Professional Documents
Culture Documents
رؤية جديدة حول عودة السكة الحديد
رؤية جديدة حول عودة السكة الحديد
ال يختلف أثنان في أن النقل هو عصب االقتصاد الحديث وأنه بقدر ما ترتفع كفاءة قطاع النقل بقدر ما ينمو
االقتصاد وتتسع آفاقه .على نقيض ذلك بقدر ما تتراجع كفاءة قطاع النقل بقدر ما يتعثر اإلقتصاد وتضيق
آفاقه.
تتعدد وتتنوع معايير كفاءة النقل ولعل أهم تلك المعايير في سياق هذه الورقة هي معدل إستهالك الطن/
كيلومتر من الوقود ،الحمولة ،السالمة ،السرعة ومالئمة وسيلة النقل للمنقوالت المستهدفة.
لهذا نستطيع القول أن الدراسات التي تسعى إلى تشخيص أزمات اإلقتصاد السوداني سعيا ً إليجاد الحلول
الناجعة ال بد وان تستصحب قضايا النقل .أننا نذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أن المعالجات التي تُطرح
والسياسات التي تُقترح أن لم تستصحب قضايا النقل وتقدم الحلول العلمية القابلة للتطبيق ما هي اال معالجات
وسياسات عقيمة سينتهي بها األمر أن تلحق بسابقاتها في أضابير وزارة المالية واالقتصاد الوطني.
قد يتبادر إلى األذهان أن حديثنا عن النقل يختص بالنقل البري فقط لذلك وجب التوضيح أننا معنيون أيضا ً
بالنقل الحضري .وذلك الن النقل الحضري – وبصفة خاصة في العاصمة القومية -أصبح هو األخر أحد
عوامل االستنزاف لمواردنا المحدودة وسبب آخر الستدامة التخلف.
لقد تمخض عن هيمنة العاصمة القومية على االقتصاد الوطني أن حدث اختالل خطير في التوزيع السكاني
والتنمية الحضرية .حاليا ً يقترب عدد سكان العاصمة القومية من رقم الثمانية مليون نسمة وهو رقم مرشح
ألن يتضاعف بحلول عام 2030أو قبله .بهذه الكثافة السكانية العالية – التي تعادل ربع سكان السودان -
تمددت العاصمة القومية في كل اإلتجاهات وإكتظت بالسيارات وأصبحت االختناقات المرورية ظاهرة يومية
في الشرايين الرئيسة في ساعات الذروة وفي غير ساعات الذروة! لهذا أصبح تباعد األطراف واالختناقات
المرورية من أهم أسباب أهدار الوقت والوقود ومهددات سالمة وصحة المواطن.
أن خالصة ما نرمي إليه هو أن االقتصاد السوداني كما نراه اليوم مصاب بحالة نزيف مزمنة في موارده من
العمالت الحرة ويعتبر قطاع النقل من أبرز أسبابها ،لذلك أصيب بحالة اإلنيميا التي يعاني منها اآلن.
الكثافة السكانية العالية والتمدد الحضري في العاصمة القومية اللذان جعال من السيارة ووسائل النقل العام
ضرورة ال غنى عنها.
سيكتشف القارئ الكريم ان هناك أرتباط عضوي بين تهميش السكة الحديد والكثافة السكانية بالعاصمة
القومية .بهذا االكتشاف سيصل القارئ إلى اقتناع بان هجرة عكسية من العاصمة ستحدث متما إستعادت
السكة الحديد دورها الريادي.
أن تركنا جانبا ً العبء المالي الناتج عن إستيراد الشاحنات والسيارات بمختلف مسمياتها ،وأن غضينا الطرف
عن استهالكها من اإلطارات وقطع الغيار والزيوت وأهالك الطرق ،فإن فاتورة الوقود لوحدها تمثل إستنزافا ً
مريعا ً لمواردنا من العمالت الحرة.
رصد تصاعد إستهالك الوقود الخبير في إقتصاد النفط والصحفي األستاذ السر سيد أحمد في كتابه الشيّق الذي
صدر حديثا ً " سنوات النفط في السودان" .الكتاب عبارة عن جهد توثيقي يستند على عشرات المراجع
والمقابالت في سرده لألحداث والمواقف التي تشكل عالمات بارزة في مسيرة النفط في السودان وقد صدر
الكتاب عن دار مدارك للنشر (.)2013
من بين المواد التي أثرى بها األستاذ السر كتابه جدوالً حول استهالك السودان من المواد البترولية (صفحة
)76للسنوات 2011/2005نكتفي من هذا الجدول باألرقام الخاصة بالجازولين والبنزين:
لم تتوفر لنا إحصاءات حول حجم اإلستهالك حتى نهاية عام 2013وال لقيمة الكمية المستهلكة من الجازولين
والبنزين .في مقابل ذلك علمنا من تصريحات كبار المسئولين ان تكلفة إستيراد ما يكمل اإلنتاج المحلي من
الجازولين وصلت 1,4مليار دوالر أمريكي.
أن اكبر مستهلك للوقود هو بال شك النقل البري ويعزى ذلك لهيمنته شبه الكاملة على نقل البضائع
والمسافرين.
نستدل على ذلك بأكثر المرجيعات مصداقية في السودان وهي التقارير السنوية التي يصدرها بنك السودان
المركزي .في تقريره رقم ( )49لعام ( 2009الصفحة 106من النسخة اإلنجليزية) اوضح البنك أن جملة
الطن المنقول بوسائل النقل البري والسككي والنهري بلغ 6,712,200طن موزعة بين الوسائل الثالث على
النحو التالي:
تجدر اإلشارة هنا إلى أن نسبة مساهمة السكة الحديد في نقل الصادر والوارد في عام 1973/72كانت %95
و %96على التوالي تاركة نسبة %5و %4للنقل البري! هذا ما جاء بالدراسة التي أعدتها هيئة السكة
الحديد لورشة العمل التي نظمت في 1998/12/15تحت عنوان " السكة الحديد ومتطلبات القرن الواحد
وعشرين"
أما اإلحصاءات الخاصة بنقل المسافرين حسبما جاءت بذات التقرير فتشير إلى ان عدد المسافرين بلغ
26,242,200مسافر موزعين بين وسائل النقل الثالث على النحو التالي:
تلك هي الصورة الشائهة القتصاد النقل كما عكستها إحصاءات 2009وال نعتقد أنها تغيرت كثيرا ً في
السنوات الست الماضية.
في قطاع النقل والثمن الباهظ الذي يدفعه االقتصاد السوداني distortionsللتعرف على أبعاد التشوهات
خصما ً على المياه النقية والصحة والتعليم يكفي ان نتعرف على الفرق في إستهالك الوقود بين الشاحنة
والقطار .تجمع كل المصادر العلمية التي أستعنا بها أسوة بمرجعيات الوكاالت ذات الصلة باألمم المتحدة
تجمع على أن إستهالك الطن /كيلومتر بالنقل البري – اي الشاحنات والبصات السياحية -يعادل ثالث
أضعاف نظيره بالسكة الحديد .لترجمة تلك النسبة إلى أرقام حقيقية نستطيع القول أنه إن كان نقل (س) ألف
طن من البضائع من بورتسودان إلى الخرطوم بالقطار يستهلك مليون لتر من الوقود فإن إستخدام الشاحنات
يتطلب توفير ثالثة مليون لتر.
إن الفرق الذي يبلغ أثنين مليون لتر من الوقود يعكس حجم النزيف الذي ظل يتعرض له االقتصاد السوداني
طوال سنوات أفول نجم السكة الحديد ،خاصة في األثني عشر عاما ً الماضية التي شهدت أعلى كثافة في النقل
من بورتسودان إلى الخرطوم.
هل نأمل أن يتطوع أحد الملمين بأسعار الوقود وحركة النقل بحصر ما أهدره السودان من عمالت حره في
السنوات األثنى عشر الماضية إن أحتفظت السكة الحديد بدورها؟.
الشرايين النازفه:
ال ينكر أحد أهمية الطرق في عالمنا المعاصر إذ تنبع أهميتها من تكاملها مع النقل السككي والنهري والجوي
Intermodalلينعم األفراد بخدمات نقل متكاملة وهو ما يطلق عليه نظام النقل بالوسائط المتكاملة ،أي
يُعنى هذا النظام بتوزيع األدوار وتكاملها ليكون المنتج النهائي خدمات نقل تصل إلى Transport System
غاياتها سليمة وبأقل تكلفة وفي زمن معقول .هذا ما يحدث في الدول التي تحسن تدبير أمورها أما نحن فقد
خلطنا األمور كما تكشف اإلحصاءات التي قدمناها فكانت نتيجة هذا الخلط ما نحصده اليوم من أزمات
إقتصادية ومعيشية.
في بلد شاسع المساحة ومعظمه سهلي كالسودان ينبغي أن يكون القطار هو الوسيلة األولى للرحالت الطويلة
فالقطار بطبيعته غير Distributorsوموزعة Feedersوالحموالت الثقيلة ثم يأتي دور الطرق كمغذية
معنى بالحموالت الصغيرة أو بالوصول إلى كل تجمع سكاني .لقد أنجزت الحكومة الكثير في مجال الطرق إذ
إمتدت شبكة الطرق البرية إلى أكثر من عشرة ألف كيلومتر وحتما ُ سيكون لها دور كبير في بسط التنمية
والخدمات في أقاليم البالد .ان نجاح الطرق في القيام بهذا الدور رهين بالتوزيع األمثل لألدوار بين وسائط
النقل المختلفة وبحيث تتراجع الطرق عن دورها كشرايين رئيسة للنقل.
إن كانت كثافة النقل البري والحضري سببا ً في نزيف الموارد كما أوضحنا فإن الطرق – خاصة البرية منها
– أصبحت شرايين نازفة لدماء حقيقية بدالً عما ينتظر منها في إيصال أسباب الحياة والرفاه اإلنساني.
لقد ظل قسم اإلحصاء باإلدارة العامة للمرور يرصد حوادث المرور طوال السنوات الماضية وقد تحصلنا
على إحصاءآت ألعداد الضحايا للفترة ما بين عامي 2009-2000فكانت الحصيلة المفجعة كاآلتي:
-حاالت الوفاة 14,230حالة
لم نتحصل على إحصاءات الست سنوات الماضية ولكن كثرة الحوادث التي تطالعنا بها الصحف تجعلنا
نرجح أن المحرقة مستمرة وأن أعداد الضحايا في تزايد مضطرد وال حول وال قوة إال باهلل.
أن عودة القطار تشكل وسيلة ناجعة في خفض حوادث النقل وهذا ما أكدته تجارب وإحصاءآت الدول التي
تستخدم الوسيلتين بكثافة .ذكر ذلك المهندس عمر محمد نور المدير األسبق لهيئة سكك حديد السودان في
الورقة التي شارك بها في مؤتمر النقل العربي األول الذي نظم بالقاهرة في 2000/10/11-8إذ يقول " أن
تحليل إحصاءآت الحوادث في فرنسا خالل فترة طويلة أظهر بأن أمان النقل بالسكة الحديد والجو والطريق
يقع ضمن نسب وفيات قدرها 100 :10 :1على التوالي مما يعني أن كل حالة وفاة واحدة بالسكة الحديد
تعادلها مائة حالة بالطريق.
أن خالصة ما نرمي إليه من إبراز ما تقدم من حقائق هو أن اإلقتصاد السوداني لن يتعافي أبدا ً – نكرر أبدا ً-
ما لم تعد السكة الحديد بكامل قواها لتتصدر وسائل النقل في السودان ،أما فيما يختص بالبعد اإلنساني فإن
السكة الحديد هي الوسيلة القادرة على إحتواء ظاهرة حوادث الطرق القاتلة .أننا نتفاءل كثيرا ً بتشغيل
القطارات الجديدة بين الخرطوم وعطبرة وقد تراجعت بالفعل الحوادث في طريق التحدي إعتبارا ً من يناير
2014وبعد أن بدأ القطار رحالته بالفعل.
دون سكة حديد فاعلة سيظل إقتصادنا يتخبط ويترنح مسدالً ستارا ً كثيفا ً على أشواقنا في نهضة زراعية
وصناعية وفي محاربة الفقر وإقامة مجتمع الكفاية والرفاهية .أننا مدعوون بقوة ألن نحذو حذو الدول التي
عاد فيها القطار ليشكل أحد ركائز نموها اإلقتصادي.
في الصفحات التالية نتناول العوامل واألسباب التي قادت إلى الصحوة السككية وإلى اإلبداعات التي تحققت
في عالم النقل السككي علها تكون حافزا ً لنا لنعيد األمور إلى نصابها مع ما يتوافق وعصر العولمة وبدايات
األلفية.
قادتني إهتماماتي بقضايا السكة الحديد إلى اإلطالع على معظم أعداد مجلة غازيته السكة الحديد العالمية
التي صدرت منذ عام .2001للتعريف بهذه المجلة نذكر أنها ظلت Railway Gazette International
تصدر شهريا ً وبانتظام في لندن منذ عام 1835متزامنة مع بداية عصر القطار! بهذه العراقة تصبح هذه
المجلة أهم راصد للتطورات التي حدثت في عالم السكة الحديد على نطاق العالم.
يستطيع المهتمون بعالم السكة الحديد بما فيه من أخبار ومستجدات وبحوث ان يرجعوا إلى هذه الدورية عبر
أطلعت أيضا ً على دراسات وأوراق قدمت في www.railwaygazette.comموقعها بالشبكة وهو:
منتديات ومؤتمرات وورش عمل تم تنظيم بعضها في السودان ومعظمها خارج السودان.
من تلك المصادر وغيرها أستوقفتني بعض الحقائق واإلشارات التي أري في تقديمها ما يمهد لما هو آت من
طرح جديد.
شهدت األربعة عقود الماضية عودة مظفرة للقطار في معظم دول العالم وتعزى هذه العودة إلى عدة عوامل
لعل أهمها هي:
-1تفجرت أزمة الطاقة األولى مع إندالع حرب أكتوبر 1973حينما حظرت الدول العربية تصدير النفط.
تسبب ذلك الحظر في ما يشبه الشلل في االقتصاد والحياة العامة في الدول الصناعية.
قبل أن يفيق العالم من آثار الصدمة األولى تعرض لصدمة ثانية أشد عنفا َ في عام 1979بسبب الحرب
العراقية – اإليرانية التي أستمرت لثماني سنوات.
كانت تلك بدايات تصاعد أسعار البترول وقد أستمر التصاعد وأن أستقرت أو تراجعت األسعار أحيانا ً ألسباب
ظرفية كاألزمات اإلقتصادية العابرة .لقد وعت الدول الغربية الدرس وآلت على نفسها أن تقلّص االعتماد
شد اإلستهالك وتبحث في ذات الوقت عن البدائل على بترول الشرق األوسط بسبب توتراته المزمنة وأن تر ّ
من حيث المصدر والتقانات .كانت العودة إلى القطار من بين أهم وسائل الترشيد.
-2التحذير الذي أطلقه نادي روما منذ عام 1972حول حتمية نضوب أو ندرة الموارد بسبب النمط
اإلستهالكي الشره في الدول الصناعية .ذهبت في ذات اإلتجاه مراكز البحوث اإلستراتيجية وأتفقت معظمها
على ان البترول يأتي على رأس الموارد المهددة بالنضوب .لتأكيد هذا الفهم وضعت وكالة الطاقة الدولية
سيناريوهات الندرة كما إتجهت بعض مراكز البحوث إلى وضع جدول زمني لنهاية عصر البترول .بتأثير
هذا الهاجس وبفعل قانون العرض والطلب فإن الندرة تعني بالضرورة تصاعد األسعار إلى سقوف قياسية.
كانت تلك ضارة نافعة إذ ظهر في الدول الصناعية ذات اإلمكانات العلمية سباق محموم لتحقيق أقصى قدر
من الترشيد في شتى أنماط اإلستهالك والبتكار البدائل من الطاقة المتجددة كالشمسية وغيرها .وجدت وسائل
النقل إهتماما ً خاصا ً في البحث العلمي وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من السيارات والقطارات والطائرات
قليل االستهالك للوقود.
-3حالما أفاق العالم من صدمتي الطاقة وجد نفسه أمام نذر لمخاطر جسيمة تواجه اإلنسانية وهي المخاطر
Fossilالناجمة عن اإلحتباس الحراري .نتجت هذه الظاهرة عن اإلستهالك المفرط للوقود اإلحفوري
ممثالً في مشتقات البترول والفحم الحجري .كما هو معروف كانت أبرز تداعيات االحتباس Fuels
الحراري هي ظهور ثغرة األوزون وأرتفاع درجات حرارة األرض التي بدورها كانت السبب الرئيس
لظاهرة تغيير المناخ .من بين السياسات التي تم االتفاق عليها كانت العودة إلى القطار باعتبار أن الرحلة
الواحدة بالقطار تغني عن مئات السيارات الخاصة.
-4من جهة أخرى أكدت اإلحصاءآت أن الزيادة المضطردة في عدد السيارات بكل أنماطها وأحجامها ال
تعني زيادة إستهالك الوقود وتتسبب في االحتباس الحراري فحسب وأنما أصبحت القاتل االول لإلنسان
وسبب رئيس لإلعاقة وتضخم تكلفة العالج.
لهذه األسباب وغيرها وضعت الحكومات سياسات وأصدرت موجهات عامة ترمى إلى العودة إلى القطار بعد
أن غاب عن المسرح إلى حين وكان من أبرز الموجهات:
أ) الترويج للسفر بين المدن وعبر الحدود بالقطار بدالً عن السيارة الخاصة .كان من بين أدوات الترويج تقديم
عروض خاصة في مواسم العطالت إستفادت منها األسر وكبار السن وأخرى لرجال االعمال الذين يتحركون
بين المدن بإنتظام.
ب) التوسع في إستخدام قطارات األنفاق والترام في المدن كثيفة السكان وذلك ألثناء األفراد عن استخدام
سياراتهم الخاصة.
ج) تمدد خطوط قطارات الضواحي في كل اإلتجاهات حتى ال يستخدم سكان الضواحي سياراتهم الخاصة.
د) تطوير القطارات السريعة وتقديم خدمات ممتازة بدرجة خمسة نجوم!
Bullet Trainأو مايسمى بالقطار السهمي Tokaido Shinkasinعلى خطى قطار التوكايدوشينكاسن
الذي أبتكرته اليابان وأذهلت به العالم عندما التقى في رحابها لدوره األلعاب االولمبية لسنة .1964سارت
دول غرب اوروبا في ذات األتجاه وان كانت متأخرة بعقدين!.
الذي بلغت سرعته T.G.Vفي سبعينات القرن الماضي أحتفت فرنسا بتدشين قطارها فائق السرعة وهو ال .
في أسبانيا وقطار ال 350Talgoكيلومتر /الساعة .توالت اإلبداعات في سرعة القطار وكان قطار التالقو
الذي يجمع بين السرعة والقدرة على .Tilting Trainفي ألمانيا أما إيطاليا فابتكرت القطار المائل I.C.E
اي القطار – البندُول!El Pandalino.اإلنحناءة عند المنعطفات ولذلك أطلق عليه أيضا ً اسم الباندالينو
عادت ألمانيا إلى سباق السرعة وقدمت هذه المره إعجازا ً علميا ً أذهل العالم .تمثل ذلك اإلعجاز في قطار
وهو قطار ال يسير Magnetic – Levitation Trainوالمصطلح اختصار ل Maglev Trainالماقليف
على قضبان وإنما يسبح في الهواء باستخدام قوة كهرومغنطيسية هائلة!.
بهذه الخاصية سجل قطار الماقليف أقصى سرعة في تاريخ القطارات وهي 581كيلومتر /ساعة وهي سرعة
تفوق كثيرا ً سرعة الطائرات الصغيرة والمروحيات!.
أما من حيث حمولة القطار فقد أوردت مجلة غازيتة السكة الحديد في عددها الصادر في ديسمبر 2003خبرا ً
يشكل منعطفا ً جديدا ً في إقتصاد النقل.
.البرازيليتين رفعتا عدد العربات المستخدمة في نقل خام الحديد E.F.V.M. – EFCيقول الخبر أن شركتي
وفول الصويا من 320عربة إلى 336عربة وهو ما يجعل طول القطار يفوق أثنين كيلومتر! بهذه الزيادة
في عدد العربات ارتفع الطن المنقول من 33,200طن إلى 35,000طن .تشترك في جر العربات عدة
قاطرات وتُعادل هذه الحمولة حمولة سبعمائة شاحنة حمولة 50طن!!.
إن أختارت البرازيل زيادة حمولة القطار أفقيا ً فقد فضلت المملكة العربية السعودية مضاعفة الحمولة رأسياً.
لتوضيح ذلك نشير إلى الخبر الذي نشرته مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر يناير 2008الذي
يفيد بان السعودية دشنت الخط الحديدي الجديد الدمام – الرياض (400كيلومتر) .ينفرد هذا الخط باستخدام
مما يعني تحميل عربة Double Stack trainعربات السطح ذات الحمولة الرأسية المزدوجة وهي ال
السطح بحاويتين .تتطلب الحمولة بهذا الوزن المزدوج استخدام قضبان فوالزية ذات صالبة عالية ووزن ثقيل
األلمانيةRail one.ترقد على فلنكات خرصانية صنعتها خصيصا ً لهذا الغرض شركة ريل – ون
أستوجبت عودة القطار عامل آخر وهو توجه العالم نحو عصر العولمة الذي يمثل النقل واالتصاالت أهم
وكان من أبرزهاMegaprojects:ركائزه .بهذا الفهم أنجزت على أرض الواقع مشاريع نقل سككي عمالقة
في Beijing – Hamburg .Containers Expressأ) قطار األكسبريس للحاويات بكين – هامبورج
شهر يناير 2008نظم احتفال في ميناء هامبورج بوصول القطار أعاله محمالً بحاويات حاملة لسلع
الكترونية ومواد كيماوية مصدره من الصين إلى ألمانيا .تمثل هذه الرحلة البداية لقيام محور تجاري بين
العمالقين االقتصاديين في شرق آسيا وغرب أوروبا.
يعتبر هذا الخط بديالً للخط المالحي الذي ينطلق من الموانئ الصينية ليدور حول قارتي آسيا وأوروبا قبل أن
يصل إلى هامبورج المطلة على بحر الشمال .ليصل قطار األكسبريس للحاويات إلى هامبورج عليه أن يعبر
الصين من أقصى شرقها إلى أقصى غربها ثم منغوليا ،واالتحاد الروسي ،روسيا البيضاء ،بولندا ومعظم
األراضي األلمانية!.
أختصر القطار الرحلة البحرية في خمسة عشر يوماً ،أي إلى أقل من النصف وفي ذلك كسب في الزمن كما
يقضي أقتصاد العولمة.
ب) اقتضت ضرورات أزمة الطاقة وإقتصاد العولمة تقليص إستهالك الوقود واألعتماد على الكهرباء التي
تنتجها اوروبا من السدود والمفاعالت النووية أقتضت إحداث تحول نوعي في حركة النقل بين شمال اوروبا
وجنوبها المطل على البحر األبيض المتوسط.
Railحققت اوروبا هذه األهداف الثالثة بإنشاء محاور للخطوط الحديدية السريعة لنقل البضائع وهي
.تعود جذور هذا المشروغ إلى دراسة سبق أن نشرتها في ديسمبر 1972مجلة Freight Free Ways
التي تصدرها رابطة المؤتمر الدولي للسكة الحديد ومقرها Rail Internationalالسكة الحديد الدولية
International Railways Congress Association.العاصمة البلجيكية بروكسل
Futurologyمن باب علم المستقبليات Rodney Leachأعد الدراسة الباحث البريطاني رودني ليتش
حينذاك وقد طبقت على صعيد الواقع العملي بعد أكثر من عقدين من تاريخ نشرها!.
لقد توافقت أروبا على ان تبدأ بإنشاء خطين حديديين إلختصار الرحالت البحرية التي تدور حول شبه جزيرة
أيبريا – أسبانيا والبرتقال -لتصل إلى حوض البحر األبيض المتوسط ومنه إلى دول الخليج العربي ووسط
وشرق آسيا.
الواقع في أقصى الجنوب الشرقي Brindisiتم بالفعل إنشاء خطين هما خط هامبورج – ميناء برنديسي
لشبه الجزيرة اإليطالية ،أما الخط الثاني فيبدأ من ميناء روتردام ويعبر هو اآلخر أروبا ثم يتواصل عبر
في أقصى الجنوب الغربي Gioia Turoالساحل الغربي إليطاليا لتنتهي رحلته عند ميناء خيوياتورو
إليطاليا وقد تم إعداد المينائين لهذا الغرض.
شملت السياسات الرامية إلى تقليص إستهالك الوقود التحول من قاطرة الديزل إلى القاطرة الكهربائية أينما
كان ذلك ممكنا ُ وتلك من ميزات القطار فهو الوحيد بين وسائل النقل التي تستطيع التزود بالطاقة الكهربائية
من كهرباء الشبكات أثناء الرحالت الطويلة.
أن هذا التحول يحمل مغزي بعيد بالنسبة لالمن االقتصادي لتلك الدول فالنقل هو عصب االقتصاد الحديث وال
بد من تحصينه من الصدمات المفاجأة كما حدث في عام .1973كانت أروبا مطمئنة للسير في إتجاه كهربة
خطوط السكة الحديد إذا كانت مكتفية -كمجموعة دول مترابطة في الشبكات الكهربائية -بنسبة عالية من
الكهرباء من مصدرين محليين وهما آالف السدود الكهرومائية والعشرات من المفاعالت النووية المنتجة
للكهرباء .باالعتماد على هذين المصدرين تتحرر اوروبا من البترول المستورد بأسعار متصاعدة ومن
االعتماد على البترول المستخرج من أقاليم ال تخلو من التوتر!
في واقع األمر لم تكن كهربة القطارات وسيلة لتأمين حاجة القطارات من الطاقة المحلية الرخيصة واآلمنة
فحسب ،وإنما هي أيضا ً تقانة تأكدت جدواها في ترشيد إستهالك الطاقة! لتوضيح ذلك نشير إلى الورقة
حول هذا الموضوع Claus Turbensenالعلمية الضافية التي نشرها الخبير الدانماركي كالوس تيربنسن
بمجلة غازيته السكة الحديد العالمية في عددها الصادر بتاريخ يناير 2008ويمكن لمن يرغب الرجوع إليها
في الشبكة.
أما Kinetic energyيؤكد الخبير تيربنسن أن قطار الديزل يحول ثلث الوقود فقط إلى طاقة حركية
القاطرة الكهربائية فتحول %90من الطاقة التي تصلها من الشبكة إلى طاقة حر ّكية فعليّه ،أي بكفاءة في
استهالك الطاقة تصل إلى ثالثة أضعاف! الستيضاح حقيقة هذا التباين في استهالك الطاقة أستعنا بدراسة
سبق للبنك الدولي أن نشرها في عام 1984وأزمة الطاقة العالمية في ذروتها .اعدت تلك الدراسة مجموعة
من خبراء البنك الدولي في السكة الحديد والنقل بصفة عامة .نُشرت الدراسة في ذات العام تحت عنوان "
Railways and Energy.السكك الحديدية والطاقة" وقد صدرت باإلنجليزية بعنوان
أوضحت الدراسة ان قاطرة الديزل هي في حقيقة األمر قاطرة كهربائية إال أنها تستمد الكهرباء من مولد ذا
قدره عالية ملحق بها .بداهة يحتاج المولد لصهريج ولكمية من الوقود وفقا ً لمسافة الرحلة وبحيث ال يحتاج
القطار للتوقف للتزود بالوقود حتى ال تطول ساعات الرحلة.
أوضحت الدراسة أن المولد والوقود المحمولين يشكالن عبئا ً ثقيالً على القاطرة مما يجعلها تستهلك جزءا ً
كبيرا ً من الطاقة المولدة في حركتها الذاتية.
لهذا تتراجع طاقة قاطرة الديزل في الجر ..تتراجع طاقة الجر لسبب آخر وهو ان للمولّد – بسبب وزنه
الثقيل -سقف في التوليد الكهربائي ال يتجاوز – عند إعداد الدراسة -ال2500كيلو واط.
في مقابل ذلك نجد ان القاطرة الكهربائية أخف وزنا ً – وأسهل تقانة – وأكثر مقدرة على الجر العتمادها على
التي يمكن أن تمدها بقدر غير محدود من الطاقة Overhead Conductorsكهرباء الشبكة أو ال
الكهربائية قد تصل إلى 5000كيلو واط (خمسة ألف) .لهذا ولوال هذا المصدر غير المحدود لما كانت
القطارات فائقة السرعة ( 2500إلى 350كيلومتر الساعة) التي سبق الحديث عنها .نظرا ُ الن هاجسنا األكبر
في السودان هو الطاقة فلعله من المناسب ان نورد بعض النجاحات التي تحققت في ترشيد إستهالك الطاقة من
خالل التحول من استخدام الشاحنات إلى القطار.
) سيمنار بالعاصمة الهندية نيودلهي في الفترة ما بين 9و U.I.C 11نظم االتحاد الدولي للسكة الحديد (
ديسمبر 1998حول " قضايا البيئة والطاقة في السياسات القطرية في قطاع النقل"
Davidمن بين االوراق التي قدمت في السيمنار كانت ورقة الخبير االسترالي في الشأن السككي ديفيد هيل
وقد قدم الورقة كممثل لرابطة شركات السكك الحديدية االسترالية .كانت الورقة بعنوان "إطالق HiLL
Unleashing Rails Environmental Advantages.الميزات البيئية للسكة الحديد" وهي باإلنجليزية
في إستراليا أن تسيير قطار واحد بحموله ثالث ألف Comparative Studiesأكدت الدراسات المقارنة
طن بين مدينتي سيدني وملبورن (1000كيلومتر) يغني عن تشغيل مائة وخمسين شاحنة ويوفر 45000لتر
من الوقود (خمسة وأربعين ألف) تتسبب في إنبعاث 120طن من الغازات.
يقدر نصيب السكة الحديد من الطن المنقول في استراليا ب %50وتستهلك السكة الحديد لنقل تلك الكمية
%15فقط من الوقود المستهلك في قطاع النقل.
الحراك السككي في الدول النامية:
انتظم كثير من الدول النامية حراك نشط يهدف إلى اإلرتقاء بخدمات السكة الحديد .نشير أدناه إلى بعض
التي تصدر Railways Africaالنماذج التي وردت بمجلة غازيته :السكة الحديد ومجلة سكك حديد أفريقيا
في جمهورية جنوب أفريقيا.
وقعت دول شرق أفريقيا الثالث -أوغنده وكينيا وتنزانيا -عقد مع كونسوتيوم من بيوت الخبرة األوربية لوضع
خريطة موجهة لسكك حديد شرق أفريقيا وهي:
أن أهم أهداف الخطة هي تجديد الشبكة القائمة وإنشاء خمسة عشرة خطا ً جديداً .من بين تلك الخطوط خطوطا ً
المطل على Lamuلربط دولة جنوب السودان تارة باوغنده وتارة بكينيا التي اعادت تأهيل ميناء المو
المحيط الهندي ليقدم خدماته لدولة جنوب السودان في تجارتها الخارجية.
وقعت نيجيريا عقدا ً مع الشركة الصينية للهندسة المدنية إلنشاء خط حديدي مزدوج بطول 1315كيلومتر
ليربط بين مدينتي الغوس الساحلية وكانو في أقصى الشمال .يخطط للخط الحديدي ان يتفرع إلى مدن أخرى
من بينها أبوجا العاصمة الفيدرالية الجديدة.
وقعت المملكة العربية السعودية عقدا ً إلنشاء خط حديدي بطول 945كيلومتر بين الرياض وجدة وبحيث
Double - Stackيكون بمواصفات تسمح بالحمولة الرأسية المزدوجة
عند إكتمال هذا الخط سيتكامل مع خط الدمام -الرياض الجديد بذلك يتحقق الحلم القديم بقيام الخط الحديدي
وطوله 1345كيلومتر ليربط ما بين جدة Trans-Arabian Railwaysالعابر لشبه الجزيرة العربية
والدمام ويقدم خدماته لدولتي البحرين والكويت .ال ننسي هنا أن نذكر بان إنتاج السعودية اليومي من البترول
يفوق العشرة مليون برميل كما أنها تمتلك واحدة من أميز شبكات الطرق البرية في العالم!
تعاقدت الجزائر مع بيت خبرة أستشارية ألماني ألعداد دراسة جدوى حول تحديث وكهربة نصف شبكتها من
السكك الحديدية التي يبلغ طولها 3974كيلومتر.
تسعى ليبيا إلنشاء خطين حديديين أحدهما لربط الواحات الجنوبية بالساحل واآلخر يمتد عبر الساحل الليبي
ليصل ما بين السكة الحديد التونسية والخطوط المصرية .أن أهمية هذا الخط بالنسبة لليبيا هي التواصل مع
الخطوط المغاربية والشرق أوسطية!
نشرت هذه األخبار في غازيته السكة الحديد العالمية بمناسبة تقديم عروض من االتحاد الروسي وأوكرانيا
لتنفيذ هذين المشروعين.
أوردت مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر نوفمبر 2007خبرا ً مفاده ان الحكومة المغربية وقعت
)The Atlanticإلنشاء خط واجهة األطلنطي السريع S.N.C.Fعقدا ً مع الشركة الفرنسية للسكك الحديدية (
320(.كيلومتر /الساعة) مما يعني استخدام القطار الفرنسي فائق السرعة Front Rapid Train
) .يبدأ الخط السريع من مدينة طنجة في أقصى الشمال ويمر بالرباط فالدار البيضاء لتنتهي رحلته (T.G.V
عند مدينة أغادير السياحية في أقصى الجنوب.
لقد أكتمل بالفعل الجزء األول من هذا الخط وهو القطاع طنجة – الدار البيضاء كما أوردت الخبر بالصورة
الفضائيات مؤخراً.
أخيرا ً الحظت من خالل إطالعي على الدوريات المعنية بالسكة الحديد ان هناك تحوالت ينبغي علينا أن
نتوقف عندها ونتأمل في مغزاها والتحوالت هي:
" تتراوح ما بين 1676ملمتر كما هو الحال في الهند Gaugesأ) يستخدم العالم ( )13قياسا ً للسكة الحديد "
وتشيلي و 600و 610ملمتر كما هو الحال في الهند وفنزويال والسودان أبان سنوات تشغيل سكك حديد
الجزيرة.
من بين الثالثة عشر قياس يحظى القياس 1435ملم بكثرة الدول التي تستخدمه وهناك إتجاه عالمي
الستخدامه ولذلك سمي بالقياس العالمي,
ب) أن هناك عدد كبير من الدول تستخدم عدة قياسات كما هو الحال في الهند وإستراليا وأن كثير من الدول
دون السودان مساحة بكثير تتعدد فيها القياسات.
)Botج) هناك إتجاه قوي نحو خصخصة السكة الحديد أما خصخصة مباشرة أو بأحد صيغات نظام البوت (
أو Modernise – Operate – TransferأيM.O.Tومنها صيغة Built– Operate – Transfer
من بين صيغات أخرى وجميعها تعني Rehabilitate – Operate –TransferوهيR.O.T :صيغة ال
مشاركة القطاع الخاص لسنوات يستعيد فيها رأس ماله ويحقق أرباح ثم يعيد الملكية للدولة.
د) هناك إتجاه قوي في دول مثل الواليات النتحدة والصين وكوريا الجنوبية لتوطين التقانات األوربية في
T.G.V..القطارات فائقة السرعة ويتصدر تلك القطارات القطار الفرنسي المعروف بال
كانت النشأة األولى لسكك حديد السودان في سنوات الحكم التركي إذ امتد خط حديدي من وادي حلفا في
مراحل متقطعة إلى كرمة التي وصلها عام 1897وقد بلغ طول ذلك الخط 327كيلومتر .كان من المفترض
أن يتواصل هذا الخط محازيا ً الضفة الشرقية لنهر النيل ليعبره عند مدينة كورتي .أقتضت مشكلة التمويل
والخطة العسكرية الرامية إلى التعجيل بإعادة فتح السودان أن يصرف النظر عن الخط الذي تم إنشاؤه
والتوجه مباشرة من وادي حلفا إلى أبوحمد عبر الصحراء النوبية .لهذا وإنطالقا ً من وادي حلفا توالت
إمتدادات السكة الحديد اعتبارا ً من بداية عام 1897على النحو التالي:
المجموع 4592
أ) أن الجيش الغازي بقيادة كتشنر أستطاع أنشاء 927كيلومتر من وادي حلفا إلى الحلفايا ثلثها عبر صحراء
النوبة القاحلة كما شيد كبري عطبرة في ثالث سنوات فقط رغما ً عن بدائية المعينات وبؤس حياة العمال
والعسكر الذين شيدوا الخط.
ب) أن المستعمر استطاع ما بين 1905و 1929مد الخطوط الحديدية بطول 2112كيلومتر.
ج) إستطاع الحكم الوطني ما بين 1956و -1962أي في ستة سنوات -أن يضيف للشبكة 1372كيلومتر.
بقى أن نعلم أن صادرات السودان في تلك السنوات كانت تتراوح ما بين 70و 90مليون جنيه.
د) أن اإلضافات التي تمت في نصف القرن الماضي – أي منذ عام 1962تبلغ مائة كيلومتر فقط وحتى هذه
فرضتها عمليات إستخراج البترول وبناء سد مروي!
ه) كان من األسهل للجيش الغازي أن يمد الخطوط المصرية من أسوان إلى وادي حلفا ولكنه أختار عن قصد
أن تختلف الخطوط!!
اآلن وبعد التعثر الذي واجهته التنمية في السودان ،نستطيع القول أن قوة الدفع التي سعى بها الحكم الوطني
إلى التوسع في شبكة السكة الحديد وأن قدر لها أن تستمر المتدت خطوط السكة الحديد في عدة اتجاهات
ومحاور لعل من بينها:
أما وسط السودان النيلي فما أحوجه إلى خط موازي للنيل ما بين ملكال ووادي حلفا علما ً بإن اإلحصاءآت
آنذاك تشير إلى أن %70من سكان السودان كانوا يعيشون على ضفاف النيل او على بعد ال يتجاوز الخمسين
كيلومتر.
هناك خطوط متوقفه تماما ً أو شبه متوقفه منذ عدة سنوات والخطوط هي:
) مسحا ً دوريا ً عن متوسط سرعة القطارات لدى الهيئات R.G.Iتعد مجلة غازيتة السكة الحديد العالمية (
العامة والشركات على نطاق العالم .في عددها الصادر في نوفمبر 2005أوردت المجلة متوسط السرعة
تنازليا ً لمائة وتسعة وسبعين هيئة عامة وشركة ( )179فكان موقع السودان هو ال ( )170وذلك بمتوسط
سرعة يبلغ 27كيلومتر /الساعة.
عن شبكة الخطوط يقول المهندس مكاوي محمد عوض وزير النقل في مقابلة صحفية نشرتها صحيفة
الصحافة بتاريخ 3نوفمبر 2013يقول:
" هناك أسباب عديدة لتراجع خدمات السكة الحديد ،أن اهم تلك األسباب هي ضعف وهشاشة البنية التحتية
التي خلفها االستعمار اإلنجليزي من قضبان وفلنكات خشبية قديمة لم يتم تحديثها منذ زمن ،أن هذه القضبان
والفلنكات ال تساعد في استجالب قطارات ذات سرعة عالية.
أن تجديد الشبكة واألسطول السككي ليس باألمر السهل فالتكلفة تفوق إمكانات الهيئة والحكومة االتحادية
مجتمعتين!
أن رأت الحكومة التدرج في إنشاء الخطوط وتجديد األسطول الناقل فعلينا اإلنتظار لثالثين عام على األقل
مما يعني استدامة التهميش لألقاليم الطرفية كما يعني إستمرار نزيف الموارد كما رأينا.
سبق لهيئة سكك حديد السودان أن أعدت دراسة قيمة بعنوان " حقائق وأرقام عن هيئة سكك حديد السودان"
أعدت الدراسة اإلدارة العامة للتخطيط والنظم بالهيئة بمناسبة انعقاد ورشة عمل هيئة السكة الحديد في 15
ديسمبر 1998التي سبقت اإلشارة إليها".
تضمنت الدراسة جداول تفصيلية عن تاريخ دخول الخدمة لقاطرات الديزل وعربات البضاعة من بين جداول
أخرى .عند دراسة تلك الجداول يتضح لنا أن أسطول الهيئة كان يتكون من 135قاطرة في عام .1998من
هذا العدد تم استيراد 22قاطرة في األعوام .1995/91/90أما بقية األسطول – اي 113قاطرة – فيعود
تاريخ شرائها إلى الفترة ما بين 1963و 1985لهذا نجد أعمار %83,7من القاطرات تتراوح ما بين 30و
52عاماً.
أما عربات البضاعة المقفولة فقد بلغ عددها في ذات التاريخ 2784عربة باستثناء 250عربة تتراوح أعمار
بقية العربات اليوم ما بين 37و 61عاماً .لعل القارئ الكريم يتفق معنا أن معظم القاطرات والعربات وهي
بهذه األعمار قد تخطت أعمارها االفتراضية وإذا ما أضفنا لهذا العامل ضعف الصيانة فإننا نستطيع القول
Scrap.بأنها في حكم الخردة أي ال
رغما ً عن شح الموارد وقصر المدة أستطاع المهندس مكاوي تحقيق عدة إنجازات لعل أهمها:
إعادة تأهيل الخط الخرطوم – عطبرة ووصول قطارين للركاب وقد بدأ تشغيلهما بالفعل.
الحصول على قرض من الهند بمبلغ 150مليون دوالر لتأهيل الخط الخرطوم – ود مدني.
التوقيع على مذكرة تفاهم مع شركة صينية لتأهيل الخط سنار – القضارف – هيا.
الجزء الثاني
سبق أن أوضحنا أن آخر إمتدادات شبكة السكة الحديد كان خط بابنوسة – واو (447كلم) الذي اكتمل في عام
1962في عهد الرئيس الراحل إبراهيم عبود أي قبل ثالثة خمسين عاماً! اوضحنا أيضا ً انه أن تواصلت
بذات الحماس خطة التوسع في الشبكة ألمتدت الخطوط إلى أقاليم أخرى هي في أمس الحاجة لخدمات السكة
الحديد ,أخترنا لهذه الدراسة من بين تلك األقاليم الشريط النيلي الذي يمتد من وادي حلفا إلى ملكال وذلك
ألسباب ستتضح في سياق هذه الدراسة .نقترح لهذا الخط أن يكون بالقياس العالمي 1435ملم وذلك لتفوقه
على القياس الضيق المستخدم في السودان -وهو 1067ملم -من عدة أوجه لعل أهمها :السالمة ،الحمولة،
والسرعة .يعزز هذه األسباب مطابقته للخطوط المصرية لذاتها ولكونها تمثل مدخالً للخطوط الشرق أوسطية
والخطوط المغاربية ،تتعزز األسباب أيضا ً بعالمية القياس وهو االمر الذي يعني التصنيع الواسع والكبير
للقطارات والعربات وقطع الغيار ،ومن ث ّم اعتدال األسعار كما هو معروف.
أن قيام هذا الخط يفرض أن يكون له منفذا ً إلى الموانئ السودانية على البحر األحمر لهذا نقترح أن يمتد ذراع
من خط النيل عند منطقة الشريك لمسافة 450كلم حتى ميناء بورتسودان مستخدما ً المعبر الجبلي المتاح
شمال مدينة سنكات إن سمحت التضاريس بذلك وأن تطلب األمر معالجات هندسية.
من جهة أخرى ترى الدراسة أن يتم تنفيذ مشروع سكك حديد النيل على ثالث مراحل وفي فترة زمنية
أقصاهل أثنتي عشر عاما ً أما المراحل فهي:
المرحلة األولى :بورتسودان -الشريك – أم درمان .وطولها 900كلم تتوسطها منطقة الشريك.
المرحلة الثانية :أم درمان – الدويم – كوستي – غرب ملكال وطولها 820كلم.
المرحلة الثالثة :الشريك – مروي – شرق الخندق شرق دنقال ووادي حلفا وطولها 800كلم.
أن ترتيب مراحل التنفيذ على هذا النحو لم يأت اعتباطا ً وإنما لسبب موضوعي وهو ان للمرحلة األولى حظ
وافر من النجاح وتحقيق أرباح في زمن قياسي مما يوفر التمويل الذاتي للمرحلة الثانية .يتحقق النجاح لهذه
المرحلة من هيمنة الخط بورتسودان -الشريك – أم درمان على معظم حركة نقل البضائع والمسافرين بين
العاصمة القومية وبورتسودان.
كما يعلم الجميع أن العاصمة القومية تهيمن على النشاط االقتصادي في البالد كان ذلك في القطاع التجاري أو
الصناعي .لهذا تستقبل العاصمة سنويا ً الماليين من األطنان من السلع االستهالكية واإلنتاجية كما تستقبل
الخامات الصناعية.
من جهة أخرى تنشط حركة المسافرين بين العاصمة القومية وبين واليات نهر النيل ،البحر األحمر والشمالية
في رحالت يخيم عليها هاجس الحوادث والموت المتربص .لهذا نستبشر خيرا ً بوصول قطارين جديدين
للركاب.
أن تراجع تكلفة الترحيل للبضائع والمسافرين بنسبة تتراوح ما بين 40إلى - %60كما نتوقع -يشكل عامل
جذب قوي كما أن عامل السالمة بالنسبة للمسافرين يشكل عامل جذب أقوي.
أننا على اقتناع تام – ونأمل أن يتفق معنا القارئ الكريم – أن تشغيل هذا الخط سيوفر وسادة مالية ماهلة من
اإليرادات من شأنها أن تمهد الطريق لإلنتقال إلى المرحلة الثانية وغايتها ملكال! هناك أسئلة ال بد وان تتبادر
إلى ذهن القارئ وهي :لماذا الشريك؟ ولماذا غرب النيل للمسار الجنوبي للخط الحديدي؟ وأخيرا ً لماذا شرق
النيل للخط للمسار الشمالي للخط الحديدي؟
نجيب على تلك األسئلة أدناه:
لماذا الشريك؟
يعتبر موقع الشريك من بين أقرب المواقع النيلية من بورتسودان وبهذه الصفة يصبح بالنسبة لسكك حديد النيل
الموقع األمثل لتقاطع المحور الرئيسي وادي حلفا – ملكال مع الذراع الممتد إلى بورتسودان.
بعد حفر قناة المسيكتاب لتجنب شالل السبلوقة– راجع دراستنا حول الموضوع -وقيام سد الشريك – الذي
صدر التوجيه الرئاسي بإنشائه بعد توفر التمويل من القرض السعودي– ستصبح منطقة الشريك أقصى موقع
مالحي شماالً لمحور جوبا – الشريك المالحي كما هي في ذات الوقت األقرب من بورتسودان.
عند اكتمال إنشاء سد الشريك ستتوفر الطاقة الكهرومائية الرخيصة التي ستسهم بال شك في نهضة منطقة
الشريك.
عند قيام سد الشريك ومع بداية التخزين ستظهر إلى الوجود بحيرة مترامية األطراف وبمساحة تبلغ 250
كلم 2تصلح لقيام ميناء نهري رئيسي مما يمهد لتكامل بين النقل بالسكة الحديد والنقل النهري.
منطقة الشريك من المناطق المهمشة والطاردة وبتحولها لمرتكز للنقل السككي والنقل النهري ستتسع فرص
العمالة في هذين المرفقين وفي االستثمارات التي يجذبها الموقع .لهذا تتوقع الدراسة أن تصبح هذه المنطقة
من أكثر مناطق السودان تنمية ونمواً.
يالحظ في والية نهر النيل إختالالً في التنمية بين الضفتين الشرقية والغربية يعزى هذا اإلختالل ألسباب
جغرافية وأخرى تاريخية .تتمثل األسباب الجغرافية في الصلة المباشرة ما بين الضفة الشرقية لنهر النيل
والموانئ على البحر األحمر ومع سهل البطانة بما يتميز به من ثروات زراعية وحيوانية وذلك في مقابل
صحراء بيوضة التي تحيط بنهر النيل من ناحية الغرب.
أما األسباب التاريخية فأهمها إمتداد الخط الحديدي من أبوحمد وحتى الخرطوم في السنوات 1899-1897
كما ذكرنا .لقد انعش هذا الخط طوال العهد الذهبي للسكة الحديد كل قري ومدن الضفة الشرقية وبرزت من
تلك المدن أبو حمد ،بربر ،عطبرة ،الدامر وشندي وذلك في زمن كان نهر النيل يخلو من أي جسور شمال
كبري النيل األبيض .من بين هذه المدن تعتبر كل من مدينتى بربر وعطبرة من الحاالت االستثنائية فمدينة
بربر كانت حاضرة لمديرية بربر في العهد التركي كما كانت قبل ذلك معبرا ً لحجاج وتجار غرب أفريقيا في
رحالتهم إلى سواكن ونقطة إنطالق لرحالت المراكب أعلى وأسفل نهر النيل أما عطبرة فقد احتضنت رئاسة
وورش السكة الحديد منذ نشأتها.
بإنشاء طريق التحدي الذي أمتد الحقا ً إلى بورتسودان شرقا ً وإلى أبوحمد شماالً تعززت أهمية شرق النيل
بالقدر الذي جعل شركات مصانع األسمنت تختار شرق النيل رغما ً عن اعتمادها على خامات الرخام
بصحراء بيوضة التي تتمدد بغرب النيل!!.
في مقابل المكاسب التي تحققت لشرق النيل نالحظ أن غرب النيل وإلى ما قبل إنشاء جسري شندي وأم
الطيور كان في عزلة تامة كانت سببا ً لتعثر التنمية فيه .ليس أدل على ذلك من ان المدينة الوحيدة بالغرب
عرفت بحاضرة الجعليين -ظلت تحتضر بسبب نزوح أهلها عنها. وهي المتمة -التي ُ
أن ما يلفت النظر هو ان اإلختالل التنموي بين غرب وشرق النيل يتواصل جنوباً .ففي والية الخرطوم قامت
الحرة بشرق النيل فتحول شارع الجيلي إلى تجمع حضري شريطي ّ Ribonمصفاة الجيلي ومنطقة قري
دون نظير له في بغرب النيل .يتواصل االختالل التنموي حتى في والية النيل Urban Agglomeration
األبيض إذ يعتبر شرق النيل األبيض إمتدادا ً لمشروع الجزيرة والمناقل كما قامت به مصانع السكر في كنانة
وعسالية والنيل األبيض وبإنشاء طريق الخرطوم – كوستي أصبح لشرق النيل شريان للتفاعل مع العاصمة
القومية ومدينة كوستي.
في مقابل ذلك نالحظ أن غرب النيل األبيض تحاصره من ناحية الغرب األطراف الشرقية لشبة صحراء
كردفان .من زاوية أخرى فقد ظل غرب النيل األبيض في عزلة تامة وان كانت هناك بادرات من الخروج من
عزلته بتشييد كبري الدويم والطريق الغربي المتعثر .لكل هذه األسباب وغيرها كان حظ غرب النيل األبيض
من التنمية حظا ً بائسا ً ولذلك أصبح من المناطق الطاردة .أما للوصول إلى ملكال فتمليه توقعاتنا بأن تتجه دولة
جنوب السودان بقوة نحو التنمية حالما إستعادت إستقرارها .أن متطلبات التنمية والطلب العالي للسلع
اإلستهالكية يتطلب توفر وسيلة نقل عالية الكفاءة.
عندما نصعد إلى الوالية الشمالية نجد الصورة معكوسة فغرب النيل أكثر إنفتاحا ُ وأكثر حظا ً في التنمية من
شرق النيل.
تاريخيا ً كانت دنقال حاضرة لمديرية دنقال وظلت محتفظة بهذه األهمية اإلدارية حتى يومنا هذا! .لهذا كان
الطريق البري دنقال – ام درمان حتى قبل رصفه – كان شريان يبعث الحياة في غرب النيل لهذا أيضا ً
أزدهرت مدن القولد والخندق والغابة والدبة بغرب النيل دون نظائر لها بشرق النيل الذي زاد من عزلته
غياب الجسور قبل إنشاء جسرى دنقال والدبة مؤخراً.
من جهة أخرى لعب الزحف الصحراوي بكل بشاعته دورا ً رئيسا ً في حالة االحتضار التي يشهدها شرق النيل
حالياً .لقد غطت الصحراء مساحات شاسعة من األراضي الزراعية واطراف القرى بل وصلت إلى ضفاف
النيل مباشرة .هجر السكان قراهم بشرق النيل فما بيدهم سالح يحاربون به طغيان الطبيعة.
تلك هي أهم األسباب التي تجعلنا نرشح شرق النيل تارة وغربه تارة أخرى إذ يمثل إنشاء الخط الحديدي
وسيلة فعالة إلعادة التوازن بين ضفتي النيل .غنى عن القول ان الخير سيعم الجميغ فاألربعة جسور التي
قامت حديثا ً بواليتي نهر النيل والشمالية ستجعل التواصل بين الضفتين ممكناً.
تمويل المشروع:
ترى الدراسة أن األزمات المالية المتالحقة والمستعصية التي تحاصر الحكومة اإلتحادية واستحقاقات األمن
والسالم المنشود في األقاليم الثالث المتمردة ال تسمح بتمويل هذا المشروع – أن الحكومة حتى وأن
استطاعت اعتصار بعض المال سنويا ً من ميزانيتها أو حصلت على قروض فإن هيئة السكة الحديد أولى
بالدعم والتمويل.
أما بالنسبة لمشروع سكك حديد النيل فلدينا أسباب قوية وإقتناع تام بأن إستجابة الجمهور العريض والقطاع
الخاص ستكون قوية إذا ما تمت توعيتهم بما يعنيه المشروع إلقتصاد وأمن السودان وإذا ما إقتنع الجميع بأن
أرباح المشروع ستتنامي وتتوارثها األجيال .ان أكثر المستفيدين هم سكان القرى النيلية إذ سيفتح لهم
المشروع آفاق واسعة لإلنطالق في دروب التنمية.
أستعانت الدراسة بنخبة طيبة من خبراء السكة الحديد لتقدير تكلفة المرحلة األولى من الخط المقترح وكان
تقدير رأس المال التأسيسي هو مليار ونصف المليار دوالر وهو مبلغ كافي لتنفيذ البنود األساسية التالية:
)1إنشاء الخط الحديدي بورتسودان – الشريك – ام درمان بالقياس العالمي 1435ملم وبطول حوالي
تسعمائة كيلومتر.
)2تشييد جسر الشريك على نهر النيل في موقع اسفل مباشرة للموقع المرشح لقيام سد الشريك حتى يُستفاد
من الجسر عند تشييد السد ..لذلك قد تشارك وحدة تنفيذ السدود في تمويل تشييد الجسر.
)3شراء عشر قاطرات وثالثمائة عربة لمختلف االستخدامات :ركاب ،بضاعة ،سطح للحاويات ،عربات
مبردة ،عربات ماشية ،عربات صهاريج لنقل السوائل وذلك كبداية.
)5بناء وتجهيز ورش الصيانة ومركز التدريب ،تشييد المحطات ،مقر اإلدارة وسكن اقتصادي للعاملين.
)6اإلشارات واإلتصاالت.
)7مستحقات االستشاري الذي يفترض أن يكون قد أعد دراسة الجدوي اإلقتصادية لتنفيذ المشروع بمراحله
الثالث.
)8مال االحتياطي.
)9أخرى.
إستراتيجية التمويل:
ترى الدراسة ان خير وسيلة لتعبئة رأس المال التأسيسي هي قيام شركة بمسمى " شركة النيل للسكة الحديد"
مثالً لتبدأ نشاطها بعصف ذهني جماهيري عبر الصحف واإلذاعات والقنوات الفضائية حول المشروع
والمكاسب التي يحققها لألقتصاد الوطني .ان أكثر المعنيين بالعصف الذهني المقترح هم سكان القرى والمدن
التي يمر بها القطار ويجد القارئ حصرا ً لها في الملحق(.)1
ترى الدراسة ان تعبئة رأس المال التأسيسي يمكن أن تتحقق من خالل طرح ثالثمائة مليون سهم بواقع خمسة
دوالرات – أو ما يعادلها بالجنية السوداني – للسهم الواحد وذلك يتسنى للمواطن مهما ق ّل دخله اإلسهام في
هذا المشروع الوطني الكبير .وقد يرى المؤسسون غير ذلك؟ هناك مشاركة أخرى ينبغي أن تؤخذ في
االعتبار وهي مشاركة الشريك االستراتيجي التي نقدّر لها %10من رأس المال المستهدف أي مائة
وخمسون مليون دوالر.
أن الشريك اإلستراتيجي الذي تعنيه الدراسة هو الشركة الموردة للقطارات بكل مكوناتها واألجهزة الفنية
الخاصة باإلتصاالت أسوة بتجهيز ورشة الصيانة ومركز التدريب.
ينتظر من الشريك اإلستراتيجي أن يشارك فعليا ً في إدارة الشركة ،في تشغيل القطارات وفي تدريب السائقين
والمهندسين والفنيين والعمال وذلك لمدة يتفق عليها عند التعاقد.
المرحلة الثانية:
حال إكتمال المرحلة األولى وظهور بشارات النجاح فإن الشركة – بما لديها من أصول – ستكون قادرة على
استقطاب المزيد من رأس المال سيما والمرحلة الثانية تستهدف خدمة دولة جنوب السودان البترولية الحبيسة
وهي تستشرف نهضة عمرانية وتنموية.
Premium.ب) طرح المزيد من األسهم بسعر السهم في سوق األوراق المالية أي بإضافة عالوة أرباح
ه) باالقتراض من المصارف األجنبية أو من نوافذ اإلقتراض للقطاع الخاص التي تتيحها صناديق التنمية
العربية وعلى رأسها البنك اإلسالمي بجده.
من هذه المصادر مجتمعة أو من بعضها سيتوفر التمويل للمرحلة الثانية وهي وصول القطار إلى غرب
ملكال.
المرحلة الثالثة:
أن االستخدام المكثف لرحالت القطار بين بورتسودان – أم درمان – ملكال سيعني مضاعفة األرباح .أن
تحققت تلك األرباح فإن الشركة لن تكن في حاجة إلى مصادر تمويل إضافية وستمضي قدما ً نحو تنفيذ
المرحلة الثالثة وهي الخط غرب الشريك – مروي – شرق الخندق – شرق دنقال لتنتهي الرحلة في وادي
حلفا ..أو تتوغل داخل األراضي المصرية!.
تتوقع الدراسة أن حركة النقل النشطة في القطاع بوتسودان – الشريك ستؤكد الجدوى االقتصادية لتطويرين
هامين وهما ازدواجية الخط ثم كهربته وذلك في وقت تكون فيه محطة التوليد الكهربائي لسد الشريك قد بدأت
في اإلنتاج .أن إزدواجية وكهربة هذا الخط تعني كأنما انتقلت بورتسودان إلي العمق النيلي أو – في صيغة
أخرى – كأنما انتقلت الشريك إلي الساحل!! ترى الدراسة أيضا ً أن نجاح كهربة القطاع بورتسودان –
الشريك سيمهد لكهربة الخط الشريك – أم درمان وحينها سيكون لالقتصاد السوداني شأن آخر.
المكاسب والمحاذير:
يقوم اإلقتصاد الحديث على منظومة متكاملة من الركائز وهي الموارد الطبيعية والبنيات األساسية التي
يوظفها اإلنسان لكفاية حاجاته مستثمرا ً في ذلك العمل ،رأس المال ومقدراته في اإلدارة وحسن التدبير
واإلبتكار .تتأثر المنظومة اإلقتصادية إيجابا ً أو سلبا ً بأي تغيير جوهري يمس أحد او بعض تلك الركائز .أن
وذلك بمنطق األشياءChain results.التغيير – إن حدث -يفضي إلى مجموعة من النتائج المتسلسلة أو ال
تتعدد األمثلة والتجارب التي تؤكد هذا المفهوم ويكفي هنا ان نستشهد بالسيناريو السالب الذي أسهم به إنهيار
السكة الحديد في تفجير أزمة دارفور وإضمحالل مشروع الجزيرة وهما أمران يغفل عنهما الكثيرون!.
في كلتا الحالتين كانت السكة الحديد في عهدها الذهبي هي الوسيلة األمثل في نقل محاصيل الصادر من
دارفور – كالفول السوداني – وفي نقل القطن من الجزيرة لتصل إلى بورتسودان بأسعار منافسة كانت تجد
بها رواجا ً في السوق العالمي.
كانت القطارات تعود من بورتسودان وهي مح ّملة بالسلع المستوردة والمدخالت الزراعية والصناعية لهذا
كانت السلع اإلستهالكية سواء أكانت من اإلنتاج المحلي او المستورد تعرض بأسعار معتدلة وفي متناول يد
صية!.
الجميع وان كانوا في دارفور الق ّ
أعقب ذلك زمن تعرضت فيه السكة الحديد لإلهمال وإنكمش دورها في اإلقتصاد بعد ان أخلت الساحة
للشاحنات! حينها أصيب اإلقتصاد الوطني في مقتل إذ كسدت صادراتنا او بيعت بهامش ربح ضئيل أو حتى
بالخسارة طمعا ً في الحصول على العمالت الحرة! أصيب اإلقتصاد الوطني بهذه الفاجعة بسبب تكلفة النقل
البري العالية وبسبب نزيف الموارد الناتج عن إستيراد الوقود واإلطارات وقطع الغيار .في ذات الوقت ظلت
أسعار السلع اإلستهالكية تتصاعد لتصنع الفقر في أرجاء السودان ،اما دارفور ومشروع الجزيرة فتلك
روايتان حزينتان يعلمهما الجميع.
ترى الدراسة أن الطرح المقدم حول سكك حديد النيل سيحدث تغييرات هيكلية إيجابية في نظام النقل وفي
اإلقتصاد السوداني .يحدث ذلك بفعل ردود األفعال اإليجابية ووفقا ً لمنطق النتائج المتسلسلة.
أوالً :نظرا ً الن النقل بين بورتسودان والخرطوم يشكل معظم حركة النقل في السودان فإن إستخدام النقل
السككي عبر بورتسودان – الشريك – أم درمان بدالً عن الشاحنات سيوفر – في رأينا – للخزينة العامة ما ال
يقل عن %50من العمالت الحرة التي تشكل تكلفة الوقود واإلطارات وقطع الغيار.
في تاريخ الحق – أي بعد خمس سنوات هي فترة إنشاء المرحلة االولى من سكك حديد النيل – ستنشط حركة
النقل بسبب تصاعد صادرات السودان لدولة جنوب السودان مما يعني ضمنا ً تصاعد واردات السودان من
مدخالت اإلنتاج الزراعي والصناعي .في ذات الوقت ستتصاعد واردات دولة جنوب السودان من السلع
اإلستهالكية والرأسمالية لضرورات التنمية كما يرجح أن تتصاعد أسعار المحروقات .على ضوء ما تقدم فإن
كانت وفورات التحول إلى النقل السككي اليوم – إفتراضا ً – تقدر بمليار دوالر أمريكي فإن تلك الوفورات لن
تقل عن الثالثة مليار دوالر بعد خمس أو ستة سنوات ،أي قبيل تشغيل قطار بورتسودان – الشريك – أم
درمان المقترح .غنى عن القول ان تصاعد تلك الوفورات وتراكمها – إفتراضا ً – سيعني دعما ً مباشرا ً
لميزان المدفوعات وهو دعم ينصلح به حال العملة الوطنية ويفتح الباب الستيراد السلع والخامات التي يحتاج
لها االقتصاد الوطني.
ثانياً :سيشجع النقل السككي الرخيص المنتجين لمضاعفة اإلنتاج وذلك ألغراض التصدير علما ً بان التصدير
هو رئة اإلقتصاد الحديث.
ثالثاً :عند قيام سكك حديد النيل وإمتداد ذراع منها إلى بورتسودان كما أوضحنا سيفقد خطان حديديان أسباب
لما ال وهما خطان يعبران صحراء النوبة وصحراء Redundant Linesوجودهما بمعنى أن يصبحا
العتمور حيث ال حياة!
المجموع 640
نظرا ً لقدم وإهتراء هذه الخطوط فلعله من االجدى تفكيكها وبيعها كحديد خردة لجياد او ألحد مصانع حديد
التسليح لشراء قضبان بمواصفات أعلى إلنشاء خطوط جديدة وفق برنامج زمني يأخذ في اإلعتبار توفر
التمويل.
أن وجدت الدعوة لقيام سكك حديد النيل قبوالً على اإلكتتاب في أسهما فإن ذلك يستوجب أن تتراجع هيئة
السكة الحديد عن خطتها الرامية إلى إعادة تأهيل القطاع عطبرة – هيا (272كلم) من خط عطبرة بورتسودان
وان تقيم بدالً عنه خطا ً جديدا ً يربط حلفا الجديدة بالدامر ( 280كلم) .تتمثل أهمية هذا الخط في دوره في
إخراج مناطق أسفل نهر عطبرة وشمال البطانة من عزلتهما سيما وان جريان النهر سينتظم طوال العام –
وان كان ذلك بمناسيب متدنية – بعد إكتمال سدي ستيت وأعالى عطبرة واإليراد اإلضافي الذي حققه سد
تكازي بأثيوبيا .تلك متغيرات ستنعش اإلنتاج الزراعي والحيواني أسفل نهر عطبرة .تتمثل أهمية هذا الخط
أيضا ً في إبقاء الصلة مع عطبرة حيث أكبر تجمع لورشة الصيانة.
ثالثاً :إن إنشاء سكك حديد النيل بمبادرة من القطاع الخاص السوداني سيعني تخفيف العبء على الهيئة العامة
للسكة الحديد مما يمكنها من تجديد أسطولها وإعادة تأهيل خطوطها بالعرض الضيق الحالي ( 1067ملم) .أن
الخيار لألفضل هو بال شك القياس العالمي الذي يسمح بتوحيد وتكامل الشبكتين.
قد يبدو هذا الخيار بعيد المنال تحت المعطيات الحالية لإلقتصاد السوداني وما لم تقدم حكومة السودان على
إبرام صفقات خارجية ضخمة بصيغات مبتكرة ..وهو أمر ممكن!.
في غياب هذا الخيار ستنشأ الحاجة لتوفير المعينات اللوجستية لتتكامل الشبكتان .من زاوية أخرى ومهما كان
خيار الهيئة فإننا نرى أن هنالك جدوى إقتصادية في أن توسع الهيئة العامة للسكة الحديد في شبكتها لتغطي
المزيد من أقاليم البالد ولتوفر خدماتها للدولة الحبيسة المجاورة وذلك من خالل االمتدادات التالية:
أ) نياال – فورو برونقا الواقعة على وادي أزوم وعند الحدود السودانية – التشادية.
ب) نياال – أم دافوق التي تلتقى عندها الحدود السودانية – التشادية مع حدود جمهورية أفريقيا الوسطى.
تجدر اإلشارة هنا إلى أن كال الموقعين الحدوديين قريبان من المناطق الواعدة بالتوسع الزراعي المطري
والغنية بالثروة الحيوانية في جنوب تشاد وشمال جمهورية أفريقيا الوسطى.
ج) إمتداد الخط الحديدي من الدمازين إلى الكرمك إلنعاش إقتصاد جنوب النيل األزرق .كمنفذ لوسط غرب
أثيوبيا.
ترى الدراسة ان هناك ثالثة عوامل رئيسة تفرض إنشاء اإلمتدادات أعاله والعوامل هي:
-1هناك مردود إيجابي في توسيع شبكة السكة الحديد على الصعيد الوطني إذ ستحدث حراكا ً إقتصاديا ً في
مناطق معزولة رغما ً عن ثرائها بالموارد الطبيعية .ان المناطق المعنية هي :غرب دارفور ،جنوب شرق
القضارف وجنوب النيل األزرق.
-2تعزيز أهمية السودان كمعبر والموانئ السودانية كمنافذ لدول الجوار الحبيسة وهي دولة جنوب السودان،
تشاد ،أفريقيا الوسطى وأثيوبيا .فالنقل البري بتكلفته العالية ينتقص من تلك األهمية .أن دور السكة الحديد هنا
ليس قاصرا ً على رسوم العبور والموانئ فحسب وإنما يشمل أيضا ً إنعاش التجارة البينية بين السودان وتلك
الدول.
-3هناك محاذير أمنية تستوجب منع النقل البري العابر لألرضي السودانية وحصره على السكك الحديدية
واألسباب هي:
أ) منع التهريب من وإلى السودان وأحكام السيطرة على السلع التالفة والمغشوشة وتلك التي ال تستوفي
مواصفات الجودة.
ب) منع الجريمة العابرة كاإلتجار بالبشر ألغراض النزوح والهجرة إلى الدول العربية وأوروبا أو ألغراض
أخرى .أما الوجه اآلخر للجريمة العابرة فيتمثل في تهريب األسلحة ،المخدرات ،الخمور والعملة بغرض
غسلها في السودان بشراء العقارات وغيره.
ج) من قبل إنفتاح السودان للنقل العابر تحولت الطرق البريّة إلى محرقة للبشر.
د) إحتمال إنتقال بعض األمراض واالوبئة القاتلة تزيد بالشاحنات البرية القادمة من دول أخرى .
ه) حماية الطرق البريّة من اإلهالك السريع فالطرق البرية في السودان اليوم تمثل ثروة قومية ينبغي
المحافظة عليها سيما وهي بمواصفات دون العالمية من حيث العرض وسمك الطبقة األسفلتية .تفيد معلوماتنا
أن تكلفة بناء الكيلومتر الواحد من الطرق المسفلته تتراوح ما بين ستمائة ألف وسبعمائة وخمسين ألف دوالر
مما يعني ان قيمة شبكة الطرق القومية تقارب العشرة مليار دوالر.
أن الرسوم التي نتحصل عليها من النقل العابر الثقيل لن تعوضنا عن التلف واإلهالك الذي ستتعرض له
البرية لهذا ينبغي الحذر والمنع الواضح والصريح.الطرق ّ
أن المخاوف التي تناولناها أعاله تعزز دعوتنا لسكان الشريط النيلي والشعب السوداني قاطبة لإلكتتاب في
أسهم شركة النيل للسكة الحديد.
بقيام الخط المقترح وإمتداد ذراعه إلى بورتسودان سيكون لكل من الشبكة القائمة (1067ملم) والشبكة
المقترحة (1435ملم) أقاليم محددة وذلك على النحو التالي:
أ) هيئة السكة الحديد :كل أقاليم شرق السودان ،جنوب النيل األزرق ،كل غرب السودان وذلك باإلضافة إلى
منافذ حدودية لدول الجوار الحبيسة عبر ميناء كوستي بالتكامل مع النقل النهري ،خط بابنوسة – واو لبحر
الغزال الكبرى ،عبر فوروبرونقا ،وأم دافوق إلى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى .وذلك باإلضافة إلى
الكرمك والقالبات بالنسبة ألثيوبيا.
ب) سكك حديد النيل ،تغطي الشريط النيلي ما بين وادي حلفا وملكال وذلك باإلضافة إلى دولة جنوب
السودان عبر ملكال.
ج) تمثل مدينة كوستي الموقع الوحيد الذي تتقاطع فيه الشبكتان .لهذا ينتظر ان تتوفر في محطة التقاطع
بكفاءة عالية وفي زمن وجيزTransshipment.اآلليات الحديثة التي تقوم مناقلة البضائع والحاويات
بهذه التجهيزات سيكون من الممكن نقل الحاويات المنقولة من مصر – على سبيل المثال -إلى تشاد او إلى
أفريقيا الوسطى أو إلى غرب السودان وبحر الغزال من سكك حديد النيل إلى خط غرب السودان – والعكس
صحيح وهكذا.
وهللا الموفق
د .عمر محمد علي أحمد
عضو رابطة خريجي كلية االقتصاد
والدراسات االجتماعية بجامعة الخرطوم
Omeralakhdar@gmail.com