Kaidah Sifat Allah

www.knowingallah.
com
‫‪www.knowingallah.com‬‬
‫اهلل‬
‫على العرش‬
‫استواء‬
‫أبو رملة محمد المنصور‬

‫تصميم واخراج موقع معرفة اهلل‬
‫المحتويات‬
‫ • اإلمام الذهبي في كتاب العرش‪1.........................................................‬‬
‫ •المقدمة‪2.........................................................................................‬‬
‫الحقيقة األولى ‪2...............................................................................................:‬‬
‫الحقيقة الثانية ‪3.............................................................................................. :‬‬
‫الحقيقة الثالثة ‪3.............................................................................................. :‬‬
‫الحقيقة الرابعة ‪4............................................................................................ :‬‬
‫الحقيقة الخامسة ‪5...........................................................................................:‬‬
‫ •ما يجب اعتقاده في صفات اهلل تعالى عموما ‪6........................................‬‬

‫األصل األول ‪6.................................................................................................. :‬‬
‫األصل الثاني ‪6.................................................................................................:‬‬
‫األصل الثالث ‪6................................................................................................. :‬‬
‫الحق في آيات الصفات متركب من أمرين‪7............................................................:‬‬
‫ •إثبات علو اهلل على خلقه‪8...................................................................‬‬

‫ •إثبات فوقية اهلل على عباده‪9...............................................................‬‬
‫ •إثبات أن اهلل في السماء ‪11..................................................................‬‬
‫ •إثبات استواء اهلل على عرشه المجيد‪12..................................................‬‬
‫وقال الحافظ الذهبي رحمه اهلل ‪13.......................................................................:‬‬
‫ •إبطال قول أهل التأويل في االستواء‪15.................................................‬‬
‫ •إثبات معية اهلل مع خلقه وقربه من عباده‪18...........................................‬‬
‫ •معنى التفويض والتأويل ‪20................................................................‬‬
‫ •عقيدة السلف هي اإلثبات‪ ،‬ال التفويض وال التأويل‪23...............................‬‬
‫قال الحافظ الذهبي رحمه اهلل تعالى ‪23................................................................:‬‬
‫ •الفرق بين التفويض والكف عن التكييف والتمثيل ‪24...............................‬‬

‫ •معنى قول السلف‪»:‬االستواء معلوم»‪26.................................................‬‬
‫ •التأويل فرع عن التشبيه ‪27.................................................................‬‬
‫المحتويات‬
‫ •ردود على شبه وَالسَّمَا َء بَنَيْنَاهَا ِبَأيْدٍ‪27..........................................‬‬
‫ •شبهة المكان والجهة ‪29......................................................................‬‬
‫ •صفات اهلل تعالى ليست من المتشابه وال من المجاز‪33.............................‬‬
‫ •العلماء ينكرون على من قال إن اهلل في كل مكان‪35................................‬‬
‫ •رمي السلفيين بالتشبيه والتجسيم فرية مكشوفة‪38...............................‬‬
‫قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر المالكي رحمه اهلل ‪38............................................:‬‬
‫ومن هذه االفتراآت قول الرحّالة ابن بطوطة عن شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪38.............. :‬‬
‫ •عقيدة اإلمام أبي الحسن األشعري[] ‪40.................................................‬‬

‫ومما يدل على مذهبه األخير قوله رحمه اهلل في اإلبانة‪41........................................:‬‬
‫ •عقيدة الشيخ عثمان بن فودي ‪41.........................................................‬‬

‫وقال في موضع آخر نقال عن ابن الحاج ‪42.............................................................:‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل ‪43..........................................................................................:‬‬
‫وانتهى به المطاف إلى القول بأن ‪44.....................................................................:‬‬
‫ •خاتمة نسأل اهلل حسنها ‪44.................................................................‬‬

‫ويتلخص هذا المنهج السلفي في أصول ثالث ‪44................................................... :‬‬
‫استواء اهلل على العرش‬
‫اإلمام الذهبي في كتاب العرش‬

‫«في حديث الجارية مسألتان ‪ :‬األولى ‪ :‬شرعية قول المسلم‪ :‬أين اهلل ؟ والثانية ‪:‬‬
‫قول المسؤول‪ :‬في السماء ‪ .‬ومن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى»‬
‫القاضي عبد الوهاب المالكي في شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني‬
‫«اعلم أن الوصف له تعالى باالستواء اتباع للنص‪ ،‬وتسليم للشرع‪ ،‬وتصديق لما‬
‫وصف نفسه تعالى به»‬
‫اإلمام عبد القادر الجيالني في كتاب الغنية‬
‫«وينبغي إطالق صفة االستواء من غير تأويل‪ ،‬وأنه استواء الذات على العرش»‬
‫الشيخ عثمان بن فودي في الجامع لفتاوى الشيخ عثمان‬
‫«ال ُيقدح إطالق الفوقانية على اهلل‪ ،‬فكثيرا ما أومأت إليه األخبار وظواهر اآليات»‬
‫أبو عبد اهلل القرطبي المالكي في التفسير‬
‫«لم ينكر أحد من السلف الصالح أن اهلل استوى على عرشه حقيقة»‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية في مجموع الفتاوى‬
‫«فكل من قال إن اهلل بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف‬
‫األمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر اهلل عليه عباده ولصريح المعقول»‬
‫‪1‬‬
‫‪www.knowingallah.com‬‬ ‫نسخة مجانية تهدى وال تباع‬
‫المقدمة‬
‫الحمد هلل الذي ارتفع على عرشه في السماء ‪ ،‬وجلّى باليقين قلوب صفوته األتقياء‬
‫‪ ،‬وبلى خلقه بالسعادة والشقاء ‪ .‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له شهادة‬
‫مؤمن بالحشر واللقاء ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الشهيد على األمة الشهداء ‪،‬‬
‫وكرم ‪ ،‬صالة دائمة إلى يوم الدين ‪ ،‬وعلى‬
‫ّ‬ ‫المبعوث بالبينات والهدى وترك المراء ‪،‬‬
‫آله وصحبه أجمعين‪ ]1[.‬وبعد ‪:‬‬
‫فإن اهلل عز وجل قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا اإلسالم دينا ‪.‬‬
‫وإكمال هذا الدين يعني أن الرسول صلوات اهلل وسالمه عليه لم يرحل عن الدنيا‬
‫بين لألمة كل مل تحتاج إليه من أمور الدين بحيث ال يبقى فيه أي لبس‬ ‫إال بعد أن ّ‬
‫أو اشتباه‪ ،‬أو حاجة إلى بيان أحد سواه‪ .‬وأعظم ذلك وأشرفه هو معرفتهم بربهم‬
‫بأسمائه وصفاته ألن ذلك أعظم دعائم الدين ومبادئه‪ .‬وههنا حقائق أود تنبيه‬
‫القارئ الكريم عليها‪:‬‬
‫الحقيقة األولى ‪:‬‬
‫أن العقيدة مرجعها إلى كتاب اهلل وسنة رسوله المصطفى ال إلى أهواء الناس‬
‫وأقيستهم ‪ ،‬وأنه ليس هناك أعلم باهلل من اهلل ‪ ،‬وال من الخلق أعلم به من رسول‬
‫اهلل ‪ .‬كما أنه ليس هناك أنصح لألمة وال أحسن بيانا وال أعظم بالغا منه ‪ .‬فإذا‬
‫ثبت وصف اهلل عز وجل بشيء من الصفات في كتابه الكريم أو ثبت ذلك في سنة‬
‫نبيه المصطفى األمين وجب على المسلم اعتقاد ذلك وأنه هو التنزيه الالئق بذاته‬
‫ُه‬ ‫ان ِل ُم ْؤ ِم ٍن َولاَ ُم ْؤ ِم َن ٍة ِإ َذا َق َضى ّهَ ُ‬
‫الل َو َر ُسول ُ‬ ‫كَ‬ ‫﴿و َما َ‬ ‫جل جالله ‪ .‬قال اهلل تعالى ‪َ :‬‬
‫ص ّهََ‬
‫الل َو َر ُسو َل ُه َف َق ْد َض َّل َضلاَلاً ُمبِينًا﴾‪.‬‬ ‫َم ِر ِه ْم َو َم ْن َي ْع ِ‬
‫ون َل ُه ُم ا ْل ِخ َي َر ُة ِم ْن أ ْ‬
‫َن َي ُك َ‬
‫َم ًرا أ ْ‬
‫أْ‬
‫[األحزاب ‪. ]36 :‬‬
‫اقتباس من مقدمة الحافظ الذهبي لكتاب العرش ‪ ،‬تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‬ ‫ ‪1‬‬
‫‪،‬ط‪ .‬األولى ‪3002 ،‬هـ‪4241/‬م ‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫الحقيقة الثانية ‪:‬‬
‫أن أصحاب رسول اهلل لم يجهلوا معاني صفات اهلل تعالى وال ارتابوا في وصف اهلل‬
‫عز وجل بها بل وال سألوا رسول اهلل عن شيء منها ‪ .‬وهم الذين سألوه عن األنفال‬
‫واليتامى واألهلة والخمر والميسر والمحيض وغيرها ‪ .‬وال يجوز لنا أن نفهم أن‬
‫العلم بأمر المحيض أعظم شأنا وأجل مكانة عند الصحابة من معرفة صفات اهلل‬
‫التي هي أعظم أسباب محبته وإجالله [‪ .]2‬وال يجوز أن نعدل عن طريقتهم فيها‬
‫إلى طريقة المتفلسفة والمتكلمين الذين هم ‪ -‬كما وصفهم الشيخ أحمد بن عبد‬
‫السالم – قد أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء‪ ،‬وأعطوا فهوما وما أعطوا علوما‪ ،‬وأعطوا‬
‫ُه ْم ِم ْن َش ْي ٍء‬
‫َف ِئ َدت ُ‬
‫ار ُه ْم َولاَ أ ْ‬
‫َغ َنى َع ْن ُه ْم َس ْم ُع ُه ْم َولاَ َأ ْب َص ُ‬
‫سمعا وأبصارا وأفئدة « َف َما أ ْ‬
‫ُون» [األحقاف‪] [.]23:‬‬
‫‪3‬‬
‫كانُوا ِب ِه َي ْس َت ْه ِزئ َ‬ ‫ِه ْم َما َ‬ ‫اق ب ِ‬ ‫ات هَّ ِ‬
‫الل َو َح َ‬ ‫َي ِ‬
‫ون ِبآ َ‬
‫كانُوا َي ْج َح ُد َ‬
‫إ ِْذ َ‬
‫وقال الشعراني – كما نقل عنه ابن فودي رحمهما اهلل – وهو يتحدث عن أرباب‬
‫الكالم‪ :‬فقطعوا عمرهم برد خصوم متوهمة أو خصوم موجودة لكن بالزم المذهب‬
‫وذلك ليس بمذهب على الراجح‪ .‬ويتخيل لصاحب الكالم في مثل ذلك أنه يتكلم‬
‫مع غيره بل مع نفسه ‪ ...‬إلى أن قال‪.. :‬فالعاقل اليوم من اشتغل بالعلوم الشرعية‬
‫لقيام الدين بها فإنك لو مت ولم تعلم الكالم لم تسئل عنه»[‪.]4‬‬
‫الحقيقة الثالثة ‪:‬‬
‫أن إثبات صفات اهلل تعالى الذاتية أو الفعلية ال يستلزم نسبة النقص أو العجز أو‬
‫عدم الكمال هلل ‪ ،‬بل صفات اهلل كلها صفات كمال وجالل وال تشبه صفات المخلوقين‬
‫بوجه من الوجوه‪ .‬بل للخالق صفات تليق بجالله وعظمته وكماله وللمخلوقين‬
‫صفات تناسب ضعفهم وعجزهم وافتقارهم كما قال سبحانه ﴿ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير﴾ [الشورى‪ ]10 :‬وقد قال سبحانه ﴿إنا خلقنا اإلنسان من نطفة‬
‫أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا﴾ [اإلنسان ‪ ]2 :‬فاهلل عز وجل سميع بصير سمعا‬
‫قال أبو المعالي الجويني ‪« :‬والذي نرتضيه رأيا ‪ ،‬وندين اهلل به عقيدة‪ ،‬اتباع سلف األمة‪ .‬والدليل القاطع السمعي في ذلك‬ ‫ ‪2‬‬
‫مسوغا أو محتوما ألوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع‬ ‫َّ‬ ‫الظواهر‬ ‫هذه‬ ‫تأويل‬ ‫كان‬ ‫فلو‬ ‫متبعة‪،‬‬ ‫حجة‬ ‫األمة‬ ‫إجماع‬ ‫أن‬
‫الشرع ‪ .‬وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على اإلضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع»‪ .‬انظر ‪ :‬العقيدة النظامية ألبي‬
‫بكر ابن العربي ‪ ،‬مطبعة األنوار ‪ ،‬القاهرة ‪8491 ،‬م‪ ،‬ص‪ ، 32‬وكتاب العرش للحافظ الذهبي ‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫مجموعة تفسير شيخ اإلسالم ‪.864/1‬‬ ‫ ‪3‬‬
‫الجامع لفتوى الشيخ عثمان بن فودي‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪ 4‬‬
‫‪3‬‬
‫يليق بعظمته وجالله وبصرا يليق بعلّوه وكمال سلطانه واإلنسان سميع بصير على‬
‫قدر ما يناسب مخلوقيته وعجزه ‪ .‬فال ننفي عن اهلل صفاته ونقول إنها من صفات‬
‫نشبه صفات الباري بصفات البرية ‪.‬‬
‫المخلوقين وال ّ‬
‫الحقيقة الرابعة ‪:‬‬
‫أن السبب في اختالف الناس في مسائل التوحيد هو ُبعدهم عن دراسة القرآن الكريم‬
‫وأحاديث النبي الصحيحة وكذلك عدم استيعابهم ألقوال السلف في مسائل التوحيد‬
‫‪ .‬فقد صارت كتب الكالم والتي وصفت بكتب التوحيد هي العمدة في معرفة اهلل‬
‫بعيدا عن هدى القرآن الكريم والسنة النبوية وآثار السلف ‪ .‬فخذ مثال أحد تفاسير‬
‫السلف كالنسائي وأبي حاتم والبغوي أو من بعدهم كالحافظين الطبري وابن‬
‫كثير من أولها إلى آخرها ال تجد فيها إال التسليم هلل ولرسوله‪ .‬وخذ بعد ذلك‬
‫كتاب التوحيد من صحيح البخاري لن تجد فيه تأويل صفات اهلل تعالى بل ستجد‬
‫فيه ‪:‬‬
‫باب ﴿وكان عرشه على الماء﴾ ﴿وهو رب العرش العظيم﴾ قال أبو العالية ‪ :‬استوى‬
‫إلى السماء ارتفع ‪ ،‬فسواهن ‪ :‬خلقهن ‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬استوى ‪ :‬عال على العرش‪)]5[(.‬‬
‫وتجد فيه أيضا ‪:‬‬
‫باب قول اهلل تعالى ‪﴿ :‬تعرج المالئكة والروح إليه﴾ وقوله جل ذكره ﴿إليه يصعد‬
‫الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ وقال أبو حمزة عن ابن عباس‪ :‬بلغ أبا ذر مبعث‬
‫النبي فقال ألخيه‪ :‬اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء‬
‫‪ .‬وقال مجاهد‪( :‬والعمل الصالح) يرفع الكلم الطيب‪ .‬يقال‪( :‬ذي المعارج) المالئكة‬
‫تعرج إلى اهلل‪]6[.‬‬
‫كما تجد فيه وفي غيره من كتب الصحاح من األحاديث النبوية واآلثار السلفية‬
‫ما لو اشتغل به طالب العلم لما ُصرفوا إلى المتاهات وتنزيه اهلل مما وصف نفسه به‬
‫ظنا أن هذا الذي وصف اهلل نفسه به من صفات النقص ال من صفات الكمال‪.‬‬
‫صحيح البخاري ‪ ،‬ك التوحيد ‪ ،‬باب ‪.22‬‬ ‫‪ 5‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ،‬ك التوحيد ‪ ،‬باب ‪.32‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫‪4‬‬
‫الحقيقة الخامسة ‪:‬‬
‫المقدسة التي وصف‬

‫ّ‬ ‫العلية‬
‫ّ‬ ‫أن األمة اإلسالمية لم تختلف في ربها ووصفه بصفاته‬
‫بها نفسه ووصفه بها رسوله إال بعد ترجمة كتب اليونان ودخول الفلسفة وعلم‬
‫الكالم إلى بالد المسلمين ‪ ]7[.‬ولذلك ال تجد عند سلف األمة من الصحابة والتابعين‬
‫المبتدعة التي لم يرد بها كتاب اهلل وال‬
‫َ‬ ‫ومن تبعهم من علماء األمة النطق بالكلمات‬
‫سنة رسوله مثل الجهة والمكان وما أشبه ذلك مما جاء به أهل الكالم ليردوا به ما‬
‫في الكتاب والسنة وما أجمعت عليه األمة من وصف اهلل بكل ما وصف به نفسه أو‬
‫وصفه به أعلم الناس به وهو رسوله ‪ .‬ومن أبرز أهل البدع الذين عرفوا بالحيدة‬
‫عن النهج القويم ‪ :‬المعتزلة الذين كانوا ‪ -‬فضال عن تحريفهم لآليات ‪:‬‬
‫يشككون في األحاديث التي تصطدم بمبادئهم ويكذبونها ‪ ،‬وإن علت درجتها في‬
‫الصحة ‪ ،‬أو يؤولونها تأويال باطال ‪ ،‬بل ويتجاوزون هذا إلى تجريح راويها – ال‬
‫أعني التابعي أو تابعي التابعي – بل الصحابي الذي رواه عن الرسول ‪ .‬يفعلون هذا‬
‫إذا ما كان مصادما لمبدئ من مبادئهم ‪ ،‬بينما يستشهدون باألحاديث الضعيفة بل‬
‫والموضوعة ويعضون عليها بالنواجذ لنصرة مذهبهم االعتزالي‪]8[.‬‬
‫إال أن هذا المسلك لم يتوقف جريانه عند المعتزلة ‪ ،‬ولكن تعداهم إلى كثير من‬
‫ومرتكزا لمعرفة‬
‫َ‬ ‫طوائف المسلمين الذين اتخذوا من علم الكالم م ّت َكئا لفهم الدين‬
‫اهلل تعالى ‪ ،‬فحرفوا نصوص الكتاب ور ّدوا كثيرا من األحاديث النبوية‪ .‬وغلت في‬
‫ذلك فرقة الجهمية وأتوا من الكالم بما ال ُيحتمل‪ ،‬حتى قال اإلمام عبد اهلل بن‬
‫المبارك‪ :‬إنا لنحكي كالم اليهود والنصارى‪ ،‬وال نستطيع أن نحكي كالم الجهمية‪.‬‬
‫[‪]9‬‬
‫وليعلم القارئ الكريم أن هذا البحث إنما جاء غيرة هلل عز وجل ولرسوله وحمية‬
‫للدفاع عن عقيدة المسلمين األولين ال هتكا لعرض أحد من الناس‪ .‬وأنا على علم‬
‫راجع ‪ :‬الفصل المنعقد لهذا في كتاب شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد اهلل بن محمد الغنيمان ‪ ،‬مكتبة الدار‬ ‫‪ 7‬‬
‫‪ ،‬المدينة المنورة ‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪5041 ،‬هـ ‪ .02-9/1 ،‬وانظر أيضا ‪ :‬سير أعالم النبالء في ترجمة اإلمام أحمد بن حنبل ‪ 632/11‬وما بعده ‪.‬‬
‫العقالنيون أفراخ المعتزلة العصريون لعلي بن حسن بن علي بن عبد الحميد الحلبي األثري ‪ ،‬مكتبة الغرباء األثرية ‪،‬المدينة‬ ‫ ‪8‬‬
‫المنورة ‪ ،‬السعودية ‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪3141 ،‬هـ‪3991/‬م ‪،‬ص‪.671‬‬
‫التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد للحافظ أبي عمر يوسف بن عبداهلل بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي ‪،‬‬ ‫‪ 9‬‬
‫تحقيق عبد اهلل بن الصديق وآخرين ‪ ،‬مصورة المكتبة التجارية بمكة المكرمة عن طبعة المغرب ‪9931 ،‬هـ‪9791/‬م ‪ . 341/7 ،‬وفيه ‪ :‬قال‬
‫ك ّفر بشر المريسي في صفته هذه ‪ .‬قال ‪ :‬هو في كل شيء ‪ ،‬قيل له ‪ :‬وفي قلنسوتك هذه ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قيل له ‪ :‬وفي‬ ‫وكيع ‪ُ :‬‬
‫جوف حمار ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬تعالى اهلل عن قول المفترين علوا كبيرا ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وأول‬
‫بأن بعض أهل العلم وطلبته قد كتب بحسن النية ما يخالف المعتقد الصحيح ّ‬
‫وحـمله ما ال يحتمل ‪ .‬واهلل يجزيه على حسن نياته‬ ‫ّ‬ ‫كالم السلف على غير وجهه ‪،‬‬
‫ويهدينا وإياه إلى صراطه المستقيم ‪ .‬وإني إذ أدعوه لقراءة هذا البحث قراءة منصف‬
‫ناشد للحق أسأل اهلل لي وله ولجميع المسلمين أن يجعلنا من ﴿ا َّل ِذ َ‬
‫ين َي ْس َت ِم ُع َ‬
‫ون‬
‫اب﴾ [الزمر‬ ‫ك ُه ْم ُأولُو الأْ َ ْل َب ِ‬ ‫اه ُم ّهَ ُ‬
‫الل َوُأو َل ِئ َ‬ ‫ين َه َد ُ‬‫ك ا َّل ِذ َ‬ ‫َح َس َن ُه ُأو َل ِئ َ‬
‫ون أ ْ‬
‫ِع َ‬
‫ا ْل َق ْو َل َف َي َّتب ُ‬
‫‪.]18:‬‬
‫ما يجب اعتقاده في صفات اهلل تعالى عموما‬

‫الذي يجب على المسلم في صفات اهلل تعالى هو االعتقاد الجازم بأن اهلل عز وجل‬
‫متصف بجميع صفات الكمال ‪ ،‬ومنزه عن جميع صفات النقص ‪ ،‬وأنه متفرد عن‬
‫جميع الكائنات ‪ .‬وال يكون ذلك إال بإثبات ما أثبته لنفسه من الصفات أو أثبته له‬
‫رسوله من غير تحريف أللفاظها أو معانيها ‪ ،‬وال تعطيل بنفيها أو نفي بعضها عن‬
‫اهلل سبحانه‪ ،‬ومن دون تكييفها بتحديد كنهها وإثبات كيفية معينة لها ‪ ،‬وال تشبيهها‬
‫بصفات المخلوقين ‪ .‬فإيمان المسلم بصفات اهلل تعالى يقوم على ثالثة أصول‪:‬‬
‫األصل األول ‪:‬‬
‫تنزيه اهلل تعالى عن النقائص وعن مشابهة صفاته لصفات المخلوقين ‪ .‬يدل على‬
‫﴿فلاَ‬ ‫يع ا ْل َب ِص ُ‬
‫ير﴾ [الشورى‪َ ]11:‬‬ ‫ك ِم ْث ِل ِه َش ْي ٌء َو ُه َو َّ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫س َ‬
‫هذا األصل قوله تعالى ﴿ َل ْي َ‬
‫َح ٌد﴾ [اإلخالص ‪.]4 :‬‬ ‫ك ُف ًوا أ َ‬ ‫﴿و َل ْم َي ُك ْن َل ُه ُ‬
‫ال﴾ [النحل ‪َ ]74 :‬‬ ‫َت ْض ِر ُبوا للِ هَّ ِ الأْ َ ْم َث َ‬
‫األصل الثاني ‪:‬‬
‫اإليمان بجميع صفات اهلل تعالى الثابتة في الكتاب والسنة دون تجاوزها برد بعضها‬
‫َم‬ ‫َم ّهَ ُ‬
‫الل﴾ [البقرة ‪﴿ ]140 :‬أ ْ‬ ‫َع َل ُم أ ِ‬
‫ُم أ ْ‬
‫أو الزيادة عليها أو صرفها عن معانيها ‪َ﴿ .‬أَأ ْنت ْ‬
‫ون﴾ [البقرة ‪ ]80 :‬؟!‪.‬‬ ‫ُون َع َلى ّهَ ِ‬
‫الل َما لاَ َت ْع َل ُم َ‬ ‫َت ُقول َ‬
‫األصل الثالث ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫‪﴿:‬ي ْع َل ُم َما َب ْي َن‬

‫قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات‪ .‬يدل عليه قوله تعالى َ‬
‫ْما﴾ [طه ‪ .]110:‬فلو سأل سائل عن كيفية‬ ‫ون ِب ِه ِعل ً‬ ‫ْف ُه ْم َولاَ ُي ِح ُ‬
‫يط َ‬ ‫أ َْي ِد ِ‬
‫يه ْم َو َما َخل َ‬
‫صفة من صفات اهلل سبحانه وتعالى كأن يقول ‪ :‬كيف يسمع ؟ أو كيف يبصر ؟ أو‬
‫كيف استوى ؟ أو كيف ينزل ؟ أو كيف يضحك أو كيف يغضب أو كيف يده ؟‬
‫أو ما أشبه ذلك من األسئلة ‪ ،‬نقول له ‪ :‬كيف هو ؟ فإذا قال ‪ :‬ال أعلم ‪ ،‬قلنا له ‪:‬‬
‫فكيف تعلم إذن كيفية صفاته؟![‪]10‬‬
‫قال العالمة محمد األمين الشنقيطي رحمه اهلل تعالى عند تفسير قوله تعالى ُ‬
‫﴿ث َّم‬
‫ش﴾ في سورة األعراف ما نصه‪:‬‬ ‫اس َت َوى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ْ‬
‫يه ْم﴾ [الفتح‬ ‫﴿ي ُد هَّ ِ‬

‫الل َف ْو َق أ َْي ِد ِ‬ ‫هذه اآلية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات كقوله َ‬
‫‪ ]10 :‬ونحو ذلك‪ ،‬أشكلت على كثير من الناس إشكاال ضل بسببه خلق ال يحصى‬
‫كثرة‪ ،‬فصار قوم إلى التعطيل وقوم إلى التشبيه – سبحانه وتعالى علوا كبيرا عن‬
‫ذلك كله – واهلل جل وعال أوضح هذا غاية اإليضاح‪ ،‬ولم يترك فيه أي لبس وال‬
‫بين أن‬
‫إشكال ‪ .‬وحاصل تحرير ذلك أنه جل وعال ّ‬
‫الحق في آيات الصفات متركب من أمرين‪:‬‬
‫أحدهما ‪:‬‬
‫تنزيه اهلل جل وعال عن مشابهة الحوادث في صفاتهم سبحانه وتعالى عن ذلك علوا‬
‫كبيرا ‪.‬‬
‫والثاني ‪:‬‬
‫اإليمان بكل ما وصف اهلل به نفسه في كتابه‪ ،‬أو وصفه به رسوله ألنه ال يصف‬
‫الل﴾ [البقرة ‪ ،]140 :‬وال يصف اهلل بعد اهلل‬ ‫َم ّهَ ُ‬
‫َع َل ُم أ ِ‬
‫ُم أ ْ‬
‫اهلل أعلم باهلل من اهلل ﴿َأَأ ْنت ْ‬
‫‪﴿:‬و َما َي ْن ِط ُق َع ِن ا ْل َه َوى (‪ )3‬إ ْ‬
‫ِن ُه َو إ ّاَِل َو ْح ٌي‬ ‫أعلم باهلل من رسول اهلل الذي قال فيه َ‬
‫وحى﴾ [النجم ‪ . ]3 :‬فمن نفى عن اهلل وصفا أثبته لنفسه في كتابه العزيز ‪ ،‬أو‬ ‫ُي َ‬
‫أثبته له رسوله زاعما أن ذلك الوصف يلزمه ما ال يليق باهلل جل وعال ‪ ،‬فقد جعل‬
‫‪ 1 0‬اإليمان‪ :‬أركانه‪ ،‬حقيقته‪ ،‬نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين‪ ،‬مكتبة السنة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ .‬األولى‪2141 ,‬هـ‪1991/‬م‪ ،‬ص‪81-51‬‬
‫باختصار‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫نفسه أعلم من اهلل ورسوله بما ال يليق باهلل جل وعال ‪ .‬سبحانك هذا بهتان عظيم ‪.‬‬
‫مشبه ملحد ضال ‪ .‬ومن أثبت‬

‫ّ‬ ‫ومن اعتقد أن وصف اهلل يشابه صفات الخلق فهو‬
‫هلل ما أثبته لنفسه أو أثبته رسوله مع تنزيهه جل وعال عن مشابهة الخلق فهو‬
‫مؤمن جامع بين صفات الكمال والجالل والتنزيه عن مشابهة الخلق سالم من ورطة‬
‫التشبيه والتعطيل ‪.‬‬
‫يع‬ ‫ك ِم ْث ِل ِه َش ْي ٌء َو ُه َو َّ‬
‫الس ِم ُ‬ ‫س َ‬
‫واآلية التي أوضح اهلل بها هذا هي قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ل ْي َ‬
‫ير﴾ [الشورى ‪ ]11 :‬فنفى عن نفسه جل وعال صفة الحوادث بقوله ‪﴿:‬ليس‬ ‫ا ْل َب ِص ُ‬
‫كمثله شيء﴾ وأثبت لنفسه صفة الكمال والجالل بقوله ‪﴿:‬وهو السميع البصير﴾‬
‫فصرح في هذه اآلية بنفي المماثلة مع االتصاف بصفات الكمال والجالل ‪]11[.‬‬
‫إثبات علو اهلل على خلقه‬

‫﴿و ُه َو ا ْل َع ِل ُّي ا ْل َع ِظ ُ‬
‫يم﴾[البقرة ‪]255 :‬‬ ‫قال اهلل تعالى ‪َ :‬‬
‫ِك الأْ َ ْع َلى﴾[األعلى ‪]1 :‬‬

‫اس َم َر ّب َ‬
‫ِح ْ‬
‫‪﴿:‬س ّب ِ‬
‫وقال تعالى َ‬
‫وروى مسلم وغيره من حديث حذيفة أن رسول اهلل ^ كان يقول في سجوده‬
‫‪»:‬سبحان ربي األعلى»‪]12[.‬‬
‫فاهلل عز وجل موصوف بصفة العلو ‪ :‬علو الذات وعلو الصفات وعلو القدر وعلو‬
‫القهر ‪ .‬ومن نفى شيئا من ذلك فعليه الدليل ‪.‬‬
‫قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي (ت ‪1377‬هـ) رحمه اهلل ‪:‬‬
‫أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد األمين الشنقيطي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪8041 ،‬هـ‪8891/‬م‪-272/2 ،‬‬
‫‪ 11‬‬
‫‪..372‬‬
‫‪ 1 2‬صحيح مسلم‪ :‬ك صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب استحباب تطويل القراءة في صالة الليل (‪.)302( )277‬‬
‫‪8‬‬
‫يتضمن اسمه العلي األعلى الصفة المشتق منها وهوثبوت العلو له بجميع معانيه ‪:‬‬
‫علو فوقيته تعالى على عرشه ‪( :‬فهو سبحانه) عال على جميع خلقه ‪ ،‬بائن منهم ‪،‬‬
‫رقيب عليهم ‪ ،‬يعلم ما هم عليه‪ ،‬قد أحاط بكل شيء علما ‪ ،‬التخفى عليه خافية‪ .‬وعلو‬
‫قهره ‪ :‬فال مغالب له وال منازع وال مضاد ‪ ،‬وال ممانع ‪ ،‬بل كل شيء خاضع لعظمته‬
‫‪ ،‬ذليل لعزته ‪ ،‬مستكين لكبريائه ‪ ،‬تحت تصرفه وقهره‪ ،‬ال خروج من قبضته‪ .‬وعلو‬
‫شأنه ‪ :‬فجميع صفات الكمال له ثابتة وجميع النقائص عنه منتفية عز وجل وتبارك‬
‫وتعالى ‪ .‬وجميع هذه المعاني للعلو متالزمة ال ينفك معنى منها عن اآلخر ‪]13[.‬‬
‫إثبات فوقية اهلل على عباده‬

‫اه ُر َف ْو َق ِع َبا ِد ِه﴾ [األنعام ‪]61 :‬‬
‫﴿و ُه َو ا ْل َق ِ‬
‫قال اهلل تعالى ‪َ :‬‬
‫ون َر َّب ُه ْم ِم ْن َف ْو ِق ِه ْم﴾ [النحل ‪]50 :‬‬ ‫وقال تعالى في وصف المالئكة ‪َ ﴿ :‬ي َخ ُ‬
‫اف َ‬
‫فاهلل عز وجل فوق عباده ذاتا وقدرا ‪ .‬ومن قال غير ذلك قلنا له هات الدليل ﴿ ُق ْل‬
‫ُم َصا ِد ِق َ‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫ك ْنت ْ‬
‫ِن ُ‬
‫َهاتُوا ُب ْر َها َن ُك ْم إ ْ‬
‫قال المجدد الشيخ عثمان ابن فودي رحمه اهلل ‪:‬‬
‫مسألة ‪ :‬ال ُيقدح إطالق الفوقانية على اهلل ‪ ،‬فكثيرا ما أومأت إليه األخبار وظواهر‬
‫اآليات‪ .‬ولكن االعتقاد يقدح إن اعتقدها من غير تنزيه ‪]14[.‬‬
‫وإثبات علو اهلل على خلقه وفوقيته عليهم هو مقتضى الفطر السليمة التي لم تتلوث‬
‫بلوثة االبتداع ولم َت ُش ْبها شائبة علم الكالم وذلك أن الخلق جميعا بطباعهم وقلوبهم‬
‫السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء ‪ ،‬ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى‬
‫اهلل ال يلتفتون يمنة وال يسرة ‪ .‬وبهذه الحجة قهر الشيخ أبو جعفر الهمداني األستاذ‬
‫‪ 1 3‬أعالم السنة المنشورة العتقاد الطائفة الناجية المنصورة للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي ‪ ،‬دراسة وتحقيق أحمد علي علوش‬
‫مدخلي ‪ ،‬مكتبة الرشد ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪ ،‬ط‪ .‬الرابعة ‪6141 ،‬هـ‪6991/‬م ‪ ،‬ص‪. 47‬‬
‫‪ 1 4‬االجامع الحاوي لغالب ما في كتب المجدد عثمان بن فودي‪ ،‬تأليف العالمة الحاج عثمان الماسني‪ ،‬نشره حفيده المرحوم الحاج‬
‫أمين تفيد‪ ،‬بقلم الكاتب الطاهر بن محمد البخاري‪ ،‬عام ‪8791‬م‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪9‬‬
‫أبا المعالي الجويني المتكلم المعروف بإمام الحرمين حتى ضرب على رأسه وقال ‪:‬‬
‫حيرني الهمداني ! حيرني !! كما حكى القصة اإلمام ابن أبي العز في شرحه لعقيدة‬
‫اإلمام أبي جعفر الطحاوي[‪.]15‬‬
‫وبذلك أيضا احتج اإلمام أبو الحسن األشعري في اإلبانة ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء ‪ ،‬ألن اهلل عز وجل مستو‬
‫على العرش الذي هو فوق السموات ‪ ،‬فلو ال أن اهلل عز وجل على العرش لم يرفعوا‬
‫أيديهم نحو العرش كما ال يحطونها إذا دعوا إلى األرض‪]16[.‬‬
‫ونقل المجدد الشيخ عثمان بن فودي رحمه اهلل عن الشعراني ما يدل على هذا وهو‬
‫قوله ‪:‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فما الدليل على أن معرفة الحق تعالى واجبة؟ فالجواب أن دليل ذلك‬
‫كون المعرفة من األمور التي يسهل الوصول إليها ‪ ،‬فإن اإلنسان إذا اضطر وضاقت‬
‫به المسالك فال بد أن يستند إلى إله يؤوب إليه ويتضرع نحوه ويلجأ إليه في‬
‫كشف الضر ويسمو قلبه ويصعد إلى السماء ويشخص ناظره إليها من حيث كونها‬
‫قبلة الدعاء للخالئق أجمعين ‪ .‬فيستغيث بخالقه وبارئه طبعا وجبلة ال تكلفا ‪.‬‬
‫ومثل ذلك قد وجد في الوحوش والبهائم أيضا فإنها ظاهرة الخوف والرجاء رافعة‬
‫رؤوسها إلى السماء عند فقدان الكأل والماء وإحساسها بالهالك والفناء ‪ .‬وكذلك‬
‫شاهدنا األطفال عند الألواء يرفعون مسبحتهم نحو السماء ‪ .‬وهذا كله مركوز‬
‫في جبلة الحيوانات فضال عن اإلنسان العاقل‪ ،‬فهي الفطرة المذكورة في القرآن‬
‫والحديث‪]17[.‬‬
‫‪ 15‬شرح العقيدة الطحاوية ص ‪ . 623-523‬وتجدر اإلشارة إلى أن الجويني – كالكثير ممن تعمق في علم الكالم – قد ندم على‬
‫تعاطيه هذا العلم حتى قال ناصحا لتالميذه ‪« :‬ال تشتغلوا بالكالم ‪ ،‬فلو أني عرفت أنه يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به» انظر ‪ :‬نقض‬
‫المنطق ص‪ .16‬ومما يدل على عودته إلى المذهب الحق قوله بعد أن ذكر كالم اإلمام مالك أن االستواء معلوم واستحسنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فلتجر آية االستواء والمجيء وقوله‪(:‬لما خلقت بيدي) [األعراف ‪( ]57 :‬ويبقى وجه ربك)[الرحمن ‪ ]72 :‬وقوله ‪(:‬تجري بأعيننا)‬
‫[القمر ‪ ]41 :‬وما صح من أخبار الرسول عليه السالم كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا ‪ .‬اهـ من العقيدة النظامية‪ ،‬ص ‪..32‬‬
‫‪ 16‬اإلبانة عن أصول الديانة ‪ ،‬ص‪021‬‬
‫‪ 17‬وقال ابن عبد البر المالكي رحمه اهلل ‪ :‬ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع ‪ :‬أن الموحدين‬
‫أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى ‪ .‬وهذا أشهر‬
‫وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته ألنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد وال أنكره عليهم مسلم ‪ .‬ثم‬
‫استشهد بحديث الجارية السابق الذي رواه مالك في الموطأ ومسلم في صحيحه ‪ .‬انظر‪ :‬التمهيد ‪.431/7‬‬
‫‪10‬‬
‫إثبات أن اهلل في السماء‬

‫قال اهلل تعالى ‪﴿ :‬أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم األرض فإذا هي تمور * أم‬
‫أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير﴾ [الملك ‪-16 :‬‬
‫‪]17‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬أي أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه؟[‪]18‬‬
‫وفي الموطأ وصحيح مسلم أن رسول اهلل ^ قال للجارية ‪ :‬أين اهلل ؟ قالت ‪ :‬في‬
‫السماء ‪ .‬قال ‪»:‬اعتقها فإنها مؤمنة»‪]19[.‬‬
‫قال الحافظ أبو عبد اهلل الذهبي رحمه اهلل بعد إيراده لهذا الحديث في كتاب «العلو‬
‫للعلي العظيم» ‪ :‬ففي الخبر مسألتان ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬شرعية قول المسلم ‪ :‬أين اهلل ؟‬
‫والثانية ‪ :‬قول المسؤول ‪ :‬في السماء ‪ .‬قال ‪ :‬فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر‬
‫على المصطفى ^ ‪]20[.‬‬
‫ومعنى أن اهلل تقدست أسماؤه في السماء أنه على السماء مستو على عرشه كما قال‬
‫ض ﴾[التوبة‪ ]2:‬أي على األرض ‪ .‬وقال تعالى ﴿لأَ ُ َص ِّل َب َّن ُك ْم‬
‫يحوا ِفي الأْ َ ْر ِ‬
‫تعالى ﴿ َف ِس ُ‬
‫وع ال َّن ْخ ِل﴾[طه‪ ]71:‬أي على جذوع النخل ‪.‬‬ ‫ِفي ُج ُذ ِ‬
‫قال اإلمام أبو الحسن األشعري رحمه اهلل تعالى ‪:‬‬
‫فالسماوات فوقها العرش ‪ ،‬فلما كان العرش فوق السماوات قال تعالى ‪﴿:‬أأمنتم‬
‫‪ 1 8‬الجامع ألحكام القرآن لإلمام القرطبي (‪.)512/81‬‬
‫‪ 19‬رواه مالك في الموطأ (ك العتق والوالء ‪ ،‬باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة ‪ )777-677/2‬وأحمد في المسند (‪، 192/2‬‬
‫‪ ) 944 ، 844 ، 744/5 ، 983 ، 883 ، 222/3‬ومسلم في الصحيح (ك الجنائز ح ‪ )735‬وأبو داود في الصالة باب تشميت العاطس في الصالة‬
‫ح‪ 039‬وفي األيمان والنذور باب في الرقبة المؤمنة ح‪ )3823‬والنسائي في السهو ‪ ،‬باب الكالم في الصالة ‪.)91-41/3‬‬
‫‪ 2 0‬مختصر العلو للعلي الغفار ‪ ،‬ص‪81‬‬
‫‪11‬‬
‫من في السماء﴾ ألنه مستو على العرش الذي هو فوق السماوات ‪ ،‬وكل ما عال فهو‬
‫سماء ‪ ،‬فالعرش أعلى السماوات ‪ .‬وليس إذا قال ‪﴿:‬أأمنتم من في السماء﴾ يعني جميع‬
‫السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات ‪ ،‬أال ترى أن اهلل عز وجل ذكر‬
‫ُورا ﴾ [نوح ‪ ]16:‬ولم يرد أن القمر‬ ‫السموات فقال تعالى ‪َ ﴿:‬و َج َع َل ا ْل َق َم َر ِف ِ‬
‫يه َّن ن ً‬
‫يملؤهن وأنه فيهن جميعا ‪]21[.‬‬
‫إثبات استواء اهلل على عرشه المجيد‬

‫اس َت َوى‬‫ام ُث َّم ْ‬ ‫ات َوالأْ َ ْر َ‬
‫ض ِفي ِس َّت ِة َأ َّي ٍ‬ ‫او ِ‬ ‫ِن َر َّب ُك ُم ّهَ ُ‬
‫الل ا َّل ِذي َخ َل َق َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪﴿ :‬إ َّ‬
‫ش﴾ [األعراف ‪[ ]54 :‬يونس ‪ .]3 :‬وقال تعالى في وصف القرآن ‪َ ﴿ :‬ت ْن ِزيلاً‬ ‫َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫اس َت َوى (‪[ ﴾)5‬طه ]‪.‬‬ ‫ش ْ‬‫الر ْح َم ُن َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ات ا ْل ُعلاَ (‪َّ )4‬‬ ‫او ِ‬
‫الس َم َ‬ ‫ض َو َّ‬ ‫ِم َّم ْن َخ َل َق الأْ َ ْر َ‬
‫ش﴾‪ :‬عال عليه [‪.]22‬‬

‫اس َت َوى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬ ‫قال اإلمام البغوي ‪ :‬قوله ‪ُ :‬‬
‫﴿ث َّم ْ‬
‫وذكر اهلل عز وجل استواءه على العرش بعد خلق السموات واألرض في سبعة‬
‫مواضع في كتابه الكريم منها ما تقدم ومنها في سورة الفرقان ‪ 59 :‬وفي سورة‬
‫السجدة ‪ 4 :‬وفي سورة الرعد ‪ 2 :‬وفي سورة الحديد‪.4:‬‬
‫وفي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ‪ t‬عن النبي ^‪« :‬لما قضى اهلل الخلق‬
‫كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش ‪ :‬إن رحمتي غلبت غضبي» ‪]23[.‬‬
‫قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي (ت ‪422‬هـ)‬
‫رحمه اهلل في شرحه لمقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني عند قول ابن أبي زيد‬
‫«وأنه فوق عرشه المجيد بذاته ‪ ،‬وهو في كل مكان بعلمه» قال ‪:‬‬
‫‪ 2 1‬اإلبانة عن أصول الديانة ص ‪.021‬‬

‫‪ 2 2‬انظر معالم التنزيل للبغوي اختصار وتعليق عبد اهلل بن أحمد بن علي الزايد ‪ ،‬ط‪ .‬حهاز اإلرشاد والتوجيه بالحرس الوطني ‪،‬‬
‫الرياض ‪1241 ،‬هـ ‪. 754/1 ،‬‬
‫‪ 23‬وقد أورده اإلمام البخاري في ستة مواضع في ك بدء الخلق رقم ‪ 4913‬وفي ك التوحيد باألرقام التالية ‪، 3547 ، 2247 ، 4047 :‬‬
‫‪ 3557‬و ‪ 4557‬من طرق مختلفة في كلها إثبات أن هذا الكتاب عنده فوق العرش‪ .‬وأخرجه مسلم من ثالثة طرق في ك التوبة برقم ‪572‬‬
‫‪12‬‬
‫واعلم أن الوصف له تعالى باالستواء اتباع للنص ‪ ،‬وتسليم للشرع ‪ ،‬وتصديق لما‬
‫وصف نفسه تعالى به ‪ .‬وال يجوز أن يثبت له كيفية ألن الشرع لم يرد بذلك ‪ ،‬وال‬
‫أخبر النبي ^ فيه بشيء ‪ ،‬وال سألته الصحابة عنه ‪]24[.‬‬
‫وقال الحافظ الذهبي رحمه اهلل ‪:‬‬
‫هذه الصفات من االستواء واإلتيان والنزول قد صحت بها النصوص ‪ ،‬ونقلها الخلف‬
‫عن السلف ‪ ،‬ولم يتعرضوا لها برد وال تأويل ‪ ،‬بل أنكروا على من تأولها مع إصفاقهم‬
‫(اجتماعهم) على أنها ال تشبه نعوت المخلوقين‪ ،‬وأن اهلل ليس كمثله شيء ‪ ،‬وال‬
‫تنبغي المناظرة وال التنازع فيها ‪ ،‬فإن في ذلك محاولة للرد على اهلل ورسوله ‪ ،‬أو‬
‫حوما على التكييف أو التعطيل ‪]25[.‬‬
‫معنى االستواء‬
‫االستواء في اللغة له عدة معان ‪ .‬وتختلف معانيه باختالف االستعمال فيأتي مطلقا‬
‫ومقرونا بالواو ومقيدا بإلى أو بعلى ‪.‬‬
‫تم وكمل كما قال تعالى‬

‫‪ .1‬فإذا أطلق لفظ االستواء ولم يقيد بحرف كان معناه ّ‬
‫اس َت َوى َآ َت ْي َنا ُه ُح ْك ًما َو ِعل ً‬
‫ْما﴾[يوسف‪. ]14:‬‬ ‫َش َّد ُه َو ْ‬
‫﴿و َل َّما َب َل َغ أ ُ‬
‫‪َ :‬‬
‫وإذا قرن بالواو كان بمعنى التساوي كأن يقال استوى الماء والخشب ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ .3‬وإذا قيد لفظ االستواء بحرف «إلى» صار معناه القصد كما في قوله سبحانه‬
‫ك ْر ًها‪..‬‬ ‫ض ا ِْئ ِت َيا َط ْو ًعا أ ْ‬
‫َو َ‬ ‫ال َل َها َولِلأْ ْ‬
‫َر ِ‬ ‫الس َما ِء َو ِه َي ُد َخ ٌ‬
‫ان َف َق َ‬ ‫‪ُ ﴿ :‬ث َّم ْ‬
‫اس َت َوى ِإ َلى َّ‬
‫﴾[فصلت‪.]11:‬‬
‫‪ 2 4‬شرح عقيدة اإلمام مالك الصغير أبي محمد عبد اهلل ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬لإلمام أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر‬
‫البغدادي المالكي ‪ ،‬صححها وضبطها العالمة أبو أويس محمد بو خيرة الحسني التطواني ‪ ،‬وخرج أحاديثها أبو الفضل بدر العمراني ‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ن بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪3241 ،‬هـ‪2002/‬م ‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ 2 5‬سير أعالم النبالء (‪. )673/11‬‬
‫‪13‬‬
‫العلو والصعود واالرتفاع كما قال تعالى‬ ‫ّ‬ ‫‪ .4‬وإذا ُقيد بحرف «على» كان معناه‬
‫ُم َع َل ْي ِه‪[﴾..‬الزخرف‪.]13:‬‬ ‫ك ُروا ِن ْع َم َة َر ّب ُ‬
‫ِك ْم ِإ َذا ْ‬
‫اس َت َو ْيت ْ‬ ‫‪ِ ﴿ :‬ل َت ْس َت ُووا َع َلى ُظ ُه ِ‬
‫ور ِه ُث َّم َت ْذ ُ‬
‫اس َت َو ْت َع َلى ا ْل ُجو ِد ِّي﴾[هود‪.]44:‬‬ ‫﴿و ْ‬‫وقال عز وجل ‪َ :‬‬
‫وآيات االستواء كلها جاءت معداة بـ «على»‪ ]26[.‬ومن أجل ذلك أطبق السلف على‬
‫تفسير االستواء بالعلو واالرتفاع كما نقل اإلمام البخاري في صحيحه في كتاب‬
‫التوحيد عن أبي العالية الرياحي وعن مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس ‪ ]27[.‬ونقل‬
‫الحافظ ابن حجر عن ابن بطال رحمه اهلل تعالى قوله‪:‬‬
‫وأما تفسير استوى بعال فهو صحيح ‪ ،‬وهو المذهب الحق وقول أهل السنة ألن اهلل‬
‫ون﴾[النحل‪ ]1:‬وهي‬ ‫ك َ‬‫﴿س ْب َحا َن ُه َو َت َعا َلى َع َّما ُي ْش ِر ُ‬
‫سبحانه وصف نفسه بالعلي وقال ‪ُ :‬‬
‫صفة من صفات الذات ‪ .‬وأما من فسره بـ‪ :‬ارتفع ففيه نظر ألنه لم يصف به نفسه‪.‬‬
‫[‪]28‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ :‬وقد نقل البغوي عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن معنى‬
‫﴿استوى على العرش﴾ ارتفع ‪ .‬وقال أبو عبيد والفراء وغيرهما بنحوه ‪[.‬المصدر‬
‫السابق]‬
‫فنثبت هلل استواءه على عرشه كما أثبته ل ِنفسه وأثبته له رسوله ^ من غير تحريف‬
‫وال تعطيل ومن غير تكييف وال تمثيل كما هو مذهب السلف الصالح رضوان اهلل‬
‫عليهم ‪.‬‬
‫إال آية الدخان فإنها جاءت بإلى وهي لم تذكر العرش ‪ ،‬فالراجح أنها ليست من آيات الصفات‬ ‫‪2 6‬‬
‫‪ 27‬‬
‫فتح الباري (‪)604/3‬‬ ‫‪ 28‬‬
‫‪14‬‬
‫إبطال قول أهل التأويل في االستواء‬

‫أول صفة االستواء فهم طائفتان ‪ :‬طائفة تقول معناها االستيالء فإن‬ ‫وأما من ّ‬
‫«استوى» معناه عندهم استولى بزيادة الالم ‪ .‬وهو قول الجهم بن صفوان ‪ ]29[.‬وقد‬
‫صرح جمع من علماء اللغة بأنه مخالف لما تعرفه العرب في كالمها حتى قال ابن‬
‫األعرابي – النحوي المشهور – لمن قال له ذلك ‪ :‬ويحك ! إن االستيالء ال يكون‬
‫إال بعد المغالبة ‪ ،‬واهلل ال يغالبه أحد‪.‬‬
‫ثم إنهم لم يجدوا ما يؤيدون به هذا التأويل من كتاب اهلل وال من سنة رسوله ^‬
‫وال من قول العرب الفصحاء إال بيتًا منحوال على األخطل النصراني – شاعر العصر‬
‫األموي – وهو قوله ‪:‬‬
‫قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق‬
‫وقد أنكر العلماء نسبة هذا البيت إلى األخطل ‪ ،‬وقال بعضهم إنه هكذا ‪:‬‬
‫بشر قد استولى على العراق * من غير سيف ودم مهراق‬
‫ولو ثبت عنه كما نقلوه لما كان مقبوال‪ ،‬فإن األخطل نصراني سيء المعتقد‪ ،‬وهو‬
‫القائل – يستهزئ بشعائر اإلسالم ‪:‬‬
‫ُقبيل الصبح حي على الفالح‬ ‫ولست بقائم كالعير يـدعو‬
‫ولست بآكل لحـم األضاحي‬ ‫ولست بصائم رمضان طوعا‬
‫إلى بطحـاء مكـة للنجاح‬ ‫ولست بسائق عيسا بكـورا‬
‫وأسجـد عند منبلج الصباح‬ ‫ولكـني سأشربهـا شمـوال‬

‫‪ 2 9‬والجهم قد أخذه عن الجعد بن درهم عن أبان بن سمعان عن طالوت ابن أخت لبيد بن األعصم عن خاله لبيد ‪ .‬وهذه سلسلة‬
‫يهودية لها سوابق في محاربة اإلسالم ‪ .‬ولبيد بن األعصم هو اليهودي الذي سحر النبي‬
‫‪15‬‬
‫ولو كان األخطل مسلما لما ُقبل منه هذا البيت أيضا فإنه من ّ‬
‫المولدين الذين تأثرت‬
‫عربيتهم بالعجمة ‪ ،‬فال يحتج بقوله على تفسير الكالم الرباني ناهيك عن هذا األمر‬
‫الخطير الذي هو صفة من صفات اهلل العلية ‪ .‬ولقد ش ّنع على هذا المعتقد مع هذا‬
‫االحتجاج عدد من أهل العلم نظما ونثرا ‪ .‬ومن األول ما جاء في المية ابن تيمية‬
‫رحمه اهلل ‪:‬‬
‫والمصطفى الهادي وال أتـأول‬ ‫وأقول قال اهلل جل جالله‬
‫حقا كما نقل الطـراز األول‬ ‫وجميع آيات الصفات ُأمرها‬
‫وأصونها عن كـل ما ُيتخيل‬ ‫وأرد عهدتهـا إلى نقالهـا‬
‫وإذا استدل يقول قال األخطل[‪]30‬‬ ‫ُقبحا لمن نبذ القران وراءه‬
‫ومنه ما قاله تلميذه الحافظ ابن القيم في النونية ‪:‬‬
‫فأبوا وقالوا حنطة لـهوان‬ ‫ُأمر اليهود بـأن يقولوا حـطة‬
‫فأبى وزاد الحرف للنقصان‬ ‫وكذلك الجهمي قيل له استوى‬
‫لغة وعقال ما هـما سيان‬ ‫قال استوى استولى وذا من جهله‬
‫في وحي رب العرش زائدتان[‪]31‬‬ ‫نـون اليهود والم جهمي همـا‬
‫والقائلون بهذا التأويل يلزمهم أحد أمرين ‪ :‬إما القول بأن اهلل استولى على العرش‬
‫‪ 3 0‬العقيدة السلفية بين اإلمام ابن حنبل واإلمام ابن تيمية للدكتور سيد عبد العزيز السيلي ‪ ،‬دار المنار ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ .‬الثانية ‪،‬‬
‫‪6141‬هـ‪5991/‬م ‪ ،‬ص‪. 892‬‬
‫‪ 3 1‬القصيدة النونية المسماة بالكافية الشافية في االنتصار للفرقة الناجية للعالمة شمس الدين ابن قيم الجوزية ‪ ،‬عني بها عبد اهلل‬
‫بن محمد العمير ‪ ،‬دار ابن خزيمة‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪6141 ،‬هـ‪6991/‬م ‪ ،‬ص‪. 751‬وهذه القصيدة من أعظم ما انتصر به لعقيدة السلف الصالح‬
‫رضوان اهلل عليهم مع الرد المفصل على جميع معتقدات الفرق المخالفة لهم في مناهج عقيدتهم‪ .‬وتقع في ‪ 1285‬بيتا‬
‫‪16‬‬
‫ولم يستول على سائر المخلوقات ألن اهلل خص بهذا الوصف عرشه العظيم أو أن‬
‫اهلل استوى على السموات واألرض وسائر المخلوقات جميعا وكالهما غير صحيح‬
‫ش﴾ وال يجرؤ أحد على القول بأن الرحمن على‬ ‫﴿اس َت َوى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫فإن اهلل ذكر أنه ْ‬
‫األرض استوى ‪ ،‬فدل على أن استواءه على عرشه غير غلبته على العرش وعلى سائر‬
‫المخلوقات‪ .‬وقد رد هذا التأويل الحافظ ابن القيم من أربعين وجها‪]32[.‬‬
‫الملك ‪ ،‬فمعنى استوائه على العرش عندهم‬ ‫والطائفة الثانية تؤول العرش بمعنى ُ‬
‫الملك ‪ .‬وبطالن قولهم ال يخفى ألن العرش سرير محسوس له ظل[‪]33‬‬ ‫ارتفاعه على ُ‬
‫وهو محمول ومحفوفة به المالئكة كما يدل عليه قول الباري جل في عاله‪﴿ :‬‬
‫ِك َف ْو َق ُه ْم َي ْو َم ِئ ٍذ َث َما ِن َيةٌ﴾ [الحاقة ‪ ]17 :‬وقوله عز وجل ‪﴿ :‬ا َّل ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ش َر ّب َ‬ ‫َو َي ْح ِم ُل َع ْر َ‬
‫ِه ْم﴾ [غافر ‪ ]7 :‬وقوله سبحانه ‪﴿ :‬‬ ‫ِح ْم ِد َر ّب ِ‬
‫ون ب َ‬
‫ِح َ‬ ‫ش َو َم ْن َح ْو َل ُه ُي َس ّب ُ‬ ‫َي ْح ِمل َ‬
‫ُون ا ْل َع ْر َ‬
‫ش﴾ [الزمر ‪.]75 :‬‬ ‫ين ِم ْن َح ْو ِل ا ْل َع ْر ِ‬ ‫اف َ‬‫َو َت َرى ا ْل َملاَ ِئ َك َة َح ِّ‬
‫فالعرش أعظم المخلوقات ‪ ،‬وقد كان موجودا قبل خلق السموات واألرض كما قال‬
‫ان َع ْر ُش ُه َع َلى ا ْل َماءِ﴾‬
‫كَ‬ ‫ض ِفي ِس َّت ِة َأ َّي ٍ‬
‫ام َو َ‬ ‫ات َوا َ‬
‫أل ْر َ‬ ‫او ِ‬ ‫﴿و ُه َو ا َّل ِذي َخ َل َق َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫[هود ‪ . ]7 :‬وله قوائم كما في حديث ‪»:‬فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش»‬
‫[‪.]34‬فهل ملكه هو الذي كان على الماء ؟! أو أنه الذي تحمله المالئكة وتحف من‬
‫حوله ؟!! أو هو الذي أخذ موسى عليه السالم بقائمة من قوائمه ؟!!! ما أقبح‬
‫التأويل !‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬القصيدة النونية البن القيم ص‪ ، 19‬وشرحها للشيخ محمد خليل هراس ‪ 081-971/1‬ومختصر الصواعق المرسلة ‪ 603‬وما‬ ‫‪ 32‬‬
‫بعده ‪ ،‬وتوضيح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص‪ ، 16‬وتوضيح المقاصد البن عيسى ‪. 893-793/1‬‬
‫‪ 3 3‬كما في حديث ‪»:‬سبعة يظلهم اهلل في ظل عرشه‪ »...‬الحديث‬
‫‪ 3 4‬صحيح البخاري ‪ ،‬ك الخصومات ‪ ،‬باب ‪ ، 1‬ح ‪ 1142‬وك التوحيد ‪ ،‬باب ‪ ، 22‬ح ‪ 7247‬وانظر أيضا األرقام التالية ‪3184 ، 4143 ، 8043 :‬‬
‫‪ . 2747 ، 8156 ، 7156 ،‬وصحيح مسلم ‪ ،‬ك الفضائل ‪ ،‬باب ‪ ، 24‬ح ‪ 3732‬وليس في رواية مسلم ذكر القوائم وإنما في أحد رواياته «فإذا‬
‫موسى باطش بجانب العرش»‬
‫‪17‬‬
‫إثبات معية اهلل مع خلقه وقربه من عباده‬

‫وال يتعارض ما تقدم من علوه على خلقه ما تقرر أيضا من أنه مع خلقه قريب‬
‫ُم﴾ [الحديد ‪ ]4 :‬ولكن يجب أن نفهم هذه المعية‬ ‫ك ْنت ْ‬ ‫﴿و ُه َو َم َع ُك ْم أ َْي َن َما ُ‬
‫مجيب َ‬
‫حسب ما فهمها السابقون من أئمة العلم والدين ‪ .‬وسياق اآلية وسباقها يدالن على‬
‫أن معيته مع خلقه معية العلم ‪ ،‬فهو معهم بسمعه وبصره وعلمه وقدرته ال تخفى‬
‫﴿ه َو ا َّل ِذي‬ ‫عليه خافية في األرض وال في السماء [‪ .]35‬اقرأ اآلية السابقة من أولها ‪ُ :‬‬
‫ض‬ ‫ش َي ْع َل ُم َما َي ِل ُج ِفي الأْ َ ْر ِ‬
‫اس َت َوى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬‫ام ُث َّم ْ‬‫ض ِفي ِس َّت ِة َأ َّي ٍ‬ ‫ات َوالأْ َ ْر َ‬ ‫او ِ‬
‫الس َم َ‬
‫َخ َل َق َّ‬
‫ُم َو ّهَ ُ‬
‫الل‬ ‫ك ْنت ْ‬
‫يها َو ُه َو َم َع ُك ْم أ َْي َن َما ُ‬ ‫الس َما ِء َو َما َي ْع ُر ُج ِف َ‬
‫َو َما َي ْخ ُر ُج ِم ْن َها َو َما َي ْن ِز ُل ِم َن َّ‬
‫ير﴾ [الحديد ‪ . ]4 :‬ففي أول اآلية أثبت اهلل استواءه على العرش بعد‬ ‫ُون َب ِص ٌ‬ ‫ِما َت ْع َمل َ‬
‫بَ‬
‫خلق السموات واألرض ثم في وسطها أثبت إحاطة علمه بالمخلوقات وأثبت معيته‬
‫معهم ثم بين نوع المعية بقوله ‪﴿ :‬واهلل بما تعملون بصير﴾ ‪.‬‬
‫ومثل هذا ما ورد من دعاء النبي ^ حيث يقول ‪»:‬اللهم أنت الصاحب في السفر ‪،‬‬
‫والخليفة في األهل»[‪ ]36‬فهو سبحانه مع المسافر في سفره ومع أهله في وطنه‬
‫ول ّهَ ِ‬
‫الل‬ ‫‪﴿:‬م َح َّم ٌد َر ُس ُ‬
‫وال يلزم من ذلك أن تكون ذاته مختلطة بذواتهم‪ ،‬كما قال ُ‬
‫اء َب ْي َن ُه ْم﴾ [الفتح ‪ ]29 :‬أي معه على اإليمان ‪ ،‬ال‬ ‫ار ُر َح َم ُ‬‫َش َّد ُاء َع َلى ا ْل ُك َّف ِ‬ ‫ين َم َع ُه أ ِ‬‫َوا َّل ِذ َ‬
‫اع َت َص ُموا‬
‫َص َل ُحوا َو ْ‬ ‫أن ذاتهم في ذاته بل هم مصاحبون له ‪ .‬وقوله ‪﴿:‬إ اَِّل ا َّل ِذ َ‬
‫ين َتا ُبوا َوأ ْ‬
‫ين﴾ [النساء ‪ ]146:‬يدل على موافقتهم‬ ‫ك َم َع ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َخ َل ُصوا ِدي َن ُه ْم للِ ّهَ ِ َفُأو َل ِئ َ‬ ‫ب ّهَ ِ‬
‫ِالل َوأ ْ‬
‫ين﴾ [التوبة ‪﴿ ]119 :‬‬ ‫الصا ِد ِق َ‬
‫كونُوا َم َع َّ‬ ‫‪﴿:‬و ُ‬
‫في اإليمان ومواالتهم ‪ ،‬وكذلك قوله َ‬
‫ين﴾ [البقرة ‪ . ]43 :‬فاهلل تعالى عالم بعباده وهو معهم أينما‬ ‫اك ِع َ‬ ‫الر ِ‬ ‫ك ُعوا َم َع َّ‬ ‫ار َ‬‫َو ْ‬
‫كانوا ‪ ،‬وعلمه بهم من لوازم المعية ‪] [.‬‬
‫‪37‬‬
‫وكل النصوص التي تدل على المعية ال تخلو من هذا البيان بوجه ولذلك لما سئل‬
‫اإلمام علي بن المديني – شيخ اإلمام البخاري – رحمه اهلل ‪ :‬ما قول أهل الجماعة‬
‫؟ قال ‪ :‬يؤمنون بالرؤية – يعني رؤية اهلل ألهل الجنة – والكالم – يعني إثبات أن‬
‫القرآن كالم اهلل – قال‪ :‬وأن اهلل فوق السموات على العرش استوى ‪ .‬فسئل عن قوله‬
‫هذه المعية تسمى المعية العامة وهي أن اهلل مع جميع الخلق مسلمهم وكافرهم بعلمه وسمعه وبصره‬ ‫‪3 5‬‬
‫‪ 36‬صحيح مسلم ‪ ،‬ك الحج ‪ ،‬باب ‪ ، 57‬ح ‪ 2431‬عن ابن عمر‬
‫‪ 37‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ، 232-132/5‬وراجع‪ :‬الصفات اإللهية بين السلف والخلف للشيخ عبد الرحمن الوكيل ‪ ،‬دار‬
‫لينة‪ ،‬دمنهور ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط‪ .‬الثانية ‪3141 ،‬هـ‪2991/‬م ‪ ،‬ص ‪.031-921‬‬
‫‪18‬‬
‫ون ِم ْن َن ْج َوى َثلاَ َث ٍة إ ّاَِل ُه َو َراب ُ‬

‫ِع ُه ْم﴾ فقال ‪ :‬اقرأ ما قبلها‪َ﴿ :‬أ َل ْم َت َر‬ ‫﴿ما َي ُك ُ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫ِك ِّل َش ْي ٍء‬ ‫ِن ّهََ‬
‫الل ب ُ‬ ‫ض﴾ واقرأ في آخرها ‪﴿ :‬إ َّ‬ ‫ات َو َما ِفي الأْ َ ْر ِ‬ ‫او ِ‬
‫الس َم َ‬ ‫َن ّهََ‬
‫الل َي ْع َل ُم َما ِفي َّ‬ ‫أ َّ‬
‫يم﴾ [المجادلة‪. ]7 :‬‬ ‫َع ِل ٌ‬
‫واهلل سبحانه مع أنبيائه وأوليائه بالتوفيق والنصر والتأييد كما قال تعالى لموسى‬
‫وهارون ‪﴿ :‬إنني معكما أسمع وأرى﴾ [طه ‪ ]46 :‬وقال سبحانه ‪﴿ :‬إن اهلل مع الذين‬
‫اتقوا والذين هم محسنون﴾ [النحل ‪ ]128 :‬وقال حكاية عن موسى عليه السالم ‪﴿ :‬‬
‫كال إن معي ربي سيهدين﴾ [الشعراء ‪ ]62 :‬وقال النبي ^ للصديق إذ هما في الغار‪:‬‬
‫﴿ال تحزن إن اهلل معنا﴾ [التوبة ‪ . ] :‬فهذه المعية أيضا ال تعني أن اهلل مختلط بذاته‬
‫في ذوات األنبياء واألولياء ولكنه معهم بنصره وتأييده وكفايته وحفظه[‪.]38‬‬
‫والعبد يكون في بعض أحواله أقرب إلى ربه من بعضها ‪ .‬يدل على ذلك ما ثبت في‬
‫صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ‪ t‬عن النبي ^ ‪»:‬أقرب ما يكون العبد من ربه‬
‫وهو ساجد»[‪]40[.]39‬‬
‫ولذلك قال اهلل تعالى‪﴿ :‬أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب﴾‬
‫[اإلسراء ‪]41[.]57 :‬‬
‫وإذا عرفت هذا علمت أنه ليس هناك أي تناقض بين إثبات العلو وإثبات المعية ألنه‬
‫ال يمكن وجود التناقض بين نصوص الكتاب الكريم ‪ .‬وهذا وصف لجميع عقائد أهل‬
‫السنة ليس فيها أي تناقض وإنما التناقض بين أقوال أهل البدع ‪]42[.‬‬
‫‪ 38‬وهذه تسمى المعية الخاصة ألنها خاصة بأنبياء اهلل ورسله والصالحين من عباده وهي معية اهلل معهم بالنصر والتأييد والدفاع‬
‫عنهم وحمايتهم من كيد أعدائهم ‪.‬‬
‫‪ 39‬رواه أحمد (‪ )124/2‬ومسلم ‪ ،‬ك الصالة (‪ )512/284‬والنسائي في التطبيق (‪ )7311‬عن أبي هريرة‬
‫‪ 4 0‬ولذلك أُمر أن يقول في سجوده (سبحان ربي األعلى) ألن السجود غاية الخضوع والذل والتواضع من العبد وذلك أنه يضع‬
‫وجهه ‪ -‬وهو أشرف شيء فيه ‪ -‬على التراب تواضعا هلل ‪ ،‬فناسب في غاية سفوله وتواضعه أن يصف ربه بأنه األعلى راجع ‪ :‬مجموع‬
‫الفتاوى ‪.732-632/5‬‬
‫‪ 4 1‬وهذه النصوص قد استغلها من يقول بأن اهلل في كل مكان من أهل الحلول والمتصوفة وغيرهم وليست لهم حجة في شيء منها‬
‫العر ّي من الهوى ‪.‬‬
‫بل كل نص يحتجون به فهو حجة عليهم إذا تأمله المنصف ِ‬
‫‪ 42‬وقد تأول بعضهم نزول الرب تعالى آخر كل ليلة إلى سماء الدنيا بنزول أمره ‪ ،‬فقال له بعض السلف ‪ِ :‬‬
‫ومن عند َم ْن ينزل ؟‬
‫يشير بذلك إلى أن القائل ال يؤمن بأن اهلل في السماء ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫معنى التفويض والتأويل‬

‫صيره إليه وجعله الحاكم فيه[‪.]43‬‬ ‫يفوضه بمعنى ّ‬ ‫فوض إليه األمر ّ‬‫التفويض مصدر ّ‬
‫ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون‪﴿ :‬وأفوض أمري إلى اهلل﴾ [غافر‪]44:‬‬
‫«وف َّو ْض ُت أمري إليك» يعني رددته إليك‪ .‬والمتكلمون يعنون‬ ‫َ‬ ‫ومن دعائه ^‪:‬‬
‫بالتفويض في صفات اهلل تعالى ما ينسبونه إلى السلف من الكف عن تفسيرها الذي‬
‫يدل على معناها ‪ .‬فهم – على قول المتكلمين – ال يعلمون معانيها ‪ ،‬وأنهم في‬
‫فهم هذه الصفات كاألعجمي الذي ال يعرف من معناها إال مجرد سماع ألفاظها ‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك فوضوا العلم بها إلى اهلل تعالى ‪ .‬وال شك أن هذا تجهيل لسلف‬
‫األمة الذين هم أعلم الخلق بربهم سبحانه ‪ .‬وهو أيضا اتهام للنبي ^ بأنه لم يبين‬
‫للصحابة ما أنزل اهلل عليه ‪ .‬وال يوجد نص عن أحد من الصحابة أو التابعين أو من‬
‫بعدهم من السلف الصالحين يقول في صفة من صفات اهلل تعالى ‪ :‬أنا ال أعلم معناها‬
‫َم ُّروها كما جاءت»‬ ‫أو إنني أفوض معناها إلى اهلل تعالى ‪ .‬بل كانوا يقولون ‪« :‬أ ِ‬
‫وال يتحرجون من وصف اهلل عز وجل بشيء منها ‪.‬‬
‫واألول إنما‬
‫ّ‬ ‫وأما التأويل فهو مصدر من ا َ‬
‫أل ْول وهو الرجوع ‪ ،‬والمآل ‪ :‬المرجع ‪.‬‬
‫أوال لالبتداء به ورجوع ما بعده إليه ‪ .‬وآل الرجل هم من يؤول ‪ -‬يرجع ‪ -‬إليه‬
‫كان ّ‬
‫[‪ .]44‬وقوله تعالى‪﴿ :‬لن يجدوا من دونه موئال﴾ [الكهف ‪ ]58 :‬أي مرجعا‪.‬‬
‫ويطلق التأويل في اللغة على ما تؤول إليه حقيقة األمر في ثاني حال ‪ .‬وبهذا‬
‫المعنى وردت كلمة التأويل في الكتاب الكريم كما قال تعالى ‪﴿:‬ذلك خير وأحسن‬
‫تأويال﴾ [النساء ‪﴿ ]59 :‬ولما يأتهم تأويله﴾ [يونس ‪﴿ ]39:‬ولقد جئناهم بكتاب فصلناه‬
‫على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إال تأويله‪[ ﴾..‬األعراف ‪-52:‬‬
‫‪ ]53‬وتأويل القرآن هو مجيء ما أخبر به من القيامة وأشراطها كالدابة ويأجوج‬
‫ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ومجيء ربك والملك صفا صفا ومجيء‬
‫الصحف والموازين والجنة والنار وأنواع النعيم والعذاب ‪ .‬وحين يجيء هذا التأويل‬
‫يقولون كما أخبر اهلل تعالى عنهم ‪﴿ :‬يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد‬
‫‪ 4 3‬لسان العرب للعالمة أبي الفضل جمال الدين ابن منظور اإلفريقي ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬ط‪ .‬السادسة ‪7141 ،‬هـ‪7991/‬م ‪. 012/7 ،‬‬
‫‪ 44‬المصدر السابق ‪ 23/11‬والقاموس المحيط للعالمة اللغوي مجد الدين محمد بن يغقوب الفيروزآبادي ‪ ،‬تحقيق مكتبة التراث في‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ .‬الثانية ‪7041 ،‬هـ‪7891/‬م ‪ ،‬ص‪. 938‬‬
‫‪20‬‬
‫جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا‬
‫نعمل﴾ [األعراف ‪ . ]53 :‬ولذلك قال تعالى ‪﴿:‬وما يعلم تأويله إال اهلل﴾ [آل عمران‬
‫‪ ، ]7:‬كما قال ‪﴿:‬فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ [السجدة ‪﴿ ، ]17 :‬بل‬
‫كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾ [يونس ‪.]39 :‬‬
‫ومن ذلك قول يعقوب عليه السالم ‪﴿ :‬كذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل‬
‫األحاديث﴾ [يوسف ‪ ، ]6 :‬وقول يوسف عليه السالم ‪﴿ :‬ال يأتيكما طعام ترزقانه إال‬
‫نبأتكما بتأويله﴾ [يوسف ‪ ]37 :‬وقول المأل للملك ‪﴿ :‬أضغاث أحالم ‪ ،‬وما نحن‬
‫بتأويل األحالم بعالمين﴾ [يوسف ‪ ، ]44 :‬وقوله لما دخل عليه أهله في مصر ‪﴿ :‬يا‬
‫أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا﴾ [يوسف ‪ . ]100:‬فتأويل األحاديث‬
‫التي هي األحالم هو نفس مدلولها الذي تؤول إليه كما قال‪﴿ :‬ال يأتيكما طعام‬
‫ترزقانه﴾ يعني في المنام ﴿إال نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما﴾ يعني قبل أن يأتيكما‬
‫التأويل‪.‬‬
‫وفي قصة موسى عليه السالم مع العالم ‪﴿ :‬قال هذا فراق بيني وبينك ‪ ،‬سأنبؤك‬
‫بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا﴾‪ .‬وبعد أن أخبره به قال ‪﴿ :‬ذلك تأويل ما لم‬
‫تسطع عليه صبرا﴾ [الكهف ‪.]82-78 :‬‬
‫وقال تعالى ‪﴿:‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اهلل والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل‬
‫واليوم اآلخر ‪ ،‬ذلك خير وأحسن تأويال﴾ [النساء ‪ ]59 :‬أي أحسن عاقبة ومصيرا‬
‫‪ .‬فالتأويل هنا تأويل فعلهم الذي هو الرد إلى الكتاب والسنة ‪ ،‬والتأويل في سورة‬
‫يوسف تأويل أحاديث الرؤيا ‪ ،‬والتأويل في سورة الكهف تأويل أفعال العالم وفي‬
‫األعراف ويونس وآل عمران هو تأويل القرآن ‪.‬‬
‫وقد َي ِر ُد التأويل في كالم أهل العلم من السلف بمعنى التفسير كما يقول الحافظ‬
‫ابن جرير الطبري رحمه اهلل ‪ :‬القول في تأويل قول اهلل تعالى كذا ‪ ،‬وذلك عند‬
‫تفسيره لآليات ‪ .‬وعلى هذا نفهم قول مجاهد ابن جبر – تلميذ ابن عباس – الذي‬
‫يقول بأن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه يعني يعلمون تفسيره فإن‬
‫المتشابه هو ما يحتمل معنيين ويدخل فيه المجمل والمطلق والعام والمنسوخ ‪،‬‬
‫‪21‬‬
‫فأهل العلم يعلمون تفسيره الذي هو التفصيل والتقييد والتخصيص والنسخ ‪.‬‬
‫وأما عند المتأخرين من الفقهاء وعلماء األصول والمتكلمة والصوفية فالتأويل هو‬
‫صرف اللفظ عن معناه الظاهر المتبادر منه إلى معنى آخر محتمل مرجوح لدليل‬
‫‪ .‬وال يخلو هذا من ثالث حاالت ‪:‬‬
‫‪ .1‬إما أن يصرف عن ظاهره المتبادر منه بدليل صحيح من الكتاب أو السنة ‪ .‬وهذا‬
‫صحيح مقبول ال نزاع فيه ‪ .‬فقوله ^ ‪»:‬الجار أحق بصقبه» يدل بظاهره على‬
‫بين‬
‫ثبوت الشفعة للجار الذي هو المجاور لصاحب البستان ‪ ،‬ولكن النبي ^ بنفسه ّ‬
‫ما يقتضي معنى آخر محتمل غير هذا وذلك في قوله ^ ‪»:‬فإذا ُضربت الحدود‬
‫وصرفت الطرق فال شفعة» فأثبت الشفعة للجار الذي هو الشريك المقاسم دون‬
‫الجار المجاور ‪ .‬ويسمى مثل هذا تأويال صحيحا وتأويال قريبا ‪ .‬وال مانع منه إذا‬
‫دل عليه النص ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .2‬الثاني ‪ :‬صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه بدليل ضعيف أو اجتهاد خاطئ‬
‫كتخصيص بعض العلماء حديث ‪»:‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل‬
‫باطل» باألمة المكاتبة ‪ ،‬وقالوا ال مانع من أن تُنكح المرأة نفسها إذا كانت حرة ‪.‬‬
‫فأولوا المرأة بالمكاتبة اجتهادا ‪ .‬وهذا التأويل خطأ لورود الحديث بصيغة العموم‬
‫المؤكدة بما الزائدة «أيما» ‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ .3‬الثالث ‪ :‬حمل اللفظ على غير ظاهره بدون دليل‪ .‬وهذا تالعب بكتاب اهلل تعالى‬
‫يفعله كثير من الطوائف المبتدعة في صفات اهلل تعالى لما توهموه في عقولهم من‬
‫مشابهة صفات الخالق بصفات المخلوقين كما يفعلونه في مسائل القضاء والقدر‬
‫وغيرها ‪ .‬وهو تهجم على كالم رب العالمين ‪ .‬والقاعدة المعروفة عند علماء السلف‬
‫‪ :‬أنه ال يجوز صرف شيء من كتاب اهلل تعالى وال سنة رسوله ^ عن ظاهره إال‬
‫بدليل يجب الرجوع إليه ‪]45[.‬‬
‫منهج ودراسات آليات األسماء والصفات للشيخ محمد األمين الشنقيطي ‪ ،‬من مطبوعات الجامعة اإلسالمية ‪ ، 0041 ،‬ص ‪.91-81‬‬ ‫‪4 5‬‬
‫‪22‬‬
‫عقيدة السلف هي اإلثبات‪ ،‬ال التفويض وال التأويل‬

‫أكثر ما يتبجح به من لم يحط علما بمعتقد السلف أنهم مفوضة وأن من بعدهم من‬
‫الخلف مؤولة ‪ ،‬ويبنون على هذا أن من لم يقل بالتفويض وال بالتأويل فهو المبتدع‬
‫أول فهو على صراط مستقيم حتى قال قائلهم ‪:‬‬ ‫فوض أو ّ‬ ‫‪ ،‬ومن ّ‬
‫فوض ورم تنزيها[‪]46‬‬ ‫أوله أو ّ‬‫وكل نص أوهم التشبيها * ّ‬
‫ثم يتحيرون فال يعرفون حقا وال يهتدون سبيال فيقولون ‪ :‬طريقة السلف أسلم –‬
‫يعنون التفويض ‪ -‬وطريقة الخلف أعلم – يعنون التأويل ‪ .‬وهذا كله خطأ أورث‬
‫خطأ ‪ .‬بل طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم ‪ ،‬وطريقة غيرهم أظلم وأسقم وأغشم‪.‬‬
‫وهدد بالعذاب من خالف سبيلهم ‪ .‬وهم خير‬ ‫زكى اهلل طريقهم ّ‬ ‫فالسلف هم الذين ّ‬
‫األمة بعد األنبياء ‪ ،‬ال كان وال يكون مثلهم ‪ .‬فكيف يقال إن المتكلمين الحيارى أعلم‬
‫يفوضون معاني صفات اهلل عز وجل‬ ‫منهم باهلل وما يليق به ؟! فالسلف لم يكونوا ّ‬
‫ألنهم لم يكونوا يجهلون معانيها ‪ ،‬ولم يؤولوا شيئا منها ألنهم لم يتوهموا مشابهة‬
‫صفات الخالق بصفات المخلوق فيحتاجوا لما احتاج إليه أهل الكالم من التأويل ‪.‬‬
‫قال الحافظ الذهبي رحمه اهلل تعالى ‪:‬‬
‫قد فسر علماء السلف المهم من األلفاظ وغير المهم ‪ ،‬وما أبقوا ممكنا ‪ ،‬وآيات‬
‫الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصال ‪ ،‬وهي أهم الدين ‪ ،‬فلو كان تأويلها‬
‫سائغا أو حتما لبادروا إليه ‪ ،‬فعلم قطعا أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق‬
‫غير ذلك ‪ ،‬فنؤمن بذلك ونسكت اقتداء بالسلف‪ ،‬معتقدين أنها صفات‬ ‫‪ ،‬ال تفسير لها ُ‬
‫هلل تعالى استأثر اهلل بعلم حقائقها (يعني كيفيتها) وأنها ال تشبه صفات المخلوقين‬
‫‪ ،‬كما أن ذاته المقدسة ال تماثل المخلوقين‪ .‬فالكتاب والسنة نطق بها ‪ ،‬والرسول ^‬
‫بلّغ ‪ ،‬وما تعرض لتأويل مع كون الباري قال ‪﴿:‬لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ النحل‬
‫‪ ،]44 :‬فعلينا اإليمان والتسليم للنصوص ‪ ،‬واهلل يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‬
‫‪ 46‬جوهرة التوحيد مع حاشية الباجوري ‪ ،‬ص‪ . 55‬والنصوص الصريحة ال توهم التشبيه في العقول الزكية ‪ ،‬وإنما الوهم من‬
‫العقول الكليلة التي أصيبت بمرض الكالم والفلسفة والتي ال تفهم أن هلل صفات تليق بجالله وكماله مغايرة لصفات البشر المناسبة‬
‫لحالهم وعجزهم وافتقارهم‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪]47[.‬‬
‫الفرق بين التفويض والكف عن التكييف‬

‫والتمثيل‬
‫وهنا يجب التفريق بين التفويض الذي يقصدونه وبين ما ثبت عن السلف من الكف‬
‫عن التكييف والتمثيل فهذا قد يسمى تفويضا ولكنه تفويض للكيفية ال للمعنى ‪.‬‬
‫فالسلف يثبتون معاني صفات اهلل تعالى على حقيقتها المعروفة التي يعرفها كل من‬
‫يعرف اللغة العربية ولكن يفوضون العلم بكيفية هذه الصفات إذ أن ذلك ال تهتدي‬
‫إليه العقول كما قال تعالى ‪﴿ :‬وال يحيطون به علما﴾[طه ‪ .]110 :‬ولذلك كانوا‬
‫وها كما جاءت بال كيف [‪ .]48‬ففي الجنة من النعيم ما وصفه اهلل‬ ‫يقولون‪ :‬أ ِ‬
‫َم ُّر َ‬
‫وأنهار من خمر لذة‬
‫ٌ‬ ‫وأنهار من لبن لم يتغير طعمه‬
‫ٌ‬ ‫في كتابه ﴿من ماء غير آسن‬
‫وأنهار من عسل مصفى﴾ [محمد ‪ . ]15 :‬ومع ذلك فليس في الدنيا مما في‬
‫ٌ‬ ‫للشاربين‬
‫الجنة إال األسماء كما قاله ابن عباس ‪ . t‬فهل يعني ذلك أن ننفي وجود الماء واللبن‬
‫والخمر والعسل في الجنة ؟ كال ‪ ،‬هي كذلك على حقيقتها ولكنا ال نعلم كيفيتها‬
‫كما قال سبحانه ‪﴿:‬فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ [السجدة ‪. ]17 :‬‬
‫جحش رضي اهلل عنها حين تقول للرسول ^‪« :‬زوجنيك الرحمن‬ ‫ٍ‬ ‫زينب ب ْن َت‬
‫َ‬ ‫َف َت َرى‬
‫أَ‬
‫من فوق عرشه» وفي رواية ‪»:‬إن اهلل أنكحني في السماء»[ ] ال تعرف معنى أن اهلل‬
‫‪49‬‬
‫في السماء فوق العرش ؟ ‪.‬‬
‫أو أن عائشة رضي اهلل عنها حين قالت في شأن قتل عثمان‪« :‬علم اهلل فوق عرشه أني‬
‫لم أحب قتله»[‪ ]50‬ال تعرف أين ربها بل تفوض معنى ذلك ؟‬
‫أحب نساء رسول‬ ‫ِ‬

‫«كنت َّ‬ ‫أو ليس عبد اهلل بن عباس هو الذي قال لها رضي اهلل عنهما‪:‬‬
‫سير أعالم النبالء (‪)605-505/01‬‬ ‫‪ 47‬‬

‫التمهيد البن عبد البر ‪. 941/7‬‬ ‫‪ 48‬‬
‫صحيح البخاري ‪ ،‬ك التوحيد ‪ ،‬باب ‪ ، 22‬ح‪.0247‬‬ ‫‪4 9‬‬
‫أخرجه الدارمي في كتاب الرد على الجهمية (ص‪ )72‬وإسناده صحيح ‪.‬‬ ‫‪ 50‬‬
‫‪24‬‬
‫اهلل ^ ولم يكن يحب إال طيبا ‪ ،‬وأنزل اهلل براءتك من فوق سبع سموات»[‪ ]51‬؟‬
‫أو أن عمر بن الخطاب حين قال لخولة بنت ثعلبة ‪« :‬هذه امرأة سمع اهلل شكواها‬
‫من فوق سبع سموات»[‪ ]52‬أو حين استقبله الناس بالشام وأشاروا له أن يركب‬
‫ِر َذ ْونًا يلقاه عظماء الناس فقال لهم ‪ :‬أريكم ههنا ؟ إنما األمر من ههنا ! وأشار إلى‬
‫بْ‬
‫السماء ‪ ]53[.‬أتظن أنه ال يعرف أين ربه؟‪.‬‬
‫أو أن عبد اهلل بن مسعود ‪ t‬حين قال ‪« :‬العرش فوق الماء واهلل فوق العرش ال يخفى‬
‫عليه شيء من أعمالكم»[‪ ]54‬يفوض معنى أن اهلل فوق العرش ؟!‪.‬‬
‫بل األحاديث النبوية الصحيحة تؤكد أن الرسول ^ عرف معنى الصفات وأثبتها هلل‬
‫تعالى وعلّم أصحابه هذا اإلثبات ‪ .‬ومن األمثلة على ما نحن بصدده من إثبات العلو‬
‫واالستواء ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد ‪ t‬عن النبي ^ ‪»:‬أال تأمنوني‬
‫وأنا أمين من في السماء ؟»[‪]55‬‬
‫وما أخرجه مسلم من طريق أبي هريرة عن النبي ^ قال‪« :‬والذي نفسي بيده ما‬
‫من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إال كان الذي في السماء ساخطا عليها‬
‫حتى يرضى عنها زوجها»[‪.]56‬‬
‫وما أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد اهلل بن عمرو عن النبي ^‪« :‬الراحمون‬
‫يرحمهم الرحمن ‪ ،‬ارحموا من في األرض يرحمكم من في السماء» ‪]57[.‬‬
‫‪ 5 1‬أخرجه اإلمام الدارمي في «الرد على بشر المريسي» ص‪ 501‬وفي «الرد على الجهمية» ص‪ ، 82-72‬وأورده الذهبي في كتاب‬
‫العلو وقال المحدث األلباني سنده صحيح على شرط مسلم (مختصر العلو ص‪)031‬‬
‫‪ 5 2‬تفسير القرآن العظيم للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪7041 ،‬هـ‪7891/‬م ‪.143/4 ،‬‬
‫‪ 5 3‬أخرجه الدارمي في مسنده (‪ )501‬وفي كتاب الرد على الجهمية (‪ )62‬وقال الحافظ الذهبي إسناده كالشمس ‪ ،‬وقال األلباني هو‬
‫على شرط البخاري ومسلم‪ .‬مختصر العلو ص ‪.301‬‬
‫‪ 54‬رواه عبد اهلل بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة والبيهقي في كتاب األسماء والصفات (‪ )104‬وابن خزيمة في كتابه (ص‪)07‬‬
‫ووالدارمي في المسند (ص‪ )501‬ورواه الاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (‪ )312/1‬عن عمر بن الخطاب ‪ .‬وإسناده صحيح كما‬
‫قال الذهبي في كتاب العلو (ص‪ )301‬وابن القيم في اجتماع الجيوش اإلسالمية (ص‪ )001‬وابن عبد البر في التمهيد (‪)931/7‬‬
‫‪ 55‬صحيح البخاري ‪ ،‬ك المغازي ‪ ،‬باب ‪ ، 26‬ح ‪ ، 1534‬وصحيح مسلم ‪ ،‬ك الزكاة ‪ ،‬باب ‪ ، 74‬ح ‪.4601‬‬
‫‪ 5 6‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ ، 91‬ح ‪.6341‬‬
‫‪ 57‬سنن أبي داود ‪ ،‬ك األدب ‪ ،‬باب ‪ ، 66‬ح ‪ 1494‬وسنن الترمذي ‪ ،‬ك البر والصلة ‪ ،‬باب ‪ ، 61‬ح ‪ 1391‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح ‪ .‬وانظر تخريجه في السلسلة الصحيحة (‪.)229‬‬
‫‪25‬‬
‫واألحاديث النبوية في ذلك كثيرة جدا يمكنك مراجعتها مع ما َي ْع ُض ُدها من اآلثار‬

‫السلفية من أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى علماء القرن السابع في كتاب‬
‫العرش لإلمام الذهبي وكتابه اآلخر «العلو» والذي طبع مختصره باسم «العلو‬
‫للعلي الغفار»[‪ .]58‬وال تفوتنك قراءته فإنه كتاب نفيس ‪.‬‬
‫معنى قول السلف‪»:‬االستواء معلوم»‬

‫يشتبه على كثير من طلبة العلم ما ُأثر عن بعض الصحابة والتابعين وثبت عن‬
‫ربيعة شيخ اإلمام مالك وعن مالك أيضا رضي اهلل عنهم أجمعين أنهم قالوا حين‬
‫سئلوا عن كيفية االستواء فقالوا بأن «االستواء معلوم ‪ ،‬والكيف غير معقول ‪،‬‬
‫واإليمان به واجب ‪ ،‬والسؤال عنه بدعة» زاد ربيعة بدل الجملة األخيرة ‪« :‬ومن‬
‫تفويض‬
‫ٌ‬ ‫اهلل الرسالة ‪ ،‬وعلى الرسول البالغ ‪ ،‬وعلينا التصديق»[‪ . ]59‬فيظنون أن هذا‬
‫ومنع للحديث عن هذه الصفة التي وصف اهلل نفسه بها في مواضع‬ ‫ٌ‬ ‫لمعنى االستواء‬
‫أعلم الناس به ^ في أحاديثه الكثيرة ‪ .‬وهذا وهم أورثه‬ ‫ُ‬ ‫في كتابه ووصفه بها‬
‫عدم التأمل في النصوص المروية عن السلف في هذا الباب ومنهم اإلمام مالك نفسه‬
‫يتبين فقهه ‪ .‬ولو‬
‫رحمه اهلل ‪ ،‬ولذلك قال العلماء ‪ :‬الباب إذا لم تجمع طرقه لم ّ‬
‫تأملوا هذا اللفظ نفسه لعلموا أنه ليس فيه تفويض فإن السؤال كان عن «كيف‬
‫استوى» ؟ ال عن معناه ‪ ،‬وألنهم يقولون «واإليمان به واجب» فاإليمان بماذا ؟ بما‬
‫ال نعرف معناه ؟!‪.‬‬
‫فالقول بأن االستواء معلوم يعني أنه ال يحتاج إلى تأويل ألنه معلوم غير مجهول ‪.‬‬
‫وأما أن الكيف غير معقول فذلك أن الصفات فرع عن الذات وحيث ال يعرف أحد‬
‫كيفية ذاته سبحانه فال سبيل ألحد إلى معرفة كيفية صفاته ‪ .‬وهذا يقال في جميع‬
‫الصفات كالسمع والبصر والحياة وكذلك في القدم والساق والرجل وفي االستواء‬
‫والمجيء والنزول وسائر الصفات فنثبتها على حقيقتها وال نذكر لها تمثيال وال‬
‫وبينه رسوله ويجب قبوله من اهلل ورسوله‬
‫تكييفا ‪ .‬واإليمان به واجب ألن اهلل ذكره ّ‬
‫هذا الكتاب ُوجدت نسخته الخطية بخط أحمد بن زيد المقدسي وذكر أنه نقلها من خط المؤلف ‪ .‬ثم طبع في الهند عام ‪6031‬هـ‬ ‫‪5 8‬‬
‫‪ ،‬وطبعه السيد رشيد رضا عام ‪2331‬هـ عن الطبعة الهندية ‪ ،‬ثم طبعته جماعة أنصار السنة بالقاهرة بتعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي‬
‫عام ‪7531‬هـ ‪ ،‬ثم نشرته المكتبة السلفية في المدينة النبوية عام ‪8831‬هـ بعناية األستاذ عبد الرحمن محمد عثمان ‪ ،‬ثم عني به الشيخ‬
‫األلباني فحققه وخرجه واقتصر فيه على المرويات الصحيحة ‪ ،‬وصدر عن المكتب اإلسالمي ‪ .‬ثم ظهرت طبعة جديدة لهذا الكتاب‬
‫بعناية محمد حسن محمد حسن إسماعيل عن دار الكتب العلمية عام ‪4241‬هـ‪3002/‬م‬
‫‪ 5 9‬أخرجه الاللكائي في السنة ‪ ، 29/1‬والذهبي في العلو (‪ 231‬مختصره) وصححه غير واحد ‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ .‬وأما أن السؤال عنه بدعة فذلك حين ظهور بدعة التأويل فيسألون عن كيفية‬
‫هذه الصفات ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل والتحريف ‪ .‬وكان السلف رضوان اهلل‬
‫عليهم أحرص الناس على سد أبواب الفتن ودرء مسالك االبتداع في الدين ‪]60[.‬‬
‫التأويل فرع عن التشبيه‬

‫التنبه لها وهي أن الذي يلجأ إلى التأويل في صفات اهلل تعالى ال‬
‫ُّ‬ ‫وهنا مسألة يجب‬
‫يفعل ذلك إال بعد تصوره للتشبيه ‪ ،‬فيفر منه إلى التأويل ‪ .‬وأما الذي يعتقد ثبوت‬
‫يكيف ويقول إن ذاته المقدسة‬
‫الصفات على ما يليق باهلل جل جالله وال يمثّل وال ّ‬
‫ال تشبه الذوات وال صفاته العلية تشبه الصفات فهذا ال يحتاج إلى التأويل ‪ .‬وهذه‬
‫طريقة السلف أجمعين ‪.‬‬
‫وقد أثر عن نعيم بن حماد ‪ -‬من أئمة أتباع التابعين‪ -‬قوله‪« :‬من شبه اهلل بخلقه‬
‫فقد كفر ‪ ،‬ومن أنكر ما وصف نفسه به فقد كفر ‪ .‬وليس ما وصف به نفسه وال‬
‫رسوله تشبيها»‪]61[.‬‬
‫اها ِب َأ ْي ٍد‬
‫اء َب َن ْي َن َ‬
‫ردود على شبه َو َّ‬
‫اها ِبَأ ْي ٍد﴾‬
‫اء َب َن ْي َن َ‬
‫﴿و َّ‬
‫وأما ما يستدلون به من تفسير ابن عباس لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫[الذاريات ‪ ]47 :‬أنها بقوة ‪ ،‬فهذه اآلية قد قال كثير من المفسرين إنها ليست من‬
‫آيات الصفات‪ ،‬وابن عباس ال ينفي عن اهلل سبحانه اليد التي أثبتها لنفسه وإنما يقول‬
‫إن هذه اآلية معناها هكذا وهو تفسير مقبول من َح ْب ِر األمة ‪]1[.t‬‬
‫‪ 60‬قال الشيخ محمد األمين الشنقيطي في رحلة الحج إلى بيت اهلل الحرام ‪« :‬وال شك أن الطريق المأمونة هي طريق الكتاب‬
‫ون ِب ِه ً‬
‫ْما﴾‬
‫ل‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ْف ُه ْم َولاَ ُي ِح ُ‬
‫يط َ‬ ‫َم َما َب ْي َن أ َْي ِد ِ‬
‫يه ْم َو َما َخل َ‬ ‫﴿ي ْعل ُ‬
‫والسنة ال سيما في صفاته جل وعال التي ال سبيل للعقول إلى إدراك حقائقها َ‬
‫[طه ‪ . ]011:‬وهذا الذي أوضحنا من إثبات الصفات هلل حقيقة من غير تكييف وال تشبيه هو معنى قول اإلمام مالك رحمه اهلل ‪:‬‬
‫(االستواء غير مجهول والكيف غير معقول) فإن معنى قوله ‪( :‬االستواء غير مجهول) أن هذا الوصف معروف عند العرب وهو في‬
‫لغتهم االرتفاع واالعتدال ‪ ،‬لكن ما نسب إلى اهلل من هذا الوصف ال يشابه ما نسب منه للحوادث ‪ ،‬وذلك هو معنى قوله ‪( :‬والكيف غير‬
‫معقول) ‪ .‬فقول اإلمام مالك ‪( :‬االستواء غير مجهول) نفي للتعطيل ‪ .‬وقوله ‪( :‬والكيف غير معقول) نفي للتشبيه والتكييف ‪ ،‬وبنفي‬
‫األمرين يكون الصواب ‪ .‬اهـ من رحلة الحج إلى بيت اهلل الحرام ‪ ،‬دار ابن تيمية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬بدون تاريخ ‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ 61‬رواه اإلمام الذهبي في كتاب العلو وصححه ‪ ،‬ص‪ 481‬مختصره‬
‫‪27‬‬
‫ون‬
‫ِع َ‬ ‫ك ِإ َّن َما ُي َباي ُ‬
‫ِعو َن َ‬
‫ين ُي َباي ُ‬‫ِن ا َّل ِذ َ‬ ‫فهل قال ابن عباس مثل ذلك في قوله تعالى ‪﴿ :‬إ َّ‬
‫﴿ب ْل َي َدا ُه‬‫يه ْم﴾ [الفتح ‪ ]10 :‬؟ أو قال ذلك في قوله تعالى ‪َ :‬‬ ‫الل َي ُد هَّ ِ‬
‫الل َف ْو َق أ َْي ِد ِ‬ ‫ّهََ‬
‫ك‬ ‫‪﴿:‬ما َم َن َع َ‬ ‫اء﴾ [المائدة ‪ ]64:‬؟ وفي قوله جل شأنه َ‬ ‫ان ُي ْن ِف ُق َ‬
‫ك ْي َف َي َش ُ‬ ‫وط َت ِ‬
‫َم ْب ُس َ‬
‫ك‬ ‫اء َر ُّب َ‬ ‫﴿و َج َ‬
‫ِي َد َّي﴾[ص‪ ]75:‬أو قالها في قول اهلل سبحانه ‪َ :‬‬ ‫َن َت ْس ُج َد ِل َما َخ َل ْق ُت ب َ‬ ‫أْ‬
‫ك َص ًّفا َص ًّفا﴾ [الفجر ‪ ]22 :‬؟ وما أشبه ذلك من آيات الصفات اإللهية ؟ أليس‬ ‫َوا ْل َم َل ُ‬
‫الس َماءِ‪ ﴾..‬أي أأمنتم عذاب‬ ‫ُم َم ْن ِفي َّ‬ ‫ابن عباس هو الذي قال في قوله تعالى‪َ﴿ :‬أأ ِ‬
‫َم ْنت ْ‬
‫من في السماء إن عصيتموه؟[‪ ]2‬فهل هو من أرباب التأويل؟‬
‫فاأليد في هذه اآلية لفظ مفرد وليس بجمع لليد ومعناه القوة كما فسره حبر‬ ‫ُ‬
‫اب﴾[ص‪ ]17:‬يعني ذا‬ ‫اوو َد َذا الأْ َ ْي ِد ِإ َّن ُه أ َّ‬
‫َو ٌ‬ ‫ك ْر َع ْب َد َنا َد ُ‬
‫﴿و ْاذ ُ‬
‫األمة فهو كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫القوة في عبادة اهلل ‪ ،‬ولم يفسرها أحد بغير ذلك ‪ .‬فأين التأويل ؟‪.‬‬
‫اق﴾ [القلم ‪ ]42 :‬فقد أورد البخاري تفسيره عن‬

‫﴿ي ْو َم ُي ْك َش ُف َع ْن َس ٍ‬
‫وأما قوله تعالى َ‬
‫النبي ^ في باب (يوم يكشف عن ساق) من حديث أبي سعيد الخدري ‪ t‬قال سمعت‬
‫‪»:‬ي ْك ِش ُف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ‪ ،‬ويبقى من‬ ‫النبي ^ يقول َ‬
‫كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا»‪]3[.‬‬
‫فالرواية عن ابن عباس في تفسير هذه اآلية كما حكاها الحافظ ابن كثير[‪]4‬‬
‫أن الكشف عن ساق ‪»:‬هو األمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة» واألخرى‬
‫‪»:‬حين يكشف األمر وتبدو األعمال» والثالثة ‪»:‬عن أمر عظيم» والرابعة ‪»:‬هو‬
‫يوم القيامة يوم كرب وشدة» ‪ .‬فليس في شيء منها ما يعارض تفسير النبي ^‪ ،‬بل‬
‫فيه وصف ذلك بأنه أمر عظيم َم ُه ٌ‬
‫ول‪.‬‬
‫وهناك تفسير آخر عن أبي موسى ‪ t‬مرفوعا قال في هذه اآلية‪« :‬يعني عن نور‬
‫عظيم يخرون له سجدا»‪]5[.‬‬
‫ُ‬
‫الثابتة هلل على الوجه الذي يليق‬ ‫ُ‬
‫صفة الساق‬ ‫ُؤ َّول‬
‫فهل في هذا ما يدعو إلى أن ت َ‬
‫بجالله ؟ لما ذا ؟ سيقولون ‪ :‬فرارا من التشبيه!‪ .‬نقول ‪ :‬أنتم تصورتم التشبيه‬
‫ففررتم منه إلى التأويل! ونحن ال نتصور في صفات اهلل تعالى شيئا من صفات‬
‫‪28‬‬
‫المخلوقين‪ ،‬بل نقول إنها ثابتة له سبحانه على الوجه الذي يليق بجالله ‪ .‬ثم إنك‬
‫شبهة المكان والجهة‬

‫لم يزل ديدن المبتدعة ومرضى التأويل إذا دعوا إلى اإليمان بصفة اهلل العلي وإثبات‬
‫علوه على خلقه واستوائه على عرشه على الوجه الذي يليق بجالله أن يقولوا أثبتم‬
‫له الجهة والمكان ! وجوابنا عنهم بإيجاز ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن لفظ الجهة والمكان لم يردا في الكتاب والسنة وال في أقوال سلف األمة بنفي‬
‫وال إثبات ‪ .‬فنحن نتحرج من إطالق هذه األلفاظ على اهلل تعالى نفيا أو إثباتا ‪]62[.‬‬
‫‪ .2‬وهذه ألفاظ مجملة قد ُيقصد بها معان صحيحة أو معان باطلة ‪ .‬فنحتاج أن‬
‫تبينوا لنا مقصودكم بالجهة والمكان ‪ .‬فإن قصدتم بالجهة جهة العلو قلنا لكم هي‬
‫ثابتة هلل ‪ .‬وإن أردتم بالمكان ما فوق العرش قلنا لكم هو أثبته لنفسه كذلك ‪.‬‬
‫وأما إن أردتم بهذين اللفظين ما سوى ذلك فهذا باطل ونحن ال نقول به إطالقا ‪.‬‬
‫فإن لزم من تصديق اهلل ورسوله‬ ‫‪ .3‬إن الزم الحق حق وال غضاضة في ذلك ‪ْ .‬‬
‫الح َكم في المسألة وإنما الفيصل ما قاله‬
‫إثبات الجهة والمكان فعقولكم ليست هي َ‬
‫اهلل ورسوله ‪]63[.‬‬
‫ولذلك نقول إن اهلل تعالى حكيم وال نقول له عاقل ‪ ،‬ونقول إن إبراهيم خليل اهلل وال نقول صديقه ‪ ،‬ونقول له عرش وال نقول‬ ‫‪6 2‬‬
‫له سرير وإن كان المعنى في كل ذلك واحدا‪ ،‬لكنا نتأدب مع اهلل جل في عاله فال نسميه وال نصفه إال بما سمى ووصف به نفسه‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫‪ 63‬قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر المالكي ‪ :‬وأما احتجاجهم (بأنه) لو كان في مكان ألشبه المخلوقات ألن ما أحاطت به األمكنة‬
‫واحتوته مخلوق فشيء ال يلزم ‪ ،‬وال معنى له ‪ ،‬ألنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه ‪ ،‬وال يقاس بشيء من بريته ‪ ،‬ال يدرك‬
‫بقياس ‪ ،‬وال يقاس بالناس ‪ ،‬الإله إال هو ‪ ...‬وقد قال المسلمون وكل ذي عقل ‪ :‬إنه ال ُيعقل كائن ال في مكان ما ‪ ،‬وما ليس في مكان‬
‫‪29‬‬
‫‪ .4‬وهم ينزهون اهلل عن الجهة والمكان – وإن كانت الجهة جهة العلو والمكان‬
‫فوق العرش – ألن الجهة والمكان يقتضيان عندهم التشبيه ‪ ،‬ثم هم يقولون إنه في‬
‫كل مكان ! فأي تناقض أشد من هذا ؟ ومن أولى بوصف الضالل منهم لو كانوا‬
‫يعلمون ؟‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه اهلل في نونيته ‪:‬‬
‫شيء وشأن اهلل أعظم شــان‬ ‫واهلل أكـــبر ظـاهر مــا فــوقـه *‬
‫واهلل أكبر عـرشه وسـع السما * واألرض والكرسي ذا األركان‬
‫وكذلك الكرسي قد وسع الطبا * ق السبع واألرضين بالبرهـان‬
‫تخفى عليه خواطـر اإلنسـان‬ ‫واهلل فوق العرش والكرسي ال *‬
‫لوا ‪ :‬ربنا حقـا بكـل مكان‬ ‫ال تحصروه في مكـان إذ تقــــو *‬
‫نزهتموه بـجهلكم عـن عرشه * وحـصرتمــــوه في مكـان ثان[‪]64‬‬
‫فهو عدم ‪ .‬وقد صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في األزل ال في مكان ‪ ،‬وليس بمعدوم ‪ .‬فكيف يقاس على شيء‬
‫من خلقه ؟ أو يجرى بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه ؟ تعالى اهلل عما يقول الظالمون علوا كبيرا ‪ .‬التمهيد ‪ .631-531/7‬وراجع أيضا‪:‬‬
‫الدين الخالص للسيد محمد صديق حسن القنوجي‪ ،‬دار المدني‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪ .‬الثانية‪6241 ،‬هـ‪5002/‬م (‪.)801/1‬‬
‫‪ 64‬النونية مع شرحها توضيح المقاصد ‪.744-644/2‬‬
‫‪30‬‬
‫األئمة األربعة كانوا على مذهب السلف من اإلثبات[‪]65‬‬
‫لم يختلف قول األئمة األربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة اهلل عليهم‬
‫جميعا عن قول سائر السلف في إثبات صفات اهلل تعالى على حقيقتها الالئقة بعظمته‬
‫سبحانه كما نقله عدد من المحققين ‪ .‬قال المحقق الشيخ محمد األمين الشنقيطي‬
‫رحمه اهلل ‪:‬‬
‫المذهب الذي يسلم صاحبه من ورطتي التعطيل والتشبيه هو مذهب سلف هذه األمة‬
‫من الصحابة والقرون المشهود لهم بالخير وأئمة المذاهب وعامة أهل الحديث ‪،‬‬
‫وهو الذي ال ُيشك أنه الحق الذي ال غبار عليه ‪ ،‬وضابطه مجانبة أمرين ‪ :‬وهما‬
‫التعطيل والتشبيه ‪ .‬فمجانبة التعطيل هي أن تثبت هلل جل وعال كل وصف أثبته‬
‫لنفسه ‪ ،‬أو أثبته له نبيه ^ ‪ ..‬ومجانبة التشبيه هي أن تعلم أن كل وصف أثبته‬
‫اهلل جل وعال لنفسه أو أثبته له رسوله ^ فهو ثابت له على الوجه البالغ من كمال‬
‫﴿و َل ْم‬
‫العلو والرفعة والشرف ما يقطع عالئق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين َ‬
‫َح ٌد﴾ [اإلخالص‪]66[. ]4:‬‬
‫ك ُف ًوا أ َ‬
‫َي ُك ْن َل ُه ُ‬
‫وقد ورد عن اإلمام أبي حنيفة من طرق تكفير من نفى أن اهلل في السماء ‪ ،‬قال ‪ :‬ألن‬
‫اس َت َوى﴾ [طه ‪ ]5 :‬وعرشه فوق سمواته [‪.]67‬‬
‫ش ْ‬‫﴿الر ْح َم ُن َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫اهلل تعالى يقول ‪َّ :‬‬
‫‪ 6 5‬لمزيد من معرفة عقيدة األئمة األربعة السلفية راجع ‪ :‬كتاب أصول الدين لألستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي‬
‫(‪ )313/1‬وإيقاظ همم أولي األبصار لصالح الفالني (ص‪ )05‬وتاريخ أهل الحديث للدهلوي (ص‪.)34-53‬‬
‫‪ 6 6‬رحلة الحج إلى بيت اهلل الحرام للشيخ محمد األمين الشنقيطي ‪ ،‬دار ابن تيمية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬بدون تاريخ ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 67‬كتاب العرش ‪ ،‬ص‪ ، 17-07‬ولكن يعجبني قول الذهبي في ترجمة قتادة وقد ذُكر عنه القول بالقدر فقال الذهبي رحمه اهلل ‪:‬‬
‫ولعل اهلل يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ‪ ،‬وبذل وسعه ‪ ،‬واهلل حكم عدل ‪ ،‬لطيف بعباده ‪ ،‬وال ُيسأل عما‬
‫‪31‬‬
‫وثبت عن مالك أن اهلل في السماء وعلمه في كل مكان ‪]68[.‬‬
‫وعن اإلمام الشافعي ‪ :‬القول في السنة التي أنا عليها ‪ ،‬رأيت أهل الحديث عليها ‪،‬‬
‫الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما ‪ :‬اإلقرار بشهادة أن الإله إال اهلل وأن‬
‫محمدا رسول اهلل – وذكر أشياء – ثم قال ‪« :‬وأن اهلل فوق عرشه في سمائه‪َ ،‬ي ْق ُرب‬
‫من عباده كيف شاء ‪ ،‬وينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء»‪ .‬وذكر سائر االعتقاد‪]69[.‬‬
‫وأما أحمد بن حنبل فالنقل عنه في هذا كثير ‪ .‬بل له كتاب «الرد على الجهمية»‬
‫بين فيه معتقده الموافق لما عليه الصحابة والتابعون من إثبات صفات الباري‬
‫الذي ّ‬
‫جل وعال على ما يليق بجالله ‪.‬‬
‫﴿و ُه َو َم َع ُك ْم﴾‬
‫ومنه ما نقله ولده حنبل حيث قال ‪ :‬سألت أبا عبد اهلل عن معنى َ‬
‫ِع ُه ْم﴾ [المجادلة ‪ ]7:‬فقال ‪ :‬علمه‬ ‫ون ِم ْن َن ْج َوى ثَلاَ َث ٍة إ ّاَِل ُه َو َراب ُ‬
‫﴿ما َي ُك ُ‬
‫[الحديد ‪ ]4:‬و َ‬
‫محيط بالكل ‪ ،‬وربنا على العرش بال حد وال صفة ‪]70[.‬‬
‫يفعل ‪..‬الخ كالمه الجميل رحمه اهلل رحمة واسعة (سير أعالم النبالء ‪ . )172/5‬وقال بعد أن نقل أقواال تفيد ثبوت هذه البدعة عن‬
‫فإن ُ‬
‫اهلل عذرهم فيا حبذا ‪ ،‬وإن هو عذبهم فإن اهلل ال يظلم الناس شيئا ‪ ،‬أال له الخلق واألمر ‪.‬‬ ‫قتادة ‪ :‬قد اعتذرنا عنه وعن أمثاله ‪ِ ،‬‬
‫(سير أعالم النبالء ‪)772/5‬‬
‫‪ 68‬كتاب العرش ‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ 6 9‬إثبات صفة العلو البن قدامة رقم ‪ ، 801‬وكتاب العرش للذهبي ص‪ . 98‬وانظر ترجمة اإلمام الشافعي أيضا في سير أعالم النبالء‬
‫‪.97/01‬‬
‫‪ 7 0‬أخرجه الاللكائي في شرح أصول السنة ‪ ، 161-061/3‬وأورده الذهبي في كتاب العرش ص‪ 79‬وابن القيم في اجتماع الجيوش‬
‫اإلسالمية ص‪.102‬‬
‫‪32‬‬
‫صفات اهلل تعالى ليست من المتشابه وال من المجاز‬

‫المحكم هو ما عرف المراد منه والمتشابه هو ما استأثر اهلل بعلمه كقيام الساعة‬
‫وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل سور القرآن ‪ ]71[.‬وأما المجاز فهو‬
‫اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بخالف الحقيقة التي هي اللفظ المستعمل في‬
‫ما وضع له ‪]72[.‬‬
‫والقول بأن صفات اهلل عز وجل من المتشابه أو من المجاز مما ال يليق باهلل تعالى‬
‫فإن المتشابه ما ال يعرف معناه ‪ ،‬والمجاز ما وضع في غير موضعه فكيف يقال هذا‬
‫في صفات ذي الجالل واإلكرام؟!‪.‬‬
‫ثم إنهم إن قالوا إن صفات اهلل تعالى من المتشابهات قلنا لهم ‪ :‬أي الصفات تقصدون‬
‫؟ أتقولون إن جميع صفاته تعالى ال يعرف لها معنى فهي كحروف الهجاء التي ال‬
‫يستفاد منها أي معنى ؟ أال تفهمون شيئا من صفات اهلل تعالى التي وصف بها نفسه‬
‫في سورة «اإلخالص» وأول سورة «الحديد» وآخر «الحشر» وفي «آية الكرسي»‬
‫وفي مئات اآليات التي جاءت بوصف الباري بصفاته العلية ؟ فإذن ال تعرفون معنى‬
‫سمعه وبصره وكالمه وعلمه وحياته وقدرته وإرادته؟ أم إنكم تختارون من صفاته‬
‫اإلتقان في علوم القرآن لإلمام جالل الدين السيوطي ‪ ،‬تحقيق عبد المنعم إبراهيم ‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى الباز ‪ ،‬الريض ‪ ،‬المملكة‬ ‫‪ 71‬‬
‫العربية السعودية ‪ ،‬ط‪ .‬الثانية ‪4241 ،‬هـ‪3002/‬م ‪.576/3 ،‬‬
‫‪ 72‬وهذا االصطالح الذي هو تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز إنما حدث بعد القرن الثالث الهجري ‪ ،‬وكان منشؤه من جهة المعتزلة‬
‫والجهمية ‪ .‬راجع مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ 473-153/6‬ومختصر الصواعق المرسلة البن القيم ‪ 68-58/1‬وكتاب «منع‬
‫جواز المجاز في المنزل للتعبد واالعجاز» للشنقيطي والمجلد العاشر من أضواء البيان له أيضا ‪ ،‬وشرح مقدمة ابن زيد القيرواني‬
‫في العقيدة للشيخ األمين الحاج محمد ص ‪ 951‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫تعالى ما تجعلونه محكما وما تجعلونه متشابها ؟! فأي سلف لكم في هذا التفريق إن‬
‫كنتم صادقين ؟ ولقد رد ذلك عدد من المحققين منهم العالمة ابن رشد الذي قال‬
‫في «الكشف عن مناهج األدلة» بعد أن ذكر بعض آيات الصفات ‪:‬‬
‫مؤوال ‪،‬‬
‫‪ ...‬إلى غير ذلك من اآليات التي إن ُسلّط التأويل عليها عاد الشرع كله ّ‬
‫وإن قيل فيها إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها ‪ ،‬ألن الشرائع كلها متفقة‬
‫على أن اهلل في السماء ‪ ،‬وأن منه تنزل المالئكة بالوحي إلى النبيين ‪]73[.‬‬
‫ومنهم حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر القرطبي رحمه اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أهل السنة مجمعون على اإلقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة واإليمان‬
‫بها ‪ ،‬وحملها على الحقيقة ال على المجاز ‪ ،‬إال أنهم ال يكيفون شيئا من ذلك ‪ ،‬وال‬
‫يحدون فيه صفة محصورة ‪ .‬وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج‬
‫فكلهم ينكرها وال يحمل شيئا منها على الحقيقة ‪]74[.‬‬
‫وقال أيضا ‪:‬‬

‫‪ ..‬ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات ‪ .‬وجل اهلل عز وجل أن‬
‫يخاطب إال بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين‪.‬‬
‫واالستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو واالرتفاع على الشيء واالستقرار‬
‫والتمكن فيه ‪]75[.‬‬
‫‪ 73‬الكشف عن مناهج األدلة ‪ ،‬ص‪ 06‬وانظر ‪ :‬الصفات اإللهية بين السلف والخلف ص ‪ ، 721‬ومجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫‪.313-492/31‬‬
‫‪ 74‬المصدر السابق ‪. 541/7‬‬
‫‪ 75‬التمهيد البن عبد البر ‪.131/7‬‬
‫‪34‬‬
‫العلماء ينكرون على من قال إن اهلل في كل‬

‫مكان‬
‫لم يزل علماء األمة ينكرون مقالة الجهم بن صفوان القائل بأن اهلل في كل مكان‬
‫منذ أن أظهرها ‪ .‬ومنهم الحافظ أبو عمر ابن عبد البر المالكي (ت‪463‬هـ) ‪ .‬قال في‬
‫كتاب التمهيد شرح الموطأ في شرح الحديث الثامن البن شهاب عن أبي سلمة عن‬
‫أبي هريرة رضي اهلل عن النبي ^ قال ‪« :‬ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا‬
‫‪ »..‬الحديث ‪ .‬قال رحمه اهلل ‪:‬‬
‫هذا الحديث ثابت من جهة النقل ‪ ،‬صحيح اإلسناد‪ ،‬ال يختلف أهل الحديث في صحته‬
‫‪..‬وفيه دليل على أن اهلل عز وجل في السماء على العرش‪ ،‬من فوق سبع سموات‪ ،‬كما‬
‫قالت الجماعة‪ .‬وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن اهلل في كل مكان‬
‫وليس على العرش‪]76[.‬‬
‫ثم شرع في سرد األدلة والحجج على هذا وأتى من البيان بما ال مزيد عليه جزاه‬
‫اهلل خيرا ‪.‬‬
‫ومنهم اإلمام القدوة أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي – الذي ينتسب إليه‬
‫القادرية – (ت‪561‬هـ) [‪ ]77‬حيث قال في كتابه «الغنية لطالبي طريق الحق»‪:‬‬
‫المصدر السابق ‪.821/7‬‬ ‫‪ 76‬‬
‫ترجمته في سير أعالم النبالء لإلمام شمس الدين الذهبي ‪ ،‬تحقيق شعيب األرناؤوط وآخرين ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‬ ‫‪7 7‬‬
‫‪35‬‬
‫‪..‬وهو بجهة العلو مستو على العرش ‪ ،‬محتو على الملك ‪ ،‬محيط علمه باألشياء ﴿‬
‫إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ [فاطر ‪﴿ ، ]10 :‬يدبر األمر من السماء‬
‫إلى األرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون﴾ [السجدة ‪]5 :‬‬
‫‪ ،‬وال يجوز وصفه بأنه في كل مكان ‪ ،‬بل يقال ‪ :‬إنه في السماء على العرش كما‬
‫قال ‪( :‬الرحمن على العرش استوى) [طه ‪ . ]5 :‬وينبغي إطالق صفة االستواء من‬
‫غير تأويل ‪ ،‬وأنه استواء الذات على العرش ‪ ..‬وكونه سبحانه وتعالى على العرش ‪،‬‬
‫مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بال كيف ‪]78[.‬‬
‫ومنهم شيخ اإلسالم أبو العباس ابن تيمية رحمه اهلل (ت ‪728‬هـ)قال ‪:‬‬
‫فكل من قال إن اهلل بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف‬
‫األمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر اهلل عليه عباده ولصريح المعقول ‪]79[.‬‬
‫ومنهم الحافظ اإلمام أبو عبد اهلل القرطبي المالكي صاحب التفسير (ت‪671‬هـ)‪ .‬فقد‬
‫قال عند تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬ثم استوى على العرش﴾ في سورة األعراف‪:‬‬
‫ألول رضي اهلل عنهم ال يقولون بنفي الجهة وال ينطقون بذلك‪،‬‬ ‫وقد كان السلف ا ُ‬
‫بل نطقوا هم والكافة بإثباتها هلل تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله‪ ،‬ولم ينكر‬
‫أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة‪ .‬وخص العرش بذلك ألنه‬
‫أعظم مخلوقاته‪ ،‬وإنما جهلوا كيفية االستواء فإنه ال تعلم حقيقته‪]80[.‬‬
‫ومنهم الحافظ ابن كثير رحمه اهلل (ت ‪774‬هـ) ‪ .‬وسأنقل لك ما قاله عند تفسيره‬
‫لقول اهلل تعالى‪﴿ :‬هو اهلل في السموات وفي األرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما‬
‫‪ ،‬ط‪ .‬الرابعة ‪6041 ،‬هـ‪6891/‬م ‪ .154-934/02 ،‬وهو من أعالم أهل السنة المعتبرين كما تدل على ذلك أخباره رحمه اهلل ‪ .‬ولقد بالغ‬
‫اإلمام الذهبي في الثناء عليه وذكر من عقيدته السلفية ثم قال ‪« :‬ليس في كبار األولياء من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ‬
‫عبد القادر ‪ ،‬لكن كثيرا منها ال يصح ‪ ،‬وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة ‪ ..‬وفي الجملة الشيخ عبد القادر كبير الشأن ‪ ،‬وعليه مآخذ‬
‫في بعض أحواله ‪ ،‬واهلل الموعد ‪ ،‬وبعض ذلك مكذوب عليه»‪ .‬اهـ من سير أعالم النبالء ‪154-054/02‬‬
‫الغ ْن َية لطالبي طريق الحق للشيخ عبد القادر الجيالني ‪ ،‬المكتبة الشعبية ‪ ،‬بدون تاريخ ‪ ،‬ص ‪ 75-45‬باختصار ‪ .‬ونقل هذا الكالم‬
‫ُ‬ ‫‪7 8‬‬
‫وترحم عليه ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪451‬‬ ‫ص‬ ‫العرش‬ ‫كتاب‬ ‫في‬ ‫الذهبي‬ ‫عنه‬
‫‪ 7 9‬مجموع الفتاوى ‪ ،‬دار الوفاء ‪ ،‬المنصورة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط‪.‬األولى ‪8141 ،‬هـ‪7991/‬م ‪.)032/5( ،‬‬
‫‪ 8 0‬الجامع ألحكام القرآن ألبي عبد القرطبي‪.912/7 ،‬‬
‫‪36‬‬
‫تكسبون﴾ [األنعام ‪ . ]3 :‬قال رحمه اهلل ‪:‬‬
‫اختلف مفسرو هذه اآلية على أقوال بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية ا ُ‬
‫أل َول‬
‫القائلين ‪ -‬تعالى عن قولهم علوا كبيرا ‪ -‬بأنه في كل مكان حيث حملوا اآلية‬
‫على ذلك ‪ .‬فاألصح من األقوال أنه المدعو اهلل في السموات وفي األرض أي يعبده‬
‫ويوحده ويقر له باإللهية من في السموات ومن في األرض ويسمونه اهلل ويدعونه‬
‫رغبا ورهبا إال من كفر من الجن واإلنس ‪ .‬وهذه اآلية على هذا القول كقوله‬
‫تعالى ‪﴿:‬وهو الذي في السماء إله وفي األرض إله﴾ [الزخرف ‪ ]84 :‬أي هو إله من‬
‫في السماء وإله من في األرض ‪ .‬وعلى هذا فيكون قوله‪﴿ :‬يعلم سركم وجهركم﴾‬
‫خبرا أو حاال ‪]81[.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن المراد أنه اهلل الذي يعلم ما في السموات وما في األرض من‬
‫سر وجهر فيكون قوله‪﴿ :‬يعلم﴾ متعلقا بقوله ‪﴿:‬في السموات وفي األرض ويعلم ما‬
‫تكسبون﴾ ‪.‬‬
‫والقول الثالث ‪ :‬أن قوله ‪﴿:‬وهو اهلل في السموات﴾ وقف تام‪ ،‬ثم استأنف الخبر فقال‬
‫‪﴿:‬وفي األرض يعلم سركم وجهركم﴾ وهذا اختيار ابن جرير ‪]82[.‬‬
‫وهذا القول هو الذي أيده شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل في مجموع الفتاوى ‪.404/2‬‬ ‫‪ 81‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪.‬األولى ‪7041 ،‬هـ‪7891/‬م ‪.)821-721/2( ،‬‬ ‫‪ 82‬‬
‫‪37‬‬
‫رمي السلفيين بالتشبيه والتجسيم فرية مكشوفة‬

‫ومرضى التأويل على مر الدهور قد دأبوا على رمي أهل الحديث والسنة بأنهم‬
‫مشبهة أو مجسمة ‪ .‬وهم كما قيل في المثل «رمتني بدائها وانسلت» ‪ .‬ثم ال يألون‬
‫في ذلك جهدهم بالكذب واالفتراء والبهتان العظيم ‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر المالكي رحمه اهلل ‪:‬‬
‫أهل السنة مجمعون على اإلقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة واإليمان‬
‫بها ‪ ،‬وحملها على الحقيقة ال على المجاز ‪ ،‬إال أنهم ال يكيفون شيئا من ذلك ‪ ،‬وال‬
‫يحدون فيه صفة محصورة ‪ .‬وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج‬
‫فكلهم ينكرها وال يحمل شيئا منها على الحقيقة ‪ ،‬ويزعمون أن من أقر بها مشبه ‪،‬‬
‫وهم عند من أثبتها نافون للمعبود ‪ .‬والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب‬
‫اهلل وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد هلل ‪]83[.‬‬
‫الرحالة ابن بطوطة عن شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪:‬‬

‫ّ‬ ‫ومن هذه االفتراآت قول‬
‫وكنت إذ ذاك بدمشق ‪ ،‬فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع‬
‫ويذكرهم ‪ ،‬فكان من جملة كالمه أن قال ‪ :‬إن اهلل ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي‬
‫ّ‬
‫التمهيد البن عبد البر ‪. 541/7‬‬ ‫‪ 83‬‬
‫‪38‬‬
‫هذا ‪ .‬ونزل درجة من درج المنبر ‪]84[.‬‬
‫قلت ‪ :‬هذه فرية مكشوفة ‪ ،‬فإنه ذكر قبل هذا[‪ ]85‬أنه وصل إلى دمشق يوم الخميس‬
‫التاسع من شهر رمضان المعظم ‪،‬عام ‪720‬هـ ‪،‬وابن تيمية ُسجن قبل هذا التاريخ‬
‫بحوالي سبع وأربعين يوما فإنه سجن في محنته الثالثة يوم ‪ 22‬من رجب وبقي فيه‬
‫إلى يوم عاشوراء سنة ‪721‬هـ[‪]86‬فكيف التقى به؟وعلى أي منبر سمعه يقول ذلك‬
‫ثم إن هذا الذي نسبه إلى ابن تيمية من التشبيه هو الذي أفنى ابن تيمية عمره في‬
‫إبطاله ‪ ،‬يعرف ذلك كل من له خبرة بكتبه ‪ .‬فانظر مثال رسالته إلى أهل تدمر‬
‫والفتوى الحموية والعقيدة الواسطية وغيرها من كتبه رحمه اهلل ‪ .‬استمع إلى قوله‬
‫في أول كتابه العقيدة الواسطية ‪:‬‬
‫ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف اهلل به نفسه في كتابه وبما وصفه رسوله محمد‬
‫^ من غير تحريف وال تعطيل ومن غير تكييف وال تمثيل‪ ]87[،‬بل يؤمنون – يعني‬
‫أهل السنة والجماعة – بأن اهلل ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ [الشورى‬
‫‪ ]11:‬فال ينفون عنه ما وصف به نفسه ‪ ،‬وال يحرفون الكلم عن مواضعه ‪ ،‬وال يلحدون‬
‫في أسماء اهلل وآياته ‪ ،‬وال يكيفون وال يمثلون صفاته بصفات خلقه ‪ ،‬ألنه سبحانه ال‬
‫سمي له وال كفؤ له وال ند له ‪ ،‬وال يقاس بخلقه سبحانه وتعالى‪]88[.‬‬
‫نشنة نعرفها من أخزم ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬ألنها فرية‬ ‫ورمي السلفيين بالتجسيم ِش ِ‬
‫قديمة لم تتوقف على شيخ اإلسالم ابن تيمية فقد افتروا أيضا على شيخ اإلسالم‬
‫أبي إسماعيل الهروي األنصاري رحمه اهلل كما ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة‬
‫‪ 84‬رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب األمصار وعجائب األسفار ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬بدون تاريخ ‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪ 85‬ص ‪.16‬‬
‫‪ 8 6‬راجع البداية والنهاية لإلمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل ابن كثير الدمشقي ‪ ،‬تحقيق مكتب تحقيق التراث ‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫اإلسالمي ومؤسسة التاريخ العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪3141 ،‬هـ‪3991/‬م ‪ ، )79/41( ،‬وكتاب «ابن تيمية ‪ :‬حياته وعصره – آراؤه وفقهه»‬
‫لإلمام محمد أبو زهره ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪1991 ،‬م ‪ ،‬ص‪ ، 17‬وحياة شيخ اإلسالم ابن تيمية لعالمة الشام محمد بهجة البيطار‬
‫‪ ،‬المكتب اإلسالمي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪1931 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪ . 44-63‬وأوراق مجموعة من حياة شيخ اإلسالم ابن تيمية لمحمد بن إبراهيم‬
‫الشيباني ‪ ،‬مكتبة ابن تيمية ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪9041 ،‬هـ‪9891/‬م ‪ ،‬ص‪ . 95-85‬ورجال الفكر والدعوة في اإلسالم ألبي الحسن علي‬
‫الحسني الندوي ‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط‪ .‬الرابعة ‪7041 ،‬هـ‪7891/‬م ‪ ،‬الجزء الثاني الخاص بحياة ابن تيمية‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪ 8 7‬التحريف هو تغيير اللفظ عن ظاهره ومدلوله أو صرف المعنى عن حقيقته ‪ ،‬والتعطيل إخالء اهلل من أسمائه وصفاته أو من‬
‫مدلولها ‪ ،‬والتكييف جعل كيفية محددة لصفات اهلل ‪ ،‬والتمثيل إثبات مماثلة اهلل للمخلوقين بشيء من صفاته ‪ .‬تعالى اهلل عن قول‬
‫الظالمين علوا كبيرا‬
‫‪ 8 8‬العقيدة الواسطية مع التعليقات الزكية لفضيلة الشيخ عبد اهلل بن عبد الرحمن بن جبرين باعتناء أبي أنس علي بن حسين أبو‬
‫لوز ‪ ،‬توزيع جهاز اإلرشاد والتوجيه بالحرس الوطني ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬السعودية ‪1241 ،‬هـ ‪ ،‬ص‪.29-18‬‬
‫‪39‬‬
‫الحفاظ[‪ . ]89‬وقد بلغ بالمبتدعة الغل والحقد إلى حد أن صنعوا صنما نحاسيا‬
‫صغيرا وجعلوه تحت سجادته ‪ ،‬ثم شكوه إلى السلطان ألب أرسالن وزعموا أنه يعبد‬
‫هذا الصنم ويقول إن اهلل على صورته ! ولما حقق األمير علم أنهم كذبوا عليه وأنه‬
‫لم يكن على علم بهذا الصنم ‪ .‬فانقلب شيخ اإلسالم بنعمة من اهلل وفضل لم يمسسه‬
‫سوء ‪ ،‬وباء المفترون بغضب من اهلل وإعراض من السلطان ‪.‬‬
‫عقيدة اإلمام أبي الحسن األشعري[‪]90‬‬

‫اتفق المؤرخون على أن اإلمام أبا الحسن علي بن إسماعيل األشعري كان تلميذا ألبي‬
‫علي الجبائي رأس المعتزلة ‪ -‬وهو زوج أمه ‪ -‬وعنه أخذ الكالم ‪ ،‬ولكنه بعد أن تبحر‬
‫في علم الكالم شرح اهلل صدره لمعرفة الحق فصار إلى مذهب أهل الحديث وناظر‬
‫شيخه بالحجة من القرآن ‪ .‬قال الشيخ محب الدين الخطيب ‪:‬‬
‫نشأ في أول أمره على االعتزال وتتلمذ فيه على الجبائي ثم أيقظ اهلل بصيرته وهو‬
‫في منتصف عمره وبداية نضجه سنة ‪304‬هـ فأعلن رجوعه عن ضاللة االعتزال ‪،‬‬
‫ومضى في طوره الثاني نشيطا يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة‬
‫سالكا طريقا وسطا بين طريقة الجدل والتأويل وطريقة السلف ‪ .‬ثم محض طريقته‬
‫وأخلصها هلل بالرجوع الكامل إلى طريقة السلف في إثبات كل ما ثبت بالنص من‬
‫أمور الغيب التي أوجب اهلل على عباده إخالص اإليمان بها ‪ ،‬وكتب بذلك كتبه‬
‫األخيرة ومنها في أيدي الناس كتاب اإلبانة‪ .‬وقد نص مترجموه على أنها آخر‬
‫كتبه (انظر ترجمته في شذرات الذهب) وهذا ما أراد أن يلقى اهلل عليه ‪ .‬وكل ما‬
‫خالف ذلك مما ينسب إليه أو صارت تقول به األشعرية فاألشعري رجع عنه إلى ما‬
‫في كتاب اإلبانة وأمثاله ‪]91[.‬‬
‫تذكرة الحفاظ (‪)853/3‬‬ ‫‪ 89‬‬

‫‪ 90‬‬
‫انظر المنتقى من منهاج االعتدال اختصار الذهبي ‪ ،‬تحقيق محب الدين الخطيب ‪ ،‬التعليق رقم ‪2‬‬ ‫‪9 1‬‬
‫‪40‬‬
‫وممن ذكر رجوع اإلمام أبي الحسن األشعري إلى معتقد السلف المقريزي في‬
‫كتاب الخطط ‪ ]92[.‬والعالمة أحمد بن محمد الدهلوي في تاريخ أهل الحديث ‪]93[.‬‬
‫ومما يدل على مذهبه األخير قوله رحمه اهلل في اإلبانة‪:‬‬
‫«فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة» فإن قال قائل‪ :‬قد أنكرتم قول المعتزلة‬
‫والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة ‪ ،‬فعرفونا قولكم الذي تقولون‬
‫وديانتكم التي بها تدينون ‪ .‬قيل له ‪ :‬قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها‬
‫التمسك بكالم ربنا وسنة نبينا وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ‪،‬‬
‫ونحن بذلك معتصمون ‪ ...‬إلى أن قال ‪ :‬وأن اهلل مستو على عرشه كما قال ‪﴿ :‬‬
‫الرحمن على العرش استوى﴾ ‪ .‬ثم قال ‪ :‬إن قال قائل ‪ :‬ما تقولون في االستواء ؟ قيل‬
‫له ‪ :‬إن اهلل مستو على عرشه ‪ .‬اهـ[‪]94‬‬
‫عقيدة الشيخ عثمان بن فودي‬

‫يمكن القول بأن كل من له أدنى ممارسة لكتب الشيخ عثمان بن فودي رحمه اهلل‬
‫تعالى يعرف شدة تعظيمه لرسول اهلل ^ وسنته ‪ ،‬وإجالله آلثار الصحابة والتابعين‬
‫‪ ]95[.‬وأن العقيدة يجب أخذها من الكتاب والسنة ‪ .‬وما أكثر ما يردد القول بأن‬
‫الدين مبني على التبصر‪ ،‬ويردد‪:‬‬
‫الخير كله في االتباع * والشر كله في االبتداع‬
‫وهو القائل ‪:‬‬

‫ومن عالمات المتبعين لسنة رسول اهلل ^ اإليمان به في جميع ما جاء به والطاعة له‬
‫في ذلك والتزام محبته باالقتداء به في أقواله وأفعاله وأخالقه ‪]96[.‬‬
‫الخطط للمقريزي ‪.953-853/3‬‬ ‫‪ 92‬‬

‫‪ 93‬‬
‫‪ 94‬اإلبانة في أصول الديانة ص‪ 35-25‬و ص‪.911‬‬
‫‪ 95‬راجع في ذلك مثال ‪ :‬وثيقة اإلخوان لتبيين دليالت وجوب اتباع الكتاب والسنة واإلجماع ‪ ،‬وكتاب بيان البدع الشيطانية التي‬
‫أحدثها الناس في هذا الزمان وكتاب إحياء السنة وإخماد البدعة وغيرها من كتبه رحمه اهلل ‪.‬‬
‫‪ 96‬عالمات المتبعين لسنة رسول اهلل ^‪ ،‬تحقيق عبد اهلل محمد سيفاوا ‪ ،‬نشر مايلستون ‪ ،‬سكتو ‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪41‬‬
‫وقال في موضع آخر نقال عن ابن الحاج ‪:‬‬
‫فإذا علمت هذا كله فعليك باتباع الكتاب والسنة وبما كان عليه الصحابة والتابعون‬
‫وتابعوا التابعين من أحوالهم السنية إذ هم الذين شهد لهم صاحب العصمة ^ بالخير‬
‫‪ ،‬فما عملوا به عملناه وما ال فال ‪ .‬فيجب على كل من أراد سلوك طريق النجاة أن‬
‫يبحث عن سيرهم وأحوالهم وينظر في أقوالهم وأعمالهم ويجعل ذلك نصب عينيه‬
‫ويأخذ نفسه بالجد في العمل بما كانوا عليه ويعرض عما يحدثه المحدثون بعدهم‬
‫وال يلتفت إليه ويقول إذا رأى شيئا مما أحدث بعدهم ولو كان خيرا لسبقونا إليه‪،‬‬
‫فمن سلك سبيلهم وصل إلى ما وصلوا إليه حقا ومن عدل عنه قيل له سحقا سحقا‬
‫‪]97[.‬‬
‫ولما نقل كالم الفاكهاني رحمه اهلل الذي بلغ الغاية في اإلرشاد إلى التمسك‬
‫بالسنة وهدي السلف الصالح وصفه بأنه كالم بليغ كاف لمن نور اهلل بصيرته ‪.‬‬
‫وهذا لفظ كالم الفاكهاني ‪:‬‬
‫وقد ع ِلمنا أن النبي ^ لم يمت إال بعد تمهيد الدين وبيانه وتأسييس قواعده‬
‫وأركانه وإيضاح ما يحتاج إليه من األحكام الخسمة ثم أحال على كتاب اهلل تعالى‬
‫ثم على سنته ثم على سنة أصحابه ‪ .‬وكل ما كان في الكتاب أو السنة أو عليه عمل‬
‫أصحابه ^ فهو دين اهلل الذي يدان به وما خالفه فهو بدعة وضاللة ومردودة إذ‬
‫لو كان خيرا لنبهنا عليه ^ إذ كان حريصا كل الحرص على نصح األمة وإرادة‬
‫الخير لنا فجزاه اهلل أفضل ما جازى نبيا عن أمته وجعلنا من أمته المتبعين لسنته‬
‫الكائنين في زمرته بفضله وم ّنه ‪.‬‬
‫ثم عقب على هذا الكالم بعد ذلك بقوله ‪ :‬وهو حسن جيد‪ ،‬وفيه كفاية لكل مهتد‬
‫‪]98[.‬‬
‫فال يتصور بعد هذا عدول الشيخ عثمان عن منهج هؤالء السلف الصالحين إلى غيره‬
‫من مذاهب المبتدعين‪ .‬ولكنه رحمه اهلل تعالى توفر له من كتب علم الكالم ما لم‬
‫يتوفر له من غيرها في هذا الباب فأكثر من النقل عن السنوسي في شروحه وعن‬
‫اللقاني في إتحاف المريد وعن الحسن اليوسي في المحاضرات وأحمد بن زكري‬
‫إحياء السنة وإخماد البدعة‪ ،‬ص ‪03‬‬ ‫‪ 97‬‬
‫الجامع الحاوي ص‪.171-071‬‬ ‫‪ 98‬‬
‫‪42‬‬
‫في محصل المقاصد والمنجوري في شرح هذا المحصل والطغوغي في شافية القلوب‬
‫والجورائي في عقيدة الموحدين والونشريسي في المعيار المعرب وعن عبد الوهاب‬
‫الشعراني في القواعد الكشفية وغير هؤالء من المتأخرين الذين نهجوا في التوحيد‬
‫منهج أهل الكالم ‪ ]99[.‬ولكن المنصف يالحظ ما في ثنايا نقوله من التعقبات النيرة‬
‫والتعليقات النافعة كقوله بعد نقل كالم للسنوسي في العمدة شرح الكبرى ‪:‬‬
‫المطلوب الواجب على األمة حصول معاني أصول الدين المنصوصة في الكتاب والسنة‬
‫في القلوب ال علم الكالم‪]100[.‬‬
‫وهو يؤكد في عدد من المواضع على لزوم تحكيم الكتاب والسنة في مسائل الصفات‬
‫ال تحكيم العقل والفلسفة كقوله‪:‬‬
‫مسألة ‪ :‬وقد خاض قوم كثيرون في الكالم على المتشابهات وآيات الصفات بعقولهم‬
‫فضلوا وأضلوا‪ ،‬واألولى بهم األدب مع اهلل تعالى ورسوله عليه الصالة والسالم فإنهم‬
‫جاؤوا بها كما هي عند اهلل تعالى ولم ينقل عن أحد منهم تأويلها فتأويلها إذن‬
‫سوء أدب عند اهلل عز وجل مع أن ذلك مؤذن أيضا بقصور الشارع عن البيان فال‬
‫يليق التأويل ولكن الحق أن للعالم أن ينور للعامة ذلك بقدر ما يقوم به التعظيم‬
‫في قلوبهم هلل عز وجل ‪]101[.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل ‪:‬‬
‫مسألة ‪ :‬ال يقدح إطالق الفوقانية على اهلل ‪ ،‬فكثيرا ما أومأت إليه األخبار وظواهر‬
‫‪ 99‬أقول ‪ :‬لو أنه وصل إليه كتاب السنة لإلمام أحمد بن حنبل (ت ‪142‬هـ) والرد على الجهمية له وكتاب السنة البن أبي عاصم‬
‫(ت ‪782‬هـ) وكتاب السنة لعبد اهلل بن أحمد (ت ‪092‬هـ) وكتاب التوحيد ومعرفة صفات الرب عز وجل البن خزيمة (‪113‬هـ) وكتاب‬
‫التوحيد البن مندة وكتاب العقيدة ألبي جعفر الطحاوي (ت ‪123‬هـ) وكتاب البيهقي «األسماء والصفات» وكتاب الشريعة في‬
‫السنة» ألبي بكر اآلجري (ت ‪063‬هـ) وكتاب الاللكائي (ت ‪814‬هـ) «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» وكتاب «السنة»‬
‫للخالل وكتاب شر ح السنة للبغوي (ت ‪615‬هـ) وكتاب ابن قدامة (ت ‪026‬هـ) في إثبات العلو في عقيدة أهل السنة وكتاب «الشرح‬
‫واإلبانة» البن بطة وكتاب «اإلبانة» ألبي الحسن األشعري وكتاب العرش للذهبي (ت ‪847‬هـ) وكتاب «اجتماع الجيوش اإلسالمية»‬
‫البن القيم (ت ‪157‬هـ) وكتاب «إبطال التأويالت» ألبي يعلى وغير هذه من الكتب التي جرت على طريقة أهل الحديث لكان نقله منها‬
‫أعظم ودفاعه عن مضمونها أجل وأكبر ‪ .‬فجزاه اهلل عن جهاده العظيم ضد الكفر والوثنية والبدعة خير الجزاء ‪ ،‬وجمعنا اهلل به في‬
‫دار البقاء ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫‪ 100‬إرشاد أهل التفريط واإلفراط إلى سواء الصراط ‪ ،‬مخطوط من تراث المرحوم الوالد الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عثمان‬
‫الماسني ‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ 101‬الجامع الحاوي ‪ ،‬ص ‪.131-031‬‬
‫‪43‬‬
‫اآليات‪ .‬ولكن االعتقاد يقدح إن اعتقدها من غير تنزيه ‪]102[.‬‬
‫وانتهى به المطاف إلى القول بأن ‪:‬‬
‫كل ما أطلقه الشرع من األلفاظ على اهلل تعالى أطلقناه وما ال فال كما بينه علماء‬
‫السنة ‪]103[.‬‬
‫ولذلك فنحن ال نجد أي حرج في نسبة هذا المجدد الكبير إلى مذهب سلف األمة‬
‫الصالحين رضي اهلل عنا وعنهم أجمعين ‪.‬‬
‫خاتمة نسأل اهلل حسنها‬

‫الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ‪ .‬وبعد ‪،‬‬
‫العلم باهلل وأسمائه وصفاته ‪ ،‬وأن‬
‫َ‬ ‫فال ريب أن من أعظم أسباب زيادة اإليمان‬
‫االنحراف في ما يتعلق باهلل وأسمائه وصفاته من أشد االنحراف وأخطره ‪.‬‬
‫وال ريب أنك أخي القارئ الكريم قد تبين لك بعد هذه الجولة في كتاب اهلل تعالى‬
‫المنهج الحق الذي‬
‫ُ‬ ‫وسنة رسوله المصطفى ^ وآثار سلفنا الصالح رضوان اهلل عليهم‬
‫كانوا عليه في هذه المسألة الخطيرة التي كانت مزلة أقدام ومضلة أفهام ‪.‬‬
‫ويتلخص هذا المنهج السلفي في أصول ثالث ‪:‬‬
‫األصل األول ‪:‬‬
‫تنزيه اهلل عز وجل عن النقائص وعن مشابهة صفاته لصفات المخلوقين ‪ .‬ومما‬
‫يدل على هذا قوله تعالى ﴿ليس كمثله شيء﴾ ﴿فال تضربوا هلل األمثال﴾ ﴿ولم يكن‬
‫له كفوا أحد﴾‪.‬‬
‫األصل الثاني ‪:‬‬
‫‪ 102‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.131‬‬

‫‪ 103‬المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.201‬‬
‫‪44‬‬
‫اإليمان بجميع صفات اهلل تعالى الثابتة في الكتاب والسنة وعدم تجاوزها برد بعضها‬
‫أو الزيادة عليها أو صرفها عن معانيها ‪﴿ .‬أأنتم أعلم أم اهلل﴾؟‪.‬‬
‫األصل الثالث ‪:‬‬
‫قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات‪ .‬يدل عليه قوله تعالى ‪﴿:‬يعلم ما بين‬
‫أيديهم وما خلفهم ‪ ،‬وال يحيطون به علما﴾ [طه ‪ ]110:‬وذلك أن العلم بالصفات فرع‬
‫عن العلم بالذات ‪ ،‬وحيث ال يعرف أحد كيفية ذات اهلل تعالى فال سبيل إلى العلم‬
‫بكيفية صفاته ‪ .‬فاهلل عز وجل ليس كمثله شيء في ذاته وال في صفاته كما قال‬
‫جل شأنه ‪﴿ :‬ليس كمثله شيء‪ ،‬وهو السميع البصير﴾‪.‬‬
‫وتبين لك أيضا أن كل ما يثار حول هذا المعتقد الصافي من الشبهات واإلشكاالت‬
‫يعكر حسنه ‪ ،‬وال ُيذهب جماله ‪ .‬فاتبع سبيل الحق وال يضرك قلة السالكين ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫والحق أبلج ال تزيغ سبيله * والحق يعرفه ذوو األلباب‬

‫أسأل اهلل الكريم رب العرش العظيم أن يثبتنا على الحق ويهدينا سواء السبيل ‪ .‬إنه‬
‫نعم المولى ونعم النصير ‪ .‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبيه وخليله محمد وعلى‬
‫أزواجه وذريته وعلى أصحابه وأنصاره ومن اتبع سبيلهم إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫تصميم واخراج موقع معرفه اهلل‬
‫نسخة مجانية تهدى وال تباع‬

Kaidah Sifat Allah

Uploaded by

Document Information

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

Kaidah Sifat Allah

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

www.knowingallah.

‫أبو رملة محمد المنصور‬

‫ •ما يجب اعتقاده في صفات اهلل تعالى عموما ‪6........................................‬‬

‫ •إثبات علو اهلل على خلقه‪8...................................................................‬‬

‫ •الفرق بين التفويض والكف عن التكييف والتمثيل ‪24...............................‬‬

‫ •عقيدة اإلمام أبي الحسن األشعري[] ‪40.................................................‬‬

‫ •عقيدة الشيخ عثمان بن فودي ‪41.........................................................‬‬

‫ •خاتمة نسأل اهلل حسنها ‪44.................................................................‬‬

‫اإلمام الذهبي في كتاب العرش‬

‫اإلمام عبد القادر الجيالني في كتاب الغنية‬

‫الشيخ عثمان بن فودي في الجامع لفتاوى الشيخ عثمان‬

‫أبو عبد اهلل القرطبي المالكي في التفسير‬

‫شيخ اإلسالم ابن تيمية في مجموع الفتاوى‬

‫الحقيقة األولى ‪:‬‬

‫الحقيقة الثانية ‪:‬‬

‫الحقيقة الثالثة ‪:‬‬

‫الحقيقة الرابعة ‪:‬‬

‫وتجد فيه أيضا ‪:‬‬

‫صحيح البخاري ‪ ،‬ك التوحيد ‪ ،‬باب ‪.22‬‬ ‫‪ 5‬‬

‫الحقيقة الخامسة ‪:‬‬

‫المقدسة التي وصف‬

‫ما يجب اعتقاده في صفات اهلل تعالى عموما‬

‫األصل األول ‪:‬‬

‫األصل الثاني ‪:‬‬

‫األصل الثالث ‪:‬‬

‫‪﴿:‬ي ْع َل ُم َما َب ْي َن‬

‫يه ْم﴾ [الفتح‬ ‫﴿ي ُد هَّ ِ‬

‫الحق في آيات الصفات متركب من أمرين‪:‬‬

‫مشبه ملحد ضال ‪ .‬ومن أثبت‬

‫إثبات علو اهلل على خلقه‬

‫ِك الأْ َ ْع َلى﴾[األعلى ‪]1 :‬‬

‫قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي (ت ‪1377‬هـ) رحمه اهلل ‪:‬‬

‫إثبات فوقية اهلل على عباده‬

‫قال المجدد الشيخ عثمان ابن فودي رحمه اهلل ‪:‬‬

‫إثبات أن اهلل في السماء‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬أي أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه؟[‪]18‬‬

‫إحداهما ‪ :‬شرعية قول المسلم ‪ :‬أين اهلل ؟‬

‫قال اإلمام أبو الحسن األشعري رحمه اهلل تعالى ‪:‬‬

‫إثبات استواء اهلل على عرشه المجيد‬

‫ش﴾‪ :‬عال عليه [‪.]22‬‬

‫‪ 2 1‬اإلبانة عن أصول الديانة ص ‪.021‬‬

‫وقال الحافظ الذهبي رحمه اهلل ‪:‬‬

‫تم وكمل كما قال تعالى‬

‫إبطال قول أهل التأويل في االستواء‬

‫قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق‬

‫بشر قد استولى على العراق * من غير سيف ودم مهراق‬

‫ُقبيل الصبح حي على الفالح‬ ‫ولست بقائم كالعير يـدعو‬

‫ولست بآكل لحـم األضاحي‬ ‫ولست بصائم رمضان طوعا‬

‫إلى بطحـاء مكـة للنجاح‬ ‫ولست بسائق عيسا بكـورا‬

‫وأسجـد عند منبلج الصباح‬ ‫ولكـني سأشربهـا شمـوال‬

‫والمصطفى الهادي وال أتـأول‬ ‫وأقول قال اهلل جل جالله‬

‫حقا كما نقل الطـراز األول‬ ‫وجميع آيات الصفات ُأمرها‬

‫وأصونها عن كـل ما ُيتخيل‬ ‫وأرد عهدتهـا إلى نقالهـا‬

‫ومنه ما قاله تلميذه الحافظ ابن القيم في النونية ‪:‬‬

‫فأبوا وقالوا حنطة لـهوان‬ ‫ُأمر اليهود بـأن يقولوا حـطة‬

‫فأبى وزاد الحرف للنقصان‬ ‫وكذلك الجهمي قيل له استوى‬

‫لغة وعقال ما هـما سيان‬ ‫قال استوى استولى وذا من جهله‬

‫في وحي رب العرش زائدتان[‪]31‬‬ ‫نـون اليهود والم جهمي همـا‬

‫إثبات معية اهلل مع خلقه وقربه من عباده‬

‫ون ِم ْن َن ْج َوى َثلاَ َث ٍة إ ّاَِل ُه َو َراب ُ‬

‫معنى التفويض والتأويل‬

‫عقيدة السلف هي اإلثبات‪ ،‬ال التفويض وال التأويل‬

‫قال الحافظ الذهبي رحمه اهلل تعالى ‪:‬‬

‫الفرق بين التفويض والكف عن التكييف‬