You are on page 1of 296

‫الطبعة األولى‬

‫‪ 1435‬هـ ‪ 2014 -‬م‬

‫ردمك ‪978-614-01-0866-0‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫الدوحة ‪ -‬قطر‬
‫هواتف‪)+974( 4930218- 4930183- 4930181 :‬‬
‫فاكس‪ - )+974( 4831346 :‬البريد اإللكتروني‪E-mail: jcforstudies@aljazeera.net :‬‬

‫عين التينة‪ ،‬شارع المفتي توفيق خالد‪ ،‬بناية الريم‬


‫هاتف‪(+961-1) 785107 - 785108 - 786233 :‬‬
‫ص‪ .‬ب‪ 13-5574 :‬شوران ‪ -‬بيروت ‪ - 1102-2050‬لبنان‬
‫فاكس‪ - (+961-1) 786230 :‬البريد اإللكتروني‪asp@asp.com.lb :‬‬
‫الموقع على شبكة اإلنترنت‪http: //www.asp.com.lb :‬‬

‫يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصـويرية أو للكترونيـة أو ميكانيكيـة‬
‫بما في ذلك التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشـرطة أو أرـرام مقـروءو أو بأيـة وسـيلة نشـر‬
‫أخــــــرف بمــــــا فيوــــــا حفــــــظ المعلومــــــا ‪ ،‬واســــــترجاعوا مــــــن دون لذن خطــــــي مــــــن الناشــــــر‬

‫ش‪ .‬م‪ .‬ل‬ ‫إن اآلراء الواردة يف هذا الكتاب ال تعرب بالضرورة عن رأي‬

‫التنضيد وفرز األلوان‪ :‬أبجد غرافيكس‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 785107‬‬


‫الطباعة‪ :‬مطابع الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 786233‬‬

‫‪4‬‬
‫المحتويات‬

‫تقديم بروفيسور بيتر فالنستين ‪7 ....................................................‬‬


‫مقدمة ‪11 ........................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬نشأة وتطور علم دراسات الصراع والسالم‪71 .....................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬إطار مفاهيمي في دراسات الصراع والسالم وفض النزاعات ‪17 ...................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬لماذا الصراع‪ ،‬وضرورة وجوده في المجتمع اإلنساني؟‪35 ..........‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المفاهيم األساسية في علم دراسات الصراع والسالم ‪35 .............‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬اإلطار المنهجي لفهم ظاهرة وأبعاد العنف والصراع‪53 ............‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مفاهيم األزمات الدولية وسماتها واالتجاهات الحديثة فيها ‪101 ......‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬مراحل تطور الصراع‪121 .......................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أسباب وأنماط الصراعات األهلية والدولية ‪737 ...................................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬نظريات تفسير أسباب حدوث الصراعات ‪155 ......................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬إطار عام لفهم وتحليل أسباب الصراع ‪147 ........................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أنواع وأنماط الصراعات الدولية واألهلية‪165 .......................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬قضايا جدلية في الصراعات‪177 ...................................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬التسوية والمنع الوقائي للصراعات األهلية والدولية‪797 ...........................‬‬


‫المبحث األول‪ :‬آليات تسوية الصراعات وفض المنازعات‪155 ......................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تعقيدات الصراعات الدولية واإلقليمية وارتباطها بعملية تسوية‬
‫الصراعات‪205 ....................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أشكال التدخل لتسوية الصراعات ‪213 .............................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المنع الوقائي لحدوث الصراعات األهلية والدولية ‪257 ..............‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬نظام اإلنذار المبكر ومؤشرات السالم ومنع الصراعات‪261 ......‬‬

‫الخاتمة‪277 ......................................................................‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪285 ......................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫رائمة األشكال‬

‫العالقة بين مفاهيم السالم والعنف‪86.....................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)1‬‬


‫إطار مفاهيمي‪ :‬العالقة ما بين مفاهيم الصراع ومفاهيم السالم‪50..........‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)2‬‬
‫مثلث الصراع ‪58...................................... ABC Triangle‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)5‬‬
‫العالقة بين العنف الثقافي‪ ،‬والعنف المباشر‪ ،‬وغير المباشر ‪55............‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)4‬‬
‫مراحل الصراع ‪122 .....................................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)3‬‬
‫أنموذج أوليفر لمراحل تطور الصراع ‪123 ................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)6‬‬
‫اإلطار العام لمراحل تطور الصراع‪127 ..................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)7‬‬
‫أنموذج مايكل لند لمراحل تطور الصراع‪127 .............................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)8‬‬
‫إشباع الحاجات والثورة (وفقا آلراء جيمس ديفيز)‪157 .....................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)5‬‬
‫إطار عام لتفاعل عناصر عملية تحليل الصراع ‪131 .....................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)10‬‬
‫نموذج لمستويات تحليل أسباب الصراع‪163 ..............................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)11‬‬
‫الجذور المسببة للصراعات العنيفة والمشكالت المرتبطة بها ‪166 ..........‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)12‬‬
‫العالقة بين ثالثية ‪ R‬وثالثية ‪201 .................................... M‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)15‬‬
‫خريطة الصراع‪207 .....................................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)14‬‬
‫شجرة الصراع ‪205 ......................................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)13‬‬
‫نموذج تحليل قوى المجال‪210 ...........................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)16‬‬
‫مجموعة سلم أليسون‪255 ................................................‬‬ ‫الشكل رقم (‪:)17‬‬

‫رائمة الجداول‬

‫المراحل االثنتي عشرة لتحركات الوسيط‪225 ..............................‬‬ ‫الجدول رقم (‪:)1‬‬


‫تقنيات وأشكال التدخل لتسوية الصراعات‪254 ............................‬‬ ‫الجدول رقم (‪:)2‬‬
‫سياسات وأدوات المنع الوقائي للصراعات العنيفة‪236 ....................‬‬ ‫الجدول رقم (‪:)5‬‬
‫العناصر األربعة لفعالية أنظمة اإلنذار المبكر ‪267 .......................‬‬ ‫الجدول رقم (‪:)4‬‬
‫مؤشرات العنف والسالم ‪265 .............................................‬‬ ‫الجدول رقم (‪:)3‬‬
‫إشكاليات أنظمة اإلنذار المبكر‪276 ......................................‬‬ ‫الجدول رقم (‪:)6‬‬

‫‪6‬‬
‫تقديم‬

‫منذ انتهاء احلرب الباردة‪ ،‬فإن قضايا إدارة وتسوية الصراعات‪ ،‬واتفاقيات السالم‬
‫برزت إىل الطليعة‪ ،‬وخاصة املتعلقة يف كيفية التعامل مع القضايا املركزية يف عامل اليوم؛‬
‫فخالل حقبة التسعينيات‪ ،‬كان هناك حماوالت نشطة‪ ،‬إلجياد حلول عامة للمشكالالت‬
‫العاملية‪ ،‬كما اتضح ذلك يف العديد من املؤمترات الدولية‪ ،‬اليت انعقدت ملناقشة‪ ،‬ومعاجلة‬
‫قضايا مثل‪ :‬البيئة‪ ،‬السالان‪ ،‬املرأة‪ ،‬التمييز العنصري‪ ،‬التعليم والتنمية املستدامة‪ .‬وتضمن‬
‫ذلك حماوالت لتسوية قضايا ذات اهتمامات مشتركة بطرق تفاوضية‪ ،‬واليت شاركت‬
‫فيها كل الدول‪ ،‬على النقيض مما سار يف فترة احلرب الباردة‪ ،‬من هيمنة القوى العظمى‬
‫على التسويات املرتبطة بقضايا األمن والصراعات‪.‬‬
‫هذا احلراك حنو احللول التفاوضية‪ ،‬يبدو واضحاً يف أكثر مكن ‪ 081‬اتفاقيكة‬
‫سالم مت التوصل إليها منذ العام ‪ ،0181‬فتلك اجلهود السابقة حاولت تقدمي شكءء‬
‫يتجاوز بشالل كبري التجربة التارخيية األوروبية‪ ،‬مما ساهم يف تعايش النكا معكاً‬
‫بسالم‪ ،‬واحترام متبادل‪ ،‬فالتجربة األوروبية مليئة باالنتصارات‪ ،‬والنهايات البائسة‬
‫للمهزومني‪( ،‬الذي دفع هبم غالباً إىل مغادرة القارة األوروبية إىل أجزاء أخرى مكن‬
‫العامل)‪ ،‬لذا شاللت احملاوالت حول تسوية الصراعات‪ ،‬منذ بدء احلكرب البكاردة‬
‫خربة هائلة يف صنع السالم بوسائل سلمية‪.‬‬
‫معظم اتفاقيات السالم املتعلقة بالصراعات الداخلية‪ ،‬اهتمت بالسيطرة حول‬
‫السلطة‪ ،‬ومن األمثلة النموذجية يف التسعينيات حول ذلك‪ ،‬اتفاقية الطائف اخلاصة‬
‫بلبنان‪ ،‬واتفاقيات جنوب أفريقيا‪ ،‬كمبوديا‪ ،‬أنغوال‪ ،‬واتفاقيات بضع دول يف أمريالا‬
‫الوسطى‪ ،‬ومن األمثلة يف العقد األول من القرن احلادي والعشرين مشلت التسويات‬
‫حول ليربيا‪ ،‬ونيبال‪ ،‬ومجهورية الالونغو‪ ،‬والسودان‪.‬‬
‫أيضاً‪ ،‬هناك عدد ال بأ به من االتفاقيات‪ ،‬تعاملكت مكع التحكرر مكن‬
‫االستعمار‪ ،‬وقضايا استقالل أقاليم وبناء الدولة‪ ،‬ومن األمثلة الواضحة على ذلك يف‬
‫‪7‬‬
‫التسعينيات اتفاقية دايتون يف البوسنة واهلرسك‪ ،‬وبضع اتفاقيات حول فلسكطني‪،‬‬
‫واتفاقية بلفاست يف إيرلندا الشمالية‪ .‬أما يف األلفية الثانية من بدايات القرن احلادي‬
‫والعشرين فقد شهدت عددا أقل من االتفاقيات‪ ،‬ولالن واحدة مهمة منها تعاملت‬
‫مع إقليم اتشيه ‪ Aceh‬يف إندونيسيا‪.‬‬
‫إن اتفاقية السالم الشاملة يف السودان‪ ،‬وفرت إجراءات لتسوية الصكرا حكول‬
‫وضع جنوب السودان (والذي استقل الحقاً وفق استفتاء حق تقرير املصري) يف ينكاير‬
‫‪ .1100‬وهذا االستفتاء أكد وجود طريقة سلمية‪ ،‬ملعاجلة هذا الصرا املزمن واملتجذر‪.‬‬
‫وتظهر هذه األمثلة بوضوح أن التركيز كان على الصكراعات الداخليكة‪ ،‬وأن هكذه‬
‫القضايا هء اليت هيمنت على األجندة الدولية‪ ،‬ولالن يشري أيضاً إىل حقيقة‪ ،‬أن العديد‬
‫من القضايا الداخلية أصبحت إقليمية‪ ،‬أو يف بعض األحيان دولية االهتمام‪.‬‬
‫إن قضايا الالجئني‪ ،‬جتارة السالح‪ ،‬التأثري االقتصادي‪ ،‬كلها خدمت يف إعطاء‬
‫الصراعات الداخلية أو األهلية أبعاداً دولية‪ .‬وقد شهدنا منذ عكام ‪ 0181‬حروبكاً‬
‫دولية قليلة‪ ،‬أسفرت أيضاً عن اتفاقيات نظمت العالقات بني الدول املتصارعة‪ ،‬من‬
‫أوضحها‪ ،‬الصرا بني أثيوبيا‪ ،‬وأرترييا‪ ،‬ويف املقابل‪ ،‬مل نرَ هناية أو تسوية تفاوضية‬
‫يف التدخل األمريالء يف العراق ‪ ،1112‬ما مل يعترب أحدنا‪ ،‬الدسكاتري اجلديكدة يف‬
‫العراق هء شالال من أشالال اتفاقيات التسوية‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فإننا نرى أن هناك حاجة كربى للكتفالري أكثكر يف الصكراعات‪،‬‬
‫وحتليلها‪ ،‬وطرق تسويتها‪ .‬إن اتفاقيات السالم‪ ،‬تُعترب خطوة واحدة يف سلسلة من‬
‫األحداث‪ ،‬أو اخلطوات اليت من شأهنا يف هناية املطاف تغيري العالقات الصراعية‪ ،‬إىل‬
‫حمايدة أو إىل تفاعالت تعاونية‪.‬‬
‫هذا هو السبب الذي جيعل من عمل د‪ .‬سامء اخلزندار‪ ،‬عمالً هاماً جكداً‪،‬‬
‫هذا الالتاب يلتقط التطورات اجلديدة يف نظريات الصرا ‪ ،‬وفكض النككزاعات‬
‫واملفاهيم اليت ال غىن عنها‪ ،‬واليت حتتاج إىل مزيد من الفحص والدراسة‪ .‬والالتكاب‬
‫يطوّر رؤية علمية يف تسوية الصراعات‪ ،‬ويف املنع الوقائء للصراعات‪.‬‬
‫يف الواقع‪ ،‬إن ما ميالن عمله‪ ،‬ملنع الصراعات من أن تصبح مسلحة أو عنيفة‪،‬‬
‫إقليمية ومزمنة‪ ،‬أو متجذرة‪ ،‬رمبا سيالون األكثر أمهية ملستقبل العامل على صكعيد‬
‫السالم والتعاون املتبادل‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫إن د‪ .‬اخلزندار‪ ،‬باحث منذ فترة طويلة يف جمال دراسات الصرا والسكالم‪،‬‬
‫وقد أشرف على ترمجة‪ ،‬أو توفري العديد من الدراسات اهلامكة‪ ،‬واألساسكية إىل‬
‫العربية؛ لتعريف الطلبة والباحثني هبذا احلقل العلمء والبحثء اجلديد‪.‬‬
‫وتظهر مسامهته جلياً يف هذا الالتاب على وجه اخلصكو‪ ..‬مكع أمنيكا‬
‫وتوقعا ‪ ،‬أن كتابه هذا سوف يتم استخدامه بشالل مفيد‪ ،‬يف جماالت التكدري‬
‫والتدريب والبحث يف اجلامعات وغريها‪.‬‬

‫بيتر فالنستني‬
‫أستاذ كرسي داغ مهرشولد‬
‫قسم دراسات الصراع والسالم‬
‫جامعة أُبساال ‪ -‬السويد‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة‬

‫يتناول هذا الالتاب بالتحليل والدراسة‪ ،‬املنظومكة النظريكة الشكاملة إلدارة‬


‫الصراعات‪ ،‬وفض املنازعات داخل الدولة الواحدة ودراسات السالم‪ ،‬سواء علكى‬
‫املستوى الدويل (الصراعات بني الدول) أو على املستوى الكداخلء (الصكراعات‬
‫األهلية)‪ ،‬وتشمل هذه املنظومة دراسة املفاهيم والنظريات واألسك والقواعكد‬
‫املنهجية‪ ،‬لدراسات الصرا والسالم وفض النكزاعات‪ ،‬مبا فيها تطور الصكراعات‬
‫وحتليلها‪ ،‬وأشالاهلا وأدواهتا‪ ،‬وعملية تسوية هذه الصراعات‪ ،‬وكذلك املنع الوقائء‬
‫للصراعات‪ .‬وذلك باالعتماد على النظريات‪ ،‬واملداخل اليت طورها البكاحثون‪ ،‬يف‬
‫العالقات الدولية والعلوم السياسية‪ ،‬ولي من خالل املدرسكة القانونيكة‪ .‬والكيت‬
‫تناولتها من خالل الدراسات العلمية احلديثة‪ ،‬اليت أصدرهتا أو نشرهتا اجلامعات‪ ،‬أو‬
‫دور النشر العاملية‪ ،‬واملراكز البحثية املتخصصة يف جمال دراسات الصراعات وفض‬
‫املنازعات‪.‬‬
‫وقد سعى املؤلف ألن يالون هذا الالتاب‪ ،‬مؤلفا أصيال باللغة العربية‪ ،‬فهكو‬
‫لي كتابا مترمجا‪ ،‬ومن املتوقع أن يشالل إضافة نوعية؛ يف البيئة األكادميية العربية‬
‫يف علم فض املنازعات وإدارة الصراعات‪ ،‬على مستوى العامل العربكء‪.‬‬
‫وتبدو احلاجة شديدة وملحة‪ ،‬إىل ضرورة االهتمام بعلكم دراسكات السكالم‬
‫والصرا وفض النكزاعات‪ ،‬يف املنطقة العربية‪ ،‬كما أنه يف نف الوقت‪ ،‬هناك نكدرة‬
‫يف األدبيات‪ ،‬والدراسات العلمية النظرية املتعلقة بإدارة الصراعات وفض املنازعكات‪،‬‬
‫لدرجة ميالن القول معها‪ ،‬إن هناك شبه غياب ملؤلفات عربية‪ ،‬تستوعب هكذا العلكم‬
‫بشالل نظري شامل‪ ،‬يف مفاهيمه ونظرياته ومناهجه وأدواته وغري ذلكك‪ .‬إن هنكاك‬
‫العديد من الدراسات العربية اليت تناولت ظاهرة الصراعات‪ ،‬ولالن ترككزت حكول‬
‫ظاهرة الصراعات العربية‪ ،‬أو دراسة حاالت دراسية معينة‪ ،‬سواء ضمن سياق دراسكة‬
‫الصراعات العربية الداخلية أو اإلقليمية‪ ،‬أو حاالت معينة من الصراعات الدولية‪.‬‬
‫‪00‬‬
‫يف ضوء ذلك‪ ،‬تسعى هذه الدراسة إىل حتقيق جمموعة من األهداف اليت تتمثل‬
‫فيما يأ ‪:‬‬
‫‪ .0‬معرفة األس العلمية املنهجية ‪ -‬والنظريكة ‪ -‬إلدارة ظكاهرة الصكراعات‬
‫الدولية‪ ،‬أو اإلقليمية واحلروب األهلية ومنهجية تسويتها‪ ،‬أو املنكع الوقكائء‬
‫حلدوثها‪ .‬وبالتايل امتالك األدوات املنهجية واملعرفية‪ ،‬لتحليل وحتديد أوجكه‬
‫القصور واخللل؛ وأسباهبا يف عملية إدارة الصرا وكيفية تسكويتها أو منكع‬
‫حدوثها‪.‬‬
‫‪ .1‬املسامهة يف نشر "الثقافة الوقائية"‪ ،‬ملنع الصراعات يف البيئة العربية‪.‬‬
‫‪ .2‬نقل املعرفة اليت توفرها األدبيات الغربية املعاصرة‪ ،‬يف جمكال إدارة الصكرا‬
‫وفض املنازعات‪ ،‬وإتاحتها لألكادمييني وللباحثني والطلبة وصكنا القكرار‬
‫وغريهم‪ ،‬من املهتمني يف العامل العربكء‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬تربز أمهية هذه الدراسة من خالل العناصر اآلتية‪:‬‬
‫‪ .0‬يتوقع أن توفر هذه الدراسة‪ ،‬إضافة نوعية وحقيقية‪ ،‬من حيث مشوليتها لعلكم‬
‫إدارة الصراعات‪ ،‬وفض النكزاعات ودراسات السالم‪ ،‬للمالتبكة العربيكة‪،‬‬
‫وذلك‪ ،‬يف ضوء ندرة األدبيات العربية األكادميية يف هذا اجملال‪.‬‬
‫‪ .1‬من املتوقع أن تساعد هذه الدراسة الباحثني‪ ،‬يف تغكيري املكداخل البحثيكة‬
‫األكادميية العربية‪ ،‬يف دراسة وحتليل وتسوية الصراعات املستخدمة يف مدرسة‬
‫العالقات الدولية والعلوم السياسية‪ ،‬يف املنطقة العربية‪ ،‬واليت تعتمكد بشكالل‬
‫أسا ‪ ،‬على دراسة احلالة كما أشرنا سابقا‪ ،‬إىل اسكتخدام مكداخل أكثكر‬
‫مشولية‪ ،‬يف دراسة الصراعات وفض املنازعات العربية من خالل االرتالاز إىل‬
‫منظومة‪ ،‬أو أطر نظرية منهجية‪ ،‬تستفيد من طروحات الدراسات والتجارب‬
‫العاملية يف هذا اجملال‪.‬‬
‫‪ .2‬ميالن أن تساهم هذه الدراسة‪ ،‬يف تغيري النمط التدريسء العربكء للصراعات‬
‫وفض املنازعات‪ ،‬السائد يف كثري من أقسام العلكوم السياسكية والعالقكات‬
‫الدولية‪ ،‬يف الدول العربية‪ ،‬والذي يرتالز‪ ،‬على تدري الصراعات كحكاالت‬
‫دراسية مع ضعف واضح يف توفري القاعكدة‪ ،‬واألطكر النظريكة املنهجيكة‬
‫للدارسني‪ ،‬وذلك ألسباب عدة منها ندرة هذا النو من األدبيات األكادميية‬
‫‪01‬‬
‫النظرية (كاليت ستقدمها هذه الدراسة)‪ .‬وهذا النمط التدريسء للصراعات يف‬
‫البيئة األكادميية العربية‪ ،‬غالبا ما يرتالز على البعكد املعلومكا يف دراسكة‬
‫الصراعات‪ ،‬مع قصور واضح يف اعتماده على تطوير القدرات‪ ،‬واإلمالانيات‬
‫املنهجية والتنظريية واملهارات العلمية الالزمة‪ ،‬لدراسة وحتليكل الصكراعات‪،‬‬
‫وكيفية استخدام أدوات ومناهج أو مناذج فض النكزاعات‪.‬‬
‫‪ .4‬يوجد يف البيئة العربية الالثري من الصراعات‪ ،‬والنكزاعات بأشالاهلا املختلفة‪،‬‬
‫مما يتطلب تضافر اجلهود على خمتلف املستويات السياسكية‪ ،‬واالجتماعيكة‪،‬‬
‫والتعليمية‪ ،‬والثقافية وغريها‪ ،‬للتخلص من هذه الصراعات‪ ،‬وكذلك يتطلكب‬
‫تطوير علم فض النكزاعات ونشر ثقافته‪ ،‬ودعم اجلهود األكادمييكة العربيكة‬
‫بشالل خا‪ .‬يف هذا اجملال‪ ،‬ألهنا تشالل أحد أهم األجهزة املشرفة على بناء‪،‬‬
‫وصياغة فالر وثقافة وصناعة أجيال املستقبل‪ ،‬وهء اليت ستعمل على بناء بيئة‬
‫جديدة‪ ،‬ترتالز على األمن والسالم والعمران‪ ،‬وتقاوم كل أشالال النكزاعات‬
‫والصرا ‪ ،‬يف املنطقة العربية‪ .‬ومبعىن آخر‪ ،‬فإن بناء مستقبل أفضل للمنطقكة‬
‫العربية وألجياهلا‪ ،‬ويف ضوء واقع املنطقة امللءء حباالت العنف والصكراعات‪،‬‬
‫فإن موضو هذه الدراسة يشالل موضوعاً بالغ األمهية‪ ،‬وحموريكاً يف العكامل‬
‫العربكء‪ ،‬وإن دعم االهتمام العلمء به‪ ،‬يشالل أمهية بالغة يف صناعة مستقبل‬
‫أفضل للعامل العربكء‪.‬‬
‫أما خبصو‪ .‬منهج هذا الالتاب‪ ،‬فإنه لن يالون دراسة تارخيية تعتمكد علكى‬
‫البعد التارخيء أو السرد الزمين لظاهرة الصراعات‪ ،‬أو النككزاعات وإن كانكت‬
‫ستستفيد من التطور التارخيء لعلم دراسات الصراعات والنكزاعات‪ ،‬وكذلك لن‬
‫تلجأ إىل املعاجلة القانونية للنكزاعات‪ ،‬فالال اجملالني لن حيققا أو يؤديا‪ ،‬إىل إجيكاد‬
‫اإلطار النظري الذي تقصده هذه الدراسة‪ .‬وبالتايل فإن منهج الدراسة سيجمع بني‬
‫األدوات واألساليب الثالثة اآلتية‪:‬‬
‫‪ .0‬أسلوب الدراسة املسحية لألدبيات الغربية املعاصرة‪ ،‬وخاصّة‪ ،‬يف جمال فكض‬
‫النكزاعات وإدارة الصراعات ودراسات السالم‪.‬‬
‫‪ .1‬األسلوب املقارن‪ ،‬وذلك باللجوء إىل عملية مقارنة بني النظريات‪ ،‬واملكدار‬
‫النظرية يف األدبيات العاملية يف علم فض النكزاعات‪ ،‬ودراسكات السكالم‪،‬‬
‫‪01‬‬
‫للوصول أو التعرف إىل أوجه التشابه واالختالف بينهما‪ ،‬ومالامن اإلضكافة‬
‫فيهما‪ ،‬بشالل يوفر للدراسة إحاطة كاملة هبذه املدار العاملية‪ ،‬واختالفاهتكا‬
‫وتطوراهتا‪ .‬ويتم اللجوء أحياناً للمقارنة مع ما أنتجته أدبيات الثقافة العربيكة‬
‫اإلسالمية للتعرف إىل ما أضافته هذه الثقافة‪ ،‬يف هذا احلقل العلمء‪.‬‬
‫‪ .2‬استخدام بعض النماذج والنظريات يف حتليل‪ ،‬وتسوية الصراعات‪ ،‬وما تقدمه‬
‫من أطر منهجية نظرية‪ ،‬ميالن االستفادة منها يف التطبيقات؛ أو املمارسكات‬
‫العملية لتحليل الصراعات وفض النكزاعات‪.‬‬
‫إن هذا الدمج‪ ،‬بني املناهج واألساليب‪ ،‬سيعمل على تغطية خمتلف جوانكب‬
‫عملية حتليل الصراعات وفض املنازعات‪ ،‬وبشالل آخر إن هذا الدمج سيقدم حتليالً‬
‫شامالً لظاهرة الصراعات؛ وكيفية إدارهتا‪ ،‬أو عملية فض املنازعات‪ ،‬أو كيفية املنع‬
‫الوقائء للصراعات‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ ،‬أهدي هذا الالتاب‪ ،‬إىل والد ‪ ،‬رمحها اهلل‪ ،‬اليت توفت ومل أستطع‬
‫أن أراها بسبب ظروف العنف العربكء‪ ،‬وإىل والدي‪ ،‬رمحه اهلل‪ ،‬ومها اللذان قدما‬
‫يل الالثري يف مسرية حيا ‪ ،‬وعلماين أن احلياة حتد وعطاء‪ ،‬وكيف ميالكن مقابلكة‬
‫حتديات احلياة وصعوباهتا بالعلم واملعرفة والقيم‪.‬‬
‫لقد عملت على تأليف هذا الالتاب‪ ،‬منذ عملء أسكتاذا زائكرا يف قسكم‬
‫دراسات السالم وا لصرا يف جامعة أبساال السويدية (واليت تُعترب مكن أعكرق‬
‫اجلامعات االسالندنافية والعاملية‪ ،‬تأسست عام ‪ )0411‬وقمت بإجنكاز خمطوطكة‬
‫الالتاب‪ ،‬من خالل حصويل على منحة "التميز األكادميء" اليت يقدمها الصندوق‬
‫العربكء لإلمناء االقتصادي‪ ،‬واالجتماعء يف الالويت اليت قضيتها يف هذه اجلامعة‬
‫العريقة‪.‬‬
‫أخرياً‪ ،‬أتقدم بالشالر الالبري للصندوق العربكء‪ ،‬على ما وفره يل من دعم من‬
‫خالل هذه املنحة‪ .‬كما أود أن أتقدم بالشالر إىل الدكتور بيتر فالنستني على مكا‬
‫قدمه يل من معرفة علمية‪ ،‬وخربة واسعة وإشراف علمء‪ ،‬أثناء فترة منحة التميكز‪.‬‬
‫كما أتقدم بالشالر والعرفان الالبريين‪ ،‬إىل طالبيت املميزة سناء موسى على جهودها‬
‫الالبرية‪ ،‬يف حترير وطباعة الالتاب‪ ،‬وتعاملها جبهد كبري ومهنية عالية مع إشالاليات‬
‫توثيق الالتاب‪.‬‬
‫‪04‬‬
‫كما أتقدم بالشالر لألخ أ‪.‬د‪ .‬عبد الفتاح الرشدان على جهوده يف مراجعكة‬
‫الالتاب‪ ،‬ومالحظاته القيمة‪ ،‬وإىل الزميلني أ‪ .‬د‪ .‬أمحد سعيد نوفل‪ ،‬وأ‪ .‬د‪ .‬عكدنان‬
‫اهلياجنة على ما أبدياه‪ ،‬من مالحظات مفيدة يف مناقشا معهمكا حكول بعكض‬
‫مضامني الالتاب‪.‬‬
‫وأخرياً أتقدم بالشالر لزوجيت الغالية إميان‪ ،‬وأبنائء وبنا األربعة بالل الشالر‬
‫والتقدير ملا قدموه من دعم نفسء ومعنوي‪ ،‬وما أبدوه من صكرب علكى فراقكء‬
‫وانشغايل عنهم‪ ،‬إلجناز هذا الالتاب‪.‬‬

‫‪05‬‬
‫الفصل األول‬

‫نشأو وتطور‬
‫علم دراسا الصراع والسالم‬

‫يتناول هذا الفصل‪ ،‬دراسة نشأة وتطور حقل دراسكات الصكرا وفكض‬
‫النكزاعات‪ ،‬باإلضافة إىل دراسات السالم؛ وذلك كحقل علمكء‪ ،‬أصكبح لكه‬
‫مفاهيمه ومناهجه وتطبيقاته‪.‬‬
‫إن دراسة نشأة وتطور هذا العلم‪ ،‬يعترب عملية ضرورية لفهم تاريخ هذا العلم‬
‫من جهة‪ ،‬وكيفية تأسيسه من جهة ثانية‪ ،‬ومعرفة طبيعة التغري والتطور الذي حدث‬
‫يف هذا احلقل املعريف من جهة ثالثة‪ .‬إن مثل هذه الدراسة سيساعدنا على معرفكة‬
‫العوامل املؤثرة‪ ،‬يف تطور هذا احلقل املعريف‪ ،‬والتحكديات واإلشكالاليات الكيت‬
‫واجهها‪ ،‬ومن مث االستفادة من ذلك يف دراسة مستقبل هذا احلقل‪ ،‬وكيفية توجيه‬
‫هذا البعد املستقبلء حنو جتنب العديد من إشالاليات وحتديات املاضء‪ .‬وال شكك‪،‬‬
‫إن معرفة مسرية تطور هذا احلقل يساعد بشالل كبري‪ ،‬يف صياغة مسكتقبل هكذا‬
‫احلقل‪ ،‬وتعظيم االستفادة من هذا العلم يف اجلوانب التطبيقية؛ بشالل يطور القدرة‬
‫على استخدام األساليب املنهجية العلمية‪ ،‬يف حتليل وتسوية الصكراعات وتعزيكز‬
‫السالم اإلجيابكء عموماً‪ ،‬ويف جمتمعنا العربكء خصوصاً‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬إن عدم وجود أي تطور تارخيء ألي حقل علمء‪ ،‬يلقكء‬
‫شالوكاً حقيقية حول وجود‪ ،‬أو اعتبار هذا التخصص أو احلقل بشكالل ميالكن‬
‫اعتباره ختصصاً "علمياً" أو "علما"‪ .‬وهذه حقيقة معروفة يف احليكاة إذ ال يتصكور‬
‫وجود حاضر‪ ،‬ومستقبل ألي ظاهرة إنسانية دون وجود ماضٍ ومسرية تارخيية‪.‬‬
‫إن دراسات الصرا ‪ ،‬هلا جذور تارخيية ممتدة منذ العصور القدمية‪ ،‬مثكل‬
‫دراسات املؤر خ اليوناين ثيودود (‪ ) Thucydides‬يف كتابه "تكاريخ احلكرب‬
‫‪07‬‬
‫البيلوبونيسية"‪ 420( ،‬قبل املكيالد) ‪،The History of Peloponnesian War‬‬
‫ودراسات أرسطو‪ ،‬يف احلضارة اليونانية عن الثكورة‪ ،‬و‪ Sun Tzu‬الفيلسكوف‬
‫باحلضارة الصينية القدمية عن فن احلرب‪ .‬إال أن التطور الفعلء هلكذا احلقكل‪،‬‬
‫حدث يف الفترة املعاصرة‪ ..‬ويعترب معظم املتخصصني‪ ،‬أن هذا احلقل أصبح لكه‬
‫خصائصه ومساته‪ ،‬وارتالز إىل دراسات منهجية ‪ Systematic Study‬يف القكرن‬
‫العشرين‪ ،‬وأن معظم وأهم نتائجه العلمية‪ ،‬ب رزت خالل النصف الثاين من القرن‬
‫العشرين‪.1‬‬
‫ويشري أحد مؤسسء وأعالم دراسات الصرا والسالم يوهان غالتونغ ‪Johan‬‬
‫‪ ،Galtung‬يف مؤلف له صدر يف العام ‪ 1111‬حول هذا املوضو ‪ ،‬إىل أن تطكور‬
‫وتقدم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬خالل اخلمسني سنة املاضية كانكت صكاعقة‬
‫(‪ ،)astounding‬ومن هذه املؤشرات الدالة على ذلك‪ ،‬استخدام مصطلح السكالم‬
‫"‪ ،"Peace‬الذي كان منذ حقبة اخلمسينيات يرتبط باألفالار الشيوعية‪ ،‬ودعايتكها‬
‫وقبول اخلضو للخطر األمحر‪ ،‬وكان استخدام هذا املصطلح يف تلك احلقب‪ ،‬من‬
‫وجهة النظر الغربية استخداما حمرجا‪ .‬بينما تغري الواقع اليوم كلياً‪ .2‬ورمبا أن هكذه‬
‫اإلشارة من أحد آباء علم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬مثرية لالستغراب من وجهة‬
‫نظر الشعوب العربية‪ ،‬وكذلك األجيال اجلديدة من الغربيني‪ .‬إال أهنا تشري إىل بعض‬
‫الظروف‪ ،‬واألجواء الثقافية والسياسية‪ ،‬اليت مر هبا تأسي هذا احلقل والبكاحثني‬
‫فيه‪ ،‬إذ كانوا يقومون بدراسات حول السالم‪ ،‬ولديهم مشاللة عملية يف استخدام‬
‫هذا املصطلح علمياً وإعالمياً‪.‬‬
‫يتناول هذا املبحث‪ ،‬نشأة وتطور علم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬وفق إطار‬
‫ومراحل زمنية معينة من القرن املاضء‪ ،‬ارتبطت باملراحل األساسية اليت نتج عنكها‬
‫أدبيات‪ ،‬أسست هلذا العمل على يد من يسمون اآلباء املؤسسكني‪ ،‬هلكذا احلقكل‬
‫‪Schellenberg, James A.: 1996, Conflict Resolution: Theory, Research,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.and Practice, New York: State University of New York Press, p. 7‬‬
‫‪Galtung Johan and Webel Charles: 2009, "Peace and Conflict‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Studies: Looking Back, looking forward". In Webel Charles & Galtung‬‬
‫‪Johan (eds). Hand book of Peace and Conflict Studies, Oxon:‬‬
‫‪.Routledge, p. 397‬‬
‫‪08‬‬
‫العلمء‪ ،‬باإلضافة إىل تطور وتسار وجود املؤسسكات واملعاهكد والكدوريات‬
‫املتخصصة يف هذا اجملال‪.‬‬
‫وال خيفى‪ ،‬أن استخدام التقسيم الزمين ملراحل تطور حقول معرفية ‪ -‬إنسانية‬
‫‪ -‬مثل حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬عملية تواجه إشالاليات عديدة‪ ،‬خاصكة‬
‫وأن املعارف اإلنسانية بشالل عام‪ ،‬عملية متداخلة‪ ،‬ومتراكمة اجلهود واملعارف‪.1‬‬
‫ولالن تركز اإلنتاج املعريف هلذا احلقل ووضع أسسه النظريكة ومناهجكه خكالل‬
‫النصف الثاين من القرن العشرين‪ ،‬جعل الالثري من الدراسات اليت تعكا تطكور‬
‫ونشأة هذا العلم‪ ،‬وفق مراحل زمنية مرتبطة بالنصف الثاين من القكرن املاضكء‪،‬‬
‫وبالرغم من اختالفها بتحديد تاريخ زمين حمدد‪ ،‬وهو أمر طبيعكء‪ ،‬إال أن معظكم‬
‫الدراسات والباحثني يف هذا احلقل؛ اتفقوا على اعتبار مرحلة ما بعد احلرب العاملية‬
‫الثانية وخاصة فترة اخلمسينيات والستينيات هء مرحلة التأسي احلقيقيكة‪ ،‬هلكذا‬
‫احلقل العلمء‪.‬‬
‫وتبنت هذه الدراسة‪ ،‬التقسيم الزمين ملراحل تطور ونشأة هذا العلم األكثكر‬
‫انتشارًا واستخداماً على الوجه اآل ‪:‬‬
‫‪ .0‬املرحلة التمهيدية (مرحلة اإلرهاصات) (منذ بداية احلرب العامليكة األوىل ‪-‬‬
‫هناية احلرب العاملية الثانية) (‪.)0141-0108‬‬
‫‪ .1‬املرحلة التأسيسية (منذ منتصف األربعينيات وحك السكتينيات) (‪-0141‬‬
‫‪.)0191‬‬
‫‪ .2‬مرحلة التعزيز والتطوير (منذ بداية السبعينيات ‪ -‬وح هناية الثمانينكات ‪)-‬‬
‫(‪.)0181-0111‬‬
‫‪ .4‬مرحلة التوسع واالنتشار العاملء (منذ هناية الثمانينيات وبدايكة التسكعينيات‬
‫وح هناية العقد األول من القرن احلايل) (‪.)1101-0111‬‬
‫يف هذا املبحث‪ ،‬سيتم حتديد كل مرحلة من مراحل تطور ونشأة دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬مع تناول مضمون كل مرحلة‪ ،‬وفق اإلطار اآل ‪:‬‬

‫حول هذه اإلشالاليات انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Wiberg, Hakan: 1988, "The Peace Research movement", in‬‬
‫‪Wallensteen Peter (ed), Peace Research: Achievements and Challenges,‬‬
‫‪Boulder &London: Westview Press, pp. 30-53, pp. 30-32.‬‬

‫‪09‬‬
‫خلفية حول نشأة وأمهية كل مرحلة‪.‬‬ ‫‪.0‬‬
‫التعريف بأهم رواد ومفالري كل مرحلة ودورهم العلمء‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫نشأة وتطور الوجود املؤسسا هلذا احلقل‪ ،‬وخاصة املؤسسات ذات الطبيعة‬ ‫‪.2‬‬
‫األكادميية والبحثية (مع عدم جتاهل نشأة مؤسسات ممارسة تلعب دوراً أساساً‬
‫يف جمال السالم)‪.‬‬
‫عرض ماهية األفالار احملورية واألسا لالل مرحلة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪)9191 -‬‬ ‫(‪9191‬‬ ‫المرحلة التمويدية‪/‬اإلرهاصا‬

‫نشأو وأهمية هذه المرحلة‪:‬‬


‫تعترب أدبيات الصرا والسالم‪ ،‬هذه املرحلة مرحلة انطالقة أولية‪ ،‬أو متهيديكة‬
‫(‪ )Precursors/Preliminary Phase‬وليست مرحلة تأسيسكية لعلكم دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬وإن اإلسهامات العلمية وجهود الباحثني يف هذه احلقبة كانكت‬
‫مقدمة متهيدية لتأسي حقل دراسات الصراعات والسالم‪ .‬وشاللت هذه اجلهكود‬
‫إرهاصات ما قبل مرحلة التأسي ‪ .‬وانطلقت هذه اجلهود من رحكم دراسكات‪،‬‬
‫وختصص العالقات الدولية‪ .‬كما إن ظهور بعض التغريات والتطكورات الدوليكة‬
‫شاللت دافعاً حنو االهتمام بتأسي هذا احلقل األكادميء‪ ،‬والعمل البحثء العلمكء‬
‫فيه‪ .‬وولدّت هذه التطورات الدولية‪ ،‬شعوراً قوياً بضرورة تأسي هكذا احلقكل‬
‫العلمء‪.‬‬
‫ومن أهم هذه التطورات الدولية‪:‬‬
‫‪ .0‬حدوث احلربني العامليتني األوىل والثانية‪ ،‬وما نتج عنهما من قتلى بعشكرات‬
‫املاليني من البشر‪ ،‬ودمار اقتصادي واجتماعء هائل‪.‬‬
‫‪ .1‬ظهور أيديولوجيات النازية والفاشية‪ ،‬وما ارتبط هبما مكن مشكاعر قوميكة‬
‫عنصرية وتوسع وهيمنة على اآلخر‪.‬‬
‫دفعت هذه التطورات الدولية‪ ،‬إىل حراك وجهود علكى صكعيد البحكث‪،‬‬
‫والدراسة للحروب والصراعات‪ ،‬وجهود مجاعية دولية علكى صكعيد املمارسكة‬
‫العملية‪ ،‬إلجياد أطر وآليات مؤسسية لتحقيق السالم‪ ،‬ومنع تالرار حكدوث مثكل‬
‫‪11‬‬
‫هاتني احلربني العامليتني‪ .‬ومن هذه اآلليات تأسي عصبة األمم عكام ‪ 0111‬الكيت‬
‫اهنارت الحقاً‪ ،‬ومن مث تأسي هيئة األمم املتحدة هبدف حتقيق السكلم واألمكن‬
‫الدوليني‪ ،‬وحل املنازعات بالطرق السلمية‪ .1‬إن ما أحدثته هكذه احلكروب مكن‬
‫كوارث إنسانية عاملية‪ ،‬خلقت أيضاً دوافع قوية‪ ،‬على الصعيد األكادميء البحثكء‬
‫لالهتمام بدراسة احلروب واالهتمام بالسالم كعلم "‪ ،"Peace Science‬منعاً لتالرار‬
‫هذه احلروب العاملية‪ ،‬وأي حروب ميالن أن حتدث يف املسكتقبل‪ ،‬ويشكري أحكد‬
‫مؤسسء علم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬كينيث بولكدينج ‪Kenneth Boulding‬‬
‫عام ‪ 0111‬أن أسباب‪ ،‬أو دوافع االهتمام يف تأسي هذا احلقل تتمثل يف عنصرين‬
‫مها‪:2‬‬
‫األول‪ :‬املشاللة العملية اليت تواجه العالقات الدولية (آنذاك)‪ ،‬وبشالل خا‪،.‬‬
‫منع حدوث حرب عاملية جديدة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬إن حتقيق تقدم فالري يف هذا اجملال املعريف‪ ،‬يتطلب أن تكتم دراسكة‬
‫العالقات الدولية‪ ،‬كحقل علمء متداخل التخصصات‪ ،‬ويشتق خطابه من مجيكع‬
‫جماالت العلوم االجتماعية ومن غريها‪.‬‬

‫أهم العلماء المؤسسين في هذه الحقبة‪:‬‬


‫إن اجلهود العلمية يف جمال دراسات الصرا والسالم‪ ،‬واليت اعتمدت علكى‬
‫أس منهجية ظهرت على يد جمموعة حمددة من العلماء وإنتاجهم الفالري‪ ،‬ومكن‬
‫هؤالء العلماء‪:‬‬
‫هيئكة األمكم‬ ‫ملزيد من التفاصيل حول تأسي عصبة األمم وأسباب فشلها‪ ،‬وتأسي‬ ‫‪1‬‬
‫املتحدة وطبيعة الدوافع والظروف اليت أدت إىل تأسيسها انظر‪:‬‬
‫‪ -‬اجملذوب‪ ،‬حممد ‪ :‬التنظيم الدويل‪ :‬النظرية واملنظمات العاملية واإلقليمية املتخصصكة‪،‬‬
‫منشورات احللبكء احلقوقية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة السابعة‪.114-041 . ،1111 ،‬‬
‫‪ -‬نافعة‪ ،‬حسن ‪ :‬إصالح األمم املتحدة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،‬جامعكة‬
‫القاهرة‪ ،‬القاهرة‪.0111 ،‬‬
‫‪ -‬خضري‪ ،‬عبد الكرمي علوان‪ :‬املنظمات الدولية‪ :‬الوسيط يف القانون الدويل العام‪ ،‬الكدار‬
‫العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬الالتاب الرابع‪.14-92 . ،1111 ،‬‬
‫‪Kenneth E. Boulding: "An Editirioal", Journal of Conflict Resolution,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪.June 1957, 1: pp. 1-2‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ .0‬الالسندروفيتش سوروكني ‪ ،Pitirim Aleksandrovich Sorokin‬وهو أول‬
‫أستاذ علم اجتما يف روسيا‪ ،‬ولالنه غادر إىل الواليات املتحدة عكام ‪0112‬‬
‫بعد خالفه مع لينني‪ ،‬وأس قسم علم االجتما يف جامعة هارفكارد عكام‬
‫‪ .0121‬وألف يف الثالثينيات أربعة جملدات‪ ،‬بعنوان الدينامياليات االجتماعية‬
‫والثقافية‪ ،‬وتناول اجمللد الثالث منها احلرب‪ ،‬وبشالل خا‪ ،.‬نظريته حكول‬
‫دورات احلرب‪ ،‬باإلضافة إىل ما كتبه حول األزمة يف عصرنا ‪The Crisis of‬‬
‫‪.our age1‬‬
‫‪ .1‬لوي فراي ريتشاردسون ‪ ،Lewis Fry Richardson‬وهو عكامل إجنليكزي‬
‫عاش خالل الفترة (‪ ،)0112-0880‬وكتب جمموعة من األحبكاث يف جمكال‬
‫الصرا واحلروب‪ ،‬وكانت من أول اجلهود العلمية يف جمال الصرا ‪ ،‬ومكن‬
‫أبرز هذه الدراسات كانت دراسته اليت ألفها عام ‪ 0101‬بعنوان‪" :‬علم النف‬
‫الرياضء واحلرب" ‪ ،" "The Mathematics Psychology of War‬وكانكت‬
‫تعىن بالتحليل الرياضء وتطبيق الرياضيات يف دراسة احلروب‪ .‬وبعكد عكام‬
‫‪ 0141‬فرغ نفسه كباحث دراسات سالم (‪ ،)Peace Research‬ومن مؤلفاته‬
‫أيضاً‪" :‬األسكلحة وانعكدام األمكن" ‪" ،Arms and Insecurity‬اإلحصكاء‬
‫والصراعات القاتلة" "‪ ،"Statistics of deadly quarrels‬واليت تتناول أسباب‬
‫احلروب‪ ،‬وسباق التسلح‪.2‬‬
‫‪ .2‬كوينسء رايت ‪ ،Quincy Wright‬عمل أستاذاً يف جامعكة شكيالاغو منكذ‬
‫العام ‪ 0112‬يف القانون الدويل والعلوم السياسية‪ ،‬وهو من أوائكل البكاحثني‬
‫يف جمال دراسات الصرا والسالم‪ ،‬ومن إسهاماته العلمية املشهورة‪ ،‬كتابكه‬
‫"‪ "A Study of War‬الذي نشر عام ‪ ،0141‬فقد عمل علكى إعكداد هكذه‬
‫الدراسة مع فريق من الباحثني ملدة ‪ 09‬سنة‪ .‬حيث اعترب هذا الالتكاب‪ ،‬مكن‬
‫أمهات الالتب املنشورة يف جمال دراسات احلرب‪ ،‬ويتناول هذا الالتاب طبيعة‬

‫ملزيد من التفاصيل حول دوره وتأثريه يف اجليل األول املؤس انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Wiberg, Hakan: "The Peace Research movement", Op. cit., p. 33.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول مؤلفاته وسريته‪ ،‬راجع املوقع اإللالتروين لريتشارد ريتشاردسون‬ ‫‪2‬‬
‫يف املوقع اإللالتروين يف جامعة بيسلء ‪ University of Paisley‬على الكرابط التكايل‪:‬‬
‫‪http://maths.pasley.ac.uk/LPR/home.htm‬‬

‫‪11‬‬
‫احلرب وأسباهبا وكيفية معاجلتها‪ ،‬وسبق ذلك حبث هام نشره بعنوان طبيعكة‬
‫الصرا "‪ ،"The Nature of the Conflict‬حتدث فيه عن طبيعكة الصكرا‬
‫ومفاهيمه وأنواعه‪ ،‬وارتباطه بأمناط العالقات ومناهج إدارة وحل الصراعات‪،‬‬
‫وأخرياً عن الصرا واحلضارات‪ .1‬ويُعترب كوينسء رايكت مكن مؤسسكء‬
‫املدرسة الالمية يف جمال دراسات الصكرا ‪ ،‬إذ بكذل جهكوداً ككبرية يف‬
‫مجع البيانات الالمية حول حاالت الصرا ‪ ،‬واستخدام هكذه البيانكات يف‬
‫حتليل الصراعات واحلروب كان مصدراً أساسياً ألعمال علمية‪ ،‬لالكثري مكن‬
‫كبار الباحثني يف هذا اجملال‪ .‬كما إن رايت هو كاتب أول حبث يف أهم جملة‬
‫علمية يف جمال دراسات الصرا ‪" ،‬جملة فض النكزاعات‪/‬تسوية الصكراعات"‬
‫‪ The Journal of Conflict Resolution‬عام ‪.20111‬‬
‫وميالن اإلشارة هنا إىل جهود علمية أخرى يف هذه احلقبة سامهت يف أرضكية‬
‫التأسي حلقل دراسات الصرا مثل‪ :‬ككرين برينتكون ‪ Crane Brinton‬حكول‬
‫النضال والثورة يف عام ‪ ،30128‬وجهود ماري فولكت ‪ Mary Parker Follet‬يف‬
‫جمال اإلدارة‪/‬السلوك التنظيمء وإدارة املوارد البشرية‪ ،‬من خالل جمموعة من الالتب‬
‫والدراسات خالل الفترة ‪ ،0122 - 0111‬إذ أسهمت هذه اجلهود يف تطوير عملية‬
‫املفاوضات وأساليب املساومة يف حل املنازعات وتسكويتها بكالطرق السكلمية‬

‫انظر كامل البحث‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Wright, Quincy: 1951," The Nature of Conflict", The Western‬‬
‫‪Political Quarterly, IV (2), in Burton, John & Dukes, Frank: 1990,‬‬
‫‪Conflict: Readings in Management & Resolution, U.S: The Macmillan‬‬
‫‪Press LTD, pp. 15-34.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫”‪Kriesberg, Louis: “The Growth of the Conflict Resolution Field,‬‬
‫‪pp. 407-426 in Crocker, Chester A., Hampson Fen Osler, Aall‬‬
‫‪Pamela, (Eds): 2001, Turbulent Peace: The Challenges of Managing‬‬
‫‪International Conflicts, United States Institute of Peace Press,‬‬
‫‪Washington, D.C, p. 408.‬‬
‫انظر أيضاً‪:‬‬
‫‪Wiberg, Hakan: "The Peace Research movement", Op. cit., p. 34-35.‬‬
‫‪Brinton, Crane: 1938, The Anatomy of Revolution, Vintage books,‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪New York‬‬

‫‪11‬‬
‫للمؤسسات واملوارد البشرية يف اجملال اإلداري‪.1‬‬
‫ظوور المؤسسا العلمية في مجال أبحاث الصراع والسالم‪:‬‬
‫يف هذه املرحلة (أو حقبة اإلرهاصات) مل تظهر مؤسسات حبثيكة‪ ،‬أو جامعيكة‬
‫مستقلة تُعىن بدراسات الصرا والسالم‪ ،‬وكان االستثناء الوحيد هو ظهكور مجعيكة‬
‫أمريالية تسمى مجعية ماساسوتش ‪ Massach Peace Society‬واليت تأسست يف الفترة‬
‫‪ ،0801-0801‬وأسسها األمريالء نوح وورستر ‪ Noah Woraster‬وكانت املؤسسكة‬
‫الوحيدة من نوعها يف العامل‪ ،‬وقامت بدراسة حول خسائر األرواح البشرية يف احلروب‬
‫منذ آدم وحواء‪ ،‬وكذلك العمل على تقدير النفقات العسالرية وارتباطها باألهكداف‬
‫املدنية‪ .2‬كما أس أول جملة فصلية‪ ،‬يف جمال دراسات السالم باسم "أصدقاء السالم"‬
‫عام ‪ .0801‬ويبدو إن الدراسات األوىل يف هذا احلقل العلمء مل ختكرج مكن هكذه‬
‫اجلمعية‪ ،‬بل خرجت من رحم دراسات‪ ،‬ومؤسسات العالقات الدولية الكيت كانكت‬
‫بداياهتا التأسيسية يف نف هذه املرحلة‪ .‬ففء هذه احلقبة بدأت الدراسكات العلميكة‬
‫للعالقات والشؤون الدولية تأخذ منحاها العلمء‪ ،‬مع ظهور‪ ،‬أو نشوء مؤسسات حبثية‬
‫أو أكادميية* تُعىن بالشؤون واملشالالت الدولية‪ .‬ففء الثالثينيات‪ ،‬كانكت أوىل هكذه‬
‫املؤسسات املعهد امللالء للشؤون الدولية (‪ )Chataum House‬بلندن الذي تأس عام‬
‫‪ ،0111‬وكذلك تأسي اجملل األمريالء للعالقكات اخلارجيكة ‪The Council on‬‬
‫)‪ Foreign Relations (CFR‬عام ‪ .0111‬وأنشئ أيضاً املعهد الفرنسكء للعالقكات‬
‫الدوليكة (‪ )IFRI/The French Institute for International Relations‬يف فرنسكا‪،‬‬
‫وآخر يف أملانيا وغريها من الدول األوروبية وأنشئ أول كرسكء جكامعء لتكدري‬
‫السياسة الدولية يف جامعة ويلز (‪ ،)Aberystwyth college‬يف بريطانيا عام ‪.30101‬‬

‫انظر على سبيل املثال جمموعة من مؤلفاهتا الواردة يف املوقع اإللالتروين اخلا‪ .‬هبا‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Mary Parker Follet Foundation ،http://www.follettfoundation.org/mpf.htm‬‬
‫‪.Wiberg, Hakan: "The Peace Research movement", Op. cit., p. 32‬‬ ‫‪2‬‬
‫للمزيد من التفاصيل حول تطور حقل العالقات الدولية‪( ،‬باللغة اإلجنليزية) انظر‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Dungen, Peter Van Den & Wittner, Lawrence S.: 2003, "Peace‬‬
‫‪History: An Introduction", Journal of Peace Research, Vol. 40, No. 4,‬‬
‫‪pp. 363-375.‬‬
‫(باللغة العربية) انظر‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫أما على صعيد دراسات السالم والصرا ‪ ،‬فقد ظهكرت يف هكذه احلقبكة‬
‫بعض املؤسسات األمريالية واألوروبية‪ ،‬مثل مؤسسة كارنيجء للسكالم الكدويل‬
‫‪ The Carnegie Endowment for International Peace‬عام ‪ .0101‬واألكادميية‬
‫األملانية للسالم عام ‪ .0120‬ويُعتقد أن أول كرسء أكادميء يف أحباث السالم أنشئ‬
‫يف فرنسا يف جامعة ليون عام ‪ .10121‬ولالن كما أشرنا سابقاً‪ ،‬كانكت البدايكة‬
‫املؤسسية األوىل من مجعية ماساسوتش للسالم عام ‪.0801‬‬
‫إن انتشار هذه املؤسسات‪ ،‬واملعاهد العلمية والبحثيكة يف جمكال العالقكات‬
‫والشؤون الدولية يف هذه املرحلة‪ ،‬واالهتمام بتدريسها يف اجلامعات كان دافعهكا‬
‫مرتبطا بطموحات وآمال مثالية لتعزيز السالم‪ ،‬من خالل جعل دراسات وأحبكاث‬
‫السالم يف ديناميالية العالقات الدولية‪.2‬‬
‫عموماً‪ ،‬يف هذه املرحلة مل يتم بلورة نظريات‪ ،‬ومناهج معينة يف جمال الصرا‬
‫والسالم‪ ،‬وكانت األفالار األساسية تدور حول أسباب الصكرا ‪ ،‬واحلاجكة إىل‬
‫السالم‪ .‬ومل يالن هناك إسهام علمء‪ ،‬يشالل قاعدة نظرية هلذا احلقكل‪ ،‬باسكتثناء‬
‫كتاب "دراسة احلرب" الذي كان مبثابة البداية املنهجية األكثر التصكاقاً‪ ،‬هبويكة‬
‫دراسات السالم والصرا ‪.‬‬

‫أبو عامر‪ ،‬عالء‪ ،1114 :‬العالقات الدولية‪ :‬الظاهرة والعلم‪ -‬الدبلوماسية واالستراتيجية‪،‬‬
‫دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمّان‪.01-01 . ،‬‬
‫فرج‪ ،‬أنور حممد‪ ، 1111 :‬نظرية الواقعية يف العالقات الدولية‪ :‬دراسة نقدية مقارنكة يف‬
‫ضوء النظريات املعاصرة‪ ،‬مركز كردستان للدراسات االستراتيجية‪ ،‬السليمانية‪.‬‬
‫مقلد‪ ،‬إمساعي بربي‪ ،0181 :‬العالقات السياسكية الدوليكة‪ :‬دراسكة يف األصكول‬
‫والنظريات‪ ،‬منشورات ذات السالسل‪ ،‬الالويت‪.91-42 . ،‬‬
‫ملزيد من التفاصيل راجع‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Dungen, Peter Van Den: "Initiatives for the Pursuit and‬‬
‫‪institutionalization of Peace Research", in L.Broadhead (ed), Issues in‬‬
‫‪Peace Research, in Department of Peace Studies, University of‬‬
‫‪Bradford, pp. 5-32, p. 7. Quoted in Ramsbothan Oliver, Woodhouse‬‬
‫‪Tom, and Miall Hugh: 2005, Contemporary Conflict Resolution,‬‬
‫‪Cambridge U.K: Polity Press, Second Edition, p. 34.‬‬
‫‪Dungen, Peter von den: Peace History: An Introduction, Op. cit.,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪.p. 364‬‬
‫‪15‬‬
‫المرحلة التأسيسية‪( :‬الخمسينيا والستينيا ) (‪:)9191-9191‬‬

‫نشأو وأهمية هذه المرحلة‪:‬‬


‫تُعترب مرحلة اخلمسينيات والستينيات‪ ،‬املرحلة اليت وُضكعت فيهكا أسك ‪،‬‬
‫ونظريات ومفاهيم ومناهج حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬وبذلك شاللت هذه‬
‫احلقبة‪ ،‬املرحلة التأسيسية هلذا احلقل العلمء‪.‬‬
‫وسبق اإلشارة يف املرحلة التمهيدية‪ ،‬لبعض التطورات الدولية واإلقليمية‪ ،‬اليت‬
‫لعبت دوراً هاماً يف خلق دوافع أساسية لالهتمام؛ وتنشكيط دراسكات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬وكانت أهم هذه التطورات احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وما سببته من كوارث‬
‫للمجتمع اإلنساين‪ ،‬وكذلك انتشار حركات املقاومة‪ ،‬والتحرر واالستقالل الوطين‬
‫ضد االستعمار‪ ،‬يف مرحلة اخلمسينيات والستينيات‪ .‬باإلضافة إىل ذلكك ظهكور‬
‫احلرب الباردة‪ ،‬وسباق التسلح وخماطر األسلحة النووية‪.‬‬
‫إن دراسات الصرا والسالم يف هذه احلقبة‪ ،‬هء رد فعكل ضكد املخكاطر‬
‫والالوارث اإلنسانية واحلروب‪ ،‬اليت تأثر هبا الغرب بشالل مباشر‪ ،‬وليست عمليكة‬
‫استباقية‪ ،‬أو وقائية‪ ،‬إن هذه التطورات‪ ،‬دفعت إىل تنكامء االهتمكام بدراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬وتأسي املؤسسات واملراكز البحثية؛ وبرامج علمية يف حقكل‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ ،‬مستفيدة من احلقول العلمية األخرى اليت سبق اإلشارة‬
‫إليها مثل العلوم السياسية‪ ،‬وعلم االجتما ‪ ،‬والعالقات الدولية وغريها‪.‬‬

‫أهم العلماء المؤسسين في هذه الحقبة‪:‬‬


‫كان جملموعة من علماء أمريالا وأوروبا إسهامات خاصة يف تأسكي هكذا‬
‫احلقل العلمء املعاصر‪ ،‬وسامهوا يف بناء األطر واألس النظرية واملناهج العلمية هلذا‬
‫اجملال أو التخصص العلمء بشالله املعاصر‪ .‬ومن أبرز هكؤالء العلمكاء‪ :‬كينيكث‬
‫بولدينغ‪ ،‬يوهان غالتونغ‪ ،‬جون بورتون‪.‬‬
‫‪ .1‬كينيث بولدينغ ‪ ،)Kenneth Boulding (1910-1993‬وهو عامل اقتصكاد‬
‫إجنليزي األصل‪ ،‬عمل يف الواليات املتحدة األمريالية‪ ،‬أس أول دورية علمية‬
‫متخصصة يف العامل‪ ،‬وهء جملة فكض النككزاعات ‪Journal of Conflict‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ Resolution‬وذلك يف عام ‪ 0111‬يف أمريالا‪ ،‬وهء أعرق دورية علميكة يف‬
‫هذا اجملال ح اآلن‪ ،‬وإن كان يغلب عليها املنهج الالمء‪ ،‬ورمبا ذلك نكاتج‬
‫من التخصص االقتصادي ملؤس اجمللة "لالينيث بولدينغ"‪ ،‬كمكا أسكهم يف‬
‫تأسي مركز دراسات فض النككزاعات ( ‪The Centre for Research of‬‬
‫‪ ،)Conflict Resolution‬يف جامعة ميتشغان عام ‪ .0111‬وقد بدأ بولكدينغ‬
‫جهوده العلمية يف جمال دراسات السالم والصرا ‪ ،‬بالتعاون مع فريكق مكن‬
‫حقول أكادميية متنوعة‪ ،‬منها علم النف االجتماعء‪ ،‬وعلم االجتما ‪ ،‬وعلوم‬
‫الرياضيات والبيولوجيا وغريها‪.‬‬
‫يُعرف عن بولدينغ اهتمامه وتركيزه يف كتاباته حول قصة‪ ،‬أو فالكرة املنكع‬
‫املسبق للصراعات‪/‬الوقاية‪ ،‬من احلروب باإلضافة إىل اهتمامه بوضكع إطكار‬
‫منهجء‪ ،‬أو إطار علمء معلوما يف دراسة الصراعات وتسكويتها‪ ،‬وهكذا‬
‫اإلطار يشالل القواعد العلمية اليت تسمح بعملية اإلنذار املبالر ملنع حكدوث‬
‫أي صرا ‪.1‬‬
‫‪ .2‬يوهان غالتونغ ‪ - Johan Galtung (1930‬حىت اآلن)‪ ،‬وهو عامل نروجيء‪،‬‬
‫ويُعترب واحدا من أبرز املؤسسني واملنظرين‪ ،‬لعلم دراسات السالم والصرا يف‬
‫حقبة الستينيات من القرن العشرين ح اآلن‪ ،‬وهو أحد أرككان املدرسكة‬
‫األوروبية واملدرسة االسالندنافية على وجه اخلصو‪ ،.‬يف هذا احلقل العلمء‪.‬‬
‫قدم غالتونغ أطرا نظرية لدراسات السالم والصراعات‪ ،‬واستطا أن يقكدم‬
‫أمنوذجاً على شالل مثلث الصرا (العنف والسالم)‪ ،‬على اعتبار أن الصرا‬
‫هو عملية ديناميالية تفاعلية‪ ،‬تقوم على ثالثكة عناصكر هكء االجتاهكات‪،‬‬
‫والتناقضات البنيوية أو تناقضات السياق‪ ،‬أو تناقضات السكلوك‪ .‬والصكرا‬
‫يرتبط بتفاعل هذه املالونات الثالث مع بعضها‪ ،‬وكل منها يؤثر يف اآلخكر‪.‬‬

‫من أبرز مؤلفاته‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Boulding, Kenneth E.: 1962, Conflict and Defense: A General Theory,‬‬
‫‪New York: Harper and Brothers.‬‬
‫وملزيد من التفاصيل حول أطروحاته وآرائه راجع موقع ‪ Kenneth Boulding‬يف املوقع‬
‫اإللالتككروين جلامعككة كولككورادو األمرياليككة ‪،University of Colorado‬‬
‫‪.http://www.colorado.edu/econ/Kenneth.Boulding‬‬
‫‪17‬‬
‫ وهو‬، ‫ أبعد من منع الصرا‬،‫وكان يرى أن أجندة دراسات الصرا والسالم‬
‫ وبالتايل فكإن عمليكة تسكوية‬.1‫إجياد السالم اإلجيابكء يف اجملتمع اإلنساين‬
‫ تتطلب إحداث تغيريات إجيابية؛ ترتبط بالسكلوك واالجتاهكات‬،‫الصراعات‬
.2‫واملواقف والسياق أو املصاحل‬
‫ لعبت دوراً هاماً يف جعل حقل دراسات السالم‬،‫إن إسهامات يوهان غالتونغ‬
،‫ وشاللت إسهاماته مدرسة أوروبية يف هذا احلقكل‬،ً‫ حقالً علميا‬، ‫والصرا‬
Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit., 1
p. 42.
‫ راجكع املؤلفكات التاليكة‬.‫للمزيد من املعلومات حول الفصل الثاين مكن الالتكاب‬ 2
:‫لغالتونغ‬
Galtung, Johan: "Conflict as a Way of Life", in Freeman, Hugh (ed):
1969, Progress in Mental Health, Churchill, London, pp. 484-564,
p. 486-487.
Galtung, Johan: 1969, "Peace, Violence, and Peace Research", Journal
of Peace Research, Vol. 6, No. (3), pp. 167-191.
Galtung, Johan: 1980, the True Worlds: A Transnational Perspective,
The Free Press, New York.
Galtung, Johan: 1981, "Social Cosmology and the Concept of Peace",
Journal of Peace Research, 18 (2): 183-199.
Galtung, Johan: 1984, "Transarmament: From Offensive to Defensive
Defense", Journal of Peace Research, 21(2): 127-140.
Galtung, Johan: 1985, "Twenty-five Years of Peace Research: Ten
Challenges and Some Responses", Journal of Peace Research, 22(2):
141-158.
Galtung, Johan: 1987, "Only One Quarrel with Kenneth Boulding",
Journal of Peace Research, 24 (2): 199-203.
Galtung, Johan: 1988, 'What If the Devil Were Interested in Peace
Research?", Journal of Peace Research, 25 (1): 1-4.
Galtung, Johan: 1989, "The State, the Military and War", Journal of
Peace Research, 26 (1): 101-105.
Galtung, Johan: 1990, "Cultural Violence", Journal of Peace
Research, 27 (3): 291-305.
Galtung, Johan: 1996, Peace by Peaceful Means: Peace & Conflict,
Development & Civilization, International Peace Research Institute,
Oslo, p. 72.

18
‫تباينت يف مفاهيمها وأجندهتا البحثية عن املدرسة األمريالية‪ .1‬وساهم يوهان‬
‫غالتونغ‪ ،‬يف تأسي واحد من أقدم املعاهد البحثيكة املتخصصكة‪ ،‬يف جمكال‬
‫دراسات الصرا والسالم يف العامل‪ ،‬وهو معهد أحبكاث السكالم الكدويل‬
‫‪ )International Peace Research Institute (PRIO‬يف أوسلو‪ ،‬وقد ككان‬
‫رئي التحرير املؤس للمجلة العلمية العاملية املعروفة واليت ما زالت مستمرة‬
‫ح اليوم‪ ،‬وهء جملة أحباث السالم ‪ ،Journal of Peace Research‬وككان‬
‫ذلك عام ‪ .0194‬كما استمر دور غالتونغ باإلسهام يف هذا احلقل العلمء يف‬
‫املراحل التالية ملرحلة التأسي ‪ ،‬خاصة مرحلة التطوير والنمو والتوسع‪.‬‬
‫‪ .3‬جون بورتون ‪ - John Burton (1932‬حىت اآلن)‪ :‬هناك جمموعة أخكرى‬
‫من العلماء‪ ،‬كان هلم إسهامات مميزة يف حقل دراسات الصكرا والسكالم‪،‬‬
‫خالل هذه املرحلة‪ ،‬منهم على سبيل املثال جون بورتون ‪ ،John Burton‬وهو‬
‫عامل إجنليزي من أصل أسترايل‪ ،‬ولد يف اسكتراليا‪ ،‬ومكار حياتكه األوىل‬
‫كدبلوماسء‪ ،‬مث انتقل للحياة األكادميية يف أوائل السكتينيات‪ .‬وككان لكه‬
‫إسهامات واضحة‪ ،‬منها‪ :‬املشاركة يف بناء نظريات‪ ،‬ومنكاهج جديكدة يف‬
‫الدراسات الدولية ودراسات الصرا ‪ ،‬ومنها املشاركة يف بناء منهج‪ ،‬وطريقة‬
‫حل املشالالت‪ 2‬كجزء من دراسة الصراعات الدولية‪ ،‬والكذي ككان مكن‬
‫رواد تطوير األطر النظرية‪ ،‬والتقنيات التطبيقية يف هذا اجملال‪ .‬باإلضكافة إىل‬
‫مسامهة بورتون يف تأسي بعض اهليئات واملؤسسات العلمية املوضحة يف هذا‬
‫احلقل‪ ،‬مثل مشاركته يف املراحل األوىل من تأسي مركز تسوية الصكراعات‬
‫حول هذا التباين انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Lawler, Peter: 1995, A Question of Values: Johan Galtung's Peace‬‬
‫‪Research, Lynne Reinner Publishers, Boulder, London.‬‬
‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 42.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول هذه الفالرة وهذا املنهج‪ ،‬راجع‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 43-44.‬‬
‫‪De Reuck, Anthony: "A Theory of Conflict Resolution by Problem‬‬
‫‪Solving", quoted in Burton John & Dukes Frank: Conflict: Readings‬‬
‫‪in Management & Resolution, Op. cit., pp. 183-244.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ Center for Conflict Resolution‬يف جامعة لندن‪ ،‬وغريها من اإلسهامات‬
‫والعشرات من اجمللدات واملؤلفات العلمية‪ .1‬وقد تابع حياتكه األكادمييكة يف‬
‫معهد حتليل وتسكوية الصكراعات ‪Conflict Analysis and Resolution‬‬
‫‪ Institute‬يف جامعة جورج مايسون بأمريالا‪ ،‬ومعهد السكالم األمريالكء‪.‬‬
‫وميتاز جون بورتون باستمراره يف إسهاماته من املرحلة التأسيسية‪ ،‬إىل ما بعد‬
‫التأسي هلذا احلقل‪.‬‬
‫على صعيد بناء المؤسسا واصدار الدوريا العلمية‪:‬‬
‫شهدت هذه املرحلة‪ ،‬تأسي أهم املراكز البحثية والكدوريات العلميكة يف‬
‫العامل‪ ،‬واليت مازالت مستمرة إىل اليوم‪ ،‬متار دورها ونفوذها بشالل أوضكح يف‬
‫صياغة وتطوير حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬باإلضافة إىل تأثريها يف السياسات‬
‫وصنع القرار يف العديد من الدول‪.‬‬
‫وكان أول املعاهد املتخصصة يف جمال دراسات الصرا والسالم‪ ،‬هو خمتكرب‬
‫دراسات السالم (‪ )Peace Research Laboratory‬الكذي أسك بأمريالكا يف‬
‫‪ ،St Louis Missouri‬وأسسه ‪ Theadore F.lentz‬عكام ‪ 0141‬بعكد اهلجكوم‬
‫األمريالء النووي على هريوشيما‪ ،‬وجنازاكء‪ .‬كما شهدت هذه احلقبة صدور أول‬
‫دورية علمية متخصصة يف دراسات الصرا باللغة اإلجنليزية‪ ،‬وهء جملكة "فكض‬
‫النكزاعات" ‪ Journal of Conflict Resolution‬يف جامعة ميتشغان األمريالية عام‬
‫‪ ،0111‬وتُعترب واحدة من أهم الدوريات يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬وتأس يف نفك‬

‫انظر على سبيل املثال يف هذه املرحلة‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪Burton, John: 1968, Systems, States, Diplomacy and Rules,‬‬
‫‪Macmillan, London.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Burton, John: 1969, Conflict and Communication: The Use of‬‬
‫‪Controlled Communication in International Relations, Macmillan,‬‬
‫‪London.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Burton, John: 1972, World Society, Macmillan, London.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Burton, John: 1979, Deviance, Terrorism and War, St Martins‬‬
‫‪Press, New York.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 45.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪Center for research on conflict‬‬ ‫اجلامعة‪ ،‬مركز أحباث تسكوية الصكراعات‬
‫‪ resolution‬عام ‪ .0111‬ويف كندا تأس معهكد دراسكات السكالم الالنكدي‬
‫‪ Canadian Peace Research Institute‬عام ‪.0191‬‬
‫أما يف أوروبا‪ ،‬فقد تأس يف النرويج أول مركز حبثء متخصص يف دراسكات‬
‫السالم‪ ،‬وهو معهد أحباث السالم الدويل ‪(PRIO) International Peace Research‬‬
‫‪ Institute‬وذلك‪ ،‬يف العاصمة النروجيية‪ -‬أوسلو عام ‪ .0111‬وهو من أعرق املعاهكد‬
‫البحثية يف دراسات السالم والصرا ‪ ،‬ويصدر عنه واحدة من أقدم وأهم الكدوريات‬
‫املتخصصة يف هذا احلقل منذ عام ‪ 0194‬وهء‪ ،‬جملة "أحباث السكالم" ‪Journal of‬‬
‫‪ Peace Research‬وهء أول دورية من نوعها تصدر يف أوروبا‪.‬‬
‫كما تأسست معاهد حبثية وأكادميية متخصصة يف هذا احلقكل العلمكء يف‬
‫عدد من الدول األوروبية منها علكى سكبيل املثكال معهكد حبكوث السكالم‪،‬‬
‫‪ the Polemological Institute‬يف جامعة جرونينجن يف هولندا عكام ‪ ،0191‬ويف‬
‫فرنسا معهد دراسات احلرب ‪ )Institue de Polemologic (French Institute‬عام‬
‫‪ ،0111‬ويف بريطانيا تأس مركز النالستر لدراسات السالم (معهد ريتشاردسون)‬
‫‪ )Lancaster Peace Research Center (later the Richardson Institute‬يف‬
‫جامعة النالستر عام ‪ ،0111‬ومعهد استالهولوم ألحباث السكالم (‪ )SIPRI‬عكام‬
‫‪ 0199‬يف السويد‪ ،‬ويف جنوب أفريقيا‪ ،‬تأس مركز فض النكزاعات يف جامعكة‬
‫كيب تاون عام ‪ .0198‬كما تأس معهد ‪Tampere Peace Research Institute‬‬
‫يف جامعة ‪ The University of Tampere‬يف فنلندا عام ‪.0191‬‬
‫وتُعترب الدول االسالندنافية‪ ،‬األكثر اهتماماً يف تلك احلقبة مبجال دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬من بقية الدول األوروبية‪ ،‬وقد بذلت معاهدها ومراكزها البحثية‬
‫وبراجمها األكادميية جهوداً وإسهاماً واضحاً‪ ،‬يف دراسات الصرا والسالم أو قضايا‬
‫نكز السالح‪ ،‬وقد يالون ذلك ناتج عن التجكارب التارخييكة مكن احلكروب‬
‫والصراعات القاسية اليت حدثت بني الدول االسالندنافية‪ ،‬باإلضافة إىل إدراكهكا‬
‫خماطر احلرب الباردة وسباق التسلح حوهلا بالرغم من عدم انغماسها فيها‪.‬‬
‫ويُالحظ أن املؤسسات العلمية والبحثية يف أمريالا ‪ -‬خاصة جامعيت ميتشغان‬
‫وستانفورد ‪ -‬املتخصصة‪ ،‬يف هذا احلقل ركزت على دراسات الصكرا ‪ .‬بينمكا‬
‫‪10‬‬
‫املؤسسات البحثية األكادميية االسالندنافية بشالل خا‪ ،.‬ركزت على دراسكات‬
‫السالم‪ .‬أما على صعيد االحتادات واجلمعيات العلميكة املتخصصكة يف دراسكات‬
‫الصرا والسالم فالان أول مجعية أو احتاد دويل (ولي حمليا أو وطنيكا) يف هكذا‬
‫اجملال تأس عام ‪ ،0191‬وهو االحتاد الدويل ألحباث السالم ‪International Peace‬‬
‫‪ . )Research Association (IPRA‬بينما تأسست مجعية أحباث السالم‪(PRS) ،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ Peace Research Society‬خالل الفترة ‪ ،0194-0192‬واليت تغري امسها الحقكاً‬


‫وأصبح مجعية علم السالم ‪.2)Peace Science Society (PSS‬‬
‫وهذه اهليئات تُعىن بتنظيم املؤمترات العلمية‪ ،‬وإصدار املؤلفات والكدوريات‬
‫العلمية‪ ،‬وبناء شبالات تعاون علمء بني الباحثني‪ ،‬وغري ذلك من تطوير وتنشكيط‬
‫هذا احلقل‪ .3‬وتأس الحقاً العديد من اجلمعيات واالحتادات العلمية‪ ،‬يف معظكم‬
‫‪Ryan, Stephen: 2003, "Peace and Conflict Studies Today", the Global‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.Review of Ethnopolitics, Vol. 2, No. 2, pp. 75-82, p. 75-77‬‬
‫‪Wiberg, Hakan: "The Peace Research movement", in Wallensteen,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Peter (Ed): Peace Research: Achievements and Challenges, Op. cit.,‬‬
‫‪.p. 42‬‬
‫ويشري الباحث إىل انه عند املقارنة بني هاتني املؤسستني ‪ IPRA‬و‪ PSS‬اللتني تأسستا يف‬ ‫‪3‬‬
‫وقت واحد تقريباً‪ ،‬كانت أوجه التباين متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫كان االحتاد ‪ IPRA‬حيمل صبغة دولية‪ ،‬ولذلك كان ميثل يف اليونيسالو‪ ،‬بينما ‪ PSS‬كان‬
‫نطاق عمله يف أمريالا الشمالية بشالل أساسء‪.‬‬
‫أيضاً ‪ IPRA‬كان يُعترب حركة ‪ movement‬تُعىن بالباحثني واملدربني ( & ‪Researchers‬‬
‫‪ ،)Educators‬بينما ‪ PSS‬كان يهتم باهليئة األكادمييكة ‪ ،Scholars‬ولكذلك كانكت‬
‫نشرات ‪ IPRA‬هتتم بالبعد البحثء والتوعوي والتأثري يف السياسات ذات العالقة بالسالم‪،‬‬
‫بينما ‪ PSS‬كان اهتمامه معرفيا صرفا‪.‬‬
‫وأخرياً‪ ،‬يف ضوء نشاط ‪ IPRA‬الدويل‪ ،‬فقد نتج عنه مجعيات دوليكة إقليميكة مثكل‬
‫(‪ )OPRED‬عام ‪ 0110‬يف أمريالا الشمالية‪ CIAIP ،‬يف أمريالا الالتينية عكام ‪،0111‬‬
‫واالحتاد اآلسيوي ألحباث السالم عام ‪ ،0181‬بينما نشأ عكن ‪ PSS‬أقسكام ‪Sections‬‬
‫داخل الواليات املتحدة وبريطانيا واليابان فقط‪.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول هذه اجلمعيات العلمية واملقارنات بني أهم هكذه اجلمعيكات‪،‬‬
‫راجع‪:‬‬
‫‪1. Wiberg, Hakan: "The Peace Research movement", Op. cit.,‬‬
‫‪p. 42-43, 51.‬‬
‫‪2. Ryan, Stephen: "Peace and Conflict Studies Today", Op. cit.,‬‬
‫‪p. 75-77.‬‬

‫‪11‬‬
‫الدول الغربية ويف الالثري من دول العامل‪ ،‬ويشار هنا إىل دور منظمة اليونيسالو‪ ،‬إذ‬
‫لعبت دوراً مبالراً يف دعم أحباث السالم واملؤسسات واالحتادات الدولية‪.‬‬
‫وقامت بإجراء مسوحات وأدلة ملؤسسات أحباث ودراسات السكالم‪ ،‬لبنكاء‬
‫وتعزيز شبالات التعاون فيما بينها‪ ،‬ودعم بنيتها التحتية‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬رمبا من املناسب اإلشارة‪ ،‬إىل ظهور حراك دويل خا‪ .‬يف‬
‫جمال األمن والسالم‪ ،‬بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬نتج عنه آلية مؤسسية تعمل علكى‬
‫حتقيق األمن والسلم الدوليني‪ ،‬وعلى أسا حل النكزاعات بكالطرق السكلمية‪،‬‬
‫ومتثلت هذه اآللية املؤسسية‪ ،‬بتأسي منظمة األمم املتحكدة عكام ‪ .0141‬كمكا‬
‫تأسست على الصعيد اإلقليمء العربكء‪ ،‬جامعة الدول العربية قبل منظمة األمكم‬
‫املتحدة بعدة أشهر؛ لتساهم يف حتقيق جمموعة أهداف‪ ،‬منها تسكوية الصكراعات‬
‫العربية بالطرق السلمية‪ ،‬واملسامهة يف احملافظة على األمن القومء العربكء‪.‬‬
‫أما على صعيد املراكز البحثية‪ ،‬يف العامل العربكء املعنية بدراسات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬فإنه من املثري لالهتمام أن الصرا العريب‪ -‬اإلسرائيلء تولد عنه مؤسسات‬
‫علمية أو مراكز حبثية تعىن وهتتم بالصرا العريب‪ -‬اإلسرائيلء دون أن حتمل مسمى‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ ،‬خاصة وأن طروحات السالم مع االحتالل اإلسرائيلء‪،‬‬
‫كانت عنصرا سلبيا‪ ،‬وموقع معارضة ونقدا ألي مؤسسة‪ ،‬أو هيئة حبثية أو علميكة‪،‬‬
‫تسعى أو تقبل بطروحات السالم مع الاليان اإلسرائيلء‪ .‬بالرغم مكن اتفاقيكات‬
‫السالم (اتفاقيات كامب ديفيد)‪ ،‬اليت وقعت بني احلالومة املصكرية وإسكرائيل يف‬
‫العام ‪.0111‬‬
‫إن غياب مؤسسات حبثية‪ ،‬حتمل مسمى السالم والصرا ‪ ،‬ال يعكين عكدم‬
‫اهتمام بعض املؤسسات العربية بدراسة الصرا العريب‪ -‬اإلسرائيلء‪ ،‬مثل مؤسسكة‬
‫الدراسات الفلسطينية ‪ -‬اليت تأسست عام ‪ ،0192‬أو مركز األهكرام للدراسكات‬
‫االستراتيجية‪ ،‬الذي تأس عام ‪ 0198‬وغريمها من املؤسسات‪.1‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول نشأة وتطور مراكز األحبكاث والدراسكات العربيكة انظكر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ ،1100 :‬دور مراكز الدراسات اخلاصة يف البحث العلمكء وصكناعة‬
‫السياسات العامة‪ :‬إطار عام‪ ،‬ورقة مقدمة ملؤمتر صناعة البحث العلمء يف اململالة العربية‬
‫السعودية‪ 11-19 ،‬إبريل ‪1100‬م‪ ،‬الرياض‪ :‬منتدى الشراكة اجملتمعيكة‪-200 . . ،‬‬
‫‪.211 . ،218‬‬
‫‪11‬‬
‫طبيعة األفكار المحورية في هذه المرحلة‪:‬‬
‫تُعترب مرحلة اخلمسينيات والستينيات‪ ،‬مرحلة التأسي الفعلء هلكذا احلقكل‬
‫العلمء‪ ،‬إذ مت العمل على إرساء األس ‪ ،‬واألطر النظرية واملعرفية ملنظومته العلمية‪،‬‬
‫وكذلك مت وضع النظريات العلمية األساسية‪ ،‬باإلضافة إىل بناء وتطوير املناهج‪ ،‬أو‬
‫املداخل األساسية والنماذج اخلاصة هبذا احلقل‪.‬‬
‫يف هذه املرحلة‪ ،‬بدأت تظهر مالمح دراسات الصرا والسالم كعلم‪ ،‬ففكء‬
‫هذه املرحلة مت االهتمام بتطوير‪ ،‬واستخدام املنهج الالمء‪ ،‬خاصكة يف الواليكات‬
‫املتحدة‪ ،‬والذي نشط بشالل كبري يف دراسة العالقات الدولية عموماً؛ مما كان لكه‬
‫انعالا واضح على منهج دراسات الصرا ‪ ،‬حيث بدأت اجلماعة األكادمييكة يف‬
‫استخدام املنهج الالمء يف حتليل الصراعات خاصة يف جامعة ميتشكغان‪ ،‬وهكذا‬
‫االجتاه الالمء يف دراسات الصرا ‪ ،‬كان له تأثري واضح‪ ،‬على بكروز أول جملكة‬
‫دورية علمية متخصصة يف دراسات الصرا ‪ ،‬وهء جملة تسوية الصراعات أو "فض‬
‫املنازعات"‪ ،Journal of conflict resolution‬واليت سبق اإلشارة إليها‪.‬‬
‫ويف هذه املرحلة أيضاً‪ ،‬كان اجلدل بني املدرسة الواقعية‪ ،‬واملدرسة املثاليكة يف‬
‫مدار العالقات الدولية‪ ،‬وهو ما انعال على دراسات الصرا والسالم‪ ،‬فمكن‬
‫جهة عززت املدرسة املثالية‪ ،‬دراسات الصكرا والسكالم‪ ،‬وضكرورة تسكوية‬
‫الصراعات بالطرق السلمية‪ ،‬واالهتمام مبنع الصراعات وحتقيق السالم اإلجيابكء‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ضغط أصحاب املدرسة الواقعية يف العالقات الدولية‪ ،‬بضرورة‬
‫االهتمام بالقوة واستخدامها‪ ،‬عند الضرورة لتعمل على تسوية الصراعات أو منكع‬
‫حدوثها‪ ،‬وبالتايل اهتمت هذه املدرسة بضرورة بناء القوة مثل السكالح النكووي‬
‫وسباق التسلح؛ وقد انعال ذلك‪ ،‬على توليد اجتاهات تشكاؤمية حنكو السكالم‬
‫وأحباث الصرا على الباحثني الذين يعملون يف هذا احلقل‪.1‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذه االجتاهات‪ ،‬والعالقة بني العالقات الدولية وبني هذا احلقل‬ ‫‪1‬‬
‫العلمء‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Ryan, Stephen: “Peace and Conflict Studies today”, Op. cit.‬‬
‫‪Van Den Dungen, Peter: "Initiatives for the Pursuit and‬‬
‫‪institutionalization of Peace Research", Op. cit. quoted in Ramsbothan‬‬
‫‪Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: p35.‬‬

‫‪14‬‬
‫وقد استمرت اإلسهامات العلمية لبعض علماء هذه املرحلة‪ ،‬إىل املرحلة الكيت‬
‫تليها لتطور هذا احلقل العلمء‪ ،‬من السبعينيات وح التسكعينيات مكن القكرن‬
‫العشرين‪.‬‬
‫إن الدراسات واملؤلفات اليت قدمها العلماء املؤسسون‪ ،‬والذين أشري إىل أمههم‬
‫مع طبيعة إصداراهتم واهتماماهتم العلمية‪ ،‬تشري إىل تركز جهود هؤالء املؤسسكني‪،‬‬
‫على دراسة أسباب احلروب والصراعات أكثر منه على دراسة أسباب السكالم‪.1‬‬
‫وإن كان ذلك‪ ،‬يعترب أمراً طبيعياً يف عملية تطور هذا احلقل‪ ،‬فقضية السالم عمليكة‬
‫يرتالز مضموهنا على العدل والتعاون‪ ،‬وهء أكثر تطوراً‪ ،‬من قضية غياب العنكف‬
‫والصرا ووجود األمن‪( ،‬أو ما يسمى بالسالم السلبكء)‪.‬‬
‫و يالحظ أيضاً ‪ ،‬أن إسهامات علماء هذه احلقبة جاءت من خلفيكات‪ ،‬أو‬
‫ختصصات علمية خمتلفة‪ ،‬ولي من متخصصني يف جمال الصرا والسالم فقكط‪.‬‬
‫فالانت اخللفيات العلمية متنوعة مثل علم االجتما ‪ ،‬العلوم السياسية‪ ،‬والقكانون‬
‫الدويل‪ ،‬اإلدارة واملوارد البشرية‪ ،‬علم النف وغريها من التخصصات‪ .‬ويف هكذه‬
‫املرحلة‪ ،‬تولدت قناعات لدى املهتمني بشؤون الصرا والسالم‪ ،‬أن هذا احلقكل‬
‫من التعقيد‪ ،‬حبيث ال ميالن أن يعتمد على ختصص واحد‪ ،‬بل علكى ختصصكات‬
‫علمية متنوعة‪ ،‬ومن هنا اعتمد هذا احلقل العلمء يف هذه املرحلكة‪ ،‬واملراحكل‬
‫الالحقة على ختصصات‪ ،‬أو حقول علمية خمتلفة‪ ،‬وبالتايل فإن هذا احلقل‪ ،‬هكو‬
‫حقل متداخل التخصصات‪ ،‬ويستخدم نظريات ومفاهيم من حقكول متعكددة‬
‫ومتداخلة‪ ،‬لدرجة اعتبار حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬بأنه حقل هجني‪ ،‬وليد‬
‫تفاعل جمموعة من التخصصات العلمية األساسية‪ ،‬ومن أمهها‪ :‬العلوم السياسكية‬
‫والعالقات الدولية‪ ،‬علم االجتما ‪ ،‬علم النف ‪ ،‬علم االقتصكاد‪ ،‬علكم اإلدارة‪،‬‬
‫القانون وغريها‪.‬‬

‫‪Van Den Dungen, Peter: "Initiatives for the Pursuit and‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.institutionalization of Peace Research", Op. cit‬‬
‫‪15‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة النمو والتوسع (السبعينيا والثمانينيا )‪:‬‬
‫نشأو وأهمية هذه المرحلة‪:‬‬
‫شاللت هذه املرحلة‪ ،‬امتداداً توسعياً وتعزيزاً ملرحلة الستينيات‪ ،‬وغلب على هكذا‬
‫التوسع االمتداد األفقء‪ ،‬أي زيادة التوسع الالمء هلذا احلقل العلمء‪ ،‬ومتثكل ذلكك يف‬
‫ازدياد عدد الباحثني واملختصني يف دراسات الصرا والسالم‪ ،‬وهكو مكا ظهكر يف‬
‫التوسع‪ ،‬يف عضوية اجلمعيات واالحتادات العلمية املتخصصة‪ ،‬يف هكذا اجملكال مثكل‪:‬‬
‫االحتاد الدويل ألحباث السالم ‪ IPRA‬و‪ PSS‬على سبيل املثال‪ .‬كما ظهر التوسكع‪ ،‬يف‬
‫ازدياد عدد املؤسسات البحثية‪ ،‬والربامج العلمية املتخصصة يف جمال دراسات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬مع زيادة االمتداد أو االنتشار يف كثري من الدول األوروبية واليابان بشكالل‬
‫خا‪ ..‬باإلضافة إىل ازدياد‪ ،‬ومنو اجلمعيات العلمية‪ ،‬على الصعيد الوطين واإلقليمكء‪،‬‬
‫اليت تُعىن بدراسات وقضايا الصرا ‪ ،‬واألمن والسالم‪ ،‬وتظهر بعض املؤشرات الرقميكة‬
‫يف هذا اجملال الحقاً‪ ،‬عند احلديث عن املؤسسات والدوريات العلمية‪.‬‬
‫إن هذا التوسع األفقء لدى الباحثني‪ ،‬واملؤسسات العلمية واملراكز البحثيكة‬
‫املتخصصة‪ ،‬يف دراسات السالم‪ ،‬صاحبه تراكم معريف (أي بناء عامودي وأفقكء)‪،‬‬
‫هلذا احلقل متثل يف كثرة اإلنتاج الفالري لألحباث واملؤلفات العلمية‪ ،‬وكثرة النشكر‬
‫العلمء املتخصص‪ ،‬سواء على شالل كتب‪ ،‬أو موسوعات أو على شالل أحبكاث‬
‫علمية‪ ،‬منشورة يف الدوريات العلمية املتخصصة‪ ،‬أو يف املؤمترات العلمية‪ .1‬ويُالحظ‬
‫يف هذه املرحلة‪ ،‬أن اإلضافات أو اإلسهامات العلمية‪ ،‬يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬ككان‬
‫يغلب عليها إسهامات تقدمها مؤسسات حبثية‪ ،‬وفرق عمكل مجكاعء مشكترك‪،‬‬
‫وتراجع الدور الفردي للباحثني والعلماء يف البناء املعريف هلذا اجملال‪ ،‬كما كانكت‬
‫احلال يف املرحلة التأسيسية هلذا احلقل‪ ،‬يف اخلمسينيات والستينيات‪ .2‬وتصاعد دور‬

‫قام الباحث مبسح للدوريات العلمية اليت تأسست يف مرحلة السكبعينات والثمانينكات‬ ‫‪1‬‬
‫مستفيداً من دليل االحتاد الدويل ألحباث السالم‪:‬‬
‫‪IPRA Directory Guide of Peace Research , http://ipra.terracuranda.org/‬‬
‫انظر على سبيل املثال مشرو أو مبادرة جامعة هارفارد وجامعة ميتشغان يف منهج "حل‬ ‫‪2‬‬
‫املشالالت واملفاوضات" (‪ ،)Problem Solving principled negotiation‬لتفصكيل‬
‫وتطورات هذه املبادرة انظر‪:‬‬
‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit., p. 48-50.‬‬

‫‪16‬‬
‫املؤسسات العلمية‪ ،‬ال يعين هتميشا لدور اإلنتاج‪ ،‬والنشر العلمء الفردي للباحثني‪،‬‬
‫وقد ظل مهماً يف حركة البحث والنشر العلمء يف جمال دراسات الصرا والسالم‪.‬‬
‫على صعيد العلماء والباحثين‪:‬‬
‫استمرت جهود وإسهامات عدد من علماء مرحلكة السكتينيات‪ ،‬إىل هكذه‬
‫املرحلة وما بعدها‪ ،‬ممن استمروا على قيد احلياة مثل يوهان جالتونغ ‪John Galtung‬‬
‫وجون بورتون ‪ ،John Burton‬الذي قام بإنتاج جمموعة شكاملة مكن املؤلفكات‬
‫العلمية‪ ،‬تضم أهم اإلنتاج الفالري لالبار الباحثني يف هذا احلقل العلمكء‪ ،‬وهكذه‬
‫اجملموعة‪ ،‬هدفت إىل توفري مالتبة علمية شاملة متخصصكة‪ ،‬يف حقكل دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬خدمة للباحثني والدارسني واملمارسني يف هذا احلقكل العلمكء‪.‬‬
‫باإلضافة إىل بروز عدد من الباحثني يف هذه املرحلة‪ ،‬ومن أبرز علماء هذه املرحلة‬
‫مثل إدوارد عازار ‪ ،Edward Azar‬الذي عمل أستاذاً جامعياً يف جامعة مرييالنكد‬
‫األمريالية وهو من أصل لبناين‪ ،‬وقدم جمموعة الطروحات النظرية‪ ،‬اليت تدور حول‬
‫الصراعات اجملتمعية أو الدولية املمتدة (طويلة األمد)‪ .1‬صدرت هذه اجملموعة عكن‬
‫دار ماكميالن العاملية عام ‪ ،0111‬وأصبحت مرجعاً نظرياً وأساسياً‪ ،‬للعكاملني يف‬
‫هذا النو من الصراعات‪.‬‬
‫ومن علماء هذه املرحلكة‪ ،‬آدم ككارل ‪ ،Adme Curle‬وويليكام زارمتكان‬
‫‪ William Zartman‬اللذان أعطيا اهتماماً خاصاً للمفاوضات‪ ،‬ودانيال دراكمكان‬
‫‪ ،Druckman Daniel‬وليز باولدينغ ‪ Lis Boulding‬وجاكوب بريكوفيتش ‪Jacob‬‬
‫‪ ،Bercovitch‬الذي اهتم بشالل خا‪ .‬مبوضكو الوسكاطة‪ ،‬حيكث ترككزت‬
‫جهودهم‪ ،‬وطروحاهتم النظرية بشالل أسا يف جمال املفاوضات والوساطة‪ .‬ومكن‬
‫العلماء أيضاً‪ ،‬أستاذ علم االجتما الربوفيسور لوي ككريبريغ ‪Louis Kreiberg‬‬
‫مديرو مؤس برنامج حتليل الصراعات‪ ،‬وفض املنازعات يف جامعكة سكرياكيوز‬
‫األمريالية‪ ،‬فقد اهتم بتحليل الصراعات‪ ،‬ومنع تصعيدها سواء على الصعيد اجملتمعء‬

‫انظر على سبيل املثال دراسته‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Azar Edward: “Protracted International Conflicts: Ten Propositions”,‬‬
‫‪in Burton John & Dukes Frank: Conflict: Readings in Management‬‬
‫‪& Resolution, Op. cit.‬‬

‫‪17‬‬
‫ الكذي‬،David Singer ‫ ومن علماء هذه املرحلة أيضًا ديفيد سكنجر‬.1‫أو الدويل‬
‫) يف منتصكف السكتينيات يف‬COW (Correlates of War ‫أس مشرو قاعدة‬
‫ وهذا املشرو يُعىن جبمع البيانكات الالميكة حكول احلكروب‬،‫جامعة ميتشغان‬
‫ بكني‬،‫ وهدف سنجر من هذا املشرو إىل دراسة العالقة‬.‫والصراعات بني الدول‬
.2‫ وبالتايل معرفة أسباب احلروب‬.‫أمناط وطبيعة السلوك وحدوث احلرب‬

:‫انظر على سبيل املثال بعض مؤلفات هؤالء العلماء يف تلك احلقبة‬ 1
Kriesberg Louis: 1973, The Sociology of Social Conflicts, Englewood
Cliffs, NJ: Prentice- Hall.
Kriesberg Louis: 1982, Social Conflicts, Englewood Cliffs, NJ:
Prentice- Hall.
Kriesberg Louis: 1991, "Conflict Resolution Applications to Peace
Studies", Peace & Change, 16 (4): 400-417.
Kriesberg Louis: 1992, International Conflict Resolution, New Haven,
Conn.:Yale University Press.
Kriesberg Louis: 1992b, De-escalation & Transformation of
International Conflicts, New Haven, Conn.: Yale University Press.
Kriesberg Louis: 2001, "Mediation & the Transformation of the Israeli
Palestinian Conflict", Journal of Peace Research, 38 (3): 373-392.
Bercovitch Jacob: (ed), 1991, "International Mediation", Journal of
Peace Research, 28 (1) Special Issue.
Bercovitch Jacob: (ed), 1996, Resolving International Conflicts: The
Theory & Practice of Mediation, Boulder, Col.: Lynne Rienner
Publishers.
Zartman William: 1978, the Negotiation Process: Theories and
Applications, Beverley Hills, Calif.: Sage.
Zartman William: 1985, Ripe for Resolution: Conflict and
Intervention in Africa, New York: Oxford University Press.
Zartman William (Ed): 1995, Collapsed States: The Disintegration
& Restoration of Legitimate Authority, Boulder, Col.: Lynne
Rienner Publishers.
Zartman William, (Ed) 1995b, Exclusive Peace: Negotiating an End
to Civil War, Washington DC: Brookings Institution.
‫ملزيد من التفاصيل حول ديفيد سنغر راجع موقعه اإللالتكروين يف جامعكة ميتشكغان‬ 2
‫ وملزيد من التفاصيل حول مشرو‬،http://sitemaker.umich.edu/jdsinger/home
.http://www.correlatesofwar.org :‫ راجع موقعها اإللالتروين‬COW
18
‫المؤسسا والدوريا العلمية‪:‬‬
‫مت اإلشارة يف بداية احلديث‪ ،‬إىل نشأة وتطور هذه املرحلة إىل أن أهم مسكات‬
‫هذه املرحلة النمو والتوسع امللحوظ (األفقء والعمودي)‪ ،‬يف عدد من املؤسسكات‬
‫العلمية واملراكز البحثية‪ ،‬واالحتادات واجلمعيات‪ ،‬والدوريات العلمية الكيت تعكىن‬
‫بدراسات الصرا والسالم‪ .‬وكان االمتداد واالنتشار هلذه املؤسسكات العلميكة‬
‫امتداداً أفقياً‪ ،‬لي يف أمريالا فحسب‪ ،‬بل مشل مجيع الدول األوروبية والعديد مكن‬
‫دول آسيا‪ ،‬وبعض دول أفريقيا‪ .‬ففء دليل اليونيسالو ‪ IPRA‬على سكبيل املثكال‪،‬‬
‫يشار إىل تأسي ما يقارب ‪ 111‬معهد ومركز حبثء واحتكاد أو مجعيكة يف هكذه‬
‫املرحلة‪ ،‬ح هناية الثمانينيات وبداية التسعينيات‪.1‬‬
‫وانتشرت الربامج األكادميية املتخصصة‪ ،‬يف دراسات الصرا والسكالم‪ ،‬يف‬
‫العديد من جامعات دول العامل‪ ،‬فعلى سبيل املثال تأس قسم أحبكاث الصكرا‬
‫ودراسات السالم يف جامعة أبساال السويدية عام ‪ ،0110‬الذي ميكنح الكدرجات‬
‫العلمية‪ ،‬ويقدم الربامج التدريبية املختلفة‪ .‬ويف إيرلندا الشمالية تأسسكت جامعكة‬
‫بلفاست‪ .COPR ،ICOR ،‬وقسم دراسات السالم يف جامعة برادفور الربيطانيكة‬
‫عام ‪ 0112‬الذي كان أحد مؤسسيه ‪ Adam Curle‬ويف الواليات املتحدة األمريالية‬
‫تأس العديد من املؤسسات العلمية واملراكز البحثية منها‪ :‬معهد حتليكل وفكض‬
‫النكزاعات ‪ School for Conflict Analysis and Resolution‬التكابع جلامعكة‬
‫جورج مايسون‪.‬‬
‫يُعترب هذا املعهد‪ ،‬من أهم املؤسسات العلمية يف حقكل دراسكات الصكرا‬
‫والنكزاعات يف أمريالا‪ ،‬تأس عام ‪ 0180‬كمركز حبثء باسكم مرككز فكض‬
‫النكزاعات‪ ،Center for Conflict Resolution ،‬وتطور الحقًا ليصبح "معهكداً‬
‫‪ ،"School‬يقدم برامج أو درجات أكادميية (بالالوريو ‪ ،‬ماجستري ودكتوراه) يف‬
‫هذا احلقل العلمء‪ ،‬باإلضافة إىل انه أصبح حيتوي على عدّة مراكز حبثية متخصصة‬
‫نظرياً وتطبيقياً يف جماالت خمتلفة‪ ،‬من علم دراسات الصرا وفض النككزاعات‪،‬‬
‫‪World Directory of Peace and Training Institutions: 1994,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪UNESCO Social & Human Sciences Documentation Centre & Division‬‬
‫‪of the Human Rights, Democracy and Peace, Blackwell Publishers,‬‬
‫‪Oxford, pp. 21-193.‬‬

‫‪19‬‬
‫وأصبحت هذه اجلامعة متتلك مالانة عاملية مرموقة‪ ،‬يف حقل دراسات الصرا هبذا‬
‫املعهد‪ .‬وتأس أيضا معهد الواليات املتحدة للسالم عكام ‪United States 0184‬‬
‫‪ ،Peace Institute‬وهو معهد يتبع للالونغر ويعىن بقضايا السالم والصرا ‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬يشري الدليل العاملء ملؤسسات أحباث السالم‪ ،‬والصادر عن‬
‫اليونيسالو عام ‪ 0180‬إىل وجود ما يزيد عن ‪ 202‬مؤسسة ألحباث السكالم حك‬
‫تاريخ صدور هذا الدليل‪.1‬‬
‫وال شك‪ ،‬أن دوافع إنشاء بعض هذه املراكز البحثية‪ ،‬والكربامج واملعاهكد‬
‫العلمية يف بعض دول العامل ارتبط باحلاجة إىل دراسة ومعاجلة الصكراعات الكيت‬
‫تعيشها هذه الدول‪ ،‬مثل مشاللة جنوب أفريقيا يف تلك احلقبة‪ ،‬والصرا يف مشال‬
‫إيرلندا يف اململالة املتحدة‪.‬‬
‫طبيعة األفكار المحورية في هذه الحقبة‪:‬‬
‫اجتهت الدراسات واألحباث يف حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬حنو املزيكد‬
‫من التعمق يف نظريات الصرا والسالم‪ ،‬واالستفادة منها‪ ،‬والعمل علكى تطكوير‬
‫املناهج واملداخل العلمية اخلاصة هبذا احلقل‪ ،‬مع التركيز على التطبيقكات العمليكة‬
‫لألطر النظرية‪ .‬وحماولة التركيز على اجلوانب العلميكة لألبعكاد ذات اإلمالانيكة‬
‫التطبيقية‪ ،‬ومن هنا منت بقوة الدراسات اليت تُعىن بأساليب فض املنازعات‪ ،‬مثكل‪:‬‬
‫املفاوضات والوساطة‪ ،‬وغريمها من األساليب والتقنيات واملناهج العلمية اليت تُعكىن‬
‫هبذا اجلانب‪ ،‬وتطوير املهارات الالزمة‪ ،‬ملمارسة هذه األساليب والتقنيات العلمية‪،‬‬
‫بالرغم من أن عملية املفاوضات‪ ،‬والوساطة عملية قدمية ارتبطت مع حياة اإلنسان‪،‬‬
‫ونشوء الاليانات السياسية منذ العهود اليونانية والرومانيكة‪ ،‬ومكن مث تطورهكا‬

‫قام الباحث مبسح للدوريات العلمية اليت تأسست يف مرحلة السكبعينات والثمانينكات‬ ‫‪1‬‬
‫مستفيداً من‪:‬‬
‫دليل االحتاد الدويل ألحباث السالم ‪International Peace Research Association‬‬
‫)‪.(IPRA‬‬
‫املوقع اإللالتروين لديفيد سنغر ‪ David Singer‬مؤس قاعدة بيانات ‪ ،COW‬مرجكع‬
‫سبق ذكره‪.‬‬
‫‪World Directory of Peace Research Institution: 1981, reports and‬‬
‫‪papers in the social sciences, no.49, UNESCO, Paris.‬‬

‫‪41‬‬
‫بارتباطها بالنشاط الدبلوماسء للدولة القومية الحقاً‪ ،‬واملنظمات الدولية مثل األمم‬
‫املتحدة ومنظماهتا املتخصصة‪ .‬إال أن جمموعة كبرية من علماء حقكل دراسكات‬
‫الصرا يف هذه احلقبة‪( ،‬خاصة يف الثمانينيات) كانوا يعتقدون أن هناك عجكزا أو‬
‫قصورا يف الدراسات النقدية للوساطة‪ ،‬وأنه ما زالت تعاين قصكوراً يف التحليكل‬
‫املنهجء أو املنظومء ‪.of1‬‬
‫وظهر يف هذه احلقبة أيضاً‪ ،‬العديد من الدراسات اليت تركز علكى موضكو‬
‫املفاوضات‪ ،‬والوساطة من الناحية النظرية والتطبيقية‪ .‬وكانت منكها إسكهامات‬
‫خاصة تسعى حنو مأسسة عملية الوساطة‪ ،‬ودور الوسطاء يف الصرا ‪.2‬‬
‫وظهرت يف هذه املرحلة‪ ،‬مداخل ومدار علمية لتسوية الصراعات مثكل‪:‬‬
‫(‪ )Alternative Dispute Resolution ADR‬وهء مدرسة تعتمد على اآلليكات‬
‫واألطر القانونية لتسوية اخلالفات والصراعات‪ ،‬وكذلك تطوير منكهج مدرسكة‬
‫كالالت ( ‪The Harvard School: Problem-Solving‬‬ ‫كل املشك‬‫كارد حلك‬‫هارفك‬
‫‪ )Workshop‬وإن كان هذا املنهج بدأ يتبلور يف منتصف مرحلة السكتينيات مكن‬
‫القرن العشرين‪ ،‬من خالل تطبيقه على الصرا بني ماليزيا وإندونيسيا عام ‪،0191‬‬
‫إال أن تطويره واعتماده كمدرسة منهجية‪ ،‬كان يف هذه احلقبة‪ .‬عموماً‪ ،‬إن األطكر‬
‫األساسية هلذه املرحلة‪ ،‬منت بقوة يف النصف الثاين من عقد الثمانينيات من القكرن‬
‫العشرين‪ ،‬وشاللت األفالار بداية لدراسات املرحلة التالية‪.‬‬

‫‪Pruitt, Dean, And Rubin, J: 1986, Social Conflicts: Escalation,‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪.Stalemate and Settlement, Random House, New York, p. 273‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Curle Adam: 1971, Making Peace, Tavistock Publications, London.‬‬
‫‪Curle Adam: 1986, in the Middle: Non-official Mediation in Violent‬‬
‫‪Situations. St. Martins Press, New York.‬‬
‫‪Zartman William (Ed): 1978, the Negotiation Process: Theories and‬‬
‫‪Applications, Sage, Beverley Hills, Calif.‬‬
‫‪Zartman William (Ed), 1995, Elusive Peace: Negotiating an End to‬‬
‫‪Civil Wars, The Brooking institution, Washington D.C.‬‬
‫‪Bercovitch Jacob (Ed): 1991, "International Mediation", Journal of‬‬
‫‪Peace Research, 28 (1), special issue.‬‬

‫‪40‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة االنتشار والرسوخ العالمي (من نواية الثمانينيا‬
‫إلى نواية ‪:)2192‬‬

‫نشأو وأهمية هذه المرحلة‪:‬‬


‫على الرغم من اهنيار االحتاد السوفيا عام ‪ ،0111‬وانتهاء احلكرب البكاردة‬
‫وسباق التسلح‪ ،‬اللذين شالال أحد أهم الدوافع على صعيد نشوء دراسات الصرا‬
‫والسالم‪ ،‬وعلى تطور هذا احلقل‪ ،‬إال أنه من الصعب فصل بدايات هذه املرحلة عن‬
‫النصف الثاين من حقبة الثمانينيات (واليت بدأت فيها تغيريات أساسية‪ ،‬يف االحتكاد‬
‫السوفيييت يف عهد الرئي ميخائيل غورباتشوف انتهت باهنيار االحتاد السوفيا )‪.‬‬
‫وأمهية هذه املرحلة موضع الدراسة‪ ،‬هء اسكتالمال تطكور دراسكات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬اليت ظهرت من خالل انتشار هذا احلقل انتشاراً واسعاً وكثيفاً وراسخاً‪،‬‬
‫يف معظم دول العامل‪ ،‬سواء على صعيد ازدياد أعداد املؤسسات العلمية واملراككز‬
‫البحثية‪ ،‬أو على صعيد ازدياد عدد الدوريات العلمية‪ ،‬أو علكى صكعيد تأسكي‬
‫الربامج الدراسية يف هذا التخصص‪ ،‬مكع االزديكاد الالكبري مكن املتخصصكني‬
‫واألكادمييني واملمارسني يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬وأخرياً التوسع يف اإلنتاج العلمكء‬
‫واألجندة البحثية واجملاالت الفرعية هلذا احلقل العلمء‪ ،‬وهكذا التوسكع‪ ،‬أدى إىل‬
‫االزدياد اهلائل يف النشاط العلمء‪ ،‬من مؤمترات وندوات ومشاريع حبثية ومؤلفكات‬
‫وغريها من األنشطة‪.‬‬
‫علماء ومفكرو هذه المرحلة‪:‬‬
‫بالرغم من االزدياد اهلائل يف عدد األكادمييني واملفالرين‪ ،‬يف ختصص دراسات‬
‫الصرا والسالم يف العامل‪ ،‬يف هذه املرحلة‪ ،1‬إال أن اإلضافة العلمية أو اإلسهامات‬
‫احملورية‪ ،‬كانت تتم من خالل فرق‪ ،‬أو جمموعات حبثية‪ ،‬تعمل على مشاريع علمية‪،‬‬
‫أو من خالل مؤسسات حبثية تعمل على مشاريع معينة‪ ،‬وأصكبحت اإلسكهامات‬
‫الفردية على الصعيد النظري‪ ،‬حمدودة حيث إن مفالكري املرحلكة التأسيسكية‪،‬‬

‫انظر على سبيل املثال عدد األعضاء يف دليكل االحتكاد الكدويل ألحبكاث السكالم‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.IPRA Directory Guide of Peace Research‬‬
‫‪41‬‬
‫(املرحلتني األوىل والثانية) هلذا احلقل العلمء‪ ،‬قاموا بصياغة وبناء األس ‪ ،‬واألطر‬
‫النظرية واملناهج واملفاهيم النظرية هلذا احلقل‪ .‬طبعاً هذا كلكه ال ينفكء اجلهكود‬
‫واإلسهامات اخلاصة الفردية‪ ،‬لبعض أفراد اجلماعة األكادميية يف هكذا التخصكص‬
‫سواء على صعيد املؤلفات والبحوث‪ ،‬أو على صعيد تأسي بنكاء مؤسسكات‪،‬‬
‫ومراكز حبثية‪ ،‬أو تأسي قواعد بيانات يف حقل السالم والصرا ‪ ،‬أو على صكعيد‬
‫االستشارات واملمارسة امليدانية‪ ،‬أو التطبيقية يف معاجلة ملوضكو الصكراعات يف‬
‫العامل‪.‬‬
‫إن علماء ومفالري حقبة الثمانينيات يف القرن العشرين‪ ،‬الذين سبق اإلشارة‬
‫هلم من أمثال ويليام زارمتان ‪ ،William Zartman‬جاكوب بريككوفيتش ‪Jacob‬‬
‫‪ ،Bercovitch‬باإلضافة *إىل بعض العلماء من حقبة الستينيات‪ ،‬الذين ما زالوا على‬
‫قيد احلياة‪ ،‬من أمثال غالتونغ‪ ،‬وجون بورتون‪ ،‬استمروا يف اإلسهام العلمء يف حقل‬
‫دراسات السالم والصرا ‪ .‬كما أن هناك إسهامات أخرى لعلماء آخكرين مكن‬
‫أمثال‪ :‬العامل السويدي بيتر فالنستني ‪ ،Peter Wallensteen‬أحد مؤسسء حقكل‬
‫دراسات السالم والصرا يف السويد‪ ،‬ومؤس أول قسم يف هذا اجملال يف السويد‪،‬‬
‫وهو قسم أحباث الصرا ودراسات السالم‪ ،‬يف جامعكة أبسكاال ‪ Uppsala‬عكام‬
‫‪ ،0110‬وهو أستاذ كرسء داغ مهرشولد (‪( )Daghamurshuld‬أمني عام اسكبق‬
‫لألمم املتحدة السويدي اجلنسية) يف جامعة أبساال‪ ،‬كما أشرف علكى تأسكي‬
‫واحدة من أهم قواعد البيانات العاملية حول الصراعات يف العامل‪ ،‬يف النصف الثاين‬
‫من الثمانينيات وهء قاعدة أبساال لبيانكات الصكرا ‪Uppsala Conflict Data‬‬
‫‪ .Programme1‬وهء تصدر تقريكراً سكنوياً بعنكوان "الكدول يف الصكراعات‬
‫املسلحة" (‪ .2)States in Armed Conflict‬وتنشر أيضاً جزءاً من النتائج السكنوية‬
‫لقاعدة البيانات هذه يف الالتاب السنوي ملعهكد اسكتوكهومل ألحبكاث السكالم‬
‫(‪ )SIPRI Yearbook‬من عام ‪ 0188‬ح اآلن‪ .‬وكذلك يف واحدة مكن أعكرق‬
‫ملزيد من التفاصيل عن قاعدة أبساال للبيانات‪ ،‬انظر املوقع اإللالتروين هلكذه القاعكدة‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ،www.ucdp.uu.se‬وتتناول قاعدة أبساال لبيانات الصرا ما يزيد على ‪ 211‬صرا‬
‫مسلح يف العامل سواء النشطة أو غري النشطة‪ ،‬واجتاهاهتا وأمناطها سواء أكانت أهليكة أم‬
‫بني الدول‪.‬‬
‫صدر أول تقرير هلذه القاعدة باللغة اإلجنليزية عام ‪.0181‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪41‬‬
‫الدوريات العلمية‪ ،‬وهء جملة متخصصة يف أحباث السالم بعنوان "جملكة أحبكاث‬
‫السالم" ‪ Journal of Peace Research‬من عام ‪ ،0112‬وله العديد من املؤلفكات‬
‫العلمية واليت تزيد عن ‪ 081‬كتابا ومقاال علميا‪ .‬وقدم حماوالت وإسهامات لتكوفري‬
‫رؤية‪ ،‬وأطر منهجية يف جمال فض املنازعات وتسوية الصراعات املسلحة‪ ،‬وعمليات‬
‫السالم من خالل األمم املتحدة‪ .‬وكذلك يف جمكال العقوبكات اجلماعيكة جتكاه‬
‫الدول‪.‬‬
‫ويضاف إىل ذلك مسامهات العديد من العلمكاء يف الكدول االسكالندنافية‬
‫وعلماء أوروبيني وأمرياليني من أمثال تيد غري ‪ Tud Gurrr‬الذي أس ومكازال‬
‫يشرف على قاعدة بيانات حول الصراعات اإلثنية‪ ،‬أو العرقية يف جامعة مرييالنكد‬
‫األمريالية‪ ،‬وتسمى هذه القاعدة "األقليات يف خطكر" (‪ )Monitories at Risk‬إذ‬
‫يقدم هذا املشرو ‪ ،‬بيانات عن ما يزيد عن ‪ 111‬مجاعة عرقية‪ ،‬أو إثنيكة ودينيكة‬
‫اخنرطت يف صراعات منذ عام ‪.10141‬‬
‫ويضاف إىل هذه اجلهود واإلسهامات‪ ،‬جهود علماء آخرين قاموا بتأسكي‬
‫مشرو قاعدة "أسباب احلرب" "‪ "The Causes of War‬وهكو تكابع جلامعكة‬
‫هامبورغ بأملانيا الذي تتبع سجل احلروب يف العامل منذ عام ‪ .20141‬وقد تولد عن‬
‫قاعدة البيانات هذه ما يسمى منهج هامبورغ لتحليل أسباب الصراعات‪ ،‬والتعامل‬
‫مع الصرا واحلروب كظاهرة اجتماعية معقدة‪.‬‬
‫وال شك‪ ،‬أن التوسع الالبري يف هذا احلقل‪ ،‬وتعقد وتفر ختصصاته‪ ،‬وازدياد‬
‫حاالت الصرا يف العامل‪ ،‬وضرورة تسويتها ومعاجلتها‪ ،‬دفعت باجتاه ضرورة توفر‬
‫وتأسي هذه القواعد العاملية للبيانات‪ ،‬يف جمال الصراعات والسالم‪ ،‬وذلك لتوفري‬
‫البيانات الدقيقة لدراسات علمية وعملية ضرورية‪ ،‬سكواء لتحليكل الصكراعات‪،‬‬
‫وأسباب حدوثها أو كيفية تسويتها أو توفري أشالال وأمناط وقائية ملنع الصكراعات‬
‫وبناء السالم‪.‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذه القاعدة انظر املوقع اإللالتروين هلا‪ ،‬قاعدة "األقليكات يف‬ ‫‪1‬‬
‫خطر"‪http://www.cidcm.umd.edu/mar ،‬‬
‫لالطال على تفاصيل هذه القاعدة راجع املوقع اإللالتكروين مشكرو " ‪The Causes of‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪ "War‬يف جامعة هامبورغ‪http://www.sozialwiss.uni-hamburg.de/publish/ ،‬‬
‫‪Summerschool/text/aboutus.htm.‬‬

‫‪44‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬إن هذه املشاريع الالبرية لقواعد البيانات‪ ،‬تشري بوضوح إىل‬
‫أن اإلسهامات اجلوهرية يف حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬مل تعد ممالنكة مكن‬
‫خالل جهود فردية للعلماء إىل حد كبري‪ ،‬وإمنا من خالل بيئة مؤسسية؛ أو فكرق‬
‫عمل ومجاعات حبثية مشتركة‪.1‬‬
‫المؤسسا العلمية والبحثية‪:‬‬
‫أشرنا سابقاً‪ ،‬إىل أنه يف هذه املرحلة اتسع هذا احلقل العلمء‪ ،‬وانتشر انتشارًا‬
‫واسعاً يف خمتلف دول العامل‪ ،‬سواء على صعيد املؤسسات يف خمتلف دول العكامل‪،‬‬
‫وسواء كان ذلك على مستوى املؤسسات واملراكز البحثية والدوريات العلمية‪ ،‬أو‬
‫على مستوى اجملاالت‪ ،‬والقضايا واألجندة البحثية‪ ،‬أو علكى مسكتوى الكربامج‬
‫الدراسية يف هذا التخصص‪ ،‬باإلضافة إىل االزدياد الالكبري يف أعكداد البكاحثني‬
‫املتخصصني واألكادمييني‪ ،‬أو املمارسني النشطاء يف هذا احلقل‪ .‬وبالرغم من انتهاء‬
‫احلرب الباردة‪ ،‬وسباق التسلح اللذين شالال دافعاً هاماً على صعيد تطور األفالار‪،‬‬
‫واألجندة البحثية يف دراسات الصرا والسالم‪ ،‬إال أنه من ناحية أخكرى‪ ،‬ازدادت‬
‫يف هذه احلقبة‪ ،‬قضايا األقليات وحقوق اإلنسكان‪ ،‬وازدادت احلكروب األهليكة‪،‬‬
‫والصراعات العرقية‪ ،‬وحدث تغري يف أطراف الصرا ‪ .‬من حيث ازدياد دور فاعلني‬
‫جدد ‪ Actors‬غري حالوميني يف الصراعات املسلحة‪.2‬‬
‫وعند تناولنا التوسع يف املؤسسات العلمية‪ ،‬والبحثية يف هذه املرحلة‪ ،‬نالحظ‬
‫اتساعاً وانتشاراً يف وجود املؤسسات العلمية‪ ،‬واملراكز البحثية يف جمال دراسكات‬
‫الصرا والسالم واتساعاً كمياً ونوعياً (ختصصياً) هائالً‪ .‬فانتشكرت وتأسسكت‬

‫يعلق ستيفن ريان ‪ Stephen, Ryan‬على صعيد اإلسهامات الفردية يف هذه املرحلة بأنه‬ ‫‪1‬‬
‫ال يوجد مؤلف أو نشر علمء يف جمال أحباث السالم والصرا ذات أمهية ملحوظة‪ ،‬يف‬
‫حقبة التسعينات‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Ryan Stephen: “Peace and Conflict Studies today”, Op. cit., p. 79.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫قاعدة أوبساال لبيانات الصراع‪ :‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫فالنستني بيتر (مؤلف)‪ ،‬السعد سعد‪ ،‬ودبور حممد‪( ،‬مترجم)‪ :‬مدخل إىل فهم تسكوية‬
‫الصراعات‪ :‬احلرب والسالم والنظام العاملء‪ ،‬املركز العلمء للدراسات السياسية‪ ،‬عمّان‪،‬‬
‫‪ ،1119‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫مراكز حبثية وأقسامٌ أكادميية يف اجلامعات يف كافة أرجاء العامل‪ ،‬وأخذت أشكالا ًال‬
‫واجتاهات ختصصية متنوعة يف هذا احلقل‪ ،‬سواء منها حتت األمن مبفهومه الواسكع‬
‫والشامل (‪ ،)Security‬أو أساليب إدارة الصراعات وفض النككزاعات‪ ،‬ومنكها‬
‫قضايا محاية األقليات‪ ،‬وتعليم السالم ‪ ،Peace Education‬املنع الوقائء للصراعات‪،‬‬
‫وغريها‪ .‬فأصبحت العديد من اجلامعات تقدم برامج بالكالوريو أو ماجسكتري‬
‫ودكتوراه يف حقل دراسات الصرا ‪ ،‬أو دبلومات تدريبية قصرية املكدة يف هكذا‬
‫احلقل العلمء‪ .‬فعلى سبيل املثال حول هذا التوسع‪ ،‬يشري الدليل العكاملء لكربامج‬
‫دراسات السالم وفض النكزاعات ‪Global Directory of Peace Studies and‬‬
‫‪ Conflict Resolution Programmes‬والصادر عن االحتاد الدويل ألحباث السالم‬
‫‪ ،IPRA‬واحتاد دراسات العدالة والسالم ‪ PJSA‬يشري إىل وجود ما يزيد عكن ‪411‬‬
‫برنامج بالالوريو وماجستري ودكتوراه يف جامعات وكليات يف ‪ 41‬دولة‪ ،‬مكع‬
‫العلم أن هناك بعض جامعات الدول العربية‪ ،‬اليت تقدم بكرامج حديثكة يف هكذه‬
‫التخصصات غري مشمولة يف هذا الدليل‪ ،‬ويشري هذا الدليل أيضاً‪ ،‬إىل وجود مكا‬
‫يزيد عن ‪ 81‬دورية علمية متخصصة يف هذا اجملال باللغة اإلجنليزية فقط‪.1‬‬
‫طبيعة األفكار المحورية‪:‬‬
‫خالل هذه املرحلة‪ ،‬وما ختللها من انتهاء احلرب الباردة وسباق التسلح‪ ،‬كان‬
‫له انعالاساته على دراسات الصرا والسالم سواء من حيث ظهكور صكراعات‬
‫جديدة‪ ،‬أو من حيث اختالف طبيعة الصراعات وأطرافهكا أو طبيعكة األجنكدة‬
‫البحثية‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق باختالف طبيعة الصراعات وأطرافهكا‪ ،‬فهكو واضكح مكن‬
‫خالل ظهور صراعات جديدة مع اهنيار االحتاد السوفيا ‪ ،‬مثكل الصكراعات يف‬
‫روسيا (الشيشان) جورجيا‪ ،‬البوسنة واهلرسك‪ ،‬الصومال‪ ،‬حرب اخلليج‪ ،‬احكتالل‬
‫العراق‪ ،‬تيمور‪/‬إندونيسيا‪ ،‬وظهور احلرب الدولية على اإلرهاب‪ .‬وأخذت بعكض‬
‫‪The Global Directory of Peace Studies and Conflict‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Resolution Programme: a joint Project of the peace and justice‬‬
‫‪studies association & International Peace Research foundation,‬‬
‫‪http://www.peacejusticestudies.org/resources/publications.php‬‬

‫‪46‬‬
‫الصراعات حتالفات دولية ضخمة مثل حرب اخلليج ‪ ،0110‬واحلرب على اإلرهاب‬
‫"‪ ،"War on Terror‬اليت بدأهتا أمريالا عام ‪ .1110‬وتشري دراسات أمناط الصكرا‬
‫والسالم املشتركة‪ ،‬بني معهد ‪ PRIO‬النروجيء وقاعدة بيانات أبساال للصراعات يف‬
‫جامعة أبساال‪ ،‬إىل تراجع احلروب بني الدول‪ ،‬يف حقبة ما بعد احلكرب البكاردة‪،‬‬
‫وتزايد احلروب األهلية‪ ،‬وأن طبيعة الصراعات كان غالبها يف تلك احلقبكة يكدور‬
‫حول إما السلطة أو قضايا األرض داخكل الدولكة‪ ،‬أي الصكراعات العرقيكة‪،‬‬
‫واالستقالل أو االنفصال لبعض الطوائف أو اإلثنيات‪.1‬‬
‫أما على صعيد األجندة البحثية‪ ،‬وقضايا الصرا يف مرحلة ما بعكد احلكرب‬
‫الباردة‪ ،‬خاصة يف ضوء تراجع االهتمام بقضايا سباق التسلح‪ ،‬أخكذت األجنكدة‬
‫البحثية جتاهات أكثر ختصصاً وتفرعاً وتنوعاً وظهرت حقول ختصصية متعكددة يف‬
‫جمال دراسات الصرا والسالم‪ ،‬كما أخذت دراسات الصرا والسالم‪ ،‬تتوجكه‬
‫حنو جماالت وقضايا غري تقليدية‪ ،‬مثل‪ :‬قضايا األمن اإلنساين‪ ،‬صراعات األقليكات‬
‫الدينية والعرقية‪ ،‬صرا احلضارات‪ ،‬قضايا البيئة واملياه‪ ،‬قضايا حقكوق اإلنسكان‪،‬‬
‫عمليات السالم‪ ،‬قضايا الدولة واالقتصاد‪ ،‬اإلرهاب الدويل‪ ،‬ثقافة السالم والتعليم‪.‬‬
‫كما أن هذه املرحلة تعززت وتطورت فيها االهتمامات البحثيكة لكدى علمكاء‬
‫دراسات السالم يف جماالت عدة‪ ،‬مثل‪ ،‬دراسات اإلنذار املبالكر‪ ،‬املنكع الوقكائء‬
‫للصراعات‪ ،‬بناء السالم‪.‬‬
‫نشأو وتطور حقل دراسا السالم في العالم العربي‪:‬‬
‫يف ختام هذا املبحث‪ ،‬ال بد من الوقوف عند‪ ،‬أو اإلشارة إىل تطكور حقكل‬
‫دراسات الصرا والسالم يف العامل العربكء‪ .‬فبالرغم من احلاجة املاسة هلذا اجملال‬
‫العلمء وختصص دراسات الصرا والسالم يف العامل العربكء‪ ،‬لعوامل عديدة مثل‬
‫وجود العديد من الصراعات يف املنطقة‪ ،‬وبعضها من أعقد وأقكدم الصكراعات يف‬
‫العامل وما زالت ناشطة أو مستمرة ‪ Active‬مثل الصرا العربكء ‪ -‬اإلسكرائيلء‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Wallensteen, Peter & Harbom Lotta: 2009, Patterns of Peace and‬‬
‫‪Conflict, Armed Conflict Dataset 1946-2008, Journal of Peace‬‬
‫‪Research, 48 (4): 577-587.‬‬

‫‪47‬‬
‫والقضية الفلسطينية ‪ .-‬وبالرغم من تأكيد املنظومة احلضارية اإلسالمية هلذه املنطقة‬
‫على العدل والسالم‪ .‬إال أن هذا احلقل‪ ،‬مل يلق اهتماماً كافيكاً مكن اجلامعكات‬
‫واملؤسسات العلمية أو البحثية يف العامل العربكء‪.‬‬
‫وعند حماولة التعرف إىل الدوريات العلمية املتخصصة‪ ،‬يف حقكل دراسكات‬
‫السالم والصرا ‪ ،‬مت الرجو إىل قاعدة البيانات العربية اإللالترونية قاعدة "معرفة"‬
‫اليت تضم أكثر من ‪ 811‬دورية علمية صادرة سواء عكن اجلامعكات‪ ،‬أو املراككز‬
‫البحثية‪ ،‬أو اجلمعيات العلمية يف العامل العربكء ح هناية عام ‪ ،1100‬واليت تُعتكرب‬
‫أضخم قاعدة بيانات عربية يف جمال الدوريات العلمية‪ ،‬تبني وجود دوريتني عربيتني‬
‫حتمالن يف عنوانيهما مسمى السالم‪ .1‬وهذا يعال ضعفاً ملموساً يف االهتمام هبذا‬
‫احلقل العلمء‪ ،‬وإن بدأت يف بدايات هذا القرن احلادي والعشرين بعض اخلطوات‬
‫واحملاوالت احملدودة‪ ،‬كما أشرنا أعاله يف بعض اجلامعات العربية للتعامكل‪ ،‬مكع‬
‫دراسات الصرا والسالم كحقل علمء أكادميء‪ ،‬له براجمه العلميكة املتخصصكة‪.‬‬
‫كما إن هناك ندرة يف الالوادر األكادميية والباحثني املتخصصني‪ ،‬يف حقل دراسات‬
‫السالم والصرا ‪ ،‬أو ممن حيملون مؤهالت أكادميية يف حقل دراسكات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬ولي من اختصاصيء علوم سياسية وعالقات دولية‪ ،‬أو قانون أو علكم‬
‫اجتما ‪ ،‬ممن مييلون أحياناً‪ ،‬للتأليف احملدود يف الصراعات‪ .‬ويُالحظ أن االهتمكام‬
‫من قبل الباحثني واألكادمييني‪ ،‬يف املنطقة العربية بدراسات الصرا والسالم‪ ،‬مت يف‬
‫كثري من األحيان من خالل أساتذة العلوم السياسية‪ ،‬وكانت العالقكة بدراسكات‬
‫السالم والصرا ‪ ،‬من خالل أحباث قائمة على دراسات احلالة لبعض الصراعات يف‬
‫املنطقة مثل الصرا العربكء ‪ -‬اإلسرائيلء والصراعات العربية ‪ -‬العربية‪ ،‬أو بعض‬
‫الصراعات األهلية مثل الصومال‪ ،‬ودارفكور يف السكودان‪ .2‬ومكن اإلسكهامات‬

‫ال يشمل هذا العدد الدوريات العربية الكيت تُعكىن بالشكؤون الدوليكة والدراسكات‬ ‫‪1‬‬
‫االستراتيجية ودراسات احلاالت يف الصرا ‪ ،‬كالقضية الفلسطينية أو قضايا التحالكيم‬
‫والنكزاعات القانونية والتجارية واإلدارية‪ .‬الدوريات اليت حتمل مسمى سالم‪ ،‬هء‪:‬‬
‫جملة دراسات السالم‪/‬جامعة الدلنج ‪ -‬السودان‪.‬‬
‫جملة السالم واألمن الدوليني‪/‬املغرب‪.‬‬
‫من أهم اإلسهامات يف هذا اجملال انظر يوسف أمحد أمحد‪ :‬الصراعات العربية العربيكة‬ ‫‪2‬‬
‫(‪ ) 0180-0141‬دراسة استطالعية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪.0188 ،‬‬
‫‪48‬‬
‫والدراسات العربية يف هذا اجملال من قبل أساتذة العلكوم السياسكية‪ ،‬والعالقكات‬
‫الدولية والعلوم االجتماعية‪ ،‬باستثناء جهد حمدود من علماء الشكريعة اإلسكالمية‪،‬‬
‫املختصني يف جمال السياسة الشرعية‪ ،‬مل تقدم إسهاماً نظريكاً أو منظومكة نظريكة‬
‫علمية‪ ،‬يف هذا احلقل بالرغم من وجود منظومة حضارية إسالمية غنية مبضامينها يف‬
‫جمال السالم والصرا ‪ ،‬تشالل رافداً هاماً يف توفري إسهامات عربية هامكة تثكري‬
‫اإلسهامات العاملية يف هذا احلقل‪.1‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬كانت هناك إسهامات علمية يف جمال الصكرا والسكالم‬
‫واإلصالح‪ ،‬من قبل مفالري احلضارة اإلسالمية‪ ،‬يف مرحلة ما قبكل اإلرهاصكات‪،‬‬
‫متثلت هذه اإلسهامات يف كتب التراث السياسء اإلسالمء‪ .‬وهء إسهامات ظهرت‬
‫كمؤلفات علمية‪ ،‬وارتبطت بعضها مبعايشة علمية من قبل مؤلفيها للحياة السياسية‪.‬‬
‫ومل جيد الالثري من هذه املؤلفات العلمية الفرصة لالطال عليها من قبكل البكاحثني‬
‫الغربيني والدارسني يف جمال دراسات الصرا والسالم‪ ،‬بسبب عدم ترمجتها‪.2‬‬
‫ومن املؤلفات العلمية العربية املبالرة‪ ،‬حول موضو احلرب والصرا ما كتبه‬
‫ابن خلدون يف مقدمته يف القرن الرابع عشر‪ ،‬حيث قام بدراسة مفهكوم وطبيعكة‬
‫احلرب‪ ،‬وقضايا الصرا واحلروب وأهدافها‪ ،‬كما جلأ إىل تصنيف‪ ،‬وحتديد أنكوا‬
‫أو أشالال احلروب‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك اهتم بتحليل الصراعات واحلكروب مكن‬
‫خالل دراسة أسباب احلروب‪ ،‬والعوامل املؤدية إىل حدوثها وإىل اهنيكار الكدول‪،‬‬
‫وكذلك معرفة طبيعة العوامل املؤدية إىل النصر والسيطرة يف احلكروب‪ .3‬ويُعتكرب‬
‫جمهود ابن خلدون يف املقدمة‪ ،‬من اإلسهامات واحملاوالت العلمية املبالرة والسابقة‬
‫للمحاوالت الغربية املعاصرة يف جمال دراسات السالم والصرا ‪.‬‬
‫هناك جهود واضحة لعلماء الشريعة اإلسالمية حول أمهية ومفهوم السالم يف اإلسالم‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫خاصة يف الدراسات اليت تُعىن بالعالقات الدولية يف اإلسالم‪ .‬ولالن هذا اجلانب يشالل‬
‫جزءاً حمدوداً يف بناء منظومة إسالمية يف حتليل الصراعات وفض النكزاعات‪.‬‬
‫من هذه املؤلفات اليت ارتالزت على فالرة العدل واإلصالح على سبيل املثال كتكاب‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫عارف‪ ،‬نصر‪ :‬يف مصادر التراث السياسء اإلسالمء‪ :‬دراسة يف إشالالية التعميم قبكل‬
‫االستقراء والتأصيل‪ ،‬سلسلة املنهجية اإلسالمية (‪ ،)1‬املعهد العاملء للفالر اإلسكالمء‪،‬‬
‫فرجينيا‪/‬الواليات املتحدة األمريالية‪.0180 ،‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬حتقيق الشدادي عبد السالم‪ :‬املقدمة‪ .‬املركز الوطين للبحث‬ ‫‪3‬‬
‫العلمء والتقين‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪.1111 ،‬‬
‫‪49‬‬
‫كما أن احملاوالت املبالرة يف أمهات كتب التراث الفقهء اإلسالمء‪ ،‬حكول‬
‫اجلهاد والقتال يف اإلسالم‪ ،‬قدمت حماوالت تناولت فيه مفاهيم القتكال‪ ،‬واجلهكاد‬
‫ومشروعية القتال أو اجلهاد وأهداف اجلهاد‪ .‬والقتال وضرورته لصكد العكدوان‬
‫والدفا ‪ ،‬وكذلك املبادئ‪ ،‬أو الضوابط األخالقية واإلنسانية اإلسالمية يف احلروب‬
‫والقتال مع األعداء‪ .‬وقامت كتب التراث الفقهكء‪ ،‬بالتصكنيف العلمكء هلكذا‬
‫املوضو ‪ ،‬باإلضافة إىل تقدمي األحالام الشرعية واالجتكهادات الفقهيكة املتعلقكة‬
‫باحلرب والقتال‪ ،‬ومن هذه اإلسهامات املصادر األساسية اليت كتبها األئمة األربعة‪:‬‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬والشافعء يف كتابه األم‪ ،‬وابن حنبل يف كتابكه مسكند ابكن حنبكل‪،‬‬
‫واملالالء‪ ،‬وهذه اجلهود العلمية شاللت املذاهب الفقهية األربعة األساسية‪ ،‬لكدى‬
‫املسلمني ح اليوم‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ ،‬ال بد من التأكيد أن موضو نشأة وتطور علم دراسات الصرا‬
‫والسالم‪ ،‬بالرغم من كونه علم حديث إال أن ممارسته قدمية مكع قكدم ووجكود‬
‫اإلنسان واحلضارات اإلنسانية‪ ،‬كما إن هذا اجملال‪ ،‬هو جزء من عمليكة تكراكم‬
‫معريف إنساين سامهت فيها جهود حضارات وثقافات متعددة‪ ،‬وإن كانت اجلهكود‬
‫الغربية عموماً واألمريالية خصوصاً أسهمت يف ظهوره "كحقكل أو اختصكا‪.‬‬
‫علمء" ضمن سياق التطور العلمء املعاصر‪ ،‬الذي يعيشه العامل الغربكء يف خمتلف‬
‫جماالت العلوم االجتماعية واإلنسانية والتطبيقية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫إطار مفاهيمي في دراسا الصراع والسالم‬


‫وفض النزاعا‬

‫يقوم هذا الفصل من الالتاب‪ ،‬بفهم ودراسة أو حتديد طبيعة اإلطار املفاهيمء‬
‫لظاهرة الصرا والسالم‪ ،‬سواء ‪ -‬على املستوى األهلء‪ ،‬أو اإلقليمء أو الكدويل‪.‬‬
‫وسوف يتم دراسة هذا اإلطار املفاهيمء‪ ،‬من خالل تناول املباحث اآلتية‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ملاذا الصرا ‪ ،‬وضرورة وجوده يف اجملتمع اإلنساين؟‬
‫املبحث الثاين‪ :‬املفاهيم األساسية يف علم دراسات الصرا والسالم‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اإلطار املنهجء لفهم ظاهرة وأبعاد العنف والصرا ‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬مفاهيم األزمات الدولية ومساهتا واالجتاهات احلديثة فيها‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬مراحل تطور الصرا ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫املبحث األول‬

‫لماذا الص ارع‪ ،‬وضرورو وجوده‬


‫في المجتمع اإلنساني؟‬

‫إن ظاهرة الصرا ‪ ،‬هء حقيقة أو طبيعة إنسانية‪ ،‬مرتبطة بنشكاط اإلنسكان‪،‬‬
‫واستمرارية وجوده وحراكه‪ .‬وتُعترب ظاهرة الصرا إحدى مسات اجملتمع اإلنساين‪،‬‬
‫أو البشرية من حيث وجود هدف وحركة أو فعل‪ ،‬ولالن (اهلدف والفعل)‪ ،‬ارتبطا‬
‫(متييزاً هلما عن اجملتمع احليواين) باإلرادة والعقل‪ ،‬مما خلكق أحيانكاً‪ ،‬تعارضكاً يف‬
‫الغايات واملصاحل‪ ،‬وتبايناً يف اإلدراك والفهم؛ ما أوجد صراعاً‪.‬‬
‫إن ظاهرة الصرا ‪ ،‬ستبقى ظاهرة مستمرة يف اجملتمع اإلنساين‪ ،‬ومتالزمة مع‬
‫وجود اإلنسان إىل يوم القيامة‪ ،‬وال يُتصور وجود جمتمع إنساين مثايل خال من أي‬
‫أشالال الصرا ‪ ،‬أو النكزاعات‪ ،‬إال يف جنة رب العاملني‪ .‬وسيبقى هناك تصكار ‪،‬‬
‫بني األهداف اإلجيابية (اخلري) والسلبية (الشر)‪ ،‬مع بعضها ليحقق أحدمها السيادة‪،‬‬
‫واهليمنة على اآلخر‪ ،‬وحماولة حتجيم دور ونفوذ فاعلية اآلخر‪.‬‬
‫كما إن التباين والتنو ‪ ،‬أو التعدد يف اجملتمع اإلنساين‪ ،‬مسة من مسات هكذا‬
‫اجملتمع‪ ،‬وارتبطت هذه السمات‪ ،‬مع خلق اهلل لطبيعة هذه احليكاة واإلنسكان‪.‬‬
‫ويقول سبحانه وتعاىل‪ ...  :‬وَجَعَلنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَكارَفُوا‪( ...‬سكورة‬
‫احلجرات‪ ،‬آية ‪ .) 02‬وهذا اخللق جاء بصيغة اجلمع والتعدد ال املفرد‪ ،‬أي مل خيلق‬
‫شعباً واحداً‪ ،‬أو قبيلة واحدة‪ .‬وهذا التباين والتنو والتعدد البشري أو اإلنساين‪،‬‬
‫يشمل أشالاال عدة سواء فيما يتعلق باللون‪ ،‬أو العرق أو الطائفكة‪ ،‬أو اجلكن ‪،‬‬
‫وغري ذلك من أشالال التنو ‪ ،‬وإن االختالف والتباين‪ ،‬أو التعدد قد يالون حول‬
‫الدور‪ ،‬الشالل‪ ،‬السلطة واملالانة‪ ،‬الثروة‪ ،‬القيم واملعتقدات وغريها‪ .‬والتعارض بني‬
‫هذه العناصر‪ ،‬أو الغايات أو املطالب‪ ،‬يتحول مصدراً للصرا ‪ ،‬بينمكا التالامكل‬
‫‪51‬‬
‫والتفاهم بينها حيول هذا التنو والتعدد إىل مصدر للتعايش السلمء‪ ،‬أو القكوة‬
‫اإلجيابية والعمران‪.‬‬
‫تطورت ظاهرة الصرا ‪ ،‬مع تطور حياة أو جمتمع اإلنسان من مستوى الفرد‪،‬‬
‫إىل مستوى اجلماعات‪ ،‬أو الاليانات اجلماعية (القبيلة والعشكرية)‪ ،‬مث الاليانكات‬
‫املؤسسية احلديثة‪ ،‬مثل‪( :‬الاليانات السياسية املنظمة مثل الدولة القومية‪ ،‬األحزاب‪،‬‬
‫املنظمات‪ ،‬والنظام الدويل)‪ .‬مع هذا التطور‪ ،‬تدرجت الصراعات من مستوى الفرد‬
‫‪ interpersonal‬إىل املستوى اجملتمعء ‪ social/intergroup‬أو املنظمات واهليئكات‬
‫‪ inter organizational‬مث إىل مستوى الدولكة الواحكدة ‪ interstate‬وأيضكاً إىل‬
‫مستوى الدول ‪ .interstates‬وإن كان املستوى الدويل ومستوى الدولة للصراعات‬
‫هو األكثر وضوحاً؛ ويسيطر على كل ما عداه من أشالال الصراعات‪ ،‬فهو أكثرها‬
‫من حيث اإلحسا به واملخاطر املترتبة عليه‪ ،‬وهو يضم أجكزاء ضكخمة مكن‬
‫مالونات التاريخ البشري املالتوب‪ .‬والصرا على املسكتوى الكدويل‪ ،‬أو علكى‬
‫مستوى داخل الدولة يهدد إىل وقف وتعطيل مسرية تطكور احلضكارة البشكرية‪،‬‬
‫ومسرية عمران اجملتمعات‪ ،‬ومن مث فلي غريباً أن يلفت إليه األنظار‪ ،‬ويصبح هدفاً‬
‫وموضع تركيز للدراسات العلمية املتعمقة نظرية وجتريبية‪.1‬‬
‫إن الصرا قد يالون ذا طبيعة أو أشالال علنية‪ ،‬تظهر يف سلوك صكراعء‬
‫معني‪ ،‬مثل العدوان‪ ،‬القتل‪ ،‬احلصار‪ ،‬احلرب الالالمية أو اإلعالميكة‪ ،‬التكدمري‪،‬‬
‫وغريها‪ .‬أو قد تأخذ الصراعات أشالاال كامنة‪ ،‬غري علنية م ثل احلقد والالراهية‪،‬‬
‫الصورة الذهنية السلبية عن اآلخر‪ ،‬إجراءات غري قانونية ولالن غري معلكن عكن‬
‫ممارستها‪ ،‬مثل التمييز يف التعليم‪ ،‬أو العمل أو حسب االجتاه السياسكء‪ ،‬وغكري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬وبالرغم من االنطبا الغالب‪ ،‬بأن الصرا هكو ظكاهرة سكلبية يف‬
‫اجملتمع اإلنساين‪ ،‬إال أنه يف حقيقة األمر ضرورة إنسانية‪ ،‬يف أحيان كثرية وذلكك‬
‫إلحداث التغيري واإلصالح والتطوير‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فالصرا يف بعض األحيان‪ ،‬ظاهرة‬
‫إجيابية ومتطلب أسا للتغيري‪ .‬ويشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل أن الصكرا ميالكن أن‬

‫رسالن‪ ،‬أمحد فؤاد‪ :‬نظرية الصرا الدويل‪ :‬دراسة يف تطور األسرة الدولية املعاصكرة‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫اهليئة املصرية العامة للالتاب‪ ،‬القاهرة‪.1 . ،0189 ،‬‬
‫‪54‬‬
‫يلعب دوراً وظيفياً وبناء‪ ،‬إذا كانت عملية التفاهم وحل اخلالفات‪ ،‬تنكتج فهمكاً‬
‫أفضل ملشالالت اإلنسان‪.1‬‬
‫كذلك يشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل أبعاد أو أمناط أخرى لضكرورة الصكرا ‪،‬‬
‫فبينما السالم هو بيئة‪ ،‬أو شرط ضروري للحفاظ على التنمية‪ ،‬فإن الصرا رمبكا‬
‫يالون ضرورياً إما لتسريع التغيري يف التنمية أو إلحداث تقهقر أو تراجع يف احملافظة‬
‫على التنمية‪.2‬‬
‫ومن اجلوانب اإلجيابية للصرا ‪ ،‬أهنا تشالل مصدراً لالنتبكاه واإلحسكا ‪،‬‬
‫بوجود املشاكل وجعل النا أكثر دراية هبا وأكثر تشكجيعاً‪ ،‬إلحكداث تغكيري‬
‫ضروري‪ ،‬أو أكثر قدرة للوصول إىل حلول عملية‪ .‬كما أهنا تولد الدافعية للتغكيري‪،‬‬
‫(مثل تغيري الظروف‪ ،‬والتعاطء مع عالقات وتوازنات القوة) وتولد الدافعية لرفض‬
‫الواقع السلبكء والضعف وتطوير القدرة على التاليف والتغيري‪.3‬‬
‫ويشري أحد العلماء املؤسسني لعلم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬كوينسء رايت‬
‫‪ Quincy Wright‬إىل أن احلرب هء مذاق‪/‬نالهة الصرا ‪ ،‬وبالنتيجكة‪ ،‬وبتفهمنكا‬
‫للصرا نستطيع تعرّف خصائص ومسات احلرب يف ظروف خمتلفة‪ ،‬ونعرف أفضل‬
‫الطرق املناسبة إلدارة‪ ،‬منع‪ ،‬وكسب احلروب‪.4‬‬

‫الصراع والمنظور اإلسالمي‪:‬‬


‫يف هذا السياق‪ ،‬من املفيد اإلشارة إىل املنظور اإلسالمء‪ ،‬جتكاه الصكرا أو‬
‫"التدافع"‪ ،‬إذ يُعترب وجوده ضرورة يف أحيانً كثرية‪ ،‬ضرورة جمتمعيكة أو إنسكانية‬
‫لالطال والتغيري وحلماية حركة العمران اإلنساين‪ ،‬ويفهم ذلك من قولكه تعكاىل‪:‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: "Research on Conflict Resolution", pp. 3-34, p. 16, in‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won (Ed): 1999, Conflict Resolution: Dynamics, Process‬‬
‫‪.and Structure, Ashgate Publishing Ltd, England‬‬
‫‪Guha, Amalendu: "Conflict & Peace: Class Versus Structural School",‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪pp. 287-294, in Choue, Young Seek (ed): 1999, World Encyclopedia‬‬
‫‪of Peace, Oceana Publications, Inc., New York, Vol. I, Second Edition,‬‬
‫‪.p. 287‬‬
‫فيشر‪ ،‬سيمون وآخرون (مؤلفون)‪ :‬اجليوسي‪ ،‬نضال (مترجم)‪ :‬التعامل مع النكزا ‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫مهارات واستراتيجيات للتطبيق‪ ،‬شبالة املنظمات الفلسطينية‪ ،‬رام اهلل‪ ،‬د‪.‬ت‪.1 . ،‬‬
‫‪.Cited in Wright, Quincy: "The Nature of Conflict" Op. cit., p. 15‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫ُد َمتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ َومَسَاجِ ُد‬ ‫‪َ ...‬ولَوْالَ دَفعُ اللَّهِ النَّا َ َب ْعضَهُمْ بَِبعْضٍ لَه ِّ‬
‫يُذكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِريًا َولَيَْنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُ ُرهُ إِنَّ اللَّهَ َلقَوِيٌّ عَزِيكزٌ‪( ‬سكورة‬
‫احلج‪ ،‬آية ‪.)41‬‬
‫كما يعترب املنظور اإلسالمء الصرا جزءا‪ ،‬من عملية اإلصكالح والتغكيري‪،‬‬
‫سواء على الصعيد الفردي‪ ،‬أو اجملتمعء أو األممء‪ ،‬ضمن إطار ما نصكطلح عليكه‬
‫"األمر باملعروف والنهء عن املنالر"‪ ،‬إذ يقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬من‬
‫رأى منالم منالراً فليغريه بيده‪ ،‬فإن مل يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن مل يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك‬
‫أضعف اإلميان"‪( .‬حديث متفق عليه‪ ،‬راجع صحيح مسلم‪ ،‬حكديث رقكم ‪.)24‬‬
‫وقوله تعاىل ‪‬كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمَةٍ ُأخْ ِر َجتْ لِلنَّا ِ تَأمُرُونَ بِال َمعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْالَرِ‬
‫وَتُ ْؤمِنُونَ بِاللَّهِ‪( ...‬سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪ .)001‬ويف املنظور اإلسالمء تشكالل‬
‫وسائل "التدافع" أحد مالونات‪ ،‬أو أشالال اجلهاد الذي يهدف‪ ،‬إما للحماية مكن‬
‫العدوان‪ ،‬أو لرفع الظلم أو لتبليغ دعوة اإلسالم‪ ،‬من خالل محاية حرية األفكراد يف‬
‫االختيار ولي إكراههم على تغيري دياناهتم‪ .‬كما جاء يف قوله تعاىل‪ :‬إِنَّ الَّكذِينَ‬
‫آمَنُوا َوهَاجَرُوا َوجَاهَدُوا ِبَأمْوَالِهِمْ َوأَْنفُسِهِمْ فِء سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وََنصَكرُوا‬
‫أُولَئِكَ َب ْعضُهُمْ أَ ْولِيَاءُ َبعْضٍ‪( ...‬سورة األنفال‪ ،‬آية ‪ .)11‬وقوله تعكاىل‪ :‬إِنَّمَكا‬
‫المُ ْؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ َورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا َوجَاهَدُوا ِبَأمْوَالِهِمْ َوأَْنفُسِهِمْ فِكء‬
‫سَبِي ِل اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ‪( ‬سورة احلجرات‪ ،‬آية ‪.1)01‬‬
‫عموماً‪ ،‬تشالل ظاهرة الصرا ‪ ،‬حراكا إنسانيا مؤملا يف كثري من جوانبه‪ ،‬كما‬
‫أن خضوعه إلرادة‪ ،‬وغاية أو هدف جيعله يف أحيان كثرية ضرورة حياتية لإلنسان‬
‫يف اجملتمع اإلنساين‪.‬‬
‫كما أن اإلسالم يولد ثقافة الصرا اإلجيابكء من خالل حث األفراد علكى‬
‫عدم السلبية يف املوقف أو الفعل جتاه االعتداء أو العدوان‪ ،‬وأحياناً ألزمه بالكدفا‬
‫ومقاومة العدوان والظلم على صعيد الفرد أو األمة والعرب‪ ،‬فعلى مستوى الفكرد‬
‫ملزيد من التفاصيل حول أهداف اجلهاد يف اإلسالم‪ ،‬راجع‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫حسني‪ ،‬عدنان السيد‪ :‬العالقات الدولية يف اإلسالم‪ ،‬املؤسسة اجلامعيكة للدراسكات‬
‫والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.011-011. ،1119 ،0‬‬
‫أبو عيد‪ ،‬عارف (مُعداً)‪ ،‬والفجاوي‪ ،‬عمر عبد اهلل (حمرراً)‪ :‬مقرر العالقات الدولية يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬منشورات جامعة القد املفتوحة‪ ،0119 ،‬ط‪.002-011 . ،0‬‬
‫‪56‬‬
‫دعا اإلسالم إىل الدفا عن املال والنف ‪ ،‬كما جاء يف قول سيدنا حممد صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪" :‬مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‪َ ،‬ومَنْ قُتِلَ دَونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‪َ ،‬ومَكنْ‬
‫قُتِلَ دَونَ َدمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ‪َ ،‬ومَنْ قُتِ َل دَونَ َأهْلِهِ فَهُ َو شَكهِيدٌ"‪( ،‬أخرجكه أبكو داود‬
‫(‪ )111/1‬والنسائء والترمذي (‪ )209/1‬وصححه‪ ،‬وأمحكد (‪( 0912 )0911‬عكن‬
‫سعيد بن زيد) وسنده صحيح)‪ .‬وكما جاء يف قوله تعاىل‪ ... :‬وَقَاتِلُوا المُشْرِكِنيَ‬
‫كَافَّةً كَمَا ُيقَاتِلُونَالُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المَُّتقِنيَ‪( ‬سورة التوبة‪ ،‬آيكة ‪.)29‬‬
‫ومن هنا فإن اإلسالم يُعىن بتوليد حالة تيقظ ورد استباقء نفسء ضد أي طرف‪،‬‬
‫قد يفالر أو تسول له نفسه باالعتداء‪ ،‬أو العدوان وإن كانت ممارسات مكن قبكل‬
‫بعض املسلمني أساءت فهم أو استخدام هذا الرد االستباقء‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫املبحث الثاني‬

‫المفاهيم األساسية في علم دراسا الصراع والسالم‬

‫يتناول هذا املبحث‪ ،‬عرض وتوضيح املفاهيم النظرية األساسية يف دراسكات‬


‫الصرا والسالم‪ ،‬واليت تشالل املفاهيم األساسية هلذا احلقل العلمء‪ ،‬وهذه املفاهيم‬
‫شا تداوهلا لدى أدبيات وعلماء حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬كمكا شكا‬
‫استخدامها‪ ،‬على صعيد املمارسة العملية من قبل اهليئات؛ واملؤسسكات وصكنا‬
‫القرار واخلرباء واملمارسني يف جماالت الصرا والسالم‪.‬‬
‫ويتناول هذا املبحث أيضاً‪ ،‬تعريفا موجزا بأهم املناهج‪ ،‬أو املداخل العلمية يف جمال‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ ،‬وهذه املداخل العلمية‪ ،‬تشالل الصورة أو اجلزء املالمل هلذه‬
‫املفاهيم‪ ،‬يف سبيل تقدير إطار عام نظري‪ ،‬يف أساسيات هذا احلقل العلمء‪.‬‬
‫ويهدف تناول هذه املفاهيم إىل ما يأ ‪:‬‬
‫‪ .0‬حتقيق متطلبات الضرورة املنهجية ألي دراسة علمية‪ ،‬وهء حتديكد املفكاهيم‬
‫األساسية للدراسة‪.‬‬
‫‪ .1‬توفري مسح تعريفء واسع‪ ،‬ملعظم املفاهيم النظرية يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬كما‬
‫تناولتها أهم األدبيات العلمية الغربية‪.‬‬
‫‪ .2‬توفري مفاهيم مؤصلة من منظور عربكء إسالمء‪ ،‬يف جمال دراسات السكالم‬
‫والصرا ‪.‬‬
‫وقبل تناول هذه املفاهيم النظرية‪ ،‬األساسية يف الدراسة‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل‬
‫أن هذه املفاهيم‪ ،‬تستند إىل جمموعة من العناصر أو املضامني‪ ،‬أمهها‪:1‬‬
‫‪Creative Association‬‬ ‫انظر الدراسة التالية على موقع املنظمة الدوليكة لإلبكدا‬ ‫‪1‬‬
‫‪،International‬‬
‫‪Understanding Conflict and Peace, Life Cycle of the conflict, 2009,‬‬
‫‪http://www.creativeworldwide.com/CAIIStaff/Dashboard_GIROAdminCA‬‬
‫‪IIStaff/Dashboard_CAIIAdminDatabase/resources/ghai/understanding.htm‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ .0‬إن ظاهرة الصرا والسالم‪ ،‬ليست ظاهرة عشوائية‪ ،‬أو ظاهرة غكري قابلكة‬
‫للتفسري؛ بل ظاهرة تُصنع‪ ،‬وميالن التأثري فيها أو توجيهها‪.‬‬
‫‪ .1‬إن ظاهرة الصرا والسالم‪ ،‬ظاهرة ديناميالية تفاعلية‪ ،‬أي ليسكت جامكدة؛‬
‫وبالتايل فهما يرتبطان بتطورات مالونات الظاهرة‪ ،‬أو متغريات الزمن‪.‬‬
‫‪ .2‬بالرغم من ديناميالية‪ ،‬أو تفاعلية ظاهرة الصرا ‪ ،‬إال أنه من املمالن تطكوير‬
‫إطار نظري لتحليل الصراعات‪ ،‬وحتديد السياسات أو اخليكارات املناسكبة‬
‫لتهدئة ومنع الصراعات وحتقيق السالم‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن مفاهيم الصرا والسالم‪ ،‬وما يتعلق هبما من مفاهيم‪ ،‬هء مفاهيم‬
‫غري مستقرة وليست سالونية‪ ،‬بل جدلية‪ ،‬حبالم أهنا ترتبط بطبيعة العالقات واحلراك‬
‫اإلنساين‪.‬‬
‫ونتناول هذه املفاهيم األساسية النظرية يف هذا احلقل العلمء وفق حمورين‪:‬‬
‫‪ ‬احملور األول‪ :‬املفاهيم األساسية املرتبطة مبفهوم الصرا ‪.‬‬
‫‪ ‬احملور الثاين‪ :‬املفاهيم األساسية املرتبطة مبفهوم السالم‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬حمور املفاهيم األساسية املرتبطة مبفهوم الصراع‪ :‬وهء جمموعكة مكن‬
‫املفاهيم‪ ،‬اليت تدور يف جوهرها حول مفهوم الصرا ‪ ،‬ومركزيته‪ .‬وفيما يأ نتناول‬
‫أمهها‪:‬‬

‫مفووم الصراع‪:‬‬
‫إن مفهوم الصرا ‪ ،‬هو املفهوم احملوري واألسا يف جمال دراسات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬وتناولت األدبيات الغربية املتخصصة يف هذا احلقل‪ ،‬مفهكوم الصكرا‬
‫ومفهوم السالم كركنني‪ ،‬أو حمورين أساسني ينطلق منهما بقية املفاهيم األساسكية‬
‫يف حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬وهو من املفاهيم اليت خضعت لتنو وتعكدد‬
‫واسع‪ ،‬وجدلية حول تعريفها أو مفهومها‪ .‬ومن أهم ما تناوله املفالرون والعلمكاء‬
‫والباحثون يف هذا احلقل ملفهوم الصرا ما يأ ‪:‬‬
‫‪ ‬هو وضع اجتماعء‪ ،‬حياول فيه طرفان على األقل‪ ،‬احلصول على جمموعة من‬
‫نف املوارد املادية أو املعنوية‪ ،‬ويف نف اللحظكة‪ ،‬أو حتقيكق أهكداف‪ ،‬أو‬
‫مصاحل متناقضة (‪ )incompatible goals‬يف حلظة واحدة‪ ،‬وتالون هذه املوارد‬
‫‪61‬‬
‫ وهذا املفهوم هكو‬.1‫) هذه األطراف‬satisfy( ‫أو األهداف غري كافية إلرضاء‬
‫ يف‬،‫ أحد العلماء املؤسسني هلذا احلقل العلمكء‬،"‫الذي تبناه "يوهان غالتونغ‬
‫أدبياته اليت قدم فيها طروحات نظرية يف تأسي علكم دراسكات الصكرا‬
‫ "حالكة‬:‫" الصرا بأنه‬John Galtung" ‫ إذ يعرف يوهان غالتونغ‬.‫والسالم‬
)Actors( ‫) الفاعلني‬Values( ‫) الدول أو بني قيم‬Goals( ‫تناقض بني أهداف‬
‫ ويتم ذك ضكمن إطكار مفكاهيم‬،)Social System( ‫يف النظام االجتماعء‬
.2"‫ومعتقدات كل طرف‬
‫ أحد العلمكاء املؤسسكني حلقكل‬،Quincy Wright "‫ويشري "كوينسء رايت‬ 

‫ أن الصرا هو يف بعض األحيان يستخدم لإلشارة إىل‬،‫دراسات الصرا والسالم‬


‫ أو املطالبة‬،‫ أو التناقض يف املبادئ أو املفاهيم أو العواطف أو األهداف‬،‫التضارب‬
،3‫ وأحياناً تستخدم لإلشارة إىل عملية تسوية هذه التناقضات‬،‫بالاليانات أو اهلوية‬
‫) مصدره من كلمة التينية‬Conflict( ‫ويشري إىل أن أصل كلمة صرا باإلجنليزي‬
.4)Strike to gather( ً‫ التصادم معا‬:‫ واليت تعين‬،)configure( :‫هء‬

:‫انظر‬ 1
Wallensteen, Peter: "Understanding Conflict Resolution: a
Framework", in Wallensteen, Peter (ed): Peace Research:
Achievements and Challenges, Op. cit., pp. 120-121.
.29-20 . ،‫ مرجع سابق‬:)‫ ودبور حممد (مترمجني‬،‫ سعد‬،‫ السعد‬،)‫ بيتر (مؤلف‬،‫فالنستني‬
:‫انظر الدراسات التالية‬ 2
Galtung , Johan: "Conflict as a way of life", Op. cit., p. 486.
Galtung , Johan: 1969, "Violence, Peace and Peace Research",
Journal of Peace Research, Vol. 6, no. 3, pp. 167-191, PRLO
Publication, No. 23-9, in Johan Galtung Collections entitled: Peace
Research Education Action, Essays in Peace Research, Collected by
Ejlers, Christian: 1975, Volume 1, Copenhagen.
Druckman, Daniel: 1993, An Analytical Research Agenda for Conflict
and Conflict Resolution, in Sandole, Dennis J. D. and Hugo van der,
Merwe’s, (eds): Conflict Resolution Theory and Practice: Integration
and Application, Manchester University Press, Manchester and New
York, pp. 25-42.
Wright, Quincy: "The Nature of Conflict" Op. cit., p. 15, in Burton, 3
.John & Dukes, Frank (eds): Op. cit
.Ibid., p. 16 4

60
‫ويعترب أو يلخص البعض هذا املفهوم للصرا ‪ ،‬على أنه‪" :‬وضع بني طرفني أو‬
‫أكثر يوجد بينهما تناقض يف املصاحل‪ ،‬ويتم التعبري عن هذا التناقض مكن خكالل‬
‫جتاهات عدائية‪ ،‬وحماولة احلصول‪ ،‬أو حتقيق هذه املصاحل من خالل تصكرفات أو‬
‫إجراءات‪ ،‬تؤدي إىل اإلضرار باألطراف األخرى‪ ،‬سواء أكانكت بكني أفكراد أم‬
‫مجاعات أم دول‪ ،1‬وتتفر هذه املصاحل إما حول املوارد املادية‪ ،‬أو السلطة والنفوذ‪،‬‬
‫أو اهلوية‪ ،‬أو املالانة والالرامة‪ ،‬أو حول القيم‪ ،‬مبا ترتبط به من ثقافات وأديان"‪.2‬‬
‫عموماً‪ ،‬تركز األدبيات الغربية املعاصرة‪ ،‬اليت تتناول مفهوم الصرا ‪ ،‬أو املؤسسات‬
‫الغربية املمارسة يف جمال الصرا والسالم‪ ،‬على ضرورة توفر العناصر اآلتية يف املفهوم‪:‬‬
‫‪ .0‬وجود أكثر من طرف‪.‬‬
‫‪ .1‬حالة من التنافر أو عدم االتفاق‪ ،‬أو االنسجام بني هذه األطراف حول هدف‬
‫أو مصلحة ما‪ ،‬أو قضية ما تالون موضع أو مصدر هذا التناز ‪.‬‬
‫‪ .2‬وجود عنصر الندرة‪ ،‬مع تزامن يف طلب احلصول علكى هكذه املصكلحة أو‬
‫اهلدف‪ ،‬أي أن الطلب يتم يف الوقت أو اللحظة نفسها‪.3‬‬
‫ويرى بعض الباحثني أن مصطلح الصرا ‪ ،‬يتداخل يف مدلوالته ومساته مكع‬
‫مصطلحات أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬املنافسة‪ ،‬وعدم التناغم‪ ،‬والتوتر‪ ،‬واخلصومة‪ ،‬واخلالف‪،‬‬
‫والعدائية‪ ،‬والالفاح أو النضال‪ ،‬أو االنقسام والتجاذب‪.4‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Wright, Quincy: ibid., p. 15-21.‬‬
‫‪H. Laue, James: 1990, the Emergence and Institutionalisation of‬‬
‫‪Third-party Roles in Conflict. In: Burton, John and Dukes, Frank‬‬
‫‪(Ed): Conflict: Readings in Management and Resolution,‬‬
‫‪Macmillan,Houndmills and London, pp. 257-272, p. 256.‬‬
‫انظر الدراسة التالية على موقع منظمة ‪:Creative Association International‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Conflict Prevention Guide, Understanding Conflict and Peace, Life‬‬
‫‪Cycle of the conflict, Op. cit.‬‬
‫‪Ohlson, Thomas: 1998, Power Politics and Peace Policies: Intra-State‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Conflict Resolution in Southern Africa, Report No. 50, Department of‬‬
‫‪.Peace and Conflict Research, Uppsala University, Sweden, p. 32‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪Mitchell,Christopher Roger: 1981, the Structure of International‬‬
‫‪Conflict, Macmillan, London, p. 1.‬‬
‫‪Wright, Quincy: the Nature of Conflict, Op. cit.‬‬

‫‪61‬‬
‫إن هذه املفاهيم والعناصر املتعلقة‪ ،‬مبفهوم الصرا تنطبق على أي مستوى من‬
‫مستويات الصرا ‪ ،‬سواء بني األفراد‪ ،‬أو اجلماعات‪ ،‬أو الدول‪ .‬ومن هنا‪ ،‬عنكدما‬
‫نتناول مفهوم الصرا الدويل‪ ،‬يف سياق املفاهيم السابقة للصكرا ‪ ،‬فكإن املكتغري‬
‫األسا يدخل يف كون‪ ،‬أن أحد أطراف الصرا ‪ -‬على األقل ‪ -‬هو فاعل دويل‪،‬‬
‫وأن سياق أو بيئة الصرا ليست ذات صبغة حملية‪ ،‬أو ضمن سياق النظام أو النسق‬
‫الدويل‪ ،‬كما أن معطياته وتفاعالته وأبعاده؛ أكثر تعقيداً من مسكتويات الصكرا‬
‫األخرى‪ ،‬وكذلك نتائجه وتأثرياته‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإنه عند املقارنة بني معىن الصرا والنكزا أو اخلكالف‪،‬‬
‫جند أن هناك من يستخدم مفهوم النكزا ‪/‬اخلالف‪ ،‬كأحد املصطلحات املرادفكة‬
‫ملصطلح الصرا ‪ ،‬إال أن أغلب الباحثني يعتربون مفهوم الصرا أوسع من مفهكوم‬
‫النكزا ‪/‬اخلالف؛ فاألخري هو مستوى من مستويات‪ ،‬أو مراحل الصرا ‪ ،‬وحتديداً‬
‫هو أدىن مرتبة أو مستوى من مستويات الصرا ‪ ،‬وأقلها حدّة‪ ،‬أو أبسطها‪ .1‬كمكا‬
‫تشري املعاجم اللغوية العربية إىل أن جذور كلمة النكزا تفيد االختالف‪( .‬تناز )‬
‫القوم‪ :‬اختلفوا وتناز القوم الشءء‪ :‬جتاذبوه وتشري املراجع اللغوية إىل أن كلمكة‬
‫(اختلف الشيئان‪ :‬مل يتفقا‪ ،‬ومل يتساويا‪ .‬وكذلك ختالفا‪ :‬تضادا)‪ .2‬هكذه املعكاين‬
‫اللغوية العربية تفيد بأن النكزا ‪ ،‬عبارة عن اختالف ولي تصارعا أو صكراعا‪،‬‬
‫ويشمل حالة من عدم التطابق‪ ،‬بني طرفني حول شءء واحد‪ ،‬قد ينعال اختالفكاً‬
‫أو يصبح خالفاً وجتاذباً بني طرفني لشءء واحد‪ .‬وهو ما يعين أن النكزا مرحلكة‬
‫ابتدائية‪ ،‬قد تطور صراعاً وقد تبقى تنوعًا ومتايزاً‪.‬‬
‫يشري البعض‪ ،‬إىل أن مفهوم النكزا ‪ /‬اخلالف‪ ،‬هو سبب أكثر املشكالالت‬
‫اليت ميالن إدارهتا ضمن نظام قائم من خالل املساومة‪ ،‬أو بطرق أخكرى‪ ،‬وهكو‬
‫يتعلق أكثر باملشالالت اجملتمعية‪ ،‬مثل اخل الفات العمالية‪ ،‬وتسوية اخلالف هنكا‪،‬‬
‫ملزيد من التفاصيل انظر‪ :‬اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬الصراعات العربية الداخلية‪ :‬رؤية يف األسباب‬ ‫‪1‬‬
‫والدوافع‪ ،‬جملة أحباث الريموك‪ ،‬سلسلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جملد ‪ ،11‬العكدد‬
‫األول أ‪.041 . ،1114 ،‬‬
‫هارون‪ ،‬عبد السالم (مشرف)‪ :‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬والزيات‪ ،‬أمحد‪ ،‬عبدد القدادر‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫حامد‪ ،‬والنجار‪ ،‬حممد (قاموا بإخراجه)‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة‪،0191 ،‬‬
‫اجلزء األول‪.111 . ،‬‬
‫‪61‬‬
‫يستند إىل االتفاقيات اليت تستند إىل قوانني ومعايري حتدد عمليكة تسكوية هكذه‬
‫اخلالفات‪.1‬‬
‫وبشالل عام‪ ،‬إن مفهوم الصرا ‪ ،‬من حيث املضمون واجلوهر ‪ -‬كما تطرحه‬
‫األدبيات الغربية‪ -‬هو‪" :‬عملية تفاعل بني طرفني أو أكثر؛ للتحالم أو السكيطرة أو‬
‫توجيه نتائج عملية التفاعل مبا حيقق املصاحل‪ ،‬أو األهداف املرجوة ألطراف الصرا ‪،‬‬
‫أو على األقل تقليص حجم األضرار أو اخلسائر اليت تنجم عن عمليكة التفاعكل‬
‫(الصرا ) بني األطراف املتنازعة"‪.2‬‬
‫ويُالحظ‪ ،‬أنه كان يغلب على األدبيات الغربية يف حتديدها ملفهوم الصكرا‬
‫بشالل عام‪ ،‬والصرا الدويل بشالل خا‪ ،.‬ما يأ ‪:‬‬
‫‪ .0‬إن طبيعة املفاهيم مستمدة من الفالر‪ ،‬أو الرؤية الغربية "املادية" للحياة‪ ،‬ومكا‬
‫ينتج عنها من "األنانية" اليت تُعىن باالهتمام باملالاسب‪ ،‬واملنافع الذاتية‪ ،‬سواء‬
‫املادية أو املعنوية‪ ،‬بدرجة أوىل لتحقيق الرضا لك "األنا"‪ ،‬وهذه األنا واملاديكة‬
‫تدفع إىل تضارب يف األهداف أو املصاحل‪ ،‬أو ما ينتج عن هذا التضارب مكن‬
‫ظاهرة الصرا ‪ ،‬الذي هو األصل يف العالقات بني "األنا" وأهدافها و"اآلخر"‬
‫وأهدافه‪ ،‬وبالتايل تصبح ضرورة االعتماد على "العالقة التعاقدية" يف احليكاة؛‬
‫لتصويب الطبيعة الصراعية للعالقات فيها‪.‬‬
‫‪ .1‬يتولد عن النقطة السابقة‪ ،‬أن يُنظر إىل العالقات بني الدول‪ ،‬على أهنا قائمكة‬
‫على فالرة "اهليمنة" أو النفوذ‪ ،‬والقوة واملصلحة الذاتية؛ ممكا جيعكل احلالكة‬
‫الصراعية للعالقات بني الدول‪ ،‬هء احلالة الطبيعية‪ ،‬أي أن الصكرا الكدويل‬
‫وضع طبيعء‪ ،‬وهو الوضع املتوقع يف العالقات بني الدول املتباينكة يف القكوة‬
‫واملصاحل‪.‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: "Research on Conflict Resolution", pp. 3-34, in‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Joeng, Ho-Won (ed): Conflict Resolution: Dynamics, Process and‬‬
‫‪Structure,‬‬
‫‪.Op. cit., p. 14-15‬‬
‫وانظر أيضاً‪ ،‬اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬الصراعات العربية الداخلية‪ :‬رؤية يف األسباب والدوافع‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.041 . ،‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬الصراعات العربية الداخلية‪ :‬رؤية يف األسباب والدوافع‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪.041 .‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ .2‬إن املدخالت الثقافية واحلضارية "لآلخر" غري الغربكء‪ ،‬يف مفاهيم الصكرا‬
‫يف األدبيات الغربية‪ ،‬أو لدى الغرب شبه غائبة‪ ،‬أو حمدودة جداً‪ ،‬بالرغم مكن‬
‫أن ظاهرة الصرا مسة بشرية‪ ،‬أو إنسانية تعيشها مجيع الثقافات‪ ،‬واجملتمعات‬
‫أو احلضارات اإلنسانية األخرى‪ .‬وتساهم هذه املدخالت الثقافية للحضارات‬
‫األخرى‪ ،‬خاصة "اإلسالمية"‪ ،‬يف األدبيات الغربية أو الفالكر الغربككء‪ ،‬يف‬
‫خلق فرصة إلعادة توازن املفاهيم من "األنا" أو "اهليمنة للذات" إىل "التالامل"‬
‫يف العالقات اإلنسانية والعالقات الدولية‪ ،‬وإن توفر املدخالت الثقافية غكري‬
‫الغربية احملدودة يف األدبيات الغربية اخلاصة‪ ،‬بدراسات الصرا والسكالم مل‬
‫تشالل مضامينها مرتالزات فلسفية‪ ،‬أو أطرا منهجية هلذا احلقل العلمء‪ ،‬وإمنا‬
‫مت االستفادة منها استفادة ضيقة على شالل أدوات‪ ،‬وأسكاليب يف تسكوية‬
‫الصراعات عن جتارب جمتمعات أخرى‪ ،‬مثل‪" :‬جتربة مهاتري غاندي" اهلنديكة‬
‫اليت قامت على منهج الالعنف يف التغيري وتسوية الصراعات‪.1‬‬
‫‪ .4‬النظر إىل العالقات اإلنسانية على أهنا عالقات قوة‪ ،‬وترتبط بالنكزعة املاديكة‬
‫للحياة‪ ،‬مما جيعل هذه العالقات‪ ،‬واحلراك االجتماعء واإلنسكاين عالقكات‬
‫هيمنة‪ ،‬وتبعية وبالتايل قد ينتج عن ذلك تضاد يف املصاحل واملعتقدات‪.‬‬

‫المنظور اإلسالمي لمفووم الصراع‪:‬‬


‫من املهم أن نقف عند املفهوم اإلسالمء للصرا ‪ ،‬كما سبق اإلشكارة إىل أن‬
‫املنظور اإلسالمء‪ ،‬يعرب عن الصرا مبصطلح "التدافع"‪ ،‬وهو يعال حالة تأصيلية‬
‫ملفهوم الصرا يرتبط بأصول ومصادر إسالمية‪ ،‬فمصطلح التدافع مصدره من قوله‬
‫ِكن اللَّك َه ذُو‬
‫تعاىل‪َ ... :‬ولَوْالَ دَفعُ اللَّهِ النَّا َ َب ْعضَهُمْ بَِبعْضٍ َلفَسَدَتِ ا َأل ْرضُ َولَال َّ‬
‫َفضْلٍ عَلَى العَالَمِنيَ‪( ‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.)110‬‬

‫يتناول د‪.‬بول سامل بعض االنتقادات األساسية حول املنهجية والرؤية الغربية يف جمكال‬ ‫‪1‬‬
‫دراسات فض النكزاعات‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Salem, Paul E: 1997, A Critique of Western Conflict Resolution from‬‬
‫‪a non- Western perspective, in Salem, Paul E (ed): Conflict Resolution‬‬
‫‪in the Arab World: Selected Essays, American University of Beirut,‬‬
‫‪Beirut, pp. 11-24.‬‬

‫‪65‬‬
‫وتشري قوامي اللغة العربية‪ ،‬إىل املعاين والدالالت اللغوية لاللمة تدافع‪ ،‬فيشري‬
‫املعجم الوسيط إىل إن‪ :‬دفع الشءء‪ :‬أي حنّاه وأزاله بقوة‪ ،‬ويقال‪ :‬ودفع عنه األذى‬
‫والشر‪ ،‬ويُقال‪ :‬دفع القول‪ :‬ردّه باحلجة‪ ،‬ومنها جاءت كلمة دفا ‪ ،‬وهء احلماية‪.1‬‬
‫ونرى من هذا املعىن اللغوي‪ ،‬أنه يرتبط بأفعال قوة‪ ،‬ولالن باجتاه إجيابكء وفعكل‬
‫بنّاء خيّر‪ ،‬بعيداً عن فالرة اهليمنة‪ ،‬أو السيطرة على اآلخر ملصلحة ذاتية أو"األنكا"‬
‫املادي‪.‬‬
‫ومفهوم التدافع كما حتدد معانيها ودالالهتا كتب التفسري اإلسالمء‪ ،‬تشري إىل‬
‫معان أو مفاهيم عدّة‪ ،‬منها كما يشري الطربي يف تفسريه هلذه اآلية‪" :‬دفع بعضكهم‬
‫بعضاً يف الشهادة ويف احلق‪ ،‬وفيما يالون من قبل هذا"‪ ،2‬كما يشري األلوسكء يف‬
‫تفسريه‪ :‬إىل أن هذا التدافع "لينتظم به األمر وتقوم الشرائع"‪ ،3‬ومبعىن آخر أي بناء‬
‫نظام حياة وتنفيذ القوانني والتشريعات‪.‬‬
‫إن مفهوم "التدافع" ‪ -‬كبديل ملفهوم الصرا ‪ -‬يف املنظور اإلسالمء‪ ،‬هكو‬
‫حراك إنساين إجيابكء‪ ،‬وضرورة لغايات الدفا واإلصالح والعمران يف اجملتمكع‬
‫اإلنساين‪ ،‬ويشمل أدوات وأساليب متنوعة‪ ،‬بعضها يعتمد على القكوة والعنكف‪،‬‬
‫وبعضها اآلخر سلمء‪ .‬ويشالل اللجوء إىل "التدافع" باستخدام أدوات القكوة‪ ،‬أو‬
‫العنف حالة استثنائية‪ ،‬مثل‪ :‬فرض النظام بالقوة واملقاومة املسلحة‪ ،‬أو احلرب‪ ،‬واليت‬
‫تُعترب يف املفهوم اإلسالمء هء االستثناء عن القاعدة األساسية يف العالقكات مكع‬
‫اآلخر‪ ،‬واليت هء قاعدة السلم‪ .4‬وح يف حال استخدام االستثناء‪ ،‬أو اسكتخدام‬
‫القوة فإن الدعوة والتبليغ والتحذير‪ ،‬هء خطوة أساسية مسبقة قبكل اللجكوء إىل‬
‫استخدام أي من أدوات القوة‪.‬‬
‫هارون‪ ،‬عيد السالم (مشرف)‪ ،‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬وآخرون (قاموا بإخراجه)‪ :‬املعجم‬ ‫‪1‬‬
‫الوسيط‪ ،‬اجلزء األول‪ ،0191 ،‬مرجع سبق ذكره‪.188 . ،‬‬
‫الطربي ‪ :‬تفسري جامع البيان يف تفسري القرآن‪ ،‬موقع تفاسري جامعة األزهر‪ ،‬سورة احلج‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫آية ‪.41‬‬
‫األلوسي‪ ،‬شهاب الدين حممود‪ :‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظكيم‪ ،‬دار الالتكب‬ ‫‪3‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪.1111 ،‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول األصل يف العالقات الدولية السلم أم احلرب‪ ،‬انظر‪ :‬حسدني‪،‬‬ ‫‪4‬‬
‫عدنان السيد‪ :‬العالقات الدولية يف اإلسالم‪ ،‬مرجع سابق‪.021 . ،‬‬
‫‪66‬‬
‫‪ .0‬إن األمر باملعروف والنهء عن املنالر‪ ،‬الذي دعت إليه ككثرياً اآليكات‬
‫القرآنية واألحاديث النبوية‪ ،‬كما جاء يف قوله تعاىل‪ :‬وَلتَالُنْ مِنْالُمْ ُأمَةٌ يَ ْدعُونَ ِإلَى‬
‫الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِال َمعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْالَرِ َوأُولَئِكَ هُمُ المُفِلحُكونَ‪( ‬سكورة‬
‫آل عمران‪ ،‬آية ‪ ،)014‬وقوله تعاىل‪ :‬وَالمُ ْؤمِنُونَ وَالمُ ْؤمِنَاتُ َب ْعضُهُمْ أَ ْولِيَاءُ َبعْكضٍ‬
‫الةَ‪( ...‬سكورة التوبكة‪،‬‬ ‫يَأمُرُونَ بِال َمعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْالَرِ وَُيقِيمُونَ الصَّك َ‬
‫آية ‪ .)10‬يعترب الشالل العام للتدافع املوجه‪ ،‬أو الكذي يهكدف حنكو اإلصكالح‬
‫والعمران‪ .‬وحيتوي هذا الشالل العام للتدافع على أدوات وأساليب متنوعة‪ ،‬منكها‪:‬‬
‫أدوات أو أساليب سلمية غري عنيفة للتدافع أو التغيري‪ ،‬مثل‪ :‬اسكتخدام املقاومكة‬
‫السلمية‪ ،‬أو اجلهاد السلمء‪ ،‬ضد الظلم أو لتحقيق اإلصكالح والتغكيري‪ ،‬مثكل‪:‬‬
‫العصيان املدين‪ ،‬املعارضة السياسية‪ ،‬جهاد الاللمة والرأي ضد احلاكم‪ ،‬وغريها‪.1‬‬
‫عموماً‪ ،‬يف املصادر القرآنية والنبوية‪ ،‬هناك مصطلحات متداولة‪ ،‬مثل‪ ،‬احلكرب‪،‬‬
‫القتال‪ ،‬الدفع‪ *،‬وسائل التغيري‪ ،‬أو التدافع العنيفة أو السلمية‪ ،‬شاللت وفق شكروط أو‬
‫ضوابط معينة‪ ،‬جزءا من مالونات حالة "اجلهاد"‪ ،‬سواء للكدفا واحلمايكة‪ ،‬أو دفكع‬
‫العدوان ورفع الظلم‪ ،‬أو لتبليغ الدعوة اإلسالمية‪ ،‬والتعريكف بالرسكالة اإلسكالمية‪،‬‬
‫والتبليغ اإلسالمء املقصود هنا‪ ،‬يهدف حلماية حرية األفراد؛ غري املسلمني يف االختيار‪.‬‬

‫مفاهيم أساسية أخرف مرتبطة بمركزية بظاهرو الصراع‪:‬‬


‫إن مفهوم الصرا ‪ ،‬يشالل الوحدة املركزية‪ ،‬أو احملورية اليت ترتبط هبكا‪ ،‬أو‬
‫تتشالل حوهلا جمموعة من املصطلحات‪ ،‬واملفاهيم األساسية يف حقل؛ أو ختصكص‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ .‬ومن أهم هذه املفاهيم األساسية‪( ،‬و اليت تُعىن هبا هكذه‬
‫الدراسة) ما يأ ‪:‬‬
‫‪ 9‬مصطلحا الحروب والصراعا ‪:‬‬
‫‪ -‬الصرا الدويل‪.‬‬
‫‪ -‬الصرا املسلح‪ ،‬أو الصرا العنيف املميت أو احلرب‪.‬‬

‫حول منهجية الالعنف يف اإلسالم‪ ،‬انظر كتاب أبو النمر‪ ،‬حممدد‪ ،1118 :‬الالعنكف‬ ‫‪1‬‬
‫وصنع السالم يف اإلسالم‪ ،‬ترمجة اليحىي‪ ،‬ملي ‪ :‬الدار األهلية‪ ،‬عمّان‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫‪ -‬العنف‪.‬‬
‫‪ -‬احلرب األهلية‪.‬‬
‫‪ 2‬مصطلحا في إدارو وتسوية الصراعا والوراية منوا‪:‬‬
‫‪ -‬إدارة الصرا ‪.‬‬
‫‪ -‬فض النكزاعات (تسوية الصراعات)‪.‬‬
‫ويدخل يف هذا احملور‪ ،‬جمموعة من األشالال‪ ،‬أو األساليب الالزمة لتسكوية‬
‫الصراعات‪ ،‬منها‪ :‬املفاوضات‪ ،‬الوساطة‪ ،‬املصاحلة‪ ،‬التحاليم‪.‬‬
‫‪ -‬الوقاية أو املنع الوقائء للصراعات‪.‬‬
‫‪ -‬حتول الصراعات‪.‬‬
‫‪ 3‬مفاهيم السالم‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬يشالل مفهوم السالم‪ ،‬الوحدة املركزية املقابلكة ملفكاهيم‬
‫الصرا ‪ ،‬واليت تدور يف فلالها جمموعة من املفاهيم واملصطلحات األساسية يف هذا‬
‫احلقل العلمء‪.‬‬
‫ومن أهم هذه املفاهيم‪ :‬مفهوم السكالم السلبككء واإلجيابككء‪ ،‬صكنع‬
‫السالم‪ ،‬وحفظ السالم‪ ،‬واتفاقيات التسوية السلمية‪ ،‬وبناء السكالم‪ ،‬والسكالم‬
‫الدائم‪.‬‬
‫وفيما يأ ‪ :‬نتناول هذه املفاهيم األساسية يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬واليت تشالل‬
‫املفاهيم األساسية يف نف الوقت‪ ،‬املفاهيم األساسية يف هذه الدراسة‪.‬‬

‫محور مفاهيم الصراع‪:‬‬

‫‪ 9‬مفووم الصراع الدولي‪:‬‬


‫سبق احلديث عن مفهوم الصرا عموماً‪ ،‬أما الصرا الدويل‪ ،‬فهكو أحكد‬
‫جماالت أو مستويات الصرا ‪ ،‬ولالنه مرتبط باختالف طبيعة أطراف الصرا ‪ ،‬فهء‬
‫أطراف دولية‪ ،‬سواء أكانت حالومية أم غري حالومية‪ ،‬كما أن قضايا الصكرا ‪-‬‬
‫غالباً ‪ -‬ما تتعلق بالقضايا األساسية ألي صرا مصاحل‪ ،‬أو أيديولوجيات مرتبطكة‬
‫‪68‬‬
‫بالسلطة‪ ،‬أو املوارد‪ ،‬أو اهلوية‪ ،‬أو األمن‪ .‬ويشري بعض البكاحثني‪ ،‬إىل أن مفهكوم‬
‫الصرا الدويل‪ ،‬ينشأ نتيجة إدراك متبادل متناقض بني دولتني؛ أو أكثكر حكول‬
‫املصاحل املادية أو القيم األساسية‪ ،‬وهو مي بوجه خا‪ .‬قضكايا مثكل‪ :‬السكيادة‬
‫الوطنية‪ ،‬األمن‪ ،‬اهلوية‪ ،‬وغري ذلك‪ .1‬وإن كانت قضايا الصرا الدويل أصكبحت‬
‫أكثر تعقيداً؛ بسبب تعدد األطراف املتنازعة‪ ،‬وتنكاقض املصكاحل‪ ،‬أو األهكداف‬
‫والدوافع فيما بينها‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬هناك ما يُعرف بك "الصرا املمتد أو املتجكذر"‪ ،‬وهكو‬
‫شالل من أشالال الصراعات العنيفة‪ ،‬ويُعترب العامل األمريالء اللبناين األصل "إدوارد‬
‫عازار" ‪ - Edward Azar‬مؤس مركز التنمية الدويل وإدارة الصراعات يف جامعة‬
‫مرييالند األمريالية ‪ -‬األب الروحء لنظرية هذا النو من الصراعات‪ ،‬وهو يعرف‬
‫الصراعات الدولية املتجذرة بأهنا‪ :‬عبارة عن "تفاعالت عدائية مستمرة‪ ،‬بني أطراف‬
‫معينة‪ ،‬عرب فترة زمنية طويلة‪ ،‬يترافق معها تصعيد دوري على هيئة حروب‪ ،‬تتغري‪،‬‬
‫أو تتباين من حيث حدهتا أو شدهتا‪ ،‬ومدى تالرارها‪ ،‬ويف كل األحوال؛ تسكتمر‬
‫هذه التفاعالت ما بني صعود وهبوط‪ ،‬وال يظهر هلا بوادر حل أو تسوية يف املدى‬
‫املنظور"‪.2‬‬
‫‪ 2‬مفووم الصراع المسلح‪:‬‬
‫عند احلديث عن الصرا ‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل الصكرا املسكلح‪ ،‬وهكو‪:‬‬
‫"الصرا العنيف‪ ،‬الذي يلجأ فيه الطرفان أو األطراف املتصكارعة‪ ،‬إىل اسكتخدام‬
‫القوة املسلحة"‪ .‬وتعرّف "قاعدة بيانات أوبسكاال لبيانكات الصكرا " (‪)UCDP‬‬
‫الصرا َ املسلح بأنه‪" :‬تناز يتعلق باحلالم و‪/‬أو األرض‪ ،‬إذ يتم اسكتخدام القكوة‬
‫املسلحة بني الطرفني‪ ،‬أحدمها على األقل حالومة دولة‪ ،‬ويؤدي إىل ‪ 11‬قتكيال يف‬

‫‪Dixon, William J: 1996, "Third- Party Techniques for Preventing‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Conflict Escalation and Promoting Peaceful Settlement", International‬‬
‫‪Organization, The Foundation of the Massachusetts Institute of‬‬
‫‪Technology, (50) 4, pp. 653-681, p. 655.‬‬
‫‪Azar, Edward: Protracted International Conflict: Ten Propositions, in‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Burton, John & Duckes, Frank (eds): Conflict: Readings in‬‬
‫‪Management and Resolution, Op. cit., pp. 145-155.‬‬

‫‪69‬‬
‫سنة واحدة"‪ .1‬ويُطلق اسم الصرا املسلح الطفيف‪ ،‬على الصرا الذي يالون فيه‬
‫عدد القتلى ما بني ‪ - 11‬ح أقل من ‪ 0111‬قتيل‪ .‬أما الصراعات اليت يزيد فيهكا‬
‫عدد القتلى عن ‪ ،0111‬فتطلق عليها قاعدة البيانات احلرب‪ .‬ويشري بعض الباحثني‬
‫إىل طبيعة التعريف القياسء للصراعات املسلحة بأنكه يشكمل وجكود العناصكر‬
‫التالية‪:2‬‬
‫‪ .0‬العنف اجلماعء املتعمد‪.‬‬
‫‪ .1‬استخدام السالح‪.‬‬
‫‪ .2‬املعركة‪.‬‬
‫‪ .4‬األهداف السياسية‪.‬‬
‫‪ .1‬حالومة‪ ،‬كإحدى اجلهات الفاعلة يف أحد طريف الصرا على األقل‪.‬‬
‫ومفهوم الصرا املسلح‪ ،‬ينقلنا إىل تناول مفهوم احلدرب‪ ،‬فكالبعض يعتكرب‬
‫مفهومء‪ ،‬أو مصطلحء الصرا املسلح واحلرب‪ ،‬مترادفني يف املعىن‪ ،‬لي بينكهما‬
‫أي متييز‪ ،‬خاصة إذا جتاوز عدد القتلى ‪ 0111‬قتيل‪ ،‬كما تشري قاعدة "أوبسكاال"‪.‬‬
‫بينما يعرّف البعض احلرب بأهنا‪" :‬عنف منظم‪ ،‬تقكوم بكه وحكدات سياسكية‪،‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول مفهوم الصرا املسلح‪ ،‬راجع قاعدة أوبساال لبيانات الصراع‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫كايل‪:‬‬
‫كرابط التك‬
‫كى الك‬‫كودة علك‬
‫كالم‪ ،‬املوجك‬
‫كرا والسك‬‫كاث الصك‬ ‫كم أحبك‬
‫كة لقسك‬ ‫التابعك‬
‫‪http://www.pcr.uu.se/research/UCDP/data_and_publications/definition‬‬
‫‪ ،_of_armed_conflict.htm‬حيث يُنشر هذا التعريف بشكالل دوري يف التقكارير‬
‫السنوية اليت تصدر عن "قاعدة بيانات أوبساال لبيانات الصرا "‪ ،‬انظر ‪ -‬على سكبيل‬
‫املثال ‪ -‬تقرير عام ‪،1118‬‬
‫‪Wallensteen, Peter, & Harbom, Lotta, & Sundberg, Ralph (Eds):‬‬
‫‪2009, States in Armed Conflict 2008, Department of Peace and Conflict‬‬
‫‪Research, Uppsala University, p. 15.‬‬
‫كما يُنشر هذا التقرير يف جملة أحباث السالم العاملية‪ ،‬انظر على سبيل املثال‪:‬‬
‫‪Wallensteen, Peter, Margareta, Sollenberg: 2001, Armed Conflict‬‬
‫‪1989-2000, Journal of Peace Research, 38 (5): 629-644.‬‬
‫األيوبدي‪ ،‬عمر وحسن‪ ،‬حسن واأليوبدي‪ ،‬أمني (مترمجدون)‪ :‬إشكراف وحتريكر‬ ‫‪2‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬التسلح ونكز السكالح واألمكن الكدويل‪،1111 ،‬‬
‫النسكخة العربيكة املترمجكة لالتكاب ‪SIPRI Yearbook 2007: Armaments,‬‬
‫‪ ،Disarmaments, and International Security‬مركز دراسات الوحدة العربيكة‪،‬‬
‫بريوت‪.089-082 . ،‬‬
‫‪71‬‬
‫وعسالرية ضد بعضها البعض"‪ .1‬ورمبا من املفيد اإلشارة إىل بعكض االفتراضكات‬
‫النظرية اهلامة‪ ،‬اليت تدور حول الصكرا املسكلح‪ ،‬أو احلكرب والكيت تتمثكل‬
‫مبا يأ ‪:2‬‬
‫‪ .0‬احلرب عملية مالتسبة أو قابلة للتعلم‪.‬‬
‫‪ .1‬احلرب هء خمرجات عملية طويلة املدى‪.‬‬
‫‪ .2‬احلرب هء منتوج عملية تفاعل‪ ،‬وليست وليدة ظروف‪ ،‬أو شروط منظومكة‬
‫بسيطة‪.‬‬
‫‪ .4‬احلرب تعال طريقة صنع القرارات‪.‬‬
‫‪ .1‬احلرب متعددة املسببات‪.‬‬
‫‪ .9‬يوجد أمناط وأشالال متنوعة للحرب‪.‬‬

‫‪ 3‬مفووم العنف‪:‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن مفهوم العنف يُعترب ظاهرة لصيقة بالصرا ‪ ،‬وهو غالبًا‬
‫أحد خمرجات‪ ،‬أو أبعاد ظاهرة الصرا ‪ .‬وحيدد بعض الباحثني العنف بأنه‪" :‬ظاهرة‬
‫تتألف من أفعال‪ ،‬ومفردات‪ ،‬واجتاهات‪ ،‬ببُنية أو نُظم‪ ،‬تسبب إيذاءً جسدياً ونفسياً‬
‫واجتماعياً أو بيئياً‪ ،‬أو متنع النا من الوصول لالستفادة الالاملة مكن إمالانيكاهتم‬
‫البشرية"‪.3‬‬
‫عموماً‪ ،‬أبسط أشالال تعريف العنف وأبرزها هو‪ :‬القيام بعمل اإليذاء املادي‬
‫لآلخرين من البشر‪ ،‬ويشمل استخدام القوة‪ ،‬أو التهديد باستخدامها‪.4‬‬
‫‪Bull, Hedley: 1977, The Anarchical Society, New York, Colombia‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪University Press, p. 184, quoted in Vasquez, John A: 2009, the War‬‬
‫‪Puzzle Revisited, Cambridge, UK, Cambridge University Press,‬‬
‫‪p. 24.‬‬
‫‪Vasquez, John A: The War Puzzle Revised, Op. cit.,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪pp. 42-51.‬‬
‫‪Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Action, London, Birmingham and ZED Books, Responding to Conflict‬‬
‫‪Agency, p. 4.‬‬
‫‪Joeng, Ho-Won (Ed): 2000, Peace & Conflict Studies: An‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪Introduction, England, Ashgate, p. 19.‬‬

‫‪70‬‬
‫لظاهرة العنف شالالن أو اجتاهان أساسان‪ :1‬األول‪" :‬العنف املباشر"‪ ،‬مثكل‪:‬‬
‫القتل‪ ،‬االضطهاد‪ ،‬التعذيب‪ ،‬القمع‪ ،‬اإليكذاء اجلسكدي‪ ،‬احلصكار‪ ،‬والعقوبكات‬
‫االقتصادية‪ ،‬وما عداها‪ .‬والثاين‪ :‬هو "العنف البنيوي"‪ ،‬أو ما يسمّى "العنف غكري‬
‫املباشر"‪ ،‬مثل التمييز‪ ،‬االستغالل‪ ،‬اخلوف‪ ،‬وغريها‪ .‬ويلخص أحد الباحثني‪ ،‬بكأن‬
‫الشالل التقليدي للعنف (العنف املادي املباشر) يالون ظاهراً أو واضحاً‪ ،‬وبشكالل‬
‫عام‪ ،‬يعمل بشالل سريع‪ ،‬أو دراماتيالء أو مثري لالنتباه‪ .‬أما "العنف غري املباشكر"‪،‬‬
‫فيالون عادة غري ظاهر أو كامنًا‪ ،‬ويف غالب األحيان‪ ،‬يعمل ببطء يف تآككل قكيم‬
‫اإلنسان أو البشرية‪ ،‬ويف تقصري مدة احلياة‪.2‬‬
‫ولي األمر كذلك دائما؛ ففء بعض األحيان‪ ،‬العنف هو ظكاهرة إجيابيكة‬
‫وبناءة‪ ،‬أو هو عملية عالجية مرغوبة‪ ،‬وإن كانت مؤملة‪ ،‬مثل‪ :‬اسكتخدام العنكف‬
‫الشرطء ضد اجلرمية املنظمة‪ ،‬أو املقاومة العنيفة ضد االحتالل‪ ،‬أو دفع العكدوان‪،‬‬
‫وغري ذلك من الظواهر اإلجيابية للعنف‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن "العنف" قد يالون مفهومكًا‬
‫حمايدًا‪ ،‬والذي حيدد طبيعته السلبية أو اإلجيابية‪ ،‬هو طبيعة وكيفية وشالل وتوقيكت‬
‫استخدامه‪ ،‬والغاية أو اهلدف منه‪.‬‬
‫‪ 9‬مفووم إدارو الصراع‪:‬‬
‫إن مفهوم إدارة الصرا ‪ ،‬يُعترب من املفاهيم احملورية اللصيقة بالصرا ‪ ،‬وهو من‬
‫املفاهيم اليت تباينت اآلراء حوهلا تبايناً واسعاً‪ ،‬وأثارت حوهلا نقاشاً أو جدالً كبرياً؛‬
‫لتحديد طبيعة وحدود هذا املفهوم‪ .‬وبشالل عام‪ ،‬ميالن القول‪ :‬إن مفهكوم إدارة‬
‫الصرا ‪ ،‬ومضمونه األسا يتمثل يف أنه عملية‪ ،‬هتدف إمّا إىل احلد‪ ،‬أو التهدئة‪ ،‬أو‬
‫االحتواء‪ ،‬أو منع تصاعد الصرا والعنف‪ .‬إن عملية إدارة الصكرا ‪ ،‬تسكعى يف‬

‫انظر الدراسات التالية جلوهان غالتونغ‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Galtung, Johan: 1969, Violence, Peace and Peace Research, Journal‬‬
‫)‪of Peace Research, Oslo, the Peace Research Institute Oslo (PRIO), (6‬‬
‫‪3, pp. 167-191.‬‬
‫‪Galtung, Johan: 1990, "Cultural Violence", Journal of Peace‬‬
‫‪Research, Oslo, the Peace Research Institute Oslo (PRIO) & Sage,‬‬
‫‪London, Vol. 27, no. 3, p. 292-296.‬‬
‫‪Joeng, Ho-Won (ed): Peace & Conflict Studies: An Introduction ,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Op. cit., pp. 19-22.‬‬

‫‪71‬‬
‫غالب األحيان أيضاً إىل الوصول إىل تسوية‪ .‬وفيما يأ استعراض لبعض مفكاهيم‬
‫إدارة الصرا ‪:‬‬
‫‪ ‬يشري معهد ‪ GTZ‬األملاين‪ ،‬إىل أن إدارة الصرا هء "حماولة لتنظيم الصكرا ‪،‬‬
‫من خالل العمل على منع‪ ،‬أو إهناء العنف‪ ،‬وهو يسعى جللب حلول بنكاءة‪،‬‬
‫من مجيع أطراف الصرا ‪ ،‬واليت ميالن االستفادة منها"‪.1‬‬
‫‪ ‬بينما تشري بعض الدراسات الصادرة عن وزارة اخلارجية السكويدية‪ ،‬إىل أن إدارة‬
‫الصرا هء‪" :‬عملية تتضمن مساحة واسعة من اإلجراءات الواعكدة واملهمكة‪،‬‬
‫للتعامل مع املشالالت‪ ،‬سواء العسالرية أو اإلنسانية أو االقتصادية ‪ -‬االجتماعية‪،‬‬
‫والسياسية ‪ ،-‬والتعامل مع البيئة املؤسسية يف خمتلف مراحل الصرا "‪.2‬‬
‫‪ ‬ويشري "أوليفر" ‪ Oliver‬إىل أن إدارة الصرا ‪ ،‬ارتبطت بتنظكيم الصكرا ‪،‬‬
‫ويستخدم كمصطلح يشمل جمموعة أو سلسلة من اإلجكراءات اإلجيابيكة‪،‬‬
‫ملعاجلة الصرا ‪ ،‬حبيث يشمل ذلك احتواء الصرا العنيف‪ ،‬وعملية التسوية‪.3‬‬
‫‪ ‬يرى نيالال ‪ ،‬أن إدارة الصرا هء‪ :‬اإلجراءات اليت تستخدم للتعامل مكع‬
‫االختالفات‪ ،‬واملواقف جتاه القضايا بدون حل الصرا ‪ ،‬ولالن هبدف تغكيري‬
‫وضع التفاعالت الصراعية من السلوك السلبككء أو املكدمر‪ ،‬إىل السكلوك‬
‫اإلجيابكء أو البناء‪.4‬‬
‫‪Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: 2002, Peace-Building,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Crisis Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in‬‬
‫‪the Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Eschborn, Germany,‬‬
‫‪Deutsche Gesellschaft für Technische Zusammenarbeit (GTZ), division‬‬
‫‪42, http://www.gtz.de/de/dokumente/en-crisis-prevention-and-conflict-‬‬
‫‪.management.pdf, p. 12‬‬
‫‪Ministry for Foreign Affairs: 2001, Preventing Violent Conflict -‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Swedish Policy for the 21st Century, Sweden, Secretariat for Conflict‬‬
‫‪.Preventing, Ministry of Foreign Affairs, p. 19‬‬
‫‪.Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit., p. 29‬‬ ‫‪3‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪Swanstrom, Niklas: 2002, Regional Cooperation and Conflict‬‬
‫‪Management: Lessons from The Pacfic Rim, Report No.64, Uppsala‬‬
‫‪University, Uppsala, Department of Peace and Conflict Research, p. 24.‬‬
‫‪Research on Conflict Resolutions, in Joeng, Ho-Won (ed): 1999,‬‬
‫‪"Conflict Resolution: Dynamics, Process and Structure, England,‬‬
‫‪Ashgate, p. 14.‬‬

‫‪71‬‬
‫وحيدد البعض عملية إدارة الصرا ‪ ،‬والسيطرة عليه من خالل وضكع قواعكد‪،‬‬
‫ومعايري يتفق عليها األطراف لعملية التناف ‪ ،‬وتساعد أطراف أخرى يف‪ :‬حتديد قضكايا‬
‫حتالم كل طرف يف طموحاته‪ ،‬إزالة سوء فهم كل طرف جتاه أهداف اآلخر‪ ،‬حتليل أو‬
‫حتديد املصاحل‪ ،‬رسم واقتراح البدائل واخليارات‪ .‬ويرى الكبعض‪ ،‬أن اإلدارة العقالنيكة‬
‫للصرا ‪ ،‬ترتالز على افتراض وإدراك أطراف الصرا ملصاحلهم األفضل‪.1‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬من املفيد اإلشارة إىل أن إدارة الصرا الدويل‪ ،‬هء عمليكة‬
‫ال خترج بطبيعتها ومفهومها عن إدارة الصرا ‪ ،‬مع اختالف أطرافها وسكاحتها أو‬
‫ميداهنا‪ .‬فيشري البعض ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬إىل أن إدارة الصرا الكدويل‪ ،‬هكء‪:‬‬
‫"عملية تشري إىل سلوك يقوم به بعض الفاعلني الدوليني‪( ،‬سواء أكان من أطكراف‬
‫الصرا أم أطراف وسيطة)‪ ،‬من أجل حتجيم مستويات الصرا ‪ ،‬أو تفادي حدوث‬
‫أمناط صراعية معينة أو شديدة‪ ،‬مثل‪ :‬احلرب"‪ .‬كمكا يشكري االجتكاه السكائد يف‬
‫األدبيات الغربية‪ ،‬يف جمال دراسات الصرا والسالم‪ ،‬إىل أن ظكاهرة الصكراعات‬
‫الدولية هء‪" :‬عالقات ومواقف‪ ،‬أو أوضا دولية تنطوي على مشالالت‪ ،‬يكتعني‬
‫إجياد حلول هلا‪ ،‬وهو ما نتج عنه حقل إدارة الصراعات الدولية"‪.2‬‬
‫عموماً‪ ،‬هناك جتاهات متباينة بشالل كبري‪ ،‬حول حتديد مفهوم إدارة الصرا ‪،‬‬
‫فهناك جتاهات متيل إىل النظر إىل عملية إدارة الصرا كعملية تُعىن إما بتحجيم‪ ،‬أو‬
‫احلد من‪ ،‬أو هتدئة‪ ،‬أو احتواء ومنع تصعيد الصراعات أو العنكف القكائم فعليكاً‪.‬‬
‫وهناك جتاه ثانٍ‪ ،‬أو جتاهات أخرى‪ ،‬متيل إىل النظر إىل إدارة الصكرا ‪ ،‬كعمليكة‬
‫واسعة شاملة لالل ما يتعلق بالصرا ‪ ،‬مبا يف ذلك عملية تسوية الصرا ‪ ،‬أو املنكع‬
‫الوقائء حلدوث الصرا مستقبال‪.3‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: "Research on Conflict Resolution", in Jeong, Ho-Won‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪(ed): Conflict Resolution: Dynamics, Process and Structure, Op. cit., p. 14.‬‬
‫نقالً عن وهبان‪ .‬أمحد حممد‪ :‬حتليل إدارة الصرا الدويل‪ :‬دراسة مسكحية لألدبيكات‬ ‫‪2‬‬
‫املعاصرة‪ .‬جملة عامل الفالر‪ ،‬اجملل الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الالويت‪،4 )29( ،‬‬
‫‪.11-19 . ،89-10 . . ،1118‬‬
‫ملزيد من التفاصيل ميالن االطال حول اجلدل الدائر حكول مفهكوم إدارة الصكرا‬ ‫‪3‬‬
‫واجتاهاته‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Azem, Ahmad, J: 2005, The Reconceptualisation of Conflict‬‬
‫‪Management, Peace, Conflict & Development: An Interdisciplinary‬‬
‫‪Journal, University of Bradford, Department of Peace Studies, p. 4-11.‬‬

‫‪74‬‬
‫ومييل الباحث إىل االعتقاد‪ ،‬أن االجتاه الثاين‪ ،‬الذي يتبىن املفهوم األوسكع‪ ،‬أو‬
‫األمشل إلدارة الصرا ‪ ،‬جيب أن خيتلف عن مفهوم تسوية الصرا ‪ ،‬وعن مفهكوم‬
‫املنع الوقائء للصراعات؛ فلو كانت عملية إدارة الصراعات شاملة لعملية التسوية‪،‬‬
‫أو املنع الوقائء‪ ،‬مل يعد هناك مربر لوجود هذه املفاهيم‪ ،‬وملا استطاعت أن تشكالل‬
‫جزءاً حمورياً يف املنظومة املفاهيمية‪ ،‬لعلم دراسات الصكرا والسكالم‪ ،‬كمكا أن‬
‫مفاهيم التسوية‪ ،‬واملنع الوقائء حتتوي على إجراءات ومضامني نظرية وعملية‪ ،‬يتم‬
‫القيام هبا يف إطار صناعة املستقبل مع وجود صكرا أصكالً يف الواقكع‪ ،‬مثكل‪:‬‬
‫إجراءات‪ ،‬أو نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬حرصاً على احملافظة على السالم‪ ،‬وخلكق بيئكة‬
‫طاردة ألي مسببات تؤدي حلدوث الصرا يف املستقبل‪.‬‬
‫وال شك‪ ،‬أن غياب احلرب الباردة ألقى بظالله على هذا اجلدل‪ ،‬والتباين يف‬
‫مفاهيم علم الصرا والسالم‪ ،‬ولعب دوراً يف املزيد من التداخل يف بعض مفكاهيم‬
‫هذا احلقل من جهة‪ ،‬واملزيد من الفصل والتمايز ‪ -‬أحياناً ‪ -‬يف مفاهيم أخرى من‬
‫جهة ثانية‪ ،‬مثل‪ :‬املنع الوقائء للصرا ‪ ،‬اإلنذار املبالر‪ ،‬وغريها‪ .‬كما أدخلت الالثري‬
‫من املفاهيم يف مرحلة جديدة‪ ،‬وأصبحت العديد من الدراسات‪ ،‬تتناول ضكرورة‬
‫إعادة النظر يف بعض املفاهيم األساسية‪ ،‬وإعادة حتديدها‪ ،‬وكذلك ضرورة ظهكور‬
‫مفاهيم جديدة يف هذا احلقل‪.1‬‬
‫‪ 1‬مفووم تسوية الصراع‪:‬‬
‫إن تسوية الصراعات‪ ،‬أو فض املنازعات يشالل احملصلة الرئيسكة اإلجيابيكة‪،‬‬
‫لالافة أشالال التدخل يف تفاعالت عملية الصراعات‪ ،‬ويعد مفهوم تسوية الصرا‬
‫من املفاهيم احملورية يف علم دراسات الصرا والسالم‪ .‬كما أنه من املفاهيم الكيت‬
‫جتمع بني الوضوح والضبابية يف آن واحد؛ فمصطلح فض املنازعات‪ ،‬أو تسكوية‬

‫انظر حول طروحات التغيري يف مفاهيم يف هذا احلقل العلمء يف مرحلة ما بعد احلكرب‬ ‫‪1‬‬
‫الباردة‪:‬‬
‫‪Melande, Erik & Oberg, Magnus & Hall, Jonathan: 2006, The New‬‬
‫‪Wars Debate Revisited: An Empirical Evaluation of the Atrociousness‬‬
‫‪of New Wars, , Uppsala University, Uppsala, Sweden, Uppsala Peace‬‬
‫‪Research Papers, No.9, Department of Peace and Conflict Research.‬‬
‫‪http://www.freds.lu.se/upload/freds/FKVA11/FKVA11.2.melander.pdf‬‬

‫‪75‬‬
‫الصراعات واضح من حيث االنطبا األويل والفهم العكام للغايكة‪ ،‬أو اهلكدف‬
‫اإلجيابكء الذي يتم السعء للوصول إليه‪ ،‬أي حتقيق تسوية وحل للصكرا ‪ .‬ويف‬
‫املقابل‪ ،‬هو مفهوم ضبابكء‪ ،‬من حيث حتديد حدوده مع املفاهيم األخرى‪ ،‬خاصة‬
‫مع مفهوم إدارة الصرا ‪ ،‬أو مفهوم اتفاقيات التسوية للصرا ‪ ،‬أو مع مفهوم املنكع‬
‫الوقائء للصرا ‪ ،‬وكذلك من حيث حتديد طبيعة خمرجاته‪ ،‬ومدى استمراريتها‪.‬‬
‫وبشالل عام‪ ،‬يعد مصطلح أو مفهوم فض النكزاعات‪/‬تسوية الصراعات‪ ،‬من‬
‫املفاهيم الفضفاضة الواسعة "محّال أوجه"؛ مما خلق تباينًا كبريًا يف حتديد مضكمونه‬
‫وحدوده‪.‬‬
‫‪ ‬فالبعض يرى‪ ،‬أنه يشمل األشالال‪ ،‬أو اجلوانب األربعة التالية ملرحلكة بكدء‬
‫الصرا ‪ ،‬فهو يشمل‪ :‬إدارة الصرا ‪ ،‬وتسويته‪ ،‬ومنكع حدوثكه‪ ،‬والتحكول‬
‫اجلذري له‪ ،‬والبعض اآلخر يرى أن تسوية الصرا تتم من خالل العمل على‬
‫إزالة الصرا ‪ ،‬بينما يرى غريهم أهنا تالمن يف العمل والسيطرة على إدارتكه‪،‬‬
‫أو احملافظة على بقائه صراعاً سياسياً‪.1‬‬
‫‪ ‬ويرى "بيتر فالنستني"‪ ،‬أن تسوية الصراعات عبارة عن "موقف‪ ،‬تتم مكن‬
‫خالله عملية اتفاق طوعية‪ ،‬ورمسية بني األطراف املتنازعكة‪ ،‬إمكا حلكل‬
‫خالفاهتم األساسية‪ ،‬أو للتعايش بسالم مع اخلالف بدون اللجوء إىل العنف‬
‫املسلح"‪.2‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن االجتاه السائد حول مفهوم تسوية الصراعات‪/‬فض النككزاعات‪،‬‬
‫يرى أهنا "عملية هتدف إىل معاجلة مسببات الصرا ‪ ،‬أو جذور مصادر الصكرا ‪،‬‬
‫وتُعىن ببناء عالقات جديدة دائمة‪ ،‬وإجيابية وتعاونية بني األطكراف املتصكارعة‪،‬‬
‫وبالتايل حماولة معاجلة أبعاد الصرا ‪ ،‬سواء على مستوى السلوك‪ ،‬أو على مستوى‬
‫االجتاهات‪ ،‬أو على مستوى السياق‪ ،‬أو البيئة واملواقف"‪ .‬إذن هء معاجلة تتوجه إىل‬
‫عملية الصرا ‪ ،‬وإىل قضايا وحمتوى الصرا ‪ ،‬وكذلك حمصلة‪ ،‬أو نتائج الصكرا‬

‫‪Bercovitch, Jacob & Kremenyuk,Victor & Zartman, William‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪.(Eds): 2009, Conflict Resolution, Sage, London, p. 10‬‬
‫فالنستني‪ ،‬بيتر (مؤلف)‪ ،‬السعد‪ ،‬سعد ودبور‪ ،‬حممد (مترمجني)‪ :‬مرجع سابق‪11 . ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫و‪.11 .‬‬
‫‪76‬‬
‫لتحقيق نتائج مرضية ألطراف الصرا ‪ .1‬ويف ضوء ذلك‪ ،‬فإن مفهوم عملية تسوية‬
‫الصرا ‪/‬فض املنازعات‪ ،‬يتضمن على األقل ثالثة عناصر‪:2‬‬
‫‪ .0‬أن تتناول حمصلة‪ ،‬أو نتائج تسكوية الصكرا املعاجلكة اجلذريكة للقضكايا‬
‫واملشالالت األساسية أكثر من تناوهلا األشالال الظاهرة أو املعلنة‪ ،‬أو تلكك‬
‫اليت تطفو على سطح الصرا ‪.‬‬
‫‪ .1‬أن حتدد التسوية من خالل إرادة مشتركة ألطراف الصرا ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن حتقق التسوية درجة كافية من الرضا‪ ،‬لألطراف املعنية بالصرا ‪ ،‬وغالبكاً‪،‬‬
‫ما يالون ذلك من خالل حتقيق مصاحلها األساسية‪.‬‬
‫وال شك‪ ،‬أن أي تسوية للصراعات تتجاهل مبدأ العدالة‪ ،‬أو تفرط حبقكوق‬
‫أحد األطراف‪ ،‬وال تتم على أسا الرضا املتبادل‪ ،‬بل وفق معادلة القوة‪ ،‬وبالتكايل‬
‫عقد تسوية على أسا من التنازل‪ ،‬واحلل الوسط بشالل حتالمه معادلة القوة‪ ،‬فإن‬
‫هذه التسويات ال يتوقع هلا أن تالون تسويات دائمة‪ ،‬وإمنا هء تسويات مرحليكة‪،‬‬
‫من احملتمل أن يعود فيها الصرا من جديد بعد تغيّر معادلة القوة‪.‬‬
‫إن تناولنا ملفهوم تسوية الصرا ‪ ،‬رمبا يتطلب معرفة ما هء اللحظة‪ ،‬أو مك‬
‫يبدي أطراف الصرا ‪ ،‬استعدادهم للدخول يف تسوية سلمية للصكرا ‪ ،‬أو مبعكىن‬
‫آخر‪ :‬ما هء الظروف أو املرحلة اليت تدفع أطراف الصرا إلظهكار اسكتعدادهم‬
‫للدخول يف تسوية؟‬
‫ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: Conflict Resolution: Dynamics, Process and‬‬
‫‪Structure, Op. cit., pp. 13-16.‬‬
‫‪Ramsbothan,Oliver , Woodhouse,Tom and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 28.‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: Peace and Conflict Studies: An Introduction, Op. cit.,‬‬
‫‪pp. 35-37.‬‬
‫‪Kriesberg, Louis: "Conflict Resolution", in Klare, Michael T. (Ed):‬‬
‫‪1994, Peace and World Security Studies: A curriculum Guide, Boulder‬‬
‫‪& London, Lynne Rienner Publishers, pp. 176-177.‬‬
‫‪Laue, James H: the Emergence and Institutionalisation of Third-party‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Roles in Conflict. In: Burton, John and Dukes, Frank (Ed): Conflict:‬‬
‫‪Readings in Management and Resolution, Op. cit., p. 256.‬‬

‫‪77‬‬
‫ويطلق بعض الباحثني‪ ،‬على حلظة‪ ،‬أو مرحلة االستعداد للكدخول يف عمليكة‬
‫تسوية سلمية للصرا ‪ ،‬بلحظة "النضج أو االستواء‪ ،‬أو اللحظة املواتية"‪ ،‬وهء النقطة‬
‫اليت تبدأ فيها األطراف املتصارعة بالتفالري يف الدخول يف عملية تسوية للصرا الذي‬
‫تعيشه‪ .‬وترتبط مرحلة أو حلظة "النضج أو االستواء"‪ ،‬بعوامل أساسية‪ ،‬منها‪ :‬مكدى‬
‫كثافة الصرا ‪ ،‬وتوفر بديل للصرا قابل للتطبيق واحلياة‪ ،‬وطبيعة توازنات وعالقات‬
‫القوة بني أطراف الصرا ‪ .‬وتشري هذه الدراسات‪ ،‬بشكءء مكن التفصكيل‪ ،‬إىل أن‬
‫الصرا ‪ ،‬يصبح قابالً للدخول يف حلظة التسوية بتوفر شروط ثالثة‪:1‬‬
‫‪ .0‬حتقق الدخول يف "أزمة األمل أو املعاناة املتبادلة"‪ ،‬وأن االستمرار يف احلكرب‬
‫سيترتب عليه إما هناية ماللفة وقاتلة‪ ،‬ودون أي احتمالية للتحسن‪ ،‬أو حتقيكق‬
‫املطالب‪ ،‬أو االنتقال إىل وضع أكثر عنفاً وسوءاً‪.‬‬
‫‪ .1‬وجود أو توفر اعتقاد لدى أطراف الصرا بإمالانية وجود حل "ألزمة املعاناة‬
‫املتبادلة"‪ ،‬مبعىن‪ ،‬أن كل طرف من أطراف الصرا ‪ ،‬وصل إىل قناعكة بعكدم‬
‫إمالانية حتقيق حل أحادي أي من طرف واحد‪ ،‬وأن الطريق مسدود لذلك‪.‬‬
‫وبالتايل جيب على األطراف املتصارعة أن تعترب احتمالية وجود بكديل‪ ،‬هكو‬
‫مسارًا ثانيًا أو آخر مقبوالً‪ ،‬هلذه األطراف (مثالً قبول مسار التفاوض أو احلل‬
‫الدبلوماسء وفقدان القناعة بإمالانية احلسم)‪.‬‬
‫‪ .2‬تغري الوضع على صعيد التوازن العسالري‪ ،‬أو توازن القوة بكني األطكراف‬
‫املتصارعة‪ ،‬على حنو يبدأ فيه الطرف األكثر قوة أو سيطرة بالتراجع؛ بينمكا‬
‫الطرف األقل قوة أو غلبة بالصعود وازدياد قوته وتأثريه‪.‬‬
‫ومن املالحظ‪ ،‬حدوث بعض التطورات اليت أخذت تظهر منذ العقد األخكري‬
‫من القرن العشرين ‪ -‬يف عملية تسوية الصراعات‪ - ،‬تتمثل يف الدخول بأشكالال‬
‫وتطبيقات جديدة هء‪:2‬‬
‫‪ .0‬مشاركة أطراف‪ ،‬أو فاعلني جدد‪ ،‬مثل‪ :‬املنظمات غري احلالومية‪.‬‬
‫‪Zartman, William: 1989, Ripe for Resolution: Conflict and Intervention‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Africa, New York, Oxford University Press, pp. 266-273.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل يف جمال التطبيقات اجلديدة انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Kriesberg, Louis: "Conflict Resolution", in Klare, Michael T. (Ed):‬‬
‫‪Op. cit., pp. 177-180.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ .1‬تتم ممارستها ضمن إطار عملية مؤسسية‪ ،‬مع وجود وحدات فنية متخصصة‪،‬‬
‫يف املنظمات الدولية احلالومية أو غري احلالومية‪.‬‬
‫‪ .2‬إعداد علمء ومنهجء ملمارسة عمليات املفاوضات والوساطة‪ ،‬وكيفية تسوية‬
‫الصراعات‪.‬‬
‫‪ .4‬إن عملية تسوية الصراعات‪ ،‬هء عملية تطبق لي فقكط عنكد حكدوث‬
‫الصرا ‪ ،‬وإمنا يف أي مرحلة من مراحله‪ ،‬مبا فيها مرحلة ما قبل الصرا ‪ ،‬من‬
‫خالل االهتمام باملنع الوقائء للصرا ‪ ،‬ونظام اإلنذار املبالر‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬عند تناول مفهوم تسوية الصرا ‪ ،‬ال بد من الوقوف عنكد‬
‫مفهوم متهيدي للتسوية‪ ،‬وهو ما يُطلق عليه يف الترمجة العربية ‪ -‬أيضكاً ‪ -‬تسكوية‬
‫الصرا ‪ .‬ومييل الباحث إىل استخدام مصطلح "اتفاقية تسوية الصرا "‪ ،‬إذ جيعل من‬
‫هذا املفهوم أقرب للشالل القانوين للتسوية‪ ،‬بدالً عن مصطلح "تسوية الصكرا "؛‬
‫وذلك الختالف املقصود هبما‪ .‬إن مفهوم "اتفاقية تسوية الصرا " حيكدد بأنكه‪:‬‬
‫"العملية اليت تعىن بوضع حد لعملية العنف املتبادل‪ ،‬من خالل عقد اتفاقية سكالم‬
‫بني األطراف املتصارعة‪ .1‬ومبعىن آخر‪ ،‬هء‪" :‬عملية‪ ،‬يغلب عليهكا التسكوية‪ ،‬أو‬
‫احملصلة القانونية لتسوية الصرا ‪ ،‬وهء جزء أو مرحلة‪ ،‬من عملية تسوية أوسكع‪،‬‬
‫تشمل أبعاداً وحراكاً سياسياً متنوعاً"‪.‬‬
‫إن عملية الوصول إىل اتفاقية تسوية للصرا هتدف ‪ -‬عموماً ‪ -‬إىل ختلء‬
‫األطراف عن سلوك العنف املعلن‪ ،‬وأعمال القسر‪ ،‬واإلكراه‪ ،‬وصوالً إىل حكل‬
‫وسط‪ ،‬وهء بالنتيجة عملية تغيري يف السكلوك‪ ،‬دون أن تتطلكب تغكيرياً يف‬
‫االجتاهات‪ ،‬أو تغيرياً يف العالقات التنافسية‪ .2‬ومبعىن آخر‪ ،‬هء "تسوية تأخكذ‬

‫ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Joeng, Ho-Won (Ed): "Research on Conflict Resolution", Op. cit.,‬‬
‫‪p. 35-37.‬‬
‫‪Ohslon, Thomas: Power Politics and Peace Policies: Intra-State‬‬
‫‪Conflict Resolution in Southern Africa, Op. cit., p. 32-33.‬‬
‫‪Nordquist, Kjell-Ake: 1997, Peace After War; on Conditions for‬‬
‫‪Durable Inter-State Boundary Agreements, PhD Thesis Published as‬‬
‫‪Report No.34 Research, Uppsala, Sweden, pp. 24-25.‬‬
‫‪Joeng, Ho-Won (Ed): "Research on Conflict Resolution", Op. cit.,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪p. 13.‬‬

‫‪79‬‬
‫إطاراً قانونياً "اتفاقية سالم"‪ ،‬يترتب عليه تغيري وختل عن سلوك العنكف بكني‬
‫الطرفني‪ ،‬ولالن يف نف الوقت ال تعين إحداث تغيري أسكا ‪ ،‬يف االجتاهكات‬
‫السلبية‪ ،‬أو املواقف االجتماعية والنفسية؛ بني الطرفني املتنازعني"‪ .‬ومن أوضح‬
‫األمثلة على ذلك‪ ،‬اتفاقيات السالم "الرمسية" بني األردن وإسرائيل‪ ،‬وبني مصر‬
‫وإسرائيل‪ ،‬إذ مت فيها التخلء عن سلوك‪/‬خيار الصرا املسلح‪ ،‬دون حكدوث‬
‫تغيري يف االجتاهات‪ ،‬واملواقف اجملتمعية‪ ،‬أو ح الرمسية‪ ،‬السكلبية أو الرافضكة‬
‫للتطبيع مع إسرائيل‪.‬‬
‫‪ 9‬مفووم المنع الورائي للصراعا ‪:‬‬
‫إن ما ينتج عن عملية الصرا العنيف‪ ،‬وخاصة "احلكروب"‪ ،‬مكن معانكاة‪،‬‬
‫وكوارث بشرية وإنسانية‪ ،‬ودمار اقتصادي واجتماعء وبيئء‪ ،‬وغريها؛ دفع جهود‬
‫الباحثني واملمارسني يف جمال دراسات الصرا والسالم‪ ،‬لي فقكط للبحكث يف‬
‫كيفية تسوية الصراعات‪ ،‬وإمنا للعمل على هدف منع حدوثها أصكالً أو تالكرار‬
‫حدوثها؛ ومن هنا تولد يف حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬جمال يُطلق عليه "املنع‬
‫الوقائء للصرا "‪ .‬ويتركز هذا اجملال العلمء‪ ،‬حول إجياد آليات وأنظمة إلحكداث‬
‫عملية***** وقائية‪ ،‬هتدف إىل منع حدوث الصراعات مستقبالً‪ ،‬أو منع تصكاعد‬
‫الصراعات القائمة حالياً‪ ،‬أو منع تالرار حدوثها‪.‬‬
‫بشالل عام‪ ،‬تباينت جهود وآراء الباحثني واملؤسسات املتخصصة‪ ،‬يف جمكال‬
‫الصرا والسالم حول حتديد هذا املفهوم‪ ،‬وضبط حدوده‪ .‬وميالن تلخيص أهكم‬
‫هذه املفاهيم فيما يأ ‪:‬‬
‫‪ ‬يشري معهد كارنيجء للسالم‪ ،‬إىل أن املنع الوقائء للصراعات هو‪ ":‬عمليكة‬
‫هتدف إىل منع ظهور الصراعات العنيفة‪ ،‬أو منع الصراعات اجلاريكة‪ ،‬مكن‬
‫امتدادها وانتشارها‪ ،‬أو منع إعادة ظهور العنف يف هذه الصراعات"‪.1‬‬
‫‪ ‬ويشري "بيتر فالنستني" ‪ - Peter Wallensteen‬أيضاً ‪ -‬إىل أن املنع الوقكائء‬
‫للصرا هو‪" :‬أفعال بنّاءة‪ ،‬يتم اللجوء إليها‪ ،‬لتجنكب هتديكد‪ ،‬ولتجنكب‬
‫‪Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict: 1997,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Preventing Deadly Conflict: Final Report, Washington D.C, Carnegie‬‬
‫‪Corporation of New York, P X U iii.‬‬

‫‪81‬‬
‫استخدام أو نشر القوة املسلحة‪ ،‬من قبل أطكراف متنكازعني يف خكالف‬
‫سياسء"‪.1‬‬
‫‪ ‬بينما يشري "مايالل لند" ‪ Micheal Lund‬إىل مفهوم إجرائء‪ ،‬وأكثر مشولية؛‬
‫إذ يرى أن املنع الوقائء للصراعات هو‪" :‬أي وسكيلة هيالليكة بنيويكة أو‬
‫متداخلة القطاعات‪ ،‬ملنع التوتر والنكزاعات داخل الدولة‪ ،‬أو بني الدول من‬
‫التصعيد إىل عنف ملمو ‪ ،‬واستخدام القوة املسلحة‪ ،‬وكذلك لتعزيز قدرة‬
‫أطراف من احملتمل دخوهلا يف صرا عنيف على تسوية نكزاعاهتا سكلمياً‪،‬‬
‫وإحداث تقدم ملمو يف تسوية املشالالت اجلوهرية‪ ،‬اليت تولد تكوترات‬
‫ونكزاعات"‪.2‬‬
‫‪ ‬ويشري األكادميء العربكء عمرو عبد اهلل‪ ،‬إىل أن املنع الوقائء هو‪" :‬عمليكة‬
‫ترتبط بتوفري بيئة معرفية ومهارات للتعامل اإلجيابكء مع الصكراعات"‪ ،‬وأن‬
‫مفهومه هو‪" :‬أن تنجح اجملتمعات واألفراد يف اكتساب املعرفة واملهارات‪ ،‬اليت‬
‫متالنهم من التعامل مع النكزاعات بأسلوب سلمء وإجيابككء‪ ،‬يكؤدي إىل‬
‫إشبا حاجات ومصاحل األطراف‪ ،‬دون تصعيد أو عنف"‪.3‬‬
‫ويعرب األمني العام األسبق لألمم املتحدة بطر غايل‪ ،‬عكن املنكع الوقكائء‬
‫للصرا مبصطلحات رديفة مثل الدبلوماسية الوقائية‪ ،‬أو املنع الوقائء لألزمات‪.4‬‬
‫‪Wallensteen, Peter (ed): 1998, Preventing Violent Conflict: Past‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Record and Future Challenges, Uppsala: Uppsala University, Sweden,‬‬
‫‪Department of Peace and Conflict Research, p. 11.‬‬
‫‪Lund, Michael: 2002, "Preventing Violent Intrastate Conflicts:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Learning Lessons from experience", p. 117, cited in Wallensteen,‬‬
‫‪Peter & Moller, Frida: 2003, Conflict Prevention: Methodology for‬‬
‫‪Knowing the Unknown, Uppsala University, Uppsala, Department of‬‬
‫‪Peace and Conflict Research, Peace Research Paper, No. 7, p. 5.‬‬
‫عبد اهلل‪ ،‬عمرو خريي‪ :‬حل النكزاعات‪ ،‬معهد دراسات السالم ‪ -‬جامعة السالم التابعة‬ ‫‪3‬‬
‫لألمم املتحدة‪ ،‬كوستاريالا‪.049. ،1111 ،‬‬
‫انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫بطرس غايل‪ ،‬بطرس‪ :‬خطة للسالم‪ ،‬منشورات األمم املتحدة‪ ،‬نيويورك‪ ،0111 ،‬ط‪.1‬‬
‫‪Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: Peace - Building, Crisis‬‬
‫‪Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the‬‬
‫‪Context of Crisis, Conflicts, and Disasters Op. cit.‬‬

‫‪80‬‬
‫وبالرغم من وجود تباين ‪ -‬أحياناً ‪ -‬بني هذه املصطلحات‪ ،‬إال أهنا من حيث‬
‫اجلوهر تسعى إىل غاية واحدة‪ ،‬وهء إحداث عملية وقائيكة مكن الصكراعات أو‬
‫األزمات‪ ،‬أو هتيئة الظروف املناسبة لتحقيق هذه الغاية‪.‬‬
‫ويعلق أحد الباحثني يف هذا احلقل العلمء‪" ،‬بيتر فالنستني"‪ ،‬على أن معظكم‬
‫تعريفات املنع الوقائء للصرا ‪ ،‬تُستخدم بشالل هالمء‪ ،‬وبشكالل جيعكل هكذه‬
‫املفاهيم فضفاضة جداً‪ ،‬وجيعلها غري عملية يف اجملال البحثء‪ ،‬وضعيفة من الناحيكة‬
‫التطبيقية‪ ،‬أو اإلجرائية؛ مما يتطلب من اجلماعة البحثية‪/‬األكادميية العمل على تطوير‬
‫أجندة جمال املنع الوقائء للصرا ‪.1‬‬
‫ورمبا من املفيد اإلشارة هنا‪ ،‬إىل أن املنع الوقائء للصراعات يشمل نوعني‪ ،‬أو‬
‫منطني من األعمال أو اإلجراءات‪:‬‬
‫‪ .0‬أعمال املنع الوقائء للصرا على املدى القصري‪/‬املنع الوقائء املباشر‪.‬‬
‫‪ .1‬أعمال املنع الوقائء على املدى الطويل‪/‬املنع الوقائء البنيوي للصراعات‪.‬‬
‫وسيتم يف الفصل الرابع عرض املزيد من التفاصيل حول كل نو من هكذه‬
‫األعمال الوقائية‪.‬‬
‫‪ 7‬مفووم الحرب األهلية‪:‬‬
‫تناولت األدبيات الغربية‪ ،‬يف جمال دراسكات الصكرا والسكالم‪ ،‬مفهكوم‬
‫الصراعات األهلية‪ ،‬أو احلرب الداخليكة بعكدة مصكطلحات إجنليزيكة‪ ،‬منكها‪:‬‬
‫(‪ .)Intra-state Conflict; Civil War‬وبالرغم من وجود بعض التباين اجلزئء بني‬
‫هذه املصطلحات‪ ،‬إال أهنا من حيث اجلوهر حتمل مضموناً واحداً‪.‬‬
‫ويف الوقت املعاصر‪ ،‬هناك معنيان عند التعامل مع مفهوم الصكراعات األهليكة‪:‬‬
‫أحدمها واسع‪ ،‬وهو يرتبط‪ ،‬أو يترادف مع كل أشالال العنف الداخلء‪ ،‬مثل الالفكاح‪،‬‬
‫أو العنف السياسء‪ .‬واآلخر حمدود أو ضيق‪ ،‬وهو مرتبط أو حمدد بالصرا فقط‪.‬‬
‫وبالنسبة للمعىن الواسع‪ ،‬والذي استخدم مكن قبكل "هكاري إكسكتني"‬
‫‪ ،Eckstein‬فإنه يعين‪ :‬حماولة لتغيري السياسات احلالومية‪ ،‬للقكادة أو احلالكام أو‬

‫‪Wallensteen, Peter & Moller, Frida: Conflict Prevention:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪.Methodology for Knowing the Unknown, Op. cit., pp. 6-7‬‬
‫‪81‬‬
‫املنظمات‪ ،‬من خالل العنف أو التهديد بالعنف"‪ .1‬وهء هبذا‪ ،‬شالل من أشكالال‬
‫العنف السياسء‪ .‬وهذا املفهوم الذي يطرحه إكستني يشمل‪ :‬الثكورات‪ ،‬حكروب‬
‫العصابات‪ ،‬االضطرابات الداخلية‪ ،‬اإلرهاب‪ ،‬التمكرد‪ ،‬الصكراعات األيدلوجيكة‬
‫املسلحة‪ ،‬االنقالبات العسالرية‪ .‬وتتضمن احلروب األهلية عكادة‪ ،‬جمموعكة مكن‬
‫أشالال العنف‪ ،‬ولالن يف نف الوقت ونف اإلقليم‪ .‬أما املفهوم األكثر حتديداً‪ ،‬أو‬
‫األضيق للحرب الداخلية‪ ،‬فهو مرتبط‪ ،‬أو ملتصق بالصرا فقط‪ ،‬ويف هذا اإلطكار‬
‫أو املعىن‪ ،‬يتم تعريف احلرب الداخلية بأهنا‪" :‬الصرا الواسع املدى‪ ،‬املنظم‪ ،‬والذي‬
‫يعال انقسامات جوهرية داخل اجملتمع‪ ،‬حبيث أن "كل البنية األساسكية للنظكام‬
‫السياسء (هياللية‪ ،‬بنية السلطة‪ ،‬التضامن‪ ،‬الثقافة‪ ،‬املوارد) تنقسكم إىل قسكمني‬
‫منفصلني"‪ .2‬كما يعرف البعض احلرب األهلية‪ ،‬أو الصرا الداخلء بأهنكا تعكين‬
‫"النكزا السياسء العنيف‪ ،‬أو الذي حيمل القابلية ألن يالون عنيفاً‪ ،‬ويالون ضمن‬
‫إطار بيئة داخلية أو حملية‪ ،‬ولي ضمن إطار أنظمة إقليمية أو دولية‪ .‬وهو عنكف‬
‫مسلح‪ ،‬أو قابل ألن يصبح عنفاً مسلحاً‪ ،‬وذلك ضمن حدود الدولة الواحدة"‪.3‬‬
‫وال شك‪ ،‬أن هذه التعريفات تشمل أو تعرب عن مناذج‪ ،‬أو أشالال متعددة من‬
‫الصراعات األهلية‪ ،‬مثل‪ :‬الصرا املسلح بني القادة‪ ،‬للسيطرة على السلطة‪ ،‬سكواء‬
‫أكانوا عسالريني أم مدنيني‪ ،‬الصرا العرقء أو اإلثين املسلح‪ ،‬حتديات سيادة الدولة‬
‫من قبل عصابات اإلجرام املنظم‪ ،‬الصرا األيدلوجء املسلح‪ ،‬الثورات‪ ،‬والعمليات‬
‫اإلرهابية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫‪ 1‬مفووم تحويل النزاعا ‪:‬‬
‫وهو مفهوم من مفاهيم مرحلة ما بعد الصرا ‪ ،‬ويتناول املعاجلكة الالليكة‪،‬‬
‫ملختلف جذور الصرا ‪ ،‬وبناء حالة من السالم الدائم‪ ،‬والتنمية املستدامة‪ .‬وبشالل‬
‫‪Eckstein, Harry (ed): 1964, Internal War: Problems and Approaches,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪New York, Free Press of Glencoe.‬‬
‫‪Rosenau, James (Ed): 1964, International Aspects of Civil Strife, New‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Jersey, Princeton University, p. 14.‬‬
‫‪Brown, Michael (ed): 1996, International Dimensions of Internal‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Conflict, CSIA Studies in International Security, Cambridge & London,‬‬
‫‪MIT Press, p. 1.‬‬

‫‪81‬‬
‫عام‪ ،‬فإن املقصود بك "إصالح النكزا " أنه‪" :‬عملية طويلكة املكدى‪ ،‬تسكعى‬
‫إلحداث تغيري‪ ،‬ومعاجلة عميقة وجذرية‪ ،‬هياللية أو بنيويكة‪ ،‬لالامكل مصكادر‪،‬‬
‫ومسببات الصرا أو العنف‪ ،‬وعلى كافة الصعد واملستويات‪ ،‬وهء تعمكل علكى‬
‫إصالح العالقات‪ ،‬واملفاهيم والبيئة احمليطة بالصرا وأطرافه"‪ .‬ومبعىن آخر‪ ،‬حتويكل‬
‫اإلمالانيات‪ ،‬والقدرات اإلنسانية إىل عملية إجيابية بناءة‪ ،‬وبناء السكالم الكدائم أو‬
‫املستدام‪.1‬‬
‫إن الترمجة العربية احلرفية‪ ،‬للمصطلح اإلجنليزي "حتويل الصرا "‪ ،‬ال تعبّر عن‬
‫املقصود من هذا املصطلح‪ .‬بينما يشري بعض البكاحثني‪ ،‬إىل اسكتخدام مصكطلح‬
‫"إصالح النكزا "‪ ،‬بديالً عن هذه الترمجة احلرفية‪ ،‬وهذا املصطلح العربكء يسمح‬
‫لنا بتفهم كافة أبعاد املعىن املقصود‪ ،‬وهو إصالح العالقة بني األفكراد‪ ،‬وإصكالح‬
‫عناصر احمليط‪ ،‬وإصالح ذات النف ‪ ،‬مبا يؤدي إىل اخلري‪ .‬ورمبكا يالكون التكأثري‬
‫اإلسالمء هنا واضحاً؛ إذ إن "الصلح خري"‪.2‬‬
‫إن استخدام "إصالح النكزا "‪ ،‬أو "صالح النكزا ‪/‬الصرا " حيكوي داللكة‬
‫لغوية عربية قوية بديلة عن الترمجة احلرفية‪ ،‬فتشري بعض معاجم اللغة العربيكة إىل أن‬
‫معىن‪ :‬صلح‪ ،‬صالحاً‪ ،‬أي زال عنه الفساد‪ .‬وأصلح بينهما‪ :‬أي أزال ما بينهما مكن‬
‫عداوة وشقاق‪ .‬ويف القرآن الالرمي‪ :‬وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِنيَ اقتَتَلُكوا فَأَصْكلِحُوا‬
‫بَيْنَهُمَا‪( ...‬سورة احلجرات‪ ،‬آية ‪ .)1‬ويُقال‪ :‬الصالح مبعىن االستقامة والسالمة من‬
‫العيب‪ ،‬ويقال‪ :‬أيضاً أن الصلح هو إهناء حالة احلرب‪ ،‬وقيل‪ :‬الصلح هكو السكلم‪.3‬‬
‫وعموم هذه الدالالت اللغوية العربية‪ ،‬تشري إىل وجود عملية صلح جذري وتعكايش‬
‫سلمء وتعاون بني األطراف‪ ،‬كما تشري إىل أن صالح النكزا ‪ ،‬هو حالة أو معاجلة‬
‫متت وانتهت للصرا ‪ ،‬وأن العمل اإلجيابكء قائم يف مرحلة ما بعد الصرا ‪.‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذا املفهوم انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Jeong , Ho-Won (Ed): Peace & Conflict Studies: An Introduction,‬‬
‫‪Op. cit., p. 37-38.‬‬
‫عبد اهلل‪ ،‬عمرو خريي‪ :‬مرجع سابق‪.041-044 . ،‬‬
‫نف املرجع‪.041-044 . ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫أنيس‪ ،‬إبراهيم (وآخرون)‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬دار احلديث للطبع والنشكر‪ ،‬بكريوت‪،‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪.111 . ،0111‬‬
‫‪84‬‬
‫ويف ختام تناولنا جملموعة مفاهيم الصرا ‪ ،‬نشري إىل أن هذه املفاهيم‪ ،‬تكرتبط‬
‫بعالقة شبه تسلسلية‪ ،‬بالرغم من وجود إشالالية يف وضع حدود فاصلة‪ ،‬أو واضحة‬
‫بينها‪ ،‬وهذه العالقة تبدأ من الصرا ‪ ،‬مث إدارة الصرا ‪ ،‬مث اتفاقية تسوية الصرا ‪ ،‬مث‬
‫تسوية الصرا ‪ ،‬مث املنع الوقائء للصرا ‪ ،‬وأخرياً‪ ،‬صالح الصرا ‪.‬‬
‫محور مفاهيم السالم‪:‬‬
‫يف مقابل مفاهيم الصرا ‪ ،‬هناك مفاهيم أساسية تشالل الوجكه اآلخكر‪ ،‬أو‬
‫املالمل هلا ترتالز على املفهوم املقابل للصرا ‪ ،‬وهو مفهوم "السكالم" "‪،"Peace‬‬
‫وسنتناول أهم هذه املفاهيم‪ ،‬وهء‪:‬‬
‫‪ .0‬مفهوم السالم بشقيه‪ ،‬السالم السلبكء‪ ،‬والسالم اإلجيابكء‪.‬‬
‫‪ .1‬صنع السالم‪.‬‬
‫‪ .2‬حفظ السالم‪.‬‬
‫‪ .4‬بناء السالم‪.‬‬
‫مفووم السالم‪:‬‬
‫إن هناك عالقة‪ ،‬وارتباطاً تارخيياً وعلمياًُ بني مفهوم السالم‪ ،‬وظاهرة الصرا‬
‫وتبلور العنف‪ .‬إذ كانت البدايات األوىل ملفهوم السالم‪ ،‬كرد فعل علكى ظكاهرة‬
‫الصرا اإلنساين‪ ،‬ومن هنا‪:‬‬
‫‪ ‬يشري يوهان غالتونغ‪ ،‬إىل أن مفهوم السالم يتناول شقني‪ ،‬أحدمها املفهوم التقليدي‪،‬‬
‫ويُقصد به غياب العنف املباشر‪ ،‬ويُطلق عليه "السالم السليب"‪ ،‬والشق اآلخر األكثر‬
‫تقدماً‪ ،‬والذي يُقصد به غياب العنف البنيوي‪ ،‬أو حتقيق التنمية والعدالكة‪ ،‬وعلكى‬
‫وجه اخلصو‪ ،.‬العدالة االجتماعية‪ ،‬وهذا الشق يُطلق عليه السكالم اإلجيابككء‪.‬‬
‫ويُعترب غالتونغ أول من استخدم مصطلحء السالم السلبكء واإلجيايب‪.1‬‬
‫ويوضح غالتونغ العالقة بني هذه املفاهيم وفق الشالل اآل ‪:‬‬
‫‪Galtung, Johan: 1969, Violence, Peace and Peace Research, Journal‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪of Peace Research, Vol. 1, no.3, PRLO Publication, No. 23-9, in Johan‬‬
‫‪Galtung Collections entitled: Peace Research Education Action, Essays‬‬
‫‪in Peace Research, Collect by Ejlers,Chrislian: 1975, Volume 1,‬‬
‫‪.Copenhagen, p. 130-134‬‬
‫‪85‬‬
‫الشكل ررم (‪)9‬‬
‫العالرة بين مفاهيم السالم والعنف‬

‫املصدر‪:‬‬
‫‪Galtung, Johan: 1969, Violence, Peace and Peace Research, Journal of Peace‬‬
‫‪Research, Vol. 1, no. 3, p. 183.‬‬

‫ويشري بعض العلماء املؤسسني حلقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬من أمثال لوي‬ ‫‪‬‬

‫ريتشاردسون ‪ ،Lewis Richardson‬وكوينسء رايت ‪ ،Quincy Wright‬إىل‬


‫تعريف مفهوم السالم بصورة أقرب إىل ما يطرحه يوهان غكالتونغ حكول‬
‫السالم السلبكء‪.‬‬
‫حيث يشري ريتشاردسون‪ ،‬إىل أن معىن السالم‪ ،‬هو غياب النكزاعات املميتة‬ ‫‪‬‬

‫‪.The Absence of Deadly Quarrels1‬‬


‫بينما يشري كوينسء رايت ‪ ،Quincy Right‬إىل أن مفهوم السالم‪ ،‬هو غياب‬ ‫‪‬‬

‫استخدام القوة املسلحة حلل الصراعات‪ .‬ولالن رايت مل يقكف عنكد هكذا‬
‫املفهوم (السالم السلبكء)‪ ،‬وإمنا استخدم مفهوماً أكثر عمقاً وتطوراً وأقرب‬
‫إىل ما أطلق عليه السالم اإلجيابكء‪ .‬حيث يشري رايت‪ ،‬إىل أن السالم هكو‬

‫‪Richardson, Lewis: 1960, Statistics of Deadly Quarrels, Chicago,‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Quadrangle Books.‬‬

‫‪86‬‬
‫عبارة عن الظروف‪ ،‬أو بيئة اجملتمع اليت يسود فيها النظكام‪ ،‬والعكدل علكى‬
‫الصعيد الداخلء بني أعضاء اجملتمع‪ ،‬وعلى الصعيد اخلارجء يف عالقاته مكع‬
‫اآلخرين‪.1‬‬

‫مفووم السالم في المنظور اإلسالمي‪:‬‬


‫ورمبا من املفيد اإلشارة هنا‪ ،‬إىل ضرورة الوقوف على ماهية مفهوم السكالم‪،‬‬
‫من املنظور احلضاري اإلسالمء‪ ،‬خاصة أن موضو السالم يف اإلسكالم‪ ،‬شكالل‬
‫موضوعاً وهدفاً حمورياً‪ ،‬وقيمة عُليا استهدفها الفالر واحلراك اإلسالمء‪ ،‬وحتقيكق‬
‫السالم‪ ،‬يعين محاية املقاصد اإلسالمية اخلم ‪( ،‬حفظ الدين‪ ،‬النف ‪ ،‬العقل‪ ،‬املال‪،‬‬
‫والعرض)‪ .‬وكتعبري عن األمهية القصوى للسالم يف اإلسالم‪ ،‬كان السالم أحد أمساء‬
‫اهلل جلّ جالله‪ ،‬وحتية أهل اجلنة‪ ،‬وحتية املسلمني‪ .‬وتالرر ذكره يف القرآن أكثر من‬
‫‪ 11‬مرة‪.‬‬
‫إن مصطلح "السالم" يف اإلسالم‪ ،‬مشتق لي من اسم نبككء أو شكخص‪،‬‬
‫وإمنا مشتق من نف جذور اإلسالم‪ ،‬وعند الوقوف حول حتديد ماهية‪ ،‬أو مفهوم‬
‫السالم يف اإلسالم‪ ،‬جند أنه عبارة عن حتقيق حالة التوازن واالنسجام‪ ،‬بني العقكل‬
‫والروح واجلسد‪ ،‬للوصول إىل حتقيق النف املطمئنة اليت أشري إليهكا يف القكرآن‪.‬‬
‫وكذلك فإن السالم يف اإلسالم‪ ،‬ال يُقصد به فقط غياب العنكف أو االضكطهاد‪،‬‬
‫وعدم االستقرار يف اجملتمع‪ ،‬وإمنا هو وجود العدل‪ ،‬وتوفري البيئة الكيت تسكاهم يف‬
‫تفعيل الذات ‪ Self actualization‬و‪/‬أو توفر للنا ‪ ،‬أو اإلنسان القدرة على حتقيق‬
‫احلياة الطيبة‪.2‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬السالم يف اإلسالم ال يقف عند توفري‪ ،‬أو إشبا حاجات اإلنسان‪،‬‬
‫وإمنا أيضاً يربطها مع منظومة من القيم األخالقية اليت ترتبط بتحقيق السالم‪ ،‬مثكل‬
‫‪Wright, Quincy: 1942, A Study of War, Chicago, The University of‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Chicago Press, Volume 2, p. 864, quoted in Ohlson,Thomas: Power‬‬
‫‪Politics and Peace Policies: Intra-State Conflict Resolution in Southern‬‬
‫‪Africa, Op. cit., p. 31.‬‬
‫‪Said, Abdul Aziz & C. Funk, Nathan, & Kafayifci, Ayse S: 2002,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Islamic Approaches to Conflict Resolution & Peace, Abu Dhabi, the‬‬
‫‪Emirates Center for Strategic Studies and Research.‬‬

‫‪87‬‬
‫التعاون‪ ،‬والتسامح‪ ،‬اإليثار‪ ،‬واحملبة‪ ،‬وغريها‪ .‬وكذلك مع الوعء وحسن الكتفالري‬
‫واإلدراك‪ .‬وبالتايل فإن السالم يف املنظور اإلسالمء‪ ،‬هو خلق عالقة من االنسجام‬
‫مع التوازن والتالامل‪ ،‬ما بني احلاجات اإلنسانية والقيم والوعء إلجياد عالقة عطاء‬
‫وتفاعل إجيابكء بني اإلنسان مع اهلل‪ ،‬ومع أخيه اإلنسان‪( ،‬سواء يف جمتمعه احمللء‪،‬‬
‫أو اإلنساين الواسع)‪ ،‬ومع ذاته‪ ،‬لتحقيق الطمأنينة والسعادة من جهكة‪ ،‬ولتحقيكق‬
‫اخلري والعمران للبشرية واجملتمع اإلنساين العام‪ ،‬وهو ما يشالل حتقيقكاً إلرادة اهلل‪،‬‬
‫وعبوديته من جهة أخرى‪.‬‬

‫المفاهيم األساسية األخرف ذا العالرة بالسالم‪:‬‬


‫ومن أهم هذه املفاهيم‪:1‬‬
‫‪ .1‬مفهوم بنع السالم‪ :‬هء عملية أو اسكتراتيجية‪ ،‬هتكدف إىل خكروج‬
‫أطراف الصرا من حالة العنف‪ ،‬أو األعمال املسلحة‪ ،‬إىل اتفاقية سالم‬
‫طوعية‪ ،‬أو الوصول إىل إطار عمل سلمء مشترك‪ ،‬ينهء حالة العنكف‬
‫السائدة أو املعلنة بينهما‪ ،‬ويشري بطر غايل يف تقرير األمكم املتحكدة‬
‫"خطة السالم" عام ‪ 0111‬إىل تع ريف األمم املتحدة لصنع السالم‪ ،‬بأنكه‬
‫هو العمل الرامء إىل التوفيق بني األطراف املتصارعة‪ ،‬ال سيما عن طريق‬
‫الوسائل السلمية‪.‬‬
‫‪ .2‬مفهوم حفظ السالم‪ :‬هء "عملية تتم مكن خكالل تكدخل أطكراف‪ ،‬أو‬
‫مؤسسات عسالرية أو مدنية‪ ،‬دولية أو إقليمية‪ ،‬سواء للمراقبة‪ ،‬أو الفصل بني‬
‫األطراف املتصارعة‪ ،‬وملنع جتدد العنف‪ ،‬أو األعمال العسكالرية بينكهما‪ ،‬أو‬
‫للمحافظة على اتفاقية السالم املوقعة بينهما‪ ،‬أو ملراقبة حسن تنفيذها من قبل‬
‫األطراف املوقعة عليها"‪ .‬وقد يترافق معها عمليات تدخل إنساين‪ .‬وتشكمل‬
‫عملية حفظ السالم يف أحيان كثرية القيام بإجراءات‪ ،‬أو العمل على ترسكيخ‬
‫السالم بني هذه األطراف املتصارعة‪.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول هذه املفاهيم‪ ،‬ميالن الرجو للمراجع التالية‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 132-230.‬‬
‫‪Fisher, Simon. et al: Op. cit., p. 13-14.‬‬

‫‪88‬‬
‫وتعترب األمم املتحدة هذا النشاط‪ ،‬أو املفهوم من ابتالارها‪ ،‬وتعرب عن مفهومها‬
‫حلفظ السالم بأنه‪" :‬نشر قوات تابعة لألمم املتحدة يف امليدان"‪ ،‬ويتم ذلكك‬
‫ح اآلن‪ ،‬مبوافقة مجيع األطراف املعنية‪ ،‬ويشكمل عكادة اشكتراك أفكراد‬
‫عسالريني و‪/‬أو أفراد من الشرطة تابعة لألمم املتحدة‪ ،‬وغالبكاً ‪ -‬أيضكاً ‪-‬‬
‫باشتراك موظفني مدنيني‪.‬‬
‫وتعترب رؤية األمم املتحدة‪ ،‬أن حفظ السالم هو مرحلة سكابقة‪ ،‬للوصكول إىل‬
‫عملية صنع السالم‪ ،‬على عال التسلسل اليت تناولته هذه الدراسة والالثري مكن‬
‫األدبيات العربية‪ ،‬اليت ترى أن املرحلة األوىل تبدأ بصنع السالم بكني األطكراف‬
‫املتصارعة‪ ،‬تليها عملية احلفاظ على هذا السالم؛ أي حفظ السالم‪ .‬ويشري البعض‬
‫هنا إىل أن مفهوم فرض السالم‪ ،‬يُقصد به‪ ،‬فرض اتفاقية سالم بكني األطكراف‬
‫املتصارعة‪ ،‬من قبل طرف ثالث‪ ،‬ميلك القوة على فرض ذلك على الطرفني‪.‬‬
‫‪ .3‬مفهوم بناء السالم‪ :‬هء عملية مترادفة ملا أطلق عليه سابقاً "حتويل‪ ،‬أو إصالح‬
‫الصرا "‪ ،‬وتتم عادة بعد انتهاء الصرا ‪ ،‬وهء‪" :‬عملية تُعىن بالقضاء على أيكة‬
‫جذور للعنف ‪ -‬سواء املباشر أو غري املباشر (البنيوي) ‪ -‬قد تؤدي إىل حدوث‬
‫صرا مستقبالً‪ ،‬ويف نف الوقت‪ ،‬ترسيخ وبناء عالقة تعاونية بعيدة املكدى‪،‬‬
‫وإحداث تغيري قيمء ومفاهيمء ومؤسسا ‪ ،‬يعمل على استقرار وبناء السكالم‬
‫على املدى البعيد‪ ،‬وحتويل هذا التغيري املفاهيمء والقيمء اإلجيابكء إىل عمليكة‬
‫بنيوية راسخة يف عالقات األطراف‪ ،‬واستثمار القوى واإلمالانيكات اإلجيابيكة‬
‫لدى األطراف‪ ،‬وفق رؤية مستقبلية لبناء السالم العادل الدائم"‪ .‬وتعرب األمكم‬
‫املتحدة عن مفهومها لبناء السالم بأنه‪" :‬العمل على حتديد ودعم اهلياكل‪ ،‬الكيت‬
‫من شأهنا تعزيز وتدعيم السلم؛ لتجنب العودة إىل حالة الصرا "‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فإن شالل وتسلسل العالقة بني هذه العمليات‪ ،‬أو املفاهيم‬
‫الثالثة املرتبطة بالسالم أخذ اجتاها متباينًا أو متنوعاً؛ فعلى سبيل املثال‪ ،‬فإن األمكم‬
‫املتحدة حتدد العالقة بني هذه العمليات الثالث بأهنا تبدأ حبفظ السالم‪ ،‬وهو سبيل‬
‫لصنع السالم‪ ،‬ومها يُفرزان يف حالة جناحهما فرصة بناء السكالم‪ ،‬بينمكا بعكض‬
‫الدراسات املتخصصة‪ ،‬مبا فيها هذه الدراسة ‪ -‬وكما أُشري سكابقاً ‪ -‬متيكل إىل أن‬
‫العالقة تبدأ بصنع السالم‪ ،‬مث حفظ السالم‪ ،‬انتهاءً ببناء السالم‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫ومن جانب آخر‪ ،‬ميالن القول إن مفاهيم الصرا ‪ ،‬ومفاهيم السالم ال ميالكن‬
‫الفصل بينهما فصالً واضحاً‪ ،‬وال يوجد بينهما حكدود قاطعكة؛ فهكء مفكاهيم‬
‫وممارسات وتفاعالت إنسانية‪ ،‬تتباين يف مضامينها‪ ،‬وتتداخل يف حدودها يف ضوء‬
‫اجتهادات أهل االختصا‪ .‬واملمارسة‪ ،‬حسب طبيعة املمارسة العملية‪ ،‬خاصة من‬
‫قبل املنظمات الدولية‪ ،‬والدول وقوى امليدان‪ ،‬ومنظمات اجملتمع املدين‪ ،‬وغريها من‬
‫الفاعلني‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن عملية الصرا والسالم‪ :‬هء سلسلة من العمليات املتفاعلة‬
‫يف أهدافها‪ ،‬وإجراءاهتا‪ ،‬ودوافعها أو نتائجها‪.‬‬
‫وحياول الشالل املرفق‪ ،‬حتديد أشالال العالقة بني جمموعكة مفكاهيم الصكرا ‪،‬‬
‫وجمموعة مفاهيم السالم‪ ،‬سواء يف داخل كل جمموعة‪ ،‬أو يف عالقاهتا مكع اجملموعكة‬
‫األخرى‪.‬‬

‫الشكل ررم (‪)2‬‬


‫إطار مفاهيمي‪ :‬العالرة ما بين مفاهيم الصراع ومفاهيم السالم‬

‫‪91‬‬
‫المناهج األساسية لدراسا الصراع‪:‬‬
‫يف ضوء استعراضنا ملفاهيم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬رمبا مكن املناسكب‬
‫استالمال تناول املفاهيم‪ ،‬من خالل الوقوف على أهم املناهج األساسكية‪ ،‬حلقكل‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ ،‬فالما هو معروف إن هذا احلقل خرج من رحم حقل‪،‬‬
‫أو ختصص العالقات الدولية‪ ،‬فالان من الطبيعء أن تكنعال منكاهج العالقكات‬
‫الدولية‪ ،‬على ختصص ودراسات الصرا والسالم‪ .‬واستالماالً لإلطار املفكاهيمء‬
‫وملزيد من اإلحاطة أو اإلملام بالصورة الاللية‪ ،‬واألبعاد النظرية حلقكل دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ .‬ويف ضوء استعراضنا ملفاهيم الصرا والسالم‪ ،‬رمبا من املناسكب‬
‫استالمال تناولنا للمفاهيم والوقوف على أهم املناهج األساسية‪ ،‬حلقل دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ .‬سوف نتناول هنا أهم املناهج العامة‪ ،‬أو األساسية يف هذا اجملكال‬
‫العلمء‪ ،‬وإن كانت هذه املناهج ليست املناهج الوحيدة املستخدمة‪ ،‬يف هذا احلقل‬
‫العلمء‪ .‬لقد تباينت وتعددت آراء الباحثني حول املناهج العلمية املستخدمة يف هذا‬
‫احلقل العلمء‪ ،‬وسنتناول هنا أهم مناهج هذا احلقل‪ ،‬حيث يشري لوي كريسكربغ‬
‫‪ Louis Krisberg‬إىل املناهج الثالثة اآلتية‪:1‬‬
‫‪ 9‬منوج وحدو الدولة (الدوالنية) ‪Statism‬‬
‫وهو املنهج‪ ،‬الذي يقوم على أسا وحدة الدولكة يف العالقكات الدوليكة‪،‬‬
‫ومنظور الواقعية‪ ،‬وهو املنهج التقليدي الذي يدر العالقات الدولية مكن خكالل‬
‫وحدة الدولة‪ .‬وهو جزء من منهج املدرسة الواقعية (من أهم مؤسسكيها هكان‬
‫مورغانثو)‪ .‬ومنهج الدوالنية يعتمد على مفهوم القوة؛ وأولوية األمكن واملصكلحة‬
‫القومية للدولة‪.‬‬
‫واعتماد هذا املنهج‪ ،‬يعين جلوء القادة أو صنا القرار يف الدولة‪ ،‬إىل القكوة‬
‫والعنف لرد اخلصوم‪ ،‬أو تسوية الصراعات‪ ،‬وكما يركز هذا املنهج على مفهكوم‬
‫توازن القوى‪ ،‬أو عالقات القوة‪ ،‬وعلى استخدام القكوة العسكالرية يف معاجلكة‬
‫الصراعات وتسويتها أو منع حدوثها‪.‬‬
‫‪Kriesberg, Louis: 1992, International Conflict Resolution: the U.S -‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪USSR and the Middle East Cases, U.S, Yale University, pp. 5-8.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ 2‬منوج وحدو الفرد أو الشعب (الشعبوية)‬
‫وهو منهج‪ ،‬يعتمد على مستوى العالقات بني األفراد‪ ،‬ويقوم كذلك على‬
‫أساس التفاعالت بني األشخا‪( .‬سواء أكانوا أفراداً أم صنا قرار‪ ،‬أم مجاعات)‪.‬‬
‫وعالقات االعتماد املتبادل‪ ،‬أو التأثري املتبادل للنا والاليانات اجملتمعية‪ ،‬مما يدفعها‬
‫لالخنراط يف األنشطة معاً‪ *،‬وهذا املنهج يولد من هذه التفاعالت علكى مسكتوى‬
‫األفراد‪ ،‬أو اجلماعات حراكاً أو حركات اجتماعية تعمل إلحداث التغيري‪ ،‬وجتنب‬
‫الصراعات واحلروب‪ .‬وينظر هذا املنهج لألمن بأنه لي أمن الدولة فحسب‪ ،‬بكل‬
‫أمن اجملتمع بالل أفراده‪ ،‬ويف كل دولة‪ ،‬مما جيعل عالقات تفاعل بكني أفكراد‪ ،‬أو‬
‫مجاعات من دول خمتلفة تسعى إىل إجياد حركات اجتماعية تعمل علكى إحكداث‬
‫تغيري يف سياسات احلالومة واألنظمة السياسية‪.‬‬
‫ويتبىن هذا املنهج مفهوم األمن اجلماعء‪ ،‬وحق تقريكر املصكري للشكعوب‪،‬‬
‫واالعتماد على القيم‪ ،‬والقانون الدويل ومؤسساته‪ ،‬والعمل الدبلوماسء يف تناولكه‬
‫ومعاجلته عملية إدارة وتسوية الصراعات‪ .‬وهذا املنهج‪ ،‬أقرب ما يالون للمدرسكة‬
‫املثالية‪ ،‬بالرغم مما يعتري ممارسة هذا املنهج ‪ -‬أحياناً ‪ -‬شءء من الغوغائية الشعبية‬
‫أو املثالية احلاملة‪.‬‬
‫‪ 3‬منوج التعددية‬
‫استخدم هذا املنهج يف األصل‪ ،‬لتفسري السياسات اخلارجيكة واملمارسكات‬
‫الدولية‪ ،‬وهو يتالون من شقني أو مستويني‪ ،‬األول‪ :‬الرؤية أو "النكزعة العامليكة"‪،‬‬
‫أو"أنظمة العامل"‪ .‬والثاين‪" :‬الفاعل ‪ -‬املتعدد‪/‬تعدد الفاعلني"‪.‬‬
‫بالنسبة ملستوى "النكزعة العاملية"‪ ،‬فهو يقوم على وضع مصكاحل مجيكع‪ ،‬أو‬
‫كامل دول العامل فوق مصاحل الدول منفردة‪ .‬وهذا املستوى يركز علكى التنميكة‬
‫االقتصادية‪ ،‬وقضية التباين وعدم التالافؤ‪ ،‬أو املساواة االقتصادية واالجتماعيكة يف‬
‫العامل‪ ،‬أو بني دول العامل‪ .‬ويرى أصحاب هذه النكزعة العامليكة‪ ،‬أن الصكراعات‬
‫الدولية نتاج أو مرتبطة حبالة التباين الالبري أو الواسع بني الدول الرأمسالية الغنيكة‪،‬‬
‫والدول النامية الفقرية‪ .‬باإلضافة إىل إشالالية التباين االقتصادي‪ .‬ويؤكد أصكحاب‬
‫هذه النكزعة أيضاً‪ ،‬ضرورة االعتماد املتبادل‪ ،‬والتعاون بني الكدول واملنظمكات‬
‫‪91‬‬
‫العابرة للحدود‪ ،‬أو القوميات سواء احلالومية‪ ،‬أو غري احلالومية‪ .‬ومن هنكا يكرى‬
‫أصحاب هذا املنهج‪ ،‬أن السالم يرتالز على حتقيق التالامل؛ واالندماج واالعتمكاد‬
‫املتبادل بني وحدات اجملتمع الدويل من جهة‪ ،‬وعلى مدى فعالية املنظمات الدوليكة‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمستوى الثاين هلذا املنهج‪" - ،‬الفاعل املتعدد ‪ -‬تعدد الفاعلني"‪،‬‬
‫فهو يؤكد أن الفاعلني‪ ،‬أو املشاركني يف العامل ليست الدول‪ ،‬أو املنظمات الدولية‬
‫العابرة للحدود أو القوميات وحسب‪ ،‬وإمنا هناك حركات دون قومية أو فكاعلني‬
‫حمليني‪ ،‬هلم دور أساسء يف صراعات العنف‪ ،‬وأن السياسات اخلارجيكة للكدول‪،‬‬
‫مرتبطة بفاعلني دوليني أو خارجيني‪ ،‬وبفاعلني حمليني‪ ،‬وإن قناعات ومنكافع ككل‬
‫فاعل‪ ،‬هء اليت حتدد شالل العالقات بني احللفاء‪ ،‬أو املعارضني‪ ،‬فتالون عالقكات‬
‫تعاون أو عالقات صرا ‪ .‬ويرى أصحاب هذا املنهج التعددي‪ ،‬أن السكالم هكو‬
‫مزيج من القوة والقيم‪ ،‬واملصاحل‪ .‬ويعترب أصحاب هذا املنهج‪ ،‬أنه ال فاعل واحكد‬
‫لديه الشرعية لالدعاء املطلق حبصوله على هذا املزيج‪ ،‬بينما خصومه غكري متكوفر‬
‫لديهم هذا املزيج‪ .‬كما يؤكدون أن هناك أمناً مشتركاً‪ ،‬ويرفضون مبدأ حتقيق أمن‬
‫الفاعل على حساب إلغاء أمن اخلصوم‪.‬‬

‫منوج الالعنف‬
‫تشري العديد من أدبيات الصرا وفض املنازعات‪ ،‬إىل مناهج أخكرى‪ ،‬مكن‬
‫أمهها‪:‬‬
‫‪ ‬منظور‪/‬منهج الالعنف والسالم‪ :‬إن منهج الالعنف يُعترب من املناهج الرئيسية‬
‫يف التعامل مع الصراعات‪ ،‬وفض املنازعات وحتقيق السالم‪ .‬ومكن الكرواد‬
‫املمارسني هلذا املنهج "غاندي" يف مقاومة االستعمار يف اهلند‪ ،‬ومارتن لكوثر‬
‫كنغ يف أمريالا‪ ،‬للمطالبة باحلقوق املدنية للسود‪ .‬ويُقصد مبنظكور الالعنكف‬
‫"هو جمموعة مواقف‪ ،‬ومفاهيم وأفعال املقصود منها اجتما النكا علكى‬
‫اجلانب اآلخر بتغيري آرائهم ومفاهيمهم وأفعاهلم‪ ،‬ويستخدم الالعنف وسائل‬
‫سلمية لتحقيق نتائج سلمية‪ .‬ويعين الالعنف بأن املعنيني ال يثأرون بعنف من‬
‫أفعال خصومهم‪ ،‬بل ميتصون الغضب والضرر‪ ،‬بينما يقومون بإرسال رسكالة‬
‫‪91‬‬
‫راسخة عن الصرب‪ ،‬والتصميم على هزمية الظلم"‪ .1‬ويلخص أحكد البكاحثني‬
‫السمات العامة هلذا املنهج الالعنيف كما يأ ‪:2‬‬
‫إن هناك تباينا كبرياً يف جتاهات هذا املنهج‪ ،‬ما بني رافض بشكالل مطلكق‪ ،‬أو‬
‫كلء الستخدام العنف‪ ،‬وما بني جتاه يقبل العنف كضرورة طارئكة‪ ،‬ال بكديل‬
‫عنها‪ ،‬خدمة للخري ومقاومة للشر‪ ،‬أ وما يُعرف ضمن نطاق "احلرب العادلة"‪،‬‬
‫وجتاه ثالث جيمع بينهما حتت مسمى منهج "الالعنف النشكط"‪ ،‬وهكو جتكاه‬
‫يتوسط االجتاهني‪ ،‬وهو يقوم على أسا تغيري موقف اآلخرين‪ ،‬جبعل استخدام‬
‫العنف "ماللفاً جداً‪ :‬من خالل االعتماد على وسائل القوة املدنية ال العسالرية‪.3‬‬
‫منهج الوسطية‪( :‬الدمج بني املثالية‪ ،‬والواقعية)‬ ‫‪‬‬

‫وهو منهج إسالمء املصطلح واملفهوم‪ ،‬يقوم على مقاومة الظلم والعكدوان‪،‬‬
‫والقيام باإلصالح وفق مبدأ احلق‪ ،‬أو العدل‪ ،‬أو حتقيق اخلري‪ .‬ولالكن هكذا‬
‫املنهج‪ ،‬ال يرفض استخدام القكوة بأشكالاهلا املاديكة‪ ،‬واملعنويكة (املدنيكة‬
‫والعسالرية)‪ ،‬ولالن‪ ،‬وفق ضوابط أخالقية‪ ،‬يلتزم بالعدالة‪ ،‬وتقدر الضكرورة‬
‫بقدرها‪ ،‬فهوال يتعامل خبيالية‪ ،‬أو مثالية مطلقة‪ ،‬وال بواقعية مفرطة األنانيكة‪،‬‬
‫ومنحازة للمصلحة الذاتية‪ ،‬أو خالية من الضوابط والقيم األخالقية‪ ،‬فهو يقوم‬
‫على مبدأ الدمج بني املثالية والواقعية‪ ،‬وإن استخدام هذا املنكهج يف حقكل‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ ،‬مازال حباجة ملزيد مكن الدراسكات وجهكود‬
‫الباحثني‪ ،‬لتحديد مفاهيمه وتطوير آلياته أو أساليبه وتطبيقاته ونتائجه‪.4‬‬

‫حول مفاهيم الالعنف‪ ،‬انظر الدراسات التالية‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫أبو النمر‪ ،‬حممد‪ :‬مرجع سابق‪.11-19 . ،‬‬
‫فيشر‪ ،‬سيمون وآخرون (مؤلفون)‪ ،‬اجليوسي‪ ،‬نضال (متدرجم)‪ :‬مرجكع سكابق‪،‬‬
‫‪.02-01 .‬‬
‫أبو النمر‪ ،‬حممد‪ :‬مرجع سابق‪ .11. ،‬كما أن هذه السمات اخلم أشكري إليهكا يف‬ ‫‪2‬‬
‫كتاب‪:‬‬
‫‪King Jr, Martin Luther: 1957, Non -Violence and Racial Justice,‬‬
‫‪Christian Century, 6 February, pp. 165-167.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل انظر فيشر‪ ،‬سيمون وآخدرون (مؤلفدون)‪ ،‬اجليوسدي‪ ،‬نضدال‬ ‫‪3‬‬
‫(مترجم)‪ :‬مرجع سابق‪.02-01 . ،‬‬
‫من الدراسات القيمة حول منهج الالعنف والسالم يف اإلسالم‪ ،‬انظر‪ :‬أبو النمر‪ ،‬حممد‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫مرجع سابق‪.012-01 . ،‬‬
‫‪94‬‬
‫املبحث الثالث‬

‫اإلطار المنوجي لفوم ظاهرو‬


‫وأبعاد العنف والصراع‬

‫كما هو معروف‪ ،‬إن ظاهرة العنف والصرا ‪ ،‬هء ظاهرة معقكدة متداخلكة‬
‫األبعاد‪ ،‬واملؤثرات من مستويات خمتلفة‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬كانت احلاجة إىل إجياد إطكار‬
‫منهجء يساعد يف فهم وحتليل هذه الظاهرة‪ ،‬واألبعاد األساسية هلكذه الظكاهرة‪.‬‬
‫يتناول هذا املبحث حتديد اإلطار املنهجء‪/‬التحليلء الذي يتناول هكذه الظكاهرة‪،‬‬
‫وأبعادها‪ .‬وهو يشالل املرحلة‪ ،‬أو العملية األساسية يف حتليل وفهكم أي ظكاهرة‬
‫صراعية‪.‬‬
‫قام يوهان غالتونع ‪ ،Johan Galtung‬أحد العلماء املؤسسني لعلم دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬بصياغة أمنوذج شالل البنيان األسا ألبعاد الصرا ‪ ،‬وذلكك يف‬
‫دراسة له عام ‪ ،0191‬وهذا البنيان متثل يف أمنوذج عرف بك "مثلكث الصكرا "‬
‫‪ ABC Triangle‬أو ‪ .Conflict Triangle1‬وأحياناً يُطلق عليه هندسة الصرا ‪.‬‬
‫وحيتوي هذا املثلث‪ ،‬على ثالثة أركان‪ ،‬أو أبعاد أساسية للصرا أو العنكف‪،‬‬
‫وهء األول‪ :‬االجتاهات‪ ،‬الثاين‪ :‬السلوك‪ ،‬والثالث السياق‪ ،‬أو التناقضات البنيويكة‪،‬‬
‫أو العنف البنيوي‪.‬‬
‫هذا النموذج أو اإلطار‪ ،‬يسمح لنا بتحليل عملية الصرا والعنف بأبعادها‬
‫املختلفة‪ ،‬كما يساعد يف حتديد كيفية البدء يف معاجلة‪ ،‬أو تسوية الصكرا أو‬

‫انظر الدراسات التالية‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Galtung, Johan: Conflict as a Way of life, Op. cit., p. 487.‬‬
‫‪Mitchell, Christopher Roger: The Structure of International Conflict,‬‬
‫‪Op. cit., p. 15.‬‬
‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 9-11.‬‬

‫‪95‬‬
‫ظاهرة العنف‪ .‬وفيما يأ توضيح مثلث الصكرا أو األبعكاد الثالثيكة هلكذا‬
‫األمنوذج‪:1‬‬
‫‪ .1‬االجتاهات‪ :‬ويُقصد باالجتاهات هنا‪" ،‬األمناط املشكتركة (املتداخلكة) مكن‬
‫التوقعات‪ ،‬والعواطف املوجهة‪ ،‬واالنطباعات اليت تصاحب وضعا صكراعيا‪،2‬‬
‫من قبل األطراف املتصارعة‪ ،‬واالجتاهات املقصودة يف أمنوذج الصرا هكء‬
‫االجتاهات السلبية جتاه الطرف اآلخر‪( ،‬سواء أكانت فرداً أم مجاعة أم دولة أم‬
‫غري ذلك)‪ .‬وتتضمن هذه االجتاهات السلبية جمموعة من املالونات‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫‪ ‬العواطف واملشاعر‪ ،‬مثل‪( :‬اخلوف‪ ،‬الالراهية‪ ،‬الغضب‪ ،‬عكدم الثقكة‪،‬‬
‫االحتقار واالزدراء) وغري ذلك من املالونات واألمثلة‪.‬‬
‫‪ ‬االنطباعات والتصورات‪ ،‬مثل الصور النمطية السلبية‪ ،‬عن اآلخر وغكري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬املعتقدات مثل األحالام أو املواقف املسبقة عن اآلخر‪.‬‬
‫‪ ‬الرغبات واألمنيات مثل املطامع واملصاحل الذاتية‪.‬‬
‫‪ .2‬السلوك‪ :‬ويقصد به هنا‪ ،‬األعمال واملمارسات الفعلية العنيفة من قبل أحكد‬
‫األطراف يف أي وضع صراعء‪ ،‬ويهدف إىل جعل الطرف املعارض‪ ،‬يتخلكى‬
‫عن أو يغري أهدافه املتعارضة مع الطرف اآلخر‪ .3‬باحملصلة‪ ،‬فإن السلوك عبارة‬
‫عن ممارسات فعلية‪ ،‬أي واضحة معلنة جتاه اخلصم‪ .‬ومن أمثلة هذا السكلوك‬
‫الصراعء‪ :‬القتل‪ ،‬اإليذاء اجلسدي‪ ،‬التهديد‪ ،‬احلصار‪ ،‬احلكرب والعكدوان‪،‬‬
‫العبارات والاللمات املسيئة لآلخر‪ ،‬احلرب اإلعالمية وغري ذلكك‪ .‬وبالتكايل‬
‫يتسم السلوك الصراعء إما بالعنف أو اإلجبار واإلكراه أو التدمري السلبككء‬

‫انظر الدراسات التالية‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Galtung, Johan: Conflict as a Way of life, Op. cit., p. 489.‬‬
‫‪Mitchell, Christopher Roger: The Structure of International Conflict,‬‬
‫‪Op. cit., p. 15-33.‬‬
‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 9-11.‬‬
‫‪Fisher, Simon. et al: Op. cit., p. 10.‬‬
‫‪.Mitchell, Christopher Roger: Op. cit., p. 28‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪.Ibid., p. 39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪96‬‬
‫املادي أو املعنوي‪ .‬والسلوك الصراعء يعمل على التكأثري علكى العالقكات‬
‫واملصاحل بني األطراف املتصارعة‪.‬‬
‫‪ .3‬السياق أو التناقضات البنيوية‪ :‬وهء عبارة عن وضع هياللكء‪ ،‬أو بنيكوي‬
‫حيتوي مسببات وأشالالًا غري معلنة أو كامنة‪ ،‬من املمالن أن يؤدي إىل حالكة‬
‫صرا عنيف‪ ،‬أو عنف سلوكء من قبل األطراف املتعارضة‪ ،‬يف أهكدافها أو‬
‫مصاحلها‪ .‬ويعرب ميتشل عن ذلك بأن أي وضع أو حالة يالون فيها كيانكان‬
‫جمتمعان أو طرفان أو أكثر يعتقد أن لديهما تناقضا يف الغايات‪ ،1‬ومن أمثلكة‬
‫هذه التناقضات البنيوية والسياق ما يأ ‪:‬‬
‫‪ ‬التمييز من قبل طرف جتاه آخر‪ ،‬سكواء يف جمكال التعلكيم‪ ،‬النكو‬
‫االجتماعء (اجلندر)‪ ،‬أو الطائفة‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو العمكل‪ ،‬أو العكرق‪ ،‬أو‬
‫اللون (التمييز العنصري)‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬التباين الطبقء يف النظام االجتماعء داخل الدولة الواحدة‪ ،‬مثل وجكود‬
‫طبقية حادة بني األغنياء والفقراء‪ ،‬أو تباين اجتمكاعء‪ ،‬أو اقتصكادي‪،‬‬
‫داخل النظام الدويل‪ ،‬مثل‪ ،‬التباين احلاد بني الدول الفقرية والدول الغنية‪،‬‬
‫وغريها من أشالال التباين الطبقء‪.‬‬
‫‪ ‬وجود استقطابات اجتماعية‪ ،‬أو سياسية داخل اجملتمع‪ ،‬مثل‪( ،‬طائفة ضد‬
‫طائفة‪ ،‬أو أقلية عرقية ضد أغلبية عرقية‪ ،‬أو قبائل وعشائر ضد أخرى‪ ،‬أو‬
‫وجود استقطاب بني قوى كربى يف النظام الدويل‪ ،‬مثل احلرب البكاردة‬
‫وما نتج عنها من عنف وحروب بالوكالة بني العديد من الدول)‪.‬‬
‫‪ ‬جتاهل أو إنالار احلقوق املشروعة لآلخرين‪ ،‬سواء للدول أو الشعوب أو‬
‫األقليات أو الطبقات أو األفراد أو غريها‪.‬‬
‫‪ ‬وجود قوانني وتشريعات غري عادلة‪ ،‬أو ال حتقكق املسكاواة وتالكافؤ‬
‫الفر‪..‬‬
‫‪ ‬وجود قيم سلبية‪ ،‬مثل عدم التسامح‪ ،‬الغرور واالسكتالبار (السياسكء‬
‫واالجتماعء)‪ ،‬سيطرة النكزعة الفردية األنانية‪ ،‬على حساب النككزعة‬
‫اجلماعية‪.‬‬

‫‪.Ibid., p. 17‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ ‬االستخدام السلبكء للتباين يف عالقات القوة‪ ،‬كأن يسكتخدم عنصكر‬
‫القوة للهيمنة أو إخضا اآلخرين‪ ،‬استخدام ازدواجية املعايري يف النظام‬
‫الدويل يف تطبيق القانون الدويل لصاحل األقوياء على حساب الضكعفاء‬
‫أصحاب احلق‪.‬‬
‫‪ ‬مالونات الثقافة لالل طرف‪ ،‬وما ختلقه من تباين يف وجهات النظر جتاه‬
‫القضايا احملورية‪ ،‬يف احلياة‪ ،‬مثل املقارنة يف مفهوم املقاومة واإلرهكاب‪،‬‬
‫مفهوم وقضايا حقوق اإلنسان‪ ،‬ودور الدين‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬إن هذه األركان‪ ،‬أو األبعاد الثالثة للعنف‪ ،‬أو الصرا (االجتاهكات‪،‬‬
‫السياق‪ ،‬السلوك) تتفاعل مع بعضها تأثرياً وتأثراً‪ ،‬وقد يأخذ هذا التفاعل منحكىً‬
‫سلبياً يتمثل يف تصعيد الصرا وزيادة حدته‪ ،‬أو منحىً إجيابيكاً حنكو التهدئكة‪،‬‬
‫والتسوية والتعايش اإلجيابكء‪ .‬وميالن تلخيص إطار فهم وحتليل أبعاد العنكف أو‬
‫مثلث الصرا ‪ ،ABC Triangle‬وطبيعة تفاعالهتا وفق الشالل اآل ‪:‬‬
‫الشكل ررم (‪)3‬‬
‫‪ABC Triangle‬‬ ‫مثلث الصراع‬

‫املصدر‪ :‬مع بعض التعديل من قبل الباحث‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪Developed from Galtung, Johan: 1990, "Cultural violence", Journal of Peace‬‬
‫‪Research, Vol. 27. 3.‬‬
‫‪ Fisher , Simon et al: Op. cit., p. 9-10.‬‬

‫‪98‬‬
‫كما قام يوهان غالتونغ الحقاً‪ ،‬مبتابعة ‪ Follow Up‬وتطكوير واسكتالمال‬
‫أمنوذجه للصرا والعنف‪ ،‬بإضافة أمنوذج آخر مالمل أطلق عليه العنكف الثقكايف‬
‫‪ ،Cultural Violence‬وذلك يف دراسة نشرها عام ‪ .0111‬وهء عملية اسكتالمل‬
‫فيها فهم وحتليل عملية الصرا والعنف وأبعادها‪ .‬وربط فيها بني أنكوا العنكف‬
‫املباشر‪ ،‬وغري املباشر اليت سبق اإلشارة إليها‪ .‬ويشري غالتونغ يف أمنوذجكه العنكف‬
‫الثقايف‪ ،‬إىل مفهوم له‪ ،‬أنه عبارة عن جمموعة أوجه الثقافة‪ ،‬والعناصكر الرمزيكة يف‬
‫وجودنا‪ ،‬املتمثلة بالدين‪ ،‬واأليدولوجيا‪ ،‬واللغة والفن‪ ،‬والعلوم التجريبية (االقتصادية‬
‫على وجه اخلصو‪ ،).‬والعلم اجملرد (املنطق والرياضيات)‪ ،‬واليت ميالن اسكتخدامها‬
‫لشرعنة ‪ Legitimize‬العنف املباشر‪ ،‬أو العنف البنيوي (غري املباشر)‪ .1‬ويعرب عكن‬
‫العالقة بني العنف الثقايف والعنف البنيوي والعنف املباشر‪ ،‬باألمنوذج اآل ‪:‬‬

‫الشكل ررم (‪)9‬‬


‫العالرة بين العنف الثقافي‪ ،‬والعنف المباشر‪ ،‬وغير المباشر‬

‫املصدر‪ :‬مع بعض التعديل من قبل الباحث‪:‬‬


‫‪Galtung, Johan: 1990, "Cultural violence", Journal of Peace Research, Vol. 27. 3, p. 291.‬‬

‫ويرى غالتونغ‪ ،‬أن العنف يف هذا النموذج ميالن أن يبدأ من أي بعد‪ ،‬أو أي‬
‫ركن من األركان يف هذا األمنوذج (املثلث)‪ ،‬ومن السهولة أن ينتقل إىل األركان‬
‫أو األبعاد األخرى‪ .‬ويرى أن العمل على التغكيري اإلجيابككء ألرككان هكذا‬
‫املثلث‪ /‬األمنوذج جيب أن يتم على األركان الثالثكة يف نفك الوقكت‪ ،‬وعكدم‬
‫‪Galtung, Johan: 1990, "Cultural violence", Journal of Peace Research,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Vol. 27. 3, p. 291.‬‬

‫‪99‬‬
‫االفتراض أن التغيري يف ركن أو بعد سيؤدي تلقائياً إىل إحداث التغيري يف البعدين‬
‫اآلخرين‪.1‬‬
‫ويشري غالتونغ‪ ،‬إىل العالقة بني األمنوذج األول للصرا ‪( ،‬األبعكاد الثالثيكة)‬
‫‪ ،ABC Triangle‬واألمنوذج الثاين (العنف الثقايف)‪ ،‬من خالل تأثري كل طكرف‪،‬‬
‫على الفضاء الثاين‪ .‬ويوضح غالتونغ‪ ،‬إىل أن القضاء على العنف املباشر من خكالل‬
‫تغيري السلوك‪ ،‬واالنتهاء من العنف البنيوي؛ من خالل معاجلة التناقضات البنيويكة‪،‬‬
‫واالنتهاء من العنف الثقايف من خالل تغيري االجتاهات ‪.Attitudes2‬‬

‫‪Ibid., p. 302.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Ibid., p. 294-296.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪011‬‬
‫املبحث الرابع‬

‫مفاهيم األزما الدولية وسماتوا‬


‫واالتجاها الحديثة فيوا‬

‫إن احلجم الالبري لعملية التداخل‪ ،‬والتفاعل بني الفاعلني‪ ،‬أو بكني مالونكات‬
‫وقضايا اجملتمع الدويل تأثراً وتأثرياً ‪ -‬خاصة يف ضوء ظاهرة العوملة ‪ -‬جعكل مكن‬
‫األزمات الدولية املعاصرة يف هذا اجملتمع‪ ،‬عملية قابلة لالنتشار‪ ،‬والتوسع بسهولة‪،‬‬
‫مع قابلية أو سرعة هتديدها لألمن والسلم الدوليني‪ ،‬إن مل يتم إدارهتا وتسويتها وفق‬
‫عملية علمية وراشدة تشمل معاجلة شاملة لالافة مراحل وأبعاد األزمة‪ ،‬أو الصرا‬
‫الدويل‪ .‬ويشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل حقيقتني تتسم هبما احلياة الدولية املعاصرة‪:1‬‬
‫األوىل‪ :‬توصف بأهنا عصر األزمات‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أن أقدار ومستقبل احلياة البشرية‪ ،‬تعتمد على قدرات صنا القكرار‬
‫يف إدارة األزمات الدولية اليت قد تصبح شرارة الصراعات الدولية‪.‬‬
‫كما أنه نتيجة لتزايد حجم التهديد واملخاطر‪ ،‬الذي تشالله األزمات الدولية‬
‫على البيئتني اإلقليمية والدولية‪ ،‬جعل االهتمام العلمء مبوضكو إدارة األزمكات‬
‫الدولية وتسويتها ضرورة حياتية وعلمية سواء على صعيد املمارسة أو التنظري‪ ،‬وإن‬
‫ارتباط الالثري من األزمات الدولية بظاهرة الصراعات الدولية‪ ،‬وهتديدها يف ككثري‬
‫من األحيان‪ ،‬لألمن والسلم الدوليني دفع إىل إفراد مبحث خا‪ .‬يف هذه الدراسكة‬
‫ملوضو إدارة األزمات الدولية‪.‬‬
‫يتناول مبحث إدارة األزمات الدولية احملاور التالية‪:‬‬
‫‪ ‬مفاهيم أساسية يف جمال األزمة الدولية‪.‬‬
‫‪Holsti, Ole R.: 1999, "Crisis Management", p. 396, in Seek Choue,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Young (ed): World Encyclopedia of Peace, pp. 396-400, New York,‬‬
‫‪Oceana Publications, Inc, Vol. I, Second Edition.‬‬

‫‪010‬‬
‫اخلصائص والسمات العامة لألزمة الدولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التطورات واالجتاهات احلديثة يف إدارة األزمات الدولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مناهج دراسة إدارة األزمات الدولية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مفاهيم أساسية في مجال األزمة الدولية واداراتوا‪:‬‬

‫نشأو مفووم األزمة الدولية وادارتوا‪:‬‬


‫ارتبط مفهوم األزمة الدولية‪ ،‬مبفهوم األزمة وإدارة األزمات بشالل عكام‪،‬‬
‫وهذا احلقل األخري يعترب جزءاً‪ ،‬أو حقالً مكن حقكول العلكوم االجتماعيكة‬
‫والسياسية والعالقات الدولية‪ .‬إذ بدأ عام ‪ 0191‬من خالل ما أطلق عليه "أزمة‬
‫الصواريخ" يف كوبا‪ ،‬اليت حدثت بني القوتني العظميني آنذاك‪ ،‬االحتاد السوفييت‬
‫برئاسة خروتشوف‪ ،‬والواليات املتحدة برئاسة جون كينيدي‪ ،‬واليت ككادت‬
‫تتسبب‪ ،‬حبرب كربى بني الدولتني‪ ،‬ولالن إدارة هذه األزمة من قادة الطرفني‪،‬‬
‫أدت إىل النجاح يف من ع تصعيد هذه األزمة‪ ،‬وتفادي حدوث حرب بينكهما‪،‬‬
‫وهذه األزمة شاللت بداية البحث األكادميء؛ أو بداية ما يُعرف حبقكل "إدارة‬
‫األزمات"‪.‬‬
‫يف حقيقة األمر‪ ،‬إن نشوء األزمة وإداراهتا من حيث مضموهنا‪ ،‬هكء عمليكة‬
‫ارتبطت أو نشأت مع وجود اإلنسان‪ ،‬ونشأة اجملتمع اإلنساين‪ ،‬ورمبا األزمة األوىل‬
‫لإلنسان‪ ،‬كانت مع أزمة آدم عليه السالم يف اجلنة‪ ،‬اليت نتجت من خمالفتكه ألمكر‬
‫اهلل‪ ،‬وتسببت يف طرده منها إىل األرض‪ .‬ويرى الالثري مكن البكاحثني‪ ،‬أن نشكوء‬
‫مصطلح إدارة األزمة كمصطلح ظهر حديثاً عام ‪.10191‬‬
‫وإن مفهوم األزمة الدولية وإدارة األزمة الدولية ينبثق يف جوهره من مفهكوم‬
‫األزمة‪ ،‬وإدارة األزمة‪ ،‬ومن هنا فإنه ال بد من االنطالق يف حتديد هذا املفهوم‪ ،‬من‬
‫خالل حتديد مفهوم األزمة وإدارهتا‪.‬‬

‫حممد شدود‪ ،‬ماجد‪ :‬إدارة األزمات واإلدارة باألزمة‪ ،‬األوائل للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ،1111‬ط‪.01 . ،0‬‬
‫‪011‬‬
‫مفووم األزمة‪:‬‬
‫إن مفهوم أو تعريف األزمة‪ ،‬من املفاهيم اليت من الصعب وضع مفهوم قاطع‬
‫الداللة‪ ،‬أو مفهوم شامل جامع‪" ،‬قاطع" يف داللته‪ .‬إن وجه الصكعوبة يف حتديكد‬
‫مفهوم األزمة‪ ،‬يالمن يف مشولية طبيعته‪ ،‬واتسا نطاق استعماله لينطبق على خمتلف‬
‫صور العالقات اإلنسانية‪ ،‬يف كافة جماالت التعامل اإلنساين‪ ،‬وعلى تعدد مستوياته‪،‬‬
‫ح يالاد يالون من املتعذر علينا‪ ،‬إن مل يالن من املستحيل‪ ،‬أن جنكد مصكطلحاً‬
‫يضار "األزمة"‪ ،‬يف ثراء إمالانياته‪ ،‬واتسا جماالت استخدامه‪ .1‬بدءاً من احلديث‬
‫عن اتسا أزمة "الثقة"‪ ،‬اليت تنشأ على مستوى أفراد‪ ،‬وانتهاءً بأزمة العالقات بني‬
‫الدول العظمى‪ ،‬أو الالربى وما ينتج عنها من خماطر كربى‪.‬‬
‫إن مفهوم األزمة من الناحية اللغوية العربية‪ ،‬يُقصد بكه‪" :‬الضكيق والشكدّة‬
‫والقحط أو الشح يف املوارد‪ ،‬كما تُطلق على املصائب‪ ،‬واالبتالءات أو الالرب"‪.2‬‬
‫ويشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل بعض التعابري يف القرآن الالرمي ويف السنة النبويكة عكن‬
‫األزمة‪ ،‬فقد عبّر القرآن الالرمي عن األزمة مبعانٍ عدّة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫َاتقُوا‬
‫‪" .0‬الفتنة"‪ ،‬من حيث أهنا هتديد خطري للقيم ووجود النظام أو املنظومة" ‪‬و َّ‬
‫َن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْالُمْ خَآصَّةً‪( ...‬سورة األنفال‪.)11 ،‬‬ ‫فِتْنَةً الَ ُتصِيب َّ‬
‫‪ ... .1‬وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ‪....‬‬
‫كما عبّر القرآن الالرمي عن األزمة بلفظ "املصيبة" كمعىن مرادف لألزمكة يف‬
‫قوله تعاىل ‪ ...‬وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ ُمصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ َوإِنَّا ِإلَيْكهِ‬
‫رَا ِجعُونَ‪( ‬سورة البقرة‪ ،)019-011 ،‬وهو توجيه إىل أمهية استخدام‪ ،‬أو تعزيكز‬
‫القوة املعنوية ‪ -‬اإلميانية ‪ -‬أثناء األزمة "املصيبة"‪.3‬‬

‫العماري‪ ،‬عباس رشدي ‪ :‬إدارة األزمات يف عامل متغري‪ ،‬مركز األهرام للترمجة والنشر‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫القاهرة‪.01-09 . ،0112 ،‬‬
‫هارون‪ ،‬عيد السالم (مشرف)‪ ،‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم وآخرون (قاموا بإخراجه)‪ :‬املعجم‬ ‫‪2‬‬
‫الوسيط‪ ،‬اجلزء األول‪ ،0191 ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،09 . ،‬وملزيد من التفاصيل انظكر‪:‬‬
‫الكيالين‪ ،‬عبد اهلل ‪ :‬إدارة األزمة‪ :‬مقاربة التراث‪ ....‬واآلخر‪ ،‬سلسلة كتاب األمة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،020‬مركز البحوث والدراسات ‪ -‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬قطر‪ ،‬السكنة‬
‫التاسعة والعشرون‪ 0421 ،1111 ،‬هك‪.29 . ،‬‬
‫ملزيد من التفاصيل انظر الكيالين‪ ،‬عبد اهلل‪ :‬مرجع سابق‪.44-21 . ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪011‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن األزمة ‪ -‬باستثناء الالوارث الطبيعية ‪ ،-‬هء فعل أو نشاط مكن‬
‫صنع اإلنسان‪ ،‬أو قصده وإرادته املباشرة‪ .‬إن األزمة‪ ،‬هء مرحلكة مكن مراحكل‬
‫الصرا ‪ ،‬وهء عبارة عن حلظة حرجة‪ ،‬أو نقطة حتول خطرة‪ ،‬أو هتديد يف العالقات‬
‫بني األطراف أو الفاعلني‪ ،‬أو بني الفاعلني‪ ،‬والبيئة احمليطة هبم‪ .‬وقد يالون الفاعلون‬
‫إما على مستوى نظام دويل‪ ،‬أو مجاعات ومؤسسات أو أفراد‪ .‬واللحظة احلرجكة‪،‬‬
‫قد ترتبط بأي عملية تفاعل‪ ،‬أو عالقات مبستوياهتا املختلفة‪ .‬وهذه اللحظة احلرجة‪،‬‬
‫يتحدد فيها مصري تطور العالقة‪ ،‬إما إىل احلرب أو إىل السلم‪.1‬‬
‫ويشري بعض الباحثني إىل مفهوم آخر لألزمة‪ ،‬يركز على املنظومة العامة‪ ،‬أكثر‬
‫من التركيز على العالقات بني األطراف‪ ،‬فيشري البعض إىل أهنا‪ :‬عبارة عن هتديكد‬
‫خطري للبنية األساسية‪ ،‬أو للقيم اجلوهرية‪ ،‬وأس النظام‪ ،‬ويالون هذا التهديد حتت‬
‫ضغط عنصري الوقت‪ ،‬والظروف عالية الغموض يف املعلومات؛ ومهكا عنصكران‬
‫ضروريان يف اختاذ قرار حرج‪.2‬‬
‫ويُعترب تشارلز هريمان‪ ،‬من أوائل من قدم مفهوماً لألزمة بتعريفه‪ :‬أن األزمكة‬
‫عبارة عن وضع يتم فيه‪:3‬‬
‫‪ ‬هتديد األهداف ذات األولوية الالربى لصنا القرار‪.‬‬
‫‪ ‬حمدودية الوقت املتوفر لصناعة القرار‪ ،‬قبل أن حيدث تغيري يف الوضع‪.‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول مفهوم األزمة أنظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Evans, Graham & Newnham, Jeffery: 1992, The Dictionary of‬‬
‫‪World Politics, London, Harvester, p. 58.‬‬
‫اجلمال‪ ،‬أمحد خمتار‪ :‬املفاوضات وإدارة األزمات‪ ،‬جملة السياسة الدوليكة‪ ،‬العكدد ‪،09‬‬
‫‪.128 . ،140-128 . .‬‬
‫جارمن‪ ،‬ديفيد‪ :‬دراسات يف النكزاعات الدولية وإدارة األزمكة‪ ،‬سلسدلة حماردرات‬
‫اإلمارات (‪ ،)41‬مركز اإلمارات للدراسات االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبكء‪+ 1 . ،0111 ،‬‬
‫‪.11 .‬‬
‫حممد شدود‪ ،‬ماجد‪ :‬إدارة األزمات واإلدارة باألزمة‪ ،‬مرجع سابق‪.01-08 . ،‬‬
‫‪Rosenthal, Uriel, Charles, Michael T. & Hart, Paul T.: 1989,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Coping with Crises: the Management of Disasters, Riots and‬‬
‫‪Terrorisms, USA: Charles C Thomas Pub Ltd, p. 6.‬‬
‫‪Hermann, Charles F.: “International Crisis as Situational Variable”, in‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Vasquez, John A. (ed.): 1986, Classics of International Relations,‬‬
‫‪Englewood Cliffs, N.J, Prentice-Hall (pp. 171-186), p. 186.‬‬

‫‪014‬‬
‫‪ ‬مفاجأة صنا القرار بوقو احلدث‪.‬‬
‫ويرى هولسيت أن األزمة‪ :‬هء مرحلة من مراحل الصرا ‪ ،‬تشمل على تصعيد‬
‫مفاجئ‪ ،‬شامل ألحداث غري؛ متوقعة ناجتة عن الصرا ‪.1‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن معظم مفاهيم األزمة‪ ،‬تشري إىل وجود قاسم مشترك يدور حكول‬
‫أمرين‪:‬‬
‫‪ .0‬خلل يف توازن العالقات بني األطراف‪.‬‬
‫‪ .1‬وضع فيه إما هتديد جزئء خطري للمنظومة ‪ System‬القيمية‪ ،‬أو السياسكية أو‬
‫االجتماعية‪ ،‬أو األمنية‪ ،‬وغريها أو تغيري للمنظومة‪.‬‬
‫ويعترب بعض الباحثني‪ ،‬أن األزمة قد تشالل فرصاً‪ ،‬أو شرطاً إلحداث تغيري كبري‪،‬‬
‫وإجيابكء يف املنظومة احملافظة‪ .2‬إذ إن مصطلح األزمة باللغة الصينية‪ ،‬أُستخدم للداللكة‬
‫على معنيني‪ ،‬أوهلما‪ :‬يعبّر عن اخلطر‪ ،‬الثاين‪ :‬يُعبّر عن الفرصة اليت تفتح اجملكال إلبكراز‬
‫الطاقات اخلالقة‪ ،‬والقدرات‪ ،‬وإحداث التغيري اإلبداعء أو اإلجيابكء املنشود‪.‬‬
‫نشأ مصطلح األزمة يف العصر اإلغريقء القدمي‪ ،‬وكان يستخدم لإلشكارة إىل‬
‫حلظة مرضية حرجة‪ ،‬ترتبط هبا حياة اإلنسان‪ ،‬مث تطور هذا املفهوم يف القرن السابع‬
‫عشر‪ ،‬للداللة على ارتفا درجة التوتر‪ ،‬يف عالقات السلطة السياسكية وسكلطة‬
‫الالنيسة‪ ،‬ويف القرن التاسع عشر‪ ،‬مع ظهور الدميقراطية‪ ،‬والليرباليكة يف أوروبكا‪،‬‬
‫استخدم مصطلح األزمة‪ ،‬لإلشارة إىل حلظات حتول‪ ،‬أو مشكالالت خطكرية يف‬
‫العالقات السياسية‪ ،‬أو االجتماعية‪ ،‬أو االقتصادية‪ .‬يف حكني نظكرت املاركسكية‬
‫لألزمات‪ ،‬على أهنا حالة تراكمية يف اجملال االقتصادي‪ .‬ومنذ بداية القرن العشرين‪،‬‬
‫وح ما بعد احلرب الباردة‪ ،‬حدث تطور كبري وتسار ‪ ،‬وح تباين يف استخدام‬
‫مفهوم األزمة‪ ،‬كما أُشري إىل بعضها سابقاً‪.3‬‬
‫‪Holsti, Ole R: "Crisis Management", p. 397, in Choue, Young Seek‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪(ed): Op. cit., pp. 396-400.‬‬
‫‪Rosenthal, Uriel, Boin, Arjen & Comfort, Louise K. (eds): 2001,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Managing Crises: Threats Dilemmas, opportunities, USA, Charles‬‬
‫‪C Thomas Pub Ltd, p. 7.‬‬
‫انظر أيضاً‪ :‬جرب‪ ،‬حممد‪ :‬املعلومات وأمهيتها يف إدارة األزمات‪ ،‬اجمللة العربية للمعلومات‪،‬‬
‫تون ‪ ،‬العدد ‪ ،0‬اجمللد ‪.99 . ،0118 ،01‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول التطور التارخيء ملفهوم األزمة راجع‪ :‬العماري‪ ،‬عباس رشدي‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫إدارة األزمات يف عامل متغري‪ ،‬مرجع سابق‪.08-01 . ،‬‬
‫‪015‬‬
‫مفووم األزمة الدولية وادارو األزما ‪:‬‬
‫إن مفهوم األزمة الدولية‪ ،‬ينبثق من مفاهيم األزمكة‪ ،‬والكيت مت اإلشكارة إىل‬
‫مضامينها‪ .‬وهناك ارتباط‪ ،‬ما بني هذه املضامني مع البيئة احمليطة والنظام الكدويل‪،‬‬
‫وعادة ما يالون بعض الفاعلني‪ ،‬أو بعض أطراف األزمة غري حملكيني‪ .‬ويف ضكوء‬
‫اعتبار األزمة‪ ،‬هء مرحلة من مراحل الصرا ‪ ،‬فإن مفهوم األزمة الدولية؛ ميالكن‬
‫اعتباره مفهوماً مرادفاً أو جزءاً من مفهوم الصرا الدويل‪.‬‬
‫وقد تباينت وجهات النظر‪ ،‬حول مفهوم األزمة الدولية‪ ،‬وإن كان املفهكوم‬
‫العام هلا يدور على اعتبار أهنا "الصورة األكثكر دراماتياليكة‪ ،‬واألشكد كثافكة‬
‫للصراعات‪ ،‬واليت جتري داخل النظام الدويل‪ ،‬واليت تتوقف دون نقطكة احلكرب‬
‫الساخنة‪ ،‬وتؤدي األزمة الدولية بطبيعتها؛ إىل تنشيط احتمال احلرب‪ ،‬حبيث يغدو‬
‫عامالً مركزياً يف تصور أطرافها‪ ،‬مبا لذلك من تأثري قوي ومباشر على مسكلالهم‬
‫منها"‪ .1‬ويعرف مايالل بريتشر‪ ،‬األزمة الدولية" بأهنا‪ :‬تدهور خطري يف العالقكات‬
‫بني دولتني‪ ،‬أو أكثر نتيجة تغري يف البيئكة اخلارجيكة‪ ،‬أو الداخليكة لألطكراف‬
‫املشاركني؛ يف األزمة‪ .‬هذا التدهور يولد لدى صنا القرار‪ ،‬إدراكاً بوجود هتديكد‬
‫خارجء للقيم‪ ،‬واألهداف الرئيسة للسياسة اخلارجيكة‪ .‬ويزيكد مكن إدراكهكم‬
‫الحتماالت الدخول يف مواجهة عسالرية‪ ،‬كما يزيد إدراكهم ووعيهم لضكغوط‬
‫الوقت احملدد الالزم‪ ،‬لالستجابة لذلك التهديد والرد عليه"‪ .2‬ويقكول أيضكاً "إن‬
‫األزمة حتصل عندما يبلغ التفاعل بني دولتني‪ ،‬حدّ الفصل أو القطيعة‪ .‬ومن شكأن‬
‫هذا التفاعل أن يؤدي بأحد الطرفني أو كليهما إىل الوعء بتهديد قادم من الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬مما يرجح احتمال املواجهة العسالرية"‪.3‬‬
‫ويشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل أن "األزمة الدولية" هء "ظاهرة سياسية‪ ،‬عرفتكها‬
‫العالقات بني اجملتمعات اإلنسانية‪ ،‬ح قبل أن تأخذ هذه اجملتمعات شالل الدول‪،‬‬

‫ربيع‪ ،‬حممد حممود‪ ،‬مقلد‪ ،‬إمساعي بربي (حمرران)‪ :‬موسوعة العلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬ ‫‪1‬‬
‫الالويت‪ ،‬الالويت‪.929 . ،0114 ،‬‬
‫نقالً عن شدود‪ ،‬ماجد حممد‪ :‬إدارة األزمات واإلدارة باألزمة‪ ،‬مرجع سكبق ذككره‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪.18 .‬‬
‫نقالً عن هنرا‪ ،‬فؤاد وآخرون‪" :‬أعمال ندوة األزمكات السياسكية الدوليكة‪ :‬واقعهكا‬ ‫‪3‬‬
‫ومعاجلتها"‪ ،‬جملة شؤون األوسط‪ ،‬العدد ‪ ،011‬ربيع ‪.01 . ،1110‬‬
‫‪016‬‬
‫ومن مث قبل أن تنعت األزمات اليت طرأت على عالقاهتا بأهنا "دوليكة"‪ .‬و"األزمكة‬
‫الدولية" هبذا املعىن‪ ،‬هء وصف حلالة تتميز بالتوتر الشديد‪ ،‬والوصول إىل مرحلكة‬
‫حرجة تُنذر باالنفجار يف العالقات الطبيعية بني الدول‪ ،‬ومكن مث تشكالل طكوراً‬
‫متقدماً من أطوار الصرا الدويل‪ ،‬الذي يبدأ باملساجالت الالالمية‪ ،‬ويتكدرج يف‬
‫تصاعده ح يصل يف ذروته إىل االشتباكات العسالرية"‪.1‬‬
‫ويلخص أحد الباحثني‪ ،‬تباين التعريفات ملفهوم األزمة الدولية علكى صكعيد‬
‫العالقات الدولية‪ ،‬فهء تباينت بني من يتناوهلا من خالل حتليل النسق‪ ،‬وباعتبارهكا‬
‫نقطة حتول يف بنية دولية‪ ،‬تتزايد معها احتماالت اندال املواجهة العسالرية‪ ،‬وبني‬
‫من تناوهلا ضمن مدرسة صنع القرار واعتربها موقفا فجائيا‪ ،‬ينطوي على درجكة‬
‫خطرية من التهديد‪ ،‬ويضع صنّا القرار أمام وضعية حرجة؛ تتطلب اختاذ قرارات‬
‫دقيقة وفعالة"‪.2‬‬
‫إن احلديث عن األزمة الدولية‪ ،‬يترابط معه ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬احلديث عكن إدارة‬
‫األزمة الدولية؛ ومن هنا‪ ،‬فان تناول مفهوم إدارة األزمة الدولية‪ ،‬ال بد أن يسكبقه‬
‫توضيح ملفهوم األزمة الدولية‪.‬‬
‫حتدد بعض األدبيات الغربية مفهوم إدارة األزمة‪ ،‬بأهنا حماولة للسيطرة على‬
‫األحداث‪ ،‬أو التطورات أثناء األزمة‪ ،‬ملنع حدوث العنف‪ ،‬سواء بشالل منهجء‬
‫وخطري‪ ،‬أو بأي شالل آخر؛ هء حماولة إلجياد توازن‪ ،‬ما بني استخدام اإلكراه‪،‬‬
‫أو القوة واإلجبار وما بني تقدمي التنازالت‪ ،‬أو التوازن مكا بكني الصكدامية‬
‫والتاليف أو التساهل‪ .‬فاالستخدام املفرط للقوة‪ ،‬أو القسر‪ ،‬واإلكراه‪ ،‬قد يؤدي‬
‫إىل العنف الذي خيرج عن دائرة السيطرة‪ .‬كما أن اإلفراط يف التساهل‪ ،‬ميالكن‬
‫أن يؤدي إىل االستسالم‪ ،‬أو السالم بأي مقابل "‪ ."Peace at any price‬لذلك‪،‬‬
‫فان عملية إدارة األزمة‪ ،‬تتطلب معرفة م تقدم موقفاً متساهالً‪ ،‬وم تأخكذ‬
‫موقفاً صلباً؟‪.3‬‬

‫العماري‪ ،‬عباس رشدي‪ :‬إدارة األزمات يف عامل متغري‪ ،‬مرجع سابق‪.14 . ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫لكريين‪ ،‬إدريس‪ :‬إدارة األزمات يف عكامل مكتغري‪ :‬املفهكوم واملقومكات والوسكائل‬ ‫‪2‬‬
‫والتحديات‪ ،‬املركز العلمء للدراسات السياسية‪ ،‬عمّان‪.01 . ،1101 ،‬‬
‫‪Evans, Graham & Newnham, Jeffery: The Dictionary of World‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Politics, Op. cit., p. 6.‬‬

‫‪017‬‬
‫يشري عدد من الباحثني‪ ،‬إىل وجود إدارة أزمات خاصة‪ ،‬بالقطا املكدين‪ ،‬أو‬
‫األهلء‪ ،‬وهو ما يطلق عليه إدارة األزمات املدنية‪ ،‬واليت يقصد هبا‪ :‬تدخل أشخا‪.‬‬
‫غري عسالريني‪ ،‬يف األزمة العنيفة أو غري العنيفة‪ ،‬هبدف منع تصعيد األزمة؛ وتسهيل‬
‫عملية تسويتها‪.1‬‬
‫ويشري ‪ ،Richard Clutter Buck‬إىل عملية إدارة األزمة الدولية بأهنا‪ ،‬هكء‬
‫القدرة على فهم اخلصم‪ ،‬كيف يفالر‪ ،‬أو ماذا سكيعمل‪ ،‬وكيكف سكتالون ردّة‬
‫فعله؟‪ .2‬ويعرّف هانكز بيتر ينوهولد إدارة األزمات الدولية‪ ،‬بأهنا "احتواء األزمة‪،‬‬
‫والتلطيف من حدّهتا‪ ،‬بشالل يستبعد معه حدوث اشتباكات عسالرية على نطكاق‬
‫واسع"‪.3‬‬
‫ويعّرف العماري إدارة األزمات بأهنا‪" :‬العمل على جتنب حتكول النككزا ‪،‬‬
‫إىل صرا شامل بتاللفكة مقبولكة‪ ،‬ال تتضكمن التضكحية مبصكلحة أو قيمكة‬
‫جوهرية"‪.4‬‬
‫ويشري الباحثون واملمارسون‪ ،‬إىل أن إدارة األزمات هء علم‪ ،‬مبعىن وجكود‬
‫منهج له أصوله وقواعده‪ ،‬وقد بدأ هذا العلم يتبلور يف العقكود األخكرية‪ .‬وإدارة‬
‫األزمات هء فن أيضاً‪ ،‬مبعىن أن ممارستها تعتمد على أشخا‪ .‬يتحلون بقكدرات‪،‬‬
‫ومهارات خاصة‪ ،‬منها القدرة على اإلبدا والتخيل‪ ،‬والتقدير السليم‪ ،‬وغريها من‬
‫الصفات‪ .‬كما أن مفهوم إدارة األزمات‪ ،‬حيمل بني طياته شيئاً من التناقض‪ ،‬فإدارة‬
‫األزمة‪ ،‬تبدو كأهنا حماولة للسيطرة على شءء ال ميالن السيطرة عليه‪ ،‬أو إدارة شءء‬
‫ال ميالن إدارته؛ ولالن مع ضرورة استمرار احملاولة‪ ،‬مهما كانت الصكعوبات؛ ألن‬
‫البديل هو املخاطر الالربى واحلروب أو اإلبادة‪.5‬‬
‫‪Lindborg, Chris: 2001, European Approaches to Civilian Crisis‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Management, A basic Special Report on Roundtable Discussions,‬‬
‫‪Washington, D.C, British American security Information Council.‬‬
‫‪.http://www.operationspaix.net/IMG/pdf/BASIC_report.pdf , p. 4‬‬
‫نقالً عن العماري‪ ،‬عباس رشدي‪ :‬إدارة األزمات يف عكامل مكتغري‪ ،‬مرجكع سكابق‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪.149 ،142 .‬‬
‫نقالً عن املرجع نفسه‪.48 . ،‬‬ ‫‪3‬‬
‫نقالً عن املرجع نفسه‪.42 . ،‬‬ ‫‪4‬‬
‫اجلمال‪ ،‬أمحد خمتار‪ :‬مرجع سابق‪.128 . ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪018‬‬
‫و مبعىن آخر‪ ،‬فان عملية إدارة األزمة‪ ،‬هتدف إىل حل‪ ،‬أو تسكوية املواجهكة‬
‫اخلطرة‪ ،‬بني الطرفني دون اللجوء إىل القتال‪ ،‬ولالن مع احملافظكة علكى املصكاحل‬
‫احليوية‪ .1‬وميالن تلخيص أهداف إدارة األزمة مبا يأ ‪:2‬‬
‫‪ .0‬منع تصعيد األزمة‪ ،‬خاصة إىل مستوى حرب‪.‬‬
‫‪ .1‬احملافظة على قدرة القادة‪ ،‬على السيطرة على وضع األزمة‪.‬‬
‫‪ .2‬حماولة تعظيم‪ ،‬أو احلصول ما أمالن‪ ،‬على أقصى قكدر مكن املالاسكب‪ ،‬أو‬
‫املميزات؛ من جراء حدوث األزمة‪.‬‬
‫أو كما يصف كورال بل ‪ Coral Bell‬هذا اهلدف‪ ،‬بأنه كتابكة اتفاقيكات‬
‫السالم‪ ،‬دون البدء بالقتال أو احلرب‪ .3‬وبالطبع‪ ،‬هذا ال ينفء أن استخدام القكوة‬
‫أحياناً‪ ،‬هو أحد األدوات الالزمة يف عملية إدارة األزمات الدولية‪ ،‬متهيداً لتسويتها‪.‬‬
‫كما أن هناك بضع حروب وقعت‪ ،‬بني دول كان ميالن جتنبكها‪ ،‬لكو أن األزمكة‬
‫الدولية أديرت يف بداياهتا بطريقة أفضل؛ أو أعقل‪.‬‬
‫ويف ضوء استعراض املفاهيم املختلفة إلدارة األزمة‪ ،‬فان مفهوم أو عملية إدارة‬
‫األزمات الدولية‪ ،‬هو مضمون هذه املفاهيم على أن يالون بعض أطرافها أو بعكض‬
‫الفاعلني فيها دوليني‪ ،‬وترتبط بشالل ما‪ ،‬ببيئة اجملتمع الدويل أو النظام اإلقليمء أو‬
‫الدويل‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬هناك انطبا عام لدى الالكثري مكن البكاحثني‪ ،‬أن مفهكوم إدارة‬
‫األزمات الدولية‪ ،‬مكا زال مفهومكاً فضفاضكاً؛ ويشكوبه بعكض الغمكوض‬
‫واإلرباك‪.4‬‬
‫على صعيد آخر‪ ،‬رمبا من املفيد اإلشارة هنكا‪ ،‬إىل مسكببات‪ ،‬أو أسكباب‬
‫األزمات‪ ،‬واليت تُعترب عملية معقدة‪ ،‬مت دراستها ضمن مستويات عدة وفق مفكاهيم‬
‫علمية من ختصصات متنوعة مثل علم االجتما ‪ ،‬واإلدارة والسياسكة والقكانون‪،‬‬
‫‪Clutterbuck, Richard: 1993, International Crisis and Conflict, New‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪York, St. Martin’s Press, p. 8.‬‬
‫‪Barash, David p. & Webel, Charles P.: 2009, Peace and Conflict‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Studies, Sage, 2nd edition, p. 177-178.‬‬
‫‪Bell, Coral: 1971, The Conventions of Crisis: A Study of Diplomatic‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Management, London, Oxford University Press, p. 116.‬‬
‫‪Ibid., p. 4.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪019‬‬
‫والعالقات الدولية‪ ،‬ويالحظ أن مداخل‪ ،‬أو مسببات األزمات يف جوهرها تكدور‬
‫حول املستويات والعناصر التالية‪:1‬‬
‫‪ -‬على الصعيد الضيق‪ :‬ويشمل أسباب األزمات يف مستوى األفراد‪ ،‬ويشكمل‬
‫هذا املستوى دور األفراد‪ ،‬ومن أمثلة هذه األسكباب‪ :‬حكدوث األخطكاء‬
‫البشرية‪ ،‬أي أخطاء القادة وصنا القرار مثل‪ :‬الفشل يف احلالم‪ ،‬أو التجاهل‪،‬‬
‫سوء التقدير‪ ،‬وطبيعة الدوافع وراء بعض اإلجراءات للقادة‪ ،‬أو املسكؤولني؛‬
‫حمدودية التفالري العقالين‪ .‬وال شك‪ ،‬أن هناك ضرورة لوجود دراسات‪ ،‬توفر‬
‫معرفة علمية حول كيفية حدوث هذه األفالار‪ ،‬وملاذا حدثت؟‬
‫‪ -‬أسباب األزمات على مستوى البيئة‪ ،‬أو العوامل التنظيمية واإلجرائية‪ ،‬وهكء‬
‫تُعترب عناصر قد تعوض‪ ،‬حمدودية اإلمالانيات البشرية‪ .‬ويعترب البعض العوامل‬
‫التنظيمية واإلجرائية وسيلة‪ ،‬ملنع األزمات بينما الفشل التنظيمكء؛ يشكالل‬
‫مصدراً لألزمات‪.‬‬
‫ويف اإلطار األوسع‪ ،‬أو الاللء للتحليل‪ ،‬يشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل دور األنظمة‬
‫التقنية الالبرية مثل الطاقة النووية‪ ،‬والتعقيدات التقنية املصاحبة هلا‪ ،‬اليت قد تكؤدي‪،‬‬
‫حالياً أو الحقاً؛ إىل أزمات وكوارث‪.‬‬
‫وأخرياًً‪ ،‬طبيعة التقلبات ومتغريات البيئة اخلارجيكة‪ ،‬وظهكور قكوى ‪Force‬‬
‫وظواهر مؤثرة يف البيئة الدولية‪ ،‬مثل ظاهرة العوملة‪ ،‬وثورة املعلومات واالتصاالت‪،‬‬
‫قوى إرهابية دولية‪ ،‬الشركات الدولية أو العابرة للقارات‪ ،‬االعتماد على نظام مايل‬
‫دويل واحد؛ وغريها من القوى والظواهر اليت قد تشالل مصكادر‪ ،‬أو مسكببات‬
‫لألزمات‪ ،‬وبنف الوقت قد تشالل هذه التقلبات‪ ،‬واملتغريات اخلارجية عناصر‪ ،‬أو‬
‫عوامل أساسية لتسوية‪ ،‬ومعاجلة األزمات يف ضوء إدارهتا من قبل العنصر البشري‪.‬‬
‫خصائم وسما األزمة الدولية‪:‬‬
‫إن األزمة عموماً‪ ،‬والدولية خصوصاً‪ ،‬ويف ضوء املفاهيم السكابقة‪ ،‬الكيت مت‬
‫تناوهلا لألزمة‪ ،‬فإهنا تتسم مبجموعة من اخلصائص‪ .‬ويعترب تشارلز هريمكان‪ ،‬أحكد‬

‫‪Rosenthal, Uriel, Boin, Arjen, & Comfort, Louise K. (eds):‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Managing Crises: Threats Dilemmas, opportunities, Op. cit., pp. 8-9.‬‬

‫‪001‬‬
‫الباحثني املعروفني يف جمال دراسات السياسة اخلارجية‪ ،‬من أوائل من قدم حتديداً أو‬
‫توصيفاً هلذه السمات‪ ،‬أو اخلصائص‪ ،‬وذلك يف عام ‪ ،0191‬ومكا زالكت معظكم‬
‫األدبيات املعاصرة يف دراسة األزمات‪ ،‬تستند إليها يف هذا اجملكال‪ .‬وأهكم هكذه‬
‫السمات واخلصائص ما يلء‪:1‬‬
‫‪ .0‬التهديد واخلطر‪ :‬فاألزمة‪ :‬هء وضع حيمل يف طياته‪ ،‬التهديد‪ ،‬واملخاوف أو‬
‫املخاطر واحلروب‪ ،‬لذا إذا مل يتم إدارة األزمة بطريقة واعية‪ ،‬وراشدة من قبل‬
‫صنا القرار فيها‪ ،‬فإن ذلك‪ ،‬يؤدي إىل حدوث املخاطر‪ ،‬والنتائج املتوقعكة‬
‫وغري املتوقعة؛ وقد يصحب ذلك دمار وحروب‪.‬‬
‫‪ .1‬عنصر املفاجأة‪ ،‬يف كثري من األحيان حتدث األزمة‪ ،‬كفعل من اآلخر بشكالل‬
‫مفاجئ غري متوقع‪ ،‬مما خيلق حالة من االرتباك والتشويش‪ .‬ولالن يف بعكض‬
‫األحيان‪ ،‬قد حتدث األزمة بشالل متوقع‪ ،‬لالن دون القدرة على حتديد حجم‬
‫تأثريها‪ ،‬أو خماطرها‪ ،‬واملفاجأة حتدث يف تقدير حجم األزمة وخماطرها‪ ،‬مكن‬
‫حيث املبالغة يف تقدير حجمها‪ ،‬أو تقدير حجمها بأقل من املتوقع‪.‬‬
‫‪ .2‬ضبابية أو نقص املعلومات‪ :‬تتسم األزمة بعدم وضوح أو نقص املعلومات عن‬
‫كيفية إدارة الطرف اآلخر لألزمة‪ ،‬أو عن طبيعته وسلوكه يف التعامل معهكا‪،‬‬
‫أو نقص املعلومات حول املوقف وتفاعالته‪ ،‬وحجم املخكاطر ونتائجهكا‪،‬‬
‫وطبيعة األطراف املؤثرة وحجم تأثريهم فيها‪.‬‬
‫‪ .4‬ضيق الوقت‪/‬ضغط الوقت‪ :‬تتسم األزمة بضيق الوقت الالزم‪ ،‬الختكاذ القكرار‪،‬‬
‫وتتطلب سرعة االستجابة ملستجدات‪ ،‬ومتغريات األزمة‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬فكإن عامكل‬
‫ضيق الوقت‪ ،‬يشالل حبد ذاته عامالً ضاغطاً؛على صنا القرار يف األزمة‪ .‬حيث‬
‫ال ميلالون مساحة كافية من الوقت‪ ،‬إما جلمع املعلومكات ودراسكة اخليكارات‬
‫والبدائل‪ ،‬وغريها من العناصر الالزمة يف عملية صنع القرار‪ .‬ورمبا هذا العامل هو‬
‫من العوامل األساسية اليت تشالل مصدراً أساساً للحالة االنفعاليكة‪ ،‬وألخطكاء‬
‫صنا القرار يف عملية إدارة األزمة‪ ،‬والوقو يف املخاطر وسوء التقدير‪.‬‬
‫‪Herman, Charles F: 1972, International Crisis, New York, The Free‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Press, p. 414.‬‬
‫نقالً عن شدود‪ ،‬ماجد‪ :‬مرجع سابق‪.22 . ،‬‬
‫‪000‬‬
‫‪ .1‬التعقيد والتشابك‪ :‬إن األزمة عادة تدخل يف تفاعالهتا‪ ،‬جمموعة من العناصكر‬
‫والعوامل‪ ،‬وعادة لديها حساسية مفرطة‪ ،‬أو استعداد ككبري لالسكتقبال‪ ،‬أو‬
‫لالستجابة لتأثري أي عوامل خارجية أو داخلية‪ .‬وهو ما جيعل األزمة‪ ،‬وعملية‬
‫إدارهتا عملية معقدة‪ ،‬وحساسة ألي إجراءات أو تصرفات أو قرارات؛ بشالل‬
‫كبري وسريع‪ .‬سواء يف جتاه التصعيد أو يف جتاه التهدئة والتسوية‪.‬‬
‫‪ .9‬ضخامة املسؤولية‪ :‬إن األزمة جتعل من قادة‪ ،‬أو صنا القرار يكدركون‪ ،‬أو‬
‫على األقل يدعون أهنم يدركون‪ ،‬حجم الاللفة أو املعاناة اإلنسانية‪ ،‬اليت قكد‬
‫تسببها قراراهتم يف األزمة وما ينتج عنها من تصعيد؛ وخماطر أو حرب‪.‬‬
‫‪ .1‬التوتر الشخصء‪ :‬إن حالة أو وضع األزمة‪ ،‬يولد توتراً نفسياً وضغطاً انفعالياً‪،‬‬
‫مما يؤثر يف كثري من األحيان‪ ،‬بشالل كبري أو خطري على اختاذ قرارات غكري‬
‫راشدة‪ ،‬أو عقالنية تزيد من خماطر األزمة وتصعيدها‪ ،‬حنو األسوأ واملزيد مكن‬
‫التعقيد؛ وصعوبة التسوية أو املعاجلة‪.‬‬

‫رواعد ومبادئ عامة في إدارو األزمة الدولية‪:‬‬


‫يف ضوء هذه السمات‪ ،‬واخلصائص العامة لألزمات بشالل عام‪ ،‬واألزمكات‬
‫الدولية بشالل خا‪ ،.‬فان هناك حاجة شديدة إىل وجكود قواعكد‪ ،‬أو ضكوابط‬
‫إرشادية عامة‪ ،‬أو مبادئ عامة توجيهية تساعد يف عملية إدارة األزمكة الدوليكة‪.‬‬
‫وبالطبع‪ ،‬من الصعوبة مبالان خلق قواعد‪ ،‬ومبكادئ موحكدة مفصكلة‪ ،‬ميالكن‬
‫استخدامها كقالب جاهز‪ ،‬لالستخدام يف مجيع األزمات الدولية‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬كانت‬
‫حماوالت من بعض الباحثني واملمارسني‪ ،‬إلجياد قواعد وضوابط إرشكادية عامكة‪،‬‬
‫لالستعانة هبا يف إدارة األزمات الدولية‪ ،‬ولالن يبقى لالل أزمكة دوليكة ظروفهكا‬
‫ومعطياهتا اخلاصة‪ ،‬اليت جيب مراعاهتا أثناء إدارهتا‪ .‬ويعترب ما قدمه هارالن كليفالند‬
‫‪ ،Haraln Cleveland‬الذي عمل باخلارجية األمريالية وشكارك يف عمليكة إدارة‬
‫األزمة األمريالية السوفيتية حول ما مسء بأزمة الصواريخ بالوبا عام ‪ ،0191‬مكن‬
‫اجلهود التأسيسية املميزة يف صياغة‪ ،‬بعض القواعد والضكوابط اإلرشكادية إلدارة‬
‫األزمات‪ ،‬واليت نشرها يف مقالة له مبجلة ‪ Foreign Affairs‬واليت هء عبارة عكن‬
‫درو مستفادة من عملية إدارة الرئي كينيدي هلذه األزمة‪ ،‬باإلضافة إىل جهكود‬
‫‪001‬‬
‫هولسيت‪ ،‬وكورال بل وغريهم من أعالم هذا احلقل‪ .1‬وتشري هذه اجلهود العلميكة‬
‫إىل أهم هذه الضوابط اإلرشادية واملبادئ العامة إلدارة األزمات الدوليكة‪ ،‬والكيت‬
‫ميالن تلخيصها على النحو اآل ‪:‬‬
‫‪ 9‬جعل األهداف محدودو‪:‬‬
‫إن عدم املبالغة‪ ،‬أو توسعة دائرة األهداف املطلوب حتقيقها‪ ،‬والعمكل علكى‬
‫جعلها حمدودة ودقيقة وواضحة وليست فضفاضة‪ ،‬وكذلك ليست مطالب وأهدافا‬
‫خيالية على صعيد املمالن حتقيقه يشالل‪ ،‬مبدأ أساساً يف فاعلية‪ ،‬وجناح كل طرف‬
‫يف عملية إدارة األزمة الدولية؛ وذلك ال يعين التخلء‪ ،‬أو التنازل عن أهكداف‪ ،‬أو‬
‫مصاحل جوهرية‪ ،‬ألي طرف‪ ،‬ولالن املطلوب إدارة األزمة‪ ،‬بشالل خيفكف هكذه‬
‫األهداف؛ بأقل األضرار أو اخلسائر‪.‬‬
‫‪ 2‬حدد المدف الذي يمكن أن تذهب إليه‪:‬‬
‫جيب أن يالون واضحاً‪ ،‬لدى صنا القرار يف عملية إدارة األزمة‪ ،‬ما املكدى‬
‫الذي ميالن أن يذهب إليه‪ ،‬مثالً‪ ،‬هل هناك استعداد لتصعيد األمور‪ ،‬أو املواقف إىل‬
‫حد احلرب مثالً‪ ،‬وجعل اخلصم يدرك هذا املدى؟‬
‫‪ 3‬توسيع دائرو الدعم الداخلي والخارجي للقرار‪:‬‬
‫إن عملية إدارة األزمات الدولية‪ ،‬تتطلب توفري دعم واسكع علكى الصكعيد‬
‫الدويل‪ ،‬واحمللء واإلقليمء‪ ،‬وزيادة دائرة الدعم بالافة أشالاله‪ ،‬يلعب دوراً أساسكياً‬
‫يف غالب األحيان‪ ،‬حنو توجيه األزمة إىل األهداف املنشودة‪ ،‬وغالباً‪ ،‬الوصكول إىل‬
‫تسوية مقبولة بني أطراف األزمة‪ ،‬وحتصني القرار من معوقاته الداخلية واخلارجية‪.‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Bell, Coral: the Conventions of Crisis: A Study of Diplomatic‬‬
‫‪Management, Op. cit.‬‬
‫‪Cleveland, Harlan: July 1963, “Crisis Diplomacy”, Foreign Affairs,‬‬
‫‪New York, Council of Foreign Relations, Vol. 41, pp. 638-649.‬‬
‫‪Holsti, Ole R.: 1972, Crisis, Escalation, War, Montereal, McGill-‬‬
‫‪Queens University Press.‬‬
‫‪Williams, Phill: 1971, Crisis Management, London, International‬‬
‫‪Affairs Chatm House.‬‬

‫‪001‬‬
‫‪ 9‬التصعيد التدريجي نحو خيا ار استخدام‪:‬‬
‫وجيب أن يتم ذلك بطريقة يدرك اخلصم جدية ذلك‪ ،‬ولالن يف نف الوقكت‬
‫ال يغلق أمامه خيار التسوية السلمية املشرفة‪.‬‬
‫‪ 1‬اإلبقاء على جميع الخيا ار مفتوحة‪:‬‬
‫وهذا املبدأ يتوازى مع املبدأ السابق‪ ،‬وهذه اخليارات تعين التصعيد حنو العمل‬
‫العسالري‪ ،‬وإدراك الطرف اآلخر جدية ذلك‪ ،‬ويف نف الوقت‪ ،‬وجكود جديكة‬
‫حقيقية لديك يف خيار الوصول إىل تسوية سلمية‪.‬‬
‫‪ 9‬المحافظة على خيار‪/‬مخرج غير ُمذل أمام الخصم بدون اللجوء إلى التنازل‪:‬‬
‫جيب عدم دفع اخلصم إىل خيار القتال‪ ،‬أو احلرب فقط‪ ،‬بل إبقاء خيار آخكر‬
‫غري مُذل‪ ،‬للخروج بتسوية سلمية مقبولة من األزمة‪ ،‬وإتاحة الوقت الالزم للخصم‬
‫للتدبر‪ ،‬وعدم دفعه إىل خيارات متهورة‪ ،‬وإمنا عدم قطع الطرق عليه جتكاه بكدائل‬
‫أخرى غري احلرب أو القتال‪.‬‬
‫‪ 7‬إحكام سيطرو القيادو السياسية على عملية اتخاذ القرار في األزمة‪:‬‬
‫وهذا يتطلب أحياناً‪ ،‬مركزية يف القرار‪ ،‬باإلضافة إىل اطال ‪ ،‬ومتابعة جلميكع‬
‫التفاصيل‪ ،‬أو اخلطوات اليت تتم يف عملية إدارة األزمة‪ ،‬منعاً حلدوث مفاجآت‪ ،‬أو‬
‫عواقب غري متوقعة‪ ،‬وضماناً لسري عملية إدارة األزمة؛ حنكو حتقيكق األهكداف‬
‫املرجوة‪.‬‬
‫‪ 1‬توفير نظام للمعلوما واالتصاال ‪:‬‬
‫إن وجود مصادر‪ ،‬وقنوات استخبارات فاعلة‪ ،‬وتالنولوجيا متطورة للحصول‬
‫على املعلومات بدقة‪ ،‬وبسرعة يشالل عنصراً استراتيجياً‪ ،‬وحامساً يف إدارة األزمة‪،‬‬
‫خاصة وأن أحد أهم إشالاليات‪ ،‬ومسات األزمة؛ هء نقص أو غموض املعلومات‪.‬‬
‫كما إن توفر قنوات اتصال فاعلة بني مجيع األطراف املباشرة‪ ،‬وغكري املباشكرة يف‬
‫األزمة‪ ،‬وكذلك بني هياللية ومؤسسات اختاذ القرار‪ ،‬تشالل ضرورة مالملة لنظام‬
‫املعلومات‪ ،‬وللتحالم بتداعيات؛ وتطورات األزمة الدولية‪.‬‬
‫‪004‬‬
‫ويشري هولسيت‪ ،‬إىل عناصر أساسية لتحقيق إدارة فاعلة لألزمة‪ ،‬وهذه العناصر‬
‫يعرضها بأمناط متشاهبة من حيث اجلوهر‪ ،‬ومتباينة من حيث املظهر للمبادئ العامة‬
‫السابقة؛ ويلخص هولسيت هذه العناصر مبا يلء‪:1‬‬
‫‪ .0‬احلساسية جتاه مرجعية اخلصم‪.‬‬
‫‪ .1‬جتنب اخلطوات اليت تغلق "طرق اهلروب للخصم‪.‬‬
‫‪ .2‬استخدام كل من "العصا واجلزرة"‪ ،‬لتحفيز اخلصم على عكدم التصكعيد يف‬
‫األزمة‪.‬‬
‫‪ .4‬احلساسية من الوصول إىل نقطة‪ ،‬يصبح فيها صوت األفعال أعلى من صوت‬
‫الاللمات‪.‬‬
‫‪ .1‬القيام باجلهود لتبطئة وترية األحداث‪.‬‬
‫‪ .9‬احملافظة على السيطرة‪ ،‬لي على القرارات االستراتيجية فحسب‪ ،‬بل أيضكاً‬
‫على تفاصيل عملية التنفيذ‪.‬‬
‫ويُالحظ أن الدراسات املعاصرة‪ ،‬يف جمال إدارة األزمات الدوليكة‪ ،‬مل تقكدم‬
‫إضافات ملموسة على صعيد املبادئ العامة إلدارة األزمات الدولية‪ ،‬عمكا قدمتكه‬
‫اجلهود التأسيسية‪ ،‬بالرغم من حدوث تغيريات جوهريكة؛ علكى صكعيد ثكورة‬
‫تالنولوجيا املعلومات‪.2‬‬
‫تجاها حديثة في إدارو األزما الدولية‪:‬‬
‫يف ضوء التغريات‪ ،‬يف أشالال‪ ،‬وطبيعة وأمناط األزمات الدولية يف الفتكرات‬
‫املعاصرة‪ ،‬فإنه من املفيد الوقوف على التطورات اجلديدة‪ ،‬أو االجتاهات احلديثكة‪،‬‬
‫اليت طرأت على طبيعة األزمات‪ ،‬أو مستقبل هذه التطورات؛ مع دخولنكا القكرن‬
‫الواحد والعشرين‪ .‬تشري بعض الدراسات احلديثة‪ ،‬يف هذا اجملال إىل حدوث تغكيري‬
‫جديد واجتاهات حديثة‪ ،‬أو تطورات متعددة يف األزمكات الدوليكة احلاليكة‪ ،‬أو‬
‫املستقبلية ويف إدارهتا‪ ،‬وهذا التغري‪ ،‬أو االجتاهات والتطورات شاللت مسات إضافية‬
‫‪Holsti, Ole R.: Crisis Management, in Seekchoue, Young (ed):‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Op. cit.‬‬
‫‪Clutterbuck, Richard: 1993, International Crisis and Conflict, New‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪York, St. Martin’s Press.‬‬

‫‪005‬‬
‫جديدة‪ ،‬يف األزمة الدولية‪ ،‬قد تدفع إىل حتديات جديدة أمام قادة اإلدارة السياسية؛‬
‫أو صنّا القرار يف عملية إدارة األزمات الدولية‪.‬‬
‫حتدد بعض الدراسات‪ ،1‬جوهر هذا التغري اجلديد‪ ،‬يف أن األزمات أصكبحت‬
‫عابرة للحدود‪ ،‬وترتب على هذا التغيري‪ ،‬تأثري على طبيعة ومسات ونتكائج األزمكة‬
‫الدولية‪ ،‬من خالل ما يأ ‪:‬‬
‫‪ -‬أصبح الشالل العام‪ ،‬وديناميالية األزمات آخذة يف التغري‪.‬‬
‫‪ -‬وأصبح هناك مصادر ومسببات خمتلفة‪ ،‬أو جديدة‪.‬‬
‫‪ -‬وأصبحت تأخذ جمراها بطريقة خمتلفة‪.‬‬
‫‪ -‬وأصبحت تستجلب‪ ،‬أو ترسم ردود فعل خمتلفة أو متباينة‪.‬‬
‫‪ -‬وتؤثر يف اجملتمعات بطرق خمتلفة‪.‬‬
‫إن مفهوم األزمة عابرة احلدود‪ ،‬يستند إىل نف مالونات املفهوم التقليكدي‬
‫لألزمة‪ ،‬واليت تتمثل يف التهديد‪ ،‬واملفاجأة‪ ،‬والغموض‪ .‬ولالن من املتوقع‪ ،‬أن يصبح‬
‫هناك اتسا كبري هلذه املالونات وامتداد أطول يف تأثرياهتا‪ .‬فمن املتوقع‪ ،‬أن يالون‬
‫هناك هتديد لنظام االستمرارية‪ ،‬أو توسع يف تأثري التهديكد ليشكمل قطاعكات‪،‬‬
‫ووظائف خمتلفة يف احلياة‪ ،‬كما أن األضرار‪ ،‬ستالون أكثر فداحكة يف اجملتمعكات‬
‫والبنية التحتية‪ .‬كما ستصبح حتدياً جوهرياً‪ ،‬أو حامساً جتكاه "الشكرعية" خاصكة‬
‫للسلطة السياسية‪ ،‬أو للنخب اإلدارية العليا يف القطاعني العام واخلا‪ ..‬كمكا أن‬
‫مسببات األزمة والفشل ما زالت غامضة‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬تتسم األزمة العابرة للحدود ببضع مسات منها‪:‬‬
‫‪ .0‬أهنا تعرب احلدود اجلغرافية بسهولة‪ ،‬وهتدد الدول واملدن واألقاليم والقارات‪.‬‬
‫‪ .1‬أيضاً تعرب احلدود الوظيفية مثل النظام املايل‪ ،‬إىل النظام الصناعء‪ ،‬من القطا‬
‫اخلا‪ .‬إىل العام‪ ،‬ومن قطا صناعء إىل أخر‪ ،‬وهالذا‪ ،‬ومن أوضح األمثلكة‬
‫على ذلك‪ ،‬أن األزمة املالية العاملية اليت بدأت عام ‪ 1100-1118‬واملسكتمرة‬
‫ح اآلن‪ ،‬تُعترب *مثاال صارخا على التغري اجلديد‪ ،‬إىل ما يسكمى األزمكات‬
‫الدولية العابرة للحدود‪.‬‬
‫‪Boin, Arjen: 2009, "The New World of Crisis and Crisis Management:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Implications for Policymaking & Research, Review of Policy Research,‬‬
‫‪Vol. 26, Issue 4, pp. 367-377, p. 367-369.‬‬

‫‪006‬‬
‫‪ .2‬كما أن األزمة العابرة للحدود‪ ،‬تتجاوز األزمة احلكدود الزمنيكة‪ ،‬فاألزمكة‬
‫التقليدية يف كثري من األحيان‪ ،‬ميالن حتديد بدايتها وهنايتها‪ ،‬بينمكا األزمكة‬
‫الدولية العابرة للحدود لي من السهولة حتديد بدايتها وهنايتها‪ ،‬وقد تُعكرف‬
‫بدايتها‪ ،‬ولالن من الصعب حتديد هنايتها‪ ،‬بسبب استمرارها وطول اسكتمرار‬
‫تأثرياهتا وانعالاساهتا‪.‬‬
‫‪ .4‬إن هذه األزمة ختلق فراغ سلطة‪ ،‬حبيث يصبح من غري الواضح من صكاحب‬
‫إدارة األزمة‪ ،‬ومن الذي جيب عليه التعامل معها‪( ،‬مثال ذلك أزمة أنفلونكزا‬
‫اخلنازير‪ ،‬واألزمة املالية العاملية‪ ،‬واإلرهاب العاملء‪ ،‬أزمة املناخ أو االحتبكا‬
‫احلراري‪ ،‬فريوسات اإلنترنت‪ ...‬وغريها)‪.‬‬
‫إن هذه األزمات الدولية أو العابرة للحدود‪ ،‬بسماهتا املكذكورة‪ ،‬تكؤثر أو‬
‫تسبب أضرارا بعدة طرق منها‪:‬‬
‫‪ .0‬املباشر‪ ،‬وهو الضرر الشخصء‪ ،‬الذي يلحق باألفراد واجملتمعات‪.‬‬
‫‪ .1‬إضعاف البنية التحتية بشالل كبري‪ ،‬وما يشالل ذلك من خطورة وتالكاليف‬
‫على الدول‪.‬‬
‫‪ .2‬إضعاف قاعدة الشرعية لبنية‪ ،‬وهياللية النظام السياسء وعملية احلالم‪ ،‬الكيت‬
‫ستظهر أهنا غري كفوءة؛ يف التعامل مع األزمة‪.‬‬
‫ال شك‪ ،‬أن طبيعة األزمات الدولية وتغرياهتا خالل السنوات األخرية‪ ،‬سكواء‬
‫على مستوى املهام‪ ،‬أو احلدود الزمنية‪ ،‬أو زيكادة عكدد الفكاعلني‪ ،‬أو احلكدود‬
‫اجلغرافية والزمنية‪ ،‬ترتب عليها تغري نسبكء يف إدارة األزمات الدولية متثل يف ثالثة‬
‫أبعاد‪:1‬‬
‫‪ .0‬مت حدوث تغري من خالل التوسع يف املهام (مهام إدارة األزمة الدولية)‪ ،‬حيث‬
‫توسعت أطياف مهام إدارة األزمة الدولية من عملية احتواء وتقليص التصعيد‬
‫العسالري‪ ،‬إىل مهمة‪ ،‬أو هدف الوصول إىل تسوية شاملة للصكرا علكى‬
‫املستوى االجتماعء؛ واالقتصادي والسياسء‪.‬‬
‫‪Molling, Christian: October 2008, Comprehensive Approaches to‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪International Crisis Management, CSS Analysis in Security Policy,‬‬
‫‪Center for Security Studies, ETH Zurich, Vol. 3, No. 42, p. 1.‬‬

‫‪007‬‬
‫‪ .1‬إن التوسع يف املهام‪ ،‬ترافق مع توسع‪ ،‬أو تداخل يف حدود إدارة األزمة علكى‬
‫الصعيد النظري‪ ،‬واملمارسة العملية‪ ،‬فأصبحت األزمة متتكد مكن التكدخل‬
‫اإلنساين‪ ،‬وحفظ وبناء السالم‪ ،‬إىل اإلدارة خالل مرحلة ما بعكد الصكرا ‪.‬‬
‫فأصبحت مهام إدارة الصرا معقدة‪ ،‬وتتداخل مع خمتلف مراحل الصكرا ‪،‬‬
‫(واليت مت التطرق إليها يف املبحث السابق من هذا الفصل)‪.‬‬
‫‪ .2‬توسع أو ازدياد عدد الفاعلني بشالل كبري‪ ،‬خاصة مع توسع املهام‪ ،‬فأصكبح‬
‫هناك تدخل للفاعلني من الدول‪ ،‬والفاعلني من غري الدول‪ ،‬ونتيجكة هكذا‬
‫االزدياد يف عدد الفاعلني تزايدت تعقيدات حتديد الشرعية السياسية الالزمكة‬
‫للتدخل الدويل‪ .‬كما أصبح للفاعلني من إقليم الصرا (سواء أكانوا دوالً أم‬
‫مجاعات وحركات سياسية أم مسكلحة) دورٌ أسكا ٌ يف احملافظكة علكى‬
‫االستقرار‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬يف ضوء تعقيدات األزمة الدولية‪ ،‬خاصة مبا يف جتاهاهتكا احلديثكة‪،‬‬
‫جعلت هنا ضرورة إلجياد منهج أو مدخل حديث لدراسة طبيعة األزمات الدولية‪.‬‬
‫إن هناك جدليات أكادميية واسعة حول حتديد املنكاهج‪ ،‬أو النظريكات األنسكب‬
‫لدراسة األزمات الدولية وإدارة األزمة‪ .‬واليت مكا زالكت تواجكه العديكد مكن‬
‫اإلشالاليات اهلامة على الصعيد العملء؛ أو التطبيق امليداين هلا‪.‬‬
‫و بشالل عام‪ ،‬فإن منهج أو مدخل إدارة األزمات الدولية‪ ،‬يرتالز على عكدة‬
‫عناصر أساسية منها‪:1‬‬
‫‪ .0‬اعتبار األزمة عملية تفاعلية‪ ،‬فدراسة األزمة جيب أن يراعء دراسة العالقكة‪،‬‬
‫والتداخل ما بني مسات األزمة‪ ،‬وظروف األزمة‪ ،‬واآلثار والنتكائج املترتبكة‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ .1‬األزمة عامل مسهل‪ :‬جيب أن يسمح أي منهج لدراسة األزمة‪ ،‬مبساحة ملبكدأ‬
‫اعتبار أن األزمة رمبا تالون‪ ،‬عكامالً مرغوبكاً للتغكيري واإلصكالح‪ .‬أي أن‬
‫املشالالت‪ ،‬والتهديد يف األزمة قد يتحول إىل فرصة لإلصكالح؛ والتطكوير‬
‫واإلبدا ‪.‬‬
‫‪Rosenthal, Uriel, Boin, Arjen & Comfort, Louise K. (eds):‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Managing Crises: Threats Dilemmas, opportunities, Op. cit., pp. 21-22.‬‬

‫‪008‬‬
‫‪ .2‬أن األزمة‪ ،‬هء شأن حالومء وخكا‪ :.‬أي أن األزمكة أصكبحت‪ ،‬ذات‬
‫مسؤولية مشتركة‪ ،‬ومتداخلة ما بني القطاعني العكام واخلكا‪ ،.‬ومل تعكد‬
‫معاجلتها‪ ،‬وخماطرها حالراً على احلالومة ومؤسساهتا‪ ،‬بل أصكبح القطكا‬
‫اخلا‪ ،.‬عنصراً أساسياً يف مسبباهتا‪ ،‬أو إدارهتا أو معاجلتها خاصة؛ من قبكل‬
‫الشركات اخلاصة املتعددة اجلنسيات‪.‬‬
‫‪ .4‬األزمة حالة أو هنج تعاطفء‪ :‬فاألزمة تدر ليست كحالة دراسية‪ ،‬أو عملية‬
‫أو دراسة فر‪ .‬علمية‪ ،‬وإمنا جيب مراعاة املعطيات اإلنسانية‪ ،‬والالوارثيكة يف‬
‫التعامل معها‪ ،‬وتدر بروح من التفاعل‪ ،‬والتعاطف العلمء‪ ،‬واإلنساين معاً‪،‬‬
‫ولي من خالل أداء أكادميء؛ أو منهجء قا ٍ‪.‬‬

‫‪009‬‬
‫املبحث اخلامس‬

‫مراحل تطور الصراع‬

‫إن أي صرا ال يتولد فجأة بدون مقدمات‪ ،‬سواء كانت ظاهرة أو خفيكة‪،‬‬
‫ترتبط باالجتاهات أو التناقضات البنيوية‪ ،‬ذلك أن الصرا عملية ديناميالية متغرية‪.‬‬
‫فهو لي عملية جامدة‪ ،‬وإمنا ينتقل‪ ،‬أو يتغري ضمن مراحل‪ ،‬أو مستويات تتباين يف‬
‫درجتها‪ ،‬أو حدهتا وسرعة تغريها‪ ،‬وفق الظروف واملعطيات اليت ترتبط هبا‪ .‬ومكن‬
‫هنا‪ ،‬فإن دراسة تطور؛ ومراحل الصرا عملية مهمة لفهم وحتليل الصرا ‪.‬‬
‫إن الصراعات ختتلف يف مراحلها‪ ،‬من حيث الشدّة‪ ،‬أو الالثافة أو الكتغري أو‬
‫التذبذب‪ ،‬ومن حيث التأثري والسمات‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن دورة الصراعات يف اجلزء األكرب منها‪ ،‬خاصة الدولية‪ ،‬تشمل أربع‬
‫مراحل‪ ،‬ولالن لي بالضرورة أن متر مجيع الصراعات بالل مرحلة مكن املراحكل‬
‫األربعة‪ .‬وإن كانت كل مرحلة‪ ،‬قد تشالل احتمالية كبرية للكدخول؛ كبدايكة يف‬
‫املرحلة اليت تليها‪.1‬‬
‫وسنتناول هنا‪ ،‬بعض أهم مراحل الصرا وفق طروحات‪ ،‬أو مناذج قكدمها‬
‫بعض الباحثني‪ ،‬أو مؤسسات حبثية‪ ،‬أو مؤسسات ممارسة يف جمال السالم والصرا ‪،‬‬
‫ومن أهم هذه النماذج‪ ،‬والطروحات‪ ،‬ما قدمتكه مؤسسكة مواجهكة الصكرا‬
‫‪ )Responding to Conflict (RTC‬الربيطانية‪ ،‬وأيضاً منوذج أوليفر رامسكبوثان‬
‫‪ ،Oliver Ramsbothan‬وأمنوذج مايالل لند ‪ ،Michael Lund‬وأخكرياً أمنكوذج‬
‫معهد بيوم ‪.PIOOM‬‬
‫وفيما يلء تفصيل كل منوذج من هذه النماذج األربعة‪:‬‬

‫‪Hauss, Charles: 2001, International Conflict Resolution, London,‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪.Continuum, p. 25‬‬
‫‪010‬‬
‫أوالً‪ :‬مؤسسة مواجوة الصراع (‪)RTC‬‬
‫يعرض مشرو التعامل مكع النككزا ‪ Working with Conflict ،‬التكابع‬
‫ملؤسسة مواجهة النكزا ‪ RTC‬منوذجاً‪ ،‬أو إطارا حيدد فيكه مراحكل الصكرا ‪،‬‬
‫ويشالل هذا اإلطار‪ ،‬األداة املستخدمة لفهم وحتليل مراحل الصرا ‪ ،‬ودينامياليتها‪،‬‬
‫وحيدد كذلك مخ مراحل للصرا ؛ وهء‪:1‬‬
‫‪ .0‬مرحلة ما قبل الصرا ‪.‬‬
‫‪ .1‬مرحلة املواجهة‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة األزمة (قمة أو ذروة الصرا )‪.‬‬
‫‪ .4‬مرحلة نتائج الصرا ‪.‬‬
‫‪ .1‬مرحلة ما بعد الصرا ‪.‬‬
‫وتتمثل مواقع هذه املراحل‪ ،‬وفق الشالل البياين التايل‪:‬‬

‫الشكل ررم (‪ :)1‬مراحل الصراع‬

‫املصدر‪:‬‬
‫‪Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for‬‬
‫‪Action, op. cit., p. 20.‬‬

‫‪.Fisher, Simon: Op. cit., p. 21-23‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪011‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬مرحلة ما ربل الصراع‪:‬‬
‫هء املرحلة اليت يظهر فيها التباين‪ ،‬أو االختالفات يف املصاحل‪ ،‬أو األهكداف‬
‫‪ Goals Incompatibility‬بني طرفني أو أكثر‪ .‬ويالون االخكتالف‪ ،‬أو النككزا‬
‫فيها‪ ،‬كامنا أو غري ظاهر‪ .‬وتتسم هذه املرحلة‪ ،‬حبالة بسيطة من التوتر‪ ،‬أو ميكول‬
‫سلبية جتاه اآلخر‪ ،‬أو مواقف بعدم رغبة الطرفني‪/‬األطراف‪ ،‬يف االتصال؛ أو التواصل‬
‫مع بعضهم‪ .‬وهذه املرحلة‪ ،‬ينتج عنها غالباً‪ ،‬اجتاهات سلبية‪ ،‬كمكا يتولكد فيهكا‬
‫تناقضات بنيوية‪ ،‬تشالل أحد أبعاد الصرا ومسبباته‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬المواجوة‪:‬‬


‫يف هذه املرحلة‪ ،‬يصبح الصرا ‪ ،‬أو اخلالف أكثر وضوحاً‪ ،‬مع ازدياد حالكة‬
‫التوتر‪ ،‬وشعور أحد األطراف بضرورة التحرك امليداين‪ ،‬أو العملء‪ ،‬ويتم اللجوء إىل‬
‫شالل من أشالال السلوك العدائء‪ ،‬مع الطرف اآلخر‪ ،‬كأن حتكدث مظكاهرات‬
‫وأعمال عنف مباشر ضعيف‪ ،‬غري منتظم‪ ،‬ويتم يف هكذه املرحلكة‪ ،‬حالكة مكن‬
‫االستقطاب والتالتل بني األطراف‪ ،‬سواء على الصعيد اجملتمعء‪ ،‬أو الدولة الواحدة‬
‫أو بني الدول‪ ,‬مع سعء كل طرف إىل تعبئة موارده‪ ،‬وإمالانياته متهيكداً لتصكعيد‬
‫املواجهة مع اآلخر‪.‬‬
‫وتصبح العالقة بني األطراف عالقة متوترة‪ ،‬جداً قابلة لالنفجار بسهولة‪ ،‬ويف‬
‫أي حلظة‪ .‬عموماً‪ ،‬يف هذه املرحلة يزداد تصعيد الصرا ‪ ،‬سواء علكى صكعيد يف‬
‫جتاهاهتا السلبية‪ ،‬وتناقضاهتا البنيوية‪ ،‬وكذلك التصعيد السلوكء؛ باجتاه سلوك عنف‬
‫أو صرا ‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬األزمة‪:‬‬


‫وهذه املرحلة هء مرحلة األزمة‪ ،‬ويقصد هبا أصحاب هذا النموذج ذروة‪ ،‬أو‬
‫قمة الصرا بني الطرفني‪ ،‬أو األطراف‪ ،‬وفيها يصل التوتر و‪/‬أو العنف إىل الذروة‪،‬‬
‫وهء أخطر مراحل الصرا ‪ ،‬ويصبح الصرا فيها مفتوحا بالل أشالاله‪ ،‬وأبعكاده‪،‬‬
‫أو احتماالته‪ .‬كأن يصبح الصرا حرباً مسلحة‪ ،‬وانقطاعا يف العالقكات الالليكة‪.‬‬
‫وعادة‪ ،‬فان قمة أو ذروة الصرا بني الطرفني‪/‬األطراف‪ ،‬هء املرحلة الكيت تكدفع‬
‫‪011‬‬
‫اجلهود من قبل طرف ثالث‪ ،‬إىل التدخل للوصول إىل هتدئة‪ ،‬ومنكع تصكعيد؛ أو‬
‫استمرار هذه املرحلة‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬المحصلة أو نتائج الصراع‪:‬‬


‫إن مرحلة األزمة املشار إليها سابقاً‪ ،‬ال ميالن أن تستمر ‪ -‬بغض النظر عكن‬
‫طول مدهتا‪ -‬فال بد أن ينتج عنها وضع ما‪ ،‬كأن يهزم أو ينتصر أحد األطراف‪ ،‬أو‬
‫يتم التوصل‪ ،‬إىل اتفاق وقف إطالق النكار يف حالكة احلكرب‪ .‬أو الكدخول يف‬
‫مفاوضات مبساعدة طرف ثالث‪ ،‬وسيط ملنع األزمكة مكن الوصكول إىل حكال‬
‫االنفجار‪ .‬أو الوصول إىل اتفاقية تسوية للصرا ‪ ،‬أو خلق حالة أمر واقع تؤدي إىل‬
‫تراجع وضع األزمة‪ .‬وغري ذلك من النتائج‪ .‬عموماً‪ ،‬ويف مجيع األحوال‪ ،‬حيدث يف‬
‫هذه املرحلة تغيري يؤدي إىل تراجع مستوى التوتر‪ ،‬والعنف أو املواجهة‪ ،‬مع ازدياد‬
‫احتمالية الوصول إىل اتفاقية تسوية بني الطرفني‪ ،‬أو األطراف املتنازعة أو التعكايش‬
‫مع االختالف فيما بينها‪.‬‬

‫المرحلة الخامسة‪ :‬مرحلة ما بعد الصراع‪:‬‬


‫هء املرحلة اليت يتم فيها تسوية فعليكة للصكرا ‪ ،‬ويكتم العمكل فيهكا بكني‬
‫الطرفني‪/‬األطراف‪ ،‬على معاجلة جذور الصرا ‪ ،‬وتبدأ عالقات طبيعية‪ ،‬أو تعاونية بكني‬
‫األطراف املتصارعة‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬إن كانت التسوية على أسا اختالف معادلكة‬
‫القوة‪ ،‬وقيام الطرف األقوى بفرض شالل‪ ،‬وحمتوى التسوية‪ ،‬فعادة ال تتم هذه التسوية‬
‫للصرا على أسا من العدل‪ ،‬أو املعاجلة احلقيقية جلذور الصرا ‪ ،‬مما يكؤدي إىل أن‬
‫حتتفظ هذه املرحلة‪ ،‬يف داخلها جبذور الصرا ‪ ،‬واليت قد تعيد الصكرا إىل املرحلكة‬
‫األوىل (مرحلة ما قبل الصرا )‪ ،‬بسماته غري الظاهرة؛ وتعزيز االجتاهات السلبية فيه‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬يشري معهد ‪ GTZ‬األملاين‪ ،‬إىل مراحل تطور الصرا بشالل‬
‫مشابه‪ ،‬أو قريب من هذا اإلطار‪ ،‬ويتمثل إطار ‪ GTZ‬يف مخ مراحل هء‪:1‬‬

‫‪Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: Peace-Building, Crisis‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the‬‬
‫‪Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Op. cit., p. 35-37.‬‬

‫‪014‬‬
‫‪ .0‬مرحلة النكزا الالامن جتاه أزمة سياسية‪.‬‬
‫‪ .1‬مرحلة املواجهة دون استخدام العنف‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة استخدام العنف لتحقيق الغايات‪ ،‬وعلى أسا ممنهج‪.‬‬
‫‪ .4‬هناية احلرب‪.‬‬
‫‪ .1‬مرحلة ما بعد احلرب‪ ،‬إلدارة الصرا ‪ ،‬أو بدايات تعزيز السالم‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬يعرض أوليفر رامسبوثان ‪ Oliver Ramsbothan‬منوذجكا‬
‫آخر حول مراحل تطور الصرا ‪ ،‬فيشري إىل مراحل تصعيد‪ ،‬أو تصكاعد وهبكوط‬
‫الصرا ‪ ،‬كما هو موضح يف الشالل اآل ‪:‬‬
‫الشكل ررم (‪ :)9‬أنموذج أوليفر لمراحل تطور الصراع‬

‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom and Miall, Hugh: Op. cit., p. 11‬‬ ‫املصدر‪:‬‬

‫حيث يشري إىل أن عملية تصعيد الصرا ‪ ،‬هء عملية معقدة وال ميالن التنبكؤ‬
‫هبا‪ ،‬حيث ميالن أن تظهر فيها قضايا جديدة‪ ،‬وأطراف جدد‪ .‬وصكراعات القكوة‬
‫الداخلية‪ ،‬اليت ميالن أن تغري األهداف والتالتيالات‪ .‬كما إن صراعات ثانوية قكد‬
‫تدخل على عملية الصراعات وتزيد تعقيدها‪.1‬‬
‫ويف نف الوقت‪ ،‬قد حتدث افتراقات‪ ،‬أو انتالاسات تؤثر علكى دينامياليكة‬
‫هتدئة الصرا ‪.‬‬

‫انظر هذا النموذج يف‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 11.‬‬

‫‪015‬‬
‫و يوضح منوذج أوليفر‪ ،‬مراحل تطور الصرا ضمن رسم توزيع طبيعء‪،‬‬
‫يبدأ ب اختالفات ضمن احلراك‪ ،‬أو التطور االجتماعء‪ ،‬مث تتطور إىل تناقضكات‪،‬‬
‫وقد تبقى املرحلتان يف وضع كامن وغري ظاهر‪ ،‬وبعد ذلك يتطور الصكرا إىل‬
‫مزيد من التصعيد‪ ،‬حنو املزيد من حالة االستقطاب‪ ،‬مع استمرار هذه األجكواء‬
‫تتزايد األعمال العدائية‪ ،‬بني أطراف الصرا ‪ ،‬مث يتصاعد الوضكع إىل مرحلكة‬
‫عنف مباشر‪ ،‬مع استمرار تراكم هذه األعمكال العدائيكة وزيكادة حكدهتا‬
‫وانتظامها‪ ،‬وبعد ذلك يتحول العنف املباشر‪ ،‬وتزداد حدته ليصل إىل الذروة أو‬
‫احلرب‪.‬‬
‫ويف املراحل الثالث األخرية‪ ،‬يصبح فيها الصرا ظاهراً مالشوفاً أو علنيكاً‪،‬‬
‫ويف املقابل‪ ،‬فإن عملية التهدئ ة‪ ،‬وتراجع حدة الصرا ‪ ،‬يأخذ منحى هبكوط يف‬
‫الرسم البياين ابتداء من قمة الصرا (احلرب)‪ ،‬حيث يبدأ التراجع مكع وصكول‬
‫األطراف املتصارعة‪ ،‬إىل وضع وقف إطالق النار‪ ،‬ومن مث اتفاقيكة سكالم بكني‬
‫األطراف املتصارعة‪ ،‬مث تتواىل املراحل اإلجيابية‪ ،‬من خالل استمرار تراجع الصرا‬
‫بش الل طبيعء‪ ،‬حنو التطبيع يف العالقات بني األطراف‪ ،‬وصوالً إىل حتقيق مصاحلة‬
‫كلية‪ ،‬واليت يُقصد هبا معاجلة شاملة‪ ،‬وبعيدة لالل مقومات وجكذور الصكرا‬
‫واالنتقال الالامل إىل الشراكة؛ والتعاون يف خمتلف جماالت احلياة‪.‬‬
‫وعند مقارنة منوذج معهد ‪ RTC‬مع األمنوذج الذي قدمه أوليفكر ‪،Oliver‬‬
‫جند أن األمنوذج األخري‪ ،‬يسري بنف مراحل األول‪ ،‬ولالن بتفصكيل آخكر‪ ،‬إذ‬
‫نالحظ أن مرحلة ما قبل الصرا يف األمنوذج األول‪ ،‬تشمل مرحليت االخكتالف‬
‫والتناقضات؛ وهء عموماً كامنة‪ .‬بينما مرحلة املواجهة يف األمنوذج األول‪ ،‬تشمل‬
‫مرحليت االستقطاب والعنف املباشر‪ ،‬وه ء مراحل ظاهرة بينما مرحلة األزمكة يف‬
‫األمنوذج األول‪ ،‬هء مرحلة احلرب يف األمنوذج الثاين‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬فإن مرحلكة‬
‫النتيجة يف األمنوذج األول‪ ،‬تشمل مرحليت وقف إطالق النار‪ ،‬واتفاقية السالم يف‬
‫األمنوذج الثاين‪ .‬وأخرياً‪ ،‬فإن مرحلة ما بعد الصرا ‪ ،‬تشمل مكرحليت التطبيكع‪،‬‬
‫واملصاحلة الشاملة يف األمنوذج الثاين‪ ،‬ويوضح الرسم البياين يف الشكالل رقكم ‪1‬‬
‫مقارنة أعدها الباحث بني األمنوذجني‪ ،‬ويشري بوضكوح‪ ،‬إىل أوجكه الشكبه يف‬
‫املراحل مع اختالف املسميات‪.‬‬
‫‪016‬‬
‫ اإلطار العام لمراحل تطور الصراع‬:)7( ‫الشكل ررم‬

:Michael Lund ‫أنموذج مايكل لند‬


‫ ملراحكل دورة الصكرا حتكت مسكمى‬،‫قدم مايالل لند أمنوذجاً آخكر‬
8 ‫ ويوضح الشالل رقم‬،Basic Life- history and the phases of engagement
:‫ هء‬،‫ حيث قسم لند املراحل إىل ثالثة أجزاء‬،‫مراحل الصرا من وجهة نظره‬
. ‫ ومرحلة متأخرة من الصرا‬، ‫ مرحلة أثناء الصرا‬،‫املرحلة املبالرة‬
‫ أنموذج مايكل لند لمراحل تطور الصراع‬:)1( ‫الشكل ررم‬

Lund ‫مت إجراء بعض التعديالت من الباحث على منوذج‬ :‫املصدر‬


- Lund, Michael S.: 2001, Preventing Violent Conflicts: a Strategy for Preventive
Diplomacy, Washington D.C.: United States Institute of Peace Press (USIP),
p. 38.
- Lund, Michael S.: "Conflict Prevention: Theory in Pursuit of Policy & Practice",
in Bercovitch, Jacob, Kremenyuk, Victor & Zartman, William (eds): Conflict
Resolution, op. cit., p. 290.

017
‫وحاول لند يف منوذجه‪ ،‬أن يدمج مراحل الصرا ‪ ،‬مع مراحل أو عمليكة‬
‫السالم‪ ،‬فيبدأ اجلزء األول‪ ،‬املرحلة املبالرة وهء حالة السالم املسكتقر‪ ،‬والكيت‬
‫يُقصد هبا توافر احلد األدىن‪ ،‬أو األساسء للنظام واألمن‪ ،‬مث يتغري الوضع‪ ،‬باجتاه‬
‫أو حنو تصاعد التوتر‪ ،‬بني األطراف‪ ،‬والدخول يف مرحلة عدم االستقرار‪ ،‬أو ما‬
‫أطلق عليه السالم غري ا ملستقر‪ ،‬والسقف األعلى هلذه املرحلة‪ ،‬يؤدي إىل مرحلة‬
‫الصرا العنيف‪ ،‬أو ما أطلق عليه مرحلة األزمة‪ ،‬وهو اجلزء الثاين من الصرا ‪،‬‬
‫ويف هذه املرحلة يتم انتشار‪ ،‬وازدياد حدّة العنف واالنتقال إىل مرحلة احلرب‪،‬‬
‫وهء مرحلة تشالل ذروة‪ ،‬أو قمة التصعيد يف الصرا ‪ ،‬ولالن هذه املرحلكة ال‬
‫تستمر‪ ،‬حيث تبدأ بالتراجع يف حدة ومستوى الصرا ‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬الكدخول يف‬
‫بدايات املرحلة الثالثة (املرحلة املتأخرة من الصرا )‪ ،‬إذ يكدخل الصكرا يف‬
‫مرحلة التهدئة‪ ،‬أو التسالني من خالل إيقاف إطالق النار‪ .‬مث يستمر تراجكع‬
‫الصرا ‪ ،‬والدخول يف مرحلة إهناء الصرا ‪ ،‬و ذلك من خالل مفاوضات وعقد‬
‫اتفاقية تسوية للصرا بني األطراف املتنازعة‪ ،‬مث يلء ذلك مرحلة تسوية الصرا‬
‫أو ما بعد الصرا من خالل إحداث تقارب‪ ،‬وتعاون ومصاحلة هنائية؛ وحتقيق‬
‫وبناء السالم املستقر‪.‬‬
‫وعند مقارنته بنموذج ‪ RTC‬يُالحظ‪ ،‬أن هذا النموذج الذي يقدمه ‪ Lund‬ال‬
‫خيتلف اختالفاً جوهرياً عن املراحل األساسية‪ ،‬يف مراحل منوذج ‪ RTC‬مع وجكود‬
‫حمطات تفصيلية يف منوذج ‪ Lund‬وحماولته دمج‪ ،‬أو ربط تطور دورة الصرا ‪ ،‬مكع‬
‫تطور السالم يف دورة واحدة‪.1‬‬

‫نموذج مشروع بيوم ‪:PIOOM‬‬


‫أخرياً‪ ،‬قدم مشرو ‪ PIOOM‬للصراعات‪ ،‬وحقوق اإلنسان يف جامعة ليكدن‬
‫منوذجاً آخر خمتلفا لتطور مراحل الصرا عن النماذج األخرى‪ ،‬وهو يركز علكى‬
‫الصرا الذي يدور حول انتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬والعنف املتعلق هبا‪ ،‬ويشري إىل‬

‫انظر مناذج مشاهبة حول تطور الصرا يف‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Hauss, Charles: Op. cit., pp. 25-31‬‬

‫‪018‬‬
‫مراحل تطور الصرا من خالل املراحل التالية‪:1‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬ورع سلمي مستقر‪ ،‬وهذه املرحلة‪ ،‬تتضمن درجة عالية من‬
‫الشرعية للنظام السياسء؛ واالستقرار االجتماعء‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬حالة التوتر السياسي‪ ،‬أو مرحلة األزمة السياسية‪ ،‬وتشمل أو‬
‫تتسم هذه املرحلة مبا يلء‪:‬‬
‫‪ .0‬منو ظاهرة التوتر بشالل منهجء متسلسل‪ ،‬أي أهنا ليست حالة عفويكة مكن‬
‫العنف‪.‬‬
‫‪ .1‬ازدياد االنقسامات‪ ،‬واالنشقاقات السياسية واالجتماعية‪ ،‬وغالباً ما تالكوّن‬
‫حدوداً‪ ،‬أو خطوطا فاصلة بني األطراف املتنازعة‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬الصراع السياسي العنيف‪ ،‬وتتسم هذه املرحلة مبا يلء‪:‬‬
‫‪ .0‬تآكل الشرعية السياسية للسلطة‪ ،‬أو احلالومة و‪/‬أو‪.‬‬
‫‪ .1‬ازدياد القبول‪ ،‬أو االعتراف بسلطة األطراف‪ ،‬أو الفصائل املقاتلة‪.‬‬
‫ويف هذه املرحلة‪ ،‬يصل العنف فيها إىل درجة سقوط عدد من القتلى يتراوح‬
‫ما بني ‪ - 11‬إىل أقل من ‪ 011‬قتيل يف السنة الواحدة‪ ،‬ويتم استخدام عدد القتلى‪،‬‬
‫كمؤشر على مستوى حدة العنف يف هذا الصرا ‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة الصراع العنيف املنخفض الشدة‪ ،‬ويف هذه املرحلة‬
‫يصبح الصرا مسلحا والعداء صارخا بني اجلماعات‪ ،‬أو الفصائل والنظام القمعء‪،‬‬
‫ويتم اللجوء إىل القوة املسلحة يف الصرا بني األطراف‪ .‬ويتراوح عدد القتلكى يف‬
‫هذه املرحلة ما بني ‪ 0111-011‬قتيل يف السنة‪ .‬وهذه املرحلة‪ ،‬هء مرحلة حدوث‬
‫أزمة إنسانية‪.‬‬
‫املرحلة اخلامسة‪ :‬مرحلة الصراع العنيف املرتفع الشدة‪ ،‬وتشكمل هكذه‬
‫املرحلة حدوث القتال املنظم‪ ،‬بني األطراف املتصارعة‪ ،‬قتل مجاعء‪ ،‬حركة نكزوح‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Jongman, Albert J.: 2001/2002, "Mapping Dimensions of Contemporary‬‬
‫& ‪Conflicts and Human Rights Violations", in World Conflict‬‬
‫‪Human Rights Map 2001/2002 Project, The PIOOM: Netherlands.‬‬
‫‪http://www.citizenpaul.com/gallery/v/maps/atf_world_conf_map.pdf.html‬‬
‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom and Miall, Hugh: Op. cit., p. 56.‬‬

‫‪019‬‬
‫وجلوء واسعة‪ ،‬بني السالان املدنيني‪ .‬ويزيد مؤشر عدد القتلى يف هذه املرحلة‪ ،‬على‬
‫‪ 0111‬قتيل فما فوق يف السنة الواحدة‪.‬‬
‫خنلص إىل القول‪ ،‬إن مناذج مراحل تطور الصرا ‪ ،‬تُظهكر تباينكاً حمكدوداً‪،‬‬
‫وتشاهباً يف مضموهنا أو جوهرها‪ ،‬وإن كان التباين‪ ،‬يسري حنو حماولة الوصكول إىل‬
‫حمددات وضوابط ومسات لالل مرحلة‪ ،‬ميالن من خالهلا قيا ‪ ،‬وتلمك طبيعكة‬
‫وحدود كل مرحلة مع مساهتا‪ .‬وبالتايل زيادة القدرة على حتديد أو معرفة املرحلكة‪،‬‬
‫اليت مير فيها أي صرا بشالل يساهم يف توفري حتليل‪ ،‬أو تشخيص لواقع الصرا ‪،‬‬
‫وبالتايل حتديد نقطة البدء‪ ،‬وطبيعة اإلجراءات؛ أو اخلطوات واملوارد الالزمة‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫أسباب وأنماط الصراعا األهلية والدولية‬

‫إن منظومة احلياة اليت خلقها اهلل سبحانه وتعاىل تقوم على أن ال شءء يكأ‬
‫من العدم‪ ،‬وإن لالل شءء سبباً يؤدي إىل وجوده‪.‬‬
‫إن نتائج تفاعالت اجملتمع اإلنساين أو نتائج تفاعالت حياة اإلنسكان سكواء‬
‫على مستوى الفرد واجلماعات أو اجملتمع أو الدول‪ ،‬تؤكد هذه احلقيقكة الالونيكة‬
‫بالل وضوح وجالء‪ .‬وال شك أن ظاهرة الصرا هء جزء من تفاعالت اجملتمكع‬
‫اإلنساين‪ ،‬وهء من نتائج هذه التفاعالت‪ .‬ومن أكثر الظواهر اليت تدل على أهنا ال‬
‫تأ من فراغ أو عدم وإمنا ترتبط بوجود أسباب متنوعة تؤدي إىل حكدوثها‪ .‬وإن‬
‫كان من أكثر الظواهر تعقيداً يف تفسري ديناميالية حدوث وتأثري األسباب املؤديكة‬
‫للصرا ‪.‬‬
‫إن معرفة أو حتديد العوامل واألسباب املؤدية إىل حدوث بعض الصراعات ال‬
‫يعين بالضرورة وجود قدرة أو إمالانية علمية كافية ملعرفة أو تفسري كيفية تأثري هذه‬
‫األسباب‪ ،‬ومن هنا كان تعدد احملاوالت والنظريات العلمية اليت حتكاول أن تقكدم‬
‫تفسرياً حلدوث ظاهرة الصرا يف اجملتمع اإلنساين‪ .‬خاصة وإن تكوفر اإلمالانيكة‬
‫لتفسري أسباب الصرا سيؤدي إىل حد كبري إىل معرفة كيفية فكض النككزاعات‬
‫وحتقيق السالم الدائم وآليات حتقيقه‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يتناول هذا الفصل املباحث األربعة اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬املبحث األول‪ :‬نظريات تفسري أسباب حدوث الصراعات‬
‫‪ ‬املبحث الثاين‪ :‬اإلطار العام لفهم وحتليل أسباب الصرا‬
‫‪ ‬املبحث الثالث‪ :‬أنوا وأمناط الصراعات الدولية واألهلية‬
‫‪ ‬املبحث الرابع‪ :‬قضايا جدلية يف الصراعات‬

‫‪010‬‬
‫املبحث األول‬

‫نظريا تفسير أسباب حدوث الصراعا‬

‫إن تعقد أسباب ودوافع الصرا وتنوعها وتداخلكها‪ ،‬دفعكت العلمكاء إىل‬
‫البحث عن نظريات توفر قواعد عامّة‪ ،‬لتفسري حدوث الصراعات‪ ،‬أو احلكروب‪،‬‬
‫وقد تنوعت هذه النظريات‪ ،‬وتباينت أو تداخلت فيما بينها‪ ،‬بشالل واسع لدرجة‬
‫أن بعض الباحثني‪ ،‬يشري إىل أن كل عامل يف جمال السالم‪ ،‬واحلرب جيد إطارا خمتلفا‬
‫لفهم أسباب العنف املنظم‪ .1‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬كوينسء رايت حدد أربعة عوامل‬
‫أو أسباب رئيسة‪ ،‬لفهم أسباب احلروب والصراعات‪ ،‬وهء‪( :‬مثاليكة أخالقيكة‪،‬‬
‫ونفسية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وقانونية)‪ ،‬وذلك‪ ،‬العتبارات عديدة منها طبيعة اخللفيكات‪ ،‬أو‬
‫التخصصات العلمية اليت انطلقوا منها‪ ،‬مثل علم النف أو االجتما أو العالقكات‬
‫الدولية‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬وغريها‪ ،‬أو طبيعة املدار الفالرية‪ ،‬أو املناهج العلميكة الكيت‬
‫يتبنوهنا يف دراسة املعطيات‪ ،‬مثل املدرسة الواقعية ونظريات القوة‪ ،‬أو املدرسة املثالية‬
‫يف العالقات الدولية‪ ،‬وكذلك طبيعة األيديولوجيات‪ ،‬مثل املاركسية‪ ،‬أو الرأمساليكة‬
‫وغريمها‪ .‬ما يعنينا يف هذا املبحث التعرف إىل أهم النظريات السائدة؛ حول أسباب‬
‫الصراعات‪ .‬وسنقوم باإلشارة العابرة إىل بعض هذه النظريات‪ ،‬والوقكوف عنكد‬
‫النظريات األكثر أمهية‪ ،‬وانتشاراً يف تفسري الصراعات‪.‬‬
‫كما أشرنا أعاله‪ ،‬فقد قسم كوينسء رايت ‪ - Quincy Wright‬وهو أحكد‬
‫العلماء املؤسسني حلقل دراسات الصراعات واحلكروب ‪ -‬العوامكل واألسكباب‬
‫األساسية للصراعات إىل ما يلء‪:2‬‬

‫‪.Barash, David p. & Webel, Charles P.: Op. cit., p. 93‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Wright, Quincy: "Analysis of the Causes of War", in R. Falkad, S.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Mendlovitz (eds): 1966, Toward a Theory of War Prevention, New‬‬
‫‪York, World Law Fund, quoted in Barash, David P: ibid., pp. 93-94.‬‬

‫‪011‬‬
‫‪ .0‬العوامل املثالية األخالقية‪ ،‬وتشري هذه العوامل‪ ،‬إىل أن األفراد والشكعوب‬
‫تتحرك باجتاه الصرا واحلروب بسبب محاسها جتاه مثاليات‪ ،‬مت التعكبري‬
‫عنها من خالل الدين‪ ،‬الوطنية‪ ،‬الق ومية‪ ،‬والدائرة احلضكارية اإلنسكانية‪.‬‬
‫وذلك حلمايتها‪ ،‬أو لنشرها من خالل استخدام وسائل اإلككراه؛ ضكد‬
‫املعارضني هلا‪.‬‬
‫‪ .1‬العوامل النفسية‪ ،‬وتتمثل بتحرك األفراد‪ ،‬والشكعوب باجتكاه العنكف‪،‬‬
‫واحلروب بسبب أملها يف اهلروب‪ ،‬أو التخلص من الظروف القاسية‪ ،‬أو‬
‫غري املرضية أو غري احمل تملة‪ ،‬أو اخلطرية؛ وغري ذلك من أشالال رفكض‬
‫املعاناة‪.‬‬
‫‪ .2‬العوامل السياسية‪ ،‬يف حاالت معينة يُعترب العنف‪ ،‬أو احلرب بالنسبة لالثري‬
‫من القادة‪ ،‬أو الشعوب‪ ،‬أداة ضرورية‪ ،‬أو مالئمة لتطبيق سياسة خارجية‬
‫ما‪ ،‬أو إلجياد‪ ،‬أو حفظ أو زيادة نفوذ احلالومكة‪ ،‬أو حكزب أو طبقكة‬
‫داخل الدولة‪ .‬أو احملافظة على أو زيادة نفوذ الدولة؛ باملقارنة مع الكدول‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ .4‬العوامل القانونية‪ ،‬التحرك باجتاه العنف‪ ،‬أو احلرب يالون يف بعض األحيكان‬
‫بسبب ظهور ظروف‪ ،‬أو حدوث تطكورات يعتقكد أن فيهكا انتكهاكا‪،‬‬
‫لقواعد القانون الدويل‪ ،‬وحقوق اآلخرين‪ ،‬وبالتايل ميالن أن يالون اللجكوء‬
‫إىل القوة‪ ،‬أو احلرب هو العكالج املناسكب؛ وفكق شكرعية قانونيكة أو‬
‫قضائية‪.‬‬
‫وفيما يأ عرض ملخكص ألهكم هكذه النظريكات املتداولكة يف هكذا‬
‫اجملال‪:‬‬
‫‪ .1‬النظرية النفسية (السيكولوجية) يف تفسري الصراعات‪ ،‬وهء عبكارة‬
‫عن جمموعة من نظريات‪ ،‬يقدمها جمموعة من العلماء املتخصصكني‪ ،‬وتفسكر‬
‫هذه النظريات النفسية ظاهرة الصرا من خالل جمموعكة مكن الكدوافع‪،‬‬
‫والعوامل النفسية للقائد أو صانعء القرار لدى أطراف الصرا ‪ ،‬مثل الرغبكة‬
‫يف التسلط‪ ،‬والسيطرة واملالانة‪ ،‬أو احلقد والالراهية‪ ،‬النكزا عات العدوانيكة‪،‬‬
‫الثأر واالنتقام‪ ،‬اإلحباط وخيبة األمل‪ ،‬االنطباعات والصور الذهنية‪ ،‬انفعاالت‬
‫‪014‬‬
‫نفسية وغريها من العوامل والدوافع النفسية‪ . 1‬واحتلت هذه النظريات موقعاً‬
‫هاماً يف تفسري السلوك الصراعء‪.2‬‬
‫‪ .2‬نظرية العالقات اجملتمعية‪ ،‬وتعترب هذه النظرية‪ ،‬أن أسباب الصكرا هكو‬
‫االنقسام واالستقطاب املستمر‪ ،‬وحالة عدم الثقكة والعكداء‪ ،‬بكني الطوائكف أو‬
‫اجلماعات املتنوعة داخل اجملتمع أو الدولة‪ .‬وينطبق ذلك على اجملتمع الدويل أيضاً‪.3‬‬
‫‪ .3‬نظرية احلاجات األساسية (اإلنسانية)‪ :‬تُُعترب هذه النظرية‪ ،‬مكن أكثكر‬
‫النظريات اليت تلقى اهتماماً وجدالً يف تفسري أسباب الصراعات‪ .‬إن هذه النظريكة‬
‫تعترب أن أسباب الصراعات‪ ،‬ناجتة عن عدم توفري االحتياجات األساسية لإلنسكان‪،‬‬
‫سواء املتطلبات اجلسدية‪ ،‬أو االجتماعيكة أو النفسكية والعقليكة (أي احلاجكات‬
‫األساسية املادية واملعنوية)‪ ،‬ويشري أصحاب هذه النظرية‪ ،‬إىل أن عكدم تكوفري‪ ،‬أو‬
‫إشبا احلاجات األساسية اإلنسانية‪ ،‬يولد العنف أو الصرا كوسيلة لتكوفري‪ ،‬أو‬
‫احلصول على احلاجات األساسية‪ .4‬ومن أهم منظري هذه النظرية‪ :‬جون بورتكون‬
‫انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Wright, Quincy: "The Nature of Conflict", Op. cit.‬‬
‫‪Werner, Levi: 1960, "On the Causes of War and the Conditions of‬‬
‫‪Peace", The Journal of Conflict Resolution, Vol. 4, No. 4, pp. 411-420.‬‬
‫نقالً عن مقلد‪ ،‬إمساعي بربي‪ :‬العالقات السياسية الدوليكة‪ :‬دراسكة يف األصكول‬
‫والنظريات‪ ،‬مرجع سابق‪.112 . ،‬‬
‫حول استعراض أهم االنتقادات هلذه النظريات النفسية راجع مقلد‪ ،‬إمساعي بدربي‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫املرجع نفسه‪.181-180 . ،‬‬
‫انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: Peace and Conflict Studies: An Introduction, Op. cit.,‬‬
‫‪p. 73-74.‬‬
‫‪Druckman, Daniel: 1993. An Analytical Research Agenda for Conflict‬‬
‫‪and Conflict Resolution, in Sandole, Dennis J. D. and Hugo van der,‬‬
‫‪Merwe’s (eds): Op. cit., p. 35.‬‬
‫& ‪Burton, John & Dukes, Frank: Conflict: Readings in Management‬‬
‫‪Resolution, Op. cit.‬‬
‫‪Azar, Edward: Protracted International Conflict: Ten Propositions, in‬‬
‫‪Burton, John & Duckes, Frank (eds): Conflict: Readings in‬‬
‫‪Management and Resolution, Op. cit., pp. 145-155.‬‬
‫انظر ما يلء‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫فالنستني‪ ،‬بيتر (مؤلف)‪ ،‬السعد‪ ،‬سعد‪ ،‬دبور‪ ،‬حممد (مترمجني)‪ :‬مرجع سابق‪.91-94 . ،‬‬
‫‪015‬‬
‫‪ ،John Burton‬لوي كوسر‪ ،‬يوهان غالتونغ‪ ،‬إدوارد عازار‪ .‬وحيدد إدوارد عازار‬
‫‪ Edward Azar‬يف دراسته للصراعات االجتماعية الطويلة األمد‪ ،‬أهم احلاجكات‬
‫األساسية اليت تسبب هذه الصراعات‪ :‬احلاجكة إىل األمكن‪ ،‬احلاجكة إىل اهلويكة‬
‫واالنتماء‪ ،‬احلاجة إىل االعتراف (التقدير واالحتكرام والالرامكة)‪ ،‬واحلاجكة إىل‬
‫املشاركة يف القرار‪ ،‬والدور أو احلالم‪ ،1‬وهناك أيضاً احلاجة إىل العدالة واحلاجة إىل‬
‫احلرية‪ ،‬كما إن من أهم احلاجات املادية لإلنسان‪ ،‬تتمثل يف احلاجة للغذاء والصحة‬
‫واملسالن‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬يرى أصحاب هذه النظرية‪ ،‬أن تسوية الصراعات تتم مكن خكالل‬
‫إشبا هذه احلاجات‪ ،‬ويف أحيان كثرية‪ ،‬إن عملية إشبا هذه احلاجكات ككاليت‬
‫تتعلق بشح املوارد‪ ،‬أو تتعلق باهلوية واالنتماء احلضاري واليت ترتبط مبوقع جغرايف‬
‫واحد متناز عليه‪ ،‬مثل الصراعات العرقية‪ ،‬والصراعات حول االسكتقالل‪ ،‬قكد‬
‫تالون من الصعوبة مبالان‪ ،‬مما جيعل الصرا بني األطراف عملية ممتدة وطويلة‪.‬‬
‫‪ .4‬نظرية احلرمان النسبدي‪ :‬تستند هذه النظرية‪ ،‬إىل جانب آخر مكن‬
‫احلاجات اإلنسانية‪ ،‬وتسم ى "نظرية احلرمان النسيب"‪ ،‬كوهنا ترتبط باحلاجكات‬
‫والثورة‪ .‬ترى هذه النظرية‪ ،‬أن الدوافع واألسباب‪ ،‬اليت تكؤدي إىل حكدوث‬
‫الثورات‪ ،‬أو التمرد والعنف السياسء‪ ،‬أو االجتماعء؛ ناجتة عن حدوث حالكة‬
‫من اإلحباط‪ ،‬اليت تنتج عن عدم تلبية حاجات هامة للجماعات‪ ،‬أو كيانكات‬
‫جمتمعية م عينة‪ .‬مثل احلرمان من املشاركة السياسية أو احلريات األساسية‪ .‬ويشري‬
‫أحد منظري نظرية احلرمان النسبكء تيد جكري‪ Ted Gurr ،‬إىل أن احلرمكان‬
‫النسبكء‪ ،‬عبارة عن وسيلة منظمة تدفع بالصكراعات إىل مرحلكة العنكف‪.2‬‬
‫& ‪Sites, Paul: "Legitimacy & Human Needs", p. 117, in Burton, John‬‬
‫‪Dukes, Frank: Conflict: Readings in Management & Resolution,‬‬
‫‪Op. cit., pp. 117-144.‬‬
‫‪Burton, John (ed): 1990, Conflict: Human Needs Theory, Vol. 2 of‬‬
‫‪the Conflict Series, London: Macmillan.‬‬
‫‪Azar, Edward: “Protracted International Conflicts: Ten Propositions”,‬‬
‫‪in Burton, John & Dukes, Frank: Conflict: Readings in Management‬‬
‫‪& Resolution, Op. cit., p. 293.‬‬
‫‪Gurr, Ted R.: 1993, Minorities at Risk, Washington, D.C, United‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪States Institute of Peace Press.‬‬

‫‪016‬‬
‫ومضمون هذه النظرية‪ ،‬يتمثل يف الربط بني سقف التوقعات‪ ،‬وسقف املطالب‪،‬‬
‫جتاه حتقيق حياة أفضل من حيث توفري الظروف الفضلى واالحتياجات‪ ،‬كمكا‬
‫تربط هذه النظرية بني األداء‪ ،‬أو التحقق الفعلء هلذه الظروف‪ ،‬أو االحتياجات‪،‬‬
‫واإلمالانيات الفعلية للتحقق هلذه التوقعات‪ ،‬وإن اتسا حجم الفجكوة بكني‬
‫التوقعات‪ ،‬واألداء الفعلء‪ ،‬هو الذي يؤدي‪ ،‬أو خيلق الظروف اليت تدفع باجتاه؛‬
‫حدوث االضطرابات والعنف‪ .‬ويقدم جيم ديفز ‪ James Davis‬أحد منظري‬
‫هذه النظرية‪ ،‬أمنوذجاً لتحليل حدوث ثورات العنف‪ ،‬حيث يكبني يف الشكالل‬
‫املرفق‪.‬‬
‫الشكل ررم (‪ :)1‬إشباع الحاجا والثورو (وفقاً آلراء جيمس ديفيز)‬

‫املصدر‪:‬‬
‫‪Wallensteen, Peter: 2002, Understanding Conflict Resolution: War, Peace and the‬‬
‫‪Global System, London, Sage Publications, p 41.‬‬
‫‪Gurrr,Ted R.: 1993, Minorities at Risk, Washington, D.C, United States Institute of‬‬
‫‪Peace Press‬‬
‫‪Davies, James C. (ed): 1971, When Men Rebel and Why, Free Press, New York.‬‬

‫‪017‬‬
‫إنه عندما تالون هناك فجوة ما بني اإلجناز‪ ،‬أو األداء السياسء املتوقع‪ ،‬واألداء‬
‫أو اإلجنازات الفعلية للنظام السياسء‪ ،‬أقل من املتوقع ولالن بفارق مقبول؛ أو ميالن‬
‫معاجلته‪ .‬ولالن عندما تالون هناك فجوة كبرية جداً بني األداء‪ ،‬واإلجنكاز املتوقكع‬
‫للنظام السياسء‪ ،‬وبني األداء واإلجناز الفعلء للنظام من خالل عجز النظام‪ ،‬عكن‬
‫تلبية وإشبا احلاجات األساسية أو املتطلبات واحلقكوق األساسكية للمجتمكع‪،‬‬
‫كحرمانه من املشاركة السياسية‪ ،‬احلرمان أو كبت احلريات العامكة‪ ،‬فكإن هكذه‬
‫الفجوة ختلق إحباطاً أساساً يدفع إىل الثورة‪ ،‬أو التمرد وظهور ممارسات عنيفة من‬
‫القوى أو مالونات اجملتمع احملرومة‪ ،‬أو احملبطة ضد القادة السياسيني داخل الدولة‪.1‬‬
‫ويشري جون بورتون ‪ John Burton‬أن الثورة والعنف حيدثان نتيجة حالة اإلحباط‪،‬‬
‫ميالن أيضاً أن يتسبب حبدوث صرا دويل‪ ،‬وفق التأثري االنسيابكء‪ ،‬حيث يشكري‬
‫إىل أن الصراعات وخاصة على املستوى الدويل هء نتيجة انسيابية‪ ،‬لبعض املشاكل‬
‫اليت تظهر يف الدولة‪ ،‬ألهنا متثل طرقاً يلجأ القادة إليها لصرف االنتباه عنهم‪ .2‬أي إن‬
‫حدوث صراعات‪ ،‬أو اضطرابات‪ ،‬أو عنف داخلء يدفع أحياناً بعض احلالومات‪،‬‬
‫أو القادة السياسيني إىل خلق اضطرابات وصراعات خارجية‪ ،‬لتهدئة االضطرابات‬
‫الداخلية واملخاطر اخلارجية حبيث تدفع قوى الصرا الداخلء؛ حنكو التهدئكة أو‬
‫التوقف عن الصرا ‪.3‬‬
‫إن توليد صراعات خارجية‪ ،‬قد يشجع القوى السياسية املتمردة يف الكداخل‪،‬‬
‫على العمل ضد النظام السياسء‪ ،‬وتنظر إىل الظروف على أهنكا فرصكة مواتيكة‪،‬‬
‫إلضعاف النظام السياسء وتوسيع دائرة؛ أو جبهات القتال ضده‪.‬‬
‫‪Davies, James C. (ed): 1971, When Men Rebel and Why, New York,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Free Press; Ted R. Gurr, ibid.‬‬
‫نقالً عن فالنستني‪ ،‬بيتر (مؤلف)‪ ،‬السعد‪ ،‬سعد ودبور‪ ،‬حممد (مترمجان)‪ :‬مصدر سابق‪،‬‬
‫‪.99 .‬‬
‫‪Burton, John W: 1996, Conflict Resolution: It's Language and‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Processes, Lanham, Md and London: Scarecrow Press, p. 41.‬‬
‫‪Dollard, J., L. N. Doob, N. E. Miller, O. H. Mowrer and R. R.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Sears: Frustration and Aggression, New Haven , CT, Yale University‬‬
‫‪Press.‬‬
‫نقالً عن فالنستني‪ ،‬بيتر (مؤلف)‪ ،‬السعد‪ ،‬سعد ودبور‪ ،‬حممد (مترمجان)‪ :‬مصدر سابق‪،‬‬
‫‪.91 .‬‬
‫‪018‬‬
‫كما يرى أيضاً أصحاب نظرية احلرمان النسبككء‪ ،‬أن اإلحبكاط سكبب‬
‫للعدوان‪ ،‬أي أن العدوان ما هو إال نتيجة لإلحباط‪.1‬‬
‫وهنا ميالن اإلشارة إىل أن هذه النظرية‪ ،‬قد تفسر أحياناً بعض أشكالال التمكرد‬
‫على النظام الدويل‪ ،‬أو أقطابه الغربية من قبل دول‪ ،‬أو حركات سياسية عابرة للحدود‪،‬‬
‫حمبطة من غياب عدالة هذا النظام وعدم احترام حلقوقها مما دفعها للجوء إىل العنكف‪،‬‬
‫لتحقيق تغيري جيعل هذا النظام‪ ،‬ينصفها أو حيقق العدالة‪ ،‬ويناصر قضاياها (من وجهكة‬
‫نظرها)‪ ،‬ومساواهتا يف احلقوق مقارنة؛ مع بقية أعضاء النظام الدويل‪.‬‬
‫‪ .5‬النظرية املاركسية‪ :‬تفسر األيديولوجية املاركسية‪ ،‬الدوافع‪ ،‬أو األسكباب‬
‫اليت تؤدي إىل الصراعات الدولية بشالل أساسء‪ ،‬من خالل ما يسكمى بالتفسكري‬
‫املادي أو االقتصادي للتاريخ‪ ،‬أي أن الصراعات واحلروب بني الكدول‪ ،‬حتركهكا‬
‫بشالل أساسء الدوافع االقتصادية‪ ،‬وخاصة يف ضوء تنافسها مع الرأمسالية الغربية‪،‬‬
‫بينما الصراعات الداخلية تالون من خالل صرا يف البنية الطبقيكة‪ ،‬أو الصكرا‬
‫الطبقء داخل اجملتمع أو الدولة‪ ،‬خاصة بني طبقة الالادحني (العمال) وطبقة األغنياء‬
‫أو أصحاب العمل‪ ،‬وفق الدوافع االقتصادية لالل طبقة‪.2‬‬

‫نظرية الصراع في المنظور اإلسالمي‪:‬‬


‫يقوم املنظور اإلسالمء يف تفسري الصرا ‪ ،‬على أن أسا ومصدر الصكرا‬
‫(سواء على الصعيد الفردي‪ ،‬أو اجملتمعء‪ ،‬أو الدويل) هو حدوث أو وجود خلكل‪،‬‬
‫أو قصور يف عالقات وحالة االنسجام‪ ،‬وعدم توازن لدى الفرد‪ ،‬أو بني مالونكات‬
‫حياة اإلنسان الثالثة (املادي والعقلء والروحء واألخالقء)‪ ،‬سواء علكى صكعيد‬
‫األفراد‪ ،‬أو (النخبة)‪ ،‬أو اجلماعة البشرية (اجملتمع أو الشعوب والدول)‪ ،‬وبالتكايل‪،‬‬
‫يؤدي ذلك إىل حدوث خلل‪ ،‬أو صرا يف النظام العام ‪ -‬سواء من حيث عالقات‬
‫وتفاعالت أطرافه‪ ،‬أو أهدافه ودوافعها‪ ،‬أو قيمها ورؤيتها ‪ -‬على صكعيد دائكرة‬
‫الفرد‪ ،‬أو األسرة‪ ،‬أو دائرة اجملتمع‪ ،‬والدولة‪ ،‬ودائرة اجملتمع الدويل‪.‬‬

‫‪Ibid.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ملزيد من التفاصيل انظر‪ :‬نقالً من مقلد‪ ،‬إمساعي بربي‪ :‬نظريات السياسة الدوليكة‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫دراسة حتليلية مقارنة‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.200 . ،‬‬
‫‪019‬‬
‫ومبعىن أخر‪ ،‬إن هذا اخللل يف االنسجام والتوازن‪ ،‬يؤدي إىل‪/‬أو ينتج عكن‬
‫احنرافات يف منظومة القيم‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والدوا فع (الروحء واملعنوي)‪ ،‬واملفاهيم‪،‬‬
‫والرؤى‪ ،‬والسلوك واملمارسات جتاه اآلخرين (أفراداً أو شعوباً وجمتمعكات)‪،‬‬
‫يترتب عليها حدوث الصرا ‪ .‬فمثالً إن اخللل يف عالقات االنسجام‪ ،‬والتوازن‬
‫املذكورة أعاله لدى الفرد (صانع القرار‪ ،‬أو خنبة) يترتب عليه هيمنة‪ ،‬وسيطرة‬
‫الشهوات‪ ،‬و الدوافع السلبية مثل شهوة السلطة االستبدادية‪ ،‬أو الطمع واجلشع‪،‬‬
‫أو السيطرة على اآلخرين؛ أو مواردهم‪ ...‬أو التوجه حنو اسكتخدام اإلنتكاج‬
‫العقلء‪ ،‬واملعريف دون ضوابط أخالقية‪ ،‬إىل تسخري العلوم واملعارف باجتاه القوة‬
‫املعادية لإلنسانية‪ .‬أو خدمة شهوة السلطة االستبدادية ‪ ،‬بشالل قد يترتب علية‬
‫استخدام القوة‪ ،‬املسلحة املتطورة تالنولوجيا للعدوان‪ ،‬أو االستبداد والظلكم‪.‬‬
‫وإىل هذه املعاين‪ ،‬يشري ابن خلدون إذ يقول‪" :‬اعلم أن احلروب‪ ،‬وأنوا املقاتلة‬
‫مل تزل واقعة يف اخلليقة منذ برأها اهلل‪ ،‬وأصلها إرادة االنتقام بعض البشر مكن‬
‫بعض‪ ،‬ويتعصب ل الل منها أهل عصبيته‪ ...‬وسبب هذا االنتقام يف األكثر‪ ،‬إما‬
‫غرية ومنافسة‪ ،‬وإما عدوان‪ ،‬وإما غضب هلل ولدينه‪ ،‬وإما غضب للملك وسعء‬
‫يف متهيده"‪.1‬‬
‫أيضا‪ ،‬إن املنظور اإلسالمء‪ ،‬يف ضوء معادلة االنسجام والتوازن‪ ،‬يرى ويؤكد‬
‫أن التغيري اإلجيابكء واإلصالح والسالم‪ ،‬يف اجملتمعات والدول‪ ،‬هو نتيجة تغكيري‬
‫وإصالح يف اإلنسان ذاته‪ ،‬أو اإلنسان كمجمو أعضاء اجملتمع‪ ،‬ويشري القرآن إىل‬
‫ذلك ‪ ...‬إِنَّ اللَّهَ الَ ُيغَيِّرُ مَا ِبقَ ْومٍ حَتَّى ُيغَيِّرُوا مَا ِبأَْنفُسِهِمْ‪ ....‬ومبعىن أخكر‪ ،‬إن‬
‫هذه اآلية تُظهر أن حتول واقع أو بيئة اإلنسان اإلجيابية‪ ،‬أو حياة السالم اليت يعيشها‬
‫اإلنسان أو اجملتمع‪ ،‬إىل حالة صرا وعنف واضطراب هو نتيجة خلل يف معادلكة‬
‫اإلنسان‪ ،‬وبالتايل هو مصدر الصرا ‪ .‬وباملقابل‪ ،‬فإن تغيري الواقكع السلبككء‪ ،‬أو‬
‫الصرا يف حياة اإلنسان إىل حياة سالم وأمان وإصالح هلذا الواقكع أو تسكوية‬
‫الصرا ‪ ،‬هو أيضاً نتيجة تغيري اإلنسان يف ذاته ومنظومته احلياتية واجملتمعية‪ ،‬ولالن‬
‫كما أشرنا سابقا على أسا من االنسجام والتوازن‪.‬‬
‫ابددن خلدددون‪ ،‬عبددد الددرمحن‪ :‬املقدمككة‪ ،‬دار القلككم‪ ،‬بككريوت‪،0180 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.110-111 .‬‬
‫‪041‬‬
‫وميالن تلخيص هذه النقطة بالقول‪ ،‬إن اخللل يف نظام االنسجام والتوازن يولد‬
‫سلوكاً أو منطاً صراعياً ولي تعاونياً مع اآلخر‪ ،‬ويقابله منط أو سلوك أو رد فعكل‬
‫إصالحء أو "تدافعء" هبدف حتقيق اإلصالح والعمران‪ ،‬وغريها‪ ،‬كما أن احملافظكة‬
‫أو محاية أو رعاية حالة االنسجام والتوازن يعين القضاء علكى مصكادر الصكرا‬
‫واحملافظة على السالم مع اآلخر‪ ،‬ويولد عالقات تشاركية وحتول الصرا ‪.‬‬
‫من جانب أخر‪ ،‬رمبا من املفيد اإلشارة هنا إىل إن املنظور اإلسالمء‪ ،‬يكتفهم‬
‫تأثري ودور الظروف والبيئة احمليطة على سلوك اإلنسان ودوافعه حنو الصرا ‪ ،‬ولالن‬
‫ال يقبلها أن تالون مربراً ملمارسة العنف والعدوان على حقوق ومصاحل اآلخكرين‪،‬‬
‫ولذلك يأمر مبقاومة ومعاقبة من ميار الظلم والعدوان علكى مكوارد وحقكوق‬
‫اآلخرين‪ ،‬ولو كانت الظروف الصعبة تدفعه لذلك‪.1‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬إن األصل يف طبيعة عالقة اإلنسان مع اآلخر وفق املنظكور‬
‫اإلسالمء‪ ،‬تقوم على أسا عالقة "التراحم" يليها عالقة "التعاقد" حلفظ ومحايكة‬
‫عالقة التراحم‪ ،2‬وإن عالقة التعاقد تعمل على منع‪ ،‬أو السيطرة على أي جتاهكات‬
‫وتفاعالت ميالن أن تالون مصدراً للصرا أو النكزا ‪ ،‬كما إن التراحم يشكالل‬
‫إطاراً لتجاوز؛ أو ملنع اخلالفات والنكزاعات‪.‬‬
‫‪ .6‬نظرية براع احلضارات‪/‬الثقافات‪ :‬مما ال شك‪ ،‬فيه أن التباين أو التعكدد‬
‫الثقايف‪ ،‬يف اجملتمعات اإلنسانية يشالل أحد أهم مسات وخصائص اجملتمع اإلنسكاين‬
‫والدويل‪ ،‬والتباين الثقايف طبيعة إنسانية‪ ،‬وإحدى حقائق اجملتمع اإلنساين الناجتة عن‬
‫التعدد واالختالف؛ يف اللغات‪ ،‬والقيم والعادات احمللية واألديان‪ ،‬وغري ذلك مكن‬
‫مالونات الثقافات واحلضارات‪ .‬ولالن هل يعين هذا التباين والتعكدد الثقكايف أن‬

‫ملزيد من التفاصيل حول الرؤية اإلسالمية‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬حماضرة بعنوان‪" :‬املنظور اإلسالمء للصكرا والسكالم" يف قسكم‬
‫دراسات السالم والصرا ‪ ،‬جامعة أبساال‪/‬السويد‪،/3/20101 ،Uppsala University ،‬‬
‫‪."The Perspective of Islamic Culture towards Conflict and Peace‬‬
‫أبو النمر‪ ،‬حممد‪ :‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫‪Said, Abdul Aziz, Funk, Nathan C. & Kafayifci, Ayse S: Op. cit.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪ :‬عبد الوهاب املسريي‪ ،‬رحليت الفكرية ‪ -‬يف البذور واجلذور‬ ‫‪2‬‬
‫والثمر‪ :‬سرية غري ذاتية غري موروعية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪ ،‬ط‪.1119 ،1‬‬
‫‪040‬‬
‫يتحول بالضرورة* إىل مصدر من مصادر الصكرا بكني أصكحاب الثقافكات‬
‫واحلضارات املختلفة؟‬
‫برزت نظريات تعترب أن اختالف الثقافات‪ ،‬واحلضارات سكتالون مصكدراً‬
‫لصرا أو صدام احلضارات‪ ،‬وخاصة بني احلضارة الغربية‪ -‬واحلضارات الشكرقية‬
‫الصينية واإلسالمية ‪ -‬وإن احلرب العاملية الثالثة إن حصلت‪ ،‬فستالون بني الثقافات‬
‫واحلضارات‪ ،‬وكانت طروحات صمويل هانتنغتون األكثر شهرة وجدالً يف هكذا‬
‫اجملال‪ ،‬وذلك يف مقالته "صدام احلضارات" املشهورة يف جملكة "‪"Foreign affairs‬‬
‫عام‪ ،‬والحقاً تطورت طروحاته ومت إخراجها يف كتاب حيمل نف االسم "صكدام‬
‫احلضارات‪ :‬إعادة صنع النظام العاملء"‪ ،1‬وإن كان سبقه يف الالتابة حكول هكذا‬
‫املوضو باري بوزان "‪ ،"Barry Buzan‬أستاذ العالقكات الدوليكة والدراسكات‬
‫االستراتيجية يف بريطانيا يف حبث نُشر له يف جملة الشؤون الدوليكة ‪International‬‬
‫‪ Affairs‬عام ‪ ،0110‬اليت تصدر عن املعهد امللالء للشؤون الدولية‪ ،‬ويشكري هكذا‬
‫البحث إىل أن األمن العاملء يف القرن احلادي والعشرين‪ ،‬سيالون حمالوماً مبا يسمى‬
‫"صرا اهلويات احلضارية" ويشخصه باحلرب الباردة االجتماعية‪ ،‬بكني الغكرب‬
‫واإلسالم‪ ،‬كما أن مصادر هتديد أمن املركز (الغرب) وهويته وحضارته مها‪:2‬‬
‫‪ .0‬اهلجرة من اجلنوب (املسلم) إىل الشمال (الغرب)‪.‬‬
‫‪ .1‬التصادم بني اهلويات احلضارية املتنافسة‪ ،‬وأن اهلوية املرشحة للتصادم مع هوية‬
‫الغرب هء اهلوية احلضارية اإلسالمية ألسباب ترجع إىل‪:‬‬
‫‪ -‬اجلوار اجلغرايف‪.‬‬
‫‪ -‬التناف التارخيء‪.‬‬
‫‪ -‬اختالف نظام القيم‪.‬‬
‫وهذه األسباب كما يطرحها دعاة هذه النظرية تشالل "املصادر السياسية"‬
‫لصرا الثقافات‪ ،‬باإلضافة إىل عنصر يتجاهله عكادة دعكاة نظريكة صكرا‬

‫هنتنجتون‪ ،‬بموئي ‪" :‬صرا احلضارات"‪ ،‬جملة ‪ ،Foreign affairs‬جملد ‪ ،11‬عدد‪،2‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ،0112‬ترمجة عبد احلميد فتاح‪ ،‬عرفان‪ :‬جملة الندوة‪ ،‬اجمللد السكاد ‪ ،‬العكدد األول‪،‬‬
‫كانون الثاين‪/‬يناير‪.0111 ،‬‬
‫‪Buzan, Barry: 1991, "New Patterns of Global Security in the Twenty‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪First Century", International affairs, 67 (3), pp. 431-451.‬‬

‫‪041‬‬
‫احلضارات‪ ،‬إىل أن سيطرة فالرة "اهليمنة" السياسية‪ ،‬والعسالرية واملادية للقكيم‬
‫الغربية‪ ،‬ولي فال رة "التعايش" مع اآلخر هء اليت قد تولد ردود فعل تكدفع إىل‬
‫الصرا مع الغرب‪ ،‬باإلضافة إىل وجود مضامني ثقافية سلبية ومنطية عن اآلخكر‬
‫الثقايف‪ ،‬مع سوء اتصال معريف ثقايف‪ ،‬توفر البيئة املهيمنة ملمارسات عنيفة جتكاه‬
‫اآلخر الثقايف‪.‬‬
‫‪ .1‬نظرية اهلوية االجتماعية‪ :1‬ال شك أن قضية اهلويكة‪ ،‬تشكالل إحكدى‬
‫القضايا األساسية اليت يدور حوهلا الصرا سواء داخل الاليانكات اجملتمعيكة‪ ،‬أو‬
‫اجلماعات البشرية أو مع حميطها اخلارجء املختلف عنها‪ ،‬وهكذه اجلماعكات‪ ،‬أو‬
‫الاليانات تتمثل بأشالال عدّة‪ ،‬منها‪( :‬األسرة‪ ،‬احلزب‪ ،‬األقليات الدينية أو العرقية‪،‬‬
‫الدولة القطرية وغريها)‪.‬‬
‫وكان هناك نظريات علمية حتاول دراسة قضية اهلوية االجتماعيكة‪ ،‬مكن‬
‫أمهها‪( :‬نظرية اهلوية االجتماعية اليت مت تطويرها يف السبعينيات والثمانينيكات‪،‬‬
‫من قبل هنري تاجفيل ‪ ،Henri Tajfel‬وجون ترنر ‪ John Turner‬وهذه النظرية‬
‫هء من نظريات علم النف االجتماعء أو ا جلماعات‪ ،‬وهء حتاول تفسري سلوك‬
‫الفرد‪ /‬أعضاء مجاعة معينة (مثل األسرة‪ ،‬حزب‪ ،‬مجاعة‪ ،‬أقلية‪ ،‬دولكة وطنيكة)‬
‫باالعتماد على اختالف‪ ،‬وتشابه جمموعة من العناصر‪ ،‬منها‪ ،‬املالانة‪ ،‬ووالؤهكا‬
‫ورؤيتها لذاهتا ولشرعيتها‪ ،‬وإمالانية انتقال هذه العناصر إىل مجاعكة بشكرية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر ما يلء‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Tajfel, H., & Turner, J. C. (1986). The social identity theory of‬‬
‫‪intergroup behavior. In S. Worchel & W. G. Austin (Eds.), Psychology‬‬
‫‪of Intergroup Relations (pp. 7-24). Chicago, IL: Nelson-Hall.‬‬
‫‪Turner, John; Oakes, Penny (1986). "The significance of the social‬‬
‫‪identity concept for social psychology with reference to individualism,‬‬
‫‪interactionism and social influence". British Journal of Social‬‬
‫‪Psychology 25 (3): 237-252.‬‬
‫‪Haslam, S. A.; Ellemers, N.; Reicher, S. D.; Reynolds, K. J.; Schmitt,‬‬
‫‪M. T. (2010). "The social identity perspective today: An overview of its‬‬
‫‪defining ideas". In Postmes, T.; Branscombe, N. R. Rediscovering‬‬
‫‪social identity (Psychology Press): 341-356.‬‬

‫‪041‬‬
‫إن نظرية اهلوية االجتماعية ترتبط بطريقة تفسري الفرد‪ ،‬أو عضكو اجلماعكة‬
‫لوجوده ضمن اجلماعة أو الاليان اجملتمعء‪ ،‬ومن مث فإن التمييز بني "حنن" و"هم" أو‬
‫"اآلخر" على أسا من هذه اهلوية االجتماعية‪ .‬أي أن هذا التفسري خيلق التناف ‪،‬‬
‫والتمييز‪ ،‬أو التعاون مع دائرة اجلماعات أو الاليانات اجملتمعية األخرى؛ أو املختلفة‬
‫عنها‪.‬‬
‫ومبعىن آخر‪ ،‬إن طبيعة العالقة بني اهلوية االجتماعية‪ ،‬والسكلوك السياسكء‬
‫للجماعات البشرية أو الاليانات اجملتمعية‪ ،‬أو طبيعة العالقة التفاعلية بكني "حنكن"‬
‫و"هم" حتدد سلوكاً صراعياً وتنافسياً أو تعاونياً يف ضوء احتكرام هكذه اهلويكة‬
‫االجتماعية؛ وحتقيق مشاركتها ومصاحلها‪.‬‬
‫و ميالن القول‪ ،‬إن هذه النظرية ختدم إىل حد كبري يف تفسري السلوك السياسء‬
‫للاليانات اجملتمعية أو اجلماعية‪ ،‬مثل سلوك األقليات بأنواعها الدينيكة والطائفيكة‬
‫والعرقية وغريها‪ ،‬أو الاليان الوطين أو القطري‪ ،‬أو اجلماعات احلزبية‪ ،‬جتاه البيئكة‬
‫اخلارجية أو "اآلخر" سواء داخل احمليط الوطين أو القومء أو اإلقليمء أو الكدويل‪،‬‬
‫وذلك يف ضوء حتديد كيفية التعامكل‪ ،‬واالحتكرام‪ ،‬واملشكاركة‪ ،‬هلكذه اهلويكة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ودرجة‪ ،‬أو مستوى الشرعية اليت تعطى أو توفر هلا‪ .‬ويف املقابكل‪ ،‬إن‬
‫درجة التنافسية هلذه اجلماعات البشرية‪ ،‬أو الاليانات اجملتمعية مع "اآلخر"‪ ،‬تكدفع‬
‫إىل ممارسات وسلوكيات إمّا صراعية أو تعاونية داخل اجلماعكات‪ ،‬أو الاليانكات‬
‫البشرية الواحدة‪ ،‬أو جتاه الاليانات أو اجلماعات البشرية األخرى‪.‬‬
‫ويف ختام استعراضنا هلذه النظريات‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل أن معظكم هكذه‬
‫النظريات ارتبطت مبدخالهتا الثقافية‪ ،‬ورؤيتها املادية‪ ،‬للحياة‪ .‬فهكذه النظريكات‬
‫باستثناء املنظور اإلسالمء‪ ،‬وبالرغم من انتشارها الواسع‪ ،‬يف األدبيات العلمية لعلم‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ ،‬إال أهنا تعاين من بضع إشالاليات‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أهنا ختضع هليمنة املنظور الفالري والثقايف الغربكء‪ ،‬مكع ضكعف أو‬
‫حمدودية إسهامات املدخالت الثقافية واحلضارية "لآلخر" غري الغربككء‪ .‬وهكذه‬
‫اإلشالالية جعلت من معظم هذه النظريات‪ ،‬أسرية التجربة والبيئة الغربية ومنظومتها‬
‫القيمية‪ ،‬أي أهنا مرتبطة حبدود خرباهتا الثقافية‪ ،‬أو اجلغرافية إىل حد مكا‪ .‬وبالتكايل‬
‫فهذه النظريات تفتقد إىل اندماجها مع التجارب الثقافية واحلضكارية يف بيئكات‬
‫‪044‬‬
‫متنوعة من العامل‪ .‬فهذه اإلشالالية‪ ،‬أدت إىل افتقاد هذه النظريات العلمية إىل مسكة‬
‫"العاملية" يف التفسري‪ ،‬والتحليل ملختلف أنوا الصرا ‪ ،‬خاصة العنيفكة يف منكاطق‬
‫وبيئات خمتلفة من العامل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬يف ضوء هيمنة املنظور الغربكء على هذه النظريات‪ ،‬فكإن الرؤيكة‬
‫"املادية" للحياة هء السائدة يف معظم هذه النظريات‪ ،‬وهو ما جعل تفسكري هكذه‬
‫النظريات للصراعات‪ ،‬وتفاعالت العالقات اإلنسانية قائما على معادلة "عالقكات‬
‫القوة"‪ ،‬ومن مث فإن فالرة "اهليمنة" بأشالاهلا املادية واملعنوية‪ ،‬و"األنانية املصكلحية"‬
‫وما يرتبط هبا من حاجات ورغبات مادية‪ ،‬هء اليت تشالل اإلطار العام ملعظم هذه‬
‫النظريات يف تفسري وحتليل الصراعات‪ ،‬مع حتييد كبري أو شبه كامل لدور "الدوافع‬
‫األخالقية واحلضارية" أو"العمرانية" للحياة‪ ،‬وإجياد البيئكة "التعدديكة والتعكايش‬
‫احلضاري" أو "االعتراف باآلخر" على أسا من العدالكة واملسكاواة واالحتكرام‬
‫املتبادل‪ ،‬وهتميش هذا الدور؛ يف نظريات تفسري الصراعات أو فض املنازعات‪.‬‬

‫‪045‬‬
‫املبحث الثاني‬

‫إطار عام لفوم وتحليل أسباب الصراع‬

‫إن حتديد إطار نظري ألسباب الصرا ‪ ،‬هو حماولة منهجيكة لإلجابكة عكن‬
‫السؤال التايل‪ :‬ملاذا يذهب النا أو الفاعلون ‪ actors‬إىل الصرا أو احلروب؟‬
‫ال شك أنه سؤال بسيط يف صياغته‪ ،‬ولالنه معقد يف حماولة اإلجابة عنه فقكد‬
‫استنكزف ومازال يستنكزف جهود الباحثني‪ ،‬واخلرباء املمارسني للوصكول إىل‬
‫أدوات علمية تساعد يف فهم وحتليل حدوث ظواهر الصرا واحلروب‪ .‬وال شكك‬
‫أن العلماء والباحثني يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬مل يتمالنوا من إجياد أدوات‪ ،‬وقوالكب‬
‫علمية جاهزة ميالن تطبيقها على مجيع الصراعات لتنتج تفسرياً واضحاً حمدداً لالل‬
‫صرا ‪ .‬وهذا يعود ألسباب عديدة‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫إن ظاهرة الصرا هء ظاهرة ترتبط بالافة أشالال وتعقيدات حياة اإلنسان‪،‬‬
‫واجملتمع اإلنساين‪ ،‬وهء بالتايل ظاهرة حتوي متغريات‪ ،‬ومستجدات عديدة متنوعة‬
‫متحركة وغري مستقرة‪ ،‬سواء يف تفاعالهتا أو مضامينها ومالوناهتكا؛ وبالتكايل يف‬
‫نتائجها‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬كانت هناك حماوالت علمية عديدة‪ ،‬خاصة يف األدبيكات الغربيكة‪،‬‬
‫لتفسري وحتليل أسباب الصرا واحلروب ضمن هذا احلقل العلمكء‪ .1‬وإن حماولكة‬
‫اإلجابة عن هذا السؤال أدت وما زالت تشالل أحد الدوافع األساسية لتطوير حقل‬

‫انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Ohlson, Thomas: 1998, Op. cit., p. 135.‬‬
‫‪Hidemi, Suganami: 1996, On the Causes of War, Oxford: Clarendon‬‬
‫‪Press.‬‬
‫‪Ohlson, Thomas: 2008, Understanding Causes of War and Peace,‬‬
‫‪European Journal of International Relations, the Standing Group on‬‬
‫‪International Relations (SGIR) of the European Consortium for‬‬
‫‪Political Research, (14) 1, p. 136-138, pp. 133-160.‬‬

‫‪047‬‬
‫دراسات الصرا والسالم‪ ،‬كحقل علمء معريف‪ ،‬كما أن حتليل أسباب الصراعات‬
‫أدى النشغال‪ ،‬واستنكزاف جهود الباحثني يف هذا احلقل‪ .‬إن حمكاوالت معرفكة‬
‫أسباب الصراعات هو اجلزء األساسء‪ ،‬لي فقط لعملية حتليل الصراعات‪ ،‬بل حمطة‬
‫أساسية أيضاً يف عملية الوصول إىل تسوية للصراعات وبناء السالم‪.‬‬
‫ومن احملاوالت العلمية القيمة لدراسة وحتليل أسباب احلروب والسالم‪ ،‬حماولة‬
‫الباحث توما أولسون يف جامعة أوبساال وذلك ضمن جهود جمموعة العالقكات‬
‫الدولية يف التحالف األوروبككء لألحبكاث السياسكية ‪Standing Group on‬‬
‫‪ International Relations of the ECPR‬إلجياد إطار منكهجء لفهكم وحتليكل‬
‫أسباب احلروب والسالم‪ ،‬والذي ميالن اعتباره إطاراً عاماً منهجياً يتناول مسكتوى‬
‫الصراعات األهلية بوجه خا‪ ،.‬والصراعات الدولية بشالل عام‪.‬‬
‫وميالن تلخيص مضمون اإلطار النظري‪ ،‬حول دراسكة أسكباب الصكرا ‪،‬‬
‫واحلرب والسالم الذي قدمها توما أولسن يف دراسته القيمكة "فهكم أسكباب‬
‫احلروب والسالم"‪ 1‬من خالل حماولة هذا اإلطار اإلجابة عن ثالث أسئلة حموريكة‪،‬‬
‫وهء‪:‬‬
‫‪ .0‬ملاذا تبدأ النا بالقتال؟‬
‫‪ .1‬ملاذا توقف النا عن القتال؟‬
‫‪ .2‬كيف ميالن صنع السالم الدائم؟‬
‫يف ضوء هذه األسئلة احملورية‪ ،‬حيدد أولسن اإلطار املنهجء من العناصر التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬األطراف املتنازعة‪ ،‬تبدأ باللجوء إىل القوة أو العنف‪ ،‬ألن لديها أسكبابا‬
‫تشالل أهدافاً أو مظامل‪.‬‬
‫كالل‬‫كادر تشك‬ ‫كوارد‪ ،‬أو مصك‬ ‫كديها مك‬
‫كة‪ ،‬لك‬
‫كراف املتنازعك‬ ‫ثانيكاً‪ :‬ألن األطك‬
‫قدرات‪/‬إمالانيات وفرصا تدفعهم للعنف‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ألن األطراف املتنازعة لديها إرادة للحسم‪ ،‬أو القرار أو احلكل ضكمن‬
‫قناعة انه ال بديل عن خيار العنف‪ ،‬لتحقيق أهدافها؛ أو هو اخليار الذي يقدم هلكا‬
‫حالً‪.‬‬
‫‪Ohlson, Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.p. 134‬‬
‫‪048‬‬
‫‪Triple R‬‬ ‫هذه العناصر الثالثة يطلق عليهكا الباحكث مثلكث ‪ R‬الثالثكء‬
‫‪ ،Triangle‬وميالن شرح هذه العناصر أو العوامل التوضيحية الثالث كما يلء‪:1‬‬

‫العنصر األول‪ :‬األسباب‬


‫إن عنصر األسباب يعين وجود رغبة‪ ،‬أو دوافع للكدخول يف الصكرا ‪ ،‬أو‬
‫احلرب‪ ،‬ويشمل هذا العنصر نوعني من األسباب‪ ،‬مها‪:‬‬
‫‪ .0‬أسباب تتعلق باحمليط‪ ،‬أو الظروف البنيوية‪ ،‬وهء أسكباب تتعلكق بالبيئكة‪ ،‬أو‬
‫الظروف اخلاصة بأطراف الصرا ‪ ،‬وهء عناصر بنيوية واليت تدفع حنو الرغبكة أو‬
‫التوجه حنو الصرا أو احلرب‪ .‬وهذه األسباب قد تتعلق بالبيئة الداخلية للدولكة‪،‬‬
‫أو بالبيئة اخلارجية‪ ،‬أو النظام الدويل‪ .‬فعلى صعيد البيئة الداخلية مثالً‪ ،‬فإن وجود‬
‫حالة من التمييز بني طوائف اجملتمع‪ ،‬أو عدم التالافؤ بني مالونات الدولة (بنيكة‬
‫الدولة)‪ ،‬أو وجود انقسام جمتمعء مع وجود عجز أو عدم قدرة للقيادة السياسية‬
‫على تأمني املتطلبات األساسية للمواطنني‪ .‬وكذلك عدم تكوفري االحتياجكات‬
‫السياسية‪ ،‬واالقتصادية ملعظم فئات الشعب أو املكواطنني‪ ،‬والتكهميش وعكدم‬
‫املشاركة من قبل املواطنني يف عملية صنع القكرار‪ ،‬أو املشكاركة السياسكية يف‬
‫الدولة‪ ،‬مع وجود قيادة سياسية تعاين أزمة شرعية حادة‪ .‬وباملثل وجود قوى‪ ،‬أو‬
‫جمموعات أو طوائف تعاين متييزاً يف اهلوية* أو لديها إرث من العداء التارخيء مع‬
‫طرف‪ ،‬أو حالومة مع وجود بيئة خارجية إقليمية‪ ،‬أو دولية متار دعماً أو غطا ًء‬
‫داعماً لطرف دون آخر‪ ،‬يف إطار حالومة تعاين أزمة شرعية حادة‪ .‬فكإن هكذه‬
‫األسباب‪ ،‬أو العناصر تشالل حزمة من األسباب وبيئة* خصبة تدفع أطرافكاً أو‬
‫مجاعات‪ ،‬يف الدولة للدخول يف صرا داخلء أو حرب أهلية‪.‬‬
‫‪ .1‬األسباب املباشرة‪/‬املفجرة للصرا ‪ ،‬بالرغم من أمهية األسباب البنيوية أو اليت تتعلق‬
‫باحمليط‪ ،‬أو الظروف واليت أشري إليها سابقاً إال أهنا يف كثري من األحيان حتتاج إىل‬
‫أسباب مباشرة تشالل "الشعلة" الالزمة إلحداث العنف‪ ،‬وهذه األسباب تُعكرف‬
‫ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Conflict Prevention Guide, Understanding Conflict and Peace, Life‬‬
‫‪Cycle of the conflict, Op. cit.‬‬
‫‪Ohlson, Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.‬‬

‫‪049‬‬
‫أو تُعترب األسباب املباشرة حلدوث الصرا ‪ ،‬وهء إما أفعال أو أحكداث‪ ،‬وهكء‬
‫تتمثل يف نوعني أو شاللني‪ ،‬حدوث أحدمها قد يولد صراعاً عنيفاً‪.‬‬
‫‪ -‬األول‪ :‬حدوث تغري ملحوظ وحاد‪ ،‬يؤدي إىل وضع أسوأ يف ظروف وواقكع‬
‫املعاناة اليت تعيشها األطراف اليت ستالون موضع الصرا ‪.‬‬
‫‪ -‬الثاين‪ :‬حدوث هزّة فجائية للنظام‪ ،‬أو للمنظومة العامة للدولكة‪ ،‬أو اجملتمكع‬
‫الدويل مثل صدور قرارات اقتصادية وسياسية قاسية مت احلاجات األساسية‬
‫لألطراف أو للشعب‪ ،‬منها على سبيل املثال‪ ،‬رفع األسعار للمواد األساسكية‬
‫بشالل كبري يف ظروف اقتصادية صعبة‪ ،‬أو صدور قرار إللغاء حقوق سياسية‬
‫أساسية لبعض اجلماعات‪ ،‬أو األحزاب أو الطوائف‪ .‬أو قيام دولة أو حرككة‬
‫سياسية بغزو دولة أخرى قد يترتب عليه تغيري أو هتديد يف النظام اإلقليمء أو‬
‫الدويل‪ ،‬أو إحداث تغيري يف عملية السيطرة على املوارد األولية احليوية للعكامل‬
‫مثل البترول أو موارد الطاقة‪ ...‬وغري ذلك من األمثلة اليت يشالل حدوثها يف‬
‫غالب األحيان حروباً‪ ،‬مثل غزو العراق للالويت يف عام ‪ ،0111‬أو أحكداث‬
‫احلادي عشر من أيلول ‪ 1110‬يف أمريالا‪.‬‬

‫العنصر الثاني‪ :‬الموارد‪/‬المصادر‪:‬‬


‫إن عنصر املوارد أو املصادر‪ ،‬يُعترب عنصراً أساسياً حلدوث الصرا أو احلرب‪،‬‬
‫فهو يرتبط بتوفر اإلمالانيات الالزمة‪ ،‬للدخول يف الصكرا ‪ ،‬سكواء إمالانيكات‬
‫عسالرية أو إمالانيات اقتصادية وسياسية وبشرية وغريها‪ .‬ويرتبط هذا العنصر أيضاً‬
‫فيما يسمى بوجود أو توفر الفر‪ ،.‬وهء وضع قد تتحقق فيه مالاسب أو مطامع‬
‫ألحد األطراف تدفعه للصرا ‪ ،‬وهذا الوضع قد يتوفر يف ظروف‪ ،‬وأوضا أخرى‪،‬‬
‫أو أوقات أخرى‪ ،‬مثل حدوث حالة من عدم االستقرار السياسء‪ ،‬واالضكطرابات‬
‫األمنية لدى أحد األطراف أو الدول‪ ،‬وباملقابل وجود قكوى خارجيكة مسكتعدة‬
‫لتمويل وتوفري األسلحة والتدريب لدعم نظام احلالم ألحكد أطكراف الصكرا‬
‫املعارضة يف تلك الدولة‪ .‬إن الفر‪ .‬قد ختلق مطامع معينة لبعض القادة الطكاحمني‬
‫باملزيد من السلطة والنفوذ واملنافع وهو ما يدفعهم باإلضافة إىل اعتبارات أخكرى‬
‫إىل حالة من الصرا مع آخرين؛ يقفون عقبة أمام الوصول إليها‪.‬‬
‫‪051‬‬
‫العنصر الثالث‪ :‬إرادو الحل‪/‬الحسم والقرار‪:‬‬
‫هذا العنصر من العناصر الثالثة‪ ،‬هو ما ميالن تسميته "بإرادة الفعكل" أو"إرادة‬
‫القرار" أو "احلسم والتصميم" للدخول يف الصرا ‪ ،‬ويشري أولسكن إىل أن هكذا‬
‫العنصر الثالث يرتبط باإلجابة عن بعض األسئلة اليت ترتبط حبدوث الصرا ‪ .‬منكها‬
‫"هل لدينا اجلرأة على فعل الصرا أو احلرب؟"‪ ،‬وهل جيب القيام بالصرا ؟ فهكذا‬
‫العنصر يُعىن مبوضو "سلطة اإلرادة"‪ ،‬واخليارات‪ ،‬أو البدائل وعالقتكها بأسك‬
‫الدعم‪ ،‬والعامل احلاسم هنا هو مدى‪ ،‬أو طبيعة البدائل واخليارات املتاحة وتقيكيم‬
‫املالاسب واخلسائر يف هذه اخليارات‪.1‬‬
‫ويُعترب هذا العنصر عنصرا قيميا‪ ،‬يرتبط بالنظام املعريف لصانع القرار (املعتقكدات‪،‬‬
‫الصورة الذهنية‪ ... ،‬إخل)‪ ،‬ومبنظومة أو عملية صنع القرار لدى قادة أطراف الصرا ‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬إن توفر هدف للصرا ‪ ،‬وإمالانيات لتنفيذه‪ ،‬ال ميالكن أن‬
‫حيدث دون وجود قرار الدخول يف الصرا واحلرب‪ .‬وهذا العنصر يُعتكرب عكامالً‬
‫حمورياً‪ ،‬وكلما ارتفعت هذه اإلرادة زادت احتمالية الدخول يف الصرا ‪ .‬كمكا إن‬
‫عدم وجود هذا العنصر يؤدي إىل تغيري وتعديل يف العنصرين اآلخرين‪ .‬ويلخكص‬
‫األمنوذج الالحق عالقة هذه العناصر الثالثة‪ ،‬مع عالقتها بالصرا على النحو اآل ‪:‬‬
‫الشكل ررم (‪)91‬‬
‫إطار عام لتفاعل عناصر عملية تحليل الصراع‬

‫‪Ohlson, Thoma: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.p. 14‬‬
‫‪050‬‬
‫عموماً إن حدوث أي صرا عنيف‪ ،‬أو حرب ما سواء كانكت دوليكة أو‬
‫داخلية تتطلب تفعيل هذه العناصر الثالثة‪ ،‬وغياب أي منها‪ ،‬ال يلغكء حكدوث‬
‫الصرا ‪ ،‬ولالن جيعل فرصة حدوثه ضعيفة‪ ،‬أو جتعل الصرا غري عنيف‪.‬‬
‫بالرغم من أن هذه العناصر الثالثة‪ ،‬أو مثلث ‪ R‬الثالثكء‪ ،‬تشكالل إطكاراً‬
‫منهجياً‪/‬نظرياً ها ّماً؛ لدراسة وحتليل أسباب الصرا ‪ ،‬ولالن تبقى هنكاك ضكرورة‬
‫لتحديد مستويات حتليل أسباب الصرا اليت‪ ،‬ال يظهرها هذا اإلطار أو املثلث‪ ،‬مما‬
‫يدفعنا إلضافة إطار منهجء آخر‪ ،‬مالمالً لدراسة عملية حتليل أسكباب الصكرا ‪،‬‬
‫ليشالال معاً إطاراً شامالً متالامالً لتحليل أسباب الصرا ‪.‬‬

‫إطار لتحليل مستويا أسباب الصراع‪:1‬‬


‫إن دراسة أسباب الصرا ‪ ،‬هء عملية معقدة مركبة‪ ،‬حتتوي جمموعة متداخلة‬
‫من املالونات‪ ،‬والعوامل املؤثرة يف الصرا ؛ وتتم يف مستويات خمتلفة‪ ،‬وبالتايل فهء‬
‫تتطلب إطارا منهجيا‪ ،‬يساعد يف عملية حتليل ومعرفة مستويات أسباب الصكرا ‪.‬‬
‫ونتناول هنا‪ ،‬عرض إطار منهجء مالمل‪ ،‬لدراسة عملية حتليل مستويات الصكرا‬
‫وأسبابه‪ .‬وهذا اإلطار‪ ،‬يستند على جدليات واسعة‪ ،‬ألدبيات دراسكات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬حول حتليل الصرا ‪ ،‬وحتديد األسباب والعوامل املؤثرة فيه‪ ،‬وهذا اإلطار‬
‫العام يالمل اإلطار النظري السابق (‪ ،)Triple-R‬الذي تتناول عناصر األسباب‪ ،‬أو‬

‫استفاد الباحث يف صياغة هذا اإلطار من جمموعة واسعة من الدراسات منها على سبيل‬ ‫‪1‬‬
‫املثال‪:‬‬
‫‪Rubenstein, Richard E.: "Conflict Resolution and the Structural‬‬
‫‪Sources of Conflict," in Jeong, Ho-Won (ed): 1999, Conflict‬‬
‫‪Resolution: Dynamics, Process, and Structure, Vermont: Ashgate‬‬
‫‪Publishing Co., pp. 173-195.‬‬
‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪p. 78-105.‬‬
‫علي سامل‪ ،‬أمحد ‪" :‬عن احلرب والسالم‪ :‬مراجعات ألدبيات الصرا الدويل"‪ ،‬السياسكة‬
‫الدولية‪ ،‬اجمللد ‪ ،41‬العدد ‪ ،011‬أكتوبر ‪.12-8 . . ،1111‬‬
‫‪Ropers, Norbert, and Klingwbiel, Stephan: Peace-Building, Crisis‬‬
‫‪Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the‬‬
‫‪Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Op. cit.‬‬

‫‪051‬‬
‫الدوافع واملوارد والقرار‪ .‬ويعتقد الباحث‪ ،‬أن استخدام النموذجني (اإلطارين) معاً‪،‬‬
‫يف حتليل أسباب الصراعات الداخلية أو الدولية‪ ،‬يوفر معظكم البيئكة‪ ،‬واألدوات‬
‫املنهجية الالزمة‪ ،‬يف حتديد العوامل إيل تسبب وتشالل الصرا ‪ ،‬وحتديد مسكتوى‬
‫وآليات تسوية هذه الصراعات‪ .‬ويشمل هذا اإلطار األبعاد أو البيئات اآلتية‪:‬‬
‫‪ .0‬البعد أو البيئة اجملتمعية الداخلية‪.‬‬
‫‪ .1‬بيئة الدولة‪.‬‬
‫‪ .2‬البعد اإلقليمء والدويل‪.‬‬
‫وفيما يأ تفصيل هذه األبعاد‪:‬‬
‫‪ 9‬البعد أو البيئة المجتمعية الداخلية‬
‫يعترب البعد اجملتمعء‪ ،‬هو البيئة اليت حيدث فيها الصرا "ميكدان الصكرا "‪،‬‬
‫وأيضاً اخللل يف هذه البيئة يشالل مصدراً وسبباً حلدوث الصرا ‪ ،‬ويشكمل هكذا‬
‫البعد املستويات اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬مستوف الفرد‪/‬النخبة‪:‬‬
‫عندما يتم احلديث عن مستوى الفرد‪/‬النخبة‪ ،‬كأحد مستويات حتليل أسباب‬
‫الصرا ‪ ،‬فمن الطبيعء أن يُنظر بشالل أسا ‪ ،‬إىل القائد السياسء‪/‬صانع القرار‪ ،‬أو‬
‫اجملموعة الضيقة (النخبة) املتنفذة؛ يف صناعة القرار‪ .‬فإن طبيعة املنظومة املعرفيكة‪،‬‬
‫والقيمية‪ ،‬أو الثقافية أو العقائدية والدافعية‪ ،‬ومصاحل هذه القيادة جتكاه األحكداث‬
‫واألوضا السياسية‪ ،‬أو األزمات تلعب دوراً أساسياً‪ ،‬باإلضكافة إىل املسكتويات‬
‫األخرى‪ ،‬يف توجيه سياسات‪ ،‬أو قرارات أو سلوكيات القائد‪ ،‬بشالل يؤدي إمكا‬
‫إىل حدوث صرا ‪ ،‬أو تصعيده أو حتقيق السالم‪ .‬فعلى سبيل املثكال إن املصكاحل‬
‫السياسية‪ ،‬أو االنتخابية لبعض القادة تدفعهم يف كثري من األحيان‪ ،‬إىل تصكعيد أو‬
‫هتدئة أزمات‪ ،‬أو صراعات مع أطراف أخرى‪ .‬كما إن هناك خنبكا سياسكية‪ ،‬أو‬
‫عسالرية‪ ،‬أو اقتصادية متنفذة يف القرار السياسء‪ ،‬وتلعكب مواقفهكا ومصكاحلها‬
‫وتقديراهتا‪ ،‬دوراً يف افتعال أزمات أو صراعات أو هتدئتها‪ .‬وكما أن النخبكة‪ ،‬أو‬
‫الرموز اجلماهريية غري الرمسية‪ ،‬أو خارج دائرة صنع القرار السياسء الرمسء‪ ،‬مثكل‬
‫قادة اجلماعات العرقية أو الدينية وغريها‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬تلعب دوراً هامكاً يف‬
‫‪051‬‬
‫توجيه قرارات القادة السياسيني يف الدولة‪ ،‬أو يف توجيه العالقات مكع السكلطة‬
‫احلاكمة‪ ،‬باجتاه الصرا والصدام أو التهدئة أو التعاون‪ ،‬وذلك وفق املصاحل الكيت‬
‫يروهنا اي‪ ،‬وفق مصاحلهم وتقكديراهتم للمواقكف‪ ،‬وفكق منظومكاهتم املعرفيكة‬
‫ومعلوماهتم‪.‬‬
‫ويلخص أحد الباحثني ‪ -‬من مؤسسء علم الصراعات ‪( -‬كوينسء رايت)‪،‬‬
‫أهم أسباب الصراعات العنيفة واحلروب‪ ،‬على هذا املستوى الفردي‪/‬النخبوي‪ ،‬بأهنا‬
‫تنبع من املواقف اآلتية‪:1‬‬
‫‪ .0‬املواقف اليت جيد فيها القادة أو احلالومات أنفسهم‪ ،‬مرغمني على االختيار بني‬
‫أن حياربوا أو أن يفقدوا وجودهم‪ ،‬ومن مث فهم يقاتلون إذعاناً ملبدأ الضرورة‪.‬‬
‫‪ .1‬املواقف اليت يقاتل فيها القادة أو احلالومات على سبيل االسكتجابة لكبعض‬
‫املؤثرات الضاغطة بصورة تصبح معها احلرب مبثابة رد فعل حتمء ال مفكر‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ .2‬املواقف اليت يقاتل فيها القادة أو احلالومات‪ ،‬لتحقيق أهداف معينة ككالثروة‬
‫أو القوة‪ ،‬أو لتوثيق عرى التضامن القومء‪ ،‬وإذ تبدو الوسائل األخرى أقكل‬
‫فاعلية‪.‬‬
‫‪ .4‬املواقف اليت يقاتل فيها القادة واحلالومات حتت ضغط الشعور باإلحباط‪ ،‬أو‬
‫للتنفي عن بعض العقد واملركبات‪ .‬وتالون احلرب وسيلة‪ ،‬لتحقيق الشعور‬
‫باالسترخاء من هذه الضغوط‪ ،‬والتوترات النفسية املستمرة‪.‬‬
‫‪ ‬مستوف الكيان السياسي الجمعي‪/‬الجماعي‪:‬‬
‫إن مستوى الاليان السياسء اجلمعء أو اجلماعء‪ ،‬يُقصكد بكه الاليكان أو‬
‫اإلطار‪ ،‬الذي يرتبط به أو الذي ينتمء إليه‪ ،‬إطار واسع من األفراد وفق روابكط‬
‫معينة‪ ،‬أو حيمل صيغة تنظيمية معينة؛ هلذا اجلمع الواسع من األفراد‪ ،‬وذلكك يف‬
‫اجملتمع الواحد‪ .‬منها على سبيل املثال‪ :‬الطوائف أو األقليات الدينيكة والعرقيكة‪،‬‬
‫الاليانات العشائرية أو القبلية‪ ،‬األحزاب الس ياسية‪ ،‬البنية الطبقيكة‪ .‬إن وجكود‬

‫نقالً من مقلد‪ ،‬إمساعي بربي‪ :‬نظريات السياسة الدولية‪ :‬دراسة حتليلية مقارنة‪ ،‬مرجع‬ ‫‪1‬‬
‫سبق ذكره‪.191 . ،‬‬
‫‪054‬‬
‫تعارض يف األهداف واملصاحل‪ ،‬بني بعض هذه الاليانات اجملتمعية‪ ،‬سواء أكانكت‬
‫مع* كيانات سياسية مجاعية أخرى‪ ،‬أم مع السلطة السياسية احلاكمة يف الدولة‪،‬‬
‫غالباً يُولد ‪ -‬وفق معطيات أو ظروف معينة ‪ -‬صكراعات عنيفكة ككاحلروب‬
‫األهلية‪ ،‬أو األزمات السياسية احلادة يف الدولة وغري ذلك‪ .‬إن هكذه الاليانكات‬
‫اجملتمعية أو اجلماعية‪ ،‬بالرغم من كوهنا تشالل إثراء وتوازناً‪ ،‬يف نسكيج وبنيكة‬
‫اجملتمعات‪ ،‬إال أن اإلخالل يف هذا التوازن‪ ،‬جيعل منها عنصراً أساساً يف حكدوث‬
‫الصراعات العنيفة أو احلروب‪.‬‬

‫‪ ‬بيئة أو مستوف الدولة ‪:State1‬‬


‫تعترب الدولة من أهم الوحدات أو الفاعلني‪ ،‬يف حدوث الصراعات سواء على‬
‫املستوى الداخلء (مثل احلروب األهلية أو الصراعات العنيفة)‪ ،‬أو على املسكتوى‬
‫اإلقليمء أو الدويل‪ .‬والدولة هء وحدة مركبكة ومعقكدة‪ ،‬سكواء يف مالوناهتكا‬
‫وقضاياها السياسية أو االجتماعية أو العسالرية أو االقتصادية وغريهكا‪ ،‬أو علكى‬
‫صعيد بنيتها املؤسسية‪ ،‬وصياغة سياستها أو صناعة قراراهتا‪ .‬ونتناول هنا مالونات‬
‫إطار حتليل أسباب الصراعات‪ ،‬على صعيد الدولة من خكالل مسكتويني؛ األول‪:‬‬
‫الاليان املؤسسء‪/‬البنية التنظيمية للدولة‪ ،‬والثاين‪ :‬قضايا وقطاعات الدولة األساسية‪،‬‬
‫واليت ترتبط بالظروف الداخلية للدولة وخصائصها القومية‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬مستوى الاليان املؤسسء (البنية املؤسسية)‪/‬أو البنية التنظيمية للدولكة‪:‬‬
‫وهء عبارة عن البنية املؤسساتية‪/‬الوحدات البنيوية ذات االرتباط يف صياغة عالقات‬
‫وسياسات اجملتمع ومالوناته‪ ،‬بعضها يالون جزءا من البنية الرمسية لصنع القرار‪ ،‬مثل‬
‫املؤسسات العسالرية واألمنية‪ ،‬ووزارات سيادية‪ ،‬ومؤسسات تشريعية‪ ،‬وإجراءات‬
‫أو عملية صنع القرار‪ ،‬على املستوى الاللء للدولة‪ ،‬كمكا إن جكزءا مكن هكذه‬

‫ملزيد من التفاصيل حول العالقة بني األسباب املتعلقة بالظروف الداخلية واخلصكائص‬ ‫‪1‬‬
‫القومية للدولة ودورها يف حدوث صراعات دولية انظر‪:‬‬
‫علي سامل‪ ،‬أمحد‪" :‬عن احلرب والسالم‪ :‬مراجعات ألدبيات الصرا الكدويل"‪ ،‬مرجكع‬
‫سابق‪.01-8 . ،‬‬
‫‪Englehart, Neil A.: 2009, State Capacity, State Failure and Human‬‬
‫‪Rights, Journal of Peace Research, Vol. 46, Issue 2, pp. 163-180.‬‬

‫‪055‬‬
‫الوحدات أو البنية املؤسسية‪ ،‬قد تالون خارج اإلطار الرمسء لصنع القكرار‪ ،‬مثكل‬
‫األحزاب واجلماعات السياسية املعارضة‪( ،‬الشرعية منها‪ ،‬أو غري الشرعية)‪.‬‬
‫إن هذه البنية املؤسساتية‪ ،‬قد تلعب عادة دوراً هاماً يف حدوث الصكراعات‬
‫العنيفة‪ ،‬سواء فيما بينها‪ ،‬أو يف إطار خارج الدولة‪ ،‬فهكء عكادة‪ ،‬الكيت تشكر‬
‫للصرا ‪ ،‬وتقدم له الشرعية السياسية والدستورية‪ ،‬وهء اليت تقكوم بتنفيكذه‪ ،‬أو‬
‫املشاركة يف إدارته أو اإلشراف على تنفيذه‪ ،‬وأكثر ما يظهر دور هذه الوحكدات‬
‫املؤسسية‪ ،‬يف الصراعات واحلروب األهلية‪ .‬ويف املقابل قد تشكالل هكذه البنيكة‬
‫املؤسساتية‪ ،‬عناصر ضاغطة أو ضابطة‪ ،‬لصنّا القكرار حنكو إيقكاف أو هتدئكة‬
‫الصراعات‪ ،‬والتوجه حنو دعم تسويات سلمية أو سياسية هلا‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مستوى القطاعات والقضايا ذات العالقة بأسباب الصكرا ‪ :‬هنكاك‬
‫‪1‬‬

‫جمموعة من القطاعات والقضايا تشالل بيئة تالون‪ ،‬أسكبابا للصكرا يف حكال‬


‫وجودها داخل الدولة‪ ،‬وفق ظروف ومعطيات أو مسات معينة‪ ،‬وهذه القضكايا أو‬
‫القطاعات‪ ،‬تشالل حبد ذاهتا مستويات معينة يُنظر من خالهلكا لتحليكل أسكباب‬
‫الصرا ‪ .‬وأهم هذه القضايا أو القطاعات ما يأ ‪:‬‬
‫‪ .1‬املستوى االجتماعي‪ :‬إن هذا املستوى االجتماعء بإطاره الواسع ثقافياً‪ ،‬حيوي‬
‫عدة قضايا‪ ،‬قد تالون من أسباب الصراعات منها على سكبيل املثكال‪ :‬عكدم‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذا املوضو انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Kadayifici-Orellana, S. Ayse: 2009, "Ethno-Religious Conflicts:‬‬
‫‪Exploring the Role of Religion in Conflict Resolution", in Bercovitch,‬‬
‫‪Jacob & Kremenyuk,Victor & Zartman,William (Eds): Conflict‬‬
‫‪Resolution, London, Sage, pp. 264-284.‬‬
‫‪Salem, Ahmad: 2002, "Ideology, Interest and International Order: A‬‬
‫‪Critique of the Democratic Peace Theory", the Annual Conference of‬‬
‫‪the Center for the Study of Islam and Democracy, Arlington, Virginia,‬‬
‫‪USA, 6-7 April 2002.‬‬
‫‪Hensel, Paul: 2000, "Territory and Evidence on Geography and‬‬
‫?‪Conflict", in Vasquez, John (ed): What Do We Know A Bout War‬‬
‫‪Lanham, MD: Rowman and Littlefield.‬‬
‫‪Ministry for Foreign Affairs: 1999, Preventing Violent Conflict: A‬‬
‫‪Swedish Action Plan: Summary of Ds 1999:24, Stockholm,, Policy‬‬
‫‪Planning Group, p. 16.‬‬

‫‪056‬‬
‫التجان بني مالونات اجملتمع أو الدولة‪ ،‬أو ما يعرف باالنقسام‪ ،‬وعدم التوازن‬
‫العرقء أو الديين والثقايف‪ ،‬وغالباً ما يالون ذلك‪ ،‬نتيجة غياب عالقة تعاقديكة‬
‫واضحة وعادلة‪ ،‬بني الاليانات العرقية أو الدينية للدولة‪ ،1‬أو نتيجكة وجكود‬
‫انقسامات طبقية حادة يف اجملتمع‪ ،‬ترتبط باعتبارات اقتصادية أو دينية‪ ،‬أو عرقية‬
‫أو ثقافية أو غريها‪ .‬مثل اضطهاد األقليات‪ ،‬ضعف البنية اجملتمعيكة‪ ،‬وضكعف‬
‫التسامح الديين أو املذهبكء والثقايف‪ ،‬بني طوائف ومالونات الدولكة‪ .‬وهكذه‬
‫االنقسامات‪ ،‬تعين وجود ضعف يف بنية الدولة واجملتمع ووحدته الوطنية‪.‬‬
‫وتشالل هذه االنقسامات‪ ،‬بيئة خصبة تنمو فيها الصراعات‪ ،‬عند توفر متغريات‬
‫جديدة وظروف‪ ،‬أو عوامل داخلية وخارجية حمفزة‪ ،‬كمكا إهنكا تسكاهم يف‬
‫إحداث تغيري‪ ،‬يف توازنات أو عالقات القوة؛ بشالل يكؤدي إىل اللجكوء إىل‬
‫وسائل عنف‪ ،‬إلحداث تغيري يف توازنات مالونات الدولة‪ ،‬وبيئتكها هبكدف‬
‫إحداث تغيري ينصف طرفاً‪ ،‬ويوفر له املساواة وحقوقه الغائبة‪ .‬فعلى سبيل املثال‬
‫تشري بعض الدراسات‪ ،‬إىل أن "احلروب األهلية اليت يتدخل فيها عدو خارجء‬
‫تدوم أطول من غريها‪ ،‬وحني يتدخل العدو اخلارجء‪ ،‬فإن احلرب األهلية غالباً‪،‬‬
‫ما تالون بدأت بالفعل‪ ،‬وهو يتدخل عادة ملساعدة أطراف مرتبطة به ثقافيكاً‪،‬‬
‫(أي لغوياً ودينياً) أو أيدولوجياً‪ ،‬ولالن االنتماء إىل ثقافة أو أيدولوجية واحدة‪،‬‬
‫لي شرطاً كافياً لتدخل عدو خارجء‪ ،‬ملسكاعدة أحكد أطكراف احلكرب‬
‫األهلية"‪ .2‬وقد أثبتت دراسات كمية امربيقية‪ ،‬وجود ارتباط مباشر بني التماثل‬
‫اإلثين (بني دولتني متجاورتني)‪ ،‬واندال احلروب بني هذه الدول‪ ،‬كما أثبتت‬
‫وجود عالقة عالسية بني االختالف يف الدين‪ ،‬واندال احلروب بني الدول‪.3‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬الصراعات العربية الداخلية‪ :‬رؤية يف األسباب والدوافع‪ ،‬مرجع سبق‬ ‫‪1‬‬
‫ذكره‪.012-011 . ،‬‬
‫علي سامل‪ ،‬أمحد‪" :‬عن احلرب والسالم‪ :‬مراجعات ألدبيات الصرا الدويل"‪ ،‬مرجع سبق‬ ‫‪2‬‬
‫ذكره‪.0 . ،‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫علي سامل‪ ،‬أمحد‪" :‬عن احلرب والسالم‪ :‬مراجعات ألدبيات الصرا الكدويل"‪ ،‬مرجكع‬
‫سابق‪.01 . ،‬‬
‫‪Henderson, Errol: 1997, "Culture Or Contiguity: Ethnic Conflict, The‬‬
‫‪Similarity of States, and the Onset of War 1820 -1980", Journal of‬‬
‫‪Conflict Resolution, 41 (1), pp. 649-668.‬‬

‫‪057‬‬
‫‪ .2‬املستوى االقتصادي‪ :‬إن العامل االقتصادي‪ ،‬باإلضافة إىل العامل السياسكء‪،‬‬
‫يُعترب من أكثر العوامل أو األسباب وضوحاً‪ ،‬يف دورها األسا يف حكدوث‬
‫الصراعات العنيفة‪ .‬فعلى صعيد املستوى االقتصادي‪ ،‬توجد عناصكر عكدة‬
‫تشالل أسباباً للصراعات‪ ،‬منها على سبيل املثال‪ :‬شكح املكوارد األساسكية‬
‫والطبيعية للدولة‪ ،‬أو سوء توزيع أو عدم عدالة توزيكع املكوارد الطبيعيكة‪،‬‬
‫والفساد املايل واالقتصادي يف الدولة‪ ،‬مع وجود تباين طبقء اقتصادي حكاد‪.‬‬
‫وغري ذلك من القضايا أو املشالالت االقتصادية‪ ،‬فعلى سبيل املثكال‪ :‬تشكري‬
‫بعض الدراسات‪ ،‬إىل أن هناك عالقة ما بني التخلف التنموي‪ ،‬واملسكتويات‬
‫املطلقة للتخلف االقتصادي للدولة‪ ،‬وإمالانية حدوث الصكرا العنيكف‪،1‬‬
‫ومبعىن آخر‪ ،‬يشالل هذا الوضع مصدراً من مصادر العنكف يف الدولكة‪ .‬وال‬
‫شك‪ ،‬أن املستوى االقتصادي يلعب دوراً هاماً‪ ،‬يف التكأثري علكى القكرار‬
‫السياسء للدولة‪ ،‬وما يترتب على ذلك من قرارات اقتصادية قاسكية‪ ،‬علكى‬
‫حياة املواطن‪ ،‬وما يولد ذلك‪ ،‬من ردود أفعال على هذه القرارات تصكل إىل‬
‫درجة من العنف والصدام؛ مع القيادة السياسية يف الدولكة يف ككثري مكن‬
‫األحيان‪.‬‬
‫‪ .2‬مستوى القطاع السياسي‪ :‬ال شك‪ ،‬أن املستوى السياسء‪ ،‬هكو املسكتوى‬
‫احملوري‪ ،‬الذي جيعل املستويات والعوامل األخرى‪ ،‬تتجه حنو الصرا أو حنو‬
‫التهدئة؛ واإلصالح أو السالم‪ .‬ويشالل النظام السياسكء بالافكة مفرداتكه‬
‫وطبيعته‪ ،‬عنصراً جوهرياً‪ ،‬إما يف حدوث الصرا يف الدولة‪ ،‬أو حتقيق األمكن‬
‫والسالم‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن أزمة الشرعية يف أي نظام سياسء‪ ،‬أو قيادته السياسية‪،‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Jongman A. and Schmid, Alex: 1997, Mapping Violent Conflicts and‬‬
‫‪Human Rights Violations in the mid-1990s. London, Leiden‬‬
‫‪University.‬‬
‫‪Stewart F., & Fitzgerald, V.: 2001, War and Underdevelopment,‬‬
‫‪Oxford, Oxford University Press.‬‬
‫‪Jongman, Berto & Schmidt Alex: World Conflict & Human Rights‬‬
‫‪Map, the PIOOM: Netherlands, 2001/2002. http://www.citizenpaul.com/‬‬
‫‪gallery/v/maps/atf_world_conf_map.pdf.html‬‬

‫‪058‬‬
‫تشالل على سبيل املثال‪ ،‬ويف كثري من األحيان أحد مصادر الصرا والعنف‬
‫داخل الدولة‪ ،‬مع املعارضة السياسية‪ ،‬أو األقليات العرقية والدينية‪ ،‬أو مجاعات‬
‫سياسية متطرفة‪ .‬وكذلك فان أي نظام سياسء ديالتاتوري واستبدادي‪ ،‬يُعترب‬
‫من أهم أسباب حدوث الصراعات العنيفة واحلروب األهلية‪ ،‬وح احلروب‬
‫اإلقليمية‪.‬‬
‫وكذلك فان ضعف السلطة املركزية يف الدولة‪ ،‬مكع وجكود انقسكامات‬
‫جمتمعية عرقية أو مذهبية أو دينية حادة‪ ،‬يتسبب حبدوث كثري من األحيكان‬
‫يف صراعات عنيفة (منها على سبيل املثال الصومال)‪ ،‬وميالن القكول أن أي‬
‫نظام سياسء استبدادي أو دكتاتوري‪ ،‬يستمر لسنوات طويلة‪ ،‬يف احلالم أو‬
‫السلطة‪ ،‬يف دولة ذات تعددية عرقية أو دينية أو قبلية غري متجانسة‪ ،‬فإنكه‬
‫عند تغيري أو سقوط نظا م احلالم بالقوة‪ ،‬أو العنف يتولد عنه إمكا اهنيكار‬
‫للدولة‪ ،‬أو ظهور أعمال عنف‪ ،‬بني بعض مالونات اجملتمع‪ ،‬ومكن أمثلكة‬
‫ذلك‪ :‬الصومال بعد سقوط زياد بري‪ ،‬والعراق بعد سقوط صدام حسكني‪،‬‬
‫ويوغسالفيا السابقة بعد وفاة جوزيف تيتو‪ ،‬واالحتاد السوفييت بعد سكقوط‬
‫النظام الشيوعء‪ .‬من ناح ية أخرى‪ ،‬فإن انتشار الفساد السياسء يف أي نظام‬
‫أو دولة‪ ،‬مع وجود نظام دكتاتوري سلطوي‪ ،‬وظروف صكعبة ومعانكاة‬
‫اقتصادية لدى املواطنني‪ ،‬فإن ذلك‪ ،‬قد خيلق بيئة مسكتعدة السكتقبال أي‬
‫تدخل خارجء‪ ،‬إلحداث تغيري وإصالح‪ ،‬ولو كان ذلك التغري أو التكدخل‬
‫اخلارجء؛ من خالل استخدام ا لعنف‪ ،‬أو اللجوء إىل الثكورة أو الصكرا‬
‫املسلح إلحداث التغيري‪.‬‬
‫وتشري بعض الدراسات‪ ،‬إىل وجود ارتباط‪ ،‬بني بيئة صناعة القرار السياسء‬
‫يف الدولة وسياستها ومواقفها اخلارجية‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من تفاعالت‬
‫سلبية أو إجيابية‪ ،‬حيث يشري جاك سنايدر إىل أنه من غري السليم‪ ،‬االعتقاد‬
‫بأن الضغوط اخلارجية على الدولة‪ ،‬أخطر من الضغوط الداخلية عليهكا‪،‬‬
‫فقادة الدول الذين يواجهون هتديداً خارجياً خطرياً‪ ،‬خيشون من اإلطاحكة‬
‫هبم يف ثورة داخلية‪ ،‬على نف الدرجة من اهلزمية العسالرية‪ ،‬أمام قكوى‬
‫أجنبية‪ ،‬وح ولو كان اخلطر الداخلء‪ ،‬أقل حدة من اخلطر اخلكارجء‪،‬‬
‫‪059‬‬
‫فإهنم حيتفظون خبشيتهم من اهنيار حالوماهتم‪.1‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬يشري فريق آخر من الباحثني‪ ،‬إىل وجود عالقة‪ ،‬مكا بكني‬
‫الثورة الداخلية واحلروب الدولية‪ ،‬وأن اندال ثورة‪ ،‬يؤدي إىل إعادة حتديكد‬
‫املصدر الرئي للتهديد اخلارجء للدولة‪ ،‬ومن مث قد يشجع الزعماء اجلكدد‪،‬‬
‫على استخدام القوة املسلحة‪ ،‬يف السلوك اخلارجء لدوهلم‪.2‬‬
‫ومن األمثلة املفيدة يف هذا املستوى السياسء‪ ،‬التطرف السياسء للقادة‪ ،‬علكى‬
‫صعيد النكزعة القومية أو الدينية واأليديولوجيكة‪ ،‬مثكل هتلكر يف أملانيكا‪،‬‬
‫وموسوليين يف إيطاليا‪ ،‬سلوبودان ميلوسوفيتش يف يوغسالفيا السابقة‪ .‬حيكث‬
‫مييل هؤالء القادة‪ ،‬سواء على مستوى الدولة‪ ،‬أو اجلماعات السياسية‪ ،‬أو قكادة‬
‫األقليات العرقية والدينية‪ ،‬إىل استخدام اخلطاب االنفعايل واألفعال االستفزازية‪،‬‬
‫ووسائل القوة واإلكراه‪ ،‬أكثر من اللجوء إىل التفاوض ملنع حدوث الصكرا‬
‫وتصعيده‪ ،‬أو مييلون إىل إعاقة أي عملية لتسوية هذا الصرا ‪.3‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن هذه القطاعات والقضايا‪ ،‬تشالل عناصر متداخلة مكع بعضكها‪،‬‬
‫ومتفاعلة فيما بينها‪ ،‬باجتاه أن تشالل مصدراً‪ ،‬حلدوث الصراعات العنيفكة‪،‬‬
‫فهء ال تلعب دوراً منفرداً أو أحادياً يف خلق الصرا ‪ ،‬وإمنا هء عبارة عكن‬
‫جمموعة متالاملة من العناصر داخل الدولة أو خارجها‪ ،‬تتفاعل مع بعضكها‪،‬‬
‫وتسهم يف حدوث الصرا العنيف أو احلروب‪.‬‬
‫‪ .4‬املستوى اإلقليمي‪ :‬إن املستوى اإلقليمء‪ ،‬يُعترب أحد املسكتويات األساسكية‬
‫للصراعات‪ ،‬ويتداخل معها سواء أكانت صكراعات داخليكة‪ ،‬أم أهليكة‪ ،‬أو‬
‫للصراعات بني الدول‪ .‬وإن دراسة الصراعات من خالل املستوى اإلقليمكء‪،‬‬
‫يُعترب مدخالً أساسياً‪ ،‬يف حتليل مصادر أو أسكباب الصكراعات‪ .‬حيكث إن‬
‫التأثريات اإلقليمية للصرا تأخذ اجتاهني‪ :‬األول داخلء باجتاه اخلارج‪ ،‬ومكن‬
‫‪Snyder, Jack: 1991, Myth of Empire: Domestic politics and‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪International Ambition, Ithace, Cornell University press, p. 317.‬‬
‫‪Walt, Stephen M.: 1996, Revolution and War, Ithace, Cornell‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪University press, pp. 18-45.‬‬
‫ملزيد من التفصيل انظر‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Conflict Prevention Guide: Understanding Conflict and Peace, Life‬‬
‫‪Cycle of the conflict, Op. cit., p. 12.‬‬

‫‪061‬‬
‫أشالاله االنتشار واالمتداد‪ ،‬وكذلك العدوى وسهولة االنتقال‪ .‬واالجتاه الثكاين‬
‫خارجء باجتاه الداخل‪ ،‬والذي من أشالاله التدخل بأشالاله املختلفة‪ ،‬والنفوذ‪.1‬‬
‫فعلى صعيد االجتاه األول‪( ،‬اجتاه داخلء‪ -‬خارجء)‪ :‬إن احلكروب األهليكة‪،‬‬
‫تنتقل تأثرياهتا إىل دول اإلقليم‪ ،‬سواء على صعيد السياسة الداخلية للدول اجملاورة‪،‬‬
‫خاصة إذا كانت هناك امتدادات عرقية أو دينية‪ ،‬أو على صعيد إحداث مشالالت‬
‫اقتصادية يف املنطقة‪ ،‬أو على الصعيد السالاين‪ ،‬بإحداث حركة هجرة‪ ،‬ونككزوح‬
‫سالانية والجئني عرب احلدود‪ ،‬إىل الدول اجملاورة‪ ،‬أو التأثري على االستقرار األمكين‬
‫لإلقليم‪ ،‬أو هتريب وبيع السالح للدول اجملاورة‪ ،‬وغري ذلك من األمثلة‪ .‬ويف املقابل‪،‬‬
‫أما على صعيد االجتاه الثاين (خارجء‪ -‬داخلء)‪ ،‬فإن بعض الدول اجملاورة تتكدخل‬
‫بدعم بعض أطراف الصرا ‪ ،‬لتعزيز نفوذها يف منطقة الصرا ‪ ،‬وبعضها يتكدخل‬
‫لتفادي تأثرياهتا السلبية األمنية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬على بعض الدول أو األنظمة‬
‫السياسية اجملاورة‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬يتحرك هبدف إحداث تسوية سلمية للصرا ‪ .‬ويف كثري‬
‫من األحيان‪ ،‬تصبح هناك حالة من التناف ‪ ،‬التوتر أو التناز السياسء‪ ،‬بني بعض‬
‫دول اإلقليم نتيجة هذا الصرا ألسباب تتعلق بصرا النفوذ‪ ،‬أو تعارض األهداف‬
‫واملصاحل بني هذه األطراف املختلفة‪.‬‬
‫ويشري بعض الباحثني إىل أهم العوامل اليت جتعل مكن املسكتوى اإلقليمكء‪،‬‬
‫مصدراً للصرا الدول‪ ،‬أو تزيد من احتمالية حدوثه‪ ،‬منها‪:2‬‬
‫‪ .0‬اجلوار والتقارب اجلغرايف‪ :‬وما يستتبع ذلك‪ ،‬من تناز حول حدود مشتركة‪،‬‬
‫مسطحات مائية‪ ،‬وتشري بعض الدراسات التطبيقية إىل وجود عالقة قوية‪ ،‬بني‬
‫الصراعات الدولية وعوامل اجلغرافيا خاصة التجاور والتقارب والتناز ‪ ،‬على‬
‫أقاليم أرضية أو مائية‪.3‬‬
‫‪Lake, David A. and Rothchild, Donald: 1996, "Containing Fear: The‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Origins and Management of Ethnic Conflict", International Security,‬‬
‫‪Vol. 21, No. 2, pp. 41-75.‬‬
‫علي سامل‪ ،‬أمحد‪" :‬عن احلرب والسالم‪ :‬مراجعات ألدبيات الصرا الدويل"‪ ،‬مرجع سبق‬ ‫‪2‬‬
‫ذكره‪.01 . ،‬‬
‫‪Hensel, Paul: 2000, "Territory and Evidence on Geography and‬‬ ‫‪3‬‬
‫?‪Conflict", in Vasquez, John (ed): What Do We Know A Bout War‬‬
‫‪Lanham, MD, Rowman and Littlefield.‬‬

‫‪060‬‬
‫‪ .1‬العداوة املزمنة‪ :‬ويُقصد هبا‪ ،‬تالرار الصراعات املسلحة‪ ،‬بني دولتني‪ ،‬يف مدى‬
‫زمين قصري مع استمرارها‪ .‬ويلعب عامل اجلغرافيكا‪ ،‬أو اجلكوار والتقكارب‬
‫اجلغرايف؛ دورا كبريا يف موضو العداوة املزمنة (خاصة خالفات حدوديكة)‪،‬‬
‫ويعترب الباحثون‪ ،‬أن العداوة املزمنة‪ ،‬ليست سبباً مبفردها‪ ،‬لنشوب حكرب أو‬
‫صرا عنيف‪ .‬وهذه العداوة املزمنة يف حال استمرارها لفترة طويلكة‪ ،‬قكد‬
‫تصبح إرثا تارخييا بني أطراف الصرا ‪.‬‬
‫‪ .2‬اخللل يف توازنات القوة بني األطراف املتنازعة وظهور سباق تسلح بينها‪ ،‬وما‬
‫يرتبط هبذا اخللل من حتالفات مع أطراف خارجية‪.‬‬
‫تشالل هذه العناصر يف بعض األحيان‪ ،‬مصكدراً مكن مصكادر احلكروب‬
‫والصراعات‪ ،‬على مستوى دول اإلقليم الواحد‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬إن وجود بنية تنظيمية‬
‫مشتركة‪( ،‬منظمة تعاون إقليمية‪ ،‬تعترب عنصراً إجيابياً يف هتدئة النكزاعات اإلقليمية‪،‬‬
‫والبحث عن حلول سلمية هلا)‪.‬‬

‫المستوف الدولي‪/‬النظام الدولي‪:‬‬


‫يف كثري من األحيان‪ ،‬تُعترب مصادر الصرا على املستوى اإلقليمكء‪ ،‬جكزءا‬
‫يتداخل مع املستوى الدويل‪ ،‬خاصة‪ ،‬مع ظهور ما يسمى النظام العاملء اجلديد بعد‬
‫انتهاء احلرب الباردة‪ ،‬إال أنه ميالن القول‪ :‬أن بعض أسباب أو مصادر الصراعات‪،‬‬
‫ترتبط ارتباطاً أكثر وضوحاً‪ ،‬بالنظام الدويل‪ ،‬منها على سبيل املثكال‪ :‬هيالليكة أو‬
‫منظومة القوة والقرار يف النظام الدويل‪.‬‬
‫ويصف بعض الباحثني هذه اهلياللية‪ ،‬أو املنظومة‪ ،‬بأن "الدول اليت تقع يف قمة‬
‫هرم النظام الدويل‪ ،‬تصيغ قواعد وأنظمة العالقات الدولية وتفرضها‪ .‬فهكء أكثكر‬
‫قبوالً هلذه القواعد مقارنة بالدول ذات املالانة األدىن يف النظام الكدويل‪ .....‬أمكا‬
‫الدول غري الراضية عن النظام الدويل‪ ،‬فهء كثرية وتقع يف قا هذا النظكام‪ ،‬وألن‬
‫استفادهتا من هذا النظام الدويل‪ ،‬ال تصل لدرجة مرضية‪ ،‬وال تتفق مع مصكاحلها‬
‫طويلة املدى‪ ،‬فهء تراه فاسداً ومتييزياً أو ظاملاً‪ ،‬وغري متوازن وتسوده قوى معادية‪.1‬‬
‫‪Tammen, Ronald et al: Power Transition: Strategies for the 21 Century,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Chatham House Publishers Seven Bridges Press LLC, pp. 9-10.‬‬

‫‪061‬‬
‫إن هذا الوضع أو الشالل‪ ،‬من النظام الدويل ميثل شالال من أشالال هيمنة القكوى‬
‫العظمى‪ ،‬على النظام نتجت عنه ممارسات غري عادلة‪ ،‬كما تولد عنكه‪ ،‬ازدواجيكة‬
‫املعايري‪ ،‬يف تطبيق قواعد القانون الدويل على الدول‪ ،‬وهو ما يسبب منو قوى تغيري‬
‫أو معارضة عنيفة‪( ،‬بغض النظر عن صحة معتقداهتا‪ ،‬وسالمة أساليبها يف التعكبري)‬
‫يلعب دوراً يف خلق حالة من الصراعات اإلقليمية أو الداخلية‪ ،‬أو على املسكتوى‬
‫الدويل‪ ،‬مثال ذلك سلوك إسرائيل‪ ،‬والغرب جتاه الشعب الفلسطيين‪ ،‬وما تولد عنه‬
‫من حروب‪ ،‬ومقاومة فلسطينية مسلحة‪ .‬وكذلك حرب القاعدة علكى السكاحة‬
‫الدولية‪ ،‬وتداعياهتا الدولية واإلقليمية واحمللية يف العديد من دول العكامل‪ ،‬األزمكة‬
‫النووية يف إيران‪ ،‬مع جتاهل للحظر النووي األمريالء واإلسرائيلء‪ ،‬وما يتولد عنها‬
‫من خماطر وهتديد لألمن اإلقليمء‪.‬‬
‫ال شك‪ ،‬أن وجود حالة من ازدواجية املعايري‪ ،‬وغياب العدالة وهيمنة القوى‬
‫الالربى‪( ،‬أو توجه بعض الدول الالربى حنو السيطرة‪ ،‬والتوسع على حساب دول‬
‫أخرى)‪ ،‬وخضو املؤسسات الدولية العسالرية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬هليمنة هذه‬
‫القوى‪ ،‬مثل حلف الناتو‪ ،‬وجمل األمن‪ .‬تشالل هذه احلالة‪ ،‬عنصكراً مكن أهكم‬
‫العناصر على مستوى النظام الدويل‪ ،‬اليت تتسبب حبدوث صكراعات‪ ،‬وحكروب‬
‫إقليمية وأهلية‪ ،‬وإن كان ذلك‪ ،‬ال يتم بشالل منفرد‪ ،‬وإمنا يكرتبط بعناصكر مكن‬
‫املستويات األخرى للصرا ‪.‬‬
‫إن حماولة تغيري منظومة عالقات القوة‪ ،‬أو القرارات الدولية املرتبطكة هبكا‪،‬‬
‫ومبعىن آخر عالقات القوة يف اجملتمع الدويل‪ ،‬تسببت يف صراعات وحروب‪ ،‬فإن‬
‫احلاالت اليت حاولت فيها بعض الدول‪ ،‬أو القوى السياسكية إحكداث تغكيري‬
‫جوهري‪ ،‬يف معادالت القوة واهليمنة ومصادر النفوذ للقوة الالربى‪ ،‬وقواعكدها‬
‫بشالل تؤثر تأثرياً مباشراً وجوهرياً؛ على مصاحل الالبار‪ ،‬سواء علكى املسكتوى‬
‫اإلقليمء أو الدويل‪ ،‬ولدت حروباً وصراعات عنيفة‪ ،‬مثل‪ :‬غزو العراق للالويت‬
‫‪ ، 0111‬حركة محا وحرب إسرائيل على غزة ‪ ، 1118‬أزمة إيران النووية وغريها‬
‫من األمثلة‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬من املصادر املساندة للصراعات على املستوى الدويل‪ ،‬هو اخللل يف‬
‫"توازن العالقات" أو "هياللة النظام"‪ ،‬بني مالونات اجملتمع الدويل‪ ،‬فهنكاك حالكة‬
‫‪061‬‬
‫انقسام مزمنة‪ ،‬على مستويات أو بأشالال عدة يف اجملتمع الدويل‪ ،‬منها على سكبيل‬
‫املثال‪ :‬الدول النامية ‪ -‬املتقدمة‪ ،‬الدول الغنية ‪ -‬الفقكرية‪ ،‬الثقافكات الغربيكة ‪-‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬دول الشمال‪ -‬دول اجلنوب وغريها‪.‬‬
‫ويُشار أيضاً‪ ،‬إىل أنه بالرغم من حركة التفاعل والتعاون‪ ،‬بني وحكدات‬
‫اجملتمع والبيئة الدولية‪ ،‬سواء على املستوى االقتصادي واالجتماعء والسياسء‪،‬‬
‫إال أهنا يف املقابل‪ ،‬تتسبب يف تناز أو تصار أو تنكاقض‪ ،‬يف املصكاحل بكني‬
‫وحدات ومالونات اجملتمع الدويل‪ ،‬خاصة حول قضايا أو مشالالت مت البيئة‬
‫الدولية‪ ،‬وذات طبيعة تتطلب جهودا دولية مشتركة‪ ،‬منها على سبيل املثكال‪،‬‬
‫اخلالفات حول قضايا البيئة واملياه‪ ،‬والقوانني املنظمة للتجارة الدولية‪ ،‬مفهكوم‬
‫اإلرهاب الدويل واملقاومة‪ ،‬مصاد ر الطاقة‪ ،‬الثقافات واحلضارات‪ ،‬جرائم احلرب‬
‫واإلبادة اإلنسانية‪ ،‬قضايا حقوق اإلنسان وغريها من القضايا اليت تباينت فيهكا‬
‫املواقف واملصاحل بني الدول‪ ،‬وفيها تداخل بكني حكدود السكيادة الوطنيكة‪،‬‬
‫واالهتمام الدويل‪ .‬وإن كانت هذه اخلالفات والنكز اعات حول هذه القضايا‪،‬‬
‫ذات ال طبيعة أو الصفة الدولية‪ ،‬مل تشالل مبفردها عنصراً للصراعات العنيفة أو‬
‫املسلحة‪.‬‬
‫يوضح الشالل رقم (‪ ،)00‬ملخصاً توضيحياً هلذا اإلطار العام‪ ،‬لتحليل أسباب‬
‫الصرا الدولية أو الداخلية‪.‬‬

‫‪064‬‬
‫الشكل ررم (‪ :)99‬نموذج لمستويا تحليل أسباب الصراع‬
‫(الذي ينعكس على صراعا سياسية أهلية أو إرليمية‪/‬داخلية أو خارجية)‬

‫‪065‬‬
‫ال بد‪ ،‬من اإلشارة إىل أن أسباب الصرا ‪ ،‬تتم ضكمن عمليكة دينامياليكة‪،‬‬
‫وتفاعل تؤثر فيها مجيع أو بعض هذه املستويات يف الصرا ‪ ،‬ببعضها البعض ؛حمدثة‬
‫الصراعات العنيفة أو احلروب‪ ،‬وال شك‪ ،‬أن عملية إدارة هذه الصكراعات حتكدد‬
‫نتائجها واجتاهاهتا وآثارها‪.‬‬
‫ويقدم "مايالل لند" مع آخرين‪ ،‬إطارا‪ /‬منوذجا آخر‪ ،‬لتحليل أسباب الصرا ‪،‬‬
‫يف دول العامل الثالث‪ ،‬ويقدم هذا النموذج‪ ،‬إطارا أبسط يف حتليل الصكراعات‪،‬‬
‫ولالنه‪ ،‬خيتلف عن اإلطار السابق‪ ،‬يف أنه أقل مشولية‪ ،‬ويهكتم بكالتركيز علكى‬
‫الصراعات الداخلية‪ ،‬وكذلك عدم اهتم امه بتحديد مستويات معينكة للصكرا ‪.‬‬
‫وتفاصيل هذا األمنوذج‪ /‬اإلطار موضح يف الشالل اآل ‪:‬‬

‫الشكل ررم (‪ :)92‬الجذور المسببة للصراعا العنيفة والمشكال المرتبطة بوا‬


‫اجلذور املسببة ‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫اجلذور املسببة‬ ‫‪2‬‬ ‫اجلذور املسببة‬ ‫‪1‬‬ ‫اجلذور املسببة‬
‫غياب اجملتمع‬ ‫غياب فرص التصاحل‬ ‫احلكم غري الشرعي‬ ‫عدم توازن الفرص‬
‫املدين املنظم‬ ‫السلمي بني مجاعات‬ ‫والالدميقراطي وغري‬ ‫يف اجملال السياسي‬
‫والنشيط‬ ‫املصاحل ولتجسري‬ ‫الكفء‬ ‫واالقتصادي‬
‫العالقات بني خمتلف‬ ‫واالجتماعي والثقايف‬
‫مجاعات اهلوية‪.‬‬ ‫بني خمتلف مجاعات‬
‫اهلوية املتعددة‬
‫‪ .0‬ضعف‬ ‫‪ .0‬أزمة شرعية احلالومة ‪ .0‬غياب اآلليات‬ ‫‪ .0‬عدم املساواة‬
‫مؤسسات اجملتمع‬ ‫الفاعلة لتسوية‬ ‫ومؤسسات الدولة‬ ‫االجتماعية‬
‫املدين‬ ‫‪ .1‬فشل أو عدم كفاءة النكزاعات‬ ‫واالقتصادية‬
‫‪ .1‬غياب اإلعالم‬ ‫‪ .1‬غياب التعددية‬ ‫اخلدمات العامة‬ ‫‪ .1‬حصرية خنبة احلالم‬
‫املهين واملستقل‬ ‫وحوار التنو‬ ‫‪ .2‬العنف السياسء‬ ‫‪ .2‬انتهاك حقوق‬
‫‪ .2‬قصور اقتصاد‬ ‫واالجتماعء واألعمال ‪ .2‬عدم الثقة بني‬ ‫اجلماعة السياسية‬
‫مجاعات اهلوية املتعددة "املصاحل يف‬ ‫اإلجرامية‬ ‫‪ .4‬عدم االستقرار‬
‫‪ .4‬املشاركة اخلارجية السالم"‬ ‫‪ .4‬التفسري املتحيز‬ ‫بسبب حركات‬
‫الضعيفة أو املؤذية‬ ‫للقانون وفرضه من‬ ‫النكزوح الداخلء‬
‫خالل القوى األمنية‬ ‫والالجئني‬
‫والقضائية‬ ‫‪ .1‬العنف السالاين‬
‫املصدر‪:‬‬
‫‪Lund, Michael/Mehler, Andreas: 1999, Peace-Building & Conflict Prevention in‬‬
‫‪Developing Countries: A Practical Guide, Brussels, Ebenhausen, p. 47.‬‬

‫‪066‬‬
‫وجتدر اإلشارة‪ ،‬إىل أن منظمة الصحة العاملية‪ ،‬حددت العوامكل أو املصكادر‬
‫األولية للعنف اجلماعء مبا يأ ‪:1‬‬
‫‪ .0‬نقص العمليات الدميقراطية‪ ،‬وعدم احلصول على السلطة بشالل متالافئ‪.‬‬
‫‪ .1‬انعدام املساواة االجتماعية‪ ،‬اليت يشري إليها التوزيع غري املتساوي للمصكادر‪،‬‬
‫وفرصة احلصول عليها‪.‬‬
‫‪ .2‬سيطرة مجاعة واحدة‪ ،‬على املوارد القيمة‪ ،‬مثل‪ :‬املا ‪ ،‬الكنفط‪ ،‬اخلشكب‪،‬‬
‫واألدوية‪.‬‬
‫‪ .4‬التغري الدميغرايف السريع‪ ،‬الذي جيرد الدولة من قدرهتا‪ ،‬على تقدمي اخلكدمات‬
‫الضرورية وفر‪ .‬العمل‪.‬‬
‫خالصة القول‪ ،‬إن تعقيدات وديناميالية عملية الصرا ‪ ،‬قد جتعل مكن هكذه‬
‫النماذج أو األطر املنهجية الثالثة‪ ،‬مناذج متالاملة إىل حد كبري‪ ،‬ميالن استخدامها‪،‬‬
‫يف حتليل أسباب الصراعات‪ ،‬ولالن‪ ،‬ال يعين هذا أهنا قوالب جاهزة لتحليل أسباب‬
‫كل صرا عنيف‪ ،‬فهء أطر إرشادية‪ *،‬ولالل صرا تفاصيل‪ ،‬وجزئيات خاصة هبا‬
‫تتطلب تفالريا إبداعيا خاصا‪.‬‬

‫األيوبدي‪ ،‬عمر‪ ،‬وحسن‪ ،‬حسن‪ ،‬واأليوبدي‪ ،‬أمني (مترمجون)‪ :‬إشراف وحترير مركز‬ ‫‪1‬‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬التسلح وندزع السالح واألمن الدويل‪ ،1111 ،‬النسكخة‬
‫العربية املترمجة لالتاب ‪SIPRI Yearbook 2007: Armaments, Disarmaments,‬‬
‫‪ ،and International Security‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪.210 . ،‬‬
‫‪067‬‬
‫املبحث الثالث‬

‫أنواع وأنماط الصراعا الدولية واألهلية‬

‫يتناول هذا املبحث‪ ،‬عرض وتوضيح‪ ،‬أنوا وأشالال الصرا العنيف علكى‬
‫مستوى الدولة ‪ ،Intrastate‬أي الصراعات األهليكة‪ ،‬وككذلك علكى مسكتوى‬
‫الصراعات الدولية‪ ،‬أو بني الدول ‪ ،Interstate‬إذ يشالل هذان املستويان‪ ،‬املوضو‬
‫أو اجملال الرئي هلذا الالتاب‪ .‬ويتعلق هذان املستويان من الصرا عادة‪ ،‬باألبعكاد‬
‫السياسية أو العنف‪ ،‬املرتبط بأبعاد سياسية‪.‬‬
‫إن هناك تباينا وجدال كبريا‪ ،‬بني الباحثني املتخصصني يف دراسات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬حول أشالال وأنوا الصراعات‪ ،‬وكما تشري بعكض الدراسكات‪ ،‬إىل‬
‫وجود حالة من اإلرباك والتشويش‪ ،‬يف تصنيف الصراعات‪ .‬ومن أسكباب هكذا‬
‫اجلدل أو اإلرباك‪ ،‬هو اختالف معايري تقسيم الصراعات‪ ،‬فهناك معكايري‪ ،‬تعتمكد‬
‫أطراف الصرا ‪ ،‬وأخرى تعتمد قضايا الصرا ‪ ،‬وأخرى تعتمد مسببات الصكرا ‪،‬‬
‫ولذلك‪ ،‬فهناك من صنف الصرا إىل نوعني‪ ،‬وآخرون صنفوها إىل أكثكر مكن‬
‫عشرين نوعاً‪.1‬‬
‫وفيما يأ ‪ ،‬أهم أنوا الصراعات‪ ،‬وفق ما تتناوله العديد من الدراسات املعنية‬
‫ببحث أنوا الصرا ‪ ،‬إذ تقسم العديد من هذه الدراسات‪ ،‬أنوا الصراعات على‬
‫النحو اآل ‪:2‬‬
‫‪Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪p. 63.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول أنوا الصراعات انظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Kriesberg, Louis: "Conflict Resolution", in Klare, Michael T (Ed):‬‬
‫‪Peace and World Security Studies: A curriculum Guide, Op. cit.‬‬
‫‪Ohlson, Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.,‬‬
‫‪p. 145.‬‬

‫‪069‬‬
‫أوالً‪ :‬صراعا مصنفة وفق أطراف الصراع‪ ،‬أو منطقة الصراع وتشمل‬
‫هذه الصراعا األنواع اآلتية‪:‬‬
‫‪ .0‬الصراعات على مستوى الدولة‪( ،‬الصراعات األهلية)‪ :‬وهء صراعات‪ ،‬تالون‬
‫داخل الدولة الواحدة‪ ،‬وقد تالون صراعات عنيفة أو مسلحة‪ ،‬بني حالومكة‬
‫الدولة مع طرف أو أكثر‪ ،‬من املعارضة‪ .‬أو تالون صكراعا مسكلحا‪ ،‬بكني‬
‫مجاعات داخل الدولة‪ ،‬وألن تالون احلالومة طرفاً‪ ،‬فيها بسبب ضكعفها أو‬
‫تفالالها‪ ،‬واهنيار سلطة الدولة‪.1‬‬
‫‪ .1‬الصراعات اإلقليمية‪ :‬وهء عادة ما تالون بني دول متجاورة‪ ،‬أو بني قكوى‬
‫كربى أو خارجية‪ ،‬يف إقليم ما‪ ،‬أو قد تالون بني دول جديدة‪ ،‬تشاللت مكن‬
‫اهنيار وتفالك دولة أكرب يف إقليم معني‪.‬‬
‫‪ .2‬الصراعات الدولية‪ :‬وهء صراعات عنيفة بني دول أو تالتالت دولية‪ ،‬ليست‬
‫متجاورة‪ ،‬أو بني دول أو تالتالت دولية‪ ،‬ضد حركات أو منظمات عكابرة‬
‫للحدود‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬صراعا مصنفة وفق رضايا وموضوع الصراع‪ ،‬وتشمل هذه‬


‫الصراعا األنواع اآلتية‪:‬‬
‫‪ .0‬صراعات احلدود السياسية‪ :‬وهذا النو من الصراعات‪ ،‬يالكون بكني دولكتني‬
‫متجاورتني‪ ،‬أو دول بينها‪ ،‬حدود جغرافية سياسية مشتركة متناز على خطوط‬
‫ترسيمها‪ ،‬إذ إن حتديد حدود الدولة القطرية‪ ،‬يعين حدود سلطتها ومواردها‪.‬‬
‫‪ .1‬صراعات أو حروب املوارد‪ :‬وهء عادة‪ ،‬قد تالكون بكني دول‪ ،‬أو مجاعكات‬
‫للسيطرة على موارد معينة‪ ،‬مثل‪ :‬النفط‪ ،‬الطاقة أو املواد اخلام‪ ،‬واملياه وغري ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬الصراعات القومية واالنفصالية‪ :‬وهء غالباً‪ ،‬ما تالون بني كيانات أو مجاعات‬
‫قومية‪ ،‬تسعى إىل االنفصال‪ ،‬وتأسي دولة مستقلة خاصة‪ ،‬وهء تُعترب ضمن‬
‫صراعات اهلوية‪.‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول الصراعات األهلية انظر املبحث الثالث من الفصل الثالث مكن‬ ‫‪1‬‬
‫هذا الالتاب‪.‬‬
‫‪071‬‬
‫‪ .4‬الصراعات العرقية أو الدينية أو القبلية‪ :‬عادة‪ ،‬تالون هذه الصراعات داخكل‬
‫الدولة‪ ،‬وهء إما حول القوة وزيادة النفوذ‪ ،‬أو االعتراف باهلوية‪ ،‬أو مشاركة‬
‫الطوائف العرقية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والاليانات القبلية والعشائرية‪ ،‬يف السكلطة أو يف‬
‫مساحة القرار السياسء‪ ،‬أو زيادة حصتها يف املوارد‪ ،‬ويالون أحيانا السكعء‬
‫لتحقيق احلالم الذا ‪.‬‬
‫‪ .1‬الصراعات األيديولوجية أو الثورية أو الطبقية‪ :‬عادة‪ ،‬هذه الصراعات تالكون‬
‫بني حركات أو مجاعات سياسية‪ ،‬ذات طبيعة أيديولوجية معينة‪ ،‬يف داخكل‬
‫الدولة‪ ،‬إما إلحداث تغيري يف النظام السياسء‪ ،‬أو يف املنظومة االجتماعيكة أو‬
‫االقتصادية‪ ،‬من خالل استخدام القوة والعنف‪.‬‬
‫‪ .9‬الصراعات من أجل احلرية‪ ،‬أو التحرر من االستعمار‪ :‬وعادة ما تالون هكذه‬
‫الصراعات‪ ،‬من قبل الشعب‪ ،‬للتخلص من االحتالل واالستعمار اخلكارجء‪،‬‬
‫أي حتقيق االستقالل‪ ،‬وبناء الدولة الوطنية املستقلة ذات السيادة‪ .‬كما ميالكن‬
‫أن تالون صراعات للتخلص من االسكتبداد‪ ،‬وحتقيكق احلريكات العامكة‪،‬‬
‫والدميقراطية للشعب داخل الدولة‪.‬‬
‫يالحظ‪ ،‬أن هذه التقسيمات ألنوا الصكراعات‪ ،‬بكالرغم مكن شكيوعها‬
‫وانتشارها‪ ،‬تتداخل فيها معايري أطراف الصرا ‪ ،‬وقضايا الصكراعات‪ ،‬ومنطقكة‬
‫الصرا ‪ ،‬أو مصادر ومسببات الصرا ‪ ،‬مما يفتح اجلدل واالختالف العلمء حوهلا‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬تشري قاعدة بيانات أبساال للصرا ‪ ،UCDP‬اليت تصدر عن‬
‫قسم أحباث السالم والصرا ‪ ،‬يف جامعة أبساال يف السويد‪ ،‬إىل تقسكيم فضكفاض‬
‫للصراعات األهلية والدولية‪ ،‬حبيث تستوعب دائرة واسعة من الصراعات‪ .‬وحتكدد‬
‫قاعدة أبساال للصراعات ثالث فئات للصراعات‪:1‬‬

‫انظر ما يلء‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫قاعدة بيانات أبساال للصراعات املسلحة‪ :‬على املوقع اإللالتروين ‪،www.ucdp.uu.se‬‬
‫مرجع سابق‪.‬‬
‫نقالً عن فالنستني‪ ،‬بيتر (مؤلف)‪ ،‬السعد‪ ،‬سعد ودبور‪ ،‬حممد (مترمجان)‪ :‬مصدر سابق‪،‬‬
‫‪.002-011 .‬‬
‫‪Wallensteen, Peter, Harbom, Lotta & Sundberg, Ralph (Eds):‬‬
‫‪States in Armed Conflict 2008, Op. cit., p. 23.‬‬

‫‪070‬‬
‫‪ 9‬الصراعا الدولية حول األرض والحكم‪:‬‬
‫وهذه الصراعات الدولية‪ ،‬يف األصل كانت فئتني‪ ،‬األوىل‪ :‬كانت صكراعات‬
‫حول األراضء‪ ،‬والثانية حول احلالم‪ ،‬ولالن خلضوعها أو عالقتها بالقانون الدويل‬
‫ووسائله حول تسوية املنازعات مت دجمهما يف فئة واحدة‪.‬‬
‫ويستخدم بيتر فالنستني رئي فريق قاعدة أبساال للصراعات‪ ،‬معايري لتحديد‬
‫الصراعات الدولية‪ ،‬ويتمثل يف جمموعة من األسئلة‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫‪ -‬هل حيمل الصرا عنصراً دولياً؟ كاخنراط قوات دولة أخرى‪ ،‬يف الصرا على‬
‫سبيل املثال‪.‬‬
‫‪ -‬من أين حيصل الطرف غري احلالومء املشارك يف الصرا ‪ ،‬علكى التكدريب‪،‬‬
‫واألموال‪ ،‬والدعم اللوجسيت‪ ،‬واألسلحة والدعم السياسء؟‬
‫‪ -‬من الذي ميالنه وقف القتال؟‬
‫‪ -‬من الذي سيوقع االتفاقية اليت سيتم تنفيذها؟‬
‫فالصرا على األرض أو احلدود‪ ،‬بني دولتني أو أكثر‪ ،‬هو شكالل تقليكدي‬
‫للصرا بني الدول‪ .‬أيضاً‪ ،‬يُعترب تدخل دول خارجية بالقوة لتغيري نظام حالكم يف‬
‫دولة أخرى‪ ،‬بالتعاون مع قوى حملية وفق قاعدة أبساال‪ ،‬صراعا دوليا على احلالم‪.‬‬
‫‪ 2‬الصراع الداخلي على الحكم‪:‬‬
‫ويتم حتديد الصراعات‪ ،‬اليت تنتمء إىل هذا النو يف السؤال التايل‪ :‬هل حيمل‬
‫الصرا الداخلء عنصرا هاماً‪ ،‬يتعلق بالصرا على احلالم؟ ويعترب الصكرا بكني‬
‫طرف حالومء‪ ،‬وطرف غري حالومء‪ ،‬شالال من أشالال احلرب األهلية‪ .‬ويرتالز‬
‫على األعمال ‪ Action‬العسالرية‪ ،‬وعلى األهداف املعلنة ألطراف الصرا ‪ ،‬سكواء‬
‫الوصول إىل السلطة أو احملافظة عليها‪ .‬وأحياناً‪ ،‬قد يالون هذا النو من الصكرا ‪،‬‬
‫لي هبدف الوصول إىل السلطة‪ ،‬ولالن ملنع وصول أو سيطرة احلالومكة‪ ،‬علكى‬
‫موارد معينة داخل الدولة؛ فهو شالل من أشالال حتدي سلطة احلالومة‪.‬‬
‫‪ 3‬الصراع الداخلي على األرض‪:‬‬
‫وميالن حتديده من خالل السؤال التايل‪ :‬هل حيمل الصرا عنصراً هاماً‪ ،‬يتعلق‬
‫بالسيطرة على األرض؟ ويف هذا النو ‪ ،‬يدور الصرا بني احلالومة‪ ،‬وطرف غكري‬
‫‪071‬‬
‫حالومء‪ .‬كأن يسعى الطرف غري احلالومء إىل االنفصال عن الدولكة‪ ،‬الرتباطكه‬
‫هبوية أخرى‪ ،‬بينما تسعى احلالومة ملنع ذلك‪ ،‬واحملافظة على وحدة أراضء الدولة‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك صراعات تشاليل الدولة‪ ،‬إذ حيتدم الصرا بني احلالومة‪ ،‬حلمايكة‬
‫وحدة الدولة أمام معارضة مسلحة‪ ،‬تسعى إلقامة دولة جديدة منفصلة عن الدولكة‬
‫األم‪ ،‬مرتالزة إىل هوية ثقافية أو قومية خمتلفة‪ ،‬تالون موجودة يف جكزء أو إقلكيم‬
‫معني داخل الدولة‪.‬‬
‫إن أنوا أو تقسيم الصراعات‪ ،‬وفق قاعدة بيانات أبساال للصكراعات‪ ،‬ميتكاز‬
‫بشموليته ومنطه املختلف‪ ،‬عن التقسيمات التقليدية‪ ،‬إال انه‪ ،‬ما زال فضفاضاً‪ ،‬لدرجكة‬
‫انه من السهل االختالف فيه‪ ،‬حول طبيعة الصراعات اليت يشملها‪ ،‬خاصة تلك الكيت‬
‫تدور حول قضايا غري سياسية‪ ،‬مثل قضايا تتعلق باالقتصاد واملوارد‪ .‬كمكا أن هنكاك‬
‫إشالالية‪ ،‬حول الصراعات اليت تالون بني أطراف داخل الدولة‪ ،‬والن تالكون طرفكًا‬
‫فيها‪ ،‬أو يف حالة غياب نفوذ احلالومة‪ ،‬أو اهنيار السلطة املركزية للدولة‪.‬‬
‫كما أن الالثري من الصراعات‪ ،‬قد تتغري طبيعة أهدافها وأطرافها‪ ،‬أثناء مسرية‬
‫الصرا ‪ ،‬بالرغم من وقوعها جغرافياً‪ ،‬يف داخل الدولة الواحدة‪ ،‬وبالتكايل‪ ،‬هنكاك‬
‫صعوبة يف تصنيف طبيعة الصرا يف غالب األحيان‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬اعتمد أحد كبار أساتذة العالقكات الدوليكة (هولسكيت‬
‫‪ ،)Holsti‬تصنيفاً خمتلفاً جزئياً للصراعات الدولية وغري الدوليكة ‪ .1‬فقكد صكنف‬
‫الصراعات الدولية إىل مخ فئات‪ ،‬وهء‪:‬‬
‫‪ .0‬الصراعات حول األرض‪.‬‬
‫‪ .1‬صراعات حول االقتصاد‪.‬‬
‫‪ .2‬صراعات تشاليل الدولة‪.‬‬
‫‪ .4‬صراعات أيدولوجية‪.‬‬
‫‪ .1‬صراعات التعاطف‪ ،‬أو االرتباط اإلنساين مثل (عالقكات الكدين‪ ،‬العكرق‪،‬‬
‫اللون‪ ...‬إخل)‪.‬‬

‫للتفاصيل راجع‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Holsti, Kalevi J.: 1996, the State, War and the State of War,‬‬
‫‪Cambridge, Cambridge University Press, p. 26.‬‬

‫‪071‬‬
‫أما على صعيد الصراعات واحلروب غري الدوليكة‪ Non-interstate ،‬فيشكري‬
‫هولسيت‪ ،‬إىل أربعة تصنيفات‪/‬تقسيمات خمتلفة تعتمد على معايري طبيعة الفاعكل أو‬
‫الطرف و‪/‬أو األهداف‪ ،‬وهذه التصنيفات هء‪:‬‬
‫‪ -‬حروب استقالل‪ ،‬أو انفصال إقليم داخل الدولة التقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬احلروب الوطنية للتحرر من االستعمار‪.‬‬
‫‪ -‬احلروب األهلية ألهداف أيدولوجية‪.‬‬
‫‪ -‬حروب بناء‪ ،‬أو تشاليل الدولة القومية‪ :‬وهء اليت تشمل املقاومة املسكلحة‪،‬‬
‫من قبل مجاعات عرقية‪ -‬لغوية و‪/‬أو دينية‪ ،‬واليت تالون غالباُ لالنفصال عكن‬
‫الدولة‪ ،‬وبناء دولة جديدة مستقلة‪.‬‬
‫إن ما مت استعراضه من أنوا وتصنيفات للصراعات‪ ،‬يعال حجم التبكاين‬
‫واالختالف‪ ،‬بني الباحثني والعلماء يف هذا اجملال‪ ،‬وكذلك حجم التداخل فيما بني‬
‫هذه التصنيفات‪ .‬عموماً‪ ،‬إن هذه االختالفات‪ ،‬ترتبط باختالف املعكايري الكيت مت‬
‫اعتمادها يف عملية تصنيف الصراعات‪ ،‬باإلضافة إىل اختالف جتربكة البكاحثني‪،‬‬
‫وبيئاهتم العلمية والفالرية‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن مجيع هذه التصنيفات ألنوا الصرا ‪ ،‬ال حتتوي حداً فاصالً‪ ،‬عن‬
‫بعضها البعض‪ ،‬فمعظم الصراعات‪ ،‬سواء الدولية أو األهلية‪ ،‬تتداخل فيها وتتشابك‬
‫عوامل مادية ومعنوية وثقافية‪ ،‬خارجية وداخلية‪ .‬مما جيعل من الصعوبة مبالان‪ ،‬فصل‬
‫هذه الصراعات عن تأثرياهتا وتفاعالهتا وعمليتها الديناميالية‪ .‬وهذا التداخل يدفعنا‬
‫إىل اإلشارة‪ ،‬إىل بعض الفروقات واملقارنات‪ ،‬بني الصراعات األهلية والصكراعات‬
‫الدولية أو اإلقليمية‪ ،‬حبيث تساعد يف إجياد بعض احلدود املميزة بكني الصكراعات‬
‫األهلية واإلقليمية أو الدولية‪ ،‬وأهم هذه الفروق‪:1‬‬
‫‪ ‬إن األطراف الرئيسة يف الصراعات األهلية‪ ،‬هم إما‪ ،‬حالومة مكع طكرف أو‬
‫أطراف حمليني يف دولة واحدة‪ ،‬وتالون الدول اجملاورة غالباً‪ ،‬هكء أطكراف‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي ‪ :‬الصراعات العربية الداخلية‪ :‬رؤية يف األسباب والدوافع‪ ،‬مرجع سبق‬
‫ذكره‪.048. ،‬‬
‫‪Ohlson, Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.‬‬

‫‪074‬‬
‫مساندة‪ .‬بينما يف الصراعات بني الدول‪ ،‬تالون األطراف الرئيسة‪ ،‬هء الدول‪،‬‬
‫وغالباً ما يالون بني الدول اجملاورة‪.‬‬
‫‪ ‬إن منطقة الصراعات األهلية أو الداخلية‪ ،‬غالباً‪ ،‬ال حتتوي حدوداً جغرافيكة‬
‫معينة‪ ،‬فجميع حدود الدولة‪ ،‬غالباً ما تالون هء حدود أو منطقة الصراعات‬
‫األهلية‪ .‬بينما يف الصراعات بني الدول‪ ،‬فإن حدود الصرا ‪ ،‬غالباً هء منطقة‬
‫"احلدود اجلغرافية"‪.‬‬
‫‪ ‬إن مقاتلء أو جنود الصراعات األهلية‪ ،‬هم عادة من العسكالريني واملكدنيني‬
‫معاً‪ ،‬بينما يف احلروب بني الدول‪ ،‬فإهنا عادة ما تالون بني قوات عسكالرية‬
‫نظامية‪.‬‬
‫‪ ‬تشري العديد من إحصائيات ودراسات الصراعات املسكلحة‪ ،‬إىل أن معظكم‬
‫الصراعات األهلية اليت متت تسويتها‪ ،‬كانت غالباً نتيجة حتقق نصر أو هزمية‪،‬‬
‫بشالل اكرب بالثري من الصراعات‪ ،‬اليت متت تسويتها بني الدول‪ ،‬وذلك خالل‬
‫حقبة احلرب الباردة‪ ،‬أو حقبة الصرا األيديولوجء‪ .‬أما يف مرحلة ما بعكد‬
‫احلرب الباردة‪ ،‬فإن تسوية الصراعات األهلية‪ ،‬أصبح يتجه بشالل أكرب‪ ،‬مكن‬
‫خالل املفاوضات واملساومات على اعتبار أن هذه الصراعات األهلية‪ ،‬تعكود‬
‫إىل أو‪ ،‬تالون نتيجة احنراف العملية أو احلياة السياسية يف اجملتمع‪ ،1‬ولي إىل‬
‫صراعات أيدلوجية‪.‬‬
‫وأخرياً‪ ،‬ميالن القول إن تصنيف أو تقسيم الصراعات العنيفة‪ ،‬إىل أنوا هكء‬
‫عملية إجرائية أو قانونية وأكادميية‪ ،‬أكثر منها عملية سياسية‪ ،‬إذ إن الرؤية السياسية‬
‫للدول أو القادة أو احلالومات‪ ،‬ال تقف عند طبيعة التصكنيف إال فيمكا ترغكب‬
‫بتصنيفه لدوافع سياسية‪ ،‬وضمن عملية إدارة الصرا ودوافعه‪.‬‬

‫‪Zartman, William (Ed): Elusive Peace: Negotiating and End to Civil‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Wars, Op. cit., pp. 332-333, and p. 3.‬‬

‫‪075‬‬
‫املبحث الرابع‬

‫رضايا جدلية في الصراعا‬

‫توجد جمموعة من القضايا احملورية‪ ،‬تدور غالباً حوهلا الصراعات‪ ،‬أي تشالل‬
‫ما يُعرف بقضايا الصرا ‪ ،‬وتُعترب مصدراً أساساً أو سبباً جوهرياً للصراعات‪ ،‬سواء‬
‫على مستوى اجملتمع والدولة أو النظام الدويل‪ .‬وهذه القضايا األساسكية‪ ،‬تُعتكرب‬
‫استالماالً للحديث‪ ،‬عن مصادر أو أسباب الصرا ‪ ،‬وهذه القضايا هء‪ :‬السكلطة‬
‫والنفوذ‪ ،‬اهلوية والثقافة‪ ،‬النو االجتماعء‪ ،‬وأخرياً احلقوق‪ .‬وهذه القضايا احلامسة‬
‫أو اجلدلية‪ ،‬تعرف بأن لي هلا جواب صحيح‪ ،‬ومن الصعب التعرف إىل حكدود‬
‫واضحة حوهلا‪ ،‬بني أطراف الصرا ‪ .‬وتالثر فيها املناطق الرمادية‪ .‬وهذه القضكايا‪،‬‬
‫يتفاوت تأثريها وحدهتا حسب طبيعة الصرا أو أطراف الصرا ‪ ،‬ومستوى العالقة‬
‫بني هذه األطراف‪ ،‬وغري ذلك من العوامل‪.‬‬

‫القوو أو السلطة والنفوذ‪:‬‬ ‫‪9‬‬


‫إن قضية القوة والسلطة‪ ،‬من القضايا اليت تتداخل يف كافة جوانب حراك اجملتمكع‬
‫اإلنساين مبستوياته املختلفة‪ ،‬سواء على صعيد الفرد أو اجلماعات والطوائف‪ ،‬أو الدولة‬
‫أو النظام الدويل‪ .‬والقوة‪ ،‬أو السلطة هء سبب يف الصراعات أو نتيجة للصراعات‪.‬‬
‫مفهوم القوة والسلطة‪ :‬إن هناك جدال واسعا حول مفهوم القوة والسلطة‪ ،‬إذ‬
‫ارتبطت مع خلق اإلنسان‪ ،‬ومن مث صراعه مع مفردات حميطه‪ ،‬خرياً أو شراً‪ .‬فيمكا‬
‫يتعلق مبفهومها اللغوي‪ ،‬فإن قوامي اللغة العربية‪ ،‬تشري إىل أن السلطة‪ :‬اسم مشتق‬
‫من "السالطة" وهء القهر‪ .1‬وتشري كلمة سلطان يف القرآن الالرمي‪ ،‬إىل معىن القهر‬
‫راجع مادة سلط‪ ،‬يف معجم لسان العرب‪ ،‬نقالً عن ربيع‪ ،‬حممد حممود‪ ،‬مقلدد‪ ،‬إمساعيد‬ ‫‪1‬‬
‫بربي (حمرران)‪ :‬موسوعة العلوم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،041 . ،‬وانظر أيضاً هدارون‪،‬‬
‫عبد السالم (مشرف)‪ ،‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬الزيات‪ ،‬أمحد‪ ،‬عبد القادر‪ ،‬حامد‪ ،‬والنجدار‪،‬‬
‫حممد (قاموا بإخراجه)‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬اجلزء األول‪.441 . ،‬‬
‫‪077‬‬
‫والغلبة أحياناً‪ ،‬واحلجة والربهان أحياناً أخرى‪ ،‬حيث وردت كلمة "سكلطان"‪ ،‬يف‬
‫العديد من آيات القرآن الالرمي‪ ،‬منها على سبيل املثال‪َ  ،‬وَلقَدْ َأرْسَلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا‬
‫وَسُلطَانٍ مُبِنيٍ‪( ‬سورة هود‪ ،)19 ،‬وقوله تعاىل‪ :‬إِنَّ عِبَادِي لَكيْ َ لَككَ عَلَكيْهِمْ‬
‫سُلطَانٌ إِالَّ مَنِ اتََّبعَكَ مِ َن الغَاوِينَ‪( ‬سورة احلجر‪ .)41 ،‬فإن املعكىن األول‪ ،‬وهكو‬
‫القهر والغلبة‪ ،‬ويعين ذلك أن السلطة الفعلية‪ ،‬ال األدبية تستمد من األتبا أو التبعية‬
‫واالستجابة من جانب البشر‪ ،‬كما يف اآلية الثانية‪ ،‬فإذا مل يوجد األتبا ‪ ،‬ال توجد‬
‫السلطة‪ .1‬عموماً‪ ،‬يف االجتما البشري والسياسء منه على وجه اخلصو‪ ،.‬تُعترب‬
‫السلطة ظاهرة طبيعية وحتمية‪ ،‬فما أن يتم االجتما ‪ ،‬ح تنبثق منه قوة أو طاقة‪،‬‬
‫تنطوي على أكثر من صورة من صور التأثري والنفوذ؛ مثكل‪ :‬السكيادة واحلالكم‬
‫والسيطرة والقيادة والضغط‪ .2‬وتشري بعض األدبيات الغربية‪ ،‬إىل مفهكوم القكوة‬
‫والسلطة‪ ،‬بأهنا هء "قدرة شخص على توجيه األشكخا‪ .‬اآلخكرين‪ ،‬باإلقنكا‬
‫واخلوف‪ ،‬واحترام السلطة‪ ،‬أو وسائل أخرى لتجعلهم يتصرفون وفكق أولوياتكه‬
‫وأهدافه‪.3‬‬
‫إن القوة ال تنبع من فراغ‪ ،‬فهء تتالون من جمموعة من مالونات أو عناصكر أو‬
‫قوى جيمع بينها عالقات‪ ،‬ختلق بينها جتمعاً جيعل منها قوة ونفوذاً‪ .‬فهكء باحملصكلة‪،‬‬
‫عملية مركبة‪ ،‬تتفاعل بني مالوناهتا (تأثراً وتأثرياً)‪ ،‬لتخلق قدرة على التأثري والتوجيكه؛‬
‫وفق أهداف مالاليها أو توفر القدرة هلم للقيام بشءء‪ ،‬أو تُحقق هدفا مقصودا‪.‬‬
‫مصادر القوو والسلطة‪:‬‬
‫إن حماولة احلصول أو االستحواذ‪ ،‬على القوة أو السلطة‪ ،‬يشكالل مصكدرًا‬
‫أساساً حلدوث الصرا بني أطرافها‪ ،‬كما إن توفر السلطة والقوة‪ ،‬قد تشالل قدرة‬
‫أو أداة‪ ،‬تُستخدم يف فرض تسوية الصراعات‪ .‬من هنا‪ ،‬فكإن القكوة أو السكلطة‪،‬‬
‫تشالل مصدراً أساساً حلدوث الصراعات‪.‬‬

‫ربيع‪ ،‬حممد حممود‪ ،‬مقلد‪ ،‬إمساعي بربي (حمرران)‪ :‬موسوعة العلوم السياسية‪ ،‬مرجع‬ ‫‪1‬‬
‫سابق‪.041 . ،‬‬
‫املرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Donovan, John C et al: 1993, "People, Power and Politics", Maryland,‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Rowman & Littlefield publishers, INC, p. 3.‬‬

‫‪078‬‬
‫وتستمد القوة والسلطة من مصادر عدة‪ ،‬فعلى صعيد اجملتمع والدولة‪ ،‬تستمد‬
‫من عناصر كثرية‪ ،‬مثل اإلمالانيات الثقافية واأليديولوجيكة‪ ،‬والتنكو والوحكدة‬
‫االجتماعية والسياسية‪ ،‬ومكن اإلمالانيكات املاليكة واالقتصكادية‪ ،‬واملنصكب‬
‫والصالحيات‪ ،‬املوارد الطبيعية‪ ،‬املنظومة األخالقية‪ ،‬املوقع اجلغرايف االسكتراتيجء‪،‬‬
‫والسيطرة على طرق تزويد املوارد الطبيعية‪ ،‬املعرفكة والقكدرات التالنولوجيكة‪،‬‬
‫اإلمالانيات العسالرية‪ ،‬طبيعة النظام السياسء‪ ،‬وغري ذلك من املالونات اليت ميالن‬
‫أن تتفاعل كشبالة عالقات‪ ،‬لتولد قوة ودوراً سياسياً فاعالً للدولة‪ ،‬حتمكء فيكه‬
‫مصاحلها وأهدافها وحتقق مطالبها‪ .‬وعلى املستوى الكدويل‪ ،‬فكإن تكوفر هكذه‬
‫اإلمالانيات على املستوى اإلقليمء أو الدويل‪ ،‬تشالل مصكدر القكوة للاليانكات‬
‫الدولية واإلقليمية‪ ،‬وختلق هلا نفوذاً أو مصداقية لتحقيق األهداف‪ ،‬اليت يسعى إليها‬
‫النظام اإلقليمء أو الدويل‪ ،‬وهذه املالونات أيضاً‪ ،‬هء اليت تصنع قوى عظمى على‬
‫املستوى الدويل أو اإلقليمء‪ ،‬وتفرز قائداً أو كياناً سياسياً متقدماً‪ ،‬يف قيادة النظكام‬
‫اإلقليمء والدويل‪ .‬ومييل البعض إىل التمييز بني أشالال القوة إىل نوعني‪:1‬‬
‫‪ -‬القوة الصلبة‪ ،‬وهء القدرة على التحالم واإلكراه أو اإلجبار‪.‬‬
‫‪ -‬القوة الناعمة‪ ،‬وهء القدرة على اإلقنا وعلى إجياد التعاون والشرعية‪.‬‬
‫وتسيطر القوة الصلبة يف الصراعات العنيفة‪ ،‬خاصة الصراعات املسلحة بكني‬
‫القوى العسالرية‪ ،‬بينما تعترب القوة الناعمة‪ ،‬حيوية يف هتدئة الصراعات وصنع وبناء‬
‫السالم‪ .‬والقوة الناعمة‪ ،‬تلجأ عادة إىل أسكاليب املسكاومة واحللكول الوسكط‪،‬‬
‫وإستراتيجية اإلقنا عند الصرا للوصول إىل تسوية يف الصراعات‪.‬‬
‫‪ -‬عالرة القوو مع الصراع‪:‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن السلطة أو القوة‪ ،‬تشالل عنصراً حمورياً يف أي مشاللة أو صكرا‬
‫يف اجملتمع اإلنساين‪ .‬إذ غالباً‪ ،‬ما يالون النكزا حوهلا إما للحصول علكى املزيكد‬
‫منها أو احلفاظ عليها‪ .‬وهء إما أن تالون مصدراً‪ ،‬لتحقيكق اإلصكالح والتغكيري‬
‫اإلجيابكء‪ ،‬وتسوية الصراعات وإحالل السالم‪ ،‬أو سبباً يف خلق الفوضى والعنف‬
‫وفقدان األمن‪.‬‬

‫فيشر‪ ،‬سيمون وآخرون (مؤلفون)‪ ،‬اجليوسي‪ ،‬نضال (مترجم)‪ :‬مرجع سابق‪.44 . ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪079‬‬
‫إن األصل يف استخدام القوة والسلطة‪ ،‬على صعيد الدولة هو إلقرار األمكن‬
‫والنظام وحتقيق العدالة‪ ،‬وكذلك احلال على صعيد النظام الدويل‪ ،‬فكإن اسكتخدام‬
‫السلطة والقوة‪ ،‬قد يالون لتحقيق األمن والسلم الدوليني‪ .‬ويف املقابل فإنه قد يكتم‬
‫استخدامها‪ ،‬لتحقيق املزيد من السيطرة والنفوذ باستخدام القهر واإلكراه‪ ،‬ولتحقيق‬
‫اهليمنة واالستبداد على اآلخرين من الكدول يف النظكام الكدويل‪ ،‬أو الطوائكف‬
‫واألحزاب واجلماعات داخل الدولة‪ ،‬وهو ما يرتبط بالقمع والتسلط‪ ،‬يف غالكب‬
‫األحيان‪ ،‬وبالتايل يولد ردود فعل عنيفة وصراعاً مع من ميلالون السلطة والقيادة‪.‬‬
‫ويالحظ أن تشعب مصادر وعالقات القوة‪ ،‬أدت إىل إمالانية حتول وامتكداد‬
‫الصرا الداخلء إىل صرا إقليمء أو دويل‪ ،‬بسبب تشابك عالقات ومركبكات‬
‫القوة‪ ،‬على الصعيد العرقء اإلثين وامتداداهتا اإلقليميكة‪ ،‬وارتباطاهتكا السياسكية‪،‬‬
‫وارتباط خمتلف أشالال الدعم جلماعات قوى املعارضة املسلحة‪ ،‬مع دول اجلكوار‪،‬‬
‫وغري ذلك من أمثلة مالونات القوة‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬تُعترب بعض النظريات أن "توازن القكوى"‪ ،‬أو التسكاوي‬
‫النسبكء يف القوة‪ ،‬بني األطراف املتصارعة سواء على صعيد الدولة أو اإلقلكيم أو‬
‫النظام الدويل؛ قد يدفعان إىل منع حدوث الصرا العنيف‪ ،‬والقبكول بتسكويات‬
‫وسطية بني األطراف أو الدول املتصارعة‪ ،‬بدالً من اللجوء إىل العنف بينها‪ .‬وتشري‬
‫بعض الدراسات‪ ،1‬إىل أن اخللل يف توازن القوة أو عدم التناسق يف توزيع القكوة‪،‬‬
‫على الصعيد الدويل‪ ،‬يُعترب واحداً من أهم األسباب اليت تدفع إىل الصرا واحلرب‪،‬‬
‫إذ إن اخللل يف توزيع القوة أو يف معادالت القوة‪ ،‬يولد الشعور باخلوف والتهديكد‬
‫واالستفزاز‪ ،‬من بعض الدول‪ ،‬مما يُعمق مركبات العداء والالراهيكة خلصكومها‪.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Rosen, Steven & Jones, Walter: 1974, the Logic of International‬‬
‫‪Relations, Cambridge, Winthrop, p. 232.‬‬
‫نقالً عن مقلد‪ ،‬إمساعي بربي‪ :‬العالقات السياسية الدوليكة‪ :‬دراسكة يف األصكول‬
‫والنظريات‪ ،‬مرجع سابق‪.189 . ،‬‬
‫‪Waltz, Kenneth: 1979, Theory of International Politics, New York,‬‬
‫‪Random House, p. 118.‬‬
‫نقالً عن علي سامل‪ ،‬أمحد‪" :‬عن احلرب والسالم‪ :‬مراجعات ألدبيات الصرا الكدويل"‪،‬‬
‫مرجع سبق ذكره‪.04 . ،‬‬
‫‪081‬‬
‫وكذلك فان الدول اليت تتغري موازين القوة لصاحلها‪ ،‬قد تندفع حتت تأثري الشكعور‬
‫بالتفوق‪ ،‬إىل ممارسة العدوان‪ ،‬وحماولة التوسع وزيادة النفكوذ والسكيطرة‪ ،‬علكى‬
‫حساب األطراف الضعيفة‪ .‬عموماً‪ ،‬إن اخللل يف توازن القوة‪ ،‬قد يالون أحد أهكم‬
‫أسباب عدم االستقرار الدويل‪ ،‬إذ إن طبيعة حسابات القوة لدى الدول‪ ،‬قد تكدفع‬
‫أحياناً الصرا ‪ ،‬كما أهنا قد تؤدي إىل هتدئة الصرا وتسكويته‪ ،‬األخكذ بعكني‬
‫االعتبار‪ .‬ولالن النتائج‪ ،‬ترتبط بطبيعة متغري حسابات القوة‪ ،‬مع تقديرات األطراف‬
‫لنتائج هذه القوة وكيفية استخداماهتا وإدارهتا‪.‬‬
‫‪ 2‬الووية والثقافة‪:‬‬
‫إن قضية اهلوية والثقافة وارتباطهما بالصراعات‪ ،‬يشالالن مصكدراً أساسكًا‬
‫للعديد من الصراعات‪ ،‬خاصة على املستوى اجملتمعء‪ ،‬ومستوى الدولة وارتباطاهتا‬
‫أو امتداداهتا الثقافية والعرقية بني الدول املتجاورة‪.‬‬
‫قبل تناول العالقة بني هذه القضية والصرا ‪ ،‬ال بد من اإلشارة‪ ،‬إىل أن مفهوم‬
‫اهلوية والثقافة عنصران متداخالن يف كثري من جوانبهما‪ .‬وتشالل الثقافة مبا حتتويه‬
‫من عادات وتقاليد ونظم اجتماعية وطرق حياة‪ ،‬ودين‪ ،‬وتاريخ وتراث وغري ذلك‬
‫من املالونات‪ ،‬جزءاً حمورياً‪ ،‬يف بناء وصياغة اهلوية‪ ،‬سواء علكى صكعيد األفكراد‬
‫واجلماعات‪ ،‬والدولة الوطنية‪ ،‬أو الاليان القومء اإلقليمء‪ .‬ويفصل الكبعض بكني‬
‫اهلوية والثقافة‪ ،‬بالرغم من تأثري الثقافة يف بناء اهلوية‪ .‬واهلوية يف احملصكلة‪ ،‬هكء‪:‬‬
‫جمموعة عالقات مشتركة مع اآلخرين ومع اجلغرافيا (إقليم جغرايف)‪ ،‬وجوهرهكا‬
‫الثقافة الذاتية لتخلق "أنا خمتلف عن اآلخر"‪ ،1‬وحول أهم مالونات أو مؤشكرات‬

‫ملزيد من التفاصيل حول مفهوم الثقافة انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫بن‪ ،‬أمارتينا (مؤلف)‪ ،‬توفيق‪ ،‬سحر (مترمجة)‪" :‬اهلوية والعنف‪ :‬وهم املصري احلتمء"‪،‬‬
‫سلسلة كتب عامل املعرفة‪ ،‬اجملل الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الالويت‪ ،‬العدد ‪،211‬‬
‫يونيو ‪.1118‬‬
‫‪Miller, David (ed), Coleman, Janet, Connolly, William, Ryan, Alan‬‬
‫‪(Advisory Editors): 1991, The Blackwell Encyclobedia of Political‬‬
‫‪Thought, Oxford, Blackwell Publishers.‬‬
‫زريق‪ ،‬قسطنطني‪ :‬يف معركة احلضارة‪:‬دراسة يف ماهية احلضارة وأحواهلكا يف الواقكع‬
‫احلضاري‪ ،‬العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪.0180 ،‬‬
‫‪080‬‬
‫حتديد اجلماعات العرقية أو اهلويات اإلثنية أو العرقية للجماعات أو الطوائف‪ ،‬تشري‬
‫بعض الدراسات إىل أن أهم هذه املؤشرات ما يأ ‪:1‬‬
‫‪ .0‬اللغة‪ :‬وهء مؤشر أساسء على اهلوية القومية أو العرقية‪.‬‬
‫‪ .1‬الديانة‪ :‬والدين يغذي كثري من املالونات الثقافية للطوائف واجلماعات*‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلقليم اجلغرايف‪ :‬ويشالل اإلقليم البيئة احليوية للقوميكة العرقيكة‪ ،‬وأرضكها‬
‫األصلية‪ ،‬وهو موقع للحياة السياسية واالقتصادية اخلاصة ألصكحاب هكذه‬
‫اهلوية‪.‬‬
‫‪ .4‬التنظيم االجتماعء‪ :‬ويشالل حدود اهلوية للجماعة‪ ،‬ضمن إطار "حنن" و"هم"‪،‬‬
‫أي من داخل هذه اهلوية ومن خارجها‪ ،‬والتنظيم االجتماعء يشري إىل شكبالة‬
‫العالقات واملؤسسات‪ ،‬اليت توفر االستمرارية هلوية اجلماعة أو الطائفة‪.‬‬
‫‪ .1‬الثقافة الذاتية‪ :‬وتشمل اللغة‪ ،‬الدين‪ ،‬أنظمة القكيم والتنظكيم االجتمكاعء‪،‬‬
‫واألعراف والتقاليد‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫‪ .9‬العرق‪ :‬يشري العرق إىل نواح بيولوجية مثل اللون‪ ،‬والشالل العام للفرد‪ ،‬كما‬
‫يشري إىل املزايا االجتماعية والنفسية‪ ،‬وال شك‪ ،‬أن هكذا العنصكر يكرتبط‬
‫باجلماعات العرقية‪ ،‬ويتراجع دوره يف الصراعات الدينية بني الطوائف‪.‬‬
‫ومييل البعض‪ ،‬إىل اعتبار عنصري اهلوية والثقافة‪ ،‬مبثابة عنصر واحد‪ ،‬وبالتايل‪،‬‬
‫التعامل معهما يف النكزاعات على هذا األسا ‪ ،‬فمن الصعب فصل اهلويكة عكن‬
‫الثقافة يف النكزاعات العرقية أو القومية‪ ،‬سواء داخل املستوى اجملتمعء‪ ،‬أو الدولكة‬
‫الوطنية‪ ،‬أو ح يف النكزاعات العرقية بني الدول‪.‬‬
‫عالرة الووية والثقافة مع الصراعا ‪:‬‬
‫بالرغم من أن الصراعات اليت ترتبط باهلوية والثقافة‪ ،‬هء صراعات واضحة‪،‬‬
‫من حيث الوجود واالنتشار‪ ،‬إال أهنا صراعات يصعب تسويتها‪ ،‬وقد تالكون ذات‬

‫توينبدي‪ ،‬أرنولد‪ :‬احلضارة يف امليزان‪ ،‬ترمجة الشريف‪ ،‬أمني‪ :‬مطبعة عيسى البابككء‬
‫احللبكء‪ ،‬القاهرة‪( ،‬ب‪ .‬ت)‪.‬‬
‫حداد‪ ،‬جورج‪ :‬املدخل إىل تاريخ احلضارة‪ ،‬مطبعة اجلامعة السورية‪.0118 ،‬‬
‫‪Rodolfo Stavenhagen, Ethnic Conflict and the Nation- State, London‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪& New York: Macmillan, 1996.‬‬

‫‪081‬‬
‫مدى زمين طويل‪ ،‬وال يوجد فيها منتصر‪ ،‬ولالن يوجد فيها مسيطر‪ .‬وهكء مكن‬
‫الصراعات املعقدة يف تفاعالهتا‪ ،‬ويف معرفة كيفية تأثريها وطبيعة آثارها‪.‬‬
‫إن الصراعات حول اهلوية‪ ،‬غالباً ما تتطور إىل انفصكال أو حالكم ذا ‪ ،‬أو‬
‫صرا هويات بني طوائف‪ ،‬أو قمع هلوية اآلخر حتت مسمى "الوحدة الوطنية" أو‬
‫"احملافظة على األمن العام"‪ ،‬أو "االرتباط بقوى خارجية"‪ .‬إن العالقة بكني اهلويكة‬
‫والصرا ‪ ،‬ينتج يف جوهره‪ ،‬إما نتيجة عدم "قبول اآلخر"‪ ،‬أو عدم "االعتراف" بكه‬
‫وخبصائصه الثقافية واالجتماعية أو التعايش معها‪ .‬أو االنغالق حول هذه اخلصائص‬
‫ضمن دائرة منتسبيها فقط‪ ،‬أو النظرة املتفردة للكذات "نككزعة عنصكرية"‪ ،‬أو‬
‫"تصنيف اآلخر" باختالفه عن الذات‪ .‬ويشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل "أننكا يف الواقكع‬
‫نتأثر إىل درجة مدهشة‪ ،‬بالنا الذين نرى أننا نشترك معهم يف هوية واحكدة‪...‬‬
‫ومع التحريض املناسب‪ ،‬ميالن أن يتحول وعء متعمق‪ ،‬منذ النشأة هبوية مشكتركة‬
‫مع مجاعة من النا ‪ ،‬إىل سالح قوي يوجه بوحشية ضد مجاعة أخرى‪ .‬والواقع أن‬
‫كثرياً من النكزاعات واألعمال الوحشية يف العامل‪ ،‬تتغذى على وهم هوية متفردة‬
‫ال اختيار فيها‪ .‬وفن بناء الالراهية‪ ،‬يأخذ شالل إثارة القوى السحرية هلوية مزعومة‬
‫السيادة واهليمنة‪ ،‬حتجب كل االنتماءات األخرى‪ ،‬وعندما تعطء هذه اهلوية شالالً‬
‫مالئماً مياالً للقتال‪ ،‬ميالن أيضاً‪ ،‬أن هتزم أي تعاطف إنساين‪ ،‬أو مشكاعر شكفقة‬
‫وفطرية‪ ،‬قد تالون موجودة يف نفوسنا بشالل طبيعء‪ .‬والنتيجة ميالن أن تالون عنفاً‬
‫عارماً مصنوعاً داخل الوطن‪ ،‬أو إرهاباً وعنفاً مراوغكاً ومكدبراً علكى مسكتوى‬
‫كوكبكء‪ .‬واحلقيقة‪ ،‬إن من أهم مصادر الصراعات الالامنة يف العكامل املعاصكر‪،‬‬
‫الزعم بأن النا ميالن تصنيفهم تصنيفاً متفرداً مؤسساً على الدين والثقافة"‪.1‬‬
‫ال شك أن احملافظة على اهلوية‪ ،‬حاجة وضرورة لإلنسان واجلماعات والدول‪.‬‬
‫ولالن النكزعة "التعصبية للذات"‪ ،‬أو إنالار أو هتميش هوية اآلخر‪ ،‬وما يصاحبها‬
‫من حماولة فرض هوية األقوى على األضعف‪ ،‬تشالل يف االجتكاهني مضكموناً أو‬
‫صراعاً كامناً‪ ،‬ضمن "السياق" أو "البنية املتناقضة"‪ ،‬والذي يشالل أحكد األبعكاد‬
‫الثالثية للعنف ومثلث الصرا ‪ ،‬الذي سبق احلديث عنه‪ .‬وما يستتبع ذلكك مكن‬

‫بن‪ ،‬أمارتينا (مؤلف)‪ ،‬توفيق‪ ،‬سحر (مترمجة)‪" :‬اهلوية والعنف‪ :‬وهم املصري احلتمء"‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫مرجع سابق‪.01-00 . ،‬‬
‫‪081‬‬
‫سلوك استفزازي أو قسري‪ ،‬لفرض هوية األقوى على األضعف؛ العتبارات التمايز‬
‫يف مالونات اهلوية‪ ،‬يفقد األقلية اإلحسا باألمان على اهلوية والذات واخلوف من‬
‫اآلخر‪ ،‬أو يولد سلوكاً رافضاً لآلخر منغلقاً على الذات بطريقة تؤدي إىل ممارسات‬
‫رافضة لالندماج والتعايش مع اآلخر‪ ،‬حبجة احملافظة على ثقافة الذات‪ ،‬وهو ما خيلق‬
‫شالوكاً متبادلة ونفوراً يربر سلوكاً عنيفاً بكني األقليكة واألغلبيكة‪ ،‬أو القكوي‬
‫والضعيف‪ ،‬باالعتماد على آليات عرقية أو دينية أو وطنية‪.‬‬
‫"إن مشهد السالم يف العامل املعاصر‪ ،‬قد يالمن بالامله يف االعتراف بتعدديكة‬
‫انتماءاتنا‪ ،‬ويف استخدام التفالري واملنطق‪ ،‬باعتبارمها موجودات مشتركة يف عكامل‬
‫متسع‪ ،‬بدالً من جعلنا نكزالء حمصورين بقسوة يف عبوات صغرية"‪ .1‬وهناك مكن‬
‫يشري إىل أن بعض الثقافات‪ ،‬أو اجملتمعات ذات طبيعة صراعية‪ ،‬أو عنيفة أكثر مكن‬
‫غريها‪ ،‬العتبارات ثقافية وسياسية واجتماعية ونفسية جمتمعية‪ .‬وبعض الدراسكات‬
‫حتاول تفسري ذلك‪ ،‬وحتليل وحتديد األس اليت تبىن عليها هذه الفرضية‪ .2‬ولالكن‪،‬‬
‫ال يعين ذلك أهنا عملية بيولوجية‪ ،‬بل باعتبارها عملية تنشئة ثقافية‪ ،‬وسياسية مكع‬
‫مؤثرات ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية‪.‬‬
‫وتضيف بعض الدراسات‪ ،‬جمموعة من عوامل الصرا ‪ ،‬ذات الطبيعة الثقافية‬
‫والعرقية واهلوية‪ ،‬واليت تلعب دوراً هاماً‪ ،‬أو تشالل مصدراً أساساً للعنف والصرا ‪،‬‬
‫يف بعض الدول أو األقاليم‪ ،‬أو على األقل تشالل بيئة بنيوية حلدوث العنف‪ ،‬منها‪:3‬‬
‫‪" .0‬غربة" السلطة السياسية‪ ،‬أو النظام السياسء احلاكم ثقافياً وسياسكياً‪ ،‬عكن‬
‫حميطه أو قواعده الشعبية‪.‬‬
‫‪" .1‬اجلهل" الديين وبالتاريخ السياسء للمجتمع العرقء‪.‬‬
‫‪ .2‬غياب العالقة التعاقدية الواضحة‪ ،‬والعدالة بني الدولة وطوائفها املختلفة‪.‬‬
‫املرجع نفسه‪.02 . ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Ross, Marc Howard: 1993, the Culture of Conflict: Interpretations and‬‬
‫‪Interests in Comparative perspective, New York & London, University‬‬
‫‪Press, p. 1-14.‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬الصراعات العربية الداخلية‪ :‬رؤية يف األسباب والدوافع‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.014-010 .‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬املرجع نفسه‪.014-010 . ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪084‬‬
‫‪ .4‬التالوين القسري للدولة القطرية‪ :‬حيث مل يتم يف غالب األحيكان‪ ،‬جعكل‬
‫احلدود السياسية للدولة القطرية‪ ،‬متجانسة مع احلدود الثقافية واالجتماعية أو‬
‫العرقية‪ ،‬ومبعىن آخر‪ ،‬استقطب هذا التالكوين القسكري‪ ،‬جمتمعكات غكري‬
‫متجانسة‪ ،‬وأحياناً متصارعة عرقياً أو طائفياً أو عشائرياً‪.‬‬
‫‪ .1‬الدور السلبكء "للنخبة" يف النظام السياسء واألقليات‪.‬‬
‫وظهرت على املستوى الدويل كذلك‪ ،‬نظرية صرا الثقافات واحلضكارات‪،‬‬
‫واليت تعترب أن صرا املستقبل‪ .‬هو صرا بني تالتالت ثقافية عاملية‪ .‬العتبكارات‬
‫قائمة على أسا أمهية اهليمنة الثقافية‪ ،‬أو احلضارية للحضارة الغربية على اآلخكر‪،‬‬
‫وإنالاره فالرة التعايش بينها مع الثقافات‪ ،‬واحلضارات األخكرى‪ ،‬مبعكىن آخكر‪،‬‬
‫الصرا الثقايف واحلضاري العاملء هو أسا رفض فالرة التعددية الثقافية الفاعلكة‪،‬‬
‫أو التشاركية احلضارية يف بناء وإدارة اجملتمع اإلنساين ومستقبله‪ .‬وقد سبق اإلشارة‬
‫يف مبحث سابق‪ ،‬إىل نظرية صدام احلضارات‪ ،‬عند احلديث عن نظريات الصرا ‪.1‬‬
‫‪ 3‬رضية الحقوق‪:‬‬
‫إن قضية احلقوق‪ ،‬تُعترب أيضاً من أهم القضايا اليت يشالل اخلكالف حوهلكا‪،‬‬
‫مصدراً أساساً للصرا ‪ ،‬سواء على مستوى األفراد‪ ،‬أو اجملتمع أو الدولة أو النظكام‬
‫الدويل‪ .‬وقضية احلقوق قضية يقع فيها اخلالف‪ ،‬والتباين حول حدودها بني أطراف‬
‫الصرا ‪ ،‬وما يعنينا هنا لي احلديث عن حقوق اإلنسان على مستوى األفراد‪ ،‬مثل‬
‫احلقوق املدنية والسياسية‪ ،‬مثل (حرية التعبري‪ ،‬احلماية القضائية‪ ،‬واألحزاب واحلرية‬
‫الدينية)‪ ،‬أو احلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬كاحلق يف العمكل وعكدم‬
‫التمييز‪ ،‬بل ما يعنينا هنا يسمى "احلقوق اجلماعية" ضمن منظومة حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬قضية حقوق اإلنسان قضية ترتبط بالعدالة من ناحية‪ ،‬وحتقيق الالرامة‬
‫ومتطلبات احلياة الالرمية للفرد‪ ،‬وتنمية اجملتمع من ناحية أخرى‪ .‬وسوف نتنكاول‬
‫هنا‪ ،‬ما يُعرف مبجموعة اجليل الثالث من حقوق اإلنسان أو "احلقوق اجلماعيكة"‪.‬‬
‫وتوصف باحلقوق اجلماعية‪ ،‬ألهنا تستلزم ملمارستها والتمتع هبا‪ ،‬وجود مجاعة مكن‬
‫األشخا‪ ،.‬يشتركون فيما بينهم يف روابط وخصائص معينة‪ ،‬أي يتعذر ممارسكة‬

‫راجع املبحث األول من الفصل الثالث ‪.002 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪085‬‬
‫هذه احلقوق‪ ،‬دون االخنراط يف مجاعة معينة‪ ،‬يشترك أفرادها يف املعتقد ذاته‪ .‬وكثري‬
‫من هذه احلقوق‪ ،‬ارتبطت نشأهتا حبركات سياسية واجتماعية‪ ،‬يف العديد من دول‬
‫العامل‪ .1‬ومن أمثلة هذه احلقوق على مستوى الدولة أو على املستوى الدويل‪ :‬احلق‬
‫يف تقرير املصري‪ ،‬حقوق األقليات‪ ،‬احلق يف السالم‪ ،‬احلق يف احلياة يف بيئة صكحية‬
‫وسليمة‪ ،‬حقوق الالجئني‪ ،‬حقوق املدنيني أثناء احلروب والصراعات املسكلحة‪ ،‬أو‬
‫حتت االحتالل‪ ،‬حقوق السالان األصليني وغريها من احلقوق اجلماعية‪ .‬ويكرتبط‬
‫تنفيذ هذه احلقوق على مستوى الدول‪ ،‬يف الوقت املعاصر‪ ،‬هكو مكدى قبوهلكا‪،‬‬
‫وتوافقها مع أو التزامها بالقانون الدويل واالتفاقيات الدولية‪ ،‬اليت تنظم هذه احلقوق‬
‫وممارستها‪ .‬ومن أهم هذه املواثيق واالتفاقيات‪ ،‬ميثاق األمم املتحدة ‪ 0141‬خاصكة‬
‫فيما يتعلق حبق تقرير املصري‪ ،‬واإلعالن العاملء حلقوق اإلنسكان‪ ،‬وسياسكة منكع‬
‫ومعاقبة جرمية التطهري العرقء‪ ،‬وامليثاق اخلا‪ .‬بوضع الالجكئني ‪ ،0110‬والعهكد‬
‫الدويل اخلام باحلقوق املدنية والسياسية عام ‪ ،0199‬والعهكد الكدويل اخلكا‪.‬‬
‫باحلقوق االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬عام ‪ ،0199‬إعالن القاهرة حلقوق اإلنسكان يف‬
‫اإلسالم ‪.0111‬‬
‫كما أنه أصبحت هناك مؤسسات وهيئات دولية‪ ،‬تُعكىن هبكذه احلقكوق‬
‫اجلماعية ومتابعة تنفيذها‪ ،‬خاصة أثناء احلروب والصراعات‪ ،‬وهذه املؤسسكات‬
‫واهليئات الدولية تعد مبثابة آليات حلماية حقوق اإلنسان اجلماعية‪ ،‬ومن أمثلة هذه‬
‫املؤسسات الدول ية‪ ،‬مؤسسات األمم املتحدة‪ ،‬مثل‪ :‬املفوضية السكامية حلقكوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬مفوضية األمم املتحدة لشؤون الالجئني‪ ،‬حمالمكة اجلنايكات الدوليكة‬
‫وغريها‪.‬‬
‫العالرة بين الحقوق الجماعية والصراعا ‪:‬‬
‫إن موضو احلقوق‪ ،‬سواء من حيث اإلنالار‪ ،‬أو التهميش يشالل مصكدرًا‬
‫أساساً للصراعات‪ ،‬سواء العرقية أو الطائفية‪ ،‬أو بني القوى واجلماعات السياسكية‪،‬‬
‫أو بني الدول‪.‬‬

‫الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬حقوق اإلنسان‪ :‬دراسة مقارنة يف النظرية والتطبيق‪ ،‬مالتبة الشكروق‬ ‫‪1‬‬
‫الدولية‪ ،‬القاهرة‪.041 . ،1112 ،‬‬
‫‪086‬‬
‫فعلى صعيد حقوق الشعوب يف االستقالل‪ ،‬وحق تقرير املصري (الذي ميثكل‬
‫أحد األشالال التطبيقية للحقوق اجلماعية)‪ ،‬فإهنا تُعترب أحد احلقوق األساسية‪ ،‬اليت‬
‫أقرها ميثاق األمم املتحدة والقرارات اليت صدرت عنها‪.1‬‬
‫يشري مفهوم حق تقرير املصري بصفة عامة‪ ،‬إىل حق ككل شكعب يف تقريكر‬
‫مصريه بنفسه وحبرية كاملة‪ ،‬وإىل حق كل شعب‪ ،‬يف اختيكار شكالل حالومتكه‬
‫ونظامه السياسء‪ ،‬واإلفادة من ثرواته الطبيعية‪ ،‬واالستفادة من تراثه دومنا قيد وفق‬
‫رغبته‪ .2‬تارخيياً‪ ،‬إن إنالار حق الشعوب يف تقرير املصري واالستقالل‪ ،‬شالل مصدراً‬
‫للحروب واملقاومة املسلحة‪ ،‬ضد االستعمار أو االحتالل‪ .‬وغالباً تتطلب ممارسكة‬
‫هذا احلق أو االعتراف به‪ ،‬إىل الدخول يف صراعات طويلة األمد بكني الشكعوب‬
‫ومستعمريها‪ ،‬أو حالامها‪ ،‬ح نالت مجيع شعوب العامل حقها يف تقرير املصري ما‬
‫عدا الشعب الفلسطيين‪.‬‬
‫كما إن إنالار حقوق األقليات سواء العرقية أو الدينية‪ ،‬كانت مصدراً للعنف‬
‫سواء على شالل حروب أهلية أو أعطت مربراً "شرعياً"‪ ،‬للتدخل اخلارجء‪ ،‬وأدت‬
‫إىل توتر العالقات بني الدول‪ .‬كما إن قضايا الالجئني واحلماية الدولية لألقليكات‪،‬‬
‫وغريها من احلقوق اجلماعية أنشأت مبدأ يف القانون الدويل والعالقات الدوليكة‪،‬‬
‫والذي يسمى "التدخل الدويل اإلنساين"‪ ،‬والذي يقوم دعاته‪ ،‬باملنكاداة بضكرورة‬
‫استخدام القوة‪ ،‬والشالل العسالري أو أي صورة من األعمال القسرية‪ ،‬واإلجبكار‬
‫حلماية مواطن دولة ما؛ إزاء املعاملة التعسفية أو اختراقها للقوانني اإلنسانية الدولية‪.‬‬
‫يشري قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة رقم ‪ 0104‬الصادر بتاريخ ‪ 0191/01/04‬بعنوان‬ ‫‪1‬‬
‫"إعالن منح االستقالل والشعوب املستمرة‪ ،‬الذي نص على ما يلء‪:‬‬
‫"‪ ......‬أن خضو الشعوب لالستعباد األجنبكء أو سيطرته أو استغالله‪ ،‬يُعترب إنالاراً‬
‫حلقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬ويناقض ميثاق األمم املتحدة‪ ،‬ويهدد قضية السالم والتعاون‬
‫يف العامل‪.‬‬
‫جلميع الشعوب احلق يف تقرير مصريها‪ ،‬وهلا مبقتضى هذا احلق أن حتدد حبرية مركزهكا‬
‫السياسء‪ ،‬وتسعى حبرية إىل حتقيق منائها االقتصادي واالجتماعء والثقايف‪."......‬‬
‫كما تنص املادة ‪ 11‬من ميثاق األمم املتحدة إىل أنه‪ ...." :‬رغبكةً يف هتيئكة دواعكء‬
‫االستقرار والرفاهية الضروريني لقيام عالقات سلمية ودية بني األمم‪ ،‬على أسا احترام‬
‫مبدأ تساوي الشعوب يف حقوقها‪ ،‬وحقها يف تقرير املصري‪ ."...‬نقالً عن أمحد الرشيدي‪،‬‬
‫املرجع نفسه‪.048-049 . ،‬‬
‫انظر حول مضمون ومفهوم هذا احلق‪ :‬الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬مرجع سابق‪.049 . ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪087‬‬
‫ويشمل ذلك استخدام القوة لضبط سلوك تصرفات الدول‪ ،‬ح داخكل منكاطق‬
‫سيادهتا الداخلية‪ .1‬ويشري بعض الباحثني‪ ،‬حول التدخل الدويل حلماية األقليكات‪،‬‬
‫ومبدأ االنفصال وما يترتب عليه من صراعات‪ ،‬إال أن احترام حقوق األقليات‪" ،‬ال‬
‫ينبغء أن يالون بأي حال من األحوال‪ ،‬على حساب السالمة اإلقليمية للدولة األم‪،‬‬
‫مبعىن أن ما يسميه البعض احلق يف االنفصال‪ ...‬ألن السماح لألقليات باالنفصكال‬
‫عن الدولة األم‪ - ،‬واعتبار ذلك حقاً من حقوقها‪ ،‬ميالن أن يستتبع تدخالً دوليكاً‬
‫لصاحل هذه األقلية أو تلك‪ -‬من شأنه أن يفتح الباب واسعا‪ ً،‬أمام صراعات داخلية‬
‫ودولية ال حد هلا‪ ،‬خاصة وأنه ما من دولة‪ ،‬إال فيما ندر‪ ،‬إال وتضكم يف إطارهكا‬
‫واحدة أو أكثر من اجلماعات (األقليات) املتمايزة نوعاً ما‪ ،‬عن باقء أفراد اجملتمكع‬
‫الذين يشاللون األغلبية"‪.2‬‬
‫خالصة القول‪ ،‬إن انتهاك أو إنالار احلقوق اجلماعية يف كثري من دول العامل‪،‬‬
‫شالل ويشالل مصدراً دائماً لالثري من الصراعات العنيفة‪ .‬ويف املقابل شالل انتهاك‬
‫حقوق اإلنسان عموماً‪ ،‬واحلقوق اجلماعية خصوصاً‪ ،‬مصدراً ودافعاً أساساً؛ لتنظيم‬
‫العديد من االتفاقيات الدولية حلماية هذه احلقوق‪ ،‬منها ما يتعلق باحلماية الدوليكة‬
‫لالجئني‪ ،‬ومنها ما يتعلق باحلماية الدولية حلقوق اإلنسان‪ ،‬أثناء الصراعات املسلحة‬
‫واحلروب‪ ،‬سواء من املدنيني أو املقاتلني‪ ،‬وأسرى احلروب‪ ،‬وأشهرها على سكبيل‬
‫املثال‪ :‬اتفاقيات جنيف األربع لعام ‪ .0141‬كما تأس العديد مكن املؤسسكات‬
‫اإلقليمية والدولية احلالومية‪ ،‬وغري احلالومية‪ ،‬واليت تُعىن بالعمل على محاية احلقوق‪،‬‬
‫منعاً حلدوث الصراعات الداخلية أو الدولية‪ .‬مثل‪ ،‬منظمة العفو الدوليكة‪ ،‬منظمكة‬
‫هيومان رايت ووتش‪ ،‬احملالمة اجلنائية الدولية‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذا املبدأ انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫عبد الرمحن‪ ،‬حممد يعقوب‪ :‬التدخل اإلنساين يف العالقات الدولية‪ ،‬مرككز اإلمكارات‬
‫للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبكء‪.1114 ،‬‬
‫الرشيدي‪ ،‬أمحد ‪ :‬حقوق اإلنسان‪ :‬دراسة مقارنة يف النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سكابق‪،‬‬
‫‪.111 .‬‬
‫الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬منظمة املؤمتر اإلسالمء‪ ،‬دراسة قانونية سياسكية يف ضكوء قكانون‬ ‫‪2‬‬
‫املنظمات الدولية‪ ،‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،‬جامعة القكاهرة‪ ،‬القكاهرة‪،‬‬
‫‪ ،044 . ،0111‬نقالً من الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬حقوق اإلنسان‪ :‬دراسة مقارنة يف النظرية‬
‫والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪.111 . ،‬‬
‫‪088‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر‪ ،‬أن هناك من يضيف قضايا جدلية أخرى للصرا ‪ ،‬مثكل‬
‫قضايا النو االجتماعء‪ ،‬وما يتولد عنها من صراعات جمتمعية‪ ،‬وتيارات وحركات‬
‫سياسية مثل احلركات النسوية‪ ،‬وامتداد دورها بني خمتلف اجملتمعات‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫قضايا أخرى‪ ،‬مثل‪ ،‬قضايا البيئة‪ ،‬وما تولده أيضاً من خالفات بني الدول‪ ،‬أو داخل‬
‫الدول‪ ،‬مع التيارات السياسية املعنية بالدفا عن القضايا البيئية‪.‬‬

‫‪089‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫التسوية والمنع الورائي‬


‫للصراعا األهلية والدولية‬

‫إن عملية تسوية الصراعات العنيفة‪ ،‬وعملية الوقاية أو املنع الوقائء حلكدوث‬
‫صراعات عنيفة على مستوى الصراعات األهلية‪ ،‬أو الدولية يشالالن عملية معقدة‬
‫ومركبة‪ ،‬وذلك‪ ،‬العتبارات عدّة‪ ،‬منها‪ :‬الظروف احمليطة بالصرا ‪ ،‬وطبيعة قضكايا‬
‫وأهداف الصرا ‪ ،‬وطبيعة دور أطراف الصرا ‪ ،‬وطبيعة آثار ونتائج الصرا ‪ ،‬سواء‬
‫على صعيد السلوك أو االجتاهات أو البنية اهلياللية‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬إن حراك اجملتمع اإلنساين مبختلف مستوياته سكواء علكى‬
‫صعيد الدولة أو النظام الدويل‪ ،‬ومؤسساته‪ ،‬والاليانات والوحدات اجملتمعية املعنية‪،‬‬
‫لتحقيق االستقرار واألمن‪ ،‬وتسوية الصراعات وحتقيق السالم العادل‪ ،‬والوقاية من‬
‫حدوث الصراعات‪ ،‬وهذا كله يشالل عنصراً جوهرياً يف عملية التنمية والعمكران‬
‫اإلنساين‪ .‬وبسبب هذه األمهية‪ ،‬فإن جهوداً علمية وأكادميية ضخمة‪ ،‬بُذلت يف هذا‬
‫اجملال‪ ،‬من قبل الباحثني واخلرباء أو املمارسني يف جمال دراسات الصرا والسكالم‪.‬‬
‫وهذه اجلهود العلمية‪ ،‬سعت لبناء نظريات ووسائل أو أساليب وأدوات منهجيكة‪،‬‬
‫لتسوية الصراعات أو الوقاية منها‪ .‬وسيتم يف هذا الفصل‪ ،‬استعراض بعض األطكر‬
‫واألشالال املنهجية‪ ،‬اليت قدمتها دراسات متخصصة يف جمال تسوية الصرا واملنع‬
‫الوقائء حلدوث الصراعات‪.‬‬

‫‪090‬‬
‫املبحث األول‬

‫آليا تسوية الصراعا وفض المنازعا‬

‫يتناول هذا املبحث‪ ،‬بعض األطر املنهجية‪ ،‬لتسوية الصراعات العنيفة‪ ،‬واليت تُعترب‬
‫آليات علمية وعملية‪ ،‬يف مسار تسوية الصراعات‪ ،‬أو فض املنازعات‪ ،‬سكواء علكى‬
‫مستوى الدولة أو بني الدول‪ .‬وقبل حتديد هذه األطر أو اآلليات‪ ،‬قد حنتاج إىل اإلجابة‬
‫عن السؤال اآل ‪ :‬م مت بدء دخول األطراف املتصارعة يف عملية تسوية للصرا ؟‬
‫حتاول العديد من دراسات الصرا وفض املنازعات‪ ،‬اعتبار أن نقطة البدء يف‬
‫عملية تسوية الصرا ‪ ،‬تالون من حلظة دخول األطراف املتصارعة يف مكا يُعكرف‬
‫بك "مرحلة أو حلظة االستواء‪ ،‬أو النضج‪ ،‬أو ما ميالن تسكميتها بكك "اللحظكة‬
‫املواتية"‪ .‬إذ يُقصد هبا الظروف والتغريات‪ ،‬اليت تؤدي إىل النقطة اليت تبكدأ فيهكا‬
‫األطراف املتصارعة‪ ،‬التفالري يف الدخول يف عملية تسوية للصرا العنيكف الكذي‬
‫تعيشه‪ ،‬وتُعترب حلظة النضج أو االستواء‪ ،‬اللحظ التمهيدية للدخول يف أي عمليكة‬
‫تسوية للصراعات العنيفة‪ .‬وترتبط مرحلة "االستواء أو النضج"‪ ،‬أو "اللحظة املواتية"‬
‫بشروط وعوامل عدّة سبق اإلشارة إليها‪.1‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬ويف ضوء التعريف الذي اعتمدته الدراسة لتسوية الصرا ‪،‬‬
‫والذي يُعين إما حل الصرا أو التعايش مع اخلالفات‪ ،‬فإن بعض الباحثني يقتكرح‬
‫جمموعة من اآلليات اليت تشالل مدخالً وإطاراً لعملية التسوية‪ ،‬وأمهها‪:2‬‬

‫راجع التفاصيل حول "اللحظة املواتية"‪ ،‬وشروط وجودها ومساهتا‪ ،‬يف املبحث الثاين من‬ ‫‪1‬‬
‫الفصل الثاين يف هذا الالتاب‪ ،91. ،‬وملزيد من التفاصيل حول "حلظكة االسكتواء أو‬
‫النضج" وشروط حتققها‪ ،‬راجع هامش ‪ 01‬من‪:‬‬
‫‪Zartman, William: 1989, Ripe for Resolution: Conflict and‬‬
‫‪Intervention Africa, New York, Oxford University Press, pp. 266-273.‬‬
‫حول هذه اآلليات انظر‪ :‬فالنستني‪ ،‬بيتر (مؤلف)‪ ،‬السدعد‪ ،‬سدعد ودبدور حممدد‬ ‫‪2‬‬
‫(مترمجني)‪ :‬مرجع سابق‪.011-012 . ،011-010 . ،81-81 . ،‬‬
‫‪091‬‬
‫تغيير األولويا ‪/‬تعديل الموارف األساسية‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫يف كثري من األحيان‪ ،‬ميالن الوصول إىل تسوية بني األطراف املتصكارعة يف‬
‫الصراعات العنيفة‪ ،‬نتيجة لتغريات تؤدي إىل قيام األطراف املتصارعة‪ ،‬أو أحكدها‬
‫بإدخال تغيري أو تعديل‪ ،‬يف األولويات أو املطالب أو املواقف األساسكية‪ .‬والكيت‬
‫يتسبب التمسك هبا تصلباً‪ ،‬مينع األطراف من الوصول إىل تسوية‪ .‬وعادة‪ ،‬حيكدث‬
‫التغيري يف األولويات أو املواقف األساسية نتيجة متغريات عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬حدوث تغيري يف القيادة السياسية ألحد األطراف‪ ،‬كأن تأ قيكادة سياسكية‬
‫براغماتية‪ ،‬بدالً من قيادة أيدولوجية سابقة‪ ،‬وهذا التغري يف القيادة‪ ،‬قد يؤدي‬
‫إىل اهتمامها بأولويات أو قضايا خمتلفة‪ ،‬واختالف تقديراهتا ألمهية املطالب‪.‬‬
‫‪ -‬قد حيدث التغيري يف األولويات واملواقف أيضاً‪ ،‬نتيجة التغكيري يف الظكروف‬
‫والتحالفات احمللية والدولية واإلقليمية احمليطة بقيادة األطكراف املتصكارعة‪،‬‬
‫وخاصة اليت تؤثر على إمالانيات وعالقات القوة لالل طرف من األطكراف‬
‫املتصارعة‪ ،‬مثل تغري النظام الدويل الثنائء القطبية‪ ،‬إىل أحادي القطبية‪ ،‬ومكا‬
‫نتج عنه من تغيري‪ ،‬يف موازين القوى لالثري من األطراف املتصارعة يف مناطق‬
‫عدة من العامل‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تغيري أو مجود‪ ،‬يف الظروف امليدانية للصرا ‪ ،‬مما جيعل فرصة االنتصكار‬
‫مستبعدة‪ ،‬ألي من األطراف املتصارعة‪ ،‬مما يترتب على اسكتمرار الصكرا ‪،‬‬
‫استنكزاف املوارد وتالاليف بشرية واقتصادية واجتماعيكة ككبرية‪ ،‬علكى‬
‫األطراف املتصارعة‪ ،‬مما يدفع األطراف املتصارعة‪ ،‬إىل تغيري يف مواقفهكا أو‬
‫مطالبها األساسية (مثال حرب اخلليج األوىل بني العكراق وإيكران ‪-0181‬‬
‫‪.)0188‬‬
‫‪ -‬حدوث أزمات حادة (اقتصادية أو كارثة إنسانية مثالً)‪ ،‬لكدى األطكراف‬
‫املتصارعة (كاألزمة املالية العاملية ‪ ،)1101- 1118‬وهذه األزمات احلادة تدفع‬
‫املتأثرين هبا من أطراف الصرا العنيف‪ ،‬إىل إعادة النظر والتقدير يف أولوياهتم‬
‫أو مواقفهم ومطالبهم األساسية‪ ،‬نتيجة تأثري هذه األزمات علكى قكدراهتم‬
‫وإمالانياهتم يف الصرا باجتاه أكثر مرونة‪ ،‬وإجيابية جتاه الطرف اآلخر‪ ،‬وسعياً‬
‫للوصول إىل حل وسط أو تسوية‪.‬‬
‫‪094‬‬
‫تقاسم الموارد أو المصادر المتنازع عليوا‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫تُعترب هذه اآللية‪ ،‬وسيلة تسوية بني األطراف املتصارعة‪ ،‬من خالل االعتمكاد‬
‫على مبدأ "احلل الوسط"‪ ،‬الذي حيقق بعض املطالب واألهداف األساسية ‪ -‬ولي‬
‫مجيعها‪ -‬لالل طرف‪ ،‬وفيه حيصل كل طرف‪ ،‬على جزء من املطالب‪ ،‬ويتنازل عن‬
‫جزء آخر‪ .‬وهو ما يشالل‪ ،‬نقطة االلتقاء "الوسط" بني األطراف املتنازعة‪ .‬وبالطبع‪،‬‬
‫إن عملية تقاسم املوارد أو الوصول إىل احلل الوسط‪ ،‬هء يف غالب األحيان‪ ،‬عملية‬
‫معقدة لي من السهولة حتقيقها‪ ،‬وهء نتاج عملية خماض للمفاوضات واملساومة‪،‬‬
‫تقوم على قاعدة األخذ والعطاء‪ .‬ولالن قبول هذه اآللية‪ ،‬يشالل إطاراً مبدئياً‪ ،‬يتم‬
‫العمل به للوصول من خالله إىل تسوية للصرا ‪ .‬ومبدأ تقاسم املوارد‪ ،‬أو املصكادر‬
‫قد يالون حول السلطة‪ ،‬مثل توزيع املناصب العليكا يف الدولكة‪ ،‬مكثالً‪ ،‬رئاسكة‬
‫اجلمهورية لطائفة‪ ،‬ورئاسة الوزراء لطائفة أخرى‪ ،‬ورئاسة الربملان لطائفة أخرى)‪،‬‬
‫أو تشاليل حالومة وحدة وطنية‪ ،‬بني أطراف الصرا وتقاسم املناصكب فيهكا‪.‬‬
‫وأحياناً‪ ،‬تستخدم هذه اآللية‪ ،‬يف منازعات املناطق اجلغرافية أو احلدود‪ ،‬أو املكوارد‬
‫الطبيعية‪ ،‬أو املياه بني الدول‪ .‬وغري ذلك‪ ،‬من القضايا أو املوارد املختلف عليهكا‪،‬‬
‫ولالن هذه اآللية‪ ،‬من الصكعوبة مبالكان اسكتخدامها فيمكا يتعلكق بصكرا‬
‫األيديولوجيات‪ ،‬والثقافات والقيم‪ ،‬واليت عادة ما ترتبط باهلوية احلضارية‪ ،‬والثقافية‬
‫ألطراف الصرا ‪ .‬ورمبا اآللية اآلتية‪ ،‬أقرب لالسكتخدام يف هكذا النكو مكن‬
‫الصراعات‪.‬‬

‫المقايضة‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫وهذه اآللية‪ ،‬تتم من خالل حصول طرف من أطراف الصرا ‪ ،‬على مجيكع‬
‫طلباته يف جانب معني من قضية ما موضع الصرا ‪ ،‬ويف املقابل‪ ،‬حيصكل الطكرف‬
‫اآلخر‪ ،‬على مجيع طلباته يف جانب آخر من هذه القضية‪ .‬فهء عملية مقايضة‪ ،‬يتم‬
‫فيها حصول طرف على ‪ %011‬يف جزء من القضية‪ ،‬مقابل حصول الطرف اآلخر‬
‫على ‪ %011‬يف جزء آخر من القضية‪ .‬وهذه اآللية‪ ،‬أيضاً‪ ،‬شكالل مكن أشكالال‬
‫الوصول إىل "احلل الوسط"‪ ،‬الذي يرضء تطلعات ومطالب األطراف املتصكارعة‪،‬‬
‫ولالن دون اللجوء إىل عملية تقسيم‪ ،‬أو جتزئة للهدف املطلوب‪ .‬وآليكة املقايضكة‬
‫‪095‬‬
‫ميالن استخدامها‪ ،‬سواء على صعيد السلطة السياسية‪ ،‬كحكدوث تكداول دوري‬
‫لرئاسة السلطة‪ ،‬بني القوى السياسية املتنازعة‪ .‬وهذه اآللية‪ ،‬ميالن استخدامها نسبياً‬
‫يف الصراعات األيديولوجية‪ ،‬أو الثقافية واهلوية‪ ،‬مقارنة مع آلية تقاسم املوارد‪ ،‬إذ ال‬
‫حيتاج فيها إىل تقسيم أو جتزئة القيم‪ ،‬والبيئة الثقافية أو األيديولوجية‪ .‬وإمنا يتم قبول‬
‫مالونات بشالل كامل من املنظومة األيديولوجية‪ ،‬أو الثقافية أو اهلوية‪ ،‬من قبل كل‬
‫طرف جتاه اآلخر‪ .‬كما يتم التعامل مع هذه اآللية أيضاً‪ ،‬يف نكزاعات الدولة حول‬
‫األرض واحلدود‪ ،‬ومقايضتها وفق االمتدادات أو اجلغرافيا العرقية والثقافية‪.‬‬

‫تشارك السيطرو (السيطرو المشتركة)‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫وهذه اآللية‪ ،‬تتمثل يف إجياد األطراف املتصارعة قواسم إدارة أو سكيطرة‬


‫مشتركة‪ ،‬حول القضية املتناز عليها‪ ،‬كأن يؤس الطرفان منظمكة أو هيئكة‬
‫مشتركة إلدارة املوارد املائية أو املوارد الطبيعية أو االقتصادية‪ ،‬املتناز عليها‪،‬‬
‫ومن مث تقاسم عائداهتا أ و أرباحها‪ .‬أو تشاليل حالومة ائتالف‪ ،‬متثكل فيهكا‬
‫األطراف املتصارعة وفق ترتيبات معينة‪ ،‬وذلك إلدارة السلطة‪ .‬وأحياناً قد تولد‬
‫آلية السيطرة املشتركة‪ ،‬منظمات أو جمال قانونية أو اقتصكادية أو سياسكية‪،‬‬
‫تالون نواة لعملية تالامل وتعاون إقليمء‪ ،‬بني الدول املتنازعة سابقاً‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫ميزة هذه اآللية لي فقط تسوية الصرا حول قضية ما فقط‪ ،‬وإمنا أيضاً قكد‬
‫حتول العالقات من منط‪ ،‬أو حالة نكز اعية إىل منط تشاركء تعاوين متقدم بكني‬
‫األطراف املتنازعة‪.‬‬

‫‪ 1‬ترك السيطرو لطرف آخر (ثالث)‪:‬‬


‫أحياناً‪ ،‬يتم معاجلة أو تسوية نكزا بني طرفني‪ ،‬خاصة‪ ،‬يف ضوء حالة عكدم‬
‫الثقة السائدة‪ ،‬بني الطرفني‪ ،‬باللجوء إىل آلية تسوية‪ ،‬تقوم على تنازل كل طكرف‬
‫عن سيطرته أو إدارته للموارد أو السلطة أو األراضء أو القضية املتناز عليهكا إىل‬
‫طرف ثالث‪ ،‬يالون مقبوالً لالال الطرفني وقد يالون ذلك لفترة زمنية قصكرية‪ ،‬أو‬
‫مرحلة انتقالية‪ ،‬أو طويلة املدى‪ ،‬إىل أن تصل األطراف املتنازعة؛ إىل صيغة اتفاق أو‬
‫تسوية معينة‪ .‬وهذه اآللية‪ ،‬تُستخدم بشالل متالرر‪ ،‬يف الصراعات الدولية‪ ،‬وبشالل‬
‫‪096‬‬
‫أوضح أو أكثر‪ ،‬يف صراعات االستقالل أو االنفصال القائمكة علكى اهلويكة أو‬
‫االمتدادات العرقية أو اإلثنية‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬قضايا احملميات الدولية‪ ،‬مثل خضو األكراد يف مشال‬
‫العراق يف بداية التسعينيات إىل محاية دولية‪ ،‬وخضو كوسوفو عام ‪( 0111‬الكيت‬
‫كانت جزءاً من يوغسالفيا) حتت حلماية الدولية‪ ..‬وكذلك انفصال تيمور الشرقية‪،‬‬
‫عن إندونيسيا عام ‪ 0111‬وخضوعها إىل إدارة األمم املتحدة فترة مؤقتكة‪ ،‬حك‬
‫االنتهاء من ترتيبات استقالهلا‪ .‬وكذلك إخضا سلطة املعرب احلدودي (معرب رفح)‬
‫(بني قطا غزّة ومصر) ‪ -‬بعد انسحاب إسرائيل من قطكا غكزّة ‪ ،-‬إىل إدارة‬
‫أوروبية‪ ،‬من خالل مراقبني أوروبيني‪ ،‬وبترتيب مع إسرائيل والسلطة الفلسكطينية‬
‫الرمسية‪ .‬وهناك أشالال أخرى هلذه اآللية‪ ،‬مثل‪ ،‬إجياد مناطق منكزوعة السالح أو‬
‫مناطق عازلة‪ ،‬بني الدول املتصارعة‪ ،‬ختضع لسلطة قوات دولية‪ ،‬أو قوات حفكظ‬
‫السالم التابعة لألمم املتحدة‪ ،‬كما هء احلال‪ ،‬يف سيناء مصر‪ ،‬نتيجكة اتفاقيكات‬
‫كامب ديفيد بني مصر وإسرائيل‪ ،‬أو كما هو احلال‪ ،‬يف تواجد قكوات اليونيفيكل‬
‫على احلدود بني لبنان وإسرائيل يف عام ‪.1119‬‬
‫كما ميالن استخدام هذه اآللية‪ ،‬بأشالال أخرى‪ ،‬مثل‪ ،‬إخضا االنتخابات يف‬
‫دول ما‪ ،‬إىل إشراف مراقبني دوليني‪ ،‬يف ضوء نكزاعات أو صكرا وانقسكامات‬
‫سياسية بني القادة أو السلطة السياسية احلاكمة‪ ،‬وقوى املعارضة‪ ،‬سواء كان هكذا‬
‫الصرا عنيفاً أو قد يتطور إىل صرا عنيف‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫اآلليا التقليدية لتسوية الصراعا‬ ‫‪9‬‬

‫هذه اآلليات‪ ،‬تتمثل باستخدام جمموعة من اإلجراءات والوسائل القانونيكة أو‬


‫السياسية‪ ،‬وهذه اإلجراءات‪ ،‬تالون مقبولة ألطراف الصرا ‪ .‬ومكن أبكرز هكذه‬
‫اآلليات‪ ،‬التحاليم‪ ،‬خاصة يف نكزاعات األرض أو احلدود بكني الكدول‪ ،‬سكواء‬
‫باللجوء إىل منظمة العدل الدولية‪ ،‬أو منظمات إقليمية‪ ،‬يف منطقة الصرا ‪ .‬كما إن‬
‫من أشالال هذه اآلليات التقليدية‪ ،‬تنظيم استفتاء سواء ملعرفة آراء شعوب معينة أو‬
‫السالان األصليني يف االستقالل أو االنفصال‪ ،‬عن دول ما‪ ،‬أو ممارسة حق تقريكر‬
‫املصري‪ .‬ففء أحيان كثرية يتم اللجوء إىل استفتاء الشعوب‪ ،‬لتقرير املوافقكة مكن‬
‫‪097‬‬
‫عدمها على اتفاقية سالم‪ ،‬بني دولتني متصارعتني‪ .‬ويف بعض األحيان أيضا‪ ،‬يكتم‬
‫اللجوء إىل تنظيم انتخابات‪ ،‬كإحدى هذه اآلليات لتسوية خالفات حول السلطة‪،‬‬
‫بني أطراف الصرا يف دولة ما‪.‬‬
‫عادةً‪ ،‬يتم االتفاق بني أطراف النكزا على استخدام أحد أو جمموعة مكن‬
‫اآلليات السابقة لتسوية الصرا بينها‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬بالرغم من أن هذه اآلليات‪ ،‬تعترب أشالاال معروفة‪ ،‬ولالن ممارستها أو‬
‫استخدامها‪ ،‬يتطلب يف كثري من األحيان اسكتحواذ أشكالال وحلكول إبداعيكة‬
‫لنجاحها‪ ،‬باإلضافة إىل املصداقية واجلدية من قبل أطرافها‪.‬‬

‫ترك األمور إلى فترو الحقة أو المستقبل‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫تتمثل هذه اآللية يف تأجيل تسوية قضية الصرا إىل املستقبل‪( ،‬احملدد زمنياً أو‬
‫املفتوح) ويتم عادة اللجوء إىل استخدام هذه الطريقة‪ ،‬لالسب الوقت الكذي قكد‬
‫يترتب عليه‪ ،‬إمّا تغيري يف املواقف السياسية‪ ،‬أو يف الظروف احمليطة بالصكرا ‪ ،‬أو‬
‫خللق فر‪ .‬جديدة لتسوية الصرا ‪ ،‬أو انتظار نتائج أو تقارير معينة‪ ،‬من جلكان أو‬
‫بعثات‪ ،‬تعمل على التحقيق يف الصرا أو دراسة تقدمي بعض احللول‪ ،‬إن هذه اآللية‬
‫تعتمد على عدم إمالانية حل كافة قضايا الصرا وتعقيداته يف وقت واحد‪ ،‬مكع‬
‫إمالانية توفر فر‪ .‬مستقبلية تسهم يف تسوية الصرا ‪.‬‬
‫إن هذه اآلليات السبعة‪ ،‬تشالل إطاراً عاماً ولالن‪ ،‬لي إطاراً حصرياً‪ ،‬ففكء‬
‫كثري من األحيان تعتمد تسوية الصراعات‪ ،‬على حلول وآليات إبداعية جديكدة‪،‬‬
‫وهذه اآلليات ميالن استخدامها فرادى‪ ،‬أو قد يتم دمج أكثر من آليكة يف عمليكة‬
‫تسوية الصراعات‪.‬‬
‫إن هذه اآلليات تساعد إىل حد كبري‪ ،‬يف حتديد أطكر عمليكة أو جتاهكات‬
‫ومداخل معينة‪ ،‬للبحث من خالهلا عن تسويات للصراعات‪ ،‬خاصكة الصكراعات‬
‫الدولية واألهلية‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬فإن هناك بعض الدراسات‪ ،‬تتناول إطكاراً آخكر لتسكوية‬
‫الصراعات‪ ،‬وحتقيق السالم‪ ،‬منها ما أطلق عليه منكوذج ثالثيكة ‪،(Triple M) M‬‬
‫وهذه الثالثية أو األمنوذج‪ ،‬يشالل إطاراً لتسوية الصراعات من ناحيكة‪ ،‬وإطكاراً‬
‫‪098‬‬
‫مالمالً أو تالاملياً لآلليات السبعة‪ ،‬اليت سبق اإلشارة هلا من ناحية أخرى‪ .‬وإن هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬يقدم رؤية أو مدخالً هاماً إبداعياً‪ ،‬لتسوية الصراعات بطريقكة يوجكد أو‬
‫ينتج عنها‪ ،‬خالصة دقيقة لألدبيات الغربية‪ ،‬يف دراسات تسوية الصراعات‪ .‬وهكذا‬
‫اإلطار‪ ،‬قدمه الباحث السويدي توما أولسكن ‪ ،Thomas Ohlson‬األككادميء‬
‫واخلبري يف دراسات الصرا والسالم يف جامعة أوبساال‪ ،‬يف دراسته حول أسكباب‬
‫احلرب والسالم‪ .1‬ويشمل هذا اإلطار "ثالثية ‪ "M‬جمموعكة مكن اخلطكوات‪ ،‬أو‬
‫املراحل لتسوية الصراعات‪ ،‬تبدأ من خالل حتديد مراحل عملية لتسوية الصكرا ‪،‬‬
‫وحتقيق السالم‪ ،‬من خالل ثالث مراحل هء‪:‬‬
‫‪ .0‬مرحلة احلوار‪ :‬وهء مرحلة االتصاالت والوساطة‪ ،‬احملادثات واملفاوضكات‪،‬‬
‫اليت تؤدي إىل اتفاقية سالم‪.‬‬
‫‪ .1‬مرحلة التنفيذ‪ :‬وهء املرحلة اليت تتمحور حول تنفيذ اتفاقيات السالم‪ ،‬املوقعة‬
‫بني أطراف الصرا ‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة الترسيخ أو التطبيع‪ :‬وهء املرحلة اليت حيدث فيها‪ ،‬أو تظهكر فيهكا‬
‫النتائج أو التغيريات الناجتة‪ ،‬عن تنفيذ االتفاقية (أو مرحلة التنفيذ)‪ ،‬ويف هكذه‬
‫املرحلة‪ ،‬تلقى اتفاقيات التسوية ممارسة وقبكو ًال وشكرعية‪ ،‬علكى الصكعيد‬
‫الشعبكء‪ ،‬وعلى صعيد النخب والقادة‪ ،‬وبالتايل تلقى قبوالً وممارسة ملا تنتجه‬
‫االتفاقية‪ ،‬من أنظمة وقوانني وسياسات‪ ،‬وكذلك ما يترتب على عملية تنفيذ‬
‫االتفاقية من نتائج واستحقاقات‪.‬‬
‫ومن مث تنتقل الدراسة إىل حتديد العناصر‪ ،‬اليت يتالون منها إطار ثالثيكة ‪،M‬‬
‫والذي يرتبط أو يتالون من ثالثة عناصر‪ ،‬أو مراحل تؤدي إىل حكدوث تسكوية‬
‫للصراعات أو حتقيق السالم‪ ،‬والعناصر أو املراحل الثالثة هء‪:‬‬
‫‪ .0‬مرحلة "أزمة املعاناة املتبادلة" ‪ :)MHS (Mutual Hurting Stalemate‬وهء‬
‫تعين الدخول يف فترة أو حلظة "النضج أو االستواء" أو "اللحظة املواتية"‪ ،‬واليت‬
‫مت احلديث عنها سابقاً‪ .2‬وهذه املرحلة‪ ،‬ختلق تغيري قناعات لدى النخبكة‪ ،‬أو‬
‫‪Ohlson,Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪pp. 144-152.‬‬
‫راجع الفصل الثاين‪ ،‬املبحث الثاين‪ ،‬من هذا الالتاب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪099‬‬
‫قادة الصرا ميهد للدخول يف مرحلة احلوار‪ ،‬وهتيئهم إلمالانية الكدخول يف‬
‫املفاوضات‪ ،‬مع احتمالية حدوث تغيري لسلوكهم الصراعء‪.‬‬
‫‪ .1‬مرحلة "الفر‪ .‬احملفزة" للطرفني "مرحلكة احلكوافز" ( ‪Mutually Enciting‬‬
‫‪ :)"Opportunities "MEO‬وهء املرحلة اليت تظهر فيها النتائج اجلاذبكة‪ ،‬أو‬
‫اليت تشالل جوهر أو مضمون إطار التسوية‪ ،‬ويف هذه املرحلة فكإن وجكود‬
‫طرف ثالث‪ ،‬أو وسيط يشالل ضرورة وأمهية أساسية‪ ،‬لي للتواصل وبنكاء‬
‫الثقة فقط‪ ،‬وإمنا أيضاً يساهم يف تعزيز أو يزيد من جاذبية احلوافز أو املوارد‪،‬‬
‫ويعمل بالتايل على تسهيل الوصول إىل تسوية‪ .‬وهذه املرحلة‪ ،‬ختلكق تغكيرياً‬
‫تدرجيياً بني أطراف الصرا سواء من حيث الثقة واالجتاهات اإلجيابية بكني‬
‫النخب أو القادة‪ ،‬أو من حيث توفري أو زيادة درجة الشرعية السياسية هلكم‪،‬‬
‫للدخول يف عملية السالم أو حتقيق التسوية‪ ،‬سواء أكان ذلكك يف مرحلكة‬
‫احلوار أم التنفيذ‪.‬‬
‫واحلوافز يف هذه املرحلة‪ ،‬تتجه عادة حنو خنب‪ ،‬أو قادة أطراف الصرا أكثكر‬
‫من اجتاهها حنو الشعوب‪ ،‬ومن أمثلة هذه احلكوافز‪ ،‬منكافع فوريكة ماديكة‬
‫ملموسة‪ ،‬توفري ضمانات حلقهم يف السلطة‪ ،‬وبالتايل احملافظة على مناصكبهم‪،‬‬
‫ومشاركتهم يف السلطة‪ ،‬تعزيز شرعيتهم على الصكعيد الكداخلء‪ ،‬حتسكني‬
‫صورهتم الدولية‪ ،‬تأمني املنح واملساعدات الدولية ألطراف الصكرا ‪ ،‬وغكري‬
‫ذلك من األمثلة‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة جين الثمار "جين املنكافع املتبادلكة" ‪(MOR Mutually Obtained‬‬
‫)‪ :Rewards‬وهذه املرحلة‪ ،‬هء مرحلة يتحقق فيها السالم‪ ،‬سواء املستقر أو‬
‫الدائم‪ ،‬وهذه املرحلة ترتبط مبرحلة "التعزيز‪ ،‬والتطبيع" بني أطراف الصكرا ‪.‬‬
‫وما ينتج عن ذلك من العودة إىل السياسة الطبيعية‪ ،‬وحتقيق قبكول وشكرعية‬
‫شعبية التفاقيات السالم‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬املشاركة على كافة املسكتويات الشكعبية‬
‫والرمسية‪ ،‬يف تعزيز السالم والتطبيع‪ ،‬بني أطراف الصرا ‪ .‬ومكن مث‪ ،‬حتقيكق‬
‫التنسيق السياسء واألمين‪ ،‬ومساحات واسعة من التعاون الثقايف واالجتماعء‪،‬‬
‫والتعاون االقتصادي والتجاري‪ ،‬وغري ذلك من جمكاالت التعكاون واملنكافع‬
‫املتبادلة‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫إن تفاعل عناصر أو مراحل األمنوذج الثالثء (ثالثية ‪ ،)M‬عملية غكري بسكيطة‬
‫ومعقدة‪ ،‬وال تسري بشالل مستقيم متتال وبشالل تلقائء‪ ،‬وإمنا تبدأ من مرحلة "أزمكة‬
‫املعاناة املتبادلة" ‪ ،MHS‬مث تنتقل إىل مرحلة الفر‪ .‬احملفزة ‪ ،MEO‬ومن مث إىل مرحلكة‬
‫جين الثمار ‪ ،MOR‬وهذه املراحل أو العناصر الثالثية‪ ،‬قد ال متلك حكدوداً فاصكلة‪،‬‬
‫وبالتايل يتم االنتقال فيها من مرحلة إىل مرحلة أخرى‪ ،‬بشالل متداخل أحياناً‪.‬‬
‫ميالن القول‪ ،‬إن إطار أو منوذج ثالثية ‪ ،M‬يوفر رؤية وإطاراً أو مدخالً هاماً حنو‬
‫تسوية الصرا ‪ ،‬وحتقيق السالم‪ ،‬خاصة إذا مت ربطه مع منوذج حتليل أسباب الصكرا‬
‫(مثلث ‪ ،)Triple R‬واللذين يشالالن معاً إطاراً شامالً‪ ،‬يتناول مراحل عملية الصرا ‪،‬‬
‫بدءاً من حتليل الصرا وانتهاء بتسوية الصرا ‪ ،‬واملنع الوقائء للصرا ‪ .‬وبالرغم من أن‬
‫توما أولسن‪ ،‬تناول ثالثية ‪ M‬ومنوذج مثلث ‪ R‬على مستوى الصكراعات األهليكة‪،‬‬
‫ولالنه* مل ينف يف دراسته‪ ،‬إمالانية استخدامها على مستوى الصراعات الدولية‪ .1‬ويف‬
‫إطار أمهية منوذج مثلث ‪ ،R‬الذي سبق اإلشارة إليه‪ ،‬ومنوذج ثالثية ‪ ،M‬وتالاملكهما‪،‬‬
‫فإنه ميالن اقتراح الشالل التوضيحء اآل الذي يربط بني كال اإلطارين‪:‬‬
‫‪M‬‬ ‫الشكل ررم (‪ :)93‬العالرة بين ثالثية ‪ R‬وثالثية‬

‫خالل مناقشا مع أستاذ الصراعات توما أولسن حول هذا النموذج وجودي يف قسم‬ ‫‪1‬‬
‫دراسات السالم وأحباث الصرا يف جامعة أوبساال يف العام ‪ ،1101‬أكد يل بأن هكذا‬
‫النموذج ميالن تطبيقه على الصراعات الدولية‪ ،‬ولالنه مل يدر ذلك‪ ،‬بل طلب مين أن‬
‫أستالمل تطوير هذا النموذج وأحاول تطبيقه على صراعات دولية‪ ،‬باإلضافة إىل إجيكاد‬
‫شالل أو منوذج يدمج ثالثية ‪ R‬مع ثالثية ‪ ،M‬وهذا ما قمت بإضافته يف هذا املبحث‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫يف ختام هذا املبحث‪ ،‬ميالن القول‪ :‬إن هذه النماذج واآلليات‪ ،‬هء مكداخل‬
‫وأطر منهجية‪ ،‬تساعد يف كيفية البدء أو املسار الذي ميالن البدء به‪ ،‬للوصكول إىل‬
‫تسوية للصرا بني األطراف املتنازعة‪ .‬وبالرغم من أمهية هذه اآلليات والنمكاذج‪،‬‬
‫إال أن تطبيقها ما زال خيضع إىل ضرورة توفري أفالار إبداعية‪ ،‬وقدرة كبرية علكى‬
‫تغيري قناعات أطراف الصرا ‪ ،‬للوصول إىل تسوية أو لتقدمي حلول مرضية؛ وعملية‬
‫سواء من خالل املفاوضات‪ .‬أو من خالل عملية الوساطة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫املبحث الثاني‬

‫تعقيدا الصراعا الدولية واإلرليمية‬


‫وارتباطوا بعملية تسوية الصراعا‬

‫إن أي تسوية للصراعات بالافة مستوياهتا‪ ،‬تتطلب دراسة تعقيدات الصرا ‪،‬‬
‫وما يرتبط هبا من تشابالات وعوامل مؤثرة يف الصرا ‪ ،‬أو يف توجيكه تفكاعالت‬
‫الصراعات واجتاهاهتا‪ ،‬وبالتايل توجيه عملية تسوية الصرا ‪ .‬إن دراسة تعقيكدات‬
‫الصرا ‪ ،‬هء جزء من دراسة عملية حتليل الصرا ‪ ،‬واليت تُعترب مرحلكة أساسكية‪،‬‬
‫للدخول يف عملية تسوية الصرا ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فإن هذا املبحث‪ ،‬يتناول إعداد إطكار‬
‫أو خريطة طريق‪ ،‬ملعرفة عناصر أو مالونات وتعقيدات الصرا اإلقليمء والدويل‪،‬‬
‫حبيث متهد أو توفر هذه اخلريطة‪ ،‬أرضية منهجية تساهم يف معرفة كيفيكة تسكوية‬
‫الصراعات‪.‬‬

‫مفووم تعقيدا الصراع‪:‬‬


‫تباينت املفاهيم حول ماهية تعقيدات الصرا ‪ ،‬إال أن جوهر هكذا املفهكوم‪،‬‬
‫يُقصد به تشابالات وروابط الصرا (األهلء‪ ،‬اإلقليمء أو الدويل)‪ ،‬سواء من حيث‬
‫تعدد األطراف‪ ،‬أو قضايا الصرا ‪ ،‬أو الظروف احمليطة به‪ ،‬ومن مث تأثري ذلك علكى‬
‫تفاعالت الصرا والعالقات داخل وحدات الصرا ‪ ،‬أو مع الوحدات والاليانات‬
‫اخلارجية‪ .‬وتعرّفها قاعدة أوبساال لبيانات الصرا ‪ ،‬بأهنا أوضا ‪ ،‬تالون فيها روابط‬
‫هامّة‪ ،‬أو حتتوي على خربات أو جتارب الصراعات األهليكة‪ ،‬أو الدوليكة لكدول‬
‫متجاورة‪ ،‬وهذه الروابط‪ ،‬هلا أمهية يف تغيري دينامياليات الصرا ‪ ،‬أو هلكا تكأثري يف‬
‫عملية تسوية الصرا مع طرف جماور‪ .‬ومن أشالال هذا االرتباط‪ :‬النكزاعات عرب‬
‫احلدود‪ ،‬مثل مجاعة عرقية ممتدة عرب حدود دولية‪ .‬بشالل آخر‪ ،‬تتمثل تعقيكدات‬
‫‪111‬‬
‫الصرا يف حركة التفاعل والتعاون‪ ،‬مثل التحالف العسالري والسياسء‪ ،‬أو الدعم‬
‫السياسء واالقتصادي أو اللوجسيت املباشر أو غري املباشر‪ ،‬من طرف ما ألطكراف‬
‫حالومية؛ أو غري حالومية يف دولة أخرى جماورة‪ ،1‬واملفهوم هنا يشكمل جهكود‬
‫األطراف اإلقليمية أو الدولية للتسوية السلمية للصرا ‪.‬‬
‫والبعض اآلخر ‪ ،‬يشري إىل مفهوم لتعقيدات الصرا أكثر التصكاقاً بكاألمن‬
‫اإلقليمء‪ ،‬أو على اعتبار أنه جزء من األمن اإلقليمء‪ ،‬إذ يشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل‬
‫أن تعقد األمن اإلقليمء‪ ،‬هو عبارة عن جمموعة دول تتأثر باستمرار‪ ،‬بعامكل أو‬
‫بالعوامل اخلارجية األمنية‪ ،‬واليت تصدر أو تنبثق‪ ،‬من م ناطق جغرافية خمتلفكة أو‬
‫مستقلة عنها‪ ،‬ومن هنا يتمثل هذا التعقيد‪ ،‬يف أن أمن هذه الدول األعضاء مترابط‬
‫أو متداخل‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬يتأثر بأعمال أو تصرفات أي دولة عضو‪ ،‬وكذلك يكرتبط‬
‫األمن اإلقليمء بشالل كبري‪ ،‬بالتطورات الداخلية ألي عضو‪( ،‬وككال األمكرين‬
‫التصرفات والتطورات ال داخلية)‪ ،‬هلما تأثري كبري على اآلخرين‪ .‬وبالرغم مكن أن‬
‫اجلغرافيا تربط معظم جمموعة دول األمن اإلقليمء‪ ،‬إال أنه لكي بالضكرورة أن‬
‫يالون اجلوار اجلغرايف شرطاً لدولة‪ ،‬ح تالون جزءا من هذا األمن اإلقليمكء‪.2‬‬
‫وهبذا املفهوم‪ ،‬ال يفصل الباحث بني األمن اإلقليمء واالمتدادات أو االرتباطات‬
‫أو التأثريات اخلارجية أو الدولية‪ ،‬بغض النظر عن وحدة اإلقلكيم أو التجكاور‬
‫اجلغرايف‪ .‬يف ضوء تناولنا مفاهيم تعقيدات الصرا ‪ ،‬سيتم مناقشة جمموعكة مكن‬
‫النماذج (التقنيات)‪ ،‬اليت تشالّل إطاراً منهجياً‪ ،‬لتحليل أو تفاليكك‪ ،‬تعقيكدات‬

‫‪Wallensteen, Peter & Sollenberg, Margareta: 1998, ‘Armed Conflict‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪and Regional Conflict Complexes, 1989-97’, Journal of Peace‬‬
‫‪Research, 35 (5): 621-634, p. 623.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول مفهوم تعقيدات الصرا ‪ ،Conflict Complexes‬انظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Lake , David & Morgan, Patrick M. (ed): 1997, Regional Orders:‬‬
‫‪Building Security in a New World, A Project of the University of‬‬
‫‪California Institute on Global Conflict & Cooperation, the‬‬
‫‪Pennsylvania State University Press, Pennsylvania, p. 12.‬‬
‫لألمن اإلقليمء‪ ،‬املرجع نفسه‪Buzan.19-11 . ،‬انظر مفهوم بوزان‬
‫‪Guha, Amalendu: "Conflict Resolution, Process of", in Choue, Young‬‬
‫‪Seek (ed): 1999, World Encyclopedia of Peace, pp. 321-328, Oceana‬‬
‫‪Publications, Inc. New York, Vol. I, Second Edition, p. 321.‬‬

‫‪114‬‬
‫الصرا ‪ ،‬سواء على مستوى األطراف أو الفاعلني‪ ،‬أو قضايا الصرا ‪ ،‬أو التفاعل‬
‫وعالقات الصرا ؛ وخيدم هذا اإلطار يف إجياد حلكول علميكة جتكاه تسكوية‬
‫الصراعات‪ .‬وإن استخدام هذه التقنيات (أو اإلطار املنهجء) يفيد يف حتقيق مكا‬
‫يأ ‪:1‬‬
‫‪ .0‬فهم وحتليل علمء عميق ومتماسك وشامل حلاالت الصرا ‪ ،‬وهو ما يؤدي‪،‬‬
‫إىل حتديد ما جيب عمله فيما يتعلق بعملية حتليل وإدارة وتسوية الصرا ‪ ،‬مع‬
‫حتديد كيفية تنفيذها‪.‬‬
‫‪ .1‬توفري حلول إبداعيكة مكن املتخصصكني واملمارسكني‪ ،‬تسكاهم يف تسكوية‬
‫الصراعات‪.‬‬
‫‪ .2‬عملية تطبيق النماذج‪ ،‬يسكاعدنا أيضكاً ‪ -‬يف الوصكول إىل أو ‪ -‬حتقيكق‬
‫ما يأ ‪:‬‬
‫‪ -‬تالوين الرؤية‪ :‬إن استخدام هذه النماذج‪ ،‬يساعدنا يف تالوين رؤية حول مكا‬
‫نريد حتقيقه‪ ،‬أو ما هو املستقبل اإلجيابكء املنشود‪ ،‬الذي نعمل له يف عمليكة‬
‫تسوية الصرا ‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد نقطة أو عملية البدء‪ ،‬مبعىن كيف ومن أين نبدأ يف معاجلكة الصكرا ‪،‬‬
‫ومع من نبدأ؟ وماهية اإلمالانيات والفكر‪ .‬املمالنكة؛ للبكدء يف معاجلكة‬
‫الصرا ‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن استخدام هذه النماذج‪ ،‬يساعد يف حتديد معوقات تسوية الصراعات‪،‬‬
‫كما تساعد الحقاً يف تقييم اآلثكار‪ ،‬والنتكائج الفعليكة لعمليكة تسكوية‬
‫الصراعات‪.‬‬
‫‪ .4‬أخرياً‪ ،‬ستساهم هذه التقنيات‪ ،‬أو اإلطار املنكهاجء يف معرفكة االجتاهكات‬
‫املستقبلية للصراعات موضع الدراسة‪ ،‬ويف إجياد مؤشرات علميكة‪ ،‬تقكي‬
‫هذه االجتاهات سواء حنو السالم والتسوية‪ ،‬أو حنو املزيكد مكن التصكعيد‬
‫والعنف‪.‬‬

‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪" :‬استخدام استطالعات رأي النخبكة يف حتليكل الصكراعات وفكض‬ ‫‪1‬‬
‫املنازعات"‪ ،‬اجمللة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬اجلمعية العربية للعلوم السياسية ومركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬عدد ‪ ،11‬شتاء ‪.99-91 . ،12-91 . . ،1101‬‬
‫‪115‬‬
‫إن اإلطار املنهاجء يف هذه الدراسة يتالون من جزأين‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تقنيات ومناذج التحليل‪ .‬ثانياً‪ :‬مستويات ومؤشرات اعتبكارات صكنع‬
‫القرار يف الدول‪ .‬ويف ما يلء نستعرض النماذج والتقنيات التالية‪:‬‬
‫‪ .0‬أمنوذج خريطة الصرا ‪.‬‬
‫‪ .1‬أمنوذج شجرة الصرا ‪.‬‬
‫‪ .2‬أمنوذج حتليل قوى اجملال (قوى الشد العالسء)‪.‬‬

‫تقنية أو أنموذج خريطة الصراع‪:‬‬


‫حتديد أطراف الصرا ضمن معاجلة تعقيدات الصرا ‪ ،‬فتشكالل تقنيكة أو‬
‫أمنوذج خريطة الصرا ‪ ،‬إطاراً أو أمنوذجاً مفيداً يف عملية حتليل الصكرا ‪ ،‬متهيكداً‬
‫لتحديد عملية البدء يف تسوية الصرا ‪ ،‬وفيما يلء تفصيل وتوضيح أمنوذج خريطة‬
‫الصرا ‪ .‬عموماً‪ ،‬إن هذا األمنوذج يُعىن بشالل أسا بتحديد العناصكر الثالثكة‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ .0‬أطراف الصرا األساسية والثانوية‪ ،‬وموقعهم يف دائرة الصرا ‪.‬‬
‫‪ .1‬طبيعة وأشالال العالقة بني األطراف‪ ،‬ذات العالقة مبعادلة الصكرا ‪ ،‬مثكل‪:‬‬
‫(التحالفات‪ ،‬التوتر‪ ،‬الصدام‪ ،‬التعاون‪ ...‬إخل)‪.‬‬
‫‪ .2‬حجم تأثري كل طرف يف معادلة القوة والصرا ‪ ،‬ويوضكح ذلكك الشكالل‬
‫املرفق‬

‫‪116‬‬
‫ خريطة الصراع‬:)99( ‫الشكل ررم‬

:‫املصدر‬
Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for Action, op. cit., p. 23.

117
‫مع إضافة بعض التعديل من الباحث‪ ،‬ويتمثل أهم أطكراف الصكرا علكى‬
‫املستوى اإلقليمء والدويل مبا يلء‪:‬‬
‫‪ -‬الدولة (الدول)‪.‬‬
‫‪ -‬منظمات إقليمية أو دولية (الناتو‪ ،‬األمم املتحدة‪ ،‬جامعة الكدول العربيكة‪...‬‬
‫إخل)‪.‬‬
‫‪ -‬حركات سياسية عابرة للدول (مثل القاعدة‪.)...‬‬
‫‪ -‬شركات دولية متعددة اجلنسيات (غوغل‪ ،‬ما يالروسوفت‪.)...‬‬
‫كة‬
‫كو الدوليك‬‫كة العفك‬ ‫كل منظمك‬ ‫كة‪( ،‬مثك‬ ‫كري احلالوميك‬
‫كة غك‬ ‫كات الدوليك‬
‫‪ -‬املنظمك‬
‫وغريها)‪.‬‬
‫وخريطة الصرا تستخدم خالل مدة أو فترة زمنية حمددة‪ ،‬لوصف أطكراف‬
‫الصرا ‪ ،‬حيث إن هذه اخلريطة‪ ،‬هء عملية ديناميالية تبعا لديناميالية وتغري الصرا‬
‫وأطرافه‪ .‬وقد يتم بناء أكثر من خريطة‪ ،‬تعال وجهات نظر أكثر مكن طكرف‬
‫أسا يف الصرا ‪ .‬أما على صعيد حتديد قضايا الصرا ‪ ،‬فإنه يتم اسكتخدام مكا‬
‫يُسمى منوذج شجرة الصرا ‪ ،‬لتحليل تعقيدات الصرا ‪ ،‬بعكد حتديكد أطكراف‬
‫الصرا يف منوذج خريطة الصرا ‪ .‬ومنوذج شجرة الصرا ‪.‬‬
‫وأمنوذج شجرة الصراع‪ :‬هو عبارة عن أمنوذج يُستخدم لتحليكل احملكاور‬
‫الثالثة اآلتية يف الصرا ‪:‬‬
‫‪ ‬جوهر مشاللة الصرا ‪.‬‬
‫‪ ‬جذور وأسباب الصرا ‪.‬‬
‫‪ ‬اآلثار الناجتة عن الصرا ‪.‬‬
‫وعادة توضع هذه احملاور على شالل شجرة‪ ،‬تالون جذورها هكء أسكباب‬
‫الصرا ‪ ،‬وجذعها هو جوهر مشاللة الصرا ‪ ،‬وأغصاهنا هء آثار ونتائج الصرا ‪.‬‬
‫والشالل اآل يوضح ذلك‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الشكل ررم (‪ :)91‬شجرو الصراع‬
‫إن عملية تحليل الصراع باستخدام هذا النموذج تتم من خالل عملية نقاش جمع‬

‫ملصدر‪:‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامء‪ " :‬استخدام استطالعات رأي النخبة يف حتليل الصراعات وفض املنازعكات"‪ ،‬مرجكع‬
‫سابق‪.10 . ،‬‬
‫‪Fisher, Simon: Working with Conflict: Skills and Strategies for Action, op. cit., p. 29.‬‬

‫إن عملية حتليل الصرا باستخدام هذا األمنوذج‪ ،‬تتم من خالل عملية نقاش‬
‫مجعء بني الباحثني‪/‬املمارسني‪ ،‬لتحديد جذور الصرا ‪ ،‬وطبيعة جكوهر مشكاللة‬
‫الصرا األساسية‪ ،‬وأخرياً حتديد نتائج أو آثار الصرا ‪.‬‬

‫انموذج تحليل روف المجال (‪( )Force-Field Analysis‬روف الشد العكسي)‬


‫إن اللجوء إىل استخدام أمنوذج حتليل قوى اجملال‪( ،‬أو قوى الشد العالسء)‪،‬‬
‫يف عملية حتليل تعقيدات الصرا ‪ ،‬يساعد يف حتديد أشالال التحرك ‪ Actions‬حنكو‬
‫تسوية الصرا ‪ ،‬إن هذا األمنوذج‪ ،‬يُعىن بتحليل أو حتديد طبيعكة القكوى املاديكة‬
‫واملعنوية‪ ،‬اليت تدعم جتاه التغيري اإلجيابكء املستهدف يف الصرا ‪ ،‬مثل‪ :‬عقد اتفاقية‬
‫سالم لتسوية الصرا (القوى املؤيدة)‪ ،‬وحتديد القوى اليت تدعم االجتاه املعكاك‬
‫للتغيري اإلجيابكء املستهدف‪( ،‬أي القوى املعيقة التفاقية السالم أو تسوية الصرا‬
‫‪119‬‬
‫‪ -‬القوى املعارضة ‪ ،)-‬باإلضافة إىل حتديد حجم تأثري كل هذه القوى‪ ،‬متهيداً لبناء‬
‫استراتيجية يف كيفية تعظيم تأثري القوى اإلجيابية وتغيري مواقف ودور قوى الشكد‬
‫العالسء‪ ،‬أو من املعارضة‪.‬‬
‫إن أسلوب استخدام هذا األمنوذج‪ ،‬من خالل حتديد اجتاه التغيري املسكتهدف‬
‫أو املرغوب‪ ،‬ومن مث توزيع القوى يف اجتاهني‪ :‬أحدمها يشمل القوى الكيت تسكري‬
‫باجتاه التغيري املرغوب‪ ،‬أو املستهدف (عقد اتفاقية سالم مثالً)‪ ،‬والثانية يف االجتكاه‬
‫املعاك للتغيري املستهدف (انظر الشالل رقم ‪.)09‬‬

‫الشكل ررم (‪ :)99‬نموذج تحليل روف المجال‬

‫املصدر‪:‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامء‪" :‬استخدام استطالعات رأي النخبة يف حتليل الصراعات وفض املنازعات"‪ ،‬مرجع سابق‪.11 . ،‬‬
‫‪Fisher, Simon: Working with Conflict: Skills and Strategies for Action, op. cit., p. 30.‬‬

‫‪101‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬باالعتماد على مستويا مؤث ار واعتبا ار صنع القرار‬
‫في الدول‪:‬‬
‫يف ضوء استخدام هذه النماذج يف حتليل تعقيكدات الصكرا ‪ ،‬لتحديكد‬
‫األطراف األساسي ة والثانوية يف الصرا ‪ ،‬وحتديد قضايا الصرا ‪ ،‬وقوى اجملال يف‬
‫الصرا ‪ .‬فإنه من املهم استالمال ذلك‪ ،‬مبراعكاة جمموعكة مكن االعتبكارات‬
‫واملستويات‪ ،‬اليت تتداخل أو تؤثر يف عالقات األطراف‪ ،‬أو تفاعالت الصكرا ‪،‬‬
‫وفق أو من خالل منظومة صنع القرار‪ ،‬لدى كل طرف أو دولة‪ ،‬إذ تعمل هكذه‬
‫املنظومة حنو توجيه الصرا ‪ ،‬إما إىل التصعيد والتعقيد‪ ،‬أو حنو التسوية وحتقيكق‬
‫السالم‪ .‬وتشالل هذه االعتبارات‪ ،‬أو املؤثرات اجلزء الثاين من اإلطار املنكهاجء‬
‫الذي يتناوله أو يقدمه هذا املبحث‪ ،‬وميالن تصنيف هذه االعتبارات‪ ،‬أو املؤثرات‬
‫إىل أربعة مستويات‪:1‬‬
‫المؤثر الدولية‪:‬‬
‫ا‬ ‫‪9‬‬
‫وهء تشمل جمموعة من االعتبارات‪ ،‬اليت تؤثر على صنا القكرار يف البيئكة‬
‫الدولية واإلقليمية‪ ،‬وهء قد تشالل فرصاً أو قيوداً‪ ،‬ومن هذه االعتبارات‪ ،‬طبيعكة‬
‫أهداف السياسة اخلارجية للدول‪ ،‬واإلمالانيات العسالرية‪ ،‬ونوعية القطبية يف النظام‬
‫الدويل (أحادية‪ ،‬ثنائية‪ ،‬تعددية)‪ ،‬واالستقطاب يف احمليط الدويل واإلقليمء‪ ،‬ومدى‬
‫تناز األيديولوجيات السائدة‪ ،‬واملوقع اجلغرايف‪ ،‬وتأثريه على األطراف األخكرى‪،‬‬
‫وطبيعة املنظومة السياسية اإلقليمية واستقرارها ومدى تنافسها أو تعاوهنكا‪ .‬وغكري‬
‫ذلك من العوامل أو االعتبارات‪ ،‬اليت تلعب دوراً يف عملية صنع القكرار‪ ،‬باجتكاه‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذه املستويات األربعة‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Kegley Jr, Charles W. & Raymond, Gregory A: 1999, How Nations‬‬
‫‪Make Peace?, New York, Worth Publishers, Inc., pp. 10-18.‬‬
‫انظر رؤية مغايرة للمؤثرات يف تعقيدات الصرا من خالل تصنيف آخر هلذه املستويات‬
‫تتمثل يف‪:‬‬
‫كع ‪Situational‬‬ ‫كؤثرات الوضك‬‫كرد ‪ .1 ،Person Variables‬مك‬ ‫كتغريات الفك‬ ‫‪ .0‬مك‬
‫‪ .2 ،influences‬التزامات الدور ‪.Role Obligations‬‬
‫‪Druckman, Daniel: An Analytical Research Agenda for Conflict and‬‬
‫‪Conflict Resolution, in Merwe’s, Hugo van der (Eds), Op. cit., p. 36.‬‬

‫‪100‬‬
‫تسوية الصرا ‪ ،‬أو التصعيد أو إطالة أمد الصراعات‪ .‬وإن حتديد هذه املكؤثرات أو‬
‫املتغريات‪ ،‬ومعرفة حجم تأثريها يف عملية صنع القرار لدى األطراف تشالل مدخالً‬
‫حمورياً‪ ،‬يف تفاليك تعقيدات الصرا ؛ وملعرفة كيفية التأثري يف تفاعالت الصرا حنو‬
‫التسوية‪.‬‬
‫‪ 2‬المؤث ار على صعيد الخصائم القومية المجتمعية للدولة‪:‬‬
‫وهذا يشالل‪ ،‬املستوى الثاين يف عملية العالقة بني صنع القكرار‪ ،‬والتكأثري يف‬
‫تعقيدات الصرا أو تسويته‪ ،‬ومن أهم هذه املؤثرات الداخلية اجملتمعية املكؤثرة يف‬
‫القرار السياسء‪ ،‬مدى قوة الرأي العام‪ ،‬وهء كثرياً ما تلعب دوراً هاماً أو ضاغطاً‬
‫يف توجه القيادة السياسية‪ ،‬سواء حنو املزيد من تصعيد الصرا ‪ ،‬أو حنكو التهدئكة‬
‫والتسوية‪ ،‬ويرتبط بذلك أيضاً‪ ،‬فعالية األحزاب السياسية ومجاعات الضغط مبختلف‬
‫أطيافها‪ ،‬وخاصة العرقية‪ ،‬أو االقتصادية أو العسالرية‪ .‬ومدى قدرة هذه األحزاب‪،‬‬
‫ومجاعات املصاحل على الضغط‪ ،‬وتنظيم إدارة احلمالت اإلعالمية املؤثرة‪ .‬إن القدرة‬
‫على حتديد دور هذه املتغريات‪ ،‬وتأثرياهتا يشالل عنصراً أساسياً يف فهم تفكاعالت‬
‫الصراعات اإلقليمية والدولية‪ ،‬من زاوية بعدها الداخلء لصانع القرار‪ ،‬مبا يساهم يف‬
‫استقراء االجتاهات املستقبلية جتاه الصرا ‪.‬‬
‫‪ 3‬البنية المؤسسية لعملية صنع القرار في الدولة‪:‬‬
‫وهذا املستوى‪ ،‬يُعترب اجلانب اآلخر املالمل للمستوى السابق‪ ،‬أي مسكتوى‬
‫املؤثرات اجملتمعية داخل الدولة‪ .‬إن طبيعة البنية املؤسسية للدولة‪ ،‬وعمليكة صكنع‬
‫القرار‪ ،‬تلعب دوراً حمورياً يف فهم جتاهات الصرا ‪ ،‬أو اجتاهات التسكوية‪ .‬فمكن‬
‫العناصر األساسية يف هذا املستوى‪ ،‬طبيعة النظام السياسء (دميقراطء أم ديالتاتوري‬
‫أو مشويل‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬يتم حتديد اختالف يف عدد وحجم الوحدات‪ ،‬أو األشكخا‪.‬‬
‫املؤثرة يف عملية القرار يف الصرا ‪ ،‬سواء باجتاه احلرب أو باجتاه حتقيكق السكالم‪.‬‬
‫كذلك دور الوحدات الرمسية املشاركة يف هذا النو من القرارات (جمل األمكن‬
‫القومء‪ ،‬وزارة الدفا ‪ ،‬وزارة اخلارجية‪ ،‬وأجهزة االستخبارات‪ ،‬برملان‪ ... ،‬إخل)‪،‬‬
‫وما ينتج عن ذلك من صراعات نفوذ وبريوقراطية‪ ،‬وما يتعلق هبكا مكن طبيعكة‬
‫اإلجراءات التشريعية‪ ،‬والدستورية املطلوبة يف هذه القرارات املتعلقة بالصكراعات‬
‫‪101‬‬
‫واحلروب‪ ،‬واتفاقيات السالم‪ .‬باإلضافة إىل معرفة نفوذ النخب‪ ،‬الفريق املساعد‪ ،‬أو‬
‫االستشاري لصانع القرار‪ ،‬ومدى انسجامهم واجتاهاهتم وحجم نفوذهم على صانع‬
‫القرار‪.‬‬
‫هذه جمموعة من املكؤثرات‪ ،‬الكيت مكن الضكروري إدراكهكا يف فهكم‬
‫تعقيدات الصرا ‪ ،‬وتأثرياهتا على اجتاهكات الصكرا حنكو التسكوية وحتقيكق‬
‫السالم‪.‬‬
‫‪ 9‬مستوف القائد السياسي‪:‬‬
‫يشالل هذا املستوى‪ ،‬البعد الثالكث أو اسكتالماالً للمسكتويني السكابقني‬
‫الثاين والثالث‪ ،‬يف تعقيدات الصرا ‪ ،‬وهو من أهكم العناصكر يف عمليكة صكنع‬
‫القرار‪ ،‬سواء باجتاه الصرا واحلكرب أو عقكد اتفاقيكات السكالم وتسكوية‬
‫الصراعات‪.‬‬
‫إن القائد السياسء‪ ،‬هو العنصر الذي يفلتر بشالل أو بآخر مجيع املستويات‪،‬‬
‫والعوامل األخرى اليت مت اإلشارة إليها من خالل اجتاهاته ومعتقداته وأولوياته‪ ،‬ويف‬
‫كثري من األحيان هو من حيدد اجتاهات الصرا ‪ ،‬وأسلوب تسويته‪ .‬وبشالل آخر‪،‬‬
‫غالباً ما يالون مدير عملية الصرا ‪.‬‬
‫إن الالثري من أدبيات الصرا ‪ ،‬وأدبيات السياسة اخلارجية عادة‪ ،‬حتدد جمموعة‬
‫من العناصر اليت ترتبط بصانع القرار‪ ،‬واليت تؤثر يف قرارات أو اجتاهات السياسكة‬
‫اخلارجية للدولة‪ ،‬منها‪ ،‬طبيعة منهجيته يف القرار‪ ،‬هل هو املنهج العقالين يف القكرار‬
‫(حسابات‪/‬ربح‪ -‬خسارة) أم منهج عقائدي‪ ،‬وكذلك اخلصائص الشخصية للقائد‬
‫السياسء‪ ،‬البيئة الثقافية والنفسية للقائد‪ ،‬مثل املعتقدات‪ ،‬اإلدراكات‪ ،‬واالنطباعات‪،‬‬
‫والتصورات‪ ،‬اليت حيملها القائد‪ .‬عموماً‪ ،‬فان عملية تفاعل هذه املكتغريات لكدى‬
‫صانع القرار‪ ،‬وعالقتها يف صياغة سلوك السياسة اخلارجية‪( ،‬حتقيق سالم أو صرا‬
‫مع دولة أخرى) ضمن عملية صنع القرار يف الدولة‪ .‬مع املستويات الثالثة األخرى‪،‬‬
‫تشالل توجيهاً لسلوك الدولة حنو السالم أو التصعيد يف صراعها‪ ،‬مكع دولكة أو‬
‫طرف آخر‪.‬‬
‫ورمبا من املفيد اإلشارة إىل‪ ،‬ما خلصت إليه بعض الدراسات العلمية حول‬

‫‪101‬‬
‫نتائج تفاعالت تعقيدات الصرا ‪ ،‬ومدى إمالانية حتقيكق السكالم‪ ،‬أو تراجكع‬
‫احتمالية الصرا ‪ ،‬نتيجة هذه التفاعالت إىل جمموعة من االفتراضات اهلامة‪ ،‬مكن‬
‫أمهها‪:1‬‬
‫‪ .0‬كلما اخنفضت درجة الصرا دون مستوى النظام الدويل‪ ،‬قلكت احتماليكة‬
‫الذهاب‪ ،‬أو العودة إىل احلرب‪.‬‬
‫‪ .1‬كلما اخنفضت درجة الصرا عن مستوى منظومة األمن اإلقليمكء‪ ،‬قلكت‬
‫احتمالية الذهاب‪ ،‬أو العودة إىل احلرب‪.‬‬
‫‪ .2‬كلما ازداد تنسيق جهود الوسطاء (الطرف الثالث)‪ ،‬قلت احتمالية العودة‪ ،‬أو‬
‫الذهاب إىل احلرب‪.‬‬
‫‪ .4‬كلما كانت النخب السياسية‪ ،‬أو قادة ومسؤولو األحزاب متحدين حكول‬
‫قيادهتم‪ ،‬قلت احتمالية العودة‪ ،‬أو الذهاب إىل احلرب‪.‬‬
‫‪ .1‬كلما كانت اخلربة املتعلمة أو املالتسبة لقادة األطراف األساسكية للصكرا ‪،‬‬
‫منقوصة‪ ،‬يف استخدام الصرا املسلح كوسيلة لتحقيق اهلدف املرغوب‪ ،‬قلت‬
‫احتمالية الذهاب‪ ،‬أو العودة إىل احلرب‪.‬‬
‫‪ .9‬كلما زاد حتديد أو النص على اآللية السياسية‪ ،‬اليت توفر الفرصة لألطكراف‬
‫األساسيني يف استخدام القوة السياسية‪ ،‬قلت احتمالية الذهاب‪ ،‬أو العودة إىل‬
‫احلرب‪.‬‬

‫بالرغم من الوصول إىل هذه التعميمات على مستوى الصراعات الداخلية‪ ،‬إال أهنا قكد‬ ‫‪1‬‬
‫تالون قابلة للتعميم على مستوى الصراعات اإلقليمية والدولية يف ضوء إثباتات ودراسة‬
‫ختضع ذلك لالختبار والتأكد‪ ،‬انظر الدراسة التالية‪:‬‬
‫‪Ohslon, Thomas: 1998, Power Politics and Peace Policies: Intra-State‬‬
‫‪Conflict Resolution in Southern Africa, Uppsala University, Sweden,‬‬
‫‪Department of Peace and Conflict Research, Report No. 50, pp. 36-39,‬‬
‫‪102-127.‬‬

‫‪104‬‬
‫املبحث الثالث‬

‫أشكال التدخل لتسوية الصراعا‬

‫إن الفصول واملباحث السابقة‪ ،‬تناولت بشالل أسا ‪ ،‬عملية حتليل الصكراعات‬
‫واألطر الالزمة لذلك‪ ،‬سواء على الصعيد الداخلء للصكرا ‪ ،‬أو اخلكارجء أو البيئكة‬
‫احمليطة املؤثرة يف عملية الصرا ‪ ،‬وتعقيدات الصرا ‪ .‬وعملية حتليل الصراعات كمرحلة‬
‫أوىل يف دراسة الصراعات‪ ،‬هء عملية ضرورية وأساسية‪ ،‬ولالنها عملية‪ ،‬تشالل البداية‬
‫األوىل لطريق حيتوي بضع مراحل‪ ،‬تشالل حمطات للوصول إىل الوقاية من الصراعات‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬تشمل عملية تسوية الصرا ‪ ،‬وتليها مرحلة الوقاية‪ ،‬أو املنكع‬
‫الوقائء من الصراعات‪ ،‬وتنتهء هذه املراحل بعملية اإلصكالح اجلكذري لعمليكة‬
‫مستقبلية تقضء على الصراعات‪ ،‬وهذه املرحلكة األخكرية‪ ،‬تُعكرف بإصكالح‬
‫الصراعات‪ ،‬وفيها تتحول العالقات من نكزاعات إىل شراكة تعاون‪.‬‬
‫إن تناول عملية تسوية الصراعات‪ ،‬تتمثل بتناول معرفة طبيعة أشالال التدخل‬
‫لتسوية الصراعات العنيفة وتسويتها‪ ،‬ويشمل هذا املبحث احملاور التالية‪:‬‬
‫‪ .0‬حتديد مفهوم وأشالال التدخل يف الصراعات‪.‬‬
‫‪ .1‬اإلطار العام لتسوية الصراعات‪ ،‬وم ميالن أن حتدث‪ ،‬أو م ميالن اللجكوء‬
‫إىل التسوية‪ ،‬أو أشالال التدخل‪.‬‬
‫‪ .2‬حتديد أشالال التدخل‪ ،‬وطبيعتها ودورها يف التسوية‬
‫إن مرحلة تسوية الصراعات‪ ،‬هء اهلدف املقصود من عملية التدخل بأشالاهلا‬
‫املختلفة‪ ،‬اليت يتناوهلا هذا املبحث‪.‬‬

‫مفووم وأشكال التدخل‪:‬‬


‫إن عملية التسوية‪ ،‬تتطلب أشالاالً من "التدخل" لتحقيقها‪ .‬ولالن قبكل‬
‫تناول هذه األشالال‪ ،‬نشري إىل املقصود "بالتدخل"‪ ،‬وماهيته‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل‬
‫‪105‬‬
‫أن مفهوم التدخل‪ ،‬مفهوم فضفاض واسع‪ ،‬يشكمل أوجكه خمتلفكة إجيابيكة‬
‫وسلبية‪.‬‬
‫يشري بعض علماء العالقات الدولية‪ ،‬إىل مفهوم "التدخل"‪ ،‬بأنه "نكو مكن‬
‫السلوك الذي حيتوي على أمناط‪ ،‬أو أشالال حامسة أو فاصلة؛ وهذا السلوك موجّه‬
‫إمّا لتغيري أو احملافظة على السلطة السياسية يف اجملتمع املستهدف"‪ .1‬وهذا املفهكوم‬
‫يشالل أنشطة السياسة اخلارجية أو أنشطة السياسية الداخلية‪.‬‬
‫ويشري حممد فضة‪ ،‬إىل أن التدخل هو "نشاط يتسم بنية عدوانية‪ ،‬ترمكء إىل‬
‫إحداث تعديل يف شؤون الدولة املستهدفة‪ ،‬من خالل خلق حقائق جديدة‪ ،‬تشتمل‬
‫تغيري احلالومة‪ ،‬أو ح النظام السياسء"‪ .2‬يعترب بعض الباحثني‪ ،‬أن التكدخل هكو‬
‫ظاهرة اجتماعية موجودة يف كل مالان‪ .‬وتتراوح أشالال التدخل‪ ،‬مكن عمليكة‬
‫املساعدات والدعم اخلارجء إىل استخدام القوة العسالرية‪ .3‬وتتكراوح أشكالال‬
‫التدخل ما بني أشالال "ناعمة"‪ ،‬وأشالال "خشنة"‪ ،‬ومبعىن آخر تتراوح بكني مكا‬
‫يُعرف باملساعء احلميدة واملفاوضات والوساطة‪ ،‬إىل استخدام قوات حفظ السالم‪،‬‬
‫وفرض السالم على اآلخرين‪.4‬‬
‫ويلخص أحد الباحثني االجتاهات األساسية حول مفهكوم التكدخل بثالثكة‬
‫جتاهات‪:5‬‬
‫‪ .0‬االجتاه األول‪ :‬يوسع من مفهوم التدخل‪ ،‬ح يشمل أية ممارسة هتكدف إىل‬
‫التأثري يف الشؤون الداخلية واخلارجية لدولة ما‪ ،‬مهما كان شاللها االقتصادي‬
‫أو العسالري أو السياسء أو اإلعالمء أو الثقايف أو املعلوما ‪.‬‬
‫نقالً عن مورغانثو وروزناو من كتاب‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Little, Richard: 1975, Intervention: External Involvement in Civil‬‬
‫‪Wars, London, Martin Robertson, p. 2.‬‬
‫فضة‪ ،‬حممد ‪ :‬التدخل السوفييت يف أفغانستان‪ :‬دراسكة جيوسياسكية وجيواسكتراتيجية‬ ‫‪2‬‬
‫للصرا الدويل يف جنوب آسيا‪ ،‬اجلامعة األردنية‪ ،‬عمّان‪.41 . ،0189 ،‬‬
‫‪Little, Richard: Intervention: External Involvement in Civil Wars,‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Op. cit., p. 1.‬‬
‫‪Ramsbothan, Oliver Woodhouse, Tom and Miall, Hugh: Op. cit.,‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪p. 168.‬‬
‫عبد الرمحن‪ ،‬حممد يعقوب‪ :‬التدخل اإلنساين يف العالقات الدوليكة‪ ،‬مرجكع سكابق‪،‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪.08 .‬‬
‫‪106‬‬
‫‪ .1‬االجتاه الثاين‪ :‬يقصر مفهوم التدخل‪ ،‬على استخدام القوة املسلحة‪ ،‬أو التهديد‬
‫باستخدامها ضد دولة ما من أجل التغيري‪ ،‬أو احلفاظ على هيالكل السكلطة‬
‫السياسية؛ ومن مث ما يتعلق بسياستها الداخلية أو اخلارجية‪.‬‬
‫‪ .2‬االجتاه الثالث‪ :‬وهو يرى التدخل ‪ -‬أياً كانت أشالاله ودوافعه ‪ -‬عمالً غكري‬
‫مشرو ؛ ألنه مي استقالل الدولة وسيادهتا‪ ،‬ولذلك يهتم بتحديد احلكاالت‬
‫االستثنائية‪ ،‬اليت يالون فيها التدخل مشروعاً من الناحية القانونية‪ ،‬وهذا جتكاه‬
‫فقهاء القانون الدويل‪.‬‬
‫يف ضوء التعريفات السابقة‪ ،‬واجتاهات مفهوم التدخل‪ ،‬ميالن القول إن هكذه‬
‫املفاهيم تنظر إىل "التدخل"‪ ،‬كوضع يتم فيه جتاوز‪ ،‬أو اختراق أو االعتكداء علكى‬
‫حالة "السيادة" أو "اخلصوصية" أو "الشأن الداخلء"؛ وهبذا املعىن‪ ،‬هكو حالكة أو‬
‫وضع سلبكء أو عدواين من وجهة نظر بعض األطراف‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن مفهوم التدخل يف هذه الدراسكة‪ ،‬يشكري إىل طبيعكة السكلوك‬
‫(اإلجيابكء أو السلبكء)‪ ،‬حنو إحداث تغيري لواقع تناز أو صرا ‪ ،‬سواء أككان‬
‫هذا السلوك من أطراف الصرا أم أطراف خارجيكة‪ ،‬هبكدف إحكداث تغكيري‬
‫إجيابكء‪ ،‬وفق رؤية الطرف املتدخل‪ ،‬وهذا السلوك يتراوح من املوقف السياسكء‬
‫الشعبكء‪ ،‬إىل التدخل باستخدام القوة املسلحة‪.‬‬
‫والدراسة تتوجه حنو السلوك اإلجيابكء‪ ،‬هبدف إحداث تغيري إجيابككء يف‬
‫الواقع املتناز عليه‪ ،‬ويتمثل هذا التغري بإيقاف أو تسوية حالكة الصكرا ‪ ،‬بكني‬
‫األطراف املتنازعة‪.‬‬
‫ويتخذ التدخل اإلجيابكء‪ ،‬وفق هذا املفهوم إلهناء الصكراعات‪ ،‬وتسكويتها‬
‫األشالال اآلتية‪:‬‬
‫‪ .0‬بعضها يُعرف بالوسائل السلمية‪ ،‬سواء الوسائل السياسية والدبلوماسية‪ ،‬مثل‪،‬‬
‫املفاوضات‪ ،‬الوساطة‪ ،‬املساعء احلميدة؛ أو الوسائل القانونية أو القضكائية‪،‬‬
‫مثل التحاليم وغريه‪.‬‬
‫‪ .1‬و بعضها اآلخر يُعرف بالوسائل واإلجراءات القسرية‪ ،‬واستخدام القوة‪ ،‬مثل‬
‫العقوبات االقتصادية‪ ،‬القوة العسالرية‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫وقبل الدخول يف تفاصيل هذه األشالال‪ ،‬فإن من املفيكد‪ ،‬اإلشكارة إىل إن‬
‫‪107‬‬
‫أشالال "التدخل" تولدت من مصادر متعددة‪ ،‬منها‪:1‬‬
‫‪ .0‬اخلربة والتجارب اإلنسانية ملختلف الثقافات والشعوب‪.‬‬
‫‪ .1‬املصادر الفلسفية والدينية لإلنسان (مصادر العلوم اإلنسانية)‪.‬‬
‫وبالرغم من أن عملية التدخل وأشالاهلا‪ ،‬أصبحت ختضع لنظريات علميكة‪،‬‬
‫وأس منهجية رصينة‪ ،‬إال أهنا يف حمصلة التطبيقات امليدانية‪ ،‬هلا تتطلب أفالكاراً‪،‬‬
‫وحلوالً إبداعية لنجاحها يف تسوية الصراعات‪.‬‬

‫متى يكون التدخل لتسوية الصراعا ؟‪ :‬إطار عام‬


‫إن من اإلشالاليات األساسية يف جمال دراسكة فكض املنازعكات‪/‬تسكوية‬
‫الصراعات‪ ،‬حتديد الوضع الذي ميالن لعملية "التدخل" أن حتدث أو تالون فاعلكة‪،‬‬
‫إلحداث تسوية للصرا ‪ .‬مبعىن آخر م ميالن ألطراف الصرا أن تقبل بالتكدخل‬
‫وم ميالن "التدخل" لتسوية الصرا ؟ هناك الالثري من اجلدل‪ ،‬واملناقشكات بكني‬
‫الباحثني يف دراسات الصرا والسالم‪ ،‬حول هذه القضية‪ ،‬ألن حتديكد الوضكع‬
‫املناسب للتدخل إلحداث تسوية للصرا ‪ ،‬تعتمد يف جوهرها على معطيات كثرية‪،‬‬
‫أمهها القدرة التقديرية لصنا القرار‪ ،‬على حتديد الظروف‪ ،‬أو أوضكا الصكرا‬
‫املناسبة من وجهة نظرهم‪ .‬وأشالال التدخل‪ ،‬قد تالون علكى مسكتوى أطكراف‬
‫الصرا نفسها فقط‪ ،‬أو على مستوى تدخل أطراف خارجية أخرى؛ أو طكرف‬
‫ثالث كالوسيط‪.‬‬
‫ونتناول هنا إطاراً عاماً‪ ،‬لتحديد الوضع املناسب‪ ،‬الذي يتالون من جزأين‪:‬‬
‫‪ -‬األول‪ :‬إطار اللحظة املواتية أو حلظة االستواء‪ - ،‬واليت سبق اإلشارة إليها‬
‫يف املبحث الثاين‪ ،‬من الفصل الثاين ‪ -‬بني أطراف الصرا ومعطياهتا‪ ،‬واليت‬
‫عندها ميالن انتقال الصرا من صرا متشدد املواقف‪ ،‬إىل استعداد وقابلية‬
‫حلدوث "تدخل" سواء من قبل "األطكراف نفسكها" أو مكن "طكرف‬
‫ثالث"‪.‬‬
‫لالطال على اآلراء املتباينة ملدار العالقات الدولية حول مفهوم التدخل‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Little, Richard: Intervention: External Involvement in Civil Wars,‬‬
‫‪Op. cit., p. 2-5.‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ -‬الثاين‪ :‬الظروف وأوضا صنا القرار‪ ،‬اليت ختلق أو توفر إطاراً لتحديد نقاط‬
‫البدء ألطراف الصرا ‪ ،‬حنو إيقاف أو تسوية الصرا ‪ ,‬وميالن حتديد ظروف‬
‫بدء إيقاف* الصرا ‪ ،‬أو بدء األطراف للدخول إىل تسوية بثالثة أوضكا ‪،‬‬
‫هء‪:1‬‬
‫‪ .0‬القناعة بإمالانية النجاح أو االنتصار على اخلصم‪ .‬تتمثل هذه احلالة يف قناعكة‬
‫الطرف املنتصر‪ ،‬بأن جناحه يف استخدام اسكتراتيجية القكوة‪ ،‬أو العنكف يف‬
‫الصرا ‪ ،‬جتعله يف موقع األقوى يف التفاوض واملساومة‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬حتقيق تسوية‬
‫وفق شروط املنتصر‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فعلى املنتصر‪ ،‬حتقيق تسوية للصرا ‪ ،‬يف ضوء‬
‫الوضع األفضل له‪.‬‬
‫‪ .1‬وضع املأزق أو ضرورة إهناء اجلمود‪ ،‬أو الطريق املسدود‪ :‬إن دخول طكريف‬
‫الصرا يف مرحلة مأزق‪ ،‬بسبب استمرار الصرا ‪ ،‬مع غموض وضع الصرا‬
‫ومستقبله‪ ،‬ويف ضوء التالاليف الباهظة‪ ،‬الستمرار الصرا ويف مقابل ميزات‪،‬‬
‫أو مالاسب إيقاف الصرا ‪ ،‬فإن ذلك يدفع إىل وضع مكأزق أو أزمكة األمل‬
‫املتبادل‪ ،‬وهذا الوضع‪ ،‬يدفع الطرفني إىل الدخول يف مرحلة االستعداد إليقاف‬
‫الصرا ‪ ،‬أو اخلروج من املأزق‪ .‬وهذا الوضع يدفع صكنا القكرار لكدى‬
‫األطراف املتصارعة‪ ،‬إىل اختاذ قرار إجيابكء جتاه تسوية الصرا أو إيقافكه‪،‬‬
‫وذلك انطالقاً من الرغبة يف حتقيق ما يأ ‪:‬‬
‫‪ ‬حماولة حتقيق األفضل‪ ،‬يف مرحلة ما بعد الصرا ‪ :‬إن وضع األزمة‪ ،‬قكد خيلكق‬
‫ختوفاً لدى القادة من احتمال تدهور الوضع احلايل للصرا حنو األسوأ‪ .‬وبالتايل‬
‫الدخول يف مفاوضات إليقاف تسوية الصرا ‪ ،‬يعطكيهم فرصكة واحتمكال‬
‫احلصول على وضع‪ ،‬أو نتائج أفضل الحقاً يف مرحلة ما بعد تسوية الصرا ‪.‬‬
‫‪ ‬الرغبة يف منع حدوث الصرا مستقبالً‪.‬‬
‫‪ ‬احلاجة إىل نصر لتربير التضحيات‪ :‬إن القادة يف وضع األزمة‪ ،‬خاصة عنكدما‬
‫يواجهون* وضعا مييل إىل اهلزمية‪ ،‬مييلون إىل تسوية‪ ،‬تالون يف النهاية مقبولة‪،‬‬
‫ولو كان ذلك ظاهرياً‪ ،‬وتسويقها على اعتبار أهنا نصر يف هذا الصرا ‪.‬‬
‫‪Roger Mitchell, Christopher: the Structure of International Conflict,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Op. cit., pp. 174-185.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ .2‬وضع اهلزمية املعترف هبا‪ :‬وهو وضع‪ ،‬يفرض تسوية على الطرفني‪ ،‬يريد فيهكا‬
‫الطرف املهزوم‪ ،‬تقليل حجم كلفة اهلزمية إىل أقل قكدر ممالكن‪ .‬والطكرف‬
‫املنتصر‪ ،‬يعظم مالاسب* نصره بالدخول إىل تسوية‪ ،‬يفرض فيها شكروطه‪.‬‬
‫والطرفان خيضعان إىل مبدأ الربح واخلسارة‪ ،‬يف تقديرمها لعملية التسوية‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن الدخول يف عملية التسوية‪ ،‬بني أطراف الصرا ‪ ،‬متر عرب جمموعكة‬
‫أو "حلظات" مرحلية‪ ،‬تشالل مبجملها ظروفاً وشروطاً إجيابية‪ ،‬وحمطات أساسكية‬
‫"للتدخل" والدخول يف عملية تسوية للصراعات‪ ،‬وحيدد أحكد البكاحثني هكذه‬
‫اللحظات والشروط على الشالل التايل‪:1‬‬

‫‪ .1‬اللحظة‬ ‫‪ .0‬حلظة هتدئة‬


‫‪ .2‬حلظة األزمة ‪ .4‬اللحظة املواتية‬ ‫الظككروف‬
‫الصعبة‬ ‫األجواء‬
‫"االستواء"‬ ‫‪Crisis‬‬ ‫املالئمككة‬
‫‪Hard‬‬ ‫(صافية ‪ -‬خام)‬
‫‪Ripe Moment‬‬ ‫‪Moment‬‬ ‫لعمليكككة‬
‫‪Moment‬‬ ‫‪Raw Moment‬‬
‫تسكككوية‬
‫جتنب زعزعة‬ ‫إزالة سوء‬ ‫خلق وضع أو أجواء‬
‫بناء الثقة‬ ‫الصرا‬
‫االستقرار‬ ‫الفهم‬ ‫غري متوترة‬

‫وال شك أن طبيعة هذه اللحظات‪ ،‬حتدد طبيعة أشالال التكدخل الالزمكة‪،‬‬


‫والتوقيت املناسب ألشالال التدخل‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن خمتلف أشالال التدخل لتسوية الصرا ‪ ،‬حتتاج إىل أن تتوجه حنكو‬
‫األبعاد‪ ،‬أو العناصر‪ ،‬أو املالونات األساسية للصرا ‪ ،‬وهء‪:‬‬
‫‪ .0‬أطراف الصرا ‪ :‬أن تتعامل أشالال التدخل مع أهكداف‪ ،‬وعالقكات أطكراف‬
‫الصرا ‪ ،‬والعمل على إحداث تغيري إجيابكء‪ ،‬يف العالقات والسلوك حنو التسوية‪.‬‬
‫‪ .1‬بيئة أو سياق الصرا ‪ :‬سواء على صعيد البيئة احمللية‪ ،‬أو اإلقليميكة أو البيئكة‬
‫الدولية‪ ،‬أي حماولة إحداث التغيري يف تأثريات‪ ،‬ونفوذ البيئة احمليطة بالصكرا‬
‫بشالل خيلق حميطاً إجيابياً‪ ،‬خيدم عملية التسوية للصرا ‪.‬‬
‫‪Guha, Amalendu: "Conflict Resolution, Process of", in Choue,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Young Seek (Ed): World Encyclopedia of Peace, pp. 321- 328,‬‬
‫‪Op. cit., p. 325.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ .2‬قضايا الصرا ‪ :‬وهء القضايا اليت تشالل دوافع‪ ،‬أو مصاحل أطراف الصرا ‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬ضرورة أن حتقق أشالال التدخل‪ ،‬مصاحل وحاجات مجيع األطراف؛‬
‫وفق عملية تساومية مرضية هلم‪.‬‬
‫ويتم تناول هذه العناصر الثالث‪ ،‬وفق إطار أو توجه أساسء‪ ،‬حنكو معاجلكة‬
‫جذرية ملصادر الصرا ‪ ،‬وهذا يعين استخدام عدة أشالال من التدخل أو الوسائل‪،‬‬
‫ويف مراحل خمتلفة إلحداث تسوية فعلية للصرا ‪ ،‬متهيداً لالنتقال‪ ،‬أو مبؤازرة حتقيق‬
‫عملية وقائية مبنع حدوث الصرا ‪.‬‬

‫أشكال التدخل األساسية لتسوية الصراعا ‪:‬‬


‫هناك جمموعة أساسية‪ ،‬أو رئيسية من أشالال التدخل لتسكوية الصكراعات‪،‬‬
‫وهء تشالل يف الوقت نفسه‪ ،‬إطاراً شامالً ألي أشالال جزئية من أشالال التدخل‪،‬‬
‫وتتمثل اجملموعة األساسية مبا يأ ‪:‬‬
‫‪ .0‬املفاوضات‪.‬‬
‫‪ .1‬الوساطة‪.‬‬
‫‪ .2‬أدوات القوة واإلكراه‪.‬‬
‫‪ .4‬التحاليم‪.‬‬
‫هذه األشالال املختلفة‪ ،‬تتراوح ما بني أشالال سياسية ودبلوماسية‪ ،‬أو قضائية‬
‫وقانونية‪ ،‬أو عسالرية أو قسرية‪ .‬وسوف نتناول هنا‪ ،‬عرض وشرح هذه األشالال‬
‫األساسية للتدخل‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬المفاوضا ‪:‬‬


‫إن املفاوضات تُعترب واحدا من أهم ‪ -‬إن مل تالن أهم أشالال ‪ -‬الوصول إىل‬
‫تسوية للصراعات بني األطراف املتنازعة‪ ،‬وال يتصور أي عملية سلمية للنكزاعات‬
‫بدون مفاوضات‪ .‬إن املفاوضات تُمكار علكى كافكة املسكتويات‪ ،‬األفكراد‪،‬‬
‫املؤسسات‪ ،‬املنظمات واجلماعات‪ ،‬أو الدول (أو ما تسمى املفاوضات الدوليكة)‪.‬‬
‫ونستعرض هنا مستوى املفاوضات داخل الكدول‪ ،‬أي يف الصكراعات األهليكة‪،‬‬
‫والصراعات الدولية‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫مفووم المفاوضا ‪:‬‬
‫إن مفهوم املفاوضات‪ ،‬من املفاهيم اليت تناولته الدراسات العلمية‪ ،‬بالثري مكن‬
‫اجلدل والتباين واالختالف‪ ،‬بالرغم من أن ممارسة عملية املفاوضات‪ ،‬هء عمليكة‬
‫يومية يف كافة مستويات احلياة اإلنسانية‪ .‬ورمبا لدى غالبية النكا انطبكا أويل‬
‫مبسط للمفاوضات تدور حول حتاور أطراف للوصول إىل تسوية لنككزا مكا‪.‬‬
‫ولالن عندما نتوجه حنو املعىن العلمء ملفهوم التفاوض‪ ،‬فنبدأ بالدخول بالتباينكات‪،‬‬
‫وتعدد وتنو مفاهيمه‪ .‬وسنتناول املفهوم‪ ،‬من حيث جكوهره وأهكم مالوناتكه‬
‫وعناصره‪ ،‬بعيداً عن التوسع يف تعدد وتنو مفاهيم املفاوضات‪.‬‬
‫ويشري ويليام زارمتان ‪ ،William Zartman‬وهو واحد من أهم البكاحثني يف‬
‫جمال دراسة املفاوضات السياسية‪ ،‬إىل أن املفاوضات ‪ -‬خاصة الدولية ‪ -‬هء عملية‬
‫سياسية‪ ،‬أو عملية صنع قرار‪ ،‬وأهنا عملية تواصل‪ ،‬أو جتميكع وجهكات النظكر‬
‫املختلفة‪ ،‬للوصول إىل هدف مشترك‪ .1‬بينما يعترب فيشر وأري‪ ،Fisher & Ury‬أن‬
‫املفاوضات هء عبارة عن اتصاالت متأرجحة‪ ،‬للوصول إىل اتفاق‪ ،‬عندما يالكون‬
‫هناك مصاحل‪ ،‬بعضها مشتركة بني األطراف‪ ،‬وبعضها متعارضة فيما بينها‪.2‬‬
‫كما يشري فريد تشارلز إكلء ‪ ،Fred C. Ikle‬مؤلف أول دراسكة تأصكيلية‬
‫للمفاوضات‪ ،‬ومقدمة ألهم األس ‪ ،‬أو املفاهيم النظرية للمفاوضات‪ ،‬يشري إىل أن‬
‫املفاوضات‪ ،‬هء عملية تقدم فيها املشاريع‪ ،‬أو االقتراحات الصكرحية؛ للتوصكل‬
‫التفاقية أو اتفاق متبادل‪ ،‬أو حتقيق مصلحة مشتركة يف قضية‪ ،‬أو موضو تتناز‬
‫فيه مصاحل األطراف املتصاحلة‪.3‬‬
‫‪Zartman, William: 1974,"The Political Analysis of Negotiation: How,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Who Get What, and When?", World Politics, Vol. 26, No. 3, pp. 385-399.‬‬
‫‪Fisher, Roger & Ury, William: 1983, Getting to Yes, Penguin Books,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪New York, p. 33.‬‬
‫& ‪Charles Ikle, Fred: 1964, How Nations Negotiate, New York: Harper‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Rows Publishers, New York: Krans Reprint, Millwood, 1987, pp. 3-4.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول تصنيف واجتاهات مفاهيم املفاوضات‪ ،‬انظر أيضاً‪:‬‬
‫زايد‪ ،‬حممد بدر الدين مصطفى‪ ،0110 :‬املفاوضات الدولية‪ ،‬اهليئة املصكرية العامكة‬
‫للالتاب‪ ،‬القاهرة‪.09-1 . ،‬‬
‫إدريس‪ ،‬ثابت عبد الرمحن‪ ،1110 :‬التفاوض مهارات واستراتيجيات‪ ،‬الدار اجلامعيكة‪،‬‬
‫مصر‪.21-11 . ،‬‬
‫‪111‬‬
‫وكخالصة ملفاهيم املفاوضات‪ ،‬مييكل مؤلكف هكذا الالتكاب إىل اعتبكار‬
‫املفاوضات‪ :‬عملية مركبة تفاعلية حوارية مباشرة‪ ،‬بني طريف أو أطراف النككزا ‪،‬‬
‫حول قضايا تتباين فيها آراؤهم‪ ،‬أو تتعارض فيها أهدافهم‪ ،‬ومصكاحلهم‪ ،‬وهكذه‬
‫العملية هتدف إىل الوصول إىل تسوية أو خيار سلمء مقبول هلذه األطراف‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن أدوات‪ ،‬وتالتيالات الضغط املستخدمة من قبل كل طكرف يف ميكدان‬
‫الصرا ؛ أو خارج لقاءات التفاوض‪.‬‬
‫المفاوضا وتسوية الصراعا ‪:‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن املفاوضات بني األطراف املتصارعة‪ ،‬تُعترب شالالً مكن أشكالال‬
‫التدخل‪ ،‬إلحداث تسوية للصراعات‪ ،‬وهء ترتالز على جمموعة متغريات‪ ،‬تؤثر يف‬
‫نتائج املفاوضات يف حتقيق التسوية‪ ،‬ومن أهم هذه املتغريات‪:1‬‬
‫‪ .0‬عدد وطبيعة أطراف املفاوضات‪ ،‬وتوازنات القوة بينها‪.‬‬
‫‪ .1‬طبيعة قضية وأهداف املفاوضات‪ ،‬وأمهيتها لألطراف املفاوضة‪.‬‬
‫‪ .2‬ظروف ومعطيات الوضع السابق‪ ،‬ملرحلكة املفاوضكات‪ ،‬والبيئكة احمليطكة‬
‫باملفاوضات‪.‬‬
‫‪ .4‬توفر مصلحة مشتركة لألطراف يف حتقيق التسوية‪.‬‬
‫‪ .1‬ظروف ومتغريات صنع القرار وأبعادها‪ ،‬وارتباطاهتكا بكالبيئتني الداخليكة‬
‫واخلارجية‪.‬‬
‫‪ .9‬استراتيجيات وتالتيك املفاوضني‪.‬‬
‫‪ .1‬مهارات املفاوضني واخلربات التفاوضية‪.‬‬
‫‪ .8‬قناعة كل طرف بأن املفاوضات‪ ،‬أفضل اخليارات (أو اخليار الوحيد)‪ ،‬للتوصل‬
‫إىل تسوية مرضية ألطراف الصرا ‪ ،‬حول القضية موضع النكزا ‪ .‬وما يرتبط‬
‫بذلك من توفر إرادة سياسية‪ ،‬للوصول إىل التسوية املرضية للصرا ‪.‬‬
‫‪Jacob Bercovitch, "International Negotiation & Conflict Management:‬‬
‫‪the Importance of Pre-negotiation", the Jerusalem Journal of‬‬
‫‪International Relations, Vol. 13, No. 1, 1991, pp. 7-20.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول هذه املتغريات والعناصر‪ ،‬راجع‪ :‬زايد‪ ،‬حممدد بددر الددين‬ ‫‪1‬‬
‫مصطفى‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬الفصل األول‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫إن تفاعل جممو هذه العناصر‪ ،‬هء اليت حتدد نتائج املفاوضات‪ ،‬إما حتقيقكًا‬
‫لتسوية الصرا ‪ ،‬أو إعادة استئناف املفاوضات‪ ،‬واستمرارها يف مرحلة الحقكة يف‬
‫فترة ما‪ ،‬أو جتميدها ح اتضاح معطيات‪ ،‬أو وضع ما (نتائج انتخابات رئاسكية‬
‫مثالً)‪ ،‬أو فشل املفاوضات‪ ،‬وهذا الفشل قد يأخذ صورة هادئة‪ ،‬أو صورة حكادة‬
‫وتصعيدية للصرا ‪.‬‬
‫إن عملية املفاوضات من أجل تسوية الصراعات‪ ،‬تبدأ من مرحلة مكا قبكل‬
‫التفاوض‪ ،‬من حيث الظروف‪ ،‬واملعطيات السياسكية مكن ناحيكة‪ ،‬واإلجرائيكة‬
‫والتنظيمية من ناحية ثانية‪ ،‬واإلعداد والتخطيط لالل فريق مكن ناحيكة ثالثكة‪.1‬‬
‫وبالرغم من تباين مسميات مراحل عملية التفاوض‪ ،‬إال أهنا عموماً‪ ،‬تشمل املراحل‬
‫اخلم التالية‪:‬‬
‫‪ .0‬املرحلة األوىل‪ :‬مرحلة اإلعداد والتخطيط‪ :‬وهذه املرحلكة‪ ،‬هكء املرحلكة‬
‫التمهيدية أو مرحلة ما قبل البدء‪ ،‬بعملية التفاوض‪ ،‬وهكء تُعكىن بتحديكد‬
‫األهداف املنشودة‪ ،‬من عملية املفاوضات‪ ،‬ووسائل واستراتيجيات حتقيق هذه‬
‫األهداف‪ ،‬الترتيبات التنظيمية والفنية أو ترتيبات البنية التحتية الالزمة‪ ،‬النعقاد‬
‫املفاوضات‪ ،‬باإلضافة إىل االحتياط والتهيؤ ألي مفاجآت غري مرغوبكة‪ ،‬يف‬
‫عملية التفاوض‪ .‬إن حسن التخطيط‪ ،‬واإلعداد للمفاوضات ختلق فرصة كبرية‬
‫لفاعلية وجناح عملية املفاوضات وإدارهتا‪.‬‬
‫‪ .1‬املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة احلوار وممارسة العملية التفاوضية‪ :‬وهنا تظهر تعقيدات‬
‫العملية التفاوضية سواء املرتبطة باملؤثرات اخلارجية‪ ،‬أو األطراف الداخلية‪ ،‬أو‬
‫مهارات املفاوضني‪ ،‬واستراتيجيات التفاوض‪ .‬وهنكا تلعكب عمليكة إدارة‬
‫املفاوضات‪ ،‬دوراً حمورياً يف الوصول إىل أهدافها املنشودة حنو تسوية الصرا ‪.‬‬
‫وقد يتدخل الوسطاء أيضاً للمحافظة على استمرارية املفاوضات وجناحهكا‪.‬‬
‫كما إن ممارسة إجراءات بناء الثقة‪ ،‬مهمة قبل وأثنكاء وبعكد املفاوضكات‪،‬‬
‫وضرورية حنو إدارة املفاوضات باجتاه إجيابكء حنو التسوية‪ ،‬واحلد بشكالل‬
‫خا‪ .‬من املعوقات‪ ،‬سواء السياسية أو االنفعالية أو غريها‪.‬‬
‫لالطال على تفصيل عملية إدارة التفاوض واملراحل التفصيلية‪ ،‬انظر إدريس‪ ،‬ثابدت‬ ‫‪1‬‬
‫عبد الرمحن‪ :‬مرجع سابق‪.219 -090. ،‬‬
‫‪114‬‬
‫‪ .2‬املرحلة الثالثة‪ :‬نتائج املفاوضات والوصول إىل اتفاقية‪ ..‬تُعتكرب اهلكدف‪ ،‬أو‬
‫النتيجة املقصودة من العملية التفاوضية‪ .‬إن املفاوضات اليت تؤدي إىل اتفاقيات‬
‫تسوية ناجحة هء اليت تعتمد على مدى حتقيق هذه االتفاقية أو التسوية‪ ،‬اليت‬
‫توصلت إليها املفاوضات للعناصر اآلتية‪:1‬‬
‫‪ -‬تلبكء قدر اإلمالان مصاحل مجيع األطراف املشروعة‪ ،‬وتقسّم املصكاحل‬
‫املتناز عليها بشالل عادل‪.‬‬
‫‪ -‬ال خترب العالقات بني األطراف‪.‬‬
‫‪ -‬قابلة للتنفيذ‪ :‬إمالانية تطبيقها من قبل األطراف والعمل يف إطارها*‪.‬‬
‫‪ -‬متتلالها األطراف‪ ،‬مبعىن‪ ،‬أهنا ليست مفروضة عليها من جهات خارجية‪.‬‬
‫‪ -‬مقبولة من مرجعيات األطراف مجيعاً‪ ،‬ولي هلا مردودات سلبية علكى‬
‫القادة‪.‬‬
‫‪ -‬ليست غامضة‪ ،‬مالتملة وواضحة‪.‬‬
‫‪ -‬ميالن حتقيقها أو تنفيذها‪ ،‬يف إطار زمين مقبول‪.‬‬
‫‪ .4‬املرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة ما بعد االتفاق‪/‬تنفيذ االتفاقية‪ :‬ال يالفكء أن ينتكهء‬
‫أطراف املفاوضات باتفاقية تسوية للصرا ‪ ،‬وإمنا تطبيق أو تنفيذ االتفاق‪ ،‬حبد‬
‫ذاته قضية معقدة وحتتاج إىل مفاوضات مستمرة‪( ،‬جتربة اتفاقيات أوسلو بني‬
‫إسرائيل ومنظمة التحرير مثاالً قوياً على ذلك)‪ ،‬وحتتاج يف كثري من األحيان‬
‫االستعانة بوسطاء دوليني‪ ،‬أو منظمات دولية أو قوات سالم‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫أشالال الدعم والتدخل‪ .‬والنجاح يف تنفيذ االتفاقية ال يعين فقط عدم العودة‬
‫إىل نقطة ما قبل عملية املفاوضات‪ ،‬وإمنا أيضكاً يصكنع األسك ملسكتقبل‬
‫العالقات بني الطرفني‪ ،‬أو الدخول يف املرحلة التالية من بناء املسكتقبل بكني‬
‫األطراف‪ ،‬وهء التطبيع والتعاون‪.‬‬
‫‪ .1‬املرحلة اخلامسة‪ :‬مرحلة التطبيع وتعزيز التعاون‪ :‬وهء املرحلة النهائية املنشودة‬
‫ألي مفاوضات‪ ،‬معنية بتسوية الصرا بني األطراف املتنازعة‪ .‬واملفاوضات يف‬
‫هذه املرحلة حممية بأجواء إجيابية ومصاحل مشكتركة‪ ،‬ميدانيكة أو عمليكة‪،‬‬
‫باإلضافة إىل دوافع ونيات إجيابية وبناءة‪ ،‬ومالاسب حقيقيكة حتققكت مكن‬

‫سيمون فيشر وآخرون‪ :‬مرجع سابق‪.011 . ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪115‬‬
‫املرحلة السابقة‪ .‬وهذه املرحلة هء مرحلة ترسخ وحتقق السالم الكدائم بكني‬
‫هذه األطراف‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الوساطة‪:‬‬
‫تُعترب الوساطة‪ ،‬واحدة من أكثر وسائل التدخل استخداماً لتسوية الصراعات‪،‬‬
‫والوساطة يف كثري من األحيان‪ ،‬هء الوسيلة اليت تؤدي إىل حدوث املفاوضكات‪،‬‬
‫ومن مث تسوية الصراعات‪ ،‬خاصة يف النكزاعات الدولية‪ .‬فالوساطة قد تبدأ قبكل‬
‫املفاوضات‪ ،‬وهء اليت قد حتقق‪ ،‬أو توجد املفاوضات بني األطراف املتنازعة‪ ،‬وهء‬
‫تشالل يف غالب األحيان ضرورة للمحافظة على استمرار املفاوضات‪ ،‬وهء الراعية‬
‫أو الضامنة لنتائج‪ ،‬أو حمصلة املفاوضات سواء أكانت* باتفاقيات سالم وتسكوية‬
‫للصرا ‪ ،‬أم بالوهنا أحياناً كثرية صمام أمان لعدم تصعيد الصرا نتيجكة فشكل‬
‫املفاوضات‪.‬‬
‫مفووم الوساطة‪:‬‬
‫تنوعت وتباينت جتاهات مفهوم الوساطة بني الباحثني‪ ،‬يف جمكال دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬فبينما يشري أحكد أعكالم دراسكات الوسكاطة "جكاكوب‬
‫بريكوفيتش"‪ ،‬إىل أن الوساطة هء عملية أو وجه من أوجه إدارة الصرا ‪ ،‬حيكث‬
‫تسعى فيه األطراف املتنازعة للمساعدة‪ ،‬أو قبول عكرض املسكاعدة يف تسكوية‬
‫الصرا ‪ ،‬أو اخلالفات وبدون اللجوء إىل استخدام‪ ،‬إجراءات قسرية أو قوة ماديكة‬
‫أو استخدام صالحيات أو إجراءات قانونية‪ ،‬ويقوم هبذه املساعدة (الوسيط) إمكا‬
‫دولة أو منظمة أو مجاعة أو أفراد‪.1‬‬
‫بينما يعترب البعض‪ ،‬أن الوساطة هء "امتداد لعملية املفاوضات تشمل تكدخل‬
‫فريق ثالث مقبول لدى الطرفني‪ ،‬وحمدود السلطات يف أخذ القرار املتعلق بالصرا ‪،‬‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation & Dispute‬‬
‫‪Settlement: Evaluating the Conditions for Successful Mediation",‬‬
‫‪Negotiation Journal, Vol. 7, No. 1, pp. 18.‬‬
‫‪Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation ", Journal of Peace‬‬
‫‪Research, Vol. 28, No. 1, p. 2.‬‬

‫‪116‬‬
‫حيث يقوم هذا الطرف مبساعدة األطراف الرئيسية على الوصول طوعاً‪ ،‬إىل اتفاق‬
‫مقبول لديهم حول تسوية القضايا املتناز عليها‪ ،‬وكما هكو احلكال يف عمليكة‬
‫التفاوض فإن الوساطة تترك مسألة اختاذ القرار بيد أطراف النكزا ‪.1‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن الوساطة هء عملية ثالثية األبعاد‪ ،‬من حيث وجود طكرف مكن‬
‫خارج األطراف املباشرة للصرا ‪ ،‬ولالن يشارك يف إدارة الصرا باجتاه تسوية أو‬
‫هتدئة الصرا ‪.‬‬
‫إن وجود رغبة أو إرادة بتسوية أو حل هذا الصرا ‪ ،‬وفق خيار سكلمء‪،‬‬
‫وعلى هذا األسا يدفع الوسيط للتنصل‪ ..‬والوساطة باحملصلة‪ ،‬هء عملية تفاعلية‬
‫معقدة‪ ،‬تتأثر مبتغريات ذاتية داخلية وخارجية‪ ،‬كما يف املفاوضات‪ ،‬وتعترب الوجه‬
‫اآلخر من الع ملة املالملة لعملية املفاوضات بني األطراف‪ .‬ونتيجة لكذلك فكإن‬
‫أدوار ومهام الوسيط معقدة ومتعددة‪ ،‬وعليه ال بد من اإلشارة إىل طبيعة هكذه‬
‫األدوار‪.‬‬
‫أدوار وموام الوسيط‪:‬‬
‫إن الوسيط‪ ،‬أو ما يُعرف يف غالب األحيان بالطرف الثالث‪ ،‬قد ميار عكدة‬
‫مهامً وأدوار حسب مرحلة الصرا ‪ ،‬ومتطلبات إدارة أو تسوية الصرا ‪ .‬ويلخص‬
‫ويليام زارمتان أدوار الوسيط كما يأ ‪:2‬‬
‫‪ .0‬تسهيل التواصل‪ ،‬أو فتح قنوات االتصال‪ ،‬بني أطراف الصرا ‪ ،‬ومن أمثلكة‬
‫مهام هذا الدور‪ ،‬كأن ينقل مطالب‪ ،‬ورسائل األطراف إىل بعضها‪ ،‬يضيف أو‬
‫يتغلب على الفجوات التنظيمية اإلجرائية‪ ،‬للتواصل بني أطراف الصرا ‪.‬‬
‫‪ .1‬معد اقتراحات ومشاريع‪ ،‬كأن يصيغ أفالارا وآراء للطرفني يف شالل مشاريع‪،‬‬
‫واتفاقيات للتغلب على الفجوات األساسية بني أطراف الصرا ‪.‬‬

‫مور‪ ،‬كريستوفر (مؤلف)‪ ،‬سروجي‪ ،‬فؤاد (متدرجم)‪ ،1111 :‬عمليكة الوسكاطة‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫استراتيجيات عملية حلل النكزاعات‪ ،‬الدار األهليكة‪ ،‬عمّكان‪.21. ،18 -11 . ،‬‬
‫وملزيد من استعراض مفاهيم الوساطة‪ ،‬راجع محدان‪ ،‬هنلة ياسني (مؤلف)‪ ،‬كرم‪ ،‬مسدري‬
‫(مترجم)‪ ، 1112 :‬الوساطة يف اخلالفات العربية املعاصرة‪ ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراه‬
‫(‪ ،)49‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪.14-11 . ،‬‬
‫‪Zartman, William (Ed): Elusive Peace: Negotiating an End to Civil‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Wars, Op. cit., pp. 20-21.‬‬

‫‪117‬‬
‫مبعىن آخر فإن مهام وأدوار الوسيط تشمل أشالاالً عديدة‪ ،‬وميالن تلخكيص‬
‫األدوار واملهام األكثر شيوعاً مبا يلء‪:1‬‬
‫‪ .0‬تسهيل إقامة اتصاالت‪ ،‬أو فتح قنوات اتصال بني أطراف الصرا ‪ ،‬أو تعزيكز‬
‫الثقة بينهم‪.‬‬
‫‪ .1‬املسامهة يف بلورة قضايا‪ ،‬ومواقف أو مصاحل‪ ،‬وحقوق أطراف الصرا ‪.‬‬
‫‪ .2‬املشاركة يف إدارة عملية املفاوضات‪ ،‬مثل وضع جدول األعمال‪ ،‬الترتيبكات‬
‫اإلجرائية واملالانية والزمنية للمفاوضات‪ ،‬وحتديد مصاحل األطراف‪.‬‬
‫‪ .4‬توفري الدعم واملوارد الفنية والسياسية للمفاوضات‪.‬‬
‫‪ .1‬توفري بدائل‪ ،‬وتقدمي االقتراحات للتسوية‪ ،‬واملشاركة يف صكياغة اتفاقيكات‬
‫التسوية‪.‬‬
‫‪ .9‬تقدمي الضمانات الالزمة‪ ،‬لتنفيذ اتفاقيات التسوية‪ ،‬بشالل يؤدي إىل إقنكا‬
‫األطراف بالقبول بالتسوية املقترحة‪.‬‬
‫وبالرغم من تعدد أدوار ومهام الوسيط‪ ،‬فإنه قد ميارسها معاً‪ ،‬أو ميار جزءاً‬
‫بسيطاً منها‪ ،‬يف الصرا الواحد‪ ،‬وذلك حسب طبيعة ومراحل الصكرا ‪ ،‬الكذي‬
‫يعمل عليه الوسيط‪ .‬يف ضوء هذه املهام واألدوار‪ ،‬يطرح السؤال التايل‪ :‬م يكتم‬
‫تدخل الوسيط‪ ،‬وكيف ميار هذه األدوار؟‬
‫عادة يتدخل الوسيط يف أوضا أو حاالت كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .0‬عندما تالون قنوات االتصال‪ ،‬بني طريف الصرا منقطعة أو ضعيفة‪ ،‬إىل درجة‬
‫ال تؤدي إىل الدخول يف عملية مفاوضات‪.‬‬
‫‪ .1‬أو عندما تالون أجواء املفاوضات غري مهيأة‪ ،‬إلحراز حتقيق تقدم يف عمليكة‬
‫التفاوض ألسباب عديدة‪ ،‬منها‪ :‬توتر العالقات واملشاعر‪ ،‬والوضع االنفعكايل‬
‫بني طريف الصرا ‪ .‬أو العجز عن حتديد أولويكات وأجنكدة املفاوضكات‪،‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذه املهام واألدوار‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫مور‪ ،‬كريستوفر‪ :‬مرجع سابق ‪.001-011 . ،42-41 .‬‬
‫الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬التسوية السلمية ملنازعات احلدود واملنازعات اإلقليمية يف العالقكات‬
‫الدولية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.11-11 . ،‬‬
‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,‬‬
‫‪pp. 168-169.‬‬

‫‪118‬‬
‫اخلالفات حول معلومات كل طرف عن اآلخر ومدى صكدقيتها‪ ،‬وجكود‬
‫فجوة كبرية‪ ،‬وتباينات واسعة بني مواقف أطراف الصرا ‪ ،‬وغري ذلك مكن‬
‫األجواء‪.‬‬
‫‪ .2‬أو الوصول إىل طريق مسدود‪ ،‬أو إىل مجود املفاوضات‪ ،‬وبالتايل عدم إمالانية‬
‫الوصول إىل اتفاقية سالم‪ ،‬أو تسوية بني الطرفني‪.‬‬
‫‪ .4‬وجود حاجة أو ضرورة‪ ،‬لتقدمي ضمانات معينة ح ميالن القبكول بتسكوية‬
‫معينة وتنفيذها‪.‬‬
‫ويلخص كري مور ‪ ،Chris Moore‬مراحل تدخل الوسيط‪ ،‬وطبيعة حتركاته‬
‫وممارسته ألوامره يف هذه املراحل يف اجلدول اآل ‪:1‬‬

‫الجدول ررم (‪ :)9‬المراحل االثنتي عشرو لتحركا الوسيط‬

‫املرحلة السابعة‪ :‬حتديد القضايا وورع‬ ‫املرحلة األوىل‪ :‬خلق عالقة مع األطراف‬
‫جدول أعمال‬ ‫املتنازعة‬
‫‪ -‬حدد املوضوعات العامة اليت هتم األطراف‬ ‫‪ -‬االتصال املبدئء مع األطراف‬
‫‪ -‬خذ املوافقة على القضكايا الكيت سكيتم‬ ‫‪ -‬بناء املصداقية‬
‫مناقشتها‬ ‫‪ -‬تشجيع التواصل (التقارب)‬
‫‪ -‬تعريف األطكراف بعمليكة وإجكراءات ‪ -‬حدد أسلوب التتابع للتعامل مع القضايا‬
‫الوساطة‬
‫‪ -‬زيادة االلتزام بإجراءات الوساطة‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬اختيار استراتيجية لتوجيه املرحلة الثامنة‪ :‬اكتشاف املصاحل غري املعلنة‬
‫لألطراف املتنازعة‬ ‫عملية الوساطة‬
‫‪ -‬معاونة األطراف على تقدير االجتاهكات ‪ -‬حدد االهتمامات اجلوهريكة واإلجرائيكة‬
‫واملككداخل املختلفككة إلدارة وتسككوية والنفسية لالل من األطراف‬
‫‪ -‬عرّف كل طرف باهتمامكات ومصكاحل‬ ‫الصراعات‬
‫‪ -‬معاونة األطراف الختيار اجتاه أو مكدخل الطرف اآلخر‬
‫معني‬
‫‪ -‬التنسيق بني اجتاهات األطراف املعنية‬

‫‪W. Moore, Christopher: 2003, the Mediation Process, Jossey Bass A‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Wiley Imprint, U.S, 3rd Edition, p. 68-69.‬‬

‫‪119‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬مجع وحتلي معلومات عن املرحلة التاسعة‪ :‬خلق خيارات لالتفاق أو‬
‫التسوية‬ ‫خلفية املوروع‬
‫‪ -‬مجع وحتليل املعلومات والبيانات املهمكة ‪ -‬طور الوعء لدى األطراف حول احلاجكة‬
‫بالنسبة لألفراد‪ ،‬والدينامياليات اخلاصكة لوجود خيارات متعددة‬
‫‪ -‬قلل من االلتزام مبواقف ذات اخليار الواحد‬ ‫بالنكزا ‪ ،‬وجوهر الصرا ‪.‬‬
‫‪ -‬اخلق خيارات مستخدماً مساومة حكول‬ ‫‪ -‬التأكد من صحة املعلومات والبيانات‬
‫‪ -‬تقليص تأثري املعلومات غري الدقيقة أو غري املواقف أو املصاحل‬
‫املتوفرة‬
‫املرحلة العاشرة‪ :‬تقييم خيارات االتفاق أو‬ ‫املرحلة الرابعة‪ :‬تصميم خطة مفصلة‬
‫التسوية‬ ‫للوساطة‬
‫‪ -‬حدد االسكتراتيجيات واخلطكوات غكري ‪ -‬راجع مصاحل األطراف‬
‫املشروطة الناجتة عنها‪ ،‬واليت متالن األطراف ‪ -‬قيم كيفية حتقيق املصلحة مكن خكالل‬
‫اخليارات املتاحة‬ ‫من التحرك يف اجتاه الوصول التفاق‪.‬‬
‫‪ -‬حدد احلركات أو اخلطكوات املشكروطة ‪ -‬قيم الربح واخلسارة للبدائل املختارة‬
‫جملاهبة املواقف اخلاصة بالصرا ‪.‬‬
‫املرحلة احلادية عشر‪ :‬املساومة النهائية‬ ‫املرحلة اخلامسة‪ :‬بناء الثقة والتعاون‬
‫‪ -‬قم بتأهيل األطراف املتصارعة نفسياً للمشاركة ‪ -‬توصل إىل اتفاق إما من خالل تقكارب‬
‫متنام للمواقف‪ ،‬أو طفرات هنائية لصفقة‪،‬‬ ‫يف مفاوضات حول قضايا جوهرية‪.‬‬
‫أو معادلة مقبولة من الطكرفني‪ ،‬أو مكن‬ ‫‪ -‬تعامل مع االنفعاالت القوية‬
‫‪ -‬اضبط املفاهيم وحاول أن تقلل من آثكار خالل خلق أساليب إجرائية للوصول إىل‬
‫اتفاق جوهري‬ ‫االنطباعات النمطية الشائعة‬
‫‪ -‬القيام ببناء قدرة إلدراك شرعية األطراف‬
‫والقضايا‬
‫‪ -‬بناء الثقة‬
‫‪ -‬وضح طرق االتصال‬
‫املرحلة الثانية عشرة‪ :‬الوبول إىل اتفاق رمسي‬ ‫املرحلة السادسة‪ :‬بدء جلسة املفاورات‬
‫‪ -‬حدد اخلطوات اإلجرائية لتفعيل االتفاق‪.‬‬ ‫‪ -‬قم بفتح املفاوضات بني األطراف‬
‫‪ -‬أ ّس طريقة للتقييم واملتابعة‬ ‫‪ -‬اخلق لغة متفتحة وإجيابية‬
‫‪ -‬رسّخ قواعد عامة ودليال إرشاديا للتصرف ‪ -‬اعمل على جعل االتفاق رمسياً‬
‫‪ -‬ساعد األطراف على التنفي أو التعبري عن ‪ -‬صمم آلية لإللزام وااللتزام‬
‫عواطفهم وانفعاالهتم‬
‫‪ -‬حدد جماالت وقضايا املناقشة‬
‫‪ -‬ساعد األطراف على اكتشكاف أمهيكة‬
‫االلتزام والتأثري‬

‫‪111‬‬
‫من جانب آخر فإنه عادة‪ ،‬عندما يتدخل الطرف الثالث يف مرحلة مكا قبكل‬
‫املفاوضات هبدف التقريب بني األطراف املتنازعة‪ ،‬ودفعها حنو الكدخول أو بكدء‬
‫عملية التفاوض‪ .‬وبالتايل‪ ،‬وقوف دور الوسيط عند هذه املرحلة (بدء املفاوضات)‪.‬‬
‫فإن هذا النو من التدخل‪/‬الوساطة‪ ،‬يسمى باملساعء احلميدة (‪،)Good Offices‬‬
‫وإن كان الوضع السائد‪ ،‬أو األكثر شيوعاً من الوساطة الدولية حالياً‪ ،‬أهنا ال تقف‬
‫عند دور الطرف الثالث يف املساعء احلميدة‪ ،‬حنو دفع األطراف للبكدء يف عمليكة‬
‫املفاوضات‪ ،‬فغالباً ما يستمر دور الوسيط للمحافظكة علكى اسكتمرار عمليكة‬
‫املفاوضات وجناحها يف حتقيق "التسوية بني األطراف"‪ .‬وتُعترب الدبلوماسية الثنائية‪،‬‬
‫أو املتعددة من أهم أشالال الوساطة‪ ،‬خاصة يف النككزاعات الدوليكة‪ ،‬كمكا يف‬
‫احلروب األهلية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الجزاءا واإلجراءا اإلنفاذية والتدابير القسرية‪:‬‬


‫وهذا الشالل من أشالال التدخل لتسوية الصراعات‪ ،‬يرتبط أيضكاً بوجكود‬
‫طرف ثالث‪ ،‬ويقوم على أسا فرض تسوية منع التصكعيد أو التهدئكة‪ ،‬علكى‬
‫طرف‪/‬أطراف الصرا ‪ ،‬إما من خالل اللجوء إىل اسكتخدام القكوة‪ ،‬أو فكرض‬
‫العقوبات‪ ،‬أو اجلزاءات على أحد أطراف الصرا ‪ .‬ويالون استخدام الوسكيط‪ ،‬أو‬
‫الوسطاء هلذا اإلجراء‪ ،‬يعتمد عادة على قرارات الشرعية الدولية (األمم املتحكدة)‪،‬‬
‫مثل االعتماد على الفصل السابع من ميثكاق األمكم املتحكدة‪ ،‬أو مكن خكالل‬
‫حتالفات‪/‬قوى كربى‪ ،‬تعتمد على إطار تنظيمء عسالري‪ ،‬مثل حلف الناتو‪ ،‬وعادة‬
‫ما يالون مربر استخدام القوة العسالرية يف الصراعات‪ ،‬من قبل طرف ثالث هكو‬
‫دعوى منع أو رد عدوان‪ ،‬يهدد األمن والسلم الدوليني‪.1‬‬
‫ونتيجة لالون القوى املستخدمة للقوة معتمدة على قرارات األمم املتحدة‪ ،‬فكإن‬
‫شرعية استخدام القوة واسعة‪ ،‬وكلما كانت غري معتمدة على قرارات األمم املتحكدة‪،‬‬
‫ولالن معتمدة على حتالفات قوى أخرى متعددة‪ ،‬أو منظمات دولية إقليميكة كانكت‬
‫شرعيتها منقوصة‪ ،‬أو مفقودة جتاه هذه القوى‪ ،‬مثل عملية العدوان األمريالكء علكى‬
‫العراق ‪ ،1112‬بعال التحالف الدويل ضد العراق لتحرير الالويت عام ‪.0110‬‬

‫راجع ميثاق األمم املتحدة‪ ،‬الفصل السابع‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪110‬‬
‫ومن أمثلة إجراءات فرض السالم‪ ،‬واإلجراءات القسرية ولالن غري املسلحة‪،‬‬
‫مثل العقوبات الدولية‪ ،‬أو احلصار الدويل على بعض الكدول إلجبارهكا القبكول‬
‫بتسويات‪ ،‬أو شروط معينة تطلبها األمم املتحدة‪ .‬مثل‪ ،‬قطع الصالت الدبلوماسية‪،‬‬
‫واحلصار االقتصادي والعسالري ضد بعكض الكدول ككالعراق‪ ،‬ويوغسكالفيا‪،‬‬
‫وغريمها‪.1‬‬
‫رابعاً‪ :‬التحكيم‪:‬‬
‫يُعترب التحاليم شالال من أشالال التدخل‪ ،‬من قبل طرف ثالكث لتسكوية‬
‫الصراعات الدولية (بوسائل سلمية قانونية) أو اجملتمعية‪ ،‬أما بالنسبة للصراعات‬
‫األهلية (خاصة بني حالومة ومعارضة مسلحة) فمن غري املعهكود اسكتخدامه‬
‫بشالل واسع‪ .‬والتحاليم غالباً‪ ،‬ما يُستخدم يف النكز اعات احلدودية بني الدول‪،‬‬
‫وأحياناً حول تبعية أقاليم‪ ،‬أو أراض معينة إىل األطراف‪ ،‬اليت يدور النككزا‬
‫حوهلا‪ .‬ويشري البعض‪ ،‬إىل أن التحاليم الدويل‪ ،‬قد ارتبط من حيث ظهكوره‪،‬‬
‫وتطوره يف العصر احلديث‪ ،‬مبنازعات احلدود واملنازعات اإلقليميكة أو حكول‬
‫األقاليم‪.2‬‬
‫وجوهر التحاليم أو مفهومه‪ ،‬ينصرف إىل العملية اليت ميالن عكن طريقهكا‬
‫التوصل إىل تسوية سلمية للنكزا ‪ ،‬حمل االعتبار حبالم مُلزم تصدره هيئة خاصة‪،3‬‬
‫ويفصّل بعض الباحثني ذلك‪ ،‬باإلشارة إىل أن "التحاليم‪ ،‬هو إحدى وسائل تسوية‬
‫النكزاعات‪ ،‬اليت يالون فيها للطرف الثالث دور فعّال يف حسم أوجه اخلالف‪ ،‬بأن‬
‫يصدر قرارات ملزمة‪ .‬ولذلك فأسلوب التحاليم‪ ،‬خيتلف عن أسكاليب الوسكاطة‬

‫ملزيد من التفاصيل حول هذه اجلزاءات وإجراءات اإلنفاذ (القسرية)‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫غايل‪ ،‬بطرس بطرس‪ :‬خطة للسالم‪ ،‬مرجع سابق‪.18-14 . ،‬‬
‫حول تقييم احلصار االقتصادي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Wallensteen, Peter: 2000, a Century of Economic Sanctions: A Field‬‬
‫‪Revisited Uppsala Peace Research No. 1, Department of Peace and‬‬
‫‪Conflict Research, Uppsala University.‬‬
‫الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬التسوية السلمية ملنازعات احلدود واملنازعات اإلقليمية يف العالقكات‬ ‫‪2‬‬
‫الدولية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.41 . ،‬‬
‫الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬املرجع نفسه‪.21 . ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪111‬‬
‫والتفاوض‪ ،‬اليت حتافظ بدرجة كبرية على استقاللية أطكراف النككزا يف اختكاذ‬
‫قراراهتم‪ .‬وخيتلف التحاليم عن أشالال القضاء املعتادة‪ ،‬يف أن احملالم قد ال يسكتمد‬
‫سلطته من قانون‪ ،‬أو من سيادة الدولة‪ .‬فالتحاليم‪ ،‬ميالن أن تلجأ إليه األطراف‪ ،‬إذا‬
‫اتفقوا يف عالقتهم التعاقدية على اللجوء إليه‪ .‬والالثري مكن التعاقكدات التجاريكة‬
‫والدولية‪ ،‬تشترط اللجوء إىل التحاليم‪ ،‬حلل النكزاعات اليت قكد تنشكب بكني‬
‫املتعاقدين‪.‬‬
‫إن اللجوء إىل التحاليم كوسيلة سلمية‪ ،‬من وسائل فض النكزاعات عكادة‬
‫تالون‪ ،‬يف مرحلة استنفذت أو فشلت‪ ،‬فيهكا الوسكائل السكلمية السياسكية أو‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬لتسوية الصرا (خاصة املفاوضات)‪ ،‬مع حر‪ .‬أطكراف الصكرا ‪،‬‬
‫على التسوية السلمية كخيار استراتيجء أو وحيد‪ ،‬مما يدفع أطراف الصكرا ؛ إىل‬
‫اللجوء إىل بديل أو خيار التحاليم والقضاء الدويل‪.1‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬رمبا من املفيد اإلشارة إىل ما يقدمه أوليفكر ‪ ،Oliver‬مكن‬
‫تقنيات أو أشالال أخرى‪ ،‬للتدخل لتسوية الصراعات مع عالقتها أو حتديد موضع‬
‫استخدامها‪ ،‬وفق كل مرحلة من مراحل الصرا ‪ ،‬أو بشالل يتالامكل مكع ككل‬
‫مرحلة‪ .‬إن أشالال التدخل اليت يقترحها يف كل مرحلة‪ ،‬هء ليسكت مكن بكاب‬
‫احلصر‪ ،‬بل من باب األمثلة واألكثر أمهية‪ ،‬وتفاصيل أشالال التدخل هذه موضحة‬
‫يف اجلدول اآل ‪:2‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول التسوية القانونية والتحاليم للصكراعات‪ ،‬خاصكة احلدوديكة‬ ‫‪1‬‬
‫واألقاليم‪ ،‬انظر‪ ،‬الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬التسوية السلمية ملنازعات احلدود واملنازعات اإلقليمية‬
‫يف العالقات الدولية املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪.91-21 . ،‬‬
‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪p. 14.‬‬

‫‪111‬‬
‫الجدول ررم (‪ :)2‬تقنيا وأشكال التدخل لتسوية الصراعا‬

‫أمثلة من االستجابة‬ ‫االستجابة االستراتيجية‬ ‫مرحلة الصراع‬


‫آلية حل املشكالالت (ورشكات‬ ‫بناء السالم الثقايف ‪-‬‬ ‫االختالف‬
‫العمل)‬ ‫‪Cultural Peace‬‬ ‫‪Difference‬‬
‫دعم املؤسسات لتسوية النكزاعات‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Building‬‬
‫األهلية‪ ،‬والتكدريب علكى فكض‬
‫النكزاعات‬
‫بعثات تقصء احلقكائق وجلكان‬ ‫‪-‬‬
‫السالم‬
‫مساعدات تنموية‬ ‫‪-‬‬ ‫بناء السالم اهلياللء‬ ‫التناقض‬
‫تنمية اجملتمع احمللء‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Structural Peace‬‬ ‫‪Contradiction‬‬
‫التدريب على ممارسكة حقكوق‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Building‬‬
‫اإلنسان‬
‫املسار الثاين للوساطة‪ :‬البحث أو‬ ‫‪-‬‬
‫آلية حل املشالالت‬
‫مبعوث خا‪/.‬وساطة رمسية‬ ‫صنع السالم النخبوي ‪-‬‬ ‫االستقطاب‬
‫مفاوضات‬ ‫‪- Elite Peacemaking‬‬ ‫‪Polarization‬‬
‫دبلوماسية اإلكراه‬ ‫‪-‬‬
‫عمليات حفظ السالم الوقائء‬ ‫‪-‬‬
‫الفصل‬ ‫‪-‬‬ ‫حفظ السالم‬ ‫العنف‬
‫إدارة األزمات وسياسة االحتواء‬ ‫‪- Peace Keeping‬‬ ‫‪Violence‬‬
‫فرض السالم‬ ‫احلد من انتشار احلرب ‪-‬‬ ‫احلرب‬
‫دعم السالم واالستقرار‬ ‫‪- War Limitation‬‬ ‫‪War‬‬
‫حفظ السالم الوقائء‬ ‫‪-‬‬ ‫حفظ السالم‬ ‫وقف إطالق النار‬
‫نكز السالح وإصالح القطكا‬ ‫‪- Peace Keeping‬‬ ‫‪Ceasefire‬‬
‫األمين‬
‫إجراءات بناء الثقة‪ ،‬وتعزيز األمن‬ ‫‪-‬‬
‫تعزيز األمن يف اجملتمع من خالل‬ ‫‪-‬‬
‫التأهيل الشرطء‬

‫‪114‬‬
‫أمثلة من االستجابة‬ ‫االستجابة (الرد)‬
‫مرحلة الصراع‬
‫(الرد) التكتيكي‬ ‫االستراتيجي‬
‫إصالح مؤسسء وتشريعء‬ ‫‪-‬‬ ‫صنع السالم النخبوي‬ ‫االتفاقية‬
‫تقاسككم السككلطة والمركزيككة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Elite Peacemaking‬‬ ‫‪Agreement‬‬
‫السلطة‬
‫آلية حل املشالالت‬ ‫‪-‬‬
‫األمن اجلمكاعء واإلجكراءات‬ ‫‪-‬‬ ‫بناء السالم اهلياللء‬ ‫التطبيع‬
‫التعاونية‬ ‫‪Structural Peace‬‬ ‫‪Normalization‬‬
‫التنمية االقتصادية‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Building‬‬
‫الدفا البديل‬ ‫‪-‬‬
‫بعثات وجلان السكالم وتقصكء‬ ‫‪-‬‬ ‫بناء السالم الثقايف‬ ‫التصاحل (تسوية‬
‫احلقائق‬ ‫‪Cultural Peace‬‬ ‫اخلالفات)‬
‫تنمية اإلعالم السلمء‬ ‫‪-‬‬ ‫‪Building‬‬ ‫‪Reconciliation‬‬
‫تعزيز التعليم والتكدريب حكول‬ ‫‪-‬‬
‫السالم‬
‫والصراعات‬ ‫‪-‬‬
‫مبادرات التبادل الثقايف للتصاحل‬ ‫‪-‬‬
‫وتسوية اخلالفات‬ ‫‪-‬‬
‫آلية حل املشكالالت كتصكور‬ ‫‪-‬‬
‫مستقبلء‬

‫وميالن القول‪ ،‬إن أشالال التدخل لتسوية الصراعات أو فض النكزاعات‪ ،‬ال‬


‫تشالل قوالب جاهزة لتسوية الصراعات‪ ،‬أي حتقق استجابة تلقائية‪ ،‬وحتقق تسوية‬
‫للصرا وفق نو أو شالل التدخل‪ ،‬وإمنا هذه األشالال تشالل تقنيات أو أطكرا‬
‫منهجية تساعدنا يف حتديد كيفية تعاملنا مع الصراعات‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬كيكف نبكدأ أو‬
‫بأي شالل نبدأ‪ ،‬وماذا نريد أن حنقق‪ ،‬أو كيف نصل إىل تسوية دائمة للصكراعات‬
‫من جهة‪ ،‬وإىل املنع الوقائء من جهة ثانية‪.‬‬
‫ويف ختام حديثنا حول أشالال التسوية‪ ،‬رمبا من املفيد اإلشارة إىل العالقة بني‬
‫البعد األخالقء‪ ،‬وتسوية النكزعات‪ ،‬وهو ما نتناوله تالياً‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫األخالق وفض النزاعا ‪:‬‬
‫إن قضية النظام األخالقء‪ ،‬وعالقته بفض النكزاعات‪ ،‬هء من القضايا‪ ،‬الكيت‬
‫تناولتها بعض أدبيات علم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬وخاصة مكا يتعلكق منكها‬
‫بأطراف‪ ،‬ونتائج املفاوضات والوساطة‪ .‬وهء من القضايا اهلالمية األبعاد من جهة‪،‬‬
‫واجلدلية من جهة أخرى‪.‬‬
‫تشري العديد من األدبيات الغربية يف الصرا والسالم‪ ،‬إىل غيكاب ميثكاق أو‬
‫منظومة معيارية أخالقية‪ ،‬أو إطار نظري معياري أخالقء‪ ،‬يلتزم به‪ ،‬أو يسترشد بكه‬
‫املفاوضون أو الوسطاء‪ .1‬وخاصة‪ ،‬على صعيد حتقيق النتائج املثالية أو البناءة‪ .‬إن واقع‬
‫احلال‪ ،‬يشري إىل أن هذه هء إشالالية حقيقية‪ ،‬يف املنظومة السياسية الغربية بشكالل‬
‫خا‪ ،.‬إذ ختلصت من العالقة بني السياسة واألخالق‪ ،‬أو جعلت منها عالقة شاللية‪.‬‬
‫فأسا العالقة‪ ،‬أصبح حتقيق "املصلحة" بغض النظر‪ ،‬عن ارتفا الاللفة األخالقيكة‬
‫هلدف حتقيقها‪ .‬وبالرغم من أن هناك اعتبكارات أخالقيكة فضفاضكة‪ ،‬يف عمليكة‬
‫املفاوضات أو الوساطة‪ ،‬تراعى أحياناً ولالن‪ ،‬وفق اعتبارات حتقيق "املصلحة"‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة هذه االعتبارات األخالقية‪" ،‬السرية"‪ ،‬أو "الرضا"‪ ،‬أو إيقاف العنف‪.‬‬
‫إن وجود هذه اإلشالالية األخالقية‪ ،‬يف تسكوية الصكراعات‪ ،‬نقكل عمليكة‬
‫املفاوضات أو الوساطة‪ ،‬بني األطراف املتنازعة‪ - ،‬ولو حبسن النية أحياناً‪ -‬من هدف‬
‫الوصول إىل حتقيق تسوية للصراعات‪ ،‬إىل هدف أو عملية إدارة الصرا ‪ ،‬والوقكوف‬
‫عند ذلك فقط‪ ،‬وهو ما يعين استمرار الصرا ‪ ،‬ومنع تصاعد حدّته أو انتشكاره‪ .‬أي‬
‫أصبحت عملية املفاوضات‪ ،‬أو الوساطة هء عملية إلدارة الصرا ‪ ،‬ولي لتسويته‪.‬‬
‫ويف مقابل هذا املنظور الغربكء‪ ،‬فإن املنظور الديين عمومكاً‪ ،‬واإلسكالمء‬
‫خصوصاً‪ ،‬يوفر يف جمال العالقة بني األخالق‪ ،‬وفض املنازعات‪ ،‬إطكاراً أخالقيكاً‪،‬‬
‫يسعى أو يلزم أصحابه من الوسطاء‪ ،‬واملفاوضني إىل االلتكزام بكه‪ ،‬وهكو يُعكىن‬
‫بالوصول إىل احلقوق‪ ،‬والتسوية العادلة‪ ،‬وال يقوم على أسا "قبكول األطكراف"‬
‫فقط‪ ،‬ولو كانت التسوية غري عادلة‪ ،‬وتفرضها معطيات معادلة القوة‪.‬‬

‫انظر على سبيل املثال‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Kevin Gibson, The Ethical Basis of Conflict Resolution, Conflict‬‬
‫‪Research Consortium, Working Paper 89-3, March 1989, Department‬‬
‫‪of Philosophy, University of Colorado at Boulder.‬‬

‫‪116‬‬
‫املبحث الرابع‬

‫المنع الورائي لحدوث‬


‫الصراعا األهلية والدولية‬

‫إن املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬واملنع الوقائء للصراعات العنيفة بشالل خكا‪،.‬‬
‫يعترب ‪ -‬بالرغم من حداثته ‪ -‬من اجملاالت األساسية واحلديثة‪ ،‬يف حقل دراسكات‬
‫السالم والصرا ‪ ،‬بَيْد أنه مل يلق اهتماماً واسعاً أو كافياً‪ ،‬بالرغم من أمهيته الالربى‪،‬‬
‫سواء من اجملتمع الدويل أو الدراسات املتخصصة‪ ،‬إال يف فترة متأخرة من مراحكل‬
‫تطور هذا احلقل املعريف‪.‬‬
‫ويشري بعض الباحثني يف هذا احلقل‪ ،‬إىل أن املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬يشكالل‬
‫وضعاً حامساً‪ ،‬لتحقيق األمن العاملء‪ ،‬كما يعترب الوسيلة أو الطريقة الوحيدة‪ ،‬ملنكع‬
‫معاناة ماليني النا يف كل أحناء العامل‪.1‬‬
‫يتناول هذا املبحث‪ ،‬دراسة موضو املنع الوقائء للصراعات األهلية‪ ،‬والدولية‬
‫وذلك من خالل احملاور اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬تطور االهتمام العلمء هبذا اجملال املتخصص‪.‬‬
‫كه‪،‬‬‫كه‪ ،‬مالوناتك‬ ‫كه‪ ،‬ماهيتك‬
‫كة‪ :‬مفهومك‬ ‫كراعات العنيفك‬ ‫كائء للصك‬ ‫كع الوقك‬ ‫‪ ‬املنك‬
‫ومؤشراته‪.‬‬
‫‪ ‬أمناط‪ ،‬وأشالال‪ ،‬وأنوا املنع الوقائء للصراعات‪.‬‬

‫‪Cloos, Jim: “Conflict Prevention as an Instrument in the EU’s Security‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Toolbox,” Op. cit., “Conflict Prevention as an Instrument in the EU’s‬‬
‫‪Security Toolbox,” in Anders, Mellbourn (ed): 2005, Development,‬‬
‫‪Security and Conflict Prevention, The Anna Lindh Programme on‬‬
‫‪Conflict Prevention, (Hedemora, Sweden: Gidlunds förlag), p. 14.‬‬

‫‪117‬‬
‫أوال‪ :‬تطور االهتمام العلمي في مجال المنع الورائي للصراعا ‪:‬‬
‫مل يلق جمال املنع الوقائء للصراعات العنيفة‪ ،‬سواء على صعيد املمارسة‪ ،‬مكن‬
‫قبل صنا القرار يف بيئة اجملتمع الدويل ومؤسساهتا‪ ،‬أو على صكعيد الدراسكات‬
‫والتنظري العلمء‪ ،‬حلقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬اهتماماً واسعاً‪ ،‬أو كافياً خالل‬
‫حقبة احلرب الباردة‪ ،‬خاصة يف ضوء أولوية االهتمام بسباق التسلح‪ ،‬الذي ككان‬
‫سائداً‪ ،‬بالرغم من إدراك املعنيني‪ ،‬سواء من صنا القرار أو البكاحثني‪ .‬أن العمكل‬
‫على الوقاية‪ ،‬أو املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬سيؤدي إىل منع حدوث خماطر وكوارث‬
‫كربى‪ ،‬قد تاللف كثرياً على الصعيد اإلنساين والبشري واالقتصادي والعسالري‪،‬‬
‫وهتديد األمن والسلم الدوليني‪ ،‬وأن جهود تسوية الصراعات العنيفة‪ ،‬بعد حدوثها‬
‫قد تالون أصعب كثرياً‪ ،‬وأكثر كلفة من جهود وكلفة العمل على الوقاية منكها‪.‬‬
‫ومن هنا؛ فإن العمل على املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬ضرورة أساسية تكوفر هكذه‬
‫التالاليف‪ ،‬ومتنع حدوث هذه املخاطر أو الالوارث‪.‬‬
‫وتشري بعض الدراسات‪ ،‬إىل أن االهتمام مبجال املنع الوقكائء للصكراعات‬
‫العنيفة ظهر يف بدايات مرحلة ما بعد احلرب الباردة؛ ونتج ذلك عكن حكدوث‬
‫صراعات ماللفة جداً يف تلك الفترة‪ ،‬مثل‪ :‬اهنيار الدولة يف الصومال عكام ‪،0110‬‬
‫وحرب التطهري العرقء يف البوسنة واهلرسك‪ ،‬عام ‪ ،0111‬ومذابح اإلبادة اجلماعية‬
‫يف رواندا عام ‪ ،0114‬وغريها من احلروب الصراعات‪ ،‬واليت دفعت حنو ضكرورة‬
‫إجياد وسائل للسيطرة على الصراعات‪ ،‬ومنع حتويلها إىل حكروب‪ ،‬أو حكدوث‬
‫كوارث إنسانية‪ ،‬أو هتديد االستقرار واألمن اإلقليمء والدويل‪.1‬‬
‫وال شك‪ ،‬أن التغيري يف الظروف الدولية (خاصة هناية احلرب الباردة)‪ ،‬ومكا‬
‫ترتب عليها من تغيري أولويات صنا القرار والسياسات‪ ،‬أو اهتمامكات القكوى‬
‫الالربى؛ ساعد كثرياً يف هتيئة الظروف‪ ،‬وبدرجة كبرية‪ ،‬للتوجه حنو اختصا‪ ،.‬أو‬
‫جمال املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬سواء أكان هذا االهتمام من قبل املنظمات الدولية‪،‬‬
‫كاألمم املتحدة واحلالومات الغربية عموماً‪ ،‬أم من قبل الباحثني (خاصة الغربيني)‪،‬‬
‫حنو املزيد من االهتمام والدراسات والبحث العلمء يف هذا اجملكال‪ .‬وأصكبحت‬
‫‪Wallensteen, Peter & Moller Frida: Conflict Prevention:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Methodology for Knowing the Unknown, Op. cit.‬‬

‫‪118‬‬
‫جهود اجملتمع الدويل‪ ،‬سواء اجلهود العلمية أو السياسية أو الدبلوماسية‪( ،‬مع هنايكة‬
‫احلرب الباردة)‪ ،‬تسعى إىل االهتمام مبوضو منع الصراعات املسلحة‪ ،‬من خكالل‬
‫التركيز بشالل أكرب‪ ،‬على خصائص كل صرا ‪ ،‬أكثر من التركيز على العالقكات‬
‫بني القوى العظمى‪ .1‬كما أنه يف بدايات القرن احلادي والعشرين‪ ،‬أصكبح هنكاك‬
‫تدفق لفاعلني يف جمال منع الصراعات الدولية‪ ،‬فظهرت مؤسسكات ومنظمكات‬
‫حالومية‪ ،‬وغري حالومية غري رحبية‪ ،‬حبثية أو تدريبية‪ ،‬يف هذا اجملال‪ ،‬كما ظهكرت‬
‫منظمات ومؤسسات خاصة تُعكىن يف جمكال دراسكة األزمكات‪ ،‬والوسكاطة‪،‬‬
‫واملفاوضات‪ ،‬وغريها‪ ،2‬وال سيما يف جمال األعمال‪ ،‬وتأهيل املعنيني هبكذا اجملكال‪.‬‬
‫وأصبح هذا اجملال‪ ،‬يلقى اهتماماً واسعاً يف جامعات عديدة‪ ،‬خاصكة يف الكدول‬
‫الغربية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المنع الورائي للصراع‪ ،‬مفوومه وماهيته ومؤشراته‪:‬‬


‫سبق اإلشارة يف املبحث الثاين من الفصل الثاين‪ ،‬إىل املفاهيم األساسية للمنكع‬
‫الوقائء للصراعات‪ ،‬حيث أن املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬هو وضع يالون فيه مجيكع‬
‫أطرافه يف وضع الرابح (‪ ،3)win-win situation‬واستالماالً ملاهية منع الصراعات‪،‬‬
‫نشري إىل بعض املفاهيم األخرى‪ ،‬وما تعالسه من جدل واختالف أو تباين‪ ،‬حكول‬
‫ماهية وحتديد منع الصرا ‪ ،‬فالبعض ينظر إىل مفهوم املنع الوقائء للصرا ‪ ،‬علكى‬
‫اعتبار أنه دبلوماسية وقائية‪ ،‬مثل ما أشار بطر غايل األمني العام األسبق لألمكم‬
‫املتحدة‪ ،‬يف خطة السالم اليت أعدها يف تقريره جملل األمن عام ‪ ،1553‬فقد عرف‬
‫"الدبلوماسية الوقائية" على أهنا‪" :‬العمل الرامء‪ ،‬إىل منع نشكوء منازعكات بكني‬
‫األطراف‪ ،‬ومنع تصاعد (تصعيد) املنازعات القائمة‪ ،‬وحتوهلا إىل صراعات‪ ،‬ووقف‬
‫‪Preventing Violent Conflict, Swedish Policy for the 21st Century,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Stockholm: Ministry for Foreign Affairs, Secretariat for Conflict‬‬
‫‪Prevention, 2001, p. 9.‬‬
‫‪Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan, Ministry for‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Foreign Affairs, Secretariat for Conflict Prevention, Stockholm, 1999,‬‬
‫‪p. 3, http://www.sweden.gov.se/content/1/c6/02/01/61/aad1f9e6.pdf‬‬
‫‪Cloos, Jim: “Conflict Prevention as an Instrument in the EU’s Security‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Toolbox,” Op. cit., p. 14.‬‬

‫‪119‬‬
‫انتشار هذه الصراعات عند وقوعها"‪ .1‬كما ينظر إليها تقريكر معهكد ككارنيغء‬
‫للسالم‪ ،‬على أهنا هدف إلجراءات وقائية‪ ،‬أو وسيلة وقائية‪ .‬ويشري املعهد يف أحكد‬
‫تقاريره‪ ،‬إىل أن هدف العمل الوقائء هو "منع ظهور الصراعات العنيفة‪ ،‬أو منكع‬
‫الصراعات اجلارية من انتشارها‪ ،‬أو منع إعادة ظهور العنف يف هذه الصراعات"‪.2‬‬
‫بينما حيدد "بيتر فالنستني"‪ ،‬املفهوم بإشارته إىل أن منكع الصكراعات‪ ،‬هكء‬
‫"أفعال بناءة‪ ،‬يتم اللجوء إليها لتجنب هتديد حمتمل‪ ،‬أو جتنب اسكتخدام أو نشكر‬
‫القوة املسلحة من قبل األطراف املتنازعة؛ يف خالف سياسء"‪ .3‬يف حكني يقكدم‬
‫"مايالل لند" (‪ )Michael Lund‬مفهوماً أكثر حتديداً‪ ،‬ملنع الصراعات‪ ،‬حيث يشري‬
‫إىل أن منع الصراعات‪ ،‬هو "القيام بعمل يف أوقات‪ ،‬وأماكن قابلكة لالضكطراب‬
‫لتجنب التهديدات‪ ،‬أو استخدام القوة املسلحة‪/‬وغريها من أشالال اإلكراه من قبل‬
‫دول ومجاعات‪ ،‬لتسوية اخلالفات السياسية اليت ميالن أن تظهر‪ ،‬كآثكار زعزعكة‬
‫االستقرار‪ ،‬نتيجة التغيري االقتصادي واالجتماعء والسياسء الدويل"‪ .4‬وهو يشكري‬
‫إىل أن مفهوم املنع الوقائء‪ ،‬قد مت تداوله أكثر من مصطلح الدبلوماسية الوقائية‪ ،‬أو‬
‫الوقاية من األزمات‪.‬‬
‫وتشري دراسة صادرة عن معهد ‪ GTZ‬األملاين‪ ،‬إىل مفهوم املنع الوقائء للصراعات‬
‫على أنه عبارة عن منع األزمات‪ ،‬وحتدد بأن مصطلح‪ ،‬أو مفهوم منع األزمات‪ ،‬يغطكء‬
‫الفعل املتماسك واملمنهج واملخطط واملربمج زمنياً‪ ،‬الذي تقوم به احلالومات واجملتمكع‬
‫املدين مبستويات خمتلفة؛ ملنع الصراعات العنيفة‪ .‬وأن إجراءات املنع الوقائء‪ ،‬لألزمكات‬
‫يتم القيام هبا إما قبل أو أثناء أو بعد الصراعات العنيفة‪ ،‬لالء يتم‪:‬‬
‫‪ -‬تقليص احتمالية الصرا العنيف‪.‬‬

‫غايل‪ ،‬بطرس بطرس‪ :‬خطة للسالم‪ ،‬مرجع سابق‪.42 . ،‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict: Preventing‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Deadly Conflict: Final Report, Op. cit., p. xviii.‬‬
‫‪Wallensteen, Peter (Ed): 1998, Preventing Violent Conflict: Post‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Recorded Future Challenges, Department of Peace and Conflict‬‬
‫‪research, Uppsala, p. 11.‬‬
‫‪Lund, Michael S.: 2001, Preventing Violent Conflicts: a Strategy for‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪Preventive Diplomacy, United States Institute of Peace, Washington‬‬
‫‪D.C, p. 37.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ -‬تعزيز عملية تطوير املؤسسات واهلياكل‪ ،‬وثقافة اإلدارة السلمية للصراعات‪.1‬‬
‫وتعامل بعض الباحثني‪ ،‬من أمثال "‪ ،"Carment & Schnabel‬مع مفهوم منع‬
‫الصراعات كعملية إجرائية‪ ،‬ذات إطار مرحلء أو زمكين‪ ،‬وبالتكايل فكإن منكع‬
‫الصراعات‪ ،‬هو "إجراء استباقء‪ ،‬أو استراتيجية بنيوية‪ ،‬متوسطة‪ ،‬أو قكد تالكون‬
‫طويلة املدى‪ ،‬يقوم هبا عدد متنو من الفاعلني‪ ،‬هبدف حتديد‪ ،‬وهتيئة الظكروف أو‬
‫األجواء املناسبة‪ ،‬لبناء بيئة أمنية دولية مستقرة وقابلة للتوقع‪.2‬‬
‫ويرى "بيتر فالنستني"‪ ،‬يف دراسته املسحية حول منع الصراعات‪ ،‬أن معظكم‬
‫تعريفات منع الصراعات‪ ،‬استخدمت بشالل هالمء‪ ،‬وبشالل واسكع جكدا‪ ،‬أو‬
‫فضفاض جداً‪ .3‬من هنا نالحظ أن هناك من حاول‪ ،‬حتديد مفاهيم منع الصراعات‪،‬‬
‫إما من خالل تقسيمها إىل نوعني يرتبطان باملدى القصري‪ ،‬واملدى البعيد‪ ،‬أو مكن‬
‫خالل ارتباطها أو تضمنها مؤشرات معينة‪.‬‬
‫المدف القصير والمدف البعيد للمنع الورائي للصراعا ‪:4‬‬ ‫‪‬‬

‫يف ضوء التباين حول مفاهيم املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬وما يترتب عليه مكن‬
‫نتائج‪ ،‬أو إشالاليات إجرائية‪ ،‬أو عملية على صعيد أرض الواقع أو امليكدان؛ جلكأ‬
‫سهُل عملية‬
‫بعض الباحثني إىل تقسيم مضمون منع الصراعات إىل مستويني؛ ح َت ْ‬
‫‪Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: Peace-Building, Crisis‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the‬‬
‫‪Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Op. cit., p. 12.‬‬
‫‪Carment, David & Schnabel Albrecht: “Introduction: Conflict‬‬ ‫‪2‬‬
‫& ‪Prevention: A Concept in Search of a Policy”, in Carment, David‬‬
‫‪Schnabel Albrecht (eds): 2003, Conflict Prevention: Path to Peace or‬‬
‫‪Grand Illusion?, The United Nations University, Tokyo, p. 11.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Wallensteen, Peter & Moller, Frida: Op. cit., p. 5-6.‬‬
‫‪Lund, Michael S.: Op. cit., p. 34-37.‬‬
‫‪Cahill, Kevin M. (ed): 2000, Preventive Diplomacy: Stopping Wars‬‬
‫‪Before They Start, Routledge, London, p. 29.‬‬
‫انظر‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪Wallensteen, Peter & Moller, Frida: Op. cit., p. 6-7.‬‬
‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.‬‬
‫‪Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan: Op. cit., p. 2.‬‬

‫‪140‬‬
‫فهم وحتديد تطبيق منع الصراعات على مستوى املدى القصري أو إجراءات املنكع‬
‫املباشر‪.‬‬
‫‪ -‬املستوى األول‪ :‬إن أفعال املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬على املدى القصري‪ ،‬أو ما‬
‫يُطلق عليه إجراءات املنع الوقائء املباشر للصرا ‪ ،‬يُقصد هبا‪" :‬مرحلة األزمكة‬
‫اليت يُقدّر‪ ،‬بأهنا سوف تدخل يف مرحلة خطر التصعيد العسكالري‪ ،‬وزيكادة‬
‫حدته وانتشاره‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬يصبح هناك ضرورة أو حاجة‪ ،‬لعمل فعل معني مبنع‬
‫تصاعد أو ازدياد أخطار الصرا ‪ .‬وغالباً يتم ذلك من خالل طكرف ثالكث‬
‫وسيط‪ ،‬ويطلق على هذا املستوى املنع املباشر‪ ،‬أو اإلجرائء أو اخلفيف)‪.‬‬
‫‪ -‬املستوى الثاين‪ :‬املنع الوقائء للصراعات على املدى الطويكل‪ ،‬وهكء تُعكىن‬
‫بإجراءات‪ ،‬أو أفعال املنع البنيوي للصراعات‪ ،‬وهو الذي يُعىن بإجياد ظروف‪،‬‬
‫أو بيئة جتعل من الصعوبة الشديدة‪ ،‬أن ينشأ أو ينمو فيهكا النككزاعات أو‬
‫الصراعات‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬عدم التهديد بتحويلها إىل صكراعات مسكلحة‪.‬‬
‫وعادةً يُطلق على هذا املستوى "املنع الوقائء العميق‪ ،‬أو البنيوي" للصرا ‪.‬‬
‫ويشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل هذين النوعني مبسميات أخرى‪ ،1‬فعلى مستوى املنع‬
‫البنيوي للصراعات‪ ،‬يسمونه باملنع االستباقء للصراعات‪ ،‬وهو يرتبط بكاإلجراءات‬
‫الوقائية‪ ،‬اليت متار قبل حدوث الصرا أو تصعيده‪ .‬بينما يُطلق على مستوى املنكع‬
‫املباشر‪" ،‬املنع الوقائء على مستوى رد الفعل"‪ ،‬وهو يرتبط باإلجراءات‪ ،‬أو اخلطوات‬
‫الوقائية اليت تُمار بعد تصاعد الصرا ؛ هبدف احتواء‪ ،‬أو ختفيكف حكدّة ومكدّة‬
‫الصرا ‪ ،‬أو منع االمتداد‪ ،‬أو االنتشار اجلغرايف للعنف املسلح‪.‬‬
‫ونتناول الحقاً‪ ،‬يف هذا املبحث بعض األشالال أو األمنكاط‪ ،‬واإلجكراءات‬
‫التفصيلية ملنع الصراعات‪ ،‬على مستوى املنع املباشر‪( ،‬رد الفعل) ومسكتوى املنكع‬
‫البنيوي أو االستباقء‪.‬‬
‫يف ضوء هذا اجلدل‪ ،‬أو التباين املفاهيمء للمنع الوقائء للصراعات‪ ،‬جلكأت‬
‫بعض دراسات صنا القرار‪ ،‬أو صانعء السياسكات إىل حتديكد مفهكوم منكع‬
‫‪Reychler, Luc: “Conflict Impact Assessment”, in Choue, Young Seek‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪(ed): World Encyclopedia of Peace, Oceana Publication, INC, New‬‬
‫‪York, Vol. 1, p. 304.‬‬

‫‪141‬‬
‫الصراعات‪ ،‬من خالل حتديد مؤشراته أو إجراءاته‪ ،‬وتدابريه‪ ،‬فتشري خطة عمل املنع‬
‫الوقائء للصراعات‪ ،‬الصادرة عن وزارة اخلارجيكة السكويدية‪ ،‬إىل مؤشكرات أو‬
‫إجراءات أساسية‪ ،‬للتعبري عن مفهوم املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬كما يلء‪ :1‬أن املنكع‬
‫الوقائء يُقصد به‪ ،‬أو يشمل اإلجراءات والتدابري اليت‪:‬‬
‫‪ .0‬ميالن تنفيذها قبل تصعيد النكزاعات‪ ،‬واخلالفات إىل مستوى العنف‪.‬‬
‫‪ .1‬تصمم ملواجهة الصرا ‪ ،‬ومنع انتشاره إىل مناطق جغرافية أخرى‪.‬‬
‫‪ .2‬منع العنف من االشتعال مرة أخرى‪ ،‬بعد التوقيع على اتفاقية سالم‪ ،‬أو وقف‬
‫إلطالق النار‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬إطار وأشكال المنع الورائي للصراعا ‪:‬‬


‫نتناول يف هذا اجلزء عرض مستويني‪ ،‬أو قسمني من مالونات‪ ،‬أو مضكامني‬
‫املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬ومها يشالالن إطاراً جلوهر عملية الوقاية‪ ،‬من الصراعات‪.‬‬
‫وهذان القسمان مها‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإلطار العام أو األساسي ملكونات املنع الوقائي للصراعات‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬حتديد األشكال العملية ملنع الصراعات‪.‬‬
‫وفيما يأ تفصيل كل قسم من هذين القسمني‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اإلطار العام أو (األساسي) ملكونات‪ ،‬أو مضدامني املندع الوقدائي‬
‫للصراعات‪ :‬وهو عبارة عن أهم االسكتراتيجيات أو العناصكر الكيت تتضكمنها‬
‫عملية املنع الوقكائء للصكراعات‪ .‬وتشكري االسكتراتيجية األمنيكة األوروبيكة‬
‫(‪ ،)European Security Strategy‬إىل إطارٍ هام يف هذا اخلصو‪ ،.‬إذ تشكري إىل‬
‫أن أفضل محاية ألمنهم (أوروبا) هو‪:2‬‬
‫‪ .0‬عامل حيالم بدول دميقراطية كفوءة‪.‬‬
‫‪ .1‬انتشار احلالم الرشيد‪.‬‬
‫‪Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan: Summary of Ds‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.1999: 24, Op. cit., p. 20‬‬
‫‪European Security Strategy: 2003, A Secure Europe in a Better‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪World, (Brussels: Center Virtuel de la Connaissance sur l’ Europe‬‬
‫‪(CVCE), European Navigator, p. 8.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ .2‬دعم اإلصالح السياسء واالجتماعء‪.‬‬
‫‪ .4‬معاجلة الفساد وسوء استخدام السلطة‪.‬‬
‫‪ .1‬سيادة القانون‪.‬‬
‫‪ .9‬محاية حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وهذه العناصر مبجموعها‪ ،‬تشالل أفضل الوسائل‪ ،‬لتعزيز النظكام أو األمكن‬
‫الدويل‪ .‬وهذا اإلطار‪ ،‬يُظهر أو يعترب أن املنع الوقائء للصراعات يف اجملتمع الدويل‪،‬‬
‫هء عملية شاملة‪ ،‬بأبعاد سياسية وتنموية‪ ،‬تقوم على احتكرام كرامكة اإلنسكان‪،‬‬
‫وخدمته‪ ،‬ورعايته‪ ،‬ومحاية مستقبله‪ .‬ويف ضوء ذلك‪ ،‬تشري العديد من الدراسكات‪،‬‬
‫وكذلك استراتيجيات العديد من الدول‪ ،‬إىل أهم مالونات‪ ،‬أو عناصر املنع الوقائء‬
‫للصراعات كما يأ ‪:1‬‬
‫‪ .1‬تشخيص وحتديد املسببات البنيويدة للصدراعات‪ :‬ال شكك‪ ،‬أن حتليكل‬
‫الصراعات‪ ،‬وحتديد أسباب حدوثها يكوفر القكدرة علكى بنكاء رؤى‪ ،‬أو‬
‫تصورات‪ ،‬أو استراتيجيات فاعلة‪ ،‬ومناسبة‪ ،‬يف حتديد ما الذي جيب العمكل‬
‫عليه‪ ،‬يف املنع الوقائء للصراعات يف الدول واجملتمعات‪ ،‬سواء علكى صكعيد‬
‫الصراعات اإلثنية‪ ،‬أو شح املوارد‪ ،‬أو التسلط السياسكء‪ ،‬أو االنقسكامات‬
‫الدينية واملذهبية‪ ،‬أو املعاناة االقتصادية كالفقر‪ ،‬أو ثقافة العنف اجملتمعكء‪ ،‬أو‬
‫قضايا الالجئني‪ ،‬وغريها من العوامل واألسباب‪.‬‬
‫‪ .2‬تعزيز ثقافة منع الصراعات‪ :‬وهتدف إىل تعزيز إرادة اجملتمع‪( ،‬أو الفكاعلني)‬
‫على املستوى احمللء أو الوطين أو الدويل‪ ،‬واستعدادهم للعمل بالكل جديكة‪،‬‬
‫وفعالية يف منع نشوء ظاهرة الصراعات العنيفة‪ .‬وكذلك زيادة الوعء‪ ،‬علكى‬
‫‪Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan: Summary of Ds‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪:1999:24, Op. cit., p. 13-17, see also‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: Peace and Conflict Studies: an Introduction, Op. cit.,‬‬
‫‪p. 197-203.‬‬
‫‪Jonsson Bernt (Ed), Widepalm Anna (Assistant): 2002, Preventing‬‬
‫‪Violent Conflict & Peace building: On Interactions between States‬‬
‫‪Actors and Voluntary Organizations, Stockholm, The European Centre‬‬
‫‪for Conflict Prevention & the Swedish Peace Team Forum, p. 94-103.‬‬
‫‪Wallensteen, Peter & Moller Frida: Op. cit.‬‬

‫‪144‬‬
‫الصعيد السياسء واالجتماعء واالقتصادي‪ ،‬واإلنساين بأمهية وضرورة العمل‬
‫على املنع الوقائء للصراعات‪.‬‬
‫‪ .3‬بناء منظومة قيمية أخالقية للنظام الدويل أو اجملتمعي‪ :‬وهء منظومة‪ ،‬جيكب‬
‫أن تقوم أساساً على احترام الثقافات‪ ،‬واألديان‪ ،‬والتعددية اجملتمعية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل مشاركة مالونات اجملتمع الدويل‪ ،‬يف إدارة وصنع القرار الكدويل علكى‬
‫أسا من املساواة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واحترام كرامة اإلنسان‪ ،‬واحترام سيادة الدول‬
‫واجملتمعات واألمم‪ ،‬مع احلر‪ ،.‬على املشاركة يف األمن اجلماعء الكدويل‪،‬‬
‫مبفهومه الشامل للمجتمع اإلنساين‪ .‬وال شك‪ ،‬أن ذلك يترافق معكه تكوفري‬
‫املؤسسات‪ ،‬والوسائل الالزمة‪ ،‬لتطبيق هذه املنظومة القيمية األخالقية يف إدارة‬
‫اجملتمع الدويل‪ ،‬مثل‪ :‬املؤسسات الدوليكة املعاصكرة‪ ،‬ككاألمم املتحكدة أو‬
‫املنظمات اإلقليمية‪ ،‬واليت قد تالون لديها‪ ،‬وسائل‪ ،‬أو أدوات‪ ،‬ميالن أن حتقق‬
‫ذلك‪ ،‬مع ضرورة تصحيح بنية القوة‪ ،‬وصنع القرار فيها على أسكا مكن‬
‫املساواة والعدالة‪ ،‬ولي على أسا مصاحل القوى الالربى‪.‬‬
‫‪ .4‬الدميقراطية (والشورى) واحترام حقوق اإلنسان‪ :‬ذلك أن األمن والسالم‪،‬‬
‫يسريان بشالل متداخل‪ ،‬مع وجود الدميقراطية‪ ،‬واحترام حقكوق اإلنسكان‪.‬‬
‫وممارسة الشورى والدميقراطية واحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬هء عملية حبد ذاهتا‪،‬‬
‫حتوي آليات لتسوية الصراعات‪ ،‬بشالل سلمء من جهة‪ ،‬وتوفر البيئة الوقائية‬
‫للصراعات من جهة أخرى‪ ،‬وآليات لإلنذار املبالر للصراعات من جهة ثالثة؛‬
‫فهء توجد املؤسسات الالزمة‪ ،‬حملاربة الفساد‪ ،‬وتفعيل املسكاءلة واملراقبكة‪،‬‬
‫وتعمل على تعزيز ثقافة احلوار ونبذ العنف‪ ،‬واملشكاركة يف صكنع القكرار‪،‬‬
‫والتمثيل السياسء جلميع األطراف‪ ،‬وحق تقرير املصري‪ ،‬والتكداول السكلمء‬
‫للسلطة‪ ،‬واإلصالح السياسء‪ ،‬وغريها من املالونات والوسكائل‪ ،‬أو األدوات‬
‫اليت تشالل البيئة األساسية للمنع الوقائء للصراعات‪.‬‬
‫‪ .5‬حتقيق التنمية والتعاون‪ :‬سواء على املستوى احمللء‪ ،‬أو اإلقليمء أو الدويل؛ مما‬
‫يشالل عنصراً حمورياً‪ ،‬للمنع الوقائء للصراعات‪ ،‬من خالل حتقيكق التنميكة‬
‫الشاملة‪ ،‬مبا حتتويه من تنمية اقتصادية‪ ،‬تشمل القضاء على الفقكر والبطالكة‪،‬‬
‫وعدالة توزيع الثروة‪ ،‬وغريها‪ .‬باإلضافة إىل حتقيق التعاون اإلقليمء‪ ،‬والدويل‬
‫‪145‬‬
‫يف جمال التنمية‪ ،‬مبا حيققه من مساعدات اقتصادية وتنموية‪ ،‬وتبادل جتكاري‪،‬‬
‫وتشجيع االستثمار املشترك‪ ،‬والتفاهم على إدارة املوارد املشتركة‪ .‬كمكا أن‬
‫عملية التنمية االقتصادية‪ ،‬تشالل داعماً أساساً للحياة الدميقراطية‪ ،‬وختلق بيئة‬
‫حماربة‪ ،‬أو حماصرة جلذور الصرا ومنابته‪ ،‬وختلق عالقات وثقافة إجيابية‪ ،‬جتاه‬
‫اآلخر‪ ،‬خاصة يف ضوء املصاحل مع اآلخر‪.‬‬
‫ويشري البعض‪ ،‬إىل ضرورة أن يالون موضو املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬عنصرا‬
‫أساسيا يف كافة مناحء عملية التنمية‪ ،‬والتعاون الدويل يف جمال التنمية‪ .1‬كما‬
‫أن التعاون الدويل على صعيد التنمية‪ ،‬ميالن أن يساهم يف بناء السكالم مكن‬
‫خالل توفري دعم مستمر التفاقيات السالم املناسبة‪.2‬‬
‫‪ .6‬حتقيق العدالة‪ :‬رمبا يالون هذا العنصر‪ ،‬هو اجلوهر‪ ،‬يف حتقيق املنع الوقائء‬
‫للصراعات؛ ذلك أن غياب العدالة‪ ،‬يُعترب املصدر األساسء للصراعات‪ ،‬ح‬
‫وإن مت عقد اتفاقيات السالم‪ ،‬فما دام العدل فيها منقوصكاً‪ ،‬فكإن خطكورة‬
‫اهنيارها سيبقى قائما يف مرحلة زمنية ما‪ .‬والعدل هو جوهر املنكع الوقكائء‪،‬‬
‫على كافة مستويات الصرا ‪ ،‬الدويل أو الداخلء‪ ،‬أو حك اجملتمعكات‪ ،‬أو‬
‫املؤسسات واألفراد‪.‬‬
‫إن قضية العدالة‪ ،‬بالرغم من مناقشتها يف األدبيات الغربية اخلاصة‪ ،‬بدراسات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬إال أهنا مل تعطَ األمهية الالافية‪ ،‬سكواء علكى صكعيد تسكوية‬
‫الصراعات‪ ،‬أو على صعيد املنع الوقائء للصراعات؛ فاالهتمام كان منصبّا حكول‬
‫تسوية الصراعات‪ ،‬لي على أسا مبدأ العدالة‪ ،‬واحترام احلقوق‪ ،‬وإمنكا علكى‬
‫أسا عالقات القوة‪ ،‬بني األطراف املتصارعة‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬السعء للوصول إىل "حل‬
‫وسط"‪ ،‬قائم على مبدأ القبول والتراضء‪ ،‬أكثر من كونه حيقق مبدأ العدالة‪ ،‬ويعيد‬
‫احلقوق إىل أصحاهبا‪ ،‬ومن مث العمل على إجياد التعاون املشترك‪ ،‬بني هذه األطراف‪.‬‬
‫وهذا األمر جيعل من تسوية الصرا تسوية ناقصة‪ ،‬ومفتوحكة ملخكاطر حكدوث‬
‫‪Wallensteen, Peter & (others): Conflict Prevention through‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Development Co-operation, Department of Peace & Conflict Research,‬‬
‫‪Uppsala University, Uppsala, Sweden, p. 37.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل حول قواعد إرشادية ملنع الصراعات من خالل التعكاون التنمكوي‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫راجع الصفحات ‪ 10-21‬من الدراسة السابقة‪ ،‬قبل وأثناء وبعد الصرا ‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫الصرا مستقبالً‪ ،‬بعد تغري معادالت القوة‪ ،‬أي أن هذه التسوية تنقل الصرا مكن‬
‫مستوى عنيف‪ ،‬إىل مستوى كامن غري معلن‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال حيقق هذا يف جوهره منعا‬
‫وقائيا للصرا ؛ حيث تبقى هناك بيئة كامنة‪ ،‬هتدد بعودة الصرا مستقبالً‪ ،‬وهذا ال‬
‫يشالل منعاً وقائياً حقيقياً للصرا ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬إطار ومبادئ المنظور اإلسالمي الورائي للصراعا ‪:1‬‬


‫تقوم املنظومة احلضارية اإلسالمية‪ ،‬على جمموعة من املبادئ الكيت تسكاهم‪،‬‬
‫وبشالل فعال‪ ،‬يف املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬وهء تشالل حالة فالريكة‪ ،‬وتطبيقيكة‬
‫مبالرة جداً‪ ،‬يف جمال العمل على الوقاية من الصراعات‪ ،‬وحتقيق األمن والسكالم‪.‬‬
‫ويقوم إطار املنظور اإلسالمء يف جمال املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬على جمموعة مكن‬
‫املبادئ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .0‬تعظيم قضية الوحدة والتضامن‪ :‬سواء على صعيد اجملتمع احمللكء‪ ،‬أو بكني‬
‫خمتلف األمم والشعوب‪ .‬وتؤكد العديد من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية‬
‫الشريفة‪ ،‬على هذه القضية‪ ،‬مثل قوله تعكاىل‪ ... :‬وَالَ تَنَكا َزعُوا فَتَفشَكلُوا‬
‫ِن اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‪( ‬سورة األنفال‪ ،‬آية ‪.)49‬‬ ‫وَتَذ َهبَ رِحيُالُمْ وَاصْبِرُوا إ َّ‬
‫‪ .1‬السعي إىل حتقيق العدالة‪ :‬يسعى املنظور اإلسالمء‪ ،‬إىل بناء العالقات علكى‬
‫أسا العدالة ولي القوة‪ ،‬وإن قيمة وهدف حتقيق العدالة‪ ،‬يُعتكرب القيمكة‬
‫احملورية يف النظام اإلسالمء يف خمتلف جماالت احلياة‪ .‬وتشري اآلية الالرمية إىل‬
‫ب‬
‫هذه القيمة‪ ... :‬وَالَ َيجْ ِرمَنَّالُمْ شَنَآنُ قَ ْومٍ عَلَى أَالَّ َتعْ ِدلُوا اعْ ِدلُوا هُوَ أَقكرَ ُ‬
‫لِلتَّقوَى‪( ...‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪ .)8‬وهذه القيمة مصكدر لتحقيكق األمكن‬
‫والسلم‪ .‬وقد أكدت العديد من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية الشكريفة‪،‬‬
‫رفض الظلم‪ ،‬ويشري القرآن الالرمي إىل كلمة العدل ومشتقاهتا أكثر من (‪)011‬‬
‫مرة‪ ،‬و"التحذير من الظلم" أكثر من ‪ 111‬مرة‪ .‬ويذكر التاريخ املقولة الرائعة‬
‫لرسول كسرى ملك الفر ‪ ،‬عندما جاء يبحث عن خليفة املسلمني عمر بن‬
‫اخلطاب ‪ -‬رضء اهلل عنه ‪ -‬فوجده نائماً حتت ظل شجرة‪ ،‬دون حكر وال‬
‫ملزيد من التفاصيل حول املنظور اإلسالمء لتسوية الصرا والسالم‪ ،‬انظر‪ :‬كتاب‪ :‬أبو‬ ‫‪1‬‬
‫النمر‪ ،‬حممد‪ :‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫قصور‪ ،‬فقال‪" :‬عدلت؛ فأمنت؛ فنمت"‪ .‬وهذه العبارة تلخص عالقة العكدل‬
‫باألمن والسالم‪.‬‬
‫‪ .2‬السعي إىل تطبي ق منظومة القيم األخالقية‪ :‬واليت حتتل موقعاً أساسكاً‪ ،‬يف‬
‫املنظومة اإلسالمية للحياة‪ ،‬وبناء اإلنسان‪ ،‬مع السعء اجلاد واحلثيكث إىل‬
‫ضرورة ممارساهتا وتطبيقها يف اجملتمع اإلنسكاين عمومكاً‪ ،‬واإلسكالمء‬
‫خصوصاً‪ ،‬سواء يف حالة السلم أو احلرب‪ .‬وقد أكد رسول اهلل ‪ -‬صكلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬على البعد األخالقء‪ ،‬حيث قال‪ " :‬إمنا بعثت ألمتم مالارم‬
‫األخالق‪."1‬‬
‫ومن القيم األخالقية اإلسالمية‪ ،‬اليت أكدت عليها املنظومة اإلسالمية‪ ،‬والكيت‬
‫ترتبط باملنع الوقائء للصراعات وحتقيق السالم‪ ،‬ما يلء‪:‬‬
‫‪ -‬احلر‪ .‬على قيم وثقافة العفو والتسامح والرمحة وضبط النف ‪.‬‬
‫‪ -‬حسن املعاملة "الدين املعاملة" واحترام اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬الوفاء بالعهود‪ ،‬وااللتزام بالعقود واالتفاقيات‪.‬‬
‫‪ -‬حب اخلري واإليثار‪ ،‬ومساعدة اآلخرين (أفرادًا أو مجاعات أو دوالً) ‪-‬‬
‫الصرب على األذى‪.‬‬
‫و غريها من القيم اإلسالمية‪ ،‬اليت حير‪ .‬اإلسالم علكى تنشكئة النكا ‪،‬‬
‫واجملتمعات عليها‪ ،‬وتعزيزها‪ ،‬كثقافة وممارسة لكدى املسكلمني وغكري‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫‪ .4‬احترام احلياة اإلنسانية وكرامة وحقوق اإلنسان‪ :‬يؤكد اإلسكالم‪ ،‬علكى‬
‫ضرورة احملافظة على حياة اإلنسان وكرامته‪ ،‬بغض النظر عن لونه‪ ،‬أو دينه أو‬
‫عرقه أو جنسه‪ ،‬وال يتم جتاوز محاية حق احلياة‪ ،‬إال بتجاوز اإلنسان هذا احلق‬
‫ضد غريه‪ ،‬من البشر ظلماً وعدواناً‪ ،‬يقول ‪ -‬سبحانه وتعكاىل ‪َ  :-‬ومَكنْ‬
‫َأحْيَاهَا فَ َالأَنَّمَا َأحْيَا النَّا َ جَمِيعًا‪( ...‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪ )21‬ويؤكد اإلسالم‬
‫َرمْنَا بَنِء آ َدمَ‪( ...‬سورة اإلسراء‪ ،‬آيكة ‪.)11‬‬
‫على كرامة اإلنسان‪َ  :‬وَلقَدْ ك َّ‬
‫وعلى ضرورة احترام ومحاية حقوقه‪ ،‬مثل‪ :‬حقه يف احلياة‪ ،‬واحلرية‪ ،‬واملعرفة‪،‬‬
‫والعيش الالرمي‪ ،‬وغريها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن اإلخالل هبذه احلقوق يشالل مصكدراً‬

‫بحيح البخاري يف "األدب املفرد" رقم (‪.)112‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪148‬‬
‫أساسياً للصرا ‪ ،‬ويف املقابل احملافظة عليها يشالل عنصراً أساساً ملنع حدوث‬
‫الصراعات‪.‬‬
‫‪ .1‬الوحدة اإلنسانية واملساواة‪ :‬ينظر اإلسالم إىل مجيع البشر سواسكية‪ ،‬مكن‬
‫حيث األصل‪ ،‬يَا أَيُّهَا النَّا ُ إِنَّا خَلَقنَاكُمْ مِنْ ذَكَكرٍ َوأُنْثَكى‪( ...‬سكورة‬
‫احلجرات‪ ،‬آية ‪ .)02‬كما يؤكد على أن قيمة املساواة وعدم التمييز‪ ،‬بغكض‬
‫النظر عن اللون‪ ،‬أو الدين أو العرق أو اجلن ‪ ،‬هء قيمة حموريكة يف حيكاة‬
‫اإلنسان واجملتمع اإلنساين‪ .‬وقد حر‪ .‬اإلسالم على التأكيكد عليهكا أشكد‬
‫التأكيد‪ ،‬فهء تشالل أحد أقران العدالة يف احلياة‪ ،‬يقول الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم‪" :‬أيها النا إن ربالم واحد‪ ،‬وان أباكم واحد‪ ،‬ال فضل لعربكء‬
‫على عجمء‪ ،‬وال لعجمء على عربكء‪ ،‬وال ألمحر على أسود‪ ،‬وال ألسكود‬
‫على أمحر؛ إال بالتقوى‪ .‬قال اهلل إن أكرمالم عنكد اهلل اتقكاكم"‪ ،1‬ومعيكار‬
‫التمييز بالتقوى لي معيارًا إنسانيًا‪ ،‬وإمنا هو معيار رباين بيد عكامل النفكو‬
‫والغيب والسرائر‪ .‬وبالتايل‪ ،‬املساواة معيار يطبقه اإلنسان مع اإلنسان‪ ،‬ولي‬
‫له أن ميار غري ذلك‪ .‬وال شك‪ ،‬أن الوحدة اإلنسانية‪ ،‬ومراعاة املساواة بني‬
‫النا ‪ ،‬ويف اجملتمع اإلنساين‪ ،‬تساهم بشالل كبري يف خلق بيئة مانعة حلكدوث‬
‫الصرا ‪ ،‬وتقضء على أهم أسبابه‪ ،‬سواء على مستوى األفراد‪ ،‬أو اجلماعات‬
‫أو مستوى الدول‪.‬‬
‫‪ .9‬العقالنية‪ :‬اهتم اإلسالم بالعقل والعقالنية‪ ،‬وحثت الالثري من اآليات القرآنية‬
‫على ذلك‪ ... ،‬أَفَالَ َي ْعقِلُونَ‪( ‬سورة ي ‪ ،‬آية ‪ ،)98‬أَفَكالَ يَتَكدَبَّرُونَ‪...‬‬
‫(سورة النساء‪ ،‬آية ‪َ ... ،)81‬وجَادِلهُمْ بِالَّتِء هِءَ َأحْسَنُ‪( ...‬سورة النحل‪،‬‬
‫آية ‪ ... ،)011‬هَل يَسْتَوِي الَّذِينَ َيعْلَمُونَ وَالَّذِينَ الَ َيعْلَمُونَ‪( ...‬سكورة‬
‫الزمر‪ ،‬آية ‪ ،)1‬حيث تشالل العقالنية‪ ،‬مصدراً للسلوك الواعء احلاليم مكن‬
‫جهة‪ ،‬ومصدرًا الستخدام احلوار واملنطق يف التعامل مع اآلخرين‪ ،‬من جهكة‬
‫ثانية‪ ،‬واالهتمام بالعلم واملعرفة وتنمية العقل من ناحية ثالثة‪ .‬وهذه العناصكر‬
‫الثالثة (احلالمة‪ ،‬احلوار‪ ،‬والعلم) يشالالن عناصر أساسكية‪ ،‬يسكتخدمها أو‬
‫يدعو إليها اإلسالم‪ ،‬لتفادي حدوث الصراعات‪ ،‬سواء بكني اجملتمعكات أو‬

‫الكراجكي‪ ،‬أبو الفتح‪ :‬معدن اجلواهر‪ ،10 . ،‬باب ما جاء يف واحد‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪149‬‬
‫الدول‪ ،‬أو بني اجلماعات‪ ،‬أو األفراد‪ ،‬يف الدولة الواحدة‪ .‬فاإلسالم يدعو إىل‬
‫استخدام العقالنية بعناصرها‪ ،‬ملنع "سوء اإلدراك أو الفهم" لآلخرين‪ ،‬وهو ما‬
‫يشالل البداية األساسية ملنع حدوث الصرا بني األطراف‪ .‬كما أن استخدام‬
‫السلوك العقالين أو الواعء مينع حدوث "ردود الفعل الالعقالنية"‪ ،‬اليت هكء‬
‫مصدر أسا للسلوك الصراعء وتطوره‪ ،‬وكذلك فكإن العقالنيكة‪ ،‬تكدفع‬
‫الستخدام استراتيجيات "اإلقنا " و"احلوار" يف حل أي إشالاليات قد تالون‬
‫مصدراً حلدوث الصرا ‪.‬‬
‫‪ .1‬التعددية والتنوع‪ :‬حيث يؤكد اإلسالم على مسة التعددية‪ ،‬والتنو يف احلياة‪،‬‬
‫وأهنا من خلق اهلل تعاىل للبشر واحلياة‪ ،‬بقوله تعاىل‪َ ... :‬و َجعَلنَاكُمْ شُكعُوبًا‬
‫وَقَبَائِلَ لَِتعَارَفُوا‪( ...‬سورة احلجرات‪ ،‬آية ‪ ،)02‬فهو مل خيلق شعبًا واحداً أو‬
‫قبيلة واحدة‪ ،‬وإمنا جمموعات متعددة من الشعوب‪ ،‬والاليانات اإلنسانية‪ ،‬فهو‬
‫خلق التعددية يف اجملتمع اإلنساين‪ ،‬ووضع هلا غايكة "التعكارف" والتواصكل‬
‫كإحدى غايات وجودها‪ .‬وإن التعارف يؤدي عادة إىل فهم اآلخر والتفاهم‬
‫معه‪ ،‬ويقضء على "سوء اإلدراك والفهم جتاه اآلخر"‪ ،‬وبالتايل يالون التعكدد‬
‫والتنو ‪ ،‬مسة من مسات احلياة اإلنسانية‪ ،‬وضرورة للحياة البشكرية يف نفك‬
‫الوقت‪ .‬إن دعوة اإلسالم إىل التعددية‪ ،‬والتنو يف اجملتمع اإلنساين‪ ،‬ارتبطت‬
‫معها الدعوة اإلسالمية إىل القبول واالعتراف باآلخر من جهة‪ ،‬واملساواة بني‬
‫النا ‪ ،‬بغض النظر عن لوهنم وأصلهم وعرقهم ودينهم‪ ،‬واالهتمام بعالقكات‬
‫التسامح بني مالونات اجملتمع اإلنساين عموماً‪ ،‬واإلسكالمء خصوصكاً‪ .‬وال‬
‫شك أن احلر‪ .‬علكى " التعكارف" و"القبكول و"االعتكراف بكاآلخر"‪،‬‬
‫و"املساواة"‪ ،‬و"التسامح" تشالل مالونات جوهرية؛ يف منظومة املنع الوقكائء‬
‫للصراعات‪.‬‬
‫‪ .8‬التعاون‪ :‬فاإلسالم يدعو إىل التعاون‪ ،‬لي فقط كضرورة‪ ،‬أو حاجة ذاتيكة‬
‫حياتية للمجتمع اإلنساين‪ ،‬وإمنا كجزء من القيام مبهمة العمران يف اجملتمعات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ولذلك يؤكد التعاون اإلجيابكء يف احلياة‪ ،‬ويف اجملتمع اإلنسكاين‬
‫املتعدد‪ ،‬واملطلوب هو التعاون على اخلري‪ ،‬ال التعاون على الشر والعكدوان‪.‬‬
‫يقول اهلل تعاىل‪ ... :‬وََتعَاوَنُوا عَلَى البِّرِّ وَالتَّقوَى وَالَ َتعَاوَنُوا عَلَكى اإلِثكمِ‬
‫‪151‬‬
‫وَالعُدْوَانِ‪( ...‬سورة املائدة‪ ،‬آية ‪ )1‬وبالتايل‪ ،‬فإن منهج التعاون يف اإلسالم‪،‬‬
‫هو منهج حياة‪ ،‬واملسلمون مطالبون‪ ،‬بأن يالونوا أصحاب عطاء و"إجيابيني"‬
‫يف اجملتمعات اإلنسانية‪ .‬وهذا يعين ضرورة ممارسة السلوك‪ ،‬أو النمط التعاوين‬
‫يف احلياة‪ ،‬مما يعين‪ ،‬تطبيقاً مبالرًا ألشالال املنع الوقائء حلدوث الصراعات‪ ،‬أو‬
‫السلوك الصراعء بني الدول‪ ،‬أو اجلماعات أو األفراد‪ ،‬خاصة مكع مراعكاة‬
‫جمموعة املبادئ السبعة السابقة‪ ،‬اليت تشالل إطارا أو بيئكة الزمكة لتحقيكق‬
‫التعاون‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن مبدأ "التعددية والتنو "‪ ،‬ومبدأ "التعاون" يشالالن معاً يف املنظور‬
‫اإلسالمء إطاراً منهجياً يف العالقات بني الدول‪ ،‬أو احلضارات أو الثقافات‪ .‬مبعكىن‬
‫أن املنظور اإلسالمء‪ ،‬يقر بوجود الطبيعكة التعدديكة‪ ،‬والتنكو يف اجملتمعكات‬
‫واحلضارات والثقافات‪ ،‬ويدعوها إىل التواصل‪ ،‬و"التعارف" فيما بينها هبدف حتقيق‬
‫"التعاون" اإلجيابكء‪ ،‬أو اخلري لبناء اجملتمعات اإلنسانية وعمراهنا‪ ،‬ويف هذا بكديل‬
‫عن نظرية "صرا احلضارات" ومبدأ هيمنة الثقافة الواحدة‪.‬‬

‫صور وأشكال إجرائية للمنع الورائي للصراعا ‪:‬‬


‫من جانب آخر‪ ،‬ال بد من اإلشارة‪ ،‬أو الوقكوف‪ ،‬علكى بعكض العناصكر‬
‫التنفيذية‪ ،‬أو اإلجرائية األساسية املتداولة‪ ،‬يف عملية املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬واليت‬
‫من أمهها ما يأ ‪:‬‬
‫‪ .0‬نظام اإلنذار املبالر‪.‬‬
‫‪ .1‬االنتشار الوقائء‪.‬‬
‫‪ .2‬املناطق املنكزوعة السالح‪.‬‬
‫‪ )9‬نظام اإلنذار المبكر‪:‬‬
‫يعترب نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬عن الصراعات جزءا من عملية أساسية‪ ،‬يف املنكع‬
‫الوقائء حلدوث الصراعات‪ ،‬ويعين ذلك وجود شبالة من النظم‪ ،‬توفر معلومكات‬
‫فيما يتعلق حبظر وقو كوارث إنسانية أو صراعات عنيفة‪ .‬ويكتم الكربط بكني‬
‫املؤشرات السياسية واملعلومات اليت توفرها هذه النظم لإلنذار املبالر‪ ،‬للوقوف على‬
‫‪150‬‬
‫احتمال وجود خطر يهدد السلم واألمن‪ ،‬وبالتايل حتديد ما ميالكن اختكاذه مكن‬
‫إجراءات‪ ،‬أو تدابري للتخفيف من أو منع هذا اخلطر‪ .‬والبعض يعرب عكن مفهكوم‬
‫اإلنذار املبالر بشالل موجز‪ ،‬من خالل اإلشارة إىل أن نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬ما هكو‬
‫إال نظام حتذير مسبق من الدخان (األزمات)‪ ،‬ويفضل أن يالون بشالل تلقائء مكا‬
‫أمالن‪.1‬‬

‫‪ )2‬االنتشار الورائي (لعمليا األمم المتحدو)‪:‬‬


‫االنتشار الوقائء‪ ،‬هو عبارة عن عملية االنتقال‪ ،‬من جمرد وجود عمليات‪،‬‬
‫أو قوات ل ألمم املتحدة يف مناطق الصراعات‪ ،‬أو األزمات بعد حدوث الصرا‬
‫مباشرة‪ ،‬وبشالل آين وقصري املدى فقط‪ ،‬إىل االنتقال هبذا الوجكود إىل فعكل‬
‫وقائء‪ ،‬ملنع حدوث األزمات أو الصراعات‪ ،‬أو منع األعمال العدائيكة‪ ،‬بكني‬
‫أطراف الصرا ‪ ،‬وعلى مدى طويل‪ .‬ومن أمثلة هذا الوجود‪ ،‬سكواء داخكل‬
‫الدولة‪ ،‬أو بني الدول‪ ،‬وجود قوات لألمم املتحدة على جانبكء احلدود بكني‬
‫الدولتني املتنازعتني‪ ،‬عندما يشعر طرفا األزمة‪ ،‬أن وجودها قد مينكع األعمكال‬
‫العدوانية بينهما‪ ،‬أو عندما يشعر بلد ما أنه مهدد‪ ،‬فيطلب وجوداً مناسباً لألمم‬
‫املتحدة على احلدود من جانبه فقط‪ .‬كما أنه يف حالة األزمات الداخلية‪ ،‬فكإن‬
‫وجود األمم املتحدة‪ ،‬يساعد يف القيام ب األعمال اإلنسانية واحملافظة على األمن‪،‬‬
‫من قبل أفراد الشرطة التابعة هلا ‪ ،‬وغري ذلك من أشالال االنتشار الوقائء‪ ،‬الذي‬
‫يعمل على منع حدوث الصراعات‪ ،‬أو األزمات احملتملة داخل الدول أو فيمكا‬
‫بينها‪.‬‬

‫ملزيد من التفاصيل حول مفهوم اإلنذار املبالر‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Walraven, Klaas Van (Ed): 1998, Early Warning & Conflict‬‬
‫‪Prevention: Limitations and Possibilities, The Hague: Kluwer Law‬‬
‫‪International, p. 52.‬‬
‫‪Walter, Dorn A.: 1996, “Keeping Tabs on a Troubled World: UN‬‬
‫‪Information Gathering to Preserve Peace”, Security Dialogue, Vol. 27‬‬
‫‪(3): 263-276.‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ )3‬المناطق المنزوعة السالح‪:‬‬
‫ويتمثل ذلك يف إنشاء مناطق منكزوعة السالح‪ ،‬يف مناطق التما واحلروب‬
‫بني أطراف الصرا ‪ ،‬وذلك بعد توقف الصرا أو انتهائه‪ ،‬ويترافق عكادةً معكه‪،‬‬
‫انتشار قوات دولية لألمم املتحدة يف تلك املناطق كجزء مكن عمليكات حفكظ‬
‫السالم‪ .‬ويعترب إنشاء هذه املناطق وانتشار قوات حفظ للسالم شالالً من أشكالال‬
‫االنتشار‪ ،‬أو املنع الوقائء‪ ،‬لعودة الصرا العنيف أو املسلح بني األطراف املتنازعة‪،‬‬
‫من خالل حظر توفر األسلحة‪ ،‬واالحتالاك بني األطراف يف مناطق التما ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬األشكال واآلليا العملية للمنع الورائي للصراعا ‪:‬‬


‫تشري بعض اجلهود العلمية والعملية‪ ،‬إىل بعض املالونات أو األشكالال الكيت‬
‫جتمع ما بني اإلطار النظري‪ ،‬وبعض األشالال العملية‪ ،‬أو تلك اليت حتتكوي بُعكداً‬
‫عملياً‪ .‬وهذه األشالال تستمد مصدرها‪ ،‬من الدراسكات النظريكة واملمارسكات‬
‫العملية‪ ،‬أو التطبيقية للباحثني واملمارسني يف جمال دراسات السكالم والصكرا ‪.‬‬
‫وسنتناول هنا ثالث جمموعات أساسية‪ ،‬من األشكالال العامكة للمنكع الوقكائء‬
‫للصراعات‪ ،‬واليت نتجت عن خربة عملية ملؤسسات‪ ،‬أو أفراد ممارسني أو دراسات‬
‫لباحثني يف هذا احلقل العلمء‪.‬‬
‫هذه اجملموعات الثالث‪ ،‬ليست منفصلة انفصاالً كلياً‪ ،‬عن بعضها البعض‪ ،‬بل‬
‫يوجد تداخل بينها يف كثري من األحيان‪ ،‬ولالنها ختتلف من حيث مشوليتها ألشالال‬
‫وإجراءات أو أدوات منع الصرا ‪ ،‬وكذلك اختالف ترتيب أمهيكة‪ ،‬وأولويكات‬
‫عناصرها‪ ،‬أو مؤشراهتا يف ضوء جتربة كل مصدر‪.‬‬
‫المجموعة األولى‪( :‬مجموعة إجراءا األمم المتحدو)‪:‬‬
‫حتدد األمم املتحدة‪ ،‬جمموعة من اإلجراءات‪ ،‬والتدابري العملية لتحقيق املنكع‬
‫الوقائء‪ ،‬أو ما تُطلق عليه "الدبلوماسية الوقائية"‪ ،‬بقصد ختفيف التوترات‪ ،‬قبكل أن‬
‫تؤدي إىل نشوب أزمات أهلية أو صراعات دولية‪ .‬وتتمثل هذه اإلجراءات العملية‪،‬‬
‫من منظور األمم املتحدة فيما يأ ‪:1‬‬
‫غايل‪ ،‬بطرس بطرس‪ :‬مرجع سابق‪.48-44 . ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ .0‬القيام بإجراءات أو تدابري بناء الثقة‪ :‬إذ ي عترب بناء الثقة املتبادلة‪ ،‬وحسن‬
‫النوايا‪ ،‬عاملني أساسني‪ ،‬يف منع أو التخفيف من احتمال اندال الصرا ‪،‬‬
‫بني الدول أو أطراف الصرا ‪ ،‬ومن أمثلة هذه التدابري‪ :‬تبكادل البعثكات‬
‫العسالرية‪ ،‬بصورة منتظمة‪ ،‬تشاليل مراكز إقليمية‪ ،‬أو شبه إقليمية لتقليل‬
‫املخاطر‪.‬‬
‫‪ .1‬تقصي احلقائق‪ :‬تتطلب التدابري الوقائية‪ ،‬معرفة آنية‪ ،‬ودقيقكة باحلقكائق‪،‬‬
‫وتوفر املعلومات الدقيقة‪ ،‬حول األحداث وا لتطورات اليت تؤدي إىل حدوث‬
‫توترات خطرية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬اللجوء إىل تقصء احلقائق؛ لتكوفري املعلومكات‬
‫الالزمة‪ ،‬للمسامهة بالقيام بإجراءات وقائية‪ ،‬أو عالجية مبالرة ملنع حدوث‬
‫الصراعات‪.‬‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬مجموعة سلم أليسون (‪:)Elisson Ladder‬‬
‫وهذه اجملموعة حددها "إيان أليسون"‪( ،‬باحث وممار يف جمكال دراسكات‬
‫السالم والصرا ‪ ،‬عمل أستاذا زائرا يف قسم دراسات الصرا والسكالم يف جامعكة‬
‫أوبساال‪ ،‬وهو وزير خارجية سابق للسويد)‪ ،‬ويقدم فيها جمموعة مكن اخلطكوات‪،‬‬
‫واإلجراءات العملية اليت ميالن األخذ هبا‪ ،‬للمنع الوقائء وحتقيق السالم‪ ،‬منها سكت‬
‫خطوات ملنع حدوث الصرا أصالً‪ ،‬وست أخرى ملنع عودة الصرا مرّة ثانية بعكد‬
‫انتهائه‪ ،‬أي يف مرحلة ما بعد الصرا ‪ .‬ويقدم "أليسون" طروحاته وإجراءاته‪ ،‬علكى‬
‫شالل أمنوذج متدرج ببضع خطوات‪ ،‬أطلق عليه "سلم أليسون" (‪)Elisson Ladder‬‬
‫كما يتضح من الشالل اآل ‪:1‬‬

‫‪Mellbourn, Anders (ed): 2004, Developing a Culture of Conflict‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Prevention, Hedemora, Gidlunds forlag, 2004, Anna Linda Programme‬‬
‫‪on Conflict Prevention, p. 46.‬‬

‫‪154‬‬
‫الشكل ررم (‪:)97‬‬
‫مجموعة سلم أليسون‬

‫الخطوا ‪ :6-1‬منع ورائي‪ ،‬الخطوو ‪ :7‬استخدام روو مسلحة‪ ،‬الخطوا ‪ :13-8‬بناء السالم‬

‫المجموعة الثالثة‪ :‬مجموعة "مايكل لند" (‪:)Michael Lund‬‬


‫يُعترب"مايالل لند" أحد أكثر الباحثني الغربيني‪ ،‬يف جمال دراسكات الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬الذين عملوا على التأطري العلمء‪ ،‬جملال املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬وذلكك‬
‫منذ بدايات التسعينيات من القرن العشرين‪ .‬ويقدم "مايالل لند" جمموعة واسكعة‪،‬‬
‫وشاملة من اإلجراءات العملية للمنع الوقائء‪ ،‬متتاز بأهنا تتناول جمموعكة واسكعة‪،‬‬
‫ومفصلة من األشالال واألدوات‪ ،‬وتغطء جماالت متنوعة‪ ،‬سياسكية واقتصكادية‪،‬‬
‫وقانونية وإقليمية‪ ،‬وهء وإن كانت تتعلق باملنع الوقائء للصراعات‪ ،‬لالنها يف نف‬
‫الوقت‪ ،‬ميالن استخدامها بعملية تسوية الصراعات أو إدارة الصكراعات‪ .‬وحيكدد‬
‫"مايالل لند" هذه األدوات وفق اجلدول اآل ‪:1‬‬

‫‪Lund, Michael S.: Op. cit., p. 203.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪155‬‬
‫الجدول ررم (‪:)3‬‬
‫سياسا وأدوا المنع الورائي للصراعا العنيفة‬

‫أوالً‪ :‬الوسائ ‪/‬اإلجراءات العسكرية‬


‫‪ )1‬الضوابط أو القيود على استخدام القوة املسلحة‪:‬‬
‫‪ -‬نظم مراقبة التسلح وانتشاره‪.‬‬
‫‪ -‬إجراءات بناء الثقة‪.‬‬
‫‪ -‬اتفاقيات عدم االعتداء‪.‬‬
‫‪ -‬قوات حفظ سالم وقائية (الرد واالحتواء)‪.‬‬
‫‪ -‬مناطق منكزوعة السالح (مالذ آمن‪ ،‬مناطق سالم)‪.‬‬
‫‪ -‬منع أو مقاطعة التزويد بالسالح‪.‬‬
‫‪ -‬استراتيجيات أو جتاهات دفاعية غري هجومية‪.‬‬
‫‪ -‬برامج من اجليش للجيش‪.‬‬
‫‪ )2‬استخدام القوة املسلحة أو التهديد باستخدامها‪:‬‬
‫‪ -‬سياسات الرد ‪.‬‬
‫‪ -‬الضمانات األمنية‪.‬‬
‫‪ -‬احملافظة أو استعادة "توازنات القوة" سواء على الصعيد احمللء أو اإلقليمء‪.‬‬
‫‪ -‬التهديد أو االستعراض احملدود للقوة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الوسائ ‪/‬اإلجراءات غري العسكرية‬
‫‪ )1‬إجراءات دبلوماسية اإلكراه (الدبلوماسية القسرية ‪ -‬بدون استخدام القوة املسلحة)‬
‫‪ -‬العقوبات الدبلوماسية (مع احملافظة أو إبقاء العالقات الدبلوماسية‪ ،‬االعتراف بالدولة‬
‫أو احملافظة على عضويتها يف املنظمات)‪.‬‬
‫‪ -‬حماكم جرائم احلرب‪.‬‬
‫‪ -‬العقوبات املعنوية أو األدبية (شجب انتهاكات القانون الدويل)‪.‬‬
‫‪ -‬العقوبات االقتصادية‪.‬‬
‫‪ )2‬إجراءات الدبلوماسية غري القسرية (بدون استخدام اإلكراه أو القوة املسلحة)‬
‫أ‪ -‬اإلجراءات غري القضائية‪:‬‬
‫‪ -‬املناشدة الدولية (إقنا أطراف الصرا وحثهم على التهدئة)‪.‬‬
‫‪ -‬نشر الرعاية (معاقبة ضد منتهالء املبادئ الدولية)‪.‬‬
‫‪ -‬بعثات تقصء حقائق‪ ،‬فرق مراقبة مدنيون‪ ،‬مراقبة من جانب واحد النتكهاكات‬
‫حقوق اإلنسان وحاالت العنف‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫املفاوضات الثنائية بني أطراف الصرا ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مشاورات غري رمسية من خالل طرف ثالث (برعاية هيئات رمسية)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫املصاحلة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وساطة الطرف الثالث‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫دبلوماسية املسار الثنائء (دبلوماسية تقوم هبا أطراف غكري حالوميكة أو غكري‬ ‫‪-‬‬
‫رمسية)‪.‬‬
‫بعثات حتقيق أو غريها من التحقيقات الدولية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إمياءات حسن نية اتصالية (إمياءات حسن نية من طرف واحد‪ ،‬أو متبادلكة‪ ،‬أو‬ ‫‪-‬‬
‫واحدة بواحدة من قبل أطراف الصرا )‪.‬‬
‫استراتيجيات غري عنيفة من قبل اجلماعات املضطهدة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ب ‪ -‬اإلجراءات القضائية أو شبه القضائية‪:‬‬
‫‪ -‬آليات لتسوية النكزاعات باتفاقيات سلمية‪.‬‬
‫‪ -‬التحاليم (قرار ملزم حملالمة دائمة)‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل أو احلالم القضائء‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وسائ تنموية وسياسية‬
‫‪ )1‬سياسات تطوير االقتصاد الوطين والتنمية االجتماعية‪:‬‬
‫‪ -‬دعم التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬االستثمار املشترك للقطا اخلا‪..‬‬
‫‪ -‬التجارة البينية أو املشتركة بني الدول أو املناطق‪.‬‬
‫‪ -‬االندماج االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -‬اإلصالح االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -‬برامج التعاون الثنائء‪ ،‬من جمتمع جملتمع‪،‬‬
‫ويف اجملاالت (االجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬التعليمية‪ ،‬العلمية‪ ،‬والتالنولوجية واإلنسانية)‪.‬‬
‫‪ )2‬نشر وتعزيز حقوق اإلنسان والدميقراطية‪ ،‬وغريمها من املعايري‪:‬‬
‫‪ -‬تطوير سياسء مرتبط مبساعدات اقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬بناء معايري دولية حلقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬التاليف مع حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬مراقبة االنتخابات‪.‬‬
‫‪ -‬املشاورات العسالرية (فيما يتعلق باملهنية أو احلرفية العسكالرية ودور اجلكيش يف‬
‫اجملتمع)‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪ )2‬تطوير بنية احلكم احمللي مبا يعزز تسوية الصراعات وحلها سلمياً‪:‬‬
‫‪ -‬املشاركة يف السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬نظام احلالم الفدرايل (االحتادي)‪.‬‬
‫‪ -‬نظام كونفدرايل (تعاضدي)‪.‬‬
‫‪ -‬حالم ذا ‪.‬‬
‫‪ -‬التقسيم‪.‬‬
‫‪ -‬انفصال‪ ،‬انسحاب‪.‬‬
‫‪ -‬الوصاية واحلماية الدولية‪.‬‬

‫المجموعة الرابعة‪ :‬مجموعة معود كارنيغي للسالم‪:‬‬


‫وهء جمموعة‪ ،‬صدرت عن مشرو معهد كارنيغء‪ ،‬حول منع الصكراعات‬
‫املميتة‪ ،‬والذي عمل عليه فريق كبري‪ ،‬جيمع بني أكادمييني يف جامعكات ومعاهكد‬
‫عريقة‪ ،‬مع ممارسني ومسؤولني سابقني‪ ،‬بعضهم رؤساء ووزراء أو وزراء خارجية‬
‫سابقون‪ ،‬وذلك من بضع دول غربية‪ ،‬أو من األمم املتحدة‪ .‬وحدد هذا التقريكر‪،‬‬
‫اإلجراءات الالزمة واالستراتيجيات املقترحة‪ ،‬ملنع الصراعات من خكالل معاجلكة‬
‫جذور الصراعات‪ ،‬خاصة اجلذور البنيوية‪ ،‬وهء إجراءات بعيدة املكدى‪ .‬وميالكن‬
‫تلخيص أهم االستراتيجيات واإلجراءات اليت صنفها التقرير ضكمن جممكوعتني‪،‬‬
‫ومها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التدابري اإلجرائية املباشرة للوقاية من الصراعات‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬املنع الوقائي البنيوي‪.‬‬
‫وفيما يأ تفصيل كل نو ‪:1‬‬
‫أوالً‪ :‬التدابري اإلجرائية املباشرة للوقاية من الصراعات (استراتيجيات ملنكع‬
‫حدوث األزمات أحياناً)‪ :‬وتقسم هذه اإلجراءات ملنع العنف املباشكر إىل أربكع‬
‫جمموعات‪:‬‬
‫“ ‪Operational Prevention” & “Structural Prevention” in Preventing‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Deadly Conflict, Carnegie Commission on Preventing Deadly‬‬
‫‪Conflict, Final report, New York: Carnegie Corporation of New York,‬‬
‫‪1997, p. 40.‬‬

‫‪158‬‬
‫‪ .0‬االستجابة املبالرة واإلنذار املبالر‪.‬‬
‫‪ .1‬استخدام الدبلوماسية الوقائية‪ ،‬عند وجود هتديد حبدوث أزمة‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلجراءات االقتصادية (كعقوبات أو حوافز)‪.‬‬
‫‪ .4‬استخدام القوة أو التهديد باستخدامها (سواء على املستوى العسكالري‪ ،‬أو‬
‫الشرطء‪ ،‬أو عمليات حفظ السالم‪ ...‬وغريها)‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬املنع الوقائي البنيوي للصراع‪ :‬وتعتمد على حتقيق احلاجات األساسية‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ .0‬األمن (حتقيق األمن واألمان حلياة اإلنسان)‪.‬‬
‫‪ .1‬الرفاهية (مستوى املعيشة الالئق والالرمي)‪.‬‬
‫‪ .2‬العدالة (سواء داخل مستوى الدولة‪ ،‬أو النظام الدويل)‪.‬‬
‫إن هذه اجملموعات األربع املعنية باألطر‪ ،‬واآلليات العملية‪ ،‬لتحقيكق املنكع‬
‫الوقائء للصراعات‪ ،‬فإهنا تشالل إسهاماً هاماً يف حتديد اجتاهات احلراك‪ ،‬واجلهكود‬
‫التطبيقية‪ ،‬سواء للباحثني أو املمارسني وصنا القرار‪ .‬ولالن مكا زالكت هكذه‬
‫اجملموعات حتتاج إىل الالثري من الدراسات اليت حتدد عناصرها التفصيلية‪ ،‬وجتعلكها‬
‫"قوالب" ميالن االستعانة هبا يف كثري من البيئات اليت حتمل جكذور الصكرا ‪ ،‬أو‬
‫حتتوي حميطًا متوترًا قد يتطور إىل صرا عنيف بني أطرافه‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن املنع الوقائء للصراعات على صعيد الدولة‪ ،‬أو بني الدول يبقكى‬
‫مرهوناً باإلرادة السياسية‪ ،‬واليت تُعترب عكامالً حامسكاً يف اإلجكراءات الوقائيكة‬
‫للصراعات‪ .1‬كما أن أنشطة وإجراءات املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬هء يف جوهرهكا‬
‫ذات أنشطة‪ ،‬ومالونات عملية بناء السالم‪.‬‬

‫‪Cloos, Jim: “Conflict Prevention as an Instrument in the EU’s Security‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Toolbox,” Op. cit., p. 17.‬‬

‫‪159‬‬
‫املبحث اخلامس‬

‫نظام اإلنذار المبكر ومؤش ار السالم‬


‫ومنع الصراعا‬

‫إن احلديث عن املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬ال بد أن يستالمل باحلكديث عكن‬


‫نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬حلدوث الصراعات‪ ،‬ومن هنا فإن هذا املبحث‪ ،‬حياول تقكدمي‬
‫رؤية نظرية حول طبيعة‪ ،‬ومضامني مؤشرات اإلنذار املبالر للصراعات‪ .‬مبعىن آخر‬
‫حياول هذا املبحث‪ ،‬فرض رؤية‪ ،‬أو إحاطة أساسية‪ ،‬وشاملة حول نظكام اإلنكذار‬
‫املبالر‪ ،‬ومالوناته وعناصره‪.‬‬
‫أهمية نظام اإلنذار المبكر وتطوره كحقل علمي‪:‬‬
‫إن اإلنذار املبالر‪ ،‬يشالل صمام أمان لالستقرار‪ ،‬واحملافظكة علكى األمكن‬
‫والسالم‪ .‬ويعترب الالثري من الباحثني‪ ،‬والدراسات يف جمال املنع الوقائء للصراعات‪،‬‬
‫أن وجود نظام كفؤ ودقيق لإلنذار املبالر‪ ،‬يُعترب أحد املالونكات‪ ،‬أو املتطلبكات‬
‫األساسية‪ ،‬لتوقع حدوث األزمات‪ ،‬واملنع الوقائء للصراعات‪.1‬‬
‫فهناك عالقة تداخلية على األقل‪ ،‬بني وجود نظام إنذار مبالر‪ ،‬واسكتمرارية‬
‫السالم‪ ،‬واستراتيجيات املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬زيادة فر‪ .‬جناح املنكع الوقكائء‬
‫للصراعات يتطلب املزيد من االهتمام‪ ،‬أو التركيز على تطوير أنظمة إنذار مبالكر‪،‬‬
‫تنبه السياسيني م وكيف يتداخلون بشالل فعال‪ .2‬ويشري معهد ‪ GTZ‬األملاين يف‬

‫انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Holl, Jane E.: 1996, Carnegie Commission on Preventing Deadly‬‬
‫‪Conflict: Second Progress Report, (Carnegie Corporation of New York,‬‬
‫‪New York), p. 6-7.‬‬
‫‪Reychler, Luc: “Conflict Impact Assessment”, in Choue, Young Seek‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪(Ed): World Encyclopedia of Peace, Op. cit., p. 306.‬‬

‫‪160‬‬
‫هذا اجملال‪ ،‬أن املفتاح األسا يف توفري بيئة‪ ،‬أو ظروف وقائيكة‪ ،‬لتحقيكق منكع‬
‫فعال لوجود األزمات‪ ،‬وإدارة الصرا ‪ ،‬يتطلب تكوفري وسكائل‪ ،‬وأدوات للتنبكؤ‬
‫باألزمات‪.1‬‬
‫ظهر االهتمام ملا يسمى بنظام اإلنذار املبالر للصراعات‪ ،‬يف مرحلة مكا بعكد‬
‫انتهاء احلرب الباردة‪ ،‬بدراسة املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬وبشالل أكثر حتديداً‪ ،‬ظهر‬
‫االهتمام هبذا احلقل العلمء كحقل أسا ‪ ،‬يف علم دراسات الصرا والسالم‪ ،‬مكا‬
‫بعد مذابح راوندا يف أفريقيا عام ‪ ،0114‬والصرا يف البوسنة واهلرسك عام ‪،0110‬‬
‫وما نتج عنهما من مقتل املاليني من املدنيني‪ ،‬واليت أشارت إىل ضرورة تطوير نظام‬
‫دويل لإلنذار املبالر‪.2‬‬
‫هذا االهتمام املتأخر‪ ،‬ال ينفء وجود جهود مبالرة وأولية‪ ،‬يف هكذا اجملكال‪،‬‬
‫ولالنها ربطت موضو اإلنذار املبالر إما مبوضو سباق التسلح النووي‪ ،‬والتنبيكه‬
‫ألي تصعيد نووي‪ .‬وإما املعرفة املبالرة بالصراعات لدى طرف على آخر‪ ،‬ضكمن‬
‫صرا النفوذ بني القوى العظمى‪ ،‬ولي املعرفة املبالرة لتسوية الصراعات مبالراً‪.3‬‬
‫أو اهتمت مبجال مجع البيانات الالمية‪ ،‬يف الصراعات اجملتمعية‪ ،‬أو العرقية اليت توفر‬
‫مؤشرات تفيد يف التنبيه حنو تصاعد درجة الصرا ‪ ،‬أو حتديد مسبق لطبيعة حدة أو‬
‫شدة جبهات الصرا ‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪ :‬اقتراحكات وجهكود باولكدينغ‬
‫‪ Boulding‬يف إنشاء قاعدة بيانات اجتماعية (جمتمعية) بتأسي مشرو األقليكات‬
‫يف خطر ‪ Minorities at Risk Project‬يف جامعة مرييالند يف النصف الثاين مكن‬
‫تسعينيات القرن العشرين‪.4‬‬

‫‪Ropers, Norbert, and Klingwbiel, Stephan: Peace-Building, Crisis‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the‬‬
‫‪Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Op. cit., p. 32.‬‬
‫‪.Reychler, Luc: “Conflict Impact Assessment”, Op. cit., p. 306‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Walraven, Klaas Van (Ed): Early Warning & Conflict Prevention:‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Limitations and Possibilities, Op. cit., p. 53.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪Kerman. C.: Creative Tention: the Life & Thought of Kenneth‬‬
‫‪Boulding, Ann Arbor: Michign, 1974, p. 82. Cited in Ramsbothan‬‬
‫‪Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit., p. 112.‬‬

‫‪161‬‬
‫مفووم وماهية نظام اإلنذار المبكر للصراعا ‪:‬‬
‫تنوعت وتعددت وتباينت‪ ،‬مفاهيم أو تعريفات اإلنذار املبالكر للصكراعات‬
‫العنيفة‪ ،‬وتباين معها اجتاهات الباحثني يف هذا اجملال‪ ،‬يف حتديد ماهية اإلنذار املبالر‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن جوهر نظام اإلنذار املبالر للصراعات العنيفة‪ ،‬هكو عبكارة عكن‬
‫منظومة لالكتشاف‪ ،‬والتحذير املسبق‪ ،‬من احتماليكة حكدوث الصكراعات‪ ،‬أو‬
‫األزمات بالافة أشالاهلا متهيداً الختاذ القرارات‪ ،‬والسياسات واإلجراءات املناسكبة‪،‬‬
‫ملواجهتها ومنع حدوثها‪ ،‬بشالل كلء‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬تقليكل حجكم أضكرارها‬
‫وخماطرها‪ ،‬إىل احلد األدىن املمالن‪.‬‬
‫وتشري الدراسات يف هذا اجملال‪ ،‬إىل أكثر من اجتاه بني الباحثني حول مفهكوم‬
‫اإلنذار املبالر‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اجتاه يلجأ إىل تبسيط مفهوم نظام اإلنذار املبكر‪ ،‬إذ يعترب أصكحاب‬
‫هذا االجتاه‪ ،‬أن عملية اإلنذار املبالر ببساطة‪ ،‬ما هء إال نظام حتذير مسكبق مكن‬
‫الدخان‪( ،‬األزمات‪ ،‬وبشالل يالون تلقائيا ما أمالن ذلك‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬اتجاه آخر يركز على نظام توفير "المعلومة" (منظومة المعلوماتية)‬
‫خاصة في شكلوا الكمي‪:2‬‬
‫ويشري هوارد أدملان أيضاً‪ ،‬إىل أن اإلنذار املبالر‪ ،‬لي جمرد نظام مجع معلومكات‬
‫يهتم بتهديد مباشر للجهة املعنية جبمع املعلومات وحتليلها‪ ،‬وإمنا هء نظام يُعىن باحلماية‬
‫جملموعة سالانية يف منطقة ما‪ ،‬وأيضاً يف سياق هذه األهكداف‪ ،‬يشكري أيضكاً إىل أن‬
‫اإلنذار املبالر‪ ،‬يُعىن مبحاولة املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬أو هتدئة وإدارة الصراعات الكيت‬
‫تسبب الالوارث اإلنسانية‪ .‬كما يعترب هوارد أدملان‪ ،‬أن هنكاك عالقكة بكني مجكع‬
‫املعلومات‪ ،‬والبيانات‪ ،‬وحتليلها واالستجابة املنوي عملها أو املقصودة أو املستهدفة‪.‬‬
‫‪Walter, Dorn: “Keeping Tabs on a Troubled World: UN Information‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Gathering to Preserve Peace”, Op. cit., p. 264.‬‬
‫& ‪Adleman Howard: Difficulties in Early Warning: Networking‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Conflict Management, cited in Warlraven, Klaas Van (ed): Early‬‬
‫‪Warning & Conflict Prevention: Limitations and Possibilities, Op. cit.,‬‬
‫‪pp. 52-53.‬‬

‫‪161‬‬
‫ومبعىن آخر يشري أصحاب هذا االجتاه‪ ،‬إىل أن عملية اإلنذار املبالر‪ ،‬تتجكاوز‬
‫مجع املعلومات‪ ،‬واملشاركة فيها‪ ،‬لتشمل حتليل املعلومات‪ ،‬ورسم وإعداد اخليارات‬
‫االستراتيجية املناسبة‪ ،‬يف ضوء نتائج حتليل البيانات‪ ،‬كما إن مجع املعلومات‪ ،‬لي‬
‫املقصود هبا العملية اإلجرائية‪ ،‬جلمع املعلومات حول هتديدات موجهكة لدولكة أو‬
‫دول بعينها‪ ،‬وإمنا تركز على خطر عدم االستقرار بني الدول؛ أو داخكل الدولكة‬
‫الواحدة وهتديد لألمن والسلم‪.1‬‬
‫ويف ضوء ذلك كله‪ ،‬يلخص هوارد والبعض من أصحاب هذا االجتاه‪ ،‬مفهوم‬
‫اإلنذار املبالر بأنه عملية تشمل مجع وحتليل أو تقيكيم اسكتراتيجء للمعلومكات‪.‬‬
‫وكذلك هء بنية مؤسسية للتنبؤ‪ .2‬وكما يعرب عنها هوارد‪ ،‬فهء تواصكل وتبكادل‬
‫املعلومات وتطوير خيارات استجابة حمتملة واستراتيجية تالون مربجمة زمنياً‪.3‬‬
‫هذا االجتاه‪ ،‬يتبناه بعض الباحثني يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬ومؤسسات األمم املتحدة‬
‫وبعض اهليئات البحثية املعنية‪ ،‬يف هذا اجملال‪ ،‬مثل معهد كارنيغء للسالم‪ .‬وتبىن هكذا‬
‫االجتاه أو املفهوم أيضاً‪ ،‬وحدة نظام اإلنذار املبالر للشؤون اإلنسكانية التابعكة لقسكم‬
‫الشؤون اإلنسانية يف منظمة األمم املتحدة‪ ،‬واليت تعترب نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬بأنه عبكارة‬
‫عن مجع وحتليل املعلومات مع تبادل نتائج التحليل‪ ،‬حول مناطق األزمكات‪ ،‬ويؤككد‬
‫البعض ضرورة أن يؤدي‪ ،‬حتليل املعلومات إىل تطوير خيارات استراتيجية اسكتباقية‪ ،‬أو‬
‫املواجهة احملتملة لألزمات أو الصراعات‪ .4‬وتشري أيضاً خطة األمم املتحدة للسالم عام‬
‫‪ ،0111‬إىل أن منظومة اإلنذار املبالر‪ ،‬عبارة عن شبالة نظم شاملة‪ ،‬تتنكاول اإلنكذار‬
‫املبالر فيما يتعلق باألخطار البيئية‪ ،‬وخطر وقو حادثة نووية‪ ،‬والالكوارث الطبيعيكة‪،‬‬
‫وحتركات السالان الضخمة‪ ،‬وخطر حدوث اجملاعات‪ ،‬وانتشار األمكراض‪ .‬وتؤككد‬
‫احلاجة لتعزيز الترتيبات‪ ،‬بطريقة جتمع بني املعلومات اآلتية من هذه املصكادر‪ ،‬وبكني‬
‫املؤشرات السياسية للوقوف على احتمال وجود خطر يهدد السلم‪ ،‬وحتليل ما ميالكن‬
‫لألمم املتحدة أن تتخذه من تدابري للتخفيف من هذا اخلطر‪.5‬‬
‫‪Ibid., p. 57.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Ibid., p. 60.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p. 52-53.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Ibid., p. 52-53.‬‬ ‫‪4‬‬
‫غايل‪ ،‬بطر بطر ‪ :‬خطة للسالم‪ ،‬مرجع سابق‪.49 . ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪164‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬تشري أرضية لتطوير اإلنكذار املبالكر يف األمكم املتحكدة‪،‬‬
‫إىل أن أي نظام كامل‪ ،‬وفعال لإلنذار املبالر‪ ،‬جيب أن حيتكوي العناصكر األربكع‬
‫اآلتية‪:1‬‬
‫‪ .0‬معرفة اخلطر‪.‬‬
‫‪ .1‬خدمة املراقبة والتحذير‪ ،‬أو اإلنذار املبالر‪.‬‬
‫‪ .2‬التواصل وتبادل املعلومات‪.‬‬
‫‪ .4‬القدرة على أو إمالانية االستجابة ورد الفعل‪.‬‬
‫وجيب أن يدعم هذه العناصر األربعة قاعدة صلبة من‪:‬‬
‫‪ .0‬الدعم السياسء‪.‬‬
‫‪ .1‬القوانني والتشريعات‪.‬‬
‫‪ .2‬املسؤولية والعمل املؤسسء‪.‬‬
‫‪ .4‬أفراد مدربون على أنظمة اإلنذار املبالر‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬يشري معهد كارنيجء للسالم الدويل‪ ،‬إىل نف هذا االجتاه‪،‬‬
‫يف مفهوم اإلنذار املبالر‪ ،‬حيث يعترب أن اإلنذار املبالر هو عملية تتالون من مخسكة‬
‫عناصر وهء‪:2‬‬
‫‪ .0‬جمموعة من أدوات املعلومات‪ ،‬مثل كيفيكة مجكع املعلومكات‪ ،‬وتنظيمهكا‬
‫وتصنيفها والتحقق من مصداقيتها وغري ذلك‪.‬‬
‫‪ .1‬املشاركة يف هذه املعلومات‪ ،‬وتبادهلا مع اهليئات احلالومية‪ ،‬وغري احلالوميكة‬
‫احمللية أو الدولية املعنية‪ ،‬هبذه املعلومات‪.‬‬
‫‪ .2‬حتليل وتفسري هذه املعلومات‪ ،‬ويؤثر هبذه املرحلة بشكالل خكا‪ ،.‬البنيكة‬
‫املؤسسية والثقافية‪ ،‬وطبيعة االنطباعات وغريها‪.‬‬
‫انظر املوقع اإللالتروين ألرضية تطوير اإلنذار املبالكر ‪Plat form for promotion of‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Early Warning, International Strategy for Disaster Reduction, Platform‬‬
‫‪for the Promotion of Early Warning, http://www.unisdr.org/ppew/‬‬
‫‪whats-ew/basics-ew.htm‬‬
‫‪Laurance, Edward J.: 1998, Light Weapons & Intrastate Conflict:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Early Warning Factors & Preventive Action, Carnegie Commission on‬‬
‫‪Preventing Deadly Conflict, Carnegie Corporation of New York, , New‬‬
‫‪York, p. 58-59.‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ .4‬حتديد م تالون إشارات اإلنذار املبالر املرسلة‪ ،‬إىل مستقبليها‪ ،‬هء إشارات‬
‫زيادة للخطر ودرجة هذا اخلطر‪.‬‬
‫‪ .1‬القدرة على استالم إشارات اإلنذار املبالر‪ ،‬وطبيعكة حمكددات االسكتجابة‬
‫املناسبة‪ ،‬وطبيعة االستجابة هلذا اإلشارات‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ال يرف أصحاب االتجاه الثالث في نظام اإلنذار المبكر "كمنظومة‬
‫معلوماتية"‬
‫للتنبيه عن األخطار‪ ،‬والصراعات بقدر كوهنا عمليكة بنكاء شكاملة‪ ،‬ملنكع‬
‫الصراعات‪ ،‬وإذ يعترب بعض الباحثني العمل الوقائء حبد ذاته‪ ،‬جكزءا عضكويا يف‬
‫منظومة اإلنذار املبالر‪ ،1‬وهبذا املعىن يشري البعض‪ ،‬إىل أن املنكع الوقكائء‪ ،‬يعكين‬
‫التصرف مبالراً‪ .2‬وهو ما يعين‪ ،‬أن نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬هو أحكد مالونكات‪ ،‬أو‬
‫عناصر املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬واليت سبق اإلشارة إليها مثل الدميقراطية‪ ،‬واحترام‬
‫حقوق اإلنسان والتنمية والعدالة وغريها‪.‬‬
‫عموماُ‪ ،‬ميالن النظر‪ ،‬إىل أن جوهر نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬هو عبارة عن منظومة‬
‫شاملة جمهزة مسبقاً‪ ،‬لالكتشاف املبالر‪ ،‬والتحذير املسبق حلكدوث األزمكات‪ ،‬أو‬
‫الالوارث والصراعات‪ ،‬اليت هتدر حياة أي جزء من الدول‪ ،‬أو اجملتمكع اإلنسكاين‬
‫وأمنه والسلم فيه‪ ،‬وهذه املنظومة‪ ،‬هء عمل مقصود‪ ،‬ومعد مسبقاً بشالل يكؤدي‬
‫إىل سياسات‪ ،‬وإجراءات وقرارات وقائية‪ ،‬متنع حدوث هذه األخطار مسكبقاً‪ ،‬أو‬
‫على األقل؛ تعمل على حتجيم‪ ،‬وتقليص حجم اخلسائر‪ ،‬واألضرار إىل احلكد األدىن‬
‫املمالن‪.‬‬
‫ويف ضوء هذه املفاهيم‪ ،‬تتركز عملية‪ ،‬أو نظام اإلنذار املبالر‪ ،‬يف أمرين‪:3‬‬
‫‪Rupesinghe, Kumar: 1994, Early Warning and Preventive Diplomacy,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪in the Journal of Ethno-Development, 4:1, pp. 97-88. Cited in‬‬
‫‪Warlraven, Klaas Van (Ed): Early Warning & Conflict Prevention:‬‬
‫‪Limitations and Possibilities, Op. cit., p. 53.‬‬
‫‪Laurance, Edward J.: Light Weapons & Intrastate Conflict: Early‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Warning Factors & Preventive Action, Op. cit., p. 54.‬‬
‫‪Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪p. 113.‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ .0‬حتديد أنوا ومالان الصراعات‪ ،‬اليت ميالن أن تتحول إىل عنف‪.‬‬
‫‪ .1‬مراقبة وتقييم مدى وكيفية تقدم ودرجة اقتراب‪ ،‬أو تطور هذه الصكراعات‬
‫حنو العنف‪.‬‬
‫مؤش ار عملية لنظام اإلنذار المبكر‪:‬‬
‫إن تطبيق أو ممارسة عملية اإلنذار املبالر على أرض الواقع‪ ،‬تتطلكب تكوفري‬
‫جمموعة من العوامل واملعطيات‪ ،‬منها‪ :‬إعداد مؤشرات عمليكة‪ ،‬أو إجرائيكة‪ ،‬أو‬
‫عملياتية‪ ،‬تالون مصدرا‪ ،‬إلرسال إشارة حتذيرية مبالرة‪ ،‬إىل أصحاب العالقكة أو‬
‫القرار‪ .‬وقد تباينت اجلهود العلمية أو العملية يف هذا اجملال‪ ،‬وذلك وفكق تبكاين‬
‫اخلربات والتجارب والثقافات يف اجملتمعات أو الدول‪ .‬وسوف نشري هنا‪ ،‬إىل بعض‬
‫مناذج املؤشرات‪ ،‬اليت قدمها بعض الباحثني‪ ،‬أو املنظمات املمارسكني يف ميكدان‬
‫السالم والصرا ‪ .‬وأحياناً نشري‪ ،‬إىل مراحل تتطلبها بناء مناذج مؤشرات اإلنكذار‬
‫املبالر‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬تشري االستراتيجية الدولية خلفض الالكوارث ‪ ،ISDR‬إىل‬
‫جمموعة من العناصر اليت تشالل أرضية‪ ،‬أو مالونات بناء‪ ،‬ملؤشرات إنكذار مبالكر‬
‫فاعل على النحو اآل ‪:1‬‬
‫الجدول ررم (‪ :)9‬العناصر األربعة لفعالية أنظمة اإلنذار المبكر‬

‫القدرة على أو‬ ‫خدمة املراقبة‬


‫التواب وتبادل‬
‫إمكانية االستجابة‬ ‫والتحذير أو‬ ‫معرفة اخلطر‬
‫املعلومات‬
‫ورد الفع‬ ‫اإلنذار املبكر‬
‫بناء قدرات‬ ‫نشر وتبادل‬ ‫تطوير خدمات‬ ‫مجع البيانات وتقييم‬
‫وإمالانيات‬ ‫املعلومات حول‬ ‫املراقبة واإلنذار‬ ‫املخاطر بطريقة‬
‫االستجابة وردود‬ ‫اخلطر وحول‬ ‫املبالر‪.‬‬ ‫منهجية‪.‬‬
‫الفعل‪.‬‬ ‫التحذيرات‬
‫املبالرة‪.‬‬

‫انظر املوقع اإللالتروين ألرضية تطوير اإلنذار املبالكر ‪Plat form for promotion of‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Early Warning, International Strategy for Disaster Reduction, Platform‬‬
‫‪for the Promotion of Early Warning, http://www.unisdr.org/ppew/‬‬
‫‪whats-ew/basics-ew.htm‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ -‬هل خطوط‬ ‫‪ -‬هل املقايي أو ‪ -‬هل التحذيرات‬ ‫‪ -‬حتديد هل املخاطر‬
‫االستجابة متطورة‬ ‫املؤشرات الصحية تصل إىل مجيع من‬ ‫معروفة جيداً؟‬
‫وجمربة؟‬ ‫هم يف دائرة‬ ‫هء اليت ختضع‬ ‫‪ -‬ما هء األمناط‬
‫‪ -‬هل اإلمالانيات‬ ‫للمراقبة أو املتابعة؟ اخلطر؟‬ ‫واالجتاهات يف عوامل‬
‫واملعرفة احمللية هيئت‬ ‫‪ -‬هل يوجد قاعدة ‪ -‬هل املخاطر‬ ‫اخلطورة؟‬
‫لالستخدام؟‬ ‫علمية لعملية التنبؤ؟ والتحذيرات‬ ‫‪ -‬هل خريطة اخلطر‬
‫‪ -‬هل الشعب أعُد‬ ‫مفهومة؟‬ ‫هل ميالن ضمان‬ ‫والبيانات متوفرة‬
‫وجُهز لالستجابة‬ ‫دقة ووقت اإلنذار؟ ‪ -‬هل معلومات‬ ‫بشالل واسع؟‬
‫للتحذيرات أو‬ ‫اإلنذار والتحذير‬
‫اإلنذارات املبالرة؟‬ ‫واضحة وميالن‬
‫استخدامها؟‬

‫جلأت بعض املنظمات غري احلالومية املعنية بقضايا السالم والعنف‪ ،‬إىل تطوير‬
‫جمموعة من املؤشرات‪ ،‬عرب جتارب وخربات ميدانية‪ ،‬لبعض املنظمات اليت تعمكل‬
‫على حتقيق السالم يف مناطق نكزاعات خمتلفة‪ ،‬وقدمت مؤشرات شاملة‪ ،‬أو ضمن‬
‫رؤية مشولية ملختلف جوانب احلياة‪ ،‬وذلك على اعتبار‪ ،‬أن مجيع اجلوانب تكؤثر يف‬
‫بعضها؛ إما باجتاه تعزيز السالم‪ ،‬أو التحفيز حنو العنف‪ ،‬وذلكك‪ ،‬وفكق طبيعكة‬
‫ظروف‪ ،‬وقضية وأطراف الصرا ‪.‬‬
‫ونشري على سبيل املثال‪ ،‬إىل أمنوذج من هذه املؤشرات امليدانية‪ ،‬والكذي مت‬
‫تطويره من قبل جمموعة أفريقية ‪ -‬كينيا‪ ،‬مع إجراء بعض التعديالت علكى بعكض‬
‫املؤشرات‪ ،‬من قبل الباحث جلعلها أكثر مواءمة‪ ،‬مع طبيعة وأهكداف الدراسكة؛‬
‫وتوسعة دائرة االستفادة منها‪ .‬ويشري اجلدول اآل إىل مؤشرات السالم والعنف‪:1‬‬

‫انظر ما يلء‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Wallensteen, Peter: Acting Early: Detection, Receptivity, Prevention‬‬
‫‪& Stability. Reflecting on the First Post Cold War Period, in Van‬‬
‫‪Walraven, Klaas (Ed): 1998, Early Warning & Conflict Prevention:‬‬
‫‪Limitations and Possibilities, The Hague, Kluwer Law International,‬‬
‫‪p. 11.‬‬
‫فيشر‪ ،‬سيمون وآخرون‪ :‬مرجع سابق‪.081 . ،‬‬
‫‪168‬‬
‫الجدول ررم (‪ :)1‬مؤش ار العنف والسالم‬

‫مؤشرات العنف‬ ‫مؤشرات السالم‬


‫مؤشرات الصحة النفسية واجلسدية‬ ‫مؤشرات الصحة النفسية واجلسدية‬
‫‪ -‬نسبة وفيات عالية‪.‬‬ ‫‪ -‬وفيات قليلة يف أوساط الشعب‪.‬‬
‫‪ -‬عدد قليل من اإلصابات والوفيات بسبب ‪ -‬إصابات ووفيات بسبب أسلحة احلرب‪.‬‬
‫‪ -‬الرغبة يف االنتقام‪.‬‬ ‫األسلحة‪.‬‬
‫‪ -‬انتشار االكتئاب‪.‬‬ ‫‪ -‬وضع تغذية جيد‪.‬‬
‫‪ -‬رفض لسلوكيات العنف‪.‬‬
‫‪ -‬املشاركة يف شؤون اجملتمع‪.‬‬
‫مؤشرات بيئية‬ ‫مؤشرات بيئية‬
‫‪ -‬منع ورفكض الوصكول إىل املصكادر‬ ‫‪ -‬إدارة مشتركة للمصادر الطبيعية‪.‬‬
‫الطبيعية‪.‬‬ ‫‪ -‬مشاركة عامة باملصادر الطبيعية‪.‬‬
‫‪ -‬أمناط عادية يف الزراعة والثروة احليوانية‪ - .‬حرق األعشاب والزر ‪.‬‬
‫‪ -‬االعتداء على املوارد البيئية الطبيعيكة‪،‬‬
‫مثل حرق الغابات وتلويث املصكادر‬
‫املائية‪.‬‬
‫مؤشرات األمن‬ ‫مؤشرات األمن‬
‫‪ -‬وجود اجليش يف املدن‪.‬‬ ‫‪ -‬رفض التحريض على العنف‪.‬‬
‫‪ -‬مظاهرات وأحداث شغب‪.‬‬ ‫‪ -‬حرية اجتماعات الشعب‪.‬‬
‫‪ -‬اختفاء واختطاف‪.‬‬ ‫‪ -‬إجياد بيئة سالم جمتمعية‪.‬‬
‫‪ -‬وجود معتقلني سياسيني‪.‬‬
‫املؤشرات االجتماعية‬ ‫املؤشرات االجتماعية‬
‫‪ -‬حرية الفالر واالعتقاد والدين واإلعالم‪ - .‬رقابة وجتس واضطهاد ديين ورقابكة‬
‫ذاتية وصمت‪.‬‬ ‫‪ -‬أنوا متعددة ذات مستوى عكال مكن‬
‫‪ -‬مستوى منخفض من التفاعل االجتماعء‪.‬‬ ‫التفاعل االجتماعء‪.‬‬
‫‪ -‬منظمات طائفية واستقطاب‪.‬‬ ‫‪ -‬زواج خمتلط‪.‬‬
‫‪ -‬انسجام وتناغم بني املالونات العرقية أو‬
‫الطائفية‪.‬‬
‫املؤشرات السياسية‬ ‫املؤشرات السياسية‬
‫‪ -‬أحزاب سياسية تشاركية ممثلة ملختلكف ‪ -‬أحزاب سياسية طائفية‪.‬‬
‫‪ -‬قانون الطوارئ واألحالام العرفية‪.‬‬ ‫فئات اجملتمع‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫‪ -‬حرمان األفراد من اجلنسكية واإلبعكاد‬ ‫‪ -‬انتخابات حرة وعادلة‪.‬‬
‫والتهجري‪.‬‬ ‫‪ -‬حرية احلركة والتنقل‪.‬‬
‫‪ -‬هتميش التمثيل السياسكء للطوائكف‬ ‫‪ -‬االحترام الفعلء حلقوق اإلنسان‪.‬‬
‫واألقليات يف املؤسسكات السياسكية‬
‫ومؤسسات الدولة‪.‬‬
‫املؤشرات القضائية‬ ‫املؤشرات القضائية‬
‫‪ -‬التدخل السياسء يف العملية القضائية‪.‬‬ ‫‪ -‬تشريعات حلماية حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام قوانني التمييز‪.‬‬ ‫‪ -‬املساواة أمام القانون‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام آليات العدالة غري الرمسية‪.‬‬ ‫‪ -‬إلغاء قوانني التمييز‪.‬‬
‫املؤشرات االقتصادية‬ ‫املؤشرات االقتصادية‬
‫‪ .0‬مستوى عال من الفقر والبطالة‪.‬‬ ‫‪ -‬التحسن يف معاجلة املشاكل االقتصادية‪.‬‬
‫‪ .1‬توزيع غري عادل للثكروات واملكوارد‬ ‫‪ -‬تقليل مستويات الفقر والبطالة‪.‬‬
‫واخلدمات‪.‬‬

‫ويشري بعض الباحثني‪ ،‬إىل أن وجود أحداث معينة‪ ،‬يُعترب إشارات‪ ،‬أو مؤشكرات‬
‫لسياسة اإلنذار املبالر‪ ،‬وإلمالانية حدوث صراعات عنيفة‪ ،‬ومن هذه املؤشرات علكى‬
‫سبيل املثال‪ :‬مؤشرات عدم االستقرار‪ ،‬اليت تتراوح ما بني الصكراعات احلدوديكة‪ ،‬أو‬
‫االعتداء على حقوق اإلنسان‪ ،‬إىل هجرة وحركة الجئني‪ ،‬واليت تُعترب مؤشرات علكى‬
‫احلروب األهلية‪ ،‬أو مذابح أهلية‪ ،‬وباإلضافة إىل هذه املؤشرات على صكعيد الدولكة‪،‬‬
‫توجد مؤشرات تُعترب عوامل خطورة‪ ،‬منها على سبيل املثال‪:1‬‬
‫‪ .0‬التعبئة السياسية للجماعات املتمردة‪.‬‬
‫‪ .1‬تغيري القيادات الراديالالية أو املتطرفة‪.‬‬
‫‪ .2‬االستقطاب احلاد بني اجلماعات‪ ،‬أو القوى السياسية‪.‬‬
‫‪ .4‬تآكل الشرعية السياسية للحالومة‪.‬‬
‫‪ .1‬حتريض أو تعبئة النخب السياسية وقادة األقليات‪ ،‬من خالل زيادة اسكتخدام‬
‫الدالالت والرموز‪ ،‬العرقية أو الدينية‪ .‬وما يستتبعه ذلك من حماولة احلصكول‬
‫على الدعم اخلارجء أو الضغوط اخلارجية‪.‬‬
‫‪Jeong, Ho-Won: Peace and Conflict Studies: an Introduction, Op. cit.,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪p. 202-203.‬‬

‫‪171‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬ميالن اإلشارة إىل بعض املؤشرات املشاهبة لإلنذار املبالكر‪،‬‬
‫إلمالانية حدوث صرا عنيف‪ ،‬على الصعيد الدويل‪ ،‬أو بني الدول‪ .‬فمكن هكذه‬
‫املؤشرات على سبيل املثال‪:‬‬
‫‪ .0‬االستقطاب األيديولوجء احلاد (اإلقصائء)‪ ،‬بني القوى السياسكية يف البيئكة‬
‫اإلقليمية والدولية‪ ،‬وما يرتبط هبا من حتالفات‪ ،‬وانقسامات سياسية إقليمية أو‬
‫دولية متضاربة‪.‬‬
‫‪ .1‬تآكل مصداقية الشرعية الدولية وأدواهتا‪.‬‬
‫‪ .2‬ضعف استقاللية وقدرة املنظمات الدوليكة‪ ،‬أو اإلقليميكة علكى تسكوية‬
‫النكزاعات‪ ،‬بوسائل سلمية‪ ،‬ويف املقابل‪ ،‬زيادة اعتمادها على وسائل القوة؛‬
‫واإلكراه لتسوية الصراعات‪.‬‬
‫‪ .4‬ازدياد األزمات االقتصادية والبيئية‪ ،‬والصحية على مستوى عكابر للحكدود‬
‫والدول‪.‬‬
‫‪ .1‬سيادة سياسة "اهليمنة" يف السياسة الدولية‪.‬‬
‫‪ .9‬غياب العدالة‪ ،‬أو ازدواجية املعايري‪ ،‬لدى القوى اإلقليمية‪ ،‬أو الدولية يف تطبيق‬
‫القانون الدويل‪.‬‬
‫‪ .1‬احلصار االقتصادي ضد املدنيني أو الدول‪.‬‬
‫وهناك مؤشرات يصدرها صندوق دعم السالم‪ ،‬بالتعاون مع جملكة فكورين‬
‫بوليسء ‪ ،Foreig Policy‬يف تقرير سنوي تتعلق بالدولة الفاشلة‪" ،‬مؤشر الكدول‬
‫الفاشلة" أو القابلة لالهنيار والفشل‪ ،‬حيث يشالل وجود هذه املؤشكرات لكدى‬
‫البعض‪ ،‬رسائل إنذار مبالر؛ حول احتمالية حتول بعض أوضا الدول‪ ،‬إىل صرا‬
‫عنيف‪ ،‬وحروب أهلية أو داخلية‪.‬‬
‫وهذه املؤشرات‪ ،‬تتناول قيا درجة االستقرار يف الدول‪ ،1‬ويعكرف هكذا‬
‫التقرير الدولة الفاشلة‪ ،‬بأهنا "هء الدولة غري القادرة على القيام مبسؤولياهتا السياسية‬
‫واالقتصادية واألمنية واالجتماعية‪ ،‬على املستويات احمللية واإلقليمية والدولية"‪ ،‬وهء‬
‫بذلك تنظر إىل األمن واالستقرار‪ ،‬من خالل املفهوم الواسع‪ ،‬أو ما يسمى األمكن‬
‫تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام ‪ :2008‬جملة املستقبل العربكء‪ ،‬العدد ‪ ،219‬مرككز‬ ‫‪1‬‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬أكتوبر ‪.1118‬‬
‫‪170‬‬
‫الشامل‪ ،‬الذي يتناول األبعاد السياسية واالقتصادية واالجتماعية لألمن‪ .‬وحيدد هذا‬
‫التقرير املؤشرات كما يأ ‪:1‬‬

‫أوالً‪ :‬المؤش ار االجتماعية‪:‬‬


‫تصاعد الضغوط الدميوغرافية (السالانية)‪ ،‬ويشمل ذلك عناصر عدّة‪ ،‬منكها‪:‬‬ ‫‪.0‬‬
‫زيادة السالان‪ ،‬وسوء توزيعهم‪ ،‬النكزاعات اجملتمعية‪ ،‬اليت تؤثر على النشاط‬
‫اجملتمعء البشري واملادي‪.‬‬
‫حركة ضخمة لالجئني‪ ،‬أو حركة نكزوح داخلية لألشخا‪ ،.‬اليت عادة مكا‬ ‫‪.1‬‬
‫ختلق حالة طوارئ معقدة‪ ،‬يف اجملال اإلنساين أو اإلغاثء‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫داخل الدولة‪ ،‬أو بني الدول؛ (واليت ينتج عنها تناف على املكوارد وامليكاه‬
‫والغذاء واألرض‪ ،‬مشاكل أمنية‪.)...‬‬
‫اإلرث العدائء‪ ،‬الذي يدفع اجلماعات لالنتقام‪( ،‬والذي ينتج عن عدم تطبيق‬ ‫‪.2‬‬
‫العدالة‪ ،‬التهميش السياسء‪ ،‬هيمنة األقلية على األغلبية)‪.‬‬
‫اهلجرة الدائمة واملزمنة للنا ‪ ،‬منها‪( :‬هجرة العقول خوفاً مكن االضكطهاد‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وعدم توفر الفر‪ ،.‬هجرة الطبقة الوسطى‪ ،‬بسبب الضغوط االقتصادية‪ ،‬منكو‬
‫حركة االغتراب للمواطن داخل اجملتمع)‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المؤش ار االرتصادية‪:‬‬


‫‪ .0‬عدم املساواة يف التنمية االقتصادية‪ ،‬بني فئات أو طوائكف اجملتمكع‪ ،‬مثكل‬
‫(عدم املساواة يف التعليم والوظائف والدخل‪ ،‬ارتفكا مسكتويات الفقكر‬
‫والبطالة‪.)....‬‬
‫‪ .1‬االحندار االقتصادي احلاد‪( ،‬سواء على مستوى الكدخل القكومء‪ ،‬امليكزان‬
‫التجاري‪ ،‬سعر صرف العملة‪ ،‬معدل النمكو االقتصكادي‪ ،‬االسكتثمارات‬
‫األجنبية‪ ،‬منو االقتصاد اخلفء مثل جتارة املخدرات‪ ،‬ارتفا يف معدالت الفساد‬
‫وعدم الشفافية‪ ،‬عدم قدرة احلالومة على رفع الرواتكب والتزاماهتكا املاليكة‬
‫للمواطنني‪ ...‬وغري ذلك)‪.‬‬
‫املصدر السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪171‬‬
‫ثالثاً‪ :‬المؤش ار السياسية‪:‬‬
‫فقدان شرعية الدولة‪" ،‬إجرام الدولة"‪ ،‬ويشمل ذلك (الفساد الواسع للنخبكة‬ ‫‪.0‬‬
‫احلاكمة‪ ،‬ومعارضتها للشفافية واملساءلة‪ ،‬والتمثيل السياسء‪ ،‬انتشار فقكدان‬
‫الثقة يف مؤسسات الدولة‪ ،‬وإجراءاهتا‪ ،‬والذي ينعال يف املقاطعة الواسكعة‬
‫لالنتخابات‪ ،‬املظاهرات الشعبية‪ ،‬العصيان املدين‪ ،‬ظهور متكرد أو عصكيان‬
‫مسلح‪ ...‬انتشار ومنو ظاهرة عصابات اإلجرام املرتبطة بالنخكب احلاكمكة‪،‬‬
‫وغري ذلك من األشالال)‪.‬‬
‫التدهور احلاد يف اخلدمات العامة يف داخل الدولة‪( ،‬ويشمل ذلكك عكدم قيكام‬ ‫‪.1‬‬
‫الدول بأداء الوظائف األساسية هلا‪ ،‬مثل توفري األمن‪ ،‬ومحاية املواطنني من العنف‪،‬‬
‫والضعف احلاد يف اخلدمات األساسية للمواطنني‪ ،‬مثكل اخلكدمات الصكحية‬
‫والتعليمية واملواصالت العامة‪ ،‬وكذلك تركز اهتمام الدولة فيما خيكدم النخبكة‬
‫احلاكمة‪ ،‬مثل قوات األمن والعمل الدبلوماسء‪ ،‬وكاالت اجلباية واجلمارك)‪.‬‬
‫التطبيق التعسفء للسلطة والقانون‪ ،‬أو تعليق تطبيق سيادة القكانون‪ ،‬واالنتشكار‬ ‫‪.2‬‬
‫الواسع النتهاكات حقوق اإلنسان‪ ،‬ويشمل ذلك (قوانني الطكوارئ‪ ،‬واحلالكم‬
‫العسالري وتعليق العمل باملؤسسات الدميقراطية‪ ،‬ازدياد االعتقكال السياسكء‪،‬‬
‫وسوء استخدام احلقوق االجتماعية والقانونية والسياسكية‪ ،‬سكواء لألفكراد أو‬
‫اجلماعات‪ ،‬مثل تقييد حرية الصحافة‪ ،‬تسيي القضاء‪ ،‬استخدام القوة العسالرية‬
‫ألهداف سياسية‪ ،‬قمع املعارضة السياسية واالضطهاد الديين أو الثقايف‪.‬‬
‫أجهزة أمنية تعمل "كدولة داخل دولة"‪( ،‬ويشمل ذلك ظهور فئات‪ ،‬أو رجكال‬ ‫‪.4‬‬
‫حر تعمل دون اخلضو للعقاب‪ ،‬ظهور "جيش داخل اجليش" والذي خيكدم‬
‫مصاحل النخبة العسالرية أو السياسية املهيمنة‪ ،‬ظهور ميليشيات‪ ،‬أو قوة عسالرية‬
‫خاصة‪ ،‬أو قوة مجاعات منافسة أو موازية للقوة األمنية النظامية يف الدولة)‪.‬‬
‫بروز االنشقاقات‪ ،‬والتالوينات الفصائلية داخل النخب احلاكمة‪( ،‬ويشكمل‬ ‫‪.1‬‬
‫ذلك على سبيل املثال‪ ،‬انقسام مؤسسات الدولة‪ ،‬والنخب احلاكمكة‪ ،‬وفكق‬
‫حدود املالونات اجملتمعية سواء العرقية‪ ،‬أو الدينيكة أو القبليكة أو غريهكا‪،‬‬
‫استخدام النخب احلاكمة للخطاب السياسء القومء العرقء أو الكديين‪ ،‬مبكا‬
‫يتالءم مع املالونات اجملتمعية)‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫‪ .9‬تدخل دول أخرى أو فاعلني سياسيني خارجيني‪( ،‬ويشمل ذلك‪ ،‬التكدخل‬
‫العسالري‪ ،‬أو شبه العسالري من قبل دول‪ ،‬أو جيوش أو مجاعات عرقية أو‬
‫غريها يف الشؤون الداخلية للدول بشالل يؤثر على توازن عالقات القوة‪ ،‬أو‬
‫تسوية الصرا ‪ ،‬تدخل من قبل الدول املاحنة للمساعدات‪ ،‬أو تدخل قوات أو‬
‫بعثات حفظ السالم)‪.‬‬
‫إن مؤشرات الدولة الفاشلة‪ ،‬كمؤشرات إنذار مبالر‪ ،‬هء جزء مكن نتكاج‬
‫جتربة‪ ،‬وخربة إنسانية معاصرة‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬هء تتأثر بالسكياق الثقكايف والسياسكء‬
‫والتارخيء للبيئة‪ ،‬اليت أنتجتها‪ ،‬كما أنه من الطبيعء‪ ،‬أال يقدم توضيح ملكربرات‪ ،‬أو‬
‫نتائج حدوث حالة الصرا ‪ ،‬وعدم االستقرار األمين‪ ،‬حيث إن ذلك يفتكرض أن‬
‫يالون له موقف آخر يشرح ذلك‪.‬‬
‫كما أن هذه املؤشرات‪ ،‬ختضع لقيمة رقمية معينة أو حمدودة‪ ،‬تضكع هكذه‬
‫املؤشرات‪ ،‬يف إشالالية مدى دقة هذه القيمة الرقمية‪ ،‬خاصة وأن هناك سياقا ثقافيا‬
‫وتارخييا واجتماعيا‪ ،‬حييط هبذه املؤشرات‪ ،‬وجيعل من الصعب توفري دقة رقمية هلا‪.‬‬
‫ويف املقابل‪ ،‬اعتماد املؤشرات على خربة إنسانية‪ ،‬جتهل أن هذه املؤشرات‪ ،‬تشالل‬
‫حالة تشاركية‪ ،‬أو حتتوي على قواسم مشكتركة؛ ميالكن االسكتفادة منكها‪ ،‬يف‬
‫جمتمعات‪ ،‬ودول عديدة يف البيئة الدولية‪.‬‬
‫عموماً‪ ،‬إن احلديث عن أي مؤشرات‪ ،‬أو نظام إنذار مبالر‪ ،‬وبكالرغم مكن‬
‫ضرورة وجودها‪ ،‬إال انه جيب أن تالون قادرة‪ ،‬على تزويد صنا القرار‪ ،‬مبعلومات‬
‫ذات مصداقية‪ ،‬والتقييم للمخاطر اللذين يساعدان‪ ،‬ويسكمحان باإلجابكة عكن‬
‫متطلبات السياسة اخلاصة‪ ،‬بإجراءات املنع الوقائء للصراعات‪ .1‬كما يقول مايالل‬
‫لند‪ :‬إن أمر توقع الصراعات‪ ،‬لي التنبؤ بدقكة بتوقيكت واجتاهكات مسكتقبل‬
‫األحداث‪ ،‬بل األمر يتعلق خبصو‪ .‬اإلنذار املبالر‪ ،‬للصراعات العنيفة هكو قيكا‬
‫االحتمالية النسبية‪ ،‬الجتاه األحداث املؤدية خالل فترة معينة؛ إىل عنف حاد أو إىل‬
‫أزمات أخرى‪ ،‬يتوافر فيها املربر للتحذير‪ ،‬أو االهتمام املبالر‪.2‬‬
‫‪Gurr, Ted: 1996, Early Warning Systems: from Surveillance to‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Assessment to Actions, p. 125, cited in Jeong, Ho-Won: Peace and‬‬
‫‪Conflict Studies: An Introduction, Op. cit., p. 386.‬‬
‫‪Lund, Micheal S.: 1996, Preventing Violent Conflicts; A Strategy for‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Preventive Diplomacy, Op. cit., pp. 108-109.‬‬

‫‪174‬‬
‫وحيدد بيتر فالنستني أربع أوجه أساسية لإلنذار املبالر‪ ،‬ورد الفعل املبالر على‬
‫النحو اآل ‪:1‬‬
‫‪ .0‬اكتشاف املخاطر‪.‬‬
‫‪ .1‬استقبال وتقبل اإلشارات املبالرة للمخاطر‪.‬‬
‫‪ .2‬القيام بتدابري وأفعال املنع الوقائء‪ ،‬قبل حدوث املخاطر‪.‬‬
‫‪ .4‬تعزيز إجراءات‪ ،‬أو تدابري العمل الوقائء للمخاطر‪.‬‬

‫إشكاليا وتحديا نظام اإلنذار المبكر‪:‬‬


‫بالرغم من أن نظام اإلنذار املبالر للصراعات‪ ،‬يشالل ضرورة أو جزءا أساسا‪،‬‬
‫يف منظومة املنع الوقائء للصراعات‪ ،‬إال أن اجلهود العلمية والعملية‪ ،‬تواجه عكدة‬
‫إشالاليات يف هذا اجملال‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫‪ .0‬حتديد طبيعة وتفاصيل وآليات تنفيذ عملية اإلنذار املبالر‪ ،‬بدءاً من كشكف‬
‫األخطار وانتهاء بتعزيز تدابري املنع الوقائء للصراعات‪.‬‬
‫‪ .1‬من صعوبات اإلنذار املبالر‪ ،‬أنه يتجاوز البحث يف صرا علكين‪ ،‬أو آين إىل‬
‫البحث يف صراعات كامنة‪ ،‬مل تقع يف دائرة االهتمام العام‪ ،‬والرؤية الظكاهرة‬
‫للصرا ‪ .‬ويشري البعض‪ ،‬إىل أوجه أكثر حتديدًا يف حتديات‪ ،‬وإشالاليات نظام‬
‫اإلنذار وخيارات أو سياسات البدائل‪ ،‬وحيددها كما يأ ‪:2‬‬
‫‪ -‬أهنا تركز على التهديدات ‪ Threats‬املتوقعة واملخاطر‪ ،‬بدالً مكن التركيكز‬
‫على الفر‪ ،.‬اليت متنح إمالانية التدخل الوقائء‪ .‬ووفق هذه النظرة‪ ،‬ميالكن‬
‫تعديل مفهوم معظم احلروب‪ ،‬على أسا أهنا نتاج تاريخ الفر‪ .‬الضائعة‪.‬‬
‫‪ -‬التركيز يتجه عادة‪ ،‬حنو دراسة املتغريات الالمية أو احملسوسكة‪ ،‬والكيت‬
‫ميالن قياسها كمياً‪ ،‬ويف املقابل‪ ،‬هناك جتاوز أو تغاض عكن املكتغريات‬
‫‪Wallensteen, Peter: Acting Early: Detection, Receptivity, Prevention‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪& Stability. Reflecting on the First Post Cold War Period, in Van‬‬
‫‪Walraven, Klaas (Ed): 1998, Early Warning & Conflict Prevention:‬‬
‫‪Limitations and Possibilities, The Hague, Kluwer Law International,‬‬
‫‪p. 83-98.‬‬
‫‪Reychler, Luc: “Conflict Impact Assessment”, in Young Seek Choue‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪(Ed), World Encyclopedia of Peace, Op. cit., p. 305-306.‬‬

‫‪175‬‬
‫الناعمة‪ ،‬اليت تؤثر يف ديناميالية‪ ،‬واجتاهات الصرا ‪ ،‬مثل االنطباعكات‬
‫والتوقعات واخليارات االستراتيجية‪ ،‬ومنط التحليل‪.‬‬
‫‪ .2‬إن عملية تقييم أو حتليل تالاليف الربح واخلسارة‪ ،‬للخيكارات وسياسكات‬
‫البدائل ملواجهة الصراعات‪ ،‬مازالت عملية حتليل بدائية‪ ،‬بدالً من أن تتجه حنو‬
‫إطار شامل لالافة عوامل الاللفة‪.‬‬
‫‪ .4‬غالباً ما متيل سياسة تقييم آثار‪/‬تأثري‪ ،‬إجراءات منع الصرا إىل جتاه أحكادي‪،‬‬
‫وهو لي كافيا‪ ،‬بل جيب أن يالون متعدد األبعاد واملستويات‪.‬‬
‫ويلخص هذه اإلشالاليات األربع يف اجلدول اآل ‪:‬‬

‫الجدول ررم (‪ :)9‬إشكاليا أنظمة اإلنذار المبكر‬

‫التركيز على التهديدات‬ ‫التركيز على الفر‪.‬‬


‫بدائيككة حتليككل جككدوى‬ ‫كدوى‬
‫كل جك‬
‫كة حتليك‬‫مشوليك‬
‫التالاليف والربح‬ ‫التالاليف والربح‬
‫متغريات كمية ملموسة‬ ‫متغريات ناعمة‪/‬لينة‬
‫حتليل متعدد التأثري‪/‬متعكدد‬
‫حتليل أحادي اجلانب‬
‫األبعاد‬

‫أخرياً‪ ،‬لعل من أهم اإلشالاليات‪ ،‬ما يشري إليه تقرير ككارنيغء‪ ،‬وهكو أن‬
‫املشاللة ليست يف عدم معرفة الدولة‪/‬الدول باألزمة‪ ،‬بل املشكاللة هكء يف عكدم‬
‫استجابتهم‪ ،‬أو االهتمام بإشارات اإلنذار املبالر‪ ،‬ورمبا يف معظم األحيان أكثر مكن‬
‫ذلك‪ ،‬عدم رغبتهم ح معرفة إشارات اإلنذار املبالر‪ ،‬فعادة صنا القرار غالباً‪ ،‬ما‬
‫يضعون اخليارات‪ ،‬أو السياسة الصعبة جانباً‪ ،‬أو يؤجلوهنا ما أمالن ذلكك‪ ...‬إمكا‬
‫ألهنم يعتقدون أن املصاحل األساسية املباشرة‪ ،‬أو اهلامة غري مرتبطة هبا‪ ،‬أو ألنه لي‬
‫لديهم بدائل استجابات مناسبة‪.1‬‬

‫‪Holl, Jane E.: Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Second Progress Report, Op. cit., p. 7.‬‬

‫‪176‬‬
‫الخاتمة‬

‫إن حقل دراسات الصرا والسالم‪ ،‬حقل علمء حديث‪ ،‬باملقارنة مع بقيكة‬
‫العلوم‪ ،‬سواء اإلنسانية أو التطبيقية‪ .‬ومن خالل دراسة نشأة‪ ،‬وتطور هذا احلقكل‬
‫العلمء‪ ،‬بدا واضحاً أن هذا احلقل العلمء‪ ،‬ما زال يواجه حتديات متنوعة‪ ،‬بعضكها‬
‫يرتبط بطبيعة العلوم اإلنسانية عموماً‪ ،‬والبعض اآلخر‪ ،‬يرتبط بطبيعة حداثة هكذا‬
‫احلقل العلمء‪ ،‬أو طبيعته "اهلجينة"‪ ،‬العتماده على حقول علمية خمتلفة‪.‬‬
‫نشري يف خامتة هذه الدراسة‪ ،‬ألهم التحديات اليت يواجهها حقل دراسكات‬
‫الصرا والسالم‪ ،‬مع اإلشارة إىل بعض التحديات اخلاصة‪ ،‬الكيت تتعلكق بالعكامل‬
‫العربكء‪ ،‬كما سنقف على بعض نتائج الدراسة‪.‬‬
‫إن هذه التحديات اليت سنعرضها‪ ،‬هء نتاج مسح ملئات من املراجع الغربيكة‪،‬‬
‫املنشورة باللغة اإلنالليزية يف هذا احلقل من جهة‪ ،‬وملناقشات ومقابالت مع جمموعة‬
‫أساتذة جامعات متخصصني‪ ،‬وخاصة يف قسم السالم وأحباث الصرا يف جامعكة‬
‫أبساال السويدية‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬ومن خالل اخلربة املهنية والبحثية‪ ،‬من جهة ثانية‪،‬‬
‫فيما يأ عرض ألهم هذه التحديات‪:‬‬
‫‪ .0‬نالحظ ضعف إسهام الثقافات واحلضارات غري الغربية‪ ،‬يف هكذا احلقكل‬
‫العلمء (حقل دراسات الصرا والسالم)‪ ،‬خاصة أن ظاهرة الصرا ‪ ،‬هء ظكاهرة‬
‫إنسانية عاملية‪ .‬وبالرغم من ثراء التجارب اإلنسانية‪ ،‬أو التجارب احمللية يف معظكم‬
‫احلضارات والثقافات‪ ،‬يف ممارسة فض النكزاعات‪ ،‬والوساطة‪ ،‬وجتارب الصكرا ‪،‬‬
‫فمعظم الثقافات اإلنسانية‪ ،‬هلا جتارب ومتار أشالاالً خمتلفة يف جمكال الصكرا‬
‫والسالم‪ ،‬سواء على صعيد املفاهيم‪ ،‬أو آليات التدخل وتسوية الصراعات‪ ،‬أو مثل‬
‫الوساطة واملفاوضات‪ ،‬والتحاليم وغريها‪ .‬وتسيطر هيمنة الثقافة والفالر الغربكء‪،‬‬
‫يف هذا احلقل العلمء‪ ،‬ورمبا باستثناء جتربة غاندي يف اهلند‪ ،‬يف املقاومة السكلمية مل‬
‫تظهر ملسات‪ ،‬أو تأثري واضح إلسهام الثقافات واحلضارات األخرى‪ ،‬يف مضكامني‬
‫‪177‬‬
‫هذا احلقل‪ .‬ومن هذه احلضارات والثقافات الثرية يف جمال الصرا والسالم‪ ،‬وفض‬
‫النكزاعات واملنع الوقائء للصرا ‪ ،‬احلضارة والثقافة اإلسالمية‪ ،‬وبالرغم مكن أن‬
‫تراث الفالر اإلسالمء‪ ،‬غينٌ جداً يف هذا احلقل‪ ،‬وإن كان القصور يف هذا اجملكال‪،‬‬
‫يعود بشالل أسا إىل تقصري الباحثني املسلمني‪ ،‬يف االستفادة من إنتاج وبلكورة‬
‫هذا الثراء الفالري‪ ،‬وتقدميه للحضارات أو الثقافات األخرى‪ ،‬وخاصة املتخصصني‬
‫يف هذا اجملال من أبناء احلضارة الغربية بشالل خا‪ ..‬فالتواصل والتفاعكل‪ ،‬بكني‬
‫إسهامات الثقافة الغربية يف جمال الصرا والسالم‪ ،‬يشالل حتدياً وضرورة إنسانية‪،‬‬
‫ومعرفية للمجتمعات اإلنسانية‪ ،‬يتطلب جهود مجيع الباحثني من كافكة الثقافكات‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فإن كيفية زيادة اعترافنا بأمهية االختالفات الثقافية‪ ،‬تشالل حتكدياً‬
‫هاماً‪ ،‬وضرورياً الستخدامها يف تطوير ممارسة تسوية الصراعات بشالل إجيابكء‪،‬‬
‫(تفادي العنف)‪ ،‬وللمساعدة يف تطوير نظريات علمية؛ عملية تصلح لالسكتخدام‬
‫العاملء‪.1‬‬
‫ويرى أحد الباحثني‪ ،‬أمهية إبراز‪ ،‬أو دمج مالوين الثقافة‪ ،‬والتكاريخ يف هكذا‬
‫احلقل العلمء‪ ،‬بشالل أو طريقة أكثر منهجية‪.2‬‬
‫جتدر اإلشارة هنا‪ ،‬إىل وجود إشالالية كبرية‪ ،‬حول كيفية نقكل نظريكات‪،‬‬
‫وآليات ونتائج دراسات الصرا ‪ ،‬وإدارته‪ ،‬أو فض النكزاعات‪ ،‬واملنكع الوقكائء‬
‫للصراعات‪ ،‬وحتقيق السالم‪ ،‬إىل التطبيق امليداين‪ ،‬أو املمارسكة العلميكة للسكلطة‬
‫السياسية‪ ،‬ولإلرادة السياسية دور حمكوري يف االسكتجابة العمليكة لدراسكات‪،‬‬
‫وطروحات هذا احلقل العلمء‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬إن من أهم اإلشكالاليات الكيت‬
‫تواجه تطبيقات املنع الوقائء للصرا ‪ ،‬واالستجابة لإلنذار املبالر‪ ،‬واملؤشرات كما‬
‫‪Coleman, Peter T. & Marcus, Eric C.: "Concluding Overview" in‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Deutsch, Morton, Colemon, Peter & Marcus, Eric C. (eds): 2006,‬‬
‫‪The Handbook of Conflict Resolution: Theory and Practice, Jossey-‬‬
‫‪Bass, San Fransisco, 2nd edition, p. 875.‬‬
‫مالحظة من أشوك سوان ‪ ،Ashok Swain‬الربوفسور يف قسم السالم وأحباث الصرا‬ ‫‪2‬‬
‫يف جامعة أوبساال ومدير مركز التنمية املستدامة يف رسالة خاصة منكه وموجهكة إىل‬
‫الباحث مؤلف الالتاب‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫متت اإلشارة سابقاً يف تقرير كارنيغء‪ ،‬لي عدم معرفة صنا القرار يف الدول‪ ،‬مبا‬
‫يشري إليه اإلنذار املبالر‪ ،‬ولالن عدم استجابتها لإلنذار املبالر‪.1‬‬
‫ويشري بيتر فالنستني‪ ،‬إىل أن القضية الالربى يف أحباث هذا احلقل‪ ،‬هو كيفيكة‬
‫إيصال نتائج الدراسة‪ ،‬إىل صنا القرار واملنظمات غري احلالومية‪.2‬‬
‫أمّا يوهان غالتونغ‪ ،‬فيشري إىل أن من أزمات وحتديات أحباث السالم‪ ،‬وجود‬
‫عالقة جدلية ما بني البحث العلمء‪ ،‬والتعليم والفعل‪ ،‬باإلضافة إىل إشالالية الكدور‬
‫االجتماعء‪ ،‬للباحث املتخصص يف دراسات السالم‪.3‬‬
‫عموماً‪ ،‬ما زال هناك املزيد من التحديات‪ ،‬اليت تواجه اجلهكود العلميكة‪ ،‬يف‬
‫جمال دراسات الصرا ‪ ،‬سواء على صعيد حتليل الصرا ‪ ،‬وإدارة الصرا ‪ ،‬وتسوية‬
‫الصرا ‪ ،‬وأشالال التدخل لتسوية الصرا ‪ ،‬خاصة الوساطة‪ ،‬املنع الوقائء لزيكادة‬
‫فاعلية هذه الطروحات النظرية‪.‬‬
‫مبعىن آخر هناك حاجة إىل العمل‪ ،‬على جعل هذا احلقل‪ ،‬منظومة أو نظامكا‬
‫عمليا ميدانيا سهل التطبيق‪ ،‬يف طروحاته ومفاهيمه ومؤشراته‪ ..‬ولعل مكن أبكرز‬
‫التحديات‪ ،‬هو كيف ميالن االنتقال من الطروحات النظرية األكادميية‪ ،‬بشالل أكثر‬
‫فعالية‪ ،‬إىل االرتباط بعملية صنع السياسات‪.4‬‬
‫وخاصة‪ ،‬يف ضوء ثورة املعلومات‪ ،‬وتالنولوجيكا االتصكال‪ ،‬وخاصكة‬
‫اإلنترنت‪ ،‬وما نتج عنها من إحداث تغيري كبري‪ ،‬أو تضييق يف حجم مسكتوى‬
‫التباين‪ ،‬يف األنشطة واملمارسات ذات العالقة‪ ،‬بقضايا السالم والصرا علكى‬
‫املستوى احمللء‪ ،‬والوطين والعاملء‪ ،‬وتآكل الفوارق بني هذه املستويات لصكاحل‬
‫التوجه إىل التداخل‪ ،‬والشراكة العاملية حنو بناء السالم‪ .‬وما وفرته تالنولوجيكا‬
‫‪Holl, Jane E.: Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Second Progress Report, Op. cit., p. 7.‬‬
‫رسالة خاصة إىل الباحث بتاريخ ‪.1101/4/11‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Galtung, Johan: 1985, Twenty Five Years of Peace Research: Ten‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Challenges and Some Responses, Journal of Peace Research, Vol. 22,‬‬
‫‪No. 2, pp. 141-158.‬‬
‫مالحظة من توما أولسون‪ ،‬أستاذ الصراعات واحلروب األهلية‪ ،‬قسم السالم وأحباث‬ ‫‪4‬‬
‫الصرا يف جامعة أوبساال يف رسالة خاصة منه وموجهة إىل الباحث مؤلف الالتكاب‬
‫بتاريخ ‪.1101/1/01‬‬
‫‪179‬‬
‫االتصال‪ ،‬من أدوات لصنا السالم من الباحثني‪ ،‬واملمارسني ميالن استخدامها‬
‫يف خلق بيئة السالم‪.‬‬
‫إن التحدي‪ ،‬هو كيفية استثمار وتطوير ثورة االتصاالت‪ ،‬كتالنولوجيا مكن‬
‫اجل السالم‪ .‬هذا التحدي‪ ،‬يراه البعض أنه يشالل أولوية أساسكية يف السكنوات‬
‫القادمة‪.1‬‬
‫وميالن اإلشارة هنا‪ ،‬إىل أن معظم اجلهود البحثيكة‪ ،‬اجتهكت حنكو حتليكل‬
‫التهديدات وأسوأ السيناريوهات احملتملة‪ ،‬حلاالت الصرا ‪ ،‬بينما القليل منها توجه‬
‫حنو تقييم فر‪ .‬بناء السالم‪ ،‬أو التحويل اإلجيابكء‪ ،‬أو البناء للصرا ‪ ،‬حيث يؤكد‬
‫البعض‪ ،‬أنه ميالن وصف معظم الصراعات احلديثة‪ ،‬بأهنا تشبه الفكر‪ .‬التارخييكة‬
‫الضائعة‪ ،‬والذي يشري إىل حلظات أو فترات‪ ،‬خالل الصراعات عندما كان ميالكن‬
‫استخدام مؤشرات‪ ،‬مبالرة واليت من احملتمل أن يالون هلا تأثري كبري على ديناميالية‬
‫الصرا ‪.‬‬
‫وهذا يعين‪ ،‬أننا نواجه حتدياً يقوم على ضرورة توجيكه اجلهكود البحثيكة‪،‬‬
‫واللجوء إىل استخدام مدخل "الفر‪ .‬الضائعة"؛ اليت قد تؤدي إىل التسوية‪ ،‬بكدالً‬
‫من التركيز على التهديدات وسيناريوهات أسوأ اخليارات يف الصرا ‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬إن هناك حاجة إنسانية ملحة‪ ،‬لبناء منظومة حضارية عامليكة‬
‫لفض النكزاعات وحتقيق السالم‪ ،‬يشارك فيها خمتلف الثقافات‪ ،‬ممثلة يف البكاحثني‬
‫وصنا القرار‪ ،‬واملؤسسات الدولية املعنية‪ ،‬يف هذا اجملال‪ .‬وميالن أن يالون للثقافكة‬
‫العربية واإلسالمية‪ ،‬إسهام بارز يف بناء هذه املنظومة احلضكارية‪ ،‬فهكء ثريكة يف‬
‫خربهتا؛ وتراثها السياسء‪ ،‬والثقايف‪ ،‬واألخالقء يف هذا اجملال‪.‬‬
‫ال شك‪ ،‬أن العامل العربكء‪ ،‬خاصة يف املرحلة اجلديدة‪ ،‬مرحلة ما بعد الربيع‬
‫العربكء‪ ،‬حيتاج بشالل خا‪ .‬إىل بناء‪ ،‬وتطكوير منظومتكه اخلاصكة‪ ،‬لفكض‬
‫النكزاعات‪ ،‬وإدارة صراعاته بني أعضائه‪ ،‬ووحداته بشالل حضاري‪ ،‬يعال حجم‬
‫التغيري الذي حصل يف منظومته السياسية؛ اليت اتسكمت يف غالبكها‪ ،‬بالسكلطوية‬

‫ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪Reynolds Levy, L.: 2004, The International and Post Conflict Peace‬‬
‫‪building, PhD Thesis , Department of Peace Studies, University of‬‬
‫‪Bradford.‬‬

‫‪181‬‬
‫واالستبداد‪ ،‬وقمع احلريات واإلبدا ‪ .‬وهذا يتطلب جهوداً ضخمةً من البكاحثني‪،‬‬
‫وصنا القرار مع وجود إرادة سياسية‪ ،‬جادة لبناء هذه املنظومة‪ ،‬وإن النجكاح يف‬
‫بناء مثل هذه املنظومة‪ ،‬ال بد أن يرتالز على توفري‪ ،‬إرادة سياسية صادقة وجادة يف‬
‫استخدام املعرفة العلمية‪ ،‬والقيم احلضارية والتعددية الثقافية‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫رائمة المصادر والمراجع‬

‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن‪ :‬املقدمة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪.0180 ،‬‬ ‫‪.0‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬حتقيق الشدادي عبد السالم‪ :‬املقدمة‪ .‬املركز الوطين للبحث‬ ‫‪.1‬‬
‫العلمء والتقين‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة اخلامسة‪.1111 ،‬‬
‫أبو النمر‪ ،‬حممد ‪ :‬الالعنف وصنع السالم يف اإلسالم‪ ،‬ترمجة اليحىي‪ ،‬ملي ‪ :‬الدار األهلية‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫عمّان‪.1118 ،‬‬
‫أبو عامر‪ ،‬عالء‪ ،1114 :‬العالقات الدولية‪ :‬الظاهرة والعلم‪ -‬الدبلوماسية واالستراتيجية‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمّان‪.‬‬
‫أبو عيد‪ ،‬عارف (مُعداً)‪ ،‬والفجاوي‪ ،‬عمر عبد اهلل (حمرراً)‪ :‬مقرر العالقات الدولية يف‬ ‫‪.1‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬منشورات جامعة القد املفتوحة‪ ،0119 ،‬ط‪.0‬‬
‫إدريس‪ ،‬ثابت عبد الرمحن‪ :‬التفاوض مهارات واستراتيجيات‪ ،‬الدار اجلامعية‪ ،‬مصكر‪،‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪.1110‬‬
‫األلوسي‪ ،‬شهاب الدين حممود‪ :‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظكيم‪ ،‬دار الالتكب‬ ‫‪.7‬‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪.2000 ،‬‬
‫أنيس‪ ،‬إبراهيم (و آخرون)‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬دار احلديث للطبع والنشكر‪ ،‬بكريوت‪،‬‬ ‫‪.8‬‬
‫‪.1572‬‬
‫األيوبدي‪ ،‬عمر وحسن‪ ،‬حسن واأليوبدي‪ ،‬أمني (مترمجون)‪ :‬إشراف وحترير مرككز‬ ‫‪.5‬‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬التسلح ونكز السالح واألمن الدويل‪ ،2007 ،‬النسخة العربية‬
‫كاب ‪SIPRI Yearbook 2007: Armaments, Disarmaments, and‬‬ ‫كة لالتك‬‫املترمجك‬
‫‪ ،International Security‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫األيوبدي‪ ،‬عمر‪ ،‬وحسن‪ ،‬حسن‪ ،‬واأليوبدي‪ ،‬أمني (مترمجون)‪ :‬إشراف وحترير مركز‬ ‫‪.01‬‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬التسلح وندزع السالح واألمن الدويل‪ ،2005 ،‬النسكخة‬
‫العربية املترمجة لالتكاب ‪SIPRI Yearbook 2009: Armaments, Disarmaments, and‬‬
‫‪ ،International Security‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫بطرس غايل‪ ،‬بطرس‪ :‬خطة للسالم‪ ،‬منشورات األمم املتحدة‪ ،‬نيويورك‪.0111 ،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام ‪ :2008‬جملة املستقبل العربكء‪ ،‬العدد ‪ ،219‬مرككز‬ ‫‪.01‬‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬أكتوبر ‪.1118‬‬
‫‪181‬‬
‫توينبدي‪ ،‬أرنولد‪ :‬احلضارة يف امليزان‪ ،‬ترمجة الشريف‪ ،‬أمني‪ :‬مطبعة عيسى البابككء‬ ‫‪.02‬‬
‫احللبكء‪ ،‬القاهرة‪( ،‬ب‪ .‬ت)‪.‬‬
‫جارمن‪ ،‬ديفيد‪ :‬دراسات يف النكزاعات الدولية وإدارة األزمكة‪ ،‬سلسدلة حماردرات‬ ‫‪.04‬‬
‫اإلمارات (‪ ،)41‬مركز اإلمارات للدراسات االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبكء‪.0111 ،‬‬
‫جرب‪ ،‬حممد‪ :‬املعلومات وأمهيتها يف إدارة األزمات‪ ،‬اجمللة العربية للمعلومات‪ ،‬تكون ‪،‬‬ ‫‪.01‬‬
‫العدد ‪ ،0‬اجمللد ‪.0118 ،01‬‬
‫اجلمال‪ ،‬أمحد خمتار‪ :‬املفاوضات وإدارة األزمات‪ ،‬جملة السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪. ،09‬‬ ‫‪.09‬‬
‫‪.140-128 .‬‬
‫حداد‪ ،‬جورج‪ :‬املدخل إىل تاريخ احلضارة‪ ،‬مطبعة اجلامعة السورية‪.0118 ،‬‬ ‫‪.01‬‬
‫حسني‪ ،‬عدنان السيد‪ :‬العالقات الدولية يف اإلسالم‪ ،‬املؤسسة اجلامعيكة للدراسكات‬ ‫‪.08‬‬
‫والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪.2006 ،1‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬حماضرة بعنوان‪" :‬املنظور اإلسالمء للصكرا والسكالم" يف قسكم‬ ‫‪.15‬‬
‫دراسات السالم والصرا ‪ ،‬جامعة أبساال‪/‬السكويد‪،/3/20101 ،Uppsala University ،‬‬
‫‪"The Perspective of Islamic Culture towards Conflict and Peace‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪" :‬استخدام استطالعات رأي النخبة يف حتليكل الصكراعات وفكض‬ ‫‪.11‬‬
‫املنازعات"‪ ،‬اجمللة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬اجلمعية العربية للعلكوم السياسكية ومرككز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬عدد ‪ ،11‬شتاء ‪.12-91 . . ،1101‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ ،1100 :‬دور مراكز الدراسات اخلاصة يف البحث العلمكء وصكناعة‬ ‫‪.10‬‬
‫السياسات العامة‪ :‬إطار عام‪ ،‬ورقة مقدمة ملؤمتر صناعة البحث العلمء يف اململالة العربية‬
‫السعودية‪ 11-19 ،‬إبريل ‪1100‬م‪ ،‬الرياض‪ :‬منتدى الشراكة اجملتمعية‪.218-200 . . ،‬‬
‫اخلزندار‪ ،‬سامي‪ :‬الصراعات العربية الداخلية‪ :‬رؤية يف األسباب والدوافع‪ ،‬جملة أحباث‬ ‫‪.11‬‬
‫الريموك‪ ،‬سلسلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جملد ‪ ،11‬العدد األول أ‪.1114 ،‬‬
‫خضري‪ ،‬عبد الكرمي علوان‪ :‬املنظمات الدولية‪ :‬الوسيط يف القانون الدويل العام‪ ،‬الكدار‬ ‫‪.12‬‬
‫العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬الالتاب الرابع‪.1111 ،‬‬
‫دلي االحتاد الدويل ألحباث السدالم‪IPRA Directory Guide of Peace Research, :‬‬ ‫‪.14‬‬
‫‪/http://ipra.terracuranda.org‬‬
‫‪ .11‬ربيع‪ ،‬حممد حممود‪ ،‬مقلد‪ ،‬إمساعي بربي (حمرران)‪ :‬موسوعة العلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫الالويت‪ ،‬الالويت‪.0114 ،‬‬
‫‪ .19‬رسالن‪ ،‬أمحد فؤاد‪ :‬نظرية الصرا الدويل‪ :‬دراسة يف تطور األسرة الدولية املعاصكرة‪،‬‬
‫اهليئة املصرية العامة للالتاب‪ ،‬القاهرة‪.0189 ،‬‬
‫‪ .11‬الرشيدي‪ ،‬أمحد‪ :‬حقوق اإلنسان‪ :‬دراسة مقارنة يف النظرية والتطبيق‪ ،‬مالتبة الشكروق‬
‫الدولية‪ ،‬القاهرة‪.1112 ،‬‬
‫‪184‬‬
‫زايد‪ ،‬حممد بدر الدين مصطفى‪ :‬املفاوضات الدولية‪ ،‬اهليئة املصرية العامكة للالتكاب‪،‬‬ ‫‪.18‬‬
‫القاهرة‪.0110 ،‬‬
‫زريق‪ ،‬قسطنطني‪ :‬يف معركة احلضارة‪:‬دراسة يف ماهية احلضارة وأحواهلكا يف الواقكع‬ ‫‪.11‬‬
‫احلضاري‪ ،‬العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪.0180 ،‬‬
‫بحيح البخاري يف "األدب املفرد" رقم (‪.)275‬‬ ‫‪.21‬‬
‫بن‪ ،‬أمارتينا (مؤلف)‪ ،‬توفيق‪ ،‬سحر (مترمجة)‪" :‬اهلوية والعنف‪ :‬وهم املصري احلتمء"‪ ،‬سلسلة‬ ‫‪.51‬‬
‫كتب عامل املعرفة‪ ،‬اجملل الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الالويت‪ ،‬العدد ‪ ،211‬يونيو ‪.1118‬‬
‫الطربي‪ :‬تفسري جامع البيان يف تفسري القرآن‪ ،‬موقع تفاسري جامعة األزهر‪.‬‬ ‫‪.21‬‬
‫عارف‪ ،‬نصر‪ :‬يف مصادر التراث السياسء اإلسالمء‪ :‬دراسة يف إشالالية التعميم قبكل‬ ‫‪.22‬‬
‫االستقراء والتأصيل‪ ،‬سلسلة املنهجية اإلسالمية (‪ ،)1‬املعهد العاملء للفالر اإلسكالمء‪،‬‬
‫فرجينيا‪/‬الواليات املتحدة األمريالية‪.0180 ،‬‬
‫عبد الرمحن‪ ،‬حممد يعقوب‪ :‬التدخل اإلنساين يف العالقات الدولية‪ ،‬مرككز اإلمكارات‬ ‫‪.24‬‬
‫للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبكء‪.1114 ،‬‬
‫عبد اهلل‪ ،‬عمرو خريي‪ :‬حل النكزاعات‪ ،‬معهد دراسات السالم ‪ -‬جامعة السالم التابعة‬ ‫‪.53‬‬
‫لألمم املتحدة‪ ،‬كوستاريالا‪.2007 ،‬‬
‫علي سامل‪ ،‬أمحد ‪" :‬عن احلرب والسالم‪ :‬مراجعات ألدبيات الصرا الدويل"‪ ،‬السياسكة‬ ‫‪.56‬‬
‫الدولية‪ ،‬اجمللد ‪ ،41‬العدد ‪ ،011‬أكتوبر ‪.12-8 . . ،1111‬‬
‫العماري‪ ،‬عباس رشدي ‪ :‬إدارة األزمات يف عامل متغري‪ ،‬مركز األهرام للترمجة والنشر‪،‬‬ ‫‪.21‬‬
‫القاهرة‪.0112 ،‬‬
‫فالنستني بيتر (مؤلف)‪ ،‬السعد سعد‪ ،‬ودبور حممد‪( ،‬مترجم)‪ :‬مدخل إىل فهم تسكوية‬ ‫‪.28‬‬
‫الصراعات‪ :‬احلرب والسالم والنظام العاملء‪ ،‬املركز العلمء للدراسات السياسية‪ ،‬عمّان‪،‬‬
‫‪ ،1119‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫فرج‪ ،‬أنور حممد‪ ، 1111 :‬نظرية الواقعية يف العالقات الدولية‪ :‬دراسة نقدية مقارنكة يف‬ ‫‪.21‬‬
‫ضوء النظريات املعاصرة‪ ،‬مركز كردستان للدراسات االستراتيجية‪ ،‬السليمانية‪.‬‬
‫فضة‪ ،‬حممد ‪ :‬التدخل السوفييت يف أفغانستان‪ :‬دراسكة جيوسياسكية وجيواسكتراتيجية‬ ‫‪.41‬‬
‫للصرا الدويل يف جنوب آسيا‪ ،‬اجلامعة األردنية‪ ،‬عمّان‪.0189 ،‬‬
‫فيشر‪ ،‬سيمون وآخرون (مؤلفون)‪ :‬اجليوسي‪ ،‬نضال (مترجم)‪ :‬التعامل مع النكزا ‪:‬‬ ‫‪.40‬‬
‫مهارات واستراتيجيات للتطبيق‪ ،‬شبالة املنظمات الفلسطينية‪ ،‬رام اهلل‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الكراجكي‪ ،‬أبو الفتح‪ :‬معدن اجلواهر‪ ،21 . ،‬باب ما جاء يف واحد‪.‬‬ ‫‪.41‬‬
‫الكيالين‪ ،‬عبد اهلل ‪ :‬إدارة األزمة‪ :‬مقاربة التراث ‪ ....‬واآلخر‪ ،‬سلسلة كتكاب األمكة‪،‬‬ ‫‪.45‬‬
‫العدد ‪ ،020‬مركز البحوث والدراسات ‪ -‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬قطكر‪،‬‬
‫السنة التاسعة والعشرون‪0421 ،1111 ،‬هك‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫لكريين‪ ،‬إدريس‪ :‬إدارة األزمات يف عكامل مكتغري‪ :‬املفهكوم واملقومكات والوسكائل‬ ‫‪.44‬‬
‫والتحديات‪ ،‬املركز العلمء للدراسات السياسية‪ ،‬عمّان‪.1101 ،‬‬
‫اجملذوب‪ ،‬حممد ‪ :‬التنظيم الدويل‪ :‬النظرية واملنظمات العاملية واإلقليميكة املتخصصكة‪،‬‬ ‫‪.41‬‬
‫منشورات احللبكء احلقوقية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة السابعة‪.1111 ،‬‬
‫حممد شدود‪ ،‬ماجد ‪ :‬إدارة األزمات واإلدارة باألزمة‪ ،‬األوائل للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪.49‬‬
‫‪ ،1111‬ط‪.0‬‬
‫مقلد‪ ،‬إمساعي بربي‪ ،0181 :‬العالقات السياسكية الدوليكة‪ :‬دراسكة يف األصكول‬ ‫‪.41‬‬
‫والنظريات‪ ،‬منشورات ذات السالسل‪ ،‬الالويت‪.‬‬
‫مور‪ ،‬كريستوفر (مؤلف)‪ ،‬سروجي‪ ،‬فدؤاد (متدرجم)‪ ،1111 :‬عمليكة الوسكاطة‪:‬‬ ‫‪.48‬‬
‫استراتيجيات عملية حلل النكزاعات‪ ،‬الدار األهلية‪ ،‬عمّان‪.‬‬
‫نافعة‪ ،‬حسن ‪ :‬إصالح األمم املتحدة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات السياسكية‪ ،‬جامعكة‬ ‫‪.41‬‬
‫القاهرة‪ ،‬القاهرة‪.0111 ،‬‬
‫محدان‪ ،‬هنلة ياسني (مؤلف)‪ ،‬كرم‪ ،‬مسري (مترجم)‪ ،1112 :‬الوساطة يف اخلالفات العربية‬ ‫‪.11‬‬
‫املعاصرة‪ ،‬سلسلة أطروحات الدكتوراه (‪ ،)49‬مرككز دراسكات الوحكدة العربيكة‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫هنرا‪ ،‬فؤاد وآخرون‪" :‬أعمال ندوة األزمات السياسية الدولية‪ :‬واقعها ومعاجلتها"‪ ،‬جملة‬ ‫‪.10‬‬
‫شؤون األوسط‪ ،‬العدد ‪ ،011‬ربيع ‪.1110‬‬
‫هارون‪ ،‬عبد السالم (مشرف)‪ :‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬والزيات‪ ،‬أمحد‪ ،‬عبدد القدادر‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫حامد‪ ،‬والنجار‪ ،‬حممد (قاموا بإخراجه)‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬مطبعة مصر‪ ،‬القاهرة‪،0191 ،‬‬
‫اجلزء األول‪.‬‬
‫هنتنجتون‪ ،‬بموئي ‪" :‬صرا احلضارات"‪ ،‬جملة ‪ ،Foreign affairs‬جملد ‪ ،11‬عكدد‪،2‬‬ ‫‪.12‬‬
‫‪ ،0112‬ترمجة عبد احلميد فتاح‪ ،‬عرفان‪ :‬جملة الندوة‪ ،‬اجمللد السكاد ‪ ،‬العكدد األول‪،‬‬
‫كانون الثاين‪/‬يناير‪.0111 ،‬‬
‫وهبان‪.‬أمحد حممد‪ :‬حتليل إدارة الصرا الدويل‪ :‬دراسة مسحية لألدبيات املعاصرة‪ .‬جملة‬ ‫‪.14‬‬
‫عامل الفالر‪ ،‬اجملل الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الالويت‪. . ،2008 ،4 )56( ،‬‬
‫‪.86-31‬‬
‫‪ .33‬ياسني محدان‪ ،‬هنلة (مؤلف)‪ ،‬كرم مسري (مترجم)‪ :‬الوساطة يف اخلالفات العربية املعاصكرة‪ ،‬سلسدلة‬
‫أطروحات الدكتوراه (‪ ،)46‬بريوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.1112 ،‬‬
‫‪ .19‬يوسف أمحد أمحد‪ :‬الصراعات العربية العربية (‪ )0180-0141‬دراسة استطالعية‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪.0188 ،‬‬
‫‪57.‬‬ ‫‪Anders, Mellbourn (ed): 2005, Development, Security and Conflict‬‬
‫‪Prevention, The Anna Lindh Programme on Conflict Prevention, Hedemora,‬‬
‫‪Sweden: Gidlunds förlag.‬‬

‫‪186‬‬
58. Azem, Ahmad, J: 2005, The Reconceptualisation of Conflict Management,
Peace, Conflict & Development: An Interdisciplinary Journal, University of
Bradford, Department of Peace Studies.
59. Barash, David P. & Webel, Charles P.: 2009, Peace and Conflict Studies,
Sage, 2nd edition.
60. Bell, Coral: 1971, The Conventions of Crisis: A Study of Diplomatic
Management, London, Oxford University Press.
61. Bercovitch Jacob (Ed): 1991, "International Mediation", Journal of Peace
Research, 28 (1), special issue.
62. Bercovitch Jacob: (ed), 1996, Resolving International Conflicts: The Theory
& Practice of Mediation, Boulder, Col.: Lynne Rienner Publishers.
63. Bercovitch, Jacob & Kremenyuk,Victor & Zartman, William (Eds): 2009,
Conflict Resolution, Sage, London.
64. Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation", Journal of Peace
Research, Vol. 28, No. 1.
65. Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation & Dispute Settlement:
Evaluating the Conditions for Successful Mediation", Negotiation Journal, Vol
7, No. 1.
66. Boin, Arjen: 2009, "The New World of Crisis and Crisis Management:
Implications for Policymaking & Research, Review of Policy Research, Vol
26, Issue 4, pp. 367-377.
67. Boulding, Kenneth E.: 1962, Conflict and Defense: A General Theory, New
York: Harper and Brothers.
68. Brinton, Crane: 1938, The Anatomy of Revolution, Vintage books, New
York
69. Brown, Michael (ed): 1996, International Dimensions of Internal Conflict,
CSIA Studies in International Security, Cambridge & London, MIT Press.
70. Burton, John & Dukes, Frank: 1990, Conflict: Readings in Management &
Resolution, U.S: The Macmillan Press LTD.
71. Burton, John (ed): 1990, Conflict: Human Needs Theory, Vol 2 of the
Conflict Series, London: Macmillan.
72. Burton, John and Dukes, Frank (Ed): Conflict: Readings in Management
and Resolution, Macmillan, Houndmills and London.
73. Burton, John W: 1996, Conflict Resolution: It's Language and Processes,
Lanham, Md and London: Scarecrow Press.
74. Burton, John: 1968, Systems, States, Diplomacy and Rules, Macmillan,
London.
75. Burton, John: 1969, Conflict and Communication: The Use of Controlled
Communication in International Relations, Macmillan, London.
76. Burton, John: 1972, World Society, Macmillan, London.

187
77. Burton, John: 1979, Deviance, Terrorism and War, St Martins Press, New
York.
78. Buzan, Barry: 1991, "New Patterns of Global Security in the Twenty First
Century", International affairs, 67 (3), pp. 431-451.
79. Carment, David & Schnabel Albrecht (eds): 2003, Conflict Prevention: Path
to Peace or Grand Illusion?, The United Nations University, Tokyo.
80. Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict: 1997, Preventing
Deadly Conflict: Final Report, Washington D.C, Carnegie Corporation of New
York.
81. Charles Ikle, Fred: 1964, How Nations Negotiate, New York: Harper &
Rows Publishers, New York: Krans Reprint, Millwood, 1987.
82. Choue, Young Seek (ed): 1999, World Encyclopedia of Peace, Oceana
Publications, Inc., New York, Vol. I, Second Edition.
83. Cleveland, Harlan: July 1963, “Crisis Diplomacy”, Foreign Affairs, New
York, Council of Foreign Relations, Vol. 41, pp. 638-649.
84. Clutterbuck, Richard: 1993, International Crisis and Conflict, New York, St.
Martin’s Press.
85. Coleman, Peter T. & Marcus, Eric C.: "Concluding Overview" in Deutsch,
Morton, Colemon, Peter & Marcus, Eric C. (eds): 2006, The Handbook of
Conflict Resolution: Theory and Practice, Jossey-Bass, San Fransisco, 2nd
edition.
86. Crocker, Chester A., Hampson Fen Osler, Aall Pamela, (Eds): 2001,
Turbulent Peace: The Challenges of Managing International Conflicts, United
States Institute of Peace Press, Washington, D.C.
87. Curle Adam: 1971, Making Peace, Tavistock Publications, London.
88. Curle Adam: 1986, in the Middle: Non-official Mediation in Violent
Situations. St. Martins Press, New York.
89. Davies, James C. (ed): 1971, When Men Rebel and Why, New York, Free
Press.
90. De Reuck, Anthony: "A Theory of Conflict Resolution by Problem Solving",
quoted in Burton John & Dukes Frank: Conflict: Readings in Management &
Resolution, op. cit., pp. 183-244.
91. Dixon, William J: 1996, "Third- Party Techniques for Preventing Conflict
Escalation and Promoting Peaceful Settlement", International Organization,
The Foundation of the Massachusetts Institute of Technology, (50) 4, pp 653-
681.
92. Dollard, J., L. N. Doob, N. E. Miller, O. H. Mowrer and R. R. Sears:
Frustration and Aggression, New Haven , CT, Yale University Press.
93. Donovan, John C et al: 1993, "People, Power and Politics", Maryland,
Rowman & Littlefield publishers, INC.

188
94. Dungen, Peter Van Den & Wittner, Lawrence S.: 2003, "Peace History: An
Introduction", Journal of Peace Research, Vol 40, No. 4, pp. 363-375.
95. Eckstein, Harry (ed): 1964, Internal War: Problems and Approaches, New
York, Free Press of Glencoe.
96. Englehart, Neil A.: 2009, State Capacity, State Failure and Human Rights,
Journal of Peace Research, Vol. 46, Issue 2, pp 163-180.
97. European Security Strategy: 2003, A Secure Europe in a Better World,
(Brussels: Center Virtuel de la Connaissance sur l’ Europe (CVCE), European
Navigator.
98. Evans,Graham & Newnham, Jeffery: 1992, the Dictionary of World
Politics, London, Harvester.
99. Fisher, Roger & Ury, William: 1983, Getting to Yes, Penguin Books, New York.
100. Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for Action,
London, Birmingham and ZED Books, Responding to Conflict Agency.
101. Galtung Johan and Webel Charles: 2009, "Peace and Conflict Studies:
Looking Back, looking forward". In Webel Charles & Galtung Johan (eds).
Hand book of Peace and Conflict Studies, Oxon: Routledge.
102. Galtung, Johan: "Conflict as a Way of Life", in Freeman, Hugh (ed): 1969,
Progress in Mental Health, Churchill, London, pp. 484-564.
103. Galtung, Johan: 1969, "Peace, Violence, and Peace Research", Journal of
Peace Research, Vol 6, No. (3), pp.167-191.
104. Galtung, Johan: 1980, the True Worlds: A Transnational Perspective, The
Free Press, New York.
105. Galtung, Johan: 1981, "Social Cosmology and the Concept of Peace", Journal
of Peace Research, 18 (2): 183-199.
106. Galtung, Johan: 1984, "Transarmament: From Offensive to Defensive
Defense", Journal of Peace Research, 21(2): 127-140.
107. Galtung, Johan: 1985, Twenty Five Years of Peace Research: Ten Challenges
and Some Responses, Journal of Peace Research, Vol 22, No.2, pp. 141-158.
108. Galtung, Johan: 1987, "Only One Quarrel with Kenneth Boulding", Journal
of Peace Research, 24 (2): 199-203.
109. Galtung, Johan: 1988, 'What If the Devil Were Interested in Peace
Research?", Journal of Peace Research, 25 (1): 1-4.
110. Galtung, Johan: 1989, "The State, the Military and War", Journal of Peace
Research, 26 (1): 101-105.
111. Galtung, Johan: 1990, "Cultural Violence", Journal of Peace Research, Oslo,
the Peace Research Institute Oslo (PRIO) & Sage, London, Vol.27, no.3, pp.
292-296.
112. Galtung, Johan: 1996, Peace by Peaceful Means: Peace & Conflict,
Development & Civilization, International Peace Research Institute, Oslo, p. 72.

189
113. Guha, Amalendu: "Conflict Resolution, Process of", in Choue, Young Seek
(ed): 1999, World Encyclopedia of Peace, pp 321- 328, Oceana Publications,
Inc. New York, Vol I, Second Edition.
114. Gurr, Ted R.: 1993, Minorities at Risk, Washington, D.C, United States
Institute of Peace Press.
115. Hauss, Charles: 2001, International Conflict Resolution, London, Continuum.
116. Henderson, Errol: 1997, "Culture or Contiguity: Ethnic Conflict, the
Similarity of States, and the Onset of War 1820 -1980", Journal of Conflict
Resolution, 41 (1), pp 649-668.
117. Herman, Charles F: 1972, International Crisis, New York, the Free Press.
118. Hidemi, Suganami: 1996, On the Causes of War, Oxford: Clarendon Press.
119. Holl, Jane E.: 1996, Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict:
Second Progress Report, Carnegie Corporation of New York, New York.
120. Holsti, Kalevi J.: 1996, the State, War and the State of War, Cambridge,
Cambridge University Press.
121. Holsti, Ole R.: 1972, Crisis, Escalation, War, Montereal, McGill- Queens
University Press.
122. Jacob Bercovitch, "International Negotiation & Conflict Management: the
Importance of Pre-negotiation", the Jerusalem Journal of International
Relations, Vol. 13, No. 1, 1991, pp. 7-20.
123. Jeong, Ho-Won (Ed): 1999, Conflict Resolution: Dynamics, Process and
Structure, Ashgate Publishing Ltd, England.
124. Joeng, Ho-Won (Ed): 2000, Peace & Conflict Studies: An Introduction,
England, Ashgate.
125. Jongman A. and Schmid, Alex: 1997, Mapping Violent Conflicts and Human
Rights Violations in the mid-1990s. London, Leiden University.
126. Jongman, Albert J.: 2001/2002, "Mapping Dimensions of Contemporary
Conflicts and Human Rights Violations", in World Conflict & Human
Rights Map 2001/2002 Project, The PIOOM: Netherlands.
http://www.citizenpaul.com/gallery/v/maps/atf_world_conf_map.pdf.html
127. Jongman, Berto & Schmidt Alex: World Conflict & Human Rights Map, the
PIOOM: Netherlands, 2001/2002. http://www.citizenpaul.com/gallery/v/maps/
atf_world_conf_map.pdf.html
128. Jonsson Bernt (Ed), Widepalm Anna (Assistant): 2002, Preventing Violent
Conflict & Peace building: On Interactions between States Actors and
Voluntary Organizations, Stockholm, The European Centre for Conflict
Prevention & the Swedish Peace Team Forum.
129. Kegley Jr, Charles W. & Raymond, Gregory A: 1999, How Nations Make
Peace?, New York, Worth Publishers, Inc.
130. Kenneth E. Boulding: "An Editirioal", Journal of Conflict Resolution, June 1957, 1.

191
131. King Jr, Martin Luther: 1957, Non -Violence and Racial Justice, Christian
Century, 6 February.
132. Klare, Michael T. (Ed): 1994, Peace and World Security Studies: A
curriculum Guide, Boulder & London, Lynne Rienner Publishers.
133. Kriesberg Louis: 1973, The Sociology of Social Conflicts, Englewood Cliffs,
NJ: Prentice-Hall.
134. Kriesberg Louis: 1982, Social Conflicts, Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall.
135. Kriesberg Louis: 1991, "Conflict Resolution Applications to Peace Studies",
Peace & Change, 16 (4): 400-417.
136. Kriesberg Louis: 1992, International Conflict Resolution, New Haven,
Conn.:Yale University Press.
137. Kriesberg Louis: 1992b, De-escalation & Transformation of International
Conflicts, New Haven, Conn.: Yale University Press.
138. Kriesberg Louis: 2001, "Mediation & the Transformation of the Israeli
Palestinian Conflict", Journal of Peace Research, 38 (3): 373-392.
139. Kriesberg, Louis: 1992, International Conflict Resolution: the U.S - USSR
and the Middle East Cases, U.S, Yale University.
140. Lake , David & Morgan, Patrick M. (ed): 1997, Regional Orders: Building
Security in a New World, A Project of the University of California Institute on
Global Conflict & Cooperation, the Pennsylvania State University Press,
Pennsylvania.
141. Lake, David A. and Rothchild, Donald: 1996, "Containing Fear: The Origins
and Management of Ethnic Conflict", International Security, Vol. 21, No. 2,
pp. 41-75.
142. Laurance, Edward J.: 1998, Light Weapons & Intrastate Conflict: Early
Warning Factors & Preventive Action, Carnegie Commission on Preventing
Deadly Conflict, Carnegie Corporation of New York, New York.
143. Lawler, Peter: 1995, A Question of Values: Johan Galtung's Peace Research,
Lynne Reinner Publishers, Boulder, London.
144. Lindborg, Chris: 2001, European Approaches to Civilian Crisis Management,
A basic Special Report on Roundtable Discussions, Washington, D.C, British
American security Information Council. http://www.operationspaix.net/IMG/
pdf/BASIC_report.pdf, p. 4.
145. Little, Richard: 1975, Intervention: External Involvement in Civil Wars,
London, Martin Robertson.
146. Lund, Michael S.: 2001, Preventing Violent Conflicts: a Strategy for Preventive
Diplomacy, United States Institute of Peace, Washington D.C, p. 37.
147. Melande, Erik & Oberg, Magnus & Hall, Jonathan: 2006, The New Wars
Debate Revisited: An Empirical Evaluation of the Atrociousness of New Wars,
Uppsala University, Uppsala, Sweden, Uppsala Peace Research Papers, No. 9,

190
Department of Peace and Conflict Research. http://www.freds.lu.se/upload/
freds/FKVA11/FKVA11.2.melander.pdf
148. Mellbourn, Anders (ed): 2004, Developing a Culture of Conflict Prevention,
Hedemora, Gidlunds forlag, Anna Linda Programme on Conflict Prevention.
149. Miller, David (ed), Coleman, Janet, Connolly, William, Ryan, Alan
(Advisory Editors): 1991, The Blackwell Encyclobedia of Political Thought,
Oxford, Blackwell Publishers.
150. Ministry for Foreign Affairs: 1999, Preventing Violent Conflict: A Swedish Action
Plan: Summary of Ds 1999:24, Stockholm,, Policy Planning Group, p. 16.
151. Ministry for Foreign Affairs: 2001, Preventing Violent Conflict-Swedish
Policy for the 21st Century, Sweden, Secretariat for Conflict Preventing,
Ministry of Foreign Affairs.
152. Mitchell, Christopher Roger: 1981, the Structure of International Conflict,
Macmillan, London.
153. Molling, Christian: October 2008, Comprehensive Approaches to
International Crisis Management, CSS Analysis in Security Policy, Center for
Security Studies, ETH Zurich, Vol. 3, No. 42.
154. Nordquist, Kjell-Ake: 1997, Peace After War; on Conditions for Durable
Inter-State Boundary Agreements, PhD Thesis Published as Report No.34
Research, Uppsala, Sweden.
155. Ohlson, Thomas: 2008, Understanding Causes of War and Peace, European
Journal of International Relations, the Standing Group on International
Relations (SGIR) of the European Consortium for Political Research, (14) 1,
pp 133-160.
156. Ohlson, Thomas: 1998, Power Politics and Peace Policies: Intra-State
Conflict Resolution in Southern Africa, Report No. 50, Department of Peace
and Conflict Research, Uppsala University, Sweden.
157. Preventing Deadly Conflict: 1997, Carnegie Commission on Preventing
Deadly Conflict, Final report, New York: Carnegie Corporation of New York.
158. Preventing Violent Conflict, Swedish Policy for the 21st Century, Stockholm:
2001, Ministry for Foreign Affairs, Secretariat for Conflict Prevention.
159. Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan, Ministry for Foreign
Affairs, Secretariat for Conflict Prevention, Stockholm, 1999, p3,
http://www.sweden.gov.se/content/1/c6/02/01/61/aad1f9e6.pdf
160. Pruitt, Dean, And Rubin, J: 1986, Social Conflicts: Escalation, Stalemate
and Settlement, Random House, New York.
161. Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: 2005, Contemporary
Conflict Resolution, Cambridge U.K: Polity Press, Second Edition.
162. Reynolds Levy, L.: 2004, The International and Post Conflict Peace building,
PhD Thesis, Department of Peace Studies, University of Bradford.

191
163. Richardson, Lewis: 1960, Statistics of Deadly Quarrels, Chicago, Quadrangle
Books.
164. Rodolfo Stavenhagen, Ethnic Conflict and the Nation- State, London &
New York: Macmillan, 1996.
165. Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: 2002, Peace-Building, Crisis
Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the Context of
Crisis, Conflicts, and Disasters, Eschborn, Germany, Deutsche Gesellschaft für
Technische Zusammenarbeit (GTZ), division 42, http://www.gtz.de/de/
dokumente/en-crisis-prevention-and-conflict-management.pdf.
166. Rosen, Steven & Jones, Walter: 1974, the Logic of International Relations,
Cambridge, Winthrop.
167. Rosenau, James (Ed): 1964, International Aspects of Civil Strife, New
Jersey, Princeton University.
168. Rosenthal, Uriel, Charles, Michael T. & Hart, Paul T.: 1989, Coping with
Crises: the Management of Disasters, Riots and Terrorisms, USA: Charles C
Thomas Pub Ltd.
169. Rosenthal, Uriel, Boin, Arjen & Comfort, Louise K. (eds): 2001, Managing
Crises: Threats Dilemmas, opportunities, USA, Charles C Thomas Pub Ltd.
170. Ross, Marc Howard: 1993, the Culture of Conflict: Interpretations and
Interests in Comparative perspective, New York & London, University Press.
171. Ryan, Stephen: 2003, "Peace and Conflict Studies Today", the Global Review
of Ethnopolitics, Vol. 2, No. 2, pp. 75-82.
172. Said, Abdul Aziz & C. Funk, Nathan, & Kafayifci, Ayse S: 2002, Islamic
Approaches to Conflict Resolution & Peace, Abu Dhabi, the Emirates Center
for Strategic Studies and Research.
173. Salem, Ahmad: 2002, "Ideology, Interest and International Order: A Critique
of the Democratic Peace Theory", the Annual Conference of the Center
for the Study of Islam and Democracy, Arlington, Virginia, USA, 6-7 April
2002.
174. Salem, Paul E (ed): 1997, Conflict Resolution in the Arab World: Selected
Essays, American University of Beirut, Beirut.
175. Sandole, Dennis J. D. and Hugo van der, Merwe’s, (eds): Conflict
Resolution Theory and Practice: Integration and Application, Manchester
University Press, Manchester and New York.
176. Schellenberg, James A.: 1996, Conflict Resolution: Theory, Research, and
Practice, New York: State University of New York Press.
177. Snyder, Jack: 1991, Myth of Empire: Domestic politics and International
Ambition, Ithace, Cornell University press.
178. Stewart F., & Fitzgerald, V.: 2001, War and Underdevelopment, Oxford,
Oxford University Press.

191
179. Swanstrom, Niklas: 2002, Regional Cooperation and Conflict Management:
Lessons from The Pacfic Rim, Report No.64, Uppsala University, Uppsala,
Department of Peace and Conflict Research.
180. Tammen, Ronald et al: Power Transition: Strategies for the 21 Century,
Chatham House Publishers Seven Bridges Press LLC.
181. Tajfel, H., & Turner, J. C. (1986). The social identity theory of intergroup
behavior. In S. Worchel & W. G. Austin (Eds.), Psychology of Intergroup
Relations (pp. 7-24). Chicago, IL: Nelson-Hall.
182. The Global Directory of Peace Studies and Conflict Resolution
Programme: a joint Project of the peace and justice studies association &
International Peace Research foundation, http://www.peacejusticestudies.org/
resources/publications.php
183. Understanding Conflict and Peace, Life Cycle of the conflict, 2009,
http://www.creativeworldwide.com/CAIIStaff/Dashboard_GIROAdminCAIISt
aff/Dashboard_CAIIAdminDatabase/resources/ghai/understanding.htm
184. Van Walraven, Klaas (Ed): 1998, Early Warning & Conflict Prevention:
Limitations and Possibilities, The Hague, Kluwer Law International.
185. Vasquez, John (Ed): 2000, What Do We Know A Bout War? Lanham, MD,
Rowman and Littlefield.
186. Vasquez, John A. (ed.): 1986, Classics of International Relations, Englewood
Cliffs, N.J, Prentice-Hall.
187. Vasquez, John A: 2009, the War Puzzle Revisited, Cambridge, UK,
Cambridge University Press.
188. W. Moore, Christopher: 2003, the Mediation Process, Jossey Bass A Wiley
Imprint, U.S, 3rd Edition.
189. Wallensteen, Peter & (others): Conflict Prevention through Development
Co-operation, Department of Peace & Conflict Research, Uppsala University,
Uppsala, Sweden.
190. Wallensteen, Peter & Harbom Lotta: 2009, Patterns of Peace and Conflict,
Armed Conflict Dataset 1946-2008, Journal of Peace Research, 48 (4):
577- 587.
191. Wallensteen, Peter & Moller, Frida: 2003, Conflict Prevention:
Methodology for Knowing the Unknown, Uppsala University, Uppsala,
Department of Peace and Conflict Research, Peace Research Paper, No. 7.
192. Wallensteen, Peter & Sollenberg, Margareta: 1998, ‘Armed Conflict and
Regional Conflict Complexes, 1989-97’, Journal of Peace Research, 35 (5):
621-634.
193. Wallensteen, Peter (ed): 1998, Preventing Violent Conflict: Past Record and
Future Challenges, Uppsala: Uppsala University, Sweden, Department of
Peace and Conflict Research.

194
194. Wallensteen, Peter, & Harbom, Lotta, & Sundberg, Ralph (Eds): 2009,
States in Armed Conflict 2008, Department of Peace and Conflict Research,
Uppsala University.
195. Wallensteen, Peter, Margareta, Sollenberg: 2001, Armed Conflict 1989-
2000, Journal of Peace Research, 38 (5): 629-644.
196. Wallensteen, Peter: 2000, a Century of Economic Sanctions: A Field
Revisited Uppsala Peace Research No.1, Department of Peace and Conflict
Research, Uppsala University.
197. Walraven, Klaas Van (Ed): 1998, Early Warning & Conflict Prevention:
Limitations and Possibilities, The Hague: Kluwer Law International.
198. Walt, Stephen M.: 1996, Revolution and War, Ithace, Cornell University
press.
199. Walter, Dorn A.: 1996, “Keeping Tabs on a Troubled World: UN Information
Gathering to Preserve Peace”, Security Dialogue, Vol. 27 (3): 263-276.
200. Waltz, Kenneth: 1979, Theory of International Politics, New York, Random
House.
201. Wiberg, Hakan: 1988, "The Peace Research movement", in Wallensteen
Peter (ed), Peace Research: Achievements and Challenges, Boulder &London:
Westview Press, pp.30-53, pp.30-32.
202. Williams, Phill: 1971, Crisis Management, London, International Affairs
Chatm House.
203. World Directory of Peace and Training Institutions: 1994, UNESCO Social
& Human Sciences Documentation Centre & Division of the Human Rights,
Democracy and Peace, Blackwell Publishers, Oxford, pp21-193.
204. World Directory of Peace Research Institution: 1981, reports and papers in
the social sciences, no.49, UNESCO, Paris.
205. Zartman William (Ed), 1995, Elusive Peace: Negotiating an End to Civil
Wars, The Brooking institution, Washington D.C.
206. Zartman William (Ed): 1978, the Negotiation Process: Theories and
Applications, Sage, Beverley Hills, Calif.
207. Zartman William (Ed): 1995, Collapsed States: The Disintegration &
Restoration of Legitimate Authority, Boulder, Col.: Lynne Rienner
Publishers.
208. Zartman William: 1978, the Negotiation Process: Theories and Applications,
Beverley Hills, Calif.: Sage.
209. Zartman, William: 1974,"The Political Analysis of Negotiation: How, Who
Get What, and When?", World Politics, Vol. 26, No.3, pp. 385 -399.
210. Zartman, William: 1989, Ripe for Resolution: Conflict and Intervention
Africa, New York, Oxford University Press.

195

You might also like