You are on page 1of 26

‫د‪ .

‬عمر محمد علي أحمد‬

‫ال يختلف أثنان في أن النقل هو عصب االقتصاد الحديث وأنه بقدر ما ترتفع كفاءة قطاع النقل بقدر ما ينمو‬
‫االقتصاد وتتسع آفاقه‪ .‬على نقيض ذلك بقدر ما تتراجع كفاءة قطاع النقل بقدر ما يتعثر اإلقتصاد وتضيق‬
‫آفاقه‪.‬‬

‫تتعدد وتتنوع معايير كفاءة النقل ولعل أهم تلك المعايير في سياق هذه الورقة هي معدل إستهالك الطن‪/‬‬
‫كيلومتر من الوقود‪ ،‬الحمولة‪ ،‬السالمة‪ ،‬السرعة ومالئمة وسيلة النقل للمنقوالت المستهدفة‪.‬‬

‫لهذا نستطيع القول أن الدراسات التي تسعى إلى تشخيص أزمات اإلقتصاد السوداني سعيا ً إليجاد الحلول‬
‫الناجعة ال بد وان تستصحب قضايا النقل‪ .‬أننا نذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أن المعالجات التي تُطرح‬
‫والسياسات التي تُقترح أن لم تستصحب قضايا النقل وتقدم الحلول العلمية القابلة للتطبيق ما هي اال معالجات‬
‫وسياسات عقيمة سينتهي بها األمر أن تلحق بسابقاتها في أضابير وزارة المالية واالقتصاد الوطني‪.‬‬

‫قد يتبادر إلى األذهان أن حديثنا عن النقل يختص بالنقل البري فقط لذلك وجب التوضيح أننا معنيون أيضا ً‬
‫بالنقل الحضري‪ .‬وذلك الن النقل الحضري – وبصفة خاصة في العاصمة القومية‪ -‬أصبح هو األخر أحد‬
‫عوامل االستنزاف لمواردنا المحدودة وسبب آخر الستدامة التخلف‪.‬‬

‫لقد تمخض عن هيمنة العاصمة القومية على االقتصاد الوطني أن حدث اختالل خطير في التوزيع السكاني‬
‫والتنمية الحضرية‪ .‬حاليا ً يقترب عدد سكان العاصمة القومية من رقم الثمانية مليون نسمة وهو رقم مرشح‬
‫ألن يتضاعف بحلول عام ‪ 2030‬أو قبله‪ .‬بهذه الكثافة السكانية العالية – التي تعادل ربع سكان السودان ‪-‬‬
‫تمددت العاصمة القومية في كل اإلتجاهات وإكتظت بالسيارات وأصبحت االختناقات المرورية ظاهرة يومية‬
‫في الشرايين الرئيسة في ساعات الذروة وفي غير ساعات الذروة! لهذا أصبح تباعد األطراف واالختناقات‬
‫المرورية من أهم أسباب أهدار الوقت والوقود ومهددات سالمة وصحة المواطن‪.‬‬

‫أن خالصة ما نرمي إليه هو أن االقتصاد السوداني كما نراه اليوم مصاب بحالة نزيف مزمنة في موارده من‬
‫العمالت الحرة ويعتبر قطاع النقل من أبرز أسبابها‪ ،‬لذلك أصيب بحالة اإلنيميا التي يعاني منها اآلن‪.‬‬

‫تتعدد أسباب نزيف الموارد ويهمنا منها في هذا السياق‪:‬‬

‫تهميش السكة الحديد واالعتماد شبه الكامل على النقل البري‪.‬‬

‫الكثافة السكانية العالية والتمدد الحضري في العاصمة القومية اللذان جعال من السيارة ووسائل النقل العام‬
‫ضرورة ال غنى عنها‪.‬‬
‫سيكتشف القارئ الكريم ان هناك أرتباط عضوي بين تهميش السكة الحديد والكثافة السكانية بالعاصمة‬
‫القومية‪ .‬بهذا االكتشاف سيصل القارئ إلى اقتناع بان هجرة عكسية من العاصمة ستحدث متما إستعادت‬
‫السكة الحديد دورها الريادي‪.‬‬

‫أن تركنا جانبا ً العبء المالي الناتج عن إستيراد الشاحنات والسيارات بمختلف مسمياتها‪ ،‬وأن غضينا الطرف‬
‫عن استهالكها من اإلطارات وقطع الغيار والزيوت وأهالك الطرق‪ ،‬فإن فاتورة الوقود لوحدها تمثل إستنزافا ً‬
‫مريعا ً لمواردنا من العمالت الحرة‪.‬‬

‫تصاعد استهالك المحروقات‪:‬‬

‫رصد تصاعد إستهالك الوقود الخبير في إقتصاد النفط والصحفي األستاذ السر سيد أحمد في كتابه الشيّق الذي‬
‫صدر حديثا ً " سنوات النفط في السودان"‪ .‬الكتاب عبارة عن جهد توثيقي يستند على عشرات المراجع‬
‫والمقابالت في سرده لألحداث والمواقف التي تشكل عالمات بارزة في مسيرة النفط في السودان وقد صدر‬
‫الكتاب عن دار مدارك للنشر (‪.)2013‬‬

‫من بين المواد التي أثرى بها األستاذ السر كتابه جدوالً حول استهالك السودان من المواد البترولية (صفحة‬
‫‪ )76‬للسنوات ‪ 2011/2005‬نكتفي من هذا الجدول باألرقام الخاصة بالجازولين والبنزين‪:‬‬

‫األرقام بالطن المتري‬

‫السنة الجازولين البنزين المجموع‬

‫‪2,105,160 420,341 1,684,819 2005‬‬

‫‪2,552,039 492,874 2,059,165 2006‬‬

‫‪2,896,759 549,927 2,246,832 2007‬‬

‫‪2,936,605 589,986 2,246,619 2008‬‬

‫‪3,034,360 675,055 2,359,305 2009‬‬

‫‪2,961,428 761,507 2,199,921 2010‬‬

‫النصف األول من ‪1,545,174 392,797 1,152,377 2011‬‬

‫لم تتوفر لنا إحصاءات حول حجم اإلستهالك حتى نهاية عام ‪ 2013‬وال لقيمة الكمية المستهلكة من الجازولين‬
‫والبنزين‪ .‬في مقابل ذلك علمنا من تصريحات كبار المسئولين ان تكلفة إستيراد ما يكمل اإلنتاج المحلي من‬
‫الجازولين وصلت ‪ 1,4‬مليار دوالر أمريكي‪.‬‬

‫هيمنة النقل البري‪:‬‬

‫أن اكبر مستهلك للوقود هو بال شك النقل البري ويعزى ذلك لهيمنته شبه الكاملة على نقل البضائع‬
‫والمسافرين‪.‬‬

‫نستدل على ذلك بأكثر المرجيعات مصداقية في السودان وهي التقارير السنوية التي يصدرها بنك السودان‬
‫المركزي‪ .‬في تقريره رقم (‪ )49‬لعام ‪( 2009‬الصفحة ‪ 106‬من النسخة اإلنجليزية) اوضح البنك أن جملة‬
‫الطن المنقول بوسائل النقل البري والسككي والنهري بلغ ‪ 6,712,200‬طن موزعة بين الوسائل الثالث على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬النقل البري ‪ 5736000‬طن بنسبة ‪%85,46‬‬

‫‪ -‬النقل السككي ‪ 907000‬طن بنسبة ‪%13,52‬‬

‫‪ -‬النقل النهري ‪ 69000‬طن بنسبة ‪%1,02‬‬

‫‪ -‬المجموع ‪%100 6712200‬‬

‫تجدر اإلشارة هنا إلى أن نسبة مساهمة السكة الحديد في نقل الصادر والوارد في عام ‪ 1973/72‬كانت ‪%95‬‬
‫و‪ %96‬على التوالي تاركة نسبة ‪ %5‬و ‪ %4‬للنقل البري! هذا ما جاء بالدراسة التي أعدتها هيئة السكة‬
‫الحديد لورشة العمل التي نظمت في ‪ 1998/12/15‬تحت عنوان " السكة الحديد ومتطلبات القرن الواحد‬
‫وعشرين"‬

‫أما اإلحصاءات الخاصة بنقل المسافرين حسبما جاءت بذات التقرير فتشير إلى ان عدد المسافرين بلغ‬
‫‪ 26,242,200‬مسافر موزعين بين وسائل النقل الثالث على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬النقل البري ‪ 26,150,000‬مسافر بنسبة ‪%99,65‬‬

‫‪ -‬النقل السككي ‪ 78,000‬مسافر بنسبة ‪%0,33‬‬

‫‪ -‬النقل النهري ‪ 5000‬مسافر بنسبة ‪%0.02‬‬

‫تلك هي الصورة الشائهة القتصاد النقل كما عكستها إحصاءات ‪ 2009‬وال نعتقد أنها تغيرت كثيرا ً في‬
‫السنوات الست الماضية‪.‬‬
‫في قطاع النقل والثمن الباهظ الذي يدفعه االقتصاد السوداني ‪distortions‬للتعرف على أبعاد التشوهات‬
‫خصما ً على المياه النقية والصحة والتعليم يكفي ان نتعرف على الفرق في إستهالك الوقود بين الشاحنة‬
‫والقطار‪ .‬تجمع كل المصادر العلمية التي أستعنا بها أسوة بمرجعيات الوكاالت ذات الصلة باألمم المتحدة‬
‫تجمع على أن إستهالك الطن‪ /‬كيلومتر بالنقل البري – اي الشاحنات والبصات السياحية‪ -‬يعادل ثالث‬
‫أضعاف نظيره بالسكة الحديد‪ .‬لترجمة تلك النسبة إلى أرقام حقيقية نستطيع القول أنه إن كان نقل (س) ألف‬
‫طن من البضائع من بورتسودان إلى الخرطوم بالقطار يستهلك مليون لتر من الوقود فإن إستخدام الشاحنات‬
‫يتطلب توفير ثالثة مليون لتر‪.‬‬

‫إن الفرق الذي يبلغ أثنين مليون لتر من الوقود يعكس حجم النزيف الذي ظل يتعرض له االقتصاد السوداني‬
‫طوال سنوات أفول نجم السكة الحديد‪ ،‬خاصة في األثني عشر عاما ً الماضية التي شهدت أعلى كثافة في النقل‬
‫من بورتسودان إلى الخرطوم‪.‬‬

‫هل نأمل أن يتطوع أحد الملمين بأسعار الوقود وحركة النقل بحصر ما أهدره السودان من عمالت حره في‬
‫السنوات األثنى عشر الماضية إن أحتفظت السكة الحديد بدورها؟‪.‬‬

‫الشرايين النازفه‪:‬‬

‫ال ينكر أحد أهمية الطرق في عالمنا المعاصر إذ تنبع أهميتها من تكاملها مع النقل السككي والنهري والجوي‬
‫‪Intermodal‬لينعم األفراد بخدمات نقل متكاملة وهو ما يطلق عليه نظام النقل بالوسائط المتكاملة‪ ،‬أي‬
‫يُعنى هذا النظام بتوزيع األدوار وتكاملها ليكون المنتج النهائي خدمات نقل تصل إلى ‪Transport System‬‬
‫غاياتها سليمة وبأقل تكلفة وفي زمن معقول‪ .‬هذا ما يحدث في الدول التي تحسن تدبير أمورها أما نحن فقد‬
‫خلطنا األمور كما تكشف اإلحصاءات التي قدمناها فكانت نتيجة هذا الخلط ما نحصده اليوم من أزمات‬
‫إقتصادية ومعيشية‪.‬‬

‫في بلد شاسع المساحة ومعظمه سهلي كالسودان ينبغي أن يكون القطار هو الوسيلة األولى للرحالت الطويلة‬
‫فالقطار بطبيعته غير ‪ Distributors‬وموزعة ‪Feeders‬والحموالت الثقيلة ثم يأتي دور الطرق كمغذية‬
‫معنى بالحموالت الصغيرة أو بالوصول إلى كل تجمع سكاني‪ .‬لقد أنجزت الحكومة الكثير في مجال الطرق إذ‬
‫إمتدت شبكة الطرق البرية إلى أكثر من عشرة ألف كيلومتر وحتما ُ سيكون لها دور كبير في بسط التنمية‬
‫والخدمات في أقاليم البالد‪ .‬ان نجاح الطرق في القيام بهذا الدور رهين بالتوزيع األمثل لألدوار بين وسائط‬
‫النقل المختلفة وبحيث تتراجع الطرق عن دورها كشرايين رئيسة للنقل‪.‬‬

‫إن كانت كثافة النقل البري والحضري سببا ً في نزيف الموارد كما أوضحنا فإن الطرق – خاصة البرية منها‬
‫– أصبحت شرايين نازفة لدماء حقيقية بدالً عما ينتظر منها في إيصال أسباب الحياة والرفاه اإلنساني‪.‬‬

‫لقد ظل قسم اإلحصاء باإلدارة العامة للمرور يرصد حوادث المرور طوال السنوات الماضية وقد تحصلنا‬
‫على إحصاءآت ألعداد الضحايا للفترة ما بين عامي ‪ 2009-2000‬فكانت الحصيلة المفجعة كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬حاالت الوفاة ‪ 14,230‬حالة‬

‫‪ -‬حاالت األذى الجسيم ‪ 44,793‬حالة‬

‫‪ -‬حاالت األذى البسيط ‪ 81,178‬حالة‬

‫‪ -‬حاالت التلف المادي ‪ 234,223‬حالة‪.‬‬

‫لم نتحصل على إحصاءات الست سنوات الماضية ولكن كثرة الحوادث التي تطالعنا بها الصحف تجعلنا‬
‫نرجح أن المحرقة مستمرة وأن أعداد الضحايا في تزايد مضطرد وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬

‫أن عودة القطار تشكل وسيلة ناجعة في خفض حوادث النقل وهذا ما أكدته تجارب وإحصاءآت الدول التي‬
‫تستخدم الوسيلتين بكثافة‪ .‬ذكر ذلك المهندس عمر محمد نور المدير األسبق لهيئة سكك حديد السودان في‬
‫الورقة التي شارك بها في مؤتمر النقل العربي األول الذي نظم بالقاهرة في ‪ 2000/10/11-8‬إذ يقول " أن‬
‫تحليل إحصاءآت الحوادث في فرنسا خالل فترة طويلة أظهر بأن أمان النقل بالسكة الحديد والجو والطريق‬
‫يقع ضمن نسب وفيات قدرها ‪ 100 :10 :1‬على التوالي مما يعني أن كل حالة وفاة واحدة بالسكة الحديد‬
‫تعادلها مائة حالة بالطريق‪.‬‬

‫أن خالصة ما نرمي إليه من إبراز ما تقدم من حقائق هو أن اإلقتصاد السوداني لن يتعافي أبدا ً – نكرر أبدا ً‪-‬‬
‫ما لم تعد السكة الحديد بكامل قواها لتتصدر وسائل النقل في السودان‪ ،‬أما فيما يختص بالبعد اإلنساني فإن‬
‫السكة الحديد هي الوسيلة القادرة على إحتواء ظاهرة حوادث الطرق القاتلة‪ .‬أننا نتفاءل كثيرا ً بتشغيل‬
‫القطارات الجديدة بين الخرطوم وعطبرة وقد تراجعت بالفعل الحوادث في طريق التحدي إعتبارا ً من يناير‬
‫‪ 2014‬وبعد أن بدأ القطار رحالته بالفعل‪.‬‬

‫دون سكة حديد فاعلة سيظل إقتصادنا يتخبط ويترنح مسدالً ستارا ً كثيفا ً على أشواقنا في نهضة زراعية‬
‫وصناعية وفي محاربة الفقر وإقامة مجتمع الكفاية والرفاهية‪ .‬أننا مدعوون بقوة ألن نحذو حذو الدول التي‬
‫عاد فيها القطار ليشكل أحد ركائز نموها اإلقتصادي‪.‬‬

‫في الصفحات التالية نتناول العوامل واألسباب التي قادت إلى الصحوة السككية وإلى اإلبداعات التي تحققت‬
‫في عالم النقل السككي علها تكون حافزا ً لنا لنعيد األمور إلى نصابها مع ما يتوافق وعصر العولمة وبدايات‬
‫األلفية‪.‬‬

‫لماذا عادت السكة الحديد؟‬

‫قادتني إهتماماتي بقضايا السكة الحديد إلى اإلطالع على معظم أعداد مجلة غازيته السكة الحديد العالمية‬
‫التي صدرت منذ عام ‪ .2001‬للتعريف بهذه المجلة نذكر أنها ظلت ‪Railway Gazette International‬‬
‫تصدر شهريا ً وبانتظام في لندن منذ عام ‪ 1835‬متزامنة مع بداية عصر القطار! بهذه العراقة تصبح هذه‬
‫المجلة أهم راصد للتطورات التي حدثت في عالم السكة الحديد على نطاق العالم‪.‬‬

‫يستطيع المهتمون بعالم السكة الحديد بما فيه من أخبار ومستجدات وبحوث ان يرجعوا إلى هذه الدورية عبر‬
‫أطلعت أيضا ً على دراسات وأوراق قدمت في ‪www.railwaygazette.com‬موقعها بالشبكة وهو‪:‬‬
‫منتديات ومؤتمرات وورش عمل تم تنظيم بعضها في السودان ومعظمها خارج السودان‪.‬‬

‫من تلك المصادر وغيرها أستوقفتني بعض الحقائق واإلشارات التي أري في تقديمها ما يمهد لما هو آت من‬
‫طرح جديد‪.‬‬

‫شهدت األربعة عقود الماضية عودة مظفرة للقطار في معظم دول العالم وتعزى هذه العودة إلى عدة عوامل‬
‫لعل أهمها هي‪:‬‬

‫‪ -1‬تفجرت أزمة الطاقة األولى مع إندالع حرب أكتوبر ‪ 1973‬حينما حظرت الدول العربية تصدير النفط‪.‬‬
‫تسبب ذلك الحظر في ما يشبه الشلل في االقتصاد والحياة العامة في الدول الصناعية‪.‬‬

‫قبل أن يفيق العالم من آثار الصدمة األولى تعرض لصدمة ثانية أشد عنفا َ في عام ‪ 1979‬بسبب الحرب‬
‫العراقية – اإليرانية التي أستمرت لثماني سنوات‪.‬‬

‫كانت تلك بدايات تصاعد أسعار البترول وقد أستمر التصاعد وأن أستقرت أو تراجعت األسعار أحيانا ً ألسباب‬
‫ظرفية كاألزمات اإلقتصادية العابرة‪ .‬لقد وعت الدول الغربية الدرس وآلت على نفسها أن تقلّص االعتماد‬
‫شد اإلستهالك وتبحث في ذات الوقت عن البدائل‬ ‫على بترول الشرق األوسط بسبب توتراته المزمنة وأن تر ّ‬
‫من حيث المصدر والتقانات‪ .‬كانت العودة إلى القطار من بين أهم وسائل الترشيد‪.‬‬

‫‪ -2‬التحذير الذي أطلقه نادي روما منذ عام ‪ 1972‬حول حتمية نضوب أو ندرة الموارد بسبب النمط‬
‫اإلستهالكي الشره في الدول الصناعية‪ .‬ذهبت في ذات اإلتجاه مراكز البحوث اإلستراتيجية وأتفقت معظمها‬
‫على ان البترول يأتي على رأس الموارد المهددة بالنضوب‪ .‬لتأكيد هذا الفهم وضعت وكالة الطاقة الدولية‬
‫سيناريوهات الندرة كما إتجهت بعض مراكز البحوث إلى وضع جدول زمني لنهاية عصر البترول‪ .‬بتأثير‬
‫هذا الهاجس وبفعل قانون العرض والطلب فإن الندرة تعني بالضرورة تصاعد األسعار إلى سقوف قياسية‪.‬‬
‫كانت تلك ضارة نافعة إذ ظهر في الدول الصناعية ذات اإلمكانات العلمية سباق محموم لتحقيق أقصى قدر‬
‫من الترشيد في شتى أنماط اإلستهالك والبتكار البدائل من الطاقة المتجددة كالشمسية وغيرها‪ .‬وجدت وسائل‬
‫النقل إهتماما ً خاصا ً في البحث العلمي وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من السيارات والقطارات والطائرات‬
‫قليل االستهالك للوقود‪.‬‬

‫‪ -3‬حالما أفاق العالم من صدمتي الطاقة وجد نفسه أمام نذر لمخاطر جسيمة تواجه اإلنسانية وهي المخاطر‬
‫‪Fossil‬الناجمة عن اإلحتباس الحراري‪ .‬نتجت هذه الظاهرة عن اإلستهالك المفرط للوقود اإلحفوري‬
‫ممثالً في مشتقات البترول والفحم الحجري‪ .‬كما هو معروف كانت أبرز تداعيات االحتباس ‪Fuels‬‬
‫الحراري هي ظهور ثغرة األوزون وأرتفاع درجات حرارة األرض التي بدورها كانت السبب الرئيس‬
‫لظاهرة تغيير المناخ‪ .‬من بين السياسات التي تم االتفاق عليها كانت العودة إلى القطار باعتبار أن الرحلة‬
‫الواحدة بالقطار تغني عن مئات السيارات الخاصة‪.‬‬

‫‪ -4‬من جهة أخرى أكدت اإلحصاءآت أن الزيادة المضطردة في عدد السيارات بكل أنماطها وأحجامها ال‬
‫تعني زيادة إستهالك الوقود وتتسبب في االحتباس الحراري فحسب وأنما أصبحت القاتل االول لإلنسان‬
‫وسبب رئيس لإلعاقة وتضخم تكلفة العالج‪.‬‬

‫لهذه األسباب وغيرها وضعت الحكومات سياسات وأصدرت موجهات عامة ترمى إلى العودة إلى القطار بعد‬
‫أن غاب عن المسرح إلى حين وكان من أبرز الموجهات‪:‬‬

‫أ) الترويج للسفر بين المدن وعبر الحدود بالقطار بدالً عن السيارة الخاصة‪ .‬كان من بين أدوات الترويج تقديم‬
‫عروض خاصة في مواسم العطالت إستفادت منها األسر وكبار السن وأخرى لرجال االعمال الذين يتحركون‬
‫بين المدن بإنتظام‪.‬‬

‫ب) التوسع في إستخدام قطارات األنفاق والترام في المدن كثيفة السكان وذلك ألثناء األفراد عن استخدام‬
‫سياراتهم الخاصة‪.‬‬

‫ج) تمدد خطوط قطارات الضواحي في كل اإلتجاهات حتى ال يستخدم سكان الضواحي سياراتهم الخاصة‪.‬‬

‫د) تطوير القطارات السريعة وتقديم خدمات ممتازة بدرجة خمسة نجوم!‬

‫القطار‪ :‬أجيال جديدة !‪:‬‬

‫‪ Bullet Train‬أو مايسمى بالقطار السهمي ‪Tokaido Shinkasin‬على خطى قطار التوكايدوشينكاسن‬
‫الذي أبتكرته اليابان وأذهلت به العالم عندما التقى في رحابها لدوره األلعاب االولمبية لسنة ‪ .1964‬سارت‬
‫دول غرب اوروبا في ذات األتجاه وان كانت متأخرة بعقدين!‪.‬‬

‫الذي بلغت سرعته ‪T.G.V‬في سبعينات القرن الماضي أحتفت فرنسا بتدشين قطارها فائق السرعة وهو ال ‪.‬‬
‫في أسبانيا وقطار ال ‪350Talgo‬كيلومتر‪ /‬الساعة‪ .‬توالت اإلبداعات في سرعة القطار وكان قطار التالقو‬
‫الذي يجمع بين السرعة والقدرة على ‪ .Tilting Train‬في ألمانيا أما إيطاليا فابتكرت القطار المائل ‪I.C.E‬‬
‫اي القطار – البندُول!‪El Pandalino.‬اإلنحناءة عند المنعطفات ولذلك أطلق عليه أيضا ً اسم الباندالينو‬

‫عادت ألمانيا إلى سباق السرعة وقدمت هذه المره إعجازا ً علميا ً أذهل العالم‪ .‬تمثل ذلك اإلعجاز في قطار‬
‫وهو قطار ال يسير ‪ Magnetic – Levitation Train‬والمصطلح اختصار ل ‪Maglev Train‬الماقليف‬
‫على قضبان وإنما يسبح في الهواء باستخدام قوة كهرومغنطيسية هائلة!‪.‬‬
‫بهذه الخاصية سجل قطار الماقليف أقصى سرعة في تاريخ القطارات وهي ‪581‬كيلومتر‪ /‬ساعة وهي سرعة‬
‫تفوق كثيرا ً سرعة الطائرات الصغيرة والمروحيات!‪.‬‬

‫أما من حيث حمولة القطار فقد أوردت مجلة غازيتة السكة الحديد في عددها الصادر في ديسمبر ‪ 2003‬خبرا ً‬
‫يشكل منعطفا ً جديدا ً في إقتصاد النقل‪.‬‬

‫‪ .‬البرازيليتين رفعتا عدد العربات المستخدمة في نقل خام الحديد ‪E.F.V.M. – EFC‬يقول الخبر أن شركتي‬
‫وفول الصويا من ‪ 320‬عربة إلى ‪ 336‬عربة وهو ما يجعل طول القطار يفوق أثنين كيلومتر! بهذه الزيادة‬
‫في عدد العربات ارتفع الطن المنقول من ‪ 33,200‬طن إلى ‪ 35,000‬طن‪ .‬تشترك في جر العربات عدة‬
‫قاطرات وتُعادل هذه الحمولة حمولة سبعمائة شاحنة حمولة ‪ 50‬طن!!‪.‬‬

‫إن أختارت البرازيل زيادة حمولة القطار أفقيا ً فقد فضلت المملكة العربية السعودية مضاعفة الحمولة رأسياً‪.‬‬
‫لتوضيح ذلك نشير إلى الخبر الذي نشرته مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر يناير ‪ 2008‬الذي‬
‫يفيد بان السعودية دشنت الخط الحديدي الجديد الدمام – الرياض (‪400‬كيلومتر)‪ .‬ينفرد هذا الخط باستخدام‬
‫مما يعني تحميل عربة ‪Double Stack train‬عربات السطح ذات الحمولة الرأسية المزدوجة وهي ال‬
‫السطح بحاويتين‪ .‬تتطلب الحمولة بهذا الوزن المزدوج استخدام قضبان فوالزية ذات صالبة عالية ووزن ثقيل‬
‫األلمانية‪Rail one.‬ترقد على فلنكات خرصانية صنعتها خصيصا ً لهذا الغرض شركة ريل – ون‬

‫أستوجبت عودة القطار عامل آخر وهو توجه العالم نحو عصر العولمة الذي يمثل النقل واالتصاالت أهم‬
‫وكان من أبرزها‪Megaprojects:‬ركائزه‪ .‬بهذا الفهم أنجزت على أرض الواقع مشاريع نقل سككي عمالقة‬

‫في ‪Beijing – Hamburg .Containers Express‬أ) قطار األكسبريس للحاويات بكين – هامبورج‬
‫شهر يناير ‪ 2008‬نظم احتفال في ميناء هامبورج بوصول القطار أعاله محمالً بحاويات حاملة لسلع‬
‫الكترونية ومواد كيماوية مصدره من الصين إلى ألمانيا‪ .‬تمثل هذه الرحلة البداية لقيام محور تجاري بين‬
‫العمالقين االقتصاديين في شرق آسيا وغرب أوروبا‪.‬‬

‫يعتبر هذا الخط بديالً للخط المالحي الذي ينطلق من الموانئ الصينية ليدور حول قارتي آسيا وأوروبا قبل أن‬
‫يصل إلى هامبورج المطلة على بحر الشمال‪ .‬ليصل قطار األكسبريس للحاويات إلى هامبورج عليه أن يعبر‬
‫الصين من أقصى شرقها إلى أقصى غربها ثم منغوليا‪ ،‬واالتحاد الروسي‪ ،‬روسيا البيضاء‪ ،‬بولندا ومعظم‬
‫األراضي األلمانية!‪.‬‬

‫أختصر القطار الرحلة البحرية في خمسة عشر يوماً‪ ،‬أي إلى أقل من النصف وفي ذلك كسب في الزمن كما‬
‫يقضي أقتصاد العولمة‪.‬‬

‫ب) اقتضت ضرورات أزمة الطاقة وإقتصاد العولمة تقليص إستهالك الوقود واألعتماد على الكهرباء التي‬
‫تنتجها اوروبا من السدود والمفاعالت النووية أقتضت إحداث تحول نوعي في حركة النقل بين شمال اوروبا‬
‫وجنوبها المطل على البحر األبيض المتوسط‪.‬‬
‫‪Rail‬حققت اوروبا هذه األهداف الثالثة بإنشاء محاور للخطوط الحديدية السريعة لنقل البضائع وهي‬
‫‪ .‬تعود جذور هذا المشروغ إلى دراسة سبق أن نشرتها في ديسمبر ‪ 1972‬مجلة ‪Freight Free Ways‬‬
‫التي تصدرها رابطة المؤتمر الدولي للسكة الحديد ومقرها ‪Rail International‬السكة الحديد الدولية‬
‫‪International Railways Congress Association.‬العاصمة البلجيكية بروكسل‬

‫‪ Futurology‬من باب علم المستقبليات ‪Rodney Leach‬أعد الدراسة الباحث البريطاني رودني ليتش‬
‫حينذاك وقد طبقت على صعيد الواقع العملي بعد أكثر من عقدين من تاريخ نشرها!‪.‬‬

‫لقد توافقت أروبا على ان تبدأ بإنشاء خطين حديديين إلختصار الرحالت البحرية التي تدور حول شبه جزيرة‬
‫أيبريا – أسبانيا والبرتقال‪ -‬لتصل إلى حوض البحر األبيض المتوسط ومنه إلى دول الخليج العربي ووسط‬
‫وشرق آسيا‪.‬‬

‫الواقع في أقصى الجنوب الشرقي ‪Brindisi‬تم بالفعل إنشاء خطين هما خط هامبورج – ميناء برنديسي‬
‫لشبه الجزيرة اإليطالية‪ ،‬أما الخط الثاني فيبدأ من ميناء روتردام ويعبر هو اآلخر أروبا ثم يتواصل عبر‬
‫في أقصى الجنوب الغربي ‪Gioia Turo‬الساحل الغربي إليطاليا لتنتهي رحلته عند ميناء خيوياتورو‬
‫إليطاليا وقد تم إعداد المينائين لهذا الغرض‪.‬‬

‫شملت السياسات الرامية إلى تقليص إستهالك الوقود التحول من قاطرة الديزل إلى القاطرة الكهربائية أينما‬
‫كان ذلك ممكنا ُ وتلك من ميزات القطار فهو الوحيد بين وسائل النقل التي تستطيع التزود بالطاقة الكهربائية‬
‫من كهرباء الشبكات أثناء الرحالت الطويلة‪.‬‬

‫أن هذا التحول يحمل مغزي بعيد بالنسبة لالمن االقتصادي لتلك الدول فالنقل هو عصب االقتصاد الحديث وال‬
‫بد من تحصينه من الصدمات المفاجأة كما حدث في عام ‪ .1973‬كانت أروبا مطمئنة للسير في إتجاه كهربة‬
‫خطوط السكة الحديد إذا كانت مكتفية ‪ -‬كمجموعة دول مترابطة في الشبكات الكهربائية‪ -‬بنسبة عالية من‬
‫الكهرباء من مصدرين محليين وهما آالف السدود الكهرومائية والعشرات من المفاعالت النووية المنتجة‬
‫للكهرباء‪ .‬باالعتماد على هذين المصدرين تتحرر اوروبا من البترول المستورد بأسعار متصاعدة ومن‬
‫االعتماد على البترول المستخرج من أقاليم ال تخلو من التوتر!‬

‫في واقع األمر لم تكن كهربة القطارات وسيلة لتأمين حاجة القطارات من الطاقة المحلية الرخيصة واآلمنة‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما هي أيضا ً تقانة تأكدت جدواها في ترشيد إستهالك الطاقة! لتوضيح ذلك نشير إلى الورقة‬
‫حول هذا الموضوع ‪Claus Turbensen‬العلمية الضافية التي نشرها الخبير الدانماركي كالوس تيربنسن‬
‫بمجلة غازيته السكة الحديد العالمية في عددها الصادر بتاريخ يناير ‪ 2008‬ويمكن لمن يرغب الرجوع إليها‬
‫في الشبكة‪.‬‬

‫أما ‪Kinetic energy‬يؤكد الخبير تيربنسن أن قطار الديزل يحول ثلث الوقود فقط إلى طاقة حركية‬
‫القاطرة الكهربائية فتحول ‪ %90‬من الطاقة التي تصلها من الشبكة إلى طاقة حر ّكية فعليّه‪ ،‬أي بكفاءة في‬
‫استهالك الطاقة تصل إلى ثالثة أضعاف! الستيضاح حقيقة هذا التباين في استهالك الطاقة أستعنا بدراسة‬
‫سبق للبنك الدولي أن نشرها في عام ‪ 1984‬وأزمة الطاقة العالمية في ذروتها‪ .‬اعدت تلك الدراسة مجموعة‬
‫من خبراء البنك الدولي في السكة الحديد والنقل بصفة عامة‪ .‬نُشرت الدراسة في ذات العام تحت عنوان "‬
‫‪Railways and Energy.‬السكك الحديدية والطاقة" وقد صدرت باإلنجليزية بعنوان‬

‫أوضحت الدراسة ان قاطرة الديزل هي في حقيقة األمر قاطرة كهربائية إال أنها تستمد الكهرباء من مولد ذا‬
‫قدره عالية ملحق بها‪ .‬بداهة يحتاج المولد لصهريج ولكمية من الوقود وفقا ً لمسافة الرحلة وبحيث ال يحتاج‬
‫القطار للتوقف للتزود بالوقود حتى ال تطول ساعات الرحلة‪.‬‬

‫أوضحت الدراسة أن المولد والوقود المحمولين يشكالن عبئا ً ثقيالً على القاطرة مما يجعلها تستهلك جزءا ً‬
‫كبيرا ً من الطاقة المولدة في حركتها الذاتية‪.‬‬

‫لهذا تتراجع طاقة قاطرة الديزل في الجر ‪ ..‬تتراجع طاقة الجر لسبب آخر وهو ان للمولّد – بسبب وزنه‬
‫الثقيل‪ -‬سقف في التوليد الكهربائي ال يتجاوز – عند إعداد الدراسة ‪ -‬ال‪2500‬كيلو واط‪.‬‬

‫في مقابل ذلك نجد ان القاطرة الكهربائية أخف وزنا ً – وأسهل تقانة – وأكثر مقدرة على الجر العتمادها على‬
‫التي يمكن أن تمدها بقدر غير محدود من الطاقة ‪Overhead Conductors‬كهرباء الشبكة أو ال‬
‫الكهربائية قد تصل إلى ‪ 5000‬كيلو واط (خمسة ألف)‪ .‬لهذا ولوال هذا المصدر غير المحدود لما كانت‬
‫القطارات فائقة السرعة (‪ 2500‬إلى ‪ 350‬كيلومتر الساعة) التي سبق الحديث عنها‪ .‬نظرا ُ الن هاجسنا األكبر‬
‫في السودان هو الطاقة فلعله من المناسب ان نورد بعض النجاحات التي تحققت في ترشيد إستهالك الطاقة من‬
‫خالل التحول من استخدام الشاحنات إلى القطار‪.‬‬

‫) سيمنار بالعاصمة الهندية نيودلهي في الفترة ما بين ‪ 9‬و ‪U.I.C 11‬نظم االتحاد الدولي للسكة الحديد (‬
‫ديسمبر ‪ 1998‬حول " قضايا البيئة والطاقة في السياسات القطرية في قطاع النقل"‬

‫‪David‬من بين االوراق التي قدمت في السيمنار كانت ورقة الخبير االسترالي في الشأن السككي ديفيد هيل‬
‫وقد قدم الورقة كممثل لرابطة شركات السكك الحديدية االسترالية‪ .‬كانت الورقة بعنوان "إطالق ‪HiLL‬‬
‫‪Unleashing Rails Environmental Advantages.‬الميزات البيئية للسكة الحديد" وهي باإلنجليزية‬

‫من بين الحقائق التي تستوقف القارئ حقيقتان وهما‪:‬‬

‫في إستراليا أن تسيير قطار واحد بحموله ثالث ألف ‪Comparative Studies‬أكدت الدراسات المقارنة‬
‫طن بين مدينتي سيدني وملبورن (‪1000‬كيلومتر) يغني عن تشغيل مائة وخمسين شاحنة ويوفر ‪ 45000‬لتر‬
‫من الوقود (خمسة وأربعين ألف) تتسبب في إنبعاث ‪ 120‬طن من الغازات‪.‬‬

‫يقدر نصيب السكة الحديد من الطن المنقول في استراليا ب ‪ %50‬وتستهلك السكة الحديد لنقل تلك الكمية‬
‫‪ %15‬فقط من الوقود المستهلك في قطاع النقل‪.‬‬
‫الحراك السككي في الدول النامية‪:‬‬

‫انتظم كثير من الدول النامية حراك نشط يهدف إلى اإلرتقاء بخدمات السكة الحديد‪ .‬نشير أدناه إلى بعض‬
‫التي تصدر ‪Railways Africa‬النماذج التي وردت بمجلة غازيته‪ :‬السكة الحديد ومجلة سكك حديد أفريقيا‬
‫في جمهورية جنوب أفريقيا‪.‬‬

‫وقعت دول شرق أفريقيا الثالث‪ -‬أوغنده وكينيا وتنزانيا‪ -‬عقد مع كونسوتيوم من بيوت الخبرة األوربية لوضع‬
‫خريطة موجهة لسكك حديد شرق أفريقيا وهي‪:‬‬

‫‪East Africa Railways Development Master Plan‬‬

‫أن أهم أهداف الخطة هي تجديد الشبكة القائمة وإنشاء خمسة عشرة خطا ً جديداً‪ .‬من بين تلك الخطوط خطوطا ً‬
‫المطل على ‪Lamu‬لربط دولة جنوب السودان تارة باوغنده وتارة بكينيا التي اعادت تأهيل ميناء المو‬
‫المحيط الهندي ليقدم خدماته لدولة جنوب السودان في تجارتها الخارجية‪.‬‬

‫وقعت نيجيريا عقدا ً مع الشركة الصينية للهندسة المدنية إلنشاء خط حديدي مزدوج بطول ‪ 1315‬كيلومتر‬
‫ليربط بين مدينتي الغوس الساحلية وكانو في أقصى الشمال‪ .‬يخطط للخط الحديدي ان يتفرع إلى مدن أخرى‬
‫من بينها أبوجا العاصمة الفيدرالية الجديدة‪.‬‬

‫وقعت المملكة العربية السعودية عقدا ً إلنشاء خط حديدي بطول ‪ 945‬كيلومتر بين الرياض وجدة وبحيث‬
‫‪Double - Stack‬يكون بمواصفات تسمح بالحمولة الرأسية المزدوجة‬

‫عند إكتمال هذا الخط سيتكامل مع خط الدمام ‪ -‬الرياض الجديد بذلك يتحقق الحلم القديم بقيام الخط الحديدي‬
‫وطوله ‪ 1345‬كيلومتر ليربط ما بين جدة ‪Trans-Arabian Railways‬العابر لشبه الجزيرة العربية‬
‫والدمام ويقدم خدماته لدولتي البحرين والكويت‪ .‬ال ننسي هنا أن نذكر بان إنتاج السعودية اليومي من البترول‬
‫يفوق العشرة مليون برميل كما أنها تمتلك واحدة من أميز شبكات الطرق البرية في العالم!‬

‫تعاقدت الجزائر مع بيت خبرة أستشارية ألماني ألعداد دراسة جدوى حول تحديث وكهربة نصف شبكتها من‬
‫السكك الحديدية التي يبلغ طولها ‪ 3974‬كيلومتر‪.‬‬

‫تسعى ليبيا إلنشاء خطين حديديين أحدهما لربط الواحات الجنوبية بالساحل واآلخر يمتد عبر الساحل الليبي‬
‫ليصل ما بين السكة الحديد التونسية والخطوط المصرية‪ .‬أن أهمية هذا الخط بالنسبة لليبيا هي التواصل مع‬
‫الخطوط المغاربية والشرق أوسطية!‬

‫نشرت هذه األخبار في غازيته السكة الحديد العالمية بمناسبة تقديم عروض من االتحاد الروسي وأوكرانيا‬
‫لتنفيذ هذين المشروعين‪.‬‬
‫أوردت مجلة غازيته السكة الحديد في عددها عن شهر نوفمبر ‪ 2007‬خبرا ً مفاده ان الحكومة المغربية وقعت‬
‫‪ )The Atlantic‬إلنشاء خط واجهة األطلنطي السريع ‪S.N.C.F‬عقدا ً مع الشركة الفرنسية للسكك الحديدية (‬
‫‪ 320(.‬كيلومتر‪ /‬الساعة) مما يعني استخدام القطار الفرنسي فائق السرعة ‪Front Rapid Train‬‬
‫)‪ .‬يبدأ الخط السريع من مدينة طنجة في أقصى الشمال ويمر بالرباط فالدار البيضاء لتنتهي رحلته ‪(T.G.V‬‬
‫عند مدينة أغادير السياحية في أقصى الجنوب‪.‬‬

‫لقد أكتمل بالفعل الجزء األول من هذا الخط وهو القطاع طنجة – الدار البيضاء كما أوردت الخبر بالصورة‬
‫الفضائيات مؤخراً‪.‬‬

‫أخيرا ً الحظت من خالل إطالعي على الدوريات المعنية بالسكة الحديد ان هناك تحوالت ينبغي علينا أن‬
‫نتوقف عندها ونتأمل في مغزاها والتحوالت هي‪:‬‬

‫" تتراوح ما بين ‪ 1676‬ملمتر كما هو الحال في الهند ‪Gauges‬أ) يستخدم العالم (‪ )13‬قياسا ً للسكة الحديد "‬
‫وتشيلي و ‪ 600‬و ‪ 610‬ملمتر كما هو الحال في الهند وفنزويال والسودان أبان سنوات تشغيل سكك حديد‬
‫الجزيرة‪.‬‬

‫من بين الثالثة عشر قياس يحظى القياس ‪ 1435‬ملم بكثرة الدول التي تستخدمه وهناك إتجاه عالمي‬
‫الستخدامه ولذلك سمي بالقياس العالمي‪,‬‬

‫ب) أن هناك عدد كبير من الدول تستخدم عدة قياسات كما هو الحال في الهند وإستراليا وأن كثير من الدول‬
‫دون السودان مساحة بكثير تتعدد فيها القياسات‪.‬‬

‫)‪Bot‬ج) هناك إتجاه قوي نحو خصخصة السكة الحديد أما خصخصة مباشرة أو بأحد صيغات نظام البوت (‬
‫أو ‪ Modernise – Operate – Transfer‬أي‪M.O.T‬ومنها صيغة ‪Built– Operate – Transfer‬‬
‫من بين صيغات أخرى وجميعها تعني ‪ Rehabilitate – Operate –Transfer‬وهي‪R.O.T :‬صيغة ال‬
‫مشاركة القطاع الخاص لسنوات يستعيد فيها رأس ماله ويحقق أرباح ثم يعيد الملكية للدولة‪.‬‬

‫د) هناك إتجاه قوي في دول مثل الواليات النتحدة والصين وكوريا الجنوبية لتوطين التقانات األوربية في‬
‫‪T.G.V..‬القطارات فائقة السرعة ويتصدر تلك القطارات القطار الفرنسي المعروف بال‬

‫سكك حديد السودان‪ :‬النشأة‪:‬‬

‫كانت النشأة األولى لسكك حديد السودان في سنوات الحكم التركي إذ امتد خط حديدي من وادي حلفا في‬
‫مراحل متقطعة إلى كرمة التي وصلها عام ‪ 1897‬وقد بلغ طول ذلك الخط ‪ 327‬كيلومتر‪ .‬كان من المفترض‬
‫أن يتواصل هذا الخط محازيا ً الضفة الشرقية لنهر النيل ليعبره عند مدينة كورتي‪ .‬أقتضت مشكلة التمويل‬
‫والخطة العسكرية الرامية إلى التعجيل بإعادة فتح السودان أن يصرف النظر عن الخط الذي تم إنشاؤه‬
‫والتوجه مباشرة من وادي حلفا إلى أبوحمد عبر الصحراء النوبية‪ .‬لهذا وإنطالقا ً من وادي حلفا توالت‬
‫إمتدادات السكة الحديد اعتبارا ً من بداية عام ‪ 1897‬على النحو التالي‪:‬‬

‫القطاعات المسافة بالكلم السنة‬

‫وادي حلفا – الحلفايا ‪1899-1897 927‬‬

‫عطبرة – بورتسودان ‪1906-1905 474‬‬

‫نمرة ‪ – 10‬كريمة ‪1906-1905 222‬‬

‫الخرطوم – األبيض ‪1911-1909 688‬‬

‫سنار – هيا ‪1929-1928 802‬‬

‫الرهد – أبوزيد ‪1956 170‬‬

‫أبوزبد – بابنوسة ‪1957 193‬‬

‫بابنوسة – الضعين ‪1958 185‬‬

‫الضعين – نياال ‪1959 150‬‬

‫بابنوسة – واو ‪1962 447‬‬

‫سنار – الدمازين ‪1958 227‬‬

‫خشم القربة – حلفا الجديدة ‪1962 7‬‬

‫شارف – األبار ‪1995 10‬‬

‫المجلد – أبو جابرة ‪1996 52‬‬

‫األبيض – المصفاة ‪1996 10‬‬

‫فرعي مصفاة الجيلي ‪2000 12‬‬


‫ألبان – سد مروي ‪2002 16‬‬

‫المجموع ‪4592‬‬

‫عند قراءة هذه المراحل تستوقفنا بعض الحقائق والمالحظات وهي‪:‬‬

‫أ) أن الجيش الغازي بقيادة كتشنر أستطاع أنشاء ‪ 927‬كيلومتر من وادي حلفا إلى الحلفايا ثلثها عبر صحراء‬
‫النوبة القاحلة كما شيد كبري عطبرة في ثالث سنوات فقط رغما ً عن بدائية المعينات وبؤس حياة العمال‬
‫والعسكر الذين شيدوا الخط‪.‬‬

‫ب) أن المستعمر استطاع ما بين ‪ 1905‬و ‪ 1929‬مد الخطوط الحديدية بطول ‪ 2112‬كيلومتر‪.‬‬

‫ج) إستطاع الحكم الوطني ما بين ‪ 1956‬و ‪ -1962‬أي في ستة سنوات ‪ -‬أن يضيف للشبكة ‪ 1372‬كيلومتر‪.‬‬
‫بقى أن نعلم أن صادرات السودان في تلك السنوات كانت تتراوح ما بين ‪ 70‬و ‪ 90‬مليون جنيه‪.‬‬

‫د) أن اإلضافات التي تمت في نصف القرن الماضي – أي منذ عام ‪ 1962‬تبلغ مائة كيلومتر فقط وحتى هذه‬
‫فرضتها عمليات إستخراج البترول وبناء سد مروي!‬

‫ه) كان من األسهل للجيش الغازي أن يمد الخطوط المصرية من أسوان إلى وادي حلفا ولكنه أختار عن قصد‬
‫أن تختلف الخطوط!!‬

‫اآلن وبعد التعثر الذي واجهته التنمية في السودان ‪ ،‬نستطيع القول أن قوة الدفع التي سعى بها الحكم الوطني‬
‫إلى التوسع في شبكة السكة الحديد وأن قدر لها أن تستمر المتدت خطوط السكة الحديد في عدة اتجاهات‬
‫ومحاور لعل من بينها‪:‬‬

‫إمتداد الخط الحديدي من نياال إلى الجنينة عبر زالنجي‪.‬‬

‫من نياالً شماالً إلى الفاشر وشرق جبل مرة‪.‬‬

‫مد الخط الحديدي من واو إلى جوبا‪.‬‬

‫خط من الرهد أو السميح إلى تلودي بحبال النوبة‪.‬‬

‫إمتدادا ً للخط من الروصيرص إلى الكرمك‪.‬‬

‫أما وسط السودان النيلي فما أحوجه إلى خط موازي للنيل ما بين ملكال ووادي حلفا علما ً بإن اإلحصاءآت‬
‫آنذاك تشير إلى أن ‪ %70‬من سكان السودان كانوا يعيشون على ضفاف النيل او على بعد ال يتجاوز الخمسين‬
‫كيلومتر‪.‬‬

‫الوضع الراهن في هيئة السكك الحديد‪:‬‬

‫هناك خطوط متوقفه تماما ً أو شبه متوقفه منذ عدة سنوات والخطوط هي‪:‬‬

‫‪ -‬سنار – هيا ‪ 802‬كيلومتر‪.‬‬

‫‪ -‬سنار الدمازين ‪227‬‬

‫‪ -‬بابنوسة – واو ‪447‬‬

‫‪ -‬نمرة ‪ – 10‬كريمة ‪222‬‬

‫‪ -‬المجموع ‪ 1698‬أي ما يعادل ‪ %37‬من الشبكة‪.‬‬

‫) مسحا ً دوريا ً عن متوسط سرعة القطارات لدى الهيئات ‪R.G.I‬تعد مجلة غازيتة السكة الحديد العالمية (‬
‫العامة والشركات على نطاق العالم‪ .‬في عددها الصادر في نوفمبر ‪ 2005‬أوردت المجلة متوسط السرعة‬
‫تنازليا ً لمائة وتسعة وسبعين هيئة عامة وشركة (‪ )179‬فكان موقع السودان هو ال (‪ )170‬وذلك بمتوسط‬
‫سرعة يبلغ ‪ 27‬كيلومتر‪ /‬الساعة‪.‬‬

‫عن شبكة الخطوط يقول المهندس مكاوي محمد عوض وزير النقل في مقابلة صحفية نشرتها صحيفة‬
‫الصحافة بتاريخ ‪ 3‬نوفمبر ‪ 2013‬يقول‪:‬‬

‫" هناك أسباب عديدة لتراجع خدمات السكة الحديد‪ ،‬أن اهم تلك األسباب هي ضعف وهشاشة البنية التحتية‬
‫التي خلفها االستعمار اإلنجليزي من قضبان وفلنكات خشبية قديمة لم يتم تحديثها منذ زمن‪ ،‬أن هذه القضبان‬
‫والفلنكات ال تساعد في استجالب قطارات ذات سرعة عالية‪.‬‬

‫أن تجديد الشبكة واألسطول السككي ليس باألمر السهل فالتكلفة تفوق إمكانات الهيئة والحكومة االتحادية‬
‫مجتمعتين!‬

‫أن رأت الحكومة التدرج في إنشاء الخطوط وتجديد األسطول الناقل فعلينا اإلنتظار لثالثين عام على األقل‬
‫مما يعني استدامة التهميش لألقاليم الطرفية كما يعني إستمرار نزيف الموارد كما رأينا‪.‬‬

‫سبق لهيئة سكك حديد السودان أن أعدت دراسة قيمة بعنوان " حقائق وأرقام عن هيئة سكك حديد السودان"‬
‫أعدت الدراسة اإلدارة العامة للتخطيط والنظم بالهيئة بمناسبة انعقاد ورشة عمل هيئة السكة الحديد في ‪15‬‬
‫ديسمبر ‪ 1998‬التي سبقت اإلشارة إليها"‪.‬‬
‫تضمنت الدراسة جداول تفصيلية عن تاريخ دخول الخدمة لقاطرات الديزل وعربات البضاعة من بين جداول‬
‫أخرى‪ .‬عند دراسة تلك الجداول يتضح لنا أن أسطول الهيئة كان يتكون من ‪ 135‬قاطرة في عام ‪ .1998‬من‬
‫هذا العدد تم استيراد ‪ 22‬قاطرة في األعوام ‪ .1995/91/90‬أما بقية األسطول – اي ‪ 113‬قاطرة – فيعود‬
‫تاريخ شرائها إلى الفترة ما بين ‪ 1963‬و ‪ 1985‬لهذا نجد أعمار ‪ %83,7‬من القاطرات تتراوح ما بين ‪ 30‬و‬
‫‪ 52‬عاماً‪.‬‬

‫أما عربات البضاعة المقفولة فقد بلغ عددها في ذات التاريخ ‪ 2784‬عربة باستثناء ‪ 250‬عربة تتراوح أعمار‬
‫بقية العربات اليوم ما بين ‪ 37‬و ‪ 61‬عاماً‪ .‬لعل القارئ الكريم يتفق معنا أن معظم القاطرات والعربات وهي‬
‫بهذه األعمار قد تخطت أعمارها االفتراضية وإذا ما أضفنا لهذا العامل ضعف الصيانة فإننا نستطيع القول‬
‫‪Scrap.‬بأنها في حكم الخردة أي ال‬

‫رغما ً عن شح الموارد وقصر المدة أستطاع المهندس مكاوي تحقيق عدة إنجازات لعل أهمها‪:‬‬

‫إعادة تأهيل الخط الخرطوم – عطبرة ووصول قطارين للركاب وقد بدأ تشغيلهما بالفعل‪.‬‬

‫شراء ‪ 6‬قاطرات وإعادة تأهيل ثمانية قاطرات من األسطول القديم‪.‬‬

‫نجح عمال الهيئة في تجديد عدد كبير من عربات الركاب والبضاعة‪.‬‬

‫الحصول على قرض من الهند بمبلغ ‪ 150‬مليون دوالر لتأهيل الخط الخرطوم – ود مدني‪.‬‬

‫التوقيع على مذكرة تفاهم مع شركة صينية لتأهيل الخط سنار – القضارف – هيا‪.‬‬

‫تعيين مائتين من المهندسين الشباب لإلنخراط في عمل الهيئة‪.‬‬

‫الجزء الثاني‬

‫سكك حديد النيل‪:‬‬

‫سبق أن أوضحنا أن آخر إمتدادات شبكة السكة الحديد كان خط بابنوسة – واو (‪447‬كلم) الذي اكتمل في عام‬
‫‪ 1962‬في عهد الرئيس الراحل إبراهيم عبود أي قبل ثالثة خمسين عاماً! اوضحنا أيضا ً انه أن تواصلت‬
‫بذات الحماس خطة التوسع في الشبكة ألمتدت الخطوط إلى أقاليم أخرى هي في أمس الحاجة لخدمات السكة‬
‫الحديد‪ ,‬أخترنا لهذه الدراسة من بين تلك األقاليم الشريط النيلي الذي يمتد من وادي حلفا إلى ملكال وذلك‬
‫ألسباب ستتضح في سياق هذه الدراسة‪ .‬نقترح لهذا الخط أن يكون بالقياس العالمي ‪ 1435‬ملم وذلك لتفوقه‬
‫على القياس الضيق المستخدم في السودان ‪ -‬وهو ‪1067‬ملم ‪ -‬من عدة أوجه لعل أهمها‪ :‬السالمة‪ ،‬الحمولة‪،‬‬
‫والسرعة‪ .‬يعزز هذه األسباب مطابقته للخطوط المصرية لذاتها ولكونها تمثل مدخالً للخطوط الشرق أوسطية‬
‫والخطوط المغاربية‪ ،‬تتعزز األسباب أيضا ً بعالمية القياس وهو االمر الذي يعني التصنيع الواسع والكبير‬
‫للقطارات والعربات وقطع الغيار‪ ،‬ومن ث ّم اعتدال األسعار كما هو معروف‪.‬‬

‫أن قيام هذا الخط يفرض أن يكون له منفذا ً إلى الموانئ السودانية على البحر األحمر لهذا نقترح أن يمتد ذراع‬
‫من خط النيل عند منطقة الشريك لمسافة ‪ 450‬كلم حتى ميناء بورتسودان مستخدما ً المعبر الجبلي المتاح‬
‫شمال مدينة سنكات إن سمحت التضاريس بذلك وأن تطلب األمر معالجات هندسية‪.‬‬

‫من جهة أخرى ترى الدراسة أن يتم تنفيذ مشروع سكك حديد النيل على ثالث مراحل وفي فترة زمنية‬
‫أقصاهل أثنتي عشر عاما ً أما المراحل فهي‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬بورتسودان ‪ -‬الشريك – أم درمان‪ .‬وطولها ‪900‬كلم تتوسطها منطقة الشريك‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪ :‬أم درمان – الدويم – كوستي – غرب ملكال وطولها ‪ 820‬كلم‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬الشريك – مروي – شرق الخندق شرق دنقال ووادي حلفا وطولها ‪800‬كلم‪.‬‬

‫أن ترتيب مراحل التنفيذ على هذا النحو لم يأت اعتباطا ً وإنما لسبب موضوعي وهو ان للمرحلة األولى حظ‬
‫وافر من النجاح وتحقيق أرباح في زمن قياسي مما يوفر التمويل الذاتي للمرحلة الثانية‪ .‬يتحقق النجاح لهذه‬
‫المرحلة من هيمنة الخط بورتسودان ‪ -‬الشريك – أم درمان على معظم حركة نقل البضائع والمسافرين بين‬
‫العاصمة القومية وبورتسودان‪.‬‬

‫كما يعلم الجميع أن العاصمة القومية تهيمن على النشاط االقتصادي في البالد كان ذلك في القطاع التجاري أو‬
‫الصناعي‪ .‬لهذا تستقبل العاصمة سنويا ً الماليين من األطنان من السلع االستهالكية واإلنتاجية كما تستقبل‬
‫الخامات الصناعية‪.‬‬

‫من جهة أخرى تنشط حركة المسافرين بين العاصمة القومية وبين واليات نهر النيل‪ ،‬البحر األحمر والشمالية‬
‫في رحالت يخيم عليها هاجس الحوادث والموت المتربص‪ .‬لهذا نستبشر خيرا ً بوصول قطارين جديدين‬
‫للركاب‪.‬‬

‫أن تراجع تكلفة الترحيل للبضائع والمسافرين بنسبة تتراوح ما بين ‪ 40‬إلى ‪ - %60‬كما نتوقع ‪ -‬يشكل عامل‬
‫جذب قوي كما أن عامل السالمة بالنسبة للمسافرين يشكل عامل جذب أقوي‪.‬‬

‫أننا على اقتناع تام – ونأمل أن يتفق معنا القارئ الكريم – أن تشغيل هذا الخط سيوفر وسادة مالية ماهلة من‬
‫اإليرادات من شأنها أن تمهد الطريق لإلنتقال إلى المرحلة الثانية وغايتها ملكال! هناك أسئلة ال بد وان تتبادر‬
‫إلى ذهن القارئ وهي‪ :‬لماذا الشريك؟ ولماذا غرب النيل للمسار الجنوبي للخط الحديدي؟ وأخيرا ً لماذا شرق‬
‫النيل للخط للمسار الشمالي للخط الحديدي؟‬
‫نجيب على تلك األسئلة أدناه‪:‬‬

‫لماذا الشريك؟‬

‫يعتبر موقع الشريك من بين أقرب المواقع النيلية من بورتسودان وبهذه الصفة يصبح بالنسبة لسكك حديد النيل‬
‫الموقع األمثل لتقاطع المحور الرئيسي وادي حلفا – ملكال مع الذراع الممتد إلى بورتسودان‪.‬‬

‫بعد حفر قناة المسيكتاب لتجنب شالل السبلوقة– راجع دراستنا حول الموضوع‪ -‬وقيام سد الشريك – الذي‬
‫صدر التوجيه الرئاسي بإنشائه بعد توفر التمويل من القرض السعودي– ستصبح منطقة الشريك أقصى موقع‬
‫مالحي شماالً لمحور جوبا – الشريك المالحي كما هي في ذات الوقت األقرب من بورتسودان‪.‬‬

‫عند اكتمال إنشاء سد الشريك ستتوفر الطاقة الكهرومائية الرخيصة التي ستسهم بال شك في نهضة منطقة‬
‫الشريك‪.‬‬

‫عند قيام سد الشريك ومع بداية التخزين ستظهر إلى الوجود بحيرة مترامية األطراف وبمساحة تبلغ ‪250‬‬
‫كلم‪ 2‬تصلح لقيام ميناء نهري رئيسي مما يمهد لتكامل بين النقل بالسكة الحديد والنقل النهري‪.‬‬

‫منطقة الشريك من المناطق المهمشة والطاردة وبتحولها لمرتكز للنقل السككي والنقل النهري ستتسع فرص‬
‫العمالة في هذين المرفقين وفي االستثمارات التي يجذبها الموقع‪ .‬لهذا تتوقع الدراسة أن تصبح هذه المنطقة‬
‫من أكثر مناطق السودان تنمية ونمواً‪.‬‬

‫لماذا غرب النيل للمسار الجنوبي لسكك حديد النيل؟‬

‫يالحظ في والية نهر النيل إختالالً في التنمية بين الضفتين الشرقية والغربية يعزى هذا اإلختالل ألسباب‬
‫جغرافية وأخرى تاريخية‪ .‬تتمثل األسباب الجغرافية في الصلة المباشرة ما بين الضفة الشرقية لنهر النيل‬
‫والموانئ على البحر األحمر ومع سهل البطانة بما يتميز به من ثروات زراعية وحيوانية وذلك في مقابل‬
‫صحراء بيوضة التي تحيط بنهر النيل من ناحية الغرب‪.‬‬

‫أما األسباب التاريخية فأهمها إمتداد الخط الحديدي من أبوحمد وحتى الخرطوم في السنوات ‪1899-1897‬‬
‫كما ذكرنا‪ .‬لقد انعش هذا الخط طوال العهد الذهبي للسكة الحديد كل قري ومدن الضفة الشرقية وبرزت من‬
‫تلك المدن أبو حمد‪ ،‬بربر‪ ،‬عطبرة‪ ،‬الدامر وشندي وذلك في زمن كان نهر النيل يخلو من أي جسور شمال‬
‫كبري النيل األبيض‪ .‬من بين هذه المدن تعتبر كل من مدينتى بربر وعطبرة من الحاالت االستثنائية فمدينة‬
‫بربر كانت حاضرة لمديرية بربر في العهد التركي كما كانت قبل ذلك معبرا ً لحجاج وتجار غرب أفريقيا في‬
‫رحالتهم إلى سواكن ونقطة إنطالق لرحالت المراكب أعلى وأسفل نهر النيل أما عطبرة فقد احتضنت رئاسة‬
‫وورش السكة الحديد منذ نشأتها‪.‬‬

‫بإنشاء طريق التحدي الذي أمتد الحقا ً إلى بورتسودان شرقا ً وإلى أبوحمد شماالً تعززت أهمية شرق النيل‬
‫بالقدر الذي جعل شركات مصانع األسمنت تختار شرق النيل رغما ً عن اعتمادها على خامات الرخام‬
‫بصحراء بيوضة التي تتمدد بغرب النيل!!‪.‬‬

‫في مقابل المكاسب التي تحققت لشرق النيل نالحظ أن غرب النيل وإلى ما قبل إنشاء جسري شندي وأم‬
‫الطيور كان في عزلة تامة كانت سببا ً لتعثر التنمية فيه‪ .‬ليس أدل على ذلك من ان المدينة الوحيدة بالغرب‬
‫عرفت بحاضرة الجعليين ‪ -‬ظلت تحتضر بسبب نزوح أهلها عنها‪.‬‬ ‫وهي المتمة ‪ -‬التي ُ‬

‫أن ما يلفت النظر هو ان اإلختالل التنموي بين غرب وشرق النيل يتواصل جنوباً‪ .‬ففي والية الخرطوم قامت‬
‫الحرة بشرق النيل فتحول شارع الجيلي إلى تجمع حضري شريطي‬ ‫ّ‬ ‫‪Ribon‬مصفاة الجيلي ومنطقة قري‬
‫دون نظير له في بغرب النيل‪ .‬يتواصل االختالل التنموي حتى في والية النيل ‪Urban Agglomeration‬‬
‫األبيض إذ يعتبر شرق النيل األبيض إمتدادا ً لمشروع الجزيرة والمناقل كما قامت به مصانع السكر في كنانة‬
‫وعسالية والنيل األبيض وبإنشاء طريق الخرطوم – كوستي أصبح لشرق النيل شريان للتفاعل مع العاصمة‬
‫القومية ومدينة كوستي‪.‬‬

‫في مقابل ذلك نالحظ أن غرب النيل األبيض تحاصره من ناحية الغرب األطراف الشرقية لشبة صحراء‬
‫كردفان‪ .‬من زاوية أخرى فقد ظل غرب النيل األبيض في عزلة تامة وان كانت هناك بادرات من الخروج من‬
‫عزلته بتشييد كبري الدويم والطريق الغربي المتعثر‪ .‬لكل هذه األسباب وغيرها كان حظ غرب النيل األبيض‬
‫من التنمية حظا ً بائسا ً ولذلك أصبح من المناطق الطاردة‪ .‬أما للوصول إلى ملكال فتمليه توقعاتنا بأن تتجه دولة‬
‫جنوب السودان بقوة نحو التنمية حالما إستعادت إستقرارها‪ .‬أن متطلبات التنمية والطلب العالي للسلع‬
‫اإلستهالكية يتطلب توفر وسيلة نقل عالية الكفاءة‪.‬‬

‫لماذا شرق النيل بالوالية الشمالية؟‬

‫عندما نصعد إلى الوالية الشمالية نجد الصورة معكوسة فغرب النيل أكثر إنفتاحا ُ وأكثر حظا ً في التنمية من‬
‫شرق النيل‪.‬‬

‫تاريخيا ً كانت دنقال حاضرة لمديرية دنقال وظلت محتفظة بهذه األهمية اإلدارية حتى يومنا هذا!‪ .‬لهذا كان‬
‫الطريق البري دنقال – ام درمان حتى قبل رصفه – كان شريان يبعث الحياة في غرب النيل لهذا أيضا ً‬
‫أزدهرت مدن القولد والخندق والغابة والدبة بغرب النيل دون نظائر لها بشرق النيل الذي زاد من عزلته‬
‫غياب الجسور قبل إنشاء جسرى دنقال والدبة مؤخراً‪.‬‬

‫من جهة أخرى لعب الزحف الصحراوي بكل بشاعته دورا ً رئيسا ً في حالة االحتضار التي يشهدها شرق النيل‬
‫حالياً‪ .‬لقد غطت الصحراء مساحات شاسعة من األراضي الزراعية واطراف القرى بل وصلت إلى ضفاف‬
‫النيل مباشرة‪ .‬هجر السكان قراهم بشرق النيل فما بيدهم سالح يحاربون به طغيان الطبيعة‪.‬‬

‫تلك هي أهم األسباب التي تجعلنا نرشح شرق النيل تارة وغربه تارة أخرى إذ يمثل إنشاء الخط الحديدي‬
‫وسيلة فعالة إلعادة التوازن بين ضفتي النيل‪ .‬غنى عن القول ان الخير سيعم الجميغ فاألربعة جسور التي‬
‫قامت حديثا ً بواليتي نهر النيل والشمالية ستجعل التواصل بين الضفتين ممكناً‪.‬‬

‫تمويل المشروع‪:‬‬

‫ترى الدراسة أن األزمات المالية المتالحقة والمستعصية التي تحاصر الحكومة اإلتحادية واستحقاقات األمن‬
‫والسالم المنشود في األقاليم الثالث المتمردة ال تسمح بتمويل هذا المشروع – أن الحكومة حتى وأن‬
‫استطاعت اعتصار بعض المال سنويا ً من ميزانيتها أو حصلت على قروض فإن هيئة السكة الحديد أولى‬
‫بالدعم والتمويل‪.‬‬

‫أما بالنسبة لمشروع سكك حديد النيل فلدينا أسباب قوية وإقتناع تام بأن إستجابة الجمهور العريض والقطاع‬
‫الخاص ستكون قوية إذا ما تمت توعيتهم بما يعنيه المشروع إلقتصاد وأمن السودان وإذا ما إقتنع الجميع بأن‬
‫أرباح المشروع ستتنامي وتتوارثها األجيال‪ .‬ان أكثر المستفيدين هم سكان القرى النيلية إذ سيفتح لهم‬
‫المشروع آفاق واسعة لإلنطالق في دروب التنمية‪.‬‬

‫أستعانت الدراسة بنخبة طيبة من خبراء السكة الحديد لتقدير تكلفة المرحلة األولى من الخط المقترح وكان‬
‫تقدير رأس المال التأسيسي هو مليار ونصف المليار دوالر وهو مبلغ كافي لتنفيذ البنود األساسية التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬إنشاء الخط الحديدي بورتسودان – الشريك – ام درمان بالقياس العالمي ‪1435‬ملم وبطول حوالي‬
‫تسعمائة كيلومتر‪.‬‬

‫‪ )2‬تشييد جسر الشريك على نهر النيل في موقع اسفل مباشرة للموقع المرشح لقيام سد الشريك حتى يُستفاد‬
‫من الجسر عند تشييد السد‪ ..‬لذلك قد تشارك وحدة تنفيذ السدود في تمويل تشييد الجسر‪.‬‬

‫‪ )3‬شراء عشر قاطرات وثالثمائة عربة لمختلف االستخدامات‪ :‬ركاب ‪ ،‬بضاعة‪ ،‬سطح للحاويات‪ ،‬عربات‬
‫مبردة ‪ ،‬عربات ماشية ‪ ،‬عربات صهاريج لنقل السوائل وذلك كبداية‪.‬‬

‫‪ )4‬توريد أربعة قاطرات للمناورة‪.‬‬

‫‪ )5‬بناء وتجهيز ورش الصيانة ومركز التدريب ‪ ،‬تشييد المحطات ‪ ،‬مقر اإلدارة وسكن اقتصادي للعاملين‪.‬‬

‫‪ )6‬اإلشارات واإلتصاالت‪.‬‬

‫‪ )7‬مستحقات االستشاري الذي يفترض أن يكون قد أعد دراسة الجدوي اإلقتصادية لتنفيذ المشروع بمراحله‬
‫الثالث‪.‬‬

‫‪ )8‬مال االحتياطي‪.‬‬
‫‪ )9‬أخرى‪.‬‬

‫إستراتيجية التمويل‪:‬‬

‫المرحلة األولي من المشروع‪:‬‬

‫ترى الدراسة ان خير وسيلة لتعبئة رأس المال التأسيسي هي قيام شركة بمسمى " شركة النيل للسكة الحديد"‬
‫مثالً لتبدأ نشاطها بعصف ذهني جماهيري عبر الصحف واإلذاعات والقنوات الفضائية حول المشروع‬
‫والمكاسب التي يحققها لألقتصاد الوطني‪ .‬ان أكثر المعنيين بالعصف الذهني المقترح هم سكان القرى والمدن‬
‫التي يمر بها القطار ويجد القارئ حصرا ً لها في الملحق(‪.)1‬‬

‫ترى الدراسة ان تعبئة رأس المال التأسيسي يمكن أن تتحقق من خالل طرح ثالثمائة مليون سهم بواقع خمسة‬
‫دوالرات – أو ما يعادلها بالجنية السوداني – للسهم الواحد وذلك يتسنى للمواطن مهما ق ّل دخله اإلسهام في‬
‫هذا المشروع الوطني الكبير‪ .‬وقد يرى المؤسسون غير ذلك؟ هناك مشاركة أخرى ينبغي أن تؤخذ في‬
‫االعتبار وهي مشاركة الشريك االستراتيجي التي نقدّر لها ‪ %10‬من رأس المال المستهدف أي مائة‬
‫وخمسون مليون دوالر‪.‬‬

‫أن الشريك اإلستراتيجي الذي تعنيه الدراسة هو الشركة الموردة للقطارات بكل مكوناتها واألجهزة الفنية‬
‫الخاصة باإلتصاالت أسوة بتجهيز ورشة الصيانة ومركز التدريب‪.‬‬

‫ينتظر من الشريك اإلستراتيجي أن يشارك فعليا ً في إدارة الشركة‪ ،‬في تشغيل القطارات وفي تدريب السائقين‬
‫والمهندسين والفنيين والعمال وذلك لمدة يتفق عليها عند التعاقد‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪:‬‬

‫حال إكتمال المرحلة األولى وظهور بشارات النجاح فإن الشركة – بما لديها من أصول – ستكون قادرة على‬
‫استقطاب المزيد من رأس المال سيما والمرحلة الثانية تستهدف خدمة دولة جنوب السودان البترولية الحبيسة‬
‫وهي تستشرف نهضة عمرانية وتنموية‪.‬‬

‫أن مصادر التمويل المحتملة للمرحلة الثانية هي‪:‬‬

‫أ) أعادة إستثمار األرباح‪.‬‬

‫‪Premium.‬ب) طرح المزيد من األسهم بسعر السهم في سوق األوراق المالية أي بإضافة عالوة أرباح‬

‫ج) إصدار سندات عبر سوق األوراق المالية‪.‬‬


‫د) باالقتراض من المصارف الوطنية‪.‬‬

‫ه) باالقتراض من المصارف األجنبية أو من نوافذ اإلقتراض للقطاع الخاص التي تتيحها صناديق التنمية‬
‫العربية وعلى رأسها البنك اإلسالمي بجده‪.‬‬

‫من هذه المصادر مجتمعة أو من بعضها سيتوفر التمويل للمرحلة الثانية وهي وصول القطار إلى غرب‬
‫ملكال‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪:‬‬

‫أن االستخدام المكثف لرحالت القطار بين بورتسودان – أم درمان – ملكال سيعني مضاعفة األرباح‪ .‬أن‬
‫تحققت تلك األرباح فإن الشركة لن تكن في حاجة إلى مصادر تمويل إضافية وستمضي قدما ً نحو تنفيذ‬
‫المرحلة الثالثة وهي الخط غرب الشريك – مروي – شرق الخندق – شرق دنقال لتنتهي الرحلة في وادي‬
‫حلفا‪ ..‬أو تتوغل داخل األراضي المصرية!‪.‬‬

‫تتوقع الدراسة أن حركة النقل النشطة في القطاع بوتسودان – الشريك ستؤكد الجدوى االقتصادية لتطويرين‬
‫هامين وهما ازدواجية الخط ثم كهربته وذلك في وقت تكون فيه محطة التوليد الكهربائي لسد الشريك قد بدأت‬
‫في اإلنتاج‪ .‬أن إزدواجية وكهربة هذا الخط تعني كأنما انتقلت بورتسودان إلي العمق النيلي أو – في صيغة‬
‫أخرى – كأنما انتقلت الشريك إلي الساحل!! ترى الدراسة أيضا ً أن نجاح كهربة القطاع بورتسودان –‬
‫الشريك سيمهد لكهربة الخط الشريك – أم درمان وحينها سيكون لالقتصاد السوداني شأن آخر‪.‬‬

‫المكاسب والمحاذير‪:‬‬

‫يقوم اإلقتصاد الحديث على منظومة متكاملة من الركائز وهي الموارد الطبيعية والبنيات األساسية التي‬
‫يوظفها اإلنسان لكفاية حاجاته مستثمرا ً في ذلك العمل‪ ،‬رأس المال ومقدراته في اإلدارة وحسن التدبير‬
‫واإلبتكار‪ .‬تتأثر المنظومة اإلقتصادية إيجابا ً أو سلبا ً بأي تغيير جوهري يمس أحد او بعض تلك الركائز‪ .‬أن‬
‫وذلك بمنطق األشياء‪Chain results.‬التغيير – إن حدث‪ -‬يفضي إلى مجموعة من النتائج المتسلسلة أو ال‬

‫تتعدد األمثلة والتجارب التي تؤكد هذا المفهوم ويكفي هنا ان نستشهد بالسيناريو السالب الذي أسهم به إنهيار‬
‫السكة الحديد في تفجير أزمة دارفور وإضمحالل مشروع الجزيرة وهما أمران يغفل عنهما الكثيرون!‪.‬‬

‫في كلتا الحالتين كانت السكة الحديد في عهدها الذهبي هي الوسيلة األمثل في نقل محاصيل الصادر من‬
‫دارفور – كالفول السوداني – وفي نقل القطن من الجزيرة لتصل إلى بورتسودان بأسعار منافسة كانت تجد‬
‫بها رواجا ً في السوق العالمي‪.‬‬

‫كانت القطارات تعود من بورتسودان وهي مح ّملة بالسلع المستوردة والمدخالت الزراعية والصناعية لهذا‬
‫كانت السلع اإلستهالكية سواء أكانت من اإلنتاج المحلي او المستورد تعرض بأسعار معتدلة وفي متناول يد‬
‫صية!‪.‬‬
‫الجميع وان كانوا في دارفور الق ّ‬

‫أعقب ذلك زمن تعرضت فيه السكة الحديد لإلهمال وإنكمش دورها في اإلقتصاد بعد ان أخلت الساحة‬
‫للشاحنات! حينها أصيب اإلقتصاد الوطني في مقتل إذ كسدت صادراتنا او بيعت بهامش ربح ضئيل أو حتى‬
‫بالخسارة طمعا ً في الحصول على العمالت الحرة! أصيب اإلقتصاد الوطني بهذه الفاجعة بسبب تكلفة النقل‬
‫البري العالية وبسبب نزيف الموارد الناتج عن إستيراد الوقود واإلطارات وقطع الغيار‪ .‬في ذات الوقت ظلت‬
‫أسعار السلع اإلستهالكية تتصاعد لتصنع الفقر في أرجاء السودان‪ ،‬اما دارفور ومشروع الجزيرة فتلك‬
‫روايتان حزينتان يعلمهما الجميع‪.‬‬

‫ترى الدراسة أن الطرح المقدم حول سكك حديد النيل سيحدث تغييرات هيكلية إيجابية في نظام النقل وفي‬
‫اإلقتصاد السوداني‪ .‬يحدث ذلك بفعل ردود األفعال اإليجابية ووفقا ً لمنطق النتائج المتسلسلة‪.‬‬

‫أدناه نتناول أبرز سمات التغيير الهيكلي وما يتمخض عنه‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬نظرا ً الن النقل بين بورتسودان والخرطوم يشكل معظم حركة النقل في السودان فإن إستخدام النقل‬
‫السككي عبر بورتسودان – الشريك – أم درمان بدالً عن الشاحنات سيوفر – في رأينا – للخزينة العامة ما ال‬
‫يقل عن ‪ %50‬من العمالت الحرة التي تشكل تكلفة الوقود واإلطارات وقطع الغيار‪.‬‬

‫في تاريخ الحق – أي بعد خمس سنوات هي فترة إنشاء المرحلة االولى من سكك حديد النيل – ستنشط حركة‬
‫النقل بسبب تصاعد صادرات السودان لدولة جنوب السودان مما يعني ضمنا ً تصاعد واردات السودان من‬
‫مدخالت اإلنتاج الزراعي والصناعي‪ .‬في ذات الوقت ستتصاعد واردات دولة جنوب السودان من السلع‬
‫اإلستهالكية والرأسمالية لضرورات التنمية كما يرجح أن تتصاعد أسعار المحروقات‪ .‬على ضوء ما تقدم فإن‬
‫كانت وفورات التحول إلى النقل السككي اليوم – إفتراضا ً – تقدر بمليار دوالر أمريكي فإن تلك الوفورات لن‬
‫تقل عن الثالثة مليار دوالر بعد خمس أو ستة سنوات‪ ،‬أي قبيل تشغيل قطار بورتسودان – الشريك – أم‬
‫درمان المقترح‪ .‬غنى عن القول ان تصاعد تلك الوفورات وتراكمها – إفتراضا ً – سيعني دعما ً مباشرا ً‬
‫لميزان المدفوعات وهو دعم ينصلح به حال العملة الوطنية ويفتح الباب الستيراد السلع والخامات التي يحتاج‬
‫لها االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬سيشجع النقل السككي الرخيص المنتجين لمضاعفة اإلنتاج وذلك ألغراض التصدير علما ً بان التصدير‬
‫هو رئة اإلقتصاد الحديث‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عند قيام سكك حديد النيل وإمتداد ذراع منها إلى بورتسودان كما أوضحنا سيفقد خطان حديديان أسباب‬
‫لما ال وهما خطان يعبران صحراء النوبة وصحراء ‪Redundant Lines‬وجودهما بمعنى أن يصبحا‬
‫العتمور حيث ال حياة!‬

‫الخطان المعنيان هما‪:‬‬


‫خط وادي حلفا – أبو حمد وطوله ‪ 368‬كيلومتر‪.‬‬

‫خط عطبرة – هيا وطوله ‪ 272‬كيلومتر‬

‫المجموع ‪640‬‬

‫نظرا ً لقدم وإهتراء هذه الخطوط فلعله من االجدى تفكيكها وبيعها كحديد خردة لجياد او ألحد مصانع حديد‬
‫التسليح لشراء قضبان بمواصفات أعلى إلنشاء خطوط جديدة وفق برنامج زمني يأخذ في اإلعتبار توفر‬
‫التمويل‪.‬‬

‫أن وجدت الدعوة لقيام سكك حديد النيل قبوالً على اإلكتتاب في أسهما فإن ذلك يستوجب أن تتراجع هيئة‬
‫السكة الحديد عن خطتها الرامية إلى إعادة تأهيل القطاع عطبرة – هيا (‪272‬كلم) من خط عطبرة بورتسودان‬
‫وان تقيم بدالً عنه خطا ً جديدا ً يربط حلفا الجديدة بالدامر (‪ 280‬كلم)‪ .‬تتمثل أهمية هذا الخط في دوره في‬
‫إخراج مناطق أسفل نهر عطبرة وشمال البطانة من عزلتهما سيما وان جريان النهر سينتظم طوال العام –‬
‫وان كان ذلك بمناسيب متدنية – بعد إكتمال سدي ستيت وأعالى عطبرة واإليراد اإلضافي الذي حققه سد‬
‫تكازي بأثيوبيا‪ .‬تلك متغيرات ستنعش اإلنتاج الزراعي والحيواني أسفل نهر عطبرة‪ .‬تتمثل أهمية هذا الخط‬
‫أيضا ً في إبقاء الصلة مع عطبرة حيث أكبر تجمع لورشة الصيانة‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬إن إنشاء سكك حديد النيل بمبادرة من القطاع الخاص السوداني سيعني تخفيف العبء على الهيئة العامة‬
‫للسكة الحديد مما يمكنها من تجديد أسطولها وإعادة تأهيل خطوطها بالعرض الضيق الحالي (‪ 1067‬ملم)‪ .‬أن‬
‫الخيار لألفضل هو بال شك القياس العالمي الذي يسمح بتوحيد وتكامل الشبكتين‪.‬‬

‫قد يبدو هذا الخيار بعيد المنال تحت المعطيات الحالية لإلقتصاد السوداني وما لم تقدم حكومة السودان على‬
‫إبرام صفقات خارجية ضخمة بصيغات مبتكرة‪ ..‬وهو أمر ممكن!‪.‬‬

‫في غياب هذا الخيار ستنشأ الحاجة لتوفير المعينات اللوجستية لتتكامل الشبكتان‪ .‬من زاوية أخرى ومهما كان‬
‫خيار الهيئة فإننا نرى أن هنالك جدوى إقتصادية في أن توسع الهيئة العامة للسكة الحديد في شبكتها لتغطي‬
‫المزيد من أقاليم البالد ولتوفر خدماتها للدولة الحبيسة المجاورة وذلك من خالل االمتدادات التالية‪:‬‬

‫أ) نياال – فورو برونقا الواقعة على وادي أزوم وعند الحدود السودانية – التشادية‪.‬‬

‫ب) نياال – أم دافوق التي تلتقى عندها الحدود السودانية – التشادية مع حدود جمهورية أفريقيا الوسطى‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة هنا إلى أن كال الموقعين الحدوديين قريبان من المناطق الواعدة بالتوسع الزراعي المطري‬
‫والغنية بالثروة الحيوانية في جنوب تشاد وشمال جمهورية أفريقيا الوسطى‪.‬‬

‫ج) إمتداد الخط الحديدي من الدمازين إلى الكرمك إلنعاش إقتصاد جنوب النيل األزرق‪ .‬كمنفذ لوسط غرب‬
‫أثيوبيا‪.‬‬

‫د) إمتداد الخط الحديدي من القضارف إلى المتمة االثيوبية‪.‬‬

‫ترى الدراسة ان هناك ثالثة عوامل رئيسة تفرض إنشاء اإلمتدادات أعاله والعوامل هي‪:‬‬

‫‪ -1‬هناك مردود إيجابي في توسيع شبكة السكة الحديد على الصعيد الوطني إذ ستحدث حراكا ً إقتصاديا ً في‬
‫مناطق معزولة رغما ً عن ثرائها بالموارد الطبيعية‪ .‬ان المناطق المعنية هي‪ :‬غرب دارفور‪ ،‬جنوب شرق‬
‫القضارف وجنوب النيل األزرق‪.‬‬

‫‪ -2‬تعزيز أهمية السودان كمعبر والموانئ السودانية كمنافذ لدول الجوار الحبيسة وهي دولة جنوب السودان‪،‬‬
‫تشاد‪ ،‬أفريقيا الوسطى وأثيوبيا‪ .‬فالنقل البري بتكلفته العالية ينتقص من تلك األهمية‪ .‬أن دور السكة الحديد هنا‬
‫ليس قاصرا ً على رسوم العبور والموانئ فحسب وإنما يشمل أيضا ً إنعاش التجارة البينية بين السودان وتلك‬
‫الدول‪.‬‬

‫‪ -3‬هناك محاذير أمنية تستوجب منع النقل البري العابر لألرضي السودانية وحصره على السكك الحديدية‬
‫واألسباب هي‪:‬‬

‫أ) منع التهريب من وإلى السودان وأحكام السيطرة على السلع التالفة والمغشوشة وتلك التي ال تستوفي‬
‫مواصفات الجودة‪.‬‬

‫ب) منع الجريمة العابرة كاإلتجار بالبشر ألغراض النزوح والهجرة إلى الدول العربية وأوروبا أو ألغراض‬
‫أخرى‪ .‬أما الوجه اآلخر للجريمة العابرة فيتمثل في تهريب األسلحة‪ ،‬المخدرات‪ ،‬الخمور والعملة بغرض‬
‫غسلها في السودان بشراء العقارات وغيره‪.‬‬

‫ج) من قبل إنفتاح السودان للنقل العابر تحولت الطرق البريّة إلى محرقة للبشر‪.‬‬

‫د) إحتمال إنتقال بعض األمراض واالوبئة القاتلة تزيد بالشاحنات البرية القادمة من دول أخرى ‪.‬‬

‫ه) حماية الطرق البريّة من اإلهالك السريع فالطرق البرية في السودان اليوم تمثل ثروة قومية ينبغي‬
‫المحافظة عليها سيما وهي بمواصفات دون العالمية من حيث العرض وسمك الطبقة األسفلتية‪ .‬تفيد معلوماتنا‬
‫أن تكلفة بناء الكيلومتر الواحد من الطرق المسفلته تتراوح ما بين ستمائة ألف وسبعمائة وخمسين ألف دوالر‬
‫مما يعني ان قيمة شبكة الطرق القومية تقارب العشرة مليار دوالر‪.‬‬

‫أن الرسوم التي نتحصل عليها من النقل العابر الثقيل لن تعوضنا عن التلف واإلهالك الذي ستتعرض له‬
‫البرية لهذا ينبغي الحذر والمنع الواضح والصريح‪.‬‬‫الطرق ّ‬
‫أن المخاوف التي تناولناها أعاله تعزز دعوتنا لسكان الشريط النيلي والشعب السوداني قاطبة لإلكتتاب في‬
‫أسهم شركة النيل للسكة الحديد‪.‬‬

‫بقيام الخط المقترح وإمتداد ذراعه إلى بورتسودان سيكون لكل من الشبكة القائمة (‪1067‬ملم) والشبكة‬
‫المقترحة (‪1435‬ملم) أقاليم محددة وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أ) هيئة السكة الحديد‪ :‬كل أقاليم شرق السودان‪ ،‬جنوب النيل األزرق‪ ،‬كل غرب السودان وذلك باإلضافة إلى‬
‫منافذ حدودية لدول الجوار الحبيسة عبر ميناء كوستي بالتكامل مع النقل النهري‪ ،‬خط بابنوسة – واو لبحر‬
‫الغزال الكبرى‪ ،‬عبر فوروبرونقا‪ ،‬وأم دافوق إلى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى‪ .‬وذلك باإلضافة إلى‬
‫الكرمك والقالبات بالنسبة ألثيوبيا‪.‬‬

‫ب) سكك حديد النيل‪ ،‬تغطي الشريط النيلي ما بين وادي حلفا وملكال وذلك باإلضافة إلى دولة جنوب‬
‫السودان عبر ملكال‪.‬‬

‫ج) تمثل مدينة كوستي الموقع الوحيد الذي تتقاطع فيه الشبكتان‪ .‬لهذا ينتظر ان تتوفر في محطة التقاطع‬
‫بكفاءة عالية وفي زمن وجيز‪Transshipment.‬اآلليات الحديثة التي تقوم مناقلة البضائع والحاويات‬

‫بهذه التجهيزات سيكون من الممكن نقل الحاويات المنقولة من مصر – على سبيل المثال‪ -‬إلى تشاد او إلى‬
‫أفريقيا الوسطى أو إلى غرب السودان وبحر الغزال من سكك حديد النيل إلى خط غرب السودان – والعكس‬
‫صحيح وهكذا‪.‬‬

‫يتبع الجزء الثاني (األخير)‬

‫وهللا الموفق‬
‫د‪ .‬عمر محمد علي أحمد‬
‫عضو رابطة خريجي كلية االقتصاد‬
‫والدراسات االجتماعية بجامعة الخرطوم‬
‫‪Omeralakhdar@gmail.com‬‬

You might also like