You are on page 1of 712

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة‬

‫الكتاب‪ :‬موسوعة امللل واألداين‬


‫إعداد‪ :‬جمموعة من الباحثني إبشراف الشيخ َعلوي بن عبد القادر السقاف‬
‫الناشر‪ :‬موقع الدرر السنية على اإلنرتنت ‪dorar.net‬‬
‫عدد األجزاء‪2 :‬‬
‫مت حتميله يف‪ /‬ربيع األول ‪ 1433‬هـ‬
‫[الكتاب مرقم آليا]‬

‫ـ[موسوعة امللل واألداين]ـ‬


‫إعداد‪ :‬جمموعة من الباحثني إبشراف الشيخ َعلوي بن عبد القادر السقاف‬
‫الناشر‪ :‬موقع الدرر السنية على اإلنرتنت ‪dorar.net‬‬
‫عدد األجزاء‪2 :‬‬
‫مت حتميله يف‪ /‬ربيع األول ‪ 1433‬هـ‬
‫[الكتاب مرقم آليا]‬

‫(‪)/‬‬

‫مقدمة‬
‫اإلس َماغ غدبنا لَـلَن بـ يقبل غم ينهْ وهو غيف ياخآ غررغ غمن ي غ‬
‫اَخَاس غر َ‬
‫بن [آل عمران‪:‬‬ ‫َ َ‬ ‫ي ْ َ َ َ َْ‬ ‫َر يغ ي‬
‫احلمد هلل القا ل َوَم ين بَـ يبـتَ غ يَ ي َ‬
‫‪ ]85‬والصما والسما على املبعوث رمحة للعاملني نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫َّأما بعد‪:‬‬
‫لما شك أن الكما يف األداين املخالفة للدبن احلق دبن اإلسما ‪ ،‬وبيان ما هي عليه من الضمال‬
‫والزب عن الصراط املستقيم ‪ -‬واليت تتخبط ربط عشواء يف عقا دها وألكارها‪ -‬له أمهية كبَر ‪ .‬لبه‬
‫تستبني سبيل اهلدابة من سبل الضمال‪ ،‬وبعرف احلق من الباطل‪ ،‬وبه تقا احلجة على املقلد اجلاهل‪،‬‬
‫غ‬
‫يل ال ْيم يج غرم َ‬
‫ني [األنعا ‪ ،]55 :‬واملسلم حيمد هللا‬ ‫ت ولغتَستَبغ َ غ‬
‫غ‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬وَك َذلغ َ غ‬
‫ني َسب ْ‬ ‫ك نْـ َفص ْل ياخآ َاي َ ي‬ ‫َ‬
‫تعاىل أن هداه لإلسما ‪ ،‬وبزداد بقينا بدبنه‪ ،‬كلما ازداد علمه بتلك الدايانت وبقف على أوجه‬
‫االحنراف ليها وشبهها اليت بتعلقون هبا‪.‬‬
‫السيما يف هذا العصر مع هذا االنفتاح اهلا ل‪ ،‬والتواصل الدا م الذي بعيشه العامل اخآن‪ ،‬سواء كان‬
‫عرب شكة اإلنرتنت‪ ،‬أو يَرها من وسا ل اإلعما ‪.‬‬
‫هذا وقد ألف العلماء قدميا وحدبثا يف امللل والنحل كتبا كثَر ‪ ،‬منها املطول ومنها املختصر‪ ،‬ومنها‬
‫اجلامع‪ ،‬ومنها املقتصر على بعض تلك األداين‪ ،‬وملا كان الوقوف على أكثر هذه الكتب عسَرا‪،‬‬
‫كثَر منها حباجة إىل حتقيق وتنقيح‪ ،‬وتنقية وتصفية‪ ،‬وليس ليها كتاب‬
‫وبعضها ليه الصواب واَخطأ‪ ،‬و ٌ‬
‫واحد‪ ،‬بل وال برانمج أو موقع إلكرتوين واحد جيمع كل هذه األداين السماوبة منها والوثنية‪ ،‬شرعنا‬
‫بفضل هللا وتوليقه يف موقع الدرر السنية جبمع ما تفرق يف كتب األداين القدمية واملعاصر ‪ ،‬معرلني‬
‫هبا‪ ،‬وأببرز شخصياهتا‪ ،‬وألكارها ومعتقداهتا‪ ،‬والرد على الشبه املتعلقة هبا‪ ،‬وأماكن انتشارها ومواقع‬
‫نفوذها ويَرها من املباحث‪ ،‬وذلك من عشرات الكتب واملراجع مع حتقيقها‪ ،‬وتنقيحها‪ ،‬والتأليف‬
‫بينها‪ ،‬وختربج أحادبثها‪ ،‬وتصنيفها تضنيفا موضوعيا شجراي‪ ،‬مع احلرص على ذكر الكما املنقول كما‬
‫هو مع ذكر املرجع‪ ،‬إال أنه أحياان بتم التصرف يف بعض املواضع وبشار إىل ذلك‪ ،‬ونسأل هللا أن‬
‫جيعل عملنا رالصا لوجهه الكرمي‪ ،‬وبنفع به املسلمني‪.‬‬

‫(‪)1/1‬‬

‫متهيد‬
‫احلمد هلل الذي رضي لنا اإلسما دبنا‪ ،‬ونصب لنا الداللة على صحته برهاان مبينا‪ ،‬وأوضح السبيل‬
‫إىل معرلته واعتقاده حقا بقينا‪ ،‬ووعد من قا أبحكامه وحفظ حدوده أجرا جسيما‪ ،‬وذرر ملن والاه‬
‫به ثوااب جزبما ولوزا عظيما‪ ،‬ولرض علينا االنقياد له وألحكامه‪ ،‬والتمسك بدعا مه وأركانه‪،‬‬
‫واالعتصا بعراه وأسبابه‪.‬‬
‫لهو دبنه الذي ارتضاه لنفسه وألنبيا ه ورسله ومما كة قدسه‪ ،‬لبه اهتدى املهتدون وإليه دعا األنبياء‬
‫واملرسلون‪.‬‬
‫ض طَ يوعا َوَك يرها َوإغلَيي غه بْـ ير َج ْعو َن [آل عمران‪]:‬‬ ‫السماو غ‬ ‫أَلَـغَ غ غ‬
‫ات َواأل يَر غ‬ ‫َسلَ َم َمن غيف َّ َ َ‬
‫َر دب غن هللا بَـ يبـغْو َن َولَهْ أ ي‬
‫يَ‬
‫غ‬
‫َر ا غإل يسماَغ غدبنا لَـلَن بْـ يقبَ َل م ينهْ‬ ‫‪ ،83‬لما بْقبل من أحد دبن سواه من األولني واخآرربن َوَمن بَـ يبـتَ غ يَ ي َ‬
‫اخآررغ غمن ي غ‬ ‫غ‬
‫بن [آل عمران‪.]:85‬‬ ‫اَخَاس غر َ‬ ‫َو ْه َو غيف َ َ‬
‫شهد أبنه دبنه‪ ،‬قبل شهاد األان ‪ ،‬وأشاد به ورلع ذكره ومسَّى به أهله‪ ،‬وما اشتملت عليه األرحا ‪،‬‬
‫لقال تعاىل‪َ :‬ش غه َد هللاْ أَنَّهْ الَ إغلَهَ إغالَّ ْه َو َوال َيمماَغ َكةْ َوأ يْولْواي ال غيعل غيم قَآ غ َما غابل غيق يس غط الَ إغلَهَ إغالَّ ْه َو ال َيع غز ْبز‬
‫يكتَاب إغالَّ غمن بـ يع غد ما ج ْ غ‬ ‫غ‬ ‫هللا ا غإلسماَ وما ا يرتَـلَ َ َّ غ‬ ‫الدبن غعن َد غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يم بَـ يغيا‬‫اءه ْم اليعل ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫بن أ يْوتْواي ال َ‬ ‫ف الذ َ‬ ‫ي ْ ََ‬ ‫يم إغ َّن َ‬ ‫ا يحلَك ْ‬
‫بع ا يحلغس غ‬ ‫غ غ غ غ غ‬
‫اب [آل عمران‪.]19 - 18 :‬‬ ‫بَـ ييـنَـ ْه يم َوَمن بَ يك ْف ير ِب َايت هللا لَإ َّن هللا َس غر ْ َ‬
‫وجعل أهله هم الشهداء على الناس بو بقو األشهاد‪ ،‬لغما لضلهم به من اإلصابة يف القول والعمل‬
‫اه ْدوا غيف َّغ‬
‫اَّلل َح َّق‬ ‫واهلدى والنية واالعتقاد؛ إذ كانوا أحق بذلك وأهله يف سابق التقدبر‪ ،‬لقال وج غ‬
‫ََ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ َّ غ غ غ‬ ‫غ غ‬ ‫غغ‬
‫مني من‬ ‫اجتَـبَا ْك يم َوَما َج َع َل َعلَيي ْك يم غيف الدب غن م ين َح َر ٍج ملةَ أَبي ْك يم إبيـ َراه َ‬
‫يم ْه َو َمسَّا ْك ْم ال ْيم يسل َ‬ ‫غج َهاده ْه َو ي‬
‫الص َما َ َوآتْوا َّ‬
‫الزَكا َ‬ ‫يموا َّ‬ ‫ول َش غهيدا َعلَي ْكم وتَ ْكونْوا ْشه َداء َعلَى الن غ غ‬
‫َّاس لَأَق ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ي يَ‬ ‫الر ْس ْ‬‫قَـ يب ْل َوغيف َه َذا لغيَ ْكو َن َّ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ غ‬
‫َر [احلج‪.]78 :‬‬ ‫َوا يعتَص ْموا اب ََّّلل ْه َو َم يوَال ْك يم لَن يع َم ال َيم يو َىل َون يع َم النَّص ْ‬
‫س ْن‬
‫َح َ‬
‫وحكم سبحانه أبنه أحسن األداين‪ ،‬وال أحسن من حكمه وال أصدق منه قيما لقال‪َ :‬وَم ين أ ي‬
‫يم َرلغيما [النساء‪:‬‬ ‫غ غ‬ ‫َسلَم و يج َههْ هلل و ْهو ْحمي غسن واتَّـبَع غملَّةَ إغبيـر غاه غ َّ‬ ‫غ غ‬
‫يم َحنيفا َواختَ َذ هللاْ إبيـ َراه َ‬
‫َ َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ َ‬ ‫دبنا ِمَّ ين أ ي َ َ‬
‫‪.]125‬‬
‫وكيف ال مييز من له أدىن عقل برجع إليه بني دبن قا أساسه وارتفع بناؤه على عباد الرمحن‪ ،‬والعمل‬
‫مبا حيبه وبرضاه مع اإلرماص يف السر واإلعمان‪ ،‬ومعاملة رلقه مبا أمر به من العدل واإلحسان‪ ،‬مع‬
‫س بنيانه على شفا جرف هار لاهنار بصاحبه يف النار‪.‬‬ ‫غ‬
‫إبثار طاعته على طاعة الشيطان‪ ،‬وبني دبن أْس َ‬
‫س على عباد النَران‪ ،‬وعقد الشركة بني الرمحن والشيطان‪ ،‬وبينه وبني األواثن‪.‬‬ ‫غ‬
‫أْس َ‬

‫(‪)2/1‬‬

‫أو دبن أسس بنيانه على عباد الصلبان والصور املدهونة يف السقوف واحليطان‪ ،‬وأن رب العاملني‬
‫نزل عن كرسي عظمته لالتحم ببطن أنثى وأقا هناك مد من الزمان‪ ،‬بني د الطمث يف ظلمات‬
‫األحشاء حتت ملتقى األعكان‪ ،‬مث ررج صبيًّا رضيعا بشب شيئا لشيئا وببكي وأيكل وبشرب وببول‬
‫وبنا وبتقلب مع الصبيان‪ ،‬مث أودع يف املكتب بني صبيان اليهود بتعلم ما بنبغي لإلنسان‪ ،‬هذا وقد‬
‫قطعت منه القلفة حني اَختان‪ ،‬مث جعل اليهود بطردونه وبشردونه من مكان إىل مكان‪ ،‬مث قبضوا عليه‬
‫وأحلوه أصناف الذل واهلوان‪ ،‬لعقدوا على رأسه من الشوك اتجا من أقبح التيجان‪ ،‬وأركبوه قصبة‬
‫ليس هلا جلا وال عنان‪ ،‬مث ساقوه إىل رشبة الصلب مصفوعا مبصوقا على وجهه وهم رلفه وأمامه‬
‫وعن مشا له وعن األميان‪.‬‬
‫مث أركبوه ذلك املركب الذي تقشعر منه القلوب مع األبدان‪ ،‬مث ْشدَّت ابحلبال بداه مع الرجلني‪ ،‬مث‬
‫رالطهما تلك املسامي اليت تكسر العظا ومتزق اللحمان‪ ،‬وهو بستغيث‪ :‬اي قو ارمحوين! لما برمحه‬
‫منهم إنسان‪ ،‬هذا وهو مدبر العامل العلوي والسفلي الذي بسأله من يف السماوات واألرض كل بو‬
‫هو يف شأن‪ ،‬مث مات ودلن يف الرتاب حتت صم اجلنادل والصوان‪ ،‬مث قا من القرب وصعد إىل عرشه‬
‫وملكه بعد أن كان ما كان‪ ،‬لما ظنك بفرو ٍع هذا أصلها الذي قا عليه البنيان‪.‬‬
‫أو دبن أسس بنيانه على عباد اإلله املنحوت ابألبدي بعد حنت األلكار من سا ر أجناس األرض‬
‫على ارتماف األنواع واألصناف واأللوان‪ ،‬واَخضوع له والتذلل واَخرور سجودا إىل األذقان‪ ،‬ال بممن‬
‫من بدبن به‪ ،‬ابهلل وال مما كته وال كتبه وال رسله وال لقا ه بو جيزى املسيء إبساءته واحملسن‬
‫ابإلحسان‪.‬‬
‫أو دبن األمة الغضبية الذبن انسلخوا من رضوان هللا كانسماخ احلية من قشرها‪ ،‬وابءوا ابلغضب‬
‫واَخزي واهلوان‪ ،‬ولارقوا أحكا التورا ونبذوها وراء ظهورهم واشرتوا هبا القليل من األامان‪ ،‬لرتحل‬
‫عنهم التوليق وقارهنم اَخذالن‪ ،‬واستبدلوا بوالبة هللا ومما كته ورسله وأوليا ه والبة الشيطان‪.‬‬
‫أو دبن أسس بنيانه على أن رب العاملني وجود مطلق يف األذهان‪ ،‬ال حقيقة له يف العيان‪ ،‬ليس‬
‫بدارل يف العامل وال رارج عنه‪ ،‬وال متصل به وال منفصل عنه‪ ،‬وال حمابث وال مبابن له‪ ،‬ال بَسمع‪،‬‬
‫وال بَرى‪ ،‬وال بعلم شيئا من املوجودات وال بفعل ما بشاء‪ ،‬ال حيا له‪ ،‬وال قدر ‪ ،‬وال إراد ‪ ،‬وال‬
‫ارتيار‪ ،‬ومل خيلق السموات واألرض يف ستة أاي بل مل تزل السموات واألرض معه‪ ،‬وجودها مقارن‬
‫لوجوده‪ ،‬مل حيدثها بعد عدمها‪ ،‬وال له قدر على إلنا ها بعد وجودها‪ ،‬ما أنزل على بشر كتااب‪ ،‬وال‬
‫أرسل إىل الناس رسوال‪ ،‬لما شرع بْـتَّبع‪ ،‬وال رسول بْطاع‪ ،‬وال دار بعد هذه الدار‪ ،‬وال مبدأ للعامل وال‬
‫معاد‪ ،‬وال بعث وال نشور‪ ،‬وال جنة وال انر‪ ،‬إن هي إال تسعة ألماك وعشر عقول‪ ،‬وأربعة أركان‬
‫وت َوَيحنيَا َوَما‬ ‫وألماك تدور‪ ،‬وجنو تسَر‪ ،‬وأرحا تدلع‪ ،‬وأرض تبلع َوقَالْوا َما غه َي إغَّال َحيَاتْـنَا ُّ‬
‫الدنيـيَا ََنْ ْ‬
‫ك غم ين غعل ٍيم إغ ين ْه يم إغَّال بَظْنُّو َن [اجلاثية‪.]24 :‬‬
‫َّه ْر َوَما َهلْم بغ َذلغ َ‬
‫بْـ يهلغ ْكنَا إغَّال الد ي‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شربك له‪ ،‬وال ضد له وال ند له‪ ،‬وال صاحبة له وال ولد له‪ ،‬وال‬
‫كفء له‪ ،‬تعاىل عن إلك املبطلني‪ ،‬وررص الكاذبني‪ ،‬وتقدس عن شرك املشركني‪ ،‬وأابطيل امللحدبن‪.‬‬
‫كذب العادلون به سواه‪ ،‬وضلوا ضماال بعيدا‪ ،‬ورسروا رسراان مبينا ما َّاختَ َذ َّ غ‬
‫اَّللْ من َولَ ٍد َوَما َكا َن َم َعهْ‬ ‫َ‬
‫ض سبحا َن َّغ‬
‫اَّلل َع َّما ب غ‬ ‫ب ْك ُّل إغلَ ٍه غمبَا َرلَ َق َولَ َع َما بَـ يع ْ‬ ‫غ غ ٍ غ َّ‬
‫ص ْفو َن [املممنون‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ض ْه يم َعلَى بَـ يع ٍ ْ ي َ‬ ‫م ين إلَه إذا ل َذ َه َ‬
‫‪.]91‬‬
‫(‪)3/1‬‬

‫وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪ ،‬وصفوته من رلقه‪ ،‬ورَرته من بربته‪ ،‬وأمينه على وحيه‪ ،‬وسفَره بينه‬
‫وبني عباده‪ ،‬ابتعثه خبَر ملة وأحسن شرعة‪ ،‬وأظهر داللة‪ ،‬وأوضح حجة‪ ،‬وأبني برهان إىل مجيع‬
‫العاملني إنسهم وجنهم عرهبم وعجمهم حاضرهم وابدبهم‪ ،‬الذي بشرت به الكتب السالفة‪ ،‬وأرربت‬
‫به الرسل املاضية‪ ،‬وجرى ذكره يف األعصار‪ ،‬يف القرى واألمصار‪ ،‬واألمم اَخالية‪ ،‬ضربت لنبوته‬
‫البشا ر من عهد آد أيب البشر‪ ،‬إىل عهد املسيح ابن البشر‪ ،‬كلما قا رسول أرذ عليه امليثاق‬
‫ابإلميان به والبشار بنبوته‪ ،‬حىت انتهت النبو إىل كليم الرمحن‪ ،‬موسى بن عمران‪ ،‬لأذن بنبوته على‬
‫رؤوس األشهاد بني بين إسرا يل معلنا ابألذان‪ :‬جاء هللا من طور سيناء‪ ،‬وأشرق من ساعَر‪ ،‬واستعلن‬
‫من جبال لاران‪.‬‬
‫إىل أن ظهر املسيح ابن مرمي عبد هللا ورسوله وروحه وكلمته اليت ألقاها إىل مرمي‪ ،‬لأذن بنبوته أذاان مل‬
‫بمذنه أحد مثله قبله‪ ،‬لقا يف بين إسرا يل مقا الصادق الناصح‪ ،‬وكانوا ال حيبون الناصحني لقال‪:‬‬
‫ي غم َن التـ يَّوَرا غ َوْمبَ غشرا‬
‫ني بَ َد َّ‬
‫صدقا ملَا بَ ي َ‬‫َ‬
‫ال غعيسى ابن مرَمي اي ب غين إغسرا غيل إغغين رس ْ غ‬
‫اَّلل إغلَي ْكم ُّم غ‬
‫ول َّ ي‬ ‫َوإغ يذ قَ َ َ ي ْ َ ي َ َ َ ي َ َ َ ْ‬
‫ني [الصف‪.]6 :‬‬ ‫ات قَالْوا َه َذا غس يح ٌر ُّمبغ ٌ‬
‫اءهم غابليبـيغنَ غ‬
‫َمحَ ْد لَـلَ َّما َج ْ َ‬ ‫ول َأيغيِت غمن بَـ يع غدي ي‬
‫امسْهْ أ ي‬ ‫بغر ْس ٍ‬
‫َ‬
‫اتهلل لقد أذن املسيح أذاان أمسعه البادي واحلاضر‪ ،‬لأجابه املممن املصدق وقامت حجة هللا على‬
‫اجلاحد الكالر‪.‬‬
‫هللا أكرب‪ ،‬هللا أكرب عما بقول ليه املبطلون وبصفه به الكاذبون‪ ،‬وبنسبه إليه املفرتون واجلاحدون‪ ،‬مث‬
‫قال‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شربك له‪ ،‬وال ند له وال كفء له‪ ،‬وال صاحبة له وال ولد له‪،‬‬
‫بل هو األحد الصمد الذي مل بلد ومل بولد ومل بكن له كفوا أحد‪ ،‬مث رلع صوته ابلشهاد ألريه وأوىل‬
‫الناس به‪ ،‬أبنه عبد هللا ورسوله‪ ،‬وأنه أركون العامل‪ ،‬وأنه روح احلق الذي ال بتكلم من قبل نفسه إَنا‬
‫بقول ما بقال له‪ ،‬وأنه خيرب الناس بكل ما أعد هللا هلم‪ ،‬وبسوسهم ابحلق‪ ،‬وخيربهم ابلغيوب وجييئهم‬
‫ابلتأوبل‪ ،‬وبوبخ العامل على اَخطيئة‪ ،‬وخيلصهم من بد الشيطان‪ ،‬وتستمر شربعته وسلطانه إىل آرر‬
‫الدهر‪ ،‬وصرح يف أذانه ابمسه ونعته وصفته وسَرته حىت كأهنم بنظرون إليه عياان‪ ،‬مث قال‪ :‬حي على‬
‫الصما رلف إما املرسلني وسيد ولد آد أمجعني‪ ،‬حي على الفماح ابتباع َم غن السعاد يف اتباعه‪،‬‬
‫والفماح يف الدرول يف زمر أشياعه‪ .‬لأذن وأقا وتوىل وقال‪ :‬لست أدعكم كاألبغتا ‪ ،‬وسأعود‬
‫وأصلي وراء هذا اإلما ‪ ،‬هذا عهدي إليكم‪ ،‬إن حفظتموه دا لكم امللك إىل آرر األاي ‪.‬‬
‫ونزهه‬
‫بشر برسالة أريه عليهما ألضل الصما والسما ‪ ،‬وصدَّق به أروه َّ‬ ‫لصلى هللا عليه غمن ٍ‬
‫انصح َّ‬
‫عما قال ليه ويف أمه أعداؤه املغضوب عليهم من اإللك والباطل وزور الكما ‪ ،‬كما نزه ربه ورالقه‬
‫ومرسله عما قال ليه املثلثة عباد الصليب‪ ،‬ونسبوه إليه من النقص والعيب والذ ‪.‬‬
‫‪O‬هدابة احليارى يف أجوبة اليهود والنصارى البن قيم اجلوزبة ص ‪24 - 19‬‬

‫(‪)4/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬تعربف األداين لغة واصطماحا‪:‬‬


‫األداين‪ :‬مجع دبن‪ ،‬والدبن يف اللغة مبعىن‪ :‬الطاعة واالنقياد‪ .‬والدبن يف االصطماح العا ‪ :‬ما بعتنقه‬
‫اإلنسان وبعتقده وبدبن به من أمور الغيب والشهاد (‪.)1‬‬
‫ويف االصطماح اإلسمامي‪ :‬التسليم هلل تعاىل واالنقياد له‪.‬‬
‫والدبن هو ملة اإلسما وعقيد التوحيد اليت هي دبن مجيع املرسلني من لدن آد ونوح إىل رامت‬
‫النبيني حممد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫الدبن غعن َد غ‬ ‫غ‬
‫هللا ا غإل يسماَ ْ [آل عمران‪ ]19 :‬وبعد أن جاء اإلسما لما بقبل هللا من‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬إغ َّن َ‬
‫اخآر َرغ غم َن‬‫الناس دبنا يَره‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ :‬ومن بـبـت غ يََر ا غإلسماَغ غدبنا لَـلَن بـ يقبل غم ينه وهو غيف غ‬
‫ْ َ َ ْ َ َْ‬ ‫َ َ َ ي َ يَ ي‬
‫ي غ‬
‫بن [آل عمران‪.]85 :‬‬ ‫اَخَاس غر َ‬
‫اَخغين غزب غر وما أ غْه َّل لغغَ غَر غ‬
‫هللا بغ غه َوال ْيم ين َخنغ َقةْ َوال َيم يوقْوذَ ْ‬ ‫وقال تعاىل‪ْ :‬ح غرَم ي‬
‫ي‬ ‫ت َعلَيي ْك ْم الي َم ييـتَةْ َوال َّيد ْ َو َحلي ْم ي َ َ‬
‫ب َوأَن تَ يستَـ يق غس ْمواي غابألَ يزالَغ ذَلغ ْك يم‬ ‫السبْ ْع إغالَّ َما ذَ َّك ييـتْ يم َوَما ذْبغ َح َعلَى الن ْ‬
‫ُّص غ‬ ‫يحةْ َوَما أَ َك َل َّ‬ ‫غ‬ ‫واليم َ غ‬
‫رتدبَةْ َوالنَّط َ‬
‫َ َْ‬
‫ت‬‫يت لَ ْك يم غدبنَ ْك يم َوأ يَمتَ يم ْ‬‫ش يو غن الييَـ يوَ أَ يك َمل ْ‬
‫ش يو ْه يم َوا ير َ‬ ‫غ‬
‫بن َك َف ْرواي من غدبنغ ْك يم لَماَ َختي َ‬ ‫لغس ٌق الييـو بئغ َّ غ‬
‫س الذ َ‬ ‫ي َي َ َ َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬ ‫غ‬ ‫َعلَيي ْك يم نغ يع َم غيت َوَرض ْ‬
‫غ‬
‫يم‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َر ْمتَ َجانف غإل يٍمث لَغإ َّن هللاَ يَ ْف ٌ‬ ‫صة يَ ي َ‬‫ضطَّْر غيف ََمي َم َ‬ ‫يت لَ ْك ْم ا غإل يسماَ َ دبنا لَ َم غن ا ي‬
‫[املا د ‪.]3 :‬‬
‫‪O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري ‪ -‬ص‪10‬‬
‫الدبن يف اللغة‪ :‬مشتق من الفعل الثماثي‪( :‬دان)‪ ،‬وهو اتر بتعدى بنفسه‪ ،‬واتر ابلما ‪ ،‬واتر ابلباء‪،‬‬
‫وخيتلف املعىن ابرتماف ما بتعدى به‪ ،‬لإذا تعدى بنفسه بكون (دانه) مبعىن ملكه‪ ،‬وساسه‪ ،‬وقهره‬
‫وحاسبه‪ ،‬وجازاه‪.‬‬
‫وإذا تعدى ابلما بكون (دان له) مبعىن رضع له‪ ،‬وأطاعه‪.‬‬
‫وإذا تعدى ابلباء بكون (دان به) مبعىن اختذه دبنا ومذهبا واعتاده‪ ،‬وختلق به‪ ،‬واعتقده‪.‬‬
‫وهذه املعاين اللغوبة للدبن موجود يف (الدبن) يف املعىن االصطماحي كما سيتبني؛ ألن الدبن بقهر‬
‫أتباعه وبسوسهم ولق تعاليمه وشرا عه‪ ،‬كما بتضمن رضوع العابد للمعبود وذلته له‪ ،‬والعابد بفعل‬
‫ذلك بدوالع نفسية‪ ،‬وبلتز به بدون إكراه أو إجبار‪.‬‬
‫الدبن يف االصطماح‪ :‬ارتلف يف تعربف الدبن اصطماحا ارتمالا واسعا حيث عرله كل إنسان‬
‫حسب مشربه‪ ،‬وما برى أنه من أهم ِميزات الدبن‪.‬‬
‫لمنهم من عرله أبنه (الشرع اإلهلي َّ‬
‫املتلقى عن طربق الوحي) وهذا تعربف أكثر املسلمني‪.‬‬
‫صرهْ الدبن على الدبن السماوي لقط‪ ،‬مع أن الصحيح أن كل ما‬
‫وبماحظ على هذا التعربف قَ ْ‬
‫بتخذه الناس وبتعبدون له بصح أن بسمى دبنا‪ ،‬سواء كان صحيحا‪ ،‬أو ابطما‪ ،‬بدليل قوله عز وجل‪:‬‬
‫اخآررغ غمن ي غ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫بن [آل عمران‪.]85 :‬‬ ‫اَخَاس غر َ‬ ‫َر ا غإل يسماَغ دبنا لَـلَن بْـ يقبَ َل م ينهْ َو ْه َو غيف َ َ‬
‫َوَمن بَـ يبـتَ غ يَ ي َ‬
‫لسمى هللا ما عليه مشركو العرب من‬ ‫ِل غدب غن [الكالرون‪َّ ،]6 :‬‬ ‫غ‬
‫وجل‪ :‬لَ ْك يم دبنْ ْك يم َوغ َ‬
‫وقوله عزّ َّ َّ‬
‫الوثنية دبنا‪.‬‬
‫أما يَر املسلمني لبعضهم خيصصه ابلناحية األرماقية كقول (كانت) (أبن الدبن هو املشتمل على‬
‫االعرتاف بواجباتنا كأوامر إهلية)‪.‬‬
‫وبعضهم خيصصه بناحية التفكر والتأمل كقول (رودلف إبوكن)‪( :‬الدبن هو التجربة الصولية اليت‬
‫جياوز اإلنسان ليها متناقضات احليا )‪ .‬إىل يَر ذلك من التعربفات اليت نظرت إىل الدبن من زاوبة‪،‬‬
‫وتركت أوجها وزوااي عد ‪.‬‬
‫وأرجح التعربفات أن بقال‪ :‬الدبن هو اعتقاد قداسة ذات‪ ،‬وجمموعة السلوك الذي بدل على‬
‫اَخضوع لتلك الذات ًّ‬
‫ذال وحبًّا‪ ،‬ريبة ورهبة‪.‬‬
‫لهذا التعربف ليه مشول للمعبود‪ ،‬سواء كان معبودا ًّ‬
‫حقا‪ -‬وهو هللا عز وجل‪ -‬أو معبودا ابطما‪ ،‬وهو‬
‫ما سوى هللا عز وجل‪.‬‬
‫كما بشمل أبضا العبادات اليت بتعبد الناس هبا ملعبوداهتم‪ ،‬سواء كانت مساوبة صحيحة كاإلسما ‪ ،‬أو‬
‫هلا أصل مساوي ووقع ليها التحربف والنسخ كاليهودبة‪ ،‬والنصرانية‪ ،‬أو كانت وضعية يَر مساوبة‬
‫األصل كاهلندوكية‪ ،‬والبوذبة‪ ،‬وعمو الوثنيات‪.‬‬
‫كما بربز التعربف حال العابد؛ إذ البد أن بكون العابد متلبسا ابَخضوع ًّ‬
‫ذال وحبًّا للمعبود حال‬
‫العباد ؛ إذ إن ذلك أهم معاين العباد ‪.‬‬
‫وببني التعربف أبضا هدف العابد من العباد ‪ ،‬وهو إما ريبة أو رهبة‪ ،‬أو ريبة ورهبة معا؛ ألن ذلك‬
‫هو مطلب بين آد من العباد ‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف ‪ -‬ص ‪11‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬وبطلق كذلك على الدبن (امللة) ومجعه‪( :‬ملل)‪.‬‬

‫(‪)5/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬الفرق بني الدبن واملذهب‪:‬‬


‫الدبن أمشل من املذهب‪ ،‬وأوسع مفهوما؛ ألن الدبن بشتمل على اعتقاد اإلنسان حول اَخالق‬
‫واملخلوقات وأمور الغيب واخآرر ‪ ،‬أما املذهب ليكون يف بعض هذه األمور أو مسا ل منها‪ ،‬وقد‬
‫بكون يف أمور احليا لقط‪.‬‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪10‬‬

‫(‪)6/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬تقسيم األداين‪:‬‬


‫تنقسم األداين اليت بدبن هبا البشر ابعتبار النظر يف املعبود إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬أداين تدعو إىل عباد هللا‪.‬‬
‫وهي يف الدرجة األوىل‪ :‬اإلسما ‪ ،‬مث بليه اليهودبة‪ ،‬أما النصرانية لإن واقعها وحقيقتها الشرك‪ ،‬وهو‬
‫عباد املسيح عليه السما والروح القدس مع هللا تعاىل‪ ،‬إال أن أصحاهبا بزعمون أهنم بعبدون هللا‬
‫الواحد ذو الثماثة أقانيم‪ -‬كما سيأِت تفصيل ذلك‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬أداين وثنية شركية تدعو إىل عباد يَر هللا عز وجل‪.‬‬
‫وهي‪ :‬اهلندوكية والبوذبة ويَرها من الشركيات القدمية واحلدبثة‪ ،‬والنصرانية ميكن اعتبارها من هذا‬
‫القسم على اعتبار عبادهتم للمسيح والروح القدس‪.‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪14‬‬

‫(‪)7/1‬‬
‫املبحث األول‪ :‬علم األداين يف القرآن الكرمي وكتابة املسلمني ليه‪:‬‬
‫القرآن الكرمي كتاب أنزله هللا عز وجل هلدابة البشربة مجعاء وهو رامت الكتب السماوبة‪ ،‬وهو كتاب‬
‫دعو وهدابة‪ ،‬هلذا ذكر هللا عز وجل ليه أداين الناس السابقة واملتزامنة مع نزوله‪ ،‬ألن ذلك وسيلة‬
‫من وسا ل دعو أصحاب األداين‪ ،‬لإن عرض ما هم عليه من الباطل وبيان أوجه بطمانه مع عرض‬
‫احلق والرتكيز على ِميزاته‪ ،‬وأوجه رجحانه‪ ،‬كل ذلك ِما بنَر األذهان اليت يلفها التقليد‪ ،‬واجلهل‪،‬‬
‫واهلوى‪ ،‬وبفتح أمامها آلاق املعرلة السليمة من أجل املقارنة واملوازنة مث اإلميان عن اقتناع وبقني‪.‬‬
‫وإذا نظران يف القرآن الكرمي جند أنه حوى من ذلك الشيء الكثَر‪ ،‬لمن ذلك أن هللا عز وجل قد‬
‫َّ غ‬ ‫َّ غ‬
‫ارى‬
‫َّص َ‬ ‫لصابغئغ َ‬
‫ني َوالن َ‬ ‫ادوا َوا َّ‬
‫بن َه ْ‬
‫آمنْوا َوالذ َ‬ ‫بن َ‬ ‫حصر األداين اليت عليها الناس يف قوله عز وجل‪ :‬إغ َّن الذ َ‬
‫اَّللَ َعلَى ْك غل َش يي ٍء َش غهي ٌد [احلج‪:‬‬
‫ص ْل بَـ ييـنَـ ْه يم بَـ يوَ ال غيقيَ َام غة إغ َّن َّ‬
‫اَّلل بـ يف غ‬
‫بن أَ يش َرْكوا إغ َّن ََّ َ‬
‫َّ غ‬
‫وس َوالذ َ‬
‫َوال َيم ْج َ‬
‫‪.]17‬‬
‫لأداين البشر ال خترج عن واحد من هذه‪ ،‬وهي‪ :‬اإلسما ‪ ،‬واليهودبة‪ ،‬والصابئة‪ ،‬والنصرانية‪،‬‬
‫واجملوسية‪ ،‬والوثنية‪.‬‬
‫كما ذكر هللا عز وجل األنبياء عليهم السما وأابن أن دعوهتم كانت واحد ‪ ،‬وهي الدعو إىل‬
‫ول إغَّال نْ غ‬
‫وحي إغلَيي غه أَنَّهْ َال إغلَهَ إغَّال أ ََان لَا يعب ْد غ‬
‫ون‬ ‫ك غمن َّر ْس ٍ‬
‫التوحيد‪ ،‬قال عز وجل‪َ :‬وَما أ يَر َسلينَا غمن قَـ يبلغ َ‬
‫ْ‬
‫[األنبياء‪.]25 :‬‬
‫اجتَنغبْواي الطَّايْ َ‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬
‫وت [النحل‪.]36 :‬‬ ‫وقال عز وجل‪َ :‬ولََق يد بَـ َعثيـنَا غيف ْك غل أْ َّمة َّر ْسوال أَن ا يعبْ ْدواي هللاَ َو ي‬
‫وأن دبنهم واحد وهو اإلسما ‪ ،‬قال عز وجل عن نبيه إبراهيم وابنه إمساعيل عليهما السما ‪َ :‬ربَّـنَا‬
‫ك [البقر ‪.]128 :‬‬ ‫ك َوغمن ذْ غربَّتغنَا أ َّْمة ُّم يسلغ َمة لَّ َ‬ ‫اج َعلينَا ْم يسلغ َم ي غ‬
‫ني لَ َ‬ ‫َو ي‬
‫ب ال َيعالَ غم َ‬
‫ني‬ ‫ت لغر غ‬ ‫َسلغ يم قَ َ‬ ‫وقال عن نبيه إبراهيم وبعقوب عليهما السما ‪ :‬إغ يذ قَ َ‬
‫َسلَ يم ْ َ‬‫ال أ ي‬ ‫ال لَهْ َربُّهْ أ ي‬
‫بن لَماَ متَْوتْ َّن إَالَّ َوأَنتْم ُّم يسلغ ْمو َن‬ ‫غ‬
‫اصطََفى لَ ْك ْم الد َ‬ ‫ين إغ َّن هللاَ ي‬ ‫وب َاي بَغ َّ‬ ‫صى غهبا إغبـر غاه غ غ‬
‫يم بَنيه َوبَـ يع ْق ْ‬‫َوَو َّ َ ي َ ْ‬
‫ال موسى اي قَـوغ إغن ْكنتم آمنتم غاب غ‬
‫هلل لَـ َعلَيي غه تَـ َوَّكلْواي إغن‬ ‫ْي َ ْ‬ ‫[البقر ‪ ]132 - 131 :‬وقال عز وجل‪َ :‬وقَ َ ْ َ َ ي‬
‫غ‬
‫ني [بونس‪]84 :‬‬ ‫ْكنتْم ُّم يسل غم َ‬
‫ال ا يحلوا غربُّو َن َيحنن أَنصار غ‬ ‫غ‬ ‫يسى غم ينـ ْه ْم الي ْك يف َر قَ َ‬ ‫وقال عز وجل‪ :‬لَـلَ َّما أَح َّ غ‬
‫هللا‬ ‫ْ َْ‬ ‫َنصا غري إغ َىل هللا قَ َ ََ‬ ‫ال َم ين أ َ‬ ‫سع َ‬ ‫َ‬
‫غ‬
‫هلل َوا يش َه يد غأب ََّان ْم يسل ْمو َن [آل عمران‪.]52:‬‬ ‫آمنَّا غاب غ‬
‫َ‬
‫كما ذكر هللا عز وجل جمادلة األنبياء ألقوامهم‪ ،‬وإقامتهم للحجة عليهم من أوجه عدبد ‪.‬‬
‫وذكر األداين اليت بدبن هبا الناس‪ ،‬لذكر الداينة اليت أنزلت على موسى عليه السما ‪ ،‬وذلك يف‬
‫وسى إغغين أ ََان َربُّ َ‬
‫ك‬ ‫غ‬
‫آايت عدبد أبضا‪ ،‬ومن املثال على ذلك‪ :‬قوله عز وجل‪ :‬لَـلَ َّما أ ََات َها نْودي َاي ْم َ‬
‫استَ غم يع لغ َما بْو َحى إغنَّغين أ ََان َّ‬
‫اَّللْ َال إغلَهَ إغَّال أ ََان‬ ‫ك لَ ي‬ ‫ك غابل َيو غاد ال ْيم َقد غ‬
‫َّس طْوى َوأ ََان ا ير َ يرتتْ َ‬ ‫ك إغنَّ َ‬
‫لَا يرلَ يع نَـ يعلَيي َ‬
‫ك‬ ‫يها لغتْ يج َزى ْك ُّل نَـ يف ٍ‬
‫س غمبَا تَ يس َعى لَماَ بَ ْ‬
‫ص َّدنَّ َ‬ ‫اعةَ ءاَتغيةٌ أَ َك ْ غ‬
‫اد أْ يرف َ‬ ‫الس َ َ‬ ‫الص َما َ لغ غذ يك غري إغ َّن َّ‬
‫لَا يعبْ يدغين َوأَقغ غم َّ‬
‫َع ينـ َها َم ين الَ بْـ يمغم ْن غهبَا َواتَّـبَ َع َه َواهْ لَ َ يرت َدى [طه‪.]16 - 11 :‬‬

‫(‪)8/1‬‬

‫وذكر هللا عز وجل احنراف بين إسرا يل وكفرهم وحتربفهم لكما هللا يف آايت عدبد ‪ ،‬منها قوله عز‬
‫يكتَ غ‬‫اب وما هو غمن ال غ‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫اب َوبَـ ْقولْو َن‬ ‫سبْوهْ م َن اليكتَ غ َ َ ْ َ َ‬ ‫وجل‪َ :‬وإ َّن م ينـ ْه يم لََف غربقا بَـل ْيوو َن أَليسنَـتَـ ْهم ابليكتَاب لتَ يح َ‬
‫ب َو ْه يم بَـ يعلَ ْمو َن [آل عمران‪.]78:‬‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬
‫ْه َو م ين عند هللا َوَما ْه َو م ين عند هللا َوبَـ ْقولْو َن َعلَى هللا الي َكذ َ‬
‫س َما َكانْواي بَـ يع َملْو َن‬ ‫الس يح َ غ‬ ‫وقال عز وجل‪ :‬وتَـرى َكثغَرا غم ينـهم بسا غر ْعو َن غيف ا غإل يغمث واليع يدو غ‬
‫ان َوأَ يكلغ غه ْم ُّ‬
‫ت لَب يئ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْي َْ‬ ‫ََ‬
‫[املا د ‪.]62 :‬‬
‫وذكر هللا عز وجل النصارى وعقا دهم واحنرالاهتم يف آايت عدبد ‪ ،‬منها قوله عز وجل‪ :‬لََق يد َك َف َر‬
‫ث ثَماَثٍَة َوَما‬ ‫بن قَالْواي إغ َّن هللاَ َاثلغ ْ‬ ‫َّ غ‬
‫يح ابي ْن َم يرَميَ [املا د ‪ ،]72 :‬لََق يد َك َف َر الذ َ‬
‫غ‬
‫بن قَالْواي إغ َّن هللاَ ْه َو ال َيمس ْ‬
‫َّ غ‬
‫الذ َ‬
‫يم [املا د ‪.]73 :‬‬ ‫س َّن الَّ غذبن َك َفرواي غم ينـهم ع َذ غ‬ ‫غمن إغلَ ٍه إغالَّ إغلَهٌ و غ‬
‫اح ٌد َوإغن َّملي بَنتَـ ْهواي َع َّما بَـ ْقولْو َن لَيَ َم َّ‬
‫اب أَل ٌ‬ ‫َ ْ ْي َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫كما ذكر أقواال أررى عدبد هلم يف املسيح وأمه وذكر ادعاءهم صلبه‪ ،‬وأابن عن احلق يف كل ذلك‪.‬‬
‫وإضالة إىل أقوال أصحاب الدايانت ذكر هللا عز وجل أبضا أصول بعض تلك املقاالت املنحرلة‪،‬‬
‫ت النَّصارى اليم غسيح ابن غ‬
‫هللا ذَلغ َ‬
‫ك قَـ يوْهلْم‬ ‫غ‬ ‫لمن ذلك قوله عز وجل‪ :‬وقَالَ غ‬
‫ود ْع َزبيـ ٌر ابي ْن هللا َوقَالَ ي َ َ َ ْ ي ْ‬ ‫ت الييَـ ْه ْ‬ ‫َ‬
‫بن َك َف ْرواي غمن قَـ يب ْل قَاتَـلَ ْه ْم هللاْ أ َّ‬
‫َىن بْـ يملَ ْكو َن [التوبة‪.]30 :‬‬ ‫َّ غ‬ ‫غأبَليـو غاه غهم ب َ غ‬
‫ضاهئْو َن قَـ يو َل الذ َ‬ ‫َ يْ‬
‫لبني سبحانه أن هذه املقالة اقتبسها اليهود والنصارى من الكفار قبلهم‪ ،‬وهذا أمر اثبت واضح لكل‬
‫من نظر يف األداين السابقة على اليهودبة والنصرانية‪ ،‬لإنه سيجد ادعاء الولد هلل‪ -‬تعاىل هللا عن‬
‫ذلك ‪ -‬منتشرا لدى الكفار من الفراعنة واليوانن والرومان ويَرهم‪.‬‬
‫ت‬ ‫كما ذكر هللا عز وجل املشركني الوثنيني لذكر عباداهتم وآهلتهم يف مثل قوله عز وجل‪ :‬أَلَـ َرأَبيـتْ ْم َّ‬
‫الما َ‬
‫َوال ْيع َّزى َوَمنَا َ الثَّالغثَةَ ياألْ ير َرى [النجم‪.]20 - 19 :‬‬
‫ني [الصالات‪.]125:‬‬ ‫وقال عز وجل‪ :‬أَتَ يد ْعو َن بـعما وتَ َذرو َن أَحسن ي غغ‬
‫اَخَالق َ‬ ‫َي َ ْ ي َ َ‬
‫كما ذكر حججهم جمملة ومفصلة‪ ،‬لمن اجململة قوله عز وجل‪ :‬أََمل أييتغ ْكم نـبأْ الَّ غذبن غمن قَـبلغ ْكم قَـوغ‬
‫ي ي ي‬ ‫َ‬ ‫ي َ ي ََ‬
‫ات لَـ َردُّواي أَبي غدبَـ ْه يم غيف‬
‫اءهتْم رسلْ ْهم غابليبـيغنَ غ‬ ‫ود والَّ غذ غ غ غ‬ ‫نْ ٍ ٍ‬
‫َ‬ ‫بن من بَـ يعده يم الَ بَـ يعلَ ْم ْه يم إغالَّ هللاْ َج ي ي ْ ْ‬ ‫وح َو َعاد َوَامْ َ َ َ‬
‫ك‬ ‫ت رسلْهم أغَيف غ‬
‫هللا َش ٌّ‬ ‫ك غِمَّا تَ يد ْعونَـنَا إغلَيي غه ْم غر ٍ‬‫أَليـو غاه غهم وقَالْواي إغ َّان َك َفرَان غمبَا أْر غسليتْم بغ غه وإغ َّان لَغفي َش ٍ‬
‫بب قَالَ ي ْ ْ ْ ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ يَ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬ ‫السماو غ‬ ‫غ‬
‫س ًّمى قَالْواي إغ ين أَنتْ يم إغالَّ‬ ‫ض بَ يد ْعوْك يم ليَـ يغف َر لَ ْكم من ذْنْوبغ ْك يم َوبْـ َمر َرْك يم إغ َىل أ َ‬
‫َج ٍل ُّم َ‬ ‫ات َواأل يَر غ‬ ‫لَاط غر َّ َ َ‬
‫ان ُّمبغ ٍ‬‫وان بغسليطَ ٍ‬ ‫بَ غ‬
‫ني [إبراهيم‪.]10 - 9:‬‬ ‫آِب ْؤَان لَأيتْ َ ْ‬ ‫ُّوان َع َّما َكا َن بَـ يعبْ ْد َ‬
‫صد َ‬ ‫ش ٌر مثيـلْنَا تْ غرب ْدو َن أَن تَ ْ‬‫َ‬

‫(‪)9/1‬‬

‫اه يم‬ ‫ومن حجج املشركني املفصلة وجداهلم ألنبيا هم عليهم السما قوله عز وجل‪َ :‬وإغ َىل َم يدبَ َن أ َ‬
‫َر ْ‬
‫ال َوال غيم َيزا َن إغغين أ ََرا ْكم غخبَ يٍَر َوإغغين‬ ‫صواي ال غيمكييَ َ‬ ‫غ غٍ‬ ‫غ‬
‫َرهْ َوالَ تَن ْق ْ‬ ‫ال َاي قَـ يو ا يعبْ ْدواي هللاَ َما لَ ْكم م ين إلَه يَ ي ْ‬ ‫ْش َع ييـبا قَ َ‬
‫يط واي قَـوغ أَولْواي ال غيمكيي َ غ غ غ غ‬ ‫ٍ غ ٍ‬
‫َّاس أَ يشيَ ْ‬
‫اءه يم‬ ‫سواي الن َ‬ ‫ال َواليم َيزا َن ابليق يسط َوالَ تَـ يب َخ ْ‬ ‫َ‬ ‫اب بَـ يو ُّحم َ َ ي ي‬ ‫اف َعلَيي ْك يم َع َذ َ‬ ‫َر ْ‬ ‫أَ‬
‫غغ ٍ‬ ‫غ‬ ‫ض م يف غس غد غ غ‬
‫ب‬ ‫ني َوما أاني َعلَيي ْكم حبَفيظ قَالْواي َاي ْش َع يي ْ‬ ‫َر لَّ ْك يم إغن ْكنتْم ُّم يممنغ َ‬ ‫بن بَقيَّةْ هللا َر يٌ‬ ‫َ‬ ‫َوالَ تَـ يعثَـ يواي غيف األ يَر غ ْ‬
‫الر غشي ْد قَ َ‬ ‫ك أل َ غ‬ ‫آاب ْؤَان أ يَو أَن نَّـ يف َع َل غيف أ يَم َوالغنَا َما نَ َ‬
‫شاءْ إغنَّ َ‬
‫ال‬ ‫يم َّ‬
‫َنت ا يحلَل ْ‬ ‫رت َك َما بَـ يعبْ ْد َ‬ ‫ك ََت ْيم ْر َك أَن نَّ ي ْ‬‫َصماَتْ َ‬ ‫أَ‬
‫نت علَى بـيغن ٍة غمن َّرغيب ورَزقَغين غم ينه غر يزقا حسنا وما أْ غرب ْد أَ ين أ َ غ‬ ‫غ‬
‫ْرال َف ْك يم إىل ما أهنَا ْك يم َع ينهْ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َاي قَـ يو أ ََرأَبيـتْ يم إغن ْك ْ َ َ َ َ‬
‫يب َوَاي قَـ يوغ َال َيجي غرَمنَّ ْك يم‬ ‫هلل َعلَيي غه تَـوَّكل ْ غ غ غ‬
‫يت َوإلَييه أْن ْ‬ ‫َ‬
‫ت وما تَـولغ غيقي إغالَّ غاب غ‬
‫استَطَ يع ْ َ َ ي‬ ‫صماَ َح َما ي‬ ‫إغ ين أْ غرب ْد إغالَّ ا غإل ي‬
‫وط غم ين ْكم بغب غع ٍ‬ ‫ود أَو قَـو صالغ ٍح وما قَـو لْ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫يد‬ ‫ي َ‬ ‫وح أ يَو قَـ يوَ ْه ي ي َ َ َ َ ي ْ‬ ‫اب قَـ يوَ نْ ٍ‬‫َص َ‬ ‫ش َقاقي أَ ين بْصيبَ ْك يم مثي ْل َما أ َ‬
‫ب َما نَـ يف َقهْ َكثغَرا غِمَّا تَـ ْق ْ‬
‫ول َوإغ َّان‬ ‫يم َو ْدو ٌد قَالْواي َاي ْش َع يي ْ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫(‪ )89‬و غ‬
‫استَـ يغف ْروا َربَّ ْك يم ْمثَّ تْوبْوا إغلَييه إغ َّن َرغيب َرح ٌ‬ ‫َ ي‬
‫ال اي قَـوغ أَر يه غطي أَع ُّز علَي ْكم غمن غ‬ ‫غ‬ ‫ض غعيفا َولَ يوالَ َر يهطْ َ‬ ‫اك لغينَا َ‬
‫هللا‬ ‫َ‬ ‫َ َي‬ ‫أنت َعلَييـنَا ب َع غزب ٍز قَ َ َ ي َ‬ ‫اك َوما َ‬ ‫ك لََرمجَينَ َ‬ ‫لَنَـ َر َ‬
‫ط َوَاي قَـ يوغ ا يع َملْواي َعلَى َم َكانَتغ ْك يم إغغين َع غام ٌل َس يو َ‬
‫ف‬ ‫َو َّاختَ يذمتْْوهْ َوَراء ْك يم غظ يه غرًّاي إغ َّن َرغيب غمبَا تَـ يع َملْو َن ْغحمي ٌ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يب‪[ .‬هود‪.]93 - 84 :‬‬ ‫ب َو يارتَقبْواي إغغين َم َع ْك يم َرق ٌ‬ ‫اب خيْي غزبه َوَم ين ْه َو َكاذ ٌ‬ ‫تَـ يعلَ ْمو َن َمن َأييتغيه َع َذ ٌ‬
‫كما عقد جل وعما املقارانت العدبد بني احلق والباطل ليفسح اجملال أما العقل للمقارنة واملوازنة‪،‬‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫من ذلك قوله عز وجل‪ :‬اي غ‬
‫َّار [بوسف‪:‬‬ ‫َر أَغ هللاْ ال َيواح ْد الي َقه ْ‬ ‫ب ُّمتَـ َف غرقْو َن َر يٌ‬ ‫صاح َغَب الس يج غن أَأ يَرَاب ٌ‬ ‫َ َ‬
‫‪.]39‬‬
‫غ‬
‫نص ْرو َن‬
‫س ْه يم بَ ْ‬ ‫صرا َوالَ أَن ْف َ‬ ‫يعو َن َهلْ يم نَ ي‬‫وقوله عز وجل‪ :‬أَبْ يش غرْكو َن َما الَ خيَيلْ ْق َش ييئا َو ْه يم خيْيلَ ْقو َن َوالَ بَ يستَط ْ‬
‫وهم أَ ي أَنتْم ص غامتْو َن إغ َّن الَّ غذبن تَ يد ْعو َن غمن ْد غ‬ ‫غ‬ ‫َوإغن تَ يد ْع ْ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫وه يم إىل ا يهلَْدى الَ بَـتَّب ْعوْك يم َس َواءٌ َعلَيي ْك يم أ ََد َع يومتْْ ْ ي‬
‫شو َن غهبَا أَ ي َهلْ يم أَبي ٍد‬
‫ني أَ َهلْ يم أ يَر ْج ٌل ميَي ْ‬‫هللا غعبا ٌد أَمثَالْ ْكم لَا يد ْعوهم لَـلييستَ غجيبواي لَ ْكم إغن ْكنتْم غ غ‬ ‫غ‬
‫صادق َ‬ ‫ي َ‬ ‫ي‬ ‫ْي َ ي ْ‬ ‫َ ي ي‬
‫ون لَماَ‬ ‫صرو َن غهبا أَ ي َهلْم آذَا ٌن بسمعو َن غهبا قْ غل ا يد ْعواي ْشرَكاء ْكم ْمثَّ كغي ْد غ‬ ‫شو َن غهبا أَ ي َهلْم أَ يع ٌْ غ‬ ‫غ‬
‫َ ي‬ ‫َ ي َْ َ‬ ‫ي‬ ‫ني بْـ يب ْ َ‬ ‫ي‬ ‫بَـ يبط ْ َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫ني‪[ .‬األعراف‪.]196 - 191 :‬‬ ‫الصاحلغغ َ‬
‫اب َو ْه َو بَـتَـ َو َّىل َّ‬ ‫تْنظ ْرون إغ َّن َوليغ َي هللاْ الَّذي نَـ َّز َل اليكتَ َ‬

‫(‪)10/1‬‬
‫كما ذكر هللا عز وجل املماحد الذبن بنكرون وجود اَخالق‪ ،‬وبنكرون ابلتاِل األداين حيث ذكر‬
‫ت لَ ْكم غم ين إغلَ ٍه‬ ‫ال لغ ير َع يو ْن َاي أَبُّـ َها ال َيم ََلْ َما َعلغ يم ْ‬ ‫إمامهم لرعون يف مواطن كثَر ‪ ،‬منها قوله عز وجل‪َ :‬وقَ َ‬
‫وسى َوإغغين َألَظْنُّهْ غم َن‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫ص يرحا لَّ َعلي أَطَّل ْع إغ َىل إغلَه ْم َ‬ ‫اج َعل غِل َ‬ ‫الط غ‬
‫ني لَ ي‬
‫يَ يغَري لَأَوقغ يد غِل اي هاما ْن علَى غ‬
‫َ ََ َ‬ ‫ي‬
‫غ‬
‫ني [القصص‪ ]38:‬بل بني سبحانه أن لرعون هو إما اإلحلاد‪ ،‬وذلك يف قوله عز وجل‪:‬‬ ‫الي َكاذبغ َ‬
‫اه يم غيف َه غذهغ ُّ‬
‫الدنيـيَا لَ يعنَة َوبَـ يوَ ال غيقيَ َام غة‬ ‫نص ْرو َن َوأَتيـبَـ يعنَ ْ‬
‫غ غ‬ ‫وجعلينَ ْ غ‬
‫اه يم أَ َّمة بَ يد ْعو َن إغ َىل النَّا غر َوبَـ يوَ اليقيَ َامة َال بْ َ‬ ‫َ ََ‬
‫ني [القصص‪.]42 - 41:‬‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ْهم م َن ال َيم يقبْوح َ‬
‫لبني سبحانه أن لرعون وأتباعه هم أ مة الدعا إىل النار‪ ،‬والشك أن أعظم الدعا إىل النار هم‬
‫الفماسفة املماحد واملمهلة منهم‪ ،‬وهذا رماف ما هو مشتهر لدى كثَر من الناس من عزو الفلسفة‬
‫واإلحلاد إىل لماسفة اليوانن‪ ،‬لإن الصحيح أن الفراعنة كانوا هم أ مة اليوانن يف هذا‪ ،‬لقد أرذ‬
‫اليوانن للسفتهم الوثنية عنهم‪ ،‬وكل من نظر يف أساطَر اليوانن وللسفتهم وكذلك أساطَر الرومان‬
‫الذبن ورثوا ذلك عن اليوانن‪ ،‬مث نظر يف أساطَر وللسفة الفراعنة قبلهم علم أن هذه األقوال بعضها‬
‫من بعض‪ ،‬وإن كان اليوانن قد توسعوا يف ذلك وانتشرت عنهم تلك األقوال لنسبت إليهم‪.‬‬
‫قال د‪ .‬حممد دراز‪( :‬مل ببق اخآن جمال للشك يف أن القدامى من علماء اليوانن ولماسفتهم خترجوا يف‬
‫مدرسة احلضارات الشرقية‪ ،‬واحلضار املصربة بوجه أرص‪ .‬وليس معىن هذا أن اإليربق (اليوانن)‬
‫كانوا مبثابة أوعية مصمتة نقلت علو الشرق ومعارله نقما حرليًّا‪ ،‬لذلك ما ال بستسيغه عقل‪ ،‬ومل‬
‫بقم عليه دليل من صحيح النقل‪ ،‬ولكن املعىن أهنم مل بنشئوا هذه العلو إنشاء على يَر مثال سابق‪،‬‬
‫كما ظنه بعضهم‪ ،‬بل وجدوا مادهتا يف الشرق لاقتبسوا منها وألادوا كثَرا‪ .‬وإن قدماء اليوانن أنفسهم‬
‫بذهبون إىل االعرتاف هبذه التلمذ إىل القول أبن عظماءهم أمثال (ليثايورس) و (ألماطون) مدبنون‬
‫أبرقى نظرايهتم إىل املدرسة املصربة‪ ،‬والناقدون احملدثون وإن استبعدوا حصول نقل حريف هلذه‬
‫النظرايت‪ ،‬مل بسعهم إال التسليم بتبعية همالء الفماسفة يف الدبن واألرماق‪ ،‬للنظرايت املصربة)‪.‬‬
‫كما أمر هللا عز وجل مبجادلة أهل الكتاب إلزالة شبههم وإقامة احلجة عليهم وذلك ابحلسىن‪ ،‬كما‬
‫بن ظَلَ ْموا غم ينـ ْه يم [العنكبوت‪:‬‬ ‫َّ غ‬
‫س ْن إغَّال الذ َ‬
‫غ‬
‫اب إغَّال غابلَّغيت ه َي أ ي‬
‫َح َ‬
‫ادلْوا أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫َ‬
‫قال عز وجل‪ :‬وَال ُْتَ غ‬
‫َ‬
‫‪.]46‬‬
‫كما حكم هللا عز وجل يف هذا القرآن بني بين إسرا يل ليما ارتلفوا ليه من القضااي الدبنية إغ َّن َه َذا‬
‫يل أَ يكثَـ َر الَّ غذي ْه يم لغ غيه خيَيتَلغ ْفو َن [النمل‪.]76:‬‬‫غ غ‬
‫ص َعلَى بَغين إ يس َرا َ‬
‫الي ْق يرآ َن بَـ ْق ُّ‬
‫لربَّأ هللا عز وجل ليه سليمان عليه السما ِما اهتمه به اليهود من الكفر‪ ،‬وأثبت له النبو اليت كانوا‬
‫بنكروهنا‪ ،‬كما َّبرأ مرمي رضي هللا عنها ِما اهتمها به اليهود‪ ،‬وأابن عن حصانتها وعفتها وطهارهتا‪ ،‬وبرأ‬
‫ابنها ِما نبزه به اليهود من الكفر والضمال‪ ،‬كما برأه ِما ادعاه ليه النصارى من األلوهية والبنو ‪ ،‬ورد‬
‫على اليهود والنصارى دعوى صلبه‪ ،‬وأررب أنه أجناه منهم ورلعه إليه‪.‬‬
‫لهذه املعلومات الغزبر واملتنوعة عن األداين اليت وردت يف القرآن الكرمي‪ ،‬تدل داللة واضحة على‬
‫عظيم أمهية هذا العلم يف جمال الدعو إىل هللا عز وجل‪ ،‬لتنبه لذلك علماء املسلمني لكتبوا‪ ،‬يف‬
‫األداين قاصدبن بذلك الدعو إىل هللا من رمال ذلك لكان من أوا ل من كتب يف ذلك‪:‬‬

‫(‪)11/1‬‬

‫علي بن ربن الطربي يف كتابيه (الرد على النصارى) وكتاب (الدبن والدولة يف إثبات نبو النَب صلى‬
‫هللا عليه وسلم)‪.‬‬
‫واجلاحظ يف كتابه‪( :‬الرد على النصارى)‪ ،‬واألشعري يف كتابه (الفصول يف الرد على امللحدبن)‪،‬‬
‫واملسعودي يف كتابه (املقاالت يف أصول الدايانت)‪ ،‬والبَروين يف كتابه (حتقيق ما للهند من مقولة‬
‫مقبولة يف العقل أو مرذولة)‪ ،‬وابن حز يف كتابه (الفصل يف امللل واألهواء والنحل)‪ ،‬والشهرستاين يف‬
‫كتابه (امللل والنحل)‪ ،‬والقرايف يف كتابه (األجوبة الفارر عن األسئلة الفاجر )‪ ،‬وشيخ اإلسما ابن‬
‫تيمية يف كتابه (اجلواب الصحيح ملن بدل دبن املسيح)‪ ،‬ويَرها كثَر أرسى به املسلمون قواعد هذا‬
‫العلم حيث أوردوا عقا د أصحاب الدايانت وعباداهتم‪ ،‬ونقلوا ذلك عن كتبهم ومصادرهم املعترب‬
‫لدبهم‪ ،‬وانقشوهم ليها وأابنوا عن بطمان أقواهلم وأقاموا احلجة عليهم ابألدلة النقلية والعقلية‪،‬‬
‫دعواي متأسني بذلك ابلقرآن الكرمي‪.‬‬
‫وسلكوا يف ذلك منهجا ًّ‬
‫وقد سبق املسلمون يف هذا املضمار الغربيني الذبن مل بعتنوا هبذا العلم إال يف العصور املتأرر بعد ما‬
‫بسمى بعصر النهضة يف القرنني ‪ 16 ،15‬؛ ألن النصارى بعد عصر النهضة وابتداء عصر‬
‫االستعمار أرذوا برسلون البعوث من رجال دبنهم إىل الشرق األدىن واألقصى؛ لماطماع على‬
‫دايانت الناس والتعرف عليها والكتابة ليها‪ ،‬وتلك البعوث مل تكن يف الواقع إال طما ع االستعمار‪،‬‬
‫ومن األشياء اجلدبد اليت استطاع الغربيون إضالتها إىل هذا العلم‪ ،‬البحث يف الدايانت القدمية‪،‬‬
‫وساعدهم على ذلك التنقيب عن اخآاثر‪ ،‬وتعلم اللغات القدمية‪ ،‬لألادوا يف هذا الباب معرلة دايانت‬
‫األقوا القدمية اليت اندثرت‪ ،‬لأكملوا بذلك ما كان بدأه املسلمون‪ ،‬مع أن املسلمني بتميزون عن‬
‫الغربيني أن بني أبدبهم مرجعا عظيما قد حوى يف هذا الباب علما مجًّا ذا دالالت مفيد انلعة هلدابة‬
‫اإلنسان ومصلحته الدبنية‪ ،‬ذلك هو الوحي اإلهلي يف القرآن الكرمي والسنة املطهر ‪ ،‬وهو مصدر‬
‫علمي معصو من اَخطأ‪ ،‬ال أيتيه الباطل من بني بدبه وال من رلفه‪ ،‬ليعصم العقل البشري من‬
‫البحث يف علو ال تعود بفا د على اإلنسان يف دبنه أو دنياه‪ ،‬كالبحث يف أداين أقوا يربت‬
‫واندثرت من أهل الشرق والغرب‪ ،‬كما بعطيه املعلومات الصحيحة عن أمور ال ميكن للبشر التوصل‬
‫إليها والقطع ليها ابحلق إال ابلعلم اإلهلي‪ ،‬كما يف حبثهم يف نشأ التدبن وابعثه ‪ -‬كما سيأِت‪ -‬لإن‬
‫البحث يف ذلك كثَر منه هو من ابب التخرص إذ مل بستند إىل الوحي اإلهلي‪.‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪15‬‬

‫(‪)12/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬ابعث التدبن‪:‬‬


‫قال هللا عز وجل‪َ :‬ولََق يد بَـ َعثيـنَا غيف ْك غل أ َّْم ٍة َّر ْسوال [النحل‪.]36:‬‬
‫يها نَ غذ ٌبر [لاطر‪.]24:‬‬ ‫وقال عز وجل أبضا‪ :‬وإغن غمن أ َّْم ٍة إغَّال َ غ‬
‫رما ل َ‬ ‫َ ي‬
‫قال ابن كثَر‪ -‬رمحه هللا‪ -‬عند اخآبة األوىل‪( :‬وبعث يف كل أمة أي‪ :‬من كل قرن وطا فة رسوال ‪ ...‬مث‬
‫قال‪ ... ( :‬للم بزل تعاىل برسل إىل الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك يف بين آد يف قو نوح‬
‫الذبن أرسل إليهم نوح عليه السما )‪.‬‬
‫لهذا ليه داللة واضحة على أن البشر ما أنفكوا عن رسل بدعوهنم إىل هللا‪ ،‬وبشرعون هلم الشرا ع‬
‫اليت بتعبدون هللا هبا‪ ،‬كلما أندرست معامل التوحيد‪ ،‬وانطمست أنواره يف نفوسهم‪ .‬وذلك بعين أن‬
‫التجمعات البشربة مل ختل من دبن تدبن به وتضبط كثَرا من نواحي حياهتا وليـ َقه‪ ،‬وهذا ما أكده أبضا‬
‫علم اخآاثر والبحوث االجتماعية يف التجمعات البشربة‪ ،‬إذ بصرح كثَر من ذوي هذه االرتصاصات‪:‬‬
‫(أن اجلماعات البشربة القدمية واحلدبثة‪ ،‬املتحضر ويَر املتحضر كان هلا دبن تدبن به‪.‬‬
‫قال هنرى برجسون‪( :‬لقد وجدت وتوجد مجاعات إنسانية من يَرعلو ولنون وللسفات‪ ،‬ولكن مل‬
‫توجد مجاعة بغَر داينة)‪.‬‬
‫لهذه الدالالت املمكد ‪ ،‬واحلقيقة اليت ال تقبل اجلدل يف أن النزعة الدبنية متعمقة يف اإلنسان ومغروز‬
‫ليه‪ُ ،‬تعل الباحث والناظر يف ذلك بتساءل عن الباعث على هذا التدبن ما هو؟ مع أن الدبن ليس‬
‫من املادايت‪ ،‬وال من الشهوات اليت تتعلق هبا النفوس‪ ،‬بل الدبن له تبعات ولواز ُتعل اإلنسان يف‬
‫كثَر من األحيان ببذل دمه من أجله‪ ،‬لضما عن ماله ووقته وعواطفه‪ ،‬وبتحكم الدبن يف كثَر من‬
‫تصرلات اإلنسان وعماقاته‪ ،‬للهذا كثر يف بيان الباعث على التدبن القيل والقال‪ ،‬واالستنتاجات‪،‬‬
‫والتخمينات‪.‬‬
‫وإليك بعض هذه األقوال وهي كلها لغَر املسلمني‪:‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬إن الدالع إىل التدبن اَخوف من الطبيعة حوله مبا ليها من برق‪ ،‬ورعد‪ ،‬وزالزل‪،‬‬
‫وبراكني‪ ،‬وحيواانت متوحشة‪ ،‬جعلت اإلنسان يف األزمان القدمية‪ -‬وهو الضعيف الذي ال حول له‬
‫وال طول مع هذه األحوال املتغَر حوله‪ -‬ببحث عن قو ييبية هلا سيطر وَتثَر يف هذه الطبيعة‬
‫حوله‪ ،‬وهلا قدر على محابته وحفظه‪ ،‬لأله وعبد ما برى أنه أقوى وأقدر على محابته من املخلوقات‬
‫اليت حوله كالشمس والقمر والبحر وحنو ذلك‪.‬‬
‫وقال بعضهم وهو (ماكس موللر)‪( :‬إن العقل هو الباعث على التدبن‪ ،‬وذلك أن العقل ميز‬
‫اإلنسان عن احليوان‪ ،‬وهو ابعث على النظر والتفكر يف هذه املخلوقات‪ ،‬واإلعجاب هبا‪ ،‬وتعظيمها‪،‬‬
‫ومن هنا أرذ العقل بفكر ليما وراء الطبيعة‪ ،‬وأداه عقله مع اللغة املستخدمة يف احلدبث عن‬
‫اجلمادات إىل صبغها بصبغة األحياء ذوات األرواح‪ِ ،‬ما جعله بتعبد هلا وبتخذها إهلا (‪.‬‬
‫وهناك قول اثلث يف الباعث قال به) دوركامي (الفرنسي‪ ،‬وهو‪ :‬أن احلاجة االجتماعية هي الباعث‬
‫على التدبن‪ ،‬وذلك أن اجملتمعات البشربة حتتاج إىل نظم وقوانني حتفظ احلقوق وتصون احلرمات‪،‬‬
‫وبمدي كل إنسان واجبه مبراقبة دارلية‪ِ ،‬ما جعل بعض األلذاذ وذوي القياد بتولد يف أذهاهنم‬
‫الدبن‪ ،‬وببثونه يف مجاعتهم‪ ،‬لتقبله اجلماعة حلاجتها لذلك‪.‬‬
‫هذه األقوال بظهر منها واضحا ادعاء أن الدبن مصدره اإلنسان‪ ،‬وأن ابعثه أمر من األمور املتعلقة‬
‫ابلطبيعة حول اإلنسان‪ ،‬أو دوالع دارلية يف اإلنسان‪.‬‬

‫(‪)13/1‬‬

‫وال حتتاج هذه األقوال إىل كثَر عناء يف إبطاهلا وردها؛ إذ إن هذه البواعث املذكور كثَرا ما تكون‬
‫يَر موجود ‪ ،‬ومع ذلك بكون التدبن ظاهرا واضحا بصد دعا اإلحلاد وبهد خترصاهتم‪ .‬وال بعدو‬
‫ما ذكر هنا من ابعث التدبن أن بكون خترصا ولرضا ابطما؛ إذ إن احلدبث عن ابعث التدبن حيتاج‬
‫إىل سرب أيوار النفس البشربة‪ ،‬ودراسة اترخيية متعمقة‪ ،‬تشمل اإلنسان األول‪ ،‬وتسَر معه سَرا متأنيا‪،‬‬
‫كاشفة عن مشاعره وأحاسيسه وتقلباهتا حسب الظروف واألحوال اليت حتيط به؛ إذ إن الدبن له‬
‫أوقات بظهر هبا وبتضح جليًّا يف حيا اإلنسان‪ ،‬وهي أوقات األزمات واملخاوف اليت بقع ليها‬
‫اإلنسان‪ ،‬كما أن له أوقاات بكمن ليها وال بظهر‪ ،‬وهي أوقات الرراء والغىن‪ ،‬إذ بقع اإلنسان ليها‬
‫لربسة سهلة للغفلة والبعد عن الدبن‪ .‬كما أن الباحث جيب أن بكون يف حال حبثه راليا من املمثرات‬
‫البيئية والدبنية والثقالية‪ ،‬وذلك من أجل أن بكون حكمه على الظواهر اليت بقع عليها سليما من‬
‫وأىن للباحث أن بتخلص من ذلك‪.‬‬
‫املمثرات اَخارجية‪َّ ،‬‬
‫لهذه األمور ُتعل الوصول إىل ابعث التدبن احلقيقي من الصعوبة والعسر مبا ال بتمكن منه اإلنسان‪.‬‬
‫وحنن‪ -‬املسلمني‪ -‬نعتقد أن الباعث على التدبن‪ :‬هو الفطر ‪ ،‬ونعتمد يف ذلك على الوحي اإلهلي‬
‫نصا على أن اإلنسان مفطور على اإلقرار ابَخالق والعبودبة له‬ ‫والنور الرابين‪ ،‬لإن القرآن والسنة َّ‬
‫لدب غن حنغيفا لغطيرَ َّغ‬
‫اَّلل الَّغيت لَطََر‬ ‫ك لغ غ‬
‫والرباء من الشرك‪ ،‬بدل على ذلك قول هللا عز وجل‪ :‬لَأَقغ يم َو يج َه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بن الي َقيغ ْم َولَ غك َّن أَ يكثَـ َر الن غ‬
‫َّاس َال بَـ يعلَ ْمو َن [الرو ‪.]30 :‬‬ ‫النَّاس علَيـها َال تَـب غدبل غَخَل غيق َّغ‬
‫اَّلل َذلغ َ غ‬
‫ك الد ْ‬ ‫ي َ‬ ‫َ َ يَ‬

‫(‪)14/1‬‬

‫ت بغَربغ ْك يم‬ ‫آد َ غمن ظْ ْهوغرغه يم ذْ غربَّـتَـ ْه يم َوأَ يش َه َد ْه يم َعلَى أَن ْف غس غه يم أَلَ يس ْ‬
‫ك من بَغين َ‬
‫َر َذ ربُّ َ غ‬
‫وقوله سبحانه‪َ :‬وإغ يذ أ َ َ‬
‫آاب ْؤَان غمن قَـ يب ْل َوْكنَّا‬
‫ني أ يَو تَـ ْقولْواي إغ ََّنَا أَ يش َر َك َ‬
‫غغ‬ ‫غ غ‬
‫قَالْواي بَـلَى َش غه يد َان أَن تَـ ْقولْواي بَـ يوَ اليقيَ َامة إغ َّان ْكنَّا َع ين َه َذا يَالل َ‬
‫ذْ غربَّة غمن بَـ يع غد غه يم أَلَـتْـ يهلغ ْكنَا غمبَا لَـ َع َل ال ْيم يب غطلْو َن [األعراف‪ .]173 - 172 :‬لهذه اخآبة تشهد لآلبة‬
‫قبلها‪ ،‬وتبني أن هللا جعل ذلك يف لطر بين آد ‪ ،‬وأنه أررجهم من أصماب آاب هم وأرذ عليهم بذلك‬
‫العهد وامليثاق‪ ،‬لقد روى البخاري ومسلم يف (صحيحيهما) من حدبث أنس رضي هللا عنه عن النَب‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال‪(( :‬بقول هللا تعاىل ألهون أهل النار عذااب‪ :‬لو كانت لك الدنيا وما ليها‬
‫أكنت مفتداي هبا؟ ليقول‪ :‬نعم‪ .‬ليقول‪ :‬قد أردت منك أهون من هذا وأنت يف صلب آد ‪ :‬أن ال‬
‫تشرك وال أدرلك النار‪ ،‬لأبيت إال الشرك)) (‪.)1‬وأررج اإلما أمحد عن ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫مرلوعا قال‪(( :‬إن هللا أرذ امليثاق من ظهر آد عليه السما بنعمان ‪ -‬بعين عرلة‪ -‬لأررج من صلبه‬
‫ت بغَربغ ْك يم قَالْواي بَـلَى َش غه يد َان أَن تَـ ْقولْواي‬ ‫كل ذربة ذرأها لنثرهم بني بدبه غ‬
‫كالذر‪ ،‬مث كلمهم قبما قال‪ :‬أَلَ يس َ‬
‫غغ‬ ‫غ غ‬
‫ني [األعراف‪.)2( ))]172 :‬ومن األدلة الدالة على أن اإلنسان‬ ‫بَـ يوَ اليقيَ َامة إغ َّان ْكنَّا َع ين َه َذا يَالل َ‬
‫مفطور على الدبن احلق حدبث أيب هربر رضي هللا عنه قال‪ :‬قال النَب صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬كل‬
‫مولود بولد على الفطر لأبواه بهودانه‪ ،‬أو بنصرانه‪ ،‬أو ميجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى‬
‫ليها جدعاء)) (‪.)3‬وحدبث عياض بن محار اجملاشعي رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال ذات بو يف رطبته‪(( :‬أال إن ريب أمرين أن أعلمكم ما جهلتم ِما علمين بومي هذا‪ :‬كل‬
‫مال حنلته عبدا ٌ‬
‫حمال‪ ،‬وإين رلقت عبادي حنفاء كلهم‪ ،‬وإهنم أتتهم الشياطني لاجتالتهم عن دبنهم‪،‬‬
‫وحرمت عليهم ما أحللت هلم‪ ،‬وأمرهتم أن بشركوا يب ما مل أنزل به سلطاان ‪ )) ...‬احلدبث (‪.)4‬‬
‫لهذه األدلة صرحية يف بيان أن اإلنسان مفطور على اإلقرار ابَخالق‪ ،‬والعبودبة له‪ ،‬وهذا هو التدبن‬
‫وذلك ابعثه ‪ -‬ومن أصدق من هللا حدبثا‪ -‬كما دلت هذه األدلة أبضا على أمربن‪:‬‬
‫وراب‪ ،‬قابلة للتأثر والتغَر واالحنراف بفعل ممثرات‬
‫أحدمها‪ :‬أن هذه الفطر واإلقرار ابَخالق إهلا ًّ‬
‫رارجية‪ ،‬ولذلك نعتقد أبن السبب يف وجود الوثنيات السابقة يف األمم البا د ‪ ،‬والماحقة يف األمم‬
‫القدمية واحلاضر ‪ ،‬هو هذه املمثرات اليت وردت يف هذه النصوص‪.‬‬
‫اثنيهما‪ :‬أن املمثرات اليت تمدي إىل احنراف الفطر عن وجهتها الصحيحة على ضوء هذه األدلة ثماثة‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشياطني‪ :‬وهي املمثر اَخارجي األصلي واألول يف هذا األمر‪ ،‬كما دل على ذلك حدبث‬
‫عياض بن محار اجملاشعي رضي هللا عنه املتقد ‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ , )3334‬ومسلم (‪.)2805‬‬
‫(‪ )2‬رواه أمحد (‪ , )2455( )272 /1‬والنسا ي يف ((الكربى)) (‪ , )11191( )347 /6‬واحلاكم‬
‫(‪ )593 /2‬وقال‪ :‬هذا حدبث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪ ,‬ووالقه الذهَب‪ ,‬وقال اهليثمي يف ((جممع‬
‫الزوا د)) (‪ :)189 /7‬رجاله رجال الصحيح‪ ,‬وقال ابن كثَر يف ((البدابة والنهابة)) (‪:)83 /1‬‬
‫إسناده جيد قوي على شرط مسلم‪ ,‬وقال الشوكاين يف ((لتح القدبر)) (‪ :)370 /2‬إسناده ال مطعن‬
‫ليه‪ ,‬وصححه األلباين يف ((صحيح اجلامع)) (‪.)1701‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ , )1385‬ومسلم (‪.)2658‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪.)2865‬‬

‫(‪)15/1‬‬

‫‪ - 2‬األبوان‪ ،‬وبقو اجملتمع بدور األبوبن يف حال لقدمها‪ ،‬وهذا املمثر هو أقوى املمثرات‪ ،‬وأرطرها؛‬
‫لشد التصاق األوالد ِباب هم وقو َتثَرهم عليهم‪ ،‬وقد دل على ذلك حدبث أيب هربر رضي هللا‬
‫عنه املتقد ‪ ،‬وقد قدمت الشياطني على اخآابء؛ ألن الشياطني هي املمثر اَخارجي األول يف احنراف‬
‫اخآابء أنفسهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬الغفلة‪ :‬وهي املمثر الثالث يف احنراف هذه الفطر ‪ ،‬كما دلت على ذلك آبة سور األعراف‪.‬‬
‫ولسا ل أن بسأل‪ :‬ما هي لا د الفطر وهي على هذه احلال من الضعف‪ ،‬حيث تتأثر هبذه املمثرات‬
‫اَخارجية اليت تمدي إىل احنرالها‪ ،‬وال بكاد اإلنسان بنفك عن واحد من هذه املمثرات والصوارف‪ ،‬أو‬
‫كلها؟‬
‫واجلواب عن ذلك أن بقال‪ :‬إن حكمة هللا اقتضت جعل الفطر هبذه احلال؛ ليتحقق الغرض من‬
‫ابتماء اإلنسان ابَخَر والشر‪ ،‬ومن مث جزاؤه على عمله؛ إذ لو كانت الفطر قوبة ال تتأثر بشيء ملا‬
‫وقع الكفر واالحنراف يف بين آد ‪ ،‬بل صاروا يَر قابلني للكفر‪ ،‬لما بتحقق االبتماء‪ ،‬وهلل احلكمة‬
‫البالغة‪.‬‬
‫ومع ذلك لإن هلذه الفطر لوا د عدبد منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن هذه الفطر يرزت يف النفس البشربة التدبن والتعبد هلل تعاىل‪ ،‬لإذا مل بهتد اإلنسان إىل هللا‬
‫عز وجل لإنه بْعبغد نفسه ألي معبود آرر؛ ليشبع يف ذلك هنمته إىل التدبن‪ ،‬وذلك كمن استبد به‬
‫اجلوع لإنه إذا مل جيد الطعا الطيب الذي بناسبه لإنه بتناول كل ما ميكن أكله ولو كان ربيثا ليسد‬
‫به جوعته‪.‬‬
‫وهذا ما بفسر لنا وجود التدبن عند عمو البشر‪ ،‬وقد بكون الدبن واملعبود يف كثَر من األحيان‬
‫ابطما‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن هذه الفطر جعلت يف جبلة اإلنسان قبول العبودبة واالنسجا مع لوازمها‪ ،‬وهذا من األمور‬
‫املهمة لإلنسان‪ ،‬ألن كل ما ال بتفق مع الفطر لإن النفس تنفر منه وال تستجيب ملتطلباته‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن هذه الفطر مرجحة للحق‪ ،‬لإذا تعرف اإلنسان على دبنني حق وابطل‪ ،‬لإن الفطر متيز‬
‫بينهما ومتيل إىل احلق‪ ،‬بل بقع ذلك يف قرار النفس وبتيقن القلب منه‪ ،‬لإما أن بعلن ذلك وبلتز به‪،‬‬
‫أو ال بستجيب له بسبب هوى‪ ،‬أو روف‪ ،‬أو إلف وتقليد وحنو ذلك من الصوارف عن احلق‪ .‬كما‬
‫ف َكا َن َعاقغبَةْ‬
‫س ْه يم ظْليما َو ْعلْ ًّوا لَانظْير َك يي َ‬ ‫قال عز وجل عن لرعون وقومه َو َج َح ْدوا غهبَا َو ي‬
‫استَـ ييـ َقنَـ يتـ َها أَن ْف ْ‬
‫بن [النمل‪.]14 :‬‬ ‫غغ‬
‫ال ْيم يفسد َ‬
‫رابعا‪ :‬أن هذه الفطر هتب للمهتدي بقينا ابحلق الذي هو عليه‪ ،‬وإن مل بكن عنده من األدلة النظربة‬
‫ما بهبه هذا اليقني‪ ،‬وهذا بفسر لنا ‪ -‬وهللا أعلم‪ -‬عد ترك املسلم لدبنه ريبة عنه‪ ،‬وما ذلك إال‬
‫لتناسبه مع لطرته‪ ،‬ليعطيه ذلك بقينا أبنه احلق‪ ،‬وكذلك من اهتدى إىل اإلسما من ذوي األداين‬
‫األررى الباطلة‪ ،‬لإنه بتمسك به متسك الغربق حببل النجا ‪ ،‬وما ذلك إال لتيقنه من أن هذا الدبن‬
‫هو احلق؛ لتناسبه وانسجامه مع الفطر ‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪26‬‬
‫(‪)16/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬بيان أن التوحيد سبق الشرك‪:‬‬


‫مل توجد أمة من األمم إال وكان هلا دبن تدبن به‪ ،‬وعباد تلتز هبا‪ ،‬كما تقد أبن األداين نوعان‪ :‬دبن‬
‫التوحيد وهو مساوي‪ ،‬وأداين وضعية شركية‪ ،‬وقد زعم امللحدون‪ :‬أن الشرك كان أسبق يف الوجود‬
‫على األرض من التوحيد‪ ،‬وهو قول مبين على إنكارهم للخالق جل وعما‪ ،‬وزعمهم أن اإلنسان إَنا‬
‫وجد من الطبيعة حيث كان أميبا‪ ،‬مث تطور بفعل الرطوبة حىت وصل بعد أزمان عدبد إىل صور‬
‫القرد‪ ،‬مث تطور لصار القرد إنساان‪ ،‬لزعموا أن هذا اإلنسان‪ -‬وكان يف ذلك الوقت يف طور الطفولة‬
‫البشربة‪ -‬أرذ ببحث عن إله بعبده‪ ،‬لتوجه إىل عباد اخآابء واألجداد‪ ،‬واألشجار‪ ،‬واحليواانت‬
‫الضخمة‪ ،‬والشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬إىل يَر ذلك من األشياء اليت بستعظمها يف نفسه‪ ،‬مث بدأ هذا اإلنسان‬
‫بتطور يف عقله وأحاسيسه‪ ،‬لبدأ بتخلى عن كثَر من اخآهلة اليت كان بعبدها حىت توصل يف عهد‬
‫الفراعنة إىل التوحيد‪ ،‬وال بعين ذلك عندهم عباد هللا وحده ال شربك له‪ ،‬وإَنا عباد إله واحد وهو)‬
‫رع (يف زعمهم الذي برمز له بقرص الشمس‪ ،‬ظاهر من هذا القول أن أصحابه بزعمون أن األداين‬
‫من صنع البشر وليست من قبل هللا عز وجل‪،‬‬
‫والعجيب أن بوالقهم على هذا القول بعض املنتسبني لإلسما كالعقاد يف كتابه (هللا جل جماله)‬
‫وعبد الكرمي اَخطيب يف كتابه (قضية األلوهية بني الفلسفة والدبن) وقد زعم أصحاب هذا القول أن‬
‫هلم عليه دليلني‪:‬‬
‫أوال‪ :‬القياس على الصناعة‪ ،‬لكما أن اإلنسان قد تطور يف صناعته‪ ،‬لهو كذلك تطور يف داينته‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن حفرايت اخآاثر دلتهم على أن الناس وقعوا يف الشرك وتعدد اخآهلة‪ ،‬وأن اإلنسان عرف‬
‫التوحيد متأررا‪.‬‬
‫وهذا يف الواقع قياس لاسد‪ ،‬واستدالل ابطل‪ ،‬لقوهلم‪ :‬إن الدبن كالصناعة‪ .‬قياس مع الفارق؛ لعد‬
‫أمور‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن الصناعات شيء مادي‪ ،‬واألداين شيء معنوي‪ ،‬لكيف بقاس شيء معنوي يَر حمسوس‬
‫على شيء مادي حمسوس‪ ،‬لهو كمن بقيس اهلواء على املاء‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن الصناعة تقو على التجربة واملماحظة‪ ،‬وتظهر النتا ج بعد استكمال مقوماهتا‪ ،‬خبماف الدبن‬
‫الذي ال بقو على ذلك ‪، ........‬‬
‫اثلثا‪ :‬بلز من هذا القياس أن بكون اإلنسان يف هذا الزمن صادق التدبن رالص التوحيد؛ ألن‬
‫الصناعة قد بلغت مبلغا عاليا من التطور‪ ،‬والواقع رماف ذلك لإن اإلنسان أحط ما بكون من‬
‫الناحية الدبنية؛ إذ إن اإلحلاد ٍ‬
‫متفش يف أكثر بقاع العامل‪ ،‬كما بلز منه أن ال بوجد شرك يف هذا‬
‫الزمن‪ ،‬والواقع رماف ذلك‪ ،‬حيث الشرك ٍ‬
‫متفش يف الشرق والغرب‪.‬‬
‫أما زعمهم االستدالل على قوهلم ابخآاثر وَملفات األمم السابقة‪ ،‬ليقال‪ :‬إن هذه اخآاثر انقصة‪ ،‬لما‬
‫داللة ليها على ما ذكروا سوى التخمني وحماولة الربط بني أمور متباعد ‪ ،‬ويابة ما تدل عليه‬
‫نصا على‬
‫احلفرايت واخآاثر أن األمم السابقة وقعت يف الشرك‪ ،‬وهذا ال ننكره بل القرآن والسنة َّ‬
‫ذلك وبيناه‪ ،‬أما عباد اإلنسان األول وعقيدته لما ميكن معرلتها من رمال اخآاثر حىت بعثروا على‬
‫اإلنسان األول وجيدوا آاثرا تدل على عقيدته وعبادته‪ .‬مث إن من املمكد أن األمم تتقلب يف عباداهتا‪،‬‬
‫لتنتقل من التوحيد إىل الشرك‪ ،‬ومن الشرك إىل التوحيد‪ ،‬لمثما أهل مكة كانوا على التوحيد دبن‬
‫إمساعيل بن إبراهيم اَخليل عليهما السما ‪ ،‬مث وقعوا يف الشرك‪ ،‬مث عادوا إىل التوحيد بدعو سيدان‬
‫حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لمعرلة عباد أمة من األمم ال بعين أهنا مل تعرف سوى تلك العباد ‪ ،‬بل‬
‫ذلك بعين أهنا كانت على تلك العباد يف تلك الفرت لقط‪ .‬وهبذا بظهر جليا واضحا لساد هذا‬
‫القول‪ ،‬وأن ما استدلوا به ليس إال خترصات وتومهات‪ ،‬ال تقو يف وجه احلق الواضح البني وهو‪:‬‬

‫(‪)17/1‬‬

‫أن اإلنسان أول ما عرف التوحيد‪ ،‬مث بدأ ابالحنراف لتدرج يف ذلك حىت وقع يف الشرك‪ ،‬وذلك ألن‬
‫اإلنسان األول هو آد عليه السما كان نبيًّا بعبد هللا وحده ال شربك له‪ ،‬وعلم أبناءه التوحيد‪ ،‬إىل‬
‫أن وقع بنو آد يف الشرك بعده أبزمان‪ -‬وهذا بقر به وبقول به كل من بممن أبن هللا هو اَخالق‪ ،‬وكل‬
‫من بممن ابإلسما أو ابليهودبة والنصرانية إال من اتبع قول امللحدبن منهم‪ .‬ومن األدلة‪ -‬زايد على‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫هذا‪ -‬قوله تعاىل‪َ :‬كا َن النَّاس أ َّْمة و غ‬
‫بن َوْمنذ غر َ‬
‫بن [البقر ‪ ]213 :‬قال ابن‬ ‫ث هللاْ النَّبغيغ َ‬
‫ني ْمبَش غر َ‬ ‫اح َد لَـبَـ َع َ‬ ‫ْ َ‬
‫عباس رضي هللا عنه‪ ،‬ليما روى عنه ابن جربر بسنده‪( :‬كان بني آد ونوح عشر قرون‪ ،‬كلهم على‬
‫شربعة من احلق لارتلفوا لبعث هللا النبيني مبشربن ومنذربن)‪ )1( .‬وبمبد هذا قراء أيب بن كعب‬
‫وعبد هللا بن مسعود رضي هللا عنهما َكا َن النَّاس أ َّْمة و غ‬
‫ث هللاْ النَّبغ َ‬
‫يني ‪ ...‬اخآبة‪.‬‬ ‫اح َد (لَا يرتَـلَ ْفوا) لَـبَـ َع َ‬ ‫ْ َ‬
‫اح َد لَا يرتَـلَ ْفواي [بونس‪:‬‬ ‫وبمبده أبضا قوله عز وجل يف سور بونس‪ :‬وما َكا َن النَّاس إغالَّ أ َّْمة و غ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫‪.]19‬لهذا بنص على أن بين آد عبدوا هللا عز وجل لرت من الزمن وهي عشر قرون‪ ،‬كما ذكر ابن‬
‫عباس رضي هللا عنه‪ ،‬مث إهنم احنرلوا عن هذا النهج القومي لبعث هللا إليهم الرسل لَردوهم إىل‬
‫التوحيد‪ .‬ويف روابة أررى عن ابن عباس رضي هللا عنه َّبني لنا كيف بدأ وقوع بين آد يف الشرك‪،‬‬
‫لقد أررج البخاري بسنده عنه أنه قال يف معىن قول هللا تعاىل‪ :‬وقَالْوا َال تَ َذر َّن غ‬
‫آهلَتَ ْك يم َوَال تَ َذ ْر َّن َو ًّدا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وث َوبَـ ْعو َق َونَ يسرا [نوح‪ ،]23 :‬قال‪( :‬هذه أمساء رجال صاحلني من قو نوح‪ ،‬للما‬
‫َوَال ْس َواعا َوَال بَـغْ َ‬
‫هلكوا أوحى الشيطان إىل قومهم أن انصبوا إىل جمالسهم اليت كانوا جيلسون إليها أنصااب‪ ،‬ومسوها‬
‫أبمسا هم‪ ،‬لفعلوا للم تعبد‪ ،‬حىت إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت) (‪ .)2‬لهذا كان مبدأ وقوع بين‬
‫آد يف الشرك واحنرالهم عن توحيد هللا عز وجل‪ ،‬وال بعين استداللنا هذا أن هذا األمر مل بثبت إال‬
‫عن طربق الوحي ‪ -‬وإن كان كاليا يف هذا ‪ -‬بل إن هذا القول أثبته علماء يف اخآاثر وابحثون يف‬
‫األداين من الغربيني ويَرهم‪.‬‬
‫بقول الباحث) آدمسون هيوبل (املتخصص يف دراسة امللل البدا ية‪ ):‬د مضى ذلك العهد الذي كان‬
‫بتهم الرجل القدمي أبنه يَر قادر على التفكَر ليما بتعلق ابلذات املقدسة أويف هللا العظيم‪ ،‬ولقد‬
‫أرطأ) تيلور (حيث جعل التفكَر الدبين املوحد نتيجة للتقد احلضاري والسمو املعريف‪ ،‬وجعل ذلك‬
‫نتيجة لتطور بدأ من عباد األرواح واألشباح مث التعدد مث أرَرا العثور على لكر التوحيد (‪.‬‬
‫وبقول الباحث (اندري النج) من علماء القرن املاضي‪( :‬إن الناس يف أسرتاليا وألربقيا واهلند مل بنشأ‬
‫اعتقادهم يف هللا العظيم على أساس من االعتقاد املسيحي‪ ،‬وقد أكد هذا الرأي العامل األسرتاِل (وليم‬
‫مسيث) حيث ذكر يف كتابه (أسس لكر التوحيد) جمموعة من الرباهني واألدلة مجعها من عد مناطق‬
‫واُتاهات تمكد أن أول تعبد مارسه اإلنسان كان ُتاه هللا الواحد العظيم)‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬جامع البيان يف َتوبل القرآن)) (‪ ،)275 /4‬ورواه احلاكم (‪ )480 /2‬وقال‪ :‬هذا حدبث‬
‫صحيح على شرط البخاري ومل خيرجاه‪ ،‬ووالقه الذهَب‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪)4920‬‬

‫(‪)18/1‬‬

‫وبقول الدكتور احلاج (أورانج كاي) من علماء املمابو يف إندونيسيا (‪ :‬عندان يف بماد أرربيل املمابو‬
‫دليل أكيد على أن أهل دايران هذه كانوا بعبدون هللا الواحد‪ ،‬وذلك قبل أن بدرل اإلسما إىل هذه‬
‫الداير‪ ،‬وقبل أن تدرل النصرانية‪ ،‬ويف عقيد جزبر كلمنتان إبندونيسيا لوثة من اهلندوسية ورا حة‬
‫من اإلسما ‪ ،‬مع أن التوحيد كعباد ألهل هذه الداير كان هو األصل قبل وصول اهلندوسية أو‬
‫اإلسما إليها‪ ،‬وإذا رجعنا إىل اللغة الدارجة ألهل هذه الداير قبل استخدا اللغة السانسكربتية أو‬
‫قبل هجر اهلندوسية أو درول اإلسما َتكدان من أن التصور االعتقادي ألجدادان حسب النطق‬
‫والتعبَر املوروث هو أن هللا يف عقيدهتم واحد الشربك له)‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪34‬‬
‫الدبن اإلهلي وعقيد التوحيد اَخالصة مها األصل يف حيا البشر منذ أن رلق هللا آد (وذربته)‬
‫خبماف ما تدعيه النظرايت املادبة والفلسفية السا د اليت تزعم أن البشربة يف أول أمرها كانت ال‬
‫تعرف التوحيد‪ ،‬وأن الناس كانوا بعبدون ما حوهلم من املخلوقات اليت كانوا بروجوهنا أو خيالوهنا لهذا‬
‫ابطل وحمض الرتاء‪ ،‬إَنا بقو على خترصات اَخراصني وظنون اجلاهلني‪ ،‬إَنا عبدت األواثن بعد أزمان‬
‫حيث كثر اَخبث‪ ،‬وحاد أكثر البشر عن هللا وشرعه القومي‪.‬‬
‫رلق هللا الناس حنفاء موحدبن‪:‬‬
‫لقد ثبت ابلقرآن الكرمي وصحيح السنة واخآاثر أن هللا تعاىل رلق الناس حنفاء موحدبن َملصني هلل‬
‫الدبن‪ ،‬ولطرهم على التوحيد‪ ،‬وأن الشرك والضمال واالحنراف إَنا هو شيء طارئ حدث بعد‬
‫أحقاب من الزمان‪ ،‬ومل ختل أمة وال زمان على طول التاربخ البشري من دبن ورسل وأنبياء بدعون إىل‬
‫التوحيد‪ ،‬وحيذرون من الشرك‪.‬‬
‫يها نَ غذ ٌبر [لاطر‪]24 :‬‬ ‫اك غاب يحل غق ب غشَرا ونَ غذبرا وإغن غمن أ َّْم ٍة إغَّال َ غ‬
‫رما ل َ‬ ‫َ ي‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬إغ َّان أ يَر َسلينَ َ َ َ َ‬
‫َّاس علَى غ‬ ‫غ‬ ‫نذ غر غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫الر ْس غل [النساء‪.]165 :‬‬
‫هللا ْح َّجةٌ بَـ يع َد ُّ‬ ‫بن لئَماَّ بَ ْكو َن للن غ َ‬ ‫بن َوْم َ‬ ‫وقال تعاىل‪ْ :‬ر ْسما ُّمبَش غر َ‬
‫ول [بونس‪.]47 :‬‬ ‫وقال تعاىل‪َ :‬ولغ ْك غل أْ َّم ٍة َّر ْس ٌ‬
‫اجتَنغبْواي الطَّايْ َ‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬
‫وت [النحل‪.]36 :‬كما ثبت‬ ‫وقال تعاىل‪َ :‬ولََق يد بَـ َعثيـنَا غيف ْك غل أ َّْمة َّر ْسوال أَن ا يعبْ ْدواي هللاَ َو ي‬
‫يف صحيح السنة قوله صلى هللا عليه وسلم يف احلدبث القدسي بروبه عن ربه تبارك وتعاىل‪ ،‬وليه‪:‬‬
‫((رلقت عبادي حنفاء لاجتالتهم الشياطني))‪ .‬رواه مسلم (‪.)1‬‬
‫بطمان نظربة تطور الدبن‪:‬‬
‫إذن لقد عرلت بقينا أن التوحيد والصماح مها األصل الذي كانت عليه البشربة يف أول وجودها‪،‬‬
‫وأن الشرك والفساد والضمال أمور طار ة مبا كسبت أبدي الناس‪.‬‬
‫وبعد هذا لما تغرت مبا بقوله بعض الكتاب احملدثني واملفكربن‪ ،‬وكثَر من علماء االجتماع والرتبية وعلم‬
‫النفس والتاربخ من أن الناس يف أول أمرهم على اجلهل والوثنية واهلمجية‪ ،‬مث تطوروا إىل التوحيد‪،‬‬
‫لالقا لون هبذا مقلدون للنظرايت الغربية املادبة اليت ال تستند على دليل علمي وال وحي مساوي‪.‬‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪14‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )2856‬بلفظ) ( ‪ ....‬وإين رلقت عبادي حنفاء كلهم وإهنم أتتهم الشياطني‬
‫لاجتالتهم عن دبنهم ‪ )) ....‬من حدبث عياض بن محار اجملاشعى‪.‬‬

‫(‪)19/1‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬واقع العامل الدبين وواجب املسلم ُتاهه‬


‫من البدهي لدى كل مسلم أن اإلسما ـ عقيد وسلوكا ـ هو امليزان الصحيح احلكم‪ ،‬واحلكم العدل‬
‫يف تقومي األداين واملذاهب‪ ،‬واحلكم على مدى استقامة األمم والشعوب أو احنرالها‪.‬‬
‫وعلى هذا لإن املتأمل حلال البشربة الدبنية اليو برى أن الناس على أربعة أصناف‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬مسلم متمسك بدبنه معتصم بكتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بممن ابهلل‬
‫وأيمر ابملعروف وبنهى عن املنكر على هدى من دبن هللا وبصَر ‪ .‬وهمالء ريم قلتهم منتشرون ـ حبمد‬
‫هلل ـ يف سا ر املعمور بربطهم رابط العقيد الصحيح وأرو اإلميان‪ ،‬وهم الطا فة اليت عناها رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم بقوله يف احلدبث الصحيح عن مجاعة من الصحابة أن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم قال‪(( :‬ال تزال طا فة من أميت ظاهربن على احلق‪ ،‬ال بضرهم من رذهلم حىت أيِت أمر هللا وهم‬
‫كذلك)) (‪.)1‬واملقصود أبمر هللا هنا‪ :‬قيا الساعة كما هو صربح يف أحادبث أررى ((حىت تقو‬
‫الساعة)) (‪)2‬‬
‫لاحرص أري املسلم على أن تكون من هذه الطا فة؛ لتسعد يف الدنيا واخآرر بنعمة اإلسما‬
‫اك َع ينـ ْه يم تْ غرب ْد غزبنَةَ ا يحلَيَا غ ُّ‬
‫الدنيـيَا [الكهف‪ ]28 :‬الصنف الثاين‪ :‬املنتمون‬ ‫واإلميان َوَال تَـ يع ْد َع ييـنَ َ‬
‫لإلسما وهم على شيء من االحنراف والضمال أو على الكفر أو اجلهل‪ ،‬وهم مع األسف كثَر ِمن‬
‫بدعي اإلسما من الصولية‪ ،‬والرالضة‪ ،‬والباطنية‪ ،‬والنصَربة‪ ،‬واملقابربني (‪ )3‬وأصحاب املبادئ‬
‫واالُتاهات اهلدامة‪ :‬كاالشرتاكية‪ ،‬والبعثية‪ ،‬والقومية‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬وسواهم من ذوي االحنراف العقدي‬
‫والعملي‪.‬‬
‫وهمالء هم الذبن استثىن منهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تلك الطا فة املنصور الظاهر على‬
‫احلق ريم قلتها‪ ،‬واليت أشران إليها آنفا (يف الصنف األول)‪.‬‬
‫وبنبغي لك أري املسلم أن تتسلح ابلعقيد ‪ ،‬وتكون على حذر من همالء األدعياء؛ ألهنم دعا شر‬
‫على أبواب جهنم‪ ،‬وميلكون من األساليب والوسا ل اجلذابة واَخادعة ما بشكل رطرا على شباب‬
‫املسلمني الذبن مل بتسلحوا ابلعقيد اإلسمامية الصالية اليت حتصنهم‪.‬‬
‫الصنف الثالث‪ :‬أتباع الدايانت الضالة‪:‬‬
‫وهمالء‪ :‬إما كتابيون‪ ،‬وهم الذبن بنتمون إىل األداين املنزلة من هللا يف أصلها‪ ،‬ولكن درلها التحربف‬
‫والشرك مث نسخت‪ ،‬وهم اليهود والنصارى‪.‬‬
‫وإما وثنيون بتبعون دبنا مبتدعا بقو يف أصله على الشرك والوثنية وتقدبس املخلوقات‪ ،‬كالربامهة‪،‬‬
‫والبوذبني والكنفوشسيني واجملوس وأكثر الفماسفة‪ ،‬وهذا الصنف كالر صربح الكفر‪ ،‬وعلى املسلم‬
‫أن ال برتبط معهم أبرو أو مود أو والء؛ ألهنم حمادون هلل ورسوله‪.‬‬
‫الصنف الرابع‪:‬‬
‫املماحد ‪ :‬وهم الذبن ال بدبنون بدبن‪ ،‬أو بتبعون مذاهب ُتحد وجود اَخالق سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهم‬
‫بعض الفماسفة‪ ،‬والدهربون‪ ،‬والشيوعيون‪ ،‬وبعض العلمانيني وحنوهم‪ ،‬وهم كفار مماحد ‪ ،‬وعلى‬
‫املسلم أن بتربأ منهم وبعادبهم‪ ،‬لما بواهلم وال بصادقهم وال بوادهم وأن بكون على حذر منهم‪.‬‬
‫واجب املسلم ُتاه هذا الواقع‪:‬‬
‫لعليك أري املسلم أن تكون على بصَر من أمرك واعيا ومدركا لواجبك وما بدور حولك‪ ،‬وما حياك‬
‫لدبنك وأمتك‪ ،‬لتعرف اَخَر لتتمسك به‪ ،‬وتدرك الشر لتحذره‪ ،‬وتكون جنداي َملصا لعقيدتك‬
‫ودبنك وأمتك لأنت أمل املسلمني بعد هللا‪.‬‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪13‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ , )1920‬عن ثوابن رضي هللا عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ , )2192‬وابن ماجه (‪ , )6‬وقال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح‪ ,‬وقال األلباين يف‬
‫((السلسلة الصحيحة)) (‪ :)403‬صحيح على شرط الشيخني‪.‬‬
‫(‪ )3‬املقابربون ـ أو القبوربون ـ هم أولئك الذبن بعظمون القبور واألضرحة وببنون عليها القباب‬
‫وبتخذوهنا مساجد وأعياد‪ ،‬وبذحبون عندها النذور والقرابني وبتمسحون هبا زعما منهم أن املوتى‬
‫بنفعوهنم أو بضرون ليدعوهنم وبرجوهنم مع هللا‪ ,‬وبزعمون أن هلم قدر على تصربف األقدار ومقاليد‬
‫الكون‪ ,‬وهذا شرك وضمال مبني‪ .‬لالقبوربة من البدع الشركية اليت تروجها الطرق الصولية وأول من‬
‫ابتدعها ونشرها الرالضة ولرقهم كالفاطميني والقرامطة‪.‬‬

‫(‪)20/1‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعربف اليهودبة‪:‬‬
‫اليهودبة‪ :‬هي داينة العربانيني املنحدربن من إبراهيم عليه السما واملعرولني ابألسباط من بين إسرا يل‬
‫الذبن أرسل هللا إليهم موسى عليه السما ممبدا ابلتورا ؛ ليكون هلم نبيًّا‪.‬‬
‫واليهودبة داينة ببدو أهنا منسوبة إىل بهود الشعب‪ ،‬وهذه بدورها قد ارتلف يف أصلها‪ ،‬وقد تكون‬
‫نسبة إىل بهوذا أحد أبناء بعقوب‪ ،‬وعممت على الشعب على سبيل التغليب‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫اليهودبة‪ :‬مصطلح حادث بطلق على الداينة الباطلة احملرلة عن الدبن احلق الذي جاء به موسى عليه‬
‫السما ‪.‬‬
‫ولعل هذا هو التعربف الصحيح لليهودبة‪ ،‬ومن رماله بتبني اَخلل يف بعض التعربفات اليت تقول‪ :‬إهنا‬
‫الدبن الذي جاء به موسى ‪ -‬عليه السما ‪.-‬‬
‫أو‪ :‬إهنا دبن موسى عليه السما ‪.‬‬
‫وهذا رطأ؛ إذ موسى عليه السما مل جيئ ابليهودبة‪ ،‬وإَنا جاء ابإلسما ‪ -‬مبفهومه العا ‪ -‬الذي بعين‬
‫االستسما هلل وحده؛ لهو دبن مجيع األنبياء من لدن نوح إىل حممد عليهم السما ‪.‬‬
‫ص َرانغيًّا َولَ غكن َكا َن َحنغيفا‬ ‫قال هللا عز وجل عن إبراهيم عليه السما ‪ :‬ما َكا َن إغبـر غاهيم بـه غ‬
‫ود ًّاي َوالَ نَ ي‬ ‫يَ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ني [آل عمران‪.]67 :‬‬ ‫ُّم يسلما َوَما َكا َن م َن ال ْيم يش غرك َ‬
‫ال موسى اي قَـوغ إغن ْكنتم آمنتم غاب غ‬
‫هلل لَـ َعلَيي غه تَـ َوَّكلْواي‬ ‫ْي َ ْ‬ ‫وقال ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬عن موسى عليه السما ‪َ :‬وقَ َ ْ َ َ ي‬
‫غ‬
‫ني [بونس‪.]84:‬‬ ‫إغن ْكنتْم ُّم يسل غم َ‬
‫ال ا يحلََوا غربُّو َن‬ ‫ال من أَنصا غري إغ َىل غ‬
‫هللا قَ َ‬ ‫غ‬ ‫وقال عن عيسى عليه السما ‪ :‬لَـلَ َّما أَح َّ غ‬
‫يسى م ينـ ْه ْم الي ْك يف َر قَ َ َ ي َ‬ ‫سع َ‬ ‫َ‬
‫هلل َوا يش َه يد غأب ََّان ْم يسلغ ْمو َن [آل عمران‪.]52 :‬‬ ‫هللا آمنَّا غاب غ‬
‫َيحنن أَنصار غ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ‬
‫لهذا هو اإلسما العا الذي جاء به مجيع األنبياء‪ .‬أما اإلسما اَخاص لهو‪ :‬شربعة القرآن اليت جاء‬
‫هبا حممد (‪.)1‬‬
‫وهذا اإلسما اَخاص بشرتك مع كالة الشرا ع ابلتوحيد واألصول‪ ،‬وخيتلف يف تفصيل بعض الشرا ع‪.‬‬
‫ومن رمال ما مضى بتبني أن اليهودبة داينة ابطلة حمرلة عن الدبن احلق الذي جاء به موسى عليه‬
‫السما ‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب‪ ،‬حملمد احلمد ص ‪63 ،62‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((التدمربة)) البن تيمية (‪.)175 - 196‬‬
‫(‪)21/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬سبب التسمية‪:‬‬


‫مسيت اليهودبة بذلك نسبة إىل اليهود‪ ،‬وقد تعددت أسباب تسمية اليهود هبذا االسم؛ لقيل يف ذلك‬
‫أقوال منها‪:‬‬
‫‪ 1-‬أهنم مسوا بهودا نسبة إىل بهوذا بن بعقوب‪ ،‬الذي بنتمي إليه بنو إسرا يل الذبن بعث ليهم موسى‬
‫عليه السما لقلبت العرب الذال داال‪.‬‬
‫‪ 2-‬نسبة إىل اهلََود‪ :‬وهو التوبة‪ ،‬والرجوع‪ ،‬وذلك نسبة إىل قول موسى عليه السما لربه‪ :‬إغ َّان ْه يد َان‬
‫هاد بهود‬ ‫ك [األعراف‪ .]156 :‬أي‪ :‬تبنا ورجعنا إليك اي ربنا‪ .‬قال ابن منظور‪ :‬اهلود‪ :‬التوبة‪َ ،‬‬ ‫إغلَيي َ‬
‫وحوك‪ ،‬وابزل وبْـ يزل (‪.)1‬‬
‫وهتود‪ :‬اتب ورجع إىل احلق؛ لهو ها د‪ ،‬وقوٌ ْه يود مثل حا ك ْ‬
‫هودا‪َّ ،‬‬
‫‪ 3-‬نسبة إىل التقرب والعمل الصاحل‪ ،‬قال زهَر بن أيب سلمى‪:‬‬
‫سوى رب ٍع مل غ‬
‫أيت ليه َمالة ‪ ...‬وال رهقا من عابد متهود‬ ‫ََ‬
‫لاملتهود‪ :‬املتقرب‪ ،‬والتهود‪ :‬العمل الصاحل (‪.)2‬‬
‫‪ 4-‬من اهلواد ‪ ،‬وهي املود ‪ ،‬لكأهنم مسوا بذلك؛ ملود بعضهم بعضا‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب‪ ،‬حملمد احلمد ص ‪64 ،63‬‬
‫_________‬
‫(‪(( ))]13[ )1‬لسان العرب)) (‪)439 /3‬‬
‫(‪(( )]14[( )2‬لسان العرب)) (‪)349 /3‬‬

‫(‪)22/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أمساء اليهود‪:‬‬


‫لليهود عد أمساء منها‪:‬‬
‫‪ 1-‬اليهود‪.‬‬
‫‪ 2-‬بنو إسرا يل‪ :‬وإسرا يل لقب بعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السما ‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬معناه‪( :‬عبد هللا)‪.‬‬
‫ألن إسرا مبعىن عبد‪ ،‬وإبل‪ :‬اسم هللا‪ .‬أي‪ :‬أنه مركب من كلمتني‪ :‬إسرا‪ ،‬وإبل‪ ،‬كما بقولون‪ :‬بيت إبل‬
‫(‪.)1‬‬
‫َّ غ‬ ‫َّ غ‬
‫الصابغئغ َ‬
‫ني [البقر ‪:‬‬ ‫ارى َو َّ‬
‫َّص َ‬
‫ادواي َوالن َ‬
‫بن َه ْ‬
‫آمنْواي َوالذ َ‬ ‫‪ 3-‬الذبن هادوا‪ :‬كما قال عز وجل‪ :‬إغ َّن الذ َ‬
‫بن َ‬
‫‪.]62‬‬
‫غغ‬ ‫غ غ َّ غ‬ ‫غ‬
‫ادواي [املا د ‪.]44 :‬‬ ‫َسلَ ْمواي للَّذ َ‬
‫بن َه ْ‬ ‫بن أ ي‬
‫ور َيحي ْك ْم هبَا النَّبيُّو َن الذ َ‬
‫يها ْهدى َونْ ٌ‬ ‫وقال‪ :‬إغ َّان أ َ‬
‫َنزلينَا التـ يَّوَرا َ ل َ‬
‫‪ 4-‬أهل الكتاب‪ :‬إشار إىل امسهم املتأرر راصة بعد ظهور عيسى عليه السما ‪ ،‬ومتيزهم عن أتباعه‬
‫النصارى‪.‬‬
‫ولذلك بطلق هذا االسم عليهم وعلى النصارى؛ إشار إىل أن هللا أنزل عليهم كتااب من السماء‪ ،‬وهو‬
‫التورا على موسى‪ ،‬واإلجنيل على عيسى عليهما السما ‪.‬‬
‫وعلى أبة حال لاسم اليهود أمشل من بين إسرا يل؛ ألنه بطلق على الذبن اعتنقوا الداينة سواء كانوا‬
‫من بين إسرا يل أو من يَرهم‪.‬‬
‫يف حني أن بين إسرا يل وهم ذربة بعقوب عليه السما قد بكون منهم اليهودي‪ ،‬أو النصراين‪ ،‬أو‬
‫املسلم‪ ،‬أو سواهم‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب‪ ،‬حملمد احلمد ص ‪65 ،64‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((التحربر والتنوبر)) البن عاشور (‪.)450 /1‬‬

‫(‪)23/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬النشأ ‪:‬‬


‫بْـ َع ُّد اَخليل إبراهيم عليه السما األب املشرتك للعرب‪ ،‬واليهود‪ ،‬والنصارى‪ .‬واَخليل هو إبراهيم بن‬
‫شذ بن سا بن نوح عليه‬
‫اترغخ بن انحور بن ساروغ بن رايو بن لال بن عابر ابن شاخل بن أ يَرلَ يخ َ‬
‫السما (‪.)1‬‬
‫ارتلف يف مكان والد اَخليل عليه السما ‪.‬‬
‫قال ابن كثَر‪ :‬عن ابن عباس ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬قال‪( :‬ولد إبراهيم بغْوطة دمشق‪ ،‬يف قربة بقال‬
‫هلا‪ :‬برز ‪ ،‬يف جبل بقال له‪ :‬قاسيون)‪.‬مث قال‪ :‬والصحيح أنه ولد ببابل (‪.)2‬‬
‫وتذكر كتب التواربخ أن إبراهيم عليه السما تزوج سار ‪ ،‬وكانت عاقرا ال تلد‪ ،‬وأن اترخ انطلق اببنه‬
‫إبراهيم وامرأته سار وابن أريه لوط بن هاران لخرج هبم من أرض الكلدانيني إىل أرض الكنعانيني‪،‬‬
‫أي‪ :‬من العراق إىل بيت املقدس للسطني‪.‬‬
‫وقد حصل له من البماء‪ ،‬واجلهاد يف سبيل هللا ما بطول ذكره‪.‬‬
‫وملا وصل إىل بيت املقدس‪ ،‬ومكث ليها عشر سنني قالت له سار ‪ :‬إن الرب حرمين الولد؛ لادرل‬
‫على أ ََميت هذه ‪ -‬تعين هاجر ‪-‬لعل هللا برزقنا منها ولدا‪.‬‬
‫اهيم عليه السما لحملت ووضعت إمساعيل عليه السما ‪ ،‬وكان للخليل‬
‫للما وهبتها له درل هبا إبر ْ‬
‫حينئذ ست وامانون سنة‪.‬‬
‫مث أوحى هللا إىل إبراهيم ببشره إبسحاق من سار ‪ ،‬لخر له ساجدا؛ لولد له إسحاق بعد إمساعيل‬
‫بثماث عشر سنة‪ ،‬لحمد هللا إبراهيم كما قال عز وجل عنه‪ :‬ا يحلم ْد غ غ‬
‫َّلل الَّ غذي وهب غِل َعلَى ال غ‬
‫يك َغرب‬ ‫ََ َ‬ ‫َي‬
‫غ‬
‫اعيل وإغ يسح َق إغ َّن رغيب لَ غ‬
‫ُّعاء [إبراهيم‪.]39 :‬‬
‫يع الد َ‬
‫سم ْ‬‫َ َ‬ ‫إغ يمسَ َ َ َ‬
‫مث انتقل بعد ذلك إبراهيم من أرض كنعان اببنه إمساعيل إىل واد يَر ذي زرع عند موقع البيت ليما‬
‫عرف ابسم مكة‪.‬‬
‫وكان ذلك بسبب أمر هللا عز وجل‪ ،‬وقيل‪ :‬بسبب يَر سار عليها السما ‪.‬‬
‫وبقال‪ :‬إن إمساعيل كان إذ ذاك رضيعا؛ للما تركه وأ َّْمه هناك‪ ،‬ووىل ظهره عنهما قامت إليه هاجر‪،‬‬
‫وتعلقت بثيابه‪ ،‬وقالت‪ :‬اي إبراهيم أبن تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما بكفينا؟‬
‫للم جيبها‪ ،‬للما أحلت عليه وهو ال جييبها‪ ،‬قالت‪ :‬آهلل أمرك هبذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬لإذا ال بضيعنا‬
‫(‪.)3‬‬
‫جاء يف (صحيح البخاري) عن ابن عباس ‪ -‬رضي هللا عنهما ‪(( -‬أول ما اختذ النساء املنطق من قبل‬
‫أ إمساعيل اختذت منطقا‪ ،‬لتعفي أثرها على سار ‪ ،‬مث جاء هبا إبراهيم واببنها إمساعيل وهي ترضعه‬
‫حىت وضعهما عند البيت‪ ،‬عند دوحة لوق زمز يف أعلى املسجد‪ ،‬وليس مبكة بومئذ أحد‪ ،‬وليس هبا‬
‫ماء‪ ،‬لوضعهما هنالك‪ ،‬ووضع عندمها جرااب ليه متر وسقاء ليه ماء‪ ،‬مث َّ‬
‫قفى إبراهيم منطلقا‪ ،‬لتبعته أ‬
‫إمساعيل‪ ،‬لقالت‪ :‬اي إبراهيم أبن تذهب وترتكنا هبذا الوادي الذي ليس ليه إنس وال شيء؟ لقالت له‬
‫ذلك مرارا‪ ،‬وجعل ال بلتفت إليها‪ ،‬لقالت له‪ :‬آهلل الذي أمرك هبذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬إذا ال بضيعنا‪.‬‬
‫مث رجعت‪ ،‬لانطلق إبراهيم حىت إذا كان عند الثنية حيث ال برونه استقبل بوجهه البيت‪ ،‬مث دعا هبمالء‬
‫نت غمن ذْ غربَّغيت بغَو ٍاد يَ يغَر غذي َز ير ٍع حىت بل بَ يش ْك ْرو َن‬ ‫الكلمات ورلع بدبه لقال‪َّ :‬ربَّـنَا إغغين أ ي‬
‫َس َك ْ‬
‫[إبراهيم‪.]:37‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((البدابة والنهابة)) البن كثَر (‪)324 /1‬‬
‫(‪ )2‬انظر ((البدابة والنهابة)) (‪.)325 /1‬‬
‫(‪ )]18[( )3‬انظر ((البدابة والنهابة)) (‪.)356 /1‬‬

‫(‪)24/1‬‬

‫وجعلت أ إمساعيل ترضع إمساعيل‪ ،‬وتشرب من ذلك املاء حىت إذا نفد ما يف السقاء عطشت‪،‬‬
‫ت؛ كراهية أن تنظر إليه‪ ،‬لوجدت‬
‫وعطش ابنها‪ ،‬وجعلت تنظر إليه بتلوى‪ -‬أو قال‪ :‬بتلبط ‪ -‬لانيطَلَ َق ي‬
‫الصفا أقرب جبل يف األرض بليها‪ ،‬لقامت عليه‪ ،‬مث استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا للم تر‬
‫أحدا‪ ،‬لهبطت من الصفا حىت إذا بلغت الوادي رلعت طرف درعها‪ ،‬مث سعت سعي اإلنسان اجملهود‬
‫حىت جاوزت الوادي‪ ،‬مث أتت املرو ‪ ،‬لقامت عليها‪ ،‬ونظرت هل ترى أحدا‪ ،‬للم تر أحدا‪ ،‬لفعلت‬
‫ذلك سبع مرات‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬قال النَب‪ :‬لذلك سعي الناس بينهما‪.‬‬
‫للما أشرلت على املرو مسعت صوات‪ ،‬لقالت‪ :‬صه؛ تربد نفسها‪ ،‬مث تسمعت لسمعت أبضا لقالت‪:‬‬
‫ت إن كان عندك يواث‪ .‬لإذا هي ابمللك عند موضع زمز ‪ ،‬لبحث بغ َع غقبغه‪ -‬أو قال جبناحه‪-‬‬
‫َمسَ يع َ‬
‫قد أ ي‬
‫حىت ظهر املاء‪ ،‬لجعلت حتوضه‪ ،‬وتقول بيدها هكذا‪ ،‬وجعلت تغرف من املاء يف سقا ها‪ ،‬وهو بفور‬
‫بعد ما تغرف‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬قال النَب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬برحم هللا أ إمساعيل لو تركت زمز‬
‫‪ -‬أو قال‪ :‬لو مل تغرف من املاء‪ -‬لكانت زمز عينا معينا‪.‬‬
‫قال‪ :‬لشربت‪ ،‬وأرضعت ولدها‪ ،‬لقال هلا امللك‪ :‬ال ختالوا الضيعة؛ لإن ها هنا بيت هللا ببنيه هذا‬
‫الغما‬
‫وأبوه‪ ،‬وإن هللا ال بضيع أهله‪.‬‬
‫وكان البيت مرتفعا من األرض كالرابية َتتيه السيول؛ لتأرذ عن ميينه ومشاله‪ ،‬لكانت كذلك حىت‬
‫مرت هبم رلقة من ْج يرهم‪ -‬أو أهل بيت من جرهم‪ -‬مقبلني من طربق كداء‪ ،‬لنزلوا يف أسفل مكة‪،‬‬
‫لرأوا طا را عا فا‪ ،‬لقالوا‪ :‬إن هذا الطا ر ليدور على ماء‪ ،‬لَ َع يه ْدان هبذا الوادي وما ليه ماء‪ .‬لأرسلوا‬
‫جراي أو جربني لإذا هم ابملاء‪ ،‬لرجعوا‪ ،‬لأرربوهم ابملاء‪ ،‬لأقبلوا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأ إمساعيل عند املاء‪ ،‬لقالوا‪ :‬أَتذنني لنا أن ننزل عندك؟ لقالت‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن ال حق لكم يف‬
‫املاء‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬قال النَب‪ :‬لألفى ذلك أ إمساعيل‪ ،‬وهي حتب األنس‪.‬‬
‫وشب الغما ‪ ،‬وتعلم‬
‫لنزلوا وأرسلوا إىل أهليهم‪ ،‬لنزلوا معهم حىت إذا كان هبا أهل أبيات منهم‪َّ ،‬‬
‫زوجوه امرأ منهم‪ ،‬وماتت أ إمساعيل‪ ،‬لجاء‬
‫شب‪ ،‬للما أدرك َّ‬‫العربية منهم‪ ،‬وأنيـ َفسهم وأعجبهم حني َّ‬
‫إبراهيم بعد ما تزوج إمساعيل بطالع تركته‪ ،‬للم جيد إمساعيل‪ ،‬لسأل امرأته عنه‪ ،‬لقالت‪ :‬ررج ببتغي‬
‫ش ٍر‪ ،‬حنن يف ضيق وشد ‪ .‬لشكت إليه‪.‬‬ ‫لنا‪ ،‬مث سأهلا عن عيشهم وهيئتهم‪ ،‬لقالت‪ :‬حنن بغ َ‬
‫قال‪ :‬لإذا جاء زوجك لاقر ي عليه السما ‪ ،‬وقوِل له‪ :‬غ‬
‫بغَر عتبة اببه‪.‬‬
‫للما جاء إمساعيل كأنه آنس شيئا‪ ،‬لقال‪ :‬هل جاءكم من أحد؟ قالت‪ :‬نعم جاءان شيخ كذا وكذا‪،‬‬
‫لسألنا عنك‪ ،‬لأرربته‪ ،‬وسألين كيف عيشنا؟ لأرربته َّأان يف جهد وشد ‪.‬‬
‫قال‪ :‬لهل أوصاك بشيء؟ قالت‪ :‬نعم أمرين أن أقرأ عليك السما ‪ ،‬وبقول‪ :‬غ‬
‫يَر عتبةَ اببك‪ .‬قال‪:‬‬
‫ذاك أيب‪ ،‬وقد أمرين أن ألارقك؛ احلقي أبهلك‪ .‬لطلَّقها‪َّ ،‬‬
‫وتزوج منهم أررى‪ ،‬للبث عنهم إبراهيم ما‬
‫شاء هللا مث أاتهم بعد‪ ،‬للم جيده لدرل على امرأته‪ ،‬لسأهلا عنه‪ ،‬لقالت‪ :‬ررج ببتغي لنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬كيف أنتم؟ وسأهلا عن عيشهم وهيئتهم‪ ،‬لقالت‪ :‬حنن خبَر وسعة‪ .‬وأثنت على هللا‪ ،‬لقال‪ :‬ما‬
‫طعامكم؟ قالت‪ :‬اللحم‪ .‬قال‪ :‬لما شرابكم؟ قالت‪ :‬املاء‪ .‬قال‪ :‬اللهم ابرك هلم يف اللحم واملاء‪.‬‬
‫ب‪ ،‬ولو كان هلم دعا هلم ليه‪.‬‬
‫قال النَب‪ :‬ومل بكن هلم بومئذ َح ٌّ‬
‫قال‪ :‬لهما ال خيلو عليهما أحد بغَر مكة إال مل بوالقاه‪.‬‬
‫وم غربه بثبغت عتبة اببه‪.‬‬
‫قال‪ :‬لإذا جاء زوجك لاقر ي عليه السما ‪ْ ،‬‬
‫للما جاء إمساعيل قال‪ :‬هل أاتكم من أحد؟ قالت‪ :‬نعم أاتان شيخ حسن اهليئة‪ ،‬وأثنت عليه‪ ،‬لسألين‬
‫عنك‪ ،‬لأرربته‪ ،‬لسألين كيف عيشنا؟ لأرربته أان خبَر‪ ،‬قال‪ :‬لأوصاك بشيء؟ قالت‪ :‬نعم هو بقرأ‬
‫عليك السما ‪،‬‬

‫(‪)25/1‬‬

‫وأيمرك أن تثبغت عتبة اببك‪ .‬قال‪ :‬ذاك أيب وأنت العتبة‪ ،‬أمرين أن أمسكك‪ .‬مث لبث عنهم ما شاء‬
‫هللا‪ ،‬مث جاء بعد ذلك وإمساعيل بربي نبما له حتت دوحة قرببا من زمز ‪ ،‬للما رآه قا إليه‪ ،‬لصنعا كما‬
‫بصنع الوالد ابلولد والولد ابلوالد‪ ،‬مث قال‪ :‬اي إمساعيل إن هللا أمرين أبمر‪ .‬قال‪ :‬لاصنع ما أمرك ربك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتعينين؟ قال‪ :‬وأعينك‪ .‬قال‪ :‬لإن هللا أمرين أن أبين ها هنا بيتا‪ .‬وأشار إىل أكمة مرتفعة على ما‬
‫حوهلا‪ ،‬قال‪ :‬لعند ذلك رلعا القواعد من البيت‪ ،‬لجعل إمساعيل أيِت ابحلجار ‪ ،‬وإبراهيم ببين‪ ،‬حىت‬
‫إذا ارتفع البناء جاء هبذا احلجر‪ ،‬لوضعه له‪ ،‬لقا عليه وهو ببين‪ ،‬وإمساعيل بناوله احلجار ‪ ،‬ومها‬
‫يم [البقر ] ‪ :127‬قال‪ :‬لجعما ببنيان حىت بدورا حول‬ ‫غ‬
‫يع ال َيعل ْ‬
‫َنت َّ غ‬
‫السم ْ‬ ‫كأ َ‬ ‫بقوالن‪َ :‬ربَّـنَا تَـ َقبَّ يل غمنَّا إغنَّ َ‬
‫يم)) (‪.)1‬‬ ‫غ‬
‫يع ال َيعل ْ‬
‫َنت َّ غ‬
‫السم ْ‬ ‫كأ َ‬ ‫البيت ومها بقوالن‪ :‬ربَّـنَا تَـ َقبَّ يل غمنَّا إغنَّ َ‬
‫مث حصل إلبراهيم ما حصل من البماء بذبح ابنه ويَر ذلك من البمااي‪.‬‬
‫وبعد أن بل إبراهيم عليه السما ما ة سنة رزقه هللا تعاىل إبسحاق‪.‬‬
‫وكان عمر سار آنذاك تسعني سنة‪.‬‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫ش يرَانهْ إبغغ يس َح َق نَبغيًّا غم َن َّ‬
‫الصاحلغغ َ‬
‫ني َوَاب َريكنَا َعلَييه َو َعلَى إغ يس َح َق َومن ذْ غربَّت غه َما ْحميس ٌن َوظَاملٌ‬ ‫قال هللا تعاىل‪َ :‬وبَ َّ‬
‫غ‬
‫ني [الصالات‪.]113 - 112 :‬‬ ‫لنَـ يف غس غه ْمبغ ٌ‬
‫قال ابن كثَر‪ :‬وذكر أهل الكتاب أن إسحاق ملا تزوج رلقا بنت ثبوا يل يف حيا أبيه كان عمره‬
‫أربعني‪ ،‬وأهنا كانت عاقرا‪ ،‬لدعا هللا لحملت‪ ،‬لولدت يمامني توأمني‪ :‬أوهلما مسَّوه عيصو‪ ،‬وهو الذي‬
‫لسموه بعقوب‪ ،‬وهو‬
‫تسميه العرب العيص‪ ،‬وهو والد الرو ‪ .‬والثاين ررج وهو آرذ بعقب أريه؛ َّ‬
‫إسرا يل الذي بنسب إليه بنو إسرا يل (‪.)2‬‬
‫وِما جاء يف سَر بعقوب عليه السما أنه رحل من بيت املقدس إىل راله الابن أبرض حران؛ للما‬
‫قد على راله إذا له ابنتان اسم الكربى‪ :‬لَيا‪ ،‬وبقال هلا‪ :‬ليئة‪ ،‬واسم الصغرى‪ :‬راحيل؛ لخطب إليه‬
‫راحيل‪ ،‬وكانت أحسنهما وأمجلهما؛ لأجابه إىل ذلك بشرط أن برعى على ينمه سبع سنني؛ للما‬
‫مضت املد عمل راله الابن طعاما‪ ،‬ومجع الناس عليه‪َّ ،‬‬
‫وزف إليه ليما ابنته الكربى ليا‪ ،‬وكانت‬
‫ضعيفة العينني‪ ،‬وليست بذات مجال‪.‬‬
‫للما أصبح بعقوب‪ ،‬قال َخاله‪ :‬مل يدرت يب وإَنا رطبت إليك راحيل؟ لقال‪ :‬إنه ليس من سننا أن‬
‫نزوج الصغرى قبل الكربى‪ ،‬لإن أحببت أرتها لاعمل سبع سنني أررى وأزوجكها؛ لعمل سبع‬
‫سنني‪ ،‬وأدرلها عليه مع أرتها‪ ،‬وكان ذلك سا غا يف ملتهم‪ ،‬مث نسخ يف شربعة التورا ‪ ،‬وهذا وحده‬
‫كاف على وقوع النسخ؛ ألن لعل بعقوب عليه السما دليل على جواز هذا وإابحته؛ ألنه‬ ‫دليل ٍ‬
‫معصو (‪.)3‬‬
‫وبعد ذلك وهب رالْه الابن لكل واحد من ابنتيه جاربة؛ لوهب لليا جاربة امسها زلفا‪ ،‬وقيل‪ :‬زلفة‪،‬‬
‫ووهب لراحيل جاربة امسها بلها‪ ،‬وقيل‪ :‬بلهة‪.‬‬
‫ضعف ليا أبن وهب هلا أوالدا؛ لكان أول من ولدت ليعقوب‪ :‬روبيل‪ ،‬مث مشعون‪،‬‬
‫َ‬ ‫وقد جرب هللا تعاىل‬
‫مث الوي‪ ،‬مث بهوذا‪.‬‬
‫وكانت راحيل ال حتبل؛ لوهبت ليعقوب جاربتها بلها؛ لوطئها؛ لحملت وولدت له يماما مسَّته دان‪،‬‬
‫ومحلت وولدت يماما اثنيا مسَّته بفثاِل‪ ،‬وقيل‪ :‬امسه ثفياِل‪ ،‬أو نفتاِل‪ .‬لعمدت عند ذلك ليا؛ لوهبت‬
‫جاربتها زلفا من بعقوب عليه السما لولدت له جاد‪ ،‬وأشَر‪ ،‬مث محلت ليا‪ ،‬لولدت يماما رامسا‬
‫ومسته أبسارر‪ ،‬وبقال‪ :‬إنه بساكر‪.‬‬
‫مث محلت وولدت يماما سادسا مسَّته زابلون‪ ،‬أو زوبلون‪ ،‬مث محلت وولدت بنتا مسَّتها دنيا‪ ،‬لصار هلا‬
‫سبعة من بعقوب‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)3364‬‬
‫(‪(( )2‬البدابة والنهابة)) (‪.)447 /1‬‬
‫(‪(( )]21[( )3‬البدابة والنهابة)) (‪.)449 /1‬‬

‫(‪)26/1‬‬

‫مث دعت راحيل هللا تعاىل وسألته أن بهب هلا يماما من بعقوب؛ لسمع هللا نداءها‪ ،‬وأجاب دعاءها؛‬
‫لحملت‪ ،‬وولدت يماما عظيما شربفا‪ ،‬حسنا مجيما مسَّته بوسف‪.‬‬
‫كل هذا وهم مقيمون أبرض حران‪ ،‬وهو برعى على راله ينمه‪ ،‬مث طلب بعقوب من راله أن أيذن‬
‫له ابلرحيل؛ لأذن له ورحل إىل للسطني عند أبيه إسحاق عليهما السما ‪ .‬وبعد رجوعه إليها محلت‬
‫زوجته راحيل؛ لولدت يماما وهو بنيامني إال أهنا جهدت يف طلقها به جهدا شدبدا‪ ،‬وماتت عقيبه‪،‬‬
‫لدلنها بعقوب يف بيت حلم (‪.)1‬‬
‫وبعد ذلك مرض إسحاق‪ ،‬ومات عن ما ة وامانني سنة‪ ،‬ودلنه ابناه‪ :‬العيص‪ ،‬وبعقوب مع أبيه اَخليل‬
‫عليهم السما ‪.‬‬
‫وهكذا استقر بعقوب هو وأبناؤه األسباط االثنا عشر يف للسطني‪.‬‬
‫ومن ذربة األسباط بتكون نسب بين إسرا يل‪.‬‬
‫مث حصل ما حصل بني بوسف وإروته‪ ،‬وبعد ذلك دعا بوسف والده وإروته إىل مصر‪ ،‬لنزحوا من‬
‫للسطني‪ ،‬ومات بعقوب يف مصر‪ ،‬لذهب به بوسف وإروته وأكابر أهل مصر إىل للسطني‪ ،‬للما‬
‫بوسف‪،‬‬
‫َ‬ ‫بوسف‬
‫َ‬ ‫وصلوا حربون دلنوه يف املغار اليت اشرتاها اَخليل‪ .‬مث رجعوا إىل مصر‪ ،‬وعزى إرو‬
‫وترققوا له؛ لأكرمهم‪ ،‬وأحسن منقلبهم؛ لأقاموا مبصر‪ ،‬مث حضرت بوسف الولا ؛ لأوصى أن حيمل‬
‫معهم إذا ررجوا من مصر؛ ليدلن عند آاب ه‪ ،‬لحنطوه‪ ،‬ووضعوه يف اتبوت‪ ،‬لكان مبصر حىت أررجه‬
‫موسى عليه السما لدلنه عند آاب ه‪ ،‬كما بقول ابن كثَر ليما نقله عن نصوص أهل الكتاب (‪.)2‬‬
‫وبعد ذلك تناسل األسباط‪ ،‬وكثروا‪ ،‬وأبوا أن بندجموا مع املصربني؛ لعزلوا أنفسهم عنهم‪ ،‬وتواصوا‬
‫ليما بينهم أن بكون لكل سبط نسله املعروف املميز عن بقية األسباط‪ ،‬وذلك ليضمنوا االحتفاظ‬
‫بنسبهم؛ اعتزازا به‪ ،‬وتعاليا على يَرهم‪ ،‬ابعتبار أهنم من ذربة األنبياء‪ .‬وهذه العز اليت عاشها اليهود‬
‫يف مصر‪ ،‬مع الشعور املصاحب هلم من التعاِل بنسبهم‪ ،‬جعل مقامهم يف مصر قلقا مضطراب (‪.)3‬‬
‫وبعد ثماثة قرون أو تزبد اضطهدهم الفراعنةْ حكا ْ مصر واستعبدوهم‪ ,‬لبعث هللا موسى نبيًّا ليهم‪،‬‬
‫ورسوال إليهم وإىل لرعون‪.‬‬
‫من هللا على بين إسرا يل‬
‫وقد َّبني لنا القرآن الكرمي سَر موسى عليه السما مع لرعون‪ ،‬حيث َّ‬
‫وجنَّاهم من سوء العذاب الذي كان لرعون بسومهم به‪ ،‬ونصرهم عليه بقياد موسى عليه السما‬
‫حيث إهنز لرعون وأهلكه هللا ابلغرق‪.‬‬
‫وكان جدبرا ببين إسرا يل بعد هذا النصر أن حيمدوا هللا وبطيعوه‪ ،‬إال أهنم أبوا إال الكفر والذلة‬
‫واملسكنة‪ ،‬لآذوا موسى عليه السما وتعنَّتوا حني أ غْم ْروا أن بدرلوا للسطني‪ ،‬األرض املقدسة‪.‬‬
‫املن والسلوى‪ ،‬وملا ذهب موسى ملناجا ربه استضعفوا هارون‪ ،‬وعبدوا‬ ‫وقد أكرمهم هللا وأنزل عليهم َّ‬
‫العجل الذهب‪ ،‬وتعنَّتوا على موسى بعد عودته‪ ،‬وقالوا له‪ :‬لَن نُّـ يمغم َن لَ َ‬
‫ك َح َّىت نَـ َرى َّ‬
‫اَّللَ َج يه َر‬
‫[البقر ‪.]55:‬‬
‫ورلع هللا لوقهم الطور؛ هتدبدا هلم‪ ،‬لاستسلموا؛ رولا‪ ،‬وأعطوا مواثيقهم‪ ،‬ولكنهم نقضوا‪ ،‬واعتدوا‬
‫ليالسبت؛ لمسخهم هللا قرد ورنازبر (‪.)4‬‬
‫وتوالت عليهم اخآايت والعرب‪ ،‬كقصة البقر ‪ ،‬واَخسف‪ ،‬ويَرها‪ ،‬ولكن قست قلوهبم‪ ،‬ومل تنفعهم‬
‫اخآايت والعرب؛ لهي كاحلجار أو أشد قسو ‪.‬‬
‫وم ين بعده من‬
‫مث توالت بعد ذلك يطرستهم‪ ،‬وتبجحهم‪ ،‬وعنادهم‪ ،‬وحتربفهم‪ ،‬وتبدبلهم مع كليم هللا َ‬
‫األنبياء عليهم السما ‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬البدابة والنهابة)) (‪ ،)447,455 /1‬و ((التحربر والتنوبر)) (‪.)732 /1‬‬
‫(‪(( )2‬البدابة والنهابة)) (‪.)504 /1‬‬
‫(‪(( )]24[( )3‬حقيقة اليهود)) (ص‪.)1‬‬
‫(‪ )4‬انظر ((حقيقة اليهود)) (ص‪.)3‬‬

‫(‪)27/1‬‬
‫مث بعث هللا ليهم عيسى عليه السما ‪ ،‬وبدال من أن بصححوا رطأهم واحنرالهم‪ ،‬وبكفوا عن ربثهم‬
‫وتزبيفهم أمجعوا على قتله عليه السما ‪ ،‬ولكن هللا عز وجل جنَّاه منهم‪ ،‬ويف ذلك بقول هللا تبارك‬
‫صلَبْوهْ َولَ غكن ْشبغهَ َهلْ يم‬ ‫وتعاىل‪ :‬وقَـوهلغغم إغ َّان قَـتـلينا اليم غسيح غعيسى ابن مرَمي رس َ غ‬
‫ول هللا َوَما قَـتَـلْوهْ َوَما َ‬ ‫َ ي ي َ َ َ َ َ ي َ َي َ َ ْ‬
‫دونوا الرتاءات كثَر على‬ ‫[النساء‪ ]157 :‬ومل بكتفوا مبا لعلوه ابملسيح عليه السما يف حياته‪ ،‬وإَنا َّ‬
‫املسيح عليه السما واهتموا أمه مرمي عليها السما ابلبهتان‪ ،‬وعاثوا يف األرض لسادا (‪.)1‬‬
‫واستمروا على جرمهم بعد رلع عيسى عليه السما وأرذوا بكيدون ألتباعه‪ ،‬وبطاردوهنم‪ ،‬وبعملون‬
‫على حتربف اإلجنيل‪ ،‬حىت متكنوا من ذلك ابلسر والعلن‪ ،‬وأرذوا بعيثون يف األرض لسادا حىت‬
‫لتفرقوا قبل اإلسما ابلشا ومصر‬
‫حقدت عليهم األمم والشعوب؛ لشردوا يف األرض أكثر من مر ‪َّ ،‬‬
‫والعراق وجزبر العرب‪ ،‬يف بثرب وريرب وجنران واليمن‪.‬‬
‫بق بني الناس ‪ -‬كما لعلوا مع األوس واَخزرج يف املدبنة‪-‬‬
‫ويف كل أرض حيلون هبا بكون دبدهنم التفر َ‬
‫واحتكا َر التجار ‪ ،‬والراب‪ ،‬وإشاعة الرذبلة والبغاء‪ ،‬وأكل أموال الناس ابلباطل‪.‬‬
‫واستمروا على هذه احلالة إىل أن بْعث حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكانوا قبل بعثته بستفتحون على‬
‫الذبن كفروا‪ ،‬وخيربوهنم أبنه سوف خيرج نَب‪ ،‬وأهنم سوف حياربون مع هذا النَب‪ ،‬للما ظهر النَب‪،‬‬
‫كذبوه‪ ،‬وآذوه‪ ،‬واستهزؤوا به‪ ،‬وسحروه‪ ،‬ومهوا بقتله‪ ،‬وألَّبوا عليه املشركني‪ ،‬وبدؤوا ببثون مسومهم‬
‫َّ‬
‫واستمر كيدهم لإلسما واملسلمني إىل اليو ؛ حيث‬
‫َّ‬ ‫دارل الصف املسلم‪ ،‬وظهر ليهم النفاق‪،‬‬
‫أسهموا إسهاما كبَرا يف إاثر الفرقة ونشر الفرق الضالة كالشيعة‪ ،‬واجلهمية‪ ،‬والباطنية‪ ،‬واملعتزلة‬
‫مبختلف طوا فها‪ ،‬والصولية مبختلف طرقها إىل اليو ‪ ،‬والشيوعية احلمراء‪ ،‬ويَرها من الفرق‬
‫والطوا ف اليت ال حتصى‪ .‬كل هذه الفرق والطوا ف إما من صنعهم‪ ،‬أو من تشجيعهم‪ ،‬ومساندهتم‪,‬‬
‫سادا [املا د ‪ ،]33:‬وبقول‪َ :‬والَ بَـ َزالْو َن بْـ َقاتغلْونَ ْك يم‬ ‫وصدق هللا تعاىل إذ بقول‪َ :‬وبَ يس َع يو َن غيف األ يَر غ‬
‫ض لَ َ‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫استَطَاعْواي [البقر ‪.)2( ]217 :‬‬ ‫ىت بَـ ْردُّوْك يم َعن دبنغ ْك يم إغن ي‬
‫َح ََّ‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب‪ ،‬حملمد احلمد ص‪75 - 65‬‬
‫من املعلو أن إسرا يل هو بعقوب بن إسحاق بن إبراهيم اَخليل عليهم السما ‪ ،‬وبعقوب هو الذي‬
‫بنتسب‬
‫إليه بنو إسرا يل‪ ،‬وكان بسكن يف منطقة للسطني‪ ،‬متنقما يف مناطق عد ليها‪ ،‬وكان توطنها هو‬
‫وأبناؤه من بعد إبراهيم اَخليل عليه السما بعيشون ليها حيا البداو ‪ ،‬قال عز وجل ليما حكاه من‬
‫ي‬‫بل ْريؤَاي َ‬
‫غ‬
‫ال َاي أَبَت َه َذا ََتي غو ْ‬ ‫كما بوسف عليه السما ‪َ :‬وَرلَ َع أَبَـ َوبي غه َعلَى ال َيع ير غ‬
‫ش َو َر ُّرواي لَهْ ْس َّجدا َوقَ َ‬
‫الس يج غن َو َجاء بغ ْكم غم َن اليبَ يد غو [بوسف‪:‬‬ ‫غمن قَـبل قَ يد جعلَها رغيب ح ًّقا وقَ يد أَحسن يب إغ يذ أَ يررج غين غمن غ‬
‫ََ َ‬ ‫ي ْ ََ َ َ َ َ ي َ َ َ‬
‫‪ .]100‬قال ابن كثَر‪ :‬غم َن اليبَ يد غو أي‪ :‬من البادبة‪ ،‬قال ابن جربج ويَره‪( :‬وكانوا أهل ابدبة وماشية)‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬حقيقة اليهود)) (ص‪.)3‬‬
‫(‪ )2‬انظر ((املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر )) (ص‪.)29 - 27‬‬

‫(‪)28/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬انتقال بعقوب عليه السما أبوالده من ابدبة للسطني إىل مصر‪:‬‬
‫مكن هللا ليوسف عليه السما يف أرض مصر وصار على رزا نها‪ ،‬أرسل إىل أبيه وأهله مجيعا‬ ‫بعد أن َّ‬
‫أن أيتوا إليه‪ ،‬لأقبل بعقوب عليه السما أبوالده وأهله مجيعا إىل مصر واستوطنوها‪ ،‬وبذكر اليهود يف‬
‫كتاهبم أن عدد أنفس بين إسرا يل حني درلوا مصر سبعون نفسا‪ .‬وكانوا شعبا مممنا بني وثنيني‪،‬‬
‫لاستقلوا بناحية من األرض أعطاهم إايها لرعون مصر‪ ،‬لعاشوا عيشة طيبة زمن بوسف عليه السما ‪.‬‬
‫تغَر احلال على بين إسرا يل وانقلب عليهم‬
‫مث بعد ولا بوسف عليه السما بزمن‪ -‬هللا أعلم بطوله‪َّ -‬‬
‫وعتوا واستضعالا لبين إسرا يل‪ ،‬لاستعبدوهم وأذلوهم‪ ،‬وبل هبم احلال ما ذكر هللا عز‬ ‫الفراعنة طغياان ًّ‬
‫غ‬ ‫ض غع ْ‬ ‫ض َو َج َع َل أ يَهلَ َها غشيَـعا بَ يستَ ي‬‫وجل يف قوله‪ :‬إغ َّن لغ ير َع يو َن َع َما غيف ياأل يَر غ‬
‫ف طَا غَفة م ينـ ْه يم بْ َذبغ ْح أَبيـنَ ْ‬
‫اءه يم‬
‫ض غع ْفوا غيف ياأل يَر غ‬ ‫َّ غ‬ ‫غغ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫ض َوَيجن َعلَ ْه يم‬ ‫استْ ي‬
‫بن ي‬ ‫بن َونْ غرب ْد أَن ََّنْ َّن َعلَى الذ َ‬ ‫اءه يم إغنَّهْ َكا َن م َن ال ْيم يفسد َ‬ ‫س ْ‬ ‫َوبَ يستَ يحيي ن َ‬
‫ود ْمهَا غم ينـ ْهم َّما َكانْوا َيحي َذ ْرو َن‬ ‫غ‬
‫ض َونْ غري لغ ير َع يو َن َو َه َاما َن َو ْجنْ َ‬
‫ني َوَْنَ غك َن َهلْ يم غيف األ يَر غ‬
‫أَغ َّمة َوَيجن َعلَ ْه ْم ال َيوا غرث َ‬
‫[القصص‪ .]6 - 4 :‬لكان الفراعنة بقتلون الذكور وبستحيون اإلانث‪ ،‬واستمرت هذه احملنة وهذا‬
‫البماء عليهم زمنا طوبما‪ ،‬إىل أن بعث هللا عز وجل موسى عليه السما ‪ ،‬لدعا لرعون إىل اإلميان ابهلل‪،‬‬
‫وأن برتك دعو الناس إىل عباد نفسه‪ ،‬وأن برلع العذاب عن بين إسرا يل‪ ،‬وبسمح هلم ابَخروج من‬
‫ال‬
‫واستمر يف تعذبب بين إسرا يل‪ ،‬كما قال عز وجل‪َ :‬وقَ َ‬ ‫َّ‬ ‫مصر‪ ،‬لأىب لرعون ذلك بغطرسة وكرب‪،‬‬
‫ض وب َذر َك و غ‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ غ‬
‫ال َسنْـ َقتغ ْل أَبيـنَ ْ‬
‫اءه يم‬ ‫ك قَ َ‬
‫آهلَتَ َ‬ ‫وسى َوقَـ يوَمهْ ليْـ يفس ْدواي غيف األ يَر غ َ َ َ َ‬‫ال َيمَلْ من قَـ يو ل ير َعو َن أَتَ َذ ْر ْم َ‬
‫اه ْرو َن [األعراف‪.]127 :‬‬ ‫ونَستحيغي نغساءهم وإغ َّان لَـوقَـهم قَ غ‬
‫َ ْي َ ي ْي‬ ‫َ يَ ي‬
‫لأرذ هللا تعاىل لرعون وقومه ابجلدب وهماك الزروع‪ ،‬وأرسل عليهم الطولان واجلراد وال ْق َّمل‬
‫والضفادع والد ‪ ،‬ولكنهم استكربوا وجحدوا‪ ،‬لأوحى هللا إىل موسى عليه السما بعد ذلك ابَخروج‬
‫ببين إسرا يل‪.‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪49‬‬

‫(‪)29/1‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬رروج بين إسرا يل من مصر‪:‬‬
‫ررج موسى عليه السما ببين إسرا يل ليما أبمر هللا عز وجل له بذلك‪ ،‬قال عز وجل‪َ :‬وأ يَو َح ييـنَا إىل‬
‫بن إغ َّن َه ْمالء لَ غش يرغذ َمةٌ قَلغيلْو َن‬ ‫غ غ‬ ‫غ‬ ‫موسى أَ ين أ غ غ غ‬
‫َس غر بعبَادي إغنَّ ْكم ُّمتَّـبَـ ْعو َن لَأ يَر َس َل ل ير َع يو ْن غيف ال َيم َدا غن َحاش غر َ‬ ‫ي‬ ‫ْ َ‬
‫اها‬ ‫غ‬
‫ون َوْكنْوٍز َوَم َقاٍ َك غر ٍمي َك َذل َ‬ ‫َّات و ْعي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غ‬ ‫وإغ َّهنْم لَنَا لَغَا غظْو َن وإغ َّان َجل غميع ح غ‬
‫ك َوأ يَوَرثيـنَ َ‬ ‫اهم من َجن َ ْ‬ ‫اذ ْرو َن لَأَ ير َر يجنَ ْ‬ ‫َ َ ٌ َ‬ ‫َ ي‬
‫ال َكماَّ إغ َّن‬ ‫وسى إغ َّان لَ ْم يد َرْكو َن قَ َ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫اب ْم َ‬ ‫َص َح ْ‬ ‫ال أ ي‬ ‫ني لَـلَ َّما تَـ َراءى ا يجلَ يم َعان قَ َ‬ ‫وهم ُّم يش غرق َ‬ ‫بَغين إ يس َرا َ‬
‫يل لَأَتيـبَـ ْع ْ‬
‫اك اليبَ يح َر لَان َفلَ َق لَ َكا َن ْك ُّل لغ ير ٍق َكالطَّ يو غد ال َيع غظ غيم‬
‫صَ‬ ‫ض غرب بغ َع َ‬ ‫َن ا ي‬ ‫م غعي رغيب سيـ يه غدب غن لَأَوح ييـنَا إىل موسى أ غ‬
‫ْ َ‬ ‫يَ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫اخآر غربن وأَجنَيـنَا موسى ومن َّمعهْ أ ي غ‬
‫بن‪[ .‬الشعراء‪ ]66 - 52:‬لأجنى‬ ‫اخآر غر َ‬
‫ني ْمثَّ أَ يي َرقـينَا َ‬‫َمجَع َ‬ ‫َوأَ يزلَ يفنَا َمثَّ َ َ َ ي ْ َ َ َ َ‬
‫هللا عز وجل موسى ومن معه‪ ،‬وأهلك لرعون وجنوده‪.‬‬
‫وبذكر اليهود يف كتاهبم أن م َّد مكثهم يف مصر كانت أربعما ة وثماثني عاما‪ ،‬وكان عدد الرجال عند‬
‫اَخروج دون النساء واألطفال حنو ستما ة ألف ٍ‬
‫رجل‪ ،‬وهذا عدا بين الوي أبضا الذبن مل حيسبوهم‪،‬‬
‫وهو عدد مبال ليه جدًّا؛ إذ معىن ذلك أن عددهم كان وقت رروجهم بنسا هم وأطفاهلم قرابة‬
‫مليوين نسمة‪ ،‬وهي دعوى مبال ليها جدًّا وال ميكن تصدبقها؛ إذ إن ذلك بعين أهنم تضاعفوا رمال‬
‫لرت بقا هم يف مصر قرابة ثماثني ألف ضعف؛ إذ كان عددهم وقت الدرول سبعني نفسا‪ ،‬وهللا عز‬
‫وجل قد ذكر قول لرعون‪ :‬إغ َّن َه ْمَالء لَ غش يرغذ َمةٌ قَلغيلْو َن [الشعراء‪ ]54 :‬ومليوان شخص ال ميكن أن‬
‫بعرب عنهم هبذا‪ ،‬كما أن حترك مليوين شخص يف ليلة واحد مستحيل‪ ،‬إذا علمنا أن يف هذا العدد‬
‫َّ‬
‫أطفاال ونساء وشيورا‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪51‬‬

‫(‪)30/1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬ما حدث من بين إسرا يل بعد اَخروج‪:‬‬


‫حدث من بين إسرا يل بعد رروجهم من مصر حوادث عد ‪ ،‬لمن هذه احلوادث‪ :‬طلبهم من موسى‬
‫أن جيعل هلم صنما إهلا‪ ،‬ويف هذا بقول هللا عز وجل‪ :‬وجاوزان بغب غين إغسرآ غيل اليبحر لَأَتـواي علَى قَـوٍ‬
‫َ َ َ يَ َ ي َ َ َ ي َ َ ي َ ي‬
‫ال إغنَّ ْك يم قَـ يوٌ َُتي َهلْو َن إغ َّن َه ْمالء‬ ‫بـع ْك ْفو َن َعلَى أَصنَاٍ َّهلم قَالْواي اي موسى اجعل لَّنَا إغ َهلا َكما َهلم غ‬
‫آهلَةٌ قَ َ‬ ‫َ ْي‬ ‫َ ْ َ يَ‬ ‫ي ْي‬ ‫َي‬
‫ال أَيََر غ‬
‫هللا أَبي غغي ْك يم إغ َهلا َو ْه َو لَ َّ‬ ‫غغ غ‬
‫ضلَ ْك يم َعلَى ال َيعالَ غم َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫رب َّما ْه يم ليه َوَابط ٌل َّما َكانْواي بَـ يع َملْو َن قَ َ ي َ‬
‫ْمتَ ٌَّ‬
‫[األعراف‪ ]140 - 138 :‬وال شك أن هذا الطلب من بين إسرا يل مدعا للعجب واالستنكار‪،‬‬
‫لقد رأوا من اخآايت ما ليه مقنع وكفابة لو كانوا بعقلون‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬عبادهتم للعجل‪:‬‬
‫وذلك أن موسى عليه السما ملا ذهب ملوعده مع ربغه‪َّ ،‬‬
‫أضل السامري بين إسرا يل‪ ،‬وصنع هلم عجما‬
‫مسبوكا من الذهب الذي استعاره بنو إسرا يل من املصربني عند رروجهم من مصر‪ ،‬ودعاهم إىل‬
‫حذرهم هارون عليه السما وهناهم عن ذلك‪.‬‬ ‫عبادته‪ ،‬لعبدوه يف يياب موسى عليه السما ‪ ،‬وقد َّ‬
‫غ‬
‫ارو ْن غمن قَـ يب ْل َاي قَـ يو إغ ََّنَا لْتغنتْم بغ غه َوإغ َّن َربَّ ْك ْم َّ‬
‫الر يمحَ ْن لَاتَّبغعْ غوين‬ ‫ال َهلْ يم َه ْ‬
‫وجل‪َ :‬ولََق يد قَ َ‬
‫عز َّ‬ ‫قال هللا َّ‬
‫غ‬ ‫غ غغ‬ ‫غ‬
‫وسى [طه‪.]91 - 90:‬‬ ‫ني َح َّىت بَـ يرج َع إغلَييـنَا ْم َ‬ ‫يعوا أ يَم غري قَالْوا لَن نَّ ي َ‬
‫رب َح َعلَييه َعاكف َ‬ ‫َوأَط ْ‬
‫اليم‪ ،‬مث حكم‬ ‫وملا رجع موسى عليه السما إىل قومه يضبان أسفا‪ ،‬أنَّبهم وأحرق العجل وذره يف غ‬
‫وروي يف كيفية قتلهم أن بقو أانس منهم‬
‫عليهم أبن بقتل عبد العجل أنفسهم؛ ليتوب هللا عليهم‪ْ .‬‬
‫ابلسكاكني ومن عبد العجل جلوس‪ ،‬لتغشاهم ظلمة ليبتدئ الواقفون بطعن اجلالسني حىت تنقشع‬
‫الظلمة‪ ،‬لتكون توبة ملن مات وملن بقي منهم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬نكوهلم عن قتال اجلبابر ‪:‬‬
‫دعا موسى عليه السما قومه إىل قتال اجلبابر ‪ ،‬وهم قو من احليثانيني والفزربني والكنعانيني‪ ،‬وكانوا‬
‫بسكنون األرض املقدسة‪ ،‬لأىب بنو إسرا يل القتال وجبنوا عنه‪ ،‬واقرتحوا على موسى عليه السما ما‬
‫غ‬
‫ك‬‫َنت َوَربُّ َ‬
‫بأ َ‬‫يها لَا يذ َه ي‬ ‫وسى إغ َّان لَن نَّ يد ْرلَ َها أَبَدا َّما َد ْامواي ل َ‬ ‫ذكره هللا عز وجل يف قوله‪ :‬قَالْواي َاي ْم َ‬
‫ال‬
‫وجل بقوله‪ :‬قَ َ‬‫عز َّ‬ ‫اع ْدو َن [املا د ‪ ،]24 :‬لهناك دعا موسى عليه السما ربَّه َّ‬ ‫لَـ َقاتغما إغ َّان هاهنا قَ غ‬
‫َ َْ‬
‫غ غغ‬ ‫غ غ‬ ‫ب إغغين ال أ يَملغ ْ‬
‫ني [املا د ‪ ،]25:‬لحكم هللا عليهم‬ ‫ني الي َق يو الي َفاسق َ‬ ‫ك إغالَّ نَـ يفسي َوأَري لَاليـ ْر يق بَـ ييـنَـنَا َوبَ ي َ‬ ‫َر غ‬
‫غ غغ‬ ‫غ‬
‫ني‬
‫يس َعلَى الي َق يو الي َفاسق َ‬‫ض لَماَ ََت َ‬ ‫يهو َن غيف األ يَر غ‬ ‫ني َسنَة بَتغ ْ‬ ‫ال لَغإ َّهنَا ْحمَ َّرَمةٌ َعلَيي غه يم أ يَربَع َ‬
‫ابلتيه بقوله‪ :‬قَ َ‬
‫[املا د ‪ ،]26 :‬لظلوا ات هني املد اليت قضى هللا عليهم‪.‬‬
‫ومات يف هذه الفرت موسى عليه السما ‪ ،‬وكان هارون عليه السما مات قبله أبضا‪.‬‬
‫وبقول اليهود يف كتاهبم التورا ‪ :‬إنه قد مات يف زمن التيه كل من كان ابلغا وقت نكوهلم‪ ،‬ومل بدرل‬
‫األرض املقدسة منهم سوى بوشع بن نون وكالب بن بولنا‪ ،‬ومها ‪-‬ليما قيل‪ -‬اللذان قال هللا عنهم‪:‬‬
‫غ غ َّ غ‬
‫بن َخيَالْو َن أَنيـ َع َم هللاْ َعلَيي غه َما ا يد ْرلْواي َعلَيي غه ْم اليبَ َ‬
‫اب [املا د ‪.]23:‬‬ ‫ال َر ْجماَن م َن الذ َ‬
‫قَ َ‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪52‬‬

‫(‪)31/1‬‬
‫املطلب اَخامس‪ :‬درول بين إسرا يل أرض للسطني‪:‬‬
‫بعد انقضاء املد احملكو على بين إسرا يل ليها ابلتيه‪ ،‬لتح بنو إسرا يل األرض املقدسة بقياد بوشع‬
‫بن نون عليه السما ‪ ،‬وبذكر اليهود أهنم درلوها من انحية هنر األردن‪.‬‬
‫وبقسم املمررون اترخيهم يف للسطني إىل ثماثة عهود‪:‬‬
‫أ ‪ -‬عهد القضا ‪:‬‬
‫واملراد به أن بوشع بن نون عليه السما ملا لتح األرض املقدسة‪ ،‬قسم األرض املفتوحة على أسباط‬
‫بين إسرا يل‪ ،‬لأعطى لكل سبط قسما من األرض‪ ،‬وجعل على كل سبط ر يسا من كربا هم‪ ،‬وجعل‬
‫على مجيع األسباط قاضيا واحدا حيتكمون إليه ليما شجر بينهم‪ ،‬وهو ميثل الر يس جلميع األسباط‪،‬‬
‫واستمر هذا احلال ببين إسرا يل قرابة أربعما ة عا ليما بذكر اليهود‪ ،‬وكان بينهم وبني أعدا هم‬
‫مر وألعدا هم أْررى‪.‬‬
‫حروب دا مة بكون النصر ليها لبين إسرا يل َّ‬
‫ب ‪ -‬عهد امللوك‪:‬‬
‫قص هللا علينا ررب أول ملوكهم يف قوله عز وجل‪ :‬أََملي تَـ َر‬ ‫وهو العهد الذي بدأ ليه احلكم ملكيًّا‪ ،‬وقد َّ‬
‫يل غ‬
‫هللا‬ ‫ث لَنَا َملغكا نُّـ َقاتغ يل غيف َسبغ غ‬
‫وسى إغ يذ قَالْواي لغنَغ ٍَب َّهلْ ْم ابيـ َع ي‬ ‫إغ َىل اليم غإل غمن ب غين إغسرا غ غ غ‬
‫يل من بَـ يعد ْم َ‬
‫َ يَ َ‬ ‫َ‬
‫وجل عليهم طالوت ملكا‪ ،‬لقبلوه على كره منهم‪ ،‬وبسمونه يف كتاهبم‬ ‫عز َّ‬ ‫[البقر ‪ .]246:‬لجعل هللا َّ‬
‫شاؤول‪ .‬وملك عليهم بعده داود عليه السما ‪ ،‬مث ابنه سليمان عليه السما ‪ ،‬وكان عهدمها أزهى‬
‫العهود الىت مرت على بين إسرا يل على اإلطماق‪ ،‬وذلك ملا أوتيه هذان النبيَّان الكرميان من العدل‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫واحلكمة مع الطاعة والعباد هلل َّ‬
‫ج ‪ -‬عهد االنقسا ‪:‬‬
‫هو العهد التاِل لسليمان عليه السما حيث تنازع األمر بعده رحبعا بن سليمان عليه السما‬
‫كون دولة يف جنوب للسطني‬
‫وبربعا بن نباط‪ ،‬لاستقل رحبعا بسبط بهوذا وسبط بنيامني‪ ،‬و َّ‬
‫ومسيت دولة بهوذا نسبة إىل سبط حكامها‪ ،‬وهو سبط بهوذا الذي من‬
‫عاصمتها (بيت املقدس)‪ْ ،‬‬
‫نسله داود وسليمان عليهما السما وملوك تلك الدولة‪ .‬واستق َّل بربعا بن نباط ابلعشر أسباط‬
‫كون دولة يف مشال للسطني‪ْ ،‬مسيت دولة إسرا يل وجعل عاصمتها انبلس‪ ،‬وأهل هذه‬ ‫األررى‪ ،‬و َّ‬
‫بسمى (شامر) اشرتاه أحد ملوكهم‬
‫جبل هناك َّ‬ ‫الدولة بسمون لدى اليهود بـ (السامربني)‪ ،‬نسبة إىل ٍ‬
‫ومسيت منطقتهم (السامر )‪ .‬وبماحظ أن السامربني ‪-‬‬
‫وهو (عمري) ومسَّاه نسبة إىل صاحبه السامر ‪ْ ،‬‬
‫يَروا قبلتهم من بيت املقدس إىل جبل بسمى (جرزمي) وبعتربهم اليهود‬ ‫وهم شعب دولة إسرا يل‪َّ -‬‬
‫من شعب بهوذا مماحد وكفارا؛ لتغيَرهم القبلة‪ .‬مث َّ‬
‫إن الدولتني كان بينهما عداء وقتال‪ ،‬وكان حيدث‬
‫وتغَرت‬
‫يف بعض الفرتات من اترخيهما توالق وتعاون‪ ،‬وكانت دولة إسرا يل كثَر القماقل والفنت َّ‬
‫األسر احلاكمة ليها مرارا عدبد ‪ .‬أما دولة بهوذا لاستقر احلكم يف سبط بهوذا يف ذربة سليمان بن‬
‫داود عليه السما ‪ ،‬وكانت تقع على الدولتني حروب من جَراهنم األراميني‪ ،‬والفلسطينيني‪ ،‬واألدوميني‬
‫واملوآبيني كما أن الدولتني وقع من حكامهما وشعبيهما عباد لَلصنا يف كثَر من األوقات وراصة‬
‫دولة إسرا يل واليهود السامربني‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪54‬‬

‫(‪)32/1‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬استيماء األجنَب عليهم‪:‬‬


‫استمرت دولة إسرا يل مستقلة‪ ،‬هلا سيادهتا على أرضها قرابة (‪ )244‬عاما حيث سقطت بعدها يف‬
‫بد اخآشوربني زمن ملكهم سرجون عا (‪ )722‬ق‪ .‬تقرببا لسَب شعبها‪ ،‬وأسكنهم يف العراق‪ ،‬وأتى‬
‫أبقوا من رارج تلك املنطقة وأسكنهم إايها‪ ،‬لاعتنقوا ليما بعد داينة بين إسرا يل وبذلك متَّ القضاء‬
‫على تلك الدولة‪.‬‬
‫أما دولة بهوذا لاستمرت قرابة (‪ )362‬عاما مث سقطت أببدي لراعنة مصر عا (‪ )603‬ق‪.‬‬
‫تقرببا‪ ،‬ولرضوا عليها اجلزبة‪َّ ،‬‬
‫وامتد حكم الفراعنة يف ذلك الوقت إىل الفرات‪ .‬مث جاء بعد ذلك‬
‫حاكم اببل الكلداين خبتنصر‪ ،‬واسرتجع منطقة الشا وللسطني‪ ،‬وطرد الفراعنة منها‪ ،‬مث زحف مر‬
‫ودمر معبد أورشليم وساق شعبها مسبيًّا إىل اببل‪،‬‬
‫لدمرها َّ‬
‫أررى على دولة بهوذا اليت متردت عليه‪َّ ،‬‬
‫تسمى بهوذا وذلك يف حدود عا‬
‫بسمى ابلسَب البابلي‪ ،‬وكان يف هذا هنابة تلك الدولة اليت َّ‬
‫وهذا ما َّ‬
‫(‪ )586‬ق‪. .‬‬
‫مث سقطت دولة اببل يف بد الفرس يف عهد ملكهم (قورش) سنة (‪ )538‬ق‪ . .‬الذي مسح لليهود‬
‫وعني عليهم حاكما منهم من قبله‪ .‬ومن اجلدبر ابلذكر أن‬
‫ابلعود إىل بيت املقدس‪ ،‬وبناء هيكلهم َّ‬
‫اليهود ذكروا يف كتاهبم أن (قورش) أرسل النداء يف ِملكته قا ما‪( :‬مجيع ِمالك األرض دلعها ِل الرب‬
‫إله السماء‪ ،‬وهو أوصاين أن أبين له بيتا يف أورشليم اليت يف بهوذا ‪ .) ...‬وهذا النص إذا صدق‬
‫اليهود ليه بكون دليما على أن (قورش) كان مممنا ابهلل‪.‬‬
‫واستمر حكم الفرس من (‪ )538 - 332‬ق‪ ، .‬مث زحف على بماد الشا وللسطني اإلسكندر‬
‫َّ‬
‫املقدوين اليوانين واستوىل عليها‪ ،‬وأزال حكم الفرس بل استوىل على بمادهم وبماد مصر والعراق‪،‬‬
‫لدرلت هذه املناطق حتت حكمهم من هنابة القرن الرابع قبل امليماد إىل منتصف القرن األول قبل‬
‫امليماد‪ ،‬حيث زحف بعد ذلك على البماد القا د الروماين (بومَب) سنة (‪ )64‬ق‪ ، .‬وأزال حكم‬
‫اليواننيني عنها‪ ،‬لدرل اليهود حتت حكم الرومان وسيطرهتم‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪57‬‬

‫(‪)33/1‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬تشتتهم يف األرض‪:‬‬


‫يف زمن سيطر الرومان على منطقة للسطني بْعث املسيح عليه السما ‪ ،‬وبعد رلعه وقع بماء شدبد‬
‫على اليهود يف للسطني‪ ،‬حيث قاموا بثورات ضد الرومان‪ِ ،‬ما جعل القا د الروماين تيطس عا (‪)70‬‬
‫ودمر بيت املقدس ومعبد‬
‫جيتهد يف استئصاهلم والفتك هبم وسَب أعداد كبَر منهم وهتجَرها‪َّ ،‬‬
‫اليهود‪ ،‬وكان هذا التدمَر الثاين للهيكل‪ ،‬وقد زاد يف تدمَر اهليكل احلاكم الروماين أدراين سنة‬
‫(‪ ، )135‬حيث أمر جنوده بتسوبة اهليكل ابألرض‪ ،‬وبىن ليها معبدا لكبَر آهلة الرومان الذي‬
‫بهوداي واحدا‪ ،‬مث منع اليهود من درول‬
‫ًّ‬ ‫بسمونه (جوبتَر) وهد كل ٍ‬
‫شيء يف املدبنة‪ ،‬ومل برتك ليها‬
‫املدبنة‪ ،‬وجعل عقوبة ذلك اإلعدا ‪ ،‬مث مسح لليهود ابجمليء إىل بيت املقدس بوما واحدا يف السنة‪،‬‬
‫بسمى (حا ط‬
‫والوقوف على جدار بقي قا ما من سور املعبد‪ ،‬وهو اجلزء الغريب منه‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫املبكى)‪.‬‬
‫وهبذا تشتَّت اليهود يف أحناء األرض‪ ،‬وسلَّط هللا عليهم األمم بسوموهنم سوء العذاب ببغيهم‬
‫ك لَيَـ يبـ َعثَ َّن َعلَيي غه يم إغ َىل بَـ يوغ ال غيقيَ َام غة‬
‫ولسادهم وسوء أرماقهم‪ .‬ويف هذا بقول هللا عز وجل‪َ :‬وإغ يذ ََتَذَّ َن َربُّ َ‬
‫اب وإغنَّه لَغَ ْف غ‬ ‫ك لَس غر غ‬
‫يم [األعراف‪.]167 :‬‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫بع اليع َق غ َ ْ ٌ‬ ‫اب إغ َّن َربَّ َ َ ْ‬
‫وء ال َيع َذ غ‬
‫وم ْه يم ْس َ‬
‫سْ‬ ‫َمن بَ ْ‬
‫املستمر إىل بو القيامة‪ -‬تقطيعهم يف‬ ‫غ‬ ‫وكان من اجلزاء الذي حكم هللا به عليهم‪ -‬مع هذا العذاب‬
‫ض أ َِْما غم ينـ ْهم‬ ‫اهم يف األ يَر غ‬ ‫وجل‪َ :‬وقط يعنَ ْ‬ ‫عز َّ‬ ‫األرض وتشتيتهم ليها جزاء كفرهم ولسادهم‪ ،‬قال َّ‬
‫يف‬ ‫ف غمن بعدهم رل ٌ‬ ‫احلْون ومنهم دون ذلك وبلوانهم ابحلسنات والسيغئات لعلَّهم برجعو َن لَ َخلَ َ‬ ‫الص غ‬
‫َّ‬
‫مر يذ‬
‫عرض مثلْهْ أيرذوه أمل بْ َ‬ ‫ورثوا الكتاب أيرذون عرض هذا األدىن وبقولون سيْغفر لنا وإن أيهتم ٌ‬
‫غغ‬ ‫غ‬ ‫غغ‬ ‫اب أالَّ بـ ْقولْوا علَى غ‬ ‫غ‬
‫َّار اخآر َرْ َر يَرٌ للَّذ َ‬
‫بن بتَّـ ْقو َن ألما‬ ‫ود َر ْسوا ما ليه والد ْ‬ ‫هللا إال َّ‬
‫احلق َ‬ ‫َ‬ ‫عليهم ميثا ْق الكتَ غ َ‬
‫تَـ يع غقلْون [األعراف‪.]169 - 168:‬‬
‫لهذه اخآايت الكرمية تشرح واقع اليهود‪ ،‬لاخآبة األوىل تفيد أبن هللا قضى عليهم ابلعذاب املستمر‬
‫أببدي الناس إىل بو القيامة‪.‬‬
‫واخآبة الثانية‪ :‬تفيد بتمزبقهم يف األرض‪ ،‬ومتزبقهم أدعى إىل أن بقع بسببه البماء الشدبد عليهم‬
‫مجاعة مجاعة‪ ،‬وال بستطيع أن بنصر بعضهم بعضا بسببه‪.‬‬
‫وقد رلف املسلمون الرومان النصارى يف القرن األول اهلجري الذي بوالق القرن السابع امليمادي‬
‫على الشا وللسطني ومجيع ما كان يف بد الرومان يف هذه املناطق‪.‬‬
‫وتفرق يف مجيع أحناء األرض‪ ،‬ومل بكن بسمح وقتها لليهود ابلسكىن يف‬
‫وكان اليهود يف حالة تشتت ُّ‬
‫بيت املقدس‪ ،‬كما سبق بيانه‪ ،‬بل كان من بنود املعاهد بني نصارى بيت املقدس وعمر بن اَخطاب‬
‫‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن ال بسمح لليهود ابلسكن يف بيت املقدس‪.‬‬
‫والتمزق يف أحناء األرض إىل بدابة القرن العشربن‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫لاستمر اليهود يف التشتت‬
‫َّ‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪59‬‬

‫(‪)34/1‬‬

‫املطلب الثامن‪ُ :‬تمعهم يف للسطني يف العصر احلدبث‪:‬‬


‫لقد ابتدأت الفكر لدى العامل الغريب يف ُتميع اليهود يف دولة‪ ،‬من أاي محلة انبليون بوانبرت‬
‫الفرنسي عا (‪ )1799‬حيث دعا بهود آسيا وألربقيا لمانضما إىل محلته من أجل بناء مدبنة‬
‫القدس القدمية‪ ،‬وقد جنَّد منهم عددا كبَرا يف جيشه‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن هزمية انبليون واندحاره حال دون ذلك‪.‬‬
‫مر أررى‪ ،‬وبدأ العدبد من زعماء الغرب وكبار اليهود بهتمون‬‫مث ابتدأت الفكر تظهر على السطح َّ‬
‫هبا‪ ،‬وبمسسون كثَرا من اجلمعيات املنادبة هلذا األمر‪ ،‬وابتدأ التخطيط الفعلي من إصدار (تيودور‬
‫هرتزل) الزعيم الصهيوين عا (‪ )1896‬كتابه (الدولة اليهودبة)‪ ،‬حيث عقد مممتر ابل يف سوبسرا‬
‫سنة (‪ ، )1897‬وجاء يف رطاب التتاح هذا املممتر‪( :‬إننا نضع حجر األساس يف بناء البيت الذي‬
‫سوف بموي األمة اليهودبة)‪.‬‬
‫مث اقرتح برانجما بدعو إىل تشجيع القيا حبركة واسعة إىل للسطني‪ ،‬واحلصول على اعرتاف دوِل‬
‫بشرعيَّة التوطني‪.‬‬
‫وكان من قرارات ذلك املممتر‪:‬‬
‫إنشاء (املنظمة الصهيونية العاملية) لتحقيق أهداف املممتر‪ ،‬واليت تولت أبضا إنشاء مجعيات عدبد‬
‫وسربة؛ لتخد هذا اهلدف‪ ،‬ودرس اليهود حال املستعمربن‪ ،‬لوجدوا أن بربطانيا أنسب الدول‬ ‫علنية غ‬
‫هلذا األمر اليت تتفق ريبتها يف وضع داء يف وسط األمة اإلسمامية ٍ‬
‫موال للغرب‪ ،‬مع ريبة اليهود يف‬
‫وطن‬
‫قومي هلم‪ ،‬وكانت أكثر البماد العربية حتت سيطرهتا‪ ،‬لدبروا معها املمامر ‪ ،‬وأرذوا بذلك وعدا من‬
‫(بلفور) ر يس وزراء بربطانيا‪ ،‬مث وزبر رارجيتها عا (‪ ، )1917‬أعلن ليه أن بربطانيا متنح اليهود‬
‫حق إقامة وطن قومي هلم يف للسطني‪ ،‬وأهنا ستسعى جاهد يف حتقيق ذلك‪.‬‬
‫وكان اليهود قد بدؤوا اهلجر إىل للسطني يف الوقت الذي كانت ليه للسطني حتت االنتداب‬
‫الرببطاين‪ ،‬لاستطاع اليهود بسبب اهلجر من تكوبن دولة دارل دولة‪ ،‬وكانت احلكومة الرببطانية‬
‫حتميهم من بطش املسلمني‪ ،‬وتتعامل معهم بكل التسامح‪ ،‬يف الوقت الذي تتعامل ليه مع املسلمني‬
‫بكل َّ‬
‫شد وتنكيل‪.‬‬
‫وملا ضعفت بربطانيا عن حتقيق أماين اليهود أحالت األمر إىل األمم املتحد ‪ ،‬واليت تتزعمها الوالايت‬
‫املتحد ‪ ،‬اليت بدورها استلمت الدور الرببطاين يف املنطقة‪ ،‬لأرسلت األمم املتحد جلاهنا إىل للسطني‪،‬‬
‫مث قررت هذه اللجان تقسيم للسطني بتخطيط بهودي وضغط أمربكي‪ ،‬لأعلن قرار التقسيم‬
‫لفلسطني بني املسلمني واليهود يف ‪ . 1947/11 /29‬لقررت احلكومة الرببطانية بعده االنسحاب‬
‫َتكدت أن اليهود قادرون على تسلم زما األمر‪،‬‬‫من للسطني‪ ،‬اتركة البماد ألهلها‪ ،‬وذلك بعد أن َّ‬
‫لحال رروجها يف مابو عا (‪ ، )1948‬أعلن اليهود دولتهم اليت اعرتلت هبا أمربكا بعد إحدى‬
‫عشر دقيقة‪ ،‬وكانت روسيا قد سبقتها ابالعرتاف‪ ،‬مث استطاعت هذه الدولة اليهودبة أن تقو على‬
‫قدميها‪ ،‬وأن ختوض ضد املسلمني َّ‬
‫عد حروب‪ ،‬مين ليها املسلمون هبزا م‪ ،‬بسبب بعدهم عن دبنهم‪،‬‬
‫وتفرقهم إىل أمم وأحزاب‪ ،‬وريانة بعضهم‪ ،‬وال زالت هذه الدولة قا مة يف قلب األمة اإلسمامية داء‬
‫سيفجر كثَرا من الفساد والشرور‪ ،‬ما مل بقتلع من جذوره‪ ،‬لاليهود منذ أزمان بعيد وهم داء‪ ،‬أبنما‬
‫حلوا نشروا الفساد والشحناء والعدوان بني أهل البماد اليت حيلون ليها‪ ،‬وقد رأت الدول الغربية أهنا‬
‫ستكسب مكسبني عظيمني من إقامة هذا الكيان يف جسد األمة اإلسمامية‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أهنا تسلم من شرور اليهود وسيطرهتم‪ ،‬ولسادهم وحتكمهم يف البماد وثرواهتا‪.‬‬
‫اثنيهما‪ :‬أهنا تضع يف قلب األمة اإلسمامية دولة حليفة هلم‪ ،‬وهي يف نفس الوقت علة تستنزف قوى‬
‫األمة اإلسمامية‪ ،‬وتضع بذور الفرقة واَخماف بني ألرادها‪ ،‬حىت ال تقو هلا قا مة‪.‬‬
‫وهذا الوضع ال زال قا ما‪ ،‬واألاي مليئة‪ ،‬وكل بو بظهر اهلدف واضحا‪ ،‬وتظهر الشخصية اليهودبة‬
‫احلقيقية أكثر وأوضح‪ ،‬وما مل بفق املسلمون لواقعهم املربر‪ ،‬وبنظروا ملستقبلهم ابلعني املستبصر بنور‬
‫هللا‪ ،‬املهتدبة بشرعه الواثقة من نصره‪ ،‬لإنه لن بتغَر احلال‪ ،‬بل ستزداد األزمات واملصا ب على العامل‬
‫اإلسمامي‪ ،‬حىت أيذن هللا أبمره وتعود األمة إىل رهبا ودبنها‪ ،‬لتكون جدبر بنصر هللا واستعاد‬
‫مقدساهتا‪.‬‬
‫ونرى أن ُتمعهم هذا مقدمة لتحقيق كما الرسول صلى هللا عليه وسلم عنهم أبن املسلمني بقتلون‬
‫اليهود‪ .‬ولعل للسطني ستكون مقربهتم‪ ،‬وهللا يالب على أمره‪ ،‬ولن بفلح قو سجل هللا عليهم‬
‫يضبه‪ ،‬ولعنهم‬
‫وضرب عليهم الذلة واملسكنة‪ ،‬بل لعلها ممذنة بفنا هم والقضاء على بذرهتم اَخبيثة‪ ،‬كما نرى أهنم ما‬
‫توصلوا إىل ما توصلوا إليه إلّ َّا بعد أن صار املسلمون يف يابة التخلف والضعف والبعد عن‬
‫الدبن الذي به بتوصلون إىل رَر الدنيا واخآرر ‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪61‬‬

‫(‪)35/1‬‬

‫أوال‪ :‬مسألة‪ :‬ادعاء اليهود أن هلم ًّ‬


‫حقا اترخييًّا ودبنيًّا يف للسطني‪:‬‬
‫تقد بيان أن بين إسرا يل هم سمالة بعقوب عليه السما ‪ ،‬وأن أول درول هلم إىل للسطني كان‬ ‫قد َّ‬
‫مع بوشع بن نون بعد ولا موسى عليه السما يف التيه وبعد نكوهلم عن القتال أول األمر‪.‬‬
‫وقد كان يف للسطني قبل استيماء بين إسرا يل عليها ثماث قبا ل وهم‪:‬‬
‫الفينيقيون‪ :‬وسكنوها حواىل سنة (‪ )3000‬ق‪ ، .‬واستوطنوا املنطقة الشمالية منها على البحر‬
‫األبيض املتوسط‪.‬‬
‫الكنعانيون‪ :‬نزلوا جنوب الفينيقيني‪ ،‬وشغلوا املنطقة الوسطى من للسطني سنة (‪ )2500‬ق‪. .‬‬
‫وهذه كانت من القبا ل العربية املهاجر من شبه اجلزبر العربية‪ ،‬مث جاءت مجاعات من جزبر كربت‬
‫ويز على البحر األبيض‬
‫حواِل عا (‪ )1200‬ق‪ ، .‬وكانت تسمى للستني‪ ،‬ونزلت بني ايلا َّ‬
‫املتوسط‪.‬‬
‫ومسَّى الكنعانيون هوالء القو للسطني‪ ،‬ويلبت التسمية على املنطقة كلها‪ ،‬لأصبحت تدعى‬
‫استمرت‬
‫َّ‬ ‫للسطني‪ .‬وحسب ما أورده اليهود يف كتاهبم‪ ،‬وما ْكتب يف اتربخ املنطقة‪ ،‬لإن هذه الشعوب‬
‫يف املنطقة‪ ،‬وكان بينها وبني بين إسرا يل واليهود حروب عدبد ‪ ،‬استمرت طوال لرت وجود اليهود يف‬
‫تلك املنطقة‪.‬‬
‫بتبني لنا أن اليهود ليسوا أول من سكن للسطني‪ ،‬بل درلوها أو بعضها‬
‫لمن الناحية التارخيية‪َّ ،‬‬
‫واستولوا على أجزاء منها بعد أن كانت يف بد همالء القو ‪.‬‬
‫أما من الناحية الدبنية‪ ،‬لقد جاء يف القرآن الكرمي قوله تعاىل على لسان موسى عليه السما ‪ :‬اي قَـوغ‬
‫َ ي‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫ض املَْقد َ َّ‬
‫ب هللاْ لَ ْك يم َوالَ تَـ يرتَدُّوا َعلَى أَ يد َاب غرْك يم لَـتَن َقلبْوا َراس غر َ‬
‫بن [املا د ‪.]21 :‬‬ ‫َّسةَ ال غيت َكتَ َ‬ ‫ا يد ْرلْوا األ يَر َ‬
‫ب هللاْ لَ ْك يم قال ابن اسحاق‪( :‬اليت وهب هللا لكم)‪ .‬وقال السدي‪( :‬اليت أمركم هللا‬
‫لقوله تعاىل‪َ :‬كتَ َ‬
‫ب‬
‫هبا)‪ .‬وقال قتاد ‪( :‬أمر القو هبا كما أمران ابلصما والزكا واحلج والعمر ) (‪ .)1‬إذا قوله تعاىل‪َ :‬كتَ َ‬
‫هللاْ لَ ْك يم‪ .‬ليس هو متليكا على رأي بعض العلماء‪ ،‬وعلى الرأي اخآرر هو متليك هلم بشرط أن‬
‫دليل‬
‫ب هللاْ لَ ْك يم‪ ،‬ومع هذا لليس ليه ٌ‬ ‫بدرلوها‪ .‬وعلى رأي البعض‪ :‬هي هبة هلم‪ .‬لهذا غ‬
‫ببني معىن َكتَ َ‬
‫على أن هلم احلق يف للسطني‪ ،‬وذلك ألن هللا بنعم على عباده املممنني يف حال اإلميان بنعم كثَر ‪،‬‬
‫وهي هلم يف حال اإلميان‪ ،‬أما يف حال الكفر لما حق هلم هبا‪ ،‬وبنو إسرا يل حني أمرهم هللا ابلدرول‬
‫نكلوا‪ ،‬لمنعهم منها‪ ،‬وحني استجابوا وأطاعوا منحها هللا هلم؛ هلذا قال ابن كثَر يف اخآبة‪( :‬اليت‬
‫وعدكموها هللا على لسان أبيكم إسرا يل‪ ،‬إنه وراثة من آمن منكم) (‪ .)2‬لعليه لهي هلم يف حال‬
‫إمياهنم‪ ،‬أما يف حال كفرهم لليس هلم ليها حق‪.‬‬
‫ود َّن غيف‬ ‫ال الَّ غذبن َك َفرواي لغرسلغ غهم لَنْ يخ غرجنَّ ْكم غمن أَر غ‬
‫ضنَآ أ يَو لَتَـ ْع ْ‬ ‫جل وعما‪َ :‬وقَ َ‬ ‫بدل على هذا قول هللا َّ‬
‫ي ي‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْْ ي‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ني [إبراهيم‪.]13 :‬‬ ‫ملَّتغنَا لَأ يَو َحى إغلَيي غه يم َرُّهبْ يم لَنْـ يهل َك َّن الظَّال غم َ‬
‫الص غ‬ ‫غ غ‬ ‫الزبوغر غمن بـع غد غ‬
‫احلْو َن [األنبياء‪.]105:‬‬ ‫ي َّ‬ ‫ض بَ غرثْـ َها عبَاد َ‬ ‫الذ يك غر أ َّ‬
‫َن ياأل يَر َ‬ ‫َي‬ ‫وقال‪َ :‬ولََق يد َكتَـ يبـنَا غيف َّ ْ‬
‫ومبا أن اليهود كفروا ابهلل وأبنبيا ه‪ ،‬وسجل هللا عليهم يضبه ولعنته‪ ،‬لليس هلم حق يف األرض‬
‫ادي الص غ‬ ‫غ غ‬ ‫املقدسة‪ ،‬بل هي من حق عباده املممنني‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬أ َّ‬
‫احلْو َن‬ ‫ض بَ غرثْـ َها عبَ َ َ‬ ‫َن األ يَر َ‬
‫[األنبياء‪.]105:‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪65‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬تفسَر ابن جربر)) (‪ , )173 /6‬و ((لتح القدبر)) للشوكاين (‪.)29 /2‬‬
‫(‪(( )2‬تفسَر ابن كثَر)) (‪.)36 /2‬‬

‫(‪)36/1‬‬

‫اثنيا‪ :‬مسألة‪ :‬كذب اليهود املعاصربن يف ادعا هم أهنم نسل بين إسرا يل‪:‬‬
‫اليهود املعاصرون بشيعون وبنشرون أهنم نسل بين إسرا يل األوا ل الذبن قطنوا للسطني‪ ،‬وهم يف‬
‫زعمهم وارثو أولئك اإلسرا يليني األوا ل الذبن كانوا يف للسطني‪ ،‬وجيتهد اليهود يف نشر دعوى نقاء‬
‫العنصر اليهودي من االرتماط ابألمم األررى‪ ،‬لهم جنس حالظ ‪ -‬يف زعمهم ‪ -‬على نقاء عنصره‪،‬‬
‫ولليهود يف ذلك هدف رطَر وحيوي ابلنسبة هلم‪ ،‬وهو أن هذه الدعو ُتعلهم يف نظر النصارى أبناء‬
‫ليعقوب ومن ذربَّته‪ ،‬ليكونون بذلك مقصودبن ابلوعود الوارد يف العهد القدمي لبين إسرا يل‪،‬‬
‫ليستدرون بذلك عطف النصارى وإحساهنم ونصرهتم‪ ،‬راصة إذا علمنا أن النصارى بقدسون التورا ‪،‬‬
‫وجل‪ ،‬كما سيأِت بيانه‪ .‬لكن الواقع بكذب اليهود يف دعواهم‬
‫عز َّ‬
‫وبعتقدون أن ما ليها وحي من هللا َّ‬
‫نقاء جنسهم‪ ،‬وذلك أن نظر عامة يف هيآهتم وسحنتهم تدل على تبابن أصوهلم‪ ،‬لفيهم ذو السحنة‬
‫األوروبية‪ ،‬وذو السحنة العربية‪ ،‬وليهم ذو السحنة األلربقية‪ .‬ومع هذا التبابن ال ميكن إدعاء أن‬
‫أصلهم واحد؛ إذ ال بد من أن بكونوا قد ارتلطوا أبمم أررى أورثتهم هذا التبابن يف السمات‪ .‬مث إن‬
‫تزوجوا بنساء أجنبيات‪ ،‬وأن نساءهم أرذهن رجال أجانب‬
‫اليهود ذكروا يف كتاهبم أن كثَرا منهم َّ‬
‫حىت إهنم بنسبون إىل سليمان عليه السما ذلك‪ .‬كما أنه ثبت اترخييًّا أن أمة كبَر ‪ -‬وهي شعب دولة‬
‫هتودوا يف القرن الثامن امليمادي‪ ،‬وكان ذلك الشعب من قبل وثنيًّا‪ ،‬وهو شعب تركي آري‬
‫اَخزر‪َّ -‬‬
‫تسمى ابمسهم دولة اَخزر كانت تقع يف املنطقة بني‬
‫كان بقطن منطقة آسيا الوسطى‪ ،‬ودولتهم اليت َّ‬
‫البحر األسود وحبر قزوبن‪ ،‬وتشغل منطقة مشال أذربيجان وأرمينية وأوكرانية ومجيع منطقة جنوب آسيا‬
‫إىل حدود موسكو عاصمة روسيا‪ ،‬وكان حبر قزوبن بسمى حبر اَخزر‪.‬‬
‫وقد جاء يف (املوسوعة اليهودبة) عن اَخزر ما بلي‪:‬‬
‫( ‪ ..‬اَخزر شعب تركي األصل‪ ،‬متتزج حياته واترخيه ابلبدابة األوىل لتاربخ بهود روسيا ‪ ..‬أكرهته‬
‫القبا ل البدوبة يف السهول من جهة أررى على توطيد أسس ِملكة اَخزر يف معظم أجزاء روسيا‬
‫اجلنوبية‪ ،‬قبل قيا الفراجنيني سنة (‪ )855‬بتأسيس امللكية الروسية‪ ،‬يف هذا الوقت (‪ )855‬كانت‬
‫حتول ملك اَخزر‬
‫ِملكة اَخزر يف أوج قوهتا ختوض يمار حروب دا مة‪ ،‬وعند هنابة القرن الثامن َّ‬
‫ونبماؤه وعدد كبَر من شعبه الوثنيني إىل الداينة اليهودبة ‪ ..‬كان عدد السكان اليهود ضخما يف مجيع‬
‫أحناء مقاطعة اَخزر رمال الفرت الواقعة بني القرن السابع والقرن العاشر امليمادي ‪ ..‬بدا عند حواِل‬
‫القرن التاسع أن مجيع اَخزر أصبحوا بهودا وأهنم اعتنقوا اليهودبة قبل وقت قصَر لقط)‪.‬‬
‫مث إن هذه الدولة سقطت بعد ذلك يف بد الروس‪ ،‬الذبن احتلوها وقضوا عليها متاما‪ ،‬واستولوا على‬
‫مجيع أراضيها‪ ،‬وقد تماشت هذه الدولة من رارطة أوراب يف القرن الثالث عشر امليمادي‪ ،‬وتوزع‬
‫شعبها على دول أوراب الشرقية والغربية‪ ،‬وكانت أكرب ُتمعاهتم يف أوراب الشرقية هنغاراي وبولندا‬
‫ورومانيا واجملر وروسيا‪ .‬لهذا بدل داللة واضحة أن اليهود الذبن بسمون اإلشكنازمي‪ -‬وهم بهود‬
‫أوراب‪ -‬ال ميتون بصلة إىل بعقوب عليه السما وذربته‪ .‬وحنن املسلمني نعتقد أن انتساهبم إىل بعقوب‬
‫عليه السما أو يَره ال بغَر من موقفنا منهم ما داموا بهودا وحماربني لنا ومعتدبن على إرواننا؛ إذ إن‬
‫األنساب ال وزن هلا مع الكفر‪ ،‬وال حاجة إليها مع اإلسما ‪.‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪67‬‬

‫(‪)37/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫‪ - 1‬موسى عليه السما ‪ :‬رجل من بين إسرا يل‪ ،‬ولد يف مصر أاي لرعوهنا رمسيس الثاين على‬
‫األرجح (‪1301‬ـ ‪ )1234‬ق‪ ، .‬وقد ترىب يف قصر هذا الفرعون بعد أن ألقته أمه يف النهر دارل‬
‫مصراي ِما‬
‫ًّ‬ ‫شب قتل‬
‫اتبوت‪ ،‬عندما رالت عليه من لرعون الذي كان بقتل أبناء بين إسرا يل‪ .‬وملا َّ‬
‫دلعه للهرب إىل مدبن حيث عمل راعيا لدى شيخ صاحل هناك‪ -‬قيل‪ :‬إنه شعيب عليه السما ‪-‬‬
‫زوجه إحدى ابنتيه‪.‬‬
‫الذي َّ‬
‫ـ يف طربق عودته إىل مصر أوحى هللا إليه يف سيناء ابلرسالة‪ ،‬وأمره أن بذهب هو وأروه هارون إىل‬
‫لرعون لدعوته وَخماص بين إسرا يل‪ ،‬لأعرض عنهما لرعون وانصبهم العداء‪ ،‬لخرج موسى ببين‬
‫إسرا يل وقد كان ذلك سنة (‪ )1213‬ق‪ .‬يف عهد لرعوهنا منفتاح الذي رلف أابه رمسيس الثاين‪،‬‬
‫وحلق هبم هذا الفرعون‪ ،‬لكن هللا أيرقه يف اليم‪ ،‬وجنَّى موسى وقومه‪.‬‬
‫ـ يف صحراء سيناء صعد موسى اجلبل ليكلم ربه وليستلم األلواح‪ ،‬لكنه ملا عاد وجد يالب قومه قد‬
‫عكفوا على عجل من ذهب صنعه هلم السامري لزجرهم موسى‪ ،‬وملا أمرهم بدرول للسطني امتنعوا‬
‫ىت خيَيْر ْجواي غم ينـ َها لَغإن خيَي ْر ْجواي‬ ‫يها قَـ يوما َجبَّا غر َ غ‬
‫بن َوإ َّان لَن نَّ يد ْرلَ َها َح ََّ‬
‫غ‬
‫وسى إغ َّن ل َ‬‫عليه وقالوا له‪ :‬قَالْوا َاي ْم َ‬
‫ارلْو َن [املا د ‪ ]22 :‬للما حاورهم رجال من بين جلدهتم يف ذلك قالوا ملوسى‪ :‬قَالْواي َاي‬ ‫غم ينـها لَغإ َّان د غ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك لَـ َقاتغما إغ َّان هاهنا قَ غ‬ ‫غ‬
‫اع ْدو َن [املا د ‪]24 :‬‬ ‫َ َْ‬ ‫َنت َوَربُّ َ‬
‫بأ َ‬ ‫يها لَا يذ َه ي‬‫وسى إغ َّان لَن نَّ يد ْرلَ َها أَبَدا َّما َد ْامواي ل َ‬‫ْم َ‬
‫غ غغ‬ ‫غ غ‬ ‫ب إغغين ال أ يَملغ ْ‬
‫ني‬
‫ني الي َق يو الي َفاسق َ‬ ‫ك إغالَّ نَـ يفسي َوأَري لَاليـ ْر يق بَـ ييـنَـنَا َوبَ ي َ‬ ‫ال َر غ‬‫هنا دعا موسى على قومه‪ :‬قَ َ‬
‫[املا د ‪ ]25 :‬لغضب هللا عليهم وتركهم بتيهون يف الصحراء أربعني سنة‪ ،‬مات رماهلا موسى ودلن‬
‫يف كثيب أمحر دون أن بدرل للسطني‪.‬‬
‫مات كذلك أروه هارون ودلن يف جبل هور‪ ،‬وبذكر املمررون أن الذبن كانوا مع موسى ماتوا كلهم‬
‫يف التيه‪ ،‬ابستثناء اثنني كان بوشع أحدمها‪.‬‬
‫‪ - 2‬بوشع بن نون‪ :‬توىل القياد بعد موسى‪ ،‬ودرل ببين إسرا يل عن طربق شرقي األردن إىل أرحيا‪،‬‬
‫وقد مات بوشع سنة (‪ )1130‬ق‪. .‬‬
‫مت تقسيم األرض املفتوحة بني االثين عشر سبطا‪ ،‬الذبن كان حيكمهم قضا من الكهنة‪......... ،‬‬
‫‪ - 3‬آرر القضا صمو يل شاءول صار ملكا عليهم‪ ،‬وهو الذي بسميه القرآن طالوت‪ ،‬وهو الذي‬
‫قادهم يف معارك ضاربة ضد من حوهلم‪ ،‬وكان داود واحدا من جنوده‪ ،‬ويف إحدى املعارك تغلب داود‬
‫على جالوت قا د الفلسطينيني‪ ،‬ومن هنا برز داود النَب القا د‪.‬‬
‫‪ - 4‬داود عليه السما أصبح امللك الثاين ليهم‪ ،‬وقد بقي امللك يف أوالده وراثيًّا‪ ،‬واختذ من أورشليم‬
‫(القدس) عاصمة ملكه مشيدا اهليكل املقدس‪ ،‬انقما إليه التابوت‪ ،‬وقد دا حكمه أربعني سنة‪.‬‬
‫‪ - 5‬سليمان بن داود عليهما السما ‪ :‬رلف أابه‪ ،‬وقد عما جنمه حىت إنه صاهر لرعون مصر‬
‫شيشنق ودانت له سبأ‪ ،‬لكن ملكه انكمش بعد ِماته مقتصرا على يرب األردن‪.‬‬
‫‪ - 6‬رحبعا ‪ :‬الذي صار ملكا سنة (‪ )935‬ق‪ ، .‬إال أنه مل حيظ مببابعة األسباط‪ ،‬لمال عنه بنو‬
‫إسرا يل إىل أريه بربعا ‪ِ ،‬ما أدى إىل انقسا اململكة إىل قسمني‪:‬‬
‫ـ مشالية امسها إسرا يل‪ ،‬وعاصمتها شكيم‪.‬‬
‫ـ جنوبية امسها بهوذا‪ ،‬وعاصمتها أورشليم‪.‬‬
‫ـ حكم يف كل من اململكتني (‪ )19‬ملكا‪ ،‬واتصل املْلك يف ذربة سليمان يف ِملكة بهوذا ليما تنقل يف‬
‫عدد من األسر يف ِملكة إسرا يل‪.‬‬
‫‪ - 7‬عاموس‪ :‬نَب ظهر حواِل سنة (‪ )750‬ق‪ ، .‬وهو أقد أنبياء العهد القدمي الذبن وردت‬
‫أقواهلم إلينا مكتوبة؛ إذ عاش أاي بربعا الثاين (‪783‬ـ ‪ )743‬ق‪. .‬‬

‫(‪)38/1‬‬

‫وقع اليهود اإلسرا يليون يف سنة (‪ )721‬ق‪ .‬حتت قبضة اخآشوربني يف عهد امللك سرجون الثاين‬
‫ملك آشور لزالوا من التاربخ‪ ،‬وسقطت ِملكة بهوذا حتت قبضة البابليني سنة (‪ )586‬ق‪ ، .‬وقد‬
‫دمر نبورذ نصر (خبتنصر) أورشليم واملعبد‪ ،‬وسىب اليهود إىل اببل‪ ،‬وهذا هو التدمَر األول‪.‬‬
‫‪ - 8‬أشعيا‪ :‬عاش يف القرن الثامن ق‪ ، .‬وقد كان من مستشاري امللك حزقيال ملك بهوذا (‪729‬ـ‬
‫‪ )668‬ق‪. .‬‬
‫‪ - 9‬أرميا‪650( :‬ـ ‪ )580‬ق‪ .‬ندد أبرطاء قومه‪ ،‬وقد تنبأ بسقوط أورشليم‪ ،‬واندى ابَخضوع‬
‫مللوك اببل ِما جعل اليهود بضطهدونه وبعتدون عليه‪.‬‬
‫‪ - 10‬حزقيال‪ :‬ظهر يف القرن السادس قبل امليماد‪ ،‬قال ابلبعث واحلساب وابملسيح الذي سيجيء‬
‫من نسل داود ليصبح ملكا على اليهود‪ ،‬وقد عاصر لرت سقوط ِملكة بهوذا‪ ،‬أبعد إىل اببل بعد‬
‫استسما أورشليم‪.‬‬
‫‪ - 11‬دانيال‪ :‬أعلن مستقبل الشعب اإلسرا يلي؛ إذ كان مشتهرا ابملنامات والرؤى الرمزبة‪ ،‬وقد‬
‫وعد شعبه ابَخماص على بد املسيح‪.‬‬
‫‪ -‬سنة (‪ )538‬ق‪ .‬احتل قورش ملك الفرس بماد اببل‪ ،‬وقد مسح هلم قورش ابلعود إىل للسطني‪،‬‬
‫ولكن مل برجع منهم إال القليل‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ )320‬ق‪ .‬آل احلكم يف للسطني إىل اإلسكندر األكرب ومن بعده إىل البطاملة‪.‬‬
‫‪ -‬اكتسح الرومان للسطني سنة (‪ )63‬ق‪ . .‬واستولوا على القدس بقياد ابمبيوس‪.‬‬
‫‪ -‬ويف سنة (‪ )20‬ق‪ .‬بين هَرودس هيكل سليمان من جدبد‪ ،‬وقد ظل هذا اهليكل حىت سنة‬
‫(‪ )70‬حيث دمر اإلمرباطور تيطس املدبنة وأحرق اهليكل‪ ،‬وهذا هو التدمَر الثاين‪ .‬وقد جاء‬
‫أوراينوس سنة (‪ )135‬ليزبل معامل املدبنة متاما‪ ،‬وبتخلص من اليهود بقتلهم وتشربدهم‪ ،‬وقد بىن‬
‫هيكما وثنيًّا (امسه جوبيتار) مكان اهليكل املقدس‪ ،‬وقد استمر هذا اهليكل الوثين حىت دمره النصارى‬
‫يف عهد اإلمرباطور قسطنطني‪.‬‬
‫ـ يف سنة (‪ )636‬لتح املسلمون للسطني وأجلوا عنها الرومان‪ ،‬وقد اشرتط عليهم صفرونيوس‬
‫بطربرك النصارى أن ال بسكن املدبنة أحد من اليهود‪.‬‬
‫ـ يف سنة (‪ )1897‬بدأت احلركة اجلدبد لليهود حتت اسم الصهيونية‪ ،‬لبناء دولة إسرا يل على‬
‫أرض للسطني (براجع حبث الصهيونية)‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)39/1‬‬

‫أوال‪ :‬السفارد ‪:Sephardim‬‬


‫( سفارد) مصطلح مأروذ من األصل العربي (سفاردمي)‪ .‬وبْشار إىل السفارد أبضا بكلمة (إسبانيوِل)‪،‬‬
‫وابليدبشية بكلمة (لرانك) اليت تشبه قولنا ابلعربية (الفرجنة) (ومن هنا تسمية جيكوب لرانك‪ ،‬أي‬
‫جيكوب السفاردي)‪ .‬و (سفارد) اسم مدبنة يف آسيا الصغرى مت ربطها إبسبانيا عن طربق اَخطأ‬
‫لرتمجت الكلمة يف الرتجو (الرتمجة اخآرامية ألسفار موسى اَخمسة) إىل (إسباميا)‪ ،‬و (سباميا)‪ ،‬أما يف‬
‫ْ‬
‫البشيطا (الرتمجة السراينية ألسفار موسى اَخمسة) لهي (إسبانيا)‪ .‬وابتداء من القرن الثامن امليمادي‪،‬‬
‫أصبحت كلمة (سفارد) هي الكلمة العرببة املستخدمة لإلشار إىل إسبانيا‪ .‬وتْستخ َد الكلمة يف‬
‫الوقت احلاضر لإلشار إىل اليهود الذبن عاشوا أصما يف إسبانيا والربتغال‪ ،‬مقابل اإلشكناز الذبن‬
‫كانوا بعيشون يف أملانيا ولرنسا ومعظم أوراب‪ .‬وقد استقر أعضاء اجلماعة اليهودبة يف شبه جزبر أبرباي‬
‫يف أاي اإلمرباطوربة الرومانية‪ .‬ولكن أهم لرت يف اترخيهم هي الفرت اليت حكم ليها املسلمون شبه‬
‫جزبر أبرباي واليت بْشار إليها ابسم (العصر الذهَب)‪ .‬وكان أعضاء اجلماعة اليهودبة بتحدثون العربية‬
‫يف تلك الفرت ‪ ،‬وبفكرون وبكتبون هبا‪ .‬مث جاء الغزو املسيحي لشبه اجلزبر واسرتدادها‪ ،‬لاكتسب‬
‫اليهود الصبغة اإلسبانية وحتدثوا ابلمادبنو‪ ،‬وهي هلجة إسبانية‪ ،‬مث مت طردهم من إسبانيا عا‬
‫‪ ، 1492‬ومن الربتغال عا ‪ ، 1497‬لاُتهت أعداد منهم إىل الدولة العثمانية اليت كانت تضم شبه‬
‫جزبر البلقان ومشال ألربقيا‪ .‬وبْـ َع ُّد ميناء سالونيكا (يف شبه اجلزبر اليواننية) عاصمة السفارد يف العامل‬
‫حىت احلرب العاملية األوىل‪ ،‬لقد كانت هذه املدبنة تضم أيلبية سفاردبة‪ .‬ومن أهم املدن األررى اليت‬
‫استقر ليها السفارد يف الدولة العثمانية‪ :‬أدرنة واألستانة وصفد والقدس والقاهر ‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)40/1‬‬

‫اثنيا‪ :‬اإلشكناز ‪:Ashkenazim‬‬


‫( اإلشكناز) من (إشكنازمي) العرببة‪ .‬و (اإلشكناز) هم بهود لرنسا وأملانيا وبولندا‪ .‬و (إشكناز)‪،‬‬
‫حسب الروابة التوراتية‪ ،‬اسم أحد أحفاد نوح‪ .‬ومن احملتمل أن تكون الكلمة قد استْخدمت لإلشار‬
‫إىل قبيلة ظهرت يف زمن أسرحدون َحتالَف أعضاؤها مع آشور‪ .‬وهم الذبن تشَر إليهم املدوانت‬
‫اخآشوربة يف القرن السابع قبل امليماد بلفظ (إشوكوزا)‪ ،‬وهم الذبن أشار إليهم اليواننيون بكلمة‬
‫(إسكيثيانز ‪ )Scythians‬وهم اإلسكيثيون‪ .‬وببدو أن هذه األقوا كانت تشغل املنطقة املوجود‬
‫على حدود أرمينيا يف أعاِل الفرات‪ ،‬وجزءا من ِملكة امليدبني‪ .‬وبقرن بوسيفوس كلمة (إشكناز)‬
‫مبدبنة يف مركز ميداي‪ .‬ويف بعض الكتاابت احلارامية‪ ،‬بْشار إىل آسيا أبسرها ابعتبارها (إشكناز)‪ ،‬كما‬
‫كان بْشار إىل اَخََزر ابعتبارهم (إشكناز)‪ ،‬بل واستْخدمت الكلمة لإلشار إىل محمات الفرجنة‪.‬‬
‫أما االشتقاق احلاِل لكلمة (اإلشكناز)‪ ،‬لهو من كلمة (إشكناز) مبعىن (أملانيا)‪ .‬ومن الصعب معرلة‬
‫ادف‪ .‬وامة آراء احتمالية عد ‪ ،‬لهناك من بربط بني إشكناز وإسكندانليا‪ ،‬وهناك‬
‫الرت ْ‬
‫مىت حدث هذا َ‬
‫من بربط بينها وبني الساكسون ومن مث بينها وبني أملانيا‪ .‬ومع زمن راشي‪ ،‬أصبح هذا الرتادف أمرا‬
‫مقبوال متاما‪ ،‬لهو بشَر إىل (لشون إشكناز)‪ ،‬أي (اللسان األملاين) أو (اللغة األملانية)‪ .‬وكان بشَر إىل‬
‫(إرتس إشكناز) أي (أرض أملانيا)‪ .‬ومن هنا‪ ،‬أصبح املصطلح بشَر إىل بهود لرنسا وأملانيا ونسلهم‬
‫من اليهود الذبن هاجروا إىل إجنلرتا وشرق أوراب (بولندا وليتوانيا) بعد حروب الفرجنة‪ .‬وبطرح آرثر‬
‫كوستلر نظربة أررى عن أصل أكرب كتلة بشربة إشكنازبة (أي بهود بولندا)‪ ،‬لَرى أن اجلماعات‬
‫اليهودبة يف لرنسا وأملانيا قد أبيدت متاما أو ارتفت‪ ،‬وأن بهود بولندا هم يف الواقع بقااي بهود اَخزر‬
‫الذبن نزحوا عن أراضيهم بعد سقوط دولتهم وأسسوا دولة اجملر مث هاجروا منها إىل بولندا‪ .‬وابلتاِل‪،‬‬
‫لإن اإلشكناز عنصر تركي يَر سامي‪.‬‬
‫وقد انتشر اإلشكناز من بولندا إىل أوراب‪ ،‬رصوصا بعد هجمات مشيلنكي يف أوكرانيا (‪،) 1648‬‬
‫لاستقرت أعداد منهم يف بولندا وأملانيا وإجنلرتا والعامل اجلدبد‪ .‬مث هاجر املمابني منهم يف هنابة القرن‬
‫التاسع عشر إىل الوالايت املتحد وأمربكا الماتينية وأسرتاليا ونيوزبلندا‪ ،‬بعد االنفجار السكاين الذي‬
‫حدث يف صفولهم‪ .‬كما أهنم توجهوا إىل آسيا وألربقيا مع حركة التوسع اإلمربايِل‪ .‬وملا كان بهود‬
‫فضل أن نشَر إىل همالء‬ ‫شرق أوراب هم أهم كتلة بشربة بهودبة‪ ،‬لقد ارتبط املصطلح هبم‪ ،‬ولكننا نْ غ‬
‫ابعتبارهم (بهود اليدبشية)‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)41/1‬‬

‫اثلثا‪ :‬اليهود الغربيون ‪:Western Jews‬‬


‫( اليهود الغربيون) مصطلح بْستخ َد لإلشار إىل اليهود الذبن هاجروا من العامل الغريب إىل إسرا يل‪.‬‬
‫وملا كانت أيلبيتهم من اإلشكناز‪ ،‬أي من بهود بولندا ذوي األصول األملانية‪ ،‬لإن مصطلح (اليهود‬
‫الغربيون) أصبح مرادلا ملصطلح (اإلشكناز)‪ .‬ولكن مصطلح (اليهود الغربيون) بظل (مقابل اليهود‬
‫العرقي واحلضاري واإلثين هلمالء‬
‫الشرقيون) هو املصطلح األدق واألمشل ألنه بشَر إىل االنتماء ي‬
‫اليهود‪ ،‬يف حني جند أن مصطلح (اإلشكناز) تدارله أبعاد دبنية تطمس معامله وُتعله أدا يَر دقيقة‪.‬‬
‫ليهود هولندا بْشار إليهم بلفظ (إشكناز)‪ ،‬مع أن بعضهم بتبع التقاليد السفاردبة يف العباد ‪ .‬وأيلبية‬
‫اليهود الغربيني من بهود اليدبشية (بهود شرق أوراب)‪ ،‬إال أهنم لقدوا هوبتهم اليدبشية هذه وأصبحت‬
‫أيلبيتهم تتحدث اإلجنليزبة (يف الوالايت املتحد وإجنلرتا وكندا وأسرتاليا ونيوزبلندا) وبقيتهم تتحدث‬
‫لغات بمادهم‪ .‬كما أن هناك مجاعات من بهود الغرب‪ ،‬مثل‪ :‬بهود اليوانن (الرومانيوت أو‬
‫اجلرجيوس)‪ ،‬وبهود إبطاليا‪ ،‬وبهود جورجيا‪ .‬لكن همالء الغربيني ال بنتمون إىل التشكيل اإلشكنازي‬
‫العرقية واحلضاربة‬
‫(إن صح التعبَر) من قربب أو بعيد‪ .‬واليهود الغربيون يف إسرا يل هم األقلية ي‬
‫املسيطر على احلكومة واجليش واألحزاب واالقتصاد وعلى التوجه احلضاري العا ‪ ،‬وهو ما بسبب‬
‫ماحظ أن مصطلح (اليهود‬
‫حالة ايرتاب شدبد لليهود الشرقيني‪ ،‬وبعمق الفوارق االجتماعية‪ .‬وبْ َ‬
‫الغربيون) مصطلح حضاري ثقايف‪ ،‬ومن مث بْشار إىل بهود جنوب ألربقيا بوصفهم يربيني‪ ،‬مع أن‬
‫ألربقيا جزء من الشرق‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)42/1‬‬

‫رابعا‪ :‬اليهود الشرقيون ‪:Oriental Jews‬‬


‫( اليهود الشرقيون) مصطلح كان بْطلَق على نسل أولئك اليهود الذبن اُتهوا‪ ،‬عندما يادروا للسطني‬
‫قدميا‪ ،‬إىل العراق وإبران وألغانستان وشبه اجلزبر العربية ومصر وبلدان مشال ألربقيا‪ ،‬وعلى بهود‬
‫القوقاز (بهود جورجيا واجلبال)‪ .‬ولكنه بشَر اخآن‪ ،‬يف التجمع االستيطاين الصهيوين‪ ،‬إىل اليهود‬
‫الذبن ال بنحدرون من أصل يريب‪ ،‬وقد أصبح لفظ (سفارد) مرادف للفظ (شرقيني) ألن معظم‬
‫اليهود الشرقيني‪ ،‬يف البماد العربية على وجه اَخصوص‪ ،‬بتبعون التقاليد السفاردبة يف العباد ‪ .‬ولكن‬
‫مصطلح (سفارد) يَر دقيق‪ ،‬لبعض اليهود الغربيني يف هولندا وإجنلرتا وإبطاليا من السفارد‪ .‬كما أن‬
‫احلسيدبني بتبعون بعض التقاليد السفاردبة يف العباد ‪ .‬لذا‪ ،‬جيب أن نستخد مصطلح اليهود‬
‫الشرقيني ابعتبار أنه الكل الذي بضم معظم السفارد كجزء‪ ،‬وهذا الكل بضم بهود الفماشاه وبهود‬
‫عرقي ثقايف ْم غ‬
‫تعني‪ ،‬على‬ ‫اهلند ويَرهم‪ ،‬وابعتبار أن مصطلح اليهود الشرقيني ذو مضمون طبقي ي‬
‫عكس مصطلح (سفارد) ذي املضمون الدبين يَر املْحدَّد‪ .‬كما بْستخ َد ْمصطلَح (اليهود الغربيون)‬
‫لإلشار إىل كل بهود الغرب‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)43/1‬‬
‫رامسا‪ :‬اليهود املستعربة ‪:Arabized Jews‬‬
‫اليهود املستعربة هم بهود البماد العربية الذبن اكتسبوا رصا ص احلضار العربية لأصبحوا عراب‪ ،‬وهم‬
‫أيلبية بهود العامل العريب‪ ،‬وال سيما قبل درول االستعمار الغريب الذي لرنج عددا منهم‪ .‬وهم‬
‫سمون رطأ (السفارد)‪ .‬والواقع أن كثَرا منهم بتبع املنهاج السفاردي يف العباد ‪ ،‬ولكن هذا ال‬
‫بْ َّ‬
‫جيعلهم من السفارد ابملعىن اإلثين‪ ،‬الذي ال بنطبق إال على اليهود الذبن ررجوا من إسبانيا والذبن‬
‫بنتمون إىل أولئك الذبن كانوا بتحدثون المادبنو ومنهم املارانو (أو الربتغاليون)‪ .‬واليهود املستعربة‬
‫جزء ِمن نْطلق عليهم اخآن مصطلح (بهود الشرق)‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)44/1‬‬

‫سادسا‪ :‬الصابرا‪ :‬جيل ما قبل عا ‪1967‬‬


‫‪Sabra: Pre 1967 Generation‬‬
‫صابرا كلمة عرببة ْم َّ‬
‫شتقة من الكلمة العربية (الصبار) أو (التني الشوكي)‪ ،‬وقد تَردَّد املصطلح مبعناه‬
‫االجتماعي‪ ،‬ألول مر ‪ ،‬يف أعقاب احلرب العاملية األوىل مباشر حيث أطلق يف مدرسة هرتزليا الثانوبة‬
‫يف تل أبيب على التماميذ اليهود من مواليد للسطني والذبن كانوا ْحيسون نقصا حيال أقراهنم‬
‫حدي همالء‬‫فوقا يف الدراسة ِما كان جيعلهم بلجأون إىل تعوبض هذا الشعور بتَ غ‬
‫األوربيني األكثر تَ ُّ‬
‫األوربيني بنوع من النشاط اَخشن برد هلم اعتبارهم‪ .‬وقد متثل ذلك النشاط يف اإلمساك بثمرات التني‬
‫الشوكي وتقشَرها ابألبدي العاربة‪ ،‬وهي مهار بدوبة َتِت ابملران واملمارسة وليس من رمال الدراسة‬
‫الفكربة‪ .‬وقد أصبحت كلمة (الصابرا) تْطلَق امسا على كل بهودي بْولَد يف للسطني‪ .‬ومن‬
‫املصطلحات األررى املرتبطة هبا كلمة (شوتسباه) اليدبشية اليت تشَر إىل جمموعة من الصفات مثل‬
‫اجلرأ الزا د ‪ ،‬اليت قد تصل إىل حد الوقاحة‪ ،‬والسذاجة املختلطة ابلذكاء‪ .‬وحسب الرؤبة اإلسرا يلية‬
‫الشا عة‪ ،‬لإن جيل الصابرا بتسم ابلشوتسباه‪ ،‬أي اجلرأ الزا د هذه‪ .‬ومن صفات الصابرا أبضا ما‬
‫سمى (تسيفتسوف إحياد جادول)‪ ،‬وهي عبار عرببة تعين (تصفَر واحد كبَر )‪ ،‬وتشَر إىل مقدر‬
‫بْ َّ‬
‫جيل الصابرا على أن بسخر من كل املشاكل وبقابلها هبذه التصفَر ‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬
‫‪ - 7‬حركة الكنعانيني ‪:Canaanite Movement; Semitic Action‬‬
‫سمى (التاربخ اليهودي)‪ .‬بدأت نشاطها‬
‫حركة الكنعانيني حركة سياسية ثقالية ذات نظر راصة ملا بْ َّ‬
‫يف األربعينيات يف للسطني‪ .‬وبنطلق دعاهتا من أسطور مفادها أن اليهود عندما عادوا من مصر إىل‬
‫العرقية‪ ،‬وإَنا وجدوا شعبا بتكلم‬
‫أرض كنعان مل جيدوا قبا ل معادبة هلم أو َمتلفة عنهم من الناحية ي‬
‫العرببة وبْشبههم يف املمامح واَخصا ص البدنية‪ ،‬ولذلك لإن اليهود أو العربانيني ليسوا إال كنعانيني‬
‫وما اإلسرا يليون احملدثون سوى (الكنعانيني اجلدد)‪ ،‬وهبذا تكون لَلمة اإلسرا يلية اجلدبد جذور‬
‫راسخة يف األرض الفلسطينية‪ ،‬وهي جذور متتد إىل العربانيني القدامى قبل أن تنتشر بينهم اليهودبة‪،‬‬
‫وهم هبذا بمكدون وحد الشعب اإلسرا يلي وتربة للسطني‪ ،‬أو كما بقول بتسوري (الذي اشرتك يف‬
‫ايتيال اللورد موبن يف القاهر عا ‪( :) 1934‬حنن لسنا صهابنة‪ ،‬حنن األبناء الطبيعيون لرتبة‬
‫إسرا يل)‪.‬‬
‫وعن طربق َتكيد هذه الوحد ‪ ،‬بْسقط الكنعانيون من حساهبم تراث بهود الدايسبورا (أعضاء‬
‫صورهم ـ ليست‬
‫اجلماعات اليهودبة يف العامل) بل والرتاث اليهودي كله‪ ،‬ليهود الدايسبورا ـ حسب تَ ُّ‬
‫هلم أبة مسات قومية متميغز ‪ ،‬للغتهم وأَناطهم الثقالية وجنسيتهم أو مواطنتهم‪ ،‬تنتمي مجيعا إىل‬
‫البلدان اليت بعيشون ليها‪ ،‬لهم من البولندبني أو اإلجنليز أو األمربكيني‪ ،‬وهلذا السبب لإن هلم أثرا‬
‫طور األمة العربانية اجلدبد ‪ .‬وهذه األمة اجلدبد تتكون من كل‬
‫ضارا على اإلسرا يليني ألهنم بعوقون تَ ُّ‬
‫املولودبن يف إسرا يل‪ ،‬حىت ولو كانوا مسلمني أو مسيحيني‪ ،‬شربطة أن بَتقبَّلوا اهلوبة الكنعانية‬
‫اجلدبد ‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)45/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬اجلماعات اليهودبة املنقرضة واهلامشية‪:‬‬


‫• متهيد‪ :‬اجلماعات اليهودبة املنقرضة واهلامشية‪.‬‬
‫• أوال‪ :‬اليهود املتخفون ‪. :Crypto-Jews‬‬
‫• اثنيا‪ :‬الربتغاليون ‪.:The Portuguese‬‬
‫• اثلثا‪ :‬بهود املارانو‪ :‬اتربخ وعقيد ‪.:The Marranos History and Doctrine‬‬
‫• رابعا‪ :‬جدبد اإلسما ‪. :Jedid al-Islam‬‬
‫• رامسا‪ :‬تشوبتاس ‪.:Chuetas‬‬
‫• سادسا‪ :‬الرومانيوت ‪.:Romaniot‬‬
‫• سابعا‪ :‬بهود اهلند ‪.:Indian Jews‬‬
‫• اثمنا‪ :‬بنو إسرا يل‪.:Bene Israel :‬‬
‫• اتسعا‪ :‬بهود كوشني ‪.:Cochin Jews‬‬
‫• عاشرا‪ :‬بهود مانيبور ‪.:Mainpur Jews‬‬
‫• حادي عشر‪ :‬اليهود البغدادبة ‪.:Baghdadi Jews‬‬
‫• اثين عشر‪ :‬بهود القوقاز ‪.:The Jews of the Caucasus‬‬
‫• اثلث عشر‪ :‬بهود جورجيا ‪.:Georgian Jews‬‬
‫• رابع عشر‪ :‬بهود خبارى ‪.:Bukhara Jews‬‬
‫• رامس عشر‪ :‬بهود اجلبال (بهود التات‪ ،‬بهود دايستان)‪.:‬‬
‫• سادس عشر‪ :‬بهود اَخََزر ‪.:Khazar Jews‬‬
‫• سابع عشر‪ :‬الكرمشاكي (اتربخ بهود شبه جزبر القر )‪.‬‬
‫• اثمن عشر‪ :‬اليهود األكراد ‪.:Kurdish Jews‬‬
‫• اتسع عشر‪ :‬بهود الصني (بهود كابفنج)‪.:‬‬
‫• عشرون‪ :‬اليهود الزنوج ‪.:Negro Jew‬‬
‫• واحد وعشرون‪ :‬العربانيون السود‪.‬‬
‫• اثنان وعشرون‪ :‬الفماشاه‪ :‬اتربخ وهوبة‪.‬‬

‫(‪)46/1‬‬

‫متهيد‪ :‬اجلماعات اليهودبة املنقرضة واهلامشية‬


‫هي تلك اجلماعات اليهودبة اليت ال تنتمي إىل ٍ‬
‫أي من اجلماعات األساسية الثماث‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اإلشكناز‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ السفارد‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ بهود العامل اإلسمامي‪.‬‬
‫وبماحظ أن اجلماعات الثماث األساسية تْ غ‬
‫شكل‪ ،‬من انحية الكم‪ ،‬ما بزبد على ‪ ،%98‬وميتد‬ ‫ْ َ‬
‫وجودها إىل عد قرون وبستمر حىت الوقت احلاضر‪ .‬وتدور اجلماعات الثماث يف إطار اليهودبة‬
‫احلارامية‪ .‬كما أهنا تنتمي إما إىل العامل الغريب أو العامل اإلسمامي‪ .‬أما اجلماعات املنقرضة واهلامشية‪،‬‬
‫لهي مجاعات كبَر أو صغَر اندثرت متاما أو على وشك االنداثر (اَخََزر ـ املارانو ـ السامربني ـ‬
‫الكرمشاكي ـ بهود الصني)‪ ،‬أو مجاعات صغَر للغابة (العربانيون السود ـ بهود كوشني)‪ .‬كما نْماحظ‬
‫أن معظم هذه اجلماعات اهلامشية قد انفصل عن تيار اجلماعات اليهودبة األساسي وأحياان عن‬
‫ماحظ أن اجلماعات‬
‫القرا ني)‪ .‬وبْ َ‬
‫اليهودبة احلارامية (الدوَنه ـ بهود مانيبور ـ بهود الصني ـ الفماشاه ـ َّ‬
‫اهلامشية هذه‪ ،‬نظرا النفصاهلا عن املراكز الدبنية والثقالية اليهودبة الكربى‪ ،‬قد استوعبت عناصر‬
‫كمن أمهية‬
‫إثنية ودبنية من حميطها احلضاري بشكل ملحوظ وانفصلت عن أبة معياربة بهودبة‪ .‬وتَ ْ‬
‫دراسة اجلماعات اليهودبة املنقرضة واهلامشية يف أهنا تتحدى النظا التصنيفي الصهيوين واملعادي‬
‫لليهود‪ ،‬الذي بْصنغف كل أعضاء اجلماعات اليهودبة ابعتبارهم (بهود والسما ) بطربقة ارتزالية‬
‫تبسيطية‪ .‬كما ميكن القول أبن هذه اجلماعات اليهودبة املنقرضة واهلامشية تشكل حلظة تَبلور‬
‫النموذج (اليهود كجماعات يَر متجانسة واليهودبة كرتكيب جيولوجي ال ككل عضوي أو شبه‬
‫عضوي متماسك)‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية ‪ -‬لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)47/1‬‬

‫أوال‪ :‬اليهود املتخفون ‪:Crypto-Jews‬‬


‫( اليهود املْتخفون) هم اليهود الذبن بتظاهرون ابعتناق دبن آرر يَر اليهودبة‪ ،‬بسبب الظروف‬
‫املختلفة‪ ،‬وبظلون على دبنهم يف الواقع‪ .‬ومن أهم لرق اليهود املتخفني (املارانو)‪ ،‬وبْشار إليهم أبضا‬
‫ابسم (املسيحيني اجلدد) و (الكونفرسوس) و (الربتغاليني) يف شبه جزبر أبرباي‪ ،‬كما بْشار إليهم ابسم‬
‫(الدوَنه) يف تركيا‪ ،‬وابسم (جدبد اإلسما ) يف إبران‪ ،‬وابسم (التشوبتاس) يف جزبر مابوركا‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)48/1‬‬

‫اثنيا‪ :‬الربتغاليون ‪:The Portuguese‬‬


‫الربتغاليون مصطلح بْستخ َد لإلشار إىل اليهود املتخفني من املارانو الذبن ررجوا من شبه جزبر‬
‫أبرباي (إسبانيا والربتغال)‪ .‬ومن املْرادلات األررى (كونفرسوس) أي (املهتدون)‪ ،‬و (املسيحيون‬
‫كرهون) بل و (السفارد)‪ .‬ولعل تسمية (الربتغاليون) تعود إىل أن‬
‫اجلدد)‪ ،‬وابلعرببة (أنوسيم) أي (املْ َ‬
‫أيلبية املارانو جاءت من الربتغال‪ .‬كما أن مصطلح (برتغاِل) كان أكثر هتذببا من مصطلح (مارانو)‪،‬‬
‫وكذلك أكثر إهباما من مصطلح (املسيحيون اجلدد)‪ .‬وابلتاِل‪ ،‬كانت الدول (مثل إجنلرتا) تسمح‬
‫لليهود ابالستقرار ليها ابعتبارهم (برتغاليني) (امسا) وهي تعلم جيدا أهنم (مارانو) (لعما)‪ .‬وكان همالء‬
‫ميارسون شعا رهم الدبنية إما سرا وإما علنا‪ .‬وكانت املمسسة احلاكمة تغض النظر عن كل هذا‪ .‬وقد‬
‫جلأت بعض املمسسات احلاكمة إىل هذا احلل حلاجتها الشدبد إىل اليهود بسبب نفعهم وألهنم ماد‬
‫استيطانية مهمة‪ ،‬حيث مل بكن بوسعها استصدار التشربعات المازمة لذلك بسبب املعارضة الشعبية‬
‫وبسبب اهليكل القانوين ذاته الذي كان بستند إىل شرعية دبنية‪ .‬ومع هنابة القرن السابع عشر‪ ،‬بدأت‬
‫كثَر من الدول تعرتف ابلربتغاليني كيهود‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)49/1‬‬

‫اثلثا‪ :‬بهود املارانو‪ :‬اتربخ وعقيد ‪:The Marranos History and Doctrine‬‬
‫كلمة (مارانو) أطلقت على أولئك اليهود املتخفني‪ ،‬يف إسبانيا والربتغال‪ ،‬الذبن تراجعوا ظاهراي عن‬
‫اجع احلكم‬
‫اليهودبة وادعوا اعتناق الكاثوليكية حىت بتمكنوا من البقاء يف شبه جزبر أبرباي مع تَر ْ‬
‫اإلسمامي وبعد طَ يرد بهود الربتغال عا ‪ 1480‬وطَ يرد بهود إسبانيا عا ‪ .1492‬وقد أطلق عليهم‬
‫أبضا تعبَر (كونفرسوس)‪ ،‬أي (الذبن اهتدوا إىل دبن جدبد)‪ ،‬و (كربستاوس نولوس)‪ ،‬أو‬
‫(املسيحيون اجلدد)‪ .‬وكلمة (مارانو) اليت أحرزت شيوعا يف القرن السادس عشر ليست معرولة‬
‫األصل على وجه التحدبد‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)50/1‬‬

‫رابعا‪ :‬جدبد اإلسما ‪:Jedid al-Islam‬‬


‫جدبد اإلسما مصطلح إبراين مبعىن (املسلمون اجلدد)‪ ،‬وبشَر هذا املصطلح إىل اليهود املتخفني‬
‫الذبن اعتنقوا اإلسما يف إبران يف القرنني السابع والثامن عشر‪ ،‬لأظهروا اإلسما وأبطنوا اليهودبة‪.‬‬
‫وبشَر املصطلح على وجه التحدبد إىل أعضاء اجلماعة اليهودبة يف مشهد‪ ،‬والذبن اعتنقوا اإلسما‬
‫إابن حكم أسر الكاجار عا ‪.1839‬‬
‫وال نعرف شيئا عن مصَر اليهود الذبن اعتنقوا اإلسما يف القرنني السابع عشر والثامن عشر‪ .‬والظن‬
‫الغالب أنه مت استيعاهبم يف اجملتمع اإلسمامي‪ .‬أما مجاعة مشهد‪ ،‬لقد احتفظت هبوبتها ومل بتزاوج‬
‫أعضاؤها إال ليما بينهم‪ ،‬مث هاجر بعضهم إىل القدس عا ‪ .1890‬أما بقية اجلماعة‪ ،‬لقد ظلت يف‬
‫مشهد حىت أوارر األربعينيات من القرن العشربن‪ ،‬وكونت مجاعة اقتصادبة مستقلة‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري – بتصرف – موقع املسَري‬

‫(‪)51/1‬‬

‫رامسا‪ :‬تشوبتاس ‪:Chuetas‬‬


‫تشوبتاس من كلمة (تشواي) وتعين (حلم رنزبر) بلهجة جزبر مابوركا‪ ،‬إحدى جزر البالياربك التابعة‬
‫إلسبانيا‪ .‬يَر أن هناك نظربة أررى تذهب إىل أن الكلمة ْم َّ‬
‫شتقة من كلمة (تشوهينا) وتعين (بهودي)‬
‫بلهجة اجلزبر ‪ .‬وهم من أهم مجاعات املارانو اليت استمر وجودها حىت الوقت احلاِل يف جزبر‬
‫مابوركا‪ .‬وأعضاء هذه اجلماعة بعملون أساسا ابلتجار وصناعة احللي الفضية‪ .‬وقد لَقدوا كل عماقة‬
‫عرف عددهم على‬
‫ابليهودبة‪ ،‬ومع هذا لهم ال بزالون حيتفظون بعزلتهم وهوبتهم اَخاصة الباهتة‪ .‬وال بْ َ‬
‫وجه الدقة‪ ،‬وإن كان ال بتجاوز ما تني أو ثمااما ة‪ .‬وقد هاجرت أعداد منهم إىل إسرا يل ومت هتوبدهم‬
‫واستوطنوا ليها‪ ،‬ولكن التجربة لشلت لعادوا إىل مابوركا‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)52/1‬‬

‫سادسا‪ :‬الرومانيوت ‪:Romaniot‬‬


‫تْستخ َد كلمة رومانيوت لإلشار إىل اجلماعة اليهودبة دارل اإلمرباطوربة البيزنطية يف آسيا الصغرى‬
‫سمون أبضا (اجلرجيوس)‪ ،‬كما تْستخ َد الكلمة لإلشار إىل‬ ‫وشبه جزبر البلقان‪ .‬وكان الرومانيوت بْ َّ‬
‫بتسمون أبمساء بواننية‪ ،‬كما كانت‬
‫نسلهم ومن ورثوا تراثهم اللغوي والثقايف‪ .‬وكان الرومانيوت َّ‬
‫عرف أبمساء بواننية أبضا‪ .‬وقد َتثروا بعمق ابلرتاث اليوانين وابللغة اليواننية اليت أصبحت‬
‫معابدهم تْ َ‬
‫لغة الصما يف املعبد‪ .‬وقد صدرت عا ‪ 1547‬ترمجة العهد القدمي ابليواننية احلدبثة والمادبنو‪ .‬ومع‬
‫بدابة القرن السادس عشر‪ ،‬بدأ بهود السفارد بصلون الجئني إىل الدولة العثمانية‪ ،‬وكان مستواهم‬
‫الثقايف الرليع وررباهتم اإلداربة واملالية واتصاالهتم العاملية تمهلهم الستما قياد اجلماعات اليهودبة‬
‫يف الدولة العثمانية‪ ،‬األمر الذي وضع بهود الرومانيوت يف حالة دلاع عن النفس‪ .‬وعلى أبة حال‪،‬‬
‫لقد بدأت معابدهم يف التناقص وأصبحت هلجتهم اليواننية مقصور على بضعة ُتمعات بهودبة‬
‫متناثر ‪ .‬وقد انتهى األمر ابندماج معظمهم يف السفارد وتَبنغيهم المادبنو اليت أصبحت لغة معظم بهود‬
‫الدولة العثمانية يف الكتابة واحلدبث‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري– موقع املسَري‬

‫(‪)53/1‬‬

‫سابعا‪ :‬بهود اهلند ‪:Indian Jews‬‬


‫توجد عد مجاعات بهودبة يف اهلند من بينها بنو إسرا يل يف بومباي‪ ،‬وبهود كوشني على ساحل‬
‫ماالابر‪ ،‬يف والبة كَراال‪ ،‬واليهود البغدادبة يف بومباي أبضا‪ ،‬وبهود مانيبور على احلدود مع بورما‪ .‬وقد‬
‫بل عددهم عا ‪ 1947‬حنو ‪ .26.000‬أما يف عا ‪ ،1961‬لقد بل عددهم ‪ 14.608‬يف اهلند‬
‫ذاهتا‪ ،‬إضالة إىل ‪ 23‬ألفا يف إسرا يل‪ ،‬و‪ 2000‬يف إجنلرتا حسب إحصاءات عا ‪ ،1968‬أي أن‬
‫عددهم ببل حنو ‪ ،39.500‬وهو ما بعين أن نسبة التكاثر بني بهود اهلند من أعلى النسب بني‬
‫اجلماعات اليهودبة (إذا كانت اإلحصاءات دقيقة)‪ .‬وقد َتثرت كل هذه اجلماعات اليهودبة ابلبيئة‬
‫أي من الكتل اليهودبة الثماث الكربى‪ :‬اإلشكناز‪،‬‬‫اهلندبة وبنظا الطوا ف املغلقة‪ .‬وهي ال تنتمي إىل ٍ‬
‫والسفارد‪ ،‬وبهود العامل اإلسمامي‪ .‬ولذا‪ ،‬لهم بْـ َعدُّون ضمن اجلماعات اهلامشية مثل الفماشاه وبهود‬
‫كابفنج‪.‬‬
‫ماحظ أن قبول اليهود يف جمتمع ما‪ ،‬واندماجهم ليه‪ ،‬بمدي إىل ذوابهنم وانصهارهم‪ .‬ولكن بهود‬
‫وبْ َ‬
‫اهلند ميثلون َنطا مغابرا متاما إذ أن اندماجهم أدَّى إىل احلفاظ على هوبتهم‪ .‬وهذه مفارقة واضحة‬
‫تعود إىل حركيات اجملتمع اهلندي ذاهتا‪ ،‬لهو جمتمع تْـ َع ُّد الوحد األساسية ليه القربة والطا فة املغلقة‪.‬‬
‫وتستطيع أنواع َمتلفة من البشر االحتفاظ هبوايهتم ليه‪ ،‬ماداموا بقبلون الطا فة املغلقة إطارا للتنظيم‬
‫االجتماعي‪ ،‬ورمبا ببعض املعتقدات اهلندوكية األساسية‪ .‬وتقو عملية التضامن دارل اجلماعة املغلقة‬
‫بتقوبة اهلوبة مادامت ال هتدد النظا االجتماعي‪ .‬وابلتاِل‪ ،‬لإن امة هوايت هندبة بهودبة َمتلفة‪ ،‬بل‬
‫لكل مساهتا الواضحة‪ .‬وهذا‪ ،‬بطبيعة احلال‪َ ،‬متلف عن وجود هوبة بهودبة حمدد دارل‬ ‫ومتصارعة‪ٍ ،‬‬
‫ماحظ أن اهلوايت‬
‫كل جمتمع‪ ،‬وعن االلرتاض الصهيوين القا ل بوجود هوبة بهودبة عامة أو عاملية‪ .‬وبْ َ‬
‫اليهودبة اهلندبة آرذ يف االرتفاء بسبب اهلجر من اهلند سواء إىل إسرا يل أو إىل يَرها من‬
‫البلدان‪ .‬كما أن األجيال اجلدبد من اهلنود اليهود بدأت تتمرد على نظا الطوا ف املغلقة‪ ،‬متاما مثل‬
‫جيل الشباب اهلندي ككل‪.‬‬
‫وبعيش القسم األكرب من بهود اهلند الذبن هاجروا إىل إسرا يل يف مدن التنمية‪ ،‬رصوصا تلك‬
‫املوجود يف النقب واملنطقة اجلنوبية مثل‪ :‬بئر سبع وعسقمان وعراد إضالة إىل بيسان يف يور‬
‫األردن‪ .‬وبعيش قسم آرر يف املدن الكربى الثماث‪ :‬القدس‪ ،‬وتل أبيب‪ ،‬وحيفا‪ .‬وبعيش عدد قليل‬
‫للغابة يف بعض الكيبوتسات (وهي ممسسات إشكنازبة ابلدرجة األوىل) واملوشالات‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)54/1‬‬

‫اثمنا‪ :‬بنو إسرا يل‪:Bene Israel :‬‬


‫بنو إسرا يل اسم َعلَم بْطلَق على جمموعة من بهود اهلند كانت تقطن أساسا يف منطقة كونكان‪،‬‬
‫ولكنها‪ ،‬ابتداء من القرن الثامن عشر‪ ،‬انتقلت إىل بومباي حيث أسست أول معبد بهودي عا‬
‫‪ .1796‬ومع حلول عا ‪ ،1833‬كان ثلثا بهود بين إسرا يل بعيشون يف بومباي‪ .‬وال نعرف الكثَر‬
‫عن أصل بهود بين إسرا يل‪ ،‬إال أهنم‪ ،‬حسب روابتهم‪ ،‬بعودون إىل ما قبل امليماد‪ .‬وقد انقطعت‬
‫صلتهم ابليهودبة احلارامية‪ ،‬ولكنهم بعد احتكاكهم بيهود كوشني تَعلَّموا على أبدبهم أصول عقيدهتم‬
‫مر أررى‪ ،‬كما أنضم إليهم اليهود البغدادبة يف القرن التاسع عشر‪ .‬ولون بهود بين إسرا يل أميل إىل‬
‫البياض مقارنة بلون بشر اهلنود العادبني‪ ،‬وهم برتدون املمابس اهلندبة وبتحدثون املاراثي (وهي اللغة‬
‫وبتسمون أمساء هندبة‪ .‬ونظرا النفصاهلم عن اليهودبة‬
‫َّ‬ ‫الشا عة يف املنطقة اليت بعيشون ليها)‪،‬‬
‫احلارامية لعد قرون‪ ،‬لإن شعا رهم الدبنية ختتلف عن شعا ر ابقي بهود العامل يف كثَر من النواحي‪،‬‬
‫لهم ال بعرلون التلمود‪ ،‬بل كانوا قد نسوا التورا بعض الوقت ولكنهم أعادوا اكتشالها من بعد‪ .‬ومل‬
‫رتجم العهد القدمي إىل اللغة اليت بتحدثوهنا إال يف بدابة القرن التاسع عشر‪ .‬ومع هذا‪ ،‬لهم بعرلون‬
‫بْ َ‬
‫صما عرببة هي صما الشماع‪ ،‬وللنَب إلياهو مكانة راصة يف عبادهتم‪ .‬ومن عاداهتم الدبنية عاد‬
‫سمى (ماليدا) وهي إعداد طعا راص بقد قرابان‪ .‬وتْتلَى بعض الصلوات اليهودبة يف مناسبات‬
‫تْ َّ‬
‫(وحيت َفل به ملد بو واحد)‪،‬‬
‫مهمة مثل اَختان والزواج‪ .‬وأعيادهم وأايمهم املقدَّسة هي‪ :‬رأس السنة ْ‬
‫وبو الغفران‪ ،‬وعيد الفصح‪ .‬ولكنهم كانوا ال بعرلون عيد التدشني‪ .‬كما كانوا ال بعرلون شيئا عن‬
‫َه يد اهليكل على بد تيتوس‪ .‬وهم بقيمون شعا ر السبت واَختان وبعض قوانني الطعا ‪ ،‬وميارسون‬
‫صيا رمزان (وقد بكون هذا االسم تصحيفا لكلمة (رمضان))‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)55/1‬‬

‫اتسعا‪ :‬بهود كوشني ‪:Cochin Jews‬‬


‫سمى هبذا االسم أبضا منطقة على ساحل ماالابر تقع جنوب يريب اهلند‪،‬‬‫كوشني مدبنة هندبة‪ ،‬وتْ َّ‬
‫وهي اخآن جزء من والبة كَراال‪ .‬وتضم كوشني مجاعة بهودبة متميغز متثلت كثَرا من مسات احلضار‬
‫سى‪ ،‬وأهنم‬
‫اهلندبة‪ .‬وتعود أصول هذه الطا فة إىل عصور قدمية‪ .‬وبَدَّعي بهود كوشني أهنم من قبيلة منَ َّ‬
‫وصلوا إىل ماالابر بعد َه يد اهليكل‪ .‬ويف حوز بهود كوشني وثيقة مكتوبة على ألواح من النحاس‬
‫تتضمن صك االنتماء إىل طا فة النبماء‪ ،‬وقد منحها الراجا اهلندي لليهودي بوسف راابن‪ .‬وحسبما‬
‫جاء ليها‪ ،‬لإن الصك بعطي بوسف هذا عد مزااي‪ ،‬لقد أصبح من حقه أن بركب ليما‪ ،‬وأن ْحي َمل يف‬
‫َّ‬
‫حمفة‪ ،‬وأن ْحي َمى من الشمس مبظلة من مظمات الدولة‪ ،‬ومن حقه أبضا أن بفرض الضرا ب‪ ،‬وأن‬
‫تسبقه الطبول واملزامَر كلما ررج إىل الشوارع‪ ،‬كما ْمنح قربة اجنولاان على حدود كوشني بتوارثها‬
‫أبناؤه من بعده‪ .‬وقد كان بهود كوشني بساعدون الراجا يف حروبه ضد اإلمارات اجملاور ‪ ،‬وانضمت‬
‫إليهم عناصر بهودبة جدبد يف القرن السادس عشر (مع وصول االستعمار الغريب)‪ ،‬لجاء بهود من‬
‫هولندا وإسبانيا وأملانيا وحلب‪ .‬وقد وقعت كوشني حتت حكم الربتغاليني (‪ 1502‬ـ ‪ .)1663‬ولكن‬
‫وعني هلم ر يسا (مداليار)‪ .‬وقد أعقب ذلك‬
‫الراجا محى اليهود من ِمارسات الربتغاليني العنصربة‪َّ ،‬‬
‫مرحلة هولندبة (‪ 1663‬ـ ‪ )1795‬كانت تتسم ابستقرار اليهود النسَب حيث َحت َّول بعض أعضاء‬
‫اجلماعة إىل وسطاء ُتاربني‪ ،‬ونشأت عماقة بينهم وبني بهود هولندا‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)56/1‬‬
‫عاشرا‪ :‬بهود مانيبور ‪:Mainpur Jews‬‬
‫وجد ليها مجاعة بهودبة ال بزبد عددها عن ما ة‬
‫مانيبور منطقة يف اهلند‪ ،‬على حدودها مع بورما‪ ،‬تْ َ‬
‫شخص‪ .‬وبرى بهود مانيبور أن أصوهلم تعود إىل بهود الصني‪ ،‬وأهنم هربوا من كابفنج منذ اماَنا ة عا‬
‫أما الغزو املغوِل‪ ،‬مث استوطنوا الكهوف يف اهلند الصينية ووصلوا مانيبور يف القرن الثامن عشر‪.‬‬
‫وقد نسي أعضاء اجلماعة تراثهم اليهودي‪ .‬وهم ال ميارسون معظم الشعا ر‪ ،‬مثل اَختان‪ ،‬وال بعرلون‬
‫التلمود‪ ،‬ونسوا حىت التورا مثل بهود الصني‪ .‬ولكن من املفارقات أهنم حينما احتكوا ابإلرساليات‬
‫املسيحية‪ ،‬اكتشفوا التورا وبدأوا ميارسون بعض شعا رها‪ ،‬وإن كان بعضهم ميارس الشعا ر املسيحية‬
‫أو العبادات الوثنية السا د يف املنطقة مع الشعا ر اليهودبة جنبا إىل جنب‪ .‬وبذهب بهود بين‬
‫إسرا يل إىل أن بهود مانيبور ليسوا بهودا‪ ،‬ولذا لإن عليهم التهود إن أرادوا االنضما للجماعة‬
‫اليهودبة‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)57/1‬‬

‫حادي عشر‪ :‬اليهود البغدادبة ‪:Baghdadi Jews‬‬


‫بهود البغدادبة جمموعة من بهود بغداد السفارد هاجروا إىل اهلند يف القرن التاسع عشر‪ ،‬وكانوا على‬
‫مستوى ثقايف راق كما كانوا من األثرايء‪ .‬وأسسوا كثَرا من الصناعات اليت رلقت عددا كبَرا من‬
‫الوظا ف‪ .‬وقد رحب هبم بهود بين إسرا يل يف البدابة حيث مل بكن بينهم كاهن بقو ابلطقوس‬
‫الكهنوتية‪ ،‬إال أن اليهود البغدادبة كونوا مجاعة مستقلة عن بهود بين إسرا يل وبهود كوشني بسبب‬
‫إحساسهم ابلتفوق على أعضاء اجلماعتني‪ .‬ولذلك‪ ،‬أقا اليهود البغدادبة سياجا من العزلة حوهلم‬
‫وادعوا أن الدماء اليهودبة اَخالصة ال تسري إال يف عروقهم وحدهم‪ .‬وأصبح هلم ممسساهتم الدبنية‬
‫واَخَربة املستقلة‪ ،‬وكانت هلم مدارسهم اَخاصة اليت بتم التدربس ليها ابإلجنليزبة‪ .‬وقد بل إحساسهم‬
‫ابلتفوق أهنم كانوا ال حيسبون أعضاء بين إسرا يل ضمن النصاب الماز إلقامة الصما يف املعبد‪ ،‬كما‬
‫األسر املخصصة‬
‫َّ‬ ‫مل بكن بْنادى على ٍ‬
‫أي منهم لتماو التورا ‪ .‬وحاولوا استبعادهم من استخدا‬
‫لليهود يف بعض املستشفيات‪ ،‬بل ومن العضوبة يف معبد راجنون‪ .‬وال بتزاوج اليهود البغدادبة مع بين‬
‫إسرا يل إال يف حاالت اندر ‪ .‬وقد بل تعداد اليهود البغدادبة ‪ 6500‬نسمة عا ‪ ،1947‬لكن هذا‬
‫العدد تناقص بسبب اهلجر حبيث أصبح ال بزبد على األلف‪ .‬وببدو أنه مل بهاجر منهم سوى أعداد‬
‫قليلة للغابة إىل إسرا يل‪ ،‬ورمبا بعود هذا إىل أن لدبهم من رأس املال واَخربات ما بسمح هلم‬
‫ابالستقرار يف الغرب‪ ،‬متاما كما استقرت النخبة الثربة واملثقفة من بهود املغرب العريب يف لرنسا ومل‬
‫تتجه إىل إسرا يل‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)58/1‬‬

‫اثين عشر‪ :‬بهود القوقاز ‪:The Jews of the Caucasus‬‬


‫تْـ َع ُّد القوقاز من أكثر املناطق تنوعا من الناحية ي‬
‫العرقية‪ .‬وحييط مبنطقة القوقاز روسيا األوربية مشاال‪،‬‬
‫مقسمة إىل اماين عشر منطقة‬
‫والبحر األسود يراب‪ ،‬وتركيا وإبران جنواب‪ ،‬وحبر قزوبن شرقا‪ .‬وهي َّ‬
‫إداربة وهو ما بعكس ثراءها احلضاري‪ .‬وقد احتفظت عناصر قومية كثَر هبوبتها املستقلة‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب عزلتها يف اجلبال والوداين‪ .‬وببل عدد سكان القوقاز اثين عشر مليوان تشمل ما ال بقل عن‬
‫ثماثني قومية أساسية‪ .‬وقد انعكس هذا على اجلماعات اليهودبة‪ ،‬إذ توجد عد مجاعات بهودبة يف‬
‫القوقاز منها بهود جورجيا الذبن خيتلفون عن بهود اجلبال (أو بهود دايستان)‪ ،‬أو بهود خبارى‪ ،‬أو‬
‫عن بقااي بهود الكرمشاكي‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)59/1‬‬

‫اثلث عشر‪ :‬بهود جورجيا ‪:Georgian Jews‬‬


‫( جورجيا) هي إحدى مجهورايت دول الكومنولث (االحتاد السوليييت سابقا)‪ ،‬وتقع على الساحل‬
‫هجرها‬
‫الشرقي للبحر األسود‪ .‬وبعتقد بهود جورجيا أهنم من نسل قبا ل بسرا يل العشر املفقود اليت َّ‬
‫شلمانصر‪ .‬وهم بدعمون هذا بقوهلم إنه ال بوجد بينهم كهنة‪ .‬ومهما بكن األمر‪ ،‬لإن جذورهم يف‬
‫جورجيا مويلة يف القد ‪ ،‬وقد قامت عماقات ثقالية بينهم وبني بهود اَخزر‪ .‬وتوجد إشارات عدبد‬
‫حتول بعضهم (بعد الغزو املغوِل) إىل أقنان بعمل بعضهم ابلزراعة‬
‫إليهم يف الواث ق التارخيية‪ ،‬وقد َّ‬
‫واحلرف (النسيج والصباية) والتجار ‪ .‬وكان األقنان بعيشون يف ضياع أسيادهم وقراهم مبعزل عن‬
‫قسمون إىل‪:‬‬
‫بهود العامل‪ ،‬األمر الذي أدَّى إىل ضمور اهلوبة واالنتماء الدبين لدبهم‪ ،‬وكان األقنان بْ َّ‬
‫حتول‬
‫أقنان امللك‪ ،‬وأقنان اإلقطاعيني‪ ،‬وأقنان الكنيسة‪ .‬ومع ضم جورجيا إىل روسيا عا ‪َّ ،1801‬‬
‫أقنان امللك إىل أقنان اَخزانة إذ كان عليهم دلع ضرببة للخزانة‪ .‬وقد اعرتلت احلكومة القيصربة‬
‫حبقوق اليهود يف جورجيا (على رماف بهود اليدبشية الذبن كانوا راضعني لبعض القيود)‪ .‬وألغيت‬
‫القنانة يف جورجيا يف الفرت ‪ 1864‬ـ ‪.1871‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)60/1‬‬

‫رابع عشر‪ :‬بهود خبارى ‪:Bukhara Jews‬‬


‫خبارى إمار إسمامية تركية ضمتها اإلمرباطوربة الروسية يف القرن التاسع عشر‪ .‬وتقع خبارى اخآن‬
‫ضمن مجهوربة أزبكستان‪ .‬وتعود جذور بهود خبارى إىل عصور قدمية‪ ،‬لتقول أساطَرهم إهنم منحدرون‬
‫من أسباط بسرا يل العشر املفقود ‪ .‬وهم مندجمون يف الوسط احلضاري الذي بعيشون ليه‪،‬‬
‫وبتحدثون اللغة الطاجيكية‪ ،‬وهي هلجة لارسية‪ .‬وقد كان بهود خبارى وألغانستان ووسط آسيا‬
‫شكلون وحد ثقالية واحد ‪ ،‬مث انقسمت هذه اجلماعة يف القرن السادس عشر‪ ،‬مع بدابة احلكم‬ ‫ب غ‬
‫ْ‬
‫الشيعي يف إبران‪ ،‬إىل بهود إبران وبهود وسط آسيا وبهود ألغانستان الذبن ظلوا حتت احلكم السين‪.‬‬
‫وتفرع عنها بهود خبارى وبهود ألغانستان‪ .‬وببل‬
‫مث انقسمت اجلماعة األرَر ‪ ،‬يف القرن الثامن عشر‪َّ ،‬‬
‫عددهم‪ ،‬حسب إحصاء ‪ :1959‬امانية وعشربن ألفا‪ ،‬بعيش ثماثة وعشرون ألفا منهم يف أزبكستان‪،‬‬
‫يف مسرقند وخبارى‪ ،‬والباقون يف طاجيكستان‪ .‬أما إحصاء ‪ ،1989‬ليحدد العدد بنحو ‪36.568‬‬
‫ألفا‪ .‬وإن صدقت هذه األرقا ‪ ،‬تكون اجلماعة اليهودبة يف خبارى هي اجلماعة الوحيد يف كومنولث‬
‫الدول املستقلة اليت زاد عدد أعضا ها‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)61/1‬‬

‫رامس عشر‪ :‬بهود اجلبال (بهود التات‪ ،‬بهود دايستان)‪:‬‬


‫‪:( Mountain Jews )Tat Jews; Daghestan Jews‬‬
‫بهود اجلبال‪ :‬مجاعة بهودبة هلا رصوصياهتا اإلثنية واللغوبة‪ ،‬بعيش أعضاؤها يف مقاطعة دايستان‬
‫السولييتية وأذربيجان (ومن هنا بشار إليهم بلفظ (بهود دايستان)) كما بْشار إليهم كذلك ابسم‬
‫سمي بهود اجلبال أنفسهم (جوهور)‪ .‬ولكن مصطلح (بهود اجلبال) ذاته هو‬ ‫(بهود التات)‪ .‬وب غ‬
‫ْ‬
‫مصطلح روسي صكته السلطات الروسية القيصربة يف منتصف القرن التاسع عشر بعد ضم املنطقة‬
‫إليها‪.‬‬
‫وتشَر الدال ل اللغوبة والتارخيية إىل األصول اإلبرانية ليهود اجلبال‪ ،‬للهجتهم من أصول إبرانية مشالية‬
‫تكونت اجلماعة نتيجة هجر اليهود املستمر من مشال إبران‬
‫درلت عليها كلمات تركية وعرببة‪ .‬وقد َّ‬
‫(ورمبا من اإلمرباطوربة البيزنطية) ألذربيجان حيث استوطنوا بني متحدثي لغة التات اليت أصبحت‬
‫لغتهم‪ .‬وقد بدأت هذه العملية يف منتصف القرن السابع امليمادي مع الفتح اإلسمامي للمنطقة‪،‬‬
‫واستمرت حىت يزاها املغول يف القرن الثالث عشر‪ .‬ويف هذه الفرت ‪ ،‬اتصل بهود اجلبال بيهود اَخزر‪.‬‬
‫وقد انقطعت الصلة بعد ذلك بني بهود اجلبال وبقية بهود العامل حىت بدابة القرن التاسع عشر تقرببا‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)62/1‬‬

‫سادس عشر‪ :‬بهود اَخََزر ‪:Khazar Jews‬‬


‫كونت ِملكة كان حكامها‬
‫اَخََزر‪ :‬قبيلة من أصل تركي عاشت يف منخفض الفوجلا جنوب روسيا و َّ‬
‫وبعض سكاهنا بدبنون بعبادات وثنية ولكنهم حتولوا إىل اليهودبة‪ .‬وبْنطق االسم أحياان (رازارا) كما‬
‫هو احلال يف العربية‪ .‬ولكن امة دال ل على أن هناك طرا ق أررى للنطق‪ ،‬لهو ابلعرببة (كوزاي)‬
‫وابلصينية (كوزا)‪ .‬ورمبا بعود االسم إىل الكلمة الرتكية (قزمق) مبعىن (بتجول أو بنتقل كالبدو)‬
‫(املشتق منها كلمة (قوزاق)) أو رمبا بعود إىل كلمة (قوز) أو (جاز) مبعىن (جانب اجلبل املتجه إىل‬
‫فسرهذا االشتقاق األرَر النطق العربي (كوزاري)‪.‬‬‫الشمال)‪ ،‬وقد ب غ‬
‫ْ‬
‫وقد وصل اَخََزر إىل منطقة الفوجلا والقوقاز من أقصى الشرق يف اتربخ يَر معروف‪ ،‬وإن كان آرثر‬
‫كوستلر بذكر نقما عن برسكس‪ ،‬رسول اإلمرباطور البيزنطي لقبا ل اليهود يف القرن السادس‬
‫امليمادي‪ ،‬أن اَخََزر ظهروا على املسرح األوريب حواِل منتصف القرن اَخامس امليمادي ابعتبارهم شعبا‬
‫راضعا لسياد قبا ل اهلون‪ .‬وميكن أن بْعتربوا هم واجملر ويَرهم من القبا ل نسل قبيلة أتيما زعيم‬
‫الربابر الشهَر‪ .‬وتْطلق التواربخ الروسية املعاصر على اَخََزر مصطلح (األوجاربني البيض)‪ ،‬مقابل‬
‫(األوجاربني السود)‪ ،‬وهم اهلنغار أو اجملربون‪ .‬وقد أدى موت أتيما إىل ظهور لراغ كبَر وهو ما بسر‬
‫عملية ظهور اَخزر ابعتبارهم قو يف املنطقة اليت شغلوها‪ ،‬لقاموا بصهر واستيعاب وقهر بعض القبا ل‬
‫الرتكية األررى‪ ،‬مث هزموا البلغار يف هنابة األمر واضطروهم إىل اهلجر ‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)63/1‬‬

‫سابع عشر‪ :‬الكرمشاكي (اتربخ بهود شبه جزبر القر )‬


‫‪( Krimchaki )History of the Jews of the Crimean Peninsula‬‬
‫بهود الكرمشاكي‪ :‬مجاعة بهودبة صغَر ذات مسات إثنية راصة‪ ،‬تسكن شبه جزبر القر ‪ ،‬وبتحدث‬
‫أعضاؤها هلجة ترتبة درلت عليها كلمات عرببة آرمية وكلمات قليلة من المادبنو واليدبشية‪ ،‬وهى‬
‫تكتب حبروف عرببة‪ .‬وكان الكرمشاكي بطلقون على أنفسهم لفظ (بهودى) أو (سربلى ابالالرى)‬
‫(أبناء إسرا يل)‪ .‬ولكنهم مع هنابة القرن التاسع عشر‪ ،‬بدأوا بستخدمون الكلمة الروسية (كرمشاك)‬
‫أي (سكان شبه جزبر القر )‪ .‬وقد ظهر هذا االسم ألول مر يف السجمات الروسية عا ‪. 1859‬‬
‫وببدو أن السلطات الروسية قد صايت هذا االسم للتمييز بينهم وبني القرا ني واإلشكناز‪.‬‬
‫وبعود اتربخ اليهود يف القر إىل القرن الثاين قبل امليماد (مع االستيطان اليوانين ليها)‪.‬‬
‫وببدو أهنم كانوا بعملون ابلتجار ويف بعض احلرف‪ ،‬كما عملوا يف الدولة واجليش‪ .‬وقد تغَرت هوبة‬
‫أعضاء اجلماعة اليهودبة عد مرات‪ ،‬وببدو أن ترتبكهم بدأ يف حكم إمرباطوربة اَخزر‪ ،‬ولكنهم‬
‫اكتسبوا هوبتهم الترتبة الرتكية مع الغزو الترتي عا ‪ ، 1239‬لارتدوا األزايء الرتكية اإلسمامية وتبنوا‬
‫اللغة الترتبة‪ .‬وَتثر بناء األسر الترتبة‪ ،‬لظلوا ميارسون تعدد الزوجات حىت بداايت القرن التاسع‬
‫عشر‪ .‬وكانوا مبعزل عن احلركات الفكربة اليت اكتسحت بهود أورواب مثل االستنار والصهيونية‬
‫واإلصماح الدبين‪ .‬وكانت يالبيتهم من احلرليني‪ ،‬واشتغلت أقلية منهم ابلزراعة وعدد قليل جدا منهم‬
‫يف التجار ‪ .‬وريم تبنيهم األَناط احلضاربة الرتكية والترتبة‪ ،‬إال أن أمساء عا مات الكرمشاكي تدل على‬
‫تنوع أصوهلم العرقية‪ ،‬لهناك أمساء تركية (لولباكش ‪ -‬دميارجى ‪ -‬أزمَرىل)‪ ،‬وأمساء قوقازبة (أاببيف)‪،‬‬
‫وإبطالية وإسبانية (كونفينو ‪ -‬مانتو)‪ ،‬كما توجد أمساء من أصل إشكنازي (سليزر ‪ -‬أورى) وهناك‬
‫أمساء عرببة (كوهني ‪ -‬مزراحى)‪ .‬وبعد ضم روسيا القيصربة للقر ‪ ،‬تغَر وضع الكرمشاكي متاما إذ‬
‫بدأت عملية حتدبثهم وتروبسهم‪ ،‬ولكنهم مل بستجيبوا لذلك يف بدابة األمر ورلضوا التزاوج مع بهود‬
‫اليدبشية الذبن كانوا بعدون عنصرا روسيا وبوطنون يف القر كعنصر استيطاىن‪ .‬وقد تصاعدت هذه‬
‫العملية مع الثور البلشفية‪ ،‬وزاد املستوى التعليمى بينهم‪ ،‬األمر الذي جنم عنه آتكل أشكال احليا‬
‫التقليدبة‪ .‬وقد قا كثَر من أعضاء اجلماعة الذبن عملوا مهنيني (مهندسني أو مدرسني أو أطباء)‬
‫بقطع صلتهم مبجتمع الكرمشاكي‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)64/1‬‬

‫اثمن عشر‪ :‬اليهود األكراد ‪:Kurdish Jews‬‬


‫اليهود األكراد‪ :‬مجاعة بهودبة هلا مساهتا اإلثنية اَخاصة‪ ،‬بعيش معظم أعضا ها يف العراق‪ ،‬ريم أن‬
‫معظم األكراد بعيشون يف تركيا‪ ،‬حيث توجد ‪ 146‬قربة بهودبة يف العراق و‪ 19‬يف إبران و‪ 11‬يف‬
‫تركيا‪ ،‬كما توجد أبضا جمموعة يف سوراي‪ .‬وتوجد بني أكراد العراق أقليتان دبنيتان‪ :‬املسيحيون‬
‫النسطوربون‬
‫(الذبن بسمون أبضا اخآشوربني)‪ ،‬واليهود‪.‬‬
‫وقد َتثر أعضاء اجلماعتني ابلثقالة الكردبة‪ .‬ولكنهم‪ ،‬مع هذا‪ ،‬مل بتبنوا اللغة الكردبة إذ أهنم‬
‫بتحدثون اخآرامية وبتحدث بهود املوصل العربية‪ ،‬وهم بذلك ال بصنفون ابعتبارهم أكرادا‪ .‬وبقال إن‬
‫وجود اليهود يف هذه املنطقة بعود إىل أاي التهجَر اخآشوري وِملكة أدايبىن ‪...‬‬
‫وىف منتصف القرن العشربن‪ ،‬كان ‪ %80‬من بهود كردستان بعيشون يف املدن وبعملون ُتارا صغارا‬
‫وبقالني‪ ،‬وكان احلرليون بعملون صبايني وترزبة وجناربن ودابيني ومراكبية بنقلون األرشاب يف قوارب‬
‫أهنار املوصل‪ .‬وكان العشرون يف املا ة الباقية بعيشون يف املناطق الربفية‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري – بتصرف – موقع املسَري‬

‫(‪)65/1‬‬

‫اتسع عشر‪ :‬بهود الصني (بهود كابفنج)‪:‬‬


‫)‪:Chinese Jews (K'aifeng Jews‬‬
‫بهود الصني‪ :‬مجاعة بهودبة كبَر كانت تعيش يف مدبنة كابفنج عاصمة مقاطعة هوانن الواقعة على‬
‫ضفاف النهر األصفر‪ ،‬ولذا بقال هلم أبضا (بهود كابفنج)‪ .‬وببدو أن اترخيهم بعود إىل القرنني التاسع‬
‫والعاشر‪ ،‬حيث هاجرت جمموعة من بهود إبران ورمبا اهلند‪ .‬وببدو أن اجلماعة اليهودبة كانت مهمة‬
‫نوعا‪ ،‬لقد عني أابطر أسر اتنج أحد أعضاء طبقة املاندربن (وهي األرستقراطية الثقالية من‬
‫املوظفني‪ /‬العلماء) مسئوال عنهم‪ ،‬لكان بزور معبدهم ابسم اإلمرباطور مر كل عا ‪ ،‬وحيرق البخور‬
‫أما املذبح‪ .‬وكان املهاجرون اليهود (ىف بدابة األمر) بتحدثون الفارسية‪ ،‬وكانوا متخصصني يف‬
‫املنسوجات القطنية وصبايتها وطباعة األلوان عليها‪ ،‬وهى صباية كانت متقدمة يف اهلند‪ .‬وكان‬
‫سكان الصني بتزابدون يف تلك املرحلة‪ ،‬األمر الذي أدى إىل نقص حاد يف املنسوجات احلربربة‬
‫ونشوء حاجة إىل املنسوجات القطنية‪ ،‬وهو ما قد بفسر استقرار اليهود يف الصني يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫ومن الناحية االجتماعية والطبقية‪ ،‬كان اليهود بنتمون إىل طبقة التجار والصناع اليت تقع بني الفماحني‬
‫من جهة وطبقة املوظفني‪/‬العلماء من جهة أررى‪ .‬ومن مث كان طموحها االجتماعي‪ ،‬مثلها مثل‬
‫الطبقات اليت تقع يف الوسط‪ ،‬هو االتصال ابلطبقة العليا واالبتعاد عن طبقة الفماحني‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري – موقع املسَري‬

‫(‪)66/1‬‬

‫عشرون‪ :‬اليهود الزنوج ‪:Negro Jew‬‬


‫اليهود الزنوج‪ :‬مصطلح بستخد لإلشار إىل الزنوج السود الذبن بممنون ابليهودبة مجيعا‪ .‬وابلتاِل‪،‬‬
‫لإن املصطلح بضم الفماشاه والعربانيني السود‪ ،‬وكذلك مجاعات بشربة أررى ذات هوايت بهودبة‬
‫سدميية‪ .‬وقد وجد أحد الباحثني يف ساحل لواجنو يف يرب ألربقيا مجاعة تصنف ابعتبارها بهودبة‬
‫وبسمى أعضاؤها أنفسهم (مالانبو) وبقيمون شعا ر السبت‪ .‬ومن املعروف أن ساحل لواجنو ال ببعد‬
‫كثَرا عن جزبر ساوتومى الربتغالية اليت أحضر إليها األطفال اليهود الذبن مت تنصَرهم عنو عا‬
‫‪ - 1493‬ولعل هذا هو مصدر تسميتهم ابليهود‪ .‬وتوجد ابلقرب من ساحل مديشقر لرقة بهودبة‬
‫تسمى (زايف إبراهيم)‪ ،‬بدعى ألرادها أهنم بهود‪ ،‬ولكن ليس هناك أي شيء مييزهم عن بقية السكان‪.‬‬
‫وىف عا ‪ ،1750‬أسست مستوطنة ابلقرب من سوربنا (يينيا اهلولندبة) تضم أبناء اليهود الذبن‬
‫تزوجوا من العبيد األلربقيني السود‪ ،‬وكانوا بتحدثون هلجة (الدجو توجنو) أي (لغة اليهود)‪ ،‬وهى‬
‫رليط من الربتغالية والعرببة وبعض الكلمات احمللية‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬
‫(‪)67/1‬‬

‫واحد وعشرون‪ :‬العربانيون السود‬


‫‪Black Hebews‬‬
‫العربانيون السود‪ :‬لربق من األمربكيني السود الذبن بممنون ابليهودبة وبلتزمون بتطبيق الشربعة‬
‫اليهودبة بتشدد بفوق تشدد اليهود البيض‪ .‬وبدعي العربانيون السود االنتساب إىل قبا ل بسرا يل‬
‫العشر املفقود ‪ ،‬وأهنم هم وحدهم (وليس بهود األرض احملتلة أو بهود العامل) سمالة اليهود القدامى‬
‫احلقيقية‪ .‬وبمكد العربانيون السود أن أنبياء اليهود من السود‪ ،‬وأن إسرا يل القدمية كانت أبضا دولة‬
‫سوداء‪ ،‬وأن قنا السوبس ما هى إال ثغر صنعها اإلنسان األبيض لفصل إسرا يل عن ألربقيا‬
‫السوداء‪.‬‬
‫وانطماقا من هذا‪ ،‬كتب شاليح بن بهودا‪ ،‬مساعد ر يس اجلماعة‪ ،‬إىل رؤساء الدول األلربقية حيثهم‬
‫على املطالبة حبقوقهم يف إسرا يل واليت سرقها اليهود‪ .‬وبطمح ر يس اجلماعة‪ ،‬بن عمى كارتر‪ ،‬إىل أن‬
‫برتأس الدولة الصهيونية‪ .‬بل أهنم بقولون إن إسرا يل أبسرها ملك راص هلم سرقها اإلشكناز‪ ،‬أي‬
‫اليهود البيض‪ .‬وقد بدأ العربانيون السود يف التوالد إىل إسرا يل ابتداء من أيسطس عا ‪ 1969‬من‬
‫شيكايو‪ ،‬احتجاجا على أوضاع الزنوج هناك‪ .‬مث استمرت مجاعات منهم يف االستيطان حىت بل‬
‫عددهم ‪ 1500‬مهاجر (وبرتفع هذا العدد حسب التقدبرات األررى إىل ‪.)3000‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)68/1‬‬

‫اثنان وعشرون‪ :‬الفماشاه‪ :‬اتربخ وهوبة‬


‫‪Falashas: History and Identity‬‬
‫الفماشاه‪ :‬كلمة أمهربة تعين (املنفيني)‪ ،‬كما أهنا تعين أبضا (يربب األطوار)‪ .‬وأصل الكلمة بعود إىل‬
‫اجلذر (لماشا) يف اللغة اجلعزبة‪ ،‬وبعىن (بهاجرا) أو (بهيم على وجهه)‪ .‬وبستخد أهل إثيوبيا الكلمة‬
‫لإلشار إىل مجاعة إثنية ألربقية تدبن بشكل من أشكال اليهودبة‪ ،‬وهى ال تنتمى إىل أي من الكتل‬
‫اليهودبة الكربى الثماث‪ :‬األشكناز والسفارد وبهود العامل اإلسمامي‪ .‬كما بستخدمون كلمة (إبهود)‪،‬‬
‫أي (بهود) أما الفماشاه ليشَرون إىل أنفسهم بوصفهم (بيت إسرا يل)‪.‬‬
‫وأصول الفماشاه ليست سامية رالصة هى حامية أبضا‪ ،‬إن قبلنا هذا التمييز العرقي واحلضاري‪ ،‬لهم‬
‫بنتمون إىل جمموعة القبا ل السامية من جنوب اجلزبر العربية‪ .‬وبقال إن اليهودبة انتشرت بينهم من‬
‫رمال بهود اجلزبر العربية قبل اإلسما (وبقال إن عبد هللا بن سبأ من أصل لماشي)‪.‬‬
‫وامة رأي قا ل أبن أصل الفماشاه بعود إىل جنوب شبه اجلزبر العربية‪ ،‬ورمبا وصلتهم اليهودبة عن‬
‫طربق مصر ورمبا جاءوهم أنفسهم من صعيد مصر‪ .‬قد كانت توجد مجاعة من اجلنود املرتزقة اليهود‬
‫على حدود مصر اجلنوبية (ىف جزبر إلفنتابن) ابلقرب من الشمال األول يف أسوان‪ .‬وامة رأي آرر‬
‫بذهب إىل أن أصلهم برجع إىل مجاعة من اليهود استوطنوا بشكل دا م‪ .‬وبقال إن عدد الفماشاه كان‬
‫كبَرا قبل أن تعتنق أسر أكسو احلاكمة الداينة املسيحية يف القرن الرابع‪ .‬ولكن‪ ،‬بعد هذا التحول‬
‫إىل املسيحية‪ ،‬نشبت صراعات حاد وحروب عدبد بينهم وبني جَراهنم املسيحيني‪.‬‬
‫واشرتك الفماشاه يف التمرد الذي قامت به قبا ل األجاو ضد إكسو يف القرن العاشر‪ ،‬حيث أسقطوا‬
‫النجاشي ولتكوا ابلرعااي املسيحيني وهدموا كنا سهم وأدبرهتم‪ .‬ولكن أسر زاج‪ ،‬اليت حلت حمل أسر‬
‫أكسو ‪ ،‬كانت هي األررى مسيحية وحاولت َتكيد السلطة املسيحية‪.‬‬
‫وىف عا ‪ ، 1270‬وحتت َتثَر الكنيسة‪ ،‬اعتلى أحد أعضاء أسر أكسو القدمية العرش‪ .‬وقرر ملوك‬
‫األسر املالكة‪ ،‬بعد استعاد احلكم‪ ،‬أن بضعوا حدا الستقمال الفماشاه‪ ،‬رصوصا وأهنم كانوا‬
‫بعتربوهنم عنصرا مشكوكا يف وال ه يف حروهبم مع املمالك اإلسمامية اجملاور ‪ .‬ولذلك‪ ،‬قا ملوك‬
‫أكسو بتجربد جمموعة من احلممات ضدهم‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)69/1‬‬

‫متهيد‪ :‬الفرق اليهودبة‬


‫‪Jewish Religious Sects‬‬
‫توجد يف اليهودبة لرق كثَر ختتلف الواحد منها عن األررى ارتمالات جوهربة وعميقة متتد إىل‬
‫العقا د واألصول‪ ،‬لهي يف الواقع ليست كاالرتمالات اليت توجد بني الفرق املختلفة يف الدايانت‬
‫التوحيدبة األررى‪ .‬ومن مث‪ ،‬لإن كلمة (لرقة) ال حتمل يف اليهودبة الداللة نفسها اليت حتملها يف‬
‫عرتف به‬
‫تصور مسلم برلض النطق ابلشهادتني وبْ َ‬
‫سياق دبين آرر‪ .‬لما ميكن‪ ،‬على سبيل املثال‪ُّ ،‬‬
‫مسلما‪ .... ،‬أما دارل اليهودبة‪ ،‬ليمكن أال بممن اليهودي ابإلله وال ابلغيب وال ابليو اخآرر وبْعترب‬
‫مع هذا بهوداي حىت من منظور اليهودبة نفسها‪ .‬وهذا برجع إىل طبيعة اليهودبة بوصفها تركيبا‬
‫جيولوجيا تراكميا بضم عناصر عدبد متناقضة متعابشة دون متازج أو انصهار‪ .‬ولذا‪ُ ،‬تد كل لرقة‬
‫جدبد دارل هذا الرتكيب من اخآراء واحلجج والسوابق ما بضفي شرعية على موقفها مهما بكن‬
‫تطرله‪ .‬وأوىل الفرق اليهودبة اليت أدَّت إىل انقسا اليهودبة لرقة السامربني اليت ظلت أقلية معزولة‬
‫بسبب قو السلطة الدبنية املركزبة املتمثلة يف اهليكل مث السنهدربن‪ .‬ولكن‪ ،‬مع القرن الثاين قبل‬
‫امليماد‪ ،‬راضت اليهودبة أزمتها احلقيقية األوىل بسبب املواجهة مع احلضار اهليلينية‪ .‬لظهر‬
‫الصدوقيون والفربسيون‪ ،‬والغيورون الذبن كانوا بْـ َعدون جناحا متطرلا من الفربسيني‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري – بتصرف – موقع املسَري‬

‫(‪)70/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬الفربسيون‪:‬‬


‫كلمة لربسيون‪ :‬مأروذ من الكلمة العرببة (بَروشيم)‪ ،‬أي (املنعزلون)‪ .‬وكانوا بلقبون أبضا بلقب‬
‫(حبَرمي)‪ ،‬أي (الرلاق أو الزمماء)‪ ،‬وهم أبضا (الكتبة)‪ ،‬أو على األقل قسم منهم‪ ،‬من أتباع مشاي‬
‫الذبن بشَر إليهم املسيح عليه السما ‪ .‬والفربسيون لرقة دبنية وحزب سياسي ظهر نتيجة اهلبوط‬
‫التدرجيي ملكانة الكهنوت اليهودي بتأثَر احلضار اهليلينية اليت تْعلي من شأن احلكيم على حساب‬
‫الكاهن‪ .‬وبْرجع الرتاث اليهودي جذورهم إىل القرنني الرابع والثالث قبل امليماد‪ ،‬بل بْقال إهنم رلفاء‬
‫احلسيدبني (املتقني)‪ ،‬وهي لرقة اشرتكت يف التمرد احلشموين‪ .‬ولكن الفربسيني ظهروا ابمسهم الذي‬
‫عرلون به يف عهد بوحنا هَركانوس األول (‪ 104 - 135‬ق‪ ،) .‬وانقسموا ليما بعد إىل قسمني‪:‬‬
‫بْ َ‬
‫بيت مشاي وبيت هليل‪ .‬وقد كان الفربسيون بشكلون أكرب حزب سياسي دبين يف ذلك الوقت إذ‬
‫بل عددهم حسب بوسيفوس حنو ستة آالف‪ ،‬لكن هذا العدد قد بكون مبالغا ليه نظرا لتحزبه هلم‪،‬‬
‫بل لعله كان من أتباعهم‪ .‬وبْقال إهنم كانوا بشكلون أيلبية دارل السنهدربن‪ ،‬أو كانوا على األقل‬
‫أقلية كبَر ‪.‬‬
‫ومن املعروف أنه حينما عاد اليهود من اببل‪ ،‬هيمن الكهنة عليهم وعلى ممسساهتم الدبنية والدنيوبة‪،‬‬
‫عرب عن مصاحلها لربق الصدوقيني‪ .‬ولكن اليهودبة كانت قد درلتها يف اببل‬
‫تلك املمسسات اليت َّ‬
‫ألكار جدبد ‪ ،‬كما أن وضع اليهود نفسه كان آرذا يف التغَر‪ ،‬إذ أن حلم السياد القومية مل بَـ ْعد له‬
‫أي أساس يف الواقع‪ ،‬بعد التجارب القومية املتكرر الفاشلة‪ ،‬وبعد ظهور اإلمرباطورايت الكربى‪،‬‬
‫الواحد تلو األررى‪ .‬وقد زاد عدد اليهود املنتشربن رارج للسطني‪ ،‬ورصوصا يف اببل (وبقول‬
‫لماليوس إن عدد بهود للسطني آنذاك كان نصف مليون وحسب‪ ،‬وإن كانت التقدبرات التخمينية‬
‫ترى أن عددهم بقع بني املليونني واملليون ونصف املليون‪ ،‬وهم أقلية ابلنسبة ليهود العامل آنذاك)‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)71/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬الصدوقيون‪:‬‬


‫الصدوقيون‪ :‬مأروذ من الكلمة العرببة غ‬
‫(صدوقيم)‪ ،‬وبْقال هلم أحياان (البو يثيون‬
‫‪ .)Boethusian‬وأصل الكلمة يَر حمدَّد‪ .‬ومن احملتمل أن بكون أصل الكلمة اسم الكاهن‬
‫األعظم «صادوق» (يف عهد سليمان) الذي توارث أحفاده مهمته حىت عا ‪ 162‬ميمادبة‪ .‬و‬
‫(الصدوقيون) لرقة دبنية وحزب سياسي تعود أصوله إىل قرون عد سابقة على ظهور املسيح عليه‬
‫السما ‪ .‬وهم أعضاء القياد الكهنوتية املرتبطة ابهليكل وشعا ره واملدالعون عن احللولية اليهودبة‬
‫الوثنية‪.‬‬
‫وكان الصدوقيون‪ ،‬بوصفهم طبقة كهنوتية مرتبطة ابهليكل‪ ،‬بعيشون على النذور اليت بقدمها اليهود‪،‬‬
‫وعلى بواكَر احملاصيل‪ ،‬وعلى نصف الشيقل الذي كان على كل بهودي أن برسله إىل اهليكل‪ ،‬األمر‬
‫الذي كان بدعم الثيوقراطية الدبنية اليت تتمثل يف الطبقة احلاكمة واجليش والكهنة‪ .‬وكان الصدوقيون‬
‫حيصلون على ضرا ب اهليكل‪ ،‬كما كانوا حيصلون على ضرا ب عينية وهدااي من اجلماهَر اليهودبة‪.‬‬
‫حوهلم ذلك إىل أرستقراطية وراثية تملغف كتلة قوبة دارل السنهدربن‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫وبعود تزابد نفوذ الصدوقيني إىل أاي العود من اببل مبرسو قورش (‪ 538‬ق‪ ) .‬إذ آثر الفرس‬
‫التعاون مع العناصر الكهنوتية دارل اجلماعة اليهودبة ألن بقااي األسر املالكة اليهودبة من نسل‬
‫داود قد تشكل رطرا عليهم‪ .‬واستمر الصدوقيون يف الصعود دارل اإلمرباطورايت البطلمية‬
‫كونوا مجاعة وظيفية وسيطة تعمل لصاحل‬
‫والسلوقية والرومانية‪ ،‬واندجموا مع أثرايء اليهود وَتيرقوا‪ ،‬و َّ‬
‫اإلمرباطوربة احلاكمة وتساهم يف عملية استغمال اجلماهَر اليهودبة‪ ،‬ويف مجع الضرا ب‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري – موقع املسَري‬

‫(‪)72/1‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املتعصبون‪:‬‬
‫لكرهم قربب من لكر الفربسيني‪ ،‬لكنهم اتصفوا بعد التسامح وابلعدوانية‪ ،‬قاموا يف مطلع القرن‬
‫كل من بتعاون من اليهود مع همالء الرومان‪ ،‬لأطلق‬
‫امليمادي األول بثور قتلوا ليها الرومان‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫عليهم اسم َّ‬
‫السفاكني‪O .‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)73/1‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬الكتبة أو النَّساخ‪:‬‬


‫عرلوا الشربعة من رمال عملهم يف النسخ والكتابة‪ ،‬لاختذوا الوعظ وظيفة هلم‪ ،‬بسمون ابحلكماء‪،‬‬
‫وابلساد ‪ ،‬وواحدهم لقبه أب‪ ،‬وقد أثروا ثراء لاحشا على حساب مدارسهم ومربدبهم‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)74/1‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬القراءون‪:‬‬


‫القراءون‪ :‬نسبة إىل املصدر العربي (قرا يم)‪ ،‬ومعناه الذبن بقرؤون املقرأ‪ ،‬أي‪ :‬التورا ‪.‬‬
‫وبنتسبون إىل رجل بسمى (عنان بن داود) من أهل بغداد زمن أيب جعفر املنصور‪ ،‬وتويف يف هنابة‬
‫القرن الثامن امليمادي‪ ،‬وأطلق عليهم اسم العنانيون نسبة إىل عنان هذا‪.‬‬
‫ومن أهم ما بتميزون به‪:‬‬
‫‪ -‬ال بعرتلون إال ابلعهد القدمي‪ ،‬وبنكرون التلمود والرواايت األررى الشفوبة‪ ،‬وهم يف هذا موالقون‬
‫للصدوقيني‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون ابلبعث بو الدبن‪.‬‬
‫‪ -‬بعزى إىل شيخهم عنان اإلقرار ببعثة عيسى عليه السما ‪ ،‬وكذلك نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ولكنه بزعم أنه نَب للعرب وليس لليهود‪.‬‬
‫قواي‪ ،‬وراصة يف البلدان العربية والشرق‪ ،‬وكان‬
‫وقد انتشرت ألكار عنان بن داود بني اليهود انتشارا ًّ‬
‫بينهم وبني التلمودبني عداء شدبد‪ ،‬وتكفر كل واحد منهما األررى‪ ،‬وال زال منهم أانس بعدون‬
‫ببضعة آالف بسكنون قرب تل أبيب يف للسطني‪ ،‬وبتميزون عن بقية اليهود يف أعيادهم وحماكمهم‬
‫وأماكن ذحبهم للحيواانت‪ ،‬وقانون احلكومة اليهودبة التلمودبة اخآن مينع الزواج بني القرا ني ويَرهم‬
‫من اليهود‪.‬‬
‫وهم بعتربون من أعداء الصهيونية التلمودبة‪ ،‬ألن ًّ‬
‫كما منهم بكفر اخآرر‪ ،‬وبرى ارتداده عن الدبن‪.‬‬
‫وبذكر د‪ /‬حسن ظاظا‪ :‬أنه بعد أن متكنت الصهيونية التلمودبة من االستيماء على للسطني اصطادت‬
‫بضعة آالف من القرا ني وأدرلتهم إىل للسطني‪ ،‬وهم بعيشون هناك كرها ن‪ ،‬وكوسيلة للمساومات‬
‫مع من بقي من القرا ني رارج للسطني‪ ،‬إذ أريمتهم الصهيونية على التزا الصمت والكف عن‬
‫مهامجتها حرصا على حيا أبناء الطا فة يف للسطني وأمنهم‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪145‬‬

‫(‪)75/1‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬السامربون‪:‬‬


‫السامربون‪ :‬يف األصل هم شعب دولة إسرا يل اليت تكونت يف الشمال من دولة بهوذا‪ ،‬وذلك بعد‬
‫سليمان عليه السما ‪ .‬وقد استمر وجود السامربني إىل عصران احلاضر‪ ،‬إال أهنم بشكلون جمموعة‬
‫صغَر تسكن يف للسطني جبوار مدبنة انبلس‪ ،‬وبتميزون عن بقية اليهود أبهنم‪:‬‬
‫‪ -‬ال بممنون بنبو أحد من أنبياء بين إسرا يل سوى هارون وموسى وبوشع بن نون عليهم السما ‪.‬‬
‫تسمى التورا ‪ ،‬وبضيفون إليها سفر بوشع‬
‫‪ -‬ال بقدسون من كتب اليهود سوى األسفار اَخمسة اليت َّ‬
‫بن نون لقط‪ ،‬وما عدا ذلك لما بممنون به‪ ،‬ونسخة التورا اليت لدبهم ختتلف عن النسخة العرببة يف‬
‫ستة آالف موضع‪ ،‬كما أهنم ال بممنون بسا ر الكتب األررى يف العهد القدمي وال ابلتلمود وال يَره‬
‫من كتب اليهود‪.‬‬
‫املكان املقدس لدبهم هو جبل (جرزمي) الذي بقع يف منطقة انبلس‪ ،‬وبستقبلونه وبنكرون صهيون‬
‫وبيت املقدس‪ ،‬وبقية اليهود بكفروهنم لذلك‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪143‬‬

‫(‪)76/1‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬السبئية‪:‬‬
‫هم أتباع عبد هللا بن سبأ الذي درل اإلسما ؛ ليدمره من الدارل‪ ،‬لهو الذي نقل الثور ضد عثمان‬
‫دس األحادبث املوضوعة؛ ليدعم هبا رأبه‪ ،‬لهو را د‬
‫من القول إىل العمل مشعما الفتنة‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫الفنت السياسية الدبنية يف اإلسما ‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)77/1‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬احلسيدمي‪:‬‬


‫لرقة من لرق اليهود متأرر النشأ ‪ ،‬وتعزى إىل رجل بسمى (إسرا يل بن اليعازر) امللقب بـ (بعل شم‬
‫طوب) يف أوكرانيا‪ ،‬املتوىف سنة (‪ . )1760‬و (حسيدمي) مشتقة من الكلمة العرببة (حسيد)‪ ،‬واليت‬
‫تعين املنقى والناذر نفسه للدبن‪ .‬والذي بظهر أن احلسيدمي لرقة صولية منشقة عن الفربسيني‬
‫التلمودبني‪ ،‬لهم بعظمون التلمود وبقبلون أقواله‪ ،‬إال أن هلم تفسَراهتم الباطنية اَخاصة بذلك‪ ،‬وهم‬
‫بعتمدون يف َمالفاهتم لبقية اليهود على التأوبل الباطين والتوجه الصويف‪ ،‬وهلذه الفرقة أتباع كثَرون‪.‬‬
‫ومن أهم ما مييزهم أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬اعتقادهم بوحد الوجود‪ ،‬وأن ال وجود حقيقي إال وجود هللا تعاىل‪ ،‬وأن املخلوقات ما هي إال‬
‫مظاهر لذلك الوجود وتعبَر عنه‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون ابجلرب‪ ،‬وأن اَخَر والشر من هللا‪ ،‬وأن اإلنسان إذا ارتكب منكرا لعليه أن بكون مراتح‬
‫البال؛ ألن ذلك من هللا‪ ،‬وكل ما هو من هللا لهو رَر‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون ابلتناسخ‪ ،‬وأن الغرض منه تطهَر النفس‪ ،‬وإعطاؤها الفرصة للصماح‪ ،‬لإذا مل تصلح‬
‫تتناسخ يف جسد آرر ألكثر من مر حىت تصل إىل الصماح‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون ابلثواب والعقاب‪ ،‬وأن اإلنسان ال بد أن بتطهر قبل دروله اجلنة‪ ،‬وذلك أبن هتزه املما كة‬
‫بعد املوت حىت تذهب سيآته احلسية واجلسدبة‪ ،‬وتتقاذله املما كة بني أبدبها حىت بتطهر من سيآته‬
‫النفسية املتعلقة ابأللكار والكما ‪ .‬وعندهم أن اليهودي ال بقضي يف جهنم أكثر من اثين عشر‬
‫شهرا‪.‬‬
‫‪ -‬بستعملون الغناء واملوسيقى يف صلواهتم‪.‬‬
‫‪ -‬من أكثر طوا ف اليهود محاسا جمليء املسيح املخلص‪ ،‬الذي بعتقدون أنه سيكون من نسل داود‪،‬‬
‫ومبجيئه تنتهي كل مشاكل اليهود‪ ،‬وهلم يف ذلك حكاايت كثَر بطول ذكرها من انحية تصورهم‬
‫لقرب جميئه‪ ،‬حىت أن منهم من كان بقول ألهله إذا أراد النو ‪( :‬إذا جاء املسيح املخلص وأان ان م‬
‫لأبقظوين دون تردد)‪.‬‬
‫ومنهم من جعل يرلة راصة يف بيته وضع ليها كل يال ونفيس عنده‪ ،‬ومل بكن بسمح ألحد‬
‫ابلدرول إليها بسميها (يرلة املسيح)‪ ،‬وبعضهم بتفوه بكلمات كفربة قبيحة يف حق هللا تعاىل معاتبا‬
‫املسمى موسى بن زيف املتوىف (‪( : )1841‬لو كنت‬
‫له على َترر املسيح‪ ،‬مثل قول أحد رؤسا هم َّ‬
‫أعلم أن شعر رأسي سيكون أبيض‪ ،‬وال ترى عيناي املسيح املخلص ملا بقيت حيًّا‪ ،‬اي رب أنت الذي‬
‫علي‪ ،‬لهل هذا شيء جيد؟ وهل هو‬
‫أبقيتين وحفظتين هبذا األمل وهذا االعتقاد‪ ،‬إنك ضحكت َّ‬
‫شيء جيد أن تضحك على رجل كبَر مثلي؟ أجبين)‪.‬‬
‫‪ -‬برتكون ضفا ر على جانَب الرأس‪ ،‬كما ال حيلقون وال بقصون شيئا من حلاهم وال من سا ر شعر‬
‫الوجه سوى الشوارب‪.‬‬
‫‪ -‬أكثر احلسيدمي بذمون الصهيونية وبطعنون ليها‪ ،‬وإن كانوا ممبدبن هلا يف إنشاء دولة اليهود يف‬
‫للسطني‪ ،‬وقد هاجر كثَر منهم إىل للسطني واستقروا هبا‪ ،‬وكونوا هلم ُتمعات كبَر ‪ ،‬بل بقول‬
‫الكتاب‪ :‬إن أكثر من نصف املدارس يف دولة اليهود تعود للحسيدمي ما عدا لرقة (الستمار) منهم‪،‬‬
‫لإهنا حتر السفر إىل دولة اليهود يف للسطني‪ ،‬وبطعنون يف الصهابنة‪ ،‬وبعتربوهنم كفارا مارقني‪ ،‬وهم‬
‫برون أن رماصهم ال بكون إال أبمر معجز عن طربق املسيح املخلص‪ ،‬وأن وجود دولة اليهود بعوق‬
‫رماصهم وبمرر جميء املسيح املخلص‪ ،‬وأكثر هذه اجملموعة بعيشون يف الوالايت املتحد األمربكية‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪149 - 147‬‬

‫(‪)78/1‬‬

‫املبحث التاسع‪ :‬اإلصماحيون‪:‬‬


‫اإلصماحيون هم لرقة من الفرق املعاصر اليت حتاول التملص من تشدبدات اليهود وتسلط‬
‫احلارامات وإذالهلم لبين جنسهم‪ ،‬وكان من أوا ل من دعا إىل التحرر من قيود التلمود وتشدبدات‬
‫احلارامني‪ :‬موسى مندلسون املتوىف سنة (‪ )1776‬يف برلني‪ ،‬لقد دعا إىل اندماج اليهود مع‬
‫الشعوب اليت تشاركهم يف األوطان‪ ،‬واحملالظة على مجيع القوانني لتلك البلدان‪ ،‬مع احملالظة على دبن‬
‫اخآابء واألجداد‪ ،‬مث انتقلت تلك الدعو إىل أمربكا وليها قوبت وانتشرت بني اليهود‪ ،‬وصار هلا أتباع‬
‫جياوزون املليونني‪.‬‬
‫ومن أهم ما مييزهم عن بقية اليهود‪:‬‬
‫‪ -‬إنكارهم للوحي يف العهد القدمي‪ ،‬وقوهلم‪ :‬إن الكتاب املقدس من صنع اإلنسان‪ ،‬وبعتربونه أعظم‬
‫وثيقة أوجدها اإلنسان‪ ،‬وهم ال بقبلون منه إال التشربعات األرماقية‪ ،‬أما العبادات والشعا ر ليقبلون‬
‫منها ما بوالق العصر‪.‬‬
‫‪ -‬إنكار التلمود‪ ،‬واعتبار تعاليمه وقوانينه راصة بعصره‪ ،‬وال تصلح للعصور احلدبثة‪.‬‬
‫‪ -‬إنكار دعوى املسيح املنتظر‪.‬‬
‫‪ -‬إنكار البعث اجلسدي والعذاب بعد املوت‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة الصلوات ابللغات القومية‪ ،‬وال بلز عندهم أداؤها ابللغة العرببة‪ ،‬وإابحة ارتماط اجلنسني يف‬
‫املعابد اليهودبة‪ ،‬وتعدبل القوانني اَخاصة ابلزواج والطماق؛ لتتواء مع العصر‪.‬‬
‫‪ -‬حذلوا من أدعيتهم وصلواهتم ما بتعلق ابلعود إىل صهيون‪ ،‬واعتربوا أن اليهودبة دبن وليس‬
‫قومية‪ .‬وقد كان اإلصماحيون يف أول األمر معارضني للصهيونية‪ ،‬ولكن وجد ليهم من بناصرها بعد‬
‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وبعد تقتيل النازبني لليهود‪ ،‬حيث بدأ الكثَر منهم مييل للصهيونية‪ ،‬وبقي منهم‬
‫عدد كبَر أبضا رارج الصهيونية وضدها‪ ،‬وبكالحها مكالحة مستميتة‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪150 - 149‬‬

‫(‪)79/1‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬األرثوذكسية‪:‬‬


‫األرثوذكسية‪ ،‬هي املسمى الذي بطلق على اليهود الذبن بدبنون ابلكتاب املقدس مع التلمود مع‬
‫مجيع التعصبات اليهودبة‪ ،‬وهم ليما ببدو امتداد للرابنيني والتلمودبني والفربسيني‪ ،‬وهم بشكلون‬
‫الغالبية العظمى من اليهود‪ ،‬وُتمعهم األكرب يف دولة اليهود يف للسطني‪ .‬وال تعرتف الدولة اليهودبة‬
‫إال ابألرثوذكسية‪ ،‬كما أن يالبية أعضاء اجمللس الصهيوين من األرثوذكس‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪151 - 150‬‬

‫(‪)80/1‬‬
‫املبحث احلادي عشر‪ :‬احملالظون‪:‬‬
‫هم طا فة كبَر أبضا من اليهود‪ ،‬حاولوا التوسط بني انفمات اإلصماحيني وتشدد األرثوذكس‪ ،‬وقد‬
‫نشأ هذا املذهب يف منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث أسس ذلك (زكراي لرانكل) ر يس حارامني‬
‫دربسون أبملانيا‪ ،‬املتوىف سنة (‪ ، )1875‬مث تطوروا وزاد انتشارهم ليما بعد يف أمربكا‪ ،‬حيث‬
‫بشكلون ليها قرابة املليون شخص‪.‬‬
‫وِما بتميزون به من أمور‪:‬‬
‫‪-‬اعتبار التورا هي املوحى هبا من هللا‪ ،‬أما التلمود ليعتربونه نتاجا ثقاليًّا لليهود جيب أن بستفاد من‬
‫قيمه العامة يف املواقف للشعب اليهودي‪ ،‬وبعتربون دعوى أن موسى استلمه شفهيًّا من هللا ررالة من‬
‫ررالات الراببنة‪.‬‬
‫‪ -‬حذف القراءات املطولة واألانشيد اَخليعة واملدروشة من الكنيس‪.‬‬
‫‪ -‬تربية النساء تربية دبنية وإشراكهن يف العمل الدبين‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة الصلوات ابللغات اليت بفهمها املصلون إذا مل بفهموا العرببة‪.‬‬
‫واحملالظون موالقون للصهابنة يف برانجمهم السياسي‪ ،‬وهم من أكرب الداعمني للتوطن يف للسطني‪،‬‬
‫وتبين سياسات الصهابنة‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪152 - 151‬‬

‫(‪)81/1‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬العنانية‪:‬‬


‫نسبوا إىل رجل بقال له‪ :‬عنان بن داود رأس اجلالوت خيالفون سا ر اليهود يف السبت واألعياد‪،‬‬
‫وبنهون عن أكل الطَر والظباء والسمك واجلراد‪ ،‬وبذحبون احليوان على القفا وبصدقون عيسى عليه‬
‫السما يف مواعظه وإشاراته‪.‬‬
‫وبقولون‪ :‬إنه مل خيالف التورا البتة‪ ،‬بل قررها ودعا الناس إليها‪ ،‬وهو من بين إسرا يل املتعبدبن‬
‫ابلتورا ومن املستجيبني ملوسى عليه السما ‪ ،‬إال أهنم ال بقولون بنبوته ورسالته‪.‬‬
‫ومن همالء من بقول‪:‬‬
‫إن عيسى عليه السما مل بدع أنه نَب مرسل‪ ،‬وليس من بين إسرا يل‪ ،‬وليس هو صاحب شربعة‬
‫انسخة لشربعة موسى عليه السما ‪ ،‬بل هو من أولياء هللا املخلصني العارلني أبحكا التورا ‪ ،‬وليس‬
‫اإلجنيل كتااب أنزل عليه وحيا من هللا تعاىل‪ ،‬بل هو مجع أحواله من مبد ه إىل كماله‪ ،‬وإَنا مجعه أربعة‬
‫من أصحابه احلواربني لكيف بكون كتااب منزال؟‬
‫قالوا‪ :‬واليهود ظلموه حيث كذبوه أوال ومل بعرلوا بعد دعواه‪ ،‬وقتلوه آررا ومل بعلموا بعد حمله‬
‫ومغزاه‪ ،‬وقد ورد يف التورا ذكر املشيحا يف مواضع كثَر ‪ ،‬وذلك هو املسيح‪ ،‬ولكن مل ترد له النبو‬
‫وال الشربعة الناسخة‪ ،‬وورد لارقليط وهو الرجل العامل‪ ،‬وكذلك ورد ذكره يف اإلجنيل‪ ،‬لوجب محله‬
‫على ما وجد‪ ،‬وعلى من ادعى يَر ذلك حتقيقه وحده‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪257 /1‬‬

‫(‪)82/1‬‬

‫املبحث الثالث عشر‪ :‬العيسوبة‪:‬‬


‫نسبوا إىل أيب عيسى إسحاق بن بعقوب األصفهاين‪ ،‬وقيل‪ :‬إن امسه عوليد الوهيم‪ .‬أي‪ :‬عابد هللا‪،‬‬
‫كان يف زمن املنصور‪ ،‬وابتدأ دعوته يف زمن آرر ملوك بين أمية مروان بن حممد احلمار‪ ،‬لاتبعه بشر‬
‫كثَر من اليهود‪ ،‬وادعوا له آايت ومعجزات‪ ،‬وزعموا أنه ملا حورب رط على أصحابه رطًّا بعود‬
‫آس‪ ،‬وقال‪ :‬أقيموا يف هذا اَخط‪ ،‬لليس بنالكم عدو بسماح‪ .‬لكان العدو حيملون عليهم حىت إذا‬
‫بلغوا اَخط رجعوا عنهم رولا من طلسم أو عزمية رمبا وضعها‪ ،‬مث إن أاب عيسى ررج من اَخط وحده‬
‫على لرسه لقاتل وقتل من املسلمني كثَرا‪ ،‬وذهب إىل أصحاب موسى بن عمران الذبن هم وراء‬
‫النهر املرمل ليسمعهم كما هللا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه ملا حارب أصحاب املنصور ابلري قتل وقتل أصحابه‪.‬‬
‫زعم أبو عيسى أنه نَب وأنه رسول املسيح املنتظر‪.‬‬
‫وزعم أن للمسيح مخسة من الرسل أيتون قبله واحدا بعد واحد‪.‬‬
‫وزعم أن هللا تعاىل كلمه وكلفه أن خيلص بين إسرا يل من أبدي األمم العاصني وامللوك الظاملني‪.‬‬
‫وزعم أن املسيح ألضل ولد آد ‪ ،‬وأنه أعلى منزلة من األنبياء املاضني‪ ،‬وإذ هو رسوله لهو ألضل‬
‫الكل أبضا‪ ،‬وكان بوجب تصدبق املسيح وبعظم دعو الداعي‪ ،‬وبزعم أبضا أن الداعي هو املسيح‪.‬‬
‫وحر يف كتابه الذاب ح كلها‪ ،‬وهنى عن أكل كل ذي روح على اإلطماق طَرا كان أو هبيمة‪ ،‬وأوجب‬
‫عشر صلوات‪ ،‬وأمر أصحاهبا إبقامتها وذكر أوقاهتا‪ ،‬ورالف اليهود يف كثَر من أحكا الشربعة‬
‫الكثَر املذكور يف التورا ‪.‬‬
‫وتورا الناس هي اليت مجعها ثماثون حربا لبعض ملوك الرو حىت ال بتصرف ليها كل جاهل مبواضع‬
‫أحكامها‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪257 /1‬‬

‫(‪)83/1‬‬

‫املبحث الرابع عشر‪ :‬اليوذعانية‪:‬‬


‫نسبوا إىل بوذعان من مهدان وقيل‪ :‬كان امسه بهوذا‪ ،‬كان حيث على الزهد وتكثَر الصما ‪ ،‬وبنهى عن‬
‫اللحو واألنبذ وليما نقل عنه تعظيم أمر الداعي‪ .‬وكان بزعم أن للتورا ظاهرا وابطنا وتنزبما‬
‫وَتوبما‪ ،‬ورالف بتأوبماته عامة اليهود‪ ،‬ورالفهم يف التشبيه‪ ،‬ومال إىل القدر‪ ،‬وأثبت الفعل حقيقة‬
‫للعبد‪ ،‬وقدر الثواب والعقاب عليه وشدد يف ذلك‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪257 /1‬‬

‫(‪)84/1‬‬

‫املبحث اَخامس عشر‪ :‬املوشكانية أصحاب موشكان‪:‬‬


‫كان على مذهب بوذعان يَر أنه كان بوجب اَخروج على َمالفيه ونصب القتال معهم لخرج يف‬
‫تسعة عشر رجما لقتل بناحية قم‪.‬‬
‫وذكر عن مجاعة من املوشكانية أهنم أثبتوا نبو املصطفى حممد عليه الصما والسما إىل العرب‬
‫وسا ر الناس سوى اليهود؛ ألهنم أهل ملة وكتاب‪.‬‬
‫وزعمت لرقة من املقاربة أن هللا تعاىل راطب األنبياء عليهم الصما والسما بواسطة ملك ارتاره‪،‬‬
‫وقدمه على مجيع اَخما ق‪ ،‬واستخلفه عليهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬كل ما يف التورا وسا ر الكتب من وصف هللا‬
‫تعاىل لهو ررب عن ذلك امللك‪ ،‬وإال لما جيوز أن بوصف هللا تعاىل بوصف‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإن الذي كلم موسى عليه السما تكليما هو ذلك امللك‪ ،‬والشجر املذكور يف التورا هو‬
‫ذلك امللك‪ ،‬وبتعاىل الرب تعاىل أن بكلم بشرا تكليما‪.‬‬
‫ومحل مجيع ما ورد يف التورا من طلب الرؤبة ومشالهة هللا‪ ،‬وجاء هللا‪ ،‬وطلع هللا يف السحاب‪ ،‬وكتب‬
‫التورا بيده‪ ،‬واستوى على العرش استقرارا‪ ،‬وله صور آد وشعر قطط وولر سوداء‪ ،‬وأنه بكى على‬
‫طولان نوح حىت رمدت عيناه‪ ،‬وأنه ضحك اجلبار حىت بدت نواجذه إىل يَر ذلك‪ -‬على ذلك‬
‫امللك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وجيوز يف العاد أن ببعث ملكا روحانيا من مجلة رواصه وبلقي عليه امسه‪ ،‬وبقول‪ :‬هذا هو‬
‫رسوِل ومكانه ليكم مكاين وقوله قوِل وأمره أمري وظهوره عليكم ظهوري‪ .‬كذلك بكون حال ذلك‬
‫امللك‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن أربوس حيث قال يف املسيح‪ :‬إنه هو هللا وإنه صفو العامل‪ .‬أرذ قوله من همالء‪ ،‬وكانوا قبل‬
‫أربوس أبربعما ة سنة‪ ،‬وهم أصحاب زهد وتقشف‪ .‬وقيل‪ :‬صاحب هذه املقالة هو بنيامني النهاوندي‪،‬‬
‫وقرر هلم هذا املذهب‪ ،‬وأعلمهم أن اخآايت املتشاهبات يف التورا كلها ممولة‪ ،‬وأنه تعاىل ال بوصف‬
‫أبوصاف البشر‪ ،‬وال بشبه شيئا من املخلوقات‪ ،‬وال بشبهه شيء منها‪ ،‬وأن املراد هبذه الكلمات‬
‫الوارد يف التورا ذلك امللك العظيم‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪258 /1‬‬

‫(‪)85/1‬‬

‫املبحث السادس عشر‪ :‬الغيورون (قنَّا يم)‬


‫‪Zealots‬‬
‫كلمة ييورون‪ :‬ترمجة للفظة (قنَّا يم)‪ ،‬وهي من الكلمة العرببة َّ‬
‫(قاان) مبعىن (ييور) أو (صاحب‬
‫احلمية)‪ .‬والغيورون لرقة دبنية بهودبة‪ ،‬وبْقال إنه جناح متطرف من الفربسيني وحزب سياسي وتنظيم‬
‫عسكري‪ .‬وقد جاء أول ذكر هلم ابعتبارهم أتباعا ليهودا اجلليلي يف العا السادس قبل امليماد‪ .‬وببدو‬
‫دعى صادوق‪ ،‬قد أبده‪ .‬ولكن ببدو أن أصوهلم أقد عهدا‪ ،‬إذ‬
‫أن واحدا من العلماء الفربسيني‪ ،‬وبْ َ‬
‫دعى حزقيا ابعتباره ر يس‬
‫أهنا تعود إىل التمرد احلشموين (‪ 186‬ق‪ .) .‬وبذكر بوسيفوس شخصا بْ َ‬
‫عصابة أعدمه هَرود‪ ،‬وحزقيا هذا هو أبو بهودا اجلليلي الذي ترك من بعده مشعون وبعقوب ومناحم‬
‫(لعله أروه)‪ .‬وقد َّ‬
‫توىل مناحم اجلليلي‪ ،‬وهو زعيم عصبة اَخناجر‪ ،‬قياد التمرد اليهودي األول ضد‬
‫الرومان (‪ 66‬ـ ‪ ،) 70‬وذلك بعد أن استوىل على ماسادا وذبح حاميتها واستوىل على األسلحة‪ ،‬مث‬
‫عاد إىل القدس حيث َّ‬
‫توىل قياد التمرد هو وعصبته الصغَر ‪ ،‬لأحرقوا مبىن سجمات الدبون‪،‬‬
‫وأحرقوا أبضا قصور األثرايء وقصر الكاهن األعظم آاننياس مث قاموا بقتله‪ ،‬بل ببدو أهنم حاولوا‬
‫إقامة نظا شيوعي‪ .‬وببدو كذلك أن عصابة مناحم كانت متطرلة ومستبد يف تعاملها مع اجلماهَر‬
‫اليهودبة‪ .‬وقد كانت لدى مناحم ادعاءات مشيحانية عن نفسه‪ ،‬كما أنه مجع يف بدبه السلطات‬
‫الدبنية والدنيوبة‪ .‬ولذا‪ ،‬قامت ثور ضده انتهت بقتله هو وأعوانه‪ ،‬وهروب البقية إىل ماسادا‪ .‬وقد‬
‫استمر نشاط الغيوربن حىت سقوط القدس وهد اهليكل عا ‪ 70‬ميمادبة‪ ،‬ولكن هناك من برى أهنم‬
‫اشرتكوا أبضا يف التمرد اليهودي الثاين ضد هادراين (‪ 132‬ـ ‪.) 135‬‬
‫وكان الغيورون منقسمني ليما بينهم إىل لرق متطاحنة متصارعة‪ .‬ومن قياداهتم األررى‪ ،‬بوحنان بن‬
‫الوي ومشعون برجيورا‪.‬‬
‫وبْـ َع ُّد ظهور حزب الغيوربن تعبَرا عن االهنيار الكامل الذي أصاب احلكومة الدبنية وحكم الكهنة‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)86/1‬‬

‫املبحث السابع عشر‪ :‬األسينيون‪:‬‬


‫‪Essenes‬‬
‫لرقة بهودبة ببدو أهنا انقرضت مع القرن األول للميماد‪ ،‬وكان هذا أمرا طبيعيا ألن أتباعها عاشوا‬
‫نظا زهد وتنسك ورهبانية يف الكهوف واملغاور‪ ،‬واعتزلوا الناس‪ ،‬وكان هلم نظا حيا راص ال نساء‬
‫ليه‪.‬‬
‫كانوا بضمون إىل مجاعتهم من أعرض عن الزواج‪ ،‬وبعيشون حيا مجاعية شبه اشرتاكية جلهة املوارد‬
‫واإلنفاق‪ ،‬على ضآلة ذلك‪ .‬وكانوا بقيمون بعيدا عن املدن يف مناطق ان ية‪ ،‬ومعاشهم من الرعي‬
‫والزراعة‪.‬‬
‫التز اإلسينيون نظا طهار قاس نسبيا حيث درجوا على االيتسال ابملاء البارد كل صباح شرط أن‬
‫بكون هذا املاء من منابعه مباشر ‪ .‬عاشوا حيا َتمل مقرونة هبذا الزهد مع االهتما اباليتسال‪.‬‬
‫‪O‬موسوعة األداين امليسر ‪ -‬ص ‪85‬‬

‫(‪)87/1‬‬

‫املبحث الثامن عشر‪ :‬عصبة محلة اَخناجر‪Sicarii :‬‬


‫عصبة اَخناجر ترمجة لكلمة (سيكاري) املنسوبة إىل كلمة (سيكا) الماتينية‪ ،‬اليت تعين اَخنجر‪ .‬و‬
‫(سيكاربوس ‪ )sicarius‬كلمة مفرد تعين (حامل اَخنجر) ومجعها (سيكاربي ‪ .)sicarii‬وعصبة‬
‫اَخناجر مجاعة متطرلة من الغيوربن الذبن كانوا بدورهم مجاعة متطرلة من الفربسيني‪ ،‬وقد كانوا‬
‫خيبئون رناجرهم حتت عباءاهتم ليبايتوا أعداءهم يف األماكن العامة وبقتلوهم‪ .‬وأثناء التمرد اليهودي‬
‫األول ضد الرومان (‪ 66‬ـ ‪ ،) 70‬بْقال إهنم كانوا حتت قياد مناحم اجلليلي‪ ،‬وأهنم هم الذبن أحرقوا‬
‫منزل الكاهن األعظم أاننياس‪ ،‬وقصري أجرببا الثاين وأرته بَرنيكي عشيقة تيتوس‪ .‬كما أحرقوا‬
‫سجمات الدبون حىت بنضم الفقراء املدبنون إليهم‪ .‬وقد أدَّى نشاطهم إىل لرار األرستقراطيني اليهود‪.‬‬
‫ولكن اجلماهَر‪ ،‬بقياد الغيوري املعتدل إليعازر بن حنانيا من حزب القدس‪ ،‬متردت على املتطرلني‬
‫وقتلت زعيمهم مناحم اجلليلي‪ ،‬لفرت للوهلم‪ .‬وبْقال إن اجلماعة اليت جلأت إىل ماسادا‪ ،‬وأابدت‬
‫اجلالية الرومانية بعد استسمامها‪ ،‬من أعضاء عصبة اَخناجر‪ .‬وامة رأي آرر برى أن مجاعة إليعازر بن‬
‫جابر كانت معادبة هلم‪ ،‬ولكنها ارتلفت معهم بشكل ممقت‪.‬‬
‫وببدو أنه كان بوجد دارل حركة الغيوربن جناحان‪ :‬جناح متطرف هو عصبة اَخناجر‪ ،‬وجناح‬
‫القدس‪ ،‬وبشار إىل أعضاء هذا اجلناح ابسم (الغيوربن)‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)88/1‬‬

‫املبحث التاسع عشر‪ :‬الفقراء (اإلبيونيون)‪Ebionites :‬‬


‫الكلمة العرببة (إبيون) تعين (لقَر)‪ ،‬وهي كلمة ذات مدلول اقتصادي ومنها (اإلبيونيون)‪ ،‬وقد‬
‫أصبحت هذه الكلمة ذات تضمينات دبنية واستخدمها بعض أعضاء اجلماعات اليهودبة املسيحية‬
‫يف بدابة العصر املسيحي لإلشار إىل أنفسهم ابعتبار أهنم ورثة ِملكة الرب‪ .‬وقد تبع اإلبيونيون‬
‫الشربعة اليهودبة‪ ،‬وأصروا على أن املسيحيني ملزمون هبا‪ ،‬كما أهنم راعوا شعا ر السبت‪ .‬وقد رلض‬
‫معظمهم لكر ألوهية املسيح ووالدته العذربة‪ ،‬ولكنهم آمنوا أبنه املاشيَّح الذي ارتاره اإلله عند‬
‫تعميده‪ .‬ومن هنا كان تعميد املسيح موضوعا أساسيا يف إجنيل اإلبيونيني‪ .‬وقد اعترب اإلبيونيون تعاليم‬
‫بولس الرسول هرطقة حمضة‪ .‬وذهب لربق من اإلبيونيني مذهب الغنوصيني‪ ،‬لقالوا أبن املسيح هو‬
‫صلب عيسى‬
‫آد ‪ .‬وقال لربق آرر إنه الروح القدس حل ِبد ‪ ،‬مث ابخآابء‪ ،‬وأرَرا حل بعيسى‪ ،‬للما ْ‬
‫صعد الروح القدس‪ ،‬الذي هو املسيح‪ ،‬إىل السماء‪ .‬ومع اتساع اهلو بني اليهودبة واملسيحية‪،‬‬
‫ارتفت هذه اجلماعات يف هنابة القرن الرابع امليمادي‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)89/1‬‬

‫املبحث العشرون‪ :‬القبالة ‪Kabbale‬؛ الكاابال‪:‬‬


‫لرقة أو مذهب بهودي أساسه األلكار التلمودبة‪ ،‬حيث اعتمدوا لفهمها تفسَرات ابطنية‪ ،‬وقد‬
‫مسيت أول أمرها‪ :‬احلكمة املستورد ‪ ،‬ومن مث ابت امسها القبالة؛ والكلمة من أصل آرامي ومعناها‬
‫القبول أو تلقي الروابة الشفهية‪.‬‬
‫والشخصيات اليت تعود نشأ القبالة إليها‪ :‬مسعان بن بوشاي من القرن الثاين امليمادي‪ ،‬وقد ارتفى‬
‫حصل شكما‬
‫عن األنظار مد يف مغار ومن مث ررج عليهم ليقول‪ :‬إن أسرارا قد كشفت له‪ ،‬وأنه قد َّ‬
‫من الكشف أو اإلهلا ‪.‬‬
‫َتثرت القبالة بفلسفات هندبة ولارسية وبواننية إشراقية‪ ،‬كما أهنا أرذت بفكر االنتظار‪ .‬ولكر‬
‫القبالة شقت طربقها لعليا بني بهود بدءا من القرن الثالث عشر امليمادي‪ ،‬وقد ظهرت جمموعة‬
‫نصوص عندهم مجعوها يف كتاب أو سفر مسوه‪ :‬زوهار‪ .‬والزوهار كلمة آرامية معناها النور أو الضياء‪،‬‬
‫وقد دون الزوهار ابخآرامية موسى اللبوين (‪ ) 1305 – 1250‬يف إسبانيا‪ ،‬إال أن قسما كبَرا من‬
‫هذه النصوص تعود إىل القرن الثاين امليمادي مع مسعان بن بوشاي‪.‬‬
‫كل كلمة يف الزوهار وكل حرف حيمل‪ ،‬ابعتقاد القباليني‪ ،‬معىن ابطنيا ال بعرله سوى حاراماهتم‪،‬‬
‫وهلذا جعلوا من القبالة حركة ابطنية سربة‪ .‬وللسحر مكانة أساسية عندهم‪ ،‬وما ذلك إال العتقاد‬
‫أتباع القبالة أن السحر منزل من اَخالق عن طربق األنبياء الذبن نقلوه إىل احلكماء‪ ،‬وهذا طرح‬
‫يربب ومستغرب‪.‬‬
‫والقباليون بعتمدون التأمل الذي بقود صاحبه إىل أن بصبح منَرا‪ ،‬وقد اعتمدوا نصا من سفر دانيال‬
‫ليه‪( :‬وكثَرون من الراقدبن يف تراب األرض بستيقظون‪ ،‬بعضهم للحيا األبدبة وبعضهم للعار والرذل‬
‫األبدي‪ ،‬وبضيء العقماء كضياء اجللد‪ ،‬والذبن جعلوا كثَربن أبرارا كالكواكب إىل الدهر واألبد)‪ .‬إن‬
‫القبالة ال تزال منتشر بني اليهود إىل اليو ‪.‬‬
‫‪O‬موسوعة األداين امليسر – ص ‪402‬‬

‫(‪)90/1‬‬
‫املبحث احلادي والعشرون‪ :‬املغاربة ‪:Maghariya‬‬
‫املغاربة‪ :‬لرقة بهودبة ظهرت يف القرن األول امليمادي حسبما جاء يف القرقشاين‪ .‬وهذا االسم مشتق‬
‫من كلمة (مغار ) العربية‪ ،‬أي كهف‪ ،‬لاملغاربة إذن هم سكان الكهوف أو املغارات‪ ،‬وهذه إشار إىل‬
‫أهنم كانوا خيزنون كتبهم يف الكهوف للحفاظ عليها‪ ،‬وببدو أهنا لرقة ينوصية‪ ،‬إذ بذهب املغاربة إىل‬
‫أن اإلله متسا إىل درجة أنه ال تربطه أبة عماقة ابملاد (لهو بشبه اإلله اَخفي يف املنظومة الغنوصية)‪،‬‬
‫وهلذا لإن اإلله مل خيلق العامل‪ ،‬وإَنا رلقه مماك بنوب عن اإلله يف هذا العامل‪ .‬وقد كتب أتباع هذه‬
‫الفرقة تفسَراهتم اَخاصة للعهد القدمي وذهبوا إىل أن الشربعة واإلشارات اإلنسانية إىل اإلله إَنا هي‬
‫إشارات هلذا املماك الصانع‪ .‬وقد قرن بعض العلماء املغاربة ابألسينيني والثَرابيواتي‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)91/1‬‬

‫املبحث الثاين والعشرون‪ :‬املعاجلون (ثَرابيواتي)‪Therapeutae :‬‬


‫املعاجلون‪ :‬ترمجة لكلمة (ثَرابيواتي) املأروذ من الكلمة اليواننية (ثَرايب) أي (العماج)‪ ،‬وتعين‬
‫(املعاجلون)‪ .‬واملعاجلون (ثَرابيواتي) لرقة من الزهاد اليهود تشبه األسينيني استقرت على شواطئ‬
‫حبَر مربوط قرب اإلسكندربة يف القرن األول امليمادي‪ ،‬وبشبه أسلوب حياهتم أسلوب األسينيني وإن‬
‫كانوا أكثر تشددا منهم‪ .‬وقد كانت لرقة املعاجلني تضم أشخاصا من اجلنسني‪ ،‬وأورد ليلون يف كتابه‬
‫كل ما بعرله عنهم‪ ،‬ليذكر إلراطهم يف الزهد ويف التأمل وحبثهم الدا ب عن املعىن الباطين للنصوص‬
‫اليهودبة املقدَّسة‪ .‬كما بذكر ليلون أهنم كانوا بهتمون بدراسة األرقا ومضموهنا الرمزي والروحي‪ ،‬كما‬
‫كانوا بقضون بومهم كله يف العباد والدراسة والتدربب على الشعا ر‪ .‬أما الولاء حباجة اجلسد‪ ،‬للم‬
‫بكن بتم إال يف الظما (وهو ما قد بوحي أبصول ينوصية)‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)92/1‬‬
‫املبحث الثالث والعشرون‪ :‬املستحمون يف الصباح (هيمَرواببتست)‪Hemerobaptists :‬‬
‫املستحمون يف الصباح‪ :‬ترمجة للكلمة اليواننية (طوبلحاشحربت) أو (هيمَرواببتست) واملستحمون‬
‫يف الصباح لرقة بهودبة أسينية كان طقس التعميد ابلنسبة إليها أهم الشعا ر‪ .‬ولذا‪ ،‬لقد كان هذا‬
‫ارس بينهم كل بو بدال من مر واحد يف حيا اإلنسان‪ .‬كما أهنم كانوا بتطهرون قبل‬
‫الطقس ْمي َ‬
‫النطق ابسم اإلله ‪ ...‬وقد ظلت بقااي من هذه الفرقة حىت القرن الثالث امليمادي‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري – بتصرف – موقع املسَري‬

‫(‪)93/1‬‬

‫املبحث الرابع والعشرون‪ :‬عبد اإلله الواحد (هبسسرتبون) ‪:Hypsisterion‬‬


‫عبد اإلله الواحد‪ :‬ترمجة للكلمة اليواننية (هبسسرتبون)‪ .‬وعبد اإلله الواحد هم لرقة شبه بهودبة‬
‫كانت تعبد اإلله الواحد األمسى (واالسم مشتق من كلمة بواننية هلا هذا املعىن)‪ .‬وقد كان أعضاء‬
‫هذه الفرقة بعيشون على مضيق البسفور يف القرن األول امليمادي وظلت قا مة حىت القرن الرابع‪.‬‬
‫ومن الشعا ر اليهودبة اليت حالظوا عليها شعا ر السبت والطعا ‪ ،‬وكانت عندهم شعا ر وثنية مثل‬
‫تعظيم النور واألرض والشمس‪ ،‬ورصوصا النار‪ ،‬ومع هذا بْقال إن األمر مل بصل هبم قط إىل درجة‬
‫تقدبس النار كما هو احلال مع اجملوس‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)94/1‬‬

‫املبحث اَخامس والعشرون‪ :‬البناءون (بنا يم)‪Banaaim :‬‬


‫البناءون‪ :‬ترمجة لكلمة (بنا يم)‪ .‬والبناءون لرقة بهودبة صغَر ظهرت يف للسطني يف القرن الثاين‬
‫امليمادي‪ .‬ومعىن الكلمة يَر معروف بصور حمدد ‪ ،‬ليذهب بعض العلماء إىل أن االسم مشتق من‬
‫كلمة (بنا) مبعىن (ببين)‪ ،‬وأن أتباع هذه الفرقة علماء بكرسون جل وقتهم لدراسة تكوبن العامل‬
‫(كوزمولوجي)‪ .‬وبذهب آررون إىل أن (البنا يم) لرع من األسينيني‪ .‬وبذهب لربق اثلث إىل أن االسم‬
‫مشتق من كلمة بواننية مبعىن (محا ) أو (املستحمون)‪ .‬وبذهب لربق رابع إىل أهنم أتباع الراهب‬
‫األسيين ابنوس‪ .‬ولعل ربط البنا يم ابألسينيني برجع إىل اهتمامهم البال بشعا ر الطهار واحلفاظ على‬
‫نظالة ممابسهم‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية – لعبد الوهاب املسَري ‪ -‬موقع املسَري‬

‫(‪)95/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التورا والكتب امللحقة هبا‪:‬‬


‫تعربف التورا ‪:‬‬
‫التورا ‪ :‬كلمة عربانية تعين الشربعة أو الناموس‪ ،‬وبراد هبا يف اصطماح اليهود‪ :‬مخسة أسفار بعتقدون‬
‫أن موسى عليه السما كتبها بيده‪ ،‬وبسموهنا (بنتاتوك) نسبة إىل (بنتا) وهي كلمة بواننية تعين مخسة‪،‬‬
‫أي‪ :‬األسفار اَخمسة‪ ،‬وهذه األسفار هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬سفر التكوبن‪ :‬وبتحدث عن رلق السموات واألرض‪ ،‬وآد ‪ ،‬واألنبياء بعده إىل موت بوسف‬
‫عليه السما‬
‫‪ - 2‬سفر اَخروج‪ :‬وبتحدث عن قصة بين إسرا يل من بعد موت بوسف عليه السما إىل رروجهم‬
‫من مصر‪ ،‬وما حدث هلم بعد اَخروج مع موسى عليه السما ‪.‬‬
‫‪ - 3‬سفر الماوبني‪ :‬وهو نسبة إىل الوي بن بعقوب‪ ،‬الذي من نسله موسى وهارون عليهما السما ‪،‬‬
‫وأوالد هارون هم الذبن ليهم الكهانة‪ ،‬أي‪ :‬القيا ابألمور الدبنية‪ ،‬وهم املكلفون ابحملالظة على‬
‫الشربعة وتعليمها الناس‪ ،‬وبتضمن هذا السفر أمورا تتعلق هبم وبعض الشعا ر الدبنية األررى‪.‬‬
‫بعد بين إسرا يل‪ ،‬وبتضمن توجيهات‪ ،‬وحوادث حدثت من بين إسرا يل‬ ‫‪ - 4‬سفر العدد‪ :‬وهو معينٌّ غ‬
‫بعد اَخروج‪.‬‬
‫‪ - 5‬سفر التثنية‪ :‬وبعين تكربر الشربعة‪ ،‬وإعاد األوامر والنواهي عليهم مر أررى‪ ،‬وبنتهي هذا‬
‫السفر بذكر موت موسى عليه السما وقربه‪ ،‬وقد بطلق النصارى اسم التورا على مجيع أسفار العهد‬
‫القدمي‪.‬‬
‫أما يف اصطماح املسلمني لهي‪ :‬الكتاب الذي أنزله هللا على موسى عليه السما نورا وهدى لبين‬
‫إسرا يل‪.‬‬
‫أما الكتب امللحقة ابلتورا لهي‪ :‬أربعة وثماثون سفرا‪ ،‬حسب النسخة الربوتستانتية‪ ،‬ليكون جمموعها‬
‫مع التورا تسعة وثماثني سفرا‪ ،‬وهي اليت تسمى العهد القدمي لدى النصارى‪ ،‬وميكن تقسيمها إىل‬
‫مخسة أقسا ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬األسفار اَخمسة املنسوبة إىل موسى عليه السما‬
‫اثنيا‪ :‬األسفار التارخيية‪ ،‬وهي ثماثة عشر سفرا‪:‬‬
‫‪ - 1‬بشوع ‪ - 2‬القضا ‪ - 3‬راعوث ‪ - 4‬صمو يل األول ‪ - 5‬صمو يل الثاين ‪ - 6‬امللوك األول‬
‫‪ - 7‬امللوك الثاين ‪ - 8‬أربار األاي األول ‪ - 9‬أربار األاي الثاين ‪ - 10‬عزرا ‪ - 11‬حنميا ‪- 12‬‬
‫إستَر ‪ - 13‬بوانن (بونس عليه السما )‪.‬‬
‫وهذه األسفار حتكي قصة بين إسرا يل من بعد موسى عليه السما إىل ما بعد العود من السَب‬
‫البابلي إىل للسطني‪ ،‬وإقامتهم للهيكل مر أررى بعد تدمَره‪ ،‬ماعدا سفري أربار األاي األول‬
‫والثاين‪ ،‬لإهنا تعيد قصة بين إسرا يل‪ ،‬وتبتدئ بذكر مواليد آد على سبيل االرتصار إىل السنة األوىل‬
‫مللك الفرس قورش‪ ،‬وكذلك سفر بوانن (بونس عليه السما ) حيكي قصته مع أهل نينوى الذبن‬
‫أرسل إليهم‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أسفار األنبياء وهي مخسة عشر سفرا‪:‬‬
‫‪ - 1‬أشعيا ‪ - 2‬إرميا ‪ - 3‬حزقيال ‪ - 4‬دانيال ‪ - 5‬هوشع ‪ - 6‬بوثيل ‪ - 7‬عاموس ‪ - 8‬عوبداي‬
‫‪ - 9‬ميخا ‪ - 10‬انحو ‪ - 11‬حبقوق ‪ - 12‬صفنيا ‪ - 13‬حجى ‪ - 14‬زكراي ‪ - 15‬ممارى‪.‬‬
‫وهذه األسفار بغلب عليها طابع الرؤى‪ ،‬والتنبمات مبا سيكون من حال بين إسرا يل‪ ،‬وحال الناس‬
‫معهم‪ ،‬وليها هتدبدات لبين إسرا يل‪ ،‬ووعود ابلعود والنصر‪ .‬والذبن نسبت إليهم هذه األسفار هم‬
‫ِمن كانوا زمن السَب إىل اببل وبعده‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أسفار احلكمة والشعر (األسفار األدبية)‪.‬‬
‫وهي مخسة أسفار‪:‬‬
‫‪ - 1‬أبوب ‪ - 2‬األمثال ‪ - 3‬اجلامعة ‪ - 4‬نشيد اإلنشاد ‪ - 5‬مراثي إرميا‪.‬‬
‫رامسا‪ :‬سفر االبتهاالت واألدعية سفر واحد‪ ،‬وهو سفر املزامَر املنسوب إىل داود عليه السما ‪.‬‬
‫هذه أسفار النسخة العربانية املعتمد لدى اليهود والربوتستانت من النصارى‪.‬‬
‫أما النصارى الكاثوليك‪ ،‬واألرثوذكس ليعتمدون النسخة اليواننية‪ ،‬وهي تزبد على العربانية بسبعة‬
‫أسفار هي‪ :‬سفر طوبيا‪ ،‬وبهودبت‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬وبشوع بن سَراخ‪ ،‬وابروخ‪ ،‬واملكابيني األول واملكابيني‬
‫الثاين‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪76‬‬

‫(‪)96/1‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعربفه‪:‬‬
‫التلمود هو‪ :‬تعليم داينة وآداب اليهود‪ ،‬وهو بتكون من جز ني‪:‬‬
‫منت‪ :‬وبسمى املشنا ‪ :‬مبعىن املعرلة أو الشربعة املكرر ‪.‬‬
‫شرح‪ :‬وبسمى مجارا‪ :‬ومعناه اإلكمال‪.‬‬

‫(‪)97/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬تدوبن التلمود‪:‬‬


‫سرا جيما‬
‫التلمود هو القانون أو الشربعة الشفهية اليت كان بتناقلها احلارامات الفربسيون من اليهود ًّ‬
‫بعد جيل‪.‬‬
‫مث إهنم َخولهم عليها من الضياع دونوها‪ ،‬وكان تدوبنها يف القرنني األول والثاين بعد امليماد‪ ،‬وأطلق‬
‫ت هذه الشروح يف‬ ‫عليها اسم (املشنا )‪ ،‬مث شرحت ليما بعد هذه املشنا ‪ ،‬ومسي الشرح (مجارا) وأْلغَف ي‬
‫لرت طوبلة‪ ،‬امتدت من القرن الثاين بعد امليماد إىل أوارر السادس بعد امليماد‪.‬‬
‫وتعاقب على الشرح حارامات اببل‪ ،‬وحارامات للسطني‪ ،‬مث ْغمسي املنت‪ -‬وهو املشنا ‪ -‬مع‬
‫الشرح‪ -‬وهي مجار‪( -‬التلمود)‪ ،‬وما كان عليه تعليقات وشرح حارامات اببل مسي تلمود اببل‪ ،‬وما‬
‫كان عليه شروح حارامات للسطني ْغمسي تلمود للسطني‪.‬‬

‫(‪)98/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬تقدبس اليهود له‪:‬‬


‫التلمود بقدسه وبعظمه الفربسيون من اليهود‪ ،‬وابقي الفرق تنكره‪ ،‬وكما تقد يف تدوبنه لإن‬
‫احلارامات الفربسيني هم الذبن دونوه وتناقلوه‪ ،‬والفربسيون هم أكثر لرق اليهود يف املاضي‬
‫واحلاضر‪ ،‬وهم برون أن التلمود له قدسية‪ ،‬وأنه من عند هللا بل برون أنه أقدس من التورا ‪ .‬ليقولون‬
‫ليه‪( :‬إن من درس التورا لعل لضيلة ال بستحق املكالأ عليها‪ ،‬ومن درس املشنا لعل لضيلة‬
‫بستحق املكالأ عليها‪ ،‬ومن درس اجلمار لعل أعظم لضيلة)‪.‬‬
‫لالتلمود على هذا هو كتاب مقدس عندهم‪ ،‬وله أثر كبَر يف نفسية اليهود املفسد الفاسد ‪.‬‬
‫(‪)99/1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬مباد ه ورطره على يَر اليهود‪:‬‬


‫التلمود له مبادئ لاسد ورطر ‪ ،‬نذكر بعضا منها؛ لتتضح نظر اليهود إىل أنفسهم وإىل يَرهم‪ ،‬لمن‬
‫مباد ه‪:‬‬
‫‪ - 1‬كمامهم عن هللا عز وجل‪:‬‬
‫وصف اليهود هللا عز وجل بصفات النقص‪ ،‬تعاىل هللا عن قوهلم‪.‬‬
‫جل‬
‫لمن ذلك زعمهم أن هللا عز وجل‪ ،‬شغله هو تعلم التلمود مع املما كة‪ ،‬واللعب مع احلوت‪ ،‬وأنه َّ‬
‫يم [األنعا ‪.]139:‬‬ ‫وعما ببكي ألجل ما حل ابليهود من التعاسة سيج غزب غهم وص َفهم إغنَّه غح غك غ‬
‫يم َعل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ََ ي ي َ ي ْ ي ْ‬
‫‪ - 2‬كمامهم عن أنفسهم‪:‬‬
‫بهوداي لكأَنا‬
‫ًّ‬ ‫بزعم اليهود أن أرواحهم جزء من هللا‪ ،‬وأهنم عند هللا أرلع من املما كة‪ ،‬وأن من بضرب‬
‫ضرب العز اإلهلية‪ ،‬وأهنم مسلطون على أموال ابقي األمم ونفوسهم؛ ألهنا يف الواقع أموال اليهود‪،‬‬
‫لإذا اسرتد اإلنسان ماله لما لو عليه‪ ،‬وأن الناس إَنا رلقوا ألجلهم وَخدمتهم‪ ،‬ولليهودي إذا عجز‬
‫عن مقاومة الشهوات أن بسلم نفسه إليها‪ ،‬وأن اجلنة ال بدرلها إالَّ اليهود‪.‬‬
‫‪ - 3‬موقفهم من يَرهم‪:‬‬
‫أن أرواح يَر اليهود أرواح شيطانية‪ ،‬وشبيهة أبرواح احليواانت‪ ،‬وأهنم مثل الكماب واحلمَر‪ ،‬وإَنا‬
‫رلقوا على هيئة اإلنسان حىت بكونوا ال قني خبدمة اليهود‪.‬‬
‫ال جيوز لليهودي أن بشفق على يَر اليهودي‪ ،‬وال أن برمحه وال بعينه‪ ،‬بل إذا وجده واقعا يف حفر‬
‫سدها عليه‪ ،‬وحير على اليهودي أن برد لغَر اليهود ما لقد منهم‪ ،‬وحير على اليهودي أن بقرض يَر‬
‫اليهودي إالَّ ابلراب‪ ،‬وزعموا أن هللا أمرهم بذلك‪ ،‬والزان بغَر اليهودي ذكورا أو إاناث جا ز وال عقاب‬
‫عليه‪ ،‬وعلى اليهودي أن بسعى إىل قتل الصاحلني من يَر اليهود‪.‬‬
‫إن اجلحيم مأوى مجيع الناس يَر اليهود‪ ،‬وأنه أوسع من اجلنة بستني مر ‪.‬‬
‫الرتاؤهم على املسيح عليه السما وأمه مرمي‪ ،‬وقوهلم عليها هبتاان عظيما‪.‬‬
‫هذه بعض مبادئ التلمود‪ ،‬وهي تصور لناظره واملطلع عليه رطور هذه التعاليم‪ ،‬وأن هلا أثرا واضحا‬
‫أعداء اإلنسانية وأعداء الفضيلة واَخَر والتسامح‪،‬‬
‫َ‬ ‫يف اليهود السابقني والماحقني‪ ،‬حيث جعلتهم حبق‬
‫وجل ابلفساد والفجور واإللساد يف األرض والقتل‪ ،‬سواءٌ يف‬
‫عز َّ‬
‫وأعداء األداين‪ ،‬واملتقربني إىل هللا َّ‬
‫ذلك إبزهاق الروح‪ ،‬أو إبزهاق اَخلق والدبن يف نفوس أصحابه‪ ،‬لهم املرتبصون ابلبشربة‪ ،‬والناظرون‬
‫إليها بعني احلقد واحلسد والتكرب والتجرب‪ ،‬بستغلون كل مناسبة لصاحلهم‪ ،‬وحياولون أن بزبدوا من وقع‬
‫املصيبة على املنكوبني واملوتوربن‪.‬‬
‫وإذا مل بنتبه املسلمون وبعوا هذه احلقا ق وبتعرلوا على هذه النفسيات املنحرلة‪ ،‬ليعتصموا ابهلل‬
‫وبعاملوا أعداءه مبا بستحقون لسيفيقون على سيطر اليهود عليهم وحتكمهم هبم وحرلهم عن ما‬
‫تبقى هلم من دبنهم‪ ،‬وبفعلون هبم ما لعلوا ابلعامل األوريب واألمربكي ويَرهم من الدول اليت سيطروا‬
‫على حكوماهتا‪ ،‬مث سيطروا ابلتاِل على شعوهبا‪ ،‬لنشروا كل رذبلة ورلق منحط‪ ،‬وأزالوا كل هيمنة‬
‫للدبن على النفوس بنشر اإلحلاد وحماربة الفضيلة‪ ،‬لحققوا بذلك مآرهبم املادبة اليت يف الواقع‬
‫مطلبهم األول واألرَر‪ ،‬واليهود ال زالوا ال بستطيعون أن بظهروا سيطرهتم الفعلية ابمسهم وابلشخصية‬
‫احلقيقية هلم؛ إذ حيكمون من وراء ستار‪ ،‬لهل بكشفون عن أنفسهم أ بكتفون مبا حققوا من‬
‫مكاسب مادبة وإشباع لريبتهم يف الفساد واإللساد؟‬
‫وال بد أن بعلم أن رابة الباطل ال ترتفع وال تظهر إال يف رقد احلق ويفلة أهله‪ ،‬ومىت ألاق أهل احلق‬
‫للن بكون للباطل صولة وال جولة‪.‬‬
‫وهللا نسأل أن بلهم املسلمني الرجوع إىل دبنه‪ ،‬وأن بعتز أهل اإلسما إبسمامهم ليعرلوا حقيقته‬
‫وقيمته‪ ،‬لينشطوا يف الدعو إليه؛ ليخرجوا بذلك الناس من الظلمات إىل النور‪ ،‬وهللا يالب على أمره‬
‫ولو كره املشركون‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪122‬‬

‫(‪)100/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫الربوتوكوالت ال تعترب من املصادر الدبنية لدى اليهود‪ ،‬وإَنا هي نتاج التحربف املوجود يف التورا ‪،‬‬
‫واألكاذبب والضماالت املوجود يف التلمود‪ ،‬وهي تعترب َمططا تطبيقيًّا ألهداف صهابنة اليهود‪.‬‬

‫(‪)101/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تعربفها‪:‬‬


‫الربوتوكوالت‪ :‬مجع‪ ،‬واحده بروتوكول‪ ،‬وهو كلمة إجنليزبة معناه‪ :‬حمضر مممتر‪ ،‬مسود أصلية ‪-‬‬
‫ملحق معاهد ‪ -‬إخل‪.‬‬
‫واملراد بـ (بروتوكوالت حكماء صهيون)‪ :‬واث ق حماضر ألقاها زعيم صهيوين على جمموعة من‬
‫الصهابنة؛ ليستأنسوا هبا‪ ،‬وبسَروا عليها يف إرضاعهم للعامل والسيطر عليه‪.‬‬

‫(‪)102/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬ظروف تدوبنها‪:‬‬


‫الذي بظهر أن هذه الواث ق (الربوتوكوالت) عرضت على زعماء الصهابنة يف املممتر الذي عقد يف‬
‫مدبنة ‪ -‬ابل‪ -‬يف سوبسرا سنة (‪ ، )1897‬وكان قد حضر هذا املممتر حنو ثمااما ة من أعىت‬
‫الصهابنة‪ ،‬ميثلون مخسني مجعية بهودبة‪ ،‬وال بعرف هلا كاتب معني‪.‬‬

‫(‪)103/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الغرض منها‪:‬‬


‫هو اطماع الصهابنة على اَخطة اليت بستعبدون هبا العامل‪ ،‬مث كيف حيكمونه إذا وقع حتت سيطرهتم‪.‬‬
‫د‪ -‬اكتشاف هذه الواث ق وانتشارها‪:‬‬
‫اكتشفت هذه الواث ق (الربوتوكوالت) يف سنة (‪ , )1901‬وذلك أن امرأ لرنسية اطلعت على هذه‬
‫الواث ق أثناء اجتماعها بزعيم من أكابر رؤساء الصهابنة يف وكر من أوكار املاسونية السربة يف ابربس‪،‬‬
‫لاستطاعت هذه املرأ أن ختتلس بعض هذه الواث ق مث تفر هبا‪ ،‬وهي املوجود اخآن بني أبدبنا‪.‬‬
‫ووصلت هذه الواث ق إىل (أليكس نيقوال ليتش) ‪ -‬كبَر أعيان روسيا الشرقية يف عهد القيصربة‪-‬‬
‫وكانت روسيا يف ذلك الوقت تشهد محمات شدبد على اليهود بسبب لسادهم وممامراهتم‪.‬‬
‫للما رآها هذا الرجل أدرك رطورهتا على بماده وعلى العامل أمجع‪ ،‬لدلعها إىل صدبق له أدبب روسي‬
‫وتبني رطورهتا‪ ،‬لرتمجها إىل اللغة الروسية‪ ،‬وقد هلا مبقدمة تنبأ ليها‬
‫امسه (سرجي نيلوس) لدرسها َّ‬
‫مقرا لنشر‬
‫استبداداي‪ ،‬واختاذها ًّ‬
‫ًّ‬ ‫بسقوط روسيا القيصربة بيد الشيوعية الفوضوبة‪ ،‬وحكمها حكما‬
‫القماقل واملمامرات يف العامل‪.‬‬
‫وكذلك سقوط اَخمالة اإلسمامية‪ ،‬وَتسيس دولة إسرا يل يف للسطني‪ ،‬وسقوط امللكيات يف أوراب‪،‬‬
‫وإاثر حروب عاملية بهلك ليها الطرلان‪ ،‬وال بستفيد منها سوى اليهود‪.‬‬
‫وكذلك نشر األزمات االقتصادبة‪ ،‬وبنيان االقتصاد على أساس الذهب الذي حيتكره اليهود‪ ،‬ويَر‬
‫ذلك‪.‬‬
‫جن‬
‫لطبع الكتاب ألول مر يف سنة (‪ , )1902‬ابللغة الروسية نسخا قليلة‪ ،‬للما رآها اليهود َّ‬
‫جنوهنم‪ ،‬ومحلوا ضد الكتاب محمات مسعور بتنصلون من الكتاب‪ ،‬لكن الواقع كان بمكد أن نسبة‬
‫الكتاب إليهم صحيحة‪ ،‬ومحلت عليهم روسيا القيصربة بسببه محلة شدبد حىت قتل منهم يف إحدى‬
‫املذابح عشر آالف‪.‬‬
‫وطبع الكتاب مر أررى يف سنة (‪ ) 1905‬ونفدت هذه الطبعة بسرعة يرببة ووسا ل رفية؛ ألن‬
‫اليهود مجعوا النسخ من األسواق وأحرقوها‪.‬‬
‫وطبع أبضا سنة (‪ , )1911‬لنفدت نسخه على النحو السابق‪.‬‬
‫وطبع سنة (‪ , )1917‬لصادره الشيوعيون؛ ألهنم كانوا قد استلموا زما احلكم يف روسيا‪ ،‬وأسقطوا‬
‫الدولة القيصربة‪.‬‬
‫وكانت نسخة من الطبعة الروسية سنة (‪ , )1905‬وصلت إىل املتحف الرببطاين يف لندن‪ ،‬ورتم‬
‫عليها خبامته سنة (‪. )1906‬‬
‫وبقيت النسخة مهملة حىت قيا االنقماب الشيوعي يف روسيا سنة (‪ , )1917‬لطلبت جربد‬
‫(املورنن بوست) من مراسلها (لكتور مادسون) أن بواليها أبربار االنقماب‪ ،‬لقا ابالطماع على‬
‫عد كتب روسية‪ ،‬وكان من بينها كتاب (الربوتوكوالت) الذي ابملتحف‪ .‬لحني رآه قدَّر رطره‪ ،‬ورأى‬
‫نبوء انشره بوقوع القيصربة بيد الشيوعيني‪ ،‬لعكف على ترمجته إىل اإلجنليزبة‪ ،‬مث نشره ابللغة‬
‫اإلجنليزبة‪ ،‬وطبع مخس مرات كان آررها سنة (‪ , )1921‬مث مل جيرؤ انشر يف بربطانيا وأمربكا على‬
‫نشره‪.‬‬
‫ومع حماوالت اليهود احتواء الكتاب‪ ،‬إال أنه طبع بلغات كثَر منها األملانية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬واإلبطالية‪،‬‬
‫والبولونية‪.‬‬
‫ومن طبعة (‪ , )1921‬اإلجنليزبة ترجم الكتاب ألول مر إىل العربية‪ ،‬وطبع سنة (‪ , )1951‬على‬
‫بد مرتمجه األستاذ (حممد رليفة التونسي) وقد قد له مبقدمة شرح هبا اتربخ الكتاب‪ ،‬وذكر شيئا من‬
‫حال اليهود وحاهلم املعاصر وتغلغلهم يف كثَر من الدول‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪127‬‬

‫(‪)104/1‬‬
‫الفصل اَخامس‪ :‬اتربخ التورا ‪:‬‬
‫إن كل كتاب بستمد قيمته من قيمة صاحبه‪ ،‬والبد أن بثبت صحة نسبته إىل صاحبه‪ ،‬وإال لإنه بفقد‬
‫قيمته‪ ،‬والكتب املنزلة املقدسة تستمد قدسيتها من نسبتها إىل من جاءت من عنده‪ ،‬وهو هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬والبد لثبوت قدسيتها أن تثبت صحة نسبتها وسندها إىل هللا عز وجل‪ ،‬وما مل بثبت ذلك لإهنا‬
‫ال تكون مقدسة‪ ،‬ويَر واجبة القبول؛ إذ تكون عرضة للتحربف‪ ،‬والتبدبل‪ ،‬واَخطأ‪.‬‬
‫للهذا البد لنا أن نتعرف على حال التورا املنسوبة إىل موسى عليه السما ‪ ،‬وهي أهم جزء يف العهد‬
‫القدمي الذي بني بدي اليهود والنصارى من انحية إسنادها لنقول‪:‬‬
‫إن من نظر يف التورا واألسفار امللحقة هبا جيد ذكرا حمدودا ألسفار موسى اليت بسموهنا الشربعة‪ ،‬أو‬
‫سفر الرب‪ ،‬أو التورا ‪.‬‬
‫ومن رمال هذه املعلومات جند أن اليهود ذكروا‪:‬‬
‫دون مجيع األحكا وكتبها‪ ،‬وهي أحكا أعطيها شفهيًّا ويف هذا قالوا يف‬
‫‪ - 1‬أن موسى عليه السما َّ‬
‫(سفر اَخروج) (‪( :)3 /24‬لجاء موسى وحدث الشعب جبميع أقوال الرب ومجيع األحكا ‪ ،‬لأجاب‬
‫مجيع الشعب بصوت واحد‪ ،‬وقالوا‪ :‬كل األقوال اليت تكلم هبا الرب نفعل‪ .‬لكتب موسى مجيع أقوال‬
‫الرب ‪) ...‬‬
‫مث قالوا‪( :‬وأرذ كتاب العهد‪ ،‬وقرأ يف مسامع الشعب لقالوا‪ :‬كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له)‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن موسى أْعطي شربعة مكتوبة بيد هللا تعاىل‪ ،‬ويف هذا قالوا يف (سفر اَخروج) (‪)12 /24‬‬
‫(وقال الرب ملوسى‪ :‬اصعد إىل اجلبل‪ ،‬وكن هناك لأعطيك لوحي احلجار ‪ ،‬والشربعة‪ ،‬والوصية اليت‬
‫كتبتها لتعليمهم)‪.‬‬
‫مث ذكروا بعد هذا أن موسى عليه السما مكث أربعني بوما يف اجلبل‪ ،‬وذكروا شرا ع كثَر أعطيها‪،‬‬
‫وتكلم هللا هبا معه‪ ،‬مث يف هنابة ذلك ذكروا إعطاءه األلواح‪ ،‬ويف هذا قالوا يف (سفر اَخروج) (‪/31‬‬
‫‪( :)18‬مث أعطى موسى عند لرايه من الكما معه يف جبل سيناء لوحي الشهاد ‪ ،‬لوحي حجر‬
‫مكتوبني إبصبع هللا)‪ .‬ويف أثناء يياب موسى عليه السما عبد بنو إسرا يل العجل‪ ،‬للما عاد موسى‬
‫عليه السما ورأى قومه برقصون حول العجل ألقى األلواح لتكسرت‪ ،‬مث إن هللا سبحانه وتعاىل ليما‬
‫بذكر اليهود كتب له لوحني آرربن بدال عنها‪.‬‬
‫‪ - 3‬ذكر اليهود أن موسى عليه السما قبيل ولاته كتب التورا ‪ ،‬وأعطاها حلاملي التابوت‪ ،‬ويف هذا‬
‫قالوا يف (سفر التثنية) (‪( :)9 /31‬وكتب موسى هذه التورا ‪ ،‬وسلمها للكهنة من بين الوي حاملي‬
‫اتبوت عهد الرب‪ ،‬وجلميع شيوخ إسرا يل‪ ،‬وأمرهم موسى قا ما‪ :‬يف هنابة السبع السنني يف ميعاد سنة‬
‫الرباء يف عيد املظال حينما جييء مجيع إسرا يل؛ لكي بظهروا أما الرب إهلك يف املكان الذي خيتاره‪،‬‬
‫تقرأ هذه التورا ‪ ،‬أما كل إسرا يل يف مسامعهم)‪.‬‬
‫دون موسى عليه السما التورا لقالوا يف‬
‫مث ذكر اليهود يف رامتة هذا السفر السبب الذي ألجله َّ‬
‫(سفر التثنية) (‪( :)24 /31‬لعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التورا يف كتاب إىل متامها‪ ،‬أمر‬
‫موسى الماوبني حاملي اتبوت عهد الرب قا ما‪ :‬رذوا كتاب التورا هذا وضعوه جبانب اتبوت عهد‬
‫الرب إهلكم؛ ليكون هناك شاهدا عليكم؛ ألين أان عارف متردكم ورقابكم الصلبة‪ .‬هو ذا وأان بعد حي‬
‫معكم اليو قد صرمت تقاومون الرب لكم ابحلرى بعد موِت)‪.‬‬
‫‪ - 4‬ذكر اليهود يف سفر بشوع أن بشوع (بوشع) كتب التورا مر أررى على أحجار املذبح حسب‬
‫وصية موسى عليه السما ‪ ،‬ويف هذا قالوا‪( :‬حينئذ بىن بشوع مذحبا للرب إله إسرا يل يف جبل عيبال‬
‫‪ ...‬وكتب هناك على احلجار نسخة تورا موسى اليت كتبها أما بين إسرا يل ‪ ...‬وبعد ذلك قرأ مجيع‬
‫كما التورا الربكة واللعنة‪ ،‬حسب كل ما كتب يف سفر التورا )‪.‬‬

‫(‪)105/1‬‬

‫‪ - 5‬انقطع بعد هذا ذكر التورا ورربها‪ ،‬لما بذكر اليهود يف كتاهبم التورا اليت كتبها موسى‪ ،‬وال ما‬
‫كتبه بشوع على حجار املذبح‪ ،‬وإَنا ذكروا التابوت الذي وضع موسى عليه السما ليه التورا ‪ ،‬وأن‬
‫هذا التابوت استوىل عليه األعداء يف زمن النَب صمو يل يف قوهلم‪ ،‬مث أعيد إليهم بعد سبعة أشهر‪،‬‬
‫لجعلوه يف قربة بسموهنا بعارمي‪ .‬وبقي هناك ليما ذكروا عشربن عاما إىل أن جاء داود عليه السما‬
‫لأصعده من هناك إىل أورشليم‪ ،‬وجعله يف ريمة‪ ،‬مث نقله سليمان عليه السما إىل اهليكل الذي بناه‪،‬‬
‫وجعله يف قدس األقداس ليما بقولون‪ ،‬وكانوا بستقبلونه يف الصما ‪.‬‬
‫وقد ذكروا أن سليمان عليه السما حني لتح التابوت مل بكن ليه سوى لوحي احلجر اللذبن وضعهما‬
‫موسى عليه السما ‪ ،‬لأبن ذهبت نسخة التورا اليت نسخها موسى عليه السما ووضعها يف التابوت؟‬
‫هذا ماال جيد اليهود وال النصارى جوااب له‪.‬‬
‫‪ - 6‬بعد سليمان عليه السما انقسمت دولة بين إسرا يل إىل قسمني‪:‬‬
‫دولة إسرا يل يف الشمال‪ :‬وهي حتت حكم بربعا بن نباط‪ ،‬وعاصمتها انبلس‪.‬‬
‫ودولة بهوذا يف اجلنوب‪ ،‬وهي حتت حكم رحبعا بن سليمان‪ ،‬وعاصمتها أورشليم‪.‬‬
‫وذكر اليهود حادثة يف زمن رحبعا ‪ ،‬هلا داللتها املهمة‪ :‬وهي أن رحبعا ترك شربعة الرب هو وكل‬
‫إسرا يل‪ ،‬وذلك بعين احنرالهم عن الدبن لهامجهم لرعون مصر يف ذلك الزمن‪ ،‬واستباح دايرهم‪ ،‬ويف‬
‫هذا قالوا يف (سفر امللوك األول) (‪( :)22 /14‬وعمل بهوذا الشر يف عيين الرب‪ ،‬وأياروه أكثر من‬
‫مجيع ما عمل آابؤهم خبطاايهم اليت أرطأوا هبا‪ ،‬وبنوا ألنفسهم مرتفعات‪ ،‬وأنصااب‪ ،‬وسواري على كل‬
‫تل مرتفع‪ ،‬وحتت كل شجر رضراء‪ ،‬وكان أبضا مأبونون يف األرض لعلوا حسب كل أرجاس األمم‬
‫الذبن طردهم الرب من أما بين إسرا يل‪ .‬ويف السنة اَخامسة للملك رحبعا صعد شيشق ملك مصر‬
‫إىل أورشليم‪ ،‬وأرذ مجيع رزا ن بيت الرب‪ ،‬ورزا ن بيت امللك‪ ،‬وأرذ كل شيء‪ ،‬وأرذ مجيع أتراس‬
‫الذهب اليت عملها سليمان)‪.‬‬
‫ويف (سفر أربار األاي الثاين) (‪ )1 /12‬وصفوا شيشق‪ ،‬وما معه من قو مبا بلي‪( :‬ويف السنة‬
‫اَخامسة للملك رحبعا صعد شيشق ملك مصر على أورشليم‪ -‬ألهنم رانوا الرب‪ -‬أبلف وما يت‬
‫مركبة‪ ،‬وستني ألف لارس‪ ،‬ومل بكن عدد للشعب الذبن جاؤوا معه من مصر‪ ،‬لوبيني وسكيني‬
‫وكوشيني‪ ،‬وأرذ املدن احلصينة اليت ليهوذا‪ ،‬وأتى إىل أورشليم ‪.) ...‬‬
‫لهذا النص ليه داللة واضحة على أن عاصمة اليهود الدبنية استباحها لرعون مصر‪ ،‬واستوىل على ما‬
‫ليها‪ ،‬وهذا بدل على أن اليهود لقدوا التورا يف هذه احلادثة حيث مل بشر كتاهبم املقدس إليها بعد‬
‫هذا إال يف زمن امللك بوشيا‪ ،‬أي‪ :‬بعد ما بقارب ثماثة قرون وزايد ‪ ،‬كما سيأِت بيانه يف الفقر التالية‪،‬‬
‫كما أن التابوت بنتهي رربه بعد هذه احلادثة إىل زمن امللك بوشيا أبضا‪ ،‬حيث طلب من الماوبني أن‬
‫جيعلوا التابوت يف البيت الذي بناه النَب سليمان عليه السما ‪ ،‬مث بنقطع بعد هذا رربه إىل بومنا هذا‪،‬‬
‫ولعله كان ِما دمره خبتنصر يف يزوه لبيت املقدس‪.‬‬
‫‪ - 7‬بزعم اليهود أن امللك بوشيا الذي توىل امللك يف بهوذا بعد سليمان عليه السما مبا بقارب‬
‫(‪ )340‬عاما‪ ،‬وقبيل يزو خبتنصر لدولة بهوذا وتدمَرها مر أررى وجد سفر الشربعة‪ ،‬وهذا نص‬
‫كمامهم‪( :‬ويف السنة الثامنة عشر للملك بوشيا‪ ،‬أرسل امللك شالان بن أصليا بن مشما الكاتب‬
‫إىل بيت الرب قا ما‪:‬‬

‫(‪)106/1‬‬

‫اصعد إىل حلقيا الكاهن ليحسب الفضة املدرلة إىل بيت الرب اليت مجعها حارسو الباب من‬
‫الشعب ليدلعوها ليد عاملي الشغل املوكلني ببيت الرب ‪ ...‬لقال حلقيا الكاهن العظيم لشالان‬
‫الكاتب‪ :‬قد وجدت سفر الشربعة يف بيت الرب‪ ،‬وسلم حلقيا السفر لشالان لقرأه‪ ،‬وجاء شالان‬
‫الكاتب إىل امللك ورد على امللك جوااب ‪ ....‬وأررب شالان امللك قا ما‪ :‬قد أعطاين حلقيا الكاهن‬
‫سفرا‪ ،‬وقرأه شالان أما امللك‪ ،‬للما مسع امللك كما سفر الشربعة مزق ثيابه‪ ،‬وأمر امللك حلقيا‬
‫الكاهن‪ ،‬وأريقا بن شالان ‪ ....‬قا ما‪ :‬اذهبوا اسألوا الرب ألجلي‪ ،‬وألجل الشعب‪ ،‬وألجل كل‬
‫بهوذا من جهة كما هذا السفر الذي وجد؛ ألنه عظيم‪ ،‬هو يضب الرب الذي اشتعل علينا من‬
‫أجل أن آابءان مل بسمعوا لكما هذا السفر ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب علينا ‪ ...‬وأرسل امللك‬
‫لجمعوا إليه كل شيوخ بهوذا وأورشليم وصعد امللك إىل بيت الرب‪ ،‬ومجع رجال بهوذا‪ ،‬وكل سكان‬
‫أورشليم معه والكهنة واألنبياء‪ ،‬وكل الشعب من الصغَر إىل الكبَر‪ ،‬وقرأ يف آذاهنم كل كما سفر‬
‫الشربعة الذي وجد يف بيت الرب)‪.‬‬
‫لهذا اَخرب الذي ذكره اليهود ليه داللة واضحة على أهنم كانوا قد لقدوا التورا ‪ ،‬وأهنم أبضا ضيعوا‬
‫أحكامها‪ ،‬ونسوا الشيء الكثَر منها‪ ،‬وما وجدوه يف الواقع ليس ليه أي دليل على أنه التورا ؛ إذ من‬
‫املستبعد جدًّا أن بكون اليهود قد لقدوا التورا كل هذه املد الطوبلة‪ -‬أكثر من ثماثة قرون‪ -‬وهي‬
‫موجود يف اهليكل مع أنه معبد عا ‪ ،‬وقد تعاقب على رائسته رمال تلك املد الكثَر من الكهنة‪،‬‬
‫وهم ببحثون عنها كل تلك املد وال جيدوهنا مع ما هلا من القداسة يف نفوسهم مث جيدها الكاهن‬
‫حلقيا؟‬
‫هذا يف الواقع مستبعد جدًّا‪ ،‬وليس بعيدا أن بكون الكاهن حلقيا كتبها من حمفوظاته ومعلوماته‪ ،‬وزعم‬
‫أهنا سفر الشربعة؛ لَرضي بذلك امللك بوشيا‪ ،‬الذي كان له تدبن وريبة يف استقامة الشعب‪ .‬وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪ - 8‬بعد امللك بوشيا خبمس وعشربن سنة تقرببا‪ -‬وذلك سنة (‪ )586‬ق‪ - .‬هجم خبتنصر‬
‫الكلداين على دولة بهوذا ودمرها‪ ،‬ودمر اهليكل‪ ،‬وسىب بين إسرا يل‪ ،‬ويف هذا قالوا يف كتاهبم بعد‬
‫ذكر مربرات التدمَر من لساد بين إسرا يل وكفرهم‪( :‬لأصعد عليهم ملك الكلدانيني لقتل َمتاربهم‬
‫ابلسيف يف بيت مقدسهم‪ ،‬ومل بشفق على لىت‪ ،‬أو عذراء‪ ،‬وال على شيخ أو أشيب بل دلع اجلميع‬
‫ليده‪ ،‬ومجيع آنية بيت هللا الكبَر والصغَر ‪ ،‬ورزا ن بيت الرب ورزا ن امللك ورؤسا ه أتى هبا مجيعا‬
‫إىل اببل‪ ،‬وأحرقوا بيت هللا‪ ،‬وهدموا سور أورشليم‪ ،‬وأحرقوا مجيع قصورها ابلنار‪ ،‬وأهلكوا مجيع‬
‫آنيتها الثمينة‪ ،‬وسىب الذبن بقوا من السيف إىل اببل لكانوا له ولبنيه عبيدا إىل أن ملكت ِملكة‬
‫لارس)‪ .‬ليجمع ال ْكتَّاب هنا على أن التورا لقدت من بين إسرا يل مر أررى بسبب هذا التدمَر‬
‫الشامل‪.‬‬
‫‪ - 9‬بزعم اليهود أن عزرا الكاتب قد هيأ قلبه لطلب شربعة الرب والعمل هبا‪ ،‬وليعلم إسرا يل‬
‫لربضة وقضاء‪.‬‬
‫وعزرا هذا كان زمن السَب البابلي‪ ،‬وملا عاد بنو إسرا يل إىل أورشليم يف زمن ملك الفرس مجعهم‬
‫لقراء ما كتب من شربعة موسى‪ ،‬ويف هذا قالوا‪( :‬اجتمع كل الشعب كرجل واحد إىل الساحة اليت‬
‫أما ابب املاء‪ ،‬وقالوا لعزرا الكاتب أن أيِت بسفر شربعة موسى اليت أمر هبا الرب إسرا يل‪ ،‬لأتى عزرا‬
‫الكاتب ابلشربعة أما اجلماعة من الرجال والنساء‪ ،‬وكل لاهم ما بسمع يف اليو األول من الشهر‬
‫السابع‪ ،‬وقرأ منها أما الساحة اليت أما ابب املاء من الصباح إىل نصف النهار أما الرجال والنساء‬
‫والفامهني‪ ،‬وكانت آذان كل الشعب حنو سفر الشربعة)‪.‬‬

‫(‪)107/1‬‬

‫ليظهر من هذا واضحا أن عزرا قد كتب هلم التورا ‪ ،‬ومل بذكر اليهود من أبن وصلت التورا إليه‪،‬‬
‫مر‬
‫وبينه وبني موسى عليه السما أكثر من امانية قرون؟ وقد لقدت التورا قبل زمن عزرا قطعا كما َّ‬
‫ذكره‪.‬‬
‫دوهنا عزرا‬
‫لعلى هذا بتبني أن التورا اليت كان عزرا بقرأها على الناس إما أن تكون مفرتا مكذوبة‪َّ ،‬‬
‫من حمفوظاته وما وصل إليه من مدوانت ومعلومات‪ ،‬وليست تورا موسى‪ ،‬وابلتأكيد ال بوثق حبفظه‬
‫وال ما وصل إليه من أوراق وكتب؛ إذ إن ذلك حيتاج إىل إثبات السند املتصل منه إىل موسى عليه‬
‫السما ‪ ،‬وهذا أبعد عليهم من السماء‪ .‬وإما أن تكون معلومات متوارثة يف األحكا الواجب على بين‬
‫دوهنا عزرا على أهنا الفرا ض اليت أوجبها هللا على بين إسرا يل‪ ،‬وزعم هو أو زعم‬
‫إسرا يل التزامها‪َّ ،‬‬
‫ْكتَّاب الكما السابق أهنا سفر شربعة موسى‪ ،‬وبني األمربن كما بني السماء واألرض؛ إذ إن تورا‬
‫ودونه ال بعدو أن بكون لهوما واستنباطات بشربة بعرتبها ما‬
‫موسى منزلة من عند هللا‪ ،‬وما مجعه عزرا َّ‬
‫بعرتي البشر من النقص واَخلل‪ ،‬وهذا االحتمال األرَر أرجح من سابقه‪ ،‬وذلك ألن اليهود ذكروا‬
‫يف كتاهبم عن عزرا قوهلم‪( :‬ألن عزرا هيأ قلبه لطلب شربعة الرب والعمل هبا‪ ،‬وليعلم إسرا يل لربضة‬
‫وقضاء)‪ .‬لهذا بدل على أنه أرذ ُّ‬
‫جيد يف اجلمع والتتبع والعمل والتعليم‪.‬‬
‫وهناك نص آرر بدل على أن بين إسرا يل قد أمهلوا العمل بكثَر من التعاليم من أاي بوشع بن نون‪،‬‬
‫ويف هذا قالوا عن أحد أعيادهم اليت عملوها بدعو من عزرا‪( :‬وعمل كل اجلماعة الراجعني من‬
‫السَب مظال وسكنوا يف املظال؛ ألنه مل بعمل بنو إسرا يل هكذا من أاي بشوع بن نون إىل ذلك‬
‫اليو ‪ ،‬وكان لرحا عظيما جدًّا)‪.‬‬
‫لهذا بنص صراحة على اإلمهال للتعاليم‪ ،‬وعد أدا ها من زمن بعيد‪ ،‬لما ميكن لرجل مهما أوِت من‬
‫العلم مجع كل التعاليم الواجبة مع البعد الزمين‪ ،‬وكثر التقلبات واالحنرالات اليت وقع ليها بنو‬
‫بشراي ال بصح أبي حال نسبته إىل هللا عز وجل‪.‬‬
‫إسرا يل‪ ،‬ومع ذلك لجمعه ال بعدو أن بكون عمما ًّ‬
‫‪ - 10‬ذكر املمررون أن احلاكم اليوانين (بطليموس الثاين) الذي كان يف الفرت من (‪247 - 282‬‬
‫‪ -‬ق‪ ) .‬طلب من اليعازار ر يس الكهان أن برسل إليه اثنني وسبعني عاملا من علماء التورا ؛ لرتمجة‬
‫أسفار موسى اَخمسة إىل اليواننية لنفذ الطلب‪ ،‬وكان اليعازار على رأس أولئك‪ ،‬ومتت املهمة رمال‬
‫اثنني وسبعني بوما‪ ،‬لكانت الرتمجة املعرولة بـ (السبعينية) يف اللغة اليواننية لَلسفار اَخمسة‪ .‬وعن‬
‫اليواننية ترجم العهد القدمي إىل الماتينية‪.‬‬
‫لهذه الرتمجة لَلسفار متت بعد لرت طوبلة جدًّا من ولا موسى عليه السما ‪ ،‬إذ تقارب العشر‬
‫قرون‪ ،‬وكذلك بعد لرت طوبلة من نسخة عزرا اليت سبق ذكرها؛ إذ بني هذه الرتمجة وتلك النسخة‬
‫املرتجم‬
‫قرابة قرنني من الزمان‪ِ ،‬ما جيعل الكتاب الذي ترجم عنه إىل اليواننية ال سند له‪ ،‬ليكون َ‬
‫ابلتاِل ال قيمة له‪.‬‬

‫(‪)108/1‬‬

‫كما أن هذه املعلومة مل بذكرها إال رجل بوانين بسمى (أرستاي) يف رسالة له هلذا ردها كثَرٌ من‬
‫متأرري اليهود والنصارى‪ ،‬وإن كان املتقدمون قد قبلوها‪ .‬كما ذكر ذلك الدبس يف (اتربخ سوربة)‪.‬‬
‫لهي معلومة مل بتولر هلا اإلثبااتت المازمة‪ ،‬إضالة إىل يرابتها حيث زعم قا لها أن اليعازار أرسل اثنني‬
‫وسبعني رجما من علماء اليهود‪ ،‬ستة من كل سبط من أسباطهم االثين عشر‪ ،‬وأهنم جعلوا يف أماكن‬
‫منفرد بعضهم عن بعض‪ ،‬لكانت ترمجاهتم متطابقة متاما‪ .‬لهذا اَخرب ال ميكن قبوله وتصدبقه‪ ،‬وذلك‬
‫ألن ِما هو متفق عليه عند اليهود أن عشر أسباط من بين إسرا يل وهم الذبن كانوا شعب دولة‬
‫إسرا يل مشال دولة بهوذا قد سبوا من أاي األشوربني يف سنة (‪ )722‬ق‪ .‬وانقرضوا حيث بوصفون‬
‫ابألسباط العشر الضا عة‪ ،‬وحسب اَخرب املذكور هنا لإن اليعازار قد أحضر ستني عاملا منهم‪ ،‬وهذا‬
‫مستبعد جدًّا‪.‬‬
‫‪ - 11‬أن اليهود لقدوا املقدر على لهم اللغة العرببة املدونة القدمية بعد ارتماطهم ابألمم‪ ،‬وذلك‬
‫أن اللغة العرببة يف أصلها بدون نقط وال حركات‪ ،‬وهذا بسبب أرطاء كثَر يف القراء ‪ ،‬لاهتدوا إىل‬
‫وسيلة إلزالة هذا اللبس إبدرال النقط واحلركات‪ ،‬والفواصل‪ ،‬واستمر هذا العمل من القرن السابع‬
‫امليمادي إىل القرن العاشر امليمادي‪ ،‬لأررجوا نسخة من التورا ابللغة العرببة على هذا النمط تسمى‬
‫النسخة املاسوربة‪ ،‬انتهوا منها يف القرن العاشر امليمادي‪ ،‬وعن هذه النسخة‪ -‬أي‪ :‬العرببة‪ -‬املعدلة‬
‫نسخت مجيع النسخ العرببة واملرتمجة عنها‪.‬‬
‫والسمال املطروح هنا‪ :‬أبن النسخ األصلية اليت نقلت عنها النسخة املاسوربة؟‬
‫اجلواب عن ذلك‪ :‬أنه ال بوجد أببدي اليهود أو النصارى شيء من النسخ األصلية سوى َمطوطات‬
‫وادي قمران عند البحر امليت‪ ،‬واليت عثر عليها يف الفرت من عا (‪ )1956( - )1947‬وهي‬
‫جمموعات متكاملة للعهد القدمي كتبت قبل امليماد بثماثة قرون‪ ،‬وأقرهبا عهدا ما كتب قبل امليماد‬
‫بقرن واحد‪ ،‬إال أن هذه املخطوطات اليت استوىل على اجلزء األكرب منها كل من أمربكا‪ ،‬وبربطانيا‪،‬‬
‫واليهود يف للسطني مل تكشف ومل تعلن حىت اخآن‪ِ ،‬ما جيعل يف األذهان استفهامات عدبد حوهلا‪،‬‬
‫وأهنا تتضمن أمورا رطَر ‪ ،‬جعلت اليهود والنصارى بتفقون على عد كشفها على يَر عادهتم يف‬
‫اخآاثر التارخيية‪.‬‬
‫ومن رمال هذا العرض التارخيي املوثق للتورا بتبني ما بلي‪:‬‬
‫دوهنا بوشع بن‬
‫دوهنا‪ ،‬وكذلك اليت َّ‬
‫‪ - 1‬أن التورا اليت أعطيها موسى عليه السما مكتوبة‪ ،‬واليت َّ‬
‫نون بعد موسى عليه السما لقدت‪ ،‬إما قبل عهد سليمان عليه السما ‪ ،‬أو بعده مباشر ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن اليهود زعموا أهنم عثروا على التورا زمن امللك بوشيا‪ ،‬وهو ادعاء حيتاج إىل العدبد من‬
‫اإلثبااتت العتقاد صحته‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن اليهود لقدوا ما ادعوا أهنم وجدوه زمن امللك بوشيا‪ ،‬وذلك بسبب تدمَر بيت املقدس وما‬
‫أعقب ذلك من سَب اليهود وهتجَرهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن عزرا أعاد هلم التورا وكتبها ليما زعم اليهود‪ ،‬وإذا قبلنا كما اليهود هذا لإن ذلك ال بعدو‬
‫َّع‬
‫بشراي‪ ،‬وإذا كان عزرا نسبه إىل هللا عز وجل لهو كاذب يف ذلك؛ ألن التورا مل بد غ‬
‫أن بكون عمما ًّ‬
‫أحد ال من اليهود‪ ،‬وال من النصارى‪ ،‬وال من املسلمني أهنا أنزلت مرتني مر على موسى‪ ،‬ومر على‬
‫عزرا‪.‬‬
‫وقد بكون الذي ادَّعى أن تلك هي التورا أهلمها عزرا هم الكتبة ليما بعد‪ ،‬لهم يف هذا كاذبون؛ ألن‬
‫عزرا مل بقل ذلك ليما نقلوا عنه‪.‬‬
‫وأدلة بطمان ذلك ظاهر من انحية بْعد الزمان‪ ،‬وانقطاع السند‪ ،‬ولساد بين إسرا يل‪.‬‬

‫(‪)109/1‬‬
‫دونه عزرا ال بعلم على التحقيق مصَرها‪ ،‬وإَنا بعد ذلك مبا بقارب قرنني من‬
‫‪ - 5‬أن نسخة عزرا وما َّ‬
‫الزمان كتبت النسخة السبعينية‪ ،‬ومل بذكر من أي نسخة ترمجت‪ ،‬وادعاء أهنا من حفظ الكهنة بعيد‬
‫جدًّا؛ إذ إن اليهود ال حيفظون كتاهبم عن ظهر قلب‪ ،‬وليس ليهم من بدَّعي ذلك‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن النسخة العرببة‪ ،‬واليت تنتمي إىل النص املاسوري‪ ،‬ال ختتلف عن الكتاب املرتجم من انحية‬
‫أهنا أرذت طربقة يف الكتابة مغابر للغة األصلية اليت كتب هبا العهد القدمي‪ِ ،‬ما جيعل ثبوت صحتها‬
‫منوطا بوجود النصوص األصلية اليت تتفق مع اللغة القدمية‪ ،‬حىت ميكن املقابلة عليها‪ ،‬وإال تعترب ال‬
‫أصل هلا بشهد لصحتها‪ ،‬لتكون بذلك مثلها مثل النسخة اليواننية‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن النص اليوانين والنص العربي للتورا والعهد القدمي مل بمرذا من مصدر واحد‪ ،‬بل من‬
‫مصدربن َمتلفني بدل على هذا ارتمالهما يف عدد األسفار‪ ،‬حيث إن اليواننية ستة وأربعون سفرا‪،‬‬
‫وأما العرببة املاسوربة لهي تسعة وثماثون سفرا‪ ،‬كما أن بينهما ارتمالات كثَر وعدبد ِما بدل على‬
‫أهنما من مصدربن َمتلفني‪.‬‬
‫ومن رمال هذا بتبني مبا ال بدع جماال للشك أن العهد القدمي كتاب ليس له أي سند اترخيي بثبت‬
‫تسلسل نقله‪ ،‬وأنه تعرض لفرتات عدبد من الضياع‪ ،‬وأن أصله العربي ال وجود له أببدي اليهود‪ِ ،‬ما‬
‫جيعل اجملال واسعا للتحربف والتبدبل‪ ،‬وهو ما سنبينه إن شاء هللا من واقع ما أببدي اليهود والنصارى‬
‫من النصوص‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪80‬‬

‫(‪)110/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ِما سبق ذكره وبيانه عن التورا بتضح أن الكتاب الذي بني بدي اليهود والنصارى ال سند له ميكن‬
‫أن بعتمد عليه يف صحة املعلومات الوارد ليه‪ ،‬للهذا ال ميكن لليهود وال للنصارى أن بنفوا إمكانية‬
‫التحربف والعبث ليه‪ ،‬راصة وأن الذبن استممنوا عليه‪ -‬وهم اليهود‪ -‬قد احنرلوا احنرالات رطَر يف‬
‫الدبن‪ ،‬وكفر كثَر منهم‪ ،‬وأعرضوا عن دبن هللا‪ ،‬وتركوه ريبة عنه‪ ،‬وحبًّا للدنيا‪ ،‬وإبثارا هلا‪ ،‬وهذا ظاهر‬
‫واضح لكل من طالع سجل اترخيهم‪ ،‬وهو العهد القدمي‪.‬‬
‫لمع هذا االحنراف والفساد كيف ميكن أن تسلم التورا من العبث والتحربف؟! هذا ما ال بقبله‬
‫العقل السليم وواقع اإلنسان‪.‬‬
‫وسنذكر هنا ما بمكد وقوع التحربف‪.‬‬

‫(‪)111/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬أدلة التحربف من القرآن الكرمي والتورا ‪:‬‬


‫وجل بتحربف اليهود لكتاهبم‪ ،‬وأابن عن هذا يف القرآن الكرمي يف مواضع عدبد ‪،‬‬ ‫عز َّ‬ ‫قد شهد هللا َّ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫لمن ذلك قوله عز وجل‪ :‬أَلَـتَط َيم ْعو َن أَن بْـ يممنْواي لَ ْك يم َوقَ يد َكا َن لَ غرب ٌق م ينـ ْه يم بَ يس َم ْعو َن َكماَ َ هللا ْمثَّ ْحيَ غرلْونَهْ‬
‫يَروا وبدَّلوا عن إصرار‬ ‫غمن بَـ يع غد َما َع َقلْوهْ َو ْه يم بَـ يعلَ ْمو َن [البقر ‪ .]75 :‬لهذا ليه داللة على أهنم َّ‬
‫وعلم‪.‬‬
‫رتواي بغ غه َامَنا قَلغيما‬ ‫غ غ غ غغ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غغ‬
‫اب غأبَبيدب غه يم ْمثَّ بَـ ْقولْو َن َه َذا م ين عند هللا ليَ يش َْ‬ ‫بن بَ يكتْـبْو َن اليكتَ َ‬ ‫وجل‪ :‬لَـ َوبي ٌل للَّذ َ‬
‫عز َّ‬ ‫وقوله َّ‬
‫ت أَب غدب غهم ووبل َّهلم غِمَّا بك غ‬ ‫غ‬
‫يسبْو َن [البقر ‪.]79 :‬‬ ‫لَـ َوبي ٌل َّهلْم ِمَّا َكتَـبَ ي ي ي َ َ ي ٌ ْ ي َ‬
‫يكتَ غ‬‫اب وما هو غمن ال غ‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬ ‫غ‬ ‫عز َّ غ غ‬
‫اب‬ ‫سبْوهْ م َن اليكتَ غ َ َ ْ َ َ‬ ‫وجل‪َ :‬وإ َّن م ينـ ْه يم لََف غربقا بَـل ْيوو َن أَليسنَـتَـ ْهم ابليكتَاب لتَ يح َ‬ ‫وقوله َّ‬
‫ب َو ْه يم بَـ يعلَ ْمو َن [آل عمران‪:‬‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬
‫َوبَـ ْقولْو َن ْه َو م ين عند هللا َوَما ْه َو م ين عند هللا َوبَـ ْقولْو َن َعلَى هللا الي َكذ َ‬
‫‪ .]78‬لهذا ليه داللة على أهنم أدرلوا يف كما هللا ما ليس منه‪ ،‬والرتوا على هللا الكذب أبن نسبوا‬
‫عز‬
‫إليه سبحانه ما مل بقله وهم بعلمون ذلك؛ لجورا منهم‪ ،‬وجرأ على هللا تعاىل وتقدس‪ .‬وقوله َّ‬
‫غ‬ ‫وسى نْورا َو ْهدى لغلن غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫وهنَا َوْختيْفو َن‬
‫يس تْـ يب ْد َ‬
‫َّاس َُتي َعلْونَهْ قَـ َراط َ‬ ‫اب الَّذي َجاء بغه ْم َ‬ ‫َنز َل اليكتَ َ‬‫وجل‪ :‬قْ يل َم ين أ َ‬
‫َّ‬
‫ض غه يم بَـل َيعبْو َن [األنعا ‪.]91 :‬‬ ‫َكثغَرا و ْعلغمتْم َّما َمل تَـ يعلَمواي أَنتْم والَ آاب ْؤْكم قْ غل هللا ْمثَّ َذرْهم غيف َرو غ‬
‫ي‬ ‫ْ ي ي‬ ‫يَ َ ي‬ ‫ي ْ‬ ‫َ ي‬
‫لهذا ليه داللة على أهنم قد أَر َفوا وكتموا ما عندهم من علم‪ ،‬وما أنزل هللا عليهم من كتاب حسب‬
‫اسية ْحيَ غرلْو َن الي َكلغم َعن َّمو غ‬
‫اض غع غه‬ ‫ض غهم غميثَاقَـهم لَعنَّاهم وجعلينَا قْـلْ َ غ‬ ‫أهوا هم‪ .‬وقوله تعاىل‪ :‬لَبغما نَـ يق غ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وهبْ يم قَ َ‬ ‫ْ ي ْ ي َ ََ‬ ‫َ‬
‫سواي َحظًّا غِمَّا ذْكغ ْرواي بغ غه [املا د ‪.]13 :‬‬ ‫َونَ ْ‬
‫ويف هذه اخآبة داللة واضحة على التحربف وعلى أهنم نسوا حظًّا‪ ،‬أي‪ :‬نصيبا وجزءا ِما أنزل عليهم‪.‬‬
‫وجل هلم بسبب كفرهم ولسادهم وسابق حتربفهم ونقضهم للميثاق‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫وهذا جزاء من هللا َّ‬
‫كما ورد يف كتاهبم ما بتفق مع ما ذكره هللا عز وجل عنهم‪ ،‬لمن ذلك ما ورد يف (سفر إرميا) (‪)8 /8‬‬
‫عز وجلَّ القول‪( :‬كيف تقولون حنن حكماء‪ ،‬وشربعة الرب معنا‪ًّ ،‬‬
‫حقا إنه إىل‬ ‫ِما بنسب إىل هللا َّ‬
‫حوهلا قلم الكتبة الكاذب‪َ ،‬ر غزى احلكماء اراتعو وأ غ‬
‫ْر ْذوا ها قد رلضوا كلمة الرب)‪ .‬لهذا‬ ‫الكذب َّ‬
‫َ‬
‫النص من نَب من أنبيا هم الكبار على ما ذكروا وكان يف عصر متأرر‪ ،‬قد عاصر احنرالاهتم‪ ،‬وذلك‬
‫قبيل الغزو البابلي وسَب اليهود‪ ،‬وهو نص على تركهم لدبن هللا وحتربفهم لشربعته‪ ،‬وأن الكتبة‬
‫حولوها إىل الكذب والزور‪.‬‬
‫املوكلون ابلكتب املنزلة قد َّ‬

‫(‪)112/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬االرتماف يف عدد األسفار‪:‬‬


‫ِما هو معلو أن بني بدي اليهود والنصارى ثماث نسخ مشهور من التورا والعهد القدمي‪ .‬ومن هذه‬
‫النسخ تتفرع سا ر الرتمجات تقرببا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬النسخة العرببة‪:‬‬
‫وهي املقبولة واملعترب لدى اليهود ومجهور علماء الربوتستانت النصارى‪ ،‬وهي مأروذ من املاسوربة‬
‫وما ترجم عنها‪.‬‬
‫‪ - 2‬النسخة اليواننية‪:‬‬
‫وهي املعترب لدى النصارى الكاثوليك واألرثوذكس‪ ،‬وهي اليت تسمى السبعينية وما ترجم عنها‪.‬‬
‫‪ - 3‬النسخة السامربة‪:‬‬
‫وهي املعترب واملقبولة لدى اليهود السامربني‪.‬‬
‫وإذا عقدان مقارنة بني النسخ الثماث من انحية عدد األسفار جند أن النسخة العرببة تسعة وثماثون‬
‫سفرا لقط‪.‬‬
‫أما النسخة اليواننية لهي ستة وأربعون سفرا‪ ،‬حيث تزبد سبعة أسفار عن النسخة العرببة‪ ،‬وبعتربها‬
‫النصارى الكاثوليك واألرثوذكس مقدسة‪.‬‬
‫أما النسخة السامربه لما تضم إال أسفار موسى اَخمسة لقط‪ ،‬وقد بضمون إليها سفر بوشع لقط‪،‬‬
‫وما عداه لما بعرتلون به وال بعدونه مقدسا‪.‬‬
‫وجل‪،‬‬
‫عز َّ‬
‫لهذا االرتماف اهلا ل بني النسخ لكتاب واحد‪ ،‬والكل بزعم أنه موحى به من قبل هللا َّ‬
‫وبدَّعي أن كتابه هو الكتاب احلق وما عداه ابطل‪ ،‬مع عد القدر على تقدمي الدليل القاطع على‬
‫صحة ما بدعيه‪ ،‬لذلك دليل على التحربف من قبل املتقدمني‪ ،‬وأن املتأرربن استلموا ما وصل إليهم‬
‫بدون نظر يف ثبوته أو عد ثبوته‪ ،‬أو أن املتأرربن وصلتهم كتب عدبد ومتنوعة‪ ،‬لأدرلوا ما رأوا أنه‬
‫مناسب وذو دالالت مهمة‪ ،‬وحذلوا ما رأوا عد تناسبه مع ما بعتقدون أو برون‪ ،‬بدون أن بكون هلم‬
‫دليل صحيح على إضالة ما أضالوا من األسفار‪ ،‬أو حذف ما حذلوا منها‪.‬‬
‫(‪)113/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬االرتماف والتبابن بني النسخ يف املعلومات املدونة‪:‬‬


‫إذا قاران بني النسخ الثماث ليما اتفقت يف ذكره من أربار وقصص جند بينها تبابنا شدبدا وارتمالا‬
‫كبَرا‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫‪َّ - 1‬‬
‫أن اليهود ذكروا اتربخ مواليد بين آد إىل نوح عليه السما ‪ ،‬ونصوا على عمر كل واحد منهم‪،‬‬
‫وكذلك عمره حني ولد له أول مولود‪ ،‬وبعقد مقارنة بني أعمار من ذكروا حني ولد هلم أول مولود‬
‫تتبني ارتمالات واضحة بني النسخ الثماث‪ ،‬لمن ذلك‪:‬‬
‫االسم‬
‫العربانية‬
‫السامربة‬
‫اليواننية‬
‫آد‬
‫‪130‬‬
‫‪130‬‬
‫‪230‬‬
‫شيث‬
‫‪105‬‬
‫‪105‬‬
‫‪205‬‬
‫آنوش‬
‫‪90‬‬
‫‪90‬‬
‫‪190‬‬
‫قينان‬
‫‪70‬‬
‫‪70‬‬
‫‪170‬‬
‫ايرد‬
‫‪162‬‬
‫‪62‬‬
‫‪262‬‬
‫متوشاحل‬
‫‪187‬‬
‫‪67‬‬
‫‪187‬‬
‫الزمان من رلق آد إىل الطولان‬
‫‪1656‬‬
‫‪1307‬‬
‫‪2262‬‬
‫لهذه أمثلة تدل على حتربفهم وتبدبلهم لكما هللا ‪ -‬إن ثبت أن ما سبق هو من كما هللا املنزل‪-‬‬
‫حيث ال ميكن اجلمع بني هذه الرواايت املتناقضة‪.‬‬

‫(‪)114/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬االرتماف ابملقارنة مع ما ذكروه يف مواضع أررى من كتاهبم‪:‬‬


‫‪ - 1‬ذكروا يف سفر التكوبن أن سفينة نوح استقرت بعد الطولان على جبال أراراط بعد سبعة أشهر‬
‫وسبعة عشر بوما‪ ،‬مث ذكروا أن رؤوس اجلبال بعد الطولان مل تظهر إال يف أول الشهر العاشر‪ .‬وهذا‬
‫نص كمامهم يف (سفر التكوبن) (‪( :)4 /8‬واستقر الفلك يف الشهر السابع يف اليو السابع عشر من‬
‫الشهر على جبال أراراط‪ ،‬وكانت املياه تنقص نقصا متواليا إىل الشهر العاشر‪ ،‬ويف العاشر يف أول‬
‫الشهر ظهرت رؤوس اجلبال)‪.‬‬
‫لفي هذا تناقض ظاهر‪ ،‬لكيف رست السفينة على اجلبال بعد سبعة أشهر مع أن رؤوس اجلبال مل‬
‫تظهر إال يف أول الشهر العاشر؟!‬
‫‪ - 2‬ذكروا أن هللا أمر نوحا أن حيمل يف الفلك من كل جنس اثنني‪ ،‬لقالوا يف (سفر التكوبن) (‪/6‬‬
‫‪( :)19‬ومن كل حي من كل ذي جسد اثنني من ك ٍل تدرل إىل الفلك؛ الستبقا ها معك‪ ،‬تكون ذكرا‬
‫وأنثى من الطيور كأجناسها‪ ،‬ومن البها م كأجناسها‪ ،‬ومن كل دابابت األرض كأجناسها)‪.‬‬
‫وبعده مباشر ذكروا أن هللا أمره أن أيرذ من كل جنس سبعة سبعة ذكرا وأنثى‪ ،‬ماعدا البها م يَر‬
‫الطاهر ليأرذ اثنني‪ .‬لفي (سفر التكوبن) (‪ )2 /7‬قالوا‪( :‬من مجيع البها م الطاهر َترذ معك سبعة‬
‫سبعة ذكرا وأنثى‪ ،‬ومن البها م اليت ليست بطاهر اثنني ذكرا وأنثى‪ ،‬ومن طيور السماء أبضا سبعة‬
‫سبعة ذكرا وأنثى؛ الستبقاء نسل على وجه كل األرض)‪.‬‬
‫‪ - 3‬ذكروا يف (سفر اَخروج) (‪ )9 /24‬أن موسى وهارون وشيوخ إسرا يل رأوا هللا‪ ،‬لقالوا‪( :‬مث صعد‬
‫موسى وهارون وانداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرا يل‪ .‬ورأوا إله إسرا يل وحتت رجليه شبه صنعة‬
‫من العقيق األزرق الشفاف‪ ،‬وكذات السماء يف النقاو ‪ ،‬ولكنه مل ميد بده إىل أشراف إسرا يل‪ ،‬لرأوا‬
‫هللا وأكلوا وشربوا)‪ .‬هكذا زعموا يف هذا املوضع ويف (سفر التثنية) (‪ )12 /44‬زعموا أن هللا تعاىل‬
‫قال ملوسى عليه السما ِمنتّّا عليه وعلى بين إسرا يل‪( :‬لكلَّمكم الرب من وسط النار وأنتم‬
‫سامعون صوت كما ‪ ،‬ولكن مل تروا صور بل صوات ‪ ...‬لاحتفظوا جدًّا ألنفسكم‪ ،‬لإنكم مل تروا صور‬
‫وجل إال أن ليه بيان‬
‫عز َّ‬
‫وجل‪ ،‬وهذا احلق‪ ،‬لهم مل بروا هللا َّ‬
‫عز َّ‬
‫ما ‪ .) ...‬لهذا ليه أهنم مل بروا هللا َّ‬
‫تناقض كمامهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬قالوا يف (سفر اَخروج) (‪ )11 /33‬يف كما هللا ملوسى‪( :‬وبكلم الرب موسى وجها لوجه‪ ،‬كما‬
‫بكلم الرجل صاحبه)‪.‬‬
‫لفي هذا بزعمون أن الكما بتم مقابلة ِما بوحي أبن موسى عليه السما برى وجه هللا تعاىل حني‬
‫بكلمه‪.‬‬
‫ويف نص آرر بعد هذا بقولون‪ :‬إن هللا قال ملوسى ملا طلب أن براه (سفر اَخروج) (‪( )20 /33‬ال‬
‫تقدر أن ترى وجهي؛ ألن اإلنسان ال براين وبعيش)‪ .‬لهنا ذكروا أن هللا تعاىل نفى أن بستطيع موسى‬
‫وجل‪ .‬ويف هذا تناقض واضح مع ما قبله‪ ،‬ودليل على التحربف‪ .‬واحلق‬
‫عز َّ‬
‫أو أي إنسان رؤبة وجهه َّ‬
‫جل وعما يف القرآن الكرمي حيث قال‪:‬‬ ‫وجل‪ ،‬كما ذكر ذلك ربنا َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫أن موسى عليه السما مل َبر هللا َّ‬
‫ال لَن تَـ َر غاين َولَ غك غن انظْير إغ َىل ا يجلَبَ غل لَغإ غن‬
‫ك قَ َ‬‫ب أغَرغين أَنظْير إغلَيي َ‬
‫ال َر غ‬ ‫وسى لغ غمي َقاتغنَا َوَكلَّ َمهْ َربُّهْ قَ َ‬‫َولَ َّما َجاء ْم َ‬
‫ص غعقا لَـلَ َّما أَلَا َق قَ َ‬ ‫غ‬
‫ال‬ ‫موسى َ‬ ‫ف تَـ َر غاين لَـلَ َّما َُتَلَّى َربُّهْ لل َ‬
‫يجبَ غل َج َعلَهْ َد ًّكا َو َر َّر َ‬ ‫س يو َ‬‫استَـ َق َّر َم َكانَهْ لَ َ‬
‫ي‬
‫ني [األعراف‪.]143 :‬‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫ت إغلَيي َ‬
‫ك َوأ ََاني أ ََّو ْل ال ْيم يممن َ‬ ‫ك تْـ يب ْ‬
‫ْس يب َحانَ َ‬
‫‪ - 5‬أهنم ذكروا أن هللا تعاىل قال إلبراهيم عليه السما كما يف (سفر التكوبن) (‪( :)2 /22‬رذ‬
‫ابنك وحيدك الذي حتبه إسحاق‪ ،‬واذهب إىل أرض املراي وأصعده هناك حمرقة على أحد اجلبال)‪.‬‬
‫لما شك أن هذا رطأ؛ ألن إسحاق عليه السما مل بكن وحيد إبراهيم عليه السما ‪ ،‬بل الذي كان‬
‫وحيده هو بكره إمساعيل عليه السما ‪ ،‬حيث نص اليهود يف كتاهبم على أن إمساعيل عليه السما ولد‬
‫قبل إسحاق عليه السما ‪ ،‬حيث رنت وعمره ثماث عشر سنة‪ ،‬ومل بكن إسحاق ولد بعد‪ ،‬ويف هذا‬
‫قالوا يف (سفر التكوبن) (‪( :)25 /17‬وكان إمساعيل ابن ثماث عشر سنة حني رنت يف حلم يرلته‪،‬‬
‫يف ذلك اليو عينه رنت إبراهيم وإمساعيل ابنه)‬
‫مث ذكروا بعد ذلك بشار املما كة إبسحاق حني ضالوا إبراهيم عليه السما ‪ ،‬وهم يف طربقهم إىل قو‬
‫لغَروا‬
‫لوط‪ ،‬والذي ببدو أن اليهود حسدوا أاب العرب إمساعيل عليه السما على هذه املنقبة العظيمة َّ‬
‫وحرلوا ألجل ذلك‪.‬‬
‫َّ‬

‫(‪)115/1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬الزايد واإلضالات‪:‬‬


‫توجد يف التورا العدبد من اجلمل اليت ال ميكن أن بصح نسبتها إىل موسى عليه السما ‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الكتاب من أوله إىل آرره مليء بقوهلم‪( :‬وقال الرب ملوسى)‪( ،‬وقال موسى للرب)‪،‬‬
‫(وحدَّث موسى الشعب)‪ .‬وحنو ذلك من العبارات اليت تدل على احلكابة والروابة ِما بقطع أبهنا‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫ليست من كما موسى عليه السما وال من كما هللا َّ‬
‫‪ - 2‬جاء يف (سفر التكوبن) (‪( :)31 /36‬وهمالء هم امللوك الذبن ملكوا يف أرض أدو قبل ما‬
‫ملك لبين اسرا يل)‪ ،‬لهذه العبار ال ميكن أبضا أن تكون من كما موسى عليه السما ؛ إذ إن‬
‫َملَك ٌ‬
‫ملوك بين إسرا يل بعد موسى عليه السما بزمن طوبل‪.‬‬
‫‪ - 3‬جاء يف (سفر التثنية) يف آرره (‪ )5 /34‬حكابة ولا موسى ودلنه لقالوا‪( :‬لمات هناك موسى‬
‫عبد الرب يف أرض مماب حسب قول الرب ودلنه يف اجلواء يف أرض مماب‪ ،‬مقابل بيت لغور‪ ،‬ومل‬
‫بعرف إنسان قربه إىل هذا اليو )‪.‬‬
‫لهذا النص ال شك أنه أْدرل يف الكتاب وليس منه؛ إذ ليس من املعقول أن بكتب موسى عليه‬
‫السما موته ودلنه‪ ،‬وأن إنساان ال بعرف قربه إىل بو كتابة ذلك الكما ‪.‬‬
‫وببعض ما ذكران بستدل اللبيب والعاقل على أن اليهود مل حيالظوا على كما هللا وكتبه‪ ،‬بل ضيَّعوها‬
‫ويَروا ليها وبدَّلوا‪ ،‬وأضالوا وحذلوا حسب أهوا هم وشهواهتم وأيراضهم‪.‬‬‫وحرلوها‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪104 - 96‬‬
‫بزعم اليهود أهنم أتباع موسى عليه السما وأن كتاهبم هو التورا ‪.‬‬
‫ولكن التورا اليت بزعمون أهنم أيرذون هبا ليست هي اليت أْنزلت على موسى عليه السما ‪.‬‬
‫لالتورا ‪ -‬يف األصل‪ -‬هي الكتاب الذي أنزله هللا على موسى عليه السما ‪ ،‬والتورا كتاب عظيم‬
‫غ غ َّ غ‬ ‫غ‬
‫بن‬
‫ور َيحي ْك ْم هبَا النَّبيُّو َن الذ َ‬ ‫يها ْهدى َونْ ٌ‬ ‫اشتمل على النور واهلدابة‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬إغ َّان أ َ‬
‫َنزلينَا التـ يَّوَرا َ ل َ‬
‫اب غ‬‫استْ يح غفظْواي غمن كغتَ غ‬ ‫غغ‬
‫هللا [املا د ‪.]44 :‬‬ ‫ار غمبَا ي‬ ‫الرَّابنغيُّو َن َواأل ي‬
‫َحبَ ْ‬ ‫ادواي َو َّ‬
‫بن َه ْ‬ ‫َسلَ ْمواي للَّذ َ‬
‫أي‬
‫صيما لغ ْك غل َش يي ٍء َو ْهدى َوَر يمحَة لَّ َعلَّ ْهم‬
‫َحسن وتَـ يف غ‬
‫يأي ََ َ‬
‫َّ غ‬
‫اب متََاما َعلَى الذ َ‬
‫غ‬
‫وسى اليكتَ َ‬ ‫وقال تعاىل‪ْ :‬مثَّ آتَـ ييـنَا ْم َ‬
‫بغلغ َقاء َرهبغغ يم بْـ يمغمنْو َن [األنعا ‪.]154 :‬‬
‫وكثَرا ما بقرن هللا عز وجل يف القرآن بني التورا والقرآن؛ وذلك ألهنما ألضل كتابني أنزهلما هللا على‬
‫رلقه‪.‬‬
‫هذه ابرتصار هي حقيقة التورا اليت أنزلت على موسى عليه السما ‪ .‬الفصل السابع‪ :‬التورا‬
‫املوجود اليو (‪:)1‬‬
‫أما التورا املوجود اليو لهي ما بطلق على الشربعة املكتوبة‪ ،‬كما بطلق لفظ (التلمود) على الشربعة‬
‫الشفهية‪.‬‬
‫والتورا املوجود اليو تشتمل على مخسة أسفار وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬سفر التكوبن‪ :‬وبتحدث هذا السفر عن رلق العامل‪ ،‬وظهور اإلنسان‪ ،‬وطولان نوح‪ ،‬ووالد‬
‫إبراهيم إىل موت بوسف عليهما الصما والسما ‪.‬‬
‫‪ - 2‬سفر اَخروج‪ :‬وبتحدث عن حيا بين إسرا يل يف مصر‪ ،‬منذ أاي بعقوب إىل رروجهم إىل أرض‬
‫كنعان مع موسى وبوشع بن نون عليهما السما ‪.‬‬
‫‪ - 3‬سفر الماوبني‪ :‬نسبة إىل الوي بن بعقوب‪ ،‬ويف هذا السفر حدبث عن الطهار ‪ ،‬والنجاسة‪،‬‬
‫وتقدمي الذاب ح‪ ،‬والنذر‪ ،‬وتعظيم هارون وبنيه‪.‬‬
‫ادهم‪ ،‬ومواشيهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬سفر العدد‪ :‬حيصي قبا ل بين إسرا يل منذ بعقوب‪ ،‬وألر َ‬
‫‪ - 5‬سفر التثنية‪ :‬وليه أحكا ‪ ،‬وعبادات‪ ،‬وسياسة‪ ،‬واجتماع‪ ،‬واقتصاد‪ ،‬وثماثة رطاابت ملوسى عليه‬
‫السما ‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((مقارنة بني القرآن والتورا )) حملمد الصوايين‪.‬‬

‫(‪)116/1‬‬
‫هذه هي التورا املوجود اليو ‪ ،‬وكل عاقل منصف‪ -‬لضما عن املسلم املممن‪ -‬بعلم براء التورا‬
‫اليت أنزهلا هللا على موسى عليه السما ِما هو موجود يف التورا اليو ‪ ،‬وذلك ألمور عدبد منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬ما حصل للتورا من الضياع والنسخ والتحربف والتدمَر‪ ،‬للقد ْح غرف ليها‪ ،‬وبْ غدل‪ ،‬وضاعت‪،‬‬
‫وتعرضت لسبع تدمَرات‪ ،‬منذ عهد سليمان عليه السما قبل امليماد إىل أن حصل التدمَر السابع‬
‫عا (‪ِ )613‬ما بدل على ضياعها‪ ،‬وانقطاع سندها‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما تشتمل عليه من عقا د ابطلة ال متَْ ُّ‬
‫ت إىل ما جاء به املرسلون أبدىن صلة‪.‬‬
‫جل وعما وتشبيهه ابملخلوقني‪ ،‬ومن ذلك قوهلم‪ :‬إن هللا تصارع مع‬
‫ج‪ -‬اشتماهلا على تنقص الرب َّ‬
‫بعقوب ليلة كاملة لصرعه بعقوب‪.‬‬
‫ومن ذلك قوهلم‪ :‬إن هللا ند على رلق البشر ملا رأى من معاصيهم‪ ،‬وأنه بكى حىت رمد؛ لعادته‬
‫املما كة‪.‬‬
‫تعاىل هللا عما بقول الظاملون علوا كبَرا‪.‬‬
‫د‪ -‬اشتماهلا على سب األنبياء والطعن ليهم‪ ،‬وقد مر شيء من ذلك عند احلدبث عن عقا د اليهود‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬اشتماهلا على املغالطات‪ ،‬واملستحيمات‪ ،‬واملتناقضات‪.‬‬
‫وأن املعركة اليت قامت بني التورا وحقا ق العلم احلدبث أثبتت ما يف التورا من األرطاء العلمية‪.‬‬
‫ومن تلك الكتب اليت تكلمت على هذا املوضوع كتاابن مها‪( :‬أصل اإلنسان) و (التورا واإلجنيل‬
‫والقرآن) لعامل لرنسي امسه (موربس بوكاي) حيث أثبت وجود أرطاء علمية يف التورا واإلجنيل‪،‬‬
‫وأثبت يف الوقت نفسه عد تعارض القرآن مع العلم احلدبث وحقا قه‪ ،‬بل سجل شهادات تَـ َف ُّو ٍق‬
‫العلم أبلف وأربعما ة عا (‪.)1‬‬
‫َسبَ َق القرآ ْن ليها َ‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪88 - 86‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((التورا واإلجنيل والقرآن والعلم)) (ملوربس بوكاي) ترمجة الشيخ حسن رالد‪.‬‬

‫(‪)117/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬تعربف هذه األسفار‪:‬‬


‫إن الكتب املقدسة عند اليهود تنقسم على وجه اإلمجال إىل قسمني مها‪:‬‬
‫األول‪ :‬التورا وما بتبعها من أسفار األنبياء املقدسة عند اليهود‪ ،‬وهذا القسم بسميه اليهود بعد‬
‫أمساء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬أمهها وأشهرها (التناخ) وبكتبوهنا ابلعرببة (ت‪ ،‬ن‪ ،‬ك) وهي حروف ارتصار من األلفاظ‬
‫(تورا )‪ ،‬نبو يم (األنبياء)‪ ،‬كتوبيم (الكتب) وهي األجزاء الثماثة الكبَر اليت بتألف منها العهد القدمي‪،‬‬
‫كما سيأِت تفصيله إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪( - 2‬املقرا) ومعناه‪ :‬النص املقروء؛ ألهنم مطالبون بقراءته يف عباداهتم والرجوع إىل األحكا الشرعية‬
‫ليها اليت تنظم حياهتم‪.‬‬
‫ت) وهو عندهم صفة علمية راصة‪ ،‬بعنون بذلك النص املقدس املروي‬‫سوغر ي‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫وره) أو (امل ْ‬
‫سَ‬ ‫‪( - 3‬امل ْ‬
‫عن األسماف روابة متواتر ‪ -‬على حد زعمهم ‪ -‬ارتضتها أجيال العلماء ورلضت ما عداها‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬التلمود‪ :‬الذي بعتربه اليهود مصدرا من مصادر التشربع اليهودي ومن أسفارهم املقدسة‬
‫لدبهم‪ ،‬وبتكون من جز ني‪ :‬أحدمها بسمى املغ يشنا أو امل يشنَة‪ ،‬والثاين اجلمارا أو اجلمار ‪.‬‬
‫وهناك أسفار أررى كثَر عند اليهود مل تدرل ضمن األسفار القانونية اليت بتكون منها كتاب اليهود‬
‫املقدس‪ ،‬وإن كانوا حييطون تلك األسفار الغَر معرتف هبا‪ -‬وبسموهنا بـ (الكتب يَر القانونية) أو‬
‫(األبوكربفا) ‪ -‬بكثَر من العنابة واالهتما ‪ ،‬وجيعلوهنا استمرارا لتارخيهم‪.‬‬
‫وسوف نبدأ احلدبث ‪ -‬إن شاء هللا تعاىل ‪ -‬بشيء من التفصيل عن القسم األول عرضا ونقدا‪ ،‬مث‬
‫نتلوه ابلقسم الثاين‪.‬‬
‫لأما القسم األول‪ :‬لإنه بندرج حتت ما بسمى بـ (الكتاب املقدس) ‪ The Bible‬الذي ببذل‬
‫النصارى جهودا جبار وربيثة يف سبيل ترمجته مبختلف اللغات واللهجات ونشره وتوزبعه يف مجيع‬
‫أحناء العامل‪.‬‬
‫وهذا الكتاب املزعو أبنه مقدس بنقسم إىل قسمني ر يسني مها‪:‬‬
‫األول‪ :‬بسمى (العهد القدمي أو العتيق) ‪ Old Testament‬وحيتوي على األسفار املنسوبة إىل‬
‫موسى واألنبياء من بعده الذبن كانوا قبل عيسى عليهم الصما والسما ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬بسمى (العهد اجلدبد) ‪ New Testament‬وحيتوي على األانجيل وما بتبعها من‬
‫األسفار املنسوبة إىل احلواربني وتمامذهتم‪.‬‬
‫وهذا التقسيم والتسمية من النصارى الذبن بقدسون العهد القدمي واجلدبد‪ ،‬وجمموعهما هو الكتاب‬
‫املقدس عندهم‪ ،‬وبعتقدونه وحيا ْكتب إبهلا من الروح القدس ململفيها‪.‬‬
‫العهد‪ :‬هو امليثاق‪ ،‬ومعىن ذلك أن هذه األسفار تعترب ميثاقا أرذه هللا على الناس؛ ليممنوا وبعملوا‬
‫به‪ ،‬وأرذ هذا املعىن من (سفر اَخروج يف التورا ) (‪ )8 /24‬وليه‪( :‬وأرذ موسى الد َّ‬
‫ورشه على‬
‫الشعب‪ ،‬وقال‪ :‬هو ذا د العهد الذي قطعه الرب معكم على مجيع هذه األقوال)‪.‬‬
‫أما اليهود لإهنم ال بقدسون إال العهد القدمي لقط‪ ،‬وهو الكتاب املقدس عندهم‪ ،‬وال بعرتلون ابلعهد‬
‫اجلدبد وبكفرون به لكفرهم ابملسيح عليه الصما والسما وقوهلم أبهنم قتلوه وصلبوه‪ ،‬لذلك سوف‬
‫ترتكز دراستنا يف هذا البحث على العهد القدمي أو ما بسميه اليهود بـ (التناخ‪ ،‬أو املقرا‪ ،‬أو املسورت)‬
‫وبشتمل على ستة وثماثني سفرا‪ ،‬بقسمه اليهود ابعتبار حمتوايته إىل ثماثة أقسا ر يسة‪.‬‬
‫وِما جيدر التنبيه إليه أن اليهود والنصارى قد وضعوا مصطلحات راصة بكتبهم املقدسة لدبهم؛‬
‫ليسهل عليهم الوقوف والرجوع إىل نصوصها‪ ،‬ومن تلك املصطلحات‪:‬‬
‫السفر‪ :‬وبعين (الكتاب أو الباب)‪ ،‬ومجعه أسفار‪ ،‬وله عنوان أو مسمى‪ ،‬ليقال مثما‪ :‬سفر التكوبن‪،‬‬
‫سفر أرميا وحنوه‪.‬‬
‫صل)‪ ،‬حيث إن السفر بشتمل على عد إصحاحات‪ ،‬ولكل إصحاح رقم‪،‬‬
‫اإلصحاح‪ :‬وبعين (ال َف ي‬
‫ليقال مثما‪ :‬اإلصحاح األول‪ ،‬اإلصحاح الثاين‪ ،‬وهكذا‪ .‬وقد برمز لإلصحاح ابلرمز (صح)‪.‬‬

‫(‪)118/1‬‬

‫الفقر ‪ :‬وتعين (العبار أو النص)‪ ،‬لاإلصحاح الواحد حيتوي على عد لقرات أو نصوص مرقمة‪.‬‬
‫كما ختتصر تلك املصطلحات يف عد رموز‪ ،‬مثاله‪:‬‬
‫(تك ‪ ،)35 - 21 /7‬ومعناه (سفر التكوبن)‪ ،‬اإلصحاح السابع‪ ،‬الفقرات من الفقر احلادبة‬
‫والعشربن إىل الفقر اَخامسة والثماثني‪.‬‬
‫تقسيم اليهود ألسفارهم املقدسة (العهد القدمي)‬
‫حبسب حمتوايته‬
‫(‪ )1‬التورا‬
‫وبشتمل على مخسة أسفار هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬سفر التكوبن (‪ 50‬إصحاحا)‬
‫‪ - 2‬سفر اَخروج (‪ 40‬إصحاحا)‬
‫‪ - 3‬سفر الماوبني (‪ 27‬إصحاحا)‬
‫‪ - 4‬العدد (‪ 36‬إصحاحا)‬
‫‪ - 5‬التثنية (‪ 34‬إصحاحا)‬
‫(‪ )2‬أسفار األنبياء‬
‫أسفار األنبياء األول (املتقدمني) وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬سفر بشوع (بوشع بن نون) (‪ 24‬إصحاحا)‬
‫‪ - 2‬سفر القضا (‪ 21‬إصحاحا)‬
‫‪ - 3‬سفر صمو يل األول (‪ 31‬إصحاحا)‬
‫سفر صمو يل الثاين (‪ 24‬إصحاحا)‬
‫‪ - 4‬سفر امللوك األول (‪ 22‬إصحاحا)‬
‫سفر امللوك الثاين (‪ 25‬إصحاحا)‬
‫أسفار األنبياء األْرر (املتأررون) وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬سفر أشعيا (‪ 66‬إصحاحا)‬
‫‪ - 2‬سفر أرميا (‪ 52‬إصحاحا)‬
‫‪ - 3‬سفر حزقيال (‪ 48‬إصحاحا)‬
‫‪ - 4‬أسفار األنبياء الصغار أو االثين عشر نبيا وهي‪:‬‬
‫‪ /1‬سفر هوشع (‪14‬إصحاحا)‬
‫‪/2‬سفر بو يل (‪ 3‬إصحاحات)‬
‫‪ /3‬سفر عاموس (‪9‬إصحاحات)‬
‫‪ /4‬سفر عوبداي (إصحاح واحد)‬
‫‪ /5‬سفر بوانن (‪ 4‬إصحاحات)‬
‫‪ /6‬سفر ميخا (‪ 7‬إصحاحات)‬
‫‪ /7‬سفر انحو (‪ 3‬إصحاحات)‬
‫‪ /8‬سفر حبقوق (‪ 3‬إصحاحات)‬
‫‪ /9‬سفر صفنيا (‪ 3‬إصحاحات)‬
‫‪ /10‬سفر حجاي (إصحاحان)‬
‫‪/11‬سفر زكراي (‪ 14‬إصحاحا)‬
‫‪ /12‬سفر مماري (‪ 4‬إصحاحات)‬
‫(‪ )3‬الكتب (كتب احلكمة)‬
‫وتشتمل على األسفار اخآتية‪:‬‬
‫‪ - 1‬مزامَر داود (‪ 150‬مزمورا)‬
‫‪ - 2‬أمثال سليمان (‪ 31‬إصحاحا)‬
‫‪ - 3‬سفر أبوب (‪ 42‬إصحاحا)‬
‫‪ - 4‬نشيد األانشيد (‪ 8‬إصحاحات)‬
‫‪ - 5‬سفر روث (راعوث) (‪ 4‬إصحاحات)‬
‫‪ - 6‬مراثي أرميا (‪ 5‬إصحاحات)‬
‫‪ - 7‬سفر اجلامعة (‪ 12‬إصحاحا)‬
‫‪ - 8‬سفر إستَر (‪ 10‬إصحاحات)‬
‫‪ - 9‬سفر دانيال (‪ 12‬إصحاحا)‬
‫‪ - 10‬سفر عزرا (‪ 10‬إصحاحات)‬
‫‪ - 11‬سفر حنميا (‪ 13‬إصحاحا)‬
‫‪ - 12‬سفر أربار األاي ‪ ،‬وبنقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫أربار األاي األول (‪ 29‬إصحاحا)‪ ،‬أربار األاي الثاين (‪ 36‬إصحاحا)‬

‫(‪)119/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬نقد التورا احملرلة وما بتبعها من األسفار‪:‬‬


‫حرلوا التورا ويَرها من‬
‫لقد ذكران ليما سبق بعض آايت القرآن الكرمي الصرحية يف أن اليهود قد َّ‬
‫كتب هللا املنزلة على أنبيا ه من بين إسرا يل‪ ،‬ولقد انطلق علماؤان املسلمون من تلك اخآايت ويَرها‬
‫من نصوص القرآن الكرمي والسنة النبوبة املطهر يف نقدهم للتورا وما بتبعها من األسفار املقدسة‬
‫وجل يف القرآن الكرمي من‬
‫عز َّ‬
‫عند اليهود‪ ،‬واستخرجوا منها األدلة والشواهد على حتقيق ما ذكره هللا َّ‬
‫وقوع التحربف والتبدبل والكذب يف كتبهم‪ ،‬ونستطيع أن نقرر بكل ثقة أن األسبقية يف نقد التورا‬
‫واألانجيل والكتب األررى احملرلة كان لعلما نا املسلمني هبدي من القرآن الكرمي الذي وضع أصول‬
‫ذلك النقد اهلادف إىل إظهار احلق وإزهاق الباطل‪ ،‬وقد َتثر أحبار اليهود والنصارى ومفكربهم‬
‫ابملسلمني يف دراساهتم النقدبة للتورا واألانجيل‪ ،‬ومن مث ُترؤوا على املشاركة يف تلك الدراسات‬
‫النقدبة لكتبهم املقدسة بعد أن ختلصوا من طغيان الكنيسة وسيطرهتا‪ ،‬واستطاعوا إعمان نتا ج‬
‫دراساهتم اليت سبقهم إىل كثَر منها علماؤان املسلمون بقرون عدبد ‪.‬‬
‫ويف هذه الدراسة املوجز جدًّا سنحاول أن نبني اَخطوط العربضة والعناوبن الر يسة يف نقد أسفار‬
‫العهد القدمي وراصة التورا ‪ ،‬وسترتكز على انحيتني‪ :‬األوىل‪ :‬نقد سند كتبهم املقدسة‪ ،‬وعد صحة‬
‫نسبتها إىل أنبيا هم‪ ،‬الثانية‪ :‬نقد املنت‪ ،‬وبيان ما ليه من مواطن التحربف والتبدبل واَخطأ‪.‬‬
‫الناحية األوىل‪ :‬نقد السند‪:‬‬
‫لقد أرشدان القرآن الكرمي إىل طربقة اجملادلة‪ ،‬والرد على دعاوى اليهود والنصارى‪ ،‬وبيان بطماهنا‪،‬‬
‫وهي مطالبتهم ابحلجة والدليل على مزاعمهم‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬وقَالْواي لَن بَ يد ْر َل ا يجلَنَّةَ إغالَّ َمن َكا َن ْهودا أ يَو‬
‫ادقغني [البقر ‪.]111 :‬‬ ‫يك أَمانغيُّـهم قْل َهاتْواي بـرَهانَ ْكم إغن ْكنتْم ص غ‬
‫ي َ‬ ‫ْي ي‬ ‫ارى تل َ َ ْ ي ي‬
‫نَص غ‬
‫ََ‬
‫ومبا أن اليهود وكذلك النصارى بزعمون أن التورا احلالية كتبها موسى بيده وأن أسفارهم األررى‬
‫كتبها أنبياؤهم أو أشخاص أوحي إليهم هبا‪ ،‬لإان نطالبهم ابألدلة والرباهني اليت تثبت صحة نسبة‬
‫التورا احملرلة إىل موسى عليه الصما والسما ‪ ،‬وكذلك سا ر أسفارهم املنسوبة إىل أنبيا هم قْ يل َهاتْواي‬
‫ني! [البقر ‪.]111:‬‬ ‫بـرهانَ ْكم إغن ْكنتْم غ غ‬
‫صادق َ‬‫ي َ‬ ‫ْي َ ي‬
‫ومن األدلة اليت نطالبهم هبا‪:‬‬
‫‪ -‬النسخة األصلية للتورا اليت كتبها موسى عليه الصما والسما ‪ ،‬أو أمماها على يَره‪ ،‬وكذلك‬
‫النسخ األصلية ألسفارهم األررى‪.‬‬
‫‪ -‬السند املتصل املتواتر بنقل الثقات العدول الذي بثبت سمامة النص احلاِل ألسفارهم من‬
‫التحربف والتبدبل‪ .‬وَتِت اإلجابة لطلبنا من أحبار اليهود والنصارى وابحثيهم أبهنم ال ميلكون النسخ‬
‫األصلية للتورا أو يَرها من األسفار‪ ،‬وأن أقد َمطوطة لدبهم ألسفارهم تعود إىل القرن الرابع‬
‫امليمادي‪ ،‬علما أبن موسى عليه الصما والسما قد عاش يف القرن الرابع عشر قبل امليماد على‬
‫األرجح‪ ،‬وآرر نَب من أنبيا هم يف العهد القدمي عاش يف القرن الرابع قبل امليماد‪.‬‬
‫بقول مملفو (قاموس الكتاب املقدس)‪ :‬ولكن ال توجد لدبنا اخآن هذه املخطوطات األصلية (للعهد‬
‫دوهنا كتبة األسفار املقدسة‪.‬‬
‫القدمي واجلدبد) اليت َّ‬

‫(‪)120/1‬‬

‫وبعلل اليهود والنصارى لقدان النسخ والسند لكتبهم املقدسة بكثر حوادث االضطهاد والنكبات‬
‫اليت نزلت هبم رمال اترخيهم الطوبل‪ .‬ومن تلك احلوادث‪ :‬الغزو اخآشوري عليهم يف سنة (‪ )722‬ق‪.‬‬
‫‪ ،‬مث الغزو البابلي الشهَر سنة (‪ )586‬ق‪ .‬ونتج عنه تدمَر اهليكل وأرذ بين إسرا يل سبيا إىل‬
‫اببل‪ ،‬مث االضطهاد اليوانين ومن بعده االضطهاد الروماين الذي استمر لعد قرون‪ ،‬وقد نتج عن هذه‬
‫االضطهادات إحراق أسفارهم وإتمالها ومنع قراءهتا وقتل أحبارهم وعلما هم‪.‬‬
‫مهما لضياع أسفارهم‪ ،‬وانقطاع أسانيدهم‪ ،‬هو كثر حوادث الرد والشرك يف بين‬
‫ونضيف سببا آرر ًّ‬
‫وجل‪ ،‬وإمهاهلم للتورا ويَرها‪ ،‬وهي مذكور يف أسفارهم املقدسة لدبهم‪،‬‬
‫عز َّ‬
‫إسرا يل‪ ،‬وكفرهم ابهلل َّ‬
‫ومنها ما ورد يف (سفر القضا ) ‪( :15 - 11 /2‬ولعل بنو إسرا يل الشر يف عيين الرب وعبدوا‬
‫البعليم‪ ،‬وتركوا الرب إله آاب هم الذي أررجهم من أرض مصر‪ ،‬وساروا وراء آهلة أررى من آهلة‬
‫الشعوب الذبن حوهلم‪ ،‬وسجدوا هلا وأياظوا الرب‪ ،‬تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت‪ ،‬لحمي‬
‫الرب على إسرا يل لدلعهم أببدي انهبني هنبوهم وابعهم بيد أعدا هم‪ ،‬ومل بقدروا بعد على الوقوف‬
‫أما أعدا هم‪ ،‬حيثما ررجوا كانت بد الرب عليهم للشر‪ ،‬كما تكلم الرب وكما أقسم الرب هلم)‪.‬‬
‫وقد تكررت الرد والشرك ابهلل من بين إسرا يل مرات عدبد يف عهد القضا ‪.‬‬
‫مث تكرر ذلك منهم يف عهد امللوك‪ ،‬لقد ورد يف (سفر امللوك) (‪( :)33 - 28 /12‬أن بربعا‬
‫استشار امللك وعمل عجلي ذهب‪ ،‬وقال هلم‪ :‬كثَر عليكم أن تصعدوا إىل أورشليم‪ ،‬هو ذا آهلتكم اي‬
‫إسرا يل الذبن أصعدوك من أرض مصر‪ .‬ووضع واحدا يف بيت إبل‪ ،‬وجعل اخآرر يف دان‪ ،‬وكان هذا‬
‫األمر رطية‪ ،‬وكان الشعب بذهبون إىل أما أحدمها حىت إىل دان ‪.) ...‬‬
‫وما ذكرانه ِما جيعل كل عاقل منصف منهم براتب وبشك يف صحة نسبة التورا احلالية إىل موسى‬
‫وسمامتها من التحربف والتبدبل!!!‬
‫وكانت تلك األسباب ويَرها قد دلعت ابلكثَربن من حمققي اليهود والنصارى إىل االعرتاف أبن‬
‫أسفار العهد القدمي مشكوك يف أمر مملفيها‪ ،‬وإليك َمتصرا ملا بقوله حمررو طبعة سنة (‪)1971‬‬
‫اإلجنليزبة من كتاهبم املقدس لدبهم‪ ،‬وهي آرر طبعة معدَّلة من كتاهبم وآرر طبعة حىت اخآن‪ ،‬بقول‬
‫احملررون‪:‬‬
‫‪ -‬سفر التكوبن‪ ،‬واَخروج‪ ،‬والماوبني‪ ،‬والعدد‪ ،‬والتثنية‪ :‬مملفه موسى على األيلب‪.‬‬
‫‪ -‬سفر بشوع‪ :‬معظمه منسوب إىل بشوع‪.‬‬
‫وتكرر منهم الشرك َّ‬
‫والرد عن دبن هللا احلق مرات عدبد يف عهد امللوك‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪( :‬سفر امللوك األول)‪( ،‬اإلصحاحات‪ ،)22 ،19 :‬و (سفر امللوك الثاين)‪( ،‬اإلصحاحات‪:‬‬
‫‪.)24 ،23 ،22 ،21 ،17 ،16 ،15 ،14 ،13 /1‬‬
‫بل وصل هبم الكفر إىل حد وصف نَب هللا سليمان عليه الصما والسما ابلكفر وعباد يَر هللا‪،‬‬
‫والعياذ ابهلل‪.‬‬
‫‪ -‬انظر‪( :‬سفر امللوك األول)‪( ،‬اإلصحاح‪.)11:‬‬
‫نقما من كتاب (التحربف يف التورا )‪( ،‬ص‪ )3‬د‪ .‬حممد اَخوِل‪ ،‬ووجدت أبضا تلك االعرتالات جبهالة‬
‫مملفي أسفارهم يف مقدمة الكتاب املقدس (املدرل) طبع املطبعة الكاثوليكية سنة (‪)1988‬‬
‫بلبنان‪ ،‬ويف كتاب (رسالة يف الماهوت والسياسة) ‪َ -‬تليف الفيلسوف اليهودي ابروخ سبينوزا‪،‬‬
‫وكتاب (السنن القومي يف تفسَر أسفار العهد القدمي)‪ ،‬و (قاموس الكتاب املقدس) يف التعليق على‬
‫تلك األسفار‪.‬‬
‫‪ -‬سفر القضا ‪ :‬مملفه صمو يل على االحتمال‪.‬‬
‫‪ -‬سفر راعوث‪ :‬مملفه يَر حمدد‪ ،‬ولكن رمبا بكون صمو يل‪.‬‬
‫‪ -‬سفر صمو يل األول‪ :‬اململف جمهول‪.‬‬
‫‪ -‬سفر صمو يل الثاين‪ :‬اململف جمهول‪.‬‬
‫‪ -‬سفر امللوك األول‪ :‬اململف جمهول‪.‬‬
‫‪ -‬سفر امللوك الثاين‪ :‬اململف جمهول‬
‫‪ -‬سفر أربار األاي األول‪ :‬اململف جمهول‪ ،‬ولكن رمبا مجعه وحرره عزرا‪.‬‬
‫‪ -‬سفر أربار األاي الثاين‪ ،‬اململف جمهول‪ ،‬ولكن رمبا مجعه وحرره عزرا‪.‬‬

‫(‪)121/1‬‬

‫‪ -‬سفر عزرا‪ :‬من احملتمل أن عزرا كتبه أو حرره‪.‬‬


‫‪ -‬سفر أستَر‪ :‬اململف جمهول‪.‬‬
‫‪ -‬سفر املزامَر‪ :‬اململف الر يسي داود‪ ،‬لكن معه آررون وبعضهم جمهولون‪.‬‬
‫‪ -‬سفر األمثال واجلامعة ونشيد األانشيد‪ :‬اململف جمهول‪ ،‬ولكنها عاد تنسب إىل سليمان‪.‬‬
‫‪ -‬سفر إشعياء‪ :‬بنسب معظمه إىل أشعيا‪ ،‬ولكن من احملتمل أن بعضه قد كتبه آررون‪.‬‬
‫‪ -‬سفر بوانن‪ :‬اململف جمهول‪.‬‬
‫‪ -‬سفر حبقون‪ :‬ال بعرف شيء عن مكان أو زمان والدته‪.‬‬
‫وبعد هذا االعرتاف منهم لإن األمر ال حيتاج إىل زايد تعليق منا‪.‬‬
‫ومن األدلة أبضا على عد الوثوق ابلتورا احلالية ما ورد يف (سفر امللوك الثاين) (‪ )13 - 8 /22‬يف‬
‫عهد امللك بوشيا من ملوك ِملكة بهوذا‪ ،‬أن التورا قد لقدت وضاعت من بين إسرا يل سنوات‬
‫عدبد ‪ ،‬مث ادعاء العثور عليها على بد الكاهن يف اهليكل‪ ،‬وال نسلم هلم أبن التورا اليت عثر عليها‬
‫هي تورا موسى؛ إذ إن اهتا الكاهن ابلتزوبر قا م يف مسابرته لريبة امللك يف العود إىل التوحيد بعد‬
‫ارتداد وكفر من سبقه من آاب ه‪ ،‬إضالة إىل أن هذه النسخة من التورا قد لقدت أبضا يف الغزو‬
‫البابلي وحوادث احلروب األررى‪.‬‬
‫ومن األدلة القاطعة على عد صحة نسبة التورا احلالية إىل موسى عليه الصما والسما نصوص‬
‫التورا نفسها‪ ،‬وإليك بعض الشواهد‪:‬‬
‫‪ -‬رامتة التورا يف (سفر التثنية) (‪ )12 - 1 /34‬وليه‪( :‬لمات هناك موسى عبد الرب يف أرض‬
‫مماب حسب قول الرب ودلنه يف اجلواء ‪ ...‬ومل بعرف إنسان قربه إىل هذا اليو ‪ ،‬وكان موسى ابن‬
‫ما ة وعشربن سنة حني مات ومل تكل عينه وال ذهبت نضارته‪ ،‬لبكى بنو إسرا يل موسى يف عرابت‬
‫موآب ثماثني بوما‪ ،‬لكملت أاي بكاء مناحة موسى‪ ،‬وبشوع بن نون كان قد امتَل روح حكمة‪ ،‬إذ‬
‫وضع موسى عليه بدبه لسمع له بنو إسرا يل وعملوا كما أوصى الرب موسى‪ ،‬ومل بقم بعد نَب يف‬
‫إسرا يل مثل موسى الذي عرله الرب وجها لوجه ‪ ) ...‬وبذلك بنتهي كتاب التورا ‪.‬‬
‫وال أعتقد أن عاقما جيرؤ على القول أن كاتب هذا الكما هو موسى عليه الصما والسما !!!‬
‫‪ -‬إن بعض نصوص التورا تتحدث عن موسى بضمَر الغا ب‪ ،‬وبصيغة ال ميكن التصدبق أبن كاتبها‬
‫هو موسى‪ ،‬ومن تلك النصوص‪( :‬حتدث هللا مع موسى) (وكان هللا مع موسى وجها لوجه) (وكان‬
‫موسى رجما حليما جدًّا أكثر من مجيع الناس) (لسخط موسى على وكماء اجليش) (موسى رجل هللا)‬
‫وحنو ذلك‪ ،‬للو كان موسى كاتب تلك النصوص لقال مثما‪ :‬كلمين الرب‪ ،‬حتدثت مع هللا‪ .‬وحنوه‪.‬‬
‫‪-‬إن مماحظة اللغات واألساليب اليت كتبت هبا التورا وما تشتمل عليها من موضوعات وتشربعات‬
‫وبيئات اجتماعية وسياسية وجغرالية تنعكس ليها‪ ،‬تظهر أهنا قد ألفت يف عصور الحقة لعصر‬
‫موسى‪ِ ،‬ما بثبت أن هذه األسفار قد كتبت أبقما اليهود اليت تعكس ألكارهم ونظمهم املتعدد يف‬
‫َمتلف أدوار اترخيهم الطوبل‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫ورد يف التورا يف (سفر التكوبن) (‪ )14 /14‬أن إبراهيم عليه الصما والسما تتبع أعداءه إىل‬
‫س َّم هبذا االسم إال بعد موت بوشع بعد درول بين إسرا يل للسطني‬
‫(دان)‪ .‬وهي اسم مدبنة مل تْ َ‬
‫واستقرارهم هبا‪ ،‬لقد ورد يف (سفر القضا ) (‪( )29 /18‬ومسوا املدبنة دان) ابسم أبيهم الذي ولد‬
‫إلسرا يل‪ ،‬وكان اسم املدبنة قبل ذلك) البيش) لكيف بذكر موسى ‪ -‬وهو بقص قصة إبراهيم‪ -‬اسم‬
‫تسم هبذا االسم إال من بعده بزمن طوبل جدًّا؟!!‬
‫مدبنة مل َّ‬
‫تلك بعض املماحظات اليت جعلت الفيلسوف اليهودي ابروخ سبنوزا (ت‪ ) 1677‬بعلن صراحة‬
‫قوله‪( :‬من هذه املماحظات كلها بظهر واضحا وضوح النهار أن موسى مل بكتب األسفار اَخمسة‪ ،‬بل‬
‫كتبها شخص آرر عاش بعد موسى بقرون عدبد )‪ .‬ا‪ .‬هـ‬

‫(‪)122/1‬‬
‫أضف إىل ذلك أبضا ارتماف لرق اليهود يف قبول ورلض بعض أسفار العهد القدمي‪ ،‬لطا فة السامر‬
‫من اليهود ال تعرتف إال ابلتورا اَخمسة األسفار‪ ،‬وتنكر ما عداها من األسفار‪ ،‬وتقبل منها سفري‬
‫بوشع والقضا ابعتبارمها أسفارا اترخيية لقط‪ .‬وخيالفها مجهور اليهود الذبن بقبلون أسفار العهد‬
‫القدمي املذكور ‪ .‬وخيتلف مع اليهود أبضا طا فة الكاثوليك من النصارى يف قبول ورلض بعض أسفار‬
‫العهد القدمي‪.‬‬
‫الناحية الثانية‪ :‬نقد املنت‪:‬‬
‫ند يَ غَر غ‬
‫هللا لََو َج ْدواي لغ غيه ا يرتغماَلا َكثغَرا [النساء‪:‬‬ ‫غ غ‬
‫قال هللا عز وجل‪ :‬أَلَماَ بَـتَ َدبَّـ ْرو َن الي ْق يرآ َن َولَ يو َكا َن م ين ع غ ي‬
‫‪.]82‬‬
‫ان َوإغبتَاء غذي الي ْق يرَىب َوبَـ ينـ َهى َع غن الي َف يح َ‬
‫شاء َوال ْيمن َك غر َواليبَـ يغ غي‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬إغ َّن هللا أييمر غابليع يد غل وا غإلحس غ‬
‫َ َ ْْ َ َ ي َ‬
‫بَ غعظْ ْك يم لَ َعلَّ ْك يم تَ َذ َّك ْرون [النحل‪.]90 :‬‬
‫غ‬ ‫وقال تبارك وتعاىل‪ :‬إغ َّن هللا أييمرْكم أَن تْمدُّواي األَم َاان غ‬
‫َّاس أَن َحتي ْك ْمواي‬ ‫ني الن غ‬‫ت إغ َىل أ يَهل َها َوإغذَا َح َك يمتْم بَ ي َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْْ ي‬
‫صَرا [النساء‪.]58 :‬‬ ‫غابليع يد غل إغ َّن هللا نغ غع َّما ب غعظْ ْكم بغ غه إغ َّن هللا َكا َن َغمسيعا ب غ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يف ضوء هذه اخآايت الكرمية‪ -‬اليت وضحت بعض رصا ص الوحي اإلهلي املنزل على األنبياء عليهم‬
‫الصما والسما ‪ -‬نبني بعض مواطن االرتماف والتناقض والباطل الذي بدل على وقوع التحربف‬
‫والتزوبر يف أسفار اليهود‪ ،‬وقد أشران إىل بعض ذلك ليما تقد ‪ ،‬وميكننا تلخيص أبرز االنتقادات‬
‫املوجهة إىل منت األسفار يف العناوبن الر يسة اخآتية‪ ،‬وتندرج حتتها عشرات األمثلة والشواهد‪،‬‬
‫وسنكتفي بذكر بعضها‪:‬‬
‫(‪ )1‬االرتماف بني نسخ التورا املختلفة‪:‬‬
‫إن التورا احلالية ليست نسخة واحد جممعا عليها من اليهود والنصارى‪ ،‬وإَنا هي ثماث نسخ‬
‫َمتلفة‪ :‬التورا العرببة‪ ،‬التورا السامربة‪ ،‬التورا اليواننية‪.‬‬
‫لالتورا السامربة تممن هبا لرقة السامر من اليهود‪ ،‬والتورا العرببة بعرتف هبا مجهور اليهود ولرقة‬
‫الربوتستانت من النصارى‪ ،‬والتورا اليواننية تعرتف هبا لرقة الكاثوليك من النصارى‪ ،‬وكل لرقة ال‬
‫تعرتف ابلنسخة األررى‪.‬‬
‫وتوجد ارتمالات جوهربة وتناقضات صرحية بني النسخ الثماث مثال ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬أن قبلة اليهود ومكان بناء مذبح الرب يف التورا العرببة واليواننية (تثنية ‪( 4 /27‬جبل عيبال‬
‫أبورشليم (بيت املقدس)‪ ،‬ويف التورا السامربة (تثنية ‪ )4 /27‬أن القبلة جبل جربزمي مبدبنة انبلس‪.‬‬
‫‪ -‬ورد أن جمموع األعمار (الفرت الزمنية) من عهد آد إىل إبراهيم عليهما الصما والسما يف التورا‬
‫العرببة ببل (‪ )2023‬سنة‪ ،‬ويف التورا السامربة ببل جمموع األعمار (‪ )2324‬سنة‪ ،‬ويف التورا‬
‫اليواننية ببل (‪ )2200‬سنة!!‬
‫وهناك ارتمالات أررى كثَر من حيث األلفاظ واإلمماء والقواعد النحوبة ويَرها‪.‬‬
‫(‪ )2‬االرتماف بني أسفار التورا بعضها ببعض وبني األسفار األررى مثال ذلك‪ - :‬ورد يف (سفر‬
‫التكوبن) (‪ )3 /6‬أن هللا يضب على البشر؛ لطغياهنم يف عصر نوح عليه الصما والسما لقضى‬
‫أبن عمر اإلنسان ال بتجاوز (‪ )120‬عاما‪ ،‬وهذا النص خيتلف مع ما ورد يف التورا أبضا يف (سفر‬
‫التكوبن) (‪ )32 - 10 /11‬من أن سا بن نوح عاش (‪ )600‬سنة‪ ،‬وابنه أرلكشاد عاش (‪)438‬‬
‫سنة‪ ،‬وشاحل عاش (‪ )433‬سنة‪ ،‬وعابر عاش (‪ )464‬سنة ويَرهم كثَر ِمن ُتاوزت أعمارهم (‪)120‬‬
‫سنة!!‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪( )12 /7‬أن طولان نوح عليه الصما والسما استمر مد أربعني بوما‬
‫وليلة)‪ ،‬ولكن بنقضه ما ورد يف نفس (السفر واإلصحاح‪( )24 /7 :‬أن الطولان استمر مد ما ة‬
‫ومخسني بوما!!)‬

‫(‪)123/1‬‬

‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪( )5 - 4 /8‬واستقر الفلك يف الشهر السابع يف اليو السابع عشر من‬
‫الشهر على جبال أراراط‪ ،‬وكانت املياه تنقص نقصا متواليا إىل الشهر العاشر‪ ،‬ويف الشهر العاشر يف‬
‫أول الشهر ظهرت رؤوس اجلبال)‪.‬‬
‫ويف هذا ارتماف واضح؛ ألنه إذا ظهرت رؤوس اجلبال يف الشهر العاشر لكيف تكون سفينة نوح‬
‫قد استقرت على جبال أراراط (أرمينيا) يف الشهر السابع‪ ،‬أي‪ :‬قبل شهربن ونصف من ظهور رؤوس‬
‫اجلبال؟!!‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر اَخروج) (‪ )5 /20‬و (سفر التثنية) (‪( )9 /5‬أن األبناء بمارذون بذنب اخآابء حىت‬
‫اجليل الثالث والرابع)‪ ،‬ولكن ورد يف (سفر حزقيال) (‪ )20 /18‬ويف (سفر أرميا) (‪( )30 /31‬أن‬
‫األبناء ال بعاقبون بذنب اخآابء)‪ .‬ويف هذا تناقض؛ ألن اليهود ال بقولون بنسخ أحكا التورا ‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪( )21 /46‬أن أبناء بنيامني بن بعقوب عددهم عشر أبناء)‪ ،‬ولكن ورد‬
‫يف (سفر أربار األاي األول) (‪( )6 /7‬أن أبناء بنيامني ثماثة)‪ ،‬ويف نفس السفر (‪( )2 - 1 /8‬أن‬
‫أبناء بنيامني مخسة لقط)!!!‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر صمو يل الثاين) (‪( )13 /24‬لأتى جاد داود وأرربه وقال له‪ :‬أَتِت عليك سبع‬
‫سنني جوعا يف أرضك أ هترب أما أعدا ك ثماثة أشهر وهم يف أثرك) وبناقضه ما ورد يف (سفر‬
‫أربار األاي األول) (‪( )11 /21‬لأتى جاد داود وقال له‪ :‬كذا قال الرب ختَر إما ثماث سنني جوعا‪،‬‬
‫وإما ثماثة أشهر هترب ليها أما أعدا ك‪ ،‬وسيف أعدا ك بدركك) لهل هي سبع سنوات جوعا أ‬
‫ثماث سنوات؟؟!!!‬
‫‪-‬ورد يف (سفر صمو يل الثاين) (‪( )4 /8‬لأرذ داود منه ألفا وسبعما ة لارس وعشربن ألف راجل)‬
‫ولكن تكرر اَخرب يف (سفر أربار األاي األول) (‪ )4 /18‬كاخآِت (لأرذ داود منه ألف مركبة وسبعة‬
‫آالف لارس وعشربن ألف راجل)‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر امللوك األول) (‪( )26 /4‬وكان لسليمان أربعون ألف مذود َخيل مركباته واثنا عشر‬
‫ألف لارس (‬
‫ولكن تكرر اَخرب يف (سفر أربار األاي الثاين) (‪ )25 /9‬كاخآِت‪( :‬وكان لسليمان أربعة آالف مذود‬
‫ريل ومركبات واثنا عشر ألف لارس)‪.‬‬
‫ك سنة واحد يف‬
‫وملَ َ‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر امللوك الثاين) (كان أرزاي ابن اثنتني وعشربن سنة حني َملَ َ‬
‫أورشليم)‪ ،‬وتكرر اَخرب يف (سفر أربار األاي الثاين) (‪ )2 /22‬بصور َمتلفة (كان أرزاي ابن اثنتني‬
‫ك سنة واحد يف أورشليم!!)‬
‫وملَ َ‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫وأربعني سنة حني َملَ َ‬
‫واألعجب من ذلك ما ورد يف (أربار األاي الثاين) نفسه (‪( )5 /21‬أن بهورا ‪ -‬والد أرزاي‪ -‬كان‬
‫ك امان سنني يف أورشليم) لكيف بكون االبن أكرب سنا من‬
‫وملَ َ‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫ابن اثنني وثماثني سنة حني َملَ َ‬
‫أبيه؟!!‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر امللوك الثاين) (‪( )8 /24‬كان بهوايكني ابن اماين عشر سنة حني ملك‪ ،‬وملك ثماثة‬
‫أشهر يف أورشليم (‪ ،‬وتكرر اَخرب ابرتماف يف (سفر األاي الثاين) (‪( )9 /36‬كان بهوايكني ابن اماين‬
‫سنني حني ملك‪ ،‬وملك ثماثة أشهر وعشر أاي يف أورشليم)‪.‬‬
‫(‪ )3‬االرتماف مع احلقا ق العلمية والتارخيية‪ ،‬مثال ذلك‪-:‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪( )8 - 6 /1‬وقال هللا‪ :‬ليكن جلد يف وسط املياه‪ ،‬وليكن لاصل بني‬
‫مياه ومياه‪ ،‬لعمل هللا اجللد ولصل بني املياه اليت حتت اجللد واملياه اليت لوق اجللد‪ ،‬ودعا هللا اجللد‬
‫مساء‪ ،‬وكان مساء وكان صباح اليو الثاين)‪.‬‬
‫بقول موربس بوكاي‪ :‬أسطور املياه هنا تستمر ابنفصاهلا إىل طبقتني بواسطة اجللد الذي سيجعل‬
‫الطبقة العليا عند الطولان تنفذ من رماله لتنصب على األرض‪ ،‬إن صور انقسا املياه هذه إىل‬
‫كتلتني يَر مقبولة علميًّا‪ .‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬

‫(‪)124/1‬‬

‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪ )13 /15‬أن مد إقامة بين إسرا يل يف مصر ستكون (‪ 400‬سنة)‬
‫ولكن ورد يف (اَخروج) (‪ )40 /12‬أن مد إقامة بين إسرا يل يف مصر كانت (‪ )430‬سنة‪ ،‬وكما‬
‫التارخيني خيتلفان مع احلقيقة التارخيية اليت اعرتف هبا أحبارهم ومفسرو أسفارهم من أن مد إقامة بين‬
‫إسرا يل يف مصر ال تزبد عن (‪ )215‬سنة‪ ،‬بدليل حساب عمر إسرا يل) بعقوب) عليه الصما‬
‫والسما عند دروله مع بنيه أرض مصر‪ ،‬مث أعمار األجيال إىل زمن رروج بين إسرا يل من مصر مع‬
‫موسى عليه الصما والسما ‪.‬‬
‫(‪ )4‬وجود األقوال القبيحة والتهم الشنيعة واألوامر الباطلة والتعاليم الفاسد والقصص البذبئة ‪ -‬يف‬
‫أسفارهم‪ -‬اليت تستحيل أن تكون وحيا من عند هللا عز وجل‪ ،‬مثال ذلك‪-:‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪ )3 - 1 /2‬أن هللا ‪ -‬سبحانه وتعاىل‪ -‬ملا رلق اَخلق يف ستة أاي لإنه‬
‫تعب واسرتاح يف اليو السابع‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪ )27 - 20 /9‬وصف نَب هللا نوح عليه الصما والسما أبنه شرب‬
‫اَخمر حىت سكر وتعرى يف ربا ه‪ ،‬وأبصر ابنه األصغر حا عورته‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪ )39 - 30 /19‬قذف نَب هللا لوط عليه الصما والسما ابلزان‪ ،‬حيث‬
‫زعموا ‪ -‬لعنهم هللا ‪ -‬أن ابنتيه سقتاه مخرا وضاجعتاه حىت أولد منهما نسما ‪-‬والعياذ ابهلل‪ -‬من هذا‬
‫الكفر‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر التكوبن) (‪ )30 - 1 /27‬وصف بعقوب عليه الصما والسما أبنه ردع أابه‬
‫إسحاق عليه السما واحتال وكذب عليه حىت بنال دعوته وبركته قبل أريه عيسو‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر اَخروج) (اإلصحاح‪ )32:‬وصف هارون عليه الصما والسما أبنه صنع العجل لبين‬
‫إسرا يل وأمرهم بعبادته‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر بشوع) (‪ )21 ،17 /6‬أن هللا أمر بوشع عليه السما عند استيما ه على مدبنة أرحيا‬
‫أن بقتل يف املدبنة كل رجل وامرأ وطفل وشيخ حىت البقر والغنم واحلمَر حبد السيف‪ ،‬وقد لعل‬
‫وجل منزه عن ذلك؛ ألنه تعاىل أيمر ابلعدل واإلحسان وبنهى‬
‫عز َّ‬
‫بشوع ذلك حسب زعمهم‪ ،‬وهللا َّ‬
‫عن البغي‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر صمو يل) (اإلصحاح‪ )2:‬وصف داود عليه الصما والسما أبنه زان بزوجة قا ده‬
‫واحتال يف قتله؛ لكي بتزوج بزوجته من بعده‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر امللوك األول) (‪ )6 - 1 /11‬وصف سليمان عليه الصما والسما أبنه تزوج نساء‬
‫وثنيات‪ ،‬وأبن نساءه أضللنه حىت أشرك ابهلل‪ ،‬وعبد أصنا نسا ه الوثنيات يف شيخورته‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر حزقيال) (اإلصحاح‪ )33:‬قصة زان أهولة وأهوليبة ولجورمها أبسلوب جنسي لاضح‬
‫قبيح بذيء‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر نشيد األانشيد) املنسوب إىل سليمان عليه الصما والسما شعر جنسي ويزل‬
‫لاحش وكما بذيء‪ ،‬بستحى من ذكره وتسطَره‪.‬‬
‫‪ -‬ورد يف (سفر هوشع) (‪ )9 - 2 /1‬أن هللا ‪ -‬سبحانه وتعاىل‪ -‬أمر نبيه هوشع أن أيرذ لنفسه‬
‫عز‬
‫علوا كبَرا‪ ،‬وتَـنَـ َّزه هللا َّ‬
‫وجل عما بقول الكالرون ًّ‬
‫عز َّ‬
‫امرأ زانية‪ ،‬وبنجب منها أوالد زىن‪ .‬تعاىل هللا َّ‬
‫وجل عن هذا الكفر‪ ،‬لإن هللا أيمر ابلعدل واإلحسان وبنهى عن الفحشاء واملنكر والبغي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ونكتفي هبذا القدر اليسَر جدًّا من لضا ح كتبهم الكثَر ‪ ،‬لما عجب أن بكون حال حمققيهم‬
‫ف لغ غيه َولَ يوالَ َكلغ َمةٌ‬
‫اب لَا يرتْلغ َ‬ ‫غ‬
‫وسى اليكتَ َ‬
‫ومفكربهم كما وصفهم هللا عز وجل بقوله‪َ :‬ولََق يد آتَـ ييـنَا ْم َ‬
‫بب [هود‪.]110 :‬‬ ‫ك غم ينهْ ْم غر ٍ‬ ‫ك لَ ْق َ َ ي َ ي‬
‫ت غمن َّربغ َ غ‬
‫ضي بـ ييـنَـ ْهم وإغ َّهنْم لَغفي َش ٍ‬ ‫َسبَـ َق ي‬
‫‪ O‬األسفار املقدسة عند اليهود وأثرها يف احنرالهم عرض ونقد حملمود عبد الرمحن قدح – ص ‪329‬‬
‫لما بعدها (جملة اجلامعة اإلسمامية – عدد ‪)111‬‬

‫(‪)125/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬ما تثبته النصارى خبماف نص التورا وتكذببهم لنصوصها اليت أببدي اليهود‪:‬‬
‫وادعاء بعض علماء النصارى أهنم اعتمدوا يف ذلك على التورا اليت ترمجها السبعون شيخا‬
‫لبطليموس‪ ،‬ال على كتب عزراء الوراق‪ ،‬واليهود مممنون بكلتا النسختني‪ ،‬واَخماف عند النصارى‬
‫موجود ليها‪.‬‬
‫قال أبو حممد‪ :‬يف تورا اليهود‪ -‬اليت ال ارتماف ليها بني الرابنية والعااننية والعيسوبة منهم‪ -‬ملا عاش‬
‫آد ثماثني سنة وما ة سنة ولد له ولد كشبهه وجنسه ومساه شيث‪ ،‬وعند النصارى‪ -‬بما ارتماف بني‬
‫أحد منهم وال من مجيع لرقهم‪ -‬ملا أتى على آد ما تان وثماثون سنة ولد له شيث‪ .‬ويف التورا اليت‬
‫عند اليهود‪ :‬ملا عاش شيث مخس سنني وما ة سنة ولد أنيوش‪ .‬وعند النصارى كلهم‪ :‬ملا عاش شيث‬
‫ما يت سنة ومخس سنني ولد أنيوش‪ .‬ويف التورا اليت عند اليهود‪ :‬أن أنيوش ملا عاش تسعني سنة ولد‬
‫قينان‪ .‬وعند النصارى كلهم‪ :‬أن أنيوش ملا عاش تسعني سنة وما ة سنة ولد قينان‪ .‬ويف التورا اليت‬
‫عند اليهود كما ذكران‪ :‬أن قينان ملا عاش سبعني سنة ولد مهمال‪ .‬ويف التورا اليت عند اليهود كما‬
‫ذكران‪ :‬أن مهمال ملا بل مخسا وستني سنة ولد ايرد‪.‬‬
‫وعند النصارى كلهم‪ :‬أن مهمال ملا بل ما ة سنة ومخسا وستني سنة ولد ايرد‪ ،‬واتفقت الطا فتان يف‬
‫عمر ايرد إذ ولد له رنوخ‪ .‬ويف التورا اليت عند اليهود‪ :‬أن رنوخ ملا بل مخسا وستني سنة ولد‬
‫متوشاخل‪ ،‬وأن مجيع عمر رنوخ كان ثمااما ة سنة ومخسا وستني سنة‪ .‬وعند النصارى كلهم‪ :‬أن رنوخ‬
‫ملا بل ما ة سنة ومخسا وستني سنة ولد متوشاخل‪ ،‬وأن مجيع عمر رنوخ كان مخسما ة سنة ومخسا‬
‫وستني سنة‪ .‬لفي هذا الفصل تكاذب بني الطا فتني يف موضعني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬سن رنوخ إذ ولد له متوشاخل‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬كمية عمر رنوخ‪ ،‬واتفقت الطا فتان على عمر متوشاخل إذ ولد له المخ‪ ،‬وعلى عمر المخ‬
‫إذ ولد له نوح‪ ،‬وعلى عمر نوح إذ ولد له سا وحا وايلث‪ ،‬وعلى عمر سا إذ ولد له أرلخشاذ‪.‬‬
‫ويف التورا اليت عند اليهود‪ :‬أن أرلخشاذ ملا بل مخسا وثماثني سنة ولد له شاخل‪ ،‬وأن عمر أرلخشاذ‬
‫كان أربعما ة سنة ومخسا وثماثني سنة‪ ،‬وعند النصارى كلهم‪ :‬أن أرلخشاذ ملا بل ما ة سنة ومخسا‬
‫وثماثني سنة ولد له قينان‪ ،‬وأن عمر أرلخشاذ كان أربعما ة سنة ومخسا وستني سنة‪ ،‬وأن قينان ملا بل‬
‫ما ة سنة وثماثني سنة ولد له شاخل‪ ،‬لبني الطا فتني يف هذا الفصل وحده ارتماف يف ثماثة مواضع‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬عمر أرلخشاذ مجلة‪ .‬والثاين‪ :‬سن أرلخشاذ إذ ولد له ولده‪ .‬والثالث‪ :‬زايد النصارى بني‬
‫أرلخشاذ وشاخل قينان وإسقاط اليهود له‪ .‬ويف التورا عند اليهود‪ :‬أن شاخل ملا بل ثماثني سنة ولد له‬
‫عابر وأن عمر شاخل كان أربعما ة سنة وثماثني سنة‪ .‬وعند النصارى كلهم‪ :‬أن شاخل ملا بل ما ة‬
‫وثماثني سنة ولد له عابر‪ ،‬وأن عمر شاخل كله كان أربعما ة سنة وستني سنة‪.‬‬
‫لفي هذا الفصل تكاذب بني الطا فتني يف موضعني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬سن شاخل إذ ولد له عابر‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬كمية عمر شاخل‪ ،‬وعند اليهود يف التورا ‪ :‬أن لال إذ بل ثماثني سنة ولد له رايو‪ ،‬وعند‬
‫النصارى كلهم‪ :‬أن لال ملا بل ما ة سنة وثماثني ولد له رايو‪ ،‬ويف تورا اليهود‪ :‬أن رايو ملا بل‬
‫اثنتني وثماثني سنة ولد له شاروع‪ ،‬وعند النصارى كلهم‪ :‬أن رايو ملا بل ما ة سنة واثنتني وثماثون ولد‬
‫له شاروع‪.‬‬
‫ويف التورا عند اليهود‪ :‬أن شاروع إذ بل ثماثني سنة ولد له انحور‪ ،‬وكان عمر شاروع كله ما يت عا‬
‫وثماثني عاما‪ ،‬وعند النصارى كلهم‪ :‬أن شاروع إذ بل ثماثني سنة وما ة سنة ولد له انحور وأن عمر‬
‫شاروع كله كان ثمااما ة وثماثني سنة‪.‬‬
‫لفي هذا الفصل بني الطا فتني تكاذب يف موضعني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬عمر شاروع مجلة‪.‬‬

‫(‪)126/1‬‬

‫والثاين‪ :‬سن شاروع إذ ولد له انحور‪ ،‬ويف التورا عند اليهود‪ :‬أن انحور ملا بل تسعا وعشربن سنة‬
‫ولد له انرخ‪ ،‬وأن عمر انحور كله كان ما ة سنة وامانيا وأربعني سنة‪.‬‬
‫وعند النصارى كلهم‪ :‬أن انحور ملا بل تسعا وسبعني سنة ولد له انرخ‪ ،‬وأن عمر انحور كله كان‬
‫ما يت عا وامانية أعوا ‪.‬‬
‫لفي هذا الفصل تكاذب بني الطا فتني يف موضعني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬عمر انحور كله‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬سن انحور إذ ولد له انرخ‪ ،‬ويف التورا عند اليهود‪ -‬كما ذكران‪ :-‬أن انرخ كان عمره كله‬
‫ما يت عا ومخسة أعوا ‪ ،‬وعند النصارى كلهم‪ :‬أن انرخ كان عمره كله ما يت عا وامانية أعوا ‪.‬‬
‫قال أبو حممد‪ :‬لتولد من االرتماف املذكور بني الطا فتني زايد عن ألف عا وثمااما ة عا ومخسني‬
‫عاما عند النصارى يف اتربخ الدنيا على ما هو عند اليهود يف اترخيها‪ ،‬وهي تسعة عشر موضعا كما‬
‫أوردان‪ ،‬لوضح ارتماف التورا عندهم‪ ،‬ومثل هذا من التكاذب ال جيوز أن بكون من عند هللا ع َّز‬
‫وجل أصما‪ ،‬وال من قول نَب البتة‪ ،‬وال من قول صادق عامل من عرض الناس‪ ،‬لبطل هبذا بما شك أن‬
‫َّ‬
‫تكون التورا وتلك الكتب منقولة نقما بوجب صحة العلم‪ ،‬لكن نقما لاسدا مدروال مضطراب‪ ،‬وال‬
‫بد للنصارى ضرور من أحد مخسة أوجه ال َمرج هلم عن أحدها‪:‬‬
‫إما أن بصدقوا نقل اليهود للتورا ‪ ،‬وأهنا صحيحة عن موسى عن هللا عز وجل‪ ،‬ولكتبهم‪ ،‬وهذه‬
‫طربقتهم يف احلجاج واملناظر ‪ ،‬لإن لعلوا لقد أقروا على أنفسهم وعلى أسمالهم الذبن نقلوا عنهم‬
‫دبنهم ابلكذب؛ إذ رالفوا قول هللا تعاىل وقول موسى عليه السما ‪.‬‬
‫وجل‪ ،‬وهم ال بفعلون هذا‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫أو بكذبوا موسى عليه السما ليما نقل عن هللا َّ‬
‫أو بكذبوا نقل اليهود للتورا ولكتبهم‪ ،‬ليبطل تعلقهم مبا يف تلك الكتب ِما بقولون إنه إنذار ابملسيح‬
‫عليه السما ؛ إذ ال جيوز ألحد أن حيتج مبا ال بصح نقله‪.‬‬
‫عولوا ليما عندهم على ترمجة السبعني شيخا الذبن ترمجوا‬
‫أو بقولوا‪ -‬كما قال بعضهم‪ :-‬أهنم إَنا َّ‬
‫التورا وكتب األنبياء عليهم السما لبطليموس‪ ،‬لإن قالوا هذا لإهنم ال خيلون ضرور من أحد‬
‫وجهني‪ :‬إما أن بكونوا صادقني يف ذلك‪ ،‬أو بكونوا كاذبني يف ذلك‪ ،‬لإن كانوا كاذبني يف ذلك لقد‬
‫سقط أمرهم‪ -‬واحلمد هلل رب العاملني‪ -‬إذ مل برجعوا إال إىل اجملاهر ابلكذب‪.‬‬
‫وإن كانوا صادقني يف ذلك لقد حصلت تورااتن متخالفتان متكاذبتان متعارضتان‪ :‬تورا السبعني‬
‫شيخا‪ ،‬وتورا عزرا‪ ،‬ومن الباطل املمتنع كوهنما مجيعا ًّ‬
‫حقا من عند هللا‪ ،‬واليهود والنصارى كلهم‬
‫مصدق مممن هباتني التوراتني معا‪ ،‬سوى تورا السامربة‪ ،‬وال بد ضرور من أن تكون أحدمها ًّ‬
‫حقا‪،‬‬
‫واألررى مكذوبة‪ ،‬لأبهما كانت املكذوبة لقد حصلت الطا فتان على اإلميان ابلباطل ضرور ‪ ،‬وال‬
‫رَر يف أمة تممن بيقني الباطل‪ ،‬وإن كانت تورا السبعني شيخا هي املكذوبة للقد كانوا شيوخ سوء‬
‫حيل أرذ الدبن عنه وال قبول‬
‫حرلوا كما هللا تعاىل وبدَّلوه‪ ،‬ومن هذه صفته لما ُّ‬
‫كذابني ملعونني؛ إذ َّ‬
‫حيل أرذ شيء‬
‫حرف كما هللا تعاىل‪ ،‬وال ُّ‬ ‫نقله‪ ،‬وإن كانت تورا عزرا هي املكذوبة لقد كان َّ‬
‫كذااب؛ إذ َّ‬
‫من الدبن عن كذاب‪ ،‬وال بد من أحد األمربن‪.‬‬
‫أو بكون كمامها كذاب‪ ،‬وهذا هو احلق اليقني الذي ال شك ليه؛ ملا قدمنا ِما ليها من الكذب الفاضح‬
‫املوجب للقطع أبهنا مبدلة حمرلة‪ ،‬وسقطت الطا فتان معا‪ ،‬وبطل دبنهم الذي إَنا مرجعه إىل تلك‬
‫الكتب املكذوبة‪ ،‬ونعوذ ابهلل من اَخذالن‪.‬‬
‫قال أبو حممد‪ :‬لتأملوا هذا الفصل وحده لفيه كفابة يف تيقن بطمان دبن الطا فتني‪ ،‬لكيف بسا ر ما‬
‫أوردان إذا استضاف إليه‪ ،‬ويف التورا عند اليهود وعند النصارى ارتماف آرر اكتفينا منه هبذا القدر‪،‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني على عظيم نعمته علينا ابإلسما ‪ ،‬املنقول نقل الكواف إىل رسول هللا املعصو‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬الربيء من كل كذب ومن كل حمال‪ ،‬الذي تشهد له العقول ابلصحة‪ ،‬واحلمد‬
‫هلل رب العاملني‬
‫‪ O‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل البن حز – ص ‪21 /2‬‬

‫(‪)127/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫هللا عز وجل له صفات الكمال املطلق اليت ال تشوهبا شا بة نقص‪ ،‬وال شك أن موسى عليه السما‬
‫قد علَّم بين إسرا يل ذلك‪ ،‬كما أن التورا املنزلة قد تضمنت ذلك‪ ،‬إال أن بين إسرا يل قد كفروا‬
‫وجل‪ ،‬لتكونت لدبهم عقيد منحرلة جعلتهم بقولون يف هللا قوال‬ ‫عز َّ‬ ‫وضلوا واحنرلوا عن دبن هللا َّ‬
‫ت الييـهود ب ْد غ‬
‫هللا‬ ‫غ‬
‫وجل‪َ :‬وقَالَ َ ْ ْ َ‬ ‫عز َّ‬ ‫وجل يف القرآن الكرمي من قوله َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫عظيما‪ ،‬ومن ذلك ما ذكره هللا َّ‬
‫عز‬ ‫شاء [املا د ‪ .]64 :‬وقال َّ‬ ‫ف بَ َ‬ ‫ان بْ غنف ْق َك يي َ‬
‫ت أَب غدب غهم ولْ غعنْواي غمبَا قَالْواي بل ب َداهْ م يبسوطَتَ غ‬
‫َي َ َ ْ‬ ‫َمغيلْولَةٌ يْلَّ ي ي ي َ‬
‫ب َما قَالْواي َوقَـ يتـلَ ْه ْم األَنبغيَاء بغغَ يغَر‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫َّ غ‬ ‫َّ َّ غ‬
‫بن قَالْواي إغ َّن هللاَ لَق ٌ‬
‫َر َوَيحن ْن أَ يينيَاء َسنَكيتْ ْ‬ ‫وجل‪ :‬ل َق يد َمس َع هللاْ قَـ يو َل الذ َ‬
‫اب ا يحلَ غر غبق [آل عمران‪ .]181 :‬لهذا الكفر والوقاحة من اليهود أثر من آاثر‬ ‫َح ٍق َونَـ ْقو ْل ذْوقْواي َع َذ َ‬
‫حتربفهم لكتاهبم‪ ،‬حيث تضمن كتاهبم املسمى التورا ‪ ،‬وكذلك الكتب امللحقة به كثَرا من الصفات‬
‫وجل هبا‪ ،‬وهي من أدل األدلة على التحربف‪ ،‬لمن ذلك‪:‬‬
‫عز َّ‬
‫اليت ال بصح وال بليق وصف هللا َّ‬

‫(‪)128/1‬‬

‫وجل ابلتعب‪:‬‬
‫عز َّ‬
‫املبحث األول‪ :‬وصفهم هللا َّ‬
‫بزعم اليهود يف كتاهبم أن هللا عز وجل تعب من رلق السموات واألرض‪ ،‬لاسرتاح يف اليو السابع‪،‬‬
‫لقد ورد يف (سفر التكوبن) (‪ )2 /2‬ما نصه‪( :‬ولرغ هللا يف اليو السابع من عمله الذي عمل‪،‬‬
‫لاسرتاح يف اليو السابع من مجيع عمله الذي عمل)‪ .‬ويف (سفر اَخروج) (‪ )17 /31‬قالوا‪( :‬ألنه يف‬
‫وجل عليهم‬ ‫عز َّ‬ ‫رد هللا َّ‬ ‫ستة أاي صنع الرب السماء واألرض‪ ،‬ويف اليو السابع اسرتاح وتنفس)‪ .‬وقد َّ‬
‫ض َوَما بَـ ييـنَـ ْه َما غيف غست غَّة أ ََّايٍ َوَما‬ ‫السماو غ‬
‫ات َواأل يَر َ‬ ‫وجل‪َ :‬ولََق يد َرلَ يقنَا َّ َ َ‬
‫عز َّ‬
‫وبني بطمان قوهلم هذا يف قوله َّ‬ ‫َّ‬
‫وب [ق‪.]38 :‬‬ ‫سنَا غمن لُّغْ ٍ‬
‫َم َّ‬

‫(‪)129/1‬‬

‫وجل ابجلهل‪:‬‬
‫عز َّ‬
‫املبحث الثاين‪ :‬وصفهم هللا َّ‬
‫وجل ابجلهل يف عد مواطن من كتاهبم‪ ،‬منها‪ :‬قوهلم يف قصة آد وحواء بعد أن‬
‫عز َّ‬
‫وصف اليهود هللا َّ‬
‫أكما من الشجر كما يف (سفر التكوبن) (‪( :)8 /3‬ومسعا صوت الرب اإلله ماشيا يف اجلنة عند‬
‫هبوب ربح النهار لارتبأ آد وامرأته من وجه الرب اإلله يف وسط شجر اجلنة لنادى الرب اإلله‬
‫آد ‪ ،‬وقال له‪ :‬أبن أنت؟ لقال‪ :‬مسعت صوتك يف اجلنة لخشيت؛ ألين عراين لارتبأت‪ .‬لقال‪ :‬من‬
‫أعلمك أنك عراين؟ هل أكلت من الشجر اليت أوصيتك أن ال َتكل منها؟ لقال آد ‪ :‬املرأ اليت‬
‫وجل مل بعلم ِبد حني أكل‬
‫عز َّ‬
‫جعلتها معي هي أعطتين لأكلت)‪ .‬ليتضح من كمامهم هذا أن هللا َّ‬
‫بصح أن بقول أحد‪:‬‬
‫من الشجر ‪ ،‬ومل بره حني أكل‪ ،‬بل مل بعلم مبكانه بعد أن ارتبأ يف اجلنة‪ .‬لهل ُّ‬
‫إن هللا العليم بكل شيء‪ ،‬والذي ال بغيب عن مسعه وبصره شيء مهما رفي َّ‬
‫ودق‪ ،‬خيفى عليه أمر‬
‫وجل‬
‫عز َّ‬ ‫آد على هذه احلال اليت ذكر اليهود؟ لماشك أن ذلك من حتربفهم‪ .‬ولو نظران يف كما هللا َّ‬
‫يف القرآن الكرمي عن هذه احلادثة لوجدان الفرق الشاسع بني التعبَربن وداللتهما‪ .‬لفي القرآن بقول‬
‫ث غش يئـتْ َما َوالَ تَـ يق َرَاب َه غذهغ َّ‬
‫الش َج َرَ‬ ‫ك ا يجلَنَّةَ لَ ْكماَ غم ين َح يي ْ‬ ‫َنت َوَزيو ْج َ‬
‫اس ْك ين أ َ‬ ‫آد ْ ي‬ ‫وجل‪َ :‬وَاي َ‬‫عز َّ‬ ‫هللا َّ‬
‫ال َما َهنَا ْك َما‬ ‫ي َع ينـ ْه َما غمن َس يوءاهتغغ َما َوقَ َ‬ ‫ي َهلَْما َما ْووغر َ‬
‫غ غ‬
‫الش ييطَا ْن ليْـ يبد َ‬ ‫س َهلَْما َّ‬‫ني لَـ َو يس َو َ‬
‫غ‬ ‫لَـت ْك َ غ‬
‫وان م َن الظَّال غم َ‬ ‫َ‬
‫ني‬ ‫امسَهما أين لَ ْكما لَ غمن النَّ غ غ‬ ‫وان غمن ي غ غ‬ ‫الش َج َرغ إغالَّ أَن تَ ْك َ‬
‫وان َملَ َك ي غ‬ ‫َربُّ ْك َما َع ين َه غذهغ َّ‬
‫اصح َ‬ ‫َ َ‬ ‫بن َوقَ َ ْ‬ ‫اَخَالد َ‬ ‫ني أ يَو تَ ْك َ َ‬
‫ان َعلَيي غه َما غمن َوَر غق ا يجلَن غَّة َوَان َد ْ‬
‫امهَا‬ ‫ص َف غ‬‫ت َهلْما سوءا ْهتْما وطَغف َقا خيَي غ‬
‫الش َج َرَ بَ َد ي َ َ ي َ َ‬ ‫لَ َدالَّ ْمهَا بغغْ ْروٍر لَـلَ َّما ذَاقَا َّ‬
‫سنَا‬ ‫الش َج َرغ َوأَقْل لَّ ْكما أن َّ‬
‫الش ييطَآ َن لَ ْك َما َع ْد ٌّو ُّمبغ ٌ‬
‫ني قَاالَ َربَّـنَا ظَلَ يمنَا أَن ْف َ‬ ‫َرُّهبْ َما أََملي أ يَهنَ ْك َما َعن تغيل ْك َما َّ‬
‫وإغن َّمل تَـ يغ غفر لَنَا وتَـرمحَينَا لَنَ ْكونَ َّن غمن ي غ‬
‫بن [األعراف‪ ]23 - 19 :‬لفي هذا النص الكرمي ما‬ ‫اَخَاس غر َ‬ ‫َ‬ ‫َ ي ي َي‬
‫بتناسب مع كمال علم هللا وكمال مسعه وبصره‪ ،‬وأنه حميط بكل شيء‪ ،‬لحاملا أكل آد وزوجته من‬
‫الش َج َرغ َوأَقْل لَّ ْكما أن َّ‬
‫الش ييطَآ َن لَ ْك َما َع ْد ٌّو ُّمبغ ٌ‬
‫ني‬ ‫الشجر اندامها رهبما قا ما‪ :‬أََملي أ يَهنَ ْك َما َعن تغيل ْك َما َّ‬
‫[األعراف‪ ]22 :‬للم بسأل آد أبن هو؟ وال من أعلمه أنه عراين؟ وهل أكل من الشجر ؟ كما‬
‫بزعم اليهود‪ .‬كما أن جواب آد يف القرآن الكرمي هو اجلواب الما ق ابلنَب الكرمي‪ ،‬حيث اعتذر‬
‫مباشر أبنه ٍ‬
‫معتد يف هذا األكل‪ ،‬وسأل هللا املغفر والرمحة‪ ،‬وهذا هو الما ق ِبد العبد الصاحل والنَب‬
‫الكرمي‪ ،‬ال ما ذكره اليهود من أنه ألقى ابلما مة على زوجته‪ ،‬ومحَّلها وحدها املسئولية‪.‬‬
‫وجل جيب أن توضع له عمامة؛ ليستدل هبا‬
‫عز َّ‬
‫وجل ابجلهل أبضا زعمهم أن هللا َّ‬
‫عز َّ‬
‫ومن وصفهم هللا َّ‬
‫عليهم حيث قالوا‪ :‬إن هللا أمرهم قبل رروجهم من مصر أن بلطخوا أبواهبم‪ :‬العتبة العليا والقا متني‬
‫الرب جيتاز ليضرب املصربني لحني برى الد على العتبة العليا‬
‫ابلد ‪ ،‬وبعللون ذلك بقوهلم‪( :‬لإن َّ‬
‫والقا متني بعرب الرب عن الباب‪ ،‬وال بدع املهلك بدرل بيوتكم ليضرب)‪( .‬سفر اَخروج) (‪/12‬‬
‫ب ال‬‫جل وعما عامل الغيب والشهاد بقول سبحانه عن نفسه‪َ :‬ع غامل اليغَيي غ‬ ‫‪ .)23‬وهذا ابطل؛ لإن هللا َّ‬
‫ني‬ ‫ْ‬ ‫َصغَ ْر غمن ذَلغ َ‬
‫ك َوال أَ يك َرب إغالَّ غيف كغتَا ٍ‬
‫ب ُّمبغ ٍ‬ ‫السماو غ‬
‫ات َوال غيف األ يَر غ‬
‫ض َوال أ ي‬
‫بـعزب ع ينه غمثيـ َق ْ ٍ‬
‫ال ذَ َّر غيف َّ َ َ‬ ‫َيْ ْ َ ْ‬
‫[سبأ‪.]3 :‬‬

‫(‪)130/1‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬وصفهم هللا عز وجل ابلند ‪:‬‬
‫بزعم اليهود أن هللا عز وجل ند على لعله‪ ،‬لمن ذلك قوهلم يف (سفر اَخروج) (‪( :)14 /32‬لند‬
‫َل َع َّما‬
‫كذهبم هللا يف ذلك لقال جلَّ وعما‪ :‬ال بْ يسأ ْ‬ ‫الرب على الشر الذي قال إنه بفعله بشعبه)‪ .‬وقد َّ‬
‫َّ‬ ‫غ‬
‫ف بَ ْكو ْن‬‫س يو َ‬‫بَـ يف َع ْل َو ْه يم بْ يسأَلْو َن [األنبياء‪ ]23:‬وقال‪ :‬قْ يل َما بَـ يعبَأْ ب ْك يم َرغيب لَ يوال ْد َعا ْؤْك يم لَـ َق يد َكذبيـتْ يم لَ َ‬
‫وجل منزه عن ذلك‪.‬‬ ‫عز َّ‬ ‫الغر اجلاهل ابلعواقب؟ وهللا َّ‬ ‫لغَزاما [الفرقان‪ ]77 :‬وهل بند إال ُّ‬
‫جل وعما ال بوصف به‪ .‬جاء يف (سفر‬ ‫وقد ورد يف كتاهبم أبضا ما ببني بطمان هذا الوصف وأن هللا َّ‬
‫العدد) (‪( :)19 /23‬ليس هللا إنساان ليكذب وال ابن إنسان ليند )‪.‬‬

‫(‪)131/1‬‬

‫وجل وتعاىل وتقدس ابلبكاء وذرف الدموع‪:‬‬


‫عز َّ‬
‫املبحث الرابع‪ :‬وصفهم هللا َّ‬
‫ويف هذا بقولون يف كتاهبم أن هللا قال هلم‪( :‬وإن مل تسمعوا‪ -‬أي‪ :‬كمامه وتطيعوه‪ -‬لإن نفسي تبكي‬
‫يف أماكن مسترت من أجل الكربايء‪ ،‬وتبكي عيين بكاء وتذرف الدموع؛ ألنه قد سَب قطيع الرب)‪.‬‬
‫(سفر إرميا) (‪ .)17 /13‬وأبضا قالوا بعد ذلك مثله يف (سفر إرميا) (‪ :)17 /14‬إن هللا قال هلم‪:‬‬
‫(لتذرف عيناي دموعا ليما وهنارا وال تكفا؛ ألن العذراء بنت شعَب سحقت سحقا عظيما بضربة‬
‫وجل ووقاحتهم يف كمامهم عن‬
‫عز َّ‬
‫موجعة جدًّا)‪ .‬لهذا كله الشك أنه من الرتاءات اليهود على هللا َّ‬
‫هللا سبحانه‪ .‬وهو دليل واضح على التحربف والتماعب بكما هللا وكتب األنبياء ولق أهوا هم‪ ،‬ال‬
‫براعون يف ذلك هلل وقارا‪ ،‬وال لكمامه تعظيما وإكبارا‪ ،‬سوى ما بتفق مع أمزجتهم وأهوا هم‪ ،‬لعليهم‬
‫من هللا ما بستحقون‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪105‬‬

‫(‪)132/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫من بقرأ التورا والكتب امللحقة هبا جيد أن أنبياء هللا واملوكلني هبدابة الناس وتعليمهم اهلدى واَخَر ال‬
‫بتمتعون بصفات الصاحلني واألتقياء‪ ،‬بل جيد أن العهد القدمي بنسب إليهم كثَرا من املخازي والقبا ح‬
‫اليت بتنزه عنها كثَر من الناس العادبني‪ ،‬لكيف بليق أن بْنسب شيء من ذلك إىل األنبياء الذبن قد‬
‫ورصهم هبذه املهمة العظيمة‪ ،‬وهي تبلي دبنه‪ ،‬والذبن هم قدو للصاحلني‪ ،‬وأ مة يف‬
‫اصطفاهم هللا َّ‬
‫غ‬
‫الرب والتُّـ َقى‪.‬‬
‫وِما الشك ليه أن األنبياء عليهم السما أكمل الناس دبنا وورعا وتقوى‪ ،‬وأن هللا اصطفاهم ورعاهم‪،‬‬
‫كملهم وحفظهم‪ ،‬وعصمهم من القبا ح والرذا ل‪ ،‬هذه حقيقتهم بما مراء وال تردد‪ ،‬وما أضاله‬
‫و َّ‬
‫اليهود إليهم ِما ال بليق نسبته إليهم هو حمض الرتاء وكذب‪ ،‬ودليل واضح على حتربفهم لكتبهم‬
‫أليراض يف نفوسهم‪ ،‬يَر مراعني حرمة ملقا النبو ‪ ،‬وال ملا جبل هللا عليه أولئك األنبياء عليهم‬
‫ورلق غهم‪.‬‬
‫السما من الكمال البشري يف رليقهم ْ‬
‫وجل‪ ،‬ووصفهم ابلصفات‬
‫عز َّ‬
‫وإليك األمثلة الدالة على حتربف اليهود لكتاهبم بطعنهم يف أنبياء هللا َّ‬
‫اليت ال جيوز حبال نسبتها إليهم‪.‬‬

‫(‪)133/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬نوح عليه السما ‪:‬‬


‫وتعرى دارل ربا ه‪ ،‬ويف هذا قالوا يف (سفر‬
‫زعم اليهود يف كتاهبم أن نوحا عليه السما ‪ ،‬شرب اَخمر َّ‬
‫وتعرى دارل ربا ه)‪.‬‬
‫التكوبن) (‪( :)20 /9‬وابتدأ نوح بكون لماحا‪ ،‬ويرس كرما وشرب من اَخمر َّ‬
‫هكذا وصفوا نَب هللا نوحا عليه السما ‪ ،‬وهو أول أنبياء هللا إىل املشركني‪ ،‬والذي دعا قومه إىل دبن‬
‫ث‬‫وجل حيث قال‪َ :‬ولََق يد أ يَر َسلينَا نْوحا إغ َىل قَـ يوغم غه لَـلَبغ َ‬ ‫عز َّ‬ ‫هللا ألف سنة إال مخسني عاما‪ ،‬كما ذكر هللا َّ‬
‫َر َذ ْه ْم الطُّولَا ْن َو ْه يم ظَالغ ْمو َن [العنكبوت‪]14 :‬‬ ‫غ‬ ‫غلي غهم أَل َ ٍ‬
‫يف َسنَة إغالَّ مخَيس َ‬
‫ني َعاما لَأ َ‬ ‫ي‬
‫جل وعما‪َ :‬وآتَـ ييـنَا‬ ‫وامنت هللا على بين إسرا يل أهنم ذربة ذلك العبد الصاحل نوح عليه السما ‪ ،‬لقال َّ‬ ‫َّ‬
‫وح إغنَّهْ َكا َن‬‫َّخ ْذواي غمن ْد غوين َوكغيما ذْ غربَّةَ َم ين َمحَلينَا َم َع نْ ٍ‬
‫يكتَاب وجعلينَاهْ هدى لغب غين إغسرا غيل أَالَّ تَـت غ‬
‫وسى ال َ َ َ َ ْ َ ي َ َ‬
‫غ‬
‫ْم َ‬
‫لامنت هللا على بين إسرا يل بنسبتهم إىل ذلك العبد الصاحل‪ ،‬واليهود‬
‫َع يبدا َش ْكورا [اإلسراء‪َّ ]3 - 2:‬‬
‫بصفونه بتلك النقيصة‪ ،‬وما ذلك منهم إ َّال ردمة ألهوا هم وأيراضهم اليت تتضح من بقية كمامهم يف‬
‫القصة نفسها‪ ،‬حيث بقولون بعد الكما السابق يف (سفر التكوبن) (‪( :)22 /9‬لأبصر حا أبو‬
‫كنعان عور أبيه‪ ،‬وأررب أروبه رارجا‪ ،‬لأرذ سا وايلث الرداء ووضعاه على أكتالهما ومشيا إىل‬
‫الوراء للم ببصرا عور أبيهما‪ ،‬للما استيقظ نوح من مخره علم ما لعل به ابنه الصغَر‪ .‬لقال‪ :‬ملعون‬
‫كنعان عبد العبيد بكون إلروته)‪ .‬ليتضح من هذا النص أن مقصد اليهود منه لعن الكنعانيني الذبن‬
‫كانوا أعداء لبين إسرا يل‪ ،‬كما أن ليه رطأ ظاهرا من انحية أن حا هو الذي أبصر عور أبيه حسب‬
‫النص السابق‪ ،‬للماذا بلعن ابنه كنعان‪ ،‬مع أن حلا أبناء آرربن يَر كنعان‪ ،‬لإن اليهود قالوا يف‬
‫(سفر التكوبن) (‪( :)6 /10‬وبنو حا كوش ومصرامي ونوط وكنعان)‪ .‬للماذا رص كنعان من بني‬
‫إروته؟ ما ذلك إال هلدف راص يف نفوسهم‪ ،‬وهو لعن الكنعانيني أعدا هم‪ ،‬ولو كان اباللرتاء على‬
‫وجل وعلى نبيه نوح عليه السما ‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫هللا َّ‬

‫(‪)134/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬لوط عليه السما ‪:‬‬


‫ومن األنبياء الذبن الرتى عليهم اليهود لوط عليه السما ‪ ،‬لقد الرتوا عليه لربة عظمى‪ ،‬ورموه‬
‫بشنيعة كربى برتلع عنها أعظم الناس لسادا‪ ،‬حيث زعم اليهود أن لوطا عليه السما قد زىن اببنتيه‬
‫الكربى والصغرى بعد أن أجناه هللا من القربة اليت كانت تعمل اَخبا ث‪ ،‬وأن البنتني أجنبتا من ذلك‬
‫الزىن‪ ،‬وهذا حمض الرتاء وهبتان لنَب كرمي ولبناته وأهل بيته الصاحلني‪ ،‬وقد ذكر هللا عز وجل لنا‬
‫اب‬
‫جل وعما‪ :‬لَ َما َكا َن َج َو َ‬
‫صماح لوط عليه السما وأهل بيته وطهارهتم على لسان أعدا ه‪ ،‬لقال َّ‬
‫غ َّ‬ ‫قَـوغم غه إغَّال أَن قَالْوا أَ ير غرجوا َ ٍ غ‬
‫َّرو َن [النمل‪ ]56 :‬ولو حبثنا عن سبب‬ ‫آل لْوط من قَـ يربَت ْك يم إغهنْ يم أ َْان ٌ‬
‫س بَـتَطَه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬
‫الرتاء اليهود هلذه الفربة يف كتاهبم لوجدان أهنم إَنا قصدوا الطعن يف أعدا هم املمابيني والعمونيني من‬
‫رمال هذه الفربة؛ ألهنم زعموا أن البنت الكربى محلت من ذلك الزىن لأجنبت مماب‪ ،‬وهو أبو‬
‫املمابيني‪ ،‬وأن الصغرى محلت أبضا من ذلك الزىن وأجنبت بين عمي‪ ،‬وهو أبو بين عمون‪ ،‬للهذا‬
‫السبب واهلوى كذب اليهود على نَب هللا ووصموه هبذه الفعلة الشنيعة‪ ،‬ويف ذلك أوضح دليل على‬
‫التحربف‪.‬‬

‫(‪)135/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬بعقوب عليه السما ‪:‬‬


‫زعموا أن بعقوب عليه السما احتال ألرذ النبو والربكة من أبيه إسحاق عليه السما لنفسه‪،‬‬
‫لذكروا أن إسحاق عليه السما ملا كرب وكف بصره دعا ابنه عيسو‪ ،‬وهو األكرب‪ ،‬وحسب التقليد‬
‫لدبهم لإن الربكة تكون لَلكرب‪ ،‬وطلب منه أن بصطاد له جداي وبطبخه حىت بباركه‪ ،‬لذهب عيسو‬
‫للصيد كما أمره أبوه‪ ،‬إال أن أمهما كانت حتب بعقوب‪ -‬وهو األصغر‪ -‬أكثر من أريه عيسو‪،‬‬
‫وأرادت أن تكون الربكة له‪ ،‬لدعته وأمرته أن حيضر جداي ليطبخه‪ ،‬وأن بلبس ممابس أريه‪ ،‬وبضع‬
‫لوق بدبه جلد جدي حىت ببدو جسمه بشعر مثل جسم أريه عيسو‪ ،‬ليظن إسحاق عليه السما أنه‬
‫هو ليباركه‪ ،‬لفعل بعقوب عليه السما ذلك مث درل على أبيه‪ ،‬لفي ذلك قالوا‪( :‬لدرل إىل أبيه‬
‫وقال‪ :‬اي أيب‪ .‬لقال‪ :‬ها أنذا‪ ،‬من أنت؟ لقال بعقوب ألبيه‪ :‬أان عيسو بكرك قد لعلت كما كلمتين‪،‬‬
‫كل من صيدي؛ لكي تباركين نفسك‪ .‬لقال إسحاق البنه‪ :‬ما هذا الذي أسرعت لتجد‬
‫قم اجلس و ي‬
‫اي بين؟ لقال‪ :‬إن الرب إهلك قد بسر ِل‪ .‬لقال إسحاق ليعقوب‪ :‬تقد ألجسك اي ابين أأنت هو‬
‫ابين عيسو أ ال؟ لتقد بعقوب إىل إسحاق أبيه لجسه‪ ،‬وقال‪ :‬الصوت صوت بعقوب‪ ،‬ولكن‬
‫اليدبن بدا عيسو‪ .‬ومل بعرله؛ ألن بدبه كانتا مشعرتني كيدي عيسو أريه‪ ،‬لباركه وقال‪ :‬هل أنت هو‬
‫قد ِل خآكل من صيد ابين حىت تباركك نفسي‪ .‬لقد له لأكل‬ ‫ابين عيسو؟ لقال‪ :‬أان هو‪ .‬لقال‪ :‬غ‬
‫تقد وقبغلين اي ابين‪ .‬لتقد وقبله‪ ،‬لشم را حة ثيابه‬
‫وأحضر له مخرا لشرب‪ ،‬لقال له إسحاق أبوه‪َّ :‬‬
‫وابركه‪ ،‬وقال‪ :‬انظر را حة ابين كرا حة حقل‪ ،‬قد ابركه الرب‪ ،‬لليعطك هللا من ندى السماء‪ ،‬ومن‬
‫دسم األرض‪ ،‬وكثر حنطة ومخر‪ ،‬ليستعبد لك شعوب‪ ،‬وتسجد لك قبا ل‪ ،‬كن سيدا إلروتك‪،‬‬
‫وليسجد لك بنو أمك‪ ،‬ليكن العنوك ملعونني‪ ،‬ومباركوك مباركني) (سفر التكوبن) (‪- 18 /27‬‬
‫‪ .)29‬ولاز بعقوب ابلربكة هبذه احليلة‪ ،‬وبعد أن جاء أروه عيسو مل بكن أمامه إال الصراخ والعوبل‬
‫لفوات الربكة‪ .‬وهبذا الكما بصمون أابهم بعقوب عليه السما ابلكذب مرارا‪ ،‬وانتحال شخصية‬
‫أريه كيدا‪ ،‬وأرذ ما ليس له ليه حق احتياال‪ ،‬كما بصمون أابهم إسحاق عليه السما ابجلهل الشدبد‬
‫إىل حد التغفيل والغباء حيث مل بستطع أن مييز بني ولدبه‪ ،‬وهو أمر مستبعد جدًّا أن بقع ألقل الناس‬
‫إدراكا وأشدهم تغفيما‪ ،‬لضما عن نَب هللا إسحاق عليه السما ‪.‬‬
‫وهذا كله ِما ال بليق وصف األنبياء عليهم السما به‪ ،‬كما أن النبو ليست بيد إسحاق وال بيد يَره‬
‫س يمنَا‬ ‫من األنبياء‪ ،‬بل هي حمض تفضل من هللا عز وجل‪ .‬قال تعاىل‪ :‬أ َْه يم بَـ يق غس ْمو َن َر يمحَةَ َربغ َ‬
‫ك َيحن ْن قَ َ‬
‫ض ْهم بَـ يعضا ْس يخ غرًّاي‬ ‫ات لغيـت غ‬
‫َّخ َذ بَـ يع ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ض ْه يم لَـ يو َق بَـ يع ٍ‬ ‫شتَـ ْه يم غيف ا يحلَيَا غ ُّ‬
‫بَـ ييـنَـ ْهم َّم غعي َ‬
‫ض َد َر َج َ‬ ‫الدنيـيَا َوَرلَـ يعنَا بَـ يع َ‬
‫اءهتْ يم آبَةٌ قَالْواي لَن نُّـ يمغم َن َح َّىت نْـ يمتَى‬
‫ك َر يَرٌ غِمَّا َيجي َم ْعو َن‪[ .‬الزررف‪ ]32:‬وقال تعاىل‪َ :‬وإغذَا َج ي‬ ‫ت َربغ َ‬ ‫َوَر يمحَ ْ‬
‫ث َيجي َع ْل غر َسالَتَهْ [األنعا ‪.]124 :‬‬ ‫ْوِت رسل غ‬ ‫غ‬
‫هللا هللاْ أَ يعلَ ْم َح يي ْ‬ ‫مثي َل َما أ غ َ ْ ْ ْ‬
‫وبتجلى يف هذه القصة طرف من مكر اليهود وكيدهم‪ ،‬لإذا نظران إىل قصة إمساعيل وإسحاق عليهما‬
‫السما جند أهنم أيفلوا مسألة البكوربة يف استحقاق الربكة‪ ،‬واليت بقصدون هبا النبو ‪ ،‬وجعلوا الربكة‬
‫إلسحاق دون إمساعيل عليه السما ؛ ألن إمساعيل عندهم ابن جاربة‪ ،‬وملا صار األمر متعلقا بعيسو‬
‫وبعقوب‪ ،‬وعيسو هو األكرب حسب كمامهم اررتعوا هذه القصة‪ ،‬حىت ببينوا أن بعقوب قد أرذ‬
‫الربكة دون أريه عيسو‪.‬‬
‫وأبضا تلك الربكة اليت بزعمون أهنا لَلكرب ال نراها بَـ يع ْد يف نَب آرر من أنبيا هم‪ ،‬حىت أن بعقوب‬
‫عليه السما ملا ابرك أبناءه عند موته جعل الربكة العظمى ليوسف عليه السما ‪ ،‬وهو أصغر أبناء‬
‫بعقوب‪ ،‬ما عدا شقيقه بنيامني لقد كان أصغر منه‪ ،‬وهكذا أبضا ابرك بعقوب ألرامي ومنسي ابين‬
‫بوسف عليه السما ‪ ،‬لقد كان منسي هو البكر‪ ،‬لجعل بعقوب عليه السما الربكة األهم أللرامي‪-‬‬
‫وهو الصغَر‪ -‬حيث وضع عليه بده اليمىن‪ ،‬لهذه قصة َمرتعة مفرتا على نَب هللا إسحاق وبعقوب‬
‫عليهما السما ‪ ،‬الشك يف ذلك‪.‬‬

‫(‪)136/1‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬هارون عليه السما ‪:‬‬


‫زعموا أن هارون عليه السما هو الذي صنع هلم العجل ودعاهم إىل عبادته لقالوا يف (سفر اَخروج)‬
‫(‪( :)1 /32‬وملا رأى الشعب أن موسى أبطأ يف النزول من اجلبل اجتمع الشعب على هارون‪ ،‬وقالوا‬
‫له‪ :‬قم اصنع لنا آهلة تسَر أمامنا ‪ ...‬لقال هلم هارون‪ :‬انزعوا أقراط الذهب اليت يف آذان نسا كم‬
‫وبنيكم وبناتكم وأتوين هبا ‪ ....‬لأرذ ذلك من أبدبهم وصوره ابإلزميل وصنعه عجما مسبوكا‪ ،‬لقالوا‪:‬‬
‫هذه آهلتك اي إسرا يل)‪.‬‬
‫لهل بعقل أن نبيًّا أرسله هللا لدعو قومه إىل عباد هللا وحده بصنع لقومه عجما‪ ،‬وبدعوهم إىل‬
‫وجل يف القرآن أن الذي صنع هلم العجل هو‬ ‫عز َّ‬ ‫عبادته؟! حاشا أنبياء هللا من ذلك‪ .‬وقد َّبني هللا َّ‬
‫ي [طه‪ .]85 :‬أما‬ ‫الس غام غر ُّ‬ ‫ك غمن بَـ يع غد َك َوأ َ‬
‫َضلَّ ْه ْم َّ‬ ‫ال لَغإ َّان قَ يد لَـتَـنَّا قَـ يوَم َ‬
‫وجل‪ :‬قَ َ‬
‫عز َّ‬ ‫السامري‪ ،‬لقال َّ‬
‫ال َهلْ يم‬
‫جل وعما‪َ :‬ولََق يد قَ َ‬
‫هارون عليه السما لقد قا بواجبه من انحية هنيهم عن عباد العجل‪ ،‬قال َّ‬
‫غ‬
‫يعوا أ يَم غري [طه‪.]90 :‬‬ ‫غ‬ ‫ارو ْن غمن قَـ يب ْل َاي قَـ يو إغ ََّنَا لْتغنتْم بغ غه َوإغ َّن َربَّ ْك ْم َّ‬
‫الر يمحَ ْن لَاتَّبغ ْع غوين َوأَط ْ‬ ‫َه ْ‬

‫(‪)137/1‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬داود عليه السما ‪:‬‬


‫زعموا أنه زىن ابمرأ أحد جنوده‪ ،‬وحبلت من ذلك الزىن‪ ،‬مث إنه تسبب يف مقتل زوجها حيث أمر أن‬
‫تزوجها ومات ذلك املولود األول‪ ،‬مث‬ ‫ْجيعل يف مقدمة اجليش حىت ب غ‬
‫عرضه للقتل‪ ،‬مث بعد مقتل زوجها َّ‬
‫حبلت مر أررى‪ ،‬لأجنبت النَب سليمان عليه السما ‪.‬‬
‫(‪)138/1‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬سليمان عليه السما ‪:‬‬


‫تزوج بنساء مشركات بعبدن األصنا ‪ ،‬مث هو عبد األصنا معهن وبىن‬
‫زعموا أن سليمان عليه السما َّ‬
‫لَلصنا أبضا معابد لعبادهتا‪.‬‬
‫ذلك كله حمض الرتاء وكذب‪ ،‬وهو من الرتاءات اليهود على أنبياء هللا تعاىل وكذهبم عليهم‪ ،‬وأن هذا‬
‫من أظهر أدلة حتربف الكتب اإلهلية‪ ،‬والعبث ليها ولق أهوا هم وريباهتم‪.‬‬
‫ولسا ل أن بسأل ملاذا طعن اليهود يف أنبيا هم‪ ,‬وقد كان ألنبيا هم الدور األكرب والفضل العظيم‬
‫عليهم بعد لضل هللا ليما انلوا من رَر الدنيا غ‬
‫وعزها يف سابق حياهتم؟‬
‫إن هذا لسمال حمَر!! إال َّأان إذا تصوران أن هذه الكتب قد طالتها بد التحربف‪ ،‬وال نعرف على‬
‫التحقيق من الذي َّ‬
‫توىل حتربفها‪ ،‬وال الزمان الذي غ‬
‫حرلت ليه‪ ،‬إال أننا نقطع حسب ما أوردوا يف‬
‫كتبهم أن بين إسرا يل احنرلوا عن دبنهم احنرالات رطَر وكثَر ‪ ،‬بل تركوا دبنهم وعبدوا األصنا‬
‫واألواثن راصة ليما قبل السَب‪ ،‬وال نشك أن جزءا كبَرا من التحربف كان يف تلك الفرتات‪ ،‬وهي‬
‫وجل وعلى أنبيا ه عليهم السما لت َّمت يف ذلك‬
‫عز َّ‬
‫اليت ال بتورع أصحاهبا عن االلرتاء على هللا َّ‬
‫الزمان التحربفات الكثَر ‪ ،‬أو كتابة كتب كاملة ونسبتها إىل نَب من األنبياء‪ ،‬مث إن املتأرربن منهم مل‬
‫بكن لدبهم اجلرأ على متحيص تلك النصوص‪ ،‬أو أهنم أبضا ارتلَّت موازبنهم بسبب ذلك‬
‫التحربف‪.‬‬
‫حرف أولئك اليهود كما هللا‪ ،‬وطعنوا يف أنبيا هم وأصحاب الفضل‬
‫ولكن السمال الزال قا ما‪ :‬ملاذا َّ‬
‫عليهم هبذه املطاعن؟‬
‫الذي ببدو ِل أن أولئك احملرلني أرادوا أن بربروا ما هم ليه من لساد واحنراف ولسق‪ ،‬لألصقوا أنواعا‬
‫ج أبمر من األمور املتعلقة ابحنرالهم احتجوا له أبن النَب‬
‫احتج عليهم حمت ٌّ‬
‫من التُّهم أبنبيا هم حىت لو َّ‬
‫الفماين لعل كذا ولعل كذا‪ ،‬كذاب وزورا‪.‬‬
‫وأبضا ليخدموا يرضا يف نفوسهم‪ ،‬كما سبق أن قلنا عن طعنهم يف نَب هللا نوح ولوط عليهما السما ‪.‬‬
‫اب غأبَبي غدب غه يم ْمثَّ بَـ ْقولْو َن‬ ‫غ‬ ‫غغ‬
‫وهذا كله بكفي يف التعبَر عنه قول هللا عز وجل‪ :‬لَـ َوبي ٌل للَّذ َ‬
‫بن بَ يكتْـبْو َن اليكتَ َ‬
‫ت أَب غدب غهم ووبل َّهلم غِمَّا بك غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ غ غ‬
‫هللا لغي يش َ غ‬
‫يسبْون [البقر ‪:‬‬ ‫رتواي بغه َامَنا قَليما لَـ َوبي ٌل َّهلْم ِمَّا َكتَـبَ ي ي ي َ َ ي ٌ ْ ي َ‬
‫َه َذا م ين عند َ ْ‬
‫‪.]79‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪110‬‬
‫(‪)139/1‬‬

‫الفصل العاشر‪ :‬أهم مواسم اليهود وأعيادهم‪:‬‬


‫ـ زاير بيت املقدس‪ :‬بتحتم على كل بهودي‪ -‬ذكر رشيد‪ -‬زاير البيت املقدس مرتني كل عا ‪.‬‬
‫ـ اهلمال اجلدبد‪ :‬كانوا حيتفلون مليماد كل همال جدبد حيث كانت تنفخ األبواق يف البيت املقدس‪،‬‬
‫وتشعل النَران ابتهاجا به‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫‪ - 1‬بو السبت‪ :‬وهو (شباث) يف العربانية‪ ،‬مبعىن راحة؛ ألنه بو بزعمون أن هللا اسرتاح ليه‪ -‬تعاىل‬
‫هللا عن قوهلم‪ -‬وأمر عباده ابالسرتاحة ليه وابركه‪ .‬ومدته من يروب مشس بو اجلمعة إىل يروب‬
‫مشس بو السبت‪ ،‬وجعلوا أهم شعا ره الكف عن أي عمل‪ ،‬بذلك جاء األمر صرحيا يف الوصااي‬
‫العشر املنسوبة إىل موسى (واليو السابع سبت للرب إهلك ال تصنع ليه عمما لك)‪ .‬وتعدي السبت‬
‫والعمل ليه بعترب من أعظم اَخطااي عندهم‪.‬‬
‫وبسمى عيد الربيع وعيد الفطَر‪ ،‬ومدته سبعة أاي تبدأ من اَخامس عشر من‬
‫‪ - 2‬عيد الفصح‪َّ :‬‬
‫شهر نيسان‪ ،‬وبقيمه اليهود إحياء لذكرى جنا بين إسرا يل من لرعون ورماصهم من العبودبة يف‬
‫مصر‪ .‬وطقوسه توجب على اليهود أن أيكلوا ليه اَخبز من عجني الفطَر‪ ،‬وبتلون األدعية‪ ،‬وبقيمون‬
‫قص ليها حكابة الفصح‪ ،‬وهي قصة ما حدث‬
‫الصلوات‪ ،‬وحيرقون القرابني‪ ،‬وجيتمعون على ما د تْ ُّ‬
‫لبين إسرا يل مع موسى إابن رروجهم من مصر‪.‬‬
‫‪ - 3‬بو التكفَر والغفران‪ :‬وهو اليو العاشر من شهر تشربن‪ ،‬وهو من أهم أعيادهم‪ ،‬وأقدس أاي‬
‫السنة عندهم‪ ،‬وهو عندهم ذكرى نزول موسى عليه السما من جبل سيناء ومعه الشربعة‪ ،‬وأعلن هلم‬
‫ليه أن هللا قد يفر هلم رطيئتهم يف عبادهتم للعجل‪ ،‬وببدأ قبل يروب الشمس من اليو التاسع من‬
‫تشربن‪ ،‬وبستمر إىل ما بعد يروب اليو التاِل‪ .‬وبشرع هلم ليه الصيا وبطلبون ليه املغفر عن‬
‫الذنوب اليت لعلها اليهود‪ ،‬يف صما مجاعية بمدبها الكهنة‪.‬‬
‫وعندهم أعياد أررى مرتبطة مبناسبات بعض األحداث اليت حدثت هلم‪ ،‬كعيد املظال‪ ،‬وعيد الفورمي‬
‫وحنوها‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪137‬‬

‫(‪)140/1‬‬
‫الفصل احلادي عشر‪ :‬بدابة احنراف اليهود‪:‬‬
‫كانت عقيد ْ اليهود قبل أن حيرلوها عقيد َ التوحيد اَخالص‪ ،‬واإلميان الصحيح املنزلة من هللا على‬
‫اجتَنغبْواي الطَّايْ َ‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬
‫وت‬ ‫موسى عليه السما قال تعاىل‪َ :‬ولََق يد بَـ َعثيـنَا غيف ْك غل أ َّْمة َّر ْسوال أَن ا يعبْ ْدواي هللاَ َو ي‬
‫[النحل‪.]36 :‬‬
‫الرَّابنغيُّو َن‬ ‫غغ‬ ‫غ غ َّ غ‬ ‫غ‬
‫ادواي َو َّ‬ ‫َسلَ ْمواي للَّذ َ‬
‫بن َه ْ‬ ‫بن أ ي‬
‫ور َيحي ْك ْم هبَا النَّبيُّو َن الذ َ‬
‫يها ْهدى َونْ ٌ‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬إغ َّان أ َ‬
‫َنزلينَا التـ يَّوَرا َ ل َ‬
‫ار [املا د ‪.]44:‬‬
‫َحبَ ْ‬
‫َواأل ي‬
‫حرلوها‪ ،‬وبدَّلوها‪ ،‬وابتدعوا ليها ما مل بنزله هللا حىت صاروا ليما بعد‪-‬‬
‫هذه هي عقيدهتم‪ ،‬ولكنهم َّ‬
‫وإىل اخآن‪ -‬على الشرك والعداء هلل ورسله‪.‬‬
‫أما بدابة احنرالهم عن العقيد الصحيحة لكانت يف عهد موسى عليه السما ‪ ،‬وهو حي بني‬
‫ظهرانيهم؛ حيث تعنتوا‪ ،‬وعاندوا‪ ،‬وآذوا موسى عليه السما ‪.‬‬
‫وليما بلي أمثلة من ذلك‪:‬‬
‫ني لَييـلَة ْمثَّ َّاختَ يذ ْمتْ‬ ‫غ‬ ‫وجل‪َ :‬وإغ يذ َو َ‬
‫وسى أ يَربَع َ‬ ‫اع يد َان ْم َ‬ ‫عز َّ‬ ‫‪ - 1‬اختاذهم العجل معبودا من دون هللا‪ ،‬قال هللا َّ‬
‫وسى‬ ‫ال غيع يج َل غمن بَـ يع غدهغ َوأَنتْ يم ظَالغ ْمو َن ْمثَّ َع َف يوَان َعن ْك غم غمن بَـ يع غد َذلغ َ‬
‫ك لَ َعلَّ ْك يم تَ يش ْك ْرو َن َوإغ يذ آتَـ ييـنَا ْم َ‬
‫اذ ْك ْم ال غيع يج َل‬ ‫ال موسى لغَقوغم غه اي قَـوغ إغنَّ ْكم ظَلَمتْم أَن ْفس ْكم غابغختَ غ‬ ‫غ‬
‫ي ي ي َ ي‬ ‫اب َوالي ْف يرقَا َن لَ َعلَّ ْك يم َهتيتَ ْدو َن َوإغ يذ قَ َ ْ َ ي َ ي‬ ‫اليكتَ َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫يم‬
‫اب ال َّرح ْ‬ ‫َّو ْ‬ ‫َر لَّ ْك يم عن َد َاب غر ْك يم لَـتَ َ‬
‫اب َعلَيي ْك يم إغنَّهْ ْه َو التـ َّ‬ ‫س ْك يم ذَل ْك يم َر يٌ‬ ‫لَـتْوبْواي إ َىل َاب غر ْك يم لَاقيـتْـلْواي أَن ْف َ‬
‫[البقر ‪.]54 - 51 :‬‬
‫ك َح َّىت نَـ َرى َّ‬
‫اَّللَ‬ ‫وسى لَن نُّـ يمغم َن لَ َ‬ ‫وجل‪َ :‬وإغ يذ قْـليتْ يم َاي ْم َ‬ ‫عز َّ‬ ‫‪ - 2‬قوهلم ملوسى‪ :‬أران هللا جهر ‪ .‬قال هللا َّ‬
‫اع َقةْ َوأَنتْ يم تَنظْْرو َن ْمثَّ بَـ َعثيـنَا ْكم غمن بَـ يع غد َم يوتغ ْك يم لَ َعلَّ ْك يم تَ يش ْك ْرو َن َوظَلَّلينَا َعلَيي ْك ْم‬
‫الص غ‬
‫َر َذتي ْك ْم َّ‬‫َج يه َر لَأ َ‬
‫ات ما رَزقيـنَا ْكم وما ظَلَم َ غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫س ْه يم‬
‫وان َولَكن َكانْواي أَن ْف َ‬ ‫السل َيوى ْكلْواي من طَيغبَ َ َ ي َ َ ْ‬ ‫َنزلينَا َعلَيي ْك ْم ال َيم َّن َو َّ‬
‫اليغَ َما َ َوأ َ‬
‫بَظيلغ ْمو َن [البقر ‪.]57 - 55 :‬‬
‫وجل‪َ :‬وإغ يذ قْـلينَا ا يد ْرلْواي َه غذهغ الي َق يربَةَ لَ ْكلْواي غم ينـ َها‬ ‫عز َّ‬ ‫‪ - 3‬قوهلم‪ :‬حنطة‪ .‬بدال من قول‪ :‬حطة‪ .‬قال هللا َّ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫حي ْ غ‬
‫َّل‬
‫ني لَـبَد َ‬ ‫اب ْس َّجدا َوقْولْواي حطَّةٌ نَّـ يغف ير لَ ْك يم َرطَ َااي ْك يم َو َسنَ غزب ْد ال ْيم يحسنغ َ‬ ‫ث ش يئـتْ يم َريَدا َوا يد ْرلْواي اليبَ َ‬ ‫َي‬
‫س ْقون‬ ‫َنزلينَا َعلَى الَّ غذبن ظَلَ ْمواي غر يجزا غمن َّ غ‬ ‫الَّ غذبن ظَلَمواي قَـوال يَ ي َّ غ غ‬
‫الس َماء مبَا َكانْواي بَـ يف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يل َهلْ يم لَأ َ‬
‫َر الذي ق َ‬ ‫َ ْ ي َ‬
‫[البقر ‪.]59 - 58 :‬‬
‫وسى لغَق يوغم غه لَـ ْقلينَا‬‫استَ يس َقى ْم َ‬
‫عز َّ غ‬
‫وجل‪َ :‬وإغذ ي‬ ‫‪ - 4‬قوهلم ملوسى‪ :‬لن نصرب على طعا واحد‪ .‬قال هللا َّ‬
‫س َّم يش َرَهبْ يم ْكلْواي َوا يش َربْواي غمن غر يز غق‬ ‫ت غم ينهْ اثيـنَـتَا َع يش َرَ َع يينا قَ يد َعلغ َم ْك ُّل أ َْان ٍ‬ ‫اك ا يحلَ َج َر لَان َف َج َر ي‬
‫صَ‬ ‫ض غرب بغ َع َ‬ ‫اي‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫غج لَنَا‬
‫ك خيْير ي‬ ‫اربَّ َ‬ ‫رب َعلَ َى طَ َعاٍ َواح ٍد لَا يد ْ‬
‫ع لَنَ َ‬ ‫صغ َ‬‫وسى لَن نَّ ي‬ ‫بن َوإغ يذ قْـليتْ يم َاي ْم َ‬
‫اَّلل والَ تَـعثَـواي غيف األَر غ غ غ‬
‫ض ْم يفسد َ‬ ‫ي‬ ‫َّ َ ي ي‬
‫صلغ َها قَ َ‬
‫ال أَتَ يستَـ يب غدلْو َن الَّ غذي ْه َو أَ يد َىن غابلَّ غذي ْه َو‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫ت األَر ْ غ غ غ غ‬ ‫غ‬
‫ض من بَـ يقل َها َوقثَّآ َها َولْوم َها َو َع َدس َها َوبَ َ‬ ‫ِمَّا تْنبغ ْ ي‬
‫ب غمن َّغ‬
‫اَّلل ذَلغ َ‬ ‫ت َعلَي غهم غ‬
‫الذلَّةْ َوال َيم يس َكنَةْ َو َِب ْؤيواي بغغَ َ‬ ‫غ‬
‫ك‬ ‫ضٍ َ‬ ‫ض غربَ ي ي ْ‬ ‫َر ياهبغطْواي م ي‬
‫صرا لَغإ َّن لَ ْكم َّما َسأَليتْ يم َو ْ‬ ‫َر يٌ‬
‫ني بغغَ يغَر ا يحلَ غق ذَلغ َ‬ ‫ت َّغ‬ ‫غأب ََّهنْم َكانْواي ب يك ْفرو َن غِباي غ‬
‫صواي َّوَكانْواي بَـ يعتَ ْدو َن [البقر ‪60 :‬‬ ‫ك غمبَا َع َ‬ ‫اَّلل َوبَـ يقتْـلْو َن النَّبغيغ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ي‬
‫‪.]61 -‬‬
‫وجل‪:‬‬
‫عز َّ‬ ‫‪ - 5‬ما حصل من العناد والتعنت يف قصة القتيل الذي ارتصموا ليه وليمن قتله‪ ،‬قال هللا َّ‬
‫ك ْيحييغي هللاْ‬ ‫ض َها َك َذلغ َ‬ ‫ض غربوهْ بغبـ يع غ‬
‫غج َّما ْكنتْ يم تَكيتْ ْمو َن لَـ ْقلينَا ا ي ْ َ‬ ‫يها َوهللاْ َْمير ٌ‬
‫وإغ يذ قَـتَـليتْم نَـ يفسا لَاد غ‬
‫َّارأي ْيمت ل َ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ار أ يَو أَ َش ُّد قَ يس َو َوإغ َّن‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ت قْـلْوبْ ْكم من بَـ يع غد ذَل َ‬ ‫غ‬ ‫ال َيم يوتَى َوبْ غرب ْك يم َ غغ َّ‬
‫ك لَ غه َي َكا يحل َج َ‬ ‫س ي‬ ‫آايته لَ َعل ْك يم تَـ يعقلْو َن ْمثَّ قَ َ‬
‫ط غم ين‬ ‫ج غم ينهْ ال َيماء َوإغ َّن غم ينـ َها لَ َما بَـ يهبغ ْ‬ ‫ار َوإغ َّن غم ينـ َها لَ َما بَ َّ‬
‫ش َّق ْق لَـيَ يخ ْر ْ‬
‫غ‬ ‫غمن ا يحلغج غ‬
‫ار لَ َما بَـتَـ َف َّج ْر م ينهْ األ يَهنَ ْ‬
‫َ ََ‬
‫هللا َوَما هللاْ بغغَالغ ٍل َع َّما تَـ يع َملْون [البقر ‪.]74 - 72 :‬‬ ‫َر يشي غة غ‬
‫َ‬
‫ك لَـ َقاتغما إغ َّان‬ ‫غ‬
‫َنت َوَربُّ َ‬‫بأ َ‬ ‫وسى إغ َّان لَن نَّ يد ْرلَ َها أَبَدا َّما َد ْامواي ل َ‬
‫يها لَا يذ َه ي‬ ‫‪ - 6‬قوهلم ملوسى‪ :‬قَالْواي َاي ْم َ‬
‫اع ْدون [املا د ‪.]24 :‬‬ ‫هاهنا قَ غ‬
‫َ َْ‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪77 - 75‬‬

‫(‪)141/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫عباد العجل مأروذ عن قدماء املصربني حيث كانوا هناك قبل اَخروج‪ ،‬والفكر املصري القدمي بعد‬
‫مصدرا ر يسيًّا لَلسفار يف العهد القدمي‪.‬‬
‫أهم مصدر اعتمدت عليه أسفار العهد القدمي هو تشربع محورايب الذي برجع إىل حنو سنة (‪)1900‬‬
‫ق‪ ، .‬وقد اكتشف هذا التشربع يف سنة (‪ )1902‬حمفورا على عمود أسود من الصخر‪ ،‬وهو‬
‫أقد تشربع سامي معروف حىت اخآن‪.‬‬
‫‪ -‬بقول التلمود ابلتناسخ‪ ،‬وهي لكر تسربت لبابل من اهلند‪ ،‬لنقلها حارامات اببل إىل الفكر‬
‫اليهودي‪.‬‬
‫‪َ -‬تثروا ابلفكر النصراين‪ ،‬لرتاهم بقولون‪( :‬تسبَّب اي أابان يف أن نعود إىل شربعتك‪ ،‬غ‬
‫قربنا اي ملكنا إىل‬
‫عبادتك‪ ،‬وعد بنا إىل التوبة النصوح يف حضرتك)‪.‬‬
‫‪ -‬يف بعض مراحلهم عبدوا آهلة البلعيم والعشتارت وآهلة آرا وآهلة صيدو ‪ ،‬وآهلة مماب وآهلة‬
‫الفلسطينيني (سفر القضاء‪.)60 /10 :‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)142/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬اإلله عند اليهود‪:‬‬


‫اليهود كتابيون موحدون‪ ،‬وهذا األصل‪.‬‬
‫ـ كانوا بتجهون إىل التعدد والتجسيم والنفعية‪ِ ،‬ما أدَّى إىل كثر األنبياء ليهم؛ لردهم إىل جاد‬
‫التوحيد كلما أصاهبم احنراف يف مفهو األلوهية‪.‬‬
‫ـ اختذوا العجل معبودا هلم بْـ َع ييد رروجهم من مصر‪ ،‬وبروي العهد القدمي أن موسى قد عمل هلم حية‬
‫من حناس‪ ،‬وأن بين إسرا يل قد عبدوها بعد ذلك‪ ،‬كما أن األلعى مقدس لدبهم؛ ألهنا متثل احلكمة‬
‫والدهاء‪.‬‬
‫ـ اإلله لدبهم مسوه بهوه‪ ،‬وهو ليس إهلا معصوما‪ ،‬بل خيطئ وبثور‪ ،‬وبقع يف الند ‪ ،‬وهو أيمر ابلسرقة‪،‬‬
‫وهو قاس‪ ،‬متعصب‪ ،‬مدمر لشعبه‪ ،‬إنه إله بين إسرا يل لقط‪ ،‬وهو هبذا عدو لآلرربن‪ ،‬وبزعمون أنه‬
‫بسَر أما مجاعة من بين إسرا يل يف عمود من سحاب‪.‬‬
‫‪ -‬عزرا هو الذي أوجد تورا موسى بعد أن ضاعت‪ ،‬لبسبب ذلك وبسبب إعادته بناء اهليكل ْغمسي‬
‫عزرا ابن هللا‪ ،‬وهو الذي أشار إليه القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫مظاهر احنراف عقيدهتم‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشرك ابهلل يف العباد ‪ ،‬كاختاذهم العجل ‪. ...‬‬
‫هللا [التوبة‪.]30 :‬‬ ‫ت الييـهود عزبـر ابن غ‬ ‫غ‬
‫‪ - 2‬نسبتهم االبن إىل هللا‪َ :‬وقَالَ َ ْ ْ ْ َ ي ٌ ي ْ‬
‫‪ - 3‬جرأهتم على هللا تعاىل‪ ،‬كقوهلم‪ :‬إغ َّن هللا لَغقَر وَيحنن أَ يينغياء‪[ .‬آل عمران‪ ]181 :‬وقوهلم‪ :‬ب ْد غ‬
‫هللا‬ ‫َ‬ ‫َ ٌَ ْ َ‬
‫َم يغلْولَةٌ [املا د ‪.]64 :‬‬
‫ود [البقر ‪َ , ]80 :‬وقَالْواي لَن‬ ‫َّار إغالَّ أ ََّايما َّم يع ْد َ‬
‫سنَا الن ْ‬
‫‪ - 4‬القول على هللا بغَر علم‪َ :‬وقَالْواي لَن متََ َّ‬
‫ني [البقر ‪:‬‬ ‫يك أَمانغيُّـهم قْل هاتْواي بـرهانَ ْكم إغن ْكنتْم غ غ‬ ‫ب يد ْرل ا يجلنَّةَ إغالَّ من َكا َن ْهودا أَو نَص غ‬
‫صادق َ‬‫ي َ‬ ‫ارى تل َ َ ْ ي ي َ ْ ي َ ي‬ ‫ي ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫‪.]111‬‬
‫‪ - 5‬زعمهم أن هللا تعاىل تعب من رلق السموات واألرض‪َّ ،‬‬
‫لرد هللا عليهم بقوله‪َ :‬ولََق يد َرلَ يقنَا‬
‫سنَا غمن لُّغْوب‪[ .‬ق‪ ]38 :‬وذلك لكمال قوته‬
‫ض َوَما بَـ ييـنَـ ْه َما غيف غست غَّة أ ََّايٍ َوَما َم َّ‬ ‫السماو غ‬
‫ات َواأل يَر َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫وقدرته‪.‬‬
‫‪ - 6‬زعمهم أن هللا ند على رلق البشر‪ ،‬ومرض حىت عادته املما كة‪ ،‬وأنه بكى حىت رمد من كثر‬
‫البكاء‪ ،‬ملا رأى من معاصي البشر‪.‬‬
‫‪ - 7‬لساد اعتقادهم يف وحي هللا وكتبه‪ ،‬حيث اعتقدوا أن هللا مل بنزل شيئا وما قَ َدرواي هللا ح َّق قَ يد غرهغ‬
‫ََ ْ َ َ‬
‫وسى نْورا َو ْهدى لغلن غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬ ‫إغ يذ قَالْواي ما أنز َل هللا علَى ب َ غ‬
‫َّاس‬ ‫اب الَّذي َجاء بغه ْم َ‬ ‫َنز َل اليكتَ َ‬ ‫ش ٍر من َش ييء قْ يل َم ين أ َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫آاب ْؤْك يم قْ غل هللاْ ْمثَّ ذَ يرْه يم غيف‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫وهنَا َوْختي ْفو َن َكثَرا َو ْعل يمتْم َّما َملي تَـ يعلَ ْمواي أَنتْ يم َوالَ َ‬
‫يس تْـ يب ْد َ‬
‫َُتي َعلْونَهْ قَـ َراط َ‬
‫ض غه يم بَـل َيعبْون [األنعا ‪.]91 :‬‬ ‫َرو غ‬
‫ي‬
‫‪ - 8‬لساد اعتقادهم يف النبو واألنبياء‪ ،‬ومن ذلك أهنم برون أن النبو ال بستحقها إال من كان‬
‫منهم‪ ،‬وبرشحونه للنبو ‪ ،‬لذلك إذا جاءهم رسول مبا ال هتوى أنفسهم لربقا كذبوا ولربقا بقتلون‪ .‬ومن‬
‫مظاهر احنراف عقيدهتم يف النبو واألنبياء أهنم نسبوا لَلنبياء واملرسلني أعماال قبيحة لمن ذلك قوهلم‬
‫كما جاء يف كتبهم (‪:)1‬‬
‫أ ‪ -‬إن نَب هللا هارون عليه السما صنع عجما وعبده مع بين إسرا يل‪( ،‬إصحاح ‪ 32‬عدد ‪ 1‬من‬
‫سفر اَخروج)‪.‬‬
‫وقد َّبني هللا ضماهلم يف القرآن عندما أررب أن الذي صنع هلم عجما هو السامري‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إن إبراهيم عليه السما َّ‬
‫قد امرأته سار إىل لرعون حىت بنال اَخَر بسببها‪( .‬إصحاح ‪ 12‬عدد‬
‫‪ 14‬من سفر التكوبن)‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((حممد نَب اإلسما )) (ص‪ ،)145‬و ((الرسل والرساالت)) د‪ .‬عمر األشقر (ص‪- 104‬‬
‫‪ ،)105‬و ((املدرل لدراسة التورا والعهد القدمي)) د‪ .‬حممد البار (ص‪.)365 - 177‬‬

‫(‪)143/1‬‬

‫ج ‪ -‬ومن ذلك قوهلم‪ :‬إن لوطا شرب اَخمر حىت سكر مث قا على ابنتيه‪ ،‬لزىن هبما الواحد تلو‬
‫األررى‪ ,‬ومعاذ هللا أن بفعل لوط ذلك‪ ،‬وهو الذي دعا إىل الفضيلة طوال عمره‪( .‬سفر التكوبن‬
‫إصحاح ‪ 19‬عدد ‪.)30‬‬
‫د ‪ -‬وأن روابني زىن بزوجة أبيه بعقوب‪ ،‬وأن بعقوب عليه السما علم هبذا الفعل القبيح لسكت‪.‬‬
‫(سفر التكوبن إصحاح ‪ 31‬عدد ‪.)17‬‬
‫هـ ‪ -‬وأن داود عليه السما زىن بزوجة رجل من قواد جيشه‪ ،‬مث دبر حيلة لقتل الرجل‪ ،‬لقتله‪،‬‬
‫وضمها إىل نسا ه لولدت سليمان‪( .‬سفر صمو يل الثاين إصحاح ‪ 11‬عدد‬
‫وبعد ذ أرذ داود الزوجة َّ‬
‫‪.)1‬‬
‫ووأن سليمان عليه السما ارتد يف آرر عمره‪ ،‬وعبد األصنا وبىن هلا املعابد‪( .‬سفر امللوك إصحاح‬
‫‪ 11‬عدد ‪.)5‬‬
‫هذه بعض املخازي والقبا ح اليت نسبتها هذه األمة الغضبية إىل أنبياء هللا األطهار‪ ،‬وحاشاهم ِما‬
‫وصفوهم به‪ ،‬وقد لعل اليهود ذلك ملرض قلوهبم وربث نواايهم‪ ،‬وليسهل عليهم تسوب ذنوهبم‬
‫منكر‪ ،‬أو بعرتض عليهم معرتض‪.‬‬
‫ومعاببهم عندما بنكر عليهم ٌ‬
‫‪ - 9‬لساد اعتقادهم يف نبو حممد صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ومن ذلك إنكارهم وجحودهم لنبوته مع‬
‫غ‬ ‫َّ غ‬ ‫غ‬ ‫علمهم بذلك ًّ َّ غ‬
‫س ْه يم لَـ ْه يم‬
‫بن َرس ْرواي أَن ْف َ‬ ‫اءه ْم [الذ َ‬‫اب بَـ يع غرلْونَهْ َك َما بَـ يع غرلْو َن أَبيـنَ ْ‬
‫اه ْم اليكتَ َ‬
‫بن آتَـ ييـنَ ْ‬
‫حقا‪ :‬الذ َ‬
‫الَ بْـ يمغمنْو َن] األنعا ‪].[ 20 :‬‬
‫‪ - 10‬لساد اعتقادهم يف املما كة‪ :‬حيث بزعمون أن جرببل وميكا يل من أعدا هم‪ ،‬وقد َّبني هللا‬
‫بل َوغمي َك َ‬
‫ال لَغإ َّن هللاَ َع ْد ٌّو‬ ‫غ غغ غغ غ‬ ‫غغ‬
‫تعاىل ذلك وتوعَّدهم‪ ،‬لقال‪َ :‬من َكا َن َع ْد ًّوا َّلل َوَمآل َكته َوْر ْسله َوج يغرب َ‬
‫لغ يل َكالغ غربن [البقر ‪.]98 :‬‬
‫‪ - 11‬لساد عقيدهتم يف اليو اخآرر‪ :‬لهم بزعمون أنه لن بدرل اجلنة إال من كان من اليهود‪ ،‬وأن‬
‫العاصي منهم مهما لعل من املعاصي واخآاث للن بدرل النار إال أايما معدودات‪.‬‬
‫يك أ ََمانغيُّـ ْه يم قْ يل َهاتْواي‬
‫ارى تغل َ‬
‫صَ‬‫كذهبم هللا تعاىل بقوله‪َ :‬وقَالْواي لَن بَ يد ْر َل ا يجلَنَّةَ إغالَّ َمن َكا َن ْهودا أ يَو نَ َ‬ ‫وقد َّ‬
‫ادقغني [البقر ‪.]111 :‬‬ ‫بـرَهانَ ْكم إغن ْكنتْم ص غ‬
‫ي َ‬ ‫ْي ي‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ود قْ يل أ ََّختَ يذ ْيمت عن َد هللا َع يهدا لَـلَن خيْيل َ‬
‫ف هللاْ َع يه َدهْ أَ ي تَـ ْقولْو َن‬ ‫َّار إغالَّ أ ََّايما َّم يع ْد َ‬
‫سنَا الن ْ‬
‫وقال‪َ :‬وقَالْواي لَن متََ َّ‬
‫هللا َما الَ تَـ يعلَ ْمون [البقر ‪.]80 :‬‬ ‫علَى غ‬
‫َ‬
‫يم َحنغيفا‬ ‫غ َّ غ غ‬
‫ارى َهتيتَ ْدواي قْ يل بَ يل ملةَ إبيـ َراه َ‬
‫صَ‬‫‪ - 12‬زعمهم أهنم هم أصحاب احلق‪َ :‬وقَالْواي ْكونْواي ْهودا أ يَو نَ َ‬
‫َوَما َكا َن غم َن ال ْيم يش غركغني [البقر ‪.]135 :‬‬
‫‪ - 13‬تنقصهم هلل تعاىل وكذهبم عليه‪ :‬ومن ذلك قوهلم‪:‬‬
‫أ ‪ -‬النهار اثنتا عشر ساعة يف الثماثة األوىل منها جيلس هللا وبراجع الشربعة‪ ،‬ويف الثماثة الثانية‬
‫حيكم‪ ،‬ويف الثماثة الثالثة بطعم العامل‪ ،‬ويف الثماثة األرَر جيلس وبلعب مع احلوت واألمساك‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ليس هللا معصوما من الطيش والغضب والكذب‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أرواح اليهود مصدرها روح هللا‪ ،‬وأرواح يَر اليهود مصدرها الروح النجسة‪.‬‬
‫د ‪ -‬رلق هللا الناس ابستثناء اليهود من نطفة حصان‪ ،‬ورلق هللا األجنَب على هيئة إنسان؛ ليكون‬
‫ال قا َخدمة اليهود الذبن رلقت الدنيا ألجلهم‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬اليهودي معترب عند هللا أكر من املما كة‪.‬‬
‫ولو مل خيلق هللا اليهود النعدمت الربكة يف األرض‪ ،‬وملا رلقت األمطار والشمس‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪81 - 78‬‬

‫(‪)144/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬اليو اخآرر لدى اليهود‪:‬‬


‫كانت عقيد بين إسرا يل‪ -‬وذلك حني كانت تستمد تشربعها من السماء‪ -‬هي اإلميان ابليو‬
‫وجل يف‬ ‫عز َّ‬ ‫اخآرر‪ ،‬وأنه دار اجلزاء‪ ،‬وقد أثبت هللا ذلك عنهم يف عد آايت من القرآن الكرمي‪ ،‬قال َّ‬
‫س غمبَا تَ يس َعى [طه‪،]15 :‬‬ ‫يها لغتْ يج َزى ْك ُّل نَـ يف ٍ‬ ‫اعةَ ءاَتغيةٌ أَ َك ْ غ‬
‫اد أْ يرف َ‬ ‫الس َ َ‬ ‫رطابه ملوسى عليه السما ‪ :‬إغ َّن َّ‬
‫لدنيـيا حسنة وغيف غ‬
‫اخآر َرغ إغ َّان ْه يد َان‬ ‫غغ‬
‫ب لَنَا غيف َهذه ا ُّ َ َ َ َ َ‬ ‫وجل على لسان موسى عليه السما ‪َ :‬وا يكتْ ي‬ ‫عز َّ‬ ‫وقال َّ‬
‫ال الَّ غذبن بظْنُّو َن أ ََّهنْم ُّمماَقْو غ‬
‫هللا‬ ‫وجل عن صاحلي جنود طالوت‪ :‬قَ َ‬ ‫عز َّ‬ ‫ك [األعراف‪ ،]156 :‬وقال َّ‬ ‫إغلَيي َ‬
‫ََ‬
‫هللا وهللاْ َم َع َّ غ‬ ‫غ غ‬ ‫َكم غمن لغئَ ٍة قَلغيلَ ٍة يَلَب ي غ غ‬
‫أن اليهود احنرلوا‬ ‫بن [البقر ‪ ،]249 :‬إال َّ‬ ‫الصاب غر َ‬ ‫َر إبغغ يذن َ‬ ‫ت لئَة َكث َ‬‫َ‬
‫سجل هللا عليهم هذه االحنرالات‪ ،‬وعاهبم‬ ‫وجل‪ ،‬وقد َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫عن هذا االعتقاد ابحنرالهم عن دبن هللا َّ‬
‫سنا النَّار إغالَّ أ ََّايما َّمع ْدود قْل أ ََّختَ يذ ْمتي غعن َد غ‬
‫هللا‬ ‫عليها‪ ،‬و َّ‬
‫ي َ ي‬ ‫عز من قا ل‪َ :‬وقَالْواي لَن متََ َّ َ ْ‬ ‫كذهبم ليها‪ ،‬لقال َّ‬
‫هللا َما الَ تَـ يعلَ ْمون [البقر ‪ ]80 :‬وزعموا أن اجلنة هلم‬ ‫ف هللا عه َده أَ تَـ ْقولْو َن علَى غ‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫َع يهدا لَـلَن خيْيل َ ْ َ ي ْ ي‬
‫ارى تغل َ‬
‫يك‬ ‫صَ‬ ‫وجل‪َ :‬وقَالْواي لَن بَ يد ْر َل ا يجلَنَّةَ إغالَّ َمن َكا َن ْهودا أ يَو نَ َ‬‫عز َّ‬ ‫كذهبم هللا بذلك قال َّ‬ ‫وحدهم‪ ،‬و َّ‬
‫وجل عن صاحليهم‬ ‫عز َّ‬ ‫ني [البقر ‪ ]111 :‬هذا ما حكاه هللا َّ‬ ‫أَمانغيُّـهم قْل هاتْواي بـرهانَ ْكم إغن ْكنتْم غ غ‬
‫صادق َ‬ ‫ي َ‬ ‫َ ْ ي ي َ ْي َ ي‬
‫ولاسقيهم من انحية اإلميان ابلبعث واجلنة والنار‪.‬‬
‫أما كتاهبم التورا ‪ :‬لقد رما متاما من ذكر اجلنة والنار‪ ،‬والبعث والنشور‪ ،‬وكذلك سا ر الكتب امللحقة‬
‫ليه إال نزرا بسَرا‪.‬‬
‫لمن ذلك صور يَر واضحة وردت يف (سفر دانيال) (‪ )2 /12‬وهو قوهلم‪( :‬وكثَرون من الراقدبن‬
‫يف تراب األرض بستيقظون همالء إىل احليا األبدبة‪ ،‬وهمالء إىل العار لمازدراء األبدي)‪.‬‬
‫وبذكر الدكتور (علي وايف)‪ :‬أنه ال بوجد يف لرقهم الشهَر من بممن ابليو اخآرر‪ ،‬لفرقة الصادوقيني‬
‫تنكر قيا األموات‪ ،‬وتعتقد أن عقاب العصا وإاثبة املتقني إَنا حيصمان يف حياهتم‪.‬‬
‫ولرقة الفربسيني تعتقد أن الصاحلني من األموات سينشرون يف هذه األرض؛ ليشرتكوا يف ملك املسيح‬
‫الذي أيِت آرر الزمان‪ ،‬لهم بنكرون على هذا البعث بو القيامة‪.‬‬
‫ومن نظر أدىن نظر يف كتاب اليهود التورا والكتب امللحقة هبا جيد أن الوعود الوارد ليه مقابل‬
‫األعمال الصاحلة واإلميان ابهلل تدور حول املتعة الدنيوبة من انتصار على األعداء وكثر األوالد‪ ،‬وَناء‬
‫الزرع‪ ،‬إىل يَر ذلك‪ ،‬كذلك الوعيد الوارد على املعاصي والكفر‪ ،‬كله بدور حول انتصار األعداء‬
‫عليهم وسَب ذراربهم وموت زرعهم وماشيتهم إىل يَر ذلك من العقوابت الدنيوبة‪ِ ،‬ما بدل على عد‬
‫إمياهنم ابليو اخآرر حسب التورا والكتب امللحقة هبا‪.‬‬
‫صرحوا ابلنعيم واجلحيم‪ ،‬لقد ورد ليه‪ :‬أن اجلنة مأوى‬
‫وهذا خيتلف عما لدبهم يف التلمود‪ ،‬حيث َّ‬
‫األرواح الزكية ال بدرلها إال اليهود‪ ،‬واجلحيم مأوى الكفار‪ ،‬وال نصيب هلم ليه سوى البكاء؛ ملا ليه‬
‫مر ‪.‬‬
‫من الظما والعفونة والطني‪ ،‬وأن اجلحيم أوسع من النعيم ستني َّ‬
‫كما ورد يف نص األصول الثماثة عشر اليت وضعها موسى بن ميمون‪ ،‬وجعلها أركان اإلميان اليهودي‪،‬‬
‫قوهلم يف الركن الثالث عشر‪( :‬أان أؤمن إمياان كامما بقيامة املوتى‪ ،‬يف الوقت الذي تنبعث ليه بذلك‬
‫إراد اَخالق‪ -‬تبارك امسه وتعاىل ذكره‪ -‬اخآن وإىل أبد اخآبدبن)‪ .‬وهذا ليس ليه تصربح ابليو اخآرر؛‬
‫دنيواي على حنو عقيد الفربسيني السابقة‪ ،‬ولكن ذلك بدل على تغَر‬
‫الحتمال أن بقصد بذلك بعثا ًّ‬
‫يف العقيد لدبهم عما كان عليه كثَر من أسمالهم املتقدمني‪ ،‬ولعله من َتثرهم بعقيد املسلمني؛‬
‫الحتكاكهم هبم؛ ألن موسى بن ميمون كان طبيبا لَلبوبيني يف مصر‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪121 - 119‬‬

‫(‪)145/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الصما ‪:‬‬


‫جاء يف (سفر دانيال) أن دانيال كان بصلي وبركع وبشكر هللا تعاىل ثماث مرات كل بو (دانيال‬
‫‪ ،)6:10‬وأحياان مرتني كل بو (مزمور ‪ ،)55:17‬وهي واجبة عندهم‪ .‬وكانت الصما مركبة يالبا‬
‫من النثر مث من النظم‪ ،‬وتتلى ابلغناء يف االبتداء‪ ،‬وابلتدربج صار البعض بستعمل اخآالت املوسيقية‪،‬‬
‫كما بتضح من سفر املزامَر‪ ،‬وكان خيصص مغنون هلذا القصد (عزرا‪ .)21:65‬وتبدأ الصما بغسل‬
‫اليدبن لقط‪ ،‬مث بوضع شال صغَر على الكتفني‪ ،‬ويف الصلوات اجلماعية بوضع شال كبَر حول‬
‫العنق‪ ،‬مث بقرأ القارئ مرتداي ثواب أسود وقبعة على رأسه؛ ألنه جيب تغطية الرأس عندهم يف الصما ‪،‬‬
‫وبعربون بذلك عن االحرتا لنصوص التورا ‪ .‬وبتجهون يف صماهتم إىل بيت املقدس‪ .‬وكانوا يف السابق‬
‫بركعون وبسجدون يف صماهتم‪ ،‬وبعضهم ال زال بصلي كذلك‪ ،‬إال أن يالبهم اليو بصلون جلوسا‬
‫على الكراسي‪ ،‬كما بفعل النصارى‪ .‬وهم حيرصون على وضع اليدبن على الصدر مع حين الرأس‬
‫قليما‪ ،‬كوقوف اَخاد أما سيده؛ لزايد االحرتا ‪.‬‬
‫وامة ارتمالات يف طقوس الصلوات بني لرق اليهود كالسفاردمي واإلشكنازمي‪ ،‬ولكنها قليلة جدًّا‪،‬‬
‫وتنحصر يف األياين وامللحقات‪ ،‬أما أساس الصما والربكات لما ارتماف ليها‪.‬‬
‫والصلوات الواجبة على اليهودي ثماث مرات يف كل بو ‪:‬‬
‫‪ -‬صما الفجر وبسموهنا صما السحر (شحاربت)‪.‬‬
‫‪ -‬صما نصف النهار أو القيلولة (منحة)‪.‬‬
‫‪ -‬صما املساء وبسموهنا صما الغروب (عربيت)‪.‬‬
‫والصما عندهم على نوعني لردبة ومجاعية‪ :‬أما الفردبة‪ :‬لهي صلوات ارُتالية من األلراد تتلى‬
‫حسب االحتياجات‪ ،‬وال عماقة هلا ابلطقوس واملواعيد واملواسم‪ .‬أما اجلماعية لهي تمدى ابجتماع‬
‫مجلة أشخاص علنا يف أمكنة َمصوصة ومواعيد معلومة حسب طقوس مقرر من رؤساء الدبن‬
‫والكهنة‪.‬‬
‫وقد تقرأ يف تلك الصما نصوص من التورا يف لفا ف حمفوظة يف أماكن َمصصة لذلك‪ ،‬بعدها تطوى‬
‫تلك اللفا ف‪ ،‬وقد تنتهي الصما هبذا‪ ،‬وقد بتلوها رطبة قصَر ونشيد تقليدي ودعوات‪ ،‬وخيتم كل‬
‫ذلك ابلترببك‪ ،‬وهبذا تنتهي الصما وخيلو املعبد‪ .‬وقد بسبق انفضاض املعبد قداس أو ترببك بتوزبع‬
‫كأس من اَخمر ورييفني مربكني لكل مصل‪.‬‬

‫(‪)146/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الصيا ‪:‬‬


‫الصيا عند اليهود ببتدئ من قبل يروب الشمس إىل بعد يروب الشمس من اليو الماحق‪،‬‬
‫وميتنعون ليه عن الطعا والشراب واجلماع‪ ،‬وبعض األاي بكون صيامهم ليه من شروق الشمس إىل‬
‫يروهبا‪ ،‬وميتنعون ليه عن الطعا والشراب لقط‪.‬‬
‫ولليهود أاي عدبد متفرقة بصوموهنا ملناسبات عد ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬صو بو الغفران‪ :‬وهو أهم صو عندهم‪ ،‬وهو الصو الوحيد الذي بعزونه إىل األسفار اَخمسة‬
‫املنسوبة إىل موسى عليه السما ‪.‬‬
‫‪ -‬صو متوز‪ :‬وهو صيا بو واحد‪ ،‬وهو يف الثامن عشر من شهر متوز اليهودي‪ ،‬وبعتربونه حدادا‬
‫على حوادث َمتلفة‪ ،‬أمهها‪ :‬حتطيم ألواح التورا ‪ ،‬إبطال القرابن اليومي صباحا ومساء‪ ،‬إحراق التورا‬
‫يف أورشليم على بد القا د (إتسوبندوموس)‪ ،‬وكذلك جيعلون هذا الصو ذكرى بدابة مهامجة تيطس‬
‫الروماين ألورشليم بقصد إابد اليهود سنة (‪. )70‬‬
‫‪ -‬صيا التاسع من آب‪ :‬وهو ذكرى سقوط أورشليم على بد تيطس‪ ،‬وختربب اهليكل الثاين زمن‬
‫أدراينوس‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪135‬‬

‫(‪)147/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الزواج‪:‬‬


‫بعترب بقاء اليهودي يف العزوبة أمرا مناليا للدبن‪ ،‬وحير الزواج بني اليهود ويَرهم‪ ،‬والزواج بغَر‬
‫اليهودي أو اليهودبة بعترب لجورا وزان مستمربن‪ .‬وجيوز لليهودي الزواج ببنت أريه أو ابنة أرته‪،‬‬
‫وحر كثَر من لقها هم زواج بنت األرت‪.‬‬
‫ولكن العكس حمر ‪ ،‬لما بتزوج الرجل من عمته أو رالته‪َّ .‬‬
‫وتعدد الزوجات جا ز عند اليهود‪ ،‬وليس يف الدبن حد أقصى لتعدد الزوجات‪ ،‬وإن صدرت لتوى‬
‫متأرر ابتداء من القرن احلادي عشر يف الغرب بتحرمي التعدد‪ ،‬وبعض اليهود الزالوا ميارسون هذا‬
‫احلق‪.‬‬
‫ومن شرا عهم يف الزواج أن أرملة اليهودي الذي مات ومل بنجب منها جيب تزوجيها ألريه األعزب‬
‫على وجه اإلجبار‪ ،‬لإذا أجنب منها لإن املولود حيمل اسم أريه امليت وبنسب إليه‪ ،‬وإذا امتنع األخ‬
‫من تزوج أرملة أريه لإنه بشهر به وخيلع من اجملتمع اليهودي‪ ،‬وتسمى املرأ اليت تمول إىل أري‬
‫زوجها امليت (ببامه)‪.‬‬

‫(‪)148/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الطماق‪:‬‬


‫الطماق يف التورا كان ًّ‬
‫حقا موضوعا بيد الرجل‪ ،‬مستخدمني عبار (طرد الزوجة من البيت)‪ ،‬لكن‬
‫ليما بعد ألىت احلارا جرشو بن بهودا املتوىف سنة (‪ )1040‬بتحرمي طرد املرأ من بيت الزوجية‬
‫إال إذا ألىت القاضي بطماقها‪ ،‬أو اتفقت مع زوجها ابلرتاضي على الطماق‪ .‬وال بعترب الطماق انلذا‬
‫حىت تصدر ليه وثيقة من احلارا ‪ ،‬وهبذه الوثيقة تستطيع املطلقة الزواج‪ ،‬أما إذا مل حتصل عليها لما‬
‫حيق هلا الزواج‪ ،‬وبعترب زواجها بغَر الوثيقة يَر صحيح‪ ،‬وأوالدها من ذلك الزواج يَر شرعيني‪.‬‬

‫(‪)149/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬املأكل واملشرب‪:‬‬


‫من شرا عهم يف املطعومات أنه ال جيوز هلم من احليواانت ذوات األربع إال كل ماله ظلف مشقوق‪،‬‬
‫وليس له أنياب‪ ،‬وأيكل العشب وجيرت‪ ،‬لاَخيل والبغال واحلمَر واجلمال كلها حمرمة‪ ،‬وكذلك اَخنزبر‬
‫والسباع واألرانب‪ .‬وحير من الطيور كل ما له منقار معقوف أو َملب‪ ،‬أو كان من أوابد الطَر اليت‬
‫َتكل اجليف والرمم‪ .‬وحيل أكل الدجاج واألوز والبط والطيور الرببة آكلة العشب واحلب‪ ،‬أما‬
‫األحياء املا ية ليحل منها السمك الذي له زعانف وعليه قشور‪ ،‬وما عدا ذلك لكل صيد البحر‬
‫حرا ‪ .‬وال جيوز هلم اجلمع بني اللحم واللنب واحلليب يف طعا واحد‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪139‬‬

‫(‪)150/1‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬ألكار ومعتقدات أررى‪:‬‬


‫ـ بعتقدون أبن الذبيح من ولد إبراهيم هو إسحاق املولود من سار ‪ .‬والصحيح أنه إمساعيل‪.‬‬
‫ـ مل برد يف دبنهم شيء ذو ابل عن البعث واَخلود والثواب والعقاب إال إشارات بسيطة‪ ،‬وذلك أن‬
‫هذه األمور بعيد عن تركيبة الفكر اليهودي املادي‪.‬‬
‫ـ الثواب والعقاب إَنا بتم يف الدنيا‪ ،‬لالثواب هو النصر والتأبيد‪ ،‬والعقاب هو اَخسران والذل‬
‫واالستعباد‪.‬‬
‫ـ التابوت‪ :‬وهو صندوق كانوا حيفظون ليه أيلى ما ميلكون من ثروات ومواثيق وكتب مقدسة‪.‬‬
‫ـ املذبح‪ :‬مكان َمصص إلبقاد البخور بوضع قدا احلجاب الذي أما التابوت‪.‬‬
‫ـ اهليكل‪ :‬هو البناء الذي أمر به داود وأقامه سليمان‪ ،‬لقد بين بدارله احملراب (أي‪ :‬قدس األقداس)‬
‫وهيَّأ كذلك بدارله مكاان بوضع ليه اتبوت عهد الرب‪.‬‬
‫ـ الكهانة‪ :‬وختتص أببناء ليفي (أحد أبناء بعقوب)‪ ،‬لهم وحدهم هلم حق تفسَر النصوص وتقدمي‬
‫القرابني‪ ،‬وهم معفون من الضرا ب‪ ،‬وشخصيا ْهتْم وسيلة بتقرب هبا إىل هللا‪ ،‬لأصبحوا بذلك أقوى من‬
‫امللوك‪.‬‬
‫ـ القرابني‪ :‬كانت تشمل الضحااي البشربة إىل جانب احليوان والثمار‪ ،‬مث اكتفى اإلله بعد ذلك جبزء من‬
‫اإلنسان‪ ،‬وهو ما بقتطع منه يف عملية اَختان اليت بتمسك هبا اليهود إىل بومنا هذا‪ ،‬لضما عن الثمار‬
‫واحليوان إىل جانب ذلك‪.‬‬
‫ـ بعتقدون أبهنم شعب هللا املختار‪ ،‬وأن أرواح اليهود جزء من هللا‪ ،‬وإذا ضرب أِمي (جوبيم) إسرا يليًّا‬
‫لكأَنا ضرب العز اإلهلية‪ ،‬وأن الفرق بني درجة اإلنسان واحليوان هو مبقدار الفرق بني اليهودي ويَر‬
‫اليهودي‪.‬‬
‫ـ جيوز يش يَر اليهودي وسرقته‪ ،‬وإقراضه ابلراب الفاحش‪ ،‬وشهاد الزور ضده‪ ،‬وعد الرب ابلقسم‬
‫أمامه‪ ،‬ذلك أن يَر اليهود يف عقيدهتم كالكماب واَخنازبر والبها م‪ ،‬بل إن اليهود بتقربون إىل هللا‬
‫بفعل ذلك بغَر اليهودي‪.‬‬
‫ـ بقول التلمود عن املسيح‪ :‬إن بسوع الناصري موجود يف جلات اجلحيم بني القار والنار‪ ،‬وإن أمه‬
‫مرمي أتت به من العسكري ابندارا عن طربق اَخطيئة‪ ،‬وإن الكنا س النصرانية هي مقا القاذورات‬
‫والواعظون ليها أشبه ابلكماب الناحبة‪.‬‬
‫ـ بسبب ظروف االضطهاد نشأت لدبهم لكر املسيح املنتظر كنوع من التنفيس والبحث عن أمل‬
‫ورجاء‪.‬‬
‫ـ بقولون أبن بعقوب قد صارع الرب‪ ،‬وأن لوطا قد شرب اَخمر وزىن اببنتيه بعد جناته إىل جبل‬
‫صوير‪ ،‬وأن داود قبيح يف عني الرب‪.‬‬
‫ـ لقد لقدت تورا موسى بعد ختربب اهليكل أاي خبتنصر‪ ،‬للما كتبت مر اثنية أاي أرحتشتا ملك‬
‫سواي َحظًّا غِمَّا ذْكغ ْرواي بغ غه‬ ‫غ غغ‬ ‫غ‬
‫لارس جاءت حمرلة عن أصلها‪ ،‬بقول هللا تعاىل‪ْ :‬حيَ غرلْو َن الي َكل َم َعن َّم َواضعه َونَ ْ‬
‫[املا د ‪.]13 :‬‬
‫ـ إن داينتهم راصة هبم‪ ،‬مقفلة على الشعب اليهودي‪.‬‬
‫ـ الولد األكرب الذي هو أول من برث‪ ،‬وله حظ اثنني من إروته‪ ،‬وال لرق بني املولود بنكاح شرعي أو‬
‫يَر شرعي يف املَراث‪.‬‬
‫ـ بعد الزواج تعد املرأ ِملوكة لزوجها‪ ،‬وماهلا ملك له‪ ،‬ولكن لكثر اَخمالات لقد أقر بعد ذلك أن‬
‫متلك الزوجة رقبة املال والزوج ميلك املنفعة‪.‬‬
‫ـ من بل العشربن ومل بتزوج لقد استحق اللعنة‪ ،‬وتعدد الزوجات جا ز شرعا بدون حد‪ ،‬لقد حدده‬
‫الرابنيون أبربع زوجات بينما أطلقه القراءون‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)151/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫اليهود‪ -‬لعنهم هللا‪ -‬قو هبت وكذب‪ ،‬وهذه الصفة من أقبح الصفات اليت انغرست يف نفوسهم ‪-‬‬
‫راصة يف زعما هم‪ -‬وأصبحت طبعا الزما هلم‪ ،‬كأهنم ْجبلوا عليها‪ ،‬وقد بلغت هبم اجلرأ يف الكذب‬
‫سجل القرآن الكرمي عليهم تلك الصفة‬ ‫وجل‪ ،‬وقد َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫والكفر إىل حد االلرتاء والكذب على هللا َّ‬
‫رتواي بغ غه َامَنا‬ ‫غ غ غ غغ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غغ‬
‫اب غأبَبيدب غه يم ْمثَّ بَـ ْقولْو َن َه َذا م ين عند هللا ليَ يش َْ‬ ‫بن بَ يكتْـبْو َن اليكتَ َ‬‫املذمومة‪ ،‬لقال تعاىل‪ :‬لَـ َوبي ٌل للَّذ َ‬
‫ت أَب غدب غهم ووبل َّهلم غِمَّا بك غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يسبْون‪[ .‬البقر ‪]79 :‬‬ ‫قَليما لَـ َوبي ٌل َّهلْم ِمَّا َكتَـبَ ي ي ي َ َ ي ٌ ْ ي َ‬
‫اب‬‫اب َوَما ْه َو غم َن اليكغتَ غ‬ ‫يكتَ غ‬ ‫اب لغتَحسبوهْ غمن ال غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫وقال تعاىل‪َ :‬وإغ َّن م ينـ ْه يم لََف غربقا بَـل ْيوو َن أَليسنَـتَـ ْهم غابليكتَ غ ي َ ْ َ‬
‫ب َو ْه يم بَـ يعلَ ْمون‪[ .‬آل‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬
‫َوبَـ ْقولْو َن ْه َو م ين عند هللا َوَما ْه َو م ين عند هللا َوبَـ ْقولْو َن َعلَى هللا الي َكذ َ‬
‫ٍ‬ ‫غ َّ غ‬
‫وك‬ ‫َّاعو َن لغَق يو َ‬
‫آر غر َ‬
‫بن َملي َأييتْ َ‬ ‫ب َمس ْ‬ ‫َّاعو َن لغ يل َك غذ غ‬
‫ادواي َمس ْ‬ ‫بن َه ْ‬
‫عمران‪ ]78:‬وقال تعاىل‪َ .... :‬وم َن الذ َ‬
‫غ‬ ‫ْحي غرلْو َن الي َكلغم غمن بـع غد مو غ غ غ‬
‫اح َذ ْرواي َوَمن بْ غرد هللاْ‬‫اضعه بَـ ْقولْو َن إغ ين أْوتغيتْ يم َه َذا لَ ْخ ْذوهْ َوإغن َّملي تْـ يمتَـ يوهْ لَ ي‬ ‫َ َ ي ََ‬ ‫َ‬
‫ي َوَهلْ يم غيف‬ ‫غ‬ ‫بن َملي بْ غرغد هللاْ أَن بْطَ غه َر قْـلْ َ‬ ‫هللا َشيـئا أْولَئغ َ َّ غ‬‫ك لَه غمن غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫وهبْ يم َهلْ يم غيف ال ُّدنيـيَا ر يز ٌ‬ ‫ك الذ َ‬ ‫ي ي‬ ‫ل يتـنَـتَهْ لَـلَن متَيل َ ْ َ‬
‫يم [املا د ‪ , ]41 :‬ويَرها من اخآايت الكرمية‪ .‬كما شهد عليهم شاهد من‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫اب َعظ ٌ‬
‫اخآر َر َع َذ ٌ‬
‫أنفسهم‪ ،‬هداه هللا إىل اإلسما ‪ ،‬لقد روى أنس بن مالك رضي هللا عنه يف قصة إسما عبد هللا بن‬
‫سما رضي هللا عنه‪ ،‬أنه قال لرسول هللا‪(( :‬اي رسول هللا‪ ،‬إن اليهود قو هبت لاسأهلم عين قبل أن‬
‫بعلموا إبسمامي‪ .‬لجاءت اليهود لقال النَب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أي رجل عبد هللا بن سما ليكم؟‬
‫قالوا‪ :‬رَران وابن رَران‪ ،‬وألضلنا وابن ألضلنا‪ .‬لقال النَب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أرأبتم إن أسلم عبد‬
‫هللا بن سما ؟ قالوا‪ :‬أعاذه هللا من ذلك‪ .‬لأعاد عليهم‪ ،‬لقالوا مثل ذلك‪ ،‬لخرج إليهم عبد هللا لقال‪:‬‬
‫أشهد أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا‪ .‬قالوا‪ :‬شران وابن شران‪ .‬وتنقصوه‪ ،‬قال‪ :‬هذا ما كنت‬
‫أراف اي رسول هللا)) (‪ .)1‬وقد استخد الصهابنة اليهود سماح الكذب وااللرتاء يف رداع الرأي‬
‫العاملي ‪ -‬راصة الغريب‪ -‬وتضليله وتسخَره ألطماعهم وَمططاهتم الصهيونية‪ ،‬وذلك بواسطة نشر‬
‫األكاذبب واألساطَر والدعاوى اليهودبة الكاذبة‪ ،‬وتقدميها إىل الناس على أهنا حقا ق اثبتة ال تقبل‬
‫الشك والربب هبا ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬عن طربق َمتلف الوسا ل اإلعمامية العاملية اليهودبة وأبواقها التابعة‬
‫هلا‪ ،‬ومن أبرز تلك األكاذبب ما أيِت‪:‬‬
‫‪ - 1‬االدعاء أبهنم أبناء هللا وأحباؤه وشعب هللا املختار‪.‬‬
‫‪ - 2‬الزعم بنقاء اجلنس والعنصر اليهودي املتميز‪.‬‬
‫‪ - 3‬االدعاء أبن لليهود ًّ‬
‫حقا اترخييًّا ودبنيًّا يف للسطني‪.‬‬
‫إن هذه االدعاءات أسهمت يف ترببر جرا مهم ومكا دهم وحروهبم ومفاسدهم أما الرأي العاملي؛‬
‫لتحقيق اهلدف الصهيوين يف إقامة وطن قومي هلم يف للسطني ‪ -‬والغابة تربر الوسيلة حسب القاعد‬
‫امليكاليلية اليهودبة‪ -‬حيث ترالق وتزامن نشر هذه االدعاءات اليهودبة الصهيونية ويَرها مع‬
‫اَخطوات واملراحل السابقة ملخطط اليهود يف احتمال للسطني‪ ،‬وسوف نبني إن شاء هللا تعاىل بطمان‬
‫هذه املزاعم ابألدلة والرباهني الساطعة‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)3938‬‬

‫(‪)152/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬زعمهم أبهنم شعب هللا املختار‪:‬‬


‫إن الشعور ابالستعماء واالستكبار على مجيع اَخلق داء عضال ومزمن عند األمة اليهودبة‪ ،‬ذكره‬
‫القرآن الكرمي عنهم يف آايت كثَر ‪ ،‬وتزرر به نصوص كتبهم املقدسة لدبهم‪ ،‬ومنها ما ورد يف توراهتم‬
‫احملرلة‪( :‬أنتم أوالد للرب إهلكم ‪ ...‬ألنك شعب مقدس للرب إهلك‪ ،‬وقد ارتارك الرب لكي تكون‬
‫له شعبا راصا لوق مجيع الشعوب الذبن على وجه األرض)‬
‫وبقول الريب عقيبا يف املشنا (وصااي اخآابء ‪ :)18 /3‬بنو إسرا يل أحباء هللا؛ ألهنم بدعون أبناءه‪ ،‬بل‬
‫هناك برهان أعظم على هذا احلب‪ ،‬وهو أن هللا نفسه قد مساهم هبذا االسم يف قوله يف التورا ‪( :‬أنتم‬
‫أوالد للرب إهلكم)‪ .‬ويف مصطلحاهتم جندهم خيلعون على أنفسهم صفات املدح والتعظيم ليسمون‬
‫أنفسهم أبضا بـ (الشعب األزِل) وابلعرببة (عا عوال )‪ ،‬و (الشعب األبدي) وابلعرببة (عا بنصح)‪،‬‬
‫و (شعب هللا) وابلعرببة (عا ألوهيم)‪ .‬وانبىن على ذلك احتقارهم لَلمم األررى وتسميتها أبلفاظ‬
‫السباب والشتا م مثل (اجلوبيم) و (عاربل) و (ِمزبر)‪ ،‬مث متادوا يف ادعا هم أبن هلم حق السيطر على‬
‫العامل ما داموا أهنم أبناء هللا وأحباؤه‪.‬‬
‫‪ -‬بطمان هذه الدعوى‪:‬‬
‫ارى‬ ‫لقد َّبني القرآن الكرمي بطمان زعمهم ابألدلة الواضحة الدامغة لقال تعاىل‪ :‬وقَالَ غ‬
‫َّص َ‬
‫ود َوالن َ‬
‫ت الييَـ ْه ْ‬ ‫َ‬
‫ب َمن‬ ‫غ‬
‫شاء َوبْـ َعذ ْ‬ ‫ش ٌر غِمَّ ين َرلَ َق بَـغي غف ْر لغ َمن بَ َ‬ ‫هللا وأ غ‬
‫َحبَّا ْؤهْ قْ يل لَلغ َم بْـ َع غذبْ ْكم بغ ْذنْوبغ ْكم بَ يل أَنتْم بَ َ‬ ‫غ‬
‫َيحن ْن أَبيـنَاء َ‬
‫ض وما بـ ييـنَـ ْهما وإغلَيي غه اليم غ‬ ‫يك َّ غ‬ ‫شاء وغ غ‬
‫صَر [املا د ‪.]18 :‬‬ ‫َ‬ ‫الس َم َاوات َواأل يَر غ َ َ َ َ َ‬ ‫َّلل ْمل ْ‬ ‫بَ َ َ‬
‫قال اإلما القرطَب يف تفسَر اخآبة الكرمية‪( :‬مل بكونوا خيلون من أحد أمربن‪:‬‬
‫إما أن بقولوا‪ :‬هو بعذبنا‪ .‬ليقال هلم‪ :‬للستم إذا أبناؤه وال أحباؤه‪ ،‬لإن احلبيب ال بعذب حبيبه‪،‬‬
‫وأنتم تقرون بعذابه‪ ،‬وذلك دليل على كذبكم‪ ،‬وإما أن بقولوا‪ :‬ال بعذبنا‪ .‬ليكذبوا ما يف كتبهم وما‬
‫جاءت به رسلهم‪ ،‬وببيحوا املعاصي وهم معرتلون بعذاب العصا منهم‪ ،‬ليلتزمون أحكا كتبهم)‪.‬‬
‫وجل لليهود على ذنوهبم يف الدنيا قبل اخآرر كما سبق يف أثناء‬
‫عز َّ‬
‫وقد كان وسيكون عذاب هللا َّ‬
‫احلدبث عن اترخيهم‪.‬‬
‫ش ٌر‬
‫مث بََّني هللا عز وجل بطمان أصل االدعاء‪ ،‬وبني هلم ما هو احلق من أمرهم لقال تعاىل‪ :‬بَ يل أَنتْم بَ َ‬
‫شاء [املا د ‪ ]18:‬أي‪ :‬ليس األمر كما زعمتم أبها اليهود‪،‬‬ ‫ب َمن بَ َ‬ ‫غ‬ ‫غِمَّ ين َرلَ َق بَـغي غف ْر لغ َمن بَ َ‬
‫شاء َوبْـ َعذ ْ‬
‫بل احلق أنكم كسا ر البشر من رلق هللا‪ ،‬إن آمنتم وأصلحتم أعمالكم نلتم الثواب‪ ،‬وإن بقيتم على‬
‫كفركم وجحودكم نلتم العقاب‪ ،‬ال لضل ألحد على أحد عند هللا إال ابإلميان والعمل الصاحل‪ .‬لالناس‬
‫آايتغغه أَ ين َرلَ َق ْكم‬ ‫غ‬
‫من أصل وأب واحد من آد عليه الصما والسما ‪ ،‬وهو من تراب قال تعاىل‪َ :‬وم ين َ‬
‫ش ٌر تَنتَ غش ْرون [الرو ‪.]20 :‬‬ ‫غمن تْـر ٍ‬
‫اب ْمثَّ إغذَا أَنتْم بَ َ‬‫َ‬
‫لما لرق بني أسود وأبيض‪ ،‬وال ميز لفرد على آرر‪ ،‬وال لضل إلنسان على إنسان عند هللا إال‬
‫َّاس إغ َّان َرلَ يقنَا ْكم غمن ذَ َك ٍر َوأْنثَى َو َج َعلينَا ْك يم‬
‫ابلتقوى‪ ،‬وهو املقياس الصحيح‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬اي أَبُّـ َها الن ْ‬
‫اَّللَ َعلغ غ‬ ‫ْشعواب وقَـبا غل لغتـعارلْوا إغ َّن أَ يكرم ْكم غعن َد َّغ‬
‫َر‪[ .‬احلجرات‪ ]13 :‬كما أبطل‬ ‫يم َرب ٌ‬ ‫اَّلل أَتيـ َقا ْك يم إغ َّن َّ ٌ‬ ‫ََ ي‬ ‫ْ َ َ َ ََ َ‬
‫شاء َوالَ بْظيلَ ْمو َن‬ ‫س ْه يم بَ غل هللاْ بْـ َزكغي َمن بَ َ‬
‫بن بْـ َزُّكو َن أَن ْف َ‬
‫َّ غ‬
‫وجل زعمهم بقوله تعاىل‪ :‬أََملي تَـ َر إغ َىل الذ َ‬ ‫عز َّ‬ ‫هللا َّ‬
‫لَتغيما‪[ .‬النساء‪]49 :‬‬

‫(‪)153/1‬‬

‫ادوا إغن َز َع يمتْ يم‬ ‫َّ غ‬


‫بن َه ْ‬‫وجل يف القرآن الكرمي إلظهار كذهبم بقوله تعاىل‪ :‬قْ يل َاي أَبُّـ َها الذ َ‬ ‫عز َّ‬ ‫وحتداهم هللا َّ‬
‫ت أَبي غدب غه يم‬ ‫ت إغن ْكنتْم غ غ‬ ‫َّلل غمن ْد غ‬‫أَنَّ ْكم أَولغياء غَّغ‬
‫ني َوال بَـتَ َمنـ يَّونَهْ أَبَدا غمبَا قَد َ‬
‫َّم ي‬ ‫صادق َ‬ ‫ي َ‬ ‫َّوا ال َيم يو َ‬ ‫ون الن غ‬
‫َّاس لَـتَ َمنـ ْ‬ ‫ي يَ‬
‫اد غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ت الَّذي تَف ُّرو َن م ينهْ لَغإنَّهْ ْمماقي ْك يم ْمثَّ تْـ َردُّو َن إغ َىل َعامل اليغَيي غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫و َّ غ‬
‫الش َه َ‬‫ب َو َّ‬ ‫ني قْ يل إغ َّن ال َيم يو َ‬
‫يم غابلظَّالم َ‬
‫اَّللْ َعل ٌ‬ ‫َ‬
‫َررْ غعن َد غ‬
‫هللا‬ ‫غ‬ ‫لَـيْـنَـبغئْ ْكم غمبَا ْكنتْ يم تَـ يع َملْو َن [اجلمعة‪ ،]8 - 6:‬وبقوله تعاىل‪ :‬قْ يل إغن َكانَ ي‬
‫َّار اخآ َ‬
‫ت لَ ْك ْم الد ْ‬
‫ادقغني [البقر ‪.]94 :‬‬ ‫ت إغن ْكنتْم ص غ‬
‫َّواي ال َيم يو َ‬ ‫َرالغصة غمن ْد غ‬
‫ون الن غ‬
‫ي َ‬ ‫َّاس لَـتَ َمنـ ْ‬ ‫َ‬
‫مث نقول متعجبني ومستنكربن‪ :‬كيف بكون اليهود أبناء هللا وأحباؤه وقد يضب هللا عليهم ولعنهم يف‬
‫وجل ويضبه عليهم‬
‫عز َّ‬
‫كتبه املقدسة املنزلة على أنبيا ه الكرا ؟! لقد ورد يف القرآن الكرمي لعن هللا َّ‬
‫صراحة يف أحد عشر موضعا يف اخآايت القرآنية اخآتية‪:‬‬
‫اَّلل بغ ْك يف غرغه يم لَـ َقلغيما َّما بْـ يمغمنْون [البقر ‪]88 :‬‬ ‫يف بَل لَّ َعنَـ ْه ْم َّ‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬وقَالْواي قْـلْوبْـنَا يْل ٌ‬
‫بن‬ ‫َّ غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫هللا م غ غ‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬ولَ َّما جاءهم كغت غ غ غ غ‬
‫صد ٌق ل َما َم َع ْه يم َوَكانْواي من قَـ يب ْل بَ يستَـ يفت ْحو َن َعلَى الذ َ‬ ‫اب م ين عند ْ َ‬ ‫َ َ ْي َ ٌ‬
‫اَّلل َعلَى الي َكالغ غربن [البقر ‪.]89 :‬‬ ‫اءهم َّما َع َرلْواي َك َف ْرواي بغ غه لَـلَ يعنَةْ َّ‬
‫َك َف ْرواي لَـلَ َّما َج ْ‬
‫اب‬‫يكتَ غ‬ ‫َّاس غيف ال غ‬ ‫ات َوا يهلَْدى غمن بَـ يع غد َما بَـيَّـنَّاهْ لغلن غ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬إغ َّن الَّ غذبن بكيتْمو َن ما أنزلينَا غمن اليبـيغنَ غ‬
‫َ َ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫لعنْـ ْه ْم هللاْ َوبَـل َيعنْـ ْه ْم الماَّ غعنْون [البقر ‪.]159 :‬‬ ‫ك بَ َ‬ ‫أْولَئغ َ‬
‫َمجَ غعني [عمران‪.]87 :‬‬ ‫هللا َوال َيمآل غ َك غة َوالن غ‬‫َن علَي غهم لَعنةَ غ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬أ يْولَئغ َ‬
‫َّاس أ ي‬ ‫ك َج َزآ ْؤ ْه يم أ َّ َ ي ي ي َ‬
‫غ‬ ‫غ غغ‬ ‫غ‬ ‫غ َّ غ‬
‫َر ْم يس َم ٍع‬ ‫امسَ يع يَ ي َ‬ ‫ادواي ْحيَ غرلْو َن الي َكل َم َعن َّم َواضعه َوبَـ ْقولْو َن َمس يعنَا َو َع َ‬
‫ص ييـنَا َو ي‬ ‫بن َه ْ‬‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬م َن الذ َ‬
‫يسنَتغ غهم وطَعنا غيف غ‬
‫الدب غن َولَ يو أ ََّهنْ يم قَالْواي َغمس يعنَا َوأَطَ يعنَا َو ي‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫امسَ يع َوانظْيرَان لَ َكا َن َر يَرا َّهلْ يم َوأَقـ َيوَ‬ ‫َوَراعنَا لَيًّا غأبَل ي َ ي‬
‫َولَ غكن لَّ َعنَـ ْه ْم هللاْ بغ ْك يف غرغه يم لَماَ بْـ يمغمنْو َن إغالَّ قَلغيما [النساء‪.]46 :‬‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫آمنواي غمبَا نَـ َّزلينا م غ غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫َّ غ‬
‫س‬‫صدقا ل َما َم َع ْكم من قَـ يب غل أَن نَّطيم َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫اب ْ‬ ‫بن أْوتْواي اليكتَ َ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪َ :‬اي أَبُّـ َها الذ َ‬
‫ت وَكا َن أَمر غ‬ ‫َصحاب َّ غ‬
‫هللا َم يف ْعوال [النساء‪:‬‬ ‫السبي َ ي ْ‬ ‫َّها َعلَى أَ يد َاب غرَها أ يَو نَـل َيعنَـ ْه يم َك َما لَ َعنَّا أ ي َ َ‬ ‫ْو ْجوها لَـنَـ ْرد َ‬
‫‪.]47‬‬
‫غغ‬ ‫يكت غ غ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬أََمل تَـر إغ َىل الَّ غذبن أْوتْواي نَ غ غ‬
‫غ‬ ‫غ غ‬
‫اب بْـ يممنْو َن غاب يجل يبت َوالطَّايْوت َوبَـ ْقولْو َن للَّذ َ‬
‫بن‬ ‫صيبا م َن ال غ َ‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬
‫صَرا‬ ‫ك الَّ غذبن لَعنَـ ْهم هللا ومن بـليع غن هللا لَـلَن َغُت َد لَهْ نَ غ‬ ‫آمنْواي َسبغيما أ يْولَئغ َ‬ ‫غ َّ غ‬
‫َ َ ْ ْ ََ َ َ ْ‬ ‫بن َ‬ ‫َك َف ْرواي َه ْمالء أ يَه َدى م َن الذ َ‬
‫[النساء‪.]52 - 51 :‬‬
‫غ غغ‬ ‫غ‬ ‫ض غهم غميثَاقَـهم لَعنَّاهم وجعلينَا قْـلْ َ غ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬لَبغما نَـ يق غ‬
‫سواي‬ ‫وهبْ يم قَاسيَة ْحيَ غرلْو َن الي َكل َم َعن َّم َواضعه َونَ ْ‬ ‫ْ ي ْ ي َ ََ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫اص َف يح إغ َّن هللاَ ْغحي ُّ‬ ‫ال تَطَّلغ ْع َعلَ َى َرآ غنَ ٍة غم ينـ ْه يم إغالَّ قَلغيما غم ينـ ْه ْم لَا يع ْ‬
‫ف َع ينـ ْه يم َو ي‬ ‫َحظًّا غِمَّا ذْكغ ْرواي بغ غه َوالَ تَـ َز ْ‬
‫ال ْيم يح غسنغني [املا د ‪.]13 :‬‬

‫(‪)154/1‬‬
‫ب َعلَيي غه َو َج َع َل غم ينـ ْه ْم‬ ‫غ‬ ‫غ غ َّ‬
‫ك َمثْوبَة عن َد هللا َمن ل َعنَهْ هللاْ َويَض َ‬ ‫ش ٍر غمن َذلغ َ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬قْ يل َه يل أْنَـبغئْ ْكم بغ َ‬
‫يل [املا د ‪.]60 :‬‬ ‫السبغ غ‬
‫َض ُّل َعن َس َواء َّ‬ ‫وت أ يْولَئغ َ‬
‫ك َش ٌّر َّم َكاان َوأ َ‬ ‫ال غيق َر َد َ َو ي‬
‫اَخَنَا غز َبر َو َعبَ َد الطَّايْ َ‬
‫ان بْ غنف ْق‬ ‫ت أَب غدب غهم ولْ غعنْواي غمبَا قَالْواي بل ب َداهْ م يبسوطَتَ غ‬ ‫غ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬وقَالَ غ‬
‫َي َ َ ْ‬ ‫ود بَ ْد هللا َمغيلْولَةٌ يْلَّ ي ي ي َ‬ ‫ت الييَـ ْه ْ‬ ‫َ‬
‫شاء ‪[ ....‬املا د ‪.]64 :‬‬ ‫ف بَ َ‬ ‫َك يي َ‬
‫يسى ابي غن َم يرَميَ َذلغ َ‬ ‫ان داو غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ َّ غ‬
‫صوا‬‫ك غمبَا َع َ‬ ‫سغ َْ َ‬
‫ود َوع َ‬ ‫يل َعلَى ل َ‬
‫غ غ‬
‫بن َك َف ْرواي من بَغين إ يس َرا َ‬ ‫‪ -‬وقال تعاىل‪ :‬لْع َن الذ َ‬
‫غ‬
‫س َما َكانْواي بَـ يف َعلْون [املا د ‪.]79 - 78 :‬‬ ‫اه يو َن َعن ُّمن َك ٍر لَـ َعلْوهْ لَب يئ َ‬
‫َّوَكانْواي بَـ يعتَ ْدو َن َكانْواي الَ بَـتَـنَ َ‬
‫ولعنهم هللا ضمنا مع الكالربن واملنالقني والظاملني والكاذبني يف آايت كثَر يف القرآن الكرمي‪ .‬كما‬
‫وجل أبلوان من العذاب مل حتدث لغَرهم‪ ،‬كاملسخ قرد ورنازبر‪ .‬قال تعاىل‪ :‬قْ يل َه يل‬ ‫عز َّ‬ ‫عذهبم َّ‬
‫ب َعلَيي غه َو َج َع َل غم ينـ ْه ْم ال غيق َر َد َ َو ي‬
‫اَخَنَا غز َبر َو َعبَ َد‬ ‫غ‬ ‫غ غ َّ‬
‫ك َمثْوبَة عن َد هللا َمن ل َعنَهْ هللاْ َويَض َ‬ ‫ش ٍر غمن َذلغ َ‬ ‫أْنَـبغئْ ْكم بغ َ‬
‫َّرلْواي غابلي ْك يف غر َو ْه يم‬ ‫آمنَّا َوقَد د َ‬ ‫يل َوإغذَا َجآ ْؤوْك يم قَالَْواي َ‬ ‫السبغ غ‬ ‫َض ُّل َعن َس َواء َّ‬ ‫ك َش ٌّر َّم َكاان َوأ َ‬ ‫وت أ يْولَئغ َ‬ ‫الطَّايْ َ‬
‫قَ يد َررجواي بغ غه وهللا أَ يعلَم غمبَا َكانْواي بكيتْمو َن وتَـرى َكثغَرا غم ينـهم بسا غر ْعو َن غيف ا غإل يغمث واليع يدو غ‬
‫ان َوأَ يكلغ غه ْم‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْي َْ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َْ‬
‫غ‬
‫ار َعن قَـ يوهلغغ ْم ا غإل يمثَ َوأَ يكل غه ْم ُّ‬
‫ت‬‫الس يح َ‬ ‫َحبَ ْ‬ ‫الرَّابنغيُّو َن َواأل ي‬
‫اه ْم َّ‬
‫س َما َكانْواي بَـ يع َملْو َن لَ يوالَ بَـ ينـ َه ْ‬ ‫الس يح َ غ‬
‫ت لَب يئ َ‬ ‫ُّ‬
‫وحر عليهم طيبات أحلت لغَرهم‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬و َعلَى‬ ‫صنَـ ْعو َن [املا د ‪َّ .]63 - 60 :‬‬ ‫س َما َكانْواي بَ ي‬ ‫غ‬
‫لَب يئ َ‬
‫وم ْه َما إغالَّ َما َمحَلَ ي‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫َّ غ‬
‫ور ْمهَا أَ غو‬ ‫ت ظْ ْه ْ‬ ‫ادواي َح َّريمنَا ْك َّل ذي ظْْف ٍر َوم َن اليبَـ َق غر َواليغَنَ غم َح َّريمنَا َعلَيي غه يم ْش ْح َ‬ ‫بن َه ْ‬ ‫ا لذ َ‬
‫وك لَـ ْقل َّربُّ ْك يم ذْو َر يمحَ ٍة‬ ‫ادقْو َن لَغإن َك َّذبْ َ‬ ‫اهم بغبـغييغ غهم غوإغ َّان لَص غ‬
‫َ‬ ‫ك َج َزبيـنَ ْ َ ي‬ ‫ط بغ َعظ ٍيم ذَلغ َ‬ ‫ا يحلََو َااي أ يَو َما ا يرتَـلَ َ‬
‫وجل عليهم‬ ‫عز َّ‬ ‫يسهْ َع غن الي َق يوغ ال ْيم يج غرغمني [األنعا ‪ .]147 - 146 :‬وقضى هللا َّ‬ ‫غ ٍ‬
‫َواس َعة َوالَ بْـ َر ُّد َأب ْ‬
‫الذلَّةْ أَبي َن َما ثْغق ْفواي إغالَّ غحبَيب ٍل‬
‫ت َعلَي غهم غ‬
‫ض غربَ ي ي ْ‬ ‫ابلتشربد والعذاب واملسكنة والغضب عليهم‪ ،‬قال تعاىل‪ْ :‬‬
‫ك غأب ََّهنْ يم َكانْواي بَ يك ْف ْرو َن‬‫ت َعلَيي غه ْم ال َيم يس َكنَةْ ذَلغ َ‬ ‫ب غمن غ‬ ‫َّاس َو َِب ْؤوا بغغَ َ‬ ‫هللا َو َح يب ٍل غم َن الن غ‬ ‫غمن غ‬
‫ض غربَ ي‬‫هللا َو ْ‬ ‫ضٍ َ‬ ‫ي‬
‫هللا َوبَـ يقتْـلْو َن األَنبغيَاء بغغَ يغَر َح ٍق ذَلغ َ‬ ‫ت غ‬ ‫غِباي غ‬
‫صوا َّوَكانْواي بَـ يعتَ ْدون [آل عمران‪.]112 :‬‬ ‫ك غمبَا َع َ‬ ‫َ‬

‫(‪)155/1‬‬

‫وجل على اليهود بسبب كفرهم وعصياهنم اثبت يف كتبهم اليت‬


‫عز َّ‬
‫وإن إنزال العذاب من هللا َّ‬
‫بقدسوهنا لتظل شاهدا على الرتا هم وكذهبم‪ ،‬لقد ورد يف توراهتم قول موسى عليه الصما والسما ‪:‬‬
‫حي ٌّ معكم اليو قد صرمت تقاومون الرب‪،‬‬
‫(ألين أان عارف متردكم ورقابكم الصلبة‪ ،‬هو ذا وأان بعد ٌّ‬
‫لكم ابحلري بعد موِت ‪ ...‬ألين عارف أنكم بعد موِت تفسدون وتزبغون عن الطربق الذي أوصيتكم‬
‫به‪ ،‬وبصيبكم الشر يف آرر األاي ؛ ألنكم تعملون الشر أما الرب حىت تغيظوه أبعمال أبدبكم)‪.‬‬
‫وذكرت املزامَر بعض العقوابت اإلهلية اليت نزلت على اليهود بسبب كفرهم وعصياهنم‪ ،‬وليها‪:‬‬
‫(وتعلقوا ببعل لغور‪ ،‬وأكلوا ذاب ح املوتى وأياظوه أبعماهلم لاقتحمهم الوابء‪ ،‬لوقف لينحاس ودان‬
‫لامتنع الوابء ‪ ...‬مل بستأصلوا األمم الذبن قال هلم الرب عنهم‪ ،‬بل ارتلطوا ابألمم وتعلموا أعماهلم‪،‬‬
‫وعبدوا أصنامهم لصارت هلم شركا‪ ،‬وذحبوا بنيهم وبناهتم لَلواثن‪ ،‬وأهرقوا دما زكيًّا‪ ،‬د بنيهم وبناهتم‬
‫الذبن ذحبوهم ألصنا كنعان‪ ،‬وتدنست األرض ابلدماء‪ ،‬وتنجسوا أبعماهلم‪ ،‬وزنوا أبلعاهلم‪ ،‬لحمي‬
‫يضب الرب على شعبه وكره مَراثه‪ ،‬أسلمهم ليد األمم‪ ،‬وتسلَّط عليهم مبغضوهم‪ ،‬وضغطهم‬
‫أعداؤهم لذلوا حتت بدهم ‪ .) ...‬وقال نبيهم أرميا يف راثء بيت املقدس وما أصاهبا من األعداء‪:‬‬
‫(ألن الرب قد أذهلا ألجل كثر ذنوهبا‪ ،‬ذهب أوالدها إىل السَب قدا العدو)‪ .‬وقال أرميا عن هللا‬
‫وعذابه‪( :‬حنن أذنبنا وعصينا أنت مل تغفر‪ ،‬التحفت ابلغضب وطردتنا)‪ .‬وقال‪َّ :‬‬
‫(رد هلم جزاء اي رب‬
‫حسب عمل أايدبهم‪ ،‬لعنتك هلم‪ ،‬اتبع ابلغضب وأهلكهم من حتت مساوات الرب)‪ .‬مث قال يف هنابة‬
‫راث ه ملا أصاب بين إسرا يل‪( :‬ملاذا تنساان إىل األبد وترتكنا طول األاي ‪ ،‬ارددان اي رب إليك لنرتد‪،‬‬
‫جدد أايمنا كالقدمي‪ ،‬هل كل الرلض رلضتنا؟! هل يضبت علينا جدًّا؟!)‪ .‬كما أن األانجيل نسبت إىل‬ ‫غ‬
‫املسيح عليه الصما والسما ذ َّ اليهود وتوعدهم ابلعذاب اإلهلي‪ ،‬لقال‪( :‬اي أورشليم اي أورشليم‪ ،‬اي‬
‫قاتلة األنبياء‪ ،‬ورامجة املرسلني إليها‪ ،‬كم أردت أن أمجع أوالدك كما ُتمع الدجاجة لرارها حتت‬
‫جناحها ومل تربدوا‪ ،‬هو ذا بيتكم برتك لكم ررااب) ‪..‬‬

‫(‪)156/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬زعمهم نقاء اجلنس اليهودي‪:‬‬


‫إن اإلحساس ابلتميز واالستعماء واالستكبار ال بد أن بمدي ابليهود إىل التعصب جلنسهم‪ ،‬وزاد يف‬
‫ذلك َتثرهم مبن كانوا بعيشون بينهم يف أورواب القومية‪ ،‬وابلتعصب الدبين السا د يف أورواب يف العصور‬
‫الوسطى ِما أجلأ اليهود إىل االنعزال ‪ -‬إضالة إىل عوامل أررى ‪ -‬واالنفراد أبحياء راصة هبم عرلت‬
‫ابسم (اجليتو) كما عرلت يف الدول العربية ابسم (حار اليهود)‪ ،‬لادعوا تلك الدعوى الزا فة (أبن‬
‫مجيع بهود العامل من سمالة شعب إسرا يل‪ ،‬وأن بهود كل بلدان العامل إَنا هم امتداد عضوي لآلابء‬
‫األول من عصر إسحاق وبعقوب)‪ .‬وقال زعيم الصهيونية هرتزل‪( :‬إن اليهود بقوا شعبا واحدا وعرقا‬
‫متميزا‪ ،‬إن قوميتهم املتميز ال ميكن أن تزول‪ ،‬وجيب أن ال تنقرض‪ ،‬لذلك ال بوجد يَر حل واحد‬
‫لقط للمسألة اليهودبة‪ ،‬هي الدولة اليهودبة)‪ .‬هبذا النص بتبني لنا اهلدف واملغزى من تلك الدعوى‬
‫الزا فة‪ ،‬وهو ترببر االحتمال اليهودي الصهيوين لفلسطني بدعوى العود إىل أرض اخآابء واألجداد!!‬
‫وقد بل من َتثَر الدعابة الصهيونية وتروجيها هلذه األسطور أن صدَّقها بعض العرب‪ ،‬لاعتقدوا أبن‬
‫اليهود املتجمعني يف إسرا يل هم من سمالة النَب الكرمي بعقوب (إسرا يل) عليه الصما والسما ‪.‬‬
‫‪ -‬بطمان هذه الدعوى‪:‬‬

‫(‪)157/1‬‬

‫إذا عدان إىل اتربخ اليهود وكتبهم املقدسة لدبهم وجدان أن االرتماط اجلنسي بني اليهود ويَرهم‬
‫اثبت منذ بدابة اترخيهم‪ ،‬لقد ورد يف كتبهم ما أيِت‪( :‬لسكن بنو إسرا يل يف وسط الكنعانيني واحلثيني‬
‫واألموربني والفرزبني واحلوبني واليبوسيني‪ ،‬واختذوا بناهتم ألنفسهم نساء‪ ،‬وأعطوا بناهتم لبنيهم وعبدوا‬
‫آهلتهم)‪ .‬ولو ألقينا نظر راطفة على اليهود املعاصربن لوجدانهم َمتلفي األلوان واألشكال حسب‬
‫البماد اليت عاشوا ليها وقدموا منها إىل للسطني‪ ،‬لذلك بقول عامل األنثروبولوجيا السوبسري أوجني‬
‫بيتار‪( :‬إن مجيع اليهود يف نظر علماء األنثروبولوجيا‪ ،‬على الريم من كل ما بدَّعيه اليهود واملنضوون‬
‫حتت الفكر العنصربة اإلسرا يلية‪ ،‬بعيدون عن االنتماء إىل (جنس بهودي)‪ ،‬وكما بقول ربنان‪( :‬ال‬
‫أصح من قوله هذا‪ ،‬لنحن ال‬
‫توجد سحنة بهودبة‪ ،‬بل هناك عد سحنات بهودبة)‪ ،‬وليس هناك ُّ‬
‫نستطيع أن نعترب اليهود احلاليني غ‬
‫مكونني لكتلة بشربة ذات عنصر واحد‪ ،‬وال حىت يف للسطني‪ ،‬بعد‬
‫جرت إليها احلركات الصهيونية كثَرا من اإلسرا يليني دون ارتيار أو متييز‪ .‬لاليهود بنتمون إىل‬
‫أن َّ‬
‫طا فة دبنية واجتماعية‪ ،‬اندمج ليها يف كل عصور التاربخ أشخاص من أجناس متبابنة‪ ،‬وكان أولئك‬
‫املتهودون بدرلون ليها من مجيع اخآلاق املسكونة ابلبشر‪ ،‬من اليهود األحباش‪ -‬الفماشة‪ -‬إىل‬
‫اليهود األشكناز‪ -‬من اجلنس اجلرماين‪ -‬إىل التاميل ‪ -‬اليهود األلارقة الزنوج ‪ -‬إىل اليهود اهلنود‬
‫بسمون ببين إسرا يل‪ ،‬واليهود اَخزر الذي بنتمون إىل اجلنس الرتكي‪ ،‬لهل هناك من هذه‬
‫الذبن َّ‬
‫األنواع اإلسرا يلية نوع بعترب من انحية التشربح والتحليل ِمثما حقيقيًّا ونقيا للجنس اليهودي؟!‬
‫(وبستمر عامل األجناس البشربة السوبسري يف حتليل كل نوع من اجلاليات اليهودبة يف العامل‪ ،‬من‬
‫حيث القامة واجلمجمة واهليكل العظمي والتقاطيع ولون البشر والشعر والعينني وشكل األنف‬
‫ويَرها من املميزات البيولوجية‪ ،‬ليخرج بنتيجة حامسة‪ ،‬وهي أن الدعوى العنصربة اليت جياهر هبا‬
‫اليهود من انحية وأعداء اليهود من انحية أررى ليست إال ادعاء رراليًّا من نسج اَخيال)‪ .‬ولو أردان‬
‫معرلة حقيقة الكثر الغالبة من اليهود املعاصربن يف للسطني احملتلة‪ ،‬وراصة الطبقة احلاكمة يف‬
‫إسرا يل من السياسيني وكبار القاد العسكربني وأقطاب الصهيونية احلدبثة‪ ،‬لوجدان أهنم بنتمون إىل‬
‫بهود األشكناز‪ ،‬وهم أحفاد اَخزر الذبن كانوا يف جنوب روسيا‪ ،‬واعتنقوا الداينة اليهودبة يف القرنني‬
‫السابع والثامن امليمادي‪ .‬وعن همالء اَخزر تقول املوسوعة اليهودبة طبعة (‪ )1903‬يف اجمللد‬
‫الرابع ص (‪ )5 - 1‬ما أيِت‪:‬‬

‫(‪)158/1‬‬

‫(اَخزر‪ :‬شعب تركي األصل متتزج حياته واترخيه ابلبدابة األوىل لتاربخ بهود روسيا ‪ ...‬أكرهته القبا ل‬
‫البدوبة يف السهول من جهة‪ ،‬ودلعه توقه إىل السلب واالنتقا من جهة أررى ‪ ...‬على توطيد أسس‬
‫ِملكة اَخزر يف معظم أجزاء روسيا اجلنوبية‪ ،‬قبل قيا الفارجنيني سنة (‪ ) 855‬بتأسيس امللكية‬
‫الروسية ‪ ...‬يف هذا الوقت (‪ ) 855‬كانت ِملكة اَخزر يف أوج قوهتا ختوض يمار حروب دا مة ‪...‬‬
‫حتول ملك اَخزر ونبماؤه وعدد كبَر من شعبه الوثنيني إىل الداينة‬
‫وعند هنابة القرن الثامن ‪َّ ...‬‬
‫اليهودبة ‪ ...‬كان عدد السكان اليهود ضخما يف مجيع أحناء مقاطعة اَخزر‪ ،‬رمال الفرت الواقعة بني‬
‫القرن السابع والقرن العاشر ‪ ...‬بدا عند حواِل القرن التاسع‪ ،‬أن مجيع اَخزر أصبحوا بهودا‪ ،‬وأهنم‬
‫اعتنقوا اليهودبة قبل وقت قصَر لقط)‪ .‬إن ِملكة اَخزر اليهودبة اليت قامت يف جنوب روسيا ‪-‬‬
‫مبنطقة القوقاز ليما بني هنري الفوجلا والدون‪ -‬استمرت ملد قرنني تقرببا‪ ،‬وكان اسم عاصمتها (إتل)‬
‫وسقطت على بد أمراء (كييف) الروس يف الفرت بني سنة (‪ )964‬و (‪ ، )973‬ودامت هلم والبة يف‬
‫القر نصف قرن آرر إىل سنة (‪)1016‬‬
‫رربطة منقولة عن دا ر املعارف اليهودبة غ‬
‫تبني التوزبع الدبين يف أوراب عا (‪ )900‬ميمادبة‪ ،‬ويف‬
‫وسطها تظهر إمرباطوربة اَخزر اليهودبة‪ ،‬اليت دامت ثماثة قرون‪ ،‬وكانت كربى دول اليهود يف التاربخ‪،‬‬
‫أن من‬‫وال متت أببة صلة عرقية إىل دوليت إسرا يل وبهوذا التارخييتني على أرض للسطني‪ .‬واحلقيقة َّ‬
‫بزعمون أنفسهم (بهودا) املنحدربن اترخييًّا من سمالة اَخزر بشكلون أكثر من ‪ %92‬ابملا ة من مجيع‬
‫من بسمون أنفسهم (بهودا) يف كل مكان من العامل اليو ‪ ،‬واَخزر اخآسيوبون الذبن أنشموا ِملكة اَخزر‬
‫يف أورواب الشرقية أصبحوا بسمون أنفسهم (بهودا) ابلتحول واالعتناق سنة (‪ ،) 720‬وهمالء مل تطأ‬
‫أقدا أجدادهم قط (األرض املقدسة) يف اتربخ العهد القدمي‪ ،‬هذه حقيقة اترخيية ال تقبل جدال‪.‬‬
‫وبمبد ذلك معظم الباحثني يف علو اإلنسان واخآاثر والتاربخ املختصون مبوضوع رزر أمس وبهود‬
‫اليو ‪ .‬وإن حرص اليهود املعاصربن ‪ -‬الذبن بيَّـنَّا حقيقة أصلهم ونسبهم ‪ -‬على االنتساب‪ -‬كذاب‬
‫ودليل لتعزبز ادعا هم الباطل أبن هلم‬
‫ٌ‬ ‫وزورا وهبتاان ‪ -‬إىل نسل بين إسرا يل القدماء؛ لتكون هلم حجة‬
‫ًّ‬
‫حقا اترخييًّا ودبنيًّا يف أرض للسطني‪ ،‬وهو ما سنبني بطمانه إن شاء هللا تعاىل يف األكذوبة الثالثة من‬
‫أكاذبب اليهود وأساطَرهم‪.‬‬

‫(‪)159/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬زعمهم أن هلم ًّ‬


‫حقا اترخييًّا ودبنيًّا يف للسطني‪:‬‬
‫بدَّعي اليهود أن هلم حقوقا اترخيية يف للسطني؛ ألن أجدادهم سكنوها لرت من الزمن‪ ،‬بدءا إببراهيم‬
‫وإسحاق وبعقوب‪ ،‬ومرورا مبوسى وبوشع بن نون عليهم الصما والسما ‪ ،‬وإقامة ِملكتهم زمن داود‬
‫وسليمان عليهما الصما والسما ‪ ،‬وانتهاء بطرد آرر بهودي من بيت املقدس يف عصر التشرد‬
‫والتشتت اليهودي الذي بدأ عا (‪. )70‬‬
‫وبدعي اليهود أبضا أن هلم ًّ‬
‫حقا دبنيًّا على ما جاء يف كتبهم املقدسة لدبهم أن هللا وعدهم ابمتماك‬
‫(أرض كنعان) للسطني وما جاورها (من النيل إىل الفرات) وهي أرض امليعاد؛ لتكون هلم ملكا ووطنا‪،‬‬
‫وبستدلون على ذلك مبا ورد يف التورا أن ذلك الوعد كان مع أبيهم إبراهيم عليه الصما والسما‬
‫حينما قال له الرب‪( :‬لنسلك أعطي هذه األرض من هنر مصر إىل النهر الكبَر هنر الفرات)‪.‬‬
‫أبداي؛ ألكون‬
‫وقال له الرب أبضا‪( :‬وأقيم عهدي بيين وبينك وبني نسلك من بعدك يف أجياهلم عهدا ًّ‬
‫أبداي‬
‫إهلا لك ولنسلك من بعدك‪ ،‬وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض يربتك كل أرض كنعان ملكا ًّ‬
‫وأكون إهلهم)‪ .‬وبزعم اليهود املعاصرون أهنم أحفاد إبراهيم وسمالته‪ ،‬وأهنم شعب هللا املختار لهم‬
‫األحق إذا بفلسطني وما جاورها أرض اخآابء واألجداد‪.‬‬
‫بطمان هذه الدعوى‪:‬‬
‫لأما ابلنسبة لزعمهم ابحلق التارخيي لنبني بطمانه ابخآِت‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن من الثابت اترخييًّا وجود القبا ل العربية من الكنعانيني والفينقيني يف للسطني قبل ظهور‬
‫اليهود ِبالف السنوات‪ ،‬ومل بنقطع وجود العرب واستمرارهم يف للسطني إىل بومنا‪ ،‬خبماف اليهود‪.‬‬
‫وقد بيَّـنَّا ذلك من قبل‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن على اليهود املعاصربن ‪ -‬سمالة اَخزر‪ -‬أن بطالبوا ابحلق التارخيي ململكة اَخزر جبنوب روسيا‬
‫وبعاصمتهم (إتل)‪ ،‬وليس بفلسطني أو بيت املقدس‪ ،‬ألن أجدادهم مل بطموها من قبل‪ ،‬وقد أوضحنا‬
‫ذلك أبضا‪.‬‬
‫‪ - 3‬كانت مد بقاء بين إسرا يل يف للسطني ال تزبد عن ثماثة قرون ونصف قرن ‪ -‬وبعض املمررني‬
‫برى أهنا تبل مخسة قرون‪ -‬لهل املد اليت مكثوها يف للسطني كالية يف إثبات حقهم مقابل وجود‬
‫العرب يف للسطني من قبلهم وبعدهم ملئات القرون؟!! وأما ابلنسبة للحق الدبين والوعد اإلهلي‬
‫إلبراهيم عليه الصما والسما وانتساهبم إليه دبنيًّا لهو ابطل من وجوه عدبد نذكر منها ما أيِت‪:‬‬
‫‪ - 1‬بعد أن أوضحنا بطمان انتساب معظم اليهود املعاصربن إىل سمالة إسرا يل (بعقوب) بن‬
‫إسحاق بن إبراهيم عليهم الصما والسما ‪ ،‬لقد َّبني لنا القرآن الكرمي بطمان انتساب اليهود إىل‬
‫ت‬ ‫َ ََ‬ ‫اب غملَ ْحتَ ُّ‬
‫آجو َن غيف إغبيـر غاهيم وما أن غزلَ غ‬ ‫يكتَ غ‬‫وجل‪ :‬اي أ يَهل ال غ‬
‫عز َّ َ َ‬ ‫إبراهيم عليه الصما والسما دبنيًّا‪ ،‬لقال َّ‬
‫يما‬ ‫التَّورا ْ واإل غجنيل إغالَّ غمن بـع غدهغ أَلَماَ تَـع غقلْو َن هاأَنتْم ه ْمالء حاججتْم لغيما لَ ْكم بغ غه غعلم لَلغم ْحتَ ُّ غ‬
‫آجو َن ل َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ َي ي َ‬ ‫َ ي َ‬ ‫ي‬ ‫َي‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ص َرانيًّا َولَكن َكا َن َحنيفا‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يم بَـ ْهود ًّاي َوالَ نَ ي‬
‫يم َوهللاْ بَـ يعلَ ْم َوأَنتْ يم الَ تَـ يعلَ ْمون َما َكا َن إبيـ َراه ْ‬
‫س لَ ْكم به عل ٌ‬ ‫لَيي َ‬
‫َّاس إبغغبـر غاهيم لَلَّ غذبن اتَّـبـعوهْ وه َذا النغ ُّ َّ غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫آمنْواي َوهللاْ َوغ ُّ‬
‫ِل‬ ‫بن َ‬ ‫ََّب َوالذ َ‬ ‫ُّم يسلما َوَما َكا َن م َن ال ْيم يش غركني إغ َّن أ يَو َىل الن غ ي َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫غ‬
‫ني‪[ .‬آل عمران‪]68 - 65 :‬‬ ‫ال ْيم يممنغ َ‬
‫وجل‪ :‬أَ تَـ ْقولْو َن إغ َّن إغبـر غاه غ غ‬
‫ارى قْ يل‬ ‫صَ‬‫ط َكانْواي ْهودا أ يَو نَ َ‬
‫األسبَا َ‬
‫وب َو ي‬ ‫يل َوإغ يس َح َق َوبَـ يع ْق َ‬
‫يم َوإ يمسَاع َ‬‫يَ َ‬ ‫عز َّ ي‬ ‫وقال َّ‬
‫هللا َوَما هللاْ بغغَالغ ٍل َع َّما تَـ يع َملْون [البقر ‪.]140 :‬‬ ‫أَأَنتم أَ يعلَم أَغ هللا ومن أَظيلَم غِمَّن َكتم َشهاد غعن َده غمن غ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ْ ََ ي ْ‬ ‫ْي ْ‬

‫(‪)160/1‬‬

‫‪ - 2‬أنه ال بسلم لليهود صحة كتبهم املقدسة لدبهم وما احتجوا هبا من نصوص‪ ،‬لقد أثبت القرآن‬
‫الكرمي أهنم ُترؤوا على كتب هللا املنزلة على أنبياء بين إسرا يل ابلتحربف والتزوبر والتغيَر قال تعاىل‪:‬‬
‫اض غع غه ‪[ ....‬املا د ‪.]13 :‬‬ ‫ض غهم غميثَاقَـهم لَعنَّاهم وجعلينَا قْـلْ َ غ‬
‫اسية ْحيَ غرلْو َن الي َكلغم َعن َّمو غ‬ ‫لَبغما نَـ يق غ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وهبْ يم قَ َ‬ ‫ْ ي ْ ي َ ََ‬ ‫َ‬
‫وهذا ما سنبينه ونذكر الشواهد واألدلة عليه ليما سيأِت إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪ - 3‬وعلى لرض التسليم هلم ‪-‬جدال‪ -‬صحة ما استدلوا به على الوعد اإلهلي من كتبهم‪ ،‬لإان نقول‪:‬‬
‫إن الوعد اإلهلي قد أعطي إلبراهيم أوال عند وصوله أرض كنعان ومل بولد له ولد حينئذ (تكوبن ‪/12‬‬
‫‪ ،)7‬وتكرر الوعد حني رجوعه إىل أرض كنعان من مصر (تكوبن ‪ ،)15 /13‬مث تكرر الوعد ومل بكن‬
‫إلبراهيم ولد (تكوبن ‪ ،)18 /15‬مث تكرر الوعد إلبراهيم بعد أن ولد له إمساعيل عليهما الصما‬
‫والسما (تكوبن ‪.)8 /17‬‬
‫بناء على ذلك لالوعد اإلهلي من حق إمساعيل عليه الصما والسما ُّ‬
‫جد العرب واملسلمني دون‬
‫يَره؛ ألن إسحاق االبن الثاين إلبراهيم عليهما الصما والسما مل بولد بعد‪.‬‬
‫أبدي قد ذكر يف القرآن الكرمي يف قوله‬ ‫وموطن ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إرث‬
‫لإن قيل‪ :‬أبن الوعد اإلهلي هلم ابألرض املقدسة ٌ‬
‫ال موسى لغَقوغم غه اي قَـوغ اذي ْكرواي نغعمةَ غ‬
‫هللا َعلَيي ْك يم إغ يذ َج َع َل لغي ْك يم أَنبغيَاء َو َج َعلَ ْكم ُّملْوكا‬ ‫ْ يَ‬ ‫تعاىل‪َ :‬وإغ يذ قَ َ ْ َ ي َ ي‬
‫غ‬ ‫تأ غ‬ ‫غ‬
‫ب هللاْ لَ ْك يم َوالَ تَـ يرتَدُّوا‬ ‫ض املَْقد َ َّ‬
‫َّسةَ ال غيت َكتَ َ‬ ‫َحدا من ال َيعالَ غم َ‬
‫ني َاي قَـ يو ا يد ْرلْوا األ يَر َ‬ ‫آات ْكم َّما َملي بْـ يم َ‬ ‫َو َ‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫بن َّ [املا د ‪.]21 - 20 :‬‬ ‫َعلَى أَ يد َاب غرْك يم لَـتَن َقلبْوا َراس غر َ‬
‫لاجلواب‪ :‬أنه بقطع النظر عن كون بهود اليو هم يَر بين إسرا يل القدماء‪ -‬كما بيناه من قبل ‪-‬‬
‫وأن ما جاء يف اخآبة ال بعنيهم؛ ألهنا ال تشمل من دان ابليهودبة من يَر بين إسرا يل‪ ،‬وهم معظم أو‬
‫كل بهود اليو ‪ ،‬لإن احلق يف هذا األمر الذي عليه مجهور املفسربن هو أن عبار اخآبة ليست على‬
‫التأبيد‪ ،‬وإَنا هي راصة ابلزمن الذي وعدوا ليه بذلك‪ ،‬ونتيجة ملا كان من استجابتهم ألوامر هللا‬
‫وجل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫عز َّ‬
‫وصربهم‪ ،‬وذلك اجلزاء إلمياهنم وتفضيلهم على عاملي زماهنم سنَّة إهلية يف عباده َّ‬
‫الص غ‬ ‫غ غ‬ ‫الزبوغر غمن بـع غد غ‬
‫احلْو َن [األنبياء‪.]105 :‬‬ ‫ض بَ غرثْـ َها عبَاد َ‬
‫ي َّ‬ ‫الذ يك غر أ َّ‬
‫َن األ يَر َ‬ ‫َي‬ ‫َولََق يد َكتَـ يبـنَا غيف َّ ْ‬
‫للما أحنرف بنو إسرا يل عن دبن هللا احلق‪ ،‬وارتدوا ولسدوا وألسدوا يف األرض‪ ،‬مل بعد هلم ٌّ‬
‫حق‬
‫ابلتمسك ابلوعد اإلهلي هلم‪ ،‬بل كان اجلزاء عليهم مبا تضمنته اخآايت الكرمية بلعنة هللا عليهم ويضبه‬
‫وعقابه بتشتيتهم يف األرض‪ ،‬وتسليط من بسومهم سوء العذاب عليهم إىل بو القيامة‪ ،‬وضرب الذلة‬
‫واملسكنة عليهم أبن ما ثقفوا جزاء لنقضهم مواثيق هللا وكفرهم ِبايته‪.‬‬
‫‪ - 4‬كما ميكن القول أبضا أن وعد هللا هلم قد حتقق بعد موسى عليه الصما والسما حينما درل‬
‫بنو إسرا يل األرض املقدسة بقياد بوشع بن نون ‪ -‬لىت موسى عليهما الصما والسما ‪ -‬وأقاموا‬
‫وجل على عاملي زماهنم‪ ،‬ولكن حينما‬
‫عز َّ‬
‫ليها زمن داود وسليمان عليهما السما حينما لضَّلهم هللا َّ‬
‫كفروا ابهلل ولسدوا وألسدوا يف األرض يضب هللا عليهم‪ ،‬لعذهبم وسلَّط عليهم من بسومهم سوء‬
‫وشردهم وشتَّتهم يف األرض‪.‬‬
‫العذاب‪ ،‬وحرمهم من األرض املقدسة‪َّ ،‬‬
‫أبداي وال ميكن نسخه‪ :‬ليقول الدكتور الفرد جلو ‪ -‬أستاذ‬
‫وأما ليما بتعلق مبسألة ما إذا كان الوعد ًّ‬
‫دراسات العهد القدمي يف جامعة لندن‪ -‬أبنه مل بقطع إطماقا أي وعد يَر مشروط أبن التملك‬
‫أبداي‪ ،‬هذا مع أن املقصود كان لرت طوبلة يَر حمدد ‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫سيكون ًّ‬

‫(‪)161/1‬‬

‫‪ - 5‬إن الوعد اإلهلي مشروط ابإلميان والعمل الصاحل‪ ،‬لقد ورد يف التورا األمر بذلك وابملثوبة‬
‫تد عن دبنه ونصه‪( :‬لإن انصرف قلبك ومل تسمع بل يوبت‬ ‫عليه‪ ،‬والوعيد الشدبد ملن كفر ابهلل وار َّ‬
‫وسجدت خآهلة أررى وعبدهتا‪ ،‬لإين أنبئكم أنكم ال حمالة هالكون)‪.‬‬
‫وقد ثبت يف أسفارهم املقدسة لدبهم أهنم قد كفروا ابهلل وارتدوا وعبدوا آهلة وأواثان أررى‪ ،‬وقد‬
‫أوضحنا ذلك أثناء سردان لتارخيهم‪.‬‬
‫حل هبم العذاب والبماء والغضب من هللا‪ ،‬وهو اثبت أبضا يف أسفارهم حيث بقول نبيهم‬
‫لذلك َّ‬
‫أرميا‪( :‬ملاذا ابدت األرض واحرتقت كرببة بما عابر؟! لقال الرب‪ :‬على تركهم شربعيت اليت جعلتها‬
‫أمامهم‪ ،‬ومل بسمعوا لصوِت ومل بسلكوا هبا‪ ،‬بل سلكوا وراء عناد قلوهبم ووراء البعليم اليت علمهم‬
‫إايها آابؤهم‪ ،‬لذلك قال رب اجلنود إله إسرا يل‪ :‬ها أان ذا أطعم هذا الشعب ألي غس ينتينا‪ ،‬وأسقيهم ماء‬
‫العلقم‪ ،‬وأبددهم يف أمم مل بعرلوها هم وال آابؤهم‪ ،‬وأطلق وراءهم السيف حىت ألنيهم)‪ .‬وقال‪:‬‬
‫(هكذا قال الرب‪ :‬إن كنت مل أجعل عهدي مع النهار والليل لرا ض السماوات واألرض‪ ،‬لإين أرلض‬
‫نسل بعقوب وداود عبدي)‪ .‬بل قد ورد التصربح يف أسفارهم املقدسة لدبهم حبرماهنم من بيت‬
‫إِل كما الرب قا ما‪ :‬اي ابن آد ‪ ،‬إن‬
‫املقدس بسبب كفرهم وضماهلم وعصياهنم‪ ،‬لقال أشعيا‪( :‬لكان َّ‬
‫الساكنني يف هذه اَخرب يف أرض إسرا يل بتكلمون قا لني‪ :‬إن إبراهيم كان واحدا وقد ورث األرض‬
‫وحنن كثَرون‪ ،‬لنا أعطيت األرض مَرااث‪ ،‬لذلك قل هلم‪ :‬هكذا قال السيد الرب َتكلون ابلد‬
‫وترلعون أعينكم إىل أصنامكم وتسفكون الد ‪ ،‬ألرتثون األرض!! وقفتم على سيفكم لعلتم الرجس‪،‬‬
‫وجل ال بنفذ‬
‫عز َّ‬
‫وكل منكم جنَّس امرأ صاحبه‪ ،‬ألرتثون األرض!!)‪ .‬لمىت نقض اليهود عهد هللا لإنه َّ‬
‫عهده ووعده هلم‪ ،‬بل بنفذ وعيده وعذابه‪ ،‬لاألرض هلل بورثها من أقا دبنه واتبع تعاليمه‪ ،‬ال من‬
‫هلل واصغربواي إغ َّن األَرض غ غ‬
‫َّلل‬ ‫ال موسى لغَقوغم غه غ غ غ‬
‫ي َ‬ ‫استَعينْوا اب َ ي ْ‬ ‫بفسد يف األرض وبعيث لسادا‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ :‬قَ َ ْ َ ي ي‬
‫الزبْوغر غمن‬ ‫ني [األعراف‪ .]128 :‬وقال تعاىل‪َ :‬ولََق يد َكتَـ يبـنَا غيف َّ‬ ‫ادهغ واليعاقغبةْ لغل غ‬
‫يمتَّق َ‬‫شاء م ين عبَ َ َ َ ْ‬
‫بوغرثْـها من ب َ غ غ غ‬
‫ْ َ َ َ‬
‫احلو َن [األنبياء‪ .]105 :‬وقال تعاىل‪ :‬و َع َد َّ َّ غ‬ ‫ادي َّ غ‬ ‫غ غ‬ ‫بـع غد غ‬
‫الذ يك غر أ َّ‬
‫آمنْوا‬‫بن َ‬ ‫اَّللْ الذ َ‬ ‫َ‬ ‫الص ْ‬ ‫ض بَ غرثْـ َها عبَ َ‬ ‫َن األ يَر َ‬ ‫َي‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫بن من قَـ يبل غه يم َولَيْ َم غكنَ َّن َهلْ يم غدبنَـ ْه ْم‬ ‫ض َكما استَ يخلَ َ َّ غ‬ ‫غ‬ ‫احل غ‬ ‫غمن ْكم و َع غملْوا ال َّ غ‬
‫ف الذ َ‬ ‫َّهم غيف األ يَر غ َ ي‬ ‫ات لَيَ يستَ يخل َفنـ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫يَ‬
‫ك‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫َّهم من بَـ يعد َر يول غه يم أ يَمنا بَـ يعبْ ْدونَغين ال بْ يش غرْكو َن غيب َش ييـئا َوَمن َك َف َر بَـ يع َد َذل َ‬ ‫غ‬ ‫الَّ غذي يارتَ َ‬
‫ضى َهلْ يم َولَيْـبَدلَنـ ْ‬
‫َّ غ‬ ‫غ‬ ‫لَأ يْولَئغ َ‬
‫الصما َ َوآتَـ ْوا‬ ‫ض أَقَ ْاموا َّ‬ ‫بن إغن َّم َّكن ْ‬
‫َّاه يم غيف األ يَر غ‬ ‫ك ْه ْم الي َفاس ْقون [النور‪ .]55 :‬وقال تعاىل‪ :‬الذ َ‬
‫َّلل َعاقغبَةْ األ ْْمور [احلج‪ .]41 :‬واملسلمون هم املراد هبذه‬ ‫وف و َهنَوا ع غن اليمن َك غر وغَّغ‬ ‫غ‬
‫الزَكا َ َوأ ََم ْروا غابل َيم يع ْر َ ي َ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫اخآايت الكرمية إذا صدقوا ما عاهدوا هللا عليه ورجعوا إىل كتاب هللا عز وجل وسنة نبيه‪ ،‬ومتسكوا‬
‫الرد على مزاعم اليهود وبيان‬ ‫ابإلسما كامما ألرادا وأْسرا‪ ،‬وجمتمعات ودوال‪ ،‬ونكتفي هبذه األوجه يف غ‬
‫بطماهنا‬
‫‪ O‬موجز اتربخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة حملمود عبد الرمحن قدح ‪-‬ص ‪ 271‬لما‬
‫بعدها‬
‫(‪)162/1‬‬

‫الفصل الرابع عشر‪ :‬من أوصاف اليهود وأرماقهم‪:‬‬


‫لليهود أوصاف قبيحة‪ ،‬وأرماق ذميمة مرذولة‪ ،‬والكتاب والسنة حالمان يف بيان ذلك‪.‬‬
‫كما أن شواهد التاربخ والواقع شاهدان على اليهود ابلسوء والفساد‪.‬‬
‫لمن أرماقهم وصفاهتم على سبيل اإلمجال‪ :‬الكرب‪ ،‬واحلسد‪ ،‬والظلم‪ ،‬وكتمان احلق‪ ،‬وحتربف الكلم‬
‫عن مواضعه‪.‬‬
‫ومنها اَخيانة‪ ،‬والغدر‪ ،‬وسوء األدب‪ ،‬واحتقار اخآرربن‪ ،‬والسعي يف الفساد‪ ،‬وإاثر الفنت واحلروب‪.‬‬
‫ومنها الكذب‪ ،‬واجلشع‪ ،‬وقسو القلب‪ ،‬وحمبة إشاعة الفاحشة‪ ،‬وأكل الراب‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪81‬‬
‫لمن صفاهتم وأرماقهم‪:‬‬
‫أـ كتمان احلق والعلم‪ ،‬حىت وإن كان وحيا منزال من هللا تعاىل هلم‪ ،‬لإهنم ال بتورعون عن جحده‬
‫وكتمانه ما دا ال خيد أيراضهم وياايهتم الفاسد ‪ ،‬قال هللا تعاىل عنهم بعاتبهم على ذلك‪َ :‬اي أ يَه َل‬
‫اب غمل تَـليبغسو َن ا يحل َّق غابليب غ‬
‫اط غل َوتَكيتْ ْمو َن ا يحلَ َّق َوأَنتْ يم تَـ يعلَ ْمون [عمران‪.]71 :‬‬ ‫غ غ‬
‫َ َ‬ ‫اليكتَ َ ْ‬
‫ب ـ اَخيانة والغدر واملخادعة‪ ،‬لهم جبهلهم ويرورهم خيادعون هللا تعاىل وما خيدعون إال أنفسهم وما‬
‫بشعرون‪ ،‬لقد رانوا موسى عليه السما ‪ ،‬ورانوا هللا ورسوله يف املدبنة حيث نقضوا عهدهم‪ ،‬وحالفوا‬
‫املشركني‪ ،‬ومهوا بقتل الرسول صلى هللا عليه وسلم حىت أجماهم من املدبنة‪.‬‬
‫ج ـ احلسد‪ :‬لهم حيسدون الناس على كل شيء حىت على اهلدى والوحي املنزل من هللا رمحة للعاملني‪،‬‬
‫ند أَن ْف غس غهم‬‫اب لَو بـردُّونَ ْكم غمن بـع غد إغميَانغ ْكم ْك َّفارا حسدا غمن غع غ‬ ‫غ غ‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬و َّد َكثغ غ‬
‫ََ ي‬ ‫ي‬ ‫َي‬ ‫َر م ين أ يَه غل اليكتَ ي َ ْ‬ ‫َ ٌ‬
‫غ‬ ‫ٍ‬ ‫غ‬
‫اص َف ْحواي َح َّىت َأيغيِتَ هللاْ غأب يَم غره إغ َّن هللاَ َعلَى ْك غل َش ييء قَدبر [البقر ‪:‬‬ ‫غ غ‬
‫ني َهلْْم ا يحلَ ُّق لَا يع ْفواي َو ي‬ ‫من بَـ يعد َما تَـبَ َّ َ‬
‫‪.]109‬‬
‫ضلغ غه [النساء‪.]54 :‬‬ ‫آات ْه ْم هللاْ غمن لَ ي‬ ‫َّاس َعلَى َما َ‬
‫س ْدو َن الن َ‬ ‫وقال تعاىل‪ :‬أَ ي َيحي ْ‬
‫ت أَبي غدب غه يم َولْ غعنْواي غمبَا‬ ‫ت الييـهود ب ْد غ‬
‫هللا َمغيلْولَةٌ يْلَّ ي‬ ‫غ‬
‫د ـ اإللساد وإاثر الفنت واحلروب‪ :‬قال هللا تعاىل‪َ :‬وقَالَ َ ْ ْ َ‬
‫ك طْ يغيَاان َوْك يفرا‬ ‫ك غمن َّربغ َ‬ ‫شاء َولَيَ غزب َد َّن َكثغَرا غم ينـ ْهم ما أن غز َل إغلَيي َ‬ ‫ان بْ غنف ْق َك يي َ‬
‫ف بَ َ‬ ‫قَالْواي بل ب َداهْ م يبسوطَتَ غ‬
‫َي َ َ ْ‬
‫غ‬ ‫غ غ غ‬
‫ب أَطي َفأَ َها هللاْ َوبَ يس َع يو َن غيف‬ ‫ضاء إغ َىل بَـ يو اليقيَ َامة ْكلَّ َما أ يَوقَ ْدواي َانرا لل َ‬
‫يح ير غ‬ ‫َوأَلي َق ييـنَا بَـ ييـنَـ ْه ْم ال َيع َد َاو َ َواليبَـ يغ َ‬
‫ب ال ْيم يف غس غدبن [املا د ‪.]64 :‬‬ ‫سادا َوهللاْ الَ ْغحي ُّ‬ ‫ض لَ َ‬ ‫األ يَر غ‬
‫هـ ـ حتربف كما هللا تعاىل وشرعه‪ ،‬والكذب على هللا مبا بتفق مع أهوا هم وأيراضهم الفاسد ‪ ،‬لقد‬
‫قال تعاىل عنهم‪ْ :‬حيَ غرلْو َن الي َكلغم َعن َّمو غ‬
‫اض غع غه [املا د ‪.]13 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مث هم ببتدعون كماما وشرعا وبومهون الناس بكمامهم املزبف أنه منزل من هللا‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬وإغ َّن غم ينـ ْه يم‬
‫اب وبـ ْقولْو َن هو غمن غعن غد غ‬ ‫غ غ‬ ‫اب لغتَحسبوهْ غمن ال غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫هللا‬ ‫َْ ي‬ ‫اب َوَما ْه َو م َن اليكتَ غ َ َ‬
‫يكتَ غ‬ ‫لََف غربقا بَـل ْيوو َن أَليسنَـتَـ ْهم غابليكتَ غ ي َ ْ َ‬
‫ب َو ْه يم بَـ يعلَ ْمو َن [آل عمران‪.]78 :‬‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ غ غ‬
‫َوَما ْه َو م ين عند هللا َوبَـ ْقولْو َن عَلَى هللا الي َكذ َ‬

‫(‪)163/1‬‬

‫وإذا مل توالق أحكا الشرع أهواءهم حتابلوا يف انتهاك حرمات هللا‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ليما‬
‫حر هللا عليهم الشحو لباعوها وأكلوا‬
‫رواه البخاري ومسلم يف (صحيحيهما)‪(( :‬قاتل هللا اليهود َّ‬
‫أاماهنا))‪ .‬هذا لفظ مسلم (‪ )1‬كما حصل منهم يف قصة اعتدا هم يف السبت‪ .‬وـ البذاء وسوء‬
‫األدب‪ :‬وهذا انشئ عن احتقارهم لغَرهم من األمم والشعوب‪ ،‬بل إهنم ليحتقرون أنبياء هللا تعاىل‬
‫وبسخرون منهم‪ ،‬لقد كانوا ميرون برسول هللا صلى هللا عليه وسلم ليقولون له‪( :‬السا عليك)‪ .‬لقد‬
‫روى مسلم عن مجاعة من الصحابة ((أنه أتى النَب صلى هللا عليه وسلم من اليهود لقالوا‪ :‬السا‬
‫(‪ )2‬عليك اي أاب القاسم‪ .‬قال‪ :‬وعليكم))‪)3( .‬‬
‫برد املسلم على الكالر إذا سلَّم عليه بقوله‪( :‬وعليك)‪َّ .‬‬
‫لَرد التحية مبثلها‪،‬‬ ‫ولذلك صح يف السنة أن َّ‬
‫واملبادر ابلسوء أظلم‪.‬‬
‫ز ـ احتقار اخآرربن‪ :‬لهم بزعمون أهنم شعب هللا املختار‪ ،‬وأهنم أولياء هللا وأحباؤه‪ ،‬وأهنم وحدهم أهل‬
‫اجلنة واملستحقون لرضا هللا ورمحته‪ ،‬وبسمون يَرهم من النصارى واملسلمني وسواهم (األِميني) أو‬
‫األميني؛ لذلك هم بستبيحون أموال اخآرربن ودماءهم وأعراضهم‪ ،‬بل برون أهنم كاألنعا مسخر‬
‫يل‪[ .‬آل عمران‪.]75 :‬‬ ‫لليهود‪ ،‬وذكر هللا عنهم أبهنم بقولون‪ :‬لَييس َعلَييـنَا غيف األ غْميغ َ غ‬
‫ني َسب ٌ‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬ليس علينا حرج إذا أرذان أمواهلم وايتصبنا حقوقهم وجعلناهم لربسة لنا‪ .‬وقد ذكروا ذلك‬
‫أبضا يف َمططاهتم بقولون‪( :‬إن األِميني (يَر اليهود) كقطيع من الغنم وإننا الذائب‪ ،‬لهل تعلمون ما‬
‫تفعل الغنم حينما تنفذ الذائب إىل احلظَر ) (‪)4‬‬
‫ح ـ قسو القلوب‪ :‬وقد جاء ذلك عقوبة من هللا تعاىل هلم على َمالفتهم ألوامره‪ ،‬وكثر شغبهم على‬
‫وهبم قَ غ‬ ‫رسله‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬لَبغما نَـ يق غ غ‬
‫اسيَة [املا د ‪.]13 :‬‬ ‫ض غهم ميثَاقَـ ْه يم لَعن ْ‬
‫َّاه يم َو َج َعلينَا قْـلْ َْ ي‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ت قْـلْوبْ ْكم من بَـ يع غد َذل َ‬
‫ار أ يَو أَ َش ُّد قَ يس َو [البقر ‪.]74 :‬‬ ‫ك لَ غه َي َكا يحل َج َ‬ ‫س ي‬
‫وقال‪ْ :‬مثَّ قَ َ‬
‫َّاس علَى حيا ٍ‬
‫ص الن غ َ َ َ‬ ‫ط ـ اجلشع والطمع واحلرص على احليا الدنيا‪ ،‬قال هللا تعاىل‪َ :‬ولَتَ غج َد َّهنْ يم أ ي‬
‫َح َر َ‬
‫[البقر ‪.]96 :‬‬
‫غغ‬ ‫ي ـ كراهية املسلمني والكيد الدا م هلم‪ :‬قال هللا تعاىل‪ :‬لَتَ غج َد َّن أَ َش َّد الن غ‬
‫ود‬
‫آمنْواي الييَـ ْه َ‬ ‫َّاس َع َد َاو للَّذ َ‬
‫بن َ‬
‫بن أَ يش َرْكواي [املا د ‪.]82 :‬‬ ‫َّ غ‬
‫َوالذ َ‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪31‬‬
‫ومن صفاهتم الغباو ‪:‬‬
‫‪...‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ , )1583‬والبخاري (‪ , )2224‬واللفظ ملسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬السا ‪ :‬السم واملوت‪ .‬قاتلهم هللا‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪ , )2165‬من حدبث عا شة رضي هللا عنها‪.‬‬
‫(‪(( )4‬اَخطر اليهودي‪ ،‬بروتوكوالت حكماء صهيون)) (ص ‪.)158‬‬

‫(‪)164/1‬‬

‫لقد حكى هللا لك عن جهل أسمالهم ويباوهتم وضماهلم ما بدل على ما وراءه من ظلمات اجلهل‬
‫اليت بعضها لوق بعض‪ ،‬وبكفي يف ذلك عبادهتم العجل الذي صنعته أبدبهم من ذهب‪ ،‬ومن عبادهتم‬
‫أن جعلوه على صور أبلد احليوان وأقله لطانة‪ ،‬الذي بضرب املثل به يف قلة الفهم‪ ،‬لانظر إىل هذه‬
‫اجلهالة والغباو املتجاوز للحد‪ ،‬كيف عبدوا مع هللا إهلا آرر وقد شاهدوا من أدلة التوحيد وعظمة‬
‫الرب وجماله ما مل بشاهده سواهم؟! وإذ قد عزموا على اختاذ إله دون هللا‪ ،‬اختذوه ونبيهم حي بني‬
‫أظهرهم مل بنتظروا موته! وإذ قد لعلوا مل بتخذوه من املما كة املقربني وال من األحياء الناطقني‪ ،‬بل‬
‫اختذوه من اجلمادات! وإذ قد لعلوا مل بتخذوه من اجلواهر العلوبة كالشمس والقمر والنجو ‪ ،‬بل من‬
‫اجلواهر األرضية! وإذ قد لعلوا مل بتخذوه من اجلواهر اليت رلقت لوق األرض عالية عليها كاجلبال‬
‫وحنوها‪ ،‬بل من جواهر ال تكون إال حتت األرض‪ ،‬والصخور واألحجار عالية عليها! وإذ قد لعلوا مل‬
‫بتخذوه من جوهر بستغين عن الصنعة وإدرال النار وتقليبه وجوها َمتلفة وضربه ابحلدبد وسبكه‪،‬‬
‫بل من جوهر حيتاج إىل األبدي له بضروب َمتلفة وإدراله النار وإحراقه واستخراج ربثه!‬
‫وإذ قد لعلوا مل بصويوه على متثال ملك كرمي وال نَب مرسل وال على متثال جوهر علوي ال تناله‬
‫األبدي بل على متثال حيوان أرضي‪.‬‬
‫وإذ قد لعلوا مل بصويوه على متثال أشرف احليواانت وأقواها وأشدها امتناعا من الضيم كاألسد‬
‫والفيل وحنومها‪ ،‬بل صايوه على متثال أبلد احليوان وأقبله للضيم والذل حبيث حيرث عليه األرض‪،‬‬
‫وبسقى عليه ابلسواقي والدواليب‪ ،‬وال له قو ميتنع هبا من كبَر وال صغَر‪.‬‬
‫لأي معرلة هلمالء مبعبودهم ونبيهم وحقا ق املوجودات؟ وحقيق مبن سأل نبيه أن جيعل له إهلا ليعبد‬
‫إهلا جمعوال بعد ما شاهد تلك اخآايت الباهرات‪ ،‬أن ال بعرف حقيقة اإلله وال أمساءه وصفاته ونعوته‬
‫ودبنه‪ ،‬وال بعرف حقيقة املخلوق وحاجته ولقره‪.‬‬
‫ولو عرف همالء معبودهم ورسوهلم ملا قالوا لنبيهم‪ :‬لَن نـُّ يمغم َن لَ َ‬
‫ك َح َّىت نَـ َرى َّ‬
‫اَّللَ َج يه َر [البقر ‪.]55:‬‬
‫ك لَـ َقاتغما [املا د ‪ .]24:‬وال قتلوا نفسا وطرحوا املقتول على أبواب‬ ‫َنت َوَربُّ َ‬
‫بأ َ‬‫وال قالوا له‪ :‬لَا يذ َه ي‬
‫الربآء من قتله‪ ،‬ونبيهم حي بني أظهرهم‪ ،‬وررب السماء والوحي أيتيه صباحا ومساء‪ ،‬لكأهنم جوزوا أن‬
‫خيفى هذا على هللا كما خيفى على الناس! ولو عرلوا معبودهم ملا قالوا يف بعض َماطباهتم له‪ :‬اي أابان‬
‫انتبه من رقدتك‪ ،‬كم تنا ؟‪.‬‬
‫ولو عرلوه ملا سارعوا إىل حماربة أنبيا ه وقتلهم وحبسهم ونفيهم‪ ،‬وملا حتيلوا على حتليل حمارمه وإسقاط‬
‫لرا ضه أبنواع احليل‪.‬‬
‫ولقد شهدت التورا بعد لطانتهم‪ ،‬وأهنم من األيبياء‪ ،‬ولو عرلوه ملا حجروا عليه بعقوهلم الفاسد‬
‫أن أيمر ابلشيء يف وقت ملصلحة‪ ،‬مث بزبل األمر به يف وقت آرر؛ حلصول املصلحة وتبدله مبا هو‬
‫رَر منه‪ ،‬وبنتهي عنه مث ببيحه يف وقت آرر؛ الرتماف األوقات واألحوال يف املصاحل واملفاسد‪ ،‬كما‬
‫هو مشاهد يف أحكامه القدربة الكونية اليت ال بتم نظا العامل وال مصلحته إال بتبدبلها وارتمالها‬
‫حبسب األحوال واألوقات واألماكن‪ ،‬للو اعتمد طبيب أن ال بغَر األدوبة واأليذبة حبسب ارتماف‬
‫وع َّد من اجلهال‪ ،‬لكيف حيجر على طبيب القلوب‬
‫الزمان واألماكن واألحوال ألهلك احلرث والنسل ْ‬
‫واألبدان أن تتبدل أحكامه حبسب ارتماف املصاحل؟!‬
‫وهل ذلك إال قدح يف حكمته ورمحته وقدرته وملكه التا وتدبَره َخلقه؟‬

‫(‪)165/1‬‬

‫ومن جهلهم مبعبودهم ورسوله وأمره أهنم أْمروا أن بدرلوا ابب املدبنة اليت لتحها هللا عليهم ْس َّجدا‬
‫وبقولوا‪ :‬حطة‪ .‬ليدرلوا متواضعني هلل سا لني منه أن حيط عنهم رطاايهم‪ ,‬لدرلوا بزحفون على‬
‫أستاههم بدل السجود هلل‪ ،‬وبقولون‪ :‬هنطا سقماان‪ .‬أي‪ :‬حنطة مسراء‪ ،‬لذلك سجودهم ورشوعهم‪،‬‬
‫وهذا استغفارهم واستقالتهم من ذنوهبم‪.‬‬
‫ومن جهلهم ويباوهتم أن هللا سبحانه أراهم من آايت قدرته وعظيم سلطانه وصدق رسوله ما ال مزبد‬
‫عليه‪ ،‬مث أنزل عليهم بعد ذلك كتابه وعهد إليهم ليه عهده‪ ،‬وأمرهم أن أيرذوه بقو ليعيدوه مبا ليه‪،‬‬
‫كما رلصهم من عبودبة لرعون والقبط لأبوا أن بقبلوا ذلك وامتنعوا منه‪ ،‬لتنقل اجلبل العظيم لوق‬
‫رؤوسهم‬
‫على قدرهم‪ ،‬وقيل هلم‪ :‬إن مل تقبلوا أطبقته عليكم‪ .‬لقبلوه من حتت اجلبل‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬رلع هللا اجلبل لوق رؤوسهم‪ ،‬وبعث انرا من قبل وجوههم‪ ،‬وأاتهم البحر من حتتهم‬
‫ونودوا‪ :‬إن مل تقبلوا أرضختكم هبذا وأحرقتكم هبذا وأيرقتكم هبذا‪ .‬لقبلوه وقالوا‪ :‬مسعنا وأطعنا ولوال‬
‫اجلبل ما أطعناك‪ .‬وملا أمنوا بعد ذلك قالوا‪ :‬مسعنا وعصينا‪.‬‬
‫ومن جهلهم أهنم شاهدوا اخآايت ورأوا العجا ب اليت بممن على بعضها البشر مث قالوا بعد ذلك‪ :‬لَن‬
‫نُّـ يمغم َن لَ َ‬
‫ك َح َّىت نَـ َرى َّ‬
‫اَّللَ َج يه َر [البقر ‪.]55:‬‬
‫وكان هللا سبحانه قد أمر موسى أن خيتار من ريارهم سبعني رجما مليقاته‪ ،‬لارتارهم موسى وذهب هبم‬
‫إىل اجلبل‪ ،‬للما دان موسى من اجلبل وقع عليه عمود الغما حىت تغشى اجلبل‪ ،‬وقال للقو ‪ :‬ادنوا‪.‬‬
‫ودان القو حىت إذا درلوا يف احلجاب وقعوا ْس َّجدا‪ ،‬لسمعوا الرب تعاىل وهو بكلم موسى وأيمره‬
‫وبنهاه وبعهد إليه‪ ،‬للما أنكشف الغما قالوا‪ :‬لَن نُّـ يمغم َن لَ َ‬
‫ك َح َّىت نَـ َرى َّ‬
‫اَّللَ َج يه َر [البقر ‪.]55:‬‬
‫ومن جهلهم أن هارون ملا مات ودلنه موسى قالت بنو إسرا يل ملوسى‪ :‬أنت قتلته حسدته على رلقه‬
‫ولينه وحمبة بين إسرا يل له‪ .‬قال‪ :‬لارتاروا سبعني رجما لوقفوا على قرب هارون‪ ،‬لقال موسى‪ :‬اي‬
‫هارون أقتلت أ مت؟ قال‪ :‬بل مت وما قتلين أحد‪.‬‬
‫لحسبك من جهالة أْمة وجفا هم أهنم اهتموا نبيهم ونسبوه إىل قتل أريه‪ ،‬لقال موسى‪ :‬ما قتلته‪ .‬للم‬
‫بصدقوه حىت أمسعهم كمامه وبراء أريه ِما رموه به‪.‬‬
‫ومن جهلهم أن هللا سبحانه شبههم يف محلهم التورا وعد الفقه ليها والعمل هبا ابحلمار حيمل‬
‫أسفارا‪ ،‬ويف هذا التشبيه من النداء على جهالتهم وجوه متعدد ‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن احلمار من أبلد احليواانت اليت بضرب هبا املثل يف البماد ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه لو محل يَر األسفار من طعا أو علف أو ماء لكان له به شعور‪ ،‬خبماف األسفار‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أهنم محلوها ال أهنم محلوها طوعا وارتيارا‪ ،‬بل كانوا كاملكلفني ملا محلوه مل برلعوا به رأسا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أهنم حيث محلوها تكليفا وقهرا مل برضوا هبا ومل حيملوها رضا وارتيارا‪ ،‬وقد علموا أهنم ال بد‬
‫هلم منها‪ ،‬وأهنم إن محلوها ارتيارا كانت هلم العاقبة يف الدنيا واخآرر ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أهنا مشتملة على مصاحل معاشهم ومعادهم وسعادهتم يف الدنيا واخآرر ‪ ،‬لإعراضهم عن التزا‬
‫ما ليه سعادهتم ولماحهم إىل ضده من يابة اجلهل والغباو وعد الفطانة‪.‬‬
‫ومن جهلهم وقلة معرلتهم أهنم طلبوا عوض املن والسلوى‪ -‬اللذبن مها أطيب األطعمة وأنفعها‬
‫وأولقها للغذاء الصاحل‪ -‬البقل والقثاء والثو والعدس والبصل‪ ،‬ومن رضي ابستبدال هذه األيذبة‬
‫عوضا عن املن والسلوى‪ ،‬مل بنكر عليه أن بستبدل الكفر ابإلميان والضمالة ابهلدى والغضب ابلرضا‬
‫والعقوبة ابلرمحة‪ ،‬وهذه حال من مل بعرف ربه وال كتابه وال رسوله وال نفسه‪.‬‬
‫وأما نقضهم ميثاقهم‪ ،‬وتبدبلهم أحكا التورا ‪ ،‬وحتربفهم الكلم عن مواضعه‪ ،‬وأكلهم الراب وقد هنوا‬
‫عنه‪ ،‬وأكلهم الرشا‪ ،‬واعتداؤهم يف السبت حىت ْمسخوا قرد ‪ ،‬وقتلهم األنبياء بغَر حق‪ ،‬وتكذببهم‬
‫عيسى ابن مرمي رسول هللا‪ ،‬ورميهم له وألمه ابلعظا م‪ ،‬وحرصهم على قتله‪ ،‬وتفردهم دون األمم‬
‫ابَخبث والبهت‪ ،‬وشد تكالبهم على الدنيا وحرصهم عليها‪ ،‬وقسو قلوهبم وحسدهم وكثر‬
‫سخطهم‪ ،‬لإليه النهابة‪.‬‬
‫قليل على من َّ‬
‫كذب رسل هللا وجاهر مبعاداته ومعادا‬ ‫وهذا وأضعاله من اجلهل ولساد العقل‪ٌ ،‬‬
‫مما كته وأنبيا ه وأهل والبته‪ ،‬لأي شيء عرف من مل بعرف هللا ورسله؟ وأي حقيقة أدرك من لاتته‬
‫هذه احلقيقة؟ وأي علم أو عمل حصل ملن لاته العلم ابهلل والعمل مبرضاته ومعرلة الطربق املمولة إليه‬
‫ومآله بعد الوصول إليه؟!‬
‫لأهل األرض كلهم يف ظلمات اجلهل والغي إال من أشرق عليه نور النبو‬
‫‪ O‬هدابة احليارى يف أجوبة اليهود والنصارى البن قيم اجلوزبة ‪ -‬ص‪364 - 357‬‬

‫(‪)166/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مواقف اليهود مع املسلمني قدميا وحدبثا‪:‬‬


‫منذ أن بعث هللا سبحانه وتعاىل حممدا صلى هللا عليه وسلم بدبن اإلسما واليهود بكيدون هلذا الدبن‬
‫ولنبيه‪ ،‬مع أهنم بعرلون أنه رسول هللا ًّ‬
‫حقا‪ ،‬ولدبهم األدلة على ذلك‪ ،‬كما ذكر هللا عنهم أهنم بعرلونه‬
‫كما بعرلون أبناءهم‪ ،‬ومع ذلك كله جحدوا نبوته وأنكروها‪ ،‬وحاولوا النيل من النَب صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لحاولوا قتله‪ ،‬وسحروه‪ ،‬ووضعوا له السم‪ ،‬وقاموا إباثر الفنت بني األوس واَخزرج حىت قال‬
‫اب بَـ ْردُّوْكم بَـ يع َد إغميَانغ ْك يم‬ ‫غ‬ ‫غ َّ غ‬ ‫غ‬ ‫َّ غ‬
‫بن أْوتْواي اليكتَ َ‬ ‫آمنْـ َواي إغن تْط ْ‬
‫يعواي لَ غربقا م َن الذ َ‬ ‫هللا تعاىل ليهم‪َ :‬اي أَبُّـ َها الذ َ‬
‫بن َ‬
‫غ‬ ‫غ غ‬ ‫ف تَ يك ْفرو َن وأَنتْم تْـ يتـلَى َعلَي ْكم آاي ْ غ غ‬ ‫غ‬
‫ي إىل‬ ‫ت هللا َولي ْك يم َر ْسولْهْ َوَمن بَـ يعتَصم غابهلل لَـ َق يد ْهد َ‬ ‫ي ي َ‬ ‫بن َوَك يي َ ْ َ ي‬ ‫َكال غر َ‬
‫اط ُّم يستَ غق ٍيم [آل عمران‪ .]101 - 100 :‬وتتبع اليهود رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ابألسئلة‬ ‫صر ٍ‬ ‫غ‬
‫َ‬
‫ك‬‫هون هللا أمرهم على رسوله‪ ،‬لقال‪ :‬بَ يسأَلْ َ‬ ‫ليحرجوه‪ ،‬وطلبوا أن بنزل عليهم كتااب من السماء‪ ،‬وقد َّ‬
‫ك لَـ َقالْواي أَ غرَان غ‬
‫رب غمن ذَلغ َ‬ ‫اب أَن تْـنَـ غز َل َعلَيي غه يم كغتَااب غم َن َّ‬ ‫أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫هللا َج يه َر‬ ‫وسى أَ يك ََ‬‫الس َماء لَـ َق يد َسأَلْواي ْم َ‬ ‫ْ‬
‫ك َوآتَـ ييـنَا‬ ‫غ‬
‫ات لَـ َع َف يوَان َعن ذَل َ‬ ‫غ‬
‫اءهتْ ْم اليبَـينَ ْ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫َّ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫الصاع َقةْ بظْليمه يم ْمثَّ اختَ ْذواي اليع يج َل من بَـ يعد َما َج ي‬‫غ‬ ‫َر َذ يهتْ ْم َّ‬
‫لَأ َ‬
‫وسى ْس يلطَاان ُّمبغينا [النساء‪.]153 :‬‬ ‫ْم َ‬
‫وعندما لشلوا يف إاثر الفنت لَبس بعضهم لباس اإلسما ؛ ليطعنوا اإلسما ابسم املسلمني‪َ :‬وقَالَت‬
‫آمنواي غابلَّ غذي أْن غز َل علَى الَّ غذبن آمنواي وجه النـَّها غر وا يك ْفرواي غ‬
‫يكت غ غ‬ ‫غ‬
‫آر َرهْ لَ َعلَّ ْه يم بَـ يرغج ْعو َن‬ ‫َ َْ َ ي َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اب ْ‬ ‫طَّآ غَفةٌ م ين أ يَه غل ال غ َ‬
‫[آل عمران‪.]72 :‬‬
‫واستمر كيدهم ونشطوا يف عهد عثمان‪ ،‬ولبسوا لباس اإلسما بقياد ابن السوداء عبد هللا بن سبأ‪،‬‬
‫وظلوا بملبون املسلمني على عثمان بدعوى أنه ليس أحق ابَخمالة‪ ،‬وأن انتقال الرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم إىل الرليق األعلى بعين انتقال شخصه إىل علي‪ ،‬كما أنتقلت شخصية موسى إىل بوشع‪،‬‬
‫وذهب عثمان ضحية هلذه الفتنة‪.‬‬
‫وعندما لتح املسلمون الكثَر من األمصار رحب أكثر أهل الذمة من اليهود والنصارى هبذه الفتوح‬
‫يف بماد العراق والشا ومصر؛ ريبة يف اَخماص من االضطهاد الروماين‪ ،‬حيث عاشوا يف ظل دولة‬
‫اإلسما عيشة أحسن من اليت كانوا بعيشوهنا يف السابق مع بين قومهم‪ ،‬إال أهنم مل بتخلوا عن مكرهم‬
‫وكيدهم؛ لكلما سنحت هلم لرصة اهتبلوها‪ ،‬وابدروا إليها‪.‬‬
‫ورماصة القول‪ :‬أننا لوا استعرضنا التاربخ اإلسمامي لوجدان أن لليهود دورا يف كل لتنة وحدث بضر‬
‫ابملسلمني‪ ،‬وإن مل بكن احلدث من صنعهم ابتداء‪ ،‬لكنهم بوقدونه ولو بعد حني‪.‬‬
‫وهذا ما جعل بعض الباحثني بذهبون إىل أن اليهود وراء كل الفنت واألحداث‪.‬‬
‫وال بشك أحد أبن اليهود عملوا جهدهم‪ -‬وال بزالون‪ -‬يف الدس والتفربق بني املسلمني‪ ،‬وحماولة‬
‫إلساد عقيدهتم وأرماقهم؛ لاحملققون جيزمون أبن اليهود هم الذبن أنشموا التشيع والرلض ابتداء‪،‬‬
‫وهم الذبن بذروا بذور الفرق الضالة كاملعتزلة واجلهمية وسا ر الفرق الباطنية كالنصَربة‪ ،‬واإلمساعيلية‪،‬‬
‫والدروز‪ ،‬والقرامطة‪ ،‬وهم الذبن مهدوا للدولة الفاطمية الشيعية وعن طربقها نشر اليهود البدع‬
‫القبوربة‪ ،‬والطرق الصولية‪ ،‬واألعياد املبتدعة‪ ،‬كعيد امليماد‪ ،‬والبدع واَخرالات اليت سادت يف عهد‬
‫الدولة الفاطمية‪ ،‬ودولة القرامطة وما بعدها‪.‬‬
‫وملا ظهرت القاداينية‪ ،‬والبها ية أبدوها مث احتضنوها‪.‬‬

‫(‪)167/1‬‬
‫وهم الذبن سامهوا يف سقوط اَخمالة العثمانية‪ ،‬ولن بنسى املسلمون ما لعله بهود الدوَنة يف تركيا‬
‫حني أظهروا اإلسما ‪ ،‬ودرلوا يف عمق اَخمالة‪ ،‬وكادوا اإلسما ؛ لأسسوا اجلمعيات السربة لإلطاحة‬
‫ابَخمالة‪ ،‬مث إعمان العلمانية َّ‬
‫ومكنوا لصنيعتهم مصطفى كمال أاتتورك‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪83 - 82‬‬
‫عرف اليهود أهنم لن بستطيعوا أن بنالوا من شخص رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أو أصل دبنه ما‬
‫بربدون علنا‪ ،‬كما لعلوا بدبن النصارى‪ ،‬وكما لعلوا ابألنبياء من قبل من التكذبب املعلن واإلبذاء‬
‫والقتل‪.‬‬
‫لذلك سلكوا مسلك الكيد اَخفي للمسلمني‪ ،‬وصارت هلم اليد الطوىل يف إاثر الفرقة واَخمالات‬
‫والفنت اليت حدثت يف التاربخ اإلسمامي وال بزالون‪.‬‬
‫وجيب أن ال نبال ‪ -‬كما بسلك بعض الكتاب والباحثني‪ -‬لنقول أبهنم هم وراء كل األحداث والفنت؛‬
‫ألهنم أجنب وأضعف من أن بكونوا كذلك‪.‬‬
‫لكن الذي جنز به أهنم انتهازبون‪ ،‬وكيدهم متواصل لإلسما وأهله‪ ،‬ولذلك لهم بستفيدون من‬
‫األحداث واالضطراابت والفنت‪ ،‬ليكونون من جندها وبوقدوهنا لئما تنطفئ‪ ،‬كما أهنم بدعموهنا مبا‬
‫ميلكون من جهد ووقت ومال‪.‬‬
‫لإذا استعرضنا التاربخ اإلسمامي وجدان أن لليهود دورا يف كل لتنة وحدث بضر ابملسلمني‪ ،‬وإن مل‬
‫بكن هذا احلدث من صنعهم ابتداء لكوهنم بوقدونه ولو بعد حني‪ ،‬وهذا ما جعل بعض الكتاب‬
‫والباحثني بذهبون إىل أن اليهود هم وراء كل الفنت واألحداث‪.‬‬
‫وال بشك أحد أبن اليهود عملوا جهدهم ـ وال بزالون ـ يف الدس والتفربق بني املسلمني وحماولة إلساد‬
‫عقيدهتم وأرماقهم‪ ،‬لاحملققون جيزمون أبن اليهود هم الذبن أنشموا التشيع والرلض ابتداء‪ ،‬وهم‬
‫الذبن أسهموا يف بذور الفرق اليت حادت عن طربق السنة والعقيد السليمة‪ :‬كاملعتزلة‪ ،‬واجلهمية‪،‬‬
‫وسا ر الفرق الباطينة‪ :‬كاإلمساعيلية‪ ،‬والنصَربة والقرامطة والدروز‪.‬‬
‫وهم الذبن مهدوا للدولة الفاطمية حىت قامت‪ ،‬وحني قامت أبضا عملوا حتت لوا ها معززبن مكرمني‪،‬‬
‫وصار هلم نفوذ ظاهر وابطن‪ ،‬وعن طربقها حتقق لليهود الكثَر من أهدالهم‪ ،‬مثل نشر البدع القبوربة‬
‫والطرق الصولية‪ ،‬واألعياد املبتدعة ـ كعيد امليماد ـ والبدع واَخمالات اليت سادت يف عهد الدولة‬
‫الفاطمية ودولة القرامطة وما بعدمها‪.‬‬
‫وملا ظهرت القاداينية والبها ية أبدومها مث احتضنومها ليما بعد‪ ،‬ولن بنسى املسلمون ما لعل بهود‬
‫الدوَنة يف تركيا حيث أظهروا اإلسما ودرلوا يف عمق اَخمالة وكادوا لإلسما لأسسوا اجلمعيات‬
‫السربة لإلطاحة ابَخمالة مث إعمان العلمانية املشمومة (ابحلكم بغَر ما أنزل هللا) وحرب اإلسما من‬
‫الدارل‪.‬‬
‫هذه َناذج من دور اليهود يف الكيد للمسلمني‪ ،‬وال بزال كيدهم متواصما‪ ،‬وميكرون وميكر هللا‪ ،‬وهللا‬
‫رَر املاكربن‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪35‬‬

‫(‪)168/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬أهداف اليهود‪:‬‬


‫أهداف اليهود وطموحاهتم ال تقف عند حد؛ لهم خيططون للسيطر على العامل كله حىت بكون حتت‬
‫هيمنة ِملكتهم إسرا يل اليت مت إنشاؤها يف للسطني‪ ،‬واليت بزعمون أن حدودها تكون من العراق‬
‫شرقا إىل مصر يراب‪ -‬من الفرات إىل النيل‪ -‬ومن مشال الشا مشاال إىل بثرب جنواب‪.‬‬
‫وميكن إمجال بعض أهدالهم ليما بلي‪:‬‬
‫‪َ - 1‬تسيس وتثبيت ِملكتهم إسرا يل‪ :‬حبيث بكون مركزها أور شليم‪ -‬القدس‪ -‬وتكون هي منطلق‬
‫نشاطهم‪.‬‬
‫وبسبب ختلف املسلمني وبعدهم عن دبنهم متكن اليهود من حتقيق أكثر أحمامهم مع األسف‪.‬‬
‫‪ - 2‬التحكم يف شعوب العامل‪ ،‬وتسخَرها َخدمتهم؛ ألهنم بزعمهم هم شعب هللا املختار‪ ،‬ويَرهم‬
‫جيب أن بكون مسخرا َخدمتهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬القضاء على املسلمني‪ :‬الَ بَـ يرقْـبْو َن غيف ْم يمغم ٍن إغالًّ َوالَ غذ َّمة َوأ يْولَئغ َ‬
‫ك ْه ْم ال ْيم يعتَ ْدون [التوبة‪،]10 :‬‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫اعواي ‪[ ...‬البقر ‪, ]217 :‬‬ ‫استَطَ ْ‬ ‫ىت بَـ ْردُّوْك يم َعن دبنغ ْك يم إغن ي‬ ‫غ‬
‫َوالَ بَـ َزالْو َن بْـ َقاتلْونَ ْك يم َح ََّ‬
‫‪ - 4‬إلساد الشعوب‪ ،‬وحتطيم أرماقهم بسماح املنكرات من مخر‪ ،‬وزىن‪ ،‬وكذب‪ ،‬وسينما‪ ،‬وراب‪،‬‬
‫ويش‪ ،‬ويدر‪ ،‬وريانة‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد – ص‪84‬‬

‫(‪)169/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬وسا ل اليهود وَمططاهتم‪:‬‬


‫بسلك اليهود يف سبيل الوصول إىل أهدالهم وسا ل شىت‪ ،‬وبقومون مبخططات واسعة مدروسة‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬إشعال انر الفتنة بني احلكومات وشعوهبا‪ :‬وذلك عن طربق إيراء احلكومات ابضطهاد‬
‫الشعوب‪ ،‬وإيراء الشعوب ابلتمرد على احلكومات‪ ،‬وحماولة إبقاء كل من قو احلكومة‪ ،‬وقو‬
‫الشعب؛ لتبقى العداو دا مة مستمر ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إيراء احلكا والوزراء والرؤساء ابالستعماء على شعوهبم واالنغماس ابلفساد‪ ،‬والرذبلة‪ ،‬والعهر‬
‫عن طربق النساء‪ ،‬واَخمر‪ ،‬والقمار‪ ،‬والرشاوى واملناصب‪ ،‬واملمامرات‪ ،‬والفنت‪.‬‬
‫‪ - 3‬استعمال العنف واإلرهاب يف حكم العامل‪ :‬لهم بصرحون بذلك يف بروتوكوالهتم كقوهلم‪ :‬رَر‬
‫النتا ج يف حكم العامل ما بنتزع ابلعنف واإلرهاب‪.‬‬
‫‪ - 4‬إشاعة الفوضى واَخيانة؛ ليرتدى العامل‪ ،‬وبنحط‪ ،‬وبسهل التحكم به‪.‬‬
‫‪ - 5‬العمل على حتطيم عقيد الوالء والرباء يف نفوس املسلمني ابسم السما والتطبيع؛ لكي بزول‬
‫حاجز النفر منهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬استغمال أجهز اإلعما ‪ ،‬وتوجيهها وجهة ختد مصاحلهم‪ ،‬أبن تكون هابطة أرماقيًّا‪ ،‬ومضللة‬
‫لكراي‪.‬‬
‫سياسيًّا‪ ،‬ومذبذبة ًّ‬
‫‪ - 7‬التحكم ابالقتصاد العاملي‪ :‬وذلك ابمتماك أكرب عدد من املمسسات والشركات والبنوك‪،‬‬
‫واحتكار الذهب‪ ،‬ومضاعفة األعمال الربوبة‪ ،‬وتشجيع األنظمة الرأمسالية الربوبة‪ ،‬والضرا بية‪،‬‬
‫واالشرتاكية التأمينية احملطمة‪.‬‬
‫‪ - 8‬نشر املبادئ اهلدامة واجلمعيات السربة التجسسية‪ ،‬واألحزاب املتطرلة واحلركات الثوربة‪،‬‬
‫وتشجيع عصاابت اَخطف وااليتياالت‪.‬‬
‫‪ - 9‬السيطر على الدول النصرانية والشيوعية؛ لتكون أدا مسخر ختد أهدالهم‪ ،‬وحتمي دولة‬
‫إسرا يل الناشئة‪.‬‬
‫وهذا ما حدث لعما من بعض الدول راصة بربطانيا‪ ،‬وأمربكا‪ ،‬وروسيا‪.‬‬
‫وجدُّوا يف حتقيق ذلك‪َّ ،‬‬
‫وحققوا الكثَر‪ ،‬ومل بكن‬ ‫هذا شيء من أهدالهم وَمططاهتم‪ ،‬وقد عملوا َ‬
‫ليتحقق هلم ذلك إال بعد أن يفل املسلمون عما بدور حوهلم‪.‬‬
‫ومىت ما رجع املسلمون إىل رشدهم‪ ،‬وآبوا إىل رهبم للن تقو إلسرا يل قا مة إبذن هللا‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪86 ،85‬‬

‫(‪)170/1‬‬
‫الفصل السادس عشر‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬
‫عاش العرببون يف األصل ‪ -‬يف عهد أبيهم إسرا يل ‪ -‬يف منطقة األردن وللسطني‪ ،‬مث انتقل بنو‬
‫بهوداي‪ ،‬ولكن نظرا النعزاهلم واستعما هم‬
‫ًّ‬ ‫إسرا يل إىل مصر مث ارحتلوا إىل للسطني ليقيموا هناك جمتمعا‬
‫وعنصربتهم وآتمرهم‪ ،‬لقد اضطهدوا وشردوا‪ ،‬لتفرقوا يف دول العامل لوصل بعضهم إىل أورواب وروسيا‬
‫ودول البلقان واألمربكتني وإسبانيا‪ ،‬بينما اُته بعضهم إىل دارل اجلزبر العربية اليت أجلوا عنها مع‬
‫لجر اإلسما ‪ ،‬كما عاش بعضهم يف ألربقيا وآسيا‪.‬‬
‫‪ -‬منذ هنابة القرن امليمادي املاضي وهم ال بزالون جيمعون أشتاهتم يف أرض للسطني‪ ،‬حترضهم على‬
‫ذلك‪ ،‬وتشجعهم الصهيونية والصليبية‪.‬‬
‫‪ِ -‬ما ال شك ليه أن اليهود احلاليني ‪ -‬الذبن ببلغون حواِل مخسة عشر مليوان ‪ -‬ال ميتون بصلة إىل‬
‫العربانيني اإلسرا يليني القدماء املنحدربن من إبراهيم عليه السما ؛ إذ إهنم حاليا أرماط من شعوب‬
‫األرض املتهودبن الذبن تسوقهم دوالع استعماربة‪ .‬أما الذبن برجعون إىل أصول إسرا يلية لعما هم‬
‫اليو ‪ -‬ويف إسرا يل خباصة ‪ -‬بهود من الدرجة الدنيا‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫ـ إظهار احلق‪ ،‬رمحة هللا اهلندي‪.‬‬
‫ـ اليهود‪ :‬نشأهتم وعقيدهتم وجمتمعهم‪ ،‬زكي شنود ـ ط ‪ 1‬ـ مكتبة هنضة مصر ـ (‪. )1974‬‬
‫ـ اتربخ األقباط‪ ،‬زكي شنود ‪.‬‬
‫ـ هللا‪ ،‬عباس حممود العقاد‪.‬‬
‫ـ رطر اليهودبة العاملية على اإلسما واملسيحية‪ ،‬عبد هللا التل‪.‬‬
‫ـ مقارنة األداين‪ :‬اليهودبة‪ ،‬د‪ .‬أمحد شلَب ـ ط ‪ 4‬ـ النهضة املصربة ـ (‪. )1974‬‬
‫ـ اليهود يف اتربخ احلضارات األوىل‪ ،‬يوستاف لوبون ـ ترمجة عادل زعيرت ـ طبعة عيسى البايب احللَب‪.‬‬
‫ـ التورا ‪ ،‬عرض وحتليل‪ ،‬د‪ .‬لماد حسنني‪.‬‬
‫ـ اتربخ بين إسرا يل من أسفارهم‪ ،‬حممد عز دروز ‪.‬‬
‫ـ األداين والفرق واملذاهب املعاصر ‪ ،‬عبد القادر شيبة احلمد ـ مطبوعات اجلامعة اإلسمامية ابملدبنة‬
‫النبوبة‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪.Berry: Religions of the World -‬‬
‫‪.Reinach: History of Religion -‬‬
‫‪.Smith J.W.D: God and Man in Early Israel -‬‬
‫‪.Kirk: A short History of the Middle East -‬‬
‫‪Max Margolis and Alexander Mare: A History of the -‬‬
‫‪.Jewish People‬‬
‫‪.Herzle: The Jewish state -‬‬
‫‪.Weech: Civilization of Near East -‬‬
‫‪. Wells: A short History of the World -‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)171/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التعربف هبم‪:‬‬


‫هم مجاعة من اليهود أظهروا اإلسما وأبطنوا اليهودبة؛ للكيد للمسلمني‪ ،‬سكنوا منطقة الغرب من‬
‫آسيا الصغرى‪ ،‬وأسهموا يف تقوبض الدولة العثمانية وإلغاء اَخمالة عن طربق انقماب مجاعة االحتاد‬
‫والرتقي ‪ ...‬وال بزالون إىل اخآن بكيدون لإلسما ‪ ،‬هلم براعة يف جماالت االقتصاد والثقالة واإلعما ؛‬
‫ألهنا هي وسا ل السيطر على اجملتمعات‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)172/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫أسسها سبااتي زبفي (‪ ، )1675- 1626‬وهو بهودي إسباين األصل‪ ،‬تركي املولد والنشأ ‪ ،‬وكان‬
‫ذلك سنة (‪ )1648‬حني أعلن أنه مسيح بين إسرا يل وَملصهم املوعود‪ ،‬وامسه احلقيقي موردراي‬
‫زبفي‪ ،‬وعرف بني األتراك ابسم قرامنتشته‪.‬‬
‫ـ استفحل رطر سبااتي لاعتقلته السلطات العثمانية‪ ،‬وانقشه العلماء يف ادعاءاته‪ ،‬وملا عرف أنه تقرر‬
‫قتله أظهر ريبته يف اإلسما ‪ ،‬وتسمى ابسم حممد ألندي‪.‬‬
‫ـ واصل دعوته اهلدامة من موقعه اجلدبد كمسلم وكر يس للحجاب‪ ،‬وأمر أتباعه أبن بظهروا اإلسما‬
‫وببقوا على بهودبتهم يف الباطن‪.‬‬
‫ـ طلب من الدولة السماح له ابلدعو يف صفوف اليهود‪ ،‬لسمحت له بذلك‪ ،‬لعمل بكل ربث‬
‫واستفاد من هذه الفرصة العظيمة للنيل من اإلسما ‪.‬‬
‫ـ اتضح للحكومة بعد أكثر من (‪ )10‬سنوات أن إسما سبااتي كان ردعة‪ ،‬لنفته إىل ألبانيا ومات‬
‫هبا‪.‬‬
‫‪ -‬أطلق األتراك على أتباع هذا املذهب الدوَنة‪ ،‬وهي مشتقة من املصدر الرتكي دوَنك‪ ،‬مبعىن العود‬
‫والرجوع‪.‬‬
‫‪ -‬إبراها نطحان‪ :‬بهودي‪ ،‬وقد أصبح رسول سبااتي إىل الناس‪.‬‬
‫‪ -‬جوزبف بيلوسوف‪ :‬وهو رليفة سبااتي ووالد زوجته الثانية‪ ،‬كان بتحرك ابسم عبد الغفور ألندي‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى جلَب ر يس لرقة قاش‪ ،‬وهي من ضمن ثماث لرق تفرعت عن الدوَنة‪ ،‬وهم اليعاقبة‬
‫والقاقاشية والقاابُتية‪.‬‬
‫‪ -‬ليس هلم مملفات مطبوعة ومتداولة‪ ،‬ولكن هلم نشرات سربة كثَر بتداولوهنا ليما بينهم‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)173/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫بعتقدون أن سبااتي هو مسيح إسرا يل املخلص لليهود‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬إن اجلسم القدمي لسبااتي صعد إىل السماء‪ ،‬لعاد أبمر هللا يف شكل مماك بلبس اجللباب‬
‫والعمامة ليكمل رسالته‪.‬‬
‫‪ -‬بظهرون اإلسما وببطنون اليهودبة املاكر احلاقد على املسلمني‪.‬‬
‫‪ -‬ال بصومون وال بصلون وال بغتسلون من اجلنابة‪ ،‬وقد بظهرون بعض الشعا ر اإلسمامية يف بعض‬
‫ذرا للرماد يف عيوهنم‪ ،‬وحمالظة‬
‫املناسبات كاألعياد مثما؛ إبهاما ورداعا‪ ،‬ومراعا لعادات األتراك‪ًّ ,‬‬
‫على مظاهرهم كمسلمني‪.‬‬
‫‪ -‬حيرمون مناكحة املسلمني‪ ،‬وال بستطيع الفرد منهم التعرف على حيا الطا فة وألكارها إال بعد‬
‫الزواج‪.‬‬
‫‪ -‬هلم أعياد كثَر تزبد على العشربن منها‪ :‬االحتفال إبطفاء األنوار وارتكاب الفواحش‪ ،‬وبعتقدون‬
‫أن مواليد تلك الليلة مباركون‪ ،‬وبكتسبون نوعا من القدسية بني ألراد الدوَنة‪.‬‬
‫‪ -‬هلم زي راص هبم‪ ،‬لالنساء بنتعلن األحذبة الصفراء‪ ،‬والرجال بضعون قبعات صولية بيضاء مع‬
‫لفها بعمامة رضراء‪.‬‬
‫‪ -‬حيرمون املبادر ابلتحية لغَرهم‪.‬‬
‫‪ -‬بهامجون حجاب املرأ ‪ ،‬وبدعون إىل السفور والتحلل من القيم‪ ،‬وبدعون إىل التعليم املختلط؛‬
‫ليفسدوا على األمة شباهبا‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)174/1‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫عقيدهتم بهودبة صرلة‪ ،‬وابلتاِل لهم بتحلون ابَخصال األساسية لليهود‪ ،‬كاَخبث واملراوية والدهاء‬
‫والكذب واجلنب والغدر‪ ،‬وتظاهرهم ابإلسما إَنا هو وسيلة لضرب اإلسما من دارله‪.‬‬
‫‪ -‬هلم عماقة وطيد ابملاسونية‪ ،‬وكان كبار الدوَنة من كبار املاسونيني‪.‬‬
‫‪ -‬بعملون ضمن َمططات الصهيونية العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬ميتلكون وبدبرون أكثر اجلرا د الرتكية انتشارا‪ ،‬مثل جربد حربت وجملة حيا وجملة التاربخ وجربد‬
‫مليت وجربد مجهوربت‪ ،‬وكلها حتمل اُتاهات بساربة‪ ،‬وهلا َتثَر واضح على الرأي العا الرتكي‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)175/1‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫يالبيتهم العظمى توجد اخآن يف تركيا‪.‬‬
‫ـ ما بزالون إىل اخآن ميلكون يف تركيا وسا ل السيطر على اإلعما واالقتصاد‪ ،‬وهلم مناصب حساسة‬
‫جدًّا يف احلكومة‪.‬‬
‫ـ كانوا وراء تكوبن مجاعة االحتاد والرتقي‪ ،‬اليت كانت جل أعضا ها منهم‪ ،‬وكما سامهوا من موقعهم‬
‫هذا يف علمنة تركيا املسلمة‪ ،‬وسخَّروا كثَرا من شباب املسلمني املخدوعني َخدمة أيراضهم‬
‫التدمَربة‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن الدوَنة طا فة من اليهود ادعت اإلسما وال عماقة هلم به قدر ذر ‪ ،‬وكانوا بتحينون الفرص‬
‫لمانتقا من اإلسما ‪ ،‬وإلساد احليا االجتماعية اإلسمامية‪ ،‬واهلجو على شعا ر اإلسما ‪ .‬وبكفي أهنم‬
‫أداروا اجلزء األعظم من انقماب تركيا الفتا الذي أسقط السلطان عبد احلميد الثاين‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫ـ بهود الدوَنة‪ ،‬حممد علي قطب‪.‬‬
‫ـ واث ق منظمات وعادات السبااتي‪ ،‬إبراهيم ياالنيت‪.‬‬
‫ـ جمموعة مقاالت عن الدوَنة‪ ،‬عماء الدبن يوسة‪.‬‬
‫ـ بهود الدوَنة‪ ،‬للدكتور حممد عمر (ممسسة الدراسات التارخيية)‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)176/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التعربف هبم‪:‬‬


‫الصهيونية حركة سياسية عنصربة متطرلة‪ ،‬ترمي إىل إقامة دولة لليهود يف للسطني حتكم من رماهلا‬
‫العامل كله‪ .‬واشتقت الصهيونية من اسم (جبل صهيون) يف القدس حيث ابتىن داود قصره بعد انتقاله‬
‫من حربون (اَخليل) إىل بيت املقدس يف القرن احلادي عشر قبل امليماد‪ .‬وهذا االسم برمز إىل ِملكة‬
‫داود وإعاد تشييد هيكل سليمان من جدبد‪ ،‬حبيث تكون القدس عاصمة هلا‪.‬‬
‫وقد ارتبطت احلركة الصهيونية احلدبثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل‪ ،‬الذي بعد الداعية األول‬
‫للفكر الصهيوين احلدبث واملعاصر‪ ،‬الذي تقو على آرا ه احلركة الصهيونية يف العامل‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫سبب التسمية‪ :‬مسيت الصهيونية بذلك نسبة إىل جبل صهيون الذي بقع جنوب بيت املقدس‪،‬‬
‫وبقدسه اليهود‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪94‬‬

‫(‪)177/1‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬اتربخ الصهيونية‪:‬‬
‫اتربخ الصهيونية جزء من اتربخ اليهود‪ ،‬والصهيونية هي امتداد ملا بقو به اليهود منذ القد ‪،‬‬
‫وللصهيونية جذور اترخيية وسياسية منذ قيا حركة املكابني اليت أعقبت السَب البابلي‪.‬‬
‫ومرت بعد ذلك مبراحل كثَر منذ تلك القرون‪ ،‬وذلك قبل ظهور املسيحية‪ ،‬وقبل ظهور اإلسما‬
‫وبعده‪.‬‬
‫وكانت مهمتها يف مراحلها األوىل حتربض اليهود على العود إىل أرض للسطني‪ ،‬وبناء هيكل سليمان‪،‬‬
‫وَتسيس دولة إسرا يل الكربى‪.‬‬
‫أما يف العصر احلدبث لقد بدأت نواهتا األوىل عا (‪ )1806‬حني اجتمع اجمللس األعلى لليهود‬
‫بدعو من انبليون الستغمال أطماع اليهود‪ ،‬وحتربضهم على مساعدته‪.‬‬
‫والصهيونية احلدبثة هي املنسوبة لـ (تيودور هرتزل) الصحفي اليهودي النمساوي (‪- 1860‬‬
‫‪ ، )1904‬وهدلها األساسي الواضح قياد اليهود إىل حكم العامل‪.‬‬
‫وقد بدأ اليهود إبقامة دولة هلم يف للسطني‪ ،‬ويف حماولتني لكنهم أرفقوا‪.‬‬
‫وبعد ذلك أقا هرتزل أول مممتر صهيوين عاملي يف ابل بسوبسرا عا (‪ ، )1897‬وجنح يف ُتميع‬
‫بهود العامل حوله‪ ،‬كما جنح يف مجع دها اليهود الذبن صدرت عنهم أرطر مقررات يف اتربخ اليهود‪،‬‬
‫وهي (بروتوكوالت حكماء صهيون) املستمد من تعاليم كتب اليهود احملرلة اليت بقدسوهنا‪.‬‬
‫ومن ذلك الوقت بدأ حكماء اليهود بتحركون بدقة‪ ،‬ودهاء‪ ،‬ورفاء؛ لتحقيق أهدالهم التدمَربة اليت‬
‫أصبحت نتا جها اليو واضحة للعيان‪.‬‬
‫وِما هو معروف أنه بعد انعقاد املممتر الصهيوين األول يف ‪ -‬ابل‪ -‬بدأ هرتزل جولته يف العمل؛‬
‫الحتواء السلطان عبد احلميد عن طربق الرتييب مث الرتهيب‪.‬‬
‫وقد كان موقف السلطان عبد احلميد واضحا صرحيا حيث قال‪ :‬بلغغوا الدكتور هرتزل أال ببذل بعد‬
‫اليو شيئا من احملاولة يف هذا األمر‪ -‬التوطن بفلسطني‪ -‬لإين لست مستعدًّا ألن أختلى عن شرب‬
‫روى تراهبا‬
‫واحد يف هذه البماد ليذهب إىل الغَر‪ ،‬لالبماد ليست ملكي‪ ،‬بل هي ملك شعب َّ‬
‫بدما هم؛ للتحتفظ اليهود مبمابينهم من الذهب‪.‬‬
‫مث بدأ الصهابنة من ذلك اليو مبحاولة اإلطاحة بعبد احلميد‪ ،‬وإزالة اَخمالة اإلسمامية‪ ،‬مث َّ‬
‫حتقق هلم‬
‫ما بربدون‪ ،‬وكان إسقاط عبد احلميد (‪ ، )1909‬والتمهيد إللغاء اَخمالة عا (‪ ، )1924‬وكان‬
‫صو عضو حزب االحتاد والرتقي اليهودي األصلي‪.‬‬
‫الذي بل السلطان قرار اَخلع قْـ َّره ْ‬
‫وقبل ذلك َّ‬
‫متكن اليهود من َتليب الدول االستعماربة على الدولة العثمانية‪ ،‬وإاثر السمو ‪،‬‬
‫والدسا س حول السلطان‪ ،‬ورميه مبختلف االهتامات‪.‬‬
‫ومل تكن اَخمالة لتسقط لوال أن البدع قد انتشرت‪ ،‬وبدأت تدب يف جسم اَخمالة وتنخر ليه‪.‬‬
‫وابلريم من ذلك كله لإن اَخمالة كانت ترهب أعداء هللا‪ ،‬وتضع هيبة ومنعة للمسلمني‪.‬‬
‫وكما جنح اليهود يف بث الدعاايت واألكاذبب على السلطان عبد احلميد‪ ،‬ووصفه أبنه سكَر لاسق‬
‫ظامل متوحش‪ ،‬لإهنا أبضا جنحت يف إضفاء مجيع صور البطولة على اليهودي مصطفى كمال الذي‬
‫مثَّل رأس األلعى اليهودبة‪َّ ،‬‬
‫ونفذ لديتها القاتلة اليت أدت إىل هد اَخمالة اإلسمامية‪ ،‬ومتزبق الوجود‬
‫السياسي للمسلمني‪.‬‬
‫وقد كان هذا اَخبيث بتظاهر ابلتدبن‪ ،‬وبصلي يف مقدمة اجلنود‪ ،‬وبتملق العلماء‪ ،‬وعمو املسلمني‪،‬‬
‫وعندما َّ‬
‫متكن َّنفذ رطته اللئيمة على النحو التاِل‪:‬‬
‫‪ - 1‬إلغاء اَخمالة اإلسمامية‪.‬‬
‫‪ - 2‬لصل تركيا عن ابقي أجزاء الدولة العثمانية؛ لحطم الدولة اإلسمامية العظيمة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أعلن العلمانية اإلحلادبة‪.‬‬
‫‪ - 4‬اضطهد العلماء أبشع اضطهاد‪ ،‬وقتل منهم العشرات‪ ،‬وعلقهم أبعواد الشجر‪.‬‬
‫وحر األذان‪ ،‬والصما ابللغة العربية‪.‬‬
‫‪ - 5‬أيلق كثَرا من املساجد‪َّ ،‬‬
‫‪ - 6‬أجرب الشعب على تغيَر الزي اإلسمامي‪ ،‬ولبس الزي األورويب‪.‬‬
‫وحوله إىل متحف‪.‬‬
‫‪ - 7‬ألغى األوقاف‪ ،‬ومنع الصما يف جامع (أاي صوليا)‪َّ ،‬‬
‫‪ - 8‬ألغى احملاكم الشرعية‪ ،‬ولرض القوانني الوضعية املدنية السوبسربة‪.‬‬
‫‪ - 9‬لرض العطلة األسبوعية بو األحد‪ ،‬بدال من بو اجلمعة‪.‬‬
‫‪ - 10‬ألغى استعمال التقومي اهلجري‪ ،‬ووضع مكانه التاربخ امليمادي‪.‬‬
‫حر تعدد الزوجات‪ ،‬والطماق‪ ،‬وساوى بني الذكر واألنثى يف املَراث‪.‬‬
‫‪َّ - 11‬‬
‫‪ - 12‬شجع الشباب والفتيات على الدعار ‪ ،‬والفجور‪ ،‬وأابح املنكرات‪ ،‬بل كان قدو يف احنطاط‬
‫اَخلق‪ ،‬والفساد‪ ،‬وإدمان اَخمر‪.‬‬
‫‪ - 13‬قضى على التعليم اإلسمامي‪ ،‬ومنع مدارس القرآن الكرمي‪ ،‬واستبدل الماتينية ابلعربية‪.‬‬
‫‪ - 14‬لتح ابب تركيا لعلماء اليهود‪.‬‬
‫هذه صور عامة عن اتربخ الصهيونية‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪97 - 94‬‬
‫(‪)178/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أهداف الصهيونية‪:‬‬


‫من املعلو أن الصهيونية حركة بهودبة رالصة‪ ،‬أما أهدالها لهي أهداف سياسية دبنية‪ ،‬وتلك‬
‫األهداف تتلخص ليما بلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إاثر احلماس الدبين لدى ألراد اليهود يف مجيع أحناء العامل لعودهتم إىل أرض امليعاد املزعومة‪.‬‬
‫‪ - 2‬هد األداين إلعماء اليهودبة التلمودبة‪.‬‬
‫‪ - 3‬حث سا ر اليهود على التمسك ابلتعاليم الدبنية‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والشعا ر اليهودبة‪ ،‬وااللتزا‬
‫أبحكا الشربعة اليهودبة‪.‬‬
‫‪ - 4‬إاثر الروح القتالية‪ ،‬والعصبية الدبنية والقومية لدى اليهود؛ للتصدي لَلداين‪ ،‬واألمم‪،‬‬
‫والشعوب األررى‪.‬‬
‫‪ - 5‬تزبيف التاربخ لمادعاء بوعد للسطني‪.‬‬
‫‪ - 6‬تدمَر اإلنسان عن طربق نظرايت (لروبد) يف األرماق‪ ،‬و (ماركس) يف املال‪ ،‬و (دوركامي) يف‬
‫االجتماع‪ ،‬و (سارتر) يف أدب االحنمال والضياع‪.‬‬
‫‪ - 7‬لرض املادبة على الفكر البشري‪.‬‬
‫‪ - 8‬حماولة هتوبد للسطني‪ ،‬وذلك بتشجيع اهلجر من سا ر أقطار العامل إىل للسطني‪.‬‬
‫‪ - 9‬تدوبل الكيان اإلسرا يلي عامليًّا‪ ،‬وذلك ابنتزاع اعرتاف أكثر دول العامل بوجود دولة إسرا يل يف‬
‫للسطني‪.‬‬
‫‪ - 10‬متابعة وتنفيذ املخططات اليهودبة العاملية السياسية‪ ،‬واالقتصادبة رطو رطو ‪ ،‬ووضع‬
‫اقتصاداي‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫الوسا ل الكفيلة ابلتنفيذ السربع والدقيق هلذه املخططات‪ ،‬مث التهيئة هلا إعماميًّا‪ ،‬ومتوبلها‬
‫ودعمها سياسيًّا‪.‬‬
‫‪ - 11‬توحيد وتنظيم جهود اليهود يف مجيع أحناء العامل ألرادا‪ ،‬أو مجاعات وممسسات‪ ،‬وحتربك‬
‫العمماء واملأجوربن عند احلاجة َخدمة اليهود‪ ،‬وحتقيق مصاحلهم وَمططاهتم‪.‬‬
‫‪ - 12‬تطوبر اللغة العرببة‪ ،‬والثقالة العرببة‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪98 ،97‬‬

‫(‪)179/1‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬
‫للصهيونية العاملية جذور اترخيية‪ -‬لكربة وسياسية‪ُ -‬تعل من الواجب الوقوف عند األدوار التالية‪:‬‬
‫ـ وردت لفظة صهيون ألول مر يف العهد القدمي عندما تعرض للملك داود الذي أسس ِملكته‬
‫(‪1000‬ـ ‪ )960‬ق‪. .‬‬
‫ـ حركة املكابيني اليت أعقبت العود من السَب البابلي (‪586‬ـ ‪ )538‬قبل امليماد‪ ،‬وأول أهدالها‬
‫العود إىل صهيون وبناء هيكل سليمان‪.‬‬
‫ـ حركة ابركوريا (‪118‬ـ ‪ , )138‬وقد أاثر هذا اليهودي احلماسة يف نفوس اليهود‪ ،‬وحثَّهم على‬
‫التجمع يف للسطني وَتسيس دولة بهودبة ليها‪.‬‬
‫ـ حركة موزس الكربيت‪ ،‬وكانت شبيهة حبركة ابركوريا‪.‬‬
‫ـ مرحلة الركود يف النشاط اليهودي بسبب اضطهاد اليهود وتشتتهم‪ .‬ومع ذلك لقد ظل الشعور‬
‫القومي عند اليهود عنيفا مل بضعف‪.‬‬
‫ـ حركة داليد روبني وتلميذه سولومون مولوخ (‪1501‬ـ ‪ , )1532‬وقد َّ‬
‫حث اليهود على ضرور‬
‫العود لتأسيس ملك إسرا يل يف للسطني‪.‬‬
‫وجهت رطط الصهيونية‬
‫ـ حركة منشه بن إسرا يل (‪1604‬ـ ‪ , )1657‬وهي النوا األوىل اليت َّ‬
‫ورَّكزهتا على أساس استخدا بربطانيا يف حتقيق أهداف الصهيونية‪.‬‬
‫ـ حركة سبااتي زبفي (‪1626‬ـ ‪ , )1676‬الذي ادَّعى أنه مسيح اليهود املخلص‪ ،‬لأرذ اليهود يف‬
‫ظله بستعدون للعود إىل للسطني‪ ،‬ولكن َملصهم مات‪.‬‬
‫ـ حركة رجال املال اليت تزعَّمها روتشيلد وموسى مونتفيوري‪ ،‬وكانت هتدف إىل إنشاء مستعمرات‬
‫بهودبة يف للسطني كخطو المتماك األرض مث إقامة دولة اليهود‪.‬‬
‫ـ احلركة الفكربة االستعماربة اليت دعت إىل إقامة دولة بهودبة يف للسطني يف بدابة القرن التاسع‬
‫عشر‪.‬‬
‫ـ احلركة الصهيونية العنيفة اليت قامت إثر مذابح اليهود يف روسيا سنة (‪ ، )1882‬ويف هذه الفرت‬
‫ألف هيكلر اجلرماين كتاب بعنوان (إرجاع اليهود إىل للسطني حسب أقوال األنبياء)‪.‬‬
‫ـ ظهور مصطلح الصهيونية ‪ Zionism‬ألول مر على بد الكاتب األملاين اناثن برنباو سنة‬
‫(‪. )1893‬‬
‫ـ يف عا (‪ , )1882‬ظهرت يف روسيا ألول مر حركة عرلت ابسم (حب صهيون)‪ ،‬وكان أنصارها‬
‫بتجمعون يف حلقات امسها (أحباء صهيون)‪ ،‬وقد مت االعرتاف هبذه اجلماعات يف عا (‪, )1890‬‬
‫َّ‬
‫حتت اسم (مجعية مساعد الصناع واملزارعني اليهود يف سوراي وللسطني) وترأسها ليون بنسكر‪،‬‬
‫واستهدلت اجلماعة تشجيع اهلجر إىل للسطني وإحياء اللغة العرببة‪.‬‬
‫ـ الصهيونية احلدبثة وهي احلركة املنسوبة إىل تيودور هرتزل الصحفي اليهودي اجملري‪ ،‬ولد يف‬
‫بودابست يف (‪ , )1860/5 /2‬حصل على شهاد احلقوق من جامعة لينا (‪ ، )1878‬وهدلها‬
‫األساسي الواضح قياد اليهود إىل حكم العامل بدءا إبقامة دولة هلم يف للسطني‪ .‬وقد لاوض السلطان‬
‫عبد احلميد هبذا اَخصوص يف حماولتني‪ ،‬لكنه أرفق‪ ،‬عند ذلك عملت اليهودبة العاملية على إزاحة‬
‫السلطان وإلغاء اَخمالة اإلسمامية‪.‬‬
‫ًّ‬
‫مستغما حماكمة الضابط اليهودي‬ ‫ـ وقد أقا هرتزل أول مممتر صهيوين عاملي سنة (‪، )1897‬‬
‫الفرنسي دربفوس الذي اهتم ابَخيانة (‪ )1894‬؛ لنقله أسرارا عسكربة من لرنسا إىل أملانيا‪ ،‬لكن‬
‫ثبتت براءته ليما بعد‪ ،‬وجنح هرتزل من تصوبر املأسا اليهودبة‪ -‬يف زعمه‪ -‬من رمال هذه الواقعة‬
‫شجعه على‬
‫الفردبة‪ ،‬وأصدر كتابه الشهَر الدولة اليهودبة الذي أكسبه أنصارا ال أبس بعددهم ِما َّ‬
‫إقامة أول مممتر صهيوين يف ‪ -‬ابل‪ -‬بسوبسرا (‪29‬ـ ‪ )47/8 /31‬وقد علَّق عليه بقوله‪( :‬لو طلب‬
‫ِل تلخيص أعمال املممتر لإين أقول بل أاندي على مسمع من اجلميع‪ :‬إنين قد أسست الدولة‬
‫إ َّ‬
‫اليهودبة)‪ .‬وجنح يف ُتميع بهود العامل حوله‪ ،‬كما جنح يف مجع دها اليهود الذبن صدرت عنهم أرطر‬
‫مقررات يف اتربخ العامل‪ ،‬وهي بروتوكوالت حكماء صهيون املستمد من تعاليم كتب اليهود احملرلة‬
‫بتحركون بدقة ودهاء ورفاء‬
‫اليت بقدسوهنا‪ ،‬ومن ذلك الوقت أحكم اليهود تنظيماهتم‪ ،‬وأصبحوا َّ‬
‫لتحقيق أهدالهم التدمَربة اليت أصبحت نتا جها واضحة للعيان يف زماننا هذا‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)180/1‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫حرلها اليهود‪ ،‬وقد صايت‬
‫‪ -‬تستمد الصهيونية لكرها ومعتقداهتا من الكتب املقدسة اليت َّ‬
‫الصهيونية لكرها يف بروتوكوالت حكماء صهيون‪.‬‬
‫‪ -‬تعترب الصهيونية مجيع بهود العامل أعضاء يف جنسية واحد هي اجلنسية اإلسرا يلية‪.‬‬
‫‪ -‬هتدف الصهيونية إىل السيطر اليهودبة على العامل‪ ،‬كما وعدهم إهلهم بهوه‪ ،‬وتعترب املنطلق لذلك‬
‫هو إقامة حكومتهم على أرض امليعاد‪ ،‬اليت متتد من هنر النيل إىل هنر الفرات‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقدون أن اليهود هم العنصر املمتاز الذي جيب أن بسود‪ ،‬وكل الشعوب األررى رد هلم‪.‬‬
‫‪ -‬برون أن أقو السبل حلكم العامل هو إقامة احلكم على أساس التخوبف والعنف‪.‬‬
‫‪ -‬بدعون إىل تسخَر احلربة السياسية من أجل السيطر على اجلماهَر‪ ،‬وبقولون‪ :‬جيب أن نعرف‬
‫كيف نقد هلم الطعم الذي بوقعهم يف شباكنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬لقد انتهى العهد الذي كانت ليه السلطة للدبن‪ ،‬والسلطة اليو للذهب وحده‪ ،‬لما بد‬
‫من ُتميعه يف قبضتنا بكل وسيلة؛ لتسهل سيطرتنا على العامل‪.‬‬
‫‪ -‬برون أن السياسة نقيض لَلرماق‪ ،‬وال بد ليها من املكر والرايء‪ ،‬أما الفضا ل والصدق لهي‬
‫رذا ل يف عرف السياسة‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد من إيراق األِميني يف الرذا ل بتدبَران عن طربق من هنيئهم لذلك من أساتذ ورد‬
‫وحاضنات ونساء املماهي‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬جيب أن نستخد الرشو واَخدبعة واَخيانة دون تردد ما دامت حتقق مآربنا‪.‬‬
‫بث الفزع الذي بضمن لنا الطاعة العمياء‪ ،‬وبكفي أن بشتهر عنا أننا‬‫‪ -‬بقولون‪ :‬جيب أن نعمل على غ‬
‫أهل أبس شدبد؛ ليذوب كل مترد وعصيان‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ننادي بشعارات احلربة واملساوا واإلراء؛ لينخدع هبا الناس وبهتفوا وبنساقوا وراء ما‬
‫نربد هلم‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد من تشييد أرستقراطية تقو على املال الذي هو يف بدان والعلم الذي ارتص به‬
‫علماؤان‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنعمل على دلع الزعماء إىل قبضتنا‪ ،‬وسيكون تعيينهم يف أبدبنا‪ ،‬وارتيارهم بكون‬
‫حسب ولر أنصبتهم من األرماق الدنيئة وحب الزعامة وقلة اَخرب ‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنسيطر على الصحالة تلك القو الفعالة اليت توجه العامل حنو ما نربد‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد من توسيع الشقة بني احلكا والشعوب وابلعكس؛ ليصبح السلطان كاألعمى الذي‬
‫لقد عصاه‪ ،‬وبلجأ إلينا لتثبيت كرسيه‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد من إشعال انر اَخصومة احلاقد بني كل القوى لتتصارع‪ ،‬وجعل السلطة هدلا‬
‫مقدسا تتنالس كل القوى للوصول إليه‪ ،‬والبد من إشعال انر احلرب بني الدول‪ ،‬بل دارل كل دولة‪،‬‬
‫عند ذلك تضمحل القوى‪ ،‬وتسقط احلكومات‪ ،‬وتقو حكومتنا العاملية على أنقاضها‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنتقد إىل الشعوب الفقَر املظلومة يف زي حمرربها ومنقذبها من الظلم‪ ،‬وندعوها إىل‬
‫االنضما إىل صفوف جنودان من االشرتاكيني والفوضوبني والشيوعيني واملاسونيني‪ ،‬وبسبب اجلوع‬
‫سنتحكم يف اجلماهَر‪ ،‬ونستخد سواعدهم لسحق كل من بعرتض سبيلنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد أن نفتعل األزمات االقتصادبة لكي خيضع لنا اجلميع بفضل الذهب الذي‬
‫احتكرانه‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬إننا اخآن بفضل وسا لنا اَخفية يف وضع منيع حبيث إذا هامجتنا دولة هنضت أررى للدلاع‬
‫عنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬إن كلمة احلربة تدلع اجلماهَر إىل الصراع مع هللا ومقاومة سنته‪ ،‬للنشغلها هي وأمثاهلا إىل‬
‫أن تصبح السلطة يف أبدبنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬لنا قو رفية ال بستطيع أحد تدمَرها‪ ،‬تعمل يف صمت ورفاء وجربوت‪ ،‬وبتغَر أعضاؤها‬
‫على الدوا ‪ ،‬وهي الكفيلة بتوجيه حكا األِميني كما نربد‪.‬‬

‫(‪)181/1‬‬

‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد أن هند دولة اإلميان يف قلوب الشعوب‪ ،‬وننزع من عقوهلم لكر وجود هللا‪ ،‬وحنل‬
‫حملها قوانني رايضية مادبة؛ ألن الشعب حييا سعيدا هانئا حتت رعابة دولة اإلميان‪ .‬ولكي ال ندع‬
‫للناس لرصة املراجعة جيب أن نشغلهم بشىت الوسا ل‪ ،‬وبذلك ال بفطنوا لعدوهم العا يف الصراع‬
‫العاملي‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد أن نتبع كل الوسا ل اليت تتوىل نقل أموال األِميني من رزا نهم إىل صنادبقنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنعمل على إنشاء جمتمعات جمرد من اإلنسانية واألرماق‪ ،‬متحجر املشاعر‪ ،‬انقمة‬
‫أشد النقمة على الدبن والسياسة‪ ،‬ليصبح رجاؤها الوحيد حتقيق املماذ املادبة‪ ،‬وحينئذ بصبحون‬
‫عاجزبن عن أي مقاومة‪ ،‬ليقعون حتت أبدبنا صايربن‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنقبض أببدبنا على كل مقاليد القوى‪ ،‬ونسيطر على مجيع الوظا ف‪ ،‬وتكون السياسة‬
‫أببدي رعاايان‪ ،‬وبذلك نستطيع يف كل وقت بقوتنا حمو كل معارضة مع أصحاهبا من األِميني‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬لقد بثثنا بذور الشقاق يف كل مكان‪ ،‬حبيث ال ميكن اجتثاثه‪ ،‬وأوجدان التنالر بني مصاحل‬
‫األِميني املادبة والقومية‪ ،‬وأشعلنا انر النعرات الدبنية والعنصربة يف جمتمعاهتم‪ ،‬ومل ننفك عن بذل‬
‫جهودان يف إشعاهلا منذ (‪ )20‬قران‪ ،‬ولذلك من املستحيل على أي حكومة أن ُتد عوان من أررى‬
‫لضربنا‪ ،‬وأن الدول لن تقد على إبرا أي اتفاق مهما كان ضئيما دون موالقتنا؛ ألن حمرك الدول يف‬
‫قبضتنا‪.‬‬
‫وزودان خبصا ص وِميزات ال توجد عند األِميني‪ ،‬ولو كان يف‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬لقد هيَّأان هللا حلكم العامل‪َّ ،‬‬
‫صفولهم عباقر الستطاعوا مقاومتنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد من االنتفاع ابلعواطف املتأججة َخدمة أيراضنا عوض إمخادها‪ ،‬وال بد من‬
‫االستيماء على ألكار اخآرربن وترمجتها مبا بتفق مع مصاحلنا بدل قتلها‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنوِل عنابة كربى ابلرأي العا إىل أن نفقده القدر على التفكَر السليم‪ ،‬ونشغله حىت‬
‫جنعله بعتقد أن شا عاتنا حقا ق اثبتة‪ ،‬وجنعله يَر قادر على التمييز بني الوعود املمكن إجنازها‬
‫نكون هيئات بشتغل أعضاؤها إبلقاء اَخطب الراننة اليت تغدق الوعود‪،‬‬ ‫والوعود الكاذبة‪ ،‬لما بد أن غ‬
‫وال بد أن َّ‬
‫نبث يف الشعوب لكر عد لهمهم للسياسة‪ ،‬ورَر هلم أن بدعوها ألهلها‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنكثر من إشاعة املتناقضات‪ ،‬ونلهب الشهوات‪ ،‬ونمجج العواطف‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سننشئ (إدار احلكومة العليا) ذات األبدي الكثَر املمتد إىل كل أقطار األرض‪ ،‬واليت‬
‫خيضع هلا كل احلكا ‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬جيب أن نسيطر على الصناعة والتجار ‪ ،‬غ‬
‫ونعود الناس على البذخ والرتف واالحنمال‪،‬‬
‫ونعمل على رلع األجور وتيسَر القروض ومضاعفة لوا دها‪ ،‬عند ذلك سيخر األِميون ساجدبن بني‬
‫أبدبنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬يف الرمسيات جيب علينا أن نتظاهر بنقيض ما نضمر‪ ،‬لنستنكر الظلم‪ ،‬وننادي ابحلرايت‪،‬‬
‫ونندد ابلطغيان‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬إن الصحالة مجيعها أببدبنا إال صحفا قليلة يَر حمتفل هبا‪ ،‬وسنستعملها لبث الشا عات‬
‫حىت تصبح حقا ق‪ ،‬وسنشغل هبا األِميني عما بنفعهم‪ ،‬وجنعلهم جيرون وراء الشهو واملتعة‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬احلكا أعجز من أن بعصوا أوامران؛ ألهنم بدركون أن السجن أو االرتفاء من الوجود‬
‫مصَر املتمرد منهم‪ ،‬ليكونوا طاعة لنا وأشد حرصا ورعابة ملصاحلنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنعمل على أال بكشف َمططنا قبل وقته‪ ،‬وال هند قو األِميني قبل األوان‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬حنن الذبن وضعنا طربقة التصوبت ونظا األيلبية املطلقة؛ ليصل إىل احلكم كل من نربد‬
‫بعد أن نكون قد هيأان الرأي العا للتصوبت عليهم‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنفكك األسر ‪ ،‬وننفخ روح الذاتية يف كل لرد ليتمرد‪ ،‬وحنول دون وصول ذوي االمتياز‬
‫إىل الرتب العالية‪.‬‬

‫(‪)182/1‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بصل إىل احلكم إال أصحاب الصحا ف السود يَر املكشولة‪ ،‬وهمالء سيكونون أمناء‬
‫على تنفيذ أوامران؛ رشية الفضيحة والتشهَر‪ ،‬كما نقو بصنع الزعامات وإضفاء العظمة والبطولة‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنستعني ابالنقماابت والثورات كلما رأبنا لا د لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬لقد أنشأان قواان اَخفية لتحقيق أهدالنا‪ ،‬ولكن البها م من األِميني جيهلون أسرارها لوثقوا‬
‫هبا‪ ،‬وانتسبوا إىل حماللها‪ ،‬لسيطران عليهم وسخرانهم َخدمتنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬إن تشتيت شعب هللا املختار نعمة وليست ضعفا‪ ،‬وهو الذي ألضى بنا إىل السياد‬
‫العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ستكون كل دور النشر أببدبنا‪ ،‬وستكون سجمات التعبَر عن الفكر اإلنساين بيد‬
‫حكومتنا‪ ،‬وكل دار ختالف لكران سنعمل على إيماقها ابسم القانون‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ستكون لنا جممات وصحف كثَر َمتلفة النزعات واملبادئ‪ ،‬وكلها ختد أهدالنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬ال بد أن نشغل يَران أبلوان رمابة من املماهي واأللعاب واملنتدايت العامة والفنون‬
‫واجلنس واملخدرات؛ لنلهيهم عن َمالفتنا أو التعرض ملخططاتنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنمحو كل ما هو مجاعي‪ ،‬وسنبدأ املرحلة بتغيَر اجلامعات‪ ،‬وسنعيد َتسيسها حسب‬
‫رططنا اَخاصة‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنتصرف مع كل من بقف يف طربقنا بكل عنف وقسو ‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬سنكثر من احملالل املاسونية‪ ،‬وننشرها يف كل وسط؛ لتوسيع نطاق سيطرتنا‪.‬‬
‫‪ -‬بقولون‪ :‬عندما تصبح السلطة يف أبدبنا لن نسمح بوجود دبن يَر دبننا على األرض‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)183/1‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫أججت الروح القومية عند اليهود منذ أايمها األوىل‪،‬‬
‫الصهيونية قدمية قد التورا نفسها‪ ،‬وهي اليت َّ‬
‫وحركة (هرتزل) إَنا هي ُتدبد وتنظيم للصهيونية القدمية‪.‬‬
‫‪ -‬تقو الصهيونية على تعاليم التورا احملرلة والتلمود‪ ،‬ولكن ال بد من اإلشار إىل أن عددا من‬
‫زعماء الصهيونية هم من املماحد ‪ ،‬واليهودبة عندهم ليست سوى ستار لتحقيق املطامع السياسية‬
‫واالقتصادبة‪.‬‬
‫‪ -‬تعترب أكثربة من اليهود ما بعرف ابلتلمود دستورا دبنيًّا هلم‪ ،‬وهو مملف من حبوث أحبار اليهود‬
‫ولقها هم‪ ،‬وقد رمسوا ليه احلدود لكل جوانب احليا اَخاصة والعامة‪ ،‬وقد ْد غون ليه من األحكا‬
‫والتعليمات ما غ‬
‫بربر وضعهم االجتماعي والسياسي‪ ،‬وما بغرس يف نفوسهم ونفوس أجياهلم الماحقة‬
‫احتقار اجملتمع البشري‪ ،‬وحب االنتقا منه‪ ،‬وأكل أموال الناس ابلباطل‪ ،‬والسطو على أرواحهم‬
‫وأعراضهم وأمواهلم‪ ،‬واستنزاف دماء يَر اليهود الستعماهلا يف بعض املناسبات الدبنية‪ ،‬حيث‬
‫بستعمل الد البشري بوضع نقط منه على لطَر الفصح أو يَره‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)184/1‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫الصهيونية هي الواجهة السياسية لليهودبة العاملية‪ ،‬وهي كما وصفها اليهود أنفسهم (مثل اإلله‬
‫اهلندي لشنو الذي له ما ة بد) لهي هلا يف غ‬
‫جل األجهز احلكومية يف العامل بد مسيطر موجهة‪ ،‬تعمل‬
‫ملصلحتها‪.‬‬
‫‪ -‬هي اليت تقود إسرا يل وختطط هلا‪.‬‬
‫‪ -‬املاسونية تتحرك بتعاليم الصهيونية وتوجيهاهتا وختضع هلا زعماء العامل ومفكربه‪.‬‬
‫‪ -‬للصهيونية مئات اجلمعيات يف أورواب وأمربكا يف َمتلف اجملاالت اليت تبدو متناقضة يف الظاهر‪،‬‬
‫لكنها كلها يف الواقع تعمل ملصلحة اليهودبة العاملية‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)185/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫هناك من ببال يف قو الصهيونية مبالغة كبَر جدًّا‪ ،‬وهناك من بهون من شأهنا‪ ،‬واحلقيقة‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫تضيع بني التهوبن والتهوبل‪.‬‬
‫ومن استقرأ الواقع تب َّني له أن اليهود بعيشون اخآن لرت ٍ‬
‫علو استثنا ية‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫حققوا الكثَر ِما بصبون إليه‪ ،‬والواقع بشهد بذلك‪.‬‬
‫ومل بكونوا ليحققوا ذلك إال ألسباب عدبد منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬أرذهم ابألسباب‪.‬‬
‫‪ - 2‬انغماس الناس يف الشهوات‪ ،‬وركوهنم للحيا الدنيا‪ ،‬ورصوصا املسلمني‪.‬‬
‫‪ - 3‬ترك لربضة اجلهاد‪ ،‬وتعطيل السنن الرابنية‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن هذا االستعماء االستثنا ي إَنا هو استدراج وإمماء وإمهال من هللا هلم‪ ،‬وهو يف الوقت نفسه‬
‫امتحان للمسلمني وعقوبة هلم‪.‬‬
‫‪ - 5‬اَخواء الروحي عند الغرب‪ ،‬والطغيان الكنسي‪.‬‬
‫‪ - 6‬ختلغي أمة اإلسما عن مهمتها يف قوامة البشربة‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق َّ‬
‫حقق اليهود كثَرا من أهدالهم‪.‬‬
‫وهم عندما بضعون اَخطط ال بستطيعون اجلز بتحقيقها‪ ،‬ويالبا ما خيفقون‪ ،‬إال أهنم بضعون‬
‫احتماالت كثَر لكل عمل بعملونه‪.‬‬
‫وما نراه اخآن يف هذا العامل دليل واضح على أهنم جنحوا يف تنفيذ َمططاهتم‪.‬‬
‫ومن رمال نظر سربعة على اإلعما العاملي‪ ،‬والتعليم‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬واالجتماع‪ ،‬والرايضة‪ ،‬والفن بتبني‬
‫لنا مدى جناحهم‪.‬‬
‫ولعل أهم هدف سعوا من أجله واجتهدوا يف احلصول عليه هو استيطاهنم يف للسطني‪ ،‬لما سبب‬
‫حرصهم عليها؟ وكيف حصلوا عليها؟ وهل اكتفوا هبا؟ وماذا بربدون بعد ذلك؟‬
‫هذا ما سيتبني يف الفقر اخآتية‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪102 ،101‬‬

‫(‪)186/1‬‬

‫أ ‪ -‬سبب حرص الصهابنة على للسطني‪:‬‬


‫أما سبب حرص الصهابنة على للسطني‪ :‬لذلك راجع العتقادهم أهنا أرض امليعاد اليت سيعود إليها‬
‫اليهود‪ ،‬وجيتمعون ليها‪ ،‬وذلك حسب ما جاء يف كتبهم احملرلة‪ ،‬كذلك حرصوا على للسطني ملوقعها‬
‫اجلغرايف االسرتاتيجي‪ ،‬الذي بهدلون من ورا ه إىل احتمال العامل‪.‬‬
‫صرح به (انحو يولدمان) قا ما‪( :‬مل خيرت اليهود للسطني ملعناها التوراِت ابلنسبة‬
‫وبمبد ذلك ما َّ‬
‫سنواي بسبب التبخر قيمة ثماثة آالف مليار دوالر من‬
‫إليهم‪ ،‬وال ألن مياه البحر امليت تعطي ًّ‬
‫املعادن‪ ،‬وأشباه املعادن‪ ،‬وليس أبضا ألن َمزون للسطني من البرتول بعادل عشربن مر َمزون‬
‫األمربكتني جمتمعتني‪ ،‬بل ألن للسطني نقطة االرتكاز احلقيقية لكل قوى العامل‪ ،‬وألهنا املركز‬
‫االسرتاتيجي العسكري للسيطر على العامل)‪.‬‬
‫مر بنا موقف السلطان عبد احلميد من طلب‬ ‫ومن هذا املنطلق َّ‬
‫جد اليهود يف احلصول عليها‪ ،‬وقد َّ‬
‫ومر بنا سعيهم يف اإلطاحة به وجناحهم يف ذلك‪.‬‬
‫اليهود‪َّ ،‬‬
‫ومنذ أن سقط السلطان عبد احلميد لتحت للسطني أبواهبا للهجر اليهودبة‪ ،‬وجرى املخطط يف‬
‫طربقه إىل يابته عن طربق (هرتزل) وحلفا ه‪.‬‬
‫ومتت ممامر إجنليزبة أررى كانت الدعامة األوىل إلسرا يل‪ ،‬وهي اليت منحت اليهود وعد بلفور عا‬
‫(‪ ، )1917‬وهي اليت َه َّجرت ثمااما ة ألف بهودي ما بني عا (‪. )1939 - 1922‬‬
‫ويف أيسطس عا (‪ , )1923‬مت هتجَر اليهود األملان ألرض للسطني (أرض امليعاد) كما بزعمون‪،‬‬
‫واليهود األملان هم أرطر وأهم بهود األرض‪ ،‬وهم الذبن حركوا الصناعة اليهودبة‪ ،‬وانبعثت على‬
‫أبدبهم الصناعة‪ ،‬وذلك مبا سرقوه وتعلَّموه من األملان‪ ،‬وهم أرقى وأعلم اليهود‪.‬‬
‫ولذا لهم يف املناصب العسكربة‪ ،‬والبحوث العلمية‪ ،‬وقد حرص (هرتزل) على هتجَرهم‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص‪103 ،102‬‬

‫(‪)187/1‬‬

‫ب‪ -‬وعد بلفور‪:‬‬


‫ُّ‬
‫بعد وعد بلفور الدعامة األوىل إلسرا يل؛ لما هو ذلك الوعد‪ ،‬وما أسبابه‪ ،‬وماذا بتضمن؟‬
‫وعد بلفور‪ :‬هو ذلك الوعد الذي أصدرته احلكومة الرببطانية إبنشاء الوطن القومي اليهودي يف‬
‫للسطني‪ ،‬وذلك يف الثاين من نولمرب عا (‪. )1917‬‬
‫وقد تواتر أن الباعث األعظم الذي حقق حلم الصهيونية هو ما رواه (لوبد جورج) ر يس الوزار‬
‫الرببطانية األسبق يف مذكراته عن الدور الذي قا به وابزمان يف ردمة بربطانيا إابن احلرب العظمى‪،‬‬
‫وذلك عندما ساعد بربطانيا يف استخراج ماد األسيتون اليت تستخد يف صنع الذرا ر احلربية اليت‬
‫كانت تستخرج من رشب األشجار‪ ،‬وكان استخراجها بكميات كالية حيتاج إىل مقادبر ها لة من‬
‫اَخشب‪ ،‬وليس يف إجنلرتا ياابت كثَر تفي هبذه احلاجة‪ ،‬لكانت تستورد من أمربكا‪ ،‬واألسعار‬
‫ارتفعت‪.‬‬
‫وأرَرا اهتدى لوبد‪ -‬وكان بومئذ ر يس جلنة الذرا ر‪ -‬إىل أستاذ ابرع يف الكيمياء وضع مواهبه حتت‬
‫تصرف بربطانيا‪ ،‬وهو الدكتور (وابزمان) الذي أصبح بعد ذلك مشهورا‪ ،‬وكان وابزمان مقتنعا أبن‬
‫أمل الصهيونية رهني ابنتصار احللفاء؛ لاستطاع بعد بضعة أسابيع أن بستخرج املاد املطلوبة‬
‫حل‬
‫األسيتون من عناصر أررى يَر اَخشب‪ ،‬مثل احلبوب والذر على وجه اَخصوص‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫لرببطانيا أعوص مشكلة عانتها أثناء احلرب‪.‬‬
‫ورلض الدكتور (وابزمان) كل جزاء مقابل عمله‪ ،‬بشرط أن تصنع بربطانيا شيئا يف سبيل الوطن‬
‫القومي اليهودي‪.‬‬
‫وملا توىل (لوبد جورج) رائسة الوزار راطب بلفور أبن بربطانيا تربد أن ُتتذب إىل صفها اليهود يف‬
‫الدول اجملاور ‪ ،‬وكانوا ميالني إىل أملانيا لسخطهم على روسيا‪ ،‬وكان لذلك أثره على وعد بلفور‪.‬‬
‫وبعبار أررى لإن بربطانيا ريبت يف مكالأ إسرا يل على عملها‪ ،‬ومساعدهتا هلا يف احلرب‪ ،‬وريبت‬
‫أبضا يف كسب اليهود‪ ،‬لكان ذلك الوعد ‪ ...‬عا (‪. )1917‬‬
‫وكان الثمن إعطاء ما ال ميلك شيئا ملن ال بستحق شيئا‪.‬‬
‫وبعد ذلك تتابعت اهلجر اليهودبة من شىت أقطار العامل‪ ،‬وانصهرت يف بوتقة اليهودبة أكثر من سبعني‬
‫جنسية من مصر‪ ،‬واليمن‪ ،‬واحلبشة‪ ،‬والعراق‪ ،‬واهلند‪ ،‬وأوراب‪ ،‬وروسيا‪ ،‬وأمربكا‪ ،‬ويَرها‪.‬‬
‫ويف عا (‪ , )1948‬ارتفع عدد اليهود من مخسني ألف مهاجر إىل ستما ة ومخسني ألفا‪ ،‬مث تتابعت‬
‫اهلجرات من كل أحناء العامل‪.‬‬
‫وآرر ما حصل من ذلك هتجَر بهود الفماشا من احلبشة‪ ،‬وحماوالت هتجَر اليهود الروس‪ ،‬وصدق‬
‫هللا تعاىل‪ :‬لَغإذَا جاء و يع ْد غ‬
‫اخآر َرغ غج يئـنَا بغ ْك يم لَغفيفا [اإلسراء‪.]104 :‬‬ ‫َ َ‬
‫ولعل تلك اهلجرات مصداق لآلايت‪ ،‬واألحادبث اليت أرربت بذلك‪.‬‬
‫وبريم تلك العمليات التهجَربة‪ ،‬لإن هناك كثَرا من اليهود مل بستجب للعود إىل للسطني‪ ،‬وليس‬
‫ذلك كرها لفلسطني‪ ،‬وإَنا ذلك َخولهم من الذبح يف للسطني‪ ،‬لهم بعلمون من كتبهم أبهنم‬
‫سيذحبون بسيوف عباد هللا‪ ،‬وأهنم يف للسطني سيدلنون بما أحفاد‪.‬‬
‫وهلذا لإن كثَرا منهم هاجر من للسطني بعد أن هاجر إليها‪.‬‬
‫وما هذا الوعد إال سلسلة من التعاون بني اليهود والنصارى الذبن بودون إبعاد املسلمني عن دبنهم‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد – ص ‪105 - 103‬‬

‫(‪)188/1‬‬
‫ج‪ -‬الوعود البلفوربة‪:‬‬
‫‪Balfour Declarations‬‬
‫« الوعود البلفوربة» مصطلح نستخدمه لإلشار إىل جمموعة من التصرحيات اليت أصدرها بعض رجال‬
‫السياسة يف الغرب بدعون ليها اليهود إلقامة وطن قومي هلم يف للسطني‪ ،‬وبعدون بدعمه وَتمينه‬
‫نظَر أن بقو اليهود على ردمة مصاحل الدولة الراعية‪ ،‬أي أهنا دعو لتوقيع العقد الصامت بني‬
‫احلضار الغربية واملنظمة الصهيونية‪.‬‬
‫والوعود البلفوربة تعبَر عن َنوذج كامن يف احلضار الغربية بضرب جبذوره ليها‪ .‬وهي حضار تنحو‬
‫عضواي‪ ،‬وُتعل التماسك العضوي مثما أعلى‪ .‬ونظرا ألن التماسك العضوي هو املثل األعلى‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫منحى‬
‫لإن عد التجانس بصبح سلبيًّا كربها‪ .‬وبنتج عن هذه الرؤبة للكون رلض اخآرر يف شكل األقليات‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬جند أن احلضار الغربية (واملسيحية الغربية) مل تتوصل إىل إطار تتعامل من رماله مع‬
‫األقليات‪ ،‬وابلذات اليهود‪ ،‬وإَنا مهَّشتهم (شعب شاهد) وحوسلتهم (مجاعة وظيفية)‪ .‬ومنذ عصر‬
‫النهضة الغربية والثور العلمانية الشاملة‪ ،‬بدأت أزمة اجلماعات اليهودبة‪ ،‬وظهرت الصيغة الصهيونية‬
‫األساسية الشاملة اليت تْـ َع ُّد جزءا من لكر العقد الصامت بني احلضار الغربية واحلركة الصهيونية‬
‫بشأن بهود العامل‪ :‬شعب عضوي منبوذ ـ انلع ـ بْن َقل رارج أوراب إىل للسطني؛ ليْوظَّف لصاحلها يف‬
‫إطار الدولة الوظيفية‪.‬‬
‫واستمرت حىت صدور وعد بلفور عا‬
‫َّ‬ ‫وقد صدرت معظم الوعود البلفوربة يف القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫(‪ ، )1917‬الذي حسم مسألة عماقة اليهود ابحلضار الغربية‪ .‬وسنقو مبحاولة حتليل عدد من‬
‫الوعود البلفوربة‪ ،‬وسنقسمها إىل ثماثة عناصر أساسية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نص الوعد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الدبباجة العلنية (أو األسباب املعلنة) اليت عاد ما ترد يف الوعد نفسه أو يف جمال الدلاع عنه‪.‬‬
‫أي من الوعود‪ ،‬وعلينا أن نبحث عنها‬‫‪ 3‬ـ الدوالع اَخفية (العميقة أو احلقيقية) وهي عاد ال ترد يف ٍ‬
‫عترب انبليون‬ ‫غ‬
‫يف نصوص وحقا ق اترخيية تشكل السياق التارخيي للوعد البلفوري موضع البحث‪ .‬وبْ َ‬
‫بلفوراي‪ ،‬وهو أبضا أول ياز للشرق يف العصر‬
‫ًّ‬ ‫بوانبرت من أوا ل القاد الغربيني الذبن أصدروا وعدا‬
‫احلدبث‪ .‬وليما بلي اجلزء املهم من نص الوعد‪:‬‬
‫(من انبليون القا د األعلى للقوات املسلحة للجمهوربة الفرنسية يف ألربقيا وآسيا إىل ورثة للسطني‬
‫الشرعيني‪.‬‬
‫أبها اإلسرا يليون‪ ،‬أبها الشعب الفربد‪ ،‬الذبن مل تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم امسهم‬
‫ووجودهم القومي‪ ،‬وإن كانت قد سلبتهم أرض األجداد لقط‪.‬‬

‫(‪)189/1‬‬

‫إن مراقَب مصا ر الشعوب الواعني احملابدبن ـ وإن مل تكن هلم مواهب املتنبئني مثل إشعياء وبو يل ـ قد‬
‫أدركوا ما تنبَّأ به همالء إبمياهنم الرليع من دمار وشيك ململكتهم ووطنهم‪ :‬أدركوا أن عتقاء اإلله‬
‫سيعودون لصهيون وهم بغنُّون‪ ،‬وسيْولَد االبتهاج بتَملُّكهم إرثهم دون إزعاج‪ ،‬لرحا دا ما يف نفوسهم‬
‫(إشعياء (‪ 10 /35‬اهنضوا إذن بسرور أبها املبعدون‪ .‬إن حراب مل بشهد هلا التاربخ مثيما‪ ،‬ختوضها أمة‬
‫قسم بينهم‬
‫دلاعا عن نفسها بعد أن اعترب أعداؤها أرضها اليت توارثوها عن األجداد ينيمة بنبغي أن تْ َّ‬
‫حسب أهوا هم‪ .‬وجبر قلم من جملس الوزراء تقو للثأر وللعار الذي حلق هبا وابألمم األررى البعيد ‪.‬‬
‫ولقد نْسي ذلك العار حتت قيد العبودبة واَخزي الذي أصابكم منذ ألفي عا ‪ .‬ولئن كان الوقت‬
‫والظروف يَر مما مة للتصربح مبطالبكم أو التعبَر عنها‪ ،‬بل وإريامكم على التخلي عنها‪ ،‬لإن‬
‫لرنسا تقد لكم إرث إسرا يل يف هذا الوقت ابلذات‪ ،‬وعلى عكس مجيع التوقعات‪ ،‬إن اجليش الذي‬
‫مقرا لقيادِت‪ ،‬ورمال‬
‫أرسلتين العنابة اإلهلية به‪ ،‬والذي بقوده العدل وبواكبه النصر‪ ،‬جعل القدس ًّ‬
‫بضعة أاي سينتقل إىل دمشق اجملاور اليت مل تَـ ْعد تْرهب مدبنة داود‪ .‬اي ورثة للسطني الشرعيني‪ :‬إن‬
‫األمة اليت ال تتاجر ابلرجال واألوطان‪ ،‬كما لعل أولئك الذبن ابعوا أجدادهم جلميع الشعوب (بو يل‬
‫‪ ،( 6 /4‬تدعوكم ال لماستيماء على إرثكم بل ألرذ ما مت لتحه واالحتفاظ به بضماهنا وَتبيدها ضد‬
‫كل الدرماء‪ .‬اهنضوا وأظهروا أن قو الطغا القاهر مل ْختمد شجاعة أحفاد همالء األبطال الذبن كان‬
‫َحتالْفهم األروي شرلا إلسربطة وروما (مكابيون ‪ ،( 15 /12‬وأن معاملة العبودبة اليت دامت ألفي‬
‫عا مل تْفلح يف إمخادها‪ .‬سارعوا! إن هذه هي اللحظة املناسبة ـ اليت قد ال تتكرر خآالف السنني ـ‬
‫للمطالبة ابستعاد حقوقكم ومكانتكم بني شعوب العامل‪ ،‬تلك احلقوق اليت ْسلبت منكم خآالف‬
‫السنني‪ ،‬وهي وجودكم السياسي كأمة بني األمم‪ ،‬وحقكم الطبيعي يف عباد بهوه‪ ،‬طبقا لعقيدتكم‪،‬‬
‫علنا وإىل األبد‪( .‬بو يل ‪ ).20 /4‬وليما بتعلق بوعد انبليون البلفوري‪ ،‬ميكن مماحظة ما بلي‪:‬‬
‫(تقد لرنسا للسطني لليهود يف هذا الوقت ابلذات‪ ،‬وعلى‬‫‪ 1‬ـ جوهر الوعد هو العبار التالية‪ :‬غ‬
‫عكس مجيع التوقعات ‪ ...‬وهذه هي اللحظة املناسبة اليت قد ال تتكرر خآالف السنني)‪( .‬تدعوكم‬
‫(لرنسا) ال لماستيماء على إرثكم بل ألرذ ما مت لتحه واالحتفاظ به بضماهنا وَتبيدها ضد كل‬
‫الدرماء)‪( .‬وجودكم السياسي كأمة بني األمم‪ ،‬وحقكم الطبيعي يف عباد بهوه طبقا لعقيدتكم‪ ،‬علنا‬
‫وإىل األبد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ال خيتلف تصربح انبليون عن وعد بلفور‪ ،‬لنابليون بعترب أعضاء اجلماعات اليهودبة شعبا يرببا‬
‫وجه انبليون نداءه إىل‬
‫عن وطنه (وهو ما بعين إسقاط املواطنة عنه) وهو شعب مرتبط بفلسطني‪ .‬وقد َّ‬
‫(الشعب الفربد) و (املبعدبن) الذبن عاشوا (حتت قيد العبودبة واَخزي ‪ ...‬منذ ألف عا ) و (ورثة‬
‫للسطني الشرعيني) (أي‪ :‬الشعب العضوي املنبوذ) أبن بتبعوا لرنسا اليت ستقد هلم إرث إسرا يل‪،‬‬
‫أي‪ :‬أرض للسطني‪ ،‬أي‪ :‬أهنم سيتم رروجهم من لرنسا وتوطينهم يف للسطني‪.‬‬

‫(‪)190/1‬‬

‫‪ 3‬ـ مث أنِت اثلثا إىل الدوالع اَخفية احلقيقية‪ ،‬وليس من الصعب ختمينها‪ ،‬لنابليون مل بَ ْك ين بْ غك ُّن كثَرا‬
‫من احلب أو االحرتا لليهود‪ ،‬وهذا بظهر يف تشربعاته دارل لرنسا‪ .‬ولذا لإن إرساهلم إىل للسطني‬
‫ليه حل للمسألة اليهودبة يف لرنسا (واليت كانت قد بدأت يف التفاقم)‪ .‬ومع هذا كان انبليون بهدف‬
‫إىل توظيف اليهود يف ردمة مشاربعه وحتوبلهم إىل عمماء له‪ ،‬وهذا ما قاله ملك إبطاليا هلرتزل (وقد‬
‫والقه الزعيم الصهيوين على رأبه)‪ .‬ولعل إشار انبليون إىل التقاليد املكابية هو إشار رفية للدور‬
‫القتاِل (اململوكي) الذي ميكن أن تلعبه الدولة اليهودبة املقرتحة يف ردمة املصاحل الغربية‪.‬‬
‫وقد صدرت أبضا عد وعود بلفوربة أملانية‪ .‬وميكننا هنا أن نتوقف قليما عند واحد من أهم‬
‫إسهامات (هرتزل) للحركة الصهيونية‪ ،‬وهو أنه إذا كانت الفكر الصهيونية إمكانية كامنة يف احلضار‬
‫الغربية تود أن تتحقق‪ ،‬للم بكن إبمكاهنا أن خترج من عامل الوجود ابلقو إىل عامل الوجود ابلفعل إال‬
‫من رمال آليات حمدد ‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫تنظيم املاد البشربة (اليهودبة) اليت سيتم ترحيلها‪ ،‬وَتسيس إطار تنظيمي بستطيع أن َّ‬
‫بتلقى الوعود‪،‬‬
‫وأن بقو بتنفيذها‪ .‬وحينما أصدر انبليون وعده البلفوري مل بكن هناك تنظيم بهودي ميكنه غ‬
‫تلقي هذا‬
‫الوعد‪ ،‬والعمل على تسخَر املاد البشربة لتنفيذه‪ .‬وهذا ما أجنزه (هرتزل) بعد أن نشر كتابه (دولة‬
‫لقرر‬
‫اليهود) الذي وضَّح ليه ما نسميه «العقد الصامت بني احلضار الغربية واحلركة الصهيونية»‪َّ .‬‬
‫(هرتزل) أن أيرذ بزما األمور‪ ،‬وأن بتوجه للدول العظمى‪ .‬وقد ساعده يف مسعاه هذا القس‬
‫(الواعظ) الصهيوين نصف اجملنون (هشلر) إذ قدمه إىل أحد كبار املسئولني األملان الذي حتدَّث إىل‬
‫القيصر عن املوضوع‪ .‬وكانت امر هذه االتصاالت وعد بلفوري ورد يف رطاب من دون إبلونربج‬
‫ابسم حكومة القيصر إىل (هرتزل) ممرخ يف سبتمرب (‪ )1898‬وجاء ليه‪:‬‬
‫(إن صاحب اجلمالة على استعداد أكيد أن بناقش األمر (توطني اليهود) مع السلطان‪ ،‬وأنه سيسعده‬
‫أن بستمع إىل مزبد من التفاصيل منكم يف القدس‪ .‬وقد أصدر جمالته أوامره أبن تْذلغل كل الصعاب‬
‫اليت تواجه استقبال ولدكم‪ .‬وأرَرا حيب جمالته أن خيربكم عن استعداده أن أيرذ على عاتقه مسئولية‬
‫حممية (بهودبة) يف حالة َتسيسها‪ .‬وجمالته حينما بكشف لكم عن نواايه‪ ،‬لهو غ‬
‫بعول‪ ،‬بطبيعة احلال‪،‬‬
‫على مقدرتكم على الكتمان‪ .‬وكم بسعدين أن أنقل لكم هذه املعلومات‪ ،‬وأمتىن أن تنجح يف الوصول‬
‫إىل القدس يف املوعد احملدد‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬لإن لشلكم يف هذا سيسبب جلمالته ريبة األمل‪ .‬وأترك‬
‫لكم‪ -‬مبا تتميزون به من لباقة‪ -‬أن تقرروا ما إذا كنتم تودون الوصول إىل إستنبول يف الوقت الذي‬
‫بصل ليه جمالته إليها أ ال)‪.‬‬
‫وميكننا مماحظة ما بلي‪:‬‬
‫وجد يف العبار ‪( :‬حيب جمالته أن خيربكم عن استعداده أن أيرذ على عاتقه‬
‫‪ 1‬ـ جوهر الوعد بْ َ‬
‫مسئولية حممية (بهودبة) يف حالة َتسيسها (وأنه) على استعداد أكيد أن بناقش األمر (توطني اليهود)‬
‫مع السلطان‪.‬‬

‫(‪)191/1‬‬

‫أي أثر‪ ،‬لقيصر أملانيا مل‬


‫‪ 2‬ـ وإذا انتقلنا بعد ذلك إىل الدبباجة العلنية والنوااي املعلنة‪ ،‬لإننا لن جند هلا َّ‬
‫بكن حتت أبة ضغوط للبحث عن مسويات رومانسية‪ ،‬بل إن العكس يف حالته هو الصحيح؛ إذ كان‬
‫عليه أن بربر أما شعبه مسألة تعاطفه مع املشروع الصهيوين وَتبيده له‪ ،‬بل واستعداده ألن بضع‬
‫رسل إىل دوق‬
‫الصهابنة حتت محابته‪ .‬وكما قال يف رطابه املمرخ (‪ )29‬سبتمرب (‪ , )1898‬واملْ َ‬
‫ابدن‪ ،‬لإن تسعة أعشار شعبه سيْص َد صدمة عميقة إذا اكتشف هذه احلقيقة‪ .‬لاليهود ـ كما بقول ـ‬
‫هم قتلة املسيح‪ ،‬وهو بعرتف هبذه احلقيقة‪ ،‬ولكنه بضيف قا ما‪( :‬إن اإلله قد أنزل هبم العقاب على‬
‫ما اقرتلوه من آاث ‪ ،‬إال أنه مل أيمر املسيحيني أبن بسيئوا معاملة هذا الشعب)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وأما العنصر الثالث‪ ،‬أي‪ :‬الدوالع احلقيقية اَخفية‪ ،‬لهي موجود وبغزار ‪ ،‬يف رطاب القيصر‬
‫املذكور‪ ،‬ويف تعليقه على تقربر سفَر أملانيا يف سوبسرا عن املممتر الصهيوين األول (‪ , )1897‬لهو‬
‫يف جمال تسوب تعاونه مع (قتلة املسيح) بورد األسباب التالية لتأبيد أملانيا للمشروع الصهيوين‪:‬‬
‫أ) سينتج عن توطني شعب إسرا يل رراء للمنطقة‪ ،‬وال سيما أن املمابني ستصب يف األكياس‬
‫العثمانية‪ ،‬األمر الذي قد بمدي إىل شفاء الرجل املربض‪.‬‬
‫وجه طاقة اليهود ومواهبهم إىل أهداف أكثر نبما من استغمال املسيحيني‪.‬‬
‫ب) ستْ َّ‬
‫جـ) إلراغ أملانيا من اليهود الذبن ليها (وكلما عجلوا ابلذهاب ‪ ، ..‬كان ذلك ألضل‪ .‬للن أضع أبة‬
‫عراقيل يف طربقهم)‪.‬‬
‫د) إذا ْحبثت املسألة من منظور احلقا ق السياسية (ال األرماقية)‪ ،‬لإن أملانيا ستستفيد يابة‬
‫االستفاد ؛ ألن رأس املال اليهودي العاملي‪ ،‬بكل رطورته‪ ،‬سينظر بعني العرلان إىل أملانيا‪.‬‬
‫ولعل موقف القيصر من اليهود‪ ،‬مبا بتسم به من كره عميق هلم‪ ،‬وترحيب شدبد ابلتخلص منهم‪،‬‬
‫واستعداد ات لتوظيفهم يف ردمة املصاحل األملانية‪ -‬ال خيتلف كثَرا عن موقف انبليون من قبله‪ ،‬أو‬
‫موقف بلفور من بعده‪.‬‬
‫وريم وعود القيصر‪ ،‬وريم حرصه على غ‬
‫تبين املشروع الصهيوين‪ ،‬إال أنه مل بكن مدركا مدى ْع يمق‬
‫الرلض العثماين للمشروع الصهيوين‪ ،‬وهو األمر الذي أدركه إابن زايرته إلستنبول‪ .‬ولذا‪ ،‬لحينما مت‬
‫اللقاء يف هنابة األمر يف القدس‪ ،‬حيث كان من املتوقع أن بْصدر القيصر وعده البلفوري العلين‬
‫الكامل‪ ،‬تراجع واكتفى ببعض اجملاممات اَخالية من املعىن‪.‬‬

‫(‪)192/1‬‬

‫ومن األمثلة األررى على الوعود البلفوربة‪ :‬الوعد البلفوري الروسي القيصري‪ .‬لقد قا (هرتزل)‬
‫مبقابلة لون بليفيه‪ ،‬وزبر الدارلية الروسي املعادي لليهود‪ ،‬بتفوبض من املممتر الصهيوين اَخامس‬
‫صل على تصربح بْ غ‬
‫عرب عن نوااي الروس بتلوه يف املممتر الصهيوين السادس املزمع‬ ‫(‪ ، )1901‬حىت َحي ْ‬
‫ص َدر الوعد البلفوري القيصري على النحو التاِل (يف شكل رسالة‬
‫عقده سنة (‪ . )1903‬وابلفعل‪َ ،‬‬
‫وجهها لون بليفيه إىل تيودور هرتزل)‪ .‬وهذا هو منطوق الوعد‪( :‬ما دامت الصهيونية حتاول َتسيس‬
‫َّ‬
‫دولة مستقلة يف للسطني‪ ،‬وتنظيم هجر اليهود الروس‪ ،‬لمن املمكد أن تظل احلكومة الروسية حتبذ‬
‫ذلك‪ .‬وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على َتبيد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت اإلجراءات‬
‫توصل (هرتزل) أبضا إىل اتفاق مع‬
‫العملية اليت بفكر ليها على ختفيف عدد اليهود يف روسيا)‪ .‬وقد َّ‬
‫املسئولني الروس مفاده‪ :‬أ ين تبذل احلكومة الروسية مساعيها احلميد لدى تركيا؛ لتسهيل درول‬
‫اليهود إىل للسطني‪ .‬وستقد مساعدات مالية للمهاجربن ُْت َمع من مصادر بهودبة‪ ،‬وستْ غ‬
‫سهل تنظيم‬
‫اجلمعيات الصهيونية امللتزمة بربانمج ابزل‪ .‬وقد ْمسح أبضا لبنك االستيطان اليهودي ببيع أسهمه يف‬
‫روسيا شربطة أن بفتح لرعا له يف البلد لكي تستطيع السلطات مراقبة عمليات البيع‪ .‬كذلك قا‬
‫(بليفيه) بتزوبد (هرتزل) برسالة موقعة منه‪ ،‬وبعد أن حبث حمتوايهتا مع القيصر‪ ،‬أعلن ليها أن احلكومة‬
‫الروسية تنظر بعني العطف إىل الصهيونية ما دا هدلها إقامة دولة مستقلة يف للسطني‪ ،‬وأهنا على‬
‫استعداد ملساعدهتا‪ .‬وهذه املساعد قد تتخذ شكل محابة املمثلني الصهابنة أما احلكومة العثمانية‪،‬‬
‫استغل‬
‫َّ‬ ‫وتسهيل نشاط مجعيات اهلجر ومساعدهتا ماليًّا من الضرا ب اليت ُْتىب من اليهود‪ .‬وقد‬
‫ماحظ أنه ال توجد أبة دبباجات رومانسية يف‬
‫(هرتزل) هذه الرسالة‪ ،‬يف أكثر من مناسبة‪ ،‬ليما بعد‪ .‬وبْ َ‬
‫هذا الوعد‪ ،‬لهو مسألة تعاقدبة جالة بتحدث ليها كل طرف عن الفا د املرجو وعلى العا د من‬
‫الصفقة‪ .‬ولذا‪ ،‬لقد َّ‬
‫أكد لون بليفيه‪ -‬دون مواربة أو حياء‪ -‬أن اهلدف هو التخلص من اليهود عامة‪،‬‬
‫ابستثناء األثرايء منهم‪ ،‬وجاء هذا واضحا يف قوله‪ ... ( :‬إن جناح اليهود يف إقامة دولة مستقلة هلم‬
‫تستوعب عد ممابني منهم هلو أمر نقبله وندعمه ‪ ...‬إننا ال نربد التخلص من مجيع اليهود الروس‬
‫‪ ...‬إننا نربد لقط التخلص من املعدمني واملضطربني)‪َّ .‬‬
‫وحذر لون بليفيه من أن التأبيد الروسي‬
‫القيصري سيتم سحبه إن كان هدف الصهيونية‪ ،‬يَر املعلن‪ ،‬هو حتقيق تركيز قومي لليهود يف روسيا‪،‬‬
‫لالدعم الروسي مشروط ابلتخلص من اليهود‪.‬‬

‫(‪)193/1‬‬

‫وقد كان ذلك مفهوما متاما لدى (هرتزل) الذي أكد يف مفاوضاته مع بليفيه أن احلركة الصهيونية‬
‫(ستستقطب مجيع اليهود وضمنهم املتطرلون (أي‪ :‬العناصر الثوربة اليت كانت تقض مضجع الدولة‬
‫الروسية القيصربة)‪ .‬أما إذا اهنارت آمالنا‪ ،‬لإن الوضع سينقلب رأسا على عقب‪ ،‬وستكسب‬
‫األحزاب الثوربة إىل صفولها أولئك الذبن سينسحبون من الصهيونية اليت أْمثغلها أان وزمما ي)‪ .‬كما‬
‫أن (هرتزل) لهم متاما حتذبر بليفيه‪ .‬وهكذا لإننا جنده‪ ،‬يف املممتر الصهيوين السادس (‪, )1903‬‬
‫بمكد للمجتمعني أن احلكومة الروسية لن تسبب أبة مشاكل للحركة الصهيونية‪ ،‬ما دا نشاطها‬
‫منحصرا ضمن النظا والقانون (أي‪ :‬يف عملية التخلص من اليهود‪ ،‬وتفرب روسيا منهم)‪ .‬واستطاع‬
‫(هرتزل) جبهد وتصميم أن حيول بني املممتر وبني مناقشة مذابح كيشينيف‪ ،‬وقد علَّق على املوضوع يف‬
‫رسالة بعث هبا إىل بليفيه قال ليها (‪ ... :‬ريم املصاعب اليت واجهتين يف إدار جلسات املممتر جبوها‬
‫املشحون نتيجة األحداث املمملة (مذابح كيشينيف)‪ ،‬إال أنين جنحت يف احملالظة على النظا وإعاد‬
‫اهلدوء إىل اجللسات ‪ ..‬وال شك يف أن الفضل بعود يف ذلك إىل رسالتكم اليت تكرمت إبرساهلا يف‬
‫(‪ )12‬أيسطس‪ ،‬واليت كشفت حمتوايهتا؛ ألمخد بذلك كل جدال اثر حول تلك األحداث)‪.‬‬
‫وميكن أن ننظر إىل مشروع شرق ألربقيا ابعتباره أحد أهم الوعود البلفوربة‪ ،‬وهو ال خيتلف كثَرا عن‬
‫الوعود البلفوربة اليت أشران إليها‪ ،‬وإن كان أكثر جدبة وأكثر حتدبدا منها‪ .‬كما أنه بشبه يف كثَر من‬
‫النواحي وعد بلفور الذي صدر يف هنابة األمر‪.‬‬

‫(‪)194/1‬‬

‫وقد صدر آرر الوعود البلفوربة عن أملانيا بعد صدور وعد بلفور نفسه عن إجنلرتا‪ ،‬إذ استغل‬
‫الصهابنة الوضع الدوِل الناشئ عن اجلمود الذي ساد جبهات القتال عا (‪ , )1916‬واُتهوا إىل‬
‫غ‬
‫حث احلكومة األملانية على إصدار بيان رمسي بتضمن العطف على الصهيونية يف للسطني‪ .‬ولكن‬
‫احلكومة األملانية كانت ال تزال مرتبطة بتحالف مع احلكومة العثمانية‪ .‬كما كانت ختشى أن بمدي‬
‫تدهور الوضع العسكري إىل أن تسارع احلكومة العثمانية بعقد صلح منفرد مع احللفاء‪ .‬وحيث إن‬
‫أملانيا لن تضحي بتحالفها من أجل الصهابنة‪ ،‬لإهنا ترددت كثَرا يف االستجابة للمطلب الصهيوين‪ .‬مث‬
‫صدر وعد بلفور نفسه عا (‪ ، )1917‬وعند هذه النقطة‪ .‬وحسبما جاء يف دراسة الدكتور حمالظة‪،‬‬
‫(اندلع الصهابنة بلحون على حكومة برلني لتلبية مطالبهم مع تشكيل وزار طلعت ابشا يف عا‬
‫(‪ ، )1917‬وحاولت احلكومة األملانية إرضاء الصهابنة بتَدرُّلها احلاسم إللغاء التدابَر العسكربة‬
‫اليت لرضها مجال ابشا على اليهود يف للسطني عا (‪ . )1917‬وبعد صدور تصربح بلفور‪ ،‬اُته‬
‫الصهابنة إىل برلني الستصدار تصربح ِماثل‪ .‬كما أنتهزوا زاير الصدر األعظم (طلعت ابشا) يف مطلع‬
‫بنابر (‪ ، )1918‬لقابله الزعيم الصهيوين ألفربد نوسيج الذي حبث معه موضوع اليهود يف الدولة‬
‫العثمانية (وِما جيدر ذكره أن هذا الزعيم الصهيوين أصبح عميما للجستابو النازي ليما بعد‪ ،‬كما‬
‫وضع رطة إلابد بهود أوراب‪ .‬وقد قبض عليه ثوار جيتو وارسو‪ .‬وبعد حماكمة قصَر ‪ ،‬نْـ غفذ ليه حكم‬
‫اإلعدا )‪ .‬وطلب نوسيج ابسم الصهابنة إلغاء القيود املفروضة على هجر اليهود إىل للسطني‪.‬‬
‫لوعدهم الصدر األعظم أبن الباب العاِل سوف بعيد تنظيم األوضاع حاملا تعود القدس وجنوب‬
‫للسطني إىل السياد العثمانية بصور تَك ْفل الرضا التا لليهود‪ ،‬وحتقق أمانيهم كالة‪ .‬وقد نْشر هذا‬
‫بلفوراي‬
‫ًّ‬ ‫التصربح يف الصحف األملانية يف اليو التاِل للقاء‪ .‬وال ميكن أن غ‬
‫نسمي هذا التصربح وعدا‬
‫مبعىن الكلمة‪ ،‬وإن كان بقرتب من ذلك‪ .‬ومن الواضح أن ذلك ميثل إحدى احليل اليت كانت‬
‫تستعملها الدولة العثمانية على ِمثلي العامل الغريب‪ ،‬وهو لن َمتلَّك العثمانيون انصيته نظرا لضعفهم‬
‫العسكري‪ .‬ولكن أمهية هذا التصربح ال تكمن ليه وإَنا يف أنه أعطى الضوء األرضر للدولة األملانية‪.‬‬
‫استمر الصهابنة يف ضغوطهم حىت حصلوا على تصربح من وكيل وزار اَخارجية األملانية يف اليو‬
‫َّ‬ ‫وقد‬
‫التاِل لتصربح الصدر األعظم‪ ،‬هذا نصه‪( :‬حنن نمبد ريبة األقليات اليهودبة‪ ،‬يف البلدان اليت هلم ليها‬
‫ثقالة متطور ‪ ،‬يف أن ختتط طربقها اَخاص هبا‪ ،‬وَنيل إىل دعم أمانيها‪ .‬أما ابلنسبة إىل أماين اليهود‪،‬‬
‫وخباصة أماين الصهابنة منهم يف للسطني‪ ،‬لإن احلكومة (األملانية) ترحب ابلتصربح الذي أدىل به‬
‫ممررا الصدر األعظم‪ ،‬طلعت ابشا‪ ،‬والذي غ‬
‫بعرب عن عز احلكومة الرتكية‪ ،‬املتفق مع نظرهتا الودبة‬
‫حنو اليهود بوجه عا ‪ ،‬على تنمية استقرار بهودي مزدهر يف للسطني‪ ،‬عن طربق اهلجر يَر املْقيد ‪،‬‬
‫واالستيطان ضمن قدر البماد االستيعابية‪ ،‬وقيا حكم ذاِت بتفق وقوانني البماد‪ ،‬والتطور احلر‬
‫ماحظ أن صياية هذا الوعد متيل حنو اإلهبا الشدبد‪ ،‬لهو بمكد حق اليهود املندجمني يف‬
‫حلضارهتا)‪ .‬وبْ َ‬
‫االستمرار يف اندماجهم‪ ،‬وهو مييغز بينهم وبني الصهابنة الذبن هلم أمان يف للسطني‪ ،‬حيث سيسمح‬
‫هلم (ابستقرار بهودي مزدهر يف للسطني)‪ ،‬وهي عبار يامضة حاول الوعد حتدبدها عن طربق عبار‬
‫(قيا حكم ذاِت)‪ ،‬مث عاد وعدَّهلا من رمال إضالة عبار (بتفق وقوانني البماد والتطور احلر‬
‫حلضارهتا)‪.‬‬

‫(‪)195/1‬‬

‫ولنماحظ أن لكر (قوانني البماد) حتل حمل عبار (القانون العا ) أو (القانون الدوِل) اليت ترد يف‬
‫األدبيات الصهيونية‪ ،‬رصوصا يف صيايتها اهلرتزلية‪ ،‬وهي عبار تعين‪( :‬حسب القانون الغريب أو‬
‫االستعماري)‪ .‬لكأن الوعد هنا بنزع املشروع الصهيوين من سياقه الغريب‪ ،‬وبضعه يف سياق عثماين‪،‬‬
‫األمر الذي بعين لقدانه كل معىن‪ ،‬لاملستوطنون الصهابنة كان معروضا عليهم دا ما أن حيصلوا على‬
‫املواطنة العثمانية‪ ،‬وبستقروا يف للسطني كعثمانيني ال كعنصر استيطاين اتبع لدولة يربية‪ .‬والقضية مل‬
‫تكن قضية عد آالف بهودي ال وطن هلم‪ ،‬أو مضطهدبن يف أوطاهنم وببحثون عن مأوى هلم‪ ،‬وإَنا‬
‫وجه يريب استعماري استيطاين رلض هذا‬ ‫هي قضية يَ يرس عنصر بشري يربب بتحول إىل دولة ذات تَ ُّ‬
‫استمر الصهابنة يف الضغط على الدولة العثمانية‪ .‬وكلَّف‬
‫َّ‬ ‫احلل‪ .‬وبعد صدور الوعد البلفوري األملاين‪،‬‬
‫الصدر األعظم‪ -‬بعد عودته من برلني‪ -‬النا ب اليهودي الرتكي قاراصو بتأليف جلنة بهودبة عثمانية‬
‫لوضع التفاصيل العملية إلنشاء شركة ذات امتياز يف إستنبول َّ‬
‫تتوىل العمل يف املناطق املأهولة ابليهود‬
‫إلقامة حكم ذاِت ليها‪ .‬وأمر طلعت ابشا بدراسة اَخطة اليت وضعهتا اللجنة‪ ،‬ووعد بتبنيها عند َيحبث‬
‫شروط الصلح بعد انتهاء احلرب‪ .‬وسعى الصهابنة‪ ،‬انطماقا من هذا الوعد‪ ،‬إىل احلصول على مزبد‬
‫من التنازالت من اجلانب العثماين‪ ،‬وإصدار تصربح عثماين ِماثل لتصربح بلفور‪ .‬وقد مت َّكنوا من‬
‫َّ‬
‫وتشكلت جلنة عثمانية لوضع ما جاء ليه‬ ‫احلصول على هذا التصربح يف (‪ )14‬متوز (‪، )1918‬‬
‫موضع التنفيذ‪.‬‬
‫وميكننا مماحظة ارتفاء الدبباجات العلنية املزررلة أو اإلشار إىل الدوالع احلقيقية‪ ،‬لما توجد أبة‬
‫إشار للشعب اليهودي أو أمانيه القومية أو ارتباطه األزِل ابألرض‪ ،‬وإَنا هي إشار روتينية إىل (أماين‬
‫الصهابنة) وحدبث عن استقرار بهودي مزدهر‪ .‬ومقابل هذا‪ ،‬ال توجد أبة إشار لكره اليهود أو‬
‫الريبة يف استخدامهم أو َتسيس حامية عسكربة بقطنون ليها كماد قتالية‪ .‬وال شك يف أن وجود‬
‫العثمانيني كطرف هو الذي ألضى إىل هذا الوضع‪ .‬لهم مل بتحمسوا قط للمشروع الصهيوين‪ ،‬بل‬
‫كانوا برونه جزءا من احملاولة الغربية لتفتيت حكمهم ودولتهم‪ .‬ومع هذا‪ ،‬لقد اضطروا كارهني‬
‫للدرول يف حوار مع الصهابنة‪ ،‬وتقدمي بعض التنازالت بسبب تدهور الوضع العسكري العا على‬
‫اجلبهات كالة‪ ،‬ولقدان معظم للسطني‪ ،‬واعتقاد الدولة العثمانية أن حتقيق بعض املطالب الصهيونية‬
‫قد ْحي غسن وضعها يف مممتر الصلح الذي كان مقبما‪.‬‬
‫وميكننا أن نقول‪ :‬إن وعد بلفور هو أهم حدث يف اتربخ الصهيونية واتربخ اجلماعات اليهودبة يف‬
‫العامل‪ ،‬كما أن أمهيته ابلنسبة لفلسطني والفلسطينيني ال ختفى على أحد‪.‬‬
‫وعد بلفور‬
‫‪Balfour Declaration‬‬
‫« وعد بلفور» هو التصربح الشهَر الذي أصدرته احلكومة الرببطانية عا (‪ , )1917‬تعلن ليه عن‬
‫تعاطفها مع األماين اليهودبة يف إنشاء وطن قومي لليهود يف للسطني‪ ،‬وحني صدر الوعد كان عدد‬
‫أعضاء اجلماعة اليهودبة يف للسطني ال بزبد عن ‪ %5‬من جمموع عدد السكان‪ .‬وقد أرذ الوعد‬
‫شكل رسالة بعث هبا لورد بلفور يف (‪ )2‬نولمرب (‪ , )1917‬إىل اللورد إدموند دي روتشيلد أحد‬
‫زعماء احلركة الصهيونية آنذاك‪ .‬وليما بلي النص الكامل للرسالة‪:‬‬

‫(‪)196/1‬‬

‫(عزبزي اللورد روتشيلد‪ :‬بسعدين كثَرا أن أهني إليكم‪ ،‬نيابة عن حكومة جمالة امللك‪ ،‬التصربح التاِل‬
‫تعاطفا مع أماين اليهود الصهابنة اليت قدَّموها‪ ،‬ووالق عليها جملس الوزراء‪ .‬إن حكومة جمالة امللك‬
‫تنظر بعني العطف إىل إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي يف للسطني‪ ،‬وسوف تبذل ما يف وسعها‬
‫لتيسَر حتقيق هذا اهلدف‪ .‬وليكن مفهوما جبماء أنه لن بتم شيء من شأنه اإلرمال ابحلقوق املدنية‬
‫للجماعات يَر اليهودبة املقيمة يف للسطني أو ابحلقوق أو األوضاع القانونية اليت بتمتع هبا اليهود يف‬
‫أبة دولة أررى‪ .‬وسوف أكون مدبنا ابلعرلان لو قمتم إببماغ هذا التصربح إىل االحتاد الصهيوين‪.‬‬
‫) إمضاء (‬
‫وليما بتصل هبذا النص‪ ،‬نماحظ ما بلى‪:‬‬
‫وجد هيئة حكومية (حكومة جمالة امللك) تمكد أهنا تنظر بعني‬
‫‪ 1‬ـ صيغة الوعد واضحة متاما هنا إذ تْ َ‬
‫العطف إىل إنشاء وطن قومي سيضم (الشعب اليهودي)‪ ،‬أي‪ :‬أنه مت االعرتاف ابليهود ال كماجئني أو‬
‫رَراي‪ ،‬ولكنه هدف سياسي (استعماري)‪.‬‬
‫مضطهدبن مساكني‪ ،‬كما أن اهلدف من الوعد ليس هدلا ًّ‬
‫كما أن هذه احلكومة اليت أصدرت الوعد لن تكتفي ابألمنيات‪ ،‬وإَنا سوف تبذل ما يف وسعها‬
‫لتيسَر حتقيق هذا اهلدف‪ .‬هذا هو اجلوهر الواضح للوعد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مث تبدأ بعد ذلك الدبباجات اليت هتدف إىل التغطية‪ ،‬لالوعد لن بضر مبصاحل اجلماعات يَر‬
‫اليهودبة املقيمة يف للسطني وال مبصاحل اجلماعات اليهودبة اليت ال تود املسامهة يف املشروع‬
‫الصهيوين‪ ،‬بل تود االستمرار يف التمتع مبا حققته من اندماج وحراك اجتماعي‪ .‬وسنماحظ أن‬
‫الدبباجات تتسم بكثَر من الغموض؛ إذ إن الوعد مل بتحدث عن كيفية ضمان هذه احلقوق‪.‬‬
‫مث أنِت اخآن لَلسباب اليت بوردها بعض املمررني (الصهابنة أو املتعاطفون مع الصهيونية) لتفسَر‬
‫إصدار إجنلرتا لوعد بلفور‪ .‬لهناك نظربة مفادها أن بلفور قد صدر يف موقفه هذا عن إحساس عميق‬
‫ابلشفقة ُتاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد‪ ،‬وأبن الوقت قد حان ألن تقو احلضار املسيحية‬
‫بعمل شيء لليهود‪ ،‬ولذلك لإنه كان برى أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعوبض التارخيية‪.‬‬
‫ولكن من الثابت اترخييًّا أن بلفور كان معاداي لليهود‪ ،‬وأنه حينما توىل رائسة الوزار اإلجنليزبة بني‬
‫عامي (‪1903‬و‪ , )1905‬هاجم اليهود املهاجربن إىل إجنلرتا؛ لرلضهم االندماج مع السكان‪،‬‬
‫واستصدر تشربعات حتد من اهلجر اليهودبة؛ َخشيته من الشر األكيد الذي قد بلحق ببماده‪.‬‬
‫وقد كان لوبد جورج ر يس الوزراء ال بقل كرها ألعضاء اجلماعات اليهودبة عن بلفور‪ ،‬متاما مثل‬
‫تشامربلني قبلهما‪ ،‬والذي كان وراء الوعد البلفوري اَخاص بشرق ألربقيا‪ .‬وبنطبق الوضع نفسه على‬
‫الشخصيات األساسية األررى وراء الوعد‪ ،‬مثل جورج ملنر وإاين مسطس‪ ،‬وكلها شخصيات لعبت‬
‫دورا أساسيًّا يف التشكيل االستعماري الغريب‪.‬‬

‫(‪)197/1‬‬
‫وبرى بعض املمررني أن إجنلرتا أصدرت الوعد تعبَرا عن اعرتالها ابجلميل لوابزمان؛ الررتاعه ماد‬
‫األسيتون احملرقة أثناء احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وهو تفسَر اتله ألقصى حد‪ ،‬ال بستحق الذكر إال ألنه‬
‫ورد يف بعض الدراسات الصهيونية والدراسات العربية املتأثر هبا‪ .‬وببدو أن وابزمان نفسه قد تقبَّل‬
‫هذا التفسَر بعض الوقت‪ .‬ولذا حينما توترت العماقات بني إجنلرتا واملستوطنني الصهابنة يف‬
‫األربعينيات‪ ،‬وضع وابزمان مواهبه العلمية حتت تصرف اإلمرباطوربة‪ ،‬متصورا أن إبمكانه ِمارسة بعض‬
‫التأثَر عليها‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬مل بْولَّق وابزمان يف مساعيه‪ .‬وليما بتصل جبهوده الدبلوماسية نفسها‬
‫أثناء احلرب‪ ،‬ميكن القول أبنه كان شخصية حمدود الذكاء‪ ،‬للم بدرك األبعاد اإلمربايلية للمشروع‬
‫الصهيوين أو لوحشية املشروع اإلمربايِل‪ ،‬ويَر مدرك حىت لدقا ق السياسة الرببطانية (وهذا هو‬
‫وصف موظفي اَخارجية الرببطانية له يف تقاربرهم السربة اليت مت الكشف عنها ممررا)‪ .‬وحينما‬
‫أندلعت احلرب العاملية األوىل‪ ،‬كان وابزمان قد وصل لتوه إىل سوبسرا يف إجاز صيفية‪ .‬مث اضطر إىل‬
‫لعرب عن روله من أن بكون‬
‫العود إىل بربطانيا‪ ،‬لطلب منه لوبد جورج أن بقابل هربرت صموبل‪َّ ،‬‬
‫صموبل مثل سا ر بهود إجنلرتا معاداي للصهيونية‪ ،‬ولكنه لوجئ أبن صموبل هذا صهيوين هو اخآرر‪.‬‬
‫وحينما َّ‬
‫تقد بطلباته الصهيونية‪ ،‬أرربه صموبل أبن طلباته هذه متواضعة أكثر من الماز ‪ ،‬وأن عليه‬
‫أن بفكر على مستوى أكرب من ذلك (وببدو أن هرتزل مل بشف التسلليني متاما من ضيق األلق‬
‫والفشل يف إدراك عاملية الظاهر اإلمربايلية ووحشيتها)‪ .‬مث أرربه صموبل أبن أعضاء الوزار بفكرون‬
‫بهوداي متدبنا لظننت أن عود‬
‫ًّ‬ ‫ودون وابزمان بعد ذلك العبار التالية‪( :‬لو كنت‬
‫يف أهداف صهيونية‪َّ ،‬‬
‫املاشيَّح قد دنت)‪ .‬ومع هذا‪ ،‬وكما غ‬
‫سنبني ليما بعد‪ ،‬أظهر وابزمان شيئا من الذكاء ابكتشاله بربطانيا‬
‫(ال أملانيا) ابعتبارها القو اإلمربايلية الصاعد اليت ميكنها أن ترعى املشروع الصهيوين‪ .‬ولعل األمر ال‬
‫وحت ُّركه دارل إطار املصاحل الرببطانية‪،‬‬
‫بدل على ذكاء بقدر ما بنبع من وجوده يف إجنلرتا ابلفعل‪َ ،‬‬
‫ولعله لو ْوجد يف لرنسا ملا أدرك شيئا‪.‬‬
‫وهناك نظربة تذهب إىل أن الضغط الصهيوين (واليهودي) العا هو الذي أدَّى إىل صدور وعد‬
‫بلفور‪ ،‬ولكن من املعروف أن أعضاء اجلماعات اليهودبة مل بكونوا كتلة بشربة ضخمة يف بماد يرب‬
‫أوراب‪ ،‬وهم مل بكونوا من الشعوب املهمة اليت كان على القوى العظمى أن تساعدها أو تعادبها‪ ،‬بل‬
‫كان من املمكن ُتاهلهم‪ .‬وميكن القول أبن أعضاء اجلماعات اليهودبة كانوا مصدر ضيق وحسب‪،‬‬
‫ومل بكونوا قط مصدر هتدبد‪ .‬أما الصهابنة للم ت ْكن هلم أبة قو عسكربة أو سياسية أو حىت مالية‬
‫(لأثرايء اليهود كانوا ضد احلركة الصهيونية)‪ .‬ولكل هذا‪ ،‬مل بكن مفر من أن تكون املطالب‬
‫الصهيونية على هيئة طلب َخدمة مصاحل إحدى الدول العظمى اإلمربايلية‪.‬‬
‫ولعل أكرب دليل على أن الضغط الصهيوين أو اليهودي ال بشكل عنصرا لعاال يف عملية استصدار‬
‫وعد بلفور‪ ،‬وأنه عنصر اثنوي على أحسن تقدبر‪ ،‬هو جناح الصهابنة يف إجنلرتا ولشلهم يف أملانيا‪.‬‬
‫لقد بذل صهابنة أملانيا جهودا حممومة الستصدار وعد بلفوري‪ ،‬وكانت توجد عندهم مقومات‬
‫النجاح‪ ،‬ولكن كل هذا مل ْجيد لتيما‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ بذل صهابنة أملانيا قصارى جهدهم ليبينوا للحكومة األملانية مدى نفع اليهود للمشروع‬
‫االستعماري األملاين‪ ،‬وقد كان هناك كثَر من املفكربن األملان يَر اليهود بشاركون يف هذه الرؤبة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كان عدد كبَر من الزعماء الصهابنة بقف وراء أملانيا‪ ،‬وكانت برلني لوقت طوبل املقر الر يسي‬
‫للمنظمة‪.‬‬

‫(‪)198/1‬‬

‫‪ 3‬ـ كانت أملانيا حليفة لرتكيا اليت كانت للسطني اتبعة هلا‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ كانت لغة املممترات الصهيونية هي األملانية‪ ،‬كما كانت ثقالة ممسسي احلركة الصهيونية أملانية‪.‬‬
‫شربة ابلثقالة األملانية‪ ،‬وكان كثَر من أعضاء النخبة الثقالية‬
‫‪ 5‬ـ كانت اجلماعة اليهودبة يف أملانيا ْم َّ‬
‫بسر هذا على اليهود احلركة دارل اجملتمع األملاين‪.‬‬
‫األملانية من اليهود‪ ،‬وقد َّ‬
‫‪ 6‬ـ كانت اجلماعة اليهودبة يف أملانيا ذات ثقل ماِل وثقايف وسياسي كبَر؛ إذ كانت أهم البنوك‬
‫األملانية يف أبد بهودبة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ اشرتك أعضاء اجلماعة اليهودبة يف أملانيا يف القوات األملانية أثناء احلرب أبعداد تفوق نسبتهم‬
‫القومية‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ كانت القوات األملانية يف احلرب العاملية األوىل تقو مبا مسته «حتربر» بولندا وليتوانيا ويرب روسيا‬
‫أسس الزعيم‬
‫بشراي أملانيًّا اتبعا ألملانيا‪ .‬وقد َّ‬
‫(مراكز الكثالة البشربة اليهودبة)‪ ،‬واعتربت اليهود عنصرا ًّ‬
‫الصهيوين ماكس بودهنامير جلنة لتحربر بهود روسيا عا (‪ . )1914‬وكان بني أعضا ها ليو موتزكني‪.‬‬
‫وقد مت إصدار نشر ابلعرببة كتب انحو سوكولوف التتاحيتها‪ .‬وكان أمل الصهابنة أن تستوِل‬
‫القوات األملانية على يرب روسيا حيث كان بوجد معظم اليهود‪ .‬ومعىن هذا أنه كان امة تماق بني‬
‫اخآمال الصهيونية واخآمال التوسعية األملانية‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ كانت أرستقراطية اليهود يف أمربكا (كبار غ‬
‫املمولني) من أصل أملاين‪ ،‬وقد كانت هذه األرستقراطية‬
‫متعاطفة متاما مع أملانيا وممبد هلا‪.‬‬
‫وميكن أن نقارن هذا الوضع بوضع اجلماعة اليهودبة يف إجنلرتا‪ ،‬اليت كانت صغَر العدد ومندجمة‬
‫ومعادبة للصهيونية‪ ،‬وكانت احلركة الصهيونية ليها ضعيفة للغابة‪ .‬ومع هذا‪ ،‬لشل صهابنة أملانيا يف‬
‫استصدار وعد بلفوري من أملانيا‪ .‬وحينما جنحوا‪ ،‬كان ذلك يف مرحلة متأرر من احلرب وكان وعدا‬
‫ابهتا للغابة‪ ،‬بينما جنح صهابنة إجنلرتا ليما لشل ليه صهابنة أملانيا‪.‬‬
‫ويف الواقع‪ ،‬ميكننا تفسَر الفشل الصهيوين يف أملانيا‪ ،‬والنجاح الصهيوين يف إجنلرتا‪ ،‬ال ابلقو والضعف‬
‫الذاتيني الصهيونيني‪ ،‬وال حبجم الضغوط الصهيونية مهما كانت ضخمة ومهمة وحيوبة‪ ،‬ولكن ابلعود‬
‫إىل املصاحل اإلسرتاتيجية الغربية‪ .‬وببدو أن أملانيا‪ ،‬بسبب عماقتها احلميمة مع تركيا‪ ،‬مل بكن إبمكاهنا‬
‫أن تْصدر مثل هذا الوعد (متاما كما كان الوضع مع إجنلرتا عا (‪ , )1904‬حينما أصدرت وعد‬
‫شرق ألربقيا البلفوري‪ ،‬ومل تذكر للسطني من قربب أو بعيد؛ ألن عماقتها مع الدولة العثمانية مل تكن‬
‫تسمح بذلك)‪ .‬ومن املعروف أن وابزمان‪ ،‬كي بنجح يف احلصول على وعد بلفور‪ ،‬قطع عماقته مع‬
‫اللجنة التنفيذبة الصهيونية يف برلني‪ ،‬ورلض الرتاسل مع زمما ه يف دول الولاق ‪ Entente‬ورلض‬
‫موقف احلياد الرمسي الذي اختذته املنظمة‪ .‬كما أنه مل خيرب املقر الر يسي للمنظمة يف كوبنهاجن‬
‫مبباحثاته مع إجنلرتا‪ .‬وبْقال‪ :‬إن انقسا احلركة الصهيونية مل بْعق جهوده بل ساعدها‪ .‬والواقع أن‬
‫جناحه يف إجنلرتا‪ ،‬متاما مثل الفشل الصهيوين يف أملانيا‪ ،‬ميكن تفسَره إبسرتاتيجية اإلمرباطوربة اإلجنليزبة‬
‫كمن يف اكتشاله‬
‫اليت قررت تقسيم الدولة العثمانية واحتمال الشرق العريب‪ .‬ولعل ذكاء وابزمان بَ ْ‬
‫ذبلية الصهيونية‪ ،‬وحتمية االعتماد على اإلمربايلية‪ ،‬وصعود القو الرببطانية‪ ،‬لتبعها بكل قوته‪ ،‬وقطع‬
‫كل عماقاته مع املنظمة الصهيونية ذات اجلذور األملانية والتوجه األملاين‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية لعبد الوهاب املسَري – موقع املسَري‬

‫(‪)199/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬رطط اليهود املستقبلية‪:‬‬


‫اليهود مل بكتفوا بفلسطني لقط‪ ،‬بل إهنم بسَرون وبعملون على حتقيق أطماعهم‪ ،‬وأحمامهم‬
‫املستقبلية‪ ،‬وذلك إبقامة دولة إسرا يل الكربى اليت تسيطر على العامل‪.‬‬
‫وكما أهنم بسعون سعيا حثيثا يف سبيل رلع احلصار عنهم‪ ،‬لهم بعملون على إزالة حاجز النفر بينهم‬
‫وبني املسلمني ابسم السما اتر ‪ ،‬وابسم التطبيع أررى‪.‬‬
‫وقد حدث شيء من ذلك‪ ،‬لقد حصل تطبيع بينها وبني بعض الدول العربية‪ ،‬لوجدوا بذلك الفرصة‬
‫لإللساد واَخراب‪ ،‬ونشر الرذبلة والفحشاء‪ ،‬كما حدث يف مصر ويَرها‪ ،‬وهم ال بقتنعون بشيء‪ ،‬وال‬
‫ود‬
‫نك الييَـ ْه ْ‬
‫ضى َع َ‬
‫برضون حىت نتبعهم وندرل معهم يف كل ما بربدون‪ ،‬وصدق هللا إذ بقول‪َ :‬ولَن تَـ ير َ‬
‫ارى َح َّىت تَـتَّبغ َع غملَّتَـ ْه يم [البقر ‪.]120 :‬‬
‫َّص َ‬
‫َوالَ الن َ‬
‫وقد استعملوا يف ذلك شىت الطرق‪ ،‬واستعانوا ابلنصارى ويَرهم‪ ،‬وجعلوهم محَرا ميتطوهنا؛ لتحقيق‬
‫أيراضهم وأهدالهم‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص ‪105‬‬

‫(‪)200/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اللويب اليهودي والصهيوين (أو مجاعات الضغط الصهيونية)‬


‫‪Jewish and Zionist Lobby‬‬
‫» لويب « ‪ Lobby‬كلمة إجنليزبة تعين‪« :‬الرواق» أو «الردهة األمامية يف لندق»‪ ،‬ولذا بْقال مثما‪:‬‬
‫(سأقابلك يف لويب الفندق)‪ ،‬أي‪ :‬يف الردهة األمامية اليت توجد عاد أما مكتب االستقبال‪ .‬وتْطلَق‬
‫الكلمة كذلك على الردهة الكربى يف جملس العمو يف إجنلرتا‪ ،‬وعلى الردهة الكربى يف جملس‬
‫الشيوخ يف الوالايت املتحد ‪ ،‬حيث بستطيع األعضاء أن بقابلوا الناس‪ ،‬وحيث تْع َقد الصفقات ليها‪،‬‬
‫كما تدور ليها املناورات واملشاورات‪ ،‬وبتم تبادل املصاحل‪ .‬وقد أصبحت الكلمة تْطلَق على مجاعات‬
‫الضغط (الرتمجة الشا عة للمعىن اجملازي لكلمة «لويب ‪ )« lobby‬اليت جيلس ِمثلوها يف الردهة‬
‫الكربى‪ ،‬وحياولون التأثَر على أعضاء هيئة تشربعية ما مثل جملس الشيوخ أو جملس النواب‪ .‬ولعل‬
‫«تو لويب ‪ « to lobby‬بعين أن حياول شخص ذو نفوذ (بستمده من ثروته أو مكانته أو من كونه‬
‫ميثل مجاعة تشكل مركز قو ) أن بكسب التأبيد ملشروع قانون ما عن طربق مفاوضة أعضاء اجمللس‬
‫التشربعي يف ردهته الكربى‪ ،‬ليعدهم ابألصوات أو ابلدعم املاِل حلمماهتم االنتخابية‪ ،‬أو ابلذبوع‬
‫اإلعمامي إن هم ساندوا مطالبه‪ ،‬وساعدوا على حتقيقها‪ ،‬وبهددهم ابحلممات ضدهم‪ ،‬وحبجب‬
‫األصوات عنهم إن هم أحجموا عن ذلك‪ .‬وبوجد يف الوالايت املتحد أكثر من لويب أو مجاعة‬
‫ضغط متارس معظم نشاطاهتا يف العلن بشكل مشروع‪ ،‬وإن كان هذا ال بستبعد بعض األساليب‬
‫اَخفية يَر الشرعية (مثل الرشاوي اليت قد َترذ شكل منح نقدبة مباشر ‪ ،‬أو تسهيمات معيَّنة‪ ،‬أو‬
‫منح عقود‪ ،‬أو التهدبد بنشر بعض التفاصيل أو احلقا ق اليت قد تسبب احلرج ألحد أعضاء النخبة‬
‫احلاكمة وصانعي القرار ‪ ...‬إخل (‬
‫وتوجد أشكال وأنواع من مجاعات الضغط‪ ،‬لهناك مجاعات الضغط اإلثنية‪ :‬مثل اللويب اليوانين أو‬
‫اللويب األبرلندي‪ ،‬كما بوجد اخآن لويب عريب‪ .‬وهناك كذلك مجاعات الضغط الدبنية‪ ،‬لهناك لويب‬
‫كاثوليكي وآرر علماين‪ .‬وبوجد مجاعات ضغط مهنية وجيلية ونفسية واقتصادبة‪ ،‬ليوجد لويب‬
‫للمصاحل البرتولية‪ ،‬وآرر ملنتجي األلبان‪ ،‬واثلث ملنتجي البيض‪ ،‬ورابع لزارعي البطاطس‪ ،‬ورامس‬
‫لنقاابت العمال‪ ،‬وسادس ملنتجي التب ‪ ،‬وسابع لصانعي السجا ر‪ ،‬واثمن ملن حياربون التدرني‪ ،‬واتسع‬
‫للعجا ز‪ ،‬وعاشر للشواذ جنسيًّا (وهناك ابلطبع لويب ملن حياربون الشذوذ اجلنسي‪ ،‬وبدالعون عن قيم‬
‫األسر )‪ .‬وقد أصبحت مجاعات الضغط على درجة من األمهية جعلت النظا السياسي األمربكي‬
‫سمى «دميوقراطية مجاعات الضغط»‪ ،‬أي‪ :‬أنه مل بَـ ْعد هناك نظا دميوقراطي تقليدي غ‬
‫بعرب عن‬ ‫أصبح بْ َّ‬
‫مصاحل الناربني مباشر حسب أعدادهم (لكل رجل صوت)‪ ،‬بل أصبح النظا غ‬
‫بعرب عن مقادبر‬
‫الضغوط اليت تستطيع مجاعات الضغط أن متارسها على غ‬
‫املشرعني األمربكيني لتحدبد قرارهم بشأن‬
‫وحت َجب أو تْعدَّل أررى‪ .‬لاملواطن األمربكي مل بَـ ْعد‬
‫قضية ما‪ ،‬حبيث تَص ْدر تشربعات وقوانني معيَّنة ْ‬
‫ميارس حقوقه الدميوقراطية مباشر ‪ ،‬وإَنا أصبح ميارسها من رمال هذه اجلماعات‪.‬‬
‫وبْقال‪ :‬إن أهم مجاعات الضغط يف الوالايت املتحد مجاعة املدالعني عن حق املواطن األمربكي يف‬
‫اقتناء األسلحة الناربة (دون ترريص) واستخدامها للدلاع عن النفس‪ .‬وهو حق بعود للجذور‬
‫االستيطانية اإلحمالية للوالايت املتحد ‪ ،‬وبشبه (حق) املستوطنني الصهابنة يف الضفة الغربية يف‬
‫استخدا األسلحة لقتل العرب (دلاعا عن النفس)‪.‬‬

‫(‪)201/1‬‬

‫وتشَر كلمة «لويب»‪ ،‬ابملعىن احملدَّد والضيق للكلمة‪ ،‬إىل مجاعات الضغط اليت تسجل نفسها رمسيًّا‬
‫ابعتبارها كذلك‪ ،‬ولكنها‪ ،‬ابملعىن العا ‪ ،‬تشَر إىل جمموعة من املنظمات واهليئات ومجاعات املصاحل‬
‫واالُتاهات السياسية اليت قد ال تكون مسجلة بشكل رمسي‪ ،‬ولكنها متارس الضغط على احلكا‬
‫وصناع القرار‪ .‬وعبار «اللويب اليهودي الصهيوين» يف األدبيات العربية والغربية (يف كثَر من األحيان)‬
‫تشَر إىل معنيني اثنني‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اللويب الصهيوين ابملعىن احملدَّد‪ :‬تشَر كلمة لويب يف هذا السياق إىل جلنة الشئون العامة اإلسرا يلية‬
‫األمربكية (إبباك)‪ ،‬وهي من أهم مجاعات الضغط‪ ،‬ومهمته‪ ،‬كما بدل امسه‪ ،‬الضغط على املشرعني‬
‫األمربكيني؛ لتأبيد الدولة الصهيونية‪ .‬وبتم ذلك بعد سبل‪ ،‬من بينها ُتميع الطاقات املختلفة‬
‫للجمعيات اليهودبة والصهيونية‪ ،‬وتوجيه حركتها يف اُتاه سياسات وأهداف حمدد عاد ختد‬
‫إسرا يل‪ .‬كما أن اللويب حياول أبضا أن غ‬
‫حيول قو األثرايء من أعضاء اجلماعات اليهودبة (ورصوصا‬
‫القادربن على متوبل احلممات االنتخابية)‪ ،‬وأعضاء اجلماعات اليهودبة على وجه العمو (أصحاب ما‬
‫سمى «الصوت اليهودي») إىل أدا ضغط على صناع القرار يف الوالايت املتحد ‪ ،‬ليلوح‬
‫بْ َّ‬
‫ابملساعدات واألصوات اليت ميكن أن حيصل املرشح عليها إن هو ساند الدولة الصهيونية‪ ،‬واليت‬
‫سيفقدها ال حمالة إن مل بفعل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اللويب الصهيوين ابملعىن العا الشا ع للكلمة‪ :‬وهو إطار تنظيمي عا بعمل دارله عدد من‬
‫اجلمعيات والتنظيمات واهليئات اليهودبة والصهيونية تنسق ليما بينها‪ ،‬من أمهها‪ :‬مممتر رؤساء‬
‫املنظمات اليهودبة الكربى‪ ،‬واملممتر اليهودي العاملي‪ ،‬واللجنة اليهودبة األمربكية‪ ،‬واملممتر اليهودي‬
‫األمربكي‪ ،‬واجمللس االستشاري القومي لعماقات اجلماعة اليهودبة‪.‬‬
‫وكل هذه املنظمات لدبها ِمثلون يف واشنطن للتأثَر على عملية صنع السياسة األمربكية ُتاه الشرق‬
‫األوسط‪ .‬وريم أن هذه املنظمات لدبها أنشطة َمتلفة ترتبط ابملوضوعات االجتماعية‪ ،‬لإهنا أبضا‬
‫تعمل بشكل مباشر يف املوضوعات اليت ترضي إسرا يل حيث تسعى إىل الضغط على الكوجنرس من‬
‫رمال إرسال اَخطاابت إىل أعضا ه‪ ،‬ويَر ذلك من أشكال الضغط‪.‬‬
‫وهناك أبضا عدد من اجلماعات الصهيونية اليت تسعى إىل كسب تعاطف الرأي العا األمربكي مع‬
‫إسرا يل‪ ،‬واليت ظهرت يف بدابة األمر من أجل السعي إلنشاء دولة إسرا يل مث َتبيدها بعد ذلك‪ .‬ومن‬
‫هذه املنظمات‪ :‬املنظمة الصهيونية ألمربكا‪ ،‬والتحالف العماِل الصهيوين‪ ،‬واهلاداساه‪ ،‬ومنظمة النساء‬
‫الصهابنة يف أمربكا‪ .‬وتعمل هذه اجلماعات على كسب الرأي العا عن طربق مشروعات متعدد‬
‫ترتاوح بني إنشاء املدارس اليت تعلغم العرببة‪ ،‬وإنشاء املستشفيات‪ ،‬وإنتاج األلما املوالية إلسرا يل‪،‬‬
‫ومتوبل رحمات الباحثني والسياسيني األمربكيني إىل إسرا يل‪.‬‬
‫ومن الناحية التنظيمية‪ :‬تتميَّز هذه اجلمعيات واملنظمات عن نظَراهتا األمربكيات بكوهنا تضم عضوبة‬
‫كبَر ‪ ،‬كما أن أجهزهتا تتميَّز بوجود موظفني متميزبن ومدربني على العمل يف جماالت مجاعات الضغط‬
‫والتأثَر‪ .‬كذلك لإهنا قادر حاليا على تشجيع برامج سياسية واجتماعية يَر مرتبطة دا ما ابلربانمج‬
‫الصهيوين‪ ،‬كما أهنا متلك مجاعات متخصصة وقادر على معاجلة مشاكل بعينها‪ ،‬وتنمية شبكات‬
‫لماتصال‪ .‬وكذلك لإن لدبهم بَروقراطية مركزبة هلا القدر على الربط الدا م بني اليهود النشيطني‬
‫سياسيًّا على مستوى أمربكا كلها عن طربق كل من مممتر الرؤساء وجلنة الشئون العامة‪ .‬هذا بدوره‬
‫جيعل لدى اجلماعات الصهيونية القدر على الرد الفوري والتعبئة السربعة وبشكل منسق على‬
‫املستوى القومي‪ ،‬وذلك عندما تظهر موضوعات تستحق التدرل من جانب هذه اجلماعات‪.‬‬

‫(‪)202/1‬‬

‫ويف جمال الدعابة والتأثَر على الرأي العا األمربكي‪ ،‬لإن اللويب الصهيوين ابملعىن احملدد للكلمة‪،‬‬
‫وابملعىن العا ‪ ،‬جنح يف جعله مواليا إلسرا يل بصور عامة‪ .‬وهذا النجاح ال برجع لقط إىل الدعابة‬
‫املنظمة واملممترات‪ ،‬وإَنا برجع أبضا لقدر اللويب الصهيوين على عقد حتالفات دا مة مع مجاعات‬
‫املصاحل األررى‪ ،‬مثل العمال واملرأ واملنظمات الدبنية‪ ،‬وتلك اليت متثل األقليات األررى‪ ،‬ومجعيات‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬واستخدا هذه اجلماعات للتأثَر على الرأي العا والكوجنرس‪.‬‬
‫وال بعمل اللويب الصهيوين (ابملعىن العا الشا ع) بشكل مستقل عن احلركة الصهيونية‪ ،‬وإَنا بنسق‬
‫معها‪ .‬وعندما بْثار موضوع مهم‪ ،‬لإن قاد مممتر الرؤساء وجلنة الشئون العامة حيتفظون ابتصال وثيق‬
‫مع العاملني يف السفار اإلسرا يلية يف واشنطن ومع املستوايت العليا يف احلكومة اإلسرا يلية‪.‬‬
‫وابإلضالة إىل ذلك‪ ،‬لإن كلتا املنظمتني لدبها القدر على تنسيق أنشطتها مع اجلماعات الصهيونية‬
‫على املستوى العاملي من رمال املنظمة الصهيونية‪.‬‬
‫هذا هو املعىن الشا ع‪ ،‬ولكننا سنطرح معىن اثلثا يَر شا ع؛ إذ إننا نذهب إىل أن اللويب الصهيوين ال‬
‫بتكون من عناصر بهودبة وحسب‪ ،‬وإَنا بضم عناصر يَر بهودبة أبضا‪ ،‬وهو بضم كل أصحاب‬
‫املصاحل االقتصادبة الذبن برون أن تفتيت العامل العريب واإلسمامي خيد مصاحلهم‪ ،‬وأعضاء النخبة‬
‫السياسية والعسكربة ِمن بتبنون وجهة نظرهم‪ .‬كما بضم اللويب الصهيوين كثَرا من الليرباليني ِمن‬
‫كانوا بدعون إىل اختاذ سياسة ردع نشيطة ضد االحتاد السوليييت (سابقا)‪ ،‬وكثَرا من احملالظني الذبن‬
‫برون يف إسرا يل قاعد للحضار الغربية وقاعد ملصاحلها‪ ،‬كما بضم مجاعات األصوليني (احلَيرليني)‬
‫ِمن برون يف دولة إسرا يل إحدى بشا ر اَخماص‪.‬‬
‫وظف عناصر‬ ‫وظف اللويب اليهودي الصهيوين عناصر اليهودبة والصهيونية وحسب‪ ،‬وإَنا ب غ‬ ‫وال ب غ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ليست بهودبة وال صهيونية (بل قد تكون معادبة لليهود واليهودبة) ولكنها مع هذا تْ غ‬
‫وظف نفسها‬
‫دلاعا عنه وعن مصاحله‪ ،‬بسبب الدور الذي تمدبه الدولة الصهيونية يف الشرق األوسط‪ ،‬وبسبب‬
‫تماقي املصاحل اإلسرتاتيجية الغربية والصهيونية‪.‬‬
‫اللويب اليهودي والصهيوين‪ :‬األطروحة الشا عة‬
‫‪Jewish and Zionist Lobby: The Dominant Hypothesis‬‬
‫بْـ َع ُّد اللويب اليهودي والصهيوين (ابملعىن الشا ع) أدا ضغط لعالة يف بد من ميثلون مصاحل الدولة‬
‫اإلسرا يلية‪ .‬وال بستطيع أي دارس أن بنكر قو اللويب الذاتية اليت ميكن تلخيص مصادرها ليما بلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ بستند اللويب اليهودي والصهيوين إىل قاعد واسعة من الناربني من أعضاء اجلماعة اليهودبة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ توجد بني همالء الناربني نسبة عالية من األثرايء‪ ،‬بْقدَّر أهنم بتربعون أبكثر من نصف جمموع‬
‫اهلبات الكربى للحملة االنتخابية للحزب الدميقراطي‪ ،‬إضالة إىل مبال ضخمة حلممات احلزب‬
‫اجلمهوري‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ازدادت أمهية همالء الناربني بعد الزايد اهلا لة يف كلفة احلممات االنتخابية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ من أسباب قو اللويب اليهودي والصهيوين ارتفاع املستوى التعليمي ألعضاء اجلماعات اليهودبة‪.‬‬
‫عضواي من النخبة احلاكمة‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫‪ 5‬ـ بوجد عدد كبَر من املثقفني األمربكيني اليهود الذبن أصبحوا جزءا‬
‫لهم أبناء حقيقيون للمجتمع األمربكي ال بعيشون على هامشه أو (يف مسامه) وإَنا يف صلبه‪ ،‬وهو‬
‫ما جيعلهم قادربن على ِمارسة الضغط والتأثَر بشكل مباشر‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ اجلماعة اليهودبة مجاعة منظمة لدرجة كبَر ‪ ،‬وهذا جيعلها قادر على مضاعفة قوهتا‪ ،‬وزايد‬
‫نفوذها لدرجة ال تتناسب مع أعداد أعضا ها‪.‬‬

‫(‪)203/1‬‬

‫‪ 7‬ـ ساعد نظا االنتخاابت يف الوالايت املتحد على أن بلعب اليهود دورا ملحوظا يف االنتخاابت‬
‫بسبب ترُّكزهم يف بعض أهم الوالايت اليت تقرر مصَر االنتخاابت األمربكية ‪( ..‬نيوبورك ـ كاليفورنيا ـ‬
‫للوربدا)‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ال بهتم النارب األمربكي كثَرا بقضااي السياسة اَخارجية وال بفهمها كثَرا‪ ،‬ولذا لإن أقلية مثل‬
‫اجلماعة اليهودبة عندها هذا االهتما إبسرا يل وسياسة الوالايت املتحد ُتاهها ميكنها أن متارس‬
‫قواي يف حتدبد السياسة اَخارجية األمربكية‪.‬‬
‫نفوذا ًّ‬
‫وااللرتاض الكامن يف كثَر من األدبيات العربية أن اللويب اليهودي الصهيوين (ابملعىن الشا ع) هو‬
‫الذي بمثر يف صناع القرار األمربكي‪ ،‬بل برى البعض أنه بسيطر سيطر اتمة على مراكز صنع‬
‫السياسة األمربكية ُتاه الشرق األوسط‪ ،‬وأنه بدلع هذه السياسة يف اُتاه التناقض مع املصاحل‬
‫القومية األمربكية احلقيقية مبا خيد مصلحة الدولة الصهيونية (وبنسب البعض للويب مقدرات‬
‫بروتوكولية رهيبة)‪ .‬وهذا بعين بطبيعة احلال أن اللويب الصهيوين هو لويب بهودي‪ ،‬وأن اليهود بشكلون‬
‫قو سياسية‪ ،‬وكتلة اقتصادبة موحد راضعة بشكل شبه كامل للسيطر الصهيونية‪ ،‬وبتحركون ولق‬
‫توجيهاهتا‪ ،‬وأن إبمكان أقلية قوامها (‪ )%4,2‬من السكان أن تتحكم يف سياسة إمرباطوربة عظمى‬
‫مثل الوالايت املتحد ‪.‬‬
‫كما بفرتض املفهو أن العماقة بني إسرا يل والوالايت املتحد عماقة عارضة متغَر ‪ ،‬وليست‬
‫إسرتاتيجية مستقر ‪ ،‬وأن َتبيد الوالايت املتحد إلسرا يل انجم عن عملية ضغط عليها (من اَخارج)‬
‫تقو به قو مستقلة هلا آلياهتا املستقلة وحركياهتا الذاتية ومصلحتها اَخاصة‪ ،‬وليس انبعا من مصاحل‬
‫الوالايت املتحد ‪ ،‬أو من إدراكها هلذه املصاحل‪.‬‬
‫وبستند إدراك كثَر من املنادبن مبقولة قو اللويب الصهيوين إىل جمموعة من املقدمات املنطقية املعقولة‬
‫حكمنا العقل‪ ،‬ودرسنا الواقع بشكل موضوعي‬ ‫اليت تكاد تكون بدهية‪ ،‬ومن وجهة نظرهم لنحن إذا َّ‬
‫لتوصلنا إىل أنه ليس من صاحل الوالايت املتحد األمربكية أن تدرل يف معركة مع الشعب العريب‪ ،‬بل‬
‫من صاحلها أن تتعاون معه يف كل اجملاالت املمكنة؛ ألن مثل هذا التعاون سيمدي إىل استقرار املنطقة‬
‫مهما‪ ،‬لهو‬
‫العربية‪ ،‬وسيعود على الوالايت املتحد ابلفا د ‪ .‬لالعامل العريب بشغل موقعا إسرتاتيجيًّا ًّ‬
‫بقع يف وسط ألربقيا وآسيا‪ ،‬وله امتداد حضاري وسكاين يف كليهما‪ ،‬وهو شربك أوراب يف حوض‬
‫البحر األبيض املتوسط‪ ،‬وبشكل نوا العامل اإلسمامي‪ .‬ولذا لمن صاحل الوالايت املتحد أن تكون‬
‫عماقاهتا جيد مع شعب بشغل مثل هذا املوقع اإلسرتاتيجي‪ ،‬وأال بزامحها أحد يف مثل هذه املكانة‪.‬‬
‫عماو على هذا‪ ،‬بضم العامل العريب نسبة ضخمة من برتول العامل‪ ،‬ومن َمزونه اإلسرتاتيجي املعروف‪،‬‬
‫وهذا البرتول ـ كما هو معروف ـ أمر حيوي ابلنسبة للمنظومة الصناعية يف الغرب‪ .‬كما أن األسواق‬
‫العربية من أهم األسواق من منظور تسوبق السلع‪ ،‬وكذلك استثمار رأس املال‪ .‬والعماقة الطيبة بني‬
‫الدول العربية والوالايت املتحد ستمدي حتما إىل حتسني صورهتا ال يف العامل العريب وحسب‪ ،‬بل يف‬
‫العامل الثالث أبسره‪.‬‬
‫ولكن الوالايت املتحد ‪ ،‬هذا البلد العقماين الذي حتكمه معابَر عملية عقمانية مادبة ابرد ‪ ،‬ال‬
‫تسلك حسب هذه املعابَر املعقولة البدبهية‪ ،‬لهي تتمادى يف َتبيد إسرا يل‪ ،‬وتقف وراءها بكل قو ‪،‬‬
‫وتستجلب على نفسها عداء العرب‪ .‬مثل هذا الوضع شاذ ويَر عقماين ال ميكن تفسَره إال ابلرتاض‬
‫وجود قو رارجية‪ ،‬ذات مقدر ضخمة‪ ،‬قادر على أن تضغط على الوالايت املتحد حبيث‬
‫تتصرف‪ ،‬ال حبسب ما متليه عليها مصاحلها املوضوعية‪ ،‬وإَنا حسبما متليه عليها مصاحل هذه القو ‪،‬‬
‫أي‪ :‬املصاحل اليهودبة والصهيونية واإلسرا يلية اليت ميثلها اللويب اليهودي والصهيوين (ابملعىن الشا ع‬
‫(‪.‬‬
‫ولكن ما مل بطرأ ملثل همالء على ابل هو أن من احملتمل أن الوالايت املتحد ال تدرك (مصاحلها)‬
‫هبذه الطربقة اليت بتصورون أهنا عقمانية‪ ،‬بل لعلها ترى أن (عد االستقرار أو عد االستقرار احملكو )‬
‫(ابإلجنليزبة‪ :‬كونرتولد إنستابيلييت ( ‪ Controlled instability‬ألضل وضع ابلنسبة هلا‪ ،‬وأن‬
‫وضع التجز ة العربية هو ما خيد (مصاحلها)‪ ،‬وأن إسرا يل هي أداهتا يف رلق حالة عد االستقرار‬
‫احملكو هذه‪ ،‬واَخاد احلقيقي (ملصاحلها)‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية د‪ .‬عبد الوهاب املسَري ‪ 504 /6‬لما بعدها‬

‫(‪)204/1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬اتربخ موجز للحركة الصهيونية‪:‬‬


‫• أوال‪ :‬املرحلة التكوبنية‪.:‬‬
‫• اثنيا‪ :‬مرحلة الوالد يف مطلع القرن العشربن‪.:‬‬
‫• اثلثا‪ :‬االستيطان يف للسطني‪.:‬‬
‫• رابعا‪ :‬أزمة الصهيونية‪.:‬‬

‫(‪)205/1‬‬

‫أوال‪ :‬املرحلة التكوبنية‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ الصهيونية ذات الدبباجة املسيحية) حىت هنابة القرن السابع عشر (‪:‬‬
‫شهدت هذه املرحلة من انحية اَخلفية العامة البداايت احلقيقية لمانقماب التجاري يف الغرب‪ .‬إذ‬
‫هيمن اجليب التجاري (الذي كان منعزال يف املدن يف أوراب اإلقطاعية) على االقتصاد الزراعي‬
‫اإلقطاعي عا (‪ , )1500‬تقرببا‪ ،‬وأعاد صياية اإلنتاج وتوجيهه حبيث ررج به عن نطاق االكتفاء‬
‫عرب عنه‬
‫مهما يف توجيه سياسات احلكومات‪ ،‬وهذا ما بْ َّ‬
‫الذاِت وسد احلاجة‪ .‬وبدأ التجار بلعبون دورا ًّ‬
‫شجع هذا االنقماب حركة االكتشالات اجلغرالية‪ ،‬وهي حركة‬
‫ابصطماح «االنقماب التجاري»‪ .‬وقد َّ‬
‫استعماربة ضخمة كانت َترذ شكل استيطان يف مراكز ُتاربة على الساحل‪ .‬ويف أوارر القرن‬
‫حتولت عن الكاثوليكية‪،‬‬
‫السادس عشر‪ ،‬وبدابة القرن السابع عشر‪ ،‬أصبحت إجنلرتا‪ -‬بعد أن َّ‬
‫ونفضت النفوذ اإلسباين عنها‪ -‬أهم قو استعماربة‪ ،‬لراكمت الثروات‪ ،‬وسيطرت على رقعة كبَر من‬
‫األرض‪ .‬وواكب كل هذا حركة اإلصماح الدبين اليت أعادت تعربف عماقة اإلنسان ابَخالق وابلكتاب‬
‫املقدَّس‪ ،‬حبيث أصبح يف إمكان الفرد أن حيقق اَخماص بنفسه لنفسه رارج اإلطار الكنسي اجلمعي‪،‬‬
‫ودون حاجة إىل رجال الدبن‪ ،‬وأصبح من واجبه أن بفسر الكتاب املقدَّس لنفسه‪.‬‬
‫وإذا ما تركنا اَخلفية جانبا وانتقلنا إىل الساحة‪ ،‬للسطني‪ ،‬وجدان أن اإلمرباطوربة العثمانية يف هذه‬
‫املرحلة كانت ال تزال تقف شاَمة حتمي كل رعاايها‪ ،‬مسلمني ومسيحيني وبهودا‪ ،‬وتْ غ‬
‫شكل كتلة بشربة‬
‫ضخمة متماسكة‪ ،‬ومل بكن االستعمار الغريب جيرؤ على مواجهتها‪ ،‬وكان بفضل االلتفاف من حوهلا‪.‬‬
‫ومع هذا جيب أن نسجل أن هذه الفرت شهدت بدابة مجود الدولة العثمانية وظهور عمامات ضعفها‬
‫(يف الوقت الذي كانت ليه الدول القومية األوربية تزداد قو بتأثَر االنقماب التجاري)‪.‬‬
‫ظهرت الصيغة الصهيونية األساسية يف أوارر القرن السادس عشر على شكل األحما االسرتجاعية‬
‫يف األوساط الربوتستانتية االستعماربة‪ ،‬ورصوصا يف إجنلرتا‪ ،‬وقد ْولدت كفكر وحسب‪ ،‬كإمكانية‬
‫تبغي التحقق ال يف أوراب وإَنا رارجها‪ ،‬وليس من رمال اإلنسان األوريب ككل‪ ،‬وإَنا من رمال‬
‫اجلماعات الوظيفية اليهودبة‪ .‬وكانت الصيغة الصهيونية األساسية متدثر بدبباجات مسيحية‬
‫بروتستانتية‪ .‬وقد كانت هذه الصهيونية ترى اليهود ابعتبارهم ماد بشربة ميكن حوسلتها‪ .‬ولذا‪ ،‬للم‬
‫تصور أن بكون هلم دولة وظيفية مستقلة (لمركز احللول هو املسيحيون الربوتستانت) واملكان الذي‬
‫بْ َّ‬
‫سيْن َقلون إليه كان خيتلف من مفكر خآرر‪ .‬واهلدف من نقلهم هو اإلعداد للخماص املسيحي‪.‬‬
‫ماحظ أن هذا الضرب من الصهيونية (شأنه شأن أبة صهيونية توطينية) بنظر إىل اليهود من اَخارج‬
‫وبْ َ‬
‫كعنصر بْستخ َد وماد تْوظَّف‪ .‬وإن كان جيدر مماحظة أن الصهيونية هي ابلدرجة األوىل حركة يَر‬
‫ماحظ أن اَخطاب الصهيوين‬
‫بهودبة‪ ،‬مل بشرتك ليها أعضاء اجلماعة اليهودبة من قربب أو بعيد‪ .‬كما بْ َ‬
‫كان هامشيًّا جدًّا‪ ،‬مقصورا على األصوليني الربوتستانت‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ صهيونية يَر اليهود (العلمانية) (حىت منتصف القرن التاسع عشر)‪:‬‬
‫شهدت هذه املرحلة تراكم رؤوس األموال وهيمنة امللكيات املطلقة (بتوجهها املركنتاِل) على معظم‬
‫أوراب‪ ،‬يرهبا ووسطها‪ ،‬وإىل ٍ‬
‫حد ما شرقها‪ .‬وريم أن القوى السياسية التقليدبة كانت ال تزال مسيطر‬
‫على دلة احلكم‪ ,‬لإن الطبقات البورجوازبة ازدادت قو وثقة بنفسها وبدأت تطالب بنصيب من‬
‫عرب هذا عن نفسه من رمال الفلسفات الثوربة املختلفة والنظرايت‬ ‫احلكم‪ ،‬بل بدأت تمثر ليه‪ .‬وقد َّ‬
‫عد امر كل اإلرهاصات‬ ‫الكثَر عن الدولة والفكر العقماين‪ ،‬وأرَرا من رمال الثور الفرنسية اليت تْ ُّ‬
‫حتول يف اتربخ أوراب أبسرها‪.‬‬ ‫غ‬
‫وتشكل نقطة ُّ‬ ‫السابقة‬

‫(‪)206/1‬‬
‫وقد أدَّى تراكم رؤوس األموال والفتوحات العسكربة واالكتشالات اجلغرالية ُّ‬
‫وتقد العلم‬
‫والتكنولوجيا إىل حدوث النقلة النوعية اليت بْطلَق عليها «الثور الصناعية»‪ ،‬وبرى بعض املمررني أن‬
‫بدابتها تعود إىل هذه الفرت ‪ .‬وكانت إجنلرتا يف املقدمة يف هذا التحول‪ ،‬لقد كانت أول دولة يف العامل‬
‫حتولت إىل قو عظمى بعد انتصارها على لرنسا‬
‫تتحول من دولة ُتاربة إىل دولة رأمسالية صناعية‪ ،‬مث َّ‬
‫يف حرب السنوات السبع‪ ،‬وبعد توقيع معاهد أوتررت عا (‪ . )1713‬ويف هنابة القرن الثامن‬
‫تصاعد املشروع االستعماري انزوى دعا‬
‫عشر كانت إجنلرتا أكرب قو استعماربة يف العامل‪ .‬ومع ْ‬
‫الدبباجات الدبنية‪ ،‬وتدثرت الصياية الصهيونية األساسية ابلدبباجات العلمانية الرومانسية والعضوبة‬
‫والنفعية والعقمانية‪ .‬وقد دعا انبليون (أول ياز يف الشرق اإلسمامي وعدو اليهود) إىل إقامة دولة‬
‫بهودبة يف للسطني مستخدما رليطا من الدبباجات الرومانسية والدبنية والنفعية‪.‬‬
‫دب يف أوصال الدولة العثمانية (رجل أوراب املربض) قد بدأ بظهر وبتضح‪ ،‬وكانت‬
‫وكان الوهن الذي َّ‬
‫كل القوى الغربية تفكر يف طربقة لماستفاد من هذا الضعف‪ ,‬لتحقق لنفسها بعض املكاسب‪ .‬وقد‬
‫أرذ هذا شكل اهلجو املباشر من روسيا اليت ضمت بعض اإلمارات الرتكية على البحر األسود‪ ،‬مث‬
‫هجو انبليون على مصر‪ ،‬بينما قررت إجنلرتا‪ ،‬ومن بعدها أملانيا (يف مراحل َمتلفة) احلفاظ على هذه‬
‫اإلمرباطوربة‪ ،‬مع حتقيق املكاسب من رمال التدرل يف شئوهنا و (إصماحها) حىت تقف حاجزا ضد‬
‫أي زحف روسي حمتمل‪.‬‬
‫ولعل أهم حقيقة سياسية يف هذه املرحلة هي ظهور (حممد علي) املفاجئ وقيامه بتكوبن إمرباطوربته‬
‫الصغَر ‪ .‬لقد قلب موازبن القوى‪ ،‬وهدَّد املشروع االستعماري الغريب الذي كان بفرتض أن العامل كله‬
‫إن هو إال ساحة لنشاطه وسوق لسلعه‪ ،‬ووضع حدًّا خآمال الدول الغربية اليت كانت ترتقب اللحظة‬
‫املواتية القتسا تركة الرجل املربض احملتضر‪ .‬ولذا حتالفت الدول الغربية كلها‪ ،‬ومنها لرنسا‪ ،‬وعقدت‬
‫وقررت ليه اإلجهاز عليه‪ ،‬لاضطرته إىل التوقيع على معاهد لندن؛‬
‫مممتر لندن عا (‪َّ , )1840‬‬
‫وحتولت من جمرد لكر‬
‫لتهد ة املشرق‪ .‬وعند هذه النقطة تبلورت الفكر الصهيونية بني يَر اليهود‪َّ ،‬‬
‫طرح لكر تقسيم الدولة العثمانية‪ ،‬ومن مث اكتسبت الصيغة‬ ‫إىل مشروع استعماري حمدد‪ ،‬إذ بدأت تْ َ‬
‫الصهيونية األساسية مضموان اترخييًّا وبْـ يعدا سياسيًّا‪ ،‬وأصبح ابإلمكان دمج املسألة اليهودبة (مسألة‬
‫الشعب العضوي املنبوذ) مع املسألة الشرقية (تقسيم الدولة العثمانية) وطْرحت إمكانية توظيف‬
‫الشعب املنبوذ‪ ،‬وبدأ التفكَر يف حل املسألة اليهودبة عن طربق نَـ يقل اليهود إىل للسطني وإجياد قاعد‬
‫لماستعمار الغريب (أي‪ :‬أن تتم حوسلة اليهود ابسم احلضار الغربية ومصاحلها اليت هي مركز احللول‪.‬‬
‫(وميكن القول أبن الفكر الصهيونية قد بدأت تتحول إىل لكر مركزبة يف الوجدان السياسي الغريب‪.‬‬
‫وهذه املرحلة هي مرحلة صهيونية يَر اليهود (العلمانية)‪ ،‬وهي صهيونية توطينية‪ .‬وظهر أهم مفكر‬
‫صهيوين (إبرل أوف شالتسربي السابع)‪ ،‬كما ظهر (لورانس أوليفانت)‪ .‬ولكن حىت هذه املرحلة مل‬
‫التجمع اليهودي حممية اتبعة‬
‫تكن لكر الدولة اليهودبة قد ظهرت؛ إذ كان التصور ال بزال أن بكون ُّ‬
‫للتجمع كان ال بزال أمرا يَر مقرر‪ .‬وكانت النظر لليهود‬
‫ُّ‬ ‫لدولة يربية‪ .‬وحىت للسطني نفسها كمكان‬
‫ال تزال رارجية‪ ،‬لقد كان بْنظَر إليهم كماد استعمالية ال قيمة هلا يف حد ذاهتا‪ ،‬تكتسب قيمتها من‬
‫نفعها‪ .‬وكانت دبباجات الصهيونية يف هذه املرحلة عقمانية مادبة ورومانسية (ال عقمانية مادبة (‪.‬‬

‫(‪)207/1‬‬

‫‪ 3‬ـ صهيونية أثرايء اليهود املندجمني يف جمتمعاهتم الغربية (النصف الثاين من القرن التاسع عشر (‪:‬‬
‫يف النصف الثاين من القرن التاسع عشر مل تَـ ْعد احلروب ضد دول آسيا وألربقيا‪ ،‬بعد التطورات‬
‫الصناعية املذهلة يف أوراب‪ ،‬أمرا ببهظ رزا ن الدول االستعماربة‪ ،‬بل إن العا د أصبح بفوق التكاليف‬
‫(وكانت إحدى مقوالت أعداء املشروع االستعماري أن تكاليف اإلمرباطوربة تفوق عا دها‪ ).‬وِما‬
‫ُتدر مماحظته كذلك أن الضغوط السكانية واألزمة االقتصادبة دارل اجملتمعات الغربية جعلتها‬
‫تبحث عن حل ملشاكلها رارج أوراب‪ .‬ولكل هذا طرحت اإلمربايلية نفسها ابعتبارها املخرج من‬
‫املأزق التارخيي‪.‬‬
‫ولكن املشروع اإلمربايِل مل بكن بتم يف ظل نظرايت التجار احلر ‪ ،‬إذ سيطر لكر احتكاري جدبد‬
‫سمى «نيو ـ مركنتاِل ‪ ( »neo-mercantile‬أي «املركنتاِل اجلدبد») حبيث مت تقسيم العامل‬
‫بْ َّ‬
‫إىل مناطق نفوذ واحتكارات‪ ،‬كل منطقة منها مقصور على الدولة اليت استعمرهتا (ومنها املممترات‬
‫الدولية املختلفة يف هذه الفرت لتقسيم العامل إىل مناطق نفوذ)‪ .‬ومع منتصف القرن التاسع عشر كانت‬
‫إجنلرتا ورشة العامل بما منازع‪ ،‬لإنتاجها الصناعي كان قد وصل إىل مستوى مل تعرله البشربة من قبل‪،‬‬
‫وإمرباطوربتها كانت مرتامية األطراف حتميها قو عسكربة ضخمة‪ ،‬وأسطول بْسيطر على كل حبار‬
‫العامل‪ .‬وقد اختذت السياسة الرببطانية شكما إمربايليًّا أكثر حد ‪ ،‬وال سيما بعد حتطيم مطامع روسيا يف‬
‫حتول مشروعها االستعماري إىل أواسط آسيا ويَرها من املناطق البعيد عن‬
‫حرب القر ‪ ،‬وبعد أن َّ‬
‫ألربقيا والشرق األوسط اللذبن تزابد االهتما اإلمربايِل الرببطاين هبما‪ .‬لاشرتت بربطانيا أسهم شركة‬
‫قنا السوبس عا (‪ ، )1876‬واستولت على قربص عا (‪ ، )1878‬واحتلت مصر (الطربق إىل‬
‫اهلند) عا (‪ . )1882‬ونتيجة كل هذا أصبح مصَر للسطني جزءا من املخطط االستعماري‬
‫الرببطاين‪ ،‬األمر الذي حدا بكتشنر أن بطالب بتأمني ضم للسطني لإلمرباطوربة‪ .‬ومع هذا كانت‬
‫بربطانيا ال تزال ملتزمة بضمان ِمتلكات الدولة العثمانية (من النيل إىل الفرات) اليت (وعد الرب هبا‬
‫قررت حكومة احملالظني‬
‫إبراهيم) ومن مث أصبحت منطقة نفوذ بربطانية‪ .‬ولكن يف عا (‪َّ , )1885‬‬
‫أن من اَخَر املوالقة على اقرتاح القيصر بتقسيم اإلمرباطوربة (العثمانية)‪.‬‬
‫ومع هزمية لرنسا على بد أملانيا عا (‪ , )1871‬نشط املشروع اإلمربايِل األملاين‪ ،‬وابلتاِل العماقة‬
‫مع الدولة العثمانية‪ ،‬لزاد حجم القروض األملانية هلا‪ ،‬وزار القيصر وليا الثاين القسطنطينية عا‬
‫(‪ , )1898‬وزار بعدها للسطني‪ ،‬ولذا ظل املشروع الصهيوين متأرجحا بني أعظم قوتني إمربايليتني‬
‫يف ذلك احلني‪ :‬الرببطانية واألملانية‪.‬‬
‫كانت الصيغة الصهيونية حىت هذه املرحلة جمرد لكر يربية تبحث عن املاد البشربة اليهودبة‬
‫املْسته َدلة اليت ستْوظَّف‪ .‬ومع تعثُّر التحدبث يف شرق أوراب يف أوارر القرن التاسع عشر‪ ،‬تدلَّق‬
‫املهاجرون اليهود من شرق أوراب إىل يرهبا‪ ،‬األمر الذي هدَّد أمن هذه الدول‪ ،‬كما هدَّد مكانة أعضاء‬
‫اجلماعات اليهودبة ليها‪ ،‬وقد أدَّى هذا إىل تشابك مصَر بهود يرب أوراب ومصَر بهود اليدبشية‪.‬‬
‫وحماًّ هلذه املشكلة‪ ،‬اكتشف بهود الغرب احلل الصهيوين دون أبة دبباجات قومية أو سياسية (ومن‬
‫هنا رلض لكر الدولة اليهودبة‪ ،‬واالبتعاد عن للسطني كمكان للتوطني‪ ،‬وعد االهتما ابلدولة‬
‫الراعية؛ إذ ال حاجة هلا) وظهرت الصهيونية التوطينية بني أعضاء اجلماعات اليهودبة يف يرب أوراب‪،‬‬
‫ورصوصا بني األثرايء منهم املندجمني يف جمتمعاهتم‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬لهو بعترب أول اُتاه صهيوين بظهر‬
‫بني اليهود‪ ،‬ومع هذا لهو بشبه صهيونية يَر اليهود يف أنه بنظر لليهود من اَخارج‬

‫(‪)208/1‬‬

‫وميكننا أن نقول‪ :‬إن اتربخ صهيونية يَر اليهود ببدأ مع ظهور حركة االستعمار االستيطاين‪ ،‬وتتبلور‬
‫ماحظ أن أعضاء اجلماعات‬
‫دبباجاته وتكتسب بْـ يعدا أساسيًّا مع ظهور (حممد علي) وسقوطه (وبْ َ‬
‫اليهودبة ال عماقة هلم بتطور الفكر الصهيونية)‪ .‬وال ببدأ اتربخ الصهيونية عند اليهود إال مع تعثُّر‬
‫التحدبث وتعاظم اإلمربايلية‪ ،‬كرؤبة وكممارسة‪.‬‬
‫ومن أهم الصهابنة التوطينيني يف هذه املرحلة إدموند دي روتشيلد وهَرش ومونتفيوري‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ إرهاصات التيارات الصهيونية املختلفة بني اليهود (العقود األرَر يف القرن التاسع عشر)‪ :‬ال‬
‫قسمت العامل‬
‫ختتلف اَخلفية التارخيية هلذه املرحلة كثَرا عن سابقتها‪ ،‬لاإلمربايلية الغربية كانت قد َّ‬
‫بينها‪ .‬وكانت أملانيا حتاول أن تْعيد التقسيم؛ لتوسيع الرقعة اليت هتيمن عليها‪ .‬ومن هنا استمرار‬
‫تذبذب الصهابنة بني بربطانيا وأملانيا‪ .‬وريم أن سياسة بربطانيا الرمسية كانت احلفاظ على اإلمرباطوربة‬
‫العثمانية وأمماكها إال أن القرار بتقسيمها كان قد مت اختاذه ابلفعل‪ .‬وكان التعبَر عن كل هذه‬
‫الصراعات هو احلرب العاملية األوىل اليت انتهت بضم للسطني (الساحة) إىل اإلمرباطوربة الرببطانية‪،‬‬
‫وارتفاء الدولة العثمانية كقو سياسية‪.‬‬
‫أ) الصهيونية التسللية‪ :‬اكتشف بهود شرق أوراب الصهيونية كحركة استيطانية‪ ،‬ولكنهم مل بدركوا‬
‫حتمية احلل اإلمربايِل‪ .‬ونظرا لقصور رؤبتهم‪ ،‬حاولوا االستيطان دون دعم إمربايِل‪ ،‬وحاولوا ُتنيد‬
‫أثرايء بهود الغرب املندجمني لَرعوا مشروعهم وبدعموه‪ ،‬وهذا ما مسيناه «الصهيونية التسللية» (اليت‬
‫بقال هلا‪« :‬عملية») وهي أول صهيونية استيطانية‪ ،‬وتتسم أبهنا انبعة من املاد البشربة املْسته َدلة‪.‬‬
‫وبظل مفهو الدولة شاحبا بني دعا الصهيونية التسللية‪ ،‬كما أن للسطني ليست ابلضرور ساحة‬
‫االستيطان‪ .‬ومن أهم دعا الصهيونية التسللية ليلينبلو وبنسكر‪ ،‬مث ظهرت مجاعات البيلو وأحباء‬
‫صهيون‪ ،‬وميكن النظر إليها ابعتبارها إرهاصات هلرتزل وللصيغة الصهيونية األساسية بعد هتوبدها‪.‬‬
‫ب) إرهاصات الصهيونية اإلثنية الدبنية والعلمانية‪ :‬وظهرت كتاابت كاليشر والقلعي اليت تْعترب‬
‫إرهاصات الصهيونية اإلثنية الدبنية‪ ،‬ونشر آحاد هعا كتاابته الصهيونية اليت ترى أمهية َتسيس دولة‬
‫بهودبة يف للسطني‪ ،‬ولكن وظيفتها مل تكن اإلسراع بعملية دمج اليهود‪ ،‬بل احلفاظ على هوبتهم‪.‬‬
‫جـ) إرهاصات الصهيونية العمالية‪ :‬وقد ظهرت كذلك كتاابت هس يف منتصف القرن التاسع عشر‬
‫اليت ساعدت مفكري الصهيونية العمالية على صياية ألكارهم‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ مرحلة (هرتزل) (العقود األرَر يف القرن التاسع عشر وبدابة القرن العشربن (‪:‬‬

‫(‪)209/1‬‬

‫ظهر (هرتزل) بني صفوف بهود الغرب املندجمني التوطينيني‪ ،‬لاكتشف حاجة الغرب وبهود الغرب‬
‫للتخلص وبسرعة من بهود شرق أوراب‪ .‬ولكنه اكتشف احلقيقة البدهية الغا بة عن اجلميع‪ :‬حتمية‬
‫التحرك دارل إطار اإلمربايلية الغربية اليت ميكنها وحدها أن تنقل اليهود رارج أوراب‪ ،‬وأن توظفهم‬
‫لصاحلها‪ ،‬نظَر أن تزودهم ابلدعم واحلمابة‪ .‬وقد اكتشف (هرتزل) أبضا لكر القومية العضوبة‬
‫والشعب العضوي (لولك) اليت تستطيع أوراب العلمانية اإلمربايلية أن تدرك اليهود من رماهلا‪ .‬وقد‬
‫التوصل إىل رطاب مراوغ وهو ما جعل وضع نصوص العقد الصامت بني احلضار‬
‫ُّ‬ ‫جنح (هرتزل) يف‬
‫الغربية واحلركة الصهيونية بشأن بهود العامل ِمكنا‪ ،‬وهو عقد بْرضي بهود الشرق‪ ،‬وال بْفزع بهود‬
‫الغرب‪ ،‬وجيعل إبمكان اإلمربايلية أن تضع املشروع الصهيوين موضع التنفيذ‪ .‬كما أنه لتح الباب أما‬
‫عملية هتوبد الصيغة الصهيونية األساسية من رمال الدبباجات اليهودبة املختلفة‪ .‬وبتميز هرتزل عن‬
‫ٍ‬
‫كل من شالتسربي وأوليفانت يف أنه هو نفسه بهودي بنظر إىل املاد البشربة املْسته َدلة من الدارل‪.‬‬
‫ولكنه مع هذا بهودي يَر بهودي‪ ،‬ولذا لهو بنظر إىل هذه املاد من اَخارج‪ ،‬وبراها ابعتبارها مشكلة‬
‫تبغي حماًّ ال قيمة إنسانية تبغي التحقق‪ .‬وبسبب ازدواجيته هذه‪ ،‬جنح (هرتزل) يف أن بكون جسرا‬
‫بني التوطينيني واالستيطانيني وبني اليهود والغرب‪ ،‬ولذا ميكن القول أبن الصهيونية حت َّولت من لكر‬
‫إىل مشروع استيطاين استعماري على بد (هرتزل) يف مممتر‪ -‬ابل‪ -‬الذي ْولدت ليه الصيغة‬
‫الصهيونية األساسية الشاملة‪ .‬وقد لزع أثرايء الغرب اليهود من دعو (هرتزل) يف ابدئ األمر‪ ،‬كما‬
‫رلضها معظم اجلماعات واملنظمات اليهودبة يف العامل‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تبلور الفكر الصهيونية بني اليهود‪:‬‬
‫أ‪ -‬حتمية احلل اإلمربايِل‪ :‬أدرك قاد بهود شرق أوراب حتمية احلل اإلمربايِل من رمال (هرتزل)‪.‬‬
‫ب‪ -‬استقرار الصيغة الصهيونية الشاملة‪ :‬مت قبول الدولة اليهودبة الوظيفية ابعتبارها اهلدف األساسي‬
‫للحركة الصهيونية واإلطار الذي بتم توظيف اليهود من رماله‪ .‬وأدَّى تقسيم الدولة العثمانية إىل‬
‫حسم األمور متاما لصاحل دعا االستيطان يف للسطني‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬هتوبد الصيغة الصهيونية‪ :‬أحس قاد بهود شرق أوراب أن الصيغة الصهيونية األساسية‪ ،‬وصيغة‬
‫(هرتزل) االستعماربة‪ ،‬ال ميكن أن ُْتنغد بهود اليدبشية‪ ،‬ولذا لقد أاثروا قضية املعىن والوعي اليهودي‬
‫وأضالوا دبباجات إثنية دبنية وعلمانية أدَّت إىل هتوبد الصيغة الصهيونية‪ ،‬وجعلت الشعب اليهودي‬
‫مر أررى مركزا للحلول‪ ،‬ومجاعة هلا قيمة يف حد ذاهتا‪ ،‬األمر الذي جعل إبمكان بهود شرق أوراب‬
‫ماحظ أن الصهيونية اإلثنية الدبنية والعلمانية ال هي‬
‫استبطان الصيغة الصهيونية األساسية‪ .‬وبْ َ‬
‫ابلتوطينية وال هي ابالستيطانية؛ ألهنا تتوجه ملستوى اهلوبة والوعي الذي بتجاوز ثنا ية االستيطان‬
‫والتوطني‪ ،‬وإن كان هلا ثنا يتها اَخاصة (دبين‪/‬علماين)‪ ،‬وهي صهيونية تنظر إىل اليهود من الدارل‪.‬‬
‫د ‪ -‬الدبباجات والتيارات السياسية‪ :‬أدرل بعض الصهابنة العلمانيني دبباجات ليربالية (الصهيونية‬
‫العامة) أو اشرتاكية (صهيونية عمالية) أو لاشية (الصهيونية التصحيحية) لتحدبد شكل الدولة املزمع‬
‫إقامتها‪ ،‬أي‪ :‬أهنم حددوا شكل االستيطان‪ ،‬وبذا تكون الفكر الصهيونية قد اكتملت وحتدَّدت‬
‫مماحمها‪ ،‬وصيغت كل الدبباجات المازمة لتسوبقها أما قطاعات وطبقات اجلماعات اليهودبة يف‬
‫شرق أوراب ويرهبا‪ .‬وحىت ذلك التاربخ‪ ،‬كانت هناك صراعات كثَر دارل احلركة الصهيونية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬صراع بني التسلليني والدبلوماسيني‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بني الدبنيني والعلمانيني‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬بني دعا االعتماد على أملانيا يف مواجهة دعا االعتماد على إجنلرتا‪.‬‬
‫د ‪ -‬صراعات أبدبولوجية بني دعا الليربالية ودعا االشرتاكية‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬صراع بني دعا الصهيونية اإلقليمية ودعا الصهيونية التوطينية‪ ،‬أي‪ :‬بني دعا االستيطان يف‬
‫سمى «صهيونية صهيون» أي‪ :‬االستيطان يف للسطني وحدها‪.‬‬
‫أي مكان‪ ،‬ودعا ما بْ َّ‬
‫ضروراي أن بوجد إطار‬
‫ًّ‬ ‫‪ 7‬ـ َتسيس املنظمة الصهيونية‪ :‬مل تكن بلور الفكر الصهيونية كالية‪ ،‬بل كان‬
‫تنظيمي‪ .‬وقد وضع (هرتزل) التصور األساسي يف كتابه (دولة اليهود)‪ ،‬مث دعا للمممتر الصهيوين‬
‫األول (‪ , )1897‬ومت َتسيس املنظمة الصهيونية‪.‬‬

‫(‪)210/1‬‬

‫اثنيا‪ :‬مرحلة الوالد يف مطلع القرن العشربن‪:‬‬


‫ختتلف رربطة العامل السياسية اليت ظهرت بعد احلرب العاملية األوىل عن اليت سادت قبلها ارتمالا‬
‫بيغنا‪ .‬لقد انتصر االستعمار الرببطاين على االستعمار األملاين‪ ،‬والتهم النصيب األكرب من اإلمرباطوربة‬
‫العثمانية‪ ،‬مث ظهرت إرهاصات القومية العربية (ولكن حركة القومية العربية وحركة املقاومة العربية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬وخباصة يف العقود األوىل من هذه الفرت كانت ضعيفة يَر قادر على تعبئة اجلماهَر‪،‬‬
‫وتنظيمها ضد االستعماربن اإلجنليزي والصهيوين بتنظيمهما احلدبث‪ ،‬وعماقاهتما العاملية‪ ،‬وتعاوهنما‬
‫الوثيق دارل للسطني ورارجها)‪ .‬وقد تصاعدت املقاومة يف الثماثينيات‪ ،‬ولكن املمسستني‬
‫االستعماربتني جنحتا يف قمعها‪ ،‬وانتهى األمر بطرد يالبية الفلسطينيني من دايرهم‪ ،‬وأْعلنت الدولة‬
‫عا (‪ , )1948‬مبوالقة الدول الغربية العظمى كلها‪ ،‬وموالقة االحتاد السوليييت (ومل تظهر املقاومة‬
‫الفلسطينية مر أررى بشكل منظم إال عا (‪ , )1965‬بقياد لتح‪ ،‬ومبشاركة الفصا ل الفلسطينية‬
‫األررى ريم أهنا مل تتوقف إذ أرذت أشكاال تلقا ية يَر منظمة طيلة الفرت السابقة (‪.‬‬
‫ويف بدابة هذه املرحلة ظهرت الوالايت املتحد كقو كربى هلا ثقل بْ ُّ‬
‫عتد به على الصعيد العاملي‪ .‬أما‬
‫االحتاد السوليييت لقد درل مرحلة البناء والتحدبث االشرتاكي اليت لرضت عليه نوعا من العزلة‪.‬‬
‫ومع ثماثينيات القرن بدأ مركز اإلمربايلية يف االنتقال من لندن إىل واشنطن‪ ،‬وهي عملية ميكن القول‬
‫أبهنا اكتملت بعد احلرب العاملية الثانية اليت ررجت منها الوالايت املتحد قا دا للمعسكر اإلمربايِل‬
‫بما منازع‪.‬‬
‫ماحظ تَرُّكز معظم بهود العامل يف الوالايت املتحد ‪ ،‬وقد كان هلذبن العنصربن أعمق األثر يف‬
‫كما بْ َ‬
‫توجه احلركة الصهيونية مث الدولة الصهيونية حنو أمربكا‪.‬‬
‫تعميق ُّ‬
‫مع وعد بلفور‪ْ ،‬حسمت كل األمور‪ .‬لبعد ظهور الصيغة الصهيونية األساسية الشاملة‪ ،‬وقبول‬
‫القيادات الصهيونية هلا‪ ،‬بظهر بلفور (ِمثل اإلمرباطوربة الرببطانية واحلضار الغربية ككل) وبوقع عقد‬
‫بلفور ابعتباره ِمثما للحضار الغربية (وبوقعه عن الطرف اخآرر الصهابنة التوطينيون من بهود الغرب‬
‫املندجمني‪ ،‬والصهابنة االستيطانيني اليهود ِمثلي املاد البشربة اليهودبة من شرق أوراب) لتصبح احلركة‬
‫استعماراي استيطانيًّا إحماليًّا متكامما‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫الصهيونية مشروعا‬
‫وجيب أال خنلق انطباعا راطئا أبن هناك تعاقبا زمنيًّا صارما‪ ،‬لالصهيونية ذات الدبباجة املسيحية ال‬
‫تطورت بطربقة مهشت املسيحية ككل‪ ،‬كما أن صهيونية يَر‬
‫تزال مزدهر ريم أن احلضار الغربية قد َّ‬
‫اليهود) العلمانية) ال تزال قا مة‪ ،‬والصهيونية التوطينية ال تزال هي الصهيونية املنتشر بني معظم بهود‬
‫العامل (وبْطلَق عليها صهيونية الدايسبورا (‪.‬‬
‫وبعد إعمان وعد بلفور‪ ،‬وبعد اكتساب املنظمات الصهيونية‪ ،‬الشرعيةَ االستعماربة اليت كانت تسعى‬
‫تغَرت الصور متاما‪ ،‬للم تَـ ْعد القضية قضية بعض قيادات الفا ض اليهودي من شرق أوراب‪ ،‬ومل‬
‫إليها‪َّ ،‬‬
‫تَـ ْعد املسألة متصلة إبياثة بضعة آالف من اليهود‪ ،‬وإَنا أصبحت املنظمة اتبعة ألكرب قو استعماربة‬
‫على وجه األرض آنذاك‪ ،‬وأصبحت ذات وظيفة حمدد هي نَـ يقل املاد البشربة اليهودبة إىل للسطني‬
‫لتأسيس قاعد هلذه القو ‪ .‬ولذا للم بَـ ْعد هناك جمال لمارتمالات الصغَر بني دعا االستيطان‬
‫العمليني مقابل دعا بذل اجلهود الدبلوماسية مع الدولة الراعية‪ .‬كما مل بَـ ْعد هناك أي مربر لوجود‬
‫دعا الصهيونية اإلقليمية (أي‪ :‬توطني اليهود رارج للسطني)‪ ،‬وتساقطت ابلتاِل كثَر من التقسيمات‬
‫الفرعية‪ ،‬أو أصبحت يَر ذات موضوع‪ ،‬ومت تقسيم العمل على أساس جدبد بقبله اجلميع‪ ،‬وظهر ما‬
‫ميكن تسميته «الصهيونية التوليقية»‪.‬‬
‫كما أن الرلض اليهودي للصهيونية لقد دعامته األساسية‪ :‬اَخوف من ازدواج الوالء؛ إذ أصبح َتبيد‬
‫الصهيونية أمرا ال بتناقض مع والء اإلنسان الغريب لوطنه وحضارته‪.‬‬

‫(‪)211/1‬‬
‫اثلثا‪ :‬االستيطان يف للسطني‪:‬‬
‫اتربخ احلركة الصهيونية بعد ذلك هو اتربخ االستيطان الصهيوين يف للسطني حتت رعابة حكومة‬
‫االنتداب ومقاومة العرب هلذا االستيطان‪ .‬وقد ظهرت بعض التوترات بني القو االستعماربة الراعية‬
‫واملستوطنني (وهو توتر بسم عماقة أبة دولة راعية ابملستوطنني التابعني هلا‪ ،‬وهو ال بعود إىل تناقض‬
‫املصاحل‪ ،‬وإَنا إىل ارتماف نطاقها‪ ،‬لمصاحل الدولة الراعية أكثر اتساعا وعاملية من مصاحل‬
‫املستوطنني) ولذا لقد أصدرت احلكومة الرببطانية الراعية جمموعة من الكتب البيضاء؛ غ‬
‫لتوضح‬
‫موقفها من املستوطنني الصهابنة ومن العرب‪ .‬وقد انتقل دور الدولة الراعية من إجنلرتا إىل الوالايت‬
‫املتحد ‪ .‬ولكن كل هذه العناصر ال غ‬
‫تغَر بنية الفكر الصهيوين وال اُتاه احلركة‪ ،‬وال تمثر يف املنظمة‬
‫الصهيونية‪.‬‬
‫ضروراي أن بكون هلا ذراعها االستيطاين‬
‫ًّ‬ ‫أما ابلنسبة للمنظمة الصهيونية‪ ،‬لبعد صدور وعد بلفور كان‬
‫أسست املنظمة الصهيونية ساعدها التنفيذي‬
‫الذي بتعامل مع حقا ق املوقف يف للسطني‪ .‬وقد َّ‬
‫املعروف ابسم الوكالة اليهودبة عا (‪ ، )1922‬إذ نص صك االنتداب الرببطاين على للسطني على‬
‫االعرتاف بوكالة بهودبة مناسبة إلسداء املشور إىل سلطات االنتداب يف مجيع األمور املتعلقة إبقامة‬
‫وطن قومي لليهود يف للسطني‪ .‬ويف عا (‪ ، )1929‬جنح وابزمان ـ ر يس املنظمة الصهيونية آنذاك ـ‬
‫يف إقناع أعضاء املممتر الصهيوين السادس عشر بضرور توسيع الوكالة اليهودبة‪ ،‬حبيث بتشكل‬
‫جملسها من عدد من أعضاء املنظمة وعدد مثله من يَر أعضا ها‪ .‬وكان الغرض من ذلك استمالة‬
‫أثرايء اليهود التوطينيني لتموبل املشروع الصهيوين دون إلزامهم ابالخنراط يف صفوف املنظمة‪ ،‬واإلحياء‬
‫يف الوقت نفسه أبن الوكالة متثل مجيع بهود العامل‪ ،‬وال تقتصر على أعضاء املنظمة‪ .‬وكان من شأن‬
‫هذه اَخطو أن تعطي دلعة قوبة للحركة الصهيونية‪ ،‬وتدعم املوقف التفاوضي للمنظمة الصهيونية مع‬
‫احلكومة الرببطانية اليت كان بقلقها تصاعد األصوات الرالضة للصهيونية يف أوساط بهود بربطانيا‬
‫عرلان ابالسم نفسه على النحو التاِل‪ :‬املنظمة الصهيونية‪/‬الوكالة اليهودبة حىت‬
‫(وقد ظلت املنظمتان تْ َ‬
‫عا (‪ , )1971‬حني جرت عملية مزعومة وشكلية إلعاد التنظيم حبيث أصبحت املنظمتان‬
‫منفصلتني قانونيًّا‪ ،‬ولكل منهما قياد َمتلفة)‪.‬‬
‫ومل بهدأ الصراع متاما بني التوطينيني واالستيطانيني‪ .‬لحىت عا (‪ ، )1948‬كان الصراع بدور حول‬
‫من بتحكم يف املنظمة وحول حتدبد أهداف املشروع الصهيوين‪ .‬أما بعد عا (‪ ، )1948‬لإن جمال‬
‫الصراع أصبح تعربف اليهودي (الدبين والعلماين) إذ ْحسمت قضية التحكم يف املنظمة لصاحل‬
‫املستوطنني متاما‪ ،‬ومل بعد الصهابنة التوطينيون بهتمون به‪.‬‬
‫ريم عد اشرتاك بهود البماد العربية يف إلراز الفكر الصهيوين أو احلركة الصهيونية‪ ،‬وريم أن‬
‫الصهيونية (بشقيها الشرقي والغريب) مل تتوجه إليهم بشكل راص‪ ،‬ومل حتاول ُتنيدهم بشكل عا‬
‫وواسع قبل عا (‪ ، )1948‬إال أن إنشاء الدولة قد رلق حركيات تتخطى إرادهتم‪ .‬كما أن حاجة‬
‫الدولة الصهيونية إىل طاقة بشربة (بعد عزل بهود الشرق أو ارتفا هم وبعد رلض بهود الغرب‬
‫اهلجر ) جعلها هتتم هبم وُتندهم‪ ،‬وتفرض عليهم يف هنابة األمر «مصَرا صهيونيًّا»‪ ،‬أي‪ :‬اَخروج من‬
‫أوطاهنم‪ .‬وقد استقرت أعداد كبَر منهم يف الدولة الصهيونية‪ ،‬وإن كان من امللحوظ أن أعدادا أكرب‬
‫استقرت رارجها‪.‬‬
‫وقد ظهرت صراعات بني دعا الدميقراطية ودعا الشمولية‪ ،‬وبني دعا املشروع الرأمساِل احلر والنهج‬
‫االشرتاكي‪ ،‬ولكنها صراعات ال عماقة هلا ابلفكر الصهيوين وال احلركة الصهيونية‪ ،‬لهي صراعات‬
‫دارلية بني املستوطنني‪ ،‬وإذا شارك ليها الصهابنة التوطينيون لإن مسامهتهم تظل اثنوبة‪ .‬وتعود‬
‫التجمع الصهيوين أبسره‪ ،‬مبن ليه من رأمساليني‬
‫هامشية هذه الصراعات إىل أن الوالايت املتحد متول ُّ‬
‫وإرهابيني وعقماء وجمانني واشرتاكيني وقتلة‪ .‬لاحلقيقة األساسية هي وظيفية الدولة الصهيونية‪ ،‬ولذا‬
‫لإن الصراعات ذات املضمون األبدبولوجي العميق أو السياسي املسطح ليست ذات أمهية كبَر ‪.‬‬
‫أما الصراع بني اإلشكناز والشرقيني لهو صراع عميق ومهم‪ ،‬ولكنه ال بمثر يف الفكر الصهيوين أو‬
‫احلركة الصهيونية‪ ،‬لهو قضية إسرا يلية دارلية متاما‪.‬‬
‫وراضت الدولة الصهيونية حروهبا املتعدد ضد العرب‪ ،‬من حرب (‪ , )1948‬إىل حرب (‪)1956‬‬
‫‪ ,‬إىل حرب (‪ , )1967‬إىل حرب (‪ , )1973‬إىل اجتياح لبنان عا (‪ , )1982‬وما تبعه من‬
‫توسع ومزبد من القمع‪ .‬وتزابد الرلض الفلسطيين للدولة االستيطانية الصهيونية واملقاومة هلا‪.‬‬
‫ُّ‬

‫(‪)212/1‬‬

‫رابعا‪ :‬أزمة الصهيونية‪:‬‬


‫تواجه الصهيونية‪ -‬كفكر وحركة ومنظمة ودولة‪ -‬أزمة عميقة لعد أسباب‪ ،‬من بينها انصراف بهود‬
‫العامل عنها‪ .‬لالصهيونية ال تعين هلم الكثَر‪ ،‬لهم بفضلون إما االندماج يف جمتمعاهتم أو اهلجر إىل‬
‫الوالايت املتحد ‪ ،‬وقد تدهورت صور املْستوطن الصهيوين إعماميًّا بعد االنتفاضة؛ إذ إن هذه الدولة‬
‫الشرسة أصبحت تسبب هلم احلرج الشدبد‪ .‬وقد أدَّى هذا إىل أن املاد البشربة املْسته َدلة ترلض‬
‫ماحظ تزابد حركات‬
‫للمستوطَن الصهيوين‪ .‬وبْ َ‬
‫اهلجر ‪ ،‬األمر الذي بسبب مشكلة سكانية استيطانية ْ‬
‫رلض الصهيونية‪ ،‬والتملص منها‪ ،‬وعد االكرتاث هبا بني بهود العامل‪.‬‬
‫ماحظ‪ ،‬يف عصر هنابة األبدبولوجيا وما بعد احلداثة‪ ،‬أن كل النظرايت‬
‫وعلى املستوى األبدبولوجي‪ ،‬بْ َ‬
‫تتقلص وخيتفي املركز‪ ،‬والشيء نفسه بسري على الصهيونية؛ إذ إن إميان بهود العامل هبا قد تقلَّص‬
‫متاما‪ ،‬ولذا لإن من بهاجر إىل إسرا يل إَنا بفعل ذلك ألسباب نفعية مادبة مباشر ‪ .‬ويف دارل‬
‫إسرا يل‪ ،‬تظهر أجيال جدبد تنظر إىل الصهيونية بكثَر من السخربة‪ .‬وعلى املستوى التنظيمي‪،‬‬
‫تفقد املنظمة كثَرا من حيوبتها‪ ،‬وتصبح أدا يف بد الدولة الصهيونية‪ ،‬وتْقابَل اجتماعاهتا ابالزدراء من‬
‫قبَل بهود العامل واملستوطنني يف للسطني‪ .‬ومل غ‬
‫تغَر اتفاقية أوسلو من األمر كثَرا‪ ،‬بل لعلها تْسرع‬
‫بتفاقم أزمة الصهيونية‪ ،‬ابعتبار أن الدولة ستصبح أكثر ثباات واستقرارا‪ ،‬وستتحدد هوبتها كدولة هلا‬
‫مصاحلها االقتصادبة واالسرتاتيجية املتشعبة اليت ليس هلا ابلضرور عماقة كبَر أبعضاء اجلماعات‬
‫اليهودبة يف العامل‪.‬‬
‫وهذه املرحلة شهدت حتول الفكر الصهيونية‪ ،‬االستيطانية اإلحمالية‪ ،‬إىل واقع استيطاىن إحماِل‪ ،‬إذ‬
‫تبقى منهم‪ .‬وأصبحت‬‫جنحت الدولة الصهيونية يف طرد معظم العرب من للسطني‪ ،‬واستبعاد من َّ‬
‫الدولة الصهيونية هي الدولة‪ /‬الشتتل أو الدولة‪ /‬اجليتو‪ ،‬املرلوضة من السكان األصليني‪ ،‬أصحاب‬
‫األرض‪.‬‬
‫حتولت الدولة‬
‫ولكن يف عا (‪ ، )1967‬مع ضم املزبد من األراضي العربية مبن عليها من بشر‪َّ ،‬‬
‫الصهيونية من دولة استيطانية إحمالية إىل دولة استيطانية مبنية على التفرقة اللونية (األابرهتابد) األمر‬
‫الذي بتبدى يف املعازل والطرق االلتفالية‪ .‬وشهدت هذه الفرت مولد املقاومة الفلسطينية املنظمة‬
‫وتصاعدها‪ ،‬واندالع االنتفاضة املباركة‪ ،‬الىت استمرت ما بزبد عن ستة أعوا ‪ ،‬ومل تنطفئ جذوهتا بعد‪،‬‬
‫وهى بذلك تكون أطول حركة عصيان مدين يف التاربخ‪.‬‬
‫‪ O‬موسوعة اليهود واليهودبة والصهيونية د‪ .‬عبد الوهاب املسَري ‪ 133 /6‬لما بعدها‬
‫بتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن الصهيونية حركة سياسية عنصربة متطرلة ترمي حلكم العامل كله من رمال دولة اليهود يف للسطني‪،‬‬
‫وامسها مشتق من اسم جبل صهيون يف للسطني‪ ،‬وقد قامت على حتربف تعاليم التورا والتلمود اليت‬
‫تدعو إىل احتقار اجملتمع البشري‪ ،‬وحتض على االنتقا من يَر اليهود‪ .‬وقد قنن اليهود مباد هم‬
‫اهلدامة ليما عرف بربوتوكوالت حكماء صهيون اليت حتوي حبق أرطر مقررات يف اتربخ العامل‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)213/1‬‬
‫املبحث التاسع‪ :‬اليهود يف العصر احلدبث‪:‬‬
‫أمجع مشما‪،‬‬
‫اليهود هم اليهود يف عقا دهم وأرماقهم‪ ،‬كما كانوا من قبل‪ ،‬إال أهنم يف العصر احلاضر ْ‬
‫وأقوى نفوذا‪ ،‬وأكثر تنظيما‪ ،‬وأحكم سيطر على مقاليد العامل‪ ،‬راصة بعد احلرب العاملية الثانية؛‬
‫ين به الغرب؛ لتمكنوا‪ ،‬وحتكموا يف‬‫حيث إنتهزوا اَخواء الروحي واالقتصادي والسياسي الذي ْم غ َ‬
‫واقتصاداي وسياسيًّا‪ ،‬راصة يف الوالايت املتحد ‪ ،‬وبربطانيا‪ ،‬وروسيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫لكراي‬
‫مقاليد األمور هناك ًّ‬
‫مث هم وراء ابتداع وتروبج النظربة املاركسية‪-‬الشيوعية‪ -‬مث تطبيقها يف روسيا القيصربة‪ ،‬مث تصدبرها‬
‫إىل شرق أوراب وبعض دول ما بسمى ابلعامل الثالث‪.‬‬
‫وكذلك قاموا برتوبج النظرايت اهلدامة األررى يف االقتصاد‪ ،‬والسياسة‪ ،‬واالجتماع كنظربة التطور‬
‫لدارون‪ ،‬ونظربة دور كامي االجتماعية‪ ،‬ونظربة ميكاليلي السياسية اليت ترى أن الغابة تسوغ الوسيلة‪.‬‬
‫ولعل أبرز عمل قاموا به يف هذا العصر هو احتماهلم لفلسطني بناء على وعد بلفور عا (‪ )1335‬هـ‪,‬‬
‫حيث احتلوها سنة (‪ )1367‬هـ‪ ،‬وقامت بعدها (إىل) اليو بتوسيع رقعتها‪ ،‬وضم بعض األراضي؛‬
‫سعيا يف حتقيق احللم إبقامة دولة إسرا يل الكربى‪.‬‬
‫ورمال تلك الفرت إىل هذا اليو قامت إسرا يل مبجازر رهيبة مجاعية ولردبة‪ ,‬كذلك قاموا ابحتمال‬
‫لبنان واجلوالن‪ ،‬وألسدوا يف البلدان اليت أقاموا معها جسورا وعماقات؛ حيث نشروا الفساد‬
‫والرذبلة؛ لانتشر بذلك االحنمال‪ ،‬واألمراض الفتاكة كاإلبدز ويَرها‪ ,‬كذلك انتشرت املخدرات‪,‬‬
‫وعمليات التجسس‪.‬‬
‫كما أهنم حيرصون على كل ما ليه هد للقيم واألرماق‪.‬‬
‫كما أهنم حيرصون على إقامة دولتهم‪ ،‬وعلى مجع اليهود يف شىت بقاع العامل؛ حيث قاموا بنقل بهود‬
‫الفماشا‪ ،‬وبهود االحتاد السوليييت ويَرهم إىل للسطني‪.‬‬
‫وال بزالون بعيثون يف األرض لسادا‪ ،‬وبكررون اعتداءاهتم على األقصى الشربف‪ ،‬وبذبقون أهل‬
‫الع يسف‪ ،‬والطغيان‪ ،‬والتسلط‪.‬‬
‫للسطني ألواان من َ‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص ‪90 ،89‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫ـ جذور البماء‪ ،‬عبد هللا التل‪ ،‬وله أبضا‪ :‬األلعى اليهودبة يف معاقل اإلسما ـ ورطر اليهودبة العاملية‪.‬‬
‫ـ املخططات التلمودبة الصهيونية اليهودبة يف يزو العامل اإلسمامي‪ ،‬أنور اجلندي‪.‬‬
‫ـ بروتوكوالت حكماء صهيون‪ ،‬ترمجة أمحد عبد الغفور عطار‪ .‬عجاج نوبهض‪ ،‬شوقي عبد الناصر‪،‬‬
‫حممد رليفة التونسي‪ ،‬حسني الطنطاوي‪.‬‬
‫ـ القوى اَخفية‪ ،‬ل‪ .‬لراي‪.‬‬
‫ـ ممامر الصهيونية على العامل‪ ،‬أمحد عبد الغفور عطار‪.‬‬
‫ـ الصهيونية وربيبتها إسرا يل‪ ،‬عمر رشدي‪.‬‬
‫ـ الصهيونية العاملية‪ ،‬عباس حممود العقاد‪.‬‬
‫ـ اليهودي العاملي‪ ،‬هنري لورد‪.‬‬
‫ـ هذه هي الصهيونية‪ ،‬إسرا يل كوهني‪.‬‬
‫ـ إسرا يل الزا فة‪ ،‬لربد عبد هللا جورجي‪.‬‬
‫ـ أحجار على رقعة الشطرنج‪ ،‬وليم ياي كار‪.‬‬
‫ـ الصهيونية بني اترخيني‪ ،‬عبد هللا النجار ـ كمال احلاج‪.‬‬
‫ـ موسوعة املفاهيم واملصطلحات الصهيونية‪ ،‬عبد الوهاب املسَري‪.‬‬
‫ـ سياسة االستعمار الصهيوين ُتاه للسطني‪ ،‬حسن صربي اَخوِل‪.‬‬
‫ـ املوسوعة النقدبة للفلسفة اليهودبة‪ ،‬عبد املنعم احلفين‪.‬‬
‫ـ إسرا يليات‪ ،‬أمحد هباء الدبن‪.‬‬
‫ـ األبدبولوجية الصهيونية‪ ،‬عبد الوهاب املسَري‪.‬‬
‫ـ الصهيونية‪ ،‬زبنب عصمت وآررون‪.‬‬
‫ـ رطر اليهودبة العاملية‪ ،‬عبد هللا التل‪.‬‬
‫ـ اليهودبة دبن ال قومية‪ ،‬املر برجر‪.‬‬
‫ـ الصهيونية بني الدبن والسياسة‪ ،‬عبد السميع اهلراوي‪.‬‬
‫ـ أصول الصهيونية يف الدبن اليهودي‪ ،‬إمساعيل راجي الفاروقي‪.‬‬
‫ـ امللل املعاصر يف الدبن اليهودي‪ ،‬إمساعيل راجي الفاروقي‪.‬‬
‫ـ الفكر الدبين اإلسرا يلي أطواره ومذاهبه‪ ،‬حسن ظاظا‪.‬‬
‫ـ الصهيونية العاملية وإسرا يل‪ ،‬حسن ظاظا وآررون‪.‬‬
‫ـ من جيرؤ على الكما ‪ ،‬بول لندِل‪.‬‬
‫ـ مذكرات السلطان عبد احلميد الثاين‪ ،‬حممد حرب عبد احلميد‪.‬‬
‫ـ حكومة العامل اَخفية‪ ،‬شَربب سَربد وليتش‪.‬‬
‫ـ السلطان عبد احلميد الثاين وللسطني‪ ،‬رقيق شاكر النتشة‪.‬‬
‫ـ اتربخ احلركة الصهيونية احلدبثة‪ ،‬حممد عبد الرؤوف سليم‪.‬‬
‫ـ الصهيونية والعنف‪ ،‬حسني الطنطاوي‪.‬‬
‫ـ الصهيونية العاملية والرد على الفكر الصهيوين املعاصر‪ ،‬حممود دايب‪.‬‬
‫ـ أمربكا مستعمر صهيونية‪ ،‬صماح دسوقي‪.‬‬
‫ـ الصهيونية العاملية وأرض امليعاد‪ ،‬علي إما عطية‪.‬‬
‫ـ هلذا أكره إسرا يل‪ ،‬أمني سامي الغمراوي‪.‬‬
‫ـ أساليب الغزو الفكري‪ ،‬علي جربشة ـ حممد شربف‪.‬‬
‫ـ اإلسما واملستعمرات الصهيونية‪ ،‬مجال الدبن الَرماوي‪.‬‬
‫ـ حقا ق عن قضية للسطني‪ ،‬حممد أمني احلسيين‪.‬‬
‫‪ -‬هنابة اليهود‪ :‬د‪ .‬أبو الفداء حممد عزت عارف‪.‬‬
‫‪ -‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري‬
‫‪ -‬معركتنا مع اليهود‪ :‬سيد قطب‪.‬‬
‫‪ -‬املدرل لدراسة التورا والعهد القدمي‪ :‬د‪ .‬حممد البار‪.‬‬
‫‪ -‬املخططات التلمودبة‪ :‬أنور اجلندي‪.‬‬
‫‪ -‬العلمانية‪ :‬د‪ .‬سفر احلواِل‪.‬‬
‫‪ -‬حقيقة اليهود‪ :‬سيد رلاعي‪.‬‬

‫(‪)214/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫النصرانية لغة‪ :‬قيل‪ :‬نسبة إىل نصرانة‪ ،‬وهي قربة املسيح عليه السما من أرض اجلليل‪ ،‬وتسمى هذه‬
‫القربة انصر ونصوربة‪ ،‬والنسبة إىل الداينة نصراين‪ ،‬ومجعه نصارى‪.‬‬
‫النصرانية اصطماحا‪ :‬هي دبن النصارى الذبن بزعمون أهنم بتبعون املسيح عليه السما ‪ ،‬وكتاهبم‬
‫اإلجنيل‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪165‬‬
‫التعربف‪ :‬هي الرسالة اليت أْنزلت على عيسى عليه الصما والسما ‪ ،‬غ‬
‫مكملة لرسالة موسى عليه‬
‫الصما والسما ‪ ،‬ومتممة ملا جاء يف التورا من تعاليم‪ ،‬موجهة إىل بين إسرا يل‪ ،‬داعية إىل التوحيد‬
‫والفضيلة والتسامح‪ ،‬ولكنها جاهبت مقاومة واضطهادا شدبدا‪ ،‬لسرعان ما لقدت أصوهلا‪ِ ،‬ما ساعد‬
‫على امتداد بد التحربف إليها‪ ،‬لابتعدت كثَرا عن أصوهلا األوىل؛ المتزاجها مبعتقدات وللسفات‬
‫وثنية‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي تطلق النصرانية على الدبن املنزل من هللا تعاىل‬
‫على عيسى عليه السما ‪ ،‬وكتابه اإلجنيل (‪.)1‬‬
‫وأتباعها بقال هلم‪( :‬النصارى) نسبة إىل بلد الناصر يف للسطني‪ ،‬وهي اليت ولد ليها املسيح‪.‬‬
‫أو إشار إىل صفة‪ :‬وهي نصرهم لعيسى عليه السما ‪ ،‬وتناصرهم ليما بينهم‪ .‬وهذا خيص املممنني‬
‫ال‬
‫منهم يف أول األمر‪ ،‬مث أطلق عليهم كلهم على وجه التغليب‪ .‬وبشهد لذلك قوله تعاىل‪ :‬قَ َ‬
‫ا يحلوا غربُّو َن َيحنن أَنصار غ‬
‫هللا [آل عمران‪.]52 :‬‬ ‫ْ َْ‬ ‫ََ‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪64‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬النصارى ال بزالون بقدسون التورا (العهد القدمي) واإلجنيل وبسمونه‪( :‬العهد اجلدبد)‪.‬‬

‫(‪)215/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬أصلها‪:‬‬


‫يَرت غ‬
‫وبدلت غ‬
‫وحرلت نصوصها‪ ،‬وتعددت‬ ‫لالنصرانية يف أصلها دبن منزل من هللا تعاىل‪ ،‬لكنها غ‬
‫وحتول أتباعها عن التوحيد إىل الشرك (وذلك ابعرتاف ممرري النصارى أنفسهم) مث‬
‫أانجيلها‪َّ ،‬‬
‫نسخت ابإلسما ‪ ،‬لأصبحت ابطلة؛ لتحربفها ولنسخها كاليهودبة‪.‬‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪64‬‬

‫(‪)216/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬هل بصح إطماق املسيحية على النصرانية؟‬


‫وقد أطلق على أتباع الداينة النصرانية يف القرآن الكرمي نصارى‪ ،‬وأهل الكتاب‪ ،‬وأهل اإلجنيل‪ ،‬وهم‬
‫بسمون أنفسهم ابملسيحيني نسبة إىل املسيح عليه السما ‪ ،‬وبسمون داينتهم (املسيحية)‪ .‬وأول ما‬
‫عي النصارى (ابملسيحيني) يف أنطاكية حواِل سنة (‪ ، )42‬وبرى البعض أن ذلك أول األمر كان‬
‫ْد َ‬
‫من ابب الشتم‪.‬‬
‫ومل ترد التسمية ابملسيحية يف القرآن الكرمي وال يف السنة‪ ،‬كما أن املسيح حسب اإلجنيل مل غ‬
‫بسم‬
‫أصحابه وأتباعه ابملسيحيني‪ ،‬وهي تسمية ال توالق واقع النصارى؛ لتحربفهم دبن املسيح عليه‬
‫السما ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫لاحلق والصواب أن بطلق عليهم نصارى‪ ،‬أو أهل الكتاب؛ ألن يف نسبتهم للمسيح عليه السما‬
‫رطأ لاحشا؛ إذ بلز من ذلك عزو ذلك الكفر واالحنراف إىل املسيح عليه السما ‪ ،‬وهو منه بريء‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪165‬‬
‫سئل لضيلة الشيخ‪ :‬حممد بن صاحل العثيمني رمحه هللا عن إطماق املسيحية على النصرانية؟‬
‫واملسيحي على النصراين؟‬
‫لأجاب بقوله‪ :‬ال شك أن انتساب النصارى إىل املسيح بعد بعثة النَب صلى هللا عليه وسلم انتساب‬
‫يَر صحيح؛ ألنه لو كان صحيحا خآمنوا مبحمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لإن إمياهنم مبحمد صلى هللا‬
‫يسى‬ ‫عليه وسلم إميان ابملسيح عيسى ابن مرمي عليه الصما والسما ؛ ألن هللا تعاىل قال‪ :‬وإغ يذ قَ َ غ‬
‫ال ع َ‬ ‫َ‬
‫ي غم َن التَّـ يوَرا غ َوْمبَ غشرا بغَر ْسول َأيغيِت من‬
‫غ‬ ‫ٍ‬ ‫ني بَ َد َّ‬
‫صدقا ل َما بَ ي َ‬
‫َ‬
‫ابن مرَمي اي ب غين إغسرا غيل إغغين رس ْ غ‬
‫اَّلل إغلَي ْكم ُّم غ غ‬
‫ول َّ ي‬ ‫ي ْ َي َ َ َ ي َ َ َ ْ‬
‫ات قَالْوا َه َذا غس يح ٌر ُّمبغني [الصف‪ , ]6 :‬ومل ببشرهم املسيح‬ ‫اءهم غابليبـيغنَ غ‬
‫َمحَ ْد لَـلَ َّما َج ْ َ‬ ‫بَـ يع غدي ي‬
‫امسْهْ أ ي‬
‫عيسى ابن مرمي مبحمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إال من أجل أن بقبلوا ما جاء به؛ ألن البشار مبا ال‬
‫بنفع لغو من القول ال ميكن أن َتِت من أدىن الناس عقما‪ ،‬لضما عن أن تكون صدرت من عند أحد‬
‫بشر به عيسى ابن مرمي‬ ‫الرسل الكرا أوِل العز ‪ ،‬عيسى ابن مرمي‪ ،‬عليه الصما والسما ‪ ،‬وهذا الذي َّ‬
‫ات قَالْوا َه َذا غس يح ٌر ُّمبغ ٌ‬
‫ني‬ ‫اءهم غابليبـيغنَ غ‬
‫بىن إسرا يل هو حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقوله‪ :‬لَـلَ َّما َج ْ َ‬
‫[الصف‪ .]6 :‬وهذا بدل على أن الرسول الذي َّ‬
‫بشر به قد جاء‪ ،‬ولكنهم كفروا به وقالوا‪ :‬هذا سحر‬
‫مبني‪ .‬لإذا كفروا مبحمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لإن هذا كفر بعيسى ابن مرمي الذي بشّ َّرهم‬
‫مبحمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وحينئذ ال بصح أن بنتسبوا إليه ليقولوا‪ :‬إهنم مسيحيون‪ .‬إذ لو كانوا‬
‫بشر به املسيح ابن مرمي؛ ألن عيسى ابن مرمي ويَره من الرسل قد أرذ هللا عليهم‬ ‫حقيقة خآمنوا مبا َّ‬
‫غ‬
‫َر َذ هللاْ ميثَا َق النَّبغيغ ي َ‬
‫ني‬ ‫العهد وامليثاق أن بممنوا مبحمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كما قال هللا تعاىل‪َ :‬وإغ يذ أ َ‬
‫غ غ‬ ‫ول ُّم غ غ‬ ‫اب و غحك ٍ‬ ‫غ غ‬
‫صد ٌق ل َما َم َع ْك يم لَتْـ يممنْ َّن بغه َولَتَ ْ‬
‫نص ْرنَّهْ قَ َ‬
‫ال أَأَقـ َير يرْيمت‬ ‫يمة ْمثَّ َجاء ْك يم َر ْس ٌ َ‬ ‫لَ َما آتَـ ييـتْ ْكم من كتَ ٍ َ َ‬
‫اه غدبن [آل عمران‪.]81 :‬‬ ‫ال لَا يش َه ْدواي َوأ ََاني َم َع ْكم غم َن َّ‬
‫الش غ‬ ‫غ‬
‫َر يذ ْيمت َعلَى ذَل ْك يم إغ ي‬
‫ص غري قَالْواي أَقـ َير يرَان قَ َ‬ ‫َوأ َ‬
‫اب غاب يحلَ غق‬ ‫والذي جاء مصدقا ملا معهم هو حممد صلى هللا عليه وسلم؛ لقوله تعاىل‪ :‬وأَنزلينَا إغلَي َ غ‬
‫ك اليكتَ َ‬ ‫َ َ ي‬
‫غ‬ ‫مص غدقا لغما ب يني ب َدب غه غمن ال غ‬
‫ءه يم [املا د ‪:‬‬ ‫اَّللْ َوالَ تَـتَّبغ يع أ يَه َوا ْ‬ ‫اح ْكم بَـ ييـنَـ ْهم غمبا َ‬
‫أنز َل َّ‬ ‫اب َوْم َه يي غمنا َعلَييه لَ ي‬ ‫يكتَ غ‬ ‫ْ َ َ َََ ي َ‬
‫‪.]48‬‬
‫ورماصة القول أن نسبة النصارى إىل املسيح عيسى ابن مرمي نسبة بكذهبا الواقع؛ ألهنم كفروا ببشار‬
‫املسيح عيسى ابن مرمي عليه الصما والسما وهو حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكفرهم به كفر‬
‫بعيسى ابن مرمي‪ ،‬عليه الصما والسما ‪.‬‬
‫‪ O‬جمموع لتاوى ورسا ل ابن عثيمني – ‪133 /3‬‬
‫وسئل لضيلة الشيخ ابن ابز رمحه هللا هل الصحيح أن بقال‪ :‬مسيحي أو نصراين؟‬
‫لأجاب قا ما‪:‬‬
‫معىن مسيحي نسبة إىل املسيح ابن مرمي عليه السما ‪ ،‬وهم بزعمون أهنم بنتسبون إليه وهو بريء‬
‫منهم‪ ،‬وقد كذبوا لإنه مل بقل هلم إنه ابن هللا‪ ،‬ولكن قال‪ :‬عبد هللا ورسوله‪ .‬لاألوىل أن بقال هلم‬
‫َّصارى َعلَى َشي ٍء وقَالَ غ‬
‫ت‬ ‫ود لَيي غ‬ ‫غ‬
‫َ ي َ‬ ‫ست الن َ َ‬
‫نصارى‪ ،‬كما مسَّاهم هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬وقَالَت الييَـ ْه ْ َ‬
‫اب ‪[ ...‬البقر ‪.]113:‬‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬ ‫َّصارى لَييس غ‬
‫ود َعلَى َش ييء َو ْه يم بَـ يتـلْو َن اليكتَ َ‬
‫ت الييَـ ْه ْ‬ ‫الن َ َ َ‬
‫‪ O‬جمموع لتاوى ابن ابز‪416 /5 -‬‬

‫(‪)217/1‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬نشأهتا واترخيها‪:‬‬


‫النصرانية تعترب امتدادا لليهودبة؛ ألن عيسى عليه السما أرسل إىل بين إسرا يل جمددا يف شربعة‬
‫حرمت عليهم‪.‬‬ ‫موسى عليه السما ‪ ،‬ومصححا ملا حرله اليهود منها‪ ،‬وليحل هلم بعض الطيبات اليت غ‬
‫غ غ‬ ‫غ‬ ‫غغ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يمةَ َوالتَّـ يوَرا َ َواإلجنيل َوَر ْسوال إ َىل بَغين إ يس َرا َ‬
‫يل‬ ‫اب َوا يحلك َ‬
‫قال تعاىل عن عيسى عليه السما ‪َ :‬وبْـ َعل ْمهْ اليكتَ َ‬
‫ض الَّ غذي ْح غرَ َعلَيي ْك يم [آل‬ ‫غ غ‬ ‫‪ ...‬إىل قوله تعاىل‪ :‬ومص غدقا لغما بني ب َد َّ غ‬
‫ي م َن التـ يَّوَرا َوألْح َّل لَ ْكم بَـ يع َ‬ ‫َ ْ َ َ َي َ َ‬
‫عمران‪.]50 - 48 :‬‬
‫عماقتها ابليهودبة‪:‬‬
‫الداينة النصرانية امتداد لليهودبة‪ ،‬ومكملة هلا؛ ألن عيسى عليه السما ‪ -‬كما أسلفنا‪ -‬جاء رسوال‬
‫حرلوه من الدبن املنزل على موسى عليه السما يف التورا ‪ ،‬وليحل هلم‬ ‫إىل بين إسرا يل‪ ،‬مصححا ما َّ‬
‫حرمت عليهم‪ ،‬ومبشرا مبحمد صلى هللا عليه وسلم رسوال أيِت من بعده‪ .‬لقال‬ ‫بعض الطيبات اليت غ‬
‫ي غمن التـَّورا غ‬ ‫ال غعيسى ابن مرَمي اي ب غين إغسرا غيل إغغين رس ْ غ‬
‫اَّلل إغلَي ْكم ُّم غ غ‬
‫ني بَ َد َّ َ ي َ‬
‫صدقا ل َما بَ ي َ‬
‫َ‬ ‫ول َّ ي‬ ‫تعاىل‪َ :‬وإغ يذ قَ َ َ ي ْ َ ي َ َ َ ي َ َ َ ْ‬
‫ات قَالْوا َه َذا غس يح ٌر ُّمبغني [الصف‪.]6 :‬‬ ‫اءهم غابليبـيغنَ غ‬
‫َمحَ ْد لَـلَ َّما َج ْ َ‬ ‫ول َأيغيِت غمن بَـ يع غدي ي‬
‫امسْهْ أ ي‬ ‫وْمبَ غشرا بغر ْس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كذبوا عيسى عليه السما ‪ ،‬وأنكروا رسالته وحاربوا أتباعه‪ ،‬وملَّا رلعه‬ ‫لكن يالب بين إسرا يل (اليهود) َّ‬
‫حرلوا الدبن الذي جاء به‪ ،‬وحاولوا طمسه مبكرهم ودسا سهم‪ ،‬ومل ميض ثماثة قرون على‬
‫هللا إليه َّ‬
‫حتولت متاما عن مسارها الصحيح املتمثل يف التوحيد إىل الشرك املتمثل يف‬
‫الداينة النصرانية حىت َّ‬
‫التثليث‪ ،‬وتبدَّلت نصوصها وأحكامها‪ .‬كما لعلوا بدبن موسى عليه السما من قبل‪.‬‬
‫لالنصرانية احلاضر صنعة اليهود‪ ،‬تسَر يف ركاهبم‪ ،‬لذلك نرى النصارى ال بزالون بعرتلون بكتاب‬
‫اليهود (التورا )‪ ،‬ووصااي األنبياء الذبن جاءوا بعد موسى عليه السما ريم حتربف اليهود‪ ،‬وبسموهنا‬
‫احملرف الذي بسمونه (العهد اجلدبد)‪.‬‬
‫(العهد القدمي) ابإلضالة إىل كتاهبم اإلجنيل َّ‬
‫أما اليهود لهم بنكرون كل ما عدا التورا ‪ ،‬إال ما ورد عن علما هم ومفسربهم وبسمونه (التلمود)‪،‬‬
‫وهو مقد عندهم على التورا ‪.‬‬
‫بكفرون اليهود؛ لتكذببهم عيسى عليه السما ‪ .‬واليهود غ‬
‫بكفرون النصارى؛ ألهنم بروهنم‬ ‫والنصارى غ‬
‫مبتدعني‪ ،‬ودبنهم ابطل؛ ألن عيسى عليه السما بزعمهم ساحر كذاب‪.‬‬
‫قال هللا تعاىل عن الفربقني‪:‬‬
‫ود َعلَى َش يي ٍء َو ْه يم بَـ يتـلْو َن‬‫ت الييَـ ْه ْ‬ ‫َّصارى لَييس غ‬ ‫غ‬
‫ارى َعلَ َى َش ييء َوقَالَت الن َ َ َ‬
‫ٍ‬
‫َّص َ‬
‫ت الن َ‬ ‫ود لَييس غ‬ ‫غ‬
‫َوقَالَت الييَـ ْه ْ َ‬
‫يما َكانْواي لغ غيه خيَيتَلغ ْفو َن‬ ‫غ غغ‬ ‫غغ‬ ‫غ‬ ‫ك قَ َ َّ غ‬ ‫اب َك َذلغ َ‬ ‫غ‬
‫بن الَ بَـ يعلَ ْمو َن مثي َل قَـ يوهل يم لَاهللْ َيحي ْك ْم بَـ ييـنَـ ْه يم بَـ يوَ اليقيَ َامة ل َ‬
‫ال الذ َ‬ ‫اليكتَ َ‬
‫[البقر ‪]113 :‬‬
‫‪ -‬أهل الكتاب (اليهود والنصارى)‪:‬‬
‫وبطلق على اليهود والنصارى معا (أهل الكتاب) إشار إىل أن أدايهنم مساوبة منزلة من هللا تعاىل إليهم‬
‫بكتاب‪ .‬وأحياان بطلق على أحدمها‪ ،‬والكتاب هو التورا املنزلة على موسى عليه السما ‪ ،‬واإلجنيل‬
‫املنزل على عيسى عليه السما ‪ .‬وقد ورد هذا اإلطماق يف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫بكفر بعضهم بعضا إال أهنم جيتمعون على الكيد لإلسما ‪،‬‬ ‫ومع أن اليهود والنصارى (أهل الكتاب) غ‬
‫يكتَ غ‬
‫اب‬ ‫واإلضرار ابملسلمني‪ .‬وقد ذكر هللا عنهم ذلك يف أكثر من آبة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬و َّد َكثغَر غمن أ يَه غل ال غ‬
‫َ ٌ ي‬
‫لَو بـردُّونَ ْكم غمن بـع غد إغميَانغ ْكم ْك َّفارا ح غ غ غ غ غ غ‬
‫ني َهلْْم ا يحلَ ُّق [البقر ‪.]109 :‬‬ ‫سدا م ين عند أَن ْفس غهم من بَـ يعد َما تَـبَ َّ َ‬ ‫ََ‬ ‫ي‬ ‫َي‬ ‫ي َْ‬
‫ني أَن بْـنَـ َّز َل َعلَيي ْكم غم ين َر يٍَر غمن َّربغ ْك يم‬ ‫غ‬
‫اب َوالَ ال ْيم يش غرك َ‬
‫وقال تعاىل‪َّ :‬ما بـو ُّد الَّ غذبن َك َفرواي غمن أ يَه غل ال غ‬
‫يكتَ غ‬ ‫َ ْ ي‬ ‫ََ‬
‫ض غل ال َيعظ غيم [البقر ‪.]105 :‬‬ ‫غ‬ ‫شاء َوهللاْ ذْو الي َف ي‬ ‫ص بغَر يمحَتغ غه َمن بَ َ‬
‫َوهللاْ خيَيتَ ُّ‬
‫والذبن كفروا من أهل الكتاب هم من مل بسلم من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫يكتَ غ‬
‫اب‬ ‫وأهل الكتاب مكلفون إبقامة التورا واإلجنيل معا‪ ،‬لكنهم كفروا هبما‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬قْل اي أ يَهل ال غ‬
‫يَ َ‬
‫يل [املا د ‪.]68 :‬‬ ‫غغ‬ ‫لَستْم َعلَى َشي ٍء ح َّ غ‬
‫يمواي التـ يَّوَرا َ َواإلجن َ‬
‫ىت تْق ْ‬
‫ي َ َ‬ ‫ي ي‬
‫بشرت به هذه الكتب‪ ،‬واتباع‬ ‫ومن إقامة التورا واإلجنيل‪ :‬اإلميان مبحمد صلى هللا عليه وسلم حيث َّ‬
‫اإلسما الذي نسخ ما قبله من األداين‪.‬‬
‫‪ O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪65‬‬

‫(‪)218/1‬‬
‫املبحث اَخامس‪ :‬التعربف ابملسيح عليه السما ‪:‬‬
‫إمجاال من رمال القرآن الكرمي وما بتفق معه ِما ورد يف أانجيل النصارى‪:‬‬
‫وجل‪ ،‬وقد‬ ‫عز َّ‬ ‫وجل‪ ،‬وبلَّ رسالة ربه َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫املسيح عليه السما نَب من أنبياء بين إسرا يل‪ ،‬دعا إىل هللا َّ‬
‫وجل غّ هذا النَب الكرمي يف القرآن الكرمي‪ ،‬وذكر دعوته يف مواضع عدبد ‪ ،‬من أمشلها‬ ‫عز َّ‬ ‫ذكر هللا َّ‬
‫يسى ابي ْن َم يرَميَ َو غجيها‬ ‫امسه اليم غس غ‬ ‫غ غ غ غ ٍغ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يح ع َ‬ ‫قوله تعاىل‪ :‬إغ يذ قَالَت ال َيمآل َكةْ َاي َم يرَميْ إغ َّن هللاَ بْـبَش ْرك ب َكل َمة م ينهْ يْ ْ َ ْ‬
‫َىن بَ ْكو ْن غِل‬ ‫ب أ َّ‬ ‫ت َر غ‬ ‫ني قَالَ ي‬ ‫َّاس غيف ال َيم يه غد َوَك يهما َوغم َن َّ‬
‫الصاحلغغ َ‬
‫غ‬
‫ني َوبْ َكل ْم الن َ‬
‫غ غ غ‬
‫الدنيـيَا َواخآر َر َوم َن ال ْيم َق َّربغ َ‬ ‫غيف ُّ‬
‫غ‬ ‫ضى أ يَمرا لَغإ ََّنَا بَـ ْق ْ‬ ‫شاء إغذَا قَ َ‬ ‫ال َك َذلغ غ‬ ‫س يس غين بَ َ‬
‫ول لَهْ ْكن لَـيَ ْكو ْن َوبْـ َعل ْمهْ‬ ‫ك هللاْ خيَيلْ ْق َما بَ َ‬ ‫ش ٌر قَ َ‬ ‫َولَ ٌد َوَملي ميَي َ‬
‫يل أغَين قَ يد غج يئـتْ ْكم غِببٍَة غمن َّربغ ْك يم أغَين أَ يرلْ ْق‬ ‫غ غ‬ ‫غ‬
‫يل َوَر ْسوال إ َىل بَغين إ يس َرا َ‬
‫غغ‬
‫يمةَ َوالتـ يَّوَرا َ َواإلجن َ‬
‫غ‬
‫اب َوا يحلك َ‬ ‫اليكتَ َ‬
‫غ‬
‫ْحيغي ال َيم يوتَى‬ ‫غ غ‬ ‫غغ‬ ‫غ‬ ‫لَ ْكم غم َن ال غط غ‬
‫ص َوأ ي‬ ‫ني َك َه ييـئَة الطَّ يغَر لَأَن ْف ْخ ليه لَـيَ ْكو ْن طَ يَرا إبغغ يذن هللا َوأْبي غرىءْ األ يك َمهَ واألَبيـ َر َ‬
‫ص غدقا‬ ‫غ‬ ‫هللا وأْنَـبغئ ْكم غمبَا ََتي ْكلْو َن وما تَد غ‬
‫َّر ْرو َن غيف بْـيْوتغ ْك يم إغ َّن غيف ذَلغ َ‬ ‫غ‬
‫ني َوْم َ‬ ‫ك خآبَة لَّ ْك يم إغن ْكنتْم ُّم يممنغ َ‬ ‫ََ‬ ‫إبغغ يذ غن َ ْ‬
‫ٍغ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬ ‫لغما بني ب َد َّ غ‬
‫ض الَّذي ْح غرَ َعلَيي ْك يم َوج يئـتْ ْكم غِببَة من َّربغ ْك يم لَاتَّـ ْقواي هللاَ‬ ‫ي م َن التـ يَّوَرا َوألْحلَّ لَ ْكم بَـ يع َ‬ ‫َ َي َ َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫صرا ٌ غ‬ ‫غ‬ ‫َط ْ غ غ‬ ‫وأ غ‬
‫ال َم ين‬ ‫يسى م ينـ ْه ْم الي ْك يف َر قَ َ‬ ‫سع َ‬ ‫َح َّ‬‫يم لَـلَ َّما أ َ‬‫ط ُّم يستَق ٌ‬ ‫يعون إ َّن هللاَ َرغيب َوَربُّ ْك يم لَا يعبْ ْدوهْ َه َذا َ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ت‬ ‫آمنَّا غمبا َ‬
‫أنزلَ ي‬ ‫آمنَّا غابهلل َوا يش َه يد غأب ََّان ْم يسل ْمو َن َربَّـنَا َ‬ ‫ار هللا َ‬ ‫ال ا يحلََوا غربُّو َن َيحن ْن أ َ‬
‫َنص ْ‬ ‫َنصا غري إغ َىل هللا قَ َ‬ ‫أ َ‬
‫يسى إغغين‬ ‫غ‬ ‫بن إغ يذ قَ َ‬ ‫غ‬ ‫ول لَا يكتْـبـنَا مع َّ غ غ‬
‫ال هللاْ َاي ع َ‬ ‫َر ال َيماك غر َ‬ ‫بن َوَم َك ْرواي َوَم َك َر هللاْ َوهللاْ َر ي ْ‬ ‫الشاهد َ‬ ‫ي ََ‬ ‫الر ْس َ‬‫َواتَّـبَـ يعنَا َّ‬
‫بن َك َف ْرواي إغ َىل بَـ يوغ ال غيقيَ َام غة‬ ‫َّ غ‬
‫وك لَـ يو َق الذ َ‬ ‫بن اتَّـبَـ ْع َ‬ ‫غ َّ غ‬
‫بن َك َف ْرواي َو َجاع ْل الذ َ‬
‫غ َّ غ‬
‫ِل َوْمطَ غه ْر َك م َن الذ َ‬ ‫ك إغ ََّ‬‫يك َوَرالغ ْع َ‬‫ْمتَـ َولغ َ‬
‫ْع غذ ْهبْ يم َع َذااب َش غدبدا غيف ُّ‬ ‫َّ غ‬ ‫غغ غ‬ ‫غ‬
‫الدنيـيَا‬ ‫بن َك َف ْرواي لَأ َ‬ ‫يما ْكنتْ يم ليه َختيتَل ْفو َن لَأ ََّما الذ َ‬ ‫َح ْك ْم بَـ ييـنَ ْك يم ل َ‬‫ِل َم يرغج ْع ْك يم لَأ ي‬ ‫ْمثَّ إغ ََّ‬
‫ورْه يم َوهللاْ الَ ْغحي ُّ‬ ‫ص غربن وأ ََّما الَّ غذبن آمنْوا و َع غملْواي َّ غ غ غ‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ‬
‫ب‬ ‫ْج َ‬‫الصاحلَات لَـيْـ َولي غه يم أ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َواخآر َر َوَما َهلْم من َّان َ َ‬
‫آد َ َرلَ َقهْ غمن‬ ‫غ غ‬
‫يسى عن َد هللا َك َمثَ غل َ‬
‫غ‬ ‫غ غ‬ ‫غ غ‬
‫اخآايت َوالذ يك غر ا يحلَك غيم إ َّن َمثَ َل ع َ‬ ‫ك م َن َ‬
‫ك نَـ يتـلْوه علَي َ غ‬
‫ْ َي‬ ‫ني ذَلغ َ‬ ‫غ‬
‫الظَّال غم َ‬
‫ك لَماَ تَ ْكن غمن ال ْيم يم َغرتبن [آل عمران‪.]60 - 45 :‬‬ ‫ال لَهْ ْكن لَـيَ ْكو ْن ا يحلَ ُّق غمن َّربغ َ‬ ‫اب غمثَّ قَ َ‬ ‫تْـر ٍ‬
‫َ‬
‫وجل‪ ،‬بشر رلقه هللا بكلمته‪ ،‬كما رلق من قبله آد‬ ‫هذا هو املسيح عليه السما يف كما هللا ع َّز َّ‬
‫عليه السما بكلمته‪ ،‬وهي قوله‪( :‬كن) وجعله هللا سبحانه آبة حيث رلقه يف بطن أمه مرمي بدون أن‬
‫بكون هلا زوج أو ميسها بشر‪ ،‬بل كانت‪ -‬رضوان هللا عليها‪ -‬عبد صاحلة طاهر مربأ من اَخبث‬
‫والفساد‪.‬‬

‫(‪)219/1‬‬
‫وجل وحده‬
‫عز َّ‬
‫وجل لنا حقيقة دعو املسيح عليه السما ‪ ،‬وأنه رسول دعا إىل عباد هللا َّ‬
‫عز َّ‬
‫وبني هللا َّ‬
‫َّ‬
‫وجه دعوته لبين جنسه‪ ،‬وهم بنو إسرا يل الذبن كانوا يف ذلك الوقت قد احنرلوا‬ ‫ال شربك له‪ ،‬وقد َّ‬
‫كثَرا عن دبن موسى عليه السما ‪ ،‬إال أن قومه َّ‬
‫كذبوه وسعوا إىل قتله‪ ،‬لأجناه هللا منهم ورلعه إىل‬
‫السماء‪.‬‬
‫صرحت مبا ذكره القرآن تصرحيا واضحا‬
‫وإذا نظران إىل األانجيل املوجود بني بدي النصارى جند أهنا َّ‬
‫ال لبس ليه‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬بشربة املسيح‪:‬‬
‫الرب جلَّ وعما رربه من لدن‬
‫قص لنا ُّ‬
‫وجل بشربة املسيح يف اخآايت السابقة‪ ،‬وقد َّ‬
‫عز َّ‬
‫ذكر هللا َّ‬
‫جدته امرأ عمران مث أمه مث ررب والدته‪.‬‬
‫وقد ذكرت مجيع األانجيل أنه ولد من مرمي‪ ،‬وأنه طرأ عليه ما بطرأ على البشر من الوجود بعد العد ‪،‬‬
‫واألكل والشرب والتعب والنو واملوت‪ ،‬وسا ر اَخصال البشربة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنه رسول هللا‪:‬‬
‫ت غمن قَـ يبلغ غه ُّ‬
‫الر ْس ْل [املا د ‪.]75 :‬‬ ‫يح ابي ْن َم يرَميَ إغالَّ َر ْس ٌ‬
‫ول قَ يد َرلَ ي‬ ‫غ‬
‫وذلك يف قوله عز وجل‪ :‬ما ال َيمس ْ‬
‫صرّح النصارى أن املسيح عليه السما قال هلم يف مواطن كثَر يف األانجيل أبنه رسول من‬
‫وقد َّ‬
‫عند هللا‪ ،‬لقد ورد يف إجنيل مىت (‪( :)40 /10‬من بقبلكم بقبلين ومن بقبلين بقبل الذي أرسلين)‪.‬‬
‫ويف إجنيل لوقا (‪( :)43 /4‬لقال هلم‪ :‬إنه بنبغي ِل أن غ‬
‫أبشر املدن األرر أبضا مبلكوت هللا؛ ألين هلذا‬
‫أرسلت‪ .‬لكان بكرز يف جمامع اجلليل)‪ .‬وبقول لتماميذه الذبن أرسلهم إىل املدن لدعو الناس لإلميان‬
‫به وبرسالته حسب قول لوقا (‪( :)16 /10‬الذي بسمع منكم بسمع مين‪ ،‬والذي برذلكم برذلين‪.‬‬
‫والذي برذلين برذل الذي أرسلين)‪.‬‬
‫ويف إجنيل بوحنا ذكر أنه رسول من هللا يف مواطن كثَر منها (‪( :)34 /4‬قال هلم بسوع‪ :‬طعامي أن‬
‫أعمل مشيئة الذي أرسلين‪ ،‬وأمتم عمله)‪ .‬ويف (‪ )3 /17‬بذكر عن املسيح أنه قال‪( :‬وهذه هي احليا‬
‫األبدبة أن بعرلوك أنت اإلله احلقيقي وحدك‪ ،‬وبسوع املسيح الذي أرسلته)‪.‬‬
‫‪ - 3‬أنه رسول إىل بين إسرا يل راصة‪:‬‬
‫غ‬
‫وجل يف اخآايت السابقة‪َ :‬وَر ْسوال إىل بَغين إ يسرا َ‬
‫يل [آل عمران‪ .]49:‬وقد ورد يف إجنيل‬ ‫عز َّ‬
‫قال هللا َّ‬
‫مىت (‪ )24 /15‬أن املسيح عليه السما حلقته امرأ كنعانية تطلب منه شفاء ابنتها اجملنونة‪ ،‬لقال‬
‫املسيح‪( :‬مل أرسل إال إىل رراف بيت إسرا يل الضالة)‪ .‬وكذلك يف إجنيل مىت (‪ )5 /10‬أن املسيح‬
‫أرسل تماميذه إىل القرى اليهودبة‪ ،‬وقال هلم‪( :‬إىل طربق أمم ال متضوا وإىل مدبنة للسامربني ال‬
‫تدرلوا‪ ،‬بل اذهبوا ابحلرى إىل رراف بيت إسرا يل الضالة)‪.‬‬
‫‪ - 4‬أنه دعا إىل عباد هللا وحده ال شربك له‪:‬‬
‫صرا ٌ غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يم [آل عمران‪:‬‬
‫ط ُّم يستَق ٌ‬ ‫جل وعما عن املسيح أنه قال‪ :‬إ َّن هللاَ َرغيب َوَربُّ ْك يم لَا يعبْ ْدوهْ َه َذا َ‬
‫قال َّ‬
‫‪.]51‬‬
‫وذكر مىت يف إجنيله (‪ )10 /4‬عن املسيح أنه قال‪( :‬للرب إهلك تسجد وإايه وحده تعبد)‪ .‬ويف إجنيل‬
‫مرقص (‪ )29 /12‬أن املسيح أجاب من سأله عن أول الوصااي والواجبات بقوله‪( :‬إن أول كل‬
‫الوصااي هي‪ :‬امسع اي إسرا يل‪ ،‬الرب إهلنا رب واحد‪ .‬وحتب الرب إهلك من كل قلبك)‪ .‬ويف إجنيل‬
‫لوقا (‪ )8 /4‬أن املسيح قال للشيطان ملا طلب منه أن بسجد له‪( :‬اذهب اي شيطان‪ ،‬إنه مكتوب‪:‬‬
‫للرب إهلك تسجد وإايه وحده تعبد)‪.‬‬
‫ويف إجنيل بوحنا (‪ )3 /17‬أن املسيح قال‪( :‬وهذه هي احليا األبدبة أن بعرلوك أنت اإلله احلقيقي‬
‫وحدك‪ ،‬وبسوع املسيح الذي أرسلته)‪ .‬وكذلك قال للمرأ اليت رأته بعد القيامة يف كمامهم يف إجنيل‬
‫بوحنا (‪( :)17 /20‬قال هلا بسوع‪ :‬ال تلمسيين؛ ألين مل أصعد بعد إىل أيب‪ ،‬ولكن اذهَب إىل إروِت‬
‫وقوِل هلم‪ :‬إين أصعد إىل أيب وأبيكم وإهلي وإهلكم)‪.‬‬
‫‪ - 5‬إنه متبع لشربعة موسى عليه السما ومكمل هلا‪:‬‬

‫(‪)220/1‬‬

‫ض الَّ غذي ْح غرَ َعلَيي ْك يم‪[ .‬آل عمران‪:‬‬ ‫غ غ‬ ‫وجل‪ :‬ومص غدقا لغما بني ب َد َّ غ‬
‫ي م َن التـ يَّوَرا َوألْح َّل لَ ْكم بَـ يع َ‬ ‫عز َّ َ ْ َ َ َ ي َ َ‬ ‫قال َّ‬
‫‪.]50‬‬
‫قال مىت يف إجنيله (‪ )17 /5‬عن املسيح أنه قال‪( :‬ال تظنوا أين جئت ألنقض الناموس أو األنبياء ما‬
‫جئت ألنقض بل ألكمل)‪.‬‬
‫‪ - 6‬أنه دعا إىل التوبة‪:‬‬
‫غ‬ ‫ٍغ‬ ‫عز َّ غ‬
‫وجل‪َ :‬وج يئـتْ ْكم غِببَة من َّربغ ْك يم لَاتَّـ ْقواي هللاَ َوأَط ْ‬
‫يعون [آل عمران‪]50 :‬‬ ‫وهو معىن قوله َّ‬
‫لب دعو املسيح عليه السما حسب األانجيل هو‪ :‬الدعو إىل التوبة‪،‬‬ ‫وقد ذكر بعض ال ْكتَّاب أن َّ‬
‫واألرذ بشربعة موسى عليه السما ‪ .‬ويف هذا ورد يف إجنيل مىت (‪( :)13 /9‬ألين مل آت ألدعو أبرارا‬
‫بل رطا إىل التوبة)‪ .‬ويف إجنيل مرقص (‪( :)14 /1‬وبعدما أْسلم بوحنا جاء بسوع إىل اجلليل بكرز‬
‫ببشار ملكوت هللا‪ ،‬وبقول‪ :‬قد كمل الزمان واقرتب ملكوت هللا لتوبوا وآمنوا ابإلجنيل)‪ .‬لهذه‬
‫النصوص بظهر منها واضحا بشربة املسيح عليه السما ‪ ،‬وأنه رسول دعا بين إسرا يل إىل عباد هللا‬
‫وجل يف القرآن الكرمي عنه‪ ،‬وبتفق مع‬
‫عز َّ‬
‫وحده ال شربك له‪ ،‬وهذا بتفق متا االتفاق مع ما ذكره هللا َّ‬
‫دعو األنبياء السابقني الذبن ورد ذكرهم يف القرآن‪ ،‬أو ذكرهم اليهود يف كتبهم‪ .‬كما بتفق ذلك مع‬
‫العقل وتراتح له النفس‪ .‬وهذا خبماف ما تدَّعيه الكنيسة وتزعمه من األمور املناقضة للعقل والشرع‪،‬‬
‫وسيأِت إن شاء هللا بيان ذلك عند احلدبث عن عقا د النصارى‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪167‬‬

‫(‪)221/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫إن احلدبث عن اتربخ النصارى األوا ل والنصرانية من املصادر النصرانية بعترب من أصعب‬
‫املوضوعات وأكثرها تعقيدا؛ ألن التاربخ إَنا بعتمد على النصوص والرواايت احملفوظة اليت تبني اتربخ‬
‫حقبة ما‪ .‬والناظر يف املصادر النصرانية بواجه مشكلة االنقطاع التارخيي يف لرت من أهم الفرتات‬
‫املتعلقة ابلنصرانية‪ ،‬وهي الفرت اليت تعقب رلع املسيح عليه السما إىل منتصف القرن الثاين من‬
‫امليماد‪ ،‬لإن هذه الفرت تعترب لرت حرجة جدًّا‪ ،‬واملصادر اليت ميكن أن بعتمد عليها يف بيان اتربخ‬
‫تلك الفرت تعترب اندر جدًّا‪ ،‬بل ال بوجد بني بدي النصارى سوى كتاب (أعمال الرسل) الذي حتدَّث‬
‫رصص بقية كتابه للحدبث عن بولس‬
‫كاتبه يف أوله عمن بزعم أهنم تماميذ املسيح حدبثا حمدودا‪ ،‬مث َّ‬
‫وأعماله‪ ،‬وريم ذلك لإن املعلومات عن بولس تنقطع قبل موته بعد وصوله روما‪ ،‬وهذه النهابة اليت‬
‫انتهى إليها صاحب الكتاب هي هنابة املعلومات املتولر لدى النصارى عن تلك الفرت ‪ ،‬بضاف إىل‬
‫ذلك ما ميكن استفادته واستخماصه من رسا ل بولس األربع عشر اليت ليها إشارات قليلة ختص‬
‫بولس من انحية اترخيية‪ ،‬إال أهنا شبه رالية من املعلومات عن احلواربني الذبن هم تماميذ املسيح عليه‬
‫السما احلقيقيون‪.‬‬
‫ومع ذلك لسنحاول ذكر اتربخ إمجاِل للنصارى والنصرانية إىل عهد ما بعد اإلمرباطور قسطنطني‬
‫حسب املعلومات املتاحة‪ ،‬وذلك إلعطاء القارئ تصورا عن النصرانية من انحية اترخيية‪ ،‬رمبا بكون‬
‫قرببا من الواقع‪.‬‬

‫(‪)222/1‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املسيح عليه السما من رمال مصادر النصارى‪:‬‬
‫املسيح هو‪ :‬عيسى بن مرمي عليه السما ‪ ،‬وبنسبه النصارى إىل داود عليه السما ‪ ،‬وبعتقدون أنه ال‬
‫أب له من البشر؛ ألن هللا أرسل إىل مرمي امللك جرببل عليه السما لكان احلمل به عليه السما ‪ ،‬مث‬
‫إهنا وضعته بعد ذلك يف بيت حلم يف للسطني‪ ،‬وزعم صاحب إجنيل مىت أن أمه ذهبت به من للسطني‬
‫إىل مصر رولا من هَرودس حاكم اليهودبة‪ ،‬الذي عز على قتل مجيع األطفال الذبن ولدوا يف ذلك‬
‫العا ؛ ألن منجمني جموس أرربوه بوالد ملك اليهود‪ .‬وبعد بلوغ املسيح عليه السما الثماثني من‬
‫عمره ابتدأ دعوته بعد أن اعتمد من حيىي عليه السما لكان بعظ الناس يف أماكن ُتمعهم‪ ،‬وإذا رأى‬
‫مرضى بشفيهم ‪ -‬إبغغ يذ غن غ‬
‫هللا‪ ،-‬وبتجول يف سا ر املدن اليهودبة‪ ،‬وظهرت على بدبه آايت كثَر مثل‬
‫تكثَر الطعا ‪ ،‬وشفاء املرضى‪ ،‬واملشي على املاء ويَر ذلك‪ ،‬ويف هذه الفرت املبكر من دعوته التحق‬
‫به من بزعم النصارى أهنم حواربو املسيح‪ ،‬واتبعوه يف رحماته‪ ،‬مث أرسل تماميذه اثنني اثنني إىل القرى‬
‫للدعو ‪ ،‬وشعر رؤساء اليهود ابَخطر الذي سيحيق هبم‪ ،‬من جراء دعو املسيح عليه السما ‪ ،‬ولذا‬
‫لقد اتفقت كلمتهم على ضرور القضاء عليه‪ .‬للما كان يف اليو األول من أاي عيد الفصح علم‬
‫اليهود مبكانه يف بيت املقدس‪ ،‬وذلك بوشابة من أحد أتباعه‪ ،‬وهو بهوذا اإلسخربوطي‪ ،‬لجاءوا‬
‫لفر تماميذه وتركوه‪ ،‬لأرذه اليهود إىل ر يس كهنتهم‪ ،‬وواجهوه مبا بتهمونه به‪،‬‬
‫وألقوا القبض عليه‪َّ ،‬‬
‫إال أهنم رأوا أن الشهود ال تتفق كلمتهم ليما شهدوا به عليه‪ ،‬وأرَرا سأله ر يس الكهنة وقال له‪:‬‬
‫أأنت املسيح ابن املبارك؟ لقال عيسى‪ :‬أان هو وسوف تبصرون ابن اإلنسان جالسا عن ميني القو ‪،‬‬
‫لمزق ر يس الكهنة ثيابه‪ .‬وقال ما حاجتنا بعد إىل شهود قد مسعتم‬
‫وآتيا يف سحاب السماء‪َّ .‬‬
‫التجادبف‪ ،‬ما رأبكم؟ لحكم اجلميع عليه أنه مستوجب للموت‪ .‬مث محلوه إىل الواِل الروماين‬
‫(بيماطس البنطي) الذي قرره مبا كان متهما به‪ ،‬وهو أنه (ملك اليهود) وهي التهمة اليت أوعز اليهود‬
‫إىل الواِل الروماين أن املسيح بدَّعيها لنفسه‪ ،‬إال أن املسيح مل جيبه بشيء‪ ،‬لرأى بيماطس أنه ال‬
‫بستحق املوت‪ ،‬وهو اجلزاء الذي كان بطالب اليهود إببقاعه به‪ ،‬إال أن بيماطس بعد ذلك ونزوال عند‬
‫ريبة اليهود حكم عليه ابملوت على الصليب‪ ،‬لحمل بو اجلمعة صباحا إىل موضع الصلب‪ ،‬حيث‬
‫علغق على الصليب يف زعمهم يف الساعة الثالثة صباحا‪ ،‬وبقي على الصليب إىل الساعة التاسعة‬
‫عصرا (‪ ،)1‬حيث مات بعد أن صاح (إهلي إهلي ملاذا تركتين)‪ .‬مث أْن غزل عن الصليب وأدرل قربا بقي‬
‫ليه تلك الليلة وهنار السبت وليلة األحد‪ ،‬للما جاءوا صباح االثنني وجدوا القرب راليا‪ ،‬وقيل هلم‪:‬‬
‫حي وبقى معهم حسب كما صاحب‬
‫وبني هلم أنه ٌّ‬
‫إنه قا من قربه‪ ،‬مث إنه ظهر لتماميذه بعد ذلك‪َّ ،‬‬
‫أعمال الرسل (أربعني بوما) مث ارتفع إىل السماء وهم بنظرون إليه‪ ،‬وكانت مد دعو املسيح حسب‬
‫األانجيل الثماثة األوىل ال تزبد عن سنة واحد ‪ ،‬إذ مل بذكروا رمال دعو املسيح إال عيدا واحدا‪ ،‬أما‬
‫أجنيل بوحنا لذكر ثماثة أعياد لليهود‪ ،‬هلذا برى كثَر من النصارى أن مد دعوته كانت ثماث‬
‫سنوات‪ ،‬وكان أتباعه رمال هذه املد والذبن َرلَّفهم بعده بنحصرون يف االثين عشر حوارًّاي‪ ،‬وآرربن‬
‫ببل جمموعهم ما ة وعشربن لقط‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬هذا على حساب الساعة الغرويب الذي بكون أول ساعة بعد يروب الشمس هي الساعة‬
‫الواحد ليما إىل اثنيت عشر ساعة ‪ ...‬لتكون الساعة الثالثة هنا صباحا حواِل التاسعة والنصف يف‬
‫عرلنا والتاسعة توالق الثالثة والنصف مساء‪.‬‬

‫(‪)223/1‬‬

‫وكل من نظر يف األانجيل اليت بني بدي النصارى‪ ،‬واليت حتوي دعو املسيح ونشاطه‪ ،‬وحتركاته‪،‬‬
‫ومواعظه‪ ،‬بتيقن أن املسيح مل بمسس داينة جدبد البتة‪ ،‬بل كان بلتز بشربعة موسى عليه السما ‪،‬‬
‫وصى تماميذه الذبن أرسلهم إىل الدعو يف‬
‫وبدعو إىل االلتزا هبا‪ ،‬وحير اَخروج عليها‪ ،‬وهبذا أبضا َّ‬
‫القرى‪.‬‬
‫أما حمور دعو املسيح عليه السما حسب األانجيل‪ ،‬لهو الدعو إىل التوبة واإلانبة إىل هللا والتبشَر‬
‫ابمللكوت القربب‪ ،‬وكان بضرب هلم األمثال يف ذلك‪ ،‬وال خيتلف يف هذا عن األنبياء من بين إسرا يل‬
‫الذبن سبقوه وجاءوا بعد موسى عليه السما ‪ ،‬إال أنه زاد يف النهي عن الفواحش والفساد بتأكيد‬
‫حترمي الوسا ل إليها‪ ،‬لمن ذلك قوله يف إجنيل مىت (‪( :)27 /5‬قد مسعتم أنه قيل للقدماء‪ :‬التزن‪ .‬وأما‬
‫أان لأقول لكم‪ :‬إن من بنظر إىل امرأ ليشتهيها لقد زىن هبا يف قلبه)‪ .‬ويف (‪( :)33 /5‬مسعتم أنه قيل‬
‫للقدماء‪ :‬ال حتنث بل أوف للرب أقسامك‪ .‬وأما أان لأقول لكم‪ :‬ال حتلفوا البتة ‪ ......‬بل ليكن‬
‫كمامكم نعم نعم‪ ،‬ال ال)‪.‬‬
‫أكد على التسامح والعفو واحملبة‪ ،‬ويف هذا بقول مىت (‪( :)43 /5‬مسعتم أنه قيل‪ :‬حتب‬ ‫وكذلك َّ‬
‫قرببك وتبغض عدوك‪ .‬وأما أان لأقول لكم‪ :‬ابركوا العنيكم‪ ،‬أحسنوا إىل مبغضيكم‪ ،‬وصلُّوا ألجل‬
‫الذبن بسيئون إليكم وبطردونكم)‪.‬‬
‫أما التشربع للم بذكر عنه منه شيء سوى ما بتعلق ابحلض على عد الطماق وعد زواج املطلقة‪.‬‬
‫بقول مىت عنه يف (‪( :)31 /5‬وقيل‪ :‬من طلَّق امرأته لليعطها كتاب طماق‪ .‬وأما أان لأقول لكم‪ :‬إن‬
‫من طلَّق امرأته إال لعلة الزىن جيعلها تزين‪ ،‬ومن بتزوج مطلقة لإنه بزين)‪.‬‬
‫بتزوج مبطلقة‬ ‫ويف إجنيل لوقا (‪ )18 /16‬بقول‪( :‬كل من بطلغق امرأته َّ‬
‫وبتزوج أبررى بزين‪ ،‬وكل من َّ‬
‫من رجل بزين)‪ .‬لهذا ُّ‬
‫بدل على أن املسيح عليه السما مل بمسس داينة جدبد البتة‪ ،‬بل كان شأنه‬
‫ودعوته شأن ودعو األنبياء السابقني من بين إسرا يل من بعد موسى عليه السما ‪ ،‬إال أن هللا جعله‬
‫وأمه آبة لبين إسرا يل‪.‬‬

‫(‪)224/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬تماميذ املسيح عليه السما بعد رلعه‪:‬‬


‫املصادر التارخيية هلذه الفرت بعد رلع املسيح عليه السما اندر جدًّا وقليلة‪ ،‬لما بوجد بني بدي‬
‫النصارى سوى سفر (أعمال الرسل) الذي ورد ليه جانب من أعمال حواربي املسيح وتماميذه‪ ،‬مث‬
‫ْرصص بقية الكتاب للحدبث عن بولس‪ ،‬وبضاف إىل هذا السفر بعض اجلمل الوارد يف الرسا ل‬
‫امللحقة ابلعهد اجلدبد اليت تتحدث عن شيء من اتربخ تماميذ املسيح‪ .‬هذا كل ما لدى النصارى‬
‫من كتب عن هذه الفرت ‪.‬‬
‫وهلذا سنشَر إشار َمتصر إىل هذه الفرت حسب املعلومات املتاحة‪ ،‬لنقول‪:‬‬
‫إن تماميذ املسيح ليما بذكر النصارى بعد رلعه قاموا ابلدعو يف مجيع مدن اليهودبة‪ .‬وحسب سفر‬
‫(أعمال الرسل) لقد أظهروا آايت وعجا ب كثَر قاموا هبا‪ ،‬وراصة شفاء املرضى‪ ،‬وبناء على تلك‬
‫اخآايت أقبل الناس على مساع كمامهم واالستجابة هلم‪ ،‬إال أن هذا مل مينع كهنة اليهود ورؤساءهم من‬
‫أن بتوعدوا التماميذ وبتهددوهنم؛ ليتوقفوا عن الدعو ‪ ،‬إال أن ذلك التهدبد مل بوقف محاس التماميذ‬
‫ونشاطهم يف الدعو ‪ ،‬وترتكز دعو التماميذ وتعاليمهم على وجوب التوبة والتعميد‪ ،‬واإلميان ابملسيح‬
‫عيسى عليه السما ؛ لتغفر هلم رطاايهم‪ ،‬وهي الدعو اليت كان املسيح عليه السما بدعو إليها‪ ،‬كما‬
‫سبق بيانه‪ .‬ومل بكن يف دعوهتم تصربح أبلوهية املسيح وال بنوته هلل‪ ،‬بل أعلن (بطرس) كبَرهم ليما‬
‫بذكر النصارى أما اليهود يف أول رطبة له عامة‪( :‬إن بسوع الناصري رجل قد تربهن لكم من قبل‬
‫هللا بقوات وعجا ب وآايت صنعها هللا بيده يف وسطكم‪ ،‬كما أنتم أبضا تعلمون)‪ ،‬بعد هذا ازداد‬
‫وبسمى إستفانوس‪ -‬ورمجوه ابحلجار حىت قتلوه‪،‬‬
‫حنق اليهود على التماميذ‪ ،‬لقبضوا على أحدهم‪َّ -‬‬
‫بسمى بعقوب أرو بوحنا‪ ،‬مث اضطهدوا بقية األتباع‪ ،‬حىت تشتت كثَر منهم يف سا ر‬
‫وقتلوا بعده آرر َّ‬
‫أحناء اليهودبة والسامر ‪ ،‬وكان التماميذ إىل ذلك الوقت مقتصربن يف دعوهتم على أبناء جلدهتم من‬
‫انضم إليهم عدد من اليواننيني‪،‬‬
‫اليهود‪ ،‬إال أهنم رأوا أن يَر اليهود بقبلون أبضا دعوهتم‪ ،‬وقد َّ‬
‫لشجعهم هذا على تكثيف الدعو بني األجانب‪ ،‬لأرسلوا براناب إىل أنطاكية؛ ليدعو األجانب‪ ،‬لآمن‬
‫َّ‬
‫بدعوته أبضا العدبد من الناس‪ ،‬وكان قد انضم إىل التماميذ بولس (شاؤول اليهودي) ل ْكلف هو‬
‫وبراناب بدعو الوثنيني‪ ،‬لنجحا يف دعوهتما جناحا كبَرا‪ ،‬وحدث من جراء قبول الوثنيني اليواننيني‬
‫تنصر من الوثنيني‬
‫ويَرهم للداينة النصرانية إشكال رطَر‪ ،‬وهو أن بعض دعاهتم صاروا ال بْلزمون من َّ‬
‫ابلتمسك بتعاليم الشرا ع املوسوبة‪ ،‬وعلى رأس همالء بولس‪ ،‬وأما الدعا اخآررون لكانوا برون‬
‫وجوب العمل بتعاليم الشربعة املوسوبة‪ ،‬ومن ضمنها اَختان‪ .‬لحدث رماف بينهم‪ ،‬اجتمعوا على‬
‫إثره يف جممع يف بيت املقدس‪ ،‬لقرروا عد مطالبة الوثنيني اباللتزا ابلشربعة‪ ،‬وبكتفى من ذلك‬
‫ابالمتناع عما ذبح لَلصنا وعن الد واملخنوق والزان‪ .‬هكذا ذكروا‪ .‬وبنتهي بعد هذا ررب التماميذ‪،‬‬
‫وال بعلم على التحدبد ما حدث منهم وال ما حدث عليهم‪ ،‬وإَنا ميكن تتبع بولس يف دعوته‪ ،‬وأنه‬
‫قواي يف دعوته‪ ،‬لزار مدان عدبد يف آسيا‪ ،‬مث كان رامتة مطاله يف روما‪ ،‬وهذا آرر ما‬
‫نشط نشاطا ًّ‬
‫ذكره صاحب سفر األعمال‪ ،‬وال بعطينا عن رامتة حيا بولس شيئا‪ ،‬وال بعرف النصارى على‬
‫التحقيق عنها شيئا‪.‬‬

‫(‪)225/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫إن احلدبث عن العصور املتقدمة من هذه الفرت بلفه الغموض الشدبد‪ ،‬وبكاد بكون اجلهل بتلك‬
‫الفرت جهما مطبقا‪ ،‬وهي لرت من أكثر لرتات التاربخ النصراين يموضا وأشدها صعوبة ورطور ؛ إذ‬
‫ألرزت هذه الفرت ‪ -‬وراصة الماحقة مباشر لعصر التماميذ‪ -‬بروز األانجيل الكثَر ‪ ،‬اليت ظهرت يف‬
‫وقت متقارب من تلك الفرت ‪ ،‬وهي متضاربة تضاراب شدبدا‪.‬‬
‫كذلك برزت للوجود األقوال املنحرلة الكثَر عن املسيح وداينته‪ ،‬وهي أبضا أقوال متضاربة متبابنة‪.‬‬
‫بقول الكاتب النصراين حبيب سعيد متحداث عن تلك الفرت ‪( :‬ومع أنه من اليسَر مجع نتف من هنا‬
‫وهناك عن هذه الفرت ‪ -‬هنابة عصر احلواربني ‪ -‬إال أن األربعني سنة من (‪ )70‬إىل (‪ - )110‬تبقى‬
‫أكثر لرتات التاربخ املسيحي يموضا وإهباما‪ ،‬وهو أمر بمسف له؛ ألن هذه الفرت حفلت بكثَر من‬
‫معامل التغيَر يف الكنيسة نفسها‪ ،‬وألن ليها برز كثَرون من دعا املسيحية اجملهولني بعد (بولس)‪،‬‬
‫وظهر كثَر من األلكار اليت محلها‪ -‬بما شك‪ -‬املتنصرون الوثنيون من مصادر يَر مسيحية‪ ،‬وراصة‬
‫حول العقا د واملمارسات املسيحية‪ ،‬مثل األسرار‪ ،‬واألصوا وأشكال العباد ‪ ،‬ودستور الكنيسة نفسه‬
‫رضع لبعض التعدبمات)‪.‬‬
‫ومييز هذه الفرت املتقدمة من اتربخ النصارى حادثة مهمة جدًّا لعلها من أهم احلوادث اليت وقعت‬
‫على النصارى بعد رلع املسيح عليه السما أال وهي حادثة تدمَر بيت املقدس من قبل القا د‬
‫الروماين تيطس سنة (‪ , )70‬يف عهد اإلمرباطور (لوسباسيانوس) حيث قضى هذا القا د على اليهود‬
‫يف للسطني‪ ،‬وراصة يف القدس قضاء شبه ات بسبب ثورهتم ضد الرومان‪.‬‬
‫والشك أن عملية القتل واإلابد هذه قد طالت أكرب عدد من النصارى يف ذلك التاربخ؛ ألنه مل بكن‬
‫هناك لرق بني اليهودي واملتنصر إابن تلك الفرت ‪ ،‬كما أن البماء والقتل واإلابد كان شبه عا جلميع‬
‫املناطق اليت بتواجد ليها اليهود يف للسطني راصة‪ ،‬واملناطق اجملاور هلا‪.‬‬
‫ومن هنا لإن احلدبث عن تلك الفرت ليه عسر واضح؛ إذ إهنا حلقة جمهولة يف اتربخ النصرانية‪ ،‬حىت‬
‫إن هنابة أتباع املسيح عليه السما ‪ -‬وكذلك بولس‪ -‬تعترب جمهولة بسبب ذلك البماء الطوبل الذي‬
‫حل ابليهود متتابعا متماحقا من قبل الرومان‪ ،‬منذ رلع املسيح عليه السما إىل تدمَر تيطس لبيت‬
‫َّ‬
‫استمر البماء على من بقي منهم إىل التدمَر الثاين يف عهد اإلمرباطور‬
‫َّ‬ ‫املقدس سنة (‪ ، )70‬مث‬
‫بسمى (بركوكبا) وزعموا أنه املسيح‬
‫وأمروا عليهم رجما َّ‬
‫(أدراين) حيث ُت َّمع جمموعة من اليهود َّ‬
‫املنتظر لخرج هبم على الرومان‪ ،‬لما كان من اإلمرباطور الروماين (أدراين) حواِل عا (‪َّ , )130‬إال‬
‫استمر يف ذلك‬ ‫حمما‪ًّ ،‬‬
‫حمما‪ ،‬و َّ‬ ‫أن أرسل محلة كبَر ‪ ،‬وأمرها بتدمَر مجيع احملمات اليت ميرون عليها‪ًّ ،‬‬
‫دمر بماد اليهود‪ ،‬وقضى عليهم‪ ،‬وأعاد تدمَر بيت املقدس‪ ،‬وبىن حمله هيكما للمشرتي‪،‬‬
‫سنتني حىت َّ‬
‫وحر على اليهود الدرول إىل بيت املقدس إال بوما واحدا يف السنة‬
‫معبود الرومان يف ذلك الوقت‪َّ ،‬‬
‫بعد دلع يرامة مالية كبَر ‪.‬‬
‫البني يف اتربخ‬ ‫لما َّ‬
‫شك أن أحدااث جساما كهذه كانت سببا من األسباب املباشر لمانقطاع التارخيي َّ‬
‫النصارى الذبن كانوا يف ذلك الوقت ال بتميزون عن اليهود بشيء راصة لدى من هو رارج إطارهم‬
‫مثل الرومان واليوانن الوثنيني‪.‬‬
‫كما أن الثقل الدبين وااللتزا مببادئ املسيح عليه السما كان متمركزا يف بيت املقدس‪ ،‬وكان سبق‬
‫أن حدث انقسا بني دعا النصارى يف مسألة شربعة موسى عليه السما ‪ ،‬ووجوب التزامها‪ ،‬وإلزا‬
‫املتنصربن من الوثنيني هبا‪ ،‬وكان احملالظون على الشربعة واملوجبون لمالتزا هبا من املتبعني للمسيح‬
‫من اليهود هم القو الغالبة يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫وجه هلذه الفئة ابلذات ضربة قاصمة‪ ،‬وألسح اجملال لبولس‬
‫إال أن تدمَر بيت املقدس وقتل اليهود َّ‬
‫وأتباعه املنادبن إبلغاء العمل ابلشربعة املوسوبة‪ ،‬ولصلها عن داينة املسيح عليه السما ‪ .‬بقول حبيب‬
‫سعيد‪( :‬أما رراب أورشليم يف الشرق إثر التمرد اليهودي سنة (‪ , )70‬لكان له أثر عميق يف‬
‫املسيحية‪ ،‬وذلك ألنه قضى على اجلماعات الفلسطينية‪ ،‬وتضخم أعداد متنصري الوثنية‪ ،‬من‬
‫العوامل اليت جعلت كفاح (بولس) للتخلص من اليهودبة الناموسية الضيقهة‪ ،‬يَر ذي موضوع‪،‬‬
‫ويدت أنطاكيه ورومية وبعدها ألسس أهم املراكز يف تطور التاربخ املسيحي)‪.‬‬
‫ظهور املذاهب واألقوال املختلفة يف املسيح وداينته‪:‬‬
‫والناظر يف اتربخ تلك الفرت جيد أهنا ألرزت إلرازات رطَر جدًّا يف الداينة النصرانية حيث ظهرت‬
‫املذاهب واألقوال املختلفة واملتبابنة يف املسيح وداينته‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬

‫(‪)226/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الغنوصية‪:‬‬


‫وهو اسم بطلقه النصارى على لرق عدبد ‪ُ ،‬تمع يف عقيدهتا بني إهلني اثنني أو أكثر‪ ،‬وتبين مطالبها‬
‫على املعرلة‪.‬‬
‫املارسيونية أو املاركونية‪:‬‬
‫وهم أتباع مارسيون الذي ولد يف آسيا سنة (‪ ، )85‬وبعضهم بقول‪ ، )120( :‬ومن معتقداته‬
‫القول إبهلني‪ :‬أحدمها إله اليهود‪ ،‬وهو يف زعمه إله قاس شرس‪ ،‬وهو الذي رلق هذا العامل املادي‪.‬‬
‫ومع ذلك لهو أقل مستوى من اإلله اخآرر الذي هو إله الرمحة واحملبة‪ ،‬حيث هو اإلله احلقيقي‬
‫احملتجب‪ ،‬والذي ظهر يف شخص املسيح‪ ،‬وبرى أن املسيح مل ميت على الصليب‪ ،‬ومل بدلن‪ ،‬ومل بقم‬
‫من القرب‪ ،‬ولكنه ارتفى لجأ ؛ ليبشر املوتى يف اهلاوبة‪ ،‬مث رجع بعد ذلك ليقو بعمله كاألب احملتجب‬
‫يف السماء‪.‬‬

‫(‪)227/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬املونتانية‪:‬‬


‫وهي تنسب إىل رجل امسه (مونتانس) ادَّعى النبو بعد منتصف القرن الثاين امليمادي‪ ،‬وزعم أن الروح‬
‫القدس بتكلم إليه‪ ،‬وتنبَّأ معه أبضا امرأاتن أعلنتا قرب هنابة العامل‪ ،‬وقرب رجوع املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫ابلكف عن الزواج‪ ،‬وعن شرب اَخمر‪ ،‬وعن‬ ‫غ‬ ‫ولكي بستعدوا هلذا اجمليء أمرت املتنبئتان الناس‬
‫األطعمة الشهية‪ ،‬وصاروا بنتظرون جميء املسيح‪ ،‬حىت ررج جمموعة منهم إىل الصحراء الستقبال‬
‫املسيح‪ ،‬وكادوا أن بهلكوا من اجلوع والعطش لوال أن السلطات أنقذهتم‪ .‬وقد استمرت املونتانية‬
‫قا مة إىل القرن اَخامس امليمادي‪.‬‬

‫(‪)228/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬البنوبون‪:‬‬


‫وجل يف وقت تعميد املسيح‬
‫عز َّ‬
‫وقوهلم‪ :‬أن املسيح إنسان ولد من مرمي بطربقة إعجازبة‪ ،‬وأن هللا َّ‬
‫استمر بشرا إنساان إىل أن صلب مث مات‪ ،‬وقا من املوت‪ ،‬ورلع‬
‫تبناه ووهبه قو لعمل املعجزات‪ ،‬و َّ‬
‫إىل السماء‪ ،‬وهم بنتظرون جميئه؛ ليخلص أتباعه من العار الذي أصاهبم بسبب صلبه‪ ،‬وهم بتمسكون‬
‫ابلشربعة املوسوبة‪.‬‬

‫(‪)229/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬االنتحالية أو الوحدوبة‪:‬‬


‫• أوال‪ :‬السابليوسية‪.:‬‬
‫• اثنيا‪ :‬اخآربوسية‪.:‬‬

‫(‪)230/1‬‬

‫أوال‪ :‬السابليوسية‪:‬‬
‫نسبة إىل الكاهن سابليوس املتوىف سنة (‪ , )261‬وهو كما قيل عنه بعتقد‪ :‬أبن هللا واحد يَر قابل‬
‫للتجز ة‪ ،‬وبنكر الثالوث إال أنه برى أن هللا اَخالق ُتسد بعد يف صور املسيح لصار ابنا‪ ،‬لتأمل‬
‫حتول بعد ذلك إىل الروح القدس الذي صار مرشدا للتماميذ‪ .‬لعنده أن هللا واحد قد أرذ‬
‫وصلب‪ ،‬مث َّ‬
‫هذه األدوار الثماثة كلها‪.‬‬
‫بولس السميساطي‪ :‬وهو أسقف أنطاكيه الذي ْر غسم أ ًّ‬
‫ْسقفا هلا سنة (‪ ، )260‬وكان بقول‪ :‬إن هللا‬
‫واحد‪ ،‬وأن كلمته وحكمته من صفاته‪ ،‬وأن هذه الصفة (الكلمة) حلَّت على املسيح الذي هو بشر‬
‫ولد من مرمي لحني حلَّت عليه الكلمة صار املسيح الفادي واملخلص‪ ،‬ورلعه هللا مكالأ له‪ ،‬وأعطاه‬
‫امسا لوق كل اسم‪.‬‬

‫(‪)231/1‬‬

‫اثنيا‪ :‬اخآربوسية‪:‬‬
‫نسبة إىل األسقف الليَب (آربوس) الذي درس على تلميذ بولس السميساطي وهو (لوقيانوس)‪ ،‬وكان‬
‫آربوس بعلم أبن هللا إله واحد يَر مولود‪ ،‬أزِل‪ ،‬أما االبن لليس أزليًّا‪ ،‬بل وجد وقت مل بكن االبن ليه‬
‫موجودا‪ ،‬وهو ررج من العد مثل يَره من املخلوقات حسب مشيئة هللا‪ ،‬لهو ليس إهلا‪ ،‬والميلك‬
‫شيئا من الصفات اإلهلية‪ ،‬إال أن هللا منحه جمدا جعله لوق كل اَخما ق‪.‬‬
‫وقد انتشرت اخآربوسية انتشارا عظيما‪ ،‬وهي اليت انعقد جممع نيقية سنة (‪ , )325‬أبمر اإلمرباطور‬
‫قسطنطني للنظر ليها ويَرها من املذاهب اليت كان بتوزع إليها النصارى يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫لهذه املذاهب واألقوال املتبابنة كانت منتشر بني النصارى يف ذلك الوقت‪ ،‬وألتباعها نشاط قوي‬
‫أبضا‪ ،‬وكانت املواجهات القوبة كثَرا ما حتدث بينهم وبني من خيالفهم‪ ،‬وراصة أتباع مذهب (بولس)‬
‫الذي كان له تماميذ وأتباع ليما بظهر أقوايء وذوي نشاط يف دعوهتم‪ ،‬وقد استطاعوا أن برتأسوا‬
‫املراكز الدبنية يف ذلك الوقت‪ ،‬بعد سقوط عاصمة الداينة األوىل‪ ،‬وهي بيت املقدس‪ ،‬وتلك املراكز‬
‫متثَّلت يف أنطاكية‪ ،‬واإلسكندربة‪ ،‬وروما‪ ،‬وكانت يف الغالب يف بد أتباع بولس‪ ،‬وقد كان من أولئك‬
‫األتباع‪:‬‬
‫أسقف أنطاكية إيناطيوس األنطاكي الذي نصب ًّ‬
‫أسقفا لكنيسة أنطاكية‪ ،‬وذلك يف سنة (‪. )70‬‬
‫وأسقف كنيسة روما إكلميندس الروماين الذي نصب ليما بظن من سنة (‪. )101 - 92‬‬
‫وأسقف مسَران (أزمَر) بوليكاربوس‪ :‬الذي قتل يف اضطهادات احلاكم ماركوس أوربليوس سنة (‪)156‬‬
‫‪.‬‬
‫وأسقف ليون إبربناوس‪ :‬الذي بعتقد أنه تويف بني سنيت (‪. )202 - 190‬‬
‫جاستني‪ -‬بوستينوس مارتر الذي لتح مدرسة يف روما مث أعد يف سنة (‪. )165‬‬
‫وإكلميندس اإلسكندري‪ :‬الذي ولد سنة (‪ , )150‬يف بماد اليوانن‪ ،‬مث انتقل إىل اإلسكندربة حيث‬
‫التحق مبدرستها اليت تدعى (مدرسة التعليم املسيحي) وتوىل إدارهتا‪ ،‬وبعتقد أنه تويف سنة (‪. )215‬‬
‫وإرجيانوس املصري‪ :‬الذي ولد حواِل (‪ , )185‬يف اإلسكندربة‪ ،‬وتوىل إدار املدرسة الماهوتية ليها‬
‫بعد مدبرها السابق‪ ،‬تويف يف صور سنة (‪. )253‬‬
‫ب ًّ‬
‫أسقفا على اإلسكندربة سنة (‪ )328‬رلفا إلسكندروس‪ ،‬واللذان كان‬ ‫غ‬
‫وإثناسيوس‪ :‬الذي نْص َ‬
‫هلما أكرب األثر يف حتربف دبن املسيح عليه السما برتسيخ عقيد ألوهية املسيح يف جممع نيقية الذي‬
‫دعا إليه اإلمرباطور قسطنطني سنة (‪ ، )325‬ونبذ دعو التوحيد اليت كان بتزعمها آربوس الليَب‪.‬‬
‫وكانت هذه املواجهات بني املختلفني من دعا النصارى وأساقفتهم تنتهي يف الغالب ابلدعو إىل‬
‫جممع من اجملامع‪ ،‬الذي بعلن يف هنابته حبرمان من قصد حرمانه‪ ،‬وطرده من الشركة النصرانية‪ ،‬ويف‬
‫الغالب ال بنصاع املطرود واحملرو لتلك القرارات‪ ،‬بل بستمر يف نشر تعاليمه‪.‬‬

‫(‪)232/1‬‬

‫ومن املعلو أن النصارى يف تلك الفرت مل تكن هلم دولة‪ ،‬ومل بقم هلم ُتمع متكامل حبيث ميكن أن‬
‫بقال عنهم‪ :‬إهنم أمة جمتمعه‪ ،‬بل كانوا أول األمر بعيشون بني بين جنسهم اليهود مث بني الوثنيني‪،‬‬
‫وهذا جعلهم يف حالة من البماء والعذاب شدبد ‪ ،‬لحني كانوا بني بين جنسهم اليهود كانوا‬
‫ضطَهدون؛ ألن اليهود اعتربوهم رارجني عن شربعتهم‪ ،‬ويف نفس الوقت بضطهد اجلميع الرومان‬
‫بْ ي‬
‫الوثنيون الذبن كانوا ال بعرلون لرقا بني اليهودي والنصراين‪ ،‬هلذا لقد كان لثورات اليهود على‬
‫الرومان أسوأ األثر على النصارى‪ ،‬وبعد القضاء على اليهود‪ ،‬وطرد من بقي منهم رارج للسطني‬
‫واجه النصارى الذبن كانوا بني الوثنيني اضطهادا شبه متواصل من قبل حكا الرومان الوثنيني استمر‬
‫توىل اإلمرباطور قسطنطني عرش روما‪ ،‬لأوقف االضطهاد مبرسو ميمان سنة‬‫قرابة ثماثة قرون‪ ،‬إىل أن َّ‬
‫(‪ ، )313‬وابتدأ النصارى منذ ذلك التاربخ‪ ،‬بظهرون على السطح‪ ،‬وبدأت داينتهم تنتشر انتشارا‬
‫لعليًّا على حساب الوثنية اليت كانت تدبن هبا أكثر الشعوب يف ذلك الوقت‪ ،‬إال أن النصرانية نفسها‬
‫يف هذه الفرت املتأرر قد وصلت إىل الوثنيني‪ ،‬وقد أثرت يف كثَر من دعاهتا السنون العجاف‬
‫مرت هبم‪ ،‬لاحنرلوا عن دبن املسيح عليه السما ‪ ،‬وجعلوه دبنا وثنيًّا بقو على َتليه‬
‫املتطاولة اليت َّ‬
‫ثماثة آهلة يف ثماثة أقانيم بزعمون أهنا إله واحد‪ ،‬وبعتمدون يف شرح الداينة وتفصيل العقيد على‬
‫الفلسفة‪ ،‬وراصة األلماطونية احلدبثة والرواقية‪ ،‬وكان من بسمون ابملدالعني عن النصرانية يف تلك‬
‫حتول إىل النصرانية بفلسفته‬
‫العهود جلهم قد درس الفلسفة الوثنية‪ ،‬ورمبا كان اتبعا هلا لرت طوبلة مث َّ‬
‫وسابق تصوراته‪ ،‬لهذا كله جعل الوثين ال جيد لرقا كبَرا بني ما كان بعتقد وما بدعوا إليه النصارى‪.‬‬
‫وكان لتنصر أابطر الرومان‪ -‬وأوهلم قسطنطني‪ -‬أكرب األثر يف انتشار النصرانية يف الدولة الرومانية‬
‫املرتامية األطراف ‪ -‬والناس على دبن ملوكهم‪ -‬إال أن تنصر األابطر قد جعل النصارى بواجهون‬
‫مشكلة كربى‪ ،‬وهي وصابة األابطر على الداينة وتعاليمها‪ ،‬حيث صارت بعد ذلك يف بد األابطر‬
‫الرومان الذبن غ‬
‫بسَرون العقا د النصرانية ولق أهوا هم‪ ،‬لينصرون من املذاهب ما بتفق مع أهوا هم‪،‬‬
‫لإذا كان هناك أحد بدعو إىل تعاليم ال مييلون إليها لإهنم بطلبون من النصارى عقد جممع‪ ،‬وبوعز‬
‫تعرضت‬ ‫إليهم بطرد ولعن من ال بريبون‪ ،‬بقول حبيب سعيد‪( :‬وابحتضان اإلمرباطوربة للكنيسة‪َّ ،‬‬
‫القوى الروحية يف الكنيسة َخطر االرتناق والفناء‪ ،‬ويدا تنفيذ القانون الكنسي‪ ،‬واستدعاء اجملالس‬
‫العامة وتنفيذ قرارهتا‪ ،‬وتعيني األساقفة يف املراكز اهلامة‪ ،‬وحق االرتصاص األعلى للمحاكم الروحية‪،‬‬
‫والقول الفصل يف املشاكل اجلدلية‪ ،‬واليت قد تنشأ حول العقا د‪ ،‬يدت كلها من احلقوق اليت طالبت‬
‫هبا الدولة الرومانية‪ ،‬وأصرت على انتزاعها من السلطات الدبنية)‪.‬‬
‫بمكد لنا هذا التسلط وبوضحه أن الذي دعا إىل جممع نيقية سنة (‪ , )325‬هو اإلمرباطور‬
‫وقرر ليه أْلوهية املسيح‪ ،‬وطرد آربوس ومجاعته‪ ،‬مث صدق‬
‫قسطنطني‪ ،‬وكان حاضرا يف ذلك اجملمع‪َّ ،‬‬
‫بعده بعشر سنوات على قرارات جممع صور اليت ليها إعاد آربوس إىل الكنيسة‪ ،‬وطرد إثناسيوس‬
‫الذي كان وراء إقرار ألوهية املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫مث دعا كل من اإلمرباطور الغريب قسطنطني الثاين واإلمرباطور الشرقي قسطندبوس إىل جممع يف مدبنة‬
‫ساردبكا سنة (‪ , )343‬بغرض توحيد النصارى‪ ،‬لكن النصارى مل بتفقوا‪ ،‬وررجوا أشد ارتمالا‬
‫وتفرقا‪.‬‬

‫(‪)233/1‬‬

‫مث بعد مقتل اإلمرباطور قسطنطني الثاين دعا اإلمرباطور قسطندبوس إىل جممع ميمانو سنة (‪, )355‬‬
‫وطلب من األساقفة إصدار حكم خبلع إثناسيوس‪ ،‬ووقعت األيلبية على ما أراد‪ ،‬مث دعا ذلك‬
‫اإلمرباطور أبضا إىل جممعني يف نفس الوقت جممع يف تركيا وجممع يف إبطاليا سنة (‪ ، )359‬وأمر‬
‫الذبن بشرلون على جممع إبطاليا إبريا اجملتمعني على التوقيع على قرار اجملمع الذي بوالق نوعا ما‬
‫مذهب اخآربوسيني الذبن بسمون (األربوسيني املعتدلني)‪ .‬كما استخد القو العسكربة من أجل إريا‬
‫اجملتمعني يف تركيا على التوقيع‪ ،‬مث جاء اإلمرباطور ثيود وسيوس‪ -‬وكانت ميوله ضد اخآربوسية‪ -‬لدعا‬
‫إىل جممع القسطنطينة سنة (‪ ، )381‬وقرر اجملمع العود إىل قانون اإلميان النيقوي‪ ،‬وزادوا عليه‪:‬‬
‫ألوهية الروح القدس‪ ،‬واعتبار اخآربوسية ضد القانون الروماين‪ ،‬وهو املذهب الذي عليه الغالبية‬
‫العظمى من النصارى إىل اخآن‪.‬‬
‫وهكذا جند أن النصرانية صارت ألعوبة بيد أابطر الرومان بسَروهنا ولق أهوا هم وريباهتم إىل أن‬
‫سقطت الدولة الرومانية أما هجمات القبا ل القادمة من الشرق والشمال الشرقي اليت استولت‬
‫على روما سنة (‪. )410‬‬
‫وهبذا نكون قد عرضنا يف هذا املبحث التاربخ النصراين املبكر بشكل َمتصر‪ ،‬ولعله بكون واليا‬
‫ابلغرض‪ ،‬والبد أن نبني هنا أن انتصار أتباع بولس ومذهبه قد جعل مصادر دارسي مثل هذه‬
‫املوضوعات تعتمد عليهم‪ ،‬لهم الذبن نقلوا كل هذه املعلومات عن معلميهم‪ ،‬وعن الفرق األررى‬
‫ومعلميها‪ ،‬لذا لإن احلكم على صحة املعلومات عن تلك الفرق وأولئك الناس‪ -‬وراصة يف جمال‬
‫العقيد ‪ -‬ال بكون صحيحا دقيقا إال يف حالة االطماع على كما صاحب املقالة‪ ،‬أو كما تماميذه‬
‫وأتباعه عنه‪ ،‬لعلى املطالع لذلك االنتباه يف هذا املوضوع واحلذر‪ .‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪173‬‬

‫(‪)234/1‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬نشأ الرهبانية والدبربة وَتثَر الفلسفة على النصرانية‪:‬‬


‫يف رمال هذه املرحلة ظهرت الرهبنة يف النصرانية يف مصر أوال على بد القدبس بولس الطَب (‪241‬‬
‫‪ , )356 -‬والقدبس أنطوان املعاصر له‪ ،‬إال أن الدبربة – حركة بناء األدبر ‪ -‬نشأت أبضا يف‬
‫صعيد مصر عا (‪ , )320 – 315‬أنشأها القدبس ابرو ‪ ،‬ومنها انتشرت يف الشا وآسيا‬
‫الصغرى‪ .‬ويف نفس الوقت درلت يرب أورواب على بد القدبس كاسليان (‪, )425 – 370‬‬
‫ومارتن التوري (‪ ، )387 –316‬كما ظهرت جمموعة من اخآابء املتأثربن مبدرسة اإلسكندربة‬
‫الفلسفية (األلماطونية احلدبثة) وابلفلسفة الغنوصية‪ ،‬مثل كليمنت اإلسكندري (‪, )215 –150‬‬
‫أورجيانوس (‪ , )245 - 185‬ويَرمها‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)235/1‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬الكنيسة يف عصر النهضة‪:‬‬
‫يف النصف الثاين من القرن السابع عشر‪ ،‬ازداد يضب الناس والعلماء والفماسفة من سوء سلوك‬
‫وتوسعهم يف استخدا حماكم التفتيش‪،‬‬
‫رجال الكنيسة‪ ،‬ومن الرقابة اليت لرضوها على املطبوعات‪ُّ ،‬‬
‫ومبالغتهم يف القسو والتعذبب ضد املخالفني والعلماء‪ِ ،‬ما أاثر الفماسفة من أمثال دبكارت ولولتَر‪،‬‬
‫وجهوا سها النقد إىل الكنيسة وآرا ها‪ ،‬ودعوا إىل إعماء العقل مقابل النصوص الر يسية‪،‬‬
‫الذبن َّ‬
‫بفرض أن العقل بستطيع إدراك احلقا ق العلمية‪ ،‬واَخَر والشر‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )1790‬أصدرت اجلمعية الوطنية الفرنسية قرارات قاصمة لظهر الكنيسة حيث ألغت‬
‫العشور الكنسية‪ ،‬وصادرت أمواهلا‪ ،‬وأجربت رجال الكنيسة على اَخضوع للدستور املدين‪ ،‬وأرذت‬
‫تعني رجال الكنيسة بدال من البااب‪ ،‬ابإلضالة إىل إيماق املدارس التابعة للكنيسة‪ ،‬وتسربح الرهبان‬
‫والراهبات‪.‬‬
‫‪ -‬يف سبيل حفاظ البااب جرجيوري السادس عشر على مكانته بعد هذه القرارات‪ ،‬أصدر البااب عد‬
‫منشورات بدبن ليها حركة احلربة السياسية‪ ،‬واحلربة االقتصادبة‪ ،‬على أهنا حتمل مضامني ختالف الدبن‬
‫املسيحي‪.‬‬
‫أقرته احلكومة الفرنسية (‪ , )1905‬بفصل الدبن عن الدولة على أساس‬
‫‪ -‬جاء القانون الذي َّ‬
‫شجعت املعارضني للكنيسة على نقد‬
‫التفربق بينهما‪ ،‬وإعمان حياد الدولة ُتاه الدبن‪ ،‬كقاصمة أررى َّ‬
‫نصوص الكتاب املقدس والكنيسة حبربة‪ ،‬كما أجرب هذا القانون رجال الكنيسة على أن بقسموا ميني‬
‫الوالء والطاعة للشعب وامللك والدستور املدين اجلدبد‪ .‬وقد امتدت هذه القرارات حىت مشلت دول‬
‫أورواب‪ ،‬لينتهي بذلك دور الكنيسة يف حماولة السيطر على السياسة‪ ،‬ولتنزوي دارل اجلدران؛‬
‫لتمارس الوعظ والرتانيم على األنغا املوسيقية‪.‬‬

‫(‪)236/1‬‬

‫املبحث التاسع‪ :‬الكنيسة واملاسونية‪:‬‬


‫‪ -‬تنبَّه رجال الكنيسة إىل شرور احلركات السربة بعد أن رأوا أن معظم رجال تلك احلركات أعضاء يف‬
‫اجلمعيات واألندبة املاسونية‪ ،‬وبعترب البااب تليمنوس الثاين عشر أول من تصدى هلم وكشف زبفهم يف‬
‫مممتر (‪ , )1738/4 /28‬مث تبعه البااب بندكتوس الرابع عشر‪ ،‬والبااب بيوس السابع‪ ،‬والبااب أورابن‬
‫الذي أصدر قرارا ابلرباء من املاسونية‪.‬‬
‫‪ -‬كان موقف البااب بيوس العاشر من أقوى تلك املواقف يف التصدي للماسونية يف العصر احلاضر‪،‬‬
‫وذلك بعد رلضه حماولة ممسس الصهيونية تيودر هرتزل عا (‪ , )1903‬يف كسب موالقة الفاتيكان‬
‫لماستيطان يف للسطني‪ ،‬كما رلض مبدأ قيا دولة لليهود يف للسطني‪ ،‬واالستيماء على القدس‪ ،‬إال‬
‫أن اليهود استطاعوا بعد تغلغلهم يف النصرانية تنصيب أحد عمما هم‪ -‬البااب بولس السادس‪ -‬الذي‬
‫يَر موقف الفاتيكان من املاسونية واليهود‪ ،‬حيث أعطى يف‬
‫ما أن جلس على كرسي البابوبة حىت َّ‬
‫دبسمرب (‪ , )1965‬احلق للكهنة يف إلغاء احلرمان عن الكاثوليك الذبن انضموا إىل املاسونية‪ .‬بل‬
‫عقد جممعا يف الفاتيكان؛ ليعلن براء اليهود من د املسيح‪ ،‬ضاراب بنصوص الكتاب املقدس وقرارات‬
‫اجملامع والباابوات السابقني له عرض احلا ط‪ ،‬متابعا لرأي الكاردبنال بيا اليهودي األصل‪ .‬وقد عارضه‬
‫يف ذلك الكاردبنال الكاثوليكي الفرنسي مارسيل ليفيفر بقوله‪( :‬لقد زج اجملمع املسكوين الكنيسة‬
‫للثور ‪ .‬ومن هذا الزواج السفاح ال جييء يَر أبناء الزان ‪ .) ..‬ويف أثناء زاير البااب بولس السادس‬
‫للقدس عا (‪ , )1964‬أعلن اعرتاله بدولة اليهود يف للسطني احملتلة‪.‬‬

‫(‪)237/1‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬الكنيسة يف ردمة االستعمار الغريب‪:‬‬


‫‪ -‬مع إقرار الكنيسة بفصل الدبن عن السياسة دارل أورواب‪ ،‬لإن جملس الكنا س العاملي بقرر يف‬
‫مممتر سالونيك ابليوانن عا (‪( : )1956‬أن السياسة هي اجملال الذي بتحتم على الكنيسة يف دول‬
‫ألربقيا وآسيا وأمربكا الماتينية أن تعمل ليه‪ ،‬وأن على الكنا س أن تراقب رطط التنمية يف تلك‬
‫الدول؛ لتميز بني ما بتفق مع إراد هللا – الزراعة والفماحة لقط – وبني عمل الشيطان – الصناعة‬
‫والتقد العلمي – لتعلن للقو أبن بقف هللا‪ ،‬ومن أبن بطل الشيطان)‪ ،‬وبقرر يف مممتر نيودهلي عا‬
‫(‪( : )1961‬إن على الكنيسة أن تكون متأهبة للصراع مع الدولة يف أي وضع وحتت أي نظا‬
‫سياسي) وما ذلك إال لتسخَر تلك الشعوب ومقدراهتا‪ ،‬وضمان تبعيتها ابستمرار للمستعمر الغريب؛‬
‫حيث تشيع بينهم أن التقد االقتصادي وارتفاع مستوى املعيشة سيأِت دا ما معه بكثر اَخطااي‬
‫والشرور‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)238/1‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬عقيد املسلمني يف عيسى عليه السما ‪:‬‬
‫عقيد املسلمني‪ -‬وهي احلق الذي ال مربة ليه‪ -‬يف املسيح عليه السما ‪ -‬تتلخص ليما بلي‪:‬‬
‫اب الَ تَـغيلْواي‬ ‫‪ - 1‬أنه عبد هللا ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إىل مرمي‪ ،‬وروح منه‪ ،‬قال هللا تعاىل‪ :‬اي أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫َ َ‬
‫هللا إغالَّ ا يحل غق إغ ََّنَا اليم غسيح غعيسى ابن مرَمي رس ْ غ غ‬
‫غيف غدبنغ ْكم والَ تَـ ْقولْواي علَى غ‬
‫اها إغ َىل َم يرَميَ‬
‫ول هللا َوَكل َمتْهْ أَلي َق َ‬ ‫َ ْ َ ي ْ َي َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَ‬
‫وح غم ينهْ [النساء‪.]171:‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من شهد أن ال إله إال هللا وأن حممدا عبده‬ ‫َوْر ٌ‬
‫ورسوله‪ ،‬وأن عيسى عبد هللا ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إىل مرمي وروح منه‪ ،‬واجلنة حق‪ ،‬والنار حق؛‬
‫أدرله هللا اجلنة على ما كان من العمل)) (‪.)1‬‬
‫لقوله‪ :‬عبد هللا‪ :‬رد على الغالني‪ ,‬وقوله‪ :‬ورسوله‪ :‬رد على اجلالني‪ ,‬ومعىن‪ :‬كلمته‪ :‬أي‪ :‬كن؛ لعيسى‬
‫رلق بكن‪ ،‬وليس هو كن‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وكلمته‪ ،‬وروح منه‪ .‬ليس معىن ذلك أنه جزء من هللا؛ ألن ما أضيف إىل هللا أو جاء بلفظ‪:‬‬
‫منه‪ .‬لإنه على وجهني‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن كان عينا قا مة بنفسها لهو ِملوك له‪ ،‬واإلضالة من ابب إضالة الشيء إىل مالكه أو املخلوق‬
‫إىل رالقه‪ ,‬وقد تقتضي تلك اإلضالة تشربفا كناقة هللا‪ ،‬ورسول هللا‪ ،‬وبيت هللا‪ ،‬وكليم هللا‪ ,‬وقد ال‬
‫تقتضي تشربفا مثل أرض هللا‪ ،‬ومساء هللا‪.‬‬
‫ب‪ -‬وإن كان املضاف إىل هللا عينا يَر قا مة بنفسها لهي صفة من صفات هللا مثل‪ :‬مسع هللا‪ ،‬بد‬
‫هللا‪ ،‬كما هللا‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬منه‪ :‬أي‪َ :‬ملوقة منه صادر من عنده‪.‬‬
‫غ غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يسى عن َد هللا َك َمثَ غل َ‬
‫آد َ َرلَ َقهْ‬ ‫‪ - 2‬أنه ولد من يَر أب كما ْرلق آد من يَر أب وال أ ‪ :‬إ َّن َمثَ َل ع َ‬
‫ال لَهْ ْكن لَـيَ ْكون [آل عمران‪.]59 :‬‬ ‫اب غمثَّ قَ َ‬
‫غمن تْـر ٍ‬
‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫نك َومن نُّ ٍ‬
‫وح‬ ‫ني ميثَاقَـ ْه يم َوم َ‬ ‫َر يذ َان م َن النَّبغيغ َ‬
‫‪ - 3‬أنه أحد أوِل العز من الرسل‪ ،‬قال هللا عز وجل‪َ :‬وإغ يذ أ َ‬
‫َر يذ َان غم ينـ ْهم غميثَاقا يَلغيظا [األحزاب‪.]7:‬‬ ‫يسى ابي غن َم يرَميَ َوأ َ‬ ‫غ‬
‫وسى َوع َ‬
‫يم َوْم َ‬
‫غ غ‬
‫َوإبيـ َراه َ‬
‫‪ - 4‬أنه عبد ليس له من رصا ص الربوبية واأللوهية شيء‪ :‬إغ ين ْه َو إغالَّ َع يب ٌد أَنيـ َع يمنَا َعلَيي غه َو َج َعلينَاهْ َمثَما‬
‫غ غ غ‬
‫يل [الزررف‪.]59 :‬‬ ‫لبَ غين إ يس َرا َ‬
‫‪ - 5‬أن هللا أظهر على بدبه املعجزات واخآايت‪ ،‬كإحياء املوتى‪ ،‬وإبراء األكمه‪ ،‬وكمامه وهو يف املهد‬
‫صبيًّا‪.‬‬
‫‪ - 6‬أنه دعا قومه إىل عباد هللا وحده ال شربك له‪ ،‬ودعاهم إىل العقيد الصحيحة‪ ،‬واألرماق‬
‫صرا ٌ غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫يم [آل عمران‪.]51:‬‬ ‫ط ُّم يستَق ٌ‬ ‫القومية‪ :‬إ َّن هللاَ َرغيب َوَربُّ ْك يم لَا يعبْ ْدوهْ َه َذا َ‬
‫َمحَ ْد‬ ‫ول َأيغيِت غمن بَـ يع غدي ي‬
‫امسْهْ أ ي‬ ‫بشر بنبو حممد صلى هللا عليه وسلم‪ :‬وْمبَ غشرا بغر ْس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ - 7‬أنه َّ‬
‫[الصف‪.]6:‬‬
‫َمحَ ْد‬ ‫‪ - 8‬أنه ليس بينه وبني حممد‪ -‬عليهما الصما والسما ‪ -‬نَب؛ لقوله تعاىل‪ :‬غم ين بَـ يع غدي ي‬
‫امسْهْ أ ي‬
‫[الصف‪.]6:‬‬
‫ِل [آل‬ ‫يك َوَرالغ ْع َ‬
‫ك إغ ََّ‬ ‫‪ - 9‬أنه مل بصلب ومل بقتل‪ ،‬بل رلعه هللا إليه‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬إغغين ْمتَـ َولغ َ‬
‫عمران‪ , ]55:‬وكما قال‪ :‬وقَـوهلغغم إغ َّان قَـتـ يلنا اليم غسيح غعيسى ابن مرَمي رس َ غ‬
‫صلَبْوهْ‬‫ول هللا َوَما قَـتَـلْوهْ َوَما َ‬ ‫َ ي ي َ َ َ َ َ ي َ َي َ َ ْ‬
‫اع الظَّ غن َوَما قَـتَـلْوهْ بَغقينا‬ ‫غ غ‬ ‫ولَ غكن ْشبغه َهلم وإغ َّن الَّ غذبن ا يرتـلَ ْفواي لغ غيه لَغفي َش ٍ غ‬
‫ك م ينهْ َما َهلْم بغ غه م ين عل ٍيم إغالَّ اتغبَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْي َ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫بَل َّرلَـ َعهْ هللاْ إغلَييه َوَكا َن هللاْ َع غزبزا َحكيما [النساء‪.]158 ،157:‬‬
‫‪ - 10‬أنه بَـ ين غز ْل يف آرر الزمان ليحكم بشربعة حممد صلى هللا عليه وسلم وبقتل اَخنزبر‪ ،‬وبكسر‬
‫الصليب‪ ,‬وبضع اجلزبة‪ ،‬وبنتقم من مسيح الضمالة‪ ,‬مث ميوت يف األرض‪ ،‬وبدلن ليها‪ ،‬وخيرج منها كما‬
‫يها نْغعي ْد ْك يم َوغم ينـ َها ْخني غر ْج ْك يم َات َر أْ ير َرى [طه‪.]55:‬‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫خيرج سا ر بين آد ؛ لقوله تعاىل‪ :‬م ينـ َها َرلَ يقنَا ْك يم َول َ‬
‫هذه هي عقيد املسلمني يف عيسى عليه السما ‪ ،‬وهي العقيد الصحيحة؛ لمن رالفها لقد شاق هللا‬
‫ك غعيسى ابن مرَمي قَـو َل ا يحل غق الَّ غذي لغ غيه ميَي َرتو َن ‪ 34‬ما َكا َن غَّغ‬
‫َّلل‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ورسوله‪ ،‬واتبع يَر سبيل املممنني‪ :‬ذَل َ َ ي ْ َ ي َ ي َ‬
‫ول لَهْ ْكن لَـيَ ْكون [مرمي‪.]35 ،34:‬‬ ‫ضى أ يَمرا لَغإ ََّنَا بَـ ْق ْ‬ ‫َّخ َذ غمن َولَ ٍد ْس يب َحانَهْ إغذَا قَ َ‬
‫أَن بـت غ‬
‫َ‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين للحمد ص‪139 - 137‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)3435‬ومسلم (‪.)28‬‬

‫(‪)239/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫مرت النصرانية بعد مراحل وأطوار اترخيية َمتلفة‪ ،‬انتقلت ليها من رسالة منزلة من عند هللا تعاىل إىل‬
‫َّ‬
‫داينة ْحم َّرلة ومبدلة‪ ،‬تضالر على صنعها بعض الكهان ورجال السياسة‪ ،‬وميكن تقسيم هذه املراحل‬
‫كالتاِل‪:‬‬

‫(‪)240/1‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املرحلة األوىل‪:‬‬
‫النصرانية املْ َّنزلة من عند هللا اليت جاء هبا عيسى بن مرمي عليه الصما والسما ‪:‬‬
‫‪ -‬هي رسالة أنزهلا هللا تعاىل على عبده ورسوله عيسى بن مرمي عليه الصما والسما إىل بين إسرا يل‬
‫بعد أن احنرلوا وزايوا عن شربعة موسى عليه السما ‪ ،‬ويلبت عليهم النزعات املادبة‪ .‬والرتقوا بسبب‬
‫ذلك إىل لرق شىت‪ ،‬لمنهم من بممن أبن يابة اإلنسان هي احليا الدنيا‪ ،‬حيث ال بو آرر‪ ،‬وال جنة‬
‫وال انر‪ ،‬ومنهم من بعتقد أن الثواب والعقاب إَنا بكوانن يف الدنيا لقط‪ ،‬وأن الصاحلني منهم بو‬
‫القيامة سيشرتكون يف ملك املسيح الذي أيِت لينقذ الناس؛ ليصبحوا ملوك العامل وقضاته‪ .‬كما شاع‬
‫ليهم تقدمي القرابني والنذور للهيكل؛ رجاء احلصول على املغفر ‪ ،‬ولشا االعتقاد أبن رضا الرهبان‬
‫ودعاءهم بضمن هلم الغفران؛ لذا لسدت عقيدهتم وأرماقهم‪ ،‬لكانت رسالته ودعوته عليه الصما‬
‫والسما داعية إىل توحيد هللا تعاىل حيث ال رب يَره وال معبود سواه‪ ،‬وأنه ال واسطة بني املخلوق‬
‫واَخالق سوى عمل اإلنسان نفسه‪ ،‬وهي رسالة قا مة على الدعو للزهد يف الدنيا‪ ،‬واإلميان ابليو‬
‫موحدا على دبن اإلسما ملة إبراهيم‬ ‫اخآرر وأحواله‪ ،‬ولذا لإن عيسى عليه الصما والسما كان غ‬
‫حنيفا وما كان من املشركني‪.‬‬
‫‪ -‬املبلغ ‪ :‬عيسى بن مرمي عليه السما ‪ُّ ،‬أمه البتول مرمي ابنة عمران أحد عظماء بين إسرا يل‪ ،‬نذرهتا‬
‫أمها قبل أن حتمل هبا َخدمة املسجد‪ ،‬وكفلها زكراي أحد أنبياء بين إسرا يل وزوج رالتها‪ ،‬لكانت‬
‫عابد قانتة هلل تعاىل‪ ،‬محلت به من يَر زوج بقدر هللا تعاىل‪ ،‬وولدته عليه السما يف مدبنة بيت حلم‬
‫بفلسطني‪ ،‬وأنطقه هللا تعاىل يف املهد دليما على براء أمه من هبتان بين إسرا يل هلا ابلزان‪ ،‬لجاء ميماده‬
‫حداث عجيبا على هذا النحو؛ ليلقي بذلك درسا على بين إسرا يل الذبن يرقوا يف املادايت‪ ،‬ويف ربط‬
‫األسباب ابملسببات؛ ليعلموا أبن هللا تعاىل على كل شيء قدبر‪.‬‬
‫‪ -‬بْعث عيسى عليه السما نبيًّا إىل بين إسرا يل‪ ،‬ممبَّدا من هللا تعاىل بعدد من املعجزات الدالة على‬
‫نبوته‪ ،‬لكان خيلق من الطني كهيئة الطَر لينفخ ليها لتكون طَرا إبذن هللا‪ ،‬وبربئ األكمه واألبرص‬
‫وحييي املوتى إبذن هللا‪.‬‬
‫كما كان خيرب الناس مبا أيكلون وما بدَّررون يف بيوهتم إبذن هللا‪.‬‬
‫وقد أبَّده هللا هو وحواربغيه مبا د من السماء أنزهلا عليهم؛ لتكون عيدا ألوهلم وأررهم‪.‬‬
‫‪ -‬آتمر اليهود على قتله برائسة احلرب األكرب (كاايلاس) وأاثروا عليه احلاكم الروماين لفلسطني‬
‫وتقولوا على عيسى عليه السما أبنه بدعو نفسه‬
‫(بيماطس) لكنه ُتاهلهم أوال‪ ،‬مث ملا كذبوا عليه َّ‬
‫مسيحا ملكا‪ ،‬وبرلض دلع اجلزبة للقيصر‪ ،‬دلع ذلك احلاكم إىل إصدار أمر ابلقبض عليه‪ ،‬وإصدار‬
‫حكم اإلعدا ضده عليه السما ‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفى عيسى وأصحابه عن أعني اجلند‪ ،‬إال أن أحد أصحابه َّ‬
‫دل جند الرومان على مكانه‪ ،‬لألقى‬
‫هللا تعاىل شبه عيسى عليه الصما والسما وصورته عليه‪ ،‬وبقال‪ :‬إنه بهوذا اإلسخربوطي‪ .‬وقيل يَره‪،‬‬
‫لنْـ غفذ حكم الصلب ليه بدال من عيسى عليه الصما والسما ‪ ،‬حيث رلعه هللا إليه‪ ،‬على أنه سينزل‬
‫قبل قيا الساعة؛ ليحكم ابإلسما ‪ ،‬وبقتل اَخنزبر‪ ،‬وبكسر الصليب‪ ،‬مث ميوت كما دلَّت على ذلك‬
‫النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة‪.‬‬
‫واراي‪ ،‬كما هم مذكورون‬
‫‪ -‬آمن بدعو املسيح عليه السما الكثَر‪ ،‬ولكنه اصطفى منهم اثين عشر ح ًّ‬
‫يف إجنيل مىت‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك الرسل السبعون الذبن بقال أبن املسيح عليه السما ارتارهم ليعلغموا النصرانية يف القرى‬
‫اجملاور ‪.‬‬

‫(‪)241/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬املرحلة الثانية‪:‬‬


‫ممررو الكنيسة ابلعصر الرسوِل‪ ،‬وبنقسم هذا العصر إىل قسمني‪ :‬التبشَر وبدابة االحنراف‪،‬‬ ‫وبسميها غ‬
‫واالضطهاد الذي بستمر حىت بدابة العهد الذهَب للنصارى‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)242/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التبشَر‪:‬‬


‫بعدما ْرلع املسيح عليه الصما والسما ‪ ،‬اشتد اإلبذاء والتنكيل أبتباعه وحواربيه بوجه راص؛ حيث‬
‫قْتل بعقوب بن زبدي أرو بوحنا الصياد‪ ،‬لكان أول من قتل من احلواربني‪ ،‬وسجن بطرس‪ ،‬غ‬
‫وعذب‬
‫سا ر الرسل‪ ،‬وحدثت لتنة عظيمة ألتباع املسيح عليه الصما والسما حىت كادت النصرانية أن‬
‫تفىن‪.‬‬
‫ويف ظل هذه األجواء املضطربة أعلن شاول الطرسوسي اليهودي الفربسي‪ ،‬صاحب الثقالات الواسعة‬
‫ابملدارس الفلسفية واحلضارات يف عصره‪ ،‬وتلميذ أشهر علماء اليهود يف زمانه عماال يل‪ ،‬أعلن‬
‫سوء العذاب‪ -‬إميانه ابملسيح بعد زعمه رؤبته عند عودته من‬ ‫شاول‪ -‬الذي كان بْذبق أتباع املسيح َ‬
‫َّ‬
‫لاستخف الطرب النصارى‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،‬ممنغبا له على اضطهاده ألتباعه‪ ،‬آمرا له بنشر تعاليمه بني األمم‪،‬‬
‫يف الوقت الذي مل غ‬
‫بصدقه بعضهم‪ ،‬إال أن براناب احلواري دالع عنه وقدَّمه إىل احلواربني لقبلوه‪ ،‬ومبا‬
‫وتسمى بـ‬ ‫ميتلكه من َّ‬
‫حد ذكاء وقو حيلة وولر نشاط استطاع أن أيرذ مكاان مرموقا بني احلواربني‪َّ ،‬‬
‫بولس‪.‬‬
‫تعرلت على دعو‬
‫‪ -‬انطلق احلواربون للتبشَر بني األمم اليهودبة يف البلدان اجملاور ‪ ،‬اليت سبق أن َّ‬
‫مىت‬
‫املسيح عليه السما أثناء زايرهتا لبيت املقدس يف عيد العنصر ‪ ،‬وتذكر كتب التاربخ النصراين أبن َّ‬
‫عني‪ -‬هلم أسقفها‪ .‬وكذلك لعل‬ ‫ورسم ‪َّ -‬‬
‫ذهب إىل احلبشة‪ ،‬وقْتل هناك بعد أن أسس ليها كنيسة َّ‬
‫مرقس يف اإلسكندربة بعد أن أسس أول مدرسة الهوتية وكنيسة ليها بتوجيه من بطرس الذي أسس‬
‫كنيسة روما‪ ،‬وقتل يف عهد نَرون عا (‪. )62‬‬
‫وأسس ليها كنا س نصرانية نظَر كنيسة‬
‫‪ -‬أما بولس لذهب إىل روما وألسس وأثينا وأنطاكية‪َّ ،‬‬
‫ورسم هلم أساقفة‪ .‬ويف أحد جوالته يف أنطاكية صحبه براناب لوجدا رمالا حادًّا بني أتباع‬
‫أورشليم‪َّ ،‬‬
‫الكنيسة حول إكراه األِميني على اتباع شربعة التورا ‪ ،‬لعادا إىل بيت املقدس لعرض األمر على‬
‫احلواربني؛ حلسم اَخماف بينهم‪.‬‬

‫(‪)243/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬بدابة االحنراف‪:‬‬


‫‪ -‬ليما بني عا (‪ , )55 - 51‬عقد أول جممع جيمع بني احلواربني – جممع أورشليم – حتت رائسة‬
‫بعقوب بن بوسف النجار املقتول رمجا سنة (‪ , )62‬ليناقش دعوى استثناء األِميني‪ ،‬وليه تقرر‪-‬‬
‫إعماال ألعظم املصلحتني‪ -‬استثناء يَر اليهود من االلتزا بشربعة التورا إن كان ذلك هو الدالع‬
‫الخنماعهم من ربقة الوثنية‪ ،‬على أهنا رطو أوىل بْلز بعدها بشربعة التورا ‪ .‬كما تقرر ليه حترمي الزان‪،‬‬
‫وأكل املنخنقة‪ ،‬والد ‪ ،‬وما ذْبح لَلواثن‪ ،‬بينما أبيحت ليه اَخمر وحلم اَخنزبر والراب‪ ،‬مع أهنا حمرمة يف‬
‫التورا ‪.‬‬
‫‪ -‬عاد بولس بصحبة براناب إىل أنطاكية مر أررى‪ ،‬وبعد صحبة يَر قصَر انفصما‪ ،‬وحدث بينهما‬
‫مشاد عظيمة؛ نتيجة إلعمان بولس نسخ أحكا التورا ‪ ،‬وقوله أهنا‪( :‬كانت لعنة ختلَّصنا منها إىل‬
‫األبد) و (أن املسيح جاء ليبدل عهدا قدميا بعهد جدبد)‪ .‬والستعارته من لماسفة اليوانن لكر‬
‫اتصال اإلله ابألرض عن طربق الكلمة‪ ،‬أو ابن اإلله‪ ،‬أو الروح القدس‪ ،‬وترتيبه على ذلك القول‬
‫بعقيد الصلب والفداء‪ ،‬وقيامة املسيح وصعوده إىل السماء؛ ليجلس على ميني الرب؛ ليحاسب‬
‫كرر بولس نفس األمر مع بطرس الذي هامجه وانفصل عنه‪ِ ،‬ما أاثر‬
‫الناس يف بو احلشر‪ .‬وهكذا َّ‬
‫ضمنها عقيدته ومباد ه‪ ،‬ومن مث واصل جوالته‬
‫الناس ضده‪ ،‬لذا كتب بولس رسالة إىل أهل يماطية َّ‬
‫بصحبة تماميذه إىل أورواب وآسيا الصغرى؛ ليلقى حتفه أرَرا يف روما يف عهد نَرون سنة (‪. )65‬‬
‫‪ -‬قد استمرت املقاومة الشدبد أللكار بولس عرب القرون الثماثة األوىل‪ :‬لفي القرن الثاين امليمادي‬
‫تصدَّى هيولتس‪ ،‬وإببيي لابتس‪ ،‬وأورجيني هلا‪ ،‬وأنكروا أن بولس كان رسوال‪ ،‬وظهر بولس الشمشاطي‬
‫يف القرن الثالث‪ ،‬وتبعه لرقته البوليسية إال أهنا كانت حمدود التأثَر‪ .‬وهكذا بدأ االنفصال عن شربعة‬
‫التورا ‪ ،‬وبذرت بذور التثليث والوثنية يف النصرانية‪ ،‬أما ابقي احلواربني والرسل لإهنم قْتلوا على بد‬
‫الوثنيني يف البلدان اليت ذهبوا إليها للتبشَر ليها‪.‬‬

‫(‪)244/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬االضطهاد‪:‬‬


‫‪ -‬عانت الدعو النصرانية َّ‬
‫أشد املعاان من سلسلة االضطهادات والتنكيل على أبدي اليهود الذبن‬
‫كانت هلم السيطر الدبنية‪ ،‬ومن الرومان الذبن كانت هلم السيطر واحلكم‪ ،‬ولذلك لإن نصيب‬
‫النصارى يف للسطني ومصر كان أشد من يَرهم‪ ،‬حيث اختذ التعذبب والقتل أشكاال عدبد ؛ مابني‬
‫احلمل على اَخْ غ‬
‫شب‪ ،‬والنشر ابملناشَر‪ ،‬إىل التمشيط مابني اللحم والعظم‪ ،‬واإلحراق ابلنار‪.‬‬
‫‪ -‬من أعنف االضطهادات وأشدها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اضطهاد نَرون سنة (‪ , )64‬الذي قْتل ليه بطرس وبولس‪.‬‬
‫‪ - 2‬واضطهاد دمتيانوس سنة (‪ ، )90‬وليه كتب بوحنا إجنيله يف ألسس ابللغة اليواننية‪.‬‬
‫‪ - 3‬واضطهاد تراجان سنة (‪ , )106‬وليه أمر اإلمرباطور إبابد النصارى وحرق كتبهم‪ ،‬لحدثت‬
‫مذابح ْم غ‬
‫روعة‪ ،‬قْتل ليها بعقوب البار أسقف أورشليم‪.‬‬
‫اضطهاد اإلمرباطور دقلداينوس (‪ , )284‬الذي صمم على أن ال‬
‫ْ‬ ‫‪ - 4‬ومن أشدها قسو وأعنفها‬
‫بكف عن قتل النصارى حىت تصل الدماء إىل ركبة لرسه‪ ،‬وقد نفذ تصميمه؛ وهد الكنا س‪ ،‬وأحرق‬
‫الكتب‪ ،‬وأذاقهم من العذاب صنولا وألواان‪ِ ،‬ما دلع النصارى من أقباط مصر إىل اختاذ بو (‪)29‬‬
‫أيسطس (‪ , )284‬بدابة لتقوميهم ختليدا لذكرى ضحاايهم‪.‬‬
‫‪ -‬هكذا استمر االضطهاد بتصاعد إىل أن استسلم اإلمرباطور جالَر لفكر التسامح مع النصارى‬
‫لكنه مات بعدها‪ ،‬ليعتلي قسطنطني عرش اإلمرباطوربة‪.‬‬
‫‪ -‬سعى قسطنطني مبا ألبيه من عماقات حسنة مع النصارى إىل استمالة َتبيدهم له؛ لفتح اجلزء‬
‫عدد ْهم‪ ،‬لأعلن مرسو ميمان الذي بقضي مبنحهم احلربة يف‬
‫الشرقي من اإلمرباطوربة حيث بكثر ْ‬
‫الدعو ‪ ،‬والرتريص لداينتهم‪ ،‬ومساواهتا بغَرها من دايانت اإلمرباطوربة الرومانية‪ ،‬وشيَّد هلم الكنا س‪،‬‬
‫وبذلك انتهت أسوأ مراحل التاربخ النصراين قسو ‪ ،‬اليت ضاع ليها إجنيل عيسى عليه الصما‬
‫والسما ‪ ،‬وقْتل احلواربون والرسل‪ ،‬وبدأ االحنراف واالنسماخ عن شربعة التورا ‪ ،‬ليبدأ النصارى عهدا‬
‫جدبدا من َتليه املسيح عليه الصما والسما وظهور اسم املسيحية‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)245/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬العهد الذهَب للنصارى‪:‬‬


‫بطلق ممررو الكنيسة اسم العهد الذهَب للنصارى ابتداء من تربُّع اإلمرباطور قسطنطني على عرش‬
‫اإلمرباطوربة الرومانية عا (‪ , )312‬لتبدأ مرحلة جدبد من مراحل اتربخ النصرانية‪.‬‬
‫وميكن تقسيم ذلك العهد إىل مرحلتني ر يسيتني‪:‬‬
‫[مرحلة مجع النصارى على عقيد واحد (عصر اجملامع أو عهد اَخمالات واملناقشات)‪]:‬‬
‫قرب النصارى‪ ،‬وأسند إليهم الوظا ف الكبَر يف بماط‬
‫‪ -‬ما أن أعلن قسطنطني إعمان ميمان حىت َّ‬
‫قصره‪ ،‬وأظهر هلم التسامح‪ ،‬وبىن هلم الكنا س‪ ،‬وزعمت أمه هيلينا اكتشاف الصليب املقدس‪ ،‬الذي‬
‫اختذه شعارا لدولته جبانب شعارها الوثين‪ ،‬لنشطت الدعو إىل النصرانية‪ ،‬ودرل الكثَر من الوثنيني‬
‫أصحاب الفلسفات يف النصرانية‪ِ ،‬ما كان له أثره البال يف ظهور الكثَر من العقا د واخآراء املتضاربة‪،‬‬
‫واألانجيل املتناقضة‪ ،‬حيث ظهر أكثر من مخسني إجنيما‪ ،‬وكل لرقة تدعي أن إجنيلها هو الصحيح‪،‬‬
‫وترلض األانجيل األررى‪.‬‬
‫‪ -‬ويف وسط هذه العقا د املختلفة والفرق املتضاربة مابني من بْـ َملغه املسيح وأمه (الرميتني) أو من بمله‬
‫املسيح لقط‪ ،‬أو بدعي وجود ثماثة آهلة‪ :‬إله صاحل‪ ،‬وإله طاحل‪ ،‬وآرر عدل بينهما (مقالة مرقيون)‪.‬‬
‫أعلن آربوس أحد قساوسة كنيسة اإلسكندربة صررته املدوبة أبن املسيح عليه الصما والسما ليس‬
‫أزليَّا‪ ،‬وإَنا هو َملوق من األب‪ ،‬وأن االبن ليس مساواي لَلب يف اجلوهر‪ ،‬لالتف حوله األنصار‪،‬‬
‫وكثر أتباعه يف شرق اإلمرباطوربة حىت ساد مذهبه ‪ .....‬كنا س مصر واإلسكندربة وأسيوط وللسطني‬
‫ومقدونيا والقسطنطينية وأنطاكية واببل‪ِ ،‬ما أاثر بطربرك اإلسكندربة بطرس ضده‪ ،‬ولعنه وطرده من‬
‫الكنيسة‪ ،‬وكذلك لعل رلفه البطربرك إسكندر‪ ،‬مث الشماس إثناسيوس‪ ،‬وضماان الستقرار الدولة أمر‬
‫اإلمرباطور قسطنطني عا (‪ , )325‬بعقد اجتماع عا جيمع كل أصحاب هذه اخآراء لماتفاق على‬
‫عقيد واحد جيمع الناس حوهلا‪ ،‬لاجتمع يف نيقية (‪ )2048‬أسقفا منهم (‪ )338‬بقولون أبلوهية‬
‫املسيح‪ ،‬وانتهى ذلك اجملمع ابحنياز اإلمرباطور إىل القول أبلوهية املسيح ولينفض على القرارات‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬لعن آربوس الذي بقول ابلتوحيد ونفيه وحرق كتبه‪ ،‬ووضع قانون اإلميان النيقاوي‬
‫(األثناسيوسي) الذي بنص على ألوهية املسيح‪.‬‬
‫‪ - 2‬وضع عشربن قانوان لتنظيم أمور الكنيسة واألحكا اَخاصة ابألكلَربوس‪.‬‬
‫‪ - 3‬االعرتاف أبربعة أانجيل لقط‪( :‬مىت‪ ،‬لوقا‪ ،‬مرقس‪ ،‬بوحنا) وبعض رسا ل العهد اجلدبد والقدمي‪،‬‬
‫وحرق ابقي األانجيل َخمالها عقيد اجملمع‪.‬‬
‫‪ -‬للتغلب على عوامل اهنيار وتفكك اإلمرباطوربة أنشأ قسطنطني مدبنة روما اجلدبد عا (‪)324‬‬
‫‪ ,‬يف بيزنطة القدمية ابليوانن على نفس تصميم روما القدمية‪ ،‬وأنشأ هبا كنيسة كبَر (أجياصوليا)‪،‬‬
‫ورسم هلم بطربركا مساواي لبطاركة اإلسكندربة وأنطاكية يف املرتبة‪ ،‬على أن اإلمرباطور هو الر يس‬
‫َّ‬
‫وعرلت ليما بعد ابلقسطنطينية‪ ،‬ولذلك أطلق عليها بماد الرو ‪ ،‬وعلى كنيستها‬
‫األعلى للكنيسة‪ْ .‬‬
‫كنيسة الرو الشرقية أو كنيسة الرو األرثوذكس‪.‬‬
‫‪ -‬متهيدا النتقال العاصمة إىل روما اجلدبد (القسطنطينية) اجتمع قسطنطني ِبربوس حيث بدبن‬
‫أهل القسطنطينية واجلزء الشرقي من اإلمرباطوربة بعقيدته‪ ،‬وإحساسا منه ابحلاجة إىل اسرتضاء سكان‬
‫هذا القسم أعلن اإلمرباطور موالقته خآربوس على عقيدته‪ ،‬وعقد جممع صور سنة (‪ , )334‬ليعلي‬
‫من عقيد آربوس‪ ،‬وبلغي قرارات جممع نيقية‪ ،‬وبقرر العفو عن آربوس وأتباعه‪ ،‬ولعن أثناسيوس‬
‫ونفيه‪ ،‬وهكذا انتشرت تعاليم آربوس أكثر مبساند اإلمرباطور قسطنطني‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)246/1‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مرحلة االنفصال السياسي‪:‬‬
‫قسم قسطنطني اإلمرباطوربة قبل ولاته عا (‪ , )337‬على أبنا ه الثماثة‪ :‬لأرذ قسطنطني الثاين‬
‫َّ‬
‫الغرب‪ ،‬وقسطنطيوس الشرق‪ ،‬وأرذ قنسطانس اجلزء األوسط من مشال ألربقيا‪ ،‬وعمد كل منهم إىل‬
‫َتبيد املذهب السا د يف بماده؛ لرتسيخ حكمه‪ .‬لاُته قسطنطيوس إىل تشجيع املذهب اخآربوسي‪،‬‬
‫أصل اَخماف بني الشرق اليوانين والغرب‬
‫بينما شجع أروه قسطنطني الثاين املذهب األثناسيوسي‪ِ ،‬ما َّ‬
‫الماتيين‪.‬‬
‫وحدت اإلمرباطوربة حتت حكم قسطنطيوس عا (‪ , )361 –353‬بعد ولا قسطنطني الثاين‪،‬‬
‫‪ -‬ت َّ‬
‫ومقتل قنسطانس‪ ،‬ووجد الفرصة ساحنة لفرض مذهبه اخآربوسي على مجيع أجزاء اإلمرباطوربة شرقا‬
‫ويراب‪.‬‬
‫‪ -‬مل بلبث األمر طوبما حىت اعتلى للمدبوس عرش اإلمرباطوربة (‪ , )395 –379‬الذي اجتهد يف‬
‫إلغاء املذهب اخآربوسي والتنكيل أبصحابه‪ ،‬واالنتصار للمذهب األثناسيوسي‪ .‬ولذا ظهرت يف عهده‬
‫لقرر عقد جممع القسطنطينية األول (‪، )382‬‬
‫دعوات تنكر األقانيم الثماثة والهوت الروح القدس‪َّ ،‬‬
‫وليه لرض اإلمرباطور العقوابت املشدد على أتباع املذهب اخآربوسي‪ .‬كما تقرر ليه أن روح القدس‬
‫هو روح هللا وحياته‪ ،‬وأنه من الماهوت اإلهلي‪ ،‬ومت زايدته يف قانون اإلميان النيقاوي‪ ،‬ولعن من أنكره‬
‫مثل مكدنيوس‪ ،‬وذلك ابإلضالة إىل عد قوانني تنظيمية وإداربة تتعلق بنظا الكنيسة وسياستها‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)247/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬نشأ البابوبة‪:‬‬


‫على إثر تقسيم اإلمرباطوربة إىل شرقية ويربية‪ ،‬ونتيجة لضعف اإلمرباطوربة الغربية مت الفصل بني‬
‫سلطان الدولة والكنيسة‪ ،‬بعكس األمر يف اإلمرباطوربة الشرقية‪ ،‬حيث رسخ اإلمرباطور قسطنطني‬
‫وحتول كرسيه إىل اببوبة هلا السياد‬
‫مبدأ القيصربة البابوبة‪ ،‬ومن هنا زادت سلطات أسقف روما‪َّ ،‬‬
‫العليا على الكنيسة يف بلدان العامل املسيحي الغريب (روما – قرطاجة)‪ .‬وقد لعب البااب داماسوس‬
‫هاما يف إبراز مكانة كرسي روما األسقفي ‪ -‬سياد البابوبة ‪ -‬ويف‬
‫األول (‪ , )384 –366‬دورا ًّ‬
‫عهده متَّ ترمجة اإلجنيل إىل اللغة الماتينية‪ ،‬مث اتبعه رلفه البااب سَرى كيوس (‪ , )399 –384‬يف‬
‫َتليف املراسم البابوبة‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)248/1‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬بدابة الصراع والتنالس على الزعامة الدبنية بني الكنيستني‪:‬‬
‫ظهر الصراع والتنالس بني كنيسة روما مبا تدعي هلا من مَراث دبين‪ ،‬وبني كنيسة القسطنطينية‬
‫عاصمة الدولة ومركز أابطرهتا يف جممع ألسس األول عا (‪ )431‬حيث اندى نسطور أسقف‬
‫القسطنطينية ابنفصال طبيعة الماهوت عن الناسوت يف السيد املسيح عليه السما ‪ ،‬وابلتاِل لإن‬
‫الماهوت مل بولد ومل بصلب‪ ،‬ومل بقم مع الناسوت‪ ،‬وأن املسيح حيمل الطبيعتني منفصلتني‪ :‬الماهوتية‬
‫والناسوتية‪ ،‬وأنه ليس إهلا‪ ،‬وأمه ال جيوز تسميتها بوالد اإلله‪ ،‬وقد حضر اجملمع ما تان من األساقفة‬
‫بدعو من اإلمرباطور اثؤدبوس الصغَر‪ ،‬الذي انتهى بلعن نسطور ونفيه‪ ،‬والنص يف قانون اإلميان أبن‬
‫مرمي العذراء والد اإلله‪.‬‬
‫‪ -‬وبسبب دعوى أرطاري ابحتاد الطبيعتني يف السيد املسيح عقد له أسقف القسطنطينية لماليانوس‬
‫جممعا حمليًّا‪ ،‬وقرر ليه قطعه من الكنيسة ولعنه؛ لكن اإلمرباطور اثؤدبوس الصغَر قبل التماس‬
‫أرطاري‪ ،‬وقرر إعاد حماكمته‪ ،‬ودعا النعقاد جممع ألسس الثاين عا (‪ , )449‬برائسة بطربرك‬
‫اإلسكندربة دبسقورس لينتهي بقرار براءته ِما نسب إليه‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)249/1‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬انفصال الكنيسة مذهبيًّا‪:‬‬


‫مل بعرتف أسقف روما ليو األول بقرارات جممع ألسس الثاين (‪ ، )449‬وسعى اإلمرباطور مركيانوس‬
‫لعقد جممع آرر للنظر يف قرارات ذلك اجملمع‪ ،‬لوالق اإلمرباطور على عقد اجملمع يف القسطنطينية‪ ،‬مث‬
‫يف كلدونية (‪ , )451‬ملناقشة مقالة اباب اإلسكندربة دبسقورس‪ :‬من أن للمسيح طبيعتني يف طبيعة‬
‫واحد (املذهب الطبيعي – املونوليزتية)‪ ،‬ليتقرر لعن دبسقورس وكل من شابعه ونفيه‪ ،‬وتقربر أن‬
‫للمسيح طبيعتني منفصلتني‪ .‬لكان ذلك دالعا أن ال تعرتف الكنيسة املصربة هبذا اجملمع‪ ،‬وال ابلذي‬
‫بليه من اجملامع‪ .‬ومنذ ذلك التاربخ انفصلت يف كنيسة مستقلة حتت اسم الكنيسة املرقسية –‬
‫الكنيسة األرثوذكسية – أو القبطية حتت رائسة بطربرك اإلسكندربة‪ ،‬وانفصلت معها كنيسة احلبشة‬
‫ويَرها؛ ليبدأ االنفصال املذهَب عن الكنيسة الغربية‪ .‬بينما اعرتلت كنيسة أورشليم األرثوذكسية‬
‫بقرارات جممع كلدونية‪ ،‬وصارت بطربركية مستقلة حتت رائسة البطربرك بوليناليوس‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)250/1‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬نشأ الكنيسة اليعقوبية‪:‬‬


‫واجه اإلمرباطور جستنيان (‪ , )565 –527‬صعوبة ابلغة يف حتقيق طموحه بتوحيد مذهَب‬
‫اإلمرباطوربة؛ لتتحقق له سلطة اإلمرباطوربة والبابوبة معا‪ .‬وبعد انتصاره يف إبطاليا ودرول جيوشه‬
‫روما حاول إرضاء زوجته بفرض مذهب الطبيعة الواحد (املونوليزتية) على البااب لجليوس الذي‬
‫رلض ذلك بشد ‪ِ ،‬ما ع َّرضه إىل القبض عليه وترحيله إىل القسطنطينية‪ ،‬ليعقد جممع القسطنطينية‬
‫اَخامس سنة (‪ , )553‬الذي انتهى بتقربر مذهب الطبيعة الواحد ‪ ،‬ولعن أصحاب لكر تناسخ‬
‫األرواح‪ ،‬وتقربر أن عيسى عليه السما كان شخصية حقيقية وليست خبيالية‪.‬‬
‫استقمال أصحاب مذهب الطبيعة الواحد ‪ ،‬إقامةْ كنيسة منفصلة هلم‪ ،‬تعرف‬
‫ْ‬ ‫‪ -‬ومن آاثر هذا اجملمع‬
‫الرها ِما زاد يف عداء البابوبة‬
‫ابلكنيسة اليعقوبية‪ ،‬حتت رائسة ممسسها بعقوب الربادعي أسقف َّ‬
‫لإلمرباطوربة الشرقية‪.‬‬

‫(‪)251/1‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬نشأ الكنيسة املارونية‪:‬‬


‫يف عا (‪ , )681–678‬عمل اإلمرباطور قسطنطني الرابع على اسرتضاء البااب أجاثون بعدما لقد‬
‫لتم عقد جممع‬
‫املراكز الر يسية ملذهب الطبيعة الواحد يف مصر والشا ؛ لفتح املسلمني هلما‪َّ ،‬‬
‫القسطنطينية الثالث عا (‪ )680‬؛ للفصل يف قول بوحنا مارون من أن للمسيح طبيعتني ومشيئة‬
‫واحد ‪ .‬وليه تقرر أن للمسيح طبيعتني ومشيئتني‪ ،‬ولعن وطرد من بقول ابلطبيعة الواحد أو ابملشيئة‬
‫الواحد ‪ ،‬ولذلك انفصلت طا فة املارونية وحلقت بسابقتها من الكنا س املنفصلة‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)252/1‬‬

‫إداراي‪:‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬انفصال الكنيسة ًّ‬
‫‪ -‬جاء هذا االنفصال بعد النزاع والصراع الطوبل ابتداء من اإلمرباطور ليو الثالث (‪ , )726‬الذي‬
‫أصدر مرسوما ْحي غر ليه عباد األبقوانت‪ ،‬وبقضي إبزالة التماثيل والصور الدبنية والصلبان من‬
‫الكنا س واألدبر والبيوت على أهنا ضرب من الوثنية‪ ،‬متأثرا بدعو املسلمني إلزالة هذه التماثيل‬
‫اليت ابلكنا س يف دارل الدولة اإلسمامية‪.‬‬
‫‪ -‬تصدى هلذه الدعو البااب جرجيوري الثاين‪ ،‬مث َرلَفه البااب جرجيوري الثالث ليصدر اإلمرباطور قرارا‬
‫حبرمان الكراسي األسقفية يف صقلية وجنوب إبطاليا من سلطة البااب الدبنية والقضا ية‪ ،‬وجعلها حتت‬
‫سلطان بطربرك القسطنطينية‪ .‬واستمر الوضع على ذلك إىل أن جاء اإلمرباطور قسطنطني اَخامس‬
‫(‪ ، )775 – 741‬وازدادت الثورات اشتعاال ضد دعا الماأبقونية‪ ،‬لعقد جممعا يف القسطنطينية؛‬
‫لترببر سياسة حترمي الصور واألبقوانت‪ .‬وقد رلضت البابوبة حضوره‪ ،‬ومل حيضره سوى ثمااما ة وأربعني‬
‫أسقفا حتت رائسة بطربرك القسطنطينية‪ ،‬ليقضي بتحرمي تصوبر املسيح يف أي شكل‪ ،‬وكذلك حترمي‬‫ًّ‬
‫عباد صور القدبسني‪ ،‬وحترمي طلب الشفاعة من مرمي؛ ألن كل هذا من ضروب الوثنية‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن هذه القرارات مل تد طوبما حيث أمرت اإلمرباطور األبقونية إبربن اليت رلفت زوجها‬
‫اإلمرباطور ليو اَخزري بعقد جممع نيقية عا (‪ , )787‬بعد تعيينها للبطربرك ررسيوس املتحمس‬
‫لَلبقونية بطربركا على القسطنطينية‪ ،‬وانتهى اجملمع على تقدبس صور املسيح ووالدته والقدبسني‪،‬‬
‫ووضع الصور يف الكنا س واألدبر والبيوت والطرقات بزعم أن النظر إليهم بدعو للتفكَر ليها‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )869‬أاثر بطربرك القسطنطينية لوسيوس مسألة انبثاق الروح القدس من األب‬
‫وحده‪ ،‬لعارضه – كالعاد – بطربرك روما وقال‪ :‬إن انبثاق الروح القدس من األب واالبن معا‪ ،‬وعقد‬
‫تقرر ليه أن الروح القدس‬
‫لذلك جممع القسطنطينية الرابع (‪( , )869‬جممع الغرب الماتيين) الذي َّ‬
‫منبثقة من األب واالبن معا‪ ،‬وأن مجيع النصارى يف العامل راضعون ملراسيم اباب روما‪ ،‬وأن من بربد‬
‫معرلة ما بتعلق ابلنصرانية وعقا دها عليه برلع دعواه إىل اباب روما‪ .‬ولذلك مت لعن وعزل لوسيوس‬
‫وحرمانه وأتباعه‪ ،‬إال أن لوسيوس استطاع أن بعود إىل مركزه مر أررى‪ .‬ويف عا (‪ , )879‬عقد‬
‫اجملمع الشرقي اليوانين (القسطنطينية اَخامس) ليلغي قرارات اجملمع السابق‪ ،‬وبعلن أن الروح القدس‬
‫منبثقة من األب وحده‪ ،‬وبدعو إىل عد االعرتاف إال ابجملامع السبعة اليت آررها جممع نيقية (‪)787‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬وهكذا متَّ االنفصال املذهَب للكنيسة الشرقية حتت مسمى الكنيسة الشرقية األرثوذكسية‪ ،‬أو‬
‫كنيسة الرو األرثوذكس برائسة بطربرك القسطنطينية‪ ،‬ومذهبا أبن الروح القدس منبثقة من األب‬
‫وحده‪ ،‬على أن الكنيسة الغربية أبضا متيَّزت ابسم الكنيسة البطرسية الكاثوليكية‪ ،‬وبزعم أن لبااب روما‬
‫سياد على كنا س اإلمرباطوربة‪ ،‬وأهنا أ الكنا س ومعلمتهن‪ ،‬ومتيزت ابلقول أبن الروح القدس منبثقة‬
‫بتم االنفصال النها ي – اإلداري – إال يف عا (‪ ، )1054‬وبذلك انتهى‬ ‫عن األب واالبن معا‪ .‬ومل َّ‬
‫عهد اجملامع املسكونية‪ ،‬وحلَّت حملَّها املممترات اإلقليمية أو سلطات البااب املعصو ‪ ،‬لتستكمل مسَر‬
‫االحنراف والتغيَر يف رسالة عيسى عليه السما ‪.‬‬
‫ومن أبرز مسات هذه املرحلة األرَر ‪ -‬القرون الوسطى ‪ -‬الفساد‪ ،‬وحماربة العلم والعلماء‪ ،‬والتنكيل‬
‫هبم‪ ،‬واالضطهاد هلم‪ ،‬وتقربر أن البااب معصو له حق الغفران‪ِ ،‬ما دلع إىل قيا العدبد من احلركات‬
‫الداعية إلصماح لساد الكنيسة‪ ،‬ويف وسط هذا اجلو الثا ر ضد رجال الكنيسة انعقد مممتر ترنت‬
‫عا (‪ , )1563 - 1542‬لبحث مبادئ مارتن لوثر اليت تمبدها احلكومة والشعب األملاين‪ ،‬وانتهى‬
‫انشقت كنيسة جدبد هي‬ ‫إىل عد قبول آراء الثا ربن أصحاب دعو اإلصماح الدبين‪ .‬ومن هنا َّ‬
‫كنيسة الربوتستانت‪ ،‬ليستقر قارب النصرانية بني أمواج اجملامع اليت عصفت بتارخيها على ثماث‬
‫كنا س ر يسية هلا النفوذ يف العامل إىل اليو ‪ ،‬ولكل منها حنلة وعقيد مستقلة‪ ،‬وهي‪ :‬األرثوذكس‪،‬‬
‫الكاثوليك‪ ،‬الربوتستانت‪ ،‬ابإلضالة إىل الكنا س احملدود مثل‪ :‬املارونية‪ ،‬والنسطوربة‪ ،‬واليعقوبية‪،‬‬
‫وطا فة املوحدبن‪ ،‬ويَرهم‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)253/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫النصارى بستمدون عقا دهم وتشربعاهتم ومعارلهم الدبنية من مصدربن أساسيني مها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الكتاب املقدس‪:‬‬
‫اثنيا‪ :‬اجملامع النصرانية‪:‬‬
‫(‪)254/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬الكتاب املقدس‪:‬‬


‫• املطلب األول‪ :‬إسناد واتربخ األانجيل األربعة إمجاال‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬اتربخ األانجيل األربعة تفصيما‪.:‬‬
‫• املطلب الثالث‪ :‬األانجيل األربعة متنا‪.:‬‬
‫• املطلب الرابع‪ :‬األيماط يف األانجيل‪.:‬‬
‫• املطلب اَخامس‪ :‬إجنيل براناب‪.:‬‬

‫(‪)255/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬إسناد واتربخ األانجيل األربعة إمجاال‪:‬‬


‫• متهيد‪.-:‬‬
‫• الفرع األول‪ :‬إسناد األانجيل األربعة واترخيها إمجاال‪.:‬‬

‫(‪)256/1‬‬

‫متهيد‪-:‬‬
‫اإلجنيل كلمة بواننية تعين اَخرب الطيب (البشار )‪ .‬واإلجنيل عند املسلمني‪ :‬هو الكتاب الذي أنزله هللا‬
‫تعاىل على عيسى عليه السما ليه هدى ونور‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬وقَـ َّف ييـنَا َعلَى َ غ غ‬
‫آاث غرهم ب َع َ‬
‫يسى ابي غن َم يرَميَ‬ ‫َ‬
‫مص غدقا لغما ب يني ب َدب غه غمن التـَّورا غ وآتَـيـناه ا غإل غجنيل لغ غيه هدى ونْور ومص غدقا لغما ب يني ب َدب غه غمن التـَّورا غ‬
‫َ ْ َ ٌ َْ َ َ َ َ َ ي َ ي َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ ي َ ي َ َ يَ ْ‬
‫ني [املا د ‪ .]46:‬وقد دعا املسيح عليه السما بين إسرا يل لَلرذ ابإلجنيل‬ ‫وهدى ومو غعظَة لغل غ‬
‫يمتَّق َ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ ََي‬
‫واإلميان به‪ ،‬لقد جاء يف إجنيل مرقص (‪( :)14 /1‬وبعدما أْسلم بوحنا جاء بسوع إىل اجلليل بكرز‬
‫ببشار ملكوت هللا‪ ،‬وبقول‪ :‬قد كمل الزمان‪ ،‬واقرتب ملكوت هللا‪ ،‬لتوبوا وآمنوا ابإلجنيل)‪ .‬وقد ذكر‬
‫هذا اإلجنيل أوا ل النصارى‪ ،‬ودعوا إىل اإلميان به‪ ،‬ويف هذا بقول سفر (أعمال الرسل) (‪ )25 /8‬عن‬
‫بطرس وبوحنا يف دعوهتما للسامربني من اليهود‪( :‬وكما شهدا وتكلما بكلمة الرب رجعا إىل أورشليم‪،‬‬
‫َّ‬
‫وبشرا ابإلجنيل يف قرى كثَر للسامربني)‬
‫وذكره بولس أبضا يف رسا له‪ ،‬مثل قوله يف رسالته األوىل إىل أهل تسالونيكي (‪( :)2 /2‬جاهران يف‬
‫إهلنا أن نكلمكم إبجنيل هللا يف جهاد كثَر؛ ألن وعظنا ليس عن ضمال وال عن دنس وال مبكر‪ ،‬بل‬
‫كما استحسنا من هللا أن نممتن على اإلجنيل هكذا نتكلم ‪ ...‬مث بقول‪ ... :‬لإنكم أبها اإلرو‬
‫تذكرون تعبنا وكدان إذ كنا نكرز لكم إبجنيل هللا ‪ .) ..‬لإذا اإلجنيل كان كتااب موجودا ومعرولا لدى‬
‫النصارى األوا ل أبنه إجنيل هللا أو إجنيل املسيح‪ ،‬إال أن هذا اإلجنيل ال جنده بني األانجيل املوجود‬
‫بني بدي النصارى اليو ‪ ،‬لأبن هو؟ على النصارى أن جييبوا على هذا السمال‪ ،‬أو بعرتلوا أبهنم لقدوه‬
‫غ َّ غ‬
‫ارى‬
‫صَ‬ ‫بن قَالْواي إغ َّان نَ َ‬
‫يف زمن مبكر من اترخيهم‪ ،‬ولعل هذا هو األرجح؛ إذ بقول هللا عز وجل‪َ :‬وم َن الذ َ‬
‫ضاء إغ َىل بَـ يوغ ال غيقيَ َام غة َو َس يو َ‬
‫ف‬ ‫سواي َحظًّا غِمَّا ذْكغ ْرواي بغ غه لَأَ يي َربيـنَا بَـ ييـنَـ ْه ْم ال َيع َد َاو َ َواليبَـ يغ َ‬ ‫أَ غ‬
‫َر يذ َان ميثَاقَـ ْه يم لَـنَ ْ‬
‫صنَـ ْعو َن [املا د ‪.]14:‬‬ ‫بْـنَـبغئْـ ْه ْم هللاْ غمبَا َكانْواي بَ ي‬
‫وقد صار عند النصارى بدل اإلجنيل الواحد أربعة أانجيل‪ ،‬جيعلوهنا يف مقدمة كتاهبم العهد اجلدبد‪،‬‬
‫وال بنسبون ًّأاي منها إىل املسيح عليه السما ‪ ،‬وإَنا هي منسوبة إىل مىت ومرقص ولوقا وبوحنا ‪ -‬الذي‬
‫بزعم النصارى أن اثنني منهم من احلواربني ومها مىت وبوحنا‪ ،‬واخآرران أحدمها مرقص تلميذ بطرس‪،‬‬
‫واخآرر لوقا تلميذ بولس يف زعمهم‪ .‬وهذه األانجيل حتوي شيئا من اتربخ عيسى عليه السما حيث‬
‫ذْكغ َر ليها والدته‪ ،‬مث تنقماته يف الدعو ‪ ،‬مث هنابته بصلبه وقيامته يف زعمهم‪ ،‬مث صعوده إىل السماء‪.‬‬
‫كما حتتوي على مواعظ منسوبة إليه ورطب‪ ،‬وجمادالت مع اليهود‪ ،‬ومعجزات كان بظهرها للناس‬
‫دليما على صدقه يف أنه مرسل من هللا‪ ،‬لهذه األانجيل أشبه ما تكون بكتب السَر ‪ ،‬إال أن بينها‬
‫ارتمالات ليست قليلة‪ ،‬وبعضها ارتمالات جوهربة ال ميكن التوليق بينها إال ابلتعسف كما سيتبني‪.‬‬
‫والقارئ هلذه األانجيل األربعة بستطيع بسهولة أن بدرك أن ما ورد ليها من دعو ورطب ومواعظ‬
‫وجمادالت تعود إىل مطلبني أساسيني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الدعو إىل التوبة والعمل مبا جاء يف الشربعة اليت أنزلت على موسى عليه السما ‪.‬‬
‫‪ - 2‬التبشَر بقرب قيا ِملكة هللا اليت بتحقق ليها العدل واملساوا ‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف ‪ -‬ص ‪199‬‬

‫(‪)257/1‬‬
‫الفرع األول‪ :‬إسناد األانجيل األربعة واترخيها إمجاال‪:‬‬
‫قبل احلدبث عن اتربخ األانجيل األربعة لدى النصارى ال بد من بيان أن الكتب الدبنية هلا مكانة‬
‫عظيمة لدى أتباعها‪ ،‬وهلا دور رطَر يف احليا ؛ إذ بعتمد عليها يف توضيح الطربق إىل سعاد الدنيا‬
‫ولوز اخآرر ‪ .‬للهذا جيب أن تكون الكتب اثبتة اإلسناد إىل أصحاهبا الذبن هم رسل هللا‪ ،‬واملبلغون‬
‫وجل‪ ،‬لإذا مل تكن كذلك لإهنا تفقد قيمتها؛ إذ تكون عرضة للتحربف والتبدبل من قبل‬
‫عز َّ‬
‫عن هللا َّ‬
‫أصحاب األهواء واملقاصد اَخبيثة‪ ،‬أو من قبل العوارض البشربة كالنسيان‪ ،‬وقلة العلم‪ ،‬والوهم وحنو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫لصحة اإلسناد بعدالة روا األربار وضبطهم‪ ،‬وعد انقطاعه‪ ،‬هو السبيل الذي ميكن به وصول هذه‬
‫ليتعرف الناس على احلق من رماهلا‪.‬‬
‫الكتب إىل الناس سليمة صحيحة كاملة‪َّ ،‬‬
‫وإذا نظران يف كتب احلدبث عند أهل اإلسما ‪ -‬واليت تتضمن أقوال نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم‬
‫وألعاله وتقربراته ومجيع ما بتعلق به‪ -‬عرلنا اجلهد العظيم الذي بذله أولئك األ مة يف احملالظة على‬
‫حدبث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سليما صحيحا‪ ،‬حيث بستطيع املسلم يف القرن اَخامس عشر‬
‫اهلجري أن بعرف صحة احلدبث من عدمه‪.‬‬
‫وإذا حبثنا يف التاربخ لدى النصارى عن إسناد هلذه األانجيل إىل من تنسب إليه ال جند من ذلك شيئا‬
‫البتة ال قليما وال كثَرا‪ .‬ورسا ل بولس‪ ،‬وكذلك الرسا ل األررى‪ ،‬وأعمال الرسل ليس يف شيء منها‬
‫إشار إىل واحد من هذه الكتب األربعة‪ ،‬األمر الذي برتتب عليه أن هذه الكتب مل تكن معرولة يف‬
‫ذلك الزمن‪ ،‬ومل بطَّلع عليها أحد منهم‪ ،‬ويف هذا داللة قوبة على أن نشأ هذه الكتب وظهورها كان‬
‫متأررا عن هذه الرسا ل‪ ،‬خبماف إجنيل هللا أو إجنيل املسيح لقد ورد ذكره يف كما بولس مرارا‬
‫عدبد ‪ ،‬كما ورد ذكره يف إجنيل مرقص‪ ،‬وأعمال الرسل ِما بدل على وجوده وأنه معروف معلو ‪.‬‬
‫وقد حاول النصارى أن جيدوا هلذه الكتب إسنادا أو إربارا عنها يف كما متقدميهم بتفق مع الزمن‬
‫الذي بزعمون أهنا كتبت ليه‪ ،‬وهو الربع األرَر من القرن األول امليمادي على أكثر تقدبر‪ .‬إال أن‬
‫هذه احملاوالت ابءت ابلفشل الذربع‪ِ ،‬ما اضطرهم إىل االعرتاف أبن هذه الكتب مل تعرف إال بعد‬
‫موت من تنسب إليه بعشرات السنني‪ ،‬لتكون نسبتها إىل أولئك الناس نسبة ال تقو على أدىن دليل‪،‬‬
‫وإليك بعض كما النصارى يف هذا األمر‪:‬‬
‫بقول القس (لهيم عزبز) األستاذ بكلية الماهوت اإلجنيلية‪( :‬لكن قانونية أسفار العهد اجلدبد مل تتم‬
‫يف وقت واحد ومل بكفها جيل أو جيمان‪ ،‬بل استمرت مد طوبلة‪ ،‬ومل تقف الكنا س املختلفة موقفا‬
‫موحدا من األسفار املختلفة‪ ،‬بل ارتلفت آراؤها من جهة بعض األسفار‪ ،‬واستمرت يف ذلك حقبة‬
‫طوبلة‪ ،‬للهذا بلز تتبع هذا التاربخ الطوبل لقانونية أسفار العهد اجلدبد‪.‬‬
‫الكنيسة األوىل‪ :‬بو اَخمسني (‪: )100‬‬
‫من املعلو جيدا أنه مل تكن يف تلك الفرت كتب مقدسة تسمى العهد اجلدبد‪ ،‬ولكن الكنيسة مل متكث‬
‫بدون مصادر إهلية تستند عليها يف كل شيء من وعظ وتعاليم وسلوك ومعاممات‪ ،‬وقد كان هلا يف‬
‫هذا اجملال ثماثة مصادر)‪.‬‬
‫مث ذكر أن املصادر الثماثة هي‪ :‬العهد القدمي‪ ،‬املسيح‪ ،‬الرسل‪ ،‬مث قال‪:‬‬
‫(اثنيا‪ , )170 - 100( :‬ظهور الكتب القانونية يف العهد اجلدبد‪:‬‬
‫كانت أول جمموعة عرلتها الكنيسة من العهد اجلدبد هي جمموعة رسا ل بولس‪ .‬لهي أول ما مجع من‬
‫كل كتب العهد اجلدبد‪ ،‬ولقد كتب بولس رسا له إىل كنا س وألراد لظروف راصة ومواقف حمدد ‪..‬‬
‫)‪.‬‬

‫(‪)258/1‬‬

‫مث قال‪( :‬أما اجملموعة الثانية‪ :‬لهي جمموعة األانجيل األربعة‪ ،‬وقد ظهرت هذه اجملموعة متأرر بعض‬
‫الوقت عن جمموعة كتاابت بولس‪ .‬ومع أن اتربخ اعتبارها كتبا قانونية مقدسة متساوبة يف ذلك مع‬
‫كتب العهد القدمي ال بزال جمهوال‪ ،‬لكن االقتباسات العدبد اليت وجدت يف كتاابت آابء الكنيسة‬
‫الرسوليني وشهاداهتم تلقي بعض الضوء على هذه احلقيقية اجلوهربة يف العصر املسيحي‪ ،‬وبماحظ‬
‫الدارس األمور اخآتية‪:‬‬
‫أن بولس مل بشر يف كتاابته إىل أي من األانجيل املكتوبة‪ ،‬وال إىل أي كتاب عن حيا املسيح أو أقواله‬
‫‪ .) ..‬مث ذكر املصنف سبع نقاط أررى أورد يف بعضها اقتباسات ملتقدمني من النصارى تتوالق يف‬
‫بعضها مع ما ورد يف بعض األانجيل بدون النص على اسم اإلجنيل‪ .‬وأهم ما ذكره من املماحظات‬
‫هي قوله يف املماحظتني السابعة والثامنة‪:‬‬
‫وحتول إىل املسيحية‪ ،‬ودرس يف‬
‫سامراي بواننيًّا‪َّ ،‬‬
‫ًّ‬ ‫‪ - 7‬أما جاسنت أو بوستينوس الشهيد الذي كان‬
‫روما‪ ،‬واستشهد حواِل (‪ ، )165‬ليمرذ من كتاابته أنه قد عرف األانجيل األربعة مرتبطة معا‪ ،‬مع‬
‫أنه مل بكشف النقاب عمن مجعها‪ ،‬وال يف أي مكان مجعت‪ ،‬وهو بصفها عندما بذكرها يف دلاعه ضد‬
‫الوثنيني أبهنا الذكرايت‪ ،‬ولكنه عندما كان بكتب للمسيحني كان بقول عن الرسل‪( :‬هم أولئك الذبن‬
‫كتبوا ذكرايهتم عن كل األشياء اليت ختتص بيسوع املسيح املخلص)‪ .‬مث بقول مر أررى‪( :‬الذكرايت‬
‫اليت عملها الرسل اليت تسمى األانجيل‪.‬‬
‫‪ - 8‬أما الشاهد األرَر لهو (الداي طسرن) الذي كتبه (اتتيان)‪ ،‬وأراد أن جيمع ليه األانجيل األربعة‬
‫معا يف إجنيل واحد‪ ،‬وقد أضاف اتتيان هذا بضعة كلمات للمسيح ال توجد يف هذه األانجيل‪ ،‬ولكنها‬
‫أرذت من كتب أبوكربفية أررى‪ ،‬وهو بذلك بشهد أن األربعة األانجيل وجدت معا‪ ،‬ولكن إضالاته‬
‫جمرد اقتباسات ال ُّ‬
‫تدل على أنه كان بعترب أن هناك كتبا أررى تضارعها يف سلطاهنا وقداستها)‪ .‬وبعد‬
‫هذا النقل عن أحد القسس املتعمقني واملتخصصني يف دراسات العهد اجلدبد‪ ،‬ننقل كما جمموعة من‬
‫املتخصصني النصارى عن أانجيلهم وذلك يف املدرل إىل العهد اجلدبد قالوا يف التعربف بتاربخ‬
‫وقانونية العهد اجلدبد ما بلي‪( :‬لقد سيطرت على املسيحيني األوا ل لكر تناقلتها األلسن شفاها ‪-‬‬
‫تعلن انتهاء هذا العامل سربعا وعود املسيح اثنية إىل األرض؛ ليدبن الناس‪ ،‬وكان من بني نتا ج هذا‬
‫املعتقد أن توقف التفكَر يف َتليف كتاابت مسيحية تسجل أربار املسيح وتعاليمه‪ ،‬لتأرر لذلك‬
‫َتليف األانجيل؛ إذ مل بشرع يف َتليف أقدمها ‪ -‬وهو إجنيل مرقس الذي مل بكن قط من تماميذ‬
‫املسيح ‪ -‬إال بعد بضع عشرات من السنني‪ ،‬لقد كانوا بممنون بنهابة العامل وعود املسيح سربعا إىل‬
‫األرض‪ :‬قبل أن بكمل رسله التبشَر يف مدن إسرا يل‪ ،‬وهي عملية ال تستغرق أكثر من عد أشهر‬
‫أو بضع سنني على أكثر تقدبر ‪( .....‬احلق أقول لكم‪ :‬ال تكملون مدن إسرا يل حىت أيِت ابن‬
‫اإلنسان) مىت (‪.))23 /10‬‬
‫‪ -‬وقبل أن ميوت عدد من الذبن وقفوا أمامه بستمعون إىل تعاليمه ومواعظه‪ .‬وهي لرت ميكن تقدبرها‬
‫دون رطأ بذكر يف حدود مخسني عاما على أقصى تقدبر‪( :‬احلق أقول لكم إن من القيا ههنا قو ال‬
‫بذوقون املوت حىت بروا ابن اإلنسان آتيا يف ملكوته) مىت (‪)28 /16‬‬

‫(‪)259/1‬‬

‫‪ -‬وهو بعود اثنية إىل األرض قبل أن بفىن ذلك اجليل الذي عاصر املسيح‪ ،‬وهي لرت ال تتجاوز‬
‫أقصى ما قدرانه‪ ،‬أي‪ :‬مخسني عاما‪( ....... :‬احلق أقول لكم ال ميضي هذا اجليل حىت بكون هذا‬
‫كله) مىت (‪ .)24 /24‬ومعلو أن ذلك كله مل حيدث؛ إذ ال بزال الكون قا ما‪ ،‬وبنو آد بعيشون يف‬
‫عاملهم الدنيوي حىت أيِت أمر هللا‪ ،‬هذا ‪ -‬وملا بردت احلمية اليت أاثرهتا لكر عود املسيح سربعا إىل‬
‫األرض‪ ،‬ظهرت احلاجة ماسة إىل تدوبن الذكرايت عنه وعن تعاليمه‪ ،‬ومن هنا كانت النوا لتأليف‬
‫أسفار‪ -‬ما صار بعرف ليما بعد ابسم ‪ -‬العهد اجلدبد‪ ،‬وهي األسفار اليت مل بعرتف بشرعيتها إال‬
‫على مراحل وعلى امتداد أكثر من ثماثة قرون‪.‬‬
‫إن كلمة (قانون) اليواننية مثل كلمة (قاعد ) يف العربية قابلة ملعىن جمازي براد به قاعد للسلوك أو‬
‫قاعد لإلميان‪ ،‬وقد استعملت هنا للداللة على جدول رمسي لَلسفار اليت تعدها الكنيسة ملزمة‬
‫للحيا ولإلميان‪ .‬ومل تندرج هذه الكلمة هبذا املعىن يف األدب املسيحي إال منذ القرن الرابع‪ ،‬كانت‬
‫السلطة العليا يف أمور الدبن تتمثل عند مسيحي اجليل األول يف مرجعني‪ .‬أوهلما‪ :‬العهد القدمي‪ ،‬وكان‬
‫الكتبة املسيحيون األولون بستشهدون جبميع أجزا ه على وجه التقربب استشهادهم بوحي هللا‪.‬‬
‫َنوا سربعا‪ ،‬لقد أمجعوا على تسميته‪ :‬الرب‪ .‬ولكن العهد القدمي كان‬
‫وأما املرجع اخآرر الذي َنا ًّ‬
‫بتألف وحده من نصوص مكتوبة‪ ،‬وأما أقوال الرب وما كان ببشر به الرسل‪ ،‬لقد تناقلتها ألسنة‬
‫احلفاظ مد طوبلة‪ ،‬ومل بشعر املسيحيون األولون إال بعد ولا آرر الرسل بضرور كل من‪ :‬تدوبن‬
‫أهم ما علَّمه الرسل‪ ،‬وتوىل حفظ ما كتبوه‪ .‬وببدو أن املسيحيني حىت ما بقرب من السنة (‪, )150‬‬
‫تدرجوا من حيث مل بشعروا ابألمر ‪-‬إال قليما جدًّا‪ -‬إىل الشروع يف إنشاء جمموعة جدبد من‬
‫األسفار املقدسة‪ ،‬وأيلب الظن أهنم مجعوا يف بدء أمرهم رسا ل بولس واستعملوها يف حياهتم‬
‫الكنسية‪ ،‬ومل تكن يابتهم قط أن بملفوا ملحقا ابلكتاب املقدس‪ ،‬بل كانوا بَ َدعْون األحداث‬
‫غ‬
‫توجههم‪ ،‬لقد كانت الواث ق البولسية مكتوبة‪ ،‬يف حني أن التقليد اإلجنيلي كان ال بزال يف معظمه‬
‫متناقما على ألسنة احلفاظ‪ .‬وال بظهر شأن األانجيل طوال هذه املد ظهورا واضحا كما بظهر شأن‬
‫رسا ل بولس‪.‬‬

‫(‪)260/1‬‬

‫أجل مل ختل مملفات الكتبة املسيحيني األقدمني من شواهد مأروذ من األانجيل أو تلمح إليها‪،‬‬
‫ولكنه بكاد أن بكون من العسَر يف كل مر اجلز ‪ :‬هل الشواهد مأروذ من نصوص مكتوبة كانت‬
‫بني أبدي همالء الكتبة‪ ،‬أ هل اكتفوا ابستذكار أجزاء من التقليد الشفهي؟ ومهما بكن من أمر‪،‬‬
‫لليس هناك قبل السنة (‪ , )140‬أي شهاد تثبت أن الناس عرلوا جمموعة من النصوص اإلجنيلية‬
‫املكتوبة‪ ،‬وال بذكر أن ململَ ٍ‬
‫ف من تلك اململفات صفة ما بلز ‪ ،‬للم بظهر إال يف النصف الثاين من‬
‫القرن الثاين شهادات ازدادت وضوحا على غ‬
‫مر الزمن أبن هناك جمموعة من األانجيل‪ ،‬وأن هبا صفة ما‬
‫بلز ‪ ،‬وقد جرى االعرتاف بتلك الصفة على حنو تدرجيي‪ .‬ليمكن القول أن األانجيل األربعة حظيت‬
‫حنو السنة (‪ , )170‬مبقا األدب القانوين‪ ،‬وإن مل تستعمل تلك اللفظة حىت ذلك احلني‪ .‬مل بوضع‬
‫(مل بستقر) اجلدول التا للمملفات العا د إىل القانون إال على حنو تدرجي‪ ،‬وكلما حتقق شيء من‬
‫االتفاق‪ ،‬لهكذا جيدر ابلذكر ما جرى بني السنة (‪ , )150‬والسنة (‪ , )200‬إذ حدد على حنو‬
‫تدرجي أن سفر أعمال الرسل مملف قانوين‪ ،‬وقد حصل شيء من اإلمجاع على رسالة بوحنا األوىل‪.‬‬
‫ولكن ما زال هناك شيء من الرتدد يف بعض األمور‪ :‬لإىل جانب مملفات ليها من الوضوح الباطين ما‬
‫جعل الكنيسة تتقبَّلها تقبُّلها ملا البد منه‪ ،‬هناك عدد كبَر من اململفات احلا ر بذكرها بعض اخآابء‬
‫غذ يك َرهم ألسفار قانونية‪ ،‬يف حني أن يَرهم بنظر إليها نظرته إىل مطالعة مفيد ذلك شأن‪ :‬الرسالة إىل‬
‫العربانيني‪ ،‬ورسالة بطرس الثانية‪ ،‬وكل من رسالة بعقوب وبهوذا‪.‬‬
‫وهناك أبضا مملفات جرت العاد أن بستشهد هبا يف ذلك الوقت على أهنا من الكتاب املقدس‪،‬‬
‫ومن مث جزء من القانون‪ ،‬مل تبق زمنا على تلك احلال‪ ،‬بل أررجت آرر األمر من القانون‪ ،‬ذلك ما‬
‫جرى ململَّف‪ :‬هرماس‪ ،‬وعنوانه (الراعي)‪ ،‬وللدبداكي ورسالة إكليمنضس األوىل‪ ،‬ورسالة براناب‪ ،‬ورؤاي‬
‫بطرس‪ ،‬وكانت الرسالة إىل العربانيني‪ ،‬والرؤاي‪ ،‬موضوع أشد املنازعات‪ ،‬وقد أنكرت صحة نسبتها إىل‬
‫الرسل إنكارا شدبدا مد طوبلة‪ .‬ومل تقبل من جهة أررى إال ببطء‪ :‬رسالتا بوحنا الثانية والثالثة‬
‫ورسالة بطرس الثانية‪ ،‬ورسالة بهوذا‪ .‬وال حاجة إىل أن نتتبع تتبعا مفصما مجيع مراحل هذا التطور‬
‫الذي أدَّى رمال القرن الرابع إىل َتليف قانون هو يف جممله القانون الذي نعرله اليو )‪.‬‬
‫من رمال هذا البيان والنقل املطول عن النصارى أنفسهم يف حدبثهم عن كتبهم بتلخص لنا ما بلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن هللا أنزل كتااب على املسيح مساه اإلجنيل‪ ،‬ودعا املسيح عليه السما الناس إىل اإلميان به‪،‬‬
‫وذكره أوا ل النصارى‪ ،‬كما ذكره بولس يف رسا له‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن النصارى ال بعرلون شيئا عن مصَر ذلك اإلجنيل‪ ،‬وال أبن ذهب!!‪.‬‬
‫‪ - 3‬أنه كانت هناك رواايت شفوبة ووثيقة مشرتكة متداولة كان بتناقلها احلواربون ودعا النصارى‬
‫األوا ل‪ ،‬وبعتقد أهنا كانت املصدر األساسي ألوجه االتفاق بني األانجيل‪ .‬وتلك الرواايت الشفوبة ال‬
‫ببعد أن بكون اإلجنيل األصلي من ضمنها‪ ،‬إال أن النصارى مل غ‬
‫بدونوه جمموعة واحد ‪ ،‬كما أهنم مل‬
‫مييزوه عن يَره من الرواايت‪ِ ،‬ما جعله يَر حمدد‪ ،‬وال بستطيع أحد اجلز واالعتقاد بشيء من‬
‫سواي‬ ‫وجل‪ :‬وغمن الَّ غذبن قَالْواي إغ َّان نَصارى أ َ غ‬
‫َر يذ َان ميثَاقَـ ْه يم لَـنَ ْ‬ ‫ََ‬ ‫عز َّ َ َ َ‬ ‫النصوص أهنا منه‪ ،‬وهذا تصدبق قول هللا َّ‬
‫َحظًّا غِمَّا ذْكغ ْرواي بغ غه‬
‫[املا د ‪.]14:‬‬

‫(‪)261/1‬‬
‫‪ - 4‬أن املتقدمني من النصارى مل بشَروا إىل األانجيل األربعة‪ ،‬ومل بذكروها ألبته‪ ،‬لبولس‪ -‬على كثر‬
‫رسا له‪ -‬مل بذكرها يف رسا له أبدا‪ ،‬وكذلك مل بذكرها سفر أعمال الرسل الذي ذكر دعا النصارى‬
‫بدل على أن هذه الكتب مل تكن موجود يف ذلك الزمن‪ ،‬وأهنا أْلغفت وكتبت بعد‬
‫األوا ل‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن أول من ذكر جمموعة من الكتب املدونة ذكرا صرحيا هو جاسنت الذي قتل عا (‪، )165‬‬
‫وهذا ال بدل صراحة على األانجيل األربعة نفسها‪ ،‬وأما أول حماولة التعربف هبا ونشرها لكانت عن‬
‫طربق (اتتيان) الذي مجع األانجيل األربعة يف كتاب واحد مساه (الدايطسرن) يف الفرت من (‪- 166‬‬
‫‪ , )170‬وهذا هو التاربخ الذي ميكن أن بعزى إليه وجود هذه الكتب‪ ،‬وهو اتربخ متأرر جدًّا عن‬
‫ولا من تعزى إليهم هذه الكتب؛ إذ إهنم مجيعا ماتوا قبل هنابة القرن األول‪ِ ،‬ما ُّ‬
‫بدل على أهنم برءاء‬
‫منها‪ ،‬وأهنا منحولة إليهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬أنه حىت بعد هذا التاربخ‪ -‬وهو (‪ , )170‬إىل القرن الرابع امليمادي‪ -‬مل تكن األانجيل األربعة‬
‫وحدها هي املوجود ‪ ،‬بل كانت هناك أانجيل كثَر موجود منتشر رمبا تبل ما ة إجنيل‪ ،‬ومل بكن ٍ‬
‫ألي‬
‫منها صفة اإللزا والقداسة‪ ،‬وذلك أمر تكون األانجيل األربعة معه عرضة للتحربف والتغيَر رمال‬
‫تلك الفرت أبضا‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن النصارى ال بعرلون ابلضبط اتربخ إعطاء هذه الكتب صفة اإللزا والقداسة‪ ،‬وإَنا برون أنه‬
‫رمال القرن الرابع امليمادي أرذت كتبهم صفة القداسة بشكل متدرج‪ ،‬بعين‪ :‬روبدا روبدا‪.‬‬
‫‪ - 8‬أن النصارى ال ميلكون السند لكتبهم‪ ،‬وال بعرلون مصدرها احلقيقي‪ ،‬وال تعدو أن تكون كتبا‬
‫وجدوها منحولة إىل أولئك الناس الذبن نْسبت إليهم لنسبوها إليهم‪ ،‬واعتقدوا صحة ذلك بدون‬
‫دليل‪ ،‬وهذا أمر ال ميكن أن بعطي النفس البشربة القناعة املناسبة ملا تراد له هذه الكتب يف األصل‬
‫من ُتنب سخط هللا وبلوغ رضوانه‪.‬‬
‫‪ - 9‬أننا نعجب يابة العجب من زعم النصارى‪ :‬أن هذه الكتب حقيقية وصادقة‪ ،‬وتنقل أبمانة‬
‫وإرماص كما املسيح‪ ،‬وتروي أرباره‪ .‬كيف ُترؤوا على مثل هذا الكما ‪ ،‬وكيف قبله أتباعهم مع‬
‫أهنم ال ميلكون الدليل على ذلك‪ ،‬وكل دعوى عربت عن الدليل لهي ابطلة‪.‬‬
‫غ غ‬ ‫غ‬
‫صو َن‬‫وجل‪ :‬قْ يل َه يل عن َد ْكم م ين عل ٍيم لَـتْ يخ غر ْجوهْ لَنَا إغن تَـتَّبغ ْعو َن إغالَّ الظَّ َّن َوإغ ين أَنتْ يم إَالَّ َختي ْر ْ‬ ‫عز َّ‬ ‫قال هللا َّ‬
‫وجل‪َ :‬وغم َن الن غ‬
‫َّاس‬ ‫عز َّ‬ ‫[األنعا ‪ .]148:‬وكل من حتدث يف دبن هللا بما علم لهو ضال مضل‪ ،‬قال َّ‬
‫اَّلل بغغَ يغَر غعل ٍيم‬
‫اد ْل غيف َّغ‬ ‫َّاس من ْجي غ‬ ‫غ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫اَّلل بغغَ يغَر عل ٍيم َوبَـتَّبغ ْع ْك َّل َش ييطَان َّم غربد [احلج‪َ .]3:‬وم َن الن غ َ َ‬
‫غ‬ ‫اد ْل غيف َّغ‬
‫من ْجي غ‬
‫َ َ‬
‫غ غ‬ ‫الدنيـيا غر يز غ‬ ‫يل َّغ‬ ‫ض َّل َعن َسبغ غ‬ ‫اب ُّمنغ ٍَر َاثغين غعط غيف غه لغي غ‬
‫َوَال ْهدى َوَال كغتَ ٍ‬
‫اب‬
‫ي َونْذب ْقهْ بَـ يوَ اليقيَ َامة َع َذ َ‬ ‫اَّلل لَهْ غيف ُّ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ا يحلَ غر غبق [احلج‪ .]9 - 8:‬وألن دعاوبهم عاربة عن الدليل لهي انبعة من اهلوى‪ ،‬للهذا مسى هللا عز‬
‫وجل لنبيه حممد صلى هللا عليه وسلم‪َ :‬ولَن‬ ‫عز َّ‬‫وجل ما عند اليهود والنصارى من دبن أهواء يف قوله َّ‬
‫اءهم‬ ‫نك الييـهود والَ النَّصارى ح َّىت تَـتَّبغع غملَّتـهم قْل إغ َّن ه َدى غ‬
‫هللا ْه َو ا يهلَْدى َولَئغ غن اتَّـبَـ يع َ‬
‫ت أ يَه َو ْ‬ ‫َ َْ ي ي ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ضى َع َ َ ْ ْ َ‬
‫تَـ ير َ‬
‫هللا غمن وغٍِل والَ نَ غ‬
‫ك غمن غ‬ ‫بـ يع َد الَّ غذي ج َ غ غ‬
‫ص ٍَر [البقر ‪ .]120:‬ولكن ذلك العجب‬ ‫َ َ‬ ‫اءك م َن اليعل غيم َما لَ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بذهب‪ ،‬وتلك الدهشة تزول إذا علمنا أن لآلابء والكرباء والساد من أهل الضمالة الذبن بسعون‬
‫إىل احملالظة على مكاسبهم الدنيوبة الدور األكرب يف إضمال العوا والدمهاء الذبن ال بستخدمون ما‬
‫وجل‪:‬‬
‫عز َّ‬ ‫وهبهم هللا من عقل ومسع وإدراك‪ ،‬وإَنا بتابعون وبنقادون انقياد األعمى‪ ،‬ويف هذا بقول هللا َّ‬
‫غ‬ ‫أنز َل هللاْ وإغ َىل َّ غ‬ ‫غ غ‬
‫آاب ْؤ ْه يم‬
‫ءان أ ََولَ يو َكا َن َ‬
‫آاب َ‬
‫الر ْسول قَالْواي َح يسبْـنَا َما َو َج يد َان َعلَييه َ‬ ‫َ‬ ‫يل َهلْ يم تَـ َعالَ يواي إغ َىل ما َ‬
‫َوإذَا ق َ‬
‫الَ بَـ يعلَ ْمو َن َش ييـئا َوالَ بَـ يهتَ ْدو َن [املا د ‪.]104:‬‬
‫الر ْسوال َوقَالْوا َربَّـنَا إغ َّان‬ ‫وه ْه يم غيف النَّا غر بَـ ْقولْو َن َاي لَييـتَـنَا أَطَ يعنَا َّ‬
‫اَّللَ َوأَطَ يعنَا َّ‬ ‫ب ْو ْج ْ‬ ‫َّ‬
‫وجل‪ :‬بَـ يوَ تْـ َقل ْ‬
‫عز َّ‬ ‫وقال َّ‬
‫اب َوال َيع ينـ ْه يم لَ يعنا َكبغَرا [األحزاب‪66:‬‬ ‫ني غم َن ال َيع َذ غ‬ ‫السبغيما ربَّـنَا آهتغغم غ‬
‫ض يع َف ي غ‬ ‫وان َّ َ‬ ‫َضلُّ َ‬
‫اءان لَأ َ‬
‫رب َ‬ ‫أَطَ يعنَا َس َ‬
‫ي‬ ‫ادتَـنَا َوْك ََ‬
‫‪ .]68 -‬والواجب على اإلنسان أن ال خيضع للتقليد ليما تتعلق به جناته وسعادته أو هماكه‬
‫وشقاوته‪ ،‬بل بتحقق من األمر‪ ،‬وبتأكد من صحته‪ ،‬وبسأل هللا اهلدابة والتسدبد والرشد إىل أن بصل‬
‫وحترر من‬
‫إىل احلق والنور الذي لن خيطئه إبذن هللا تعاىل إذا أرلص الطلب‪ ،‬واجتهد يف الدعاء‪َّ ،‬‬
‫األهواء والتقليد والعصبية‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪203‬‬

‫(‪)262/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬اتربخ األانجيل األربعة تفصيما‪:‬‬


‫• أوال‪ :‬إجنيل مىت‪.:‬‬
‫• اثنيا‪ :‬إجنيل مرقص‪.:‬‬
‫• اثلثا‪ :‬إجنيل لوقا‪.:‬‬
‫• رابعا‪ :‬إجنيل بوحنا‪.:‬‬

‫(‪)263/1‬‬
‫أوال‪ :‬إجنيل مىت‪:‬‬
‫بصدر النصارى كتاهبم املقدس هبذا اإلجنيل‪ ،‬لهو أول كتبهم يف الرتتيب‪ ،‬وهو أطوهلا؛ إذ حيوي امانية‬
‫وعشربن إصحاحا‪.‬‬
‫وبزعم النصارى أن (مىت) الذي بنسب الكتاب إليه هو أحد احلواربني‪ ،‬وكان قبل اتباعه للمسيح‬
‫عشارا (جايب ضرا ب)‪.‬‬
‫إال أن النصارى مل بستطيعوا أن بربزوا لنا دليما بْعتمد عليه يف صحة نسبة هذا الكتاب إىل (مىت)‪،‬‬
‫وأقد من بعتمدون على قوله يف نسبة الكتاب إىل (مىت) أحد كتاهبم‪ ،‬وبسمى (بوسابيوس القيصري)‬
‫يف كتابه (اتربخ الكنيسة) حيث نقل عن أسقف كان هلَرا بوليس سنة (‪ , )130‬بدعى (اببياس)‪ ،‬أنه‬
‫قال‪( :‬إن مىت كتب األقوال ابللغة العربانية)‪.‬‬
‫وهذا القول ولدى مجيع العقماء ال ميكن أن بعتمد عليه يف إثبات صحة نسبة الكتاب إىل (مىت)‬
‫الذي بزعمون أنه حواري‪.‬‬
‫وذلك ألن (اببياس) املذكور هنا مل بكن مسع تلك التعاليم وتلك الكتب من أصحاهبا‪ ،‬بل كان‬
‫بسمعها بواسطة‪ ،‬حيث بقول عن نفسه ليما ذكر عنه (بوسابيوس)‪( :‬وكلما أتى واحد ِمن كان بتبع‬
‫املشابخ سألته عن أقواهلم؛ ألنين ال أعتقد أن ما حتصل عليه من الكتب بفيد بقدر ما بصل من‬
‫الصوت احلي)‪.‬‬
‫لهو هنا ال بتحرى يف النقل‪ ،‬وِما الشك ليه أن أولئك الوسا ط البد أن تثبت عدالتهم‪ ،‬وإال لما‬
‫بعتد مبا بروونه وبقولونه‪.‬‬
‫كما أن (بوسابيوس القيصري) قد طعن يف اببياس نفسه حيث قال عن رواايته‪( :‬وبْ غ‬
‫دو ْن نفس‬
‫الكاتب رواايت أررى بقول‪ :‬إهنا وصلته من التقليد يَر املكتوب‪ .‬وأمثاال وتعاليم يرببة للمخلص‬
‫وأمورا ررالية ‪.) ...‬‬
‫مث قال عنه وعن آرا ه‪( :‬وأظن أنه وصل إىل هذه اخآراء بسبب إساء لهمه للكتاابت الرسولية‪ ،‬يَر‬
‫مدرك أن أقواهلم كانت جمازبة؛ إذ ببدو أنه كان حمدود اإلدراك جدًّا كما بتبني من أحباثه‪ ،‬وإليه برجع‬
‫السبب يف أن كثَربن من آابء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس اخآراء مستندبن يف ذلك على أقدمية‬
‫الزمن الذي عاش ليه)‪.‬‬
‫لهذه طربقة (اببياس) يف النقل حيث بنقل عن كل من اتبع املشابخ بدون حتر ملقدر التلميذ على‬
‫احلفظ والضبط للرواايت والعدالة وما إىل ذلك من شروط صحة اَخرب‪ ،‬كما أن (اببياس) نفسه‬
‫ضعيف التمييز بني األقوال حمدود اإلدراك جدًّا‪ .‬لكيف تعترب أقوال من هذه حاله يف أرطر قضية‪،‬‬
‫وهي الشهاد لكتاب أبنه كما رب العاملني؟ كما أن يف املقابل هناك عد أدلة تدل على عد صحة‬
‫نسبة اإلجنيل إىل (مىت) الذي بزعمون أنه حواري وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن النصارى مل بنقلوا اإلجنيل ابلسند‪ ،‬وقول (اببياس) السابق مل بعني ليه من هو (مىت)‪ ،‬هل هو‬
‫احلواري أ رجل آرر؟ كما أنه مل بعني الكتاب بل قال‪( :‬األقوال)‪.‬‬
‫وأبضا لقد ذكر أمرا آرر خيتلف متاما عما عليه إجنيل مىت املوجود‪ ،‬وهو أنه قال‪ :‬إنه كتبه ابللغة‬
‫العربانية‪ ،‬مع أن النصارى جيمعون على أن‪ :‬الكتاب مل بعرلوه إال ابللغة اليواننية‪ ،‬وال بعرلون للكتاب‬
‫نسخة عربانية‪ ،‬بل الكثَر منهم برى أن‪ :‬الكتاب بظهر من لغته أنه أول ما كتب إَنا كتب ابللغة‬
‫اليواننية‪ ،‬وليس العربانية‪ ،‬لهذا بدل على أن قول (اببياس) ال بنطبق على إجنيل مىت املوجود بني بدي‬
‫النصارى‪.‬‬
‫كما أن هناك استفسارا آرر يف حالة أن بكون اإلجنيل مرتمجا من اللغة العربانية إىل اللغة اليواننية‪،‬‬
‫وهو‪ :‬من هو مرتمجه؟ وهذا أمر مهم؛ ألنه ما مل بعلم دبن املرتجم‪ ،‬وصدقه‪ ،‬وضبطه‪ ،‬وقو معرلته‬
‫ابللغتني ال ميكن أن بعتمد على ترمجته‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن الدارسني هلذا الكتاب والباحثني من النصارى ويَرهم برون أن كاتب هذا اإلجنيل اعتمد‬
‫كثَرا على إجنيل مرقص‪ ،‬ومرقص يف كما النصارى تلميذ بطرس‪ ،‬لهل من املعقول أن بعتمد أحد‬
‫كبار احلواربني يف زعمهم على تلميذ من تماميذهم يف األمور اليت هم شاهدوها وعابنوها وعابشوا‬
‫أحداثها؟‬
‫هذا بدل على أن كاتبه يَر (مىت) الذي بزعمون أنه حواري‪ ،‬وأن دعوى النصارى أن كاتب اإلجنيل‬
‫هو مىت احلواري دعوى عاربة عن الدليل‪ ،‬وهي من ابب الظن والتخمني الذي ال بغين من احلق شيئا‪.‬‬

‫(‪)264/1‬‬

‫اثنيا‪ :‬إجنيل مرقص‪:‬‬


‫هذا اإلجنيل الثاين يف ترتيب األانجيل لدى النصارى‪ ،‬وهو أقصرها؛ إذ إنه حيوي ستة عشر إصحاحا‬
‫لقط‪ .‬أما كاتب اإلجنيل لهو يف زعم النصارى رجل من أتباع احلواربني‪ ،‬واملعلومات عنه قليلة جدًّا‬
‫ويامضة‪ ،‬وال تتضح شخصيته وضوحا بْطمئن النفس؛ إذ إن كل ما ورد عنه اإلشار إىل أن امسه‬
‫ب بولس وبراناب يف دعوهتما‪ ،‬مث الرتق عنهما‪ ،‬مث ذكر بولس يف‬
‫صاح َ‬
‫بوحنا‪ ،‬وبلقب مرقص‪ ،‬وأنه َ‬
‫رسا له اسم مرقص ذكرا مقتضبا ال بعطي يناء يف التعربف به‪ ،‬وورد ذكر امسه مع بطرس حيث بقول‬
‫عنه‪( :‬تسلم عليكم اليت يف اببل املختار معكم ومرقص ابين)‪ .‬لهذه املعلومات بفهم منها أن الرجل‬
‫جمهول؛ إذ إهنا مل تعط تعربفا بدبنه‪ ،‬وعلمه‪ ،‬وأمانته‪ ،‬وحنو ذلك ِما جيب توالر معرلته ليمن بكون‬
‫بسمى مرقص ما‬
‫واسطة لكتاب مقدس‪ .‬أما الكتاب وهو اإلجنيل‪ :‬لأقد املعلومات اليت عزته إىل من َّ‬
‫نقله (بوسابيوس) يف اترخيه الكنسي عن اببياس حيث قال‪( :‬ولقد قال الشيخ أبضا‪ :‬إن مرقص الذي‬
‫صار مفسرا لبطرس قد كتب بكل دقة كل ما ت َذ َّكره من أقوال وأعمال الرب‪ ،‬ولكن ليس ابلرتتيب؛‬
‫ألنه مل بسمع الرب ومل بتبعه‪ ،‬ولكن كما قلت قبما عن بطرس الذي ذكر من تعاليم السيد ما بوالق‬
‫حاجة السامعني‪ ،‬بدون أن بهدف إىل كتابة كل ما قاله الرب وعمله‪ ،‬وهكذا لصل مرقص أنه مل بعمل‬
‫رطأ واحدا يف كل ما ذكره وكتبه ‪.) ..‬‬
‫هذه أقد شهاد لدى النصارى عن الكتاب والكاتب‪ ،‬لهي شهاد مطعون ليه‪ ،‬جملهول احلال‪ -‬وهو‬
‫مرقص‪ -‬عن أمر جممل‪ ،‬حيث ذكر أنه كتب ما تذكر‪ ،‬ومل بفصل يف املكتوب ما هو!! لهل تكفي‬
‫هذه الشهاد يف إثبات صحة الكتاب!!‪ ،‬الشك أهنا ال تكفي؛ لإن مثل هذه األدلة والشواهد لو‬
‫غ‬
‫قدمت لدى قاض يف قضية مل بقبلها ومل حيكم ولقها‪.‬‬

‫(‪)265/1‬‬

‫اثلثا‪ :‬إجنيل لوقا‪:‬‬


‫هذا اإلجنيل الثالث يف ترتيب النصارى لكتاهبم‪ ،‬وحيوي أربعة وعشربن إصحاحا‪ .‬وكاتب اإلجنيل يف‬
‫زعم النصارى هو أحد الوثنيني الذبن آمنوا ابملسيح بعد رلعه‪ ،‬وكان رليقا لبولس (شاؤول اليهودي)‬
‫حيث ذكره بولس يف ثماثة مواضع من رسا له‪ ،‬واصفا إايه أبنه رليقه‪ .‬وال بوجد لدى النصارى‬
‫معلومات عنه سوى أنه أِمي رالق بولس يف بعض تنقماته‪ ،‬حيث ورد امسه يف تلك الرحمات‪ .‬لهو‬
‫بذلك بعترب شخصية جمهولة ويَر معرولة وال متميز بعدالة وداينة‪ ،‬ومع هذا أبضا ال بوجد لدى‬
‫النصارى دليل بعتمد عليه يف صحة نسبة الكتاب إليه‪ .‬ولندر املعلومات اليت توثق نسبة الكتاب إىل‬
‫لوقا املذكور بستشهد النصارى بكما جمهول‪ ،‬حيث بقول القس (لهيم عزبز) يف كتابه (املدرل إىل‬
‫العهد اجلدبد) يف استدالله على صحة نسبة الكتاب إىل لوقا ما بلي‪( :‬هناك مقدمة كتبت إلجنيل لوقا‬
‫ليما بني (‪ , )180 - 160‬امسها (ضد مارسيون) ليها بقول الكاتب عن لوقا‪ :‬إنه من أنطاكية يف‬
‫سوراي‪ ،‬مهنته طبيب‪ ،‬وكان أعزب بدون زوجة‪ ،‬مات وهو يف سن (‪ )84‬يف بواتييه ِمتلئا بروح القدس‪،‬‬
‫وقد كتب إجنيله كله يف املناطق اليت حتيط أبرا يه؛ لكي بفسر لَلمم القصة الصحيحة للعهد اجلدبد‬
‫اإلهلي ‪ ) ..‬مث قال صاحب الكتاب معلقا‪( :‬هذه مقتطقات عن هذه الشهاد اليت ال بعرف كاتبها‪،‬‬
‫وقد قبلها كثَر من العلماء؛ ألهنم مل جيدوا من أتباع مارسيون من بكذهبا‪ِ ،‬ما بدل على أهنا تقليد‬
‫كنسي قوي)‪ .‬مبثل هذه الشهاد اجملهولة بثبت النصارى صحة كتاهبم إىل ذلك الرجل اجملهول لوقا‪،‬‬
‫وهي الشك شهاد ال قيمة هلا وال تفيد شيئا‪ ،‬وبدل استدالهلم هبا على أهنم ال ميلكون أدلة على‬
‫صحة نسبة الكتاب إىل من بسمونه (لوقا)‪ ،‬وذلك ببني لنا أن النصارى حني زعموا أن إجنيل لوقا‬
‫كتاب صحيح وصادق‪ ،‬لإن ذلك جمرد دعوى بدون بينة‪.‬‬

‫(‪)266/1‬‬

‫رابعا‪ :‬إجنيل بوحنا‪:‬‬


‫هذا اإلجنيل الرابع يف ترتيب العهد اجلدبد‪ ،‬وهو إجنيل متميز عن األانجيل الثماثة قبله؛ إذ تلك‬
‫متشاهبة إىل حد كبَر‪ ،‬أما هذا لإنه خيتلف عنها؛ ألنه رَّكز على قضية واحد ‪ ،‬وهي إبراز دعوى‬
‫ألوهية املسيح وبنوته هلل‪ -‬تعاىل هللا عن قوهلم ‪ -‬بنظر للسفية ال ختفى على الناظر يف الكتاب‪ ،‬هلذا‬
‫صرح هبذا األمر تصرحيا واضحا‪ .‬وإذا حبثنا‬
‫بعترب هو الكتاب الوحيد من بني األانجيل األربعة الذي َّ‬
‫يف صحة نسبة الكتاب إىل بوحنا الذي بزعم النصارى أن الكتاب من تصنيفه جنده أقل كتبهم نصيبا‬
‫من الصحة؛ لعد أدلة أبرزها منكروا نسبة الكتاب إىل بوحنا احلواري وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن بوليكاربوس الذي بقال‪ :‬إنه كان تلميذا ليوحنا‪ .‬مل بشر إىل هذا اإلجنيل عن شيخه بوحنا‪ِ ،‬ما‬
‫بدل على أنه ال بعرله‪ ،‬وأن نسبته إىل شيخه يَر صحيحة‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫‪ - 2‬أن الكتاب ِملوء ابملصطلحات الفلسفية اليواننية اليت ُّ‬
‫تدل على أن لكاتبه إملاما ابلفلسفة‬
‫بدل على أنه بعيد عن الفلسفة‬‫اليواننية‪ ،‬أما بوحنا لكما بذكر النصارى لقد كان ميتهن الصيد‪ِ ،‬ما ُّ‬
‫ومصطلحاهتا‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن النصارى األوا ل مل بنسبوا هذا اإلجنيل إىل بوحنا احلواري املزعو ‪ ،‬وأن (بوسابيوس) الذي‬
‫كان بسأل (اببياس) عن هذه األمور بقول‪( :‬الواضح أن اببياس بذكر اثنني امسهما بوحنا‪ :‬األول‪:‬‬
‫حي‪ .‬وبلوح أنه هو الذي كتب اإلجنيل)‪ .‬للهذا بقول القس‬
‫الرسول وقد مات‪ ،‬والثاين‪ :‬الشيخ وهو ٌّ‬
‫(لهيم عزبز) بناء على ذلك‪( :‬إن الكنيسة كانت بطيئه يف قبوهلا هلذا اإلجنيل)‪ .‬وبناء على ذلك لمنذ‬
‫هنابة القرن التاسع عشر ظهر االعرتاض على نسبة هذا اإلجنيل إىل بوحنا بشكل واسع‪ ،‬ووصفته‬
‫(دا ر املعارف الفرنسية) أبنه إجنيل مزور‪ ،‬وهذه الدا ر اشرتك يف َتليفها مخسما ة من علماء‬
‫النصارى‪ ،‬ونص كمامهم‪( :‬أما أجنيل بوحنا لإنه ال مربة والشك كتاب مزور‪ ،‬أراد صاحبه مضاد اثنني‬
‫من احلواربني بعضهما لبعض‪ ،‬ومها القدبسان بوحنا ومىت‪ ،‬وقد ادَّعى هذا الكاتب املزور يف منت‬
‫الكتاب أنه احلواري الذي حيبه املسيح‪ ،‬لأرذت الكنيسة هذه اجلملة على عماهتا‪ ،‬وجزمت أبن‬
‫نصا‪ ،‬مع أن صاحبه يَر بوحنا بقينا‪ ،‬وال‬
‫الكاتب هو بوحنا احلواري‪ ،‬ووضعت امسه على الكتاب ًّ‬
‫خيرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التورا اليت ال رابطة بينها وبني من نسبت إليه‪ ،‬وإان‬
‫لنرأف ونشفق على الذبن ببذلون منتهى جهودهم لَربطوا‪ -‬ولو أبوهى رابطة‪ -‬ذلك الرجل الفلسفي‬
‫الذي ألَّف هذا الكتاب يف اجليل الثاين ابحلواري بوحنا الصياد اجلليلي‪ ،‬لإن أعماهلم تضيع عليهم‬
‫سدى َخبطهم على يَر هدى)‪ .‬نقول مع هذه االعرتاضات‪ ،‬ومع عد وجود أدلة تثبت صحة نسبته‬
‫إىل بوحنا احلواري املزعو ‪ ،‬لما جيوز لعاقل أن بدعي صحة نسبته إىل بوحنا‪ ،‬لضما عن أن بزعم أنه‬
‫وجل‪ ،‬وإضمال لعباد هللا ابلباطل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫كتاب مقدس موحى به من هللا‪ ،‬لهذا ليه الرتاء عظيم على هللا َّ‬
‫بعد هذا كله بتضح للناظر اللبيب أن النصارى‪ -‬وكذلك اليهود من قبلهم‪ -‬ال ميلكون مستندا‬
‫صحيحا لكتبهم بثبت صحة نسبتها إىل من بنسبوهنا إليه‪ ،‬وإن من املعلو أن أي إنسان أراد أن‬
‫بقاضي إنساان آرر لدى حمكمة لما ميكن أن تنظر احملكمة يف دعواه ما مل بقد من اإلثبااتت‬
‫الصحيحة ما بصح اعتباره دليما‪ ،‬والنصارى مل غ‬
‫بقدموا ألنفسهم وال ألهل ملتهم من املستندات‬
‫واألدلة شيئا بثبتون به صحة كتبهم‪ ،‬بل ال بعرلون طربقا إىل شيء من املستندات الصحيحة‪ ،‬بقول‬
‫الشيخ رمحة هللا اهلندي يف كتابه العظيم (إظهار احلق)‪( :‬ولذلك طلبنا مرارا من علما هم الفحول‬
‫السند املتصل‪ ،‬لما قدروا عليه‪ ،‬واعتذر بعض القسيسني يف حمفل املناظر اليت كانت بيين وبينهم‪،‬‬
‫لقال‪ :‬إن سبب لقدان السند عندان وقوع املصا ب والفنت على النصارى إىل مد ثمااما ة وثماث‬
‫سمى األانجيل كتب ال ميلك أصحاهبا‬
‫عشر سنة)‪ .‬ويف هذا كفابة وداللة على أن تلك الكتب اليت تْ َّ‬
‫بصح نسبتها إىل‬
‫أي مستند ميكن االعتماد عليه يف صحة نسبتها إىل من بنسبوهنا إليه‪ ،‬لضما عن أن َّ‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫املسيح عليه السما أو إىل هللا َّ‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪217‬‬

‫(‪)267/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬األانجيل األربعة متنا‪:‬‬


‫إن الكتب املقدسة كتب معصومة عن اَخطأ‪ ،‬حمفوظة من اَخلل والزلل؛ ألن املفرتض ليها أن تكون‬
‫جل وعما‪ .‬والنصارى‬
‫السر وأرفى‪ ،‬وهو احلق ال بصدر منه إال احلق َّ‬
‫من قبل رب العاملني الذي بعلم َّ‬
‫وجل عن طربق اإلهلا إىل كتَّاهبا‪ ،‬والدارس هلذه الكتب بستطيع أن بتبني‬
‫عز َّ‬
‫بسندون كتبهم إىل هللا َّ‬
‫صدق هذه الدعوى من كذهبا؛ إذ إن َّ‬
‫احلق ال رفاء ليه‪ .‬وقد سبق أن ذكران نبذ عن هذه الكتب‬
‫من انحية السند‪ ،‬حيث تبني أن النصارى ال بوجد عندهم دليل بثبت صحة نسبة كتبهم إىل أولئك‬
‫الناس الذبن نْسبت إليهم‪ ،‬لعليه ال ميكن اعتبارها كتبا صحيحة‪ ،‬وال جيوز لعاقل أن بنسبها إىل أولئك‬
‫وجل‪ .‬وِما بمكد عد صحتها االرتمالات الكثَر بينها‪،‬‬
‫عز َّ‬
‫الرجال‪ ،‬لضما عن أن بنسبها إىل هللا َّ‬
‫وكذلك األيماط العدبد ليها‪ ،‬وسنضرب لذلك أمثلة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬االرتمالات‪:‬‬
‫إذا قاران بني األانجيل األربعة جند بينها ارتمالات جوهربة تدل على رطأ ْكتَّاهبا‪ ،‬وأهنم يَر معصومني‬
‫وجل بريء منها‪ ،‬ورسوله عيسى عليه السما ‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫عز َّ‬‫وال ملهمني‪ ،‬وأن هللا َّ‬
‫‪ - 1‬نسب املسيح عليه السما ‪ :‬إن ِما بدهش له اإلنسان َّ‬
‫أشد الدهش أن النصارى مل بستطيعوا أن‬
‫بضبطوا نسب املسيح عليه السما ‪ ،‬ومل بتفقوا عليه‪ ،‬لأعطاه كلٌّ من صاحب إجنيل مىت وصاحب‬
‫إجنيل لوقا نسبا َمتلفا عن اخآرر‪ ،‬وإليك جدوال بذلك بوضح الفرق بينهما‪:‬‬
‫إجنيل لوقا‬
‫إجنيل مىت‬
‫املسيح ابن‬
‫املسيح ابن‬
‫‪1‬ـ بوسف ‪15‬ـ مشعي ‪29‬ـ اليعازر‬
‫‪1‬ـ بوسف ‪15‬ـ آمون‬
‫‪2‬ـ هاِل ‪16‬ـ بوسف ‪ 30‬ـ بورمي‬
‫‪2‬ـ بعقوب ‪16‬ـ منسى‬
‫‪3‬ـ متثاب ‪17‬ـ بهوذا ‪31‬ـ متثات‬
‫‪3‬ـ متان ‪17‬ـ حزقيا‬
‫‪4‬ـ الوي ‪18‬ـ بوحنا ‪32‬ـ الوي‬
‫‪4‬ـ اليعازر ‪18‬ـ أحاز‬
‫‪5‬ـ ملكي ‪19‬ـ ربسا ‪ - 33‬مشعون‬
‫‪5‬ـ أليود ‪19‬ـ بواث‬
‫‪6‬ـ بنا ‪ - 20‬زراببل ‪ - 34‬بهوذا‬
‫‪6‬ـ أريم ‪20‬ـ عزاي‬
‫‪ - 7‬بوسف ‪21‬ـ شألتئيل ‪ 35‬ـ بوسف‬
‫‪7‬ـ صادوق ‪21‬ـ بورا‬
‫‪8‬ـ متاثيا ‪22‬ـ نَري ‪36‬ـ بوانن‬
‫‪8‬ـ عازور ‪22‬ـ بهوشالاط‬
‫‪9‬ـ عاموص ـ ‪ 23‬ـ ملكي ‪37‬ـ مليا‬
‫‪9‬ـ الياقيم ‪23‬ـ أسا‬
‫‪10‬ـ انحو ‪24‬ـ أدى ‪38‬ـ مليا‬
‫‪10‬ـ ابيهود ‪24‬ـ أبيا‬
‫‪11‬ـ حسلي ‪25‬ـ قصم ‪ 39‬ـ مينان‬
‫‪11‬ـ زراببل ‪25‬ـ حبعا‬
‫‪12‬ـ جناي ‪26‬ـ أملودا ‪ 40‬ـ متااث‬
‫‪12‬ـ شألتئيل ‪26‬ـ سليمان‬
‫‪13‬ـ مآث ‪27‬ـ عَر ‪41‬ـ اتاثن‬
‫‪ 13‬ـ بكنيا ‪27‬ـ داود‬
‫‪14‬ـ متاثيا ‪28‬ـ بوسى ‪42‬ـ داود‬
‫‪14‬ـ بوشيا‬
‫لفي هذا النسب لوارق وأيماط عد هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن مىت نسب املسيح إىل بوسف بن بعقوب‪ ،‬وجعله يف النهابة من نسل سليمان بن داود‬
‫عليهما السما ‪.‬‬
‫أما لوقا لنسبه إىل بوسف بن هاِل‪ ،‬وجعله يف النهابة من نسل اناثن بن داود عليه السما ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن مىت جعل آابء املسيح إىل داود عليه السما سبعة وعشربن أاب‪ ،‬أما لوقا لجعلهم اثنني‬
‫وأربعني أاب‪ ،‬وهذا لرق كبَر بينهما بدل على رطئهما أو رطأ أحدمها قطعا‪.‬‬
‫والنصارى بدَّعون أن أحد اإلجنيلني كتب ليه نسب مرمي‪ ،‬واخآرر كتب ليه نسب بوسف‪ ،‬وهذا كما‬
‫ابطل؛ إذ إن صاحب إجنيل مىت (‪ )16 /1‬بقول‪( :‬بعقوب ولد بوسف رجل مرمي اليت ولد منها بسوع‬
‫الذي بدعى املسيح)‪.‬‬
‫أما أجنيل لوقا (‪ )23 /3‬ليقول‪( :‬وملا ابتدأ بسوع كان له حنو ثماثني سنة‪ ،‬وهو على ما كان بظن ابن‬
‫بوسف بن هاِل)‪ .‬لكمامها صرح بنسب بوسف‪.‬‬
‫أما األيماط يف هذا النسب لعدبد منها‪:‬‬
‫(‪)268/1‬‬

‫‪ - 1‬أن نسبة املسيح عليه السما إىل بوسف رطيب مرمي يف زعمهم رطأ لاحش‪ ،‬وليه تصدبق‬
‫لطعن اليهود يف مرمي أ املسيح عليه السما ‪ ،‬وكان الواجب على النصارى أن بنسبوه إىل أمه مرمي ال‬
‫إىل رجل أجنَب عنه‪ .‬راصة وأن والدته منها كانت معجز عظيمة وآبة ابهر ‪ ،‬لنسبته إليها ليه إظهار‬
‫هلذه املعجز ‪ ،‬وَتكيد هلا وإعمان‪ ،‬أما نسبته إىل رجل وليس هو أبوه ليه إرفاء هلذه املعجز‬
‫يح ابي ْن َم يرَميَ‬ ‫غ‬
‫صرح يف مواطن عد بنسبته إىل مرمي ال َيمس ْ‬
‫وجل يف القرآن الكرمي َّ‬
‫عز َّ‬‫واستحياء‪ .‬وهللا َّ‬
‫يسى ابي َن َم يرَميَ [آل عمران‪[ , ]45 :‬النساء‪.]171 ،157 :‬‬ ‫غ‬
‫[املا د ‪ .]75 ،72 ،17:‬ع َ‬
‫مىت أسقط أربعة آابء من سلسلة النسب‪ :‬ثماثة منهم على التواِل بني (عزاي‬ ‫‪ - 2‬أن صاحب إجنيل َّ‬
‫وبورا ) حيث النسب كما هو يف أربار األاي األول (‪( )13 - 11 /3‬عزراي بن أمصيا بن بواش بن‬
‫أرزاي بن بورا )‪ ،‬كما أسقط واحدا بني (بكنيا وبوشيا) وهو (بهو ايقيم) وسبب إسقاط اسم بهوايقيم‬
‫ك دولة بهوذا بعد أبيه‪ ،‬إال أنه كان عابدا لَلواثن لكتب‬
‫بني بوشيا وبكنيا هو أن (بهوايقيم) هذا َملَ َ‬
‫له (إرميا) حيذره من قبيح صنعه‪ ،‬وببني له مغبة ألعاله‪ ،‬لأحرق (بهوايقيم) الكتاب ومل برجع عن ييه‪،‬‬
‫لقال عنه إرميا حسب كمامهم‪( :‬لذلك هكذا قال الرب عن بهوايقيم ملغ غ‬
‫ك بهوذا ال بكون له جالس‬ ‫َ‬
‫على كرسي داود‪ ،‬وتكون جثته مطروحة للحر هنارا وللربد ليما) سفر إرميا (‪.)30 /36‬‬
‫ومعىن هذا الكما أنه ال بكون من نسله ملك‪ ،‬لأسقطه (مىت) هلذا السبب‪ ،‬وعلل صاحب تفسَر‬
‫العهد اجلدبد ذلك التصرف أبن (مىت) أراد أن جيعل كل جمموعه من النسب حتوي أربعة عشر امسا‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬إذا كانت هذه العلة اليت ال معىن هلا من أجلها حذف أربعة آابء من نسب املسيح‪ ،‬لذلك‬
‫بعين أن الكاتب قد كتبه َخدمة أهداف يف نفسه‪ ،‬وأنه ال بكتب ما علم ومسع جمردا من اهلوى واخآراء‬
‫اَخاصة‪ ،‬ومن هنا ميكن أن ندرك كيفية تعامل النصارى األوا ل مع املعلومات الوارد إليهم‪ ،‬وأهنم‬
‫بصويوهنا ولق ما برون وبعتقدون‪ ،‬ال ولق احلق جمردا عن اهلوى واخآراء اَخاصة‪ .‬ولنا أن نبحث هنا‬
‫عن السبب يف هذا اَخطأ الفاحش واالرتماف يف نسب املسيح عليه السما ‪ ،‬لنقول‪ :‬إن سبب رطأ‬
‫النصارى يف نسب املسيح عليه السما أهنم نسبوه إىل رجل مغمور يَر مشهور هو (بوسف النجار)‬
‫(مىت) نسبا ملوكيًّا‪ ،‬وأعطاه (لوقا) نسبا آرر‬
‫رطيب مرمي يف زعمهم‪ ،‬للهذا أرطموا يف نسبه‪ ،‬لأعطاه َّ‬
‫يَر معروف وال معلو ‪.‬‬
‫ولكن ملاذا أعرض ْكتَّاب النصارى عن مرمي‪ ،‬ومل بعطوه نسبها‪ ،‬ليجعلونه كما هو احلق عيسى بن مرمي‬
‫بنت عمران؟‪.‬‬
‫(‪)269/1‬‬

‫كراي عليه‬
‫السبب يف هذا ظاهر وهو‪ :‬أن مرمي بنت عمران امرأ عابد مشهور ‪ ،‬تربَّت يف بيت النَب ز َّ‬
‫السما ‪ ،‬الذي كان من نسل هارون عليه السما حيث كان كاهن بيت املقدس واملسمول عن البخور‬
‫عندهم هو زوج (أليصاابت) رالة مرمي‪ ،‬وهي من نسل هارون عليه السما أبضا‪ ،‬لتكون مرمي من‬
‫السبط نفسه‪ ،‬وهو سبط الوي بن بعقوب عليه السما ‪ ،‬وذلك أن تشربع اليهود أيمرهم أن تتزوج‬
‫املرأ من سبطها‪ ،‬وال تتزوج من سبط آرر حىت تستمر األموال يف نفس السبط‪ ،‬وال تنتقل إىل أسباط‬
‫أررى بواسطة املَراث‪ .‬للهذا تكون مرمي من سبط زكراي عليه السما وزوجته‪ ،‬وكذلك رطيبها‬
‫املزعو إن ص َّح كمامهم يف ذلك بكون من السبط نفسه‪ ،‬وهو سبط الوي الذي منه هارون عليه‬
‫ارو َن [مرمي‪ .]28:‬قال‬ ‫وجل‪َ :‬اي أْ ير َ‬ ‫السما ‪ ،‬وِما ُّ‬
‫ت َه ْ‬ ‫عز َّ‬
‫بدل على أن مرمي من سبط هارون قول هللا َّ‬
‫ارو َن‪ .‬أي‪ :‬أري موسى؛ ألهنا من نسله كما بقال للتميمي‪ :‬اي أرا متيم‪.‬‬ ‫السدي‪ :‬قيل هلا‪َ :‬اي أْ ير َ‬
‫ت َه ْ‬
‫وللمضري‪ :‬اي أرا مضر‪ .‬وهذا األمر ليما ببدو علمه كتَّاب األانجيل لأزعجهم إزعاجا شدبدا؛ ألهنم‬
‫بظنون أن املسيح البد أن بكون من نسل داود عليه السما لأعطوه ذلك النسب املخرتع إىل داود‬
‫عليه السما ‪ ،‬وذلك حىت بنطبق عليه ما بزعمه اليهود‪ ،‬وهو أن املسيح البد أن بكون من نسل داود‬
‫عليه السما حىت بكون مسيحا‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫مىت (‪ )13 /11‬من كما املسيح عن بوحنا املعمدان (حيىي عليه السما ) قوله‪:‬‬
‫‪ - 3‬ذكر إجنيل َّ‬
‫(ألن مجيع األنبياء والناموس إىل بوحنا تنبموا‪ ،‬وإن أردمت أن تقبلوا لهذا إبليا املزمع أن أيِت من له‬
‫مىت أبضا (‪ )1 /17‬أهنم سألوا املسيح عليه السما لقال‪:‬‬
‫أذانن للسمع لليسمع)‪ .‬وورد يف إجنيل َّ‬
‫(وسأله تماميذه قا لني‪ :‬للماذا بقول الكتبة إن إبليا بنبغي أن أيِت أوال‪ ،‬لأجاب بسوع وقال هلم‪ :‬إن‬
‫إبليا أيِت أوال وبرد كل شيء‪ ،‬ولكين أقول لكم‪ :‬إن إبليا قد جاء ومل بعرلوه‪ ،‬بل عملوا به كل ما‬
‫أرادوا‪ ،‬كذلك ابن اإلنسان أبضا سوف بتأمل منهم‪ ،‬حينئذ لهم التماميذ أنه قال هلم عن بوحنا‬
‫املعمدان)‪ .‬لاملسيح هنا ببني أن حيىي عليه السما هو إبليا‪ .‬وخيالف هذا قول بوحنا يف إجنيله (‪/1‬‬
‫‪ )19‬حني جاء اليهود بسألون حيىي عن نفسه حيث قال‪( :‬أرسل اليهود من أورشليم كهنة والوبني‬
‫ليسألوه من أنت‪ ،‬لاعرتف ومل بنكر وأقر أين لست أان املسيح‪ ،‬لسألوه من أنت‪ ،‬إبليا أنت؟ لقال‪:‬‬
‫لست أان‪ .‬النَب أنت؟ لأجاب ال‪ .‬لقالوا له‪ :‬من أنت لنعطي جوااب للذبن أرسلوان؟ ماذا تقول عن‬
‫نفسك؟ قال‪ :‬أان صوت صارخ يف الرببة قَـ غوْموا طربق الرب كما قال إشعيا النَب)‪ .‬لهنا أنكر حيىي‬
‫عليه السما أن بكون هو إبليا‪ ،‬وهذا تناقض واضح‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن مىت ذكر يف إجنيله (‪ )34 - 29 /20‬أن عيسى عليه السما ملا ررج من أرحيا قابله‬
‫أعميان لطلبا منه أن بشفيهما من العمى للمس عيوهنما لشفيا‪ .‬وقد ذكر هذه القصة مرقص يف‬
‫(‪ )52 - 46 /10‬وبني أن ابربنماوس األعمى ابن نيماوس هو الذي طلب ذلك لقط‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن مرقص ذكر يف (‪ )8 /6‬أن عيسى عليه السما أوصى حواربيه حني أرسلهم للدعو يف‬
‫القرى أبن ال حيملوا شيئا للطربق يَر عصا لقط ال مزودا‪ ،‬وال ربزا‪ ،‬وال حناسا‪ ،‬وذكر ذلك لوقا يف‬
‫(‪ )3 /9‬إال أنه قال‪ :‬إن عيسى عليه السما أوصاهم وقال هلم‪( :‬ال حتملوا شيئا للطربق ال عصا وال‬
‫مزودا وال ربزا وال لضة) لفي األول أجاز هلم محل العصا‪ ،‬والثاين هناهم عن محل العصا أبضا‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن إجنيل مىت ذكر ليه يف (‪ )21 /15‬أن املرأ اليت طلبت من املسيح شفاء ابنتها كانت‬
‫كنعانية‪ .‬وذكر القصة مرقص يف إجنيله (‪ )24 /7‬ونص عبارته عن جنس املرأ ‪( :‬وكانت املرأ أِمية‬
‫ويف جنسها لينيقية سوربة)‪.‬‬

‫(‪)270/1‬‬

‫‪ - 7‬أن إجنيل مىت ذكر أمساء تماميذ عيسى االثين عشر لقال (‪( :)2 /10‬وأما أمساء االثين عشر‬
‫رسوال لهي هذه‪ :‬األول مسعان الذي بقال له‪ :‬بطرس‪ ،‬وإندراوس أروه‪ ،‬بعقوب بن زبدي‪ ،‬وبوحنا‬
‫أروه‪ ،‬ليلبس‪ ،‬وبرثوملاوس‪ ،‬توما‪ ،‬ومىت العشار‪ ،‬بعقوب بن حلفى‪ ،‬ولباوس امللقب تداوس‪ ،‬مسعان‬
‫القانوين‪ ،‬وبهوذا اإلسخربوطي الذي أسلمه)‪ .‬وذكر مرقص يف (‪ )16 /3‬األمساء لوالق ليها مىت‪،‬‬
‫ورالفهما لوقا حيث حذف من قا مة مىت (لباوس امللقب تداوس) ووضع بدال عنه (بهوذا أرا‬
‫بعقوب)‪.‬‬
‫‪ - 8‬ارتمالهم يف الذبن حضروا ملشاهد قرب املسيح بعد دلنه املزعو ووقت ذلك‪ ،‬حيث بقول مىت‬
‫(‪( :)1 /28‬وبعد السبت عند لجر أول األسبوع جاءت مرمي اجملدلية‪ ،‬ومرمي أررى لتنظرا القرب)‪.‬‬
‫ويف إجنيل مرقص (‪ )1 /16‬بقول‪( :‬وبعد ما مضى السبت اشرتت مرمي اجملدلية ومرمي أ بعقوب‬
‫وسالومة حنوطا ليأتني وبدهنه‪ ،‬وابكرا جدًّا يف أول األسبوع أتني إىل القرب إذ طلعت الشمس)‪ .‬ويف‬
‫إجنيل لوقا (‪ )1 /24‬بقول‪( :‬مث يف أول األسبوع أول الفجر أتني إىل القرب حاممات احلنوط الذي‬
‫أعددنه ومعهن أانس)‬
‫ويف إجنيل بوحنا (‪ )1 /20‬بقول‪( :‬ويف أول األسبوع جاءت مرمي اجملدلية إىل القرب ابكرا والظما ابق‪،‬‬
‫لنظرت احلجر مرلوعا عن القرب)‪.‬‬
‫لهذه االرتمالات ويَرها كثَر‪ -‬ذكرها علماء اإلسما ويَرهم‪ُّ -‬‬
‫تدل داللة واضحة على أن يف‬
‫الكتاب صنعة بشربة‪ ،‬وحتربف وتبدبل‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪227‬‬

‫(‪)271/1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬األيماط يف األانجيل‪:‬‬


‫كما بني األانجيل ارتمالات بوجد هبا أيماط وأرطاء كثَر أبضا‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫ًّ‬
‫مستدال للمسيح ووالدته من مرمي بنبوء سابقة جاءت على لسان‬ ‫مىت يف إجنيله (‪)3 /1‬‬
‫‪ - 1‬قال َّ‬
‫إشعيا‪( :‬وهذا كله كان لكي بتم ما قيل من الرب ابلنَب القا ل‪ :‬هو ذا العذراء حتبل وتلد ابنا‪،‬‬
‫وبدعون امسه (عمانو يل) الذي تفسَره هللا معنا)‪ .‬وهذا يلط؛ ألن هذا اللفظ الذي ورد على لسان‬
‫إشعياء ال بنطبق على املسيح‪ ،‬لإن له قصة تدل على املراد به‪ ،‬وهي‪ :‬أن (رصني) ملك أرا ‪( ،‬ولقح‬
‫بن رمليا) ملك إسرا يل‪ ،‬اتفقا على حماربة (آحاز بن بواثن) ملك بهوذا‪ ،‬لخاف منهما (آحاز) رولا‬
‫شدبدا‪ ،‬لأوحى هللا إىل النَب إشعياء أن بقول خآحاز‪ :‬أبن ال خياف؛ ألهنما ال بستطيعان أن بفعما به ما‬
‫أرادا وأن ملكهما سيزول أبضا‪ ،‬وبني له إشعياء آبة َخراب ملكهما وزواله‪ ،‬أن امرأ شابة حتبل وتلد‬
‫ابنا بسمى (عما نو يل)‪ ،‬لتصبح أرض هذبن امللكني ررااب قبل أن مييز ذلك االبن بني اَخَر والشر‪،‬‬
‫ونص كمامه‪( :‬ها العذراء حتبل وتلد ابنا وتدعو امسه (عمانو يل) زبدا وعسما أيكل‪ ،‬مىت عرف أن‬
‫برلض الشر وخيتار اَخَر؛ ألنه قبل أن بعرف الصَب أن برلض الشر وخيتار اَخَر ختلى األرض اليت‬
‫أنت راش من ملكيها) سفر إشعياء (‪ .)14 /7‬وقد وقع ذلك لقد استوىل (تغلث لماسر) الثاين‬
‫ملك آشور على بماد سوراي‪ ،‬وقتل (رصني) ملكها‪ ،‬أما (لقح) لقتله يف نفس السنة أحد أقراب ه‪،‬‬
‫وتوىل امللك مكانه‪ ،‬كل ذلك حدث بعد هذه املقولة مبا بقارب إحدى وعشربن سنة‪ ،‬أي‪ :‬قبل ميماد‬‫َّ‬
‫املسيح مبا بقارب سبعة قرون‪.‬‬
‫‪ - 2‬قال مىت يف إجنيله (‪ )51 /27‬بعد الصلب املزعو للمسيح وإسمامه الروح‪( :‬وإذا حجاب‬
‫اهليكل قد انشق إىل اثنني من لوق إىل أسفل‪ ،‬واألرض تزلزلت‪ ،‬والصخور تفتقت‪ ،‬والقبور تفتحت‪،‬‬
‫وقا كثَر من أجساد القدبسني الراقدبن‪ ،‬وررجوا من القبور بعد قيامته‪ ،‬ودرلوا املدبنة املقدسة‬
‫مىت مل بذكرها يَره من كتَّاب األانجيل ِما ُّ‬
‫بدل على أن‬ ‫وظهروا لكثَربن)‪ .‬لهذه احلكابة اليت ذكرها َّ‬
‫كمامه ال حقيقة له؛ ألهنا آبة عظيمة تتوالر اهلمم على نقلها‪.‬‬
‫مىت (‪ )40 /12‬وكذلك يف (‪ )4 /16‬أن املسيح قال‪( :‬إنه لن بعطي لليهود‬
‫‪ - 3‬أنه ورد يف إجنيل َّ‬
‫آبة إال آبة بوانن (بونس عليه السما )‪ .‬ونصه‪( :‬ألنه كما كان بوانن يف بطن احلوت ثماثة أاي وثماث‬
‫ليال‪ ،‬هكذا بكون ابن اإلنسان يف قلب األرض ثماثة أاي وثماث ليال)‪ .‬وهذا يلط؛ ألن املسيح‬
‫عليه السما يف زعمهم صلب ضحى بو اجلمعة‪ ،‬ومات بعد ست ساعات‪ ،‬أي‪ :‬وقت العصر‪ ،‬ودلن‬
‫قبيل يروب الشمس‪ ،‬وبقى يف قربه تلك الليلة‪ ،‬وهنار السبت من الغد‪ ،‬وليلة األحد‪ ،‬ويف صباح‬
‫األحد جاؤوا ومل جيدوه يف قربه‪ِ ،‬ما بدل على أنه مكث يف زعمهم ليلتني وبوما واحدا لقط‪ ،‬ليكون‬
‫مىت السابق يلط واضح‪.‬‬
‫كما َّ‬
‫مىت ذكر يف مواضع من كتابه أن القيامة ستقو على ذلك اجليل‪ ،‬ومن ذلك قوله يف (‪/16‬‬
‫‪ - 4‬أن َّ‬
‫‪ )27‬على لسان املسيح‪( :‬لإن ابن اإلنسان سوف أيِت يف جمد أبيه مع مما كته‪ ،‬وحينئذ جيازي كل‬
‫واحد حسب عمله‪ ،‬احلق أقول لكم‪ :‬إن من القيا ههنا قوما ال بذوقون املوت حىت بروا ابن‬
‫اإلنسان آتيا يف ملكوته)‪ .‬كما ورد يف اإلجنيل نفسه (‪ )23 /3‬قوهلم على لسان املسيح‪( :‬لإن احلق‬
‫أقول لكم‪ :‬ال تكملون مدن إسرا يل حىت أيِت ابن اإلنسان)‪ .‬لهذه النصوص تمكد القيامة قبل موت‬
‫الكثَربن من ذلك اجليل‪ ،‬وقبل أن بكمل احلواربون الدعو يف مجيع مدن بين إسرا يل‪ ،‬وهذا أمر مل‬
‫بتحقق‪......... ،‬‬

‫(‪)272/1‬‬

‫‪ - 5‬جاء يف إجنيل لوقا (‪ )30 /1‬يف البشار ابملسيح قوله‪( :‬وبعطيه الرب اإلله كرسي داود أبيه‪،‬‬
‫وميلك على بيت بعقوب إىل األبد‪ ،‬وال بكون مللكه هنابة)‪ .‬وهذا رطأ غبني؛ ألن املسيح عليه السما‬
‫مل بكن ملكا لليهود‪ ،‬وال ملكا على آل بعقوب‪ ،‬بل كان أكثرهم معادبن له إىل أن رلع إىل السماء‬
‫بسبب حماولتهم قتله‪.‬‬
‫‪ - 6‬ورد يف إجنيل مرقس (‪( :)23 /11‬لأجاب بسوع وقال هلم‪ :‬ليكن لكم إميان ابهلل؛ ألن احلق‬
‫أقول لكم‪ :‬إن من قال هلذا اجلبل‪ :‬انتقل وانطرح يف البحر‪ .‬وال بشك يف قلبه‪ ،‬بل بممن أن ما بقوله‬
‫بكون‪ ،‬لمهما قال بكون له‪ ،‬لذلك أقول لكم‪ :‬كل ما تطلبونه حينما تصلون‪ ،‬لآمنوا أن تنالوه ليكون‬
‫لكم)‪ .‬وورد أبضا يف إجنيل مرقس (‪( :)17 /16‬وهذه اخآايت تتبع املممنني‪ ،‬خيرجون الشياطني‬
‫ابمسي‪ ،‬وبتكلمون أبلسنة جدبد ‪ ،‬حيملون حيات‪ ،‬وإن شربوا شيئا ِميتا ال بضرهم وبضعون أبدبهم‬
‫على املرضى ليربؤون)‪ .‬ويف إجنيل بوحنا (‪( :)12 /14‬احلق احلق أقول لكم‪ :‬من بممن يب لاألعمال‬
‫اليت أان أعملها بعملها هو أبضا‪ ،‬وبعمل أعظم منها؛ ألين ماض إىل أيب‪ ،‬ومهما سألتم ابمسي لذلك‬
‫ألعله)‪ .‬لهذه النصوص الثماثة الشك يف أهنا رطأ‪ ،‬لما بستطيع النصارى أن بدعو ذلك ألنفسهم‪.‬‬
‫كما أن عبار إجنيل بوحنا ليها مغاالت شدبد ‪ ،‬حيث زعم أن من آمن ابملسيح بعمل أعظم من‬
‫أعمال املسيح نفسه‪ ،‬وهذا من الرتهات الفارية‪ .‬ومبجموع ما ذكر عن األانجيل من انحية اترخيها‪،‬‬
‫وجل على عبده‬
‫عز َّ‬
‫ومتنها بتبني لنا أن هذه الكتب ال ميكن أن تكون هي الكتاب الذي أنزل هللا َّ‬
‫وجل على‬
‫عز َّ‬
‫ورسوله املسيح عليه السما ‪ ،‬وأحسن أحواهلا أن تكون متضمنة لبعض ما أنزل هللا َّ‬
‫عيسى عليه السما ‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – بتصرف ‪ -‬ص ‪237‬‬

‫(‪)273/1‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬إجنيل براناب‪:‬‬


‫إجنيل براناب ال بعترب من األانجيل القانونية لدى النصارى‪ ،‬وال بعرتلون به‪ ،‬وألمهية ما حيتوبه من‬
‫معلومات‪ ،‬وملا بينه وبني األانجيل األربعة من تشابه يف التعربف ابملسيح عليه السما ودعوته نْ غ‬
‫عرف‬
‫به هنا يف نقاط َمتصر ‪.‬‬
‫أ‪ -‬التعربف بـ (براناب)‪:‬‬
‫براناب‪ :‬امسه (بوسف) وبلقب ابن الوعظ‪ ،‬وهو الوي قربصي اجلنسية‪ ،‬وهو رال (مرقس) صاحب‬
‫اإلجنيل ليما بقال‪ ،‬وكان من دعا النصرانية األوا ل‪ ،‬وبظهر من إجنيله أن له مكانة لدى املسيح عليه‬
‫السما ‪ ،‬والنصارى برون أنه من الدعا الذبن هلم أثر ونشاط ظاهر‪ ،‬وكان من أعماله البارزه أنه ابع‬
‫حقله وأتى بقيمته من النقود ووضعها حتت تصرف الدعا ‪ ،‬وحني ادَّعى بولس (شاؤول اليهودي)‬
‫الدرول يف دبن املسيح عليه السما راف منه احلواربون ملا بعلمون من سابق عداوته‪ ،‬لشفع له‬
‫براناب عندهم لقبلوه ضمن مجاعتهم‪ ،‬مث ارتلف معه بعد لرت من العمل يف الدعو سواي وانفصما‪.‬‬
‫ب‪ -‬التعربف إبجنيله‪:‬‬
‫أقد ررب عن إجنيل براناب كان قرببا من عا (‪ ، )492‬وذلك حني أصدر البااب (جماسيوس) األول‬
‫بسمى (إجنيل براناب) وهذا كان قبل مبعث‬
‫أمرا حير ليه مطالعة عدد من الكتب‪ ،‬كان منها كتاب َّ‬
‫النَب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬مث مل بظهر له ررب بعد ذلك إال يف أوارر القرن السادس عشر امليمادي‬
‫حيث عثر أحد الرهبان الماتينيني وهو (لرامربنو) على رسا ل (إلراينوس) بندد ليها ببولس‪ ،‬وأسند‬
‫(إراينوس) تندبده هذا إىل إجنيل براناب‪ .‬لحرص هذا الراهب على غ‬
‫االطماع على هذا اإلجنيل‪ .‬واتفق‬
‫أنه أصبح مقراب للبااب (سكتس) اَخامس‪ ،‬ودرل معه بوما إىل مكتبته لأرذت البااب يفو ان ليها‪،‬‬
‫لأرذ (لرامربنو) بطالع يف مكتبته ريبة يف قطع الوقت‪ ،‬لوقعت بده على هذا الكتاب لوضعه يف ثوبه‬
‫وأرفاه‪ ،‬مث استأذن بعد أن ألاق البااب‪ ،‬وررج لطالع الكتاب بشغف شدبد‪ ،‬مث أسلم على إثر ذلك‬
‫‪َّ -‬بني هذه املعلومات املستشرق سابل يف مقدمة ترمجته للقرآن الكرمي‪ -‬مث يف أوا ل القرن الثامن‬
‫عشر عا (‪ , )1709‬عثر (كرمير) أحد مستشاري ملك بروسيا على نسخة إلجنيل براناب ابللغة‬
‫االبطالية‪ ،‬عند أحد وجهاء مدبنة أمسرتدا ‪ -‬حيث كان بقيم وقتئذ ‪ -‬وأهداها (كرمير) إىل األمَر‬
‫(إبوجني سالوي) لولعه ابلعلو واخآاثر التارخيية‪ ،‬مث انتقلت تلك النسخة ليما بعد‪ -‬وذلك عا‬
‫(‪ - )1738‬مع مجيع مكتبة ذلك األمَر إىل مكتبة البماط امللكي يف لينا‪ ،‬حيث هي موجود اخآن‪،‬‬
‫مث ترمجت إىل اإلجنليزبة‪ ،‬وعنها إىل العربية من قبل الدكتور رليل سعاد ‪ ،‬وهو لبناين نصراين‪ .‬وكان‬
‫بوجد هلذا الكتاب نسخة أررى ابإلسبانية‪ ،‬بظن أهنا منقولة عن اإلبطالية ْعثغ َر عليها يف أوا ل القرن‬
‫الثامن عشر أبضا‪ ،‬وكانت عند رجل بدعى الدكتور (هلم) أهداها إىل املستشرق (سابل)‪ ،‬مث دلعها‬
‫هذا بدوره إىل الدكتور (منكهوس) الذي ترمجها إىل اإلجنليزبة‪ ،‬ودلعها مع ترمجتها عا (‪, )1784‬‬
‫إىل الدكتور (هوبت) أحد مشاهَر األساتذ يف إكسفورد برببطانيا‪ ،‬وعنده ارتفت تلك النسخة مع‬
‫ترمجتها‪ .‬وقد أورد الدكتور (هوبت) مقتطفات عدبد منها يف دروسه‪ ،‬وقد اطَّلع على تلك‬
‫املقتطفات رليل سعاد ‪ ،‬مرتجم كتاب إجنيل براناب إىل العربية‪.‬‬
‫دواي يف األوساط النصرانية ملا ليه من املعلومات املضاد لعقا دهم‪،‬‬
‫وحني ظهر هذا اإلجنيل أحدث ًّ‬
‫لحاولوا دلعه بوسا ل كثَر ‪ ،‬وِما زعموه‪:‬‬
‫أنه َتليف عريب مسلم‪ ،‬أو بهودي أندلسي تنصر مث أسلم‪ -‬وهذا يف الواقع من التخرصات‪ُّ ،‬‬
‫وبدل‬
‫على بطمان تلك الدعاوى أمور منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬ملاذا بملف رجل أسلم كتااب للنصارى‪ ،‬وبفرتي الكذب وهو قد درل يف اإلسما ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يف الكتاب معلومات يَر موجود يف كتب اليهود والنصارى اخآن‪.‬‬

‫(‪)274/1‬‬

‫‪ - 3‬أن مرتجم الكتاب إىل العربية‪ -‬وهو رليل سعاد النصراين‪ -‬قد وصف صاحب اإلجنيل أبنه‬
‫على إملا واسع جدًّا ابلعهد القدمي والنصرانية أكثر ِمن نذروا أنفسهم للدبن النصراين وتفسَره‬
‫وتعليمه‪ ،‬حىت إنه ليندر أن بكون ليهم من بقرب من إملا صاحب هذا اإلجنيل‪ ،‬لكيف بكون مسلما‬
‫وله هذا اإلملا الواسع؟!‬
‫‪ - 4‬إن ِما بدلع أن بكون صاحبه مسلم أن ليه أرطاء ال ميكن أن تقع من املسلم لبداهتها‪ ،‬ومنها‬
‫قوله‪ :‬إن السموات عشر ‪ .‬ورلطه بني اسم ميخا يل وميكا يل‪ ،‬وبقول‪ :‬أدربل بدل إسراليل‪.‬‬
‫وعلى كل حال لهذا كتاب ظهر يف بماد نصرانية‪ ،‬وخبط ولغة نصرانية‪ ،‬ومل برد عن أحد املسلمني أنه‬
‫اطَّلع على الكتاب مع سعة اطماع علماء املسلمني‪ ،‬وحرصهم على الرد على النصارى‪ ،‬وهو الشك‬
‫وجل دليما للحق ودحرا للباطل وردًّا له‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫ِما بظهره هللا َّ‬
‫ج‪ -‬أهم مبادئ إجنيل براناب اليت خيتلف هبا عن األانجيل األربعة‪:‬‬
‫إن الذي جعل النصارى حيملون على هذا اإلجنيل محلتهم‪ ،‬وبتنصلون منه‪ ،‬هو َمالفته ألانجيلهم‬
‫املعتمد وعقيدهتم يف أرطر وأهم نقاطها‪ ،‬وهي‪-:‬‬
‫وبني أن سبب َتليف إجنيله هو‬
‫أوال‪ :‬أنه صرح أن املسيح عليه السما إنسان‪ ،‬وليس إله وال ابن إله‪َّ ،‬‬
‫رد هذه الفربة اليت أطلقها بولس مع يَرها من االلرتاءات‪ ،‬كرتك اَختان وإابحة أكل اللحو النجسة‪،‬‬
‫ويف هذا بقول يف أول إجنيله‪( :‬أبها األعزاء‪ ،‬إن هللا العظيم العجيب قد التقدان يف هذه األاي األرَر‬
‫بنبيه بسوع املسيح برمحة عظيمة‪ ،‬للتعليم واخآايت اليت اختذها الشيطان ذربعة لتضليل كثَربن بدعوى‬
‫التقوى‪ ،‬مبشربن بتعليم شدبد الكفر‪ ،‬داعني املسيح ابن هللا‪ ،‬ورالضني اَختان الذي أمر هللا به دا ما‬
‫ضل يف عدادهم أبضا بولس‪ ،‬الذي ال أتكلم عنه إال مع األسى‪ ،‬وهو‬
‫جموزبن كل حلم جنس‪ ،‬الذبن َّ‬
‫السبب الذي ألجله أسطر ذلك احلق الذي رأبته ومسعته أثناء معاشرِت ليسوع لكي ختلصوا‪ ،‬وال‬
‫بضلكم الشيطان لتهلكوا يف دبنونة هللا‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أنه نقل عن املسيح التصربح أبن الذبيح هو إمساعيل عليه السما ‪ ،‬وليس إسحاق كما بزعم‬
‫اليهود‪ ،‬ويف هذا بقول‪-:‬‬
‫(أجاب بعقوب‪ :‬اي معلم قل لنا من صنع هذا العهد‪ ،‬لإن اليهود بقولون إبسحاق‪ ،‬واإلمساعيليون‬
‫بقولون إبمساعيل؟ أجاب بسوع‪ :‬صدقوين؛ ألين أقول لكم احلق‪ ،‬إن العهد صنع إبمساعيل ال‬
‫إبسحاق‪.‬‬
‫حينئذ قال التماميذ‪ :‬اي معلم‪ ،‬هكذا كتب يف كتاب موسى أن العهد صنع إبسحاق؟‪.‬‬
‫أجاب بسوع متأوها‪ :‬هذا هو املكتوب‪ ،‬ولكن موسى مل بكتبه وال بشوع‪ ،‬بل أحباران الذبن ال خيالون‬
‫هللا‪.‬‬
‫احلق أقول لكم‪ :‬إنكم إذا أعملتم النظر يف كما املماك جرببل تعلمون حدبث كتبتنا ولقها نا؛ ألن‬
‫املماك قال‪ :‬اي إبراهيم‪ ،‬سيعلم العامل كله كيف حيبك هللا‪ ،‬ولكن كيف بعلم العامل حمبتك هلل ًّ‬
‫حقا‪ ،‬جيب‬
‫عليك أن تفعل شيئا ألجل حمبة هللا‪ ،‬أجاب إبراهيم‪ :‬هاهو ذا عبد هللا مستعد أن بفعل كل ما بربد‬
‫هللا‪ ،‬لكلَّم هللا حينئذ إبراهيم قا ما‪ :‬رذ ابنك بكرك إمساعيل‪ ،‬واصعد اجلبل لتقدمه ذبيحة‪.‬‬
‫لكيف بكون إسحاق البكر وهو ملا ولد كان إمساعيل ابن سبع سنني؟‬
‫لقال حينئذ التماميذ‪ :‬إن رداع الفقهاء جللي‪ ،‬لذلك قل لنا أنت احلق؛ ألننا نعلم أنك مرسل من‬
‫هللا)‪.‬‬
‫وذكر براناب أبضا أن املسيح راطب ر يس كهنة اليهود قا ما له‪( :‬إن إبراهيم أحب هللا حيث إنه مل‬
‫بكتف بتحطيم األصنا الباطلة حتطيما وال هبجر أبيه وأمه‪ ،‬ولكنه كان بربد أن بذبح ابنه طاعة هلل‪.‬‬
‫أجاب ر يس الكهنة‪ :‬إَنا أسألك هذا وال أطلب قتلك‪ ،‬لقل لنا‪ :‬من كان ابن إبراهيم هذا؟‬
‫أجاب بسوع‪ :‬إن يَر شرلك اي هللا تمججين وال أقدر أن أسكت‪ .‬احلق أقول‪ :‬إن ابن إبراهيم هو‬
‫إمساعيل الذي جيب أن أيِت من سمالته مسيا املوعود به إبراهيم أن به تتبارك كل قبا ل األرض‪.‬‬

‫(‪)275/1‬‬

‫للما مسع هذا ر يس الكهنة حنق وصرخ‪ :‬لنرجم هذا الفاجر؛ ألنه إمساعيلي‪ ،‬وقد جدف على موسى‬
‫وعلى شربعة هللا)‪.‬‬
‫اثلثا‪ -:‬أنه نقل عن املسيح التصربح ابلبشار ابلنَب حممد صلى هللا عليه وسلم ابمسه وذلك يف مواطن‬
‫عد من كتابه منها‪ :‬أن اليهود سألوا املسيح عليه السما عن اسم النَب املنتظر لقال‪( :‬لقال الكاهن‬
‫حينئذ‪ :‬ماذا بسمى مسيا‪ ،‬وما هي العمامة اليت تعلن جميئه؟ لأجاب بسوع‪ :‬إن امسه املبارك (حممد)‪.‬‬
‫حينئذ رلع اجلمهور أصواهتم قا لني‪ :‬اي هللا‪ ،‬أرسل لنا رسولك‪ ،‬اي حممد‪ ،‬تعال سربعا َخماص العامل‪.‬‬
‫وأورد أبضا براناب حوارا متَّ بينه وبني املسيح عليه السما بعد أن رلع إىل السماء‪ ،‬مث عاد مر أررى‬
‫ليطمئن أمه وحواربيه أبنه مل ميت‪ ،‬مث ارتفع مر أررى إىل السماء‪ ،‬وهذا نصه‪( :‬لقال حينئذ الذي‬
‫بكتب‪ :‬اي معلم إذا كان هللا رحيما للماذا عذبنا هبذا املقدار مبا جعلنا نعتقد أنك كنت ميتا‪ ،‬ولقد‬
‫بكتك أمك حىت أشرلت على املوت‪ ،‬ومسح هللا أن بقع عليك عار القتل بني اللصوص على جبل‬
‫اجلمجمة وأنت قدوس هللا؟‬
‫أجاب بسوع‪ :‬صدقين اي براناب إن هللا بعاقب على كل رطيئة‪ -‬مهما كانت طفيفة‪ -‬عقااب عظيما؛‬
‫ألن هللا بغضب من اَخطيئة‪ ،‬للذلك ملا كانت أمي وتماميذي األمناء الذبن كانوا معي أحبوين قليما‬
‫حبًّا عامليًّا‪ ،‬أراد هللا الرب أن بعاقب على هذا احلب ابحلزن احلاضر حىت ال بعاقب عليه بلهب اجلحيم‪،‬‬
‫للماذا كان الناس قد دعوين هللا وابن هللا على أين كنت بربئا يف العامل‪ ،‬أراد هللا أن بهزأ الناس يب يف‬
‫هذا العامل مبوت بهوذا‪ ،‬معتقدبن أنين أان الذي مت على الصليب؛ لكيما هتزأ الشياطني يب يف بو‬
‫الدبنونة‪ ،‬وسيبقى هذا إىل أن أيِت حممد رسول هللا‪ ،‬الذي مىت جاء كشف هذا اَخداع للذبن بممنون‬
‫بشربعة هللا)‪.‬‬
‫صرح أن املسيح مل بْصلب‪ ،‬وإَنا ْرلع إىل السماء‪ ،‬وأن الذي صلب هو بهوذا‬
‫رابعا‪ :‬أن براناب َّ‬
‫اإلسخربوطي‪ ،‬وهو الذي وشى ابملسيح لدى اليهود‪ ،‬حيث أْل غيقي عليه شبه املسيح‪ ،‬لقبض عليه‬
‫وصلب بدال عن املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫وهذا نص كمامه‪-:‬‬
‫(وملا دنت اجلنود مع بهوذا من احملل الذي كان ليه بسوع‪ ،‬مسع بسوع دنو جم يفَر‪ ،‬للذلك‬
‫انسحب إىل البيت را فا‪ ،‬وكان األحد عشر نياما‪ ،‬للما رأى هللا اَخطر على عبده أمر جرببل‬
‫وميخا يل ورلا يل وأوربل سفراءه أن أيرذوا بسوع من العامل‪ ،‬لجاء املما كة األطهار‪ ،‬وأرذوا بسوع‬
‫من النالذ املشرلة على اجلنوب‪ ،‬لحملوه ووضعوه يف السماء الثالثة يف صحبة املما كة اليت تسبغح‬
‫هللا إىل األبد‪.‬‬
‫ودرل بهوذا بعنف إىل الغرلة اليت أصعد منها بسوع‪ ،‬وكان التماميذ كلهم نياما‪.‬‬
‫لتغَر بهوذا يف النطق ويف الوجه‪ ،‬لصار شبيها بيسوع حىت إننا‬
‫لأتى هللا العجيب أبمر عجيب‪َّ ،‬‬
‫اعتقدان أنه بسوع‪ ،‬أما هو لبعد أن أبقظنا أرذ بفتش لينظر أبن كان املعلم‪ ،‬لذلك تعجبنا وأجبنا‪:‬‬
‫أنت اي سيد هو معلمنا أنسيتنا اخآن؟‬
‫أما هو لقال متبسما‪ :‬هل أنتم أيبياء حىت ال تعرلون بهوذا اإلسخربوطي‪.‬‬
‫وبينما كان بقول هذا درلت اجلنود وألقوا أبدبهم على بهوذا؛ ألنه كان شبيها بيسوع من كل وجه)‪.‬‬
‫وبعد أن ذكر حماكمة بهوذا وجلده من قبل اليهود والواِل الروماين وهم بظنون أنه بسوع قال‪:‬‬
‫ْسلغ َم بهوذا للكتبة والفربسيني كأنه جمر بستحق املوت‪ ،‬وحكموا عليه ابلصلب وعلى لصني معه‪.‬‬ ‫(وأ ي‬
‫لقادوه إىل جبل اجلمجمة حيث اعتادوا شنق اجملرمني‪ ،‬وهناك صلبوه عرايان مبالغة يف حتقَره)‪.‬‬
‫دواي لدى النصارى‪ ،‬أما حنن املسلمني‬
‫هذه أهم مبادئ هذا الكتاب الذي أحدث مبباد ه وقت ظهوره ًّ‬
‫لما بقد عندان هذا الكتاب وال بمرر‪ ،‬لنحن مطمئنون لكتاب ربنا الذي بني أبدبنا نعرف به احلق‪،‬‬
‫وعلى ضو ه نقيس احلق‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪241‬‬

‫(‪)276/1‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫اجملامع النصرانية بعرلها النصارى أبهنا‪ :‬هيئات شوربة يف الكنيسة تبحث يف األمور املتعلقة ابلداينة‬
‫النصرانية وأحوال الكنا س‪.‬‬
‫واجملامع النصرانية نوعان‪:‬‬
‫جمامع حملية‪ :‬وهي اليت تبحث يف الشمون احمللية للكنا س اليت تنعقد ليها‪.‬‬
‫وجمامع مسكونية (عاملية)‪ :‬تبحث يف العقيد النصرانية‪ ،‬ومواجهة بعض األقوال اليت برى يرابتها‬
‫وَمالفتها للداينة‪.‬‬
‫وأول اجملامع كما بذكر سفر أعمال الرسل‪ ،‬كان جممع أورشليم الذي عقد أاي احلواربني من أجل‬
‫لقرر اجملتمعون هناك أهنم ال بلزمون ابَختان وال‬
‫النظر يف حكم إلزا يَر اليهود ابلشربعة املوسوبة‪َّ ،‬‬
‫ابلشرا ع املوسوبة‪ ،‬وإَنا بلزمون لقط ابالمتناع عن الذبح لَلصنا والزىن وأكل املخنوق والد ‪.‬‬

‫(‪)277/1‬‬

‫‪ - 1‬جممع نيقية سنة (‪: )325‬‬


‫كان هذا اجملمع أول اجملامع املسكونية وأرطرها أبضا‪.‬‬
‫سبب انعقاده‪:‬‬
‫سبب انعقاد هذا اجملمع هو التعارض واالرتماف العقدي املوجود يف الكنسية يف تلك األزمان‪،‬‬
‫وذلك أنه ما أن توقف االضهاد الواقع على النصارى من قبل الرومان مبرسو ميمان‪ ،‬حىت ظهر على‬
‫السطح ذلك اَخماف العقا دي الكبَر بني طوا ف النصارى‪ ،‬والذي كان خيفيه من قبل احلالة‬
‫االضطهادبة الواقعة على مجيع أصناف النصارى‪ ،‬والذي كان من أسباب رسوخ هذه االحنرالات‬
‫العقدبة كما سيتبني‪.‬‬
‫وكان أبرز وجوه االرتماف‪ :‬ذلك اَخماف والتعارض بني دعو كنيسة اإلسكندربة‪ -‬اليت كانت تنادي‬
‫أبلوهية املسيح على مذهب بولس‪ -‬وبني دعو األسقف الليَب (آربوس) يف اإلسكندربة أبضا‪ .‬الذي‬
‫ف أبنه عامل مثقف‪ ،‬وواعظ مفوه‪ ،‬وزاهد متقشف‪ ،‬وعامل ابلتفسَر‪ ،‬حيث أرذ بنادي أبن هللا إله‬ ‫وغ‬
‫ص َ‬ ‫ْ‬
‫واحد يَر مولود أزِل‪ ،‬أما االبن لهو ليس أزليًّا ويَر مولود من األب‪ ،‬وأن هذا االبن ررج من العد‬
‫مثل كل اَخما ق حسب مشيئة هللا وقصده‪.‬‬
‫وشابع آربوس يف دعوته العدبد من األساقفة‪ ،‬منهم أسقف نيقوميدبه املسمى أوسابيوس ويَره‪.‬‬
‫قواي ُتاه النصارى‪ ،‬ورلع عنهم‬
‫وكان اإلمرباطور (قسطنطني) يف ذلك الوقت قد أبدى تعاطفا ًّ‬
‫االضطهاد‪ ،‬واهتم بشموهنم‪ ،‬لهاله ما رأى من انقسا النصارى‪ ،‬وأدرك رطور تلك االنقسامات‬
‫على دولته‪ ،‬واليت كان أرطرها ما كان بني أسقف كنيسة اإلسكندربة الكسندروس وآربوس وأتباعه‪.‬‬
‫وكان اَخماف قد تطور بينهما‪ ،‬وذلك أبن طلب أسقف اإلسكندربة عقد جممع يف اإلسكندربة للنظر‬
‫لقرر ذلك اجملمع قطع آربوس من اَخدمة‪ ،‬وهذا جعل (آربوس) خيرج من‬
‫يف قضية آربوس ودعوته‪َّ ،‬‬
‫اإلسكندربة وبتوجه إىل آسيا‪ ،‬حيث عقد يف (بثينيه) ِبسيا الصغرى مشابعوه من األساقفة جممعا قْرر‬
‫ليه قبول آربوس وأتباعه وكتابة طلب إىل أسقف اإلسكندربة برلع احلرمان الذي قرروه على‬
‫(آربوس)‪ ،‬لهذا ما جعل اإلمرباطور (قسطنطني) بدعو إىل جممع عا يف نيقية سنة (‪ , )325‬لبحث‬
‫هذه القضية‪.‬‬
‫‪ -‬عدد احلاضربن ومذاهبهم‪:‬‬
‫ارتلف كما النصارى يف ذكر عدد اجملتمعني لالبعض برى أن عدد اجملتمعني كان (‪ًّ )318‬‬
‫أسقفا‬
‫لقط‪ ،‬وبعضهم برى أهنم ما بني (‪ ،)5201 - 300‬وبذكر مارى سليمان يف كتاب (اجملدل) وكذلك‬
‫ابن البطربق أن عددهم كان (‪ًّ )2048‬‬
‫أسقفا‪.‬‬
‫أما مذاهب احلاضربن لكانت متبابنة تبابنا شدبدا‪ .‬وكما بقول ابن البطربق أبهنم كانوا َمتلفني يف‬
‫اخآراء واألداين‪.‬‬
‫‪ -‬لمنهم من كان بقول‪ :‬إن املسيح وأمه إهلان من دون هللا‪ ،‬وهم الرببرانية‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم من كان بقول‪ :‬إن املسيح من األب مبنزلة شعلة انر انفصلت من شعلة انر‪ ،‬للم تنقص‬
‫األوىل ابنفصال الثانية منها‪ ،‬وهي مقالة سابليوس‪.‬‬
‫مر يف بطنها كما مير املاء يف امليزاب‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم من كان بقول‪ :‬مل حتبل به مرمي تسعة أشهر‪ ،‬وإَنا َّ‬
‫‪ -‬ومنهم من كان بقول‪ :‬إن املسيح إنسان َملوق من الماهوت كواحد منا يف جوهره‪ ،‬وأن االبن من‬
‫مرمي‪ ،‬وبرون أن هللا جوهر قدمي واحد وأقنو واحد‪ ،‬وال بممنون ابلكلمة وال ابلروح القدس‪ ،‬وهي‬
‫مقالة بولس الشمشاطي بطربرك أنطاكية‪ ،‬ومنهم من كان بقول‪ :‬إهنم ثماثة آهلة مل تزل‪ :‬صاحل‪ ،‬وطاحل‪،‬‬
‫وعدل بينهما‪ .‬وهي مقالة مرقيون وأصحابه‪.‬‬
‫‪ -‬ومنهم من كان بقول أبلوهية امليسح‪ ،‬وهي مقالة بولس ومقالة الثمااما ة وامانية عشر ًّ‬
‫أسقفا‪.‬‬
‫قرارات اجملمع ونتيجته‪:‬‬
‫بعد أن تداول اجملتمعون اخآراء يف ذلك اجملمع ررجوا بتقربر ألوهية املسيح عليه السما ‪ ،‬وأنه ابن هللا‬
‫‪ -‬يف زعمهم ‪ -‬أي‪ :‬من ذات هللا‪ ،‬وأنه مسا ٍو هلل َّ‬
‫جل وعما‪ ،‬وأنه مولود منه يَر َملوق‪ ،‬تعاىل هللا عن‬
‫قوهلم علوا كبَرا‪.‬‬

‫(‪)278/1‬‬

‫كما قرروا أن هذا اإلله ُتسد بصور البشر؛ َخماص الناس‪ ،‬مث ارتفع إىل السماء بعد قيامته من‬
‫املوت‪ ،‬كما مت لعن (آربوس) ومشابعيه وحرق كتبه‪.‬‬
‫وقد وقع كثَر من اجملتمعني على هذه القرارات ملناصر قسطنطني هلا‪ ،‬وبرى ابن البطربق أن (‪)318‬‬
‫ًّ‬
‫أسقفا لقط هم الذبن أظهروا هذا القول ووقعوا عليه‪ ،‬ورالفهم بقية األساقفة‪ ،‬والبعض اخآرر برى‬
‫أن اجلميع وقعوا عليها ما عدا بوسابيوس أسقف نيقوميدبه يف قول بعضهم‪ ،‬وشخص آرر لقد رلضا‬
‫التوقيع على ذلك النص‪.‬‬
‫وهكذا انتصر يف أول األمر القا لون أبلوهية املسيح مبساند وَتبيد اإلمرباطور‪ ،‬حيث بنص بعض‬
‫املمررني على ترأسه لذلك اجملمع‬
‫وِما ُّ‬
‫بدل على أن اجملتمعني يف نيقية مل بقبلوا ذلك القول أبلوهية املسيح‪ ،‬ومل بكن عند القا لني به‬
‫حجة مقنعة أهنم كما بذكر القس (حنا اَخضري) بعد ذكر االنتصار الذي َّ‬
‫حققه مشابعو مقولة بولس‬
‫قال‪( :‬ولكن لَلسف الشدبد كانت احلقيقة الواقعة ختتلف االرتماف كله عن القرارات السنودسية‬
‫واجملمعية‪ ،‬لقد رجع األساقفة بعد جممع نيقية إىل أبرشياهتم والقسوس إىل كنا سهم‪ ،‬وبدأ كل منهم‬
‫بعلم ما كان بعلم به قبما‪ ،‬بل إن البعض تطرف يف اهلرطقة اليت لاقت هرطقة (آربوس) نفسه‪ .‬لمع‬
‫أن (آربوس) وبعض أتباعه نْـ ْفوا إال أن اخآربوسية بنت عشها يف حدا ق كثَربن من األساقفة والرعا )‪.‬‬
‫وملا كان قرار نيقية أبلوهية املسيح لرض بقو السلطان‪ ،‬لإن السلطان‪ -‬وهو اإلمرباطور‪ -‬رجع ليما‬
‫بعد عنه‪ ،‬وأمر بعقد جممع صور سنة (‪ ، )334‬وقرر ليه إعاد (آربوس) إىل الكنيسة‪ ،‬ورلع (أثنا‬
‫سيوس) أسقف اإلسكندربة‪ ،‬أحد أكرب املدالعني عن عقيد ألوهية املسيح‪ ،‬كما أن اإلمرباطور نفسه‬
‫قد ْع غمد‪ ،‬وهو على لراش املوت على مذهب (آربوس) حيث عمده األسقف (أوسابيوس‬
‫النيقوميدي) أكرب أنصار آربوس‪.‬‬
‫وهكذا بتبني أن هذا اجملمع الذي بعد من أرطر اجملامع كان ألعوبة بيد اإلمرباطور الذي كان وثنيًّا‪ ،‬ومل‬
‫بكن من أهل تلك امللة وقت ترأسه ذلك اجملمع‪ ،‬كما أن اجملتمعني مل بكونوا بعتمدون على نصوص‬
‫لتم اإلذعان ملدلوهلا‪ ،‬وإَنا كانوا بعتمدون على تصوراهتم أو‬
‫متفق عليها مقبولة لدى اجلميع‪ ،‬وإال َّ‬
‫تصورات أمثاهلم من الناس‪ ،‬للهذا وقع اإلعراض عنها بعد عودهتم إىل كنا سهم‪.‬‬

‫(‪)279/1‬‬

‫‪ - 2‬جممع القسطنطينية‪:‬‬
‫دعا اإلمرباطور (ثيودسيوس) سنة (‪ , )381‬إىل عقد جممع القسطنطينية ملواجهة دعوات كانت‬
‫منتشر بني الكنا س‪.‬‬
‫‪ -‬منها دعو (مقدونيوس) الذي كان ًّ‬
‫أسقفا للقسطنطينية‪ ،‬الذي اندى أبن الروح القدس َملوق‬
‫وليس إهلا‪.‬‬
‫‪ -‬ودعو (صابيليوس) الذي كان بنكر وجود ثماثة أقانيم‪.‬‬
‫‪ -‬ودعو (أبوليناربوس) الذي كان ًّ‬
‫أسقفا على الماذقية والشا ‪ ،‬والذي أنكر وجود نفس بشربة يف‬
‫املسيح‪.‬‬
‫لحضر ذلك اجملمع ما ة ومخسون ًّ‬
‫أسقفا‪ ،‬قرروا ليه ألوهية الروح القدس‪ ،‬ولعن وطرد من رالف‬
‫ذلك‪ ،‬لاكتمل بذلك اثلوث النصارى‪.‬‬
‫وكما هو ظاهر لإن هذا اجملمع عقد بدعو من اإلمرباطور (ثيودسيوس) الذي كان قد سن القوانني‬
‫والتشربعات ملصلحة القا لني أبلوهية املسيح واملثلثني من النصارى‪.‬‬

‫(‪)280/1‬‬

‫‪ - 3‬جممع ألسس سنة (‪: )431‬‬


‫انعقد هذا اجملمع ملواجهة قول (نسطور) أسقف القسطنطينية‪ ،‬الذي قيل عنه‪ :‬إنه كان بقول أبن‬
‫املسيح له طبيعتان‪ :‬إهلية وإنسانية بشربة‪ ،‬وأن مرمي والد اإلنسان وليست والد اإلله‪.‬‬
‫لعقد اجملمع يف ألسس سنة (‪ , )431‬حبضور ما ة وستني ًّ‬
‫أسقفا‪ ،‬وقْـ غرر ليه أن املسيح إله وإنسان‬
‫ذو طبيعة واحد وأقنو واحد‪ ،‬وأن مرمي أ إهلهم‪ ،‬وحكم على (نسطور) ابلطرد من الكنيسة‪.‬‬
‫وبعد جممع ألسس ْعقدت جمامع عدبد كلها تبحث يف طبيعة املسيح عليه السما ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫(‪)281/1‬‬

‫‪ - 4‬جممع رلقيدونيه سنة (‪: )451‬‬


‫وقرر اجملتمعون‪ :‬أن املسيح له طبيعتان‪ :‬إهلية وبشربة‬
‫يف هذا اجملمع عادوا للبحث يف طبيعة املسيح‪َّ ،‬‬
‫بما ارتماط وال حتول وال انقسا وال انفصال! وكان املناصرون هلذا القول هم األساقفة الغربيني الذبن‬
‫لعنوا وطردوا من ال بقول هبذا القول‪ .‬ومل توالقهم الكنا س الشرقية على هذا‪ ،‬وقد أصروا على‬
‫قرارهم السابق يف جممع (ألسس) أبن املسيح له طبيعة واحد إهلية وبشربة‪ ،‬وهذا من أهم الفوارق‬
‫بني الكاثوليك القا لني ابلطبيعتني‪ ،‬واألقباط واألرمن والسراين القا لني ابلطبيعة الواحد ‪.‬‬
‫بعد هذا عقدت جمامع عدبد من أمهها‪:‬‬

‫(‪)282/1‬‬

‫‪ - 5‬اجملمع السابع سنة (‪: )787 ،754‬‬


‫املراد ابجملمع السابع جممعان‪ :‬اجملمع األول انعقد سنة (‪ , )754‬بدعو من اإلمرباطور قسطنطني‬
‫اَخامس وذلك للنظر يف موضوع الصور والتماثيل‪ ،‬وما بقد هلا من التقدبس والعباد ‪ .‬وررج بقرار‬
‫بلعن به كل من بصور املسيح أو أمه أو آابء الكنيسة ابعتبار أهنا وثنية‪.‬‬
‫مث أمر اإلمرباطور أن ْميحى وبْدمر كل ما يف الكنا س من صور ومتاثيل‪ ،‬كما محل على الرهبان لأيلق‬
‫األدبر وصادر أمواهلا‪ ،‬كما أريم الرهبان على أن بتزوجوا الراهبات‪ ،‬وبعد ولا اإلمرباطور قسطنطني‬
‫اَخامس سنة (‪ , )775‬توىل على اإلمرباطوربة زوجته إبربين اليت كانت تمبد الصور والتماثيل‪،‬‬
‫لدعت إىل جممع عا سنة (‪ )787‬يف نيقية حضره (‪ًّ )350‬‬
‫أسقفا ررجوا بقرار وجوب تعليق‬
‫الصور والتماثيل للمسيح وأمه وقدبسيهم وكذلك املما كة‪ ،‬وبقد هلم صنوف التكرمي من التقدبس‬
‫والسجود‪ ،‬وبستشفع هبم إىل هللا يف احلاجات ملا هلم من املكانة‪ ،‬والدالة على هللا ‪ -‬تعاىل هللا عن‬
‫قوهلم ‪ -‬كما لعن اجملمع كل من ال بكر تلك الصور والتماثيل‪ ،‬واستمر النصارى على هذا إىل أن‬
‫وحرموها وانشقوا بذلك عن بقية النصارى من‬
‫جاء الربوتستانت لحملوا على الصور والتماثيل‪َّ ،‬‬
‫الكاثوليك واألرثوذكس‪.‬‬

‫(‪)283/1‬‬
‫‪ - 6‬اجملمع الثامن سنة (‪: )869‬‬
‫وكان سبب انعقاده‪ :‬اَخماف بني كنيسة القسطنطينية‪ ،‬وكنيسة روما يف الروح القدس‪ :‬هل انبثق من‬
‫األب لقط ‪-‬وهو زعم كنيسة القسطنطينية‪ -‬أ من األب واالبن معا‪ ،‬كما هو زعم كنيسة روما؟‬
‫وقد قرر يف هذا اجملمع قول كنيسة روما أبن الروح القدس انبثق من األب واالبن معا‪.‬‬
‫ومل بوالق على ذلك بطربرك القسطنطينية ومن كان معه وأصروا على قوهلم‪ ،‬وعقدوا لذلك جممعا سنة‬
‫(‪ , )879‬قرروا ليه أن الروح القدس انبثق من األب وحده‪ ،‬لانقسمت بسببه الكنيسة إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ )1‬الكنيسة الغرببة وبتزعمها البااب يف روما وهم الكاثوليك‪.‬‬
‫‪ )2‬الكنيسة الشرقية وبتزعمها بطربرك القسطنطينية وهم األرثوذكس‪.‬‬

‫(‪)284/1‬‬

‫‪ - 7‬اجملمع الثاين عشر الذي عقد سنة (‪: )1215‬‬


‫وقد تقرر ليه أن العشاء الرابين بتحول إىل جسد ود املسيح‪ ،‬وأن الكنيسة البابوبة الكاثوليكية متلك‬
‫حق الغفران‪ ،‬ومتنحه ملن تشاء‪.‬‬

‫(‪)285/1‬‬

‫‪ - 8‬جممع روما عا (‪: )1769‬‬


‫والذي تقرر ليه عصمة البااب يف روما‪.‬‬
‫من رمال هذا االستعراض السربع لبعض اجملامع النصرانية وقراراهتا بتبني لنا ما بلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬أن النصارى ال ميلكون أدلة صحيحة صرحية يف أكثر دعاوبهم؛ هلذا ارتلفوا تلك االرتمالات‬
‫اَخطَر اليت متس مجيع نواحي العقيد لدبهم‪.‬‬
‫اثنيا ‪ -‬أن ما بستند إليه النصارى وبتحمسون له ال بعدو أن بكون لهما راصا بسعى أصحابه‬
‫لتثبيته عن طربق تلك اجملامع‪ ،‬وال خيلو األمر من األهواء واأليراض اَخاصة من حب الرائسة ولرض‬
‫السيطر ‪.‬‬
‫اثلثا‪ -‬أن اجملامع مل تكن بوما من األاي هيئات شوربة بتباحث القسس ليها اخآراء‪ ،‬وبتوصلون ليها‬
‫إىل احلق أبدلته‪ ،‬بل كانت يف األيلب تعقد لفرض رأي أو تصور عن طربق تلك اجملامع وبقو‬
‫السلطان أو قو الكنيسة‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬أن تلك اجملامع كانت أدا بيد األابطر الرومان بسخروهنا لريباهتم يف التوسع والسيطر ‪ ،‬أو‬
‫حتقيق أيراض سياسية‪.‬‬
‫رامسا ‪ -‬أن تلك اجملامع كانت من أعظم أسباب الفرقة وتثبيتها يف العامل النصراين‪ ،‬حبيث إهنم مل‬
‫خيرجوا يف واحد منها متفقني‪ ،‬بل كلما اجتمعوا يف جممع من تلك اجملامع بزداد ارتمالهم‪ ،‬وابلتاِل‬
‫انقسامهم‪.‬‬
‫سادسا ‪ -‬أن اجملامع صايت العقيد وقررهتا بعد رماف طوبل‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫بدل على أن العقيد النصرانية‬
‫يف اإلله ويف املسيح‪ ،‬ويف نقاط عدبد ليس ألدلتها من الوضوح ما بكفي جلعلها مسلمات وقطعية‬
‫الداللة لكل نصراين نظر يف األانجيل وعلم أقوال املسيح‪ ،‬وهذا أمر جيب التوقف عنده والتفكَر يف‬
‫مهمة املسيح ماذا كانت؟ لإنه إذا مل بكن وضَّح وجلَّى تلك القضااي‪ ،‬وأابن عنها البيان الكامل الذي‬
‫ال بفتح جماال لمارتماف ليها‪ ،‬وراصة أهنا من أصول الداينة‪ ،‬وأهم العقا د‪ ،‬لما هي مهمته إذا؟‬
‫هل جاء ليلقي كماما مبهما ال بعرف معناه حيار الناس ليه قروان؟ أ أنه تكلم بكما واضح وجلي‬
‫حرلوا كمامه بعد ذلك‪ ،‬ومحلوه على يَر حمامله ونسبوا‬
‫كما هي حقيقة مهمة الرسل إال أن الناس َّ‬
‫إليه ما مل بقل؟!‬
‫سابعا‪ -‬إن اجملامع قررت قرارات ولعنت وحرمت من مل بقل هبا‪ ،‬وقررت أن سبيل النجا هو اعتقاد‬
‫تلك األقوال‪ -‬وهنا سمال بطرح نفسه ماهو حال حواربي املسيح وأوا ل النصارى الذبن مل بكونوا‬
‫بعتقدون تلك العقيد ومل بتكلموا ليها بكلمة‪ ،‬كالتثليث‪ ،‬وطبيعة املسيح وانبثاق الروح القدس من‬
‫األب أو األب واالبن معا إىل يَر ذلك‪.‬‬
‫اثمنا‪ -‬إن اجملامع قد صايت العقيد النصرانية بكل تفاصيلها‪ ،‬وذلك بدل على أن تلك العقيد‬
‫بتفاصيلها صنعة بشربة مل بنزهلا هللا تعاىل على املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫اتسعا‪ -‬أن اجملامع النصرانية هي املصدر احلقيقي للداينة النصرانية احملرلة؛ ألن تلك الفهو اليت كانت‬
‫تقرر وتصدر ولقها القرارات مل تكن تعتمد على نصوص قطعية واضحة‪ ،‬بل أحياان كانت تعتمد على‬
‫نصوص متشاهبة وكما حمتمل ألكثر من معىن‪ ،‬وبكون من أقلها احتماال املفهو الذي تدعيه‬
‫الكنيسة‪ ،‬كما يف دعوى ألوهية املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫وأحياان كانت ال تعتمد على أي نصوص موجود لدبهم وهو األكثر‪ ،‬بل بكون تركيبا ذهنيًّا ومهيًّا‪ ،‬أو‬
‫تصورا راطئا بين على تصور راطئ‪ ،‬كما يف قراراهتم املتعلقة أبلوهية الروح القدس‪ ،‬وطبيعة املسيح‪،‬‬
‫وتقدبس الصور والتماثيل‪ ،‬وعصمة البااب وحنو ذلك‪.‬‬
‫وبصدق عليهم ليما بدعونه من عقيد وبشرعونه للناس أهنم جعلوا أنفسهم أراباب من دون هللا حيلون‬
‫ت النَّصارى اليم غسيح ابن غ‬
‫هللا‬ ‫غ‬
‫هللا وقَالَ غ‬ ‫وحيرمون‪ ،‬لينطبق عليهم قول هللا تعاىل‪ :‬وقَالَ غ‬
‫َ َ َ ْ يْ‬ ‫ود ْع َزبيـ ٌر ابي ْن َ‬ ‫ت الييَـ ْه ْ‬ ‫َ‬
‫ارْه يم‬ ‫بن َك َف ْرواي غمن قَـ يب ْل قَاتَـلَ ْه ْم هللاْ أ َّ‬
‫َىن بْـ يملَ ْكو َن َّاختَ ْذواي أ ي‬
‫َحبَ َ‬
‫َّ غ‬ ‫ك قَـوْهلم غأبَليـو غاه غهم ب َ غ‬
‫ضاه ْمو َن قَـ يو َل الذ َ‬ ‫ذَل َ ي ْ َ ي ْ‬
‫غ‬
‫يح ابي َن َم يرَميَ [التوبة‪.]31 - 30:‬‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬ ‫غ‬
‫َوْر يهبَ َاهنْ يم أ يَرَاباب من ْدون هللا َوال َيمس َ‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪249‬‬

‫(‪)286/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫املسيح عليه السما جاء ابلداينة بيضاء نقية توحيدا رالصا‪ ،‬ومنهجا رابنيا واضحا‪ ،‬كما تقد بيانه‬
‫أول الكما على النصرانية‪.‬‬
‫إال أن النصارى احنرلوا هبذه الداينة عن وجهها الصحيح‪ ،‬إىل وثنية رالصة‪ ،‬وعقا د منحرلة مل بعرلها‬
‫املسيح عليه السما وال حواربوه‪.‬‬
‫وقد كان ابتداء حتربفها من درول بولس (شاؤول اليهودي) هذه الداينة بعد رلع املسيح عليه‬
‫السما ‪.‬‬
‫وهذه الداينة احملرلة مل تقرر على ما هي عليه يف الوقت احلاضر إال بعد انصرا ما بقارب مخسة قرون‬
‫من رلع املسيح عليه السما ‪ ،‬حيث أصبحت تقو على ثماثة أسس هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬التثليث‪ - 2 .‬الصلب والفداء‪ - 3 .‬حماسبة املسيح للناس‪.‬‬
‫وسنبني بياان َمتصرا مقولتهم يف كل واحد من هذه العقا د‪ ،‬ونبني إبذن هللا بطماهنا‪.‬‬

‫(‪)287/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التثليث‪:‬‬


‫• املطلب األول‪ :‬استدالالت النصارى على التثليث‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث‪.:‬‬
‫• املطلب الثالث‪ :‬أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القدمي واألانجيل‪.:‬‬
‫(‪)288/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬استدالالت النصارى على التثليث‪:‬‬


‫بسمى دليما؛ إذ إن ما ذكروه بدل على أهنم َّلفقوا كماما‬
‫ليس للنصارى على التثليث ما بستحق أن َّ‬
‫دليل‪ ،‬لمن ذلك قوهلم‪:‬‬
‫زعموا أنه ٌ‬
‫وجل ورد امسه ابلعرببة (ألوهيم) الذي بدل على اجلمع‪ ،‬وأنه استخد صيغة اجلمع‬
‫عز َّ‬
‫‪ - 1‬إن هللا َّ‬
‫يف التحدث عن نفسه يف مثل ما ورد يف سفر التكوبن (‪( )26 /1‬وقال هللا‪ :‬نعمل اإلنسان)‪.‬‬
‫‪ - 2‬ألفاظ الصور املوضوعة للمعمودبة‪ ،‬وهي (عمدوا ابسم اخآب واالبن والروح القدوس) الوارد‬
‫يف إجنيل مىت (‪.)19 /28‬‬
‫‪ - 3‬األحوال اليت واكبت تعميد املسيح حيث ورد يف إجنيل مىت (‪( )16 /3‬للما اعتمد بسوع صعد‬
‫للوقت من املاء‪ ،‬وإذا السماوات قد انفتحت له‪ ،‬لرأى روح هللا انزال مثل محامة‪ ،‬وآتيا عليه‪ ،‬وصوت‬
‫من السماوات قا ما‪ :‬هذا هو ابين احلبيب الذي به سررت)‪.‬‬
‫هبذه األدلة اليت هي أوهى من ريوط العنكبوت بزعم النصارى أن هللا ثماثة‪ ،‬وأن همالء الثماثة‬
‫جل وعما يف وحدانية‬
‫واحد‪ ،‬وبرتكون مجيع أسفار العهد القدمي اليت نصت على وحدانية هللا‪ ،‬وانفراده َّ‬
‫الذات‪ ،‬والصفات‪ ،‬والعباد ‪ ،‬وكذلك مجيع النصوص الوارد يف العهد اجلدبد اليت تدل على ذلك‬
‫أبضا‪ ،‬وسيأِت إبراد بعض ذلك‪.‬‬

‫(‪)289/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث‪:‬‬


‫أدلة النصارى املذكور هي من الضعف حبيث بَـ ْه ُّم العاقل ابإلعراض عنها‪ ،‬إال أنه البد من الرد‬
‫عليهم؛ ألن استدالهلم هبا بعين أن هلا شأان عظيما يف نفوسهم‪ ،‬لنقول‪:‬‬
‫أما الدليل األول‪:‬‬
‫لدعواهم أن (ألوهيم) تعين اجلمع‪ ،‬لهذا ابطل بنص التورا اليت نصت على أن هللا واحد‪.‬‬
‫كما أن اليهود الذبن غ‬
‫وجه إليهم اَخطاب هبذا مل بفهموا ذلك‪ ،‬ومل بعملوا به‪ ،‬بل بعتربون أن ادعاء إله‬
‫يَر اإلله الواحد الذي هو هللا شرك أكرب‪ ،‬بستحق معتقده القتل‪.‬‬
‫كما أن كلمة (ألوهيم) كما بذكر الدارسون وارد يف نص من النصوص اليت تتكون منها التورا‬
‫احلالية‪ ،‬وأنه بقابلها يف النص اخآرر لنفس القصة لفظ (بهوه)‪.‬‬
‫أما ما أوردوه من سفر التكوبن وهو قول‪( :‬وقال هللا‪ :‬نعمل اإلنسان)‪ .‬لما بعين أكثر من أهنا وردت‬
‫على صيغة التعظيم‪.‬‬
‫وجل؟ كما أن مئات األقوال وارد يف العهد‬
‫عز َّ‬
‫ومن أوىل ابلتعظيم والتفخيم يف اَخطاب من هللا َّ‬
‫القدمي على لفظ اإللراد‪ ،‬لكيف ترتك تلك املئات‪ ،‬وبمرذ هبذه اللفظة الواحد وشبهها؟‪.‬‬
‫أما الدليل الثاين‪:‬‬
‫وهو لفظ املعمودبة (عمدوا ابسم اخآب واالبن والروح القدس) لهمالء ثماثة وليسوا واحدا‪ ،‬وال تعين‬
‫جل جماله‪ ،‬ورسوله املسيح عليه السما ‪ ،‬وامللك‬
‫أكثر من طلب اإلميان هبمالء الثماثة الذبن هم‪ :‬هللا َّ‬
‫جرببل عليه السما ‪ ،‬كل على ما بليق به‪ ،‬إذا صدق راوي هذه العبار ‪ ،‬وسيأِت زايد إبضاح هلذه‬
‫العبار يف الكما على الروح القدس‪.‬‬
‫أما الدليل الثالث‪:‬‬
‫لعلى لرض صحة الروابة بذلك لهي تدل على ثماثة‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫املسيح الذي اعتمد‪ ،‬والروح القدس الذي نزل على شكل محامة‪ ،‬وقا ل من السماء‪( :‬هذا ابين‬
‫احلبيب)‪ .‬أبن أن همالء الثماثة واحد‪ ،‬هذا ما ال بستطيع النصارى إثباته ال نقما وال عقما‪.‬‬

‫(‪)290/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القدمي واألانجيل‪:‬‬
‫التوحيد دبن الرسل مجيعا ومل خيالف يف ذلك إال النصارى الذبن ادعوا على املسيح عليه السما أنه‬
‫جاء ابلتثليث‪ ،‬والتوحيد أوضح مطالب التورا والكتب امللحقة هبا؛ إذ بقو الكتاب كله على‬
‫التوحيد وحماربة الشرك والوثنية بكل أشكاهلا‪.‬‬
‫ومن األدلة على هذا ما ورد يف سفر التثنية (‪( )35 /4‬إنك قد أربت لتعلم أن الرب هو اإلله ليس‬
‫آرر سواه)‪.‬‬
‫وكذلك ما ورد يف سفر التثنيه (‪( )4 /6‬امسع ايإسرا يل الرب إهلنا رب واحد)‪.‬‬
‫ويف إجنيل مىت (‪( )7 /4‬قال له بسوع‪ :‬اذهب اي شيطان؛ ألنه مكتوب للرب إهلك تسجد‪ ،‬وإايه‬
‫وحده تعبد) ومثله ورد يف إجنيل لوقا (‪.)8 /4‬‬
‫ويف إجنيل مرقس (‪ )28 /12‬أن أحد اليهود سأل املسيح (أبة وصية هي أول الكل؟ لأجابه بسوع‪:‬‬
‫إن أول كل الوصااي هي‪ :‬امسع ايإسرا يل الرب إهلنا رب واحد ‪ ...‬لقال له الكاتب‪ :‬جيدا اي معلم‬
‫ابحلق قلت ألنه هللا واحد وليس آرر سواه)‪.‬‬
‫وبني أهنا أول الوصااي وأعظمها‪ ،‬ولو كان بقول ابلتثليث لوجب عليه أن بنص‬
‫لهذه وصية املسيح َّ‬
‫وجل‪ ،‬ومل بوضح أهم ما أمر به؟‬
‫عز َّ‬
‫عليه يف مثل هذا املوطن؛ إذ كيف ميكن أن بكون مبلغا عن هللا َّ‬
‫ويف إجنيل بوحنا (‪ )3 /17‬أن املسيح عليه السما قال يف آرر أايمه‪( :‬وهذه هي احليا األبدبة أن‬
‫بعرلوك أنت اإلله احلقيقي وحدك‪ ،‬وبسوع املسيح الذي أرسلته)‪.‬‬
‫لقد أنطق هللا همالء الكتاب ابحلق والصدق‪ ،‬وهو أن ال إله إال هللا وحده‪ ،‬وعيسى املسيح رسوله‪،‬‬
‫لأبن هذا الكما النوراين الواضح من دعوى التثليث املظلمة اليت الرتاها ضمال النصارى‪ ،‬ويلوا يف‬
‫اب الَ تَـ يغلْواي غيف غدبنغ ْك يم َوالَ تَـ ْقولْواي‬ ‫دبنهم‪ ،‬وقالوا هبا على هللا يَر احلق؟ قال هللا عز وجل‪ :‬اي أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫َ َ‬
‫هللا وَكلغمته أَلي َقاها إغ َىل مرَمي وروح غم ينه لَ غآمنواي غاب غ‬
‫هلل‬ ‫هللا إغالَّ ا يحل غق إغ ََّنَا اليم غسيح غعيسى ابن مرَمي رس ْ غ‬ ‫علَى غ‬
‫َي َ َ ْ ٌ ْ ْ‬ ‫ول َ َ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ي ْ َي َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الس َم َاوات‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫َوْر ْسل غه َوالَ تَـ ْقولْواي ثَماَثَةٌ انتَـ ْهواي َر يَرا لَّ ْك يم إغ ََّنَا هللاْ إغلَهٌ َواح ٌد ْسبي َحانَهْ أَن بَ ْكو َن لَهْ َولَ ٌد لَّهْ َما غيف َّ‬
‫هلل َوكغيما [النساء‪.]171:‬‬ ‫ض وَك َفى غاب غ‬
‫َوَما غيف األ يَر غ َ‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪277‬‬

‫(‪)291/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬األقانيم الثماثة تعربفها وأدلتهم عليها وبيان بطمان تلك األدلة‪:‬‬
‫• املطلب األول‪ :‬األقنو األول‪ :‬األب‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬األقنو الثاين‪ :‬االبن‪.:‬‬
‫• املطلب الثالث‪ :‬األقنو الثالث‪ :‬الروح القدس‪.:‬‬
‫• املطلب الرابع‪ :‬إبطال التثليث أبقوال املسيح عليه السما ‪.:‬‬

‫(‪)292/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬األقنو األول‪ :‬األب‪:‬‬


‫‪ - 1‬املراد به‪ :‬براد ابألب عندهم‪ :‬الذات اإلهلية جمرد عن االبن والروح القدس‪ ،‬وهو مبنزلة األصل‬
‫واملبدأ لوجود االبن‪ .‬مع أن هذا ال بعين لدبهم أن األب سبق االبن يف الوجود‪ ،‬بل االبن أزِل الوجود‬
‫معه مل بسبق أحدمها اخآرر‪ .‬وليس له عمل عندهم إال االرتيار والدعو ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أدلتهم على أبو هللا للمسيح ‪ -‬تعاىل هللا عن قوهلم‪:-‬‬
‫وردت كلمة األب لدى النصارى يف العهد اجلدبد يف مواطن عدبد ‪ ،‬وورد يف بعضها نسبة أبو هللا‬
‫للمسيح‪ ،‬منها ما ورد يف إجنيل مىت (‪( :)32 /10‬لكل من بعرتف يب قدا الناس أعرتف أان أبضا به‬
‫قدا أيب الذي يف السماوات)‪.‬‬
‫وأبضا قوله عن وقت القيامة (‪( :)36 /24‬وأما ذلك اليو وتلك الساعة لما بعلم هبا أحد من‬
‫مما كة السماوات إال أيب وحده)‪.‬‬
‫ورد يف إجنيل لوقا (‪ )49 /2‬من كما املسيح ألمه وزوجها يف زعمهم‪( :‬لقال هلما‪ :‬ملاذا كنتما‬
‫تطلبانين؟ أمل تعلما أنه بنبغي أن أكون يف ما أليب)‪.‬‬
‫وورد أبضا يف إجنيل بوحنا (‪( :)19 /8‬لقالوا له‪ :‬أبن هو أبوك؟ لأجاب بسوع‪ :‬لستم تعرلونين أان وال‬
‫أيب‪ ،‬لو عرلتموين لعرلتم أيب أبضا)‪.‬‬
‫(أب) للمسيح أبو حقيقية‪ ،‬وهو كما ابطل‪،‬‬
‫لبناء على هذه النصوص زعم النصارى أن هللا تعاىل ٌ‬
‫علوا كبَرا‪.‬‬
‫ووهم راطئ‪ ،‬والرتاءٌ على هللا‪ ،‬تعاىل هللا عن قوهلم ًّ‬
‫‪ - 3‬الرد عليهم وبيان بطمان قوهلم‪:‬‬
‫بْرد عليهم من عد أوجه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن النصارى اعتمدوا يف إثبات هذا على ألفاظ وردت يف األانجيل األربعة ويَرها من كتب‬
‫العهد اجلدبد‪ ،‬وهذه األانجيل كما سبق بيانه ال تصلح أن تكون مستندا هلذا؛ ألهنا كتب يَر موثقة‪،‬‬
‫ومل بستطع النصارى أن بثبتوا صحة نسبتها إىل األشخاص الذبن نسبت إليهم‪ ،‬لضما عن أن‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫بنسبوها إىل املسيح عليه السما أو إىل هللا َّ‬
‫كما أن بينها ارتمالات عدبد يف هذه األلفاظ نفسها‪ ،‬لكلمة (أيب) وردت يف (إجنيل مىت) من كما‬
‫املسيح ما ال بقل عن اثنيت عشر مر ‪ ،‬وال تكاد تراها يف (إجنيل مرقص)‪ ،‬أما (إجنيل لوقا) لذكرت يف‬
‫موضعني تقرببا‪ ،‬وأما (إجنيل بوحنا) لوردت ليه ليما بقارب امانية عشر موضعا‪ِ ،‬ما بدل على أن هذه‬
‫الكلمة تتبع عقيد راصة ولهما راصا لدى الكاتب‪ ،‬ال برتبط ليه وال بلتز بعبار املسيح وألفاظه‪،‬‬
‫وإَنا بكتبها وبعرب عنها الكاتب ولق عقيدته وتصوره‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أن املثال السابق املذكور عن وقت الساعة من إجنيل مىت‪ ،‬ورد ليه (أيب وحده)‪ ،‬وقد ذكر‬
‫مرقس يف (‪ )32 /13‬هذه اجلملة‪ ،‬إال أهنا عنده هكذا‪( :‬وأما ذلك اليو وتلك الساعة لما بعلم هبما‬
‫أحد وال املما كة الذبن يف السماء وال االبن إال األب)‪ .‬لهنا قال‪ :‬األب‪ .‬بدون ايء النسب وهناك‬
‫يف (مىت) قال‪( :‬أيب)‪ .‬وبينهما لرق عظيم‪.‬‬
‫أب للمسيح أبو حقيقية من انحية أن األب يَر االبن‪ ،‬وأنه‬
‫اثنيا‪ :‬أن النصارى ال بعتقدون أن هللا ٌ‬
‫قبله يف الوجود‪ ،‬بل برون وبعتقدون أن هللا تعاىل أب للمسيح‪ ،‬وهو يف نفس الوقت هو هو‪ ،‬ليس هو‬
‫يَره‪ ،‬حيث بقولون‪ :‬إهنما جوهر واحد‪ ،‬ومل بسبق األب االبن يف الوجود‪ ،‬وهذا جيعل كلمة األب‬
‫الوارد يف األانجيل لدبهم ليس هلا مفهو حقيقي‪ ،‬وهذا ببطل استدالهلم هبذه النصوص‪ ،‬وجيعلهم‬
‫بستدلون هبا على يَر ما بقصدون وبعتقدون‪.‬‬
‫تفسر على‬
‫اثلثا‪ :‬على لرض صحة الرواايت الوارد لدبهم يف األانجيل يف كلمة (األب) ليجب أن َّ‬
‫معىن يَر األبو احلقيقة ألمربن‪:‬‬
‫‪ - 1‬أهنم أوردوا على لسان املسيح كماما كثَرا ال ميكن أن حيمل على املعىن الظاهري‪ ،‬بل البد من‬
‫محله على اجملاز كقوله‪( :‬لقال هلم بسوع‪ :‬أان هو ربز احليا )‪ .‬بوحنا (‪ )35 /6‬وأبضا أنه قال لليهود‪:‬‬
‫(أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تربدون أن تعملوا)‪ .‬بوحنا (‪.)44 /8‬‬

‫(‪)293/1‬‬

‫لهذا كما ال بمرذ على ظاهره‪ ،‬لكذلك أبو هللا للمسيح‪.‬‬


‫‪ - 2‬أن نسبة األبو إىل هللا ليست راصة يف املسيح لدبهم‪ ،‬بل وردت يف العهد القدمي‪ ،‬ويف‬
‫األانجيل منسوبة إىل يَر املسيح‪ ،‬ومن ذلك ما ورد يف سفر صمو يل الثاين (‪ )14 /7‬يف كما هللا‬
‫يف زعمهم عن سليمان بن داود عليهما السما ‪( :‬أان أكون له أاب وهو بكون ِل ابنا)‪.‬‬
‫وورد يف إجنيل مىت (‪ )1 /6‬من كما املسيح لتماميذه‪( :‬احرتزوا من أن تصنعوا صدقتكم أما الناس‬
‫لكي بنظروكم‪ ،‬وإال لليس لكم أجر عند أبيكم الذي يف السماوات)‪.‬‬
‫ويف إجنيل مرقص (‪ )25 /11‬من قول املسيح لتماميذه أبضا‪( :‬ومىت وقفتم تصلون لايفروا إن كان‬
‫لكم على أحد شيء؛ لكي بغفر لكم أبضا أبوكم‪ -‬الذي يف السماوات‪ -‬زالتكم‪ ،‬وإن مل تغفروا أنتم‬
‫ال بغفر لكم أبوكم‪ -‬الذي يف السماوات‪ -‬أبضا زالتكم)‪.‬‬
‫يف إجنيل لوقا (‪ )2 /11‬من قول املسيح لتماميذه‪( :‬لقال هلم‪ :‬مىت صليتم لقولوا‪ :‬أابان الذي يف‬
‫السماوات)‪.‬‬
‫ويف إجنيل بوحنا (‪ )17 /20‬وهو من آرر كما املسيح بعد القيامة املزعومة‪( :‬قال هلا بسوع‪ :‬ال‬
‫تلمسيين؛ ألين مل أصعد بعد إىل أيب‪ ،‬ولكن اذهَب إىل إروِت‪ ،‬وقوِل هلم‪ :‬إين أصعد إىل أيب وأبيكم‬
‫وإهلي وإهلكم)‪.‬‬
‫لهذه النصوص على لرض صحتها ليها داللة واضحة على نسبة أبو هللا تعاىل للتماميذ‪ ،‬واملراد هبا‬
‫يف كما النصارى يف هذه املواضع أبو النعمة‪.‬‬
‫وما سبق ذكره من النصوص اليت ورد ليها أبو هللا للمسيح ال ختتلف عن هذه النصوص‪ ،‬لالقول‬
‫ليها مثل القول يف هذه‪.‬‬
‫لمن هنا بتضح أنه ليس يف هذا اللفظ ما بدل على معتقد النصارى يف هللا‪ ،‬وأنه أب للمسيح سوى‬
‫من انحية النعمة واإلحسان‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف ‪ -‬ص ‪282‬‬

‫(‪)294/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬األقنو الثاين‪ :‬االبن‪:‬‬


‫املراد ابالبن عندهم كلمة هللا املتجسد وهو املسيح عليه السما ‪ ،‬وبزعمون أن االبن مساو لَلب يف‬
‫الوجود‪ ،‬وأن األب رلق العامل بواسطة االبن‪ ،‬وأنه الذي نزل إىل األرض ابلصور البشربة لداء‬
‫علوا كبَرا‪.‬‬ ‫للبشر‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫بتوىل حماسبة الناس بو القيامة‪ .‬تعاىل هللا عن قوهلم ًّ‬
‫أدلتهم على أن املسيح ابن هللا‪ ،‬تعاىل هللا عن قوهلم‪:‬‬
‫َّ‬
‫استدل النصارى على أن املسيح ابن هلل مبا ورد يف األانجيل من النصوص اليت تنسب املسيح ابنا‬
‫هلل‪ ،‬ومن تلك النصوص ما ورد يف إجنيل مىت (‪ )16 /16‬من قول بطرس ملا سأله املسيح عن نفسه‬
‫ماذا بقول الناس عنه قال‪( :‬أنت هو ابن هللا احلي)‪.‬‬
‫ويف إجنيل بوحنا (‪ )4 /11‬ورد على لسان املسيح يف زعمهم‪( :‬للما مسع بسوع قال‪ :‬هذا املرض‬
‫ليس للموت‪ ،‬بل ألجل جمد هللا ليتمجد ابن هللا)‪.‬‬
‫وجل‪ ،‬وهو‬
‫عز َّ‬
‫لبمثل هذه اإلطماقات اعتقد النصارى أن املسيح ابن هللا‪ ،‬مبعىن أنه ررج من هللا َّ‬
‫وجل‪ ،‬تعاىل هللا عن قوهلم‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫قول ابطل والرتاء على هللا َّ‬
‫الرد عليهم‪:‬‬
‫وللرد على النصارى ميكن القول أبن ما أوردوه من أدلة ال تصلح أن تكون مستندا إلثبات عقيد‬
‫رطَر كهذه؛ ملا بلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن كتبهم اليت بستندون إليها يف هذا هي كتب يَر موثقة‪ ،‬ويَر سليمة من التحربف‪ ،‬وقد سبق‬
‫بيان هذا‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن البنو اليت بزعمها النصارى ختتلف عن ظاهر لفظ (ابن هللا) الوارد يف األانجيل‪ ،‬لاالبن يف‬
‫األصل جزء من األب‪ ،‬ومتخلق من نطفته‪ ،‬وبكون األب سابقا لمابن يف الوجود‪ ،‬والفضل له يف‬
‫وجوده‪ ،‬وما بعتقد النصارى يف املسيح ال بتفق مع البنو احلقيقية‪ ،‬وإَنا بزعمون أن االبن هو األب‪،‬‬
‫وأنه مسا ٍو له يف اجلوهر والوجود واجملد‪ ،‬وهي أمور مل ترد يف األانجيل‪ ،‬وال بستطيع النصارى أن‬
‫بقيموا عليها الدليل العقلي لضما عن الشرعي‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن هذا الوصف‪ -‬وهو (ابن هللا) ‪ -‬أطلق على يَر املسيح يف مواطن كثَر من أانجيلهم‪ ،‬منها‬
‫يف إجنيل مىت (‪( :)9 /5‬طوىب لصانعي السما ؛ ألهنم أبناء هللا بدعون)‪ ،‬ويف (‪ )45 /5‬أن املسيح‬
‫راطب تماميذه قا ما‪( :‬وصلوا ألجل الذبن بسيئون إليكم وبطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي‬
‫يف السماوات)‪.‬‬
‫ويف إجنيل بوحنا (‪ )12 /1‬لقد ورد عن املممنني ابملسيح (وأما كل الذبن قبلوه لأعطاهم سلطاان أن‬
‫بصَروا أوالد هللا أي املممنني ابمسه‪ .‬الذبن ولدوا ليس من د وال من مشيئة جسد وال من مشيئة‬
‫رجل بل من هللا)‪.‬‬
‫ويف إجنيل لوقا (‪ )36 /20‬قال‪( :‬ألهنم مثل املما كة‪ ،‬وهم أبناء هللا أبناء القيامة)‪.‬‬
‫وورد وصف بعقوب وبنيه بذلك‪ ،‬لفي سفر اَخروج (‪ )22 /4‬أن هللا راطب موسى قا ما له‪( :‬لتقول‬
‫لفرعون هكذا بقول الرب‪ :‬إسرا يل ابين البكر‪ .‬لقلت لك‪ :‬أطلق ابين ليعبدين) وكذلك ورد يف سفر‬
‫إشعياء (‪( :)6 /43‬ا ت ببين من بعيد وببناِت من أقصى األرض)‪.‬‬
‫والنصارى ال بقولون‪ :‬إن بين إسرا يل واحلواربني أبناء هللا حقيقة‪ .‬وإَنا بقولون‪ :‬هذه بنو جمازبة‪ ،‬تعين‬
‫وجل هلم‪ ،‬لكذلك إذا ما ورد من‬
‫عز َّ‬
‫العباد من طرف العباد‪ ،‬واحلفظ واللطف والرعابة من قبل هللا َّ‬
‫بنو املسيح هلل ال تعين يَر ذلك‪ ،‬إذ إن العبارتني واحد‪ ،‬ليجب أن بستواي يف الداللة واملعىن‪ ،‬ما مل‬
‫بدل دليل على رماف ذلك‪ ،‬وليس هناك ما ُّ‬
‫بدل على رماف ذلك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫رابعا‪ :‬أن املسيح عليه السما قد دلت األدلة الكثَر على بشربته‪ ،‬وأنه رسول هللا‪ ،‬كما أوردت‬
‫األانجيل وصفه أبنه ابن اإلنسان وابن داود ويَر ذلك من األوصاف الدالة على بشربته‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ما ورد يف إجنيل مىت (‪( :)20 /8‬لقال له بسوع‪ :‬للثعالب أوجر ‪ ،‬ولطيور السماء أوكار‪ ،‬وأما ابن‬
‫اإلنسان لليس له أبن بسند رأسه)‪.‬‬
‫ويف إجنيل مرقص (‪( :)28 /2‬ابن اإلنسان هو رب البيت أبضا)‪.‬‬
‫ويف إجنيل لوقا (‪ )34 /7‬من كما املسيح لليهود‪( :‬جاء ابن اإلنسان أيكل وبشرب لتقولون‪ :‬هو ذا‬
‫إنسان أكول شربب مخر حمب للعشاربن واَخطا )‪.‬‬
‫ويف إجنيل بوحنا (‪( :)51 /1‬احلق أقول لكم من اخآن ترون السماء مفتوحة ومما كة هللا بصعدون‬
‫وبنزلون على ابن اإلنسان)‪.‬‬
‫وليه أبضا (‪ )40 /8‬بقول هلم املسيح (وأان إنسان قد كلمكم ابحلق الذي مسعه من هللا)‪.‬‬
‫لورد وصفه أبنه ابن اإلنسان يف امانية وستني موضعا تقرببا يف األانجيل األربعة‪ ،‬أما ما ورد وليه‬
‫إطماق (ابن هللا) عليه لقد ورد يف ثماثة وعشربن موضعا تقرببا يف األانجيل األربعة‪ ،‬منها أربعة‬
‫مواضع لقط اليت ورد ليها هذا الوصف من كما املسيح‪ ،‬أما الباقي لليس من كما املسيح بل‬
‫بعضه من كما إبليس والشياطني‪ ،‬لكيف برتك املعىن الظاهر الواضح الذي تمبده النصوص الكثَر‬
‫والواقع‪ ،‬والذي بتفق مع العقل واملنطق إىل املعىن اَخفي البعيد الذي تعارضه النصوص وال بتفق مع‬
‫العقل وال املنطق!!‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪288‬‬

‫(‪)295/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬األقنو الثالث‪ :‬الروح القدس‪:‬‬


‫وهو عندهم مساو لَلب واالبن يف الذات واجلوهر والطبع‪ ،‬وهو يف كمامهم روح هللا الذي بتوىل‬
‫َتبيد أتباع املسيح وتطهَرهم‪.‬‬
‫وقد استدلوا على قوهلم أبلوهية الروح القدس أبن الكتاب املقدس لدبهم وصف الروح القدس‬
‫وجل‪َّ ،‬‬
‫لدل هذا عندهم على ألوهيته‪.‬‬ ‫عز َّ‬ ‫بصفات ال بوصف هبا إال هللا َّ‬
‫وللرد عليهم نقول‪:‬‬
‫إن ما أورده النصارى ِما نقلوه عن األانجيل‪ ،‬لليس يف األانجيل أي عبار تدل على املعىن الذي‬
‫بدَّعونه يف الروح القدس‪ ،‬وهو األلوهية‪ .‬لقد ورد اسم الروح القدس يف محل مرمي ابملسيح عليه‬
‫السما يف إجنيل مىت (‪( :)18 /1‬ملا كانت مرمي َمطوبة ليوسف قبل أن جيتمعا وجدت حبلى من‬
‫الروح القدس)‪.‬‬
‫لسره بذلك لوقا يف إجنيله (‪/1‬‬
‫والروح القدس يف هذه القصة املراد به جرببل عليه السما ‪ ،‬كما َّ‬
‫‪( :)26‬ويف الشهر السادس أْرسل جربا يل املماك من هللا إىل مدبنة من اجلليل امسها انصره إىل عذراء‬
‫َمطوبة لرجل من بيت داود امسه بوسف‪ ،‬واسم العذراء مرمي)‪.‬‬
‫لعلى هذا التفسَر بكون الروح القدس املراد به جرببل عليه السما يف كل موطن ورد ذكره ليه‪ ،‬إال‬
‫وجل لهنا البد من التحقق من صحة العبار‬
‫عز َّ‬
‫أن تكون الصفة املطلقة عليه ال تطلق إال على هللا َّ‬
‫ودقة نقل األلفاظ‪.‬‬
‫وِما ورد لدبهم يف هذا ما ورد يف إجنيل بوحنا عن (الباركليت) أو (املعزى) لمما قالوا ليه (‪/16‬‬
‫‪( :)12‬وأما مىت جاء ذاك روح احلق لهو برشدكم إىل مجيع احلق؛ ألنه ال بتكلم من نفسه‪ ،‬بل كل ما‬
‫بسمع بتكلم به وخيربكم أبمور آتية)‪.‬‬
‫لهذا ليه داللة واضحة على أن املوصوف أبنه روح احلق شخصية مستقلة‪ ،‬وهو مبل لرسالة أوكل‬
‫إليه تبليغها‪ ،‬لليس ليه ما بدل على ألوهيته‪ ،‬وال أنه جزء من اإلله‪ ،‬وإال للز أن بكون األنبياء آهلة‬
‫أبضا؛ ألهنم بعلمون كل ما علَّمهم هللا به‪ ،‬وخيربون عن أمور آتيه مستقبلة‪.‬‬
‫أما ما أوردوه من إجنيل مىت (‪ )19 /28‬أن املسيح قال لتماميذه بعد قيامته‪( :‬لاذهبوا وتلمذوا مجيع‬
‫األمم‪ ،‬وعمدوهم ابسم األب واالبن والروح القدس)‪.‬‬
‫لأوال‪ :‬هذا النص مل بذكره إال صاحب إجنيل مىت‪ ،‬وهو إجنيل يَر موثق‪ ،‬ويَر اثبت النسبة إىل مىت‬
‫احلواري‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬على لرض صحة هذه العبار لإن همالء ثماثة وليسوا واحدا‪ ،‬وكل واحد منها له مدلوله‬
‫جل وعما‪.‬‬
‫الواضح تفسَره‪ ،‬لاألب هو‪ :‬الرب َّ‬
‫أما االبن لما ميكن أن بكون املقصود به البنو احلقيقية‪ ،‬وقد سبق بيان هذا‪ ،‬وأن املراد به العبد‬
‫الصاحل‪ ،‬ليكون املقصود به املسيح عليه السما ‪ ،‬وهو عبد هللا ورسوله‪.‬‬
‫أما الروح القدس لما ميكن أن بكون املقصود به جزء من اإلله الذي هو صفة احلب أو احليا أو حنو‬
‫ذلك؛ إذ إن ذلك ال دليل عليه إَنا بعين امللك جرببل عليه السما ‪ ،‬كما هو مصرح به يف روابة لوقا‬
‫السابق ذكرها اليت ليها أن املماك جرببل عليه السما هو الذي نزل على مرمي‪ ،‬لتكون العبار هي‬
‫دعو الناس إىل اإلميان ابهلل والنَب وامللك‪.‬‬
‫لمن هذا كله بتضح لنا أن عقيد النصارى –التثليث‪ -‬ليس هلا أدلة تثبت صحتها‪ ،‬كما أن كل‬
‫أقنو من أقانيم الثالوث ال بوجد له أدلة تثبت مفهومهم له‪ِ ،‬ما جيعل التثليث كله قا م على دعاوى‬
‫ال دليل عليها‪ ،‬وال مستند هلا شرعي وال عقلي‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪293‬‬

‫(‪)296/1‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬إبطال التثليث أبقوال املسيح عليه السما ‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬يف اخآبة الثالثة من الباب السابع من إجنيل بوحنا قول عيسى عليه السما يف رطاب‬
‫هللا هكذا‪( :‬وهذه احليا األبدبة أن بعرلوك أنت اإلله احلقيقي وحدك‪ ،‬وبسوع املسيح الذي أرسلته)‬
‫لبني عيسى عليه السما أن احليا األبدبة عبار عن أن بعرف الناس أن هللا واحد حقيقي وأن عيسى‬
‫َّ‬
‫عليه السما رسوله‪ .‬وما قال‪ :‬إن احليا األبدبة أن بعرلوا أن ذاتك ثماثة أقانيم ِمتاز ابمتياز حقيقي‪،‬‬
‫وأن عيسى إنسان وإله‪ .‬أو‪ :‬أن عيسى إله جمسم‪ .‬وملا كان هذا القول يف رطاب هللا يف الدعاء لما‬
‫احتمال ههنا للخوف من اليهود‪ ،‬للو كان اعتقاد التثليث مدار النجا لبيَّنه‪ ،‬وإذا ثبت أن احليا‬
‫أبداي وضماال بيغنا‬
‫األبدبة اعتقاد التوحيد احلقيقي هلل‪ ،‬واعتقاد الرسالة للمسيح‪ ،‬لضدمها بكون موات ًّ‬
‫البتة‪ ،‬والتوحيد احلقيقي ضد التثليث احلقيقي كما عرلت مفصما يف الفصل األول‪ ،‬وكون املسيح‬
‫رسوال ضد لكونه إهلا؛ ألن التغابر بني املرسل واملرسل ضروري‪ ،‬وهذه احليا األبدبة توجد يف أهل‬
‫اإلسما بفضل هللا‪ .‬وأما يَرهم لاجملوس ومشركو اهلند والصني حمرومون منها؛ النتفاء االعتقادبن‬
‫ليهم‪ ،‬وأهل التثليث من املسيحيني حمرومون منها؛ النتفاء االعتقاد األول‪ ،‬واليهود كالة حمرومون‬
‫منها؛ النتفاء االعتقاد الثاين‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬يف الباب الثاين عشر من (إجنيل مرقس) هكذا (‪( :)28‬لجاء واحد من الكتبة ومسعهم‬
‫بتحاورون‪ ،‬للما رأى أنه أجاهبم حسنا سأله‪ :‬أبة وصية هي أول الكل؟)‪( :)29( .‬لأجابه بسوع أن‬
‫أول كل الوصااي‪ :‬امسع اي إسرا يل الرب إهلنا رب واحد)‪.‬‬

‫(‪)297/1‬‬

‫(‪ :)30‬وحتب الرب إهلك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل لكرك ومن كل قدرتك‪ ،‬هذه هي‬
‫الوصية األوىل (‪ )31‬واثنية مثلها هي‪ :‬أن حتب قرببك كنفسك ليس وصية أررى أعظم من هاتني‪.‬‬
‫(‪ )32‬لقال له الكاتب‪ :‬جيدا اي معلم ابحلق قلت؛ ألنه) أي‪ :‬هللا (واحد وليس آرر سواه)‪)33( .‬‬
‫(وحمبته من كل القلب‪ ،‬ومن كل الفهم‪ ،‬ومن كل النفس‪ ،‬ومن كل القدر ‪ ،‬وحمبة القربب كالنفس هي‬
‫ألضل من مجيع احملرقات والذاب ح (‪( )34‬للما رآه بسوع أنه أجاب بعقل قال له‪ :‬لست بعيدا عن‬
‫ملكوت هللا)‪ .‬ويف الباب الثاين والعشربن من إجنيل مىت يف قوله عليه السما بعد بيان احلكمني‬
‫املذكوربن هكذا‪( :‬هباتني الوصيتني بتعلق الناموس واألنبياء)‪ .‬لعلم أن أول الوصااي الذي هو مصرح‬
‫به يف التورا ‪ ،‬ويف مجيع كتب األنبياء‪ ،‬وهو احلق‪ ،‬وهو سبب قرب امللكوت‪ ،‬أن بعتقد أن هللا واحد‬
‫وال إله يَره‪ ،‬ولو كان اعتقاد التثليث مدار النجا لكان مبينا يف التورا ومجيع كتب األنبياء؛ ألنه‬
‫أول الوصااي‪ ،‬ولقال عيسى عليه السما ‪ :‬أول الوصااي‪ :‬الرب واحد ذو أقانيم ثماثة ِمتاز ابمتياز‬
‫حقيقي‪ .‬لكنه مل ببني يف كتاب من كتب األنبياء صراحة‪ ،‬ومل بقل عيسى عليه السما هكذا‪ ،‬للم بكن‬
‫مدار النجا ‪ .‬لثبت أن مدارها هو اعتقاد التوحيد احلقيقي‪ ،‬ال اعتقاد التثليث‪ ،‬وهوسات التثليثيني‬
‫ابستنباطه من بعض كتب األنبياء ال بتم على املخالف؛ ألن هذا االستنباط رفي جدًّا مردود مبقابلة‬
‫النص‪ ،‬ويرض املخالف هذا أن اعتقاد التثليث لو كان له درل ما يف النجا لبينه األنبياء اإلسرا يلية‬
‫بياان واضحا‪ ،‬كما بينوا التوحيد يف الباب الرابع من كتاب االستثناء ‪( )35( -‬لتعلم أن الرب هو هللا‬
‫وليس يَره)‪( )39( .‬لاعلم اليو واقبل بقلبك أن الرب هو اإلله يف السماء من لوق وعلى األرض‬
‫من حتت وليس يَره)‪ .‬ويف الباب السادس من السفر املذكور (‪( )4‬امسع اي إسرا يل‪ :‬إن الرب إهلنا‬
‫لإنه رب واحد)‪( )5( .‬حب الرب إهلك من كل قلبك‪ ،‬ومن كل نفسك‪ ،‬ومن كل قوتك)‪ .‬ويف الباب‬
‫اَخامس واألربعني من كتاب إشعياء – (‪( )5‬أان هو الرب وليس يَري‪ ،‬وليس دوين إله‪ ،‬شددتك ومل‬
‫تعرلين)‪( )6( .‬ليعلم الذبن هم من مشرق الشمس والذبن هم من املغرب أنه ليس يَري أان الرب‬
‫وليس آرر)‪ .‬لالواجب على أهل املشرق واملغرب أن بعلموا أن ال إله إال هللا وحده ال أن بعلموا أن‬
‫هللا اثلث ثماثة‪ .‬ويف اخآبة التاسعة من الباب السادس واألربعني من كتاب إشعياء – (‪( )2‬إين أان هللا‬
‫وليس يَري إهلا وليس ِل شبه)‪.‬‬
‫(القول الثالث) يف اخآبة الثانية والثماثني من الباب الثالث عشر من إجنيل مرقس قول املسيح عليه‬
‫السما هكذا‪( :‬وأما ذلك اليو وتلك الساعة لما بعلم هبما أحد وال املما كة الذبن يف السماء وال‬
‫االبن إال األب) وهذا القول بنادي على بطمان التثليث؛ ألن املسيح عليه السما رصص علم‬
‫وسوى بينه وبينهم يف هذا‪ ،‬وال ميكن‬
‫القيامة ابهلل‪ ،‬ونفى عن نفسه كما نفى عن عباد هللا اخآرربن‪َّ ،‬‬
‫هذا يف صور كونه إهلا‪ ،‬سيما إذا الحظنا أن الكلمة وأقنو االبن عباراتن عن علم هللا‪ ،‬ولرضنا‬
‫احتادمها ابملسيح‪ ،‬وأرذان هذا االحتاد على مذهب القا لني ابحللول‪ ،‬أو على مذهب اليعقوبية القا لني‬
‫ابالنقماب‪ ،‬لإنه بقتضي أن بكون األمر ابلعكس وال أقل من أن بعلم االبن كما بعلم األب‪ ،‬وملا مل‬
‫بكن العلم من صفات اجلسد لما جيري ليه عذرهم املشهور أنه نفى عن نفسه ابعتبار جسميته‪،‬‬
‫لظهر أنه ليس إهلا ال ابعتبار اجلسمية‪ ،‬وال ابعتبار يَرها‪.‬‬

‫(‪)298/1‬‬
‫(القول الرابع)‪ :‬يف الباب العشربن من إجنيل مىت هكذا‪( )20( :‬تقدمت إليه أ ابين زبدي مع ابنيها‬
‫وسجدت وطلبت منه شيئا)‪( )21( .‬لقال هلا‪ :‬ماذا تربدبن قالت له‪ :‬قل أن جيلس ابناي هذان‬
‫واحد عن ميينك واخآرر عن اليسار يف ملكوتك)‪( )22( .‬لأجاب بسوع) إخل‪( )23( .‬اجللوس عن‬
‫مييين وعن بساري لليس ِل أن أعطيه إال للذبن أعدهلم من أيب) انتهى ملخصا‪ .‬لنفى عيسى عليه‬
‫السما ههنا عن نفسه القدر ورصصها ابهلل‪ ،‬كما نفى عن نفسه علم الساعة ورصصه ابهلل‪ ،‬ولو‬
‫كان إهلا ملا صح هذا‪.‬‬
‫(القول اَخامس)‪ :‬يف الباب التاسع عشر من إجنيل مىت هكذا‪( )16( :‬وإذا واحد تقد وقال له‪ :‬أبها‬
‫املعلم الصاحل‪ ،‬أي صماح أعمل لتكون ِل احليا األبدبة؟)‪( )17( .‬لقال له‪ :‬ملاذا تدعوين صاحلا؟‬
‫ليس أحد صاحلا إال واحد وهو هللا)‪ .‬لهذا القول بقلع أصل التثليث‪ ،‬وما رضي تواضعا أن بطلق‬
‫عليه لفظ الصاحل أبضا‪ ،‬ولو كان إهلا ملا كان لقوله معىن‪ ،‬ولكان عليه أن ببني ال صاحل إال األب وأان‬
‫وروح القدس‪ ،‬ومل بمرر البيان عن وقت احلاجة‪ ،‬وإذا مل برض بقوله الصاحل لكيف برضى أبقوال أهل‬
‫التثليث اليت بتفوهون هبا يف أوقات صماهتم (اي ربنا وإهلنا بسوع ال تضيع من رلقت بيدك) حاشا‬
‫جنابه أن برضى هبا‪.‬‬
‫(القول السادس)‪ :‬يف الباب السابع والعشربن من إجنيل مىت هكذا‪( )46( :‬وحنو الساعة التاسعة‬
‫صرخ بسوع بصوت عظيم قا ل‪ :‬إبلي إبلي ملا شبقتين؟‪ .‬أي إهلي إهلي ملاذا تركتين؟)‪( )50( .‬لصرخ‬
‫بسوع أبضا بصوت عظيم وأسلم الروح)‪ .‬ويف اخآبة السادسة واألربعني من الباب الثالث والعشربن‬
‫من إجنيل لوقا هكذا‪( :‬واندى بسوع بصوت عظيم وقال‪ :‬اي أبتاه‪ ،‬يف بدبك أستودع روحي)‪ .‬وهذا‬
‫القول بنفي ألوهية املسيح رأسا‪ ،‬سيما على مذهب القا لني ابحللول أو االنقماب؛ ألنه لو كان إهلا ملا‬
‫استغاث إبله آرر أبن قال‪( :‬إهلي إهلي ملاذا تركتين؟ وملا قال‪ :‬اي أبتاه يف بدبك أستودع روحي)‪.‬‬
‫والمتنع العجز واملوت عليه‪ .‬اخآبة الثامنة والعشرون من الباب األربعني من كتاب أشعيا هكذا‪( :‬أما‬
‫عرلت أو ما مسعت إله سرمدي الرب الذي رلق أطراف األرض لن بضعف ولن بتعب وليس لحصا‬
‫عن حكمته)‪ .‬واخآبة السادسة من الباب الرابع واألربعني من الكتاب املذكور هكذا‪( :‬هكذا بقول‬
‫الرب مثلك إسرا يل ولادبه ابب اجلنود أان األول وأان اخآرر وليس إله يَري)‪ .‬واخآبة العاشر من‬
‫الباب العاشر من كتاب أرسياء هكذا‪( :‬أما الرب هو إله حق هو إله حي وملك سرمدي) إخل‪ .‬ويف‬
‫اخآبة الثانية عشر من الباب األول من كتاب حقوق هكذا‪( :‬اي رب إله قدوسي وال متوت)‪ .‬ويف اخآبة‬
‫السابعة عشر من الباب األول من الرسالة األوىل إىل تيمواثوس هكذا‪( :‬وملك الدهور الذي ال بفىن‬
‫ال بْرى اإلله احلكيم وحده)‪ .‬لكيف بعجز وميوت الذي هو إله سرمدي بريء من الضعف والتعب‬
‫حي قدوس ال ميوت؟‪ ،‬وال إله يَره‪ ،‬أبكون الفاين العاجز إهلا؟ حاشا وكما‪ ،‬بل اإلله احلقيقي هو‬
‫الذي كان عيسى عليه السما بستغيث به هذا الوقت على زعمهم‪ .‬والعجب أهنم ال بكتفون مبوت‬
‫اإلله‪ ،‬بل بعتقدون أنه بعد ما مات درل جهنم أبضا‪ .‬نقل جواد بن ساابط هذه العقيد من كتاب‬
‫(الصما ) املطبوع سنة (‪ )1506‬هكذا‪( :‬كما أن املسيح مات ألجلنا ودلن‪ ،‬لكذا البد أن نعتقد‬
‫أنه درل جهنم) انتهى‪.‬‬

‫(‪)299/1‬‬

‫(القول السابع)‪ :‬يف اخآبة السابعة عشر من الباب العشربن من (إجنيل بوحنا) قول املسيح عليه‬
‫السما يف رطاب مرمي اجملدلية هكذا‪( :‬ال تلمسيين؛ ألين مل أصعد بعد إىل أيب‪ ،‬ولكن اذهَب إىل‬
‫لسوى بينه وبني الناس يف هذا القول (أيب‬
‫إروِت وقوِل هلم‪ :‬إين أصعد إىل أيب وأبيكم وإهلي وإهلكم) َّ‬
‫وأبيكم وإهلي وإهلكم) لكيما بتقولوا عليه الباطل‪ ،‬ليقولوا‪ :‬إنه إله أو ابن إله‪ .‬لكما أن تماميذه عباد‬
‫هللا وليسوا أببناء هللا حقيقة‪ ،‬بل ابملعىن اجملازي‪ ،‬لكذلك هو عبد هللا وليس اببن هللا حقيقة‪ ،‬وملا كان‬
‫هذا القول بعد ما قا عيسى عليه السما من األموات على زعمهم قبل العروج بقليل‪ ،‬ثبت أنه كان‬
‫يت‬
‫بصرخ أبين عبد هللا إىل زمان العروج‪ ،‬وهذا القول بطابق ما حكى هللا عنه يف القرآن اجمليد‪َ :‬ما قْـل ْ‬
‫َهلْم إغالَّ ما أَمرتَغين بغ غه أ غ‬
‫َن ا يعبْ ْدواي هللاَ َرغيب َوَربَّ ْك يم [املا د ‪.]117:‬‬ ‫ي َ َي‬
‫(القول الثامن)‪ :‬يف اخآبة الثامنة والعشربن من الباب الرابع عشر من إجنيل بوحنا قول املسيح عليه‬
‫السما هكذا‪( :‬إن أيب أعظم مين) لفيه أبضا نفي أللوهيته؛ ألن هللا ليس كمثله شيء لضما عن أن‬
‫بكون أعظم منه‪.‬‬
‫(القول التاسع)‪ :‬يف اخآبة الرابعة والعشربن من الباب الرابع عشر من إجنيل بوحنا قول املسيح عليه‬
‫السما هكذا‪( :‬الكما الذي تسمعونه ليس ِل‪ ،‬بل لَلب الذي أرسلين) لفيه أبضا تصربح ابلرسالة‪،‬‬
‫وأبن الكما الذي تسمعونه وحي من جانب هللا‪.‬‬
‫(القول العاشر)‪ :‬يف الباب الثالث والعشربن من (إجنيل مىت) قول املسيح عليه السما يف رطاب‬
‫تماميذه هكذا‪( )9( :‬وال تدعوا لكم أاب على األرض؛ ألن أابكم واحد الذي يف السماوات)‪)10( .‬‬
‫(وال تدعوا معلمني؛ ألن معلمكم واحد املسيح)‪ .‬لهنا أبضا صرح‪( :‬أبن هللا واحد وإين معلم لكم)‪.‬‬
‫(القول احلادي عشر)‪ :‬يف الباب السادس والعشربن من (إجنيل مىت) هكذا‪( )36( :‬حينئذ جاء معهم‬
‫بسوع إىل ضيعة بقال هلا‪ :‬جشيماين‪ .‬لقال للتماميذ‪ :‬اجلسوا ههنا حىت أمضي وأصلي هناك)‪)37( .‬‬
‫(مث أرذ معه بطرس وابين زبدي وابتدأ حيزن وبكتئب)‪( )38( .‬لقال هلم‪ :‬نفسي حزبنة جدا حىت‬
‫ورر على وجهه‪ ،‬وكان بصلي قا ما‪ :‬اي‬ ‫املوت‪ ،‬امكثوا ههنا واسهروا معي)‪( )39( .‬مث َّ‬
‫تقد قليما َّ‬
‫أبتاه إن أمكن للتعرب عين هذه الكأس ليس كما أربد‪ ،‬بل كما تربد أنت)‪( )40( .‬مث جاء إىل‬
‫التماميذ ‪ ...‬إخل)‪( )42( .‬لمضى أبضا اثنية‪ ،‬وصلى قا ما‪ :‬اي أبتاه إن مل بكن أن تعرب عين هذه‬
‫الكأس أال أشرهبا للتكن مشيئتك)‪( )43( .‬مث جاء ‪ ...‬إخل)‪( )44( .‬لرتكهم ومضى أبضا‪ ،‬وصلى‬
‫اثلثة قا ما ذلك الكما بعينه)‪ .‬لأقواله وأحواله املندرجة يف هذه العبارات تدل على عبودبته ونفي‬
‫ألوهيته‪ .‬أحيزن وبكتئب اإلله وميوت وبصلي إلله آرر وبدعو بغابة التضرع؟ ال وهللا‪ .‬وملا جاء جنابه‬
‫الشربف إىل العامل‪ ،‬وُتسد؛ ليخلص العامل بدمه الكرمي من عذاب اجلحيم‪ ،‬لما معىن احلزن‬
‫واالكتئاب‪ ،‬وما معىن الدعاء‪ :‬بـ (إن أمكن للتعرب عين هذه الكأس)؟!‬
‫(القول الثاين عشر)‪ :‬كان من عادته الشربفة أنه إذا عرب عن نفسه كان بعرب اببن اإلنسان يالبا كما‬
‫ال خيفى على انظر هذا اإلجنيل املروج أبضا‪ :‬مثما يف اخآبة ‪ 20‬ابب ‪ 6 ،8‬ابب ‪ 27 ،13 ،9‬ابب‬
‫‪ 22 ،12 ،9 ،16‬ابب ‪ 11 ،17‬ابب ‪ 28 ،18‬ابب ‪ 28 ،18 ،19‬ابب ‪ 27 ،20‬ابب ‪،24‬‬
‫وظاهر أن ابن اإلنسان ال بكون إال إنساان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ 64 ،35 ،24‬ابب ‪ 26‬من إجنيل مىت وهكذا يف يَره‪،‬‬
‫‪O‬إظهار احلق لرمحة هللا اهلندي ‪ 736 /3‬لما بعدها‬

‫(‪)300/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬االحتاد‪( :‬التجسد)‪:‬‬


‫وحل بني‬
‫االحتاد لدى النصارى املراد به هو‪ :‬أن هللا ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬اختذ جسد املسيح له صور ‪َّ ،‬‬
‫الناس بصور إنسان هو املسيح‪ ،‬تعاىل هللا عما بقولون‪.‬‬
‫أدلتهم على دعواهم يف االحتاد (التجسد)‪:‬‬
‫النصارى بزعمون أن هلم أدلة على هذه الدعوى‪ ،‬ومن أظهر ما بستدلون به على ذلك ما ورد يف‬
‫إجنيل بوحنا يف بدابته (‪ )14 - 1 /1‬من قول صاحب اإلجنيل‪( :‬يف البدء كان الكلمة‪ ،‬والكلمة كان‬
‫وحل بيننا)‪.‬‬
‫عند هللا‪ ،‬وكان الكلمة هللا ‪ ...‬والكلمة صار جسدا َّ‬
‫ومن أدلتهم أبضا ما ورد يف إجنيل مىت (‪ )23 /1‬من البشار ابملسيح وهو قوهلم‪( :‬وهذا كله كان‬
‫لكي بتم ما قيل من الرب ابلنَب القا ل‪( :‬هو ذا العذراء حتبل وتلد ابنا‪ ،‬وبدعون امسه) عمانو يل‬
‫(الذي تفسَره هللا معنا)‪.‬‬
‫وبستدلون أبضا بقول بولس يف رسالته األوىل لتيمواثوس (‪( :)16 /3‬عظيم هو سر التقوى‪ .‬هللا ظهر‬
‫يف اجلسد‪ ،‬تربر يف الروح)‪.‬‬
‫كما بستدلون أبضا مبا ورد يف الرسالة إىل العربانيني (‪:)2 /1‬‬
‫(الذي به أبضا عمل العاملني الذي هو هباء جمده‪ ،‬ورسم جوهره‪ ،‬وحامل كل األشياء بكلمة قدرته)‪.‬‬
‫لهذا أهم ما بستدلون به وبعولون عليه يف هذه القضية اَخطَر والعقيد العجيبة‪.‬‬
‫الرد عليهم‪:‬‬
‫بْرد على النصارى يف هذه العقيد الباطلة من عد أوجه‪:‬‬
‫جل جماله‪ ،‬وتقدست أمساؤه قد‬
‫أوال‪ :‬هذه العقيد من املستحيل عقما قبوهلا؛ ألهنا تعين أن هللا َّ‬
‫تقمص هيئة النطفة أو هيئة اجلنني‪ ،‬ودرل يف بطن مرمي‪ ،‬وعاش يف تلك األوحال واألقذار لرت من‬
‫ومتر عليه أحوال وأطوار اجلنني والوضع مث الطفولة ومستلزماهتا‪.‬‬
‫الزمن‪ ،‬برتضع الد مث اللنب‪ُّ ،‬‬
‫لهل يف األقوال والتصورات أشد بطماان وأقبح تصورا من هذه العقيد وهذه املقولة؟ إن اإلنسان‬
‫السوي ليعجز عن التعبَر عن قباحة مثل هذه اللواز هلذه املقولة الفاسد ‪.‬‬
‫مث بقال هلم‪ :‬من الذي كان بدبر العامل وبدبر شمونه‪ ،‬وربه وسيده ومدبره يف زعمهم الفاسد يف بطن‬
‫امرأ بتقلب بني الفرث والد ؟ لهل بعقل النصارى ما بقولون وبزعمون‪ ،‬أ ال بعقلون؟‬
‫اثنيا‪ :‬إن دعوى التجسد لدبهم مبا ليها من اللواز الفاسد ‪ ،‬والتصورات القبيحة املهينة يف حق هللا‬
‫جل جماله‪ ،‬وتقدست أمساؤه إَنا هي مربرات للصلب مث الفداء يف زعمهم ‪ -‬وسيأِت بيان بطمان‬
‫َّ‬
‫ذلك كله‪ ،‬وأهنا من َمرتعات النصارى اليت ال دليل عليها ‪ -‬لعلى ذلك لما بين على ابطل لهو‬
‫ابطل أبضا‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬ما بستندون إليه ِما ورد يف إجنيل بوحنا لقد سبق بيان عد الثقة به؛ لعد وجود إسناد بثبت‬
‫صرح الكثَر من النصارى‪ -‬كما سبق‬
‫صحة ذلك اإلجنيل‪ ،‬وأنه أقل الكتب نصيبا من الصحة‪ ،‬بل َّ‬
‫بيانه‪ -‬أبنه إجنيل مزور‪ ،‬كما أن النص املذكور منه هو نص مضطرب لفظا ومعىن‪ ،‬وال بتضح مدلوله‪،‬‬
‫إَنا بنبئ عن عقيد مهزوز مضطربة‪ ،‬ليست واضحة املعامل لدى قا له‪ ،‬لقوله‪( :‬يف البدء كان‬
‫الكلمة)‪ .‬ما هو الذي كان الكلمة؟ إذا كان هللا تعاىل‪ ،‬لهل هللا كلمة؟ هذا ما ببدو من سياق العبار‬
‫حيث بضيف (وكان الكلمة هللا) لهل يف عقيد النصارى أن هللا كلمة؟‬
‫ذلك ابطل وال بقول به النصارى‪ ،‬كما أن معىن ذلك أن كلمة أنتجت كلمة‪ ،‬والكلمة األوىل هي هللا‪،‬‬
‫والكلمة الثانية هي املسيح‪ ،‬وال بقول النصارى بذلك‪ ،‬لهي عبار مضطربة ال معىن هلا يف عقيد‬
‫النصارى‪.‬‬
‫مث ما املراد ابلبدء؟ هل بعىن ذلك بدابة هللا‪ ،‬أ بدابة الكلمة اليت بزعمون أهنا املسيح؟ كمامها ابطل‬
‫يف عقيد النصارى‪ ،‬لهم بعتقدون أن هللا أزِل والكلمة معه أزلية‪ ,‬وأن هللا مل بسبق املسيح يف الوجود‪،‬‬
‫لهذه أبضا ال مدلول وال معىن هلا يف عقيد النصارى‪ ،‬بل هي تناقض عقيدهتم‪.‬‬

‫(‪)301/1‬‬

‫وما بعدها أعجب منها حيث بقول‪( :‬وكان الكلمة عند هللا)‪ .‬لكيف هي هللا؟ وكيف هي عنده؟ هذا‬
‫ما ال بقبله العقل السليم‪ ،‬أما عقول النصارى الضالة لتقبله؛ ألهنم بزعمون أن املسيح هو ابن هللا‬
‫وهو هللا‪ ،‬وهو عند هللا يف وقت واحد‪.‬‬
‫حل بيننا)‪ .‬هذا بيت القصيد لدى النصارى‪ ،‬وهو أن الكلمة‬ ‫مث قوله‪( :‬والكلمة صار جسدا مث َّ‬
‫حتولت إىل جسد‪ ،‬وهو املسيح‪ ،‬وحلَّت بني الناس‪ ،‬ومرادهم ابلكلمة يف َتوبماهتم الفلسفية‪ :‬عقل هللا‬
‫أو لكر هللا‪ ،‬وهي مقولة الفماسفة الوثنيني حيث زعموا أن الواحد ال بصدر عنه إال واحد‪ ،‬وهذا‬
‫الذي صدر عنه هو العقل الفعَّال‪ ،‬وهو الذي ْرلق العامل بواسطته‪ ،‬لهذه مقولة الفماسفة اقتبسها‬
‫كاتب اإلجنيل‪ ،‬وضمنها كتابه بدون أي مستند من وحي مساوي‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬النص املذكور من إجنيل مىت واستشهادهم ابلنبوء السابقة قد سبق بيان أهنا يلط من‬
‫أيماطهم‪ ،‬ومن دال ل حتربفهم‪ ،‬وأن ما كتبوه إَنا أمماه البشر‪ ،‬وليس من عند هللا؛ إذ إن هذه النبوء‬
‫املقصود هبا شخص آرر ولد وحتققت النبوء ‪ ،‬وانتهت يف زمن ذلك النَب (إشعياء)‪ ،‬كما نص على‬
‫ذلك العهد القدمي‪.‬‬
‫لعليه لهو استشهاد راطئ‪ ،‬وما بين عليه رطأ وضمال‪ ،‬مث إن النصارى‪ -‬لتعمقهم يف إضمال‬
‫أنفسهم وأتباعهم‪ -‬حيرلون تفسَره من (هللا معنا) إىل (هللا ظاهر لنا)‪ ،‬ومعلو أن معية هللا ال بتضح‬
‫منها التجسد صراحة‪ ،‬لأضالوا (هللا ظاهر لنا) حىت تكون مفسر للمعية‪ ،‬وهذا من تعمقهم يف‬
‫الضمال وإضمال الناس‪.‬‬
‫رامسا‪ :‬ما أوردوه من كما بولس هو كما مردود عليه ويَر مقبول؛ إذ جيب عليه أن ببني مستنده‬
‫ملا بقول من كما املسيح نفسه‪ ،‬وإال بعترب مدعيا كاذاب‪ ،‬وهذه حقيقة ذلك الرجل الذي أضل‬
‫النصارى عن دبن املسيح حيث تنسب إليه مجيع التحربفات اليت عليها النصارى‪.‬‬
‫صح كمامهم يف نسبة الرسالة إىل بولس لالقول ليها‬
‫سادسا‪ :‬ما أوردوه من الرسالة إىل العربانيني‪ ،‬لإن َّ‬
‫ما سبق‪ .‬وإن مل بثبت نسبتها إىل بولس‪ ،‬لكيف أيرذ النصارى عقيد رطَر كهذه من كتاب ال‬
‫بعرف كاتبه‪ ،‬وال بدرى من هو؟! كما بدلنا هذا على مستوى اهتما النصارى ابألمور الدبنية‬
‫وعنابتهم بصحة ثبوهتا والثقة بناقليها‪ ،‬حيث إهنم اعتمدوا على أقوال اجملهولني والنكرات يف أرطر‬
‫عقيد بعتقدوهنا‪ ،‬وهي التجسد املزعو ‪ ،‬وذلك ببني لنا مدى وضوح النداء القرآين هلم يف قوله عز‬
‫يل َوما أن غز َل إغلَيي ْكم غمن َّربغ ْك يم‬ ‫غغ‬ ‫اب لَستْم َعلَى َشي ٍء ح َّ غ‬ ‫غ‬
‫يمواي التـ يَّوَرا َ َواإلجن َ‬
‫ىت تْق ْ‬
‫ي َ َ‬ ‫وجل‪ :‬قْ يل َاي أ يَه َل اليكتَ غ ي ي‬
‫[املا د ‪.]68:‬‬
‫سابعا‪ :‬أن هذه العقيد مع رلوها من النصوص الشرعية اليت تثبتها لهي مناقضة للعقل‪ ،‬وبعرتف‬
‫النصارى بذلك‪ ،‬وجيعلوهنا من األسرار‪ ،‬ويف هذا بقولون عن التجسد‪( :‬لهو سر األسرار الذي ليه‬
‫بستعلن هللا العظيم األبدي إىل اإلنسان الضعيف يف صور الناس املنظور وحتت حكم الزمن‪،‬‬
‫وابلعقل ال بدرك اإلنسان من هذا السر شيئا‪ ،‬وإَنا ميكن للروحانيني ابلروح القدس أن بعرلوا حىت‬
‫أعماق هللا)‪.‬‬
‫لقد قطع النصارى على أنفسهم نعمة النظر واستخدا العقل الذي وهبهم هللا إايه‪ ،‬وحتكموا يف‬
‫أتباعهم إبجبارهم على إلغاء عقوهلم ليما ميلون عليهم من ترهات وسخالات‪ ،‬وذلك بقوهلم بزعمهم‪:‬‬
‫(أهنا سر ال بدرك) وال بفهم وال بعرف‪ .‬واألمر إذا رما من الدليل الشرعي والدليل العقلي ال بكون‬
‫إال من إمماء الشياطني وأتباعهم‪.‬‬

‫(‪)302/1‬‬

‫مث إن النصارى خيدعون الناس مبا بزعمون من أن األمر بدرك ابلروح القدس‪ .‬لإن هذا من الكما‬
‫الفارغ الذي ال معىن حتته؛ ألن معىن قوهلم هذا أن قبول شخص من األشخاص هلذه العقيد إَنا بتم‬
‫ابلروح القدس‪ ،‬لإذا مل بقبلها عقله وال قلبه بناء على رلوها من الدليل الشرعي والعقلي‪ ،‬قالوا له‪:‬‬
‫إن الروح القدس مل بهبك اإلميان هبا‪.‬‬
‫وهذا كما لارغ؛ إذ من املعلو أن مجيع الوثنيني بممنون برتهاهتم وشركهم‪ ،‬وإمياهنم هبا مل بقم على‬
‫دليل شرعي وال عقلي‪ ،‬وهذا وجه بطمان عقا دهم‪ .‬إذا لقبوهلم هلا متَّ عن طربق التسليم لعلما هم‬
‫ودعاهتم بدون دليل أو وعي صحيح‪ ،‬لمن هنا بشبه النصارى الوثنيني من انحية دعواهم بوجوب‬
‫التسليم ملقولتهم بدون استناد على الشرع‪ ،‬أو استخدا للعقل يف القضية‪.‬‬
‫أما الروح القدس لأقحم هنا إقحاما‪ ،‬وإال لما الذي بثبت أن الروح القدس هو الذي جعل أحدهم‬
‫بممن مبا بقال له‪ ،‬وليس شيطاان من الشياطني؟ كيف بفرق اإلنسان بني االثنني؟ ليس هناك وسيلة‬
‫للتفربق إال ابلدليل الشرعي والعقلي معا‪ .‬وقد استطاع النصارى خببث شدبد أن بعطلومها وبلغومها ملا‬
‫زعموا أن األمر سر من األسرار الكنسية اليت جيب اإلميان به إمياان جمردا عن الفهم‪.‬‬
‫وهم إذا عجزوا عن لهم قضية وإقامة الدليل عليها زعموا أهنا سر‪ .‬والز ذلك‪ :‬أن كبارهم‬
‫وعلماءهم إما أن بعلموا ذلك السر أوال بعلمونه‪.‬‬
‫واحلقيقة أهنم ال بعلمونه وال بدرون له وجها‪ ،‬وأن علم الطالب املبتدئ منهم مثل علم أكرب القسس‬
‫ليهم يف مثل هذه القضااي‪ ،‬وإذا كان أمر ال بعرله الكبَر وال الصغَر لكيف بقبلونه؟! لما ابلشرع‬
‫استناروا‪ ،‬وال ابلعقل اسرتشدوا‪ ،‬ودعوى أن الروح القدس بعلمهم‪ ،‬دعوى لارية ال حقيقة هلا‪ ،‬وإال‬
‫وجب أن بوحى إليهم ابلسر‪ ،‬وهم بعلمون الناس‪ ،‬حىت تكون للناس قناعة‪ ،‬وهم أنفسهم جيدوا‬
‫القناعة مبا بقولون وبعتقدون‪.‬‬
‫مث ما هذه الدعوى العربضة اليت زعموا‪ ،‬وهي أن الروحانيني بعرلون أعماق هللا‪ ،‬ماذا بعرلون عن‬
‫أعماق هللا؟‬
‫جل وعما مبا ال بستطيعون أن أيتوا منه‬‫انظر كيف لتحوا الباب لمالرتاء على هللا والكذب عليه َّ‬
‫ش يي ٍء غم ين غعل غيم غه إغالَّ غمبَا َشاء [البقر ‪ .]255:‬وبقول‪َ :‬وَال‬
‫بشيء‪ ،‬وهللا عز وجل بقول‪َ :‬والَ ْغحييطْو َن بغ َ‬
‫جل وعما عن الرتاءات اجلاهلني وخترصات املتخرصني الظاملني‪.‬‬ ‫ْغحييطْو َن بغ غه غعليما [طه‪َّ ]110:‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪296‬‬

‫(‪)303/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الصلب‪:‬‬


‫الصلب هوالتعليق على رشبة الصليب‪.‬‬
‫واليهود والنصارى بعتقدون أن املسيح عليه السما مات مصلواب‪.‬‬
‫وبزعم اليهود أن املسيح كفر ابهلل؛ هلذا محلوا عليه وطالبوا بدمه‪ ،‬وزعموا أنه مات مصلواب‪.‬‬
‫واملوت على الصليب بستلز اللعنة عندهم‪ ،‬لقد ورد يف سفر التثنية (‪( :)22 /21‬وإذا كان على‬
‫إنسان رطيئة حقها املوت لقتل وعلقته على رشبة‪ ،‬لما تبت جثته على اَخشبة‪ ،‬بل تدلنها يف ذلك‬
‫اليو ؛ ألن املعلق ملعون من هللا)‪.‬‬
‫أما النصارى لهم بعتقدون كذلك أن املسيح مات مصلواب‪ ،‬إال أهنم بعللون ذلك أبنه صلب لداء‬
‫للبشر؛ لتخليصهم من رطيئة أبيهم آد عليه السما ‪ ،‬وهي أكله من الشجر اليت هني عنها‪،‬‬
‫لانتقلت تلك اَخطيئة إىل أبنا ه‪ ،‬وأيضبت هللا عليهم أبضا‪ ،‬لكان البد من وسيط بتحمل هذا اإلمث‪،‬‬
‫وبرضى أبن ميوت على الصليب‪ ،‬وهذا الوسيط املخلص يف زعمهم البد أن بكون ذا وضع متميز‬
‫رال من اإلمث واَخطأ‪ ،‬وال بكون هذا إال ابن هللا ‪ -‬الذي هو هللا يف زعمهم‪ -‬مث البد أن بكتسب‬
‫اَخطيئة عن طربق اجلسد‪ ،‬لهذا ما جعله بتجسد يف صور عيسى‪ ،‬وخيرج من بطن مرمي مث ميوت على‬
‫الصليب لداء للبشر‪ ،‬لَرضى هللا بذلك عن بين آد ‪ ،‬وترتفع عنهم تلك اَخطيئة؛ ألهنم بزعمون أن‬
‫جل وعما منذ وقع آد يف اَخطيئة‪ ،‬وهو يضبان على بين آد بسبب اَخطيئة‪ ،‬والبد بناء على‬
‫هللا َّ‬
‫عدله أن بعذهبم‪ ،‬وهو بناء على رمحته حيب أن برمحهم‪ ،‬لأنزل ابنه ليكون الوسيط والفداء الذي بقع‬
‫عليه العدل‪ ،‬ليعذب على الصليب حىت املوت‪ ،‬ليكون موته لداء لبين آد ‪ ،‬ليمكن بعد ذلك رمحة‬
‫حل ابلوسيط املخلص‪ ،‬لكان هبذا املسيح هو الذي مجع بني عدل هللا‬
‫بين آد ؛ ألن العقاب قد َّ‬
‫ورمحته‪ ،‬ولتح ابب رمحة هللا َخلقه مر أررى‪.‬‬
‫لتبني أن هنا أمران ومها‪ :‬الصلب‪ ،‬والفداء لنبني ما بتعلق بكل واحد منهما‪:‬‬
‫الصلب‪:‬‬
‫أ‪ -‬قصة الصلب إمجاال كما وردت يف األانجيل‪:‬‬
‫بعتقد النصارى كما سبق بيانه أن املسيح مات مصلواب‪ .‬وقصة الصلب كما وردت يف األانجيل‬
‫ابرتصار هي‪ :‬أن املسيح عليه السما طلبه اليهود ليقتلوه؛ ألنه يف زعمهم كفر ابهلل‪َّ ،‬‬
‫لدهلم على‬
‫مكانه أحد أتباعه‪ -‬وهو بهوذا اإلسخربوطي‪ -‬بعد أن أيروه ابملال‪ ،‬لقبضوا عليه ليلة اجلمعة بعد أن‬
‫وجل أن ال بذبقه هذه الكأس‪ ،‬مث ساقوه‬
‫عز َّ‬
‫كان قد لرغ من صما طوبلة تضرع وتوسل ليها إىل هللا َّ‬
‫إىل دار ر يس كهنة اليهود الذي حتقق من أنه مستحق للقتل‪ ،‬مث محل إىل دار الواِل الروماين الذي‬
‫حكم عليه ابلصلب بناء على ريبة اليهود‪ ،‬لصلب الساعة الثالثة صباحا من بو اجلمعة ومات على‬
‫الصليب الساعة التاسعة مساء‪ ،‬أي‪ :‬وقت العصر‪ ،‬بعد أن صاح‪( :‬إهلي إهلي ملاذا تركتين)‪.‬‬
‫مث أْنغيزل من الصليب يف تلك الليلة‪ ،‬وأ غْد يرل قربا بقي ليه تلك الليلة‪ ،‬مث هنار السبت‪ ،‬مث ليلة األحد‪،‬‬
‫وملا جاؤوا إليه صباح األحد وجدوا القرب راليا‪ ،‬وقيل هلم‪ :‬إنه قا من قربه مث إنه ظهر هلم يف اجلليل‬
‫وكلمهم‪ ،‬وبقي معهم أربعني بوما‪ ،‬مث ارتفع إىل السماء وهم بنظرون إليه‪ ،‬هذا ما ورد يف األانجيل عن‬
‫قصة الصلب امجاال‪.‬‬
‫ب‪ -‬ارتماف املعلومات الوارد يف األانجيل عن الصلب‪:‬‬
‫إذا نظران إىل قصة الصلب يف األانجيل جندها َمتلفة يف أكثر نقاطها‪ ،‬وإليك بيان االرتمالات‬
‫املوجود يف روابة هذه القصة‪:‬‬
‫‪ - 1‬ذكر لوقا‪ :‬أن ملكا من املما كة تراءى للمسيح بقوي عزميته يف آرر صما صماها‪ .‬ومل بذكر‬
‫ذلك اخآررون‪.‬‬
‫مىت ومرقص‪،‬‬
‫‪ - 2‬ذكر لوقا‪ :‬أن املسيح صلى مر واحد ‪ ،‬ومل بوقظ تماميذه إال مر واحد ‪ ،‬أما َّ‬
‫لذكرا أن ذلك تكرر ثماث مرات‪ ،‬وبوحنا مل بذكر من ذلك شيئا‪.‬‬

‫(‪)304/1‬‬

‫مىت ومرقص ولوقا ورد ليها‪ :‬أن العمامة بني بهوذا الذي َّ‬
‫دل اليهود على‬ ‫‪ - 3‬أن األانجيل الثماثة َّ‬
‫مكان املسيح‪ ،‬واليهود الذبن جاؤوا للقبض على املسيح هي أن من بقبله لهو املسيح‪ ،‬وبوحنا ذكر‬
‫أن املسيح ررج إليهم وسأهلم عمن بطلبون‪ ،‬لقالوا‪ :‬بسوع‪ .‬لقال هلم‪ :‬أان هو‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن بوحنا ذكر‪ :‬أن اليهود ملا قبضوا على املسيح ساقوه إىل حنان الذي كان محا لر يس الكهنة‬
‫قيالا‪ ،‬أما األانجيل األررى للم تذكر ذلك‪ ،‬بل ذكرت أهنم ذهبوا به مباشر إىل قيالا ر يس كهنة‬
‫اليهود‪.‬‬
‫‪ - 5‬ذكر بوحنا‪ :‬أن بطرس وتلميذا آرر تبعا املسيح إىل ر يس الكهنة بعد أن قبض عليه‪ ،‬أما‬
‫اخآررون للم بذكروا سوى بطرس الذي ررج بعد ذلك‪ ،‬ومل بشاهد احملاكمة‪.‬‬
‫‪ - 6‬سمال ر يس الكهنة للمسيح وقت احملاكمة حسب مرقص‪( :‬أأنت املسيح ابن املبارك؟ لقال‬
‫بسوع‪ :‬أان هو‪ ،‬وسوف تبصرون ابن اإلنسان جالسا عن ميني القو وآتيا يف سحاب السماء)‪.‬‬
‫مىت‪( :‬أستحلفك ابهلل احلي أن تقول لنا هل أنت املسيح ابن هللا؟ قال له بسوع‪ :‬أنت قلت‪.‬‬
‫ويف َّ‬
‫وأبضا أقول لكم‪ :‬من اخآن تبصرون ابن اإلنسان جالسا عن ميني القو وآتيا على سحاب السماء)‪.‬‬
‫ويف لوقا أن اجلماعة سألوه‪( :‬إن كنت أنت املسيح لقل لنا‪ ،‬لقال هلم‪ :‬إن قلت لكم ال تممنون‪ ،‬وإن‬
‫سألتكم ال ُتيبوين وال تطلقوين‪ .‬ولكن من اخآن بكون ابن البشر جالسا عن ميني قدر هللا‪ .‬لقال‬
‫اجلميع‪ :‬ألأنت ابن هللا؟ لقال هلم‪ :‬أنتم تقولون‪ :‬إين أان هو)‪.‬‬
‫ويف بوحنا أن ر يس الكهنة سأل املسيح عن تماميذه وعن تعليمه‪ ،‬لأجابه‪ ،‬وليس يف شيء منها قوله‬
‫السابق عن نفسه‪.‬‬
‫‪ - 7‬األانجيل الثماثة ذكرت‪ :‬أن املسيح ملا ذهب به اليهود إىل بيماطس الواِل الروماين‪ ،‬لسأله عما‬
‫بتهمونه به من أنه ملك اليهود‪ ،‬مل جيبه املسيح بشيء حىت تعجب منه بيماطس‪.‬‬
‫أما أجنيل بوحنا ليذكر كماما بني املسيح وبيماطس‪.‬‬
‫‪ - 8‬األانجيل الثماثة ذكرت أن الصليب الذي صلب عليه املسيح سخر له رجل امسه (مسعان‬
‫القَرواين) حلمله‪.‬‬
‫أما أجنيل بوحنا ليذكر أن املسيح هو الذي محل صليبه‪.‬‬
‫‪ - 9‬ذكر لوقا‪ :‬أن املسيح التفت إىل اجلموع وهو يف طربقه إىل الصليب‪َّ ،‬‬
‫وحذرهم ِما سيقع هلم يف‬
‫األاي القرببة من األمور اَخطَر العظيمة‪ .‬ومل بذكر ذلك أي من األانجيل األررى‪.‬‬
‫‪ - 10‬إن علة صلب املسيح حسب لوقا مكتوبة على الصليب هكذا (هذا هو ملك اليهود)‬
‫ابليواننية والماتينية‪ ،‬والعربانية‪.‬‬
‫ويف مرقص (ملك اليهود) ومل بذكر اللغات اليت كتب هبا‪.‬‬
‫مىت (هذا هو بسوع ملك اليهود) ومل بذكر اللغات‪.‬‬
‫ويف َّ‬
‫ويف بوحنا (بسوع النصارى ملك اليهود) ابليواننية والماتينية والعربانية‪.‬‬
‫ومىت ذكرا‪ :‬أن اللصني اللذبن صلبا مع املسيح كاان بعَرانه مع الناس‪.‬‬
‫‪ - 11‬أن مرقص َّ‬
‫عَره‪ ،‬أما اخآرر َّ‬
‫لرد عليه‪ ،‬ودالع عن املسيح‪ ،‬ومل بذكر بوحنا ذلك‪.‬‬ ‫أما لوقا لقد ذكر‪ :‬أن أحدمها َّ‬
‫‪ - 12‬ذكر بوحنا‪ :‬أنه كان بقف عند الصليب أ املسيح وأرت أمه ومرمي اجملدلية مع التلميذ الذي‬
‫حيبه املسيح‪ ،‬وبعين نفسه‪.‬‬
‫ومىت لقد ذكروا‪ :‬أن نساء من بعيد كن بنظرن إليه‪ ،‬من بينهن مرمي اجملدلية ومرمي أ‬
‫وأما لوقا ومرقص َّ‬
‫بعقوب الصغَر وبسى وسالومة وأرر كثَرات‪ ،‬ومل بذكروا حضور أي تلميذ من تماميذه الصلب‪.‬‬
‫مىت ومرقص‪ :‬أن املسيح صرخ يف الساعة التاسعة وقال‪( :‬ألوى ألوى ملا شبقتين‪ .‬الذي‬
‫‪ - 13‬يف َّ‬
‫تفسَره (إهلي إهلي ملاذا تركتين؟)‪.‬‬
‫ويف لوقا قال‪( :‬واندى بسوع بصوت عظيم قا ما‪ :‬اي أبت يف بدبك أستودع روحي)‪.‬‬
‫ويف بوحنا أنه مل بصرخ وإَنا قال‪( :‬قد أكمل‪ ،‬ونكس رأسه‪ ،‬وأسلم الروح)‪.‬‬

‫(‪)305/1‬‬

‫مىت‪( :‬انشق حجاب اهليكل‪ ،‬واألرض‬


‫‪ - 14‬االرتماف يف األحداث بعد الصلب حيث قال َّ‬
‫تزلزلت‪ ،‬والصخور تشققت‪ ،‬والقبور تفتحت‪ ،‬وقا كثَر من أجساد القدبسني الراقدبن‪ ،‬وررجوا من‬
‫القرب بعد قيامته‪ ،‬ودرلوا املدبنة املقدسة وظهروا لكثَربن)‪.‬‬
‫ويف مرقص (انشق حجاب اهليكل إىل اثنني)‪.‬‬
‫ويف لوقا (أظلمت الشمس وانشق حجاب اهليكل)‪.‬‬
‫وبوحنا مل بذكر من ذلك شيئا‪.‬‬
‫‪ - 15‬االرتماف يف عدد ووقت الذبن جاؤوا صباح األحد ملشاهد القرب الذي ليه املسيح ووجدوه‬
‫راليا ‪ -‬وقد سبق ذكر ذلك‪.‬‬
‫لهذه االرتمالات العدبد بينهم يف روابة أعظم حادث يف حيا املسيح‪ -‬حسب معتقد النصارى‪-‬‬
‫دل على شيء لإَنا ُّ‬
‫بدل على أنه ليس لدبهم علم ممكد وحمقق يف هذا األمر‪ ،‬وأن‬ ‫وهو‪ :‬الصلب‪ ،‬إن َّ‬
‫ذلك كله من ابب الظن واَخرص الذي ال بغين من احلق شيئا‪ ،‬ولو كان عندهم ليه شيء مدون‪ ،‬أو‬
‫روا ثقات عابنوا وشاهدوا األحداث ملا ارتلفوا ليه‪ .‬وإن من داللة صدق الروا حلدث من احلوادث‬
‫اتفاقهم على روابة اَخرب وتفاصيل وقا عه‪ ،‬وإن من داللة كذب الروا أو عد علمهم به ارتمالهم يف‬
‫روابة اَخرب وتبابن كمامهم عنه‪ .‬وهذا حقيقة حال النصارى يف هذا احلادث الذي قامت النصرانية‬
‫احملرلة كلها عليه‪ ،‬كما سبق بيانه‪ ،‬لإهنم ليس عندهم علم به ممكد‪ ،‬إن بظنون إال ظنا‪ .‬وانظر واستمع‬
‫وجل‪َ :‬وقَـ يوهلغغ يم إغ َّان قَـتَـلينَا‬
‫عز َّ‬ ‫وجل يف تعبَره عن الواقعة وعن رواهتا حيث قال َّ‬ ‫عز َّ‬ ‫إىل دقة كما هللا َّ‬
‫بن ا يرتَـلَ ْفواي لغ غيه لَغفي‬ ‫َّ غ‬ ‫غ غ‬ ‫اليم غسيح غعيسى ابن مرَمي رس َ غ‬
‫صلَبْوهْ َولَكن ْشبهَ َهلْ يم َوإغ َّن الذ َ‬
‫ول هللا َوَما قَـتَـلْوهْ َوَما َ‬ ‫َ َ َ ي َ َي َ َ ْ‬
‫اع الظَّ غن َوَما قَـتَـلْوهْ بَغقينا بَل َّرلَـ َعهْ هللاْ إغلَيي غه َوَكا َن هللاْ َع غزبزا َح غكيما‬ ‫غ غ‬ ‫َش ٍ غ‬
‫ك م ينهْ َما َهلْم بغ غه م ين عل ٍيم إغالَّ اتغبَ َ‬
‫[النساء‪]158 - 157:‬‬
‫وبني أن األمر قد ْشبغه على اليهود الذبن زعموا أهنم‬ ‫جل وعما عد صلبه‪ ،‬وأنه رلعه إليه‪َّ ،‬‬ ‫لأكد هللا َّ‬ ‫َّ‬
‫صلبوه‪ ،‬كما أن الذبن ارتلفوا ليه‪ -‬وهم النصارى الضالون‪ -‬علمهم ليه يَر ممكد؛ إذ هم متبعون‬
‫مىت‪ ،‬ومرقس‪ ،‬ولوقا‪ ,‬قد ذْكر ليها‪:‬‬
‫للظن يف قوهلم وزعمهم‪ ،‬وبمكد ذلك وببينه أن األانجيل الثماثة َّ‬
‫أن التماميذ حال القبض على املسيح تركوه ولروا مجيعا‪ ،‬لهم مل بعابنوا القبض عليه‪ ،‬وال حماكمته‪ ،‬وال‬
‫رلعه على الصليب‪ ،‬وال موته‪ ،‬وال دلنه‪ ،‬وال قيامته من القرب‪ ،‬وأن الذي شاهد الصلب جمموعة من‬
‫النساء كن بنظرن إليه من بعيد‪.‬‬
‫أما روابة إجنيل بوحنا أبن التلميذ الذي حيبه املسيح كان حاضرا وقت احملاكمة وعند الصلب‪ ،‬وكذلك‬
‫أ املسيح كانت موجود وقت الصلب‪ ،‬لهي روابة يَر صحيحة الشك ملخالفتها لروابة األانجيل‬
‫الثماثة األررى‪ .‬كما أن إجنيل بوحنا هو أقل األانجيل نصيبا من الصحة ‪ -‬كما سبق بيانه يف لصل‬
‫املصادر‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬حقيقة هنابة املسيح عليه السما على األرض وجميئه مر أررى‪:‬‬
‫وجل أجناه من أعدا ه اليهود‪ ،‬وهذا الذي بتناسب مع‬
‫عز َّ‬
‫احلق ابلنسبة للمسيح عليه السما أن هللا َّ‬
‫سمال املسيح وتضرعه إىل هللا أن بعرب عنه هذه الكأس‪ ،‬لقد استجاب هللا له ورلعه إليه‪ ،‬قال هللا‬
‫تعاىل‪:‬‬
‫(‪)306/1‬‬

‫هللا آمنَّا غاب غ‬


‫ال ا يحلوا غربُّو َن َيحنن أَنصار غ‬ ‫غ‬ ‫يسى غم ينـ ْه ْم الي ْك يف َر قَ َ‬ ‫لَـلَ َّما أَح َّ غ‬
‫هلل‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َنصا غري إغ َىل هللا قَ َ ََ‬ ‫ال َم ين أ َ‬ ‫سع َ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫بن َوَم َك ْرواي َوَم َك َر هللاْ َوهللاْ‬
‫الشاهد َ‬ ‫ول لَا يكتْـ يبـنَا َم َع َّ‬ ‫ت َواتَّـبَـ يعنَا َّ‬
‫الر ْس َ‬ ‫أنزلَ ي‬ ‫آمنَّا غمبا َ‬ ‫َوا يش َه يد غأبَ َّان ْم يسل ْمو َن َربَّـنَا َ‬
‫غ َّ غ‬ ‫غ َّ غ‬ ‫ك إغ ََّ‬‫يك َوَرالغ ْع َ‬
‫يسى إغغين ْمتَـ َولغ َ‬ ‫غ‬ ‫بن إغ يذ قَ َ‬ ‫غ‬
‫بن‬
‫بن َك َف ْرواي َو َجاع ْل الذ َ‬ ‫ِل َوْمطَ غه ْر َك م َن الذ َ‬ ‫ال هللاْ َاي ع َ‬ ‫َر ال َيماك غر َ‬
‫َر ي ْ‬
‫يما ْكنتْ يم لغ غيه َختيتَلغ ْفو َن‪[ .‬آل‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫َح ْك ْم بَـ ييـنَ ْك يم ل َ‬ ‫بن َك َف ْرواي إغ َىل بَـ يو ال غيقيَ َام غة ْمثَّ إغ ََّ‬
‫ِل َم يرغج ْع ْك يم لَأ ي‬
‫َّ غ‬
‫وك لَـ يو َق الذ َ‬ ‫اتَّـبَـ ْع َ‬
‫عمران‪]55 - 52:‬‬
‫يك املراد به من االستيفاء وهو القبض‪ ،‬أو النو ‪ ،‬على معىن قول هللا عز وجل‪َ :‬و ْه َو‬ ‫وقوله‪ :‬إغغين ْمتَـ َولغ َ‬
‫إِل ومتوليك‪.‬‬ ‫الَّ غذي بَـتَـ َولَّا ْكم غابللَّيي غل [األنعا ‪ ،]60:‬أو أن ليها تقدميا وَترَرا‪ ،‬تقدبره رالعك َّ‬
‫وجل رادًّا على اليهود ادعاءاهتم على املسيح وأمه مبينا احلق ليما بتعلق بنهابة املسيح عليه‬ ‫عز َّ‬ ‫وقال َّ‬
‫ول غ‬
‫هللا‬ ‫يسى ابي َن َم يرَميَ َر ْس َ‬ ‫السما ‪ :‬وبغ ْك يف غرغهم وقَـوهلغغم علَى مرَمي ْهبتاان ع غظيما وقَـوهلغغم إغ َّان قَـتـلينا اليم غس غ‬
‫يح ع َ‬ ‫َ ي ي ََ َ َ‬ ‫ي َ ي ي َ َ ي َ يَ َ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫ٍ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫بن ا يرتَـلَ ْفواي ليه لَفي َشك م ينهْ َما َهلْم بغه م ين عل ٍيم إغالَّ اتبَ َ‬
‫اع‬ ‫َّ‬ ‫غ‬
‫صلَبْوهْ َولَكن ْشبهَ َهلْ يم َوإغ َّن الذ َ‬ ‫َوَما قَـتَـلْوهْ َوَما َ‬
‫الظَّ غن َوَما قَـتَـلْوهْ بَغقينا بَل َّرلَـ َعهْ هللاْ إغلَيي غه َوَكا َن هللاْ َع غزبزا َح غكيما‪[ .‬النساء‪.]158 - 156 :‬وقد دلت‬
‫السنة على أن املسيح عليه السما سينزل آرر الزمان‪ ،‬ويف هذا بقول نبينا عليه الصما والسما ‪:‬‬
‫((والذي نفسي بيده ليوشكن أن بنزل ليكم ابن مرمي حكما مقسطا‪ ،‬ليكسر الصليب‪ ،‬وبقتل‬
‫اَخنزبر‪ ،‬وبضع اجلزبة‪ ،‬وبفيض املال حىت البقبله أحد)) (‪.)1‬‬
‫وقد أمجع املسلمون على هذه العقيد وهي أن املسيح عليه السما سينزل آرر الزمان بناء على‬
‫تواتر األحادبث يف ذلك‪ ،‬ومل خيالف يف ذلك إال أهل البدع من العقمانيني يف هذه األزمان املتأرر‬
‫ِمن زعموا أن هذه عقيد بهودبة درلت على املسلمني‪ ،‬واتبعهم على ذلك كثَر من الكتاب الذبن‬
‫ليس هلم علم هبذه األمور سوى التقليد‪ .‬واحلق أن هذه العقيد ثبتت ابألدلة الصحيحة من السنة‪،‬‬
‫وأمجع علماء اإلسما عليها‪ِ ،‬ما الحاجة لنا معه إىل قول أحد من الناس وخترصاته‪.‬‬
‫وِما جيدر ذكره هنا أن النصارى بعتقدون رجعة املسيح قبل بو القيامة‪ ،‬وأنه سيحاسب الناس وبضم‬
‫أتباعه إليه‪.‬‬
‫ومن النصوص الدالة على ذلك عندهم ماورد يف سفر أعمال الرسل (‪ )15 /1‬بعد رلع املسيح إىل‬
‫السماء قوهلم‪( :‬أبها الرجال اجلليليون‪ ،‬ماابلكم واقفني تنظرون إىل السماء‪ ،‬إن بسوع هذا الذي‬
‫ارتفع عنكم إىل السماء سيأِت هكذا كما رأبتموه منطلقا إىل السماء)‪.‬‬
‫وكذلك اليهود بممنون أبن مسيحا سيأِت آرر الزمان‪ ،‬وبنتصر به اليهود على أعدا هم‪ ،‬واليهود منذ‬
‫زال ملكهم وهم بنتظرون ذلك املسيح الذي بعيد إليهم ملكهم‪.‬‬
‫وإن يف ذلك أمرا عجيبا له دالالت عجيبة يرببة‪ ،‬نشَر إىل ما ببدو منها ِما ليه َتبيد للوحي واحلق‪،‬‬
‫لأقول‪:‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )2222‬ومسلم (‪)155‬‬

‫(‪)307/1‬‬

‫وجل‬
‫عز َّ‬‫إن ِما الشك ليه وال مربة أن املسيح عليه السما قد رلعه هللا إىل السماء‪ ،‬كما ذكر هللا َّ‬
‫شبهما شا بة‬‫ذلك يف القرآن‪ ،‬وسوف بنزل آرر الزمان كما ثبت يف السنة‪ ،‬ومها املصدران اللذان مل ت ْ‬
‫التحربف‪ ،‬ومل بطلهما تغيَر والتبدبل‪ ،‬وكما ارتفع املسيح عليه السما بشرا‪ ،‬سيعود بشرا ليس إهلا‬
‫وال ابن إله‪ ،‬كما زعم النصارى‪ ,‬ونزوله عليه السما من عمامات الساعة الكربى‪ ،‬أي‪ :‬األمارات‬
‫الدالة على قرب قيا الساعة‪.‬‬
‫وِما الشك ليه والمربة أبضا أن هناك رجما آرر سيسبق جميء املسيح عيسى عليه السما أال وهو‬
‫املسيح الدجال‪ ،‬وهو مسيح الضمالة والغوابة‪ ،‬والدعو إىل الكفر‪ ،‬ونصَر الكفار‪ ،‬لهما مسيحان‬
‫سيأتيان يف وقت متقارب جدًّا إذا ظهر أوهلما حلقه اخآرر‪ ،‬هذا ِما ثبت لدبنا حنن املسلمني ابألدلة‬
‫القاطعة الثابتة‪ ،‬لإىل أبهم سينتمي الناس؟‪.‬الشك أن املسلمني الصادقني سينتمون إىل مسيح اهلدابة‬
‫واَخَر عيسى بن مرمي عليه السما ‪ ،‬بل إن املسيح عيسى بن مرمي عليه السما سينزل عليهم يف‬
‫مجاعتهم عند إقامة الصما ‪ ،‬لقد ورد يف حدبث جابر رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬مسعت النَب صلى هللا‬
‫عليه وسلم بقول‪(( :‬التزال طا فة من أميت بقاتلون على احلق ظاهربن إىل بو القيامة)) (‪ )1‬وقال‪:‬‬
‫((لينزل عيسى بن مرمي عليه السما ليقول أمَرهم‪ :‬تعال صل لنا‪ .‬ليقول‪ :‬ال‪ ،‬إن بعضكم على بعض‬
‫أمراء تكرمة هللا هذه األمة)) (‪.)2‬‬
‫أما اليهود واملنالقون والكفار لإهنم بنضمون إىل مسيح الضمالة‪ ،‬املسيح الدجال‪ .‬أما أحنياز اليهود‬
‫إليه لَلنه بهودي منهم‪ ،‬لقد ورد يف حدبث أيب سعيد اَخدري رضي هللا عنه أن ابن صياد قال أليب‬
‫سعيد رضي هللا عنه‪ :‬اي أصحاب حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أمل بقل نَب هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((إنه بهودي))؟ بعين الدجال‪ )3( .‬ويف حدبث أنس بن مالك رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم قال‪(( :‬بتبع الدجال من بهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة)) (‪ )4‬كما أن قتله‬
‫بكون بني اليهود يف للسطني بباب لد‪.‬‬
‫لهذا ليه داللة واضحة على أن املسيح الدجال هو الزعيم وامللك الذي بنتظره اليهود بفارغ الصرب‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )1923‬من حدبث جابر‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم (‪)156‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪)2927‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم (‪)2944‬‬

‫(‪)308/1‬‬

‫جل وعما أن اليهود كانوا قبل جميء املسيح عيسى عليه السما بنتظرون‬
‫وإن من عجيب قدر هللا َّ‬
‫مسيحا‪ ،‬إال أن آماهلم كانت متعلقة بشخصية حماربة ميلكون هبا الدنيا‪ ،‬وبعيدون ألنفسهم هبا ما‬
‫سلف من جمدهم‪ ،‬وما أندثرمن عزهم بسبب كفرهم‪ ،‬وبرلعون عن أنفسهم تسلط الرومان‪ ،‬الذبن‬
‫كانوا متسلطني عليهم يف ذلك الزمان‪ ،‬للما جاءهم املسيح عيسى بن مرمي عليه السما نبيًّا كرميا ذا‬
‫رصال محيد ورمال كرمية‪ ،‬بدعو إىل التوبة واإلميان‪ ،‬والتقوى واإلحسان‪ ،‬والعفو عن الظامل‪ ،‬والصرب‬
‫على البماء‪ ،‬نفروا منه نفورا شدبدا‪ ،‬وكرهوه وكرهو دعوته عليه الصما والسما ‪ ،‬لسعوا بناء على‬
‫ذلك إىل قتله ختلصا منه‪ ،‬حيث ريب آماهلم يف متلك الدنيا‪ ،‬وإرراجهم من الذل الذي كانوا ليه‪،‬‬
‫إال أن هللا سبحانه بكرمي لضله وعظيم إنعامه أنقذ عبده ورسوله منهم وأجناه ورلعه إليه‪ ،‬وحاق ابلذبن‬
‫حل ابليهود عذاب أليم وبماء شدبد‪ ،‬تشتتوا بسببه يف‬
‫حاولوا قتله البماء العظيم‪ ،‬لبعده مبد وجيز َّ‬
‫أحناء االرض شذر مذر‪ .‬مث إن ِما سيكون من عجيب القدر والتقدبر أن الذي هو أمل اليهود يف‬
‫ضع العامل هلم سيأِت وال قغبَل ألحد من الناس به‪ ،‬إال أن هللا‬
‫سيخ غ‬
‫السيطر على العامل‪ ،‬وزعيمهم الذي ْ‬
‫وجل ادَّرر له عيسى ابن مرمي عليه السما الذي مل بقبله اليهود؛ ألنه مل حيقق هلم أطماعهم‪ ،‬ومل‬
‫عز َّ‬
‫َّ‬
‫بستجب ألهوا هم‪ ،‬حيث سيكون على بدبه الكرميتني هماك ملك اليهود‪ ،‬ورجا هم يف السيطر‬
‫والغلبة‪ ،‬لبعد ظهور املسيح الدجال واتباع اليهود وأهل الضمالة له‪ ،‬بنزل عيسى ابن مرمي عليه‬
‫السما ‪ ،‬كما قال عليه الصما والسما ‪(( :‬لينزل ‪ -‬بعين عيسى عليه السما ‪ -‬عند املنار البيضاء‬
‫شرقي دمشق بني مهرودتني واضعا كفيه على أجنحة ملكني إذا طأطأ رأسه قطر‪ ،‬وإذا رلعه حتدَّر منه‬
‫مجان كاللملم‪ ،‬لما حيل لكالر جيد ربح نفسه إال مات‪ ،‬ونفسه بنتهي حيث بنتهي طرله‪ .‬ليطلبه –‬
‫أي‪ :‬املسيح عيسى عليه السما بطلب وبلحق املسيح الدجال‪ -‬حىت بدركه بباب ٍ‬
‫لد يف للسطني‬
‫ليقتله ‪ .)1( )) ..‬ليكون بذلك دمار اليهود النها ي‪ ،‬ودمار ملكهم على بدي املسيح عيسى بن‬
‫مرمي عليه السما أوال‪ ،‬مث سا ر املممنني من بعده‪ ،‬حيث ستكون مقتلة عظيمة بقتل هبا مجيع اليهود‬
‫يف للسطني‪ ،‬واملسيح الدجال من أعظم البمااي والفنت على بين اإلنسان‪ ،‬لإنه ما من نَب إال َّ‬
‫حذر‬
‫أمته منه‪ ،‬لقد روى عبدهللا بن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ذكر الدجال لقال‪(( :‬إين‬
‫قومه‪ ،‬ولكن أقول لكم ليه قوال مل بقله نَب‬
‫قومه‪ ،‬لقد أنذره نوح َ‬
‫ألنذركموه‪ ،‬ما من نَب إال وقد أنذره َ‬
‫لقومه‪ ،‬تعلموا أنه أعور‪ ،‬وإن هللا تبارك وتعاىل ليس أبعور)) (‪.)2‬وللدجال طاقات ومقدر وقو بفنت‬
‫هبا الناس‪ ،‬وبدعو الناس إىل عباد نفسه‪ ،‬حيث سيزعم أنه رب وإله‪ ،‬لمن اتبعه انل ِما معه من لذ‬
‫الدنيا ومتعها‪ ،‬ومن رالفه أصابه بماء وعناء‪ ،‬ويف هذا بقول عليه الصما والسما يف بيان سرعته يف‬
‫السَر يف األرض وماأْ يع غط َي من قو ‪(( :‬قلنا‪ :‬ايرسول هللا‪ ،‬وما إسراعه يف األرض؟‪ ،‬قال‪( :‬كالغيث‬
‫استدبرته الربح ليأِت على القو ليدعوهم‪ ،‬ليممنون به وبستجيبون له‪ ،‬ليأمر السماء لتمطر‪ ،‬واألرض‬
‫لتنبت‪ ،‬لرتوح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذْرا وأسبغه ضروعا وأمده رواصر‪ ،‬مث أيِت القو‬
‫ومير‬
‫ليدعوهم لَردون عليه قوله‪ ،‬لينصرف عنهم‪ ،‬ليصبحون ِمحلني‪ ،‬ليس أببدبهم شيء من أمواهلم‪ُّ ،‬‬
‫ابَخربة ليقول هلا‪ :‬أررجي كنوزك‪ .‬لتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)) (‪.)3‬‬
‫للهذه الفنت اليت تكون معه بتبعه املنالقون وأهل األهواء والكفار‪.‬‬
‫أما النصارى ‪ .....‬وهللا أعلم أن أكثرهم سيكون من أتباع مسيح الضمالة املسيح الدجال‪ ،‬وأنه‬
‫سيكون لتنة عظيمة هلم‪ .‬وذلك أن النصارى بنتظرون مسيحا هو الرب واإلله يف زعمهم‪ ،‬لإذا جاء‬
‫املسيح الدجال لإنه بدَّعي الربوبية ومعه جنة وانر‪ -‬كما ورد يف احلدبث‪ -‬لمن آمن به أدرله جنته‪،‬‬
‫ومن مل بممن به أدرله انره‪ ،‬وماجنته إال انر اخآرر وما انره إال جنة اخآرر ‪.‬‬
‫مث إن النصارى بظنون أنه سيكون يف هذه الدنيا حساب وإدانة للناس من قبل املسيح عيسى يف‬
‫زعمهم‪ ،‬لهذه كلها دال ل تشَر إىل أهنم سيفتنون به إال من عصمه هللا منهم‪ ،‬واستبان له حقيقة ذلك‬
‫الدجال مبا جعل هللا يف رلقته من القبح والنقص‪ ،‬وما سيكون الشك يف دعوته وداينته من الفساد‬
‫أىن للنصارى أن بتبينوا الفساد يف الداينة‪ ،‬وهم على داينة يابة يف‬
‫واالحنراف والكفر‪ .‬ولكن َّ‬
‫االحنراف‪ ،‬وهللا يالب على أمره ولكن أكثر الناس ال بعلمون‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – بتصرف ‪ -‬ص ‪304‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪)2937‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ , )3057‬ومسلم (‪)169‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم (‪.)2937‬‬

‫(‪)309/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الفداء‪:‬‬


‫الفداء‪ :‬هو اعتقاد النصارى أن موت املسيح كان كفار َخطيئة آد اليت انتقلت إىل أبنا ه ابلوراثة‪.‬‬
‫أ‪ -‬أدلة النصارى على الفداء‪:‬‬
‫بزعم النصارى أن مستندهم يف ذلك الكتاب املقدس‪ ،‬ونورد ليما بلي بعض النصوص اليت بستدل‬
‫هبا النصارى هلذه العقيد منها‪:‬‬
‫‪( - 1‬أان هو الراعي الصاحل‪ ،‬الراعي الصاحل ببذل نفسه عن اَخراف)‪ .‬بوحنا (‪.)11 /10‬‬
‫‪( - 2‬ألنه هكذا أحب هللا العامل حىت بذل ابنه الوحيد لكي ال بهلك كل من بممن به‪ ،‬بل تكون له‬
‫احليا األبدبة) بوحنا (‪.)16 /3‬‬
‫‪( - 3‬إن ابن اإلنسان مل أيت ليْ يخ َد َ بل ليَ يخ غد وليبذل نفسه لدبة عن كثَربن) مرقص (‪.)45 /10‬‬
‫هذا ِما ورد يف األانجيل‪.‬‬
‫وِما ورد يف كما النصارى يف العهد اجلدبد‪:‬‬
‫‪ - 1‬يف رسالة بوحنا األوىل (‪( :)16 /3‬هبذا أظهرت احملبة أن ذاك وضع نفسه ألجلنا)‪.‬‬
‫‪ - 2‬قال بولس يف رسالته لكورنثوس (‪( :)3/15 /1‬مات من أجل رطاايان حسب الكتب)‪.‬‬
‫وأبضا يف كورنثوس (‪( :)21 /5‬إن هللا جعل الذي مل بعرف رطية رطية ألجلنا؛ لنصَر حنن َّبر هللا‬
‫ليه)‪.‬‬
‫وقال يف رسالته ألهل ألسس (‪( :)16 /2‬أسلم نفسه ألجلنا قرابان وذبيحة هلل را حة طيبة)‪.‬‬
‫ب‪ -‬بيان بطمان أدلتهم وكمامهم يف الفداء‪:‬‬
‫األدلة اليت أوردها النصارى ال قيمة هلا وال اعتبار يف مسألة الفداء؛ لعد أمور‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن االستدالل مبا ورد يف األانجيل لرع عن ثبوت صحة تلك األانجيل وسمامتها من التحربف‪،‬‬
‫وقد سبق بيان حال هذه األانجيل‪ ،‬وأن النصارى ال ميلكون أدلة لثبوهتا‪.‬‬
‫ومثلها يف الضعف الرسا ل امللحقة هبا‪ ،‬وبولس الذي كثر كمامه عن الفداء يف رسا له‪ ،‬كمامه يَر‬
‫مقبول؛ ألنه مل بشاهد املسيح‪ ،‬ومل بسمع كمامه‪ ،‬لما ذكره مل بسنده عن احلواربني‪ ،‬ومل ببني مصدره‬
‫ليه‪ ،‬لهو من قغبَل نفسه‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن مجيع النصوص اليت بذكروهنا يف الداللة على أن الصلب وقع لداء للبشر ليس ليها نص‬
‫واحد غ‬
‫بعني اَخطيئة اليت بزعم النصارى أن الفداء كان ألجلها‪ ،‬وهي رطيئة أبينا آد اليت انتقلت يف‬
‫زعم النصارى إىل أبنا ه ابلوراثة‪ ،‬لجميع النصوص ال غ‬
‫تعني هذا األمر وال حتدده‪ِ ،‬ما بدل على أهنا من‬
‫َمرتعات النصارى املتأرربن‪ ،‬الذبن حاولوا أن برقعوا هبا لساد القول ابلفداء كفار عن اَخطااي‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن كما النصارى يف اَخطيئة اليت رلعها املسيح عليه السما مبوته املزعو على الصليب كما‬
‫مضطرب‪ ،‬وال بنصون يف كمامهم على اَخطيئة اليت كفرها املسيح يف كل مقا ‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن املراد من كون املسيح كفار للخطااي أحد أمربن‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬تكفَر رطااي الناس اليت اقرتلوها يف املاضي‪ ،‬أو اليت سيقرتلوهنا يف املستقبل‪ ،‬وكمامها ابطل‪.‬‬
‫أما اَخطااي املاضية لما تستحق هذا الفداء اإلهلي يف زعمهم‪ ،‬وقد كان بتم تكفَرها ابلتوبة والقرابن‬
‫لدى اليهود قبلهم وكان كاليا‪.‬‬
‫أما اَخطااي املستقبلة لما بستطيع النصارى أن بزعموا أن صلب املسيح مكفر هلا؛ ألن ذلك بعين‬
‫إابحتها‪ ،‬وعد ترتب العقوبة على ذنب من الذنوب مهما عظم‪ ،‬ويف هذا إبطال لدعو املسيح‬
‫ودعو احلواربني وبولس إىل تنقية النفس من اخآاث واَخطااي‪ ،‬ولتح لإلابحية والفجور والكفر‪ .‬مع‬
‫العلم أن تكفَر اَخطااي إذا أطلق ال براد به سوى ما وقع ليه اإلنسان من اخآاث ‪ ،‬وهي اَخطااي‬
‫املاضية؛ إذ التكفَر من كفر‪ ،‬أي‪ :‬سرت ويطَّى‪ ،‬وال بكون ذلك إال ليما وقع وحدث‪.‬‬
‫اثنيهما‪ :‬ما ذكره كثَر من النصارى‪ -‬وهو تكفَر رطيئة آد عليه السما اليت انتقلت إىل أبنا ه‪ -‬هو‬
‫ادعاء ابطل كما سبق بيانه‪ ،‬وسيأِت زايد لبيان أوجه البطمان أبضا‪.‬‬

‫(‪)310/1‬‬

‫وحقيقة قوهلم يف الفداء هو‪ :‬أهنم اررتعوا هذه الفربة‪ ،‬وادَّعوها بدون دليل من شرع أو عقل حىت‬
‫بربروا قضية الصلب اليت اعتقدوها وآمنوا هبا‪ ،‬وبرلعوا عن املسيح تلك السبة الشنيعة اليت تلحقه‬
‫ابلصلب وهي اللعن‪ ،‬لادَّعوا أن الصلب هو الشرف احلقيقي‪ ،‬وهو اهلدف األمسى من رسالة املسيح‪،‬‬
‫وأنه لوال الصلب ما جاء املسيح‪ ،‬لأرذوا بدندنون حول هذا األمر‪ ،‬وببحثون له عن األوجه اليت‬
‫ُتعله يف حيز املقبول واملعقول‪.‬‬
‫إال أن كمامهم يف احلقيقة بزبد األمر تعقيدا وإرابكا للقارئ والسامع‪ ،‬وإليك مقتطفات من كما (ج‪.‬‬
‫ر‪ .‬و‪ .‬ستوت) يف كتابه (املسيحية األصيلة) يف املوضوع حيث التتح الكما عن معىن الصليب‬
‫بقوله‪( :‬ولكن ال أجسر أن أتناول املوضوع (بعين معىن الصلب) قبل أن أعرتف بصراحة أبن الكثَر‬
‫سرا رفيًّا؛ ذلكم ألن الصليب هو احملور الذي تدور حوله أحداث التاربخ!‬
‫منه سوف ببقى ًّ‬
‫وايللعجب كيف أن عقولنا الضعيفة ال تدركه متاما‪ ،‬والبد أن أيِت اليو الذي ليه بنقشع احلجاب‪،‬‬
‫وحتل كل األلغاز‪ ،‬ونرى املسيح كما هو ‪.) ...‬‬
‫مث بقول يف آرر الكما بعد للسفة مطولة استغرلت عشر صفحات‪( :‬ومن املدهش أن هذه القصة‬
‫اَخاصة بيسوع ابن هللا الذي محل رطاايان ليست حمبوبة يف عصران احلاضر‪ ،‬وبقال عن محله رطاايان‬
‫ورلعه قصاصها عنا‪ :‬إنه عمل يَر عادل ويَر أديب ويَر ال ق وميكن حتوبله إىل سخربة وهزء ‪ ...‬مث‬
‫قال‪:‬‬
‫ولوق الكل جيب أن ال ننسى (أن الكل من هللا) نتيجة رمحته ونعمته املتفاضلة‪ ،‬للم بفرض على‬
‫املسيح قصاصا مل بكن هو نفسه مستعدًّا له‪ ،‬لإن هللا (كان يف املسيح مصاحلا العامل لنفسه) لكيف‬
‫ميكن أن بكون هللا يف املسيح بينما جعل املسيح رطية ألجلنا؟ هذا ما ال أستطيع أن أجيب عنه‪.‬‬
‫ولكن الرسول عينه بضع هاتني احلقيقتني جنبا إىل جنب‪ ،‬وأان أقبل الفكر متاما‪ ،‬كما قبلت أن بسوع‬
‫الناصري هو إنسان وإله يف شخص واحد‪ .‬وان كانت تبدو ظاهراي على شيء من التناقض‪ ،‬لكين أراه‬
‫يف عمله كما أراه يف شخصه‪ ،‬وإن كنا ال نستطيع أن حنل هذا التناقض‪ ،‬أو نفك رموز هذا السر‪،‬‬
‫لينبغي أن نقبل احلق كما أعلنه املسيح وتماميذه‪ ،‬أبنه احتمل رطاايان‪ ،‬مبعىن أنه احتمل قصاص‬
‫اَخطية عنا كما تعلمنا الكتب)‪.‬‬
‫وإننا لنعجب يابة العجب من هذا االعرتاف بعد معقولية هذه العقيد مث اإلصرار عليها‪ ،‬لهذا يابة‬
‫الضمال واالحنراف‪ ،‬وكان األوىل هبم إذ مل بعقلوا هذه املسا ل أن ببحثوا يف مصادرها حىت بظهر هلم‬
‫احلق‪ ،‬لان تلك املصادر أساس االحنراف والضمال الذي بوجد لدى النصارى‪ ،‬سواء يف ذلك‬
‫األانجيل أو الرسا ل امللحقة هبا‪ ،‬ولكن بزول عجبنا إذا علمنا أن ما عليه النصارى من احنراف‬
‫وضمال إَنا هو صيغة حمسنة من الوثنيات السابقة‪ ،‬لرأى النصارى أهنا شيء مجيل ابلنسبة ملا كانوا‬
‫عليه من الوثنيات‪ ،‬وما عرلوا اإلسما وما ليه من احلق واجلمال واالنسجا والوضوح الذي ببعث يف‬
‫النفس الطمأنينة والراحة‪ ،‬ملا هي عليه من عقيد ‪ ،‬ولو أن النصارى وأهل الكتاب عموما أصغوا إىل‬
‫الدعو الرابنية الوارد يف القرآن الكرمي لزالت وانكشفت عنهم من احلَر اليت وجلوا ليها ومل‬
‫بستطيعوا اَخروج منها‪ ،‬ومن ذلك آبتان كرميتان ليهما شفاء ملا هم ليه‪ ،‬أما اخآبة األوىل لقوله عز‬
‫اب َوبَـ يع ْفو َع ين َكثغ ٍَر‬ ‫اب قَ يد جاء ْكم رسولْنَا بـبغني لَ ْكم َكثغَرا غِمَّا ْك ينـتْم ْختي ْفو َن غمن ال غ‬
‫يكتَ غ‬ ‫وجل‪ :‬اي أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ َ ي َ ْ َْ ْ ي‬ ‫َ َ‬
‫غ‬
‫السماغ وخيْي غرج ْهم من الظُّلْم غ‬ ‫ني بَـ يه غدي بغ غه َّ‬ ‫غ‬
‫اَّلل نْ غ‬ ‫قَ يد ج غ‬
‫ات‬ ‫ض َوانَهْ ْسبْ َل َّ َ ْ ي َ َ‬ ‫اَّللْ َم غن اتَّـبَ َع غر ي‬ ‫اب ْمبغ ٌ‬ ‫اء ْك يم م َن َّ ٌ‬
‫ور َوكتَ ٌ‬ ‫ََ‬
‫اط ْم يستَ غق ٍيم [املا د ‪.]16 - 15:‬‬ ‫صر ٍ‬ ‫غ‬ ‫غغ غغ غ‬
‫إىل النُّوغر إب يذنه َوبَـ يهدب غه يم إىل َ‬
‫غ‬ ‫غغ‬ ‫غ غ‬
‫أما اخآبة الثانية‪ :‬لقوله عز وجل‪ :‬قْ يل َاي أ يَه َل اليكتَاب ال تَـ يغلْوا غيف دبن ْك يم يَ ي َ‬
‫َر ا يحلَغق َوال تَـتَّب ْعوا أ يَه َو َ‬
‫اء‬
‫ٍ‬
‫يل [املا د ‪.]77 :‬‬ ‫لسبغ غ‬‫ضلُّوا َع ين َس َو غاء ا َّ‬ ‫ضلُّوا غم ين قَـ يب ْل َوأ َ‬
‫َضلُّوا َكثغَرا َو َ‬ ‫قَـ يو قَ يد َ‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪320‬‬

‫(‪)311/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬بيان بطمان دعوى النصارى يف الصلب والفداء‪:‬‬


‫إن دعوى الصلب والفداء مناقضة يف احلقيقة للشرع والعقل‪ ،‬لمما ببني ذلك وبدل على بطمان‬
‫دعواهم‪ -‬إضالة ملا سبق‪ -‬أن بقال هلم‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن آد عليه السما الذي بزعمون أن الصلب والفداء كان ألجل رطيئته قد اتب من رطيئته‬
‫اب َعلَيي غه َو َه َدى [طه‪ .]122:‬وقد قبل هللا توبته‪ .‬كما أنه عوقب‬
‫اجتَـبَاهْ َربُّهْ لَـتَ َ‬
‫وجل‪ْ :‬مثَّ ي‬
‫عز َّ‬
‫بقوله َّ‬
‫عليه السما إبرراجه من اجلنة وَتثر أبناؤه ابلعقوبة‪ ،‬وإن مل بكونوا مقصودبن هبا‪.‬‬
‫كما أورد اليهود يف كتاهبم أن هللا قال خآد ‪( :‬ألنك بو َتكل من الشجر موات متوت) سفر التكوبن‬
‫(‪ .)17 /2‬وقد وقع هذا خآد بعد األكل من الشجر إبرراجه وزوجته من اجلنة إىل األرض مث موهتم‬
‫ليها‪ ،‬لقد عوقبا بذلك‪ ،‬كما بنص اليهود على إرراجهما من اجلنة إىل األرض اليت ليها الكد‬
‫والتعب‪ .‬لمن أبن أتى النصارى بفربة رطيئة آد ‪ ،‬وأحيوها هذا اإلحياء‪ ،‬وألبسوها هذا اللبوس؟!!!‬
‫‪ - 2‬إن ما وقع من آد عليه السما هو أكله من الشجر إبيواء الشيطان له‪ ،‬وهذا ذنب منه يف‬
‫وجل الذي هناه عن األكل منها‪ ،‬لالذنب هبذا مل بكن بلز للتكفَر عنه أن بنزل الرب‬
‫عز َّ‬ ‫غ‬
‫حق هللا َّ‬
‫جل وعما ليصلب على الصليب‪ ،‬بعد أن بْهان وبْذل من أجل أن برضي نفسه‪ ،‬بل األمر بكفي ليه‬
‫قبول التوبة ومغفر الذنب لقط‪ ،‬وهذا الذي وقع كما نص على ذلك القرآن الكرمي‪.‬‬
‫عز‬
‫‪ - 3‬أن ما وقع من آد عليه السما بعترب بسَرا ابلنسبة ملا لعله كثَر من أبنا ه من سب هللا َّ‬
‫جل وعما‪ ،‬واإللساد يف األرض ابلقتل‪ ،‬ونشر الفساد والفنت‪ ،‬وقتل‬ ‫وجل واالستهزاء به‪ ،‬وعباد يَره َّ‬
‫َّ‬
‫أنبيا ه وحماربة أوليا ه إىل يَر ذلك‪ ،‬لهذه أعظم بكثَر من رطيئة آد عليه السما ‪ .‬لعلى كما‬
‫النصارى أن هللا البد أن بنزل كل وقت ليصلب حىت جيمع بني عدله ورمحته يف زعمهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن صلب املسيح الذي هو هللا يف زعمهم‪ -‬تعاىل هللا عن قوهلم‪ -‬قد متَّ بما لا د تذكر‪ ،‬لإن‬
‫رطيئة آد ليست على ابل بنيه وال تقض مضاجعهم إَنا ما بقلق اإلنسان وخييفه ذنوبه وجرا مه‪،‬‬
‫وهذه ال تدرل يف كفار املسيح يف زعمهم‪.‬‬
‫‪ - 5‬إن األنبياء السابقني ليس ليهم من ذكر رطيئة آد ‪ ،‬وسأل هللا أن بغفرها له‪ِ ،‬ما بدل على أهنا‬
‫من َمرتعات النصارى‪.‬‬
‫‪ - 6‬إن األنبياء السابقني والدعا والصاحلني قبل املسيح بناء على كمامهم هذا‪ ,‬كانوا بدعون إىل‬
‫ضمالة‪ ،‬وقد أرطموا الطربق إذ مل برشدوا الناس إىل حقيقة تلك اَخطيئة‪ ،‬وبوعوهم خبطورهتا‪ ،‬كما‬
‫بفهمها النصارى‪.‬‬
‫‪ - 7‬إن األنبياء السابقني وعباد هللا الصاحلني كلهم هالكون إذ مل تكفر عنهم تلك اَخطيئة؛ ألنه ال‬
‫بتم تكفَرها إال عن طربق املسيح املصلوب يف زعم النصارى‪.‬‬
‫‪ - 8‬إن بني آد وعيسى عليهما السما زمنا طوبما‪ ،‬لمعىن ذلك أن هللا بقي متحَرا كل هذه املد‬
‫إىل أن اهتدى إىل الوسيلة اليت بعقد املصاحلة ليها بني الناس ونفسه‪.‬‬
‫‪ - 9‬إن اَخطيئة وقعت من آد عليه السما لما تنتقل إىل أبنا ه‪ ،‬وال بستحقون هم العقوبة عليها؛‬
‫وجل على هذا يف‬
‫عز َّ‬ ‫نص هللا َّ‬
‫ألنه ال أحد بعاقب بذنب يَره‪ ،‬بل هذا بنايف قواعد العدل‪ ،‬وقد َّ‬
‫القرآن الكرمي بقوله‪َ :‬وال تَ غزْر َوا غزَرٌ غو يزَر أْ ير َرى [النجم‪ .]38:‬وكذلك ورد يف التورا (ال بقتل اخآابء‬
‫عن األوالد‪ ،‬وال بقتل األوالد عن اخآابء‪ ،‬كل إنسان خبطيئته بقتل)‪ .‬سفر التثنية (‪.)16 /24‬‬
‫‪ - 10‬هل من العدل أن بعاقب يَر املذنب؟ واملسيح يف زعم النصارى ابن هللا‪ ،‬لهو ليس من‬
‫جنس بين آد ‪ ،‬لكيف بعاقب بدال عن آد وذربته ودعواهم أنه تقمص اجلسد البشري ال بزبل هذه‬
‫احلقيقة؛ ألنه ليس من جنس البشر حسب كمامهم‪.‬‬

‫(‪)312/1‬‬

‫‪ - 11‬أن املسيح يف زعم النصارى ابن هللا‪ ،‬لأبن الرمحة اليت جعلت هللا يف زعمهم بشفق على عبيده‬
‫ورلقه‪ ،‬وبرتك ابنه للعذاب والبماء واإلهانة واللعن واملوتة الشنيعة؟!‬
‫‪ - 12‬يف زعم النصارى أن املسيح هو ابن هللا وهو هللا‪ ،‬وأن املصلوب املهان امللعون‪ -‬تعاىل هللا عن‬
‫جل جماله وتقدست أمساؤه‪ ،‬لهل بوجد كفر أعظم من هذا‪ ،‬والرتاء على هللا‬ ‫قوهلم‪ ،‬وتقدَّس‪ -‬هو هللا َّ‬
‫يم َعلغي ٌم [األنعا ‪.]139:‬‬ ‫غ‬
‫ص َف ْه يم إغنَّهْ َحك ٌ‬
‫أكرب من هذا؟ َسيَ يج غزب غه يم َو ي‬
‫جل جماله وتقدست أمساؤه من عليا ه وعرشه‪ ،‬وبسمح ألبغض‬
‫‪ - 13‬هل بليق أو بعقل أن بنزل هللا َّ‬
‫أعدا ه إليه اليهود قتلة األنبياء‪ ،‬والرومان الوثنني أن بهينوه وبعذبوه وبصلبوه؟ مث هو بفعل هذا؟‬
‫ملاذا؟ ألجل أن برضي نفسه؟ ألجل من؟ من أجل عبيده؟‬
‫هذا ِما ال ميكن أن بقال وبقبل حبال من األحوال‪ ،‬بل جيب أن بستعاذ ابهلل من الشيطان الرجيم عند‬
‫مرور مثل هذا اَخاطر والوسواس‪ ،‬وبقال‪ :‬سبحانك هذا هبتان عظيم!‬
‫‪ - 14‬حسب عقيد الفداء لدى النصارى بكون أعظم الناس ًّبرا ولضما على النصارى والبشربة‬
‫عموما اليهود والرومان والواشي ابملسيح؛ ألهنم الذبن حتقق على أبدبهم يف زعم النصارى اهلدف‬
‫األمسى الذي جاء من أجله املسيح‪ ،‬وهو املوت على الصليب‪.‬‬
‫‪ - 15‬إن مجيع حتركات املسيح ودعوته ولق اعتقاد النصارى يف الصلب والفداء مل تكن إال متثيما‬
‫أحسن املسيح أداء الدور ليه‪ِ ،‬ما جعل اليهود بغضبون عليه‪ ،‬ليعلقونه على الصليب‪.‬‬
‫‪ - 16‬بناء على دعوى النصارى يف أن املسيح لدى البشر بدمه‪ ،‬لمعىن ذلك أنه ال حاجة إىل‬
‫اإلميان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إىل ذلك؛ ألن اَخطيئة قد ارتفعت عن مجيع البشر ببذله نفسه‪،‬‬
‫مثل من كان عليه دبن لجاء أحد من الناس لقضى ذلك الدبن عنه‪ ،‬لاملطالبة تسقط عنه مبجرد‬
‫القضاء‪ ،‬وهذا ما ال بقول به النصارى َمالفني يف ذلك دليل العقل‪.‬‬
‫‪ - 17‬إن دعوى النصارى أبن الصلب وقع على اجلسد البشري الذي محل اَخطيئة‪ ،‬وأن هذا‬
‫اجلسد مات‪ .‬دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة املسيح عندهم‪ ،‬للو كان ُتسد ألجل حتمل اَخطيئة‪،‬‬
‫لالواجب أن بفين ذلك اجلسد بعد حلول العقوبة عليه‪.‬‬
‫‪ - 18‬إن دعوى أن املسيح قا من قربه وملسوه وَتكدوا منه‪ ،‬مث ارتفع إىل السماء تنقض دعوى أنه‬
‫ابن هللا وأنه ُتسد ابلصور البشربة؛ ألن الدور الذي ُتسد من أجله قد أدَّاه وانتهى‪ ،‬مث إن اجلسد‬
‫البشري ال حاجة إليه حيث بذهب املسيح يف زعمهم عن ميني أبيه‪ ،‬وهذا من أوضح القضااي لو كانوا‬
‫بعقلون‪.‬‬
‫بعد هذا كله من حق اإلنسان أن بتساءل‪ :‬هل النصارى على درجة كبَر من الذكاء واَخبث‬
‫وجل‪ ،‬وبغضهم للمسيح عليه السما هبذه الدعاوى‬
‫عز َّ‬ ‫الشيطاين الذي جعلهم بْغلغفون بغضهم هلل َّ‬
‫الكاذبة اليت بظهروهنا‪ ،‬وبْصرون على التمسك هبا بدون أدىن دليل عقلي أو شرعي‪ ،‬زاعمني أهنم‬
‫وجل وشد حبهم للمسيح أبضا؟!‬
‫عز َّ‬
‫بعربون بذلك عن شد حبهم هلل َّ‬
‫أ أهنم على درجة شدبد من الغباء واحلمق الغاِل الذي جعلهم ال مييزون بني ما هو ثناء وحب‬
‫وجل وعلى نبيه املسيح عليه‬
‫عز َّ‬
‫حقيقي‪ ،‬وبني ما هو طعن وسخربة وبغض وأحقاد تنفث على هللا َّ‬
‫السما ؟‬
‫شاءْ َوبَـ يه غدي َم ين بَ َ‬ ‫اَّلل ب غ‬ ‫غغ‬ ‫غ‬
‫شاءْ لَما‬ ‫ض ُّل َم ين بَ َ‬ ‫سنا لَغإ َّن ََّ ْ‬
‫وصدق هللا القا ل‪ :‬أَلَ َم ين ْزب َن لَهْ ْسوءْ َع َمله لَـ َرآهْ َح َ‬
‫ات إغ َّن َّ غ‬ ‫ك َعلَيي غهم حسر ٍ‬
‫صنَـ ْعو َن [لاطر‪.]8:‬‬ ‫يم غمبَا بَ ي‬
‫اَّللَ َعل ٌ‬ ‫ي َ ََ‬ ‫سَ‬ ‫ب نَـ يف ْ‬
‫تَ يذ َه ي‬
‫ويف رتا الكما على هذه العقيد الباطلة البد من اإلشار إىل أن الداينة النصرانية كلها تقو على‬
‫مسألة الصلب‪ ،‬وأن الدعو إىل النصرانية تقو عليها‪ ،‬إذ ليس يف النصرانية أي عامل جذب ميكن أن‬
‫جيذب الناس إليها‪ ،‬وليس ليها ما ميكن أن بتحدث ليه‪ ،‬وبقد للناس سوى هذه القضية اليت بركزون‬
‫عليها تركيزا شدبدا‪ ،‬وهي مسألة‪ :‬الصلب والفداء‪ ،‬وذلك إبحيا هم للناس أهنم هالكون مردود عليهم‬
‫أعماهلم مغضوب عليهم منذ والدهتم وقبل أن بولدوا‪ِ ،‬ما جيعل اإلنسان اجلاهل حبقيقة األمر حيس‬
‫بثقل عظيم على كاهله من تلك الرزبة واَخطيئة اليت مل بكن له دور ليها‪ ،‬مث إهنم بعد أن بوقعوا‬
‫اإلنسان لربسة الشعور ابلذنب واَخطيئة‪ ،‬وَتنيب الضمَر‪ ،‬واَخوف من اهللكة‪ ،‬بفتحون له ابب‬
‫الرجاء ابملسيح املصلوب‪ ،‬ليزبنون له ذلك العمل العظيم الذي قا به املسيح ألجل الناس‪ ،‬وبدعونه‬
‫إىل اإلميان به‪ ،‬لإذا كان ِمن مل بتنور عقله بنور اهلدابة الرابنية ونور اإلسما جيد أن هذه هي الفرصة‬
‫العظيمة اليت بتخلص هبا‪ ،‬وما علم املسكني أن األمر كله دعوى كاذبة ورطة ربيثة لإلبقاع به‬
‫وأمثاله‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪327‬‬

‫(‪)313/1‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬أهم األلكار واملعتقدات األررى‪:‬‬


‫ميكن إمجال ألكار معتقدات النصرانية بشكل عا ليما بلي‪ ،‬علما أبنه سيفصل ليما بينهم من‬
‫رماف يف املباحث التالية‪ :‬األلوهية والتثليث‪ :‬مع أن النصرانية يف جوهرها تْعىن ابلتهذبب الوجداين‪،‬‬
‫وشربعتها هي شربعة موسى عليه السما ‪ ،‬وأصل اعتقادها هو دبن اإلسما حيث بقول النَب صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪(( :‬األنبياء إرو َلع َّمات‪ ،‬أمهاهتم شىت ودبنهم واحد)) (‪ )1‬لكنه بعد ضياع اإلجنيل‬
‫وظهور العشرات من األانجيل واجملامع والدعاوى املنحرلة استقرت أصول عقا د النصرانية على ما‬
‫بلي‪:‬‬
‫‪ -‬اإلله‪ :‬اإلميان ابهلل الواحد‪ ،‬األب مالك كل شيء‪ ،‬وصانع ما برى وما ال برى‪ .‬هكذا يف قانون‬
‫وواضح َتثُّرهم أبلفاظ الفماسفة يف قوهلم‪ :‬صانع ما برى‪ .‬واألوىل قوهلم‪ :‬رالق ما برى وما ال‬
‫ٌ‬ ‫إمياهنم‪،‬‬
‫برى‪ .‬حيث بينهما لرق كبَر؛ لالصانع خيلق على أساس مثال سابق‪ ،‬بينما اَخالق على العكس من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬املسيح‪ :‬إن ابنه الوحيد بسوع املسيح بكر اَخما ق‪ ،‬ولد من أبيه قبل العوامل‪ ،‬وليس مبصنوع (تعاىل‬
‫علوا كبَرا)‪ ،‬ومنهم من بعتقد أنه هو هللا نفسه‪ -‬سبحانه وتعاىل عن إلكهم‪ -‬وقد أشار‬ ‫هللا عن كفرهم ًّ‬
‫ابن‬
‫اليهود ْعز ٌبر ْ‬
‫ْ‬ ‫وبني لسادمها‪ ،‬و َّ‬
‫كفر معتقدمها؛ بقول تعاىل‪ :‬وقَالت‬ ‫القرآن الكرمي إىل كما املذهبني‪َّ ،‬‬
‫املسيح ابن هللا [التوبة‪ .]30 :‬وقال تعاىل‪ :‬لقد كفر الذبن قالوا إن هللا هو‬
‫ْ‬ ‫هللا وقَالت النصارى‬
‫ابن َمرمي [املا د ‪.]72 :‬‬
‫املسيح ْ‬
‫ْ‬
‫حل يف مرمي لدى البشار ‪ ،‬وعلى املسيح يف العماد على صور‬
‫ـ روح القدس‪ :‬إن روح القدس الذي َّ‬
‫محامة‪ ،‬وعلى الرسل من بعد صعود املسيح‪ ،‬الذي ال بزال موجودا‪ ،‬وبنزل على اخآابء والقدبسني‬
‫ابلكنيسة برشدهم وبعلمهم‪ ،‬وحيل عليهم املواهب‪ ،‬ليس إال روح هللا وحياته‪ ،‬إله حق من إله حق‪.‬‬
‫‪ -‬األقانيم‪ :‬ولذلك بممنون ابألقانيم الثماثة‪ :‬اخآب‪ ،‬االبن‪ ،‬الروح القدس‪ ،‬مبا بْسمونه يف زعمهم‬
‫صعب عليهم لهمه‪ ،‬ولذلك ارتلفوا ليه‬
‫زعم ابطل ْ‬
‫وحدانية يف تثليث‪ ،‬وتثليث يف وحدانية‪ .‬وذلك ٌ‬
‫ارتمالا متبابنا‪ ،‬وكفرت كل لرقة من لرقهم األررى بسببه‪ ،‬وقد حكم هللا تعاىل بكفرهم مجيعا إن مل‬
‫غ‬ ‫بنتهوا عما بقولون‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬لََّق يد َك َفر الَّ غذبن قَالْواي إغ َّن هللا َاثلغ ْ ٍ غ ٍ‬
‫ث ثَماَثَة َوَما م ين إغلَه إغالَّ إغلَهٌ َواح ٌد َوإغن َّملي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يم [املا د ‪.]73 :‬‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫بنتَـهواي َع َّما بـ ْقولْو َن لَيم َّ َّ غ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫بن َك َف ْرواي م ينـ ْه يم َع َذ ٌ‬
‫س َّن الذ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫‪ -‬الصلب والفداء‪ :‬املسيح يف نظرهم مات مصلواب لداء عن اَخليقة؛ لشد حب هللا للبشر‬
‫ولعدالته‪ ،‬لهو وحيد هللا ‪ -‬تعاىل هللا عن كفرهم‪ -‬الذي أرسله ليخلص العامل من إمث رطيئة أبيهم آد‬
‫ورطاايهم‪ ،‬وأنه دلن بعد صلبه‪ ،‬وقا بعد ثماثة أاي متغلبا على املوت لَرتفع إىل السماء‪.‬‬
‫ول‬
‫يسى ابي َن َم يرَميَ َر ْس َ‬ ‫‪ -‬قال تعاىل مبينا حقيقة ما حدث وزبف ما ادعوه‪ :‬وقَـوهلغغم إغ َّان قَـتـلينا اليم غس غ‬
‫يح ع َ‬ ‫َ ي ي ََ َ َ‬
‫ك غم ينهْ َما َهلْم بغ غه غم ين غعل ٍيم إغالَّ‬ ‫َ‬ ‫يَ‬ ‫ََ َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫غ‬
‫هللا وما قَـتَـلْوهْ وما صلَبوهْ ولَ غكن ْشبغهَ َهلْم وإغ َّن الَّ غذبن ا يرتَـلَ ْفواي لغ غيه لَغفي َش ٍ‬
‫اع الظَّ غن َوَما قَـتَـلْوهْ بَغقينا بَل َّرلَـ َعهْ هللاْ إغلَيي غه َوَكا َن هللاْ َع غزبزا َح غكيما [النساء‪.]158 ،157 :‬‬ ‫اتغبَ َ‬
‫‪ -‬الدبنونة واحلساب‪ :‬بعتقدون أبن احلساب يف اخآرر سيكون موكوال للمسيح عيسى بن مرمي‬
‫اجلالس‪ -‬يف زعمهم‪ -‬على ميني الرب يف السماء؛ ألن ليه من جنس البشر ِما بعينه على حماسبة‬
‫الناس على أعماهلم‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪ )2365‬بلفظ (من عمات) وأمحد (‪ )9259( )406 /2‬وابن حبان (‪)6814‬‬
‫واحلاكم (‪)4153( )648 /2‬‬

‫(‪)314/1‬‬
‫‪ -‬الصليب‪ :‬بعترب الصليب شعارا هلم‪ ،‬وهو موضع تقدبس األكثربن‪ ،‬ومحلْه عمامة على أهنم من‬
‫أتباع املسيح‪ ،‬وال خيفى ما يف ذلك من رفة عقوهلم وسفاهة رأبهم‪ ،‬لمن األوىل هلم أن بكرهوا‬
‫الصليب وحيقروه؛ ألنه كان أحد األدوات اليت صلب عليه إهلهم وسبب آالمه‪ .‬وعلى حسب‬
‫منطقهم لكان األوىل هبم أن بعظموا قربه الذي زعموا أنه دلن ليه‪ ،‬وال مس جسده تربته لرت أطول‬
‫ِما المس الصليب‪.‬‬
‫مرمي البتول‪ :‬بعتقد النصارى على ما أضيف يف قانون اإلميان أن مرمي ابنة عمران والد املسيح عليه‬
‫بتوجه البعض منهم إليها ابلعباد ‪.‬‬
‫السما ‪ ،‬هي والد اإلله‪ ،‬ولذا َّ‬
‫‪ -‬الدبن‪ :‬بممن النصارى أبن النصرانية دبن عاملي يَر َمتص ببين إسرا يل وحدهم‪ ،‬وال خيلو‬
‫اعتقادهم هذا أبضا من َمالفة لقول املسيح املذكور يف (إجنيل مىت)‪ ،‬اإلصحاح (‪( :)6 ،10:5‬إىل‬
‫طرق األمم ال تتجهوا‪ ،‬ومدن السامربني ال تدرلوا‪ ،‬بل انطلقوا ابحلري إىل اَخراف الضالة من آل بين‬
‫إسرا يل)‪.‬‬
‫‪ -‬الكتاب املقدس‪ :‬بممن النصارى بقدسية الكتاب املشتمل على‪:‬‬
‫العهد القدمي‪ :‬والذي حيتوي التورا ‪ -‬الناموس ‪ -‬وأسفار األنبياء اليت حتمل تواربخ بين إسرا يل‬
‫وجَراهنم‪ ،‬ابإلضالة إىل بعض الوصااي واإلرشادات‪.‬‬
‫(مىت‪ ،‬مرقس‪ ،‬لوقا‪ ،‬بوحنا) لقط‪ ،‬والرسا ل املنسوبة‬
‫العهد اجلدبد‪ :‬والذي بشمل األانجيل األربعة‪َّ :‬‬
‫للرسل‪ ،‬على أن ما يف العهد اجلدبد بلغي ما يف العهد القدمي؛ ألنه يف اعتقادهم كلمة هللا‪ ،‬وذلك‬
‫على رماف بني طوا فهم يف االعتقاد يف عدد األسفار والرسا ل‪ ،‬بل ويف صحة التورا نفسها‪.‬‬
‫‪ -‬اجملامع (التقليد)‪ :‬بممن النصارى بكل ما صدر عن اجملامع املسكونية من أمور تشربعية‪ ،‬سواء يف‬
‫العقيد أو يف األحكا ‪ ،‬وذلك على رماف بينهم يف عددها‪.‬‬
‫‪ -‬اَختان‪ :‬بممن النصارى بعد اَختان لَلطفال على عكس شربعة التورا ‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)315/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬اَخطيئة واَخماص‪:‬‬


‫تزعم النصرانية أن آد ملا وقع يف رطيئة األكل من الشجر احتاج اجلنس البشري إىل التكفَر‪ ،‬وإىل‬
‫َملغص بنقذهم منها‪ ،‬وأن هللا رحم بين آد لنزل ابنه الوحيد ـ تعاىل هللا عن ذلك ًّ‬
‫علوا كبَرا ـ لكي‬
‫بصلب وبقتل تكفَرا عن تلك اَخطيئة‪ ،‬ومن هنا وجب على كل البشر اإلميان ابملسيح ابنا هلل‪،‬‬
‫وَملصا للبشر‪ ،‬ومكفرا عن رطيئتهم‪ ،‬وهلذا بقدس النصارى الصليب‪ ،‬وجيعلونه شعارهم الدا م‪.‬‬

‫(‪)316/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التثليث‪:‬‬


‫بتفق النصارى مجيعا على أن هللا ثماثة‪ ،‬وبسموهنا (ثماثة أقانيم) وهي‪ :‬اخآب‪ ،‬واالبن‪ ،‬وروح القدس‪،‬‬
‫مث بقولون‪ :‬إن الثماثة واحد‪.‬‬
‫ولكنهم خيتلفون يف معىن األقنو ‪ ،‬ويف طبيعة كل أقنو ورصا صه ارتمالا كبَرا‪ ،‬وما بزالون على مدار‬
‫ألفي سنة بكفر بعضهم بعضا‪ ،‬وبلعن بعضهم بعضا بسبب ذلك‪.‬‬
‫وبشهد التاربخ األورويب أن ضحااي هذه االرتمالات ليما بينهم تفوق من قتل منهم على أبدي‬
‫املسلمني واليهود واجملوس أضعالا كثَر ‪.‬‬
‫والعجيب أن من أسباب هذا االرتماف عد تصور حقيقة التثليث حىت اعتقد بعض علما هم أنه ال‬
‫ميكن معرلته إال بو القيامة عندما تتجلى احلقا ق‪.‬‬

‫(‪)317/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التوسط والتحليل والتحرمي‪:‬‬


‫تممن املسيحية احملرلة ابلتوسط بني هللا واَخلق يف العباد ‪ ،‬وهذا التوسط هو مهمة رجال الدبن‪ ،‬لعن‬
‫طربقهم بتم درول اإلنسان يف الدبن واعرتاله ابلذنب وتقدمي صماته وقرابينه‪ ،‬وقد أدَّى هذا إىل أن‬
‫بتحول رجال الدبن إىل طواييت بستعبدون الناس‪ ،‬وحيللون هلم وحيرمون من دون هللا‪ ،‬كما قال هللا‬ ‫َّ‬
‫هللا واليم غسيح ابن مرَمي وما أ غْمرواي إغالَّ لغيـعب ْدواي إغ َهلا و غ‬
‫غ غ‬ ‫غ‬
‫احدا‬ ‫َ‬ ‫َ يْ‬ ‫ارْه يم َوْر يهبَ َاهنْ يم أ يَرَاباب من ْدون َ َ َ ي َ َ ي َ َ َ ْ‬ ‫تعاىل‪َّ :‬اختَ ْذواي أ ي‬
‫َحبَ َ‬
‫لسر الرسول صلى هللا عليه وسلم عبادهتم‬ ‫الَّ إغلَهَ إغالَّ ْه َو ْس يب َحانَهْ َع َّما بْ يش غرْكو َن [التوبة‪.]31 :‬وقد َّ‬
‫أبهنا طاعتهم يف التحليل والتحرمي‪ ،‬كما يف حدبث عدي بن حامت (‪ ،)1‬وما بزال النصارى إىل اليو‬
‫إذا رأوا أن املصلحة تقتضي حترمي شيء أو حتليله بطلبون ذلك من (البااب) ورجال الدبن‪ ،‬لتصدر‬
‫القرارات اليت قد ختالف نصوص اإلجنيل‪.‬‬
‫وقد أدَّى هذا املبدأ إىل نتا ج سيئة؛ منها‪ :‬إصدار صكوك الغفران‪ ،‬واحتكار رجال الدبن القراء‬
‫والكتابة قروان طوبلة‪.‬‬
‫‪4‬ـ اإلميان ابلكتب املقدسة عندهم (العهد القدمي والعهد اجلدبد) وهي التورا والرسا ل‪.‬‬
‫‪ O‬أصول الفرق واألداين واملذاهب لسفر احلواِل – ص ‪95‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه الرتمذي (‪ .)3095‬قال الرتمذي‪ :‬هذا حدبث يربب ال نعرله إال من حدبث عبد السما‬
‫بن حرب ويطيف بن أعني ليس مبعروف يف احلدبث‪ .‬وقال الذهَب يف ((املهذب)) (‪:)4108 /8‬‬
‫ليه يطيف ضعفه الدارقطين‪ ،‬وقيل يضيف‪.‬‬

‫(‪)318/1‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬دعوى حماسبة املسيح الناس‪:‬‬


‫بزعم النصارى أن املسيح عليه السما سوف َّ‬
‫بتوىل بو القيامة حماسبة الناس وإدانتهم‪ ،‬وهلم على‬
‫ذلك نصوص من إجنيل بوحنا ويَره‪ .‬ومن ذلك ما ورد يف (إجنيل بوحنا) (‪( :)26 /5‬كما أن األب‬
‫له حيا يف ذاته كذلك أعطى االبن أبضا أن تكون له حيا يف ذاته‪ ،‬وأعطاه سلطاان أن بدبن أبضا؛‬
‫ألنه ابن اإلنسان)‪.‬‬
‫وجاء يف رسالة بولس الثانية إىل أهل كورنثوس (‪( :)10 /5‬ألنه البد أننا مجيعا نظهر أما كرسي‬
‫املسيح؛ لينال كل واحد ما كان ابجلسد‪ ،‬حبسب ما صنع رَرا كان أ شرا)‪ .‬وثبوت هذه العقيد لرع‬
‫عن ثبوت أصلها‪ ،‬وهي األانجيل أو الرسا ل‪ ،‬أما األانجيل لقد سبق احلدبث عنها‪ ،‬و (إجنيل بوحنا)‬
‫أقلها نصيبا من الصحة‪ .‬أما كما بولس يف رسا له لإنه يَر مقبول؛ ألنه كما سيتبني بهودي‬
‫متعصب‪ ،‬وهو أول من احنرف ابلداينة النصرانية عن وجهها إىل الشرك ودعوى ألوهية املسيح إىل‬
‫عز وجلَّ هو الذي َّ‬
‫بتوىل حساب الناس بو‬ ‫يَر ذلك من الضماالت‪ .‬وما نعتقده يف ذلك أن هللا َّ‬
‫القيامة‪ ،‬وبكون الرسل شهودا على أقوامهم‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪333‬‬

‫(‪)319/1‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬قول النصارى يف البعث واجلنة والنار‪:‬‬
‫بعتقد النصارى ابلبعث اجلسدي‪ .‬ورد يف (قاموس الكتاب املقدس)‪( :‬تتضمن القيامة حبسب تعليم‬
‫الكتاب املقدس قيامة األجساد وتغيَر هذه األجساد وبقاءها إىل األبد ‪ .) ...‬مث قال‪( :‬ولقد َعلَّم‬
‫املسيح بوضوح أبن املوتى سيقومون)‪ .‬كما أن النصارى بممنون ابلنعيم األبدي يف اجلنة والعذاب‬
‫األبدي يف النار‪ ،‬كما جاء يف (إجنيل مىت) (‪( )34 /25‬مث بقول امللك للذبن عن ميينه‪ :‬تعالوا اي‬
‫مباركي أيب رثوا امللكوت املعد لكم منذ َتسيس العامل‪ .‬مث بقول أبضا للذبن عن اليسار‪ :‬اذهبوا عين اي‬
‫مماعني إىل النار األبدبة املعد إلبليس ومما كته ‪ ...‬ليمضي همالء إىل عذاب أبدي واألبرار إىل‬
‫حيا أبدبة)‪ .‬إال أهنم بزعمون أن اجلنة ليس ليها أكل وال شرب وال نكاح وال شيء من املتع احلسية‪،‬‬
‫وإَنا بعتقدون أن املتعة تكون برؤبة هللا لقط‪ .‬للهذا بقول ميخا يل مينا‪( :‬إن نعيم األبرار هو عبار‬
‫عن اتصاهلم ابهلل ورؤبتهم جماله‪ ،‬ورؤبة هللا هي اجلزاء األعظم الفا ق كل رَر الذي ميَل ريبة كل‬
‫إنسان‪ ،‬وبشبع شهوات نفسه‪ ،‬بل هو سعادته النها ية املشتها من كل مشاعره‪ ،‬واليت إليه تتجه كل‬
‫أشواق قلبه)‪ .‬وإنكارهم هذا بعود إىل أهنم برون أن األجساد بو القيامة ستكون أجسادا روحانية ال‬
‫حتتاج إىل الطعا والشراب‪ ،‬وليس ليها شهو اجلماع‪ ،‬وال لرق ليها بني جسد املرأ وجسد الرجل‪.‬‬
‫مىت) (‪ )29 /22‬وليه بقول املسيح‪( :‬ألهنم يف القيامة ال‬
‫وبستدلون لذلك بنصني‪ :‬أحدمها يف (إجنيل َّ‬
‫بزوجون وال بتزوجون‪ ،‬بل بكونون كمما كة هللا يف السماء)‪ .‬واخآرر من كما بولس يف كورنثوس‬
‫األوىل (‪ )44 /15‬وهو بتحدث عن قيامة األموات (بزرع جسما حيوانيا وبقا جسما روحانيا)‪.‬‬
‫وهذا الكما من بولس ال دليل له عليه‪ ،‬وهو من اررتاعاته والرتاءاته العدبد ‪.‬‬
‫أما النص املنسوب إىل املسيح لليس ليه سوى نفي الزواج‪ ،‬وليس ليه نفي الطعا والشراب‪ ،‬وقد‬
‫ثبت يف نصوص األانجيل إثبات الطعا والشراب يف اخآرر ‪ ،‬لقد ذكر (لوقا) يف (‪ :)29 /22‬أن‬
‫املسيح قال لتماميذه الذبن بممنون به‪( :‬وأان أجعل لكم كما جعل ِل أيب ملكوات لتأكلوا وتشربوا على‬
‫ما دِت‪ ،‬وُتلسوا على كراسي تدبنون أسباط إسرا يل االثين عشر)‪.‬‬
‫ويف (إجنيل مىت) (‪ )29 /26‬أن املسيح قال لتماميذه بعد آرر شراب شربه معهم‪( :‬وأقول لكم‪ :‬إين‬
‫من اخآن ال أشرب من نتاج الكرمة هذا إىل ذلك اليو حينما أشربه معكم جدبدا يف ملكوت أيب)‪.‬‬
‫لهذه النصوص تعارض ذلك النص السابق الذي بنكر النعيم احلسي‪ ،‬وتدل على عد صحته؛ ألن‬
‫وجل يف القرآن الكرمي‪ ،‬وبيَّنه النَب حممد‬
‫عز َّ‬
‫احلق أن أهل اجلنة بتنعمون ليها نعيما كامما‪ ،‬ذكره هللا َّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم بياان شاليا‪ ،‬وليس هناك مانع عقلي منه‪ ،‬وهللا على كل شيء قدبر ولضله‬
‫عظيم‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪334‬‬
‫(‪)320/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫املسيح عليه السما من بين إسرا يل‪ ،‬وكان ملتزما مبا كان من الشربعة قبله‪ ،‬ويف هذا بذكر صاحب‬
‫(إجنيل مىت) (‪ )17 /5‬أن املسيح قال للجموع شارحا دعوته‪( :‬ال تظنوا أين جئت ألنقض الناموس‬
‫أو األنبياء‪ ،‬ما جئت ألنقض بل ألكمل‪ ،‬لإين احلق أقول لكم إىل أن تزول السماء واألرض ال بزول‬
‫حرف واحد أو نقطة واحد من الناموس حىت بكون الكل)‪.‬‬
‫ويَروا داينته يف العقيد والشربعة‪ ،‬لألغى (بولس) الناموس أو‬
‫إال أن النصارى بعد املسيح بدَّلوا َّ‬
‫شربعة موسى‪ ،‬وأبطل العمل هبا‪ ،‬بل اعترب العمل هبا ال بنجي اإلنسان بل بهيئه للعنة‪ .‬ويف هذا بقول‬
‫يف رسالته ألهل يماطية (‪( )16 /2‬إذ نعلم أن اإلنسان ال بتربر أبعمال الناموس ‪ ...‬ألنه أبعمال‬
‫الناموس ال بتربر جسد ما)‪.‬‬
‫ويف (‪ )10 /3‬بقول‪( :‬ألن مجيع الذبن هم من أعمال الناموس هم حتت لعنة؛ ألنه مكتوب‪ :‬ملعون‬
‫كل من ال بثبت يف مجيع ما هو مكتوب يف كتاب الناموس ليعمل به)‪.‬‬
‫هلذا انقطعت صلة النصارى ابلعبادات والشرا ع املوجود يف العهد القدمي‪ .‬وصارت عندهم عبادات‬
‫وشعا ر َمتلفة نذكر منها‪:‬‬

‫(‪)321/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الصما ‪:‬‬


‫وهي سبع صلوات يف اليو والليلة‪ ،‬وليس هلا كيفية حمدود وإَنا هي دعاء‪ .‬وخيتارونه يف الغالب من‬
‫األدعية املنسوبة للمسيح عليه السما ‪ ،‬أو األدعية املنسوبة إىل داود عليه السما ‪ ،‬كما ذكروها يف‬
‫املزامَر من العهد القدمي‪ .‬وللصما عندهم شرطان لقط‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تقد الصما ابسم املسيح؛ ألنه الواسطة عندهم‪ ،‬وهذا أصرح ما بكون يف عبادهتم له‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن بتقد الصما اإلميان الكامل ابلتثليث ويَره من العقيد ‪.‬‬
‫والصما أنواع‪ :‬منها صما لردبة سربة‪ ،‬وصما عا لية يف البيت‪ ،‬ومنها الصما العامة يف الكنيسة‪،‬‬
‫وأمهها صما بو األحد حيث بقرأ الكاهن عليهم شيئا من املزامَر أو من يَرها من الكتاب املقدس‪،‬‬
‫واجلميع وقوف بستمعون‪ ،‬وعند هنابة كل مقطع بممنون‪.‬‬
‫مىت يف (‪/6‬‬
‫حض على الصما ‪ ،‬لقد ذكر َّ‬
‫وِما جيدر مماحظته هنا أن النصارى بوردون عن املسيح أنه َّ‬
‫‪( )5‬ومىت صليت لما تكن كاملرا ني ‪ ...‬وأما أنت لمىت صليت لادرل َمدعك وأيلق اببك غ‬
‫وصل‬
‫إىل أبيك يف اَخفاء)‪.‬‬
‫ولكن مل برد عن املسيح عليه السما بيان لكيفية الصما ‪ ،‬والذي بظهر أن املسيح عليه السما كان‬
‫بصلي مثل صما بين إسرا يل‪ ،‬وحواربوه كانوا بعرلون الصما ؛ ألهنم من بين إسرا يل‪ ،‬للهذا مل‬
‫بعرلهم املسيح عليه السما كيفية الصما ‪.‬‬
‫وِما بماحظ أن املسيح حني صلَّى كان بقع على وجهه على األرض‪ ،‬كما بقول َّ‬
‫مىت يف (‪)39 /26‬‬
‫رر على وجهه وكان بصلي)‪.‬‬
‫(مث تقد (املسيح) قليما و َّ‬
‫لهذا بفهم منه أن املسيح كان بسجد يف صماته‪ ،‬وهو ما ال بفعله النصارى‪ ،‬وهذا بدلنا على أن‬
‫النصارى ال بعرلون كيف كان بصلي املسيح على التفصيل‪ ،‬وإَنا أرذوا من أمره ابلصما املعىن‬
‫العا ‪ ،‬وهو الدعاء‪ ،‬والتزموه بدون دليل صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬الصما ‪ :‬األصل عندهم يف مجيع الصلوات إَنا هي الصما الرابنية‪ ،‬واألصل يف تماوهتا أن بتلوها‬
‫املصلي ساجدا‪ ،‬أو تكون أبلفاظ منقولة أو مرُتلة أو عقلية‪ ،‬أبن تنوي األلفاظ وبكون االبتهال‬
‫قلبيًّا‪ ،‬وذلك على رماف كبَر بني طوا فهم يف عددها وطربقة َتدبتها‪ ،‬ليس هلا عدد معلو مع الرتكيز‬
‫على صماِت الصباح واملساء‪.‬‬

‫(‪)322/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الصو ‪:‬‬


‫وهو االمتناع عن الطعا حىت بعد منتصف النهار‪ ،‬مث تناول طعا رال من الدسم عند البعض‪،‬‬
‫والبعض منهم برى أن الصو امتناع عن األكل والشرب من الصباح إىل املساء‪ ،‬وهم بصومون بو‬
‫األربعاء؛ ألنه بو املشاور على موت املسيح عندهم‪ ،‬وبو اجلمعة؛ ألنه صلب عندهم ليه املسيح‪،‬‬
‫وصو امليماد وعدد أايمه (‪ )43‬بوما تنتهي بعيد امليماد‪ ،‬وأايما أررى يَرها وضعوها ملناسبات راصة‬
‫ختتلف من كنيسة إىل كنيسة‪ .‬وبعضهم برى أنه ال بوجد صيا دوري على النصراين‪ ،‬بل بصو‬
‫اإلنسان وقت احلاجة للصيا ‪ ،‬وبَـ يعتغرب كل صيا حمدد بدعة يَر مشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬الصو ‪ :‬هو االمتناع عن الطعا الدسم وما ليه شيء من احليوان أو مشتقاته‪ ،‬مقتصربن على أكل‬
‫البقول‪ ،‬وختتلف مدته وكيفيته من لرقة إىل أررى‪.‬‬
‫حض على الصو عموما ومل حيدد ليه‬
‫وما سبق أن قلناه يف الصما نقوله يف الصو ‪ ،‬لإن املسيح َّ‬
‫كيفية والزماان وال شيئا من ذلك‪ ،‬لتأوله كل مجاعة منهم على ما أرادوا بدون أن بكون هناك أي‬
‫دليل بعتمد عليه من قبل املسيح‪.‬‬
‫لحر‬
‫وهذا كله ألن النصارى لصلوا بني العباد الوارد يف العهد القدمي والعباد يف العهد اجلدبد‪َّ ،‬‬
‫عليهم بولس العمل بشيء من تعاليم الناموس (التورا ) كما سبق بيانه ‪ -‬لصارت داينتهم دعو عامة‬
‫ليس ليها تفصيل لشيء من العبادات‪.‬‬

‫(‪)323/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعميد‪:‬‬


‫هو مفتاح الدرول يف النصرانية‪ ،‬لمن مل بعمد لليس نصرانيًّا عندهم‪ ،‬ولو كان من أبوبن نصرانيني‪،‬‬
‫بعمد الشخص وهو طفل أو يف أي وقت من حياته‪ ،‬كما ميكن تعميده وهو على لراش‬
‫وميكن أن َّ‬
‫املوت‪ ،‬ومرادهم ابلتعميد أن بكون اإلنسان طاهرا مربءا من الذنوب‪.‬‬
‫وطربقته عندهم رش املاء على اجلبهة‪ ،‬أو يمس أي جزء من اجلسم يف املاء‪ ،‬أو يمس الشخص كله‬
‫يف املاء‪ ،‬وال بكون إال يف الكنيسة وعلى بد كاهن‪.‬‬

‫(‪)324/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬العشاء الرابين أو القرابن املقدس‪:‬‬


‫هو قطع من اَخبز مع كأس من اَخمر‪ ،‬بتناوله النصارى يف الكنيسة رمزا وتذكارا لصلب املسيح‬
‫عندهم‪ .‬وعند الكاثوليك من النصارى أن من أكل هذا اَخبز وشرب اَخمر لقد أكل حلم املسيح‪،‬‬
‫وشرب دمه؛ ألنه عندهم بتحول حقيقة إىل حلم املسيح ودمه‪ .‬بينما برى يَر الكاثوليك أن هذا رمز‬
‫حل ابملسيح‪ ،‬أو أن املسيح حيضر روحيًّا هذا العشاء‪ ،‬وليس له وقت حمدد‪ ،‬وإَنا برون ِمارسته‬
‫ملا َّ‬
‫مرارا عدبد يف العا ‪ ،‬وجيب أن ببل الناس عنه قبل موعده أبسبوعني على األقل‪ ،‬وهااتن الفربضتان‬
‫األرَراتن مها أهم شعا ر النصارى؛ إذ مها لقط الذي ورد عن املسيح يف زعمهم األمر هبما‪.‬‬
‫(‪)325/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬االعرتاف للقس‪ ،‬وصكوك الغفران‪:‬‬


‫تتم إال ابالعرتاف ابلذنوب واَخطااي أما القس أو الكاهن يف الكنيسة‪ ،‬مث‬
‫التوبة عند النصارى ال ُّ‬
‫ميسحه هذا الكاهن لتغفر ذنوبه‪ .‬مث إن ذلك تطور حيث قْرر يف اجملمع الثاين عشر سنة (‪, )1215‬‬
‫أن الكنيسة الكاثوليكية متلك حق الغفران للذنوب‪ ،‬ومتنحه ملن تشاء‪ .‬لاستغلت الكنيسة والقسس‬
‫هذا األمر‪ ،‬وطبعوا صكوك الغفران‪ ،‬وابعوها ورحبوا من ورا ها أمواال طا لة‪ ،‬وهذه الصكوك بغفر ليها‬
‫مجيع الذنوب السابقة والماحقة‪ ،‬وختلص صاحبها من مجيع التبعات واحلقوق اليت يف ذمته‪ .‬وهذا‬
‫وصمة عار يف جبني النصارى‪ ،‬ومظهر من مظاهر تماعبهم وعبثهم؛ ألن من املعلو أن اإلنسان ال‬
‫بتجاوز وبتسامح عما ال ميلك‪ ،‬لكيف بسقط الكاهن أو القسيس حقوق اخآرربن اليت يف ذمة‬
‫اإلنسان‪ ،‬وأكرب منها وأعظم الذنوب اليت برتكبها اإلنسان َمالفا هبا أمر هللا ومتعداي حدوده‪،‬‬
‫جل وعما عاجز عن توِل ذلك؟ أ أنه يا ب ال بدري؟ أ‬
‫وجل وحده‪ .‬لهل هللا َّ‬
‫عز َّ‬ ‫لمغفرهتا ٌّ‬
‫حق هلل َّ‬
‫أن البابوات والقسس أعلم منه خبلقه؟ أ هم أرحم منه خبلقه؟‬
‫جل وعما‪ ،‬واستعباد‬
‫الشك أن كل ذلك يَر حاصل‪ ،‬وإَنا هو جرأ على هللا وتعد على حقوقه َّ‬
‫َخلقه‪ ،‬وَتليه ألنفسهم وتعظيم‪ ،‬وِما الشك ليه أن أعظم رجاء لإلنسان وأمل هو أن بغفر هللا له‬
‫ذنوبه وبتجاوز عن سيآته ورطاايه‪ ،‬لإذا جعل البابوات والقسس هذا األمر أببدبهم‪ ،‬لإهنم حيولون‬
‫بذلك بني اَخلق ورهبم‪ ،‬وحيجبوهنم عنه لما بسألونه‪ ،‬وال برجونه وتصبح آماهلم معلقة أبمثاهلم من‬
‫الناس يف اَخطيئة واجلهل والنقص‪.‬‬
‫غ‬ ‫ون َّغ‬
‫جل وعما إذ بقول عنهم‪َّ :‬اختَ ْذوا أَحبارْهم ور يهب َاهنْم أَراباب غمن ْد غ‬
‫يح ابي َن َم يرَميَ‬
‫اَّلل َوال َيمس َ‬ ‫ي َ َ ي َ ْ َ ي يَ ي‬ ‫وصدق ربنا َّ‬
‫جل وعما‪:‬‬ ‫احدا ال إغلَهَ إغَّال ْه َو ْس يب َحانَهْ َع َّما بْ يش غرْكو َن [التوبة‪ .]31:‬مث بقول َّ‬ ‫وما أ غْمروا إغَّال لغيـعب ْدوا إغهلَا و غ‬
‫َ‬ ‫َ يْ‬ ‫ََ ْ‬
‫غ‬ ‫الر يهب غ‬ ‫غ‬ ‫َّ غ‬
‫صدُّو َن َع ين َسبغ غ‬
‫يل‬ ‫َّاس غابليبَاط غل َوبَ ْ‬
‫ال الن غ‬
‫ان لَيَأي ْكلْو َن أ يَم َو َ‬ ‫آمنْوا إغ َّن َكثغَرا م َن ياأل ي‬
‫َحبَا غر َو ُّ َ‬ ‫َاي أَبُّـ َها الذ َ‬
‫بن َ‬
‫اَّلل [التوبة‪.]34:‬‬ ‫َّغ‬

‫(‪)326/1‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الزواج عند النصارى‪:‬‬
‫الزواج عند النصارى جا ز عندهم ما عدا القسس والرهبان اقتداء يف زعمهم ابملسيح عليه السما‬
‫الذي مل بتزوج‪ .‬وعندهم أن الذي بستطيع أن بضبط نفسه عن الزان‪ ،‬لاأللضل أن ال بتزوج‪ ،‬وال جيوز‬
‫عندهم الزواج أبكثر من واحد ‪ ،‬وال طماق عندهم إال يف حالة الزان عند األرثوذكس‪ ،‬وإذا طلَّق‬
‫أحدمها اخآرر لما بتزوج مر أررى‪ .‬وجيوز الطماق عندهم يف حالة ارتماف الدبن بني الرجل واملرأ‬
‫بتم التوالق بينهما‪.‬‬
‫إذا مل َّ‬

‫(‪)327/1‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬محل الصليب وتقدبسه‪:‬‬


‫النصارى برمزون ابلصليب الذي حيملونه‪ ،‬والذي ال تكاد ُتد نصرانيا إال وهو حيمله‪ ،‬إىل صلب‬
‫املسيح عليه السما عندهم‪ .‬وبزعمون أن محله بشعرهم إبنكار النفس‪ ،‬واقتفاء أثر املسيح يف هذا‬
‫اإلنكار‪ ،‬والسَر وراء َملغصهم ولادبهم‪ .‬وال بوجد لدى النصارى دليل على محل الصليب لضما عن‬
‫عرف مىت صار الصليب مقدسا‪ ،‬حيث ال بوجد له أي ذكر لدى املتقدمني من‬
‫تقدبسه‪ ،‬كما أنه ال بْ َ‬
‫النصارى‪ ،‬وال بْعرف من الذي دعا إىل محله على التحقيق‪ ،‬وإَنا هو أمر استحسنوه ودرجوا عليه يف‬
‫زمن متأرر حىت صار من أظهر شعا رهم‪.‬‬

‫(‪)328/1‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬تقدبس بو األحد‪:‬‬


‫من املعلو أن املسيح عليه السما من بين إسرا يل‪ ،‬وبنو إسرا يل بعظمون بو السبت وبقدسونه‪،‬‬
‫لكان املسيح عليه السما على ذلك‪ ،‬إال أن النصارى ليما بعد‪ ،‬بوقت طوبل تركوا السبت‪ ،‬وأرذوا‬
‫بعظمون األحد ريبة منهم يف َمالفة اليهود الذبن بكنون هلم العداء والبغض‪ .‬وهذا بْ ُّ‬
‫عد من النصارى‬
‫حتربفا وتغيَرا لدبن املسيح عليه السما مبا بوالق أهواءهم بدون أن بكون عندهم دليل على ذلك‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪339‬‬

‫(‪)329/1‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬األسرار السبعة‪:‬‬
‫واليت بنال هبا النصراين النعم يَر املنظور يف صور نعم منظور ‪ ،‬وال تتم إال على بد كاهن شرعي‪،‬‬
‫ولذا لهي واجبة على كل نصراين ِمارستها‪ ،‬وإال أصبح إميانه انقصا‪ .‬وابجلملة لإهنا من ضمن‬
‫خترصات البابوات‪.‬‬
‫التشربعات اليت مل بْنزل هللا هبا من سلطان‪ ،‬وإَنا هي من ُّ‬
‫‪ - 1‬سر التعميد‪ :‬وبقصد به تعميد األطفال عقب والدهتم بغطاسهم يف املاء‪ ،‬أو الرش به ابسم‬
‫األب واالبن والروح القدس؛ لتمحي عنهم آاثر اَخطيئة األصلية‪ ،‬بزعم إعطاء الطفل شيئا من احلربة‬
‫واملقدر لعمل اَخَر‪ ،‬وهذا أبضا على رماف بينهم يف صورته ووقته‪.‬‬
‫‪ - 2‬سر التثبيت (املَرون)‪ :‬وال بكون إال مر واحد ‪ ،‬وال تكمل املعمودبة إال به‪ ،‬حيث بقو‬
‫الكاهن مبسح أعضاء املعتمد بعد رروجه من جرن املعمودبة يف ستة وثماثني موضعا ‪ -‬األعضاء‬
‫واملفاصل ‪ -‬بدهن املَرون املقدس‪.‬‬
‫‪ - 3‬سر العشاء الرابين‪ :‬وبكون ابَخمر أو املاء ومعه اَخبز اجلاف؛ حيث بتحول يف زعمهم املاء أو‬
‫اَخمر إىل د املسيح‪ ،‬واَخبز إىل عظامه‪ ،‬وبذلك لإن من بتناوله لإَنا ميتزج يف تعاليمه بذلك‪ ،‬وكذلك‬
‫لفرقْهم على رماف يف االستحالة بل ويف العشاء نفسه‪.‬‬
‫‪ - 4‬سر االعرتاف‪ :‬وهو اإللضاء إىل رجل الدبن بكل ما بقرتله املرء من آاث وذنوب‪ ،‬وبتبعه‬
‫الغفران والتطهَر من الذنب بسقوط العقوبة‪ ،‬وكان االعرتاف بتكرر عد مرات مدى احليا ‪ ،‬ولكن‬
‫منذ سنة (‪ )1215‬أصبح الزما مر واحد على األقل‪ ،‬وهذه الشعَر عندهم أبضا ِما ارتْلغف يف‬
‫وجوهبا وإسقاطها‪.‬‬
‫‪ - 5‬سر الزواج‪ :‬بْسمح الزواج بزوجة واحد مع منع التعدد الذي كان جا زا يف مطلع النصرانية‪،‬‬
‫وبْشرتط عند الزواج حضور القسيس؛ ليقيم وحده بني الزوجني‪ ،‬والطماق ال جيوز إال يف حالة الزىن‪-‬‬
‫على رماف بينهم‪ -‬وال جيوز الزواج بعده مر أررى‪ ،‬بعكس الفراق الناشئ عن املوت‪ ،‬أما إذا كان‬
‫أحد الزوجني يَر نصراين لإنه جيوز التفربق بينهما‪.‬‬
‫‪ - 6‬سر مسحة املرضى‪ :‬وهو السر السادس بزعم شفاء األمراض اجلسدبة املتسببة عن العلل‬
‫الروحية وهي اَخطيئة‪ ،‬وال ميارس الكاهن صلوات القندبل السبع إال بعد أن بتثبَّت من ريبة املربض‬
‫يف الشفاء‪.‬‬
‫‪ - 7‬سر الكهنوت‪ :‬وهو السر الذي بنال به اإلنسان بزعمهم النعمة اليت غ‬
‫تمهله ألن بمدي رسالة‬
‫بتم إال بوضع بد األسقف على رأس الشخص املنتخب‪ ،‬مث‬
‫السيد املسيح بني إروانه من البشر‪ ،‬وال ُّ‬
‫بتلى عليه الصلوات اَخاصة برسم الكهنة‪.‬‬

‫(‪)330/1‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬التنظيم الكهنوِت‪:‬‬


‫تنظيم استعارته‬
‫ختتلف كل كنيسة‪ -‬لرقة‪ -‬عن األررى يف التنظيم الكهنوِت‪ ،‬ولكنه بوجه عا هو ٌ‬
‫الكنيسة يف عهودها األوىل من الرومان حيث كان برأسها أكربهم سنًّا على أمل عود املسيح‪،‬‬
‫وبقدسون رهباهنم ورجال كنيستهم‪ ،‬وجيعلون هلم السلطة املطلقة يف الدبن ويف منح صكوك الغفران‪،‬‬
‫ون غ‬
‫هللا [التوبة‪.]31 :‬‬ ‫بقول تعاىل مبينا احنرالهم‪َّ :‬اختَ ْذواي أَحبارْهم ور يهب َاهنْم أَراباب غمن ْد غ‬
‫ي َ َ ي َ ْ َ ي يَ‬

‫(‪)331/1‬‬

‫املطلب التاسع‪ :‬اهلرطقة وحماربتها‪:‬‬


‫حاربت الكنيسة العلو واالكتشالات العلمية وكل احملاوالت اجلدبد لفهم كتاهبم املقدس‪ ،‬ورمت‬
‫ذلك كله ابهلرطقة‪ ،‬وواجهت هذه االُتاهات مبنتهى العنف والقسو ‪ِ ،‬ما أوجد رد لعل قوبة‪ ،‬متثَّلت‬
‫يف ظهور املذاهب العلمانية واأللكار اإلحلادبة‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)332/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫بشر املسيح عليه السما بنبينا حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬وإغ يذ قَ َ غ‬ ‫لقد َّ‬
‫يسى ابي ْن َم يرَميَ‬ ‫ال ع َ‬ ‫َ‬
‫ول َأيغيِت غم ين بَـ يع غدي‬
‫ي غمن التـ يَّورا غ وْمبَ غشرا بغر ْس ٍ‬
‫َ‬ ‫ني بَ َد َّ َ َ َ‬ ‫صدقا ل َما بَ ي َ‬
‫اي ب غين إغسرا يل إغغين رس ْ غ‬
‫اَّلل إغلَي ْكم م غ غ‬
‫ول َّ ي ي ْ َ‬ ‫َ َ ي َ َْ‬
‫ني [الصف‪.]6:‬‬ ‫ات قَالْوا َه َذا غس يح ٌر ْمبغ ٌ‬
‫َمحَ ْد لَـلَ َّما جاء ْهم غابليبـيغنَ غ‬
‫ََ ي َ‬ ‫امسْهْ أ ي‬
‫ي‬
‫وقد َّ‬
‫جد النصارى‪ -‬ومن قبلهم اليهود‪ -‬يف حذف هذه البشارات من كتبهم أو صرلها عن وجهها‪،‬‬
‫وبزعمون أنه ال بوجد يف كتبهم إشار إىل النَب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإن وجد شيء صرله النصارى‬
‫إىل عيسى ابن مرمي‪ ،‬وصرله اليهود إىل املسيح الذي بنتظرونه‪ ،‬وهي يف الواقع ال تنطبق إال على نَب‬
‫هذه األمة سيدان حممد صلى هللا عليه وسلم وأمته‪ ،‬وقد بقي من هذه البشارات الشيء الكثَر مع‬
‫حتربفهم لكتبهم‪ ،‬وقد ذكر منها الشيخ (رمحة هللا اهلندي) يف كتابه (إظهار احلق) اماين عشر بشار ‪،‬‬
‫منها إحدى عشر بشار يف العهد القدمي‪ ،‬وسبع بشارات يف العهد اجلدبد‪ ،‬لنذكر بعضا من تلك‬
‫البشارات ِما ورد يف العهدبن القدمي‪ ،‬واجلدبد‪.‬‬

‫(‪)333/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬البشار األوىل‪:‬‬


‫ورد يف سفر التثنية (‪( :)17 /18‬قال ِل الرب‪ :‬قد أحسنوا ليما تكلموا أقيم هلم نبيا من وسط‬
‫إروهتم مثلك‪ ،‬وأجعل كمامي يف لمه‪ ،‬ليكلمهم بكل ما أوصيه به‪ ،‬وبكون أن اإلنسان الذي ال‬
‫بسمع لكمامي الذي بتكلم به ابمسي أان أطالبه)‪ .‬هذا الكما ال بنطبق إال على النَب حممد صلى هللا‬
‫عليه وسلم ألنه قال‪( :‬من وسط إروهتم)‪ .‬وإروهتم هم أبناء إمساعيل عليه السما ؛ ألنه أرو إسحاق‬
‫الذي بنتسب إليه بنو إسرا يل حيث مها ابنا إبراهيم عليه السما ‪ .‬وأبضا قال (مثلك) ومعلو أن‬
‫اليهود برون أنه مل بقم يف بين إسرا يل نَب مثل موسى حيث قالوا يف سفر التثنية (‪( :)10 /34‬ومل‬
‫بقم بعد نَب يف إسرا يل مثل موسى‪ ،‬الذي عرله الرب وجها لوجه)‪ .‬ويف النسخة السامربة من التورا‬
‫هكذا (وال بقو أبضا نَب يف إسرا يل مثل موسى الذي انجاه هللا شفاها)‪ .‬واليهود بزعمون أن هذه‬
‫البشار لنَب مل أيت بعد‪ ،‬وإن زعم بعضهم أن املراد هبا بوشع بن نون‪ ،‬لهذا يَر صحيح؛ ألنه ليس‬
‫مثل موسى‪ ،‬وبزعم النصارى أن املراد هبا عيسى عليه السما ‪ ،‬وهي يف الواقع ال تصدق عليه أبي‬
‫وجه؛ ألنه‪-:‬‬
‫أوال‪ :‬من بين إسرا يل وليس من إروهتم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬هو ليس مثل موسى عليه السما ‪ ،‬لإنه اتبع له‪ ،‬كما أنه عند النصارى إله‪ ،‬وابن إله‪ ،‬للو أقروا‬
‫أبنه مثل موسى هلدموا داينتهم وما هم عليه‪.‬‬
‫أما النَب صلى هللا عليه وسلم لتصدق عليه من مجيع الوجوه‪ ،‬لإنه من إروهتم‪ ،‬وهو مثل موسى عليه‬
‫السما نَب رسول‪ ،‬وأتى بشربعة جدبد ‪ ،‬وحارب املشركني‪ ،‬كما لعل موسى عليه السما ‪ .‬مث إنه‬
‫قال‪( :‬أجعل كمامي يف لمه)‪ .‬لهذا كنابة عن القرآن احملفوظ يف الصدور‪ ،‬الذي َّ‬
‫تلقاه النَب حممد‬
‫صلى هللا عليه وسلم مشالهة من جرببل عليه السما ‪ ،‬وحفظه يف قلبه‪ ،‬وتماه بعد ألمته من لمه عليه‬
‫جل وعما أمت‬
‫الصما والسما ‪ ،‬حيث كان أميًّا ال بقرأ وال بكتب عليه الصما والسما ‪ .‬مث إن هللا َّ‬
‫وعده للنَب صلى هللا عليه وسلم أن الذبن ال بطيعونه لإن هللا سيطالبهم‪ ،‬وقد طالبهم‪ ،‬لانتقم من‬
‫أعدا ه املشركني واليهود‪ ،‬مث ِمن عداهم من األمم‪ .‬وهذا مل بكن لنَب يَره‪ ،‬وعيسى عليه السما مل‬
‫جل وعما أجناه منهم‪،‬‬
‫بنتقم هللا من أعدا ه‪ ،‬بل كان أعداؤه يف مكان املنتصر‪ ،‬لأرادوا قتله إال أن هللا َّ‬
‫ويف زعم النصارى أهنم قبضوا عليه وأهانوه وصلبوه‪.‬‬

‫(‪)334/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬البشار الثانية‪:‬‬


‫جاء يف سفر التثنية (‪( :)1 /33‬وهذه هي الربكة اليت ابرك هبا موسى رجل هللا بين إسرا يل قبل موته‬
‫لقال‪ :‬جاء الرب من سيناء‪ ،‬وأشرق هلم من سعَر‪ ،‬وتَلأل من جبل لاران‪ ،‬وأتى من ربوات القدس‬
‫وعن ميينه انر شربعة هلم)‪ .‬لمجيء الرب من سيناء معناه إعطاء موسى عليه السما التورا ‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫(أشرق من سعَر)‪ .‬التبشَر ابملسيح عليه السما ؛ ألن ساعَر جبل يف أرض بهوذا يف للسطني‪،‬‬
‫وقوله‪( :‬وتَلأل من جبل لاران)‪ .‬املراد به التبشَر ابلنَب حممد صلى هللا عليه وسلم؛ ألن لاران جبل‬
‫من جبال مكة‪ ،‬وقد مسوه بكتاهبم هبذا االسم‪ ،‬لقالوا عن إمساعيل عليه السما يف سفر التكوبن‬
‫(‪( :)21 /21‬سكن بربة لاران وأرذت له أمه امرأ من أرض مصر) وإمساعيل عليه السما مل بسكن‬
‫إال مكة‪.‬‬

‫(‪)335/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬البشار الثالثة‪:‬‬


‫جاء يف سفر (حجي) (‪ - )7 /2‬أن حجي وهو أحد أنبيا هم ‪ -‬أررب بين إسرا يل بعد تدمَر اهليكل‬
‫وسبيهم إىل اببل وعودهتم مر أررى مبا قال هللا له معزاي هلم‪( :‬ألنه هكذا قال رب اجلنود‪ :‬هي مر‬
‫بعد قليل لأزلزل السموات‪ ،‬واألرض‪ ،‬والبحر‪ ،‬واليابسة‪ ،‬وأزلزل كل األمم‪ ،‬وأيِت مشتهى كل األمم‪،‬‬
‫لأمَل هذا البيت جمدا‪ ،‬قال رب اجلنود‪ :‬وِل الذهب بقول رب اجلنود‪ :‬جمد هذا البيت األرَر بكون‬
‫أعظم من جمد األول‪ ،‬قال رب اجلنود‪ :‬ويف هذا املكان أعطي السما بقول رب اجلنود)‪.‬‬
‫لقوله هنا‪( :‬مشتهى كل األمم)‪ .‬ترمجة ابملعىن لكلمة (محدا) ابلعربي‪ ،‬كما بقول الربلسور عبد األحد‬
‫داود واليت الزالت مكتوبة ابلعربي هبذا اللفظ واليت تعين املشتهى‪ ،‬والشهية‪ ،‬والشا ق‪ ،‬وأن هذه‬
‫الكلمة (محدا) ابلعربي بوازبها ابلعريب (أمحد) لتكون نصا صرحيا‪ ،‬وكذلك قوله بعد‪( :‬ويف هذا املكان‬
‫أعطي السما )‪ .‬والسما واإلسما شيء واحد‪ ،‬وقد جاء السما إىل بيت املقدس برحلة النَب عليه‬
‫الصما والسما إليه يف اإلسراء‪ ،‬مث بفتحه يف عهد عمر رضي هللا عنه‪.‬‬
‫مث إن ما تعلق بعد ذلك من األحداث مبجيء (محدا) ال تنطبق إال على نَب اإلسما حممد عليه‬
‫ألضل الصما والتسليم‪ ،‬لبعد رراب بيت املقدس سنة (‪ )70‬مل بعد له جمد إال على بد املسلمني‪،‬‬
‫جل‬
‫وهو جمد أعظم من جمده السابق‪ ،‬وما أحدثه اإلسما يف األرض أبن زلزل الدول‪ ،‬وأهلك هللا َّ‬
‫وعما على بد املسلمني أهل الذهب القياصر ‪ ،‬وأهل الفضة الفرس‪ ،‬وصارت أمواهلم تنفق يف سبيل‬
‫هللا‪ ،‬كل هذا مل بفعله أحد من اليهود‪ ،‬ومل بفعله املسيح عليه السما ‪ ،‬ومل بتحقق إال على بد نَب‬
‫اإلسما حممد عليه الصما والسما وأصحابه رضوان هللا عليهم وأتباعهم‪.‬‬

‫(‪)336/1‬‬

‫املطلب الرابع البشار الرابعة‪:‬‬


‫ورد يف إجنيل بوحنا (‪( :)7 /16‬لكين أقول لكم احلق أنه من اَخَر لكم أن أنطلق؛ ألنه إن مل أنطلق‬
‫ال أيتيكم (املعزى) ولكن إن ذهبت أرسله لكم‪ ،‬ومىت جاء ذاك ببكت العامل على رطية‪ ،‬وعلى بر‪،‬‬
‫وعلى دبنونة ‪ ...‬مث قال‪( :‬إن ِل أمورا كثَر أبضا ألقول لكم‪ ،‬ولكن ال تستطيعون أن حتتملوا اخآن‪،‬‬
‫وأما مىت جاء ذاك روح احلق‪ ،‬لهو برشدكم إىل مجيع احلق؛ ألنه ال بتكلم من نفسه‪ ،‬بل كل ما بسمع‬
‫بتكلم به‪ ،‬وخيربكم أبمور آتية ذاك ميجدين؛ ألنه أيرذ ِما ِل وخيربكم)‪ .‬لقوله‪( :‬املعزى)‪ .‬املراد به الذي‬
‫أجد به عزاء‪ ،‬وهذا ال بنطبق إال على النَب صلى هللا عليه وسلم حيث هو الذي جيد عيسى عليه‬
‫السما به العزاء؛ ألنه ببني احلق‪ ،‬وبظهر هللا على بدبه الدبن الذي مل بتمكن املسيح عليه السما من‬
‫إظهاره‪ .‬مث إن الذي ذكر مكان هذا اللفظة‪ -‬وهي (املعزى) ‪ -‬يف الرتمجات األررى عدا العربية هي‬
‫لفظة (الفارقليط) اليواننية‪ ،‬وقد بدَّله املرتمجون يف النسخ العربية إىل (املعزى)؛ ألن معىن (الفارقليط)‬
‫هو املعزى‪ ،‬ولكن الذي بيَّنه (الشيخ رمحة هللا اهلندي) ويَره أن (الفارقليط) هو حتربف لكلمة‬
‫(بَرقليط) اليت تعين حممد أو أمحد‪ ،‬وحلسد النصارى وبغيهم حرلوا هذه الكلمة اليت هي نص يف اسم‬
‫النَب صلى هللا عليه وسلم يف لغة اليوانن‪ ،‬مع العلم أن النص اليوانين إلجنيل بوحنا أقل ما بقال ليه‪:‬‬
‫أنه ترمجة ملا نطق به املسيح؛ ألن املسيح عليه السما كان بتكلم اخآرامية‪ ،‬وليس اليواننية‪ ،‬كما أن‬
‫الواقع أن (املعزى) ال بنطبق إال على النَب صلى هللا عليه وسلم؛ ألنه ال معزى بعد املسيح إال النَب‬
‫حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كما أن كل بشار أبحد وردت على لسان املسيح عليه السما إَنا‬
‫تنصرف ابللزو إىل نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم؛ ألنه ليس بينهما نَب‪ ،‬وليس بعد نبينا حممد صلى‬
‫هللا عليه وسلم نَب‪.‬‬
‫وجل قد أقا احلجة على اليهود والنصارى مبا بني أبدبهم بقرؤونه وبرونه‪ ،‬لو‬
‫عز َّ‬
‫هبذا بتضح أن هللا َّ‬
‫كانوا ببصرون‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪389‬‬

‫(‪)337/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬بشار بعقوب عليه السما بشيلون‪:‬‬


‫وقد تواىل األنبياء وهم ببشرون مبقد نَب آرر الزمان‪ ،‬وبذكرون صفاته وأحواله‪ ،‬واليت من أمهها أنه‬
‫ليس من بين إسرا يل‪ ،‬كما أنه صاحب شربعة تدو إىل األبد‪ ،‬بسحق أعداءه‪ ،‬ودعوتْه تكون َخَر‬
‫مجيع األمم‪.‬‬
‫وهذه الصفات مل تتوالر يف أحد ادعى النبو سواه‪ ،‬وال ميكن للنصارى محل تلك النبوءات اليت‬
‫بقرون يف أهنا نبوءات‪ ،‬ال ميكن هلم أن حيملوها على يَره صلى هللا عليه وسلم؛ إذ موسى وعيسى‬
‫كاان نبيني إىل بين إسرا يل لقط‪ ،‬وكان موسى صاحب شربعة انتصر أتباعه على أعدا هم‪ ،‬وأما عيسى‬
‫للم بنزل بشربعة مستقلة؛ إذ هو نزل بشربعة موسى وبتكميلها‪ ،‬لهو القا ل‪( :‬ال تظنوا أين جئت‬
‫ألنقض الناموس أو األنبياء‪ ،‬ما جئت ألنقض بل ألكمل)‪( .‬مىت ‪ ،)17 /5‬ومل بْقيَّض له أن بنتصر‬
‫على أعدا ه‪ ،‬بل تزعم النصارى أهنم متكنوا منه وصلبوه‪ .‬لكيف بقال أبنه املختار الذي بسحق‬
‫أعداءه وترتقبه األمم؟‬
‫وأقد النبوءات الكتابية الصرحية اليت حتدثت عن النَب اَخامت جاءت يف وصية بعقوب لبنيه قبل‬
‫ولاته‪ ،‬حني قال هلم‪( :‬ودعا بعقوب بنيه‪ ،‬وقال‪ :‬اجتمعوا ألنبئكم مبا بصيبكم يف آرر األاي ‪ ،‬اجتمعوا‬
‫وامسعوا اي بين بعقوب‪ ،‬واصغوا إىل إسرا يل أبيكم ‪ ...‬ال بزول قضيب من بهوذا ومشرتع من بني‬
‫رجليه حىت أيِت شيلون‪ ،‬وله بكون رضوع شعوب)‪( .‬التكوبن ‪ ،)10 /49‬لهو خيربهم عن وقت‬
‫زوال امللك والشربعة عنهم يف آرر األاي ‪.‬‬
‫وأما نسخة الرهبانية اليسوعية‪ ،‬لالنص ليها‪( :‬ال بزول الصوجلان من بهوذا‪ ،‬وال عصا القياد من بني‬
‫قدميه؛ إال أن أيِت صاحبها وتطيعه الشعوب)‪.‬والنص حسب (ترجو بواناثن) أوضح‪ ،‬وليه‪( :‬ال‬
‫بتوقف امللوك واحلكا من عا لة بهوذا‪ ،‬وال بتوقف معلمو الشربعة من نسله حىت جييء امللك املسيا‬
‫أصغر أبنا ه) (‪.)1‬‬
‫وختتلف الرتاجم يف ثماث من كلمات النص‪ ،‬لقد أبدل البعض كلمة (قضيب) ابمللك أو الصوجلان‪،‬‬
‫وكلها مبعىن واحد‪ ،‬وكذا أبدلت كلمة (مشرتع) ابلراسم واملدبر أو عصا القياد ‪ ،‬وهي متقاربة مبعىن‬
‫صاحب الشربعة مدبر قومه‪.‬‬
‫وأما االرتماف األهم لكان يف كلمة (شيلون) اليت أبقتها معظم الرتمجات على حاهلا‪ ،‬ويف تراجم‬
‫عربانية أررى قيل‪( :‬إىل أن أيِت املسيح)‪ ،‬وقد لسر القس إبراهيم لوقا (شيلون) ابملسيح‪ ،‬واعتربها‬
‫ترمجة صحيحة لكلمة (شيلوه) العرببة‪ ،‬لفيه (???????)‪ ،‬وذكرت الطبعة األمربكية للكتاب املقدس‬
‫يف هامشها أن كلمة (شيلون) تعين‪ :‬األمان‪ ،‬أو‪ :‬الذي له‪.‬‬
‫لما هو املعىن الدقيق للكلمة (شيلون) اليت تدور حوهلا النبوء ؟‬
‫يف اإلجابة عن هذا السمال برى القس السابق واَخبَر يف اللغات القدمية عبد األحد داود أن كلمة‬
‫(شيلون) ال خترج يف أصلها العربي عن معان‪ ،‬أمهها‪-:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون من الكلمة السراينية مكونة من كلميت (بشيتا) و (لوه)‪ ،‬ومعىن األوىل منهما‪( :‬هو) أو‬
‫(الذي)‪ ،‬والثانية‪( :‬لوه) معناها‪( :‬له)‪ ،‬وبصبح معىن النبوء حسب ترمجته املفسر ‪( :‬إن الطابع امللكي‬
‫املتنبئ لن بنقطع من بهوذا إىل أن جييء الشخص الذي خيصه هذا الطابع‪ ،‬وبكون له رضوع‬
‫الشعوب)‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن تكون الكلمة حمرلة من كلمة (شيلواح) ومعناها‪( :‬رسول هللا) كما بعرب ابلكلمة جمازا عن‬
‫الزوجة املطلقة؛ ألهنا ترسل بعيدا‪ ،‬وتفسَر الكلمة ابلرسالة مال إليه القدبس جَرو ‪ ،‬لرتجم العبار‬
‫(ذلك الذي أرسل)‪)2( .‬‬
‫وأاي كان املعىن لإن النبوء تتحدث عن شخص تدعوه‪ :‬شيلون‪ .‬وليس عن املكان املسمى (شيلون)‬
‫ًّ‬
‫كما ادَّعى بعض املفسربن‪ ،‬لمن هو شيلون؟‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬برهان بتطلب قرارا‪ ،‬جوش مكدوبل‪( ،‬ص ‪.)175‬‬
‫(‪ )2‬انظر ((حممد يف الكتاب املقدس)) عبد األحد داود‪( ،‬ص‪ ،)182 ،85 - 77‬و ((قاموس‬
‫الكتاب املقدس))‪( ،‬ص‪.)536‬‬
‫(‪)338/1‬‬

‫وليس املقصود بزوال امللك زواله حقيقة‪ ،‬بل زوال أحقيته وموجبه من قبل هللا؛ ألن زوال امللك من‬
‫اليهود مل بوالق ظهور نَب‪ًّ ،‬أاي كان هذا النَب‪ ،‬لاملقصود زوال االصطفاء والربكة‪.‬‬
‫وال ميكن القول أبن شيلون هو موسى؛ ألن ملوك بهوذا كانوا بعده بقرون‪ ،‬وال ميكن القول أبنه‬
‫سليمان؛ ألن امللك دا بعده يف ذربته‪ ،‬ومل ترلع به الشربعة‪ ،‬كما مل ترلع ابملسيح الذي ما جاء لنقض‬
‫الناموس‪ ،‬ومل ختضع له شعوب‪ ،‬بل وال شعب اليهودبة الذبن بعث إليهم لقال‪( :‬مل أرسل إال إىل‬
‫رراف بيت إسرا يل الضالة) (مىت ‪.)24 /15‬‬
‫واملسيح عليه الصما والسما مل ميلك على بين إسرا يل بوما واحدا‪ ،‬بل هرب منهم ملا أرادوا متليكه‬
‫عليهم (ملا علم أهنم مزمعون أن أيتوا وخيتطفوه ليجعلوه ملكا‪ ،‬انصرف أبضا إىل اجلبل وحده) (بوحنا‬
‫‪.)15 /6‬‬
‫وملا ادعى عليه اليهود عند بيماطس أنه بقول عن نفسه أبنه ملك نفى ذلك‪ ،‬وحتدث عن ِملكة‬
‫روحية جمازبة يَر حقيقية لقال‪ِ( :‬ملكيت ليست من هذا العامل‪ ،‬لو كانت ِملكيت من هذا العامل لكان‬
‫ردامي جياهدون لكي ال أسلم إىل اليهود) (بوحنا ‪.)36 /18‬‬
‫وال ميكن أن بكون هذا النَب من بين إسرا يل؛ ألن مبعثه بقطع صوجلان وشربعة إسرا يل‪ ،‬كما بفهم‬
‫من النص‪ ،‬لمن ذا بكون شيلون؟‬
‫إنه النَب الذي بشرت به هاجر وإبراهيم (بده على كل واحد) (التكوبن ‪ ،)12 /16‬والذي قال عنه‬
‫النَب حزقيال‪( :‬أيِت الذي له احلكم لأعطيه إايه) (حزقيال ‪.)27 /21‬‬
‫وقد قال املسيح مبشرا ابلذي بنسخ الشرا ع بشربعته‪( :‬ال تظنوا أين جئت ألنقض الناموس أو‬
‫األنبياء‪ ،‬ما جئت ألنقض بل ألكمل‪ ،‬لإين احلق أقول لكم‪ :‬إىل أن تزول السماء واألرض ال بزول‬
‫حرف واحد أو نقطة واحد من الناموس حىت بكون الكل) (مىت ‪ .)18 - 17 /5‬هذا (الذي له‬
‫الكل)‪ ،‬هو (الذي له احلكم)‪.‬‬
‫وهو النَب الذي بسميه بولس ابلكامل‪ ،‬وجميئه لقط ببطل الشربعة وبنسخها (وأما النبوات لستبطل‪،‬‬
‫واأللسنة لستنتهي‪ ،‬والعلم لسيبطل؛ ألننا نعلم بعض العلم‪ ،‬ونتنبأ بعض التنبم‪ ،‬ولكن مىت جاء‬
‫الكامل‪ ،‬لحينئذ ببطل ما هو بعض) (كورنثوس (‪.)10 - 8 /12 )1‬‬

‫(‪)339/1‬‬
‫الفرع األول‪ :‬موسى عليه السما ببشر بظهور نَب ورسول مثله‪:‬‬
‫وبنزل موسى عليه السما عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه‪ ،‬ليقول َماطبا بين إسرا يل‪( :‬قال ِل‬
‫الرب‪ :‬قد أحسنوا يف ما تكلموا‪ ،‬أقيم هلم نبيًّا من وسط إروهتم مثلك‪ ،‬وأجعل كمامي يف لمه‪،‬‬
‫ليكلمهم بكل ما أوصيه به‪ ،‬وبكون أن اإلنسان الذي ال بسمع لكمامي الذي بتكلم به ابمسي أان‬
‫أطالبه‪ ،‬وأما النَب الذي بطغى‪ ،‬ليتكلم ابمسي كماما مل أوصه أن بتكلم به‪ ،‬أو الذي بتكلم ابسم آهلة‬
‫أررى‪ ،‬ليموت ذلك النَب‪.‬‬
‫وإن قلت يف قلبك‪ :‬كيف نعرف الكما الذي مل بتكلم به الرب؟ لما تكلم به النَب ابسم الرب ومل‬
‫حيدث ومل غ‬
‫بصر‪ ،‬لهو الكما الذي مل بتكلم به الرب‪ ،‬بل بطغيان تكلم به النَب‪ ،‬لما ختف منه)‬
‫(التثنية ‪.)22 - 17 /18‬‬
‫والنص كما هو واضح بتحدث عن نَب عظيم أيِت بعد موسى عليه السما ‪ ،‬وبذكر صفات هذا النَب‪،‬‬
‫واليت نستطيع من رماهلا معرلة من بكون‪.‬‬
‫وبزعم النصارى أن هذا النَب قد جاء‪ ،‬وهو عيسى عليه السما ‪ ،‬لقد قال بطرس يف سياق حدبثه‬
‫عن املسيح (لإن موسى قال لآلابء‪ :‬إن نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إهلكم من إروتكم‪ ،‬له تسمعون‬
‫يف كل ما بكلمكم به‪ ،‬وبكون أن كل نفس ال تسمع لذلك النَب تباد من الشعب‪ ،‬ومجيع األنبياء‬
‫أبضا من صمو يل لما بعده‪ ،‬مجيع الذبن تكلموا سبقوا وأنبموا هبذه األاي ) (أعمال ‪- 22 /3‬‬
‫‪ ،)26‬لبطرس برى نبوء موسى متحققة يف شخص املسيح‪.‬‬
‫لكن النص دال على نبينا صلى هللا عليه وسلم؛ إذ ال دليل عند النصارى على ختصيصه ابملسيح‪،‬‬
‫بينما بظهر يف النص عند حتليله أدلة ْكثر تشهد أبن املقصود به هو نبينا صلى هللا عليه وسلم؛ إذ‬
‫بذكر النص التوراِت أوصاف هذا املبعوث املبشر به‪:‬‬
‫‪ - 1‬أنه نَب (أقيم هلم نبيًّا)‪ ،‬والنصارى بدَّعون للمسيح اإلهلية‪ ،‬بل بدَّعي األرثوذكس أنه هللا نفسه‪،‬‬
‫لكيف بقول هلم‪ :‬أقيم نبيًّا‪ ،‬وال بقول‪ :‬أقيم نفسي‪ ،‬أو أقيم إهلا‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنه من يَر بين إسرا يل‪ ،‬بل هو من بني إروهتم أي‪ :‬أبناء عمومتهم (من وسط إروهتم)‪،‬‬
‫وعمومة بين إسرا يل هم بنو عيسو بن إسحاق‪ ،‬وبنو إمساعيل بن إبراهيم‪.‬‬
‫ومن املعهود يف التورا إطماق لفظ (األخ) على ابن العم‪ ،‬ومن ذلك قول موسى لبين إسرا يل‪( :‬أنتم‬
‫مارون بتخم إروتكم بين عيسو) (التثنية ‪ ،)4 /2‬وبنو عيسو بن إسحاق ‪ -‬كما سلف‪ -‬هم أبناء‬
‫عمومة لبين إسرا يل‪ ،‬وجاء حنوه يف وصف أدو ‪ ،‬وهو من ذربة عيسو (وأرسل موسى رسما من قادش‬
‫إىل ملك أدو ‪ ،‬هكذا بقول أروك إسرا يل‪ :‬قد عرلت كل املشقة اليت أصابتنا) (العدد‪،)14 /20‬‬
‫ويف موضع آرر (ال تكره أدوميا ألنه أروك) (التثنية ‪ .)7 /23‬لسماه أرا‪ ،‬وأراد أنه من أبناء‬
‫عمومة إسرا يل‪.‬‬
‫ومثله مسى (سفر األاي ) امللك صدقيا أرا للملك بهوايكني‪ ،‬لقال‪( :‬أرسل امللك نبورذ انصر لأتى‬
‫به) أي‪ :‬امللك بهوايكني (إىل اببل مع آنية بيت الرب الثمينة‪ ،‬وملك صدقيا أراه على بهوذا‬
‫وأورشليم) (األاي (‪ ،)10 /36 )2‬وهو يف احلقيقة عمه‪ ،‬كما نص عليه سفر امللوك‪ ،‬لقال‪( :‬ملك‬
‫ملك اببل متنيا عمه عوضا عنه‪ ،‬ويَر امسه إىل صدقيا) (امللوك (‪ ،)18 - 17 /24 )2‬لاستخد‬
‫لفظ األخ‪ ،‬ومراده العم‪ِ ،‬ما بمكد صحة هذا االستخدا يف قوله‪( :‬إروهتم)‪ ،‬ومراده أبناء عمومتهم‪.‬‬
‫وعليه لهذا النَب حيتمل أن بكون من العرب حتقيقا للربكة املوعود يف نسل إمساعيل‪ ،‬وقد بكون من‬
‫بين عيسو بكر إسحاق‪ .‬لكن أحدا من بين عيسو مل بدع أنه النَب املنتظر‪.‬‬

‫(‪)340/1‬‬

‫‪ - 3‬هذا النَب من رصا صه أنه مثل موسى الذي مل بقم يف بين إسرا يل نَبٌّ مثله (ومل بقم بعد نَب يف‬
‫إسرا يل مثل موسى الذي عرله الرب وجها لوجه) (التثنية‪ ،)10 /34 :‬وقد جاء يف النسخة‬
‫السامربة من التورا ما تعرببه‪( :‬وال بقو أبضا نَب يف بين إسرا يل كموسى الذي انجاه هللا) (التثنية‬
‫‪.)10 /34‬‬
‫وهذه اَخصلة‪ ،‬أي‪ :‬املثلية ملوسى متحققة يف نبينا صلى هللا عليه وسلم‪ِ ،‬متنعة يف أريهما املسيح‬
‫عليهم مجيعا صلوات هللا وسمامه‪ ،‬حيث نرى الكثَر من أمثلة التشابه بني موسى وحممد صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬واليت ال جندها يف املسيح‪ ،‬من ذلك ميمادمها الطبيعي‪ ،‬وزواجهما‪ ،‬وكوهنما صاحبا‬
‫شربعة‪ ،‬وكل منهما بعث ابلسيف على عدوه‪ ،‬وكمامها قاد أمته‪ ،‬وملك عليها‪ ،‬وكمامها بشر‪ ،‬بينما‬
‫تزعم النصارى أبن املسيح إله‪ ،‬وهذا بنقض كل مثل لو كان‪.‬‬
‫املسيح النَب القاد مبثلية موسى‪ ،‬صارلا إايه عن نفسه لقال‪( :‬ال تظنوا أين أشكوكم إىل‬
‫ْ‬ ‫وقد وصف‬
‫األب‪ ،‬بوجد الذي بشكوكم‪ ،‬وهو موسى الذي عليه رجاؤكم؛ ألنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم‬
‫تصدقونين؛ ألنه هو كتب عين‪ ،‬لإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك لكيف تصدقون كمامي) (بوحنا‬
‫‪ ،)47 - 45 /5‬لسماه موسى املرجو أو املنتظر؛ ملشاهبته له‪.‬‬
‫وعن هذا الذي بشكو بين إسرا يل بقول املسيح‪( :‬أجاب بسوع‪ :‬أان ليس يب شيطان‪ ،‬لكين أكر أيب‬
‫وأنتم هتينونين‪ ،‬أان لست أطلب جمدي‪ ،‬بوجد من بطلب وبدبن) (بوحنا ‪.)50 - 49 /8‬‬
‫‪ - 4‬من صفات هذا النَب أنه أمي ال بقرأ وال بكتب‪ ،‬والوحي الذي أيتيه وحي شفاهي‪ ،‬بغابر ما‬
‫جاء األنبياء قبله من صحف مكتوبة (وأجعل كمامي يف لمه)‪ ،‬وقد كان املسيح عليه السما قارائ‬
‫(انظر لوقا ‪.)18 - 16 /4‬‬
‫‪ - 5‬أنه بتمكن من بماغ كامل دبنه‪ ،‬لهو (بكلمهم بكل ما أوصيه به)‪ .‬وهو وصف منطبق على‬
‫حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لقد كان من أوارر ما نزل من القرآن عليه صلى هللا عليه وسلم قوله‬
‫يت لَ ْك ْم ا غإل يسماَ َ غدبنا [املا د ‪.]3 :‬‬
‫ض ْ‬ ‫ي َ ََ‬ ‫يت لَ ْك يم غدبنَ ْك يم َوأ يَمتَ يم ْ‬
‫ت َعلَيي ْكم نغ يعم غيت ور غ‬ ‫تعاىل‪ :‬الييَـ يوَ أَ يك َمل ْ‬
‫وقد وصفه املسيح يف نبوء البارقليط‪ ،‬اليت أيِت شرحها‪ ،‬لقال‪( :‬وأما املعزي الروح القدس الذي‬
‫سَرسله األب ابمسي‪ ،‬لهو بعلمكم كل شيء وبذكركم بكل ما قلته لكم) (بوحنا ‪.)26 /14‬‬
‫وال ميكن أن بكون املسيح عليه السما هو ذلك النَب الذي ببل كل ما بوصيه به ربه‪ ،‬لقد رلع‬
‫املسيح عليه السما ‪ ،‬ولدبه الكثَر ِما بود أن ببلغه إىل تماميذه‪ ،‬لكنه مل بتمكن من بمايه‪ ،‬لكنه‬
‫بشرهم ابلقاد الذي سيخربهم بكل احلق؛ ألنه النَب الذي تكمل رسالته‪ ،‬وال حيول دون بمايها قتله‬ ‫َّ‬
‫أو إبذاء قومه‪ ،‬بقول عليه السما ‪( :‬إن ِل أمورا كثَر أبضا ألقول لكم‪ ،‬ولكن ال تستطيعون أن‬
‫حتتملوا اخآن‪ ،‬وأما مىت جاء ذاك روح احلق لهو برشدكم إىل مجيع احلق؛ ألنه ال بتكلم من نفسه‪ ،‬بل‬
‫كل ما بسمع بتكلم به) (بوحنا ‪.)13 - 12 /16‬‬

‫(‪)341/1‬‬

‫‪ - 6‬أن الذي ال بسمع لكما هذا النَب لإن هللا بعاقبه‪( ،‬وبكون أن اإلنسان الذي ال بسمع‬
‫لكمامي الذي بتكلم به ابمسي‪ ،‬أان أطالبه)‪ ،‬وقد لسرها بطرس‪ ،‬لقال‪( :‬وبكون أن كل نفس ال تسمع‬
‫لذلك النَب تباد من الشعب)‪ ،‬لهو نَب واجب السمع والطاعة على كل أحد‪ .‬ومن مل بسمع له‬
‫تعرض لعقوبة هللا‪ ،‬وهو ما حاق جبميع أعداء النَب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حيث إنتقم هللا من كل من‬
‫كذبه من مشركي العرب والعجم‪ ،‬وقد قال املسيح عنه يف نبوء الكرامني ‪ -‬وأيِت شرحها‪( :-‬ومن‬ ‫َّ‬
‫سقط على هذا احلجر برتضض‪ ،‬ومن سقط هو عليه بسحقه) (مىت ‪ ،)44 /21‬لهو احلجر الصلب‬
‫الذي بفين أعداءه العصا ‪ ،‬والذي بشر مبقدمه النَب دانيال (ويف أاي همالء امللوك بقيم إله‬
‫وملغكها ال بْرتك لشعب آرر‪ ،‬وتسحق وتفين كل هذه املمالك‪،‬‬ ‫السماوات ِملكة لن تنقرض أبدا‪َ ،‬‬
‫وهي تثبت إىل األبد‪ ،‬ألنك رأبت أنه قد قطع حجر من جبل ال بيدبن‪ ،‬لسحق احلدبد والنحاس‬
‫واَخزف والفضة والذهب) (دانيال ‪.)45 - 21 /2‬‬
‫وأما املسيح عليه السما للم بكن له هذه القو وتلك املنعة‪ ،‬ومل بتوعد حىت قاتليه‪ ،‬لكيف أبولئك‬
‫الذبن مل بسمعوا كمامه‪ ،‬لقد قال لوقا يف سياق قصة الصلب‪( :‬لقال بسوع‪ :‬اي أبتاه ايفر هلم؛ ألهنم‬
‫ال بعلمون ماذا بفعلون) (لوقا ‪ ،)34 /23‬لأبن هو من ررب ذاك (اإلنسان الذي ال بسمع لكمامي‬
‫الذي بتكلم به ابمسي أان أطالبه)‪.‬‬
‫‪ - 7‬من صفات هذا النَب أنه ال بقتل‪ ،‬بل بعصم هللا دمه عن أن بتسلط عليه السفهاء ابلقتل‪،‬‬
‫لالنَب الكذاب عاقبته (ميوت ذلك النَب)‪ ،‬أي‪ :‬بقتل‪ ،‬لالقتل نوع منه‪ ،‬وألن كل أحد ميوت‪ ،‬وهنا‬
‫بزعم النصارى أبن املسيح قتل‪ ،‬لما ميكن أن بكون هو النَب املوعود‪.‬‬
‫وابلرجوع إىل الرتاجم القدمية للنص نرى أن امة حتربفا وقع يف الرتمجة‪ ،‬لقد جاء يف طبعة (‪)1844‬‬
‫(لليقتل ذلك النَب)‪ ،‬وال خيفى سبب هذا التحربف‪.‬‬
‫‪ - 8‬بتحدث عن الغيوب وبصدق الواقع كمامه‪ ،‬وهذا النوع من املعجزات بكثر يف القرآن والسنة‪-‬‬
‫ِما بطول املقا بذكره ‪ -‬وبكفي هنا أن أورد نبوء واحد ِما تنبأ به صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لكان كما‬
‫أررب‪.‬‬
‫لفي عا (‪ )617‬كادت دولة الفرس أن تزبل اإلمربطوربة الرومانية من رارطة الدنيا‪ ،‬لقد وصلت‬
‫جيوش كسرى أبروبز الثاين إىل وادي النيل‪ ،‬ودانت له أجزاء عظيمة من ِملكة الرومان‪ ،‬لفي سنوات‬
‫معدود متكن جيش الفرس من السيطر على بماد الشا وبعض مصر‪ ،‬واحتلت جيوشهم أنطاكيا‬
‫مشاال‪ِ ،‬ما بمذن بنهابة وشيكة لإلمربطوربة الرومانية‪ ،‬وأراد هرقل أن بهرب من القسطنطينية‪ ،‬لوال أن‬
‫كبَر أساقفة الرو أقنعه ابلصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس‪.‬‬
‫ووسط هذه األحداث‪ ،‬ورمالا لكل التوقعات أعلن النَب صلى هللا عليه وسلم أن الرو سينتصرون‬
‫الروْ غيف‬ ‫ت ُّ‬ ‫على الفرس يف بضع سنني‪ ،‬أي‪ :‬ليما ال بزبد عن تسع سنني‪ ،‬لقد نزل عليه قوله‪ :‬يْلغب غ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫ض غع غسنغ غ غ‬
‫ض َو ْهم غمن بَـ يع غد يَلَبغ غه يم َسيَـ يغلغبْو َن غيف بغ ي‬
‫أَ يد َىن األ يَر غ‬
‫ني ََّّلل األ يَم ْر من قَـ يب ْل َومن بَـ يع ْد َوبَـ يوَمئذ بَـ يف َر ْ‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫اَّلل [الرو ‪.]5 - 2 :‬‬ ‫اليم يمغمنو َن بغنص غر َّغ‬
‫ْ ْ َي‬

‫(‪)342/1‬‬

‫وشن‬
‫وكان كما تنبأ‪ ،‬لفي عا (‪ , )625 ،624 ،623‬استطاع هرقل أن بتخلص من هلوه وجمونه‪َّ ،‬‬
‫ثماث محمات انجحة أررجت الفرس من بماد الشا ‪ ،‬ويف عا (‪ , )627‬واصل الرومان زحفهم‬
‫حىت وصلوا إىل ضفاف دجلة دارل حدود الدولة الفارسية‪ ،‬واضطر الفرس لطلب الصلح مع‬
‫الرومان‪ ،‬وأعادوا هلم الصليب املقدس الذي كان قد وقع أببدبهم‪ ،‬لمن ذا الذي أررب حممدا صلى‬
‫هللا عليه وسلم هبذه النبوء العظيمة؟ إنه النَب الذي تنبأ عنه موسى عليه السما ‪ .‬بقول املمرخ إدوار‬
‫غجنب‪( :‬يف ذلك الوقت‪ ،‬حني تنبأ القرآن هبذه النبوء ‪ ،‬مل تكن أبة نبوء أبعد منها وقوعا؛ ألن السنني‬
‫االثنيت عشر األوىل من حكومة هرقل كانت تمذن ابنتهاء اإلمربطوربة الرومانية)‪)1( .‬‬
‫ض َو ْهم غمن بَـ يع غد يَلَبغ غه يم‬
‫الروْ غيف أَ يد َىن األَ ير غ‬
‫ت ُّ‬‫روى الرتمذي عن ابن عباس يف قول هللا تعاىل‪ :‬يْلغب غ‬
‫َ‬
‫َسيَـغيلغبْو َن [الرو ‪ .]3 - 2:‬قال‪(( :‬كان املشركون حيبون أن بظهر أهل لارس على الرو ‪ ،‬ألهنم‬
‫وإايهم أهل األواثن‪ ،‬وكان املسلمون حيبون أن بظهر الرو على لارس؛ ألهنم أهل الكتاب‪ ،‬لذكروه‬
‫أليب بكر‪ ،‬لذكره أبو بكر لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬أما أهنم سيغلبون‪ .‬لذكره أبو بكر‬
‫هلم‪ ،‬لقالوا‪ :‬اجعل بيننا وبينك أجما‪ ،‬لإن ظهران كان لنا كذا وكذا‪ ،‬وإن ظهرمت كان لكم كذا وكذا‪،‬‬
‫لجعل أجما مخس سنني‪ ،‬للم بظهروا‪ ،‬لذكروا ذلك للنَب صلى هللا عليه وسلم لقال‪ :‬أال جعلته إىل‬
‫دون العشر‪.‬‬
‫قال أبو سعيد‪ :‬والبضع ما دون العشر‪ .‬قال‪ :‬مث ظهرت الرو بعد‪ ،‬قال‪ :‬لذلك قوله تعاىل‪ :‬يْلغب غ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ض َو ْهم غمن بَـ يع غد يَلَبغ غه يم َسيَـ يغلغبْو َن [الرو ‪.)2( )).]3 - 2:‬‬
‫الروْ غيف أَ يد َىن األ يَر غ‬
‫ُّ‬
‫وهكذا ظهر لكل انظر منصف أن النَب الذي تنبَّأ عنه موسى مل تتحقق أوصاله يف املسيح العظيم‬
‫عليه الصما والسما ‪ ،‬وحتققت يف أريه حممد صلى هللا عليهما وسلم تسليما كثَرا‪.‬‬
‫وِما بمكد ذلك أن هذه الصفات جمتمعة مل تتوالر يف يَره من األنبياء‪ ،‬لإن اليهود ال بقولون مبجيء‬
‫هذا املسيح ليما سبق‪ ،‬بل ما زالوا بنتظرونه‪.‬‬
‫إذ ملا بعث حيىي عليه السما ظنَّه اليهود النَب املوعود‪ ،‬وأقبلوا عليه بسألونه (النَب أنت؟ لأجاهبم‪:‬‬
‫ال) (بوحنا ‪ ،)21 /1‬أي‪ :‬لست النَب الذي تنتظره اليهود‪.‬‬
‫مث أراد تماميذ املسيح أن تتحقق النبوء يف املسيح‪ ،‬لذات مر ملا رأوا معجزاته (قالوا‪ :‬إن هذا‬
‫ابحلقيقة النَب اخآِت إىل العامل)‪.‬‬
‫وأما بسوع لإذ علم أهنم مزمعون أن أيتوا وخيتطفوه ليجعلوه ملكا‪ ،‬انصرف أبضا إىل اجلبل وحده‬
‫((بوحنا ‪ ،)15 - 14 /6‬لقد أراد تماميذ املسيح تنصيبه ملكا ليحققوا النبوء املوجود لدبهم عن‬
‫النَب املنتظر الذي ميلك وحيقق النصر لشعبه‪ ،‬للما علم املسيح عليه السما أنه ليس النَب املوعود‬
‫هرب من بني أبدبهم‪.‬‬
‫وبرى النصارى أن امة إشكاال يف النص التوراِت (التثنية ‪ )22 - 17 /18‬مينع قول املسلمني‪ ،‬لقد‬
‫جاء يف مقدمة سياق النص أن هللا ملا كلم موسى قال‪( :‬بقيم لك الرب إهلك نبيًّا من وسطك من‬
‫إروتك مثلي ‪ ...‬قد أحسنوا يف ما تكلموا‪ :‬أقيم هلم نبيًّا من وسط إروهتم مثلك) (التثنية ‪15 /18‬‬
‫‪ ،)18 -‬لقد وصفت النَب أبنه (من وسطك) أي‪ :‬من بين إسرا يل‪ ،‬ولذا بنبغي محل املقطع الثاين‬
‫من النص على ما جاء يف املقطع األول‪ ،‬لالنَب (من وسطك) أو كما جاء يف بعض الرتاجم (من‬
‫بينك) أي‪ :‬أنه إسرا يلي‪.‬‬
‫لكن التحقيق برد هذه الزايد اليت براها احملققون حتربفا‪ ،‬بدليل أن موسى مل بذكرها‪ ،‬وهو بعيد ررب‬
‫النَب على مسامع بين إسرا يل‪ ،‬لقال‪( :‬قال ِل الرب قد أحسنوا ليما تكلموا‪ ،‬أقيم هلم نبيًّا من وسط‬
‫إروهتم مثلك) (التثنية ‪ ،)18 - 17 /18‬ولو كانت من كما هللا ملا صح أن بهملها‪.‬‬
‫كما أن هذه الزايد مل ترد يف اقتباس بطرس واستفانوس للنص‪ ،‬كما جاء يف أعمال الرسل قال‬
‫بطرس‪( :‬لإن موسى قال لآلابء‪ :‬إن نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إهلكم من إروتكم‪ ،‬له تسمعون يف‬
‫كل ما بكلمكم به) (أعمال ‪.)22 /3‬‬
‫وقال استفانوس‪( :‬هذا هو موسى الذي قال لبين إسرا يل‪ :‬نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إهلكم من‬
‫إروتكم‪ ،‬له تسمعون) (أعمال ‪ ،)37 /7‬للم بذكرا تلك الزايد ‪ ،‬ولو كانت أصلية لذكرت يف سا ر‬
‫املواضع‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬اتربخ سقوط واحندار اإلمرباطوربة الرومانية))‪ ،‬إدوار جنب (‪.)74 /5‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي (‪ )3193‬وأمحد (‪ )2495( )267 /1‬واحلاكم (‪ )3540( )445 /2‬قال‬
‫الرتمذي‪ :‬حسن صحيح يربب‪ ،‬وقال احلاكم‪ :‬صحيح على شرط الشيخني ومثله قال الذهَب‬
‫ووالقهما األلباين‬

‫(‪)343/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬نبوء موسى عن الربكة املوعود يف أرض لاران‪:‬‬


‫وقبيل ولا موسى عليه السما ساق لبين إسرا يل رربا مباركا‪ ،‬لقد جاء يف سفر التثنية‪( :‬هذه الربكة‬
‫اليت ابرك هبا موسى رجل هللا بين إسرا يل قبل موته‪ ،‬لقال‪ :‬جاء الرب من سيناء‪ ،‬وأشرق هلم من‬
‫سعَر‪ ،‬وتَلأل من جبل لاران‪ ،‬وأتى من ربوات القدس‪ ،‬وعن ميينه انر شربعة‪ ،‬لأحب الشعب‪ ،‬مجيع‬
‫قدبسيه يف بدك‪ ،‬وهم جالسون عند قدمك‪ ،‬بتقبلون من أقوالك) (التثنية ‪.)3 - 1 /33‬‬
‫وأكد هذه النبوء النَب حبقوق‪ ،‬حيث ذكر رربا ألزعه؛ ألنه بشَر إىل انتقال النبو بعيدا عن قومه‬
‫أحيغه‪ ،‬يف‬
‫بين إسرا يل‪ ،‬بقول‪( :‬اي رب قد مسعت رربك‪ ،‬لجزعت‪ ،‬اي رب عملك يف وسط السنني ي‬
‫وسط السنني عرف‪ ،‬يف الغضب اذكر الرمحة‪ ،‬هللا جاء من تيمان‪ ،‬والقدوس من جبل لاران‪ .‬سماه‪.‬‬
‫جماله يطى السماوات‪ ،‬واألرض امتَلت من تسبيحه‪ ،‬وكان ملعان كالنور‪ .‬له من بده شعاع‪ ،‬وهناك‬
‫استتار قدرته‪ ،‬قدامه ذهب الوأب‪ ،‬وعند رجليه ررجت احلمى‪ ،‬وقف وقاس األرض‪ ،‬نظر لرجف األمم‬
‫‪( ) ....‬حبقوق ‪.)6 - 3 /3‬‬
‫وقبل أن َنضي يف حتليل النص نتوقف مع االرتماف الكبَر الذي تعرض له هذا النص يف الرتمجات‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫لقد جاء يف الرتمجة السبعينية‪( :‬واستعلن من جبل لاران‪ ،‬ومعه ربو من أطهار املما كة عن ميينه‪،‬‬
‫لوهب هلم وأحبهم‪ ،‬ورحم شعبهم‪ ،‬وابركهم وابرك على أظهاره‪ ،‬وهم بدركون آاثر رجليك‪ ،‬وبقبلون‬
‫من كلماتك‪ .‬أسلم لنا موسى مثله‪ ،‬وأعطاهم مَرااث جلماعة بعقوب)‪.‬‬
‫ويف ترمجة اخآابء اليسوعيني‪( :‬وُتلى من جبل لاران‪ ،‬وأتى من ْرىب القدس‪ ،‬وعن ميينه قبس شربعة‬
‫هلم)‪.‬‬
‫ويف ترمجة (‪ , )1622‬العربية‪( :‬شرف من جبل لاران‪ ،‬وجاء مع ربوات القدس‪ ،‬من ميينه الشربعة)‪،‬‬
‫ومعىن ربوات القدس أي‪ :‬ألوف القدبسني األطهار‪ ،‬كما يف ترمجة (‪( , )1841‬واستعلن من جبل‬
‫لاران‪ ،‬ومعه ألوف األطهار‪ ،‬يف ميينه سنة من انر)‪.‬‬
‫واستخدا ربوات مبعىن ألوف أو اجلماعات الكثَر معهود يف الكتاب املقدس (ألوف ألوف ختدمه‪،‬‬
‫وربوات ربوات وقوف قدامه) (دانيال ‪ ،)10 /7‬ومثله قوله‪( :‬كان بقول‪ :‬ارجع اي رب إىل ربوات‬
‫ألوف إسرا يل) (العدد ‪ ،)36 /10‬لالربوات القادمني من لاران هم اجلماعات الكثَر من القدبسني‪،‬‬
‫اخآتني مع قدوسهم الذي تَلأل يف لاران‪.‬‬
‫والنص التوراِت بتحدث عن ثماثة أماكن خترج منها الربكة‪ ،‬أوهلا‪ :‬جبل سيناء حيث كلم هللا موسى‪.‬‬
‫واثنيها‪ :‬ساعَر‪ ،‬وهو جبل بقع يف أرض بهوذا‪( .‬انظر بشوع ‪ ،)10 /15‬واثلثها‪ :‬هو جبل لاران‪.‬‬
‫وتنبئ املواضع اليت ورد ليها ذكر (لاران) يف الكتاب املقدس أهنا تقع يف صحراء للسطني يف جنوهبا‪.‬‬
‫لكن تذكر التورا أبضا أن إمساعيل قد نشأ يف بربة لاران‪( .‬انظر التكوبن ‪ ،)21 /21‬ومن املعلو‬
‫اترخييًّا أنه نشأ يف مكة املكرمة يف احلجاز‪.‬‬
‫وبرى املسلمون أن النص نبوء عن ظهور عيسى عليه السما يف سعَر يف للسطني‪ ،‬مث حممد صلى‬
‫عز‬
‫هللا عليه وسلم يف جبل لاران‪ ،‬حيث أيِت ومعه اخآالف من األطهار ممبدبن ابلشربعة من هللا َّ‬
‫وجل‪.‬‬
‫َّ‬
‫وذلك متحقق يف رسول هللا ألمور‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن جبل لاران هو جبل مكة‪ ،‬حيث سكن إمساعيل‪ ،‬تقول التورا عن إمساعيل‪( :‬كان هللا مع‬
‫الغما لكرب‪ ،‬وسكن يف الرببة‪ ،‬وكان بنمو رامي قوس‪ ،‬وسكن يف بربة لاران‪ ،‬وأرذت له أمه زوجة من‬
‫أرض مصر) (التكوبن ‪.)21 - 20 /21‬وقد انتشر أبناؤه يف هذه املنطقة‪ ،‬لتقول التورا ‪( :‬همالء‬
‫هم بنو إمساعيل ‪ ...‬وسكنوا من حوبلة إىل شور) (التكوبن ‪ ،)18 - 16 /25‬وحوبلة كما جاء يف‬
‫(قاموس الكتاب املقدس) منطقة يف مشال أرض اليمن‪ ،‬بينما شور يف جنوب للسطني‪)1( .‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((قاموس الكتاب املقدس)) (‪329‬ص)‪.‬‬

‫(‪)344/1‬‬

‫وعليه لإن إمساعيل وأبناءه سكنوا هذه البماد املمتد جنوب احلجاز ومشاله‪ ،‬وهو بشمل أرض لاران‬
‫اليت سكنها إمساعيل‪ .‬كما وقد قامت األدلة التارخيية على أن لاران هي احلجاز‪ ،‬حيث بىن إمساعيل‬
‫وأبوه الكعبة‪ ،‬وحيث تفجر زمز حتت قدميه‪ ،‬وهو ما اعرتف به عدد من املمررني كما نقل عنهم‬
‫املمرخ اهلندي موالان عبد احلق لدرايِت يف كتابه (حممد يف األسفار الدبنية العاملية) ومن همالء املمررني‬
‫املمرخ جَرو والماهوِت بوسبيوس لقاال أبن لاران هي مكة (‪ .)1‬وجاء يف قاموس ‪Strong's‬‬
‫‪ Hebrew Bible Dictionary‬أن لاران يف صحراء العرب‪ ،‬حيث بقول‪Paran, ( :‬‬
‫‪.)a desert of Arabia‬‬
‫‪ -2‬أن وجود منطقة امسها لاران يف جنوب سيناء ال مينع من وجود لاران أررى‪ ،‬هي تلك اليت‬
‫سكنها إمساعيل‪ ،‬لقد ورد مثما إطماق اسم سعَر على املنطقة اليت تقع يف أرض أدو واليت هي حاليا‬
‫يف األردن‪ ،‬وتكرر ذلك اإلطماق يف مواضع عدبد يف الكتاب‪ ،‬ومل متنع كثرهتا أن بطلق ذات االسم‬
‫على جبل يف وسط للسطني يريب القدس يف أرض سبط بهوذا‪( .‬انظر بشوع ‪.)10 /15‬‬
‫ولنا أن نسأل أولئك الذبن بصرون على أن لاران هي لاران سيناء‪ :‬من هو القدوس الذي تَلأل من‬
‫ذلكم اجلبل الذي ال برتبط أبدىن عماقة أبي من أحداث اإلنسانية املهمة‪ ،‬لمن الذي تَلأل عليه؟‬
‫‪ - 3‬ال بقبل قول القا ل أبن النص حيكي عن أمر ٍ‬
‫ماض؛ إذ التعبَر عن األمور املستقبلة بصيغة‬
‫املاضي معهود يف لغة الكتاب املقدس‪ .‬بقول اسبينوزا‪( :‬أقد الكتاب استعملوا الزمن املستقبل‬
‫للداللة على احلاضر‪ ،‬وعلى املاضي بما متييز‪ ،‬كما استعملوا املاضي للداللة على املستقبل ‪ ...‬لنتج‬
‫عن ذلك كثَر من املتشاهبات)‪.‬‬
‫‪ - 4‬ونقول‪ :‬مل رص جبل لاران ابلذكر دون سا ر اجلبال‪ ،‬لو كان األمر جمرد إشار إىل انتشار جمد‬
‫هللا كما زعم بعض كتاب اليهود‪ ،‬لإن جمد هللا مل بتوقف عند حدود لاران أو جبل سعَر‪.‬‬
‫‪ - 5‬وِما بمكد أن األمر متعلق بنبوء احلدبث عن آالف القدبسني‪ ،‬والذبن تسميهم بعض الرتاجم‬
‫(أطهار املما كة) أي‪ :‬أطهار األتباع‪ ،‬إذ بطلق هذا اللفظ وبراد به‪ :‬األتباع‪ ،‬كما جاء يف سفر الرؤاي‬
‫التنني ومما كتْه ‪( ) ...‬الرؤاي ‪.)7 /12‬‬
‫أن (ميخا يل ومما كته حاربوا التنني‪ ،‬وحارب ْ‬
‫لمىت شهدت لاران مثل هذه األلوف من األطهار إال عند ظهور حممد صلى هللا عليه وسلم‬
‫وأصحابه؟‬
‫‪ - 6‬وما جاء يف سفر حبقوق بمبد قول املسلمني حيث بقول‪( :‬هللا جاء من تيمان‪ ،‬والقدوس من‬
‫جبل لاران‪ .‬سماه‪ .‬جماله يطى السماوات‪ ،‬واألرض امتَلت من تسبيحه‪ ،‬وكان ملعان كالنور‪ .‬له من‬
‫بده شعاع‪ ،‬وهناك استتار قدرته‪ ،‬قدامه ذهب الوأب‪ ،‬وعند رجليه ررجت احلمى‪ ،‬وقف وقاس‬
‫األرض‪ ،‬نظر لرجف األمم ‪( ) ...‬حبقوق ‪.)6 - 3 /3‬‬
‫لالنص شاهد على أنه امة نبو قاهر تلمع كالنور‪ ،‬وميَل اخآلاق دوي أذان هذا النَب ابلتسبيح‪.‬‬
‫وتيمان كما بذكر حمررو الكتاب املقدس هي كلمة عرببة معناها‪( :‬اجلنوب)‪ ،‬لذا بقول النص‬
‫الكاثوليكي للتورا ‪( :‬هللا أيِت من اجلنوب‪ ،‬والقدوس من جبل لاران)‪ ،‬وملا كان املخاطبون يف للسطني‬
‫لإن الوحي املبشر به أيِت من جهة اجلنوب أي من جزبر العرب‪ ،‬لالقدوس سيبعث يف جبل لاران‪.‬‬
‫ومن هذا كله لالقدوس املتَللئ يف جبال لاران هو نَب اإلسما ‪ ،‬لكل الصفات املذكور لنَب لاران‬
‫متحققة ليه‪ ،‬وال تتحقق يف سواه من األنبياء الكرا ‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((حممد يف بشارات األنبياء)) (ص‪ , )14‬حممود الشرقاوي‪.،‬‬

‫(‪)345/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬املزامَر تبشر بصفات نَب آرر الزمان‪:‬‬


‫وها هي املزامَر تبشر ابلنَب اَخامت‪ ،‬وبصفه أحد مزامَرها‪ ،‬ليقول َماطبا إايه ابسم امللك‪( :‬لاض قلَب‬
‫بكما صاحل‪ ،‬متكلم أان إبنشا ي للملك‪ ،‬لساين قلم كاتب ماهر‪ :‬أنت أبرع مجاال من بين البشر‪،‬‬
‫انسكبت النعمة على شفتيك‪ ،‬لذلك ابركك هللا إىل األبد‪.‬‬
‫تقلد سيفك على لخذك أبها اجلبار جمالك وهباءك‪ ،‬وجبمالك اقتحم‪ .‬اركب من أجل احلق والدعة‬
‫شعوب حتتك بسقطون‪ .‬كرسيك اي‬
‫ٌ‬ ‫والرب‪ ،‬لرتبك ميينك َماوف‪ ،‬نْـبْـلْك املسنونة يف قلب أعداء امللك‪،‬‬
‫هللا إىل دهر الدهور‪ ،‬قضيب استقامة قضيب ملكك‪ .‬أحببت الرب وأبغضت اإلمث‪.‬‬
‫من أجل ذلك مسحك إهلك بدهن االبتهاج أكثر من رلقا ك ‪ ...‬بنات ملوك بني حظياتك‪ ،‬جعلت‬
‫امللكة عن ميينك بذهب أولَر‪.‬‬
‫امسعي اي بنت وانظري‪ ،‬وأميلي أذنك‪ ،‬انسي شعبك وبيت أبيك‪ ،‬ليشتهي امللك حسنك‪ ،‬ألنه هو‬
‫سيدك لاسجدي له ‪ ...‬عوضا عن آاب ك بكون بنوك‪ ،‬تقيمهم رؤساء يف كل األرض‪ ،‬أذكر امسك يف‬
‫كل دور لدور‪ .‬من أجل ذلك حتمدك الشعوب إىل الدهر واألبد) (املزمور ‪.)17 - 1 /45‬‬
‫وبسلم النصارى أبن النص نبوء ابلنَب اخآِت‪ ،‬وبزعمون أنه عيسى عليه السما ‪ ،‬ليما برى املسلمون‬
‫أن الصفات اليت رمزت يف النص إَنا تعود إىل حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومتنع أن بكون املعين به‬
‫عيسى أو يَره من األنبياء الكرا ‪ ،‬لفي النص تسع أوصاف هلذا النَب‪ ،‬وهي‪ - 1 :‬كونه صاحب‬
‫حسن ال بعدل يف البشر (هبي يف احلسن ألضل من بين البشر)‪ ،‬وال جيوز للنصارى القول أبنه‬
‫املسيح‪ ،‬وهم الذبن بقولون‪ :‬حتققت يف املسيح نبو إشعيا‪ ،‬وليها أن املتنبئ به (ال صور له وال مجال‬
‫لننظر إليه‪ ،‬وال منظر لنشتهيه) (إشعيا ‪ ،)2 /52‬وهذا املعىن الذي ال نوالقهم عليه (‪ )1‬أكده‬
‫علماؤهم‪ ،‬لقال كليمندوس اإلسكندراين‪( :‬إن مجاله كان يف روحه ويف أعماله‪ ،‬وأما منظره لكان‬
‫حقَرا) وقال ترتليان‪( :‬أما شكله لكان عدمي احلسن اجلسماين‪ ،‬وابحلري كان بعيدا عن أي جمد‬
‫جسدي) ومثله قال مارتَر وأورجيانوس ويَرمها‪.)2( .‬‬
‫لمن كان هذا قوله ابملسيح ال حيق له أن بقول أبنه أبضا‪( :‬أبرع مجاال من بين البشر)‪.‬وقد جاءت‬
‫اخآاثر تتحدث عن حسن نبينا وليض مجاله بعد أن كساه هللا بلباس النبو ‪ ،‬للم بر أمجل منه‪ .‬لفي‬
‫األثر الصحيح بقول الرباء بن مالك‪( :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أحسن الناس وجها‪،‬‬
‫وأحسنه َرليقا‪ ،‬ليس ابلطوبل البا ن وال ابلقصَر) (‪.)3‬‬
‫‪ - 2‬أن النبو وكمامها خيرج من شفتيه (انسكبت النعمة على شفتيك)‪ ،‬لقد كان أميًّا‪ ،‬ووحيه يَر‬
‫مكتوب‪ ،‬ليما كانت إلبراهيم وموسى صحفا‪ ،‬كما كان عيسى قارائ‪( .‬انظر لوقا ‪.)16 /4‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬ال ببعث هللا نبيا إال يابة يف احلسن‪ ،‬لذلك أدعى لتصدبقهم وعد عيبهم خبلقهم‪ ،‬وقد وصف‬
‫رسول هللا عيسى عليه السما رصوصا أبنه كان يابة يف احلسن‪ ،‬لقد رآه يف رؤاي عند الكعبة‬
‫((لرأبت رجما آد كأحسن ما أنت راء من آد الرجال‪ ،‬له ملة كأحسن ما أنت راء من اللمم‪ ،‬قد‬
‫رجلها‪ ،‬لهي تقطر ماء ‪ ...‬لسألت‪ :‬من هذا؟ لقيل‪ :‬هذا هو املسيح بن مرمي))‪ .‬رواه مسلم ح‬
‫(‪.)169‬‬
‫(‪ )2‬انظر ((حممد نَب اإلسما يف التورا واإلجنيل والقرآن)) (ص‪ )18‬حممد عزت الطهطاوي‪.‬‬
‫((أقانيم النصارى)) (ص‪ )31‬أمحد حجازي السقا‪(( .‬النبو واألنبياء يف اليهودبة واملسيحية‬
‫واإلسما )) (ص ‪ )136‬أمحد عبد الوهاب‪(( .‬املسيحية احلقة اليت جاء هبا املسيح)) (ص‪- 396‬‬
‫‪ )404‬عماء أبو بكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري (‪ )3548‬ومسلم (‪.)2347‬‬

‫(‪)346/1‬‬

‫وقد جاءت نصوص كتابية عد تمكد أمية النَب القاد منها ما سبق يف سفر التثنية (أجعل كمامي يف‬
‫لمه) (التثنية ‪ ،)18 /18‬وما جاء يف إشعيا (أو بدلع الكتاب ملن ال بعرف القراء ‪ ،‬ليقال له‪ :‬اقرأ‪،‬‬
‫ليقول‪ :‬ال أعرف الكتابة) (إشعيا ‪.)12 /29‬ويف يَر الرتمجة العربية املتداولة (ال أعرف القراء )‬
‫وهي متاثل ‪ -‬كما سبق ‪ -‬قول النَب صلى هللا عليه وسلم يف يار حراء‪(( :‬ما أان بقارئ)) (‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬كونه مبارك إىل األبد‪ ،‬صاحب رسالة رالد (ابركك هللا إىل األبد ‪ ...‬كرسيك اي هللا إىل دهر‬
‫الدهور)‪.‬‬
‫‪ - 4‬كونه صاحب سيف بقهر به أعداءه إلقامة احلق والعدل (تقلد سيفك على لخذك أبها اجلبار‬
‫‪ ...‬جبمالك اقتحم‪ .‬من أجل احلق والدعة والرب‪ ،‬لرتبك ميينك َماوف‪ .‬نْـبْلك املسنونة يف قلب أعداء‬
‫امللك‪ ،‬شعوب حتتك بسقطون)‪.‬‬
‫صوب نبله يف قلوب أعدا ه لنشر دعو‬
‫واملسيح عليه السما مل حيمل سيفا وال أسقط أعداءه‪ ،‬وال َّ‬
‫احلق‪ ،‬كما مل بكن ملكا يف قومه‪.‬‬
‫‪ - 5‬وهذا النَب حمب للخَر‪ ،‬مبغض لإلمث كحال مجيع األنبياء‪ ،‬لكن هللا لضله عليهم‪.‬‬
‫(مسحك هللا إهلك بدهن االبتهاج أكثر من رلقا ك)‪.‬‬
‫‪ - 6‬بمتى هلذا النَب ابهلدااي لعزه‪ ،‬وبنات امللوك بكن يف ردمته أو يف نسا ه (بنات ملوك بني‬
‫حظياتك ‪ ..‬بنت صور أيىن الشعوب ترتضى وجهك هبدبة ‪.) ...‬‬
‫وقد تزوج النَب بصفية بنت حيي بن أرطب سيد قومه‪ ،‬كما أهدبت إليه ماربة القبطية‪ ،‬وكانت‬
‫شهرابنو بنت بزدجر ملك لارس حتت ابنه احلسني رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪ - 7‬تدبن له األمم ابَخضوع‪ ،‬وتدرل األمم يف دبنه بفرح وابتهاج (مبمابس مطرز وحتضر إىل امللك‪،‬‬
‫يف إثرها عذارى صاحباهتا‪ ،‬مقدمات إليك‪ ،‬حيضرن بفرح وابتهاج بدرلن إىل قصر امللك)‪.‬‬
‫‪ - 8‬بستبدل قومه ابلعز بعد الذل (عوضا عن آاب ك بكون بنوك‪ ،‬تقيمهم رؤساء يف كل األرض)‪.‬‬
‫‪ - 9‬بكتب له الذكر احلميد سا ر الدهر (أذكر امسك دور لدور‪ ،‬من أجل ذلك حتمدك الشعوب إىل‬
‫الدهر واألبد) لهو أمحد وحممد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬داود عليه السما ببشر بنَب من يَر ذربته‪:‬‬
‫وبتحدث داود عن النَب القاد ليقول‪( :‬قال الرب لريب‪ :‬اجلس عن مييين حىت أضع أعداءك موطئا‬
‫لقدميك‪ ،‬برسل الرب قضيب عزك من صهيون‪ ،‬تسلط يف وسط أعدا ك شعبك‪ ،‬لتدب يف بو‬
‫قوتك يف زبنة مقدسة ‪ ..‬أقسم الرب ولن بند ‪ :‬أنت كاهن إىل األبد على رتبة ملكي صادق‪ .‬الرب‬
‫عن ميينك‪ ،‬حيطم يف بو رجزه ملوكا بدبن بني األمم‪ ،‬مَل جثثا‪ ،‬أرضا واسعة سحق رؤوسها ‪) ..‬‬
‫(املزمور ‪.)6 - 1 /110‬‬
‫وبرى اليهود والنصارى يف النص نبوء ابملسيح القاد من ذربة داود من اليهود‪.‬‬
‫وقد أبطل املسيح لليهود قوهلم‪ ،‬وألهمهم أن القاد لن بكون من ذربة داود‪ ،‬لفي مىت‪( :‬كان‬
‫الفربسيون جمتمعني‪ ،‬سأهلم بسوع‪ :‬ماذا تظنون يف املسيح؟ ابن من هو؟ قالو له‪ :‬ابن داود‪ .‬قال هلم‪:‬‬
‫لكيف بدعوه داود ابلروح راب قا ما‪ :‬قال الرب لريب‪ :‬اجلس عن مييين حىت أضع أعداءك موطئا‬
‫لقدميك‪ ،‬لإن كان داود بدعوه راب لكيف بكون ابنه؟ للم بستطع أحد أن جييب بكلمة) (مىت ‪/22‬‬
‫‪ )46 - 41‬ويف مرقص (لداود نفسه بدعوه راب‪ .‬لمن أبن هو ابنه) (مرقص ‪ )37 /12‬و (انظر‬
‫لوقا ‪.)44 – 41 /20‬‬
‫وتسمية عيسى عليه السما للنَب ابملسيح سبق التنبيه عليها‪.‬‬
‫للقب (املسيح املنتظر) بتعلق مبسيح ميلك وبسحق أعداءه‪ ،‬وهو ما رأبنا تنكر املسيح عليه السما‬
‫له يف مواطن عدبد ‪ ،‬منها أنه قال لبيماطس‪ِ( :‬ملكيت ليست يف هذا العامل) (بوحنا ‪ ،)36 /18‬أي‪:‬‬
‫أهنا ِملكة روحية‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )3‬ومسلم (‪)160‬‬

‫(‪)347/1‬‬

‫وهي يَر اململكة اليت ببشر هبا داود يف مزامَره‪ ،‬حيث قال‪( :‬أضع أعداءك موطئا لقدميك‪ ،‬برسل‬
‫الرب قضيب عزك من صهيون‪ ،‬تسلط يف وسط أعدا ك شعبَك ‪ ..‬حيطم يف بو رجزه ملوكا بدبن بني‬
‫األمم‪ ،‬مَل جثثا‪ ،‬أرضا واسعة سحق رؤوسها ‪.) ..‬‬
‫وهو الذي قال عنه بعقوب‪( :‬له رضوع شعوب) (التكوبن ‪.)10 /49‬‬
‫وبنقل القس الدكتور لهيم عزبز عميد كلية الماهوت للربوتستانت يف مصر عن علماء الغرب‬
‫إنكارهم (أن بسوع كان بتصرف وبتكلم كمسيح لليهود أو املسيا الذي كان بنتظره العهد القدمي)‪.‬‬
‫وقد تنبأ َّ‬
‫وبشر سليمان أبضا يف املزامَر ابلنَب امللك صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لقال‪( :‬وميلك من البحر‬
‫إىل البحر‪ ،‬ومن النهر إىل أقاصي األرض‪ ،‬أمامه ُتثو أهل الرببة‪ ،‬وأعداؤه بلحسون الرتاب‪ ،‬ملوك‬
‫ترشيش واجلزا ر برسلون تقدمة‪ ،‬ملوك شبا وسبإ بقدمون هدبة‪ ،‬وبسجد له كل امللوك‪ ،‬كل األمم‬
‫تتعبد له؛ ألنه بنجي الفقَر املستغيث واملسكني؛ إذ ال معني له‪ ،‬بشفق على املسكني والبا س وخيلص‬
‫أنفس الفقراء‪ ،‬من الظلم واَخطف بفدي أنفسهم‪ ،‬وبكر دمهم يف عينيه‪ ،‬وبعيش وبعطيه من ذهب‬
‫شبا‪ ،‬وبصلي ألجله دا ما‪ ،‬اليو كله بباركه‪ ،‬تكون حفنة بر يف األرض يف رؤوس اجلبال‪ ،‬تتمابل مثل‬
‫لبنان امرهتا وبزهرون من املدبنة مثل عشب األرض‪.‬‬
‫بكون امسه إىل الدهر‪ ،‬قدا الشمس ميتد امسه‪ ،‬وبتباركون به‪ ،‬كل أمم األرض بطوبونه‪ ،‬مبارك الرب‬
‫هللا إله إسرا يل الصانع العجا ب وحده‪ ،‬ومبارك اسم جمده إىل الدهر‪ ،‬ولتمتلئ األرض كلها من جمده‪،‬‬
‫آمني مث آمني)‪( .‬املزمور ‪ ،)19 - 8 /72‬لمن هو الذي سجدت وأذعنت وذلَّت له امللوك‪ ،‬وجمدَّه‬
‫هللا يف كل الدهور؟‬
‫ال ربب أنه حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬الذي دانت لسلطانه أعظم ِمالك عصره‪ :‬الرو والفرس‪.‬‬

‫(‪)348/1‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬البشار ابمللكوت‪:‬‬


‫ومن األلقاب اليت أعطيت للدبن اجلدبد وأتباعه يف (الكتاب املقدس) (امللكوت) أو (ملكوت‬
‫السماوات)‪ ،‬الذي أنبأ املسيح عن انتقاله عن أمة اليهود إىل أمة أررى‪ ،‬لقال‪( :‬إن ملكوت هللا بنزع‬
‫منكم وبعطى ألمة تعمل أاماره) (مىت ‪.)43 /21‬‬
‫هذا امللكوت تقاطرت األنبياء على البشار به (كان الناموس واألنبياء إىل بوحنا‪ ،‬ومن ذلك الوقت‬
‫ببشر مبلكوت هللا‪ ،‬وكل واحد بغتصب نفسه إليه) (لوقا ‪.)17 - 16 /16‬‬
‫وامللكوت قد بشر ابقرتاب عصره النَب بوحنا املعمدان‪ ،‬بقول مىت‪( :‬جاء بوحنا املعمدان بكرز يف‬
‫بربة اليهودبة قا ما‪ :‬توبوا؛ ألنه قد اقرتب ملكوت السماوات) (مىت ‪.)2 - 1 /3‬وحتدث املعمدان‬
‫عن امللكوت القاد لقال لليهود متوعدا‪( :‬اي أوالد األلاعي من أراكم أن هتربوا من الغضب اخآِت ‪...‬‬
‫واخآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر‪ ،‬لكل شجر ال تصنع امرا جيدا تقطع وتلقى يف النار‪ ،‬أان‬
‫أعمدكم مباء التوبة‪ ،‬ولكن الذي أيِت بعدي هو أقوى مين‪ ،‬الذي لست أهما أن أمحل حذاءه‪ ،‬هو‬
‫سيعمدكم ابلروح القدس وانر‪ ،‬الذي رلشه يف بده‪ ،‬وسينقي بيدره وجيمع قمحه إىل املخزن‪ ،‬وأما‬
‫التنب ليحرقه بنار ال تطفأ‪ .‬حينئذ جاء بسوع من اجلليل إىل األردن إىل بوحنا ليتعمد منه ‪( ) ....‬مىت‬
‫‪.)1( )13 - 1 /3‬‬
‫ولنتوقف سربعا مع الصفات اليت ذكرها بوحنا املعمدان لصاحب امللكوت‪.‬‬
‫لأوهلا‪ :‬أنه أيِت بعده‪ ،‬لما ميكن أن بكون هذا اخآِت بعده هو املسيح الذي أتى يف أاي بوحنا‬
‫املعمدان‪.‬‬
‫واثنيها‪ :‬أنه قوي‪ ،‬وقوته تفوق قو بوحنا املعمدان‪ ،‬ومثل هذا الوصف ال بنطبق على املسيح الذي‬
‫وأىن هذا من يلبة رسول هللا‬
‫بزعم النصارى مصرعه على الصليب قرببا ِما جرى ليوحنا املعمدان‪َّ ،‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم على سا ر أعدا ه؟ مث بل من القو أنه طهَّر األرض من رجس الوثنية ابلروح‬
‫والنار أي‪ :‬بدعوته العظيمة وقوته القاهر ‪ ،‬وكل ما َّ‬
‫تقد ال بنطبق على أحد سوى رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وبعد ولا بوحنا املعمدان جدَّد بسوع البشار ابقرتاب امللكوت‪( ،‬ابتدأ بسوع بكرز وبقول‪ :‬توبوا؛‬
‫ألنه قد اقرتب ملكوت السماوات) (مىت ‪( ،)17 /4‬وكان بسوع بطوف كل اجلليل بعلم يف جمامعهم‪،‬‬
‫وبكرز ببشار امللكوت) (مىت ‪( ،)23 /4‬كان بسَر يف مدبنة وقربة بكرز وببشر مبلكوت هللا‪ ،‬ومعه‬
‫االثنا عشر) (لوقا ‪.)1 /8‬‬
‫وقد اعترب املسيح عليه السما البشار ابمللكوت مهمته األوىل‪ ،‬بل الوحيد ‪ ،‬لقال‪( :‬لقال هلم‪ :‬إنه‬
‫بنبغي ِل أن أبشر املدن األرر أبضا مبلكوت هللا؛ ألين هلذا قد أرسلت) (لوقا ‪.)34 /4‬‬
‫وأمر تماميذه أبن ببشروا ابقرتاب امللكوت لقال‪( :‬اكرزوا قا لني‪ :‬إنه قد اقرتب ملكوت السماوات)‬
‫(مىت ‪.)7 /10‬‬
‫مث علم املسيح تماميذه أن بقولوا يف صماهتم تلك العبار اليت ما بزال النصارى برددوهنا إىل اليو‬
‫(أابان الذي يف السماوات ‪ ..‬ليأت ملكوتك) (لوقا ‪.)2 /10‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬بعلق األب مىت املسكني ‪ -‬على هذه الفقر اليت تشَر إىل قو صاحب امللكوت القاد ‪-‬‬
‫ليقول أبن املعمدان وتماميذه (راب أملهم ليه [املسيح]؛ ألهنم انتظروه حيمل بيده مذراته ‪ -‬رلشه‬
‫‪ -‬ليجمع التنب للحربق‪ ،‬لإذا به ودبع متواضع‪ ،‬ال بسمع أحد صوته يف الشارع‪ ،‬حمب للخطا ‪،‬‬
‫وأيكل وبشرب مع العشاربن‪ ،‬وبغفر للزان ‪ ..‬لإن كان املسيح هكذا لطيفا مع اَخطا بصنع اخآايت‬
‫واملعجزات وحسب؛ لقد أرطأ املعمدان يف حساابته وأوصاله عن مسيا اخآِت األقوى منه‪ ،‬ومعروف‬
‫كيف أن املعمدان كان شخصية حدبدبة انربة أرعب الكتبة والفربسيني ‪ ...‬لنظر وإذا املسيح أهدأ‬
‫من نسيم الصباح (‪(( .‬اإلجنيل حبسب القدبس مىت)) (ص‪ )381‬األب مىت املسكني‪.‬‬

‫(‪)349/1‬‬

‫ومن رمال هذا كله نستطيع أن نقول أبن رسالة عيسى كانت بشار ابمللكوت الذي َّ‬
‫بشر به بوحنا‬
‫املعمدان‪ ،‬ووصفا بعض ما بكتنفه‪ ،‬وهذا امللكوت هو بعد املسيح يف أمة تعمل أاماره‪ ،‬وال تضيعه كما‬
‫أضاعه اليهود‪.‬‬
‫لما هو هذا امللكوت؟‬
‫جييب النصارى أبن امللكوت (شيوع امللة املسيحية يف مجيع العامل وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول‬
‫ولسره آررون أبنه البشار ابَخماص‬
‫ولسره آررون أبنه انتصار الكنيسة على امللحدبن‪َّ ،‬‬
‫املسيح)‪َّ ،‬‬
‫بد املسيح‪ ،‬بقول القمص اتدرس بعقوب ملطي يف تفسَره إلجنيل مىت‪( :‬لإن امللكوت الذي أعلنه‬
‫السيد املسيح هو) بشار امللكوت (أو) إجنيل امللكوت ( ‪ ...‬تعرب عن أربار اَخماص املفرحة اليت‬
‫قدَّمها لنا هللا يف ابنه بسوع)‪.‬‬
‫وبعجب املسلمون النصراف النصارى عن معىن امللكوت‪ ،‬وتعلقهم مبا ال طا ل وراءه‪ ،‬للقد انتصرت‬
‫الكنيسة‪ ،‬وحكمت أوراب قروان عد ‪ ،‬ومل نر ما بستحق أن بكون أمرا ببشر به املعمدان واملسيح‬
‫والتماميذ‪.‬‬
‫وكذلك لإن أربار اَخماص املزعو ال ميكن أن تكون هي البشار اليت كان املسيح بطوف غ‬
‫مبشرا هبا‬
‫يف املدن والقرى‪ ،‬لأقرب تماميذه مل بفهموا هذا املعىن‪ ،‬ومنهم التلميذان املنطلقان لعمواس بعد‬
‫حادثة الصلب‪ ،‬لقد كاان ببكيان لفوات اَخماص مبوت املسيح (لقال هلما‪ :‬ما هذا الكما الذي‬
‫تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسني ‪ ...‬كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء املوت وصلبوه‪،‬‬
‫وحنن كنا نرجو أنه هو املزمع أن بفدي إسرا يل‪ ،‬ولكن مع هذا كله اليو له ثماثة أاي منذ حدث‬
‫ذلك) (لوقا ‪ .)21 - 17 /24‬لقد جهل التلميذان موضوع اَخماص مبوت املسيح‪ ،‬لهما ببحثان‬
‫عن رماص آرر‪ ،‬وهو اَخماص الدنيوي الذي بنتظره بنو إسرا يل‪.‬‬
‫وأبضا جهلت اجلموع املممنة اليت شهدت الصلب أن الصلب هو البشار املفرحة اليت كان ببشر هبا‬
‫املسيح لرجعوا وهم ببكون وبنوحون (وكل اجلموع الذبن كانوا جمتمعني هلذا املنظر ملا أبصروا ما كان‪،‬‬
‫رجعوا وهم بقرعون صدورهم) (لوقا ‪.)49 - 48 /23‬‬
‫وال ميكن أن بكون امللكوت املوعود هو اَخماص بد املسيح؛ ألن النصوص ذكرت أمورا حتدث قبل‬
‫جميء امللكوت‪ ،‬لهي عمامات تتحقق قبل حلول امللكوت‪ ،‬ومن بينها قيا أمة جدبد وِملكة‬
‫جدبد ‪ ،‬وهو ما مل بتحقق قبل انتشار املسيحية يف العامل‪ ،‬وال حني صلب املسيح‪ ،‬بقول مىت‪:‬‬
‫(لسألوه قا لني‪ :‬اي معلم مىت بكون هذا؟ وما هي العمامة عندما بصَر هذا؟‬
‫لقال‪ :‬انظروا ال تضلوا‪ ،‬لإن كثَربن سيأتون ابمسي قا لني‪ :‬إين أان هو‪ .‬والزمان قد قرب‪ ،‬لما تذهبوا‬
‫وراءهم‪ ،‬لإذا مسعتم حبروب وقماقل لما ُتزعوا؛ ألنه ال بد أن بكون هذا أوال‪ ،‬ولكن ال بكون املنتهى‬
‫سربعا‪.‬‬
‫مث قال هلم‪ :‬تقو أمة على أمة‪ ،‬وِملكة على ِملكة‪ ،‬وتكون زالزل عظيمة يف أماكن وجماعات وأوبئة‪،‬‬
‫وتكون َماوف وعمامات عظيمة من السماء‪.‬‬
‫وقال هلم مثما‪ :‬انظروا إىل شجر التني وكل األشجار‪ ،‬مىت ألررت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن‬
‫الصيف قد قرب‪ ،‬هكذا أنتم أبضا‪ ،‬مىت رأبتم هذه األشياء صا ر ‪ ،‬لاعلموا أن ملكوت هللا قربب‪.‬‬
‫احلق أقول لكم‪ :‬إنه ال ميضي هذا اجليل حىت بكون الكل‪ ،‬السماء واألرض تزوالن‪ ،‬ولكن كمامي ال‬
‫بزول‪ ،‬لاحرتزوا ألنفسكم؛ لئما تثقل قلوبكم يف مخار وسكر ومهو احليا ‪ ،‬ليصادلكم ذلك اليو‬
‫وتضرعوا يف كل حني‪،‬‬
‫بغتة؛ ألنه كالفخ أيِت على مجيع اجلالسني على وجه كل األرض‪ ،‬اسهروا إذا َّ‬
‫لكي حتسبوا أهما للنجا من مجيع هذا املزمع أن بكون‪ ،‬وتقفوا قدا ابن اإلنسان) (لوقا ‪- 6 /21‬‬
‫‪.)36‬‬
‫ويف قوله‪( :‬وتقفوا قدا ابن اإلنسان) ما بربط امللكوت بشخص ابن اإلنسان القاد ‪ ،‬لهو ال بتحدث‬
‫عن انتشار املسيحية‪ ،‬بل بتحدث عن ظهور النَب اَخامت ابن اإلنسان وبدعوهم لماستعداد للقا ه‪.‬‬

‫(‪)350/1‬‬

‫جل جماله‪.‬‬
‫لامللكوت هو أمة تعمل ولق إراد ورضاء صاحب امللكوت َّ‬
‫بقول (وليم ابركلي) يف تفسَره لسفر األعمال‪( :‬امللكوت هو جمتمع على األرض‪ ،‬تْ َّنف ْذ ليه إراد هللا‬
‫متاما كما يف السماء)‪.‬‬
‫ويف أحد تشبيهات املسيح للملكوت أابن لتماميذه عن سبب انتقاله عن بين إسرا يل لقال‪( :‬امسعوا‬
‫مثما آرر‪ ،‬كان إنسان رب بيت‪ ،‬يرس كرما‪ ،‬وأحاطه بسياج‪ ،‬وحفر ليه معصر وبىن برجا‪ ،‬وسلمه‬
‫إىل كرامني وسالر‪.‬‬
‫وملا قرب وقت اإلامار أرسل عبيده إىل الكرامني؛ ليأرذ أاماره‪ ،‬لأرذ الكرامون عبيده‪ ،‬وجلدوا بعضا‬
‫وقتلوا بعضا ورمجوا بعضا‪ ،‬مث أرسل إليهم أبضا عبيدا آرربن أكثر من األولني‪ ،‬لفعلوا هبم كذلك‪.‬‬
‫لأرَرا أرسل إليهم ابنه قا ما‪ :‬بهابون ابين‪ ،‬وأما الكرامون للما رأوا االبن قالوا ليما بينهم‪ :‬هذا هو‬
‫الوارث‪ ،‬هلموا نقتله وأنرذ مَراثه‪ .‬لأرذوه وأررجوه رارج الكر ‪ ،‬وقتلوه‪.‬‬
‫رداي‪،‬‬
‫لمىت جاء صاحب الكر ماذا بفعل أبولئك الكرامني؟ قالوا له‪ :‬أولئك األردايء بهلكهم هماكا ًّ‬
‫وبسلم الكر إىل كرامني آرربن بعطون األامار يف أوقاهتا‪.‬‬
‫قال هلم بسوع‪ :‬أما قرأمت قط يف الكتب‪ :‬احلجر الذي رلضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوبة‪ ،‬من‬
‫قبل الرب كان هذا‪ ،‬وهو عجيب يف أعيننا‪ ،‬لذلك أقول لكم‪ :‬إن ملكوت هللا بنزع منكم وبعطى ألمة‬
‫تعمل أاماره‪ ،‬ومن سقط على هذا احلجر برتضض‪ ،‬ومن سقط هو عليه بسحقه‪.‬‬
‫وملا مسع رؤساء الكهنة والفربسيون أمثاله عرلوا أنه تكلم عليهم) (مىت ‪( ،)45 - 33 /21‬وانظر‬
‫لوقا ‪ ،)19 - 9 /20‬لمن تراه تكون األمة العظيمة اليت إذا يزت أمة سحقتها‪ ،‬وإذا أرادهتا أمة‬
‫نكصت على عقبيها؟ ال ربب أهنا األمة اليت هزمت أعظم دولتني يف عصرها‪ :‬الرو والفرس‪،‬‬
‫وانساحت يف األرض‪ ،‬وملكت رمال قرن واحد ما بني الصني ولرنسا‪ ،‬إهنا أمة اإلسما ‪.‬‬
‫مىت السالفة حتيل على نبوء يف كتب األنبياء‪ ،‬وهي ما جاء يف مزامَر داود عن اخآِت ابسم‬
‫ونبوء َّ‬
‫الرب (أمحدك؛ ألنك استجبت ِل‪ ،‬وصرت ِل رماصا‪ ،‬احلجر الذي رلضه البناؤون قد صار رأس‬
‫الزاوبة‪ ،‬من قبل الرب كان هذا‪ ،‬وهو عجيب يف أعيننا‪ ،‬هذا هو اليو الذي صنعه الرب‪ ،‬نبتهج‬
‫ونفرح ليه‪ ،‬آه اي رب رلص‪ ،‬آه اي رب أنقذ‪ ،‬مبارك اخآِت ابسم الرب) (املزمور ‪.)25 - 21 /118‬‬
‫وقد قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬مثلي ومثل األنبياء من قبلي كمثل رجل ابتىن بيوات‪ ،‬لأحسنها‬
‫وأمجلها وأكملها إال موضع لبنة من زاوبة من زواايها‪ ،‬لجعل الناس بطولون وبعجبهم البنيان‬
‫ليقولون‪ :‬أال وضعت هاهنا لبغنة‪ ،‬ليتم بنيانك؟‪ ،‬لقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لكنت أان اللبغنة)) (‪.)1‬‬
‫إنه احلجر الذي متت به النبوات‪.‬‬
‫وقبل أن ننتقل إىل شرح النبوء حيسن بنا أن ننوه إىل اَخطأ الذي وقع ليه بطرس حني زعم أن‬
‫املسيح هو احلجر الذي رلضه البناؤون‪ ،‬لقال‪( :‬بسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم ‪ ...‬هذا هو‬
‫احلجر الذي احتقرمتوه أبها البناؤون‪ ،‬الذي صار رأس الزاوبة‪ ،‬وليس أبحد يَره اَخماص؛ ألن ليس‬
‫اسم آرر حتت السماء قد أعطي بني الناس به بنبغي أن خنلص) (أعمال ‪ ،)12 - 10 /4‬مع أن‬
‫احلجر الذي أررب عنه داود مث املسيح نبو يالبة‪ ،‬وأمة ظالر ‪ ،‬وهذه النبو ليست يف بين إسرا يل‪،‬‬
‫كما شهد املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫ولبطرس عذر يف رطئه‪ ،‬لهو إنسان عامي عدمي العلم‪ ،‬كما شهد له أولئك الذبن استمعوا حلدبثه‬
‫وتعجبوا من املعجزات اليت صنعها‪ ،‬لقد قال يف ذات السياق‪( :‬للما رأوا جماهر بطرس وبوحنا‪،‬‬
‫َّ‬
‫ووجدوا أهنما إنساانن عدميا العلم وعاميان‪ ،‬تعجبوا) (أعمال ‪.)13 /4‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ ،)3535‬ومسلم (‪)2286‬‬

‫(‪)351/1‬‬

‫وهذا املثل العجيب من املسيح (مثل الكرامني) حيكي تنكر اليهود لنعم هللا واصطفا ه هلم‪ ،‬بقتلهم‬
‫أنبياءه وهجر شربعته‪ ،‬وحيكي انتقال امللكوت إىل أمة تقو أبمر هللا تعاىل‪ ،‬وتقوى على أعدا ها‬
‫وتسحقهم‪.‬‬
‫وهذه األمة مرذولة حمتقر (احلجر الذي رلضه البناؤون قد صار رأس الزاوبة)‪ ،‬لكن هللا ارتارها ريم‬
‫عجب اليهود من حتول امللكوت إىل هذه األمة املرذولة‪ ،‬لكنه قدر هللا العظيم (من قبل الرب كان‬
‫هذا‪ ،‬وهو عجيب يف أعيننا) ‪..‬‬
‫لمن تكون هذه األمة املرذولة؟ إهنا أمة العرب‪ ،‬أبناء اجلاربة هاجر‪ ،‬اليت بزدربها (الكتاب املقدس)‪،‬‬
‫لقد قالت سار ‪( :‬اطرد هذه اجلاربة وابنها؛ ألن ابن اجلاربة ال برث مع ابين إسحاق) (التكوبن ‪/21‬‬
‫‪.)10‬‬
‫وقال بولس مفتخرا على العرب حمتقرا هلم‪( :‬ماذا بقول الكتاب؟ اطرد اجلاربة وابنها؛ ألنه ال برث ابن‬
‫اجلاربة مع ابن احلر ‪ ،‬إذا أبها اإلرو ‪ :‬لسنا أوالد جاربة‪ ،‬بل أوالد احلر ) (يماطية ‪.)31 - 30 /4‬‬
‫لبني يف مثل آرر أنه ليس يف بين إسرا يل‬
‫وقد ضرب املسيح املزبد من األمثال للملكوت القاد ‪َّ ،‬‬
‫األمة اليت مل تستحق اصطفاء هللا هلا‪ ،‬بقول مىت‪( :‬جعل بسوع بكلمهم أبضا أبمثال قا ما‪ :‬بشبه‬
‫ملكوت السموات إنساان ملكا صنع عرسا البنه‪ ،‬وأرسل عبيده ليدعوا املدعوبن إىل العرس‪ ،‬للم‬
‫بربدوا أن أيتوا‪ ،‬لأرسل أبضا عبيدا آرربن قا ما‪ :‬قولوا للمدعوبن‪ :‬هو ذا يذا ي أعددته‪ ،‬ثَراين‬
‫ومسمناِت قد ذحبت‪ ،‬وكل شيء معدٌّ‪ ،‬تعالوا إىل العرس‪.‬‬
‫ولكنهم هتاونوا ومضوا‪ ،‬واحد إىل حقله‪ ،‬وآرر إىل ُتارته‪ ،‬والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم‬
‫وقتلوهم‪.‬‬
‫للما مسع امللك يضب وأرسل جنوده‪ ،‬وأهلك أولئك القاتلني وأحرق مدبنتهم‪ ،‬مث قال لعبيده‪ :‬أما‬
‫العرس لمستعد‪ ،‬وأما املدعوون للم بكونوا مستحقني‪ ،‬لاذهبوا إىل مفارق الطرق‪ ،‬وكل من وجدمتوه‬
‫لادعوه إىل العرس‪.‬‬
‫لخرج أولئك العبيد إىل الطرق‪ ،‬ومجعوا كل الذبن وجدوهم أشرارا وصاحلني‪ ،‬لامتَل العرس من‬
‫املتكئني‪ ،‬للما درل امللك لينظر املتكئني رأى هناك إنساان مل بكن البسا لباس العرس‪ ،‬لقال له‪ :‬اي‬
‫صاحب‪ ،‬كيف درلت إىل هنا وليس عليك لباس العرس؟ لسكت‪ ،‬حينئذ قال امللك للخدا ‪ :‬اربطوا‬
‫رجليه وبدبه ورذوه‪ ،‬واطرحوه يف الظلمة اَخارجية‪ ،‬هناك بكون البكاء وصربر األسنان؛ ألن كثَربن‬
‫بدعون‪ ،‬وقليلني بنتخبون) (مىت ‪.)14 - 1 /22‬‬
‫ويف مثل آرر بني هلم أنواع الناس يف قبول امللكوت واإلذعان له‪ ،‬ودعاهم لقبوله واإلذعان له‪ ،‬لقال‪:‬‬
‫(لكلمهم كثَرا أبمثال قا ما‪ :‬هو ذا الزارع قد ررج ليزرع‪ ،‬وليما هو بزرع سقط بعض على الطربق‪،‬‬
‫لجاءت الطيور وأكلته‪.‬‬
‫وسقط آرر على األماكن احملجر ‪ ،‬حيث مل تكن له تربة كثَر ‪ ،‬لنبت حاال؛ إذ مل بكن له عمق أرض‪،‬‬
‫ولكن ملا أشرقت الشمس احرتق‪ ،‬وإذ مل بكن له أصل جف‪.‬‬
‫وسقط آرر على الشوك لطلع الشوك ورنقه‪.‬‬
‫وسقط آرر على األرض اجليد ‪ ،‬لأعطى امرا‪ ،‬بعض ما ة‪ ،‬وآرر ستني‪ ،‬وآرر ثماثني‪ ،‬من له أذانن‬
‫للسمع لليسمع ‪...‬‬
‫لامسعوا أنتم مثل الزارع‪ ،‬كل من بسمع كلمة امللكوت وال بفهم‪ ،‬ليأِت الشربر وخيطف ما قد زرع يف‬
‫قلبه‪ ،‬هذا هو املزروع على الطربق‪.‬‬
‫واملزروع على األماكن احملجر هو الذي بسمع الكلمة وحاال بقبلها بفرح‪ ،‬ولكن ليس له أصل يف‬
‫ذاته بل هو إىل حني‪ ،‬لإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة لحاال بعثر‪.‬‬
‫واملزروع بني الشوك هو الذي بسمع الكلمة‪ ،‬وهم هذا العامل ويرور الغىن خينقان الكلمة‪ ،‬ليصَر بما‬
‫امر‪.‬‬

‫(‪)352/1‬‬

‫وأما املزروع على األرض اجليد لهو الذي بسمع الكلمة وبفهم‪ ،‬وهو الذي أيِت بثمر ليصنع بعض‬
‫ما ة وآرر ستني وآرر ثماثني) (مىت ‪.)23 - 1 /13‬وبتطابق هذا املثل اإلجنيلي مع املثل الذي‬
‫ضربه النَب صلى هللا عليه وسلم ألحوال الناس مع دعوته‪ ،‬حيث قال‪(( :‬مثل ما بعثين هللا به من‬
‫اهلدى والعلم كمثل الغيث الكثَر أصاب أرضا‪ ،‬لكان منها نقية قبلت املاء لأنبتت الكَل والعشب‬
‫الكثَر‪ ،‬وكانت منها أجادب أمسكت املاء‪ ،‬لنفع هللا هبا الناس‪ ،‬لشربوا وسقوا‪ ،‬وزرعوا وأصابت منها‬
‫طا فة أررى إَنا هي قيعان ال متسك ماء وال تنبت كَل‪ ،‬لذلك مثل من لقه يف دبن هللا ونفعه ما‬
‫بعثين هللا به‪ ،‬لعلم وعلم‪ ،‬ومثل من مل برلع بذلك رأسا‪ ،‬ومل بقبل هدى هللا الذي أرسلت به)) (‪.)1‬‬
‫وحدَّث املسيح تماميذه عن انتشار امللكوت الذي هو أصغر البذور‪ ،‬لكنه أعظمها انتشارا‪ ،‬بقول‬
‫مىت‪( :‬قد هلم مثما آرر قا ما‪ :‬بشبه ملكوت السموات حبة رردل‪ ،‬أرذها إنسان‪ ،‬وزرعها يف‬
‫َّ‬
‫حقله‪ ،‬وهي أصغر مجيع البذور‪ ،‬لكن مىت َنت لهي أكرب البقول‪ ،‬وتصَر شجر ‪ ،‬حىت إن طيور‬
‫السماء َتِت وتتآوى يف أيصاهنا‪.‬‬
‫قال هلم مثما آرر‪ :‬بشبه ملكوت السموات مخَر أرذهتا امرأ وربَّأهتا يف ثماثة أكيال دقيق حىت‬
‫ارتمر اجلميع‪ ،‬هذا كله كلم به بسوع اجلموع أبمثال‪ ،‬وبدون مثل مل بكن بكلمهم) (مىت ‪- 31 /13‬‬
‫‪( .)34‬انظر مرقس ‪.)32 - 30 /4‬بقول األنبا أثناسيوس يف تفسَره إلجنيل مىت‪( :‬وتكاد األمثلة يف‬
‫هذا اإلصحاح أن تصف امللكوت على األرض من بدابته إىل هنابة العامل‪ ،‬لفي املثل األول بزرع‬
‫امللكوت يف القلوب‪ ،‬ويف الثاين حياربه الشيطان ليزرع ليه زواان‪ ،‬ولكن البد أن بنمو امللكوت منتشرا‬
‫يف العامل وبصَر شجر ضخمة (حبة اَخردل)‪ ،‬على أن روح أبناء امللكوت البد أن تكون هي‬
‫االندماج يف العامل لتخليصه من الدارل كاَخمَر ) (‪.)2‬‬
‫ويف نص آرر بتحدث عن هيمنة الشربعة اجلدبد على سا ر الشرا ع السابقة ونسخها هلا‪ ،‬ليقول‪:‬‬
‫(أبضا بشبه ملكوت السموات كنزا َمفيًّا يف حقل وجده إنسان‪ ،‬لأرفاه‪ ،‬ومن لرحه مضى وابع كل‬
‫ما كان له‪ ،‬واشرتى ذلك احلقل‪.‬‬
‫أبضا بشبه ملكوت السموات إنساان اتجرا بطلب خآلئ حسنة‪ ،‬للما وجد لملم واحد كثَر الثمن‪،‬‬
‫مضى وابع كل ما كان له‪ ،‬واشرتاها) (مىت ‪.)46 - 44 /13‬‬
‫وقد قال املسيح مبشرا ابلقاد الذي بنسخ الشرا ع بشربعته‪( :‬ال تظنوا أين جئت ألنقض الناموس أو‬
‫األنبياء‪ ،‬ما جئت ألنقض بل ألكمل‪ ،‬لإين احلق أقول لكم‪ :‬إىل أن تزول السماء واألرض ال بزول‬
‫حرف واحد أو نقطة واحد من الناموس حىت بكون الكل) (مىت ‪ ،)18 - 17 /5‬لمن هو هذا‬
‫الذي له الكل‪ ،‬إنه ذات النَب الذي بسميه بولس ابلكامل‪ ،‬وجميئه لقط ببطل الشربعة وبنسخها‬
‫(وأما النبوات لستبطل‪ ،‬واأللسنة لستنتهي‪ ،‬والعلم لسيبطل؛ ألننا نعلم بعض العلم‪ ،‬ونتنبأ بعض‬
‫التنبم‪ ،‬ولكن مىت جاء الكامل لحينئذ ببطل ما هو بعض) (كورنثوس (‪.)10 - 8 /12 )1‬‬
‫وكما حتدث املسيح عن هذا النَب حتدث عن َترر زمان ظهوره عن النبوات السابقة‪ ،‬لكن ذلك لن‬
‫مينع عظيم األجر والثواب ألمته‪ ،‬لضرب هذا املثل وقال‪( :‬لإن ملكوت السماوات بشبه رجما رب‬
‫بيت ررج مع الصبح؛ ليستأجر لَـ َعلة لكرمه‪ ،‬لاتفق مع الفعلة على دبنار يف اليو وأرسلهم إىل كرمه‪،‬‬
‫مث ررج حنو الساعة الثالثة‪ ،‬ورأى آرربن قياما يف السوق بطالني‪ ،‬لقال هلم‪ :‬اذهبوا أنتم أبضا إىل‬
‫الكر لأعطيكم ما حيق لكم‪ ،‬لمضوا‪.‬‬
‫وررج أبضا حنو الساعة السادسة والتاسعة ولعل ذلك‪.‬‬
‫كل النهار‬
‫مث حنو الساعة احلادبة عشر ررج ووجد آرربن قياما بطالني‪ ،‬لقال هلم‪ :‬ملاذا وقفتم ههنا‪َّ ،‬‬
‫بطالني؟‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪.)79‬‬
‫(‪(( )2‬تفسَر إجنيل مىت)) (ص‪ , )211‬األنبا أثناسيوس‪.‬‬

‫(‪)353/1‬‬

‫قالوا له‪ :‬ألنه مل بستأجران أحد‪ .‬قال هلم‪ :‬اذهبوا أنتم أبضا إىل الكر لتأرذوا ما حيق لكم‪.‬‬
‫للما كان املساء قال صاحب الكر لوكيله‪ :‬ادع الفعلة وأعطهم األجر مبتدائ من اخآرربن إىل‬
‫األولني‪.‬‬
‫لجاء أصحاب الساعة احلادبة عشر وأرذوا دبنارا دبنارا‪ ،‬للما جاء األولون ظنوا أهنم أيرذون‬
‫تذمروا على رب البيت قا لني‪ :‬همالء‬
‫أكثر‪ ،‬لأرذوا هم أبضا دبنارا دبنارا‪ ،‬وليما هم أيرذون َّ‬
‫اخآررون عملوا ساعة واحد ‪ ،‬وقد ساوبتهم بنا حنن الذبن احتملنا ثقل النهار واحلر‪.‬‬
‫لأجاب وقال لواحد منهم‪ :‬اي صاحب‪ ،‬ما ظلمتك‪ ،‬أما اتفقت معي على دبنار؟ لخذ الذي لك‬
‫واذهب‪ ،‬لإين أربد أن أعطي هذا األرَر مثلك‪ .‬أو ما حيل ِل أن ألعل ما أربد مباِل أ عينك شربر‬
‫ألين أان صاحل!‬
‫دعون‪ ،‬وقليلون بنتخبون) (مىت ‪1 /20‬‬
‫هكذا بكون اخآررون أولني‪ ،‬واألولون آرربن؛ ألن كثَربن بْ َ‬
‫‪ .)16 -‬وهكذا لاز اخآررون ابألجر والثواب‪ .‬لاخآررون هم األولون السابقون‪ ،‬كما قال املسيح‪،‬‬
‫وأكده رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله‪(( :‬حنن اخآررون السابقون)) (‪ .)1‬وقوله‪(( :‬مثلكم ومثل‬
‫أهل الكتابني كمثل رجل استأجر أجراء لقال‪ :‬من بعمل ِل يدو إىل نصف النهار على قَراط؟‬
‫لعملت اليهود‪ ،‬مث قال‪ :‬من بعمل ِل من نصف النهار إىل صما العصر على قَراط‪ ،‬لعملت‬
‫النصارى‪ ،‬مث قال من بعمل ِل من العصر إىل أن تغيب الشمس على قَراطني؟ لأنتم هم‪ .‬لغضبت‬
‫اليهود والنصارى لقالوا‪ :‬مالنا أكثر عمما وأقل عطاء؟ قال‪ :‬هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا‪ :‬ال‪ .‬قال‪:‬‬
‫لذلك لضلي أوتيه من أشاء)) (‪.)2‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري (‪ )238‬ومسلم (‪.)855‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪.)2268‬‬

‫(‪)354/1‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬النَب دانيال بتنبأ بزمان امللكوت‪:‬‬


‫وقد نقل الكتاب املقدس بعض نبوءات األنبياء عن زمن ظهور هذا امللكوت‪ ،‬ومن ذلك أن خبتنصر‬
‫لفسرها له النَب دانيال لقال‪( :‬أنت أبها‬
‫رأى رؤاي ألزعته ومل بعرف العرالون وال املنجمون تعبَرها‪َّ ،‬‬
‫امللك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم‪ ،‬هذا التمثال العظيم البهي جدًّا وقف قبالتك‪ ،‬ومنظره ها ل‪،‬‬
‫رأس هذا التمثال من ذهب جيد‪ ،‬وصدره وذراعاه من لضة‪ ،‬بطنه ولخذاه من حناس‪ ،‬ساقاه من‬
‫حدبد‪ ،‬قدماه بعضها من حدبد‪ ،‬والبعض من رزف‪.‬‬
‫كنت تنظر إليه إىل أن قطع حجرا بغَر بدبن‪ ،‬لضرب التمثال على قدميه اللتني من حدبد ورزف‬
‫لسحقهما‪ ،‬لانسحق حينئذ احلدبد واَخزف والنحاس والفضة والذهب معا‪ ،‬وصارت كعصالة البيدر‬
‫يف الصيف‪ ،‬لحملتها الربح للم بوجد هلا مكان‪.‬‬
‫أنت أبها امللك ملك ملوك؛ ألن إله السماوات أعطاك ِملكة واقتدارا وسلطاان ولخرا‪ ،‬وحيثما‬
‫بسكن بنو البشر ووحوش الرب وطيور السماء ‪ ...‬لأنت هذا الرأس من ذهب‪.‬‬
‫وبعدك تقو ِملكة أررى أصغر منك‪ ،‬وِملكة اثلثة أررى من حناس لتتسلط على كل األرض‪ ،‬وتكون‬
‫ِملكة رابعة صلبة كاحلدبد؛ ألن احلدبد بسحق كل شيء‪ ،‬وكاحلدبد الذي بكسر تسحق وتكسر كل‬
‫قواي‬
‫همالء‪ ،‬ومبا رأبت القدمني واألصابع بعضها من رزف والبعض من حدبد‪ ،‬لبعض اململكة بكون ًّ‬
‫والبعض قصما‪ ،‬ومبا رأبت احلدبد َمتلطا خبزف الطني‪ ،‬لإهنم خيتلطون بنسل الناس ‪.....‬‬
‫وملغكها ال بْرتك لشعب آرر‪،‬‬
‫ويف أاي همالء امللوك بقيم إله السماوات ِملكة لن تنقرض أبدا‪َ ،‬‬
‫وتسحق وتفىن كل هذه املمالك‪ ،‬وهي تثبت إىل األبد؛ ألنك رأبت أنه قد قطع حجر من جبل ال‬
‫بيدبن‪ ،‬لسحق احلدبد والنحاس واَخزف والفضة والذهب‪ .‬هللا العظيم قد عرف امللك ما سيأِت بعد‬
‫هذا‪ .‬احللم حق وتعبَره بقني) (دانيال ‪.)45 - 21 /2‬‬
‫بقول (هودجكن) يف كتابه (املسيح يف كل الكتب)‪( :‬وأما احلجر الذي قطع بغَر بدبن وبسحق‬
‫التمثال العظيم لكنابة عن ِملكة (املسيا)‪ :‬أي‪ :‬املسيح املنتظر)‪.‬ويف التفسَر التطبيقي‪( :‬وأما احلجر‬
‫املقطوع من اجلبل ليشَر إىل ملكوت هللا الذي حيكمه غ‬
‫املسيَّا ملك امللوك إىل األبد)‪)1( .‬‬
‫لالرؤاي كما بظهر هي عن املمالك اليت ستقو بني بدي بين امللكوت‪ ،‬لأوهلا ِملكة اببل اليت برأسها‬
‫خبتنصر‪ ،‬واليت برمز هلا يف احللم ابلرأس الذهَب‪.‬‬
‫مث ِملكة لارس اليت قامت أقامها رسرو‪ ،‬وتسلط ملكها قورش على اببل سنة (‪ 593‬ق‪ ،) .‬ورمز‬
‫هلا يف املنا ابلصدر والذراعني من لضة‪.‬‬
‫وأسسها اإلسكندر املقدوين (‪ )336‬ق‪، .‬‬
‫مث تلتها ِملكة مقدونية واليت قضت على ِملكة الفرس‪َّ ،‬‬
‫أسسها اإلمربطور‬
‫وبرمز هلا يف املنا ابلبطن والفخذبن من النحاس‪ .‬مث تلتها إمرباطوربة الرومان‪ ،‬واليت َّ‬
‫بولبيوس (‪ )63‬ق‪ ، .‬ورمز هلا يف املنا بساقني من حدبد وقدمني‪ :‬إحدامها من رزف‪ ،‬وأررى من‬
‫حدبد‪ ،‬ولعله أراد دوليت لارس والرو أو انقسا اإلمرباطوربة الرومانية (‪.)2‬‬
‫(ويف أاي همالء امللوك بقيم إله السماوات ِملكة لن تنقرض أبدا)‪ ،‬لقد جاء احلجر الذي رذله‬
‫البناؤون وقد قطع بغَر بدبن‪ ،‬إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والرو ‪ ،‬وأقا امللكوت املوعود‬
‫يف الدنيا قروان طوبلة‪ ،‬ومل بنقطع أبس هذه األمة إال يف هذا القرن األرَر‪.‬‬
‫ببشر بكون هذا الكسوف عرضا زا ما ما بلبث أن بزول‪ ،‬لتشرق مشس أمة‬ ‫ولعل يف هذه النبوء ما غ‬
‫اإلسما من جدبد‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التفسَر التطبيقي)) (‪1684‬ص)‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ((إظهار احلق))‪ ،‬رمحة هللا اهلندي (‪(( ،)1169 – 1166 /4‬البشار بنَب اإلسما يف‬
‫التورا واإلجنيل))‪ ،‬أمحد حجازي السقا (‪.)51 – 48 /2‬‬

‫(‪)355/1‬‬

‫وقرببا من رؤاي خبتنصر رأى دانيال رؤاي احليواانت األربع‪( :‬قال‪ :‬كنت أرى يف رؤايي ليما‪ ،‬وإذا أبربع‬
‫رايح السماء هجمت على البحر الكبَر‪ ،‬وصعد من البحر أربعة حيواانت عظيمة هذا َمالف ذاك‪،‬‬
‫األول كاألسد ‪ ...‬وإذا حبيوان آرر اثن شبيه ابلدب ‪ ...‬وإذا ِبرر مثل النمر ‪ ...‬وإذا حبيوان رابع‬
‫ها ل وقوي وشدبد جدًّا‪ ،‬وله أسنان من حدبد كبَر ‪ ،‬أكل وسحق وداس الباقي برجليه‪ ،‬وكان َمالفا‬
‫لكل احليواانت الذبن قبله وله عشر قرون ‪...‬‬
‫كنت أرى يف رؤى الليل‪ ،‬وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى‪ ،‬وجاء إىل القدمي األاي ‪،‬‬
‫لقربوه قدامه‪ ،‬لأعطي سلطاان وجمدا وملكوات؛ لتتعبَّد له كل الشعوب واألمم واأللسنة‪ ،‬سلطانه‬
‫َّ‬
‫سلطان أبدي ما لن بزول‪ ،‬وملكوته ما ال بنقرض) (دانيال ‪.)18 - 3 /7‬‬
‫وبوالق النصارى على أن املمالك األربعة هي البابلية مث الفارسية مث اليواننية مث الرومانية‪ ،‬وبرون‬
‫امللكوت متحققا يف ظهور دبن املسيح‪ ،‬وَتسيس الكنيسة يف بو اَخمسني عندما نزل الروح القدس‬
‫على التماميذ اجملتمعني يف أورشليم‪.‬‬
‫أسسها احلواربون ال ميكن أن تكون امللكوت املوعود؛ ألن دانيال بتحدث‬
‫لكن اململكة الروحية اليت َّ‬
‫ملك حقيقي‪ ،‬ال روحي (ويف أاي همالء امللوك بقيم إله‬
‫آررها ٌ‬
‫عن أربع ِمالك حقيقية‪ ،‬سحق َ‬
‫السموات ِملكة لن تنقرض أبدا‪ ،‬وملكها ال برتك لشعب آرر‪ ،‬وتسحق وتفين كل هذه املمالك)‬
‫(دانيال ‪.)44 /2‬‬
‫وقال عن اململكة ونبيها‪( :‬لتتعبد له كل الشعوب واألمم واأللسنة) (دانيال ‪.)14 /7‬‬
‫وقد لهم التماميذ من املسيح أن هذه اململكة القادمة زمنية ال روحية‪ ،‬لسألوه وهم بظنون أهنا تقو‬
‫على بدبه‪ ،‬لذلك تساءلوا بعد حادثة الصلب‪( :‬هل يف هذا الوقت ترد امللك إىل إسرا يل؟) (أعمال‬
‫‪ ،)6 /1‬وقد اجتهد املسيح يف إلهامهم أن ِملكته روحية‪ ،‬بينما اململكة القادمة ِملكة حقيقية‪.‬‬
‫مث إن ِملكة التماميذ مل تقهر الدولة الرومانية‪ ،‬بل إن الرومان قهروا املسيحية بعد حني‪ ،‬حني أدرلوا‬
‫وثنياهتم ليها‪.‬‬
‫وكيف للنصارى أن بقولوا بقهر الرومان‪ ،‬وهم بزعمون أن املسيح مات على أعواد صليب روماين‪.‬‬
‫أما املسلمون لهم الذبن قضوا على الدولة الرومانية‪ ،‬واقتلعوها من أرض للسطني‪ ،‬مث بقية بماد‬
‫الشا ومصر‪ ،‬مث أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة لإلسما دبن امللكوت ‪..‬‬

‫(‪)356/1‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬البشار بـ (حمماد) مشتهى األمم‪:‬‬


‫وبعد عود بين إسرا يل من السَب‪ ،‬وختفيفا ألحزاهنم‪ ،‬ساق هلم النَب حجي بشار من هللا ليها‪( :‬ال‬
‫ختالوا؛ ألنه هكذا قال رب اجلنود‪ ،‬هي مر بعد قليل‪ ،‬لأزلزل السماوات واألرض والبحر واليابسة‪،‬‬
‫وأنزل كل األمم‪ ،‬وأيِت مشتهى كل األمم‪ ،‬لأمَل هذا البيت جمدا قال رب اجلنود ‪ ....‬جمد هذا البيت‬
‫األرَر بكون أعظم من جمد األول‪ ،‬قال رب اجلنود‪ ،‬ويف هذا املكان أعطي السما بقول رب اجلنود)‬
‫(حجي ‪.)9 - 6 /2‬‬
‫وهذه النبوء ال ربب تتحدث عن القاد الذي وعد به إبراهيم‪َّ ،‬‬
‫وبشر به بعقوب وموسى مث داود‬
‫عليهم الصما والسما ‪.‬‬
‫وقبل أن نلج يف حتدبد شخصية هذا املشتهى من كل األمم نتوقف مع القس السابق عبد األحد‬
‫داود‪ ،‬وهو اَخبَر ابللغات القدمية‪ ،‬إذ بسوق لنا النص ابلعربانية‪( :‬لسوف أزلزل كل األرض‪ ،‬وسوف‬
‫أيِت (حمماد) لكل األمم ‪ ...‬ويف هذا املكان أعطي السما )‪ ،‬لقد جاء يف العرببة لفظة (حمماد) أو‬
‫(محدت) كما يف قراء أررى حدبثة‪ ،‬ولفظة غ‬
‫(حم يما يد) يف العربانية تستعمل عاد لتعين‪( :‬األمنية‬
‫الكبَر ) أو (املشتهى)‪ ،‬والنص حسب الرتمجة العربانية املتداولة‪( :‬لباؤا محدات كول هاجوبيم)‪.‬‬
‫لكن لو أبقينا االسم على حاله دون ترمجة‪ ،‬كما بنبغي أن بكون يف األمساء‪ ،‬لإان واجدون لفظة‬
‫(حمماد) هي الصيغة العرببة السم أمحد‪ ،‬والذي أضاعها املرتمجون عندما ترمجوا األمساء أبضا‪ .‬بقول‬
‫املمرخ (ول دبورانت)‪( :‬ولفظ حممد مشتق من احلمد‪ ،‬وهو مبالغة ليه‪ ،‬كأنه محد مر بعد مر ‪ ،‬وميكن‬
‫أن تنطبق عليه بعض لقرات يف التورا غ‬
‫تبشر به) (‪.)1‬وجاء يف متا النبوء احلدبث عن البيت األرَر‬
‫هلل‪ ،‬والذي هو أعظم جمدا من البيت األول‪ ،‬مث بقول‪( :‬يف هذا املكان أعطي السما )‪ ،‬وقد‬
‫استخدمت الرتمجة العرببة لفظة (شالو ) واليت من املمكن أن تعين اإلسما ‪ ،‬لالسما واإلسما‬
‫مشتقان من لفظة واحد (‪.)2‬‬
‫وقوله‪( :‬يف هذا املكان أعطي السما )‪ ،‬قد تتحدث عن عقد األمان الذي عم تلك األرض والذي‬
‫أعطاه عمر بن اَخطاب ألهل القدس عندما لتحها‪ ،‬لتكون النبوء عن إعطاء السما ‪ ،‬ومل تنسبه إىل‬
‫املشتهى‪ ،‬ذلك أن األمر متَّ بعد ولاته يف أتباعه وأصحابه الكرا ‪.‬‬
‫وال ربب أن النبوء ال تتحدَّث عن املسيح؛ إذ ال تقارب بني ألفاظ النبوء وامسه‪ ،‬أو بني معانيه وما‬
‫عهد عنه عليه السما ؛ إذ مل بستتب األمن يف القدس حال بعثته‪ ،‬بل بشر اليهود خبراب هيكلهم بعد‬
‫حني‪ ،‬كما كان رسوال إىل بين إسرا يل لحسب‪ ،‬وليس لكل األمم‪ ،‬والقاد هو مشتهى األمم مجيعا‪،‬‬
‫راصا ببيت بعقوب‪ ،‬كما جاء يف وصف املسيح مرارا‪.‬‬
‫وليس ًّ‬
‫وهذا االستعمال لكلمة (السما ) مبعىن (اإلسما ) براه عبد األحد داود الزما يف موضع آرر من‬
‫(الكتاب املقدس)‪ ،‬لقد جاء يف (إجنيل لوقا) أن املما كة ترَنوا عند ميماد املسيح قا لني‪( :‬اجملد هلل يف‬
‫األعاِل‪ ،‬وعلى األرض السما ‪ ،‬وابلناس املسر ) (لوقا ‪.)14 /2‬‬
‫وبتساءل القس السابق عبد األحد داود أي سما حلَّ على األرض بعد ميماد املسيح‪ ،‬لقد تتابع‬
‫القتل‪ ،‬واحلروب ما تزال تطحن‪ ،‬وإىل قيا الساعة‪ ،‬ولذلك لإن الرتمجة الصحيحة لكلمة (إبربنا)‬
‫اليواننية يف العربانية‪( :‬شالو )‪ ،‬وهي يف العربية (اإلسما ) كما (السما )‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬قصة احلضار ))‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومثل هذا يف القرآن يف قوله‪ :‬ايأَبُّـها الَّ غذبن آمنْواي ا يد ْرلْواي غيف غ‬
‫السل غيم َكآلَّة *البقر ‪.*208 :‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬

‫(‪)357/1‬‬

‫أصر النصارى على تفسَر كلمة (إبربنا) ابلسما ‪ ،‬لقد جعلوا من عيسى مناقضا لنفسه‪ ،‬إذ قال‪:‬‬
‫وإن َّ‬
‫(جئت أللقي انرا على األرض ‪ ...‬أتظنون أين جئت ألعطي سماما على األرض‪ .‬كما أقول لكم‪ ،‬بل‬
‫انقساما ‪( ) ...‬لوقا ‪ ،)51 - 49 /12‬ويف مىت‪( :‬ال تظنوا أين جئت أللقي سماما على األرض‪ ،‬ما‬
‫جئت أللقي سماما‪ ،‬بل سيفا) (مىت ‪.)34 /10‬‬
‫وتبعا هلذا برى عبد األحد داود أن صانعي السما هم املسلمون‪ ،‬وذلك يف قول املسيح‪( :‬طوىب‬
‫لصانعي السما ؛ ألهنم بدعون أبناء هللا)‪( .‬مىت ‪ )9 /5‬لَرى أن الرتمجة الدقيقة هي (طوىب‬
‫للمسلمني)‪ ،‬وليس صانعي السما اَخياِل‪ ،‬الذي مل ولن بوجد على األرض‪.‬‬
‫كما ال بستطيع أحد بنتمي إىل لرق النصارى املختلفة واملتبايضة طوال اتربخ النصرانية‪ ،‬ال بستطيع‬
‫أن بقول أبن السما قد حتقق يف نفوس املممنني؛ إذ األحقاد املتطاولة بينهم تكذب ذلك كله‪.‬‬
‫وجاء يف متا األنشود املزعومة للمما كة‪( :‬وابلناس املسر )‪ ،‬واستخد النص اليوانين كلمة (بودوكيا)‬
‫وهي كلمة مشتقة من الفعل اليوانين (دوكيو)‪ ،‬ومعناها كما يف القاموس اإليربقي‪( :‬لطيف‪ ،‬حمسن‪،‬‬
‫دمث ‪ ) ...‬ومن معانيها أبضا السرور ‪ -‬احملبة ‪ -‬الرضا ‪ -‬الريبة‪ ،‬الشهر ‪...‬‬
‫لكل هذه اإلطماقات تصح يف ترمجة كلمة (بودوكيا) اليت بصح أبضا أن ترتجم يف العربانية إىل‬
‫(حمماد‪ ،‬ما حامود) املشتقة من الفعل (محد) ومعناه‪ :‬املريوب ليه جدًّا‪ ،‬أو البهيج‪ ،‬أو الرا ع أو‬
‫احملبوب أو اللطيف‪ ،‬وهذا كله بتفق مع املعاين اليت تفيدها كلمة (حممد وأمحد)‪ ،‬واللتان تقارابن يف‬
‫االشتقاق كلميت (محدا وحمماد) العربانيتني‪ ،‬ومثل هذا التقارب بدل على أن هلما أساسا واحدا‬
‫مشرتكا‪ ،‬كما هو احلال يف كثَر من كلمات اللغات السامية‪.‬‬
‫وبنبغه األب السابق عبد األحد داود إىل وجود هذا النص يف (إجنيل) لوقا اليوانين‪ ،‬يف الوقت الذي‬
‫كانت ليه العبارات سراينية حني مقاهلا‪ ،‬وال ميكن‪ -‬حىت مع بذل اجلهد ولرض األمانة يف الرتمجة‪-‬‬
‫أن ترتجم كلمة ما من لغة إىل أررى‪ ،‬وتفيد نفس املعاين األصلية للكلمة‪ ،‬ومع ضياع األصول ال‬
‫ميكن التحقق من دقة هذه الرتمجة‪ .‬والرتمجة الصحيحة للرتنيمة‪ -‬كما برى عبد األحد داود‪ -‬هي‪:‬‬
‫(احلمد هلل يف األعاِل‪ ،‬وعلى األرض إسما ‪ ،‬وللناس أمحد)‪)1( .‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((حممد يف الكتاب املقدس))‪ ،‬عبد األحد داود‪( ،‬ص‪(( ،)165 - 147‬اإلجنيل‬
‫والصليب))‪ ،‬عبد األحد داود‪( ،‬ص‪(( ،)55 - 33‬البشار بنَب اإلسما يف التورا واإلجنيل))‪ ،‬أمحد‬
‫حجازي السقا (‪.)372 – 370 /2‬‬

‫(‪)358/1‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬البشار إببلياء‪ :‬ومن األمساء اليت رمز الكتاب املقدس هبا إىل النَب صلى هللا عليه‬
‫وسلم (إبلياء) وهي ولق حساب اجلمل اليهودي تساوي (‪.)1( )53‬‬
‫وجل إىل بين إسرا يل‪ ،‬وكان ذلك يف القرن التاسع قبل‬
‫عز َّ‬
‫وهو أبضا اسم لنَب عظيم أرسله هللا َّ‬
‫امليماد‪ ،‬وهو الذي بسميه القرآن إلياس‪.‬‬
‫ويف آرر أسفار التورا العربانية بتحدث النَب مماري يف سفره القصَر عن عصيان بين إسرا يل وعن‬
‫إبليا أو إبلياء القاد اجلدبد‪ ،‬وهو يَر إلياس الذي كان قد تويف منذ سبعة قرون‪ ،‬ليقول مماري أبن‬
‫هللا بقول‪( :‬هأنذا أرسل مماكي‪ ،‬ليهيئ الطربق أمامي‪ ،‬وأيِت بغتة إىل هيكله السي ْد الذي تطلبونه‪،‬‬
‫ومماك العهد الذي تسرون به‪ ،‬هو ذا أيِت‪ ،‬قال رب اجلنود‪.‬‬
‫من حيتمل بو جميئه‪ ،‬ومن بثبت عند ظهوره؛ ألنه مثل انر املمحص‪ ،‬ومثل أشنان القصار ‪...‬‬
‫(مماري ‪.)2 - 1 /3‬‬
‫لالنص يف سفر النَب مماري بتحدث عن اثنني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬الذي بهيئ الطربق أما القاد من عند الرب‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬هو الذي أيِت بغتة إىل اهليكل‪ ،‬وبسميه‪ :‬السيد‪ ،‬ومماك العهد‪ .‬وهو الذي بطلبه بنو إسرا يل‬
‫وبنتظرونه‪.‬‬
‫ويف آرر سفره بقول مماري‪ ،‬وحدبثه مازال متصما عن هذا القاد ‪ ،‬وعن تبدبل بين إسرا يل وكفرهم‪،‬‬
‫ليقول‪( :‬اذكروا شربعة موسى عبدي اليت أمرته هبا يف حوربب على كل إسرا يل الفرا ض واألحكا ‪.‬‬
‫هأنذا أرسل إليكم إبليا النَب قبل جميء بو الرب اليو العظيم واملخوف‪ ،‬لَرد قلب اخآابء على‬
‫األبناء‪ ،‬وقلب األبناء على آاب هم‪ ،‬لئما آِت وأضرب األرض بلعن) (مماري ‪.)5 - 4 /4‬لقد مسى‬
‫مماري النَب القاد إبليا بعد أن ذكرهم بوصية موسى على جبل حوربب‪ ،‬واليت ذكر ليها موسى النَب‬
‫القاد مثله من بني إرو بين إسرا يل‪ ،‬قال املفسر صاحب (حتفة اجليل)‪( :‬إن إبلياء الرسول املذكور‬
‫يف آرر سفر مماري هو ملغوز‪ ،‬وهذا هو حرب العامل الذي أيِت يف آرر الزمان) (‪.)2‬‬
‫وبرى النصارى أن النَب الذي غ‬
‫ميهد الطربق هو بوحنا املعمدان املسمى إببليا يف النص بقول مرقص‪:‬‬
‫(كما هو مكتوب يف األنبياء ها أان أرسل مماكي الذي بهيئ طربقك قدامك ‪ ..‬كان بوحنا املعمدان‬
‫بعمد يف الرببة ‪ ...‬وكان بكرز قا ما‪ :‬أيِت بعدي من أقوى مين‪ ،‬الذي لست أهما أن أحنين وأحل‬
‫سيور حذا ه‪ ،‬أان عمدتكم ابملاء‪ ،‬وأما هو لسيعمدكم ابلروح القدس‪ ،‬ويف تلك األاي جاء بسوع ‪) ..‬‬
‫(مرقص ‪ ،)9 - 2 /1‬وهو ما نقله لوقا عن لسان املسيح‪( :‬بل ماذا ررجتم لتنظروا‪ ،‬أنبيًّا؟ نعم أقول‬
‫لكم‪ :‬وألضل من نَب‪ ،‬هذا هو الذي كتب عنه‪ :‬ها أان أرسل أما وجهك مماكي الذي بهيئ طربقك‬
‫قدامك؛ ألين أقول لكم‪ :‬إنه بني املولودبن من النساء ليس نَب أعظم من بوحنا املعمدان‪ ،‬ولكن‬
‫األصغر يف ملكوت هللا أعظم منه) (لوقا ‪.)26 /7‬‬
‫لاملم غهد للطربق‪ -‬حسب رأي النصارى‪ -‬هو بوحنا املعمدان‪ ،‬واملمهد له املنتظر هو عيسى عليه‬
‫السما ‪.‬‬
‫وبعتربون األول إبليا؛ لقول مىت على لسان املسيح يف سياق حدبثه عن بوحنا املعمدان‪( :‬ماذا ررجتم‬
‫لتنظروا‪ .‬أنبيا؟ نعم أقول لكم وألضل من نَب‪ ،‬لإن هذا هو الذي كتب عنه‪ :‬ها أان أرسل أما وجهك‬
‫مماكي الذي بهيئ طربقك قدامك‪ .‬احلق أقول لكم‪ :‬مل بقم بني املولودبن من النساء أعظم من بوحنا‬
‫املعمدان‪ ،‬ولكن األصغر يف ملكوت السماوات أعظم منه ‪ ...‬ألن مجيع األنبياء والناموس إىل بوحنا‬
‫تنبئوا‪ .‬وإن أردمت أن تقبلوا لهذا هو إبليا املزمع أن أيِت‪ ،‬من له أذانن للسمع لليسمع) (مىت ‪9 /11‬‬
‫‪.)15 -‬‬
‫_________‬
‫(‪( )1‬أ=‪ ،1‬ي=‪ ،10‬ل=‪ ،)30‬وهو ما تساوبه كلمة أمحد (أ=‪ ،1‬ح=‪ ،40= ،8‬د=‪.)4‬‬
‫(‪ )2‬انظر ((الفارق بني املخلوق واَخالق))‪ ،‬عبد الرمحن ابجي البغدادي‪( ،‬ص‪.)654‬‬

‫(‪)359/1‬‬
‫وبذكر مىت أبضا أبن املسيح قال‪( :‬إن إبليا أيِت أوال وبرد كل شيء‪ ،‬ولكين أقول لكم‪ :‬إن إبليا قد‬
‫جاء ومل بعرلوه ‪ ...‬حينئذ لهم التماميذ أنه قال هلم عن بوحنا املعمدان) (مىت ‪.)13 - 10 /17‬‬
‫َّ‬
‫واملبشر به هو املسيح‪ .‬والصحيح‬ ‫وهكذا برى النصارى أن غ‬
‫املبشر املمهد للطربق هو بوحنا (إبليا)‪،‬‬
‫أن إبليا رمز للنَب القاد ‪ ،‬وليس للنَب املمهد لطربقه‪.‬‬
‫وقبل أن نلج لفهم حقيقة هذه النبوء نرى لزاما أن ننبه ببعض ما تعرضت له هذه النصوص من‬
‫حتربف‪ ،‬لفي مماري (مماك العهد)‪ ،‬وهو يف الرتمجات القدمية‪( :‬رسول اَختان)‪ ،‬ويف الرتمجة احلدبثة‬
‫بقول‪( :‬أرسل مماكي)‪ ،‬ويف القدمية‪( :‬أرسل رسوِل)‪ ،‬ويف بعض الطبعات‪( :‬أيِت السيد) ويف بعضها‪:‬‬
‫(الوِل)‪ ،‬ويف أررى‪( :‬إبليا)‪.‬‬
‫ويف نصوص األانجيل حتربف لماقتباس من مماري الذي استعمل ضمَر املتكلم (الطربق أمامي)‪ ،‬ويف‬
‫األانجيل أصبح الضمَر راجعا على املسيح (بهيئ طربقك قدامك)‪.‬‬
‫كما نرى بد التحربف قد طالت كما املسيح واملعمدان حني زعم اإلجنيليون أن املسيح اعترب‬
‫املعمدان هو املمهد لدعوته (هذا هو الذي كتب عنه‪ :‬ها أان أرسل أما وجهك مماكي الذي بهيئ‬
‫طربقك قدامك) (لوقا ‪ ،)26 /7‬وأنه مساه إبليا املنتظر (ولكين أقول لكم‪ :‬إن إبليا قد جاء ومل‬
‫بعرلوه ‪ ...‬حينئذ لهم التماميذ أنه قال هلم عن بوحنا املعمدان) (مىت ‪.)13 - 12 /17‬‬
‫ومن التحربف قوهلم‪ :‬إن املعمدان أررب أن القوي الذي بشر بقدومه بعده هو املسيح (ولكن يف‬
‫وسطكم قا م الذي لستم تعرلونه‪ ،‬هو الذي أيِت بعدي الذي صار قدامي‪ ،‬الذي لست مبستحق أن‬
‫أحل سيور حذا ه ‪ ..‬ويف الغد نظر بوحنا بسوع مقبما إليه لقال‪ :‬هو ذا محل هللا الذي برلع رطية‬
‫العامل‪ ،‬هذا هو الذي قلت عنه‪ :‬أيِت بعدي رجل صار قدامي؛ ألنه كان قبلي) (بوحنا ‪- 26 /1‬‬
‫‪.)40‬‬
‫ودعواان التحربف ليس مردها عد اتفاق هذه النصوص مع املسألة اليت حنن بصدد إثباهتا‪ ،‬بل مرده‬
‫أن بوحنا املعمدان أنكر أن بكون هو النَب إبليا املمهد بني بدي السيد القاد ‪ ،‬لقد نفى هو ذلك‬
‫عن نفسه ملا جاءه رسل اليهود من الكهنة والماوبني (ليسألوه من أنت؟ لاعرتف ومل بنكر‪ ،‬وأقر‪ :‬إين‬
‫لست أان املسيح‪.‬‬
‫لسألوه إذا ماذا؟ إبليا أنت؟ لقال‪ :‬لست أان‪ .‬النَب أنت؟ لأجاب‪ :‬ال) (بوحنا ‪،)21 - 19 /1‬‬
‫لهذا نص صربح بنكر ليه بوحنا أنه إبليا املمهد للطربق‪ ،‬كما هو ليس املسيح املنتظر أو النَب‬
‫القاد ‪.‬‬
‫وبلز من قول املعمدان تكذبب املسيح يف قوله أبن إبليا قد جاء‪ ،‬أو أن بكون املعمدان كاذاب حني‬
‫أنكر أنه إبليا‪ ،‬أو بلز القول أبن التماميذ مل بفهموا كما املسيح‪ ،‬وهذا األرَر هو األوىل‪ ،‬لقد أرطأ‬
‫مىت حني قال‪( :‬حينئذ لهم التماميذ أنه قال هلم عن بوحنا املعمدان)‪ ،‬لقد ظنوا أهنم لهموا‪ ،‬بينما‬
‫احلقيقة أهنم مل بفهموا‪ ،‬لقد كان حيدثهم عن نفسه‪ ،‬لهو النَب القاد الذي بهيئ الطربق للقاد املنتظر‬
‫(هأنذا أرسل مماكي‪ ،‬ليهيئ الطربق أمامي‪ ،‬وأيِت بغتة إىل هيكله السي ْد الذي تطلبونه‪ ،‬ومماك العهد‬
‫الذي تسرون به‪ ،‬هو ذا أيِت‪ ،‬قال رب اجلنود)‪.‬‬
‫مث إن صفات إبليا ال تنطبق على املعمدان؛ ألنه أيِت بعد املسيح‪ ،‬لقد قال املسيح عنه‪( :‬إبليا املزمع‬
‫أن أيِت) واملسيح واملعمدان متعاصران‪.‬‬
‫وعندما أيِت إبليا لإنه (برد كل شيء)‪( ،‬لَرد قلب اخآابء على األبناء‪ ،‬وقلب األبناء على آاب هم)‪،‬‬
‫ومثل هذا مل بنقل عن املعمدان الذي عاش يف الصحراء‪ ،‬طعامه اجلراد والعسل‪ ،‬ولباسه وبر اإلبل‪،‬‬
‫ويابة ما صنعه تعميد من جاءه ات با‪( .‬انظر مىت ‪.)5 - 1 /3‬‬

‫(‪)360/1‬‬

‫وال ميكن التسليم أبن املعمدان كان متهيدا للمسيح؛ إذ كيف بقال ذلك‪ ،‬واملعمدان قبيل مقتله ‪-‬‬
‫حسب األانجيل‪ -‬ال بعرف حقيقة املسيح‪ ،‬وبرسل تماميذه ليسألوا املسيح (أنت هو اخآِت أ ننتظر‬
‫يَرك؟) (مىت ‪.)3 /11‬‬
‫لكيف بقال أبنه أرسل بني بدبه‪ ،‬وهو مل بعرف حقيقته؟ مث ماذا صنع بوحنا بني بدي مقد املسيح؟‬
‫هل صنع شيئا بتعلق ابملهمة اليت تزعمها األانجيل له؟‬
‫مل برد عنه سوى البشار ابمللكوت كما بشر به املسيح بعده‪( .‬انظر مىت ‪ )1 /3‬كما كان بعمد الذبن‬
‫أيتونه معرتلني خبطاايهم‪( .‬انظر مىت ‪ ،)6 /3‬وهذا الذي صنعه املسيح أبضا‪ ،‬وهو ما بمكد أن‬
‫دعوهتما واحد ‪ ،‬أال وهي البشار ابلنَب صلى هللا عليه وسلم نَب امللكوت‪ ،‬كما قال‪( :‬لقال هلم‪ :‬إنه‬
‫بنبغي ِل أن أبشر املدن األرر أبضا مبلكوت هللا؛ ألين هلذا قد أرسلت) (لوقا ‪ ،)34 /4‬لقد أرسل‬
‫للبشار ابمللكوت القاد ‪ ،‬لهو ِمهد ومبشر بني بدبه‪.‬‬
‫واحلق أن املعمدان وعيسى صاحبا دعو واحد ‪ ،‬أي‪ :‬كمامها بعث مبشرا ابلنَب اَخامت‪ ،‬لهما غ‬
‫املبشران‬
‫مىت مبلكوت السماوات‪ ،‬لقد بشر ابقرتاب عصره النَب بوحنا املعمدان‪،‬‬
‫ابلنَب اَخامت‪ ،‬والذي أمساه َّ‬
‫(جاء بوحنا املعمدان بكرز يف بربة اليهودبة قا ما‪ :‬توبوا؛ ألنه قد اقرتب ملكوت السماوات) (مىت‬
‫‪.)2 - 1 /3‬‬
‫وبعد ولا بوحنا املعمدان جدَّد بسوع البشار ابمللكوت‪( ،‬ابتدأ بسوع بكرز وبقول‪ :‬توبوا؛ ألنه قد‬
‫اقرتب ملكوت السماوات) (مىت ‪( ،)17 /4‬وكان بسوع بطوف كل اجلليل بعلم يف جمامعهم وبكرز‬
‫ببشار امللكوت) (مىت ‪.)23 /4‬‬
‫وأمر تماميذه أبن ببشروا ابقرتاب امللكوت لقال‪( :‬اكرزوا قا لني‪ :‬إنه قد اقرتب ملكوت السماوات)‬
‫(مىت ‪ ،)7 /10‬لقد كانت دعوهتما واحد ‪ ،‬وهي البشار والتمهيد للنَب القاد ‪.‬‬
‫وكما مل بتحقق يف املعمدان صفات املمهد للنَب القاد ‪ ،‬لإن الصفات اليت ذكرها بوحنا املعمدان‬
‫لآلِت بعده مل تتحقق يف املسيح‪ ،‬لقد قال املعمدان‪( :‬أان أعمدكم مباء التوبة‪ ،‬ولكن الذي أيِت بعدي‬
‫هو أقوى مين‪ ،‬الذي لست أهما أن أمحل حذاءه‪ ،‬هو سيعمدكم ابلروح القدس وانر‪ ،‬الذي رلشه يف‬
‫ٍ‬
‫حينئذ جاء بسوع من‬ ‫بده‪ ،‬وسينقي بيدره‪ ،‬وجيمع قمحه إىل املخزن‪ ،‬وأما التنب ليحرقه بنار ال تطفأ‪،‬‬
‫اجلليل إىل األردن إىل بوحنا ليعتمد منه) (مىت ‪.)13 - 11 /3‬‬
‫َّ‬
‫املبشر به سيعمد ابلروح القدس والنار‪ ،‬أما املسيح عليه السما للم بعمد أحدا طوال حياته‪،‬‬ ‫لالقاد‬
‫وإن كان شاع بني الناس أنه بعمد‪ ،‬لكنه مل بفعل ذلك حقيقة‪ ،‬وإن صنعه تماميذه ابمسه (للما علم‬
‫الرب أن الفربسيني مسعوا أن بسوع بصَر وبعمد تماميذ أكثر من بوحنا‪ ،‬مع أن بسوع نفسه مل بكن‬
‫بعمد بل تماميذه) (بوحنا ‪.)2 - 1 /4‬‬
‫وذكر املعمدان أن اخآِت بعده بعمد ابلروح والنار‪ ،‬أي‪ :‬ميلك سلطان الدبن والدنيا؛ لتغيَر املنكر‬
‫واحلفز على التوبة‪ ،‬لهو ال بتوقف عن حدود الطهار الظاهربة للجسد اباليتسال ابملاء‪ ،‬بل بهتم‬
‫بطهار الباطن‪ ،‬ووسيلته ما أيِت به روح القدس (جرببل) من وحي وبماغ وبيان‪ ،‬كما قا بتطهَر كثَر‬
‫من األرض من الوثنية ابلنار‪.‬‬
‫ومثل هذه املعمودبة مل بفعلها املسيح الذي عمد تماميذه ابملاء‪ ،‬وكانت بشارته استمرارا ملعمودبة‬
‫املعمدان‪ ،‬وهي البشار ابلتوبة ومغفر اَخطااي‪ ،‬لإن املسيح دعا ‪ -‬بعد حادثة الصلب والقيامة ‪ -‬كل‬
‫واحد من تماميذه (أن بْكرز ابمسه ابلتوبة ومغفر اَخطااي) (لوقا ‪ ،)47 /24‬للم ختتلف معمودبته‬
‫عليه السما عن معمودبة املعمدان يف شيء‪( .‬انظر بوحنا ‪.)23 – 22 /3‬‬

‫(‪)361/1‬‬

‫واستمر تماميذه بعده بعمدون ابملاء كما كان املعمدان بعمد‪ ،‬وملا جاء بولس إىل ألسس إذ وجد‬
‫تماميذ قال هلم‪ :‬هل قبلتم الروح القدس ملا آمنتم؟‪ .‬قالوا له‪ :‬وال مسعنا أنه بوجد الروح القدس‪ .‬لقال‬
‫هلم‪ :‬لبماذا اعتمدمت؟ لقالوا‪ :‬مبعمودبة بوحنا‪ .‬لقال بولس‪ :‬إن بوحنا عمد مبعمودبة التوبة قا ما‬
‫للشعب أن بممنوا ابلذي أيِت بعده‪ ،‬أي‪ :‬ابملسيح بسوع‪ ،‬للما مسعوا اعتمدوا ابسم الرب بسوع)‬
‫(أعمال ‪ ،)5 - 1 /19‬ولو كان للمسيح عليه السما تعميد خيالف ما عليه تعميد املعمدان عليه‬
‫السما لعرف بني التماميذ وشاع‪.‬‬
‫كما وصف املعمدان النَب القاد بعده أبنه (أقوى مين)‪ ،‬وليس يف دعو املسيح أو حياته الشخصية‬
‫ما بشَر إىل هذه القو ‪ ،‬لكمامها مل ببعث بشرع جدبد‪ ،‬كما مل ميلك على قومه‪ ،‬ومل بكن ألي منهما‬
‫نفوذ أو سلطان‪ ،‬بل تزعم النصارى‪ -‬ابطما‪ -‬أن ًّ‬
‫كما منهما مات مقتوال! لأبن القو اليت ذكرها‬
‫املعمدان؟‬
‫كما مل حيقق املسيح قول املعمدان عن النَب اخآِت‪( :‬رلشه يف بده‪ ،‬وسينقي بيدره‪ ،‬وجيمع قمحه إىل‬
‫املخزن‪ ،‬وأما التنب ليحرقه بنار ال تطفأ) وهذه كنابة بفسرها الدكتور وليم أدي بقوله‪( :‬كنابة عن هنابة‬
‫العمل كله‪ ،‬وميكن أن بكون القصد من هذا التشبيه‪ :‬اإلشار إىل َتدبب هللا للناس‪ ،‬وقصاصه هلم يف‬
‫هذه احليا )‪ .‬بل هو كنابة أبعد من ذلك‪ ،‬إذ تبني سلطانه الذي بنقي األصل الذي أنزله هللا على‬
‫أنبيا ه ِما علق ليه‪ ،‬ليحذف الرتهات الدريلة وبزبفها‪.‬‬
‫وعليه لاخآِت َّ‬
‫املبشر به هو حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو لقط الذي أتى إىل أرض القدس واهليكل‬
‫بغتة بو أسري به إىل بيت املقدس‪ ،‬بينما نشأ املسيح وبوحنا يف ربوع اهليكل‪.‬‬
‫وهو النَب الذي مسَّته بعض الرتمجات برسول اَختان؛ إذ كان قد دعا إليه ونبَّه إىل أنه من سنن اهلدى‪،‬‬
‫والتزمه املسلمون بعده‪.‬‬

‫(‪)362/1‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬األصغر يف ملكوت هللا‪:‬‬


‫تبشر ابملسيح املنتظر صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وتمكغد أنه‬
‫وامة بشار أررى جاءت على لسان املسيح غ‬
‫أعظم األنبياء‪ ،‬وأنه النَب املسمى إبليا‪ ،‬وأنه الذي تقاطرت النبوات على البشار به‪ ،‬بقول املسيح‪:‬‬
‫(احلق احلق أقول لكم‪ :‬مل بقم بني املولودبن من النساء أعظم من بوحنا املعمدان‪ ،‬ولكن األصغر يف‬
‫ملكوت السماوات أعظم منه ‪ ..‬ألن مجيع األنبياء والناموس إىل بوحنا تنبموا‪ ،‬وإن أردمت أن تقبلوا‬
‫لهذا هو إبليا املزمع أن أيِت‪ ،‬من له أذانن للسمع لليسمع) (مىت ‪ ،)15 - 11 /11‬لاألصغر يف‬
‫ملكوت السماوات هو إبلياء املزمع أن أيِت‪ ،‬الذي تنبأ به األنبياء‪ ،‬نبيًّا تلو نَب‪ ،‬وكان آررهم بوحنا‬
‫املعمدان‪.‬‬
‫لمن هو إبليا‪ ،‬األصغر يف ملكوت السماوات؟ إنه حممد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الذي صغر‬
‫بتأرره يف الزمان عن سا ر األنبياء‪ ،‬لكنه لاقهم مجيعا ابكتمال رسالته ورضا هللا بدبنه دبنا رامتا إىل‬
‫قيا الساعة‪ ،‬لإن مل بكن حممدا صلى هللا عليه وسلم لمن ذا بكون؟‬
‫وال ميكن لنصراين أن بدَّعي أبن عيسى هو آرر الرسل واألنبياء إلمياهنم برسالة تماميذه‪ ،‬بل ويَرهم‬
‫كبولس‪ ،‬كما مل تكمل رسالته عليه السما بدليل التعدبل والنسخ الذي أجراه احلواربون عليها يف‬
‫اجملمع األورشليمي األول بزعم التيسَر على املتنصربن‪ ،‬لأبطلوا اَختان‪ ،‬وأحلُّوا بعض حمرمات التورا ‪.‬‬
‫وعليه لما تصدق على املسيح عليه السما كلمة (األصغر)؛ ألنه ليس آرر األنبياء‪ ،‬كما أنه مل‬
‫بصرح وال بفهم أنه كان بتحدَّث عن نفسه حني قال‪( :‬ولكن األصغر يف ملكوت السماوات أعظم‬
‫منه ‪ ..‬ألن مجيع األنبياء والناموس إىل بوحنا تنبموا‪ ،‬وإن أردمت أن تقبلوا لهذا هو إبليا املزمع أن أيِت‪،‬‬
‫من له أذانن للسمع لليسمع) (مىت ‪.)15 - 11 /11‬‬
‫وهذا األصغر إَنا أيِت يف ملكوت السماوات اليت مل تكن قد قامت بومذاك‪ ،‬وهو مزمع أن أيِت وملا‬
‫أيت بعد‪ ،‬إنه حممد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫(‪)363/1‬‬

‫املطلب التاسع‪ :‬املسيح ببشر ابلبارقليط‪:‬‬


‫لكن أعظم بشارات العهد اجلدبد ابلنَب اَخامت هي نبوءات املسيح عليه السما عن جميء البارقليط‬
‫إىل هذا العامل‪.‬‬
‫وبنفرد بوحنا يف إجنيله بذكر هذه البشارات املتوالية من املسيح هبذا النَب املنتظر‪ ،‬حيث بقول املسيح‬
‫موصيا تماميذه‪( :‬إن كنتم حتبونين لاحفظوا وصاايي‪ ،‬وأان أطلب من اخآب ليعطيكم معزاي آرر‪،‬‬
‫ليمكث معكم إىل األبد‪ ،‬روح احلق الذي ال بستطيع العامل أن بقبله‪ ،‬ألنه ال براه وال بعرله‪ ،‬وأما أنتم‬
‫لتعرلونه ألنه ماكث معكم‪ ،‬وبكون ليكم ‪ ...‬إن أحبين أحد حيفظ كمامي‪ ،‬وحيبه أيب وإليه أنِت‪،‬‬
‫وعنده نصنع منزال‪.‬‬
‫الذي ال حيبين ال حيفظ كمامي‪ ،‬والكما الذي تسمعونه ليس ِل‪ ،‬بل لآلب الذي أرسلين‪ ،‬هبذا‬
‫كلمتكم وأان عندكم‪ ،‬وأما املعزي الروح القدس الذي سَرسله اخآب ابمسي لهو بعلمكم كل شيء‪،‬‬
‫وبذكركم بكل ما قلته لكم‪ .‬قلت لكم اخآن قبل أن بكون‪ ،‬حىت مىت كان تممنون‪ ،‬ال أتكلم أبضا‬
‫يف شيء) (بوحنا ‪.)30 – 15 /14‬‬
‫معكم كثَرا؛ ألن ر يس هذا العامل أيِت‪ ،‬وليس له َّ‬
‫ويف اإلصحاح الذي بليه بعظ املسيح عليه السما تماميذه طالبا منهم حفظ وصاايه‪ ،‬مث بقول‪( :‬مىت‬
‫جاء املعزي الذي سأرسله أان إليكم من اخآب‪ ،‬روح احلق الذي من عند اخآب بنبثق‪ ،‬لهو بشهد ِل‪،‬‬
‫وتشهدون أنتم أبضا؛ ألنكم معي يف االبتداء‪.‬‬
‫قد كلَّمتكم هبذا لكي ال تعثروا‪ ،‬سيخرجونكم من اجملامع‪ ،‬بل َتِت ساعة ليها بظن كل من بقتلكم أنه‬
‫بقد ردمة هلل ‪ ...‬قد مَل احلزن قلوبكم‪ ،‬لكين أقول لكم احلق‪ :‬إنه رَر لكم أن أنطلق؛ ألنه إن مل‬
‫أنطلق ال أيتيكم املعزي‪ ،‬ولكن إن ذهبت أرسله إليكم‪.‬‬
‫ومىت جاء ذاك ببكت العامل على رطية وعلى بر وعلى دبنونة‪ ،‬أما على رطية‪ :‬لَلهنم ال بممنون يب‪،‬‬
‫وأما على بر‪ :‬لَلين ذاهب إىل أيب وال ترونين أبضا‪ ،‬وأما على دبنونة‪ :‬لَلن ر يس هذا العامل قد دبن‪.‬‬
‫إن ِل أمورا كثَر أبضا ألقول لكم‪ ،‬ولكن ال تستطيعون أن حتتملوا اخآن‪ ،‬وأما مىت جاء ذاك‪ ،‬روح‬
‫احلق‪ ،‬لهو برشدكم إىل مجيع احلق؛ ألنه ال بتكلم من نفسه بل كل ما بسمع بتكلم به‪ ،‬وخيربكم أبمور‬
‫آتية‪ ،‬ذاك ميجدين؛ ألنه أيرذ ِما ِل وخيربكم) (بوحنا ‪.)14 /16 - 26 /15‬‬
‫‪ O‬هل بشر الكتاب املقدس مبحمد صلى هللا عليه وسلم ملنقذ بن حممود السقار‬

‫(‪)364/1‬‬

‫الفصل العاشر‪ :‬حتربفات النصارى ومزاعمهم‪:‬‬


‫• املطلب األول‪ :‬االضطهادات‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬ضياع اإلجنيل وانقطاع السند‪.:‬‬
‫• املطلب الثالث‪ :‬بولس (شاؤول اليهودي)‪.:‬‬

‫(‪)365/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬االضطهادات‪:‬‬


‫إن ِما الشك ليه أن الدعوات راصة الدبنية واإلصماحية تنمو وتزدهر يف السما واألمن‪ ،‬وتنكمش‬
‫وتتقوقع يف اَخوف واالضطهاد‪ ،‬وقد بمدي االضطهاد املركز إىل القضاء عليها‪ ،‬وراصة إذا واكب‬
‫نشأهتا قبل أن تنغرس جذورها يف األرض وتثبت قدمها ليها‪.‬‬
‫وإن الدارس لتاربخ املسيح عليه السما وأتباعه ودعوته جيد أن االضطهاد واكب نشأهتا‪ ،‬واستمر‬
‫قروان عد بشتد حينا‪ ،‬وبفرت حينا آرر‪.‬‬
‫وجل أجناه‬
‫عز َّ‬
‫لقد كان املسيح عليه السما مطاردا من اليهود‪ ،‬بل سعوا جادبن إىل قتله‪ ،‬إال أن هللا َّ‬
‫منهم ورلعه إليه‪ ،‬مث إن النصارى حسب كمامهم وقع عليهم اضطهاد شدبد من بعده‪ ،‬أوال من قبل‬
‫اليهود‪ ،‬لقد قْتل أحد كبار النصارى وبسمى (إستفانوس) رمجا‪ ،‬وقْطع بعده رأس (بعقوب) ِما جعل‬
‫بقية األتباع بتفرقون يف البلدان‪ ،‬وبنتشرون يف أرض هللا رولا من اضطهاد بين جنسهم اليهود هلم‪ ،‬مث‬
‫وقعت على من بقي منهم يف للسطني نكبتان مدمراتن‪:‬‬
‫أوالمها عا (‪ ، )70‬وهي‪ :‬لتك الواِل الروماين (تيطس) ابليهود وتدمَره لبيت املقدس بسبب‬
‫عصياهنم ومتردهم‪.‬‬
‫واألررى وهي أكرب من أرتها‪ :‬عا (‪ , )135‬يف عهد اإلمرباطور (هادراين) الذي قضى على‬
‫اليهود يف للسطني‪ ،‬ومل ببق بعده ليها إال أقلية نصرانية واهنة مبعثر ‪.‬‬
‫مث استمر اضطهاد أابطر الرومان للنصارى قرنني آرربن‪ ،‬ذاق رماهلما النصارى ألواان شىت من الذل‬
‫قواي إللقا ه للوحوش‬
‫واالضطهاد‪ ،‬حىت أصبح اهتا أي رجل ابلنصرانية يف بعض األحيان مربرا ًّ‬
‫املفرتسة واحلكم عليه ابملوت‪ ،‬ومل بتوقف هذا االضطهاد إال بتوِل قسطنطني اإلمرباطوربة الرومانية‪،‬‬
‫وإصداره مرسو ميمان سنة (‪ ، )313‬والقاضي إبعطاء النصارى احلربة الدبنية وحربة األداين‬
‫عموما‪.‬‬
‫لكان هذا االضطهاد من العوامل املهمة يف حتربف دعو املسيح عليه السما ؛ ألن تثبيت العقيد‬
‫والدعو إليها والعمل هبا‪ ،‬حيتاج إىل وضع آمن‪ ،‬بل حيتاج إىل قو داعمة ومناصر لرتسخ العقيد يف‬
‫النفوس‪ ،‬وبتمكن الدعا من نشرها بني الناس‪ ،‬وإال لإن عقا د الناس وعباداهتم القدمية تطغى على‬
‫الدعو اجلدبد ‪ ،‬وقد تصبغها بصبغتها‪ ،‬وكذلك أعداء األداين من أصحاب األهواء والنفعيني لإهنم‬
‫جيدون أرضية مناسبة لبث آرا هم وأهوا هم يف األداين‪ ،‬كما أن اجلهل ابلدبن الصحيح يف كثَر من‬
‫األحيان مع النية الصاحلة يف العمل قد تدلع اإلنسان إىل استحسان أمور وادعاء أمور أهنا من الدبن‬
‫وهي ليست منه‪.‬‬
‫لهذه األمور ويَرها تطفو على السطح وتظهر يف حالة االضطهاد وعد األمن‪ ،‬وإذا نظران إىل اتربخ‬
‫النصرانية جند أنه يف لرت االضطهاد شاع بينهم ما بسمونه بـ (اهلرطقة) وهي التعاليم املخالفة ملا عليه‬
‫النصارى‪ ،‬كما كثرت الكتب والرسا ل املنسوبة إىل دعا النصارى األوا ل‪.‬‬
‫واستمر وجود تلك البدع والكتب إىل أن جاء قسطنطني وسعى إىل توحيد النصارى بدعوته إىل جممع‬
‫نيقية سنة (‪ ، )325‬إال أنه وحدَّهم على إحدى تلك البدع‪ ،‬وهي بدعة بولس‪ ،‬لمما ال شك ليه‬
‫أن ذلك كله كان عامما من العوامل اليت تسببت يف احنراف النصرانية عن الدبن احلق الذي جاء به‬
‫املسيح عيسى عليه السما ‪.‬‬

‫(‪)366/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬ضياع اإلجنيل وانقطاع السند‪:‬‬


‫تقد الكما على األانجيل‪ ،‬وأن األانجيل املوجود ليس منها شيء منسوب إىل عيسى عليه السما ‪،‬‬
‫عرف أثر إلجنيل عيسى عليه السما ‪ ،‬كما أن النصارى مل بعتنوا ابلتدوبن مباشر بعد رلع‬
‫وال بْ َ‬
‫املسيح‪ ،‬وإَنا َترروا يف التدوبن ِما جعل كثَرا من األانجيل تظهر‪ ،‬وال بعرف على اليقني كاتبها‪ ،‬وال‬
‫من أبن أرذ معلوماته‪.‬‬
‫وهذا احنراف بدعو املسيح عليه السما عن وجهها الصحيح؛ ألن أصحاب تلك األانجيل ليسوا‬
‫معصومني‪ ،‬لوقعوا يف أرطاء كثَر ‪ ،‬وسوء لهم‪ ،‬ويَر ذلك من العوارض اليت تعرض للبشر‪ِ ،‬ما جعل‬
‫الداينة املعتمد على مثل تلك الكتب املليئة ابألرطاء تبدو داينة مرتبكة َمتلة الرتكيب‪ ،‬كما هو‬
‫حال النصرانية‪.‬‬

‫(‪)367/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫هو شاؤول اليهودي أحد ألد أعداء املسيح عليه السما ‪ ،‬وأحد اليهود املتعصبني لليهودبة‪ ،‬ولد وترىب‬
‫يف طرسوس اليت كانت مركزا من مراكز الفلسفة وتنوع الثقالات الوثنية يف ذلك الوقت‪ .‬وانتقل بولس‬
‫إىل أورشليم‪ ،‬وتعلم الشربعة اليهودبة‪ ،‬وكان من أشد الناس تعصبا هلا‪ ،‬مث ملا بعث املسيح عليه السما‬
‫كان من أشد الناس على داينته وعلى أتباعها‪ .‬لهو بقول عن نفسه‪( :‬مسعتم بسَرِت قبما يف الداينة‬
‫اليهودبة إين كنت اضطهد كنيسة هللا إبلراط وأتلفها‪ ،‬وكنت أتقد يف الداينة اليهودبة على كثَربن من‬
‫أترايب يف جنسي؛ إذ كنت أولر يَر يف تقليدات آاب ي)‪ .‬مث إن هذا الرجل زعم أنه درل يف دبن‬
‫املسيح‪ ،‬ويف هذا بقول لوقا يف أعمال الرسل (‪( :)1 /9‬أما شاؤول لكان مل بزل بنفث هتددا وقتما‬
‫على تماميذ الرب‪ ،‬لتقد إىل ر يس الكهنة‪ ،‬وطلب منه رسا ل إىل دمشق إىل اجلماعات حىت إذا‬
‫وجد أانسا من الطربق رجاال أو نساء بسوقهم موثقني إىل أورشليم‪ ،‬ويف ذهابه حدث أنه اقرتب إىل‬
‫دمشق لبغتة أبرق حوله نور من السماء‪ ،‬لسقط على األرض ومسع صوات قا ما له‪ :‬شاؤول شاؤول‪.‬‬
‫ملاذا تضطهدين؟ لقال‪ :‬من أنت اي سيد؟ لقال الرب‪ :‬أان بسوع الذي أنت تضطهده‪ ،‬صعب عليك‬
‫ارس‪ ،‬لقال وهو مرتعد ومتحَر‪ :‬اي رب ماذا تربد أن ألعل؟ لقال له الرب‪ :‬قم وادرل‬‫أن تَـرلْس من غ‬
‫ي َ ََ‬
‫املدبنة‪ ،‬ليقال لك‪ :‬ماذا بنبغي أن تفعل ‪ .......‬وكان شاؤول مع التماميذ الذبن يف دمشق أايما‬
‫وللوقت جعل بكرز يف اجملامع ابملسيح أن هذا هو ابن هللا)‪ .‬وهبذه القصة اليت ال دليل عليها وال‬
‫شاهد إال دعواه‪ ،‬زعم أنه درل يف دبن املسيح‪ ،‬وحني َّ‬
‫قد نفسه للحواربني مل بقبله احلواربون أوال‬
‫ملعرلتهم بعداوته وبطشه هبم‪ ،‬ولكن (براناب) توسط له عندهم لقبلوه‪ ،‬لنشط بعد قبوهلم له‪ ،‬وصار‬
‫رأسا يف النصرانية‪ ،‬ببين الكنا س‪ ،‬وبطوف البماد شرقا ويراب بدعو‪ ،‬وبرسل الكتب والرسا ل ببني‬
‫ليها دبنا وأمرا يرببا عن احلواربني وعن شربعة عيسى عليه السما ‪.‬‬
‫وابلنظر الفاحص ليما رلَّف بولس من رسا ل بتضح للناظر ليها مماحظات عدبد ‪ ،‬نقتصر منها‬
‫على ذكر أهم َمالفاته لدعو املسيح عليه السما ‪:‬‬

‫(‪)368/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ادعاؤه أن املسيح ابن هللا‪:‬‬


‫من الدعاوى اليت أطلقها بولس هي ادعاؤه أن املسيح عليه السما ابن هللا‪ -‬تعاىل هللا عن ذلك ‪-‬‬
‫لمن ذلك ما ورد يف سفر أعمال الرسل عن بدابة دعو بولس (‪ )20 /9‬قال‪( :‬وللوقت جعل‪-‬‬
‫بعين بولس‪ -‬بكرز يف اجملامع أن هذا هو ابن هللا)‪.‬‬
‫وبقول بولس يف رسالته إىل يماطية (‪( )4 /4‬ولكن ملا جاء ملء الزمان أرسل هللا ابنه مولودا من‬
‫امرأ مولودا حتت الناموس)‪.‬‬
‫لهذه الدعوى ظهرت أوال يف كما بولس ودعوته‪ ،‬مث ظهرت قوبة يف اجملامع النصرانية‪ ،‬وقامت عليها‬
‫صرح املسيح عليه السما به مرارا من أنه رسول لبين إسرا يل‪ ،‬وأنه‬
‫الداينة كلها‪ ،‬وهذا كله رماف ما َّ‬
‫إنسان‪ ،‬وابن إنسان‪ ،‬وابن داود‪ ،‬ويَرها من األلقاب اليت تمكد أنه بشر ابن بشر‪ ،‬ومن ذلك قول‬
‫(إجنيل مىت) (‪( )20 /8‬لقال له بسوع‪ :‬للثعالب أوجر ولطيور السماء أو كار‪ ،‬وأما ابن اإلنسان‬
‫لليس له أبن بسند رأسه؟)‪.‬‬
‫ويف (إجنيل بوحنا) بقول (‪( )40 /8‬وأان إنسان علمكم ابحلق الذي مسعه من هللا)‬
‫لهذه النصوص قد َّ‬
‫أكد هبا املسيح بشربته إال أن بولس بع ْد‪ ،‬قد أضفى على املسيح صفة (ابن هللا)‬
‫وأعطاها ذلك املضمون الذي أرذت به النصرانية من اعتقادهم أن املسيح إله‪ ،‬ابن إله‪ ،‬تعاىل هللا‬
‫علوا كبَرا‪.‬‬
‫عن قوهلم ًّ‬

‫(‪)369/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬ادعاؤه أن الغابة من جميء املسيح عليه السما هو الصلب وتكفَر اَخطااي‪:‬‬
‫ويف هذا بقول بولس يف رومية (‪( :)23 /3‬إذ اجلميع أرطأوا وأعوزهم جمد هللا متربربن جماان بنعمته‬
‫ابلفداء الذي بيسوع املسيح الذي قدَّمه هللا كفار ابإلميان بدمه إلظهار بره من أجل الصفح عن‬
‫اَخطااي السالفة)‪ .‬وبقول يف رومية أبضا يف (‪( )6 /5‬ألن املسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات يف الوقت‬
‫املعني ألجل الفجار ‪ ...‬ولكن هللا َّبني حمبته لنا؛ ألنه وحنن بعد رطا مات املسيح ألجلنا)‪.‬‬
‫ويف رسالته الثانية إىل كورنثوس (‪ )21 /5‬بقول (ألنه جعل الذي مل بعرف رطية رطية ألجلنا؛ لنصَر‬
‫حنن بر هللا ليه)‪.‬‬
‫لهذه الدعوى اليت علَّل هبا بولس حيا املسيح وموته هي اليت قامت عليها النصرانية بعد‪ ،‬ومل بكن‬
‫هلا يف احلقيقة شيء من الصدى يف حيا املسيح وال كمامه‪ ،‬بل ورد عن املسيح عليه السما التصربح‬
‫أبنه جاء ليدعو إىل التوبة واإلانبة‪.‬‬
‫ويف هذا ورد يف إجنيل مىت (‪ )13 /9‬قوله‪( :‬ألين مل آت ألدعو أبرارا بل رطا إىل التوبة)‪.‬‬
‫ْسلغم بوحنا جاء بسوع إىل اجلليل بكرز ببشار‬ ‫ويف (إجنيل مرقص) (‪ )12 /1‬بقول‪( :‬وبعد ما أ ي‬
‫ملكوت هللا‪ ،‬وبقول‪ :‬قد كمل الزمان‪ ،‬واقرتب ملكوت هللا لتوبوا وآمنوا ابإلجنيل)‪.‬‬
‫صرح أبن اهلدف من رسالته هو الدعو إىل التوبة‪ ،‬إال أن‬
‫لهذا ظاهر منه أن املسيح عليه السما قد َّ‬
‫بولس اررتع من عند نفسه هدلا آرر للمسيح مل بصرح به املسيح ومل بقله‪ ،‬وهو أنه إَنا جاء‬
‫ليصلب تكفَرا للخطااي‪.‬‬

‫(‪)370/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬ادعاؤه أن دعو املسيح عليه السما كانت عامة جلميع بين البشر‪:‬‬
‫ادّ َّعى بولس أن املسيح عليه السما رسول جلميع األمم مث زعم لنفسه أبنه مرسل إىل مجيع‬
‫البشر‪ ،‬ويف هذا بقول يف رومية (‪( :)13 /11‬لإين أقول لكم أبها األمم‪ ،‬مبا أين أان رسول لَلمم أجمد‬
‫ردميت)‪.‬‬
‫ويف يماطية (‪ )15 /1‬بقول‪( :‬ولكن ملا سر هللا الذي ألرزين من بطن أمي ودعاين بنعمته أن بعلن‬
‫ابنه يف ألبشر به بني األمم)‪.‬‬
‫ويف ألسس (‪ )8 /3‬بقول‪( :‬أعطيت هذه النعمة أن أبشر بني األمم)‪.‬‬
‫وصى أبضا به تماميذه‪ ،‬حيث بقول عن‬
‫وهذه الدعوى منه ختالف ما ذكره املسيح عن نفسه وما َّ‬
‫ووصى تماميذه‬
‫نفسه يف (إجنيل مىت) (‪( :)24 /15‬مل أرسل إال إىل رراف بيت إسرا يل الضالة)‪َّ .‬‬
‫بقوله يف (إجنيل مىت) (‪( :)5 /10‬إىل طربق أمم ال متضوا وإىل مدبنة للسامربني ال تدرلوا‪ ،‬بل اذهبوا‬
‫ابحلري إىل رراف بيت إسرا يل الضالة)‪.‬‬

‫(‪)371/1‬‬

‫اجملرد بدون عمل‪.‬‬


‫الفرع الرابع‪ :‬إلغاؤه لشربعة موسى عليه السما ‪ ،‬ودعواه أن اإلنسان بنجو ابإلميان َّ‬
‫ألغى بولس شربعة موسى عليه السما ‪ ،‬ويف هذا بقول يف رسالته إىل رومية (‪( :)16 /2‬إذ نعلم أن‬
‫اإلنسان ال بتربر أبعمال الناموس‪ ،‬بل إبميان بسوع املسيح آمنا حنن أبضا بيسوع املسيح لنتربر إبميان‬
‫بسوع ال أبعمال الناموس؛ ألنه أبعمال الناموس ال بتربر جسد ما ‪ .....‬لما أحياه اخآن يف اجلسد‬
‫لإَنا أحياه يف اإلميان‪ ،‬إميان ابن هللا الذي أحبَّين وأسلم نفسه ألجلي‪ ،‬لست أبطل نعمة هللا؛ ألنه إن‬
‫كان ابلناموس بر لاملسيح إذا مات بما سبب)‪.‬‬
‫وِما جيدر ذكره أن بولس ملا وسع نطاق دعو املسيح عليه السما لتشمل مجيع الناس واجه عقبة‬
‫وتصور أنه ال ميكن أن تنجح الدعو بينهم مع‬
‫كمود‪ ،‬وهي عد قبول الوثنيني للشرا ع املوسوبة‪َّ ،‬‬
‫لقرر إلغاءها‪ ،‬وبذكر سفر أعمال الرسل أن هذا أوال متَّ مبطالبة من بولس ودعو منه‪،‬‬
‫وجود الشربعة‪َّ ،‬‬
‫مث قبله بعد ووالق عليه سا ر التماميذ‪ ،‬وقرروا أن ال بلز الناس بشيء من األمور الواجبة عند بين‬
‫إسرا يل سوى االمتناع عن الذبح لَلصنا ‪ ،‬وعن أكل الد ‪ ،‬واملخنوق‪ ،‬واالمتناع عن الزان‪.‬‬
‫أكده املسيح عليه السما ودعا إليه‪ ،‬لقد‬ ‫وإلغاء بولس للعمل بشربعة موسى عليه السما رماف ما َّ‬
‫ورد يف (إجنيل مىت) (‪ )17 /5‬أنه قال‪( :‬ال تظنوا أين جئت ألنقض الناموس أو األنبياء ما جئت‬
‫ألنقض بل ألكمل‪ .‬لإن َّ‬
‫احلق أقول لكم إىل أن تزول السماء واألرض ال بزول حرف واحد أو نقطة‬
‫الكل‪ ،‬لمن نقض إحدى هذه الوصااي الصغرى‪ ،‬وعلم الناس هكذا بدعى‬
‫من الناموس حىت بكون ُّ‬
‫دعى عظيما يف ملكوت السموات‪ .‬لإين‬
‫أصغر يف ملكوت السموات‪ ،‬وأما من عمل وعلم‪ ،‬لهذا بْ َ‬
‫أقول لكم‪ :‬إن مل بزد بركم على الكتبة والفربسيني لن تدرلوا ملكوت السموات)‪.‬‬
‫لهذه َتكيدات واضحة من املسيح على التزا شربعة موسى عليه السما وحترمي اَخروج عليها‪ .‬لإلغاء‬
‫العمل بشربعة موسى هو يف احلقيقة هد لداينة املسيح متاما؛ ألن ِما هو ظاهر من دعو املسيح عليه‬
‫السما أنه مل أيت بتعاليم جدبد تذكر‪ ،‬وإَنا رَّكز تركيزا ًّ‬
‫راصا على التوبة والتخلص من اَخطااي‪.‬‬
‫وهذا ال شك مع التزا الشربعة السابقة‪ ،‬لإذا ألغيت الشربعة بقيت دعو املسيح عليه السما دعو‬
‫عامة للتوبة والصماح بدون أعمال بتوصل اإلنسان من رماهلا إىل هتذبب نفسه وتزكيتها‪ ،‬وهذا ما‬
‫آل إليه أمر داينة املسيح عليه السما بسبب دعو بولس الذي نشط بعد ذلك يف بيان بطمان‬
‫شربعة موسى عليه السما َوَو يج غه إلغا ها‪َّ ،‬‬
‫وتكرر هذا األمر يف أيلب رسا له‪ ،‬وهو من غ‬
‫أهم ما مييز‬
‫دعوته‪ ،‬مع أنه ال ميلك دليما واحدا ببيح له مثل هذا العمل‪ ،‬الذي بعترب كفرا ابلداينة ونقضا هلا من‬
‫أساسها‪.‬‬
‫كما بْعترب بكل املعابَر لشما يف الدعو ‪ ،‬وليس جناحا كما بظن النصارى؛ ألن النجاح يف الدعو هو‬
‫أن تنجح يف الدعو إىل كامل املنهج الذي تدعو إليه أبصوله ولروعه‪ ،‬أما تغيَره أو االكتفاء جبزء‬
‫شكلي منه‪ ،‬لماشك أن ذلك لشل كبَر‪.‬‬

‫(‪)372/1‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬إلغاؤه للختان‪:‬‬


‫ارتنت املسيح عليه السما والتز به؛ ألنه من شربعة موسى‪ ،‬لقد ذكر اليهود يف كتاهبم أن هللا تعاىل‬
‫قال إلبراهيم عليه السما كما يف التكوبن (‪( :)11 /17‬خينت منكم كل ذكر لَـتْ يختَنون يف حلم‬
‫يرلتكم‪ ،‬ليكون عمامة عهد بيين وبينكم ‪ ...‬وأما الذكر األيلف الذي ال خينت يف حلم يرلته لتقطع‬
‫تلك النفس من شعبها إنه قد نكث عهدي)‪.‬‬
‫ومع هذا التأكيد على اَختان‪ ،‬لقد ألغاه بولس من ضمن ما ألغى من شربعة موسى عليه السما ‪ ،‬ويف‬
‫بهوداي‪ ،‬وال اَختان الذي يف الظاهر‬
‫ًّ‬ ‫هذا بقول يف رومية (‪( )28 /2‬ألن اليهودي يف الظاهر ليس هو‬
‫يف اللحم رتاان‪ ،‬بل اليهودي يف اَخفاء هو اليهودي‪ ،‬ورتان القلب ابلروح ال ابلكتاب هو اَختان)‪.‬‬
‫هذه بعض األمور اليت بماحظها اإلنسان الذي بطَّلع اطماعة سربعة على رسا ل بولس اليت تكونت‬
‫بع ْد منها النصرانية‪ ،‬وقامت عليها ويطت تعاليمه على تعاليم املسيح عليه السما ‪ ،‬بل ألغتها وحلَّت‬
‫حملَّها‪ ،‬كما سبق ذكره‪ ،‬ومن اجلدبر ابلذكر أن أتباع املسيح األوا ل مل بقبلوا تلك الدعاوى من بولس‪،‬‬
‫بل ردوها‪ ،‬ويف هذا بقول يف رسالته الثانية إىل تيمواثوس (‪( :)15 /1‬إن مجيع الذبن يف آسيا ارتدوا‬
‫عين)‪ .‬وهذا هو املتوقع من احلواربني والذبن عرلوا احلق ورأوا املسيح عليه السما وتتلمذوا عليه‪.‬‬
‫إال أن تلك الدعاوى وجدت رواجا لدى الرومان واليوانن‪ ،‬وراصة يف يرب أوراب حيث كان الغالبية‬
‫وثنيني‪ ،‬لناسبتهم هذه املبادئ لأرذوا هبا‪ ،‬مث طبعها بطابع الشمول واإللزا جممع نيقية سنة (‪)325‬‬
‫‪ ,‬حيث قرروا ليه ألوهية املسيح عليه السما ‪ ،‬وأنه نزل ليصلب تكفَرا َخطااي البشر كما َّ‬
‫تقد ‪،‬‬
‫لأصبحت الداينة النصرانية مدبنة يف الواقع لبولس‪ ،‬وليس للمسيح منها إال االسم لقط‪.‬‬

‫(‪)373/1‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬التأثر ابلوثنيات والفلسفات الوثنية‪:‬‬


‫لقد اندى املسيح عليه السما أبنه مل برسل إال إىل رراف إسرا يل الضالة‪ ،‬بل هنى أتباعه عن‬
‫الذهاب إىل قرى يَر اليهودبة‪ ،‬إال أن أتباعه ليما بعد رالفوا ذلك‪ ،‬وتوجهوا إىل الوثنيني من الرومان‬
‫واليوانن والفرس ويَرهم يف املناطق اجملاور ‪ ،‬واألماكن اليت أمكنهم الوصول إليها‪ ،‬وملا كانت الداينة‬
‫املسيحية تفتقر للمقومات اليت تكفل هلا التأثَر يف تلك اجملتمعات‪ ،‬حيث كانت دعو لبين إسرا يل‬
‫راصة‪ ،‬وليس هلا الصبغة العاملية اليت ميكن أن تتغلب هبا على تلك األداين والفلسفات‪ .‬لذا لقد‬
‫يْلبت وأمكن للدايانت الوثنية أن تصبغها بصبغتها‪ ،‬بل ألغتها متاما‪ ،‬واحتلت مكاهنا‪ ،‬وأرذت‬
‫احملرلة‪ ،‬وقد َّ‬
‫أكد علماء األداين والتاربخ‬ ‫مسماها‪ ،‬هذا أمر بتضح لكل انظر يف الداينة النصرانية َّ‬
‫َّ‬
‫ذلك‪ ،‬وأن الداينة النصرانية قد اصطبغت ابلصبغة الوثنية‪ ،‬وأهنا أرذت عقيدهتا وعبادهتا من تلك‬
‫الوثنيات لضمتها إليها ووضعت عليها امسها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على أن النصارى قد ردَّدوا عقا د الوثنيني الذبن كانوا قبلهم ما بلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن التثليث موجود عند اهلنادكة والبوذبني قبل النصارى‪ ،‬ويف هذا بقول (لابر) يف كتابه (أصل‬
‫الوثنية)‪( :‬وكما جند عند اهلنود اثلواث مملفا من برمهة ولشنو وسيفا‪ ،‬هكذا جند عند البوذبني لإهنم‬
‫بقولون‪ :‬إن بوذا إله وبقولون أبقانيمه الثماثة ‪.) ...‬‬
‫كما كان بوجد ذلك أبضا لدى املصربني والفرس واليوانن والرومان واألشوربني والفينيقيني‬
‫واالسكندانليني والترت واملكسيكيني والكندبني‪.‬‬
‫وكذلك املصربني القدماء كانوا بعتقدون أن اخآهلة ثماثة وهم‪( :‬أتو وشو وتفنوت) أو أوزبربس‬
‫وأبزبس وهورس‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن الصلب ‪ -‬لداء للبشر‪ -‬عقيد وثنية كانت موجود لدى اهلنادكة‪ ،‬ويف هذا بقول (هوك)‬
‫يف كتابه (رحلة هوك)‪( :‬وبعتقد اهلنود بتجسد أحد اخآهلة وتقدمي نفسه ذبيحة لداء عن الناس من‬
‫اَخطيئة)‪.‬‬
‫وقال (دوان) يف كتابه (ررالات التورا واإلجنيل) ما نصه‪( :‬وبعتقد اهلنود أبن كرشنا املولود البكر‬
‫حترك حنوا كي خيلص األرض‬
‫الذي هو نفس اإلله لشنو والذي ال ابتداء وال انتهاء له على رأبهم‪َّ ،‬‬
‫من ثقل محلها‪ ،‬لأاتها ورلَّص اإلنسان بتقدمي نفسه ذبيحة عنه)‪.‬‬
‫وقالت (مسز مجسون) يف كتاهبا (اتربخ سيدان من اخآاثر)‪( :‬كان امليليتيون ميثلون اإلله إنساان مصلواب‬
‫مقيد اليدبن والرجلني حببل رشبة وحتت رجليه صور محل‪ ،‬والسوربون بقولون‪ :‬إن متوز اإلله املولود‬
‫َتمل من أجل الناس‪ ،‬وبدعونه املخلغص‪ ،‬والفادي‪ ،‬واملصلوب)‪.‬‬
‫البكر من عذراء َّ‬
‫وولد من عذراء هو كذلك من عقا د الوثنيني‪ ،‬لفي هذا بقول (دوان) يف‬
‫ُتسد ْ‬
‫‪ - 3‬االعتقاد أبن إهلا َّ‬
‫كتابه السابق‪( :‬واهلنود بقولون‪ :‬إن كرشنة هو ابن العذراء النقية الطاهر دبفاكي‪ ،‬وبدعوهنا والد‬
‫اإلله‪.‬‬
‫وبقول املصربون‪ :‬إن هورس (حورس) املخلغص ْولد من العذراء إبسيس (ابزبس)‪ ،‬وأنه املنبثق الثاين‬
‫من عامون‪ ،‬وبقولون‪ :‬االبن املولود‪ .‬وبصورونه إما على بدي أمه أو على حضنها)‪.‬‬

‫(‪)374/1‬‬

‫لهذه أمثلة واضحة على َتثر الداينة النصرانية ابألداين الوثنية قبلها‪ ،‬بل إن األداين الوثنية تغلَّبت‬
‫صرح املمرخ (هـ‪ .‬ليشر) بذلك التشابه حيث‬
‫على داينة املسيح عليه السما وصبغتها بصبغتها‪ ،‬وقد َّ‬
‫قال‪( :‬يَر أنه ليس امة شك أن اختاذ املسيحية‪ -‬ليما بعد‪ -‬داينة رمسية للبماد ‪ -‬بعين اإلمرباطوربة‬
‫الرومانية ‪ -‬ساعد على ازدايد صفوف املسيحيني زايد سربعة‪ ،‬سيما أن التحول عن الوثنية إىل‬
‫املسيحية مل بكن انتقاال إىل جو يربب متا الغرابة‪ ،‬أو شعورا ابنقماب ابيت مفاجئ‪ ،‬بل بدا الولوج‬
‫يف املسيحية عملية رليقة يف كثَر من التدرج الشعوري العاطفي‪ ،‬إذ شاهبت طقوس الداينة املسيحية‬
‫وأسرارها املقدسة ما للداينة القدمية من طقوس وأسرار‪ ،‬كما اشتملت تعاليمها على تعاليم األلماطونية‬
‫احلدبثة‪ ،‬بضاف إىل ذلك أن القول بوجود واسطة بني هللا والناس أمر مألوف عند الفرس وأهل‬
‫األلماطونية احلدبثة سواء)‪.‬‬
‫ويف نفس املوضوع بقول (شارل جنيرب) ر يس قسم اتربخ األداين يف جامعة ابربس‪( :‬إن املسيحية مل‬
‫تكن تستطيع مدالعة أما هذه النزعات والشعا ر السا د ‪ ،‬وإذا كانت‪ -‬أي‪ :‬النصرانية‪ -‬قد‬
‫انتصرت يف القرن الثالث على سا ر ألوان (التأليف) الدبين الوثين‪ ،‬لذلك ألهنا كانت قد تطورت هي‬
‫األررى إىل َتليف دبين ُتتمع ليه سا ر العقا د اَخصبة والشعا ر اجلوهربة النابعة من العاطفة الدبنية‬
‫الوثنية‪ ،‬قامت هي‪ -‬أي‪ :‬النصرانية‪ -‬برتتيبها‪ ،‬وتركيبها‪ ،‬وأضفت عليها اإلنسجا الذي تفتقر إليه‪،‬‬
‫حبيث استطاعت أن تقف مفردها أما أشتات املعتقدات والشعا ر اليت بممن هبا أعداؤها دون أن‬
‫تظهر ضعفا أو نقصا عليها يف أي من اجملاالت اهلامة‪.‬‬
‫ومتت ظاهر التشرب هذه‪ -‬وهي من الظواهر األساسية يف اتربخ املسيحية ‪ -‬يف بطء بطيء معتمد‬
‫على االتصال الدا ب بتطور اإلميان بني مجيع طبقات اجملتمع الوثين‪ ،‬ذلك اجملتمع الذي ارتلفت ليه‬
‫مر هبا‪ ... ،‬وإهنا لظاهر تفسر لنا كيف جاء‬
‫صور اإلميان ابرتماف بيئاته‪ ،‬وابرتماف العهود اليت َّ‬
‫العصر الذي استطاعت ليه املسيحية أن تكسب عطفا نشيطا بني رحاب العامل اليوانين الروماين)‪.‬‬
‫توجهت إليها‪ ،‬وهذا يف عرف‬
‫لهذا بكفي للداللة على تشرب الداينة النصرانية لَلداين الوثنية اليت َّ‬
‫الدبن احلق احنمال وكفر ابلدبن اإلهلي‪ ،‬الذي جيب أن بكون صحيح النسبة إىل هللا تعاىل‪ ،‬يف أصوله‬
‫ولروعه‪ ،‬نقيًّا يف عقا ده وتشربعاته من ررالات البشر‪ ،‬وإمماءات الشياطني‪.‬‬
‫تشربت الداينة النصرانية األداين الوثنية؟‬
‫ولكن كيف َّ‬
‫إن الناظر يف كبار الدعا إىل النصرانية يف العصور األوىل‪ ،‬والذبن بْشار إليهم أبهنم من أعظم الناس‬
‫أثرا وَتثَرا يف الداينة النصرانية‪ ،‬هم لماسفة متعمقون يف الفلسفات الوثنية‪ ،‬وبعد تنصرهم نقلوا تلك‬
‫الفلسفات معهم إىل الدبن اجلدبد‪ ،‬وحاولوا أن بسدوا الثغرات اليت جيدوها يف الداينة النصرانية‪ -‬وما‬
‫أكثرها‪ -‬مبزبج من الفلسفات اليت كانوا عليها من قبل‪ ،‬ومن همالء الذبن كان هلم دور يف ذلك‪:‬‬
‫بولس (شاؤول اليهودي) وسبق احلدبث عنه‪.‬‬
‫وترىب على الداينة الوثنية‬
‫(بوستينيوس) الذي ْولد سنة (‪100‬أو ‪ , )105‬لقد ْولد من أبوبن وثنيني‪َّ ،‬‬
‫وتعلَّم الفلسفة الرواقية‪ ،‬مث درس للسفة األكادمييني والفيثايوربني‪.‬‬
‫قال عنه القس حنا اَخضري‪ِ( :‬ما الشك ليه أن الدراسات الفلسفية الكثَر اليت درسها بوستينوس‬
‫قبل ُتدبده تركت يف تعاليمه بعض اخآاثر الوثنية)‬
‫(اتتيان السوري) املولود عا (‪ , )110‬من عا لة وثنية‪ ،‬درس الفلسفة يف بماد اليوانن‪ ،‬مث ذهب إىل‬
‫روما ودرس دايانهتم وللسفاهتم‪ ،‬مث تتلمذ على بوستينوس‪.‬‬
‫(أثينا يورس األثيين)‪ :‬كان معاصرا (لتاتيان السوري) كان حيب الفلسفة‪ ،‬وكتاابته مليئة ابالقتباسات‬
‫الشعربة والفلسفية‪.‬‬
‫(‪)375/1‬‬

‫(ثيوليلوس األنطاكي)‪ :‬ولد من أبوبن وثنيني‪ ،‬وكانت ثقالته بواننية وثنية‪ ،‬وهو أول من استعمل كلمة‬
‫الثالوث يف اتربخ العقيد النصرانية‪.‬‬
‫(إكلميندوس اإلسكندري) ولد على ما حيتمل سنة (‪ , )150‬يف أثينا من أبوبن وثنيني‪ ،‬وكان حمبًّا‬
‫للعلم شغولا به مولعا ابلبحث عنه أبنما وجد‪ ،‬ورحل يف ذلك رحمات عدبد ‪ ،‬إىل أن حطت به‬
‫الرحال يف اإلسكندربة ملتقى الثقالات املتنوعة‪ ،‬وصار بعد أن درل النصرانية مدبرا ملدرسة التعليم‬
‫املسيحي‬
‫يف اإلسكندربة واليت أسسها ابثنيوس الذي كان قبل دروله النصرانية وثنيًّا رواقيا‪.‬‬
‫وكان إكلميندوس اإلسكندري متأثرا جدًّا بـ بوستنيوس وللسفته‪ ،‬لأدرل هذه األمور يف تعاليمه عن‬
‫املسيح‪ ،‬ويف هذا بقول القس حنا اَخضري‪ِ( :‬ما ال شك ليه أن العلو والفلسفات الوثنية الكثَر‬
‫اتما)‪.‬‬
‫اليت درسها والبيئة اليت نشأ ليها إكلميندس‪ ،‬تركت ليه أثرا عميقا مل بكن من السهل حموه حموا ًّ‬
‫(أيسطينوس) ولد سنة (‪ , )354‬يف مدبنة سقسطة يف اجلزا ر‪ ،‬وتويف سنة (‪ ، )430‬الذي متيَّزت‬
‫سنوات شبابه ابلصراع العقلي واألديب‪ ،‬لقد جذبته الفلسفة الثنا ية جلماعة املانوبني‪ ،‬وصار اتبعا أمينا‬
‫للعقيد املانوبة وللسفتها‪ ،‬مث ضاق ابملانوبة وصار اهتمامه ابأللماطونية احلدبثة‪ ،‬واليت من رماهلا‬
‫صار بعترب نفسه مسيحيًّا‪ ،‬مث رلع عنه ليما بعد حيا اجملون والفساد‪ ،‬واستقبل احليا النصرانية‪ ،‬وبرز‬
‫أسقفا هليبو يف منطقة تونس‪ ،‬إىل أن تويف سنة (‪ ، )430‬وصار من أعظم قاد‬ ‫ليها إىل أن صار ًّ‬
‫الكنيسة بعد بولس‪ ،‬إال أن ألكار األلماطونية احلدبثة أثَّرت على تعاليمه‪ ،‬بقول جون لورمير‪( :‬كانت‬
‫معاجلة أيسطينوس لَلوجه الرمسية اَخاصة ابلفكر الماهوِت متأثر خبلفيته عن األلماطونية احلدبثة)‪.‬‬
‫وال نربد أن نطيل يف عرض هذا املوضوع‪ ،‬إَنا املراد اإلشار إىل أن العقا د األجنبية اليت اصطبغت هبا‬
‫النصرانية درلتها عن طربق همالء وأمثاهلم الذبن كانوا روادا للداينة يف بدابة انطماقها إىل البلدان‬
‫الوثنية‪ ،‬لقد عربت إىل الوثنيني عن طربق همالء املتشبعني ابلفلسفات والوثنيات‪ ،‬حيث صبغوها‬
‫بفهومهم ومعارلهم وعقا دهم السابقة‪ ،‬وقدَّموها للناس ‪ -‬شارحني ومدالعني ‪ -‬داينة َملوطة‬
‫ابلفلسفة الوثنية يف ثوب داينة توحيدبة مساوبة‪.‬‬

‫(‪)376/1‬‬
‫الفرع السابع‪ :‬تدرل اإلمرباطور قسطنطني‪:‬‬
‫اإلمرباطور قسطنطني إمرباطور الدولة الرومانية هو الذي رلع االضطهاد عن النصارى بعد أن دا ما‬
‫لقرب هذا اإلمرباطور النصارى إليه‪ ،‬ورلع االضطهاد‬
‫بقارب (‪ )300‬سنة من قبل اليهود والرومان‪َّ ،‬‬
‫عنهم‪ ،‬لاحنازوا هم إليه وقبلوا منه ذلك‪ ،‬مث إنه ملا رأى ارتمالهم وتبابن أقواهلم دعاهم إىل جممع نيقية‬
‫سنة (‪ ، )325‬لاجتمعوا يف ذلك اجملمع‪ ،‬وملا كان هو وثنيًّا وال علم عنده أبضا ابملسيحية احناز إىل‬
‫ما بوالق هواه وريبته‪ ،‬لنصر قول القا لني أبلوهية املسيح‪ ،‬وأمر بلعن وطرد من رالفهم ومماحقته‪.‬‬
‫وابلفعل مت ذلك وترتب عليه القضاء على التوحيد‪ ،‬واندراس معامله بعد ذلك‪ ،‬كما أدَّى ذلك إىل‬
‫انتشار النصرانية املثلثة بقو السلطان‪ ،‬وأوهلم (قسطنطني) الذي مل بدرل يف الداينة النصرانية إال‬
‫وهو على لراش املوت‪.‬‬

‫(‪)377/1‬‬

‫الفرع الثامن‪ :‬اجملامع النصرانية‪:‬‬


‫كونت الداينة النصرانية‪ ،‬ووضعت أهم أسسها‪ ،‬وهي اليت حاربت‬
‫تبني أن تلك اجملامع هي اليت َّ‬
‫التوحيد عن طربق قراراهتا‪ ،‬لأصبحت الداينة النصرانية تدبن يف الواقع هلذه اجملامع يف تكوبنها ويف‬
‫دعوهتا حملاربة وتكفَر كل من خيالف قراراهتا‪.‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪349‬‬

‫(‪)378/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬الرد على شبهات النصارى يف ادعا هم اإلميان‪ ،‬وأن القرآن قد أثىن على دبنهم‪،‬‬
‫وحكم هلم ابلنجا بو القيامة‪:‬‬
‫هذه الشبهات متتالية‪ ،‬كل شبهة تعقبها اإلجابة عنها‪-:‬‬
‫‪ - 1‬لمنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬إن حممدا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬مل ببعث إلينا‪ ،‬لما جيب علينا اتباعه‪ ،‬وإَنا‬
‫َنزلينَاهْ قْـ يرآان َع َربغيًّا [بوسف‪ .]2 :‬ولقوله‬ ‫قلنا‪ :‬إنه مل برسل إلينا؛ لقوله تعاىل يف الكتاب العزبز‪ :‬إغ َّان أ َ‬
‫غ‬ ‫ول إغالَّ بغلغ غ غ غ غ‬‫تعاىل‪ :‬وَما أ يَر َسلينَا غمن َّر ْس ٍ‬
‫ث غيف األْميغ َ‬
‫ني‬ ‫ني َهلْ يم [إبراهيم‪ .]4:‬ولقوله تعاىل‪ :‬بَـ َع َ‬ ‫سان قَـ يومه ليْـبَغ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نذ َر قَـ يوما َّما أ ََات ْهم غمن نَّ غذب ٍر غمن قَـ يبلغ َ‬
‫ك لَ َعلَّ ْه يم بَـتَ َذ َّك ْرون‬ ‫رسوال غم ينـهم [اجلمعة‪ .]2:‬ولقوله تعاىل‪ :‬لغتْ غ‬
‫ْي‬ ‫َْ‬
‫ك األَقـ َيربغني [الشعراء‪ .]214:‬وال بلزمنا إال من جاءان‬
‫َرتَ َ‬ ‫غ غ‬
‫[القصص‪ .]46:‬ولقوله تعاىل‪َ :‬وأَنذ ير َعش َ‬
‫بلساننا‪ ،‬وأاتان ابلتورا واإلجنيل بلغاتنا‪.‬‬
‫لاجلواب من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن احلكمة يف أن هللا تعاىل إَنا ببعث رسله أبلسنة قومهم‪ ،‬ليكون ذلك أبل يف الفهم عنه‬
‫ومنه‪ ،‬وهو أبضا بكون أقرب لفهمه عنهم مجيع مقاصدهم يف املوالقة واملخالفة‪ ،‬وإزاحة األعذار‬
‫والعلل‪ ،‬واألجوبة عن الشبهات املعارضة‪ ،‬وإبضاح الرباهني القاطعة‪ ،‬لإن مقصود الرسالة يف أول‬
‫وهلة إَنا هو البيان واإلرشاد‪ ،‬وهو مع احتاد اللغة أقرب‪ ،‬لإذا تقررت نبو النَب يف قومه قامت احلجة‬
‫على يَرهم‪ ،‬إذا سلموا ووالقوا‪ ،‬لغَرهم أوىل أن بسلم وبوالق‪ ،‬لهذه هي احلكمة يف إرسال الرسول‬
‫بلسان قومه‪ ،‬ومن قومه‪.‬‬
‫ول إغالَّ بغلغ غ غ غ غ‬
‫ولرق بني قول هللا تعاىل‪ :‬وَما أ يَر َسلينَا غمن َّر ْس ٍ‬
‫سان قَـ يومه ليْـبَغ َ‬
‫ني َهلْ يم [إبراهيم‪ ]4:‬وبني قوله‪ :‬وما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أرسلنا من رسول إال لقومه‪ .‬لالقول الثاين هو املفيد الرتصاص الرسالة هبم‪ ،‬ال األول‪ .‬بل ال لرق بني‬
‫قوله‪ :‬وما أرسلنا من رسول إال لقومه‪ .‬وبني قوله‪ :‬وما أرسلنا من رسول إال مكلفا هبدابة قومه‪ .‬لكما‬
‫أن الثاين ال إشعار له أبنه مل بكلف هبدابة يَرهم‪ ،‬لكذلك األول‪ ،‬لمن مل بكن له معرلة بداللة‬
‫ولرق بني املمتلفات‪.‬‬
‫سوى بني املختلفات‪َّ ،‬‬
‫األلفاظ‪ ،‬ومواقع املخاطبات َّ‬
‫صح ما قالوه لكانت النصارى كلهم‬
‫واثنيها‪ :‬أن التورا نزلت ابللسان العرباين واإلجنيل ابلرومي‪ ،‬للو َّ‬
‫َمطئني يف اتباع أحكا التورا ‪ ،‬لإن مجيع لرقهم ال بعلمون هذا اللسان إال كما بعلم الرو اللسان‬
‫العريب بطربق التعليم‪ ،‬وأن تكون القبط كلهم واحلبشة َمطئني يف اتباعهم التورا واإلجنيل؛ ألن‬
‫الفربقني يَر العرباين والرومي‪ ،‬ولو مل بنقل هذان الكتاابن بلسان القبط‪ ،‬وترمجا ابلعريب مل بفهم قبطي‪،‬‬
‫وال حبشي‪ ،‬وال رومي شيئا من التورا ‪ ،‬وال قبطي وال حبشي شيئا من اإلجنيل إال أن بتعلموا ذلك‬
‫اللسان‪ ،‬كما بتعلمون العريب‪.‬‬

‫(‪)379/1‬‬

‫واثلثها‪ :‬أنه إذا سلم أنه عليه السما رسول لقومه‪ ،‬ورسل هللا تعاىل راصة رلقه ورَر عباده‬
‫معصومون عن الزلل‪ ،‬مربؤون من اَخطل‪ ،‬وهو عليه السما قد قاتل اليهود‪ ،‬وبعث إىل الرو بنذرهم‬
‫‪ ........‬وكتب إىل املقوقس مبصر إلنذار القبط ولكسرى بفارس‪ ،‬وهو الصادق الرب‪ ،‬كما سلم أنه‬
‫اك إغالَّ‬
‫رسول لقومه‪ ،‬ليكون رسوال للجميع‪ ،‬وألن يف مجلة ما نزل عليه صلى هللا عليه وسلم َوَما أ يَر َسلينَ َ‬
‫َكالَّة لغلنَّاس [سبأ‪َّ .]28:‬‬
‫لصرح ابلتعميم‪ ،‬واندلعت شبهة من بدَّعي التخصيص‪ ،‬لإن كانت النصارى‬
‫ال بعتقدون أصل الرسالة‪ ،‬ال لقومه‪ ،‬وال لغَره‪ ،‬ليقولون‪ :‬أوضحوا لنا صدق دعواكم‪ .‬وال بقولون‬
‫كتابكم بقتضي ختصص الرسالة‪ ،‬وإن كانوا بعتقدون أصل الرسالة لكنها َمصوصة لزمهم التعميم ملا‬
‫ني َر ْسوال غم ينـ ْه يم [اجلمعة‪ .]2:‬ال بقتضي أنه مل ببعثه لغَرهم‪،‬‬ ‫غ‬
‫ث غيف األْميغ َ‬
‫تقد ‪ ،‬وكذلك قوله تعاىل‪ :‬بَـ َع َ‬
‫لإن امللك العظيم إذا قال‪ :‬بعثت إىل مصر رسوال من أهلها ال بدل ذلك على أنه ليس على بده‬
‫رسالة أررى لغَرهم‪ ،‬وال أنه ال أيمر قوما آرربن بغَر تلك الرسالة‪ ،‬وكذلك قوله تعاىل‪ :‬لغتْ غ‬
‫نذ َر قَـ يوما ما‬
‫آاب ْؤ ْه يم [بس‪ .]6:‬ليس ليه أنه ال بنذر يَرهم‪ ،‬بل ملا كان الذي بتلقى الوحي أوال هم العرب‬ ‫غ‬
‫أنذ َر َ‬
‫كان التنبيه عليه ابملنة عليهم ابهلدابة أوىل من يَرهم‪ ،‬وإذا قال السيد لعبده‪ :‬بعثتك لتشرتي ثواب‪ .‬ال‬
‫بنايف أنه أمره بشراء الطعا ‪ ،‬بل ختصيص الثوب ابلذكر ملعىن اقتضاه‪ ،‬وبسكت عن الطعا ؛ ألن‬
‫املقصد اخآن ال بتعلق به‪ ،‬وما زالت العقماء يف َماطباهتم بتكلمون ليما بوجد سببه‪ ،‬وبسكتون عما مل‬
‫بتعني سببه‪.‬‬
‫وإن كان املذكور واملسكوت عنه حقني واقعني‪ ،‬لكذلك الرسالة عامة‪ ،‬وملا كان أبضا املقصود تنبيه‬
‫بين إسرا يل‪ ،‬وإرشادهم رصوا ابلذكر‪ ،‬ورصصت كل لرقة من اليهود والنصارى ابلذكر‪ ،‬ومل بذكر‬
‫معها يَرها يف القرآن يف تلك اخآايت املتعلقة هبم‪ ،‬وهذا هو شأن اَخطاب أبدا‪ ،‬لما بغرت جاهل أبن‬
‫ك األَقـ َيربغني‬
‫َرتَ َ‬ ‫غ غ‬
‫ذكر زبد ابحلكم بقتضي نفيه عن عمرو‪ ،‬وكذلك قوله تعاىل‪َ :‬وأَنذ ير َعش َ‬
‫[الشعراء‪ .]214:‬ليس ليه دليل على أنه ال بنذر يَرهم‪ ،‬كما أنه إذا قال القا ل لغَره‪ :‬غأدب ولدك‪.‬‬
‫ال بدل على أنه أراد أنه ال بمدب يمامه‪ ،‬بل ذلك بدل على أنه مراد املتكلم يف هذا املقا َتدبب‬
‫الولد؛ ألن املقصود َمتص به‪ ،‬ولعله إذا لرغ من الوصية على الولد بقول له‪ :‬ويمامك أبضا أدبه؛‬
‫وإَنا بدأت ابلولد الهتمامي به‪ .‬وال بقول عاقل‪ :‬إن كمامه الثاين مناقض لَلول‪ .‬وكذلك قرابته عليه‬
‫لخصهم ابلذكر لذلك‪،‬‬
‫السما هم أوىل الناس بربه عليه السما وإحسانه‪ ،‬وإنقاذهم من املهلكات‪َّ ،‬‬
‫ال أن يَرهم يَر مراد‪ ،‬كما ذكران يف صور الولد والعبد‪.‬‬
‫وابجلملة لهذه األلفاظ ألفاظ لغتنا‪ ،‬وحنن أعلم هبا‪ ،‬وإذا كان عليه السما هو املتكلم هبا‪ ،‬ومل بفهم‬
‫ختصيص الرسالة‪ ،‬وال إرادته‪ ،‬بل أنذر الرو والفرس وسا ر األمم‪ ،‬والعرب مل تفهم ذلك وأعداؤه من‬
‫أهل زمانه مل بدَّعوا ذلك‪ ،‬وال لهموه‪ ،‬ولو لهموه ألقاموا به احلجة عليه‪ ،‬وحنن أبضا مل نفهم ذلك‪.‬‬
‫‪ - 2‬ومنها أهنم قالوا‪ :‬إن القرآن الكرمي ورد بتعظيم عيسى عليه السما ‪ ،‬وبتعظيم أمه مرمي رضي هللا‬
‫عنها‪ ،‬وهذا هو رأبنا واعتقادان ليهما‪ ،‬لالدبنان واحد‪ ،‬لما بنكر املسلمون علينا‪.‬‬
‫واجلواب من وجوه‪:‬‬
‫(‪)380/1‬‬

‫أحدها‪ :‬تعظيمهما ال نزاع ليه‪ ،‬ومل بكفر النصارى ابلتعظيم‪ ،‬إَنا كفروا بنسبة أمور أررى إليها ال بليق‬
‫جبمال الربوبية‪ ،‬وال بدانء البشربة من األبو والبنو واحللول‪ ،‬واإلحلاد‪ ،‬واختاذ الصاحبة واألوالد‪،‬‬
‫علوا كبَرا‪ ،‬لهذه مغالطة يف قوله‪( :‬موالق العتقادان)‪ ،‬ليس هذا هو‬
‫تعاىل هللا عما بقول الكالرون ًّ‬
‫االعتقاد املتنازع ليه‪ ،‬نعم لو ورد القرآن الكرمي هبذه األمور الفاسد املتقد ذكرها‪ -‬وحاشاه‪ -‬كان‬
‫موالقا العتقادهم‪ ،‬لأبن أحد البابني من اخآرر؟‬
‫واثنيها‪ :‬أنه اعرتف أبن القرآن الكرمي ورد مبا بعتقد أنه حق‪ ،‬لإن الباطل ال بمكد احلق‪ ،‬بل املمكد‬
‫للحق حق جزما‪ ،‬ليكون القرآن الكرمي حقا قطعا‪ ،‬وهذا هو سبب إسما كثَر من أحبار اليهود‬
‫ورهبان النصارى‪ ،‬وهو أهنم ارتربوا ما جاء به عليه السما ‪ ،‬لوجدوه موالقا ملا كانوا بعتقدونه من‬
‫احلق‪ ،‬لجزموا أبنه حق وأسلموا واتبعوه‪ ،‬وما زال العقماء على ذلك بعتربون كما املتكلم‪ ،‬لإن‬
‫وجدوه على ولق ما بعتقدونه من احلق اتبعوه‪ ،‬وإال رلضوه‪.‬‬
‫واثلثها‪ :‬أن هذا برهان قاطع على رجحان اإلسما على سا ر امللل واألداين‪ ،‬لإنه مشتمل على‬
‫تعظيم مجلة الرسل ومجيع الكتب املنزلة‪ ،‬لاملسلم على أمان من مجيع األنبياء عليهم السما على كل‬
‫تقدبر‪ ،‬أما النصراين لليس على أمان من تكذبب حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لتعني رجحان اإلسما‬
‫على يَره‪ ،‬ولو سلمنا حتربر صحة ما بقوله النصراين من النبو ويَرها بكون املسلم قد اعرتف‬
‫لعيسى عليه السما ‪ ،‬وألمه رضي هللا عنها ابلفضل العظيم والشرف املنيف‪ ،‬وجهل بعض أحواهلما‪،‬‬
‫على تقدبر تسليم صحة ما َّ‬
‫ادعاه النصارى واجلهل ببعض لضا ل من وجب تعظيمه ال بوجب ذلك‬
‫رطرا‪ ،‬أما النصراين لهو منكر ألصل تعظيم النَب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بل بنسبه للكذب والرذا ل‬
‫واجلراء على سفك الدماء بغَر إذن من هللا‪ ،‬وال رفاء يف أن هذا رطر عظيم‪ ،‬وكفر كبَر‪ ،‬ليظهر من‬
‫هذا القطع بنجا املسلم قطعا‪ ،‬وبتعني يَره للغرر واَخطر قطعا‪ ،‬لليبادر كل عاقل حينئذ إىل‬
‫اإلسما ‪ ،‬ليدرل اجلنة بسما ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ومنها أهنم قالوا‪ :‬إن القرآن الكرمي ورد أبن عيسى عليه السما روح هللا تعاىل وكلمته‪ ،‬وهو‬
‫اعتقادان‪.‬‬
‫واجلواب من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن من احملال أن بكون املراد الروح والكلمة على ما تدعيه النصارى‪ ،‬وكيف بليق أبدىن‬
‫العقماء أن بصف عيسى عليه السما بصفة‪ ،‬وبنادي هبا على رؤوس األشهاد‪ ،‬وبطبق هبا اخآلاق‪ ،‬مث‬
‫بكفر من اعتقد تلك الصفة يف عيسى عليه السما ‪ ،‬وأيمر بقتاهلم وقتلهم‪ ،‬وسفك دما هم‪ ،‬وسَب‬
‫ذراربهم‪ ،‬وسلب أمواهلم؟‪ ،‬بل هو ابلكفر أوىل؛ ألنه بعتقد ذلك مضالا إىل تكفَر يَره‪ ،‬والسعي يف‬
‫وجوه ضرره‪ ،‬وقد اتفقت امللل كلها مممنها وكالرها على أنه عليه السما من أكمل الناس يف‬
‫ورلقا وعقما ورأاي‪ ،‬لإهنا أمور حمسومة‪ ،‬إَنا النزاع يف الرسالة الرابنية‪ ،‬لكيف‬
‫الصفات البشربة َرلقا ْ‬
‫بليق به عليه السما أن أيِت بكما هذا معناه‪ ،‬مث بقاتل معتقده وبكفره؟‪ ،‬وكذلك أصحابه رضي هللا‬
‫عنهم والفضماء من اَخلفاء من بعده‪ ،‬وهذا برهان قاطع على أن املراد على يَر ما لهمه النصارى‪.‬‬
‫اثنيها‪ :‬أن الروح اسم الربح الذي بني اَخالقني بقال هلا‪ :‬ربح وروح‪ ،‬لغتان‪ ،‬وكذلك يف اجلمع رايح‬
‫وأرواح‪ ،‬واسم جلرببل عليه السما وهو املسمى بروح القدس‪ ،‬والروح اسم للنفس املقومة للجسم‬
‫احليواين‪.‬‬
‫والكلمة اسم للفظة املفيد من األصوات‪ ،‬وتطلق الكلمة على احلروف الدالة على اللفظة من‬
‫األصوات‪ ،‬وهلذا بقال‪ :‬هذه الكلمة رط حسن ومكتوبة ابحلرب‪ .‬وإذا كانت الروح والكلمة هلما معان‬
‫عدبد ‪ ،‬لعلى أبهما حيمل هذا اللفظ؟ ومحل النصراين اللفظ على معتقده‪ُّ ،‬‬
‫حتك ٌم مبجرد اهلوى احملض‪.‬‬

‫(‪)381/1‬‬

‫واثلثهما‪ :‬وهو اجلواب حبسب االعتقاد ال حبسب اإللزا ‪ ،‬أن معىن الروح املذكور يف القرآن الكرمي يف‬
‫حق عيسى عليه السما هو الروح الذي مبعىن النفس املقو لبدن اإلنسان‪ ،‬ومعىن نفخ هللا تعاىل يف‬
‫عيسى عليه السما من روحه أنه رلق روحا نفخها ليه‪ ،‬لإن مجيع أرواح الناس بصدق أهنا روح هللا‪،‬‬
‫وروح كل حيوان هي روح هللا تعاىل‪ ،‬لإن اإلضالة يف لسان العرب تصدق حقيقة أبدىن املمابسة‪،‬‬
‫كقول أحد حاملي اَخشبة خآرر‪ :‬شل طرلك‪ .‬بربد طرف اَخشبة‪ ،‬لجعله طرلا للحامل‪ ،‬وبقول‪:‬‬
‫طلع كوكب زبد‪ .‬إذا كان جنم عند طلوعه بسري ابلليل‪ ،‬ونسبة الكوكب إليه نسبة املقارنة لقط‪،‬‬
‫لكيف ال بضاف كل روح إىل هللا تعاىل‪ ،‬وهو رالقها ومدبرها يف مجيع أحواهلا؟ وكذلك بقول بعض‬
‫الفضماء ملا سئل عن هذه اخآبة لقال‪ :‬نفخ هللا تعاىل يف عيسى عليه السما روحا من أرواحه‪ ،‬أي‪:‬‬
‫مجيع أرواح احليوان أرواحه‪ ،‬وأما ختصيص عيسى عليه السما ‪ ،‬وعلو منزلته بذكر اإلضالة إليه‪،‬‬
‫ك َعلَيي غه يم ْس يلطَا ٌن‬
‫س لَ َ‬ ‫غ َّ غ غ‬ ‫غ‬
‫أنزلينَا َعلَى َع يبد َان [األنفال‪ ،]41:‬إن عبَادي لَيي َ‬
‫بقال‪ :‬كما قال تعاىل‪َ :‬وما َ‬
‫[احلجر‪ ]42:‬مع أن اجلميع عبيده‪ ،‬وإَنا التخصيص لبيان منزلة املخصص‪ ،‬وأما الكلمة لمعناها أن‬
‫هللا تعاىل إذا أراد شيئا بقول له‪ :‬كن ليكون‪ .‬لما من موجود إال وهو منسوب إىل كلمة كن‪ ،‬للما‬
‫أوجد هللا تعاىل عيسى عليه السما قال له‪ :‬كن يف بطن أمك‪ .‬لكان‪ ،‬وختصيصه بذلك للشرف‪ ،‬كما‬
‫تقد ‪ ،‬لهذا معىن معقول متصور ليس ليه شيء كما بعتقده النصارى من أن صفة من صفات هللا‬
‫حلَّت يف انسوت املسيح عليه السما ‪ ،‬وكيف ميكن يف العقل أن تفارق الصفة املوصوف‪ ،‬بل لو قيل‬
‫ألحدان‪ :‬إن علمك أو حياتك انتقلت لزبد‪ .‬ألنكر ذلك كل عاقل‪ ،‬بل الذي ميكن أن بوجد يف الغَر‬
‫مثل الصفة‪ ،‬وأما أهنا هي يف نفسها تتحرك من حمل إىل حمل لمحال؛ ألن احلركات من صفات‬
‫األجسا ‪ ،‬والصفة ليست جسما‪ ،‬لإن كانت النصارى تعتقد أن األجسا صفات‪ ،‬والصفات أجسا ‪،‬‬
‫وأن أحكا املختلفات وإن تبابنت شيء واحد سقطت مكاملتهم‪ ،‬وذلك هو الظن هبم؛ بل بقطع‬
‫أبهنم أبعد من ذلك عن موارد العقل ومدارك النظر‪ ،‬وابجلملة لهذه كلمات عربية يف كتاب عريب‪،‬‬
‫لمن كان بعرف لسان العرب حق معرلته يف إضالاته وتعربفاته وختصيصاته‪ ،‬وتعميماته‪ ،‬وإطماقاته‬
‫وتقييداته‪ ،‬وسا ر أنواع استعماالته لليتحدث ليه وبستدل له‪ ،‬ومن ليس كذلك لليقلد أهله العلماء‬
‫به‪ ،‬وبرتك اَخوض ليما ال بعنيه وال بعرله‪.‬‬
‫وك لَـو َق الَّ غذبن َك َفرواي إغ َىل بـوغ‬ ‫غ َّ غ‬
‫َي‬ ‫َ ْ‬ ‫بن اتَّـبَـ ْع َ ي‬
‫‪ - 4‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬إنه يف الكتاب العزبز‪َ :‬و َجاع ْل الذ َ‬
‫ال غيقيَ َام غة [آل عمران‪.]55:‬‬

‫(‪)382/1‬‬

‫واجلواب‪َّ :‬‬
‫أن الذبن اتبعوه ليسوا النصارى الذبن اعتقدوا أنه ابن هللا‪ ،‬وسلكوا مسلك همالء اجلهلة‪،‬‬
‫لإن اتباع اإلنسان موالقته ليما جاء به‪ ،‬وكون همالء املتأرربن اتبعوه‪ ،‬حمل النزاع‪ ،‬بل متبعوه هم‬
‫احلواربون‪ ،‬ومن اتبعهم قبل ظهور القول ابلتثليث‪ ،‬أولئك هم الذبن رلعهم هللا يف الدنيا واخآرر ‪،‬‬
‫وحنن إَنا نطالب همالء ابلرجوع إىل ما كان أولئك عليه‪ ،‬لإهنم قدَّس هللا أرواحهم آمنوا بعيسى وجبملة‬
‫بشرهم مبحمد صلى هللا عليه وسلم‬ ‫النبيني صلوات هللا عليهم أمجعني‪ ،‬وكان عيسى عليه السما َّ‬
‫لكانوا بنتظرون ظهوره ليممنوا به عليه السما ‪ ،‬وكذلك ملا ظهر عليه السما جاءه أربعون راهبا من‬
‫جنران‪ ،‬لتأملوه لوجدوه هو املوعود به يف ساعة واحد مبجرد النظر والتأمل لعماماته‪ ،‬لهمالء هم‬
‫الذبن اتبعوه لهم املرلوعون املعظمون‪ ،‬وأما همالء النصارى لهم الذبن كفروا به مع من كفر‪ ،‬وجعلوه‬
‫سببا النتهاك حرمة الربوبية بنسبة واجب الوجود املقدس عن صفات البشر إىل الصاحبة والولد الذي‬
‫بنفر منها أقل رهباهنم‪ ،‬حىت أنه قد ورد أن هللا تعاىل إذا قال لعيسى عليه السما بو القيامة‪ :‬أَأ َ‬
‫َنت‬
‫ون غ‬
‫هللا؟ [املا د ‪، .......... .]116:‬‬ ‫ني غمن ْد غ‬
‫اخت ْذ غوين َوأ غْمي إغ َهلَي غ‬ ‫لت لغلن غ‬
‫َّاس َّغ‬ ‫قْ َ‬
‫َ‬
‫‪ - 5‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬إن القرآن الكرمي شهد بتقدمي بيع النصارى وكنا سهم على مساجد املسلمني‬
‫غ‬ ‫ات ومس غ‬ ‫ت غ‬ ‫ضهم بغبـع ٍ غ‬ ‫بقوله تعاىل‪ :‬ولَوَال دليع َّغ‬
‫يها‬
‫اج ْد بْ يذ َك ْر ل َ‬ ‫ص َوام ْع َوبغيَ ٌع َو َ‬
‫صلَ َو ٌ َ َ َ‬ ‫ض َّهلْد َم ي َ‬ ‫َّاس بَـ يع َ ْ َ ي‬
‫اَّلل الن َ‬ ‫َي َ ْ‬
‫اَّلل َكثغَرا [احلج‪ .]40:‬لقد جعل الصوامع والبيع مقدمات على املساجد‪ ،‬وجعل ليها ذكر هللا‬ ‫اسم َّغ‬
‫يْ‬
‫كثَرا‪ ،‬وذلك بدل على أن النصارى‪ -‬يف زعمهم‪ -‬على احلق‪ ،‬لما بنبغي هلم العدول عما هم عليه؛‬
‫ألن العدول عن احلق إَنا بكون للباطل‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬من وجوه‪:‬‬
‫أحدها‪َّ :‬‬
‫أن املراد هبذه اخآبة أن هللا تعاىل بدلع املكاره عن األشرار بوجود األريار‪ ،‬ليكون وجود‬
‫األريار سببا لسمامة األشرار من الفنت واحملن‪ ،‬لزمان موسى عليه السما بسلم ليه أهل األرض من‬
‫بماء بعمهم بسبب من ليه من أهل االستقامة على الشربعة املوسوبة‪ ،‬وزمان عيسى عليه السما‬
‫بسلم ليه أهل االستقامة على الشربعة العيسوبة‪ ،‬وزمان حممد صلى هللا عليه وسلم بسلم ليه أهل‬
‫األرض بسبب من ليه من أهل االستقامة على الشربعة احملمدبة‪ ،‬وكذلك سا ر األزمان الكا نة بعد‬
‫األنبياء عليهم السما ‪ ،‬كل من كان مستقيما على الشربعة املاضية هو سبب لسمامة البقية‪ ،‬للوال‬
‫أهل االستقامة يف زمن موسى عليه السما مل ببق صوامع بعبد هللا تعاىل ليها على الدبن الصحيح؛‬
‫لعمو اهلماك‪ ،‬لينقطع اَخَر ابلكلية‪ ،‬وكذلك يف سا ر األزمان‪ ،‬للوال أهل اَخَر يف زماننا مل ببق‬
‫مسجد بعبد هللا ليه على الدبن الصحيح‪ ،‬ولغضب هللا تعاىل على أهل األرض‪.‬‬
‫والصوامع أمكنة الرهبان يف زمن االستقامة حيث بعبد هللا تعاىل ليها على دبن صحيح‪ ،‬وكذلك‬
‫البيعة والصما واملسجد‪ ،‬وليس املراد هذه املواطن إذا ْك غف َر ابهلل تعاىل ليها وبدلت شرا عه‪ ،‬وكانت‬
‫حمل العصيان والطغيان ال حمل التوحيد واإلميان‪ ،‬وهذه املواطن يف أزمنة االستقامة ال نزاع ليها‪ ،‬وإَنا‬
‫النزاع ملا تغَرت أحواهلا‪ ،‬وذهب التوحيد وجاء التثليث وكذبت الرسل واألنبياء عليهم السما ‪ ،‬وصار‬
‫ذلك بتلى يف الصباح واملساء‪ ،‬حينئذ هي أقبح بقعة على وجه األرض وألعن مكان بوجد‪ ،‬لما ُتعل‬
‫هذه اخآبة دليما على تفضيلها‪.‬‬

‫(‪)383/1‬‬

‫واثنيها‪ :‬أن هللا تعاىل قال‪ :‬غ‬


‫ات [احلج‪ .]40:‬ابلتنكَر‪ ،‬واجلمع املنكر ال بدل عند‬ ‫ص َوام ْع َوبغيَ ٌع َو َ‬
‫صلَ َو ٌ‬ ‫َ‬
‫العرب على أكثر من ثماثة من ذلك اجملموع ابالتفاق‪ ،‬وحنن نقول‪ :‬إنه قد وقع يف الدنيا ثماث من‬
‫البيع‪ ،‬وثماث من الصوامع كانت ألضل مواضع العبادات ابلنسبة إىل ثماثة مساجد‪، .......... ،‬‬
‫واثلثها‪ :‬أن هذه اخآبة تقتضي أن املساجد ألضل بيت عند هللا تعاىل على عكس ما قاله همالء‬
‫اجلهال بلغة العرب‪ ،‬وتقربره أن الصنف القليل املنزلة عند هللا تعاىل أقرب للهماك من العظيم املنزلة‪،‬‬
‫والقاعد العربية أن الرتقي يف اَخطاب إىل األعلى لاألعلى أبدا يف املدح والذ والتفخيم‪ ،‬واالمتنان؛‬
‫لتقول يف املدح‪ :‬الشجاع البطل‪ ،‬وال تقول‪ :‬البطل الشجاع؛ ألنك تعد راجعا عن األول‪ ،‬ويف الذ ‪:‬‬
‫العاصي الفاسق‪ ،‬وال تقول‪ :‬الفاسق العاصي‪ ،‬ويف التفخيم‪ :‬لمان بغلب املا ة واأللف‪ ،‬ويف االمتنان ال‬
‫أخبل عليك ابلدرهم وال ابلدبنار‪ ،‬وال بقول ابلدبنار والدرهم‪ ،‬والسر يف اجلميع أنك تعد راجعا عن‬
‫األول كقهقرتك عما كنت ليه إىل ما هو أدىن منه‪ ،‬إذا تقرر ذلك ظهرت لضيلة املساجد ومزبد‬
‫شرلها على يَرها‪ ،‬وأن هدمها أعظم من ُتاوز ما بقتضي هد يَرها‪ ،‬كما نقول‪ :‬لوال السلطان هللك‬
‫الصبيان والرجال واألمراء‪ .‬لرتتقي أبدا لَلعلى لاألعلى؛ لتفخيم أمر عز السلطان‪ ،‬وأن وجوده‬
‫سبب عصمة هذه الطوا ف‪ ،‬أما لو قلت‪ :‬لوال السلطان هللك األبطال والصبيان‪ .‬لعد كماما متهالتا‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬أن اخآبة تدل على أن املساجد ألضل بيت وضع على وجه األرض للعابدبن من وجه آرر‪،‬‬
‫وذلك أن القاعد العربية أن الضما ر إَنا حيكم بعودها على أقرب مذكور‪ ،‬لإذا قلت‪ :‬جاء زبد‪،‬‬
‫ورالد‪ ،‬وأكرمته لاإلكرا راص خبالد؛ ألنه األقرب‪ ،‬لقوله تعاىل‪ :‬ب يذ َكر لغيها اسم َّغ‬
‫اَّلل َكثغَرا‬ ‫ْ ْ َ يْ‬
‫[احلج‪ .]40:‬خيتص ابألرَر الذي هو املساجد‪ ،‬لقد ارتصت بكثر ذكر هللا تعاىل‪ ،‬وهو بقتضي أن‬
‫يَرها مل بساوها يف كثر الذكر‪ ،‬لتكون ألضل‪ ،‬وهو املطلوب‪.‬‬
‫لا د ‪ :‬الصومعة موضع الرهبان‪ ،‬غ‬
‫ومسيت بذلك حلد أعماها ودقته‪ ،‬ومنه قول العرب‪ :‬أصمعت‬
‫الثربد ‪ .‬إذا رلعت أعماها‪ ،‬ومنه قوهلم‪ :‬رجل أصمع القلب‪ .‬إذا كان حاد الفطنة‪ .‬والصما ‪ :‬اسم‬
‫ملتعبد اليهود‪ ،‬وأصلها ابلعرباين صلوات لعربت‪ ،‬والبيع اسم ملتعبد النصارى‪ ،‬اسم مرُتل يَر مشتق‪،‬‬
‫واملسجد اسم ملكان السجود‪ ،‬لإن مفعما يف لسان العرب‪ ،‬اسم للمكان‪ ،‬واسم للزمان الذي بقع ليه‬
‫الفعل حنو‪ :‬املضرب ملكان الضرب ورماته‪.‬‬
‫َنزلينَا‬
‫‪ - 6‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬القرآن دل على تعظيم احلواربني واإلجنيل‪ ،‬وأنه يَر مبدل بقوله تعاىل‪َ :‬وأ َ‬
‫اب [املا د ‪ ]48:‬وإذا صدَّقها ال تكون مبدلة‪ ،‬وال‬ ‫يكتَاب غاب يحل غق مص غدقا لغما ب يني ب َدب غه غمن ال غ‬
‫يكتَ غ‬ ‫إغلَي َ غ‬
‫ك ال َ َ ْ َ َ َ َ َ ي َ‬ ‫ي‬
‫بطرأ التغيَر عليها بعد ذلك؛ لشهرهتا يف األعصار واألمصار‪ ،‬ليتعذر تغَرها‪ ،‬ولقوله تعاىل يف القرآن‪:‬‬
‫ني [البقر ‪ .]2 - 1:‬والكتاب هو اإلجنيل؛ لقوله تعاىل‪ :‬لَغإن‬ ‫يكتَاب الَ ربب لغ غيه هدى لغل غ‬ ‫امل ذَلغ َ غ‬
‫يمتَّق َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك ال ْ َي َ‬
‫اب ال ْيمنغ غَر [آل عمران‪.]184:‬‬ ‫الزب غر وال غ‬
‫يكتَ غ‬ ‫غ‬ ‫ب ْر ْس ٌل غمن قَـ يبلغ َ‬
‫ك َجآ ْؤوا غابليبَـيغنَات َو ُّ ْ َ‬
‫غ‬ ‫َك َّذبْ َ‬
‫وك لَـ َق يد ْكذ َ‬
‫والكتاب ها هنا هو اإلجنيل‪ ،‬وألنه تعاىل لو أراد القرآن مل بقل ذلك؛ بل قال هذا‪ ،‬ولقوله تعاىل‪:‬‬
‫اب [الشورى‪.]15:‬‬ ‫اَّللْ غمن كغتَ ٍ‬ ‫نت غمبا َ‬
‫أنز َل َّ‬ ‫آم ْ‬ ‫َ‬
‫(‪)384/1‬‬

‫واجلواب‪ :‬أن تعظيم احلواربني ال نزاع ليه‪ ،‬وأهنم من رواص عباد هللا الذبن اتبعوا عيسى عليه‬
‫السما ‪ ،‬ومل ببدلوا‪ ،‬وكانوا معتقدبن لظهور نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم يف آرر الزمان‪ ،‬على ما‬
‫دلَّت عليه كتبهم‪ ،‬وإَنا كفر ورالف احلادثون بعدهم‪ ،‬وأما تصدبق القرآن ملا بني بدبه لمعناه‪ :‬أن‬
‫الكتب املتقدمة عند نزوهلا قبل تغيَرها وختبيطها كانت حقا موالقة للقرآن‪ ،‬والقرآن موالق هلا‪ ،‬وليس‬
‫املراد الكتب املوجود اليو ‪ ،‬لإن لفظ التورا واإلجنيل إَنا بنصرلان إىل املنزلني‪.‬‬
‫اب [البقر ‪ ،]2:‬وأنه املراد به اإلجنيل‪ :‬لمن االلرتاء العجيب والتخيل‬ ‫وأما قوله تعاىل‪َ :‬ذلغ َ غ‬
‫ك اليكتَ ْ‬
‫الغربب‪ ،‬بل أمجع املسلمون قاطبة على أن املراد به القرآن ليس إال‪ ،‬وإذا أررب الناطق بذا اللفظ‪،‬‬
‫وهو رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن املراد هذا الكتاب‪ ،‬كيف بليق أن حيمل على يَره؟‪ ،‬لإن كل‬
‫أحد مصدق ليما بدعيه يف قول نفسه إَنا بنازع يف تفسَر قول يَره‪ ،‬إن أمكنت منازعته‪ ،‬وأما‬
‫اإلشار بذلك اليت ايرت هبا هذا السا ل لاعلم أن لإلشار ثماثة أحوال‪ :‬ذا للقربب‪ ،‬وذاك للمتوسط‪،‬‬
‫وذلك للبعيد‪ ،‬لكن البعد والقرب بكون اتر ابلزمان واتر ابملكان‪ ،‬واتر ابلشرف‪ ،‬واتر ابالستحالة‪،‬‬
‫ولذلك قالت زليخا يف حق بوسف عليه السما ابحلضر ‪ ،‬وقد قطعن أبدبهن من الدهش حبسنه‪:‬‬
‫لَ َذلغ ْك َّن الَّ غذي لْ يمتْـن غَّين لغ غيه [بوسف‪ .]32:‬إشار لبعده عليه السما يف شرف احلسن‪ ،‬وكذلك القرآن‬
‫الكرمي ملا عظمت رتبته يف الشرف أشَر إليه بذلك‪ ،‬وقد أشَر إليه بذلك؛ لبعد مكانه؛ ألنه مكتوب‬
‫يف اللوح احملفوظ‪ ،‬وقيل‪ :‬لبعد زمانه؛ ألنه وعد به يف الكتب املنزلة قدميا‪ ،‬وأما قوله تعاىل‪َ :‬جآ ْؤوا‬
‫اب ال ْيمنغ غَر [آل عمران‪.]184:‬‬ ‫الزب غر وال غ‬ ‫غ‬
‫يكتَ غ‬ ‫غابليبَـيغنَات َو ُّ ْ َ‬
‫لاعلم‪ :‬أن الما يف لسان العرب تكون الستغراق اجلنس حنو حر هللا اَخنزبر والظلم‪ ،‬وللعهد حنو‬
‫قولك ملن رآك أهنت رجما‪ :‬أكرمت الرجل بعد إهانته‪ .‬وهلا حمامل كثَر ليس هذا موضعها‪ ،‬لتحمل‬
‫ني‬ ‫يكتَاب الَ ربب لغ غيه هدى لغل غ‬
‫يف كل مكان على ما بليق هبا‪ ،‬لهي يف قوله تعاىل‪ :‬ذَلغ َ غ‬
‫يمتَّق َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ك ال ْ َي َ‬
‫[البقر ‪ .]2:‬للعهد؛ ألنه موعود به مذكور على ألسنة األنبياء عليهم السما ‪ ،‬لصار معلوما لأشَر‬
‫الزب غر وال غ‬ ‫غ‬
‫اب [آل عمران‪ .]184:‬للجنس‪ ،‬إشار‬ ‫يكتَ غ‬ ‫إليه بما العهد‪ ،‬وهي يف قوله تعاىل‪ :‬غابليبَـيغنَات َو ُّ ْ َ‬
‫إىل مجيع الكتب املنزلة املتقدمة‪ ،‬وال ميكن أن بفهم القرآن الكرمي إال من لهم لسان العرب لهما‬
‫اَّللْ غمن كغتَ ٍ‬
‫اب‬ ‫نت غمبا َ‬
‫أنز َل َّ‬ ‫آم ْ‬
‫متقنا‪ ،‬وقوله تعاىل لنبيه عليه السما ‪ ،‬لهو أمر له أبن بقول‪َ :‬‬
‫[الشورى‪ .]15:‬لاملراد الكتب املنزلة ال املبدلة‪ ،‬وهذا ال ميرتي ليه عاقل‪ ،‬وحنن ننازعهم يف أن ما‬
‫أببدبهم منزلة‪ ،‬بل هي مبدلة مغَر يف يابة الوهن والضعف‪ ،‬وسقم احلفظ‪ ،‬والروابة والسند حبيث ال‬
‫بوثق بشيء منها‪.‬‬

‫(‪)385/1‬‬

‫‪ - 7‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬القرآن الكرمي أثىن على أهل الكتاب بقوله تعاىل‪ :‬قْ يل َاي أَبُّـ َها الي َكالغ ْرو َن ال‬
‫ِل غدبن [الكالرون‪.]6 - 1:‬‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫أَ يعبْ ْد َما تَـ يعبْ ْدون َوال أَنتْ يم َعاب ْدو َن َما أَ يعبْ ْد إىل قوله تعاىل‪ :‬لَ ْك يم دبنْ ْك يم َوغ َ‬
‫بن ظَلَ ْموا غم ينـ ْه يم [العنكبوت‪.]46:‬‬ ‫َّ غ‬
‫س ْن إغالَّ الذ َ‬
‫غ‬
‫اب إغالَّ غابلَّغيت ه َي أ ي‬
‫َح َ‬
‫ادلْوا أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫َ‬
‫وبقوله تعاىل‪ :‬وال ُْتَ غ‬
‫َ‬
‫آمنَّا غابلَّ غذي أْن غز َل إغلَييـنَا‬ ‫والظاملون إَنا هم اليهود عبد العجل‪ ،‬وقتلة األنبياء‪ ،‬وبقوله تعاىل‪َ :‬وقْولْوا َ‬
‫اح ٌد َوَيحن ْن لَهْ ْم يسلغ ْمون [العنكبوت‪ .]46:‬ومل بقل‪ :‬كونوا به مسلمني‪،‬‬ ‫وأْن غز َل إغلَي ْكم وإغ َهلنا وإغ َهل ْكم و غ‬
‫ي ي َ َْ َ ْ ي َ‬ ‫َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫آمنْواي الييَـ ْه َ َّ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫بن أَ يش َرْكواي َولَتَج َد َّن أَقـ َيرَهبْ يم َّم َو َّد‬
‫ود َوالذ َ‬ ‫بن َ‬ ‫َّاس َع َد َاو للَّذ َ‬
‫وبقوله تعاىل‪ :‬لَتَج َد َّن أَ َش َّد الن غ‬
‫َّ‬ ‫ك غأب َّ غ غ غ غ‬ ‫ارى ذَلغ َ‬ ‫َّ غ‬ ‫غغ‬
‫يربون‬ ‫ني َوْر يهبَاان َوأَهنْ يم الَ بَ يستَكغ ْ‬
‫َن م ينـ ْه يم قسيس َ‬ ‫صَ‬‫بن قَالَْواي إغ َّان نَ َ‬
‫آمنْواي الذ َ‬
‫بن َ‬ ‫للَّذ َ‬
‫[املا د ‪ .]82:‬لذكر محيد صفاتنا ومجيل نياتنا‪ ،‬ونفا عنا الشرك‬
‫َّ غ‬ ‫َّ غ‬
‫ني َم ين‬ ‫الصابغئغ َ‬
‫ارى َو َّ‬ ‫َّص َ‬
‫ادواي َوالن َ‬ ‫بن َه ْ‬ ‫آمنْواي َوالذ َ‬ ‫بن َ‬‫بقوله‪ :‬والذبن أشركوا‪ ،‬ومدحنا بقوله تعاىل‪ :‬إغ َّن الذ َ‬
‫َج ْرْه يم غعن َد َرهبغغ يم َوالَ َر يو ٌ‬ ‫اخآر غر و َع غمل غ‬ ‫َّلل والييـوغ غ‬ ‫غ‬
‫ف َعلَيي غه يم َوالَ ْه يم َيحي َزنْو َن‬ ‫صاحلا لَـلَ ْه يم أ ي‬
‫َ َ َ‬ ‫آم َن غاب َّ َ َ ي‬
‫َ‬
‫[البقر ‪.]62:‬‬
‫واجلواب‪ :‬أما قوله تعاىل‪ :‬قْ يل َاي أَبُّـ َها الي َكالغ ْرو َن [الكالرون‪ ]6 - 1:‬إىل آررها‪ ،‬لمعناها‪ :‬أن قربشا‬
‫قالت له عليه السما ‪ :‬اعبد آهلتنا عاما‪ ،‬ونعبد إهلك عاما‪ .‬لأمره هللا تعاىل أن بقول هلم ذلك‪ ،‬لليس‬
‫ِل غدبن‬ ‫غ‬
‫املراد النصارى‪ ،‬ولو كان املراد النصارى مل بنتفعوا بذلك؛ ألن قوله تعاىل‪ :‬لَ ْك يم دبنْ ْك يم َوغ َ‬
‫[الكالرون‪ .]6:‬معناه املوادعة واملتاركة‪ ،‬لإن هللا تعاىل أول ما بعث نبيه عليه السما أمره أوال‬
‫ابإلرشاد ابلبيان ليهتدي من قصده االهتداء‪ ،‬للما قوبت شوكة اإلسما أمره ابلقتال بقوله تعاىل‪َ :‬اي‬
‫اهم ج َهنَّم وبغيئس اليم غ‬ ‫غغ‬ ‫أَبُّـها النغ ُّ غ غ‬
‫صَر [التوبة‪.]73:‬‬ ‫ني َوا ييلْ يظ َعلَيي غه يم َوَمأ َيو ْ ي َ ْ َ َ َ‬ ‫ََّب َجاهد الي ْك َّف َ‬
‫ار َوال ْيمنَالق َ‬ ‫َ‬
‫ِل غدبن [الكالرون‪ , ]6:‬الَ‬ ‫غ‬
‫قال العلماء‪ :‬نسخت هذه اخآبة نيفا وعشربن آبة منها‪ :‬لَ ْك يم دبنْ ْك يم َوغ َ‬
‫ص يي غطر [الغاشية‪ ]22:‬ويَر ذلك‪،‬‬ ‫ت َعلَيي غهم غمبْ َ‬ ‫ض َّل إغذَا ياهتَ َدبيـتْ يم [املا د ‪ ،]105:‬ي‬
‫لس َ‬ ‫ض ُّرْكم َّمن َ‬
‫بَ ْ‬
‫وليس يف املتاركة واالقتصار على املوعظة دليل على صحة الدبن املرتوك‪.‬‬
‫غ‬ ‫ادلْوا أ يَهل ال غ‬
‫وقوله تعاىل‪ :‬وال ُْتَ غ‬
‫س ْن [العنكبوت‪ .]46:‬دليل على أهنم على‬ ‫اب إغالَّ غابلَّغيت ه َي أ ي‬
‫َح َ‬
‫يكتَ غ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الباطل‪ ،‬لإهنم لو كانوا على احلق ما احتجنا للجدال معهم‪ ،‬لهي تدل على عكس ما قالوا‪ ،‬وقوله‬
‫بن ظَلَ ْموا غم ينـ ْه يم [العنكبوت‪ ]46:‬املراد من طغى‪ ،‬لإان نعدل معه عن الدليل والربهان‬ ‫َّ غ‬
‫تعاىل‪ :‬إغالَّ الذ َ‬
‫إىل السيف والسنان‪ ،‬وأمره تعاىل لنا أبن نممن مبا أنزل على أهل الكتاب صحيح‪ ،‬ولكن أبن ذلك‬
‫املنزل؟ وهللا إن وجوده أعز من عنقاء مغرب!‬
‫وأما مدح النصارى أبهنم أقرب مود ‪ ،‬وأهنم متواضعون لمسلم‪ ،‬لكن هذا ال مينع أن بكونوا كفر‬
‫َملدبن يف النار؛ ألن السجااي اجلليلة واخآداب الكسبية ُتمع مع الكفر واإلميان‪ ،‬كاألمانة‬
‫والشجاعة‪ ،‬والظرف واللطف‪ ،‬وجود العقل‪ ،‬لليس ليه دليل على صحة دبنهم‪.‬‬

‫(‪)386/1‬‬

‫وأما نفي الشرك عنهم لاملراد الشرك بعباد األصنا ‪ ،‬ال الشرك بعباد الولد‪ ،‬واعتقاد التثليث‪ ،‬وسببه‬
‫أهنم مع التثليث بقولون‪ :‬الثماثة واحد‪ .‬لأشاروا إىل التوحيد بزعمهم بوجه من الوجوه‪ ،‬وبقولون‪ :‬حنن‬
‫ال نعبد إال هللا تعاىل‪ ،‬لكن هللا تعاىل هو املسيح‪ ،‬ونعبد املسيح‪ ،‬واملسيح هو هللا‪ .‬تعاىل هللا عن قوهلم‪،‬‬
‫لهذا وجه التوحيد من حيث اجلملة‪ ،‬مث بعكسون ذلك ليقولون‪ :‬هللا اثلث ثماثة‪ .‬وأما عبد األواثن‬
‫ليصرحون بتعدد اخآهلة من كل وجه‪ ،‬وال بقول أحد منهم‪ :‬إن الصنم هو هللا تعاىل‪ ،‬وكانوا ابسم‬
‫الشرك أوىل من النصارى‪ ،‬وكان النصارى ابسم الكفر أوىل‪ ،‬حيث جعلوا هللا تعاىل بعض َملوقاته‪،‬‬
‫وعبدوا هللا تعاىل‪ ،‬وذلك املخلوق‪ ،‬لصاروا عبد األواثن يف عباد يَر هللا تعاىل‪ ،‬وزادوا ابالحتاد‬
‫رصص كل طا فة من الكفار ابسم هو أوىل هبا يف‬
‫والصاحبة واألوالد‪ ،‬لما بفيدهم كون هللا تعاىل َّ‬
‫اللغة مدحا وال تصوببا ملا هم عليه‪.‬‬
‫‪ - 8‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬مدح هللا قرابننا وتوعدان إن أمهلنا ما متعنا بقوله تعاىل‪ :‬إغ يذ قَ َ‬
‫ال ا يحلََوا غربُّو َن َاي‬
‫غ‬ ‫ك أَن بْـنَـ غز َل َعلَييـنَا َمآ غ َد غم َن َّ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ال اتَّـ ْقواي هللاَ إغن ْكنتْم ُّم يممنغ َ‬
‫ني‬ ‫الس َماء قَ َ‬ ‫يع َربُّ َ‬
‫يسى ابي َن َم يرَميَ َه يل بَ يستَط ْ‬ ‫ع َ‬
‫بن إىل قوله‬ ‫قَالْواي نْ غرب ْد أَن أنَّي ْكل غم ينـها وتَطيمئغ َّن قْـلْوبـنَا ونَـعلَم أَن قَ يد ص َدقيـتَـنَا ونَ ْكو َن َعلَيـها غمن َّ غ غ‬
‫الشاهد َ‬ ‫يَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َي َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫غ‬
‫َحدا م َن ال َيعالَ غمني‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫ْعذبْهْ َع َذااب الَّ أ َ‬
‫ْعذبْهْ أ َ‬ ‫ال هللاْ إغغين ْمنَـ غزْهلَا َعلَيي ْك يم لَ َمن بَ يك ْف ير بَـ يع ْد من ْك يم لَغإغين أ َ‬
‫تعاىل‪ :‬قَ َ‬
‫[املا د ‪ .]115 - 112:‬لاملا د هي القرابن الذي بتقربون به يف كل قداس‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬إن من العجا ب أن بدعي النصارى أن املا د اليت نزلت من السماء هي القرابن الذي‬
‫بتقربون به مع الذبن بتقربون به من مصنوعات األرض‪ ،‬وأبن املا د من القرابن؟ نعوذ ابهلل تعاىل من‬
‫اَخذالن‪ ،‬بل معىن اخآبة أن هللا تعاىل طرد عادته وأجرى سنته أنه مىت بعث للعباد أمرا قاهرا لإلميان ال‬
‫ميكن العبد معه الشك‪ ،‬لمن مل بممن به عجل له العذاب؛ لقو ظهور احلجة‪ ،‬كما أن قو صاحل ملا‬
‫عجل هلم العذاب‪ ،‬وكانت هذه املا د جسما عليه‬
‫أررج هللا تعاىل هلم الناقة من احلجر للم بممنوا َّ‬
‫ربز ومسك نزل من السماء بقوت القليل من اَخلق العظيم العدد‪ ،‬لأمرهم أن أيكلوا‪ ،‬وال َّ‬
‫بدرروا‪،‬‬
‫لخالفوا وادَّرروا‪ ،‬لمسخهم هللا تعاىل‪ ،‬ونزول مثل هذا من السماء كخروج الناقة من الصخر‬
‫الصماء‪ ،‬لأررب هللا تعاىل أن من مل بممن بعد نزول املا د غ‬
‫عجلت له العقوبة‪ ،‬وال تعلُّق للما د‬
‫بقرابهنم البتة؛ بل املا د معجز عظيمة رارقة‪ ،‬والقرابن أمر معتاد ليس ليه شيء من اإلعجاز البتة‪،‬‬
‫لأبن أحد البابني من اخآرر لوال العمى والضمال؟‪.‬‬
‫‪ - 9‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬إن هللا تعاىل أررب رربا جازما أان نممن بعيسى عليه السما بقوله تعاىل‪َ :‬وإغن‬
‫اب إغالَّ لَيْـ يمغمنَ َّن بغ غه قَـ يب َل َم يوتغغه [النساء‪ .]159:‬لكيف نتبع من أررب هللا تعاىل عنه أنه‬ ‫غمن أ يَه غل ال غ‬
‫يكتَ غ‬ ‫ي‬
‫ني [سبأ‪ .]14:‬وأمره يف سور‬ ‫مال ُّمبغ ٍ‬
‫ض ٍ‬ ‫شاك يف أمره بقوله تعاىل‪َ :‬وإغ َّان أ يَو إغ َّاي ْك يم لَ َعلَى ْهدى أ يَو غيف َ‬
‫غض غ‬
‫وب َعلَي غه يم َوالَ‬ ‫مت َعلَي غه يم يَ غَر املَ ْ‬
‫َنع َ‬ ‫صرا َ َّ غ‬
‫غ‬
‫بن أ َ‬
‫ط الذ َ‬ ‫الفاحتة أن بسأل اهلدابة إىل صراط مستقيم َ‬
‫ني [الفاحتة‪ ]7:‬واملنعم عليهم هم النصارى‪ ،‬واملغضوب عليهم اليهود‪ ،‬والضالون عبد‬ ‫غ‬
‫الضَّال َ‬
‫األصنا ‪.‬‬

‫(‪)387/1‬‬

‫واجلواب‪ :‬أن النصارى ملا لعبوا يف كتاهبم ابلتحربف‪ ،‬والتخليط صار ذلك هلم سجية‪ ،‬وأصبح‬
‫الضمال واإلضمال هلم طوبة‪ ،‬لسهل عليهم حتربف القرآن‪ ،‬وتغيَر معانيه أليراضهم الفاسد ‪،‬‬
‫والقرآن الكرمي بريء من ذلك‪ ،‬وكيف ختطر هلم هذه التحكمات بغَر دليل وال برهان؛ بل مبجرد‬
‫اب إغالَّ لَيْـ يمغمنَ َّن بغ غه قَـ يب َل َم يوتغغه [النساء‪.]159:‬‬ ‫األوها والوسواس؟‪ ،‬وأما قوله تعاىل‪ :‬وإغن غمن أ يَه غل ال غ‬
‫يكتَ غ‬ ‫َ ي‬
‫لفيه تفسَران‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن كل كالر إذا عابن املما كة عند قبض روحه ساعة املوت ظهر له منهم اإلنكار عليه‬
‫بسبب ما كان عليه من الكفر‪ ،‬ليقطع حينئذ بفساد ما كان عليه‪ ،‬وبممن ابحلق على ما هو عليه لإن‬
‫الدار اخآرر ال ببقى ليها تشكك وال ضمال‪ ،‬بل ميوت الناس كلهم مممنني موحدبن على قد‬
‫الصدق ومنهاج احلق‪ ،‬وكذلك بو القيامة بعد املوت‪ ،‬لكنه إميان ال بنفع وال بعتد به‪ ،‬وإَنا بقبل‬
‫اإلميان من العبد حيث بكون متمكنا من الكفر‪ ،‬لإذا عدل عنه وآمن ابحلق كان إميانه من كسبه‬
‫وسعيه‪ ،‬ليمجر عليه‪ ،‬أما إذا اضطر إليه‪ ،‬لليس ليه أجر‪ ،‬لما من أحد من أهل الكتاب إال بممن‬
‫بنبو عيسى عليه السما وعبودبته هلل تعاىل قبل موته‪ ،‬لكن قهرا ال بنفعه يف اَخلوص من النَران‬
‫ويضب الداين‪.‬‬
‫التفسَر الثاين‪ :‬أن عيسى عليه السما بنزل يف آرر الزمان عند ظهور املهدي بعد أن بفتح املسلمون‬
‫القسطنطينية من الفرنج‪ ،‬ليكسر الصليب وبقتل اَخنزبر‪ ،‬وال ببقى على األرض إال املسلمون‪،‬‬
‫وبستأصل اليهود ابلقتل‪ ،‬غ‬
‫وبصرح أبنه عبد هللا ونبيه‪ ،‬لتضطر النصارى إىل تصدبقه حينئذ إلرباره هلم‬
‫بذلك‪ ،‬وعلى التفسَربن ليس ليه داللة على أن النصارى اخآن على رَر‪.‬‬
‫مال ُّمبغ ٍ‬
‫ني [سبأ‪ .]14:‬لهو من حماسن القرآن‬ ‫ض ٍ‬ ‫وأما قوله تعاىل‪َ :‬وإغ َّان أ يَو إغ َّاي ْك يم لَ َعلَى ْهدى أ يَو غيف َ‬
‫الكرمي‪ ،‬ألنه من تلطف اَخطاب وحسن اإلرشاد‪ ،‬لإنك إذا قلت لغَرك‪ :‬أنت كالر لآمن‪ .‬رمبا أدركته‬
‫األنفة لاشتد إعراضه عن احلق‪ ،‬لإذا قلت له‪ :‬أحدان كالر بنبغي أن بسعى يف رماص نفسه من‬
‫عذاب هللا تعاىل‪ ،‬لهلم بنا نبحث عن الكالر منا لنخلصه‪ .‬لإن ذلك أولر لداعيته يف الرجوع إىل‬
‫لر من الكفر من يَر منالر منك‬
‫احلق‪ ،‬والفحص عن الصواب‪ ،‬لإذا نظر لوجد نفسه هو الكالر َّ‬
‫سر منك ابلنصيحة‪ ،‬هكذا هذه اخآبة سهَّلت اَخطاب على الكفار؛ ليكون‬ ‫عنده‪ ،‬وبفرح ابلسمامة‪ ،‬وبْ ُّ‬
‫اذاب لَـ َعلَيي غه‬
‫ك َك غ‬‫ذلك أقرب هلدابتهم‪ ،‬ومنه قول صاحب لرعون املممن ملوسى عليه السما ‪َ :‬وإغن بَ ْ‬
‫اب َاي قَـ يوغ لَ ْك ْم‬ ‫ف َك َّذ ٌ‬‫اَّللَ ال بَـ يه غدي َم ين ْه َو ْم يس غر ٌ‬
‫ض الَّ غذي بَ غع ْد ْك يم إغ َّن َّ‬ ‫ك غ‬
‫ادقا ب غ‬
‫ص يب ْكم بَـ يع ْ‬ ‫ص ْ‬
‫غ‬
‫َكذبْهْ َوإغن بَ ْ َ‬
‫يس َّغ‬
‫اَّلل إغ ين َج َ‬ ‫نص ْرَان غمن َأب غ‬ ‫بن غيف األ يَر غ‬ ‫غ‬
‫لخصهم‬ ‫اءان [يالر‪َّ .]29 - 28:‬‬ ‫ض لَ َمن بَ ْ‬ ‫يك الييَـ يوَ ظَاه غر َ‬
‫ال ْيمل ْ‬
‫أوال ابمللك والظهور؛ لتنبسط نفوسهم مع علمه أبنه وابل عليهم‪ ،‬وسبب طغياهنم‪ ،‬ومل جيز يف ظاهر‬
‫اللفظ بصدق موسى عليه السما مع قطعه بصدقه‪ ،‬بل جعله معلقا على شرط؛ لئما غ‬
‫بنفرهم‬
‫صح قصده يف هدابة اَخلق سلك معهم ما هو أقرب هلدابتهم‪،‬‬ ‫ليحتجبوا عن الصواب‪ ،‬لكل من َّ‬
‫شى [طه‪]44:‬‬ ‫وكذلك قوله تعاىل ملوسى وهارون يف حق لرعون‪ :‬لَـ ْقوال لَهْ قَـ يوال لَّيغنا لَّ َعلَّهْ بَـتَ َذ َّك ْر أ يَو خيَي َ‬
‫ك [آل عمران‪:‬‬ ‫يب الَن َفضُّواي غم ين َح يولغ َ‬ ‫ظ الي َقل غ‬ ‫نت لَظًّا يَلغي َ‬‫وقوله حملمد صلوات هللا عليهم أمجعني‪َ :‬ولَ يو ْك َ‬
‫غ‬ ‫ادلْوا أ يَهل ال غ‬
‫‪ .]159‬وقوله‪ :‬وال ُْتَ غ‬
‫س ْن [العنكبوت‪ .]46:‬لهذا كله من حماسن‬ ‫َح َ‬‫اب إغالَّ غابلَّغيت ه َي أ ي‬
‫يكتَ غ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اَخطاب‪ ،‬ال من موجبات الشك واالرتياب‪.‬‬

‫(‪)388/1‬‬

‫وأما أمره تعاىل حملمد عليه السما وألمته ابلدعاء ابهلدابة إىل الصراط املستقيم‪ ،‬لما ُّ‬
‫بدل على عد‬
‫حصول اهلدابة يف احلال؛ ألن القاعد اللغوبة أن األمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والشرط‬
‫وجزاءه إَنا بتعلق ابملستقبل من الزمان دون املاضي واحلاضر‪ ،‬لما بطلب إال املستقبل؛ ألن ما عداه‬
‫تعني وقوعه‪ ،‬أو عد وقوعه‪ ،‬لما معىن لطلبه‪ ،‬واإلنسان ابعتبار املستقبل ال بدري ماذا قضي‬
‫قد َّ‬
‫عليه‪ ،‬ليسأل اهلدابة يف املستقبل؛ ليأمن من سوء اَخامتة‪ ،‬كما أن النصراين إذا قال‪ :‬اللهم أمتين على‬
‫دبين‪ .‬ال بدل على أنه يَر نصراين وقت الدعاء‪ ،‬وال أنه يَر مصمم على صحة دبنه‪ ،‬وكذلك سا ر‬
‫األدعية‪ ،‬وأمجع املسلمون واملفسرون على أن املغضوب عليهم اليهود‪ ،‬وأن الضالني النصارى‪،‬‬
‫لتبدبل ذلك مصادمة ومكابر ومغالطة وحتربف وتبدبل‪ ،‬لما بْسمع من مدعيه‪.‬‬
‫‪ - 10‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬ليس من عدل هللا تعاىل أن بطالبنا ابتباع رسول مل برسله إلينا‪ ،‬وال وقفنا‬
‫على كتابه بلساننا‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬أنه عليه السما لو مل برسل إليهم لليت شعري من كتب إىل قيصر هرقل ملك الرو ؟‪،‬‬
‫وإىل املقوقس أمَر القبط بدعوهم إىل اإلسما ؟!‬
‫وليس بصح يف األذهان شيء ‪ ...‬إذا احتاج النهار إىل دليل‬
‫‪ - 11‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬إن قال املسلمون‪ :‬مل أطلقتم لفظ االبن والزوج األقانيم‪ ،‬مع أن ذلك بوهم‬
‫أنكم تعتقدون تعدد اخآهلة‪ ،‬وأن اخآهلة ثماثة أشخاص مركبة‪ ،‬وأنكم تعتقدون ببنو املباضعة؟ قلنا‬
‫للمسلمني‪ :‬هذا كإطماق املتشابه عندكم من لفظ اليد‪ ،‬والعني‪ ،‬وحنوها‪ ،‬لإنه بوهم التجسيم‪ ،‬وأنتم ال‬
‫تعتقدونه‪.‬‬
‫واجلواب‪ :‬أن آايت وأحادبث صفات هللا ليست من املتشابه عند أهل السنة؛ بل هي معلومة املعىن‪،‬‬
‫نثبتها هلل كما أثبتها لنفسه دون تشبيه أو تعطيل‪ ،‬أو َتوبل‪ .‬وأما ما كان من املتشاهبات اليت بيَّنها‬
‫ات [آل عمران‪ .]7:‬لإَنا بطلق املسلمون املتشابه بعد‬ ‫ش غاهبَ ٌ‬
‫ْر ْر ْمتَ َ‬
‫العلماء والوارد يف قوله تعاىل‪َ :‬وأ َ‬
‫ثبوته نقما متواترا نقطع به عن هللا تعاىل أنه أمر بتماوته امتحاان لعباده ليضل من بشاء‪ ،‬وبهدي من‬
‫بشاء‪ ،‬وليعظم ثواب املهتدبن حيث حصلت اهلدابة بعد التعب يف وجوه النظر‪ ،‬وبعظم عذاب‬
‫الضالني حيث قطعوا ال يف موضع القطع‪ ،‬ومل بنقلوا ذلك عن أمره كما اتفق ذلك يف اإلجنيل؛ بل ما‬
‫اقتصر املسلمون على اجلمع القليل‪ ،‬بل ما اعتمدوا على العدد الذي بستحيل عليهم الكذب‪ ،‬للما‬
‫حتققوا أن هللا أمرهم بذلك نقلوه‪ ،‬وأما النصارى لأطلقوا بعض ذلك من قبل أنفسهم‪ ،‬كاألقانيم‬
‫واجلوهر‪ ،‬وبعضها نقلوه نقما ال تقو به حجة يف أقل األحكا ‪ ،‬لضما عن أحوال الربوبية‪ ،‬لهم عصا‬
‫هلل تعاىل حيث أطلقوا عليه ما مل بثبت عندهم ابلنقل‪ ،‬بل لو طولبوا ابلروابة إلجنيلهم لعجزوا عن‬
‫الروابة‪ ،‬لضما عن النقل القطعي‪ ،‬لما ُتد أحدا له روابة يف اإلجنيل بروبه واحد عن واحد إىل عيسى‬
‫لتأمل الفرق بني‬
‫عليه السما ‪ ،‬وأقل الكتب عند املسلمني من االرتياب ويَرها برووهنا عن قا لها‪َّ ،‬‬
‫االثنني‪ ،‬والبون الذي بني الدبنني؛ همالء املسلمون ضبطوا كل شيء‪ ،‬والنصارى أمهلوا كل شيء‪،‬‬
‫ومع ذلك بعتقدون أهنم على شيء‪.‬‬
‫‪ - 12‬ومنها‪ :‬أهنم قالوا‪ :‬هللا له عدل ولضل‪ ،‬وهو سبحانه وتعاىل بتصرف هبما‪ ،‬لأرسل موسى عليه‬
‫السما بشربعة العدل ملا ليها من التشدبد‪ ،‬للما استقرت يف نفوسهم وقد بقي الكمال الذي ال‬
‫تعني أن جيود أبلضل املوجودات‪ ،‬وليس يف‬
‫بصنعه إال أكمل الكمماء‪ ،‬وهو هللا تعاىل‪ ،‬وملا كان جوادا َّ‬
‫املوجودات أجود من كلمته بعين نطقه‪ ،‬لجاد هبا واحتدت أبلضل احملسوسات‪ ،‬وهو اإلنسان‪ ،‬لتظهر‬
‫قدرته‪ ،‬لحصل يابة الكمال‪ ،‬ومل ببق بعد الكمال إال النقص؛ لتفضل ابلنصرانية‪.‬‬

‫(‪)389/1‬‬

‫واجلواب‪ :‬أما شربعة موسى عليه السما ‪ ،‬لكانت عدال ولضما‪ ،‬وقل أن بقع يف العامل عدل جمرد‪،‬‬
‫وإَنا وقع ذلك ألهل اجلنة‪.‬‬
‫وتقربر هذا الباب‪ :‬أن كل جود وإحسان لهو لضل من هللا تعاىل‪ ،‬وهو جود ال جيب عليه عري عن‬
‫اَخَر واإلحسان البتة‪ ،‬لهو العدل احملض؛ ألن امللك ملكه‪ ،‬والتصرف يف امللك اململوك كيف كان‬
‫عدل ليس بظلم‪ .‬لإن وقع اَخَر احملض لهو التفضيل احملض‪ ،‬وهذا هو شأن أهل اجلنة‪.‬‬
‫تقرر هذا‪ ،‬لشربعة موسى عليه السما كان ليها من اإلحسان أنواع كثَر ‪ ،‬لتلك كلها لضل‪،‬‬
‫إذا َّ‬
‫كتحرمي القتل والغصب والزان والقذف واملسكر من اَخمور املغيبة للعقول‪ ،‬وإَنا أابح ليها اليسَر‬
‫الذي ال بصل إىل حد السكر‪ ،‬وكإابحة الفواكه واللحو والزواج ويَر ذلك‪ ،‬وهذه كلها أنواع من‬
‫الفضل‪ ،‬مث إن عيسى عليه السما جاء مقررا هلا وعامما مبقتضاها‪ ،‬ومستعمما ألحكامها‪ ،‬ومل بزد شيئا‬
‫من األحكا ‪ ،‬إَنا زاد املواعظ واألمر ابلتواضع والرقة والرألة‪ ،‬للم أيت عيسى عليه السما بشربعة‬
‫أررى حىت بقال‪ :‬إهنا الفضل‪ .‬بل مقتضى ما قاله أن تكون شربعة الفضل هي شربعتنا؛ ألهنا هي‬
‫الشربعة املستقلة اليت ليست اتبعة لغَرها‪ ،‬وال مقلد لسواها‪ ،‬وهذا هو الما ق ملنصب الكمال أن‬
‫بكون متبوعا ال اتبعا‪ ،‬لهذه احلجة عليه ال له‪.‬‬
‫مث قوهلم‪ :‬ال بصنع األكمل إال هو سبحانه‪ .‬لهو ابطل؛ ألنه ال حجر عليه سبحانه يف ملكه‪ ،‬ليأمر‬
‫بعض رلقه بوضع األكمل‪ ،‬وبرسل للناس أبوامر وشرا ع هي يف يابة جلب املصاحل ودرء املفاسد‪،‬‬
‫كما هي شربعتنا املعظمة‪.‬‬
‫مث قوهلم‪ :‬هللا تعاىل جواد‪ ،‬لجاد أبعظم املوجودات وهو كلمته‪ ،‬لجعله متحدا أبلضل احملسوسات‬
‫وهو اإلنسان‪ ،‬ابطل لوجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن اجلود ابلشيء لرع إمكانه‪ ،‬لإن الكر ابملستحيل حمال‪ ،‬لينبغي أن ببني أوال تصور انتقال‬
‫الكما من ذات هللا تعاىل إىل مرمي رضي هللا عنها‪ ،‬مث بقيم الدليل على وقوع هذا املمكن بعد إثبات‬
‫إمكانه‪ ،‬وقد تقد بيان استحالة ذلك‪.‬‬
‫واثنيها‪ :‬سلمنا أنه ِمكن‪ ،‬لكن مل قلتم‪ :‬إن الكما هو ألضل املوجودات؟‪ .‬ومل ال بكون العلم ألضل‬
‫منه‪ ،‬ألن الكما اتبع للعلم؟‬
‫واثلثها‪ :‬أن الذات الواجبة الوجود اليت الصفات قا مة هبا ألضل من الصفات؛ ألن الصفات‬
‫تفتقرللذات يف قيامها‪ ،‬والذات ال تفتقر حملل خبماف الصفة‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬أهنا صفة من الصفات‪ ،‬والصفات جبملتها مع الذات ألضل من الكما وحده‪ ،‬ومل بقل أحد‬
‫ابحتاد هذا‪ ،‬لاأللضل مل حيصل حينئذ‪ ،‬وملا كان كما النصارى نوعا من الوسواس اتسع اَخرق عليهم‪.‬‬
‫‪O‬إلحا النصارى َمتصر من (األجوبة الفارر للقرايف) لسليمان بن صاحل اَخراشي – بتصرف ‪-‬‬
‫ص ‪68 - 15‬‬

‫(‪)390/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬نفي األلوهية عن عيسى عليه السما من رمال القرآن واألانجيل‪:‬‬
‫إن اخآايت اليت تبني وحدانية هللا سبحانه وتعاىل من رمال القرآن هي نفسها انلية مبفاهيمها ولوازمها‬
‫أللوهية املسيح عليه السما ‪ ،‬وبعضها مبنطوقها‪ ،‬وكذا ما جاء يف التورا واألانجيل حول وحدانية هللا‪.‬‬
‫إال أن النصارى كثَرا ما جيادلون ابلباطل وبتعسفون األدلة وبمولوهنا ولق أهوا هم‪ ،‬ولذا سندحض‬
‫الرتاء أن القرآن دال على ألوهية املسيح من رمال طربق آرر سوى ما سبق‪ ،‬أال وهو آايت من‬
‫القرآن انطقة بنفي األلوهية عن عيسى نطقا صرحيا‪ ،‬وكذا من رمال األانجيل إللزا النصارى‬
‫واملنصربن من رمال مسلماهتم وما بممنون به إن كانوا بعقلون‪ ،‬وذلك كما أيِت‪:‬‬
‫أ‪ -‬نفي األلوهية عن عيسى من رمال القرآن‪:‬‬
‫آايت حمكمات متعدد تنفي األلوهية عن املسيح عليه السما ‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫جاءت يف القرآن ٌ‬
‫يح ابي ْن َم يرَميَ ‪[ ...‬املا د ‪ ]17:‬واألبة‪.]72[ :‬‬ ‫غ‬ ‫بن قَالْوا إغ َّن َّ‬ ‫َّ غ‬
‫اَّللَ ْه َو ال َيمس ْ‬ ‫‪ - 1‬قوله تعاىل‪ :‬لََق يد َك َف َر الذ َ‬
‫ون َّغ‬‫ني غمن ْد غ‬ ‫غ‬ ‫يت لغلن غ َّغ‬ ‫ال َّ غ‬
‫اَّلل‬ ‫َّاس اخت ْذ غوين َوأْم َي إغ َهلَي غ ي‬ ‫ت قْـل َ‬‫يسى ابي َن َم يرَميَ أَأَني َ‬‫اَّللْ َاي ع َ‬ ‫‪ - 2‬وقوله تعاىل‪َ :‬وإغ يذ قَ َ‬
‫ت قْـليتْهْ لَـ َق يد َعلغ يمتَهْ تَـ يعلَ ْم َما غيف نَـ يف غسي َوال‬
‫س غِل غحبَ ٍق إغ ين ْك ين ْ‬ ‫ول َما لَيي َ‬‫ك َما بَ ْكو ْن غِل أَ ين أَقْ َ‬ ‫ال ْس يب َحانَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫وب [املا د ‪ .]116 :‬لهذا عبد هللا ورسوله إىل بين إسرا يل‬ ‫ت َع َّما ْ اليغْيْ غ‬ ‫ك إغنَّ َ‬
‫ك أَني َ‬ ‫أَ يعلَ ْم َما غيف نَـ يف غس َ‬
‫وبنزه هللا سبحانه وتعاىل عن أن بقول قوال ال بنبغي له أن‬ ‫بكذب النصارى يف دعوى َتليههم له غ‬ ‫غ‬
‫بقوله‪ ،‬وهو أنه دعا النصارى إىل َتليهه‪.‬‬
‫يح ابي َن َم يرَميَ َوَما أ غْم ْروا إغَّال لغيَـ يعبْ ْدوا إغهلَا‬ ‫غ‬ ‫ون َّغ‬
‫اَّلل َوال َيمس َ‬
‫‪ - 3‬وقوله‪َّ :‬اختَ ْذوا أَحبارْهم ور يهب َاهنْم أَراباب غمن ْد غ‬
‫ي َ َ ي َ ْ َ ي يَ ي‬
‫َوا غحدا ال إغلَهَ إغَّال ْه َو ْس يب َحانَهْ َع َّما بْ يش غرْكو َن [التوبة‪.]31:‬‬
‫ث ثَماثٍَة وما غمن إغلَ ٍه إغَّال إغلَهٌ و غ‬
‫اح ٌد َوإغ ين َملي بَـ ينـتَـ ْهوا عَ َّما‬ ‫اَّللَ َاثلغ ْ‬
‫بن قَالْوا إغ َّن َّ‬ ‫َّ غ‬
‫َ‬ ‫ََ ي‬ ‫‪ - 4‬وقوله‪ :‬لََق يد َك َف َر الذ َ‬
‫يم [املا د ‪ ]73 :‬وانظر [النساء‪ .]171:‬لاهلل واح ٌد‬ ‫س َّن الَّ غذبن َك َفروا غم ينـهم ع َذ غ‬
‫اب أَل ٌ‬‫َ ْ ْي َ ٌ‬ ‫بَـ ْقولْو َن لَيَ َم َّ‬
‫أح ٌد ليس معه إله يَره‪ ،‬وهذا هتدبد وحتذبر من هللا للنصارى عن القول ابلتثليث وَتليه أح ٍد معه‪،‬‬
‫ومن أول ذلك َتليه املسيح عليه السما ؛ ألن اَخطاب للنصارى‪.‬‬
‫بن‬ ‫َّ غ‬ ‫ك قَـوْهلم غأبَليـو غاه غهم ب َ غ‬ ‫ت النَّصارى اليم غسيح ابن َّغ غ‬ ‫‪ - 5‬وقوله تعاىل‪ ... :‬وقَالَ غ‬
‫ضاهئْو َن قَـ يو َل الذ َ‬ ‫اَّلل ذَل َ ي ْ ي َ ي ْ‬ ‫َ َ َ ْ يْ‬ ‫َ‬
‫َىن بْـ يملَ ْكو َن [التوبه‪ .]30 :‬لقد شاهبوا من كان بقول‪ :‬إن لآلهلة أبناء‪ .‬من‬ ‫َك َف ْروا غم ين قَـ يب ْل قَاتَـلَ ْه ْم َّ‬
‫اَّللْ أ َّ‬
‫وثنيي اليوانن والرومان ويَرهم من الوثنيني‪.‬‬
‫َّخ َذ غم ين َولَ ٍد‬ ‫غغ‬
‫َّلل أَ ين بـت غ‬
‫رتو َن َما َكا َن َّ َ‬
‫غ غغ‬
‫يسى ابي ْن َم يرَميَ قَـ يو َل ا يحلَ غق الَّذي ليه ميَي َْ‬ ‫كع َ‬
‫‪ - 6‬وقوله تعاىل‪ :‬ذَلغ َ غ‬
‫ول لَهْ ْك ين لَـيَ ْكو ْن [مرمي‪.]35 - 34 :‬‬ ‫ضى أ يَمرا لَغإ ََّنَا بَـ ْق ْ‬‫ْس يب َحانَهْ إغذَا قَ َ‬
‫ص غدب َقةٌ َك َاان أيي ْك غ‬
‫مان الطَّ َعا َ انيظْير‬ ‫الرسل وأ ُّْمهْ غ‬ ‫ول قَ يد َرلَ ي غ غ غ‬ ‫يح ابي ْن َم يرَميَ إغَّال َر ْس ٌ‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ت م ين قَـ يبله ُّ ْ ْ َ‬ ‫وقوله‪َ :‬ما ال َيمس ْ‬
‫ني َهلْم ياخآ غ‬
‫َىن بْـ يملَ ْكو َن [املا د ‪.]75 :‬‬ ‫ايت ْمثَّ انيظْير أ َّ‬ ‫ف نْـبَغ ْ ْ‬ ‫َك يي َ‬
‫مان الطَّ َعا َ‪( :‬وهذا من أظهر الصفات النالية‬ ‫بقول ابن تيمية رمحه هللا يف تفسَر قوله تعاىل‪َ :‬ك َاان أيي ْك غ‬
‫َ‬
‫لإلهلية؛ حلاجة اخآكل إىل ما بدرل يف جوله وملا خيرج منه مع ذلك من الفضمات)‪.‬‬
‫ب‪ -‬نفي األلوهية عن عيسى عليه السما من رمال األانجيل‪:‬‬

‫(‪)391/1‬‬

‫ٍ‬
‫صفات وأمساء هلل نفاها‬ ‫بقو هذا املوضوع على ما نسب لعيسى عليه السما من أقوال بثبت ليها‬
‫هو عن نفسه عليه السما ‪ ،‬لإضالة إىل كل عوارض البشربة اليت طرأت على املسيح وتطرأ عليه‪ِ -‬ما‬
‫حال إىل ٍ‬
‫حال‪ ،‬وأنه ال خيتلف يف شيء عن يَره من‬ ‫سوف مير‪ -‬والدالة على احلدوث والتغَر من ٍ‬
‫الرسل إال ما ارتصه هللا به‪ .‬إضالة إىل ذلك جاء يف األانجيل‪:‬‬
‫‪ - 1‬قوله‪( :‬لقال (أي‪ :‬عيسى) هلا (أل ابين زبدي) ماذا تربدبن؟ قالت له‪ :‬قل‪ ،‬أن جيلس ابناي‬
‫هذان واحدا عن ميينك واخآرر عن اليسار يف ملكوتك‪ .‬لأجاب بسوع وقال‪ :‬لستما تعلمان ما‬
‫تطلبان‪ ،‬أما اجللوس عن مييين وعن بساري لليس ِل أن أعطيه إال للذبن غ‬
‫أعد هلم من أيب)‬
‫قوله‪( :‬لأجاب بسوع وقال هلم‪ :‬احلق أقول لكم‪ ،‬ال بقدر االبن أن بعمل من نفسه شيئا إال ما بنظر‬
‫األب بعمل)‪ .‬وقال‪( :‬ليس كل من بقول‪ :‬اي رب‪ .‬بدرل ملكوت السموات‪ ،‬بل الذي بفعل إراد‬
‫أيب الذي يف السموات)‪.‬‬
‫لفي النصوص السابقة نفى عيسى عليه السما القدر على إدرال من شاء ملكوت هللا‪ ،‬وأابن أنه ال‬
‫بدرل ملكوت هللا إال من أراد هللا وحده له ذلك‪ ،‬وليس ذلك للمسيح؛ ألن مشيئة املسيح حتت‬
‫مشيئة هللا‪ ،‬وقدرته حتت قدر هللا كما يف النص‪ -‬اخآنف الذكر‪ -‬حيث بقول‪( :‬ال بقدر االبن‬
‫(املسيح) أن بعمل من نفسه شيئا إال ما بنظر األب (هللا) بعمل) لاهلل وحده ‪ -‬سبحانه ‪ -‬هو القادر‬
‫على كل شيء قدر تليق جبماله وعظمته‪ .‬وقد جاء يف نص آرر‪( :‬ألنه ليس شيء يَر ِمكن لدى‬
‫هللا)‪ .‬وكذا القول املنسوب إىل املسيح عليه السما نفسه (عند الناس يَر مستطاع‪ ،‬ولكن ليس عند‬
‫هللا؛ ألن كل شيء مستطاع عند هللا)‪.‬‬
‫أما قدر املسيح لهي قدر حمدود تناسب مقامه‪ ،‬وليس له إال ما أقدره هللا عليه‪ .‬ومشيئة املسيح‬
‫حتت مشيئة هللا وإبذن هللا‪ ،‬كما قال املسيح‪ ،‬ليما نسب إليه‪( :‬اي أبتاه إن أمكن للتعرب عين هذه‬
‫الكأس‪ ،‬ولكن ليس كما أربد أان بل كما تربد أنت)‪ .‬نسب إىل عيسى يف اإلجنيل قوله‪( :‬ال بقدر أحد‬
‫أن بْقبل إِل إن مل جيتذبه األب الذي أرسلين)‪ .‬لهنا االجتذاب أو اهلدابة هدابة توليق راصة ابهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وليس للمسيح أن بهدي أحدا إال أن بشاء هللا له اهلدابة على بد املسيح أو يَره‪.‬‬
‫‪ - 2‬نسب إىل عيسى قوله‪( :‬وأما ذلك اليو وتلك الساعة لما بعلم هبما أحد وال املما كة الذبن يف‬
‫نص آرر عن املوضوع نفسه‪( :‬إال أيب وحده)‪ ،‬وهذه النصوص يف‬ ‫السماء وال االبن إال األب)‪ .‬ويف ٍ‬
‫سياق إرباره لبين إسرا يل عن هتد اهليكل‪ .‬لعيسى هنا خيرب النصارى أبمر مستقبلي‪ -‬وإن صح‬
‫النقل عنه لهو إبعما هللا له‪ -‬وعلى الريم من هذا حينما ْسئل عن وقت التهد نفى علمه بوقت‬
‫ذلك‪ ،‬وأررب أنه ال أحد بعلم ذلك ال املما كة وال هو عليه السما ‪ ،‬وإَنا الذي بعلم ذلك هو عما‬
‫الغيوب وحده‪ ،‬وهو هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وليس للمسيح من علم الغيب شيء إال ما أطلعه هللا عليه‪.‬‬
‫ني من بعيد عليها ورق‪،‬‬ ‫وجاء يف نص آرر (ويف الغد ملا ررجوا من بيت عينا جاع لنظر شجر ت ٍ‬
‫وجاء لعله جيد ليها شيئا‪ ،‬للما جاء إليها مل جيد شيئا إال ورقا؛ ألنه مل بكن وقت التني)‪ .‬لسبحان هللا‬
‫هذا النص ظاهر جلي يف بشربة عيسى عليه السما ونفي أللوهيته من وجوه منها‪:‬‬
‫علوا كبَرا‪ -‬ملا كلف‬
‫أنه ال بعلم من الغيب إال ما أطلعه هللا عليه‪ ،‬للو كان إهلا‪ -‬تعاىل هللا عن قوهلم ًّ‬
‫نفسه مشقة الذهاب إىل الشجر اَخالية من إامار التني‪.‬‬
‫‪ -‬مث لو كان إهلا لعلم أن هذا ليس وقت إامار أشجار التني‪ ،‬لهل جيهل اإلله أمرا كهذا؟‬
‫‪ -‬مث لو كان إهلا ألمر الشجر أن تنبت تينا لأنبتت‪.‬‬
‫جل وعما‪.‬‬
‫‪ -‬مث هل اإلله جيوع؟ إن هذا نقص يف إهلهم املزعو ‪ ،‬أما هللا اإلله احلق لهو الغين َّ‬

‫(‪)392/1‬‬

‫‪ - 3‬بنسب إىل عيسى قوله‪( :‬لو كنتم حتبونين لكنتم تفرحون؛ ألنين قلت‪ :‬أمضي إىل األب؛ ألن أيب‬
‫أعظم مين)‪ .‬لعيسى بصرح أن اخآب (هللا) أعظم منه‪ ،‬لهناك لارق كبَر عرب عنه أبلعل التفضيل بينه‬
‫وبني ربه ورالقه سبحانه وتعاىل‪ ،‬وإذا كان عيسى قد نطق أبن هللا أعظم منه‪ ،‬لإن هذا ولق مفهو‬
‫املخالفة بعين أن عيسى أقل من هللا‪ ،‬وهو ما بوضح أنه ليس هو هللا‪ ،‬وال ابن هللا كما تزعم النصارى‬
‫علوا كبَرا‪.‬‬
‫حيث بقولون‪ :‬إنه ابن هللا الذي هو‪( :‬هللا يف املسيح)‪ .‬تعاىل هللا عن ذلك ًّ‬
‫‪ - 4‬بنسب إىل عيسى قوله‪( :‬وإن مسع أحد كمامي ومل بممن لأان ال أدبنه (أحاكمه وأحاسبه) ألين مل‬
‫آت ألدبن العامل بل ألرلص العامل‪ ،‬من رذلين لله من بدبنه)‪ .‬إذا بوضح عيسى أن مالك احلساب‬
‫واجلزاء إَنا هو يَره‪ ،‬لعيسى ال ميلك هذا‪ ،‬وإَنا الذي ميلكه هو هللا سبحانه وتعاىل وحده‪ ،‬كما‬
‫بوضحه السياق بعده‪ ،‬وكما بوضحه قوله السابق‪( :‬أيب أعظم مين)‪ .‬وهذا أبضا نفي أللوهية عيسى‬
‫عليه السما ‪.‬‬
‫‪ - 5‬قال عيسى‪( :‬اذهَب إىل إروِت‪ ،‬وقوِل هلم‪ :‬إين أصعد إىل أيب وأبيكم وإهلي وإهلكم)‪ .‬لي غ‬
‫سمي‬‫ْ‬
‫املممنني به (إروِت) مث بقول‪( :‬أيب وأبيكم وإهلي واهلكم)‪ .‬لمثله مثل املممنني به‪ ،‬ربه هللا‪ ،‬وإهله هللا ‪-‬‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ -‬وهذا اعرتاف أبلوهية هللا‪ ،‬ويف الوقت نفسه نفي قوي على لسانه أللوهيته املفرتا‬
‫على هللا‪ -‬سبحانه وتعاىل‪ -‬مث عليه‪ ،‬مث كيف بكون هو إله نفسه؟‬
‫‪ - 6‬جاء يف اإلجنيل أن (هللا مل بره أحد قط) وقول املسيح عن هللا سبحانه وتعاىل‪( :‬مل تسمعوا صوته‬
‫قط وال أبصرمت هيئته)‪ .‬بينما أبصروا املسيح ومسعوا صوته‪ ،‬وكلمهم وكلموه‪ ،‬بل وأكل وشرب معهم‬
‫مير من دال ل بشربته‪،‬‬
‫وتفل على الرتاب‪ ،‬لعجن الطني وطلى به أعني ْع يميٍ‪ ،‬إىل يَر ذلك ِما سوف ُّ‬
‫وهذا كله بنفي األلوهية عن املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫‪ - 7‬كثرت النصوص اإلجنيلية اليت توضح أن عيسى كان بدعو هللا ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬وبسجد له‪،‬‬
‫وخيضع له‪ ،‬وبصو له‪ ،‬حىت بل صيامه أربعني هنارا وأربعني ليلة‪ .‬وأنه بفعل ما برضي هللا سبحانه‬
‫وحيفظ أقواله‪ .‬للمن بتوجه عيسى عليه السما هبذه العبادات؟ أبعبد عيسى نفسه؟ أ هل بدعو‬
‫نفسه؟ أ هل بصو لنفسه؟ هل العابد هو عني املعبود؟ إن هذا حمال عقلي‪ ،‬مثبت لعد ألوهية‬
‫بتوجه له عيسى أبنواع العبادات‪،‬‬
‫عيسى عليه الصما والسما ‪ ،‬وأن اإلله هو يَر عيسى‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫إنه هللا سبحانه وتعاىل وحده‪.‬‬

‫(‪)393/1‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬بشربة عيسى‪ -‬عليه السما ‪ -‬وعبودبته من رمال القرآن واألانجيل‪:‬‬
‫بنقسم هذا املوضوع إىل الفقرتني التاليتني‪:‬‬
‫أ‪ -‬بشربة عيسى عليه السما وعبودبته من رمال القرآن‪:‬‬
‫أررب هللا سبحانه وتعاىل يف القرآن الكرمي أن عيسى عليه السما عبد من عبيد هللا‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ال إغغين عب ْد َّغ‬ ‫ف اليم غسيح أَ ين ب ْكو َن عبدا غَّغ‬ ‫غ‬
‫آاتغينَ‬
‫اَّلل َ‬ ‫َي‬ ‫َّلل‪[ .‬النساء‪ .]172 :‬وكما قال تعاىل‪ :‬قَ َ‬ ‫َي‬ ‫لَ ين بَ يستَـ ينك َ َ ْ َ‬
‫اب َو َج َعلَ غين نَبغيا [مرمي‪ .]30 :‬بقول ابن كثَر‪( :‬أول شيء تكلَّم به أن َّنزه جناب ربه تعاىل َّ‬
‫وبرأه‬ ‫غ‬
‫اليكتَ َ‬
‫اَّللَ َرغيب َوَربَّ ْك يم‬ ‫عن الولد‪ ،‬وأثبت لنفسه العبودبة لربه)‪ .‬وقد جاء يف آايت أررى قوله‪ :‬أ غ‬
‫َن ا يعبْ ْدوا َّ‬
‫صرا ٌ غ‬ ‫غ‬ ‫[املا د ‪ .]117 :‬وقوله تعاىل‪َ :‬وإغ َّن َّ‬
‫يم [مرمي‪ .]36 :‬لهو‬ ‫ط ْم يستَق ٌ‬ ‫اَّللَ َرغيب َوَربُّ ْك يم لَا يعبْ ْدوهْ َه َذا َ‬
‫إنسان َملوق رلقه هللا سبحانه وتعاىل كما رلق آد من تراب‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬إغ َّن مثَل غعيسى غع ين َد َّغ‬
‫اَّلل‬ ‫َ َ َ‬
‫ال لَهْ ْك ين لَـيَ ْكو ْن [آل عمران‪ .]59:‬وكما قال تعاىل على لسان مرمي‪:‬‬ ‫اب ْمثَّ قَ َ‬ ‫آد َ َرلَ َقهْ غم ين تْـر ٍ‬ ‫َك َمثَ غل َ‬
‫َ‬
‫ضى أ يَمرا لَغإ ََّنَا بَـ ْق ْ‬‫شاءْ إغذَا قَ َ‬ ‫ال َك َذلغ غ‬ ‫ت َر غ‬
‫ول‬ ‫ك َّ‬
‫اَّللْ خيَيلْ ْق َما بَ َ‬ ‫ش ٌر قَ َ‬ ‫َىن بَ ْكو ْن غِل َولَ ٌد َوَملي ميَي َ‬
‫س يس غين بَ َ‬ ‫ب أ َّ‬ ‫قَالَ ي‬
‫لَهْ ْك ين لَـيَ ْكو ْن [آل عمران‪ .]47 :‬لعيسى ‪ -‬عليه السما ‪ -‬ولد ملرمي‪ ،‬رلقه هللا ووهبه هلا‪ ،‬كما قال‬
‫ك يْماما َزكغيا [مرمي‪ .]19:‬لهو ولد ملرمي َملوق‪ ،‬وليس إبله وال ابن إله‪ ،‬لنسبه بشري‬
‫تعاىل‪ :‬غأل ََهب لَ غ‬
‫َ‬
‫عا د إىل أمه‪ ،‬لهو يف القرآن الكرمي‪ :‬املسيح عيسى ابن مرمي بنت عمران من بين إسرا يل‪ ،‬ومن ذربة‬
‫إبراهيم‪ ،‬ومن ذربة نوح‪ ،‬وقد محلت به والدته كما أراد الرمحن ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬من أ بما أب‪،‬‬
‫صبغيا [مرمي‪ ،]29 :‬وكان أيكل الطعا هو‬ ‫غ‬
‫ووضعته بعد َماض‪ ،‬وجاءت به قومها حتمله غيف ال َيم يهد َ‬
‫وأمه كما قال تعاىل‪َ :‬ك َاان أيي ْك غ‬
‫مان الطَّ َعا َ [املا د ‪ .]75 :‬بكل ما بعنيه ذلك من حاجة للطعا‬ ‫َ‬
‫وإلرراجه والنمو والتحول من حال إىل حال‪ ،‬وهو كما رلق من تراب بعد أن مل بكن شيئا‪ ،‬وولد‬
‫بعد أن كان جنينا‪ ،‬واكتهل بعد أن كان صبيًّا‪ ،‬لسوف ميوت بعد نزوله يف آرر الزمان‪ ،‬مث ببعث حيًّا‪،‬‬
‫وت َوبَـ يوَ أْبيـ َع ْ‬
‫ث َحيا‬ ‫السما ْ َعلَ َّي بَـ يوَ ْولغ يد ْ‬
‫ت َوبَـ يوَ أ َْم ْ‬ ‫كما قال تعاىل على لسان عيسى‪َ :‬و َّ‬
‫[مرمي‪ .]33:‬لهو إنسان بطرأ عليه ما بطرأ على أمثاله من البشر من عوارض‪ .‬وهو عبد من عباد‬
‫هللا‪ .‬رلقه هللا سبحانه وتعاىل من أ بما أب آبة للعاملني‪ ،‬ومثما لبين إسرا يل‪ .‬كما قال تعاىل‪َ :‬و َج َعلينَا‬
‫ني [املممنون‪ .]50:‬وكما قال تعاىل‪ :‬إغ ين ْه َو إغَّال‬ ‫امهَا إىل ربيـو ٍ َذ غ‬
‫ات قَـ َرا ٍر َوَم غع ٍ‬ ‫آوبيـنَ ْ‬
‫ََ‬ ‫ابي َن َم يرَميَ َوأ َّْمهْ آبَة َو َ‬
‫غ غ‬ ‫غ‬
‫يل [الزررف‪ .]59:‬كما أوصاه هللا سبحانه بعبادته مادا‬ ‫َع يب ٌد أَنيـ َع يمنَا َعلَييه َو َج َعلينَاهْ َمثَما لبَ غين إ يسرا َ‬
‫ت َحيا [مرمي‪.]31:‬‬ ‫الزَكا غ َما ْد يم ْ‬
‫لصما غ َو َّ‬
‫ص غاين غاب َّ‬ ‫حيًّا‪ ،‬كما قال تعاىل على لسان عيسى‪َ :‬وأ يَو َ‬
‫لمحكم القرآن بدل على أن عيسى عليه الصما والسما إنسان َملوق‪ ،‬رلقه هللا سبحانه وتعاىل‬
‫كما شاء واقتضته حكمته‪ ،‬وهو عبد من عباد هللا الذبن أنعم هللا عليهم‪ ،‬ولن بستنكفوا عن عبادته‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ب‪ -‬بشربة عيسى‪ -‬عليه السما ‪ -‬وعبودبته من رمال األانجيل‪:‬‬

‫(‪)394/1‬‬

‫ُّ‬
‫تدل األانجيل احلالية على بشربة عيسى‪ -‬عليه السما ‪ -‬وعبودبته داللة بينة حيث جاء يف بعضها‬
‫ليما بنسب إىل عيسى عليه السما قوله‪( :‬ولكنكم اخآن تطلبون أن تقتلوين‪ ،‬وأان إنسان قد كلمكم‬
‫ابحلق الذي مسعه من هللا)‪ .‬لعيسى ‪ -‬عليه السما ‪ -‬وضع نفسه يف املوضع الما ق به‪ ،‬وهو أنه‬
‫إنسان رسول بدعوهم‪ ،‬وببلغهم مبا أوحاه هللا إليه‪ ،‬وكفى بذلك دليما على بشربته وعبودبته‪ ،‬وأنه‬
‫ليس إبله حيث أثبت بشربته‪ ،‬وأثبت لنفسه العبودبة واَخضوع ملن أرسله وهو هللا ‪ -‬سبحانه وتعاىل‬
‫‪ -‬إهله وإله بين إسرا يل واَخلق أمجعني‪ ،‬كما جاء ليما نسب إليه قوله‪( :‬إين أصعد إىل أيب وأبيكم‬
‫وإهلي وإهلكم)‪ .‬وقوله‪( :‬إذهب اي شيطان؛ ألنه مكتوب للرب إهلك تسجد وإايه وحده تعبد)‪ .‬ويف‬
‫(رر‬
‫األانجيل ما بدل على عباد عيسى‪ -‬عليه السما ‪ -‬وطاعته هلل سبحانه وتعاىل حيث صا و َّ‬
‫على وجهه‪ ،‬وكان بصلي قا ما‪ :‬اي أبتاه‪ ،‬إن أمكن للتعرب عين هذه الكأس‪ ،‬ولكن ليس كما أربد أان‪،‬‬
‫بل كما تربد أنت)‪ .‬كما أنه (ررج إىل اجلبل ليصلي‪ ،‬وقضى الليل كله يف الصما هلل)‪ .‬وسبحان هللا‬
‫علوا‬
‫لأىن بكون إهلا‪ ،‬أو بكون هو هللا؟ تعاىل هللا عن ذلك ًّ‬
‫قضى الليل كله بصلي َخالقه‪ ،‬وإهله‪ ،‬وربه‪َّ ،‬‬
‫أىن بكون العابد هو عني املعبود؟ والسيما أنه كان (بصلي أبشد جلاجة) هلل سبحانه وتعاىل‪ .‬بل‬
‫كبَرا‪َّ .‬‬
‫جاء ‪ -‬ليما نسب إليه‪ -‬يف األانجيل أنه قال‪( :‬مل برتكين اخآب وحدي؛ ألين يف كل حني ألعل ما‬
‫برضيه)‪ .‬لهو جمتهد يف عباد ربه سبحانه وتعاىل‪ ،‬راضع له ومطيع له يف كل وقت وحني‪ .‬مث إن نظر‬
‫معاصري عيسى‪ -‬عليه السما ‪ -‬له مل تكن إال على أنه إنسان‪ ،‬وليس إبله‪ .‬من ذلك قوله (أجاب‬
‫اَخدا ‪ :‬مل بتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا اإلنسان‪ .‬لأجاهبم الفربسيون‪ :‬ألعلكم أنتم أبضا قد‬
‫ضللتم؟‪ .‬ألعل انموسنا بدبن إنساان مل بسمع منه أوال؟)‪ .‬ويف نص آرر‪( :‬لقالوا له‪ :‬كيف انفتحت‬
‫عيناك (لرجل أعمى أبصر إبذن هللا على بد عيسى)؟ أجاب ذاك وقال‪ :‬إنسان بقال له‪ :‬بسوع)‪ .‬كما‬
‫أن نسب عيسى عليه السما ولق األانجيل أنه‪ :‬املسيح عيسى ابن مرمي‪ ،‬من نسل داود ومن ذربة‬
‫إبراهيم ‪ -‬عليهم الصما والسما ‪ -‬رلقه هللا من أ بما أب بقدرته‪ ،‬كما راطب جرببل مرمي ‪-‬‬
‫عليهما السما ‪ -‬حيث قال هلا‪( :‬ألنه ليس شيء يَر ِمكن لدى هللا)‪ .‬حينما تعجبت واستفهمت‬
‫من جرببل (‪ .‬كيف بكون هذا (أي‪ :‬احلمل بعيسى ووالدته) وأان لست أعرف رجما)‪ .‬لأمه مرمي‪،‬‬
‫وتزعم األانجيل أن له إرو وأروات ِمن ادعت أنه زوج أمه‪ ،‬وهو بوسف النجار‪ ،‬ونسيبة أمه ‪ -‬كما‬
‫جاء يف األانجيل‪ -‬هي أليصاابت أ حيىي عليه السما ‪ ،‬وهي من بنات هارون‪ ،‬وبذلك حيىي وزكراي‬
‫من قرابة عيسى‪.‬‬
‫كذلك من أدلة بشربة ‪ -‬عيسى عليه السما ‪ -‬كما جاء يف األانجيل‪ :‬أن أمه محلت به عد احلمل‬
‫كاملة‪ ،‬مث ولدته بعد أن مل بكن شيئا‪ ،‬ورنت بعد أن كان أيلف‪ ،‬واكتهل بعد أن كان صبيًّا‪ ،‬وتعلم‬
‫القراء والكتابة‪ .‬وكتب إبصبعه على األرض‪ ،‬وجاع‪ ،‬وطعم‪ ،‬بل أكل الفصح مع حواربه‪ ،‬كما شرب‬
‫املاء‪ ،‬ومشى لتعب وتصبب عرقا حىت بل عرقه األرض‪ ،‬مث جلس من التعب‪ ،‬وامتطى اجلحش‪،‬‬
‫وتفل على األرض‪ ،‬وصنع من التفل طينا‪ ،‬وطلى ابلطني عيين األعمى‪ ،‬وحزن واكتأب مث بكى‪ ،‬وكان‬
‫وخير على وجهه إىل األرض ساجدا هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬إىل يَر ذلك ِما جاء يف‬
‫جيثو على ركبتيه‪ُّ ،‬‬
‫األانجيل‪.‬‬
‫كما أن من األمور اليت ُتلي عبودبة عيسى‪ -‬عليه السما ‪ -‬وبشربته سوى ما ذكر هنا ما أثبته‬
‫عيسى‪ -‬عليه السما ‪ -‬من أمساء وصفات هلل وحده‪ ،‬انليا إايها عن نفسه عليه السما ‪ ،‬مثل‪ :‬أن هللا‬
‫هو القادر وحده‪ ،‬وأنه هو اهلادي وحده‪ ،‬وأنه هو عما الغيوب‪ ،‬وأنه العظيم ومالك بو الدبن‪ ،‬وأنه‬
‫مر‪.‬‬
‫ال بْرى يف الدنيا إىل آرر ما َّ‬
‫لذا ولغَره ذكر أبو الوليد الباجي ‪ -‬ردًّا على راهب من لرنسا‪ -‬أن عيسى عليه السما (بشر َملوق‬
‫وعبد مربوب ال بعدو عن دال ل احلدوث والتغَر من حال إىل حال‪ ،‬وأكل الطعا واملوت الذي كتب‬
‫على مجيع األان ‪ .‬ولو جوزان كونه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬مع هذه الصفات واألحوال احملداثت‬
‫إهلا قدميا لنفينا أن بكون العامل أو شيء ِما ليه حمداث َملوقا؛ ألنه ليس يف شيء ِما ذكران من البشر‬
‫والعامل وما ليه من احليوان واجلماد من دال ل احلدوث يَر ما يف عيسى عليه السما )‪ .‬إن ما سبق‬
‫مثبت لبشربة عيسى عليه السما وعبودبته لماذا عن نبو عيسى عليه السما ورسالته؟‬
‫‪ O‬الرتاءات املنصربن على القرآن الكرمي أنه بمبد زعم ألوهية املسيح عليه السما لعلي احلريب ص‬
‫‪23‬‬
‫(‪)395/1‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬نبو عيسى عليه السما ورسالته من رمال القرآن واألانجيل‪:‬‬
‫بنقسم هذا املوضوع إىل لقرتني‪:‬‬
‫أ‪ -‬نبوته ورسالته عليه السما من رمال القرآن‪:‬‬
‫بوضح القرآن أن املسيح عيسى عليه السما نَب رسول‪ ،‬وهو من أوِل العز من الرسل‪ ،‬صلوات هللا‬
‫وسمامه عليهم أمجعني‪.‬‬
‫وهذه بعض اخآايت الدالة على رسالة عيسى ونبوته‪:‬‬
‫الر ْس ْل [املا د ‪ .]75 :‬وبقول تعاىل‪َ :‬اي‬ ‫ت غم ين قَـ يبلغ غه ُّ‬ ‫يح ابي ْن َم يرَميَ إغَّال َر ْس ٌ‬
‫ول قَ يد َرلَ ي‬ ‫غ‬
‫بقول تعاىل‪َ :‬ما ال َيمس ْ‬
‫ول َّغ‬
‫اَّلل‬ ‫يسى ابي ْن َم يرَميَ َر ْس ْ‬ ‫اَّلل إغَّال ا يحل َّق إغ ََّنَا اليم غس غ‬
‫اب ال تَـغيلْوا غيف غدبنغ ْكم وال تَـ ْقولْوا علَى َّغ‬ ‫أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫يح ع َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يَ‬ ‫َ‬
‫غ‬
‫يل أغَين قَ يد غج يئـتْ ْك يم غِببٍَة م ين‬ ‫غ‬
‫[النساء‪ .]171 :‬وبقول تعاىل على لسان عيسى‪َ :‬وَر ْسوال إىل بَغين إ يسرا َ‬
‫ول َّغ‬ ‫يل إغغين َر ْس ْ‬ ‫غ‬ ‫ربغ ْكم [آل عمران‪ .]49 :‬كما بقول تعاىل‪ :‬وإغ يذ قَ َ غ‬
‫اَّلل‬ ‫يسى ابي ْن َم يرَميَ َاي بَغين إ يسرا َ‬ ‫ال ع َ‬ ‫َ‬ ‫َ ي‬
‫َمحَ ْد ‪[ ...‬الصف‪.]6 :‬‬ ‫ول َأيغيِت غم ين بَـ يع غدي ي‬
‫امسْهْ أ ي‬ ‫ي غمن التـ يَّورا غ وْمبَ غشرا بغر ْس ٍ‬
‫َ‬ ‫ني بَ َد َّ َ َ َ‬
‫إغلَي ْكم م غ غ‬
‫صدقا ل َما بَ ي َ‬‫ي يْ َ‬
‫اب َو َج َعلَ غين نَبغيا [مرمي‪.]30 :‬‬ ‫غ‬ ‫ال إغغين عب ْد َّغ‬
‫آاتغينَ اليكتَ َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫َي‬ ‫وبقول تعاىل‪ :‬قَ َ‬
‫لعيسى نَب رسول من رسل هللا وظيفته طاعة هللا‪ ،‬وإبماغ رسالة ربه ‪ -‬سبحانه وتعاىل‪ -‬اليت أرسله‬
‫يت َهلْ يم إغَّال َما‬
‫وحث بين إسرا يل على عباد هللا‪ ،‬كما قال تعاىل عن عيسى‪َ :‬ما قْـل ْ‬ ‫هبا‪ ،‬وأمره إببمايها‪َّ ،‬‬
‫ت‬‫ت أَني َ‬‫ت لغي غه يم لَـلَ َّما تَـ َولَّـ ييـتَ غين ْك ين َ‬
‫ت َعلَيي غه يم َش غهيدا َما ْد يم ْ‬
‫اَّللَ َرغيب َوَربَّ ْك يم َوْك ين ْ‬
‫َن ا يعبْ ْدوا َّ‬ ‫أَمرتَغين بغ غه أ غ‬
‫َي‬
‫ت َعلَى ْك غل َش يي ٍء َش غهي ٌد [املا د ‪ .]117 :‬وكما قال تعاىل عن عيسى‪ :‬إغ َّن َّ‬
‫اَّللَ َرغيب‬ ‫يب َعلَيي غه يم َوأَني َ‬ ‫َّ غ‬
‫الرق َ‬
‫يم [آل عمران‪.]51:‬‬ ‫صرا ٌ غ‬ ‫غ‬
‫ط ْم يستَق ٌ‬ ‫َوَربُّ ْك يم لَا يعبْ ْدوهْ َه َذا َ‬
‫‪ -‬نبوته ورسالته عليه السما من رمال األانجيل‪:‬‬
‫تدل األانجيل املوجود اليو على نبو عيسى ورسالته‪ ،‬لقد جاء يف األانجيل نصوص عد‬ ‫كذلك ُّ‬
‫منها‪( - 1 :‬أما بسوع لقال هلم‪ :‬ليس نَب بما كرامة إال يف وطنه ويف بيته) لهذا ِما بنسب إليه من‬
‫أقوال بشَر هبا إىل نفسه‪.‬‬
‫‪ - 2‬وِما بوضح نظر بعض املدعوبني من بين إسرا يل له وأنه نَب قوله‪( :‬وملا مسع رؤساء الكهنة‬
‫والفربسيون أمثاله عرلوا أنه تكلم عليهم‪ ،‬وإذ كانوا بطلبون أن ميسكوه رالوا من اجلموع؛ ألنه كان‬
‫عندهم مثل نَب)‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقوله‪( :‬وملا درل أورشليم ارُتت املدبنة كلها قا لة‪ :‬من هذا؟ لقالت اجلموع‪ :‬هذا بسوع النَب‬
‫الذي من انصر اجلليل)‪.‬‬
‫مر بنا قول عيسى عليه السما ‪( :‬وهذه هي احليا األبدبة أن بعرلوك أنت اإلله احلقيقي وحدك‬
‫‪َّ - 4‬‬
‫وبسوع الذي أرسلته)‪.‬‬
‫‪ - 5‬وقوله‪( :‬لنادى بسوع وهو بعلم يف اهليكل قا ما‪ :‬تعرلونين وتعرلون من أبن أان‪ ،‬ومن نفسي مل‬
‫آت‪ ،‬بل الذي أرسلين هو حق الذي أنتم لستم تعرلونه أان أعرله؛ ألين منه وهو أرسلين)‪.‬‬
‫لهذا من أقواله اليت بوضح ليها أنه رسول من رسل هللا‪.‬‬
‫إن ما سبق من نصوص تدل على نبو عيسى عليه السما ورسالته من رمال األانجيل‪ ،‬على أن‬
‫هناك نصوصا أررى تضيف إىل ما سبق بيان مهمة عيسى عليه السما ووظيفته اليت أرسله هللا من‬
‫أجلها‪ ،‬أال وهي الدعو إىل هللا وإىل عبادته وطاعته وإبماغ ما أمره هللا أن ببلغه لبين إسرا يل من دبن‬
‫هللا الذي أنزل على بدبه آنذاك‪ ،‬وهو النصرانية الصحيحة املوحد اليت نسخها هللا ابإلسما ‪ ،‬ولذا‬
‫بسمى عيسى يف األانجيل معلم‪ ،‬وهي وظيفة الرسل حيث بعلمون الناس اَخَر‪ ،‬وببلغوهنم دبن هللا‬
‫َّ‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وإن النصوص الدالة على ذلك‪:‬‬

‫(‪)396/1‬‬

‫‪ - 1‬قول اإلجنيل‪( :‬وبعدما أسلم بوحنا جاء بسوع إىل اجلليل بكرز (بدعو) ببشار ملكوت هللا‬
‫وبقول‪ :‬قد كمل الزمان واقرتب ملكوت هللا لتوبوا وآمنوا ابإلجنيل)‪ .‬لها هو عيسى بدعو بين‬
‫إسرا يل إىل التوبة واإلانبة إىل هللا سبحانه وتعاىل واإلميان ابإلجنيل‪ ،‬كتاب هللا الذي أنزله عليه‪.‬‬
‫أبشر املدن األرر أبضا مبلكوت هللا؛ ألين هلذا قد أرسلت‪.‬‬‫‪ - 2‬قوله‪( :‬لقال هلم‪ :‬إنه بنبغي ِل أن غ‬
‫لكان بكرز يف جمامع اجلليل)‪.‬‬
‫‪ - 3‬قوله‪( :‬لقال هلم‪ :‬لنذهب إىل القرى اجملاور ألكرز هناك أبضا؛ ألين هلذا ررجت)‪.‬‬
‫‪ - 4‬وجاء يف اإلجنيل قوله‪( :‬كان بسوع بطوف كل اجلليل بعلغم يف جمامعهم وبكرز ببشار‬
‫امللكوت)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫(حينئذ ابتدأ بوبخ املدن اليت صنعت ليها أكثر قواته (املعجزات اليت أظهرها هللا‬ ‫‪ - 5‬كما جاء قوله‪:‬‬
‫وبل لك اي كورزبن‪ ،‬وبل لك اي بيت صيدا‪ .‬وأنت اي كفرانحو )‪.‬‬
‫على بدبه) ألهنا مل تتب‪ٌ :‬‬
‫‪ - 6‬جاء قوله‪( :‬بنبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلين مادا هنار‪ ،‬أيِت ليل حني ال بستطيع أحد أن‬
‫بعمل)‪.‬‬
‫‪ - 7‬قوله‪( :‬ألين مل أتكلم من نفسي لكن اخآب الذي أرسلين هو أعطاين وصية ماذا أقول ومباذا‬
‫أتكلم‪ ،‬وأان أعلم أن وصيته هي حيا أبدبة‪ ،‬لما أتكلم أان به لكما قال ِل اخآب هكذا أتكلم)‪.‬‬
‫يت َهلْ يم إغَّال َما أ ََم يرتَغين بغ غه [املا د ‪.]117:‬‬
‫بصدق هذا ما جاء يف القرآن على لسان عيسى َما قْـل ْ‬
‫تدل عليه األانجيل‪ -‬نَب رسول جاء إلبماغ بين إسرا يل رسالة‬ ‫لعيسى عليه الصما والسما ‪ -‬كما ُّ‬
‫ربه؛ ليتوبوا من معاصيهم وآاثمهم‪ ،‬وبتبعوا كتاب هللا الذي أنزله هللا عليهم آنذاك على بد عيسى وهو‬
‫اإلجنيل‪.‬‬
‫‪ O‬الرتاءات املنصربن على القرآن الكرمي أنه بمبد زعم ألوهية املسيح عليه السما لعلي احلريب ص‬
‫‪31‬‬

‫(‪)397/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫تظاهرت النصوص القرآنية واألحادبث النبوبة يف بيان ما وقع به النصارى من احنراف رلقي‬
‫وعقدي‪ ،‬وما ذلك البيان إال حلكمة عظيمة‪ ،‬وهي أن ببتعد املسلمون عن سلوك سبيلهم‪ ،‬وأال‬
‫بتشبهوا هبم‪.‬‬
‫ومن تلك االحنرالات اليت ذكرت يف القرآن والسنة‪:‬‬

‫(‪)398/1‬‬

‫املطلب األول‪َ :‬ناذج من احنرالات النصارى‪ ،‬من القرآن الكرمي‪:‬‬


‫سدا غم ين غع ين غد‬ ‫غ غغ غ‬ ‫غ غ‬
‫َر م ين أ يَه غل اليكتَاب لَ يو بَـ ْردُّونَ ْك يم م ين بَـ يعد إميَان ْك يم ْك َّفارا َح َ‬
‫‪ - 1‬احلسد‪ :‬قال تعاىل‪ :‬و َّد َكثغ غ‬
‫َ ٌ‬
‫أَن ْف غس غه يم [البقر ‪.]109:‬‬
‫اب لَتْـبَـيغنْـنَّهْ لغلن غ‬ ‫غ‬ ‫َّ غ‬ ‫َر َذ َّ غ‬ ‫‪ - 2‬كتمان العلم‪ :‬قال تعاىل‪َ :‬وإغ يذ أ َ‬
‫َّاس َوال تَكيتْ ْمونَهْ‬ ‫بن أْوتْوا اليكتَ َ‬ ‫اَّللْ ميثَا َق الذ َ‬
‫غ غ‬ ‫لَـنَـب ْذوهْ وراء ظْهوغرغهم وا يش َ غ غ‬
‫رتو َن [آل عمران‪.]187:‬‬ ‫س َما بَ يش َْ‬‫رتيوا به َامَنا قَليما لَب يئ َ‬
‫َ ََ َ ْ ي َ َ‬
‫اَّللْ قَالْوا نْـ يمغم ْن غمبا أن غز َل َعلَييـنَا َوبَ يك ْف ْرو َن غمبَا‬
‫أنز َل َّ‬ ‫غ‬
‫يل َهلْ يم آمنْوا غمبا َ‬
‫غ غ‬
‫‪ - 3‬معرلة احلق ابلرجال‪َ :‬وإذَا ق َ‬
‫ص غدقا لغ َما َم َع ْه يم [البقر ‪.]91:‬‬‫اءهْ َو ْه َو ا يحلَ ُّق ْم َ‬
‫َوَر َ‬
‫اب ال تَـغيلْوا غيف غدبنغ ْك يم [النساء‪.]171:‬‬ ‫‪ - 4‬الغلو‪ :‬قال تعاىل‪ :‬اي أ يَهل ال غ‬
‫يكتَ غ‬
‫َ َ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ‬
‫اَّلل لَ َما َر َع يو َها َح َّق غر َعابَت َها‬ ‫اء غر ي‬
‫ض َوان َّ‬ ‫غ‬
‫اها َعلَيي غه يم إالَّ ابيتغَ َ‬ ‫‪ - 5‬الرهبانية‪َ :‬وَر يهبَانغيَّة ابيـتَ َد ْع َ‬
‫وها َما َكتَـ يبـنَ َ‬
‫[احلدبد‪.]27:‬‬
‫غ‬ ‫ون َّغ‬ ‫‪ - 6‬جعل حق التشربع لغَر هللا‪َّ :‬اختَ ْذوا أَحبارْهم ور يهب َاهنْم أَراباب غمن ْد غ‬
‫يح ابي َن َم يرَميَ‬‫اَّلل َوال َيمس َ‬ ‫ي َ َ ي َ ْ َ ي يَ ي‬
‫[التوبة‪.]31:‬‬
‫َّخ َذ َّن َعلَيي غه يم َم يس غجدا [الكهف‪.]21:‬‬ ‫ال الَّ غذبن يَلَبوا َعلَى أَم غرغهم لَنَـت غ‬ ‫‪ - 7‬حكم األيلبية‪ :‬قَ َ‬
‫ي ي‬ ‫َ ْ‬
‫ت‬ ‫س ي‬ ‫ارى لَيي َ‬ ‫َّص َ‬
‫ت الن َ‬ ‫ارى َعلَى َش يي ٍء َوقَالَ ي‬ ‫َّص َ‬‫ت الن َ‬ ‫س ي‬ ‫ود لَيي َ‬
‫ت الييَـ ْه ْ‬ ‫‪ - 8‬احتقار ما عند اَخصم‪َ :‬وقَالَ ي‬
‫ود َعلَى َش يي ٍء [البقر ‪.]113:‬‬ ‫الييَـ ْه ْ‬
‫غ‬ ‫غ غ غ‬
‫يم بَـ يغيا بَـ ييـنَـ ْهم [اجلاثية‪.]17:‬‬ ‫اء ْه يم اليعل ْ‬ ‫‪ - 9‬االرتماف بسبب البغي‪ :‬لَ َما ا يرتَـلَ ْفوا إالَّ م ين بَـ يعد َما َج َ‬
‫ات [آل عمران‪.]105:‬‬ ‫اء ْه يم اليبَـيغنَ ْ‬ ‫غ غ‬ ‫َّ غ‬
‫بن تَـ َف َّرقْوا َوا يرتَـلَ ْفوا م ين بَـ يعد َما َج َ‬ ‫‪ - 10‬التفرق‪َ :‬وال تَ ْكونْوا َكالذ َ‬
‫َر َسبغ غ‬ ‫غ‬ ‫الرس َ غ غ‬ ‫‪ - 11‬البعد عن سبيل املممنني‪ :‬ومن ب َ غ‬
‫يل‬ ‫ني لَهْ ا يهلَْدى َوبَـتَّب يع يَ ي َ‬‫ول م ين بَـ يعد َما تَـبَ َّ َ‬ ‫شاق يق َّ ْ‬ ‫ََ ي ْ‬
‫صَرا [النساء‪.]115 :‬‬ ‫تم غ‬ ‫اليم يمغمنغني نْـولغ غه ما تَـو َّىل ونْ ي غ غ‬
‫اء ي َ‬ ‫َّم َو َس َ‬
‫صله َج َهن َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬
‫وك َع ين بَـ يع غ‬
‫ض‬ ‫اح َذ يرْه يم أَ ين بَـ يفتغنْ َ‬
‫اء ْه يم َو ي‬ ‫غ‬ ‫أنز َل َّ‬
‫اَّللْ َوال تَـتَّب يع أ يَه َو َ‬ ‫اح ْك يم بَـ ييـنَـ ْه يم غمبا َ‬
‫‪ - 12‬اتباع اهلوى‪َ :‬وأَ ين ي‬
‫ك [املا د ‪.]49:‬‬ ‫اَّللْ إغلَيي َ‬
‫أنز َل َّ‬
‫ما َ‬
‫اَّلل َوَما نَـ َز َل غم ين ا يحلَ غق َوال بَ ْكونْوا‬ ‫وهبم لغ غذ يك غر َّغ‬
‫ش َع قْـلْ ْْ ي‬ ‫آمنْوا أَ ين َختي َ‬ ‫بن َ‬
‫غغغ‬
‫‪ - 13‬قسو القلوب‪ :‬أََملي َأيين للَّذ َ‬
‫وهبم وَكثغَر غم ينـهم لَ غ‬ ‫اب غم ين قَـ يب ْل لَطَ َ‬ ‫غ‬ ‫َّ غ‬
‫اس ْقو َن‬ ‫ت قْـلْ ْْ ي َ ٌ ْ ي‬ ‫س ي‬ ‫ال َعلَيي غه يم األ ََم ْد لَـ َق َ‬ ‫بن أْوتْوا اليكتَ َ‬ ‫َكالذ َ‬
‫[احلدبد‪.]16:‬‬

‫(‪)399/1‬‬

‫املطلب الثاين‪َ :‬ناذج من احنرالات النصارى‪ ،‬من السنة‪ - 1 :‬الفتنة ابلنساء‪ :‬قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪(( :‬لاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ لإن أول لتنة بين إسرا يل كانت يف النساء)) (‪ - 2.)1‬كثر‬
‫السمال‪ ،‬واالرتماف على األنبياء‪ :‬كما يف صحيح مسلم عن أيب هربر قال‪(( :‬ذروين ماتركتكم؛ لإَنا‬
‫أهلك من كان قبلكم بكثر سماهلم وارتمالهم على أنبيا هم؛ لإذا أمرتكم بشيء لأتوا منه ما‬
‫استطعتم‪ ،‬وإذا هنيتكم عن شيء لدعوه)) (‪ - 3.)2‬التشدد‪ :‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ال‬
‫شدَّد عليكم؛ لإن قوما شدَّدوا على أنفسهم؛ لشدَّد هللا عليهم‪ ,‬لتلك‬ ‫غ‬
‫تشددوا على أنفسكم ليْ َ‬
‫بقاايهم يف الصوامع والداير)) (‪ - 4.)3‬التفرقة العنصربة‪ :‬كما جاء يف الصحيحني عن عا شة رضي‬
‫هللا عنها‪(( ،‬أن قربشا أمههم شأ ْن املرأ املخزومية اليت سرقت‪ ،‬لقالوا‪ :‬ومن بكلم رسول هللا؟ لقالوا‪:‬‬
‫حب رسول هللا؟‪ .‬لكلَّمه أسامة‪ ،‬لقال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫ومن جيرتئ عليه إال أسامة بن زبد ُّ‬
‫وسلم‪ :‬أتشفع يف حد من حدود هللا؟‪ .‬مث قا لارتطب‪ ،‬مث قال‪ :‬إَنا أهلك من كان قبلكم أهنم كانوا‬
‫إذا سرق ليهم الشربف تركوه‪ ،‬وإذا سرق ليهم الضعيف أقاموا عليه احلد‪ ،‬وأمي هللا لو أن لاطمة بنت‬
‫حممد سرقت لقطعت بدها)) (‪ - 5.)4‬اختاذ القبور مساجد‪ :‬كما يف حدبث جندب بن عبدهللا‬
‫البجلي يف صحيح مسلم‪(( :‬أال وإن من كان قبلكم كانوا بتخذون قبور أنبيا هم وصاحليهم مساجد‪،‬‬
‫أال لما تتخذوا القبور مساجد‪ ،‬إين أهناكم عن ذلك)) (‪.)5‬‬
‫ومع ذلك البيان اجللي والنهي الشدبد عن التشبه هبم‪ ،‬لقد وقعت طوا ف كثَر من هذه األمة ليما‬
‫وقع به أهل الكتاب وهللا املستعان‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص‪148 - 145‬‬
‫_________‬
‫(‪ ]74[(( )1‬رواه مسلم (‪.)2742‬‬
‫(‪ ]75[(( )2‬مسلم (‪.)1337‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود (‪ )4904‬وأبو بعلى (‪ )3694( )365 /6‬و ((األوسط)) (‪ )258 /3‬قال‬
‫البوصَري يف ((اإلحتاف)) (‪ )84 /4‬إسناده صحيح‪ .‬وأورده األلباين يف ((الصحيحة)) برقم‬
‫(‪)3214‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري (‪ ،)3475‬ومسلم (‪.)1688‬‬
‫(‪ )5‬مسلم (‪.)532‬‬

‫(‪)400/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬عماقة النصارى ابليهود وعداؤهم لإلسما ‪:‬‬


‫أرسل هللا سبحانه وتعاىل املسيح عيسى عليه السما إىل بين إسرا يل متمما رسالة موسى عليه‬
‫السما ‪ ،‬ومصححا ما حرله اليهود ليها‪ ،‬إال أن اليهود انصبوه العداء‪ ،‬وكذبوه‪ ،‬وأَ ييروا به احلكا ‪,‬‬
‫وحاولوا قتله‪.‬‬
‫بل ادعوا قتله وصلبه عليه السما ‪.‬‬
‫ومنذ ذلك احلني والعداو بني اليهود والنصارى على أَ ْش غدها‪ ,‬وقد بل ذلك العداء قمته قدميا عندما‬
‫اعتنقت الدولة البيزنطية العقيد النصرانية‪ ،‬لعملت بعد ذلك على قتل اليهود‪ ،‬وتشربدهم‪،‬‬
‫ومماحقتهم‪ .‬وابلريم من تلك العداو واالرتماف‪ ،‬وقيا بعضهم بتكفَر بعض‪ ،‬إال أن ذلك بزول‬
‫وخيتفي أثره‪ ،‬بل َحيْ ُّل حملَّه الوائ ْ إذا كان عدو الطرلني اإلسما أو املسلمني (‪.)1‬‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫وهذا مصداق لقوله تعاىل‪ :‬اي أَبُّـها الَّ غذبن آمنْوا ال تَـت غ‬
‫ض ْه يم أ يَوليَاءْ‬
‫اء بَـ يع ْ‬
‫ارى أ يَوليَ َ‬
‫َّص َ‬
‫ود َوالن َ‬
‫َّخ ْذوا الييَـ ْه َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض [املا د ‪ ]51:‬وليس يف اتربخ العداوات عداو متاثل شراستها وأبدبتها ذلك النوع الذي تواجه‬ ‫بَـ يع ٍ‬
‫اليهود والنصارى األمةَ اإلسماميةَ (‪.)2‬ومل بكن الرضا عن اليهود متفقا عليه من قبل مجيع‬ ‫غ‬ ‫ف‬
‫به طوا ْ‬
‫النصارى‪ ،‬بل إن هناك من النصارى املتعصبني من بقف ضد اليهود؛ لقد طردوا من إجنلرتا عا‬
‫(‪ ، )1290‬ومن لرنسا عا (‪ ، )1390‬ومن النمسا سنة (‪ ، )1420‬ومن إسبانيا سنة‬
‫(‪ )1692‬وذلك من قبل حماكم التفتيش اليت أقيمت ضد املسيحيني واليهود على السواء‪ ،‬مث‬
‫أررجوا من أملانيا عا (‪ ، )1719‬ومن روسيا سنة (‪ ، )1727‬مث جاء هتلر لقتل منهم من قتل‬
‫(‪.)3‬‬
‫وإزاء هذه العداو العنيفة‪ ،‬وهذا االضطهاد العظيم‪ -‬رصوصا وأهنم بزعمون أهنم شعب هللا املختار‪-‬‬
‫جداي ابلتخلص من تلك العداو اليت تقف أما كثَر من َمططاهتم‪.‬‬
‫لكروا ًّ‬
‫رصوصا وأن أوراب كانت تعاين من اَخواء الروحي‪ ،‬والطغيان الكنيسي بكالة ألوانه؛ لسلكوا يف هذا‬
‫املوضوع رطوات عدبد منها‪:‬‬
‫تظاهر كث ٍَر من حاراماهتم وعلما هم ابلدرول يف النصرانية‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ - 2‬إنشاء املنظمات السربة كالصهيونية‪ ،‬واملاسونية ويَرها اليت كانت ترلع شعارات احلربة واإلراء‬
‫واملساوا ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إحداث الثورات ضد الكنيسة أو استغماهلا إذا قا هبا يَرهم‪ ،‬ومن ذلك ما قا به مارتن لوثر‬
‫ضد الكنيسة الغربية الكاثوليكية يف مطلع القرن السادس عشر امليمادي‪ ،‬وكذلك الثور الفرنسية‬
‫اليت قا هبا انبليون عا (‪ , )1789‬واليت كانت تنادي بنفس شعارات املاسونية‪ :‬احلربة واإلراء‬
‫واملساوا ‪ - 4.‬السعي للسيطر االقتصادبة على الدول األوربية (‪.)4‬‬
‫وقد حصل اليهود على نتا ج مهمة‪ ،‬واستغلوا الفرصة اليت أاتحها هلم نفور األوربيني من دبنهم‪.‬‬
‫ومن تلك النتا ج اليت َّ‬
‫حققها اليهود من وراء َمططاهتم ما بلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬علمنة احليا يف أوراب‪ ،‬حيث أْقصي الدبن املسيحي عن احليا متاما‪.‬‬
‫‪ - 2‬متكن اليهود من تَـبَـ ُّوء مناصب ومواقع رليعة يف احلكومات الغربية مل بكونوا حيلمون هبا يف‬
‫عصور االضطهاد‪.‬‬
‫‪ - 3‬السيطر التامة على االقتصاد الغريب وثرواته‪ ،‬بل وعلى اقتصاد وثروات العامل‪.‬‬
‫‪ - 4‬كسر حد العداء لليهود عند األوربيني‪ - 5.‬متكن اليهود من إحياء التحالف اليهودي النصراين‬
‫مر أررى ضد اإلسما (‪.)5‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬موقف أصحاب األهواء والفرق من السنة النبوبة ورواهتا‪ :‬جذورهم ووسا لهم وأهدالهم قدميا‬
‫وحدبثا)) د‪ .‬حممد بن مطر الزهراين (ص ‪.)32‬‬
‫(‪(( )2‬العلمانية)) د‪ .‬سفر احلواِل‪( .‬ص ‪.)528‬‬
‫(‪ )3‬انظر ((موقف أصحاب األهواء والفرق من السنة النبوبة ورواهتا)) (ص ‪.)33‬‬
‫(‪ )4‬انظر ((موقف أصحاب األهواء والفرق)) (ص ‪.)33‬‬
‫(‪ )5‬انظر ((موقف أصحاب األهواء والفرق)) (ص ‪.)34‬‬

‫(‪)401/1‬‬

‫بقول الشيخ الدكتور سفر احلواِل ‪ -‬حفظه هللا ‪ :-‬ومنذ أن أحكمت اليهودبة العاملية أنشوصتها‬
‫على العامل الغريب الذي أوقعته أسَرا يف شباكها األرطبوطية اختذت العداو مسارا واحدا حتفزه الروح‬
‫الصليبية‪ ،‬وتوجهه األلعى اليهودبة؛ لقد تشابكت‪ ،‬وتدارلت مصاحل الطرلني‪ .‬وكان الغرب الصليَب‬
‫مستعدًّا للتخلي عن كل حقد وعداو إال عداوته لإلسما يف حني كانت اَخطط التلمودبة ترو‬
‫تسخَر العامل الصليَب بعد أن شلَّت قواه‪ ،‬وركبت رأسه للقضاء على عدوها األكرب اإلسما (‪.)1‬‬
‫وبقول الشيخ ‪ -‬حفظه هللا ‪ :-‬وُتدر اإلشار إىل أن رطة العمل املوحد املشرتك بني الصليبية‬
‫واليهودبة أصبحت لزاما وواجبا على كما الطرلني بعد املوقف الصلب الذي واجه به السلطان عبد‬
‫احلميد هرتزل؛ إذ تعني بعدها أن القضاء على اَخمالة اإلسمامية ضروري ملصلحة الفربقني‪ :‬النصارى‬
‫الذبن كانت هلم دوهلم االستعماربة تتحني الفرصة لَلرذ بثأر احلروب الصليبية‪ ،‬واليهود الذبن أبقنوا‬
‫أن لشلهم مع السلطان بستوجب الرتكيز على العامل الصليَب‪ ،‬وتسخَره ملآرهبم التلمودبة‪ .‬وبلغت‬
‫اَخطة ذرو التوحد بعد قرار اجملمع املاسوين الذي بنص على ترب ة اليهود من د املسيح عليه‬
‫السما ‪ ،‬والذي كان بهدف إىل حمو كل أثر عدا ي مسيحي لليهود‪ ،‬وابلتاِل إجياد كتلة بهودبة نصرانية‬
‫واحد جملاهبة اإلسما (‪.)2‬‬
‫وهكذا جند أن اليهود والنصارى متعادون متناحرون ال جيمعهم سوى مصاحلهم‪ ،‬وأعظم مصلحة‬
‫جيتمعون عليها هي عداء اإلسما واملسلمني‪.‬‬
‫وما نراه اليو من حتالف بني أمربكا وإسرا يل‪ ,‬وما وعد بلفور املشمو إال َنوذج لذلك التحالف‪.‬‬
‫تبىن بعض النصارى يف أمربكا وأوراب لكر وجود إسرا يل احلدبثة على أهنا حتقيق لنبوآت الكتاب‬
‫وقد َّ‬
‫املقدس‪ ،‬وعمامةٌ على قرب عود املسيح إىل األرض اثنية؛ حيث إهنم بعتقدون أن املسيح سينزل يف‬
‫آرر الزمان‪ ،‬وهم متفقون مع املسلمني يف هذه القضية إال أن اليهود ‪ -‬خببثهم ومكرهم وبغباء‬
‫حولوا هذه القضية لصاحلهم؛ لاليهود بعتقدون مبجيء ْم ينـتَظر؛ ألهنم بعتقدون أن عيسى‬
‫النصارى‪َّ -‬‬
‫كذاب دجال‪.‬‬ ‫عليه السما َّ‬
‫أما املنتظر الذي بنتظرونه لهو ‪ -‬ملك السما ‪ -‬كما بزعمون‪ ،‬ويف احلقيقة هو املسيح الدجال‪.‬‬
‫يرروا ابلنصارى‪ ،‬وقالوا‪ :‬البد أن نعمل مبا اتفقنا عليه‪ ،‬وهو أن املسيح سينزل‪ ,‬أما من هو‬
‫ومن هنا َّ‬
‫املسيح الذي سينزل لسنرتكه جانبا؛ لاليهود بعتقدون أبن النصارى سينتهون إذا جاء منتظرهم‪،‬‬
‫والنصارى بعكسهم‪ ،‬حيث بعتقدون أبن املسيح إذا نزل سيقتل كل من مل بدرل يف املسيحية‪.‬‬
‫ومن املممترات اليت عقدت هبذا الصدد املممتر املسيحي الصهيوين الدوِل الذي عقد يف إبربل عا‬
‫(‪ , )1988‬يف إسرا يل‪ ،‬وألقى ليه إسحاق شامَر ر يس الوزراء بنفسه كلمة االلتتاح‪.‬‬
‫ويف كلمته اليت اتسمت ابلعاطفة واحلماسة أكد شامَر ‪ -‬وبكل وضوح ‪ -‬استمراره يف تثبيت أركان‬
‫الدولة الصهيونية‪ ،‬ومقاومة الفلسطينيني بكل الوسا ل‪ .‬ويف هنابة كلمته وقف كل املستمعني لتحيته‪،‬‬
‫وذلك حينما دعاهم ألن بدعوا كل مسيحيي العامل لتعضيد دولة إسرا يل (‪.)3‬ويف هذا املممتر قال‬
‫أحد القساوسة املشاركني ليه‪ ،‬وهو (لان درهوليه) قال‪ :‬إن الكنيسة اليت ال تتبع هذا الطربق ‪َ -‬تبيد‬
‫إسرا يل ‪ -‬سوف تنتهي مثل الدران (‪.)4‬‬
‫ولعلنا جند من امار ذلك ما تقو به الدول الغربية من محابة ملصاحل اليهود‪ ،‬واحلرص على هجرهتم‪،‬‬
‫وتشجيعها‪ ،‬وتسهيل ذلك‪ ،‬أو حماولة ختفيف عداء املسلمني لليهود‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬العلمانية)) (ص ‪.)532‬‬
‫(‪(( )2‬العلمانية)) (ص ‪.)534‬‬
‫(‪ )3‬انظر ((جملة اجملتمع)) (ص‪ ,23‬العدد ‪.)982‬‬
‫(‪(( )4‬جملة اجملتمع)) (ص ‪ ,23‬العدد ‪.)982‬‬

‫(‪)402/1‬‬
‫وابلريم من هذا التحالف إال أننا جند بني الفينة واألررى من بعارضه من النصارى‪ ،‬وبعده أضحوكة‬
‫بهودبة؛ لكي بستغلوا النصارى يف تنفيذ َمططاهتم التلمودبة‪.‬‬
‫ومن همالء الكتاب الذبن كتبوا عن هذا املوضوع قس مصري امسه إكرا ملعي‪ ،‬وبنتمي للكنيسة‬
‫اإلجنيلية‪ ،‬وله كتاب امسه (االررتاق الصهيوين للمسيحية)‪.‬حيث َّبني ليه مدى االستغمال الصهيوين‬
‫اليهودي للدبن املسيحي؛ لتحقيق األطماع واألحما (‪.)1‬‬
‫ومن رمال ما مضى ميكن إمجال عماقة النصارى مع اليهود مبا بلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أهنم أهل كتاب كما مسَّاهم هللا تعاىل وكتاهبم الذي جيمعهم هو الكتاب املقدس إال أن اليهود ال‬
‫بممنون ابألانجيل يف آرره‪.‬‬
‫‪ - 2‬أهنم متعادون ليما بينهم عداء شدبدا‪ ،‬وأهم ما جيمعهم عداء املسلمني؛ حسدا من عند‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬أهنم متفقون مع اليهود يف عقيد املسيح املنتظر الذي سينزل يف آرر الزمان‪ ،‬وأن مكان نزوله‬
‫يف للسطني‪.‬‬
‫ولكنهم خيتلفون يف ماهية هذا املنتظر؛ لاليهود بزعمون أنه ملك السما الذي سيحكم األرض‪،‬‬
‫وبقتل كل من سوى اليهود‪.‬‬
‫والنصارى بعتقدون أنه املسيح عليه السما ‪ ،‬وأنه سيدرل مجيع الناس يف النصرانية ومن رلض قتله‪.‬‬
‫واحلقيقة أهنم بنتظرون املسيح الدجال‪ ،‬والنصارى بنتظرون مسيحا ومهيًّا ال حقيقة له‪.‬‬
‫واملسلمون بنتظرون املسيح عليه السما ؛ ليحكم بشرع حممد وميَل األرض عدال كما ملئت جورا‬
‫وقد حققوا من جراء هذا التحالف الشيء الكثَر‪ ،‬كاإلطاحة ابَخمالة اإلسمامية‪ ،‬وابحتمال اليهود‬
‫لفلسطني‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص‪162 - 157‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((جملة اجملتمع)) (ص ‪ ,23‬عدد ‪.)982‬‬

‫(‪)403/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬عداو النصارى للمسلمني‪ ،‬وموقفهم منهم‪:‬‬


‫أ‪ -‬يف القدمي‪ :‬منذ أن ظهر دبن اإلسما وأهل الكتاب بكيدون هلذا الدبن ولنبيه‪ ،‬وبرتبصون ابملممنني‬
‫الدوا ر‪.‬‬
‫وقد أررب هللا ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬عن عداوهتم للمسلمني‪ ،‬وأهنا من سننه الكونية‪ ،‬قال هللا تعاىل‪َ :‬وال‬
‫غ‬
‫اعوا [البقر ‪.]217:‬‬ ‫استَطَ ْ‬ ‫بَـ َزالْو َن بْـ َقاتغلْونَ ْك يم َح َّىت بَـ ْردُّوْك يم َع ين دبنغ ْك يم إغ ين ي‬
‫سدا غم ين غع ين غد أَن ْف غس غه يم‬ ‫غ غغ غ‬ ‫غ غ‬
‫َر م ين أ يَه غل اليكتَاب لَ يو بَـ ْردُّونَ ْك يم م ين بَـ يعد إميَان ْك يم ْك َّفارا َح َ‬
‫وقال‪ :‬و َّد َكثغ غ‬
‫َ ٌ‬
‫[البقر ‪.]109:‬‬
‫ني أَ ين بْـنَـ َّز َل َعلَيي ْك يم غم ين َر يٍَر غم ين َربغ ْك يم‬‫غ‬ ‫يكتَ غ‬
‫اب َوال ال ْيم يش غرك َ‬
‫وقال‪ :‬ما بـو ُّد الَّ غذبن َك َفروا غمن أ يَه غل ال غ‬
‫َ ْ ي‬ ‫َ ََ‬
‫[البقر ‪.]105:‬‬
‫ود َوال‬
‫ك الييَـ ْه ْ‬
‫ضى َع ين َ‬
‫وجل‪َ :‬ولَ ين تَـ ير َ‬
‫عز َّ‬
‫وأررب تعاىل أهنم ال بقنعون بشيء حىت نتبعهم يف دبنهم‪ ,‬قال َّ‬
‫ارى َح َّىت تَـتَّبغ َع غملَّتَـ ْهم [البقر ‪.]120:‬‬
‫َّص َ‬
‫الن َ‬
‫ولقد وقف النصارى من املسلمني موقف املعادي املبغض الشانئ‪ ,‬وحاولوا بكل ما أوتوا من قو على‬
‫مر العصور أن بردوا هذه األمة عن دبنها‪ ,‬وسلكوا يف هذا السبيل طرا ق شىت‪ ،‬ورططا َمتلفة مما مة‬ ‫غ‬
‫لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫لفي املاضي قاموا حبرب املسلمني ويزوهم يف بمادهم‪ ،‬مع أهنم كانوا بنعمون يف ظل عدالة الدولة‬
‫اإلسمامية أكثر ِما بلقونه حتت حكم النصارى أنفسهم‪.‬‬
‫وما احلروب الصليبية عنا ببعيد‪ ،‬تلك احلروب اليت استمرت قرنني من الزمان (‪490‬هـ ‪ )690-‬هـ‪،‬‬
‫واليت قامت بني املسلمني يف املشرق العريب وبني الصليبيني القادمني من أوراب؛ الحتمال بيت املقدس‬
‫وبماد الشا ومصر‪ ،‬والقضاء على اإلسما ‪ ،‬ووق غ‬
‫يف انتشاره يف أوراب‪.‬‬ ‫ََ‬
‫وهي حروب دبنية شنَّتها أوراب النصرانية احلاقد بدعوى حتربر القدس من املسلمني‪ ،‬واحلقيقة أهنا‬
‫قامت إلذالل املسلمني‪ ،‬وريبة يف القضاء على اإلسما ‪.‬‬
‫وبذكر املمررون أن لتلك احلرب أسبااب كثَر ‪ ،‬ولعل أمهها وأجماها وأوضحها ما بلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬احلقد الصليَب‪ ،‬والعداء لإلسما ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما أاثره الرهبان والبابوات يف نفوس النصارى يف أوراب‪ ,‬ومن تلك اإلاثرات ما قا به القدبس‬
‫بطرس؛ حيث أرذ جيوب أوراب على محاره‪ ،‬وحيرض األوابش والعوا على حتربر القدس‪ ,‬واالستعداد‬
‫لنزول املسيح‪.‬‬
‫‪ - 3‬ريبة النصارى يف التوسع‪.‬‬
‫‪ - 4‬ريبة البااب أورابن الثاين يف توحيد الكنيستني الشرقية والغربية‪ ,‬وحماولته مجع النصارى حتت‬
‫هدف مشرتك‪ ،‬وهو قتال املسلمني‪ ,‬ويزوهم يف بمادهم‪ ،‬وذلك عندما دعا البااب أورابن الثاين إىل‬
‫مممتر (كلَرمونت)‪ ،‬وألقى ليه كلمة مشهور مَلها ابهلجو على املسلمني‪ ،‬وإاثر األحقاد يف نفوس‬
‫النصارى‪ ,‬مث أررج يف هنابة اَخطبة صليبا‪ ،‬وعلَّقه على صدره‪ ,‬ودعا احلاضربن إىل تعليقه والدلاع‬
‫عنه‪.‬‬
‫هذه ‪ -‬إبمجال‪ -‬أسباب احلروب الصليبية‪.‬‬
‫وبعد ذلك بدأت أول محلة عا (‪ )490‬هـ‪ ,‬بقياد (جود لري درميوند)‪ ،‬واستوىل على كثَر من بماد‬
‫الشا ‪ ،‬مث تتابعت احلممات‪ ،‬واستولوا على كثَر من بماد املسلمني‪ ،‬وأمهها بيت املقدس عا (‪)492‬‬
‫هـ‪ ,‬وما كانوا ليستطيعوا لعل ذلك لوال أن املسلمني متناحرون متفككون بشتغل بعضهم ببعض‪.‬‬
‫شر قتلة يف كثَر من األماكن‪ ،‬ورصوصا يف بيت‬
‫عند ذ قا النصارى بتلك احلروب‪ ،‬وقتلوا املسلمني َّ‬
‫املقدس؛ حيث مثَّلوا يف القتلى‪ ،‬للم بوقروا كبَرا‪ ،‬ومل برمحوا صغَرا‪ ,‬حىت النساء مل تسلم منهم‪ ،‬بل إن‬
‫الزهاد والعباد الذبن انقطعوا للعباد يف بيت املقدس مل بسلموا منهم‪ ,‬حىت إن اَخيل ياصت إىل‬
‫الركب من جثث القتلى؛ حيث قتل اخآالف من أهل تلك البماد‪.‬‬

‫(‪)404/1‬‬

‫ومهما بكن من شيء لإن املسلمني آنذاك كانوا بعرلون الداء والدواء؛ لالداء بكمن يف بعدهم عن‬
‫دبنهم وعقيدهتم‪ ,‬والدواء ابلرجوع إىل ذلك‪ ,‬لهم بعرلون سبيل العز ‪.‬‬
‫وملاَّ كانت تلك اجلذو تتحرك يف قلوهبم؛ وملا كانوا بتَّهمون أنفسهم وبلقون ابلما مة عليها‪ ،‬كان ذلك‬
‫بدابة طربق العز ‪.‬‬
‫ومن هنا تعالت صيحات اجلهاد‪ ،‬وارتفعت الدعوات مطالبة ابستعاد األراضي‪ ،‬وطرد ْعبَّاد الصليب‪,‬‬
‫ولذلك سادت الروح اجلهادبة يف ذلك العصر‪ ,‬وجند أن الشعراء قد وقفوا شعرهم على شعر اجلهاد‬
‫وحتربك اهلمم‪ ،‬كما جند ذلك يف قصيد أيب املظفر األبيوردي اليت قاهلا حمرضا على اجلهاد بعد‬
‫استيماء الصليبيني على بيت املقدس عا (‪ )492‬هـ‪ ,‬بقول‪:‬‬
‫مزجنا دماء ابلدموع السواجم ‪ ...‬للم ببق منا عرضة للمراحم‬
‫وشر سماح املرء دمع بفيضه ‪ ...‬إذا احلرب شبت انرها ابلصوار‬
‫لإبها بين اإلسما إن أمامكم ‪ ...‬وقا ع بـل غ‬
‫يح يق َن ُّ‬
‫الذرى ابملناسم‬ ‫َْ‬
‫وكيف تنا العني ملء جفوهنا ‪ ...‬على هفوات أبقظت كل ان م‬
‫وإروانكم يف الشا بضحى مقيلهم ‪ ...‬ظهور املذاكي أو بطون القشاعم‬
‫تسومهم الرو اهلوان وأنتم ‪ُ ...‬ترون ذبل اَخفض لعل املسامل‬
‫وكم من دماء قد أبيحت ومن ْدمى ‪ ...‬تواري حياء حسنها ابملعاصم‬
‫حبيث السيوف البيض حممر الظُّبا ‪ ...‬ومسر العواِل داميات اللهاز‬
‫ع بعدها سن اند‬ ‫ليسلم بقر ي‬ ‫ب عن يمارها ‪...‬‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫وتلك حروب من بَغ ي‬
‫لليتهم إن مل بذودوا محية ‪ ...‬عن الدبن ضنوا يَر ابحملار‬
‫وإن زهدوا ابألجر إذ محي الويى ‪ ...‬لهما أتوه ريبة يف الغنا م‬
‫لإن أنتم مل تغضبوا بعد هذه ‪ ...‬رمينا إىل أعدا نا ابجلرا م‬
‫ومن ذلك قول ابن اجملاور ببكي القدس‪:‬‬
‫اخآصال ابلبكرات‬
‫َ‬ ‫أعيين ال ترقي من العربات ‪ ...‬صلي يف البكا‬
‫إىل أن بقول‪:‬‬
‫البماد أبسرها ‪ ...‬وتعلن ابألحزان والرتحات‬
‫بك على القدس ْ‬ ‫لتَ غ‬
‫لتَ غ‬
‫بك عليها مكةٌ لهي أرتها ‪ ...‬وتشكو الذي القت إىل عرلات‬
‫لتَ غ‬
‫بك على ما حل ابلقدس طيبة ‪ ...‬وتشرحه يف أكر احلجرات‬
‫وهكذا جند أن روح اجلهاد سرت يف ذلك العصر‪ ,‬مث قيَّض هللا ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬رجاال مممنني‬
‫َملصني جماهدبن‪ ،‬كأمثال عماد الدبن زنكي‪ ,‬ونور الدبن حممود‪ ،‬وصماح الدبن ‪ -‬رمحهم هللا أمجعني‬
‫‪ -‬لاستعاد املسلمون بعد ذلك ما أرذه الصليبيون‪ ،‬واسرتدوا بيت املقدس‪ ,‬وال بنسى الصليبيون‬
‫موقف صماح الدبن منهم عندما عفا عنهم بعد أن قدر عليهم‪.‬‬
‫بنس املسلمون شيئا للن بنسوا ما لعله النصارى يف األندلس‪ ,‬تقول الدكتور سينجربد هونكه‪:‬‬
‫وإن َ‬
‫يف (‪ )2‬بنابر (‪ , )1492‬رلع الكاردبنال (دبيدر) الصليب على احلمراء القلعة امللكية لَلسر‬
‫الناصربة؛ لكان ذلك إعماان ابنتهاء حكم املسلمني على إسبانيا‪ ,‬وابنتهاء هذا احلكم ضاعت تلك‬
‫احلضار العظيمة اليت بسطت سلطاهنا على أوراب طوال القرون الوسطى‪.‬‬
‫وقد احرتمت املسيحية املنتصر اتفاقاهتا مع املسلمني لفرت وجيز ‪ ،‬مث ابشرت عملية القضاء على‬
‫املسلمني وحضاراهتم وثقالتهم‪ .‬لقد ْح غر اإلسما على املسلمني‪ ،‬ولرض عليهم تركه‪ ،‬كما غ‬
‫حر عليهم‬
‫استخدا اللغة العربية واألمساء العربية‪ ،‬وارتداء اللباس العريب‪ ,‬ومن خيالف ذلك كان حيرق حيًّا بعد‬
‫عذب أشد العذاب (‪.)1‬‬ ‫أن بْ َّ‬
‫وهكذا غ‬
‫قوضت أطناب الدولة اإلسمامية يف األندلس‪ ،‬وانتهى اإلسما من تلك الربوع اليت رلرلت‬
‫ببق مسلم واحد يف إسبانيا بظهر دبنه‪.‬‬
‫ليها رابته امانية قرون‪ ،‬للم َ‬
‫ويَر ٍ‬
‫راف ما قامت به حماكم التفتيش من التفنن يف أساليب القتل والوحشية يف املخالفني هلا من‬
‫املسيحيني‪ ،‬لضما عن املسلمني‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬قاد الغرب بقولون دمروا اإلسما أبيدوا أهله))‪ ،‬جلمال العامل (ص‪.)12‬‬

‫(‪)405/1‬‬

‫لمن ذلك أهنم وضعوا يرلا ليها آالت رهيبة للتعذبب‪ ،‬منها‪ :‬آالت لتكسَر العظا ‪ ،‬وسحق اجلسم‬
‫البشري‪ ,‬وكانوا ببدؤون بسحق عظا األرجل‪ ،‬مث عظا الصدر والرأس واليدبن تدرجييًّا حىت بهشم‬
‫اجلسم كله‪ ،‬وخيرج من اجلانب اخآرر كتلة من العظا املسحوقة‪ ،‬والدماء املمزوجة ابللحم املفرو ‪.‬‬
‫ومن ذلك أن هناك آلة للتعذبب على شكل اتبوت تثبت ليه سكاكني حاد بلقى هبا املعَّذب‪ ،‬مث‬
‫بطبقون اببه ورناجره‪ ,‬لإذا أيلق َم َّزق جسم املعذب املسكني وقطَّعة إراب إراب‪ .‬وهناك آالت‬
‫كالكماليب تغرز يف لسان املعذب مث تشد ليخرج منها اللسان (‪.)1‬‬
‫مث بعد ذلك كان هناك تفكَر ذكي اتعظ ابهلزا م العسكربة املتماحقة اليت مين هبا الغرب‪َّ ،‬‬
‫ونقب عن‬
‫السر العظيم لصمابة املسلمني‪ ،‬وانتفاضتهم املفاجئة‪ ،‬ووجد السر لعما؛ أنه اإلسما نفسه وال شيء‬
‫لكر الغرب يف حتطيم تلك القو وذلك الرصيد يف نفوس املسلمني‪ ،‬ووضع رطته اَخبيثة‬ ‫سواه‪ .‬ولقد َّ‬
‫بناء على النتيجة‪ ,‬رطة ال تقو على إابد املسلمني‪ ،‬وال على احتمال أراضيهم‪ ،‬وإَنا تقو على إابد‬
‫اإلسما نفسه‪ ،‬واقتماعه من نفوس أبنا ه وضما رهم‪ ،‬أو تقليص دا رته‪ ،‬وعزله عن واقع احليا (‪.)2‬‬
‫وبدؤوا ابلسَر حثيثا يف سبيل ذلك األمر‪ ،‬وأرذوا بوصية لوبس التاسع الذي أ غ‬
‫ْسر ابملنصور يف‬
‫إحدى احلروب الصليبية‪ ،‬وعندما ررج أوصى قومه أبن بعملوا على إذابة اإلسما من نفوس أهله‪،‬‬
‫ظن أن املسلمني قد انتهوا متاما‪ ،‬أال وهي‬
‫وإطفاء تلك اجلذو اليت ما تفتأ تعود بقو بعد أن بْ َّ‬
‫العقيد ‪.‬‬
‫لطاملا أن جذو العقيد تتقد يف قلوب املسلمني لإهنم لن بهزموا‪ ،‬وإن هزموا لسيعودون مر أررى‪.‬‬
‫لما احلل إذا‪ ،‬وكيف هتز هذه األمة؟‬
‫احلل هو حرب العقيد نفسها‪.‬‬ ‫أرذ الغرب ببحث عن احلل لارَتى أن َّ‬
‫وقد سلكوا يف هذا السبيل وسا ل عدبد امتازت ابلدقة والتنظيم‪ ،‬وتتلَّخص جهودهم يف عد وجوه‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬االستشراق‪.‬‬
‫‪ - 2‬االحتمال العسكري‪.‬‬
‫‪ - 3‬التنصَر (التبشَر)‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص‪168 - 163‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((قاد الغرب)) (ص ‪.)18 - 17 - 16‬‬
‫(‪ )2‬انظر ((العلمانية)) (ص ‪.)535‬‬

‫(‪)406/1‬‬

‫الفصل الثاين عشر‪ :‬النصارى يف التاربخ اإلسمامي‪:‬‬


‫ملا ظهر اإلسما وتوسعت الفتوحات يف عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم واَخلفاء الراشدبن كان‬
‫النصارى قسمني‪:‬‬
‫األول‪ :‬الغالبية منهم درلت اإلسما ‪:‬‬
‫طوعا أو كرها‪ ،‬وهم نصارى اجلزبر العربية والعراق والشا وللسطني‪ ،‬ومصر وألربقية‪ ،‬وكذلك‬
‫النصارى من أهل لارس وما حوهلا من بماد الشرق‪ ،‬وكان النصارى أكثر قبوال لإلسما من اليهود‬
‫واجملوس والوثنيني‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬البقية الذبن مل بدرلوا اإلسما وهم على حالني‪ :‬أ‪ -‬نصارى مل تصلهم الفتوحات اإلسمامية‪،‬‬
‫وهم نصارى أورواب (عدا األندلس وشرق أورواب)‪ ،‬وهمالء مركزهم روما‪ ،‬ومنهم انطلقت اهلجمات‬
‫النصرانية على املسلمني يف الشا ومصر وألربقية أاي احلروب الصليبية وما قبلها وما بعدها إىل عهد‬
‫ما بسمى بـ (االستعمار (‪ )1‬احلدبث) بل وحىت اليو ‪.‬‬
‫ب‪ -‬النصارى الذبن بقوا على نصرانيتهم دارل الدولة اإلسمامية (أهل الذمة) أو حتت الرق‪ ،‬وكان‬
‫هلمالء دور كبَر يف الكيد لإلسما واملسلمني‪ ،‬وكثَرا ما بتضامنون مع اليهود سرا يف ذلك‪ ،‬كما حصل‬
‫يف مقتل عمر رضي هللا عنه والفنت اليت تلت ذلك‪ ،‬كما أن همالء قاموا جبهد كبَر يف غ‬
‫بث املعتقدات‬
‫والشبهات والفلسفات الدريلة على العقيد اإلسمامية‪ ،‬واليت أسفرت عنها الفرق الكمامية‬
‫كالقدربة‪ ،‬واجلهمية‪ ،‬واملعتزلة‪ ،‬والفرق الباطنية‪ :‬كالرالضة‪ ،‬واإلمساعيلية‪ ،‬واحللولية‪ ،‬واالحتادبة‬
‫واالُتاهات الفلسفية‪ ،‬والطرق الصولية‪ ،‬وكل هذه الفرق واملذاهب أثر النصرانية ليها جلي واضح‪.‬‬
‫وللنصارى يف العصر احلدبث أثر كبَر يف يزو املسلمني عسكراي وسياسيا‪ ،‬ولكراي‪ ،‬وأرماقيا‪،‬‬
‫واقتصاداي‪.‬‬
‫‪O‬املوجز يف األداين واملذاهب املعاصر ‪ :‬د‪ .‬انصر العقل ود‪ .‬انصر القفاري – ص‪75‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬هذه التسمية يَر صا بة لاالستعمار هو العمران واإلصماح‪ ،‬واألوىل أن بقال‪ :‬االستعباد أو‬
‫االحتمال‪ ،‬أو االيتصاب‪ ،‬أو التخربب‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫(‪)407/1‬‬

‫الفصل الثالث عشر‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫‪ -‬تنتشر النصرانية اليو يف معظم بقاع العامل‪ ،‬وقد أعاهنا على ذلك االستعمار والتنصَر الذي تدعمه‬
‫ممسسات ضخمة عاملية ذات إمكاانت ها لة‪.‬‬
‫بتضح ِما سبق‪:‬‬
‫‪ -‬مل تكن عقيد التثليث معرولة يف عصر احلواربني (العصر الرسوِل) تقول دا ر املعارف الفرنسية‪:‬‬
‫(وإن تماميذ املسيح األولني الذبن عرلوا شخصه ومسعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد‬
‫األركان الثماثة غ‬
‫املكونة لذات اَخالق‪ ،‬وما كان بطرس حواربه بعتربه أكثر من رجل بوحى إليه من عند‬
‫هللا)‪ .‬وتستشهد على ذلك أبقوال قدماء املمررني مثل جوسنت ماراسرت من القرن الثاين امليمادي‪،‬‬
‫حيث غ‬
‫بصرح أبنه كان يف زمنه يف الكنيسة مممنون بعتقدون أن عيسى هو املسيح‪ ،‬وبعتربونه إنساان‬
‫تنصر عدد من الوثنيني ظهرت‬
‫حبتا‪ ،‬وأنه كان أرقى من يَره من الناس‪ ،‬وحدث بعد ذلك أنه كلما َّ‬
‫عقا د جدبد مل تكن من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬لضياع النصوص األصلية من األانجيل نتيجة لماضطهاد من جانب‪ ،‬ولماحتكاك والتأثر‬
‫ابلفلسفات واحلضارات الشرقية والوثنية من جانب آرر‪ ،‬محلت الداينة النصرانية احملرلة عوامل‬
‫ارتمالها وتناقض نصوصها‪ ،‬الذي ظهر بشكل واضح من رمال اجملامع املختلفة اليت عقدت لوضع‬
‫أصول الدبن وتشربعاته بشكل مل بَ غرد عن املسيح عليه السما وال عن حواربيه‪.‬‬
‫يَر النصرانية لدرجة‬
‫‪ -‬سيطرت عقا د وألكار بولس على النصرانية؛ بقول دبليو ربد‪( :‬إن بولس قد َّ‬
‫أنه أمسى ممسسها الثاين‪ ،‬إنه يف الواقع ممسس املسيحية الكنسية)‪ .‬وبمبده لوين دنيله‪ ،‬وستون‬
‫استيورت‪ ،‬جيمربلني يف أن بولس أضفى على املسيحية بتمزبقها إطارا يَر اليهودبة‪ ،‬ولذلك ابت‬
‫رالق الكنا س اليت أسست ابسم اليسوع‪ .‬وبقول لوين نيك‪( :‬لو مل بكن بولس لعادت املسيحية لرقة‬
‫من الداينة اليهودبة‪ ،‬وملا كانت داينة كونية)‪.‬‬
‫‪ -‬كل ما ذكر عن براناب وبطرس يف رسا ل بولس لإَنا هي قبل االلرتاق‪ ،‬حيث كان لتماميذ بولس من‬
‫دور كبَر يف إرفاء اترخيهما بعد اَخماف بينهما‪ ،‬وهذا ما أبدته دا ر املعارف‬
‫أمثال لوقا وبوحنا ٌ‬
‫الرببطانية من أن قو نفوذ وأتباع بولس أرفت اتربخ كل من بعارض بولس مثل براناب وبطرس‪.‬‬
‫‪ -‬هناك رسالتان تْنسبان لبطرس بوالق ليهما ألكار بولس‪ ،‬أثبتت دا ر املعارف الرببطانية أهنما ليستا‬
‫مزوراتن عليه حيث تتعلَّق بتاربخ ما بعد موته‪ ،‬ومل تقبلهما كنيسة روما إال يف سنة (‪)264‬‬
‫له‪ ،‬وأهنما َّ‬
‫‪ ،‬بينما اعرتلت هبما اإلسكندربة يف القرن الثالث‪ ،‬وكذلك ابلنسبة للرسالة املنسوبة ليعقوب‪ ،‬بمكد‬
‫العلماء عد صحة نسبتها إليه أبضا حيث أوصى بعقوب بولس أبداء الكفار َخماله شربعة التورا ‪،‬‬
‫وألزمه ابلعمل هبا‪.‬‬
‫‪ -‬مل تْعرف األانجيل األربعة املتفق عليها عند النصارى اليو املعرلة الكاملة قبل جممع نيقية (‪)335‬‬
‫‪ ,‬حيث متَّ ارتيارها من بني عشرات األانجيل‪ ،‬وأما الرسا ل السبع للم بعرتف اجملمع املذكور‬
‫ابلكثَر منها‪ ،‬وإَنا متَّ االعرتاف هبا ليما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬إن تماميذ املسيح عليه السما ليسوا بكتَّاب هذه األانجيل لهي مقطوعة اإلسناد‪ ،‬والنصوص‬
‫املرتجم عنها مفقود ‪ ،‬بل ونصوص اإلجنيل الواحد متناقضة مع بعضها لضما عن تناقضها‬
‫األصلية َ‬
‫مع يَرها من نصوص األانجيل األررى‪ِ ،‬ما ببطل دعوى أهنا ْكتبت إبهلا من هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪ -‬بعد الدراسة املتأنية لنصوص اإلجنيل جند لضما عن التناقضات‪ ،‬ال بني نصوص اإلجنيل الواحد أو‬
‫األانجيل املختلفة لقط‪ ،‬وإَنا بني نصوص األانجيل ورسا ل الرسل املزعومة‪ ،‬وأبضا بينها وبني‬
‫نصوص العهد القدمي ما بدلغل وبمكد التحربف‪ ،‬سواء كان بقصد أو بغَر قصد‪.‬‬

‫(‪)408/1‬‬

‫‪ -‬هناك مئات النصوص يف األانجيل األربعة تدل على أن عيسى إنسان وليس إهلا‪ ،‬وأنه ابن‬
‫اإلنسان‪ ،‬وليس ابن هللا‪ ،‬وأنه جاء رسوال إىل بين إسرا يل لقط‪ ،‬مكمما لشربعة موسى وليس انقضا‬
‫هلا‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك نصوص أررى تدل على أن عيسى مل بْصلب‪ ،‬وإَنا أجناه هللا ورلعه إىل السماء‪ ،‬وتدحض‬
‫كذلك عقيد الغفران‪ ،‬وتبني أن الغفران بْنال ابلتوبة وصماح األعمال‪ .‬وهناك نصوص إجنيلية تمكد‬
‫بشار عيسى ابلرسول حممد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬بل إن هناك نصوصا عدبد يف الرسا ل تثبت زبف زعم بولس أبنه بوحى إليه‪ ،‬وتبني كذلك‬
‫تناقضه مع نفسه ومع عيسى عليه السما ‪.‬‬
‫‪ -‬رأبنا كيف تدرَّلت السياسة واحلكا يف تقربر عقا د الكنيسة وتبدبلها من رمال اجملامع املختلفة‪،‬‬
‫وأن األصل يف اَخماف بني الكنيستني الشرقية والغربية نشأ ال عن موقف عقدي بقدر ما هو حماولة‬
‫إثبات الوجود والسيطر ‪.‬‬
‫إلك النصارى وقوهلم يف مرمي‪ ،‬واعتقادهم‬
‫‪ -‬لقد ذكر هللا سبحانه وتعاىل يف القرآن يف آايت عدبد َ‬
‫غ‬
‫ومصححا عقا دهم‪ ،‬وداعيا إايهم إىل عد الغلو‬ ‫يف املسيح على ارتماف مذاهبهم‪ ،‬مبيغنا احنرالهم‪،‬‬
‫يف الدبن‪ ،‬وأن ال بقولوا على هللا إال احلق‪.‬‬
‫‪ -‬وعموما لإن النصارى بْعتربون ابلنسبة للمسلمني أهل كتاب مثل اليهود‪ ،‬وحكمهم يف اإلسما‬
‫سواء‪ ،‬لقد َّ‬
‫كذبوا برسول هللا وآايته‪ ،‬وأشركوا ابهلل‪ ،‬لهم بذلك كفار هلم انر جهنم رالدبن ليها‪ .‬بقول‬
‫تعاىل‪ :‬إن الذبن كفروا من أهل الكتاب واملشركني يف انر جهنم رالدبن ليها أولئك هم شر الرببة‬
‫[البينة‪ .]6 :‬لكنهم مع ذلك بْعاملون مبا أمر هللا تعاىل به من اإلحسان والرب والقسط إليهم‪ ،‬وأكل‬
‫طعامهم والتزوج من نسا هم‪ ،‬طاملا أهنم مل بقاتلوان يف الدبن‪ ،‬ومل خيرجوان من دايران‪ ،‬لهم أهل ذمة إذا‬
‫عاشوا يف داير املسلمني‪ ،‬ما مل بنقضوا عهدهم‪ ،‬لإن نكثوا عهدهم وُترؤوا على اإلسما واملسلمني؛‬
‫أبن حاولوا الدعو إىل ابطلهم وكفرهم بني أبناء املسلمني‪ ،‬أو طعنوا يف الدبن مثما‪ ،‬لمابد من قتاهلم‬
‫حىت ال تكون لتنة‪ ،‬وبكون الدبن كله هلل‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)409/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬امللكانية‪:‬‬


‫أصحاب ملكا الذي ظهر أبرض الرو واستوىل عليها‪ ،‬ومعظم الرو ملكانية‪ ،‬قالوا‪ :‬إن الكلمة‬
‫احتدت جبسد املسيح‪ ،‬وتدرعت بناسوته‪ .‬وبعنون ابلكلمة‪ :‬أقنو العلم‪ ،‬وبعنون بروح القدس‪ :‬أقنو‬
‫احليا ‪ ،‬وال بسمون العلم قبل تدرعه ابنا‪ ،‬بل املسيح مع ما تدرع به ابن‪ ،‬لقال بعضهم‪ :‬إن الكلمة‬
‫وصرحت امللكانية أن اجلوهر يَر األقانيم‪،‬‬ ‫مازجت جسد املسيح‪ ،‬كما ميازج اَخمر أو املاء‪ ،‬اللنب‪َّ .‬‬
‫بن‬ ‫َّ غ‬ ‫َّ‬
‫صرحوا إبثبات التثليث‪ ،‬وأررب عنهم القرآن‪ :‬ل َق يد َك َف َر الذ َ‬
‫وذلك كاملوصوف والصفة‪ ،‬وعن هذا َّ‬
‫قَالْواي إغ َّن هللاَ َاثلغ ْ‬
‫ث ثَماَثٍَة [املا د ‪.]73 :‬‬
‫وقالت امللكانية‪ :‬إن املسيح انسوت كلي ال جز ي‪ ،‬وهو قدمي أزِل من قدمي أزِل‪ ،‬وقد ولدت مرمي‬
‫عليها السما إهلا أزليا‪ ،‬والقتل والصلب وقع على الناسوت والماهوت معا‪ .‬وأطلقوا لفظ األبو‬
‫وجل وعلى املسيح ملا وجدوا يف اإلجنيل حيث قال‪ :‬إنك أنت االبن الوحيد‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫والبنو على هللا َّ‬
‫وحيث قال له مشعون الصفا‪ :‬إنك ابن هللا حقا‪.‬‬
‫لعل ذلك من جماز اللغة‪ ،‬كما بقال لطماب الدنيا‪ :‬أبناء الدنيا‪ .‬ولطماب اخآرر ‪ :‬أبناء اخآرر ‪ .‬وقد‬
‫قال املسيح عليه السما للحواربني‪ :‬أان أقول لكم‪ :‬أحبُّوا أعداءكم (‪ )222 /1‬وابركوا على‬
‫العنيكم‪ ،‬وأحسنوا إىل مبغضيكم‪ ،‬وصلوا ألجل من بمذبكم؛ لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي يف‬
‫السماء الذي تشرق مشسه على الصاحلني والفجر ‪ ،‬وبنزل قطره على األبرار واأل مة‪ ،‬وتكونوا اتمني‪،‬‬
‫كما أن أابكم الذي يف السماء ات ‪.‬‬
‫وقال‪ :‬انظروا صدقاتكم لما تعطوها قدا الناس؛ لرتاءوهم‪ ،‬لما بكون لكم أجر عند أبيكم الذي يف‬
‫السماء‪ .‬وقال حني كان بصلب‪-‬بزعمهم‪ :-‬أذهب إىل أيب وأبيكم‪ .‬وملا قال أربوس‪ :‬القدمي هو هللا‪،‬‬
‫واملسيح هو َملوق‪ .‬اجتمعت البطارقة واملطارنة واألساقفة يف بلد قسطنطينية مبحضر من ملكهم‪،‬‬
‫وكانوا ثمااما ة وامانية عشر رجما‪ ،‬واتفقوا على هذه الكلمة اعتقادا ودعو ‪ ،‬وذلك قوهلم‪:‬‬
‫نممن ابهلل الواحد األب مالك كل شيء‪ ،‬وصانع ما برى وما ال برى‪ ،‬وابالبن الواحد بسوع املسيح‬
‫ابن هللا الواحد‪ ،‬بكر اَخما ق كلها‪ ،‬الذي ولد من أبيه قبل العوامل كلها‪ ،‬وليس مبصنوع‪ ،‬إله حق من‬
‫إله حق‪ ،‬من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوامل‪ ،‬ورلق كل شيء من أجلنا‪ ،‬ومن أجل معشر الناس‪،‬‬
‫وُتسد من روح القدس‪ ،‬وصار إنساان وحبل به وولد من مرمي‬
‫ومن أجل رماصنا نزل من السماء‪َّ ،‬‬
‫البتول‪ ،‬وقتل وصلب أاي ليماطوس‪ ،‬ودلن مث قا يف اليو الثالث وصعد إىل السماء‪ ،‬وجلس عن‬
‫ميني أبيه‪ ،‬وهو مستعد للمجيء اتر أررى بني األموات واألحياء‪ ،‬ونممن بروح القدس الواحد روح‬
‫احلق الذي خيرج من أبيه ومبعمودبة واحد ؛ لغفران اَخطااي‪ ،‬وجبماعة واحد قدسية مسيحية‬
‫جاثليقية‪ ،‬وبقيا أبداننا واحليا الدا مة أبد اخآبدبن‪ .‬هذا هو االتفاق األول على هذه الكلمات‪ ،‬وليه‬
‫إشار إىل حشر األبدان‪.‬‬
‫ويف النصارى من قال حبشر األرواح دون األبدان‪ ،‬وقال‪ :‬إن عاقبة األشرار يف القيامة يم وحزن‬
‫اجلهل‪ ،‬وعاقبة األريار سرور ولرح العلم‪ .‬وأنكروا أن بكون يف اجلنة نكاح وأكل وشرب‪.‬‬
‫وقال مار إسحاق منهم‪ :‬إن هللا تعاىل وعد املطيعني وتوعد العاصني‪ ،‬وال جيوز أن (‪ )223 /1‬خيلف‬
‫الوعد؛ ألنه ال بليق ابلكرمي‪ ،‬ولكن خيلف الوعيد لما بعذب العصا ‪ ،‬وبرجع اَخلق إىل سرور وسعاد‬
‫ونعيم وعمم هذا الكل؛ إذ العقاب األبدي ال بليق ابجلواد احلق تعاىل‪.‬‬
‫‪O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪266 /1‬‬
‫(‪)410/1‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬النسطوربة‪:‬‬


‫أصحاب نسطور احلكيم الذي ظهر يف زمان املأمون‪ ،‬وتصرف يف األانجيل حبكم رأبه‪ ،‬وإضالته إليهم‬
‫إضالة املعتزلة إىل هذه الشربعة‪ ،‬قال‪ :‬إن هللا تعاىل واحد ذو أقانيم ثماثة‪ :‬الوجود والعلم واحليا ‪،‬‬
‫وهذه األقانيم ليست زا د على الذات‪ ،‬وال هي هو‪ ،‬واحتدت الكلمة جبسد عيسى عليه السما ال‬
‫على طربق االمتزاج كما قالت امللكانية‪ ،‬وال على طربق الظهور به كما قالت اليعقوبية‪ ،‬ولكن‬
‫كإشراق الشمس يف كو على بلور ‪ ،‬وكظهور النقش يف الشمع إذا طبع ابَخامت‪.‬‬
‫وأشبه املذاهب مبذهب نسطور يف األقانيم أحوال أيب هاشم من املعتزلة‪ ،‬لإنه بثبت رواص َمتلفة‬
‫لشيء واحد وبعين بقوله واحد بعين اإلله قال‪ :‬هو واحد ابجلوهر‪ .‬أي‪ :‬ليس هو مركبا من جنسني‪،‬‬
‫بل هو بسيط وواحد‪.‬‬
‫لسر العلم ابلنطق والكلمة‪،‬‬
‫وبعين ابحليا والعلم أقنومني جوهربن‪ ،‬أي‪ :‬أصلني مبدأبن للعامل‪ ،‬مث َّ‬
‫وبرجع منتهى كمامه إىل إثبات كونه تعاىل موجودا حيا انطقا‪ ،‬كما تقول الفماسفة يف حد اإلنسان‪ ،‬إال‬
‫أن هذه املعاين تتغابر يف اإلنسان؛ لكونه جوهرا مركبا‪ ،‬وهو جوهر بسيط يَر مركب‪.‬‬
‫وبعضهم بثبت هلل تعاىل صفات أرر مبنزلة القدر واإلراد وحنومها‪ ،‬ومل جيعلوها أقانيم كما جعلوا‬
‫احليا والعلم أقنومني‪.‬‬
‫ومنهم من أطلق القول أبن كل واحد من األقانيم الثماثة حي انطق إله‪ ،‬وزعم الباقون أن اسم اإلله ال‬
‫سد واحتد جبسد‬
‫بطلق على كل واحد من األقانيم‪ ،‬وزعموا أن االبن مل بزل متولدا من األب‪ ،‬وإَنا ُت َّ‬
‫املسيح حني ولد‪ ،‬واحلدوث راجع إىل اجلسد والناسوت‪ ،‬لهو إله وإنسان احتدا‪.‬‬
‫ومها جوهران أقنومان طبيعتان‪ :‬جوهر قدمي‪ ،‬وجوهر حمدث إله ات وإنسان ات ‪ ،‬ومل ببطل االحتاد قد‬
‫القدمي‪ ،‬وال حدوث احملدث‪ ،‬لكنهما صارا مسيحا واحدا طبيعة واحد ‪ ،‬ورمبا بدَّلوا العبار ‪ ،‬لوضع‬
‫مكان اجلوهر الطبيعة ومكان األقنو الشخص‪ ،‬وأما قوهلم يف القتل والصلب ليخالف قول امللكانية‬
‫واليعقوبية‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬إن القتل وقع على املسيح من جهة انسوته ال من جهة الهوته؛ ألن اإلله ال حتلُّه اخآال ‪.‬‬
‫وبوطينوس وبولس الشمشاطي بقوالن‪ :‬إن اإلله واحد وأن املسيح ابتدأ من مرمي عليها السما وأنه‬
‫شرله وكرمه لطاعته‪ ،‬ومسَّاه ابنا على التبين‪ ،‬ال على الوالد‬
‫عبد صاحل َملوق‪ ،‬إال أن هللا تعاىل َّ‬
‫واالحتاد‪.‬‬
‫ومن النسطوربة قو بقال هلم‪ :‬املصلني‪ .‬قالوا يف املسيح مثل ما قال نسطور‪ ،‬إال أهنم قالوا‪ :‬إذا‬
‫اجتهد الرجل يف العباد وترك التغذي ابللحم والدسم‪ ،‬ورلض الشهوات احليوانية والنفسانية‪َّ ،‬‬
‫تصفى‬
‫جوهره حىت ببل ملكوت السموات‪ ،‬وبرى هللا تعاىل جهر ‪ ،‬وبنكشف له ما يف الغيب‪ ،‬لما ختفى‬
‫عليه رالية يف األرض وال يف السماء‪.‬‬
‫ومن النسطوربة من بنفي التشبيه‪ ،‬وبثبت القول ابلقدر رَره وشره من العبد‪ ،‬كما قالت القدربة‬
‫‪O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪268 /1‬‬

‫(‪)411/1‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اليعقوبية‪:‬‬


‫أصحاب بعقوب‪ ،‬قالوا ابألقانيم الثماثة إال أهنم قالوا‪ :‬انقلبت الكلمة حلما ودما‪ ،‬لصار اإلله هو‬
‫املسيح‪ ،‬وهو الظاهر جبسده بل هو هو‪.‬‬
‫غ‬ ‫َّ غ‬
‫بن قَالْواي إغ َّن هللاَ ْه َو ال َيمس ْ‬
‫يح ابي ْن َم يرَميَ [املا د ‪]73:‬‬ ‫وعنهم أرربان القرآن الكرمي‪ :‬لََق يد َك َف َر الذ َ‬
‫(‪ )225 /1‬لمنهم من قال‪ :‬إن املسيح هو هللا تعاىل‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬ظهر الماهوت ابلناسوت‪،‬‬
‫لصار الناسوت املسيح مظهر اجلوهر‪ ،‬ال على طربق حلول جزء ليه‪ ،‬وال على سبيل احتاد الكلمة‬
‫اليت هي يف حكم الصفة‪ ،‬بل صار هو هو‪ ،‬وهذا كما بقال‪ :‬ظهر امللك بصور إنسان‪ .‬أو‪ :‬ظهر‬
‫شرا َس غوًّاي [مرمي‪:‬‬
‫َّل َهلَا بَ َ‬
‫الشيطان بصور حيوان‪ .‬وكما أررب التنزبل عن جرببل عليه السما ‪ :‬لَـتَ َمث َ‬
‫‪.]17‬‬
‫وزعم أكثر اليعقوبية أن املسيح جوهر واحد‪ ،‬أقنو واحد إال أنه من جوهربن‪ ،‬ورمبا قالوا‪ :‬طبيعة‬
‫واحد من طبيعتني‪ ،‬لجوهر اإلله القدمي‪ ،‬وجوهر اإلنسان احملدث تركبا تركيبا‪ ،‬كما تركبت النفس‬
‫والبدن‪ ،‬لصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا‪ ،‬وهو إنسان كله وإله كله‪.‬‬
‫ليقال‪ :‬اإلنسان صار إهلا‪ .‬وال بنعكس لما بقال‪ :‬اإلله صار اإلنسان‪ .‬كالفحمة تطرح يف النار‪،‬‬
‫ليقال‪ :‬صارت الفحمة انرا‪ .‬وال بقال‪ :‬صارت النار لحمة‪ .‬وهي يف احلقيقة ال انر مطلقة‪ ،‬وال لحمة‬
‫مطلقة بل هي مجر ‪ ،‬وزعموا أن الكلمة احتدت ابإلنسان اجلز ي ال الكلي‪ ،‬ولرمبا عربوا عن االحتاد‬
‫ابالمتزاج واالدراع‪ ،‬واحللول كحلول صور اإلنسان يف املرآ اجمللو‬
‫‪O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪270 /1‬‬

‫(‪)412/1‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫ملا لقد النصارى كثَرا من آاثر الوحي والنبو اليت جاءهتم‪ ،‬ومل بعد عندهم أصل صحيح برجعون إليه‪.‬‬
‫بن قَالْوا إغ َّان‬ ‫غ َّ غ‬
‫ارتلفوا وتفرقوا شيعا وأحزااب متبايضة متعادبة‪ .‬ويف هذا بقول هللا عز وجل‪َ :‬وم َن الذ َ‬
‫اء إىل بَـ يوغ ال غيقيَا َم غة‬
‫ضَ‬ ‫سوا َحظا غِمَّا ذْكغ ْروا بغ غه لَأَ يي َربيـنَا بَـ ييـنَـ ْه ْم ال َيع َد َاو َ َواليبَـ يغ َ‬ ‫نَصارى أ َ غ‬
‫َر يذ َان ميثَاقَـ ْه يم لَـنَ ْ‬ ‫ََ‬
‫[املا د ‪.]14 :‬‬
‫ومن اجلدبر ابلذكر أن دعو التوحيد اليت اندى هبا املسيح عليه السما استمرت يف تماميذه وحواربيه‬
‫قوبة لاعلة إىل تدمَر بيت املقدس سنة (‪ ، )70‬مث استمرت على حنو أضعف إىل التدمَر الثاين سنة‬
‫وتشرد أتباعها‪ ،‬لانفسح اجملال واسعا أما املذاهب املنحرلة اليت‬ ‫(‪ ، )135‬حيث قْ غ‬
‫ضي عليها َّ‬
‫ظهرت يف النصارى يف وقت مبكر بدرول بولس (شاؤول اليهودي) يف النصرانية‪ ،‬بعد رلع املسيح‬
‫عليه السما بسنوات قما ل‪ ،‬وبتأثَر الدايانت الوثنية والفلسفات الوثنية‪ .‬لتوزع النصارى إىل لرق‬
‫وأقوال عدبد متبابنة تبابنا شدبدا يف أصول الداينة والعقيد ‪ ،‬إال أن دعو التوحيد كانت تظهر بني‬
‫احلني واحلني مع شوا ب عدبد ‪ ،‬ومل ببدأ االنقراض التدرجيي هلا إال بعد جممع نيقية سنة (‪ )325‬هـ‪,‬‬
‫الذي انعقد أصما للنظر يف قول لرقتني من أكرب لرق النصارى يف ذلك الوقت‪ ،‬وهو قول الفرقة‬
‫بشر َملوق‪ ،‬وقول الفرقة البولسية أبن املسيح ابن هللا رالق‪ ،‬وليس‬
‫األربوسية املوحد أبن املسيح ٌ‬
‫َملوقا‪ ،‬تعاىل هللا عن قوهلم‪.‬‬
‫لانتصر يف ذلك اجملمع القا لون أبلوهية املسيح‪ ،‬وهو مذهب بولس‪ ،‬واعتنقت الدولة الرومانية‬
‫املسيطر يف ذلك الزمان ذلك املذهب‪ِ ،‬ما أاتح هلذه الفرقة الدعم القوي والبقاء واالنتصار على‬
‫مجيع الطوا ف األررى اليت اندثرت بعد ذلك بسبب شد الكنيسة البولسية على َمالفيها‪ ،‬وصار‬
‫بعد ذلك ْج ُّل النصارى جيمعون على القول أبلوهية املسيح‪ ،‬وأنه نزل ليصلب تكفَرا َخطيئة آد‬
‫مىت‪ -‬مرقص‪ -‬لوقا ‪ -‬بوحنا وبقية العهد اجلدبد مع العهد‬
‫عليه السما ‪ ،‬واعتبار أن األانجيل األربعة َّ‬
‫القدمي هي الكتب املقدسة‪ ،‬وخيتلفون يف أموٍر أررى متعلقة بتلك العقا د أو يَرها من التشربعات‪.‬‬
‫وبنقسمون إىل طوا ف عد ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬القا لون ابلطبيعة الواحد للمسيح‪.‬‬
‫هم من أرذ بقرار جممع ألسس السابق‪ ،‬وهم األقباط واليعاقبة‪ ،‬واألرمن واألحباش‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬القا لون أبن املسيح له طبيعتان‪.‬‬
‫هم من أرذوا بقرار جممع رلقيدونية‪ ،‬وبقال هلم‪ :‬امللكانية‪ .‬نسبة إىل امللك‪ ،‬وهو اإلمرباطور الروماين‬
‫البيزنطي‪ ،‬وامللكانية انقسموا إىل ثماث طوا ف كبار‪ ،‬هي‪ :‬الطا فة األوىل‪ :‬الكاثوليك‪.‬‬
‫الطا فة الثانية‪ :‬األرثوذوكس‪.‬‬
‫وبسمون‪( :‬اإلجنيليني)‪.‬‬
‫الطا فة الثانية‪ :‬الربوتستانت‪َّ ،‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪371‬‬

‫(‪)413/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫هي أحد الكنا س الر يسية الثماث يف النصرانية‪ ،‬وقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية الغربية‬
‫بشكل هنا ي عا (‪ ، )1054‬ومتثَّلت يف عد كنا س مستقلة ال تعرتف بسياد اباب روما عليها‪،‬‬
‫وجيمعهم اإلميان أبن الروح القدس منبثقة عن األب وحده‪ ،‬وعلى رماف بينهم يف طبيعة املسيح‪،‬‬
‫وتْدعى أرثوذكسية مبعىن مستقيمة املعتقد‪ ،‬مقابل الكنا س األررى‪ ،‬وبرتَّكز أتباعها يف املشرق‪ ،‬ولذا‬
‫بطلق عليها الكنيسة الشرقية‪.‬‬
‫األرثوذكس‪ :‬وهم نصارى الشرق الذبن تبعوا الكنيسة الشرقية يف القسطنطينية‬
‫وأهم ما بتميزون به هو‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الروح القدس انبثق عندهم من األب لقط‪.‬‬
‫‪ - 2‬حترمي الطماق إال يف حالة الزان‪ ،‬لإنه جيوز عندهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬ال جيتمعون حتت لواء ر يس واحد‪ ،‬بل كل كنيسة مستقلة بنفسها‪ .‬وهذا املذهب منتشر يف‬
‫أوراب الشرقية وروسيا‪.‬‬
‫‪ O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪375‬‬

‫(‪)414/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫يف هنابة القرن التاسع امليمادي‪ ،‬وابلتحدبد بعد انقضاء جممع القسطنطينية اَخامس عا (‪)879‬‬
‫أصبح ميثل األرثوذكسية كنيستان ر يسيتان‪:‬‬
‫‪ -‬الكنيسة األرثوذكسية املصربة أو القبطية‪ ،‬واملعرولة ابسم الكنيسة املرقسية األرثوذكسية أو كنيسة‬
‫اإلسكندربة‪ ،‬اليت تممن أبن للمسيح طبيعة واحد ومشيئة واحد ‪ ،‬وتضم كنا س احلبشة والسودان‪،‬‬
‫وبوالقها على ذلك كنا س األرمن واليعقوبية‪.‬‬
‫‪ -‬الكنيسة األرثوذكسية أو كنيسة القسطنطينية‪ ،‬واملعرولة ابسم كنيسة الرو األرثوذكس أو الكنيسة‬
‫الشرقية‪ ،‬ختالف الكنيسة املصربة يف طبيعة املسيح‪ ،‬بينما توالق الكنيسة الكاثوليكية الغربية أبن‬
‫للمسيح طبيعتني ومشيئتني‪ ،‬وجيمعها مع الكنيسة املصربة اإلميان ابنبثاق الروح القدس عن األب‬
‫وحده‪ ،‬وتضم كنا س أورشليم واليوانن وروسيا وأورواب الشرقية‪.‬‬

‫(‪)415/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الكنيسة األرثوذكسية املصربة‪:‬‬


‫‪ -‬بدعي أصحاهبا أن ممسسها مرقص الرسول عا (‪.) 45‬‬
‫‪ -‬بوادر االنفصال‪ :‬ظهرت بوادر االنفصال املذهَب للكنيسة املصربة‪ ،‬منذ أن جعل اإلمرباطور‬
‫ثيودوسيوس كنيسة القسطنطينية هي الكنيسة الرمسية لإلمرباطوربة الشرقية عا (‪ ، )381‬وأن‬
‫كنيسة اإلسكندربة تليها يف املرتبة‪ِ ،‬ما دلع بطربرك اإلسكندربة كَرلس عا (‪ , )412‬إىل توِل‬
‫زعامة الشعب ضد اإلمرباطور وعماله يف مصر‪.‬‬
‫هو اَخماف بني الكنيستني على إثر إعمان نسطور – أسقف القسطنطينية – مقالته اليت‬
‫‪ -‬زادت َّ‬
‫تصدى هلا كَرلس بطربرك اإلسكندربة يف جممع ألسس عا (‪ , )431‬الذي استطاع استصدار‬
‫حكم ضد نسطور ابللعن والطرد‪.‬‬

‫(‪)416/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬االنفصال الرمسي‪:‬‬


‫‪ -‬بعث لماليانوس بطربرك القسطنطينية مقالة نسطور مر أررى لتصدَّى هلا دبسقورس بطربرك‬
‫اإلسكندربة يف جممع ألسس عا (‪ , )449‬والذي مل بعرتف به أسقف روما‪ ،‬لعقد لذلك جممع‬
‫كليدونية عا (‪ , )451‬ليقرر لعن دبسقورس ونفيه‪ ،‬بل وتعيني بطربرك ملكاين رلفا له‪ ،‬األمر‬
‫الذي دلع الكنيسة املصربة إلعمان عصياهنا وعد اعرتالها مبجمع كليدونية عا (‪ , )451‬وال‬
‫بقراراته‪ِ ،‬ما سبَّب عود االضطهاد مر أررى؛ حلمل الكنيسة املصربة على اتباع عقيد كنيسة‬
‫القسطنطينية‪ ،‬واليت توالقها عليها الكنيسة الغربية‪.‬‬
‫‪ -‬هكذا عاشت الكنيسة املصربة سلسلة من املنازعات حول تعيني األسقف‪ ،‬إىل أن مت االتفاق عا‬
‫(‪ )482‬على أن خيتار املصربون أسقفهم دون تدرل من اإلمرباطور‪ ،‬لكان هذا التاربخ ميثل بدابة‬
‫االنفصال احلقيقي عن كنيسة القسطنطينية‪.‬‬
‫هرقل املقوقس ْحكم مصر بعد‬ ‫َّ‬
‫‪ -‬سرعان ما عاد االضطهاد مر أررى للكنيسة املصربة‪ ،‬بعدما وىل ْ‬
‫اسرتدادها من الفرس عا (‪ ، )628‬يف حماولة منه لتوطيد أركان ملكه عن طربق توحيد عقيد‬
‫أيل املقوقس جهدا يف إنفاذ ذلك‪ ،‬كما مل بعد حيلة‪،‬‬
‫اإلمرباطوربة على مذهب الطبيعتني‪ ،‬للم ْ‬
‫مستخدما الرتييب اتر ‪ ،‬والرتهيب والعذاب والتنكيل اتر أررى‪ِ ،‬ما دلع بطربرك الكنيسة املصربة‬
‫بنيامني للهروب إىل الصحراء‪ ،‬وأن بكتب إىل مجيع أساقفته ابللجوء إىل اجلبال والرباري لرارا‬
‫بعقيدهتم‪ .‬ما أن ظهرت بشا ر الفتح اإلسمامي منطلقة من اجلزبر العربية حىت رحبت هبا الكنيسة‬
‫املصربة؛ للتخلص من ظلم واضطهاد إرواهنم نصارى اإلمرباطوربة البيزنطية ‪.......‬‬
‫‪ -‬ريم ذلك مل بهدأ لكنيسة روما ابل عن لرض سيادهتا على كنا س الشرق‪ ،‬مستخدمة يف ذلك‬
‫أساليب احلرب والقو اتر ‪ ،‬والدبلوماسية واملفاوضات اتر أررى‪ .‬لفي سنة (‪ , )1219‬قامت‬
‫احلملة الصليبية اَخامسة بقياد لوبس التاسع ملك لرنسا يف حماولة إلرضاع الكنيسة املصربة‬
‫األرثوذكسية ملذهب الكنيسة الغربية الكاثوليكية‪ .‬وقد متكنت يف ابدئ األمر من احتمال مدبنة‬
‫دمياط‪ ،‬ولرض بطربرك كاثوليكي من اخآابء الفرنسيسكان عليها‪ ،‬ليمثغل أول وجود كاثوليكي يف‬
‫هب املسلمون غ‬
‫لصد العدوان حىت اهنزمت احلملة‪ ،‬وأْسر قا دها‪ ،‬وبذلك ابءت‬ ‫مصر‪ ،‬لما أن َّ‬
‫َمططاهتا ابلفشل‪.‬‬
‫‪ -‬ويف سنة (‪ , )1769‬أعادت الكنيسة الغربية ال َك َّر ‪ ،‬ولكن هذه املر عن طربق املفاوضات‬
‫واملصاحلة‪ ،‬وعرض انضما الكنيسة املصربة إليها‪ ،‬ليقابلها بطربرك الكنيسة املصربة بمانس الثامن‬
‫عشر ابلرلض التا ‪.‬‬
‫‪ -‬بدأت بوادر حركة إصماح وتطوبر الكنيسة املصربة يف منتصف القرن التاسع عشر امليمادي‪،‬‬
‫وخباصة يف عهد البطربرك كَرلس الرابع (‪( , )1862 –1854‬أبو اإلصماح) كما بسميه أتباع‬
‫الكنيسة؛ إلدراله العدبد من اإلصماحات؛ ملواجهة نشاط اإلرساليات الكاثوليكية والربوتستانتية‪،‬‬
‫اليت زاد نشاطها‪ ،‬واستطاعت َتسيس مراكز للدعو إىل مذاهبهم يف صعيد مصر بوجه راص‪ .‬وكانت‬
‫استجابة بعض األرثوذكس هلم دالعا للقيا هبذه اإلصماحات والتتاح مدارس للبنني والبنات‪ ،‬وإنشاء‬
‫املدرسة البطربركية‪ ،‬ابإلضالة إىل إدرال أول مطبعة إىل مصر‪.‬‬
‫‪ -‬وأبسلوب آرر تصدى البطربرك دميرتبوس الثاين (‪ , )1874 - 1862‬للتبشَر الكاثوليكي‬
‫والربوتستانيت يف مصر‪ ،‬إبصدار قرارات احلرمان ضد املرسلني األمربكيني ومن بتصل هبم من األقباط‪.‬‬

‫(‪)417/1‬‬

‫‪ -‬ازدادت محلة الكنيسة املصربة ضراو ضد إرساليات الكنا س الغربية يف مصر يف عهد البطربرك‬
‫كَرلس اَخامس (‪ , )1927 –1874‬حيث أيلق مدارسهم‪ ،‬وأصدر قرارات تَعترب هذه الكنا س‬
‫وإرساليتها واتبعيها ومن بنضم إليها من األقباط مهرطقني‪ ،‬ومل بفلح تدرل القنصل األمربكي وليم‬
‫واملنصر جون هو يف إقناع البطربرك من أن نشاطهم يَر موجه ضد األرثوذكس‪.‬‬ ‫غ‬ ‫اتبر‬
‫بْعد حبيب جرجس (‪ , )1951 - 1867‬من أبرز رواد اإلصماح والتطوبر يف الكنيسة املصربة‪،‬‬
‫حيث إنشأ مدارس األحد واملدرسة اإلكلَربكية‪ ،‬ودعم وساهم يف العدبد من األنشطة االجتماعية‬
‫توسعت بعده إىل حد كبَر‪ ،‬لظهرت اجملمات واجلرا د النصرانية‪ ،‬كما أنشأ العدبد من‬
‫والثقالية اليت َّ‬
‫املدارس واملكتبات ودور النشر اليت هتتم بنشر التعاليم النصرانية بني املسلمني‪ .‬وازدادت تبعا لذلك‬
‫عدد املمسسات االجتماعية املختلفة اليت ختد األرثوذكس‪ ،‬كل هذا بغية التصدي لإلرساليات‬
‫التبشَربة الغربية‪ .‬لكن هذا املوقف الرالض للتعاون أو القبول بوجود الكنا س الغربية بني‬
‫وشجع هذا االُتاه مبا‬
‫تغَر بشكل ملحوظ أاي االحتمال اإلجنليزي ملصر‪ ،‬الذي ساعد َّ‬
‫األرثوذكسية َّ‬
‫أاثره يف نفوس األقباط من أن أرض مصر املسلمة أرض نصرانية‪ ،‬وأن املسلمني درماء جيب طردهم‪،‬‬
‫وشجع حبيب جرجس على رلع شعار األمة القبطية مقابل األمة اإلسمامية‪.‬‬
‫ويف عهد اَخدبوي إمساعيل درل عدد كبَر من األرثوذكس القضاء واجملالس النيابية وكلفوا ابَخدمة‬
‫العسكربة‪ ،‬وظهرت يف الساحة السياسية أمساء كبَر متعاونة مع االستعمار اإلجنليزي‪ ،‬مثل بطرس‬
‫ابشا ياِل وبوسف ابشا سليمان‪.‬‬
‫ـ بعد مممتر (‪ , )1910‬والذي انعقد مبناسبة مقتل بطرس ابشا ياِل‪ ،‬زاد نفوذهم السياسي‪ ،‬وخباصة‬
‫وتوِل مكر عبيد منصب ان ب ر يس احلزب‪.‬‬ ‫بعد انضمامهم إىل حزب الولد‪َّ ،‬‬
‫يف عهد البطربرك بوساب الثاين أصدر القس إبراهيم لوقا جملة اليقظة للدعو إىل تقارب الكنيستني‪:‬‬
‫الربوتستانتية األسقفية والقبطية‪ ،‬كما دعا إىل أن الوقت قد حان ألن بتبادل قسوس الطوا ف‬
‫النصرانية املختلفة الوعظ يف كنا س بعضهم البعض‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ْ , )1921‬عقد مممتر حلوان بضاحية حلوان مبصر لعمو الكنا س الشرقية والغربية‬
‫هبدف توحيد جهود الكنا س لتنصَر املسلمني‪ ،‬لتبدأ مرحلة جدبد يف اتربخ الكنيسة املصربة‪.‬‬
‫وإمعاان يف التقارب انضمت الكنيسة املصربة إىل عضوبة جملس الكنا س العاملي الذي أنشئ عا‬
‫(‪. )1946‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )1952‬عاد األقباط مر أررى إىل االنزواء دارل الكنيسة؛ َخولهم من حكومة‬
‫مجال عبد الناصر‪ ،‬ومن مث هاجر الكثَر منهم إىل أورواب وأمربكا‪ِ ،‬ما كان لذلك أكرب األثر يف حتوبل‬
‫الرأي العا الغريب حنو الكنيسة األرثوذكسية املصربة‪ ،‬ومساندهتا وِمارسة الضغط السياسي‬
‫واالقتصادي على احلكومة املصربة؛ لتحقيق مركز دبين وسياسي واجتماعي متميز لَلقباط‬
‫األرثوذكس يف مصر‪.‬‬
‫‪ -‬ويف هذه األثناء أعلن إبراهيم لهمي احملامي‪ -‬أحد ررجيي مدارس األحد‪َ -‬تسيس مجاعة األمة‬
‫القبطية‪ ،‬وأنشأ هلا لروعا على مستوى حمالظات مصر‪ .‬وقد دعا إىل إحياء مفهو األمة القبطية من‬
‫رمال التمسك ابلعادات والتقاليد الكنسية‪ ،‬وإبحياء اللغة القبطية‪ ،‬واستخدا التقومي القبطي‪،‬‬
‫وكذلك إبصدار اجلرا د واجملمات اليت هتتم ابألقلية القبطية‪ ،‬وهكذا تطور معه األمر إىل أن أعلن بياان‬
‫بطالب ليه ابحلكم الذاِت ألقباط مصر‪.‬‬

‫(‪)418/1‬‬

‫‪ -‬يف عا (‪ , )1954‬قامت مجاعة األمة القبطية ابرتطاف البطربرك بوساب الثاين‪ ،‬وإجباره على‬
‫توقيع وثيقة تنازل عن كرسي البابوبة‪ ،‬ودعو اجملمع املقدس لمانعقاد‪ ،‬ووضع وثيقة جدبد النتخاب‬
‫البطربرك تشارك ليها كل الطوا ف النصرانية‪ ،‬لذلك ألقت احلكومة املصربة القبض على زعيم‬
‫اجلماعة‪ ،‬واعتقلت ألرادها‪ ،‬مث قامت حبلغها وإعاد البطربرك إىل كرسيه‪.‬‬
‫‪ -‬رطا البطربرك كَرلس السادس (‪ )1969 – 1959‬رطوات جدبد حنو تطوبر الكنيسة؛‬
‫حيث إنشأ العدبد من األسقفيات‪ ،‬منها أسقفيات اَخدمات‪ ،‬ومهمتها العماقات اَخارجية‪ ،‬واالتصال‬
‫ابلكنا س األررى‪ ،‬سواء كانت الكنا س الغربية وممسساهتا‪ ،‬أو ابلكنا س القبطية رارج مصر‪،‬‬
‫وأسقفية للخدمات والشئون املالية مهمتها جلب لرص العمل لَلقباط‪ ،‬واحلصول على توكيمات أكرب‬
‫البنوك والشركات يف العامل‪ ،‬وأسقفية البحث العلمي‪ ،‬ومهمتها إنشاء معهد ٍ‬
‫عال للدراسات القبطية‪،‬‬
‫وإصدار طبعات جدبد للكتاب املقدس‪ ،‬ووضع دا ر معارف قبطية‪ ،‬كما أنشأ أسقفية للرتبية‬
‫الكنسية‪ ،‬مهمتها اإلشراف على كليات الماهوت ومدارس األحد ومجيع شمون التعليم والرتبية‬
‫الكنسية‪ .‬واستغماال للثقل الدوِل للكنيسة بعد انضمامها إىل جملس الكنا س العاملي‪ ،‬وجملس‬
‫الكنا س العاملية العاملة يف ألربقيا‪ ،‬وتعاوهنا مع جملس كنا س أمربكا زاد الضغط على احلكومة إللغاء‬
‫النظا اهلمابوين الذي أصدرته الدولة العثمانية يف عا (‪ , )1856‬كنظا إصماحي لتنظيم بناء‬
‫وترميم الكنا س النصرانية دارل الدولة‪ .‬وابلفعل متت االستجابة ملطلبهم‪ ،‬وأنشئت العدبد من‬
‫الكنا س‪ ،‬منها كاتدرا ية القدبس مرقس مبيدان العباسية ابلقاهر عا (‪ ، )1967‬ومتَّ إصماح‬
‫األدبر وتعمَرها وحتوبلها من أماكن للعباد إىل مراكز إنتاجية‪ ،‬ومراكز اتصاالت واسعة وممثر على‬
‫شمون الكنيسة؛ مستخدمة يف ذلك الدعم السخي‪ ،‬واألموال الطا لة من الكنا س الغربية والقبطية‬
‫يف اَخارج‪.‬‬
‫خترج من‬
‫‪ -‬يف عا (‪ )1971‬توىل البااب شنود الثالث رائسة الكنيسة املصربة وامسه نظَر جيد‪َّ ،‬‬
‫كلية اخآداب جامعة القاهر ‪ ،‬والتحق ابلقوات املسلحة كضابط احتياط‪ ،‬مث عمل صحفيًّا وكاتبا‬
‫وتسمى بعد ترهبه ابسم شنود الثالث‪ .‬ولَلب شنود الثالث درس أسبوعي ‪ -‬درس اجلمعة‬
‫وشاعرا‪َّ ،‬‬
‫‪ -‬ظل حمالظا على إلقا ه يف كاتدرا ية العباسية منذ التتاحها‪ِ .‬ما كان لدرسه هذا األثر الكبَر يف‬
‫تكوبن وانتشار األسر الدبنية النصرانية يف أروقة اجلامعة املصربة املختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬يف عهده زاد التوجه السياسي للكنيسة املصربة‪ ،‬وتقدمي مفهو جدبد للنصرانية على أهنا دبن‬
‫ودولة‪ ،‬مستخدما يف ذلك سياسة االنتشار الدوِل‪ ،‬والتقارب مع الكنا س الغربية وممسساهتا؛ لدعم‬
‫السياسات الدارلية للكنيسة وحتقيق أيراضها‪ ،‬كما أعلن عن تنظيمات جدبد للكنيسة‪ ،‬ودعا إىل‬
‫تطوبر الكلية األكلَربكية وإعاد الكنيسة إىل مكانتها العاملية‪ ،‬لزاد اهتمامه إبنشاء الكنا س يف‬
‫وعني هلا األساقفة‪ ،‬من أجل ذلك تعددت جوالته ولقاءاته‪ .‬ومن أبرز هذه اللقاءات‪ :‬لقاؤه‬
‫اَخارج َّ‬
‫ببااب الفاتيكان بولس السادس عا (‪ ، )1973‬الذي متت ليه املصاحلة بني الكنيسة الكاثوليكية‬
‫الغربية والكنيسة املصربة األرثوذكسية‪ .‬وتوقيعه وثيقة رلع احلر املتبادل بني كنيسته والكنا س‬
‫األرثوذكسية الكلدونية ويَر الكلدونية يف مشيزي عا (‪ . )1990‬أبضا االتفاق على حتقيق الوحد‬
‫بني كل الكنا س النصرانية‪ ،‬وزايرته لر يس أمربكا كارتر عا (‪ , )1977‬واليت كان هلا أثرها‬
‫السياسي والدبين لصاحل الكنيسة املصربة‪.‬‬

‫(‪)419/1‬‬
‫‪ -‬حتت رائسة وإشراف البااب شنود تعددت االجتماعات ذات الصبغة الدبنية والسياسية‪ ،‬اليت‬
‫تطالب إبعطاء الكنيسة األرثوذكسية يف مصر دورا لاعما يف السياسة‪ ،‬وأن بكون هلا نصيبها من‬
‫املناصب الوزاربة‪ .‬كما دعت احلكومة املصربة إىل التخلي عن لكر تطبيق الشربعة اإلسمامية‪،‬‬
‫واملوالقة على إنشاء جامعة لَلقباط على يرار جامعة األزهر‪ .‬ومن أشهر هذه االجتماعات اجتماع‬
‫الكنيسة املرقسية ابإلسكندربة عا (‪ , )1973‬واجتماع اإلسكندربة عا (‪ , )1977‬واجتماع‬
‫تدربب مدرسي ومدرسات وردا الدبن النصراين يف كنيسة مارجرجس بدمنهور يف (‪ 28 - 27‬بنابر‬
‫‪ ، )1977‬واجتماع احملامني األقباط ابإلسكندربة‪ .‬كما اهتم بزايد عدد األبروشيات حيث ارتفعت‬
‫إىل ثماث ومخسني أبرشية بدال من ثماث وعشربن يف عهد سلفه‪ ،‬وابلتاِل زاد عدد األساقفة إىل اثنني‬
‫وستني أسقفا‪.‬‬
‫‪ -‬وزادت يف عهده أبضا ‪ -‬وبشكل ملحوظ ‪ -‬النشرات والكتب‪ ،‬ومحمات التنصَر واالستفزاز‬
‫للمسلمني‪ِ ،‬ما أشعل املواجهات بني املسلمني والنصارى ليما عرف أبحداث الفتنة الطا فية (الزاوبة‬
‫احلمراء ومناطق َمتلفة من صعيد مصر) األمر الذي دعا الر يس السابق ملصر – السادات‪ -‬إىل‬
‫عزله ونفيه يف دبر وادي النطرون‪ ،‬وقد ألرج عنه وعاد إىل كرسيه يف عهد الر يس احلاِل ملصر حممد‬
‫حسين مبارك‪.‬‬
‫‪ -‬نتيجة للمنحى اجلدبد للكنيسة املصربة يف عهد البااب شنود الثالث‪ ،‬ظهرت دارل الكنيسة‬
‫اُتاهات أررى تعارضه‪ ،‬وميكن تقسيم اُتاهات الكنيسة يف عهده إىل‪:‬‬
‫‪ - 1‬اُتاه علماين‪ :‬بمكد انفصال الدبن عن الدولة يف النصرانية‪ ،‬وبرى أن الكنيسة يف هذا العصر‬
‫ررجت على النصرانية الصحيحة ‪ -‬بزعمهم ‪َ -‬خلطها بني الدبن والدولة‪ ،‬كما بطالب أبمهية قيا‬
‫الكنيسة بواجبها الدبين‪ ،‬وابتعادها ورجال الكنيسة عن السياسة‪ .‬ومن أبرز ِمثلي هذا التيار املهندس‬
‫ميماد حنا اَخبَر اإلسكاين‪ ،‬وأحد رموز احلركة اليساربة يف مصر‪.‬‬
‫‪ - 2‬اُتاه انعزاِل كنسي‪ :‬بدعو إىل تبين الكنيسة للخطاب الدبين احملض‪ ،‬وبتجه إىل إصماح األدبر‬
‫وتطوبرها‪ ،‬وميثله األب مىت املسكني امسه بوسف إسكندر ‪ -‬صيدِل ‪ -‬انقطع للرهبنة يف دبر أيب مقار‬
‫قرب اإلسكندربة‪.‬‬
‫‪ - 3‬اُتاه روحي انعزاِل‪ :‬بدعو إىل تكفَر كل من خيالفه من املسلمني واألقباط على حد سواء‪،‬‬
‫مستخدما يف حماربتهم احلرب الروحية بصراع األرواح الشربر ‪ .‬كما بدعو إىل حماربة التلفزبون كأحد‬
‫أساليب ِملكة الشر‪ ،‬وإىل مواجهة اجملتمع والدولة سواء كانوا مسلمني أو نصارى مواجهة علنية‪ .‬وإىل‬
‫هذا االُتاه تْنسب احلوادث األرَر من إيماء الفتيات املسلمات يف شوارع مصر‪ ،‬وميثل هذا التيار‬
‫األب دانيال الرباموسي رربج كلية اهلندسة‪ ،‬وصاحب النشاط املمثر بني الشباب النصراين يف صعيد‬
‫مصر راصة‪ ،‬والقمص زكراي بطرس كاهن كنيسة مارجرجس مبصر اجلدبد (‪ , )1979‬الذي أْبعد‬
‫وحر من الوعظ؛ ملهامجته الدولة‪ ،‬ودعوته لتنصَر املسلمني بشكل علين‪.‬‬
‫عن منصبه ْ‬
‫‪ - 4‬اُتاه مشوِل‪ :‬برى أن الكنيسة ممسسة شاملة مكلفة أبن تقد احللول لكل املشكمات‪،‬‬
‫واألجوبة لكل األسئلة املتصلة ابلدبن والدنيا‪ ،‬وميثله البااب شنود الثالث‪ ،‬واألنبا يربغوربوس أسقف‬
‫البحث العلمي وامسه وهيب عطا حاصل على دكتوراه يف للسفة اللغات‪.‬‬
‫‪ - 5‬اُتاه توليقي‪ :‬برى أن للكنيسة دورا دبنيًّا ذا بعد وطين‪ ،‬حيتغم عليها أداء أدوار وطنية حمدد ؛‬
‫مثل الوقوف يف وجه املستعمر‪ ،‬مع البعد عن األمور السياسية‪ ،‬وميثله املفكر القانوين وليم سليمان‬
‫قماد ‪.‬‬

‫(‪)420/1‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬الكنيسة األرثوذكسية الشرقية‪:‬‬


‫‪ -‬ريم االنفصال املذهَب للكنيسة الشرقية عن الكنيسة الغربية حتت اسم كنيسة الرو األرثوذكس‬
‫أو الكنيسة الشرقية‪ ،‬برائسة بطربرك القسطنطينية بعد رلض قرارات جممع القسطنطينية الرابع عا‬
‫إداراي للكنيسة الغربية حتت رائسة اباب روما حىت االنفصال النها ي عا‬
‫(‪ , )896‬إال أهنا رضعت ًّ‬
‫(‪. )1054‬‬
‫‪ -‬توسعت الكنيسة البيزنطية يف القرن التاسع يف أورواب الشرقية؛ لأسست يف بلغاراي كنيسة‪،‬‬
‫أجرب احلاكم البلغاري بوربس األول (‪)888 - 852‬‬
‫وأصبحت النصرانية الدبن الرمسي للدولة بعدما ي‬
‫‪ ,‬على قبول املعمودبة من اإلرساليات التبشَربة‪.‬‬
‫‪ -‬عمل رليفته القيصر سيمون (‪ , )927 - 893‬على محابة الكنيسة‪ ،‬وجعل اللغة السمالية لغة‬
‫الطقوس الكنيسية بدال من اليواننية‪ ،‬ويف عهده استقلت الكنيسة البلغاربة يف بطربركية مستقلة‪.‬‬
‫‪ -‬أثناء حكم اإلمرباطور ابسل الثاين (‪ , )1025 - 976‬توطدت دعا م الكنيسة األرثوذكسية‬
‫السمالية على بد مبشري الدولة البيزنطية‪ ،‬مثل القدبسني كَرلس‪ ،‬وميثيودبوس واملعرولني برسل‬
‫السماف‪ ،‬ولذلك حيكت ضد اإلمرباطور املمامرات ِما اضطره إىل االستعانة أبمَر كييف لمادميَر‬
‫(‪ , )1015 - 978‬للتصدي هلا‪ ،‬لكان ذلك سببا يف اعتناق لمادميَر النصرانية على املذهب‬
‫األرثوذكسي عا (‪ , )990‬لتنضم روسيا إىل الكنيسة األرثوذكسية‪ ،‬وتصبح كنيستها أحد لروع‬
‫الكنيسة اليواننية‪.‬‬
‫‪ -‬يف الفرت ما بني القرنني العاشر واَخامس عشر ظهرت دارل األرثوذكسية لرقة البوجوميلي نسبة‬
‫إىل ممسسها القس بوجوميل على أهنا حركة سمالية هتدف إىل اإلصماح ابسم الكنيسة األرثوذكسية‬
‫البلغاربة‪ ،‬متأثر يف ذلك ِبراء الثنوبة واملانوبة احلدبثة‪ .‬ولذلك لإهنا تممن أبن العامل املر ي ِملوء‬
‫ابلشر‪ ،‬كما تعارض عقيد التجسد النصرانية من جانبها املادي‪ ،‬وترلض التعميد‪ ،‬وحتتقر الصليب‬
‫واملعجزات والكنا س الضخمة ونظا الكهنة‪ .‬وابجلملة ترلض النظا الكنسي العا ‪ .‬وسرعان ما‬
‫أنتشرت يف البلدان اَخاضعة لإلمرباطوربة البيزنطية‪ِ ،‬ما أدى إىل احلكم هبرطقتها‪ ،‬وإنزال العذاب‬
‫الشدبد أبتباعها‪ ،‬وحرق قا دهم يف القسطنطينية أما اجلماهَر احلاشد ‪.‬‬
‫أراد ميخا يل كَروالربوس بطربرك القسطنطينية عا (‪ , )1053‬االنفصال النها ي عن سلطة‬
‫الكنيسة الغربية ليصبح إمرباطورا وبطربركا‪ ،‬مساواي لبااب روما‪ ،‬لاستغل االضطراب السياسي يف‬
‫اإلمرباطوربة البيزنطية‪ ،‬وأعلن أن البابوبة يف روما أصبحت ألعوبة يف بد رجال الدولة الغربية‪ ،‬وأن‬
‫تقاليد الكنيسة الغربية ليها كفر وَمالفة للتعاليم النصرانية األوىل؛ لتصدَّى له اباب روما ليو التاسع‬
‫وقضى على حركته ابستمالة اإلمرباطور البيزنطي قسطنطني التاسع إىل جانب دعواه أبحقيَّة سياد‬
‫الكنيسة الغربية على الكنيسة الشرقية‪.‬‬
‫‪ -‬ما لبث أن تويف اباب روما ليو التاسع عا (‪ , )1045‬حىت استغل بطربرك القسطنطينية الفرصة‬
‫رجال الكنيسة الشرقية مر أررى‪ ،‬حيث رضع لرأبهم‬
‫الساحنة ليجمع حول دعوى االنفصال َ‬
‫اتما عن الكنيسة الغربية لتصبح كنيسة‬
‫اإلمرباطور‪ ،‬وأعلن رمسيًّا استقمال الكنيسة الشرقية استقماال ًّ‬
‫أجا صوليا اليت أعاد بناءها اإلمرباطور جستنيان يف القرن السادس مركزا للحيا الدبنية يف الكنيسة‬
‫األرثوذكسية‪.‬‬
‫‪ -‬يف عهد البااب أنورت الثالث (‪ , )1216 - 1198‬انطلقت احلملة الصليبية الرابعة الحتمال‬
‫القسطنطينية‪ ،‬والقضاء على كنيستها؛ لتحقيق وحد الكنيسة املسيحية على مذهب روما‬
‫الكاثوليكي‪.‬‬

‫(‪)421/1‬‬

‫‪ -‬درلت احلملة الصليبية الرابعة القسطنطينية عا (‪ , )1204‬كاجلراد املنتشر‪ ،‬لأتت على‬


‫رربتها بعد هنب ما ليها‬
‫األرضر واليابس‪ ،‬للم ترتك ليها حرمة إال انتهكتها‪ ،‬وال دبرا وال كنيسة إال َّ‬
‫من حتف وثروات‪ .‬وملا استقر هلم األمر‪ ،‬ودانت هلم اإلمرباطوربة مت تقسيمها وعاصمتها على زعماء‬
‫احلملة‪ ،‬وانتْخب بلدوبن دي لماندرز إمرباطورا لإلمرباطوربة الماتينية يف القسطنطينية (‪- 1204‬‬
‫وتعني البطربرك الكاثوليكي توماس مورسيين بطربركا لكنيستها‪ِ ،‬ما زاد من حنق ونفور‬
‫‪َّ ، )1261‬‬
‫البيزنطيني من الغرب وكنيسته‪.‬‬
‫‪ -‬بعد عود كنيسة القسطنطينية إىل سياد اإلمرباطوربة البيزنطية‪ ،‬قامت حماوالت عدبد لتوحيد‬
‫الكنيستني الشرقية والغربية رمال الفرت من منتصف القرن الثالث عشر حىت بداايت القرن اَخامس‬
‫عشر امليمادي من أمهها‪:‬‬
‫‪ -‬ما قا به اإلمرباطور البيزنطي ميخا يل الثامن (‪ , )1282 - 1259‬ابلتعاون مع اباب روما نيقوال‬
‫الثالث (‪ , )1280 - 1277‬واملتحمس هلذا األمر‪ ،‬لكنها ابءت ابلفشل للمعارضة الشدبد من‬
‫بطربرك القسطنطينية الذي أصدر قرارا حبرمان اإلمرباطور ميخا يل الثامن‪ ،‬وأبَّده على ذلك اباب روما‬
‫مارتن الرابع بقرار حرمان آرر لإلمرباطور‪.‬‬
‫‪ -‬حماولة أررى قا هبا اإلمرباطور البيزنطي مابكل لمابولتوس أثناء مواجهته مللك صقلية شارل‬
‫أوجنو‪ ،‬حيث أرسل اعرتالا إىل البااب جورج العاشر بسياد الكنيسة الغربية‪ ،‬وبذلك جنح اإلمرباطور يف‬
‫لرض بطربرك كاثوليكي شرقي بدعى جون بيكوس على رائسة كنيسة القسطنطينية‪ ،‬وما أن مات‬
‫اإلمرباطور حىت رلض اجمللس األرثوذكسي هذا االعرتاف‪.‬‬
‫‪ -‬ومن آرر حماوالت التوحيد يف تلك الفرت ما قا به اجملمع الذي عقد يف لرارا مث للورنس امتدادا‬
‫طوقت القسطنطينية‪ ،‬وقد جنح هذا اجملمع يف أن‬
‫جملمع ابل؛ ملواجهة نشاط العسكربة اإلسمامية اليت َّ‬
‫بقبل األرثوذكس معظم النقاط اليت عرضها اإلمرباطور جون الثامن‪ ،‬وريم توقيع اإلمرباطور البيزنطي‬
‫حنا السادس عليها إال أهنا مل تتم للمعارضة الشدبد من الشعب وردا كنيسة القسطنطينية‪،‬‬
‫ابإلضالة إىل معارضة بطاركة كنا س اإلسكندربة وأنطاكية وبيت املقدس‪.‬‬
‫‪ -‬يف منتصف القرن التاسع عشر ارتفعت من جدبد نداءات االحتاد بني الكنيستني‪ :‬لفي عا‬
‫وجه البااب بيوس التاسع نداءه إىل الكنا س الشرقية لماحتاد مع كنيسة روما إال أنه‬
‫(‪َّ , )1848‬‬
‫ض كما رلض يَره من قبل‪.‬‬ ‫غ‬
‫ْرل َ‬
‫‪ -‬يف عهد األمَر إبفان األول (‪ , )1341 - 1328‬أصبحت موسكو املركز الروحي لروسيا‬
‫ابنتقال ر يس أساقفة روسيا من كييف إىل موسكو‪.‬‬
‫‪ -‬متتعت كنيسة روسيا حبمابة ملوك املغول‪ ،‬وعد تدرلهم يف سياستها ِما ضاعف من نفوذها‬
‫وثرواهتا‪.‬‬
‫لأمن أهلهم‬
‫يف مابو (‪ , )1453‬لتحت جيوش السلطان العثماين حممد الفاتح مدبنة القسطنطينية‪َّ ،‬‬
‫وطمأهنم على أنفسهم وأعراضهم‪ ،‬ومنحهم َّ‬
‫حق االعتقاد وحربة ِمارسة الشعا ر والعبادات اَخاصة‬
‫هبم‪ ،‬وأعلن الكثَر منهم إسمامهم‪ ،‬ومن مث أمر بتحوبل كنيسة أجا صوليا إىل مسجد‪....... .‬‬
‫‪ -‬جعل السلطان بطربرك القسطنطينية ر يس النصارى الدبين واملدين‪ ،‬وجرى تقسيم الكنيسة‬
‫األرثوذكسية البلقانية إىل وحدات قومية‪ ،‬أصبحت القسطنطينية مركزا لليوانن‪ ،‬وأصبح للصرب‬
‫راصا يف بيج بيويسماليا‪ ،‬والبلغار مطرانيتهم يف أوهربد‪ .‬أما سكان رومانيا لكان هلم‬
‫بطربركا ًّ‬
‫ممسسات دبنية مشاهبة‪ ،‬وعهدت احلكومة العثمانية للكنيسة بسلطة إدار العدبد من الوظا ف‬
‫واملها الدبنية واملدنية‪ .‬وبذلك أصبحت الكنيسة جزءا من اجلهاز احلكومي‪ .‬وهكذا مارس بطربرك‬
‫القسطنطينية سلطات أوسع من السلطات اليت كانت َْم َّولة له عا (‪ , )1588‬يف الدولة البيزنطية‪،‬‬
‫‪..........‬‬

‫(‪)422/1‬‬

‫‪ -‬استقلت الكنيسة الروسية ببطربركية مستقلة عا (‪ , )1588‬وأبطلت سياد كنيسة القسطنطينية‬


‫عليها بعد لرار البطربرك اليوانين من القسطنطينية إىل موسكو‪.‬‬
‫عني اإلمرباطور ليودا األول أول بطربرك روسي‪ ،‬ومحل بطاركة الشرق على‬
‫‪ -‬ويف عا (‪َّ , )1589‬‬
‫االعرتاف به عا (‪. )1593‬‬
‫‪ -‬أصبحت الكنيسة الروسية ذات أمهية راصة بعد سقوط القسطنطينية يف أبدي العثمانيني عا‬
‫(‪ ، )1453‬لقد اعتربت نفسها املركز احلقيقي واحلامية لَلرثوذكسية الصحيحة‪ ،‬وبذلك أصبحت‬
‫روما الثالثة‪ .‬بقول الراهب لليوثيوس من ابسكوف‪( :‬لقد سقطت الرومااين (روما والقسطنطينية)‬
‫وهذه روما الثالثة‪ ،‬ولن بكون هناك روما رابعة)‪.‬‬
‫‪ -‬يف أثناء حكم نيكون (‪ , )1658 - 1652‬انقسمت الكنيسة الروسية نتيجة القرتاح نيكون‬
‫بضرور أن تتطابق الكنيسة الروسية يف ألكارها‪ ،‬ومعتقداهتا الكنسية اإليربقية‪.‬‬
‫‪ -‬ألغى بيرت العظيم عا (‪ , )1721‬البطربركية الروسية وتبىن املذهب الربوتستانيت‪.‬‬
‫‪ -‬ألغى اإلمرباطور بطرس األكرب البطربركية الروسية مر اثنية‪َّ ،‬‬
‫وتوىل جممع السينودس املقدس إدار‬
‫الكنيسة يف املسا ل الدبنية حمتفظا لنفسه ورلفا ه برائستها‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )1744‬أصدرت بطربركية الكنيسة يف القسطنطينية مرسوما بتحرمي املاسونية‬
‫واالنتساب إليها‪.‬‬
‫‪ -‬ويف أاي اإلمرباطور كاتربن استولت احلكومة على أمماك الكنيسة الروسية‪ ،‬واحتفظت لنفسها‬
‫أبمر تعليم الكهنة وتعيينهم‪ .‬وقد استمر أثر هذه اإلجراءات حىت عا (‪ , )1917‬حيث الثور‬
‫البلشفية اليت أدرلت النصرانية يف روسيا يف مرحلة جدبد منفصلة بذلك عن الكنا س األررى‪،‬‬
‫وانتْ غخب أول بطربرك هلا أثناء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وابلتاِل أصبحت تعلن والءها للحكومات‬
‫الشيوعية‪ ،‬وتمكد سياستها ضد الغرب‪.‬‬
‫استقلَّت الكنيسة اليواننية يف عا (‪ , )1833‬عن كنيسة القسطنطينية‪.‬‬
‫ظهرت يف بلغاراي حركة تعمل على إصماح الكنيسة البلغاربة برائسة األب نيولت بوزقيلي‪ ،‬وبعد أن‬
‫عينت احلكومة العثمانية أساقفة يَر بلغاربني على الكنيسة البلغاربة‪.‬‬
‫‪ -‬ويف عا (‪ , )1860‬أعلن األسقف ييمادبون مكاربو بولسكي استقمال الكنيسة البلغاربة‪،‬‬
‫ووالقت السلطات العثمانية على ذلك‪ ،‬وأنشأت هلم كنيسة راصة يف استانبول حتت رائسة مطران‬
‫وهيئة مساعد راصة هبم‪.‬‬
‫‪ -‬وردًّا على ذلك عقد جممع القسطنطينية عا (‪ , )1873‬حبضور بطاركة القسطنطينية وأنطاكية‬
‫وأورشليم واإلسكندربة؛ ليصدر قرارا حبرمان مجيع النظا الكنسي البلغاري‪.‬‬
‫‪ -‬بعد سياد الشيوعية يف دول شرق أوراب انضمت الكنيسة البلغاربة والرومانية إىل الكنيسة الروسية‬
‫مر أررى‪.‬‬
‫‪ -‬استقلت الكنيسة األرثوذكسية الياابنية عا (‪ , )1939‬عن الكنيسة الروسية اليت ظلَّت اتبعة هلا‬
‫منذ َتسيسها عا (‪ )1860‬على بد إرسالية أرثوذكسية روسية‪.‬‬

‫(‪)423/1‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬أهم األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫‪ -‬تممن الكنيسة األرثوذكسية مثل ابقي الكنا س األررى إبله واحد مثلث األقانيم‪ :‬اخآب‪ ،‬االبن‪،‬‬
‫الروح القدس على حسب ما ورد يف قانون اإلميان النيقاوي (‪. )325‬‬
‫‪ -‬كما تممن بربوبية وألوهية الرب واملسيح يف آن واحد‪ ،‬على أهنما من جوهر واحد ومشيئة واحد ‪،‬‬
‫ومتساوبني يف األزلية‪ ،‬لكن كنيسة أورشليم األرثوذكسية اليواننية ومن بتبعها تممن أبن املسيح له‬
‫طبيعتان ومشيئتان موالقة جملمع كليدونية (‪. )451‬‬
‫‪ -‬بممن األرثوذكس ابلزايد اليت أضيفت على قانون اإلميان النيقاوي يف جممع القسطنطينية عا‬
‫(‪ ، )381‬اليت تتضمن اإلميان ابلروح القدس الرب احمليي واملنبثق من األب وحده‪ ،‬لله طبيعته‬
‫وجوهره‪ ،‬وهو روح هللا وحيا الكون‪ ،‬ومصدر احلكمة والربكة ليه‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقد األرثوذكس األقباط أن األقانيم الثماثة ما هي إال رصا ص للذات اإلهلية الواحد ‪،‬‬
‫ومنزهة عن التأليف والرتكيب‪ ،‬لكن الكنيسة األرثوذكسية اليواننية‪،‬‬
‫ومتساوبة معه يف اجلوهر واألزلية‪َّ ،‬‬
‫ومن تبعها تعترب أقنو االبن أقل من أقنو األب يف الدرجة‪ ،‬ولذلك لهي عند اليوانن مراحل انقلب‬
‫ليها هللا إىل اإلنسان‪.‬‬
‫بتجسد اإلله يف السيد املسيح من أجل رماص البشربة من إمث رطيئة آد ‪ ،‬وذربته من‬
‫‪ -‬اإلميان ُّ‬
‫بعده‪ ،‬ليعتقدون أنه ْولد من مرمي وصلب ومات لداء َخطاايهم‪ ،‬مث قا بعد ثماثة أاي ليجلس على‬
‫ميني الرب؛ ليحاسب اَخما ق بو احلشر‪.‬‬
‫‪ -‬اإلميان أبن السيد مرمي العذراء والد اإلله‪ ،‬ولذا بوجبون تقدبسها كما بقدسون القدبسني‪،‬‬
‫واألبقوانت يَر اجملسمة‪ ،‬وذرا ر القدبسني‪ ،‬وبقدسون الصليب‪ ،‬وبتخذونه رمزا وشعارا‪.‬‬
‫‪ -‬تممن الكنيسة األرثوذكسية املصربة ابجملامع املسكونية السابقة على جممع كليدونية لعا (‪)451‬‬
‫‪ ،‬بينما تممن الكنيسة اليواننية ومن اتبعها وكنيسة أورشليم األرثوذكسية جبميع اجملامع السابقة على‬
‫جممع القسطنطينية (‪. )869‬‬
‫‪ -‬اإلميان بنصوص الكتاب املقدس ومبا بتضمنه من أسفار التورا وأسفار األنبياء ابإلضالة إىل ابقي‬
‫األسفار األررى‪ ،‬ولكنها تستخد يف الطقوس الكنسية النموذج الربوتستانيت الذي بشتمل على‬
‫األسفار اَخمسة لقط‪ ،‬كما تممن بنصوص العهد اجلدبد ورسا ل الرسل على ما أقر يف جممع نيقية‬
‫األول (‪. )325‬‬

‫(‪)424/1‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬العبادات والشعا ر‪:‬‬


‫‪ -‬تممن الكنيسة األرثوذكسية ابألسرار السبعة للكنيسة‪:‬‬
‫‪ - 1‬سر املعمودبة‪ - 2 .‬سر املَرون‪ - 3 .‬سر القرابن‪ - 4 .‬سر االعرتاف‪.‬‬
‫‪ - 5‬سر مسحة املرض‪ - 6 .‬سر الزواج‪ - 7 .‬سر الكهنوت‪.‬‬
‫‪ -‬الصما ‪ :‬بعتقد األرثوذكس بوجوب سبع صلوات‪ :‬صما ابكر‪ ،‬وتقال يف الفجر‪ ،‬والساعة الثالثة‬
‫وتقال التاسعة صباحا‪ ،‬وصما السادسة‪ ،‬وتقال ظهرا‪ ،‬وصما التاسعة وتقال حواِل الثالثة بعد‬
‫الظهر‪ ،‬وصما الغروب‪ ،‬وصما النو ‪ ،‬وصما نصف الليل وتقال على دلعات‪ .‬والصما إما أن‬
‫تكون لردبة أو مجاعية‪ ،‬وهي عبار عن دعاء هبيئة معينة‪ ،‬وال تستخد اخآالت املوسيقية يف الرتانيم‬
‫الكنسية‪ ،‬وال بقا ليها القداس بوميًّا‪.‬‬
‫‪ -‬الصو ‪ :‬وهو االمتناع عن األكل حىت الغروب‪ ،‬ولغَر املستطيع أن بصو على قدر طاقته‪ ،‬وبعفى‬
‫منه مخس لئات‪ :‬املرضى‪ ،‬والرجل الشيخ‪ ،‬واملرأ العجوز‪ ،‬واألطفال أقل من اثنيت عشر سنة‪ ،‬واملرأ‬
‫احلامل‪ ،‬واملرضع‪ ،‬وميكنهم أن أيكلوا تبعا ملا رمسه هلم آابء الكنيسة ابالمتناع عن اللحو أبنواعها‬
‫ومستخرجاهتا‪ ،‬وبقتصر على ما تنبت األرض‪.‬‬
‫وأنواع الصو عندهم سبعة‪:‬‬
‫الصو الكبَر السابق لعيد القيامة عندهم‪ ،‬والصو السابق لعيد امليماد‪ ،‬صو بوانن‪ ،‬صو الرسل بني‬
‫عيد اَخماسني وعيد الرسل‪ ،‬صو السيد العذراء‪ ،‬صو الربمون‪ ،‬وذلك على مدد متفاوتة لكل‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ -‬األعياد‪ :‬تنقسم األعياد يف األرثوذكسية إىل‪:‬‬
‫‪ - 1‬أعياد سيدبة كربى‪ - 2 .‬أعياد سيدبة صغرى‪ ،‬وللكنيسة املصربة أعياد راصة هبا مثل أعياد‬
‫القدبسني والشهداء‪.‬‬
‫‪ -‬حتتفل الكنيسة األرثوذكسية بعيد ميماد السيد املسيح يف اليو السادس من شهر بنابر‪.‬‬
‫درجات الكهنوت‪ :‬الكنيسة األرثوذكسية كنيسة شعبية بقو على رأسها البااب أو البطربرك‪ ،‬وبرأس‬
‫كل جمموعة كنا س بطربركية يف البلد أو اإلقليم‪ ،‬وبقو جبانبها جملس مقدس كاجمللس امللي يف مصر‬
‫الذي بضم مطارنة وعلمانيني‪ ،‬وتشرف عليه احلكومة املصربة‪ .‬وبتكون التنظيم الكهنوِت للكنيسة من‬
‫البطربرك‪ ،‬مث املطارنة‪ ،‬مث األساقفة‪ ،‬مث القمامصة‪ ،‬مث القساوسة مث الشمامسة وال تعرتف الكنيسة‬
‫بسلطة اباب روما وال بعصمته‪.‬‬
‫‪ -‬الرهبنة‪ :‬وهي سبع مقامات روحية‪ ،‬وتنقسم إىل نوعني‪:‬‬
‫رهبنة لردبة‪ ،‬رهبنة دبربة‪.‬‬
‫‪ -‬الدبن‪ :‬تممن األرثوذكسية مثل ابقي الكنا س بعاملية النصرانية‪ ،‬كما تممن الكنيسة األرثوذكسية‬
‫املصربة بضرور بعث مَراث الكنيسة القبطية‪ ،‬وإحياء القومية واللغة القبطية‪ .‬وبنادي بطربرك‬
‫الكنيسة احلاِل شنود الثالث أبن الكنيسة ممسسة شاملة مكلفة أبن تقد حلوال لكل املشكمات‬
‫وأجوبة على كل األسئلة املتصلة ابلدنيا والدبن‪ ،‬ولذلك نشطت يف عهده يف التنصَر‪ ،‬وإقامة‬
‫الكنا س يف ألربقيا ويَرها‪.‬‬
‫‪ -‬تقبل زواج الكهنة إذا تزوجوا قبل الدرول يف الرتب الكنسية‪ ،‬وال تسمح بزواج الكهنة بعد ولا‬
‫الزوجة الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬تعمل الكنيسة األرثوذكسية املصربة على عرقلة تطبيق الشربعة اإلسمامية‪ ،‬أو قصرها على‬
‫املسلمني لقط‪ ،‬كما تسعى إىل امتماك انصية االقتصاد املصري‪.‬‬
‫‪ -‬متنح الكنيسة اجلوا ز للمتزوجني‪ ،‬ومساعد من بربد الزواج منهم لزايد نسلهم‪.‬‬

‫(‪)425/1‬‬

‫الفرع الثامن‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫‪ -‬الكتاب املقدس ابإلضالة إىل اجملامع املسكونية حىت جممع كليدونية ‪ 451‬ابلنسبة للكنيسة‬
‫املصربة‪ ،‬وجممع القسطنطينية ابلنسبة للكنا س األرثوذكسية األررى‪.‬‬
‫‪ -‬الفلسفة األلماطونية احلدبثة‪ ،‬والفلسفة الغنوصية‪.‬‬
‫‪ -‬احلضارات القدمية‪ :‬املصربة‪ ،‬اليواننية‪ ،‬اهلندبة‪.‬‬

‫(‪)426/1‬‬

‫الفرع التاسع‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫تنتشر الكنا س األرثوذكسية اليواننية يف الدول التالية‪ :‬تركيا‪ ،‬اليوانن‪ ،‬روسيا‪ ،‬ودول البلقان‪ ،‬وجزر‬
‫البحر األبيض‪ ،‬واجملر ورومانيا‪ ،‬وتشرف كنيسة أنطاكية على بيت املقدس‪ ،‬كما أن لطور سيناء يف‬
‫مصر كنيسة مستقلة تشرف على دبر سانت كاتربن‪ ،‬ومطراهنا هو األب ر يس الدبر‪.‬‬
‫‪ -‬بنتشر نفوذ الكنيسة املصربة يف مصر حيث ببل إمجاِل نصارى مصر جبميع مذاهبهم وطوا فهم‬
‫‪ %5.78‬من إمجاِل السكان حسب اإلحصا يات الرمسية ابلتعاون مع عشر هيئات حملية وعاملية من‬
‫بينها األمم املتحد ‪ ،‬وبتبعها نصارى احلبشة والسودان حيث هبا أقد الكنا س التابعة لكنيسة‬
‫اإلسكندربة‪ .‬ويف العصر احلدبث أسست الكنيسة املصربة عد كنا س اتبعة هلا يف كل من‪ :‬كينيا‪،‬‬
‫وليبيا‪ ،‬اجلزا ر‪ ،‬الكوبت‪ ،‬العراق‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬ديب‪ ،‬أبو ظَب‪ ،‬البحربن‪ ،‬بماد الشا ‪ ،‬للسطني‪ ،‬دبر‬
‫السلطان‪ ،‬األردن‪ ،‬لبنان‪ ،‬أمربكا الشمالية‪ ،‬كندا‪ ،‬اسرتاليا‪ ،‬وبعض دول أورواب مثل‪ :‬النمسا‪ ،‬ولرنسا‪.‬‬
‫‪ -‬األرمن‪ :‬تتفق كنيسة األرمن مع الكنيسة األرثوذكسية املصربة يف األلكار واملعتقدات وإن كان هلا‬
‫ترتيب كنسي راص هبا‪.‬‬
‫‪ -‬اليعقوبية‪ :‬تتفق مع الكنيسة األرثوذكسية املصربة يف اإلميان ابملذهب املونوليزبيت يف القول ابلطبيعة‬
‫الواحد للمسيح‪ ،‬وبتواجد معظم أتباعها يف العراق‪ ،‬بينما بقيم بطربركهم يف محص بسوراي‪.‬‬
‫بتضح ِما سبق‪:‬‬
‫‪ -‬ارتماف أتباع املذهب األرثوذكسي ليما بينهم يف أصل العقيد وقانون اإلميان‪ ،‬ولذلك لإن‬
‫الكنيسة اليواننية األرثوذكسية لضما عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية حتكم بكفر وهرطقة الكنيسة‬
‫املصربة‪.‬‬
‫أثرها على عقيد الكنيسة األرثوذكسية‪.‬‬
‫‪ -‬كان للفلسفة األلماطونية احلدبثة‪ ،‬ولَللكار الغنوصية ْ‬
‫‪ -‬كان للتلفيق بني تعاليم النصرانية والعقا د الوثنية يف مصر وبماد الكنيسة األرثوذكسية‪ -‬بزعم‬
‫الرتييب يف النصرانية‪ -‬أثره البال يف احنراف عقا د وألكار الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهرت القسو واالضطهاد بني أبناء امللة الواحد حملاولة السيطر ‪ ،‬ولرض مذاهبهم ابلقو ‪ ،‬مثل ما‬
‫حدث بني أتباع األرثوذكسية البيزنطية وبني أبناء الكنيسة املصربة من االضطهاد والتعذبب‪ ،‬وبني‬
‫أتباع الكنا س الغربية‪ ،‬سواء كانت كاثوليكية أو بروتستانتية أو أتباع األرثوذكسية‪.‬‬
‫‪ -‬كان ُّ‬
‫لتحكم اإلمرباطوربة البيزنطية يف الكنيسة وسياستها أثره البال على عد استقرارها وكثر‬
‫احنرالاهتا‪.‬‬
‫‪ -‬حتالف النصارى األرثوذكس مع احلممات الصليبية يف سوراي ولبنان ومصر إابن احلملة الفرنسية‬
‫واحلملة اإلجنليزبة على مصر والشا ‪ ،‬وبرزت شخصيات نصرانية متعصبة‪ ،‬ومتأثر ابلدعابة الغربية‬
‫اليت أرذت تدعو يف مصر مثما إىل إحياء القومية واللغة القبطية‪.‬‬
‫‪ -‬األثر البال والبعيد املدى ملدارس األحد يف ختربج قيادات الكنيسة املصربة على ارتماف‬
‫اُتاهاهتم الفكربة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور التوجه السياسي للكنيسة القبطية‪ ،‬وحماولة التأثَر يف السياسات احلكومية مبا بوالق‬
‫مصاحلهم ورططهم‪ ،‬مستخدمة يف ذلك انتشار وزايد نفوذ الكنيسة يف دارل ورارج مصر‪ ،‬مستغلة‬
‫العماقات الدولية والتجمعات القبطية يف اَخارج لتهيئة الرأي العا العاملي ضد املسلمني؛ لكسب‬
‫املزبد من التعاطف الدوِل لدعم قضاايهم الدبنية والسياسية‪.‬‬
‫‪ -‬اهتما الكنيسة املصربة ابحلممات التنصَربة يف دارل ورارج مصر مستخدمة يف ذلك وسا ل‬
‫متعدد ‪ .‬أما الكنيسة األرثوذكسية اليواننية ومن بتبعها لكانت جهودهم ضعيفة يف هذا اجلانب؛ نظرا‬
‫للتحجيم الشيوعي لدور الكنا س يف روسيا ودول أورواب الشرقية‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬دا ر املعارف اإلسمامية‪ ،‬إصدار شركة سفَر‪ ،‬القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬دا ر املعارف ‪ -‬القاموس العا لكل لن ومطلب‪ ،‬املعلم بطرس البستاين‪ ،‬دار املعرلة بَروت‪.‬‬
‫(‪)427/1‬‬

‫‪ -‬موسوعة اتربخ األقباط‪ ،‬زكي شنود ‪ -‬مطبعة التقد ‪ -‬القاهر ‪.‬‬


‫‪ -‬اتربخ أورواب يف العصور الوسطى‪ ،‬د‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪-‬اتربخ أورواب يف العصور الوسطى ‪ -‬احلضار والنظم‪ ،‬د‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور‪ ،‬مكتبة األجنلو‬
‫املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أورواب يف العصور الوسطى‪ ،‬السيد الباز‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أورواب يف العصور الوسطى‪ ،‬د‪ .‬نسيم جوزبف بوسف‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ الدولة البيزنطية‪ .‬د‪ .‬نسيم جوزبف بوسف‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬الدولة العثمانية والبلقان‪ ،‬د‪ .‬علي حسون‪ ،‬املكتب اإلسمامي‪.‬‬
‫‪ -‬مصر من اإلسكندر األكرب حىت الفتح العريب‪ ،‬مصطفى العبادي‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬
‫‪ -‬املسلمون واألقباط يف إطار الوحد الوطنية‪ ،‬طارق البشري‪ ،‬اهليئة العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪-‬الفتنة الطا فية يف مصر ‪ -‬جذورها‪ ،‬أسباهبا‪ ،‬مجال بدوي‪ ،‬املركز الدوِل للصحالة‪.‬‬
‫‪ -‬األقباط يف السياسة املصربة‪ ،‬مصطفى الفقي‪ ،‬دار الشروق‪.‬‬
‫‪ -‬قصة الكنيسة القبطية‪ ،‬إبزبس حبيب‪ ،‬املصري‪ ،‬كنيسة مارجرجس‪.‬‬
‫‪ -‬قذا ف احلق‪ ،‬حممد الغزاِل‪ ،‬املكتبة العصربة‪.‬‬
‫‪ -‬رربف الغضب‪ ،‬حممد حسنني هيكل‪ ،‬شركة املطبوعات العصربة‪.‬‬
‫‪ -‬اي أهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء‪ ،‬د‪ .‬رؤوف شلَب‪ ،‬مكتبة االعتصا ‪.‬‬
‫‪ -‬حماضرات النصرانية‪ ،‬حممد أبو زهر ‪ ،‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫‪-‬ما هي النصرانية‪ ،‬حممد تقي الدبن العثماين‪ ،‬رابطة العامل اإلسمامي‪.‬‬
‫‪-‬املسيحية نشأهتا وتطورها‪ ،‬شارل جان بيَر‪ ،‬ترمجة د‪ .‬عبد احلليم حممود‪.‬‬
‫‪-‬الفروق العقيدبة بني املذاهب املسيحية‪ ،‬القس إبراهيم عبد السيد‪ ،‬كنيسة مارجرجس‪.‬‬
‫‪ -‬املاسونية عقد املولد‪ ،‬حممود الشاذِل‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬
‫‪ -‬ملف الكنيسة املصربة‪ ،‬حممد مورو‪ ،‬مكتبة املختار اإلسمامي‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ الفكر املسيحي‪ ،‬حنا جرجس اَخضَري‪ ،‬دار الثقالة‪ ،‬القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬من أيمى لتيات مصر‪ ،‬أبو إسما أمحد عبد هللا‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬القاهر ‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫(‪)428/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫أكرب الكنا س النصرانية يف العامل‪ ،‬وتدَّعي أهنا أ الكنا س ومعلمتهن‪ ،‬بزعم أن ممسسها بطرس‬
‫الرسول‪ ،‬وتتمثل يف عد كنا س تتبع كنيسة روما وتعرتف بسياد اباب روما عليها‪ ،‬ومسيت ابلكنيسة‬
‫الغربية أو الماتينية المتداد نفوذها إىل الغرب الماتيين راصة‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫الكاثوليك‪ :‬وهم أتباع البااب يف روما‪ ،‬وأهم ما بتميزون به هو‪:‬‬
‫‪ - 1‬قوهلم أبن الروح القدس انبثق من األب واالبن معا‪.‬‬
‫‪ - 2‬ببيحون أكل الد واملخنوق‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن اباب الفاتيكان هو الر يس العا جلميع الكاثوليك‪.‬‬
‫‪ - 4‬حترمي الطماق بتاات حىت يف حالة الزان‪.‬‬
‫وتسمى كنيستهم الكنيسة الغربية‪.‬‬
‫والكاثوليك هم أكثر األوربيني الغربيني وشعوب أمربكا اجلنوبية‪َّ ،‬‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪374‬‬

‫(‪)429/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫‪ -‬بدعي أصحاهبا أبن القدبس بطرس ت (‪ , )62‬هو املمسس األول لكنيستها على حسب ما‬
‫أشار إليه القدبس سيرباين (‪ , )258 - 248‬مع أن مصادر التاربخ الكنسي تشَر إىل أن لكل من‬
‫بولس وبطرس دوره يف وجودها‪.‬‬
‫‪ -‬أول من استعمل لفظ كاثوليك للدعو لتأبيد الكنيسة مقابل حركات اَخروج على مفاهيمها‬
‫وعقا دها ‪ -‬اهلرطقة ‪ -‬أس ْقف أنطاكية القدبس أيناطيوس األنطاكي يف القرن الثاين امليمادي‪.‬‬
‫‪ -‬منذ أن أسس قسطنطني مدبنة القسطنطينية‪ ،‬روما اجلدبد ‪ ،‬وبىن ليها كنيستها أجا صوليا‪ ،‬وجعلها‬
‫تلي كنيسة روما يف املكانة‪ ،‬قا التنالس بني الكنيستني يف السيطر على العامل املسيحي‪ ،‬الذي استمر‬
‫إىل أن مت االنفصال اإلداري بينهما عا (‪ , )869‬بعد جممع القسطنطينية‪ .‬ويف رمال تلك الفرت‬
‫وما بليها وقعت أحداث جسا ‪ ،‬وبرز ابابوات وقدبسون‪ ،‬كان هلم أكرب األثر يف تطور الكنيسة‪.‬‬
‫وليما بلي أهم تلك األحداث وأبرز هذه الشخصيات‪:‬‬

‫(‪)430/1‬‬

‫الفرع الثالث‪َ :‬تكيد سيطر الكنيسة الغربية‪:‬‬


‫‪ -‬اعرتف جممع سردبكا عا (‪ )343‬أو (‪ , )344‬حبق استئناف قرارات اجملامع اإلقليمية إىل‬
‫أسقف روما‪ِ ،‬ما زاد من دعاوى روما أبهنا احلكم األعلى للنصرانية‪.‬‬
‫‪ -‬البااب داماسوس األول (‪( , )384 - 366‬له دور كبَر) يف ترمجة اإلجنيل إىل الماتينية‪ ،‬كما رأس‬
‫جممع روما عا (‪ , )382‬للرد على قرارات جممع القسطنطينية لعا (‪ , )381‬لتأكيد صدار روما‬
‫اليت تستمد مكانتها من وعد املسيح لبطرس الرسول بقوله‪( :‬وأان أقول لك أنت الصخر ‪ ،‬وعلى هذه‬
‫الصخر سأبين كنيسيت‪ ،‬وأبواب اجلحيم لن تقوى عليها)‪.‬‬
‫‪ -‬البااب ليو األول (‪ , )461 –440‬وامللقب بليو العظيم؛ حيث كان له دور ابرز يف محابة روما‬
‫واحلفاظ عليها بعد سقوطها عا (‪ , )410‬يف بد اخآربوسيني ‪ -‬أتباع آربوس‪ -‬و ‪ .....‬يف متييز‬
‫الكنيسة الغربية بعقيدهتا يف املسيح من حيث إن له طبيعتني ‪ -‬املذهب امللكاين ‪ -‬بعد تصدبه‬
‫ألصحاب مذهب الطبيعة الواحد للمسيح ‪ -‬املونوليزتية ‪ -‬يف جممع كلدونية عا (‪. )451‬‬
‫‪ -‬أصدر اإلمرباطور لالنتيان سنة (‪ , )455‬مرسوما بقضي خبضوع كل أساقفة وموظفي اإلمرباطوربة‬
‫للبااب‪ِ ،‬ما زاد يف نفوذ وثروات الكنيسة‪ ،‬وأقبل الناس على الدرول يف الكنيسة أبعداد كبَر ؛ تطلعا‬
‫للمكانة والكسب املادي‪.‬‬
‫‪ -‬كان العتناق اإلمرباطور كلولس النصرانية‪ ،‬وتعميده على العقيد الكاثوليكية عا (‪ )496‬أكرب‬
‫األثر يف اعتناق الفرجنة السالني – أحد الطوا ف اجلرمانية – للمذهب الكاثوليكي‪.‬‬
‫قرر اإلمرباطور ثيودربك تسليم مجيع الكنا س الكاثوليكية‬
‫‪ -‬يف (‪ 6‬أيسطس سنة ‪َّ , )525‬‬
‫لَلربوسيني؛ ردًّا على محلة اإلمرباطور جستنيان يف الدولة البيزنطية ضد األربوسيني‪ .‬لأنزل االضطهاد‬
‫والتعذبب على الكاثوليك‪ ،‬وسجن يف هذه الفتنة البااب بوحنا األول عا (‪. )525‬‬

‫(‪)431/1‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬العصور املظلمة‪:‬‬
‫توِل البااب جرجوري األول عا ‪ 590‬حىت غ‬
‫توِل شارملان‬ ‫وبطلقها ممررو النصرانية على الفرت من غ‬
‫اإلمرباطوربة (‪ )840 - 800‬حيث شهدت العدبد من الصراعات واالنشقاقات اليت أدَّت إىل‬
‫االهنيار السياسي واالحنطاط العلمي والثقايف للنصرانية‪ .‬وإن متيَّزت بقو التبشَر النصراين‪ ،‬ابإلضالة‬
‫عمت أشعتها نصف‬
‫إىل شروق مشس اإلسما من جبال لاران (مبكة املكرمة) عا (‪ , )610‬حىت َّ‬
‫العامل‪ ،‬وأرضعت العدبد من املمالك النصرانية يف مصر وألربقيا واألندلس وصقلية ودول الشا‬
‫وإبران‪ ،‬ومن أبرز شخصيات هذا العصر‪:‬‬
‫‪ -‬البااب جرجوري األول (‪ : )604 – 590‬الذي بلقب جبرجيوري العظيم؛ الهتمامه البال بتطوبر‬
‫الكنيسة وإصماحها‪ ،‬متأثرا مببادئ وأصول األدبر البندكتية اليت نشأ ليها‪ .‬ابإلضالة إىل اهتمامه‬
‫ابلنواحي السياسية واإلداربة‪ ،‬والدعو للنصرانية حىت امتد نفوذ الكنيسة يف عهده إىل ألربقيا‬
‫وياليا‪ -‬لرنسا‪ -‬ودرلت إسبانيا وإجنلرتا يف النصرانية بعد بعثة القدبس أويسطني عا (‪، )597‬‬
‫وقد أصبحت الكنيسة يف عهده أشبه ابحلكومة املدنية العلمانية‪ ،‬وبذلك استطاع لرض سياد البابوبة‬
‫على األساقفة الشرقيني يف النواحي القضا ية مبا ليهم بطربرك القسطنطينية‪ ،‬لحقق بذلك للبابوبة‬
‫قسطا من السمو مل بسبق إليه ِما كان لذلك األثر البال يف تذكية الصراع بني البابوبة واإلمرباطوربة‪.‬‬

‫(‪)432/1‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬القرون الوسطى‪:‬‬


‫وتطلق على الفرت ما بني (‪ , )1521 – 800‬اليت اتسمت بكثر احلروب األهلية‪ ،‬واليت دامت‬
‫ومسَتها‬
‫طوبما بني البابوبة واإلمرباطوربة‪ ،‬واتسمت بظهور حركات اَخروج على مبادئ الكنيسة ليما َ‬
‫الكنيسة ابهلرطقة‪ ،‬ولذلك توسعت يف استخدا حماكم التفتيش ضد هذه احلركات‪ ،‬وضد األصوات‬
‫املنادبة ابإلصماح الكنسي‪ .‬ويف تلك الفرت أبضا كانت بدابة احلروب الصليبية‪ ،‬ابإلضالة إىل لتح‬
‫املسلمني للقسطنطينية عا (‪ )1453‬وميكن تقسيم أهم أحداث الكنيسة الكاثوليكية رماهلا إىل‪:‬‬
‫‪ -‬العهد ليما بني شارملان وجرجيوري السابع (‪ : )1073 - 800‬وليه ازدهرت البابوبة‪ ،‬حيث‬
‫املتوج من البااب ليو الثالث (‪ , )800‬نفسه حاميا للبابوبة‪ ،‬وأنه رأس الكنيسة والدولة‬ ‫اعترب شارملان َّ‬
‫بعني األساقفة‪ ،‬وب َّ‬
‫توىل رائسة اجملامع الر يسية اليت بدعو إليها‪ ،‬ابإلضالة إىل تشربعه‬ ‫معا‪ ،‬لأصبح غ‬
‫اهتم إبصماح املدارس الدبنية‪ ،‬ورلع مستوى‬
‫للقوانني المازمة للكنيسة – القانون الكنسي – كما َّ‬
‫رجال الدبن الثقايف؛ لظهرت لذلك هنضة علمية واسعة يف عصره‪ ،‬إال أن الصراع مع البابوبة ُتدَّد‬
‫مر أررى؛ لريبة البااب ليو الثالث يف التخلص من سيطر اإلمرباطور‪ ،‬لكنه مل بفلح يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬الشقاق العظيم‪ :‬واملراد به االرتماف الكبَر الذي أدَّى إىل االنفصال النها ي للكنيسة الشرقية‬
‫واألرثوذكسية عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية‪ ،‬بعد حماولة البااب ليو التاسع ‪ 1054‬لرض عقا د‬
‫وألكار الكنيسة الغربية على الشرق‪ ،‬اليت رلضها بطربرك القسطنطينية ميخا يل كَروالربوس‪ ،‬األمر‬
‫لجر ما بينهما من اَخمالات القدمية حول انبثاق روح القدس‪.‬‬
‫الذي َّ‬
‫‪ -‬العهد ليما بني البااب جرجيوري السابع والبااب بوبفيس (‪ : )1294 - 1073‬كان للبابوبة يف هذه‬
‫الفرت دورها الكبَر يف تقربر اتربخ أورواب كما كان هلا يف السابق‪ ،‬وذلك بعد سلسلة من الصراعات‬
‫بني البابوبة واإلمرباطوربة اليت عقد من أجلها الماتران األول عا (‪ , )1112‬والثاين عا (‪)1139‬‬
‫‪ ,‬الذي أعلن ليه البااب أنوسنت الثاين (‪ , )1143 - 1130‬أن البااب له السياد العليا على مجيع‬
‫احلكا العلمانيني‪ .‬وما أنتهى هذا الصراع يف هذه املرحلة إال بعد توقيع الصلح بني البابوبة‬
‫واإلمرباطور لردربك (‪ . )1177‬ومن أهم أحداث هذه الفرت انطماق احلممات الصليبية اليت دعا‬
‫إليها البااب جرجيوري السابع عا (‪ . )1074‬وقد أعلن عن بدابة هذه احلممات البااب أورابن الثاين‬
‫يف جممع كلَرمونت عا (‪ ، )1095‬ومل بكتب هلذه احلممات النصر إال يف احلملة األوىل‪ ،‬مث‬
‫انكسرت شوكتهم بعد ذلك‪ .‬كما شهدت تلك الفرت ظهور حركات اهلرطقة ضد الكنيسة‪ ،‬ومنها‬
‫حركة املارسونية اليت ْمتثل أكرب بدعة انهضت الكنيسة يف تلك الفرت ‪ ،‬ابإلضالة إىل سقوط‬
‫القسطنطينية على بد احلملة الصليبية الرابعة (‪ ، )1453‬ابإلضالة إىل تقنني القانون الكنسي‪.‬‬
‫‪ -‬العهد بني البااب بونيفيس الثامن إىل عهد اإلصماح (‪ : )1517 - 1294‬وهذه احلقبة التارخيية‬
‫متثل آرر لرتات القرون الوسطى يف أورواب‪ ،‬وليها َّ‬
‫اشتد الصراع بني البابوبة واإلمرباطوربة اليت عملت‬
‫على تفتيت قو ونفوذ البابوبة إىل أن متَّ إضعالها حتت ضرابت حركات اإلصماح املتتالية‪ ،‬وَتسيس‬
‫كنيسة الربوتستانت املعرتضني‪ .‬ومن أهم األحداث الكنيسية يف تلك الفرت ‪ :‬لشل حركات اإلصماح‬
‫الكنسي؛ لتواطم البااب مارتن اَخامس والبااب أبو جينوس اَخامس (‪ )1447 - 1417‬على‬
‫إجهاض حركات اإلصماح؛ حتقيقا ألطماعهم الشخصية‪ .‬كما شهدت َتسيس عدد من اجلمعيات‬
‫الر يسية ملساعد الكنيسة ضد حركات اَخروج عليها‪ ،‬وإمدادها أبتباع َملصني مثل‪ :‬اليسوعيني عا‬
‫(‪ ، )1534‬واإلروان الفرنسيسكان واإلروان الدومينكان‪.‬‬

‫(‪)433/1‬‬
‫‪ -‬جممع ترنت (‪ : )1563 - 1542‬الذي عقد على أثر ثورات اإلصماح اليت عما صوهتا بعد‬
‫إعدا حناهس اليت من أبرزها ثور مارتن لوثر اليت ساندهتا احلكومة والشعب األملاين‪ .‬ويف الوقت‬
‫لع غقد‬
‫نفسه كان يف سوبسرا ثور أررى بقياد الرخ زوجنلي‪ ،‬ليعارض الكنيسة‪ ،‬وبمبد دعو لوثر‪ْ ،‬‬
‫جممع ترنت ليقرر عد قبول آراء الثا ربن‪ ،‬وبقضي مبحاكمة لوثر أما حمكمة التفتيش‪ ،‬مث ليصدر‬
‫البااب ليو العاشر قرارا حبرمانه من احلقوق املدنية والر يسية والقانونية‪ ،‬ليظهر بعد ذلك معارض اثلث‬
‫يف لرنسا‪ :‬جون كلفن (‪ , )1564 - 1509‬الذي هرب إىل سوبسرا لينشر مبادئ مارتن لوثر‪،‬‬
‫وجيمع حوهلا األنصار‪ ،‬وتمبده يف ذلك بعض الدول؛ ليتقلص نفوذ الكنيسة الغربية ‪ -‬الكاثوليكية‪-‬‬
‫وتنفصل عنها كنيسة جدبد ‪ -‬الربوتستانتية ‪ -‬لتزبد من الفرقة والشقاق يف العامل النصراين‪ ،‬ولتشتعل‬
‫احلروب الطاحنة بني الكنيستني لعد سنوات اليت ذهب ضحيتها رلق كثَر‪ ،‬حىت أمكن التوصل إىل‬
‫صلح ‪ -‬صلح أوجزبرج ‪ -‬سنة (‪ , )1555‬على أساس إقرار مبدأ إسيبَر األول سنة (‪, )1526‬‬
‫القا ل أبن لكل أمَر احلق يف ارتيار املذهب الذي بربد سراينه يف إمارته‪ .‬وهكذا يربت مشس‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬وتقلَّص سلطاهنا؛ إذ أصبح مبقدور كل دولة اَخروج على سلطة البااب‪.‬‬
‫‪ -‬جممع روما (‪ : )1769‬يف هذا اجلو العاصف ابحلركات الثا ر على الكنيسة ْع غقد هذا اجملمع‬
‫ليحدث مزبدا من االنشقاق دارل الكنيسة بسبب تقربره عصمة البااب‪ ،‬لتظهر مجاعة من املخالفني‬
‫للقرار‪ ،‬مسَّوا أنفسهم ابلكاثوليك القدماء‪.‬‬
‫‪ -‬موقف الكنيسة من العلم والعلماء‪ :‬ما أن ظهرت يف أورواب بوادر ما بسمى ابلنهضة العلمية‬
‫املتأثر حبضار املسلمني يف األندلس بعد ترمجة العلو اإلسمامية واليواننية إىل الماتينية‪ ،‬وبرز عدد من‬
‫العلماء الذبن بيَّنوا بطمان آراء الكنيسة العلمية‪ ،‬وخباصة يف اجلغراليا والفلك‪ ،‬حىت تصدَّت هلم‬
‫يف‪ ،‬بْطرح‬
‫الكنيسة استنادا على ما ورد يف اإلصحاح اَخامس من إجنيل بوحنا‪( :‬إن كان أحد ال بثبت َّ‬
‫رارجا كالغصن ليجف‪ ،‬وجيمعونه وبطرحونه يف النار ليحرتق)‪ .‬ولذلك استخدمت ضدهم الرقابة‬
‫وتوسعوا يف تشكيل حماكم‬
‫على الكتب واملطبوعات؛ لئما بذبعوا آراء َمالفة للعقيد الكاثوليكية‪َّ ،‬‬
‫التفتيش ضدهم‪ ،‬وقد حكمت تلك احملاكم يف الفرت من (‪ , )1499 - 1481‬على تسعني ألفا‬
‫وثماثة وعشربن شخصا أبحكا َمتلفة‪ ،‬كما أصدرت قرارات غ‬
‫حتر قراء كتب جاليليو وجيوردا‬
‫نوبرنو‪ ،‬وكوبرنيكوس‪ ،‬ونيوتن؛ لقوله بقانون اجلاذبية األرضية‪ ،‬وَتمر حبرق كتبهم‪ .‬وقد أحرق ابلفعل‬
‫الكاردبنال إكيمنيس يف يرانطة امانية آالف كتاب َمطوط؛ ملخالفتها آراء الكنيسة‪.‬‬

‫(‪)434/1‬‬
‫الفرع السادس‪ :‬بعث األمة الكاثوليكية‪:‬‬
‫البااب احلاِل للفاتيكان بوحنا بولس الثاين (‪ , ) - 1978‬الكاردبنال كارول البولندي األصل الذي‬
‫بتميز عن يَره أبنه رجل تنظيم وسياسة‪ .‬ولذا لإنه بتبىن لكر بعث األمة الكاثوليكية من رمال إجياد‬
‫حكومة عاملية أو إمرباطوربة مقدسة‪ ،‬اليت ال تكون إال من رمال حتقيق وحد القار املسيحية‬
‫األوروبية‪ ،‬وبناء أورواب جدبد على القواعد النصرانية‪ِ ،‬ما البد ليه من حدوث صراع سياسي وماِل‬
‫ورمبا عسكري‪ ،‬وأن مهمة الفاتيكان ليه هو هتيئة األجواء؛ لكسب هذا الصراع احلتمي مع‬
‫التجمعات األبدلوجية األررى‪ .‬والبااب متأثر يف ذلك أبلكار حركة املنشأ اإلهلية ( ‪)Opos Dei‬‬
‫والقاضية أبنه ابحلكم واملال وحدمها تتحقق اخآمال‪ ،‬وحيدث التغيَر‪ .‬كما براهن البااب بوحنا بولس‬
‫الثاين على أن قار ألربقيا ستصبح قار نصرانية عا (‪ , )2000‬ويف سبيل ذلك لإنه بقو مبا بزبد‬
‫سنواي‪ ،‬وحياول التقارب وإجياد أرضية عمل مشرتك مع الطوا ف النصرانية األررى‪،‬‬
‫على أربع رحمات ًّ‬
‫ريم ما بينهم من رمالات جذربة‪.‬‬
‫‪ -‬أعلنت جلنة الفاتيكان للعماقات مع اليهود براء جدبد لليهود من د املسيح يف (‪24‬بونيو‬
‫‪ ، )1985‬ونشرهتا جملة أوبسَر لاتوري رومانو لسان حال الفاتيكان يف عددها الصادر بتاربخ (‪25‬‬
‫بونيو ‪ ، )1985‬وذلك بناء على توجيهات البااب بوحنا بولس الثاين‪ .‬كما دعت تلك الوثيقة إىل‬
‫بهوداي‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫بهوداي وسيظل‬
‫ًّ‬ ‫عد اعتبار اليهود شعبا منبوذا أو معاداي للمسيح‪ .‬على أن املسيح نفسه كان‬
‫ولذلك لهي تمكد أبضا أن أرض للسطني احملتلة هي أرض أجداد اليهود‪ ،‬كما تدعو إىل ترك املفهو‬
‫التقليدي للشعب املعاقب كما يف نظر النصرانية؛ ألنه ببقى يف النهابة الشعب املختار‪.‬‬

‫(‪)435/1‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫‪ -‬األلوهية‪ :‬تممن الكنيسة الكاثوليكية مثل ابقي الكنا س األررى إبله واحد مثلث األقانيم‪ :‬اخآب‪،‬‬
‫االبن‪ ،‬الروح القدس‪ ،‬على حسب ما ورد يف قانون اإلميان النيقاوي لعا (‪ ، )325‬كما تممن أبن‬
‫للمسيح طبيعتني بعد االحتاد‪ :‬إحدامها الهوتية‪ ،‬واألررى انسوتية‪.‬‬
‫ْقر يف جممع القسطنطينية الرابع عا (‪ , )869‬من أن الروح القدس منبثق‬
‫‪ -‬بممن الكاثوليك مبا أ َّ‬
‫من اخآب واالبن معا‪.‬‬
‫‪ -‬األقانيم‪ :‬بعتقد الكاثوليك أن أقنو االبن أقل من أقنو األب يف الدرجة‪ ،‬وأن األقانيم ما هي إال‬
‫مراحل انقلب ليها هللا إىل اإلنسان‪ ،‬ولذا لهي ذوات متميز بساوي ليها املسيح األب حسب‬
‫الهوته‪ ،‬وهو دونه حسب انسوته‪ ،‬كما بنص على ذلك قانون اإلميان األثناسيوسي‪.‬‬
‫بتجسد هللا‪ -‬تعاىل عن قوهلم ‪ -‬يف السيد املسيح من أجل رماص‬
‫‪ -‬التجسد والفداء‪ :‬اإلميان ُّ‬
‫البشربة من إمث رطيئة آد وذربته من بعده‪ ،‬ليعتقدون أنه ْولد من مرمي وصلب ومات لداء‬
‫َخطاايهم‪ ،‬مث قا بعد ثماثة أاي ليجلس على ميني الرب؛ ليحاسب اَخما ق بو احلشر‪.‬‬
‫‪ -‬السيد مرمي واألبقوانت‪ :‬بقدسون السيد مرمي والقدبسني والقدبسات‪ ،‬واألبقوانت اجملسمة‬
‫واملصور مع اإلشاد ابملعجزات‪.‬‬
‫‪ -‬اإلهلا ‪ :‬تممن الكنيسة الكاثوليكية ابإلهلا كأحد مصادر املعرلة والوحي املستمر ‪.‬‬
‫‪ -‬الصليب‪ :‬بقدسون الصليب وبتخذونه شعارا‪.‬‬
‫‪ -‬الكتاب املقدس‪ :‬تممن الكنيسة الكاثوليكية بنصوص الكتاب املقدس‪ ،‬ومبا بتضمنه من التورا‬
‫وأسفار األنبياء وابلعهد اجلدبد ورسا ل الرسل على ما أقر يف جممع نيقية األول‪.‬‬
‫‪ -‬أسرار الكنيسة‪ :‬بممن الكاثوليك مبمارسة سر االعرتاف مر واحد يف السنة‪ ،‬وكذلك سر التناول‬
‫تتم إال‬
‫يف عيد الفصح‪ ،‬كما بستعملون الفطَر يف العشاء الرابين بدال من اَخبز املختمر‪ ،‬واملعمودبة ال ُّ‬
‫ابلرش ال ابلتغطيس ثمااث‪ ،‬وتكون من الكاهن أو ابلصبغة بد الشهيد يف سبيل اإلميان لقط‪ ،‬واملسح‬
‫ابملَرون املقدس جيوز َترَره عن التعميد للقاصر حىت ببل سن الرشد‪ ،‬وال ميسح ابلزبت املقدس إال‬
‫ملن شارف على املوت‪ ،‬وحير الطماق يف مجيع األحوال حىت يف حاالت الزان‪ ،‬وقد انفردت الكنيسة‬
‫الكاثوليكية بسر اثمن عن الكنا س األررى‪ ،‬أال وهو عصمة البااب عن ارتكاب املعاصي واخآاث ‪.‬‬
‫بسمى املطهر تْعتقل ليه النفوس‬
‫‪ -‬احليا األررى‪ :‬بعتقد الكاثوليك أنه بوجد بعد املوت مكان اثلث َّ‬
‫اليت مل تصل إىل درجة النقاو الكاملة‪ ،‬وتظل تْ َّ‬
‫عذب حىت تطهر مبا بقي عليها من الدبن للعدل‬
‫اإلهلي‪ ،‬وعند ذ بسمح هلا بدرول امللكوت‪.‬‬
‫‪ -‬رلق ألعال العباد‪ :‬وأن كل ما رلقه هللا تعاىل حسن‪ ،‬وإَنا الشر من رلق العباد‪.‬‬
‫‪ -‬تبيح أكل الد واملنخنقة على رماف قرارات جممع الرسل األول يف أورشليم (‪، )55 - 51‬‬
‫وجيوز للرهبان أكل دهن اَخنزبر‪ ،‬ولبس األساقفة اَخوامت يف أصابعهم‪ ،‬كما جيوز للكهنة حلق حلاهم‬
‫على عكس األرثوذكس‪.‬‬
‫‪ -‬القداس‪ :‬القداس حمور العباد واحليا الروحية على أنه بقا بوميًّا‪.‬‬
‫‪ -‬الصما والصيا ‪ :‬الصما الفردبة أساسية يف الدبن على أن للصما طرقا عدبد ‪ ،‬وبنبغي أن تقرتن‬
‫التقشف‪ ،‬والصيا املفروض هو الصو الكبَر السابق لعيد الفصح‪ ،‬وجعل صو اجلمعة‬ ‫بشيء من ُّ‬
‫والسبت لقط عبار عن االنقطاع عن أكل اللحو ‪ .‬كما لرض أبضا صو األزمنة األربعة ليما بعرف‬
‫بصو البارامون (أي‪ :‬االستعداد لماحتفاالت) وهي السابقة ألعياد امليماد‪ ،‬والعنصر وانتقال العذراء‬
‫ومجيع القدبسني‪ .‬وبوجد رماف بني الكنيسة الماتينية وطوا ف الكنيسة الكاثوليكية الشرقية يف‬
‫قواعد الصو ‪.‬‬
‫‪ -‬الطقوس‪ :‬تتميز ابستعمال اللغة الماتينية‪ ،‬والبخور‪ ،‬والصور‪ ،‬والتقومي اَخاص هبا‪.‬‬
‫‪ -‬للكنيسة الكاثوليكية عد طقوس إىل جانب الطقوس الرومانية‪ ،‬هناك من بستعمل الطقوس‬
‫الشرقية مثل الرو الكاثوليك‪ ،‬جنوب إبطاليا‪ ،‬واملوارنة والسراين الذبن بتبعون الطقس األنطاكي‪،‬‬
‫وهناك كاثوليك أقباط وأحباش بستمسكون ابلطقس القبطي‪.‬‬
‫‪ -‬التنظيم الكهنوِت (اإلكلَروس)‪ :‬بدبر البااب الكنيسة بواسطة كرادلة يف روما ومطارنة يف مجيع أحناء‬
‫العامل‪ .‬تنقسم الكنيسة عند الكاثوليك إىل أبروشيات على رأس كل أبروشية مطران بعيغنه البااب‪ ،‬ويف‬
‫كل أبروشية عد كنا س بدبرها كهنة رعا َخدمة أبناء الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -‬البااب‪ :‬كما تعتقد أن السيد املسيح أقا بطرس ان با على األرض‪ ،‬ور يسا على الرسل‪ ،‬ورأسا‬
‫للكنيسة‪ ،‬وعلى ذلك لالبااب يف روما هو رليفة بطرس‪ ،‬ورأس الكنيسة من بعده‪ ،‬ومرشدها األعلى‬
‫جلميع الكاثوليك يف العامل‪.‬‬
‫ونظرا العتقادهم بعصمة البااب لإن املغفر حق من حقوق الكنيسة تعطيها ملن تشاء‪.‬‬
‫‪ -‬اجلماعات الدبنية املكونة من الرهبان والراهبات ختضع لبااب روما عن طربق رؤسا ها املوجودبن يف‬
‫روما‪.‬‬
‫‪ -‬بدرس الكهنة قبل اضطماعهم مبهمتهم العلو الدبنية مخس أو ست سنوات‪ ،‬وبدربون يف معاهد‬
‫دبنية راصة‪ ،‬وال بتزوج رجال الدبن إال القليل منهم‪.‬‬

‫(‪)436/1‬‬

‫الفرع الثامن‪ :‬اجلذور الفكربة والعقدبة‪:‬‬


‫‪ -‬نصوص الكتاب املقدس‪ ،‬ابإلضالة إىل اجملامع املسكونية واإلقليمية أو احمللية اليت أبَّدت عقيد‬
‫الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -‬الدايانت الوثنية‪ :‬اجملوسية‪ ،‬البوذبة‪ ،‬الرومانية‪ ،‬املصربة القدمية‪.‬‬
‫‪ -‬الفلسفةاأللماطونية احلدبثة‪ ،‬الفلسفة الغنوصية‪.‬‬

‫(‪)437/1‬‬
‫الفرع التاسع‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‬
‫‪ -‬تنتشر يف أورواب‪ :‬إبطاليا‪ ،‬لرنسا‪ ،‬لتوانيا‪ ،‬بولندا‪ ،‬سلولاكيا‪ ،‬اجملر‪ ،‬كرواتيا‪ ،‬بلجيكا‪ ،‬إسبانيا‪،‬‬
‫الربتغال‪ ،‬أبرلندا‪ ،‬كندا الفرنسية‪ ،‬أمربكا الماتينية‪ ،‬الفلبني‪ ،‬وجنوب شرق آسيا‪ .‬وهناك أقليات يف‬
‫الوالايت املتحد األمربكية‪ ،‬وهولندا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬وبعض دول ألربقيا‪.‬‬
‫بتضح ِما سبق‪:‬‬
‫‪ -‬أن املتأمل يف اتربخ الكنيسة الكاثوليكية لَ غ‬
‫يجد أنه كان هلا دور كبَر يف أحداث اتربخ أورواب‬
‫مبختلف مراحله‪.‬‬
‫‪ -‬كان للصراع مع احلكا وامللوك أثره يف ظهور عقا د جدبد يف الكنيسة مل تكن من قبل مثل‪ :‬مسو‬
‫مكانة البابوبة والكنيسة الغربية‪ ،‬وعصمة البااب عن ارتكاب اخآاث واملعاصي بزعم أن روح القدس‬
‫بنطق من لغيغه‪ ،‬على ما أقر يف جممع روما عا (‪ )1769‬السر الثامن (‪.)1‬‬
‫‪ -‬ونظرا التباع اهلوى وترك التشربع للرجال واجملامع ظهر التضارب يف آراء الكنيسة واالنقسا يف‬
‫قر يف جممع بْن َقض يف آرر‪ ،‬ويف كلتا احلالتني أيرذ صفة احلكم اإلهلي‪ ،‬لفي لرتات‬
‫صفولها‪ ،‬لما بْ ُّ‬
‫سيطر رجال الكنيسة على مقاليد احلكم تستند إىل أقوال القدبس أيسطس القاضية أبن ختضع‬
‫سلطة الدولة لسلطة الكنيسة اليت متثل مدبنة هللا‪ .‬ويف لرتات االضطهاد تظهر دعاوى لصل الدبن‬
‫عن الدولة مثلما جاء يف رسالة هوزبوس أسقف قرطبة لإلمرباطور قسطنطيوس عا (‪( : )355‬أما‬
‫ُتر على نفسك جرمية ارتكاب ذنب رطَر‪ ،‬أبن تسعى ألن تتوىل حكومة‬ ‫من جهتك لينبغي أال َّ‬
‫الكنيسة‪ ،‬للت غ‬
‫عط ما لقيصر لقيصر‪ ،‬ولتجعل هلل ما هلل‪ ،‬لما جيوز لنا أن نباشر سلطة دنيوبة‪ ،‬وليس لك‬ ‫ْ‬
‫أبها اإلمرباطور احلق يف أن حترق البخور)‪ .‬وهذا ما اعتقدته حركة اإلصماح الكلوانية أنه سبيل‬
‫إلصماح الكنيسة‪.‬‬
‫‪ -‬انتشرت دارل الكنيسة كالة مظاهر االحنراف والفساد مثل السيمونية‪ ،‬وَمالفة القانون الكنسي‪،‬‬
‫ريم دعاوى الرهبنة والعزوبة وحيا الزهد والتقشف اليت لرضها القانون الكنسي‪ ،‬ومل تستثن أحدا‬
‫بدءا من البااب حىت أصغر كاهن وراهب‪ .‬تقول القدبسة كاتربن السينا ية يف القرن الرابع عشر‬
‫امليمادي‪( :‬إنك أبنما ولَّيت وجهك سواء حنو القساوسة أو األساقفة أو مل تر إال ًّ‬
‫شرا ورذبلة‪ ،‬تزكم‬
‫أنفك را حة اَخطااي اخآدمية البشعة‪ ،‬اختذوا بطوهنم إهلا هلم‪ ،‬أيكلون وبشربون يف الوال م الصاربة‪،‬‬
‫حيث بتمريون يف األقذار‪ ،‬وبقضون حياهتم يف الفسق والفجور)‪.‬‬
‫‪ -‬كان للرهبانية أثرها البال على األرماق األوربية‪ ،‬لانعدمت أرماق الفتو واملروء اليت أصبحت‬
‫من املعابب والرذا ل‪ ،‬كما هجر الناس البشاشة والسماحة والشجاعة‪ .‬ومن أهم نتا جها أن تزلزلت‬
‫دعا م حيا األسر ‪ ،‬لكثَرا ما أصبحت األمهات ثكلى‪ ،‬واألزواج أايمى‪ ،‬واألوالد بتامى‪ ،‬بعد رطفهم‬
‫توجهون إىل الصحراء‪ ،‬مهُّهم الوحيد أن بنقذوا أنفسهم يف‬ ‫من الرهبان‪ ،‬لأصبحوا َّ‬
‫بتكففون الناس وب َّ‬
‫بفرون من ظل النساء‪َّ ،‬‬
‫وبتأامون من قرهبن‪ ،‬بعتقدون أن مصادلتهن يف الطربق‬ ‫اخآرر ‪ .‬وكان الرهبان ُّ‬
‫العا والتحدث إليهن‪ -‬ولو كن أمهات أو زوجات أو شقيقات‪ -‬حتبط أعماهلم وجهودهم الروحية‪.‬‬

‫(‪)438/1‬‬

‫‪ -‬ريم اجلوانب واخآاثر السلبية للحروب الصليبية‪ ،‬وما متيزت به من قسو ضد املخالفني‪ ،‬سواء‬
‫كانوا من نصارى أو مسلمني‪ ،‬إال أهنا كانت سببا يف انتقال املعارف اإلسمامية إىل أورواب‪ .‬تقول‬
‫الكاتبة األملانية هونكة يف مشس العرب تسطع على الغرب‪( :‬وكان للحروب الصليبية دور ها يف‬
‫تطور نظا احلصون وطرق الدلاع‪ ،‬أي‪ :‬يف أورواب)‪ ،‬وتقول‪( :‬ارتلط ملوك أورواب وأمراؤها مبلوك‬
‫الشرق وأمراء املسلمني يف أثناء احلرب الصليبية‪ ،‬ورأوا أبعينهم أدابء العرب وشعراءهم وممرريهم‪،‬‬
‫السيما من كان منهم مبعية صماح الدبن األبويب)‪ .‬وتقول‪( :‬ويف مراكز العلم األوروبية مل بكن هناك‬
‫عامل واحد من بني العلماء إال َّ‬
‫ومد بدبه إىل الكنوز العربية)‪.‬‬
‫ومع ذلك ال تزال الصليبية على عهدها األول مينعها عن قبول احلق حواجز التقليد لآلابء واألجداد‬
‫نص القرآن الكرمي على أمثاهلم‬ ‫والعقا د املتوارثة حىت لو شهدت األدلة الساطعة على بطماهنا‪ .‬وقد َّ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫غ غ‬
‫ءان أ ََولَ يو َكا َن آ َاب ْؤ ْه يم الَ‬
‫آاب َ‬ ‫يل َهلْ ْم اتَّبغ ْعوا ما َ‬
‫أنز َل هللاْ قَالْواي بَ يل نَـتَّب ْع َما أَلي َف ييـنَا َعلَييه َ‬ ‫بقوله تعاىل‪َ :‬وإ َذا ق َ‬
‫بَـ يع غقلْو َن َش ييئا َوالَ بَـ يهتَ ْدو َن [البقر ‪.]170 :‬‬
‫‪ -‬مل تقتصر حماكم التفتيش على املخالفني للكنيسة من النصارى لقط‪ ،‬ولكنها طالت املسلمني‬
‫أبضا‪ ،‬لفي القرن اَخامس عشر والسادس عشر بعد سقوط األندلس ذحبوا وأحرقوا ما بزبد على‬
‫(‪ )31‬ألفا من املسلمني‪ ،‬ومل برتكوا مسلما على قيد احليا أو يَر منفي‪ .‬وبعد استقمال اليوانن عن‬
‫ودمروا املساجد‪ ،‬وما لعله األسقف‬
‫الدولة العثمانية أابد النصارى شعب موراي املسلم عن آرره‪ ،‬بل َّ‬
‫مكاربوس مبسلمي قربص‪ ،‬واملتعصب جوليوس نَربري مبسلمي زجنبار ليس منا ببعيد‪.‬‬
‫‪ -‬تنتقد دا ر املعارف الرببطانية دعوى اإلهلا اليت ما زالت تممن هبا الكنيسة الكاثوليكية على أهنا‬
‫أحد مصادر املعرلة والوحي بقوهلا يف اجمللد احلادي عشر‪( :‬إن كل قول متدرج يف الكتب املقدسة‬
‫ليس إهلاميًّا) وهو ما أبَّده جَرو وكرتيس ومبركوبيس ويَرهم من علماء النصرانية يف القرن الثاين‬
‫امليمادي حيث قالوا‪( :‬إن الذبن بقولون‪ :‬إن كل مندرج يف األانجيل إهلامي‪ .‬ال بقدرون على إثبات‬
‫صحة دعواهم)‪ .‬وهو ما َّ‬
‫أكدته دا ر املعارف الفرنسية يف اجمللد السابع من أن‪( :‬همالء احلواربني‬
‫أصحاب املسيح ما كان برى بعضهم بعضا صاحب وحي‪ ،‬كما بظهر يف مباحثاهتم يف حمفل أورشليم)‪.‬‬
‫‪ -‬وكما جنت الكنيسة على الداينة النصرانية إبدرال العقا د الوثنية‪ ،‬عماو على التبدبل والتحربف‬
‫الذي حلق ابلنصرانية وكتاهبا‪ ،‬جنت أبضا عليها وعلى اإلنسانية مبحاربتها للعلم والعلماء ابسم الدبن‪.‬‬
‫وظهور الفساد دارل الكنيسة‪ِ ،‬ما دلع األلكار اإلحلادبة املناو ة للدبن إىل الظهور حتت ستار املنادا‬
‫حبربة الفكر‪ ،‬وحربة ارتيار املذاهب االعتقادبة ولو كانت إحلادبة‪ ،‬وابلتاِل ظهرت الدعوات إىل‬
‫اإلحلاد والعلمانية مبذاهبها املختلفة‪ .‬بقول لولتَر يف كتابه مقرب التعصب‪( :‬بنبغي أن خيضع القسس‬
‫للحكومة؛ ألهنم ألراد من الرعية التابعة للدولة)‪ .‬ونتيجة حلربة الفكر والقضاء على رقابة الكنيسة مت‬
‫بعث الرتاث الفلسفي اليوانين‪ ،‬سواء املرتجم ابلعربية أو اليواننية‪ ،‬وظهرت املذاهب املادبة اإلحلادبة‬
‫والفماسفة املادبني أمثال برتراندراسل‪ ،‬هيجل‪ ،‬وأجنلز‪ ،‬وكثرت مملفاهتم اليت تدعو إىل القضاء على‬
‫الدبن‪ .‬بقول دبدرو هلباخ‪ ،‬وربنال يف األنكلوبيداي‪( :‬إن الشرا ع واألداين هي العوا ق اليت حتول دون‬
‫حصول اإلنسان على السعاد ‪ ،‬ليجب عليه حموها لَرجع إىل الطبيعة) (اتربخ التمدن احلدبث‪ ،‬شارل‬
‫أسنيوبوس‪ ،‬ص‪.)47‬‬

‫(‪)439/1‬‬

‫‪ -‬إن النصرانية اليت بتبناها الفاتيكان اليو هي النصرانية السياسية اليت تربد ربط دول آسيا وألربقيا‬
‫بعجلة الغرب عن طربق نشر النصرانية بينهم‪ ،‬ورلق مجلة من األلكار النصرانية اليت تقف أما‬
‫اإلسما واملسلمني يف مجيع امليادبن‪ .‬ويف سبيل ذلك تقاربت طوا ف النصرانية واليهودبة غ‬
‫للحد من‬
‫مارد اإلسما الذي بدأ بصحو من جدبد‪.‬‬
‫‪ -‬بقول رازبنجر منظر السياسة يف الفاتيكان‪( :‬من ببحث عن حل رارج الكنيسة يف عصران احلدبث‬
‫ليس إال واحد من اثنني‪:‬‬
‫‪ -‬العود إىل عصر ما قبل املسيح ‪ -‬أرسطو وأمثاله‪.‬‬
‫‪ -‬التعلق بثقالة يَر أوروبية من جهة وابإلسما من جهة أررى‪.‬‬
‫‪ -‬ومبا أن االحتمال األول ليس له إمكانية احليا ‪ ،‬ليبقى االحتمال الثاين ‪ -‬اإلسما ‪ -‬لعلينا أن‬
‫حنذر اإلسما أكثر بكثَر ِما مضى‪ ،‬لهو اليو بعود من أعماق التاربخ؛ ليقد بدبما عن نظامنا‬
‫املشبع ابلنصرانية)‪.‬‬
‫وبقول يف أمهية وجود أندبة مللء الفراغ األبدلوجي لسقوط الشيوعية‪( :‬إن حدوث الفراغ األبدلوجي‬
‫يف الثقالة العاملية مبا بعين االنفتاح على الثقالات األررى مبا ليها من مثل وقيم ومبادئ‪ ،‬وإن البقاء‬
‫على التقليدبة الكنسية السابقة‪ ،‬وما لقيصر لقيصر‪ ،‬وال دبن يف السياسة وال سياسة يف الدبن‪ ،‬سيرتك‬
‫األبواب مفتوحة على مصراعيها لدرول اإلسما )‪ .‬ولذلك عملت الكنيسة على ُتنيد السياسة‬
‫واإلعما األورويب‪ ،‬وتوجيه عمو الشعب‪ ،‬حنو رصم جدبد‪ :‬اإلسما ‪ ،‬وبتضح ذلك من ردود لعل‬
‫رجال السياسة األوروبيني وتصرحياهتم حول روابة سلمان رشدي ويَره‪ ،‬ومن احلممات اإلعمامية حول‬
‫األصولية واإلرهاب‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬دا ر املعارف الرببطانية‪.‬‬
‫‪ -‬دا ر املعارف‪ ،‬قاموس عا لكل لن ومطلب‪ ،‬املعلم بطرس البستاين‪ ،‬دار املعرلة‪ ،‬بَروت‪.‬‬
‫‪ -‬املوسوعة العربية امليسر ‪ ،‬إبشراف حممد شفيق يرابل‪ ،‬الشعب وممسسة لرانكلني للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬املوسوعة الثقالية‪ ،‬مدبر التحربر‪ /‬لابز حكيم رزق هللا – دار الشعب – مصر‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أورواب يف العصور الوسطى‪ ،‬د‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أورواب يف العصور الوسطى‪ -‬احلضار والنظم‪ ،‬د‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور‪ ،‬مكتبة األجنلو‬
‫املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أورواب يف العصور الوسطى‪ ،‬السيد الباز‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أورواب احلدبث من عصر النهضة إىل مممتر لينا‪ ،‬د‪ .‬عبد احلميد البطربق‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أورواب يف العصر احلدبث‪ ،‬هـ‪ .‬أ‪ .‬ل‪ .‬ليشر‪ .‬ترمجة أمحد جنيب هاشم‪ ،‬دار املعارف مصر‪ ،‬د‪.‬‬
‫عبد العزبز سليمان نوار‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬د‪ .‬عبد اجمليد نعنعي‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬التاربخ املعاصر‪-‬أورواب من الثور الفرنسية إىل احلرب العاملية الثانية‪ ،‬احلركة الصليبية‪ ،‬د‪ .‬سعيد‬
‫عبد الفتاح عاشور‪.‬‬
‫‪ -‬الثور الفرنسية‪ ،‬د‪ .‬حسن جمال‪ ،‬جلنة التأليف والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬العلمانية‪ ،‬د‪ .‬سفر بن عبد الرمحن احلواِل‪ ،‬دار طيبة‪.‬‬
‫‪ -‬سقوط العلمانية‪ ،‬أنور اجلندي‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪.‬‬
‫‪ -‬هتالْت العلمانية‪ ،‬د‪ .‬عماد الدبن رليل‪ ،‬دار الرسالة‪.‬‬
‫‪ -‬قصة االضطهاد الدبين يف املسيحية واإلسما ‪ ،‬توليق الطوبل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬قصة النزاع بني الدبن والفلسفة‪ ،‬توليق الطوبل‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬لوثر واإلصماح الدبين‪ . ،‬هـ مواري‪ ،‬ترمجة مرقص لهمي لرح (اجمللد السادس – اتربخ العامل)‬
‫مكتبة النهضة‪.‬‬
‫‪ -‬قصة احلضار ‪ ،‬ول دبورانت‪ ،‬ترمجة زكي جنيب حممود‪ ،‬جلنة التأليف والرتمجة والنشر‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬مشس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬زبغربد هونكه‪ ،‬ترمجة لاروق بيضون‪ ،‬د‪ .‬كمال دسوقي‪.‬‬
‫‪ -‬موقف اإلسما والكنيسة من العلم‪ ،‬عبد هللا سليمان املشوري‪ ،‬رسالة ماجستَر‪َ ،‬مطوط املكتبة‬
‫التجاري للطباعة والتوزبع‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا رسر العامل ابحنطاط املسلمني‪ ،‬أبو احلسن علي احلسين الندوي‪ ،‬مطبعة التقد ‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي النصرانية‪ ،‬حممد تقي الدبن العثماين‪ ،‬رابطة العامل اإلسمامي‪.‬‬
‫‪ -‬اي أهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء‪ ،‬د‪ .‬رؤوف شلَب‪ ،‬دار االعتصا ‪.‬‬
‫‪ -‬املسيحية‪ ،‬أمحد شلَب‪ ،‬مكتبة النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬تطور املسيحية‪ ،‬شارل جنيبيَر‪ ،‬ترمجة د‪ .‬عبد احلليم حممود‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬امليزان يف مقارنة األداين – حقا ق وواث ق‪ ،‬مستشار حممد عزت طنطاوي‪ ،‬دار العلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬الكتاب املقدس بتكلم‪ ،‬عبد الرمحن دمشقية‪َ ،‬مطوط‪.‬‬
‫‪ -‬جملة األمة القطربة‪ ،‬وزار األوقاف والشمون اإلسمامية‪ ،‬قطر‪ ،‬ذو احلجة (‪1405‬هـ ‪ -‬بونيو‬
‫‪. )1985‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)440/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫وتسمى كنيستهم ابلربوتستانتية‬
‫لرقة من النصرانية احتجوا على الكنيسة الغربية ابسم اإلجنيل والعقل‪َّ ،‬‬
‫حيث بعرتضون ( ‪ )Protest‬على كل أمر خيالف الكتاب ورماص أنفسهم‪ ،‬وتسمى ابإلجنيلية‬
‫أبضا حيث بتَّبعون اإلجنيل دون سواه‪ ،‬وبعتقدون أن لكل قادر احلق يف لهمه‪ ،‬لالكل متساوون‬
‫ومسمولون أمامه‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫الربوتستانت‪ :‬وبسمون اإلجنيليني‪ :‬وهم أتباع مارتن لوثر الذي ظهر يف أوا ل القرن السادس عشر‬
‫امليمادي يف أملانيا‪ ،‬وكان بنادي إبصماح الكنيسة وختليصها من الفساد الذي صار صبغة هلا‪.‬‬
‫وأهم ما بتميَّز به أتباع هذه النحلة هو‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن صكوك الغفران دجل وكذب‪ ،‬وأن اَخطااي والذنوب ال تغفر إال ابلند والتوبة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن لكل أحد احلق يف لهم اإلجنيل وقراءته‪ ،‬وليس وقفا على الكنيسة‪.‬‬
‫‪ - 3‬حترمي الصور والتماثيل يف الكنا س؛ ألهنا مظهر من مظاهر الوثنية‪.‬‬
‫‪ - 4‬منع الرهبنة‪.‬‬
‫حل ابملسيح من الصلب يف زعمهم‪ ،‬وأنكروا أن بتحول اَخبز‬
‫‪ - 5‬أن العشاء الرابين تذكار ملا َّ‬
‫واَخمر إىل حلم ود املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫‪ - 6‬ليس لكنا سهم ر يس عا بتبعون قوله‪.‬‬
‫وهذه النحلة تنتشر يف أملانيا وبربطانيا وكثَر من بماد أوراب وأمربكا الشمالية‬
‫‪O‬دراسات يف األداين اليهودبة والنصرانية لسعود بن عبد العزبز اَخلف – ص ‪376‬‬

‫(‪)441/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫الكنيسة الربوتستانتية حركة إصماحية بدأت يف الكنيسة الكاثوليكية يف القرن السادس عشر متأثر‬
‫بدعوات اإلصماح السابقة هلا‪ ،‬ومن َمثَّ حتولت من حركة إصماحية دارل الكنيسة إىل حركة عقا دبة‬
‫مستقلة ومناهضة هلا‪ ،‬ومن أبرز املمسسني‪ - :‬مارتن لوثر‪ :‬ولد لوثر يف أملانيا‪ ،‬وعاش يف بيئة نصرانية‬
‫تشيع ليها اَخرالات واملعتقدات الزا فة‪ - .‬ويف عا (‪ , )1405‬انل شهاد أستاذ يف العلو من‬
‫وحتول بعدها إىل الدراسات الماهوتية‪ ،‬لدرل إىل دبر‬‫تم دراسته القانونية‪َّ ،‬‬
‫جامعة إبرمورت‪ ،‬ولكنه مل بْ َّ‬
‫الرهبان األويسطنني‪ .‬ـ يف عا (‪ْ , )1507‬عغني قسيسا لرعابة كنيسة كنتربج أبملانيا‪ - .‬يف عا‬
‫(‪ , )1510‬دلعته نزعته الدبنية وإرماصه للكنيسة ورجاهلا إِل أن حيج إىل روما؛ ليتربك ابملقر‬
‫حل يف‬
‫مىن نفسه برؤبة القدبسني والزهاد من الرهبان والكرادلة‪ .‬ولكن ما أن َّ‬
‫الرسوِل يف روما‪ ،‬حيث َّ‬
‫سر التوبة‪ ،‬غ‬
‫وحق منح صكوك الغفران‪،‬‬ ‫روما حىت هاله ما رأى من دعاوى‪ :‬يفران الذنوب‪ ،‬وامتماك غ‬
‫غ‬
‫وتفشي مظاهر الفساد واالحنمال اَخلقي يف الطبقات العليا من الكنيسة بوجه أرص‪ .‬ومن مث عاد إىل‬
‫أملانيا را با رجاؤه‪ ،‬ومستنكرا ما رأى‪ ،‬وأصبح منشغما بوضع رطة إلصماح الكنيسة‪ - .‬يف عا‬
‫(‪ , )1517‬أرسل البااب ليو العاشر مندوبه الراهب محنا تتزل؛ لبيع صكوك الغفران يف أملانيا‪ ،‬لما‬
‫أن أعلن عنها وابل يف أمرها حىت اثر عليه لوثر‪ ،‬وكتب يف معارضته وثي َقته الشهَر اليت تتضمن‬
‫مخسة وتسعني مبدأ يف معارضة الكنيسة‪ ،‬وعلَّقها على ابب كنيسة القلعة‪ .‬يف الوقت الذي نشط يف‬
‫َتليف الكتب اليت تعلن مباد ه‪ ،‬واليت أصبحت حدبث الطبقة املتعلمة يف أملانيا ِما زاد يف التفاف‬
‫الناس حوله‪ ،‬وهلذا كله أصدر البااب قرارا حبرمانه يف عا (‪ - . )1520‬عندما تلَّقى لوثر القرار‬
‫حبرمانه‪ ،‬قا بتحربض من بعض األمراء األملان من أصحاب دعوى االنفصال عن اإلمرباطوربة حبرقغه‬
‫يف وسط اجلموع احلاشد يف وتنربج‪ ،‬اليت أصبحت جامعتها املهد األساسي للتعاليم اللوثربة يف أملانيا‪.‬‬
‫توِل إدار‬‫‪ -‬يف عا (‪ , )1520‬بعد ما أظهر مارتن لوثر َتبيدا للنزعة القومية يف الدولة األملانية يف غ‬
‫كنيستها‪ ،‬عقدت الكنيسة يف روما جممعا قضى مبحاكمة لوثر أما حمكمة التفتيش‪ ،‬لكنه هرب إىل‬
‫قلعة وارتبورج‪ ،‬وليها ترجم العهد اجلدبد إىل األملانية‪ ،‬مث شرع يف ترمجة الكتاب املقدس كله‪ ،‬لكنه مل‬
‫بتمه‪ ،‬وعاد إىل وتنربج مر أرري‪ - .‬يف عا (‪ , )1529‬أراد اإلمرباطور تنفيذ قرارات احلرمان ضد‬
‫َّ‬
‫مارتن لوثر‪ ،‬لأعلن حكا الوالايت اإلجنيلية يف أملانيا يف جملس سبَر يف (‪ )19‬نيسان أهنم مستعدون‬
‫لطاعة أوامر اإلمرباطور واجمللس يف كل القضااي الواجبة إال اليت تتعارض مع الكتاب املقدس أو اليت‬
‫ال بوجد هلا نص ليه‪ ،‬وابلتاِل رلضوا تسليم لوثر ملندويب اإلمرباطور‪ - .‬عندما رأى لوثر صعوبة حتقيق‬
‫دعو اإلصماح ال َكنَ غسي َّ‬
‫كرس كل جهده لقضااي اإلميان يف الكنا س اإلجنيلية الناشئة‪ .‬تويف لوثر يف‬
‫بلد وتنربج عا (‪َ , )1546‬ملغفا جمموعة من الكتب واململفات اليت غ‬
‫تمصل قواعد دعوته‪- .‬الروخ‬
‫هولدربخ زوبنجلي‪ : )1531 - 1484( :‬ولد ونشأ يف سوبسرا‪ ،‬وأصبح قسيسا وأحد دعا حركة‬
‫اإلنسانية اليت بدأت مع عصر النهضة األوربية‪ .‬دعا إىل نفس املبادئ اليت دعا إليها مارتن لوثر‪ ،‬وبدأ‬
‫دعوته يف زبوربخ بسوبسرا‪ ،‬وقد قاو استعمال الطقوس والصور والتماثيل يف الكنا س‪ ،‬كما عارض‬
‫لكر عزوبة رجال األكلَروس‪ ،‬وحبَّذ املسئولية الفردبة يف املعتقد‪.‬‬

‫(‪)442/1‬‬

‫القت دعو زوبنجلي التأبيد من السلطات احلكومية يف مدبنة زبوربخ‪ ،‬لشاعت لذلك دعوته‪،‬‬
‫وأصبح زعيما للربوتستانت يف جنوب أملانيا ومعظم سوبسرا‪ .‬يف عا (‪ , )1529‬ويف مدبنة ماربورج‬
‫التقى زوبنجلي مبارتن لوثر‪ ،‬وتناقشا حول إصماح الكنيسة‪ ،‬وارتلفا حول لرضية أو غ‬
‫سر العشاء‬
‫الرابين‪ ،‬كما ارتلفا يف أسلوب معارضة الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬حيث استخد زوبنجلي القو يف سبيل‬
‫نشر مباد ه ابتداء من احلظر التجاري الذي لرضه على بعض املقاطعات الكاثوليكية يف شرقي‬
‫وهز أتباعه يف كابيل عا‬
‫سوبسرا‪ ،‬حىت القتال والصدا مع رجال الكنيسة الذي قْتل ليه‪ْ ،‬‬
‫(‪ . )1531‬ذابت تعاليم زوبنجلي يف تعاليم جون كالفن اليت ارتكز يف بعضها على عقيدته‪- .‬جون‬
‫كالفن‪ : )1564 - 1509( :‬ولد ونشأ يف لرنسا‪َّ ،‬‬
‫وتثقف بثقالة قانونية‪ ،‬لكنه مال عنها إىل‬
‫الدراسة الماهوتية‪ ،‬لتأثَّر ِبراء مارتن لوثر دون أن بقابله بواسطة بعض أقاربه وبعض أساتذته‪ .‬شارك‬
‫يف إعداد رطاب ألقاه نيكوالس كوب مدبر جامعة السربون بفرنسا اليت كانت مركزا ألكثر علماء‬
‫لاضطر إىل‬
‫َّ‬ ‫الكاثوليكية‪ ،‬والذي بتضمن شرحا خآراء مارتن لوثر؛ ِما أيضب آابء الكنيسة عليه‪،‬‬
‫اهلرب إىل جنيف يف سوبسرا‪ .‬بعد أن عاد يف احلادي والعشربن من مابو (‪ , )1534‬إىل مدبنة‬
‫نوبون مسقط رأسه سلم كهنةَ كاتدرا يتها كل شارات االمتياز األكلَربكية اَخاصة به‪ ،‬مث هرب بصحبة‬
‫نيكوالس كوب إىل جنيف يف سوبسرا مر أررى‪ .‬يف عا (‪ , )1535‬شارك كلفن يف حوار دعا إليه‬
‫املبشرون املصلحون مع األساقفة الكاثوليك يف املدبنة‪ ،‬الذي انتهى ابنسحاب الكاثوليك‪ِ ،‬ما َّ‬
‫مكن‬
‫دي لاربل صدبق كلفن احلميم من االستيماء على الكنا س الر يسية الثماثة يف املدبنة‪ :‬كنيسة سان‬
‫بيرت‪ ،‬اجملدلية‪ ،‬سان جرليز؛ وحتوبلها إىل كنا س إجنيلية أو بروتستانتية‪ .‬استغلَّ كلفن استقراره يف‬
‫جنيف يف تنظيم وتقنني مبادئ زعماء اإلصماح‪ ،‬وعلى رأسهم مارتن لوثر‪ ،‬وظهرت له مملفات‬
‫وكتاابت عدبد يف ذلك‪ ،‬ولذلك لإنه بعد أحد ممسسي املذهب الربوتستانيت‪ .‬رالف كالفن لوثر يف‬
‫غ‬
‫سر‪ -‬لرضية‪ -‬العشاء الرابين من حيث كيفية حضور املسيح العشاء‪ ،‬ريم اتفاقهما على عد‬
‫استحالة (أي عد حتول) اَخبز واَخمر إىل جسد ود املسيح‪ .‬عدل كلفن عن لكر لوثر يف إشراف‬
‫احلكومة على الكنا س؛ ملا رأى ما حيدث للربوتستانت يف لرنسا‪ ،‬وطالب أبن حتكم الكنيسة نفسها‬
‫بنفسها‪ ،‬وعلى احلاكم املدين أن بساعدها وحيميها‪ِ ،‬ما كان سببا يف انقسا الكنيسة اإلجنيلية إىل‬
‫لوثربة وكلفينية (اإلصماحية ‪ -‬الكلفينية)‪ .‬متيَّزت حركته ابالنتشار يف لرنسا‪ ،‬لأصبحت الدبن الرمسي‬
‫يف أسكتلندا‪ ،‬كما امتدت إىل املقاطعات شرق سوبسرا‪ ،‬واعتنقها معظم سكان اجملر‪ ،‬بقول ليشر‪:‬‬
‫(أصبحت أكثر أشكال اإلصماح الربوتستاين اتساعا)‪َ .‬تسست مجهوربة هولندا عا (‪, )1669‬‬
‫على مبادئ الربوتستانت الكليفنية بعد احلرب الدامية بني الكاثوليك والربوتستانت‪ .‬نتيجة للحربة‬
‫الفردبة يف لهم وتفسَر الكتاب املقدس لكل لرد من املممنني ابملذهب الربوتستانيت انقسمت احلركة‬
‫الربوتستانتية إىل كنا س عدبد ‪ ،‬وطوا ف َمتلفة‪ ،‬لفي الوالايت املتحد األمربكية وحدها حسب‬
‫إحصا يات عا (‪ , )1982‬بوجد (‪ )76,754,009‬بروتستانيت بنتمون إىل (‪ )200‬طا فة‬
‫إجنيلية‪.‬‬

‫(‪)443/1‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أهم الكنا س الربوتستانتية‪:‬‬
‫‪-‬الكنيسة اللوثربة‪ :‬وقد بدأ إطماق هذه التسمية على املممنني أبلكار معتقدات مارتن لوثر يف القرن‬
‫السادس عشر‪ ،‬وذلك ريم مقاومة لوثر نفسه هلذه التسمية‪ ،‬وأصبحت جامعة وتنربج املهد األساسي‬
‫هلا‪.‬‬
‫عني بعض املراقبني‬
‫اهتم مارتن لوثر بقضااي اإلميان‪ ،‬وترك األمر اإلداري للكنيسة لغَره بقو به‪ ،‬لكنه َّ‬
‫َّ‬
‫ليتعاونوا مع حكا الدولة يف األقضية‪ ،‬وبذلك كان أول ظهور لنظا السينودس‪.‬‬
‫ارتبطت اللوثربة يف أملانيا ارتباطا وثيقا ابحلالة السياسية منذ أن دعا لوثر إىل إشراف الدولة على‬
‫الكنيسة‪ ،‬ولذلك لإن احلكومة األملانية تدرَّلت أكثر من مر غ‬
‫حلل اَخمالات بني أعضاء الكنيسة‪ ،‬أو‬
‫لماتفاق مع كنا س املصلحة‪.‬‬
‫كان لظهور الكنا س املعمدانية يف القرن السابع عشر أثرها يف إاثر اَخمالات بني الربوتستانت مر‬
‫أررى‪.‬‬
‫يف زمن لربدربك وليم الثالث ملك بروسيا متَّ االحتاد بني الكنا س اللوثربة واملصلحة‪ ،‬ومنها َّ‬
‫تشكلت‬
‫وعرلوا ابللوثربني‬
‫تنضم إىل هذه الكنيسة‪ْ ،‬‬
‫الكنيسة القدمية‪ ،‬يَر أن مجاعة كبَر من اللوثربة مل َّ‬
‫القدماء‪.‬‬
‫يف عا (‪َ , )1923‬تثرت الكنيسة ابلنظا النازي يف أملانيا‪ ،‬حيث حاول صب الكنيسة األملانية‬
‫بصبغة قومية‪ ،‬لجرى توحيد (‪ )28‬كنيسة مصلحة ولوثربة على أساس أن الد اخآري أحد املمهمات‬
‫العضوبة هلذه الكنيسة القومية العنصربة‪ .‬وقد تناول هذا التأثَر العقا د واملبادئ أبضا‪ِ ،‬ما مهَّد لقيا‬
‫ثور من آالف القسوس الربوتستانت من بينهم مارتن تيمولر؛ للمطالبة بتشكيل السينودس الذهَب‪.‬‬
‫يف عا (‪ , )1934‬عارض السينودس الذهَب تدرل الدولة يف شئون الكنيسة بل رلض ذلك رلضا‬
‫حامسا‪.‬‬
‫ورولت له سلطات‬
‫يف عا (‪ , )1935‬أنشأت احلكومة وظيفة وزبر الدولة للشئون الكنسية‪َّ ،‬‬
‫مطلقة على الكنيسة اإلجنيلية األملانية‪.‬‬
‫انتشرت يف عا (‪ , )1936‬حركة اإلميان األملاين اليت حتالفت مع الفلسفة الوثنية اجلدبد ‪.‬‬
‫وصى به من النازبة لعا (‪، )1933‬‬
‫بعد احلرب العاملية الثانية ألغت الكنيسة اإلجنيلية دستورها املْ َ‬
‫وبدأت تنظيم نفسها من جدبد‪.‬‬
‫والكنيسة اللوثربة هي كنيسة الدولة يف الدَنارك وأبسلندا والنروبج والسوبد ولنلندا‪.‬‬
‫بصدر االحتاد اللوثري العاملي جملة اللوثربة العاملية ابألملانية واإلجنليزبة‪.‬‬
‫قصد هبا بوجه عا مجيع الكنا س الربوتستانتية‪ ،‬إال أنه من الناحية‬
‫الكنا س املصلحة‪ :‬وإن كان بْ َ‬
‫التارخيية تقتصر على الكنا س الربوتستانتية اليت برتكز أصلها على عقا د كلفن‪ ،‬وعلى أساس النظا‬
‫الكنسي املشيخي الذي تركغز ليه السلطات على سلسلة جمالس من الشيوخ العلمانيني ورجال‬
‫األكلَروس‪ ،‬وتنزع إىل الشكل البسيط يف العباد ‪ .‬وقد قوبت هذه الكنا س يف إجنلرتا يف القرن‬
‫ومسيت كنا س سوبسرا وهولندا وعدد من‬ ‫السادس عشر‪ ،‬ورصوصا يف أسكتلندا ومشال أبرلندا‪ ،‬غ‬
‫كنا س أملانيا ابملصلحة‪ ،‬كما توجد ابلوالايت املتحد األمربكية كنا س حتمل لقب املصلحة‪.‬‬
‫الكنا س األسقفية‪ :‬تطلق الكنيسة األسقفية عند اإلطماق على الكنيسة اإلجنليزبة‪ ،‬وبتبعها يف أمربكا‬
‫عدد من الكنا س األسقفية‪ ،‬وتتبع هذه الكنا س النظا األسقفي على أنه نظا إهلي‪ ،‬رمالا لسا ر‬
‫الفرق الربوتستانتية‪ ،‬وذلك يف تعيني أو ارتيار أو عزل القساوسة‪ ،‬والشمامسة‪ ،‬أو تدشني األراضي‬
‫واألبنية الدبنية‪ ،‬وإدار تركات املوتى حلني وجود وصي شرعي للميت‪ .‬وبلقب أساقفة إجنلرتا بلقب‬
‫لورد حيث بْعتَربون من أشراف اململكة‪ ،‬وبرأس ملوك إجنلرتا الكنيسة اإلجنليزبة‪ ،‬وبذلك بعيغنون‬
‫بتم انتخاهبم من القسوس بعد ذلك‪ ،‬ور يس أساقفة كانرتبري هو رأس الكنيسة‪ ،‬وبليه‬
‫األساقفة الذبن ُّ‬
‫يف املرتبة ر يس أساقفة بورك‪ ،‬أما أساقفة الوالايت املتحد األمربكية لينتخبهم نْـ َّواب من قسوس‬
‫األسقفية وأهاليها قبل عرضهم على جممع األساقفة أو على جممع نواب مملف من السينودس‬
‫واألهاِل‪.‬‬

‫(‪)444/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬الصهيونية املسيحية‪:‬‬


‫كان لليهود املهاجربن من إسبانيا إىل أوراب‪ -‬وخباصة لرنسا وهولندا‪ -‬أثرهم البال يف تسرب األلكار‬
‫اليهودبة إىل النصرانية من رمال حركة اإلصماح‪ ،‬وخباصة االعتقاد أبن اليهود شعب هللا املختار‪،‬‬
‫وأهنم األمة املفضلة‪ ،‬كذلك أحقيتهم يف مَراث األرض املباركة‪.‬‬
‫بهوداي متأثرا ليه ابأللكار الصهيونية‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫يف عا (‪ , )1523‬أصدر مارتن لوثر كتاب عيسى ْولغد‬
‫ويف عا (‪ , )1544‬أصدر لوثر كتااب آرر ليما بتعلق ابليهود وأكاذببهم‪.‬‬
‫كانت هزمية القوات الكاثوليكية وقيا مجهوربة هولندا على أساس املبادئ الربوتستانتية الكالفينية‬
‫عا (‪ , )1609‬مبثابة انطماقة للحركة الصهيونية املسيحية يف أوراب‪ِ ،‬ما ساعد على ظهور مجعيات‬
‫وكنا س وأحزاب سياسية عملت مجيعا على متكني اليهود من إقامة وطن قومي هلم يف للسطني‪ .‬ومن‬
‫أبرز هذه احلركات‪ :‬احلركة البيوربتانية التطهَربة اليت َتسست على املبادئ الكالفينية بزعامة السياسي‬
‫الرببطاين أوليفر كروميل (‪ , )1659 - 1649‬الذي دعا حكومته إىل محل شرف إعاد إسرا يل‬
‫إىل أرض أجدادهم‪ ،‬حسب زعمه‪.‬‬
‫يف عا (‪ , )1807‬أْنشئت يف إجنلرتا مجعية لندن؛ لتعزبز اليهودبة بني النصارى‪ ،‬وقد أطلق أنطوين‬
‫إشلي كوبر اللورد ربرل شانتسربي (‪ ، )1885 - 1801‬أحد كبار زعما ها شعار‪( :‬وطن بما‬
‫شعب لشعب بما وطن) األمر الذي أدَّى إىل أن بكون أول ان ب لقنصل بربطانيا يف القدس وليم‬
‫برنج أحد أتباعها‪ ،‬وبعترب اللورد ابملرستون وزبر رارجية بربطانيا (‪ , )1765 - 1784‬من أكرب‬
‫املتعاطفني مع ألكار تلك املدرسة الصهيونية املسيحية‪ ،‬وأبضا لإن تشارلز‪ .‬هـ‪ .‬تشرشل اجلد األعلى‬
‫لونستون تشرشل ‪ -‬ر يس احلكومة الرببطانية األسبق ‪ -‬أح ْد كبار أنصارها‪.‬‬
‫انتقلت الصهيونية املسيحية إىل أمربكا من رمال اهلجرات املبكر ألنصارها نتيجة لماضطهاد‬
‫الكاثوليكي‪ ،‬وقد استطاعت َتسيس عد كنا س هناك من أشهرها الكنيسة املورمونية‪.‬‬
‫بعترب سابسروس سكلولليد (‪ , )1843‬األب الماهوِت للصهيونية املسيحية يف أمربكا‪.‬‬
‫هاما يف متكني اليهود من احتمال للسطني‪ ،‬واستمرار دعم احلكومات‬
‫لعبت تلك الكنا س دورا ًّ‬
‫األمربكية هلم ‪ -‬إال ما ندر‪ -‬من رمال العدبد من اللجان واملنظمات واألحزاب اليت أنشئت من‬
‫أجل ذلك‪ ،‬ومن أبرزها‪ :‬الفيدرالية األمربكية املمبد لفلسطني اليت أسسها القس تشارلز راسل عا‬
‫(‪ ، )1930‬واللجنة الفلسطينية األمربكية اليت أسسها يف عا (‪ , )1932‬السناتور روبرت‬
‫وضمت (‪ )68‬عضوا من جملس الشيوخ‪ ،‬و (‪ )200‬عضو من جملس النواب‪ ،‬وعدد من‬
‫واضر‪َّ ،‬‬
‫رجال الدبن اإلجنيليني‪ ،‬ورلعت هذه املنظمات شعارات‪ :‬األرض املوعود ‪ ،‬والشعب املختار‪.‬‬
‫ويف العصر احلدبث تعترب الطا فة التدبَربة اليت ببل عدد أتباعها (‪ )40‬مليون نسمة تقرببا واملعرولة‬
‫ابسم األجنلو ساكسون‪ ،‬الربوتستانت البيض من أكثر الطوا ف مغاال يف َتبيد الصهيونية‪ ،‬ويف التأثَر‬
‫على السياسة األمربكية يف العصر احلاضر‪.‬‬
‫ومن أشهر رجاهلا الماهوتيني‪ :‬بيل جراها ‪ ،‬وجَري لولوبل‪ ،‬جيمي سوجيارت‪ .‬ومن أبرز رجاهلا‬
‫السياسيني الر يس األمربكي السابق روانلد رجيان‪.‬‬
‫اهتمت الكنيسة الربوتستانتية بنشر اإلجنيل يف أورواب وأمربكا منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر‪،‬‬
‫َّ‬
‫مث تطور عملها يف شكل منظمات وإرساليات‪ ،‬ووضعت اللوا ح والقوانني املنظمة هلا وكذلك‬
‫امليزانيات المازمة‪ .‬ومن مث انتقل العمل التبشَري الربوتستانيت إىل القارتني األلربقية واخآسيوبة‪،‬‬
‫وخباصة اليت كانت تستعمرها الدول الغربية ذات العقيد الربوتستانتية‪ .‬ومن أوا ل الذبن قادوا حركة‬
‫التبشَر‪ :‬جوف وسلي‪ ،‬ووليا ولربلورس‪ ،‬ووليا كَري‪ ،‬أبو املبشربن يف العصر احلدبث‪.‬‬
‫(‪)445/1‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫تممن الكنا س الربوتستانتية بنفس أصول املعتقدات اليت تممن هبا الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬ولكنها‬
‫ختالفها يف بعض األمور‪ ،‬ومنها ما بلي‪:‬‬
‫اَخضوع لنصوص الكتاب املقدس وحده‪ ،‬حيث إن الكتاب املقدس بعهدبه هو دستور اإلميان‪ ،‬وعليه‬
‫تقاس قرارات اجملامع السابقة وأوامر الكنيسة؛ ليْقبل ما بوالقه لقط‪ ،‬بقول لوثر‪( :‬جيب أن بكون‬
‫الكتاب املقدس مرجعنا األرَر للعقيد أو أداء الشعا ر)‪.‬‬
‫عدد أسفار العهد القدمي ستة وستون سفرا‪ ،‬وهي األسفار القانونية‪ ،‬أما ابقي األسفار‪ -‬وعددها أربعة‬
‫عشر‪ -‬لتسميها األبوكربفيا‪ ،‬أي‪ :‬يَر الصحيحة لما تعرتف هبا‪.‬‬
‫كما ال تممن الكنا س الربوتستانتية بعصمة البااب أو رجال الدبن‪ ،‬وهتاجم بيع صكوك الغفران حيث‬
‫ترى أن اَخماص والفوز يف اخآرر ال بكون إال برمحة هللا وكرمه‪ ،‬ويف الدنيا يف االلتزا ابلفرا ض‬
‫والكراز ‪ :‬التبشَر ابإلجنيل‪.‬‬
‫إن القدبسيني لقب ميكن أن بوصف به كل إنسان نصراين‪ ،‬حيث إن القداسة يف لهمهم ليست يف‬
‫ذات الشخص‪ ،‬ولكنها مقا بصل إليه‪.‬‬
‫ترلض الربوتستانتية مرتبة الكهنوت حيث إن مجيع املممنني هبا كهنة‪ ،‬وليس هناك وسيط وال شفيع‬
‫بني هللا واإلنسان سوى شخص املسيح؛ ألنه جاء يف معتقدهم ر يسا للكهنة‪ ،‬كما ال تممن ابلبخور‬
‫واهليكل‪.‬‬
‫سرا املعمودبة‪ ،‬والعشاء الرابين‪ ،‬على رماف‬
‫بسربن لقط من أسرار ‪ -‬لروض‪ -‬الكنيسة‪ ،‬ومها َّ‬
‫تممن َّ‬
‫بينهم يف كيفية حضور املسيح سر العشاء‪.‬‬
‫ال تممن ابلصو كفربضة‪ ،‬بل هو سنة حسنة‪ ،‬وال بْطلق إال على اإلمساك عن الطعا مطلقا لقط‪.‬‬
‫كما ال تممن ابألعياد اليت تقيمها الكنا س األررى‪.‬‬
‫الصما ليس هلا مقدار حمدد‪ ،‬كما أنه ليس من احلتم االلتزا حبرلية الصما الرابنية؛ ولذلك جييزون‬
‫الصما بلغة يَر مفهومة كالماتينية اليت تستعملها الكنا س الكاثوليكية‪.‬‬
‫ال تممن الكنيسة الربوتستانتية بنظا الرهبنة‪.‬‬
‫الكهنوت درجتان لقط مها‪ :‬القسوسية‪ ،‬الشمامسة‪ ،‬الراعي هو األسقف‪ ،‬والرائسة تكون مبجمع‬
‫السنودس ال لفرد‪.‬‬
‫منع الربوتستانت اختاذ الصور والتماثيل يف الكنا س والسجود هلا‪ ،‬معتقدبن أن ذلك منهي عنه يف‬
‫التورا ‪.‬‬
‫تممن بعض الكنا س اإلجنيلية ‪ -‬الصهيونية ‪ -‬أن شرط اجمليء الثاين للمسيح هو إقامة دولة إسرا يل‬
‫يف للسطني‪.‬‬

‫(‪)446/1‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫· نصوص الكتاب املقدس‪ ،‬وخباصة نصوص العهد القدمي‪.‬‬
‫· الدايانت الوثنية‪.‬‬
‫· الفلسفة األلماطونية احلدبثة‪.‬‬
‫· األلكار واملبادئ الصهيونية والتلمودبة‪.‬‬
‫· بعتقد بعض الباحثني أن اإلصماحات اليت اندت هبا حركة اإلصماح‪ ،‬ونتج عنها الربوتستانتية قد‬
‫َتثرت ابإلسما ‪.‬‬

‫(‪)447/1‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫تنتشر الكنا س الربوتستانتية يف‪ :‬أملانيا‪ ،‬هولندا‪ ،‬بربطانيا‪ ،‬الوالايت املتحد األمربكية‪ ،‬سوبسرا‪،‬‬
‫الدَنارك‪ ،‬وتوجد أقليات بروتستانتية يف ابقي الدول األررى‪.‬‬
‫بتضح ِما سبق‪:‬‬
‫ال ختتلف الكنا س الربوتستانتية عن ابقي الكنا س النصرانية‪ ،‬سواء يف اإلميان إبله واحد مثلث‬
‫األقانيم‪ :‬اخآب‪ ،‬االبن‪ ،‬الروح القدس‪ ،‬تثليث يف وحد ‪ ،‬أو وحد يف تثليث‪ ،‬حسب الرتا هم‪.‬‬
‫أو يف اإلميان يف عقيد الصلب والفداء وتقدبس الصليب‪.‬‬
‫كانت حلركات اإلصماح الربوتستانتية األثر الكبَر يف كشف عورات الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬ويف لضح‬
‫سلوك القا مني عليها‪ .‬كما أهنا ألسحت اجملال أما العلماء واملفكربن وعامة املممنني ابلكنيسة يف‬
‫حق لهم الكتاب املقدس‪ ،‬وابلتاِل كسرت احتكار رجال الدبن هلذا األمر‪ ،‬مع ما نشأ عن ذلك من‬
‫آاثر سلبية عدبد على النصرانية بوجه عا ‪ ،‬وعلى الكتاب املقدس بوجه راص‪ ،‬حيث تعرض للنقد‬
‫الشدبد والتشكيك يف صحة نصوصه‪.‬‬
‫حرموها ليما بعد‬
‫قرروا حربة البحث والنظر يف األمور االعتقادبة‪ ،‬إال أهنم َّ‬
‫مع أن الربوتستانت َّ‬
‫كالكاثوليك‪ ،‬بل وأصبحت حربة الفكر عندهم مقتصر لقط على نقد رجال الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬
‫لقد َّ‬
‫عذبوا رجاال من أجل عقا دهم‪ ،‬مثل سرليتوس اإلسباين‪ ،‬ومنعوا كتبا من النشر؛ ألهنا حتوي يف‬
‫نظرهم ما ال بتفق وتعاليم الكتاب املقدس‪.‬‬
‫بقول هربرت ليشر يف أصول التاربخ األورويب احلدبث عن لوثر‪( :‬مل بكن بممن ابلبحث احلر وال‬
‫ابلتسامح)‪ .‬وبنقل يوستاف لوبون يف كتابه روح الثورات والثور الفرنسية تصرحيا للوثر أبنه ال جيوز‬
‫للنصارى أن بتَّبعوا يَر ما جاء يف الكتاب املقدس‪.‬‬
‫وعن موقف حركة اإلصماح الدبين من العلم‪ ،‬بقول (أ‪ .‬وولف) يف كتابه عرض اترخيي للفلسفة‬
‫والعلم‪( :‬أما من حيث حركة اإلصماح الدبين لإن املصلحني كانوا ال بقلُّون تعصبا عن رجال الكنيسة‬
‫الكاثوليكية إن مل بزبدوا عليها)‪ .‬ولذلك لإهنم هامجوا النظرايت العلمية‪ ،‬واضطهدوا من بقول هبا‪،‬‬
‫(من غمن الناس جيرؤ على أن بضع سلطة‬‫وبقول كلفن بعد أن أعلن كفر من بقول بدوران األرض‪َ :‬‬
‫كوبر نيكوس لوق سلطة الروح القدس؟)‪.‬‬
‫مل بكن اضطهاد العلماء يف تلك الفرت أبقل من اضطهاد الفماسفة‪ .‬لكما حاربت الربوتسانتية‬
‫النظرايت العلمية املخالفة لنصوص الكتاب املقدس‪ ،‬كذلك حاربت العقل‪ ،‬واضطهدت الفماسفة‬
‫أمثال آرازموس الذي حاول التوليق بني العقل والكتاب املقدس‪ .‬بذكر دبورانت يف قصة احلضار‬
‫تصرحيات للوثر تبني تطرله يف إنكار العقل حيث بقول‪( :‬أنت ال تستطيع أن تقبل ًّ‬
‫كما من اإلجنيل‬
‫والعقل‪ ،‬لأحدمها جيب أن بفسح الطربق لآلرر) وبقول‪( :‬إن العقل أكرب عدو للدبن)‪.‬‬
‫نتيجة للحروب بني الكنيستني الربوتستانتية والكاثوليكية‪ ،‬واضطهاد العلماء وقتلهم‪ ،‬وقتل الروح‬
‫وتطرف زعماء حركة اإلصماح الربوتستانيت يف ذ العقل‪ ،‬أدَّى ذلك كله إىل ظهور‬
‫العلمية والفكربة‪ُّ ،‬‬
‫األلكار املناو ة للدبن‪ ،‬وتعالت الصيحات اإلحلادبة اليت تطالب حبربة الفكر وسياد العقل‪ ،‬واعتباره‬
‫املصدر الوحيد للمعرلة‪ ،‬وأبضا املنادا بفصل الدبن عن الدولة‪.‬‬
‫استطاع اليهود هتوبد بعض الكنا س الربوتستانتية‪ ،‬وتسربب األلكار الصهيونية‪ ،‬وإنشاء أحزاب‬
‫غ‬
‫وللحق لإن هناك من دارل‬ ‫وكنا س تتبناها وتدعو إليها من رمال ما بعرف ابلصهيونية املسيحية‪.‬‬
‫الكنيسة اإلجنيلية يف أمربكا َم ين وقف هلم ابملرصاد مثل‪ :‬اجمللس الوطين للكنا س املسيحي‪ ،‬الذي‬
‫بضم (‪ )34‬طا فة ببل عدد أتباعها حنو األربعني مليون شخص‪ .‬وتتعاطف الكنا س اإلجنيلية‪:‬‬
‫ُّ‬
‫املشيخية‪ ،‬املنهجية‪ ،‬املعمدانية‪ ،‬األسقفية‪ ،‬بنسب متفاوتة مع هذا االُتاه‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬

‫(‪)448/1‬‬

‫‪ -‬املوسوعة العربية‪ ،‬إشراف حممد شفيق يرابل‪ -‬دار الشعب وممسسة لرانكلني للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬املوسوعة الثقالية‪ ،‬مدبر التحربر‪ /‬لابز حكيم رزق هللا ‪ -‬دار الشعب‪ -‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬دا ر املعارف‪ ،‬قاموس عا لكل لن ومطلب‪ ،‬بطرس البستاين ‪ -‬دار املعرلة ‪ -‬بَروت‪.‬‬
‫‪ -‬قصة احلضار ‪ ،‬ول دبورانت‪ ،‬ترمجة الدكتور زكي جنيب حممود وحممد بدران‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف‬
‫والرتمجة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬روح الثورات والثور الفرنسية‪ ،‬د‪ .‬يوستاف لوبون‪ ،‬ترمجة حممد عادل زعيرت‪ ،‬املطبعة العصربة‪.‬‬
‫‪ -‬عرض اترخيي للفلسفة والعلم‪ ،‬أ‪ .‬وولف‪ ،‬ترمجة حممد عبد الواحد رماف‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف‬
‫والرتمجة‪.‬‬
‫‪ -‬املصلح مارتن لوثر‪ -‬حياته وتعاليمه‪ ،‬د‪ .‬القس حنا جرجس اَخضري‪ ،‬دار الثقالة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬جون كلفن – دراسة اترخيية عقا دبة‪َ ،‬تليف د‪ .‬القس حنا جرجس اَخضري‪ ،‬دار الثقالة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬حدبث مع جون كلفن‪ ،‬القس لبيب مشرقي‪ ،‬دار نوابر‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬إمياين اإلجنيلي‪ ،‬د‪ .‬القس لابز لارس‪ ،‬القس منيب عبد النور‪ ،‬القس إميل زكي‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ الفكر املسيحي‪ ،‬د‪ .‬القس حنا جرجس اَخضري‪ ،‬دار الثقالة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬حماضرات يف النصرانية‪ ،‬الشيخ حممد أبو زهر ‪.‬‬
‫‪ -‬موقف اإلسما والكنيسة من العلم‪ ،‬عبد هللا سليمان املشوري‪َ ،‬مطوط على اخآلة الكاتبة‪.‬‬
‫‪ -‬األصول الوثنية للمسيحية‪ ،‬أندربه انبتون‪ ،‬إديار وبند‪ ،‬كارل يوستاين بونج‪ ،‬ترمجة مسَر عزمي‬
‫الزبن‪ .‬سلسلة من أجل احلقيقة‪ ،‬من منشور املعهد الدوِل للدراسات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬مصلح يف املنفى جون كلفن ‪ -‬موجز عن حياته ومباد ه‪ ،‬د‪ .‬هاري إبربتس‪ ،‬ترمجة وليم وهبة‬
‫بباوي‪.‬‬
‫‪ -‬من جيرؤ على الكما ‪ ،‬بول لنرِل‪.‬‬
‫‪ -‬النبوء والسياسة‪ ،‬يربس هالسل‪ ،‬ترمجة حممد السماك‪ ،‬منشورات مجعية الدعو اإلسمامية‪.‬‬
‫‪ -‬الصهيونية املسيحية‪ ،‬حممد السماك‪ ،‬دار النفا س‪.‬‬
‫‪ -‬املسيحية والسيف‪ ،‬روابة شاهد عيان إلابد ممابني البشر يف األمربكتني‪ ،‬سلسلة من أجل احلقيقة‬
‫‪ - 3-‬من منشورات املعهد الدوِل للدراسات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬النشاط السري اليهودي يف الفكر واملمارسة‪ ،‬يازي حممد لربج‪ ،‬دار النفا س‪ ،‬بَروت‪.‬‬
‫‪ -‬شهود بهوه‪ ،‬بني برج املراقبة األمربكي وقاعة التلمود اليهودي‪ ،‬حسني عمر محاد ‪ ،‬دار قتيبة‪ ،‬دار‬
‫الواث ق‪ ،‬دمشق‪ ،‬بَروت‪.‬‬
‫‪ -‬شهود بهوه – أبو إسما أمحد عبد هللا ‪ -‬بيت احلكمة ‪ -‬القاهر ‪ -‬مصر‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)449/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫املارونية‪ ،‬طا فة من طوا ف النصارى الكاثوليك الشرقيني‪ ،‬قالوا أبن للمسيح طبيعتني ومشيئة واحد ‪،‬‬
‫بنتسبون إىل القدبس مارون‪ ،‬وبعرلون ابسم املوارنة متخذبن من لبنان مركزا هلم‪.‬‬

‫(‪)450/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫تنتسب هذه الطا فة إىل القدبس مارون الذي انعزل يف اجلبال والوداين‪ِ ،‬ما جذب الناس إليه‬
‫غ‬
‫مشكلني طا فة عرلت ابمسه‪ ،‬وكانت حياته يف أوارر القرن الرابع امليمادي‪ ،‬ليما كان موته حواِل سنة‬
‫(‪ , )410‬بني أنطاكية وقورس‪.‬‬
‫‪ -‬وقع رماف شدبد بني أتباع مارون وبني كنيسة الرو األرثوذكس ِما اضطرهم إىل الرحيل عن‬
‫أنطاكية إىل قلعة املضيق قرب ألاميا على هنر العاصي‪ ،‬مشيغدبن هناك دبرا حيمل اسم القدبس مارون‪.‬‬
‫‪ -‬وقع كذلك رماف آرر يف املكان اجلدبد بينهم وبني اليعاقبة األرثوذكس من أصحاب الطبيعة‬
‫الواحد عا (‪ِ , )517‬ما أسفر عن هتدمي دبرهم‪ ،‬لضما عن مقتل (‪ )350‬راهبا من رهباهنم‪.‬‬
‫وسع هلم الدبر عا (‪ . )452‬وعطف‬
‫‪ -‬رمال لرت الرحيل انهلم عطف اإلمرباطور مرقيانوس الذي َّ‬
‫اإلمرباطور بوستغيان الكبَر (‪ , )565 - 527‬الذي أعاد بناء دبرهم بعد هتدمي اليعاقبة له‪.‬‬
‫وكذلك عطف اإلمرباطور هرقل الذي زارهم سنة (‪ , )628‬بعد انتصاره على الفرس‪.‬‬
‫‪ -‬احتكم املوارنة واليعاقبة عا (‪ , )659‬إىل معاوبة بن أيب سفيان ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬إلهناء‬
‫اَخماف بينهم‪ ،‬لكن اَخصومة استمرت؛ إذ حدثت حروب انتقامية بني الطرلني ِما أسفر عن هجر‬
‫املوارنة إىل مشاِل لبنان‪ ،‬وهو املكان الذي أصبح موطنا هلم ليما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬ظهر يف موطنهم اجلدبد بلبنان القدبس بوحنا مارون الذي بعترب صاحب املارونية احلدبثة ومقنن‬
‫نظربتها ومعتقدها‪ ،‬وتتلخَّص سَر حياته ليما بلي‪:‬‬
‫‪ -‬ولد يف سرو قرب أنطاكية‪َّ ،‬‬
‫وتلقى دراسته يف القسطنطينية‪.‬‬
‫‪ْ -‬عغني ًّ‬
‫أسقفا على البرتون على الساحل الشماِل من لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬أظهر معتقد املوارنة سنة (‪ , )667‬الذي بقول أبن يف املسيح طبيعتني‪ ،‬ولكن له مشيئة واحد‬
‫اللتقاء الطبيعتني يف أقنو واحد‪.‬‬
‫‪ -‬مل تقبل الكنا س النصرانية هذا الرأي‪ ،‬لدعوا إىل جممع القسطنطينية الثالث الذي عقد سنة‬
‫وقرروا ليه رلض هذه العقيد ‪ ،‬وحرمان أصحاهبا ولعنهم‬
‫(‪ ، )680‬وقد حضره (‪ )286‬أسقفا‪َّ ،‬‬
‫وطردهم‪ ،‬وتكفَر كل من بذهب مذهبهم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫بعد بوحنا مارون أول بطربرك لطا فة املوارنة‪ ،‬وبه ببدأ عهد البطاركة املارونيني‪.‬‬
‫تصدَّى جبيش من املوارنة جليش قاده بوستغيان الثاين الذي أراد هد معابدهم واستئصاهلم‪ ،‬إال أن‬
‫املوارنة هزموه يف أميون ِما أظهر أمرهم كأمة جبلية ذات شخصية مستقلة‪.‬‬
‫لقد حتابلت كنيسة روما بعد ذلك عليهم يف سبيل تقرببهم منها‪ ،‬حيث قا البطربرك املاروين أرميا‬
‫العمشييت بزاير لروما حواِل سنة (‪ ، )1113‬وعند عودته أدرل بعض التعدبمات يف ردمة القداس‬
‫وطقوس العباد وسيامة الكهنة‪.‬‬
‫ولقد زاد التقارب بينهما حىت بل يف عا (‪ , )1182‬إعمان طاعتهم للكنيسة البابوبة‪ ،‬أما يف عا‬
‫(‪ , )1736‬لقد بل التقارب حد االحتاد الكامل معها‪ ،‬لأصبحت الكنيسة املارونية بذلك من‬
‫الكنا س األثَر لدى ابابوات روما‪.‬‬
‫لقد كان هلم دور ابرز يف ردمة الصليبيني من رمال تقدميهم غأد َّالء؛ إلرشاد احلملة الصليبية األوىل‬
‫إىل الطرق واملعابر‪ ،‬وكذلك إرساهلم لرقة من النشابة املتطوعة إىل ِملكة بيت املقدس‪.‬‬
‫لقد بل رجاهلم القادرون على القتال (‪ )40,000‬على ما ذكر ممررو احلروب الصليبية‪.‬‬
‫احتل املوارنة يف املمالك اليت شيَّدها الصليبيون املرتبة األوىل بني الطوا ف النصرانية‪ ،‬متمتعني‬
‫َّ‬
‫حق ملكية األرض يف ِملكة بيت املقدس‪.‬‬ ‫ابحلقوق واالمتيازات اليت بتمتَّع هبا الفرجنة‪ ،‬ك غ‬

‫(‪)451/1‬‬
‫لوبس التاسع كان أول صدبق لرنسي هلم؛ إذ تقد إليه‪ -‬عندما نزل إىل الرب يف عكا‪ -‬ول ٌد مملَّف‬
‫ممررة يف (‪/21‬‬ ‫من مخسة عشر ألف ماروين‪ ،‬ومعهم املمن واهلدااي‪ ،‬وقد سلَّمهم هبذه املناسبة رسالة َّ‬
‫‪ , )1250 /5‬ليها تصربح أبن لرنسا تتعهَّد حبمابتهم‪ ،‬لقد جاء ليها‪( :‬وحنن مقتنعون أبن هذه‬
‫األمة اليت تعرف ابسم القدبس مارون هي جزء من األمة الفرنسية)‪.‬‬
‫استمر هذا التعاطف من الغرب مع املوارنة يف األجيال التالية‪ ،‬وذلك عندما أرسل انبليون الثالث‬
‫َّ‬
‫لرقة لرنسية؛ لتهد ة اجلبل عا (‪ ، )1860‬وكذلك بعد احلرب العاملية األوىل عندما صار لبنان‬
‫حتت االنتداب الفرنسي‪.‬‬
‫تيوليل (تيوليلوس) بن توما من مشال سوراي‪ ،‬ماروين‪ ،‬كان بعمل غ‬
‫منجما يف قصر اَخليفة العباسي‬
‫املهدي (‪ , )785 - 775‬كما قا برتمجة إلياذ هومَروس‪.‬‬
‫املمرخ إسطفانوس الدوبهي املشهور‪ ،‬ماروين‪ ،‬تويف سنة (‪. )1704‬‬
‫البطربرك جرجس عمَر ‪ ،‬ماروين‪ ،‬ألف أول يراماطيق سرايين‪ ،‬واضعا قواعده ابلماتينية؛ تسهيما على‬
‫املستشرقني دراسة هذه اللغة‪.‬‬
‫من مشاهَرهم‪ :‬بوسف حبيش وبولس مسعد وبوحنا احلاج والبطربرك إلياس احلوبك‪.‬‬
‫ومن األساقفة‪ :‬املطران جرمانوس لرحان وبوسف مسعان السمعاين وبوحنا حبيب وبوسف الدبس‪.‬‬
‫ومن بيواتهتم املعرولة‪ :‬آل رازن ودحداح وحبيش والسعد وكرا والظاهر والبستاين والشدايق‬
‫والنقاش والباز ‪..‬‬
‫ومن زعاماهتم املعاصر ‪ :‬آل مجَيغل‪ ،‬ومشعون‪ ،‬ولرجنية‪ ،‬وإده ‪..‬‬
‫من تنظيماهتم السياسية احلزبية العسكربة حاليا‪ :‬حزب الكتا ب وحزب األحرار‪.‬‬
‫استقر األمر أبن بكون ر يس اجلمهوربة اللبنانية من الطا فة‬
‫َّ‬ ‫منذ عا (‪ , )1943‬حىت اليو‬
‫شفواي بني املسلمني والنصارى حول‬
‫املارونية‪ ،‬وذلك مبوجب امليثاق الوطين الذي متَّ ليه االتفاق ًّ‬
‫توزبع املناصب الر يسية للدولة اللبنانية على َمتلف الطوا ف الدبنية ليها‪.‬‬

‫(‪)452/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫أهم نقطة متيزهم عن بقية الطوا ف النصرانية هو معتقدهم أبن للمسيح طبيعتني‪ ،‬وله مشيئة واحد ‪،‬‬
‫وذلك اللتقاء الطبيعتني يف أقنو واحد‪.‬‬
‫عقيد املشيئة الواحد قال هبا بطربرك اإلمرباطور هرقل أبضا (‪ )638‬؛ ليولق بني عقيد أصحاب‬
‫الطبيعة الواحد الذبن غ‬
‫بشكلون األكثربة من رعاايه النصارى يف سوراي وبني أصحاب العقيد‬
‫األرثوذكسية للكنيسة البيزنطية‪ ،‬إال أن هذه احملاولة مل تفلح يف سد الثغر بينهما‪.‬‬
‫بعتقدون أن ردمة القداس عندهم مأروذ عن تلك اَخدمة اليت بنسبوهنا إىل القدبس بعقوب‪ ،‬كما‬
‫بعتقدون أن هذه اَخدمة إَنا هي أقد ردمة يف الكنيسة املسيحية؛ إذ إن أصوهلا ترجع إىل العشاء‬
‫الرابين األرَر‪.‬‬
‫ما تزال الكنيسة املارونية حتتفظ ابللغة السراينية يف القداس إىل بومنا هذا‪.‬‬
‫وما بزال الطابع السرايين ساراي حىت يف الكنا س اليت تعرتف بسلطة البااب‪.‬‬
‫منذ أوا ل القرن الثالث عشر متَّ إدرال بعض التعدبمات على الطقس املاروين القدمي‪ ،‬وذلك يف عهد‬
‫البااب أنوسنت الثالث؛ ليكون أكثر تماؤما مع الطقس الماتيين ومن ذلك‪:‬‬
‫تغطيس املعمود ثماث مرات يف املاء‪.‬‬
‫طلبة واحد للثالوث‪.‬‬
‫تكربس األحداث على أبدي املطارنة لقط‪.‬‬
‫لقد صار الكهنة بتبعون الزي الماتيين يف لبس اَخوامت والقلنسو اليت تشبه التاج والعكاز‪.‬‬
‫استعمال األجراس بدال من النواقيس اَخشبية اليت تستعملها سا ر الكنا س الشرقية يف الدعو إىل‬
‫القداس‪ ،‬متبعة بذلك التقليد الماتيين‪.‬‬

‫(‪)453/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫املوارنة لرع عن الكاثوليك الشرقيني‪ ،‬الذبن هم بدورهم لرع عن النصرانية بشكل عا ؛ لذا لإن‬
‫جذورهم هي نفس اجلذور النصرانية‪.‬‬
‫ميتازون ابحملالظة الشدبد على تراثهم ولغتهم السراينية القدمية‪ ،‬وقد اقرتبوا على مدار الزمن من‬
‫الكنيسة البابوبة بروما بعد إدرال عدد من التعدبمات على الطقوس املارونية القدمية‪.‬‬

‫(‪)454/1‬‬
‫الفرع اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬
‫البدابة يف أنطاكية‪ ،‬ومن بعدها رحلوا إىل قلعة املضيق‪ ،‬وأرَرا صاروا إىل جبال لبنان موطنهم احلاِل‬
‫منذ النصف الثاين من القرن السابع امليمادي‪.‬‬
‫منذ القرن اَخامس عشر امليمادي أصبح دبر قنُّوبني مشاِل لبنان لوق طرابلس املبين يف صخر من‬
‫مقرا للبطربركية املارونية‪ ،‬كما أصبحت بكركي املبنية لوق جونية‬
‫صخور وادي قادبشا (أي‪ :‬املقدس) ًّ‬
‫املقر الشتوي حىت بومنا هذا؛ إذ ال بزال سيد بكركي بْ َّ‬
‫لقب ببطربرك أنطاكية وسا ر الشرق؛ ذلك‬
‫ومجعيات رهبانية‬
‫ٌ‬ ‫ألنه مستقل عن سا ر البطاركة الشرقيني‪ ،‬كما ختضع إلدارته مطارنة وأبرشيات‬
‫َمتلفة‪.‬‬
‫عندما َّ‬
‫اسرتد صماح الدبن األبويب بيت املقدس يادر امللك يوي دي ليزنيان إىل قربص‪ ،‬لتبعه مجهور‬
‫كبَر من املوارنة؛ لوقولهم إىل جانب الصليبيني َّإابن االحتمال‪ ،‬مستوطنني هناك اجلبل الذي بقع‬
‫مشاِل نيقوسيا‪.‬‬
‫لر كثَر من املوارنة من لبنان بسبب احلروب واهلجر ‪ ،‬لوصلوا إىل تكربت ويَرها من املدن بني‬
‫لقد َّ‬
‫دجلة والفرات منذ القرن الثاين والثالث عشر‪ ،‬كما ذهب بعضهم ُتاه سوراي الدارلية مستوطنني‬
‫دمشق وحلب‪ ،‬ولربق ذهب إىل القدس‪ ،‬وهبط بعضهم اخآرر إىل مصر ورودس ومالطة‪ ،‬وهاجر‬
‫آررون إىل أمربكا وألربقيا وإندونيسيا‪ ،‬وما بزال أيلبهم بعيشون يف لبنان‪ ،‬وهلم أكرب األثر يف توجيه‬
‫السياسة اللبنانية املعاصر ‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن املارونية طا فة من النصارى الكاثوليك الشرقيني‪ ،‬الذبن كانوا دا ما على رماف مع معظم‬
‫الطوا ف األرثوذكسية؛ ألهنم بقولون أبن للمسيح طبيعتني ومشيئة واحد ‪ ،‬وهم بتخذون من لبنان‬
‫مركزا هلم‪ ،‬وقد أعلنوا طاعتهم لبااب روما عا (‪ ، )1182‬وقد تعاونوا مع الفرجنة َّإابن احلروب‬
‫الصليبية‪ ،‬ومنذ عا (‪ , )1943‬متَّ االتفاق بني املسلمني والنصارى يف لبنان‪ ،‬على أن بكون ر يس‬
‫الدولة مارونيًّا‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬النصرانية واإلسما ‪ ،‬املستشار حممد عزت إمساعيل الطهطاوي ‪ -‬مطبعة التقد ‪ -‬مصر ‪-‬‬
‫(‪. )1977‬‬
‫‪ -‬حماضرات يف النصرانية‪ ،‬حممد أبو زهر ‪ -‬ط‪ - 3‬مطبعة بوسف ‪ -‬مصر ‪-‬‬
‫(‪1385‬هـ‪. )1966 /‬‬
‫‪ -‬أضواء على املسيحية‪ ،‬حممد متوِل شلَب ‪ -‬نشر الدار الكوبتية ‪-‬‬
‫(‪1387‬هـ‪. )1968/‬‬
‫‪ -‬اتربخ لبنان‪ ،‬د‪ .‬ليليب حىت ‪ -‬ط‪ - 2‬دار الثقالة‪ -‬بَروت ‪. )1972( -‬‬
‫‪ -‬رطط الشا ‪ ،‬حممد كرد علي‪-‬ج‪ - 6‬ط‪ - 2‬دار القلم ‪ -‬بَروت – (‪1391‬هـ ‪. )1971/‬‬
‫‪ -‬مقارنة األداين (املسيحية)‪ ،‬د‪ .‬أمحد شلَب‪ -‬ط‪ - 5‬النهضة املصربة ‪ -‬القاهر ‪. )1977( -‬‬
‫‪ -‬اتربخ الطا فة املارونية‪ ،‬اسطفان الدوبهي ‪ -‬طبع بَروت ‪. )1890( -‬‬
‫‪ -‬التواربخ القدمية من املختصر يف أربار البشر‪ ،‬أليب الفداء ‪ -‬نشر لليشر ‪ -‬ليبس ‪)1831( -‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬التاربخ اجملموع على التحقيق والتصدبق‪ ،‬سعيد بن البطربق ‪ -‬نشر شيخو ‪ -‬اجلزء الثاين ‪ -‬بَروت‬
‫‪. )1909( -‬‬
‫‪ -‬اتربخ َمتصر الدول‪ ،‬ابن العربي ‪ -‬نشره أنطوان صاحلاين ‪ -‬بَروت ‪. )1890( -‬‬
‫‪ -‬التنبيه واإلشراف‪ ،‬للمسعودي – طبعة دي يوبه ‪ -‬ليدن‪. )1983( -‬‬
‫‪ -‬احملاما عن املوارنة وقدبسهم‪ ،‬ألرا الدبراين ‪ -‬بَروت‪. )1899( -‬‬
‫‪ -‬اتربخ سوربة‪ ،‬بوسف الدبس ‪ -‬ج‪ 5‬بَروت ‪. )1900( -‬‬
‫‪ -‬األداين املعاصر ‪ ،‬راشد عبد هللا الفرحان – ط‪ - 1‬شركة مطبعة اجلذور ‪ -‬الكوبت –‬
‫(‪1405‬هـ‪. )1984/‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪W. Wright. Catalogue of Syriac Manuscripts in the British -‬‬
‫)‪.Museum (London, 1871‬‬
‫‪Edward Gibbon. The History of the Decline and Fall of -‬‬
‫)‪.the roman Empire. ed.J.Bury. Vol. V (London. 1898‬‬
‫‪A History of Deeds Done Beyond the Sea. Tr. Emily A. -‬‬
‫)‪.Babcock and A.C Krey (New York. 1943‬‬
‫‪Fausto (Murhij) Naironi. Dissertation de Origine, -‬‬
‫)‪.Nomineac religione Maronit arum (rome. 1679‬‬
‫‪.Pierre Dib, Leglise Maronite, Vol. 1, (Paris, 1930) -‬‬
‫‪Bernard G.Al- Ghaziri. rone et Leglise Syrienne-Maronite -‬‬
‫)‪. (paris, 1906‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)455/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫اجلزوبت لرقة كاثوليكية بسوعية تنتشر يف أورواب بصفة عامة‪ ،‬ويف الربتغال وإسبانيا ولرنسا بصفة‬
‫راصة‪ ،‬وهي مجعية دبنية متعصبة‪ ،‬هتدف حاليا إىل القضاء على الدبن اإلسمامي‪.‬‬

‫(‪)456/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫دعى أنياس البوال يف القرون الوسطى‪ ،‬وقد سامهت يف القضاء على املسلمني‬
‫أنشأها قسيس لرنسي بْ َ‬
‫يف األندلس من رمال حماكم التفتيش‪ ،‬وبقو عليها اخآن جمموعة كبَر من القسس والرهبان‪.‬‬

‫(‪)457/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫بلتز الرهبان الذبن بنتمون إليها ابحملالظة على أسرارها‪ ،‬وعد إلشا ها ولو ألعضا ها‪.‬‬
‫بلتز أعضاؤها كذلك ابحملالظة على سربة تعليماهتا‪ ،‬واحليلولة دون وصوهلا إىل أبدي األجانب بشكل‬
‫عا ‪ ،‬واألعداء بشكل راص‪.‬‬
‫بعد طرد هذه اجلمعية من كثَر من الدول األوروبية‪ ،‬بدأت تستقطب عطف الساسة واملسئولني من‬
‫رمال إظهار العداء للدبن اإلسمامي‪ ،‬والتغلغل يف الدول اإلسمامية؛ لبث األلكار اهلدامة بني‬
‫املسلمني من رمال املدارس‪ ،‬وحتت يطاء دور اَخَر والرب‪.‬‬
‫شىت بقاع العامل‪ ،‬وتظهر‬
‫تتسرت هذه اجلمعية رلف أعمال الرب‪ ،‬كإنشاء املدارس واملستشفيات يف َّ‬
‫العطف على املرضى‪ ،‬وتلز أعضاءها ابصطناع التواضع؛ الستقطاب الناس إليها‪ ،‬وإىل الدبن‬
‫النصراين‪.‬‬
‫تقبل التربعات وتتفنَّن يف أساليب مجع األموال‪ ،‬ولكي تنفي عن نفسها مظنة االكتناز‪ ،‬لإهنا تتربع‬
‫ببعض األموال يف نفس املكان؛ لإلبها أبن هدلها هو ردمة الفقراء‪.‬‬
‫بلتز أعضاء اجلمعية ابحملالظة على هيبتها‪ ،‬لما خيتلفون أما الغَر‪ ،‬بل بظهرون متاسكهم‪ ،‬وريبتهم يف‬
‫ردمة اخآرربن‪.‬‬
‫عندما بذهب أعضاء اجلمعية إىل إحدى املدن ألول مر ‪ ،‬لإهنم جيتنبون املبادر إىل شراء األرض‪ ،‬مد‬
‫بتم شراء األرض‬
‫ضروراي‪ ،‬قاموا ابلشراء‪ ،‬ويالبا ما ُّ‬
‫ًّ‬ ‫معينة‪ ،‬حىت إذا ما ثبت أن شراء األرض بعترب‬
‫هتتز ثقة الناس يف اجلمعية‪.‬‬
‫ابسم مستعار حىت ال َّ‬
‫سرا مقدسا‪ ،‬لما بطَّلع عليها إال ر يس الرهبان‪ ،‬وتعترب رزانة اجلمعية يف روما‪،‬‬
‫تعترب واردات اجلمعية ًّ‬
‫سرا مقدسا كذلك‪ ،‬لما جيوز إلشاؤه‪.‬‬
‫بكالة حمتوايهتا‪ًّ ،‬‬
‫اهلدف األساسي هلذه اجلمعية اخآن هو القضاء على أتباع الدايانت األررى‪ ،‬السيما الدبن‬
‫اإلسمامي‪ ،‬لذلك لإن أعضاءها ال بستنكفون عن استخدا كالة أساليب االستمالة‪ ،‬ووسا ل جذب‬
‫الناس من أجل تنصَرهم‪.‬‬
‫ولتحقيق هذا اهلدف‪ ،‬لإن هذه اجلمعية تعمل على كسب ثقة رجال الدولة‪ ،‬وإرضا هم‪ ،‬واإلشاد‬
‫هبم‪ ،‬غ‬
‫ويض الطرف عن ِمارساهتم يَر السوبة‪ ،‬وأعماهلم يَر املستقيمة‪ ،‬وإلهامهم عند االقتضاء أن‬
‫الرب قد يفر هلم‪.‬‬
‫كما تعمل هذه اجلمعية على كسب ثقة حكا البلدان اليت ميارسون التبشَر ليها‪ ،‬لَرسلون إليهم‬
‫مندوبني على درجة عالية من الذكاء والدهاء والثقالة‪ ،‬وحيرص همالء املندوبون على إبها أولئك‬
‫احلكا أهنم مولدون من قبل اباب روما‪ ،‬وأهنم حيملون إليهم حتياته‪.‬‬
‫بتجنب أعضاء اجلمعية التكلف يف اللباس‪ ،‬وال بقبلون اهلدااي ألنفسهم‪ ،‬بل حييلوهنا إىل دبر اجلمعية‬
‫القربب من مكان وجودهم‪ ،‬حىت بدرلوا يف روع الناس أهنم َملصون‪ ،‬ليزداد العطف على اجلمعية‪.‬‬
‫حياول أعضاء اجلمعية بكالة الطرق احليلولة دون إنشاء أو َتسيس أبة مدارس ابلقرب من مدارس‬
‫اجلمعية‪ ،‬اليت هتت ُّم ابلرايضة البدنية‪ ،‬وتتفاىن يف القيا ابلعملية الرتبوبة رَر قيا ‪ ،‬مع معاملة الدارسني‬
‫معاملة حسنة‪ ،‬حىت بثقوا يف هيئة التدربس وما تبثُّه من ألكار تبشَربة‪.‬‬
‫تعمل اجلمعية بكالة الطرق املمكنة على كسب ود النساء األرامل‪ ،‬وإذا كان إلحداهن راهب من‬
‫بتم إبعاده‪ ،‬وبستبدل به راهب من اجلمعية؛ إلدار أعماهلا ابلتدربج‪.‬‬
‫يَر اجلمعية لإنه ُّ‬
‫تتم السيطر التامة على األرامل‪ :‬لإن اجلمعية تريبهن يف التصدق على الفقراء ابسم املسيح‬
‫ولكي َّ‬
‫وبستمر هذا الوضع حىت تنفد مجيع أمواهلن‪ ،‬ويف سبيل ذلك لإن هذه اجلمعية ال تستنكف‬
‫ُّ‬ ‫ومرمي‪،‬‬
‫عن مساعد همالء األرامل يف إشباع ريباهتن‪ ،‬وقضاء وطرهن عند االقتضاء‪.‬‬

‫(‪)458/1‬‬

‫بتم حثُّهم على‬


‫وإذا كان لَلرامل بنات لإنه بتم إقناعهن ابلرهبنة أو الرتبية النصرانية‪ ،‬أما البنون لإنه ُّ‬
‫أن بغشوا األدبر والكنا س‪ ،‬مع إيراقهم يف امللذات‪ ،‬والتلميح هلم أبنه ال إمث يف العماقات اجلنسية‬
‫بتم ليها إقناعهم أبمهية الرتبية النصرانية‪.‬‬ ‫احلر ‪ ،‬كما غ‬
‫تيسر هلم سبل االخنراط يف معسكرات صيفية‪ُّ ،‬‬
‫وبتم ختوبفهم من النار‪ ،‬وحثُّهم على‬ ‫غ‬
‫بكرر أعضاء اجلمعية زايراهتم للمرضى امليئوس من حالتهم‪ُّ ،‬‬
‫التصدق بكل أمواهلم للجمعية‪.‬‬
‫وحير من كالة االمتيازات اليت‬
‫وبتم اجتنابه‪ْ ،‬‬
‫كل من خيرج على املبادئ اهلدامة هلذه اجلمعية‪ ،‬بْطرد ُّ‬
‫وبتم الطرد بوجه راص‪ ،‬عند تشوبه مسعة اجلمعية‪ ،‬أو إلشاء أسرارها‪ ،‬أو اإلضرار‬
‫بتمتع هبا األعضاء‪ُّ ،‬‬
‫أبعضا ها‪ ،‬أو الكسل وعد القيا ابملها املنوطة به‪.‬‬
‫حتاول اجلمعية احلصول على األسرار السياسية‪ ،‬واألربار املوثوقة واَخطَر ‪ ،‬وإربار احلكا هبا؛ للفوز‬
‫مبكانة مرموقة لدبهم‪ ،‬تساعدهم على اجتذاب أصحاب الثروات والنفوذ واألسر الكبَر للجمعية‪.‬‬
‫حتالظ اجلمعية على هيبتها يف نفوس اخآرربن‪ ،‬من رمال إلهامهم أهنا َتسست على بد الراهب‬
‫شوواكيم إبهلا إهلي؛ غ‬
‫للحد من احنراف الكنيسة‪ ،‬وإعادهتا إىل وضعها الطبيعي‪ ،‬ونشر دبن عيسى يف‬
‫مجيع أحناء العامل‪ ،‬وبذا غ‬
‫تربر مسلكها القدمي الذي كانت تبيع ليه صكوك الغفران‪ ،‬وترسم معامل طربقها‬
‫اجلدبد الذي تقضي ليه على اإلسما واملسلمني‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن اجلزوبت لرقة كاثوليكية بسوعية‪ ،‬تتسرت رلف أعمال غ‬
‫الرب كإنشاء املدارس واملستشفيات ويَرمها؛‬
‫لتستقطب الناس للنصرانية‪ ،‬السيما املسلمني منهم‪ ،‬وحتاول هذه الفرقة الغوص يف أعماق األسرار‬
‫السياسية‪َّ ،‬‬
‫ومد بعض احلكا هبا؛ للفوز مبكانة مرموقة لدبهم‪ ،‬متنحهم نفوذا كبَرا ملباشر عمليات‬
‫التبشَر‪ ،‬وهو تبشَر بعتمد على هد القيم الدبنية‪ ،‬ونشر الرذا ل‪ ،‬والقول بطبيعية العماقات اجلنسية‬
‫احلر ‪ ،‬وإشاعة األلكار اهلدَّامة بني املسلمني‪ ،‬ومن مثَّ جعلهم لبنة هشة تقبل التشكيل الذي بما م‬
‫أهداف هذه الفرقة‪.‬‬

‫(‪)459/1‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬أماكن االنتشار‪:‬‬
‫تتخذ هذه الفرقة من أورواب ككل‪ ،‬مركز انطماق هلا‪ ،‬وهي ترتكز يف الربتغال وإسبانيا حيث الريبة يف‬
‫كل أثر لإلسما هناك‪ ،‬ويف لرنسا حيث نشأت مقولة احلربة املطلقة يف جمال العقيد ‪،‬‬ ‫القضاء على غ‬
‫وإبطاليا حيث اباب الفاتيكان‪ ،‬ومن هذه املرتكزات ُّ‬
‫متد هذه الفرقة أذرعتها صوب التجمعات‬
‫اإلسمامية يف دول حوض البحر األبيض املتوسط وجنوب شرق آسيا‪ ،‬وخباصة يف إندونيسيا‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬حماضرات يف النصرانية‪ ،‬دار الفكر العريب ط‪ 4‬الشيخ حممد أبو زهر ‪.‬‬
‫‪ -‬دا ر معارف القرن العشربن حملمد لربد وجدي‪ ،‬دار املعرلة‪ ،‬بَروت ط‪.4‬‬
‫‪ -‬حقيقة التبشَر بني املاضي واحلاضر‪ ،‬ط‪ 1‬أمحد عبد الوهاب‪.‬‬
‫‪ -‬التبشَر واالستعمار ط‪ ،1‬عمر لروخ ومصطفى اَخالدي‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)460/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫املورمون طا فة نصرانية جدبد نسبيًّا منشقة عن النصرانية األ ‪ ،‬تلبس لباس الدعو إىل دبن املسيح‬
‫عليه السما ‪ ،‬وتدعو إىل تطهَر هذا الدبن ابلعود به إىل األصل أي‪ :‬إىل كتاب اليهود‪ ،‬ذلك أن‬
‫املسيح ‪ -‬يف نظرهم ‪ -‬قد جاء لينقذ اليهود من االضطهاد‪ ،‬وليمكنهم من األرض‪ ،‬إهنا ‪ -‬كما‬
‫غ‬
‫تسمي نفسها ‪ -‬طا فة القدبسني املعاصربن لكنيسة بسوع املسيح لقدبسي األاي األرَر ‪ ،‬نبيها‬
‫املمسس هو بوسف مسيث‪ ،‬وكتاهبا املقدس هو الكتاب املقدس احلدبث‪.‬‬

‫(‪)461/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫ولد بوسف مسيث يف (‪ , )1805 /12 /23‬مبدبنة شارون مبقاطعة وندسور التابعة لوالبة لرمونت‪.‬‬
‫وعندما بل العاشر من عمره رحل مع والده إىل مدبنة ابملابرا مبقاطعة أونتاربو التابعة لوالبة نيوبورك‪.‬‬
‫يف الرابعة عشر من عمره انتقل مع أهله إىل مانشسرت من نفس املقاطعة‪.‬‬
‫وملا بل اَخامسة عشر وجد الناس حوله منقسمني إىل طوا ف‪:‬‬
‫امليثودبست‪ ،‬واملشيخي‪ ،‬واملعمداين ‪ ..‬لشعر ابضطراب وقلق‪.‬‬
‫يف ربيع عا (‪ , )1820‬ذهب إىل يابة‪ ،‬وأرذ بصلغي منفردا‪ ،‬طالبا من هللا اهلدابة‪ ،‬وبينما هو‬
‫كذلك إذ شاهد ‪ -‬كما بزعم ‪ -‬نورا لوق رأسه‪ ،‬متثَّل هذا النور يف شخصني مساوبني مها هللا‪ ،‬وابنه‬
‫علوا كبَرا‪ -‬وقد هنياه عن االنضما إىل أي من هذه الفرق‪.‬‬
‫عيسى‪ -‬تعاىل هللا عن ذلك ًّ‬
‫بدَّعي أبن الوحي قد انقطع عنه‪ ،‬وأنه رضع الضطهاد عنيف وسخربة من جراء جهره برؤبته هذه‪،‬‬
‫تورط رمال ذلك َّ‬
‫بزالت طا شة‪ ،‬إذ بقول عن نفسه‪( :‬وكثَرا ما أدَّت َمالطيت لشىت البيئات إىل‬ ‫وقد َّ‬
‫اقرتاف زالت طا شة‪ ،‬ولماتغسا مبا للشباب من نزق‪ ،‬وما للطبيعة البشربة من قصور‪ ،‬وقد َّ‬
‫ورطين‬
‫ذلك لَلسف يف ألوان من التجارب واخآاث املبغضة إىل هللا‪ ،‬وال بتبادر إىل الذهن بسبب هذا‬
‫االعرتاف أين ارتكبت إاما لظيعا أو وزرا منكرا‪ ،‬لما كان يب نزوع قط إىل مثل هذه األوزار أو تلك‬
‫اخآاث ) شهاد بوسف (ص‪.)7‬‬
‫ـ كما بدَّعي أنه يف مساء (‪ 21‬سبتمرب ‪ , )1823‬نزل عليه مماك من السماء امسه موروين‪ ،‬وأرربه‬
‫أبنه قد أعدَّه ملهمة بنبغي عليه إجنازها‪ ،‬وأرربه عن كتاب نقشت عليه كلمات على صحا ف من‬
‫الذهب‪ ،‬تروي أربار القو الذبن استوطنوا القار األمربكية يف األزمنة الغابر ‪ ،‬واتربخ السلف الذبن‬
‫احندروا منهم‪ ،‬وأنبأه عن حجربن يف قوسني من الفضة لرتمجة الكتاب‪ ،‬ويادره هذا املماك بعد أن هناه‬
‫عن إظهار أحد من الناس على هذه الصحف‪.‬‬
‫قواي أعانه‬
‫تزوج من لتا امسها إميا هيل‪ ،‬لكان له من محيه ليما بعد سندا ًّ‬
‫يف (‪ 18‬بنابر ‪َّ , )1827‬‬
‫على نشر لكرته‪ ،‬وذلك ملا تتمتع به هذه األسر من مكانة طيبة‪.‬‬
‫يف (‪ 22‬سبتمرب ‪ , )1827‬استلم الصحف ‪ -‬كما بزعم ‪ -‬متعهدا إبعادهتا بعد هنوضه ابملطلوب‪.‬‬
‫رحل عن مقاطعة مانشسرت األمربكية‪ ،‬وذهب إىل حيث محوه يف مقاطعة سوسكوبهاان بوالبة‬
‫بنسلفانيا‪ ،‬واستوطن مدبنة هارموين‪.‬‬
‫شرع يف الرتمجة مبساعد مارتن هاربس الذي أرذ بعض احلروف وشيئا من الرتمجة‪ ،‬وعرض ذلك على‬
‫األستاذ تشارلز آنثون‪ ،‬والدكتور ميتشيل لأقرا أبن ما رأايه إَنا هو ترمجة عن اللغة املصربة القدمية‪،‬‬
‫وأن األصل إَنا بتألف من حروف مصربة قدمية‪ ،‬وحروف كلدانية‪ ،‬وحروف آشوربة‪ ،‬وحروف عربية‪.‬‬
‫يف (‪ 25‬مابو ‪ , )1825‬ذهب مع أوليفر كودري للصما يف الغابة‪ ،‬حيث زعما أنه هبط عليهما‬
‫بوحنا املعمدان (أي‪ :‬نَب هللا حيىي عليه السما ) وأمرمها أبن بعمد كل منهما اخآرر‪ ،‬وأرربمها أبنه قد‬
‫جاء إليهما تنفيذا ألمر بطرس بعقوب‪َّ ،‬‬
‫ورمسهما لرعابة الكنيسة املورمونية‪ .‬بدَّعي كل من أوليفر‬
‫كودري‪ ،‬وداود وبتمر‪ ،‬ومارتن هاربس أهنم قد شاهدوا الصحف‪ ،‬وأهنم بشهدون على صحة الرتمجة‬
‫ودقتها‪ ،‬وأبن هذا الكتاب إَنا هو سجل لقو انيف وإلروهتم المامانيني‪.‬‬
‫أعلن يف عا (‪ , )1830‬وحبضور عدد من الشخصيات عن َتسيس كنيسة بسوع املسيح لقدبسي‬
‫األاي األرَر ‪.‬‬
‫رحل بوسف مسيث وأتباعه عن نيوبورك إىل مدبنة كَرتماند اجملاور ملدبنة كليفماند بوالبة أوهابو حيث‬
‫شيَّد هيكما عظيما‪ ،‬كما أنه قا بعمل تبشَري واسع النطاق يف تلك املنطقة وما جاورها‪.‬‬
‫بعث إبحدى اإلرساليات إىل والبة ميسوري للتبشَر والكتساب املمبدبن‪.‬‬

‫(‪)462/1‬‬

‫تعرضوا لماضطهاد لتنازلوا عن منازهلم ومزارعهم‪ ،‬ورحلوا إىل والبة الينوي حيث اشرتوا املستنقعات‬
‫َّ‬
‫الشاسعة املهجور على شاطئ املسيسَب‪ ،‬وقاموا إبصماحها‪ ،‬وبنوا مدبنة نولو‪ ،‬أي‪ :‬اجلدبد ‪.‬‬
‫سجن بوسف مسيث وأروه هابر يف مدبنة كارسيج بوالبة الينوي الهتامات ضدمها‪ ،‬وبينما مها يف‬
‫السجن درل عليهما مسلحان مقنعان لقتمامها ابلرصاص‪ .‬وقد حدث ذلك يف (‪ 27‬بونيو‪)1844‬‬
‫‪ ،‬لانتهت بذلك حيا هذا النَب املزعو ‪.‬‬
‫آلت رائسة احلركة والنبو بعده إىل برجيا بونج الذي رحل ابلقو إىل جبال روكي حيث حدَّد هلم‬
‫مكان إقامتهم‪ ،‬لبنوا مدبنة سولت ليك‪ ،‬وقد رطط اهلجرات إىل بواته؛ إذ كان بينهم آالف‬
‫الرببطانيني واإلسكندانليني‪ ،‬كما بعترب بونج مسئوال عن هذه الرحلة املأساوبة‪ ،‬واليت حدثت عا‬
‫(‪ , )1856‬حيث مات أثناءها أكثر من مئيت شخص من أتباعه‪.‬‬
‫ـ رؤساء الكنيسة هم األنبياء‪ ،‬لقد تتابع همالء األنبياء ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬وآررهم سبنسر كيمبل‪ ،‬وقد زاد‬
‫عدد أعضاء هذه الطا فة إذ بلغوا مخسة ممابني شخص تقرببا‪ ،‬وما بزالون يف َنو وازدايد‪.‬‬
‫هناك أقلية من املورمون مل توالق على سيطر بونج بعد موت بوسف مسيث‪ ،‬لقد بقي همالء يف‬
‫الينوي ممسسني ‪ -‬ابلتعاون مع إميا مسيث الزوجة األوىل لنبيهم ومع ابن مسيث جوزبف ‪ -‬كنيسة‬
‫بسوع املسيح للقدبسني املعاصربن املعاد تنظيمها‪ ،‬ومركزها ميسوري‪ ،‬تنفيذا لوصية النَب املمسس‬
‫الذي قال هلم‪ :‬إن صهيون ستكون ليها‪ .‬وقامت كذلك لئات أررى منشقة‪ ،‬كل منها تدَّعي أبهنا قد‬
‫َّ‬
‫تلقت صحفا ليها كتب قدمية مقدسة‪.‬‬
‫أوليفر كودري‪ ،‬ومارتن هاربس‪ ،‬كاان ِمن شارك يف مرحلة التأسيس‪َّ ،‬‬
‫وتلقيا الوحي املزعو ‪.‬‬
‫وتتابع أنبياؤهم الذبن هم رؤساء الكنيسة على النحو التاِل‪:‬‬
‫بوسف مسيث‪.‬‬
‫برجيا بونج‪.‬‬
‫جون تيلور‪.‬‬
‫وبلفورد وودروف‪.‬‬
‫لوربنزوسنو‪.‬‬
‫هيرب جرانت‪.‬‬
‫جورج ألربت مسيث‪.‬‬
‫داود مكاي‪.‬‬
‫بوسف لليدنج مسيث‪.‬‬
‫سبنسر كيمبل‪.‬‬
‫برد يف كتبهم اسم‪ :‬إملا‪ ،‬ايرد‪ ،‬حلي‪ ،‬إهنم أنبياء يف كتاب املورمون‪.‬‬
‫هلم شخصيات ابرز يف جملس الشيوخ األمربكي وجملس النواب‪.‬‬

‫(‪)463/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫الكتب املقدسة لدبهم اليو ‪:‬‬
‫الكتاب املقدس‪ :‬بعتقدون أبنه جمموعة من كتاابت مقدسة حتتوي على رؤى هللا لإلنسان‪ ،‬وأهنا‬
‫َمطوطات تتناول قروان كثَر منذ أاي آد حىت الوقت الذي عاش ليه املسيح‪ ،‬وقد كتبها أنبياء‬
‫كثَرون ‪ -‬على زعمهم ‪ -‬عاشوا يف أزمنة َمتلفة‪ ،‬وهو بنقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ - 1‬العهد القدمي‪ :‬ليه كثَر من النبوءات اليت تنبَّأت بقدو املسيح‪.‬‬
‫‪ - 2‬العهد اجلدبد‪ :‬بروي حيا املسيح وَتسيس الكنيسة يف ذلك اليو ‪.‬‬
‫كتاب املورمون‪ :‬هو سجل مقدس لبعض الناس الذبن عاشوا يف قار أمربكا بني (‪ )2000‬ق‪ , .‬إىل‬
‫(‪ )400‬بعد امليماد‪ ،‬وهو بروي قصة زاير بسوع املسيح لشعب القار األمربكية بعد قيامه من‬
‫املوت مباشر (كما بعتقدون)‪ .‬وهذا الكتاب ُّ‬
‫بعد احلجر األساسي لدبهم‪ ،‬وإن اإلنسان املورموين‬
‫بتقرب إىل هللا بطاعة تعاليمه‪ ،‬وقد قا بوسف مسيث برتمجته إىل اللغة اإلجنليزبة مبوهبة هللا وقوته‪ ،‬وقد‬
‫َّ‬
‫نزل به مماك من السماء امسه (موروين) على بوسف مسيث‪.‬‬
‫ختص كنيسة بسوع املسيح‪ ،‬كما أعيدت‬
‫كتاب املبادئ والعهود‪ :‬هو جمموعة من الرؤى احلدبثة اليت ُّ‬
‫إىل أصلها يف هذه األاي األرَر ‪ ،‬وهو بوضح تنظيم الكنيسة وأعماهلا ووظا فها‪ ،‬وليه نبوءات عن‬
‫حوادث ستأِت‪ ،‬وليه أجزاء ليها معلومات مفقود ملئات السنني‪ ،‬وليه تعاليم الكتاب املقدس‪.‬‬
‫اَخربد النفيسة‪ :‬حيتوي على‪:‬‬
‫‪1‬ـ سفر موسى‪ :‬ليه بعض رؤى موسى وكتاابته كما ْكشفت ليوسف مسيث يف عا (‪. )1830‬‬
‫‪ 2‬ـ سفر إبراهيم‪ :‬ترمجة بوسف مسيث من درج بردي مأروذ من مقابر املصربني القدماء‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ كتاابت بوسف مسيث ذاته‪ :‬حتتوي على جزء من ترمجة الكتب املقدسة وَمتارات من اتربخ‬
‫الكنيسة املورمونية وبنود اإلميان لدبهم ورؤبة اململكة السماوبة‪.‬‬
‫‪4‬ـ رؤبة لداء األموات‪ :‬وهي تروي زاير بسوع املسيح للعامل الروحي‪ ،‬وهي رؤبة أعطيت للر يس‬
‫بوسف مسيث يف (‪ 3‬أكتوبر ‪. )1918‬‬
‫إضالة إىل الكتب األربعة السابقة‪ ،‬لإن كلمات الوحي والرؤى اليت بذكرها أنبياؤهم تصبح كتبا‬
‫مقدسة‪ ،‬وكل النشرات والتعاليم وقرارات املممترات كلها تعترب كتبا مقدسة أبضا‪.‬‬
‫بنود اإلميان لدبهم‪ :‬كما وضعها بوسف مسيث ذاته‪:‬‬
‫اإلميان ابهلل‪ ،‬األب األزِل‪ ،‬واببنه بسوع املسيح‪ ،‬وابلروح القدس‪.‬‬
‫اإلميان أبن البشر سيعاقبون من أجل رطاايهم‪ ،‬وليس بسبب غ‬
‫تعدي آد ‪.‬‬
‫اإلميان أبن مجيع البشر بستطيعون أن خيلصوا عن طربق كفار املسيح‪ ،‬وذلك إبطاعة شرا ع اإلجنيل‬
‫ومراسيمه‪.‬‬
‫اإلميان أبن املبادئ واملراسم األربعة لإلجنيل هي‪:‬‬
‫‪1‬ـ اإلميان ابلرب بسوع املسيح‪.‬‬
‫‪2‬ـ التوبة‪.‬‬
‫‪3‬ـ العماد ابلتغطيس لغفران اَخطااي‪.‬‬
‫‪4‬ـ وضع األبدي ملوهبة الروح القدس‪.‬‬
‫اإلميان أبن اإلنسان جيب أن بْدعى من هللا عن طربق النبو ‪ ،‬ووضع األبدي على بد همالء الذبن هلم‬
‫السلطة لكي ببشر ابإلجنيل‪ ،‬وبقو ابملراسيم املتعلقة به‪.‬‬
‫اإلميان بنفس التنظيم الذي قامت عليه الكنيسة القدمية‪ ،‬أي‪ :‬الرسل واألنبياء والرعا واملعلمون‬
‫واملبشرون إخل‪.‬‬
‫اإلميان مبوهبة األلسن والنبو والرؤاي واألحما والشفاء وتفسَر األلسن‪.‬‬
‫اإلميان أبن الكتاب املقدس هو كلمة هللا بقدر ما ترجم صحيحا‪ ،‬واإلميان أبن كتاب املورمون هو‬
‫كلمة هللا‪.‬‬
‫اإلميان بكل ما كشفه هللا ومبا بكشفه اخآن وأبنه سيظل بكشف أمورا كثَر عظيمة تتعلق مبلكوت‬
‫هللا‪.‬‬
‫اإلميان بتجمع إسرا يل واستعاد القبا ل العشر‪ ،‬وأن دولة صهيون (أورشليم اجلدبد ) ستمسس على‬
‫سيحل شخصيا على األرض‪ ،‬وأن األرض ستتجدد وتتسلم جمدها‬
‫ُّ‬ ‫القار األمربكية وأن املسيح‬
‫الفردوسي‪.‬‬
‫بدَّعون امتياز عبادهتم هلل القوي طبقا ملا ميليه عليهم ضمَرهم كما بسمحون جلميع البشر هبذا‬
‫االمتياز‪ ،‬لليعبدوا ما بربدون وكيف بربدون وأبن بربدون‪.‬‬

‫(‪)464/1‬‬

‫اإلميان أبنه جيب عليهم اَخضوع للملوك والرؤساء واحلكا وأصحاب السلطة القضا ية‪ ،‬كما بممنون‬
‫أبنه جيب عليهم إطاعة القانون واحرتامه وتعضيده‪.‬‬
‫اإلميان أبنه جيب عليهم أن بكونوا أمناء وصادقني وأطهارا وحمسنني وأصحاب لضيلة‪ ،‬وأن بعملوا‬
‫اَخَر لكل البشر‪ ،‬وهم بسعون وراء كل شيء ذي لضيلة وحمبوب‪ ،‬وبستحق التقدبر أو املدح‪.‬‬
‫مراتبهم الدبنية والتنظيمية‪:‬‬
‫بنقسم الكهنوت لدبهم إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ - 1‬كهنوت ملكي صادق‪ :‬وهو أعظم كهنوت؛ إذ ميلك التوجيه والتبشَر ابإلجنيل‪ ،‬كما ميلك سلطة‬
‫قياد الكنيسة‪.‬‬
‫‪2‬ـ كهنوت هارون‪ :‬وهو الكهنوت الذي منح هلارون وألوالده رمال مجيع األجيال‪ ،‬وأصحاب هذا‬
‫الكهنوت بقومون مبراسم اإلميان والتوبة والتعميد‪.‬‬
‫رماصة ألكارهم‪:‬‬
‫بعتقدون أن هللا هو على شكل إنسان له حلم وعظا ‪ ،‬وبدارل جسده امللموس روح أزلية‪ .‬كما‬
‫بمكدون على أن اإلله متطور عن اإلنسان‪ ،‬والناس ميكنهم أن بتطوروا إىل آهلة ‪ -‬تعاىل هللا عما‬
‫علوا كبَرا‪.-‬‬
‫بقولون ًّ‬
‫اإلنسان ‪ -‬كروح ‪ -‬ولد من والدبن مساوبني‪ ،‬وقد بقي هذا اإلنسان يف منازل األب األبدبة قبل‬
‫اجمليء إىل األرض يف جسد مادي‪ ،‬كما أن املسيح هو الروح األوىل‪ ،‬لهو بذلك االبن األكرب‪.‬‬
‫بسوع املسيح هو الذي رلق األرض وكل ما ليها‪ ،‬ورلق كذلك عوامل أررى بتوجيه من أبيه‬
‫السماوي‪ .‬مث رلق بعد ذلك احليواانت‪.‬‬
‫حل عليها الروح‬
‫املسيح عليه السما ‪ :‬أمه مرمي العذراء اليت كانت َمطوبة لشخص امسه بوسف‪ ،‬وقد َّ‬
‫القدس وقو العلي ظلَّلتها‪ ،‬وولدها هو ابن هللا‪ ،‬وقد جاء الولد واراث لسلطة إهلية من أبيه‪ ،‬وواراث‬
‫الفناء من أمه‪.‬‬
‫قا بوحنا املعمدان بتعميده وهو يف الثماثني من عمره‪ ،‬وقد صا أربعني بوما؛ ليحارب الشيطان‪ ،‬كما‬
‫أنه قد ظهرت على بدبه معجزات‪.‬‬
‫ب؛ ليسجل انتصاره على اَخطيئة‪ ،‬وقد استودع روحه بني‬ ‫ض غرب‪ ،‬وع غذب‪ ،‬ومن مث غ‬
‫صل َ‬
‫ْ‬ ‫إن املسيح قد ْ َ ْ َ‬
‫بدي أبيه‪ ،‬وقد ظل جسده ثماثة أاي يف القرب‪ ،‬مث عادت إليه روحه لقا متغلبا على املوت‪.‬‬
‫وأسس كنيسته‪ ،‬مث صعد إىل السماء‪ .‬وقد درلت الوثنية إىل العقيد‬
‫بعد قيامه بقليل ظهر يف أمربكا‪َّ ،‬‬
‫املسيحية‪ ،‬كما حارب رجال الدبن بعضهم بعضا ِما استوجب نزول املسيح مر أررى مع هللا‪،‬‬
‫وهبوطهما على بوسف مسيث بغية إعادهتا إىل األرض مر أررى‪ ،‬كما كانت يف األصل‪.‬‬
‫حواء ابنة َمتار أعطيت خآد ‪ ،‬ومسح هلما ابألكل من كل األشجار عدا شجر معرلة اَخَر والشر‪،‬‬
‫وقد أيرامها الشيطان لأكما منها‪ ،‬لأصبحا لانيني بشتغمان وبنجبان‪.‬‬
‫الروح القدس‪ :‬عضو يف اهليئة اإلهلية‪ ،‬وله جسد من الروح يف شكل إنسان‪ ،‬وهو بوجد يف مكان‬
‫واحد لقط يف نفس الوقت‪ ،‬إال أن نفوذه بصل إىل كل مكان‪.‬‬
‫النَب رجل دعاه هللا ليمثله على األرض وبتكلم ابلنيابة عنه‪ ،‬والنبو لدبهم مستمر ال تنقطع‪.‬‬
‫التعميد‪ :‬ترمز املعمودبة إىل املوت والقيامة‪ ،‬وذلك أبن بنزل رجل الدبن إىل املاء مع الشخص الذي‬
‫تسمى‬
‫بربد تعميده‪ ،‬ليغطسه يف املاء مث خيرجه‪ ،‬وبذا تنتهي احليا اَخاطئة وتبدأ احليا اجلدبد ‪ ،‬وهي َّ‬
‫امليماد الثاين‪.‬‬
‫تقد على شكل ذاب ح من احليواانت‪ ،‬لكن َّ‬
‫كفار املسيح بقتله‬ ‫القرابن‪ :‬كانت القرابني قبل املسيح َّ‬
‫أهنت هذا النوع من القرابني‪ ،‬وصارت عبار عن ربز ونبيذ مصحوبة ابلصلوات‪ .‬ورمال رؤبة حدبثة‬
‫لقدبسي األاي األرَر جعلوها ربزا وماء‪.‬‬
‫غ‬
‫بقدسون بو السبت؛ ألن هللا اسرتاح ليه بعد انتها ه من رلق الكون‪ ،‬ولقد كان قيا املسيح بعد‬
‫صلبه يف بو األحد الذي صار حمل تقدبس عوضا عن بو السبت‪.‬‬

‫(‪)465/1‬‬
‫الصو ‪ :‬هو االمتناع عن الطعا والشراب مد أكلتني متتابعتني‪ ،‬وبذلك بصو الشخص أربعا‬
‫وعشربن ساعة‪ .‬لإذا أكل أحدهم العشاء لما جيوز له أن أيكل مر اثنية حىت العشاء اخآرر‪ .‬كما‬
‫بسمى بعطاء الصو ‪.‬‬ ‫غ‬
‫بقد الصا م للقا د الكهنوِت إما ماال أو طعاما مساواي لطعا الوجبتني‪ ،‬وهذا َّ‬
‫حيرمون شرب النبيذ‪ ،‬واملسكرات الكحولية والتب والدران بكل أنواعه‪ ،‬وميتنعون عن شرب القهو‬
‫والشاي ملا حيتواين عليه من عقاقَر مضر ‪ .‬وحيذرون من تناول املرطبات وما ليها من مشروابت‬
‫الصودا واملشروابت الفوار واملياه الغازبة‪ ،‬والكوال أشدها رطرا‪ .‬وبنبهون إىل عد اإلسراف يف أكل‬
‫اللحم من دون حترمي‪ ،‬وببيحون تناول الفواكه واَخضر والبقول والغمال‪ ،‬مركزبن على القمح خباصة؛‬
‫العتقادهم أبنه انلع جلسم اإلنسان‪ ،‬وبمدي إىل احملالظة على صحته وقوامه‪ .‬وجدبر ابلذكر أن‬
‫بوسف مسيث كان برقص وبشرب اَخمر‪ ،‬وبشرتك يف املصارعة‪ ،‬وقد كتب بقول‪( :‬رلق اإلنسان‬
‫ليتمتع حبياته)‪.‬‬
‫ببيحون تعدد الزوجات وجييزون للرجل أن بتزوج ما بشاء من النساء؛ ألن يف ذلك إعاد ملا شرعه‬
‫هللا يف األزمان الغابر ‪ .‬وال بسمحون بذلك إال لذوي األرماق العالية على أن بثبتوا قدر على إعالة‬
‫أكثر من أسر ‪ .‬وقد مارس بوسف مسيث هذا التعدد‪ .‬كما استمرت هذه العاد حىت عا (‪)1890‬‬
‫‪.‬‬
‫ظاهراي‪ -‬يف عهد نبيهم ولفورد؛ نتيجة للضغط الشدبد الذي قوبلوا به من‬
‫ًّ‬ ‫ختلوا عن التعدد ‪-‬‬
‫الطوا ف األررى‪ ،‬وكذلك بغية متكنهم من االنضما إىل السلطات االحتادبة‪ .‬وعلى الريم من‬
‫سرا‪.‬‬
‫التحرمي الرمسي العلين إال أهنم ميارسون التعدد ًّ‬
‫حيرمون الزىن حترميا مطلقا‪ ،‬والذي خيطئ ميكنه التوبة والرجوع عن مجيع رطاايه‪.‬‬
‫جيب على كل لرد أن بدلع عْشر النقود اليت بكسبها‪ ،‬على أن بكون ذلك مصحواب ابلفرح‬
‫والسرور‪.‬‬
‫بدلعون عطاء الصو ‪ ،‬وبدلعون اشرتاكات َمتلفة وعطااي لغَر سبب‪ ،‬لكنيستهم بذلك من الكنا س‬
‫الغنية املوسر ‪.‬‬
‫من عمامات القيامة‪:‬‬
‫‪ -‬الشرور واحلروب واالضطراابت‪.‬‬
‫‪ -‬استعاد اإلجنيل‪.‬‬
‫‪ -‬بزوغ كتاب املورمون‪.‬‬
‫‪ -‬المامانيون بصبحون شعبا عظيما‪.‬‬
‫‪ -‬بناء أورشليم اجلدبد يف والبة ميسوري‪.‬‬
‫‪ -‬بيت إسرا يل بصبح شعب هللا املختار‪.‬‬
‫بعد احلساب هناك عد ِمالك‪:‬‬
‫‪ -‬اململكة السماوبة‪ :‬للذبن تسلَّموا شهاد بسوع‪ ،‬وآمنوا ابمسه وتعمدوا‪.‬‬
‫‪ -‬اململكة األرضية‪ :‬للذبن رلضوا اإلجنيل على األرض ولكنهم استلموه يف العامل الروحي‪.‬‬
‫‪ -‬اململكة السفلية‪ :‬للذبن مل بتسلموا اإلجنيل وال شهاد بسوع سواء على األرض أو يف العامل‬
‫الروحي‪ ،‬ومع همالء بكون الزان والفجار‪.‬‬
‫‪ -‬الظلمة اَخارجية‪ :‬للذبن شهدوا ليسوع ابلروح القدس‪ ،‬وعرلوا قو الرب‪ ،‬لكنهم مسحوا للشيطان‬
‫أبن بتغلَّب عليهم‪ ،‬لينكروا احلق وبَ َ‬
‫تحدُّوا قو الرب‪.‬‬
‫بممنون ابلعهد األلفي السعيد الذي بدو ألف سنة من اتربخ جميء املسيح إىل األرض‪ ،‬حيث بقو‬
‫كثَر من األموات‪ ،‬وبعضهم خيتطف للقا ه عندما بنزل‪ ،‬وهي القيامة األوىل‪ .‬أما األشرار ليهلكون يف‬
‫األجساد وببقون كذلك مع األشرار من األموات حىت انتهاء األلف سنة‪ ،‬حيث َتِت القيامة اخآرر ‪.‬‬
‫يف لرت األلف سنة هذه تسود احملبة والسما ‪ ،‬وميلك بسوع شخصيًّا‪ ،‬وُتتمع األرض يف مكان واحد‪،‬‬
‫للن بكون هناك قارات َمتلفة‪ ،‬وبنمو األطفال بدون رطيئة‪.‬‬
‫سيتغَرون من حالتهم الفانية إىل حيا اَخلود يف حلظة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫لن بكون هناك موت؛ ألن الناس‬
‫يف هنابة العهد األلفي سيطلق سراح الشيطان ملد قصَر ‪ ،‬وحتدث معركة بني أتباع األنبياء وأتباع‬
‫الشيطان‪ ،‬وعندها بنتصر املممنون‪ ،‬وبطرد الشيطان إىل األبد مدحورا‪.‬‬
‫املورمون واليهود‪:‬‬
‫ِما ال شك ليه أن لليهود دورا لعاال ونشيطا يف حركة املورمون ولذلك لهم‪:‬‬

‫(‪)466/1‬‬

‫بعتقدون أبن هللا أعطى وعده إلبراهيم‪ ،‬ومن مث البنه بعقوب أبن من ذربته سيكون شعب هللا املختار‪.‬‬
‫وأن بعقوب الذي امسه (إسرا يل) رزق ابثين عشر ابنا بْعرلون ابألسباط‪.‬‬
‫وأن همالء األنبياء ارتكبوا الشرور‪ ،‬لبدَّدهم هللا يف األرض منقسمني إىل ِملكتني‪:‬‬
‫وتسمى إسرا يل حيث عاش ليها عشر أسباط‪.‬‬
‫‪ - 1‬اململكة الشمالية‪َّ :‬‬
‫وتسمى ِملكة بهوذا حيث عاش ليها سبطان لقط‪.‬‬
‫‪ - 2‬اململكة اجلنوبية‪َّ :‬‬
‫األسباط الشماليون هزموا يف معركة ودلعوا إىل السَب‪ ،‬وقد هرب بعضهم واتهوا يف البماد‪.‬‬
‫بعد ما ة عا اهنزمت اململكة اجلنوبية حواِل عا (‪ )600‬ق‪ . .‬عندها ترك حلي وعا لته أورشليم‬
‫مستقربن يف القار األمربكية لكان منهم الناليون‪ ،‬وكذلك المامانيون الذي بعتربون من سمالة حلي‪.‬‬
‫وقد هدمت أورشليم عا (‪ )586‬ق‪. .‬‬
‫سبطا إسرا يل اللذان بقيا أ غ‬
‫ْرذا أسَربن‪ ،‬كما أعيد بناء أورشليم بعد املسيح‪ ،‬إال أن اجلنود الرومانيني‬
‫رربوها مر اثنية‪.‬‬
‫قد َّ‬
‫غ‬
‫بصرحون أبنه يف هذا الزمان قد وعد الرب أبنه سيجمع بين إسرا يل؛ ليتعلموا اإلجنيل‪ ،‬كما أن موسى‬
‫النَب قد نزل على بوسف مسيث عا (‪ , )1836‬وأعطاه سلطة مجع بيت إسرا يل يف هيكل‬
‫كَرتماند‪.‬‬
‫بيت إسرا يل اخآن يف طربقه إىل اجلمع؛ إذ إن آاللا من الناس بنضمون إىل الكنيسة سنوايًّ من‬
‫اإلسرا يليني الذي بنتمون إىل عا لة إبراهيم وبعقوب إما بعماقة الد أو بعماقة التبين حسب‬
‫ادعاءاهتم‪.‬‬
‫سيجمع سبطا إلرامي ومنسي يف أرض أمربكا‪ ،‬وسيعود سبط بهوذا إىل أورشليم‪ ،‬كما أن األسباط‬
‫العشر املفقود ستتسلَّم الربكات اليت وعدت هبا من سبط إلرامي يف أمربكا‪.‬‬
‫اإلسرا يليون املشتتون يف كل دولة بدعون للتجمع يف حظَر املسيح يف أواتد صهيون‪.‬‬
‫بتم حىت اجمليء الثاين للمخلغص كما بزعمون‪.‬‬
‫هذا التجمع احلريف إلسرا يل لن َّ‬
‫ستكون هناك عاصمتان يف العامل‪ :‬األوىل يف أورشليم‪ ،‬والثانية يف أمربكا؛ ألن من صهيون خترج‬
‫الشربعة‪ ،‬ومن أورشليم خترج كلمة الرب‪.‬‬

‫(‪)467/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫لليهود دور يف نشوء هذه الطا فة؛ تعزبزا لمانشقاق دارل الكنا س املسيحية‪ ،‬بغية السيطر عليها‪.‬‬
‫كتاب املورمون بشبه التلمود يف كل شيء وحياكيه‪ ،‬وكأنه نسخة طبق األصل عنه‪.‬‬
‫إن إسرا يل قد جنَّدت كل إمكاانهتا َخدمة هذه الطا فة‪ ،‬عاملة على استمراربة العون واملساند‬
‫النصرانية هلا‪.‬‬
‫بعملون على ربط صهيون أو القدس اجلدبد ابألرض األمربكية املقدسة ‪ -‬حسب وصااي الرب ‪-‬‬
‫انتظارا لعود املسيح الذي سيعود ليملك األرض‪ ،‬وميَلها جنات رالدات‪.‬‬
‫بقولون عن للسطني يف كتاب املورمون يف اإلصحاح العاشر الفقر (‪( :)31‬لاستيقظي وانتفضي من‬
‫الثرى اي أورشليم‪ ،‬نعم والبسي حللك اجلميلة اي ابنة صهيون‪ ،‬غ‬
‫ووسعي حدودك إىل األبد؛ لكي ال‬
‫تعودي مغلوبة‪ ،‬ولكي تتحقق عهود األب األزلية اليت قطعها معك‪ ،‬اي بيت إسرا يل)‪.‬‬
‫بقولون يف اإلصحاح الرابع عشر لقر (‪َ )6‬ماطبني املورمون‪( :‬ال تعطوا القدس للكماب‪ ،‬وال تطرحوا‬
‫دوركم قدا اَخنازبر؛ لئما تدوسها أبرجلها وتلتفت لتمزقكم)‪.‬‬
‫نماحظ تعانق الفكر الصليَب مع الفكر الصهيوين يف نظرهتم إىل للسطني‪ ،‬إهنم بقولون ذلك منذ عا‬
‫(‪ , )1825‬بو كانت للسطني ما تزال جزءا من أرض اإلسما ‪.‬‬

‫(‪)468/1‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫غ‬
‫املتحمس‪ ،‬وقد بل عدد ألرادها‬ ‫آمن بفكر املورمون كثَر من النصارى‪ ،‬وكان دعاهتا من الشباب‬
‫أكثر من مخسة ممابني نسمة‪ ،‬امانون ابملا ة منهم يف الوالايت املتحد األمربكية‪ ،‬وبتمركزون يف والبة‬
‫بواته‪ ،‬حيث إن (‪ )%68‬من سكان هذه الوالبة منهم‪ ،‬و (‪ )% 62‬من سكان مقاطعة البحَرات‬
‫مسجلون كأعضاء يف هذه الكنيسة‪ ،‬ومركزهم الر يسي يف والبة بواته األمربكية‪.‬‬
‫املاحلة َّ‬
‫انتشروا يف الوالايت املتحد األمربكية‪ ،‬وأمربكا اجلنوبية‪ ،‬وكندا‪ ،‬وأورواب‪ ،‬كما أن هلم يف معظم أحناء‬
‫العامل لروعا ومكاتب ومراكز لنشر ألكارهم ومعتقداهتم‪.‬‬
‫إهنم بوزعون كتبهم جماان‪ ،‬ودعوهتم َتِت ردمة ملصلحة إسرا يل‪ ،‬وَتكيدا ألهدالها املرسومة‪ .‬وهلم‬
‫(‪ )175‬إرسالية تنصَربة‪ ،‬كما أهنم ميلكون‪:‬‬
‫شبكة تلفزبونية‪ ،‬وإحدى عشر حمطة إذاعية‪.‬‬
‫وميلكون جملة شهربة ابإلسبانية‪ ،‬وصحيفة بومية واحد ‪.‬‬
‫وميلكون مركزا متطورا جدًّا للمعلومات يف مدبنة سولت ليك يف والبة بواته األمربكية‪.‬‬
‫وبتَّضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن املورمون طا فة نصرانية جدبد نسبيًّا‪َّ ،‬‬
‫انشقت عن النصرانية‪ ،‬وتدعو إىل التمسك ابلكتب‬
‫اليهودبة وكتاب املورمون وكتاب املبادئ والعهود ويَرها‪ ،‬وبدعون إىل اإلميان ابملسيح الذي جاء ‪-‬‬
‫يف نظرهم ‪ -‬لينقذ اليهود من االضطهاد‪ ،‬واإلميان أبن املبادئ واملراسم األربعة لإلجنيل هي‪ :‬اإلميان‬
‫ابلرب بسوع املسيح كما بقولون‪ ،‬والتوبة والعماد ابلتغطيس لغفران اَخطااي ووضع األبدي ملوهبة‬
‫الروح القدس‪ .‬وبصل شركهم مداه عندما بقولون‪ :‬إهنم بعتقدون أن هللا تعاىل هو على شكل إنسان له‬
‫حلم وعظا ‪ ،‬وبدارل جسده امللموس روح أزلية‪ ،‬كما أن البشر عندهم هم أبناء وبنات هللا‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫هناك نشرات توزعها كنيسة بسوع املسيح لقدبسي األاي األرَر مبدبنة سولت ليك بوالبة بواته يف‬
‫الوالايت املتحد األمربكية ومنها‪:‬‬
‫‪a) The Church of Jesus Christ of Latter-day Saints‬‬
‫· ومن نشراهتم ابللغة العربية ما بلي‪:‬‬
‫‪ -‬مبادئ اإلجنيل‪.‬‬
‫‪ -‬دليل الشعبة‪.‬‬
‫‪ -‬دليل القا د الكهنوِت‪.‬‬
‫‪ -‬كلمة احلكمة‪.‬‬
‫‪ -‬شهاد بوسف مسيث‪.‬‬
‫‪ -‬دليل العا لة‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا عن املورمون – طبع الوالايت املتحد ‪.‬‬
‫‪ -‬مقال عن املورمون يف جملة األمة عدد (‪ )22‬شوال (‪1402‬هـ‪ /‬آب ‪. )1982‬‬
‫‪ -‬مقال يف املوسوعة الرببطانية عن املورمون‪.‬‬
‫‪ -‬وهلم كذلك نشرات ابللغة اإلجنليزبة هي‪:‬‬
‫‪.Succession in the Presidency -‬‬
‫‪?W.H.Y. Famillies -‬‬
‫‪A Family home evening program suggested by the -‬‬
‫‪.Church of Jesus Christ of latter-day saints‬‬
‫‪.The Mormons and the Jewish people -‬‬
‫‪.The Lord’s Day -‬‬
‫‪.What the Mormons think of Christ -‬‬
‫‪.A Word of Wisdom, Mark E. Perersen -‬‬
‫‪?Baptism. How and by Whom administered -‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي ‪ -‬بتصرف‬

‫(‪)469/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫هي منظمة عاملية دبنية وسياسية‪ ،‬تقو على سربة التنظيم‪ ،‬وعلنية الفكر ‪ ،‬ظهرت يف أمربكا يف‬
‫النصف الثاين من القرن التاسع عشر‪ ،‬كما تدَّعي أهنا مسيحية‪ ،‬والواقع بمكد أهنا واقعة حتت سيطر‬
‫اليهود‪ ،‬وتعمل حلساهبم‪ ،‬وهي تعرف ابسم (مجعية العامل اجلدبد) إىل جانب (شهود بهوه) الذي‬
‫عرلت به ابتداء من سنة (‪ ، )1931‬وقد اعرتف هبا رمسيًّا يف أمربكا قبل ظهورها هبذا االسم وذلك‬
‫سنة (‪. )1884‬‬

‫(‪)470/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫أسسها سنة (‪ , )1874‬الراهب تشارلز راسل (‪ ، )1916 - 1862‬وكانت تعرف آنذاك ابسم‬
‫َّ‬
‫مذهب الراسلية أو الراسليني نسبة إىل ممسسها كما عرلت ابسم الدارسون اجلدد لإلجنيل‪ .‬وعرلت‬
‫بعد ذلك ابسم مجعية برج املراقبة والتورا والكراربس ‪Watch Tower Bible and‬‬
‫استقر األمر أرَرا وعرلت ابسم بهوه نسبة إىل بَـ يه َوه إله بين إسرا يل على‬
‫‪ Tract Society‬مث َّ‬
‫ما تْ غ‬
‫ردد توراهتم‪( ،‬راجع سفر اَخروج‪( )4 - 2 :6‬وكلَّم هللا موسى قال له‪ :‬أان الرب‪ .‬أان الذي ُتليت‬
‫إلبراهيم وإسحاق وبعقوب إهلا قادرا على كل شيء‪ ،‬وأما امسي بهوه للم أعلنه هلم)‪.‬‬
‫مث رلفه يف رائسة املنظمة لرانكلني رذرلورد (‪ )1942 - 1869‬الذي ألَّف سنة (‪, )1917‬‬
‫كتاب سقوط اببل‪ ،‬وبرمز ببابل لكل األنظمة املوجود يف العامل‪.‬‬
‫مث جاء انراثن هرمر كنور (‪ ، )1905‬ويف عهده أصبحت املنظمة دولة دارل الدولة كما بقال‪.‬‬

‫(‪)471/1‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬
‫إشاعة الفوضى اَخلقية والتحلل من مجيع الفضا ل اإلنسانية اليت حثَّت عليها التعاليم الدبنية‪.‬‬
‫بممنون بيهوه إهلا هلم‪ ،‬وبعيسى ر يسا ململكة هللا‪.‬‬
‫بممنون ابلكتاب املقدس للنصارى‪ ،‬ولكنهم بفسرونه حسب مصاحلهم‪.‬‬
‫الطاعة العمياء لرؤسا هم‪.‬‬
‫بستغلون اسم املسيح والكتاب املقدس للوصول إىل هدلهم‪ ،‬وهو‪ :‬إقامة دولة دبنية دنيوبة؛ للسيطر‬
‫على العامل‪.‬‬
‫هتيئة النفوس إلقامة الدولة اليهودبة الكربى‪.‬‬
‫نفي احلساب والعقاب يف اخآرر ‪ ،‬لما إمث على من بقرتف ذنبا أو معصية يف دنياه‪.‬‬
‫ال بممنون ابخآرر وال جبهنم‪ ،‬وبعتقدون أبن اجلنة ستكون يف الدنيا يف ِملكتهم‪.‬‬
‫بعتقدون بقرب قيا حرب حتربربة بقودها عيسى‪ ،‬وهم جنوده بزحيون هبا مجيع حكا األرض‪.‬‬
‫بقتطفون من الكتاب املقدس األجزاء اليت حتبب إسرا يل واليهود إىل الناس‪ ،‬وبقومون بنشرها‪.‬‬
‫ال بممنون ابلروح وخبلودها‪ ،‬وهلم معابد راصة هبم بسموهنا القاعة امللكية أو بيت الرب‪.‬‬
‫األرو اإلنسانية مقتصر عليهم دون من سواهم من البشر‪.‬‬
‫بعادون النظم الوضعية‪ ،‬وبدعون إىل التمرد‪ ،‬وبعادون األداين إال اليهودبة‪ ،‬ومجيع رؤسا هم بهود‪.‬‬
‫إشاعة الفوضى العاملية بتحربض الشعوب على التمرد على حكوماهتم‪ ،‬غ‬
‫وشق عصا الطاعة عليها‪،‬‬
‫ومقاطعة مجيع النشاطات الرمسية يف الدولة‪ ،‬وبربرون ذلك مبا جاء يف كتاهبم األرضر (ليكن هللا‬
‫صادقا أبهنم سفراء هللا يف ملكوته املقدس‪ ،‬ومن مثَّ لهم بتمتعون حبصانة تعفيهم من اَخضوع‬
‫للحكومات املدنية ًّأاي كانت مقوماهتا)‪.‬‬
‫بعرتلون بقداسة الكتب اليت تعرتف هبا اليهودبة وتقدسها‪ ،‬وهي ‪ 19‬كتااب‪.‬‬
‫بقولون ابلتثليث وبفسرونه بـ (بهوه‪ ،‬االبن‪ ،‬الروح القدس)‪.‬‬
‫مير العضو ليها مبراحل معقد ‪ ،‬وخيضع االلتحاق هبا إىل شروط قاسية‪ ،‬وتنتظم عضوبة مجعية شهود‬
‫ُّ‬
‫بهوه ثماث مراتب‪:‬‬
‫أعضاء الرجاء السماوي‪ :‬وهم أعضاء اإلدار العليا‪ ،‬وبرأسهم العبد العظيم أو احلكيم‪ ،‬وبعرف مقره‬
‫ببيت (إبل) أي‪ :‬بيت هللا‪.‬‬
‫صف جلعاد أو الرجاء األرضي‪ :‬وبشمل من األعضاء الرواد واملعاونني ونظار املناطق‪ ،‬وهمالء هم‬
‫أعضاء اإلدار التنفيذبة‪.‬‬
‫املبشرون‪ :‬وبعرف أعضاؤها ابَخد ‪ ،‬وتضم هذه املرتبة الشهود‪ ،‬وهم األعضاء املكلفون بتوزبع‬
‫مطبوعات اجلمعية ورسا لها‪.‬‬
‫شعاراهتم ورموزهم‪:‬‬
‫تبين املينورا‪ ،‬وهي الشمعدان السباعي الذي هو رمز اليهود الدبين والوطين‪.‬‬
‫تبين النجمة السداسية‪ ،‬وهي رمز لليهود كذلك‪.‬‬
‫تبين اسم بهوه‪ ،‬وبكتبونه ابلعرببة‪ ،‬وهو (اإلله) عند اليهود‪.‬‬
‫من كتب املنظمة‪:‬‬
‫تنطق ابمسهم جملة كانت تصدر حتت اسم برج مراقبة صهيون‪ ،‬مث عدَّلوها إىل‪ :‬برج املراقبة؛ إلرفاء‬
‫كلمة صهيون‪.‬‬
‫هذا اَخرب اجليد عن اململكة (املقصود ِملكتهم املأمولة)‪.‬‬
‫األساس يف اإلميان بعامل جدبد‪.‬‬
‫لقد اقرتب عماج األمم‪.‬‬
‫العيش أبمل نظا عادل جدبد‪.‬‬
‫اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬
‫ميكن اعتبارهم لرقة مسيحية منفرد بفهم راص‪ ،‬إال أهنم واقعون حتت سيطر اليهود بشكل واضح‪،‬‬
‫وبتبنون العقا د اليهودبة يف اجلملة‪ ،‬وبعملون ألهداف اليهود‪.‬‬
‫َتثَّروا أبلكار الفماسفة القدامى واليواننيني منهم خباصة‪.‬‬
‫هلم عماقة وطيد إبسرا يل وابملنظمات اليهودبة العاملية كاملاسونية‪.‬‬
‫هلم عماقة تعاون مع املنظمات التبشَربة واملنظمات الشيوعية واالشرتاكية الدولية‪.‬‬
‫هلم عماقة كبَر مع أهل النفوذ من اليواننيني واألرمن‪.‬‬

‫(‪)472/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫ال تكاد ختلو دولة يف العامل من نشاط هلذه املنظمة السربة اَخطر ‪.‬‬
‫مركزهم الر يسي يف أمربكا ‪ -‬حي بروكلني بنيوبورك‪.Columbia Heights 124 :‬‬
‫(‪)i Brooklyn 1. New York - USA‬‬
‫وصل عدد البلدان اليت بزاولون ليها نشاطهم سنة (‪ )1955‬إىل ‪ 158‬دولة‪ ،‬وكان عددهم آنذاك‬
‫(‪ )632929‬عضوا‪ ،‬وعدد دعاهتم (‪ )1814‬داعية‪ ،‬لكم بكون إذن عددهم اخآن؟ وقد لطنت‬
‫بعض الدول إىل رطورهتم لمنعت نشاطهم‪ ،‬وتعقبتهم‪ ،‬ومن هذه الدول‪ :‬سنغالور ‪ ،‬لبنان‪ ،‬ساحل‬
‫العاج‪ ،‬الفلبني‪ ،‬العراق‪ ،‬النروبج‪ ،‬الكامَرون‪ ،‬الصني‪ ،‬تركيا‪ ،‬سوبسرا‪ ،‬رومانيا‪ ،‬هولندا ‪ ..‬وما بزالون‬
‫بنشطون يف هذه الدول بطربقتهم اَخاصة السربة‪ .‬أما يف ألربقيا والدول اإلسمامية لغالبا ما بكون‬
‫نشاطهم ابلتعاون مع املنظمات التبشَربة‪.‬‬

‫(‪)473/1‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬طربقتهم يف العمل‪:‬‬


‫برون أنه ثبت ابلدليل أن عددا كبَرا من الناس ال حيضرون إىل املعابد‪ ،‬وأن أكثر من نصف الناس يف‬
‫بعض البلدان ال بنتمون إىل طا فة من الطوا ف الدبنية‪ ،‬وأن ممابني من املنتمني إىل الطوا ف الدبنية‬
‫ال حيضرون عبادهتم‪ ،‬وال بربدون أن بستمعوا إىل رجال الدبن‪ ،‬لعملت شهود بهوه على أن ختفي‬
‫نفسها حتت أستار أهنا لرقة مسيحية تطوف ابلبيوت واملقاهي واألندبة العامة والطرقات‪ ،‬حاملة‬
‫الكتب واملنشورات‪ ،‬تعرض ليها تعاليمها حبماسة مدعية أهنا حاملة رسالة دبن جدبد جيمع حتت لوا ه‬
‫أهل األداين كالة‪ ،‬تتظاهر بعد معادا أحد أو أبة طا فة من الطوا ف‪ .‬كما عملت على عد‬
‫االحتفاظ أبمساء أعضا ها‪ ،‬واكتفت لقط حبفظ انشري مطبوعاهتا ونشراهتا وعملت ‪ -‬أبضا ‪ -‬على‬
‫عد اإلعمان عمن بساعدها ابألموال يف أداء مهامها‪.‬‬
‫وبوزعوهنا جماان ِما ُّ‬
‫بدل على قو رصيدهم املاِل‪.‬‬ ‫بصدرون آالف الكتب والنشرات والصحف‪ ،‬غ‬
‫هلم مدارس راصة هبم ومزارع ودور صحالة ودور نشر ‪ ..‬ولكل منها إدار راصة هبا‪.‬‬
‫هلم مكاتب للرتمجة والتأليف وجلان دبنية عليا لتفسَر الكتاب املقدس ولق مصلحتهم‪.‬‬
‫هلم تعاون كبَر مع املنظمات املماثلة اليت تعمل لصاحل اليهود‪.‬‬
‫تستفيد هذه املنظمة من أعضا ها يف أعمال االستخبارات واجلاسوسية والدعابة‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن منظمة شهود بهوه تدَّعي املسيحية‪ ،‬وتواِل اليهودبة‪ ،‬وتعادي اإلسما ‪ ،‬وهي من املنظمات‬
‫املشبوهة اليت بلز وقف نشاطاهتا يف أي بلد إسمامي ‪ -‬إن وجد ‪ -‬وعد السماح بتداول مطبوعاهتا‬
‫وجمماهتا حتت أي مسمى كان‪ ،‬وبكفي أن عماقتهم وطيد إبسرا يل‪ ،‬وأن روابطهم وثيقة بعمماء‬
‫التنصَر‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬شهود بهوه‪ ،‬د‪ .‬حممد حرب‪.‬‬
‫‪ -‬كتاابن ابللغة الرتكية‪ :‬األستاذ حكمت اتنيو ومها‪:‬‬
‫‪.Yehora Sahitleri -‬‬
‫‪.Tharih Boyunca Turkler ve Yahudiler -‬‬
‫‪ -‬املاسونية العاملية يف ميزان اإلسما ‪ ،‬عبد هللا مسك‪ ،‬كلية أصول الدبن ابلقاهر (‪1407‬هـ‪/‬‬
‫‪. )1987‬‬
‫‪ -‬شهود بهوه يف امليزان‪ ،‬جربا يل لرح البوس‪.‬‬
‫‪ -‬الصهيونية بني الدبن والسياسة‪ ،‬عبد السميع اهلراوي‪.‬‬
‫‪ -‬هلذا أكره إسرا يل‪ ،‬أمني سامي الغمراوي‪.‬‬
‫‪ -‬اليهودبة العاملية وحرهبا املستمر على املسيحية‪ ،‬إبليا أبو الروس‪.‬‬
‫‪ -‬نظر حول املمامرات الدولية اليهودبة‪ ،‬د‪ .‬سعيد حممد أمحد ابجنة‪.‬‬
‫‪ -‬املاسونية يف العراء‪ ،‬د‪ .‬حممد علي الزعَب‪.‬‬
‫‪ -‬شهود بهوه‪ .‬التطرف املسيحي يف مصر‪ ،‬أبو إسما أمحد عبد هللا‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)474/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫األبوس دبي منظمة سربة دبنية ال رهبانية نصرانية كاثوليكية معاصر ‪ ،‬تسعى إىل سياد التعاليم‬
‫اإلجنيلية‪ ،‬والعود إىل النصرانية األوىل كما هي موجود يف اإلجنيل املتداول‪ .‬وذلك ولق ضوابط‬
‫تنظيمية دقيقة حمكمة مع االستفاد الكاملة من معطيات العصر احلدبث‪ ،‬وتتلمس طربقها من رمال‬
‫السيطر على النواحي السياسية واالقتصادبة والرتبوبة‪ .‬وامسها جيمع بني امسي مجعية الصليب‬
‫املقدس‪ ،‬ومنظمة العمل اإلهلي معا‪ .‬وختتلف عن اهليئات األررى يف عد ارتداء ٍ‬
‫زي راص هبا‪ ،‬وسربة‬
‫سرا من األسرار‪.‬‬
‫النذر‪ ،‬وعد وجود حيا مجاعية مشرتكة بشكل إجباري‪ ،‬ومصادر درلها تعترب ًّ‬

‫(‪)475/1‬‬
‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬
‫أسس هذه املنظمة القس روسيه ماراي أسكربفا ‪ JOSE MArIA ESCrIVA‬يف‬
‫‪َّ -‬‬
‫إسبانيا‪ ،‬وذلك يف (‪ 2‬أكتوبر ‪ ، )1928‬وهو بزعم أنه قد ارتَر هلذه املهمة بوحي إهلي‪ ،‬وذلك كي‬
‫بضفي على هذا التأسيس هالة من التقدبس‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ ، )1930‬متَّ َتسيس الفرع النسا ي للمنظمة على نفس َنط الفرع الرجاِل تنظيما‬
‫وانتشارا‪.‬‬
‫‪ -‬وجدت ألكار أسكربفا أرضا رصبة يف إسبانيا حتت حكم اجلنرال لرانكو‪ ،‬وخباصة عقب االنتهاء‬
‫من احلرب األهلية ليها‪.‬‬
‫مهما يف كما‬ ‫غ‬
‫وبشكلون ثقما ًّ‬ ‫‪ -‬للمنظمة أعضاء وصلوا إىل الوزار يف كل من إسبانيا وإبطاليا‪،‬‬
‫البلدبن‪.‬‬
‫وبتحركون إبحياءاهتا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬هلم اخآن ثماثون ان با على األقل يف الربملان اإلسباين بنتمون إىل املنظمة‪،‬‬
‫سرا للمنظمة‪ ،‬وبعملون بني َمتلف الطبقات االجتماعية اإلسبانية‬
‫‪ -‬هناك أساقفة وقساوسة منتمون ًّ‬
‫ويف صفوف اجليش‪.‬‬
‫‪ -‬وهلم رائسة قسم الدراسات الماهوتية يف روما‪ ،‬وهو لرع من جامعة انلارا اإلسبانية‪.‬‬

‫(‪)476/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اهليكل التنظيمي‪:‬‬


‫‪ -‬اجمللس العا ‪ :‬وبتألَّف من الر يس والسكرتَر العا والنا ب العا وشخصيات من أربع عشر دولة‪،‬‬
‫وهو الذي بتخذ القرارات احلامسة ابعتباره أعلى سلطة يف املنظمة جبميع لروعها يف العامل‪ ،‬وأبقسامها‬
‫الثماثة‪ :‬القساوسة واملدنيني والفرع النسا ي‪.‬‬
‫‪ -‬القساوسة‪ :‬وهي أعلى درجة بطمح العضو ليها‪ ،‬وبرتقي إليها العضو النظامي‪ ،‬وحىت عندما‬
‫بتحول العضو النظامي إىل قسيس لإنه ال بتخلَّى عن عمله املهين‪ ،‬وبصبح يف هذه احلال طبيبا‬
‫قسيسا أو حماميا قسيسا ‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫‪ -‬العضو النظامي وهي أعلى درجة يف التنظيم‪.‬‬
‫‪ -‬الناذر نفسه (القرابن) وبقو بنذر نفسه للمنظمة‪ ،‬غ‬
‫وبكرس حياته هلا‪.‬‬
‫‪ -‬العضو يَر النظامي‪.‬‬
‫‪ -‬املتعاون‪ ،‬عماقته كنصَر أو ممبد‪.‬‬
‫‪ -‬اعرتلت الكنيسة اإلسبانية هبذا اهليكل التنظيمي لَلبوس دبي اعرتالا شبه رمسي‪ِ ،‬ما دعم مكانتها‪،‬‬
‫وزاد يف انتشارها‪.‬‬
‫‪ -‬لقي املمسس اهتماما من الفاتيكان ِما جعله بقرر االنتقال من إسبانيا إىل روما‪ ،‬واإلقامة هناك‬
‫بشكل هنا ي‪ ،‬جاعما منها املقر الر يسي للمنظمة‪.‬‬
‫‪ -‬ظل إسكربفا ر يسا هلذه املنظمة طيلة حياته إىل أن تويف عا (‪. )1975‬‬
‫‪ -‬بقو تنظيم نسا ي على بد أروات األعضاء البارزبن يف احلركة‪.‬‬

‫(‪)477/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫‪ -‬ألكار دبنية وتنظيمية‪:‬‬
‫أهداف املنظمة دبنية صرلة‪ ،‬لهي تعمل من أجل إعماء النصرانية ولق العقا د الكاثوليكية‪ ،‬عن طربق‬
‫الرتبية والسياسة واالقتصاد‪.‬‬
‫‪ -‬بتضمن نشاط املنظمة جهود رجال الدبن‪ ،‬ومن يَر رجال الدبن‪ ،‬كما بشمل الرجال والنساء‪،‬‬
‫وبعطي عنابة راصة للشباب‪.‬‬
‫‪ -‬حيرض التنظيم على أن بكون أعضاؤه قدو حسنة‪ ،‬كما حيرص على السربة والكتمان‪.‬‬
‫‪ -‬بهدف التنظيم ليما بعلنون إىل تربية جاد صارمة ألعضا ه‪ ،‬تقو على اجلدبة‪ ،‬والعفة وحسن‬
‫اَخلق‪ ،‬بل والتقشف أبضا‪ ،‬لكأنه بربد أن حييي ليهم روح األوا ل‪.‬‬
‫‪ -‬بقو التنظيم على ضوابط دقيقة يف االنتساب‪ ،‬مث يف التعامل بني األعضاء يف مرحلة ما بعد‬
‫االنتساب‪ ،‬وحىت يف حاالت االستقالة أو الفصل‪ ،‬وتوزَّع األمور توزبعا موضوعيًّا بعطي املرء حق‬
‫التظلم واالعرتاض‪.‬‬
‫‪ -‬التنظيم عمل متكامل بهدف إىل املواءمة بني النواحي الروحية الدبنية‪ ،‬وبني االستفاد من كل ما‬
‫تقدمه احلضار احلدبثة من أدوات تنظيمية دقيقة ذات أهداف ومناهج وضوابط وموارد مالية‪.‬‬ ‫غ‬
‫‪ -‬لقد نشأت هذه املنظمة يف األصل لتكون لصيقة بنظا اجلنرال لرانكو‪ ،‬وكان لتأبيده هلا أثر مهم‬
‫يف زايد نفوذها وانتشارها‪.‬‬
‫‪ -‬ميكن أن توصف املنظمة أبهنا (ماليا دبنية كاثوليكية) بوحي من أهدالها وحسب مصلحتها؛‬
‫للسيطر السياسية واالقتصادبة يف إسبانيا خباصة‪ ،‬ويف َمتلف دول العامل بعامة‪ .‬وقد َّ‬
‫شكلت املنظمة‬
‫إمرباطوربة اقتصادبة صناعية متاثل أرقى وأحدث صور اإلمرباطورايت الصناعية االقتصادبة املتعدد‬
‫اجلنسيات املوجود يف العامل‪ .‬وهي متغلغلة يف مجيع األوساط والطبقات‪.‬‬
‫‪ -‬حتاول املنظمة الوقوف بكل حز أما تيار املنظمات اليساربة والليربالية واملاسونية‪.‬‬
‫‪ -‬إذا أظهر املرشح ريبة لمانضما لإن عليه أن خيضع (إلراد الرب)‪ ،‬وإراد الرب عندهم هي أن‬
‫بدرل املرء يف هذه املنظمة‪ ،‬وبعد ستة أشهر تقرببا من العيش دارل املنظمة وروحانيتها بقبل املرشح‬
‫بشكل رمسي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل هنا ي‪،‬‬ ‫‪ -‬بعد ستة أعوا من االنضما تقا حفلة (اإلرماص والولاء) لتأكيد عضوبة املتقد‬
‫حيث بعطي رامتا عليه قطعة من احلجر الكرمي بفرض عليه محله طوال حياته‪.‬‬
‫‪ -‬كثَر من أعضاء املنظمة جيعلون من احلمار شعارا هلم‪ ،‬وبقولون‪ :‬إن املسيح قد درل القدس وهو‬
‫راكب على ظهر محار‪ .‬ومن صلوات إسكربفا قوله َماطبا ربه‪( :‬أان محارك اجلرابن)‪.‬‬
‫‪ -‬ترتكز النواحي الروحية للحركة ليما بلي‪:‬‬
‫‪ -‬تقبل األرض عند االستيقاظ‪.‬‬
‫‪ -‬احلما واحلماقة رمال نصف ساعة على األكثر‪.‬‬
‫‪ -‬نصف ساعة للصما الفردبة‪ ،‬وبعد ذلك قداس مجاعي ملد عشر دقا ق‪.‬‬
‫‪ -‬بعد الغداء زاير مكان القرابن املقدس‪ ،‬وبعد ذلك ثماث ساعات من الصمت األصغر‪.‬‬
‫‪( -‬العصرونية) وهو وقت َمصص للنشاط اجلماعي‪ ،‬بسبب وجود بعض املدعوبن (املرشحني) حيث‬
‫ختتلق مناقشات يف موضوع دبين ما أو حادثة دبنية معينة‪.‬‬
‫نصف ساعة للصما ‪.‬‬
‫‪ -‬هنابة اليو ‪ :‬وتقرأ ليه الصلوات‪ ،‬مث جيري لحص عا للنشاطات الروحية أو املالية اليت جرت ليه‪،‬‬
‫وببدأ بعد الصمت األكرب الذي مينع ليه الكما رمال كل الوقت الباقي حىت اليو التاِل‪.‬‬
‫‪ -‬قبل النو برسم األعضاء إشار الصليب أببدبهم على جسمهم‪ ،‬وبرشون املاء املقدس على‬
‫الفراش‪ ،‬مث بقومون بصما قصَر وبنامون‪.‬‬
‫‪ -‬يف الثاين من شباط سنة (‪ , )1947‬قا الفاتيكان مبنح األبوس دبي درجة (هيئة دبنية ال‬
‫رهبانية) أي‪ :‬هيئة دبنية للعمل ضمن ومن رمال اجملتمع املدين‪.‬‬
‫· اململفات‪:‬‬
‫‪ -‬ألف إسكربفا كتيبا صغَرا عا (‪ )1934‬مساه اعتبارات روحية‪ ،‬لكن الكتاب ارتفى لجأ ليحل‬
‫حمله كتاب الطربق الذي بعد إجنيل املنظمة‪ ،‬وقد ظهرت طبعته األوىل عا (‪ ، )1939‬وحيتوي على‬
‫(‪ )999‬حكمة‪ ،‬ومقسم إىل أربعني اباب و (‪ )136‬موضوعا‪.‬‬
‫‪ -‬إلسكربفا أطروحة دكتوراه‪ ،‬وله كتب صغَر حول صماهتم‪.‬‬
‫‪ -‬من كتب املنظمة‪ :‬القيمة اإلهلية لإلنسان َتليف روسي أورتيغا‪ ،‬بتكلم ليه عن اإلنسان‬
‫الكاثوليكي الصليَب‪ .‬وكتاب روحانية العلمانيني َتليف روان ابركيستا توربو‪.‬‬

‫(‪)478/1‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫‪ -‬هذه املنظمة نصرانية كاثوليكية تدعو إىل العود إىل النصرانية األوىل‪ ،‬مستفيد من معطيات‬
‫العصر احلدبث‪.‬‬
‫‪ -‬توجهها دبين سياسي اقتصادي تربوي‪.‬‬
‫‪ -‬تممن املنظمة بكل معطيات النصرانية من تثليث وأب وابن وروح القدس والعذراء والصليب‬
‫والفداء والقرابني واَخطيئة وأكل حلم اَخنزبر‪ ،‬وما إىل ذلك ِما بعتقده النصارى بعامة‪.‬‬

‫(‪)479/1‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫‪ -‬ال بوجد يف العامل بلد نصراين إال وللمنظمة وجود ليه‪ ،‬لقد اتسع وجود املنظمة ليشمل أكثر من‬
‫مخسني دولة يف العامل‪ ،‬تغلغلت من رماهلا يف مجيع اجلوانب الفكربة والثقالية والسياسية واملالية‪.‬‬
‫‪ -‬ترتكز قوهتا يف املناطق التالية‪ :‬إسبانيا وليها ثقلها األساسي‪ ،‬إبطاليا حيث بقو املركز الر يسي‬
‫والدوِل يف روما بشارع لَرال برورو ‪ Virla Bruro‬ومهمته اإلدار والتنظيم‪ ،‬الفلبني يف شرق‬
‫آسيا‪ ،‬املكسيك ولنزوبما يف أمربكا الماتينية‪ ،‬وقد درلت احليا العامة يف كولومبيا والبَرو وتشيلي‪،‬‬
‫وأرَرا يف األرجنتني ولكن بنسب متفاوتة‪ ،‬وكينيا يف ألربقيا‪.‬‬
‫‪ -‬بصل عدد أعضاء املنظمة يف العامل اليو إىل حواِل (‪ )72000‬نسمة من (‪ )78‬جنسية‪ ،‬نصفهم‬
‫يف إسبانيا‪ .‬ومتلك املنظمة أكثر من (‪ )700‬مدرسة ابتدا ية وإعدادبة واثنوبة ومعهد وبيت للطلبة‬
‫ومركز ثقايف منتشر يف العامل‪ ،‬منها (‪ )497‬جامعة ومدرسة عليا‪.‬‬
‫‪ -‬ميلكون (‪ )52‬حمطة إذاعة‪ )12( ،‬شركة توزبع وإنتاج سينما ي‪ ،‬و (‪ )694‬مطبوعة دوربة‪ ،‬و‬
‫(‪ )38‬وكالة أنباء‪ ،‬و (‪ )13‬بنكا‪ ،‬وشركات ومصانع وعقارات كثَر ‪.‬‬
‫‪ -‬وصلت املنظمة إىل السيطر شبه الكاملة على اجمللس األعلى لَلحباث العلمية يف إسبانيا‪.‬‬
‫يف إسبانيا وحدها متلك املنظمة (‪ )21‬بيتا من بيوت الطلبة تدبرها بشكل مباشر‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن األبوس دبي منظمة سربة دبنية نصرانية‪ ،‬هدلها إعماء املسيحية الكاثوليكية عن طربق اإللاد من‬
‫كل املعطيات احلدبثة للرتبية والسياسة واالقتصاد‪ ،‬ومن رمال أعضاء جيب أن بكونوا قدو حسنة‪،‬‬
‫وحيرصون على السربة والكتمان‪ ،‬بغية حتقيق السيطر الدبنية والسياسية يف إسبانيا ويَرها من الدول‬
‫اليت انتشرت ليها‪ .‬وللمنظمة هيكل تنظيمي‪ ،‬بسهر كله على حتقيق النواحي الروحية للمنظمة اليت‬
‫بتخذ كثَر من أعضا ها احلمار شعارا هلم‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب واململفات اليت تصدرها املنظمة‪.‬‬
‫‪ -‬منظمة األبوس دبي‪ :‬النشأ ‪ ،‬التنظيم‪ ،‬التطور‪ ،‬تقربر يف ملفات الندو العاملية للشباب اإلسمامي‪.‬‬
‫‪ -‬دستور هيئة األبوس دبي‪ ،‬تقربر يف ملفات الندو العاملية للشباب اإلسمامي‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي ‪ -‬بتصرف‬

‫(‪)480/1‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫املونية‪ :‬حركة مشبوهة تدعو إىل توحيد األداين وصهرها يف بوتقة واحد هبدف إلغاء الفوارق الدبنية‬
‫بني الناس؛ لينصهروا مجيعا يف بوتقة (صن مون) الكوري الذي ظهر بنبو جدبد يف هذا العصر‬
‫احلدبث‪.‬‬

‫(‪)481/1‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫‪ -‬ممسس هذه النحلة هو القس الثري صن مون املولود يف كوراي عا (‪ , )1920‬الذي ادَّعى أبنه‬
‫على اتصال ابملسيح عليه الصما والسما منذ عا (‪ ، )1936‬وأنه منذ بلويه السادسة والعشربن‬
‫من عمره بدأ بدرس حيا األنبياء والقاد الروحيني من مثل موسى وعيسى وحممد صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ومن مثل بوذا وكرشنا‪ ،‬وبطلع على تعاليم األداين السماوبة والوضعية‪ ،‬كاليهودبة والنصرانية‬
‫واإلسما ‪ ،‬وكذلك البوذبة واهلندوسية‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ )1973‬انتقل إىل الوالايت املتحد ‪ ،‬وعقد صمات عد مع كبار الشخصيات هناك‪.‬‬
‫‪ -‬أْلقي القبض عليه وأودع السجن الفيدراِل بكنكتيكت ملد سنة ونصف السنة بسبب هتربه من‬
‫دلع الضرا ب‪ ،‬وقد استطاع أتباعه تصوبر سجنه على أنه اضطهاد يف سبيل املعتقد الدبين الذي‬
‫حيمله‪.‬‬
‫‪ -‬توىل منصب الر يس للمجلس العاملي لَلداين‪.‬‬
‫‪ -‬زار أملانيا‪ ،‬لكن سلطات بون أعلنت أنه شخص يَر مريوب ليه‪.‬‬
‫‪ -‬حياول أن بكون قرببا من األحداث املهمة؛ إذ كان له ولطا فته دور مهم يف الوقوف إىل جانب‬
‫الر يس ربتشارد نيكسون يف لضيحة ووترجيت‪ ،‬كما أهنم كانوا نشيطني يف محابة برانمج الر يس ربغان‬
‫وسياسته يف أمربكا الوسطى‪.‬‬
‫‪ -‬شانج هوان كواك‪ :‬بشغل منصب مساعد ر يس اجمللس العاملي لَلداين‪ ،‬وهو أكرب معاوين مون‪،‬‬
‫وقد أعلن يف بيانه الذي ألقاه يف املممتر املنعقد برتكيا سنة (‪ , )1985‬عن نبو مون وأنه َّ‬
‫بتلقى‬
‫الوحي ‪ revelation‬من السماء‪.‬‬
‫اليهودي لرانك كولمان‪ :‬بقيم يف نيوبورك‪ ،‬وبتبع مون‪ ،‬وبعمل يف ممسسته‪ ،‬وقد انشد علماء‬
‫املسلمني يف مممتر تركيا (أن بتفهموا موقف األداين األررى مثل اليهودبة والبوذبة واهلندوكية)‪.‬‬
‫دكتور بوسف كمارك‪ :‬قس كاثوليكي من مساعدي مون‪ ،‬وهو عضو جملس إدار اجمللس العاملي‬
‫لَلداين‪ ،‬كان ِمثل اجمللس يف مممتر تركيا‪.‬‬
‫كوزا‪ :‬ر يس مكتب مون يف هندوراس وبعمل هبمة على نشر احلركة يف أمربكا الماتينية‪.‬‬
‫موسى دست‪ :‬ر يس كنيسة مون ابلوالايت املتحد األمربكية‪.‬‬

‫(‪)482/1‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫بزعم أنه على اتصال ابملسيح‪ ،‬وأنه َّ‬
‫بتلقى الوحي من السماء مدعيا نبو جدبد ‪.‬‬
‫شعاره وهدله املعلن هو السعي من أجل توحيد األداين على ارتماف أنواعها‪.‬‬
‫بقول للنصارى أبن اإلله قد رمى ابملسيحية جانبا‪ ،‬وأبدهلا برسالة جدبد هي رسالة توحيد األداين‬
‫الداعي إليها‪.‬‬
‫من القانون األساسي حلركة مون‪( :‬إن اهلدف الر يسي هو العمل من أجل توحيد العامل حتت رابة إله‬
‫واحد حبيث تضمحل من هذا العامل كل احلواجز والعوا ق الكنسية والسياسية والوطنية والقومية‬
‫واالجتماعية)‪.‬‬
‫بقولون يف كتاهبم املبدأ املقدس‪( :‬إن رسالة آد األساسية أن خيلق األسر الكاملة يف األرض‪ ،‬وهذه‬
‫املهمة مل تتحقق نتيجة لعمل الشيطان الذي كان نشيطا يف مهمته منذ بدابة اَخلق‪ ،‬وعيسى قد رلق‬
‫آد ‪ ،‬ولشل يف أمر الزواج‪ ،‬وترك مبدأ تكوبن األسر الكاملة‪ ،‬ولشله ليس كامما لقد أحيا اجلانب‬
‫الروحي لإلنسان‪ ،‬وقد ظل جسد اإلنسان مستعبدا للشيطان‪ ،‬هذا أبضا جيب ُتدبده‪ ،‬وهذا بستلز‬
‫آدما اثلثا ابالحتاد مع زجة مثالية ميكن حتقيق هذا اهلدف إلجناب اإلنسان الكامل)‪.‬‬
‫إهنم بقومون بدراسة رسومات بيانية بزعمون أهنا (تبني أن التاربخ واألحداث متكرر ومقدر سلفا‬
‫وولقا هلذه اجلداول البيانية‪ ،‬وبقولون‪ :‬إن هناك أمثلة متكرر من البشر قد ارتَروا ليصَروا آابء‬
‫كاملني‪ ،‬لكن الشيطان قد اعرتض سبيلهم للم بنجحوا‪ ،‬وقد وجدت هذه األسر املثالية على مر‬
‫التاربخ اإلنساين يف لرتات متقطعة على مدى أربعما ة عا سلفت)‪.‬‬
‫بتم اقتناص الشخص ليصبح عضوا يف حركتهم عن طربق دعوته أوال إىل وجبة طعا مث دعو‬
‫لماشرتاك يف رحلة هنابة األسبوع‪.‬‬
‫مينع األلراد اجلدد من حتدث بعضهم لبعض‪ ،‬وعليهم االنتظار حىت اللقاء اخآرر يف هنابة األسبوع‪.‬‬
‫ميضي املدعو عد أسابيع مع معلغمه‪ ،‬وقد جيعلونه بعد ذلك يف مسكن واحد مع أعضاء جدد‬
‫آرربن؛ ليلقنوهم مجيعا العقيد اجلدبد ‪ ،‬مع الرتكيز على تقدبس ومتجيد شخصية مون‪ ،‬والتأكيد‬
‫على ضرور التنكر لعقيد أهاليهم وجمتمعاهتم‪.‬‬
‫بقول مون يف كتابه التوجيهي أقوال األب الروحي‪( :‬إن عملية البعد عن العا لة واألصدقاء ال بتم‬
‫ابلصدلة؛ إذ البد أن تتمرس على حياتك اجلدبد ومن بعدها ميكنك أن تتنكر لعا لتك وأصدقا ك‬
‫وجَرانك)‪.‬‬
‫إذا ما حاول العضو الفرار منهم لسيكون ذلك صعبا لعد أمور‪:‬‬
‫‪ - 1‬ألنه بكون قد انفصل عن عا لته‪ ،‬لما بستطيع العود إليها بعد أن انصبها العداء بسبب‬
‫معتقده اجلدبد الذي خيالف معتقدها‪.‬‬
‫‪ - 2‬ألنه بكون قد يْ غس َل دمايْه‪ ،‬وصار أدا طيعة يف أبدبهم حيركونه كيفما بربدون‪ ،‬بعد أن سيطروا‬
‫عليه روحيًّا‪ ،‬وردعوه ابلوعود السماوبة الكاذبة‪.‬‬
‫‪ - 3‬ألن ألراد عصابة مون سيتابعونه وبطاردونه حىت بعود إىل حظَرهتم من جدبد‪.‬‬
‫‪ - 4‬إذا ما استسلم العضو اجلدبد هلم‪ ،‬لإهنم بسخرونه لبيع الورود والشموع؛ ليكون مصيد جلذب‬
‫األعضاء اجلدد‪ ،‬لضما عن اإلبراد املاِل الذي حيققه مليزانية احلركة‪.‬‬
‫نظَّم مون عملية زواج مجاعية يف ميدان مادبسون جاردن بنيوبورك‪ ،‬قا رماهلا بتزوبج (‪ًّ )2075‬‬
‫شااب‬
‫ولتا ‪ ،‬على الريم من أن اجمللس القومي الكنسي يف أمربكا كان قد أصدر بياان بعلن ليه عد‬
‫االعرتاف بكنيسة مون‪.‬‬
‫بمكغد مون حماربته للشيوعية‪ ،‬وبركغز هجومه عليها‪ ،‬كما أنه برسل البعثات ملناهضتها يف أماكن عدبد‬
‫من العامل‪.‬‬
‫لقد عقد مون عددا من املممترات سعيا وراء حتقيق أهداله‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬مممتر توحيد اليهود يف سوبسرا‪.‬‬
‫‪ -‬مممتر احتاد العامل املسيحي يف إبطاليا‪.‬‬
‫‪ -‬مممتر البوذبني يف الياابن‪.‬‬
‫‪ -‬مممتر اهلندوكية يف سَربمانكا‪.‬‬

‫(‪)483/1‬‬

‫‪ -‬مممتر احتاد العامل اإلسمامي‪ :‬الذي مت عقده يف تركيا قرب اسطنبول‪ ،‬وذلك يف الفرت من (‪- 19‬‬
‫‪ 22‬سبتمرب ‪ ، )1985‬وقد تعاونت معهم كلية اإلهليات جبامعة مرمر هبدف إجناح املممتر‪.‬‬
‫‪ -‬كان أتباع مون املشاركون يف املممتر برتكيا غ‬
‫بصورون اَخمالات بني األداين على أهنا ال تعدو أن‬
‫تكون شبيهة بتلك اَخمالات الفقهية املوجود بني املذاهب اإلسمامية ذاهتا‪ ،‬وهذا حمض الرتاء‪ ،‬إذ‬
‫إن اَخماف بني األداين رماف عقا دي قبل كل شيء‪ ،‬يف حني أن اَخماف بني املذاهب الفقهية ليس‬
‫أكثر من رماف دارلي اجتهادي يف الفروع دون األصول‪.‬‬
‫‪ -‬قال اليهودي كولمان يف اجللسة اَختامية هلذا املممتر‪( :‬إن األمر حيتاج إىل أن نبذل املزبد من اجلهد‬
‫حىت نفهم بعضنا‪ ،‬لإننا قد ننتسب إىل شيء واحد وعقيد واحد ‪ ،‬وريم ذلك خنتلف‪ ،‬ومن أجل أن‬
‫نلتقي البد لنا من أن نتفهم يَران من رمال نظرته)!!‬
‫تذكر جربد املسلمون يف عددها (‪ )36‬أن اجمللس العاملي لَلداين الذي برتأسه صن مون إَنا بعمل‬
‫حتت رقابة املمسسة العاملية املتحد لَلداين ‪ IrF‬وهي واحد من الوكاالت الدبنية اإلنسانية التابعة‬
‫للكنيسة املوحد اليت هي إحدى احلركات الدبنية اجلدبد اليت أسسها صن مون يف كوراي‪.‬‬
‫‪ -‬وتذكر اجلربد أبن أهداف اجمللس العاملي لَلداين حسبما تورده مذكر اجمللس ذاته هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬املنادا بوحد اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ - 2‬منح االحرتا الواجب للرتاث اإلنساين املختلف‪.‬‬
‫‪ - 3‬دعو الناس من كل األداين إىل نوع من الوحد الروحانية‪ ،‬واحرتا رصوصيات كل دبن‪.‬‬
‫‪ - 4‬تشجيع الفهم املتبادل والتعاون بني ومع املعتقدات الدبنية يف العامل‪.‬‬
‫‪ - 5‬معاونة همالء املتطلغعني إىل إجياد تناسق وانسجا بني األداين‪ ،‬واملساعد يف التعاون بني‬
‫املنظمات الدبنية‪.‬‬
‫‪ - 6‬توسيع استخدا وجهات النظر الدبنية يف غ‬
‫حل املشكمات اإلنسانية العامة‪.‬‬
‫‪ - 7‬الدلاع عن حقوق اإلنسان مبا يف ذلك حق حربة املعتقدات الدبنية وِمارستها‪.‬‬
‫‪ - 8‬التأبيد العلمي للطموحات الفردبة اَخاصة ابملعتقدات الدبنية عن طربق وضع برامج من شأهنا‬
‫ختفيف املعاان ‪ ،‬وحتسني حال البشربة‪.‬‬

‫(‪)484/1‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫إن اليهود ‪ -‬ابعتبارهم أقلية مفسد ‪ -‬بسعون دا ما غ‬
‫لبث دعاوى إذابة الفروق بني العقا د ِما غ‬
‫ميهد‬
‫الطربق هلم ليتغلغلوا دارل شعوب األرض‪ ،‬وبكونوا هم املستفيدبن يف النهابة على حساب األداين‬
‫األررى مجيعا‪.‬‬
‫إن هذه احلركة تدور يف للك احلركات املسخَّر َخدمة الصهيونية العاملية؛ إذ إن التشابه بني هذه‬
‫بدل على أهنا ذات أصل واحد‪ ،‬وتعمل هلدف مشرتك واحد‪.‬‬ ‫احلركات ُّ‬
‫بتحرك لوقه صن مون ليشَر إىل اجلهة اليت متوله‪ ،‬وتقف وراءه لتستفيد من‬
‫إن الثراء الفاحش الذي َّ‬
‫عمله ودعوته يف تفتيت األداين‪ ،‬وحتطيم األرماق‪.‬‬

‫(‪)485/1‬‬
‫الفرع اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬
‫تتمتع هذه احلركة بوجود ضخم يف جنوب ووسط أمربكا إذ إن هلم عماقات قوبة مع كبار السياسيني‬
‫يف تشيلي وأرجواي واألرجنتني وهندوراس وبوليفيا‪.‬‬
‫يف أبرلندا هلم مركز وكنيسة امسها الكنيسة التوحيدبة‪ ،‬وُتدر اإلشار إىل أن ألبرلندا دورا كبَرا يف دعم‬
‫أمثال هذه احلركات‪.‬‬
‫هلم استثمارات يف جنوب كوراي‪ ،‬وقد مسحت هلم حكومة سيول إبقامة كنيسة هلم رارج العاصمة‪.‬‬
‫‪ -‬إهنم متغلغلون يف اجلناح األمين للحزب اجلمهوري ابلوالايت املتحد ‪ ،‬كما بشكلون اجلناح األمين‬
‫للدكتاتوربة يف أمربكا اجلنوبية‪.‬‬
‫‪ -‬ميتلك زعيمهم عد عقارات يف العامل‪ ،‬وشركات ومطاعم وأراض‪ ،‬وحممات لبيع اجملوهرات وشركة‬
‫أسس جربد الواشنطن اتميز اليت بوزَّع منها (‪ )75‬ألف‬
‫تسمى ‪ Paragon House‬كما َّ‬
‫للنشر َّ‬
‫نسخة يف الياابن ونيوبورك وأرجواي وقربص‪ ،‬ولدبه لندق نيوبوركر ‪ New Yorker‬يف ماهناتن‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن املونية حركة مشبوهة‪ ،‬تدعو إىل القضاء على غ‬
‫كل األداين‪ ،‬وابتداع دبن جدبد‪ ،‬بنصهر يف بوتقة‬
‫املتنَب الكوري صن مون‪ ،‬وجيذب الشباب إليه‪ ،‬مغراي إايهم ابالحنراف‪ ،‬واالنفصال عن أسرهم‪،‬‬
‫والغرق يف حبور َّ‬
‫امللذات؛ ردمة ألهداف الصهيونية العاملية‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬جربد املسلمون األسبوعية‪ ،‬العدد (‪ 21( , )35‬حمر ‪1406‬هـ‪ 5 /‬أكتوبر ‪- )1985‬‬
‫وكذلك أعداد (‪.)38 ،37 ،36‬‬
‫‪ -‬جربد الواشنطن بوست اتربخ (‪. )1983/8 /28‬‬
‫‪ -‬ابللغة اإلنكليزبة‪:‬‬
‫‪Carol Cultrer: Are religions Cults Dangerous? The -‬‬
‫‪.Mercier Press, Dublin and Cork, 1984‬‬
‫‪ -‬ابللغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪Gibert Picard: L’enfer des Sectes, Editions le carrousel – -‬‬
‫‪.Fn Paris, 1984‬‬
‫‪ -‬ابللغة اإلسبانية‪:‬‬
‫‪.Pepe redriguez: Esclavos De un Mesias. Barcelona. 1984 -‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي – بتصرف‬
‫(‪)486/1‬‬

‫املطلب العاشر‪ :‬األبرشانية ‪:Congregationalism‬‬


‫كنا س أكدت سيطرهتا اترخييا من رمال عناصر منتخبة من قبل أعضا ها مع استقمال (ومن مث‬
‫مستقلني) كل كنيسة حملية‪ ،‬وممررا تداعت الكنا س إىل إجياد تعاون بينها‪ ،‬وحددت العضوبة بتعابَر‬
‫(التجمع الكنسي) للمممنني امللتزمني (ابمليثاق)‪ .‬وقد أثرت األبرشانية بقو يف ممسسي املستعمرات‪،‬‬
‫نيوانكلند (وبشكل راص اخآابء احلجاج) وبقيت الوالايت املتحد املركز الر يسي‪ ،‬وشكل‬
‫األبرشانيون واملشيخانيون ( ‪ )Persbyterianesn‬الكنيسة املستصلحة املوحد يف (‪،)1972‬‬
‫وهي كالفينية يف األساس ( ‪ )Calvinism‬من حيث املذهب‪ ،‬وممررا أصبح األبرشانيون‬
‫منفتحني للتأثر ابلربوتستنتية املتحرر ‪. Liberal Protestantism‬‬
‫‪ O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار ‪17 /1 -‬‬

‫(‪)487/1‬‬

‫املطلب احلادي عشر‪ :‬أرو بماميوث ‪:Plymouth Brethern‬‬


‫هيئة مسيحية (بروتستنتية) نشأت يف انكلرتا من رمال أعمال‪ ،‬بشكل راص ج‪ .‬ن داريب ‪J. N.‬‬
‫‪ ، Darby 1800 – 1882‬وهو قسيس سالف يف الكنيسة األنغليكانية‬
‫‪ Anglicanirsm‬والتعاليم األصلية لَلرو كانت توراتية وَتثرت ابلكلفينية ‪Calvinism‬‬
‫وأحياان اباللفيني ‪ .Millenarianism‬وليس هلم كهنوت منفصل ‪ Ministry‬ومراكز عباد‬
‫(لكسر اَخبز)‪ ،‬وهو طقس بسيط بتخذ كذكرى للعشاء األرَر ليسوع املسيح ‪Jesus Christ‬‬
‫‪ (Eucharist‬القرابن املقدس)‪ .‬واألَناط الر يسية لَلرو هي (املفتوح) (واحلصري)‪ .‬واحلصربة‬
‫هي معابَر صارمة ترمي إىل نبذ كثَر من املظاهر يف احليا العصربة وتقييد الصمات االجتماعية مع‬
‫يَر األرو حىت من أعضاء أسرهم اَخاصة‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – ‪37 /1‬‬

‫(‪)488/1‬‬
‫املطلب الثاين عشر‪ :‬السراين‪:‬‬
‫السراين هم أتباع الكنيسة السراينية‪ ،‬إابن انعقاد اجملمع املسكوين الرابع يف رلقيدونية عا ‪. 451‬‬
‫جرى رماف حول حتدبد شخص املسيح من حيث إن له طبيعة واحد (وهو ما اعتمده السراين‬
‫واألقباط واألرمن) أو طبيعتني (إهلية وإنسانية) وهو ما اعتمدته الكنيسة الرمسية وتبناه اجملمع‪ .‬أدى‬
‫هذا إىل شرخ يف الكنيسة رلض ليه الطرف األول مقررات اجملمع وأدى إىل بروز هذه الكنا س رارج‬
‫حدود الكنيسة الواحد ‪ ،‬لصارت تعرف‪ ،‬ليما بعد‪ ،‬ابلكنا س المارلقيدونية‪ ،‬أي اليت رلضت تعاليم‬
‫اجملمع‪.‬‬
‫وبنتيجة اإلرساليات الكاثوليكية يف هذه املنطقة حدث شرخ آرر دارل الكنيسة السراينية‪ ،‬أدَّى إىل‬
‫بروز الكنيسة السراينية الكاثوليكية املنضوبة حتت لواء اباب روما واملتحد ابلكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬وهي‬
‫ما بسمى اليو ابلكنيسة الكلدانية اليت برأس جممع أساقفتها بطربرك بقيم يف بغداد حيث يالبية‬
‫أبنا ها‪.‬‬
‫أما يف الكنيسة السراينية األرثوذكسية‪ ،‬لهناك بطربركان‪ ،‬بقيم الواحد يف دمشق واخآرر يف اهلند‪ .‬وما‬
‫بزال هناك سراين بعيشون يف العراق وسوراي ولبنان وللسطني واألردن إضالة إىل إبران وتركيا واهلند‪،‬‬
‫ليما أنتشر كثَرون منهم يف َمتلف بماد العامل‪.‬‬
‫وقد أدى التقارب بني الكنيسة السراينية األرثوذكسية وكنيسة الرو األرثوذكس إىل إصدار بياانت‬
‫تنادي ابإلميان الواحد للكنيستني‪ ،‬وأبن اَخماف املاضي كان حول تفسَر التعابَر الماهوتية‪.‬‬
‫‪O‬موسوعة األداين امليسر – ص ‪300‬‬

‫(‪)489/1‬‬

‫املطلب الثالث عشر‪ :‬الربوتستنتية املتحرر ‪:Liberal Protestantism‬‬


‫حركة َمتلفة نوعا ما يف الداينة الربوتستنتية قامت يف النصف الثاين من القرن ‪( 19‬‬
‫‪ .)Protestantism‬وهي تتميز مبوقف انقد للتمسك الساذج حبرلية الكتاب املقدس (مثل‬
‫التأكيد ببساطة على بياانت الكتاب املقدس) وعلى الصياية التقليدبة اجلازمة للعقيد املسيحية‪.‬‬
‫ومن الناحية الثانية لهي معنية بتقدمي روح الكتاب املسيحي املقدس بتعابَر عصربة وبتأكيد أمهية‬
‫اَخرب الدبنية الفردبة‪ ،‬وقد َتثر تطورها املبكر إىل درجة كبَر أبلربخيت ربتشل ‪Alberecht‬‬
‫‪ )89 – 1822( Ritchl‬وأتباعه‪ ،‬وأصر ربتشل على أن الدبن يَر قابل لمارتزال إىل أشكال‬
‫أررى من اَخرب ‪ ،‬وأن املعرلة الدبنية هي أمر (أحكا قيم)‪ ،‬وأن علم املسيحية ‪Caristology‬‬
‫جيب أن أيرذ جبدبة نتا ج البحوث التارخيية يف حيا بسوع املسيح ‪ ،Jesus christ‬وأن التسوبة‬
‫مع الرب واسرتضا ه جيب أن بعرب عنها ابلنشاط األرماقي يف العامل (اَخماص ‪.)Salvtion‬‬
‫والتعبَر التقليدي عن موقف الربوتستنتية الفعلية قد قا به أدولف هارانك ‪Adolf Harnack‬‬
‫‪ .) (1851 – 1930‬يف ما هي املسيحية؟ وقد لسر العقيد املسيحية تفسَرا شعبيا ابصطماحات‬
‫أبو هللا‪ ،‬وأرو اإلنسان والصماح األمسى‪ ،‬ومتكن احلب‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – بتصرف ‪180 /1-‬‬

‫(‪)490/1‬‬

‫املطلب الرابع عشر‪ :‬أنغليكان‪:‬‬


‫إن تعبَر أنكليكان‪ :‬بطلق على أتباع الكنيسة األنغليكانية اليت تسمى أبضا كنيسة إنكلرتا واليت هي‬
‫كنيسة وطنية هلا أتباع رارج حدود إنكلرتا من جنسيات َمتلفة‪ ،‬وبنتظمون يف أبرشيات لكل منها‬
‫أسقف وقسس بعاونونه‪ ،‬مرجعهم األعلى هو السلطة الكنسية يف البلد األ ‪.‬‬
‫نشأت هذه الكنيسة عندما أنفصل امللك هنري الثامن عن الكنيسة الكاثوليكية (حواِل ‪– 1532‬‬
‫‪ ) 1534‬عندما رلض الباب إعطاءه الطماق من امرأ ‪ ،‬بغية الزواج من أررى‪ .‬عندها اندى به‬
‫الربملان (الر يس األعلى للكنيسة اإلنكليزبة)‪ ،‬ممسسا بذلك القاعد اليت ما زالت متبعة حىت اليو‬
‫جلهة كون ملك أو ملكة إنكلرتا ر يس الكنيسة األنكليكانية‪ .‬وقد ظلت هذه الكنيسة كاثوليكية‬
‫الطابع واملظهر إىل أاي امللك إدوار السادس الذي أمر إبصدار كتاب الصلوات اَخاص هبا عا‬
‫‪1549‬هـ‪ ،‬والذي ظهر يف طبعته الثانية عا ‪ 1552‬أكثر ميما إىل الربوتستانتية‪ .‬هذا التيار قوي‬
‫إابن حكم امللكة إليزابيث األوىل وامللك بعقوب األول اللذبن قاوما حماوالت إحياء التوجه‬
‫الكاثوليكي للكنيسة األنغليكانية‪.‬‬
‫إن هذبن االُتاهني‪ ،‬أي الكثلكة والربوتستانتية ما زاال حيني دارل الكنيسة األنغليكانية‪ ،‬ومها‬
‫بتسببان ببعض التأز بني أتباع هذا أو ذاك ِما جيعل الشكلني بتعابشان دارلها‪.‬‬
‫إن هذه الكنيسة تضم ‪ 44‬أبرشية يف مقاطعتني دارل إنكلرتا ومها كانرتبري وبورك‪ ،‬وتضم كل منهما‬
‫رعااي خيد كل منها كاهن أو قس‪.‬‬
‫كما أن للكنيسة مجعيات وممسسات وهلا عماقة محيمة مع كنيسيت وبلز وسكوتلندا‪ .‬هذا‪ ،‬وبعترب‬
‫ر يس أساقفة كانرتبري ر يس اجملمع الذي بضم كل أساقفة الكنيسة‪.‬‬
‫‪O‬موسوعة األداين امليسر – ص ‪111‬‬

‫(‪)491/1‬‬

‫املطلب اَخامس عشر‪ :‬كيبتاواال ‪:Kibtawala‬‬


‫حركة واسعة االنتشار يف وسط ألربقيا حتت َتثَر شهود بهوا ‪ Jehovahos Witnesses‬أو‬
‫برج مراقبة التورا ‪ ( Watch Tower Bible‬ومن مث اتوال ‪ )Tawala‬وجمتمع تراكت‬
‫‪ ،Tract‬وقد ظهرت نسخ ألربقية يف مشال نياساالند ‪ ( Nyasaland‬ماالوي اخآن)‬
‫‪ Malawi‬حتت اليوت كامواان ‪ Elliott Kamauana‬من (‪ ) 1907‬حىت مت رلعه يف‬
‫(‪ ) 1909‬ويف مشال ما كان بسمى يف حينه رودبسيا ‪ ( Rhodesia‬اخآن زامبيا ‪)Zambia‬‬
‫والكونغو البلجيكية (اخآن زا َر ‪ )Zaire‬حتت نَرايندا ‪ Nyrienda‬الذي ادعى أنه مواان ليزا‬
‫‪ ( Mwana Lesa‬ابن اإلله)‪ ،‬وأعد يف (‪ ،) 1926‬وعلى الريم من اإلعدامات الكثَر بقيت‬
‫احلركة قا مة‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار ‪739 /2 -‬‬

‫(‪)492/1‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫املقصود ابإلرساليات ما دأب يزا األلكار على القيا به‪ ،‬ومتوبل أعضا ه من غ‬
‫املنصربن‬
‫واملستشرقني‪ ،‬وبثغهم يف العامل اإلسمامي؛ إلدرال املسلمني ضمن نفوذ الصليبيني‪ .‬بقول املستشرق‬
‫امليسو (ل‪ .‬شاتليه) ر يس حتربر جملة (العامل اإلسمامي) اليت كانت تصدرها مجعية (اإلرسالية العمالية‬
‫املغربية) قال بعد مقدمة َّبني ليها أن من واجب لرنسا أن بكون عملها يف الشرق مبنيًّا قبل كل شيء‬
‫على قواعد الرتبية العقلية‪ ،‬حيث قال‪( :‬ومن هذا بتبني لنا أن إرساليات التبشَر الدبنية اليت لدبها‬
‫أموال جسيمة‪ ،‬وتدار أعماهلا بتدبَر وحكمة‪َ ،‬تِت ابلنفع الكثَر يف البماد اإلسمامية‪ ،‬من حيث إهنا‬
‫بتبني من اجلملة اخآتية اليت‬ ‫ُّ‬
‫تبث األلكار األوروبية‪ ،‬إال أن إلرساليات التبشَر مطامع أررى‪ ،‬كما َّ‬
‫استخرجتها من رسالة أرسلها القسيس احملرت ) صمو يل زومير (منشئ جملة) العامل اإلسمامي‬
‫(اإلجنليزبة) وهو ببين ليها صروح شاَمة على أعمال املبشربن الربوتستانت‪ ،‬قال‪( :‬إن لنتيجة‬
‫إرساليات التبشَر يف البماد اإلسمامية مزبتني‪ :‬مزبة تشييد‪ ،‬ومزبة هد ‪ ،‬أو ابألحرى مزبة حتليل‬
‫وتركيب) (‪ .)1‬وبقصد هبذا الكما الغزو الثقايف غ‬
‫واملد السياسي‪.‬‬
‫وهذه شهاد صاررة على ما ببيغتونه لإلسما واملسلمني‪ ،‬وقد أتبع الغزا أقواهلم ابأللعال‪َّ ،‬‬
‫لأسسوا‬
‫مئات اجلمعيات التبشَربة‪ ،‬ومئات املعاهد واجلمعيات يف َمتلف بقاع األرض من آسيا وألربقيا وبقية‬
‫قارات العامل وبلدانه‪ ،‬وأقاموا مئات املممترات؛ لبحث كيفية انتشار التنصَر‪ ،‬وأجنح الوسا ل اليت جيب‬
‫أن بستخدموها يف ذلك‪ ،‬وأنشموا أعدادا يفَر من املدارس واملستشفيات ودور احلضانة وبيوت‬
‫الشباب‪.‬‬
‫ويف سباق حثيث أنشموا مئات الكنا س يف داير املسلمني ويف يَرها‪ ،‬ومل أيلوا جهدا يف التتاح مئات‬
‫ث إىل العامل مبختلف اللغات يف برامج منظمة معد إعدادا متقنا؛ لتجد هلا‬‫اإلذاعات التنصَربة اليت تْـبَ ُّ‬
‫بسمى بـ‬
‫طربقا إىل قلوب السامعني‪ ،‬مث أيرقوا املكتبات بتوزبع كتب التنصَر‪ ،‬وعلى رأسها ما َّ‬
‫(الكتاب املقدس) إما توزبعا ابجملان‪ ،‬وإما بثمن رمزي‪ ،‬وذلك عن طربق ستار‪ ،‬إما الطلب أو التدربس‬
‫أو الفن أو يَر ذلك‪ ،‬بل حىت مصادقة من ليه النباهة‪ ،‬أو برتدد إليه الناس حىت وإن كان ثراثرا‬
‫حيسن اجتذاب الناس إليه‪ ،‬املهم عندهم لفت أنظار املسلمني إىل النصرانية حتت أي مستند كان‪،‬‬
‫على طربقتهم املشهور (الغابة تربر الوسيلة)‬
‫وِما ال ربب ليه أن املنصربن واملستشرقني كلهم من املصا ب والفنت اليت ابتلي هبا العامل اإلسمامي‪.‬‬
‫‪O‬املذاهب الفكربة لغالب العواجي ‪288 ،287 /1‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((الصراع بني الفكر اإلسمامية والفكر الغربية)) (ص ‪)35‬‬

‫(‪)493/1‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التعربف ابلتنصَر‪:‬‬


‫التنصَر حركة دبنية سياسية استعماربة‪ ،‬بدأت ابلظهور إثر لشل احلروب الصليبية بغية نشر النصرانية‬
‫بني األمم املختلفة يف دول العامل الثالث بعامة‪ ،‬وبني املسلمني خباصة‪ ،‬هبدف إحكا السيطر على‬
‫هذه الشعوب‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫وهو دعو جاد لتنصَر املسلمني ويَرهم‪ ،‬وإدراهلم يف عداد األمم النصرانية‪ ،‬وضمن نفوذهم‬
‫السياسي بل واجلغرايف‪.‬‬
‫أمساؤه‪ :‬أطلقت على هذا النوع من النشاط التسميات اخآتية‪:‬‬
‫التنصَر‪ ،‬التبشَر (كما بسمونه كذاب وزورا) االستشراق‪ ،‬التكربز‪.‬‬
‫وقد جاء يف الكتاب الذي بقدسه النصارى إطماق تسمية عملهم ابلتكربز وابلبشار ‪.‬‬
‫شعارهم‪ :‬بتظاهر غ‬
‫املنصرون ابلدعو إىل إنقاذ األمم من اهلماك والشقاء على بد املسيح الفادي عليه‬
‫السما ‪ ،‬ومع أن الداينة اليت جاء هبا نَب هللا عيسى عليه السما مل تكن عاملية‪ -‬كما سيأِت إبضاحه‬
‫‪ -‬إال أن املنتسبني إىل املسيح ‪ -‬ورصوصا ذلك العدو اللدود للمسيحية احلقة‪ ،‬وهو بولس ومن‬
‫سار على طربقته ‪ -‬رالفوا هذا املبدأ‪ ،‬واندوا هبا عاملية‪ ،‬وبقصدون بذلك السيطر على العامل‪،‬‬
‫وإعماء الوثنية‪ ،‬وحني أرفقوا يف حتقيق ما كانوا حيلمون به من السيطر على العامل‪ ،‬الذي بْراد به يف‬
‫الظاهر إنقاذ البشر‪ ،‬واَخماص على بد املسيح‪ -‬كما بزعمون‪ -‬ولكن براد به يف الباطن حتقيق ما‬
‫عجزوا عنه ابلوسا ل احلربية‪ ،‬لاهتموا ابلتبشَر اهتماما ابلغا‪ ،‬وأنشموا املدارس على ارتمالها؛‬
‫غ‬
‫ابلدس والغزو‪،‬‬ ‫لتخربج جحالل التنصَر يف َمتلف بلدان العامل‪ ،‬وأتبعوا ذلك بطباعة كتبهم اململوء‬
‫اهتموا ابملساعدات املادبة‪ ،‬تدعمهم يف كل جهودهم الدول الطامعة مثل أمربكا ولرنسا‬
‫كما ُّ‬
‫جل اهتمامهم إىل الدول اإلسمامية ذات الكثالة‬
‫وجهوا َّ‬
‫وبربطانيا ويَرهم من دول الغرب‪ ،‬وقد َّ‬
‫السكانية‪ ،‬مثل مصر وإندونيسيا ويَرها من البلدان اليت توجد هبا أعداد من النصارى‪ ،‬كانوا قلة‬
‫لأصبحوا كثر ‪ ،‬بشكغلون رأس احلربة ضد املسلمني‪ ،‬والعيون الساهر لتدعيم قواعد النصرانية‪ ،‬وبثغها‬
‫بني عوا املسلمني حتت عد أقنعة‪ .‬وِما بْذكر أن أول من اررتع لكر التنصَر هو امللك لوبس‬
‫التاسع‪ ،‬الذي اعتقل يف مدبنة املنصور أثناء هزميته يف احلملة الصليبية السابقة‪ ،‬ورلوته هذه يف‬
‫معتقله ابملنصور أاتحت له لرصة هاد ة ليفرك بعمق يف السياسة اليت كان أجدر ابلغرب أن بتبعها‬
‫إزاء املسلمني‪ ،‬وقد أهنى به التفكَر إىل تلك اخآراء واملآرذ اليت ألضى هبا إىل إروانه املخلصني أثناء‬
‫رحلته إىل عكا مقلعا إليها من دمياط (‪ )1‬وقد جنحت هذه اَخطة‪ ،‬ومل بفطن إليها املسلمون إال‬
‫املنصربن أو غ‬
‫املبشربن‪ -‬ومن بقف وراءهم من املمسسات احلكومية ويَر‬ ‫متأرربن‪ ،‬ومل بعد يرض غ‬
‫احلكومية‪ -‬راليا على أحد‪ ،‬للقد أصبح الغزو الفكري لبماد املسلمني موضع مممترات يربية علنية‬
‫وسربة‪ ،‬وحمل مفاوضات‪ ،‬بدرسون أقرب اخآراء إىل إجناح احلممات التنصَربة‪ ،‬غ‬
‫وخيططون القتحا‬
‫البلدان اليت بربدوهنا مسرحا لنشر نشاطهم ونفوذهم دون أي روف من جهة املسلمني‪ ،‬وقد أعلنها‬
‫صراحة يف مئات النصوص‪.‬‬
‫‪O‬املذاهب الفكربة لغالب عواجي ‪291 - 289 /1‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر‪(( :‬أرطار الغزو الفكري على العامل اإلسمامي)) (ص ‪.)171‬‬

‫(‪)494/1‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫رميون لول‪ :‬أول نصراين َّ‬
‫توىل التبشَر بعد لشل احلروب الصليبية يف مهمتها؛ إذ إنه قد تعلم اللغة‬
‫العربية بكل مشقة‪ ،‬وأرذ جيول يف بماد الشا مناقشا علماء املسلمني‪.‬‬
‫‪ -‬منذ القرن اَخامس عشر وأثناء االكتشالات الربتغالية درل غ‬
‫املبشرون الكاثوليك إىل ألربقيا‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك بكثَر أرذت ترد اإلرساليات التبشَربة الربوتستانتية إجنليزبة وأملانية ولرنسية‪.‬‬
‫‪ -‬بيرت هلين ‪َّ :‬‬
‫احتك مبسلمي سواحل ألربقيا منذ وقت مبكر‪.‬‬
‫حرك ضما ر النصارى منذ عا (‪ , )1664‬إىل َتسيس كلية تكون قاعد لتعليم‬
‫‪ -‬البارون دوبيتز‪َّ :‬‬
‫التبشَر املسيحي‪.‬‬
‫‪ -‬املسرت كاري‪ :‬لاق أسماله يف مهنة التبشَر‪ ،‬وقد ظهر َّإابن القرن الثامن عشر وبدابة التاسع عشر‪.‬‬
‫‪ -‬كان للمبشر هنري مارتن ت (‪ , )1812‬بد طوىل يف إرسال املبشربن إىل بماد آسيا الغربية‪ ،‬وقد‬
‫ترجم التورا إىل اهلندبة والفارسية واألرمنية‪.‬‬
‫َتسست مجعية لندن التبشَربة‪ ،‬وتبعتها أررايت يف إسكوتمانده ونيوبورك‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪َّ , )1795‬‬
‫كونت هناك‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )1819‬اتفقت مجعية الكنيسة الربوتستانتية مع النصارى يف مصر‪ ،‬و َّ‬
‫إرسالية عهد إليها نشر اإلجنيل يف ألربقيا‪.‬‬
‫رحالة بربطاين‪ ،‬اررتق أواسط ألربقيا‪ ،‬وقد كان غ‬
‫مبشرا‬ ‫‪ -‬داليد ليفنستون (‪َّ : )1873 - 1813‬‬
‫قبل أن بكون مستكشفا‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )1849‬أرذت ترد إرساليات التبشَر إىل بماد الشا ‪ ،‬وقد قامت بتقسيم املناطق‬
‫بينها‪.‬‬
‫َتسست مجعية الشبان املسيحية من اإلجنليز واألمربكان‪ ،‬وقد احنصرت‬
‫‪ -‬ويف سنة (‪َّ )1855‬‬
‫مهمتها يف إدرال ملكوت املسيح بني الشبان كما بزعمون‪.‬‬
‫هتتم بدراسة أحوال‬
‫َتسست مجعية احتاد الطلبة املسيحيني يف العامل‪ ،‬وهي ُّ‬ ‫‪ -‬يف سنة (‪َّ )1895‬‬
‫التماميذ يف كل البماد‪ ،‬مع العمل على غ‬
‫بث روح احملبة بينهم (احملبة تعين التبشَر ابلنصرانية)‪.‬‬
‫‪ -‬صمو يل زومير ‪ :Zweimer‬ر يس إرسالية التبشَر العربية يف البحربن‪ ،‬ور يس مجعيات‬
‫التنصَر يف الشرق األوسط‪ ،‬كان َّ‬
‫بتوىل إدار جملة العامل اإلسمامي اإلجنليزبة اليت أنشأها سنة‬
‫(‪ ، )1911‬وما تزال تصدر إىل اخآن من هارتيفورد‪ .‬درل البحربن عا (‪ ، )1890‬ومنذ عا‬
‫(‪ , )1894‬قدَّمت له الكنيسة اإلصماحية األمربكية دعمها الكامل‪ .‬وأبرز مظاهر عمل البعثة اليت‬
‫أسسها زومير كان يف حقل التطبيب يف منطقة اَخليج‪ ،‬وتبعا لذلك لقد التتحت مستوصفات هلا يف‬
‫َّ‬
‫البحربن والكوبت ومسقط وعمان‪ .‬وبْ ُّ‬
‫عد زومير من أكرب أعمد التنصَر يف العصر احلدبث‪ ،‬وقد‬
‫أسس معهدا ابمسه يف أمربكا ألحباث تنصَر املسلمني‪.‬‬
‫‪ -‬كنيث كراج ‪ :K.Cragg‬رلف صمو يل زومير على رائسة جملة العامل اإلسمامي‪ ،‬وقا ابلتدربس‬
‫يف اجلامعة األمربكية ابلقاهر لفرت من الوقت‪ ،‬وهو ر يس قسم الماهوت املسيحي يف هارتيفورد‬
‫أبمربكا‪ ،‬وهو معهد غ‬
‫للمبشربن‪ ،‬ومن كتبه‪( :‬دعو املئذنة) صدر عا (‪. )1956‬‬
‫‪ -‬لوبس ماسينيون‪ :‬قا على رعابة التبشَر والتنصَر يف مصر‪ ،‬وهو عضو جممع اللغة العربية‬
‫ابلقاهر ‪ ،‬كما أنه مستشار وزار املستعمرات الفرنسية يف شمون مشال ألربقيا‪.‬‬
‫‪ -‬دانيال بلس‪ :‬بقول‪( :‬إن كلية روبرت يف إسطانبول (اجلامعة األمربكة حاليا) كلية مسيحية يَر‬
‫مسترت ال يف تعليمها وال يف اجلو الذي هتيئه لطماهبا؛ ألن الذي أنشأها غ‬
‫مبشر‪ ،‬والتزال إىل اليو ال‬
‫بتوىل رائستها إال غ‬
‫مبشر‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َس الكلية اليسوعية يف بَروت زمنا طوبما أاي االنتداب الفرنسي‪.‬‬
‫‪ -‬األب شانتور‪َ :‬رأ َ‬
‫‪ -‬مسرت نربوز‪ :‬ترأَّس جامعة بَروت األمربكية عا (‪ , )1948‬بقول‪( :‬لقد أدَّى الربهان إىل أن‬
‫التعليم أامن وسيلة استغلها املبشرون األمربكيون يف سعيهم لتنصَر سوراي ولبنان)‪.‬‬
‫‪ -‬دون هك كري‪ :‬كان أكرب شخصية يف مممتر لوزان التبشَري عا (‪ ، )1974‬وهو بروتستانيت‪،‬‬
‫عمل مبشرا يف الباكستان ملد عشربن سنة‪ ،‬وهو أحد طلبة مدرسة للر للتبشَر العاملي‪ .‬وبعد مممتر‬
‫بضم إىل جانبه دارا‬
‫كولورادو التبشَري عا (‪ , )1978‬أصبح مدبرا ملعهد صمو يل زمير الذي ُّ‬
‫للنشر وإلصدار الدراسات املختصة بقضااي تنصَر املسلمني‪ ،‬ومقرها يف كاليفورنيا‪ ،‬وهو بقو إبعداد‬
‫دورات تدرببية إلعداد املبشربن وَتهيلهم‪.‬‬
‫‪ -‬برى اباب الفاتيكان بعد سقوط الشيوعية أن من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه‬
‫عمو الشعب املسيحي حنو رصم جدبد خييفه به‪ ،‬وُتنغده ضدَّه‪ ،‬واإلسما هو الذي ميكن أن بقو‬
‫هبذا الدور يف املقا األول‪ .‬وبقو البااب مبغادر غ‬
‫مقره مبعدل أربع رحمات دولية؛ لكسب الصراع مع‬
‫األبدبولوجيات العاملية‪ ،‬وعلى رأسها اإلسما ‪ .‬وتوجد بمابني الدوالرات حتت تصرله لإلنفاق منها‬
‫على إرسال غ‬
‫املنصربن‪ ،‬وإجراء البحوث‪ ،‬وعقد املممترات‪ ،‬والتخطيط لتنصَر أبناء العامل الثالث‪،‬‬
‫وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصَري يف كل أحناء العامل‪ ،‬وتقومي نتا جه أوال أبول‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)495/1‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫‪ -‬حماربة الوحد اإلسمامية‪ :‬بقول القس سيمون‪( :‬إن الوحد اإلسمامية ُتمع آمال الشعوب‬
‫اإلسمامية‪ ،‬وتساعد على التخلُّص من السيطر األوروبية‪ ،‬والتبشَر عامل ٌّ‬
‫مهم يف كسر شوكة هذه‬
‫احلركة‪ ،‬من أجل ذلك جيب أن غ‬
‫حنول ابلتبشَر اُتاه املسلمني عن الوحد اإلسمامية)‪.‬‬
‫‪ -‬بقول لورنس براون ‪ ( :Lawrance Brawn‬إذا َّاحتد املسلمون يف إمرباطوربة عربية أمكن‬
‫أن بصبحوا لعنة على العامل ورطرا‪ ،‬أو أمكن أن بصبحوا أبضا نعمة له‪ ،‬أما إذا بقوا متفرقني لإهنم‬
‫بظلون حينئذ بما وزن وال َتثَر)‪.‬‬
‫‪ -‬بقول مسرت بلس‪( :‬إن الدبن اإلسمامي هو العقبة القا مة يف طربق تقد التبشَر ابلنصرانية يف‬
‫ألربقيا)‪.‬‬
‫‪ -‬لقد دأب املنصرون على غ‬
‫بث األكاذبب واألابطيل بني أتباعهم؛ ليمنعوهم من درول اإلسما ‪،‬‬
‫غ‬
‫وليشوهوا مجال هذا الدبن‪.‬‬
‫‪ -‬بقول املبشر نلسون‪( :‬وأرضع سيف اإلسما شعوب ألربقيا وآسيا شعبا بعد شعب)‪.‬‬
‫‪ -‬بقول هنري جسب‪ Henry Jesups :‬املبشر األمربكي‪( :‬املسلمون ال بفهمون األداين‪ ،‬وال‬
‫غ‬
‫بقدروهنا قدرها‪ ،‬إهنم لصوص وقتلة ومتأررون‪ ،‬وإن التبشَر سيعمل على متدبنهم)‪.‬‬
‫‪ -‬لطفي ليفونيان وهو أرمين ألَّف بضعة كتب للنيل من اإلسما بقول‪( :‬إن اتربخ اإلسما كان‬
‫سلسلة َميفة من سفك الدماء واحلروب واملذابح)‪.‬‬
‫‪ -‬أدبسون ‪ Addison‬الذي بقول عن حممد صلى هللا عليه وسلم‪( :‬حممد مل بستطع لهم‬
‫النصرانية‪ ،‬ولذلك مل بكن يف رياله إال صور مشوهة بىن عليها دبنه الذي جاء به العرب)‪.‬‬
‫املبشر نلسن بزعم أبن اإلسما مقلغد‪ ،‬وأن أحسن ما ليه إَنا هو مأروذ من النصرانية‪ ،‬وسا ر ما‬
‫‪ -‬غ‬
‫ليه أْرذ من الوثنية‪ ،‬كما هو أو مع شيء من التبدبل‪.‬‬
‫‪ -‬غ‬
‫املبشر ف‪ .‬ج هاربر بقول‪( :‬إن حممدا كان يف احلقيقة عابد أصنا ذلك ألن إدراكه هلل يف الواقع‬
‫كاربكاتور)‪.‬‬
‫مبين على األحادبث أكثر ِما هو مبين على القرآن‪ ،‬ولكننا إذا‬
‫‪ -‬املبشر جسب بقول‪( :‬إن اإلسما ٌّ‬
‫حذلنا األحادبث الكاذبة مل ببق من اإلسما شيء)‪.‬‬
‫‪ -‬وبقول كذلك‪( :‬اإلسما انقص واملرأ ليه مستعبد )‪.‬‬
‫ري همالء الناس أن الصحيح يف القرآن ليس جدبدا‪ ،‬وأن‬ ‫غ‬
‫‪ -‬املبشر جون اتكلي بقول‪( :‬جيب أن نْ َ‬
‫اجلدبد ليه ليس صحيحا)‪.‬‬
‫‪ -‬أما القس صمو يل زومير ليقول يف كتابه العامل اإلسمامي اليو ‪:‬‬
‫(جيب إقناع املسلمني أبن النصارى ليسوا أعداء هلم)‪.‬‬
‫(جيب نشر الكتاب املقدس بلغات املسلمني؛ ألنه أهم عمل مسيحي)‪.‬‬
‫(تبشَر املسلمني جيب أن بكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بني صفولهم؛ ألن الشجر جيب أن‬
‫بقطعها أحد أعضا ها)‪.‬‬
‫(بنبغي غ‬
‫للمبشربن أن ال بقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشَرهم للمسلمني ضعيفة؛ إذ إن من احملقق أن‬
‫املسلمني قد َنا يف قلوهبم امليل الشدبد إىل علو األوروبيني وحتربر النساء)‪.‬‬
‫‪ -‬وقال صمو يل زومير كذلك يف مممتر القدس التنصَري عا (‪: )1935‬‬
‫(لكن مهمة التبشَر اليت ندبتكم هلا الدول املسيحية يف البماد اإلسمامية ليست يف إدرال املسلمني‬
‫يف املسيحية‪ ،‬لإن يف هذا هدابة هلم وتكرميا‪ ،‬وإَنا مهمتكم هي أن خترجوا املسلم من اإلسما ؛‬
‫ليصبح َملوقا ال صلة له ابهلل‪ ،‬وابلتاِل ال صلة له ابألرماق اليت تعتمد عليها األمم يف حياهتا)‪.‬‬
‫(إنكم أعددمت نَ يشئا ال بعرف الصلة ابهلل وال بربد أن بعرلها‪ ،‬وأررجتم املسلم من اإلسما ‪ ،‬ومل‬
‫بهتم بعظا م األمور‪ ،‬وحيب‬
‫تدرلوه يف املسيحية‪ ،‬وابلتاِل لقد جاء النشء طبقا ملا أراده االستعمار ال ُّ‬
‫تبوأ أمسى املراكز لفي سبيل الشهر جيود بكل شيء)‪.‬‬
‫الراحة والكسل‪ ،‬لإذا تعلم لللشهر ‪ ،‬وإذا َّ‬
‫(سيظل اإلسما صخر عاتية تتحطَّم‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬وقد كتب أحد غ‬
‫املبشربن يف بدابة هذا القرن امليمادي بقول‪:‬‬
‫عليها كل حماوالت التبشَر ما دا للمسلمني هذه الدعا م األربع‪ :‬القرآن‪ ،‬واألزهر‪ ،‬واجتماع اجلمعة‬
‫األسبوعي‪ ،‬ومممتر احلج السنوي العا )‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)496/1‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬هل جاء املسيح بداينة عاملية؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫إن نشاط الغرب النصراين‪ ،‬ودعم املنصربن بسخاء؛ لنشر دبن املسيح‪ -‬بزعمهم‪ -‬أمر ال غ‬
‫مربر له‪،‬‬
‫وال بستند على ٍ‬
‫حق لهل جاء املسيح بداينة عاملية؟ اجلواب بداهة ابلنفي‪ ،‬للم أيت املسيح بداينة‬
‫عاملية‪ ،‬وإَنا أرسله هللا إىل بين إسرا يل خبصوصهم‪ ،‬ومل برسل هللا قبل نبينا حممد صلى هللا عليه وسلم‬
‫بداينة عاملية أي رسول‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‪ ... (( :‬وكان النَب بْبعث إىل قومه راصة‪ ،‬وبْعثت‬
‫صرح يف أكثر من ٍ‬
‫نص يف األانجيل أبنه‬ ‫إىل الناس عامة)) (‪ )1‬أما ابلنسبة للمسيح عليه السما لقد َّ‬
‫جاء هلدابة رراف بين إسرا يل الضالة ليس إال‪ ،‬وهذا هو ما تفيده نصوص األانجيل (العهد اجلدبد)‬
‫لقد جاء ليه قول املسيح لتماميذه االثين عشر الذبن أرسلهم للدعو قا ما هلم‪( :‬إىل طربق أمم ال‬
‫متضوا‪ ،‬وإىل مدبنة للسامربني ال تدرلوا‪ ،‬بل اذهبوا ابحلري إىل رراف بين إسرا يل الضالة) (‪ )2‬بل‬
‫هناك ما هو أوضح من هذا النص يف حتدبد رسالته إىل بين إسرا يل حيث جاءت امرأ كنعانية تصيح‬
‫به أن بشفي ابنتها‪ ،‬لامتنع حبجة أنه مل برسل إال إىل بين إسرا يل‪ ،‬ولكن بعد أن أحلَّت عليه وحاجته‬
‫لىب طلبها‪ ،‬كما يف النص اخآِت‪( :‬مث ررج بسوع من هناك‪ ،‬وانصرف إىل نواحي صور وصيدا‪ ،‬وإذا‬
‫َّ‬
‫امرأ كنعانية رارجة من تلك التخو صررت إليه قا لة‪ :‬ارمحين اي سيدي اي ابن داود‪ ،‬ابنيت جمنونة‬
‫جدا‪ .‬للم جيبها بكلمة‪َّ ،‬‬
‫لتقد تماميذه وطلبوا إليه قا لني‪ :‬اصرلها؛ ألهنا تصيح وراءان‪ .‬لأجاب وقال‪:‬‬
‫مل أرسل إال إىل رراف بين إسرا يل الضالة‪ .‬لأتت وسجدت له قا لة‪ :‬اي سيدي أعين‪ .‬لأجاب وقال‪:‬‬
‫ليس حسنا أن بمرذ ربز البنني وبطرح للكماب‪ .‬لقالت‪ :‬نعم اي سيدي والكماب أبضا َتكل من‬
‫الفتات الذي بسقط من ما د أرابهبا‪ .‬حينئذ أجاب بسوع وقال هلا‪ :‬اي امرأ عظيم إميانك ليكن لك‬
‫كما تربدبن‪ .‬لشفيت ابنتها من تلك الساعة (‪)3‬‬
‫تعقيب‪:‬‬
‫بقدسونه واضحة الداللة على أن املسيحية‬ ‫تلك النصوص ويَرها ِما جاء يف معناها يف كتاهبم الذي غ‬
‫تتعد دايرهم طول لرت وجود‬ ‫اليت جاء هبا املسيح ليست داينة عاملية‪ ،‬وإَنا هي راصة ابليهود مل َّ‬
‫املسيح بينهم ابعرتاف األانجيل اليت بدعون قداستها‪ ،‬لإما أن بممنوا بكل ما ْد غون يف األانجيل‪،‬‬
‫ليعرتلوا أبن داينة املسيح ليست داينة عامة‪ ،‬وإما أن غ‬
‫بكذبوا أانجيلهم يف تقربرها‪ ،‬وهلم أن بدعوا ما‬
‫غ‬
‫للمنصربن‬ ‫بوجه‬
‫بشاؤون‪ ،‬أما أن جيمعوا بني املتناقضات لهو مرلوض يف بدا ه العقول‪ ،‬وهذا اجلواب َّ‬
‫واملستشرقني الذبن جيوبون األرض؛ للدعو إىل نصرانيتهم احملرلة الوثنية البولسيَّة ابسم املسيح‪،‬‬
‫واملسيح عليه السما براء منهم‪ ،‬ومن اعتقاداهتم الوثنية اليت أنشأها بولس؛ لتحوبل النصرانية إىل‬
‫الوثنية‪ ،‬مث تغطية الوثنية ابلنصرانية اليت انتشرت ابسم املسيح عليه السما ‪ ،‬لاتَّضح أن الداينة اليت‬
‫حتولت إىل عاملية هي النصرانية اليت بزعمون انتساهبا إىل املسيح‪ ،‬وإَنا هي الوثنية اليت قررها بولس‬
‫َّ‬
‫واحلكا الوثنيون يف وقته ومن بعده إىل اليو ؛ مليل كثَر من الناس إىل عباد األواثن‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬أررجه البخاري (‪ )335‬واللفظ له ومسلم (‪.)521‬‬
‫(‪(( )2‬إجنيل مىت اإلصحاح العاشر)) ‪ ,‬رقم (‪.)7 - 5‬‬
‫(‪(( )3‬إجنيل مىت‪ ،‬اإلصحاح اَخامس عشر))‪ ،‬رقم (‪.)28 - 21‬‬

‫(‪)497/1‬‬

‫املبحث اَخامس أسباب انتشار التنصَر يف البماد اإلسمامية‪:‬‬


‫النتشار التنصَر يف البماد اإلسمامية أسباب كثَر ‪ ،‬بعضها واضح وبعضها رفي‪ ،‬بسَر رلف رطط‬
‫مدروسة‪ ،‬وعلى كواهل كثَر ِمن ال بشار إليهم ابلبنان‪ ،‬غ‬
‫كاملبشر اليت متسى (األ تربزا) حيث مل‬
‫نصرت عددا‬
‫بسمع عنها أحد إال يف راث ها من إذاعات التنصَر حيث ماتت السنة املاضية‪ ،‬لقد َّ‬
‫كثَرا يف اهلند‪ ،‬ورصوصا األطفال‪.‬‬
‫والذي بتَّضح ‪ ...‬من األسباب الظاهر النتشار التنصَر يف بلدان املسلمني أنه برجع إىل أمور كثَر ‪،‬‬
‫لعل من أمهها‪:‬‬
‫‪1‬ـ جهل املسلمني بدبنهم‪.‬‬
‫‪2‬ـ جهلهم حبقيقة التنصَر‪.‬‬
‫‪3‬ـ نشاط املنصربن يف َمتلف اجملاالت ‪..‬‬
‫‪4‬ـ لقر بعض البلدان اإلسمامية‪ ،‬حيث بدرلون عليهم عن طربق َمتلف املساعدات املادبة من بناء‬
‫مدارس ومستشفيات ودور حضانة وبيوت للشباب وحفر آابر وبناء مراكز تثقيفية ‪ -‬كما بسموهنا‪-‬‬
‫واإلسها يف كثَر من املشاربع األهلية واحلكومية والقروض املالية ‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫‪5‬ـ قو نفوذ الدول الغربية الصليبية يف األصل‪ ،‬مثل أمربكا ولرنسا وأملانيا وبربطانيا وهولندا‪ ،‬ويَرها‪،‬‬
‫وقو تغلغلهم يف بلدان املسلمني للحاجة إليهم‪ ،‬وعد استطاعة كثَر من الدول اإلسمامية ‪ -‬بل كلها‬
‫‪ -‬االستغناء عنهم‪ ،‬رصوصا ليما بتصل ابحليا العصربة واكتشالاهتا املختلفة وصيانة أجهزهتا‬
‫احلدبثة‪.‬‬
‫‪6‬ـ انبهار املسلمني برببق احلضار الغربية‪ ،‬وربطها غ‬
‫املنصرون ابتباعهم تعاليم املسيح‪ ،‬كما بفرتون‪.‬‬
‫الذل الذي أصاب القا مني على مصاحل الشعوب اإلسمامية من أصحاب السلطة والكلمة واجلاه‪،‬‬ ‫‪7‬ـ ُّ‬
‫وتوددهم إىل النصارى رولا وطمعا‪ ،‬وتيسَر أمر غ‬
‫املنصربن؛ للوصول إىل أماكن املسلمني القرببة‬
‫والنا ية حتت ضغط أو تشجيع الدول النصرانية احلاقد ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ وصول بعض الشخصيات النصرانية إىل موقع التأثَر يف املسلمني إما ظاهرا وإما يف اَخفاء‪ ،‬وقد‬
‫منع أمَر املممنني عمر رضي هللا عنه من االستعانة بغَر املسلمني‪.‬‬
‫جلر املسلمني للخروج من دبنهم؛ إذ إنه بعد بعثة حممد‬ ‫‪9‬ـ الدعو إىل تقارب األداين‪ ،‬وهي حيلة غ‬
‫الدبن غعن َد غ‬
‫غ‬
‫هللا اإلسما [آل عمران‪]19 :‬‬ ‫صلى هللا عليه وسلم ال بوجد إال دبن واحد لقط إغ َّن َ‬
‫‪10‬ـ ارتماط األقليات اإلسمامية ابلنصارى‪ ،‬مع عد وجود التوعية المازمة للمسلمني‪ ،‬لتأثَّروا هبم‪.‬‬

‫(‪)498/1‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬األساليب اليت بتبعها أعداء اإلسما يف حرهبم له واتفاقهم على ذلك‪:‬‬
‫• املطلب األول‪ :‬بيان أنواع الوسا ل والطرق إمجاال‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬بعض الكتب ووسا ل الدعابة التنصَربة‪.:‬‬

‫(‪)499/1‬‬

‫املطلب األول‪ :‬بيان أنواع الوسا ل والطرق إمجاال‪:‬‬


‫• ‪ - 1‬عن طربق املممترات التنصَربة‪.:‬‬
‫• ‪ - 2‬عن طربق اإلعما ‪.:‬‬
‫• ‪ - 3‬عن طربق التعليم‪.:‬‬
‫• ‪ - 4‬عن طربق الطب‪.:‬‬
‫• ‪ - 5‬عن طربق حاجة املسلمني إىل األبدي العاملة من النصارى‪.:‬‬
‫• ‪ - 6‬عن طربق استغمال املرأ ‪.:‬‬
‫• ‪ - 7‬عن طربق الصناعات‪.:‬‬
‫• ‪ - 8‬عن طربق التجار ‪.:‬‬
‫• ‪ - 9‬عن طربق املنادا بوجوب حتدبد النسل‪.:‬‬
‫• ‪ - 10‬عن طربق حماصر اإلسما ‪.:‬‬
‫• ‪ - 11‬عن طربق حتبيب النصرانية والصليب إىل األطفال ‪..‬‬
‫• ‪ - 12‬عن طربق أعياد امليماد‪.:‬‬
‫• ‪ - 13‬عن طربق َتليب احلكا على املصلحني‪.:‬‬
‫• ‪ - 14‬عن طربق السخربة بعلماء املسلمني‪.:‬‬
‫• ‪ - 15‬عن طربق إاثر اهلزا م النفسية‪.:‬‬

‫(‪)500/1‬‬

‫‪ - 1‬عن طربق املممترات التنصَربة‪:‬‬


‫ومن ذلك‪:‬‬
‫مممتر القاهر عا (‪1324‬هـ‪ , )1906/‬وقد دعا إليه (زومير) هبدف عقد مممتر جيمع اإلرساليات‬
‫التبشَربة الربوتستانتية؛ للتفكَر يف مسألة نشر اإلجنيل بني املسلمني‪ ،‬وقد بل عدد املممتربن (‪)62‬‬
‫شخصا بني رجال ونساء‪ ،‬وكان (زومير) ر يسا هلم‪.‬‬
‫املممتر التبشَري العاملي يف (أدنربه) ابسكوتلندا عا (‪1328‬هـ‪ , )1910/‬وقد حضره مندوبون عن‬
‫(‪ )159‬مجعية تبشَربة يف العامل‪.‬‬
‫مممتر التبشَر يف (لكنو) ابهلند عا (‪1339‬هـ‪ , )1911 /‬حضره (صمو يل زومير) وبعد انقضاء‬
‫املممتر ْوغزعت على األعضاء رقع مكتوب على أحد وجهيها (تذكار لكنو سنة (‪ , )1911‬وعلى‬
‫الوجه اخآرر (اللهم اي من بسجد له العامل اإلسمامي مخس مرات يف اليو خبشوع انظر بشفقة إىل‬
‫الشعوب اإلسمامية وأهلمها اَخماص بيسوع املسيح) ‪!!! ...‬‬
‫مممتر (بَروت) عا (‪. )1911‬‬
‫مممترات التبشَر يف القدس‪:‬‬
‫يف عا (‪1343‬هـ‪. )1924 /‬‬
‫يف عا (‪ ، )1928‬مممتر تبشَر دوِل‪.‬‬
‫يف عا (‪1354‬هـ ‪ , )1935 /‬وقد كان بضم (‪ )1200‬مندوب‪.‬‬
‫يف عا (‪1380‬هـ ‪. )1961 /‬‬
‫مممتر الكنا س الربوتستانتية عا (‪ , )1974‬يف (لوزان) بسوبسرا‪.‬‬
‫وأرطر املممترات‪ ،‬مممتر (كلورادوا) يف أكتوبر (‪ , )1978‬حتت اسم (مممتر أمربكا الشمالية لتنصَر‬
‫استمر ملد‬
‫َّ‬ ‫املسلمني) حضره (‪ )150‬مشرتكا‪ ،‬كانوا ميثلون أنشط العناصر التنصَربة يف العامل‪،‬‬
‫أسبوعني بشكل مغلق‪ ،‬وانتهى بوضع اسرتاتيجية بقيت سربة َخطورهتا‪ ،‬مع وضع ميزانية هلذه اَخطة‬
‫مقدارها ألف مليون دوالر‪ ،‬وقد مجع هذا املبل لعما‪ ،‬ومتَّ إبداعه يف أحد البنوك األمربكية الكربى‪.‬‬
‫املممتر العاملي الذي عقد يف (السوبد) يف شهر أكتوبر (‪ , )1981‬حتت إشراف اجمللس الفيدراِل‬
‫اللوثراين الذي نوقشت ليه نتا ج مممتري (لوزان) و (كلورادوا) وررج بدراسة مستفيضة عن التنصَر‬
‫ملا وراء البحار‪ ،‬هبدف الرتكيز على دول العامل الثالث‪.‬‬
‫ومن مممتراهتم كذلك‪:‬‬
‫مممتر إستانبول‪.‬‬
‫مممتر حلوان مبصر‪.‬‬
‫مممتر لبنان التبشَري‪.‬‬
‫مممتر بغداد التبشَري‪.‬‬
‫مممتر قسطنطينة التبشَري يف اجلزا ر‪ ،‬وذلك قبل االستقمال‬
‫مممتر شيكايو‪.‬‬
‫مممتر مدراس التبشَري يف بماد اهلند‪ ،‬وكان بنعقد هذا املممتر كل عشر سنوات‪.‬‬
‫مممتر بلتيمور ابلوالايت املتحد األمربكية عا (‪ ، )1942‬وهو مممتر رطَر جدا‪ ،‬وقد حضره من‬
‫اليهود (بن جوربون)‪.‬‬
‫بعد احلرب العاملية الثانية اختذت النصرانية نظاما جدبدا‪ ،‬إذ بنعقد مممتر للكنا س مر كل ست أو‬
‫سبع سنوات متنقما من بلد إىل آرر‪.‬‬
‫مممتر أمسرتدا (‪ )1954‬ـ هولندا‪.‬‬
‫مممتر إبفانستون (‪ )1954‬ـ أمربكا‪.‬‬
‫مممتر نيودهلي (‪ )1961‬ـ اهلند‪.‬‬
‫مممتر أولتاال (‪ )1967‬ـ أولتاال أبوراب‪.‬‬
‫مممتر جاكرات (‪ )1975‬ـ إندونيسيا‪ ،‬وقد اشرتك ليه (‪ )3000‬مبشر نصراين‪.‬‬
‫وكل تلك املممترات ويَرها هتدف إىل حتقيق مآرب كثَر تدرس كيفية نشر الداينة النصرانية رصوصا‬
‫بني املسلمني‪.‬‬
‫ومن تلك اجلمعيات‪:‬‬
‫‪ - 1‬مجعية لندن التنصَربة‪ ،‬وَتسست سنة (‪1179‬هـ ‪ ، )1765 /‬وهي موجهة إىل ألربقيا‪.‬‬
‫‪ - 2‬مجعيات بعثات التنصَر الكنسية‪ ،‬وَتسست يف لندن سنة (‪1214‬هـ ‪ ، )1799 /‬وهي‬
‫موجهة إىل اهلند ومنطقة اَخليج العريب‪.‬‬
‫‪ - 3‬مجعية تبشَر الكنيسة اإلجنليكانية الرببطانية وَتسست سنة (‪1214‬هـ ‪ )1799 /‬وتدعم من‬
‫األسر املالكة يف بربطانيا‪.‬‬
‫‪ - 4‬مجعية طبع اإلجنيل الرببطانية‪ ،‬وَتسست سنة (‪1219‬هـ ‪ ، )1804/‬وهتتم ابلطبع والرتمجة‬
‫والتوزبع‪.‬‬
‫‪ - 5‬مجعية طبع اإلجنيل األمربكية‪ ،‬وَتسست سنة (‪1231‬هـ‪ ، )1861‬وهلا مطابع ومكتبات‬
‫ُتاربة يف البماد العربية كمطبعة النيل ومكتبة اَخرطو ‪.‬‬
‫‪ - 6‬جملس الكنيسة املسيحية األمربكية‪ ،‬ونشأت سنة (‪1253‬هـ‪ ، )1883 /‬وهي موجهة إىل‬
‫العامل العريب‪.‬‬

‫(‪)1/2‬‬

‫‪ - 7‬مجعية الكنيسة التنصَربة‪ ،‬ونشأت سنة (‪1260‬هـ‪ ، )1844/‬وتركز على التعليم واَخدمات‬
‫العماجية‪ ،‬وبسهم األملان ليها جبهود‪.‬‬
‫‪ - 8‬مجعية الشبان النصارى ونشأت سنة (‪1271‬هـ ‪. )1855 /‬‬
‫‪ - 9‬مجعية الشبان القوطيني للتنصَر يف البماد األجنبية‪.‬‬
‫‪ - 10‬الكنيسة اإلصماحية األمربكية‪ ،‬وَتسست سنة (‪1273‬هـ ‪ ، )1857/‬وهي موجهة إىل‬
‫منطقة اَخليج العريب‪.‬‬
‫‪ - 11‬مجعية الروح القدس يف (زجنبار)‪ ،‬وَتسست سنة (‪1280‬هـ ‪ ، )1863 /‬وهي كاثوليكية‬
‫وهتتم ابلعماج والتعليم الصناعي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪ - 12‬أنشأ البااب (ليو الثالث عشر) سنة (‪1295‬هـ‪ )1878 /‬أسقفيتني ملباشر التنصَر‬
‫الكاثوليكي يف شرق ألربقيا‪ ،‬واحد منها يف منطقة لكتوراي‪ ،‬واألررى يف منطقة تنجانيقا‪.‬‬
‫‪ - 13‬احتاد البعثة التنصَربة اإلجنيلية وَتسست سنة (‪1307‬هـ‪ ، )1890 /‬يف الوالايت املتحد‬
‫األمربكية‪.‬‬
‫‪ - 14‬اإلرساليات العربية األمربكية‪ ،‬ونشأت سنة (‪1311‬هـ ‪ ، )1894 /‬يف الوالايت املتحد‬
‫األمربكية‪ ،‬وهتتم مبنطقة اَخليج العريب‪.‬‬
‫‪ - 15‬مجعية احتاد الطلبة النصارى‪ ،‬وَتسست سنة (‪1331‬هـ ‪. )1895 /‬‬
‫‪ - 16‬محلة التنصَر العاملية‪ ،‬وَتسست سنة (‪1331‬هـ ‪ ، )1913 /‬يف الوالايت املتحد‬
‫وهتتم ابلطب والتعليم واألدب والرتمجة‪.‬‬
‫األمربكية‪ُّ ،‬‬
‫وهتتم‬
‫‪ - 17‬زمالة اإلميان مع املسلمني‪ ،‬وأنشئت سنة (‪1334‬هـ ‪ , )1915 /‬يف بربطانيا وكندا‪ُّ ،‬‬
‫ابملطبوعات‪.‬‬
‫‪ - 18‬عمودبة التعبئة‪ ،‬وَتسست سنة (‪1377‬هـ ‪ ، )1958/‬وهي موزعة‪ ،‬وتعتين بتدربب الشباب‬
‫على التنصَر‪.‬‬
‫‪ - 19‬مجعية تنصَر الشباب‪ ،‬ونشأت سنة (‪1372‬هـ ‪. )1952 /‬‬
‫وبهتم‬
‫‪ - 20‬االمتداد النصراين يف الشرق األوسط‪ ،‬ونشأ سنة (‪1396‬هـ ‪ ، )1976 /‬وهو موزع‪ُّ ،‬‬
‫ابملطبوعات‪.‬‬
‫‪ - 21‬اإلرسالية اجلامعية لوسط ألربقيا‪ ،‬وقد قامت تلبية لنداءات املكتشفني اجلغراليني اإلجنليز يف‬
‫اجلامعات واجلمعيات الرببطانية‪.‬‬
‫وهتتم ابلصناعات اليدوبة‪.‬‬
‫‪ - 22‬إرسال الكنيسة احلر األسكتلندبة‪ُّ ،‬‬
‫‪ - 23‬مجعية التنصَر يف أرض التورا العثمانية‪.‬‬
‫‪ - 24‬مجعية تنصَر مشال ألربقيا‪.‬‬
‫‪ - 25‬جلنة التنصَر األمربكية‪.‬‬
‫‪ - 26‬إرسالية كنيسة أسكوتلنده الرمسية‪ ،‬وقامت تلبية لنداء املستكشف اإلجنليزي‬
‫(ليفينجستون)‪ - 27.‬هذا ابإلضالة إىل اجلمعيات احمللية يف العواصم واملدن اإلسمامية (‪)1‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((التنصَر)) للنملة‪( ،‬ص ‪.)43 ،42‬‬

‫(‪)2/2‬‬

‫‪ - 2‬عن طربق اإلعما ‪:‬‬


‫وهذا اجلزء بتمثل يف غ‬
‫البث اإلعمامي على ارتماله من مر ي ومسموع‪ ،‬وحيلهم يف جذب املستمعني‬
‫إليهم‪ ،‬وعرضهم لعقيدهتم يف صور سهلة حمببة‪ ،‬مع التشجيع السخي ابهلدااي واجلوا ز املختلفة لكل‬
‫من بطلب التعامل معهم‪ ،‬ولكي تقف على حقيقة كثر اإلذاعات التنصَربة يف العامل‪ ،‬ونشاطهم القوي‬
‫يف تلك اإلذاعات‪ ،‬والفا د الكبَر اليت حيصلون عليها من وراء ذلك غ‬
‫البث اهلا ل‪ ،‬أحب أن تقف‬
‫على األمور اخآتية‪:‬‬
‫وتضم ما ة حمطة إذاعية كاثوليكية‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الرابطة الكاثوليكية للرادبو والتلفزبون ومقرها سوبسرا‪،‬‬
‫الرابطة العاملية لإلذاعة املسيحية‪ ،‬ومقرها جنيف‪.‬‬
‫االحتاد العاملي لماتصاالت املسيحية أنشئ يف لندن سنة (‪. )1968‬‬
‫الرابطة الدولية لإلذاعيني املسيحيني‪ ،‬ومقرها الوالايت املتحد األمربكية‪.‬‬
‫مجعية التنصَر العاملية ابلرادبو‪ ،‬ومقرها نيوجرسي ابلوالايت املتحد األمربكية‪ ،‬وتتبعها إذاعة حول‬
‫العامل من إذاعة مونت كارلو‪.‬‬
‫اهليئة التنصَربة العاملية يف هونج كونج‪.‬‬
‫االحتاد الفلبيين لإلذاعيني الكاثوليك‪ ،‬ومقره اتبلند‪.‬‬
‫وقد بل عدد اإلذاعات التنصَربة يف عا (‪ ، )1980‬أكثر من (‪ )35‬هيئة وممسسة إذاعية دولية‪،‬‬
‫وقد بل عدد احملطات اليت متتلكها أو تستأجرها الطا فة املعمدانية وحدها أكثر من (‪ )100‬حمطة‬
‫تنصَربة يف أكثر من (‪ )80‬بلدا‪ ،‬وقد عقدت عد مممترات لبحث ألضل الوسا ل وأجنحها لكيفية‬
‫إبصال اإلذاعات التنصَربة إىل كل املستمعني يف العامل‪ ،‬لعقدوا مممترا يف زامبيا سنة (‪، )1961‬‬
‫حضره مندوبون من أمربكا وأوراب وألربقيا‪ ،‬وررجوا بقرارات هبذا الشأن‪.‬‬
‫مث عقدوا مممترا يف روما عا (‪. )1965‬‬
‫مث عقدوا مممترا يف سوبزلندا عا (‪. )1980‬‬
‫مث عقدوا مممترا يف تنزانيا (‪ )9999‬عا (‪ ، )1981‬وكل تلك املممترات هتدف إىل حبث أجنح‬
‫الوسا ل يف غ‬
‫البث اإلذاعي‪ ،‬وتطوبر براجمه‪ ،‬واستحواذها على املستمعني‪ ،‬وتعمل اخآن عد حمطات‬
‫إذاعية من أمثلتها‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذاعة رادبو الفاتيكان‪ ،‬وهي إذاعة دولية مسيحية متتلك أقوى أجهز ٍ‬
‫بث على مستوى العامل‪،‬‬
‫هتتم أبربار العامل‬
‫َتسست عا (‪ ، )1931‬تذبع أبكثر من (‪ )47‬لغة من بينها اللغة العربية‪ُّ ،‬‬
‫َّ‬
‫املسيحي وأربار البااب واألمور الدبنية بصفة راصة‪ ،‬وهم بدسون يف نشراهتم ابلعربية الوعظ‬
‫واملصطلحات املسيحية دون أن بشعر املستمع بتعمدهم ذلك‪.‬‬
‫(هتتم ابلتنصَر‪ ،‬وتقد براجمها خبمسة وسبعني لغة مل ترتبط أببة طا فة دبنية‬
‫إذاعة حول العامل (موانكو ُّ‬
‫مسيحية‪ ،‬بل لضلت أن تعمل حتت اسم اهليئة اليت تنتمي إليها‪ ،‬وقد اشتملت على برامج متنوعة‬
‫غ‬
‫واملنصربن‪ ،‬وحتبيبهم‬ ‫دس على اإلسما ‪ ،‬وتعربض بتعاليمه‪ ،‬ومدح للنصرانية‬
‫جلذب املستمع‪ ،‬وليها ٌّ‬
‫إىل املستمع‪.‬‬
‫إذاعة (صوت األمل)‪.‬‬
‫إذاعة (صوت الغفران)‪.‬‬
‫إذاعة (صوت الشبيبة)‪.‬‬
‫إذاعة (صوت احملبة والولاء)‪.‬‬
‫إذاعة (املركز املعمداين)‪.‬‬
‫إذاعة (مقد احلق)‪.‬‬
‫إذاعة (مركز النهضة)‪.‬‬
‫إذاعة (صوت اإلصماح)‪.‬‬
‫إذاعة (نور على نور) مرسيليا‪.‬‬
‫إذاعة (املدرسة اإلجنيلية)‪.‬‬
‫إذاعة (صوت كلمة احليا ) إسبانيا‪.‬‬
‫إذاعة (نداء الرجاء)‪.‬‬
‫إذاعة (دار اهلدابة) سوبسرا‪.‬‬
‫إذاعة (ميجانوسا) إندونيسيا‪.‬‬
‫إذاعة (إدلنت) إندونيسيا‪.‬‬
‫(اإلذاعة اإلجنيلية) إندونيسيا‪.‬‬
‫إذاعة (زبون) إندونيسيا‪.‬‬
‫إذاعة (تليستار) زا َر‪.‬‬
‫إذاعة (صوت اإلجنيل) إثيوبيا‪.‬‬
‫إذاعة (صوت احلق) لبنان‪ .‬وهناك إذاعات كثَر حتت أمساء َمتلفة‪ ،‬وال بزالون بعملون غجب ٍد يف إنشاء‬
‫اإلذاعات يف كل منطقة بصطادوهنا يف سباق حثيث (‪.)1‬‬
‫ومن ذلك قوهلم‪:‬‬
‫املسيح هو الرب‪.‬‬
‫املسيح هو هللا واإلنسان معا‪.‬‬
‫املسيح هو املخلغص املبارك‪.‬‬
‫املسيح هو َملغص اإلنسانية من رطاايها‪.‬‬
‫املسيح هو الذي صلب من أجلنا‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬عن ((اإلذاعات التنصَربة))‪( ،‬ص ‪.76 - 62‬‬

‫(‪)3/2‬‬

‫املسيح هو الذي صلب من أجل سعادتنا‪.‬‬


‫املسيح هو الذي رلض وصلب من قبل اليهود‪.‬‬
‫املسيح هو الذي َتمل ليحمل رطااي البشر مجيعا يف جسده عندما مات على الصليب‪.‬‬
‫املسيح هو الذي َّ‬
‫قد جسده ذبيحة على الصليب‪.‬‬
‫ارتار أن ميوت بدبما عنا آرذا عقاب دبنونة ذنوبنا‪.‬‬
‫املسيح هو سيد العذاب واألمل‪.‬‬
‫قد جسده ضحية ولداء على رشبة الصليب‪.‬‬ ‫املسيح هو الذي َّ‬
‫املسيح هو الذي مات طوعا وارتيارا؛ لكي بدلع عقاب رطاايك‪.‬‬
‫املسيح هو آد الثاين‪.‬‬
‫املسيح هو القادر أن بغَر نظرتك ولكرك‪.‬‬
‫املسيح هو الذي بضمن لك احلاضر واملستقبل‪.‬‬
‫املسيح هو الذي بنقلك من الفكر اجلسدي الشهواين إىل الفكر الروحي‪.‬‬
‫املسيح هو السما ‪.‬‬
‫املسيح هو مفتاح بيت الفرج‪.‬‬
‫املسيح هو حامل بشار السما ‪.‬‬
‫املسيح هو زهر الفرح واحلربة للبشربة كلها‪.‬‬
‫حتمل اخآال والعار والعذاب واالحتقار من أجل أن بعطينا سمامتنا مع هللا األب يف‬
‫املسيح هو الذي َّ‬
‫السماء‪.‬‬
‫املسيح هو الوحيد الذي ميكن أن تعتمد عليه وتثق به‪.‬‬
‫املسيح هو الطربق الذي تسلم له احليا ‪.‬‬
‫املسيح هو الطربق الوحيد إىل هللا‪.‬‬
‫املسيح هو الذي مات من أجل أن جند الطربق إىل هللا‪.‬‬
‫املسيح هو حمبة‪ ،‬واحملبة هي صليب املسيح الذي ْعلغق لوقه‪.‬‬
‫املسيح هو الطربق إىل احليا الروحية‪.‬‬
‫املسيح هو الذي لتح أبواب احليا على مصراعيها‪.‬‬
‫املسيح هو احليا األبدبة وبدونه بكون املوت والعذاب األبدي‪.‬‬
‫قيامة املسيح هي قهر املوت عدو اإلنسان اللدود‪.‬‬
‫اإلميان ابملسيح الذي بيسر مشاكل احليا ‪.‬‬
‫اإلميان ابملسيح هو اَخط الفاصل بني السماء وبني اجلحيم‪.‬‬
‫اإلميان ابملسيح هو الطربق الوحيد لتحقيق السعاد ‪.‬‬
‫اإلميان ابملسيح وعمله الكامل على الصليب هو طربق احليا األبدبة كما رمسه هللا‪.‬‬
‫‪-‬عن طربق الدعاايت لكتاهبم الذي بقدسونه‪:‬‬
‫أحس النصارى بضعف كتاهبم الذي بطلقون عليه (الكتاب املقدس) اررتعوا له أبضا أوصالا‬‫حينما َّ‬
‫ليكملوا ما شعروا به من النقص‪ ،‬وقد أحببت أن تطَّلع عليها أري القارئ ليما بلي‪:‬‬
‫اإلجنيل هو الكتاب الذي رسم هللا ليه طربق احليا األبدبة‪.‬‬
‫اإلجنيل هو اإلميان‪ .‬اإلجنيل هو كلمة هللا (‪.)1‬‬
‫اإلجنيل هو الطربق الوحيد للحصول على راحة وسمامة القلب‪ ،‬وصحة النفس‪.‬‬
‫اإلجنيل من أسهل وأوضح الكتب‪ .‬اإلجنيل كتاب حنبه‪ .‬بعرتلون بضياع إجنيل عيسى‪ ،‬الذبن ال بممنون‬
‫ابإلجنيل‪ ،‬هم أصحاب القلوب والعقول املظلمة (‪)2‬‬
‫اإلحنراف والفساد والرشو واالحنمال األرماقي َتِت بسبب ترك اإلجنيل‪.‬‬
‫‪-‬عن طربق مدحهم لدبنهم‪:‬‬
‫وصدق من قال‪( :‬القرد يف عني أمه يزال)‪ .‬إن النصارى بدركون أكثر من يَرهم رواء عقيدهتم‬
‫وهزاهلا‪ ،‬لذهبوا ميتدحوهنا‪ ،‬غ‬
‫بعظمون من قدرها؛ لعلها ترتفع يف أعني الناس‪ ،‬ومن ذلك قوهلم‪:‬‬
‫املسيحية هي طربق القداسة واحملبة واإلميان العميق‪.‬‬
‫املسيحية هي الكمال األرماقي‪ ،‬والكمال األديب‪ ،‬والتطابق بني املعرلة العقلية والتطبيق احلياِت‪.‬‬
‫املسيحية هي لقب احليا كاملة‪ ،‬وليست لقبا لدولة أو جمموعة دول‪.‬‬
‫املسيحي هو الذي بعيش حسب قدو املسيح ومثله‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬وبعرتلون أن األانجيل ليست هي كما هللا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ولكنهم ال بطبقونه هم أبضا‪.‬‬
‫(‪)4/2‬‬

‫‪ - 3‬عن طربق التعليم‪:‬‬


‫بقول نفر من املبشربن‪( :‬إن أهداف املدارس والكليات اليت تشرف عليه اإلرساليات يف مجيع البماد‬
‫كانت دا ما متشاهبة‪ ،‬إن املدارس والكليات كانت تعترب يف الدرجة األوىل وسيلة تعلم من كتب‬
‫يربية‪ ،‬وعلى أبدي مدرسني يربيني حتمل معها اخآراء التبشَربة)‬
‫وبقول املبشر (هنري هربس جسب)‪( :‬إن التعليم يف اإلرساليات التبشَربة إَنا هو وسيلة إىل يابة‬
‫لقط‪ ،‬هذه الغابة هي قياد الناس‪ ،‬وتعليمهم حىت بصبحوا ألرادا مسيحيني وشعواب مسيحية)‪.‬‬
‫وبقول أبضا‪( :‬إن املدارس شرط أساسي لنجاح التبشَر‪ ،‬وهي بعد هذا وسيلة إىل يابة يف نفسها‪،‬‬
‫تسمى ابإلضالة إىل التبشَر (دق اإلسفني) وكانت على احلقيقة كذلك يف إدرال‬
‫لقد كانت املدارس َّ‬
‫اإلجنيل إىل مناطق كثَر مل بكن ابإلمكان أن بصل إليها اإلجنيل أو املبشرون من طربق آرر)‪.‬‬
‫وبقول بعض غ‬
‫املبشربن‪( :‬إن املدارس قوى جلعل الناشئني حتت َتثَر التعليم أكثر من كل قو أررى‪،‬‬
‫مث إن هذا التأثَر بستمر حىت بشمل أولئك الذبن سيصبحون يف بو ما قاد يف أوطاهنم)‪.‬‬
‫وبقول املبشر (تكلى)‪( :‬جيب أن نشجع إنشاء املدارس على النمط الغريب العلماين؛ ألن املسلمني‬
‫قد زعزع اعتقادهم ابإلسما والقرآن حينما درسوا الكتب املدرسية الغربية‪ ،‬وتعلموا اللغات‬
‫األجنبية)‪.‬‬
‫وبقول (صمو يل زومير)‪( :‬ما دا املسلمون بنفرون من املدارس املسيحية‪ ،‬لما بد أن ننشئ هلم‬
‫املدارس العلمانية‪ ،‬ونسهل التحاقهم هبا‪ ،‬وهذه املدارس اليت تساعدان على القضاء على الروح‬
‫اإلسمامية عند الطماب)‪.‬‬
‫ليم جييب العلمانيون عن هذا املخطط الواضح؟!! وهل تنفعهم املراوية واالحتيال لصرف الناس عن‬
‫التصدبق به؟!!‬
‫وتقول غ‬
‫املبشر (آان ميلي يان)‪( :‬لقد استطعنا أن جنمع يف صفوف كلية البنات يف القاهر بنات‬
‫آابؤهن ابشوات وبكوات‪ ،‬وال بوجد مكان ميكن أن جيتمع ليه مثل هذا العدد من البنات املسلمات‬
‫حتت النفوذ املسيحي‪ ،‬وابلتاِل ليس هناك من طربق أقرب إىل تقوبض حصن اإلسما من هذه‬
‫املدرسة)‪.‬وبقول غ‬
‫املبشر (بزوز) الذي جاء عا (‪ , )1948‬ليتسلم زما الرائسة يف جامعة بَروت‬
‫األمربكية‪( :‬لقد أدَّى الربهان إىل أن التعليم أامن وسيلة استغلها املبشرون األمربكيون يف سعيهم‬
‫لتنصَر سوراي ولبنان‪ ،‬ومن أجل ذلك تقرر أن خيتار ر يس الكلية الربوتستانتية اإلجنيلية (‪ )1‬من‬
‫مبشري اإلرسالية السوربة (‪)2‬‬
‫وقد أصبح التعليم كله على َمتلف لنونه بهدف إىل حتقيق يابة واحد ‪ ،‬هي إعماء الفكر املضاد‬
‫لإلسما ‪ :‬الفن والشعر والعلو والتاربخ والرايضة والتمثيليات واملسرحيات الطمابية واملسابقات‬
‫الثقالية‪ ،‬وسا ر الفنون األررى كلها ال بد ليها من حتقيق الطموح الغريب‪ ،‬والتنفيس عن احلقد‬
‫الصليَب‪ ،‬وأن تشتمل كلها على حتقيق هذا اهلدف‪.‬‬
‫وهناك حيل أررى بستعملها املفكرون الغربيون ضد املدارس اليت مل بتوصلوا إىل التدرل املباشر‬
‫ليها‪:‬‬
‫وذلك إبشاعة أن السنة الدراسية وحضور الطالب ليها بكفي لنجاحه إىل السنة اليت تليها‪ ،‬غ‬
‫بغض‬
‫النظر عن مستواه التعليمي؛ لكي بنتشر التعليم بسرعة‪ ،‬وبقضي على األمية‪ ،‬إىل يَر ذلك من‬
‫املربرات اليت أقنعوا هبا املسئولني‪ ،‬وكانت نتيجة هذه املكيد اليت حيملها أمثال همالء الذبن انلوا‬
‫الشهاد دون مقابل من التعليم بستحقه‪ ،‬والغرض اَخفي وراء هذه املكيد غ‬
‫تدين املعرلة يف العامل‬
‫اإلسمامي‪ ،‬وختربج متعلمني جهاال‪ ،‬ال بثقون أبنفسهم‪ ،‬وال تثق هبم جمتمعاهتم‪ ،‬وابلتاِل إجياد احلَر‬
‫واالضطراب يف اجلميع‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬وهي اجلامعة األمربكية اليو ‪.‬‬
‫(‪ )2‬نقما عن كتاب ((عزو يف الصميم)) (ص ‪.)29 - 25‬‬

‫(‪)5/2‬‬

‫غ‬
‫املتخرجني‪،‬‬ ‫تمدي إىل نفس الغرض السابق‪ ،‬وإن كان ببدو أهنا غ‬
‫تشدد على‬ ‫وهناك حيلة أررى أبضا غ‬
‫حيث بومهون املسئولني أبنه بكفي لنجاح الطالب أن بشرتط عليه احلصول على نسبة مئوبة تمهله‬
‫للنجاح‪ ،‬واالنتقال يف املرحلة التعليمية‪ ،‬ولتكن تلك النسبة متدنية إىل حد ما؛ إذ املطلوب تسهيل‬
‫جناح الطالب‪ ،‬ومتابعته الدراسية‪ ،‬ومتَّ هذا‪ ،‬ولكن النتيجة مل ختتلف عن الطربقة السابقة‪.‬‬
‫مث اررتع الغزا لَللكار حيلة أررى‪ ،‬وهي دمج املواد املتشاهبة وإعطاؤها درجة واحد ‪ ،‬مع أن كل‬
‫ماد تستحق أن تفرد ابلدراسة الكاملة‪ ،‬وابلدرجة املستقلة‪ ،‬وكان يرضهم من هذا أن جيد الطالب‬
‫الكسول الفرصة املما مة له لدراسة أي جزء متيل إليه نفسه؛ ليأرذ الدرجة كاملة عن كل املواد‬
‫لتتدىن املعرلة‪ ،‬وبزداد الكسل واَخمول واألمية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫األررى الوارد حتت تلك التسمية‪،‬‬
‫مثما (ماد الدبن) تشمل العقيد اإلسمامية والفقه والتفسَر واحلدبث واملصطلح وعلو التجوبد‬
‫والسَر النبوبة‪ ،‬والتاربخ إىل يَر ذلك ِما بتعلَّق مبواد الدبن‪ ،‬هذه كلها أصبحت ماد واحد‬
‫ودرجتها واحد ‪ ،‬لأي نفع سيحصل عليه الطالب من هذا الوضع؟‬
‫وكذلك مواد اللغة العربية من حنو وصرف وبماية وأدب وإمماء ورط وقراء وتعبَر ونصوص‬
‫بتم ليها ُتز ة‬
‫تسمى بنظا الساعات‪ ،‬حيث ُّ‬‫وعروض هي ماد واحد كذلك!! وهناك حيلة رابعة َّ‬
‫املاد العلمية إىل وحدات دراسة صغَر ‪ ،‬تنتهي دراستها يف مد وجيز ‪ ،‬برتكها الدارس مىت جنح ليها‪،‬‬
‫ليأرذ بعدها وحد أررى‪ ،‬وهكذا إىل أن تنتهي املراحل الدراسية أيرذ املعلومات على عجل‪ ،‬مث‬
‫برتكها على عجل كذلك‪ ،‬لما تثبت املعلومات يف ذهنه‪ ،‬بل بنساها تباعا‪ ،‬أو ال حيصل له ليها اهتما‬
‫ابلقدر الذي جيب (‪.)1‬‬
‫وهي دسا س ال بد أن تمثر سلبا على الدارس عاجما أ آجما‪.‬‬
‫بسمى بوسا ل التفرب وامللء‪ ،‬وهي وسا ل‬
‫ومن أرطر أنواع الغزو الفكري عن طربق التعليم ما َّ‬
‫ربيثة براد من ورا ها أن ببقى املسلمون بعيدبن عن أي اتصال بدبنهم‪ ،‬بسبب ما بضعونه أمامهم من‬
‫العراقيل واملفاهيم والشبهات الباطلة‪ ،‬لتفسد بذلك مفاهيمهم عن اإلسما ‪ ،‬وبتمثل هذا السلوك يف‬
‫أمور كثَر ‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫لصل العلو الدبنية عن العلو الدنيوبة‪ ،‬وابلتاِل الفصل بني من بربد تعلم األمور الدبنية‪ ،‬وبني من‬
‫بربد العلو الدنيوبة‪ ،‬وهي رطة يابة يف املكر ‪.....‬‬
‫بتعصب صاحب كل علم ملبد ه‪ ،‬لتحصل الفرقة‬
‫إاثر العصبية البغيضة بني أتباع كل علم‪ ،‬حبيث َّ‬
‫والتبايض بينهم‪ ،‬وهو املراد من تلك اَخطة‪.‬‬
‫إقصاء أصحاب العلو الدبنية كي بضطروا إذا أرادوا أن بكون هلم ذكر يف اجملتمع أو َتثَر‪ ،‬أو أن‬
‫بعيشوا عيشة كرمية‪ -‬كي بضطروا إىل نبذ دراساهتم الدبنية‪ ،‬وااللتحاق بدراسة تلك العلو الدنيوبة‬
‫اليت بزعمون أهنا ال تتوالق مع التعاليم الدبنية‪.‬‬
‫تشجيع كل صاحب هدف ما على أن بلفق عن اإلسما وعن نبيه العظيم وعن سلف أمة اإلسما ‪،‬‬
‫لكي بنشأ جيل بعتقدها صحيحة‪ ،‬ليفضلها وبقدمها على أهنا هي التعاليم اإلسمامية جهما حبقيقتها‪،‬‬
‫وتكون تلك املفرتايت بغض اإلسما الصحيح وبغض علما ه السلفيني‪.‬‬
‫ومن جهة أررى بستفيد أعداء اإلسما منها احليلولة دون معرلة حقيقة تلك األياليط واألكاذبب‬
‫املفرتا ؛ لضمان عد رجوع من سلك سبيلهم عنها‪.‬‬
‫ومنها اضطهادهم طماب العلو الدبنية ودعاته‪ ،‬وإاثر بعضهم على بعض‪ ،‬ويمزهم بكل النقا ص‬
‫وإدرال عناصر بينهم؛ للتجسس عليهم‪ ،‬ولتفربق كلمتهم‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬بتصرف عن كتاب ((يزو يف الصميم)) ص (‪.)98 – 90‬‬

‫(‪)6/2‬‬

‫اهلجو على اإلسما ‪ ،‬وإاثر الشبهات والشكوك حول صماحيته‪ ،‬وأنه مصدر ختلف املسلمني‪ ،‬بينما‬
‫احلضار الغربية بزعمهم كانت هي مصدر التقد األوريب حينما تركت تعاليم الكنيسة‪ ،‬وهمالء قد‬
‫بكونون مغاليط معتمدبن مع اقتناعهم بصماحية تعاليم الكنيسة وتعصبهم هلا‪ ،‬وبقولون ذلك من ابب‬
‫تشجيع املسلمني على ترك دبنهم نفاقا هلم‪ ،‬وإما أن بكونوا جادبن يف ذلك بسبب ما رأوه يف تعاليم‬
‫الكنيسة من اضطهاد للعلم والعلماء‪ ،‬وهم بقولون ذلك لتشجيع اإلحلاد‪ ،‬ونبذ األداين كلها‪ ،‬سواء‬
‫ما كان وضعيا كالنصرانية‪ ،‬أو إهليا صحيحا كاإلسما ‪ ،‬دون أن بلتفتوا إىل الفوارق اهلا لة بني الدبن‬
‫اإلهلي والدبن الوضعي البشري‪.‬‬
‫السخربة والتهكم بعلماء اإلسما ‪ ،‬وابألحكا اإلسمامية‪ ،‬والعبادات يف اإلسما ‪ ،‬ووصفهم بكل‬
‫صفات النقص‪ ،‬وتشوبه صورهم الناصعة‪ ،‬إىل حد أن جعل بعض ضعاف النفوس بستحي أو خياف‬
‫أن بنسب نفسه إىل اإلسما يف بعض األماكن والبلدان؛ لئما بكون حمل سخربة وهتكم من احمليطني به‬
‫من شياطني اإلنس‪.‬‬
‫وإذا كانت تلك الوسا ل كلها املقصود هبا تفرب عقل املسلم من دبنه‪ ،‬لهناك أبضا وسا ل أررى‬
‫وبتم هذا عن طربق‬
‫متممة هلا بستعملها الغزا مللء ذلك الفراغ الذي حتدثه الوسا ل السابقة‪ُّ ،‬‬
‫هيمنتهم على التعليم واملناهج الدراسية وعلى طربقتهم‪.‬‬
‫الغض من جدوى التعليم اإلسمامي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫انضم إليهم من املسلمني‪ ،‬وإيداق األموال واهلدااي عليهم‪،‬‬
‫التشجيع املادي واملعنوي لكل من َّ‬
‫ومتكينهم من الوصول إىل مواقع السيطر ‪ ،‬والنفوذ يف بلداهنم‪ ،‬وهتيئة الرأي العا هلم إذا كانوا‬
‫بصلحون للقياد ليملموا الفراغ الذي رتَّبوه‪.‬‬
‫إمهال ْم َد غرسي الدبن اإلسمامي وازدراؤهم‪ ،‬وإحمال ْم َد غرسي املواد األررى يف حال أحسن من حال‬
‫أولئك‪.‬‬
‫تسخَر كل شيء لصاحل الغزا من املواد الدراسية إىل لعبة كر القد واملسارح والسينما والتمثيليات‬
‫بسمونه ابلفن والكتب واجملمات والصحف واإلذاعة والتلفزبون ‪...‬‬
‫والنزهات واالرتماط‪ ،‬ووسا ل ما ُّ‬
‫إىل آرر تلك األمور اليت ال حتصر إال ابلكلفة‪ ،‬كلها هتدف يف النهابة إىل ردمة الغزا ‪ ،‬مبلء الفراغ‬
‫يف كل مكان بتطلَّبه األمر‪ ،‬أو خيرج منه اإلسما ‪ ،‬واألنكى يف كل ذلك أن بقو بعض من بنتسب إىل‬
‫اإلسما يف األساس ِمن ابعوا دبنهم وضما رهم وعقوهلم لغزا األلكار أن بقو همالء بتنفيذ ما بربده‬
‫الغزا بكل دقة وجرأ اتمة دون أي اكرتاث ابملصَر املشمو الذي بتهدَّد أمتهم اإلسمامية‪.‬‬
‫‪-‬عن طربق املعاهد التنصَربة‪:‬‬
‫اهتم غ‬
‫املنصرون إبنشاء معاهد للدراسة النصرانية يف َمتلف‬ ‫أما معاهد الدراسة ومراكز البحوث لقد َّ‬
‫البقاع ومنها‪:‬‬
‫معهد (بونتيفيكو) للدارسات العربية‪ ،‬ومقره روما يف إبطاليا‪ ،‬تشرف عليه الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬
‫معهد اخآداب العربية‪ ،‬ومقره تونس‪ ،‬وتشرف عليه أبضا الكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬
‫املركز النصراين لدراسات مشال ألربقيا‪ ،‬كان مقره يف اجلزا ر‪ ،‬وقد أيلقته احلكومة اجلزا ربة عا‬
‫(‪. )1969‬‬
‫ومقره بَروت‪ ،‬وتشرف عليه الكنيسة الكاثوليكية واجلمعية‬
‫مركز دراسات العامل العريب احلدبث‪ُّ ،‬‬
‫اليسوعية‪.‬‬
‫ومقره بَروت يف لبنان أبضا‪ ،‬وتشرف عليه طوا ف نصرانية‪.‬‬
‫معهد الشرق األدىن لماهوت‪ُّ ،‬‬
‫ومقره نَرويب يف كينيا‪ ،‬وتشرف عليه عد طوا ف نصرانية‪.‬‬
‫مركز دراسات اإلسما يف ألربقيا‪ُّ ،‬‬
‫ومقره راولبندي يف ابكستان‪ ،‬وتشرف عليه طوا ف مسيحية‪.‬‬
‫املركز النصراين للدارسات‪ُّ ،‬‬
‫ومقره حيدر آابد يف اهلند‪ ،‬وتشرف عليه عد طوا ف‬
‫معهد هنري مارتن للدراسات اإلسمامية‪ُّ ،‬‬
‫نصرانية‪.‬‬
‫ومقره مدبنة أليجان يف الفلبني‪ ،‬وتشرف عليه كلية دانسمان التابعة للكنيسة‬
‫مركز أحباث دانسمان‪ُّ ،‬‬
‫املسيحية املوحد ‪.‬‬
‫مركز دانكان ماكدوانلد لدراسة اإلسما والعماقات النصرانية اإلسمامية‪ ،‬وتشرف عليه ممسسة‬
‫هارتفورد النصرانية يف الوالايت املتحد األمربكية‪.‬‬
‫ومقره كاليفوربنا أبمربكا‪ .‬الوكاالت الدبنية التنصَربة‪ ،‬وتوجد عد‬
‫معهد زومير للدراسات اإلسمامية‪ُّ ،‬‬
‫وكاالت يف أمربكا وكندا وأسرتاليا على يرار معهد زومير (‪.)1‬‬
‫وقد جنح همالء الشياطني يف استجماب كثَر من املسلمني إىل صفولهم يف ألربقيا ويف آسيا‪...... ،‬‬
‫وهللا تعاىل يالب على أمره‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬ابرتصار وتصرف عن ((اإلذاعات التنصَربة)) (ص‪.)30 - 25‬‬
‫(‪)7/2‬‬

‫‪ - 4‬عن طربق الطب‪:‬‬


‫يف بناء املستشفيات اليت ظاهرها الرمحة‪ ،‬وابطنها من قبلها العذاب‪ ،‬وقد جلموا إىل نشر النصرانية عن‬
‫طربق الطب بعد أن لشلوا يف نشرها ابلوعظ والدعو املباشر ‪ ،‬وقد استغلوا حاجة املرضى أسوأ‬
‫بقدمون للمربض‪ -‬كما بذكر عنهم‪ -‬الدواء‬‫استغمال‪ ،‬وبطرق شيطانية ماكر بطول شرحها‪ ،‬إذ غ‬
‫الفاسد ابسم حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬مث غ‬
‫بقدمون له الدواء اجليد ابسم املسيح عليه السما ‪ ،‬مث‬
‫بسألون املربض عن املقارنة بني احلالتني مذكغربن املربض أبن شفاء املرضى وإحياء املوتى وإبراء‬
‫األكمه واألبرص ‪ ...‬ويَر ذلك كان جزءا من قدر املسيح عليه السما على الشفاء‪ ،‬ويَر ذلك‬
‫من األساليب واَخدع املاكر ‪.‬‬
‫ومن أقوال كبارهم‪:‬‬
‫قال (بول هاربسون) يف كتابه (الطب يف بماد العرب)‪( :‬لقد ْوجدان حنن يف بماد العرب لنجعل رجاهلا‬
‫ونساءها نصارى)‪.‬وتقول املبشر (إبد هاربس)‪( :‬جيب على الطبيب أن بنتهز الفرصة ليصل إىل آذان‬
‫املسلمني وقلوهبم) (‪.)1‬‬
‫ويَر ذلك من أقواهلم يف احلث على نشر التنصَر عن طربق الطب واألطباء‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي)) (‪.)683 /1‬‬

‫(‪)8/2‬‬

‫‪ - 5‬عن طربق حاجة املسلمني إىل األبدي العاملة من النصارى‪:‬‬


‫كذلك استغلوا حاجة املسلمني إىل األبدي العاملة من النصارى يف جماالت التقنيات احلدبثة‪ ،‬يف جمال‬
‫النقل‪ -‬كالطَران‪ -‬أو االقتصاد‪ ،‬كالبرتول ‪ ...‬ويَر ذلك‪.‬‬

‫(‪)9/2‬‬
‫‪ - 6‬عن طربق استغمال املرأ ‪:‬‬
‫تتحرر من استعباد‬
‫حيث استغلوا املرأ أقبح استغمال ابلرتكيز على أهنا مظلومة جاهلة‪ ،‬وجيب أن َّ‬
‫الرجل الشرقي‪ ،‬وأن النصرانية تولغر هلا كل شيء‪.‬‬

‫(‪)10/2‬‬

‫‪ - 7‬عن طربق الصناعات‪:‬‬


‫حيث وصلوا إىل أبعد ٍ‬
‫حد ِمكن حىت حلي النساء‪ ،‬لتجد بعضه بصنع على شكل الصليب‪ ،‬وكذا‬
‫بقية األدوات من لباس ولرش ويَر ذلك من أنواع األاثث‪.‬‬

‫(‪)11/2‬‬

‫‪ - 8‬عن طربق التجار ‪:‬‬


‫حيث بفعلون ذلك عن طربق مبادلة املنالع والسلع بزعمهم‪ ،‬حيث حيتوي ذلك على كثَر من الدس‬
‫التنصَري يف االتفاقيات والصي اليت تكتب هبا‪.‬‬

‫(‪)12/2‬‬

‫‪ - 9‬عن طربق املنادا بوجوب حتدبد النسل‪:‬‬


‫وذلك بتشجيعه بني املسلمني‪ ،‬وكذلك الدعو إىل الزواج املتأرر‪ ،‬ويف املقابل الدعو اجلاد‬
‫للمسيحيني ابإلكثار من النسل‪ ،‬والزواج املبكر‪ ،‬وتشجيعهم على ذلك بعد وسا ل ومغرايت‪.‬‬
‫وهناك أوجه كثَر ووسا ل متعدد بستخدمها غ‬
‫املنصرون للتأثَر على البسطاء من املسلمني‬
‫بستجلبوهنم هبا من حيث بشعرون أو ال بشعرون‪ .‬لقد ملموا الدنيا ضجيجا أبن أصحاب الدايانت‬
‫كلهم على رط واحد يف حماربة الشيوعية‪ ،‬وابلتاِل لوحد األداين هي املطلب املشرتك يف جماهبة‬
‫اإلحلاد (‪)1‬‬
‫وقد أثرت هذه الدعابة يف الكثَر من املسلمني ظانني أنه كما صحيح واُتاه سليم‪ ،‬ومل بعلموا أنه‬
‫لكر ابطل ال جيوز أن بنخدع به املسلم ذلك أن كل ما سوى اإلسما من الدايانت لهي ابطلة‬
‫الدبن غعن َد غ‬
‫غ‬
‫هللا اإلسما‬ ‫منسورة‪ ،‬سواء كانت اليهودبة أو النصرانية أو الشيوعية ‪ ...‬أو يَر ذلك إغ َّن َ‬
‫[آل عمران‪ .... ]19 :‬وأن الشيوعية أقل ضررا من النصرانية لهي منبوذ بطبيعة احلال‪ ،‬وهلا تلك‬
‫األوجه اليت للنصرانية من احليل واملسالك املقنعة ابلدعو إىل هللا تعاىل‪ ،‬وإىل الرجوع إليه‪ ،‬والريبة‬
‫ليما عنده‪ ،‬وحنو ذلك من الطرق املشبعة ابلنفاق واملكر‪.‬‬
‫وكذلك رطر الوثنية‪ ،‬لإنه ال بصل إىل اَخطر الكامن يف التنصَر؛ إذ الوثنية أمرها معلو وكفرها‬
‫واضح‪ ،‬وليس ليها كذلك تلك األوجه املتعدد للنصرانية من استعمال العبارات املألولة‪ ،‬مثل‬
‫(يفران الذنوب‪ ،‬التوجه إىل هللا‪ ،‬البعد عن اَخطااي ‪ ) ...‬وحنو ذلك من الكلمات اليت ال وجود هلا يف‬
‫الوثنية والشيوعية‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬هذا الكما كان قبل أن تسقط الشيوعية‪ ،‬وأما اليو لاجملاهبة على أشدها بني اإلسما والنصرانية‬
‫عمانية ‪..‬‬

‫(‪)13/2‬‬

‫‪ - 10‬عن طربق حماصر اإلسما ‪:‬‬


‫كل ما يف وسعهم وطاقتهم على حماصر اإلسما ‪ ،‬وعد وصول نوره إىل النصارى‬ ‫لقد عمل غ‬
‫املنصرون َّ‬
‫من انحية‪ ،‬ومن انحية أررى إىل يَر النصارى من أصحاب الدايانت الباطلة‪ ،‬بل غ‬
‫املنصرون بتمنَّون‬
‫أن تبقى الشعوب على أي عقيد كانت إال العقيد اإلسمامية‪ ،‬وأن ببقوا على جهلهم؛ ليحوزوا‬
‫السبق إليهم قبل أن بصلهم اإلسما الذي هو العدو األول هلم‪ ،‬والذي تتمثل حماربتهم له يف جماالت‬
‫كثَر منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ احلفاظ على من درل النصرانية كي ال برتكها‪ ،‬حبيث ال برتكون له اجملال للتفكَر أو االتصال‬
‫ابملسلمني‪.‬‬
‫‪2‬ـ إرراج املسلمني عن دبنهم ما وجدوا إىل ذلك سبيما‪.‬‬
‫‪3‬ـ التشكيك يف التعاليم اإلسمامية وصماحيتها إلسعاد البشربة بزعمهم الكاذب‪.‬‬
‫‪4‬ـ إريا املسلمني على النطق أبلفاظ التنصَر يف املعاممات ويف أمساء صناعاهتم‪ ،‬ويف التحااي بينهم‪،‬‬
‫مثل (أوكي‪ ،‬مرسي‪ ،‬والرب معكم ‪ ) ...‬إخل‪.‬‬
‫‪5‬ـ نشر الدعاايت الكاذبة أن النصرانية هي اليت أوصلت األوربيني إىل ما وصلوا إليه من التقد ‪ ،‬وأن‬
‫اإلسما هو الذي جعل أتباعه هبذه املنزلة من التخلف والضعف‪.‬‬

‫(‪)14/2‬‬

‫‪ - 11‬عن طربق حتبيب النصرانية والصليب إىل األطفال‪.‬‬

‫(‪)15/2‬‬

‫‪ - 12‬عن طربق أعياد امليماد‪:‬‬


‫ومن أشد وسا ل التنصَر شيوعا هو االحتفال أبعياد امليماد املسيحية‪ ،‬وتبادل التهاين بينهم وبني‬
‫يَرهم من املسلمني!!‬

‫(‪)16/2‬‬

‫‪ - 13‬عن طربق َتليب احلكا على املصلحني‪:‬‬


‫توجه اهتما املبشربن إىل اإلبعاز للحكا أن بستولوا على كل وسيلة كسب لعلماء املسلمني كي‬
‫لقد َّ‬
‫ال بعتزوا أبنفسهم عن الذل لغَرهم‪ ،‬ورصوصا األوقاف اليت كانت يف الزمن القدمي من الصدقات‬
‫اجلاربة للممسسات اَخَربة‪ ،‬لسلبت تلك األوقاف‪ ،‬وجعلت من أمماك الدولة يف بعض بلدان‬
‫املسلمني؛ نكابة ابملسلمني وبدبنهم احلنيف‪.‬‬

‫(‪)17/2‬‬

‫‪ - 14‬عن طربق السخربة بعلماء املسلمني‪:‬‬


‫وجهوا اهتمامهم إىل السخربة بعلماء اإلسما ‪ ،‬وتصوبرهم بصور شىت؛ لكي بسقطوا من أعني‬
‫مث َّ‬
‫الناس‪ ،‬وابلتاِل لما بلتفتون إىل تعاليمهم‪ ،‬وال بقدروهنم َّ‬
‫حق قدرهم‪.‬‬
‫وابلتاِل بنفذون إىل التشكيك يف اإلسما ‪ ،‬وزعزعته من قلوب أتباعه‪ ،‬وبل وإىل ما هو أبعد من ذلك‪،‬‬
‫صورت‬
‫وهو تفربق كلمة املسلمني‪ ،‬وإاثر العصبيات والبغي بينهم‪ ،‬وتعاِل بعضهم على بعض‪ ،‬وقد َّ‬
‫إحدى الصحف يف دولة عربية إسمامية‪ ،‬الرسول صلى هللا عليه وسلم وزوجاته يف صور تدل على‬
‫استهزا هم هبذا النَب الكرمي صلى هللا عليه وسلم وبتعاليمه‪ ،‬وبصور ال ميكن أن تصدر عن مسلم‪.‬‬

‫(‪)18/2‬‬

‫‪ - 15‬عن طربق إاثر اهلزا م النفسية‪:‬‬


‫كما أهنم مل أيلوا جهدا يف إحلاق اهلزا م النفسية‪ ،‬وإاثر الشعور ابَخوف والقلق‪ ،‬وإجياد عد الثقة يف‬
‫قلوب املسلمني بدبنهم وال بقوهتم وال أبرضهم‪ ،‬حيث تصبح األرض يف هنابة التبشَر ملكا هلم حتت‬
‫يطاء اَخماص يف الكتاب املقدس‪.‬‬
‫‪O‬املذاهب الفكربة لغالب العواجي ‪ 388 - 294 /1‬بتصرف‬

‫(‪)19/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬بعض الكتب ووسا ل الدعابة التنصَربة‪:‬‬


‫‪ -‬مجعت موضوعات مممتر القاهر (‪ , )1906‬يف كتاب كبَر امسه وسا ل التبشَر ابلنصرانية بني‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫‪ -‬صنَّف زومير كتااب مجع ليه بعض التقاربر عن التبشَر‪ ،‬أمساه (العامل اإلسمامي اليو ) حتدَّث ليه عن‬
‫الوسا ل املمدبة لماحتكاك ابلشعوب يَر املسيحية‪ ،‬وجلبها إىل حظَر املسيح مع بيان اَخطط اليت‬
‫جيب على املبشر اتغباعها‪.‬‬
‫‪( -‬اتربخ التبشَر)‪ :‬للمبشر أدوبن بلس الربوتستانيت‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب املسرت لاردنر‪ :‬رَّكز ليه حدبثه عن ألربقيا‪ ،‬وسبل نشر النصرانية ليها‪ ،‬وعوا ق ذلك‬
‫ومعاجلاته‪.‬‬
‫‪ -‬جملة إرساليات التبشَر الربوتستانتية اليت تصدر يف مدبنة ابل بسوبسرا‪ ،‬واليت حتدثت عن مممتر‬
‫أدنربه سنة (‪. )1910‬‬
‫‪ -‬جملة الشرق املسيحي األملانية تصدرها مجعية التبشَر األملانية منذ سنة (‪. )1910‬‬
‫‪( -‬دا ر املعارف اإلسمامية) اليت صدرت بعد لغات حية‪.‬‬
‫‪( -‬موجز دا ر املعارف اإلسمامية)‪.‬‬
‫‪ -‬طبع اإلجنيل بشكل أنيق وأبعداد ها لة وتوزبعه جماان‪ ،‬وإرساله ابلرببد ملن بطلبه‪ ،‬وأحياان ملن ال‬
‫بطلبه أبضا‪.‬‬
‫‪ -‬توزبع أشرطة الفيدبو والكاسيت املسجل عليها ما بصرف املسلم عن دبنه‪ ،‬واستخدا املوجات‬
‫اإلذاعية والتليفزبونية اليت ُّ‬
‫تبث مسومها‪ ،‬وتصل إىل املسلمني يف َمادعهم‪ ،‬وتعتمد على التمثيليات‬
‫والربامج الرتليهية والثقالية والرايضية من أجل ردمة أهدالهم اَخبيثة‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)20/2‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫ببل عدد غ‬
‫املبشربن يف أحناء العامل ما بزبد على (‪ )220‬ألف منهم (‪ )138000‬كاثوليكي‪ ،‬والباقي‬
‫وعددهم (‪ )62000‬من الربوتستانت‪.‬‬
‫وتوسع إثر االهنزامات اليت ْمين هبا الصليبيون طوال قرنني من الزمان (‪- 1099‬‬
‫‪ -‬لقد بدأ التنصَر‪َّ ،‬‬
‫‪ , )1254‬أنفقومها يف حماولة االستيماء على بيت املقدس‪ ،‬وانتزاعه من أبدي املسلمني‪.‬‬
‫‪ -‬األب اليسوعي ميبز بقول‪( :‬إن احلروب الصليبية اهلاد ة اليت بدأها مبشروان يف القرن السابع عشر‬
‫ال تزال مستمر إىل أايمنا‪ ،‬إن الرهبان الفرنسيني والراهبات الفرنسيات البزالون كثَربن يف الشرق)‪.‬‬
‫‪ -‬برى املستشرق األملاين بيكر ‪ Becker‬أبن (هناك عداء من النصرانية ضد اإلسما ‪ ،‬بسبب أن‬
‫اإلسما عندما أنتشر يف العصور الوسطى أقا سدًّا منيعا يف وجه انتشار النصرانية‪ ،‬مث إن اإلسما قد‬
‫َّ‬
‫امتد إىل البماد اليت كانت راضعة لصوجلاهنا)‪.‬‬
‫‪ -‬التنصَر يف أساسه بهدف إىل متكني الغرب النصراين من البماد اإلسمامية‪ ،‬وهو غ‬
‫مقدمة أساسية‬
‫لماستعمار‪ ،‬وسبب مباشر لتوهني قو املسلمني وإضعالها‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)21/2‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬
‫لقد انتشر التنصَر‪َّ ،‬‬
‫وامتد إىل كل دول العامل الثالث‪.‬‬
‫‪ -‬إنه بتلَّقى الدعم الدوِل اهلا ل من أورواب وأمربكا ومن َمتلف الكنا س واهليئات واجلامعات‬
‫واملمسسات العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬إنه بلقي بثقله بشكل كثيف حول العامل اإلسمامي عن طربق لتح املدارس األجنبية‪ ،‬وتصدبر‬
‫البعوث واإلرساليات التبشَربة‪ ،‬وتشجيع انتشار اجملمات اَخليعة‪ ،‬والكتب العابثة‪ ،‬والربامج‬
‫التلفزبونية الفاسد ‪ ،‬والسخربة من علماء الدبن‪ ،‬والرتوبج لفكر حتدبد النسل‪ ،‬والعمل على إلساد‬
‫املرأ املسلمة‪ ،‬وحماربة اللغة العربية‪ ،‬وتشجيع النعرات القومية‪.‬‬
‫‪ -‬إنه بتمركز يف إندونيسيا وماليزاي وبنجمادبش والباكستان ويف ألربقيا بعامة‪.‬‬
‫‪ -‬بزداد تيار التنصَر نتيجة لسياسة التساهل من قبل احلكا يف بعض البلدان اإلسمامية‪ ،‬لبعضهم‬
‫حيضر القدَّاس بنفسه‪ ،‬وبعضهم بتربَّع مباله لبناء الكنا س‪ ،‬وبعضهم بتغالل عن درول املسيحيني‬
‫بصور يَر مشروعة‪ .‬واملطلوب اختاذ سياسة حازمة إلبقاف تيار التنصَر قبل لوات األوان‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)22/2‬‬

‫املبحث التاسع‪ :‬التنصَر يف مصر‪:‬‬


‫تعترب مصر اخآن هي مركز النشاط التنصَري يف الشرق‪ ،‬وذلك لعد أسباب هامة منها‪ - :‬قو‬
‫الكنيسة املصربة السياسية والدبنية واالقتصادبة؛ لالكنيسة القبطية مثما تعترب اثين أكرب الكنا س يف‬
‫متكنت هذه الكنيسة من ترؤس كنا س الشرق مجيعا‪،‬‬ ‫التاربخ املسيحي بعد الكنيسة الرومانية‪ ,‬وقد َّ‬
‫حىت بدأ النشاط الربوتستانيت يف إضعاف دورها‪ ،‬لكنها ما لبثت أن عادت إىل قوهتا بعد سيطر‬
‫تنظيم األمة القبطية الذي بتزعمه (البااب شنود ) وجمموعة رهبان الستينات والسبعينات هلا‪ ،‬ووصوهلا‬
‫إىل قمة هر السلطة ليها‪ ،‬والكنيسة اإلجنيلية تعمل بنشاط وقو منذ نشأهتا أاي االحتمال األجنَب‬
‫يف القرن ال (‪ ،)19‬وهي املسمولة عن النشاط التنصَري يف مجيع دول الشرق األوسط وألربقيا‪.‬‬
‫‪-‬تشجيع الدولة للتيارات العلمانية واللربالية املعادبة لإلسما ‪ ،‬والغربب أن تتوطَّد عماقة الكنيسة مع‬
‫هذه التيارات‪ ،‬وبستفيد كل منهم من اخآرر يف دعم ومساند موقفه يف احلرب على اإلسما ‪.‬‬
‫‪-‬انتشار اجلهل بني املسلمني بصور مل حتدث من قبل يف اتربخ األمة‪.‬‬
‫‪-‬محلة شهوانية مسعور متَل على املسلمني حياهتم‪ ،‬تقعد هلم بكل صراط وسبيل‪ ،‬تصدُّهم عن سبيل‬
‫هللا‪ ،‬وتزرع يف نفوسهم الدايثة وحب الفواحش‪ ،‬حىت صار العامة ال ببالون إال ببطوهنم ولروجهم‪،‬‬
‫وهذه احلملة تستخد كل وسا ل االتصال البشري املسموعة واملر ية واملكتوبة‪.‬‬
‫‪-‬حالة الفقر املدقع والغماء الفاحش والبطالة اليت ختنق املسلمني يف مصر‪ ،‬واليت وصلت إىل ذروهتا؛‬
‫ِما دلع البعض إىل االنتحار أو قتل األطفال؛ لعد القدر على إطعامهم‪ ،‬أو شيوع البغاء والسرقة‪،‬‬
‫هم للعامة سوى احلصول على املال للبقاء على قيد‬
‫وما بسمى أرماقيات الفقر والعنوسة‪ ،‬وأصبح ال َّ‬
‫احليا بكل وسيلة ِمكنة‪ ،‬دون النظر إىل شرعية الوسيلة أو عواقبها‪.‬‬
‫كل هذه األسباب سواء كانت متَّ التخطيط هلا من قبل أعداء األمة اإلسمامية‪ ،‬أو وقعت جلهل‬
‫املسلمني وبْعدهم عن دبنهم أو لكليهما معا‪ ،‬لإن املتيقن منه اخآن أن مصر ُتهزت متاما لتأرذ‬
‫نصيبها من َمطط الشرق األوسط الكبَر‪ ،‬وأن التنصَر أحد أهم الوسا ل املخصصة لذلك‪.‬‬

‫(‪)23/2‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬استقراء واقع التنصَر‪:‬‬


‫من رمال استقرا نا لواقع التنصَر نماحظ أنه متَّ توزبع األدوار على الكنا س املختلفة‪ ،‬وهذا التوزبع‬
‫استغل اَخصا ص املختلفة للكنا س؛ ليوظفها كعناصر قو دالعة يف برانمج واحد مبنظومة واحد ؛‬
‫هدلها تشوبه اإلسما ‪ ،‬وزعزعة اليقني يف قلوب املسلمني‪ ،‬وتسخني الوضع الطا في عن طربق شحن‬
‫األقباط بعقد التفوق واالضطهاد؛ ِما بضمن متسكهم‪ ،‬وانعزاهلم‪ ،‬وبث الثقة واليقني ليهم‪ ،‬وإاثر‬
‫جرأهتم على اإلسما ‪.‬‬
‫ولذلك متَّ تقسيم احلملة التنصَربة إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪:‬‬
‫السياسي‪ :‬وتتواله الكنيسة األرثوذكسية ابعتبارها أقلية أصلية‪ ،‬وليست والد ‪ ،‬وهي األكثر عددا‬
‫واألكفأ تنظيما وإعدادا‪ ،‬وقد ُتهزت الكنيسة األرثوذكسية هلذا الدور عرب إعداد جيل كامل من‬
‫الرهبان والكهنة املشبعني ابلتعصب‪ ،‬واملوالني لتنظيم األمة القبطية الذي بتزعمه البااب نفسه ‪..‬‬
‫وكذلك إنشاء التنظيم الدوِل املساعد الذي ميثله أقباط املهجر‪ ،‬وهي ظاهر صنعها البااب شنود‬
‫بنفسه‪ ،‬وهو بفخر هبذا‪ ،‬وقد استطاع هذا التنظيم إنشاء لويب قوي يف أمربكا وكندا واسرتاليا‪َّ ,‬‬
‫ومتكن‬
‫ًّ‬
‫مستغما العون اليهودي املقد‬ ‫هذا التنظيم من الوصول إىل دوا ر صنع القرار يف أمربكا وأوراب‬
‫إلضعاف الدولة املصربة‪.‬‬
‫وبهدف هذا القسم إىل‪:‬‬
‫‪ -‬تدوبل قضية نصارى مصر سياسيًّا على املستوى الدوِل‪ ،‬وهتيئتهم لمانفصال عن الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬انتزاع أكرب قدر ِمكن من املكاسب واالمتيازات من احلكومة‪.‬‬
‫‪ -‬الوقيعة املستمر بني املسلمني واألقباط؛ ليصبح االنفصال ًّ‬
‫حما مرحيا للجميع‪.‬‬
‫‪ -‬استقطاب الشخصيات العامة عن طربق الرشو ‪ ،‬واملصاحل املتبادلة‪ ،‬أو إرهاهبا وحتيدبها‪ - .‬حتييد‬
‫مبسميات‬
‫املمسسات الدبنية الرمسية (األزهر ـ األوقاف)‪ ،‬عن طربق الرتهيب والرتييب‪ ،‬والتنادي َّ‬
‫الوحد الوطنية‪ ،‬ووأد الفتنة الطا فية‪ ،‬ونزع أسباب التوتر‪.‬‬
‫وبتزعم هذه احلملة السياسية دارليًّا القمص (مرقس عزبز) كاهن الكنيسة املعلقة واملستشار (جنيب‬
‫جربا يل) املستشار القانوين للبااب شنود ورارجيا تنظيم (عدِل أابدبر)‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬هو القسم العلمي‪:‬‬
‫وتتزعمه ابألساس الكنيسة الربوتستانتية ابعتبارها األكثر تعلما وثقالة وقدر على اجلدل مع‬
‫املسلمني‪ ،‬وكذلك الرتباطها مع املمسسات التنصَربة العاملية‪ ،‬وهي يف أيلبها ممسسات بروتستانتية‬
‫تتمتع بسند أمربكي وبربطاين ابعتبار رابط املذهب الدبين‪.‬‬
‫وبهدف هذا القسم إىل‪:‬‬
‫‪ -‬تشوبه صور اإلسما ؛ إلقامة حا ط ٍ‬
‫صد مينع املسيحيني من اعتناقه أو حىت التفكَر ليه‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيك املسلمني يف دبنهم وهزميتهم نفسيًّا‪.‬‬
‫تصب يف صاحل الشق السياسي‪ ،‬وتزبد الضغوط على‬
‫‪ -‬استفزاز املسلمني للقيا أبحداث أثربة ُّ‬
‫الدولة‪ ،‬وتتزعم هذا القسم دارليًّا كنيسة (قصر الدوابر ) برائسة القس (منيس عبد النور) والدكتور‬
‫(داود رايض) ومجعية رماص النفوس اإلجنيلية والقس (عبد املسيح بسيط)‪ ،‬وهو كاهن كنيسة‬
‫العذراء األرثوذكسية‪ ،‬وبتزعمه رارجيًّا القمص (زكراي بطرس) وتنظيمه‪.‬‬
‫وعتاد هذا القسم هو‪:‬‬
‫عدد من القنوات الفضا ية مثل‪( :‬احليا ) ‪( ,‬سات‪( , )7‬النور) ‪( ,‬السراينية)‪( ،‬أيايب)‪( ،‬املعجز )‪،‬‬
‫(الكرامة) املسيح للجميع (( ‪. CTV‬‬
‫وأكثر من مخسما ة موقع إلكرتوين مثل‪( :‬صوت املسيحي احلر)‪( ،‬الكلمة) ‪( ,‬النور والظلمة) ‪( ,‬لازر‬
‫زكراي) ‪( ,‬لازر بسيط) ‪( ,‬األقباط متحدون) ‪ ,‬مسيحيو الشرق األوسط ‪...‬‬
‫أكثر من عشر جممات متخصصة مثل (الكتيبة الطيبية) ‪( ,‬الطربق) ‪,‬األربار السار ‪ ,‬أربار املشاهَر‬
‫‪ ...‬أكثر من ما يت يرلة حواربة على برامج احملادثة اإللكرتونية مثل (البالتوك) و (املاسنجر) و‬
‫(الياهو) و (سكاي يب)‪.‬‬

‫(‪)24/2‬‬

‫ابإلضالة إىل جمموعة كبَر من املنصربن واملتنصربن الذبن بقودون احلرب على اإلسما ابعتبارهم‬
‫أصحاب ُتربة‪ ،‬وهمالء بنشطون دارل شبكات تنصَر منظمة وِمولة‪.‬‬
‫ومن هذه الشبكات التنصَربة‪:‬‬
‫‪ - 1‬شبكة قمح مصر‪ ،‬وهي تنشط يف أكثر من حمالظة‪ ،‬السيما القاهر واملنيا وبين سوبف‪ ،‬وبقودها‬
‫شاب متنصر كان امسه (حممد عبد املنعم) وأصبح (بيرت عبده) من حمالظة املنصور ‪ ،‬وبساعده شاب‬
‫تنصر على بد دكتور أمربكي امسه (بوب)‬
‫متنصر أبضا كان امسه (مصطفى)‪ ،‬وأصبح (جون) وكمامها َّ‬
‫‪ ,‬وقد تفوق (حممد عبد املنعم) أو (بيرت) لحصل على منحة لدراسة الماهوت ابألردن‪ ،‬وهو بتقاضى‬
‫شهراي بصل إىل عشر آالف دوالر‪.‬‬
‫راتبا ًّ‬
‫‪ - 2‬مجعية أرض الكتاب املقدس‪ ،‬ومقرها الرمسي (بكينجها شابر) وبرأسها شخص امسه (موبَر‬
‫نلي) وتنشط يف الربف املصري‪ ،‬وبقو عليها جمموعة من املنصربن العرب األجانب‪ ،‬وتقو هذه‬
‫اجلمعية بزاير املناطق الفقَر واملعدمة‪ ،‬وتقو ببناء البيوت‪ ،‬ودلع اشرتاكات التلفوانت ومصاربف‬
‫املدارس‪ ،‬وتشارك هذه اجلمعية يف مشروع بناء مصر العليا‪ ،‬وهو مشروع تنصَري ِمول من مجعيات‬
‫تنصَربة أوربية‪ ،‬ويف آرر رصد لنشاط مجعية أرض الكتاب املقدس ررج لربق من منصري هذه‬
‫اجلمعية إىل قربة الكو األرضر أحد قرى اجليز ‪ ،‬وظلوا ملد عشر أاي كاملة بساعدون العا مات يف‬
‫بناء بيوهتم وُتدبدها وإعمارها‪ ،‬حيث إنفق الفربق أكثر من ما ة ألف جنية إسرتليين هناك‪.‬‬
‫‪ - 3‬اجلمعية اإلجنيلية للخدمات اإلنسانية‪ ،‬وهي مجعية تقو إبقامة مشروعات صغَر لفقراء‬
‫املسلمني عن طربق القروض امليسر ‪ ،‬وتنشط يف القاهر الكربى بوجه راص‪ ،‬السيما املناطق‬
‫العشوا ية‪ ،‬وهي راضعة لكنيسة (قصر الدوابر الربوتستانتية)‪ ،‬وقد تنصر بسببها عدد كبَر من‬
‫املتنصربن‪ ،‬وميوهلا عدد من الشركات املسيحية التجاربة‪.‬‬
‫‪ - 4‬اجلمعية الصحية املسيحية‪ ،‬وهي مجعية ِمولة من السفار األمربكية‪ ،‬وتدبر عد مدارس‬
‫ومستشفيات‪ ،‬وتقد اَخدمات اجملانية لعدد كبَر من املسلمني‪.‬‬
‫‪ - 5‬ممسسة (دبر مرمي) وهي ممسسة قدمية تقد الدعم املادي والقروض احلسنة‪ ،‬وتعرض ردمات‬
‫اهلجر والسفر للمتنصربن‪.‬‬
‫‪ - 6‬ممسسة (بيمان) وهي أبضا ممسسة عربقة يف التنصَر‪ ،‬وجبانب ما تولره من دعم مادي تقو‬
‫إبقامة حفمات عامة بو األحد‪ ،‬وتدبر شبكة مراسلة وتعارف بني الشباب من سن احلادبة عشر إىل‬
‫اَخامسة عشر سنة بني مصر والبماد األوربية‪.‬‬
‫ومقرها األساسي يف منشية انصر أحد ألقر أحياء القاهر ‪ ،‬وهلا لروع يف‬
‫‪ - 7‬ممسسة محابة البيئة‪ُّ ،‬‬
‫العدبد من املناطق الشعبية‪ ،‬وتقو بتدربب الشباب والفتيات من كل األعمار على األشغال اليدوبة‪،‬‬
‫وإقامة املشروعات الصغَر ‪ ،‬وتقو ابلتعاون مع السفار األمربكية إبعداد معارض ملنتجات املتدربني‬
‫وتضم كذلك دور حضانة ومدارس أبجور رمزبة‪ ،‬بقو ليها املسيحيون ابلتدربس لصغار‬
‫ُّ‬ ‫ليها‪،‬‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫‪ - 8‬مجعية (الكورسات) ابإلسكندربة‪ ،‬وهي مجعية إجنيلية تقو برعابة أطفال الشوارع‪ ،‬حيث تولر‬
‫هلم ثماث وجبات بومية‪ ،‬ومدرسة حملو األمية‪ ،‬وورش لتعلم احلرف‪ ...... ،‬وبقدر تقربر أمربكي نشرته‬
‫صحيفة (املصربون) بتاربخ (‪ , ( 2007/8 /15‬أعداد اجلمعيات واملنظمات التنصَربة بقرابة ألفي‬
‫منظمة ومجعية‪ ،‬منها قرابة ثمااما ة تقيم يف مصر بشكل رمسي ودا م‪ ،‬وبعمل هبا ما ال بقل عن مخسة‬
‫آالف مصري وألف ومخسما ة أجنَب‪.‬‬
‫ومجيعها َّ‬
‫تتلقى الدعم ماِل من املمسسات التنصَربة العاملية مثل‪:‬‬
‫ممسسة (ماري تسوري)‬
‫وممسسة (كربتاس) التابعة (جمللس الكنا س العاملي)‬
‫وممسسة (الكربستيان أبد)‬
‫وممسسة (ما وراء البحار)‬
‫وممسسة (الطفولة األمربكية)‬
‫وهيئة (سداب)‬
‫وممسسة (كاتليست)‪.‬‬
‫ومن املماحظات اليت رصدانها يف الفرت األرَر ‪ ،‬هو انتشار النشاط التنصَري إىل أماكن التوتر‬
‫العرقي يف مصر‪ ،‬لقد رصدان عمليات تنصَر ُتري يف النوبة‪ ،‬وهي تقو ابألساس على استغمال‬
‫مشاكل النوبة االقتصادبة والسياسة‪ ،‬وتقو مجعيات تنصَربة أمربكية مبشروع بسمى (الوعي القومي)‬
‫يف هذه املناطق‪ ،‬وهو بهدف إىل عزهلم كمجموعة مستقلة لغة وثقالة وعرقا‪ ،‬وقد جنحت هذه‬
‫اجملموعات التنصَربة يف تنصَر الكثَر من همالء مطبقة بذلك َنوذج (أمازب ) اجلزا ر‪ ،‬وبساعدهم يف‬
‫ذلك أحد كبار مثقفيهم وهو (حجاج أدول)‪ ،‬وقد حصل على عد جوا ز أدبية‪ ،‬وشارك يف العدبد‬
‫من املممترات اَخاصة ابألقباط يف أمربكا‪.‬‬
‫كذلك رصدان جمموعة من املنصربن تنتشر بني بدو سيناء مستغلة مشاكلهم االقتصادبة واألمنية مع‬
‫الدولة‪ ،‬وتدبر هذه اجملموعة نشاطها من بعض الفنادق واألدبر ‪ ،‬وبشاركها جمموعة من مجعية املعونة‬
‫األمربكية‪ ،‬وقد حققت جناحات على مستوى األطفال والنساء‪ ،‬وإقامة عماقات وثيقة مع شيوخ‬
‫بعض القبا ل‪.‬‬
‫كذلك انتشر التنصَر يف صعيد مصر الذي بعاين من التهميش واإلمهال والفقر‪ ،‬وبينما تولر الكنيسة‬
‫للنصارى ليه الدعم والسند املاِل الكبَر؛ والذي جعلهم أقلية منعمة ومرلهة‬

‫(‪)25/2‬‬

‫املبحث احلادي عشر‪ :‬استقراء الواقع من رمال َناذج من املتنصربن‪:‬‬


‫مت تدربب لرق من الشباب املسيحي للعمل يف جمال التنصَر‪ ،‬وهمالء الشباب بتلقون تدرببات‬
‫مكثفة على كيفية إدار احلوار مع املسلمني‪ ،‬وكسب مودهتم وثقتهم‪ ،‬واكتشاف نقاط الضعف يف‬
‫شخصيتهم واستثمارها‪ ،‬وبرتكز النشاط التنصَري على عد جبهات أساسية وهي‪:‬‬
‫املراكز التعليمية‪:‬‬
‫اجلامعات واملدارس واملدن الطمابية‪.‬‬
‫املراكز االجتماعية‪:‬‬
‫النوادي والتجمعات الليلية‪ ،‬وأماكن ُتمع الشباب بصفة راصة‪.‬‬
‫املراكز الطبية‪:‬‬
‫مستشفيات ومجعيات مرضى الكلى والسرطان‪ ،‬لهناك رحمات تنظمها الكنا س إىل هذه األماكن‪،‬‬
‫وتقو بتوزبع اهلدااي واألموال والتعرف على احتياجات املرضى‪ ،‬وقيا صداقات بينهم وبني املنصربن‪.‬‬
‫التجمعات الفقَر ‪ :‬مثل منطقة (الكيلو أربعة ونصف) و (منشية انصر) و (عزبة اهلجانة) و (الدوبقة)‬
‫و (البساتني) و (مصر القدمية) و (املقطم) و (جزبر الدهب) بني (املعادي) ومنطقة (البحر األعظم)‬
‫جزبر الوراق (إمبابة)‪.‬‬
‫مراكز اإلبداع اَخاص‪ :‬السجون ومماجئ األطفال ودور املسنني‪ ،‬ومع حساسية هذه األماكن‬
‫وظرولها اَخاصة‪.‬‬
‫‪ O‬واقع التنصَر يف مصر‪ -‬ملفات متنوعة – بتصرف من موقع ملتقى أهل احلدبث ‪ -‬نقما عن‪:‬‬
‫جمموعة املرصد اإلسمامي ملقاومة التنصَر‬

‫(‪)26/2‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬التنصَر يف اجلزبر العربية‪:‬‬


‫• متهيد‪.:‬‬
‫• املطلب األول‪ :‬التنصَر يف البحربن‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬التنصَر يف الكوبت‪.:‬‬
‫• املطلب الثالث‪ :‬التنصَر يف عمان‪.:‬‬
‫• املطلب الرابع‪ :‬التنصَر يف قطر‪.:‬‬
‫• املطلب اَخامس‪ :‬التنصَر يف اإلمارات‪.:‬‬

‫(‪)27/2‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫أعزها‬
‫إن بناء الكنا س يف داير اإلسما جرمية شنعاء‪ ،‬وعارا َمزاي أن بكون للوثنية موقع قد يف داير َّ‬
‫هللا ابإلسما ‪ ,‬ورلع عنها اجلاهلية رمحة منه‪ ,‬وإقامة للحجة على عباده‪ ،‬لما الذي سيجنيه العامل‬
‫اهلغيَّ غة بـبـغْو َن ومن أَحسن غمن غ‬
‫هللا ْحكيما‬ ‫اإلسمامي من وجود هذه الكنا س بني ظهرانيهم؟ أَلَحكيم ا يجل غ‬
‫َي َ َ ي ي َ ْ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫لغَق يوٍ بْوقغنْو َن [املا د ‪ , ]50 :‬وأكرر أنه إذا كان وجود الكنا س يف داير املسلمني أمرا َمزاي‪ ،‬لإن‬
‫وجودها يف جزبر العرب بعترب أشد رزاي‪ ,‬بل ومن أشد املنكرات اليت جيب إزالتها واألرذ على أبدي‬
‫حر اإلسما حترميا ممبدا أن جيتمع ليها دبنان إىل بو القيامة‪ ،‬قال صلى هللا‬
‫املنتسبني إليها‪ ,‬لقد َّ‬
‫عليه وسلم ليما بروبه عنه عمر بن اَخطاب رضي هللا عنه‪(( :‬ألررجن اليهود والنصارى من جزبر‬
‫العرب حىت ال أدع ليها إال مسلما)) (‪.)1‬‬
‫وقد جاء يف معناه أحادبث كثَر كلها غ‬
‫حتر أن جيتمع جبزبر العرب دبنان‪ ,‬لأبن املسلمون من تصميم‬
‫النصارى على يزو بماد العرب وإقامة الكنا س لو تيسر هلم ‪ -‬ال مسح هللا ‪ -‬على أنقاض املساجد‪,‬‬
‫وإعاد السيطر الصليبية على كل أراضي العرب يف اجلزبر ‪ ،‬ليكون مصَرهم مصَر إرواهنم من‬
‫املسلمني يف ألربقيا ويف شرق آسيا ‪ ...‬ويَرها من البلدان اليت وطئتها أقدا املنصربن النجسة‪,‬‬
‫بغمرهم احلقد على اإلسما وعلى نبيه العظيم‪ ,‬وعلى كل مسلم ييور على دبنه‪ ,‬ولقد ُترأ النصارى‬
‫على املسلمني‪ ،‬لصاروا بهامجون اإلسما وأهله عمانية يَر مكرتثني مبشاعر املسلمني‪ ،‬وال مبشاعر‬
‫أهل البلد الذي آواهم‪ ،‬ومسح هلم إبظهار كفرهم؛ رعابة ملصاحل املواطنني بزعمهم‪.‬‬
‫لقد أصبح اَخليج العريب بني لكي الكماشة‪ ,‬التنصَر من جانب‪ ,‬والنفوذ الرالضي من جانب آرر‪,‬‬
‫وكل هذا براد به حصار اإلسما والعقيد السلفية والقضاء عليها‪.‬‬
‫وقد جاءت نصوص مستفيضة عن الصحابة على منع بناء الكنا س يف داير املسلمني‪ ,‬ويف كتب‬
‫احلدبث ما بشفي وبكفي‪ ،‬وكذلك من جاء بعد الصحابة كلهم على حترمي بناء الكنا س‪ ,‬ويف كتب‬
‫الفقه يف بيان حقوق أهل الذمة وأهل امللل األررى ما ال حيصى من األقوال عن علماء املسلمني يف‬
‫بعزر وهتد الكنيسة‪ ،‬رصوصا بناء‬
‫حترمي بناء الكنا س بني ظهراين املسلمني‪ ,‬وأن من لعل ذلك لإنه َّ‬
‫الكنا س املستحدثة‪ ,‬ومل بتوا َن املسلمون يف هد كنا س الكفار إال ما كان قبل قدو املسلمني‬
‫أراضيهم ودرول أولئك الكفار يف الذمة ابلصلح للهم ذلك‪ ,‬ما مل بنقضوا عهدهم‪ ,‬لإذا نقضوه‬
‫لللمسلمني حينئذ هد كل كنا سهم‪ ،‬وعلى املنخدعني بزرارف القول بتقارب األداين السماوبة‪ ,‬أو‬
‫رعابة املصاحل الوطنية‪ ,‬أو تردبد شعار املمارا بني اإلسما واليهود والنصرانية‪ ,‬عليهم إن كانوا‬
‫ييوربن على دبنهم أن براجعوا كما علماء اإلسما ولقها هم؛ ليتأكدوا من حقيقة موقف اإلسما‬
‫من التعاليم الباطلة اجلاهلية‪ ,‬ومن موقفه من رلع الكنا س وسا ر الشعا ر النصرانية يف داير‬
‫املسلمني‪ ,‬لما أحرى ابملسلمني أن بروا هللا رَرا من أنفسهم‪ ،‬وأن مينعوا ‪ -‬حكاما وحمكومني ‪ -‬كل‬
‫ما ُّ‬
‫بضاد اإلسما ‪ ،‬وبرلع شأن الدايانت الباطلة يف دايرهم‪ ,‬لإنه ما يزي قو يف عقر دايرهم إال ذلوا‪.‬‬
‫وعسى أن أيِت اليو الذي بستفيق ليه املسلمون قرببا‪ ،‬وبكون شعارهم (ال دبنان يف جزبر العرب)‬
‫َّ غ‬
‫بل وال يف أي بلد إسمامي‪ ,‬وأن بطهروا بلداهنم عن جنس النصرانية البولسية الوثنية َاي أَبُّـ َها الذ َ‬
‫بن‬
‫َ غ َّ‬
‫س [التوبة‪ , ]28 :‬عسى أن أيِت ذلك اليو ‪ ،‬وليس ذلك على هللا بعزبز‬ ‫آمنْواي إَنَا ال ْيم يش غرْكو َن َجنَ ٌ‬
‫‪.....‬‬
‫وعلى من اخندع بزرارف دعاايت النصرانية أن برجع إىل دبنه احلنيف الذي جاء به حممد بن عبد هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم الذي ال بقبل هللا دبنا سواه‪.‬‬
‫وليما بلي أشَر بتصرف وارتصار على حركة التنصَر يف اَخليج من كتاب‪( :‬التبشَر املسيحي يف‬
‫منطقة اَخليج)‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم (‪.)1767‬‬
‫(‪)28/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التنصَر يف البحربن‪:‬‬


‫إن أول ما بدأ التنصَر يف اَخليج كان من البحربن حني زار (زومير) هذا البلد عا (‪، )1890‬‬
‫وجاءته األموال من الكنيسة اإلصماحية األمربكية‪ ,‬وقد درل غ‬
‫املنصرون عن طربق األعمال الطبية‪،‬‬
‫حيث أنشموا مستشفى البعثة األمربكية الذي أسس عا (‪ ، )1902‬مث بنيت مدرستني‪ ,‬إحدامها‬
‫للبنني‪ ،‬واألررى للبنات يف هذا البلد‪ ,‬ووصل عدد الطماب إىل (‪ )500‬طالب‪ ,‬ابإلضالة إىل املكتبة‬
‫سمى مكتبة العا لة لبيع كتب التنصَر‪ ,‬وعلى رأسها األانجيل وببل عدد أتباع‬
‫املسيحية هناك اليت ت َّ‬
‫الكنا س العاملية يف دولة البحربن من اجلنسيات املختلفة كما بلي‪:‬‬
‫أتباع الكنيسة السوربة األرثوذوكسية يف (ماالابر)‪ ،‬وبتبعها حواِل (‪ )200‬عضو‪ ,‬معظمهم من اهلنود‪.‬‬
‫أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية‪ ,‬وبتبعها حواِل (‪ )2700‬عضو‪ ,‬معظمهم من اهلنود‪ ,‬وتقا‬
‫الصلوات لدبهم ابإلنكليزبة‪.‬‬
‫أتباع الكنيسة اإلنكليكانية‪ ,‬وعدد أعضا ها (‪ )500‬عضو‪.‬‬
‫تضم عددا أكثر من املواطنني‬
‫أتباع الكنيسة الوطنية اإلجنيلية‪ ,‬وهي الكنيسة الوحيد يف البحربن اليت ُّ‬
‫بني أعضا ها (‪ )150‬عضوا‪ ,‬بينهم ‪ 60‬حبرانيا‪.‬‬
‫كما أن هناك طا فة إجنيلية تتحدث ابإلجنليزبة‪ ,‬وتضم (‪ )180‬عضوا تقرببا‪ ,‬وأتباعها من اليهود‬
‫والباكستانيني‪.‬‬
‫وتضم هذه الطا فة اخآن حواِل (‪ )40‬عضوا نظاميا‪ ,‬وبشرف عليها قسيس من‬
‫ُّ‬ ‫أتباع كنيسة الرب‪,‬‬
‫الوالايت املتحد األمربكية‪ ،‬وكل أعضا ها من املهاجربن‪( .‬واملبشرون بشعرون أن السلطات يف‬
‫البحربن ُّ‬
‫تود أن تكون الكنا س لَلجانب‪ ,‬وال تسمح ابلتبشَر بني املسلمني‪ ,‬كما متنع يف نفس‬
‫الوقت اضطهاد املسيحيني) (‪.)1‬‬
‫وبماحظ يف هذه األعداد كثر املتنصربن من اهلنود والباكستانيني‪ ,‬وقد بل أتباع تلك الكنا س أكثر‬
‫من (‪ )3770‬شخصا‪ ,‬وهو عبار عن عدد كبَر يف دولة صغَر هي البحربن‪ ,‬كما أن هذا التقربر قد‬
‫كتب يف وقت متقد ‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬بتصرف عن ((التبشَر املسيحي يف منطقة اَخليج)) (ص ‪.)19 - 16‬‬
‫(‪)29/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التنصَر يف الكوبت‪:‬‬


‫الكاثوليك بشكلون حواِل (‪ )%50‬من املسيحيني‪ ,‬وبقدر عدد املسيحيني هناك بـ (‪)19500‬‬
‫شخصا‪ ,‬معظمهم من اهلنود واألرمن والسوربني واألقباط‪ ,‬كما توجد يف الكوبت سبع طوا ف‬
‫بروتستانتية‪ ،‬أكربها أتباع كنيسة (مارتوما) اهلندبة‪ .‬وبوجد أبضا أكثر من (‪ )25000‬مسيحي اتبعني‬
‫للمذهب األرثوذوكسي لطوا ف َمتلفة من األرمن واألقباط واملاالابر السوربني‪ ,‬وال توجد يف الكوبت‬
‫كنا س وطنية‪ ,‬والكوبت هي البلد الوحيد يف اَخليج الذي أسس ليه املسيحيون (املممتر الكنسي‬
‫الكوبيت) كمركز للتشاور والتنسيق) (‪.)1‬‬
‫وبماحظ أن القول بعد وجود كنا س يف الكوبت يَر مسلَّم به‪َّ ،‬‬
‫ولعل الذي بذكر هذا كان صحيحا‬
‫يف وقته‪ ,‬أما وجود الكنا س يف الكوبت لهي موجود ‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التبشَر املسيحي يف منطقة اَخليج)) (ص‪.)22 - 21‬‬

‫(‪)30/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التنصَر يف عمان‪:‬‬


‫وأما التنصَر يف عمان لقد بدأ منذ وصول القس (زومير) وزميله (جيمس)‪ ،‬وحصلوا على املساعدات‬
‫الضخمة من الكنيسة اإلصماحية األمربكية‪ ,‬وتوجد بعمان مكتبة مسيحية لبيع الكتب التنصَربة‪.‬‬
‫أما أتباع الكنا س العاملية يف عمان لهي‪-:‬‬
‫الكنيسة اإلصماحية األمربكية‪ ,‬وقد بدأت يف عا (‪ , )1890‬وبوجد اخآن هلا ثماث كنا س ذات‬
‫بناايت ضخمة‪ ,‬وبوجد منهم حواِل (‪ )500‬شخص بروتستانيت‪.‬‬
‫الكنيسة الكاثوليكية‪ ,‬أنشئت يف عمان (‪ , )1971‬وبوجد منهم حواِل (‪ )700‬من الكاثوليك‪.‬‬
‫الكنيسة األرثوذوكسية‪ ,‬ومعظم أتباعها من اهلنود‪ .‬وبماحظ أن تلك الكنا س هي ألجانب من‬
‫طوا ف وبلدان شىت يف العامل‪ ,‬وأكثر اإلمدادات املالية َتتيهم من الكنيسة اإلصماحية األمربكية‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التبشَر املسيحي يف منطقة اَخليج)) (ص‪.)25 - 23‬‬

‫(‪)31/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬التنصَر يف قطر‪:‬‬


‫أما قطر لإهنا ال ختتلف عن يَرها من دول اَخليج يف انتهاز الكنيسة اإلصماحية األمربكية للتنصَر‬
‫ليه‪.‬‬
‫وأتباع الكنا س يف قطر‪ :‬الكنيسة الكاثوليكية وأتباعها حواِل (‪ )2500‬عضو َمتلفي األجناس‪,‬‬
‫معظمهم هنود‪ ,‬والبقية أوربيون‪ ,‬وقد رلضت احلكومة ليها اقرتاحا للجالية الكاثوليكية ببناء كنيسة‪,‬‬
‫وتقا طقوسهم يف منازل وأبنية راصة لشركات النفط (‪.)1‬‬
‫الكنيسة الربوتستانتية‪ ,‬ومعظم أتباعها من األوربيني‪ .‬الكنيسة األرثوذوكسية‪ ,‬وأتباعها قليلون‪,‬‬
‫ومعظمهم من اهلنود املماابربون‪)2( .‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬مث مت التتاح أول كنيسة كاثوليكية يف قطر عا ‪.2008‬‬
‫(‪(( )2‬التبشَر املسيحي يف منطقة اَخليج)) (ص‪.)27 - 25‬‬

‫(‪)32/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬التنصَر يف اإلمارات‪:‬‬


‫وأما اإلمارات العربية املتحد لفيها مخسون ألف مسيحي‪ ,‬وببدو أن التنصَر ليها أنشط منه يف سا ر‬
‫دول اَخليج‪ ,‬وقد دعمت بناء الكنا س واملستشفيات واملدارس هلم‪ ,‬وبتمثل النشاط التنصَري يف‬
‫(البعثة املتحد اإلجنيلية) اليت أقامت مستشفى بتسع ألربعني سربرا يف (العني) بتعاون مع (أبو ظَب)‬
‫يف تكوبن مركز للنشاطات التبشَربة‪ ،‬غ‬
‫وتوزع هذه املستشفيات املطبوعات التبشَربة للمرضى‬
‫وللمنصربن هناك مكتبات وقاعات اجتماعات ومستوصفات تدار من‬ ‫غ‬ ‫اَخارجيني‪ ,‬وللمرضى املقيمني‪,‬‬
‫قبل املنصربن يف (الفجَر ) ويف (الشارقة) ‪ -‬وقد أيلق‪ -‬ويف (الربميي) ومدرسة (أبو ظَب)‪.‬‬
‫ولدبهم حاليا أكثر من (‪ )800‬طالب بتعلمون العربية واإلجنليزبة‪ ,‬منهم حواِل (‪ )30‬قدموا من اهلند‬
‫وابكستان‪ ,‬ويف (أبو ظَب) مكتبة مسيحية ويَر ذلك من النشاطات‪.‬‬
‫أما أتباع الكنا س يف اإلمارات العربية املتحد لهي‪-:‬‬
‫كنيستان بروتستانتيان‪ ,‬إحدامها‪ :‬يف (أبو ظَب) والثانية يف (ديب) وهلم جمموعات متفرقة تدار من قبل‬
‫تنصر بعض املسلمني هناك ليما قيل‪.‬‬
‫بعض القساوسة‪ ,‬وقد َّ‬
‫ثماث كنا س حدبثة البناء اتبعة للكنا س الكاثوليكية‪ ,‬وعدد أتباعها ببل (‪ )16000‬تقرببا‪.‬‬
‫طا فتان من أتباع الكنيسة السوربة األرثوذوكسية‪ ,‬كنيسة كربى يف (أبو ظَب) ‪ ,‬وصغرى يف (ديب)‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومن تلك األعداد الضخمة للكنا س وأتباعها بتبني مدى النشاط الذي ببذله غ‬
‫املنصرون يف داير‬
‫اإلسما مع التنبه إىل عدد السكان يف اَخليج‪ ,‬وببدو ِل أن تلك النسب السابقة كانت يف لرت‬
‫متقدمة على األقل قبل حرب اَخليج‪ ,‬وأما بعد حرب اَخليج لما تسأل عن تكالب غ‬
‫املنصربن‬
‫وتسابقهم إىل غ‬
‫سد غ‬
‫كل ثغر يف دول اَخليج؛ مللئها بدعاايهتم وتبشَرهم البغيض على املذاهب الغربية‬
‫الضالة‪ ,‬وإقبال بعض الفتيان والفتيات للعمل معهم‪ ,‬وقد لرح النصارى هبم‪ ،‬ليجعلوا منهم دعابة‬
‫مغربة لغَرهم‪.‬‬
‫‪O‬املذاهب الفكربة املعاصر لغالب عواجي – ‪314 /1‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التبشَر املسيحي يف منطقة اَخليج)) (ص‪.)30 - 27‬‬

‫(‪)33/2‬‬

‫بن‬ ‫َّ غ‬
‫احلسر األوىل‪ :‬هوان النصرانية‪ :‬ارتبطت النصرانية يف ذهن املسلم ابلكفر‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬لََق يد َك َف َر الذ َ‬
‫اح ٌد [املا د ‪ .]73 :‬وارتبطت النصرانية‪ -‬أبضا‪ -‬يف‬ ‫ث ثََماثٍَة وما غمن إغلَ ٍه إغَّال إغلَهٌ و غ‬ ‫اَّللَ َاثلغ ْ‬
‫قَالْوا إغ َّن َّ‬
‫َ‬ ‫ََ ي‬
‫وجدان املممن ابلتطاول على هللا تطاوال كادت السماوات أن تتفطر منه‪ ،‬وأن تنشق األرض‪ ،‬وختر‬
‫غ‬
‫ات بَـتَـ َفطَّير َن م ينهْ‬
‫الس َم َاو ْ‬
‫اد َّ‬ ‫الر يمحَ ْن َولَدا لََق يد غج يئـتْ يم َش ييـئا إغ ًّدا تَ َك ْ‬
‫اجلبال هدا‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬وقَالْوا َّاختَ َذ َّ‬
‫َّخ َذ َولَدا إغ ين ْك ُّل َم ين غيف‬ ‫َ‬ ‫لر يمحَ غن َولَدا َوَما بَـ ينـبَغغي لغ َّ‬
‫لر يمحَ غن أَ ين بـت غ‬ ‫ال َهدًّا أَ ين َد َع يوا لغ َّ‬‫ض َوَغخت ُّر ا يجلغبَ ْ‬‫ش ُّق ياأل يَر ْ‬‫َوتَـ ين َ‬
‫الر يمحَ غن َع يبدا [مرمي‪ .]93 - 88 :‬وهانوا على أنفسهم؛ ليقينهم بفساد‬ ‫ض إغَّال غآِت َّ‬ ‫ات َو ياأل يَر غ‬ ‫السماو غ‬
‫َّ َ َ‬
‫حيقق الرقي اإلنساين لإلنسان‪ ،‬وبكفل هلم مسو األرماق‪.‬‬ ‫تقد هلم نظاما غ‬ ‫عقيدهتم‪ ،‬وعجز ملتهم أن غ‬
‫املنصر لالَري هولمان‪( :‬ال بزال معظم الناس يف مجيع أحناء العامل بقرون التفوق التقين للحضار‬ ‫بقول غ‬
‫الغربية‪ ،‬لإن هذا التفوق على املستوى األرماقي مشكوك ليه وحمل تساؤل‪ ،‬واليو وعلى ضوء‬
‫الواقع احلاِل يف تفكك األسر يف جمتمعنا الغريب‪ ،‬وارتفاع معدالت اجلرا م وحاالت الطماق‪ ،‬والزايد‬
‫املستمر يف االحنرالات اجلنسية‪ ،‬مل بتبق لنا إال القليل الذي نفخر به) (‪.)1‬وجاء يف كتاب صدر عن‬
‫الفاتيكان عا (‪ , )1969‬بعنوان‪( :‬توجيهات من أجل حوار بني املسيحيني واملسلمني) ما بمكد‬
‫بقينهم بفساد عقيدهتم‪ ،‬وعجزها عن مواجهة احلق حيث جاء ليه (يف أي حوار جيب على املسيحي‬
‫أن بقنع املسلم أبن املسيحية قا مة على التوحيد‪ ،‬وأال بناقش أبة تفاصيل‪ ،‬لأي كما سيقوله‬
‫املسيحي ترببرا للعقيد لن ميكنه أن بقنع به املسلم الذي ال برى الثالوث إال املساس ابلتوحيد) (‪)2‬‬
‫وأرتم هذه الفقر حبسر (جون لان إس) على ضياع اجلهود التعليمية يف طماب بتعلمون يف‬
‫مدارسهم التنصَربة‪ ،‬مث بذبعون رزبهم وبنظرون عيوهبم‪ ،‬إذ بقول متحداث عن التطبيب والتدربس‪:‬‬
‫(لهذا اهلدف عا ق وليس مساعدا؛ ألن األعمال اجمليد هي األساس يف حماربة اإلسما ‪ ،‬وال نتحمل‬
‫امن دعم هذه الفكر ‪ ،‬لاملدرسة مهما كانت جمهز يف بلد مثل هذا‪ ،‬لهي أسوأ من أن تكون يَر ذات‬
‫قيمة إذا كانت تثقف العقل؛ ألهنا تنتج متعلمني أويادا أيرذون عيوبنا وبشوهون لضا لنا) (‪ .)3‬لهل‬
‫ج إغَّال نَ غكدا [األعراف‪.]58 :‬‬ ‫كنت تعلم الرذبلة؟ أ كنت تشيع الفاحشة؟ ولكن َوالَّ غذي َربْ َ‬
‫ث َال خيَي ْر ْ‬
‫وقد اعرتف أرابب النصرانية أهنا عاجز يف نفسها‪ ،‬عاجز أن تقد ألهلها ما بسعدهم‪ ،‬بل من‬
‫من هللا‬
‫تدرسهم يف مدارسها بصبحون أويادا؛ ألهنم عرلوا عيوهبا وهجروها‪ ،‬لهل برجو املنصر ِمن َّ‬ ‫غ‬
‫عليه ابلعقيد الصالية‪ ،‬واملنهج الكامل‪ ،‬والشربعة الشاملة أن بهجر التوحيد ليعتنق التثليث؟ وبهجر‬
‫الطهر والعفاف لَرتكس يف محأ الرذبلة والفجور؟ وبتخلَّى عن اليقني ليعيش احلَر والشك‬
‫واالضطراب؟‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التنصر)) (ص‪.)812:‬‬
‫(‪ )2‬نقما عن ((ممامر الفاتيكان على اإلسما ))‪ ،‬د‪ .‬زبنب عبد العزبز (ص‪.)170 :‬‬
‫(‪(( )3‬أصول التنصَر يف اَخليج العريب))‪( ،‬ص‪.)47 :‬‬

‫(‪)34/2‬‬

‫احلسر الثانية‪ :‬جرا م النصارى السابقة يف حق األمة اإلسمامية‪:‬‬


‫منذ أن ختلَّت هذه األمة عن اجلهاد يف سبيل هللا؛ ‪ -‬إلعماء كلمة هللا ونشر دبن هللا‪ ،‬والدلاع عن‬
‫حرمات املسلمني وأعراضهم ودما هم ‪ُ -‬ترأت على األمة اإلسمامية أبد كانت صاير ‪ ،‬تدلع اجلزبة‬
‫وهي ذليلة ‪ ...‬لاستباحت الداير‪ ،‬وسفكت الدماء‪ ،‬وهتكت األعراض‪ ،‬وسلبت األموال‪ ،‬واحتلَّت‬
‫األوطان‪ ،‬وال تزال هذه اليد النصرانية اخآامة الغامشة يف ساحات األمة اإلسمامية‪ ،‬لهذه سيولهم تقطر‬
‫كل واد يف البوسنة واهلرسك وكوسولو وبورما والفلبني والصومال وللسطني‪ ،‬وال تزال‬ ‫من دما نا يف غ‬
‫تسمع دوي االنفجارات وأزبز الطا رات لوق رؤوس الضعفاء واملساكني‪ .‬وهذا األمر‪ -‬ريم شدته مل‬
‫شرا حمضا‪ -‬بل كان ليه رَر لَلمة اإلسمامية؛ إذ أورثها بغض النصارى ومنالرهتم وعد قبوهلم‬
‫بكن ًّ‬
‫دبنهم‪ ،‬حيث ارتبطت النصرانية يف ذهن املسلم ابحلروب الصليبية وابالستعمار‪ ،‬وارتبطت يف العصر‬
‫احلاضر ابالستحواذ االستعماري على رَرات األمة‪ ،‬واالستبداد السياسي‪ ،‬والتطفيف يف الوزن يف‬
‫القرارات الدولية‪ ،‬ويف اإلرمال جبود الصادرات إىل املسلمني ‪ . ..‬لأنتج كل ذلك شعورا مبقت‬
‫النصارى مقتا ملسه النصارى أثناء دعوهتم للمسلمني إىل النصرانية‪ ،‬لقد كتب (نورمان دانيال)‪( :‬لقد‬
‫كان أكثر ما أصيب ابلضرر هو االتصال وإمكانية التخاطب مع همالء الناس؛ نتيجة للعماقة‬
‫االستبدادبة يَر احملتملة من قبل الغزا ُتاه املغلوبني‪ ،‬واليت بستحيل التخفيف من آالمها ‪ ...‬وقد‬
‫بدأ التشوبش على االتصال عندما رلض األوربيون أن بقتنعوا أبن العامل مثله كمثل أوراب له احلق يف‬
‫أن تكون له ثقالته اَخاصة‪ ،‬لقد كانت مأسا الكنيسة النصرانية هي اَخلط بني حقا ق الدبن والثقالة)‬
‫(‪ ،)1‬وِما بوجه إليه احملاور النصراين يف حواره مع املسلمني (ضرور القيا بفصل املسيحية يف غ‬
‫حد‬
‫ذاهتا عن العامل الغريب ومواقفه املادبة ومواقفه االستعماربة‪ ،‬لاملسلم مل بنس ذلك بعد) (‪ ،)2‬ويف‬
‫حتليل لشارِل عن البيئة اإلسمامية ومدى قبوهلا للنصرانية قال‪( :‬إن اتربخ العماقة بني اإلسما‬
‫والنصرانية اتربخ حالل ابحلروب اليت مل تنقطع‪ ،‬لهنالك لتوحات املسلمني يف مشال ألربقيا وإسبانيا‪،‬‬
‫واحلروب الصليبية واحلروب اليت دارت بني الطرلني يف العصور الوسطى‪ ،‬ويف عصر النهضة‪ ،‬ويف‬
‫وسط وشرق أوراب‪ ،‬والتوسع االستعماري للقوى النصرانية الغربية دارل أراضي املسلمني‪ ،‬هذا‬
‫ابإلضالة إىل املواجهات الراهنة حول الصهيونية ولبنان والنفط‪ ،‬وعرب هذا التاربخ الطوبل تصرف‬
‫النصارى بصور ال متت إىل تعاليم النصرانية بصلة‪ ،‬وكان لتلك التصرلات أثرها يف تشوبه رسالة‬
‫اإلجنيل وإحباط مراميها) (‪.)3‬بربد النصارى أن بنسى املسلمون احلروب الصليبية حىت تزول احلواجز‬
‫النفسية اليت بظنون أهنا هي اليت حتول بينهم وبني النصرانية‪ ،‬ومن أجل ذلك انطلقت من أوراب‪.‬‬
‫(مسَر مصاحلة) نصرانية؛ لماعتذار للمسلمني عن احلممات الصليبية‪ ،‬وقد بدأت هذه املسَر عا‬
‫(‪ , )1996‬يف لرنسا‪ ،‬مث تبعها يف أملانيا حواِل (‪ )1000‬شخص عا (‪ )1997‬معظمهم من‬
‫سمالة الصليبني‪ ،‬وقد زارت هذه املسَر تركيا ولبنان‪ ،‬والتقت ببعض املسمولني وببعض املار ‪ ،‬وقدموا‬
‫هلم بعض اهلدااي مع اعتذار شفهي عن جرا م أجدادهم الصليبني الذبن يزوا املنطقة قبل تسعما ة‬
‫سنة‪ ،‬وارتكبوا ليها اجملازر‪ ،‬وأحلقوا ابلبماد الدمار (‪.)4‬‬
‫السذج أن املسلمني بنسون ذلك التاربخ هبدبة اتلهة‪ ،‬واعتذار ابرد؟ ‪َّ ...‬‬
‫لهما‬ ‫لهل بظن النصارى َّ‬
‫وهما قدَّموا إعاانت مالية ألبناء املسلمني‪َّ ،‬‬
‫وهما قدَّموا‬ ‫دمروه‪َّ ،‬‬
‫أقاموا مدان يف بماد املسلمني عما َّ‬
‫تدرببا تعليميا وتقنيا‪َّ ،‬‬
‫وهما قدَّموا رعابة مالية للمعوزبن واألبتا ‪ ..‬كما بقدمون اليو لليهود ضرببة ملا‬
‫ارتكبوه يف حقهم‪ ،‬كما الرتى ذلك عليهم اليهود؟‪.‬‬
‫ولكن هل نسيت تلك املسَرات النصرانية أن دماءان ال زالت راعفة يف البوسنة واهلرسك‪ ،‬وأن‬
‫جراحنا ال زالت دامية يف كوسولو‪ ،‬وأن إرواننا املسلمني يف تلك البماد بسكنون اَخيا بعد أن‬
‫ستتجول مسَر مصاحلة أررى عن هذه اجلرا م؟؟‬
‫َّ‬ ‫دمرت النصرانية بيوهتم؟ ‪ ..‬لمىت‬
‫َّ‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)254 :‬‬
‫(‪ )2‬توجيهات من أجل حوار بني املسيحيني واملسلمني‪ ،‬صادر عن الفاتيكان عا ‪ ، 1969‬نقما‬
‫عن ((ممامر الفاتيكان على اإلسما )) (ص‪.)170 :‬‬
‫(‪(( )3‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)201 :‬‬
‫(‪ )4‬جربد الشرق األوسط العدد ‪ 7225‬الصفحة األوىل‪ ،‬والعدد ‪ 7232‬الصفحة التاسعة‪.‬‬

‫(‪)35/2‬‬

‫احلسر الثالثة‪ :‬الوسا ل الفاشلة‪:‬‬


‫كثَر من وسا ل النصارى لنشر نصرانيتهم وسا ل لاشلة‪ ،‬لهي وإن أبرقت وأرعدت زبد ال بنفع‬
‫الناس‪ ،‬لضما عن أن بغربهم هبجر احلق‪ ،‬وذلك ألهنا من عمل مفسد كالر‪ ،‬وحتمل يف طيَّاهتا ابطما‪،‬‬
‫حقا‪ ،‬وتدعو مممنني ‪ ...‬مثلها مثل سحر لرعون الذبن قال هلم موسى عليه‬ ‫وتدعو إىل كفر‪ ،‬وتواجه ًّ‬
‫صلغ ْح‬ ‫غ‬
‫اَّللَ َسيْـ يبطلْهْ إغ َّن ا ََّّللَ َال بْ ي‬ ‫السما ‪ ،‬كما أررب هللا عن ذلك يف حمكم تنزبله‪ :‬ما غج يئـتْم بغ غه غ‬
‫الس يح ْر إغ َّن َّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫اَّللْ ا يحلَ َّق بغ َكلغ َماتغغه َولَ يو َك غرهَ ال ْيم يج غرْمو َن [بونس‪.]82 - 81:‬إن الذي حكم‬ ‫بن َوْغحي ُّق َّ‬ ‫غغ‬
‫َع َم َل ال ْيم يفسد َ‬
‫جربوا كثَرا من الوسا ل يف تنصَر املسلمني‪ ،‬لكانت نتيجتها‬ ‫على كثَر من وسا لهم ابلفشل غ‬
‫منصرون َّ‬
‫هباء ورسار وحسر يف قلوهبم‪ ،‬بقول أحد املربجمني‪( :‬إن احلاجة املاسة هي إىل برجمة لعالة ممثر ‪ ،‬إن‬
‫حواِل (‪ )%95‬من الربامج النصرانية املوجهة إىل املسلمني ال ُتد قبوال لدى أيلبية املستمعني يف‬
‫هذه البلدان) (‪ ،)1‬لاحلمد هلل الذي َّ‬
‫رد كيد الفجار‪ ،‬وحفظ األمة من أن تمثر ليها أالعيب أولياء‬
‫الشيطان‪ .‬كما َّ‬
‫أكد دوانلدر يف حبثه املعنون بـ (تطوبر وسا ل جدبد لتساعد يف تنصَر املسلمني) أن‬
‫عربت عن هذا‬
‫اجلمعيات التنصَربة مل تشهد حتوال حنو النصرانية إذ بقول‪( :‬إن مجعيات التنصَر اليت َّ‬
‫اهلدف (أي‪ :‬كسب املسلمني إىل النصرانية) مل تشهد حتوال كبَرا حنو النصرانية من قبل املسلمني‪ ،‬ومل‬
‫تستطع إنشاء كنيسة حملية قوبة (‪ ،)2‬ومل تنعم كذلك بتكاثر املممنني ‪ ..‬إىل أن قال‪ :‬ولكن مثل هذه‬
‫اجلمعيات مل تر أبدا عظمة الرب يف كسب املسلمني) (‪ .)3‬وهذا غ‬
‫منصر آرر قال بعد أن سرد‬
‫احلواجز اليت حتول بني املسلمني وبني النصرانية‪( :‬إن َنوا هاما للكنيسة على حساب اجملتمع املسلم‬
‫يَر حمتمل حىت ميكن استنباط بعض الوسا ل لكسب أجزاء متجاوبة منه) (‪ ،)4‬وهذا غ‬
‫منصر آرر‬
‫قال بعد أن أمضى أربعني سنة بزرع اليأس‪ ،‬وحيصد اهلم والغم يف حماولة تعيسة لتنصَر املسلمني‪:‬‬
‫(وبعد ررب أربعني عاما كانت بعضها ُتربة قاسية وحزبنة يف بذر البذور لوق الصخور‪ ،‬ومشاهد‬
‫الطيور تلتقطها عن آررها) (‪ .)5‬وحنن نقول هلذا غ‬
‫املنصر ويَره غ‬
‫جرب ما شئت من الوسا ل‪ ،‬وأجلب‬
‫خبيلك ورجلك‪ ،‬وأبشر ابلفشل الذربع‪ ،‬وبسوء العاقبة؛ لإن هللا كتب النصر والتمكني هلذا الدبن‪،‬‬
‫غ‬ ‫لأنت وأمثالك ِمن قال هللا ليهم‪ :‬ب غرب ْدو َن أَ ين بط غيفئوا نْور َّغ‬
‫اَّلل غأبَليـ َو غاه غه يم َو َأي َيىب َّ‬
‫اَّللْ إغَّال أَ ين بْت َّم نْ َ‬
‫ورهْ َولَ يو‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫َك غرَه الي َكالغ ْرو َن [التوبة‪.]32:‬‬
‫وِما بمكغد لشل أساليبهم ما ورد يف اَخطاب الر يس الذي قدمه و‪ .‬ستانلي مونيها إىل املممتر‬
‫التنصَري املنعقد يف أمربكا عا (‪ , )1978‬إذ جاء ليه (إن مطبوعات اإلرساليات التنصَربة اليت‬
‫تعمل يف صفوف املسلمني مليئة إبشارات وعبارت مثل (عد االستجابة) أو (منطقة صعبة) أو (َنو‬
‫بطيء) أو (أرض وعر )‪.‬أما السعاد اليت بدعون إليها وببشرون هبا لقد ظهرت آاثرها يف اتبماند‪ ،‬كما‬
‫يف اَخطاب السابق‪ ،‬حيث جاء ليه (كنا منذ شهور يف محلة تنصَر يف أرجاء مدبنة (شينك ماي)‬
‫وكانت احلملة جزءا من احتفال بشمل البماد برمتها بذكرى مرور (‪ )150‬عاما على بدء التنصَر‬
‫ليها‪ ،‬وتعترب هذه املدبنة املركز النصراين يف مشال اتبماند‪ ،‬وقد وصلها الكتاب املقدس منذ (‪)110‬‬
‫أعوا ‪ ،‬ومع ذلك لإن النصارى يف هذه املدبنة الزالوا أقلية صغَر مكتئبة) (‪.)6‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)534 :‬‬
‫(‪ )2‬بقصد ابلكنيسة احمللية اليت بدبرها وبشرف عليها رهبان من أبناء البلد املراد تنصَره‪.‬‬
‫(‪(( )3‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)604 :‬‬
‫(‪(( )4‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)143:‬‬
‫(‪(( )5‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)556 :‬‬
‫(‪(( )6‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)31 - 30 :‬‬
‫(‪)36/2‬‬

‫غ‬
‫املنصرون بني آونة وأررى بتجارب جدبد لدعو املسلمني إىل‬ ‫احلسر الرابعة‪ :‬حماوالت اي سة‪ :‬بقو‬
‫النصرانية‪ ،‬مث ما بلبثون أن بكتشفوا أن هذه التجارب حماوالت اي سة‪ ،‬ومن ذلك ما قا به أحد‬
‫القساوسة يف منطقة الشرق األوسط من تغيَر لطربقة دعوته ومظهره وأسلوب رطابه ونوع أدلته؛‬
‫ليحاكي بذلك الداعية املسلم إذ وعظهم أبسلوب محاسي ولبس ممابس مشاهبة ملمابس الداعية‬
‫املسلم (‪ ،)1‬وطلب من احلضور رلع أبدبهم أثناء الصما كما بفعل املسلمون‪ ،‬كما طلب منهم‬
‫قد هذه التجربة يف حبث إىل املممتر التنصَري يف أمربكا‪ -‬كلورادوا‪-‬‬‫الوقوف ألداء الصما ‪ ..‬مث َّ‬
‫زاعما أنه هبذه الطربقة بمثغر على املسلمني‪ ،‬وبنقلهم إىل النصرانية ‪ ..‬وِما استقبلت به هذه التجربة يف‬
‫ذلك املممتر قول أحدهم‪( :‬إذا كانت طربقة القس إبراهيم ممثر إىل مثل هذه الدرجة لأبن همالء‬
‫الذبن استطاع أن غ‬
‫حيوهلم عن دبنهم)؟ (‪.)2‬‬
‫ومن ذلك‪ -‬أبضا‪ -‬ما قدَّمه دوانلدر ربكاردز من اقرتاح إجياد مسجد عيسوي؛ ليكون وسيلة لدعو‬
‫املسلمني إىل النصرانية‪ ،‬وتتلخَّص األلكار الر يسة يف هذه التجربة مبا بلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬القرارات اَخاصة مبا بنبغي عمله رمال شهر رمضان‪.‬‬
‫‪ - 2‬التقومي النصراين للناس الذبن لدبهم استعداد للتقبل‪ ،‬وذلك مبراعا أن ببدأ األسبوع من بو‬
‫اجلمعة بدال من بو األحد‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلصرار على اإلبقاء على اَخلفية الثقالية‪.‬‬
‫‪ - 4‬وضع األحذبة رارج املسجد‪ ،‬وأن تكون هناك أوضاع متعدد للصما كالركوع ورلع األبدي‬
‫واستعمال احلصر للصما ‪.‬‬
‫‪ - 5‬عد إلزا املصلني ابالُتاه شرقا‪ .‬وبعد تدارس هذه التجربة يف املممتر السابق‪ ،‬واعرتاض كثَر من‬
‫املممتربن عليها‪ ،‬كان رد الكاتب كالتاِل‪( :‬ليس من احلكمة اإلقرار أبن (‪ )%99‬من االستجاابت‬
‫كانت متوقعة‪ ،‬لقد كانت‪ -‬مذلة أن أقرأ آراء زمما ي حول الوسا ل اجلدبد على الريم من اجلهد‬
‫الذي بذلته ليها‪ ،‬ومن جهة أررى لقد كان مزعجا حقا أن تكون هناك مقاومة كبَر كهذه) (‪.)3‬‬
‫ومن هذه التجارب اليت طرحت أما املنصربن ُتربة احلوار النصراين اإلسمامي‪ ،‬وبعد استعراض‬
‫نتا جه قال دانيل آربر وسرت‪( :‬واألمر الذي بقلق املنصربن‪ -‬كما أقلقتهم املوضوعات السابقة‪ ،‬ورمبا‬
‫كان أكثر األمور اليت تبعث على القلق‪ -‬هو مفهو احملاور الذي أتقنه جملس الكنا س العاملي‬
‫تتم أبمانة وصراحة وبدون عداو أو حلول مسبقة قد تقود إىل كسب‬
‫والذي بقول‪ :‬إن احملاور اليت ُّ‬
‫النصراين إىل جانب املسلم) (‪.)4‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬ليس للداعية املسلم ممابس راصة‪ ،‬ولكنه ظن ذلك لاجتهد يف تغيَر ممابسه‪.‬‬
‫(‪(( )2‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)124 - 119 :‬‬
‫(‪(( )3‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)618 :‬‬
‫(‪(( )4‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)728 :‬‬

‫(‪)37/2‬‬

‫احلسر اَخامسة‪ :‬قو اإلسما ‪ :‬هللا أكرب‪ ،‬والعز هلل ولرسوله وللمممنني‪ ،‬هذا الدبن الذي أنزله هللا‬
‫وأكمله وأظهره على الدبن كله‪ ،‬وأررب أن أعداءه بكيدون هلذا الدبن كيدا؛ للقضاء عليه‪ ،‬ولطمس‬
‫معامله‪ ،‬ولكن بربدون ليطفئوا نور هللا‪ ،‬وهللا متم نوره ولو كره الكالرون‪ ،‬لمهما حاولوا‪ ،‬ومهما أجلبوا‬
‫خبيلهم ورجلهم ‪ ..‬ببقى هذا الدبن راسخا رسوخ اجلبال‪ ،‬بعجز الكفار أن بنالوا منه حىت بقول‬
‫قا لهم‪( :‬إنين أميل إىل االتفاق مع لاندر وزومير ومزبتاك وآررون ليما ذهبوا إليه من أن اإلسما‬
‫حركة دبنية (‪ ،.)1‬معادبة للنصرانية َمططة ختطيطا بفوق قدر البشر؛ ملقاومة إجنيل (‪ )2‬ربنا بسوع‬
‫املسيح‪ ،‬إن اإلسما هو الدبن الوحيد الذي تناقض مصادره األصلية أسس النصرانية‪ ،‬وترلض بكل‬
‫وضوح صحة اإلجنيل والثقة مبا ليه‪ ،‬وأبو الرب‪ ،‬وأن املسيح ابنه إىل أن بقول ‪ ..‬إنه اَخماف األكرب‬
‫يف النصرانية ويف الكتاب املقدس‪ ،‬ولكن حمرك هذا اَخماف هو اإلسما ‪ ،‬وليس النصرانية ويف ذات‬
‫الوقت لالنظا اإلسمامي هو أكثر النظم الدبنية املتناسقة اجتماعيا وسياسيا‪ ،‬وبفوق يف ذلك النظا‬
‫الشيوعي‪ ،‬ولكن هذه هي احلقيقة) (‪ ،)3‬وسبق همالء (جابر دنر) يف رطابه الذي ألقاه يف مممتر‬
‫القاهر التنصَري املنعقد عا (‪ , )1910‬إذ قال‪( :‬إن مشكلة اإلسما هذه‪ ،‬مسألة ال ميكن أن‬
‫نتغاللها ببساطة‪ ،‬ليست يف مواجهة األوضاع العاجلة بطربقة ال ميكن وصفها‪ ،‬واليت تواجهنا يف‬
‫الشرق األقصى وهذه أوال؛ ألن اإلسما على أبوابنا‪ ،‬لمن أقصى الساحل الشماِل األلربقي بواجه‬
‫أوراب‪ ،‬إنه لعما بلمسها‪ ،‬وميكن القول إنه ميسكها عمليا من طريف البحر املتوسط ‪ ..‬لكروا يف تلك‬
‫الكتلة املركزبة للعامل اإلسمامي الصلب من مشال ألربقيا إىل يرب ووسط آسيا‪ ،‬إنه كإسفني اثبت‬
‫حيجب الغرب املسيحي عن الشرق الوثين ‪ ..‬إىل أن بقول‪ :‬لإن ذلك الوتد الغربب عنا واملعادي لنا‪،‬‬
‫وهو يَر منسجم أو متعاطف معنا‪ ،‬سيقطع العامل النصراين الشرقي والغريب كلية إىل نصفني‪ ،‬لاصما‬
‫االثنني‪ ،‬مظهرا ليس لتقا لحسب‪ ،‬بل صدعا من القمة إىل القاع يف ثوب الكنيسة اليت لوال اإلسما‬
‫نمجل مشكلة اإلسما ‪ ،‬إهنا مشكلة اليو كما رأبنا)‬ ‫النتصر عليها املسيح‪ ،‬لحقا للذلك جيب أال غ‬
‫(‪ .)4‬بل اإلسما هو العقبة الكمود اليت ستقف أما اجلهود التنصَربة إبذن هللا‪ .‬بقول شارِل واحلسر‬
‫ضم العدبد من الشعوب‪،‬‬ ‫متَل قلبه‪( :‬واإلسما نفسه عقيد تبشَربة عدوانية جنحت عرب التاربخ يف غ‬
‫ونتيجة للتفاعل بني اإلسما (األصيل) وبني البيئات احمللية املختلفة ظهرت أمور جدبد واسعة جندها‬
‫يف اإلسما املعاصر‪ ،‬كما أن اتربخ االحتكاك الطوبل بني املسلمني والنصارى جعل املسلمني بشعرون‬
‫من على أهل التوحيد مبعرلة النصرانية‬
‫أبهنم بفهمون النصرانية على حقيقتها) (‪ .)5‬لاحلمد هلل الذي َّ‬
‫على حقيقتها‪ ،‬وجعل النصارى بعلمون ذلك من أهل التوحيد‪ ،‬ليزبدهم ذلك أيسا وقنوطا من‬
‫دعوهتم إىل النصرانية‪ .‬ومنذ ظهر اإلسما ‪ ،‬وانتشر نوره يف أرجاء األرض‪ ،‬والنصرانية البا سة حتاول‬
‫جاهد أن توقف َنوه‪ ،‬وأن حتول بينه وبني عباد هللا بقول د‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬اإلسما ليس حركة دبنية بل دبن إهلي‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلسما ال بقاو إجنيل املسيح عيسى ابن مرمي عليه السما بل بممن به‪ ،‬وإَنا حيكم بتحربف‬
‫ولساد أانجيل النصارى املوجود اليو املمتلئة ابلكفر والبهتان‪.‬‬
‫(‪(( )3‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)566 :‬‬
‫(‪(( )4‬الوثيقة اإلسما اَخطر)) (ص‪.)19 - 18 :‬‬
‫(‪(( )5‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)202:‬‬

‫(‪)38/2‬‬

‫ماكس كَرشو‪( :‬منذ ظهوره يف القرن السابع واإلسما ميثل حتداي لكنيسة بسوع املسيح‪ ،‬ولست‬
‫حباجة لسرد التقد الذي أحرزه اإلسما يف قرونه األوىل‪ ،‬أو تعداد احملاوالت اليت متَّت لوقف املد‬
‫اإلسمامي ابلقو العسكربة‪ ،‬وبصور عامة كانت احلممات التنصَربة يَر لعالة نسبيا يف استعاد‬
‫مناطق إسمامية إىل املسيح‪ ،‬بينما استمر اإلسما يف االنتشار على طول آسيا وألربقيا‪ ،‬وبنتشر اليو‬
‫يف العامل الغريب) (‪.)1‬لاحلمد هلل الذي كتب النصر والتمكني والبقاء هلذا الدبن‪ ،‬وجعله يف منأى عن‬
‫كيد الفجار‪ ،‬وجعل مهمة من برو دعو أتباعه مهمة صعبة‪ ،‬بل عسَر ومثبطة للعزمية‪ ،‬وانظر إىل‬
‫قول غ‬
‫املنصر اَخبيث زومير ‪ -‬بعد أن أعياه هذا األمر‪( -‬إن تنصَر العامل اإلسمامي مهمة عظيمة صعبة‬
‫للغابة ومثبطة للعزمية إىل درجة ال ميكن أن بشجع عليها إال تطلع املتسلقني إىل األعلى) (‪.)2‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪ .)315 :‬أكثرت النقل من هذا املصدر‪ ،‬ألنه مجاع‬
‫األحباث اليت قدمت إىل املممتر التنصَري يف كولورادو يف الوالايت املتحد األمربكية عا (‪)1978‬‬
‫‪ ،‬وألن هذه األحباث قدمت إىل هذا املممتر يف أجواء سربة ِما صبغها بصبغة املصارحة‪.‬‬
‫(‪(( )2‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪ )43 :‬وقصد بقوله‪ :‬املتسلقني إىل األعلى‪ :‬متسلقي‬
‫اجلبال الذي ببذل الواحد منهم جهده لتسلق اجلبل‪ ،‬واندرا ما برى القمة‪ ،‬ألنه مشغول ابلنظر إىل‬
‫مواقع أقدامه ومتوجس من اهلو السحيقة اليت حتته‪ ،‬وهلذا بشعر ابلتعب املتزابد والعبء الثقيل‬
‫والفشل املتوقع‪ ،‬واَخسار العظيمة‪.‬‬

‫(‪)39/2‬‬

‫احلسر السادسة‪ :‬مقاومة املسلمني للنصرانية وبغضهم للمناشط النصرانية‪ :‬أررب هللا يف حمكم تنزبله‬
‫اَّلل والَّ غذبن معهْ أ غ‬‫عن صفة هذه األمة يف الكتب السابقة‪ ،‬لقال جل ثناؤه‪ْ :‬حمَ َّم ٌد رس ْ غ‬
‫َشدَّاءْ َعلَى‬ ‫ول َّ َ َ َ َ‬ ‫َْ‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫اه يم غيف ْو ْجوه غه يم م ين أَثَ غر‬ ‫غ‬ ‫ضما غمن َّغ‬
‫يم ْ‬
‫ض َواان س َ‬ ‫اَّلل َوغر ي‬ ‫اه يم ْرَّكعا ْس َّجدا بَـ يبـتَـغْو َن لَ ي َ‬ ‫الي ْك َّفا غر ْر َمحَاءْ بَـ ييـنَـ ْه يم تَـ َر ْ‬
‫استَـ َوى َعلَى‬ ‫ظ لَ ي‬ ‫استَـ يغلَ َ‬
‫آزَرهْ لَ ي‬ ‫ك َمثَـلْ ْه يم غيف التـ يَّوَرا غ َوَمثَـلْ ْه يم غيف يغ‬
‫اإل يغجن غ‬
‫يل َك َز ير ٍع أَ ير َر َج َشطيأَهْ لَ َ‬ ‫ود ذَلغ َ‬ ‫السج غ‬
‫ُّ ْ‬
‫غ‬ ‫احل غ غ‬ ‫اَّلل الَّ غذبن آمنْوا و َع غملْوا َّ غ‬ ‫اع لغي غغي َ غغ‬ ‫غغ غ‬
‫َجرا‬‫ات م ينـ ْه يم َمغيف َر َوأ ي‬ ‫الص َ‬ ‫ار َو َع َد َّْ َ َ َ‬ ‫ظ هب ْم الي ْك َّف َ‬ ‫الزَّر َ َ‬ ‫ب ُّ‬ ‫ْسوقه بْـ يعج ْ‬
‫اد َّ‬
‫اَّللَ‬ ‫َّلل َوالييَـ يوغ ياخآ غر غر بْـ َوادُّو َن َم ين َح َّ‬
‫عز من قا ل‪َ :‬ال َغُت ْد قَـوما بـ يمغمنو َن غاب َّغ‬
‫ي ْ ْ‬ ‫َع غظيما [الفتح‪ .]29 :‬وقال َّ‬
‫َوَر ْسولَهْ [اجملادلة‪ .]22:‬لاحلمد هلل الذي ولَّق هذه األمة للتمسك بدبنها‪ ،‬ويرس يف قلوب أبنا ها‬
‫منالر أعدا ها‪ ،‬لمهما ضعفت األمة‪ ،‬ومهما التقرت‪ ،‬ومهما تناحرت ليما بينها‪ ،‬إال أهنا تبقى وليَّة‬
‫لدبنها‪ ،‬كالر مبن كفر برهبا‪ ،‬كارهة لكل كالر بلبس لبوس الرمحة والشفقة؛ ليقد هلا يف بو جوعها‬
‫لقمة تسد رمقها؛ ليسرق منها دبنها‪ ،‬وبنتهك عفالها (‪ ،)1‬وملا ذكر تشارلس كرالت أحد أساليب‬
‫لرض النصرانية ابلقو يف اجملتمعات اإلسمامية‪ ،‬قال معلقا على ذلك‪( :‬لقد قاو املسلمون بصور‬
‫عامة‪ -‬ابلطبع‪ -‬هذا اإلكراه الثقايف وراصة يف املسا ل الماهوتية‪ ،‬وهبذا تركوان بدون اسرتاتيجية‬
‫تنصَربة‪ ،‬علينا لذلك أن نتعلم كيف نكسب أو ننال حق اإلصغاء إلينا) (‪.)2‬‬
‫وقال زومير يف كلمته اليت ألقاها أثناء انعقاد مممتر القدس التنصَري عا (‪ , )1935‬ردا على ما‬
‫أبداه املنصرون من روح اليأس اليت كانت َميمة على املممتربن‪( :‬إين أقركم على أن الذبن أدرلوا من‬
‫املسلمني يف حظَر املسيحية مل بكونوا مسلمني حقيقيني‪ ،‬لقد كانوا كما قلتم أحد ثماثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إما صغَر مل بكن له من أهله من غ‬
‫بعرله ما هو اإلسما ‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬رَر شاهد على ذلك موقف املسلمني املستضعفني يف الصومال الذبن شردهتم احلرب وأرهقهم‬
‫اجلوع واملرض ومل ميدوا أبدبهم إىل اجلمعيات التنصَربة‪.‬‬
‫(‪(( )2‬التنصَر رطة لغزو العامل اإلسمامي)) (ص‪.)166 :‬‬

‫(‪)40/2‬‬

‫وعزت عليه‬
‫اشتد به الفقر‪َّ ،‬‬ ‫ٌّ‬
‫مستخف ابألداين ال ببغي يَر احلصول على قوته‪ ،‬وقد َّ‬ ‫‪ - 2‬إما رجل‬
‫لقمة العيش‪ - 3.‬وإما آرر ببغي الوصول إىل يابة من الغاايت الشخصية (‪.)1‬وهذا غ‬
‫منصر آرر بعد‬
‫أن ذكر حسد غ‬
‫املنصربن للمسلم على عبادته لربه ورضوعه واستسمامه له‪ ،‬وأن تقوى املسلم ووالءه‬
‫ُتر غ‬
‫املنصربن إىل ترك حقا ق دبنهم؛ لشد إعجاهبم بتقوى املسلمني‪ ،‬ليقول‪:‬‬ ‫لربه ودبنه كادت أن َّ‬
‫(وميكن أن بكون العاملون يف جمال التنصَر يف هذه األاي ‪ -‬والذبن كيَّفتهم الظروف‪ -‬قد َتثَّروا كثَرا‬
‫ابلتقوى والوالء الدبين لكثَر من املسلمني حىت كادوا بهملون حقا ق الشهاد اإلجنيلية الواضحة‬
‫متاما‪ ،‬واليت تعرضنا هلا قبل قليل‪ ،‬وكان تركيزهم منصبًّا على هذه التقوى املثَر لإلعجاب حبيث إهنم‬
‫جعلوها نقطة البدابة يف تفسَراهتم الماهوتية حول املواجهة الدبنية‪ ،‬لقد وقفوا بكل رهبة أما املسلم‬
‫املنهمك يف عباد هللا وقوته وعظمته‪ ،‬وُتاوبوا مع التزامه احملسوس للخضوع لريبة هللا‪ ،‬إهنم حيسدون‬
‫بتصرف يف ملكوته ‪ ..‬إىل أن بقول‪ :‬سيكون يرببا‬
‫يَر املسلم على عباد الرب الواحد الذي َّ‬
‫تضمن البحث الذي قدَّمه جورج بينرز بعنوان‪( :‬نظر‬
‫ومزعجا أن تواجه مسلما ورعا) (‪.)2‬وقد َّ‬
‫حتولوا إىل النصرانية‬
‫شاملة عن إرساليات التنصَر العاملة وسط املسلمني) أسباب قلة املسلمني الذبن َّ‬
‫لقال‪( :‬أوال‪ :‬كان املسلمون عرب اترخيهم متدبنني ومتشددبن ومكالحني‪ ،‬بل أكثر املتدبنني تعصبا)‬
‫(‪.)3‬‬
‫مير بكتشف ليه املسلمون النصارى على حقيقتهم‪ ،‬وتنكشف‬
‫وأقول‪ :‬أبشر ابلذي بسوؤك؛ لكل بو ُّ‬
‫أمامهم ياايت النصارى وأهدالهم ِما بزبدهم منالر لكم ومقتا ألعمالكم‪ ،‬ووحشة من طروحاتكم‪.‬‬
‫لاحلمد هلل الذي جعل إنفاقكم ألموالكم يف هذا السبيل رسار عليكم‪ ،‬وأعمالكم حسرات عليكم‪،‬‬
‫ني غم َن النَّا غر [البقر ‪ .]167 :‬وكما‬
‫ات َعلَيي غه يم َوَما ْه يم غخبَا غرغج َ‬
‫اَّلل أَ يعما َهلْم حسر ٍ‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬ك َذلغ َ‬
‫ك بْ غرب غه ْم َّْ َ ي َ َ َ‬
‫أن أعماهلم حسرات عليهم‪ ،‬لإن تكذببهم هبذا القرآن حسر عليهم بو القيامة‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬وإغنَّهْ‬
‫غ‬ ‫غ‬ ‫لَتذيكغرٌ لغليمت غَّقني وإغ َّان لَنـعلَم أ َّ غ‬
‫بن [احلاقة‪ .50 ] - 48 :‬وما‬ ‫َن م ين ْك يم ْم َكذبغ َ‬
‫ني َوإغنَّهْ َحلَ يس َرٌ َعلَى الي َكال غر َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َي ْ‬
‫ذاك إال ألهنم استحبُّوا احليا الدنيا على اخآرر ‪ ،‬وصدوا عن سبيل هللا‪ ،‬وببغوهنا عوجا‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ض َما ٍل‬
‫ك غيف َ‬ ‫وهنَا غع َوجا أْولَئغ َ‬ ‫يل َّغ‬
‫اَّلل َوبَـ يبـغْ َ‬ ‫صدُّو َن َع ين َسبغ غ‬ ‫غ غ‬
‫الدنيـيَا عَلَى ياخآر َر َوبَ ْ‬‫بن بَ يستَ غحبُّو َن ا يحلَيَا َ ُّ‬ ‫َّ غ‬
‫الذ َ‬
‫وهنَا غع َوجا َو ْه يم غاب يخآ غر َرغ ْه يم‬ ‫يل َّغ‬
‫اَّلل َوبَـ يبـغْ َ‬ ‫صدُّو َن َع ين َسبغ غ‬
‫بن بَ ْ‬
‫َّ غ‬
‫بَعيد [إبراهيم‪ .]3 :‬وقال جل ثناؤه‪ :‬الذ َ‬
‫غٍ‬
‫ون َّغ غ غ‬ ‫ض وما َكا َن َهلْم غمن ْد غ‬ ‫غ‬ ‫َكالغ ْرو َن أْولَئغ َ‬
‫اب‬
‫ف َهلْْم ال َيع َذ ْ‬ ‫اع ْ‬
‫ضَ‬ ‫اء بْ َ‬
‫اَّلل م ين أ يَوليَ َ‬ ‫ي ي‬ ‫بن غيف ياأل يَر غ َ َ‬‫ك َملي بَ ْكونْوا ْم يعج غز َ‬
‫ص ْرو َن [هود‪.]20 - 19 :‬‬ ‫السمع وما َكانْوا بـ يب غ‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫َما َكانْوا بَ يستَطيعْو َن َّ ي َ َ َ‬
‫‪ O‬التنصَر لعبد الرمحن الصاحل‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬تنصَر املسلمني)) (ص‪.)20 :‬‬
‫(‪(( )2‬تنصَر املسلمني)) (ص‪.)186 :‬‬
‫(‪(( )3‬تنصَر املسلمني)) (ص‪.)556 :‬‬

‫(‪)41/2‬‬

‫أن التنصَر حركة سياسية استعماربة تستهدف نشر النصرانية بني األمم املختلفة يف دول العامل الثالث‬
‫وبستغل زعماؤها انتشار اجلهل والفقر واملرض؛ للتغلغل‬
‫ُّ‬ ‫عامة‪ ،‬وبني املسلمني على وجه اَخصوص‪.‬‬
‫بني شعوب تلك األمم‪ ،‬متوسلني بوسا ل اإلعما التقليدبة من كتب ومطبوعات وإذاعة وتلفاز‬
‫وأشرطة مسعية ومر ية‪ ،‬لضما عن املخيمات والتعليم والطب‪ ،‬إىل جانب األنشطة االجتماعية‬
‫اإلنسانية واإلياثية املوجهة ملنكويب الفنت واحلروب ويفلة‪ ،‬وتساهل حكا بعض الدول اإلسمامية‪.‬‬
‫وتعتمد تلك احلركة يف حتقيق أهدالها على تشوبه صور اإلسما وكتابه ورسوله صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫مسخربن إمكاانهتم الضخمة لتحقيق مآرهبم‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬الفكر اإلسمامي احلدبث‪ ،‬د‪ .‬حممد البهي ‪ -‬ط‪ - 8‬مكتبة وهبة ابلقاهر – (‪1395‬هـ‪)1975/‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬التبشَر واالستعمار‪ ،‬املستشار حممد عزت إمساعيل الطهاوي ‪ -‬املطابع األمَربة ابلقاهر ‪-‬‬
‫(‪1397‬هـ‪. )1977/‬‬
‫‪ -‬التبشَر واالستعمار‪ ،‬د‪ .‬مصطفى اَخالدي ود‪ .‬عمر لروخ ‪ -‬ط‪. )1973( - 5‬‬
‫‪ -‬الغار على العامل اإلسمامي‪ ،‬أ‪ .‬ل‪ .‬شاتليه‪ ،‬ترمجة حمب الدبن اَخطيب ومساعد اليايف ‪ -‬ط‪- 3‬‬
‫املطبعة السلفية ‪ )1385( -‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬معاول اهلد والتدمَر يف النصرانية والتبشَر‪ ،‬إبراهيم سليمان اجلبهان ‪ -‬ط‪ - 4‬عامل الكتب ‪-‬‬
‫الرايض ‪. )1981( -‬‬
‫‪ -‬أضواء على االستشراق‪ ،‬د‪ .‬حممد عبد الفتاح عليان ‪ -‬ط‪ - 1‬دار البحوث العلمية (‪1400‬هـ‪/‬‬
‫‪. )1980‬‬
‫‪ -‬قاد الغرب بقولون‪ ،‬جمال العامل ‪ -‬ط‪1395( - 2‬هـ‪. )1975 /‬‬
‫‪ -‬جملة البماغ‪ ،‬العدد (‪ )484‬يف (‪. )1979/2 /14‬‬
‫‪ -‬دا ر املعارف اإلسمامية‪.The Encyclopaedia of Islam ،‬‬
‫‪ -‬دا ر معارف الدبن واألرماق‪Encyclopaedia of religion and Ethics 11 ،‬‬
‫‪.– Focus on Christian – Muslim relations‬‬
‫‪ -‬التبشَر ابلنصرانية رطر مغلف‪ ،‬ندو عقدهتا جربد الرايض السعودبة ونشرت بتاربخ (‪ )13‬ربيع‬
‫األول سنة (‪1403‬هـ املوالق ‪ 28‬دبسمرب ‪ )1982‬العدد (‪.)5312‬‬
‫‪ -‬جملة األمة القطربة‪ ،‬عدد شوال (‪ )1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬التنصَر يف اَخليج‪ ،‬معاِل عبد احلميد محود ‪.‬‬
‫‪ -‬مذكر عن التنصَر‪ ،‬رابطة العامل اإلسمامي‪.‬‬
‫‪ -‬التنصَر‪ :‬رطة تنصَر العامل اإلسمامي‪ ،‬وهي ترمجة لبحوث مممتر كلورادو عا (‪ , )1978‬صدر‬
‫ابإلجنليزبة بعنوان‪.The Gospel And Islam :‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)42/2‬‬

‫املبحث األول‪ :‬تعربف االستشراق‪ :‬هو دراسات أكادميية بقو هبا يربيون كالرون من أهل الكتاب‬
‫بوجه راص لإلسما واملسلمني من شىت اجلوانب عقيد وشربعة وثقالة وحضار واترخيا ونظما‬
‫وثروات وإمكانيات؛ هبدف تشوبه اإلسما ‪ ،‬وحماولة تشكيك املسلمني ليه وتضليلهم عنه‪ ,‬ولرض‬
‫التبعية للغرب عليهم‪ ,‬وحماولة تسوب هذه التبعية بدراسات ونظرايت تدَّعي العلمية واملوضوعية‪،‬‬
‫وتزعم التفوق العنصري والثقايف للغرب املسيحي على الشرق اإلسمامي (‪.)1‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد – ص ‪171‬‬
‫واملستشرقون هم‪ :‬أدمغة احلممات الصليبية احلدبثة‪ ،‬وشياطني الغزو الثقايف للعامل اإلسمامي‪ ,‬ظهروا‬
‫يف حلبة الصراع يف لرت كان املسلمون ليها بعانون من اإللماس احلضاري واَخواء الروحي ولقدان‬
‫الذات؛ ِما جعل الفرصة ساحنة ألولئك األحبار‪ ،‬والرهبان‪ ،‬وجنود الصليبيني املوتوربن كي بثأروا‬
‫هلزا مهم املاضية‪ ،‬وبنفثوا أحقادهم الدلينة (‪.)2‬‬
‫واملستشرقون بلتقون مع املبشربن يف األهداف؛ لكلهم بهدف إىل إدرال املسلمني يف النصرانية‪ ،‬أو‬
‫رد املسلمني عن دبنهم‪ ،‬أو‪ -‬يف األقل‪ -‬تشكيكهم بعقيدهتم‪ ,‬كما أن من أهدالهم وقف انتشار‬
‫اإلسما ‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد – ص ‪171‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((رؤبة إسمامية لماستشراق)) ‪ ,‬أمحد عبد احلميد يراب (ص‪.)7 :‬‬
‫(‪(( )2‬العلمانية)) (ص‪.)453 :‬‬

‫(‪)43/2‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬رصا ص االستشراق‪ :‬أما رصا ص االستشراق ليمكن إجيازها ليما بلي (‪:)1‬‬
‫‪ _1‬أهنا دراسات ذات ارتباط وثيق ابالستعمار الغريب‪.‬‬
‫‪ _2‬أهنا دراسات ذات ارتباط وثيق ابلتنصَر‪.‬‬
‫‪ _3‬أهنا دراسات تسهم يف صنع القرار السياسي يف الغرب ضد اإلسما واملسلمني‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد – ص ‪171‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬رؤبة إسمامية لماستشراق)) ‪ ,‬أمحد عبد احلميد يراب (ص ‪.)9 - 8‬‬

‫(‪)44/2‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬املقصود ابالستشراق‪:‬‬
‫االستشراق هو الوجه اخآرر لعملة التنصَر‪ ،‬تنوعت األمساء واهلدف واحد‪ ،‬كما أن التنصَر ظاهر‬
‫واالستشراق نفاق‪ ،‬أو هو النار حتت الرماد‪.‬‬
‫املقصود به يف الظاهر حسب زعم علماء الغرب دراسة كل ما بتعلق بشمون الشرق من مجيع‬
‫اجلوانب الدبنية والثقالية واالجتماعية ويَر ذلك‪ ،‬نسبوا أنفسهم إىل الشرق اإلسمامي‪ ،‬وزعموا أن‬
‫شىت االُتاهات اإلسمامية والشرقية ودراستها بدقة؛ ليفيدوا هبا‬
‫بنصب على معرلة َّ‬
‫ُّ‬ ‫كل اهتمامهم‬
‫أِمهم إذا رجعوا إليهم مع تظاهرهم أبهنم على احلياد يف دراستهم‪ ،‬وأهنم بربدون الوصول إىل احلقا ق‬
‫دون أي اعتبار آرر‪.‬‬
‫ولكن هذا املفهو لماستشراق كذب‪ ،‬لإهنم بربدون على احلقيقة دراسة كل ما بتعلَّق ابإلسما‬
‫واملسلمني‪ ،‬وضرب احلركات التصحيحية الصحيحة بصفة راصة؛ ردمة لدبنهم وحلكوماهتم املتطلعة‬
‫إىل استعمار بلدان العامل اإلسمامي‪ ،‬وهم عون للمنصربن يف دعوهتم‪ ،‬وجواسيس أمناء للمستعمربن‪،‬‬
‫وطليعة هلم‪ ،‬كما ظهر ذلك واضحا للمسلمني بعد لوات األوان يف كثَر من البلدان‪.‬‬

‫(‪)45/2‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬حقيقة أمر املستشرقني‪:‬‬


‫لقد ردع ثعالب املستشرقني جواسيس الغرب كثَرا من الناس‪ ،‬لظنوا أن مهمة املستشرقني تنحصر‬
‫لعما يف تلك األهداف النبيلة واجملاالت النالعة‪ ،‬وأهنم ليسوا جواسيس الغرب أو طما ع االستعمار‬
‫ومقدماته يف داير املسلمني‪ ،‬ولكن حينما نظرت الشعوب اإلسمامية إىل األلعال احلقيقية اليت تصدر‬
‫تباعا على أبدي املستشرقني علموا بقينا أن املهمة اليت خيوض املستشرقون يمارها مل تكن طلب‬
‫احلق واملعرلة واحلياد يف ذلك‪ ،‬وإَنا هم حقيقة جواسيس لشعوهبم وحكامهم‪ ،‬وأن مهمتهم هي‬
‫االطماع على كل أحوال املسلمني ودراستها دراسة شاملة‪ ،‬ومعرلة مدى قو املسلمني وأماكن‬
‫ضعفهم‪ ،‬واإلسها يف تفربق كلمتهم‪ ،‬وبذر أسباب النزاع‪ ،‬وإبقاع الفنت بينهم‪ ،‬ومماحقة كل حركة‬
‫إصماحية‪ ،‬وتوجيه الدعاايت السيئة ضدها‪ ،‬وإحياء البدع واَخرالات بني املسلمني‪ ،‬وإعاد طبع‬
‫الكتب اليت تشتمل عليها‪ ،‬واإلشاد هبا‪ ،‬مثل كتب الصولية اَخرالية‪ ،‬وكتب ابن عريب واحلماج‬
‫ويَرمها من دعا الضمال‪ ،‬كما تتمثل مهمتهم يف إحياء النعرات اجلاهلية والقوميات‪ ،‬وسا ر الرتاث‬
‫اجلاهلي واحلضارات اجلاهلية‪ ،‬وحبك اَخطط واملمامرات‪ ،‬لما بنبغي االلتفات إىل زرارف أقواهلم‬
‫ودعاايهتم الباطلة أهنم على احلياد‪ ،‬أو أهنم طماب معرلة وحبوث علمية عن الشرق اإلسمامي‪،‬‬
‫ولإلنصاف نذكر أن بعض املستشرقني كان هدله لعما االطماع والدراسة‪ ،‬دون أن بكون مدلوعا من‬
‫قبل التبشَر‪ ،‬وهلذا جند يف كما كثَر منهم ذكر احلقا ق إبنصاف‪ ،‬وبعضهم درل يف اإلسما ‪ ،‬وكانت‬
‫هلم جهود واضحة يف ردمته‪ ،‬وهم قلة قليلة جدًّا‪.‬‬

‫(‪)46/2‬‬

‫املبحث اَخامس‪ :‬السبب يف تغيَر الغرب اسم التنصَر إىل االستشراق‪:‬‬


‫يَر الغرب التسمية من التبشَر إىل‬
‫بعد أن عرف املسلمون أهداف التنصَر‪ ،‬وبدؤوا حيذرون منها‪َّ ،‬‬
‫االستشراق‪ ،‬مع بقاء اهلدف كما هو‪ ،‬والغرب جييدون التماعب ابملسميات واأللكار‪ ،‬ومن واقع‬
‫دراستهم املتماحقة للعامل اإلسمامي عرلوا كيف بتعاملون مع األحداث اليت تطرأ على املسلمني‪،‬‬
‫ليتعاملون معها حسبما بما مها‪ ،‬وبتلونون كما تتلون احلرابء‪ ،‬على أنه مل بكن التغيَر لقط يف اجملالني‬
‫السابقني‪ ،‬بل هناك عد جماالت كثَر بعرلون وجوه االحتيال ليها‪ ،‬وخيرتعون هلا تسميات ظاهر ‪،‬‬
‫لهي الرمحة واللني‪ ،‬وحقيقتها املكر املبني‪ ،‬وهذا بكثر يف إرساهلم اجلمعيات املختلفة إىل العامل‬
‫اإلسمامي حتت أي يرض من األيراض اإلنسانية‪ ،‬كما بسموهنا‪.‬‬
‫وألنه قد حلقت ابملنصربن مساوئ كثَر نفرت الناس عنهم‪ ،‬لاررتعوا هلم تسمية املستشرقني من ابب‬
‫التجدبد والتموبه‪.‬‬

‫(‪)47/2‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬العماقة بني االستشراق والتنصَر وحكومات الدول النصرانية‪:‬‬


‫العماقة بني االستشراق والتنصَر عماقة وثيقة‪ ،‬ويف يابة املتانة‪ ،‬ذلك أن االستشراق هو الرالد اخآرر‬
‫للتنصَر‪ ،‬وكمامها بنبعثان من الكنيسة‪ ،‬لهم قساوسة مجيعا‪ ،‬وخيدمون الكنيسة على حد سواء‪ ،‬وترتكز‬
‫مهمة اجلميع يف هد اإلسما ‪ ،‬أو تشكيك أهله ليه‪ ،‬وتشوبه اتربخ األمة اإلسمامية ونبيها العظيم‪،‬‬
‫وجعل العامل اإلسمامي مناطق نفوذ للغرب‪ ،‬وهلذا بلقى املستشرقون بسخاء من كالة الدول الكربى‬
‫اليت تتطلع إىل العود الستعمار الدول اإلسمامية من جدبد‪ ،‬وقد أقيمت هلم َمتلف اجلامعات‬
‫لدراسة كيفية التنصَر واالستشراق؛ للتغلغل إىل داير املسلمني وإىل قلوهبم وإىل استعمار بلداهنم‪،‬‬
‫وإجياد املربرات لذلك‪ ،‬ومن هنا لإنه جيب التنبيه ملغالطتهم يف زعمهم أن االستشراق هو يَر‬
‫التنصَر‪ ،‬وأن االستشراق خيد الثقالة بعيدا عن التأثَر أبي معتقد‪ ،‬وقد عرلت أن الغرض احلقيقي‬
‫لدعا التنصَر هو الريبة يف إدرال الناس النصرانية‪ ،‬لما ربب أن من صدق هذا لقد جانب احلقيقة‪.‬‬
‫تصب يف مكان واحد‪ ،‬وعن‬
‫نعم قد ختتلف الوسا ل بني املنصربن واملستشرقني‪ ،‬ولكنها يف النهابة ُّ‬
‫الفرق بني املستشرقني واملنصربن يف الوسا ل كان القسيس (إبراهيم رليل أمحد) ِمن هداه هللا إىل‬
‫اإلسما ‪ ،‬وكتب بعد ذلك يف بيان مكر املستشرقني يف كتابه (املستشرقون واملبشرون يف العامل العريب‬
‫واإلسمامي) حيث َّبني ليه أهداف املستشرقني وما ببيتونه للعامل اإلسمامي من وبمات إلرراجهم عن‬
‫دبنهم احلنيف إىل مناطق نفوذ للنصرانية الوثنية‪ ،‬وال شك أن شهادته هلا وزهنا حبكم رربته السابقة‬
‫عن همالء؛ ألنه كان واحدا منهم ‪ -‬كما ‪َّ -‬بني يف ذلك الكتاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن التبشَر واالستشراق دعامتان من دعا م قيا االستعمار يف البماد اليت بغزوهنا وميهدوهنا‬
‫الستقبال املستعمربن‪.‬‬
‫‪2‬ـ االستشراق والتبشَر واالستعمار كلهم بسَرون حسب رطة مرسومة‪ ،‬االستشراق مهمته اجتذاب‬
‫الناس عن طربق العلم والتعليم‪ ،‬والتبشَر مهمته اجتذاب الناس عن طربق الدعو املباشر ‪ ،‬وحتبيب‬
‫النصرانية إىل القلوب بكل وسيلة بستطيعوهنا‪.‬‬
‫‪3‬ـ استطاع املبشرون األمربكيون حبكم امتيازاهتم أن بتغلغلوا إىل كل مكان بربدونه يف آسيا وألربقيا‪.‬‬
‫‪4‬ـ استخد املبشرون عمماءهم يف كل دولة؛ للقيا مبهمتهم دون أن بثَروا أي مشكلة حبكم انتماء‬
‫أولئك العمماء الوطين‪5.‬ـ استعان التبشَر ابلقوى العسكربة االستعماربة حلمابته؛ كي بعملوا على‬
‫هدوء واستقرار (‪)1‬‬
‫الس يم َع َو ْه َو َش غهي ٌد [ق‪]37 :‬‬
‫يب أ يَو أَلي َقى َّ‬ ‫إغ َّن غيف ذَلغ َ غ غ‬
‫ك لَذ يك َرى ل َمن َكا َن لَهْ قَـل ٌ‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬أجنحة املكر الثماثة)) (ص ‪ )162 - 157‬نقما عن كتاب ((املستشرقون واملبشرون يف العامل‬
‫العريب واإلسمامي)) َتليف‪ :‬إبراهيم رليل أمحد‪.‬‬

‫(‪)48/2‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬مىت ظهر االستشراق؟ ارتلف الباحثون يف بدابة وقت ظهور االستشراق‪ ،‬وتعود‬
‫صعوبة حتدبد الوقت إىل أن األلكار تسَر متغلغلة دون أن حتدد بزمن دقيق؛ إذ ال ميكن التحدبد إال‬
‫بتم التحدبد يف وقت ظهور‬
‫بصرح به صاحب الفكر األساسي‪ .‬واثنيهما‪ :‬أن َّ‬ ‫أبمربن‪ :‬أحدمها‪ :‬أن غ‬
‫الفكر عند انتشارها‪ ،‬وِما قيل عن حتدبد نشأ االستشراق (‪)1‬‬
‫قيل‪ :‬إنه ظهر يف أاي الدولة اإلسمامية يف األندلس حينما ولد إليها كثَر من لرنسا ويَرها للتعلم‪.‬‬
‫‪ .......‬وقيل‪ :‬إنه ظهر يف أاي الصليبيني وحروهبم مع املسلمني يف بدابة القرن الثامن عشر امليمادي‬
‫بدابة االستعمار‪ .‬وقيل‪ :‬إنه ظهر يف القرن الثاين اهلجري‪ ،‬وأنه نشط يف بماد الشا يف بدابته‪.‬‬
‫وإذا الحظنا أن االستشراق هو امتداد للتنصَر‪ ،‬لما مينع أن َّ‬
‫حيدد ظهوره ابلعصور األوىل للدولة‬
‫اإلسمامية‪ ،‬وهلذا أرجعه بعضهم إىل القرن األول اهلجري‪ ،‬إال أنه كان على صور يَر نظامية‪ ،‬لإنه بدأ‬
‫بكتمل بوجهه اجلدبد يف القرن الثامن عشر امليمادي‪ ،‬حيث أنشئت املدارس النظامية‪ ،‬وعقدت‬
‫املممترات‪ ،‬ولتحت املراكز والبعثات واجلمعيات واملعاهد‪ ،‬وكان هذا بعد انتهاء احلروب الصليبية‪ ،‬وال‬
‫جدال يف أن النصارى وقفوا ضد اإلسما من أول ظهوره‪ ،‬وكل رجال الكنيسة من البابوات وزعماء‬
‫الدول الغربية بنظرون حبقد شدبد إىل انتشار اإلسما وقو املسلمني‪ ،‬حيث رأوا أرَرا أنه ال ميكن‬
‫وقف غ‬
‫املد اإلسمامي إال بغزوه لكراي مع إبداء الصداقة للعرب‪ ،‬ويَرهم من املسلمني‪ ،‬يف الوقت‬
‫الذي ببذلون ليه يابة جهودهم ملقاومة اإلسما ‪ ،‬والتصدي للمسلمني؛ إلطفاء نور اإلسما ‪ ،‬وقد‬
‫ظل هذا التوجه للنصارى قا ما يف شكل صراع حمتد على طول اتربخ الغرب النصراين والشيوعي‬
‫َّ‬
‫على حد سواء‪ ،‬حيث أدَّى ذلك إىل ارتماف العلماء يف حتدبد ظهور االستشراق أول مر ‪ ،‬ولكنه‬
‫ابلتأكيد كان بعد قيا احلرب الصليبية واهلزا م اليت أْحلقت ابلنصارى‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي)) ط ج ‪( 1‬ص‪ .)697 :‬وانظر ((أجنحة‬
‫املكر الثماثة)) (ص ‪.)120‬‬

‫(‪)49/2‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬أهداف املستشرقني‪:‬‬


‫• املطلب األول‪ :‬األهداف الدنيوبة‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬األهداف السياسية‪.:‬‬
‫• املطلب الثالث‪ :‬األهداف الدبنية‪.:‬‬

‫(‪)50/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬األهداف الدنيوبة‪:‬‬


‫لمن أمهها ‪ -‬كما عرلت ‪ -‬تنبيه حكوماهتم إىل هنب رَرات البلدان اإلسمامية‪ ،‬رصوصا البرتول‬
‫واملعادن األررى‪ ،‬واملخطوطات اإلسمامية‪ ،‬وكذلك الوصول إىل مكاسب ُتاربة من وراء بيعهم‬
‫ملذكراهتم اليت بكتبوهنا عن الشرق اإلسمامي‪ ،‬وبيع ألمامهم اليت بصوروهنا عن احليا الشرقية‪ ،‬كما‬
‫بسموهنا يف دعاايهتم‪ ،‬وكذا بيع مجيع أجهزهتم‪ ،‬وبيع ما ال حيتاجون إليه منها‪ ،‬وهم دا ما بتسابقون إىل‬
‫ردمة أي دولة إسمامية‪ ،‬رصوصا يف اجملاالت التجاربة اليت تربمها شركاهتم مع العامل اإلسمامي‪،‬‬
‫بغرض بسط نفوذهم التجاري‪ ،‬ولرض هيمنتهم على اقتصاد تلك الدول الفقَر اليت ستصبح عالة‬
‫على تلك الشركات العمماقة واملهندسني ليها من دعا االستشراق‪.‬‬

‫(‪)51/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬األهداف السياسية‪:‬‬


‫لقد أصبحت واضحة مهما حاول البعض ُتاهلها‪ ،‬لقد اتبع املستشرقون ُتسسهم على مجيع‬
‫النشاطات اإلسمامية ورصدها بدقة‪ ،‬وأرسلوا أربارها مهما دقَّت إىل حكوماهتم الغربية‪ ،‬لكانوا العون‬
‫احلقيقي اَخفي جليوش املستعمربن اليت ضربت العامل اإلسمامي‪ ،‬وأتت على األرضر واليابس‪ ،‬وجهَّلوا‬
‫املسلمني بدبنهم‪ ،‬وهنبوا تراثهم‪ ،‬وأرسلوه إىل مكتباهتم يف الغرب‪ ،‬ومهَّدوا املسلمني لماُتاه إىل‬
‫وقسموهم إىل‬
‫هتم مصاحل املسلمني‪َّ ،‬‬
‫الغرب‪ ،‬واعتمادهم عليهم حىت يف الشمون السياسية اليت ُّ‬
‫والءات َمتلفة االُتاهات‪ ،‬وقد مشل نشاط املستشرقني َمتلف القضااي‪ ،‬إال أهنم أولوا بعض اجلوانب‬
‫مزبد عنابة واهتما ‪.‬‬

‫(‪)52/2‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬األهداف الدبنية‪:‬‬
‫لتظهر بوضوح يف ردمة عقا دهم النصرانية أو اليهودبة أو الشيوعية؛ إذ الغرض الر يسي هو إرراج‬
‫املسلمني عن دبنهم‪ ،‬وليذهبوا إىل أي ملة‪ ،‬وقد اتضحت جهودهم يف ردمة اليهودبة يف قيا دولة يف‬
‫قلب العامل اإلسمامي‪ ،‬لإهنم هم أول من أشار بقيا دولة بهودبة يف للسطني يف مممتر لندن سنة‬
‫(‪ ، )1907‬كما أن من أهدالهم تشوبه اإلسما ‪ ،‬وهذا هو األساس الذي متَّ عليه االستشراق‪ ،‬لقد‬
‫دأبوا على االلرتاء أبن اإلسما إما هو مأروذ عن الدايانت السابقة ومستمد منها‪ ،‬وأن األصل إَنا‬
‫هو ما جاء يف الكتاب املقدس‪ ،‬وأن اَخماص كله يف اتباع الطرق الغربية يف كل اجملاالت الدبنية‬
‫والسياسية واالجتماعية‪ ،‬ويف مجيع املظاهر احلضاربة اليت وصل إليها الغرب‪ ،‬وختلَّف عنها املسلمون‬
‫بسبب دبنهم – كما بفرتون – ومن املمسف أن تسمع َمتلف الصيحات من اإلذاعات العربية‬
‫املنتمية إىل اإلسما ابملنادا ابللحاق ابحليا األوروبية املتطور ‪ ،‬أو اللحاق بركب التقد ‪ ،‬وأننا حنتاج‬
‫إىل سنني عدبد للوصول إىل ما وصل إليه الغرب من احلضار العصربة‪ ،‬ويَر ذلك من األقوال اليت‬
‫ُّ‬
‫تدل على انبهار همالء ابحليا الغربية‪ ،‬وتفضيلهم هلا على ما جاء به اإلسما ‪ ،‬وليها الغمز اَخفي يف‬
‫اإلسما ونبيه صلى هللا عليه وسلم حينما بصدقون دعا النصرانية يف أن َترر املسلمني بكمن يف‬
‫متسكهم ابإلسما ‪.‬‬
‫وقد ترَّكز اهتما املستشرقني ابجلوانب الثقالية وأولوها مزبد العنابة واالهتما عن طربق اخآِت‪:‬‬
‫‪1‬ـ الوصول إىل وسا ل التعليم والتدربس‪.‬‬
‫‪2‬ـ حتقيق بعض الكتب‪ ،‬والنشر والرتمجة‪ ،‬واالهتما ابملخطوطات العربية‪.‬‬
‫الدس يف اللغة العربية‪ ،‬غ‬
‫واحلط من قيمة الفكر‬ ‫‪3‬ـ الوصول إىل اجملامع العربية اللغوبة والعلمية هبدف غ‬
‫اإلسمامي واللغة العربية‪ ،‬وأهنا عاجز عن متابعة ما تزرر به احلضار الغربية من وسا ل الصناعات‪.‬‬
‫‪4‬ـ َتليف الكتب اليت تطعن يف اإلسما ونَب اإلسما صلى هللا عليه وسلم وعظماء املسلمني بطربقة‬
‫دس وتشوبه حقا ق‬‫صرحية‪ ،‬أو بطرق يامضة ال بفطن هلا إال الدارس املتخصص‪ ،‬وهي ِملوء ابل غ‬
‫اإلسما ‪ ،‬وإعطاء معلومات يَر صحيحة‪ .‬وانتشرت بعض هذه الكتب يف املكتبات اإلسمامية بصور‬
‫رطَر مثل كتاب (دا ر املعارف اإلسمامية) واملوسوعة العربية امليسر وكتاب (بقظة العرب) وكتاب‬
‫(املنجد)‪ ،‬ويَر هذه الكتب اليت قلما ختلو منها مكتبة يف داير املسلمني (‪)1‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((مسو االستشراق)) أنور اجلندي (ص ‪.)17 - 16‬‬

‫(‪)53/2‬‬
‫املبحث التاسع‪ :‬أساليب املستشرقني‪:‬‬
‫ومن أساليب املستشرقني يف يزوهم الفكري للمسلمني كذلك‪ :‬بعث اَخمالات القدمية‪ ،‬وإحياء الشبه‬
‫املدلونة‪ ،‬وبظهر هذا بوضوح يف نبشهم َخمالات حدثت بني املسلمني‪ ،‬وانتهى األمر ليها‪ ،‬ومل تعد‬
‫حباجة إىل إعاد اَخماف ليها‪ ،‬سواء كانت مسا ل عقدبة أو لقهية أو يَر ذلك‪ ،‬لإذا أبولئك ببعثون‬
‫الشبه حوهلا‪ ،‬وبقرتحون احللول‪ ،‬وبعقدون املقارانت بينها‪ ،‬واستغلوا مشكلة اَخوارج‪ ،‬كما استغلوا‬
‫قضية اَخماف بني السنة والشيعة نقطة انطماق‪ ،‬وما وقع بني علي ومعاوبة رضي هللا عنهما منطلقا‪،‬‬
‫وما وقع بني الدولة األموبة والعباسية من أمور سياسية وجفاء‪ ،‬أمثلة لوحشية املسلمني بزعمهم‪.‬‬
‫ومن األساليب أبضا‪ :‬صرف مهم املسلمني إىل االُتاهات األدبية والنظربة‪ ،‬وحتوبل أنظارهم عن‬
‫االُتاه إىل العلو التجرببية حىت بظل العامل اإلسمامي بعيدا عن أسباب التقد العلمي‪.‬‬
‫ومن أساليبهم‪ :‬الدعو إىل حترمي اجلهاد حىت أصبحت كلمة اجلهاد كأهنا وصمة عار يف اتربخ‬
‫املسلمني‪ ،‬حبجة أن اجلهاد ختلُّف ووحشية‪ ،‬وَمالف للتمدن‪ ،‬وقا أذايهلم يف البماد اإلسمامية برتدبد‬
‫نفس هذه الفكر الباطلة‪ ،‬بينما قتلهم للمسلمني ابلقنابل السامة واملدالع والصواربخ والرشاشات‬
‫اليت َتكل األرضر واليابس تعترب رمحة ومتدان‪ ،‬يف حني أن اإلسما ال جييز قتل أحد إال أن بكون‬
‫مستحقا للقتل‪ ،‬إما ألنه طايية بقف يف وجه املسلمني‪ ،‬ومينع انتشار اإلسما ‪ ،‬وحيمل السماح‬
‫كذلك‪ ،‬وأيىب عن اإلسما أو اجلزبة أو يَر ذلك من األمور اليت توجب قتله‪ ،‬لحينئذ ببيح إزالته‬
‫ورلع أذاه‪ ،‬ومل بضعف املسلمون وبماقوا ألوان اإلهاانت إال حني تركوا اجلهاد‪ .‬ومن أساليبهم‪ :‬إاثر‬
‫اهتم غ‬
‫املنصرون واملستشرقون إباثر وإحياء‬ ‫وإحياء النعرات اجلاهلية تتميما ملا بذله املنصرون‪ ،‬لقد َّ‬
‫النعرات اجلاهلية اليت قضى عليها اإلسما ‪ ،‬واعتربها داء جيب عماجه من الدعو إىل القومية والعرقية‬
‫والوطنية والشعوبية‪ ،‬وحماولتهم إهلاء املسلمني هبا‪ ،‬وهم بتظاهرون أبن حتقيق القومية هو الذي بوحد‬
‫الشعوب وبملف القلوب‪ ،‬ولقد َّ‬
‫صدقهم الكثَر من مرضى القلوب من املنتسبني إىل اإلسما ‪ ،‬وكأن‬
‫همالء اجلهال ال برون ماذا حيدث عند قيا احلروب األهلية من لظاعة بني أبناء الوطن الواحد ذوي‬
‫القومية الواحد (‪)1‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬سنبحث قضية القومية ابلتفصيل إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬

‫(‪)54/2‬‬
‫ومن أساليبهم‪ :‬إاثر الفنت الطا فية بني املسلمني‪ ،‬وقد كان من توصيات رؤساء الدول الغربية‬
‫ومفكربهم االهتما إباثر الفنت الطا فية‪ ،‬واستغماهلا؛ إلشغال املسلمني عن التوجه َخدمة دبنهم‬
‫وبلداهنم‪ ،‬ولكي جيدوا جماال للتدرل‪ ،‬وعلى رأس الفنت الطا فية استغمال النصارى يف أي بلد إسمامي‬
‫إلاثر القماقل والفنت ليه‪ ،‬واستغمال احلروب‪ ،‬وقيا املعارك اليت حتصل بني املسلمني والنصارى‪،‬‬
‫وتسليمهم ليما بعد زما السلطة‪ ،‬وإضعاف املسلمني‪ ،‬وإقصا هم عن مراكز احلكم اهلامة‪ ،‬كما لعلوا‬
‫يف لبنان واحلبشة وإربرتاي ويَرها من بلدان املسلمني‪ .‬ومن أساليبهم‪ :‬التدرل يف أنظمة احلكم يف‬
‫مرت لرتات ابملسلمني كان الغربيون هم‬
‫العامل اإلسمامي‪ ،‬وال ربب أن القارئ الكرمي بعرف أنه َّ‬
‫املسيطربن على أنظمة احلكم يف البماد اإلسمامية‪ ،‬ولكن املسلمني استيقظوا وأشعلوا مقاومة عنيفة‬
‫إلرراجهم ابلقو ‪ ،‬حىت متَّ هلم ذلك‪ ،‬إال أن الغربيني عادوا من وراء الستار حىت ال بثَروا مشاعر‬
‫الشعوب مر أررى‪ ،‬لإن التدرل يف هذه املر كان على احليا الغربية‪ ،‬وتربوا يف مدارسهم‪ ،‬لقد عاد‬
‫همالء وهم بنظرون إىل احليا اإلسمامية ابمشئزاز ات ‪ ،‬وبربدون تغيَر احلال ولو جبدع األنف لكان‬
‫همالء أشد على شعوهبم من أولئك بعد أن تركوا دبنهم وابعوا ضما رهم وال خيفي الغرب هذا‬
‫األسلوب بل بفتخرون علنا وبتمدحون أبهنم هم الذبن ربوا حكومات أكثر الدول اإلسمامية (‪)1‬‬
‫ومن أساليب التدرل يف مناهج التعليم يف العامل اإلسمامي على منوال ما كان بفعله املنصرون وقد‬
‫حتقق هلم‪:‬‬
‫‪1‬ـ إبعاد دراسة الدبن اإلسمامي ما أمكن‪ ،‬وإحمال دراسة بعض الشبهات حول اإلسما حمله‪.‬‬
‫‪2‬ـ إحمال دراسة احليا الغربية واترخيها حمل اإلسما ‪.‬‬
‫‪3‬ـ االهتما ابلرايضة وألعاب القوى والرسم‪ ،‬ويَرها من األشغال البدنية‪.‬‬
‫‪4‬ـ إبعاد اللغة العربية إال للضرور ‪ ،‬وإحمال اللغة اإلجنليزبة والفرنسية حملها‪ ،‬واعتبارمها اللغة الرمسية‬
‫يف الدراسة ويف سا ر املعاممات‪.‬‬
‫‪5‬ـ إبعاد التاربخ اإلسمامي‪ ،‬واالكتفاء ببعض الفقرات اليت تعطي انطباعا بعد كفاء التاربخ‬
‫اإلسمامي‪.‬‬
‫وتدرُّل أقطاب النصرانية يف البلدان اإلسمامية أمر واضح إىل هذا الوقت ‪ -‬إال من رحم هللا ‪ -‬وال‬
‫بنكره إال جاهل أو متجاهل‪ ،‬وجيب على املسمولني يف العامل اإلسمامي أن براجعوا مجيع املناهج‬
‫الدراسية إذا أرادوا لشعوهبم اَخَر واالستقمال الصحيح‪ ،‬وهللا ال بغَر ما بقو حىت بغَروا ما‬
‫أبنفسهم‪.‬‬
‫ومن أساليبهم‪ :‬إبعاد اإلسما عن جمال احليا ‪ ،‬أو لصل الدبن عن الدولة‪ ،‬واهلدف من هذا األسلوب‬
‫هو عزل اإلسما ‪ ،‬ورلع تشربعاته‪ ،‬وإحمال األنظمة اجلاهلية وقوانينها حمله يف التحاكم‪ ،‬مدعني أهنم‬
‫اكتشفوا البدبل عنه‪ ،‬وكذبوا على العلم لسموا ذلك االكتشاف للقوانني اجلاهلية (علمانية) نسبة إىل‬
‫العلم‪ ،‬وهو رداع الدميقراطية اليت زعموا ليها أن الناس سيصبحون ليها كلهم حكاما‪ ،‬حيكمون‬
‫أنفسهم أبنفسهم دون احلاجة إىل الشرطة واجلنود والسجون واملعتقمات‪ ،‬كما جند أن الشيوعية‬
‫كذلك ربطت الوصول إىل هذه الوعود الكاذبة اَخادعة بتطبيق الشيوعية اجلهنمية‪ ،‬بينما ربطتها‬
‫اَّلل ب يشه ْد إغ َّن اليمنَالغ غقني لَ َك غ‬
‫اذبْو َن [املنالقون‪]1 :‬‬ ‫ْ َ‬ ‫النصرانية االستشراقية بتطبيق احلضار الغربية َو َّْ َ َ‬
‫ومن الظلم الصربح أن بنادوا بعد تطبيق الشربعة اإلسمامية؛ ألهنا ال تصلح هلذا العصر بينما هم من‬
‫أجهل الناس هبا‪ ،‬ليس هلم هبا أي صلة‪ ،‬كما بقال‪ :‬احلكم على الشيء لرع عن تصوره‪ .‬ولاقد الشيء‬
‫ال بعطيه‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر كتاب ((احذروا األساليب احلدبثة يف مواجهة اإلسما )) (ص ‪.)172‬‬

‫(‪)55/2‬‬

‫ومن أساليبهم أبضا‪ :‬القضاء على الرتابط بني األسر املسلمة‪ ،‬لجاء دعا الشر من املنصربن‬
‫واملستشرقني بتشجيع اجملتمعات اإلسمامية على التفسخ واالستهتار ابلقيم الدبنية‪ ،‬ونبذ احلياء‪،‬‬
‫مستعينني بكل ما عندهم من وسا ل اإليواء‪.‬‬
‫ومن أساليبهم‪ :‬مسخ املرأ املسلمة اليت ال ميكن أن ُتد مكانتها احلقيقية إال يف ظل اإلسما ‪،‬‬
‫لأظهروا االهتما الكاذب هبا يف ظاهر دعاايهتم‪ ،‬لنادوا بتحربرها ومساواهتا ابلرجل‪ ،‬وتفننوا يف‬
‫الدعاايت‪ ،‬لخدعوها عن عفتها حىت صارت حلما على وضم‪ ،‬وردعوها عن بيت زوجها‪ ،‬لخرجت‬
‫انلر عنه‪ ،‬وردعوها عن أوالدها‪ ،‬لسلمتهم للمربية اجلاهلة هبم‪ ،‬وررجت هي للكدح والعمل‪ ،‬بعد‬
‫أن نزعوا كل عرق بنبض ابحلياء ليها‪.‬‬
‫ومن أساليبهم‪ :‬الدعو إىل حتدبد النسل‪ ،‬ولقد َّبني هللا هذه القضية يف كتابه الكرمي‪ ،‬وبيَّنها الرسول‬
‫ولصل علماء اإلسما كل ما بدور حوهلا‪ ،‬وأصبح أمرها واضحا‬
‫صلى هللا عليه وسلم أبوضح بيان‪َّ ،‬‬
‫متاما‪.‬‬
‫ومن أساليبهم أبضا‪ :‬القضاء على احلركات اإلسمامية الصحيحة‪ ،‬وتشجيع احلركات الفاسد ؛ إكماال‬
‫ملا بدأه املنصرون‪.‬‬
‫ومن أساليبهم‪ :‬إنشاء الفرق اهلدامة الضالة‪ ،‬ورعابة زعما ها ماداي ومعنواي‪ ،‬واستعملوا يف ذلك وسا ل‬
‫ال حصر هلا‪ ،‬كان من ضمن تلك الوسا ل‪ :‬تشجيع كل احلركات واأللكار اهلدامة وتقوبتها‪ ،‬وإمدادها‬
‫ابملال واملفكربن‪ ،‬بل وأحياان ابلسماح‪ ،‬لأنشموا القاداينية يف اهلند وابكستان‪ ،‬وأنشموا البابية يف‬
‫إبران‪ ،‬وأنشموا البها ية يف للسطني‪ ،‬وما من طا فة تدعو إىل حماربة اإلسما إال وُتد هلا املساعد‬
‫املادبة واملعنوبة عند أعداء اإلسما ‪.‬‬
‫ومن األساليب اهلامة ما بتعلق ابملنح والقروض للدول اإلسمامية الفقَر ‪ ،‬لإنه من البماهة والبماد أن‬
‫بتصور أي بلد مسلم أن ما بقدمه له أعداء اإلسما من نصا ح أو قروض استثماربة أو منح أو‬
‫َّ‬
‫هبات أن ذلك ألجل سواد عيون أهله‪ ،‬أو تشجيعا هلم على احلفاظ على إسمامهم‪ ،‬وإَنا وراء ذلك‬
‫مطامع سياسية واقتصادبة واجتماعية وثقالية ال حد هلا وال حصر‪ ،‬وقد تبني ذلك واضحا من رمال‬
‫إذالل الشعوب املقرتضة أو املتقبلة للهبات‪.‬‬
‫ـ ومن أساليبهم‪ :‬الغزو عن طربق التشكيك يف القرآن الكرمي‪:‬‬
‫‪1‬ـ زعموا أن القرآن الكرمي ليس من عند هللا تعاىل‪ ،‬وإَنا من َتليف الرسول حممد صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬بينما ذلك الكما امللفق يف ما بسمونه ابلكتاب املقدس هو كما هللا!!‬
‫‪2‬ـ وحينما رأوا ضعف قوهلم أبن القرآن من كما الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اررتعوا مقالة أررى؛‬
‫ليجتثوا الفضا ل كلها‪ ،‬لزعموا أن القرآن كله مقتبس من التورا واإلجنيل‪ ،‬ومن الوثنيات األررى‪،‬‬
‫وأعماهم احلقد عن ما بعرلونه هم من تناقض التورا واألانجيل‪ ،‬واليت لقدت عد مرات وكتبها من‬
‫ال بعرف حاله ِمن أظهر اإلحلاد‪ ،‬والدعو إىل الفسق والفاحشة علنا يف كمامه يف التورا واألانجيل‪.‬‬
‫الرتاء للمتظاهربن ابإلنصاف منهم‪ :‬ولقد زعم بعض من بتظاهر من املستشرقني ابإلنصاف والبحث‬
‫العلمي اجملرد أن القرآن هو مصدر إصماحي‪ ،‬وليس بدبن مساوي؛ إلمجاعهم على أنه ليس كما هللا‬
‫تعاىل؛ لكي بنفذوا من رمال هذا التشكيك إىل إبعاد املسلمني عنه‪ ،‬كما بتمثل الرتاؤهم يف اهتمامهم‬
‫اهتم همالء املستشرقون واملنصرون بدراسة القرآن الكرمي وترمجته إىل‬
‫برتمجة القرآن الكرمي‪ ،‬لقد َّ‬
‫لغات عد ‪ ،‬ولكنهم بربدون من وراء هذه الرتمجات هد القرآن الكرمي وتشوبهه يف أذهان املسلمني‬
‫بتم هلم هذا‪ -‬وحينما بكملون ترمجته بكتبون على ظهر الغماف (قرآن حممد) (‪ ،)1‬وكل تلك‬
‫‪ -‬ولن َّ‬
‫الرتمجات على كثرهتا ِملوء ابلكذب على هللا‪ ،‬وتزوبر احلقا ق‪ ،‬واحلذف واإلضالة املتعمد ؛ لتتوالق‬
‫مع معتقداهتم‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((االستشراق)) (ص ‪.)121‬‬

‫(‪)56/2‬‬
‫الغزو عن طربق مزاعمهم ضد السنة النبوبة‪:‬‬
‫‪1‬ـ زعموا َّ‬
‫أن السنة النبوبة إَنا هي أحادبث وضعت بعد موت الرسول صلى هللا عليه وسلم؛ ألن‬
‫املسلمني استجدَّت هبم أحداث مل توجد يف زمن نزول القرآن الكرمي‪ ،‬لاضطروا إىل إعطا ها وجهة‬
‫دبنية ابنتحاهلم تلك األحادبث‪ ،‬وعزوها إىل النَب صلى هللا عليه وسلم؛ ليقبلها املسلمون ابحرتا‬
‫وبعملون هبا‪.‬‬
‫ومن الواضح أن هجو أعداء اإلسما على السنة النبوبة اختذ أشكاال عدبد ‪ ،‬لمنهم من بزعم أبنه‬
‫جيب ردُّها متاما‪ ،‬واالكتفاء مبا يف القرآن الكرمي‪ ،‬ومنهم من بطعن يف صحة األحادبث‪ ،‬ومنهم من‬
‫بطعن يف األسانيد‪ ،‬ومنهم من بطعن يف املنت‪.‬‬
‫ومن تلفيقاهتم ضد السنة أهنم زعموا أن كثَرا من األحادبث والتشربعات اإلسمامية إَنا جاءت بعد‬
‫عصر الرسول صلى هللا عليه وسلم حيث واجهت املسلمني أحداث اقتضت حلوال هلا‪ ،‬وأن تلك‬
‫احللول اليت وجدت هلا كانت هي األحادبث اليت نسبت بعد ذلك إىل النَب صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫هكذا بزعمون‪ ،‬وهم هبذا بتجاهلون أن النَب صلى هللا عليه وسلم مل بنتقل إىل الرليق األعلى إال وقد‬
‫َّبني كل ما حيتاج إليه املسلم‪ ،‬ولعلهم بقصدون بكمامهم املفرتى حبث املسا ل الفقهية اليت كانت‬
‫حتصل بني الصحابة ومن جاء بعدهم‪ ،‬وهذا جهل منهم حبقيقة األمر‪ ،‬ذلك أن تلك االجتهادات‬
‫الفقهية مل تقم على اهلوى‪ ،‬وإَنا قامت على ضوء أحادبث املصطفى صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وعلى‬
‫ضوء ما جاء يف كتاب هللا تعاىل دون أن بكون هلم ليها إال استخراج املعىن‪ ،‬واملراد الذي هتدف إليه‬
‫النصوص‪ ،‬ال خيالون يف هللا لومة ال م‪ ،‬وال جيرؤون على إصدار أي حكم إال بعد احلصول على دليل‬
‫له من كتاب هللا تعاىل أو من سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬عمما منهم أبمر هللا عز وجل يف التفكر‬
‫يف الدبن‪ ،‬واستخراج أحكامه اليت تقبل االجتهاد‪ ،‬وإعمال الفكر واملقارانت بني النصوص يف كل‬
‫شيء للعقل جمال ليه‪ ،‬وهي منقبة عظيمة وليست مذمة‪.‬‬
‫الغزو عن طربق مزاعمهم ضد النَب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لقد جاءت يف كتاابت بعض املستشرقني‬
‫وصف الرسول صلى هللا عليه وسلم ابلبطل الشجاع‪ ،‬وابملفكر الذي ال مثيل له يف العرب‪ ،‬والعبقري‬
‫النادر‪ ،‬وزعموا أنه كان ميارس تعلم الفصاحة حىت برع ولاق أقرانه‪ ،‬كما زعم املستشرق (مابور) (‪)1‬‬
‫‪ ....‬إخل ما وصفوه به ‪ -‬وهو حقا كذلك ولوق ذلك ‪ -‬ولكن ما هو هدلهم من هذا الثناء؟‬
‫يمه احلقد‪ ،‬وأعيته احليلة للنيل من رصمه‪ ،‬ذلك أن وصفهم للرسول صلى‬
‫إنه ثناء املوتور ثناء من َّ‬
‫هللا عليه وسلم أبنه بطل شجاع إَنا جاء ضمن أبطال ذكروهم يف الوثنية‪ ،‬وأبطال يف إشعال احلروب‪،‬‬
‫وأبطال يف قول الشعر واجملون‪ ،‬وأبطال يف دعوى النبو أو التدبن‪ ،‬لمن جنح من أولئك لهو بطل‪،‬‬
‫وبطولته ال لشيء إال ألنه صاحب عز انلذ استطاع أن بتغلب على قهر نفسه وتروبضها‪ ،‬وقهر يَره‬
‫وتروبضه‪ ،‬وحممد صلى هللا عليه وسلم كان كذلك لاستحق لقب (بطل) على حد قول الشاعر‪:‬‬
‫نفس عصا سودت عصاما وعلمته الكر واإلحجاما‬
‫ومعلو عند كل املسلمني أن الرسول صلى هللا عليه وسلم بطل األبطال‪ ،‬ولكنهم ال بنظرون إىل تلك‬
‫البطولة جمرد عن عنابة هللا به‪ ،‬وارتياره نبيا‪ ،‬وال أهنا انبعة من صدق بقينه‪ ،‬وقو عزمه‪ ،‬بل بنظرون‬
‫إليها على أهنا انبعة من إميانه بربه‪ ،‬ونصره له وَتبيده‪ ،‬وإنزال السكينة عليه‪ ،‬ويَر ذلك من اللواز‬
‫اليت بنفيها عنه املستشرقون‪ ،‬حيث بصفونه أبنه من األبطال شأنه شأن يَره من األبطال الذبن‬
‫ذكروهم اجملازلني يف قومهم؛ للوصول إىل إعجاهبم هبم‪ ،‬واعتبارهم يف اجملتمع‪.‬‬
‫الغزو عن طربق مزاعمهم ضد اللغة العربية‪:‬‬
‫_________‬
‫(‪(( )1‬أجنحة املكر الثماثة)) (ص ‪.)145‬‬

‫(‪)57/2‬‬

‫قد عرف أعداء اإلسما أنه ما دامت اللغة العربية حية يف نفوس الناس‪ ،‬لإهنم ال بزالون قادربن على‬
‫لهم اإلسما ‪ ،‬ومن هنا جند أن أعداء اإلسما حاولوا بكل ما أوتوا من احليل واَخداع للغض من‬
‫شأهنا‪ ،‬والتشجيع على تركها ابلكلية‪ ،‬لهي تقض مضاجعهم‪ ،‬ومن العجيب أن بسميها املستعمرون‬
‫الفرنسيون والرببطانيون يف مستعمراهتم يف ألربقيا أبهنا لغة املستعمر‪ ،‬لأي بلد اخآن يف الدنيا بستعمره‬
‫العرب‪ ،‬ولكن كما قيل يف املثل (رمتين بدا ها وانسلت)‪ .‬ومن املمسف أن بتنكر بعض املسلمني عراب‬
‫أو عجما هلذه اللغة الكرمية‪ ،‬وحياربوهنا متأثربن بشبهات أعدا هم من املنصربن واليهود‪ ،‬واللغة العربية‬
‫وإن كانت تقلق أعداء اإلسما يف الدول الشرقية والغربية على حد سواء‪ ،‬ولكنهم مع عداوهتم هلا‬
‫بهتمون هبا اهتماما عظيما‪ ،‬لهم بقبلون على تعلمها بنهم شدبد‪ ،‬بغرض التصدي لإلسما وأهله‪،‬‬
‫وحملاربتهم بنفس لغتهم وأساليبهم‪ ،‬وبذلوا يف ذلك جهودا جبَّار حىت صار منهم عباقر يف اللغة‬
‫العربية نثرا ونظما‪ ،‬وألَّفوا املعاجم املطولة ليها‪ ،‬ولتحوا مدارس عدبد لتعليمها ِمن بقع عليه‬
‫ارتيارهم من الناهبني منهم‪ ،‬وأمتوها جبامعات ودراسات عليا لتخربج املستشرقني واملنصربن ومن‬
‫تبعهم‪ ،‬لبثهم يف العامل اإلسمامي مزودبن بشبهات أملتها بد احلقد على اإلسما ‪ ،‬وَماصمني املسلمني‬
‫بلغتهم اليت بفهموهنا؛ لكي بكسر الشجر أحد أيصاهنا‪ ،‬كما أوصاهم (زومير)‪.‬‬
‫ولقد أوعز املستشرقون إىل عمما هم من العرب أن بعتربوا اللغة العربية هي السبب يف ختلف‬
‫الشعوب العربية؛ ألهنا معقد ‪ ،‬وليس ليها سماسة العامية وسهولتها اليت جييدها عرب اليو ‪.‬‬
‫وكان للشعر النبطي واألزجال العامية حظ األسد يف مقارعة املستشرقني للغة العربية‪ ،‬لهم بوصون‬
‫دا ما بتجدبد اللغة‪ ،‬أي‪ :‬إدرال اللهجات احمللية‪ ،‬والتخاطب هبا حمل العربية‪ ،‬وقيامها على العامية‬
‫شعرا ونظما‪ ،‬وتْـ غوجت تلك الدعوات إلقصاء العربية مبا أحدثه احلداثيون من تعابَر ملتوبة‪ ،‬ودسا س‬
‫ال بدركها إال املتخصصون يف دراستها من أمثاهلم‪ ،‬حيث بتفامهون هبا‪ ،‬كما تتفاهم البها م ليما بينها‪.‬‬
‫واملستشرقون ال خيفون لخرهم يف إحماهلم العامية حمل العربية‪ ،‬أبنه بعود إىل َتثَر احلضار األوروبية‬
‫وأداب ها‪ ،‬وأن الفضل يف هذه احلركة يف البماد العربية إَنا بعود للمفكربن األوربيني‪.‬‬
‫‪O‬املذاهب الفكربة لغالب العواجي ‪ 454 - 393 /1‬بتصرف‬

‫(‪)58/2‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫َّ‬
‫قد االستشراق ردمات كبَر للغرب النصراين يف ردمة أهداله اليت قا من أجلها‪ ،‬من أهداف‬
‫دبنية وسياسية واقتصادبة واستعماربة وثقالية‪ .‬وحىت عندما استغىن الغرب عن مصطلح االستشراق‪،‬‬
‫وأنشأ أقسا دراسات الشرق األوسط أو الشرق األدىن‪ ،‬أو مراكز البحوث املختلفة‪ ،‬لما زالت‬
‫األهداف القدمية موجود ‪ .‬ولكنه يف الوقت نفسه أثَّر َتثَرات سلبية يف العامل اإلسمامي يف اجملاالت‬
‫العقدبة‪ ،‬والتشربعية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادبة والثقالية‪.‬‬
‫وليما أيِت أبرز هذه اخآاثر‪:‬‬

‫(‪)59/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬اخآاثر العقدبة‪:‬‬


‫من أبرز اخآاثر العقدبة لماستشراق يف العامل اإلسمامي ظهور تيار من املفكربن والعلماء والسياسيني‪-‬‬
‫وحىت الناس العادبني أو العامة‪ -‬الذبن اندوا بفصل الدبن عن احليا ‪ ،‬أو ما بطلق عليه العلمانية‪.‬‬
‫وجل‪ ،‬وابلتصور العا الذي جاء به‬
‫عز َّ‬
‫لالعقيد اإلسمامية تربط كل جماالت احليا ابإلميان ابهلل َّ‬
‫للما كانت أورواب قد وجدت الداينة النصرانية‬
‫اإلسما للخالق سبحانه وتعاىل والكون واإلنسان‪َّ .‬‬
‫احملرلة تعيق تقدمها وهنضتها ظهر ليها التيار الذي أطلق عليه التنوبر مناداي بفصل الدبن عن احليا ‪،‬‬
‫أو قصر الدبن على الشعا ر التعبدبة‪ ،‬والعماقة بني هللا واإلنسان‪ .‬أما شمون احليا األررى من سياسة‬
‫واقتصاد واجتماع لما عماقة للدبن به‪ .‬ونظرا ألن أورواب مل تعرف النصرانية احلقيقية أو الدبن الذي‬
‫جاء به عيسى عليه السما مبا أحدثه بولس ليها من حتربفات‪ ،‬لإن ما بنطبق على أورواب ال ميكن أن‬
‫بنطبق على اإلسما ‪ .‬وهنضت أورواب هنضتها مبحاربة الدبن والكنيسة‪ ،‬وبلغت الذرو يف هذه احلرب‬
‫يف الثور الفرنسية‪ .‬وقد أثَّر االستشراق يف هذا اجملال عن طربق البعثات العلمية اليت انطلقت من‬
‫العامل اإلسمامي إىل لرنسا‪ ،‬كما بقول الشيخ حممد الصبَّاغ‪َّ :‬‬
‫(إن إلساد الطلبة املبعوثني مل بكن‬
‫ليتحقق يف بلد من البماد األوروبية كما كان ميكن أن بتحقق يف لرنسا اليت ررجت من الثور‬
‫الفرنسية وهي تسبح يف حبور من الفوضى اَخلقية والفكربة واالجتماعية من أجل ذلك كانت لرنسا‬
‫حمل البعثات‪ )1( ).‬لانطلقت هذه البعثات من تركيا ومن مصر ومن إبران ومن املغرب‪ .‬وكانت هذه‬
‫البعثات حتت إشراف مستشرقني لرنسيني؛ لمثما كانت البعثة املصربة حتت إشراف جوانر‪ .‬وبقول‬
‫أحد املستشرقني عن البعثات األوىل أهنا كانت لدراسة اهلندسة والفنون احلربية‪ ،‬ولكن املعلمني‬
‫الفرنسيني كانوا حربصني على أن بنقلوا إىل الطماب املسلمني اخآداب الفرنسية والثقالة الفرنسية‬
‫(‪.)2‬‬
‫ومن َتثَر االستشراق يف اجملال العقدي‪ :‬االهتما املبال ليه ابلصولية‪ ،‬وخباصة تلك اليت ابتعدت عن‬
‫الكتاب والسنَّة‪ ،‬لتجدهم جيعلون البن عريب مكانة راصة يف النشاطات االستشراقية‪ ،‬وجيذبون أبناء‬
‫املسلمني ملثل هذه االهتمامات‪ .‬كما أن من اهتمامات االستشراق اليت تدعو إىل الشكوك يف نياهتم‬
‫االهتما ابلفرق املنحرلة‪ ،‬كالرالضة واإلمساعيلية ويَرها من الفرق‪ ،‬ليعطوهنا من وقتهم ومن دراساهتم‬
‫ما ُتعل الغربب عن اإلسما بظن أن هذا هو اإلسما ‪ .‬وقد حرص االستشراق والتنصَر على إنشاء‬
‫حتولت إىل اجلامعة‬
‫املدارس واجلامعات الغربية يف العامل اإلسمامي‪ ،‬لمن ذلك الكلية اإلجنيلية اليت َّ‬
‫األمربكية اليت هلا لروع يف كل من القاهر وبَروت وإسطنبول وديب‪ .‬ابإلضالة إىل كلية ليكتوراي‬
‫(مدرسة اثنوبة‪ ،‬وقد أصبحت منذ أكثر من عشربن سنة تضم املراحل الدراسية كلها) والكلية‬
‫األمربكية يف بَروت (مدرسة اثنوبة) وقد زعم كرومر ‪ Cromer‬يف احتفال مبدرسة ليكتوراي أبن‬
‫اهلدف من هذه املدرسة وشبيهاهتا تنشئة أجيال من أبناء املسلمني بكونون جسرا بني الثقالة الغربية‬
‫ومواطنيهم املسلمني‪ .‬ولعلها عبار ملطفة لتكوبن جيل ِمسوخ ال بعرف ثقالته وال عقيدته (‪ .)3‬وقد‬
‫وصف الشيخ سعيد الزاهري التماميذ اجلزا ربني الذبن درسوا يف املدارس الفرنسية يف اجلزا ر ‪ -‬أطلق‬
‫عليها رداعا املدارس العربية ‪ -‬أبهنم ال بصلون وال بصومون وال بتحدثون اللغة العربية ليما بينهم‪،‬‬
‫وال بممنون أبن القرآن الكرمي وحي من هللا) (‪.)4‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬حممد الصباغ ((االبتعاث وَماطره)) (ص ‪ .)30 - 29‬دمشق‪ :‬املكتب اإلسمامي‪1398 ،‬هـ‬
‫‪. 1978‬‬
‫(‪Bernard Lewis. ( The Middle East Versus The West.( In - )2‬‬
‫‪.Encounter. Vol. Xxi, no.4 October 1963.pp. 21-29‬‬
‫(‪ )]156[( )3‬حممد حممد حسني ((اإلسما واحلضار الغربية)) (ص ‪ - )46‬ط ‪ - 5‬بَروت‪:‬‬
‫ممسسة الرسالة‪.1982 - 1402 ,‬‬
‫(‪ )]157[( )4‬حممد السعيد الزاهري ((اإلسما يف حاجة إىل دعابة وتبشَر)) (ص‪ )108‬اجلزا ر‪:‬‬
‫دار الكتب اجلزا ربة‪ ،‬بدون اتربخ‪.‬‬

‫(‪)60/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬اخآاثر االجتماعية‪ُّ :‬‬


‫تعد اخآاثر االجتماعية من أرطر اخآاثر اليت ما زال االستشراق‬
‫اهتم املستشرقون بدراسة اجملتمعات اإلسمامية ومعرلتها‬
‫حربصا على حتقيقها يف العامل اإلسمامي‪ .‬لقد َّ‬
‫معرلة وثيقة حىت ميكنهم أن بمثروا ليها بنجاح‪ .‬وإن دوالعهم هلذا تنطلق من النظر االستعما ية‬
‫الغربية أبن اجملتمعات الغربية وما ساد ليها من للسفات ونظرايت هي اجملتمعات األرقى يف العامل‪ .‬وقد‬
‫متكن االحتمال ابلتعاون مع االستشراق يف إحداث تغَرات اجتماعية كبَر يف البماد اليت وقعت حتت‬ ‫َّ‬
‫االحتمال الغريب‪ .‬لفي اجلزا ر مثما حطَّم االستعمار امللكيات اجلماعية أو املشاعة لَلرض‪ ،‬وذلك‬
‫لتمزبق مشل القبا ل اليت كانت تعيش يف جو من االنسجا والوائ (‪.)1‬‬
‫وقد تعاون االستشراق واالحتمال على إحداث النزاعات بني أبناء البماد اإلسمامية بتشجيع النزعات‬
‫االنفصالية‪ ،‬كما حدث يف املغرب العريب أبضا بتقسيم الشعب املغريب إىل عرب وبربر‪ ،‬والرتكيز على‬
‫لرنسة الرببر‪ ،‬وتعليمهم اللغة الفرنسية‪ ،‬ونشر احلممات التنصَربة يف دايرهم‪ .‬وقد أنشأت احلكومة‬
‫الفرنسية األكادميية الرببربة يف لرنسا؛ لتشجيع هذه النزعة‪.‬‬
‫ومن اجلوانب االجتماعية اليت عمل ليها االستشراق على التأثَر يف اجملتمعات اإلسمامية‪ :‬البنية‬
‫اهتم االستشراق‬
‫االجتماعية‪ ،‬وبناء األسر ‪ ،‬والعماقة بني الرجل واملرأ يف اجملتمعات اإلسمامية‪ .‬لقد َّ‬
‫وشجع الدعوات إىل‬
‫بتشوبه مكانة املرأ يف اإلسما ‪ ،‬ونشر املزاعم عن اضطهاد اإلسما للمرأ ‪َّ ،‬‬
‫التحربر املزعو للمرأ اليت ظهرت يف كتاابت قاسم أمني والطاهر احلداد ونوال السعداوي وهدى‬
‫الشعراوي ويَرهم‪ .‬وبرى الدكتور حممد رليفة أن موقف االستشراق من املرأ املسلمة انبع من‬
‫وقوعه (حتت َتثَر وضع املرأ الغربية أهنا َنوذج جيب أن حيتذى به‪ ،‬وأن ما حققته من مساوا ‪ -‬يف‬
‫نظرهم ‪ -‬وحقوق جيب أن بتسع ليشمل املرأ املسلمة واملرأ الشرقية العامة ‪ ....‬وبضيف رليفة أبن‬
‫االستشراق بسعى) إىل تقوبض وضع املرأ املسلمة دارل األسر على التمرد على النظا ‪ ،‬واَخروج‬
‫ابسم احلربة‪ ،‬وتصوبر وضع املرأ املسلمة تصوبرا مزبَّفا ال بعكس احلقيقة‪)2( ).‬‬
‫وقد أنشئت رابطة دراسات املرأ يف الشرق األوسط ضمن تنظيم رابطة دراسات الشرق األوسط‬
‫هتتم أبوضاع املرأ املسلمة‪ ،‬غ‬
‫وتشجع اُتاهات التغربب من رمال جملتها ربع‬ ‫األمربكية‪ ،‬وهي اليت ُّ‬
‫السنوبة‪ ،‬واجتماعاهتا يف إطار املممتر السنوي لرابطة دراسات الشرق األوسط‪ ،‬وذلك بدعو‬
‫الباحثات املسلمات الماِت بتبنني األلكار الغربية من أمثال نوال السعداوي‪ ،‬ولاطمة املرنيسي وحنان‬
‫الشيخ ويَرهن‪ ،‬ومن رمال تنظيم الندوات حول وضع املرأ املسلمة يف اجملتمعات اإلسمامية‪.‬‬
‫وبقو االستشراق اإلعمامي بدور ابرز يف الرتوبج للفكر الغريب يف جمال املرأ ‪ ،‬ومن ذلك الصحالة‬
‫الغربية واإلذاعات املوجهة‪ .‬لمن الكتب اليت قدمت هيئة اإلذاعة الرببطانية عروضا هلا كتاب (امن‬
‫الشرف) للكاتبة الرببطانية األصل جان جودون ‪ Jan Goodwin‬اليت تناولت ليه دراسة أوضاع‬
‫املرأ يف مخس دول إسمامية هي الباكستان وألغانستان والكوبت ومصر واململكة العربية السعودبة‪.‬‬
‫وقد رلطت الكاتبة ليه بني موقف اإلسما من املرأ وبعض التطبيقات اَخاطئة يف هذه الدول‪ .‬ومن‬
‫املعروف أن اإلسما َح َك ٌم على أهله‪ ،‬وليس سلوك املسلمني حجة على اإلسما ‪....‬‬
‫_________‬
‫(‪ )]158[( )1‬مازن مطبقاين ((احليا االجتماعية يف املغرب العريب بني االستعمار واالستشراق)) يف‬
‫املنهل (جد ) عدد ‪.50 ،471‬‬
‫(‪ )2‬حممد رليفة حسن ((آاثر الفكر االستشراقي يف اجملتمعات اإلسمامية)) (ص ‪ )64‬القاهر ‪ :‬عني‬
‫للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية‪.1997 ،‬‬

‫(‪)61/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬اخآاثر السياسية واالقتصادبة‪ :‬بزعم الغربيون أن الدميوقراطية الغربية هي ألضل نظا‬
‫توصل إليه البشر حىت اخآن‪ ،‬ولذلك لهم بسعون إىل أن بسود هذا النظا العامل أمجع‪ ،‬ومن بني‬
‫َّ‬
‫الدول اليت بربدون لنظامهم أن بسودها البماد اإلسمامية‪ .‬وقد سعوا إىل هذا من رمال عد سبل‪،‬‬
‫وأبرزها هو انتقاد النظا السياسي اإلسمامي‪ .‬وقد ظهرت كتب كثَر عن نظا اَخمالة اإلسمامي‪،‬‬
‫والرتوا على اَخلفاء الراشدبن بزعمهم أن وصول الصدبق وعمر بن اَخطاب (رضي هللا عنهما) إىل‬
‫اَخمالة كان نتيجة ملمامر بني االثنني (‪ .)1‬وكتب مستشرقون آررون زاعمني أن النظا السياسي‬
‫اإلسمامي نظا قا م على االستبداد‪ ،‬ولرض اَخضوع واملذلة على الشعوب اإلسمامية (‪ .)2‬بل ابل‬
‫لوبس يف جعل النظا السياسي اإلسمامي بشبه النظا الشيوعي يف استبداده وطغيانه (‪ .)3‬وقد‬
‫َتثَّرت بعض الدول العربية اليت رضعت لماحتمال الغريب ابلفكر السياسي الغريب‪ ،‬أبن قامت ابستَراد‬
‫بتم إعداد الشعوب العربية ملثل هذه األنظمة‪ ،‬لكانت كما قال أحد‬
‫النظا الربملاين دون أن َّ‬
‫املستشرقني أبن العرب استوردوا برملاانت معلبة دون ورقة التعليمات (‪ .)4‬وما زالت هذه الربملاانت‬
‫يف البماد العربية بتحكم ليها احلزب احلاكم الذي ال بد أن بفوز أبيلبية املقاعد أببة طربقة كانت‪.‬‬
‫ومع ذلك لما زال الغرب حربص على نشر الدميوقراطية وقد كانت تصرحيات الساسة الغربيني أبن‬
‫(حرب اَخليج الثانية) ستكون مناسبة لفرض الدميوقراطية يف العامل العريب‪ ،‬وستكون البدابة يف‬
‫الكوبت (‪.)5‬‬
‫ومن احلقا ق املثَر لمانتباه أن تركيا (كما رأبنا) كانت من أقد الدول اإلسمامية تغراب وتطبيقا للنظا‬
‫الدميوقراطي‪ ،‬ولكن عندما وصل اإلسماميون للحكم‪ ،‬وانقلب السحر على الساحر‪ -‬كما بقال‪-‬‬
‫قلبت الدول الغربية لنظامهم الدميوقراطي ظهر اجملن‪ ،‬وسعوا إىل َتبيد العسكر يف كبت احلرايت‬
‫ومصادر الدميوقراطية‪ .‬وميكن أن بضاف إىل هذا ما حدث يف اجلزا ر حيث كاد اإلسماميون (جبهة‬
‫اإلنقاذ) أن تصل إىل احلكم عن طربق صنادبق االقرتاع والدميوقراطية أبسلوهبا الغريب‪ ،‬ولكن تكالبت‬
‫الدول الغربية ويَرها على إجهاض هذه التجربة‪ ،‬وحرمان اإلسماميني من حقهم يف الوصول إىل‬
‫احلكم‪.‬‬
‫أما يف اجملال االقتصادي‪ :‬لإن الغرب سعى إىل نشر الفكر االقتصادي الغريب االشرتاكي والرأمساِل‪،‬‬
‫(إن املستشرقني يف سعيهم‬‫وذلك مبحاربة النظا االقتصادي اإلسمامي‪ ،‬وكما بقول حممد رليفة‪َّ :‬‬
‫للرتوبج للفكر االقتصادي الغريب قاموا بـ (إعاد تفسَر التاربخ االقتصادي اإلسمامي من وجهة نظر‬
‫الرأمسالية والشيوعية‪ ،‬كنوع من التأصيل للنظربتني‪ ،‬وتقدميهما على أهنما ال ميثمان رروجا عن النظا‬
‫االقتصادي اإلسمامي) (‪.)6‬‬
‫وكان من نتا ج الرتوبج لماشرتاكية والرأمسالية يف العامل اإلسمامي أن انقسم العامل اإلسمامي على‬
‫نفسه‪ ،‬لأصبح قسم منه بدور يف الفلك الشيوعي‪ ،‬والقسم اخآرر يف الفلك الرأمساِل‪ .‬ولعل من‬
‫بث النظا االشرتاكي يف بعض الدول‬
‫طرا ف املواقف االستشراقية أن تسعى الدول الغربية إىل غ‬
‫العربية‪ ،‬بتدربس االقتصاد االشرتاكي‪ ،‬والرتوبج أبن التنمية احلقيقية يف العامل العريب تتطلب َتميم‬
‫وسا ل اإلنتاج‪ ،‬وأن احلربة االقتصادبة الغربية ال تناسب مراحل التنمية األوىل‪ ،‬وال شك أن سعيهم‬
‫واقتصاداي واجتماعيًّا‬
‫ًّ‬ ‫إىل غ‬
‫بث هذا الفكر أن ببعدوا اإلسما عن العود إىل حيا املسلمني سياسيًّا‬
‫وثقاليًّا‪.‬‬
‫وكان من َتثَر االستشراق أبضا تشجيع الصناعة يف البماد اإلسمامية دون االستعداد الكايف هلا‪،‬‬
‫وإمهال قطاع الزراعة‪ ،‬لقد اقتنع العامل العريب أبن النهضة احلقيقية إَنا تكون يف الصناعة‪ ،‬ولذلك‬
‫أمهلت الزراعة إمهاال شبه كلي‪ ،‬مع أن هنضة الغرب الصناعية بدأت ابالهتما ابلزراعة‪ ،‬وما زال‬
‫الغرب بسيطر على إنتاج احلبوب واملواد الغذا ية األساسية يف العامل‪ .‬ومن األمثلة على هذا ما حدث‬
‫يف مصر يف عهد الر يس عبد الناصر‪ ،‬حيث متَّ التوسع يف مشروعات صناعية (ريالية) مع إمهال شبه‬
‫ات للزراعة‪ ،‬حىت أصبحت البماد عالة على الدقيق األمربكي واألسرتاِل ويَرمها‪ .‬وقد حدث مثل‬
‫هذا يف اجلزا ر‪ .‬وإن كنَّا يف احلقيقة مل َّ‬
‫نتقد ال يف الزراعة وال يف الصناعة‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪Thomas Arnold. The Caliphate. (Lahore: 1966)p.25 - )1‬‬
‫(‪Bernard Lewis.( On The Quietist and Activist - )2‬‬
‫‪Tradition in Islamic Political Writing. In Bulletin of S. O.‬‬
‫‪.A. S Vol. XLIX Part 1, 1986.p.141‬‬
‫(‪B. Lewis.( Communism and Islam. ( in International - )3‬‬
‫‪.Affairs. Vol. 30, 1954.pp 1-12‬‬
‫(‪ )]163[( )4‬برانرد لوبس ((الغرب والشرق األوسط)) (ص‪ )79‬ترمجة نبيل صبحي‪ .‬القاهر ‪:‬‬
‫املختار‪.‬‬
‫(‪Washington Times, February 2,1991.And Washington - )5‬‬
‫‪.Post. February 19,1991‬‬
‫(‪ )6‬حممد رليفة حسن ((آاثر الفكر االستشراقي يف اجملتمعات اإلسمامية)) (ص ‪.)79‬‬

‫(‪)62/2‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬اخآاثر الثقالية والفكربة‪:‬‬
‫َّ‬
‫حقق االستشراق جناحا كبَرا يف التأثَر يف احليا الثقالية والفكربة يف العامل اإلسمامي‪ ،‬لبعد أن كان‬
‫القرآن الكرمي والسنَّة املطهر وتراث علماء األمة الذبن لهموا هذبن املصدربن لهما جيدا‪ ،‬وعاش‬
‫املسلمون على هدي من هذه املصادر يف مجيع جماالت احليا ‪ ،‬أصبحت املصادر الغربية تدرل يف‬
‫التكوبن الفكري والثقايف هلذه األمة‪ ،‬سواء أكان يف نظرهتا لكتاب رهبا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ولسنة نبيها‪،‬‬
‫أو للفقه أو للعلو الشرعية األررى‪ ،‬أو يف منهجية لهم هذه املصادر ومنهجية التعامل معها‪ ،‬كما‬
‫أثَّر الفكر الغريب يف اجملاالت الفكربة األررى‪ ،‬كالتاربخ أو علم االجتماع أو علم النفس أو علم‬
‫اإلنسان أو يَره من العلو ‪.‬‬
‫وقد استطاع االستشراق حتقيق هذا النجاح مبا تولَّر له من السيطر على منابر الرأي يف العامل‬
‫اإلسمامي‪ ،‬لقد أنشأ الغرب العدبد من املدارس‪ ،‬كما أن العدبد من أبناء األمة اإلسمامية تلقوا‬
‫تعليمهم على أبدي املستشرقني يف اجلامعات الغربية (األوروبية واألمربكية)‪ .‬وملَّا كانت بعض البماد‬
‫العربية واإلسمامية راضعة لماحتمال األجنَب لقد ْم غكن هلمالء الذبن تعلَّموا يف مدارسه‪ .‬لما زالت‬
‫خترجوا يف كلية ليكتوراي بعد أن تسلَّم كثَر منهم مناصب حساسة‬ ‫الصلة قوبة ليما بني الطلبة الذبن َّ‬
‫يف بمادهم‪ .‬ومن املنابر اليت استطاع الغرب أن بنشر من رماهلا الثقالة والفكر الغربيني وسا ل‬
‫اإلعما املختلفة‪ ،‬من صحالة وإذاعة وتلفاز ونشر أبشكاله املتعدد ‪ .‬لقد أنشئت الصحف واجملمات‬
‫اليت َّ‬
‫توىل رائسة حتربرها أو عملية الكتابة ليها كثَر من الذبن تشبَّعوا ابلثقالة الغربية‪ .‬وقد بذلوا‬
‫جهودا كبَر ؛ للرلع من شأن تماميذهم‪ ،‬لهذا بطلق عليه (عميد األدب العريب)‪ ،‬وآرر بطلق عليه‬
‫(أستاذ اجليل) واثلث بطلق عليه (الزعيم الوطين) (‪ ........ ،)1‬كما أنشموا املسارح والسينما‪،‬‬
‫وأدرلوا إىل حيا الشعوب العربية اإلسمامية لنون اللهو يَر املباح من مراقص ويناء ويَر ذلك‪.‬‬
‫وكان لماستشراق دوره يف جمال األدب شعرا ونثرا وقصة‪ .‬لقد استغلت هذه الوسا ل يف نشر الفكر‬
‫الغريب العلماين‪ ،‬وخباصة عن طربق ما غمسي بـ (احلداثة) اليت تدعو إىل حتطيم السا د واملوروث‪ ،‬وتفجَر‬
‫اللغة‪ ،‬وُتاوز املقدس‪ ،‬ونقد النصوص املقدسة‪ .‬وقد استوىل همالء على العدبد من املنابر العامة‪ ،‬ومل‬
‫بقد وجهة نظر ختالفهم‪َّ ،‬‬
‫وإال نعتوه ابلتخلف والرجعية والتقليدبة ويَر ذلك‬ ‫بتيحوا ألحد سواهم أن غ‬
‫ْ‬
‫من النعوت اجلاهز ‪ .‬وقد انتشرت يف البماد العربية اإلسمامية املذاهب الفكربة الغربية يف مجيع‬
‫جماالت احليا ‪ :‬يف السياسة واالقتصاد‪ ،‬ويف األدب ويف االجتماع‪ .‬لفي السياسة ظهر من بنادي‬
‫تبىن الفكر الشيوعي واالشرتاكي‪ ،‬ويف األدب‬
‫ابلدميوقراطية وحيارب اإلسما ‪ ،‬ويف االقتصاد ظهر من َّ‬
‫ظهر من اندى ابلنظرايت الغربية يف دراسة اللغة ويف األدب ويف النقد األديب‪ ،‬وأرذ كثَرون‬
‫ابلنظرايت الغربية يف علم االجتماع ويف التاربخ ويف علم النفس ويف علم اإلنسان ويَر ذلك من‬
‫العلو (‪.)2‬‬
‫‪ O‬االستشراق ملازن صماح مطبقاين‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انقش األستاذ حممد قطب يف كتابه ((واقعنا املعاصر)) مسألة صناعة الزعيم حيث بتحول‬
‫الكفاح ضد املستعمر األجنَب قضية وطنية وتراب وحترر وليس جهادا إسماميا كما أراده هللا‪ ،‬وقد‬
‫جنحوا يف صناعة الزعيم يف العدبد من البماد العربية اإلسمامية‪ ،‬كما أسهموا ليما أطلق عليه سرقة‬
‫الثورات‪.‬‬
‫(‪ )]167[( )2‬حممد رليفة حسن ((آاثر الفكر االستشراقي يف اجملتمعات اإلسمامية))‪ ،‬الفصل‬
‫اَخامس بعنوان‪ :‬اخآاثر السلبية للفكر االستشراقي يف اجملال الثقايف والفكري (ص ‪.)100 - 87‬‬

‫(‪)63/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬إبطاليا‪:)1( :‬‬


‫‪ - 1‬إيناطيوس جوبدي ‪: )1935-1844( Ignazio Guidi‬‬
‫ولد يف روما وتعلَّم العربية يف جامعة روما‪َّ ،‬‬
‫وتوىل تدربس العربية ليها‪ .‬ودعته اجلامعة املصربة لتدربس‬
‫األدب العريب ليها‪ ،‬وله العدبد من البحوث يف اللغة العربية وآداهبا‪.‬‬
‫‪ - 2‬دبفيد سانتيماان‪: )1931-1855( David Santillana .‬‬
‫وختصص يف الفقه اإلسمامي‬
‫ولد يف تونس‪ ،‬حصل على الدكتورا يف القانون من جامعة روما‪َّ ،‬‬
‫والفلسفة اإلسمامية‪ .‬أسهم يف وضع القانونني املدين والتجاري ابالعتماد على الشربعة اإلسمامية‪.‬‬
‫عمل يف اجلامعة املصربة أستاذا لتاربخ الفلسفة‪ ،‬مث عمل يف جامعة روما أستاذا للقانون اإلسمامي‪ .‬له‬
‫العدبد من اخآاثر يف جمال الفقه والقانون املقارن‪.‬‬
‫‪ - 3‬األمَر ليوين كابتاين ‪: ) 1926-1869( Leone Caetani‬‬
‫من أبرز املستشرقني اإلبطاليني‪ ،‬لقد كان بتقن عد لغات منها العربية والفارسية‪ .‬عمل سفَرا لبماده‬
‫يف الوالايت املتحد ‪ .‬زار الكثَر من البلدان الشرقية‪ ،‬منها اهلند وإبران ومصر وسوراي ولبنان‪ .‬من‬
‫أبرز مملفاته حوليات اإلسما املكون من عشر جملدات تناولت اتربخ اإلسما حىت عا (‪.)35‬‬
‫مهما لكثَر من‬
‫وأنفق كثَرا من أمواله على البعثات العلمية لدراسة املنطقة‪ .‬بعد كتابه احلوليات مرجعا ًّ‬
‫املستشرقني‪.‬‬
‫‪ - 4‬كارلو نللينو ‪: )1938 -1872( Carlo Alfoso Nallino‬‬
‫ولد يف توربنو وتعلَّم العربية يف جامعتها‪ ،‬عمل أستاذا للغة العربية يف املعهد العلمي الشرقي بنابوِل‪ ،‬مث‬
‫وعغني أستاذا للتاربخ والدراسات اإلسمامية يف جامعة روما‪،‬‬
‫أستاذا جبامعة ابلرمو مث جامعة روما‪ْ ،‬‬
‫ودعي من قبل اجلامعة املصربة حماضرا يف الفلك مث يف األدب العريب مث يف اتربخ جنوب اجلزبر‬
‫ْ‬
‫العربية قبل اإلسما ‪.‬‬
‫‪ - 5‬جابربيلي لرانشيسكو ‪ : )1997-1904 (.Gabrieli Francesco‬كان مهتما‬
‫ابللغة العربية وآداهبا حىت غ‬
‫عني كبَر أساتذ اللغة العربية وآداهبا جبامعة روما‪ْ .‬عرف بدراسته لَلدب‬
‫العريب‪ ،‬ويف حتقيق التاربخ اإلسمامي‪ ،‬انتخب عضوا مراسما يف اجملمع العلمي العريب بدمشق عا‬
‫(‪ . )1948‬واشتهر لرانشسكو مبواقفه املعتدلة من التاربخ اإلسمامي حىت إنه كتب عن صماح‬
‫تعرضت له هذه الشخصية من تشوبه يف‬
‫الدبن األبويب بوصفه بطما وشخصية عظيمة‪ ،‬ابلريم ِما َّ‬
‫الكتاابت الغربية (‪.)2‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬الرتاجم اليت مل بذكر هلا مرجع لفي الغالب جاءت من كتاب العقيقي أو عبد الرمحن بدوي أو‬
‫كتاب ميشال جحا لهذه أوسع الكتب يف الرتمجة للمستشرقني وإن كان العقيقي هو أوسعها ألنه‬
‫جاء يف ثماثة جملدات وقد استعان ابملستشرقني أنفسهم الذبن أمدوه ابملاد العلمية أو عاد إىل بعض‬
‫اجملمات والدورايت االستشراقية اليت ترتجم لبعضهم وراصة عند الولا ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسَر القربوِت ‪ -‬رحيل لرانشسكو جابربيلي‪(( -‬يف الشرق األوسط)) عدد (‪ 5 ،)6592‬شعبان‬
‫‪1417‬هـ ‪15‬دبسمرب ‪. 1996‬‬

‫(‪)64/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬لرنسا‪:‬‬


‫‪ - 1‬سيلفسرت دي ساسي ‪: )1838-1758( Silvester de Sacy‬‬
‫ولد يف ابربس عا (‪ ، )1758‬وتعلَّم الماتينية واليواننية‪ ،‬مث درس على بعض القساوسة منهم القس‬
‫مور واألب ابراترو‪ ،‬مث درس العربية والفارسية والرتكية‪ .‬عمل يف نشر املخطوطات الشرقية يف مكتبة‬
‫ابربس الوطنية‪ ،‬وكتب العدبد من البحوث حول العرب وآداهبم وحقق عددا من املخطوطات‪ْ .‬عغني‬
‫أستاذا للغة العربية يف مدرسة اللغات الشرقية احلية عا (‪َّ ، )1795‬‬
‫وأعد كتااب يف النحو ترجم إىل‬
‫اإلجنليزبة واألملانية والدَناركية‪ ،‬وأصبح مدبرا هلذه املدرسة عا (‪ ، )1833‬وعندما َتسست اجلمعية‬
‫اخآسيوبة انتْخب ر يسا هلا عا (‪ . )1822‬ومن أبرز اهتماماته الدروز‪ ،‬حيث ألَّف كتااب حوهلم يف‬
‫جزأبن‪ .‬أصبحت لرنسا يف عهده قبلة املستشرقني من مجيع أحناء القار األوروبية‪ ،‬وبقول أحد‬
‫الباحثني إن االستشراق اصطب ابلصبغة الفرنسية يف عصره‪ .‬عمل دي ساسي مع احلكومة الفرنسية‪،‬‬
‫وهو الذي ترجم البياانت اليت نشرت عند احتمال اجلزا ر‪ ،‬وكذلك عند احتمال مصر من قبل محلة‬
‫انبليون عا (‪.)1( )1797‬‬
‫‪ - 2‬إل‪ .‬أسيدبو ‪ : )1876-1808( L.A. Sedillot‬درس العربية يف مدرسة اللغات‬
‫اهتم بعلم‬
‫الشرقية احلية‪ ،‬وحضر حماضرات سيلفسرت دي ساسي يف كلية لرنسا‪ ،‬مث صار سكرتَرا له‪َّ .‬‬
‫الفلك عند العرب‪ ،‬ومن أشهر مملفاته (رماصة اتربخ العرب) وبقول ليه العقيقي‪( :‬وقد أيرق يف‬
‫اهتم ابلعلو عند العرب (‪.)2‬‬
‫تفصيل لضل العرب على احلضار األوروبية) َّ‬
‫‪ - 3‬أرنست ربنان ‪: )1892-1823(Ernest Renan‬‬
‫تلقى تعليمه يف املدارس الماهوتية‪ ،‬وتعلَّم العربية يف مدرسة اللغات الشرقية بباربس‪ ،‬زار املشرق‬
‫واهتم ابلعقيد اإلسمامية‪ .‬من أبرز اهتماماته دراسته‪ ،‬ابن رشد‬
‫وعاش بلبنان لرت من الزمن‪َّ ،‬‬
‫والرشدبني‪.‬‬
‫اهتمّ َّ ابللغات السامية وله موقف مشهور من العقل السامي أبنه ال بصلح لدراسة العلم‪ ،‬وقد َّ‬
‫رد‬
‫عليه كل من مجال الدبن األلغاين والشيخ حممد عبده يف كتابه (اإلسما والنصرانية بني العلم‬
‫واملدنية‪).‬‬
‫‪ - 4‬ربنيه ابسية ‪: )1924-1855(Rene Baset‬‬
‫ولد يف مدبنة لونيفيل‪ ،‬تعلم اللغة العربية يف مدرسة اللغات الشرقية بباربس‪َّ ،‬‬
‫توىل منصب أستاذ‬
‫كرسي اللغة العربية بكلية اخآداب ابجلزا ر‪ ،‬وكان من اهتماماته التفتيش عن اخآاثر حيث قا هبذا‬
‫العمل يف تونس‪ .‬كما درس املعتقدات واألرماق والعادات يف الشمال األلربقي‪ .‬عمل حمررا يف اجمللة‬
‫األلربقية‪ ،‬ونشر املراسمات األلربقية‪ .‬ومن املناصب العلمية العمل يف هيئة حتربر دا ر املعارف‬
‫اإلسمامية‪ .‬التحق ابلعمل يف احلكومة الفرنسية حيث غ‬
‫عني قنصما يف اجلزا ر‪.‬‬
‫‪ - 5‬كازانولا ‪:P. Casanova‬‬
‫تعلَّم العربية يف معهد لرنسا‪ ،‬مث عمل أستاذا لفقه اللغة‪ ،‬كما َّ‬
‫اهتم بدراسة اتربخ مصر اإلسمامية‪ .‬من‬
‫أبرز آاثره حتقيق كتاب اَخطط للمقربزي‪ ،‬وله كتاب بعنوان‪( :‬حممد وانتهاء العامل يف عقيد اإلسما )‪.‬‬
‫‪ - 6‬وليم مارسيه ‪: )1956-1874( William Marcais‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬قاسم السامرا ي ((االستشراق بني املوضوعية وااللتعالية)) ‪ ,‬الرايض‪ :‬دار الرلاعي‪1403 ،‬هـ‬
‫(‪ )2‬العقيقي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ .169‬وهناك حبث تكميلي لنيل درجة املاجستَر من قسم‬
‫االستشراق بكلية الدعو ابملدبنة املنور قدمه الطالب سلطان احلصني بعنوان ((موقف املستشرق‬
‫سيدبو من السَر النبوبة‪ :‬دراسة نقدبة من رمال كتابه اتربخ العرب العا )) عا ‪1413‬هـ‪.‬‬

‫(‪)65/2‬‬

‫عمل مدبرا ملدرسة تلمسان وأستاذا ليها‪ ،‬وهي إحدى املدارس العربية الثماث اليت أنشأهتا لرنسا‬
‫لتخربج مساعدبن هلا يف أعماهلا يف إدار البماد‪ .‬اتصل بعلماء اجلزا ر وتونس واملغرب‪ ،‬ودرس‬
‫هلجات املنطقة‪ .‬من غ‬
‫أهم آاثره نشر كتاب (التقربب والتيسَر) للنووي متنا وشرحا وترمجة‪ .‬كما ترجم‬
‫(جامع األحادبث الصحيحة) للبخاري يف أربعة أجزاء‪ ،‬وله كتاب عن اللهجات العربية‪ ،‬وحبث‬
‫بعنوان (أصول النثر العريب الفين‪).‬‬
‫‪ - 7‬لوي ماسنيون ‪: )1962-1883( Louis Massingon‬‬
‫ولد يف ابربس‪ ،‬وحصل على دبلو الدراسات العليا يف حبث عن املغرب‪ ،‬كما حصل على دبلو اللغة‬
‫العربية من مدرسة اللغات الشرقية احلية (لصحى وعامية)‪ ،‬زار ًّ‬
‫كما من اجلزا ر واملغرب‪ ،‬ويف اجلزا ر‬
‫انعقدت الصلة بينه وبني بعض كبار املستشرقني مثل جولدزبهر وآسني بماثيوس وسنوك هورررونيه‬
‫وِل شاتيليه‪.‬‬
‫التحق ابملعهد الفرنسي لآلاثر الشرقية يف القاهر عد أعوا (‪ ، )1908 - 1907‬ويف عا‬
‫(‪ , )1909‬عاد إىل مصر‪ ،‬وهناك حضر بعض دروس األزهر‪ ،‬وكان مرتداي الزي األزهري‪ .‬زار‬
‫العدبد من البماد اإلسمامية منها احلجاز والقاهر والقدس ولبنان وتركيا‪ .‬عمل معيدا يف كرسي‬
‫االجتماع اإلسمامي يف معهد لرنسا (‪ , )1924 - 1919‬وأصبح أستاذ كرسي (‪- 1926‬‬
‫‪ , )1954‬ومدبرا للدراسات يف املدرسة العلمية العليا حىت تقاعده عا (‪.)1954‬‬
‫لقد اشتهر ماسنيون ابهتمامه ابلتصوف اإلسمامي‪ ،‬وخباصة ابحلماج‪ ،‬حيث َّ‬
‫حقق دبوان احلماج‬
‫(الطواسني)‪ ،‬وكانت رسالته للدكتورا بعنوان (آال احلماج شهيد التصوف) يف جزأبن‪ ،‬وقد نشرت يف‬
‫كتاب تزبد صفحاته على ألف صفحة (ترجم الكتاب إىل اللغة اإلجنليزبة)‪ ،‬وله اهتما ابلشيعة‬
‫والتشيع‪ .‬وعرف عن لوبس صلته ابحلكومة الفرنسية وتقدميه املشور هلا‪.‬‬
‫‪ - 8‬ليفي برولنسال ‪: )1956-1894( Levi-Provencal‬‬
‫ولد يف اجلزا ر‪ ،‬حصل على درجة الليسانس من كلية اخآداب ابجلزا ر‪ ،‬عمل يف معهد الدراسات‬
‫العليا املغربية يف الرابط‪ ،‬وعمل أستاذا للعربية واحلضار اإلسمامية يف جامعة ابربس ويف كلية اخآداب‬
‫ودعي للعمل أستاذا زا را يف جامعة القاهر ‪ ،‬ومن أبرز اهتماماته اتربخ األندلس‪.‬‬
‫ابجلزا ر‪ْ .‬‬
‫‪ - 9‬رجييس بماشَر‪: )1973-1900(R.L. Blacher .‬‬
‫وخترج ابللغة العربية من كلية اخآداب ابجلزا ر‪.‬‬ ‫ولد يف ابربس َّ‬
‫وتلقى التعليم الثانوي يف الدار البيضاء‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫توىل العدبد من املناصب العلمية‪ ،‬منها أستاذ اللغة العربية يف معهد موالي بوسف ابلرابط‪ ،‬ومدبر‬
‫معهد الدراسات املغربية العليا (‪ ، )1935 - 1924‬وأستاذ كرسي األدب العريب يف مدرسة‬
‫اللغات الشرقية احلية بباربس‪ ،‬وأستاذا حماضرا يف السوربون‪ ،‬مث مدبر مدرسة الدراسات العليا‬
‫والعلمية‪ ،‬مث أستاذ اللغة العربية وحضارهتا يف ابربس‪.‬‬
‫من أبرز إنتاجه ترمجته ملعاين القرآن الكرمي‪ ،‬وكذلك كتابه (اتربخ األدب العريب) يف جزأبن‪ ،‬وترمجه إىل‬
‫العربية إبراهيم الكيماين‪ ،‬وله أبضا كتاب (أبو الطيب املتنَب‪ :‬دراسة يف التاربخ األديب)‪ ،‬ترمجه أبضا‬
‫إبراهيم الكيماين‪.‬‬
‫‪ - 10‬مكسيم رودنسون ‪: )1915( Maxim Rodinson‬‬
‫ولد يف ابربس يف (‪ 26‬بنابر ‪ ، )1915‬وحصل على الدكتورا يف اخآداب‪ ،‬مث على شهاد من‬
‫املدرسة الوطنية للغات الشرقية احلية واملدرسة العلمية العليا‪َّ .‬‬
‫توىل العدبد من املناصب العلمية يف كل‬
‫من سوراي ولبنان يف املعاهد التابعة للحكومة الفرنسية هناك‪َّ .‬‬
‫توىل منصب مدبر الدراسات يف املدرسة‬
‫العلمية للدراسات العليا قسم العلو التارخيية واللغوبة‪ ،‬مث حماضرا ليها يف قسم العلو االقتصادبة‬
‫واالجتماعية‪ .‬انل العدبد من األومسة واجلوا ز من اجلهات العلمية الفرنسية واألوروبية‪.‬‬
‫له العدبد من اململفات‪ ،‬منها (اإلسما والرأمسالية) و (جاذبية اإلسما ) و (حممد) و (إسرا يل‬
‫والرلض العريب)‪ ،‬وله العدبد من الدراسات التارخيية والتاربخ االقتصادي للعامل اإلسمامي‪.‬‬
‫وهناك العدبد من املستشرقني الفرنسيني البارزبن مثل هنري الوست وكلود كاهن وشارل بيما وإميل‬
‫درمنجهم واألب لوبس جاردبه واألب البلجيكي األصل الفرنسي اجلنسية األب المانس‪ .‬وأندربه‬
‫رميوند‪ ،‬وروبَر مانرتان‪ .‬ويَرهم‪.‬‬

‫(‪)66/2‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬بربطانيا‪:‬‬
‫‪ - 1‬وليا بدول ‪ : )1632-1516( William Bedwell‬عمل راعيا لكنيسة إبلبَرج‪،‬‬
‫ومجع إىل عمله الكنسي دراساته وحبوثه يف اللغة العربية‪ .‬ظهر له كتاابت امتَلت ابحلقد على‬
‫اإلسما ‪ ،‬ومها حول الرسول صلى هللا عليه وسلم (‪.)1‬‬
‫‪ - 2‬إدوارد بوكوك ‪: )1727-1648( Edward Pocoke‬‬
‫ومن أبرز أعماله (َناذج من اتربخ العرب) وحتقيق (المية العجم للطغرا ي) واملختصر يف الدول‪.‬‬
‫‪ - 3‬جورج سيل ‪ : )1736-1697(George Sale‬ولد يف لندن‪ ،‬التحق يف البدابة ابلتعليم‬
‫الماهوِت‪ ،‬تعلَّم العربية على بد معلغم من سوراي‪ ،‬وكان بتقن اللغة العرببة أبضا‪ .‬من أبرز أعماله ترمجته‬
‫ملعاين القرآن الكرمي اليت َّ‬
‫قد هلا مبقدمة احتوت على كثَر من االلرتاءات والشبهات‪ .‬ومن الغربب أن‬
‫بقول عنها عبد الرمحن بدوي‪( :‬ترمجة سيل واضحة وحمكمة معا‪ ،‬وهلذا راجت رواجا عظيما طوال‬
‫القرن الثامن عشر إذ عنها ترجم القرآن إىل األملانية عا (‪ .) 1746‬وبقول يف موضع آرر‪( :‬وكان‬
‫سيل منصفا لإلسما بربئا‪ -‬ريم تدبنه املسيحي‪ -‬من تعصب غ‬
‫املبشربن املسيحيني‪ ،‬وأحكامهم‬
‫السابقة الزا فة) (‪.)2‬‬
‫‪ - 4‬إدوارد لني ‪ : )1876-1801( .Edward Lane‬بدأ حياته الدراسية يف جمال‬
‫الدراسات الماهوتية‪ ،‬ولكنه تركها ليعمل يف مهنة النقش‪ ،‬مث سالر إىل مصر ليقيم ليها ثماثة أشهر‪،‬‬
‫وتعلم هناك العربية الفصحى والعامية‪ ،‬ألف كتااب عن أرماق املصربني املعاصربن وعاداهتم‪ ،‬ولكنه‬
‫اشتهر مبعجمه الذي صدر منه مخسة جملدات يف حياته‪ ،‬ونشر ابن أرته إستانلي لني بول األجزاء‬
‫الباقية (‪.)3‬‬
‫‪ - 5‬وليا ميور ‪: )1905-1819( William Muir‬‬
‫وصفه عبد الرمحن بدوي أبنه مستشرق غ‬
‫ومبشر وموظف إداري إجنليزي‪ ،‬تعلَّم العربية يف أثناء عمله يف‬
‫واهتم ابلتاربخ اإلسمامي‪ ،‬شارك يف أعمال مجعية تنصَربة يف اهلند‪ .‬وألَّف ميور كتااب بناصر‬
‫اهلند‪َّ ،‬‬
‫أهم مملفات ميور‬‫اجلهود التنصَربة بعنوان (شهاد القرآن على الكتب اليهودبة واملسيحية)‪ ،‬ومن غ‬
‫كتابه يف سَر الرسول صلى هللا عليه وسلم يف أربعة جملدات‪ ،‬وكتابه حول اَخمالة‪ ،‬كما ألَّف كتااب‬
‫حول القرآن الكرمي بعنوان (القرآن َتليفه وتعاليمه) َّ‬
‫توىل ميور منصب مدبر جامعة أدنربه يف الفرت من‬
‫عا (‪1885‬حىت عا ‪. )1903‬‬
‫‪ - 6‬دبفيد صمو يل مرجليوث ‪)1940-1858( David Samuel Margoliouth‬‬
‫‪ :‬بدأ حياته العلمية بدراسة اليواننية والماتينية‪ ،‬مث اهت َّم بدراسة اللغات السامية‪ ،‬لتعلَّم العربية‪ ،‬ومن‬
‫أشهر مملفاته ما كتبه يف السَر النبوبة وكتابه عن اإلسما وكتابه عن العماقات بني العرب واليهود‪.‬‬
‫ولكن هذه الكتاابت اتسمت ابلتعصب والتحيز والبعد الشدبد عن املوضوعية‪ ،‬كما وصفها عبد‬
‫الرمحن بدوي‪ .‬ولكن حيسب له اهتمامه ابلرتاث العريب‪ ،‬كنشره لكتاب معجم األدابء لياقوت‬
‫احلموي‪ ،‬ورسا ل أيب العماء املعري ويَر ذلك من األحباث (‪.)4‬‬
‫‪ - 7‬توماس وولكر آرنولد ‪: )1930-1864( Sir Thomas Walker Arnold‬‬
‫_________‬
‫(‪Alastair Hamilton. William Bedwell The Arabist(1563- - )1‬‬
‫‪.1632).(Leiden:1985)p. 69‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرمحن بدوي ((موسوعة املستشرقني)) (ص ‪ )252‬بَروت‪ :‬دار العلم للممابني ‪.1984‬‬
‫(‪(( )]174[( )3‬موسوعة املستشرقني)) (ص ‪ 357‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪(( )4‬موسوعة املستشرقني)) (ص ‪.)379‬‬

‫(‪)67/2‬‬

‫بدأ حياته العلمية يف جامعة كامربدج حيث أظهر حبه للغات‪ ،‬لتعلَّم العربية‪ ،‬وانتقل للعمل ابحثا يف‬
‫جامعة علي كرا (عليكرا) يف اهلند حيث أمضى هناك عشر سنوات‪ ،‬ألَّف رماهلا كتابه املشهور‬
‫(الدعو إىل اإلسما )‪ ،‬مث عمل أستاذا للفلسفة يف جامعة الهور‪ ،‬ويف عا (‪ , )1904‬عاد إىل لندن‬
‫ليصبح أمينا مساعدا ملكتبة إدار احلكومة اهلندبة التابعة لوزار اَخارجية الرببطانية‪ ،‬وعمل يف الوقت‬
‫عاما على الطماب‬
‫نفسه أستاذا يَر متفرغ يف جامعة لندن‪ .‬وارتَر عا (‪ , )1909‬ليكون مشرلا ًّ‬
‫اهلنود يف بربطانيا‪ .‬ومن املها العلمية اليت شارك ليها عضوبة هيئة حتربر املوسوعة اإلسمامية اليت‬
‫صدرت يف ليدن هبولندا يف طبعتها األوىل‪ .‬والتحق مبدرسة الدراسات الشرقية واأللربقية جبامعة لندن‬
‫بعد َتسيسها عا (‪ , )1916‬عمل أستاذا زا را يف اجلامعة املصربة عا (‪. )1930‬‬
‫له عد مملفات سوى كتابه الدعو إىل اإلسما ‪ ،‬ومنها (اَخمالة) وكتاب حول العقيد اإلسمامية‪،‬‬
‫وشارك يف حتربر كتاب تراث اإلسما يف طبعته األوىل‪ ،‬ابإلضالة إىل العدبد من البحوث يف الفنون‬
‫اإلسمامية‪ .‬ابلريم من شهر آرنولد أبنه من املستشرقني املعتدلني‪ ،‬لإن البحث الدقيق يف كتاابته تدل‬
‫على أنه بشارك يَره من املستشرقني يف الطعن يف اإلسما أبسلوب هادئ‪ ،‬وخباصة يف كتابه اَخمالة‬
‫ويف كتابه الدعو إىل اإلسما ‪ ،‬كما أوضح ذلك أحد الباحثني يف املعهد العاِل للدعو اإلسمامية يف‬
‫املدبنة املنور (‪.)1‬‬
‫‪ - 8‬سَر هاملتون جيب‪:Sir Hamilton R. A. Gibb .‬‬
‫ولد هاملتون جيب يف اإلسكندربة يف (‪ ، )1895 /1 /2‬انتقل إىل أسكتلندا وهو يف اَخامسة من‬
‫عمره؛ للدراسة هناك‪ ،‬ولكنه كان ميضي الصيف مع والدته يف اإلسكندربة‪ .‬التحق جبامعة أدنرب‬
‫لدارسة اللغات السامية‪ .‬عمل حماضرا يف مدرسة الدراسات الشرقية واأللربقية جبامعة لندن عا‬
‫(‪ ، )1921‬وتدرج يف املناصب األكادميية حىت أصبح أستاذا للغة العربية عا (‪، )1937‬‬
‫وانتخب لشغل منصب كرسي اللغة العربية جبامعة أكسفورد‪ .‬انتقل إىل الوالايت املتحد األمربكية‬
‫ليعمل مدبرا ملركز دراسات الشرق األوسط جبامعة هارلارد بعد أن عمل أستاذا للغة العربية يف‬
‫اجلامعة‪.‬‬
‫ابإلضالة إىل اهتمامه اللغوي لقد أضاف إىل ذلك االهتما بتاربخ اإلسما وانتشاره‪ ،‬وقد َتثَّر‬
‫مبستشرقني كبار من أمثال تومارس آرنولد ويَره‪.‬‬
‫من أبرز إنتاج جيب (الفتوحات اإلسمامية يف آسيا الوسطى) (‪ )1933‬ودراسات يف األدب‬
‫العريب املعاصر وكتاب (االُتاهات احلدبثة يف اإلسما ) وشارك يف َتليف (إىل أبن بتجه اإلسما )‪ .‬وقد‬
‫انتقل جيب من دراسة اللغة واخآداب والتاربخ إىل دراسة العامل اإلسمامي املعاصر‪ ،‬وهو ما التفت إليه‬
‫االستشراق األمربكي حينما أنشأ الدراسات اإلقليمية أو دراسات املناطق‪ .‬وله كتاب بعنوان‬
‫(احملمدبة) مث أعاد نشره بعنوان (اإلسما )‪ ،‬وله كتاب عن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ - 9‬مونتجمري وات ‪:Montgomery Watt‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬حممود محز عزوين ((دراسة نقدبة لكتاب الدعو إىل اإلسما َتليف توماس ولكر آرنولد)) حبث‬
‫تكميلي لنيل درجة املاجستَر يف الدعو من املعهد العاِل للدعو اإلسمامية ابملدبنة املنور والرتمجة‬
‫مستقا من مقالة أوربل سابن يف حماضر األكادميية الرببطانية (‪Aurel Srien.‬‬
‫‪.Proceedings of British Academy.( 1930‬‬

‫(‪)68/2‬‬

‫ولد يف كربس لابف يف (‪ 14‬مارس ‪ , )1909‬والده القسيس أندرو وات درس يف كل من أكادميية‬
‫الرخ (‪ , )1919 - 1914‬ويف كلية جورج واتسون أبدنرب وجامعة أدنرب (‪)1930 - 1927‬‬
‫‪ ,‬وكلية ابليول أبكسفورد (‪ , )1933 - 1930‬وجامعة جينا أبملانيا (‪ , )1933‬وجبامعة‬
‫أكسفورد وجامعة أدنرب يف الفرت من (‪ )1939 - 1938‬و (‪ , )1943 - 1940‬على التواِل‪.‬‬
‫عمل راعيا لعد كنا س يف لندن ويف أدنربه‪ ،‬ومتخصصا يف اإلسما لدى القس األجنليكاين يف‬
‫القدس‪.‬‬
‫عمل ر يسا لقسم اللغة العربية والدراسات اإلسمامية جبامعة أدنربه يف الفرت من (‪)1979 - 1947‬‬
‫‪ .‬انل درجة األستاذبة عا (‪ْ . )1964‬دعي للعمل أستاذا زا را يف كل من اجلامعات اخآتية‪ :‬جامعة‬
‫تورنتو (‪ )1963‬و (‪ , )1978‬وكلية لرنسا يف ابربس عا (‪ )1970‬وجامعة جورجتاون بواشنطن‬
‫عا‬
‫(‪ . )1979 - 1978‬أصدر العدبد من اململفات من أشهرها (حممد يف مكة) و (حممد يف املدبنة)‬
‫و (حممد نَب ورجل دولة) و (الفلسفة اإلسمامية والعقيد ) و (الفكر السياسي اإلسمامي) و (َتثَر‬
‫اإلسما يف أورواب القرون الوسطى) و (األصولية اإلسمامية والتحدبث) و (العماقات اإلسمامية‬
‫النصرانية) ومن آرر كتبه (حقيقة الدبن يف عصران) (‪ , )1996‬وكتاب (الفرت التكوبنية للفكر‬
‫اإلسمامي) (‪ , )1998‬و (موجز اتربخ اإلسما ) (‪ , )1995‬ويَرها كثَر‪ .‬وقد تقاعد قرببا‪،‬‬
‫وبعمل حاليا راعيا إلحدى الكنا س يف منطقة أدنرب (‪.)1‬‬
‫‪ - 10‬آرثر جون آربري ‪: )1969-1905( Arthur John Arberry‬‬
‫ولد يف (‪12‬مابو ‪ , )1905‬يف مدبنة بورتسموث جبنوب بربطانيا‪ ،‬التحق جبامعة كامرببدج لدراسة‬
‫وشجعه أحد أساتذته (منس) على دراسة العربية والفارسية‪.‬‬
‫اللغات الكماسيكية الماتينية واليواننية‪َّ .‬‬
‫ارحتل إىل مصر ملواصلة دراسته للغة العربية‪ .‬عاد إىل مصر ليعمل يف كلية اخآداب ر يسا لقسم‬
‫الدراسات القدمية (اليواننية والماتينية) وزار للسطني وسوراي ولبنان‪.‬‬
‫اهتم ابألدب العريب‪ ،‬لرتجم مسرحية جمنون ليلى ألمحد شوقي كما حقق كتاب (التعرف إىل أهل‬
‫َّ‬
‫التصوف) ‪ ,‬واصل اهتمامه ابلتصوف وذلك بنشره كتاب (املواقف واملخاطبات) للنفري‪ ،‬وترمجه إىل‬
‫اإلجنليزبة‪.‬‬
‫مهتما بشمون اإلعما والرقابة‬
‫عمل آربري مع وزار احلرب الرببطانية يف أثناء احلرب العاملية الثانية ًّ‬
‫الرببدبة‪ .‬وأصدر كتابه (املستشرقون الرببطانيون) (‪َّ , )1943‬‬
‫توىل منصب أستاذ كرسي اللغة العربية‬
‫يف مدرسة الدراسات الشرقية واأللربقية‪ ،‬مث انتقل جلامعة كمربدج ليحتل منصب أستاذ كرسي اللغة‬
‫ولعل من أبرز جهود آربري ترمجته ملعاين القرآن الكرمي‪ ،‬حيث أصدر أوال‬
‫العربية يف هذه اجلامعة‪َّ .‬‬
‫َمتارات من بعض آايت القرآن الكرمي مع مقدمة طوبلة‪ ،‬مث أكمل الرتمجة وأصدرها عا (‪)1955‬‬
‫‪.)2( ,‬‬
‫‪ - 11‬برانرد لوبس ‪: ) -1916( .Bernard Lewis‬‬
‫ولد لوبس يف (‪31‬مابو ‪َّ , )1916‬‬
‫وتلقى تعليمه األول يف كلية ولسون واملدرسة املهنية‪ ،‬حيث‬
‫راصا‪ .‬التحق‬
‫بهوداي ًّ‬
‫ًّ‬ ‫أكمل دراسته الثانوبة‪ ،‬وال تذكر املراجع أبة معلومات عن تلقيه تعليما دبنيًّا‬
‫جبامعة لندن لدراسة التاربخ‪ ،‬مث انتقل إىل لرنسا للحصول على دبلو الدراسات السامية (‪)1937‬‬
‫‪ ,‬متتلمذا على املستشرق الفرنسي ماسنيون ويَره‪ .‬مث عاد إىل جامعة لندن‪ :‬مدرسة الدراسات‬
‫الشرقية واأللربقية‪ ،‬وحصل على الدكتورا عا (‪ , )1939‬عن رسالته القصَر حول أصول‬
‫اإلمساعيلية‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )]177[( )1‬هذه الرتمجة بقلم وات نفسه أرسلها للباحث وهي نسخة من سَر موجز تنشر يف‬
‫دليل الباحثني الرببطانيني‪.‬‬
‫(‪ )]178[( )2‬بدوي‪(( ،‬موسوعة املستشرقني)) (ص ‪.)8 - 5‬‬

‫(‪)69/2‬‬

‫استْدعي يف أثناء احلرب العاملية الثانية ألداء اَخدمة العسكربة‪ ،‬وأعَرت ردماته لوزار اَخارجية من‬
‫(‪ )1941‬حىت عا (‪ . )1945‬عاد بعد احلرب إىل مدرسة الدراسات الشرقية واأللربقية؛ لتدربس‬
‫التاربخ اإلسمامي وأصبح أستاذ كرسي التاربخ اإلسمامي عا ‪ 1949‬مث أصبح ر يسا لقسم التاربخ‬
‫عا (‪ ، )1957‬وظل ر يسا هلذا القسم حىت انتقل إىل الوالايت املتحد األمربكية عا (‪.)1974‬‬
‫ْد غعي للعمل أستاذا زا را يف العدبد من اجلامعات األمربكية واألوربية منها جامعة كوملبيا وجامعة أندايان‬
‫وجامعة كاليفورنيا بلوس أجنلوس وجامعة أكماهوما وجامعة برنستون اليت انتقل إليها‪ ،‬والعمل ليها من‬
‫عني مدبرا مشاركا ملعهد أاننربج اليهودي للدراسات‬ ‫(‪ )1974‬حىت تقاعده عا (‪ . )1986‬وهناك غ‬
‫اليهودبة والشرق أوسطية يف مدبنة ليمادبلفيا بوالبة بنسلفانيا‪.‬‬
‫بعد لوبس من أيزر املستشرقني إنتاجا (وإن كان له قدر على إعاد نشر بعض ما سبق نشره بصور‬ ‫ُّ‬
‫تنوعت اهتماماته من التاربخ اإلسمامي‪ ،‬حيث كتب عن اإلمساعيلية وعن احلشاشني وعن‬
‫أررى) وقد َّ‬
‫الطوا ف املختلفة يف اجملتمع اإلسمامي‪ ،‬إىل احلدبث عن اجملتمع اإلسمامي‪ ،‬ولكنه يف السنوات‬
‫األرَر ‪ -‬قبل تقاعده بقليل ‪ -‬بدأ االهتما بقضااي العامل العريب واإلسمامي املعاصر ‪ ،‬لكتب عن‬
‫قد ردماته واستشاراته لكل من‬ ‫احلركات اإلسمامية (األصولية) وعن اإلسما والدميوقراطية‪َّ .‬‬
‫احلكومة الرببطانية اليت كلَّفته القيا برحلة إىل العدبد من اجلامعات األمربكية‪ ،‬وإلقاء األحادبث‬
‫اإلذاعية والتلفازبة عا (‪ ، )1954‬كما َّ‬
‫قد استشارته للكوجنرس األمربكي أكثر من مر ‪ .‬ويف‬
‫إحدى املرات (‪ 8‬مارس ‪ , )1974‬ألقى حماضر يف أعضاء جلنة الشمون اَخارجية ابلكوجنرس‬
‫األمربكي حول قضية الشرق األوسط‪ ،‬وألمهية هذه احملاضر نشرهتا وزار اَخارجية اإلسرا يلية بعد‬
‫أسبوعني من إلقا ها (‪.)1‬‬
‫_________‬
‫(‪C. E. Bosworth, et al.(ed.) The Islamic World From - )1‬‬
‫‪Classical To Modern Times. (Princeton,1989)p. p. IX-X‬‬
‫‪ .and Also Who’s Who in the USA 1989‬نقما عن رسالة الدكتورا اليت أعدها‬
‫الباحث بعنوان‪ :‬منهج املستشرق برانرد لوبس يف دراسة االُتاهات الفكربة يف التاربخ اإلسمامي‪،‬‬
‫ونشرت لدى مكتبة امللك لهد الوطنية ابلرايض عا ‪1416‬بعنوان‪(( :‬االستشراق واالُتاهات‬
‫الفكربة يف التاربخ اإلسمامي)) (ص ‪ 69‬وما بعدها)‪.‬‬

‫(‪)70/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬أملانيا (‪:)1‬‬


‫‪ - 1‬بوهان جاكوب رابسكه ‪: )1774-1716( Johann Jakob Reiske‬‬
‫ُّ‬
‫بعد رابسكه ممسس الدراسات العربية يف أملانيا‪ ،‬حيث بدأ تعليم نفسه العربية‪ ،‬مث درس يف جامعة‬
‫اهتم بدراسة اللغة‬
‫ليبزبج ‪ ،Leipzig‬وانتقل إىل جامعة ليدن لدراسة املخطوطات العربية ليها‪ ،‬كما َّ‬
‫العربية واحلضار اإلسمامية‪ ،‬وإن كان له لضل يف هذا اجملال لهو االبتعاد ابلدراسات العربية‬
‫اإلسمامية عن االرتباط ابلدراسات الماهوتية اليت كانت متيز هذه الدراسات يف القرون الوسطى‬
‫(األوروبية)‪.‬‬
‫‪ - 2‬جورج وهللهم لرابتاج ‪: )1861-1788( George Wilhelm Freytag‬‬
‫بدأ دراسة اللغة العربية يف أملانيا مث التحق مبدرسة الدراسات الشرقية احلية يف ابربس على بدي‬
‫املستشرق الفرنسي املشهور سيلفسرت دي ساسي‪ .‬غ‬
‫عني أستاذا للغات الشرقية جبامعة بون‪ ،‬ومن أهم‬
‫اهتم ابلشعر العريب وخباصة املعلقات‪َّ ،‬‬
‫وحقق‬ ‫إنتاجه القاموس العريب الماتيين يف أربعة أجزاء‪ .‬كما َّ‬
‫ونشر بعض الشعر اإلسمامي‪ .‬شارك يف نشر كتاب معجم البلدان لياقوت احلموي‪.‬‬
‫‪ - 3‬يوستاف للوجل ‪: )1870-1802( Gustav Flugel‬‬
‫تعلَّم اللغة العربية يف جامعة ليبزبج ويف جامعة ليينا‪ ،‬مث التحق مبدرسة اللغات الشرقية احلية يف ابربس‬
‫على بدي دي ساسي‪ .‬ومن أهم أعمال للوجل وضع (املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي) كما‬
‫اهتم ابلرتاث اإلسمامي يف جمال الفلسفة‪ ،‬والنحو العريب‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ - 4‬بوليوس ليلهاوزن ‪: )1918 -1844( Jullius Wellhausen‬‬
‫ختصص يف دراسة التاربخ اإلسمامي والفرق اإلسمامية‪ ،‬من أبرز إنتاجه حتقيق اتربخ الطربي‪ .‬وألَّف‬
‫َّ‬
‫كتااب بعنوان (اإلمرباطوربة العربية وسقوطها) ومن اهتماماته ابلفرق اإلسمامية َتليف كتابيه (األحزاب‬
‫املعارضة يف اإلسما ) وكتابه (اَخوارج والشيعة) وكتب عن الرسول صلى هللا عليه وسلم يف كتابه‬
‫(تنظيم حممد للجماعة يف املدبنة) وكتابه (حممد والسفارات اليت وجهت إليه)‪.‬‬
‫‪ - 5‬ثيودور نولدكه ‪: )1930-1836( Theodor Noldeke‬‬
‫ولد يف هامربج يف (‪2‬مارس ‪ ، )1836‬ودرس ليها اللغة العربية‪ ،‬ودرس يف جامعة ليبزبج ولينا‬
‫وليدن وبرلني‪ .‬غ‬
‫عني أستاذا للغات اإلسمامية والتاربخ اإلسمامي يف جامعة توبنجن‪ ،‬وعمل أبضا يف‬
‫اهتم ابلشعر اجلاهلي وبقواعد اللغة العربية‪ ،‬وأصدر كتااب بعنوان (َمتارات من‬
‫جامعة سرتاستربج‪َّ .‬‬
‫أهم مملفاته كتابه (اتربخ القرآن) نشره عا (‪ ، )1860‬وهو رسالته للدكتورا ‪،‬‬ ‫الشعر العريب) من غ‬
‫وليه تناول ترتيب سور القرآن الكرمي‪ ،‬وحاول أن جيعل هلا ترتيبا ابتدعه‪ .‬ذكر عبد الرمحن بدوي أن‬
‫نولدكه بعد شيخ املستشرقني األملان‪.‬‬
‫‪ - 6‬كارل بروكلمان ‪ : )1956 -1868( Carl Brockelmann‬ولد يف (‪17‬سبتمرب‬
‫‪ , )1868‬يف مدبنة روستوك‪ ،‬بدأ دراسة اللغة العربية‪ ،‬وهو يف املرحلة الثانوبة‪ ،‬ودرس يف اجلامعة‬
‫ابإلضالة إىل اللغات الشرقية‪ ،‬اللغات الكماسيكية (اليواننية والماتينية) ودرس على بدي املستشرق‬
‫اهتم بدراسة التاربخ اإلسمامي‪ ،‬وله يف هذا اجملال كتاب مشهور (اتربخ الشعوب اإلسمامية)‪،‬‬
‫نولدكه‪َّ .‬‬
‫ولكنه مليء ابملغالطات وااللرتاءات على اإلسما (‪.)2‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬مصادر التعربف ابملستشرقني األملان هي كتاب بوهان لوك ((اتربخ حركة االستشراق))‪ ،‬ترمجة‬
‫عمر لطفي العامل ‪ ,‬دمشق‪ :‬دار قتيبة ‪ .1996 - 1417‬وكتاب ميشال جحا ((الدراسات العربية‬
‫واإلسمامية يف أورواب)) بَروت‪ :‬معهد اإلَناء العريب ‪ .1982‬وكتاب عبد الرمحن بدوي ((موسوعة‬
‫املستشرقني))‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر كتاب عبد الكرمي علي ابز‪(( :‬الرتاءات ليليب حيت وكار بروكلمان على التاربخ‬
‫اإلسمامي)) ‪ ,‬جد ‪ :‬هتامة للنشر‪1403 ،‬هـ ‪. 1983 -‬‬
‫(‪)71/2‬‬

‫ومن أشهر مملفاته كتاب (اتربخ األدب العريب) الذي تْرجم يف ستة جملدات‪ ،‬وليه رصد ملا ْكتب يف‬
‫اللغة العربية يف العلو املختلفة من َمطوطات‪ ،‬ووصفها ومكان وجودها‪.‬‬
‫‪ - 7‬كارل هابنرتش بيكر ‪: )1933-1876(Carl Heinrich Becker‬‬
‫ولد يف (‪ 2‬أبربل ‪ ، )1876‬ودرس يف جامعة لوزان ويف جامعة هيدلبَرج وجامعة برلني‪ .‬كان له‬
‫اهتما كبَر بدراسة األداين‪ ،‬وهي اليت قادته إىل االهتما بدراسة الدبن اإلسمامي‪ُّ .‬‬
‫وبعد من أشهر‬
‫املستشرقني الذبن كتبوا يف التاربخ اإلسمامي وخباصة يف جوانب َتثَر العوامل االقتصادبة وَتثَر‬
‫واهتم كذلك بدراسة التاربخ االقتصادي‬
‫العناصر اإليربقية واملسيحية يف احلضار اإلسمامية‪َّ .‬‬
‫واإلداري يف صدر اإلسما ‪ .‬قا برحمات علمية كثَر يف أحناء أورواب حيث عمل لرت يف مكتبة‬
‫وتعمق هناك بدراسة‬‫األسكورايل مبدربد (إسبانيا)‪ ،‬واطلع على املخطوطات العربية ليها‪ .‬زار مصر َّ‬
‫اللغة العربية‪َّ .‬‬
‫توىل منصب أستاذ يف معهد هامبورج االستعماري الذي أنشأته احلكومة األملانية‬
‫ملساعدهتا يف التعامل مع الشعوب العربية واأللربقية‪ .‬أسهم يف إنشاء جملة (اإلسما ) ‪Der‬‬
‫‪ Islam‬عا (‪َّ ، )1910‬‬
‫وتوىل منصب وزبر الثقالة يف بروسيا‪( .‬إحدى الوالايت األملانية)‪.‬‬
‫‪ - 8‬جوزف شارت ‪: )1969-1902( Josef Schacht‬‬
‫ولد يف (‪15‬مارس ‪ ، )1902‬درس اللغات الشرقية يف جامعة برسماو وليبتسك‪ ،‬انتدب للعمل يف‬
‫اجلامعة املصربة عا (‪ , )1934‬لتدربس ماد لقه اللغة العربية واللغة السراينية‪ .‬شارك يف هيئة‬
‫حتربر دا ر املعارف اإلسمامية يف طبعتها الثانية‪ْ .‬عرف شارت ابهتمامه ابلفقه اإلسمامي‪ ،‬ولكنه‬
‫صاحب إنتاج يف جمال املخطوطات ويف علم الكما ويف اتربخ العلو والفلسفة‪.‬‬
‫‪ - 9‬هيلموت ربرت ‪: )1971-1892( Hellmut Ritter‬‬
‫ولد يف (‪27‬لربابر ‪ ، )1892‬درس على املستشرق األملاين هينربتش بيكر‪ ،‬عمل يف اجليش األملاين‪،‬‬
‫عاش يف إسطنبول برتكيا يف الفرت من (‪ِ , )1949 - 1927‬ما أاتح له الفرصة لماطماع على ما‬
‫يف مكتبات تركيا من كنوز املخطوطات اإلسمامية‪ .‬وله حتقيقات مهمة من أبرزها ما أيِت‪:‬‬
‫مقاالت اإلسماميني أليب احلسن األشعري‪.‬‬
‫الوايف ابلوليات‪.‬‬
‫لرق الشيعة للحسن بن موسى النوخبيت‪.‬‬
‫أسرار البماية لعبد القاهر اجلرجاين‪.‬‬
‫أسس املكتبة اإلسمامية أبملانيا عا (‪ , )1918‬للعنابة حبفظ ونشر املخطوطات اإلسمامية‪ ،‬كما‬
‫أسس جملة أواينس عا (‪.)Oriens ( , )1948‬‬
‫‪ -10‬رودي ابرت ‪:Rudi Paret‬‬
‫ولد عا (‪ ، )1901‬درس يف جامعة توبنجن اللغات السامية والرتكية والفارسية يف الفرت من‬
‫وخترج على بد املستشرق األملاين ليتمان‪ .‬أمضى سنتني يف القاهر‬
‫(‪1920‬حىت ‪َّ , )1924‬‬
‫(‪ ، )1926 - 1925‬كان اهتمامه يف البدابة ابألدب الشعَب‪ ،‬ولكنه حت َّول إىل االهتما ابللغة‬
‫العربية والدراسات اإلسمامية‪ ،‬وخباصة القرآن الكرمي‪.‬‬
‫توىل العدبد من املناصب العلمية منها غ‬
‫مدرس يف جامعة توبنجن وأستاذا جبامعة هابدلربج‪ ،‬مث عاد إىل‬ ‫َّ‬
‫توبنجن أستاذا للغة العربية واإلسماميات من عا (‪ . )1968 - 1951‬ومن غ‬
‫أهم مملفاته (حممد‬
‫والقرآن) وترجم معاين القرآن الكرمي إىل األملانية‪ ،‬وله كتاب عن القرآن بعنوان (القرآن تعليق‬
‫ولهرست)‪.‬‬
‫‪ - 11‬آان ماري مشيل ‪: ) -1922( Annemarie Schimmel‬‬
‫من أشهر املستشرقني األملان املعاصربن‪ ،‬بدأت دراسة اللغة العربية يف سن اَخامسة عشر ‪ ،‬وتتقن‬
‫درست يف العدبد من اجلامعات يف‬
‫العدبد من لغات املسلمني‪ ،‬وهي الرتكية والفارسية واألوردو‪َّ .‬‬
‫أملانيا ويف الوالايت املتحد األمربكية ويف أنقر ‪ .‬اهتمت بدراسة اإلسما ‪ ،‬وحاولت تقدمي هذه املعرلة‬
‫تسمى جا ز‬
‫أبسلوب علمي موضوعي لبين قومها‪ ،‬حىت انلت أمسى جا ز بناهلا كاتب يف أملانيا َّ‬
‫السما ‪ .‬ولكن بعض اجلهات املعادبة لإلسما مل برقها أن تنال هذه الباحثة املدالعة عن اإلسما يف‬
‫وجه اهلجمات الغربية عليه‪ ،‬حاولوا أن مينعوا حصوهلا على اجلا ز ‪.....‬‬

‫(‪)72/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬روسيا‪:‬‬


‫‪ - 1‬ف‪ .‬ف‪ .‬ابرتولد ‪: )1930-1869( V.V. Barthold‬‬
‫اهتم‬
‫درس التاربخ اإلسمامي يف جامعة بطرسربج‪ ،‬وعمل ليها أستاذا لتاربخ الشرق اإلسمامي‪َّ .‬‬
‫اهتم بدراسة ابن رلدون ونظربته يف احلكم‪.‬‬
‫مبصادر التاربخ اإلسمامي العربية‪ ،‬كما َّ‬
‫انتخب عضوا يف جممع العلو الروسي ور يسا للجنة املستشرقني‪ .‬له كتاابت كثَر يف جمال التاربخ‬
‫اإلسمامي‪ ،‬وقد كتب عن عمر بن اَخطاب رضي هللا عنه‪ - 2.‬إجناطيوس بوليانوليتش‬
‫كراتشكولسكي‪: )1( Ignaij Julianovic Krackovskij .‬‬
‫ولد يف (‪16‬مارس ‪ ، )1883‬أمضى طفولته يف طشقند حيث تعلَّم اللغة األوزبكية‪ ،‬درس اللغات‬
‫الكماسيكية (اليواننية والماتينية)‪ ،‬بدأ بتعلم اللغة العربية بنفسه‪ .‬ويف عا (‪ , )1901‬التحق بكلية‬
‫اللغات الشرقية يف جامعة سان برتسربج‪ .‬ودرس عددا من اللغات منها العرببة واحلبشية والرتكية‬
‫والفارسية‪ .‬درس التاربخ اإلسمامي على بد املستشرق ابرتولد‪ .‬زار العدبد من الدول العربية‬
‫وتعرف إىل كثَر من أعما الفكر العريب اإلسمامي‪،‬‬
‫واإلسمامية‪ ،‬منها تركيا وسوراي ولبنان ومصر‪َّ ،‬‬
‫اهتم ابلشعر العريب يف العصر األموي ويف‬
‫منهم الشيخ حممد عبده والشيخ حممد كرد علي ويَرمها‪َّ ،‬‬
‫العصر العباسي‪.‬‬
‫‪ - 3‬و‪ .‬إبفانوف‪: )1970-1886( W. Ivanov .‬‬
‫اهتم بدراسة اإلمساعيلية‪ ،‬ومن آاثره املخطوطات اإلسمامية يف املتحف اخآسيوي‪ ،‬واث ق جدبد‬
‫َّ‬
‫لدراسة احلجاج‪ ،‬وعقيد الفاطميني‪.‬‬
‫‪ - 4‬كرميسكي ‪: )1941-1871( A.E. Krymsky‬‬
‫درس يف جامعة موسكو يف الفرت من (‪ 1892‬إىل ‪ , )1896‬اللغات السمالية والعربية والفارسية‪.‬‬
‫عاش يف سوراي يف الفرت من (‪ 1896‬إىل ‪ , )1898‬عمل أستاذا للعربية وآداهبا يف كلية الزاربف‪،‬‬
‫توىل منصب سكرتَر جممع العلو األكراين‪ .‬وترأس‬ ‫وأستاذا للعربية يف قازان (‪َّ . )1918 - 1898‬‬
‫قسم الدراسات العليا يف راكوف بعد الثور البلشفية (‪ . )1917‬من آاثره‪( :‬العامل اإلسمامي‬
‫ومستقبله) (‪( ، )1889‬اتربخ اإلسما ) يف جزأبن (‪ , )1904‬و (األدب العريب احلدبث يف‬
‫القرنني الثامن عشر والتاسع عشر) (موسكو ‪. )1906‬‬
‫‪ - 5‬مشيت‪: )1941-1871( A.E. Schmidt .‬‬
‫ختصص يف دراسة اللغة العربية والتاربخ‬ ‫َّ‬
‫تلقى تعليمه على بد املستشرقني روزبن وجولدزبهر‪َّ ،‬‬
‫اإلسمامي‪ ،‬عمل أستاذا يف جامعة بطرسربج مد عشربن سنة‪ ،‬مث انتقل إىل طشقند عا (‪, )1920‬‬
‫ليمسس جامعة ليها‪ ،‬وكان أول ر يس هلا‪ .‬من آاثره (اتربخ اإلسما ) و (النَب حممد) و (حماولة‬
‫التقربب بني السنة والشيعة) و (لهرس املخطوطات العربية يف طشقند)‪.‬‬
‫‪ - 6‬ابرانوف ‪: ) -1892( Baranov‬‬
‫ودرس العربية يف املعهد نفسه‪ ،‬عمل أستاذ‬
‫درس اللغات الرتكية والفارسية والعربية يف معهد الزاربف َّ‬
‫كرسي يف املعهد الشرقي مبوسكو‪ ،‬أنشأ مدرسة املستعربني اللغوبة‪ ،‬انتخب ر يسا ملعهد العلو‬
‫الشرقية‪ .‬شارك يف إعداد كتاب لتعليم اللغة العربية‪ ،‬وألَّف القاموس الروسي العريب للمصطلحات‬
‫السياسية واالقتصادبة والفلسفية‪ .‬وألَّف أبضا القاموس العريب الروسي‪.‬‬
‫‪ - 7‬ماراي ليدايسولا ‪:Maria Vidiassova‬‬
‫ولدت ماراي ليدايسولا يف (‪َّ ، )1945 /5 /7‬‬
‫تلقت تعليمها اجلامعي يف جامعة موسكو احلكومية‪:‬‬
‫معهد الدراسات اخآسيوبة واأللربقية‪ ،‬ختصصت يف التاربخ وعلم اإلنسان االجتماعي‪ .‬تتقن ًّ‬
‫كما من‬
‫اإلجنليزبة والفرنسية‪ ،‬وهلا قدر على القراء ابللغة العربية‪ .‬قامت برحمات علمية إىل كل من تونس‬
‫(‪ , )1967 - 1966‬ومصر (‪ , )1993‬واملغرب (‪ ، )1995‬من حبوثها (ابن رلدون كما براه‬
‫املثقفون العرب) عضو رابطة املستشرقني الروس‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ترمجة له بقلم أان دولينينا‪( .‬ايناطيوس كراتشولسكي‪ :‬من ((اتربخ االستشراق يف االحتاد‬
‫السوليييت)) يف االستشراق‪ ,‬سلسلة كتب الثقالة املقارنة (ص‪ )59 - 56‬العدد ‪ 2‬شباط ‪.1987‬‬

‫(‪)73/2‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬إسبانيا‪:‬‬


‫‪ - 1‬مقيل آسني بماثيوس ‪: )1944-1871( Miguel Asin Placios‬‬
‫ولد يف (‪ 5‬بوليو ‪ , )1871‬مبدبنة سرقسطة‪ ،‬والتحق بكلية اخآداب جبامعة سرقسطة‪ ،‬ابإلضالة إىل‬
‫دراسته يف املعهد اجملمعي‪ ،‬لتخرج ليه قسيسا‪ .‬درس اللغة العربية على بد املستشرق ربَرا‪ .‬التحق‬
‫جبامعة مدربد؛ للحصول على درجة الدكتورا ‪ ،‬وكانت عن الغزاِل‪َّ .‬‬
‫توىل كرسي اللغة العربية يف جامعة‬
‫مدربد‪ .‬من أبرز إنتاجه العلمي حبثه املعنون (الرشدبة الماهوتية يف مذهب القدبس توما اإلكوبين)‬
‫وحبثه عن َتثر دانيت (الشاعر اإلبطاِل) بعنوان (األرروايت اإلسمامية يف الكوميداي اإلهلية)‪ .‬وأبدى‬
‫اهتماما اببن حز والقرطَب وأيب حامد الغزاِل‪ ،‬وحميي الدبن بن عريب‪.‬‬
‫شارك مع املستشرق ربَرا يف إصدار جملة الثقالة اإلسبانية (‪ , )1909 - 1906‬وارتَر عضوا يف‬
‫األكادميية امللكية للعلو األرماقية (‪ , )1912‬غ‬
‫وعني عضوا يف األكادمية اإلسبانية عا (‪)1919‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 2‬سيكودي لوثينا ابربدبس‪Secode Lucena Paredes :‬‬
‫ولد يف يرانطة‪ ،‬ودرس الفلسفة يف كلية اخآداب يف جامعة يرانطة‪ ،‬عمل مستشارا للثقالة والتعليم يف‬
‫عني أستاذا للغة العربية جبامعة يرانطة عا (‪ . )1942‬غ‬
‫عني مدبرا‬ ‫اإلقامة اإلسبانية يف املغرب‪ .‬غ‬
‫ملعهد الدراسات العربية بغرانطة‪ ،‬وعمل ر يسا لقسم الدراسات العربية يف معهد الدراسات األلربقية‬
‫مبدربد‪ .‬انتْخب عضوا يف جممع الفنون اجلميلة‪ .‬له إنتاج يزبر يف جمال حتقيق املخطوطات‪ ،‬ويف‬
‫البحوث حول الشربعة اإلسمامية‪ ،‬وكذلك التاربخ اإلسمامي واخآاثر اإلسمامية‪.‬‬
‫‪ - 3‬إميليو جارثيا جوميز‪Emilio Varcia Gomez :.‬‬
‫ولد يف مدربد ودرس يف جامعتها‪ .‬عمل أستاذا جبامعة يرانطة وجبامعة مدربد‪َّ .‬‬
‫توىل إدار املعهد الثقايف‬
‫اإلسباين‪ .‬زار سوراي ولبنان‪ .‬انتخب عضوا يف اجملمع العلمي العريب بدمشق عا (‪ . )1948‬عمل‬
‫سفَرا لبماده يف بغداد ويف لبنان‪ .‬له دراسات عدبد يف األدب العريب وترمجات لبعض الشعر العريب‬
‫إىل اإلسبانية‪.‬‬
‫‪ - 4‬بوش ليما ‪:Bosch Villa‬‬
‫ولد يف ليجراس عا (‪ ، )1922‬درس يف جامعة برشلونة لقه اللغات السامية‪ ،‬وحصل على‬
‫الدكتورا من جامعة مدربد بعنوان (اإلقطاع‪ِ :‬ملكة الطوا ف على عهد بين رزبن) عمل يف تدربس‬
‫اللغة العربية يف كل من جامعيت برشلونة وجامعة سرقسطة‪َّ .‬‬
‫توىل منصب أستاذ مساعد للتاربخ والنظم‬
‫ودرس التاربخ والنظم‬
‫اإلسمامية جبامعة مدربد‪ ،‬وعمل أمني مكتبة معهد الدراسات العربية مبدربد‪َّ ،‬‬
‫اإلسمامية جبامعة يرانطة‪.‬‬
‫َّ‬
‫توىل رائسة اجلمعية اإلسبانية للمستشرقني‪ ،‬وهو عضو مجعية مشال أمربكا لدراسات الشرق األوسط‪.‬‬
‫اهتم بقضااي العامل العريب‬
‫تركزت حبوثه يف جمال الدراسات اإلسمامية واجلغراليا والتاربخ‪ ،‬كما َّ‬
‫املعاصر ‪.‬‬
‫‪ - 5‬ليدربكيو كوربنيت‪Fedrico Coriente :‬‬
‫ولد يف يرانطة يف (‪ , )1940/11 /14‬درس اللغات الشرقية يف جامعة مدربد‪ ،‬حصل على‬
‫الدكتورا يف علم اللغة‪ .‬عمل مدبرا للمركز الثقايف يف القاهر (‪َّ ., )1965 - 1962‬‬
‫توىل منصب‬
‫أستاذ اللغة اإلسبانية يف مدرسة األلسن العليا جبامعة عني مشس يف الفرت نفسها‪ ،‬وترأس قسم اللغة‬
‫اإلسبانية جبامعة حممد اَخامس ابلرابط عا (‪ , )1968 - 1965‬عمل يف جامعة ليمادبلفيا أستاذا‬
‫للغات الشرقية والعربية‪ .‬أستاذ كرسي اللغة العربية جبامعة سرقسطة منذ عا (‪. )1976‬‬

‫(‪)74/2‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬هولندا‪:‬‬


‫‪ - 1‬رانيهارت دوزي ‪: )1883-1820(Rienhart Dozy‬‬
‫ولد يف (‪21‬لربابر ‪ , )1920‬يف مدبنة ليدن‪ ،‬بدأ دراسة العربية يف املرحلة الثانوبة‪ ،‬وواصل هذه‬
‫الدراسة يف اجلامعة‪ .‬حصل على الدكتورا عا (‪ , )1881‬عن حبثه (أربار بين عيَّاد عن الكتاب‬
‫اهتم بتاربخ‬
‫اهتم ابملخطوطات العربية‪ ،‬وخباصة كتاب الذرَر البن بسا ويَره من الكتب‪َّ .‬‬
‫العرب) َّ‬
‫املسلمني يف األندلس‪ ،‬وأبرز كتبه (اتربخ املسلمني يف إسبانيا) املكون من عد جملدات‪.‬‬
‫‪ - 2‬مابكل دي روبه ‪: )1909 -1836 ( Michael Jan De Goje‬‬
‫ختصص يف جامعة ليدن ابلدراسات الشرقية‪ ،‬ومن أساتذته‬
‫ولد يف (‪ 9‬أيسطس ‪َّ ، )1836‬‬
‫املستشرق دوزي‪ ،‬وكانت رسالته للدكتوراه بعنوان (َنوذج من الكتاابت الشرقية يف وصف املغرب‬
‫مأروذ من كتاب البلدان لليعقويب)‪ ،‬عمل يف التدربس جبامعة ليدن‪ ،‬وكان أبرز اهتماماته اجلغراليا‬
‫وكذلك التاربخ اإلسمامي‪ .‬ومن إنتاجه حتقيق كتاب (لتوح البلدان) للبماذري‪ ،‬كما شارك وأشرف‬
‫على حتقيق (اتربخ الطربي)‪ .‬وهو يزبر اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ - 3‬سنوك هورررونيه ‪: )1936-1857( Christiaan Snouk Hurgronje‬‬
‫ولد يف (‪ 8‬لربابر‪ , )1857‬درس الماهوت‪ ،‬مث بدأ دراسة العربية واإلسما على بد املستشرق دي‬
‫روبه‪ .‬ودرس كذلك على بد مستشرقني آرربن‪ ،‬منهم املستشرق األملاين نولدكه‪ .‬كانت رسالته‬
‫للدكتوراه حول احلج إىل مكة املكرمة عا (‪ . )1880‬عمل مدرسا يف معهد تكوبن املوظفني يف‬
‫وتسمى ابسم عبد الغفار‪ ،‬وسالر إىل مكة املكرمة‪ ،‬وأمضى‬
‫اهلند الشرقية (إندونيسيا)‪ ،‬أعلن إسمامه َّ‬
‫تعرف رمال هذه الفرت على عدد من الشخصيات يف مكة‪ ،‬وخباصة الذبن‬
‫ليها ستة أشهر ونصف‪َّ .‬‬
‫تعود أصوهلم إىل اجلزر اإلندونيسية‪ .‬مجع ماد كتابه عن مكة املكرمة‪ .‬انتقل إىل العمل يف إندونيسيا‬
‫َخدمة االستعمار اهلولندي‪ ،‬حيث عمل مستشارا إلدار املستعمرات يف عا (‪ُّ , )1891‬‬
‫بعد سنوك‬
‫َنوذجا للمستشرق الذي رد االستعمار ردمات كبَر ‪ ،‬وسخَّر علمه هلذا الغرض (‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬أرنت لنسنك ‪: )1939-1882(Arnet Jan Wensink‬‬
‫تتلمذ على بد املستشرق هوتسمان ودي روبه وسنوك هورررونيه وسخاو‪ .‬حصل على الدكتورا يف‬
‫حبثه (حممد واليهود يف املدبنة) عا (‪ , )1908‬بدأ يف عمل معجم مفهرس أللفاظ احلدبث الشربف‬
‫مستعينا بعدد كبَر من الباحثني‪ ،‬ومتوبل من أكادميية العلو يف أمسرتدا وممسسات هولندبة وأوروبية‬
‫أررى‪ .‬وأصدر كتااب يف لهرسة احلدبث ترمجه لماد عبد الباقي بعنوان (مفتاح كنوز السنة) أشرف‬
‫على طباعة كتاابت سنوك هورررونيه يف ستة جملدات‪ .‬له مملفات عدبد منها كتاب يف العقيد‬
‫اإلسمامية نشأهتا وتطورها التارخيي‪ - 5.‬جاك واردنربج‪: )2( Jacque Waardenburg .‬‬
‫ولد يف (‪15‬مارس ‪ ، )1930‬درس القانون جبامعة أمسرتدا ‪ ،‬ودرس أبضا علم الماهوت ابجلامعة‬
‫نفسها‪ .‬درس العربية يف الفرت من (‪1953‬إىل ‪ , )1956‬جبامعة أمسرتدا ‪ ،‬ويف ليدن ويف مدرسة‬
‫اللغات الشرقية احلية يف ابربس‪ .‬حصل على منحة من اليونسكو لزاير بعض الدول العربية‬
‫واإلسمامية‪ ،‬لزار إبران ولبنان ومصر واألردن‪ .‬كانت رسالته للدكتوراه بعنوان (اإلسما يف مرآ‬
‫الغرب) من جامعة أمسرتدا ‪ .‬عمل يف معهد الدراسات اإلسمامية جبامعة ماقيل بكندا يف الفرت من‬
‫(‪ . )1963 - 1962‬قا بزايرات علمية إلجراء حبوث حول اجلامعات يف العامل العريب يف كل من‬
‫تونس ولبنان وسوراي والعراق واألردن‪ .‬عمل ابحثا زا را يف جامعة كليفوربنا‪ -‬لوس أجنلوس‪ ،‬وعمل يف‬
‫جمال التدربس يف جامعة أوتررت هبولندا (‪ ، )1987 - 1968‬مث انتقل إىل جامعة لوزان‬
‫بسوبسرا‪ ،‬وبقي ليها حىت تقاعد عا (‪. )1995‬‬
‫له إنتاج يزبر يف جمال الدراسات اإلسمامية منها (اإلسما يف مرآ الغرب) و (واقع اجلامعات‬
‫العربية‪ -‬جملدان) والطرق الكماسيكية لدراسة الدبن‪ .‬شارك يف الكتابة يف دا ر املعارف اإلسمامية‬
‫(الطبعة الثانية)‪ ،‬وقد كتب ماد (مستشرقون)‪.‬‬
‫_________‬
‫(‪ )]183[( )1‬انظر ترمجته بتوسع يف كتاب الدكتور قاسم السامرا ي‪(( .‬االستشراق بني املوضوعية‬
‫وااللتعالية)) (ص‪.)140 - 110‬‬
‫(‪ )2‬هذه الرتمجة َمتصر من ترمجة موسعة‪ ،‬بقلم واردنربج نفسه قدمها للباحث‪.‬‬

‫(‪)75/2‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬دول أورواب األررى‪:‬‬


‫‪ - 1‬بول كراوس ‪: )1944-1904( Paul Eliezer Kraus‬‬
‫ولد يف (‪ , )1904‬يف براغ بتشيكوسلولاكيا ألسر بهودبة‪ ،‬هاجر إىل للسطني ليعيش يف إحدى‬
‫املستعمرات‪ ،‬ودرس يف مدرسة الدراسات الشرقية يف اجلامعة العرببة يف القدس‪ ،‬مث انتقل إىل برلني‪،‬‬
‫اهتم ابلرتاث العلمي اإلسمامي‪ ،‬وكانت له دراسات حول‬
‫ليحصل من هناك على درجة الدكتورا ‪َّ .‬‬
‫جابر بن حيَّان والبَروين والرازي‪ .‬أسهم مع ماسنيون يف دراسة احلماج‪ ،‬كما كان له دراسة مستقلة‬
‫حول اتربخ اإلحلاد يف اإلسما ‪ ،‬ترمجت إىل العربية‪ ،‬ونشرها الدكتور عبد الرمحن بدوي‪ .‬مات منتحرا‪.‬‬
‫‪ - 2‬هنري المانس ‪:Henry Lammens‬‬
‫ولد يف مدبنة رنت يف بلجيكا يف (‪ ، )1862 /7 /1‬تعلَّم يف الكلية اليسوعية يف بَروت‪ ،‬وبدأ‬
‫حيا الرهبنة ليها‪ .‬بقول عنه عبد الرمحن بدوي‪( :‬بلجيكي وراهب بسوعي شدبد التعصب َّ‬
‫ضد‬
‫اتما إىل النزاهة يف البحث‪ ،‬واألمانة يف نقل النصوص ولهمها‪ُّ ،‬‬
‫وبعد َنوذجا‬ ‫اإلسما ‪ ،‬بفتقر التقارا ًّ‬
‫سيئا للباحثني يف اإلسما من بني املستشرقني)‪ .‬عمل معلما يف الكلية اليسوعية يف بَروت حيث‬
‫درس التاربخ واجلغراليا‪ ،‬مث أصبح أستاذا للتاربخ اإلسمامي يف معهد الدروس الشرقية يف الكلية‬
‫َّ‬
‫توىل رائسة حتربر جملة الشرق‪َّ ،‬‬
‫وتوىل كذلك إدار جملة تنصَربة أررى هي البشَر‪ .‬له كتاابت‬ ‫نفسها‪َّ .‬‬
‫حول السَر النبوبة وحول اَخلفاء الراشدبن والدولة األموبة (‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬بوهل ‪: )1932-1850( F. Buhl‬‬
‫ولد يف كوبنهاجن ابلدَنارك‪ ،‬درس الماهوت وتعلَّم العربية‪ ،‬درس جبامعيت لينا وليبزبج (‪- 1876‬‬
‫‪ . )1978‬زار العدبد من البماد العربية واإلسمامية‪ ،‬منها مصر وللسطني وسوراي ولبنان وتركيا‪ .‬انل‬
‫الدكتورا يف النحو العريب واتربخ اللغة‪ .‬عمل أستاذا (للعهد القدمي) جبامعة كوبنهاجن‪ ،‬من آاثره كتابه‬
‫عن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وترجم معاين بعض أجزاء من القرآن الكرمي إىل اللغة الدَناركية‪.‬‬
‫‪ - 4‬إجناز جولدزبهر‪: )1921-1850( Ignaz Goldziher .‬‬
‫ولد يف (‪ 22‬بونيه ‪ , )1850‬ألسر بهودبة‪ ،‬درس يف بودابست مث برلني‪ ،‬مث انتقل إىل جامعة‬
‫ليبسك‪ ،‬والتحق ليها بقسم الدراسات الشرقية‪ .‬رحل إىل القاهر وسوراي‪ ،‬وحضر بعض الدروس يف‬
‫األزهر‪ .‬عمل يف جامعة بودابست يف جمال الدراسات العربية واإلسمامية‪ .‬أصبح أستاذا للغات‬
‫السامية عا (‪ . )1894‬كتب كثَرا حول اإلسما عقيد وشربعة واترخيا‪ ،‬وكان له َتثَر يف‬
‫الدراسات االستشراقية حىت بومنا هذا‪ ،‬حيث انتشرت كتبه يف َمتلف اللغات األوروبية‪ .‬وما تزال‬
‫تقرر كتابه (دراسات إسمامية) يف مناهج قسم دراسات الشرق األدىن‪،‬‬
‫جامعة برنستون‪ -‬مثما‪َّ -‬‬
‫حيث قامت اجلامعة بنشر ترمجة جدبد هلذا الكتاب‪ ،‬مع تعليقات املستشرق برانرد لوبس‪ .‬وقد َّ‬
‫رد‬
‫عليه كثَر من املسلمني‪ ،‬ومن أبرزهم الدكتور مصطفى السباعي يف كتابه (السنَّة ومكانتها يف التشربع‬
‫اإلسمامي) كما أْعدَّت بعض البحوث حول اجلوانب العقدبة والتارخيية يف كتاابته يف قسم االستشراق‬
‫بكلية الدعو ابملدبنة املنور (‪.)2‬‬
‫اتسعا‪ :‬الوالايت املتحد األمربكية‪:‬‬
‫‪ - 1‬كرنيليوس لاندبك ‪:Cornilius Van Dyke‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬بدوي ((موسوعة املستشرقني)) وابلريم من أن كثَرا من املستشرقني بنتقدون منهج المانس‬
‫لكنك ُتدهم برجعون إليه وبستندون إىل بعض آرا ه ومن همالء توماس آرنولد يف كتابه ((اَخمالة))‪.‬‬
‫(‪ )2‬من هذه البحوث التكميلية دراسة بعنوان ((أساليب املستشرق قولدزبهر يف عرضه لإلسما ‪:‬‬
‫دراسة استقرا ية)) قدمها الطالب علي بن عبد هللا بن حمفوظ‪ .‬عا ‪141‬هـ‪.‬‬
‫(‪)76/2‬‬

‫درس العربية يف لبنان‪ ،‬أسهم يف إنشاء مدرسة كانت نوا اجلامعة األمربكية‪ ،‬شارك يف تكملة ترمجة‬
‫التورا إىل اللغة العربية‪ .‬وله كتاابت يف اجملال العلمي‪.‬‬
‫‪ - 2‬دنكان بماك ماكدوانلد‪: )1943-1863( Dunckan Black MacDonald .‬‬
‫أصله اجنليزي‪ ،‬بدأ الدراسة يف جماسجو (أسكتلندا) وانتقل إىل برلني للدراسة مع املستشرق زاراو‪.‬‬
‫أسس يف الوالايت‬
‫انتقل إىل الوالايت املتحد األمربكية عا (‪ , )1893‬لتعليم اللغات الساميَّة‪َّ .‬‬
‫املتحد مدرسة كندي للبعثات عا (‪ ، )1911‬وشارك مع زومير يف السنة نفسها يف َتسيس جملة‬
‫تنوع إنتاجه بني الدراسات الشرعية والدراسات اللغوبة‪.‬‬
‫العامل اإلسمامي‪َّ .‬‬
‫‪ - 3‬جورج سارتون‪: )1956-1884( George Sarton .‬‬
‫غ‬
‫متخصص يف العلو الطبيعية والرايضية‪ .‬درس العربية يف اجلامعة األمربكية يف بَروت‬ ‫بلجيكي األصل‬
‫(‪ . )1932 - 1931‬ألقى حماضرات حول لضل العرب على الفكر اإلنساين‪ ،‬أشرف مع‬
‫ماكدوانلد على جملة إبزبس (‪ , )1946 - 1913‬وأبرز إنتاجه (املدرل إىل اتربخ العلم)‪.‬‬
‫‪ - 4‬جوستاف لون جرونباو ‪: )1972-1909( Gustav Von Grunbaum‬‬
‫ولد يف لينا يف (‪ ، )1909 /9 /1‬درس يف جامعة لينا‪ ،‬ويف جامعة برلني‪ ،‬هاجر إىل الوالايت‬
‫استقر به املقا يف جامعة‬
‫املتحد ‪ ،‬والتحق جبامعة نيوبورك عا (‪ ، )1938‬مث جامعة شيكايو‪ ،‬مث َّ‬
‫كاليفورنيا‪ ،‬حيث أسهم يف َتسيس مركز دراسات الشرق األوسط‪ ،‬الذي أطلق عليه امسه ليما بعد‪.‬‬
‫اهتم بدراسة األدب العريب‪ ،‬وله إنتاج يزبر يف هذا‬
‫من أهم كتبه (اإلسما يف العصر الوسيط)‪ ،‬كما َّ‬
‫اجملال‪.‬‬
‫‪ - 5‬جورج رنتز ‪:George Rentz‬‬
‫ختصص يف اللغة العربية وآداهبا‪ .‬عمل يف‬
‫درس يف واشنطن ويف جامعة الفلبني وجامعة كاليفورنيا َّ‬
‫أسس قسم البحوث والرتمجة يف شركة أرامكو‪ ،‬شارك يف مشروع‬
‫السفار األمربكية يف القاهر ‪َّ .‬‬
‫التاربخ الشفوي ملنطقة اَخليج العريب‪ .‬عمل أمينا جملموعة الشرق األوسط يف جامعة ستانفورد‪ .‬من‬
‫أبرز اهتماماته حركة الشيخ حممد بن عبد الوهاب حيث كانت موضوع رسالته للدكتوراه‪ ،‬وله كتاابت‬
‫كثَر عن اجلزبر العربية من النواحي التارخيية واجلغرالية‪ .‬تويف منذ عد سنوات‪.‬‬
‫‪ - 6‬وبلفرد كانتوبل مسيث‪:Wilfred Cantwell Smith .‬‬
‫ولد يف كندا عا (‪ ،)1916‬درس اللغات الشرقية يف جامعة تورنتو‪ .‬حصل على املاجستَر والدكتورا‬
‫يف جمال دراسات الشرق األدىن من جامعة برنستون‪ .‬متخصص يف دراسة اإلسما وأوضاع العامل‬
‫اإلسمامي املعاصر ‪ ،‬وأشهر كتبه يف هذا اجملال (اإلسما يف العصر احلدبث) عمل أستاذا يف جامعة‬
‫هارلرد‪ ،‬ويف معهد الدراسات اإلسمامية جبامعة مقيل بكندا‪ .‬قا بتدربس الدبن اإلسمامي بكلية‬
‫نورمان املسيحية مبدبنة الهور بباكستان (‪ . )1945 - 1941‬دعي للعمل أستاذا زا را يف العدبد‬
‫من اجلامعات‪ .‬صدر له (‪ , )1998‬عد كتب منها (َناذج اإلميان حول العامل) وكتاب (اإلميان نظر‬
‫اترخيية) وكتاب (اإلميان واالعتقاد والفرق بينهما)‪.‬‬
‫‪ - 7‬إبراها بودوليتش ‪:Abraham Udovitch‬‬

‫(‪)77/2‬‬

‫ولد يف بربطانيا يف (‪ , )1993/5 /31‬ودرس يف جامعة كولومبيا وبيل متخصصا يف التاربخ‬


‫اإلسمامي‪ .‬عمل أستاذا مساعدا يف قسم دراسات الشرق األدىن جبامعة برنستون (‪- 1962‬‬
‫‪َّ ، )1970‬‬
‫توىل رائسة القسم يف الفرت من (‪ ، )1977 - 1973‬وكذلك يف الفرت من (‪1980‬‬
‫إىل ‪ . )1994 /1993‬عضو جملس أمناء معهد البحوث األمربكي يف تركيا منذ عا (‪، )1969‬‬
‫عمل ر يسا للجنة الدراسات اإلسمامية يف اجلمعية االستشراقية األمربكية‪ ،‬حمرر مشارك يف جملة‬
‫بهتم بدراسة احليا االجتماعية واالقتصادبة يف التاربخ اإلسمامي‪ .‬من مملفاته‬
‫الدراسات اإلسمامية‪ُّ ،‬‬
‫(الشراكة والربح يف إسما العصر الوسيط) شارك يف َتليف كتاب بعنوان (آرر اليهود العرب‪:‬‬
‫جمتمعات جربة) (تونس)‪ - 8.‬ابربرا رجيينا لرابر ستواسر ‪Barbara Regina Fryer‬‬
‫‪: )1( Stowasser‬‬
‫األوِل‪ ،‬مث حصلت على الشهاد اجلامعية من جامعة أنقر يف‬ ‫ْولدت يف أملانيا حيث َّ‬
‫تلقت تعليمها َّ‬
‫دراسة اللغة الرتكية العثمانية واحلدبثة واللغة الفارسية والعربية والتصوف‪ .‬حصلت على املاجستَر من‬
‫جامعة كاليفورنيا بلوس أجنلوس يف اتربخ الشرق األوسط وحضارته‪ .‬حصلت على الدكتورا من‬
‫جامعة منسرت ‪ Munster‬أبملانيا يف الدراسات اإلسمامية‪.‬‬
‫تولَّت العدبد من املناصب‪ ،‬منها أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية يف جامعة جورج اتون بواشنطن‬
‫العاصمة‪ .‬مث ْعيغنت مدبر ملركز الدراسات العربية املعاصر ابجلامعة نفسها يف الفرت من (‪, )1993‬‬
‫حىت اخآن‪ .‬هلا العدبد من اململفات منها (النساء يف القرآن ويف احلدبث ويف التفسَر) و (التطور‬
‫الدبين والسياسي‪ :‬بعض األلكار حول ابن رلدون وميكياليللي) وعدد كبَر من البحوث حول‬
‫الدراسات اإلسمامية‪ ،‬وخباصة ليما بتعلق ابملرأ يف اإلسما قدميا وحدبثا‪.‬‬
‫عضو ممسس يف اجمللس األمربكي جلمعيات الدراسات اإلسمامية‪ ،‬وعضو يف اجلمعية االستشراقية‬
‫األمربكية وعضو الرابطة األمربكية ملعلمي اللغة العربية‪ - 9.‬ربتشارد بوليت‪Richard .‬‬
‫‪: )2( Bulliet‬‬
‫درس يف جامعة هارلرد حيث حصل على البكالوربوس يف التاربخ (‪ , )1962‬واملاجستَر (‪)1964‬‬
‫‪ ,‬يف دراسات الشرق األوسط والدكتورا (‪ , )1967‬يف التاربخ ودراسات الشرق األوسط‪ .‬عمل‬
‫يف العدبد من اجلامعات‪ ،‬منها هارلارد وجامعة بَركلي يف كاليفورنيا وجامعة كوملبيا حيث ترأس معهد‬
‫الشرق األوسط يف الفرت من (‪1984‬إىل ‪ , )1990‬والفرت من بعد (‪َّ , )1993‬‬
‫توىل مناصب‬
‫علمية يف عدد من املمسسات‪ ،‬منها رابطة دراسات الشرق األوسط‪ :‬سكرتَر تنفيذي (‪- 1977‬‬
‫‪ ، )1981‬عضو جملس إدار مجعية الدراسات اإلبرانية‪ ،‬وعضو جملس أمناء املعهد األمربكي‬
‫للدراسات اإلبرانية‪َّ .‬‬
‫قد ردمات استشاربة للعدبد من اجلهات العلمية والسياسية منها وكالة إعما‬
‫الوالايت املتحد التابعة لوزار اَخارجية األمربكية‪ ،‬ووزار اَخارجية األمربكية‪ ،‬وجملة التامي ويَرها‪.‬‬
‫وعمان واليمن وابكستان‬
‫شارك يف نشاطات علمية يف كل من الياابن وأوزبكستان ومصر واهلند ْ‬
‫وإسبانيا‪.‬‬
‫له العدبد من اململفات منها‪( :‬دراسة يف اتربخ اإلسما االجتماعي يف القرون الوسطى)‪ ،‬و (التحول‬
‫إىل اإلسما يف القرون الوسطى)‪ ،‬وكتاب (اإلسما نظر من اَخارج)‪ .‬له مشاركات إعمامية يف‬
‫الصحالة واإلذاعة والتلفاز‪.‬‬
‫‪ O‬االستشراق ملازن صماح مطبقاين بتصرف‬
‫هذا وقد َّ‬
‫حقق املستشرقون الكثَر من أهدالهم اليت بربدون حتقيقها َخدمة َمططاهتم الصليبية‬
‫اليهودبة‪.‬‬
‫وهم بعيدون‪ -‬يف اجلملة ‪ -‬عن املوضوعية واإلنصاف‪ ,‬أما من أراد منهم احلق وسعى له‪ ،‬لإنه ال حمالة‬
‫سيدرل يف اإلسما عن ريبة أكيد وعزمية صادقة‪ ,‬وكل ما ألَّفوه من كتب وما نشروه من حبوث مل‬
‫بكن إال َخدمة أهدالهم‪ ،‬ولكي جيادلوا ابلباطل ليدحضوا به احلق‪ .‬وابإلمجال لاالستشراق يف جوهره‬
‫ليس ظاهر جدبد ‪ ،‬بل هو امتداد ملوقف العداو العقا دبة‪ :‬أي‪ :‬موقف الكالربن ابإلسما من‬
‫املشركني وأهل الكتاب منذ ظهور اإلسما حىت اليو ‪ ,‬وهو موقف إلنكار الرسالة والتكذبب‬
‫للرسول (وإاثر الشبهات حول اإلسما وحول القرآن والرسول) بوجه راص‪ ,‬وذلك لتشكيك‬
‫غ‬ ‫يكتَ غ‬‫املسلمني يف دبنهم‪ ,‬وردهم عنه‪ ,‬كما قال تعاىل‪ :‬ما بـو ُّد الَّ غذبن َك َفروا غمن أ يَه غل ال غ‬
‫اب َوال ال ْيم يش غرك َ‬
‫ني‬ ‫َ ْ ي‬ ‫َ ََ‬
‫غ‬
‫ض غل ال َيعظ غيم‬ ‫ص بغَر يمحَتغ غه َم ين بَ َ‬
‫شاءْ َو َّ‬
‫اَّللْ ذْو الي َف ي‬ ‫أَ ين بْـنَـ َّز َل َعلَيي ْك يم غم ين َر يٍَر غم ين َربغ ْك يم َو َّ‬
‫اَّللْ خيَيتَ ُّ‬
‫[البقر ‪.]105:‬‬
‫هذا وقد سار على هنج االستشراق عدد كبَر من املستغربني‪ ،‬وقاموا مبا مل بقم به املستشرقون‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫ورماصة القول أن من َتثَّر ابملستشرقني ال ميكن أن بكون والؤه وال براؤه رالصني ألمته إال من‬
‫تداركه هللا برمحة منه‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص ‪176‬‬
‫_________‬
‫(‪ )]187[( )1‬الرتمجة بقلم الربوليسور ستواسر نفسها قدمتها للباحث‪.‬‬
‫(‪ )2‬ترمجة ذاتية بقلم بوليت نفسه قدمها للباحث‪.‬‬

‫(‪)78/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املممترات واجلمعيات‪:‬‬


‫‪ -‬عقد أول مممتر دوِل للمستشرقني يف ابربس سنة (‪. )1873‬‬
‫‪ -‬تتابعت املممترات بعد ذلك حىت بلغت أكثر من ثماثني مممترا دوليًّا‪ ،‬لضما عن الندوات واللقاءات‬
‫اإلقليمية الكثَر اَخاصة بكل دولة من الدول‪ ،‬كمممتر املستشرقني األملان الذي عقد يف مدبنة‬
‫درسدن أبملانيا عا (‪ ، )1849‬وما تزال تنعقد مثل هذه املممترات ابستمرار حىت اخآن‪.‬‬
‫‪ -‬حيضر هذه املممترات مئات من العلماء املستشرقني‪ ،‬حيث حضر مممتر أكسفورد تسعما ة (‪)900‬‬
‫عامل من مخس وعشربن دولة‪ ،‬وامانني جامعة‪ ،‬وتسع وستني مجعية علمية‪.‬‬
‫َتسست عا (‪، )1822‬‬
‫‪ -‬هناك العدبد من اجلمعيات االستشراقية‪ ،‬كاجلمعية اخآسيوبة يف ابربس‪َّ ،‬‬
‫واجلمعية امللكية اخآسيوبة يف بربطانيا وأبرلندا عا (‪ ، )1823‬واجلمعية الشرقية األمربكية عا‬
‫(‪ , )1842‬واجلمعية الشرقية األملانية عا (‪. )1845‬‬

‫(‪)79/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬اجملمات االستشراقية‪:‬‬


‫للمستشرقني اليو من اجملمات والدورايت عدد ها ل بزبد على ثمااما ة جملة متنوعة‪ ،‬ومبختلف‬
‫اللغات‪ ،‬نذكر منها على سبيل املثال‪:‬‬
‫‪ - 1‬جملة العامل اإلسمامي ‪ The Muslim World‬أنشأها صموبل زومير ت (‪ )1952‬يف‬
‫بربطانيا سنة (‪ ، )1911‬وقد كان زومير هذا ر يس املبشربن يف الشرق األوسط‪.‬‬
‫‪ - 2‬جملة عامل اإلسما ‪ Mir Islama‬ظهرت يف بطرسربج عا (‪ , )1912‬لكنها مل غ‬
‫تعمر‬
‫طوبما‪.‬‬
‫‪ - 3‬جملة بنابيع الشرق أصدرها هامر برجشتال يف ليينا من (‪1809‬إىل ‪. )1818‬‬
‫‪ - 4‬جملة اإلسما ظهرت يف ابربس عا ‪ 1895‬مث رلفتها عا ‪ 1906‬جملة العامل اإلسمامي اليت‬
‫حتولت بعد ذلك إىل جملة الدراسات اإلسمامية‪.‬‬
‫صدرت عن البعثة العلمية الفرنسية يف املغرب‪ ،‬وقد َّ‬
‫‪ - 5‬يف عا (‪ , )1910‬ظهرت جملة اإلسما ‪. Der Islam‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)80/2‬‬

‫املبحث الثالث عشر‪ :‬االستشراق يف ردمة االستعمار‪:‬‬


‫كارل هنَربش بيكر ‪ Kar Heinrich Beeker‬ت (‪ , )1933‬ممسس جملة اإلسما‬
‫األملانية‪ ،‬قا بدراسات ختد األهداف االستعماربة يف ألربقيا‪.‬‬
‫‪ -‬ابرتولد ‪ Barthold‬ت (‪ , )1930‬ممسس جملة عامل اإلسما الروسية‪ ،‬قا ببحوث ختد‬
‫مصاحل السياد الروسية يف آسيا الوسطى‪.‬‬
‫‪ -‬اهلولندي سنوك هرجروجنه ‪ Snouck Hurgonje, G. 1857-1936‬قد إىل مكة‬
‫عا (‪ , )1884‬حتت اسم عبد الغفار‪ ،‬ومكث مد نصف عا ‪ ،‬وعاد ليكتب تقاربر ختد‬
‫االستعمار يف املشرق اإلسمامي‪ .‬وقد سبق له أن أقا يف جاوه مد (‪ )17‬سنة‪ ،‬وقد صدرت الصور‬
‫اليت أرذها ملكة واألماكن املقدسة يف كتاب مبناسبة مرور ما ة سنة على تصوبرها‪.‬‬
‫معهد اللغات الشرقية بباربس املمسس عا (‪ ، )1885‬كانت مهمته احلصول على معلومات عن‬
‫البلدان الشرقية وبلدان الشرق األقصى ِما بشكل أرضية تسهل عملية االستعمار يف تلك املناطق‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن مثل همالء املستشرقني جزء من َمطط كبَر هو املخطط الصهيوين الصليَب حملاربة‬
‫اإلسما ‪ ،‬وال نستطيع أن نفهمهم على حقيقتهم إال عندما نراهم يف إطار ذلك املخطط‪ ،‬الذي‬
‫بهدف إىل ختربج أجيال ال تعرف اإلسما ‪ ،‬أو ال تعرف من اإلسما إال الشبهات‪ ،‬وقد متَّ انتقاء ألراد‬
‫من هذه األجيال لتتبوأ أعلى املناصب ومراكز القياد والتوجيه لتستمر يف ردمة االستعمار‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)81/2‬‬

‫املبحث الرابع عشر‪ :‬آراء استشراقية رطر ‪:‬‬


‫‪ -‬جورج سيل ‪ G.Sale‬زعم يف مقدمة ترمجته ملعاين القرآن (‪ ، )1736‬أن القرآن إَنا هو من‬
‫اررتاع حممد ومن َتليفه‪ ،‬وأن ذلك أمر ال بقبل اجلدل‪.‬‬
‫َّ‬
‫استمد القرآن من‬ ‫‪ -‬ربتشارد بل ‪ richard Bell‬بزعم أبن النَب حممد صلى هللا عيه وسلم قد‬
‫مصادر بهودبة ومن العهد القدمي بشكل راص‪ ،‬وكذلك من مصادر نصرانية‪.‬‬
‫‪ -‬دوزي ت (‪ : )1883‬بزعم أن القرآن الكرمي ذو ذوق رديء للغابة‪ ،‬وال جدبد ليه إال القليل‪،‬‬
‫كما بزعم أن ليه إطنااب ابلغا ًّ‬
‫وِمما إىل حد بعيد‪.‬‬
‫‪ -‬جاء يف تقربر وزبر املستعمرات الرببطاين أو مسَب يو لر يس حكومته بتاربخ (‪ 9‬بنابر ‪: )1938‬‬
‫(أن احلرب علمتنا أن الوحد اإلسمامية هي اَخطر األعظم الذي بنبغي على اإلمرباطوربة أن حتذره‬
‫وحتاربه‪ ،‬وليس اإلمرباطوربة وحدها بل لرنسا أبضا‪ ،‬ولفرحتنا لقد ذهبت اَخمالة‪ ،‬وأمتىن أن تكون إىل‬
‫يَر رجعة)‪.‬‬
‫‪ -‬بقول شيلدون آموس‪( :‬إن الشرع احملمدي ليس إال القانون الروماين لإلمرباطوربة الشرقية معدال‬
‫ولق األحوال السياسية يف املمتلكات العربية‪ ،‬وبقول كذلك‪( :‬إن القانون احملمدي ليس سوى قانون‬
‫جستنيان يف لباس عريب)‪.‬‬
‫‪ -‬قال ربنان الفرنسي‪( :‬إن الفلسفة العربية هي الفلسفة اليواننية مكتوبة أبحرف عربية)‪.‬‬
‫‪ -‬أما لوبس ماسينيون لقد كان زعيم احلركة الرامية إىل الكتابة يف العامية وابحلرف الماتيين‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)82/2‬‬

‫املبحث اَخامس عشر‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫لقد كان االستشراق وليد االحتكاك بني الشرق اإلسمامي والغرب النصراين أاي الصليبيني‪ ،‬وعن‬
‫طربق السفارات والرحمات‪ .‬وبماحظ دا ما أن هناك تقاراب وتعاوان بني الثالوث املدمر‪ :‬التنصَر‬
‫واالستشراق واالستعمار‪ ،‬واملستعمرون بساندون املستشرقني واملنصربن؛ ألهنم بستفيدون منهم كثَرا‬
‫يف رططهم االستعماربة‪.‬‬
‫غ‬
‫ابلدس والكيد‬ ‫‪ -‬كان الدالع األساسي هو اجلانب الماهوِت النصراين‪ ،‬بغية حتطيم اإلسما من دارله‬
‫والتشوبه‪ ،‬ولكن االستشراق بعد ذلك ويف اخآونة األرَر بدأ بتحلَّل من هذا القيد نوعا ما‪ ،‬ليتوجه‬
‫توجها أقرب إىل الروح العلمية‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)83/2‬‬

‫املبحث السادس عشر‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫بتحرك لوق أرضه املستشرقون‪ ،‬لمنهم األملان‪ ،‬ومنهم الرببطانيون‬
‫الغرب هو املسرح الذي َّ‬
‫والفرنسيون واهلولندبون واجملربون‪ ،‬وظهر بعضهم يف إبطاليا ويف إسبانيا‪ ،‬وقد عما جنم االستشراق يف‬
‫أمربكا‪ ،‬وصارت له ليها مراكز كثَر ‪.‬‬
‫‪ -‬مل تبخل احلكومات‪ ،‬وال اهليئات وال الشركات وال املمسسات وال الكنا س يف بو من األاي يف‬
‫دعم حركة االستشراق‪ ،‬غ‬
‫ومدها مبا حتتاجه من مال‪ ،‬وَتبيد وإلساح الطربق أمامها يف اجلامعات حىت‬
‫بل عدد همالء املستشرقني آاللا كثَر ‪.‬‬
‫‪ -‬لقد كانت حركة االستشراق ْمسخَّر يف ردمة االستعمار‪ ،‬ويف ردمة التنصَر وأرَرا يف ردمة‬
‫اليهودبة والصهيونية اليت بهمها إضعاف الشرق اإلسمامي‪ ،‬وإحكا السيطر عليه بشكل مباشر أو‬
‫يَر مباشر‪.‬‬
‫‪ -‬استطاع املستشرقون أن بتسللوا إىل اجملامع العلمية وقد ْعغني عدد كبَر منهم أعضاء يف هذه‬
‫اجملامع‪ ،‬يف سوراي ومصر‪ ،‬كما استطاعوا أن بمثروا على الدراسات العربية واإلسمامية يف العامل‬
‫اإلسمامي من رمال تماميذهم ومملفاهتم‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن االستشراق تيار لكري‪ ،‬بتَّجه صوب الشرق؛ لدراسة حضارته وأداينه وثقالته ولغته وآدابه‪ ،‬من‬
‫رمال ألكار اتسم معظمها ابلتعصب‪ ،‬والريبة يف ردمة االستعمار‪ ،‬وتنصَر املسلمني‪ ،‬وجعلهم‬
‫مشوها للثقالة الغربية‪ ،‬وذلك غ‬
‫ببث الدونية ليهم‪ ،‬وبيان أن دبنهم مزبج من اليهودبة‬ ‫مسخا غ‬
‫والنصرانية‪ ،‬وشربعتهم هي القوانني الرومانية مكتوبة أبحرف عربية‪ ،‬والنيل من لغتهم‪ ،‬وتشوبه عقيدهتم‬
‫وقيمهم‪ ،‬ولكن بعضهم رأى نور احلقيقة لأسلم‪ ،‬ورد العقيد اإلسمامية‪ ،‬وأثَّـ َر يف ْيحمدثيهم‪ ،‬لبدأت‬
‫كتاابهتم ُتنح حنو العلمية‪ ،‬وتنحو حنو العمق بدال من السطحية‪ ،‬ورمبا صدر ذلك عن ريبة من‬
‫بعضهم يف استقطاب القوى اإلسمامية‪ ،‬وتوظيفها َخدمة أهدالهم االستشراقية‪ ،‬وهذا بقتضي احلذر‬
‫عند التعامل مع الفكر االستشراقي الذي بتدثر اخآن بداثر املوضوعية‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬االستتشراق‪ ،‬إدوارد سعيد‪ -‬ترمجة كمال أبو دبب‪ -‬ممسسة األحباث العربية – بَروت (‪)1981‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬املستشرقون‪ ،‬جنيب العقيقي ‪ -‬دار املعارف ‪ -‬القاهر ‪. )1981( -‬‬
‫‪ -‬االستشراق واملستشرقون‪ ،‬د‪ .‬مصطفى السباعي ‪ -‬ط‪ - 2‬املكتب اإلسمامي ‪. )1979( -‬‬
‫‪ -‬السنة ومكانتها يف التشربع اإلسمامي‪ ،‬د‪ .‬مصطفى السباعي ‪ -‬بَروت (‪. )1978‬‬
‫‪ -‬إنتاج املستشرقني‪ ،‬مالك بن نَب‪.‬‬
‫‪ -‬أورواب واإلسما ‪ ،‬هشا جعيط ‪ -‬ترمجة طمال عرتبسي ‪ -‬دار احلقيقة ‪ -‬بَروت ‪. )1980( -‬‬
‫‪ -‬الثقالة الغربية يف رعابة الشرق األوسط‪ ،‬د‪ .‬جورج سارطون ‪ -‬ترمجة د‪ .‬عمر لروخ ‪ -‬ط‪- 1‬‬
‫مكتبة املعارف ‪ -‬بَروت ‪. )1952( -‬‬
‫‪ -‬االستشراق واَخلفية الفكربة للصراع احلضاري‪ ،‬د‪ .‬حممود محدي زقزوق ‪ -‬ط‪ - 1‬كتاب األمة‬
‫(‪ )1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الفكر اإلسمامي احلدبث وصلته ابالستعمار الغريب‪ ،‬حممد البهي – دار الفكر – بَروت (‪)1973‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬املدرل لدراسة الشربعة اإلسمامية‪ ،‬د‪ .‬عبد الكرمي زبدان ‪ -‬ممسسة الرسالة ‪ -‬بَروت ‪-‬‬
‫(‪. )1981‬‬
‫‪ -‬اإلسما يف الفكر الغريب‪ ،‬حممود محدي زقزوق ‪ -‬دار القلم ‪ -‬الكوبت (‪. )1981‬‬
‫‪ -‬الدراسات اإلسمامية ابلعربية يف اجلامعات األملانية‪ ،‬رودي ابرت ‪ -‬ترمجة د‪ .‬مصطفى ماهر ‪-‬‬
‫القاهر (‪. )1967‬‬
‫‪ -‬أضواء على االستشراق‪ ،‬د‪ .‬حممد عبد الفتاح عليان ‪ -‬ط‪ - 1‬دار البحوث العلمية ‪-‬الكوبت‬
‫(‪. )1980‬‬
‫‪ -‬املستشرقون واإلسما ‪ ،‬حماضر لَلستاذ حممد قطب‪.‬‬
‫‪ -‬املستشرقون واملوضوعية‪ ،‬د‪ .‬أمحد يراب‪.‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪.rudi Parel: Der Koran Uebersetzung Stuttgart 1980 -‬‬

‫(‪)84/2‬‬

‫‪C.E. Bosworth: Orientalism and Orientalists (in Arab -‬‬


‫‪.Islamic Bibliography) 1977 Great Britain‬‬
‫‪H.A. Flacher – Bernicol: Die Islamische revolution‬‬
‫‪.Stuttgart 1981‬‬
‫‪Johann Fueck: Die Arabischon Studien in Europa Leipzig -‬‬
‫‪.1955‬‬
‫‪Custar Pfonn Mueller: Handbuch der Islami Leteratur -‬‬
‫‪.Berlin 1933‬‬
‫‪. M. rodinson, Mohammed: Frank Furt 1975 -‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ -‬الكتاب املقدس‪ ،‬قاموس الكتاب املقدس ‪ -‬دار الكتاب املقدس ابلشرق األدىن‪.‬‬
‫‪ -‬البدابة والنهابة‪ ،‬ابن كثَر‪.‬‬
‫‪ -‬اجلواب الصحيح ملن بدَّل دبن املسيح‪ ،‬شيخ اإلسما ابن تيمية‪ ،‬مطبعة املدين ‪ -‬القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬هدابة احليارى يف أجوبة اليهود والنصارى‪ ،‬ابن قيم اجلوزبة اعتىن به د‪ .‬أمحد حجازي السقا‪-‬‬
‫املكتبة القيمة القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬إياثة اللهفان من مصابد الشيطان‪ ،‬ابن قيم اجلوزبة‪ ،‬مكتبة مصطفى البايب احللَب ‪ -‬القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬امللل والنحل‪ ،‬للشهرستاين‪ ،‬طبعة بَروت‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل يف امللل واألهواء والنغحل‪ ،‬البن حز ‪ ،‬دار املعرلة بَروت‪.‬‬
‫‪ -‬العقا د الوثنية يف الداينة النصرانية‪ ،‬حممد طاهر التنَر ‪ -‬حتقيق د‪ .‬حممد عبدهللا الشرقاوي ‪ -‬دار‬
‫الصحو القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬األداين يف كفة امليزان‪ ،‬حممد لماد اهلامشي‪.‬‬
‫‪ -‬إجنيل براناب‪ ،‬حتقيق أ‪ .‬د‪ .‬حممود كربت‪ ،‬شباس امللح‪ ،‬القاهر ‪.‬‬
‫‪ -‬الفارق بني املخلوق واَخالق‪ ،‬عبد الرمحن زاد ‪.‬‬
‫‪ -‬املسيحية نشأهتا وتطورها‪ ،‬شار جينيبَر‪ ،‬ترمجة الدكتور عبد احلليم حممود‪ ،‬دار املعارف مبصر‬
‫(‪. )1981‬‬
‫‪ -‬ما هي النصرانية‪ ،‬حممد تقي العثماين‪ ،‬مكتبة دار العلو ‪ ،‬كراتشي (‪ )1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬أداين العامل‪ ،‬حبيب سعد‪ ،‬دار التأليف والنشر للكنيسة األسقفية ابلقاهر ‪. )1977( ،‬‬
‫‪ -‬اي أهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء‪ ،‬د‪ .‬رؤوف شلَب‪ ،‬دار االعتصا ابلقاهر ‪. )1980( ،‬‬
‫‪ -‬أورواب يف العصور الوسطى‪ ،‬د‪ .‬سعيد عبد الفتاح عاشور‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة ط (‪، )1991‬‬
‫اجلزء األول‪ :‬التاربخ السياسي‪ ،‬اجلزء الثاين‪ :‬احلضار والنظم‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ أوراب العصور الوسطى‪ ،‬د‪ .‬السيد الباز العربين‪ ،‬دار النهضة العربية بَروت (‪. )1968‬‬
‫‪ -‬اتربخ الدولة البيزنطية‪ ،‬د‪ .‬نسيم جوزبف‪ ،‬مكتبة األجنلو املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬حماضرات يف النصرانية ‪ -‬حممد أبو زهر ‪.‬‬
‫‪ -‬إظهار احلق لرمحة هللا اهلندي‪.‬‬
‫‪ -‬أضواء على املسيحية ‪ -‬متوِل بوسف شلَب‪.‬‬
‫‪ -‬التبشَر واالستعمار ‪ -‬مصطفى اَخالدي وعمر لروخ‪.‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪.ropertson: Pagan Christs -‬‬
‫‪.Berry: religions of the World -‬‬
‫‪.Berry: A History of Freedom of Thought -‬‬
‫‪.Pfledere: The Early Christian Conception of Christ-‬‬
‫‪.T.W. Doane: Bible Mythology -‬‬
‫‪.Harnak: What is Christianity -‬‬
‫‪.Encyclopedia of religion and Ethics -‬‬
‫‪.Khwaja kamaluddin: The Sources of Christianity -‬‬
‫‪.H. Maurica relton: Studies in Christion Dortrine-‬‬
‫‪.Encyclopedia Britonnica‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)85/2‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫تتشابه األداين الشرقية يف عدد من اَخصا ص اليت ُتمعها مع الدايانت العاملية األررى‪ ،‬إال أهنا‬
‫تتجاذهبا نزعتان َمتلفتان متا االرتماف‪ ،‬ليما بتعلق ابإلله‪ ،‬وهااتن النزعتان مها نزعتا الوحدانية‬
‫وتعدد اخآهلة‪.‬‬
‫لقلما جند دولة من الدول أو شعبا من شعوب الدايانت الشرقية‪ ،‬ال تتمثل إهلا لكل قوى الطبيعة‬
‫النالعة والضار ‪ ،‬بستنصرونه يف الشدا د‪ ،‬وبلجمون إليه يف امللمات‪ ،‬وبتضرعون إليه؛ ليبارك هلم يف‬
‫ذرايهتم وأمواهلم‪ ،‬ومل بصل همالء إىل عباد هذه الظواهر دلعة واحد ‪ ،‬وإَنا مروا مبراحل انتهت هبم‬
‫إىل عبادهتا‪ ،‬ولقد كثرت اخآهلة عندهم‪ ،‬السيما عند اهلندوس‪ ،‬كثر كبَر ‪ ،‬وكانوا بسمون إهلهم بكل‬
‫اسم حسن‪ ،‬وبصفونه بكل صفة كاملة‪ ،‬وخياطبونه ابسم (رب األرابب) أو (إله اخآهلة) توقَرا وتعظيما‬
‫وإجماال‪.‬‬
‫ويف القرن التاسع قبل امليماد‪ ،‬استطاع بعض كهنة تلك الدول ارتصار اخآهلة‪ ،‬لقد مجعوا اخآهلة يف إله‬
‫واحد‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه هو الذي أررج العامل من ذاته‪.‬‬
‫مث ظهرت حركات عقلية آمنت ابلتناسخ‪ ،‬وظهرت حركات أررى آمنت ابإلله أساسا لفلسفة الدبن‪،‬‬
‫وعندما لتح حممود الغزنوي اهلند‪ ،‬وأرضعها للحكم اإلسمامي‪َّ ،‬‬
‫قد أروع األمثلة على مساحة الدبن‬
‫اإلسمامي‪ ،‬عندما ترك احلربة للهنود ليما بعبدون‪ ،‬وانتشر اإلسما يف اهلند‪ ،‬ومنها انتقل إىل دول‬
‫شرقية أررى تركت هلا حربة العباد كذلك‪ ،‬ولكن الناس كانت ُتد يف عقيد التوحيد مماذها‪،‬‬
‫لاندلعت إليها عن حب ورضا‪.‬‬
‫ومن أهم أهداف هذه املوسوعة‪ ،‬وضع بد القارئ على كثَر من احلقا ق املتعلقة ابألداين الشرقية‪،‬‬
‫وقد ميكن القول‪ :‬إن كثَرا من هذه الدايانت رمبا بدأت كدايانت توحيد مساوبة؛ إعماال لقوله تعاىل‪:‬‬
‫يها نَ غذ ٌبر [لاطر‪ .]24:‬ولكن التحربف حلق هذه األداين‪ ،‬كما حلق يَرها‪،‬‬ ‫وإغن غمن أ َّْم ٍة إغَّال َ غ‬
‫رما ل َ‬ ‫َ ي‬
‫ودليل ذلك أن لكر التوحيد كان هلا وجود بشكل أو ِبرر يف هذه الدايانت‪ ،‬كما أن بعض كتب‬
‫هذه األداين انطوت على إشارات إىل نبو الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومبعثه‪ ،‬ولذا لإن هذه‬
‫املوسوعة عندما تشَر إىل حقا ق هذه األداين يف الوقت احلاضر‪ ،‬لإهنا ال تنفي عن أصل نشأهتا‬
‫إمكانية أن تكون دايانت توحيد قبل أن بلحقها التحربف‪ ،‬وتتطرق إليها الوثنية‪.‬‬
‫وأاي ما كان األمر‪ ،‬لقد عاجلت هذه املوسوعة أهم األداين الشرقية املعاصر ‪ ،‬كما هي‪ ،‬ال كما كانت‪،‬‬
‫ًّ‬
‫وهي‪:‬‬
‫(‪ )1‬الصابئة املندا يون‪:‬‬
‫ُّ‬
‫وتعد من أقد الدايانت اليت تعتقد أبن اَخالق واحد‪ ،‬وهي هبذا الوصف تعترب من الدايانت السماوبة‬
‫وبعترب أتباعها أتباع دبن كتايب‪.‬‬
‫(‪ )2‬اهلندوسية‪:‬‬
‫وتسمى أبضا الربمهية‪ ،‬وهي داينة وثنية بعتنقها معظم أهل اهلند‪ ،‬وليس يف اهلندوسية دعو إىل‬
‫َّ‬
‫التوحيد‪ ،‬بل إهنم بقولون أبن لكل طبيعة انلعة أو ضار إهلا بعبد‪ ،‬مث قالوا بوجود آهلة ثماثة‪ ،‬من عبد‬
‫أحدها لقد عبدها مجيعا وهي برامها ولشنو وسيفا‪.‬‬
‫(‪ )3‬الشنتوبة‪:‬‬
‫وهي داينة ظهرت يف الياابن منذ وقت طوبل‪ ،‬وقد بدأت بعباد األرواح مث قوى الطبيعة مث عباد‬
‫اإلمرباطور ممررا‪ ،‬حيث بعتربونه من نسل اخآهلة‪.‬‬
‫(‪ )4‬الطاوبة‪:‬‬
‫وهي إحدى أكرب الدايانت الصينية القدمية اليت تستلز العود إىل احليا الطبيعية مع ضرور اإلميان‬
‫بوحد الوجود؛ إذ اَخالق واملخلوق شيء واحد‪.‬‬
‫(‪ )5‬اجلينية‪:‬‬
‫وهي داينة منشقة عن اهلندوسية‪ ،‬وتدعو إىل التحرر من كل قيود احليا ‪ ،‬والعيش بعيدا عن الشعور‬
‫ابلقيم‪ ،‬كالعيب واإلمث واَخَر والشر‪.‬‬
‫(‪ )6‬الكونفوشيوسية‪:‬‬
‫وهي داينة أهل الصني‪ ،‬وتدعو إىل إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدبنية اليت ورثها الصينيون عن‬
‫أجدادهم‪ ،‬مع إضالة بعض آراء احلكيم كونفوشيوس إليها‪ ،‬وهي تقو على عباد اإلله األعظم‬
‫وعباد أرواح اخآابء واألجداد‪ ،‬وتقدبس املما كة‪.‬‬
‫(‪ )7‬البوذبة‪:‬‬
‫وهي الداينة اليت ظهرت يف اهلند بعد الربامهية (اهلندوسية) يف القرن اَخامس قبل امليماد‪ ،‬وهي تدعو‬
‫إىل التصوف واَخشونة‪ ،‬ونبذ الرتف واملنادا ابلتسامح‪ ،‬وبعتقد البوذبون أن بوذا هو ابن اإلله‬
‫عندهم‪ ،‬وأنه َملغص البشربة من مآسيها‪.‬‬
‫(‪ )8‬السيخية‪:‬‬
‫وهي داينة السيخ الذبن هم مجاعة دبنية هندبة‪ ،‬تدعو إىل دبن جدبد‪ ،‬تزعم ليه شيئا من الداينتني‬
‫اإلسمامية واهلندوسية حتت شعار (ال هندوس وال مسلمني)‪.‬‬
‫(‪ )9‬املهاربشية‪:‬‬
‫وهي حنلة هندوسية دهربة ملحد ‪ ،‬انتقلت إىل أمربكا وأورواب داعية إىل طقوس كهنوتية بغية حتصيل‬
‫السعاد الروحية‪.‬‬

‫(‪)86/2‬‬

‫الفصل األول‪ :‬حملة اترخيية عن الدايانت اهلندبة‪:‬‬


‫تعج بكثَر من املعتقدات الباطلة‪ ،‬وال بعرف حىت اليو دايانت اهلند اليت سبقت الداينة‬
‫بماد اهلند ُّ‬
‫الفيدبة‪ ،‬ومل تكن البوذبة هي الداينة اليت كانت يف الطليعة‪ ،‬بل سبقتها دايانت َمتلفة‪ ،‬وال بعرف منها‬
‫إال ما كان يف العصر الفيدي الذي قامت داينته على الكتب الفيدبة‪ ،‬وهي الداينة الربمهية‪.‬‬
‫وكلمة (ليدا) من اللغة السنسكربتية‪ ،‬ومعناها القانون‪ ،‬أو العلم‪ ،‬أو املعرلة‪.‬‬
‫وللفيدا كتب أربعة هي‪ :‬أانجيل الربامهة‪ ،‬والرأي يف حقيقتها َمتلف مىت وضعت؟ ومىت وجدت؟‬
‫وِما قيل يف ذلك‪ :‬أن كتاب (الفيدا) أقد من التورا ِبالف السنني‪ ،‬وأنه بتألف من أربعة أسفار هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الرجيا ليدا‪.‬‬
‫‪ - 2‬الساما ليدا‪.‬‬
‫‪ - 3‬الباجورا ليدا‪.‬‬
‫‪ - 4‬األاثرا ليدا‪.‬‬
‫وكان الغربيون بسمون دايانهتم ابهلندوكية‪ ،‬وقد ذاعت هذه التسمية حىت تقبلها أهل الداينة أنفسهم‪،‬‬
‫وإن كانوا ليما بينهم بستعملون لفظ (دراما) اليت تعين (هنج احليا ‪ ،‬والتفكَر واحليا )‪.‬‬
‫تسمى قدميا ابلربمهية نسبة إىل (برامها)‪ ،‬اليت بزعمون أهنا الروح العليا اَخالد للكون‪،‬‬
‫وكانت َّ‬
‫وبذهبون إىل أن برامها كان بدء اَخليقة‪ ،‬وأنه وجد من بيضة ذهبية كانت طالية على املاء من العماء‬
‫منذ البدء‪ ،‬لهو وجد قبل اَخلق‪ ،‬وحددوا له عمرا زعموا أنه ما ة سنة من غسنغيغه‪ ،‬وكل هنار من أاي‬
‫تلك السنني بقدر بـ (‪ )4,320,000,000‬سنة من سنواتنا الشمسية املعرولة‪ ،‬ويف هنابة كل هنار‬
‫بنتهي عامل من العاملني‪ ،‬ليسرتبح اإلله ليلة‪ ،‬لينشئ عاملا آرر جدبدا‪.‬‬
‫وهم بذلك حددوا له بدابة وهنابة‪ ،‬ونفوا عنه صفة غ‬
‫الق َدغ ؛ ألن هناك ما هو أقد ‪ ،‬وهو البيضة‬
‫الذهبية اليت ررج منها‪ ،‬كما نفوا صفة غ‬
‫اخآرر؛ ألنه سينتهي بعد عمره الطوبل‪.‬‬
‫ومن املراحل املعرولة عندهم مرحلة (اليواب نيشاد) وهي مكونة من كلمتني‪:‬‬
‫(بواب) مبعىن‪( :‬قرببا)‪ ،‬و (شاد) مبعىن‪( :‬جيلس)‪.‬‬
‫غ‬
‫واملتلقي هو املربد‪.‬‬ ‫وأطلق يف األصل على من جيلس قرببا من املْعلغم أو احلكيم َّ‬
‫بتلقى منه‪،‬‬
‫وتشتمل كتب هذه املرحلة على َتممات يامضة‪ ،‬وظلَّت تعترب أسرارا حللقات الطبقات العليا‪.‬‬
‫ولعله ببدو من ذلك ألكار النسك األعجمي الذي انتقل إىل اإلسما ابسم التصوف‪.‬‬
‫تعد امتدادا طبيعيًّا للهندوسية الربمهية‪ ،‬غ‬
‫ومسيت اهلندوسية بذلك ‪ -‬كما مساها الغربيون‪-‬‬ ‫والبوذبة ُّ‬
‫مر‪ -‬وهو الذي جدَّد الداينة‬‫وتسمى ابلربمهية نسبة إىل برامها ‪ -‬كما َّ‬ ‫نسبة إىل بمادهم اهلند‪َّ ،‬‬
‫اهلندوسية يف القرن الثامن قبل امليماد‪ ،‬لَأْطيلغ َق على الداينة اسم الربمهية‪.‬‬
‫بعد ابملمابني‪ ،‬وليها‬ ‫ٍ‬
‫دايانت أررى صغَر ‪ ،‬وليها من اخآهلة واألرابب ما ُّ‬ ‫وموجز القول أن يف اهلند‬
‫تسول له نفسه اررتاع مذهب أو دبن جدبد جيد له يف‬ ‫دايانت العامل الصحيحة والباطلة‪ ،‬وكل من غ‬
‫اهلند أتباعا وعبادا‪ ،‬ولكن الداينة الغالبة هي اهلندوسية الربمهية‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص ‪34‬‬

‫(‪)87/2‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬دراسات مقارنة بني أداين اهلند‪:‬‬


‫إن أداين اهلند تسَر يف للك واحد‪ ،‬وإن اهلندوسية هي الدبن األ ‪ ،‬وتشعب منها األداين األررى‪ ،‬مث‬
‫تعود إليها يالبا يف صور أو أررى‪ ،‬وهكذا تلتقي أداين اهلند يف االعتقاد ابلكارما‪ ،‬وإن ارتلفت‬
‫هذه األداين يف تفسَرها‪ ،‬وتلتقي تبعا لذلك يف القول ابلتناسخ‪ ،‬ويف حماولة التخلص من تكرار املولد‬
‫بقتل الريبات واحلرمان‪ ،‬وأداين اهلند تتجه للتشاؤ ‪ ،‬وتسعى كلها إىل االنطماق أو النجا ‪ ،‬وليست‬
‫مدلوالت هذه بعيد االرتماف‪.‬‬
‫وبصف ‪ wells‬االرتباط بني ألكار بوذا وبني سواها من األلكار اهلندبة بقوله‪( :‬إن جومتا مل بكن له‬
‫أي علم وال بصَر ابلتاربخ‪ ،‬ومل بكن لدبه شعور واضح عن مغامر احليا الفسيحة الكثَر اجلوانب‬
‫يف انطماقها يف أرجاء الزمان والفضاء‪ ،‬كان ذهنه حمصورا يف دا ر لكرات عصره وقومه‪ ،‬وقد مجدت‬
‫عقوهلم حول لكرات التكرار الدا م املتواصل‪.‬‬
‫وأبرز ألوان اَخماف بني أداين اهلند بتضح يف مسألة الطبقات‪ ،‬لقد قررهتا اهلندوسية ووضعت حدودا‬
‫حامسة تفصل كما منها عن األررى‪ ،‬ومل تقل هبا اجلينية وال البوذبة‪ ،‬ولكن أاي منهما مل تستطع أن‬
‫تتخلص من النظا الطبقي يف احليا العملية‪.‬‬
‫ومن أوجه اَخماف كذلك مسألة األلوهية‪ ،‬لفي اهلندوسية جمموعة كبَر من اخآهلة‪ ،‬وأنكرت اجلينية‬
‫اإلله‪ ،‬ورلضت البوذبة احلدبث عنه‪ ،‬ولكن هذه اهلو مل بطل عمرها‪ ،‬لسرعان ما أله اجلينيون مهاووا‬
‫والبوذبون بوذا وارتلطت التماثيل واخآهلة‪ ،‬إذ وجد اجلينيون والبوذبون أن الدليل على عد اإلله‬
‫أصعب من التدليل على وجوده‪ ،‬وِما بتصل ابإلله ما تقوله اجلينية من عد االعرتاف بوحد الوجود‪،‬‬
‫ومن أهنا ترى أن كل روح وحد مستقلة رالد ‪ ،‬وليس مصَرها أن تندمج يف روح عا ‪ ،‬بل ستبقى‬
‫مستقلة رالد ‪ ،‬وهي بذلك ختالف اهلندوسية‪.‬‬
‫وال تعرتف البوذبة بسلطان الكهنة وال بقانون الوبدا وختتلف البوذبة عن اجلينية يف أن األوىل تسعى‬
‫إلنقاذ اجملموع والثانية إلنقاذ الفرد‪.‬‬
‫‪ O‬أداين اهلند الكربى ألمحد شلَب‪ -‬ص ‪75‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬أداين اهلند الكربى‪ ،‬دكتور أمحد شلَب ‪ -‬ط‪ - 6‬مكتبة النهضة ‪ -‬املصربة – (‪. )1981‬‬
‫‪ -‬حماضرات يف مقارانت األداين‪ ،‬الشيخ حممد أبو زهر ‪ -‬مطبعة بوسف ‪ -‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬حقا ق عن اهلند‪ ،‬منشورات قلم االستعمامات اهلندي‪.‬‬
‫‪ -‬حضار اهلند‪ ،‬يوستاف لوبون‪.‬‬
‫‪ -‬أداين العامل الكربى‪َ ،‬خصه عن اإلجنليزبة حبيب سعد‪.‬‬
‫‪ -‬هللا‪ ،‬عباس حممود العقاد‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ اإلسما يف اهلند‪ ،‬عبد املنعم النمر‪.‬‬
‫‪ -‬للسفة اهلند القدمية‪ ،‬حممد عبد السما ‪.‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪.Weech and rylands: Peoples and religions of India -‬‬
‫‪.Hinduism Ed. By Lewis renan -‬‬
‫‪.Wells. A Short History of the World -‬‬

‫(‪)88/2‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬
‫الصابئة املندا ية هي طا فة الصابئة الوحيد الباقية إىل اليو ‪ ،‬واليت تعترب حيىي عليه السما نبيًّا هلا‪،‬‬
‫بقدس أصحاهبا الكواكب والنجو وبعظموهنا‪ ،‬وبعترب االُتاه حنو جنم القطب الشماِل‪ ،‬وكذلك‬ ‫غ‬
‫التعميد يف املياه اجلاربة‪ ،‬من أهم معامل هذه الداينة اليت جييز أيلب لقهاء املسلمني أرذ اجلزبة من‬
‫معتنقيها أسو ابلكتابيني من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫حقق شيخ اإلسما ابن تيمية يف كتاب (الرد على املنطقيني) ط‪( 6‬ص‪ 454‬وما بعدها) حقيقة‬‫ولقد َّ‬
‫الصابئة كما وردت يف القرآن الكرمي‪ ،‬لقال ما حاصله‪:‬‬
‫إن الصابئة نوعان‪ :‬صابئة حنفاء‪ ،‬وصابئة مشركون‪.‬‬
‫أما الصابئة احلنفاء لهم مبنزلة من كان متبعا لشربعة التورا واإلجنيل قبل النسخ والتحربف والتبدبل‬
‫من اليهود والنصارى‪ .‬وهمالء محدهم هللا وأثىن عليهم‪ .‬والثابت أن الصابئني قو ليس هلم شربعة‬
‫مأروذ عن نَب‪ ،‬وهم قو من اجملوس واليهود والنصارى ليس هلم دبن‪ ،‬ولكنهم عرلوا هللا وحده‪ ،‬ومل‬
‫حيدثوا كفرا‪ ،‬وهم متمسكون (ابإلسما املشرتك) وهو عباد هللا وحده‪ ،‬وإجياب الصدق والعدل‪،‬‬
‫وحترمي الفواحش والظلم وحنو ذلك ِما اتفقت الرسل على إجيابه وحترميه‪ ،‬وهم بقولون (ال إله إال هللا)‪.‬‬
‫لقط‪ ،‬وليس هلم كتاب وال نَب‪ .‬والصحيح أهنم كانوا موجودبن قبل إبراهيم عليه الصما والسما‬
‫أبرض اليمن‪.‬‬
‫وأما الصابئة املشركون لهم قو بعبدون املما كة‪ ،‬وبقرؤون الزبور وبصلون‪ ،‬لهم بعبدون الروحانيات‬
‫العلوبة‪.‬‬
‫وعلى ذلك لمن دان من الصابئة بدبن أهل الكتاب لهو من أهل الكتاب‪ ،‬ومن مل بدن بدبن أهل‬
‫الكتاب لهو مشرك‪ ،‬ومثاهلم من بعبد الكواكب‪ .‬كمن كانوا أبرض حران عندما أدركهم اإلسما ‪،‬‬
‫حيل أكل ذاب حهم‪ ،‬وال نكاح نسا هم‪ ،‬وإن أظهروا اإلميان ابلنبيني‪ ،‬وقد ألىت أبو سعيد‬
‫وهمالء ال ُّ‬
‫االصطخري أبن ال تقبل اجلزبة منهم‪ ،‬وانزعه يف ذلك مجاعة من الفقهاء‪.‬‬

‫(‪)89/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫‪ -‬بدَّعي الصابئة املندا يون أبن دبنهم برجع إىل عهد آد عليه السما ‪.‬‬
‫‪ -‬بنتسبون إىل سا بن نوح عليه السما ‪ ،‬لهم ساميون‪.‬‬
‫‪ -‬بزعمون أن حيىي عليه السما هو نبيهم الذي أرسل إليهم‪.‬‬
‫‪ -‬كانوا بقيمون يف القدس‪ ،‬وبعد امليماد طردوا من للسطني‪ ،‬لهاجروا إىل مدبنة حران‪ ،‬لتأثروا هناك‬
‫مبن حوهلم‪ ،‬وَتثروا بعبد الكواكب والنجو من الصابئة احلرانيني‪.‬‬
‫‪ -‬ومن حران هاجروا إىل موطنهم احلاِل يف جنويب العراق وإبران وما بزالون ليه‪ ،‬حيث بعرلون بصابئة‬
‫البطا ح‪.‬‬
‫‪ -‬منهم الكنزبرا الشيخ عبد هللا بن الشيخ سا الذي كان مقيما يف بغداد سنة (‪ )1969‬وهو‬
‫الر يس الروحي هلم‪ ،‬وقد كان يف عا (‪ , )1954‬بسكن يف دار واقعة جبوار السفار الرببطانية يف‬
‫الكرخ ببغداد‪.‬‬

‫(‪)90/2‬‬

‫أوال كتبهم‪:‬‬
‫‪ -‬لدبهم عدد من الكتب املقدسة مكتوبة بلغة سامية قرببة من السراينية وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكنزاراب‪ :‬أي‪ :‬الكتاب العظيم‪ ،‬وبعتقدون أبنه صحف آد عليه السما ‪ ،‬ليها موضوعات كثَر‬
‫عن نظا تكوبن العامل وحساب اَخليقة وأدعية وقصص‪ ،‬وتوجد يف رزانة املتحف العراقي نسخة‬
‫كاملة منه‪ .‬طبع يف كوبنهاجن سنة (‪ ، )1815‬وطبع يف الببزب سنة (‪. )1867‬‬
‫‪ - 2‬دراشة إدبهيا‪ :‬أي‪ :‬تعاليم حيىي‪ ،‬وليه تعاليم وحيا النَب حيىي عليه السما ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفلستا‪ :‬أي‪ :‬كتاب عقد الزواج‪ ،‬وبتعلَّق ابالحتفاالت والنكاح الشرعي واَخطبة‪.‬‬
‫‪ - 4‬سدر إدنشامااث‪ :‬بدور حول التعميد والدلن واحلداد‪ ،‬وانتقال الروح من اجلسد إىل األرض‪،‬‬
‫ومن مثَّ إىل عامل األنوار‪ ،‬ويف رزانة املتحف العراقي نسخة حدبثة منه مكتوبة ابللغة املندا ية‪.‬‬
‫‪ - 5‬كتاب الدبوانن‪ :‬ليه قصص وسَر بعض الروحانيني مع صور هلم‪.‬‬
‫‪ - 6‬كتاب إسفر ملواشه‪ :‬أي‪ :‬سفر الربوج ملعرلة حوادث السنة املقبلة عن طربق علم الفلك‬
‫والتنجيم‪.‬‬
‫‪ - 7‬كتاب النباِت‪ :‬أي‪ :‬األانشيد واألذكار الدبنية‪ ،‬وتوجد نسخة منه يف املتحف العراقي‪.‬‬
‫‪ - 8‬كتاب قماها ذهيقل زبوا‪ :‬وبتألَّف من (‪ )200‬سطر‪ ،‬وهو عبار عن حجاب بعتقدون أبن من‬
‫حيمله ال بمثر ليه سماح أو انر‪.‬‬
‫خيتص يف علم تشربح جسم اإلنسان وتركيبه واألطعمة املناسبة لكل طقس ِما جيوز‬
‫‪ - 9‬تفسَر بغره‪ُّ :‬‬
‫ألبناء الطا فة تناوله‪.‬‬
‫‪ - 10‬كتاب ترسسر ألف شياله‪ :‬أي‪ :‬كتاب االثين عشر ألف سمال‪.‬‬
‫‪ - 11‬دبوان طقوس التطهَر‪ :‬وهو كتاب ببني طرق التعميد أبنواعه على شكل دبوان‪.‬‬
‫‪ - 12‬كتاب كداواكدلياان‪ :‬أي‪ :‬كتاب العوذ‪.‬‬

‫(‪)91/2‬‬

‫اثنيا طبقات رجال الدبن‪:‬‬


‫بشرتط يف رجل الدبن أن بكون سليم اجلسم‪ ،‬صحيح احلواس‪ ،‬متزوجا منجبا‪ ،‬يَر َمتون‪ ،‬وله كلمة‬
‫انلذ يف شمون الطا فة‪ ،‬كحاالت الوالد والتسمية والتعميد والزواج والصما والذبح واجلناز ‪،‬‬
‫ورتبهم على النحو التاِل‪:‬‬
‫وبسمى (الشماس) بسَر يف اجلنازات‪ ،‬وبقيم سنن الذبح للعامة‪ ،‬والبتزوج إال بكرا‪،‬‬
‫‪ - 1‬احلماِل‪َّ :‬‬
‫تعمد هو وزوجته (‪ )360‬مر يف ماء النهر‬
‫لإذا تزوج ثيبا سقطت مرتبته‪ ،‬ومنع من وظيفته‪ ،‬إال إذا َّ‬
‫اجلاري‪.‬‬
‫كتايب التعميد واألذكار‪،‬‬
‫‪ - 2‬الرتميد ‪ :‬إذا لقه احلماِل الكتابني املقدَّسني سدره إنشمااث والنياين أي‪ َ :‬ي‬
‫بتعمد ابالرمتاس يف املاء املوجود يف املندي‪ ،‬وببقى بعدها سبعة أاي مستيقظا ال تغمض له عني‬
‫لإنه َّ‬
‫حىت ال حيتلم‪ ،‬وبرتقَّى بعدها هذا احلماِل إىل ترميد ‪ ،‬وتنحصر وظيفته يف العقد على البنات األبكار‪.‬‬
‫‪ - 3‬األبيسق‪ :‬الرتميد الذي خيتص يف العقد على األرامل بتحول إىل أبيسق‪ ،‬وال بنتقل من مرتبته‬
‫هذه‪.‬‬
‫‪ - 4‬الكنزبرا‪ :‬الرتميد الفاضل الذي مل بعقد على الثيبات مطلقا‪ ،‬ميكنه أن بنتقل إىل كنزبرا‪ ،‬وذلك‬
‫ٍ‬
‫حينئذ مفسرا له‪ ،‬وجيوز له ما ال جيوز لغَره‪ ،‬للو قتل واحدا من‬ ‫إذا حفظ كتاب الكنزاراب‪ ،‬ليصبح‬
‫ألراد الطا فة ال بقتص منه؛ ألنه وكيل الر يس اإلهلي عليها‪.‬‬
‫‪ - 5‬الربش أمه‪ :‬أي‪ :‬ر يس األمة‪ ،‬وصاحب الكلمة النالذ ليها‪ ،‬وال بوجد بني صابئة اليو من بل‬
‫هذه الدرجة؛ ألهنا حتتاج إىل علم ولَر وقدر لا قة‪.‬‬
‫‪ - 6‬الرابين‪ :‬ولق هذه الداينة مل بصل إىل هذه الدرجة إال حييي بن زكراي عليهما السما ‪ ،‬كما أنه ال‬
‫جيوز أن بوجد شخصان من هذه الدرجة يف وقت واحد‪ .‬والرابين برتفع ليسكن يف عامل األنوار‪ ،‬وبنزل‬
‫ليبل طا فته تعاليم الدبن مث برتفع كر أررى إىل عامله الرابين النوراين‪.‬‬
‫(‪)92/2‬‬

‫اثلثا ا غإلله‪:‬‬
‫‪ -‬بعتقدون‪ -‬من حيث املبدأ‪ -‬بوجود ا غإلله اَخالق الواحد األزِل الذي التناله احلواس‪ ،‬والبفضي إليه‬
‫َملوق‪.‬‬
‫‪ -‬ولكنهم جيعلون بعد هذا اإلله (‪ )360‬شخصا رلقوا ليفعلوا ألعال اإلله‪ ،‬وهمالء األشخاص‬
‫ليسوا ِبهلة وال مما كة‪ ،‬بعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر ومشس وليل وهنار وهمالء بعرلون‬
‫الغيب‪ ،‬ولكل منهم ِملكته يف عامل األنوار‪.‬‬
‫‪ -‬همالء األشخاص الـ (‪ )360‬ليسوا َملوقني كبقية الكا نات احلية‪ ،‬ولكن هللا انداهم أبمسا هم‪،‬‬
‫لخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم‪ ،‬وبتناسلون أبن بلفظ أحدهم كلمة لتحمل امرأته لورا‪ ،‬وتلد‬
‫واحدا منهم‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقدون أبن الكواكب مسكن للمما كة‪ ،‬ولذلك بعظموهنا وبقدسوهنا‪.‬‬

‫(‪)93/2‬‬

‫رابعا املندي‪:‬‬
‫‪ -‬هو معبد الصابئة‪ ،‬وليه كتبهم املقدسة‪ ،‬وجيري ليه تعميد رجال الدبن‪ ،‬بقا على الضفاف اليمىن‬
‫من األهنر اجلاربة‪ ،‬له ابب واحد بقابل اجلنوب حبيث بستقبل الدارل إليه جنم القطب الشماِل‪َّ ،‬‬
‫البد‬
‫من وجود قنا ليه متصلة مباء النهر‪ ،‬وال جيوز دروله من قبل النساء‪ ،‬وال َّ‬
‫بد من وجود علم حيىي‬
‫لوقه يف ساعات العمل‪.‬‬

‫(‪)94/2‬‬

‫رامسا الصما ‪:‬‬


‫وتستحب أن تكون‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬تمدَّى ثماث مرات يف اليو ‪ :‬قبيل الشروق‪ ،‬وعند الزوال‪ ،‬وقبيل الغروب‪،‬‬
‫مجاعة يف أاي اخآحاد واألعياد‪ ،‬ليها وقوف وركوع وجلوس على األرض من يَر سجود‪ ،‬وهي‬
‫تستغرق ساعة وربع الساعة تقرببا‪.‬‬
‫بتوجه املصلغي رماهلا إىل اجلدي بلباسه الطاهر‪ ،‬حايف القدمني‪ ،‬بتلو سبع قراءات ميجد ليها الرب‬
‫‪َّ -‬‬
‫مستمدًّا منه العون‪ ،‬طالبا منه تيسَر اتصاله بعامل األنوار‪.‬‬

‫(‪)95/2‬‬

‫سادسا الصو ‪:‬‬


‫أحل هللا‪.‬‬ ‫‪ -‬صابئة اليو غ‬
‫حيرمون الصو ؛ ألنه من ابب حترمي ما َّ‬
‫‪ -‬وقد كان الصو عند الصابئة على نوعني‪ :‬الصو الكبَر‪ :‬وبشمل الصو عن كبا ر الذنوب‬
‫واألرماق الردبئة‪ ،‬والصو الصغَر الذي ميتنعون ليه عن أكل اللحو املباحة هلم ملد (‪ )32‬بوما‬
‫متفرقة على طول أاي السنة‪.‬‬
‫‪ -‬ابن الندمي املتوىف سنة (‪ )385‬هـ يف لهرسته‪ ،‬وابن العربي املتوىف سنة (‪ )685‬هـ يف اتربخ َمتصر‬
‫بنصان على أن الصيا كان مفروضا عليهم ملد ثماثني بوما من كل سنة‪.‬‬
‫الدول َّ‬

‫(‪)96/2‬‬

‫سابعا الطهار ‪:‬‬


‫‪ -‬الطهار مفروضة على الذكر واألنثى سواء بما متييز‪.‬‬
‫‪ -‬تكون الطهار يف املاء احلي يَر املنقطع عن جمراه الطبيعي‪.‬‬
‫‪ -‬اجلنابة حتتاج إىل طهار ‪ ،‬وذلك ابالرمتاس يف املاء ثماث دلعات‪ ،‬مع استحضار نية االيتسال من‬
‫يَر قراء ؛ ألهنا ال ُتوز على جنب‪.‬‬
‫‪ -‬عقب االرمتاس يف املاء جيب الوضوء‪ ،‬وهو واجب لكل صما ‪ ،‬حيث بتوضأ الشخص‪ ،‬وهو متَّجه‬
‫إىل جنم القطب‪ ،‬ليمدبه على هيئة تشبه وضوء املسلمني‪ ،‬مصحواب أبدعية راصة‪.‬‬
‫‪ -‬مفسدات الوضوء‪ :‬البول‪ ،‬الغا ط‪ ،‬الربح‪ ،‬ملس احلا ض والنفساء‪.‬‬

‫(‪)97/2‬‬
‫اثمنا التعميد وأنواعه‪:‬‬
‫تتم الطقوس إال ابالرمتاس‬
‫‪ -‬بعترب التعميد من أبرز معامل هذه الداينة‪ ،‬وال بكون إال يف املاء احلي‪ ،‬وال ُّ‬
‫يف املاء‪ ،‬سواء أكان الوقت صيفا أ شتاء‪ ،‬وقد أجاز هلم رجال دبنهم ممررا االيتسال يف احلمامات‪،‬‬
‫وأجازوا هلم كذلك ماء العيون النابعة لتحقيق الطهار ‪.‬‬
‫بتم التعميد على أبدي رجال الدبن‪.‬‬
‫‪ -‬جيب أن َّ‬
‫‪ -‬بكون العماد يف حاالت الوالد ‪ ،‬والزواج‪ ،‬وعماد اجلماعة‪ ،‬وعماد األعياد‪ ،‬وهي على النحو‬
‫التاِل‪:‬‬
‫‪ - 1‬الوالد ‪ :‬بعمد املولود بعد (‪ )45‬بوما ليصبح طاهرا من دنس الوالد ‪ ،‬حيث بْدرل هذا الوليد‬
‫يف املاء اجلاري إىل ركبتيه مع االُتاه جهة جنم القطب‪ ،‬وبوضع يف بده رامت أرضر من اخآس‪.‬‬
‫بتم بثماث دلعات يف املاء مع قراء‬
‫بتم يف بو األحد‪ ،‬وحبضور ترميد وكنزبرا‪ُّ ،‬‬
‫‪ - 2‬عماد الزواج‪ُّ :‬‬
‫بسمى (ِمبوهة) مث‬
‫من كتاب الفلستا وبلباس راص‪ ،‬مث بشرابن من قنينة ملئت مباء أْرذ من النهر َّ‬
‫بطعمان (البهثة)‪ ،‬وبدهن جبينهما بدهن السمسم‪ ،‬وبكون ذلك لكما العروسني‪ ،‬لكل واحد منهما‬
‫على حد ‪ ،‬بعد ذلك ال بْلمسان ملد سبعة أاي ‪ ،‬حيث بكوانن جنسني‪ ،‬وبعد األاي السبعة من الزواج‬
‫بعمدان من جدبد‪ ،‬وتعمد معهما كالة القدور واألواين اليت أكما ليها أو شراب منها‪.‬‬
‫‪ - 3‬عماد اجلماعة‪ :‬بكون يف كل عيد (بنجة) من كل سنة كبيسة ملد مخسة أاي ‪ ،‬وبشمل أبناء‬
‫الطا فة كالة رجاال ونساء كبارا وصغارا‪ ،‬وذلك ابالرمتاس يف املاء اجلاري ثماث دلعات قبل تناول‬
‫الطعا يف كل بو من األاي اَخمسة‪ .‬واملقصود منه هو التكفَر عن اَخطااي والذنوب املرتكبة يف حبر‬
‫السنة املاضية‪ ،‬كما جيوز التعميد يف أاي البنجة ليما وهنارا على حني أن التعميد يف سا ر املواسم ال‬
‫جيوز إال هنارا‪ ،‬ويف أاي اخآحاد لقط‪.‬‬
‫‪ - 4‬عماد األعياد‪ :‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العيد الكبَر‪ :‬عيد ملك األنوار حيث بعتكفون يف بيوهتم (‪ )36‬ساعة متتالية‪ ،‬ال تغمض هلم عني‬
‫رشية أن بتطرق الشيطان إليهم؛ ألن االحتما بفسد لرحتهم‪ ،‬وبعد االعتكاف مباشر برتسمون‪،‬‬
‫ومد العيد أربعة أاي ‪ ،‬تنحر ليه اَخراف‪ ،‬وبذبح ليه الدجاج وال بقومون رماله أبي عمل دنيوي‪.‬‬
‫ب‪ -‬العيد الصغَر‪ :‬بو واحد شرعا‪ ،‬وقد ُّ‬
‫ميتد لثماثة أاي من أجل التزاور‪ ،‬وبكون بعد العيد الكبَر‬
‫مبا ة وامانية عشر بوما‪.‬‬
‫ت ‪ -‬عيد البنجة‪ :‬سبق احلدبث عنه‪ ،‬وهو مخسة أاي تكبس هبا السنة‪ ،‬وأيِت بعد العيد الصغَر‬
‫أبربعة أشهر‪.‬‬
‫ث ‪ -‬عيد حيىي‪ :‬بو واحد من أقدس األاي ‪ ،‬أيِت بعد عيد البنجة بستني بوما‪ ،‬وليه كانت والد النَب‬
‫راصا هبم‪ ،‬والذي جاء ليعيد إىل دبن آد صفاءه بعد أن درله‬
‫حيىي عليه السما الذي بعتربونه نبيًّا ًّ‬
‫االحنراف بسبب تقاد الزمان‪.‬‬
‫‪ -‬تعميد احملتضر ودلنه‪:‬‬
‫ليتم تعميده‪.‬‬
‫ج ‪ -‬عندما حيتضر الصايبء جيب أن بمرذ ‪ -‬وقبل زهوق روحه ‪ -‬إىل املاء اجلاري َّ‬
‫ح ‪ -‬من مات من دون عماد جنس وحير ملسه‪.‬‬
‫خ ‪ -‬أثناء العماد بغسلونه متجها إىل جنم القطب الشماِل‪ ،‬مث بعيدونه إىل بيته‪ ،‬وجيلسونه يف لراشه‬
‫حبيث بواجه جنم القطب أبضا حىت بواليه األجل‪.‬‬
‫بغسل َّ‬
‫وبكفن وبدلن حيث ميوت؛ إذ ال جيوز نقله مطلقا من بلد‬ ‫د ‪ -‬بعد ثماث ساعات من موته َّ‬
‫إىل بلد آرر‪.‬‬
‫ذ‪ -‬من مات ييلة أو لجأ ‪ ،‬لإنه ال بغسل وال بلمس‪ ،‬وبقو الكنزبرا بواجب العماد عنه‪.‬‬
‫ر ‪ -‬بدلن الصايبء حبيث بكون مستلقيا على ظهره ووجهه ورجماه متجهة حنو اجلدي‪ ،‬حىت إذا بعث‬
‫واجه الكوكب الثابت ابلذات‪.‬‬
‫ز‪ -‬بضعون يف لم امليت قليما من تراب أول حفر حتفر لقربه ليها‪.‬‬
‫س ‪ -‬حير على أهل امليت الندب والبكاء والعوبل‪ ،‬واملوت عندهم مدعا للسرور‪ ،‬وبو املأمت من‬
‫أكثر األاي لرحا حسب وصية حيىي لزوجته‪.‬‬
‫ش ‪ -‬ال بوجد لدبهم رلود يف اجلحيم‪ ،‬بل عندما ميوت اإلنسان إما أن بنتقل إىل اجلنة أو املطهر‬
‫حيث بعذب بدرجات متفاوتة حىت بطهر‪ ،‬لتنتقل روحه بعدها إىل املَل األعلى‪ ،‬لالروح رالد‬
‫واجلسد لان‪.‬‬

‫(‪)98/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬ألكار ومعتقدات أررى‪:‬‬


‫‪ -‬البكار ‪ :‬تقو والد الكنزبرا أو زوجته بفحص كل لتا عذراء بعد تعميدها وقبل تسليمها‬
‫لعربسها‪ ،‬وذلك بغية التأكد من سمامة بكارهتا‪.‬‬
‫‪ -‬اَخطيئة‪ :‬إذا وقعت الفتا أو املرأ يف جرمية الزىن لإهنا ال تقتل‪ ،‬بل هتجر‪ ،‬وإبمكاهنا أن تكفر عن‬
‫رطيئتها ابالرمتاس يف املاء اجلاري‪.‬‬
‫ليتم التفربق عن‬
‫‪ -‬الطماق‪ :‬ال بعرتف دبنهم ابلطماق إال إذا كانت هناك احنرالات أرماقية رطَر ‪ُّ ،‬‬
‫طربق الكنزبرا‪.‬‬
‫‪ -‬السنة املندا ية‪ )360( :‬بوما‪ ،‬يف (‪ )12‬شهرا‪ ،‬ويف كل شهر ثماثون بوما مع مخسة أاي كبيسة‬
‫بقا ليها عيد البنجة‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقدون بصحة التاربخ اهلجري وبستعملونه‪ ،‬وذلك بسبب ارتماطهم ابملسلمني‪ ،‬وألن ظهور‬
‫النَب حممد صلى هللا عليه وسلم كان مذكورا يف الكتب املقدسة املوجود لدبهم‪.‬‬
‫‪ -‬بعظمون بو األحد كالنصارى وبقدسونه‪ ،‬وال بعملون ليه أي شيء على اإلطماق‪.‬‬
‫‪ -‬بنفرون من اللون األزرق النيلي وال بمامسونه مطلقا‪.‬‬
‫‪ -‬ليس للرجل يَر املتزوج من جنة ال يف الدنيا وال يف اخآرر ‪.‬‬
‫‪ -‬بتنبئون حبوادث املستقبل عن طربق التأمل يف السماء والنجو وبعض احلساابت الفلكية‪.‬‬
‫‪ -‬لكل مناسبة دبنية ألبسة راصة هبا‪ ،‬ولكل مرتبة دبنية لباس راص هبا مييزها عن يَرها‪.‬‬
‫مير ابملطهر؛ ليعود بعد إقامته يف العامل اخآرر إىل عامل‬
‫‪ -‬إذا تويف شخص دون أن بنجب أوالدا لإنه ُّ‬
‫األنوار‪ ،‬مث بعود إىل حالته البدنية مر أررى‪ ،‬حيث تتلبس روحه يف جسم روحاين‪ ،‬ليتزوج وبنجب‬
‫أطفاال‪.‬‬
‫‪ -‬بممنون ابلتناسخ‪ ،‬وبعتقدون بتطبيقاته يف بعض جوانب عقيدهتم‪.‬‬
‫‪ -‬للرجل أن بتزوج ما بشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروله‪.‬‬
‫‪ -‬برلضون شرب الدواء‪ ،‬وال بعرتضون على الدهون واحلقن اجللدبة‪.‬‬
‫‪ -‬الشباب والشاابت أيتون إىل الكهان؛ ليخربوهم عن اليو السعيد الذي ميكنهم أن بتزوجوا ليه‪،‬‬
‫وكذلك خيربون السا لني عن الوقت املناسب للتجار أو السفر‪ ،‬وذلك عن طربق علم النجو ‪.‬‬
‫‪ -‬ال تمكل الذبيحة إال أن تذبح بيدي رجال الدبن وحبضور الشهود‪ ،‬وبقو الذابح ‪ -‬بعد أن بتوضأ‬
‫‪ -‬بغمسها يف املاء اجلاري ثماث مرات‪ ،‬مث بقرأ عليها أذكارا دبنية راصة‪ ،‬مث بذحبها مستقبما‬
‫الشمال‪ ،‬وبستنزف دمها حىت آرر قطر ‪ ،‬وحير الذبح بعد يروب الشمس أو قبل شروقها إال يف‬
‫عيد البنجة‪.‬‬
‫‪ -‬تنص عقيدهتم على أن بكون املَراث حمصورا يف االبن األكرب‪ ،‬لكنهم جملاورهتم املسلمني لقد‬
‫أرذوا بقانون املواربث اإلسمامي‪.‬‬

‫(‪)99/2‬‬
‫املطلب اَخامس‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬
‫‪َ -‬تثر الصابئة بكثَر من الدايانت واملعتقدات اليت احتكوا هبا‪.‬‬
‫‪ -‬أشهر لرق الصابئة قدميا أربعة هي‪ :‬أصحاب الروحانيات‪ ،‬وأصحاب اهلياكل‪ ،‬وأصحاب‬
‫األشخاص‪ ،‬واحللولية‪.‬‬
‫‪ -‬لقد ورد ذكرهم يف القرآن مقرتان ابليهود والنصارى واجملوس واملشركني (انظر اخآايت‪- 62( :‬‬
‫البقر ) ‪ - 69( ,‬املا د )‪ - 17( ،‬احلج)‪ ،‬وهلم أحكا راصة هبم من حيث جواز أرذ اجلزبة منهم‬
‫أو عدمها أسو ابلكتابيني من اليهود والنصارى‪.‬‬
‫‪ -‬عرف منهم الصابئة احلرانيون الذبن انقرضوا‪ ،‬والذبن ختتلف معتقداهتم بعض الشيء عن الصابئة‬
‫املندا يني احلاليني‪.‬‬
‫‪ -‬مل ببق من الصابئة اليو إال صابئة البطا ح املنتشرون على ضفاف األهنر الكبَر يف جنوب العراق‬
‫وإبران‪.‬‬
‫‪َ -‬تثروا ابليهودبة‪ ،‬وابملسيحية‪ ،‬وابجملوسية؛ جملاورهتم هلم‪.‬‬
‫‪َ -‬تثروا ابحلرانيني الذبن ساكنوهم يف حران عقب طردهم من للسطني‪ ،‬لنقلوا عنهم عباد الكواكب‬
‫والنجو أو على األقل تقدبس هذه الكواكب وتعظيمها‪ ،‬وَتثَّروا هبم يف إتقان علم الفلك وحساابت‬
‫النجو ‪.‬‬
‫‪َ -‬تثروا ابأللماطونية احلدبثة اليت استقرت للسفتها يف سوراي‪ ،‬مثل االعتقاد ابلفيض الروحي على‬
‫العامل املادي‪.‬‬
‫‪َ -‬تثَّروا ابلفلسفة الدبنية اليت ظهرت أاي إبراهيم اَخليل ‪ -‬عليه السما ‪ -‬لقد كان الناس حينها‬
‫بعتقدون بقدر الكواكب والنجو على التأثَر يف حيا الناس‪.‬‬
‫‪َ -‬تثروا ابلفلسفة اليواننية اليت استقلت عن الدبن‪ ،‬وبماحظ أثر هذه الفلسفة اليواننية يف كتبهم‪.‬‬
‫‪ -‬لدى الصابئة قسط والر من الوثنية القدمية بتجلى يف تعظيم الكواكب والنجو على صور من‬
‫الصور‪.‬‬

‫(‪)100/2‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫‪ -‬الصابئة املندا يون احلاليون بنتشرون على الضفاف السفلى من هنري دجلة والفرات‪ ،‬وبسكنون يف‬
‫منطقة األهواز وشط العرب‪ ،‬وبكثرون يف مدن العمار والناصربة والبصر وقلعة صاحل واحللفابة‬
‫والزكية وسوق الشيوخ والقرنة‪ ،‬وهي موضع اقرتان دجلة ابلفرات‪ ،‬وهم موزعون على عدد من األلوبة‬
‫مثل لواء بغداد‪ ،‬واحللة‪ ،‬والدبوانية والكوت وكركوك واملوصل‪ .‬كما بوجد أعداد َمتلفة منهم يف‬
‫انصربة املنتفق والشرش وهنر صاحل واجلبابيش والسليمانية‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك بنتشرون يف إبران‪ ،‬وحتدبدا على ضفاف هنر الكارون والدز وبسكنون يف مدن إبران‬
‫الساحلية‪ ،‬كاحملمر ‪ ،‬وانصربة األهواز وششرت ودزبول‪.‬‬
‫نداي جبوار‬
‫‪ -‬هتدمت معابدهم يف العراق‪ ،‬ومل ببق هلم إال معبدان يف قلعة صاحل‪ ،‬وقد بنوا معبدا م ًّ‬
‫املصايف يف بغداد‪ ،‬وذلك لكثر الصابئني النازحني إىل هناك من أجل العمل‪.‬‬
‫‪ -‬بعمل معظمهم يف صياية معدن الفضة لتزبني احللي واألواين والساعات؛ وتكاد هذه الصناعة‬
‫تنحصر ليهم؛ ألهنم حيرصون على حفظ أسرارمها‪ ،‬كما جييدون صناعة القوارب اَخشبية واحلداد‬
‫وصناعة اَخناجر‪.‬‬
‫‪ -‬مهاراهتم يف صياية الفضة دلعتهم إىل الرحيل للعمل يف بَروت ودمشق واإلسكندربة‪ ،‬ووصل‬
‫بعضهم إىل إبطاليا ولرنسا وأمربكا‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لدبهم أي طموح سياسي‪ ،‬وهم بتقربون إىل أصحاب الدايانت األررى بنقاط التشابه‬
‫املوجود بينهم وبني اخآرربن‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫إن الصابئة من أقد الدايانت اليت تعتقد أبن اَخالق واحد‪ ،‬وقد جاء ذكر الصابئني يف القرآن ابعتبار‬
‫أهنم أتباع دبن كتايب‪ .‬وقد ارتلف الفقهاء حول مدى جواز أرذ اجلزبة منهم‪ ،‬إن كانوا أحدثوا يف‬
‫دبنهم ما ليس منه‪ .‬وقد أصبحت هذه الطا فة كأهنا طا فة وثنية تشبه صابئة حران الذبن وصفهم‬
‫جب ما قبله‪ ،‬ومل بعد ألي دبن من الدايانت السابقة‬
‫شيخ اإلسما ابن تيمية‪ ،‬وعموما لاإلسما قد َّ‬
‫مكان بعده‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬الصابئة املندا يون‪ ،‬الليدي دراوور ‪ -‬مطبعة اإلرشاد ‪ -‬بغداد ‪. )1969( -‬‬
‫‪ -‬مندا ي أو الصابئة األقدمون‪ ،‬عبد احلميد عباد ‪ -‬طبع يف بغداد ‪. )1927( -‬‬
‫‪ -‬الصابئة يف حاضرهم وماضيهم‪ ،‬عبد الرزاق احلسين ‪ -‬طبعة لبنان ‪. )1970( -‬‬
‫‪ -‬الكنزاراب‪ ،‬وهو كتاب الصابئة الكبَر‪ ،‬ومنه نسخة يف رزانة املتحف العراقي‪.‬‬
‫‪ -‬الفهرست‪ ،‬ابن الندمي ‪ -‬طبع يف القاهر ‪ )1348( -‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬املختصر يف أربار البشر‪َ ،‬تليف أيب الفداء ‪ -‬طبع يف القاهر (‪ )1325‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬امللل والنحل‪ ،‬للشهرستاين ‪ -‬طبعة لبنان ‪. )1975( -‬‬
‫‪ -‬معجم البلدان‪ ،‬لياقوت احلموي ‪ -‬طبع يف القاهر ‪. )1906( -‬‬
‫‪ -‬مقالة ألنستاس الكرملي‪ ،‬جملة املشرق ‪ -‬بَروت ‪. )1901( -‬‬
‫‪ -‬مقالة لزومير‪ ،‬جملة املقتطف ‪ -‬القاهر ‪. )1897( -‬‬
‫‪ -‬مقالة إلبراهيم اليازجي‪ ،‬جملة البيان ‪ -‬القاهر ‪. )1897( -‬‬
‫‪ -‬املوجز يف اتربخ الصابئة املندا ني العرب البا د ‪ ،‬لعبد الفتاح الزهَري‪ ،‬مطبعة األركان ببغداد‬
‫(‪ )1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الصما املندا ية وبعض الطقوس الدبنية‪ ،‬لرالد الشيخ عبد هللا جنم ‪ -‬بغداد ‪. )1988( -‬‬
‫‪ -‬اعتقادات لرق املسلمني واملشركني‪ ،‬لخر الدبن الرازي ‪ -‬القاهر ‪ )1356( -‬هـ‪.‬‬
‫‪-‬إبراهيم أبو األنبياء‪ ،‬عباس حممود العقاد ‪ -‬دار الكتاب العريب ‪ -‬بَروت ‪ -‬لبنان ‪ -‬صفحة (‪139‬‬
‫‪ )148 -‬طبعة عا (‪1386‬هـ‪. )1967/‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪.Handbook of Classical and Modern Mandai, Berlin 1965 -‬‬
‫‪.Mandaean Bibliography, Oxford University Press, 1933 -‬‬
‫‪Die Mandaer: ihre relligion und ihre Geschichte Muller: -‬‬
‫‪.Amsterdam 1916‬‬
‫‪Frankfort Dr. Henri Archeology and the Sumerian -‬‬
‫‪Problem, Chicago Studies in Ancient Oriental Civilization.‬‬
‫)‪.No. 4 (Univ. of Chicago Press, 1932‬‬
‫‪.J.B. Tavernier, Les Six Voyaojes, Paris 1713 -‬‬
‫‪M.N. Siouffi, Etudes Sur la religion des Soubbas, Paris -‬‬
‫‪.1880‬‬
‫‪E.S. Drower, The Mandaeans of Iraq and Iran, London -‬‬
‫‪.1937‬‬
‫‪H. Pognon, Inscriptions Mandaites des Coupes de -‬‬
‫‪. Khouberir, Paris 1898‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫(‪)101/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫اهلندوسية وبطلق عليها أبضا الربمهية داينة وثنية بعتنقها معظم أهل اهلند‪ ،‬وهي جمموعة من العقا د‬
‫والعادات والتقاليد اليت تشكلت عرب مسَر طوبلة من القرن اَخامس عشر قبل امليماد إىل وقتنا‬
‫تضم القيم الروحية واَخلقية إىل جانب املبادئ القانونية والتنظيمية‪ ،‬متخذ عد‬
‫احلاضر‪ .‬إهنا داينة ُّ‬
‫آهلة حبسب األعمال املتعلقة هبا‪ ،‬للكل منطقة إله‪ ،‬ولكل عمل أو ظاهر إله‪.‬‬

‫(‪)102/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫‪ -‬ال بوجد للداينة اهلندوسية ممسس معني‪ ،‬وال بعرف ملعظم كتبها مملفون معينون‪ ،‬لقد متَّ ُّ‬
‫تشكل‬
‫الداينة‪ ،‬وكذلك الكتب‪ ،‬عرب مراحل طوبلة من الزمن‪.‬‬
‫‪ -‬اخآربُّون الغزا الذبن قدموا إىل اهلند يف القرن اَخامس عشر قبل امليماد هم املمسسون األوا ل‬
‫للداينة اهلندوسية‪.‬‬
‫‪ -‬داينة الفاحتني اجلدبد مل متح الداينة القدمية للهنود‪ ،‬بل مازجتها وَتثرت كل منهما ابألررى‪.‬‬
‫‪ -‬يف القرن الثامن قبل امليماد تطورت اهلندوسية على أبدي الكهنة الربامهة الذبن بزعمون أن يف‬
‫طبا عهم عنصرا إهليًّا‪.‬‬
‫‪ -‬مث تطورت مر أررى يف القرن الثالث قبل امليماد عن طربق قوانني منوشاسرت‪.‬‬

‫(‪)103/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫نستطيع لهم اهلندوسية من رمال كتبها‪ ،‬ونظرهتا إىل اإلله‪ ،‬ومعتقداهتا وطبقاهتا إىل جانب بعض‬
‫القضااي الفكربة والعقا دبة األررى‪.‬‬
‫‪ -‬كتبها‪:‬‬
‫للهندوسية عدد ها ل من الكتب عسَر الفهم يرببة اللغة‪ ،‬وقد أْلفت كتب كثَر لشرحها‪ ،‬وأررى‬
‫الرتصار تلك الشروح‪ ،‬وكلها مقدسة وأمهها‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفيدا ‪ :veda‬وهي كلمة سنسكربتية معناها احلكمة واملعرلة‪ ،‬وتصور حيا اخآربني‪ ،‬ومدارج‬
‫االرتقاء للحيا العقلية من السذاجة إىل الشعور الفلسفي‪ ،‬وليه أدعية تنتهي ابلشك واالرتياب‪ ،‬كما‬
‫أن ليه َتليها برتقي إىل وحد الوجود‪ ،‬وهي تتألف من أربعة كتب هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬رج ليدا أو راجا لندا (أي‪ :‬الفيدا امللكية) وترجع إىل (‪ )3000‬سنة قبل امليماد‪ ،‬ليها ذكر‬
‫إلله اخآهلة (إنذار) مث إلله النار (أيين) مث اإلله (لاروان) مث اإلله سوربه (إله الشمس)‪.‬‬
‫‪ - 2‬جيور ليدا ‪ :Yajur veda‬بتلوها الرهبان عند تقدمي القرابني‪.‬‬
‫‪ - 3‬سم ليدا ‪ :Sama veda‬بنشدون أانشيده أثناء إقامة الصلوات واألدعية‪.‬‬
‫‪ - 4‬أثروا ليدا ‪ :Atharva veda‬عبار عن مقاالت من الرقى والتما م لدلع السحر والتوهم‬
‫واَخرالة واألساطَر والشياطني‪ .‬وكل واحد من هذه الفيدات بشتمل على أربعة أجزاء هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مسَي غهتا‪ :‬متثل مذهب الفطر ‪ ،‬وأدعيته كان بقدمها سكان اهلند األقدمون خآهلتهم قبل زحف اخآربني‪.‬‬
‫ب‪ -‬الربامهن‪ :‬بقدمها الربامهة للمقيمني يف بمادهم مبينة أنواع القرابني‪.‬‬
‫ج‪ -‬آرانياك‪ :‬وهي الصلوات واألدعية اليت بتقد هبا الشيوخ أثناء إقامتهم يف الكهوف واملغاور وبني‬
‫األحراش والغاابت‪.‬‬
‫د‪ -‬آاب نيشادات‪ :‬وهي األسرار واملشاهدات النفسية للعرلاء من الصولية‪.‬‬
‫‪ - 2‬قوانني منو‪ :‬وضعت يف القرن الثالث قبل امليماد يف العصر الوبدي الثاين‪ ،‬عصر انتصار‬
‫اهلندوسية على اإلحلاد الذي متثل يف (اجلينية والبوذبة)‪ .‬وهذه القوانني عبار عن شرح للوبدات بني‬
‫معامل اهلندوسية ومباد ها وأسسها‪.‬‬
‫‪ - 1‬كتب أررى‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مها هبارات‪ :‬ملحمة هندبة تشبه اإللياذ واألودبسة عند اليوانن ومملفها (وايس) ابن العارف‬
‫(بوسرا) الذي وضعها سنة (‪ )950‬ق‪ .‬وهي تصف حراب بني أمراء من األسر املالكة‪ ،‬وقد اشرتكت‬
‫اخآهلة يف هذه احلرب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كيتا‪ :‬تصف حراب بني أمراء من أسر ملكية واحد ‪ ،‬وبنسب إىل كرشنا ليها نظرات للسفية‬
‫واجتماعية‪.‬‬
‫ت ‪ -‬بوجاواسستها‪ :‬حتتوي على أربعة وستني ألف بيت‪ ،‬ألفت ابتداء من القرن السادس عرب مرحلة‬
‫طوبلة على أبدي جمموعة من الناس‪ ،‬ليها أمور للسفية والهوتية‪.‬‬
‫ث‪ -‬راماايان‪ :‬بعتين هذا الكتاب ابأللكار السياسية والدستوربة‪ ،‬وليه رطب مللك امسه (راما)‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)104/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬تعربف ابلكتب املقدسة لدى اهلندوس‪:‬‬


‫الفكر اهلندي بتسلط عليه اُتاه روحاين‪ ،‬ومن هنا كثرت اخآهلة لدى اهلنود‪ ،‬وابلتاِل كثرت الكتب‬
‫املقدسة حىت جاوزت املئات‪ ،‬ووصلت إىل األلوف‪ ،‬ويف الدايانت السماوبة بكون مصدر تقدبس‬
‫الكتب أهنا كما هللا أوحى به إىل أنبيا ه‪ ،‬ابملعىن لقط كالتورا واإلجنيل‪ ،‬أو ابملعىن واللفظ كالقرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬أما مصدر تقدبس الكتب عند اهلندوس لليس ألهنا موحى هبا من هللا‪ ،‬لهي مل بوح هبا‪ ،‬بل ال‬
‫مر القرون‪ ،‬وليس مصدر‬ ‫بعرف ألكثرها واضع معني‪ ،‬وإَنا اشرتك يف َتليفها عدد كبَر من الناس على غ‬
‫التقدبس إبداعها يف الفكر أو األسلوب‪ ،‬لكثَرا ما مشلت هذه الكتب ألكارا بدا ية وأساليب‬
‫ركيكة‪ ،‬بل إن مصدر تقدبس هذه الكتب هو على العمو االُتاه الروحاين لدى الفكر اهلندي‪،‬‬
‫واملوالقة على َتليه أي كا ن‪ ،‬أو تقدبس أي كتاب دون حاجة إىل إبداء األسباب‪.‬‬
‫ومن الناحية العملية كان مصدر هذه الكثر تفسَر كتاب (الوبدا) الذي بعترب أعظم الكتب املقدسة‬
‫لدى اهلندوس‪ ،‬لإن مرور الزمن على هذا الكتاب جعله عسَر الفهم يربب اللغة‪ ،‬لأْلغفت كتب كثَر‬
‫ومرت قرون أررى لاحتاجت هذه الشروح إىل شروح‬
‫لشرحه وتفسَره‪ ،‬وعدَّها اهلندوس مقدسة‪َّ ،‬‬
‫جدبد وإضالات‪ ،‬لكتبت كتب أررى‪ ،‬واستساغ العقل اهلندوسي أن جيعلها مقدسة أبضا‪،‬‬
‫وتضخمت (الوبدا) لاحتاجت إىل وضع َمتصرات قدسها العقل اهلندوسي كذلك‪ .‬هذا ابإلضالة إىل‬
‫كتب وضعت يَر متصلة ابلوبدا‪ ،‬بل تصف حداث دبنيا أو اترخييا جدبدا‪.‬‬
‫على أن الكتب املقدسة لدى اهلنود ليست كلها ‪ -‬بطبيعة احلال ‪ -‬يف مستوى واحد‪ ،‬لمنها كتب‬
‫قليلة االنتشار‪ ،‬أو ال حتظى بتقدبس مجيع اهلندوس‪ ،‬ومنها كتب أقرب إىل الغموض منها إىل‬
‫الوضوح‪ ،‬ومن أعظم كتبهم املقدسة على العمو الوبدا وقوانني (منو)‪.‬‬
‫وبقي أن غ‬
‫نعرف بكتب أربعة أررى تعترب يف القمة بني كتب اهلندوس املقدسة‪ ،‬وهذه الكتب هي‪:‬‬
‫مهاهبارات ‪ -‬كيتا ‪ -‬بوجاواسستها ‪ -‬راماايان‪.‬‬
‫‪ -‬مهاهبارات ‪:Mahapharata‬‬
‫مهاهبارات ملحمة اهلند الكربى‪ ،‬تشبه اإللياذ واألودبسة عند اليوانن‪ ،‬وهي من الكتب اهلندوسية‬
‫القليلة اليت بعرف مملفها‪ ،‬إن امسه (وايس) وهو ابن العارف الكبَر (برسرا) وقد أملى (وايس) هذا‬
‫دونه‪ .‬وقد وقعت هذه امللحمة الكربى حواِل سنة (‪ )950‬ق ‪،‬‬
‫النشيد املقدس على (كنييت) الذي َّ‬
‫وهي تصف حراب بني أمراء أسر ملكية واحد ‪ ،‬ولكن مجيع ملوك اهلند اشرتكوا ليها مع هذا اجلانب‬
‫أو ذاك‪ ،‬بل اختذ اخآهلة دورا يف املعركة أبضا كما تروي األقاصيص ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬كيتا ‪:Gita‬‬
‫هذا الكتاب جزء من امللحمة الكربى مهاهبارات اليت حتدثنا عنها آنفا‪ ،‬واليت ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬تصف‬
‫حراب شعواء بني لربقني من األمراء بنحدران من أسر ملكية واحد ‪ ،‬وبنسب هذا الكتاب أو أكثره‬
‫إىل كرشنا أحد أبطال اهلندوس املقدسني‪ ،‬وكان قد اختذ جانبا يف هذه امللحمة حتت قياد البطل‬
‫ماحظ اهتما هذا الكتاب ال ابجلانب القصصي أو اَخرايف الذي الحظناه يف‬ ‫أرجنا‪ ،‬ومن قراء كيتا بْ َ‬
‫النموذج السابق‪ ،‬بل ابجلانب الفلسفي واالجتماعي‪ ،‬وكيتا هلذا بعترب من الروالد اليت قدَّمت إىل‬
‫مهاهبارات ‪ ...‬التعاليم و ‪ ...‬الثقالات‪ ،‬ومنه استمدت تعاليم كثَر روبناها يف دراستنا السابقة‪،‬‬
‫والكتاب بقد لنا صور اهليئة االجتماعية اهلندبة يف ذلك العصر‪ ،‬لنعلم منه ما كان عليه الشعب من‬
‫املعتقدات الدبنية‪ ،‬والعادات االجتماعية‪ ،‬واأللكار الفلسفية‪ ،‬ووجهة نظره العامة يف احليا وما بعد‬
‫املمات‪.‬‬
‫‪ -‬بوجاواسستها ‪:yogavasisthe‬‬
‫ال بعرف مملف هلذا الكتاب كالشأن يف أكثر الكتب اهلندبة املقدسة‪ ،‬وهو منظو حيتوي على أربعة‬
‫وستني ألفا من األبيات‪ِ ،‬ما برجح أن بكون من عمل جمموعة من الناس‪ ،‬ال من نظم شخص واحد‪،‬‬
‫وزمن َتليفه يَر معروف أبضا‪ ،‬وإن مال بعضهم إىل أنه أْلغف يف القرن السادس امليمادي بسبب‬
‫إشارات وردت ليه تشَر إىل أحداث وقعت يف هذا القرن‪ ،‬ولكن الذي َنيل إليه أنه ألغف يف لرت‬
‫زمنية طوبلة‪ ،‬وأن هذه اإلشارات ليست إال لَلجزاء اليت ألفت يف القرن السادس‪ ،‬وليست دليما‬
‫على حتدبد‪ ،‬وقت لتأليف الكتاب كله‪.‬‬
‫وموضوع الكتاب هو الفلسفة والماهوت‪ ،‬ودراساته عميقة جدا‪ ،‬وبفرتض الكتاب تلميذا امسه (راما)‬
‫تنتابه الشكوك واألوها ‪ ،‬ليسأل أستاذا له عما بساوره‪ ،‬وبطلب بياان إلبضاح ما يمض عليه‪ ،‬وجييبه‬
‫أستاذه شارحا موضحا‪.‬‬
‫‪ -‬راماايان ‪:Ramayana‬‬
‫راماايان كتاب قدمي ال بعرف مملفه وال اتربخ َتليفه ابلضبط‪ ،‬وكل ما نعرله عن اترخيه أنه كله أو بعضه‬
‫أقد من مهاهبارات الذي تكلمنا عنه ليما سبق‪ ،‬وعرف اتربخ راماايان التقربَب بواسطة إشارات يف‬
‫مهاهبارات‪ ،‬وإن كان ذلك ال حيدد اترخيه ابلضبط؛ ألن الكتب املقدسة اهلندبة ألفت يف لرتات طوبلة‪،‬‬
‫لما بدل حدث هبا على اتربخ َتليف الكتاب كله‪.‬‬
‫‪O‬أداين اهلند الكربى ألمحد شلَب‪ -‬ص ‪75‬‬

‫(‪)105/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬نظر اهلندوسية إىل اخآهلة‪:‬‬


‫‪ -‬التوحيد‪:‬‬
‫ال بوجد توحيد ابملعىن الدقيق‪ ،‬لكنهم إذا أقبلوا على إله من اخآهلة أقبلوا عليه بكل جوارحهم‪ ،‬حىت‬
‫ختتفي عن أعينهم كل اخآهلة األررى‪ ،‬وعندها خياطبونه برب األرابب أو إله اخآهلة‪.‬‬
‫‪ -‬التعدد‪:‬‬
‫بقولون أبن لكل طبيعة انلعة أو ضار إهلا بْعبد‪ :‬كاملاء واهلواء واألهنار واجلبال ‪ ..‬وهي آهلة كثَر‬
‫بتقربون إليها ابلعباد والقرابني‪.‬‬
‫‪ -‬التثليث‪:‬‬
‫يف القرن التاسع قبل امليماد مجع الكهنة اخآهلة يف إله واحد أررج العامل من ذاته‪ ،‬وهو الذي أمسوه‪:‬‬
‫‪ - 1‬برامها‪ :‬من حيث هو موجود‪.‬‬
‫‪ - 2‬لشنو‪ :‬من حيث هو حالظ‪.‬‬
‫‪ - 3‬سيفا‪ :‬من حيث هو مهلك‪.‬‬
‫لمن بعبد أحد اخآهلة الثماثة لقد عبدها مجيعا‪ ،‬أو عبد الواحد األعلى‪ ،‬وال بوجد أي لارق بينها‪.‬‬
‫وهم بذلك قد لتحوا الباب أما النصارى للقول ابلتثليث‪.‬‬
‫‪ -‬بلتقي اهلندوس على تقدبس البقر وأنواع من الزواحف كاأللاعي‪ ،‬وأنواع من احليوان كالقرد ‪،‬‬
‫ولكن تتمتع البقر من بينها مجيعا بقداسة تعلو على أي قداسة‪ ،‬وهلا متاثيل يف املعابد واملنازل‬
‫وامليادبن‪ ،‬وهلا حق االنتقال إىل أي مكان‪ ،‬وال جيوز للهندوكي أن ميسها أبذى أو بذحبها‪ ،‬وإذا ماتت‬
‫دلنت بطقوس دبنية‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقد اهلندوس أبن آهلتهم قد حلَّت كذلك يف إنسان امسه كرشنا‪ ،‬وقد التقى ليه اإلله ابإلنسان‪،‬‬
‫أو حل الماهوت يف الناسوت‪ ،‬وهم بتحدثون عن كرشنا كما بتحدث النصارى عن املسيح‪ ،‬وقد عقد‬
‫الشيخ حممد أبو زهر ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬مقارنة بينهما مظهرا التشابه العجيب‪ ،‬بل التطابق‪ ،‬وعلَّق يف‬
‫آرر املقارنة قا ما‪( :‬وعلى املسيحيني أن ببحثوا عن أصل دبنهم)‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬الطبقات يف اجملتمع اهلندوسي‪:‬‬
‫‪ -‬منذ أن وصل اخآربون إىل اهلند َّ‬
‫شكلوا طبقات ما تزال قا مة إىل اخآن‪ ،‬وال طربق إلزالتها؛ ألهنا‬
‫تقسيمات أبدبة من رلق هللا (كما بعتقدون)‪.‬‬
‫‪ -‬وردت الطبقات يف قوانني منو على النحو التاِل‪:‬‬
‫‪ - 1‬الربامهة‪ :‬وهم الذبن رلقهم اإلله برامها من لمه‪ :‬منهم املعلم والكاهن‪ ،‬والقاضي‪ ،‬وهلم بلجأ‬
‫اجلميع يف حاالت الزواج والولا ‪ ،‬وال جيوز تقدمي القرابني إال يف حضرهتم‪.‬‬
‫‪ - 2‬الكاشرت‪ :‬وهم الذبن رلقهم اإلله من ذراعيه‪ :‬بتعلمون وبقدمون القرابني‪ ،‬وحيملون السماح‬
‫للدلاع‪.‬‬
‫‪ - 3‬الوبش‪ :‬وهم الذبن رلقهم اإلله من لخذه‪ :‬بزرعون وبتاجرون وجيمعون املال‪ ،‬وبنفقون على‬
‫املعاهد الدبنية‪.‬‬
‫‪ - 4‬الشودر‪ :‬وهم الذبن رلقهم اإلله من رجليه‪ ،‬وهم مع الزنوج األصليني بشكلون طبقة املنبوذبن‪،‬‬
‫وعملهم مقصور على ردمة الطوا ف الثماث السابقة الشربفة‪ ،‬وميتهنون املهن احلقَر والقذر ‪.‬‬
‫‪ -‬بلتقي اجلميع على اَخضوع هلذا النظا الطبقي بدالع دبين‪.‬‬
‫‪ -‬جيوز للرجل أن بتزوج من طبقة أعلى من طبقته‪ ،‬وجيوز أن بتزوج من طبقة أدىن‪ ،‬على أن ال تكون‬
‫الزوجة من طبقة الشودر الرابعة‪ ،‬وال جيوز للرجل من طبقة الشودر أن بتزوج من طبقة أعلى من‬
‫طبقته حبال من األحوال‪.‬‬
‫‪ -‬الربامهة هم صفو اَخلق‪ ،‬وقد أحلقوا ابخآهلة‪ ،‬وهلم أن أيرذوا من أموال عبيدهم (شودر) ما‬
‫بشاؤون‪.‬‬
‫‪ -‬الربمهي الذي بكتب الكتاب املقدس هو رجل مغفور له ولو أابد العوامل الثماثة بذنوبه‪.‬‬
‫‪ -‬الجيوز للملك ‪ -‬مهما اشتدت الظروف ‪ -‬أن أيرذ جبابة أو إاتو من الربمهي‪.‬‬
‫‪ -‬إن استحق الربمهي القتل مل جيز للحاكم إال أن حيلق رأسه‪ ،‬أما يَره ليقتل‪.‬‬
‫‪ -‬الربمهي الذي هو يف العاشر من عمره بفوق الشودري الذي انهز املا ة‪ ،‬كما بفوق الوالد ولده‪.‬‬
‫بصح لربمهي أن ميوت جوعا يف بماده‪.‬‬
‫‪ -‬ال ُّ‬
‫‪ -‬املنبوذون أحط من البها م‪ ،‬وأذل من الكماب حبسب قانون منو‪.‬‬
‫‪ -‬من سعاد املنبوذبن أن خيدموا الربامهة‪ ،‬وليس هلم أجر أو ثواب‪.‬‬
‫مد أحد املنبوذبن إىل برمهي بدا أو عصا ليبطش به قطعت بده‪ ،‬وإذا رلسه لْ غدعت رجله‪.‬‬
‫‪ -‬إذا َّ‬
‫‪ -‬إذا َه َّم أحد من املنبوذبن مبجالسة برمهي لعلى امللك أن بكوي استه وبنفيه من البماد‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ادَّعى أحد املنبوذبن أنه بعلغم برمهيًّا لإنه بسقى زبتا مغليًّا‪.‬‬
‫‪ -‬كفار قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة املنبوذ سواء‪.‬‬
‫‪ -‬ظهر ممررا بعض التحسن البسيط يف أحوال املنبوذبن رولا من استغمال أوضاعهم ودروهلم يف‬
‫أداين أررى‪ ،‬ال سيما النصرانية اليت تغزوهم‪ ،‬أو الشيوعية اليت تدعوهم من رمال لكر صراع‬
‫الطبقات‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن كثَرا من املنبوذبن وجدوا العز واملساوا يف اإلسما لاعتنقوه‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)106/2‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬العباد عند اهلندوس على قسمني‪:‬‬


‫وبسمون احلكماء والصولية‪ :‬وهم بتعبدون بتعذبب النفس والتجرد من الدنيا‬
‫‪1‬ـ عباد الربامهة‪َّ ،‬‬
‫الذي بهدف يف النهابة إىل االحتاد ابإلله (برامها)‪ ،‬أي‪ :‬تصبح نفوسهم جزءا من ذاته‪.‬‬
‫وهم بقطعون أعمارهم يف الصو وقراء الكتب املقدسة‪ ،‬وقد بعيشون يف الغاابت عرا ‪ ،‬وميارسون‬
‫أنواعا من الرايضات البدنية الشاقة (ومنها اليويا) وال بتزوجون وال ميلكون شيئا من الدنيا‪.‬‬
‫وهم بتعلمون السحر والشعوذ ليتوصلوا هبا إىل إثبات اَخوارق والكرامات اليت بزعمون أن (برامها)‬
‫أعطاهم إايها‪.‬‬
‫وهمالء بتلقون طرا ق العباد من طربق التوارث‪ ،‬لكل كاهن غ‬
‫بريب جمموعة من املربدبن على طربقته‪،‬‬
‫وال حيق للمربد َمالفة املريب أو االعرتاض عليه يف شيء‪.‬‬
‫‪2‬ـ عباد العامة‪ :‬وهم بعبدون كل شيء من شجر وحجر ودواب حىت أن منهم من بسجد للسا ح‬
‫والذر ‪ ،‬وكل ما انل إعجابه سجد له وعبده‪ ،‬وتزعم‬
‫األجنَب أو سيارته‪ ،‬ومنهم من بسجد للعنكبوت َّ‬
‫كتب اهلندوس املقدسة أن اإلله اَخالق هو الذي أمر بنحت األصنا وعبادهتا‪ ،‬وقال‪ :‬إهنا تذكرهم‬
‫بعبادته‪.‬‬
‫العباد املشرتكة‪:‬‬
‫املعبود املشرتك الذي بتفق اَخاصة والعامة على عبادته هو (البقر )‪.‬‬
‫لاهلندوس بقدسون البقر تقدبسا عظيما حىت لضماهتا‪ ،‬وقد صرح الر يس السابق (ياندي) الذي‬
‫كان بعترب زعيما للعامل الثالث ودول عد االحنياز قا ما‪( :‬إين أعبد البقر وسأدالع عن عبادهتا أما‬
‫العامل ‪) .....‬‬
‫‪O‬أصول الفرق واملذاهب الفكربة لسفر احلواِل – ص ‪101‬‬

‫(‪)107/2‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬معتقداهتم‪:‬‬


‫‪ -‬تظهر معتقداهتم يف الكارما‪ ،‬وتناسخ األرواح‪ ،‬واالنطماق‪ ،‬ووحد الوجود‪:‬‬
‫‪ - 1‬الكارما‪ :‬قانون اجلزاء‪ ،‬أي‪ :‬أن نظا الكون إهلي قا م على العدل احملض‪ ،‬هذا العدل الذي‬
‫سيقع ال حمالة إما يف احليا احلاضر أو يف احليا القادمة‪ ،‬وجزاء حيا ٍ بكون يف حيا أررى‪ ،‬واألرض‬
‫هي دار االبتماء كما أهنا دار اجلزاء والثواب‪.‬‬
‫‪ - 2‬تناسخ األرواح‪ :‬إذا مات اإلنسان بفىن منه اجلسد‪ ،‬وتنطلق منه الروح لتتقمص وحتل يف جسد‬
‫قد من عمل يف حياته األوىل‪ ،‬وتبدأ الروح يف ذلك دور جدبد ‪.‬‬ ‫آرر‪ ،‬حبسب ما َّ‬
‫‪ - 3‬االنطماق‪ :‬صاحل األعمال ولاسدها بنتج عنه حيا جدبد متكرر ‪ ،‬لتثاب ليها الروح أو‬
‫لتعاقب على حسب ما قدمت يف الدور السابقة‪.‬‬
‫‪ -‬من مل بريب يف شيء ولن بريب يف شيء‪ ،‬وحترر من غ‬
‫رق األهواء‪ ،‬واطمأنت نفسه‪ ،‬لإنه ال بعاد‬
‫إىل حواسه‪ ،‬بل تنطلق روحه لتتحد ابلربامها‪.‬‬
‫‪ -‬بمرذ على هذا املبدأ أنه جعل التصوف والسلبية ألضل من صاحل األعمال؛ ألن ذلك طربق‬
‫لماحتاد ابلربامها‪.‬‬
‫‪ - 4‬وحد الوجود‪ :‬التجربد الفلسفي ارتقى ابهلنادكة إىل أن اإلنسان بستطيع رلق األلكار‬
‫واألنظمة واملمسسات‪ ،‬كما بستطيع احملالظة عليها أو تدمَرها‪ ،‬وهبذا بتحد اإلنسان مع اخآهلة‪ ،‬وتصَر‬
‫النفس هي عني القو اَخالقة‪.‬‬
‫أ‪ -‬الروح كاخآهلة أزلية سرمدبة‪ ،‬مستمر ‪ ،‬يَر َملوقة‪.‬‬
‫ب‪ -‬العماقة بني اإلنسان وبني اخآهلة كالعماقة بني شرار النار والنار ذاهتا‪ ،‬وكالعماقة بني البذر وبني‬
‫الشجر ‪.‬‬
‫ت ‪ -‬هذا الكون كله ليس إال ظهورا للوجود احلقيقي‪ ،‬والروح اإلنسانية جزء من الروح العليا‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫‪ -‬بعتقدون أن اإلله له ثماثة أقانيم ‪ -‬أي‪ :‬ثماثة حاالت ‪ -‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬برامها موجد العامل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مشنو حالظ العامل‪.‬‬
‫ج ‪ -‬سيفا مهلك العامل‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقدون أن هناك آهلة كثَر أقل من اإلله املثلث‪ ،‬ومن تلك اخآهلة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬آجين إله النار‪.‬‬
‫ب ‪ -‬لابو إله الربح‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أندر إله العاصفة‪.‬‬
‫د ‪ -‬أوشاس إله الفجر‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬ابدجبانيا إله املطر‪.‬‬
‫وسوراب إله الشمس‪ ،‬أو مسرت‪ ،‬أو لشنو‪.‬‬
‫ز ‪ -‬سوما‪ :‬إله النبات املقدس الذي بسكر عصَره كل الناس‪ ،‬وكل اخآهلة‪.‬‬
‫ح ‪ -‬ساليتار آهلة الشمس‪.‬‬
‫ط ‪ -‬ليفا سفات إله ضوء الشمس‪.‬‬
‫‪ -‬بعبدون كل ما بعجبهم‪ ،‬أو حيبونه‪ ،‬أو خيالونه من املخلوقات من حوهلم‪ ،‬ولذلك حتظى البقر عند‬
‫اهلندوس حىت اخآن ابملكانة األوىل تقدبسا‪ ،‬وعباد ؛ لهم حيلبوهنا‪ ،‬وبعبدوهنا‪.‬‬
‫وهلا متاثيل يف كل معبد‪ ،‬ومنزل وميدان‪ ،‬وهي تتمتع حبربة مطلقة يف ارتياد الطرقات كيف شاءت‪.‬‬
‫وال جيوز للهندوس حتت أي ظرف من الظروف أن أيكل حلمها‪ ،‬أو بستغل جلدها يف أي صناعة من‬
‫الصناعات‪ ،‬وهي إذا ماتت وجب دلنها جبمال مع أعظم طقوس الدبن‪.‬‬
‫‪ -‬عباد القرد ‪ ،‬واأللاعي‪ ،‬والفيلة‪ :‬وأرطر األلاعي املقدسة ألعى تسمى (انجن)‪ ،‬وهلا عند اهلندوس‬
‫منزلة عالية؛ لعضة واحد منها تمدي إىل موت سربع‪ ،‬وهلذا لهم بقيمون هلا حفما دبنيًّا كل عا ‪،‬‬
‫َّ‬
‫تقد هلا ليها هي وزميماهتا من األلاعي قرابني من اللنب واملوز عند مدارل جحورها!‬
‫وأكرب مركز لعباد األلاعي يف شرقي ميسور؛ لهناك يف معابد هذا اإلقليم تسكن مجوع زارر من‬
‫األلاعي؛ حيث بقو الكهنة على إطعامها واالهتما هبا‪.‬‬
‫وهم بعبدون األلاعي والفيلة والقرد ؛ ألهنم بزعمون أهنا مصادر الرعب اليت ترمز إىل طبيعة األمل‪.‬‬
‫وإذا كانت القرد واأللاعي والفيلة هلا قدسية عند اهلندوس ‪ -‬لهناك من احليواانت األررى ما بتمتع‬
‫هو مبثل هذه القدسية‪ ،‬مثل التماسيح‪ ،‬والنمور‪ ،‬والطواوبس‪ ،‬والببغاوات؛ ألن لكل منها روحا‪،‬‬
‫واألرواح ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬متضي متنقلة بني احليوان واإلنسان‪ ،‬وهلذا لهي صنوف إهلية نسجت ريوطها‬
‫يف شبكة واحد ال هنابة هلا‪.‬‬
‫‪ -‬بنكرون البعث واليو اخآرر‪ ،‬وبرون أنه البد من اجلزاء واحلساب على اَخَر والشر‪ ،‬لكن ذلك‬
‫بكون يف احليا الدنيا‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقدون بتناسخ األرواح‪ ،‬أو ُتوال الروح‪ :‬وذلك سبب إنكارهم البعث؛ لهم برون تناسخ‬
‫األرواح؛ ليكون اجلزاء على الروح إذا انتقلت بني األجساد‪ ،‬لهي تنتقل ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬من جسد إىل‬
‫آرر سواء أكان يف اإلنسان‪ ،‬أو احليوان‪.‬‬
‫اإللمات من‬
‫َ‬ ‫غ‬
‫النفس‬ ‫‪ -‬وحد الوجود‪ :‬وهي ما بْعرف عندهم بفكر االنطماق‪ ،‬وهي متثل حماولةَ‬
‫دورات ُتواهلا‪ ،‬ونتا ج أعماهلا؛ لاحليا ‪ -‬يف عرف الربامهة ‪ -‬شر‪ ،‬ورداع‪ ،‬وأسر‪.‬‬
‫أما احليا احلقة لهي يف استجماء طلعة (برامها) اليت ال تكتسب إال ابالحتاد واالندماج ليه‪ ،‬كما‬
‫تندمج قطر املاء يف احمليط األعظم‪.‬‬
‫وذلك إَنا جييء عن طربق االستنار اإلهلية‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص ‪38 - 36‬‬

‫(‪)108/2‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬ألكار ومعتقدات أررى‪:‬‬


‫‪ -‬األجساد حترق بعد املوت؛ ألن ذلك بسمح أبن تتجه الروح إىل أعلى وبشكل عمودي لتصل إىل‬
‫امللكوت األعلى يف أقرب زمن‪ ،‬كما أن االحرتاق هو ختليص للروح من يماف اجلسم ختليصا اتما‪.‬‬
‫‪ -‬عندما تتخلص الروح وتصعد‪ ،‬بكون أمامها ثماثة عوامل‪:‬‬
‫‪ - 1‬إما العامل األعلى‪ :‬عامل املما كة‪.‬‬
‫‪ - 2‬وإما عامل الناس‪ :‬مقر اخآدميني ابحللول‪.‬‬
‫‪ - 3‬وإما عامل جهنم‪ :‬وهذا ملرتكَب اَخطااي والذنوب‪.‬‬
‫‪ -‬ليس هناك جهنم واحد ‪ ،‬بل لكل أصحاب ذنب جهنم راصة هبم‪.‬‬
‫‪ -‬البعث يف العامل اخآرر إَنا هو لَلرواح ال لَلجساد‪.‬‬
‫‪ -‬برتقَّى الربمهي يف أربع درجات‪:‬‬
‫‪ - 1‬التلميذ وهو صغَر‪.‬‬
‫‪ - 2‬رب األسر ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الناسك‪ :‬وبقو ابلعباد يف الغاابت إذا تقد به السن‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفقَر‪ :‬الذي خيرج من حكم اجلسد‪ ،‬وتتحكم ليه الروح‪ ،‬وبقرتب من اخآهلة‪.‬‬
‫‪ -‬املرأ اليت ميوت عنها زوجها ال تتزوج بعده‪ ،‬بل تعيش يف شقاء دا م‪ ،‬وتكون موضعا لإلهاانت‬
‫والتجربح‪ ،‬وتكون يف مرتبة أقل من مرتبة اَخاد ‪.‬‬
‫حر القانون‬
‫‪ -‬قد حترق املرأ نفسها إثر ولا زوجها تفاداي للعذاب املتوقع الذي ستعيش ليه‪ ،‬وقد َّ‬
‫هذا اإلجراء يف اهلند احلدبثة‪.‬‬
‫‪ -‬الداينة اهلندبة ُتيز عقد القران لَلطفال وهم َيحيبْون‪ ،‬وحيدث أن ميوت الولد لتشب البنت أرملة‬
‫حر ذلك‪ ،‬ومنع عقد القران إال يف سن الشباب‪.‬‬‫ابتداء‪ ،‬ولكن القانون اهلندي احلدبث َّ‬
‫‪ -‬ليس للفرد أمهية إال إذا كان عضوا يف مجاعة‪ ،‬وتكون هذه اجلماعة عضوا يف مجاعة أكرب‪ ،‬ذلك‬
‫ألن العنابة للجماعة ال للفرد‪.‬‬
‫‪ -‬بماحظ هبوط املستوى االقتصادي ملعتنقي اهلندوسية؛ ألن بعض الطبقات ال تعمل؛ ذلك ألن‬
‫العمل ال بليق مبكانتها السامية كطبقة الربامهة مثما‪.‬‬
‫‪ -‬نظا الطبقات بعطل مبدأ تكالم الفرص‪.‬‬
‫‪ -‬رلضت اهلندوسية حركة اإلصماح الدارلي املتمثلة يف اإلسما ‪ ،‬وقاومتها حمتفظة بتعليماهتا‬
‫ومعتقداهتا‪.‬‬
‫‪ -‬حاول الزعيم اهلندي (ياندي) تقليص احلد بني الطبقات وبني املنبوذبن‪ ،‬ولكن حماوالته ذهبت‬
‫أدراج الرايح‪ ،‬بل كان هو ذاته ضحية هلذه احملاولة‪.‬‬
‫‪ -‬حاولت مجاعة (السيخ) إنشاء دبن موحد من اهلندوسية واإلسما ‪ ،‬لكنهم لشلوا إذ سرعان ما‬
‫أنغلقوا على أنفسهم‪ ،‬وصاروا طبقات متميز برلضون التزاوج مع يَرهم‪.‬‬

‫(‪)109/2‬‬

‫املطلب التاسع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫‪ -‬يف القرن اَخامس عشر قبل امليماد كان هناك سكان اهلند األصليني من الزنوج الذبن كانت هلم‬
‫ألكار ومعتقدات بدا ية‪.‬‬
‫ماربن يف طربقهم ابإلبرانيني‪ ،‬لتأثَّرت معتقداهتم ابلبماد اليت مروا هبا‪ ،‬وملا‬
‫‪ -‬جاء الغزا اخآربون غ‬
‫استقروا يف اهلند حصل متازج بني املعتقدات تولَّدت عنه اهلندوسية كدبن ليه ألكار بدا ية من عباد‬
‫الطبيعة واألجداد والبقر بشكل راص‪.‬‬
‫‪ -‬ويف القرن الثامن قبل امليماد تطورت اهلندوسية عندما ْوضع مذهب الربمهية‪ ،‬وقالوا بعباد برامها‪.‬‬
‫‪ -‬عصفت ابلداينة اهلندبة حركتان قوبتان مها اجلينية والبوذبة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهرت قوانني منو لأعادت إليها القو ‪ ،‬وذلك يف القرن الثاين والثالث قبل امليماد‪.‬‬
‫‪ -‬انتقلت لكر التثليث من الفكر اهلندي إىل الفكر النصراين بعد رلع املسيح عليه السما ‪.‬‬
‫‪ -‬انتقل لكر التناسخ واحللول ووحد الوجود إىل بعض املسلمني الذبن ضلُّوا‪ ،‬لظهرت هذه العقا د‬
‫عند بعض املتصولة‪ ،‬وكذلك ظهرت عند اإلمساعيلية وعند الفرق الضالة كاألمحدبة‪.‬‬

‫(‪)110/2‬‬

‫املطلب العاشر‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫كانت الداينة اهلندوسية‪ ،‬حتكم شبه القار اهلندبة‪ ،‬وتنتشر ليها على ارتماف يف الرتكيز‪ ،‬ولكن البون‬
‫الشاسع بني املسلمني واهلندوس يف نظرتيهما إىل الكون واحليا وإىل البقر اليت بعبدها اهلندوس‪،‬‬
‫وبذحبها املسلمون وأيكلون حلمها؛ كان ذلك سببا يف حدوث التقسيم‪ ،‬حيث أْعلن عن قيا دولة‬
‫الباكستان جبزأبها الشرقي والغريب واليت معظمها من املسلمني‪ ،‬وبقاء دولة هندبة معظم سكاهنا‬
‫هندوس‪ ،‬واملسلمون ليها أقلية كبَر ‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن الداينة اهلندوسية مزبج من الفلسفة اهلندبة والداينتني اليهودبة واملسيحية‪ ،‬كما أهنا عقيد حمدود‬
‫صح هذا لما بد أنه قد حصل هلا الكثَر‬
‫األتباع‪ .‬وبعتقد اهلندوس أهنا جاءت عن طربق الوحي‪ ،‬ولو َّ‬
‫من التحربف والتبدبل حىت أصبحت أسلواب يف احليا أكثر ِما هي عقيد واضحة املعامل‪ .‬وتشمل من‬
‫العقا د ما بهبط إىل عباد األشجار واألحجار والقرود واألبقار ‪ ..‬إىل يَر ذلك من أنواع الوثنية اليت‬
‫تتناىف مع أبسط قواعد التوحيد‪ .‬كما أن التقسيم الطبقي ليها بتعارض مع كرامة اإلنسان وجيعلها‬
‫بعيد عن الوحي الرابين‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)111/2‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬
‫هي للسفة وضعية انتحلت الصبغة الدبنية‪ ،‬وقد ظهرت يف اهلند بعد الداينة الربمهية اهلندوسية يف‬
‫القرن اَخامس قبل امليماد‪ .‬وكانت يف البدابة تناهض اهلندوسية‪ ،‬وتتجه إىل العنابة ابإلنسان‪ ،‬كما أن‬
‫ليها دعو إىل التصوف واَخشونة‪ ،‬ونبذ الرتف‪ ،‬واملنادا ابحملبة والتسامح ولعل اَخَر‪ .‬وبعد موت‬
‫ممسسها حتولت إىل معتقدات ابطلة‪ ،‬ذات طابع وثين‪ ،‬ولقد ياىل أتباعها يف ممسسها حىت َّأهلوه‪.‬‬
‫لكراي مبنيًّا على نظرايت للسفية‪ ،‬وتعاليمها ليست وحيا‪ ،‬وإَنا هي‬
‫وهي تعترب نظاما أرماقيًّا ومذهبا ًّ‬
‫آراء وعقا د يف إطار دبين‪ .‬وختتلف البوذبة القدمية عن البوذبة اجلدبد يف أن األوىل صبغتها أرماقية‪،‬‬
‫يف حني أن البوذبة اجلدبد هي تعاليم بوذا َمتلطة ِبراء للسفية وقياسات عقلية عن الكون واحليا ‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)112/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬بدابة البوذبة وتطورها‪:‬‬


‫قامت البوذبة يف بدابتها على مناهضة اهلندوسية الربمهية‪ ،‬اليت أيرقت يف الشكليات والطقوس‪.‬‬
‫وكانت ‪ -‬أي البوذبة ‪ -‬متجهة إىل العنابة ابإلنسان‪ ،‬ورايبة يف إبصاله إىل مرحلة (النرلاان) وهي‬
‫السعاد القصوى‪ ،‬وذلك عن طربق رشونة العيش‪ ،‬وتعذبب النفس‪ ،‬وقتل مجيع شهواهتا‪ ،‬ونبذ‬
‫الرتف‪ ،‬واملنادا ابحملبة‪ ،‬والتسامح‪ ،‬ولعل اَخَر‪.‬‬
‫حتولت إىل داينة ذات طابع وثين‪ ،‬تقو على َتليه بوذا‪ ،‬وَترذ طابعا اجتماعيا‬
‫وبعد موت ممسسها َّ‬
‫دبنيًّا مييل إىل اإلحلاد‪ ،‬وختتلف ابرتماف األمكنة‪.‬‬
‫‪O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ص ‪40‬‬
‫تطور البوذبة‪:‬‬
‫قدَّس البوذبون بوذا تقدبسا عظيما‪ ،‬وكتبوا كثَرا عن سَرته وأعماله وألكاره‪ ،‬ودرل يف البوذبة شعوب‬
‫وأجناس شىت‪ ،‬ونتج عن ذلك انقسا البوذبة إىل قسمني‪:‬‬
‫‪1‬ـ البوذبة القدمية‪:‬‬
‫وتسمى اجلنوبية؛ النتشارها يف بورما واتبماند وسيمان‪ ،‬وهي يف احلقيقة تملغه بوذا وتعبده‪ ،‬وزعيمها هو‬
‫َّ‬
‫حيل ليه‪ ،‬وتتميز ابلرهبانية الشدبد ‪.‬‬
‫(الماما) ومقره بماد التبت‪ ،‬وبعتقد أتباعه أن اإلله ُّ‬
‫‪2‬ـ البوذبة اجلدبد ‪:‬‬
‫وتسمى الشمالية؛ النتشارها يف الياابن وكوراي والصني‪.‬‬
‫َّ‬
‫وتتميز ابلفلسفة والتعمق وتعدد اخآهلة‪ ،‬لفي الصني بعتقدون أن اخآهلة ثماثة وثماثون‪ ،‬والياابنيون‬
‫بعتقدون أن إمرباطورهم من نسل اخآهلة‪.‬‬
‫‪O‬أصول الفرق واملذاهب الفكربة لسفر احلواِل – ص ‪109‬‬

‫(‪)113/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫أسسها سدهارات جواتما امللقب ببوذا (‪ )480 – 560‬ق‪ .‬وبوذا تعين العامل‪ ،‬وبْ َّ‬
‫لقب أبضا بسكيا‬ ‫َّ‬
‫لشب مرتلا يف النعيم‪،‬‬
‫موين‪ ،‬ومعناه املعتكف‪ .‬وقد نشأ بوذا يف بلد على حدود نيبال‪ ،‬وكان أمَرا َّ‬
‫وتزوج يف التاسعة عشر من عمره وملا بل السادسة والعشربن هجر زوجته منصرلا إىل الزهد‬
‫َّ‬
‫ُّ‬
‫والتقشف‪ ،‬واَخشونة يف املعيشة‪ ،‬والتأمل يف الكون ورايضة النفس‪ ،‬وعز على أن بعمل على ختليص‬
‫اإلنسان من آالمه اليت منبعها الشهوات‪ ،‬مث دعا إىل تبين وجهة نظره‪ ،‬حيث تبعه أانس كثَرون‪.‬‬
‫اجتمع أتباع بوذا بعد ولاته يف مممتر كبَر يف قربة راجاجراها عا (‪ )483‬ق‪ .‬إلزالة اَخماف بني‬
‫أتباع املذهب‪ ،‬ولتدوبن تعاليم بوذا؛ رشية ضياع أصوهلا‪ ،‬وعهدوا بذلك إىل ثماثة رهبان هم‪:‬‬
‫اهتم ابملسا ل العقلية‪.‬‬
‫‪ - 1‬كاشيااب‪ ،‬وقد َّ‬
‫اهتم بقواعد تطهَر النفس‪.‬‬
‫‪ - 2‬أوايِل‪ ،‬وقد َّ‬
‫دون مجيع األمثال واحملاورات‪.‬‬
‫‪ - 3‬أانندا وقد َّ‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)114/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬ممسس البوذبة‪:‬‬


‫ممسس البوذبة رجل بْ َّ‬
‫لقب بـ‪ :‬بوذا‪ ،‬وأما امسه لهو‪ :‬سدهارات‪ ،‬أو سدذارات‪.‬‬
‫وبوذا الذي تنسب إليه هذه الداينة ابن حاكم‪ ،‬وقد ولد يف حدبقة لومبيين ابلقرب من مدبنة كابيما‬
‫لاستو يف مشال اهلند من إقليم نيبال‪ ،‬وذلك سنة (‪ )568‬قبل امليماد‪.‬‬
‫وختتلف تواربخ ميماده‪ ،‬ولكن ما ذكر هو أرجح األقوال يف اتربخ مولده‪.‬‬
‫وتتحدث األساطَر عن مولده وما قبله‪ ،‬وأاي محله‪ ،‬لتذكر أنه ولد نظيفا‪ ،‬ال كما بولد األطفال‪ ،‬بل‬
‫نزل من بطن أمه وهي واقفة ِمسكة بغصن‪ ،‬ومل تشعر أبمل‪ ،‬وكان جسمه نظيفا كاملرآ ‪ ،‬وذكروا له‬
‫معجزات وكرامات‪.‬‬
‫مر‪ -‬ومعناه‪ :‬الذي َّ‬
‫حقق أمله‪.‬‬ ‫أما امسه لقد مسي سدهارات‪ ،‬أو سدذارات ‪ -‬كما َّ‬
‫وأما ألقابه لكثَر ؛ لمنها (شاكياموين) أي‪ :‬حكيم قبيلة شاكياس‪ ،‬و (بسكياموين) أي‪ :‬املعتكف‪.‬‬
‫ومن ألقابه (اتذاجاات) ومعناها‪ :‬الرجل الفا ز ابحلق‪ ،‬وأما (بوذا) لمعناه‪ :‬املستنَر‪ ،‬أو العامل‪.‬‬
‫لشب مرتلا منعما‪ ،‬وتعلَّم الفروسية‪ ،‬وابل ممرروه‬
‫ونشأ بوذا يف بلده على حدود نيبال‪ ،‬وكان أمَرا؛ َّ‬
‫ص َن إلدرال السرور على قلبه‪،‬‬ ‫ص ي‬‫يف كل صغَر وكبَر يف حياته حىت زعموا أن أربعة آالف راقصة ْر غ‬
‫زوجه منتقا ٌ من مخسما ة حسناء‪.‬‬
‫وأن َ‬
‫تزوج يف السادسة عشر من عمره ‪ -‬وقيل‪ :‬يف التاسعة عشر ‪ -‬بزوجه ايسواذا بنت أحد زعماء‬ ‫وقد َّ‬
‫قبيلة كوِل‪ ،‬وعاش معها سعيدا هانئا‪ ،‬وأجنبت له ابنه راهوال‪.‬‬
‫صمم على أن ببحث عن احلقيقة مهما كلَّفه األمر‪ ،‬وذلك بعد أن َّ‬
‫مر‬ ‫وبعد عشر سنوات من زواجه َّ‬
‫عليه صنوف من اخآال ‪ ،‬وذلك ملا رآه من األحزان واملصا ب‪.‬‬
‫وعز على أن بعمل على ختليص اإلنسان من آالمه اليت منبعها الشهوات‪ ،‬مث دعا إىل تَـبَ غين وجهة‬
‫نظره حيث تبعه أانس كثَرون‪.‬‬
‫وذات ليلة عز على مغادر القصر‪ ،‬وهجر زوجته وولده‪ ،‬وهبط إىل االصطبل‪ ،‬وارتار جواده‬
‫األبيض ورادمه (شنا)‪.‬‬
‫صوت‬
‫ْ‬ ‫وبزعمون أن من معجزاته وهو بتهيأ لفراق القصر أن أبوابه لتحت من تلقاء نفسها‪ ،‬ومل بْ يس َمع‬
‫وجز‬
‫رطوات جواده؛ حىت إذا انتهى إىل هنر أنوما نزل عن جواده ونزع ما كان بتزبن به من اجلواهر‪َّ ،‬‬
‫لغ َّمتَه بسيفه‪ ،‬وأعطى كل ذلك رادمه‪ ،‬وأمره أن بعود إىل قصر أبيه‪ ،‬وخيربه خبربه‪.‬‬
‫ومر به سا ل لتبادل معه املمابس‪.‬‬
‫َّ‬
‫مث انتقل بعد سبعة أاي من شاطئ أنوما‪ ،‬ويادره إىل مدبنة إجاجربها عاصمة امللك مببيارا ملك ِملكة‬
‫ماجاذا‪ ،‬حيث بقيم يف كهوف تمال ونداي نساك وقفوا حياهتم للتأمل والتفكَر‪ ،‬ودراسة للسفات‬
‫صد الغار الذي ليه‬ ‫اهلند القدمية؛ رجاء أن بولَّقوا غ‬
‫حلل مشكلة احليا ‪ ،‬وبفكوا ألغازها املغلقة‪ ،‬وقَ َ‬
‫الناسكان أالراكاالما وأداكا‪ ،‬وكانت شهر أالرا الربمهي واسعة‪.‬‬
‫وعندما درل يار أالرا وجده مستغرقا يف َتمله وتفكَره‪ ،‬لوقف يف إجمال وصمت بني بدبه راشعا‪،‬‬
‫وهجست يف نفسه راطر ‪ - :‬أترى أجد لدبه مفتاح السر‪-‬؟‬
‫بعد ذلك جلس إليهما‪ ،‬وأرذ منهما ما لدبهما‪ ،‬ودرس عليهما أسفار الفيدا‪ ،‬واليوابنيشاد‪ ،‬واختذ له‬
‫كهفا‪ ،‬وكان موضع إعجاب النساك مجيعا‪ ،‬وطابت له حيا الزهاد والتقشف‪ ،‬وأرسل إليه والده‬
‫بطلبه‪ ،‬ولكنه اعتذر‪ ،‬وقد وصل بوذا إىل درجة عالية‪ ،‬وهي مرشد النساك‪.‬‬
‫وبعد سنتني أدرك أن الربمهية عاجز عن غ‬
‫حل لغز الوجود‪ ،‬ومشكلة احليا ؛ لانصرف إىل يابة‬
‫ابلبنغال‪ ،‬وقسا على نفسه‪ ،‬وتقلَّب يف أشد ضروب التقشف واحلرمان‪ ،‬وقضى ست سنوات على‬
‫هذه احلال حىت أشرف على اهلماك‪ ،‬وذاع صيته يف اخآلاق‪.‬‬
‫ولكن ذلك التعذبب للجسد والسكون التا مل بصما به إىل يابته‪ ،‬بل عاقه ذلك الضعف الذي‬
‫أصابه من جراء التعذبب عن القو والتفكَر‪.‬‬

‫(‪)115/2‬‬

‫صمم بعد ذلك على ترك احليا اليت َحيغيَها ِما محل أتباعه النساك اَخمسة أن بثنوه عن عزمه‪ ،‬للم‬
‫مث َّ‬
‫حاد عن الطربق‪ ،‬وتركوه ومضوا إىل مرج الغزال يف‬
‫بفلحوا‪ ،‬واعتربوا ذلك منه رد ‪ ،‬واهتموه أبنه َ‬
‫مدبنة بنارس‪.‬‬
‫واستعاد سدذارات ‪ -‬بوذا ‪ -‬نشاطه وقوته ومضى إىل شجر ‪ ،‬وجلس حتتها‪ ،‬ورأى رجما لدبه‬
‫ضاما بدبه وقدميه‪ ،‬وعز أال ببارح مكانه‪ ،‬وأال‬
‫حشا ش؛ لسأله قبضة منها لأعطاه‪ ،‬وجلس مرتبعا ًّ‬
‫ضم حىت بتنزل عليه نور احلكمة واملعرلة‪ ،‬وآىل على نفسه أن ببقى ولو خنرت عظامه‪،‬‬
‫برسل ما َّ‬
‫وجف جلده‪ ،‬وتلف جسده‪.‬‬
‫وتقول األساطَر‪ :‬إن نوازع نفسه أرذت تصارعه‪ ،‬ولكنه انتصر على اإليراء وهزمها يف الصراع‪ ،‬وما‬
‫األرض سنا الفجر حىت أشرقت معه يف قلبه وعقله احلقيقةْ الساميةْ‪،‬‬
‫َ‬ ‫كاد بنتهي الليل‪ ،‬وبغشى‬
‫سر‬
‫واملعرلةْ الصحيحة‪ ،‬وأدرك ما كان برجو من املاضي واحلاضر واملستقبل كل ال بتجزأ‪ ،‬وعرف َّ‬
‫احليا واملوت‪ ،‬والعلة واملعلول‪ ،‬ورحلة الروح يف َمتلف األجسا ‪ :‬مىت تصعد إىل النرلاان حيث العد‬
‫العا ‪ ،‬ولناء النفس وهي السكينة والفناء‪.‬‬
‫ولكنه لناء ليس الفناء املعروف‪ ،‬وإَنا هو وجود بفىن يف وجود مثل لناء ألوان الطيف يف الشمس‪ ،‬يف‬
‫البياض الناصع الذي ال لون له‪ ،‬كما بزعم بعض لماسفة البوذبني العصربني‪.‬‬
‫بتم الوصول إىل النرلاان إال بعد صفاء النفس والفضا ل يف عامل احلس والواقع‪.‬‬
‫وال ُّ‬
‫والفرح‬
‫ْ‬ ‫ومر به النهار مث الليل‪ ،‬ومل بشعر هبما؛ ألنه كان يارقا يف ْسبْ َحاته‪ ،‬مث صحا صحو َ املنتص غر‬
‫َّ‬
‫وحتقق له ما كان أيمل‪ ،‬وهبطت عليه االستنار لكان بوذا‪.‬‬ ‫ميَل قلبه؛ ألنه انتهى إىل ما كان برجو‪َّ ،‬‬
‫واستفاضت شهرته‪ ،‬وقصده الناس‪ ،‬ومضى إىل بنارس‪ ،‬وقصد مرج الغزال إىل النساك اَخمسة الذبن‬
‫هزؤوا به‪ ،‬واهتموه‪ ،‬وتركوه لما كادوا ببصرونه حىت هزمتهم هيبتْه وراعهم منظره؛ لَـ َهبُّوا الستقباله‪،‬‬
‫وتسابقوا إىل حتيته‪ ،‬وجاءوا مباء لغسل قدميه‪ ،‬لألقى عليهم أول درس من دروسه‪ ،‬لإذا الفرح ميَل‬
‫قلوهبم‪ ،‬وبفيض على وجوههم بشرا‪ ،‬مث بعد ذلك َد َّوت شهرته آلاق اهلند‪ ،‬واجتذبت شربعته اجلدبد‬
‫شباب األسر العربقة‪ ،‬والتفت به اجلموع‪ ،‬وكثر مربدوه‪.‬‬
‫توصل إليه إىل أن تويف يف الثمانني من عمره سنة (‪ )488‬قبل امليماد‪ ،‬وأْحرق‬
‫وأصبح داعيا ملا َّ‬
‫جسده بعد موته بثمانية أاي ‪ .‬هكذا تقول األساطَر عنه (‪.)1‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص ‪40‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((الدايانت والعقا د)) (‪ , ))117 - 116 /1‬و ((ذبل امللل والنحل)) (‪- 13 /2‬‬
‫‪ ،))16‬و ((املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي)) (‪ ،)758 /2‬و ((التصوف املنشأ‬
‫واملصادر)) إلحسان إهلي ظهَر (ص ‪.)55 - 53‬‬

‫(‪)116/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬عقا د البوذبة‪ ،‬وألكارها‪ ،‬وتعاليمها (‪:)1‬‬


‫تشتمل عقا د البوذبة وألكارها وتعاليمها على ررالات كثَر ‪ ،‬وأابطيل عدبد ‪ ،‬ومتناقضات شىت لمن‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلحلاد‪ :‬لقد كان بوذا يف أول دعوته ال بتكلم عن األلوهية‪ ،‬وبتحاشى اَخوض يف أمور الغيب‪،‬‬
‫حتول بعد ذلك إىل حماربة االعتقاد بوجود هللا‪ ،‬وصار بنادي ابإلحلاد‪.‬‬
‫مث َّ‬
‫‪ - 2‬بعتقد البوذبون أن بوذا هو ابن هللا‪ ،‬وهو املخلغص للبشربة من مآسيها وآالمها‪ ،‬وأنه َّ‬
‫بتحمل‬
‫عنهم رطاايهم‪.‬‬
‫دل على والد بوذا جنم ظهر يف ألق السماء‪ ،‬وبدعونه (جنم بوذا)‪.‬‬ ‫‪ - 3‬بقولون‪ :‬قد َّ‬
‫‪ - 4‬بقولون‪ :‬ملا ولد بوذا لرحت جنود السماء‪ ،‬ورتَّلت املما كة أانشيد احملبة للمولود املبارك‪.‬‬
‫‪ - 5‬بقولون بقانون اجلزاء‪ ،‬وإنكار البعث واليو اخآرر؛ لهم برون أن اإلنسان ال َّ‬
‫بد له من اجلزاء‬
‫وشرا‪ ،‬لكنهم برون ذلك حيدث يف احليا الدنيا‪ ،‬لذلك لهم بنكرون البعث‪،‬‬
‫على أعماله رَرا ًّ‬
‫وبنكرون اجلنة والنار‪.‬‬
‫‪ - 6‬بعتقدون أن هيئة بوذا قد تغَرت يف آرر أايمه؛ حيث نزل عليه نور أحاط برأسه‪ ،‬وأضاء من‬
‫جسده نور عظيم؛ لقال الذبن رأوه‪ :‬ما هذا بشرا إن هو إال إله عظيم‪.‬‬
‫‪ - 7‬بصلي البوذبون لبوذا‪ ،‬وبعتقدون أنه سيدرلهم اجلنة‪ ،‬وتْـ َمدَّى الصما ْ عندهم يف اجتماعات‬
‫حيضرها كثَر من أتباعه‪.‬‬
‫‪ - 8‬ملا مات بوذا قال أتباعه‪ :‬صعد إىل السماء جبسده بعد أن أكمل مهمته على األرض‪.‬‬
‫‪ - 9‬بقولون بتناسخ األرواح‪ :‬وذلك انتج عن كفرهم ابليو اخآرر؛ حيث قادهم ذلك إىل القول‬
‫بتناسخ األرواح؛ لهم بعتقدون أن من مات انتقلت روحه إىل حي جدبد؛ لإذا مات الثاين انتقلت إىل‬
‫الثالث‪ ،‬وهكذا إىل ما ال هنابة له؛ مث بزعمون ‪ -‬بناء على قانون اجلزاء ‪ -‬أن الروح تلقى جزاءها من‬
‫النعيم أو الشقاء أثناء تنقلها من جسم إىل جسم‪.‬‬
‫وهذا االعتقاد سرى إىل كثَر من األداين والفرق اليت تقول ابلتناسخ‪.‬‬
‫‪ - 10‬بممنون برجعة بوذا اثنية إىل األرض؛ ليعيد السما والربكة إليها‪.‬‬
‫‪ - 11‬يف تعاليم بوذا الدعو إىل احملبة‪ ،‬والتسامح‪ ،‬والتعامل ابحلسىن‪ ،‬والتصدق على الفقراء‪ ،‬وترك‬
‫الغىن والرتف‪ ،‬ومحل النفس على التقشف واَخشونة‪ ،‬وليها حتذبر من النساء‪ ،‬واملال‪ ،‬وترييب يف‬
‫البعد عن الزواج‪.‬‬
‫‪ - 12‬وبرى بوذا أن أساس التدبن هو التأمل ومقاومة النزعات‪ ،‬وقد وضع أربع حقا ق أساسية يف‬
‫زعمه وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬احليا هي العناء‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الشهوات هي أصل هذا العناء‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬بتوقف العناء عندما تتوقف الشهوات‪.‬‬
‫وبتم ابتباع ما مسَّاه ابلصراط النبيل‪ ،‬وبقو هذا الصراط على توالر الصحة‪،‬‬
‫د ‪ -‬إبطال الشهوات‪ُّ ،‬‬
‫والصواب يف االعتقاد‪ ،‬والعز ‪ ،‬والقول‪ ،‬والسلوك‪ ،‬واملهنة اليت تتخذ لكسب العيش‪ ،‬واجلهد‪،‬‬
‫والتأمل الفكري والروحي‪.‬‬
‫وهبذه الذاتية الروحية الفكربة السلوكية بصل إىل النرلاان وهي السعاد القصوى‪ ،‬وعندها تبطل‬
‫الشهوات‪ ،‬والعواطف وبتوقف تناسخ األرواح؛ لالبوذي السعيد هو الذي بنجو من الدوران يف حميط‬
‫الوالد واملوت؛ إذ بصل إىل النرلاان حيث ال والد وال موت‪ ،‬وهذه املرحلة هي انعدا التناسخ‬
‫الذي هو من ضرورات النفس الشقية‪.‬‬
‫توصل إىل ذلك رمال ست سنوات من حتمل العناء ورايضة النفس‪ ،‬وأنه أنفق‬
‫وبْروى أن بوذا َّ‬
‫السنوات اَخمس واألربعني الباقية من عمره يف تعليم ما أنتهى إليه من ُتربته‪.‬‬
‫لالنرلاان ‪ -‬إذا ‪ -‬ببلغها البوذي بعد أن غ‬
‫حيطم مجيع القيود واأليمال اليت تْقيغد نفسه‪ ،‬ومتنعها من‬
‫وبتجرد‬
‫َّ‬ ‫إدراك احلقا ق‪ ،‬وبعرض عن شهو البقاء‪ ،‬وبتملَّ ْكه عقل هادئ مطمئن ال َّ‬
‫بتسرب إليه اَخطأ‪،‬‬
‫عن كل األماين والريبات واجلهاالت وأسباب اَخدبعة واإليراء‪.‬‬
‫بعد هذا كله ببل البوذي طور النرلاان‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن النرلاان هي االحتاد ابإلله‪ ،‬ولكن البوذبة ال تعرف إهلا‪.‬‬
‫‪ - 13‬التسول والبطالة‪ :‬لمن تعاليم البوذبة أهنا توصي أتباعها ابلتخلي عن أمواهلم وعقاراهتم‬
‫وحرلهم‪ ،‬وتوصيهم مبد اليد لآلرربن ابلتسول واالستجداء؛ لهم بعيشون على البطالة والكسل‪.‬‬
‫تعاليم ال تستقيم معها احليا ‪ ،‬وال ترتقي هبا األمم خبماف اإلسما ؛ لإنه دبن أيمر ابلعمل‬
‫وهذه ْ‬
‫والنشاط والقو ‪ ،‬وبنهى عن الكسل والبطالة‪.‬‬
‫هذه نبذ عن عقا د البوذبة وبماحظ التشابه الكبَر بينها وبني النصرانية ِما بمكد َتثر النصرانية هبا‬
‫يف كثَر من املعتقدات‪.‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص ‪40‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((الدايانت والعقا د)) (‪ ،)333 /4‬و ((ذبل امللل والنحل)) (‪ ،)18 - 15‬و ((املوجز‬
‫يف األداين واملذاهب املعاصر )) (ص‪.)88 - 86‬‬

‫(‪)117/2‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫بعتقد البوذبون أن بوذا هو ابن هللا‪ ،‬وهو املخلغص للبشربة من مآسيها وآالمها‪ ،‬وأنه َّ‬
‫بتحمل عنهم‬
‫مجيع رطاايهم‪.‬‬
‫ُتسد بوذا قد متَّ بواسطة حلول روح القدس على العذراء مااي‪.‬‬
‫بعتقدون أن ُّ‬
‫دل على والد بوذا جنم ظهر يف ألق السماء‪ .‬وبدعونه جنم بوذا‪.‬‬‫وبقولون‪ :‬إنه قد َّ‬
‫وبقولون أبضا‪ :‬إنه ملا ولد بوذا لرحت جنود السماء‪ ،‬ورتَّلت املما كة أانشيد احملبة للمولود املبارك‪.‬‬
‫وقد قالوا‪ :‬لقد عرف احلكماء بوذا وأدركوا أسرار الهوته‪ ،‬ومل ميض بو واحد على والدته حىت حيَّاهْ‬
‫الناس‪ ،‬وقد قال بوذا ألمه وهو طفل إنه أعظم الناس مجيعا‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬درل بوذا مر أحد اهلياكل لسجدت له األصنا ‪ .‬وقد حاول الشيطان إيواءه للم بفلح‪.‬‬
‫تغَرت يف آرر أايمه‪ ،‬وقد نزل عليه نور أحاط برأسه‪ .‬وأضاء من‬
‫وبعتقد البوذبون أن هيئة بوذا قد َّ‬
‫جسده نور عظيم لقال الذبن رأوه‪ :‬ما هذا بشرا إن هو إال إله عظيم‪.‬‬
‫بصلي البوذبون لبوذا وبعتقدون أنه سيدرلهم اجلنة‪ .‬والصما عندهم تمدى يف اجتماعات حيضرها‬
‫عدد كرب من األتباع‪.‬‬
‫ملا مات بوذا قال أتباعه‪ :‬صعد إىل السماء جبسده بعد أن أكمل مهمته على األرض‪.‬‬
‫بممنون برجعة بوذا اثنية إىل األرض ليعيد السما والربكة إليها‪.‬‬
‫ذات من نور يَر طبيعية‪ ،‬وأنه‬
‫بعتقدون أن بوذا هو الكا ن العظيم الواحد األزِل وهو عندهم ٌ‬
‫سيحاسب األموات على أعماهلم‪.‬‬
‫بعتقدون أن بوذا ترك لرا ض ملزمة للبشر إىل بو القيامة‪ ،‬وبقولون‪ :‬إن بوذا أسس ِملكة دبنية على‬
‫األرض‪.‬‬
‫قال بعض الباحثني‪ :‬إن بوذا أنكر األلوهية والنفس اإلنسانية‪ ،‬وأنه كان بقول ابلتناسخ‪.‬‬
‫اجلانب األرماقي يف الداينة البوذبة‪:‬‬
‫يف تعاليم بوذا دعو إىل احملبة والتسامح‪ ،‬والتعامل ابحلسىن‪ ،‬والتصدق على الفقراء‪ ،‬وترك الغىن‬
‫والرتف‪ ،‬ومحل النفس على التقشف واَخشونة‪ ،‬وليها حتذبر من النساء واملال‪ ،‬وترييب يف البعد عن‬
‫الزواج‪.‬‬
‫البوذي التقيد بثمانية أمور حىت َّ‬
‫بتمكن من االنتصار على نفسه وشهواته‪:‬‬ ‫غ‬ ‫جيب على‬
‫‪ - 1‬االُتاه الصحيح املستقيم اَخاِل من سلطان الشهو واللذ ‪ ،‬وذلك عند اإلقدا على أي عمل‪.‬‬
‫‪ - 2‬التفكَر الصحيح املستقيم الذي ال بتأثر ابألهواء‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلشراق الصحيح املستقيم‪.‬‬
‫‪ - 4‬االعتقاد املستقيم الذي بصحبه ارتياح واطمئنان إىل ما بقو به‪.‬‬
‫‪ - 5‬مطابقة اللسان ملا يف القلب‪.‬‬
‫‪ - 6‬مطابقة السلوك للقلب واللسان‪.‬‬
‫‪ - 7‬احليا الصحيحة اليت بكون قوامها هجر اللذات‪.‬‬
‫‪ - 8‬اجلهد الصحيح املتجه حنو استقامة احليا على العلم واحلق وترك املماذ‪.‬‬
‫يف تعاليم بوذا أن الرذا ل ترجع إىل أصول ثماثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬االستسما للمماذ والشهوات‪.‬‬
‫‪ - 2‬سوء النية يف طلب األشياء‪.‬‬
‫‪ - 3‬الغباء وعد إدراك األمور على وجهها الصحيح‪.‬‬
‫من وصااي بوذا‪ :‬ال تقض على حيا حي‪ ،‬ال تسرق وال تغتصب‪ ،‬ال تكذب‪ ،‬ال تتناول مسكرا‪ ،‬ال‬
‫تزن‪ ،‬ال َتكل طعاما نضج يف يَر أوانه‪ ،‬ال ترقص وال حتضر مرقصا وال حفل يناء‪ ،‬ال تتخذ طبيبا‪ ،‬ال‬
‫تقنت لراشا وثَرا‪ ،‬ال َترذ ذهبا وال لضة‪.‬‬
‫بنقسم البوذبون إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ - 1‬البوذبون املتدبنون‪ :‬وهمالء أيرذون بكل تعاليم بوذا وتوصياته‪.‬‬
‫‪ - 2‬البوذبون املدنيون‪ :‬همالء بقتصرون على بعض التعاليم والوصااي لقط‪.‬‬
‫الناس يف نظر بوذا سواسية ال لضل ألحد إال ابملعرلة‪ ،‬والسيطر على الشهوات‪.‬‬
‫وقد احتفظت البوذبة ببعض صورها األوىل يف منطقة جنوب آسيا‪ ،‬وراصة يف سيمان وبورما‪ ،‬أما يف‬
‫الشمال وعلى األرص يف الصني والياابن لقد ازدادت تعقيدا‪ ،‬وانقسمت إىل مذهبني مها‪:‬‬
‫وترسم رطاه‪.‬‬
‫‪ - 1‬مذهب ماهاايان (مذهب الشمال) وبدعو إىل َتليه بوذا وعبادته ُّ‬

‫(‪)118/2‬‬

‫‪ - 2‬مذهب هناايان (مذهب اجلنوب) وقد حالظ على تعاليم بوذا‪ ،‬وبعترب أتباع هذا املذهب أن بوذا‬
‫هو املعلم األرماقي العظيم الذي بل أعلى درجة من الصفاء الروحي‪.‬‬
‫عربوا عن بلوغ النفس الكمال األمسى والسعاد القصوى‪ ،‬وانطماقها من أسر املاد ‪ ،‬وانعتاقها‬
‫وقد َّ‬
‫من ضرور التناسخ ابلينرلاان‪ ،‬وتعين اَخماص من أسر املعاان والريبة‪ ،‬واكتساب صفاء الدبن والروح‪،‬‬
‫والتحرر من أسر العبودبة واللذ ‪ ،‬وانبثاق نور املعرلة عن طربق تعذبب النفس‪ ،‬ومقاومة النزعات‪،‬‬
‫مع بذل اجلهد والتأمل والرتكيز الفكري والروحي‪ ،‬وهو هدف البوذبة األمسى‪.‬‬
‫عماقتهم ابملسلمني اخآن ال حتمل طابع العداء العنيف‪ ،‬وميكن أن بكونوا جماال رصبا للدَّعو‬
‫اإلسمامية‪.‬‬
‫ت منسوبة إىل بوذا أو حكابة‬
‫كتب البوذبة‪ :‬كتبهم ليست منزلة‪ ،‬وال هم بدَّعون ذلك‪ ،‬بل هي عبارا ٌ‬
‫سجلها بعض أتباعه‪ ،‬ونصوص تلك الكتب ختتلف بسبب انقسا البوذبني‪ ،‬لبوذبو الشمال‬ ‫أللعاله‪َّ ،‬‬
‫اشتملت كتبهم على أوها كثَر تتعلَّق ببوذا‪ ،‬أما كتب اجلنوب لهي أبعد قليما عن اَخرالات‪ ،‬تنقسم‬
‫كتبهم إىل ثماثة أقسا ‪:‬‬
‫‪ - 1‬جمموعة قوانني البوذبة ومسالكها‪.‬‬
‫‪ - 2‬جمموعة اَخطب اليت ألقاها بوذا‪.‬‬
‫‪ - 3‬الكتاب الذي حيوي أصل املذهب والفكر اليت نبع منها‪.‬‬
‫وتعتمد مجيع كتبهم على اخآراء الفلسفية وَماطبة اَخيال‪ ،‬وختتلف يف الصني عنها يف اهلند؛ ألهنا‬
‫ختضع لتغَرات الفماسفة‪.‬‬
‫شعار البوذبة عبار عن قوس نصف دا ري ويف وسطه قا م اثلث على رأسه ما بشبه الورد ‪ ،‬وأما‬
‫هذا التمثال صور جمسمة جلر املاء‪ ،‬وجبوارها ليل برتبع عليه بوذا يف لباسه التقليدي‪.‬‬

‫(‪)119/2‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫ليس هناك ما بثبت أن للبوذبة جذورا لكربة أو عقا دبة‪ ،‬إال أن الناظر يف الدايانت الوضعية اليت‬
‫سبقتها أو عاصرهتا جيد بينها وبني البوذبة شبها من بعض اجلوانب مثل‪:‬‬
‫اهلندوسية‪ :‬يف القول ابلتناسخ واالُتاه حنو التصوف‪.‬‬
‫الكونفوشيوسية‪ :‬يف االُتاه إىل االعتناء ابإلنسان‪ ،‬وختليصه من آالمه‪.‬‬
‫بنبغي أن بماحظ التشابه الكبَر بينها وبني النصرانية‪ ،‬وخباصة ليما بتعلق بظروف والد املسيح‬
‫مر هبا بوذا ِما بمكد َتثر النصرانية هبا يف كثَر من معتقدات هذه األرَر ‪.‬‬
‫وحياته والظروف اليت َّ‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)120/2‬‬

‫املطلب الثامن‪ :‬مراحل انتشار البوذبة‪:‬‬


‫إن التاربخ اإلمجاِل للبوذبة غ‬
‫بقرر أن هذه الداينة واصلت سَرها طوال مخسة وعشربن قران‪ ،‬ويف رمال‬
‫هذه الفرت الطوبلة تطورت البوذبة سواء من انحية العقيد أو التطبيق أو األدب أو املمسسات‬
‫املرتبطة هبا‪ ،‬كاملعابد واملعاهد‪ ،‬وقد اقتحمت البوذبة حواِل ثماثني قطرا يف آسيا‪ ،‬وكان َتثَرها عظيما‬
‫يف آداب هذه األقطار ويف اُتاهاهتم الدبنية‪ ،‬ومنذ القرن التاسع عشر اتصل الفكر البوذي ببعض‬
‫دول أوراب‪ ،‬لأصبح للفكر البوذي أثره يف الفلسفة الغربية واألدب األوريب واملوسيقى ويَرها من‬
‫الفنون الثقالية‪.‬‬
‫ذلك جممل القول حنو متدد البوذبة وانتشارها ولكن إعطاء تفاصيل عن هذا االنتشار بكاد بكون أمرا‬
‫متعذرا لقلة املاد الدقيقة عنه‪ ،‬ومن املمكن على كل حال لو قسمنا عمر البوذبة إىل مخسة مراحل‪،‬‬
‫كل مرحلة مخسة قرون أن تعطى أبرز التطورات عن البوذبة يف كل من هذه املراحل‪.‬‬
‫شهدت الفرت األوىل (من مطلع البوذبة حىت القرن األول امليمادي) حتوال كبَرا يف العقيد البوذبة‬
‫ليما بتصل ببوذا‪ ،‬لقد كان يف أول هذه الفرت بعد معلما ورجما عظيما ورا دا عامليا مث أصبح مبرور‬
‫السنني رجما مقدسا لمعبودا لإهلا‪ ،‬ومل بكن ذلك التطور الواسع ابتفاق اجلميع‪ ،‬ولذلك عقدت عد‬
‫مممترات للتوليق‪ .‬ولكنها مل تستطع أن تقنع اجلماهَر برتك مكان اإلله شايرا كما أراده بوذا أن‬
‫لظل اَخماف قا ما‪.‬‬
‫بكون‪َّ ،‬‬
‫ويف رمال هذه الفرت ظهر اإلمرباطور آسوكا الذي دلع ابلبوذبة إىل رارج حدود اهلند‪ -‬كما سبق‬
‫القول‪ -‬وبدأت البوذبة تبىن املعابد‪ ،‬وتضع ليها اخآهلة‪ ،‬كما بدأت تقيم اجلمعيات اليت ترعى احليا‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتشرف على شمون الدبن‪ ،‬وخباصة يف اهلند وسيمان‪.‬‬
‫ويف الفرت الثانية‪ -‬أي من القرن األول حىت القرن اَخامس امليمادي‪ -‬أرذت البوذبة تنتشر ُتاه‬
‫الشرق إىل البنغال‪ ،‬وُتاه اجلنوب الشرقي إىل كمبوداي وليتنا ‪ ،‬وُتاه الشمال الغريب إىل كشمَر‪ .‬ويف‬
‫القرن الثالث اختذت طربقها ُتاه الشرق إىل الصني وأواسط آسيا‪ ،‬وكان دروهلا إىل الصني بطربق‬
‫البحر أبضا‪ ،‬ومن الصني اُتهت إىل الشمال الشرقي‪ ،‬لدرلت كوراي‪ ،‬وكان لنشاط احلجاج الصينيني‬
‫الذبن زاروا اهلند وسيمان وجاوه بني سنة (‪ )399‬وسنة (‪ )414‬أثر كبَر يف نشر البوذبة يف هذه‬
‫البقاع‪ ،‬وكانت البوذبة يف هذه البقاع تتعاون تعاوان كامما مع النظا امللكي الذي كان مسيطرا رمال‬
‫هذه القرون على هذه األقطار‪ ،‬وبواسطة هذا االرتباط بني الدبن والسياسة انتشرت البوذبة وكثر‬
‫اتبعوها‪ ،‬وشهدت هذه املد تقدما واضحا يف الثقالة البوذبة اليت أرذت تقيم املعاهد‪ ،‬وتنشر تراثها‬
‫على أتباعها‪.‬‬
‫ويف املد التالية ‪ -‬أي من القرن السادس إىل العاشر امليمادي‪ -‬استمرت البوذبة يف التقد‬
‫واالنتشار‪ ،‬وخباصة من كوراي والصني إىل الياابن‪ ،‬ومن اهلند إىل نيبال‪ ،‬مث إىل التبت‪ ،‬وزادت مواكب‬
‫احلجاج يف هذه الفرت ‪ ،‬وكثر نشاطهم وتنقلهم إىل البماد اليت درلتها البوذبة ومل بكن دا ما وطيدا‬
‫وكان انتشار البوذبة أو تقلصها بتوقف على قو االرتباط وضعفه‪ُّ ،‬‬
‫وتعد هذه الفرت من أزهى لرتات‬
‫البوذبة من الناحية الثقالية‪ ،‬لقد اتضح َتثَر البوذبة على اخآداب والفنون يف مجيع البلدان اليت‬
‫درلتها‪.‬‬
‫ويف املد التالية ‪ -‬أي‪ :‬من القرن احلادي عشر إىل اَخامس عشر‪ -‬ضعفت البوذبة‪ ،‬وارتفى كثَر من‬
‫آاثرها‪ ،‬وذلك لعود النشاط اهلندوسي يف اهلند‪ ،‬ولظهور اإلسما يف اهلند‪ ،‬ويف سواها من األقطار‬
‫لار من اإلسما ‪-‬‬
‫اليت كانت ترتبع ليها البوذبة‪ ،‬ولكن البوذبة اُتهت بنشاطها يف هذه الفرت ‪َّ -‬‬
‫ُتاه الوس ومنغوليا وبورما‪ ،‬وكان للنشاط الثقايف البوذي عظيم األثر رمال هذه الفرت يف بورما‬
‫وكمبوداي وسيمان والياابن‪.‬‬
‫أما الفرت األرَر ‪ -‬أي‪ :‬من القرن السادس عشر إىل القرن العشر‪ -‬لتعترب لرت دقيقة يف اتربخ‬
‫البوذبة‪ ،‬إذ وقفت البوذبة وجها لوجه أما حتدي للفكر الغريب الذي محله االستعمار إىل تلك البقاع‪،‬‬
‫لقد أدرل االستعمار الغريب إىل هذه البماد اُتاهاته الفكربة وإصماحاته الرتبوبة وللسفاته يف َمتلف‬
‫الشمون‪ ،‬ومل ُتد البوذبة بدًّا من أن تتعاون طوا فها املختلفة لتقف يف وجه الزحف الفكري‪ ،‬وهكذا‬
‫التقت الفرق البوذبة‪ ،‬أو قربت بعضها من بعض؛ لتقوى على النضال يف معركتها مع املسيحية‬
‫تشربت املسيحية‬
‫الغربية والفلسفات األوربية‪ ،‬وقد تبنت البوذبة كثَرا من االُتاهات الغربية‪ ،‬كما َّ‬
‫بعض األلكار البوذبة‪ ،‬وتْبودلت املطبوعات بني املشرلني على هاتني الفلسفتني وتطور التعليم يف‬
‫املعابد‪ ،‬لاقرتب من كليات الغرب وجامعاته‪ ،‬ومتَّ تعاون يف اَخدمات االجتماعية بني البوذبني‬
‫والغربيني‪.‬‬
‫ويف هنابة هذه الفرت اصطدمت البوذبة ابلشيوعية‪ ،‬وأصبح احلكم يف كثَر من األقطار اليت تنتشر هبا‬
‫البوذبة يف أبدي حكومات شيوعية‪.‬‬
‫‪ O‬أداين اهلند الكربى ألمحد شلَب – ص ‪183‬‬

‫(‪)121/2‬‬

‫املطلب التاسع‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫الداينة البوذبة منتشر بني عدد كبَر من الشعوب اخآسيوبة‪ ،‬حيث بدبن هبا أكثر من ستما ة مليون‬
‫نسمة‪ ،‬وهلم معبد ضخم يف كامتندو ابلنيبال‪ ،‬وهو عبار عن مبىن دا ري الشكل‪ ،‬وتتوسطه قبة كبَر‬
‫وعالية‪ ،‬وهبا رسم لعينني مفتوحتني وجزء من الوجه‪ ،‬وببل قطر املبىن (‪ )40‬مرتا‪ ،‬أما االرتفاع ليزبد‬
‫عن مخسة أدوار مقارنة ابملباين ذات األدوار‪ ،‬والبوذبة مذهبان كما تقد ‪:‬‬
‫املذهب الشماِل‪ :‬وكتبه املقدسة مدونة ابللغة السنسكربتية‪ ،‬وهو سا د يف الصني والياابن والتبت‬
‫ونيبال وسومطره‪.‬‬
‫املذهب اجلنويب‪ :‬وكتبه املقدسة مدونة ابللغة البالية‪ ،‬وهو سا د يف بورما وسيمان وسيا ‪.‬‬
‫وميكن تقسيم انتشار البوذبة إىل مخس مراحل‪:‬‬
‫‪ - 1‬من مطلع البوذبة حىت القرن األول امليمادي‪ ،‬وقد دلع امللك آسوكا البوذبة رارج حدود اهلند‬
‫وسيمان‪.‬‬
‫‪ - 2‬من القرن األول حىت القرن اَخامس امليمادي‪ ،‬وليها أرذت البوذبة يف االنتشار حنو الشرق إىل‬
‫البنغال‪ ،‬وحنو اجلنوب الشرقي إىل كمبوداي وليتنا ‪ ،‬وحنو الشمال الغريب إىل كشمَر‪ ،‬ويف القرن الثالث‬
‫اختذت طربقها إىل الصني وأواسط آسيا‪ ،‬ومن الصني إىل كوراي‪.‬‬
‫‪ - 3‬من القرن السادس حىت القرن العاشر امليمادي‪ ،‬وليه انتشرت يف الياابن ونيبال والتبت‪ُّ ،‬‬
‫وتعد‬
‫من أزهى مراحل انتشار البوذبة‪.‬‬
‫‪ - 4‬من القرن احلادي عشر إىل القرن اَخامس عشر‪ ،‬وليها ضعفت البوذبة‪ ،‬وارتفى كثَر من‬
‫آاثرها؛ لعود النشاط اهلندوسي وظهور اإلسما يف اهلند‪ ،‬لاُتهت البوذبة إىل الوس ومنغوليا وبورما‬
‫وسيا ‪.‬‬
‫‪ - 5‬من القرن السادس عشر حىت اخآن‪ ،‬وليه تواجه البوذبة الفكر الغريب بعد انتشار االستعمار‬
‫األورويب‪ ،‬وقد اصطدمت البوذبة يف هذه الفرت ابملسيحية مث ابلشيوعية بعد أن صار احلكم يف أبدي‬
‫احلكومات الشيوعية‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن البوذبة للسفة وضعية انتحلت الصبغة الدبنية‪ ،‬وقد ظهرت يف اهلند بعد الداينة الربمهية‪ ،‬وقامت‬
‫على أساس أن بوذا هو ابن هللا‪ ،‬وَملغص البشربة من مآسيها‪ ،‬وقد قال ألمه وهو طفل‪ :‬إنه أعظم‬
‫الناس مجيعا‪ .‬وملا مات بوذا قال أتباعه‪ :‬إنه صعد إىل السماء جبسده بعد أن أكمل مهمته على‬
‫األرض‪ ،‬وإنه سَرجع اثنية إىل األرض؛ ليعيد السما والربكة إليها‪ .‬وبقول البعض‪ :‬إن بوذا أنكر‬
‫األلوهية والنفس اإلنسانية وأنه كان بقول ابلتناسخ‪ .‬وتعتمد مجيع كتب البوذبني على اخآراء الفلسفية‬
‫وَماطبة اَخيال‪ ،‬وختتلف البوذبة يف الصني عنها يف اهلند حبسب نظر الفماسفة‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬امللل والنحل جـ‪ ،2‬حممد بن عبد الكرمي الشهرستاين‪.‬‬
‫‪ -‬مقارنة األداين (الدايانت القدمية)‪ ،‬حممد أبو زهر ‪.‬‬
‫‪ -‬يف العقا د واألداين‪ ،‬د‪ .‬حممد جابر عبد العال احليين‪.‬‬
‫‪ -‬اجمللة العربية‪ :‬مقال للدكتور حممد بن سعد الشوبعر‪.‬‬
‫‪ -‬املدرل إىل دراسة األداين واملذاهب‪ ،‬للعميد عبد الرزاق أسود‪.‬‬
‫‪ -‬أداين اهلند الكربى ‪ -‬أمحد شلَب‪.‬‬
‫‪ -‬حضار اهلند ‪ -‬يوستاف لوبون‪.‬‬
‫‪ -‬أداين العامل الكربى ‪ -‬حبيب سعيد‪.‬‬
‫‪ -‬دا ر معارف القرن العشربن ‪ -‬حممد لربد وجدي‪.‬‬
‫‪ -‬األداين والفرق واملذاهب املعاصر ‪ -‬عبد القادر شيبة احلمد‪.‬‬
‫‪. Encyclopedia Britannica, Vol. 3 P. 369 – 414 (Press 1979) -‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)122/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫اجلينية داينة منشقة عن اهلندوسية‪ ،‬ظهرت يف القرن السادس قبل امليماد على بدي ممسسها مهالَرا‪،‬‬
‫وما تزال إىل بومنا هذا‪ .‬إهنا مبنية على أساس اَخوف من تكرار املولد‪ ،‬داعية إىل التحرر من كل قيود‬
‫احليا ‪ ،‬والعيش بعيدا عن الشعور ابلقيم‪ ،‬كالعيب واإلمث واَخَر والشر‪ .‬وهي تقو على رايضات بدنية‬
‫رهيبة وَتممات نفسية عميقة‪ ،‬بغية إمخاد شعلة احليا يف نفوس معتنقيها‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)123/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬حملة اترخيية‪:‬‬


‫كانت اجلينية لرقة واحد طيلة حيا مهاوبرا‪ ،‬ومل حيدث هبا إال رمالات يَر عميقة اجلذور سرعان ما‬
‫تسمى إحدامها دجيامربا‬
‫كانت تلتئم‪ ،‬وبعد ولا مهاوبرا حدث انقسا رطَر شطر اجلينية إىل لرقتني‪َّ ،‬‬
‫‪ Digambara‬أي‪ :‬أصحاب الزي السماوي‪ ،‬أي‪ :‬الذبن اختذوا السماء كساء هلم (واملقصود‬
‫تسمى سوبتامربا ‪ Svetambara‬أي‪ :‬أصحاب الزي األبيض‪ ،‬وعن هاتني‬
‫هبم العرا )‪ .‬والثانية َّ‬
‫الفرقتني حدثت لرق أررى كثَر يَر مهمة‪ ،‬وبماحظ أن تعدد الفرق مل ميس الفلسفة األصلية‬
‫للجينية أو العقا د الر يسة اليت سبق أن حتدثنا عنها‪ ،‬وإَنا اتصل أبمور ونقاط يَر مهمة؛ وحتدث عن‬
‫تفاصيل األساطَر وِمارسة التقشف‪ ،‬لفرقة دجيامربا ترى أن مهاوبرا محلت به أمه (ترى ساال) من بدء‬
‫ستل جنينا من رحم دبونندا الربمهية‪ ،‬مث ألقى به يف رحم (ترى ساال) كما تعتقد لرقة‬
‫األمر‪ ،‬ال أنه ا َّ‬
‫سوبتامربا‪ ،‬وتنفي لرقة دجيامربا عن مهاوبرا ما تراه يَر ال ق به‪ ،‬لتقول إنه مل بتزوج قط‪ ،‬وإنه هجر‬
‫البيت والدنيا منذ مطلع حياته يَر مبال بعواطف والدبه‪ ،‬وبعتقدون أن العرلاء الكاملني ال بقتاتون‬
‫بشيء‪ ،‬وبقولون‪ :‬إن من ميلك شيئا من متع الدنيا‪ -‬ولو كان ثواب واحدا بسرت به عورته‪ -‬ال بنجو‪،‬‬
‫وبرون أن النساء الحظ هلن يف النجا ما دمن يف قوالب النساء‪ ،‬أي‪ :‬إال إذا درلت أرواحهن يف‬
‫قوالب أررى يف حيا من احليوات املتكرر ‪ ،‬وبعتقدون أن الرتاث الدبين املقدس للجينية قد ضاع‬
‫كله‪ ،‬وأما لرقة سوبتامربا لفرقة معتدلة‪ ،‬ترى أن مهاوبرا وإن كان مياال ‪ -‬من وقت أن بدأ شعور ‪-‬‬
‫إىل هجر الدنيا‪ ،‬وقطع العما ق‪ ،‬إال أنه مل بفعل ذلك يف حيا والدبه؛ احرتاما إلحساسهما‪ ،‬وبروون‬
‫عنه قوله يف ذلك‪ :‬وال بليق يب وأان االبن البار أن أنتف شعري‪ ،‬وأقبل على حيا التقشف واحلرمان‪،‬‬
‫اتركا البيت واألسر ؛ احرتاما لعواطف والدي‪ ،‬وهم ببيحون الطعا للعرلاء‪ ،‬وبرون إمكان النجا‬
‫للنساء‪.‬‬
‫‪ O‬أداين اهلند الكربى ألمحد شلَب‪ -‬ص ‪126‬‬

‫(‪)124/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫بعتقد اجلينيون أن داينتهم ساهم يف َتسيسها (‪ )24‬ترنكارا أو جينا‪ ،‬حيث بظهر كل منهم يف نصف‬
‫دور زمنية بدأت منذ األزل‪ .‬وسوف تستمر إىل ما ال هنابة‪ .‬كان أول همالء هو ربشاهبا أو أدبنااث‪.‬‬
‫وبعترب وجود همالء اجلينيات من قبيل األساطَر اليت مل تثبت اترخييًّا‪.‬‬
‫‪ -‬نيمينااث أو أربشتمانيمي‪ :‬هو اجليين الثاين والعشرون‪ ،‬وبعتربونه ابن عم كرشنا‪ ،‬ووصل إىل مرحلة‬
‫النَرلاان (اَخماص) يف مدبنة سوراسرتا يف والبة كوجرات‪.‬‬
‫‪ -‬برشفا ابن ملك لاراانس‪ ،‬بعترب اجليين الثالث والعشربن‪ ،‬وهو أول الشخصيات التارخيية‪ .‬عاش يف‬
‫القرن الثامن قبل امليماد‪.‬‬
‫‪ -‬بعترب مهالَرا املمسس احلقيقي للجينية‪ ،‬وقد ولد عا (‪ )599‬ق‪ .‬وترهنب يف سن الثماثني‪ ،‬وعلى‬
‫بدبه تبلورت معتقداته اليت ما تزال قا مة إىل بومنا هذا‪ ،‬وقد سار بدعوته بنجاح حىت بل الثانية‬
‫والسبعني من العمر‪ ،‬وتويف عا (‪ )527‬ق‪. .‬‬
‫‪ -‬بنحدر مهالَرا من أسر من طبقة الكاشرت املختصة بشمون السياسة واحلرب‪.‬‬
‫‪ -‬أبوه سدهارهتا أمَر مدبنة يف والبة بيهار‪ ،‬ومهاوبرا هو االبن الثاين له‪.‬‬
‫‪ -‬عاش حياته األوىل يف كنف والدبه متمتعا ابَخد وامللذات العادبة‪ ،‬وكان شدبد التقدبر واالحرتا‬
‫تزوج ورزق اببنة‪.‬‬
‫لوالدبه‪َّ ،‬‬
‫تويف والده‪ ،‬استأذن أراه يف التخلغي عن والبة العهد‪ ،‬والتنازل عن امللك واأللقاب‪.‬‬
‫‪ -‬ملا غ‬
‫‪ -‬حلق رأسه ونزع حليَّه‪ ،‬ورلع ممابسه الفارر ‪ ،‬وبدأ مرحلة الزهد واَخلو والتبتل‪ ،‬وكانت سنه‬
‫آنذاك ثماثني عاما‪.‬‬
‫‪ -‬صا بومني ونصف بو ‪ ،‬ونتف شعر جسده‪ ،‬وها يف البماد عاراي مهتما ابلرايضات الصعبة‬
‫والتأممات العميقة‪.‬‬
‫‪ -‬امسه األصلي لردهاماان‪ ،‬لكن أتباعه بسمونه مهالَرا‪ ،‬وبزعمون أن هذا االسم من ارتيار اخآهلة له‪،‬‬
‫ومعناه البطل العظيم‪ ،‬وبطلقون عليه كذلك جينا‪ ،‬أي القاهر لشهواته‪ ،‬واملتغلب على ريباته املادبة‪.‬‬
‫‪ -‬بدَّعي أتباع هذه الطا فة أبن اجلينية ترجع إىل ثماثة وعشربن جينيًّا‪ ،‬ومهالَرا هو اجليين الرابع‬
‫والعشرون‪.‬‬
‫‪َّ -‬‬
‫تلقى مهاليارا علومه على بدي ابرسواانث الذي بعتربونه اجليين الثالث والعشربن‪ ،‬وقد أرذ عنه‬
‫مبادىء اجلينية‪ ،‬ورالفه بعد ذلك يف بعض األمور‪ ،‬وزاد على هذه الطربقة شيئا استخلصه من ُتاربه‬
‫ورربته ِما جعله املمسس احلقيقي هلا‪.‬‬
‫وعرى جسده ها ما يف البماد ملد ثماثة عشر شهرا‪ ،‬مداوما على مراقبة‬
‫‪ -‬يرق يف َتمماته ورهبانيته‪َّ ،‬‬
‫نفسه يف صمت مطبق‪ ،‬بعيش على الصدقات اليت َّ‬
‫تقد إليه‪ .‬حصل بعدها على الدرجة الرابعة‬
‫مباشر ؛ إذ كان مزودا بثماثة منها أصما كما بقولون‪.‬‬
‫‪ -‬اتبع بعد ذلك رحلة عد اإلحساس حىت حصل على الدرجة اَخامسة‪ ،‬وهي كما بزعمون درجة‬
‫العلم املطلق‪ ،‬ووصوله إىل مرحلة النجا ‪.‬‬
‫‪ -‬بعد سنة من الصراع والتهذبب النفسي لاز بدرجة املرشد‪ ،‬وبدأ بذلك مرحلة الدعو ملعتقده‪،‬‬
‫لدعا أسرته مث عشَرته‪ ،‬مث أهل مدبنته‪ ،‬ومن مث دعا امللوك والقواد‪ ،‬لوالقه كثَر منهم ملا يف دعوته من‬
‫ثور على الربامهة‪.‬‬
‫استمر بدعوته حىت بل الثانية والسبعني‪ ،‬حيث تويف سنة (‪ )527‬ق‪َ . .‬ملفا وراءه رطبا وأتباعا‬
‫َّ‬ ‫‪-‬‬
‫ومذهبا‪.‬‬
‫‪ -‬أرايشاما‪ :‬عاش يف القرن الرابع بعد مهالَرا‪.‬‬
‫‪ -‬كونداكاوندا أكياراي‪ :‬تقدره لرقة الدجيامربا‪ ،‬وكتب بعض الكتب والشروح‪ ،‬عاش يف القرون‬
‫املسيحية األوىل‪.‬‬
‫‪ -‬انقسمت اجلينية بعده إىل عد أقسا ‪ ،‬وصلت إىل امان لرق أو أكثر‪ ،‬أمهها اخآن‪:‬‬
‫‪ -‬دجيامربا‪ :‬أي‪ :‬أصحاب غ‬
‫الزي السماوي العرا ‪ ،‬وهم طبقة اَخاصة الذبن مييلون إىل التقشف‬
‫والزهد‪ ،‬ومعظمهم من الكهان والرهبان واملتنسكني‪ ،‬الذبن بتخذون من حيا مهاوبرا قدو هلم‪ ،‬وقد‬
‫انقسموا ممررا إىل عدد من الفرق‪.‬‬
‫‪ -‬سوبتامربا‪ :‬أي‪ :‬أصحاب الزي األبيض‪ ،‬وهم طبقة العامة املعتدلون الذبن بتخذون من حيا‬
‫مهاوبرا األوىل يف رعابة والدبه نرباسا هلم‪ ،‬حيث كان بتمتع حينها ابَخد وامللذات‪ ،‬إذ بفعلون كل‬
‫أمر ليه رَر‪ ،‬وببتعدون عن كل أمر ليه شر‪ ،‬أو إزهاق ألرواح كل ذي حيا ‪ ،‬بلبسون الثياب‪،‬‬
‫وبطبقون مبادىء اجلينية العامة على أنفسهم‪.‬‬
‫سجل انتصارا على العصر الوبدي اهلندوسي‬
‫‪ -‬أقبل امللوك واحلكا يف اهلند على اعتناق اجلينية‪ِ ،‬ما َّ‬
‫األول‪ ،‬ذلك أهنا تدعو إىل عد إبقاع األذى بذي روح مطلقا‪ ،‬كما توجب أن بطيع الشعب حاكمه‪،‬‬
‫بتمرد على احلاكم‪ ،‬أو بعصي أوامره‪ ،‬لصار هلم نفوذ كبَر يف بماط كثَر من امللوك‬
‫وتقضي بذبح من َّ‬
‫واحلكا يف العصور الوسطى‪.‬‬
‫‪ -‬انلوا كثَرا من االحرتا والتقدبر أاي احلكم اإلسمامي للهند‪ ،‬وقد بل األمر ابإلمرباطور أكرب الذي‬
‫حكم اهلند من (‪ , )1605 – 1556‬أن ار َّ‬
‫تد عن اإلسما ‪ ،‬واعتنق بعض معتقدات اجلينية‪،‬‬
‫واحتضن معلم اجلينية هَراوجييا‪ ،‬مطلقا عليه لقب معلم الدنيا‪.‬‬

‫(‪)125/2‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‪:‬‬
‫‪ -‬نزل مهاوبرا قبل موته يف مدبنة بنابوري يف والبة تَـ يبنا‪ ،‬وألقى مخسا ومخسني رطبة‪ ،‬وأجاب عن‬
‫ستة وثماثني سماال‪ .‬لهذه اَخطب وتلك األسئلة أصبحت كتاهبم املقدس‪.‬‬
‫والنساك اجلينيني‪.‬‬
‫‪ -‬بضاف إىل ذلك‪ ،‬اَخطب والوصااي املنسوبة للمربدبن والرهبان َّ‬
‫‪ -‬انتقل تراثهم مشالهة‪ ،‬وقد حاولوا تدوبنه يف القرن الرابع قبل امليماد لكنهم لشلوا يف مجع كلمة‬
‫لتأجلت كتابته إىل سنة (‪. )57‬‬
‫الناس حول ما كتبوه‪َّ ،‬‬
‫‪ -‬يف القرن اَخامس امليمادي اجتمع كبار اجلينيني يف مدبنة وبماهبي‪ ،‬حيث قاموا بتدوبن الرتاث‬
‫اجليين ابللغة السنسكربتية‪ ،‬يف حني أن لغته األصلية كانت أردها جمدى‪.‬‬
‫‪ -‬وبوجد اخآن عدد من الكتب والشروح واألساطَر الكثَر ‪ ،‬خيتلف االعرتاف هبا من طا فة إىل‬
‫أررى‪.‬‬

‫(‪)126/2‬‬
‫اثنيا‪ :‬اإلله‪:‬‬
‫‪ -‬اجلينية يف األصل ثور على الربامهة‪ ،‬لذا لإهنم ال بعرتلون ِبهلة اهلندوس وابلذات اخآهلة الثماثة‬
‫(برمها ‪ -‬لشنو ‪ -‬سيفا)‪ ،‬ومن هنا غمسيت حركتهم ابحلركة اإلحلادبة‪.‬‬
‫‪ -‬التعرتف اجلينية ابلروح األكرب أو ابَخالق األعظم هلذا الكون‪ ،‬لكنها تعرتف بوجود أرواح رالد ‪.‬‬
‫‪ -‬كل روح من األرواح اَخالد مستقلة عن األررى‪ ،‬وجيري عليها التناسخ‪.‬‬
‫‪ -‬مل بستطيعوا أن بتحرروا حتررا كامما من لكر األلوهية‪ ،‬لاختذوا من مهالَرا معبودا هلم‪ ،‬وقرنوا به‬
‫اجلينيات الثماثة والعشربن اخآرربن؛ لتكمل يف أذهاهنم صور الدبن‪ ،‬وليسدوا الفراغ الذي أحدثه‬
‫عد اعرتالهم ابإلله األوحد‪.‬‬
‫‪ -‬رلق املساملة واجملاملة دلعهم إىل االعرتاف ِبهلة اهلندوس (عدا اخآهلة الثماثة) مث أرذوا ْجيلُّوهنا‪،‬‬
‫لكنهم مل بصلوا هبا إىل درجة تقدبس الربامهة هلا‪ ،‬ودعوا كذلك إىل احرتا برامهة اهلندوس ابعتبارهم‬
‫طا فة هلا مكانتها يف الدبن اهلندوسي‪.‬‬
‫‪ -‬ال توجد لدبهم صما ‪ ،‬وال تقدمي قرابني‪ ،‬وال بعرتلون ابلطبقات‪ ،‬بل هم ثور عليها؛ إذ ليس لدبهم‬
‫سوى طبقيت اَخاصة والعامة‪ .‬ومل جيعلوا َخاصتهم من الرهبان أبة امتيازات ِما جعل الرهبنة ذات‬
‫مشقة وتضحية وتكليف ذاِت‪.‬‬

‫(‪)127/2‬‬

‫اثلثا‪ :‬من معتقداهتم األررى‪:‬‬


‫· الكارما‪:‬‬
‫‪ -‬الكارما لدبهم كا ن مادي خيالط الروح وحييط هبا‪ ،‬وال سبيل لتحربر الروح منها إال بشد‬
‫التقشف‪ ،‬واحلرمان من امللذات‪.‬‬
‫بظل اإلنسان بولد وميوت ما دامت الكارما متعلقة بروحه‪ ،‬وال تطهر نفسه حىت تتخلَّص من‬
‫‪ُّ -‬‬
‫الكارما‪ ،‬حيث تنتهي ريباته‪ ،‬وعندها ببقى حيًّا رالدا يف نعيم النجا ‪ .‬وهي مرحلة النَرلاان أو‬
‫اَخماص اليت قد حتصل يف الدنيا ابلتدربب والرايضة أو ابملوت‪.‬‬
‫‪ -‬النجا ‪:‬‬
‫‪ -‬إهنا تعين الفوز ابلسرور اَخالد اَخاِل من احلزن واألمل واهلمو ‪ ،‬وتعين التطهر من أدران احليوانية‬
‫املادبة‪ ،‬إهنا ترمي إىل التخلص من تكرار املولد واملوت والتناسخ‪.‬‬
‫‪ -‬طربق الوصول إىل النجا بكون ابلتمسك ابَخَر‪ ،‬واالبتعاد عن الشرور والذنوب واخآاث ‪ ،‬وال بصل‬
‫إليها اإلنسان إال بعد ُتاوز عوا ق ومتاعب احليا البشربة بقتل عواطفه وشهواته‪.‬‬
‫‪ -‬الشخص الناجي مكانه لوق اَخماء الكوين‪ ،‬إهنا جنا أبدبة سرمدبة‪.‬‬
‫‪ -‬تقدبس كل ذي روح‪.‬‬
‫‪ -‬غ‬
‫بقدسون كل ما ليه روح تقدبسا عجيبا‪.‬‬
‫‪ -‬ميسك بعض الرهبان مبكنسة بنظف هبا طربقه أو جملسه؛ رشية أن بطأ شيئا ليه روح‪.‬‬
‫‪ -‬بضع بعضهم يشاء على وجهه بتنفس من رماله؛ رولا من استنشاق أي كا ن حي من اهلوا‬
‫العالقة يف اهلواء‪.‬‬
‫‪ -‬ال بعملون يف الزراعة؛ حذرا من قتل الدبدان واحلشرات الصغَر املوجود يف الرتبة‪.‬‬
‫‪ -‬بذحبون احليواانت‪ ،‬وال أيكلون حلومها وهم نباتيون‪.‬‬
‫‪ -‬ال بشرتكون يف معركة‪ ،‬وال بدرلون يف قتال؛ رولا من إراقة الدماء‪ ،‬وقتل األحياء من البشر‪ ،‬لهم‬
‫مساملون بعيدون عن كل مظاهر العنف‪.‬‬
‫‪ -‬العواطف‪:‬‬
‫‪ -‬جيب قهر العواطف واملشاعر مجيعا‪ ،‬حىت البشعر الراهب حبب أو كره‪ ،‬حبزن أو سرور‪ٍ ،‬‬
‫حبر أو‬
‫برد‪ ،‬خبوف أو حياء‪ ،‬خبَر أو ٍ‬
‫شر‪ ،‬جبوع أو عطش‪ ،‬ليجب أن بصل إىل درجة اَخمود واجلمود‬
‫والذهول‪ ،‬حبيث تقتل يف نفسه مجيع العواطف البشربة‪.‬‬
‫‪ -‬ترى أحدهم بنتف شعر جسده دون أن بشعر أبي أمل يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬العري‪:‬‬
‫‪ -‬قمة قتل العواطف هي الوصول إىل مرحلة العري‪ ،‬الذي بعترب أبرز مظاهر اجلينية حيث ميشي‬
‫الشخص يف الشوارع بدون كساء بسرت جسده‪ ،‬من يَر شعور ابحلرج أو احلياء أو اَخجل‪ .‬وهذا‬
‫تطبقه لرقة دجيامربا من اجلينية‪.‬‬
‫‪ -‬الرهبان بعيشون عرا ‪ ،‬وذلك انبع من لكر نسيان العار أو احلياء‪ِ ،‬ما ميكنه من اجتياز احليا إىل‬
‫مرحلة النجا واَخلود‪.‬‬
‫‪ -‬إذا َّ‬
‫تذكر اإلنسان العاري احليا واحلسن والقبح‪ ،‬لذلك بعين أنه ما زال متعلقا ابلدنيا ِما حيجبه‬
‫عن الفوز والنجا ‪.‬‬
‫‪ -‬الشعور ابحلياء بتضمن تصور اإلمث‪ ،‬وعد الشعور ابحلياء معناه عد تصور اإلمث‪ .‬لمن أراد احليا‬
‫الرببئة البعيد عن الشعور ابخآال لما عليه إال أن بعيش عاراي متخذا من السماء واهلواء كساء له‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)128/2‬‬

‫رابعا‪ :‬موجز القول يف عقا د اجلينية‪:‬‬


‫عقا د اجلينيةبقول أحد الفماسفة اهلنود (‪ )1‬عن اجلينية‪ :‬هي حركة عقلية متحرر من سلطان‬
‫الوبدات‪ ،‬مطبوعة بطابع الذهن اهلندوسي العا ‪ ،‬أسس بنياهنا على اَخوف من تكرار املولد‪ ،‬واهلرب‬
‫من احليا ؛ اتقاء شا ماهتا‪ ،‬منشمها الزهد يف رَر احليا ؛ لزعا من أضرارها‪ ،‬عمادها الرايضة الشاقة‬
‫واملراقبات املتعبة‪ ،‬ومعوهلا اجلحود للمذات واملمملات‪ ،‬وسبيلها التقشف والتشدد يف العيش‪ ،‬وطربقها‬
‫الرهبانية‪ ،‬ولكن يَر رهبانية الربمهية‪ ،‬وقد داوى اجلينيون امليول والعواطف إبلنا ها‪ ،‬ووصلوا يف ذلك‬
‫إىل إمخاد شعلة احليا أببدبهم‪ ،‬والتقدوا النجا يف وجود من يَر لعلية‪ ،‬وسرور من يَر انبعاث‪.‬‬
‫‪ O‬أداين اهلند الكربى ألمحد شلَب‪ -‬ص ‪113‬‬
‫_________‬
‫(‪ )]192[( )1‬موالان حممد عبد السما الرامبوري‪( :‬اجلينية (ضمن مقاالته وأحباثه القيمة عن للسفة‬
‫اهلند القدمية‪.‬‬

‫(‪)129/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫اجلينية ثور على اهلندوسية مستنكر آهلتها وطبقاهتا‪ ،‬لكنها مل تستطع أن تتحرر من طابعها العا ومن‬
‫مساهتا البارز ‪ ،‬لاختذت لنفسها آهلة راصة هبا‪.‬‬
‫‪ -‬الفكر اجليين بقو أصما على ألكار هندوسية كاالنطماق‪ ،‬والكارما‪ ،‬والنجا ‪ ،‬والتناسخ وتكرار‬
‫املولد‪ ،‬والدعو إىل السلبية‪ ،‬مع صب هذه املفاهيم ابلصبغة اجلينية وتطوبرها؛ لتما م املعتقد اجليين‪.‬‬
‫‪ -‬تَدَّعي اجلينية أبن للسفتها ترجع إىل اجليين األول الذي كان حيًّا يف التاربخ البعيد‪ ،‬وإىل جيناهتا‬
‫الذبن تتابعوا واحدا إثر اخآرر حىت كان اجليين الثالث والعشرون ابرسواانث؛ والرابع والعشرون‬
‫مهالَرا الذي استقرت على بدبه معامل هذه الداينة اليت َّ‬
‫تشكلت رمال مرحلة طوبلة من الزمن‪.‬‬
‫‪ -‬كان ظهورها مواكبا لظهور البوذبة‪ ،‬وكلتامها ثوراتن دارل الفكر اهلندوسي‪.‬‬
‫‪ -‬بعتقد أبن النصرانية قد أرذت عن اجلينية لكر الصيا عن كل ما ليه حيا ؛ إذ إهنم بصومون عن‬
‫اللحو وعن مجيع املشتقات احليوانية ألاي معدود ‪ ،‬وبعيشون رمال ذلك على األطعمة النباتية‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)130/2‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬للسفة اجلينية من كتبهم املقدسة‪:‬‬


‫املصادر املقدسة لدى اجلينيني هي رطب مهاوبرا ووصاايه‪ ،‬مث اَخطب والوصااي املنسوبة للمربدبن‬
‫والعرلاء والرهبان والنساك اجلينيني‪ ،‬وقد انتقل هذا الرتاث املقدس من جيل إىل جيل عن طربق‬
‫املشالهة‪ ،‬مث ريف ضياع هذا الرتاث أو ضياع بعضه أو ارتماطه بغَره‪ ،‬لاُتهت النية إىل مجعه‬
‫وكتابته‪ ،‬واجتمع لذلك زعماء اجلينية يف القرن الرابع قبل امليماد يف مدبنة (ابطلي برتا) وتدارسوا هذا‬
‫األمر‪ ،‬ومجعوا بعض هذا الرتاث يف عد أسفار‪ ،‬ولكنهم ارتلفوا بعضهم على بعض يف املصادر‪ ،‬كما‬
‫َتجلت كتابة القانون اجليين حىت سنة (‪، )57‬‬
‫مل بنجحوا يف مجع الناس حول ما اتفقوا عليه‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫لدونوا آنذاك ما استطاعوا احلصول عليه بعد أن لقد كثَر من هذا الرتاث بولا احلفاظ والعارلني‪،‬‬
‫َّ‬
‫ويف القرن اَخامس امليمادي عقدوا جملسا آرر مبدبنة (والهبي) حيث تقرر الرأي األرَر حول الرتاث‬
‫اجليين املقدس‪.‬‬
‫أما لغة هذا الرتاث لكانت اللغة املسما (أردها جمدى)‪ ،‬للما اُتهت النية إىل حفظه وتدوبنه‬
‫ارتَرت اللغة السنسكربتية هلذا الغرض‪ ،‬وكانت لغة (أردها جمدى) هي لغة هذا الرتاث قبل امليماد‪،‬‬
‫أما اللغة السنسكربتية لقد حلَّت حملَّها يف القرون امليمادبة األوىل‪.‬‬
‫وسنختار من هذا الرتاث املقدس بعض َناذج تشرح لنا أهم اُتاهات الفلسفة اجلينية‪:‬‬
‫اليواقيت الثماثة‪:‬‬
‫بقول اجلينيون‪ :‬إن احليا الدنيا تعاسة مستمر وشقاء متصل‪ ،‬نعيمها زا ل والعيش ليها ابطل‪ ،‬نطمح‬
‫ليها إىل اَخَر لننال شرا‪ ،‬ونبتغي السعاد لتصيبنا الشقاو حىت َنوت ومل تنته حسراتنا! مث حنيا حيا‬
‫قد كسبتها أبدبنا‪ ،‬رَرها هتلكة لكيف بشرها‪ ،‬وتدو عجلة املوت واحليا ليا لنا من راسربن‪ ،‬وال‬
‫دواء إال أبن ننزع عنها‪ ،‬ونزهد يف احليا وترلها‪ ،‬ولكن هنا شيء جيعلنا نتمسك ابحليا ‪ ،‬وبزبن لنا‬
‫ابطلها‪ ،‬ما هو؟ إنه الغوابة ( ‪ )Mittyaina‬اليت ختلق العقا د الفاسد ‪ ،‬واألرماق السيئة‪ ،‬واجلهل‬
‫املشني‪ ،‬وهذه تكسو الروح بظما ‪ ،‬وبرتاكم الظما لتعمى الروح‪ ،‬وتسَر على يَر هدى‪ ،‬حتب احليا‬
‫وشهواهتا‪ ،‬وتسَر يف طربق الضمال‪ ،‬وتظل الروح على هذا الوضع بني املوت والوالد ‪ ،‬حىت بنبثق‬
‫النور إما من أعمال الروح بطربق الصدلة أو اإلهلا ‪ ،‬وإما بقياد العرلاء واملبشربن وهدابتهم‪ ،‬وليس‬
‫هذا النور إال السبيل املثلث أو اليواقيت الثماثة اليت من اتبعها وصل إىل بر السمامة‪ ،‬وهذه اليواقيت‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الياقوتة األوىل‪ :‬االعتقاد الصحيح‪ ،‬وهو رأس (النجا )‪ ،‬وبقصدون به االعتقاد ابلقاد اجلينيني‬
‫األربعة والعشربن‪ ،‬لإن ذلك هو املنهج املعبد والصراط السوي‪ ،‬وال بكون االعتقاد الصحيح إال إذا‬
‫ختلصت النفس من أدران الذنوب الماصقة هبا‪ ،‬واليت حتول دون وصول الروح إىل هذا االعتقاد‪.‬‬
‫‪ - 2‬الياقوتة الثانية‪ :‬العلم الصحيح‪ ،‬وبقصد به معرلة الكون من انحيتيه املادبة والروحية‪ ،‬والتفربق‬
‫بني هذه وتلك‪ ،‬وختتلف درجة املعرلة ابرتماف قو البصَر وصفاء الروح‪ ،‬وبستطيع الشخص الذي‬
‫بفصل أثر املاد من قوته الروحية وإشراقها أن برى الكون يف صورته احلقيقية‪ ،‬وتنكشف لدبه‬
‫احلقا ق‪ ،‬وترتفع عنه احلجب الكثيفة‪ ،‬ليميز احلق من الباطل‪ ،‬والظن من اليقني‪ ،‬وال تشتبه عليه‬
‫األمور‪ ،‬وال بكون العلم الصحيح إال بعد االعتقاد الصحيح‪.‬‬
‫‪ - 3‬الياقوتة الثالثة‪ :‬اَخلق الصحيح‪ ،‬وبقصد به التخلق ابألرماق اجلينية من التحلي ابحلسنات‪،‬‬
‫والتخلغي عن السيئات‪ ،‬وعد القتل وعد الكذب وعد السرقة‪ ،‬والتمسك ابلعفة‪ ،‬والزهد يف‬
‫امللكية‪.‬‬
‫واليواقيت الثماثة مرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬وإذا اكتملت يف إنسان لإنه جيد لذ ال تعدهلا لذ ‪ ،‬وسعاد‬
‫ليس مثلها سعاد ‪.‬‬
‫املبادئ األساسية لطهار الروح‪:‬‬

‫(‪)131/2‬‬

‫وضع اجلينيون سبعة أصول ر يسية لتطهَر الروح‪ ،‬وتعترب هذه األصول أمهات املبادئ اجلينية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أرذ العهود واملواثيق مع القاد والرهبان‪ ،‬أبن بتمسك املربد ابَخلق احلميد‪ ،‬وبقلع عن اَخلق‬
‫السيئ‪.‬‬
‫‪ - 2‬التقوى‪ ،‬وهي احملالظة على الورع‪ ،‬واالحتياط يف األقوال واألعمال‪ ،‬ويف مجيع احلركات‬
‫والسكنات‪ ،‬وُتنب األذى والضرر ألي كا ن حي مهما كان حقَرا‪.‬‬
‫‪ - 3‬التقليل من احلركات البدنية‪ ،‬ومن الكما ‪ ،‬ومن التفكَر يف األمور الدنيوبة اجلسمانية‪ ،‬حىت ال‬
‫تضيع األوقات واألنفاس الثمينة يف صغار األمور‪.‬‬
‫‪ - 4‬التحلغي بعشر رصال هي أمهات الفضا ل ووسا ل الكمال وهي‪ :‬العفو‪ ،‬والصدق‪،‬‬
‫واالستقامة‪ ،‬والتواضع‪ ،‬والنظالة‪ ،‬وضبط النفس‪ ،‬والتقشف الظاهري والباطين‪ ،‬والزهد‪ ،‬واعتزال‬
‫النساء واإلبثار‪.‬‬
‫توصل‬
‫‪ - 5‬التفكَر يف احلقا ق األساسية عن الكون وعن النفس‪ ،‬وبعض أمور الكون وأمور النفس بْ َّ‬
‫توصل إليها مبنظار الذهن‪ ،‬ومن هنا لز استعمال احلواس‬
‫هلا ابحلواس اَخمسة املادبة‪ ،‬وبعضها ال بْ َّ‬
‫املادبة‪ ،‬واستعمال الفكر كذلك‪.‬‬
‫‪ - 6‬السيطر على متاعب احليا ومهومها اليت تنشأ من األعراض اجلسمانية أو املادبة‪ ،‬كمشاعر‬
‫اجلوع والعطش والربود واحلرار ‪ ،‬وسا ر أنواع الشهوات املادبة‪ ،‬وعليه أن بضرب حصنا متينا حوله؛‬
‫للتخلص من هذه األعراض واحلواس والتأثر هبا‪.‬‬
‫‪ - 7‬القناعة الكاملة‪ ،‬والطمأنينة‪ ،‬واَخلق احلسن‪ ،‬والطهار الظاهربة والباطنية‪.‬‬
‫وتدَّعى اجلينية أن هذه املبادئ تطلق اإلنسان من الواثق الذي بشده ابحليا ‪ ،‬وبسلب عنه الراحة‬
‫الذهنية والطمأنينة القلبية‪ ،‬وإذا اتصف أحد هبذه الصفات السبع لإهنا خترجه من الظلمات اليت حتيط‬
‫به بسبب مهو الدنيا ومشاكلها العدبد حىت تصَر روحه حر طليقة تنساب يف مساء املعرلة والنور‬
‫العلوي‪ ،‬وحتيط ابلعلو الرابنية والكشف الباطين‪ ،‬لتكون يف سرور دا م ولذ معنوبة مطلقة‪ ،‬وهذه‬
‫هي الطربقة اجلينية للنجا ‪.‬‬
‫درجات العلم يف الفلسفة اجلينية‪:‬‬
‫تقسم الفلسفة اجلينية العلم مخسة أقسا حسب مصادره‪ ،‬وتكثَر الفلسفة اجلينية من التفربعات لكل‬
‫قسم‪ ،‬ولنكشف هنا إببراد األقسا اَخمسة الر يسية‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلدراك بطربق احلواس أو بطربق الذهن‪ ،‬وبشتمل هذا اإلدراك على طربق القياس واالستقراء‬
‫املبنيني على املشاهد ‪ ،‬كما بشتمل على الفهم واحلفظ واإلحساس‪ ،‬وبستلز هذا العلم حضور‬
‫بتم إدراكها‪.‬‬
‫األشياء املعلومة للحواس أوال حىت َّ‬
‫‪ - 2‬العلم عن طربق الواث ق املقدمة‪ ،‬وبْعرف هذا القسم ابلعلم يَر املباشر؛ لتوسط املستندات‬
‫والواث ق بني من بعلم وما بعلم‪ ،‬وتدَّعي اجلينية أن كتبهم املقدسة مل تغادر صغَر وال كبَر ‪.‬‬
‫‪ - 3‬العلم ابلوجدان احملدود‪ ،‬وهو إدراك ذي الصور من األشياء املوجود بطربق الروح‪ ،‬لاملدرك هنا‬
‫موجود ميكن أن برى‪ ،‬ولكن لبعده مثما ال تراه العني‪ ،‬وتراه الروح يف هذه املرحلة من مراحل العلم‪.‬‬
‫وللوصول إىل هذه املرحلة البد من تطهَر الروح من األدران واألوساخ‪ ،‬والسمو هبا عن الوساوس‬
‫واألوها ‪.‬‬
‫‪ - 4‬العلم ابلوجدان احمليط‪ ،‬وهو إدراك بطربق الروح ملا ليست له صور اخآن‪ ،‬لهو إدراك بتخطَّى‬
‫مسالات األزمنة واألمكنة‪ ،‬بعلم ما يف السماء وما يف األرض من ظاهر وابطن‪ ،‬وما كان ليهما‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة أعلى طبعا من سابقتها‪ ،‬وتستلز مزبدا من الطهر والصفاء‪.‬‬
‫‪ - 5‬العلم مبخبآت الضما ر والتصورات يف السرا ر‪ ،‬لهو علم مبا مل بوجد إال من حيث إنه راطر يف‬
‫بتم إال للذبن هجروا األهل والوطن‪ ،‬وطهَّروا أنفسهم ابلرايضة‬
‫الذهن‪ ،‬وهو أرقى درجات العلم‪ ،‬وال ُّ‬
‫الشاقة‪.‬‬
‫‪ O‬أداين اهلند الكربى ألمحد شلَب‪ -‬ص ‪121‬‬

‫(‪)132/2‬‬

‫املطلب السابع‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫مل خترج اجلينية من اهلند‪ ،‬لمعابدهم منتشر يف كلكتا ودلوارا‪ ،‬وهلم معابد يف كهجورا وجبل آبو‪ ،‬وهي‬
‫ُّ‬
‫تعد من عجا ب الدنيا زبنة وزررلة‪ ،‬ويف القرن الثاين قبل امليماد حنتوا كهفهم العظيم املسمى هاِت‬
‫كنبا يف منطقة إدربسه‪ ،‬وهلم كهوف أررى منتشر يف أحناء اهلند ِما ُّ‬
‫بدل على براعتهم يف حنت‬
‫التماثيل‪ ،‬ورسوخ قدمهم يف لن معمار املعابد وزررلتها‪ ،‬وتزبينها ابلنقوش العجيبة‪ .‬ببل تعدادهم‬
‫احلاِل حواِل املليون نسمة بعملون يف التجار وإقراض البنوك‪ ،‬لمعظمهم من األينياء ِما ساعدهم‬
‫على نشر الكتب والتأثَر على الثقالة اهلندبة‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن اجلينية حركة عقلية متحرر مطبوعة بطابع الذهن اهلندوسي العا ‪ ،‬لمنشمها الزهد والتقشف‪،‬‬
‫وطربقتها الرايضة الشاقة‪ ،‬ومظهرها الرهبانية‪ ،‬وهم بعرتلون ِبهلة اهلندوس‪ ،‬وبعيشون شبه عرا ‪،‬‬
‫معرضني أجسامهم لظواهر الطبيعة‪ ،‬وأحياان بلجئون إىل قطع الروابط ابحليا عن طربق االنتحار‪،‬‬
‫وبعتربونه يابة ال تتاح إال للخاصة من الرهبان‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬حضار اهلند‪ ،‬يوستاف لوبون‪.‬‬
‫‪ -‬مهالَرا‪ :‬ممسس اجلينية‪ ،‬ثقالة اهلند ‪ -‬دبسمرب (‪. )1951‬‬
‫‪ -‬الفلسفة اجلينية‪ ،‬حمي الدبن األلوا ي‪.‬‬
‫‪ -‬اتربخ اإلسما يف اهلند‪ ،‬عبد املنعم النمر‪.‬‬
‫‪ -‬للسفة اهلند القدمية‪ ،‬موالان حممد عبد السما الرامبوري‪.‬‬
‫‪ -‬أداين اهلند الكربى‪ ،‬د‪ .‬أمحد شلَب ‪ -‬ط‪ - 6‬النهضة املصربة‪.‬‬
‫‪ -‬حقا ق عن اهلند‪ ،‬منشورات إدار االستعمامات اهلندي‪.‬‬
‫‪ -‬أداين العامل الكربى‪ ،‬حبيب سعيد‪.‬‬
‫‪ -‬املدرل إىل دراسة األداين واملذاهب‪ ،‬العميد عبد الرزاق حممد أسود‪.‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪.H.G. Wells: A Short History of the World -‬‬
‫‪.Berry: religions of the World -‬‬
‫‪.History of Buddhist Thought: Edward Thomas -‬‬
‫‪. Weeche and rylamds: The Peoples and religions of India -‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)133/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫السيخ‪ :‬مجاعة دبنية من اهلنود الذبن ظهروا يف هنابة القرن اَخامس عشر‪ ،‬وبدابة القرن السادس عشر‬
‫امليمادبني‪ ،‬داعني إىل دبن جدبد‪ ،‬زعموا أن ليه شيئا من الداينتني اإلسمامية واهلندوسية‪ ،‬حتت شعار‬
‫(ال هندوس وال مسلمون)‪ .‬وقد عادى املسلمني رمال اترخيهم‪ ،‬وبشكل عنيف‪ ،‬كما عادى اهلندوس‬
‫هبدف احلصول على وطن راص هبم‪ ،‬وذلك مع االحتفاظ ابلوالء الشدبد للرببطانيني رمال لرت‬
‫استعمار اهلند‪ .‬وكلمة سيخ كلمة سنسكربتية تعين املربد أو التابع‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫السيخية دبن هندوسي ظهر يف القرن التاسع اهلجري (اَخامس عشر امليمادي) على بد رجل بدعى‬
‫(اننك)‪ ،‬أصله من طبقة الكاشرتاي‪ ،‬قضى صدرا من حياته يف التأمل والتفكر‪ ،‬ورلضت لطرته عباد‬
‫األصنا والتماثيل اليت تكثر عن اهلندوس‪ ،‬كما رلضت نظا الطبقات املقيت‪ ،‬لأرذ بسيح يف‬
‫األرض ابحثا عن احلقيقة‪ ،‬وأراد أن بتعلَّم اإلسما ‪ ،‬ولكن املسلمني يف بماده (البنجاب) كانوا بعبدون‬
‫األولياء‪ ،‬غ‬
‫وبقدسون األضرحة‪ ،‬كما بفعل اهلندوس ابألصنا ‪ ،‬للم جيد (اننك) لرقا كبَرا بني الطا فتني‪،‬‬
‫ومل بولق ملقابلة من بعلمه اإلسما الصحيح‪.‬‬
‫مث إنه لقي صوليا من أصحاب وحد الوجود بْدعى (سيد حسني دروبش) لتعلَّم منه أن األداين كلها‬
‫حق؛ ألن األصنا ما هي إال مظاهر وُتليات للحق‪ ،‬ومن عبدها لإَنا بعبد هللا يف احلقيقة‪ ،‬تعاىل هللا‬
‫عن ذلك علوا كبَرا‪.‬‬
‫لأعجب ذلك الضال احلا ر هبذه العقيد ‪ ،‬وآمن هبا‪ ،‬وأرذ بدعو إىل دبن جدبد‪ ،‬ال هو اهلندوسية‬
‫وال اإلسما ‪ ،‬وزار معابد اهلندوس وأضرحة األولياء‪ ،‬وانظر الكهنة والشيوخ داعيا إىل عقيدته‪ ،‬وبقال‪:‬‬
‫حج إىل مكة وزار العراق أبضا‪.‬‬
‫إنه َّ‬
‫وظل السيخ على طربقة صولية إىل أن‬
‫وكان (السيخ) ومعىن كلمة السيخ‪( :‬السيد) أو (الفارق)‪َّ ،‬‬
‫ويَر‬
‫لحوهلم إىل مجاعة حربية منظمة‪َّ ،‬‬
‫جاء أحد أحفاد (اننك) يف القرن احلادي عشر اهلجري‪َّ ،‬‬
‫االسم من سيخ إىل (سن ) (وكلمة سن معناها‪ :‬أسد) ولكن امسهم القدمي بقي هو األشهر‪ ،‬ومنذ‬
‫ذلك احلني أصبح السيخ أمة شدبد البأس حربية الطبع‪ ،‬وعاشوا يف حروب مستمر مع جَراهنم من‬
‫اهلندوس واملسلمني‪.‬‬
‫احتل اإلجنليز اهلند درل السيخ يف طاعتهم‪ ،‬وظلُّوا َملصني يف الوالء هلم‪ ،‬وسخَّرهم اإلجنليز‬
‫وملا َّ‬
‫حلرب اهلندوس واملسلمني‪.‬‬
‫وملا قْ غسمت اهلند إىل دوليت اهلند وابكستان‪ ،‬كان السيخ من ضمن املناطق اهلندبة‪ ،‬ال سيما‬
‫عاصمتهم املقدسة ذات املعبد الذهَب‪ ،‬وبذلك كانوا ما بزالون من أكرب أسباب االضطراب والشغب‬
‫يف اهلند‪ ،‬كما أهنم بشاهبون اليهود يف شد عداوهتم لإلسما ‪.‬‬
‫‪ O‬أصول الفرق واملذاهب الفكربة لسفر احلواِل – ص ‪111‬‬

‫(‪)134/2‬‬

‫الفرع األول‪ :‬املمسس‪:‬‬


‫وبدعى (يورو) أي‪ :‬املعلم‪ ،‬ولد سنة (‪ , )1469‬يف قربة ري بوي دي‬
‫املمسس األول انانك‪َ ،‬‬
‫تلفندي اليت تبعد (‪ )40‬ميما عن الهور‪ ،‬كانت نشأته هندوسية تقليدبة‪.‬‬
‫شب عمل حماسبا لزعيم ألغاين يف (سلطانبور)‪ ،‬وهناك تعرف على عا لة مسلمة مارداان كانت ختد‬
‫ملا َّ‬
‫هذا الزعيم‪ .‬وقد أرذ بنظم األانشيد الدبنية‪ ،‬كما نظم مقصفا ليتناول املسلمون واهلندوس الطعا‬
‫ليه‪.‬‬
‫درس علو الدبن‪ ،‬وتنقل يف البماد‪ ،‬كما قا بزاير مكة واملدبنة‪ ،‬وزار أحناء العامل املعرولة لدبه‪ ،‬وتعلَّم‬
‫اهلندبة والسنسكربتية والفارسية‪.‬‬
‫ادَّعى أنه رأى الرب حيث أمره بدعو البشر‪ ،‬مث ارتفى أثناء استحمامه يف أحد اجلداول‪ ،‬وياب‬
‫ملد ثماثة أاي ‪ ،‬ظهر بعدها معلنا (ال هندوس وال مسلمون)‪.‬‬
‫كان بدَّعي حب اإلسما ‪ ،‬مشدودا إىل تربيته وجذوره اهلندوسية من انحية أررى‪ِ ،‬ما دلعه ألن بعمل‬
‫على التقربب بني الداينتني‪ ،‬لأنشأ دبنا جدبدا يف القار اهلندبة‪ ،‬وبعض الدارسني بنظرون إليه على أنه‬
‫كان مسلما يف األصل‪ ،‬مث ابتدع مذهبه هذا‪.‬‬
‫عني أحد أتباعه‬
‫أنشأ املعبد األول للسيخ يف كاراتربور ابلباكستان حاليا‪ ،‬وقبل ولاته عا (‪َّ )1539‬‬
‫رليفة له‪ ،‬وقد دلن يف بلد دبر ابابانانك من أعمال البنجاب اهلندبة اخآن‪ ،‬وال بزال له ثوب حمفوظ‬
‫ليه مكتوب عليه سور الفاحتة وبعض السور القصَر من القرآن‪.‬‬
‫رلفه من بعده عشر رلفاء معلمون‪ ،‬آررهم يوبند سن (‪ , )1708 - 1675‬الذي أعلن انتهاء‬
‫سلسلة املعلمني‪.‬‬
‫صار زعماؤهم بعد ذلك بعرلون ابسم املهراجا‪ ،‬ومنهم املهراجا راجنيت سن املتوىف سنة (‪. )1839‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)135/2‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬السيخ بعد املمسس (اننك)‪:‬‬


‫بعد ولا اننك رلفه رلفاء منهم ابنه (شري شند) مث ابنه الثاين الذي بلقب بـ‪( :‬صاحب زاده) أي‪:‬‬
‫ابن الر يس‪ .‬مث تتابع بعد ذلك أ مة السيخ‪ ،‬وحصل على أبدبهم تطورات‪ ،‬وتغَرات‪ ،‬كما سيتبني ليما‬
‫سيأِت عند احلدبث عنهم‪ ،‬وعن معتقدات السيخ (‪.)1‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص ‪53‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((اهلندوس والسيخ)) (ص ‪.)18‬‬

‫(‪)136/2‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬أ مة السيخ ورلفاؤهم‪:‬‬
‫رلف اننك رلفاء وأ مة للسيخ‪ ،‬وعددهم تسعة‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلما الثاين للسيخ (رليفة اننك) (أنغد) (‪: )1552 - 1504‬‬
‫ولد (أنغد) يف زمن امللك (إسكندر اللودي) يف لَروز لور عا (‪ ، )1504‬ورلف (اننك) بعد‬
‫ولاته‪ ،‬وعمره بومئذ مخسة وثماثون عاما‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلما الثالث (أمرداس) (‪: )1574 - 1479‬‬
‫وهو الذي جنح يف إدرال كثَر من التعاليم السيخية اجلدبد اليت متيزهم عن اهلندوس‪ ،‬لمهدت تلك‬
‫التعاليم بعد ذلك للفصل بني العقيدتني‪ ،‬وكسر جسور االنتساب هلم‪ ،‬لأقا طقوسا راصة ابملواليد‬
‫والوليات ختتلف عن طقوس اهلندوس‪.‬‬
‫وشجع االتصاالت بني الطبقات‪ ،‬وزواج األرامل‬
‫كذلك أبطل عزلة املرأ ‪ ،‬ودالع عن الزواج بواحد ‪َّ ،‬‬
‫من النساء‪.‬‬
‫كما منع بشد ِمارسة عاد الساِت ( ‪ )sait‬أو حرق النساء األرامل بعد موت أزواجهن‪.‬‬
‫‪ - 3‬مث رلف (أنغد) (را داس) (‪ : )1581 - 1534‬يف عهد اإلمرباطور (مهابون)‪.‬‬
‫‪ - 4‬اَخليفة اَخامس (أرجون) (‪: )1606 - 1563‬‬
‫أجنب (را داس) ثماثة من البنني‪ ،‬واستخلف على سربر اَخمالة أصغر أبنا ه (أرجن)‪.‬‬
‫كرس جهوده‬
‫ولد أرجن يف زمن اإلمرباطور املغوِل (أكرب) يف عا (‪ )1573‬يف مدبنة (يوبندال)‪ ،‬و َّ‬
‫بعد االستخماف لتجميع صفوف السيخ وتوحيدها‪ ،‬ودرل يف عهده آالف الناس يف الداينة‬
‫السيخية‪.‬‬
‫‪ - 5‬اَخليفة السادس (هريوبند) (‪: )1644 - 1595‬‬
‫وظهر أما الدنيا كملك ال كناسك‪ ،‬وجعل يف حقوبه سيفني‪.‬‬
‫‪ - 6‬اَخليفة السابع (هر راي) (‪: )1661 - 1630‬‬
‫نصب (هريوبند) حفيده (هر راي) رليفة له‪ ،‬ومل حيصل يف زمانه كبَر شيء‪ ،‬وتويف وهو ابن إحدى‬
‫وثماثني سنة‪.‬‬
‫‪ - 7‬اَخليفة الثامن (هر راي كرشن) (‪: )1664 - 1656‬‬
‫مث جلس على سربر اَخليفة ابن (هر راي)‪( ،‬هر كرشن)‪.‬‬
‫‪ - 8‬اَخليفة التاسع (تي هبارد) (‪: )1675 - 1621‬‬
‫مث جلس على سربر امللك (تي هبارد) أصغر أوالد (هاري يوبند) (اَخليفة السادس)‪.‬‬
‫‪ - 9‬اَخليفة العاشر واألرَر (يوبند) (‪: )1708 - 1666‬‬
‫وملا قْتل (تن هبادر) رلفه ابنه (يوبند) وهذا اَخليفة كان من أشجع رلفاء السيخ‪ ،‬وأرربهم أبمور‬
‫احلرب‪ ،‬وهو الذي صرف مهَّه كله لتوحيد صفوف السيخ‪َّ ،‬‬
‫وبث ليهم روح العداء للمسلمني‪ ،‬ولتح‬
‫الباب جلميع من أراد الدرول يف الداينة السيخية‪ ،‬ومل غ‬
‫بفرق بني الطبقات‪ ،‬لدرل الناس يف دبنه‬
‫ألواجا‪.‬‬
‫زاي راصا بتميزون به عن اخآرربن‪ ،‬وأوجب على غ‬
‫كل سيخي أن بتخذ لدبه قطعة من‬ ‫مث جعل لقومه ًّ‬
‫احلدبد؛ وذلك دليما على شجاعته وصمابته‪ ،‬وأال حيلق شيئا من شعر جلده‪ ،‬وأن بكون عنده‬
‫وأوجب على غ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫مشاطة‪ ،‬وأوجب تعظيم البقر ‪ ،‬ورلع القيود عن املأكل واملشرب حىت أابح اَخمر‪،‬‬
‫سيخي إذا قابل أراه أن بقول‪- :‬بول واه يرو جي كا رالصة‪ -‬ومعناها‪ :‬لتحيا لكر حربة احلربة ‪-‬‬
‫يوبند را ي‪ ،‬واخآرر برد‪ - :‬سرى واه يرو جي كي لتح‪ -‬ومعناها‪ :‬اي للعظمة لفتوح الشيخ‪.‬‬
‫واختذ مع امسه لقب (سن ) أي‪ :‬األسد‪ ،‬مث أطلق هذا اللفظ على كل سيخي‪ ،‬لما منهم من أحد إال‬
‫ويف امسه سن ‪ ،‬وهو الذي َّلقب السيخ بـ‪( :‬اَخالصة) أي‪ :‬القو األحرار‪.‬‬
‫اتما‪.‬‬
‫وهو الذي لصل األمة السيخية عن األمة اهلندوسية لصما ًّ‬
‫ويف عهده أصبح السيخ أعدى أعداء املسلمني‪ ،‬وصاروا بسعون لمانتقا منهم يف كل لرصة سنحت‬
‫هلم‪.‬‬
‫وقد نسجت حول شخصيته حكاايت عجيبة يرببة تتحدث عن شجاعته ومهته‪ ،‬حىت أنه بقال‪ :‬إنه‬
‫واحلامل إذا مسعت امسه‬ ‫أسه عن جسده‪،‬‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫قاتل األعداء إىل أربعة عشر ميما يف امليدان بعد أن لْصل ر ْ‬
‫ألقت ما يف بطنها‪ .‬ويَرها من احلكاايت‪.‬‬
‫وحد قومه ومجعهم على بغض املسلمني وكرههم‪ ،‬وجعل يف قتال املسلمني جمدا وشرلا‪،‬‬
‫لما شك أنه َّ‬
‫وال بتخلفون عنه أبدا‪.‬‬

‫(‪)137/2‬‬

‫وكان (يوبند را ي) آرر اَخلفاء العشر ‪ ،‬وانتهت به سلسلة اَخمالة يف الداينة السيخية‪.‬‬
‫وانقسم السيخ يف هذه األاي إىل طا فتني لكل منهما أتباع‪ ،‬وتتقاتمان ليما بينهما أحياان‪ ،‬وليست‬
‫حقيقتهما إال مثل (الكاثوليك) و (الربوتستانت) عند النصارى‪.‬‬
‫لطا فة (آكلي رالصة) تعتقد أن الوصول إىل األلوهية ال ميكن إال ابلطربق اليت سلكها ممسس‬
‫الداينة ورلفاؤه‪ ،‬وأنه جيب اتباع التقاليد والعادات املوروثة ليهم‪.‬‬
‫جنداي؛ ليحر عليه محل‬
‫وتعتقد يف أن كل سيخي إَنا هو (سنت) أي‪ :‬انسك‪ ،‬وليس (سباهيا) أي ًّ‬
‫السماح إال إذا طلبت منه احلكومة‪ ،‬وأن سلسلة اَخمالة انتهت مبوت اَخليفة العاشر‪ ،‬ويَر ذلك من‬
‫العقا د‪.‬‬
‫وطا فة (نرى كاري) ال توجب التزا التقاليد والعادات املوروثة‪ ،‬وتعتقد يف أن سلسلة اَخمالة مل تنته‪،‬‬
‫وإَنا توقفت ملد ‪ ،‬وأن اَخليفة احلاِل هو (ابب يربشن سن ) وجيب اتباعه ليما أمر وهنى‪ ،‬وأن محل‬
‫السماح ليس حمرما عليهم‪ ،‬بل إذا استطاع لليحمل السماح معه دا ما؛ للحفاظ على نفسه‪ ،‬ويَر‬
‫ذلك من معتقداهتم‪.‬‬
‫بقي أن تعرف أن مقصودهم من محل السماح هو احلمابة من املسلمني ومن معتقداهتم‪ ،‬وأنه ال بد‬
‫للسيخي قبل أن ميوت أن بقتل مسلما حىت حيوز على رضا اإلله‪ .‬ولقد وقفوا مع اإلجنليز‪ ،‬بل‬
‫انضموا إليهم يف حرهبم ضد األلغان سنة ‪.)1( 1838‬‬
‫ُّ‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص ‪.53‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((اهلندوس والسيخ))‪( ،‬ص‪.)21 - 18‬‬

‫(‪)138/2‬‬

‫الفرع األول‪ :‬رلفية لكربة‪:‬‬


‫بدعون إىل االعتقاد خبالق واحد‪ ،‬وبقولون بتحرمي عباد األصنا ‪ ،‬وبنادون ابملساوا بني الناس‪.‬‬
‫بمكغدون على وحدانية اَخالق احلي الذي ال ميوت‪ ،‬والذي ليس له شكل‪ ،‬وبتعدَّى ألها البشر‪ ،‬كما‬
‫بستعملون عد أمساء لإلله‪ ،‬منها واه يورو واجلاب‪ ،‬وألضلها عند انانك (اَخالق احلق) وكل ما عداه‬
‫َو يه ٌم (مااي)‪.‬‬
‫مينعون متثيل اإلله يف صور‪ ،‬وال بقرون بعباد الشمس واألهنار واألشجار اليت بعبدها اهلندوس‪ ،‬كما‬
‫ال بهتمون ابلتطهر واحلج إىل هنر الغانج‪ ،‬وقد انفصلوا تدرجييًّا عن اجملتمع اهلندوسي حىت صارت هلم‬
‫شخصية دبنية متميز ‪.‬‬
‫حر حلم البقر جمارا للهنادكة‪.‬‬
‫أابح انانك اَخمر‪ ،‬وأكل حلم اَخنزبر‪ ،‬وقد َّ‬
‫أصول الدبن لدبهم مخسة ابنج كهكها‪ ،‬أي‪ :‬الكالات اَخمس ذلك أهنا تبدأ حبرف الكاف ابللغة‬
‫الكورمكية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ترك الشعر مرسما بدون قص من املهد إىل اللحد‪ ،‬وذلك ملنع درول الغرابء بينهم بقصد‬
‫التجسس‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن بلبس الرجل سوارا حدبدا يف معصميه‪ ،‬بقصد التذلل واالقتداء ابلدراوبش‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن بلبس الرجل تباان‪ ،‬وهو أشبه بلباس السباحة حتت السراوبل رمزا للعفة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن بضع الرجل مشطا صغَرا يف شعر رأسه‪ ،‬وذلك لتمشيط الشعر وترجيله وهتذببه‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن بتمنطق السيخي حبربة صغَر أو رنجر على الدوا ‪ ،‬وذلك إلعطا ه قو واعتدادا‪ ،‬وليدالع‬
‫به عن نفسه إذا لز األمر‪.‬‬
‫بْعتقد أبن هذه األمور ليست من وضع انانك‪ ،‬بل هي من وضع اَخليفة العاشر يوبند سن الذي‬
‫حر أبضا التدرني على أتباعه‪ ،‬وبقصد هبذه األمور التميز عن مجيع الناس‪.‬‬‫َّ‬
‫معلمو السيخ بنكرون املعجزات والقصص واَخرالات ذات األساطَر‪ ،‬إال أنه على الريم من ذلك‬
‫لقد رلَّد السيخ معابد هلم (يور دوارا) مبنية على قصص تتحدث عن معجزات وقعت للمعلم‬
‫وبسمى عندهم يورو‪ ،‬درجة دبنية َتِت بعد مرحلة الرب‪ ،‬لهو الذي ُّ‬
‫بدل ‪ -‬يف نظرهم ‪ -‬على احلق‬ ‫َّ‬
‫والصدق‪ ،‬كما أهنم بتعبدون اإلله إبنشاد األانشيد الدبنية اليت نظمها املعلمون‪.‬‬
‫بعتقدون أبن تردبد أمساء اإلله الناما بطهر املرء من الذنوب‪ ،‬وبقضي على مصادر الشر يف النفوس‪،‬‬
‫وإنشاد األانشيد كَرات‪ ،‬والتأمل بتوجيه من معلم يورو كل هذا بمدي إىل االتصال ابإلله‪.‬‬
‫بعتقدون أبن روح كل واحد من املعلمني تنتقل منه إىل املعلم التاِل له‪.‬‬
‫هناك بعض التنبمات وامسها ساوساكي املا ة قصة‪ ،‬واملنسوبة إىل املعلم يوبند سن ‪ ،‬واليت تدور حول‬
‫االنقماابت يف احلكم القا م‪ ،‬وجميء َملغص بنشر السيخية يف مجيع أحناء العامل‪.‬‬
‫بممنون بوالد اإلنسان وموته‪ ،‬مث إعاد والدته كارما‪ ،‬حبيث تتقرر حيا اإلنسان املستقبلية على ضوء‬
‫حياته السابقة‪ ،‬وبتوقف رماصه على هذه املرحلة‪.‬‬
‫إن توجيه املعلم يورو أساسي للوصول إىل مرحلة االنعتاق موكا‪.‬‬
‫بقدسون العدد مخسة الذي له معىن صويف يف أرض البنجاب‪ ،‬أي‪ :‬األهنار اَخمسة‪.‬‬
‫اَخمالات الدبنية حيلُّها جملس دبين بعقد يف أمر تيسار‪ ،‬وقرارات هذا اجمللس هلا قو روحية‪.‬‬
‫ليس لدبهم طبقة دبنية مشاهبة للربامهة اهلندوس؛ إذ إهنم ‪ -‬عموما ‪ -‬برلضون مبدأ الطبقات‬
‫اهلندوسي‪ ،‬كما بعارضون احتكار طبقة الربامهة للتعاليم الدبنية‪.‬‬
‫بقسمون أنفسهم على أساس عرقي ‪ ..‬منهم اجلات (قبا ل زراعية) ويَر اجلات‪ ،‬واملذاهَب‪ ،‬وهم‬ ‫غ‬
‫املنبوذون‪ ،‬لكن وضعهم ألضل بكثَر من وضع املنبوذبن لدى اهلندوس‪.‬‬
‫بتزوجون من زوجة واحد لقط‪.‬‬
‫أعياد السيخ هي نفس أعياد هندوس الشمال يف اهلند‪ ،‬ابإلضالة إىل عيد مولد أول وآرر يورو‪،‬‬
‫وعيد ذكرى استشهاد الغورو اَخامس والتاسع‪.‬‬
‫رالصادال (البارتا)‪:‬‬
‫تعرض السيخ الضطهاد املغول الذبن أعدموا اثنني من معلميهم‪ ،‬وقد كان أشد املغول عليهم اندر‬
‫َّ‬
‫شاه‬

‫(‪)139/2‬‬

‫(‪ , )1839 - 1738‬الذي هامجهم ِما اضطرهم إىل اللجوء إىل اجلبال والشعاب‪.‬‬
‫قا يوبند سن ‪ ،‬وهو املعلم العاشر إبنشاء منظمة البارتا‪ ،‬أي‪ :‬رالصادال اليت مسَّى رجاهلا (أسودا)‬
‫ونساءها (لبمات)‪.‬‬
‫هدف شباب السيخ أن بصبحوا ممهَّلني ألن بكونوا من رجال اَخالصادال‪ ،‬وبطلعوا على تعاليمها‪.‬‬
‫إن اَخالصادال جمموعة من الشباب الذبن برتبطون بنظا سلوكي دبين قاس‪ ،‬حيث بنصرلون إىل‬
‫الصما والقتال من أجل احلق والعدل الذي بعتقدون به‪ِ ،‬متنعني عن املخدرات واملسكرات والتب ‪.‬‬
‫صاروا بعد عا (‪ , )1761‬حكاما للبنجاب‪ ،‬وذلك بعد ضعف املغول‪ ،‬حيث احتلوا الهور عا‬
‫(‪ . )1799‬ويف عا (‪ , )1819‬امتدت دولتهم إىل بماد البااتن‪ ،‬وقد وصلت إىل ِمر ريرب يف‬
‫عهد املهراجا راجنيت سن ت (‪ , )1839‬متغلبني على األلغان‪.‬‬
‫عندما وصل اإلجنليز حصلت مصادمات بينهم وبني السيخ‪ ،‬واضطروهم ألن برتاجعوا وبتوقفوا عند‬
‫هنر سوتلج‪ ،‬واعتبار ذلك حدودا لدولة السيخ من الناحية اجلنوبية الشرقية‪.‬‬
‫انكسروا بعد ذلك وتراجعوا أكثر‪ ،‬وأجربهم الرببطانيون على دلع يرامة كبَر ‪ ،‬وتسليم جامو‬
‫وكشمَر‪ ،‬كما عيَّنوا يف الهور مقيما بربطانيا بدبر بقية ِملكة السيخ‪.‬‬
‫صاروا بعد ذلك شدبدي الوالء لإلجنليز‪ ،‬بل ساعدوهم على احتمال البنجاب‪.‬‬
‫حتول السيخ إىل أدا يف أبدي اإلجنليز بضطهدون هبم حركات التمرد (‪. )1857‬‬
‫َّ‬
‫حصلوا من اإلجنليز على امتيازات كثَر ‪ ،‬منها منحهم أراض زراعية‪ ،‬وإبصال املاء إليها عرب قنوات‪،‬‬
‫ِما جعلهم يف رراء مادي ميتازون به عن مجيع املقيمني يف املنطقة‪.‬‬
‫يف احلرب العاملية األوىل كانوا بشكلون أكثر من (‪ )%20‬من اجليش اهلندي الرببطاين‪.‬‬
‫انضموا إىل حركة ياندي يف طلب احلربة‪ ،‬وذلك إثر قيا مشكمات بينهم وبني اإلجنليز‪.‬‬
‫بعد عا (‪ , )1947‬صاروا مقسمني بني دولتني‪ :‬اهلند والباكستان‪ ،‬مث اضطر مليوانن ونصف‬
‫املليون منهم أن بغادروا ابكستان إىل اهلند إثر صدامات بينهم وبني املسلمني‪.‬‬
‫ألغت احلكومة اهلندبة االمتيازات اليت حصل عليها السيخ من اإلجنليز‪ِ ،‬ما دلعهم إىل املطالبة بوالبة‬
‫البنجاب وطنا هلم‪.‬‬
‫على إثر املصادمات املستمر بني اهلندوس والسيخ أمرت أندبرا ياندي ر يسة وزراء اهلند يف شهر‬
‫بونيو (‪ , )1984‬ابقتحا املعبد الذهَب يف أمرتيسار‪ ،‬حيث اشتبك الطرلان‪ ،‬وقتل ليه حواِل‬
‫(‪ )1500‬شخص من السيخ‪ ،‬و (‪ )500‬شخص من اجليش اهلندي‪.‬‬
‫ويف بو (‪ 31‬أكتوبر ‪ , )1984‬أقد السيخ على قتل ر يسة الوزراء هذه انتقاما القتحا املعبد‪،‬‬
‫وقد حصلت مصادمات بني الطرلني عقب االيتيال‪ ،‬قتل بسببها عد آالف من السيخ بقدرها‬
‫بعضهم حبواِل مخسة آالف شخص‪.‬‬
‫اشتهر السيخ رمال حكمهم ابلعسف والظلم واجلور والغلظة على املسلمني‪ ،‬من مثل منعهم من‬
‫أداء الفرا ض الدبنية واألذان وبناء املساجد يف القرى اليت بكونون ليها أكثربة‪ ،‬وذلك لضما عن‬
‫املصادمات املسلحة بينهما‪ ،‬واليت بقتل ليها كثَر من املسلمني األبرايء‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬
‫إضالة إىل ما شرعه (اننك) أحدث رلفاؤه عقا د وعبادات منها ما هو شبيه ابهلندوسية‪ ،‬ومنها ما‬
‫هو قربب الشبه ابإلسما ‪ ،‬وجعلوا السيخ أمة متميز حىت الشعار واللباس‪ ،‬وهذه هي أهم عقا د‬
‫السيخ‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلميان بعباد رب واحد رالق‪ ،‬وإنكار عباد األصنا ‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلميان أبن إمامهم (وبسمونه الكورو) بتوسط بني الرب واَخلق‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإلميان ابلكتاب املقدس عندهم املسمى (كرانته)‪.‬‬
‫‪ - 4‬اإلميان ابلتناسخ كما هو عند اهلندوس‪.‬‬
‫‪ - 5‬احلج إىل املعبد الذهَب (أمرتسار) واالستحما يف حوضه الذي بعتقدون ليه مثلما بعتقد‬
‫اهلندوس يف هنر (الكانج)‪.‬‬
‫‪ O‬أصول الفرق واملذاهب الفكربة لسفر احلواِل – ص ‪111‬‬

‫(‪)140/2‬‬
‫ولعل أبرز عقا د السيخ ‪ -‬يَر ما ذْكر ‪ -‬ما بْعرف ابلقواعد اَخمس للقبيلة السيخية اليت بعتمدون‬
‫عليها اعتمادا كليًّا‪ ،‬وهي أصول الدبن لدبهم‪.‬‬
‫وقد ْغمسيت تلك القواعد أو الشارات ابلكالات اَخمس أو ابنج كهكها؛ ألن َّ‬
‫كل واحد منها تبدأ‬
‫حبرف الكاف ابللغة الكورمكية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫يمن يف شعر رأسه‬ ‫‪ -‬الكيش‪ :‬اقتداء بشمشون اجلبار الذي اشتهر عندهم َّ‬
‫أبن قدرته اَخارقة تَك ْ‬
‫املسرتسل؛ لقد أررى ‪ -‬على هذا األساس ‪ -‬السيخية شعور رؤوسهم‪ ،‬وأطالوا حلاهم؛ تقيدا‬
‫ابلقاعد األوىل الكيش‪( :‬عد مساس الشعر مبقص)‪.‬‬
‫‪ -‬الكانغا‪ :‬القاعد الثانية‪ ،‬وهي عبار عن الضفا ر اجملدولة لوق الرأس‪ ،‬وذلك تعوبضا عن املشط‪،‬‬
‫ولكي بكونوا على أهبة االستعداد لنجد الطا فة‪ ،‬وذلك بتطلب مهار يف احلركة والوثب (املشط‬
‫حيمله كل لرد)‪.‬‬
‫‪ -‬الكاتشا‪ :‬وهي عبار عن حترمي ارتداء (الدوِت اهلندي) وهو قماش لضفاض بلف حول اجلسد‬
‫ليعوق احلركة؛ لذلك عْ َّد هذا الزي الباهظ الثمن حمرما‪ ،‬ووضع مكانه (الكاتشا) وهو سروال متسع‬
‫بضيق عند الركبتني للنساء والرجال على السواء‪( :‬ارتداء السروال العسكري)‪.‬‬
‫‪ -‬الكارا‪ :‬وتيمنا بفضا ل اننك الذي مل بعرف البهرجة‪ْ ،‬حرمت السيخية الزبنة واحللي واجلواهر‪،‬‬
‫واكتفوا بسوار حدبدي بْ ُّ‬
‫لف حول املعصم وبْدعى (الكارا)‪ ،‬والذي اعتمد على التقليد املتوارث‪،‬‬
‫والقا ل أبن احلدبد ببعد إيواء الشيطان (وضع السوار الفوالذي يف اليد اليمىن)‪ -.‬الكرببان‪ :‬أما‬
‫القاعد اَخامسة واألرَر ‪ ،‬لقد دعت إىل تقلد (الكَرابن) وهو سيف تنطوي قبضته على احلد‬
‫املستل الذي ال ببني له أثر إال عند احلاجة لقط‪( .‬محل املْدى أو السيف ذي احلدبن) (‪.)1‬‬
‫‪ O‬رسا ل يف األداين والفرق واملذاهب حملمد احلمد ‪ -‬ص ‪56‬‬
‫_________‬
‫(‪ )1‬انظر ((اهلندوس والسيخ))‪( ،‬ص‪.)26 - 25‬‬

‫(‪)141/2‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬كتبهم‪:‬‬


‫كتاب آدي يرانت‪ ،‬وهو جمموعة أانشيد دبنية ألَّفها املعلمون اَخمسة األوا ل‪ ،‬وتبل حنوا من‬
‫ضم إليها املعلم األرَر يوبند سن (‪ )115‬نشيدا‪ ،‬نظمها أبوه تي‬
‫(‪ )6000‬نشيد دبين‪ ،‬كما َّ‬
‫هبادور‪ ،‬كما حتتوي على أانشيد نظمها شيوخ من اَخالصادال البارتا وبعض رجال الصولية املسلمني‬
‫من مثل ابن الفارض على وجه اَخصوص‪ ،‬وبعض شعراء بماط يورو‪ ،‬وهذا الكتاب هو الكتاب‬
‫املقدس الذي بعترب أساس السلطة الروحية لدبهم‪.‬‬
‫أقد مصدر عن حيا انانك كتب بعد ولاته خبمسني إىل امانني عاما‪ ،‬ومعظم علماء السيخ برلضون‬
‫عددا من القصص الوارد ليه‪.‬‬
‫هناك كتاابت اترخيية سيخية ترجع إىل القرنني الثامن عشر والتاسع عشر‪.‬‬
‫هلم كتاب مقدس مكتوب ابللغة الكورمكية بسمونه كرانته صاحب‪.‬‬

‫(‪)142/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫ترجع حركتهم يف األصل إىل ظهور حركة ليسنالا ابريت اليت بدأت ابلظهور بني اهلندوس يف منطقة‬
‫التأمل‪ ،‬ووصلت إىل الشمال على بد رامانوجا (‪. )1137 - 1050‬‬
‫ويف القرنني الرابع عشر واَخامس عشر‪ ،‬وبعد االحتكاك ابملسلمني‪ ،‬انتشرت هذه احلركة يف سهل‬
‫الغانج‪.‬‬
‫لذا بقال أبن انانك (‪ , )1538 - 1469‬مل بكن األول يف مذهبه السيخي هذا‪ ،‬وإَنا سبقه إليه‬
‫شخص آرر صويف امسه كابَر (‪ , )1518 - 1440‬درس الدبن اإلسمامي واهلندوكي‪ ،‬وكان حركة‬
‫اتصال بني الدبنني‪ ،‬إذ أراد أن بملغف بينهما عن طربق التوجيه والتأمل الصويف‪.‬‬
‫وبضمها إىل اإلسما شربطة بقاء التوحيد‬
‫كان كابَر هذا بتساهل يف قبول كثَر من العقا د اهلندوكية‪ُّ ،‬‬
‫أساسا‪ ،‬لكنه مل بفلح إذ انقرض مذهبه مبوته‪َ ،‬ملفا جمموعة أشعار ابللغة البنجابية‪ ،‬تْظهر متازج‬
‫العقيدتني املختلفتني اهلندوسية واإلسمامية‪ ،‬مرتبطتني برابط صويف جيمع بينهما‪.‬‬
‫أصل نظربتهم عن الكون مستمد من النصوص اهلندوسية‪.‬‬
‫إهنم حيرقون مواتهم كاهلندوس‪.‬‬

‫(‪)143/2‬‬
‫املطلب اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬
‫هلم بلد مقدس بعقدون ليه اجتماعاهتم املهمة‪ ،‬وهي مدبنة أمرتيسار من أعمال البنجاب‪ ،‬وقد‬
‫درلت عند التقسيم يف أرض اهلند‪.‬‬
‫هناك أربعة عروش تتمتع ابلقداسة‪ :‬عقل ختت وهي يف أمرتيسار‪ ،‬وأانندبور‪ ،‬وابتنا‪ ،‬وابندد‪.‬‬
‫وبسمى درابر صاحب‪ ،‬أي‪ :‬مركز دبوان السيد امللك‪،‬‬
‫هلم يف مدبنة أمرتيسار أكرب معبد حيجون إليه‪َّ ،‬‬
‫وأما سا ر املعابد لتسمى كرو داوره‪ ،‬أي‪ :‬مركز األستاذ‪.‬‬
‫أكثربة السيخ‪ :‬وهم األقلية الثالثة بعد اإلسما واملسيحية‪ ،‬تقطن البنجاب إذ بعيش ليها (‪)%85‬‬
‫منهم‪ ،‬ليما ُتد الباقي يف والبة هارايان‪ ،‬ويف دهلي‪ ،‬ويف أحناء متفرقة من اهلند‪ ،‬وقد استقر بعضهم يف‬
‫ماليزاي وسنغالور وشرق ألربقيا وإجنلرتا والوالايت املتحد وكندا‪ ،‬ورحل بعضهم إىل دول اَخليج‬
‫العريب بقصد العمل‪.‬‬
‫هلم جلنة ُتتمع كل عا منذ سنة (‪ ، )1908‬تنشئ املدارس‪ ،‬وتعمل على إنشاء كراسي يف اجلامعات‬
‫لتدربس داينة السيخ ونشر اترخيها‪.‬‬
‫ومسُّوا أدواسي؛ إذ بتجه همالء حنو‬ ‫َّ‬
‫انشق قسم من السيخ عن االُتاه العا ‪ ،‬متبعني ابن انانك األكرب‪ْ ،‬‬
‫التصوف‪ ،‬أما اَخالصادال لما بممنون ابنتهاء سمالة الغورو يوبند سن العاشر‪ ،‬بل بعتقدون أبن‬
‫هنالك معلما حيًّا بني الناس ما بزال موجودا‪.‬‬
‫لدبهم اعتقاد راسخ بضرور إجياد دولة هلم‪ ،‬وأن ذلك أحد أركان اإلميان لدبهم‪ ،‬إذ بنشدون يف هنابة‬
‫كل عباد نشيدا بقولون ليه‪( :‬سيحكم رجال اَخالصادال) كما حيلمون أبن تكون عاصمتهم يف‬
‫شاندبغار‪.‬‬
‫بقدر عدد السيخ حاليا حبواِل (‪ )15‬مليون نسمة دارل اهلند ورارجها‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫إن عقيد السيخ تعترب إحدى حركات اإلصماح الدبين اليت َتثرت ابإلسما ‪ ،‬واندرجت ضمن‬
‫حماوالت التوليق بني العقا د‪ ،‬ولكنها ضلَّت الطربق حيث مل تتعرف على اإلسما مبا ليه الكفابة من‬
‫انحية‪ ،‬وألن األداين بنزل هبا الوحي من السماء‪ ،‬وال جمال الجتهاد البشر ابلتلفيق والتوليف وارتيار‬
‫عناصر العقيد من هنا وهناك‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫جملة الدعو املصربة‪ ،‬العدد (‪ - 95‬ذو احلجة ‪1404‬هـ سبتمرب ‪. )1984‬‬
‫‪.Encyclopaedia Britannica, 1974 -‬‬
‫‪.)1953( .J.D. Cunningham: History of the Sikhs, 2 nd ed -‬‬
‫‪.)1909( .M.A. Macauliffe: The Sikh religion, 6 Vol -‬‬
‫‪.)1944( Sher Singh: Philosophy of Sikhism -‬‬
‫‪– 1963( ,Khushwant Singh: A History of the Sikhs, 2 Vol -‬‬
‫‪.)1966‬‬
‫(‪W.H. Ncloed: Guru Nanak and the Sikh religion (1968 -‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)144/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫الشنتوبة داينة وضعية اجتماعية ظهرت يف الياابن منذ قرون طوبلة‪ ،‬وال زالت الدبن األصيل ليها‪،‬‬
‫وقد بدأت بعباد األرواح‪ ،‬مث قوى الطبيعة ‪ ..‬مث تطور احرتا األجداد والزعماء واألبطال إىل عباد‬
‫اإلمرباطور امليكادو‪ ،‬الذي ُّ‬
‫بعد من نسل اخآهلة‪ ،‬كما بزعمون‪.‬‬

‫(‪)145/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫مر أبدوار‬
‫ال تنتسب الشنتوبة إىل شخص معني‪ ،‬كما جند ذلك يف البوذبة مثما‪ ،‬بل هي دبن اجتماعي َّ‬
‫كما رأبنا يف التعربف‪.‬‬

‫(‪)146/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫يف الداينة الشنتوبة بوقغر الناس األجداد واألسماف من الزعماء واألبطال وامللوك ‪ ..‬وهناك لرق بني‬
‫عباد األسماف يف الصني‪ ،‬وبني توقَر الياابنيني واحرتامهم ألجدادهم‪.‬‬
‫‪ -‬بطلق الشنتوبون لفظ كامي على كل إله أو شيء بسمو لوق اإلنسان‪ ،‬كالسماء أو السلطان‪.‬‬
‫‪ -‬تطورت لكر احرتا األجداد إىل عبادهتم‪ ،‬واحنصرت هذه العباد والتأليه يف اإلمرباطور امليكادو‬
‫اَخالد يف نظرهم‪ ،‬املنزه عن العيوب والنقا ص‪ ،‬والسمو به إىل درجة ال بشاركه ليها سواه‪ .‬وقد جاء‬
‫يف منشور صدر عن وزار املعارف الياابنية عا (‪( : )1937‬إن أرضنا بلد إهلية حيكمها اإلمرباطور‬
‫وهو إله)‪ .‬وال ندري كيف جيتمع هذا السخف مع التقد العلمي يف الياابن احلدبثة‪.‬‬
‫‪ -‬اإلمرباطور والدولة مها كل شيء‪ ،‬وال قيمة للفرد يف الداينة الشنتوبة‪ ،‬لذلك ُّ‬
‫تعد التضحية به‬
‫شرف عظيم له‪.‬‬
‫‪ُّ -‬‬
‫بعد االهتما ابلنظالة أمرا مقدسا‪ ،‬وبكره أتباع الشنتوبة كل شيء بدنس اجلسد أو الثوب‪.‬‬

‫(‪)147/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة (تطور الشنتوبة وصلتها ابلبوذبة)‪:‬‬
‫‪ -‬تطورت الشنتوبة من احرتا وتوقَر األسماف من زعماء القبا ل أو األبطال إىل عبادهتم‪ .‬وكان‬
‫رجال قبيلة مياتو أشد الناس إحياء لتوقَر السلف من القبا ل‪ ،‬وهم الذبن صاروا ساد الياابن ليما‬
‫بعد‪ ،‬وكان زعيمهم املعروف ابمليكادو مركز دبنهم وعبادهتم‪ .‬مث زعموا أن الشمس ُّ‬
‫متت إليهم بصلة‬
‫القرىب‪ ،‬ومنها حتدد امليكادو‪ ،‬لحسبوه ِمثل الشمس وآهلة السماء على األرض‪.‬‬
‫‪ -‬وكانت عباد أسماف القبا ل الذا عة يف الياابن قبل إرضاع أسر مياتو هلا رَر ِمهد هلذه العقيد‬
‫اجلدبد ‪ ،‬ولعل رجال مياتو الكثَر لتبسيطها وتقرببها إىل أذهان العامة‪ ،‬أبن أدرلوا عليها آهلة صغرى‬
‫هم زعماء القبا ل اليت دانت ابلطاعة والوالء حلكم األسر الغالبة‪ ،‬وكان هلذا اجلمع بني اخآراء‬
‫السياسية والدبنية أثره الكبَر يف وجود توقَر بكاد ببل حد العباد لشخص اإلمرباطور‪.‬‬
‫‪ -‬ويف منتصف القرن السادس امليمادي هاجر إىل الياابن بعض الكهنة البوذبني من كوراي والصني‪،‬‬
‫وكان هلم أثر عميق يف البماط امللكي‪ ،‬لقد حاولوا أن بنشروا البوذبة يف الياابن‪ ،‬ولكنهم أرفقوا‬
‫إرفاقا عظيما‪ ،‬وذلك لتمسك الشعب الياابين ابلشنتوبة‪.‬‬
‫‪ -‬ويف القرن الثامن امليمادي استطاع راهب بوذي أن بمثر يف الشنتوبة على اعتبار أن آهلتها مظاهر‬
‫جمسد لبوذا‪.‬‬
‫‪ -‬ويف العصر احلدبث حينما استيقظ الشعور القومي يف الياابن‪ ،‬وبل ذروته يف ثور (‪, )1868‬‬
‫نفر الشعب من كل ما هو أجنَب‪ ،‬ومنه البوذبة لأزبلت متاثيل بوذا من املعابد‪ ،‬وأوقف الكهنة‬
‫البوذبون عن ِمارسة وظا فهم‪ ،‬وعادت الشنتوبة دبنا قوميًّا‪ .‬وكانت احلكومة الياابنية تعمل على‬
‫توطيد الشنتوبة يف البماد لماحتفاظ بعباد اإلمرباطور امليكادو‪.‬‬
‫‪ -‬بعد اهنزا الياابن يف احلرب العاملية الثانية (‪ , )1945 –1939‬عملت السياسة األمربكية على‬
‫إبطال عباد اإلمرباطور‪ ،‬وحاولت القضاء على الوطنية الفا قة اليت تغرسها الشنتوبة يف النفس‬
‫الياابنية‪ ،‬اليت ألرزت أثناء احلرب العاملية الفرق االنتحاربة اليت أهنكت األسطول األمربكي‪.‬‬
‫‪ -‬ومن املماحظ أن البوذبة درلت الياابن ومل خترج منه‪ ،‬إال أن البوذبة الياابنية ختتلف عن البوذبة‬
‫اهلندبة والصينية يف كثَر من التعاليم‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن التسامح سا د بني البوذبة الياابنية والشنتوبة‪ ،‬وهلذا نرى الناس يف الياابن بنتقلون من هيكل‬
‫بوذي إىل معبد شنتوي دون حرج‪ ،‬والعقا د اليت بعتنقها الفرد الياابين العادي مزبج من الشنتوبة‬
‫والكونفشيوسية والبوذبة‪.‬‬

‫(‪)148/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫الشنتوبة منتشر يف الياابن لقط‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن الشنتوبة داينة وضعية اجتماعية ظهرت يف الياابن منذ قرون طوبلة‪ ،‬وال زالت الدبن األصيل ليها‪،‬‬
‫وقد بدأت بعباد األرواح وقوى الطبيعة‪ ،‬وانتهت بعباد اإلمرباطور الذي بعتربونه من نسل اخآهلة كما‬
‫بزعمون‪ ،‬هناك تسامح يف الياابن بني البوذبة الياابنية وبني الشنتوبة‪ ،‬وقد أصبحت عقيد الفرد‬
‫العادي اخآن مزجيا من الشنتوبة والكونفوشيوسية والبوذبة‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬امللل والنحل‪ ،‬للشهرستاين ‪ -‬بتحقيق حممد سيد كيماين (طبعة مزبد من احملقق)‪.‬‬
‫‪ -‬حماضرات يف مقارانت األداين‪ :‬األداين القدمية‪ ،‬حممد أبو زهر ‪ -‬مطبعة بوسف ‪ -‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬أداين العامل الكربى‪َ ،‬خصه عن اإلجنليزبة حبيب سعد‪.‬‬
‫‪ -‬الدايانت والعقا د يف َمتلف العصور‪ ،‬أمحد عبد الغفور عطار ‪ -‬مكة املكرمة ‪1401( -‬هـ ‪-‬‬
‫‪. )1981‬‬
‫‪.Encyclopedia Britannica 1968 -‬‬
‫‪. Berey: religions of the World -‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي ‪ -‬بتصرف‬

‫(‪)149/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫الطاوبة إحدى أكرب الدايانت الصينية القدمية اليت ما تزال حية إىل اليو إذ ترجع إىل القرن السادس‬
‫قبل امليماد‪ ،‬تقو يف جوهر لكرهتا على العود إىل احليا الطبيعية‪ ،‬والوقوف موقفا سلبيًّا من احلضار‬
‫واملدنية‪ .‬كان هلا دور ها يف تطوبر علم الكيمياء منذ آالف السنني‪ ،‬وذلك من رمال مسَرهتا يف‬
‫البحث يف إكسَر احليا ومعرلة سر اَخلود‪.‬‬

‫(‪)150/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‬


‫‪ -‬بعتقد أبن لوتس ‪ Laotse‬الذي كان ميماده عا (‪ )507‬ق‪ , .‬هو صاحب مذهب الطاوبة‬
‫اليت ترجع بعض معتقداهتا إىل زمن سحيق‪ .‬وقد وضع كتابه طاو ‪ِ -‬ت‪ -‬تشين – ‪Tao – te‬‬
‫‪ ching‬أي‪ :‬كتاب طربق القو ‪ .‬وقد التقى به كونفوشيوس لأرذ عنه أشياء‪ ،‬ورالفه يف أشياء‬
‫أررى‪.‬‬
‫‪ -‬بقيت الطاوبة رمال أكثر من ألفي سنة تمثر يف الفكر الصيين‪ ،‬ويف التغَرات التارخيية الصينية‪.‬‬
‫‪ -‬ظهر شوان تسو الذي برجع إىل القرن الرابع والثالث قبل امليماد زاعما أبن لوتس كان أحد‬
‫املعلمني السماوبني‪ ،‬كما قا بشرح كتاب معلمه لوتس مضيفا إليه شيئا من للسفته‪.‬‬
‫‪ -‬لقد َنت الطاوبة املنظمة يف منطقة جبال شي شوان قبل يَرها‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )142‬زعم شان طاولين أنه قد جاءه الوحي من الرب تعاىل أبن بتحمل تبعات‬
‫إصماح الدبن الطاوي‪ ،‬وأنه قد ارتقى ْغ‬
‫ومسي املعلم السماوي‪ .‬وقاد ذلك التنظيم الذي صار تبعا‬
‫لسمالته الذبن عرلوا ابملعلمني السماوبني‪.‬‬
‫‪ -‬يف القرن الثاين امليمادي انتشرت الطاوبة الشعبية بفضل حركة السلم الكبَر ‪ Tai-ping‬وقد‬
‫كان للمعلمني السماوبني دور كبَر يف نشرها‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )220‬زالت أسر هان ِما أدَّى إىل انقسا الصينيني إىل ثماثة أقسا ‪ ،‬األمر الذي ترك‬
‫أثره على االرتمالات الدبنية اإلقليمية ليما بينهم‪.‬‬
‫‪ -‬عقب سقوط أسر هان‪ ،‬ويف القرنني الثالث والرابع امليمادبني ظهرت الطاوبة اجلدبد ‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )477 - 406‬ظهر املصلح لوهيوشن ‪ ،‬الذي برجع إليه مفهو القانون الكنسي‬
‫جلميع الكتب املقدسة الطاوبة‪.‬‬
‫‪ -‬ممسسو أسرِت اتن (‪ , )907 - 618‬ومين (‪ , )1644 - 1368‬قد استخدموا التنبمات‬
‫الطاوبة والسحر؛ لكسب التأبيد الشعَب‪.‬‬
‫‪ -‬تدَّعي عا لة شان احلالية للمعلمني السماوبني أبهنا من سمالة شان طاو لين املعلم السماوي‬
‫األول الذي ظهر أاي أسر هان‪.‬‬

‫(‪)151/2‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‪:‬‬
‫املسمى طاو ‪ِ -‬ت تشين ‪ -‬مل بكن ليكتب لوال رجاء حارس املمر بن شي الذي‬
‫‪ -‬كتاب لوتس َّ‬
‫طلب من املعلم الشيخ أن غ‬
‫بدون ألكاره‪ .‬وهذا الكتاب جمموعة قطع أدبية حتيط بطبيعة طاو‪ ،‬كما‬
‫تشمل قواعد عامة وأمثلة للحاكم الذي ميتلك زما أمر الطاو‪ ،‬وهو كتاب يامض يف كثَر من‬
‫عباراته؛ إذ إن ذلك الغموض مقصود لذاته‪.‬‬
‫‪ -‬شوان تسو‪ :‬حبث يف النظر الطاوبة الفلسفية‪ ،‬كما أجرى مقابلة بني السماء والبشر‪ ،‬وبني الطبيعة‬
‫واجملتمع‪ ،‬طالبا من الطاوبني طرح كل احليل املصطنعة‪ ،‬وليه قصص عن بشر كاملني بستطيعون‬
‫قر‪ ،‬أصحاب أرواح‬
‫حر وال ٌّ‬
‫الطَران‪ ،‬هم اَخالدون الذبن ال بتأثرون ابلعناصر الطبيعية‪ ،‬وال ميسهم ٌّ‬
‫متتاز حبربة يف تصرلها‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب هوان ‪ِ -‬ت ‪ -‬ين ‪ -‬تشين ‪ ،‬وهو من القرن الثالث قبل امليماد‪ ،‬ليه ُتارب على بعض‬
‫املعادن والنبااتت واملواد احليوانية‪ ،‬وذلك انطماقا من اهتمامهم ابحملالظة على الصحة وإطالة احليا ‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب ابو ‪ -‬بو ‪ -‬تسو الذي انتهوا من َتليفه عا (‪ , )317‬ببحث يف علو الكيمياء القدمية‪،‬‬
‫وليه حماوالت لتحوبل املعادن إىل ذهب‪ ،‬وإطالة احليا بواسطة بعض األكاسَر‪.‬‬
‫‪ -‬هلم أدب للسفي ودبين سري‪ ،‬قسم منه بعود إىل القرن الرابع والقرن الثاين قبل امليماد‪ ،‬وبركز‬
‫على إقناع احلكا ‪ ،‬وقسم ببدأ منذ هنابة القرن الثاين امليمادي‪ ،‬وهو ميثل حركات دبنية منظمة‪،‬‬
‫وبنتقل من الشيخ إىل تماميذه من أداء القسم للمحالظة على سربته‪.‬‬

‫(‪)152/2‬‬

‫اثنيا‪ :‬لكرهتم عن اإلله‪:‬‬


‫‪ -‬اإلله ‪ -‬لدبهم ‪ -‬ليس بصوت‪ ،‬وال صور ‪ ،‬أبدي ال بفىن‪ ،‬وجوده سابق وجود يَره‪ ،‬وهو أصل‬
‫املوجودات‪ ،‬وروحه ُتري ليها‪.‬‬
‫‪ -‬إن طاو هو املطلق الكا ن‪ ،‬وهو مراد الكون‪ ،‬إنه ليس منفصما عن الكون‪ ،‬بل هو دارل ليه‬
‫جوهراي‪ ،‬انبثقت عنه مجيع املوجودات‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫دروال‬
‫‪ -‬إهنم بممنون بوحد الوجود؛ إذ إن اَخالق واملخلوق شيء واحد‪ ،‬ال تنفصل أجزاؤه‪ ،‬وإال القى‬
‫الفناء‪.‬‬
‫‪ -‬إن نظرهتم إىل اإلله قرببة جدًّا من مذهب احللولية الذي بذهب إىل أن اَخالق ٌّ‬
‫حال يف كل‬
‫املوجودات‪ ،‬كما أن اَخالق ال بستطيع أن بتصرف أو بعمل إال حبلوله يف األشياء‪.‬‬
‫‪ -‬بممنون ابلقانون السماوي األعظم الذي هو أصل احليا والنشاط واحلركة جلميع املوجودات يف‬
‫السماء واألرض‪.‬‬
‫‪ -‬برى شون تسي أبن اإلنسان قد جاء إىل الوجود مع الكون‪ ،‬لهو حيب هللا‪ ،‬ولكنه حيب املصدر‬
‫الذي جاء منه هللا أكثر من حبه هللا‪ ،‬لهو تصور ُّ‬
‫بدل على أهنم بعتقدون أبن هناك مبدأ قبل هللا‪،‬‬
‫علوا كبَرا‪.‬‬
‫تعاىل هللا عما بقولون ًّ‬
‫‪ -‬االحتفاالت الدبنية والطقوس الطاوبة‪:‬‬
‫‪ -‬هناك طقس شيو ‪ Chioo‬وهو أقد الطقوس‪ ،‬إذ هو ُتدبد لعماقة اجلماعة ابخآهلة‪ ،‬وال بزال‬
‫هذا الطقس موجودا يف اتبوان إىل اليو ‪.‬‬
‫‪ -‬هناك طقوس لتنصيب الكهنة‪ ،‬وأررى عند ميماد اخآهلة‪.‬‬
‫‪ -‬بعض الكهنة ميارسون طقوسا معينة يف مناسبات الدلن والزواج والوالد ‪.‬‬
‫‪ -‬من طقوسهم معاجلة املربض‪ ،‬وذلك إبدراله إىل يرلة هاد ة‪ ،‬بقضي ليها بعض الوقت متأمما‬
‫منشغما بذنوبه‪ ،‬كما بقو بعضهم ابستعمال الوسطاء الذبن بسرترون يف سبات‪ ،‬وبزعمون أهنم‬
‫بقومون بنقل آراء اخآهلة أو األموات أو األقارب‪.‬‬
‫‪ -‬حرق البخور موضوع أساسي لكل عباد طاوبة‪ ،‬لضما عن استعمال اَخناجر واملاء املسحور‬
‫واملوسيقى‪ ،‬واألقنعة والكتب املقدسة‪.‬‬

‫(‪)153/2‬‬

‫اثلثا‪ :‬ألكار طاوبة أررى‬


‫‪ -‬إهنم متصولة؛ إذ إنه جيب على الطاوي أن بنظف نفسه من مجيع املشايل والشوا ب؛ ليوجد يف‬
‫وبتم ذلك عن طربق‬
‫دارله لرايا هو يف احلقيقة االمتماء نفسه‪ ،‬وذلك ابلوصول إىل احلقا ق اجملرد ‪ُّ ،‬‬
‫التجرد من املادايت؛ ليصبح اإلنسان روحا رالصا‪.‬‬
‫‪ -‬أعلى مراتب التصوف هي مرحلة الوحد التامة بني الفرد والقانون األعظم‪ ،‬وذلك حبصول اندماج‬
‫بني املتصوف والذات العليا؛ لتصَرا شخصية واحد ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا ارتقى اإلنسان إىل املعرلة احلقة عندها بستطيع أن بصل إىل احلالة األثَربة‪ ،‬حيث ال موت وال‬
‫حيا ‪.‬‬
‫‪ -‬إن الطاوبة تتجه اُتاها سلبيًّا ‪ -‬على عكس الكونفوشيوسية ‪ -‬ذلك ألن الفضيلة لدبهم تكمن يف‬
‫عد العمل‪ ،‬واالقتصار على التأمل‪ ،‬داعني إىل احليا على اجلبال املقدسة‪ ،‬وقرب اجلزر النا ية‪.‬‬
‫‪ -‬إهنم بهامجون الشرا ع والقوانني والعلم وما إىل ذلك من مظاهر املدنية اليت عملت على إلساد‬
‫لطر اإلنسان الذي ولد َرغَرا‪ .‬إن مثلهم األعلى يف ذلك هو يف العود إىل النظا الطبيعي املتميز‬
‫بنقاء الفطر وسمامتها‪.‬‬
‫اهتم الطاوبون بطول العمر‪ ،‬وبعترب التقد يف السن دليما على القداسة‪ ،‬حىت صار من أهداف‬
‫‪َّ -‬‬
‫التصوف الطاوي السعي إلطالة العمر واَخلود‪ ،‬وقد ذهب بعضهم إىل ادعاء إمكانية إطالة العمر‬
‫مئات السنني‪ .‬وألضل اَخالدبن ‪ -‬يف نظرهم ‪ -‬هم الذبن بصعدون إىل السماء يف وضح النهار‪ ،‬هذا‬
‫بتم بواسطة تدرببات ورايضات راصة جسدبة وروحية‪ ،‬كما بزعمون‪.‬‬
‫اَخلود الذي من املمكن أن َّ‬
‫مهما يف تقد الطب والكيمياء على أبدبهم‪،‬‬
‫‪ -‬هذا االهتما يف البحث عن إكسَر احليا كان عامما ًّ‬
‫لضما عن السحر والشعوذ والدجل‪ِ ،‬ما أدَّى إىل ثراء الكهنة ثراء لاحشا‪.‬‬
‫‪ -‬إهنم بمكدون حرصهم على التعاليم األرماقية‪ ،‬وعلى ضرور املشاركة يف االحتفاالت اجلماعية‬
‫املومسية‪.‬‬
‫‪ -‬ليس لدبهم بعث وال حساب‪ ،‬إَنا بكالأ احملسن ابلصحة وبطول العمر‪ ،‬بينما جيازى املسيء‬
‫ابملرض وابملوت املبكر‪.‬‬

‫(‪)154/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫‪ -‬املفاهيم الطاوبة ترجع إىل زمن سحيق‪ ،‬لكنها تبلورت على بد ممسسها لوتس‪.‬‬
‫‪ -‬هناك عوامل َتثُّر وَتثَر بني الطاوبة والكنفوشيوسية والبوذبة‪ ،‬بسبب توطن هذه الدايانت يف‬
‫منطقة واحد متجاور ‪ ،‬حيث ميكن مماحظة لكر التصوف اليت بعرب عنها أبساليب َمتلفة‪ ،‬ولكن يف‬
‫مضمون واحد‪.‬‬
‫‪ -‬الطاوبة أقرب إىل الكنفوشيوسية منها إىل البوذبة‪.‬‬
‫‪ -‬أرذ الطاوبون عن البوذبني بناء األدبر ‪ ،‬وتقربر الرهبنة والعزوبية‪.‬‬
‫‪ -‬بذكر دوان يف كتابه ررالات التورا وما مياثلها يف الدايانت األررى (ص‪ ،)172‬أبن يف الطاوبة‬
‫تثليث‪ ،‬لطاو هو العقل األزِل األول‪ ،‬انبثق من واحد‪ ،‬ومن هذا انبثق اثلث‪ ،‬كان مصدر كل شيء‪.‬‬

‫(‪)155/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫‪ -‬يف عا (‪ , )1958‬أْعلن أن ثماثني ألفا من الكهنة الطاوبني ال بزالون انشطني يف َمتلف أحناء‬
‫الصني‪ .‬ومعلو أن الثقالة الصينية التقليدبة ما تزال الطاوبة حية ليها‪.‬‬
‫‪ -‬يف عا (‪ , )1949‬هرب آرر املعلمني السماوبني شان ابن بو إىل اتبوان‪ ،‬ويف عا (‪)1960‬‬
‫‪ ,‬انبعثت هذه الداينة من جدبد‪ ،‬وظهرت املعابد الطاوبة الضخمة‪ ،‬كمعبد شهنان قرب اتببيه‪،‬‬
‫بضم متثال لو بون بن الذي تقمصته روح إله الطاو‪ ،‬كما بزعمون‪ ،‬ويف عا (‪, )1970‬‬
‫والذي ُّ‬
‫مات هذا املعلم السماوي ليخلفه ابنه شان بوان هسني‪.‬‬
‫‪ -‬توجد لئات طاوبة يف بعض نواحي ماليزاي وبينيان وسنغالور وابنكوك‪.‬‬
‫‪ -‬تعترب الياابن من أوسع البماد علما ابلطاوبة يف أايمنا احلالية‪.‬‬
‫‪ -‬أما اتبوان لهي أهم ملجأ للطاوبة يف القرن العشربن بسبب اهلجر الطاوبة إليها يف القرنني السابع‬
‫عشر والثامن عشر‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن الطاوبة داينة صينية ممسسها الفيلسوف لوتس‪ ،‬الذي رأى أن اَخَر يف الزهاد واالعتزال والعفو‬
‫والتسامح مع الناس وعد مقابلة السيئة ابلسيئة‪ .‬ومل بثبت أهنا داينة مساوبة‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‬
‫‪ -‬امللل والنحل للشهرستاين وذبله‪ ،‬الكتاب من َتليف الشهرستاين لكن الذبل امللحق به من َتليف‬
‫حممد سيد كيماين ‪ -‬جـ‪ - 2‬دار املعرلة ‪ -‬بَروت ‪ -‬ط‪1395( - 2‬هـ‪. )1975 /‬‬
‫‪ -‬الدايانت والعقا د يف َمتلف العصور‪ ،‬أمحد عبد الغفور عطار ‪ -‬ط‪ - 1‬مكة املكرمة‪-‬‬
‫(‪1401‬هـ‪. )1981/‬‬
‫ابللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪.Encyclopaedia Britannica, 1968, 17.P. 1034 – 1054 -‬‬
‫‪Doane: Bible Myths and Their Parallels in other religion. -‬‬
‫‪. P. 172‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)156/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫الكونفوشيوسية داينة أهل الصني‪ ،‬وهي ترجع إىل الفيلسوف كونفوشيوس الذي ظهر يف القرن‬
‫السادس قبل امليماد داعيا إىل إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدبنية اليت ورثها الصينيون عن‬
‫أجدادهم‪ ،‬مضيفا إليها جانبا من للسفته وآرا ه يف األرماق واملعاممات والسلوك القومي‪ .‬وهي تقو‬
‫على عباد إله السماء أو اإلله األعظم‪ ،‬وتقدبس املما كة‪ ،‬وعباد أرواح اخآابء واألجداد‪.‬‬

‫(‪)157/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫‪ -‬كونفوشيوس‪:‬‬
‫‪ -‬بعترب كونفوشيوس املمسس احلقيقي هلذه العقيد الصينية‪.‬‬
‫‪ -‬ولد سنة (‪ )551‬ق‪ .‬يف مدبنة تسو ‪ Tsou‬وهي إحدى مدن مقاطعة لو ‪.Lu‬‬
‫‪ -‬امسه كونج ‪ Kung‬وهو اسم القبيلة اليت بنتمي إليها‪ ،‬ولوتس ‪ Futze‬معناه الر يس أو‬
‫الفيلسوف‪ ،‬لهو بذلك ر يس كونج أو ليلسولها‪.‬‬
‫‪ -‬بنتسب إىل أسر عربقة‪ ،‬لجدُّه كان واليا على تلك الوالبة‪ ،‬ووالده كان ضابطا حربيًّا ِمتازا‪ ،‬وكان‬
‫تويف والده‪ ،‬وله من العمر ثماث سنوات‪.‬‬ ‫هو امر لزواج يَر شرعي‪ ،‬غ‬
‫ورزق بولد وبنت‪ ،‬لكنه لارق‬
‫وتزوج يف مقتبل عمره قبل العشربن‪ْ ،‬‬
‫‪ -‬عاش بتيما‪ ،‬لعمل يف الرعي‪َّ ،‬‬
‫حتمل دقته الشدبد يف املأكل وامللبس واملشرب‪.‬‬
‫زوجته بعد سنتني من الزواج؛ لعد استطاعتها ُّ‬
‫تلقى علومه الفلسفية على بدي أستاذه الفيلسوف لوتس ‪ Laotse‬صاحب النحلة الطاوبة‪،‬‬ ‫‪َّ -‬‬
‫حيث كان بدعو إىل القناعة والتسامح املطلق‪ ،‬ولكن كونفوشيوس رالفه ليما بعد داعيا إىل مقابلة‬
‫السيئة مبثلها‪ ،‬وذلك إحقاقا للعدل‪.‬‬
‫‪ -‬عندما بل الثانية والعشربن من عمره أنشأ مدرسة لدراسة أصول الفلسفة‪ ،‬تكاثر تماميذه حىت‬
‫بلغوا ثماثة آالف تلميذ‪ ،‬بينهم حواِل امانني شخصا عليهم أمارات‪.‬‬
‫تنقل يف عدد من الوظا ف لقد عمل مستشارا لَلمراء والوال ‪ ،‬غ‬
‫وعني قاضيا وحاكما‪ ،‬ووزبرا‬ ‫‪َّ -‬‬
‫للعمل‪ ،‬ووزبرا للعدل ور يسا للوزراء يف سنة (‪ )496‬ق‪ , .‬حيث أقد حينها على إعدا بعض‬
‫الوزراء السابقني وعددا من رجال السياسة وأصحاب الشغب‪ ،‬حىت صارت مقاطعة لو َنوذجية يف‬
‫تطبيق اخآراء واملبادئ الفلسفية املثالية اليت بنادي هبا‪.‬‬
‫وتنقل بني كثَر من البلدان بنصح احلكا وبرشدهم‪ ،‬وبتصل ابلناس ُّ‬
‫ببث بينهم‬ ‫‪ -‬رحل بعد ذلك‪َّ ،‬‬
‫حااث هلم على األرماق القومية‪.‬‬‫تعاليمه ًّ‬
‫بلخصها‪،‬‬‫لتفرغ لتدربس أصدقا ه وحمبيه‪ ،‬منكبًّا على كتب األقدمني غ‬ ‫‪ -‬أرَرا عاد إىل مقاطعة لو َّ‬
‫وبرتغبها‪ ،‬غ‬
‫وبضمنها بعض ألكاره‪ ،‬وحدث أن مات وحيده الذي بل اَخمسني من عمره‪ ،‬ولقد كذلك‬
‫مرا‪.‬‬
‫تلميذه احملبَّب إليه هووي‪ ،‬لبكى عليه بكاء ًّ‬
‫مر حىت منتصف القرن العشربن‬
‫‪ -‬مات يف سنة (‪ )479‬ق‪ , .‬بعد أن ترك مذهبا رمسيًّا وشعبيًّا است َّ‬
‫احلاِل‪.‬‬
‫‪ -‬صفاته الشخصية‪:‬‬
‫حيب النكتة‪ ،‬بتأثر لبكاء اخآرربن‪ ،‬ببدو قاسيا ويليظا يف بعض األحيان‪،‬‬
‫‪ -‬دمث‪ ،‬مرح‪ ،‬ممدَّب‪ُّ ،‬‬
‫طوبل‪ ،‬دقيق يف املأكل وامللبس واملشرب‪ ،‬مولع ابلقراء والبحث والتعلم والتعليم واملعرلة واخآداب‪.‬‬
‫‪ -‬مغر ابلبحث عن منصب سياسي بغية تطبيق مباد ه السياسية واألرماقية؛ لتحقيق املدبنة الفاضلة‬
‫اليت بدعو إليها‪.‬‬
‫‪ -‬رطيب ابرع‪ ،‬ومتكلغم َّ‬
‫مفوه‪ ،‬ال مييل إىل الثرثر ‪ ،‬وعباراته موجز ُتري جمرى األمثال القصَر‬
‫واحلكم البليغة‪.‬‬
‫بتوجه‬
‫‪ -‬لدبه شعور دبين‪ ،‬حيرت اخآهلة اليت كانت معبود يف زمانه‪ ،‬وبداو على َتدبة الشعا ر الدبنية‪َّ ،‬‬
‫يف عباداته إىل ا غإلله األعظم أو إله السماء‪ ،‬بصلي صامتا‪ ،‬وبكره أن برجو اإلله النعمة أو الغفران؛ إذ‬
‫والدبن ‪ -‬يف نظره ‪ -‬أدا لتحقيق التآلف‬‫إن الصما لدبه ليست إال وسيلة لتنظيم سلوك األلراد‪ ،‬غ‬
‫بني الناس‪.‬‬
‫‪ -‬كان بغين‪ ،‬وبنشد‪ ،‬وبعزف املوسيقى‪ ،‬وقد ترك كتاب األياين ‪ Book of Songs‬كما أنه كان‬
‫مغرما ابحلفمات والطقوس‪ ،‬إىل جانب اهتمامه ابلرمابة وقياد العرابت والقراء والرايضة (احلساب)‬
‫ودراسة التاربخ‪.‬‬
‫‪ -‬انقسمت الكونفوشيوسية إىل اُتاهني‪:‬‬
‫‪ -‬مذهب متشدد حريف‪ ،‬وميثله منسيوس إذ بدعو إىل االحتفاظ حبرلية آراء كونفوشيوس وتطبيقها‬
‫بكل دقة‪ ،‬ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس؛ إذ إنه مل َّ‬
‫بتلق علومه مباشر عنه‪ ،‬بل إنه‬
‫أرذها عن حفيده وهو ‪ Tsesze‬الذي قا بتأليف كتاب االنسجا املركزي ‪Central‬‬
‫‪.Harmony‬‬

‫(‪)158/2‬‬

‫‪ -‬واملذهب التحليلي‪ ،‬وميثله هزنتسي ‪ Hsuntse‬وايجنتسي ‪ ،Yangtse‬إذ بقو مذهبهما على‬


‫أساس حتليل وتفسَر آراء املعلم‪ ،‬واستنباط األلكار ابستلها روح النص الكونفوشيوسي‪.‬‬
‫‪ -‬أما أبرز الشخصيات إضالة إىل ما سبق لهم‪:‬‬
‫‪ -‬تسي كنج ‪ Tsekung‬ولد سنة (‪ ، )520‬وأصبح من أعظم رجال السلك السياسي الصيين‪.‬‬
‫‪ -‬تسي هسيا ‪ Tsehsia‬ولد سنة (‪ ، )507‬وأصبح من كبار املتفقهني يف الدبن الكونفوشيوسي‪.‬‬
‫‪ -‬تسينكتنز ‪ Tsengtse‬كان أستاذا حلفيد كونفوشيوس‪ ،‬وأيِت ترتيبه الثاين بعد منسيوس من‬
‫حيث األمهية‪.‬‬
‫‪ -‬تشي هزبوان ‪ Chi- Husan‬عاش يف عصر أسر هان (‪ )200 - 127‬ميمادبة‪.‬‬
‫‪ -‬تشو هزي ‪ Cho-Hsi 1130 – 1200‬ميمادبة قا بنشر الكتب األربعة اليت كانت تدرس‬
‫يف املدارس األولية واالبتدا ية يف الصني‪ُّ ،‬‬
‫وبعد احلجة الوحيد ‪.‬‬
‫‪ -‬الفيلسوف موتزي ‪ Motze 470 – 381‬ق‪ .‬أضاف لكر جدبد ‪ ،‬وهي تشخيص إله‬
‫السماء بشخص عظيم بشبه اخآدميني‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )422‬أقيم معبد لكونفوشيوس يف ‪ Chufu‬حيث قربه‪.‬‬
‫تدرس يف املدارس على أهنا كتب‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )505‬أقيم معبد آرر يف العاصمة‪ ،‬وأصبحت كتبه َّ‬
‫مقدسة‪.‬‬
‫مزود بتماثيل لكونفوشيوس يف مجيع أحناء‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )630‬أمر أحد األابطر ببناء معابد َّ‬
‫اإلمرباطوربة‪ ،‬كما أمر إبنشاء كليات لتعليم آراء كونفوشيوس‪ ،‬الذي أصبح رمزا للوحدتني السياسية‬
‫والدبنية‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )735‬منح كونفوشيوس لقب ملك‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )1013‬منح لقب القدبس األعظم‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )1330‬منح األلراد املنحدرون من سمالته رتبة الشرف‪ ،‬وصاروا بْعدُّون من طبقة‬
‫النبماء‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ ، )1530‬بْ غدلت التماثيل املوجود يف املعابد بصور ولوحات حىت ال ختتلط‬
‫الكونفوشيوسية ابلوثنية‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )1905‬بدأ جنم الكونفوشيوسية ابأللول‪ ،‬حيث أْلغي االمتحان الدبين الذي كان‬
‫بعترب ضرورًّاي للتعيني يف الوظا ف‪.‬‬
‫‪ -‬يف سنة (‪ , )1910‬ظهر شهاب هاِل ‪ Halley‬يف األجواء الصينية لاعترب ذلك استياء من‬
‫اخآهلة على أسر مانتشو اليت بل الفساد يف عهدها قمته‪ِ ،‬ما أدى إىل ثور شعبية انتهت بتنازل‬
‫اإلمرباطور عن العرش سنة (‪ ، )1912‬وحتول الصني إىل النظا اجلمهوري ِما أدى إىل ارتفاء‬
‫الكونفوشيوسية من احليا الدبنية والسياسية‪ ،‬لكنها بقيت ماثلة يف األرماق والتقاليد الصينية‪.‬‬
‫يف سنة (‪ , )1928‬صدر قرار بتحرمي تقدمي القرابني لكونفوشيوس‪ ،‬ومنع إقامة الطقوس الدبنية له‪.‬‬
‫َّ‬
‫استوىل الياابنيون على منشوراي عادت الصني إىل استنهاض اهلمم ابلعود إىل الكونفوشيوسية‪،‬‬ ‫عندما‬
‫وعاد الناس يف عا (‪ , )1934 - 1930‬إىل تقدمي القرابني مر اثنية‪ ،‬كما أعيد تدربس‬
‫الكونفوشيوسية يف كل مكان؛ العتقادهم أبن نكبتهم ترجع إىل إمهاهلم تعاليم املعلم األكرب‪ ،‬وسادت‬
‫حركة إحياء جدبد بزعامة تشانج كاي شيك‪ ،‬وقد استمرت هذه احلركة إىل ما بعد احلرب العاملية‬
‫الثانية‪.‬‬
‫يف عا (‪ , )1949‬سيطرت الشيوعية على الصني‪ ،‬ولكن شيئا لشيئا بدأت اَخمالات بني الصني‬
‫واالحتاد السوليييت ابلظهور ِما أوجد تبابنا بني كل منهما‪ ،‬وبعد موت الزعيم الصيين الشيوعي الشهَر‬
‫هتب عليها‪.‬‬
‫ماو تسي تونج بدأ الرتاجع عن الشيوعية يف الصني‪ ،‬وبدأت رايح الغرب ُّ‬
‫بعتقد الباحثون أبن الروح الكونفوشيوسية ستعمل على تغيَر معامل الشيوعية ِما جيعلها أبعد ما تكون‬
‫عن الشيوعية الروسية اليت اهنارت؛ ملا للكونفوشيوسية من سيطر روحية على الشعب الصيين‪.‬‬

‫(‪)159/2‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‪:‬‬
‫هناك جمموعتان أساسيتان متثغمان الفكر الكونفوشيوسي‪ ،‬لضما عن كثَر من الشروح والتعليقات‬
‫تسمى الكتب األربعة‪.‬‬
‫والتلخيصات‪ ،‬اجملموعة األوىل تسمى الكتب اَخمسة‪ ،‬والثانية َّ‬
‫الكتب اَخمسة‪ :‬وهي الكتب اليت قا كونفوشيوس ذاته بنقلها عن كتب األقدمني‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫تغىن مبصاحبة‬
‫‪ - 1‬كتاب األياين أو الشعر‪ :‬ليه (‪ )350‬أينية إىل جانب ستة تواشيح دبنية َّ‬
‫املوسيقى‪.‬‬
‫‪ - 2‬كتاب التاربخ‪ :‬ليه واث ق اترخيية تعود إىل التاربخ الصيين السحيق‪.‬‬
‫حوله كونفوشيوس إىل كتاب علمي‬
‫‪ - 3‬كتاب التغيَرات‪ :‬ليه للسفة تطور احلوادث اإلنسانية‪ ،‬وقد َّ‬
‫لدراسة السلوك اإلنساين‪.‬‬
‫‪ - 4‬كتاب الربيع واَخربف‪ :‬كتاب اترخيي بمرخ للفرت الواقعة بني (‪ )481 - 722‬ق‪. .‬‬
‫‪ - 5‬كتاب الطقوس‪ :‬ليه وصف للطقوس الدبنية الصينية القدمية مع معاجلة النظا األساسي ألسر‬
‫هاما يف التاربخ الصيين البعيد‪.‬‬
‫تشو تلك األسر اليت لعبت دورا ًّ‬
‫الكتب األربعة‪ :‬وهي الكتب اليت ألَّفها كونفوشيوس وأتباعه غ‬
‫مدونني ليها أقوال أستاذهم مع التفسَر‬
‫اتر ‪ ،‬والتعليق أررى‪ ،‬إهنا متثل للسفة كونفوشيوس ذاته‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬كتاب األرماق والسياسة‪.‬‬
‫‪ - 2‬كتاب االنسجا املركزي‪Central Harmony .‬‬
‫‪ -3‬كتاب املنتجات ‪ Analects‬وبطلق عليه اسم إجنيل كونفوشيوس‪.‬‬
‫‪ - 4‬كتاب منسيوس‪ :‬وهو بتألَّف من سبعة كتب‪ ،‬ومن احملتمل أن بكون مملفها منسيوس نفسه‪.‬‬

‫(‪)160/2‬‬
‫اثنيا‪ :‬املعتقدات األساسية‪:‬‬
‫تتمثل املعتقدات األساسية لدبهم يف اإلله أو إله السماء‪ ،‬واملما كة‪ ،‬وأرواح األجداد‪.‬‬
‫‪ - 1‬اإلله‪:‬‬
‫وبتوجهون إليه ابلعباد ‪ ،‬كما أن عبادته وتقدمي القرابني إليه‬
‫بعتقدون ابإلله األعظم أو إله السماء‪َّ ،‬‬
‫َمصوصة ابمللك‪ ،‬أو أبمراء املقاطعات‪.‬‬
‫لَلرض إله‪ ،‬وهو إله األرض‪ ،‬وبعبده عامة الصينيني‪.‬‬
‫الشمس والقمر‪ ،‬والكواكب‪ ،‬والسحاب‪ ،‬واجلبال ‪ ..‬لكل منها إله‪ ،‬وعبادهتا وتقدمي القرابني إليها‬
‫َمصوصة ابألمراء‪.‬‬
‫‪ - 2‬املما كة‪:‬‬
‫إهنم بقدسون املما كة غ‬
‫وبقدمون إليها القرابني‪.‬‬
‫‪ - 3‬أرواح األجداد‪:‬‬
‫غ‬
‫بقدس الصينيون أرواح أجدادهم األقدمني‪ ،‬وبعتقدون ببقاء األرواح‪ .‬والقرابني عبار عن موا د‬
‫بدرلون هبا السرور على تلك األرواح أبنواع املوسيقى‪ ،‬وبوجد يف كل بيت معبد ألرواح األموات‬
‫وخآهلة املنزل‪.‬‬
‫‪ -‬معتقدات وألكار أررى‪:‬‬
‫مل بكن كونفوشيوس نبيًّا‪ ،‬ومل بدَّع هو ذلك‪ ،‬بل بعتقدون أنه من الذبن وهبوا تفوبض السماء هلم؛‬
‫ليقوموا إبرشاد الناس وهدابتهم‪ ،‬لقد كان مداوما على إقامة الشعا ر والطقوس الدبنية‪ ،‬وكان بعبد‬
‫اإلله األعظم واخآهلة األررى على يَر معرلة هبم‪ ،‬ودون تثبُّت من حقيقة اخآراء الدبنية تلك‪.‬‬
‫كان كونفوشيوس مغرما ابلسعي لتحقيق املدبنة الفاضلة اليت بدعو إليها‪ ،‬وهي مدبنة مثالية لكنها‬
‫إن مدبنة كونفوشيوس مثالية يف حدود واق ٍع ِمكن التحقيق‬ ‫ختتلف عن مدبنة أرسطو الفاضلة‪ ،‬إذ َّ‬
‫والتطبيق‪ ،‬بينما مدبنة أرسطو ُتنح إىل مثالية ريالية بعيد عن مستوى التطبيق البشري القاصر‪ .‬وكما‬
‫الفيلسولني متعاصران‪.‬‬
‫منصب على إصماح احليا‬
‫ٌّ‬ ‫اجلنة والنار‪ :‬ال بعتقدون هبما‪ ،‬وال بعتقدون ابلبعث أصما؛ إذ َّ‬
‫إن مهَّهم‬
‫الدنيا‪ ،‬وال بسألون عن مصَر األرواح بعد رروجها من األجساد‪ .‬وقد سأل تلمي ٌذ أستاذه‬
‫كونفوشيوس عن املوت‪ ،‬لقال‪( :‬إننا مل ندرس احليا بعد‪ ،‬لكيف نستطيع أن ندرس املوت)؟‪.‬‬
‫شرا لشر‪.‬‬
‫اجلزاء والثواب‪ :‬إَنا بكوانن يف الدنيا‪ ،‬إن رَرا لخَر‪ ،‬وإن ًّ‬
‫القضاء والقدر‪ :‬بعتقدون بذلك‪ ،‬لإن تكاثرت اخآاث والذنوب كان عقاب السماء هلم ابلزالزل‬
‫والرباكني‪.‬‬
‫احلاكم ابن للسماء‪ :‬لإذا ما قسا وظلم وجانب العدل لإن السماء تسلغط عليه من رعيته من خيلعه‬
‫ليحل حملَّه شخص آرر عادل‪.‬‬
‫َّ‬

‫(‪)161/2‬‬

‫اثلثا‪ :‬األرماق‪:‬‬
‫هي األمر األساسي الذي تدعو إليه الكونفوشيوسية‪ ،‬وهي حمور الفلسفة وأساس الدبن‪ ،‬وهي تسعى‬
‫إليه برتبية الوازع الدارلي لدى الفرد؛ ليشعر ابالنسجا الذي بسيطر على حياته النفسية ِما خيضعها‬
‫للقوانني االجتماعية بشكل تلقا ي‪.‬‬
‫تظهر األرماق يف‪:‬‬
‫‪ - 1‬طاعة الوالد واَخضوع له‪.‬‬
‫‪ - 2‬طاعة األخ األصغر ألريه األكرب‪.‬‬
‫‪ - 3‬طاعة احلاكم واالنقياد إليه‪.‬‬
‫‪ - 4‬إرماص الصدبق ألصدقا ه‪.‬‬
‫‪ - 5‬عد جرح اخآرربن ابلكما أثناء حمادثتهم‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن تكون األقوال على قدر األلعال‪ ،‬وكراهية ظهور الشخص مبظهر ال بتفق مع مركزه وحاله‪.‬‬
‫‪ - 7‬البعد عن احملسوبية يف الوساطة أو احملااب ‪.‬‬
‫وتظهر أرماق احلاكم يف‪:‬‬
‫‪ - 1‬احرتا األلراد اجلدبربن ابحرتامه‪.‬‬
‫‪ - 2‬التودُّد إىل من تربطهم به صلة قرىب وقيامه ابلتزاماته حياهلم‪.‬‬
‫‪ - 3‬معاملة وزرا ه وموظفيه ابحلسىن‪.‬‬
‫‪ - 4‬اهتمامه ابلصاحل العا ‪ ،‬مع تشجيعه للفنون النالعة والنهوض هبا‪.‬‬
‫‪ - 5‬العطف على رعااي الدول األررى املقيمني يف دولته‪.‬‬
‫‪ - 6‬حتقيق الرلاهية ألمراء اإلمرباطوربة ولعامة ألرادها‪.‬‬
‫حترت الكونفوشيوسية العادات والتقاليد املوروثة‪ ،‬لهم حمالظون إىل أبعد احلدود‪ ،‬غ‬
‫ليقدسون العلم‬
‫واألمانة‪ ،‬وحيرتمون املعاملة اللينة من يَر رضوع وال استجداء جلربوت‪.‬‬
‫بقو اجملتمع الكونفوشيوسي على أساس احرتا امللكية الفردبة‪ ،‬مع ضرور رسم برانمج إصماحي‬
‫غ‬
‫بمدي إىل تنمية روح احملبَّة بني األينياء والفقراء‪.‬‬
‫بعرتلون ابلفوارق بني الطبقات‪ ،‬وبظهر هذا جليًّا حني َتدبة الطقوس الدبنية‪ ،‬ويف األعياد الرمسية‪،‬‬
‫وعند تقدمي القرابني‪.‬‬
‫النظا الطبقي لدبهم نظا مفتوح‪ ،‬إذ إبمكان أي شخص أن بنتقل من طبقته إىل أبة طبقة اجتماعية‬
‫أررى‪ ،‬إذا كانت لدبه إمكاانت تمهله لذلك‪.‬‬
‫ليس اإلنسان إال نتيجة لتزاوج القوى السماوبة مع القوى األرضية‪ ،‬أي‪ :‬لتقمص األرواح السماوبة‬
‫يف جواهر العناصر األرضية اَخمسة‪ .‬ومن هنا وجب على اإلنسان أن بتمتع بكل شيء يف حدود‬
‫األرماق اإلنسانية القومية‪.‬‬
‫ببنون تفكَرهم على لكر (العناصر اَخمسة)‪:‬‬
‫‪ - 1‬لرتكيب األشياء‪ :‬معدن ‪ -‬رشب ‪ -‬ماء ‪ -‬انر ‪ -‬تراب‪.‬‬
‫‪ - 2‬األضاحي والقرابني مخسة‪.‬‬
‫‪ - 3‬املوسيقى هلا مخسة مفاتيح‪ ،‬واأللوان األساسية مخسة‪.‬‬
‫‪ - 4‬اجلهات مخس‪ :‬شرق ويرب ومشال وجنوب ووسط‪.‬‬
‫أرو ‪.‬‬
‫بنو ‪َّ -‬‬ ‫أبو ‪ -‬أمومة ‪ -‬زوجية ‪َّ -‬‬ ‫‪ - 5‬درجات القرابة مخس‪َّ :‬‬
‫هاما يف حيا الناس االجتماعية‪ ،‬وتسهم يف تنظيم سلوك األلراد‪ ،‬وتعمل على‬
‫تلعب املوسيقى دورا ًّ‬
‫تعوبدهم الطاعة والنظا ‪ ،‬غ‬
‫وتمدي إىل االنسجا واأللفة واإلبثار‪.‬‬
‫الرجل الفاضل هو الذي بقف موقفا وسطا بني ذاته املركزبة وبني انفعاالته ليصل إىل درجة االستقرار‬
‫الكامل‪.‬‬

‫(‪)162/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫ترجع الكونفوشيوسية إىل معتقدات الصينيني القدماء‪ ،‬تلك املعتقدات اليت ترجع إىل (‪ )2600‬سنة‬
‫قبل امليماد‪ .‬وقد قبلها كونفوشيوس أوال‪ ،‬والكونفوشيوسيون اثنيا‪ ،‬دون مناقشة أو جدال أو متحيص‪.‬‬
‫يف القرن الرابع قبل امليماد حدثت إضالة جدبد ‪ ،‬وهي عباد النجمة القطبية؛ العتقادهم أبهنا احملور‬
‫الذي تدور السماء حوله‪ ،‬وبعتقد الباحثون أبن هذه النزعة قد ولدت إليهم من داينة بعض سكان‬
‫حوض البحر املتوسط‪.‬‬
‫تغلَّبت الكونفوشيوسية على النزعة الشيوعية والنزعة االشرتاكية اللتني طرأات عليها يف القرنني السابقني‬
‫للميماد‪ ،‬وانتصرت عليهما‪ .‬كما أهنا استطاعت أن تصهر البوذبة ابلقالب الكونفوشيوسي الصيين‪،‬‬
‫وتنتج بوذبة صينية راصة متميز عن البوذبة اهلندبة األصلية‪.‬‬
‫ال تزال املعتقدات الكونفوشيوسية موجود يف عقيد أكثر الصينيني املعاصربن‪ ،‬على الريم من‬
‫السيطر السياسية للشيوعيني‪.‬‬

‫(‪)163/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫انتشرت الكونفوشيوسية يف الصني‪.‬‬
‫منذ عا (‪ , )1949‬أبعدت الكونفوشيوسية عن املسرحني السياسي والدبين‪ ،‬لكنها ما تزال كامنة‬
‫يف روح الشعب الصيين‪ ،‬األمر الذي بممل أن بمدي إىل تغيَر ممامح الشيوعية املاركسية يف الصني‪.‬‬
‫ما تزال الكونفوشيوسية ماثلة يف النظم االجتماعية يف لرموزا أو (الصني الوطنية)‪.‬‬
‫انتشرت كذلك يف كوراي ويف الياابن حيث ْد غرست يف اجلامعات الياابنية‪ ،‬وهي من األسس الر يسية‬
‫تشكل األرماق يف معظم دول شرق آسيا وجنوهبا الشرقي يف العصربن الوسيط واحلدبث‪.‬‬ ‫اليت غ‬
‫حظيت الكونفوشيوسية بتقدبر بعض الفماسفة الغربيني‪ ،‬كالفيلسوف ليبنتز (‪, )1716 - 1646‬‬
‫وبيرت نوبل الذي نشر كتاب كماسيكيات كونفوشيوس سنة (‪ ، )1711‬كما ترمجت كتب‬
‫الكونفوشيوسية إىل معظم اللغات األوروبية‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫تتضمن بعض تعاليمها دعو إىل رلق محيد‪ ،‬أو‬ ‫مساواي معرولا‪ .‬وقد َّ‬
‫أن الكونفوشيوسية ليست دبنا ًّ‬
‫َر ا غإل يسماَغ غدبنا لَـلَن‬
‫تقرب إىل هللا به‪َ :‬وَمن بَـ يبـتَ غ يَ ي َ‬
‫رأي سليم‪ ،‬أو سلوك قومي‪ ،‬ولكنها ليست ِما بْ َّ‬
‫اخآررغ غمن ي غ‬
‫غ‬ ‫غ‬
‫بن [آل عمران‪ .]85:‬وهي متاثل البوذبة واهلندوسية ويَرها من‬ ‫اَخَاس غر َ‬ ‫بْـ يقبَ َل م ينهْ َو ْه َو غيف َ َ‬
‫األداين الباطلة‪.‬‬
‫الدبن غعن َد غ‬
‫غ‬
‫هللا ا غإل يسماَ ْ [آل عمران‪ .]19:‬وللحق‬ ‫جب اإلسما ما قبله من األداين إغ َّن َ‬‫وعموما لقد َّ‬
‫لليس هناك ما بنفي أو بثبت ابتعاث رسول معني إىل الشعوب األررى‪ ،‬ودعوى ذلك ال ختلو من‬
‫ك َوغم ينـ ْهم‬
‫صنَا َعلَيي َ‬
‫ص ي‬
‫احلدس والتخمني‪ ،‬والقرآن الكرمي بقول‪ :‬ولََق يد أَرسلينا رسما غمن قَـبلغ َ غ‬
‫ك م ينـ ْهم َّمن قَ َ‬ ‫ي‬ ‫َ يَ َ ْْ‬
‫ك [يالر‪.]78:‬‬ ‫ص َعلَيي َ‬ ‫َّمن َّملي نَـ يق ْ‬
‫ص ي‬
‫وقد كان املزج احملكم بني الفلسفة اَخلقية والتعاليم الدبنية على غ‬
‫أمت وضوح يف الكونفوشيوسية‬
‫وصاحبها كونفوشيوس الذي مل بكن رسوال مبعواث وال مدعيا لرسالة‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬احلوار‪ ،‬كونفوشيوس ليلسوف الصني األكرب‪ ،‬ترمجة حممد مكني ‪ -‬املطبعة السلفية ‪ -‬القاهر ‪-‬‬
‫(‪ )1354‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬كونفوشيوس‪ :‬النَب الصيين‪ ،‬د‪ .‬حسن شحاتة سعفان ‪ -‬مكتبة هنضة مصر‪.‬‬
‫‪ -‬امللل والنحل للشهرستاين‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ -‬دار املعرلة ‪ -‬بَروت‪ .‬انظر الذبل الذي هو من َتليف‬
‫حممد سيد كيماين صفحة (‪.)19‬‬
‫‪ -‬حماضرات يف مقارانت األداين‪ ،‬حممد أبو زهر مطبعة بوسف ‪ -‬مصر‪.‬‬
‫مراجع أجنبية‪:‬‬
‫‪.Lin Yutang: The Wisdom of Confucius, N.Y. 1938 -‬‬
‫‪.K. Wilhelm: Kungte, Leben und Lehre, 1925 -‬‬
‫‪.Kuntse und Konfuzianismus, 1930 -‬‬
‫‪.H.A. Giles: Confucianism and its rivals, London 1915 -‬‬
‫‪.M.G. Pouthie: Doctrine de confucius, Paris -‬‬
‫‪.P. Masson – oursel: La philosophieen Orient. 1938 -‬‬
‫‪.Social Philosophers -‬‬
‫‪Ch. Luan: la Philosophie Morale et pollitique de Mencius, -‬‬
‫‪. 1927‬‬
‫‪ O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي‬

‫(‪)164/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫عصراي من األلكار‬
‫ًّ‬ ‫املهاربشية حنلة هندوسية دهربة ملحد ‪ ،‬انتقلت إىل أمربكا وأورواب متخذ ثواب‬
‫اليت مل ختف حقيقتها األصلية‪ ،‬وهي تدعو إىل طقوس كهنوتية من التأمل التصاعدي (التجاوزي) بغية‬
‫حتصيل السعاد الروحية‪ ،‬وهناك دال ل تشَر إىل صلتها ابملاسونية والصهيونية اليت تسعى إىل حتطيم‬
‫القيم واملثل الدبنية‪ ،‬وإشاعة الفوضى الفكربة والعقا دبة واألرماقية بني الناس‪.‬‬

‫(‪)165/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬التأسيس وأبرز الشخصيات‪:‬‬


‫ممسسها لقَر هندوسي‪ ،‬ملع جنمه يف الستينات‪ ،‬وامسه مهاربشي ‪ -‬ماهيش ‪ -‬بوجي انتقل من اهلند‬
‫ليعيش يف أمربكا انشرا ألكاره بني الشباب الضا ع الذي ببحث عن املتعة الروحية‪ ،‬بعد أن أهنكته‬
‫احليا املادبة الصاربة‪.‬‬
‫بقي يف أمربكا مد (‪ )13‬سنة حيث التحق بركب حنلته الكثَرون‪ ،‬ومن َمثَّ رحل لينشر لكرته يف‬
‫أورواب ويف َمتلف بلدان العامل‪.‬‬
‫ورصص هلا جزءا‬
‫يف عا (‪ , )1981‬انتسب إىل هذه الفرقة ابن روكفلر عمد نيوبورك السابق‪َّ ،‬‬
‫سنواي هلذه احلركة‪ ،‬ومعروف انتماء هذه األسر اليهودبة إىل احلركة الصهيونية‬
‫من أمواله بدلعها ًّ‬
‫واملمسسات املاسونية‪.‬‬

‫(‪)166/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬األلكار واملعتقدات‪:‬‬


‫ال بممن ألراد هذه النحلة ابهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وال بعرلون إال املهاربشي إهلا وسيدا للعامل‪.‬‬
‫ال بممنون بدبن من األداين السماوبة‪ ،‬وبكفرون جبميع العقا د واملذاهب‪ ،‬وال بعرلون التزاما بعقيد‬
‫حد زعمهم ‪ -‬وهم برددون‪ :‬ال رب ‪ ..‬ال دبن‪.‬‬ ‫إال ابملهاربشية اليت متنحهم الطاقة الروحية ‪ -‬على غ‬
‫ال بممنون بشيء امسه اخآرر أو اجلنة أو النار أو احلساب ‪ ..‬وال بهمهم أن بعرلوا مصَرهم بعد‬
‫املوت؛ ألهنم بقفون عند حدود متع احليا الدنيا ال يَر‪.‬‬
‫حقيقتهم اإلحلاد‪ ،‬لكنهم بظهرون للناس أهدالا براقة؛ لتكون ستارا خيفون هبا تلك احلقيقة‪ .‬لمن‬
‫ذلك أهنم بدعون إىل التحالف من أجل املعرلة أو علم الذكاء اَخماق‪ ،‬وبفسرون ذلك على النحو‬
‫التاِل‪:‬‬
‫علم‪ :‬من حيث دعوهتم إىل البحث املنهجي التجربَب‪.‬‬
‫الذكاء‪ :‬من حيث الصفة األساسية للوجود‪ ،‬متمثما يف هدف ونظا للتغيَر‪.‬‬
‫اَخماق‪ :‬من حيث الوسا ل القوبة القادر على إحداث التغيَرات يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫وهم بصلون إىل ذلك عن طربق (التأمل التجاوزي) الذي أيرذ أببدبهم ‪ -‬كما بعتقدون‪ -‬إىل إدراك‬
‫يَر حمدود‪.‬‬
‫(التأممات التجاوزبة) تتحقق عن طربق االسرتراء‪ ،‬وإطماق عنان الفكر والضمَر والوجدان حىت‬
‫وبستمر يف حالته الصامتة تلك حىت جيد حماًّ‬
‫ُّ‬ ‫بشعر اإلنسان منهم براحة عميقة تنساب دارله‪،‬‬
‫للعقبات واملشكمات اليت تعرتض طربقه‪ ،‬وليحقق بذلك السعاد املنشود ‪.‬‬
‫خيضع املنتسب للتدربب على هذه التأممات التصاعدبة رمال أربع جلسات موزعا على أربعة أاي ‪،‬‬
‫وكل جلسة مدهتا نصف ساعة‪.‬‬
‫بنطلق الشخص بعد ذلك ليمارس َتمماته مبفرده‪ ،‬على أن ال تقل كل جلسة عن عشربن دقيقة‬
‫صباحا‪ ،‬ومثلها مساء كل بو وابنتظا ‪.‬‬
‫من املمكن أن بقوموا بذلك بشكل مجاعي‪ ،‬ومن املمكن أن بقو به عمال يف مصنع ريبة يف ُتاوز‬
‫إرهاقات العمل وزايد اإلنتاج‪.‬‬
‫جبو من الطقوس الكهنوتية ِما جيعلها َّ‬
‫جذابة للشباب الغريب الغارق يف املاد ‪ ،‬والذي‬ ‫حييطون َتمماهتم ٍ‬
‫ببحث عما بلَب له أشواقه الروحية‪.‬‬
‫بنطلقون يف الشوارع بقرعون الطبول‪ ،‬وبنشدون‪ ،‬دون إحساس بشيء امسه اَخجل أو العيب أو‬
‫ولعل بعضهم بكون حليق الرأس على حنو شاذ‪ ،‬وهيئتهم رثة‪ ،‬كل‬
‫القيم‪ ،‬وبرسلون شعورهم وحلاهم‪َّ ،‬‬
‫ذلك جذاب لَلنظار‪ ،‬وتعبَرا عن حتللهم من كل القيود‪.‬‬
‫استعاض املهاربشية عن النبو والوحي بتأمماهتم الذاتية‪ ،‬واستعاضوا عن هللا ابلراحة النفسية اليت‬
‫جيدوهنا‪ ،‬وبذلك أسقطوا عن اعتبارهم مدلوالت النبو والوحي واأللوهية‪.‬‬
‫بطلقون العنان لشباهبم وشاابهتم ملمارسة كل أنواع امليول اجلنسية الشاذ واملنحرلة؛ إذ إن ذلك‪-‬‬
‫كما بعتقدون ‪ -‬حيقق هلم أعلى مستوى من السعاد ‪ .‬وقد وجد بينهم ما بسمى ابلبانكرز‪ ،‬وما‬
‫بسمى ابجلنس الثالث‪.‬‬
‫بدعون شباهبم إىل عد العمل‪ ،‬وإىل ترك الدراسة‪ ،‬وإىل التخلي عن االرتباط أبرض أو وطن‪ ،‬لما‬
‫بوجد لدبهم إال عقيد املهاربشي‪ ،‬لهي العمل وهي الدراسة وهي األرض وهي الوطن‪.‬‬
‫عد إلزا النفس أبي قيد حيول بينها وبني ِمارسة نوازعها احليوانية الطبيعية‪.‬‬
‫حيثون شباهبم على استخدا املخدرات كاملارجيواان واألليون حىت تنطلق نفوسهم من عقاهلا ساحبة يف‬
‫حبر من السعاد املوهومة‪.‬‬
‫بلزمون أتباعهم ابلطاعة العمياء للمهاربشي‪ ،‬وعد اَخضوع إال له؛ إذ إنه هو الوحيد الذي ميكنه أن‬
‫بفعل أي شيء‪.‬‬
‫جوا من الروح العلمية‬ ‫غ‬
‫بلخصون أهدالهم وجماالت عملهم بسبع نقاط براقة‪ ،‬تضفي على حركتهم ًّ‬
‫اإلنسانية العاملية‪ ،‬وهي أهداف ال بكاد بكون هلا وجود يف أرض الواقع وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تطوبر كل إمكاانت الفرد‪.‬‬
‫‪ - 2‬حتسني اإلجنازات احلكومية‪.‬‬
‫‪ - 3‬حتقيق أعلى مستوى تعليمي‪.‬‬
‫‪ - 4‬التخلص من كل املشكمات القدمية للجرمية والشر‪ ،‬ومن كل سلوك بمدي إىل تعاسة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ - 5‬زايد االستغمال الذكي للبيئة‪.‬‬
‫‪ - 6‬حتقيق الطموحات االقتصادبة للفرد واجملتمع‪.‬‬
‫‪ - 7‬إحراز هدف روحي لإلنسانية‪.‬‬
‫أما وسا لهم املعتمد لتحقيق هذه األلكار لهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬التتاح اجلامعات يف األرايف واملدن‪.‬‬
‫‪ - 2‬نشر دراسات عن علم الذكاء اَخماق‪ ،‬والدعو إىل تطبيقها على املستوى الفردي واحلكومي‬
‫والتعليمي واالجتماعي‪ ،‬ويف َمتلف البيئات‪.‬‬

‫(‪)167/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬اجلذور الفكربة والعقا دبة‪:‬‬


‫إهنا داينة هندوسية مصبوية بصبغة عصربة جدبد من احلربة واالنطماق‪.‬‬
‫إهنا مزبج من اليويا ومن الرايضات املعرولة عند اهلندوس‪.‬‬
‫رالطت معتقداهتا طقوس صولية بوذبة هندبة‪.‬‬
‫َتثر مذهبهم بنظربة أللوطني اإلسكندري يف الفلسفة اإلشراقية‪.‬‬
‫إن استشراف احلق عن طربق التأمل الذاِت نظربة قدمية يف الفلسفة اليواننية‪ ،‬وقد بعثت هذه النظربة‬
‫من جدبد على بد ماكس ميلر‪ ،‬وهربرت سبنسر‪ ،‬وبرجسون‪ ،‬ودبكارت‪ ،‬وجيفونس‪ ،‬وأوجست‪،‬‬
‫ويَرهم‪.‬‬
‫كان لفلسفة لروبد ونظربته يف التحليل النفسي‪ ،‬وخآرا ه يف الكبت‪ ،‬وطرق التخلص منه النصيب‬
‫الوالر يف معتقدات هذه النحلة‪ ،‬اليت راحت تبحث عن سعادهتا عن طربق اإلرواء اجلنسي بشىت‬
‫صوره‪.‬‬

‫(‪)168/2‬‬

‫املطلب اَخامس‪ :‬االنتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬


‫ممسسها هندوسي مل جيد له مكاان يف اهلند؛ ملضابقة اهلندوس له؛ َخولهم من استقطابه األتباع بسبب‬
‫اتباعه سياسة االنفتاح اجلنسي‪.‬‬
‫انتقل إىل أمربكا وأنشأ جامعة يف كاليفورنيا‪ ،‬ومن مثَّ انتقل إىل أورواب وصار له أتباع ليها‪ ،‬ورحل حبركته‬
‫إىل ألربقيا‪ ،‬ليقيم هلا أرضية يف ساليسبورغ‪ ،‬ووصلت دعوته إىل اَخليج العريب ومصر حيث بزرع‬
‫األتباع هنا وهناك‪ ،‬وبتحرك لوق ثرو مالية ها لة‪.‬‬
‫ومتلك املهاربشية إمكانيات مادبة رهيبة تدعو إىل التساؤل واالستغراب‪ ،‬وتشَر إىل األبدي الصهيونية‬
‫واملاسونية اليت تقف وراءها مستفيد من تدمَرها ألرماق وقيم األمم‪.‬‬
‫يف عا (‪ , )1971‬أنشأ زعيمهم جامعة كبَر يف كاليفورنيا مسَّاها (جامعة املهاربش العاملية) وبقول‬
‫أحس بتقبل مذهبه يف أكثر من (‪ )600‬كلية وجامعة يف أحناء العامل‪.‬‬
‫أبنه لعل ذلك بعد أن َّ‬
‫ويف عا (‪ , )1974‬أْعلن عن قيا احلكومة العاملية لعصر االنبثاق برائسة مهاربشي ‪ -‬ماهيشي ‪-‬‬
‫بوجي ومقرها سوبسرا‪ ،‬كما أن هلذه الدولة دستورا ووزراء وأتباعا وثرو طا لة واستثمارات يف َمتلف‬
‫أحناء العامل‪.‬‬
‫يف كانون األول (‪ , )1978‬ادعوا أبن حكومتهم املهاربشية قد أرسلت إىل إسرا يل بعثة من‬
‫(‪ )400‬حمالظ ليقيموا دور هناك لثمااما ة رجل حىت ُتعل الشعب أكثر اجتماعية وأقل حد وتوترا‪.‬‬
‫بعترب عا (‪ , )1978‬عا السما لدبهم‪ ،‬حيث إهنم قد أعلنوا أنه لن تقهر أمة يف العامل بعد ذلك‪.‬‬
‫وقد دعوا يف ذلك العا إىل عقد مممتر يف ساليسبورغ؛ لتكوبن نظا عد القهر ألبة أمة‪ ،‬كما أسس‬
‫ليه اجمللس النيايب لعصر االنبثاق‪.‬‬
‫كتبهم ومطبوعاهتم تكتب مباء الذهب‪ ،‬وهم ميتلكون أكرب املصانع والعقارات يف أورواب‪ ،‬وقد اشرتوا‬
‫قصر برج مونتمور يف بربطانيا؛ لتأسيس عاصمتهم اجلدبد هناك‪.‬‬
‫حيرصون دا ما على اعتبار ممسستهم ممسسة رَربة معفا من الضرا ب‪ ،‬على الريم من يناهم‬
‫الفاحش‪.‬‬
‫خيد مع املهاربشي سبعة آالف ربَر‪ ،‬وبشرتي هذا املهاربشي‪ ،‬الفقَر أصما‪ ،‬عشرات القصور‬
‫الفارهة لمن أبن له ذلك؟‬
‫إن اليهودبة قد وجدت ليها رَر وسيلة لنشر االحنمال والفوضى بني البشر‪ ،‬لتبنتها ووقفت وراءها‬
‫مسخر هلا األموال والصحالة‪ ،‬وعقدت هلا املناقشات؛ لطرح نظربتها والدعو إليها‪.‬‬
‫وصل بعضهم إىل ديب‪ ،‬وعقدوا اجتماعا يف لندق حيا رجينسي‪ ،‬بدعون ليها عمانية ملذهبهم‪ ،‬وقد‬
‫أْل غيقي القبض على همالء األشخاص األربعة الذبن قدموا إليها بتأشَر سياحية‪ ،‬مث أ غ‬
‫ْبعدوا عن البماد‪.‬‬
‫وصل بعضهم إىل الكوبت‪ ،‬وتقدَّموا بطلب للحصول على ترريص هلم ابعتبارهم ممسسة رَربة يَر‬
‫ُتاربة‪ ،‬وقد نشروا يف الصحالة الكوبتية أكثر من مقال‪َّ ،‬‬
‫وبث هلم التلفزبون الكوبيت بعض املقابمات‬
‫قبل أن تتضح أهدالهم احلقيقية‪.‬‬
‫نظموا دور ملوظفي وزار املواصمات يف الكوبت يف لندق هيلتون‪ ،‬وقد دعوا املوظفني أثناء الدور‬
‫إىل مراجعة مواربثهم العقا دبة والفكربة‪.‬‬
‫طْرد املهاربشي من أملانيا بعد أن ظهر أثره السيئ على الشباب‪.‬‬
‫نشرت رابطة العامل اإلسمامي يف مكة بياان أوضحت ليه رطر هذا املذهب على اإلسما واملسلمني‪،‬‬
‫ممكد ارتباطه ابلدوا ر املاسونية والصهيونية‪.‬‬
‫وبتضح ِما سبق‪:‬‬
‫أن املهاربشية دبن هندوسي وضعي دهري ملحد‪ ،‬ال بعرتف ابخآرر ‪ ،‬وبدعو إىل إلغاء كالة العقا د‬
‫واألداين السابقة‪ ،‬وبطالب ابلتخلي عن كل القيود والتعاليم اَخلقية‪ ،‬وبسعى الستقطاب الشباب‪،‬‬
‫وإيراقه يف متاهات التأمل التجاوزي‪ ،‬واالحنمال اجلنسي‪ ،‬والسقوط لربسة سهلة للمخدرات‪.‬‬
‫واحلقيقة أن املهاربشية ما هي إال ضمالة جدبد انتهزت لرصة إرفاق النصرانية يف احتواء الشباب‪،‬‬
‫وظهور صرعات اهليبيز واَخنالس وأبناء الزهور‪ ،‬لتقدَّمت لتمَل الفراغ‪ ،‬حتت وهم جلب الراحة‬
‫النفسية‪ ،‬ومطارد موجات القلق واالضطراب‪ ،‬عن طربق الرايضات الروحية‪ ،‬بعيدا عن طربق الوحي‬
‫والنبوات‪.‬‬
‫وال بستبعد أن تكون ذراعا جدبدا للماسونية‪ ،‬وبرى الكثَرون يف ماهيش بويي ممسس املهاربشية أنه‬
‫راسبوتني العصر‪ ،‬لطابع الدجل واالستغمال واالحنراف الذي بتحلَّى به‪.‬‬
‫مراجع للتوسع‪:‬‬
‫‪ -‬جملة اجملتمع الكوبتية‪ ،‬العدد (‪ )286‬يف (‪10‬صفر ‪ )1396‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬جملة اجملتمع الكوبتية‪ ،‬العدد (‪ )296‬يف (‪ 20‬ربيع اخآرر ‪1396‬هـ‪ 20 /‬إبربل ‪. )1976‬‬
‫‪ -‬جملة اجملتمع الكوبتية‪ ،‬العدد (‪ )299‬يف مابو (‪ / 1976‬مجادى األوىل ‪ )1396‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬جملة نيوزوبك‪ ،‬العدد الصادر يف (‪ 8‬مارس ‪. )1976‬‬
‫‪ -‬جملة اإلصماح االجتماعي‪ ،‬اإلمارات ‪ -‬شعبان (‪1404‬هـ‪ /‬مابو ‪. )1984‬‬
‫‪ -‬جملة اجلندي املسلم‪ ،‬اململكة العربية السعودبة ‪ -‬العدد (‪ )35‬ربيع األول (‪ )1405‬هـ‪.‬‬
‫‪O‬املوسوعة امليسر للندو العاملية للشباب اإلسمامي ‪ -‬بتصرف‬

‫(‪)169/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫هم عبد النَران‪ ،‬القا لون‪ :‬إن للعامل أصلني‪ :‬نور وظلمة‪ .‬قال قتاد ‪ :‬األداين مخسة‪ ،‬أربعة للشيطان‪،‬‬
‫وواحد للرمحن‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اجملوس يف األصل النجوس؛ لتدبنهم ابستعمال النجاسات‬
‫‪ O‬اجلامع ألحكا القرآن للقرطَب – ‪23 /12‬‬

‫(‪)170/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬عقا دهم‪:‬‬


‫وأثبتوا أصلني‪ ،‬إال أن اجملوس األصلية زعموا أن األصلني ال جيوز أن بكوان قدميني أزليني‪ ،‬بل النور‬
‫أزِل‪ ،‬والظلمة حمدثة‪ ،‬مث هلم ارتماف يف سبب حدوثها‪:‬‬
‫أمن النور حدثت‪ ،‬والنور ال حيدث شرا جز يا‪ ،‬لكيف حيدث أصل الشر؟‬
‫أ من شيء آرر‪ ،‬وال شيء بشرك النور يف اإلحداث والقد ‪ ،‬وهبذا بظهر ربط اجملوس‪.‬‬
‫وهمالء بقولون‪ :‬املبدأ األول من األشخاص كيومرث‪ ،‬ورمبا بقولون‪ :‬زروان الكبَر‪ ،‬والنَب الثاين‬
‫زردشت‪ .‬والكيومرثية بقولون‪ :‬كيومرث هو آد عليه السما ‪ .‬وتفسَر كيومرث هو احلي الناطق‪.‬‬
‫وقد ورد يف تواربخ اهلند والعجم أن كيومرث هو آد عليه السما ‪ ،‬وخيالفهم سا ر أصحاب التواربخ‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪278 /1‬‬

‫(‪)171/2‬‬
‫‪ - 1‬الكيومرثية‪:‬‬
‫أصحاب املقد األول كيومرث أثبتوا أصلني‪ :‬بزدان وأهرمن‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬بزدان أزِل قدمي‪ ،‬وأهرمن حمدث َملوق‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن سبب رلق أهرمن أن بزدان َّ‬
‫لكر يف نفسه أنه لو كان ِل منازع كيف بكون؟ وهذه الفكر‬
‫كانت ردبئة يَر مناسبة لطبيعة النور‪ ،‬لحدث الظما من هذه الفكر ‪ ،‬غ‬
‫ومسي أهرمن‪ ،‬وكان مطبوعا‬
‫على الشر والفتنة والفساد والفسق والضرر واإلضرار‪ ،‬لخرج على النور‪ ،‬ورالفه طبيعة ولعما‪،‬‬
‫وجرت حماربة بني عسكر النور وعسكر الظلمة‪.‬‬
‫توسطوا لصاحلوا على أن بكون العامل السفلي رالصا ألهرمن سبعة آالف سنة‪ ،‬مث‬
‫مث إن املما كة َّ‬
‫خيلي العامل‪ ،‬وبسلمه إىل النور‪ ،‬والذبن كانوا يف الدنيا قبل الصلح أابدهم وأهلكهم‪ ،‬مث بدأ برجل بقال‬
‫له‪ :‬كيومرث‪ .‬وحيوان بقال له‪ :‬ثور‪ .‬لقتلهما لنبت من مسقط ذلك الرجل ربباس‪ ،‬وررج من أصل‬
‫ربباس رجل بسمى ميشة‪ ،‬وامرأ تسمى ميشانة‪ ،‬ومها أبو البشر‪ ،‬ونبت من مسقط الثور األنعا‬
‫وسا ر احليواانت‪.‬‬
‫رَر الناس‪ -‬وهم أرواح بما أجساد‪ -‬بني أن برلعهم عن مواضع أهرمن‪ ،‬وبني أن‬
‫وزعموا أن النور َّ‬
‫بلبسهم األجساد ليحاربون أهرمن‪ ،‬لارتاروا لبس األجساد وحماربة أهرمن‪ ،‬على أن تكون هلم النصر‬
‫من عند النور والظفر جبنود أهرمن وحسن العاقبة وعند الظفر به وإهماك جنوده تكون القيامة‪.‬‬
‫لذاك سبب االمتزاج وهذا سبب اَخماص‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪278 /1‬‬

‫(‪)172/2‬‬

‫‪ - 2‬الزروانية‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬إن النور أبدع أشخاصا من نور كلها روحانية نورانية رابنية‪ ،‬ولكن الشخص األعظم الذي امسه‬
‫زروان َّ‬
‫شك يف شيء من األشياء‪ ،‬لحدث أهرمن الشيطان‪ -‬بعين إبليس‪ -‬من ذلك الشك‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ال‪ ،‬بل إن زروان الكبَر قا لزمز تسعة آالف وتسعما ة وتسعا وتسعني سنة؛ ليكون‬
‫له ابن‪ ،‬للم بكن‪ ،‬مث حدَّث نفسه َّ‬
‫ولكر وقال‪ :‬لعل هذا العلم ليس بشيء‪ .‬لحدث أهرمن من ذلك‬
‫اهلم الواحد‪ ،‬وحدث هرمز من ذلك العلم‪ ،‬لكاان مجيعا يف بطن واحد‪ ،‬وكان هرمز أقرب من ابب‬
‫اَخروج‪ ،‬لاحتال أهرمن الشيطان حىت َّ‬
‫شق بطن أمه‪ ،‬لخرج قبله وأرذ الدنيا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه ملا مثل بني بدي زروان‪ ،‬لأبصر ورأى ما ليه من اَخبث والشرار والفساد أبغضه ولعنه‬
‫وطرده‪ ،‬لمضى واستوىل على الدنيا‪.‬‬
‫وأما هرمز لبقي زماان ال بد له عليه‪ ،‬وهو الذي اختذه قو رًّاب وعبدوه؛ ملا وجدوا ليه من اَخَر‬
‫والطهار والصماح وحسن اَخلق‪.‬‬
‫وزعم بعض الزروانية أنه مل بزل كان مع هللا شيء رديء‪ :‬إما لكر ردبئة وإما عفونة ردبئة‪ ،‬وذلك هو‬
‫مصدر الشيطان‪ ,‬وزعموا أن الدنيا كانت سليمة من الشرور واخآلات والفنت‪ ،‬وكان أهلها يف رَر‬
‫حمض ونعيم رالص‪ ،‬للما حدث أهرمن حدثت الشرور واخآلات والفنت واحملن‪ ،‬وكان مبعزل عن‬
‫السماء‪ ،‬لاحتال حىت ررق السماء وصعد‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬كان هو يف السماء‪ ،‬واألرض رالية عنه‪ ،‬لاحتال حىت ررق السماء ونزل إىل األرض‬
‫جبنوده كلها‪ ،‬لهرب النور مبما كته‪ ،‬واتبعه الشيطان حىت حاصره يف جنته‪ ،‬وحاربه ثماثة آالف سنة ال‬
‫بصل الشيطان إىل الرب تعاىل‪ ،‬مث توسط املما كة وتصاحلا على أن بكون إبليس وجنوده يف قرار‬
‫األرض تسعة آالف سنة ابلثماثة آالف اليت قاتله ليها‪ ،‬مث خيرج إىل موضعه‪.‬‬
‫الرب ‪ -‬تعاىل عن قوهلم ‪ -‬الصماح يف احتمال املكروه من إبليس وجنوده‪ ،‬وأن ال بنقض‬
‫ورأى ُّ‬
‫الشرط حىت تنقضي املد املضروبة للصلح‪ ،‬لالناس يف البمااي والفنت واَخزااي واحملن إىل انقضاء املد ‪،‬‬
‫مث بعودون إىل النعيم األول‪ ،‬وشرط إبليس عليه أن ميكنه من أشياء بفعلها‪ ،‬وبطلقه يف ألعال ردبئة‬
‫بباشرها‪ ،‬للما لريا من الشرط أشهد عليهما عدلني ودلعا سيفيهما إليهما‪ ،‬وقاال هلما‪ :‬من نكث‬
‫لاقتماه هبذا السيف‪.‬‬
‫ولست أظن عاقما بعتقد هذا الرأي القا ل‪ ،‬وبرى هذا االعتقاد املضمحل الباطل‪ ،‬ولعله كان رمزا إىل‬
‫ما بتصور يف العقل‪ ،‬ومن عرف هللا سبحانه وتعاىل جبماله وكرباي ه مل بسمح هبذه الرتهات عقله‪ ،‬ومل‬
‫بسمع مثل هذه الرتهات مسعه‪.‬‬
‫وأقرب من هذا ما حكاه أبو حامد الزوزين أن اجملوس زعمت أن إبليس كان مل بزل يف الظلمة واجلو‬
‫رماء مبعزل عن سلطان هللا‪ ،‬مث مل بزل بزحف وبقرب حبيله حىت رأى النور‪ ،‬لوثب وثبة لصار يف‬
‫سلطان هللا يف النور‪ ،‬وأدرل معه هذه اخآلات والشرور‪ ،‬لخلق هللا تعاىل هذا العامل شبكة‪ ،‬لوقع ليها‬
‫وصار متعلقا هبا‪ ،‬ال ميكنه الرجوع إىل سلطانه‪ ،‬لهو حمبوس يف هذا العامل‪ ،‬مضطرب يف احلبس‪ ،‬برمي‬
‫ابخآلات واحملن والفنت إىل رلق هللا تعاىل‪ ،‬لمن أحياه هللا رماه ابملوت‪ ،‬ومن أصحه رماه ابلسقم‪ ،‬ومن‬
‫سره رماه ابحلزن‪ ،‬لما بزال كذلك إىل بو القيامة‪.‬‬
‫ويف كل بو بنقص سلطانه حىت ال تبقى له قو ‪ ،‬لإذا كانت القيامة ذهب سلطانه‪ ،‬ومخدت نَرانه‪،‬‬
‫وزالت قوته‪ ،‬واضمحلت قدرته‪ ،‬ليطرحه يف اجلو‪ ،‬واجلو ظلمة ليس هلا حد وال منتهى‪ ،‬مث جيمع هللا‬
‫تعاىل أهل األداين ليحاسبهم وجيازبهم على طاعة الشيطان وعصيانه‪.‬‬
‫وأما املسخية لقالت‪ :‬إن النور كان وحده نورا حمضا‪ ،‬مث اَنسخ بعضه لصار ظلمة‪ ،‬وكذلك اَخرمدبنية‬
‫قالوا أبصلني‪ ،‬وهلم ميل إىل التناسخ واحللول‪ ،‬وهم ال بقولون أبحكا وحمال وحرا ‪.‬‬
‫ولقد كان يف كل أمة من األمم قو مثل اإلابحية واملزدكية والزاندقة والقرامطة كان تشوبش ذلك‬
‫الدبن منهم‪ ،‬ولتنة الناس مقصور عليهم‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪278 /1‬‬

‫(‪)173/2‬‬

‫‪ - 3‬الزردشتية‪:‬‬
‫أولئك أصحاب زردشت بن بورشب الذي ظهر يف زمان كشتاسب بن هلراسب امللك‪ ،‬وأبوه كان من‬
‫أذربيجان وأمه من الري وامسها ديدوبة‪.‬‬
‫وزعموا أن هلم أنبياء وملوكا أوهلم كيومرث‪ ،‬وكان أول من ملك األرض‪ ،‬وكان مقامه إبصطخر‪ ،‬وبعده‬
‫أوشنهك بن لراوك‪ ،‬ونزل أرض اهلند‪ ،‬وكانت له دعو مث‪ ,‬وبعده طمهودت‪ ،‬وظهرت الصابئة يف أول‬
‫سنة من ملكه‪ ,‬وبعده أروه جم امللك‪ ,‬مث بعده أنبياء وملوك‪ :‬منهم منوجهر ونزل اببل وأقا هبا‪,‬‬
‫وزعموا أن موسى عليه السما ظهر يف زمانه حىت انتهى امللك إىل كشتاسب بن هلراسب‪ ،‬وظهر يف‬
‫زمانه زردشت احلكيم‪.‬‬
‫وجل رلق من وقت ما يف الصحف األوىل والكتاب األعلى من ملكوته رلقا‬
‫عز َّ‬
‫وزعموا أن هللا َّ‬
‫روحانيا‪ ،‬للما مضت ثماثة آالف سنة أنفذ مشيئته يف صور من نور متَللئ على تركيب صور‬
‫َّ‬
‫وأحف به سبعني من املما كة املكرمني‪ ،‬ورلق الشمس والقمر والكواكب واألرض‪ ،‬وبين‬ ‫اإلنسان‪،‬‬
‫آد يَر متحركة ثماثة آالف سنة‪ ،‬مث جعل روح زردشت يف شجر أنشأها يف أعلى عليني‪ ،‬و َّ‬
‫أحف هبا‬
‫سبعني من املما كة املكرمني‪ ،‬ويرسها يف قمة جبل من جبال أذربيجان‪ ،‬بعرف ابمسو بذرر‪ ،‬مث مازج‬
‫شبح زردشت بلنب بقر ‪ ،‬لشربه أبو زردشت لصار نطفة مث مضغة يف رحم أمه‪ ،‬لقصدها الشيطان‬
‫وعَرها‪ ،‬لسمعت أمه نداء من السماء ليه داللة على بر ها لرب ت‪.‬‬
‫مث ملا ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر‪ ،‬لاحتالوا على زردشت حىت وضعوه بني مدرجة البقر‬
‫ومدرجة اَخيل ومدرجة الذ ب‪ ،‬لكان بنهض كل واحد منهم حلمابته من جنسه‪ ،‬ونشأ بعد ذلك إىل‬
‫أن بل ثماثني سنة‪ ،‬لبعثه هللا تعاىل نبيا ورسوال إىل اَخلق لدعا كشتاسب امللك‪ ،‬لأجابه إىل دبنه وكان‬
‫دبنه عباد هللا والكفر ابلشيطان‪ ،‬واألمر ابملعروف والنهى عن املنكر‪ ،‬واجتناب اَخبا ث‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪281 /1‬‬
‫وتدَّعي الزردشتية له معجزات كثَر ‪:‬‬
‫منها‪ :‬درول قوا م لرس كشتاسب يف بطنه‪ ،‬وكان زردشت يف احلبس لأطلقه‪ ،‬لانطلقت قوا م‬
‫الفرس‪.‬‬
‫مر على أعمى ابلدبنور‪ ،‬لقال‪ :‬رذوا حشيشة ‪ -‬وصفها هلم ‪ -‬واعصروا ماءها يف عينه‬
‫ومنها‪ :‬أنه َّ‬
‫لإنه ببصر‪ ،‬لفعلوا لأبصر األعمى‪.‬‬
‫ومن اجملوس الزردشتية صنف بقال هلم‪ :‬السيسانية والبهالربدبة‪ .‬ر يسهم رجل بقال له‪ :‬سيسان من‬
‫رستاق نيسابور‪ ،‬من انحية بقال هلا‪ :‬رواف‪.‬‬
‫ررج يف أاي أيب مسلم صاحب الدولة‪ ،‬وكان زمزميا يف األصل بعبد النَران‪ ،‬مث ترك ذلك ودعا‬
‫اجملوس إىل ترك الزمزمة‪ ،‬ورلض عباد النَران‪ ،‬ووضع هلم كتااب أمرهم ليه إبرسال الشعور‪.‬‬
‫وحر عليهم اَخمر‪ ،‬وأمرهم ابستقبال الشمس عند‬ ‫وحر عليهم األمهات والبنات واألروات‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫السجود على ركبة واحد ‪ ،‬وهم بتخذون الرابطات وبتباذلون األموال‪ ،‬وال أيكلون امليتة‪ ،‬وال بذحبون‬
‫احليوان حىت بهر ‪.‬‬
‫وهم أعدى رلق هللا للمجوس الزمازمة‪ ،‬مث إن موبذ اجملوس رلعه إىل أيب مسلم لقتله على ابب اجلامع‬
‫بنيسابور‪.‬‬
‫وقال أصحابه‪ :‬إنه صعد إىل السماء على برذون أصفر‪ ،‬وإنه سينزل على الربذون لينتقم من أعدا ه‪.‬‬
‫وهمالء قد أقروا بنبو زردشت‪ ،‬وعظَّموا امللوك الذبن بعظمهم زردشت‪ ،‬وِما أررب به زردشت يف‬
‫كتاب زند أوستا أنه قال‪ :‬سيظهر يف آرر الزمان رجل امسه أشيزربكا‪ -‬ومعناه الرجل العامل‪ -‬بزبن‬
‫العامل ابلدبن والعدل‪ ،‬مث بظهر يف زمانه بتياره‪ ،‬ليوقع اخآلة يف أمره وملكه عشربن سنة مث بظهر بعد‬
‫ذلك أشيزربكا على أهل العلم‪ ،‬وحييي العدل ومييت اجلور‪ ،‬وبرد السنن املغَر إىل أوضاعها األول‪،‬‬
‫وتنقاد له امللوك‪ ،‬وتتيسر له األمور‪ ،‬وبنصر الدبن واحلق‪ ،‬وحيصل يف زمانه األمن والدعة وسكون‬
‫الفنت وزوال احملن‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪281 /1‬‬
‫مقالة زردشت يف املبادئ‪:‬‬
‫وقد أورد اجليهاين إحدى مقاالت زردشت يف املبادئ وهي‪:‬‬
‫(‪)174/2‬‬

‫إن دبن زردشت هو الدعو إىل دبن مارسيان‪ ،‬وإن معبوده أورمزد‪.‬‬
‫واملما كة املتوسطون يف رساالته إليه‪ :‬هبمن وأردببهشت وشهربور وأسفندارمز وررداد ومرداد‪.‬‬
‫وقد رآهم زردشت واستفاد منهم العلو ‪.‬‬
‫وجرت مساءالت بينه وبني أورمزد من يَر توسط‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬قال زردشت‪ :‬ما الشيء الذي كان وبكون وهو اخآن موجود؟‬
‫قال أورمزد‪ :‬أان والدبن والكما ‪.‬‬
‫أما الدبن‪ :‬لعمل أورمزد وكمامه وإميانه‪.‬‬
‫وأما الكما ‪ :‬لكمامه‪.‬‬
‫والدبن ألضل من الكما ؛ إذ العمل ألضل من القول‪.‬‬
‫وأول من أبدع من املما كة هبمن‪ ،‬وعلمه الدبن ورصه مبوضع النور مكاان‪ ،‬وأقنعه بذاته ذاات‪،‬‬
‫لاملبادئ على هذا الرأي ثماثة‪.‬‬
‫السمال الثاين‪ :‬قال‪ :‬مل مل ختلق األشياء كلها يف زمان يَر متناه؟‪ ،‬إذ قد جعلت الزمان نصفني‪ :‬نصفه‬
‫متناه ونصفه يَر متناه‪ ،‬للو رلقتها يف زمان يَر متناه كان ال بستحيل شيء منها‪.‬‬
‫قال أورمزد‪ :‬لإن كان ال ميكن أن تفىن مث آلات األثيم إبليس‪.‬‬
‫السمال الثالث‪ :‬قال ِماذا رلقت هذا العامل؟‬
‫قال أورمزد‪ :‬رلقت مجيع هذا العامل من نفسي‪ ،‬أما أنفس األبرار لمن شعر رأسي‪ ،‬وأما السماء لمن‬
‫أ رأسي‪ ،‬والظفر واملعاضد لمن جبهيت‪ ،‬والشمس لمن عيين‪ ،‬والقمر لمن أنفي‪ ،‬والكواكب لمن‬
‫لساين‪ ،‬وسروس وسا ر املما كة لمن أذين‪ ،‬واألرض لمن عصب رجلي‪.‬‬
‫وأربت هذا الدبن أوال كيومرث‪ ،‬لشعر به‪ ،‬وحفظه من يَر تعلم وال مدارسة‪.‬‬
‫إِل ابلقول؟‬
‫قال زردشت‪ :‬للماذا أربت هذا الدبن كيومرث ابلوهم وألقيته َّ‬
‫قال أورمزد‪ :‬ألنك حتتاج أن تتعلم هذا الدبن وتعلغمه يَرك‪ ،‬وكيومرث مل جيد من بقبله‪ ،‬لأمسك عن‬
‫التكلم وهذا رَر لك؛ ألين أقول وأنت تسمع‪ ،‬وأنت تقول والناس بسمعون وبقبلون‪.‬‬
‫لقال زردشت ألورمزد‪ :‬هل أربت هذا الدبن أحدا قبلي يَر كيومرث؟‬
‫قال‪ :‬بلى أربت هذا الدبن جم مخسني جنما َممسا من أجل إنكاره الضحاك‪.‬‬
‫قال‪ :‬إذا كنت عاملا أنه ال بقبله للماذا أربته؟‬
‫قال‪ :‬لو مل أره ملا صار إليك‪ ،‬وقد أربته أبضا ألربدون وكيكاوس وكيقباد وكشتاسب‪.‬‬
‫قال زردشت‪ :‬رلقك العامل وتروجيك الدبن ألي شيء؟‬
‫قال‪ :‬ألن لناء العفربت األثيم ال ميكن إال خبلق العامل وتروبج الدبن‪ ،‬ولو مل برتوج أمر الدبن ملا أمكن‬
‫أن ترتوج أمور العامل‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪285 /1‬‬

‫(‪)175/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬التعربف‪:‬‬


‫همالء هم أصحاب االثنني األزليني‪ :‬بزعمون أن النور والظلمة أزليان قدميان‪ ،‬خبماف اجملوس لإهنم‬
‫قالوا حبدوث الظما ‪ ،‬وذكروا سبب حدوثه‪.‬‬
‫وهمالء قالوا بتساوبها يف القد ‪ ،‬وارتمالهما يف اجلوهر والطبع والفعل واحليز واملكان واألجناس‬
‫واألبدان واألرواح‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪285 /1‬‬

‫(‪)176/2‬‬

‫الفرع األول‪ :‬املانوبة‪:‬‬


‫أصحاب ماين بن لاتك احلكيم الذي ظهر يف زمان سابور بن أردشَر‪ ،‬وقتله هبرا بن هرمز بن سابور‪،‬‬
‫وذلك بعد عيسى ابن مرمي عليه السما ‪ ،‬أحدث دبنا بني اجملوسية والنصرانية‪.‬‬
‫وكان بقول بنبو املسيح عليه السما ‪ ،‬وال بقول بنبو موسى عليه السما ‪.‬‬
‫حكى حممد بن هارون املعروف أبيب عيسى الوراق‪ ،‬وكان يف األصل جموسيا عارلا مبذاهب القو أن‬
‫احلكيم ماين زعم أن العامل مصنوع مركب من أصلني قدميني‪ :‬أحدمها نور‪ ،‬واخآرر ظلمة‪ ،‬وأهنما أزليان‬
‫مل بزاال ولن بزاال‪ ،‬وأنكر وجود شيء إال من أصل قدمي‪.‬‬
‫وزعم أهنما مل بزاال قوبني حساسني داركني مسيعني بصَربن‪ ،‬ومها مع ذلك يف النفس والصور والفعل‬
‫والتدبَر متضادان‪ ،‬وىف احليز متحاذاين حتاذي الشخص والظل‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪290 /1‬‬
‫(‪)177/2‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬املزدكية‪:‬‬


‫أصحاب مزدك‪ :‬ومزدك هو الذي ظهر يف أاي قباذ والد أنوشروان‪ ،‬ودعا قباذ إىل مذهبه لأجابه‪،‬‬
‫واطلع أنوشروان على رزبه والرتا ه لطلبه لوجده لقتله‪.‬‬
‫حكى الوراق أن قول املزدكية كقول كثَر من املانوبة يف الكونني واألصلني‪ ،‬إال أن مزدك كان بقول‪:‬‬
‫إن النور بفعل ابلقصد واالرتيار‪ ،‬والظلمة تفعل على اَخبط واالتفاق‪ ،‬والنور عامل حساس والظما‬
‫جاهل أعمى‪.‬‬
‫وأن املزاج كان على االتفاق واَخبط ال ابلقصد واالرتيار‪ ،‬وكذلك اَخماص إَنا بقع ابالتفاق دون‬
‫االرتيار‪.‬‬
‫وكان مزدك بنهى الناس عن املخالفة واملبايضة والقتال‪ ،‬وملا كان أكثر ذلك إَنا بقع بسبب النساء‬
‫أحل النساء وأابح األموال‪ ،‬وجعل الناس شركة ليهما‪ ،‬كاشرتاكهم يف املاء والنار والكَل‪.‬‬
‫واألموال‪َّ ،‬‬
‫وحكي عنه أنه أمر بقتل األنفس؛ ليخلصها من الشر ومزاج الظلمة‪.‬‬
‫مذهبه يف األصول واألركان أهنا ثماثة‪ :‬املاء واألرض والنار‪.‬‬
‫وملا ارتلطت حدث عنها مدبر اَخَر ومدبر الشر‪ ،‬لما كان من صفوها لهو مدبر اَخَر‪ ،‬وما كان من‬
‫كدرها لهو مدبر الشر‪.‬‬
‫وروي عنه أن معبوده قاعد على كرسيه يف العامل األعلى على هيئة قعود رسرو يف العامل األسفل وبني‬
‫بدبه أربع قوى‪:‬‬
‫قو التمييز والفهم واحلفظ والسرور‪.‬‬
‫كما بني بدي رسرو أربعة أشخاص‪:‬‬
‫موبذ موبذان واهلربد األكرب واألصبهيد والرامشكر‪ ،‬وتلك األربع بدبرون أمر العامل بسبعة من ورا هم‬
‫ساالر وبيشكار وابلون وبراون وكازران ودستور وكوذك‪.‬‬
‫وهذه السبعة تدور يف اثين عشر روحانيني‪ :‬رواننده ودهنده وستاننده وبرنده رورننده ودونده‬
‫وريزنده وكشنده وزننده وكننده وأبنده وشونده واببنده‪.‬‬
‫وكل إنسان اجتمعت له هذه القوى األربع والسبع واالثنا عشر صار رابنيا يف العامل السفلي‪ ،‬وارتفع‬
‫عنه التكليف‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن رسرو العامل األعلى إَنا بدبر ابحلروف اليت جمموعها االسم األعظم‪ ،‬ومن تصور من تلك‬
‫احلروف شيئا انفتح له السر األكرب‪ ،‬ومن حر ذلك بقي يف عمى اجلهل والنسيان والبماد والغم يف‬
‫مقابلة القوى األربع الروحانية‪.‬‬
‫وهم لرق‪ :‬الكوذبة‪ ,‬وأبو مسلمية‪ ,‬واملاهانية‪ ,‬واإلسبيدرامكية‪ ,‬والكوذبة‪ ,‬بنواحي األهواز ولارس‬
‫وشهرزور‪ ،‬واألرر بنواحي سغد مسرقند والشاش وإبماق‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪294 /1‬‬

‫(‪)178/2‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الدبصانية‪:‬‬


‫أصحاب دبصان‪ :‬أثبتوا أصلني‪ :‬نورا وظماما‪.‬‬
‫لالنور‪ :‬بفعل اَخَر قصدا وارتيارا‪.‬‬
‫والظما ‪ :‬بفعل الشر طبعا واضطرارا‪.‬‬
‫لما كان من رَر ونفع وطيب وحسن لمن النور‪.‬‬
‫وما كان من شر وضرر وننت وقبح لمن الظما ‪.‬‬
‫وزعموا أن النور‪ :‬حي عامل قادر حساس دراك‪ ،‬ومنه تكون احلركة واحليا ‪.‬‬
‫والظما ‪ :‬ميت جاهل عاجز مجاد موات‪ ،‬ال لعل له وال متييز‪.‬‬
‫وزعموا أن الشر بقع منه طباعا وررقا‪.‬‬
‫وزعموا أن النور جنس واحد‪ ،‬وكذلك الظما جنس واحد‪.‬‬
‫وأن إدراك النور إدراك متفق‪ ،‬لإن مسعه وبصره وسا ر حواسه شيء واحد‪ ،‬لسمعه هو بصره‪ ،‬وبصره‬
‫هو حواسه‪ ،‬وإَنا قيل مسيع بصَر؛ الرتماف الرتكيب‪ ،‬ال ألهنما يف نفسهما شيئان َمتلفان‪.‬‬
‫وزعموا أن اللون هو الطعم‪ ،‬وهو الرا حة‪ ،‬وهو احملسة‪ ،‬وإَنا وجدوه لوان؛ ألن الظلمة رالطته ضراب‬
‫من املخالطة‪ ،‬ووجده طعما؛ ألهنا رالطته خبماف ذلك الضرب‪ ،‬وكذلك القول يف لون الظلمة‬
‫وطعمها ورا حتها وحمستها‪.‬‬
‫وزعموا أن النور بياض كله‪ ،‬وأن الظما سواد كله‪.‬‬
‫وزعموا أن النور مل بزل بلقى الظلمة أبسفل صفحة منه‪ ،‬وأن الظلمة مل تزل تلقاه أبعلى صفحة منها‪.‬‬
‫وارتلفوا يف املزاج واَخماص‪:‬‬
‫وأحب أن برقصها‬
‫َّ‬ ‫لزعم بعضهم أن النور دارل الظلمة‪ ،‬والظلمة تلقاه خبشونة ويلظ‪ ،‬لتأذَّى هبا‬
‫وبلينها‪ ،‬مث بتخلص منها‪ ،‬وليس ذلك الرتماف جنسهما‪ ،‬ولكن كما أن املنشار جنسه حدبد‪،‬‬
‫وصفحته لينة‪ ،‬وأسنانه رشنة‪ ،‬لاللني يف النور‪ ،‬واَخشونة يف الظلمة‪ ،‬ومها جنس واحد‪ ،‬لتلطَّف النور‬
‫بلينه‪ ،‬حىت بدرل تلك الفرج‪ ،‬لما أمكنه إال بتلك اَخشونة‪ ،‬لما بتصور الوصول إىل كمال وجود إال‬
‫بلني ورشونة‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬بل الظما ملا احتال حىت تشبث ابلنور من أسفل صفحته‪ ،‬لاجتهد النور حىت بتخلص‬
‫منه وبدلعه عن نفسه‪ ،‬لاعتمد عليه للجج ليه‪ ،‬وذلك مبنزلة اإلنسان الذي بربد اَخروج من وحل‬
‫وقع ليه‪ ،‬ليعتمد على رجله ليخرج‪ ،‬ليزداد جلوجا ليه‪ ،‬لاحتاج النور إىل زمان ليعاجل التخلص منه‬
‫والتفرد بعامله‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬إن النور إَنا درل أجزاء الظما ارتيارا؛ ليصلحها‪ ،‬وبستخرج منها‬
‫أجزاء صاحلة لعامله‪ ،‬للما درل تشبثت به زماان‪ ،‬لصار بفعل اجلور والقبيح اضطرارا ال ارتيارا‪ ،‬ولو‬
‫انفرد يف عامله ما كان حيصل منه إال اَخَر احملض واحلسن البحت‪ ،‬ولرق بني الفعل االضطراري وبني‬
‫الفعل االرتياري‪.‬‬
‫‪O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪296 /1‬‬

‫(‪)179/2‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬املرقيونية‪:‬‬


‫أصحاب مرقيون‪ :‬أثبتوا أصلني قدميني متضادبن‪ :‬أحدمها النور‪ ،‬والثاين الظلمة‪ ،‬وأثبتوا أصما اثلثا هو‬
‫املعدل اجلامع‪ ،‬وهو سبب املزاج‪ ،‬لإن املتنالربن املتضادبن ال ميتزجان إال جبامع‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن اجلامع دون النور يف املرتبة ولوق الظلمة‪ ،‬وحصل من االجتماع واالمتزاج هذا العامل‪.‬‬
‫ومنهم من بقول‪ :‬االمتزاج إَنا حصل بني الظلمة واملعدل؛ إذ هو أقرب منها‪ ،‬لامتزجت به؛ لتطيب‬
‫به‪ ،‬وتلتذ مبماذه‪ ،‬لبعث النور إىل العامل املمتزج روحا مسيحية‪ ،‬وهو روح هللا وابنه حتننا على املعدل‬
‫اجلامع السليم الواقع يف شبكة الظما الرجيم‪ ،‬حىت خيلصه من حبا ل الشياطني‪ ،‬لمن اتبعه للم‬
‫بمامس النساء‪ ،‬ومل بقرب الزهومات أللت وجنا‪ ،‬ومن رالفه رسر وهلك‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإَنا أثبتنا املعدل؛ ألن النور الذي هو هللا تعاىل ال جيوز عليه َمالطة الشياطني‪ ،‬وأبضا لإن‬
‫الضدبن بتنالران طبعا‪ ،‬وبتمانعان ذاات ونفسا‪ ،‬لكيف جيوز اجتماعهما وامتزاجهما؟ لما بد من معدل‬
‫بكون مبنزلة دون النور‪ ،‬ولوق الظما ‪ ،‬ليقع االمتزاج منه‪.‬‬
‫وهذا على رماف ما قالته املانوبة‪ ،‬وإن كان دبصان أقد ‪ ،‬وإَنا أرذ ماين منه مذهبه‪ ،‬ورالفه يف‬
‫املعدل‪ ،‬كاحلاكم على اَخصمني اجلامع بني املتضادبن ال جيوز أن بكون طبعه وجوهره من أحد‬
‫الضدبن‪ ،‬وهو هللا عز وجل الذي ال ضد له وال ند‪.‬‬
‫وحكى حممد بن شبيب عن الدبصانية أهنم زعموا أن املعدل هو اإلنسان احلساس الدراك‪ ،‬إذ هو‬
‫ليس بنور حمض وال ظما حمض‪.‬‬
‫وحكي عنهم أهنم برون املناكحة وكل ما ليه منفعة لبدنه وروحه حراما‪ ،‬وحيرتزون عن ذبح احليوان؛ ملا‬
‫ليه من األمل‪.‬‬
‫وحكي عن قو من الثنوبة أن النور والظلمة مل بزاال حيني‪ ،‬إال أن النور حساس عامل‪ ،‬والظما جاهل‬
‫أعمى‪.‬‬
‫بتحرك حركة مستوبة مستقيمة‪ ،‬والظما بتحرك حركة عجرلية ررقاء معوجة‪ ،‬لبينا مها كذلك‬
‫والنور َّ‬
‫إذ هجم بعض هامات الظما على حاشية من حواشي النور‪ ،‬لابتلع النور منه قطعة على اجلهل ال‬
‫على القصد والعلم‪ ،‬وذلك كالطفل الذي ال بفصل بني اجلمر والتمر ‪ ،‬وكان ذلك سبب املزاج‪.‬‬
‫مث إن النور األعظم دبر يف اَخماص‪ ،‬لبىن هذا العامل ليستخلص ما امتزج به من النور‪ ،‬ومل ميكنه‬
‫استخماصه إال هبذا التدبَر‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪298 /1‬‬

‫(‪)180/2‬‬

‫الفرع اَخامس‪ :‬الكينوبة والصيامية والتناسخية‪:‬‬


‫حكى مجاعة من املتكلمني أن الكينوبة زعموا أن األصول ثماثة‪ :‬النار واألرض واملاء‪ ،‬وإَنا حدثت‬
‫هذه املوجودات من هذه األصول دون األصلني اللذبن أثبتهما الثنوبة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والنار بطبعها رَر نورانية‪ ,‬واملاء ضدها يف الطبع‪ ,‬لما كان من رَر يف هذا العامل لمن النار‪،‬‬
‫وما كان من شر لمن املاء‪ ,‬واألرض متوسطة‪ ,‬وهمالء بتعصبون للنار شدبدا من حيث إهنا علوبة‬
‫نورانية لطيفة‪ ،‬ال وجود إال هبا‪ ،‬وال بقاء إال إبمدادها‪ ,‬واملاء خيالفها يف الطبع ليخالفها يف الفعل‪,‬‬
‫واألرض متوسطة بينهما‪ ،‬لرتكيب العامل من هذه األصول والصيامية منهم أمسكوا عن طيبات الرزق‪،‬‬
‫وتوجهوا يف عباداهتم إىل النَران؛ تعظيما هلا‪.‬‬
‫وُتردوا لعباد هللا‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫وأمسكوا أبضا عن النكاح والذاب ح‪.‬‬
‫والتناسخية منهم قالوا بتناسخ األرواح يف األجساد‪ ،‬واالنتقال من شخص إىل شخص‪ ،‬وما بلقى‬
‫اإلنسان من الراحة والتعب والدعة والنصب لمرتَّب على ما أسلفه من قبل وهو يف بدن آرر؛ جزاء‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫واإلنسان أبدا يف أحد أمربن‪ :‬إما يف لعل وإما يف جزاء وما هو ليه لإما مكالأ على عمل قدمه‪ ،‬وإما‬
‫عمل بنتظر املكالأ عليه‪.‬‬
‫واجلنة والنار يف هذه األبدان‪ ،‬وأعلى عليني درجة النبو ‪ ،‬وأسفل الساللني دركة احلية‪ ،‬لما وجود‬
‫أعلى من درجة الرسالة‪ ،‬وال وجود أسفل من دركة احلية‪.‬‬
‫ومنهم من بقول‪ :‬الدرجة األعلى درجة املما كة‪ ،‬واألسفل دركة الشياطني‪.‬‬
‫وخيالفون هبذا املذهب سا ر الثنوبة‪ ،‬لإهنم بعنون أباي اَخماص رجوع أجزاء النور إىل عامله الشربف‬
‫احلميد‪ ،‬وبقاء أجزاء الظما يف عامله اَخسيس الذميم‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪299 /1‬‬

‫(‪)181/2‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬أصحاب الروحانيات‪:‬‬


‫• املطلب األول‪ :‬الباسنوبة‪.:‬‬
‫• املطلب الثاين‪ :‬الباهودبة‪.:‬‬
‫• املطلب الثالث‪ :‬الكابلية‪.:‬‬
‫• املطلب الرابع‪ :‬البهادونية‪.:‬‬

‫(‪)182/2‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الباسنوبة‪:‬‬


‫زعموا أن رسوهلم ملك روحاين نزل من السماء على صور بشر‪ ،‬لأمرهم بتعظيم النار‪ ،‬وأن بتقربوا‬
‫إليها ابلعطر والطيب واألدهان والذاب ح‪ ،‬وهناهم عن القتل والذبح إال ما كان للنار‪.‬‬
‫وسن هلم أن بتوشحوا خبيط بعقدونه من مناكبهم األايمن إىل حتت مشا لهم‪ ،‬وهناهم أبضا عن الكذب‬
‫َّ‬
‫وشرب اَخمر‪ ،‬وأن ال أيكلوا من أطعمة يَر ملتهم وال من ذاب حهم‪ ،‬وأابح هلم الزان؛ لئما بنقطع‬
‫النسل‪.‬‬
‫وأمرهم أن بتخذوا على مثاله صنما بتقربون إليه وبعبدونه وبطولون حوله كل بو ثماث مرات‬
‫ابملعازف والتبخَر والغناء والرقص‪.‬‬
‫وأمرهم بتعظيم البقر والسجود هلا حيث رأوها‪ ،‬وأن بفزعوا يف التوبة إىل التمسح هبا‪ ،‬وأمرهم أن ال‬
‫جيوزوا هنر كنك‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين ‪607 /2 -‬‬

‫(‪)183/2‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الباهودبة‪:‬‬


‫زعموا أن رسوهلم ملك روحاين على صور بشر امسه ابهود‪ ،‬أاتهم وهو راكب على ثور على رأسه‬
‫إكليل مكلل بعظا املوتى من عظا الرءوس‪ ،‬ومتقلد من ذلك بقماد ‪ ،‬وإبحدى بدبه قحف إنسان‪،‬‬
‫وجل وبعبادته معه‪ ،‬وأن بتخذوا على‬
‫عز َّ‬
‫وابألررى مرزاق ذو ثماث شعب‪ ،‬أيمرهم بعباد اَخالق َّ‬
‫مثاله صنما بعبدونه‪ ،‬وأن ال بعالوا شيئا‪ ،‬وأن تكون األشياء كلها يف طربقة واحد ؛ ألهنا مجيعا صنع‬
‫وجل‪ ،‬وأن بتخذوا من عظا الناس قما د بتقلدوهنا‪ ،‬وأكاليل بضعوهنا على رءوسهم‪ ،‬وأن‬
‫عز َّ‬
‫اَخالق َّ‬
‫ميسحوا أجسادهم ورؤوسهم ابلرماد‪.‬‬
‫وحر غّ عليهم الذاب ح والنكاح ومجع األموال‪ ،‬وأمرهم برلض الدنيا‪ ،‬وال معاش هلم ليها إال من‬
‫َّ‬
‫الصدقة‬
‫‪O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪608 /2‬‬

‫(‪)184/2‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الكابلية‪:‬‬


‫زعموا أن رسوهلم ملك روحاين بقال له‪ :‬شب‪ .‬أاتهم يف صور بشر متمسح ابلرماد‪ ،‬على رأسه‬
‫قلنسو من لبود أمحر‪ ،‬طوهلا ثماثة أشبار‪َ ،‬ميط عليها صفا ح من قحف الناس‪ ،‬متقلد قماد من‬
‫أعظم ما بكون‪ ،‬متمنطق من ذلك مبنطقة‪ ،‬متسور منها بسوار‪ ،‬متخلخل منها خبلخال‪ ،‬وهو عراين‪،‬‬
‫سن هلم شرا ع وحدودا‪.‬‬
‫لأمرهم أن بتزبَّنوا بزبنته‪ ،‬وبتزبُّوا بزبه‪ ،‬و َّ‬
‫‪O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪608 /2‬‬
‫(‪)185/2‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬البهادونية‪:‬‬


‫قالوا‪ :‬إن هبادون كان ملكا عظيما‪ ،‬أاتان يف صور إنسان عظيم‪ ،‬وكان له أروان قتماه‪ ،‬وعمما من‬
‫جلدته األرض‪ ،‬ومن عظامه اجلبال‪ ،‬ومن دمه البحار‪ ,‬وقيل‪ :‬هذا رمز‪ .‬وإال لحال صور اإلنسان ال‬
‫تبل إىل هذه الدرجة‪ ,‬وصور هبادون راكب على دابة كثَر شعر الرأس قد أسبله على وجهه‪ ،‬وقد‬
‫قسم الشعر على جوانب رأسه قسمة مستوبة‪ ،‬وأسبله كذلك على نواحي الرأس قفا ووجها‪ ،‬وأمرهم‬
‫بدعى‬
‫وسن هلم أن ال بشربوا اَخمر‪ ،‬وإذا رأوا امرأ هربوا منها‪ ،‬وأن حيجوا إىل جبل َ‬
‫أن بفعلوا كذلك‪َّ ,‬‬
‫جورعن‪ ،‬وعليه بيت عظيم ليه صور هبادون‪ ،‬ولذلك البيت سدنة‪ ،‬ال بكون املفتاح إال أببدبهم‪ ،‬لما‬
‫بدرلون إال إبذهنم‪ ,‬وإذا لتحوا الباب سدُّوا ألواههم حىت ال تصل أنفاسهم إىل الصنم‪ ,‬وبذحبون له‬
‫الذاب ح‪ ،‬وبقربون له القرابني‪ ،‬وبهدون له اهلدااي‪ ,‬وإذا انصرلوا من حجهم مل بدرلوا العمران يف‬
‫طربقهم‪ ،‬ومل بنظروا إىل حمر ‪ ،‬ومل بصلوا إىل أحد بسوء وضرر من قول ولعل‪.‬‬
‫‪ O‬امللل والنحل للشهرستاين – ‪608 /2‬‬

‫(‪)186/2‬‬

‫املبحث األول‪ :‬أمَربنداين دايانت ‪:Amerindnian religions‬‬


‫انتشرت رمال حقبة متتد ألكثر من (‪ )25000‬سنة منذ أاي اهلجرات األوىل عرب جسر بَربن‬
‫‪ Bering‬األرضي حىت بومنا هذا‪ ،‬دايانت السكان البدا يني األصليني لشمال أمربكا بصور‬
‫متنوعة‪ ،‬وتراوحت هذه الدايانت مع بني طقوس الصيد البسيطة عرب ِمارسات موزعة زمنيا وأكثر‬
‫تفصيما (على مدار السنة)‪ .‬وتقو على أساس االقتصاد الزراعي املستقر واملتطور من رمال الصيد‪،‬‬
‫والطوا ف املتصلة حبروب قبا ل السهول البدوبة إىل بياانت أكثر حداثة‪ ،‬تتضمن رقصة األشباح‬
‫وأشكال التوالق البيوتية ‪ Peyotism‬اليت حتمل َتثَر املسيحية‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – ‪121 /1‬‬

‫(‪)187/2‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أودبن ‪:Odin‬‬
‫إحدى الدايانت الر يسية يف اسكندانليا يف عصر الفابكن ‪ ،‬وهو قا د االبزبر ‪ ،Aesir‬وكان بعرف‬
‫ابسم ‪ ( Wodan‬ابإلنكليزبة القدمية ‪ )Woden‬ابلنسبة للشعوب اجلرمانية‪ ،‬وقد ساوى الرومان‬
‫بينه وبني مَركيوي ‪ ،Mercuy‬وكان حيمل شبها للوغ ‪ Lug‬الكليت‪ ،‬وكان أودبن مرتبطا ابلسحر‪،‬‬
‫والشعر والنشو ‪ ،‬وكسب الثرو ‪ ... ،‬وكان بعبد من قبل امللوك واحملاربني‪ ،‬وبقرر رحمه النصر يف‬
‫املعركة‪ ،‬وكان البَرسَرك ‪ Berserk‬الذبن بقاتلون يف هياج وحشي أتباعه املخلصني‪ ،‬وكان‬
‫الفالكري ‪ Valkyies‬بقومون ابلدعو له وبنفذون أوامره وبقودون املوتى من احملاربني إىل قصره‬
‫‪ ،Vaihalla‬وكان ميثل مبحارب راكب حيمل رحما وبرالقه يراب أسود ونسر وذ ب وحيمله حصانه‬
‫ذو الثمانية أرجل سليبنر ‪ Sleipnir‬عرب السماء‪ ،‬وتبعه كما يف األدب الشعَب الماحق كتيبة‬
‫وحشية من املوتى‪ ،‬وظهر أبضا يف صور رجل أعور بلبس عباء بتجول متنكرا ليسبب النزاع‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – بتصرف ‪141 /1 -‬‬

‫(‪)188/2‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬بون‪Bon :‬‬


‫الداينة األصلية املتقدمة على البوذبة يف التبت ‪ ،Tibet‬وعلى الريم من عماقتها ابلشامانية (‬
‫‪ )Shaman‬لهي معقد ويف الشكل األوِل منها ببدو أنه كانت هناك وجوه شبه حمدد ‪،‬‬
‫واالصطماح (بون) يف ذاته حيتمل أنه مشتق من تماو الطقوس ( ‪ )bon‬من قبل من بقومون هبا‪،‬‬
‫والشكل املتطور من هذه الداينة الذي مازال موجودا إىل اليو هو نتيجة تركيب املذاهب األصلية مع‬
‫البوذبة اليت درلت إىل التبت يف القرنني السابع والثامن وما لوقهما‪ .‬وطبقا للتقاليد اليت اندى هبا من‬
‫أرض الصولية زان زون ‪ Zhang Zong‬لإن ممسس األرَر (املطهر) بون كان شنراب ميوو‬
‫‪ Shanrab Mioo‬والذي تروي األساطَر أنه أصبح مكالئا لشكيا موين بوذا‬
‫‪ Shakyamuni Buddha‬حيث منح شرف نشر السوترا ‪ Sutras‬والتنرتا ‪Tantras‬‬
‫وَتسيس نظا رهبانية‪.‬‬
‫وبقال إن بون ( ‪ )Bon‬كانت موجود يف التزب ‪ ( Tazig‬إبران) يف األزمنة القدمية‪ ،‬ويف الواقع‬
‫إن بعض الرواايت قد أوحت بوجود نفوذ للزرادشتية ‪ Zoroastrianism‬وراصة زوران‬
‫‪ ،Zurvan‬وكثَرا ما بعرف علماء البوذبة التيبتية شنراب ‪ Shenrab‬بـ الو ـ تزو‪ ،‬وهبذا جيعلون‬
‫بون ( ‪ )Bon‬اشتقاقا من الطاوبة ‪ Taoism‬طاوشياو ( ‪ .)Tao Chiao‬وعلى أي حال‬
‫بسلم العلماء احملدثون أبن نفوذ شيفيت ‪ Shaivite‬سيفا ( ‪ )Sheva‬من كشمَر عامل يف تطوبر‬
‫مذهب بونبو ‪.Bonpo‬‬
‫ويف صورها األوىل كانت حنلة بون إميانية ثنوبة ‪ dualistic & Theistic‬توحي أبن رلق العامل‬
‫مت بتعابش مبادئ اَخَر والشر‪ ،‬ومع ذلك تتفق حنلة بون املتطور عموما مع املعتقدات يَر اإلميانية‬
‫البوذبة‪ ،‬وهي بشكل راص تشاطر مدرسة النينغاما ‪ Nyingma‬الرتكيب الماهوِت اَخماصي‬
‫‪ Soteriological Structure‬للياانت التسعة ( ‪ ( )Yanas‬املراكب) وذرو الياانت‬
‫التسعة يف التأمل يف الكمال األعظم‪ ،‬الذي بدعى ‪ Bonpos‬أنه نقل للمر األوىل عن طربق‬
‫شرانب‪ ،‬ومل بدرل إال ممررا يف تقاليد النينغاما‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – ‪213 /1‬‬

‫(‪)189/2‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬البيوتية ‪:Peyotism‬‬


‫حركة أهلية دبنية هلا سابقة متعلقة بكولومبيا‪ ،‬ظهرت كشكل ِميز بني القبا ل األمرندبة يف السهول‬
‫اجلنوبية ألمربكا الشمالية يف القرن (‪ ،)19‬وهي قا مة على استعمال ‪ ( Mescal‬ضرب من‬
‫الشراب املسكر) بستحضر من تقطَر األوراق الدارلية لنوع من الصبار بدعى البيوت (‬
‫‪ ،Lophophora Williamsii) Peyote‬له َتثَر مثَر للهلوسة‪ ،‬وقد استخد هذا‬
‫العقار أليراض طبية (ومن حني خآرر أثناء األعمال احلربية‪ ،‬ويف العرالة)‪ ،‬وقد انتشرت البيوتية‬
‫بسرعة بني احملرومني من حقوقهم الشرعية واملكبوحني‪ ،‬وَتوجت يف ‪ ، 1918‬بتشكيل الكنيسة‬
‫األهلية األمربكية ‪ ،Native American Church‬وُتمع هذه العقيد التوليقية بني‬
‫العناصر احلانقة مثل قراع الطبل‪ ،‬وِمارسي الغناء والرؤى واستعمال الغليون املقدس‪( ،‬الكالوميت‬
‫‪ )Calumet‬واملمارسات املسيحية من اإلشفاء‪ ،‬والصما ‪ ،‬واإلميان ابألسرار املقدسة الضروربة‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – ‪216 /1‬‬

‫(‪)190/2‬‬
‫املبحث اَخامس‪ :‬البيوربتانية (التطهربة) ‪:Puritanism‬‬
‫البيوربتانية‪ :‬ابألصل حركة انكليزبة قامت يف القرن ‪ 16‬لتطهَر الكنيسة االنكليزبة‪ ،‬ويف البدابة هاجم‬
‫البيوربتانيون املمابس (األردبة االحتفالية راصة اليت تستخد يف طقوس القرابن املقدس‬
‫‪ )Eucharist‬واالحتفاالت وتبىن بعضهم مع ذلك املشيخانية ‪ Presbyterianism‬وكانوا‬
‫أيملون يف تغيَر الكنيسة االنكليزبة إىل هذا النظا ‪ ،‬وقبل آررون األساقفة وكتاب الصما الشا عة‬
‫(االنغليكانية ‪ )Anglicanism‬مع بعض التعدبمات‪ ،‬وكان البيوربتانيون بني الرواد يف‬
‫املستعمرات يف أمربكا الشمالية‪ ،‬وكان هلم آاثر طوبلة األمد على داينة الوالايت املتحد وجمتمعها‪،‬‬
‫وتستخد كلمة بيوربتان أبضا بشكل يَر دقيق أللكار ضيقة وصارمة‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – ‪217 /1‬‬

‫(‪)191/2‬‬

‫املبحث السادس‪ :‬جون لرو ‪:Jon Frum‬‬


‫داينة احلمولة ‪ :Cargo Cult‬املنتشر يف اتان ‪ Tanna‬واجلزر اجملاور يف نيوهيرببد ‪New‬‬
‫‪ ( Hebrides‬وتعرف اخآن ابسم لانواتو ‪ )Vanuatu‬وتظهر بشكل متقطع منذ (‪) 1940‬‬
‫وقد تركزت على جون لرو اَخفي الذي بعرف أحياان أبنه رب أعلى جبل يف اتان أو (طبقا لعقد مع‬
‫القوات األمربكية) على أنه (ملك أمربكا ‪ ،)King Of America‬من حيث ستأِت البضاعة‪.‬‬
‫وكانت احلركة اليت استعادت عاداهتا التقليدبة‪ ،‬مضاد للبيض وللمبشربن (املشيخانية‬
‫‪ ،)Presbyterian‬ويف صراع دا م مع احلكومة‪ ،‬وكانت ما تزال نشطة عند االستقمال يف‬
‫(‪.) 1980‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د– سهيل زكار – ‪306 /1‬‬

‫(‪)192/2‬‬

‫املبحث السابع‪ :‬حركات ما أوري ‪:Maori Movementes‬‬


‫أقد احلركات (حواِل الثماثني) يف نيوزبماندا منذ ‪ ، 1833‬هي ربنغاتو ‪ ( Ringatu‬اليد‬
‫املرلوعة)‪ ،‬اليت أسسها ِت كوِت ‪ Te Kooti‬يف ‪ ، 1868‬مع طقوس شفهية تقو على الكتاابت‬
‫املقدسة العرببة ( ‪ )Bible‬وعباد بو السبت ‪ ، ...‬وكان أعضاؤها اَخمسة آالف بتحركون يف‬
‫اُتاه مسيحي‪ ،‬وأكرب حركة هي كنيسة الرااتان ‪ Ratana‬اليت صدرت عن وبرمورااتان‬
‫‪ ،) Wiremuratana (1837 – 1939‬وكان بعاجل يف ‪ 1908‬وابء األنفلونزا‪ ،‬وهي‬
‫ترلض الداينة التقليدبة وتمكد وجود املما كة‪ ،‬والراتان كوسطاء‪ ،‬وكان هلا ‪ 25000‬عضوا ونفوذا‬
‫سياسيا ها ما‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د– سهيل زكار‪ -‬بتصرف – ‪330 /1‬‬

‫(‪)193/2‬‬

‫املبحث الثامن‪ :‬احلركة التبشَربة الكامنة‪:‬‬


‫اصطماح شامل بعطي جماال واسعا من جمموعات احلركات اليت ضمت معتقداهتم وِمارساهتم لتطوبر‬
‫الكمال والوعي الذاِت‪ ،‬والتطوبر الذاِت وإدراك الذات لَللراد املتنوربن‪ ،‬وترجع جذورها على األقل‬
‫إىل يوروجيف ‪ ،Gurojief‬ولكن رمال ستينات هذا القرن وسبعيناته اتسعت احلركة بسرعة يف‬
‫أحناء الغرب‪ ،‬وبشكل راص يف كاليفورنيا لتضم العدبد من الفنون اليت ميكن أن تكون قدمية (مثل‬
‫أَناط اليويا املختلفة)‪ ،‬ويرببة مثل بعض َتممات (املانرتا ‪ )Mantra‬أو جدبد متاما (مثل التغذبة‬
‫احليوبة االرُتاعية)‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د– سهيل زكار – ‪330 /1‬‬

‫(‪)194/2‬‬

‫املبحث التاسع‪ :‬داينة البحَر اجلميلة ‪:Handsome lake Religion‬‬


‫وتعرف أبضا ابسم لونغهوس ‪ Longouse‬أو يوي وبو ‪ ( Gui Wiio‬الرسالة الطيبة)‪ .‬وقد‬
‫أسسها سكَر‪ ،‬هو ر يس السينكا ‪ ،Seneca‬يانيودا بو ‪ ( ،Ganioda'yo‬البحَر اجلميلة)‪،‬‬
‫(‪ ...... ) 1815 – 1735‬وانتشرت احلركة بني قبا ل االبروكوا ‪،Iroqouis Tribes‬‬
‫ومازال وعاظ َمولون بشرح قوانني البحَر اجلميلة بعملون يف ردمة حنو ‪ 5000‬من التابعني يف‬
‫نيوبورك العليا‪ ،‬وأونتاربو ‪ Ontario‬ويف كوببك‪ ،‬وحيتفظون بكياهنم اهلندي‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د– سهيل زكار – بتصرف‪390 /1 -‬‬
‫(‪)195/2‬‬

‫املبحث العاشر‪ :‬لينغاايات ‪:Lingayata‬‬


‫حركة هندوسية ذات راصة تطهربة نوعا ما بني الشيفا ( ‪ )Shiva Shaiva‬يف جنوب اهلند‪.‬‬
‫وأعضاؤها نباتيون بشكل صار وِمتنعون عن الكحول‪ ،‬ولعد قبوهلم ابلتمييز الطبقي لإهنم برلضون‬
‫لكر املنزلة العالية للربامهانيني ‪ ،Brahmans‬وبقال إن احلركة قد َتسست يف القرن الثاين عشر‬
‫امليمادي‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار ‪760 /2 -‬‬

‫(‪)196/2‬‬

‫املبحث احلادي عشر‪ :‬مبوان ‪:II Mbona 2‬‬


‫أحد األداين األرضية الشهَر يف وسط ألربقيا‪ ،‬واملزار الر يسي بقو يف رولوبفي ‪Khulubvi‬‬
‫على جانب هنر الشَر ‪ ،Shire‬يف أقصى جنوب ماالوي‪ ،‬بني شعب املان أجنا ‪،Mang anja‬‬
‫وبزبد عمره على ‪ 500‬سنة‪ ،‬وقد تغَرت طبيعته مع التغَرات السياسية والظروف االجتماعية‪..... ،‬‬
‫وإذا كان املزار معتمدا بشكل لعال على السلطة السياسية لإن له قدرا من الروحانية واالستقمال‬
‫املعنوي‪ ،‬وبضم تنظيم املزار إىل جانب زوجة مبوان والكهنة‪ ،‬والوسطاء ِمثلني عن كثَر من املشيخات‬
‫ورسل جيلبون االلتماسات من منطقة واسعة تضم احمليط اهلندي‪ ،‬بعيدا إىل ما وراء أراضي مان أجنا‬
‫‪ ،Mang Anja‬وهناك مزارات أدىن ملبوان مقامة يف أماكن أررى مع دايانت متنوعة‪ ،‬وتصور‬
‫مبوان كما من العمق التارخيي واملمسسات الدبنية األلربقية املنتشر بني القبا ل‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د – سهيل زكار – بتصرف ‪781 /2 -‬‬

‫(‪)197/2‬‬

‫املبحث الثاين عشر‪ :‬ميسرتاي ‪:Mysteria‬‬


‫دايانت أيربقية أمكن التوصل إليها بعد تلقني رضعوا له ابالرتيار الشخصي‪ ،‬وببدو أنه كثَرا ما مشل‬
‫اتصاالت أوثق ابأللوهية‪ .‬وقد بدأت كطقوس طا فية زراعية‪ ،‬مث أحرزت املظهر التلقيين والوظا ف‬
‫الماهوتية اَخماصية ‪ ، ...‬وأكثرها أمهية ميسرتاي االليوزبة ‪ ،Elusinian Mytemes‬اليت ترتبط‬
‫بداينة الدولة األثينية‪ ،‬اليت تبجل يف املقا األول دمييرت ‪ ،Demeter‬وكور ‪ ( Kore‬برسفون‬
‫‪ ( ،)Persephone‬احليا اخآرر ‪ -‬اليوانن ‪ - Afterlife - creek‬ميتوس ‪Mythos‬‬
‫وأورليوس ‪ Orpheus‬وثيوا ‪ ،)Theoi‬وتنامت الدايانت امليسرتبة يف العصر اهللنسيت‪،‬‬
‫وأصبحت ميسرتاي مرتبطة بدايانت ذات آهلة شرقية معينة ‪ -‬مثل الباركية ‪ Bacchi‬الدبونيزاكية‬
‫‪ Dionysaic‬امليسرتبة (أورليوس ‪ - )Orpheus‬ومل تكن مرتبطة مبواقع معينة‪.‬‬
‫‪O‬املعجم املوسوعي للدايانت والعقا د‪ -‬سهيل زكار ‪ -‬بتصرف ‪854 /2 -‬‬

‫(‪)198/2‬‬

You might also like