You are on page 1of 5

‫ميالني كالين‪ :‬صخرة منيعة أمام زحف‬

‫الالوعي الفرويدي‬
‫تعتبر ميالني كالين سيدة التفكير للجيل الثاني للتّحليل النفس ي على الص عيد الع المي‪ ،‬وهي بالمناس بة‬
‫أصيلة التّكوين من أحد أك بر التيّ ارات الفرويدي ة‪ .‬مدرس ة التفك ير الكاليني ة ال تي ستس هم في انبث اق‬
‫مدرسة التحليل النفسي اإلنجليزية‪ .‬وقد اشتهرت ميالني كالين باهتمامها بف رع مح دد في علم النفس‪،‬‬
‫يسمى العالقات الشيّئية “‪ . ”Object relations‬الذي يتم فيه التركيز على العالقات المكونة بين‬
‫الصور واألفكار والمشاعر في العقل والن اس واألش ياء في الع الم الخ ارجي (‪ .)1‬كم ا ‪ ‬ك انت أيض ا‬
‫المس مى بتكني ك اللعب‪ ،‬وال ذي ال ي زال من الممارس ات‬ ‫ّ‬ ‫رائ دة في منهج التحلي ل النفس ي لألطف ال‪،‬‬
‫التحليلية المستخدمة حتى الوقت الراهن‪ .‬لم تعرف كالين تكوين طبنفسي منتظم قب ل مزاول ة التحلي ل‬
‫النفسي‪ ،‬لذا يعّد المنعطف الحاس م في مس ارها‪ ،‬تل ك الدراس ة ال تي أجرته ا م ع س اندور فرن زي ‘‪s.‬‬
‫‪ ’ferenczi‬وأخرى مع كارل ابراهام ‘ ‪ ، ’k. Abraham‬كان فيها للوض عيات النظري ة ت أثيرا‬
‫بالغا على تكوينها (‪ .)1‬ويشار إلى أسلوبها البحثي بوصفه “علم نفس الذات” تجاوزت فيه فرويد قدر‬
‫ما‪ ،‬حيث التركيز على تطور الذات أكثر من النزعة الجنسية الطّفلية‪ ،‬ومن خالل تحديد أوجه التش ابه‬
‫بين العالمين الشعوريين لألطفال والبالغين‪ ،‬ومن خالل ريادتها في تكنيك العالج باللعب‪.‬‬

‫ولدت ميالني كالين في فيينا عام ‪ ،1886‬في كنف عائلة يهودية مثقف ة ج دا‪ ،‬وت دربت في بودابس ت‪،‬‬
‫ثم انتقلت إلى لندن‪ ،‬حيث ظلت فيها حتى وفاتها عام “‪ .”1920‬اهتمت في مشوارها الحاف ل بالتحلي ل‬
‫النفسي لألطفال‪ ،‬وبش كل س ريع س وف تتع ارض تحدي دا م ع ‘ان ا فرويد’ ‪ ’anna freud‘ ‬ح ول‬
‫هامش الفرصة المتاحة آنها لتحليل األطفال *خاصة بعد موت األب المؤسّس‪ ،‬وتعالي أصوات حركة‬
‫ما بعد ‪ ‬الفرويدية‪ .‬هذا الصراع سيكون سنة “‪ ”1940‬أصل ‘التناقضات الكبرى’ التي ستحرك بنائية‬
‫التحليل النفسي اإلنجليزي إلى ثالثة معسكرات‪ :‬الكالينيّين ‪ /‬األنا فرويديين ‪ /‬المستقلّين أو المحاي دين‪.‬‬
‫كما ستقوم جماعة داخل رابطة التحليل النفسي البريطاني‪ ،‬لتعزي ز منظ ور م‪ .‬كالين و ص يانة إرثه ا‬
‫الثقيل‪ ،‬تدعى باسم “التحليل النفسي الكاليني” (‪ .)2‬إلى جانب حص ول امت دادات نظري ة أخ رى م ع‬
‫أتباعها‪ ،‬عرف بها الكالينيون المعاصرون‪ ،‬و الفرع البيوني من المدرسة الكالينية و ف رع وي نيكوت‬
‫من نظرية العالقة بالموضوع*‪  .‬هذا وقد ع رف مبحث التحلي ل النفس ي لألطف ال تط ّورا من خ ارج‬
‫بريطاني ا‪ ،‬بع دما تابعت ه وأب دعت في ه بش غف المحلل ة النفس ية الفرنس ية ‘فرونس واز دولتو‪   ‬‬
‫‪ ‘ Françoise Dolto‬الملقّبة في األوساط الباريس ية “بنجم ة روض االطف ال”‪ ،‬المك ان الملكي‬
‫الذي أعطت فيه أولية للطفل أن يعبّر‪ ،‬بدل أن يتكلم الراشد دائما باسمه‪ ،‬كما لو أنه هو الذي في حاجة‬
‫إلى عالج‪.‬‬

‫ت رى ميالني كالين أن القل ق عن د األطف ال وخي االتهم المبهم ة‪ ،‬يمكن اكتش افها وتعريته ا من خالل‬
‫مواقف التّحويل التي يب دونها أثن اء الجلس ات العالجي ة‪ ،‬ووص فت طريقته ا التحليلي ة ه ذه في كتابه ا‬
‫الرائد “التحليل النفسي لألطفال” ‪ The Psycho – analysis of Children‬عام (‪، )1932‬‬
‫والذي سعت من وراءه‪ ،‬بل ورة منهج تحليلي خ اص باألطف ال‪ ،‬الل ذين ينبغي علين ا فهمهم كراش دين‪.‬‬
‫فكانت في إطار تكنيك اللعب الفتي وقتها‪ ،‬تق ّدم لألطفال في حج رة االستش ارة العيادي ة ألعاب ا وم وادا‬
‫عام ة مث ل ال دمى‪ ،‬ونم اذج من الس يارات‪ ،‬وأقالم الرّص اص‪ ،‬وأوراق‪ ،‬وف رش األل وان‪ ،‬وك انت‬
‫تشجعهم على القيام بما يرغبون به‪ ،‬وتجلس وتشاهدهم وهم يلعبون‪ ،‬وتسأل أسئلة عابرة للتوصل ألي‬
‫نوع من المعاني الرمزية يضعها االطفال على هذه األش ياء‪ .‬حيث ت رى أن اللعب ل ه محت وى كامن ا‪،‬‬
‫يكشف عن مشاعر الطفل الالواعية (‪ . )3‬على سبيل المثال‪ ،‬فإن فتاة صغيرة تدعى ت رود ‘‪’Trude‬‬
‫لعبت متظاهرة في إحدى الجلسات العالجي ة أنه ا ته اجم محلّلته ا‪ ،‬وتبحث عن شخص يات من ال دمى‬
‫داخل معدتها‪ ،‬ورأت كالين أن ذلك يرمز لغيرتها من مولود شقيق قادم‪ ،‬يتطلب اهتماما من أمها‪.‬‬

‫وقد يستوقفنا في هذا الصدد سؤال ج ّد هام‪ ،‬نصوغه ت ّوا كاآلتي‪ :‬ماهي القيمة المضافة التي جاءت بها‬
‫ميالني كالين؟ نقول بالمختص ر المفي د ق درتها التحليلي ة على إدم اج الواق ع في التحلي ل النفسي‪“ ”  ‬‬
‫‪ L’integration de la réalité dans la psychanalyse‬فبالنس بة لفروي د‪ ،‬الع الم‬
‫ال داخلي ينقش ع لن ا خاص ة م ع المج از واألحالم واله وام‪ .‬أم ا بالنس بة لكالين‪ ،‬فإن ه واقعي ومح دد‬
‫وملموس‪ ،‬كمجم وع األش ياء المس تدمجة‪  ‬والمتتبع ة وجوده ا النفسي “‪ .”Intrapsychique‬لق د‬
‫رفضت كالين افتراض فرويد ‪ ،‬وهو كون الجانب الالواعي من العقل غير متاح أمام المحلل النفسي‪،‬‬
‫ورأت أن الالوعي يتكون من غرائز ومشاعر مرتبطة بها‪ ،‬يتم التعب ير عنه ا في أش كال من الس لوك‬
‫اإلنساني‪ ،‬وخاصة منه الطفولي‪  .‬لذلك وقبل أي تفسير ممكن ينبغي بنيات‪ ‬الالوعي‪ ‬وهو األم ر ال ذي‬
‫يتطلّب المزيد من الغوص في العالم الداخلي للطفل‪ ،‬وهو ال يزال في المه د‪ ،‬مفتق را للكالم ومدهوش ا‬
‫بالصورة‪ .‬فالسنين االولى تلعب بين األن ا االعلى واله و ال ذي يس بق ه ذا األخ ير في الظه ور‪ .‬وه ذه‬
‫نقطة أخرى تضاف الى اختالفاتها مع سيغموند فرويد‪.‬‬

‫تقصد م‪ .‬كالين بالعالم الداخلي في تحليالتها‪ ،‬هذا العالم الباطني الذي يظهر أكثر إفزاعا عندما نقترب‬
‫الس يطرة‪ .‬وهي تتح ول‬ ‫من حالة نفسية نكوصية أو أرخية (جد قديمة)‪ ،‬حيث النزوات المد ّمرة قريب ة ّ‬
‫بشكل تطوري انطالقا من صيرورات آنية لالستدماج ولإلسقاط التي يعرفها الطف ل أثن اء نم وه‪ .‬إنه ا‬
‫أساليب تعطي مكانا لألشياء الداخلية في الالشعور‪ ،‬وهي أكثر فأكثر تطابقا مع األش خاص الحقيق يين‬
‫(‪ .)4‬وت رى أن األطف ال يكوّن ون عالم ا داخلي ا من الص ورة الذهني ة‪ ،‬مب نين من أش كال وتجس يدات‬
‫لألشياء في العالم الحقيقي‪ .‬ونجد مسرح الع الم ال داخلي‪théatre du monde interne”   ‬‬
‫‪”le‬حس ب كالين‪ ،‬مؤثث ا بأش ياء محاي دة‪ ،‬لمواص فات فونتازمي ة ش بيهة بتل ك هي عن د األش خاص‪:‬‬
‫المؤخرة – الرحم – القضيب – الث دي (…) الخ‪  ،‬ه ذه االش ياء‪ ،‬تظ ل مفص ولة عن ‘األن ا’ ‪ ،‬ألنه ا‬
‫مستدمجة سلفا‪ .‬فالطف ل الكالي ني من ذ والدت ه ه و مرتب ط بحميمي ة م ع أش خاص أو بأش كال محاي دة‬
‫‪ ”partiels” aspect‬لهؤالء‪ .‬إذ النرجسية األولية الفرويدية‪ ،‬وهي حالة بدون شيء‪ ،‬تبقى قضية‬
‫غير موجودة عند كالين‪ ،‬التي تعتقد أن كل حياة نفسية هي عالقة شيئية (‪.)5‬‬
‫وبالنس بة لكالين‪ ،‬ال يمكن للموض وع ال داخلي ان يم ّر إال ع بر الفونت ازم الالش عوري كالكتاب ة أو‬
‫الرسوم الفونتازمية مثال‪ ،‬من أجل التسطّير على طابع ه الالواعي او ح تى الغفلي من ه‪ .‬وعلى خالف‬
‫التخيالت الواعي ة‪ ،‬فه و يتج ه ص وب التعب ير اإليح ائي‪ ،‬إذ اللعب به ذه األدوات وال دمى ك انت تلقي‬
‫الضوء على خيّاالت عالم الالشعور في ب اطن الطف ل‪ ،‬وتجعله ا نش يطة ومتدفق ة على ال دوام‪ .‬إن م ا‬
‫يقلق األطفال ليس في الغالب أشياء واقعية كما هو الحال لدى الكب ار‪ ،‬لكن لألطف ال منطقهم الخ اص‪.‬‬
‫ذلك المنطق ال ذي يش به تل ك الحقيق ة ال تي اكتش فها فروي د في األحالم‪ .‬ه ذا الع الم ال داخلي لألش ياء‬
‫موجود حتى عند البالغين‪ ،‬ولكن يقبع تحت طبقات عميقة جدا بداخلنا جميعا‪.‬‬

‫تعتبر م‪ .‬كالين مفهوم الموضوع ال داخلي ه و ج وهر الشخص ية‪ .‬ف إذا ك ان هن اك اقتن اع ب أن الش يء‬
‫المهم بداخله شيء سيء‪ ،‬سيؤدي ذلك إلى القلق وإلى اضطراب ذهني أو وج داني بعي د الم دى‪ .‬فه و‬
‫يخلق قاعدة تاريخية وعميقة للعالقة مع الذات من خاللها يمكن للطف ل التوح د م ع األش ياء الداخلي ة‪.‬‬
‫فاألشياء الداخلية هي أشباح‪ ،‬صور متجسدة في أشباح‪ ،‬التي من خاللها نتصرف كما لو كانت حقيقية‬
‫“‪،”réels‬‬

‫وحيث الهوام يوجد في قاعدة تكوين األشياء‪ ،‬بع د أن يح دث انعك اس عقلي لل نزوة‪ .‬باإلض افة إلى أن‬
‫اللحظات المعيشة تكون حاضرة في تكوين الرموز وفقا لميكانيزمات األطفال الدفاعية‪ .‬إنه ا تتمظه ر‬
‫من خالل التفكير الواقعي أو المجرد‪ ،‬يصبح التّخيل فيه حكم ا على الواق ع‪ ،‬ب ل ح تى الكلم ات نفس ها‬
‫تنحدر من تع ديل للهوام ات‪ .‬من هن ا تحدي دا انح درت مقارب ة جدي دة لتأوي ل األحالم‪ ،‬ص ورة لحي اة‬
‫الواعية مصبوغة على ‘أحالم اليقظة’ مثال‪ ،‬التي لها مكان أيضا في حالة اليقظة‪ .‬وت أتي على ش اكلة‬
‫فونتازم الواعي أثناء الغفوة الخفيفة أو السهو الالإرادي‪ ،‬أو حالة شرود الذهن (‪.)6‬‬

‫وبخصوص التكون النفسي للطفل‪ ،‬تعتق د كالين ب أن األن ا غ ير ق ادر على تقس يم الموض وع ال داخلي‬
‫والخارجي بدون االنقسام داخل األنا‪ ،‬وبالتالي فإن هوامات ومشاعر الرضيع‪  ‬حول حال ة الموض وع‬
‫الداخلي تؤثر بش كل كب ير على بني ة األن ا‪ ،‬ف الكثير من الس ادية تس ود حالل عملي ة دمج الموض وع‪،‬‬
‫والكثير من الشعور بأن الموضوع‪  ‬مفتت‪ ،‬والمزيد من خطر تعرض األنا لالنقسام خالل العالق ة بين‬
‫الموضوع ال داخلي المفتت والمج زأ‪ .‬ه ذه العملي ة تص فها كالين “بهوام ات الرض يع”‪ .‬ففي ح االت‬
‫اإلحـــــباط و القلق الشديد‪ ،‬فإن الرض يع يك ون م دفوعا للقي ام بف رار إلى موضـــــــوعه ‘المتأمث ل‪ ‬‬
‫الداخلي’ ‪  ‬كوسيلة للهروب من االضطهاد‪ .‬وقد ينجم عن آلية الدفاع هذه اضطرابات خطيرة‪ ،‬وعن دما‬
‫يكون الخوف االضطهادي قويا فإن‪  ‬الف رار باتج اه الموض وع المتأمثل “‪ ”ideal object‬يص بح‬
‫بشكل مفرط يصل حد التوحد‪ ،‬وهذا ما يعيق نمو األن ا ويش وش العالق ة بالموض وع (‪ .)7‬كم ا ع ّدت‬
‫كالين أن خوف الطفل من هجر أمه ‪ ،‬ه ذا القل ق الطف ولي ال ذي أطل ق علي ه ‘ج ون بول بي ‪John  ‬‬
‫‪ ‘ Bowlby‬مصطلح “قل ق الهج ر”‪ ،‬ل ه ه و المس ؤول عن ع دد من اض طرابات الشخص ية ل دى‬
‫األطفال والبالغين‪.‬‬

‫من بين أهم الميكانيزم ات النفس ية لكي ال نق ل معظمه ا‪ ،‬ال تي توص لت إليه ا كالين في مش وارها‬
‫التحليلي النفس ي لالوعي الطفلي‪ ،‬ن ذكر‪ :‬اإلس قاط وعملي ة االس تدماج – ‪Introjection‬‬
‫‪  Projection‬التق ّمص اإلس قاطي ‪ ، Projective indentification‬انفص ام الشخص ية‬
‫‪ ، Clivage de le personnalité‬العالقات الشيئية ‪ Objet relations‬العالم الداخلي ‪Le‬‬
‫‪ – monde interieure‬الموضوع المتأمثل ‪ .ideal object‬أم ا فيه ا يه ّم اعماله ا‪ ،‬نجي د‬
‫ب ذكر‪ :‬التحلي ل النفس ي لألطف ال (‪“ ،)1932‬الحب والكراهي ة والتع ويض” (‪“ ،)1937‬التش خيص‬
‫بواسطة اللعب عند األطفال” )‪“ ،(1929‬المراحل المبكرة لعقدة أوديب” )‪ ،(1928‬و”التطور المبكر‬
‫للوعي عند الطفل” (‪.  )1933‬‬
‫كان مفهوم كالين عن الع الم ال داخلي عميق ا بش كل يف وق التوق ع‪ .‬فق د اكتش فت حي اة غني ة ج دا مليئ ة‬
‫بالشخصيات واألشكال المستش ربة ‪ ،‬كم ا ل و أن األطف ال يلعب ون به ذا األش ياء ‘هم’ داخ ل أنفس هم‪،‬‬
‫بطريقة قلقة ولكن خالقة‪ ،‬من أجل تأكيد ذاتهم‪ ،‬مواقفهم‪ ،‬تمثالتهم‪ ،‬رغابتهم‪ ،‬وهذه األخيرة أهم ش يء‬
‫(‪ .)8‬إنهم يتكلمون معنا بلغة مرموزة و إيحائية من الص عب فهم مقاص دها‪ ،‬ب دون توجي ه من ط رف‬
‫المحلّل‪ .‬حتى إنه اصبح يسود اعتقاد في أوساط التحليل النفسي تترجمه القناعة التالية‪ :‬إذا كان فروي د‬
‫قد اكتشف الطفل حتى سن البلوغ‪ ،‬فميالني كالين قد اكتشفته مبكرا في سن الطفول ة‪ .‬أم ا فيم ا يتعل ق‬
‫بالتجديد في حقل النظرية التحليلية النفسية‪ ،‬فقد أضافت كالين إشباعا آخرا غير إشباع السعادة والل ذة‬
‫عند فرويد‪ ،‬إنه إشباع الكفاح في حل الصراعات‪.‬‬

‫فيما يخص الهوى الوهمي المؤس س لألنوث ة‪ ،‬يختل ف النم و للفت اة‪ ،‬كم ا تص ورته كالين‪ ،‬ج ذريا عن‬
‫التصور الفرويدي‪ ،‬غير أنه ال ينفي بعض التعالقات الخفي ة‪  .‬وتس تغل كالين ثغ رة فتحه ا فروي د في‬
‫نظريته ح ول الحي اة الجنس ية‪ ،‬لت دخل منه ا مح ّمل ة بتس اؤالت الخاص ة‪ .‬فقل ق اإلخص اء يلعب دورا‬
‫حاسما في عصاب الرجل‪ ،‬لكن هذا ال يسري على المرأة‪ ،‬كما يالحظ فرويد نفسه‪ ،‬فاإلخصاء بالنسبة‬
‫لها عمل منجز‪ .‬ومحاولة فهم األنوثة من خالل عقدة االخصاء ونواتها “ش هوة القض يب” ‪ ،‬القت من‬
‫هن ا هشاش تها (‪ .)9‬ف القلق الب دائي األص لي للفت اة والم رأة‪ ،‬كم ا تش ّدد “م‪ .‬كالين”‪ ،‬يتعل ق بالجس د‬
‫الداخلي‪ ،‬وهذا ما غاب تماما من اعتبارات فرويد‪ ،‬إنها الخشية في أن ت رى نفس ها مس تلبة‪ ،‬أو يلح ق‬
‫األذى بأحشاء جس دها‪ ،‬وبالدرج ة االولى‪ ،‬أعض ائها التناس لية‪ .‬ولن يس عنا المق ام هن ا لع رض كيفي ة‬
‫التّكون النفسي الجنسي لألنوثة ل دى كالين (‪ ،)10‬مكتف يين بتعلي ق المحل ل النفس ي ‘ارنيس ت ج ونز’‬
‫‪ ‘ Ernest Jones‬على ه ذا الجف اء الكالي ني تج اه األوديب الفروي دي ق ائال‪ :‬إن نظري ة كالين‬
‫والمقربين لها‪ ،‬ال ترضى بإدراج نمو الفتاة النفسي الجنسي تحت طائلة االلتباس االوديبي‪ ،‬ب ل تس عى‬
‫في نفس الوقت التحذلق على الموقف الفرويدي برمته‪ ،‬والنيل من نوات ه العص ابية الش ديدة االرتب اط‬
‫باالوديب‪.‬‬

‫عموما فقد تميزت كالين كمحللة نفسية بتشخيصها العميق والغامض لأللم ال داخلي والح زن وعالقت ه‬
‫بحاالت اله وس االكتئ ابي‪ .‬ومم ا ق د ال ي دعوا إلى االس تغراب في س يرتها الذاتي ة كم ا تحكيه ا‪ ،‬ه و‬
‫سقوطها هي نفسها عدة مرات فريسة هذا المرض‪ ،‬بعد ان ض حّت بك ل ش يء أبناءه ا الل ذين لم تكن‬
‫عالقتها جيدة معهم‪ ،‬وزوجها الذي طلقته‪ ،‬مكرّس ة نفس ها لمي دان التحلي ل النفس ي بع د هجرته ا‪ .‬ه ذا‬
‫الطم وح الص ادق جعله ا اك ثر ج رأة ‪ ،‬وه ا هي ش هادة في حقه ا من أح د أتباعه ا المب دعين “بيت‬
‫جوزيف” حين ذكر ذات مرة أنها ح تى في لحظاته ا األخ يرة في المستش فى‪ ،‬ك انت تواق ة الكتش اف‬
‫تجربة الموت (‪.)11‬‬

‫‪ ‬المراجع‪:‬‬

‫‪ . 1‬خمسون عالما اجتماعيا اساسيا‪ -‬المنظرون المعاصرون‪ ،‬تحرير جون سكوت‪ ،‬ترجمة محم ود محم د حلمي‪ ،‬مراجع ة جب ور‬
‫سمعان‪ ،‬الشبكة العربية للطبع والنشر‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪.309‬‬

‫قام ساندور فرنزي )‪ Sándor Ferenczi (1873- 1933‬ومدرسة بودابست للتحليل النفسي بالتشديد على أهمية‬ ‫‪.2‬‬
‫النظر في الصدمات النفسية الفعلية في مرحلة الطفولة واالعتراف بها‪ ،‬وخصائص العالقة بين الطفل واألم في المرحل ة المبك رة‪،‬‬
‫وأثر “التباس االلسنة” (االلتباس بين تعلق الطفل الرقيق واحتياجات البالغ الجنسية) في النمو الجنسي واالضطرابات النفسية فيم ا‬
‫بعد‪ .‬وقد ركز فرنزي على العمليات المتبادلة والتفاعلي ة الذاتي ة بين الم ريض والمحل ل‪ ،‬وعلى ال دور الب ارز ال ذي يؤي ده ص دق‬
‫المحلل وعمله الداخلي (التحليل الذاتي) في اللقاء التحليلي‪ .‬راجع في هذا الصدد‪:‬‬

‫‪Georges Pragier. Sándor Ferenczi Monographies de la Revue française de‬‬


‫‪.(psychanalyse, PUF, 1995, (ISBN 213047120X‬‬
‫* علم نفس األن ا م ع أن ا فروي د (‪ )1982 -1895‬الترك يز على عم ل األن ا الش عورية والالش عورية‪ ،‬ودوره ا في ال دفاعات‬
‫الالشعورية وأثرها التثبيطي على العمليات النفسية‪.‬‬

‫* فسر دونال دز وي نيكوت (‪ )1971-1896‬كي ف أن البيئ ة الحاض نة الخاص ة بالوال دة الجي دة كفاي ة ستس مح لنفس الطف ل بتش كيل‬
‫تمثالت للذات ولآلخر ‪ .‬وفي المساحة المتوسطة بين الطفل والوالدة‪ ،‬يجد ويخلق األول ما يس ميه موض وع انتقالي ا (غط اء أم ان)‬
‫يكون أو ال يكون الوالدة‪ .‬فإن هذه المساحة او‪  ‬المتوسطة المحتملة بين الواقع الداخلي ال ذي ينظ ر الي ه من منظ ور ذاتي‪  ‬والواق ع‬
‫الخارجي الذي ينظر اليه موضوعيا‪ ،‬ستبقى مت وفرة باعتباره ا مس احة داخلي ة الختب ار الحي اة وخل ق األفك ار الجدي دة والص ور‬
‫والتخيالت والفن‪ ،‬وتشكيل مختلف ميزات الثقاف ة‪ .‬ف إن ك انت الوال دة ق ادرة على االس تجابة بتع اطف إليم اءات الطف ل العفوي ة ‪،‬‬
‫سيتمكن الطفل من تشكيل تمثل للذات الفعلية مع القدرة على اللعب واإلب داع‪ .‬ولكن إذا أخط أت الوال دة في تفس ير إيم اءات الطف ل‬
‫بشكل مستمر بحسب احتياجاتها الخاصة‪ ،‬ستبقى ذات الطفل الحقيقية مخفي ة خل ف درع ال ذات الزائف ة ال تي يتم تش كيلها من أج ل‬
‫البقاء‪ .‬وقد تؤدي فيما بعد في الحياة إلى التصرف الزائف‪.‬‬

‫‪ . 3‬خمسون عالما اجتماعيا اساسيا‪ -‬المنظرون المعاصرون‪ ،‬تحرير جون سكوت‪ ،‬ترجمة محم ود محم د حلمي‪ ،‬مراجع ة جب ور‬
‫سمعان‪ ،‬الشبكة العربية للطبع والنشر‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪ ،310‬ص ‪.311‬‬

‫‪Essais. Melanie klein , les objets du monde interne : in le point références, la‬‬ ‫‪.4‬‬
‫‪.psychanalyse après freud, p 30‬‬

‫‪Essais. Melanie klein , les objets du monde interne : in le point références, .5‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪.la psychanalyse après freud, p 30‬‬

‫‪Essais. Melanie klein , le processus d’identification projective : in le point‬‬ ‫‪.6‬‬


‫‪.références, la psychanalyse après freud, p 32‬‬

‫‪7. ‬المرجع ‪ :‬مذكرات حول بعض الميكانيزمات الفص امية ميالني كالين‪ ،‬ع رض وترجم ة هي ام عالء ال دين‪ ،‬منش ور على موق ع‬
‫مجموعة القاهرة للتحليل النفسي ‪.https://sites.google.com/site/egypsa2/articles  ‬‬

‫مدخل إلى ميالني كالين‪ :‬مؤلف جم اعي من ت أليف روب رت هتش ل وود وس وزان روبنس ون واوس كار زايت‪ ،‬ترجم ة‬ ‫‪.8‬‬
‫حمدى الجابري‪ ،‬مراجعة وإشراف وتقديم إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬المجلس االعلى للثقافة‪.2003 ،‬‬

‫ّ‬
‫معص ب‪ ،‬المؤسس ة الجامعي ة للدراس ات والنش ر‬ ‫ج اك اندري ه‪ ،‬ال نزوع الجنس ي االنث وي‪ ،‬ترجم ة اس كندر ج رجي‬ ‫‪.9‬‬
‫والتوزيع‪ ،2009 ،‬ص ‪ ،83‬ص ‪.84‬‬

‫‪Les stades précoces du conflit oedipien (1928), essais de psychanalyse , 1‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪.payot, 1980.p 237‬‬

‫مدخل الى ميالني كالين‪ :‬مؤلف جم اعي من ت أليف روب رت هتش ل وود وس وزان روبنس ون واوس كار زايت‪ ،‬ترجم ة‬ ‫‪.11‬‬
‫حمدى الجابري‪ ،‬مراجعة وإشراف وتقديم إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬المجلس االعلى للثقافة‪.2003 ،‬‬

You might also like