You are on page 1of 11

‫االغتصاب سالح في الحروب‬

‫بقلم محمد عبد الكريم يوسف‬

‫تتعامل غالبية المجتمعات مع االغتصاب على أنه عار يلتصق بالضحية أكثر من‬
‫الجاني لذا تتجاهله وتغض الطرف عنه وهو ما يجعل توثيق حاالت االغتصاب‬
‫أثناء الحروب أمرا بالغ الصعوبة إذ تأبى معظم الضحايا ذكر الواقعة‪ .‬ونحن ننسى‬
‫حقيقة أن " االغتصاب سالح أقوى من قنبلة أو رصاصة ‪ ،‬فبالرصاصة على األقل‬
‫تموت ولكن إذا تعرضت لالغتصاب فإنك تظهر للمجتمع مثل شخص ملعون ال‬
‫يتحدث إليك أحد وال يراك أحد‪ .‬إنه موت حي "‪.‬‬

‫تعريف االغتصاب‬

‫اغتصاب النساء في الحروب نوع من العنف الجنسي يستخدم كسالح حرب وظاهرة‬
‫متفشية في الصراعات الداخلية والخارجية منذ زمن طويل وهو من األسلحة‬
‫الصامتة صمتا جعل ضحاياها غير مرئيين وال يهتم بهم أحد ‪.‬‬
‫وعادة ما يشار إلى العنف الجنسي باسم "اغتصاب الحرب "‪ .‬العنف الجنسي هو‬
‫إستراتيجية عسكرية أو سياسية في حد ذاتها ‪ ،‬وهو يقرر من أعلى السلطات بنفس‬
‫الطريقة التي يقرر بها قصف قرية أو إبادة شعب أو إطالق الغاز على جماعة أو‬
‫استخدام أي نوع من األسلحة ‪ .‬وقد تحول االغتصاب لألسف إلى أداة حربية وصار‬
‫استخدامه مزمنا ومنتظما في الصراعات والحروب المعاصرة كما تحول إلى‬
‫طريقة لإلذالل و الهدم و اتخاذ السلطة و هي أداة مستعملة ليس ضد النساء فقط‬
‫كما حدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية و كينيا و البوسنة ورواندا والعراق‬
‫وسورية بل أيضا ضد الرجال في ليبيا و أوغندا و األطفال مثلما حدث في العراق‬
‫وسورية و جمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان ‪.‬‬
‫االغتصاب والقيم العسكرية للجنود‪:‬‬

‫وحيث أن الجندي في المعركة يدافع عن قيم بالده في الحرية ورفع الظلم عن‬
‫المقهورين ال يجوز بأي حال من األحوال أن يتخلى عن هذه القيم ويتبع النزوات‬
‫ويمارس أفعاال ال يرضى عنها الضمير والواجب والقيم العسكرية التي يتربى عليها‬
‫من والء وشهامة وإغاثة ملهوف ‪ .‬إن ممارسة االغتصاب من قبل الجنود ينافي‬
‫األخالق العسكرية التي يتربى عليها المقاتلون وهى الخصال التي تميزهم وتفصلهم‬
‫عن الميليشيات والتنظيمات المسلحة التي تمارس أعماال غير مشروعة وال تخضع‬
‫لقانون أو قيم محددة ‪ .‬ويمكن أن نلخص القيم العسكرية للجنود المشتركة بين معظم‬
‫جيوش العالم الرسمية بما يلي‪:‬‬

‫أنا الجندي ‪ ،‬أمثل بالدي ‪ ،‬وأعطي أجمل صورة عنها‪.‬‬


‫أنا محارب محترف وعضو في فريق‪.‬‬
‫أخدم شعبي وحكومتي وأعيش وفق قيمي العسكرية ‪.‬‬
‫تأتي المهمة الموكلة لي أوال‪.‬‬
‫ال أقبل الهزيمة‪.‬‬
‫أو الفرار من المعركة ‪.‬‬
‫وال يمكن أن أترك زميال لي في ساحات الوغى‪.‬‬
‫أعيش بنظام وانضباط شديدين وأتدرب يوميا على تنفيذ مهامي العسكرية ‪.‬‬
‫اعتني بلياقتي البدنية والعقلية‪.‬‬
‫أصون سالحي ونفسي والمعدات التي استخدمها ‪.‬‬
‫احترف مهنتي إلى حد العشق المقدس‪.‬‬
‫وأنا على أهبة االستعداد للدخول في المعارك التي تحددها بالدي‪.‬‬
‫أدافع عن الحرية والحياة والعرض ‪.‬‬
‫فأنا جندي‪.‬‬

‫الجندي الحقيقي مصدر آمان ال مصدر خوف وإرهاب ‪ .‬لكن تاريخ الحروب كان‬
‫دائما بعيدا عن هذه القيم ومارس الجنود أشياء تتنافى وعقيدتهم العسكرية ‪ .‬أما القيم‬
‫العسكرية للجيوش فيمكن أن نوجزها بما يلي ‪:‬‬

‫الوالء للدولة وسمعة الوطن ‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫الواجب بكل معانيه ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫االحترام ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التفاني في العمل‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشرف وتطبيق القيم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األخالق وااللتزام بالقانون ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشجاعة ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عدم إهانة اآلخرين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الثقة بالسلوك‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تقديم حاجات اآلخرين على الحاجات الشخصية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إغاثة الملهوف ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المساعدة اإلنسانية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫احترام العادات االجتماعية للشعوب‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عدم التحرش الجنسي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫احترام الصغار‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ومتى فقدت الجيوش هذه القيم العسكرية تحولت إلى ميليشيات وتنظيمات مسلحة ‪.‬‬

‫االغتصاب جرم أخالقي ودولي ‪:‬‬

‫كان االغتصاب على مدى قرون مسألة جدلية داخل المحافل القانونية الحكومية‬
‫والدينية والدولية رغم أنه مسألة محسومة من الناحية األخالقية ‪ .‬وكما تتناقض‬
‫القوانين مع األخالق أحيانا كثيرة يتناقض الدين مع األخالق في كثير من األحيان‬
‫خاصة وأن بعض األديان يعتبر االغتصاب من غنائم الحرب وتبيح الجواري‬
‫والسبايا ‪.‬‬

‫المشكلة في االغتصاب هي أن ضحاياه يلوذون بالصمت خوفا من العقاب‬


‫االجتماعي الذي يلوم الضحية وال يلوم الجاني ‪ .‬وحتى عام ‪ 1998‬سجلت الجهات‬
‫المختصة في األمم المتحدة نتائج مخزية تشير إلى اعتبار الجيوش االغتصاب جزءا‬
‫مشروعا من غنائم الحرب ولم تعتبر النساء والفتيات والقصر أمانة بعنق الجنود‬
‫يجب المحافظة عليها في فترات الحروب ‪ .‬وفي عام ‪ 2000‬م صدر القراران رقم‬
‫‪ 1325‬و‪ 1820‬عن مجلس األمن يعتبران أن ممارسة التحرش الجنسي والعنف‬
‫و الجنس واالغتصاب جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية وركنا أساسيا من أركان‬
‫اإلبادة الجماعية ‪.‬‬

‫خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬اتهمت جميع أطراف النزاع باالغتصاب الجماعي إال‬
‫أن المحكمتين اللتين أنشأتهما دول التحالف المنتصرة لمقاضاة مرتكبي جرائم‬
‫الحرب في طوكيو ونورمبرغ لم تعترف بالطابع اإلجرامي للعنف الجنسي ضد‬
‫النساء ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1992‬أعلن مجلس األمن أن االحتجاز و اغتصاب النساء الجماعي‬
‫والمنظم والمنهجي و في الخصوص النساء المسلمات في البوسنة والهرسك‬
‫يشكالن "جريمة دولية ال يمكن تجاهلها"‪.‬‬
‫كما شمل النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية في وقت الحق والخاص‬
‫ب يوغوسالفيا السابقة االغتصاب كجريمة من الجرائم ضد اإلنسانية إلى جانب جرائم‬
‫أخرى مثل التعذيب واإلبادة و ذلك عندما ترتكب في نزاع مسلح موجه ضد السكان‬
‫المدنيين ‪ .‬وسعت المحكمة إلى اعتبار الرق جريمة ضد اإلنسانية و اعتبرت أنه‬
‫يشمل الرق الجنسي أيضا ‪.‬‬

‫كما أخذت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسالفيا السابقة في اعتبارها حاالت‬


‫االغتصاب في الصراع البوسني ومنذ عام ‪2000‬م بدأت محاكمة “معسكرات‬
‫االغتصاب” في فوكا في البوسنة و قامت المحكمة بتكييف االغتصاب كجريمة ضد‬
‫اإلنسانية وحكمت على مرتكبيها بالسجن مدة ‪ 40‬و ‪ 45‬و ‪ 39‬عاما‪ .‬لقد أدين أكثر‬
‫من ثلث المتهمين من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسالفيا السابقة بجرائم‬
‫تتعلق بالعنف الجنسي‪.‬‬

‫ثم شملت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أيضا االغتصاب في نظامها األساسي‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 2001‬أصبحت المحكمة الدولية األولى والوحيدة التي تعتبر أن أفعال‬
‫الشخص المتهم بارتكاب جريمة االغتصاب تمثل جريمة إبادة جماعية ‪ .‬و قد اعتبر‬
‫الحكم الصادر ضد العمدة السابق جان بول أكايسو أن االغتصاب واالعتداء الجنسي‬
‫يمثالن أعمال إبادة جماعية من حيث أنها ارتكبت بقصد تدمير جماعة التوتسي‬
‫اإلثنية كليا أو جزئيا‪.‬‬

‫ويعتبر نظام روما األساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي دخل حيز التنفيذ منذ عام‬
‫‪ 2002‬أن االغتصاب والرق الجنسي والبغاء القسري والحمل القسري والتعقيم‬
‫القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي ذات الخطورة المماثلة بين‬
‫الجرائم المرتكبة ضد اإلنسانية عندما ترتكب بصفة واسعة ومنهجية ‪ .‬وتتضمن‬
‫مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية عدة تهم باالغتصاب معتبرة‬
‫إياها كجرائم حرب و جرائم ضد اإلنسانية‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ، 2016‬حكمت المحكمة الجنائية الدولية على الكونغولي جان بيير بيمبا‬
‫بالسجن لمدة ‪ 18‬عاما بسبب سماحه وتغاضيه عن ممارسة االغتصاب في‬
‫جمهورية أفريقيا الوسطى معتبرة أنها جريمة ضد اإلنسانية‪ .‬و هذه هي المرة‬
‫األولى التي ال تتناول فيها المحكمة الجنائية الدولية مسألة االغتصاب في الحرب‬
‫فحسب بل أيضا ً التي تدين جان بيير بيمبا كقائد وليس المرتكب المباشر للجريمة‪.‬‬
‫وهذا يبرهن على أن اغتصاب الحرب ليس مسألة تتعلق فقط بمن يرتكبون‬
‫االغتصاب مباشرة ‪ ،‬بل تمس القادة الذين يأمرون باستخدام هذا السالح ضد‬
‫المدنيين ‪.‬‬
‫يمهد قرار المحكمة الجنائية الدولية الطريق نحو المزيد من التشدد في معاقبة‬
‫ممارسي وداعمي االغتصاب في الحرب على اعتبار أن ‪:‬‬
‫‪ ‬اغتصاب النساء وفي الحروب قرار سلطة وقيادة وليس مسألة نزوة جنسية ‪.‬‬
‫‪ ‬اغتصاب النساء في الحروب هجوم على الجماعات ويندرج تحت مسمى‬
‫اإلبادة الجماعية له أهداف محددة ومتعددة ‪.‬‬
‫‪ ‬اغتصاب الحرب ليس مسألة جنسية بل جريمة دولية يعاقب عليها القانون‬
‫وإهانة للضمير اإلنساني ‪.‬‬

‫األهداف الحقيقية لممارسة االغتصاب في الحروب ‪:‬‬

‫يهدف االغتصاب في كثير من األحيان إلى إرهاب السكان وتفكيك األسر وتدمير‬
‫المجتمعات المحلية وفي بعض الحاالت تغيير التكوين العرقي للسكان‪ .‬كما يمكن‬
‫أيضا أن يستغل لنقل فيروس نقص المناعة المكتسب اإليدز عمدا إلى النساء أو جعل‬
‫النساء المستهدفات غير قادرات على الحمل‪ .‬وقد تبين للمراقبين أن ممارسة‬
‫االغتصاب يتم التحضير لها مثل أي عمل عدواني أو هجوم مسلح ‪ .‬هناك من يفكر‬
‫فيه ومن يخطط له بهدف تحقيق أهداف كثيرة منها‪:‬‬

‫‪ .1‬التطهير العرقي في البوسنة والهرسك ورواندا أو اليوم ضد العرق األيزيدي‬


‫في العراق أو ضد أقليات الروهينجا في بورما أو بعض الطوائف في‬
‫سورية‪.‬‬

‫‪ .2‬تحقيق اإلستراتيجية السياسية و االقتصادية في جمهورية الكونغو‬


‫الديمقراطية أو في جمهورية إفريقيا الوسطى حيث تتركز مناطق االغتصاب‬
‫في مناطق انتشار مناجم األلماس والذهب والمعادن الثمينة وهدفها تخويف‬
‫السكان والسماح للميليشيات والعصابات المسلحة باستغالل المعادن وسرقتها‬
‫لصالح أناس نافذين ‪.‬‬

‫‪ .3‬االغتصاب وسيلة لإلرهاب والتعذيب كما في العراق أو ليبيا أو سورية أو‬


‫في جنوب السودان على يد مجموعات مسلحة وتنظيمات إرهابية وخاصة‬
‫ضد األقليات‪.‬‬

‫‪ .4‬االغتصاب وسيلة للقمع السياسي في غينيا أو سريالنكا أو زمبابوي أو كينيا‪.‬‬

‫‪ .5‬االغتصاب رسالة خالدة لبعض المنظمات اإلرهابية كما حدث حين دعا أبو‬
‫بكر البغدادي رئيس تنظيم الدولة اإلسالمية في رسالة إلى رجاله إلى حمل‬
‫الناس العتناق دين اإلسالم عن طريق االغتصاب‪ .‬وقد جعل داعش‬
‫اغتصاب النساء في الحرب أهم سالح في إستراتيجيته العسكرية ‪ .‬وهذا‬
‫السالح هو أيضا ً السالح المفضل لتنظيم بوكو حرام في نيجيريا الذي‬
‫يستهدف الفتيات و خاصة اللواتي يذهبن إلى المدرسة حيث يقومون‬
‫باختطافهن وتكرار اغتصابهن و تزويجهن بالقوة إلى أعضاء بوكو حرام‪.‬‬
‫وكانت أكبر عملية اختطاف حدثت عام ‪ 2014‬إذ تم اختطاف حوالي ‪200‬‬
‫فتاة لصالح جماعة بوكو حرام ‪.‬‬

‫‪ .6‬يستخدم االغتصاب كإغراء للتجنيد من قبل داعش وبوكو حرام حيث يكون‬
‫ضمان ممارسة الجنس أداة هامة للتجنيد بالنسبة لمعظم المنظمات الجهادية‬
‫المتطرفة‪ .‬في اآلونة األخيرة تم تجنيد العديد من األفراد في السودان‬
‫بمقتضى واجب ضمان وجود "النساء" و في كثير من األحيان تقل أعمارهم‬
‫عن ‪ 10‬سنة ‪ ( .‬جهاد النكاح)‬
‫‪ .7‬االغتصاب مصدر جديد للمال عن طريق االتجار بالبشر و "أسواق الجنس"‬
‫وطلبات الفدية وهذه الممارسات هي شكل جديد للحصول على الموارد‬
‫المالية على غرار النفط‪.‬‬

‫‪ .8‬االغتصاب سياسة للتحريض الطائفي ضد األقليات كما حدث في حمص‬


‫وبعض القرى التي تسكنها األقليات في سورية ووسيلة للتأجيج الطائفي ‪.‬‬

‫وقد مارس كل من بوكو حرام في نيجيريا والساحل األفريقي وتنظيم داعش في‬
‫العراق وسورية جعل االغتصاب ناموسا مقدسا وأصدرا الفتاوى التي تحلل هذه‬
‫الم مارسات وأقاموا أسواقا تباع فيها النساء استنادا إلى جدول أسعار حسب السن‬
‫والجمال والعذرية والمجتمع الذي تنتمي له الضحية ‪ .‬كما دمجت هذه المجموعات‬
‫االغتصاب في إستراتيجيتها اإلرهابية ألنها فهمت مقدار التأثير الذي يشكله‬
‫االغتصاب على انضباط أفرادها وأحلت ما يسمى بجهاد النكاح ‪.‬‬

‫االغتصاب سالح مشين ‪:‬‬

‫تقود الصراعات المسلحة و غياب القانون إلى حالة يسود فيها انعدام األمن وانتشار‬
‫قانون الغابة و اإلفالت من العقاب ‪ .‬وبذلك يصبح االغتصاب قضية جريمة‬
‫جماعية وربما هذا ما يدفعنا لزيادة الوعي به وبمخاطره وتأثيراته السلبية على‬
‫المجتمع ‪.‬‬

‫ومع صعوبة الوصول إلى العدالة أو الرعاية أو انعدامهما كليا ً ال يمكن معالجة أثار‬
‫الصدمة التي يولدها االغتصاب بصفة فورية بسبب صمت الضحايا فتزول األدلة‬
‫وتصبح هذه الجريمة جريمة مثالية من المستحيل إثباتها‪ .‬ويتولد نوع من الصمت‬
‫الجماعي المقترن بالمحرمات المرتبطة بالعنف الجنسي التي ال تسمح بإعطاء‬
‫صوت للضحايا و بالتالي ال تسمح بإعطائهم أية إجابة أو راحة نفسية أو معاقبة‬
‫للمجرمين الفاعلين ‪ .‬وتشير اإلحصاءات الدولية إلى أن حوالي ‪ % 90‬من ضحايا‬
‫االغتصاب يعيشون في مناطق يتعذر الوصول إليها أو تحقيق العدالة فيها أو‬
‫محاسبة الفاعلين ‪.‬‬

‫عواقب االغتصاب في الحروب ‪:‬‬

‫االغتصاب في الحرب جريمة مثالية أركانها ‪ :‬الخداع والمخاتلة والتكلفة الزهيدة‬


‫ويترتب عليها آثارا واضحة على المدى الطويل و يحميها اإلفالت من العقاب‪.‬‬
‫االغتصاب أثناء الحرب له أثر مدمر ليس على الضحايا فحسب بل أيضا ً على‬
‫المجتمع ‪ .‬و إذا لم يتم التصدي لمرتكبي االغتصاب بمحاكمتهم و مالحقتهم قضائيا ً‬
‫فإن العنف سوف يزداد و تنتشر ثقافة االغتصاب في البلدان التي وقع فيها اغتصاب‬
‫أثناء الحرب حتى بعد فترة طويلة من انتهاء النزاع ألن أصحابه حين يفلتون من‬
‫العقاب ينشرون ثقافة الفوضى واالستباحة ‪ .‬يقول شهود عيان أن االغتصاب غالبا‬
‫ما يحدث في األماكن العامة وأمام أفراد األسرة إن كانوا أطفاال أو شبابا والهدف من‬
‫ذلك هو زراعة بذور العنف وتهيئة األرض الخصبة الستمرار العنف المتواصل‪.‬‬

‫طبقًا لتقرير اليونسيف لعام ‪ 1996‬عن أحوال أطفال العالم فإن "تحطم العائالت‬
‫وانحاللها" نتيجة خروج الرجال للحروب ‪ .‬يترك النساء على وجه الخصوص‬
‫ضعافًا و عرضة للعنف ففي الحرب العالمية الثانية تم اختطاف النساء وسجنهن‬ ‫ِ‬
‫ضا تم إجبار‬‫وإجبارهن على تلبية االحتياجات الجنسية للجنود ‪ .‬وفي حرب فيتنام أي ً‬
‫النساء على ممارسة البغاء القسري واستمر هذا االتجاه في صراعات اليوم‬
‫وأصبحت هذه هي السمة األساسية بالنسبة للنساء‪ :‬أن يصبحن عرضة لالغتصاب‬
‫والبغاء القسري واالتجار بهن بتواطؤ من الحكومات والسلطات العسكرية في‬
‫فترات الحروب‪ .‬تقول إح دى المغتصبات البنتها التي سألتها عن أبيها ‪ " :‬يا بُنيتي‬
‫ارحلي إلى كرواتيا واسألي كل رجل تجدينه في الشارع ‪ :‬هل أنت أبي؟"‬

‫تم استهداف النساء والفتيات من " البوسنة والهرسك إلى رواندا وبيرو والعراق‬
‫وتدميرا‬
‫ً‬ ‫وسورية في النزاعات والحروب المختلفة و كان االغتصاب هو األكثر أل ًما‬
‫للمرأة وللمجتمعات التي عانت منه " كما أن العنف ضد المرأة وخاصة االغتصاب‬
‫أصبح "وصمة عار" خاصة بالحروب في األزمنة األخيرة‪ .‬وال ترجع أسباب‬
‫استخدام االغتصاب كسالحٍ في الحروب فقط لكونه إستراتيجية عسكرية تتبعها‬
‫بعض أطراف النزاع لفرض قوتها وإذالل الطرف اآلخر ‪ ،‬وقد أصبح هذا التصرف‬
‫شبه متعارف عليه بين الجيوش فالفتيات والنساء في معسكرات االعتقال والسجون‬
‫ومعسكرات اللجوء أصبحن" غنائم حرب " وأصبح من حق الطرف المنتصر‬
‫التصرف فيها كما يشاء ويجري كل ما يجري تحت أعين الحكومات أو القيادات‬ ‫ّ‬
‫ومباركتها‪ .‬بل وأصبحت مخيمات الالجئين كذلك هي جزء من الصراع على الفوز‬
‫بالغنيمة األكبر من الحرب وهو ما حدث كذلك في البوسنة والهرسك ومخيمات‬
‫اللجوء السوري في دول جوار سورية‬
‫يؤثر االغتصاب على الضحية حيث يتأذى من الناحية النفسية والفيزيولوجية ثم‬
‫العائلة ثم المجتمع وبالتالي يفقد المجتمع توازنه مما يؤدي إلى استبعاد الضحايا‬
‫ورفضهم مجتمعيا والتسبب بالفقر ووصم األطفال المولودين نتيجة االغتصاب بأنهم‬
‫أوالد حرام ‪ .‬كما يتسبب في تصاعد العنف والتوتر وضعف االقتصاد العائلي‬
‫والمجتمعي والوطني وتكريس مفهوم أن الجريمة سهلة الوقوع‪ .‬يقود االغتصاب إلى‬
‫سلسلة ال تنتهي من العواقب وعلى مستويات مختلفة ‪.‬‬

‫أسئلة وإجابات ال بد منها ‪:‬‬

‫السؤال األهم الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن التصدي بقوة وحزم لظاهرة‬
‫االغتصاب في الحروب ‪ .‬للتصدي لهذا السؤال يحب تضافر جهود مؤسسات دولية‬
‫ومحلية عديدة تشمل الطب وعلم النفس واإلرشاد واالقتصاد والقانون والتحليل‬
‫والتحقيق والتعاون الدولي والتأهيل المجتمعي للجاني والضحية ‪.‬‬

‫ضحايا االغتصاب في الحروب ‪:‬‬

‫من الصعب تأكيد وجود إحصاءات عالمية ومحلية لضحايا االغتصاب بسبب‬
‫"الصمت" الناجم عن القيود االجتماعية والدينية ‪ .‬هناك إحصاءات خجولة شبه‬
‫رسمية لضحايا االغتصاب في الحروب يمكن أن نلخصها بما يلي‪:‬‬

‫الصين سنة ‪ 80000= 1937‬ضحية ‪.‬‬


‫بنغالدش سنة ‪ 20000 = 1971‬ضحية ‪.‬‬
‫غواتيماال سنة ‪ 100000 = 1994‬ضحية ‪.‬‬
‫رواندا سنة ‪ 500000 = 1994‬ضحية ‪.‬‬
‫سيراليون سنة ‪ 60000 =2008‬ضحية ‪.‬‬
‫البوسنة والهرسك سنة ‪ 3000 =2008‬ضحية ‪.‬‬
‫كينيا سنة ‪ 5000 = 2008‬ضحية ‪.‬‬
‫زيمبابوي سنة ‪ 6000 = 2008‬ضحية ‪.‬‬
‫غينيا سنة ‪ 10000 = 2008‬ضحية ‪.‬‬
‫الكونغو سنة ‪ 200000 = 2010-2008‬ضحية ‪.‬‬
‫السودان سنة ‪ 2008‬وال يزال النزيف مستمرا = ‪ 600000‬ضحية ‪.‬‬
‫العراق بعد االحتالل وحتى اآلن (تقديرات) = ‪ 7000‬ضحية ‪.‬‬
‫الروهنينجا ‪ 2008‬و حتى اآلن = ‪ 50000‬ضحية ‪.‬‬

‫وحتى اليوم تجد الجهات التي تقوم باإلحصاءات وتأمين شهادات الضحايا صعوبة‬
‫بالغة في الوصول إلى أماكن النزاع وصعوبة أكبر في إقناع الضحايا بتسجيل‬
‫اعترافاتهم ‪ .‬ويجدر بنا أن نذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تعتبر االغتصاب‬
‫عنصرا أساسيا في جرائم الحرب الموجهة ضد اإلنسانية ونوعا من اإلبادة‬
‫الجماعية‪.‬‬
‫االغتصاب وصمة عار بحق الجاني ‪:‬‬

‫االغتصاب في الحروب قديم قدم الحروب ذاتها ‪ ،‬لكن نادرا ما يلقى عليه الضوء‬
‫ونادرا ما تخرج "ناجية" إلى العلن لتضع الجميع في مأزق أخالقي بين ما يصنفونه‬
‫جريمة وما يمكن تناسيه وتجاهله للحفاظ على صورة المجتمع المحافظ ‪ .‬يقول أحد‬
‫مجرمي الحرب في غينيا ‪ " :‬نحن ال نقتل النساء والفتيات وإنما نغتصبهن ونقتل‬
‫أوالدهن وأزواجهن حتى ال يصبحوا مقاتلين في المستقبل " ‪ .‬يشار دائما إلى جرائم‬
‫الحرب بقوة على أنها قتل وإبادة جماعية وعلى استحياء يذكر االغتصاب كسالح‬
‫أقل ضررا يوجه إلى النساء وكأنهم يسدون خدمة إليهن‪.‬‬

‫إن تفشي ظاهرة " اإلفالت من العقاب هو الذي ساهم في تطبيع العنف ضد النساء‬
‫والفتيات" وعدم قبول قادة الجيوش ورجال الدين والحكومات بفرض عقوبات‬
‫رادعة على الجناة ال يزال وصمة عار بحق اإلنسانية يجب إعادة النظر بها ‪.‬‬

‫السكوت عن جريمة االغتصاب في الحرب جريمة ‪:‬‬

‫تتعامل غالبية المجتمعات مع االغتصاب على أنه عار يلتصق بالضحية أكثر من‬
‫الجاني و تتجاهله وتغض الطرف عنه‪ .‬وربما هذا هو السبب الذي يجعل توثيق‬
‫حاالت االغتصاب أثناء الحرب أمرا بالغ الصعوبة إذ ترفض معظم الضحايا ذكر‬
‫الواقعة أو االعتراف بها ‪.‬‬

‫نتائج االغتصاب على المجتمع ‪:‬‬

‫إذا تابعنا حاالت االغتصاب في العصر الحديث من البوسنة والهرسك إلى رواندا‬
‫وبيرو مرورا بالعراق والسودان وسورية نجد أنه تم استهداف النساء والفتيات في‬
‫النزاعات المختلفة ‪ .‬ومن بين السجن والتعذيب واإلعدام كوسائل عقابية كان‬
‫وتدميرا للمرأة وللمجتمعات التي عانت منه خاصة في‬
‫ً‬ ‫االغتصاب هو األكثر أل ًما‬
‫المجتمعات المحافظة التي ال تستطيع المرأة االعتراف بما حصل معها ‪.‬‬

‫المشكال ت النفسية التي تواجهها الفتيات والنساء نتيجة الحرب من جهة ‪ ،‬ونتيجة‬
‫كونهن المتضررات من االغتصاب بعد انتهاء النزاعات من جهة أخرى حيث‬
‫ينظر لألمر بطريقة شخصية وتعتبر النساء أن ما حدث هو جريمة ضدهن فقط‬
‫وليس ضد المجتمع وتتجاهل المشكالت المجتمعية واالضطرابات الناتجة عن‬
‫سا لقيم المجتمع ومصدر التربية فيه ‪.‬‬
‫استغالل النساء في الحروب وكونهن مقيا ً‬
‫فالمشكالت األسرية والعنف ضد المرأة الناتجين عن شعور الرجال بفقدانهم لقدرتهم‬
‫على حماية نسائهم وبيوتهم والموت نتيجة االنتحار أو نتيجة العنف ضد المرأة‬
‫سواء في فترات الحروب أو الفترات التي تليها ‪ .‬كل هذه النتائج وأكثر تخرج بها‬
‫الدراسات والتقارير الدولية كآثار مترتبة على سالح االغتصاب وكيفية تدميره‬
‫للمرأة ولألسرة وللمجتمع بأكمله ‪ .‬كل هذا يجعل التساؤل مطرو ًحا عما يفعله‬
‫المجتمع الدولي للخروج من هذه األزمات التي يسببها االغتصاب والعنف ضد‬
‫المرأة في الحروب والنزاعات‪ .‬وهل ترتبط سمعة الجيوش في الحروب الحديثة‬
‫بقدرتها على إحداث أكبر تدمير ممكن بخصومها عن طريق االغتصاب أم أن األمر‬
‫يرتبط أكثر بالصراعات العرقية وبكونه وسيلة لفرض بعض الجماعات المسلحة‬
‫هيمنتها على الطرف اآلخر؟‬

‫وكشف تقرير لمنظمة العفو الدولية ‪ ،‬أنه تم استبدال أعمال السلب والنهب التي كانت‬
‫تميز الحروب والنزاعات في قرون سابقة ‪ ،‬باالعتداء الجنسي واغتصاب النساء‬
‫والفتيات والبغاء القسري واالتجار بالبشر في الحروب الحديثة‪.‬‬

‫وتؤكد المنظمة أن االغتصاب أصبح إستراتيجية عسكرية متعمدة تهدف لزعزعة‬


‫استقرار المجتمعات وبث الرعب وفرض السيطرة في المناطق المتصارع عليها‪.‬‬

‫وتقول منظمة العفو الدولية "تواجه النساء الناجيات عذابا عاطفيا وأضرارا نفسية‬
‫وإصابات جسدية ونبذا اجتماعيا والعديد من العواقب األخرى التي يمكن أن تدمر‬
‫حياتهن ‪ .‬لقد كانت حياة النساء وأجسادهن شيئا غير معترف به في الحروب لفترة‬
‫طويلة"‪.‬‬

‫كيف واجه المجتمع الدولي العنف ضد المرأة في فترات النزاع والحرب؟‬

‫تذكر الباحثة نيكوال هنري في كتابها الجميل " الحرب واالغتصاب‪ :‬القانون‪،‬‬
‫الذاكرة والعدالة" أن المجتمع والقانون الدوليين قد تجاهال العنف ضد المرأة وما‬
‫ت‬ ‫يشمله من اغتصاب وإجبار للنساء على البغاء القسري في فترات الحروب لسنوا ٍ‬
‫طويلة وألسباب إما شخصية أو سياسية وأن التعامل مع مثل هذه القضايا كان يت ُّم‬
‫ت الضحايا‬ ‫في صمت رهيب وتجري محاوالت لطمس مالمح تلك القضايا وإسكا ِ‬
‫باعتبار أن مثل هذه الجرائم "خسائر ثانوية " ونتيجة حتمية يفرضها الصراع الدائر‬
‫في أي بلد من البلدان ‪ .‬ولكن طرأ تحول جذري على تلك النظرة لقضايا االغتصاب‬
‫رجع أسباب ذلك إلى أن‬ ‫في الفترة ما بين عامي ‪ 1940‬إلى ‪ 1990‬وما بعدها وت ِ‬
‫ت طويلة قد‬ ‫النساء الالتي تعرضن لالغتصاب وممارسة البغاء القسري لسنوا ٍ‬
‫أصبحن أكثر قدرة على التعبير عن معاناتهن وأكثر قابلية للحديث عنها عالنية‬
‫وإخبار العالم عما واجهنه من ألم خالل فترات الصراع وأن ذلك منح قضايا‬
‫كثيرا ما تم تجاهلها في مثل هذه‬
ً ‫االغتصاب بعدًا آخر في المحاكمات الدولية التي‬
.‫القضايا نتيجة المتناع النساء عن اإلدالء بشهادتهن‬

‫المراجع‬

‫ ساسة بوست‬- ‫االغتصاب «كسالح» في حروب العصر الحديث‬


https://www.sasapost.com › rape-as-a-weapon-in-moder

‫ | أهداف اغتصاب الحرب‬NotAWeaponOfWar - We Are Not Weapons of War

https://www.notaweaponofwar.org › ‫الحرب‬-‫› إغتصاب‬

- ‫ما العمل لمواجهة جرائم االغتصاب في الحروب الدائرة اليوم؟‬


https://www.swissinfo.ch › ara › politics › ..‫لمواجه‬-‫العمل‬-‫ما‬

‫ الحرة‬- ‫ سالح الحروب المدمر‬..‫العنف الجنسي‬


https://www.alhurra.com › ..‫س‬-‫النساء‬-‫ضد‬-‫الجنسي‬-‫العنف‬

Rape as a weapon of war - Dr. Denis Mukwege Foundation

https://www.mukwegefoundation.org › the-problem › rape-as-a-weapon-o.

Sexual violence as a weapon of war - Unicef


https://www.unicef.org › sex violence

In Depth | How did rape become a weapon of war? - BBC NEWS


news.bbc.co.uk › .

You might also like