Professional Documents
Culture Documents
نسق "المفكـر الـفحل" في سياق الثقافة العالمة الجزائرية الراهنة، رؤيا تأويلية
نسق "المفكـر الـفحل" في سياق الثقافة العالمة الجزائرية الراهنة، رؤيا تأويلية
تأويلية.
1
بوزيان بغلول
مقدمة :بادئ ذي بدء ال بد من مالحظة أن ظاهرة " الشاعر الفحل" و"الروائي الفحل" و"الناقد
الفحل" كانت وال زالت إحدى انشغاالت النقد الثقافي ،2لم تكن لتتطور بصورة مذهلة إلى نسق
مضمر ال شعوري جديد ،وال في محاولة إخراجه من هامشيته إال نادرا ،بخاصة في المجتمعات
المحافظة المنغلقة أال وهو نسق " المفكر الفحل" ،لوال بعض األحداث البارزة التي خلعت حجاب
سديمي كان مضروب بإحكام على هكذا نسق ،فكان بداية تبلوره الحقيقي هو المناقشات
والتأويالت الحادة التي أعقبت أحداث الربيع العربي ولوال مساهمة األنترنت و وسائل اإلعالم
واالتصال الجديدة في ظهور فجائي لطبقة متسرعة في إلقاء األحكام الجاهزة عبره ،أطلقت على
وطور اسم العلمانيين الجدد (علمانيين
ا نفسها تارة اسم مفكرو االجتهاد (إسالميين وعلمانيين معا)
فقط) لعل الناقد عبد هللا الغذامي نفسه لو أمعن النظر إلى تلكم النخبة لضمها إلى قائمة أنساق
الفحولة في الثقافة العربية الراهنة نتيجة 1 :ـ ـ حرقها لمراحل التكوين 2ـ ـ غياب كلي أو جزئي
لتطبيق المنهج العلمي 3ـ ـ العوز اللغوي الشديد .ذلك أن المبحث األنطولوجي المتعلق
بالمؤلف/مرسل الخطاب كذلك معني بمضمرات الثقافة وحيلها ،حيث "المبادئ الوضعية التي
يرتكز عليها المنهج البنيوي والتي تصاغ النظريات العلمية على أساسها عبارة عن مرتكزات
أنطولوجية وأنثروبولوجية وإبستمولوجية ،وكما هو معلوم فالمباحث األنطولوجية تتمحور حول
مجموعة من األسئلة التي تستفسر عن قضايا من التي من جملتها :هل العلم بوجود شيء يوصف
بكونه حقيقيا؟ ما هو التفسير العلمي الصحيح لألمر الحقيقي؟
وأما المباحث األنثروبولوجية فتطرح في رحابها أسئلة حول دور اإلنسان في الوجود وكل ما
يمت بصلة بكيانه ،في حين أن المباحث اإلبستمولوجية ،يتم فيها تسليط الضوء على حقيقة العلم
والمعرفة وشتى السبل الكفيلة ال ستكشاف الحقائق .من المؤكد أن معرفة االستنتاجات الفلسفية
الصائبة لكل نظرية تستوجب إلمام الباحث باألطر العامة لمختلف التيارات الفكرية التي لها تأثير
في صياغته ا ،فالتنظير العلمي ال يقتصر على الخلفيات اإلبستمولوجية فقط ،وإنما هناك خلفيات
أنطولوجية مؤثرة على مض مونه ،وهذه الخلفيات عادة ما تغرس في نفس المنظر دوافع خاصة
1
لطرح ما يجول في خاطره من مبادئ اجتماعية وثقافية في رحاب نظريات؛ لذا يقال أن منهجية
العلوم اإلنساني ة تتجاوز نطاق ارتباط النظرية بالمبادئ الفلسفية وتدور في فلك تحليل دور
العناصر غير اإلبستمولوجية ذات التأثير في ظهور إحدى النظريات ،ومن جملة هذه العناصر ما
يعتبره المفكرون خلفيات اجتماعية وفكرية التيارات واالتجاهات المؤثرة على المنظومة الفكرية
3
للمنظر ،وهذه األمور تندرج في واقع الحال ضمن الخلفيات األنطولوجية"
وستجد أن هذا النسق "الفحل الثقافي" مثال له سياقه الخاص قد يتقلص فضاؤه في بعض
الممكنات السياقية ،ألن مثلما هناك ممكنات نسقية هناك ممكنات سياقية منها ما هو خاص وهي
تلك المتعلقة بالنظام المؤسساتي؛ نظام كليات اللغة العربية وآدابها تبع المدن الكبرى كالعاصمة
الجزائر ،فقط هي التي تعكس المنظومة الثقافية المحلية وتجاري نس قا من أنساقها ،نتيجة الحجم
الديموغرافي وتواجد األجانب وأكبر المؤسسات فيها ،هنا ستجد هذا الفحل وهو في نهاية
األربعينات من العمر لكنه بلغ ما بلغ من التكفل بمناقشات الدراسات العليا وترؤس المجالس
العلمية ،سيدفعك الفضول حتما لمعرفة المزيد ،لكن لألسف ليست بجماليات النقد وال األدب 4لكنها
قبحياتهما عبر نسقين :ظاهر مخادع ومضمر ثقافي ـ ـ وإن كان آيزابرجر يقول عكس الغذامي
بشعريات/جماليات السياق والنسق في النقد الثقافي ـ ـ فشئنا أم أبينا إذن فسنجد صاحبنا هذا ركيك
اللغة ،أجل وضعيفها ألنه متفرنس زيادة عن اللزوم ،ومفتقد لسالسة التعبير بها فإذا تكلم َع َّي وإذا
ق أر تأتأ وأخطأ برغم اجتهاده لإللمام ب قواعدها ونحوها؛ وهذا عوز لغوي وحرق للمراحل في نفس
الوقت ،ولما كان النص يتداخل مع الخطاب واألثر األدبي فإنك ستجد أن هذا النسق خاص بفئة
معينة من المنتسبين لألدب تأتي عوامل ال نشأة اللغوية العاصمية عليهم بادية ،ولما كانت غاية
الخطاب األدبي هو تشكيل للغة التي ال يمتلكها إال المتمكنين منها فهي لغة عصية وصعبة ،وهذا
ما أورده الباحث األسلوبي عبد السالم المسدي بقوله « :الخطاب األدبي خلق لغة من لغة أي أن
صانع األدب ينطلق من لغة موجودة فيبعث فيها لغة وليدة هي لغة الخطاب األدبي وتتميز
باختالفها عن لغة الخطاب العادي بأن لغة هذا األخير مكتسبة بال مران والممارسة واالحتكاك
5
باآلخرين ،تنشأ وتستمر باستعمالها المألوف لدى الناس بفعل العادة واالتصال»
وكما أن هناك حرق المراحل الفردي هناك حرق المراحل الجماعي ،حيث من المعروف في
تاريخ النقد األدبي المغاربي أنه يخلو من أو يكاد من مرحلة النقد التقليدي ومع ذلك يريد تجاوزه
2
بشتى الطرق حتى الخبيثة منها ،ومرحلة النقد التقليدي بارز أثرها في تاريخ النقد األدبي العربي ـ ـ
وهي التي شيدت عصر النهضة العربية ـ ال مناص أن يهرول المغاربة مستب قين حتى نظرائهم
المشارقة في ترجمة وتلقي المناهج العلمية البنيوية إما لعدم تخطيط مدروس أو لفحولة أو هما
على حد السواء ،من ثمة ظهرت نتيجة هذا الحرق للمراحل في سياق كسياق المغرب العربي ال
عملية أو ال جدوى تلك المناهج وغموضها ،الختالف سياقه السوسيو ـ ثقافي واللغوي مع سياق
المنشأ لتلك المناهج ،والتقليدية في النقد األدبي (بافتراض مصطلح "التقليدية" بالبرهان بالتراجع أنه
صحيح عمليا) هي شرط ومرحلة جوهرية لمرور أي نقد إلى الحداثة أي إلى المناهج البنيوية ،فهل
توف ر في تاريخ المغرب العربي شيء اسمه النقد التقليدي حتى يتم تجاوزه؟ إنه لم يتوفر بعناية
واهتمام راسخ ،لكنه كان نقدا واقعيا أو رومانسيا للرواية الواقعية أو الرومانسية ومختل لما اعتورته
فجاجة وركاكة التعبير المنجر عن وضع تاريخي عرفه مسار تطور الهوية اللغوية في هذه البدان،
ولو توفر ألخذت األجيال الجديدة عن الجيل الرائد الحد األدنى من العالقة باللغة العربية على
األقل ،لكنها قطعته بحرق المراحل فشهدت حداثتها مسخا حداثيا إن صح التعبير .كل ما في
األمر أن من يقف وراء مصطلح التقليدية في النقد األدبي المغاربي المعاصر هو الوقوع في فخ
القفز والحرق المؤلم والمكلف للمراحل؛ عندما ظل نقاد المغرب العربي واألقصى بالخصوص
يعيدونا على أسماعنا وطيلة ثالثين عامة ،ونعني بهم الخمسة المشهورين (محمد برادة ومحمد
مفتاح ،حميد لحم داني وسعيد بن كراد وسعيد يقطين) ومن والهم مغاربيا ،امتعاضا من النقد
التقليدي المعتني بمسكوكات البالغة والنحو ومأثورات القول وزجرهم إياه تحت طائلة أنه ليس من
موضوع علم للغة الحديث الذي جاءت به الحداثة!
فإذن كيف سيكون حال السياق األدبي مع هذا النسق ناقدا أو مخاطبا؛ فإذا اعتبرناه مرسال
فهو يقطع الرسالة األدبية/الوظيفة الشهرية من الوهلة األولى ،والفحل مقدام بطبعه لكنه لم يتوقف
يوما عن دراسته الثقافية أو نشاطاته العلمية رجوعا إلى الوراء لتعويض ما فاته من هذه القواعد،
ألنه لم يجد من ينافسه أو ينقده أو حتى ينبهه ،وقد لعب الغش والتواطؤ عليه ،والتملق
والمجامالت معا في رهن المستوى الجيد واستبداله بخدمة المصالح الشخصية التي تمر تحت
الطاولة (ال تكشف إال عندما يحدث جور ألحد األطراف فال يحظى بكامل حصته من تلك
الخدمة) القفز على المراحل في الدراسات العليا متجل أكثر لهذا السبب فتجده صاحبه بعد نيله
للماجستير ال يقدم أي بحث (في المجالت المحكمة المخصصة لذلك) قبل مناقشته الدكتوراه مثله
مثل جميع الطلبة ،مع ذلك يناقش ويأخذ درجة عالية ثم بعد أن يبدأ في التدريس ينتقل مباشرة إلى
3
تدريس الماستر والماجستير بل إلى اإلشراف عليها بدون أي أقدمية مهنية في التدريس بالليسانس
مثال والتي من شأ نها تركيم المعارف وتعميقها ،بل األدهى واألمر أمام هذا األستاذ المعضلة الذي
ولد بشنبه هو في ترأسه اللجان العلمية ووفاضه مازال خاوي الوفاض من أي كتاب في تخصصه
أو على األقل بحث متميز ويساهم في دو ارن الحلقة واستمرارها بطلب العالقات المشبوهة والبحث
عن المجامالت والتملقات كي يضمن خليفة له!
وال بد عندئذ أيضا من وضع المنهج العقلي البرهاني في مقابلة للمنهج التأويلي ـ ـ الذي هو
إخراج الداللة المجازية (التي تحوي معنيين ظاهر وباطن) من الداللة الحقيقية أو العكس ،ألن
النص بطبيعته يحمل اللفظ معنى ال تقتضيه اللغة ،والمؤول هو الذي ينقله من معناه المجازي إلى
معناه الحقيقي ـ ـ في سياق معاصر ولن يكون ذلك السياق إال سياق التيار الفكري المعروف بما
بعد الحداثة ،وحتى ال نالم من قبل العلمانيين واإلسالميين فإن القراءة التأويلية (البرهانية) هاته
ستأخذ في االعتبار مقولة تشظي العقل إلى عقول ،بالتالي أي فكرة تأويلية قد تبرز وتتجلى من
خالل ما يعرف بالمتشابه في النص القرآني فإنها تضع بعين االعتبار ما أصبح يسمى في فكر ما
بعد الحداثة "العقل اإلسالمي" ـ ـ المتمي ز تمام التميز عن العقل الغربي ،ذلك العقل الذي يؤول العلم
من وجهة إيمانية ـ ـ ليس ذلك القلب الذي ينبض في المخ مزودا إياه برؤيويته المرتكزة على معطى
حسي ،ال استجابة للجدل الصاعد من العالم المحسوس إلى عالم المثل والعكس عند أفالطون ،وال
الجدلية المثالية الهيغيلية ،وال المادية الجدلية الماركسية و إنما عودة ال بد منها إلى نظرية نقد
العقل الخالص ( )1781إليمانوا ل كانط الذي يقول فيها أن العقل اإلنساني مكتفي لذاته ،وهو ليس
في حاجة إلى أخالق أو دين خارجية ألن ماهية الع قل ال تسمح لإلنسان الحسم في قضية اإلله
بل أن تلك القضية ال تهمه أصال.
فما بعد الحداثة كشفت النقاب عن اقتراب نظرية كانط «األخالق والدين مفهومين مؤسسين
على عقل اإلنسان بإ رادته الحرة بمعنى أن قلب اإلنسان في ذاته هو قلب عاقل» من مبدأ تشظي
العقل نفسه .هذا الفكر الفلسفي الغربي المتعلق بماهية العقل والروح عند كانط نجد له آثار عند
المفكر ال عقلي البراغماتي/الواقعي ابن رشد؛ عندما يجمع بين العقل والنقل في منهج واحد هو
التأويل البرهاني /التوفيقي إن صح التعبير ،ليقف ضد الجمهور والمتكلمين الخائضين في أمور ال
ليس باليسير الخوض فيها إال من زاد عن العقل والنقل حكم ًة صوفي ًة وخبرة نهاية العمر أو قل
أمور لم يكن ليقتحموها لوال وجود نقص معرفي وإيماني عندهم حملهم على تبييت نية النيل من
القرآن ـ ـ و القرآن أسماهم بالذين في قلوبهم مرض أو نزغ أو زيغ ـ ـ هؤالء المتكلمين ومن شابههم
4
هم في عصرنا يماثلون إلى حد رهيب المثقفين والباحثين و"المفكرين" الذين يحرقون أو حرقوا
المراحل في تكوينهم العلمي وفي أبحاثهم العلمية ضمن النطاق النخبوي واألكاديمي الجزائريين،
نتيجة لتمنهجهم في نطاق ثقافة فحولية غير واعية بذاتها كما يسميها الناقد عبد هللا الغذامي ،فلو
أنهم شعروا بها لما تفرعنوا حد التعدي على القرآ ن والسنة المسندة واقعين في أخطاء تأويلية
كارثية ،أو على األقل لتفرغوا لتخصصات هي دون تخصص نقد الخطاب الديني لبرهة من الزمن
قصد مزيد من اكتساب للثقافة والتجارب ،أو قل لو أنهم نقدوا ذواتهم ولجموها بتكسير ثقافة الفحولة
فيهم أوال تقويما لهرم النقد والفكر الجزائريين المقلوب ليماثل نظيره المصري:
كيف تشكلت طبقة النخبة المثقفة المصرية المعاصرة إلى أيامنا والتي ساهمت في نشر الوعي
الثقافي والثقافة نفسها بعد أن حملت مشعلها عن النخبة الكالسيكية أو النخبة الحديثة أو نخبة
اإلحياء؟ ال مراء بأنها تشك لت في معظمها جراء مخطط نهضوي شامل ،بإعطاء المثقف المسئول
مستوى ال
ً في الدولة المصرية الحديثة األولوية لتكوين الفرد تكوينا تعليميا وجامعيا وأكاديميا ذو
يخالطه أو يعتريه شك بأي حال من األحوال ،والنتيجة التي تدل على ذلك هو نقد النخبة لنفسها
نقدا ذاتيا غربلة و تمحيصا م ار ار وتك ار ار بخاصة قبل وبعد ابتكار منهج النقد الثقافي ،ذلك النقد
الذي أحتضن عربيا أول ما أحتضن في مصر والخليج العربي لتطبيقه ال النظر إليه في المرآة،
حتى ولو كان في سياق مختلف عن سياقه الغربي ،تطبيقه حتى على جميع "الهامات" أو أنساق
الفحولة المتجبرة والطاغية فكريا كما يسميها عبد هللا الغذامي ،التي تشكلت في ضمير المجتمع أو
مخيال األمة الجمعي الواحدة دون وعي (حتى أصبحت ثقافة) ولعل الوعي بها سيزداد مع
مقاومتها لكل محاوالت تجريدها من رسوخيتها المقلقة المحيرة ضمن السياق الفكري والثقافي
المحليين بقوله « :فرع من فروع النقد النصوصي العام ،ومن ثم فهو أحد علوم اللغة وحقول
معني بنقد األنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه
ّ األلسنية
وصيغه ،ما هو غير رسمي وغير مؤسساتي وما هو كذلك سواء بسواء .ومن حيث دور كل
منها في حساب المستهلك الثقافي الجمعي ( ، )..وإنما همه كشف المخبوء من تحت أقنعة
البالغي الجمالي ،فكما أن لدينا نظريات في الجماليات فإن المطلوب إيجاد نظريات في
القبحيات ال بمعنى عن جماليات القبح ،مما هو إعادة صياغة وإعادة تكريس للمعهود البالغي
في تدشين الجمالي وتعزيزه ،وإنما المقصود بنظرية القبحيات هو كشف حركة األنساق وفعلها
المضاد للوعي وللحس النقدي» 6الجئا إلى القراءة التأويلية طبعا ألن التأويل نمر به إلى
المجاز الكلي في النقد الثقافي وهو البحث في اللفظ عن المضمر الداللي.
5
يميز بين السمات اإليجابية والسمات السلب ية التي ينبغي
كما يؤكد الغذامي أن «على الناقد أن ّ
التركيز عليها ألن هذا يقودنا إلى التعرف على عيوبنا الحضارية والعراقيل التي اعترضت مسيرة
النهضة العربية .وقد اختار الغ ّذامي نسق "الفحل" الذي يؤكد أنه في الثقافة العربية قد انتقل من
الشعر إلى مختلف نواحي الحياة .فصار لدينا ،إلى جانب الشاعر الفح ل :الفحل االجتماعي
7
والفحل الثقافي والفحل اإلعالمي والفحل السياسي»...
محاوالت ألفينا تجلياتها بخاصة في حرق المرحلية في األبحاث والنقود األكاديمية بفحولة بل
بتغول ينم عن اصطناع الطاغية إن صح التعبير في السياق الجزائري ،هذه التي نسميها
التجاوز باإليديولوجية في التدرج أو ما بعد التدرج ،القفز على المراحل في البحث والتفكير العلمي
يعني ولوج محطات نقدية فكرية قف از إليها من محطات نقدية أدبية مثال دون مراعات النتائج،
الظاهرة جد ضيقة لدى النخبة المثق فة األكاديمية وغيرها في مصر ،كما بدت لنا خارطتها في
شكل سالمة هرم النقد المصري المعاصر :قاعد ة عريضة مجال تخصصها نقد الحياة والمجتمع
بكل أشكالهما الشعبية ثم فوقها نخبة مختصة في نقد المعرفة ونقد معرفة المعرفة والتي من
ضمنها من يقدم تلك المعرفة أو من يقدم معرفة المعرفة/المنهج ،أي النقد الذي يستخدم كأداة
الصيغتين كيف ولماذا شكال ومضمونا .وأخي ار يقع في قمة الهرم النقاد والمفكرون الحذقون ذووا
التجارب والخبرات الطويلة هؤالء عندما يطرحون علينا دراساتهم في تأويل القرآن ال نستغرب،
فتمكنهم وقلتهم يفسره اختيارهم للتخصص الصعب سواء عن فراسة؛ وفقط في مثل هذه الحالة قل
أصحاب نسق الفحولة بين أكاديميو ومثقفو الديار المصرية .أما هؤالء الذين ينزعون بعد حصولهم
على درجاتهم العلمية على مدى قريب دخول ال شعوري إلى حلقة نقد الفكر والخطاب الدينيين،
وما أدراك ما نقد الفكر والخطاب الد ينيين وربما حاالت فيهم ال توفق حتى في استعمال المصطلح
الصحيح لضعف قدراتهم اللغوية أيضا ـ ـ يستعملون بدله اسم فضفاض هو تخصص نقد التراث ـ
فنجد عددهم بألوف مؤلفة عندنا بالجزائر تاركين نقد ذواتهم التي أصبحوا يكادون يعبدونها أو على
األقل النظر إلى أنفسهم في مرآة اآلخرين ،أو النظر إلى الواقع النظري والعملي من حوله أتغير أم
استقر أم تراجع و العناية بدلها بالمجامالت واإلطراءات والتملقات الروتينية التي ال يملونها أبدا هل
نفعتهم/أضمرت نسقهم أم كشفتهم في ظل هذا النظر؟ منهم المتطفلين على تخصصات أكبر منهم
بكثير ،وهذا هو ما قصدناه بقولنا " القفز على المراحل" أو ظاهرة الهرم المقلوب في طوبولوجيا
الفكر والنقد المعرفيين المعاصرين في الجزائر ،والسبب واحد ووحيد هو اإلعراض عن نقد الفحولة
6
في ميدان التفكير العلمي نقدا ثقافيا كنقدها في المجال الشعري على سبيل المثال ال الحصر،
وعدم إخضاعها للدراسة والتشريح حتى تستفحل وتصبح عصية على الطرق ال شعوريا.
سنرى أن السبب هو بالنسبة لتخصصات أكاديمية بعينه ا كاللغة والنقد األدبيين يكمن باإلضافة
إلى أيديولوجية البلد منذ استقاللها المنعكسة على التعليم والتكوين الجامعي ،سيطرح مشكل تلقي
اللغة العربية في المجتمع الجزائري الخليط اللغة أيضا وبحدة.
العبودية ليست هي تلكم الممارسة اإلنسانية التي سادت حسب علماء األنثروبولوجيا قبل
المرحلة البربرية والمرحلة الحضارية ،من كان يظن أنها مرحلة منقرضة زائلة من عالمنا فإنه
سيكون واهما ،بل هي أيضا إحدى تجليات ظاهرة الفحل الشجرة الضاربة ضمن نسق من األنساق
المجتمعية وهذا البعد الداللي المضمر هو الفاعل والمحرك الخفي الذي يتحكم في سلوكنا العقلي
والتذوقي ،وأشكال تلقينا لهذه الظاهرة الثقافية أو تلك .ويطلق الغ ّذامي على هذا النمط من
المجاز تسمية المجاز الكلي ،8ولما كنا بصدد الفحولة في ميدان التفكير العلمي في فرعه الخاص
بالنقد الفكري والفلسفي األكاديمي ،فإن تلكم الهامة الضاربة للجذور في كل صوب وحدب عن
وهم ،والمنزوية في بروجها العالية ال تنزل منها إال بإعمال معاول النقد الثقافي وإال تخطت
حدودها وتعدته إلى الطعن في الم قدسات بحجة االجتهاد وحرية الفكر وما إلى ذلك من َّترهات
مكرسة لنوع من العبودية الفكرية ،عبودية للفرد "العبد العاقل" الذي هو ليس بذلك الفقير فقر مادي
أو روحي بل الفقير فقر عقلي .سينتفي حتما هذا العبد العاقل بانتفاء الفحل المفكر بخاصة إذا ما
وضعنا في االعتبار الحالة المادية الجيدة ألستاذ التعليم العالي وما بالك بمن هو برتبة "الباحث
الدائم" بمشروع بحث في مجال تخصصه بالجزائر ،حينئذ سنجد أنفسنا أمام فحولة نسقية تطرح
فحولتها أول ما تطرح على المقدسات كما ذكرنا ،لكن أول ما يكشف زيفها في حالة الجزائر هو
األيديولوجي ة السائدة وغياب النقد الذاتي سواء قبل تبلور مشروع النقد الثقافي قبل عقدين من اآلن
أو بعدهما .لكن قد يقول قائل أن القوم الذين تصفهم بالفحولة الواهية لم يخرجوا عن تخصصاتهم،
فالتأويل في النقل كما في العقل موضوعه المجاز يعني علم الكالم والمجاز من اختصاص
الد ارسات النقدية لغوية أو أدبية .نقول لهم بلى ،لكن عن ثقافة فلسفية وخبرة مستفيضة بمناهج
علوم اإلنسان والمجتمع تجعلهم ال يستغنون في تأويالتهم عن البرهان العقلي ،وتمكن لغوي عميق
وروح علمية وتواضع للعلم ،يعني تمرس مرافق على نقد الذات قبل نقد الذات اإللهية وإال يسمى
ذلك فوبيا النمطية ،المشرعنة لنمط ثقافي اسمه" المفكر الفحل" ،فالنقد الثقافي في الغرب ما كان
7
ليولد على يد أعالمه فنسنت ليتش Vincint Leitchوريتشارد هوتجارت وتيودور أدورنو ،لوال تلك
النمطية التي اكتسحت كل دروب الحياة بما فيها التفكير واإلبداع.
وكنا نود أن نعرض لنماذج لباحثين مخضرمين من جامعة الجزائر 2كأحمد طالب اإلبراهيمي
بوناطيرو ،الشيخ ومحي الدين عميمور وهما في األصل طبيبان ،مصطفى شريف ،لوط
أبو عمران ،عبد الرحمن األخضري ،نور بوكروح ،فوضيل بومالة ،الساسي لعموري ،محمد
الصديق بن يحي ،الشعراء أحمد حمدي ومالك مرتاض ولميس سعد ي هذين األخرين أصبح
يضرب بهما المثل (ال قبلهما وال بعدهما ذك ار و أنثى) عندما يتعلق األمر باستثمار لشعريتهما
ولوجا إلى الفكر السياسي و الفكر الديني! والروائي أمين الزاوي من كلية اللغة العربية وآدابها ،كما
ال يمكن المرور مرور الكرام أمام شاعران صنع مجد الجزائر الشعري في النصف الثاني من القرن
العشرين ،هما محمد العيد آل خليفة ومفدي زكريا ،لما كان نسق الفحولة الشعرية نسقا مجبول
على التقول على السلطة السياسية وحتى الدينية إذا لم تجزل له ،ليس بوعي فكري لكن بوعي
تاريخي ،وال أدل من تشبيه األول للفرنسيين في زيهم بالغربان ،والثاني تشبيه معارك ثورة الجزائر
بمعركة بدر ،فاكتسبا شعبية نخبوية سرعان ما رسختهما بطلين فحلين .لكن تم كشف زيف هذا
التصور مع مرور الزمن نتيجة تطور أغراض الشعر في المشرق العربي/حداثته و تخلفه في
المغرب لعربي ،وتطور أغراض النقد كالنقد الثقافي الذي يفكك النسق الثقافي مقرونا بتفكيكه بنية
النسق السردي فإذا فهل أتاك أحد من يفكك غموض الشعر الجزائري المعاصر ليقوده بحثه إلى أن
غموض الشعر الجزائري من طابع خاص ال عالقة له بالحداثة الشعرية بل له عالقة بتجربة
الشاعر اللغوية 9أو ترعرعه في سياق اللغة العربية من عدمه ( في سياق الفرنسية ومجتمعها
الفرانكفوني الممسوخ اللغة) أي غموض شعره كنتيجة أساس من نتائج نظرية اكتساب اللغة تبع
نعوم تشومسكي Language acquisition device theoryفهناك جهاز قبلي غريزي يكتسب اللغة
في اإلنسان لكنه مقترن بسن الطفولة األولى ،فاذا ما فاتت هذه المرحلة يصعب معها التحكم
بأبجديات اللغة بالوجه األكمل حتى ولو اضطر شاعرنا مفدي و خطيبنا اإلبراهيمي إلى التعويض
بتعلم القواعد والعروض وحفظ أشعار العرب عمرهما كله ،فاكتساب اللغة language Acquisition
شيء واالكتساب اللغوي linguistic Acquisitionشيء آخر وهو عمليات نقل الخبرات لألخرين
8
وتلقيها ،سواء بواسطة القراءة أو التعلم أ و التدريب النطقي أو الكتابي بقصد الوصول إلى
10
مرحلة افضل من المرحلة السابقة التي كان عليها الفرد..
وفي هذا الصدد نحاول رفع غطاء فحولة شعرية زائفة عن طريق اللغة نفسها (كشف محدودية
طاقتهما الشعري) وهذا ما نلتمسه في هذه الشعرية المنتقصة )..( :ومألنا الدنا بشعر نرتله
الشهداء َ
ومن أخلصوا للوفاء َ يستقبل
ُ كالصـ ـ ـ ـ ــالة تسابيحه من حنايا الجزائر ( )..أو قوله :ودوار
ٌ
والذمام .هم الثائرون األلى َولدوا.
أوال الشعر يغوي فكيف ترفعه إلى درجة الترتيل والتسبيح؟ ثم إن األصل في الصالة القراءة ال
أصل في صالة المسيحيين لذا يمكن أن يكون الشاعر قد استعار التشبيه من
ٌ الترتيل بيد أنه
الشعر الفرنسي ،وثانيا هل تعتقد بأن الخلط باللفظ األعجمي (األسلبة) في الشطر األول مضاف
له قصور في فهم اللفظ العربي أو تداوله بشكل يسمح من استعارة معناه على األقل في الشطر
الثاني سيجيئنا ببعض شعرية؟ بل سينفر ويقزز الثائرون األزليون في "الدوار" ،ربما هذه الشعرية
اللغز قد كشفها رحيل االستعمار نفسه فسكتت قريحتهما الشعرية إال فيما ندر؛ فهل استوقف هذا
التشبيه أي ناقد؟ لوكان وعي النقاد الجزائريين وعي فكري وثقافي لوجد منهم من أخذه الشك ونقد
إنتاجاتهم لكنه كان ومازال وعي شعراني فحولي أو باألحرى الوعي شعراني من أجل الفحولة،
تجر وشك في أشخاص يعيشون بيننا يأكلون ويشربون مما نأكل ونشرب،
أبداﹰ ،قل من وجد من أ
أكيد أنه سيعتريه نفس هاجس الخوف من تلقي نفس مصير الشيخ مصطفى عبد الرازق وطه
حسين ونصر حامد أبو زيد ..ومحمد أركون وهشام جعـيط وأخي ار وليس آخ ار أمين الزاوي ،نتيجة
ضمور نسق أولئك األشخاص وما يرتكبونه في حق الصالح العام للعباد والبالد ،فكر فحولي
يمررونه تحت جنح الظالم ،خطر داهم بما كان لكنه مغمط غير مشعور به؛ مالي أنا ومال تأويل
المتشابه ونقد األنبياء وعظام اإلنسانية وأنا ليس لي أصال تجربة وثقافة واسعة وربما تخصص
األرضين كلها
وعلم كاف يؤهلني ،وحتى وإن كانت لدي ،ما بالك بالقطيع الذي لم تكفيه حشائش ا
من حوله ليتعداها إلى تلك النابتة فوق (في حدائق بابل المعلقة)!
أنا قد شككت في إنتاج هذا المدعو روائي جزائري كبير ،عن وعي واعي أن صح التعبير و واقعي
بعيد عن خيالء العظمة ،عندما رأيت واسيني األعرج ال يترك ميدانا من الميادين؛ ال رواية ،وال
منب ار إعالميا ،وال منت ًدى فكريا ،وال درسا أكاديمياﹰ إال ونقد فيه بأسلوب غير أدبي أو غير فني
وبغل واضح! هل ذلك سيعفيني بعد الشك في صحة ما يقول عن الشك كيف قاله ولماذا قاله؟
9
حتما ال ،إذن ال مناص من تحويل الشك إلى الشك في مستواه هو ،ال مستوى من يتحدث عنه؟
ثم لعل أقوى دعم لشكي هو تلك المارمي البعيدة بل هي أبعد ما تكون عن الحقيقة والتي ما فتئت
ترمي إليها إنتاجاته الروائية ،ببساطة ألن أسلوبه الذي يغلف به تلك األفكار ،والتي تنتقد بفحولة
النبي الفالني والحاكم العالني ركيك ،أجل ركيك بالقطع إن لغةﹰ أو خطابا ،خذ مظاهرات الربيع
ال التي حاول انتهازها لكي يصنع منه شخصية ناقدة للحكام العرب بوعي فحولي تاريخي
العربي مث ً
في كذا من رواية ،فالجواب عن شكنا موجود في رواية أصابع لوليتا ،التي ألفها في ظرف قياسي
شتاء ،2013- 2012ثالثة أشهر بالكاد وهي تعد 438صفحة! ليس هذا فقط :فهو يدرس بالجزائر
وبالسوربون وعندما يكون في كليهما يجري لقاءات صحفية ويحضر لنشاطات ثقافية بل حتى
يدعى لندوات ـ ـ مما يعني التحضير لها وقد أريته بنفسي أكثر من مرة في إحداها بالعاصمة
الجزائر ـ أال يطرح ذلك كله السؤال :من أين لك طاقة إخراج رواية تعد 438صفحة إلى العلن
وأنت لست متفرغ أصال لكتابة مقالة أدبية؟ الجواب كامن في الصفحة األخيرة لرواية أصابع لوليتا
(التي يذم فيها الرئيس الراحل هواري بومدين مقابل أحمد بن بلة ويمدح فيها ظله مفك ار وكاتبا
محاكيا لسلمان رشدي " يونس مارينا " ،مدافعا عن الحرية في وجه اإلسالميين وهو غائص في
حاالت جنسية مزمنة) أجل ،تجده في كلمة الشكر المعبر إلى طالبتيه في السوربون و الجزائر،
العاملتين في الموضة وكذا إلى ابنته العاملة في ميدان السينما؛ إنه الشكر الفخ الذي أبانه قامة
وهمية.
الشكر المعبر المرفوع والممتن فيه م ًنا يفوق الوصف ،كالذي يوجهه الكتاب عادة إلى عظماء
اإلنسانية! ستجده هو مكافأة منه لهن على مساهمتهن في كتابة روايته "الملحمة" تلك! التي
أخرجها بهكذا طريقة ،بوعي ضمير الكاتب العربي الكبير إلى العلن في زمن قياسي! لعل أصدق
ما يعضد هذه النتيجة هو األخطاء النحوية والتركيبية الغير مسبوقة في الطبعة األولى ،والتي قام
الناشر في الطبعة الثانية من تصحيحها (باإلمارات) ما يعني أن الكاتب لم يأخذ الوقت الكافي
لتدقيق رواياته حتى ينتهز فرصة أحداث الربيع العربي .ليس هذا فقط فستجد زمالئه في ذات
الكلية ،التي مقرها في ابن عكنون بعقليتهم العصبية النرجسية لحد الساعة فيه مناهج نقدية تعنى
بالمضمون زي نقد خطاب ما بعد االستعمار مثال ،يعمل الناقد واألستاذ الجامعي الجزائري فيها
على شحن ذاته بالمحتوى األيديولوجي شحنا ،فيهم من هي مشحونة ذاته مئة بالمئة باأليديولوجية
وكذلكم بالعصبية اللي أكل عليها الدهر وشرب؛ هذا النوع ال تصادفون عنده المعارف األساسية
ألستاذ يقول أنا أستاذ اللغة العربية وآدابها البتة ،وهي المعرفة الجيدة المعمقة باللغة العربية كتابة
10
ونطقا وكل ما تعلق بنحوها و قواعدها وتراثها وأسولبياتها ومطواعية أهلها اللسانية ،يعني محتوى
معارفه التقنية فارغ منها وممتأل بدله باأليديولوجيا ،مثل نقد ليل نهار إسرائيل واالستعمار وثقافته!
االستعمار الذي من الواضح من داللة اسمه ،أنه انتقل نقلة حضارية ليعمر أرض من وقف
أصحابها في القرون الوسطى من الموريسكيين وعصاباتهم ومرتزقتهم على القرصنة وزرع الرعب
في أعالي البحار ،واستعداء المسيحيين الذين طردوهم من الجزيرة اإليبيرية شر طردة ،بدل تعمير
أرضهم ،وستجدون أن هذا النوع من األساتذة بين قوسين نرجسي خاوي الوفاض على عروشه،
بدل أن يعمل على كسب مزيد من التجارب ( وهو في مقتبل العمر ،في األربعينيات من عمره)
بمالزمة التدريس في الليسانس سيذهل بنفسه وتعتريه نشوة الكبر والعظمة ،بل خيالء "التدكتر"
و"الباحث الفذ" في نقد خطاب ما بعد االستعمار ،فيعامل نفسه كأنها جورج جارودي أو نعوم
تشومسكي ،فيتحول عن طريق تبادل المنافع الشخصية إلى التسيير والتدريس في الدراسات العليا
بدل ترك ذلك لمن هم ذوو خبرة و تجارب ،أي لمن هم في الستينيات من أعمارهم .إنه امتالء
المحتوى بالوهم و األباطيل بدل العلم و التقنية ،الذي يكون خطير علينا بما كان نحن الج ازئريين،
لكن أهون من بيت العنكبوت ال يوجد ،فعلى نقاد الجيل الجديد الحذر ورفع التحدي ،يعني نقر إن
لزم األمر ذلك المحتوى الذي يشبه فقاعة صابون ،لينتفي وهم الفحولة الفكرية إلى غير رجعة.
و بما أنه سبق لنا وأن تمثلنا بأساتذة ،نقاد ،ومفكرين من كلية اللغة العربية وآدابها واللغات
الشرقية بعينهم في مقاالتنا السابقة ،لذلكم نكت في في هذا المقال الموضوعي بالتعرض كذلك
لطلبتهم الذين ورثوا عنهم تلك " الفحولية المومئة إلى التفوق" المحكمة اإلضمار ضمن سياقاتها
النخبوية األكاديمية:
ما الذي جعل شاب في الثالثينات يخرج إلينا عبر قناته اليوتيوبية وهو ما أصبح يطلق عليه
أكاديميا باإلعالم الجديد ،ليطرق مواضيع غاية في التعقيد ،تحتاج إلى عقود من تفرغ وتجرد في
نوازع التفكير الفلسفي والالهوتي المضنى ،في فيديو يقول فيه أنه باحث؟ لوال حب مغال للذات
مكتسب في سياق تبرز فيه المجموعات النسقية حتى ال أقول الحساسيات النسقية المكرسة
للعظمة والفحولية المطردة التي ما لها حدود ،طالت وتفرعنت في نفق اإلضمار ،كون ال أحد
استطاع رفع غطاء الوهم البطولي المشرع عليها ،ونقصد ههنا الفحل المفكر والناقد
األكاديمي الذي يت خذه الطالب مرجعا لهم ،ربما يصل إلى ذروة الشهرة والمجد المادي والمعنوي،
وما أكثر عدد ما تراكم من هؤال ء في الجامعات الجزائرية لغياب تأسيس النقد الثقافي على ما
يواجه ويقابل الذوات الجمعية المستندة إلى ثقافة وقوانين اجتماعية منومة بل مظهرة للذات البخسة
11
ول عل من أمثلة تلك الهامات المتمتعة بالفحولة الفكرية على أنها في أبهى صورها!
واللغوية/البالغية المنكفئة عن النقد في جامعة الجزائر ! 2والتي أصبحت مرجع الطالب والمثقفين
على سبيل المثال ال الحصر؛ أولهم البروفيسور الشجرة عبد الرحمن الحاج صالح مسيطر على
الدرس اللساني داخل الجزائر طوال وعرضا بينما ال يكاد يسمع له صوت خارجها ،وكذلكم الحال
مع قامات أصبحت أسمائها مرادفة للفكر والثقافة في ثقافة النخب الجزائرية الراهنة بينما إنتاجها ال
يكاد يتعدى حدود أسوار الج امعات التي سطعت فيها فحولتهم الفكرية الفجة واستقرت لعقود ،وإن
تعدتها فبكتيب أو اثنين في أفضل األحوال كالعربي ولد خليفة وأبو القاسم سعد هللا وأبو العيد
دودو ،أحمد جب ار ومحمد حربي و مصطفى شريف وصوال إلى أحمد يوسف وأمين الزاوي،
وبالعودة إلى الشاب الثالثيني ا لطامح في أن يصبح في يوم من األيام "مفك ار فحالﹰ" مثل قدوته
أمين الزاوي قائالﹰ بوهم انفصال الروح ،الروح واحدة غير منفصلة مجسدة في أشكال مختلفة ،هي
روح هللا األزلي فينا التي ال تغادر أجسادنا إال وتعود إليها ،ولم يأتي بسيرة االتحاد والحلول أو
نظرية التقمص األف الطونية على لسانه! ربما معتقدا أنها أفكار دينية! ولم يذكر ولو بإشارة،
الفكر الصوفي وال زعيمهم الحالج المصلوب ألجل فكرته التي ود إقناع المشاهدين بها(مقولة ما
في الجبة إال هللا) ،وال حتى مدرسة ابن عربي؛ بل هي فكرة دينية هندوسية (هللا مستقر في أعماق
النفس) ثم أصبحت فلسفة قبل أن ينطق بها الحالج ،والحالج لم يصلبه الخليفة العباسي المقتدر
باهلل إال بعد أن تمادى في التمكين ل فلسفة وحدة الوجود التي ترى توحد الخالق بمخلوقاته بقوله :ما
رأيت شيئ ًا إال رأيت هللا فيه ،وله قصيدة طويلة تمدح هذه الفكرة أصبحت بمثابة قرآن ثان يتلى عند
أتباعه من المتصوفة الحلوليين.
وليس هذا ما يفسر تطفله (الشاب المغتر بظاهرة الفحولة الفكرية) على دروب وعرة فقط ،لكن
أيضا في اعتقاده أن صحة طروحاته في منطقيتها وفي ردها على أسئلة كثيرة ،أتعني بمنطقيتها
في أن روح هللا تحس بإحساس الخبث والزنا فينا؟! وتجيب على أسئلة معتبرة عددها 500من
ماليين المشاركات!! ثم ينتقد اإلعجاز العلمي واللغوي في القرآن قائال باليقين القاطع :بالرغم منن
وجود ما يسمى باإلعجاز العلم ي واللغوي في القرآن فإن ذلك ال يعني أنه وحي إلهي مقدس ،وال
يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ،لماذا؟ يقول بكل بساطة ألن حضارات قديمة تعود
إلى 6000سنة ناهيك عن الحضارتين السومرية والفرعونية عرفت هي أيضا منتهى
اإلعجاز العلمي واللغوي! غير مدرك للقانون الق ائل األشياء بجزئياتها تكتمل ،اإلعجاز العلمي
واللغوي في الكتب السماوية وليس في القرآن وحده مكم ل لنواح عدة مبهرة وغير إنسانية بالمرة فيه
12
حتى ال أقول معجزة للعقل ،توحي في تكامل بنيانها بألوهية الكتاب إذ ليس اإلعجاز في المعنى
لكنه في النظم والصياغة.
نموذج آخر لثقافة "المفكر الفحل" التي ترسخت في ثقافتنا الجزائرية المعاصرة نلتمس بعض
مالمحها بكل عفوية من سؤال عن الجسد ألقاه الروائي واإلعالمي أمين الزاوي في حديث إذاعي
أجراه مع الشاعر اللبناني بول شاؤول ،و لعل حديث أمين الزاوي لم يكن حديث عن مضمر/
محظور ثقاف ي في ذاته بل كان أيضا حديث عن حامل هذا المضمر والواقع في شبهة "الفحل
المفكر" دون أن يعي ،ومنذ عقود من الزمن كتخصص مفضل درج عليه هو وبعض "الحساسيات"
جلها متأتية من قطاعي اإلعالم والسياسة ،فإذا كانت بالغة وفكر الشاعر أبو الطيب المتنبي
الفحولية وارثا إياها م ن تقاليد الشعرية العربية في ذلك الوقت ،والتي أصبحت نسقا ثقافيا مضمر ال
أحد تطاول عليها و فككها قبل عبد هللا الغذامي فإن فحولية هذا الروائي الجزائري (أ .الزاوي)
ورثها بدوره عن روائيين وإعالمين وسياسيين جزائيين تخصصهم أبعد ما يكون مقدرةﹰ على إثارة
قضايا فكري ة عويصة كنقد الخطاب الديني ،مثل محمد ديب وآسيا جبار وجمال عالم وغيرهم،
الذي أصبح في أيامنا موضة؛ كل من لم يمضي عليها برهة من حمل لشهادة عليا أو من مر من
ياء إال والتمس عن قصد أمور
على منصة قطاع جماهري فأصابه ما أصابه من شهرة زاد كبر ً
فقهية تقع في درك ما يعرف بالمتشابه أو األحاديث الضعيفة السند كأمين الزاوي نفسه.
لكن ليت شعري ،كيف يخوض في أمور األدب فضال عن الفقه والمتشابه من ال تلين له لغة
الضاد بالمرة! ال على لسانه وال على جرات قلمه! وهنا يكمن الفرق بين الجرأة الطفيلية لألكاديمي
والمثقف الجزائري والجرأة الطفيلية للمثقف واألكاديمي المشرقي التي سمحت لكليهما دخول
فضاءات ال ترحب بهما أصال ،أال وهي معترك "الفحولة الفكرية" حتى أن حالة السكر أو العمى
الالشعوري الذي يدور في حلقته هؤالء الفحول مجبرين غير مخيرين ،سيتحول إلى خطر داهم
يوشك أن تنفجر قنبلته على المجتمع من داخل األعراف الثقافية الفكرية المستفحلة الخيالء
كل على حدى باإلجهاز بضربة قاضية ،لعل أقربها إلى الرصد والمتابعة والذكر في
المرضيٌ ،
هذه السانحة قبل أ ي إجهاز هي مراكز البحوث التي أنشأها الصحفيون كمركز صحفيين بال
حدود ،ومراكز البحوث التي تشرف عليها منظمات حقوقية كمؤمنون بال حدود ،ومخابر البحث
التابعة لجامعت دول ال هي بالعلمانية وال هي باإلسالمية كالجزائر ،فهنا مفك ار آخر هو السيد
القمني أصبح واثقا أن هللا أهداه أغلى ما يملك وهو نعمة العقل المفكر بمجرد أنه حاضر في تلكم
المراكز كثيرا! أجل الفرق هو في لغة أهل المغرب العربي التي زادت في الحقيقة في استفحال
13
وتبلور نمط ثقافي كنمط " المفكر الفحل" بحيث تتكشف للناقد الثقافي المؤول المعمل لبصيص
تأمل فقط ،وبسرعة أك ثر ما تتكشف له فيما أنه اعتمد على غـير عــورة عـدم التحكم في اللغة التي
يتميز بها نسق "فحول المغرب" عن نسق "فحول المشرق" من المفكرين ،خذ المفكر الراحل محمد
أركون رحمه هللا مثال لم أتمكن في حياتي من متابعة محاضراته باللغة العربية ألنه ال ينتقي
األلفاظ الدال ة على المعنى المراد بدقة بينما العكس هو الحاصل مع المفكر السوري الراحل أيضا
رحمه هللا عبد الكريم اليافي و ناصيف نصار ،ألفاظ جرت منهما مجرى الحسن والسالسة والكياسة
والبالغة بما يدفع للتساؤل والمقارنة ،ولعل ما يساعد الناقد على كشف " فحولة المفكر الجزائري"
أ كثر من غيره من المفكرين الفحول مشرقا ومغربا فضال عن الثقافة السطحية واللسان
المصطنع هو أيديولوجية المجتمع الجزائري ،وظاهرة المحاباة والالعدالة المتفشية فيه منذ أن
استقل عن فرنسا سنة .1962
فالروائي أمين الزاوي هو أروع من تتجلى فيه السمات الثالثة دفعة واحدة فهو الذي قال أن
مدير الثانوية الفالنية سمح له أن يمتحن البكالوريا وهو في السنة األولى ثانوي لنباهته ونبوغه
و لم يشعر أنه ما كان له ليحرق المراحل حرقا بذلكم الشكل لوال أيديولوجية البلد السائدة آنذاك
( ، )1976حتى لو كان عبقرياﹰ في مجتمع العدالة والديمقراطية؛ العبقرية ليست وثيقة إثبات
المستوى التي تقدم للمسئولين واإلدارة بل هي مزية مضافة خاصة ،ال يجوز أن تحرق بها المراحل
ثم لو فكـر هذا الكاتب الذي تنطبق عليه مقولة "المفكر الفحل" في الثقافة الجزائرية المعاصرة قليال
تجر على ذكر حادثة حرقه للمراحل تعظيما لذاته .لو عرف أن واقع الجزائر في محاربة
فقط لما أ
المحاباة والنفوذ هو اليوم غير ما كان باألمس؛ اليوم ال يتمكن العباقرة من أبناء كبار المسئولين
في الدولة حتى من تحويل ملفات دراستهم من مكان آلخر وما بالك بحرق المراحل .إنه الخيالء
الذي به نمت شجرته البالغية والموضوع تية حتى استعصت على كل اجتراح أو إمالة أمام رياح
هوجاء صرصر.
فإن كان رشيد بوجدرة اختص بإثارة محظور التقول الرمزي على الدين في الرواية الجزائرية
المعاصرة ،فإن الزاوي اختص بمحظور التفنن في وصف الجنس فيها ،ما من رواية يكتبها إال
ويكون الجنس موضوعها األساسي ،ما من ندوة أو مقابلة مع قامة كبيرة إال وكان الجنس ضمن
الثالثي الروائي المحرم موضوعها األساسي ،لكن في سؤاله لضيفه الشاعر اللبناني الكبير تنكشف
أدواء فحولة متمركزة حول ذاتها تمرك از وهميا ال شعوريا وآليا ،ليس ليكون جمهوره من خاللها لكن
كي يطعن كذلك في الدين والسلطة ،طبعا المقاومة والشد والجذب مع جمعية العلماء المسلمين
14
وغيرها ـ كما حدث في قضية ازدراء الرسول (ص) عام 2009إثر استضافته ألدونيس بالمكتبة
الوطنية ـ ـ ستثبته فرضيا وترسبه مفك ار فحال في مخيال الثقافة الجزائرية الراهنة؛ فهو بعد أن طرح
على ضيفه الشاعر والمفكر أيضا بول شاؤول ،الذي كان 11
السؤال :ما عالقة الجسد بالكتابة؟
ذكيا ولم يكن مراوغا ،كما قد يتبدى لغير المختصين ،بحيث كشف احتكار أمين زاوي والتعاطي
الغامض مع قضايا مثل هذه ،والمرتبطة بالسياقات الثقافية ،إما الفرانكفونية أو األنجلو سكسونية.
لكن يظهر االلتباس مع محاولة ترجمتها ف le corpsمثال في فرنسا يحمل معنى الجنس ،ومعنى
"الجسد" غير معنى "جماليات الجسد" عندنا لذلك كان حري به باعتباره أكاديمي قول "جمال
الجسد" ،ففي بلد كالجزائر وحتى لبنان ستبقى دالالت "الجسد" هي الجسد عموما (خارج سياق الفن
واإلبداع الروائي وداخله معا) وفي مستوى سؤال ال ازوي الغامض جاءته اإلجابة ،حيث إجابة ضيفه
الشاعر بول شاوول كانت كاآلتي :الجسد هو الذي يكتب موش إحنا ،الدماغ جسد ،اليد جسد هي
التي تكتب ..وعقد بعدها لسان أمين الزاوي تماما ولم يزد ببنت شفة! معتقدا أنه سيقول له أن
الجسد هو العملة الصعبة في الرواية.
ذات يوم وأنا في طريقي إلى جامعة ابن عكنون بالعاصمة الجزائر فوجئت بشخص يسير إلى
جانبي فلم أدري من أين خرج ،إال أن يكون خرج من إحدى بنايات ابن عكنون وال أظنه ،كونه
يحمل سمات لم أعهدها في ساكنة ابن عكنون قط؛ فقد كان شديد بياض الثياب وشديد سواد
اللحية به فصاحة اللسان وجهورية صوت وصحة بدن ال تكتمل إال لبدو ،البدو الذين يبعدون عنا
نحو ثالثة مئة كيلومتر! وعندما حاولت االبتعاد سألني قائال:
فقلت له :أترى تلك العمارات الزجاجية الفاخرة هناك؟ إنها كلية الطب ،قربها على اليمين توجد
كازينات خشبية تبدو كأنها مراقد حراس كلية الطب .هي تلك جامعة الجزائر 2التي تبحث.
ثم سألني ثانية :هل أنت قاصد إليها أيضا؟
فتلعثمت في اإلجابة كوني لم أتعود على مصاحبة السلفيين في حياتي .لكن كنت مضط ار
إلجابته فقلت له :نعم ،أجل أنا قاصد إليها أيضا لكن ليس قبل أن أقضي حاجة.
ففكر قليال ثم قال :ال بأس أريد أن ندخل معا إذا لم يكن عندك مانع ،لحضور مؤتمر "منهج
النقل والعقل في تأويل المتشابه".
15
ـ ـ ألني من غير منتسبي الجامعة ،فأنا لم أدرس بها وإنما درست عصاميا في مدرسة الوحي.
فالدعوة وصلتني من صديق يدرس عندكم ،دعاني لكنه حذرني من الدخول لوحدي بل قال يجب
أن أدخل مع أحد المنتسبين.
ـ "مازال الوقت مبكرا" قلت له بصوت عال ثم رحت متمتماﹰ في نفسي « قد وقعت في ورطة! ترى
ما تلك الحاجة التي يجب أن أتظاهر بقضائها ألملص! البد إذن عندما نصل إلى الكلية أن أشير
له إليها بيدي ثم أعطف يمينا»
.......هذه هي الكلية هناك ،بالتوفيق ،فأنا سأسلك هذه الطريق لقضاء بعض حوائجي.
ـ يا أخ العرب هل تريد أن تتركني وحيدا في مكان ال أعرفه ثم أن الوقت مازال مبكرا! فهال
سمحت لي بمرافقتك لتمضية الوقت؟
عندها زاد اهتياجي وقلقي إلى درجة لم أحسن فيها التصرف قط فقلت بتسرع :هذه الطريق
تؤدي إلى حديقة ملعب 5جويلية األولمبي سيرها ذهابا وإيابا يستغرق ساعة كاملة فال تلم إال
نفسك!
ـ إذن هي فرصتنا لنتناقش عبر الحديقة المؤدية للملعب كمشائي تالمذة أرسطو ونحن نتجاذب
أطراف النقاش حول الموضوع.
ـ أي موضوع؟
ـ ـ ال ،كال وهللا ،ما ضرك بأخ كريم يسدي النصيحة ألخ كريم.
16
ـ ـ أوال لدي تعقيب حول قولك الراسخون في العلم لكن بما أنه خارج موضوعنا " التأويل
بيننا وبينهم" فسأمر إلى التأ ويل المذكور في اآلية ،حتما المقصود هو غير تأويل العلمانيين ،لكن
لماذا يأتي هللا بالمتشابه ويقول أنه ال يعلم تأويله إال هو ،أليس هناك تناقض؟ ما خلق هللا األعين
إال لترى والعقول إال لتفكر .ثم أليس أن عقل اإلنسان عندما يريد أن يستقصي أمر ما يشك فيه،
والشك هن ا عملية فطرية وعقلية نفسية واعية فيه ،وليست زيغ من الشيطان ،حتى الرسول نفسه
شك في أناس وأحداث وأشياء كثيرة قبل أن يثبت شكه ،فهل كان في قلبه زيغ؟
ويحذركم هللا
ـ ـ كأنك تبغي تلميحا إلى مناقضة الذات اإللهية لذاتها أخطأت وهللا .ألم تق أر قوله « َ
نوبكمَ ،وللا َنفسهَ ،وللا َرءوف بالعباد .قل إن كنتم تحبون هللا فاتبعوني يحببكم للا َ
ويغفر لَكم ذ َ
ين« هو من خلق العالم َ
عمران عَلى َ
آل َ آل إ َبراهيم و َ
للا اصطفا آدم نوحا و َ
َغفور رحيم .......إن َّ
النار والماء لحكمة في نفسه ،يبطش ويرحم واصطفى أنبيائه لحكمة .لكنك أصبت في معنى
التأويل في اإلسالم المفارق لمعناه عند العقليين كما تقول.
ـ ـ وهللا لقد ذكرتني بمقال ليس ل فحل أكاديمي حقيقي عندنا واسمه وحيد بوعزيز لكنه في سباق ضد
الساعة للظفر بالفحولة ولو على حساب إهمال التزاماته المهنية من خالل حشر هامته فيما ليس
له فيه ال ناقة وال جمل ،وغير ما مرة في غمرة الفيض االنفعالي االنتهازي مع األحداث السياسية
من هنا وهناك سعى في مقال له ـ وللسعي ثقافة وتجارب ـ محاوالﹰ الربط بين نظريات مختلفة
فلسفية و نقدية لسانية كانت أو أدبية ـ ـ كونه باألساس مختص في النقد السيميائي ـ ـ لكن بعناء
شديد كمن ال هم له غير محاولة التسلق المضنية إلى قامة المسيري وجورج جارودي وتشومسكي
في عدائيتهم إلسرائيل ،أي أنه ترك تحليل ما ينتج من روايات ويثار حولها من نظريات نقدية
بعينها في بلده قاف از إلى الفكر السياسي ،ليس متأث ار بفلسفة اللغة َتبع باختين لكن متأث ار بـتسييس
اللغة َتبع ريكور ،حاثا على مقاومة كولونيالية إسرائيل تخييال! بدل الحث على تأويل تراثه بما فيه
المتشابه أو ما يسميه هو بالمجاز المهيمن في تراثه الديني تأويال عقليا لمقابلة الحضارة بحضارة
ال حضارة بتزمت وانتقام بقوله « :ال يبقى لنا في األخير إال أن نؤيد الرأي الذي يذهب إلى أن
أحسن طريقة لنسف اال ستعارات المهيمنة هو صناعة استعارات مضادة ،تفضحها وتخلخل نسقها
الظاهر وا لمضمر ،إن الرد بالكتابة ورفع شعار ثقافة المقاومة البد أن يبدأ من النقطة الحاسمة،
التي ال تكتفي بنعي تخلفنا وانبطاحنا بقدر ما تساهم بطريقة جادة وذكية في إذكاء مرويات مضادة
وسرديات موازية لتبيين الصورة كاملة ولجعل االستعارات مرتعا لمحفل متعدد من المرايا المتقابلة
12
»
17
ـ أنا ال أعرف سوى مالك بن نبي قديما ومحمد أركون عندكم ،أما بوعزيز هذا الذي تذكره فال
أعرفه.
ـ بصراحة ألن األول خدمت تأويالته اإلسالم بينما الثاني خذلته جدا.
ـ ولماذا لم تقل تأويالته العقلية؟ هل تنتظر من عالم درس في الغرب أن يفسر القرآن حسب هوى
فقهاء المالكية أو المتكلمين؟ ..انتظر سأشتري مشروبين وأعود.
ـ أمازال الملعب بعيدا؟ ستقتنع معي في مداخالت الندوة إنشاء هللا أن هؤالء هم المعنيون بقوله «
في قلوبهم زيغ »
ـ أنت مخطئ أتعتقد أنك داخل إلى جامعة شريعة أنت بصدد كلية أدب ،هنا ليس مثل هناك،
يوجد من سيق أر المتشابه قراءة تأويلية تفسيرية ومن سيقرأها قراءة تأويلية عقلية ،ربما أن أمين
الزاوي فحل هذه الكلية بال منازع ،الذي ال تخطئ ه عين سيقنعك بضرورة منهج ابن رشد التوفيقي
بين البرهان والتفسير.
ـ ـ « إن الذين ك َفروا ب َآيات هللا لهم ع َذاب شديدَ ،وهللا َعزيز ذو انت َقام»
َّ َٰ
ين يكفرون بآيات هللا و(َ )..فبشرهم بع َذاب أَليم .أوَلئك الذين َحبطت أ َ
َعمالهم في الدن َيا «إن الذ َ
َواآلخ َرة َو َما لَهم من ناصرين»
ـ يا راجل حسبك كيف إحنا في القرن ال 21موش في القرن األول الهجري لقد مضت عصور
االنتقام والظ المية إلى غير رجعة .على العموم هذا هو الملعب الشهير 5جويلية هل أعجبك؟
ـ أنا ال أوافقك ..لكن هل هذا هو الملعب الذي طالما شاهدناه على التلفزيون.
ـ نعم هو بعينه ،سأـشتري كذلك "ساندويش" لي ولك لعلنا نتابع ندوتنا المنتظرة بانتباه.
بعد نصف ساع ة من الحوار األرسطي بيني وبينه وصلنا إلى الكلية ودخلنا ،وإذ بنا نصادف
المؤتمرون يغادرون! يا لها من خيبة ،فقد أقيمت الندوة مقدمة عن موعدها! وإذ بي ألتفت طالبا
صاحبي السلفي دون أن أجد له أثر!! ثم رجعت بي ذاكرتي إلى كالمه « تعلمت في مدرسة
18
الوحي» أيكون جبريل ع اد ليعلم العباد دينهم؟ ال أعتقد! لوكان كذلك ما كان ليكون للمتشابه في
القرآن من أثر.
خامتة :خالصة القول أنه إذا أخذ مصطلح أو مفهوم الفحولة الشعرية طريقه للتهميش
واالحتقار في سياق الثقافة العربية المعاصرة خاصة المغاربية منها (ألسباب ذكرناها أعاله ،كما
هو محتقر بالفعل مصطلح التأويل) ،فحري بمصطلح الفحولة الفكرية بالمغرب العربي أن يهمش
ويحتقر أكثر منه ،بل أن يطوى في غياهب النسيان ،فمن غير المعقول أن نقف في مقام أول
على حقيقة الواقع دون لغة ،وعلى فكر دون لغة األدب الراقية (شع ار ا
ونثر ونقدا) في المقام الثاني.
وأنه لم تكن العلمانية التي ارتقت بحياة اإلنسان أبدا في يوم من األيام ميدان للتعدي المباشر
على الدين وال على المبشرين بذلك الدين ،في أي عصر من العصور ،إال عندما أحس أصحابها
بإ حساس الفحولة الفكرية المترعرع معهم جراء سياق براغماتية وإيديولوجية مفرطة طغت عليها
المآرب الخاصة ،تجلت في تملق النخبة لبعضها بعض ،مجامالت تلو األخرى شرعنت لنسق
الفحولة لكل من كان له حظ استيعاب بصيصا من العلم ،إنه التحول من إجالل العلم ووضع
المقدسات في إطارها الطبيعي إلى عبادة اإلنسان .ولعل إنزال هؤالء المنزوون في بروجهم العالية،
من خيالء العلم والكبر الالشعوري ،جلهم صعد إليها من مجاالت تستأثر بتلك المحاصصات
الخاصة وهي اإلعالم والسياسة والنقد واإلبداع األدبيين بخاصة الشعراء وغيرهم منوط اليوم بالنقد
الذاتي أو النقد الثقافي دون غيرهما.
وأستاذ الدراسات الثقافية الذي تحدثنا عنه أعاله عندما يعلم جيدا أن الثقافة عند الغربيين تعني
فلسفة اإلنسان وعند الماركسيين تعني فلسفة المجتمع وعند المسلمين تعني السلوك األخالقي
واالجتماعي وبانحيازه لهذه األخيرة فقط وعنوة يصبح بريء من الدراسات الثقافة ،ويصبح موضوع
ثقافي ونسق يجب حينئذ أن يتناوله النقد الثقافي بالتحليل والمناقشة ،ألنه شكل نسق ثقافي
أيديولوجي مضمر وال واعي متوهم أنه درس ويدرس الحقيقة العلمية ،وال يشكل له هذا الزيف
شعو ار رادعا أخالقيا أبدا كونه منحاز عن القاعدة أو النظرية العلمية .والنسق الثقافي كما هو
معلوم ينتقل في نظام متواصل من جيل إلى أخر عن طريق المحاكاة أو التكرار بشكل الشعوري
كما في تعلم األفراد للغة ،فهي تبدأ مع اإلنسان منذ لحظة والدته ،وتستمر معه طوال حياته.
والثقافة كذلك فهي تحيط باإلنسان كالهواء الذي يتنفسه ،فهي تأثر في أفعاله وتفكيره وسلوكه
وعاداته .وحتى الغرائز والحاالت الطبيعية يمارسها اإلنسان من خالل هذه األنساق ،فعملية األكل
19
والشرب وإن كانت رد فعل واستجابة لدافع غريزي هو الجوع ،إال أن تلبية هذا الدافع وإشباعه يتم
وق النسق الثقافي الخاص بتناول الطعام وآداب المائدة في المجتمع الذي ينتمي إليه اإلنسان.
ـ ـ يقول عبد هللا الغذامي في كتابه "النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية " :يقودنا النقد الثقافي إلى التعرف على عيوبنا 2
الحضارية والعراقيل التي اعترضت مسيرة النهضة العربية .وقد اختار الغذامي نسق "الفحل" الذي يؤكد أنه في الثقافة العربية قد
انتقل من الشعر إلى مختلف نواحي الحياة .فصار لدينا ،إلى جانب الشاعر الفحل :الفحل االجتماعي والفحل الثقافي والفحل
اإلعالمي والفحل السياسي "...كما يقول أيضا ":يتحدد النسق عبر وظيفته ،عندما يمتلك الخطاب نسقين أحدهما ظاهر ،واألخر
مضمر ،ويكون المضمر أو الخفي مخالف للظاهر ،بشرط وجودهما في نص واحد ،أو وحدة خطابية واحدة .والنسق بهذه الصفة
يحتاج إلى قراءة خاصة ،تكون هي األصل في تأويل الخطاب؛ ألنه يري أن النسق هو معنی مضمر ورمزی منغرس في الخطاب.
وعلى ذلك فالداللة النسقية هي ا ألصل في الكشف عن مغزي الخطاب وتأويله " ينظر عبد هللا الغذامي :النقد الثقافي قراءة في
األنساق الثقافية العربية ،المركز الثقافي العربي ،ط ،3بيروت ،2005ص.77
ـ حسين حاج محمدي :مدرسة برمنغهام ماهيتها ورؤاها في بوتقة النقد والتحليل ،ترجمة أسعد الكعبي ،العتبة العباسية المقدسة، 3
ـ عبد هللا الغذامي :النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية العربية ،ص .18- 17 6
ـ تحتل خبرة أو تجربة الواقع في اللغة (ذات االرتباط بالمجتمع) أهمية قصوى تفوق جميع العلوم ،فتجربة في الجيب بالنسبة 9
للمتعامل مع علوم األدب والنقد خير من مليار نظرية ،والمجبول على لغته وإن كان يخالف أشخاصا آخرين ثقافيا فإنه بالنسبة
لجماليات اللغة وشعريتها سيلتقي بهم حتما في جانب من الجوانب ،ففي التجربة مع اللغة وعلى اللغة الخير كله وإال ال شر كله وهي
تحصيل حاصل لنظرية اكتساب اللغة تبع نعوم تشومسكي Language acquisition device theoryحيث هناك جهاز
قبلي غريزي يكتسب اللغة في اإلنسان لكنه مقترن بسن الطفولة األولى ،فاذا ما فا تت هذه المرحلة يصعب معها التحكم بأبجديات
اللغة بالوجه األكمل حتى ولو اضطر شاعرنا مفدي و خطيبنا اإلبراهيمي إلى التعويض بتعلم القواعد والعروض وحفظ أشعار
العرب في الزيتونة واألزهر عمرهما كله ،أما ذلك الذي جاء إليها كي يحفظ أو يسترزق بمعونة التملق أو يعظ فإنه سيكون عالة
عليها وعلى المنتسبين الحقيقيين إليها.
10ــ سمير حجازي :معجم المصطلحات األنثروبولوجيا والفلسفة وعلوم اللسان والمذاهب النقدية واألدبية ،دار الطالئع ،د ت،
ص9ـ.10
11ـ اإلذاعة الجزائرية القـناة األولى :بول شاؤول في ضيافة حصة حبر وأوراق ،اقتباس من بث تم يوم األربعاء ، 25/5/2016
الساعة الثانية زواال.
12ـ ينظر وحيد بن بوعزيز :الهيمنة بالتخييل ،موقع هوامشhttp://hwamsh.net/2016/07/ :
20