You are on page 1of 6

‫االوضاع االقتصادية في العراق في عهد الملك فيصل الثاني‬

‫الزراعة انموذجا‬
‫عند دراسة وقائع التاريخ االقتصادي للعراق يتبين لنا بوضوح طبيعة‬
‫النظام اإلقطاعي الذي كان سائدا في العراق منذ النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر ‪ ،‬كما يظهر الدور الذي أداه اإلقطاع في تبعية االقتصاد العراقي ألسواق‬
‫البالد الرأسمالية المتقدمة ‪.‬‬
‫وأدى النظام اإلقطاعي دوراً بارزاً في تفكك اإلحالف العشائرية في مختلف‬
‫أنحاء العراق وتغيير مركز الشيوخ من رؤساء عشائر تربطهم روابط اجتماعية‬
‫بإفراد قبائلهم إلى كونهم رؤساء مجتمعات زراعيـة? تقوم على العالقات المادية بين‬
‫أفرادها ‪ ،‬وهكذا فقد حطم التحول االجتماعي إلى حد كبير الحدود المغلقة التي‬
‫أحاطت باالقتصاد العراقي سنوات طويلة ‪ ،‬حيث إن األحالف العشائرية‬
‫واالمارات اإلقطاعية كانت تحول دون ظهور السوق الوطنية الواحدة واالقتصاد‬
‫الملكي(‪، )2‬‬ ‫الوطني الواحد (‪ ،)1‬ولهذا كان النظام اإلقطاعي أحد ركائز الحكم‬
‫وظهرت ملكيات زراعية كبيـرة ضمت مساحات شاسعــة من األراضي األميرية ‪،‬‬
‫لقاء بدل رمزي واستطاعت هذه المزارع الواسعة التهام المزارع الصغيرة بسبب‬
‫األزمات الزراعية وحجز المالكين وصغار المزارعين عن تسديد ديونهم ‪،‬‬
‫فانتزعت األراضي من صغار الفالحين لتضاف إلى أراضي الشيوخ وزعماء‬
‫القبائل وكبـار الحكام والمسؤولين ‪ ،‬وتحول الفالحـون إلى عبيد واقنان لهم (‪.)3‬‬

‫تتمركز نسبة كبيرة من األراضي الزراعية في أيدي فئـة صغيرة من كبار‬


‫المالك ‪ ،‬ومعنى هذا انتفاء العدالة في توزيع مصدر طبيعي من مصادر الثروة ‪،‬‬

‫حسين ثامر ‪ ،‬مشكلة التعويض عن االرض في قانون االصالح الزراعي ‪ ،‬مجلة‬ ‫(‪)1()1‬‬

‫القتصادي ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬السنة الثانية ‪ ،‬العدد (‪، 2012 ، )1‬ص‪.228‬‬

‫(‪ )2‬شارلس العيساوي ومحمد يغانة ‪ ،‬اقتصاديات? نفط الشرق االوسط ‪ ،‬ترجمة حسن احمد‬
‫السلمان ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بغداد ‪ ،1966 ،‬ص‪. 76‬‬

‫عبد الكريم فرحان ‪ ،‬ثورة ‪ 14‬تموز في العراق ‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر? ‪ ،‬بيروت‬ ‫(‪)3()3‬‬

‫‪ ،1978‬ص‪.58 – 57‬‬
‫حتى إن اإلحصاء الزراعي? الذي أُجري في العراق عام ( ‪ ) 1953 – 1952‬قدم‬
‫موشراً واضحاً على غلبة الملكية الكبيرة على الرغم من ّأنه لم يحدد مساحات هذه‬
‫الملكيات (‪.)1‬‬
‫إن حجم الملكية الزراعية في كل أنحاء العراق يبلغ ‪23 ، 327 ، 259‬‬
‫دونماً ( حسب إحصاء ‪ ، ) 1959 – 1958‬وعدد الملكيات الزراعية كان يبلغ‬
‫‪ 168 , 346‬مالكاً ‪ ،‬وعلى هذا يكون مالكوا األراضي الزراعية حوالي ‪%2,5‬‬
‫من مجموع السكان ‪ ،‬إن ما يزيد عن ثلثي األراضي? الزراعية يملكها أفراد‬
‫يكونون ‪ % 2‬من مجموع المالكين (‪.)2‬‬
‫أما بالنسبة إلى تصنيف األراضي فانه على الرغم من اختالف تسمية األراضي‬
‫األميرية من كونها مفوضة بالطابو أو ممنوحة باللزمة على الرغم من الحقوق‬
‫التي أنشئت عليها بموجب قوانين التسوية وقوانين منح اللزمة غير انها ارض‬
‫أميرية صرفة أُنشئت عليها حقوق لمصلحة الحائزين والمتجاوزين والمتصرفين‬
‫تصرفاً فضولياً ال يسوغ اكتسابها من هؤالء أو حيازتها من لدنهم وإ ّن القوانين‬
‫التي شرعت جاءت إلضفاء الشرعية على عمل مخالف للقوانين المعمول بها‬
‫اصالً وعلى الرغم من ذلك فان األراضي األميرية المفوضة بالطابو والممنوحة‬
‫تعدها القوانيين النافذة المفعول آنذاك إال أرضا اميرية أعطت‬
‫باللزمة لم تكن ّ‬
‫للحائز المتصرف فيها حقوقاً ولم تملكه األرض رقبة ‪ ،‬وان قانون بيع صنف‬
‫األراضي األميرية وتصحيحها والذي أجاز تصحيح أصناف هذه األراضي‬
‫(‪)3‬‬
‫بتقسيمها بين الدولة والفالحين‬

‫سهيل صبحي سلمان ‪ ،‬التطورات االقتصادية واالجتماعية في العراق ‪، 1958 – 1945‬‬ ‫(‪)1()1‬‬

‫اطروحة دكتوراه غير منشورة ‪ ،‬كلية االداب ‪ ،‬جامعة بغداد ‪ ، 1994 ،‬ص‪.80‬‬

‫وزارة التخطيط ‪ ،‬دائرة اإلحصاء المركزية في الوزارة ‪ ،‬نتائج اإلحصاء الزراعي‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‬

‫والحيواني? في العراق لسنة ‪. 1959 – 1958‬‬


‫(‪ )3‬اديب الجادر ‪ ،‬الزراعة و االقتصاد? العراقي? ‪ ،‬مجلة العربي ‪ ،‬العدد ‪ ، 5‬بغداد ‪،‬‬
‫‪،1968‬ص‪.243‬‬
‫ويعتمد معظم سكان الريف في معيشتهم على الزراعة وتربية الحيوانات وتمارس‬
‫نسبة ضئيلة منهم بعض الحرف أو الصناعات التي ال تمس الصناعة الريفية أو‬
‫الزراعية ‪ ،‬وإ ّن القرى المذكورة تقع عادة على األنهار ومصادر المياه وهي غير‬
‫متجمعة في الغالب وال تربط بينها شبكة من المواصالت? ماعدا طرق زراعية‬
‫بدائية ‪ ،‬وتبنى القرى في المناطق الشمالية الجبلية بالحجارة أو صخور الجبال في‬
‫حين إن القرى الواقعة في المناطق السهلية الوسطى أو الجنوبية تبنى من الطين‬
‫والقصب وسعف النخيل (‪.)1‬‬
‫ومع اوائل الخمسينيات دخلت المكننة بشكل واسع نسبياً حيث كان لها دور‬
‫في االستحواذ على ملكيات عدد كبير من الفالحين الصغار ‪ ،‬وبتزايد عدد مالكي‬
‫االراضي الزراعية أخذت المكننة الحديثة ( وفي مقدمتها التراكتور ) تستخدم في‬
‫اراضي المنطقة الديمية ‪ ،‬فتوسعت المساحات المزروعة فيها بنسبة ‪%78‬خالل‬
‫السنين ‪)1( ، 1958 – 1957 / 1953 – 1952‬واكثر من استفاد من هذا التطور‬
‫النسبي كانوا المالكين الكبار والشيوخ واصحاب الثروة في المدن وكبار موظفي‬
‫الدولة ‪ ،‬حيث كان هؤالء يملكون االالت الحديثة ويقومون بمشاركة الفالح الذي‬
‫يستعمل هذه االالت مناصفة في الحاصل دون بذل أي جهد سوى ملكيتهم لهذه‬
‫االالت مما زاد ارباحهم ‪ ،‬وفي حالة عدم دفع الحاصل المفروض عليهم لقاء‬
‫استئجار المكائن الزراعية فأن اصحاب المكائن سيشاركون في ملكية االرض‬
‫وهكذا يتحول هؤالء الى مالكين لجميع اراضي الفالحين الصغار(‪.)2‬‬
‫وقد نشأت دعوات كثيرة لالصالح في اوضاع الريف وضرورة توزيع‬
‫األراضي االميرية على الفالحين إالّ ان الدولة اهملت هذه الدعوات ‪ ،‬على الرغم‬

‫صحيفة البالد ‪( ،‬بغداد )‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫(‪)1()1‬‬

‫(‪ )2()1‬ملوك حميد يحيى ‪ ،‬أثر هجرة القوى العاملة الزراعية على االنتاج الزراعي ‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير غير منشورة ‪ ،‬كلية اإلدارة واالقتصاد ‪ ،‬جامعة الموصل ‪، 1983‬ص‪.33‬‬

‫عبد الوهاب مطر الداهري ‪ ،‬السياسة الزراعية ( اقتصاديات االصالح الزراعي ) ‪،‬‬ ‫(‪)3()2‬‬

‫الطبعة الثانية ‪ ،‬مطبعة العاني‪ ،‬بغداد ‪ ،1976‬ص ‪.176‬‬


‫من ذلك كانت هناك بعض محاوالت االصالح غير انها كانت في حدود ضيقة بل‬
‫زادت من التحالف بين الدولة وكبار المالكين وخدمة مصالحهم (‪.)1‬‬
‫وفي عام ‪ 1945‬أصدرت الحكومة القانون رقم " ‪ 33‬لسنة ‪ " 1945‬وهـو‬
‫قانون " اعمار واستثمار أراضي الدجيلة " (‪ ،)2‬الذي يعد أول محاولة حكومية‬
‫لتوزيع األراضي األميرية في الريف العراقي ‪ ،‬وتوسيع االستيطان بموجب قانون‬
‫خاص باعمار واستثمار أراضي الدجيلة في محافظة ( واسط ) بعد إيصال المياه‬
‫إليها من قناة الدجيلة المتفرعة من نهر دجلة واعتمد المشروع على سدة الكوت‬
‫التي أنشئت قبل الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬إن هذا القانون لم يمنع المالك من الشيوخ‬
‫المقيمين في منطقة الدجيلة من الحصول على ما يقارب من نصف مساحة هذا‬
‫المشروع وتسجيل األراضي بأسمائهم (‪.)3‬‬
‫وبموجب هذا القانون قسمت األراضي في المشروع إلى وحدات استثمارية‬
‫التزيد مساحة كل واحدة منها عن ‪ 200‬دونم وال تقل عن ‪ 100‬دونم ‪ ،‬توزع‬
‫مجاناً على الفالحين الذين يمتهنون الزراعة فعالً وفق عقد خاص ‪.‬‬
‫ولقد تطورت الدعوة إلى اإلصالح في الريف وأخذت منحى جديداً بعد ان أخذت‬
‫األحزاب السياسية تضع في مناهجها إعادة النظر في ملكية األراضي الزراعية‬
‫‪ ،‬لهذا شرعت الحكومة قانون اإلصالح‬ ‫(‪)4‬‬
‫وتحديد الملكيات الكبيرة بمقدار معين‬
‫لألراضي األميرية دعته " قانون اعمار واستثمار األراضي? األميرية رقم ‪ 43‬لسنة‬

‫حنا بطاطو ‪ ،‬العراق الطبقات االجتماعية والحركات? الثورية من العهد العثماني? حتى قيام‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‬

‫الجمهورية ‪ ،‬ترجمة عفيف الرزاز ‪ ،‬بيروت ‪ ،1990‬ص ‪.50‬‬

‫صالح الدين الناهي ‪ ،‬مقدمة في اإلصالح ونظام? األراضي? في العراق ‪ ،‬مطبعة دار‬ ‫(‪)2()2‬‬

‫المعرفة ‪ ،‬بغداد ‪ ،1955 ،‬ص‪.73‬‬

‫(‪ )3‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫‪George lenzowski , Oil and State in the Middle East , New‬‬


‫)‪(3‬‬
‫‪4-‬‬
‫>‪York,1960 ,p104‬‬
‫‪ ، " 1951‬الذي اصبح اعم من قانون اعمار أراضي الدجيلة حيث أصبحت فيه‬
‫جميع األراضي? األميرية الصرفة في العراق خاضعة له (‪.)1‬‬
‫وبموجب هذا القانون جعلت مساحة الوحدة الزراعية? التي سيجري توزيعها‬
‫على صغار الفالحين في المشاريع الزراعية كاآلتي ‪- :‬‬
‫‪ .1‬في األراضي الجبلية ‪ 20‬دونماً ‪.‬‬
‫‪ .2‬في األراضي السيحية ‪ 100‬دونم ‪.‬‬
‫‪ .3‬في األراضي العالية التي تروى بالضخ ‪ 200‬دونم ‪.‬‬
‫‪ .4‬في األراضي المطرية ‪ 400‬دونم ‪.‬‬
‫وكانت أهم المشاريع التي تم فيها توزيع الملكية الزراعية وفق هذه األسس‬
‫هي الدجيلة واللطيفية على جدول وترع اللطيفية جنوب بغداد ‪ ،‬والمسيب الكبير‬
‫في بابل ‪ ،‬فضال عن شهر زور في السليمانية ومخمور في اربيل ‪ ،‬ومشروع‬
‫الحويجة الذي تقع أراضيه على الضفة اليسرى من نهر الزاب الكبير وعلى بعد‬
‫‪ 60‬كم من مدينة كركوك وتبلغ مساحة المشروع ( ‪ ) 34 , 377‬دونماً وتروى‬
‫أراضيه سيحاً من جدول الحويجة المتفرع مـن الزاب ‪ ،‬وبوشر العمل في المشروع‬
‫عام ‪ 1951‬وقسمت أراضيـه إلى وحدات استثمارية مساحـة كل منها ( ‪ 70‬دونماً )‬
‫‪ ،‬وزعت على ( ‪ ) 394‬مستثمراً (‪ ،)2‬وتقرر ان يجري توزيع األراضي على‬
‫األصناف اآلتية ‪- :‬‬
‫‪ .1‬الفالحون الذين ال يملكون أرضاً زراعية أو الذين تقل المساحة التي‬
‫بحوزتهم عن مساحة القطع التي توزع في المشاريع الزراعية كل‬
‫على حدة‪.‬‬
‫‪ .2‬المتخرجون في المدارس الزراعية والضباط والمتقاعدون والمراتب من‬
‫الجيش والشرطة ممن خدموا في وظائفهم مدة ال تقل عن ‪ 4‬سنوات حيث‬
‫توزع عليهم خمس أراضي المشروع ‪.‬‬

‫حسن الخطيب ‪ ،‬اإلقطاع وقانون اإلصالح الزراعي ‪ ،‬مطبعة الجامعة ‪ ،‬بغداد ‪،1959 ،‬‬ ‫(‪)1()1‬‬

‫ص‪.98‬‬
‫خليل كنة ‪ ،‬العراق امسه وغده ‪ ،‬بيروت ‪ ،1966 ،‬ص‪. 244‬‬ ‫(‪)2()2‬‬
‫‪ .3‬كل من المتقاعدين المدنيين والمستخدمين الذين لديهم خدمة فعلية حدها‬
‫األدنى ثماني سنوات ‪ ،‬فضال عن الذين اكملوا الدراسة االبتدائية وخريجي‬
‫المدارس الدينية والعاطلين عن العمل فقد خصص لهم ربع أراضي كل‬
‫مشروع (‪.)1‬‬

‫فوستر ‪ ،‬هنري ‪ ،‬نشأت العراق الحديث ‪ ،‬ترجمة سليم طه التكريتي ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ط‪، 1‬‬ ‫(‪)1()1‬‬

‫بغداد ‪ ، 1989 ،‬ص‪101‬‬

You might also like