ب لواًلكزلليم ركج ر
س بمكنَ كما قال تعالى+ :لياً أليميلهاً اًلذيلنَ آلمنيوُاً إرنَللماً اًلكلخكمير لواًلكلمكيْسير لواًلنَ ل
صاً ي
شكيْلطاًرن لفاًكجتلنريبوُهي" إلى قوله+ :فليلهكل ألنَكييتمُ ممنتلييهوُلن" ]المائدة [91 ،90 :وقال لعلمرل اًل ل
رسول الله ×» :كل مسكر خمر وكل خمر حراما« ) ،(4وشرع
إقامة الحد على السكران ،وحرما المخدرات والمفترات التي تؤثر
)( مسلم ،كتابا اليمان ،بابا :المر بقتال الناس حتى يقولوا ل إله إل الله )(1/51 2
رقم .32
)( البخاري ،كتابا الجهاد ،بابا :ل يعذبا الله ،فتح الباري ).(6/173 3
)( البخاري ،كتابا الشربة ،بابا :الخمر من العسل ،فتح الباري ) (10/44رقم 4
.5585
383
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
وقوله+ :اًللزاًنَريْلةي لواًللزاًرنَيِ لفاًكجلريدواً يكلل لواًرحةد بم كنييهلماً رماًئلةل لجكللدةة" ]النور.[2 :
وإلى حد الرجم للمحصنين -إلى جانب ذلك ،أوجبت الشريعة
العدة على النساء عند مفارقة الزواج بطلق أو موت ،لئل يختلط
تماء الرجل بماء رجل آخر في رحم المرأة ،قال تعالى+ :لواًلكيمطلللقاً ي
صلنَ برألنَكييفرسرهلنَ ثلللثلةل قيييروةء" ]البقرة.[228 : يليتليلربل ك
صلنَ برألنَكييفرسرهلنَ ألكربليلعةل ألكشيهةر لولعكشحراً" ر ر
وقال+ :لواًلذيلنَ يييتليلوُفليكوُلن مكنيككمُ لويللذيرولن ألكزلواًحجاً يليتليلربل ك
]البقرة .[234 :وكذلك منعت الشريعة نكاح الحامل حتى تضع ،حتى
ت اًلكحلماًرل أللجلييهلنَ لأن يل ل
ضكعلنَ ل يسقي الرجل بماء غيره ,فقال تعالى+ :لويأولل ي
لحكمليهلنَ" ]الطلق.[4 :
وهذه الحكاما كلها يؤول تنفيذها إلى القاضي المسلم في
الدولة المسلمة إضافة إلى مسئولية الناس الشخصية عن تبعاتها
في المجتمع المسلم.
-5العرض:
إن شريعة السلما كفلت كل وسائل حماية العرض ،فنهت
المسلم عن أن يتكلم في حق أخيه بأي شيء يؤذيه ،وأوجبت حد
القذف ثمانين جلدة ،على من يقذف ,قال تعالى+ :لواًلرذيلنَ يليكريموُلن
ت ثيلمُ لكمُ يلأكتيوُاً برألكربليلعرة يشلهلداًءل لفاًكجلريدويهكمُ ثللماًرنَيْلنَ لجكللدحة" ]النور.[4 :
اًلكمكحصلناً ر
ي ل
ضاً" ]الحجرات.[12 : ضيكمُ بليكع ح وحرمت الشريعة الغيبة+ :لولل يليغكلتب بليكع ي
ر
ونهت عن اللمز والتنابز باللقابا+:لولل تليكلميزواً ألنَكييف ل
سيككمُ لولل تليلناًبلييزواً
رباًللكلقاً ر
ب" ]الحجرات.[11 :
384
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
385
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ض يليكبتلييغوُلن رمنَ فل ك
ضرل اً ر
ل" ]المزمل.[20 : ضرريبوُلن رفيِ اًللكر ر
وقال تعالى+ :لوآلخيرولن يل ك
وقد جاء الشرع المطهر بإباحة المصالح المتبادلة بين الفرد
والمجتمع على الوجه المشروع ،ليستجلب كل مصلحته من الخر،
كالبيوع والجارات والمساقاة والمضاربة وما يجري مجرى ذلك.
جـ -إحياء مكارما الخلق ومحاسن العادات بين الناس:
إن الرسول الكريم × قال» :إنما بعثت لتمم مكارما الخلق«
).(1
إن الدولة السلمية من واجبها أن تهيئ جوا تنشأ فيه مكارما
الخلق ،ومحاسن العمال من الطهر والعفاف والنقاء ،تحرسه
شريعة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وتحميه شعيرة
الحسبة ،والدعوة إلى الله ،لتكون أساسا للمعاملة بين الصغير
والكبير ،والغني والفقير ،والولي والمولى ،والراعي والرعية.
إن إقامة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وتنفيذ الحدود
والدعوة إلى مكارما الخلق ،وتعليم المة أمر دينها يترتب عليه
فوائد ومصالح عامة للمة والفراد ،والحكاما والمحكومين ,ومن
أهم هذه الفوائد:
-1إقامة الملة والشريعة وحفظ العقيدة والدين لتكون
كلمة الله هي العليا:
قال تعالى+ :اًلرذينَ أيكخررجوُاً رمنَ ردياًررهمُ برغلكيْرر حلق إرلل لأن يييقوُليوُاً ربميلناً اًل ولوُلل لدفكع اً ر
ل ي ل يلك ل ل ل ل ي
ت ومساًرجيد يكذلكر رفيْلهاً اًسمُ اً ر ر ت ر
ل" ]الحج.[40 : ي صلوُاًميع ل ل ر ل ل ل ر ل ل ل ي ي
اً
وُلص و ع يْ بو ض ليهبدلم ك لضيهكمُ رببليكع ة
س بليكع ل
اًللناً ل
إن النسان لبد له من أمر ونهي ودعوة ,فمن لم يأمر بالخير
ويدع ع إليه أمر بالشر).(2
-2رفع العقوبات العامة:
ت أليكردييككمُ" ]الشورى [30 :وقال سبل ك ر ة ر قال تعالى+ :لولماً أل ل
صاًبليكمُ بمنَ مصيْبلة فلبلماً لك ل
ر ر ر ر
أيضا في الجوابا عن سبب مصابهم يوما أحد+ :قيكل يهلوُ مكنَ عكند ألنَكييفسيككمُ"
]آل عمران.[165 :
فالكفر والمعاصي بأنواعها سبب للمصائب والمهالك.
)( أحمد في مسنده ) (2/381وصححه أحمد شاكر ،انظر :تحقيق المسند ) 1
(18/80رقم .8939
)( انظر :المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،خالد السبت ،ص .72 2
386
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،خالد السبت ،ص .77 2
387
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ل" ]آل عمران .[110 :وقال عمر » : وتييكؤرمينوُلن براً ر
)(
ل
. «
-6التجافي عن صفات المنافقين:
إن من أخص صفات المؤمنين القياما بهذا العمل الطيب ,قال
ض يأكمرولن رباًلكمعرو ر
ف لويلي كنيلهكوُلن لعرنَ اًلكيمكنلكرر ر تعالى+ :لواًلكيمكؤرمينوُلن لواًلكيمكؤرملناً ي
ل كي ضيهكمُ ألكولليْاًءي بليكع ة ل ي ي
ت بليكع ي
صللةل لويييكؤيتوُلن اًللزلكاًلة" ]التوبة.[71 : لوييرقيْيموُلن اًل ل
ثانيلا :الجهاد في سبيل الله:
إن الخطار التي تهدد الدولة المسلمة كثيرة جدا ،منها ما قد
يأتي من داخل الدولة ،وهذا يتكفل نشر العلم والدعوة ,والمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وإقامة الحدود بالتصدي له ،أما ما
قد يجيء من خارج حدود الدولة السلمية ،فإن منه ما يكف شره
بالبيان ،ومنه ما ل سبيل إلى قطع دابره إل بالسيف والسنان.
ولكي يحقق الحكم السلمي مقصده في إقامة الدين في
الرض بل معوقات ،فلبد أن يكون مستعدا لما قد يكون في
الطريق من عقبات ترد الدعوة ،أو تصد الدعاة عن القياما بواجب
نشر الحق ولهذا كان لبد أن تتهيأ دولة السلما لما تواجه به هذه
الظروف ،وتعد المة للجهاد دائما ضد كل متصدر للوقوف في
طريق كتائب الحق المتحركة نحو رضا الله ،وإذا كان الجهاد
وسيلة من وسائل إقامة الدين في الرض ،فإن »إقامة حكم الله
في الرض والتمكين لدينه ،غاية من غايات الجهاد في سبيل الله،
والذي يجب أن يسعى لتحقيق هذه الغاية هم المسلمون الذين
آمنوا بها وذاقوا حلوتها ,وعلموا أن من حق البشر عليهم أن
يسعوا لسعادهم بها ،ولو كان الناس يقبلون دعوة المسلمين إلى
تحكيم هذا الكتابا عليهم أن يكتفوا بالدعوة إلى ذلك لنه يحقق
الهدف ،ولكن أكثر الناس ل يكفيهم أن يرفضوا تحكيم كتابا الله،
بل إنهم يقفون محاربين من أراد تحكيمهم بكل ما أوتوا من قوة،
وهذا يحتم على أولياء الله أن يجاهدوا أعداءه الذين يحاربونهم
من أجله«).(2
إن الدولة السلمية التي تسعى لتحقيق أهداف التمكين من
واجباتها تشكيل وزارة للجهاد في سبيل الله ،ووضع نظاما للجهاد
يتلءما مع قيم الدين وآدابه في إعداد الجنود ،بعيدة عن النظمة
)( الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ،د .عبد الله القادري ).(2/159 2
388
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
389
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
والجهاد بهذا المعنى الشامل فرض عين أما القتال -وهو نوع
من أنواع الجهاد -فهو كفاية ،ول يتعين إل في الحالت التية:
-1إذا التقى الصفان.
-2إذا نزل الكفار ببلدة فيتعين على أهلها قتالهم.
-3إذا استنفر الماما قوما لزمهم النفرة معه.
-4قال ابن قدامة في المغني» :وأقل ما يفعله الماما مرة كل
عاما«).(1
إن الجهاد ضروري لقياما الدعوة واستمرارها ،وهو وسيلة من
وسائلها ,يقول الستاذ /عدنان النحوي» :ونحن -معشر أمة
السلما -ل نريد القتال أساسا لجل القتال ،ول لجل الحربا,
وكذلك فلسنا أعداء لحد من الناس من حيث البتداء ،ولكن لنا
من بين الناس أعداء الذين هم أعداء الله ،والذين يوقدون نار
الحربا ،ويسعون للفساد في الرض ،ويفتنون الناس عن اليمان،
وت ويصدون عن سبيل الله ،والمؤمن يمضي بدعوته جاهدا كي يف س
فرصة الفساد والفساد ،ويطفئ نار الفتنة والهلك حتى تمضي
الدعوة السلمية تشق طريقها ،فإن أبوا إل المضي في إشعال
الفتنة والسعي في الفساد ،فإنه ل مفر من القتال ،وكما يقولون:
آخر الدواء الكي«).(2
»فالجهاد في سبيل الله -تعالى -ليس هدفا منفصل عن
الدعوة إلى الله ،بل هو مرتبط بها ارتباطا كامل ،يدور القتال لجل
الدعوة ،ويتوقف لجل الدعوة فهو إذن وسيلة من وسائل الدعوة
إلى الله ،وقوة من قواها لخراج الناس من عبادة العباد إلى
عبادة الله الواحد الحد ،وليمض الجيل المؤمن بالدعوة بكل
قواها ،وسلمة نهجها حتى تكون كلمة الله هي العليا.
وهو كذلك وسيلة من وسائل حماية الدعوة وحماية المسلمين
أنفسا ،ودارا ,وثروات ،ومنهاجا ،وهو كذلك وسيلة لدفع الدعوة
في الرض حتى تبلغ الناس كافة ،حين ل تنفع الحكمة والموعظة
الحسنة ،ول يكفي جهاد اللسان والبيان ،وحين تصد الدعوة عن
)(3
غايتها ،وتقفل الدروبا والمسالك أمامها ،وتبذل الجهود لخنقها« .
»وإذا انعزل القتال -الذي هو صورة من صور الجهاد في
سبيل الله -عن الدعوة بصورة أو بأخرى ،وإذا فقد أهدافه
390
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( الترمذي ،كتابا فضائل الجهاد ،بابا ما جاء فيمن يقاتل رياء ).(4/179 3
391
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
واًرلنَكس إرلل لريْيعبيدورن ماً أيرييد رم كنيهمُ بمنَ بركزةق وماً أيرييد لأن يطكرعموُرن إرلن اًل هوُ اًللرلزاًيق يذو اًلكيقلوُةر
ل يل ي ي لل ي ل ل ل ل كي
اًلكلمرتيْينَ" ]الذاريات .[58-56 :ومفهوما العبادة شامل لنشاط النسان كله
ب اًلكلعاًلرميْلنَ ل لر بويفسر ذلك قوله سبحانه+ :قيل إرلن صللرتيِ ونَيسركيِ ومكحيْاًيِ ومماًرتيِ ر
ل ي لل ل ل لل ل ل ك
ت لوأللنَاً أللويل اًلكيمكسلررميْلنَ" ]النعاما.[164 ،163 : ك أيرمكر يك لهي لوبرلذلر ل لل لشرري ل
ومن أجل هذه الغاية جاهد جنود الدولة السلمية في عصرها
الزاهر ،وقد سأل رستم قائد الفرس ربعي بن عامر :ما جاء بكم؟
فقال :ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله,
ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ,ومن جور الديان إلى عدل السلما،
فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ,فمن قبل ذلك قبلنا منه
ورجعنا عنه ,ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله،
قال :وما موعود الله؟ قال :الجنة لمن مات على قتال من أبى
والظفر لمن بقي«).(1
وقال ابن تيمية -رحمه الله » :-والجهاد مقصوده أن تكون
كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين لله ،فمقصوده إقامة دين
الله ،ل استيفاء الرجل حظه ،كان ما يصابا
به المجاهد في نفسه وماله أجره على الله ,فإن الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم
بأن لهم الجنة«).(2
هذه هي الغاية العليا الشاملة للجهاد في سبيل الله ،ويمكننا
أن ندخل نقطتين تحت أهداف الجهاد في الدولة السلمية منها:
-1إقامة حكم الله ونظاما السلما في الرض:
إن إقامة حكم الله في الرض هدف من أهداف الجهاد ،ولذلك
تسعى الدولة المسلمة لتحقيق هذا الهدف من خلل أجهزتها
ومؤسساتها وتوظيف كل إمكاناتها ،وفتح المجال للمسلمين
للسعي الدءوبا من أجل إنزال حكم الله ،ونظاما السلما في دنيا
الناس ،ليتمتعوا بحكم الله الذي يؤتي كل ذي حق حقه بل نقص.
ب براًلكلحبق لرتلكحيكلمُ بليكيْلنَ اًللناً ر
س برلماً أللراًلك اًلي لولل تليككنَ قال تعالى+ :إرلنَاً ألنَكيزلكلناً إرليْ ل ر
ك اًلككلتاً ل ل ك
صيْحماً" ]النساء.[105 : لبكللخاًئررنيْنَ لخ ر
ل
قال سيد قطب -رحمه الله » :-وجاهد السلما ليقيم في
الرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه ،وهو وحده النظاما الذي
)( البداية والنهاية لبن كثير ).(7/39 1
392
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( انظر :الجهاد في سبيل الله ،د .عبد الله القادري ).(2/162 2
393
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
ساًرء لواًلكروُلكلداًرن اًلرذيلنَ يلييقوُيلوُلن لربليلناً ألكخرركجلناً رمكنَ لهرذره اًلكلقكريلرة اًللظاًلررمُ ألكهليلهاً ر واًلكمست ك ر ر
ضلعفيْلنَ ملنَ اًلبرلجاًل لواًلنب ل ل ي كل
صيْحراً" ]النساء.[75 ،74 : ك نَل ر نَ دل منَ ر ناًل عل ج اً
و يْاًرلو ك نَ د ل منَ ر ناًل
يك ل يك ل ل ل ك ل ل ق لواًكجلعل ل
قال القرطبي -رحمه الله » :-حض على الجهاد ،ويتضمن
تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين
يسومونهم سوء العذابا ويفتنونهم عن الدين ،فأوجب تعالى
الجهاد لعلء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من
عباده ،وإن كان في ذلك تلف النفوس ,وتخليص الساري واجب
على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالموال وذلك أوجب
لكونها دون النفوس ،إذ هي أهون منها«).(1
وقال سيد قطب -رحمه الله » :-جاهد السلما ...ليدفع عن
المؤمنين الفتنة التي كانوا يسامونها وليكفل لهم المن على
أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم ,وقرر ذلك المبدأ العظيم ...:والفتنة
أشد من القتل ،فاعتبر العتداء على العقيدة واليذاء بسببها وفتنة
أهلها أشد من العتداء على الحياة ذاتها ،فالعقيدة أعظم قيمة في
الحياة وفق هذا المبدأ العظيم ,وإذا كان المؤمن مأذونا في القتال
ليدفع عن حياته وعن ماله فهو من بابا أولى مأذون في القتال
ليدفع عن عقيدته ودينه.(2) «...
-أن يعتدي الكفار على ديار المسلمين:
بل اًلرذيلنَ يييلقاًتريلوُنَليككمُ لولل تليكعتليدواً إرلن اًلل لل ييرح م قال تعالى+ :ولقاًترليوُاً رفيِ سربيْرل اً ر
ل ل
لر ت قك
ل اً نَ مر م
د ش ل
أ ة ني ر
ث ل ك ي ي ي ل ك ي ي ب ك لك ي ك ل ي ي ك ل ك ل ي ل ل لك ل ل
ل و فت ك
ل اً
و مُ كجوُ رخ ل
أ ث يْ ح نَ م همُ جوُ ر
ر خ ل
أو همُ موُ ت فقر ث اًلكيمكعتلرديلنَ لواًقكيتيييلوُيهكمُ لحكيْ ي
ك لجلزاًءي اًلكلكاًفررريلنَ فلرإرن تييلقاًتريلوُيهكمُ رعكنلد اًلكلمكسرجرد اًلكلحلراًرم لحلتىَ يييلقاًتريلوُيككمُ رفيْره فلرإن لقاًتلييلوُيككمُ لفاًقكيتيييلوُيهكمُ لكلذلر ل
اًنَكيتليلهكوُاً فلرإلن اًلل غليفوُرر لررحيْرمُ" ]البقرة.[192 -190 :
قد نص الفقهاء على أنه إذا اعتدى الكفار على ديار المسلمين
يتعين الجهاد للدفاع عن الديار ،لن العدو إذا احتلها ساما المسلمين
عذابا ونفذ فيها أحكاما الكفر وأجبر أهلها على الخضوع له ،فتصبح دار
كفر بعد أن كانت دار إسلما ،قال ابن قدامة رحمه الله» :وتعين
الجهاد في ثلثة مواضع ...الثاني :إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله
قتالهم ودفعهم«).(3
وقال بعض علماء الحنفية »وحاصله إن كل موضع خيف هجوما
العدو منه فرض على الماما أو على أهل ذلك الموضع حفظه ،وإن
)( تفسير القرطبي ).(5/279 1
394
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
لم يقدروا فرض على القربا إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية
بمقاومة العدو«).(1
أن ينشر العدو الظلم بين رعاياها ،ولو كانوا كفالرا -لن الله
سبحانه حرما على عباده الظلم ،والعدل في الرض واجب لكل
الناس ،وإذا لم يدفع المسلمون الظلم عن المظلومين أثموا لنهم
مأمورون بالجهاد في الرض لحقاق الحق وإبطال الباطل ,ونشر
العدل والقضاء على الظلم ,ول فلح لهم إل بذلك وهو المر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وما كانوا خير أمة أخرجت للناس
س لتأمرولن رباًلكمعرو ر إل بذلك كما قال تعالى+ :يككنتمُ لخيْير أيلمةة أيكخررج ك ر
ف لوتلي كنيلهكوُلن ل كي ت لللناً ر ي ي ل يك كل
ل" ]آل عمران ,[110 :وقال تعالى+ :ول يجررمنليكمُ شنآِن قليوُمة لعرنَ اًلكمكنلكرر وتييكؤرمينوُلن رباً ر
ل ل ل ك ل ك لل ي ك ي ل
ر ر ل ر ر ر ر
لعللىَ أللل تليكعدليوُاً اًكعدليوُاً يهلوُ ألقكيلر ي
ب للتليكقلوُىَ لواًتلييقوُاً اًلل إن اًلل لخبيْرر بلماً تليكعلميلوُلن" ]المائدة.[8 :
ومن العدل كف الظلم عن المظلوما الكافر الذي يبغضه
المسلم لكفره ،قال السرخسي -رحمه الله » :-وإن كان -يقصد
أحد ملوك أهل الحربا -طلب الذمة على أن يترك يحكم في أهل
مملكته بما شاء من قتل أو صلب أو غيره بما ل يصلح في دار
السلما لم يجب إلى ذلك ،لن التقرير على الظلم مع إمكان المنع
منه حراما«).(2
إن من واجب الدولة المسلمة أن تجاهد في سبيل الله للقضاء
على الظلم والظالمين).(3
-الوقوف ضد الدعاة إلى الله ومنعهم من تبليغ دعوة الله ،إن
المسلمين مفروض عليهم من قبل المولى عز وجل أن يبلغوا
رسالت الله للناس كافة ،كما قال تعالى+:قيكل لهرذهر لسربيْرليِ ألكديعوُ إرللىَ اًل لعللىَ
ر
ل لولماً أللنَاً رملنَ اًلكيمكشررركيْلنَ" ]يوسف.[108 : صيْرةة أللنَاً ومرنَ اًتليبيعرنيِ وسكبحاًلن اً ر
بل ل ل ل ل ل ل ي ل
ر
395
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
396
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
ن" ]التوبة: ك يهيمُ اًلكيمكعتليدو ل وقال تعالى+ :لل يليكرقيييبوُلن رفيِ يمكؤرمةنَ إرلق لولل رذلمةح لويأولئر ل
.[10
صاًلرىَ لحلتىَ تليتلبرلع رمللتلييهكمُ" ]البقرة.[120 : ك اًلكيْلييهوُيد لولل اًلنل ل
ضىَ لعن ل وقال+ :لولكنَ تليكر ل
لهذا كان الجهاد في سبيل الله هو الفيصل بين المسلمين
وأعدائهم لنه يثمر -بإذن الله -القضاء على قوة الكفر وإذلل
طغاته وخزيهم وإلقاء الرعب في قلوبهم وغنيمة للمسلمين
ر ر ر ر
خيْيحراً لولكلفىَ اًلي اًلكيمكؤمنيْلنَ المجاهدين كما قال+ :لولرلد اًلي اًلذيلنَ لكلفيرواً برغلكيْظرهكمُ لكمُ يليلناًليوُاً ل ك
ف رفيِ صيْرهكمُ لوقللذ ل ب رمنَ صيْاً ر اًلكرقلتاًلل ولكاًلن اًلي قلروُقياً لعرزيحزاً لوألنَكيلزلل اًلرذيلنَ ظلاًلهرويهمُ بمكنَ ألكهرل اًلكركلتاً ر
لل ي ل
ضاً لكمُ تلطليؤولهاً رلأو مُ ه ل اً
وُملأو مُ ه ر ياً ر
قيييلوُبررهيمُ م ك ل ح ل ي ل ل ل ي ل ح ل ك لل ك ك ل ي ك ل ل ل ي ك ل ك ل ي ك ل ك ح
د و مُ ه ض رلأ مُ كي ثرو ل
أو قاً ير
ر ف
ل ن روسر ك
أ تو نلوُ
ي ي قت
ك ي ت قاً ير
ر ف
ل ب عر اًل
لولكاًلن اًلي لعللىَ يكبل لشكيِةء قلرديحراً" ]الحزابا.[27-25 :
397
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
398
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
)( تاريخ السلما للذهبي عهد الخلفاء الراشدين ،ص .20 2
399
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
انظر :الخلفاء الراشدون ،عبد الوهابا النجار ،ص .47 )( 4
400
مراحل التمكين وأهدافه:البابا الثالث
401
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
402
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
.
-3إسعاد الناس بنور السلما وعدله ورحمته:
إن الجهاد في سبيل الله يحقق الرحمة للبشرية في الرض،
ويدفع الظلم والعتداء ،ويسعد الناس بهذا الدين الذي هو نور،
ويخرجهم من ظلمات الكفر والضلل ،قال تعالى+ :اًلي لولرميِ اًلرذيلنَ آلمنيوُاً
ت يكخررجوُنَلييهمُ بمنَ اًلمنوُر إرللىَ اًلظمليماً ر ر ر ر
ت ل ل ييكخرريجيهمُ بملنَ اًلظمليلماًت إرللىَ اًلمنوُر لواًلذيلنَ لكلفيرواً ألكولليْاًيؤيهيمُ اًللطاًيغوُ ي ي ي
ب اًللناً ر يهكمُ فريْلهاً لخاًلريدولن" ]البقرة.[257 : صلحاً ي ك أل ك يأولئر ل
وما أروع جهاد ذي القرنين في القرآن الكريم حيث تحرك
بجيوشه من أجل دعوة الله الخالدة ،ووظف كل إمكاناته من أجل
نشر التوحيد وتعريف الناس بخالقهم .ولقد جمع بين الفتوحات
العظيمة بحد السيف وفتوحات القلوبا باليمان والحسان ،فكان
إذا ظفر بأمة أو شعب دعاهم إلى الحق واليمان بالله تعالى قبل
العقابا أو الثوابا ،وكان حريصا على العمال الصلحية في كل
القاليم والبلدان التي فتحها ،فسعى في بسط سلطان الحق،
وغربا ،فلم يتعامل مع القوما المغلوبين ل شرقا
ل والعدالة في الرض،
بالظلم أو الجور أو التعسف أو التجبر أو الطغيان أو البطش،
ر
ف نَييلعبذبيهي ثيلمُ يييلرمد إللىَ وإنما عاملهم بهذا الدستور الرباني+ :لقاًلل أللماً لمنَ ظلللمُ فل ل
سكوُ ل
صاًلرححاً فلي لهي لجلزاًءح اًلكيحكسلنىَ لولسنلييقوُيل لهي رمكنَ ألكمررلنَاً ييكسحراً" ر
لربه فلييْييلعبذبيهي لعلذاًحباً نَمككحراً لوأللماً لمكنَ آلملنَ لولعرملل ل
]الكهف.[88 ،87 :
ولقد وجد في إحدى رحلته الجهادية الدعوية قوما ل يكادون
يفقهون قول ،وقد وقع عليهم ظلم عظيم ،وتخوفوا من قدوما يأجوج
ومأجوج عليهم ،فعرضوا عليه المال من أجل أن يبني لهم سدا فقاما
بمدافعة الظلم المتوقع واعتذر عن أخذ الخراج ،وشرع في نقلهم من
الجهل إلى العلم ،والتخلف إلى التقدما ،والكسل إلى العمل ،والضعف
خيْيرر فلألرعيْينوُرنَيِ بريقلوُةة ألكجلعكل بل كييْينليككمُ لوبل كييْينلييهكمُ رر
إلى القوة قال تعالى+ :لقاًلل لماً لملكبنيِ فيْه لرببيِ ل ك
صلدفليكيْرنَ لقاًلل اًنَيفيخوُاً لحلتىَ إرلذاً لجلعلهي نَلاًحراً لقاًلل آيتوُرنَيِ لركدحماً آيتوُرنَيِ يزبليلر اًلكلحرديرد لحلتىَ إرلذاً لساًلوىَ بليكيْلنَ اًل ل
غ لع لكيْره قرطكحراً" ]الكهف.[96 ،95 : أيفكرر ك
لقد كان ذو القرنين حريصا على مصلحة الناس ،ناصحا لهم فيما
يعود عليهم بالنفع ،ولهذا طلب منهم المعونة الجسدية ،لما في ذلك
تنشيط لهم ورفع لمعنوياتهم .ومن نصحه وإخلصه لهم ،أنه بذل ما
في الوسع والخدمة أكثر مما كانوا يطلبون ,فهم طلبوا منه أن يجعل
403
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
بينهم وبين القوما المفسدين سدا ،أما هو فقد وعد بأن يجعل بينهم
ردملا» :والردما هو الحاجز الحصين ،والحجابا المتين وهو أكبر من
السد وأوثق ،فوعدهم بفوق ما يرجون«).(1
إن قول الله تعالى+ :فلألرعيْينوُرنَيِ بريقلوُةة ألكجلعكل بلي كيْينل ي
ككمُ لوبل كييْينلييهكمُ لركدحماً" ]الكهف[95 :
فيه معلم بارز في تضافر الجهود وتوحيد الطاقات والقدرات
والقوى.
لقد استطاع ذو القرنين أن يفجر طاقات المستضعفين
ووجههم نحو التكامل ،لتحقيق الخير والغايات المنشودة.
إن المجتمعات البشرية غنية بالطاقات المتعددة في المجالت
المتنوعة في ساحات الفكر والمال والتخطيط والتنظيم ،والقوى
المادية ويأتي دور القيادة الربانية في المة لتربط بين كل الخيوط
والخطوط والتنسيق بين المواهب والطاقات وتتجه بها نحو المة
ورفعتها.
إن أمتنا السلمية مليئة بالمواهب الضائعة والطاقات
المعطلة ،والموال المهدورة والوقات المبددة ،والشبابا
الحيارى ،وهي تنتظر من قياداتها في كل القطار والدول والبلدان
لكي تأخذ بقاعدة ذي القرنين في الجمع والتنسيق والتعاون
ومحاربة الجهل والكسل والتخلف)+ (2فلألرعيْينوُرنَيِ بريقلوُةة".
لقد كان ذو القرنين يستخدما جيوشه وقوته كوسيلة من
وسائل الدعوة ونشر العدل بين الناس ورفع الظلم عنهم،
ومحاربة أهل الفساد.
هذه أهم ثمرات إقامة الجهاد في سبيل الله تعالى.
إن الجهاد في هذه المة ماض إلى يوما القيامة ،ول مكانة لهذه
المة بدون الجهاد ،فهو روحها ،وفي وجوده حياتها ،وتاريخ المة
السلمية خير شاهد على ذلك ،وإن الهداف الكبرى التي تسعى
لها المة ل يمكن تحقيقها إل بجيل مجاهد يحب الموت كما يحب
العداء الحياة ،ول يمكن رفع الذلة التي فرضت عليها إل بالجهاد،
ول تستطيع أن تبلغ دعوة الله إلى الناس أجمعين بدون قيود أو
حواجز إل بالجهاد.
ب ألرليْةمُ
قال تعالى+ :لياً أليميلهاً اًلرذيلنَ آلمنيوُاً لهل ألمدملككمُ لعللىَ ترلجاًلرةة تييكنرجيْيكمُ بمكنَ لعلذاً ة
ك
)( روح المعاني ).(16/40 1
404
البابا الثالث :مراحل التمكين وأهدافه
خيْيرر ليككمُ إركن يككنتيكمُ ر ر ل ورسوُلرره وتيجاًرهيدولن رفيِ سربيْرل اً ر ر
ر ر
ل برألكملوُاًليككمُ لوألنَكييفسيككمُ لذليككمُ ل ك ل تييكؤمينوُلن براً ل ل ي ل ل
تليكع ليموُلن".
***
405
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
الخاتمــــــــة
إن فقه التمكين يعني دراسة أنواعه وشروطه وأسبابه
ومراحله وأهدافه ومعوقاته ومقوماته من أجل رجوع المة إلى ما
كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس وتطبيق
شرع الله عز وجل.
إن النصر والتمكين للمؤمنين له وجوه عدة ،وصور متنوعة
من أهمها تبليغ الرسالة ،وهزيمة العداء ،وإقامة الدولة.
إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم،
تمكين الله تعالى للدعاة بتبليغ الرسالة وأداء المانة ،واستجابة
الخلق لهم ,ومن أمثلة ذلك :أصحابا القرية وأصحابا الخدود،
وتمكين الله تعالى لرسول الله × لتبليغ الرسالة في مكة.
إن من أنواع التمكين ،هلك الكفار ونجاة المؤمنين
ونصرهم في المعارك كالذي حدث في قصة نوح عليه السلما مع
قومه ،وموسى عليه السلما مع قوما فرعون ،وطالوت مع جالوت،
ونبينا × في مغازيه كبدر وغيرها.
إن من سنن الله الماضية في المجتمعات والشعوبا والمم
سنة إنجاء المؤمنين المصدقين من أوليائه ،المعترفين برسالة
رسله وأنبيائه وإهلك الكافرين المكذبين لهم من أعدائه.
إن السنن الربانية ثابتة في الكون وتقع على النسان في
كل زمان ومكان ,وسنة التدافع من السنن التي تتعلق بالتمكين
تعلقا وثيقا وهي من أهم سنن الله في الشعوبا والمم.
إن تولي أهل التوحيد واليمان أعباء الحكم لدولة غير
مؤمنة نوع من أنواع التمكين ،وقد أشار القرآن الكريم لهذا النوع
من التمكين في قصة يوسف عليه السلما ،ولقد شاركت بعض
الحركات السلمية حكوماتها في الحكم وحققت إنجازات مهمة
للسلما من أهمها :تجربة اليمن ،والردن ,وتركيا.
إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم وصول
أهل التوحيد واليمان الصحيح إلى سدة الحكم وتوليهم لمقاليد
الدولة ،كما حدث لداود وسليمان عليهما السلما وذي القرنين.
إن الستخلف في الرض والتمكين لدين الله ،وإبدال
406
الخاتمــــــــــــــــة
407
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
408
الخاتمــــــــــــــــة
409
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
)(1
سبحانه بحبله اعتصامي والله يهدي سبل السلما
410
توصيات البحـــث
توصيات البحث
أسأل الله أن تكون هذه التوصيات خالصة لوجهه الكريم وأن
يهيئ لها القبول ،والسبابا ،لتكون واقعا حيا في دنيا المسلمين.
توصيات إلى زعماء المة السلمية:
بأن يتقوا الله في أعمالهم وأقوالهم ،وفي حركاتهم وسكناتهم،
وأن يلتزموا بمنهج الله تعالى وشريعته ،وأن يعملوا على تفجير
طاقات المة ويحرصوا على توظيفها بما يعود بالخير على السلما
والمسلمين ،ويربوا شبابها على الرجولة والشهامة والبطولة،
ويمنعوا أسبابا العجز والكسل والخمول.
توصيات إلى الجامعات السلمية:
أوصى رجال المة القائمين على جامعاتها كجامعة أما درمان
السلمية ,وجامعة المدينة المنورة ،وأما القرى بمكة ,والزهر
الشريف بمصر وغيرها ،أن يقوموا بواجبهم تجاه الدعوة إلى الله
تعالى ،وأل يكتفوا بمجرد البحاث والتأليف والكتابة والمحاضرة،
والمقالة ،وإنما عليهم أن ينتشروا في أوساط الناس لتعليمهم
وتوجيههم وتربيتهم وتثقيفهم ,فالناس في أشد الحاجة إلى علمهم
وجهدهم.
وأن يوجهوا طلبهم نحو البحاث التي تنفع السلما والمسلمين
وتعالج قضاياهم المعاصرة ،والمستجدة ,وأن يحرصوا على تخريج
أجيال واعية ،تستوعب حقيقة السلما ،وتحرص على نشره بين
الناس بكل الساليب المعاصرة وأن يكون لهؤلء الطلبة
المتخرجين المقدرة على التصدي لمحاولت الغزو الفكري ،التي
يقوما بها أعداء السلما من مبشرين ومستشرقين وعلمانيين
ويهود ونصارى وملحدة.
توصيات إلى أبناء المة السلمية:
أن يرجعوا إلى كتابا الله وسنة نبيه × ليستمدوا منهما
عقائدهم وأخلقهم وعبادتهم ،وأن يكونوا يدا واحدة في وجه
أعدائهم.
وأن يسعوا بكل ما يملكون من أجل استرداد أراضيهم،
ومقدساتهم ،وإقامة حكم إسلمي في كل الراضي.
وعلى المة السلمية أن تتعامل مع سنن الله وقوانينه معاملة
المستبصر والعارف بها وأن تعمل على البذل والعطاء في كل
411
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
مجالت الحياة.
412