Professional Documents
Culture Documents
الاغتصاب سلاح في الحروب
الاغتصاب سلاح في الحروب
تتعامل غالبية المجتمعات مع االغتصاب على أنه عار يلتصق بالضحية أكثر من
الجاني لذا تتجاهله وتغض الطرف عنه وهو ما يجعل توثيق حاالت االغتصاب
أثناء الحروب أمرا بالغ الصعوبة إذ تأبى معظم الضحايا ذكر الواقعة .ونحن ننسى
حقيقة أن " االغتصاب سالح أقوى من قنبلة أو رصاصة ،فبالرصاصة على األقل
تموت ولكن إذا تعرضت لالغتصاب فإنك تظهر للمجتمع مثل شخص ملعون ال
يتحدث إليك أحد وال يراك أحد .إنه موت حي ".
تعريف االغتصاب
اغتصاب النساء في الحروب نوع من العنف الجنسي يستخدم كسالح حرب وظاهرة
متفشية في الصراعات الداخلية والخارجية منذ زمن طويل وهو من األسلحة
الصامتة صمتا جعل ضحاياها غير مرئيين وال يهتم بهم أحد .
وعادة ما يشار إلى العنف الجنسي باسم "اغتصاب الحرب " .العنف الجنسي هو
إستراتيجية عسكرية أو سياسية في حد ذاتها ،وهو يقرر من أعلى السلطات بنفس
الطريقة التي يقرر بها قصف قرية أو إبادة شعب أو إطالق الغاز على جماعة أو
استخدام أي نوع من األسلحة .وقد تحول االغتصاب لألسف إلى أداة حربية وصار
استخدامه مزمنا ومنتظما في الصراعات والحروب المعاصرة كما تحول إلى
طريقة لإلذالل و الهدم و اتخاذ السلطة و هي أداة مستعملة ليس ضد النساء فقط
كما حدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية و كينيا و البوسنة ورواندا والعراق
وسورية بل أيضا ضد الرجال في ليبيا و أوغندا و األطفال مثلما حدث في العراق
وسورية و جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان .
االغتصاب والقيم العسكرية للجنود:
وحيث أن الجندي في المعركة يدافع عن قيم بالده في الحرية ورفع الظلم عن
المقهورين ال يجوز بأي حال من األحوال أن يتخلى عن هذه القيم ويتبع النزوات
ويمارس أفعاال ال يرضى عنها الضمير والواجب والقيم العسكرية التي يتربى عليها
من والء وشهامة وإغاثة ملهوف .إن ممارسة االغتصاب من قبل الجنود ينافي
األخالق العسكرية التي يتربى عليها المقاتلون وهى الخصال التي تميزهم وتفصلهم
عن الميليشيات والتنظيمات المسلحة التي تمارس أعماال غير مشروعة وال تخضع
لقانون أو قيم محددة .ويمكن أن نلخص القيم العسكرية للجنود المشتركة بين معظم
جيوش العالم الرسمية بما يلي:
الجندي الحقيقي مصدر آمان ال مصدر خوف وإرهاب .لكن تاريخ الحروب كان
دائما بعيدا عن هذه القيم ومارس الجنود أشياء تتنافى وعقيدتهم العسكرية .أما القيم
العسكرية للجيوش فيمكن أن نوجزها بما يلي :
ومتى فقدت الجيوش هذه القيم العسكرية تحولت إلى ميليشيات وتنظيمات مسلحة .
كان االغتصاب على مدى قرون مسألة جدلية داخل المحافل القانونية الحكومية
والدينية والدولية رغم أنه مسألة محسومة من الناحية األخالقية .وكما تتناقض
القوانين مع األخالق أحيانا كثيرة يتناقض الدين مع األخالق في كثير من األحيان
خاصة وأن بعض األديان يعتبر االغتصاب من غنائم الحرب وتبيح الجواري
والسبايا .
خالل الحرب العالمية الثانية ،اتهمت جميع أطراف النزاع باالغتصاب الجماعي إال
أن المحكمتين اللتين أنشأتهما دول التحالف المنتصرة لمقاضاة مرتكبي جرائم
الحرب في طوكيو ونورمبرغ لم تعترف بالطابع اإلجرامي للعنف الجنسي ضد
النساء .
وفي عام 1992أعلن مجلس األمن أن االحتجاز و اغتصاب النساء الجماعي
والمنظم والمنهجي و في الخصوص النساء المسلمات في البوسنة والهرسك
يشكالن "جريمة دولية ال يمكن تجاهلها".
كما شمل النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية في وقت الحق والخاص
ب يوغوسالفيا السابقة االغتصاب كجريمة من الجرائم ضد اإلنسانية إلى جانب جرائم
أخرى مثل التعذيب واإلبادة و ذلك عندما ترتكب في نزاع مسلح موجه ضد السكان
المدنيين .وسعت المحكمة إلى اعتبار الرق جريمة ضد اإلنسانية و اعتبرت أنه
يشمل الرق الجنسي أيضا .
ثم شملت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أيضا االغتصاب في نظامها األساسي.
وفي سنة 2001أصبحت المحكمة الدولية األولى والوحيدة التي تعتبر أن أفعال
الشخص المتهم بارتكاب جريمة االغتصاب تمثل جريمة إبادة جماعية .و قد اعتبر
الحكم الصادر ضد العمدة السابق جان بول أكايسو أن االغتصاب واالعتداء الجنسي
يمثالن أعمال إبادة جماعية من حيث أنها ارتكبت بقصد تدمير جماعة التوتسي
اإلثنية كليا أو جزئيا.
ويعتبر نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي دخل حيز التنفيذ منذ عام
2002أن االغتصاب والرق الجنسي والبغاء القسري والحمل القسري والتعقيم
القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي ذات الخطورة المماثلة بين
الجرائم المرتكبة ضد اإلنسانية عندما ترتكب بصفة واسعة ومنهجية .وتتضمن
مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية عدة تهم باالغتصاب معتبرة
إياها كجرائم حرب و جرائم ضد اإلنسانية.
وفي عام ، 2016حكمت المحكمة الجنائية الدولية على الكونغولي جان بيير بيمبا
بالسجن لمدة 18عاما بسبب سماحه وتغاضيه عن ممارسة االغتصاب في
جمهورية أفريقيا الوسطى معتبرة أنها جريمة ضد اإلنسانية .و هذه هي المرة
األولى التي ال تتناول فيها المحكمة الجنائية الدولية مسألة االغتصاب في الحرب
فحسب بل أيضا ً التي تدين جان بيير بيمبا كقائد وليس المرتكب المباشر للجريمة.
وهذا يبرهن على أن اغتصاب الحرب ليس مسألة تتعلق فقط بمن يرتكبون
االغتصاب مباشرة ،بل تمس القادة الذين يأمرون باستخدام هذا السالح ضد
المدنيين .
يمهد قرار المحكمة الجنائية الدولية الطريق نحو المزيد من التشدد في معاقبة
ممارسي وداعمي االغتصاب في الحرب على اعتبار أن :
اغتصاب النساء وفي الحروب قرار سلطة وقيادة وليس مسألة نزوة جنسية .
اغتصاب النساء في الحروب هجوم على الجماعات ويندرج تحت مسمى
اإلبادة الجماعية له أهداف محددة ومتعددة .
اغتصاب الحرب ليس مسألة جنسية بل جريمة دولية يعاقب عليها القانون
وإهانة للضمير اإلنساني .
يهدف االغتصاب في كثير من األحيان إلى إرهاب السكان وتفكيك األسر وتدمير
المجتمعات المحلية وفي بعض الحاالت تغيير التكوين العرقي للسكان .كما يمكن
أيضا أن يستغل لنقل فيروس نقص المناعة المكتسب اإليدز عمدا إلى النساء أو جعل
النساء المستهدفات غير قادرات على الحمل .وقد تبين للمراقبين أن ممارسة
االغتصاب يتم التحضير لها مثل أي عمل عدواني أو هجوم مسلح .هناك من يفكر
فيه ومن يخطط له بهدف تحقيق أهداف كثيرة منها:
.5االغتصاب رسالة خالدة لبعض المنظمات اإلرهابية كما حدث حين دعا أبو
بكر البغدادي رئيس تنظيم الدولة اإلسالمية في رسالة إلى رجاله إلى حمل
الناس العتناق دين اإلسالم عن طريق االغتصاب .وقد جعل داعش
اغتصاب النساء في الحرب أهم سالح في إستراتيجيته العسكرية .وهذا
السالح هو أيضا ً السالح المفضل لتنظيم بوكو حرام في نيجيريا الذي
يستهدف الفتيات و خاصة اللواتي يذهبن إلى المدرسة حيث يقومون
باختطافهن وتكرار اغتصابهن و تزويجهن بالقوة إلى أعضاء بوكو حرام.
وكانت أكبر عملية اختطاف حدثت عام 2014إذ تم اختطاف حوالي 200
فتاة لصالح جماعة بوكو حرام .
.6يستخدم االغتصاب كإغراء للتجنيد من قبل داعش وبوكو حرام حيث يكون
ضمان ممارسة الجنس أداة هامة للتجنيد بالنسبة لمعظم المنظمات الجهادية
المتطرفة .في اآلونة األخيرة تم تجنيد العديد من األفراد في السودان
بمقتضى واجب ضمان وجود "النساء" و في كثير من األحيان تقل أعمارهم
عن 10سنة ( .جهاد النكاح)
.7االغتصاب مصدر جديد للمال عن طريق االتجار بالبشر و "أسواق الجنس"
وطلبات الفدية وهذه الممارسات هي شكل جديد للحصول على الموارد
المالية على غرار النفط.
وقد مارس كل من بوكو حرام في نيجيريا والساحل األفريقي وتنظيم داعش في
العراق وسورية جعل االغتصاب ناموسا مقدسا وأصدرا الفتاوى التي تحلل هذه
الم مارسات وأقاموا أسواقا تباع فيها النساء استنادا إلى جدول أسعار حسب السن
والجمال والعذرية والمجتمع الذي تنتمي له الضحية .كما دمجت هذه المجموعات
االغتصاب في إستراتيجيتها اإلرهابية ألنها فهمت مقدار التأثير الذي يشكله
االغتصاب على انضباط أفرادها وأحلت ما يسمى بجهاد النكاح .
تقود الصراعات المسلحة و غياب القانون إلى حالة يسود فيها انعدام األمن وانتشار
قانون الغابة و اإلفالت من العقاب .وبذلك يصبح االغتصاب قضية جريمة
جماعية وربما هذا ما يدفعنا لزيادة الوعي به وبمخاطره وتأثيراته السلبية على
المجتمع .
ومع صعوبة الوصول إلى العدالة أو الرعاية أو انعدامهما كليا ً ال يمكن معالجة أثار
الصدمة التي يولدها االغتصاب بصفة فورية بسبب صمت الضحايا فتزول األدلة
وتصبح هذه الجريمة جريمة مثالية من المستحيل إثباتها .ويتولد نوع من الصمت
الجماعي المقترن بالمحرمات المرتبطة بالعنف الجنسي التي ال تسمح بإعطاء
صوت للضحايا و بالتالي ال تسمح بإعطائهم أية إجابة أو راحة نفسية أو معاقبة
للمجرمين الفاعلين .وتشير اإلحصاءات الدولية إلى أن حوالي % 90من ضحايا
االغتصاب يعيشون في مناطق يتعذر الوصول إليها أو تحقيق العدالة فيها أو
محاسبة الفاعلين .
طبقًا لتقرير اليونسيف لعام 1996عن أحوال أطفال العالم فإن "تحطم العائالت
وانحاللها" نتيجة خروج الرجال للحروب .يترك النساء على وجه الخصوص
ضعافًا و عرضة للعنف ففي الحرب العالمية الثانية تم اختطاف النساء وسجنهن ِ
ضا تم إجباروإجبارهن على تلبية االحتياجات الجنسية للجنود .وفي حرب فيتنام أي ً
النساء على ممارسة البغاء القسري واستمر هذا االتجاه في صراعات اليوم
وأصبحت هذه هي السمة األساسية بالنسبة للنساء :أن يصبحن عرضة لالغتصاب
والبغاء القسري واالتجار بهن بتواطؤ من الحكومات والسلطات العسكرية في
فترات الحروب .تقول إح دى المغتصبات البنتها التي سألتها عن أبيها " :يا بُنيتي
ارحلي إلى كرواتيا واسألي كل رجل تجدينه في الشارع :هل أنت أبي؟"
تم استهداف النساء والفتيات من " البوسنة والهرسك إلى رواندا وبيرو والعراق
وتدميرا
ً وسورية في النزاعات والحروب المختلفة و كان االغتصاب هو األكثر أل ًما
للمرأة وللمجتمعات التي عانت منه " كما أن العنف ضد المرأة وخاصة االغتصاب
أصبح "وصمة عار" خاصة بالحروب في األزمنة األخيرة .وال ترجع أسباب
استخدام االغتصاب كسالحٍ في الحروب فقط لكونه إستراتيجية عسكرية تتبعها
بعض أطراف النزاع لفرض قوتها وإذالل الطرف اآلخر ،وقد أصبح هذا التصرف
شبه متعارف عليه بين الجيوش فالفتيات والنساء في معسكرات االعتقال والسجون
ومعسكرات اللجوء أصبحن" غنائم حرب " وأصبح من حق الطرف المنتصر
التصرف فيها كما يشاء ويجري كل ما يجري تحت أعين الحكومات أو القيادات ّ
ومباركتها .بل وأصبحت مخيمات الالجئين كذلك هي جزء من الصراع على الفوز
بالغنيمة األكبر من الحرب وهو ما حدث كذلك في البوسنة والهرسك ومخيمات
اللجوء السوري في دول جوار سورية
يؤثر االغتصاب على الضحية حيث يتأذى من الناحية النفسية والفيزيولوجية ثم
العائلة ثم المجتمع وبالتالي يفقد المجتمع توازنه مما يؤدي إلى استبعاد الضحايا
ورفضهم مجتمعيا والتسبب بالفقر ووصم األطفال المولودين نتيجة االغتصاب بأنهم
أوالد حرام .كما يتسبب في تصاعد العنف والتوتر وضعف االقتصاد العائلي
والمجتمعي والوطني وتكريس مفهوم أن الجريمة سهلة الوقوع .يقود االغتصاب إلى
سلسلة ال تنتهي من العواقب وعلى مستويات مختلفة .
السؤال األهم الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن التصدي بقوة وحزم لظاهرة
االغتصاب في الحروب .للتصدي لهذا السؤال يحب تضافر جهود مؤسسات دولية
ومحلية عديدة تشمل الطب وعلم النفس واإلرشاد واالقتصاد والقانون والتحليل
والتحقيق والتعاون الدولي والتأهيل المجتمعي للجاني والضحية .
من الصعب تأكيد وجود إحصاءات عالمية ومحلية لضحايا االغتصاب بسبب
"الصمت" الناجم عن القيود االجتماعية والدينية .هناك إحصاءات خجولة شبه
رسمية لضحايا االغتصاب في الحروب يمكن أن نلخصها بما يلي:
وحتى اليوم تجد الجهات التي تقوم باإلحصاءات وتأمين شهادات الضحايا صعوبة
بالغة في الوصول إلى أماكن النزاع وصعوبة أكبر في إقناع الضحايا بتسجيل
اعترافاتهم .ويجدر بنا أن نذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تعتبر االغتصاب
عنصرا أساسيا في جرائم الحرب الموجهة ضد اإلنسانية ونوعا من اإلبادة
الجماعية.
االغتصاب وصمة عار بحق الجاني :
االغتصاب في الحروب قديم قدم الحروب ذاتها ،لكن نادرا ما يلقى عليه الضوء
ونادرا ما تخرج "ناجية" إلى العلن لتضع الجميع في مأزق أخالقي بين ما يصنفونه
جريمة وما يمكن تناسيه وتجاهله للحفاظ على صورة المجتمع المحافظ .يقول أحد
مجرمي الحرب في غينيا " :نحن ال نقتل النساء والفتيات وإنما نغتصبهن ونقتل
أوالدهن وأزواجهن حتى ال يصبحوا مقاتلين في المستقبل " .يشار دائما إلى جرائم
الحرب بقوة على أنها قتل وإبادة جماعية وعلى استحياء يذكر االغتصاب كسالح
أقل ضررا يوجه إلى النساء وكأنهم يسدون خدمة إليهن.
إن تفشي ظاهرة " اإلفالت من العقاب هو الذي ساهم في تطبيع العنف ضد النساء
والفتيات" وعدم قبول قادة الجيوش ورجال الدين والحكومات بفرض عقوبات
رادعة على الجناة ال يزال وصمة عار بحق اإلنسانية يجب إعادة النظر بها .
تتعامل غالبية المجتمعات مع االغتصاب على أنه عار يلتصق بالضحية أكثر من
الجاني و تتجاهله وتغض الطرف عنه .وربما هذا هو السبب الذي يجعل توثيق
حاالت االغتصاب أثناء الحرب أمرا بالغ الصعوبة إذ ترفض معظم الضحايا ذكر
الواقعة أو االعتراف بها .
إذا تابعنا حاالت االغتصاب في العصر الحديث من البوسنة والهرسك إلى رواندا
وبيرو مرورا بالعراق والسودان وسورية نجد أنه تم استهداف النساء والفتيات في
النزاعات المختلفة .ومن بين السجن والتعذيب واإلعدام كوسائل عقابية كان
وتدميرا للمرأة وللمجتمعات التي عانت منه خاصة في
ً االغتصاب هو األكثر أل ًما
المجتمعات المحافظة التي ال تستطيع المرأة االعتراف بما حصل معها .
المشكال ت النفسية التي تواجهها الفتيات والنساء نتيجة الحرب من جهة ،ونتيجة
كونهن المتضررات من االغتصاب بعد انتهاء النزاعات من جهة أخرى حيث
ينظر لألمر بطريقة شخصية وتعتبر النساء أن ما حدث هو جريمة ضدهن فقط
وليس ضد المجتمع وتتجاهل المشكالت المجتمعية واالضطرابات الناتجة عن
سا لقيم المجتمع ومصدر التربية فيه .
استغالل النساء في الحروب وكونهن مقيا ً
فالمشكالت األسرية والعنف ضد المرأة الناتجين عن شعور الرجال بفقدانهم لقدرتهم
على حماية نسائهم وبيوتهم والموت نتيجة االنتحار أو نتيجة العنف ضد المرأة
سواء في فترات الحروب أو الفترات التي تليها .كل هذه النتائج وأكثر تخرج بها
الدراسات والتقارير الدولية كآثار مترتبة على سالح االغتصاب وكيفية تدميره
للمرأة ولألسرة وللمجتمع بأكمله .كل هذا يجعل التساؤل مطرو ًحا عما يفعله
المجتمع الدولي للخروج من هذه األزمات التي يسببها االغتصاب والعنف ضد
المرأة في الحروب والنزاعات .وهل ترتبط سمعة الجيوش في الحروب الحديثة
بقدرتها على إحداث أكبر تدمير ممكن بخصومها عن طريق االغتصاب أم أن األمر
يرتبط أكثر بالصراعات العرقية وبكونه وسيلة لفرض بعض الجماعات المسلحة
هيمنتها على الطرف اآلخر؟
وكشف تقرير لمنظمة العفو الدولية ،أنه تم استبدال أعمال السلب والنهب التي كانت
تميز الحروب والنزاعات في قرون سابقة ،باالعتداء الجنسي واغتصاب النساء
والفتيات والبغاء القسري واالتجار بالبشر في الحروب الحديثة.
وتقول منظمة العفو الدولية "تواجه النساء الناجيات عذابا عاطفيا وأضرارا نفسية
وإصابات جسدية ونبذا اجتماعيا والعديد من العواقب األخرى التي يمكن أن تدمر
حياتهن .لقد كانت حياة النساء وأجسادهن شيئا غير معترف به في الحروب لفترة
طويلة".
تذكر الباحثة نيكوال هنري في كتابها الجميل " الحرب واالغتصاب :القانون،
الذاكرة والعدالة" أن المجتمع والقانون الدوليين قد تجاهال العنف ضد المرأة وما
ت يشمله من اغتصاب وإجبار للنساء على البغاء القسري في فترات الحروب لسنوا ٍ
طويلة وألسباب إما شخصية أو سياسية وأن التعامل مع مثل هذه القضايا كان يت ُّم
ت الضحايا في صمت رهيب وتجري محاوالت لطمس مالمح تلك القضايا وإسكا ِ
باعتبار أن مثل هذه الجرائم "خسائر ثانوية " ونتيجة حتمية يفرضها الصراع الدائر
في أي بلد من البلدان .ولكن طرأ تحول جذري على تلك النظرة لقضايا االغتصاب
رجع أسباب ذلك إلى أن في الفترة ما بين عامي 1940إلى 1990وما بعدها وت ِ
ت طويلة قد النساء الالتي تعرضن لالغتصاب وممارسة البغاء القسري لسنوا ٍ
أصبحن أكثر قدرة على التعبير عن معاناتهن وأكثر قابلية للحديث عنها عالنية
وإخبار العالم عما واجهنه من ألم خالل فترات الصراع وأن ذلك منح قضايا
كثيرا ما تم تجاهلها في مثل هذه
ً االغتصاب بعدًا آخر في المحاكمات الدولية التي
.القضايا نتيجة المتناع النساء عن اإلدالء بشهادتهن
المراجع