Professional Documents
Culture Documents
إدارة الصراعات وفض المنازعات
إدارة الصراعات وفض المنازعات
ردمك 978-614-01-0866-0
الدوحة -قطر
هواتف)+974( 4930218- 4930183- 4930181 :
فاكس - )+974( 4831346 :البريد اإللكترونيE-mail: jcforstudies@aljazeera.net :
يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصـويرية أو للكترونيـة أو ميكانيكيـة
بما في ذلك التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشـرطة أو أرـرام مقـروءو أو بأيـة وسـيلة نشـر
أخــــــرف بمــــــا فيوــــــا حفــــــظ المعلومــــــا ،واســــــترجاعوا مــــــن دون لذن خطــــــي مــــــن الناشــــــر
ش .م .ل إن اآلراء الواردة يف هذا الكتاب ال تعرب بالضرورة عن رأي
4
المحتويات
الفصل الثاني :إطار مفاهيمي في دراسات الصراع والسالم وفض النزاعات 17 ...................
المبحث األول :لماذا الصراع ،وضرورة وجوده في المجتمع اإلنساني؟35 ..........
المبحث الثاني :المفاهيم األساسية في علم دراسات الصراع والسالم 35 .............
المبحث الثالث :اإلطار المنهجي لفهم ظاهرة وأبعاد العنف والصراع53 ............
المبحث الرابع :مفاهيم األزمات الدولية وسماتها واالتجاهات الحديثة فيها 101 ......
المبحث الخامس :مراحل تطور الصراع121 .......................................
الخاتمة277 ......................................................................
قائمة المصادر والمراجع285 ......................................................
5
رائمة األشكال
رائمة الجداول
6
تقديم
منذ انتهاء احلرب الباردة ،فإن قضايا إدارة وتسوية الصراعات ،واتفاقيات السالم
برزت إىل الطليعة ،وخاصة املتعلقة يف كيفية التعامل مع القضايا املركزية يف عامل اليوم؛
فخالل حقبة التسعينيات ،كان هناك حماوالت نشطة ،إلجياد حلول عامة للمشكالالت
العاملية ،كما اتضح ذلك يف العديد من املؤمترات الدولية ،اليت انعقدت ملناقشة ،ومعاجلة
قضايا مثل :البيئة ،السالان ،املرأة ،التمييز العنصري ،التعليم والتنمية املستدامة .وتضمن
ذلك حماوالت لتسوية قضايا ذات اهتمامات مشتركة بطرق تفاوضية ،واليت شاركت
فيها كل الدول ،على النقيض مما سار يف فترة احلرب الباردة ،من هيمنة القوى العظمى
على التسويات املرتبطة بقضايا األمن والصراعات.
هذا احلراك حنو احللول التفاوضية ،يبدو واضحاً يف أكثر مكن 081اتفاقيكة
سالم مت التوصل إليها منذ العام ،0181فتلك اجلهود السابقة حاولت تقدمي شكءء
يتجاوز بشالل كبري التجربة التارخيية األوروبية ،مما ساهم يف تعايش النكا معكاً
بسالم ،واحترام متبادل ،فالتجربة األوروبية مليئة باالنتصارات ،والنهايات البائسة
للمهزومني( ،الذي دفع هبم غالباً إىل مغادرة القارة األوروبية إىل أجزاء أخرى مكن
العامل) ،لذا شاللت احملاوالت حول تسوية الصراعات ،منذ بدء احلكرب البكاردة
خربة هائلة يف صنع السالم بوسائل سلمية.
معظم اتفاقيات السالم املتعلقة بالصراعات الداخلية ،اهتمت بالسيطرة حول
السلطة ،ومن األمثلة النموذجية يف التسعينيات حول ذلك ،اتفاقية الطائف اخلاصة
بلبنان ،واتفاقيات جنوب أفريقيا ،كمبوديا ،أنغوال ،واتفاقيات بضع دول يف أمريالا
الوسطى ،ومن األمثلة يف العقد األول من القرن احلادي والعشرين مشلت التسويات
حول ليربيا ،ونيبال ،ومجهورية الالونغو ،والسودان.
أيضاً ،هناك عدد ال بأ به من االتفاقيات ،تعاملكت مكع التحكرر مكن
االستعمار ،وقضايا استقالل أقاليم وبناء الدولة ،ومن األمثلة الواضحة على ذلك يف
7
التسعينيات اتفاقية دايتون يف البوسنة واهلرسك ،وبضع اتفاقيات حول فلسكطني،
واتفاقية بلفاست يف إيرلندا الشمالية .أما يف األلفية الثانية من بدايات القرن احلادي
والعشرين فقد شهدت عددا أقل من االتفاقيات ،ولالن واحدة مهمة منها تعاملت
مع إقليم اتشيه Acehيف إندونيسيا.
إن اتفاقية السالم الشاملة يف السودان ،وفرت إجراءات لتسوية الصكرا حكول
وضع جنوب السودان (والذي استقل الحقاً وفق استفتاء حق تقرير املصري) يف ينكاير
.1100وهذا االستفتاء أكد وجود طريقة سلمية ،ملعاجلة هذا الصرا املزمن واملتجذر.
وتظهر هذه األمثلة بوضوح أن التركيز كان على الصكراعات الداخليكة ،وأن هكذه
القضايا هء اليت هيمنت على األجندة الدولية ،ولالن يشري أيضاً إىل حقيقة ،أن العديد
من القضايا الداخلية أصبحت إقليمية ،أو يف بعض األحيان دولية االهتمام.
إن قضايا الالجئني ،جتارة السالح ،التأثري االقتصادي ،كلها خدمت يف إعطاء
الصراعات الداخلية أو األهلية أبعاداً دولية .وقد شهدنا منذ عكام 0181حروبكاً
دولية قليلة ،أسفرت أيضاً عن اتفاقيات نظمت العالقات بني الدول املتصارعة ،من
أوضحها ،الصرا بني أثيوبيا ،وأرترييا ،ويف املقابل ،مل نرَ هناية أو تسوية تفاوضية
يف التدخل األمريالء يف العراق ،1112ما مل يعترب أحدنا ،الدسكاتري اجلديكدة يف
العراق هء شالال من أشالال اتفاقيات التسوية.
وبالتايل ،فإننا نرى أن هناك حاجة كربى للكتفالري أكثكر يف الصكراعات،
وحتليلها ،وطرق تسويتها .إن اتفاقيات السالم ،تُعترب خطوة واحدة يف سلسلة من
األحداث ،أو اخلطوات اليت من شأهنا يف هناية املطاف تغيري العالقات الصراعية ،إىل
حمايدة أو إىل تفاعالت تعاونية.
هذا هو السبب الذي جيعل من عمل د .سامء اخلزندار ،عمالً هاماً جكداً،
هذا الالتاب يلتقط التطورات اجلديدة يف نظريات الصرا ،وفكض النككزاعات
واملفاهيم اليت ال غىن عنها ،واليت حتتاج إىل مزيد من الفحص والدراسة .والالتكاب
يطوّر رؤية علمية يف تسوية الصراعات ،ويف املنع الوقائء للصراعات.
يف الواقع ،إن ما ميالن عمله ،ملنع الصراعات من أن تصبح مسلحة أو عنيفة،
إقليمية ومزمنة ،أو متجذرة ،رمبا سيالون األكثر أمهية ملستقبل العامل على صكعيد
السالم والتعاون املتبادل.
8
إن د .اخلزندار ،باحث منذ فترة طويلة يف جمال دراسات الصرا والسكالم،
وقد أشرف على ترمجة ،أو توفري العديد من الدراسات اهلامكة ،واألساسكية إىل
العربية؛ لتعريف الطلبة والباحثني هبذا احلقل العلمء والبحثء اجلديد.
وتظهر مسامهته جلياً يف هذا الالتاب على وجه اخلصكو ..مكع أمنيكا
وتوقعا ،أن كتابه هذا سوف يتم استخدامه بشالل مفيد ،يف جماالت التكدري
والتدريب والبحث يف اجلامعات وغريها.
بيتر فالنستني
أستاذ كرسي داغ مهرشولد
قسم دراسات الصراع والسالم
جامعة أُبساال -السويد
9
مقدمة
05
الفصل األول
نشأو وتطور
علم دراسا الصراع والسالم
يتناول هذا الفصل ،دراسة نشأة وتطور حقل دراسكات الصكرا وفكض
النكزاعات ،باإلضافة إىل دراسات السالم؛ وذلك كحقل علمكء ،أصكبح لكه
مفاهيمه ومناهجه وتطبيقاته.
إن دراسة نشأة وتطور هذا العلم ،يعترب عملية ضرورية لفهم تاريخ هذا العلم
من جهة ،وكيفية تأسيسه من جهة ثانية ،ومعرفة طبيعة التغري والتطور الذي حدث
يف هذا احلقل املعريف من جهة ثالثة .إن مثل هذه الدراسة سيساعدنا على معرفكة
العوامل املؤثرة ،يف تطور هذا احلقل املعريف ،والتحكديات واإلشكالاليات الكيت
واجهها ،ومن مث االستفادة من ذلك يف دراسة مستقبل هذا احلقل ،وكيفية توجيه
هذا البعد املستقبلء حنو جتنب العديد من إشالاليات وحتديات املاضء .وال شكك،
إن معرفة مسرية تطور هذا احلقل يساعد بشالل كبري ،يف صياغة مسكتقبل هكذا
احلقل ،وتعظيم االستفادة من هذا العلم يف اجلوانب التطبيقية؛ بشالل يطور القدرة
على استخدام األساليب املنهجية العلمية ،يف حتليل وتسوية الصكراعات وتعزيكز
السالم اإلجيابكء عموماً ،ويف جمتمعنا العربكء خصوصاً.
من ناحية أخرى ،إن عدم وجود أي تطور تارخيء ألي حقل علمء ،يلقكء
شالوكاً حقيقية حول وجود ،أو اعتبار هذا التخصص أو احلقل بشكالل ميالكن
اعتباره ختصصاً "علمياً" أو "علما" .وهذه حقيقة معروفة يف احليكاة إذ ال يتصكور
وجود حاضر ،ومستقبل ألي ظاهرة إنسانية دون وجود ماضٍ ومسرية تارخيية.
إن دراسات الصرا ،هلا جذور تارخيية ممتدة منذ العصور القدمية ،مثكل
دراسات املؤر خ اليوناين ثيودود ( ) Thucydidesيف كتابه "تكاريخ احلكرب
07
البيلوبونيسية" 420( ،قبل املكيالد) ،The History of Peloponnesian War
ودراسات أرسطو ،يف احلضارة اليونانية عن الثكورة ،و Sun Tzuالفيلسكوف
باحلضارة الصينية القدمية عن فن احلرب .إال أن التطور الفعلء هلكذا احلقكل،
حدث يف الفترة املعاصرة ..ويعترب معظم املتخصصني ،أن هذا احلقل أصبح لكه
خصائصه ومساته ،وارتالز إىل دراسات منهجية Systematic Studyيف القكرن
العشرين ،وأن معظم وأهم نتائجه العلمية ،ب رزت خالل النصف الثاين من القرن
العشرين.1
ويشري أحد مؤسسء وأعالم دراسات الصرا والسالم يوهان غالتونغ Johan
،Galtungيف مؤلف له صدر يف العام 1111حول هذا املوضو ،إىل أن تطكور
وتقدم دراسات الصرا والسالم ،خالل اخلمسني سنة املاضية كانكت صكاعقة
( ،)astoundingومن هذه املؤشرات الدالة على ذلك ،استخدام مصطلح السكالم
" ،"Peaceالذي كان منذ حقبة اخلمسينيات يرتبط باألفالار الشيوعية ،ودعايتكها
وقبول اخلضو للخطر األمحر ،وكان استخدام هذا املصطلح يف تلك احلقب ،من
وجهة النظر الغربية استخداما حمرجا .بينما تغري الواقع اليوم كلياً .2ورمبا أن هكذه
اإلشارة من أحد آباء علم دراسات الصرا والسالم ،مثرية لالستغراب من وجهة
نظر الشعوب العربية ،وكذلك األجيال اجلديدة من الغربيني .إال أهنا تشري إىل بعض
الظروف ،واألجواء الثقافية والسياسية ،اليت مر هبا تأسي هذا احلقل والبكاحثني
فيه ،إذ كانوا يقومون بدراسات حول السالم ،ولديهم مشاللة عملية يف استخدام
هذا املصطلح علمياً وإعالمياً.
يتناول هذا املبحث ،نشأة وتطور علم دراسات الصرا والسالم ،وفق إطار
ومراحل زمنية معينة من القرن املاضء ،ارتبطت باملراحل األساسية اليت نتج عنكها
أدبيات ،أسست هلذا العمل على يد من يسمون اآلباء املؤسسكني ،هلكذا احلقكل
Schellenberg, James A.: 1996, Conflict Resolution: Theory, Research, 1
.and Practice, New York: State University of New York Press, p. 7
Galtung Johan and Webel Charles: 2009, "Peace and Conflict 2
Studies: Looking Back, looking forward". In Webel Charles & Galtung
Johan (eds). Hand book of Peace and Conflict Studies, Oxon:
.Routledge, p. 397
08
العلمء ،باإلضافة إىل تطور وتسار وجود املؤسسكات واملعاهكد والكدوريات
املتخصصة يف هذا اجملال.
وال خيفى ،أن استخدام التقسيم الزمين ملراحل تطور حقول معرفية -إنسانية
-مثل حقل دراسات الصرا والسالم ،عملية تواجه إشالاليات عديدة ،خاصكة
وأن املعارف اإلنسانية بشالل عام ،عملية متداخلة ،ومتراكمة اجلهود واملعارف.1
ولالن تركز اإلنتاج املعريف هلذا احلقل ووضع أسسه النظريكة ومناهجكه خكالل
النصف الثاين من القرن العشرين ،جعل الالثري من الدراسات اليت تعكا تطكور
ونشأة هذا العلم ،وفق مراحل زمنية مرتبطة بالنصف الثاين من القكرن املاضكء،
وبالرغم من اختالفها بتحديد تاريخ زمين حمدد ،وهو أمر طبيعكء ،إال أن معظكم
الدراسات والباحثني يف هذا احلقل؛ اتفقوا على اعتبار مرحلة ما بعد احلرب العاملية
الثانية وخاصة فترة اخلمسينيات والستينيات هء مرحلة التأسي احلقيقيكة ،هلكذا
احلقل العلمء.
وتبنت هذه الدراسة ،التقسيم الزمين ملراحل تطور ونشأة هذا العلم األكثكر
انتشارًا واستخداماً على الوجه اآل :
.0املرحلة التمهيدية (مرحلة اإلرهاصات) (منذ بداية احلرب العامليكة األوىل -
هناية احلرب العاملية الثانية) (.)0141-0108
.1املرحلة التأسيسية (منذ منتصف األربعينيات وحك السكتينيات) (-0141
.)0191
.2مرحلة التعزيز والتطوير (منذ بداية السبعينيات -وح هناية الثمانينكات )-
(.)0181-0111
.4مرحلة التوسع واالنتشار العاملء (منذ هناية الثمانينيات وبدايكة التسكعينيات
وح هناية العقد األول من القرن احلايل) (.)1101-0111
يف هذا املبحث ،سيتم حتديد كل مرحلة من مراحل تطور ونشأة دراسكات
الصرا والسالم ،مع تناول مضمون كل مرحلة ،وفق اإلطار اآل :
09
خلفية حول نشأة وأمهية كل مرحلة. .0
التعريف بأهم رواد ومفالري كل مرحلة ودورهم العلمء. .1
نشأة وتطور الوجود املؤسسا هلذا احلقل ،وخاصة املؤسسات ذات الطبيعة .2
األكادميية والبحثية (مع عدم جتاهل نشأة مؤسسات ممارسة تلعب دوراً أساساً
يف جمال السالم).
عرض ماهية األفالار احملورية واألسا لالل مرحلة. .4
ملزيد من التفاصيل حول دوره وتأثريه يف اجليل األول املؤس انظر: 1
Wiberg, Hakan: "The Peace Research movement", Op. cit., p. 33.
ملزيد من التفاصيل حول مؤلفاته وسريته ،راجع املوقع اإللالتروين لريتشارد ريتشاردسون 2
يف املوقع اإللالتروين يف جامعة بيسلء University of Paisleyعلى الكرابط التكايل:
http://maths.pasley.ac.uk/LPR/home.htm
11
احلرب وأسباهبا وكيفية معاجلتها ،وسبق ذلك حبث هام نشره بعنوان طبيعكة
الصرا " ،"The Nature of the Conflictحتدث فيه عن طبيعكة الصكرا
ومفاهيمه وأنواعه ،وارتباطه بأمناط العالقات ومناهج إدارة وحل الصراعات،
وأخرياً عن الصرا واحلضارات .1ويُعترب كوينسء رايكت مكن مؤسسكء
املدرسة الالمية يف جمال دراسات الصكرا ،إذ بكذل جهكوداً ككبرية يف
مجع البيانات الالمية حول حاالت الصرا ،واستخدام هكذه البيانكات يف
حتليل الصراعات واحلروب كان مصدراً أساسياً ألعمال علمية ،لالكثري مكن
كبار الباحثني يف هذا اجملال .كما إن رايت هو كاتب أول حبث يف أهم جملة
علمية يف جمال دراسات الصرا " ،جملة فض النكزاعات/تسوية الصكراعات"
The Journal of Conflict Resolutionعام .20111
وميالن اإلشارة هنا إىل جهود علمية أخرى يف هذه احلقبة سامهت يف أرضكية
التأسي حلقل دراسات الصرا مثل :ككرين برينتكون Crane Brintonحكول
النضال والثورة يف عام ،30128وجهود ماري فولكت Mary Parker Folletيف
جمال اإلدارة/السلوك التنظيمء وإدارة املوارد البشرية ،من خالل جمموعة من الالتب
والدراسات خالل الفترة ،0122 - 0111إذ أسهمت هذه اجلهود يف تطوير عملية
املفاوضات وأساليب املساومة يف حل املنازعات وتسكويتها بكالطرق السكلمية
11
للمؤسسات واملوارد البشرية يف اجملال اإلداري.1
ظوور المؤسسا العلمية في مجال أبحاث الصراع والسالم:
يف هذه املرحلة (أو حقبة اإلرهاصات) مل تظهر مؤسسات حبثيكة ،أو جامعيكة
مستقلة تُعىن بدراسات الصرا والسالم ،وكان االستثناء الوحيد هو ظهكور مجعيكة
أمريالية تسمى مجعية ماساسوتش Massach Peace Societyواليت تأسست يف الفترة
،0801-0801وأسسها األمريالء نوح وورستر Noah Worasterوكانت املؤسسكة
الوحيدة من نوعها يف العامل ،وقامت بدراسة حول خسائر األرواح البشرية يف احلروب
منذ آدم وحواء ،وكذلك العمل على تقدير النفقات العسالرية وارتباطها باألهكداف
املدنية .2كما أس أول جملة فصلية ،يف جمال دراسات السالم باسم "أصدقاء السالم"
عام .0801ويبدو إن الدراسات األوىل يف هذا احلقل العلمء مل ختكرج مكن هكذه
اجلمعية ،بل خرجت من رحم دراسات ،ومؤسسات العالقات الدولية الكيت كانكت
بداياهتا التأسيسية يف نف هذه املرحلة .ففء هذه احلقبة بدأت الدراسكات العلميكة
للعالقات والشؤون الدولية تأخذ منحاها العلمء ،مع ظهور ،أو نشوء مؤسسات حبثية
أو أكادميية* تُعىن بالشؤون واملشالالت الدولية .ففء الثالثينيات ،كانكت أوىل هكذه
املؤسسات املعهد امللالء للشؤون الدولية ( )Chataum Houseبلندن الذي تأس عام
،0111وكذلك تأسي اجملل األمريالء للعالقكات اخلارجيكة The Council on
) Foreign Relations (CFRعام .0111وأنشئ أيضاً املعهد الفرنسكء للعالقكات
الدوليكة ( )IFRI/The French Institute for International Relationsيف فرنسكا،
وآخر يف أملانيا وغريها من الدول األوروبية وأنشئ أول كرسكء جكامعء لتكدري
السياسة الدولية يف جامعة ويلز ( ،)Aberystwyth collegeيف بريطانيا عام .30101
انظر على سبيل املثال جمموعة من مؤلفاهتا الواردة يف املوقع اإللالتروين اخلا .هبا: 1
Mary Parker Follet Foundation ،http://www.follettfoundation.org/mpf.htm
.Wiberg, Hakan: "The Peace Research movement", Op. cit., p. 32 2
للمزيد من التفاصيل حول تطور حقل العالقات الدولية( ،باللغة اإلجنليزية) انظر: 3
Dungen, Peter Van Den & Wittner, Lawrence S.: 2003, "Peace
History: An Introduction", Journal of Peace Research, Vol. 40, No. 4,
pp. 363-375.
(باللغة العربية) انظر:
14
أما على صعيد دراسات السالم والصرا ،فقد ظهكرت يف هكذه احلقبكة
بعض املؤسسات األمريالية واألوروبية ،مثل مؤسسة كارنيجء للسكالم الكدويل
The Carnegie Endowment for International Peaceعام .0101واألكادميية
األملانية للسالم عام .0120ويُعتقد أن أول كرسء أكادميء يف أحباث السالم أنشئ
يف فرنسا يف جامعة ليون عام .10121ولالن كما أشرنا سابقاً ،كانكت البدايكة
املؤسسية األوىل من مجعية ماساسوتش للسالم عام .0801
إن انتشار هذه املؤسسات ،واملعاهد العلمية والبحثيكة يف جمكال العالقكات
والشؤون الدولية يف هذه املرحلة ،واالهتمام بتدريسها يف اجلامعات كان دافعهكا
مرتبطا بطموحات وآمال مثالية لتعزيز السالم ،من خالل جعل دراسات وأحبكاث
السالم يف ديناميالية العالقات الدولية.2
عموماً ،يف هذه املرحلة مل يتم بلورة نظريات ،ومناهج معينة يف جمال الصرا
والسالم ،وكانت األفالار األساسية تدور حول أسباب الصكرا ،واحلاجكة إىل
السالم .ومل يالن هناك إسهام علمء ،يشالل قاعدة نظرية هلذا احلقكل ،باسكتثناء
كتاب "دراسة احلرب" الذي كان مبثابة البداية املنهجية األكثر التصكاقاً ،هبويكة
دراسات السالم والصرا .
أبو عامر ،عالء ،1114 :العالقات الدولية :الظاهرة والعلم -الدبلوماسية واالستراتيجية،
دار الشروق للنشر والتوزيع ،عمّان.01-01 . ،
فرج ،أنور حممد ، 1111 :نظرية الواقعية يف العالقات الدولية :دراسة نقدية مقارنكة يف
ضوء النظريات املعاصرة ،مركز كردستان للدراسات االستراتيجية ،السليمانية.
مقلد ،إمساعي بربي ،0181 :العالقات السياسكية الدوليكة :دراسكة يف األصكول
والنظريات ،منشورات ذات السالسل ،الالويت.91-42 . ،
ملزيد من التفاصيل راجع: 1
Dungen, Peter Van Den: "Initiatives for the Pursuit and
institutionalization of Peace Research", in L.Broadhead (ed), Issues in
Peace Research, in Department of Peace Studies, University of
Bradford, pp. 5-32, p. 7. Quoted in Ramsbothan Oliver, Woodhouse
Tom, and Miall Hugh: 2005, Contemporary Conflict Resolution,
Cambridge U.K: Polity Press, Second Edition, p. 34.
Dungen, Peter von den: Peace History: An Introduction, Op. cit., 2
.p. 364
15
المرحلة التأسيسية( :الخمسينيا والستينيا ) (:)9191-9191
16
Resolutionوذلك يف عام 0111يف أمريالا ،وهء أعرق دورية علميكة يف
هذا اجملال ح اآلن ،وإن كان يغلب عليها املنهج الالمء ،ورمبا ذلك نكاتج
من التخصص االقتصادي ملؤس اجمللة "لالينيث بولدينغ" ،كمكا أسكهم يف
تأسي مركز دراسات فض النككزاعات ( The Centre for Research of
،)Conflict Resolutionيف جامعة ميتشغان عام .0111وقد بدأ بولكدينغ
جهوده العلمية يف جمال دراسات السالم والصرا ،بالتعاون مع فريكق مكن
حقول أكادميية متنوعة ،منها علم النف االجتماعء ،وعلم االجتما ،وعلوم
الرياضيات والبيولوجيا وغريها.
يُعرف عن بولدينغ اهتمامه وتركيزه يف كتاباته حول قصة ،أو فالكرة املنكع
املسبق للصراعات/الوقاية ،من احلروب باإلضافة إىل اهتمامه بوضكع إطكار
منهجء ،أو إطار علمء معلوما يف دراسة الصراعات وتسكويتها ،وهكذا
اإلطار يشالل القواعد العلمية اليت تسمح بعملية اإلنذار املبالر ملنع حكدوث
أي صرا .1
.2يوهان غالتونغ - Johan Galtung (1930حىت اآلن) ،وهو عامل نروجيء،
ويُعترب واحدا من أبرز املؤسسني واملنظرين ،لعلم دراسات السالم والصرا يف
حقبة الستينيات من القرن العشرين ح اآلن ،وهو أحد أرككان املدرسكة
األوروبية واملدرسة االسالندنافية على وجه اخلصو ،.يف هذا احلقل العلمء.
قدم غالتونغ أطرا نظرية لدراسات السالم والصراعات ،واستطا أن يقكدم
أمنوذجاً على شالل مثلث الصرا (العنف والسالم) ،على اعتبار أن الصرا
هو عملية ديناميالية تفاعلية ،تقوم على ثالثكة عناصكر هكء االجتاهكات،
والتناقضات البنيوية أو تناقضات السياق ،أو تناقضات السكلوك .والصكرا
يرتبط بتفاعل هذه املالونات الثالث مع بعضها ،وكل منها يؤثر يف اآلخكر.
18
تباينت يف مفاهيمها وأجندهتا البحثية عن املدرسة األمريالية .1وساهم يوهان
غالتونغ ،يف تأسي واحد من أقدم املعاهد البحثيكة املتخصصكة ،يف جمكال
دراسات الصرا والسالم يف العامل ،وهو معهد أحبكاث السكالم الكدويل
)International Peace Research Institute (PRIOيف أوسلو ،وقد ككان
رئي التحرير املؤس للمجلة العلمية العاملية املعروفة واليت ما زالت مستمرة
ح اليوم ،وهء جملة أحباث السالم ،Journal of Peace Researchوككان
ذلك عام .0194كما استمر دور غالتونغ باإلسهام يف هذا احلقل العلمء يف
املراحل التالية ملرحلة التأسي ،خاصة مرحلة التطوير والنمو والتوسع.
.3جون بورتون - John Burton (1932حىت اآلن) :هناك جمموعة أخكرى
من العلماء ،كان هلم إسهامات مميزة يف حقل دراسات الصكرا والسكالم،
خالل هذه املرحلة ،منهم على سبيل املثال جون بورتون ،John Burtonوهو
عامل إجنليزي من أصل أسترايل ،ولد يف اسكتراليا ،ومكار حياتكه األوىل
كدبلوماسء ،مث انتقل للحياة األكادميية يف أوائل السكتينيات .وككان لكه
إسهامات واضحة ،منها :املشاركة يف بناء نظريات ،ومنكاهج جديكدة يف
الدراسات الدولية ودراسات الصرا ،ومنها املشاركة يف بناء منهج ،وطريقة
حل املشالالت 2كجزء من دراسة الصراعات الدولية ،والكذي ككان مكن
رواد تطوير األطر النظرية ،والتقنيات التطبيقية يف هذا اجملال .باإلضكافة إىل
مسامهة بورتون يف تأسي بعض اهليئات واملؤسسات العلمية املوضحة يف هذا
احلقل ،مثل مشاركته يف املراحل األوىل من تأسي مركز تسوية الصكراعات
حول هذا التباين انظر: 1
Lawler, Peter: 1995, A Question of Values: Johan Galtung's Peace
Research, Lynne Reinner Publishers, Boulder, London.
Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,
p. 42.
ملزيد من التفاصيل حول هذه الفالرة وهذا املنهج ،راجع: 2
Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.,
p. 43-44.
De Reuck, Anthony: "A Theory of Conflict Resolution by Problem
Solving", quoted in Burton John & Dukes Frank: Conflict: Readings
in Management & Resolution, Op. cit., pp. 183-244.
19
Center for Conflict Resolutionيف جامعة لندن ،وغريها من اإلسهامات
والعشرات من اجمللدات واملؤلفات العلمية .1وقد تابع حياتكه األكادمييكة يف
معهد حتليل وتسكوية الصكراعات Conflict Analysis and Resolution
Instituteيف جامعة جورج مايسون بأمريالا ،ومعهد السكالم األمريالكء.
وميتاز جون بورتون باستمراره يف إسهاماته من املرحلة التأسيسية ،إىل ما بعد
التأسي هلذا احلقل.
على صعيد بناء المؤسسا واصدار الدوريا العلمية:
شهدت هذه املرحلة ،تأسي أهم املراكز البحثية والكدوريات العلميكة يف
العامل ،واليت مازالت مستمرة إىل اليوم ،متار دورها ونفوذها بشالل أوضكح يف
صياغة وتطوير حقل دراسات الصرا والسالم ،باإلضافة إىل تأثريها يف السياسات
وصنع القرار يف العديد من الدول.
وكان أول املعاهد املتخصصة يف جمال دراسات الصرا والسالم ،هو خمتكرب
دراسات السالم ( )Peace Research Laboratoryالكذي أسك بأمريالكا يف
،St Louis Missouriوأسسه Theadore F.lentzعكام 0141بعكد اهلجكوم
األمريالء النووي على هريوشيما ،وجنازاكء .كما شهدت هذه احلقبة صدور أول
دورية علمية متخصصة يف دراسات الصرا باللغة اإلجنليزية ،وهء جملكة "فكض
النكزاعات" Journal of Conflict Resolutionيف جامعة ميتشغان األمريالية عام
،0111وتُعترب واحدة من أهم الدوريات يف هذا احلقل العلمء ،وتأس يف نفك
11
Center for research on conflict اجلامعة ،مركز أحباث تسكوية الصكراعات
resolutionعام .0111ويف كندا تأس معهكد دراسكات السكالم الالنكدي
Canadian Peace Research Instituteعام .0191
أما يف أوروبا ،فقد تأس يف النرويج أول مركز حبثء متخصص يف دراسكات
السالم ،وهو معهد أحباث السالم الدويل (PRIO) International Peace Research
Instituteوذلك ،يف العاصمة النروجيية -أوسلو عام .0111وهو من أعرق املعاهكد
البحثية يف دراسات السالم والصرا ،ويصدر عنه واحدة من أقدم وأهم الكدوريات
املتخصصة يف هذا احلقل منذ عام 0194وهء ،جملة "أحباث السكالم" Journal of
Peace Researchوهء أول دورية من نوعها تصدر يف أوروبا.
كما تأسست معاهد حبثية وأكادميية متخصصة يف هذا احلقكل العلمكء يف
عدد من الدول األوروبية منها علكى سكبيل املثكال معهكد حبكوث السكالم،
the Polemological Instituteيف جامعة جرونينجن يف هولندا عكام ،0191ويف
فرنسا معهد دراسات احلرب )Institue de Polemologic (French Instituteعام
،0111ويف بريطانيا تأس مركز النالستر لدراسات السالم (معهد ريتشاردسون)
)Lancaster Peace Research Center (later the Richardson Instituteيف
جامعة النالستر عام ،0111ومعهد استالهولوم ألحباث السكالم ( )SIPRIعكام
0199يف السويد ،ويف جنوب أفريقيا ،تأس مركز فض النكزاعات يف جامعكة
كيب تاون عام .0198كما تأس معهد Tampere Peace Research Institute
يف جامعة The University of Tampereيف فنلندا عام .0191
وتُعترب الدول االسالندنافية ،األكثر اهتماماً يف تلك احلقبة مبجال دراسكات
الصرا والسالم ،من بقية الدول األوروبية ،وقد بذلت معاهدها ومراكزها البحثية
وبراجمها األكادميية جهوداً وإسهاماً واضحاً ،يف دراسات الصرا والسالم أو قضايا
نكز السالح ،وقد يالون ذلك ناتج عن التجكارب التارخييكة مكن احلكروب
والصراعات القاسية اليت حدثت بني الدول االسالندنافية ،باإلضافة إىل إدراكهكا
خماطر احلرب الباردة وسباق التسلح حوهلا بالرغم من عدم انغماسها فيها.
ويُالحظ أن املؤسسات العلمية والبحثية يف أمريالا -خاصة جامعيت ميتشغان
وستانفورد -املتخصصة ،يف هذا احلقل ركزت على دراسات الصكرا .بينمكا
10
املؤسسات البحثية األكادميية االسالندنافية بشالل خا ،.ركزت على دراسكات
السالم .أما على صعيد االحتادات واجلمعيات العلميكة املتخصصكة يف دراسكات
الصرا والسالم فالان أول مجعية أو احتاد دويل (ولي حمليا أو وطنيكا) يف هكذا
اجملال تأس عام ،0191وهو االحتاد الدويل ألحباث السالم International Peace
. )Research Association (IPRAبينما تأسست مجعية أحباث السالم(PRS) ،
1
11
الدول الغربية ويف الالثري من دول العامل ،ويشار هنا إىل دور منظمة اليونيسالو ،إذ
لعبت دوراً مبالراً يف دعم أحباث السالم واملؤسسات واالحتادات الدولية.
وقامت بإجراء مسوحات وأدلة ملؤسسات أحباث ودراسات السكالم ،لبنكاء
وتعزيز شبالات التعاون فيما بينها ،ودعم بنيتها التحتية.
من ناحية أخرى ،رمبا من املناسب اإلشارة ،إىل ظهور حراك دويل خا .يف
جمال األمن والسالم ،بعد احلرب العاملية الثانية ،نتج عنه آلية مؤسسية تعمل علكى
حتقيق األمن والسلم الدوليني ،وعلى أسا حل النكزاعات بكالطرق السكلمية،
ومتثلت هذه اآللية املؤسسية ،بتأسي منظمة األمم املتحكدة عكام .0141كمكا
تأسست على الصعيد اإلقليمء العربكء ،جامعة الدول العربية قبل منظمة األمكم
املتحدة بعدة أشهر؛ لتساهم يف حتقيق جمموعة أهداف ،منها تسكوية الصكراعات
العربية بالطرق السلمية ،واملسامهة يف احملافظة على األمن القومء العربكء.
أما على صعيد املراكز البحثية ،يف العامل العربكء املعنية بدراسات الصكرا
والسالم ،فإنه من املثري لالهتمام أن الصرا العريب -اإلسرائيلء تولد عنه مؤسسات
علمية أو مراكز حبثية تعىن وهتتم بالصرا العريب -اإلسرائيلء دون أن حتمل مسمى
دراسات الصرا والسالم ،خاصة وأن طروحات السالم مع االحتالل اإلسرائيلء،
كانت عنصرا سلبيا ،وموقع معارضة ونقدا ألي مؤسسة ،أو هيئة حبثية أو علميكة،
تسعى أو تقبل بطروحات السالم مع الاليان اإلسرائيلء .بالرغم مكن اتفاقيكات
السالم (اتفاقيات كامب ديفيد) ،اليت وقعت بني احلالومة املصكرية وإسكرائيل يف
العام .0111
إن غياب مؤسسات حبثية ،حتمل مسمى السالم والصرا ،ال يعكين عكدم
اهتمام بعض املؤسسات العربية بدراسة الصرا العريب -اإلسرائيلء ،مثل مؤسسكة
الدراسات الفلسطينية -اليت تأسست عام ،0192أو مركز األهكرام للدراسكات
االستراتيجية ،الذي تأس عام 0198وغريمها من املؤسسات.1
ملزيد من التفاصيل حول نشأة وتطور مراكز األحبكاث والدراسكات العربيكة انظكر: 1
اخلزندار ،سامي ،1100 :دور مراكز الدراسات اخلاصة يف البحث العلمكء وصكناعة
السياسات العامة :إطار عام ،ورقة مقدمة ملؤمتر صناعة البحث العلمء يف اململالة العربية
السعودية 11-19 ،إبريل 1100م ،الرياض :منتدى الشراكة اجملتمعيكة-200 . . ،
.211 . ،218
11
طبيعة األفكار المحورية في هذه المرحلة:
تُعترب مرحلة اخلمسينيات والستينيات ،مرحلة التأسي الفعلء هلكذا احلقكل
العلمء ،إذ مت العمل على إرساء األس ،واألطر النظرية واملعرفية ملنظومته العلمية،
وكذلك مت وضع النظريات العلمية األساسية ،باإلضافة إىل بناء وتطوير املناهج ،أو
املداخل األساسية والنماذج اخلاصة هبذا احلقل.
يف هذه املرحلة ،بدأت تظهر مالمح دراسات الصرا والسالم كعلم ،ففكء
هذه املرحلة مت االهتمام بتطوير ،واستخدام املنهج الالمء ،خاصكة يف الواليكات
املتحدة ،والذي نشط بشالل كبري يف دراسة العالقات الدولية عموماً؛ مما كان لكه
انعالا واضح على منهج دراسات الصرا ،حيث بدأت اجلماعة األكادمييكة يف
استخدام املنهج الالمء يف حتليل الصراعات خاصة يف جامعة ميتشكغان ،وهكذا
االجتاه الالمء يف دراسات الصرا ،كان له تأثري واضح ،على بكروز أول جملكة
دورية علمية متخصصة يف دراسات الصرا ،وهء جملة تسوية الصراعات أو "فض
املنازعات" ،Journal of conflict resolutionواليت سبق اإلشارة إليها.
ويف هذه املرحلة أيضاً ،كان اجلدل بني املدرسة الواقعية ،واملدرسة املثاليكة يف
مدار العالقات الدولية ،وهو ما انعال على دراسات الصرا والسالم ،فمكن
جهة عززت املدرسة املثالية ،دراسات الصكرا والسكالم ،وضكرورة تسكوية
الصراعات بالطرق السلمية ،واالهتمام مبنع الصراعات وحتقيق السالم اإلجيابكء.
ومن ناحية أخرى ،ضغط أصحاب املدرسة الواقعية يف العالقات الدولية ،بضرورة
االهتمام بالقوة واستخدامها ،عند الضرورة لتعمل على تسوية الصراعات أو منكع
حدوثها ،وبالتايل اهتمت هذه املدرسة بضرورة بناء القوة مثل السكالح النكووي
وسباق التسلح؛ وقد انعال ذلك ،على توليد اجتاهات تشكاؤمية حنكو السكالم
وأحباث الصرا على الباحثني الذين يعملون يف هذا احلقل.1
ملزيد من التفاصيل حول هذه االجتاهات ،والعالقة بني العالقات الدولية وبني هذا احلقل 1
العلمء ،انظر:
Ryan, Stephen: “Peace and Conflict Studies today”, Op. cit.
Van Den Dungen, Peter: "Initiatives for the Pursuit and
institutionalization of Peace Research", Op. cit. quoted in Ramsbothan
Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: p35.
14
وقد استمرت اإلسهامات العلمية لبعض علماء هذه املرحلة ،إىل املرحلة الكيت
تليها لتطور هذا احلقل العلمء ،من السبعينيات وح التسكعينيات مكن القكرن
العشرين.
إن الدراسات واملؤلفات اليت قدمها العلماء املؤسسون ،والذين أشري إىل أمههم
مع طبيعة إصداراهتم واهتماماهتم العلمية ،تشري إىل تركز جهود هؤالء املؤسسكني،
على دراسة أسباب احلروب والصراعات أكثر منه على دراسة أسباب السكالم.1
وإن كان ذلك ،يعترب أمراً طبيعياً يف عملية تطور هذا احلقل ،فقضية السالم عمليكة
يرتالز مضموهنا على العدل والتعاون ،وهء أكثر تطوراً ،من قضية غياب العنكف
والصرا ووجود األمن( ،أو ما يسمى بالسالم السلبكء).
و يالحظ أيضاً ،أن إسهامات علماء هذه احلقبة جاءت من خلفيكات ،أو
ختصصات علمية خمتلفة ،ولي من متخصصني يف جمال الصرا والسالم فقكط.
فالانت اخللفيات العلمية متنوعة مثل علم االجتما ،العلوم السياسية ،والقكانون
الدويل ،اإلدارة واملوارد البشرية ،علم النف وغريها من التخصصات .ويف هكذه
املرحلة ،تولدت قناعات لدى املهتمني بشؤون الصرا والسالم ،أن هذا احلقكل
من التعقيد ،حبيث ال ميالن أن يعتمد على ختصص واحد ،بل علكى ختصصكات
علمية متنوعة ،ومن هنا اعتمد هذا احلقل العلمء يف هذه املرحلكة ،واملراحكل
الالحقة على ختصصات ،أو حقول علمية خمتلفة ،وبالتايل فإن هذا احلقل ،هكو
حقل متداخل التخصصات ،ويستخدم نظريات ومفاهيم من حقكول متعكددة
ومتداخلة ،لدرجة اعتبار حقل دراسات الصرا والسالم ،بأنه حقل هجني ،وليد
تفاعل جمموعة من التخصصات العلمية األساسية ،ومن أمهها :العلوم السياسكية
والعالقات الدولية ،علم االجتما ،علم النف ،علم االقتصكاد ،علكم اإلدارة،
القانون وغريها.
Van Den Dungen, Peter: "Initiatives for the Pursuit and 1
.institutionalization of Peace Research", Op. cit
15
المرحلة الثالثة :مرحلة النمو والتوسع (السبعينيا والثمانينيا ):
نشأو وأهمية هذه المرحلة:
شاللت هذه املرحلة ،امتداداً توسعياً وتعزيزاً ملرحلة الستينيات ،وغلب على هكذا
التوسع االمتداد األفقء ،أي زيادة التوسع الالمء هلذا احلقل العلمء ،ومتثكل ذلكك يف
ازدياد عدد الباحثني واملختصني يف دراسات الصرا والسالم ،وهكو مكا ظهكر يف
التوسع ،يف عضوية اجلمعيات واالحتادات العلمية املتخصصة ،يف هكذا اجملكال مثكل:
االحتاد الدويل ألحباث السالم IPRAو PSSعلى سبيل املثال .كما ظهر التوسكع ،يف
ازدياد عدد املؤسسات البحثية ،والربامج العلمية املتخصصة يف جمال دراسات الصكرا
والسالم ،مع زيادة االمتداد أو االنتشار يف كثري من الدول األوروبية واليابان بشكالل
خا ..باإلضافة إىل ازدياد ،ومنو اجلمعيات العلمية ،على الصعيد الوطين واإلقليمكء،
اليت تُعىن بدراسات وقضايا الصرا ،واألمن والسالم ،وتظهر بعض املؤشرات الرقميكة
يف هذا اجملال الحقاً ،عند احلديث عن املؤسسات والدوريات العلمية.
إن هذا التوسع األفقء لدى الباحثني ،واملؤسسات العلمية واملراكز البحثيكة
املتخصصة ،يف دراسات السالم ،صاحبه تراكم معريف (أي بناء عامودي وأفقكء)،
هلذا احلقل متثل يف كثرة اإلنتاج الفالري لألحباث واملؤلفات العلمية ،وكثرة النشكر
العلمء املتخصص ،سواء على شالل كتب ،أو موسوعات أو على شالل أحبكاث
علمية ،منشورة يف الدوريات العلمية املتخصصة ،أو يف املؤمترات العلمية .1ويُالحظ
يف هذه املرحلة ،أن اإلضافات أو اإلسهامات العلمية ،يف هذا احلقل العلمء ،ككان
يغلب عليها إسهامات تقدمها مؤسسات حبثية ،وفرق عمكل مجكاعء مشكترك،
وتراجع الدور الفردي للباحثني والعلماء يف البناء املعريف هلذا اجملال ،كما كانكت
احلال يف املرحلة التأسيسية هلذا احلقل ،يف اخلمسينيات والستينيات .2وتصاعد دور
قام الباحث مبسح للدوريات العلمية اليت تأسست يف مرحلة السكبعينات والثمانينكات 1
مستفيداً من دليل االحتاد الدويل ألحباث السالم:
IPRA Directory Guide of Peace Research , http://ipra.terracuranda.org/
انظر على سبيل املثال مشرو أو مبادرة جامعة هارفارد وجامعة ميتشغان يف منهج "حل 2
املشالالت واملفاوضات" ( ،)Problem Solving principled negotiationلتفصكيل
وتطورات هذه املبادرة انظر:
Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit., p. 48-50.
16
املؤسسات العلمية ،ال يعين هتميشا لدور اإلنتاج ،والنشر العلمء الفردي للباحثني،
وقد ظل مهماً يف حركة البحث والنشر العلمء يف جمال دراسات الصرا والسالم.
على صعيد العلماء والباحثين:
استمرت جهود وإسهامات عدد من علماء مرحلكة السكتينيات ،إىل هكذه
املرحلة وما بعدها ،ممن استمروا على قيد احلياة مثل يوهان جالتونغ John Galtung
وجون بورتون ،John Burtonالذي قام بإنتاج جمموعة شكاملة مكن املؤلفكات
العلمية ،تضم أهم اإلنتاج الفالري لالبار الباحثني يف هذا احلقل العلمكء ،وهكذه
اجملموعة ،هدفت إىل توفري مالتبة علمية شاملة متخصصكة ،يف حقكل دراسكات
الصرا والسالم ،خدمة للباحثني والدارسني واملمارسني يف هذا احلقكل العلمكء.
باإلضافة إىل بروز عدد من الباحثني يف هذه املرحلة ،ومن أبرز علماء هذه املرحلة
مثل إدوارد عازار ،Edward Azarالذي عمل أستاذاً جامعياً يف جامعة مرييالنكد
األمريالية وهو من أصل لبناين ،وقدم جمموعة الطروحات النظرية ،اليت تدور حول
الصراعات اجملتمعية أو الدولية املمتدة (طويلة األمد) .1صدرت هذه اجملموعة عكن
دار ماكميالن العاملية عام ،0111وأصبحت مرجعاً نظرياً وأساسياً ،للعكاملني يف
هذا النو من الصراعات.
ومن علماء هذه املرحلكة ،آدم ككارل ،Adme Curleوويليكام زارمتكان
William Zartmanاللذان أعطيا اهتماماً خاصاً للمفاوضات ،ودانيال دراكمكان
،Druckman Danielوليز باولدينغ Lis Bouldingوجاكوب بريكوفيتش Jacob
،Bercovitchالذي اهتم بشالل خا .مبوضكو الوسكاطة ،حيكث ترككزت
جهودهم ،وطروحاهتم النظرية بشالل أسا يف جمال املفاوضات والوساطة .ومكن
العلماء أيضاً ،أستاذ علم االجتما الربوفيسور لوي ككريبريغ Louis Kreiberg
مديرو مؤس برنامج حتليل الصراعات ،وفض املنازعات يف جامعكة سكرياكيوز
األمريالية ،فقد اهتم بتحليل الصراعات ،ومنع تصعيدها سواء على الصعيد اجملتمعء
17
الكذي،David Singer ومن علماء هذه املرحلة أيضًا ديفيد سكنجر.1أو الدويل
) يف منتصكف السكتينيات يفCOW (Correlates of War أس مشرو قاعدة
وهذا املشرو يُعىن جبمع البيانكات الالميكة حكول احلكروب،جامعة ميتشغان
بكني، وهدف سنجر من هذا املشرو إىل دراسة العالقة.والصراعات بني الدول
.2 وبالتايل معرفة أسباب احلروب.أمناط وطبيعة السلوك وحدوث احلرب
:انظر على سبيل املثال بعض مؤلفات هؤالء العلماء يف تلك احلقبة 1
Kriesberg Louis: 1973, The Sociology of Social Conflicts, Englewood
Cliffs, NJ: Prentice- Hall.
Kriesberg Louis: 1982, Social Conflicts, Englewood Cliffs, NJ:
Prentice- Hall.
Kriesberg Louis: 1991, "Conflict Resolution Applications to Peace
Studies", Peace & Change, 16 (4): 400-417.
Kriesberg Louis: 1992, International Conflict Resolution, New Haven,
Conn.:Yale University Press.
Kriesberg Louis: 1992b, De-escalation & Transformation of
International Conflicts, New Haven, Conn.: Yale University Press.
Kriesberg Louis: 2001, "Mediation & the Transformation of the Israeli
Palestinian Conflict", Journal of Peace Research, 38 (3): 373-392.
Bercovitch Jacob: (ed), 1991, "International Mediation", Journal of
Peace Research, 28 (1) Special Issue.
Bercovitch Jacob: (ed), 1996, Resolving International Conflicts: The
Theory & Practice of Mediation, Boulder, Col.: Lynne Rienner
Publishers.
Zartman William: 1978, the Negotiation Process: Theories and
Applications, Beverley Hills, Calif.: Sage.
Zartman William: 1985, Ripe for Resolution: Conflict and
Intervention in Africa, New York: Oxford University Press.
Zartman William (Ed): 1995, Collapsed States: The Disintegration
& Restoration of Legitimate Authority, Boulder, Col.: Lynne
Rienner Publishers.
Zartman William, (Ed) 1995b, Exclusive Peace: Negotiating an End
to Civil War, Washington DC: Brookings Institution.
ملزيد من التفاصيل حول ديفيد سنغر راجع موقعه اإللالتكروين يف جامعكة ميتشكغان 2
وملزيد من التفاصيل حول مشرو،http://sitemaker.umich.edu/jdsinger/home
.http://www.correlatesofwar.org : راجع موقعها اإللالتروينCOW
18
المؤسسا والدوريا العلمية:
مت اإلشارة يف بداية احلديث ،إىل نشأة وتطور هذه املرحلة إىل أن أهم مسكات
هذه املرحلة النمو والتوسع امللحوظ (األفقء والعمودي) ،يف عدد من املؤسسكات
العلمية واملراكز البحثية ،واالحتادات واجلمعيات ،والدوريات العلمية الكيت تعكىن
بدراسات الصرا والسالم .وكان االمتداد واالنتشار هلذه املؤسسكات العلميكة
امتداداً أفقياً ،لي يف أمريالا فحسب ،بل مشل مجيع الدول األوروبية والعديد مكن
دول آسيا ،وبعض دول أفريقيا .ففء دليل اليونيسالو IPRAعلى سكبيل املثكال،
يشار إىل تأسي ما يقارب 111معهد ومركز حبثء واحتكاد أو مجعيكة يف هكذه
املرحلة ،ح هناية الثمانينيات وبداية التسعينيات.1
وانتشرت الربامج األكادميية املتخصصة ،يف دراسات الصرا والسكالم ،يف
العديد من جامعات دول العامل ،فعلى سبيل املثال تأس قسم أحبكاث الصكرا
ودراسات السالم يف جامعة أبساال السويدية عام ،0110الذي ميكنح الكدرجات
العلمية ،ويقدم الربامج التدريبية املختلفة .ويف إيرلندا الشمالية تأسسكت جامعكة
بلفاست .COPR ،ICOR ،وقسم دراسات السالم يف جامعة برادفور الربيطانيكة
عام 0112الذي كان أحد مؤسسيه Adam Curleويف الواليات املتحدة األمريالية
تأس العديد من املؤسسات العلمية واملراكز البحثية منها :معهد حتليكل وفكض
النكزاعات School for Conflict Analysis and Resolutionالتكابع جلامعكة
جورج مايسون.
يُعترب هذا املعهد ،من أهم املؤسسات العلمية يف حقكل دراسكات الصكرا
والنكزاعات يف أمريالا ،تأس عام 0180كمركز حبثء باسكم مرككز فكض
النكزاعات ،Center for Conflict Resolution ،وتطور الحقًا ليصبح "معهكداً
،"Schoolيقدم برامج أو درجات أكادميية (بالالوريو ،ماجستري ودكتوراه) يف
هذا احلقل العلمء ،باإلضافة إىل انه أصبح حيتوي على عدّة مراكز حبثية متخصصة
نظرياً وتطبيقياً يف جماالت خمتلفة ،من علم دراسات الصرا وفض النككزاعات،
World Directory of Peace and Training Institutions: 1994, 1
UNESCO Social & Human Sciences Documentation Centre & Division
of the Human Rights, Democracy and Peace, Blackwell Publishers,
Oxford, pp. 21-193.
19
وأصبحت هذه اجلامعة متتلك مالانة عاملية مرموقة ،يف حقل دراسات الصرا هبذا
املعهد .وتأس أيضا معهد الواليات املتحدة للسالم عكام United States 0184
،Peace Instituteوهو معهد يتبع للالونغر ويعىن بقضايا السالم والصرا .
فعلى سبيل املثال ،يشري الدليل العاملء ملؤسسات أحباث السالم ،والصادر عن
اليونيسالو عام 0180إىل وجود ما يزيد عن 202مؤسسة ألحباث السكالم حك
تاريخ صدور هذا الدليل.1
وال شك ،أن دوافع إنشاء بعض هذه املراكز البحثية ،والكربامج واملعاهكد
العلمية يف بعض دول العامل ارتبط باحلاجة إىل دراسة ومعاجلة الصكراعات الكيت
تعيشها هذه الدول ،مثل مشاللة جنوب أفريقيا يف تلك احلقبة ،والصرا يف مشال
إيرلندا يف اململالة املتحدة.
طبيعة األفكار المحورية في هذه الحقبة:
اجتهت الدراسات واألحباث يف حقل دراسات الصرا والسالم ،حنو املزيكد
من التعمق يف نظريات الصرا والسالم ،واالستفادة منها ،والعمل علكى تطكوير
املناهج واملداخل العلمية اخلاصة هبذا احلقل ،مع التركيز على التطبيقكات العمليكة
لألطر النظرية .وحماولة التركيز على اجلوانب العلميكة لألبعكاد ذات اإلمالانيكة
التطبيقية ،ومن هنا منت بقوة الدراسات اليت تُعىن بأساليب فض املنازعات ،مثكل:
املفاوضات والوساطة ،وغريمها من األساليب والتقنيات واملناهج العلمية اليت تُعكىن
هبذا اجلانب ،وتطوير املهارات الالزمة ،ملمارسة هذه األساليب والتقنيات العلمية،
بالرغم من أن عملية املفاوضات ،والوساطة عملية قدمية ارتبطت مع حياة اإلنسان،
ونشوء الاليانات السياسية منذ العهود اليونانية والرومانيكة ،ومكن مث تطورهكا
قام الباحث مبسح للدوريات العلمية اليت تأسست يف مرحلة السكبعينات والثمانينكات 1
مستفيداً من:
دليل االحتاد الدويل ألحباث السالم International Peace Research Association
).(IPRA
املوقع اإللالتروين لديفيد سنغر David Singerمؤس قاعدة بيانات ،COWمرجكع
سبق ذكره.
World Directory of Peace Research Institution: 1981, reports and
papers in the social sciences, no.49, UNESCO, Paris.
41
بارتباطها بالنشاط الدبلوماسء للدولة القومية الحقاً ،واملنظمات الدولية مثل األمم
املتحدة ومنظماهتا املتخصصة .إال أن جمموعة كبرية من علماء حقكل دراسكات
الصرا يف هذه احلقبة( ،خاصة يف الثمانينيات) كانوا يعتقدون أن هناك عجكزا أو
قصورا يف الدراسات النقدية للوساطة ،وأنه ما زالت تعاين قصكوراً يف التحليكل
املنهجء أو املنظومء .of1
وظهر يف هذه احلقبة أيضاً ،العديد من الدراسات اليت تركز علكى موضكو
املفاوضات ،والوساطة من الناحية النظرية والتطبيقية .وكانت منكها إسكهامات
خاصة تسعى حنو مأسسة عملية الوساطة ،ودور الوسطاء يف الصرا .2
وظهرت يف هذه املرحلة ،مداخل ومدار علمية لتسوية الصراعات مثكل:
( )Alternative Dispute Resolution ADRوهء مدرسة تعتمد على اآلليكات
واألطر القانونية لتسوية اخلالفات والصراعات ،وكذلك تطوير منكهج مدرسكة
كالالت ( The Harvard School: Problem-Solving كل املشككارد حلكهارفك
)Workshopوإن كان هذا املنهج بدأ يتبلور يف منتصف مرحلة السكتينيات مكن
القرن العشرين ،من خالل تطبيقه على الصرا بني ماليزيا وإندونيسيا عام ،0191
إال أن تطويره واعتماده كمدرسة منهجية ،كان يف هذه احلقبة .عموماً ،إن األطكر
األساسية هلذه املرحلة ،منت بقوة يف النصف الثاين من عقد الثمانينيات من القكرن
العشرين ،وشاللت األفالار بداية لدراسات املرحلة التالية.
40
المرحلة الرابعة :مرحلة االنتشار والرسوخ العالمي (من نواية الثمانينيا
إلى نواية :)2192
انظر على سبيل املثال عدد األعضاء يف دليكل االحتكاد الكدويل ألحبكاث السكالم: 1
.IPRA Directory Guide of Peace Research
41
(املرحلتني األوىل والثانية) هلذا احلقل العلمء ،قاموا بصياغة وبناء األس ،واألطر
النظرية واملناهج واملفاهيم النظرية هلذا احلقل .طبعاً هذا كلكه ال ينفكء اجلهكود
واإلسهامات اخلاصة الفردية ،لبعض أفراد اجلماعة األكادميية يف هكذا التخصكص
سواء على صعيد املؤلفات والبحوث ،أو على صعيد تأسي بنكاء مؤسسكات،
ومراكز حبثية ،أو تأسي قواعد بيانات يف حقل السالم والصرا ،أو على صكعيد
االستشارات واملمارسة امليدانية ،أو التطبيقية يف معاجلة ملوضكو الصكراعات يف
العامل.
إن علماء ومفالري حقبة الثمانينيات يف القرن العشرين ،الذين سبق اإلشارة
هلم من أمثال ويليام زارمتان ،William Zartmanجاكوب بريككوفيتش Jacob
،Bercovitchباإلضافة *إىل بعض العلماء من حقبة الستينيات ،الذين ما زالوا على
قيد احلياة ،من أمثال غالتونغ ،وجون بورتون ،استمروا يف اإلسهام العلمء يف حقل
دراسات السالم والصرا .كما أن هناك إسهامات أخرى لعلماء آخكرين مكن
أمثال :العامل السويدي بيتر فالنستني ،Peter Wallensteenأحد مؤسسء حقكل
دراسات السالم والصرا يف السويد ،ومؤس أول قسم يف هذا اجملال يف السويد،
وهو قسم أحباث الصرا ودراسات السالم ،يف جامعكة أبسكاال Uppsalaعكام
،0110وهو أستاذ كرسء داغ مهرشولد (( )Daghamurshuldأمني عام اسكبق
لألمم املتحدة السويدي اجلنسية) يف جامعة أبساال ،كما أشرف علكى تأسكي
واحدة من أهم قواعد البيانات العاملية حول الصراعات يف العامل ،يف النصف الثاين
من الثمانينيات وهء قاعدة أبساال لبيانكات الصكرا Uppsala Conflict Data
.Programme1وهء تصدر تقريكراً سكنوياً بعنكوان "الكدول يف الصكراعات
املسلحة" ( .2)States in Armed Conflictوتنشر أيضاً جزءاً من النتائج السكنوية
لقاعدة البيانات هذه يف الالتاب السنوي ملعهكد اسكتوكهومل ألحبكاث السكالم
( )SIPRI Yearbookمن عام 0188ح اآلن .وكذلك يف واحدة مكن أعكرق
ملزيد من التفاصيل عن قاعدة أبساال للبيانات ،انظر املوقع اإللالتروين هلكذه القاعكدة، 1
،www.ucdp.uu.seوتتناول قاعدة أبساال لبيانات الصرا ما يزيد على 211صرا
مسلح يف العامل سواء النشطة أو غري النشطة ،واجتاهاهتا وأمناطها سواء أكانت أهليكة أم
بني الدول.
صدر أول تقرير هلذه القاعدة باللغة اإلجنليزية عام .0181 2
41
الدوريات العلمية ،وهء جملة متخصصة يف أحباث السالم بعنوان "جملكة أحبكاث
السالم" Journal of Peace Researchمن عام ،0112وله العديد من املؤلفكات
العلمية واليت تزيد عن 081كتابا ومقاال علميا .وقدم حماوالت وإسهامات لتكوفري
رؤية ،وأطر منهجية يف جمال فض املنازعات وتسوية الصراعات املسلحة ،وعمليات
السالم من خالل األمم املتحدة .وكذلك يف جمكال العقوبكات اجلماعيكة جتكاه
الدول.
ويضاف إىل ذلك مسامهات العديد من العلمكاء يف الكدول االسكالندنافية
وعلماء أوروبيني وأمرياليني من أمثال تيد غري Tud Gurrrالذي أس ومكازال
يشرف على قاعدة بيانات حول الصراعات اإلثنية ،أو العرقية يف جامعة مرييالنكد
األمريالية ،وتسمى هذه القاعدة "األقليات يف خطكر" ( )Monitories at Riskإذ
يقدم هذا املشرو ،بيانات عن ما يزيد عن 111مجاعة عرقية ،أو إثنيكة ودينيكة
اخنرطت يف صراعات منذ عام .10141
ويضاف إىل هذه اجلهود واإلسهامات ،جهود علماء آخرين قاموا بتأسكي
مشرو قاعدة "أسباب احلرب" " "The Causes of Warوهكو تكابع جلامعكة
هامبورغ بأملانيا الذي تتبع سجل احلروب يف العامل منذ عام .20141وقد تولد عن
قاعدة البيانات هذه ما يسمى منهج هامبورغ لتحليل أسباب الصراعات ،والتعامل
مع الصرا واحلروب كظاهرة اجتماعية معقدة.
وال شك ،أن التوسع الالبري يف هذا احلقل ،وتعقد وتفر ختصصاته ،وازدياد
حاالت الصرا يف العامل ،وضرورة تسويتها ومعاجلتها ،دفعت باجتاه ضرورة توفر
وتأسي هذه القواعد العاملية للبيانات ،يف جمال الصراعات والسالم ،وذلك لتوفري
البيانات الدقيقة لدراسات علمية وعملية ضرورية ،سكواء لتحليكل الصكراعات،
وأسباب حدوثها أو كيفية تسويتها أو توفري أشالال وأمناط وقائية ملنع الصكراعات
وبناء السالم.
ملزيد من التفاصيل حول هذه القاعدة انظر املوقع اإللالتروين هلا ،قاعدة "األقليكات يف 1
خطر"http://www.cidcm.umd.edu/mar ،
لالطال على تفاصيل هذه القاعدة راجع املوقع اإللالتكروين مشكرو " The Causes of 2
"Warيف جامعة هامبورغhttp://www.sozialwiss.uni-hamburg.de/publish/ ،
Summerschool/text/aboutus.htm.
44
من ناحية أخرى ،إن هذه املشاريع الالبرية لقواعد البيانات ،تشري بوضوح إىل
أن اإلسهامات اجلوهرية يف حقل دراسات الصرا والسالم ،مل تعد ممالنكة مكن
خالل جهود فردية للعلماء إىل حد كبري ،وإمنا من خالل بيئة مؤسسية؛ أو فكرق
عمل ومجاعات حبثية مشتركة.1
المؤسسا العلمية والبحثية:
أشرنا سابقاً ،إىل أنه يف هذه املرحلة اتسع هذا احلقل العلمء ،وانتشر انتشارًا
واسعاً يف خمتلف دول العامل ،سواء على صعيد املؤسسات يف خمتلف دول العكامل،
وسواء كان ذلك على مستوى املؤسسات واملراكز البحثية والدوريات العلمية ،أو
على مستوى اجملاالت ،والقضايا واألجندة البحثية ،أو علكى مسكتوى الكربامج
الدراسية يف هذا التخصص ،باإلضافة إىل االزدياد الالكبري يف أعكداد البكاحثني
املتخصصني واألكادمييني ،أو املمارسني النشطاء يف هذا احلقل .وبالرغم من انتهاء
احلرب الباردة ،وسباق التسلح اللذين شالال دافعاً هاماً على صعيد تطور األفالار،
واألجندة البحثية يف دراسات الصرا والسالم ،إال أنه من ناحية أخكرى ،ازدادت
يف هذه احلقبة ،قضايا األقليات وحقوق اإلنسكان ،وازدادت احلكروب األهليكة،
والصراعات العرقية ،وحدث تغري يف أطراف الصرا .من حيث ازدياد دور فاعلني
جدد Actorsغري حالوميني يف الصراعات املسلحة.2
وعند تناولنا التوسع يف املؤسسات العلمية ،والبحثية يف هذه املرحلة ،نالحظ
اتساعاً وانتشاراً يف وجود املؤسسات العلمية ،واملراكز البحثية يف جمال دراسكات
الصرا والسالم واتساعاً كمياً ونوعياً (ختصصياً) هائالً .فانتشكرت وتأسسكت
يعلق ستيفن ريان Stephen, Ryanعلى صعيد اإلسهامات الفردية يف هذه املرحلة بأنه 1
ال يوجد مؤلف أو نشر علمء يف جمال أحباث السالم والصرا ذات أمهية ملحوظة ،يف
حقبة التسعينات ،انظر:
Ryan Stephen: “Peace and Conflict Studies today”, Op. cit., p. 79.
انظر: 2
قاعدة أوبساال لبيانات الصراع :مرجع سبق ذكره.
فالنستني بيتر (مؤلف) ،السعد سعد ،ودبور حممد( ،مترجم) :مدخل إىل فهم تسكوية
الصراعات :احلرب والسالم والنظام العاملء ،املركز العلمء للدراسات السياسية ،عمّان،
،1119الطبعة األوىل.
45
مراكز حبثية وأقسامٌ أكادميية يف اجلامعات يف كافة أرجاء العامل ،وأخذت أشكالا ًال
واجتاهات ختصصية متنوعة يف هذا احلقل ،سواء منها حتت األمن مبفهومه الواسكع
والشامل ( ،)Securityأو أساليب إدارة الصراعات وفض النككزاعات ،ومنكها
قضايا محاية األقليات ،وتعليم السالم ،Peace Educationاملنع الوقائء للصراعات،
وغريها .فأصبحت العديد من اجلامعات تقدم برامج بالكالوريو أو ماجسكتري
ودكتوراه يف حقل دراسات الصرا ،أو دبلومات تدريبية قصرية املكدة يف هكذا
احلقل العلمء .فعلى سبيل املثال حول هذا التوسع ،يشري الدليل العكاملء لكربامج
دراسات السالم وفض النكزاعات Global Directory of Peace Studies and
Conflict Resolution Programmesوالصادر عن االحتاد الدويل ألحباث السالم
،IPRAواحتاد دراسات العدالة والسالم PJSAيشري إىل وجود ما يزيد عكن 411
برنامج بالالوريو وماجستري ودكتوراه يف جامعات وكليات يف 41دولة ،مكع
العلم أن هناك بعض جامعات الدول العربية ،اليت تقدم بكرامج حديثكة يف هكذه
التخصصات غري مشمولة يف هذا الدليل ،ويشري هذا الدليل أيضاً ،إىل وجود مكا
يزيد عن 81دورية علمية متخصصة يف هذا اجملال باللغة اإلجنليزية فقط.1
طبيعة األفكار المحورية:
خالل هذه املرحلة ،وما ختللها من انتهاء احلرب الباردة وسباق التسلح ،كان
له انعالاساته على دراسات الصرا والسالم سواء من حيث ظهكور صكراعات
جديدة ،أو من حيث اختالف طبيعة الصراعات وأطرافهكا أو طبيعكة األجنكدة
البحثية.
أما فيما يتعلق باختالف طبيعة الصراعات وأطرافهكا ،فهكو واضكح مكن
خالل ظهور صراعات جديدة مع اهنيار االحتاد السوفيا ،مثكل الصكراعات يف
روسيا (الشيشان) جورجيا ،البوسنة واهلرسك ،الصومال ،حرب اخلليج ،احكتالل
العراق ،تيمور/إندونيسيا ،وظهور احلرب الدولية على اإلرهاب .وأخذت بعكض
The Global Directory of Peace Studies and Conflict 1
Resolution Programme: a joint Project of the peace and justice
studies association & International Peace Research foundation,
http://www.peacejusticestudies.org/resources/publications.php
46
الصراعات حتالفات دولية ضخمة مثل حرب اخلليج ،0110واحلرب على اإلرهاب
" ،"War on Terrorاليت بدأهتا أمريالا عام .1110وتشري دراسات أمناط الصكرا
والسالم املشتركة ،بني معهد PRIOالنروجيء وقاعدة بيانات أبساال للصراعات يف
جامعة أبساال ،إىل تراجع احلروب بني الدول ،يف حقبة ما بعد احلكرب البكاردة،
وتزايد احلروب األهلية ،وأن طبيعة الصراعات كان غالبها يف تلك احلقبكة يكدور
حول إما السلطة أو قضايا األرض داخكل الدولكة ،أي الصكراعات العرقيكة،
واالستقالل أو االنفصال لبعض الطوائف أو اإلثنيات.1
أما على صعيد األجندة البحثية ،وقضايا الصرا يف مرحلة ما بعكد احلكرب
الباردة ،خاصة يف ضوء تراجع االهتمام بقضايا سباق التسلح ،أخكذت األجنكدة
البحثية جتاهات أكثر ختصصاً وتفرعاً وتنوعاً وظهرت حقول ختصصية متعكددة يف
جمال دراسات الصرا والسالم ،كما أخذت دراسات الصرا والسالم ،تتوجكه
حنو جماالت وقضايا غري تقليدية ،مثل :قضايا األمن اإلنساين ،صراعات األقليكات
الدينية والعرقية ،صرا احلضارات ،قضايا البيئة واملياه ،قضايا حقكوق اإلنسكان،
عمليات السالم ،قضايا الدولة واالقتصاد ،اإلرهاب الدويل ،ثقافة السالم والتعليم.
كما أن هذه املرحلة تعززت وتطورت فيها االهتمامات البحثيكة لكدى علمكاء
دراسات السالم يف جماالت عدة ،مثل ،دراسات اإلنذار املبالكر ،املنكع الوقكائء
للصراعات ،بناء السالم.
نشأو وتطور حقل دراسا السالم في العالم العربي:
يف ختام هذا املبحث ،ال بد من الوقوف عند ،أو اإلشارة إىل تطكور حقكل
دراسات الصرا والسالم يف العامل العربكء .فبالرغم من احلاجة املاسة هلذا اجملال
العلمء وختصص دراسات الصرا والسالم يف العامل العربكء ،لعوامل عديدة مثل
وجود العديد من الصراعات يف املنطقة ،وبعضها من أعقد وأقكدم الصكراعات يف
العامل وما زالت ناشطة أو مستمرة Activeمثل الصرا العربكء -اإلسكرائيلء
انظر: 1
Wallensteen, Peter & Harbom Lotta: 2009, Patterns of Peace and
Conflict, Armed Conflict Dataset 1946-2008, Journal of Peace
Research, 48 (4): 577-587.
47
والقضية الفلسطينية .-وبالرغم من تأكيد املنظومة احلضارية اإلسالمية هلذه املنطقة
على العدل والسالم .إال أن هذا احلقل ،مل يلق اهتماماً كافيكاً مكن اجلامعكات
واملؤسسات العلمية أو البحثية يف العامل العربكء.
وعند حماولة التعرف إىل الدوريات العلمية املتخصصة ،يف حقكل دراسكات
السالم والصرا ،مت الرجو إىل قاعدة البيانات العربية اإللالترونية قاعدة "معرفة"
اليت تضم أكثر من 811دورية علمية صادرة سواء عكن اجلامعكات ،أو املراككز
البحثية ،أو اجلمعيات العلمية يف العامل العربكء ح هناية عام ،1100واليت تُعتكرب
أضخم قاعدة بيانات عربية يف جمال الدوريات العلمية ،تبني وجود دوريتني عربيتني
حتمالن يف عنوانيهما مسمى السالم .1وهذا يعال ضعفاً ملموساً يف االهتمام هبذا
احلقل العلمء ،وإن بدأت يف بدايات هذا القرن احلادي والعشرين بعض اخلطوات
واحملاوالت احملدودة ،كما أشرنا أعاله يف بعض اجلامعات العربية للتعامكل ،مكع
دراسات الصرا والسالم كحقل علمء أكادميء ،له براجمه العلميكة املتخصصكة.
كما إن هناك ندرة يف الالوادر األكادميية والباحثني املتخصصني ،يف حقل دراسات
السالم والصرا ،أو ممن حيملون مؤهالت أكادميية يف حقل دراسكات الصكرا
والسالم ،ولي من اختصاصيء علوم سياسية وعالقات دولية ،أو قانون أو علكم
اجتما ،ممن مييلون أحياناً ،للتأليف احملدود يف الصراعات .ويُالحظ أن االهتمكام
من قبل الباحثني واألكادمييني ،يف املنطقة العربية بدراسات الصرا والسالم ،مت يف
كثري من األحيان من خالل أساتذة العلوم السياسية ،وكانت العالقكة بدراسكات
السالم والصرا ،من خالل أحباث قائمة على دراسات احلالة لبعض الصراعات يف
املنطقة مثل الصرا العربكء -اإلسرائيلء والصراعات العربية -العربية ،أو بعض
الصراعات األهلية مثل الصومال ،ودارفكور يف السكودان .2ومكن اإلسكهامات
ال يشمل هذا العدد الدوريات العربية الكيت تُعكىن بالشكؤون الدوليكة والدراسكات 1
االستراتيجية ودراسات احلاالت يف الصرا ،كالقضية الفلسطينية أو قضايا التحالكيم
والنكزاعات القانونية والتجارية واإلدارية .الدوريات اليت حتمل مسمى سالم ،هء:
جملة دراسات السالم/جامعة الدلنج -السودان.
جملة السالم واألمن الدوليني/املغرب.
من أهم اإلسهامات يف هذا اجملال انظر يوسف أمحد أمحد :الصراعات العربية العربيكة 2
( ) 0180-0141دراسة استطالعية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت.0188 ،
48
والدراسات العربية يف هذا اجملال من قبل أساتذة العلكوم السياسكية ،والعالقكات
الدولية والعلوم االجتماعية ،باستثناء جهد حمدود من علماء الشكريعة اإلسكالمية،
املختصني يف جمال السياسة الشرعية ،مل تقدم إسهاماً نظريكاً أو منظومكة نظريكة
علمية ،يف هذا احلقل بالرغم من وجود منظومة حضارية إسالمية غنية مبضامينها يف
جمال السالم والصرا ،تشالل رافداً هاماً يف توفري إسهامات عربية هامكة تثكري
اإلسهامات العاملية يف هذا احلقل.1
من ناحية أخرى ،كانت هناك إسهامات علمية يف جمال الصكرا والسكالم
واإلصالح ،من قبل مفالري احلضارة اإلسالمية ،يف مرحلة ما قبكل اإلرهاصكات،
متثلت هذه اإلسهامات يف كتب التراث السياسء اإلسالمء .وهء إسهامات ظهرت
كمؤلفات علمية ،وارتبطت بعضها مبعايشة علمية من قبل مؤلفيها للحياة السياسية.
ومل جيد الالثري من هذه املؤلفات العلمية الفرصة لالطال عليها من قبكل البكاحثني
الغربيني والدارسني يف جمال دراسات الصرا والسالم ،بسبب عدم ترمجتها.2
ومن املؤلفات العلمية العربية املبالرة ،حول موضو احلرب والصرا ما كتبه
ابن خلدون يف مقدمته يف القرن الرابع عشر ،حيث قام بدراسة مفهكوم وطبيعكة
احلرب ،وقضايا الصرا واحلروب وأهدافها ،كما جلأ إىل تصنيف ،وحتديد أنكوا
أو أشالال احلروب ،باإلضافة إىل ذلك اهتم بتحليل الصراعات واحلكروب مكن
خالل دراسة أسباب احلروب ،والعوامل املؤدية إىل حدوثها وإىل اهنيكار الكدول،
وكذلك معرفة طبيعة العوامل املؤدية إىل النصر والسيطرة يف احلكروب .3ويُعتكرب
جمهود ابن خلدون يف املقدمة ،من اإلسهامات واحملاوالت العلمية املبالرة والسابقة
للمحاوالت الغربية املعاصرة يف جمال دراسات السالم والصرا .
هناك جهود واضحة لعلماء الشريعة اإلسالمية حول أمهية ومفهوم السالم يف اإلسالم، 1
خاصة يف الدراسات اليت تُعىن بالعالقات الدولية يف اإلسالم .ولالن هذا اجلانب يشالل
جزءاً حمدوداً يف بناء منظومة إسالمية يف حتليل الصراعات وفض النكزاعات.
من هذه املؤلفات اليت ارتالزت على فالرة العدل واإلصالح على سبيل املثال كتكاب: 2
عارف ،نصر :يف مصادر التراث السياسء اإلسالمء :دراسة يف إشالالية التعميم قبكل
االستقراء والتأصيل ،سلسلة املنهجية اإلسالمية ( ،)1املعهد العاملء للفالر اإلسكالمء،
فرجينيا/الواليات املتحدة األمريالية.0180 ،
ابن خلدون ،عبد الرمحن ،حتقيق الشدادي عبد السالم :املقدمة .املركز الوطين للبحث 3
العلمء والتقين ،الدار البيضاء ،الطبعة اخلامسة.1111 ،
49
كما أن احملاوالت املبالرة يف أمهات كتب التراث الفقهء اإلسالمء ،حكول
اجلهاد والقتال يف اإلسالم ،قدمت حماوالت تناولت فيه مفاهيم القتكال ،واجلهكاد
ومشروعية القتال أو اجلهاد وأهداف اجلهاد .والقتال وضرورته لصكد العكدوان
والدفا ،وكذلك املبادئ ،أو الضوابط األخالقية واإلنسانية اإلسالمية يف احلروب
والقتال مع األعداء .وقامت كتب التراث الفقهكء ،بالتصكنيف العلمكء هلكذا
املوضو ،باإلضافة إىل تقدمي األحالام الشرعية واالجتكهادات الفقهيكة املتعلقكة
باحلرب والقتال ،ومن هذه اإلسهامات املصادر األساسية اليت كتبها األئمة األربعة:
أبو حنيفة ،والشافعء يف كتابه األم ،وابن حنبل يف كتابكه مسكند ابكن حنبكل،
واملالالء ،وهذه اجلهود العلمية شاللت املذاهب الفقهية األربعة األساسية ،لكدى
املسلمني ح اليوم.
ويف اخلتام ،ال بد من التأكيد أن موضو نشأة وتطور علم دراسات الصرا
والسالم ،بالرغم من كونه علم حديث إال أن ممارسته قدمية مكع قكدم ووجكود
اإلنسان واحلضارات اإلنسانية ،كما إن هذا اجملال ،هو جزء من عمليكة تكراكم
معريف إنساين سامهت فيها جهود حضارات وثقافات متعددة ،وإن كانت اجلهكود
الغربية عموماً واألمريالية خصوصاً أسهمت يف ظهوره "كحقكل أو اختصكا.
علمء" ضمن سياق التطور العلمء املعاصر ،الذي يعيشه العامل الغربكء يف خمتلف
جماالت العلوم االجتماعية واإلنسانية والتطبيقية.
51
الفصل الثاني
يقوم هذا الفصل من الالتاب ،بفهم ودراسة أو حتديد طبيعة اإلطار املفاهيمء
لظاهرة الصرا والسالم ،سواء -على املستوى األهلء ،أو اإلقليمء أو الكدويل.
وسوف يتم دراسة هذا اإلطار املفاهيمء ،من خالل تناول املباحث اآلتية:
املبحث األول :ملاذا الصرا ،وضرورة وجوده يف اجملتمع اإلنساين؟
املبحث الثاين :املفاهيم األساسية يف علم دراسات الصرا والسالم.
املبحث الثالث :اإلطار املنهجء لفهم ظاهرة وأبعاد العنف والصرا .
املبحث الرابع :مفاهيم األزمات الدولية ومساهتا واالجتاهات احلديثة فيها.
املبحث اخلامس :مراحل تطور الصرا .
50
املبحث األول
إن ظاهرة الصرا ،هء حقيقة أو طبيعة إنسانية ،مرتبطة بنشكاط اإلنسكان،
واستمرارية وجوده وحراكه .وتُعترب ظاهرة الصرا إحدى مسات اجملتمع اإلنساين،
أو البشرية من حيث وجود هدف وحركة أو فعل ،ولالن (اهلدف والفعل) ،ارتبطا
(متييزاً هلما عن اجملتمع احليواين) باإلرادة والعقل ،مما خلكق أحيانكاً ،تعارضكاً يف
الغايات واملصاحل ،وتبايناً يف اإلدراك والفهم؛ ما أوجد صراعاً.
إن ظاهرة الصرا ،ستبقى ظاهرة مستمرة يف اجملتمع اإلنساين ،ومتالزمة مع
وجود اإلنسان إىل يوم القيامة ،وال يُتصور وجود جمتمع إنساين مثايل خال من أي
أشالال الصرا ،أو النكزاعات ،إال يف جنة رب العاملني .وسيبقى هناك تصكار ،
بني األهداف اإلجيابية (اخلري) والسلبية (الشر) ،مع بعضها ليحقق أحدمها السيادة،
واهليمنة على اآلخر ،وحماولة حتجيم دور ونفوذ فاعلية اآلخر.
كما إن التباين والتنو ،أو التعدد يف اجملتمع اإلنساين ،مسة من مسات هكذا
اجملتمع ،وارتبطت هذه السمات ،مع خلق اهلل لطبيعة هذه احليكاة واإلنسكان.
ويقول سبحانه وتعاىل ... :وَجَعَلنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَكارَفُوا( ...سكورة
احلجرات ،آية .) 02وهذا اخللق جاء بصيغة اجلمع والتعدد ال املفرد ،أي مل خيلق
شعباً واحداً ،أو قبيلة واحدة .وهذا التباين والتنو والتعدد البشري أو اإلنساين،
يشمل أشالاال عدة سواء فيما يتعلق باللون ،أو العرق أو الطائفكة ،أو اجلكن ،
وغري ذلك من أشالال التنو ،وإن االختالف والتباين ،أو التعدد قد يالون حول
الدور ،الشالل ،السلطة واملالانة ،الثروة ،القيم واملعتقدات وغريها .والتعارض بني
هذه العناصر ،أو الغايات أو املطالب ،يتحول مصدراً للصرا ،بينمكا التالامكل
51
والتفاهم بينها حيول هذا التنو والتعدد إىل مصدر للتعايش السلمء ،أو القكوة
اإلجيابية والعمران.
تطورت ظاهرة الصرا ،مع تطور حياة أو جمتمع اإلنسان من مستوى الفرد،
إىل مستوى اجلماعات ،أو الاليانات اجلماعية (القبيلة والعشكرية) ،مث الاليانكات
املؤسسية احلديثة ،مثل( :الاليانات السياسية املنظمة مثل الدولة القومية ،األحزاب،
املنظمات ،والنظام الدويل) .مع هذا التطور ،تدرجت الصراعات من مستوى الفرد
interpersonalإىل املستوى اجملتمعء social/intergroupأو املنظمات واهليئكات
inter organizationalمث إىل مستوى الدولكة الواحكدة interstateوأيضكاً إىل
مستوى الدول .interstatesوإن كان املستوى الدويل ومستوى الدولة للصراعات
هو األكثر وضوحاً؛ ويسيطر على كل ما عداه من أشالال الصراعات ،فهو أكثرها
من حيث اإلحسا به واملخاطر املترتبة عليه ،وهو يضم أجكزاء ضكخمة مكن
مالونات التاريخ البشري املالتوب .والصرا على املسكتوى الكدويل ،أو علكى
مستوى داخل الدولة يهدد إىل وقف وتعطيل مسرية تطكور احلضكارة البشكرية،
ومسرية عمران اجملتمعات ،ومن مث فلي غريباً أن يلفت إليه األنظار ،ويصبح هدفاً
وموضع تركيز للدراسات العلمية املتعمقة نظرية وجتريبية.1
إن الصرا قد يالون ذا طبيعة أو أشالال علنية ،تظهر يف سلوك صكراعء
معني ،مثل العدوان ،القتل ،احلصار ،احلرب الالالمية أو اإلعالميكة ،التكدمري،
وغريها .أو قد تأخذ الصراعات أشالاال كامنة ،غري علنية م ثل احلقد والالراهية،
الصورة الذهنية السلبية عن اآلخر ،إجراءات غري قانونية ولالن غري معلكن عكن
ممارستها ،مثل التمييز يف التعليم ،أو العمل أو حسب االجتاه السياسكء ،وغكري
ذلك.
عموماً ،وبالرغم من االنطبا الغالب ،بأن الصرا هكو ظكاهرة سكلبية يف
اجملتمع اإلنساين ،إال أنه يف حقيقة األمر ضرورة إنسانية ،يف أحيان كثرية وذلكك
إلحداث التغيري واإلصالح والتطوير .وبالتايل ،فالصرا يف بعض األحيان ،ظاهرة
إجيابية ومتطلب أسا للتغيري .ويشري بعض الباحثني ،إىل أن الصكرا ميالكن أن
رسالن ،أمحد فؤاد :نظرية الصرا الدويل :دراسة يف تطور األسرة الدولية املعاصكرة، 1
اهليئة املصرية العامة للالتاب ،القاهرة.1 . ،0189 ،
54
يلعب دوراً وظيفياً وبناء ،إذا كانت عملية التفاهم وحل اخلالفات ،تنكتج فهمكاً
أفضل ملشالالت اإلنسان.1
كذلك يشري بعض الباحثني ،إىل أبعاد أو أمناط أخرى لضكرورة الصكرا ،
فبينما السالم هو بيئة ،أو شرط ضروري للحفاظ على التنمية ،فإن الصرا رمبكا
يالون ضرورياً إما لتسريع التغيري يف التنمية أو إلحداث تقهقر أو تراجع يف احملافظة
على التنمية.2
ومن اجلوانب اإلجيابية للصرا ،أهنا تشالل مصدراً لالنتبكاه واإلحسكا ،
بوجود املشاكل وجعل النا أكثر دراية هبا وأكثر تشكجيعاً ،إلحكداث تغكيري
ضروري ،أو أكثر قدرة للوصول إىل حلول عملية .كما أهنا تولد الدافعية للتغكيري،
(مثل تغيري الظروف ،والتعاطء مع عالقات وتوازنات القوة) وتولد الدافعية لرفض
الواقع السلبكء والضعف وتطوير القدرة على التاليف والتغيري.3
ويشري أحد العلماء املؤسسني لعلم دراسات الصرا والسالم ،كوينسء رايت
Quincy Wrightإىل أن احلرب هء مذاق/نالهة الصرا ،وبالنتيجكة ،وبتفهمنكا
للصرا نستطيع تعرّف خصائص ومسات احلرب يف ظروف خمتلفة ،ونعرف أفضل
الطرق املناسبة إلدارة ،منع ،وكسب احلروب.4
55
ُد َمتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ َومَسَاجِ ُد َ ...ولَوْالَ دَفعُ اللَّهِ النَّا َ َب ْعضَهُمْ بَِبعْضٍ لَه ِّ
يُذكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِريًا َولَيَْنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُ ُرهُ إِنَّ اللَّهَ َلقَوِيٌّ عَزِيكزٌ( سكورة
احلج ،آية .)41
كما يعترب املنظور اإلسالمء الصرا جزءا ،من عملية اإلصكالح والتغكيري،
سواء على الصعيد الفردي ،أو اجملتمعء أو األممء ،ضمن إطار ما نصكطلح عليكه
"األمر باملعروف والنهء عن املنالر" ،إذ يقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :من
رأى منالم منالراً فليغريه بيده ،فإن مل يستطع فبلسانه ،فإن مل يستطع فبقلبه ،وذلك
أضعف اإلميان"( .حديث متفق عليه ،راجع صحيح مسلم ،حكديث رقكم .)24
وقوله تعاىل كُنْتُمْ خَيْرَ ُأمَةٍ ُأخْ ِر َجتْ لِلنَّا ِ تَأمُرُونَ بِال َمعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْالَرِ
وَتُ ْؤمِنُونَ بِاللَّهِ( ...سورة آل عمران ،آية .)001ويف املنظور اإلسالمء تشكالل
وسائل "التدافع" أحد مالونات ،أو أشالال اجلهاد الذي يهدف ،إما للحماية مكن
العدوان ،أو لرفع الظلم أو لتبليغ دعوة اإلسالم ،من خالل محاية حرية األفكراد يف
االختيار ولي إكراههم على تغيري دياناهتم .كما جاء يف قوله تعاىل :إِنَّ الَّكذِينَ
آمَنُوا َوهَاجَرُوا َوجَاهَدُوا ِبَأمْوَالِهِمْ َوأَْنفُسِهِمْ فِء سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وََنصَكرُوا
أُولَئِكَ َب ْعضُهُمْ أَ ْولِيَاءُ َبعْضٍ( ...سورة األنفال ،آية .)11وقوله تعكاىل :إِنَّمَكا
المُ ْؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ َورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا َوجَاهَدُوا ِبَأمْوَالِهِمْ َوأَْنفُسِهِمْ فِكء
سَبِي ِل اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ( سورة احلجرات ،آية .1)01
عموماً ،تشالل ظاهرة الصرا ،حراكا إنسانيا مؤملا يف كثري من جوانبه ،كما
أن خضوعه إلرادة ،وغاية أو هدف جيعله يف أحيان كثرية ضرورة حياتية لإلنسان
يف اجملتمع اإلنساين.
كما أن اإلسالم يولد ثقافة الصرا اإلجيابكء من خالل حث األفراد علكى
عدم السلبية يف املوقف أو الفعل جتاه االعتداء أو العدوان ،وأحياناً ألزمه بالكدفا
ومقاومة العدوان والظلم على صعيد الفرد أو األمة والعرب ،فعلى مستوى الفكرد
ملزيد من التفاصيل حول أهداف اجلهاد يف اإلسالم ،راجع: 1
حسني ،عدنان السيد :العالقات الدولية يف اإلسالم ،املؤسسة اجلامعيكة للدراسكات
والنشر ،بريوت ،ط.011-011. ،1119 ،0
أبو عيد ،عارف (مُعداً) ،والفجاوي ،عمر عبد اهلل (حمرراً) :مقرر العالقات الدولية يف
اإلسالم ،منشورات جامعة القد املفتوحة ،0119 ،ط.002-011 . ،0
56
دعا اإلسالم إىل الدفا عن املال والنف ،كما جاء يف قول سيدنا حممد صلى اهلل
عليه وسلم" :مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌَ ،ومَنْ قُتِلَ دَونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌَ ،ومَكنْ
قُتِلَ دَونَ َدمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌَ ،ومَنْ قُتِ َل دَونَ َأهْلِهِ فَهُ َو شَكهِيدٌ"( ،أخرجكه أبكو داود
( )111/1والنسائء والترمذي ( )209/1وصححه ،وأمحكد (( 0912 )0911عكن
سعيد بن زيد) وسنده صحيح) .وكما جاء يف قوله تعاىل ... :وَقَاتِلُوا المُشْرِكِنيَ
كَافَّةً كَمَا ُيقَاتِلُونَالُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المَُّتقِنيَ( سورة التوبة ،آيكة .)29
ومن هنا فإن اإلسالم يُعىن بتوليد حالة تيقظ ورد استباقء نفسء ضد أي طرف،
قد يفالر أو تسول له نفسه باالعتداء ،أو العدوان وإن كانت ممارسات مكن قبكل
بعض املسلمني أساءت فهم أو استخدام هذا الرد االستباقء.
57
املبحث الثاني
59
.0إن ظاهرة الصرا والسالم ،ليست ظاهرة عشوائية ،أو ظاهرة غكري قابلكة
للتفسري؛ بل ظاهرة تُصنع ،وميالن التأثري فيها أو توجيهها.
.1إن ظاهرة الصرا والسالم ،ظاهرة ديناميالية تفاعلية ،أي ليسكت جامكدة؛
وبالتايل فهما يرتبطان بتطورات مالونات الظاهرة ،أو متغريات الزمن.
.2بالرغم من ديناميالية ،أو تفاعلية ظاهرة الصرا ،إال أنه من املمالن تطكوير
إطار نظري لتحليل الصراعات ،وحتديد السياسات أو اخليكارات املناسكبة
لتهدئة ومنع الصراعات وحتقيق السالم.
عموماً ،إن مفاهيم الصرا والسالم ،وما يتعلق هبما من مفاهيم ،هء مفاهيم
غري مستقرة وليست سالونية ،بل جدلية ،حبالم أهنا ترتبط بطبيعة العالقات واحلراك
اإلنساين.
ونتناول هذه املفاهيم األساسية النظرية يف هذا احلقل العلمء وفق حمورين:
احملور األول :املفاهيم األساسية املرتبطة مبفهوم الصرا .
احملور الثاين :املفاهيم األساسية املرتبطة مبفهوم السالم.
أوالً :حمور املفاهيم األساسية املرتبطة مبفهوم الصراع :وهء جمموعكة مكن
املفاهيم ،اليت تدور يف جوهرها حول مفهوم الصرا ،ومركزيته .وفيما يأ نتناول
أمهها:
مفووم الصراع:
إن مفهوم الصرا ،هو املفهوم احملوري واألسا يف جمال دراسات الصكرا
والسالم ،وتناولت األدبيات الغربية املتخصصة يف هذا احلقل ،مفهكوم الصكرا
ومفهوم السالم كركنني ،أو حمورين أساسني ينطلق منهما بقية املفاهيم األساسكية
يف حقل دراسات الصرا والسالم ،وهو من املفاهيم اليت خضعت لتنو وتعكدد
واسع ،وجدلية حول تعريفها أو مفهومها .ومن أهم ما تناوله املفالرون والعلمكاء
والباحثون يف هذا احلقل ملفهوم الصرا ما يأ :
هو وضع اجتماعء ،حياول فيه طرفان على األقل ،احلصول على جمموعة من
نف املوارد املادية أو املعنوية ،ويف نف اللحظكة ،أو حتقيكق أهكداف ،أو
مصاحل متناقضة ( )incompatible goalsيف حلظة واحدة ،وتالون هذه املوارد
61
وهذا املفهوم هكو.1) هذه األطرافsatisfy( أو األهداف غري كافية إلرضاء
يف، أحد العلماء املؤسسني هلذا احلقل العلمكء،"الذي تبناه "يوهان غالتونغ
أدبياته اليت قدم فيها طروحات نظرية يف تأسي علكم دراسكات الصكرا
"حالكة:" الصرا بأنهJohn Galtung" إذ يعرف يوهان غالتونغ.والسالم
)Actors( ) الفاعلنيValues( ) الدول أو بني قيمGoals( تناقض بني أهداف
ويتم ذك ضكمن إطكار مفكاهيم،)Social System( يف النظام االجتماعء
.2"ومعتقدات كل طرف
أحد العلمكاء املؤسسكني حلقكل،Quincy Wright "ويشري "كوينسء رايت
:انظر 1
Wallensteen, Peter: "Understanding Conflict Resolution: a
Framework", in Wallensteen, Peter (ed): Peace Research:
Achievements and Challenges, Op. cit., pp. 120-121.
.29-20 . ، مرجع سابق:) ودبور حممد (مترمجني، سعد، السعد،) بيتر (مؤلف،فالنستني
:انظر الدراسات التالية 2
Galtung , Johan: "Conflict as a way of life", Op. cit., p. 486.
Galtung , Johan: 1969, "Violence, Peace and Peace Research",
Journal of Peace Research, Vol. 6, no. 3, pp. 167-191, PRLO
Publication, No. 23-9, in Johan Galtung Collections entitled: Peace
Research Education Action, Essays in Peace Research, Collected by
Ejlers, Christian: 1975, Volume 1, Copenhagen.
Druckman, Daniel: 1993, An Analytical Research Agenda for Conflict
and Conflict Resolution, in Sandole, Dennis J. D. and Hugo van der,
Merwe’s, (eds): Conflict Resolution Theory and Practice: Integration
and Application, Manchester University Press, Manchester and New
York, pp. 25-42.
Wright, Quincy: "The Nature of Conflict" Op. cit., p. 15, in Burton, 3
.John & Dukes, Frank (eds): Op. cit
.Ibid., p. 16 4
60
ويعترب أو يلخص البعض هذا املفهوم للصرا ،على أنه" :وضع بني طرفني أو
أكثر يوجد بينهما تناقض يف املصاحل ،ويتم التعبري عن هذا التناقض مكن خكالل
جتاهات عدائية ،وحماولة احلصول ،أو حتقيق هذه املصاحل من خالل تصكرفات أو
إجراءات ،تؤدي إىل اإلضرار باألطراف األخرى ،سواء أكانكت بكني أفكراد أم
مجاعات أم دول ،1وتتفر هذه املصاحل إما حول املوارد املادية ،أو السلطة والنفوذ،
أو اهلوية ،أو املالانة والالرامة ،أو حول القيم ،مبا ترتبط به من ثقافات وأديان".2
عموماً ،تركز األدبيات الغربية املعاصرة ،اليت تتناول مفهوم الصرا ،أو املؤسسات
الغربية املمارسة يف جمال الصرا والسالم ،على ضرورة توفر العناصر اآلتية يف املفهوم:
.0وجود أكثر من طرف.
.1حالة من التنافر أو عدم االتفاق ،أو االنسجام بني هذه األطراف حول هدف
أو مصلحة ما ،أو قضية ما تالون موضع أو مصدر هذا التناز .
.2وجود عنصر الندرة ،مع تزامن يف طلب احلصول علكى هكذه املصكلحة أو
اهلدف ،أي أن الطلب يتم يف الوقت أو اللحظة نفسها.3
ويرى بعض الباحثني أن مصطلح الصرا ،يتداخل يف مدلوالته ومساته مكع
مصطلحات أخرى ،مثل :املنافسة ،وعدم التناغم ،والتوتر ،واخلصومة ،واخلالف،
والعدائية ،والالفاح أو النضال ،أو االنقسام والتجاذب.4
انظر: 1
Wright, Quincy: ibid., p. 15-21.
H. Laue, James: 1990, the Emergence and Institutionalisation of
Third-party Roles in Conflict. In: Burton, John and Dukes, Frank
(Ed): Conflict: Readings in Management and Resolution,
Macmillan,Houndmills and London, pp. 257-272, p. 256.
انظر الدراسة التالية على موقع منظمة :Creative Association International 2
Conflict Prevention Guide, Understanding Conflict and Peace, Life
Cycle of the conflict, Op. cit.
Ohlson, Thomas: 1998, Power Politics and Peace Policies: Intra-State 3
Conflict Resolution in Southern Africa, Report No. 50, Department of
.Peace and Conflict Research, Uppsala University, Sweden, p. 32
انظر: 4
Mitchell,Christopher Roger: 1981, the Structure of International
Conflict, Macmillan, London, p. 1.
Wright, Quincy: the Nature of Conflict, Op. cit.
61
إن هذه املفاهيم والعناصر املتعلقة ،مبفهوم الصرا تنطبق على أي مستوى من
مستويات الصرا ،سواء بني األفراد ،أو اجلماعات ،أو الدول .ومن هنا ،عنكدما
نتناول مفهوم الصرا الدويل ،يف سياق املفاهيم السابقة للصكرا ،فكإن املكتغري
األسا يدخل يف كون ،أن أحد أطراف الصرا -على األقل -هو فاعل دويل،
وأن سياق أو بيئة الصرا ليست ذات صبغة حملية ،أو ضمن سياق النظام أو النسق
الدويل ،كما أن معطياته وتفاعالته وأبعاده؛ أكثر تعقيداً من مسكتويات الصكرا
األخرى ،وكذلك نتائجه وتأثرياته.
من ناحية أخرى ،فإنه عند املقارنة بني معىن الصرا والنكزا أو اخلكالف،
جند أن هناك من يستخدم مفهوم النكزا /اخلالف ،كأحد املصطلحات املرادفكة
ملصطلح الصرا ،إال أن أغلب الباحثني يعتربون مفهوم الصرا أوسع من مفهكوم
النكزا /اخلالف؛ فاألخري هو مستوى من مستويات ،أو مراحل الصرا ،وحتديداً
هو أدىن مرتبة أو مستوى من مستويات الصرا ،وأقلها حدّة ،أو أبسطها .1كمكا
تشري املعاجم اللغوية العربية إىل أن جذور كلمة النكزا تفيد االختالف( .تناز )
القوم :اختلفوا وتناز القوم الشءء :جتاذبوه وتشري املراجع اللغوية إىل أن كلمكة
(اختلف الشيئان :مل يتفقا ،ومل يتساويا .وكذلك ختالفا :تضادا) .2هكذه املعكاين
اللغوية العربية تفيد بأن النكزا ،عبارة عن اختالف ولي تصارعا أو صكراعا،
ويشمل حالة من عدم التطابق ،بني طرفني حول شءء واحد ،قد ينعال اختالفكاً
أو يصبح خالفاً وجتاذباً بني طرفني لشءء واحد .وهو ما يعين أن النكزا مرحلكة
ابتدائية ،قد تطور صراعاً وقد تبقى تنوعًا ومتايزاً.
يشري البعض ،إىل أن مفهوم النكزا /اخلالف ،هو سبب أكثر املشكالالت
اليت ميالن إدارهتا ضمن نظام قائم من خالل املساومة ،أو بطرق أخكرى ،وهكو
يتعلق أكثر باملشالالت اجملتمعية ،مثل اخل الفات العمالية ،وتسوية اخلالف هنكا،
ملزيد من التفاصيل انظر :اخلزندار ،سامي :الصراعات العربية الداخلية :رؤية يف األسباب 1
والدوافع ،جملة أحباث الريموك ،سلسلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جملد ،11العكدد
األول أ.041 . ،1114 ،
هارون ،عبد السالم (مشرف) :مصطفى ،إبراهيم ،والزيات ،أمحد ،عبدد القدادر، 2
حامد ،والنجار ،حممد (قاموا بإخراجه) :املعجم الوسيط ،مطبعة مصر ،القاهرة،0191 ،
اجلزء األول.111 . ،
61
يستند إىل االتفاقيات اليت تستند إىل قوانني ومعايري حتدد عمليكة تسكوية هكذه
اخلالفات.1
وبشالل عام ،إن مفهوم الصرا ،من حيث املضمون واجلوهر -كما تطرحه
األدبيات الغربية -هو" :عملية تفاعل بني طرفني أو أكثر؛ للتحالم أو السكيطرة أو
توجيه نتائج عملية التفاعل مبا حيقق املصاحل ،أو األهداف املرجوة ألطراف الصرا ،
أو على األقل تقليص حجم األضرار أو اخلسائر اليت تنجم عن عمليكة التفاعكل
(الصرا ) بني األطراف املتنازعة".2
ويُالحظ ،أنه كان يغلب على األدبيات الغربية يف حتديدها ملفهوم الصكرا
بشالل عام ،والصرا الدويل بشالل خا ،.ما يأ :
.0إن طبيعة املفاهيم مستمدة من الفالر ،أو الرؤية الغربية "املادية" للحياة ،ومكا
ينتج عنها من "األنانية" اليت تُعىن باالهتمام باملالاسب ،واملنافع الذاتية ،سواء
املادية أو املعنوية ،بدرجة أوىل لتحقيق الرضا لك "األنا" ،وهذه األنا واملاديكة
تدفع إىل تضارب يف األهداف أو املصاحل ،أو ما ينتج عن هذا التضارب مكن
ظاهرة الصرا ،الذي هو األصل يف العالقات بني "األنا" وأهدافها و"اآلخر"
وأهدافه ،وبالتايل تصبح ضرورة االعتماد على "العالقة التعاقدية" يف احليكاة؛
لتصويب الطبيعة الصراعية للعالقات فيها.
.1يتولد عن النقطة السابقة ،أن يُنظر إىل العالقات بني الدول ،على أهنا قائمكة
على فالرة "اهليمنة" أو النفوذ ،والقوة واملصلحة الذاتية؛ ممكا جيعكل احلالكة
الصراعية للعالقات بني الدول ،هء احلالة الطبيعية ،أي أن الصكرا الكدويل
وضع طبيعء ،وهو الوضع املتوقع يف العالقات بني الدول املتباينكة يف القكوة
واملصاحل.
Jeong, Ho-Won: "Research on Conflict Resolution", pp. 3-34, in 1
Joeng, Ho-Won (ed): Conflict Resolution: Dynamics, Process and
Structure,
.Op. cit., p. 14-15
وانظر أيضاً ،اخلزندار ،سامي :الصراعات العربية الداخلية :رؤية يف األسباب والدوافع،
مرجع سابق.041 . ،
اخلزندار ،سامي :الصراعات العربية الداخلية :رؤية يف األسباب والدوافع ،مرجع سابق، 2
.041 .
64
.2إن املدخالت الثقافية واحلضارية "لآلخر" غري الغربكء ،يف مفاهيم الصكرا
يف األدبيات الغربية ،أو لدى الغرب شبه غائبة ،أو حمدودة جداً ،بالرغم مكن
أن ظاهرة الصرا مسة بشرية ،أو إنسانية تعيشها مجيع الثقافات ،واجملتمعات
أو احلضارات اإلنسانية األخرى .وتساهم هذه املدخالت الثقافية للحضارات
األخرى ،خاصة "اإلسالمية" ،يف األدبيات الغربية أو الفالكر الغربككء ،يف
خلق فرصة إلعادة توازن املفاهيم من "األنا" أو "اهليمنة للذات" إىل "التالامل"
يف العالقات اإلنسانية والعالقات الدولية ،وإن توفر املدخالت الثقافية غكري
الغربية احملدودة يف األدبيات الغربية اخلاصة ،بدراسات الصرا والسكالم مل
تشالل مضامينها مرتالزات فلسفية ،أو أطرا منهجية هلذا احلقل العلمء ،وإمنا
مت االستفادة منها استفادة ضيقة على شالل أدوات ،وأسكاليب يف تسكوية
الصراعات عن جتارب جمتمعات أخرى ،مثل" :جتربة مهاتري غاندي" اهلنديكة
اليت قامت على منهج الالعنف يف التغيري وتسوية الصراعات.1
.4النظر إىل العالقات اإلنسانية على أهنا عالقات قوة ،وترتبط بالنكزعة املاديكة
للحياة ،مما جيعل هذه العالقات ،واحلراك االجتماعء واإلنسكاين عالقكات
هيمنة ،وتبعية وبالتايل قد ينتج عن ذلك تضاد يف املصاحل واملعتقدات.
يتناول د.بول سامل بعض االنتقادات األساسية حول املنهجية والرؤية الغربية يف جمكال 1
دراسات فض النكزاعات ،انظر:
Salem, Paul E: 1997, A Critique of Western Conflict Resolution from
a non- Western perspective, in Salem, Paul E (ed): Conflict Resolution
in the Arab World: Selected Essays, American University of Beirut,
Beirut, pp. 11-24.
65
وتشري قوامي اللغة العربية ،إىل املعاين والدالالت اللغوية لاللمة تدافع ،فيشري
املعجم الوسيط إىل إن :دفع الشءء :أي حنّاه وأزاله بقوة ،ويقال :ودفع عنه األذى
والشر ،ويُقال :دفع القول :ردّه باحلجة ،ومنها جاءت كلمة دفا ،وهء احلماية.1
ونرى من هذا املعىن اللغوي ،أنه يرتبط بأفعال قوة ،ولالن باجتاه إجيابكء وفعكل
بنّاء خيّر ،بعيداً عن فالرة اهليمنة ،أو السيطرة على اآلخر ملصلحة ذاتية أو"األنكا"
املادي.
ومفهوم التدافع كما حتدد معانيها ودالالهتا كتب التفسري اإلسالمء ،تشري إىل
معان أو مفاهيم عدّة ،منها كما يشري الطربي يف تفسريه هلذه اآلية" :دفع بعضكهم
بعضاً يف الشهادة ويف احلق ،وفيما يالون من قبل هذا" ،2كما يشري األلوسكء يف
تفسريه :إىل أن هذا التدافع "لينتظم به األمر وتقوم الشرائع" ،3ومبعىن آخر أي بناء
نظام حياة وتنفيذ القوانني والتشريعات.
إن مفهوم "التدافع" -كبديل ملفهوم الصرا -يف املنظور اإلسالمء ،هكو
حراك إنساين إجيابكء ،وضرورة لغايات الدفا واإلصالح والعمران يف اجملتمكع
اإلنساين ،ويشمل أدوات وأساليب متنوعة ،بعضها يعتمد على القكوة والعنكف،
وبعضها اآلخر سلمء .ويشالل اللجوء إىل "التدافع" باستخدام أدوات القكوة ،أو
العنف حالة استثنائية ،مثل :فرض النظام بالقوة واملقاومة املسلحة ،أو احلرب ،واليت
تُعترب يف املفهوم اإلسالمء هء االستثناء عن القاعدة األساسية يف العالقكات مكع
اآلخر ،واليت هء قاعدة السلم .4وح يف حال استخدام االستثناء ،أو اسكتخدام
القوة فإن الدعوة والتبليغ والتحذير ،هء خطوة أساسية مسبقة قبكل اللجكوء إىل
استخدام أي من أدوات القوة.
هارون ،عيد السالم (مشرف) ،مصطفى ،إبراهيم ،وآخرون (قاموا بإخراجه) :املعجم 1
الوسيط ،اجلزء األول ،0191 ،مرجع سبق ذكره.188 . ،
الطربي :تفسري جامع البيان يف تفسري القرآن ،موقع تفاسري جامعة األزهر ،سورة احلج، 2
آية .41
األلوسي ،شهاب الدين حممود :روح املعاين يف تفسري القرآن العظكيم ،دار الالتكب 3
العلمية ،بريوت.1111 ،
ملزيد من التفاصيل حول األصل يف العالقات الدولية السلم أم احلرب ،انظر :حسدني، 4
عدنان السيد :العالقات الدولية يف اإلسالم ،مرجع سابق.021 . ،
66
.0إن األمر باملعروف والنهء عن املنالر ،الذي دعت إليه ككثرياً اآليكات
القرآنية واألحاديث النبوية ،كما جاء يف قوله تعاىل :وَلتَالُنْ مِنْالُمْ ُأمَةٌ يَ ْدعُونَ ِإلَى
الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِال َمعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْالَرِ َوأُولَئِكَ هُمُ المُفِلحُكونَ( سكورة
آل عمران ،آية ،)014وقوله تعاىل :وَالمُ ْؤمِنُونَ وَالمُ ْؤمِنَاتُ َب ْعضُهُمْ أَ ْولِيَاءُ َبعْكضٍ
الةَ( ...سكورة التوبكة، يَأمُرُونَ بِال َمعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْالَرِ وَُيقِيمُونَ الصَّك َ
آية .)10يعترب الشالل العام للتدافع املوجه ،أو الكذي يهكدف حنكو اإلصكالح
والعمران .وحيتوي هذا الشالل العام للتدافع على أدوات وأساليب متنوعة ،منكها:
أدوات أو أساليب سلمية غري عنيفة للتدافع أو التغيري ،مثل :اسكتخدام املقاومكة
السلمية ،أو اجلهاد السلمء ،ضد الظلم أو لتحقيق اإلصكالح والتغكيري ،مثكل:
العصيان املدين ،املعارضة السياسية ،جهاد الاللمة والرأي ضد احلاكم ،وغريها.1
عموماً ،يف املصادر القرآنية والنبوية ،هناك مصطلحات متداولة ،مثل ،احلكرب،
القتال ،الدفع *،وسائل التغيري ،أو التدافع العنيفة أو السلمية ،شاللت وفق شكروط أو
ضوابط معينة ،جزءا من مالونات حالة "اجلهاد" ،سواء للكدفا واحلمايكة ،أو دفكع
العدوان ورفع الظلم ،أو لتبليغ الدعوة اإلسالمية ،والتعريكف بالرسكالة اإلسكالمية،
والتبليغ اإلسالمء املقصود هنا ،يهدف حلماية حرية األفراد؛ غري املسلمني يف االختيار.
حول منهجية الالعنف يف اإلسالم ،انظر كتاب أبو النمر ،حممدد ،1118 :الالعنكف 1
وصنع السالم يف اإلسالم ،ترمجة اليحىي ،ملي :الدار األهلية ،عمّان.
67
-العنف.
-احلرب األهلية.
2مصطلحا في إدارو وتسوية الصراعا والوراية منوا:
-إدارة الصرا .
-فض النكزاعات (تسوية الصراعات).
ويدخل يف هذا احملور ،جمموعة من األشالال ،أو األساليب الالزمة لتسكوية
الصراعات ،منها :املفاوضات ،الوساطة ،املصاحلة ،التحاليم.
-الوقاية أو املنع الوقائء للصراعات.
-حتول الصراعات.
3مفاهيم السالم
ويف هذا السياق ،يشالل مفهوم السالم ،الوحدة املركزية املقابلكة ملفكاهيم
الصرا ،واليت تدور يف فلالها جمموعة من املفاهيم واملصطلحات األساسية يف هذا
احلقل العلمء.
ومن أهم هذه املفاهيم :مفهوم السكالم السلبككء واإلجيابككء ،صكنع
السالم ،وحفظ السالم ،واتفاقيات التسوية السلمية ،وبناء السكالم ،والسكالم
الدائم.
وفيما يأ :نتناول هذه املفاهيم األساسية يف هذا احلقل العلمء ،واليت تشالل
املفاهيم األساسية يف نف الوقت ،املفاهيم األساسية يف هذه الدراسة.
69
سنة واحدة" .1ويُطلق اسم الصرا املسلح الطفيف ،على الصرا الذي يالون فيه
عدد القتلى ما بني - 11ح أقل من 0111قتيل .أما الصراعات اليت يزيد فيهكا
عدد القتلى عن ،0111فتطلق عليها قاعدة البيانات احلرب .ويشري بعض الباحثني
إىل طبيعة التعريف القياسء للصراعات املسلحة بأنكه يشكمل وجكود العناصكر
التالية:2
.0العنف اجلماعء املتعمد.
.1استخدام السالح.
.2املعركة.
.4األهداف السياسية.
.1حالومة ،كإحدى اجلهات الفاعلة يف أحد طريف الصرا على األقل.
ومفهوم الصرا املسلح ،ينقلنا إىل تناول مفهوم احلدرب ،فكالبعض يعتكرب
مفهومء ،أو مصطلحء الصرا املسلح واحلرب ،مترادفني يف املعىن ،لي بينكهما
أي متييز ،خاصة إذا جتاوز عدد القتلى 0111قتيل ،كما تشري قاعدة "أوبسكاال".
بينما يعرّف البعض احلرب بأهنا" :عنف منظم ،تقكوم بكه وحكدات سياسكية،
ملزيد من التفاصيل حول مفهوم الصرا املسلح ،راجع قاعدة أوبساال لبيانات الصراع: 1
كايل:
كرابط التك
كى الككودة علك
كالم ،املوجك
كرا والسككاث الصك كم أحبك
كة لقسك التابعك
http://www.pcr.uu.se/research/UCDP/data_and_publications/definition
،_of_armed_conflict.htmحيث يُنشر هذا التعريف بشكالل دوري يف التقكارير
السنوية اليت تصدر عن "قاعدة بيانات أوبساال لبيانات الصرا " ،انظر -على سكبيل
املثال -تقرير عام ،1118
Wallensteen, Peter, & Harbom, Lotta, & Sundberg, Ralph (Eds):
2009, States in Armed Conflict 2008, Department of Peace and Conflict
Research, Uppsala University, p. 15.
كما يُنشر هذا التقرير يف جملة أحباث السالم العاملية ،انظر على سبيل املثال:
Wallensteen, Peter, Margareta, Sollenberg: 2001, Armed Conflict
1989-2000, Journal of Peace Research, 38 (5): 629-644.
األيوبدي ،عمر وحسن ،حسن واأليوبدي ،أمني (مترمجدون) :إشكراف وحتريكر 2
مركز دراسات الوحدة العربية ،التسلح ونكز السكالح واألمكن الكدويل،1111 ،
النسكخة العربيكة املترمجكة لالتكاب SIPRI Yearbook 2007: Armaments,
،Disarmaments, and International Securityمركز دراسات الوحدة العربيكة،
بريوت.089-082 . ،
71
وعسالرية ضد بعضها البعض" .1ورمبا من املفيد اإلشارة إىل بعكض االفتراضكات
النظرية اهلامة ،اليت تدور حول الصكرا املسكلح ،أو احلكرب والكيت تتمثكل
مبا يأ :2
.0احلرب عملية مالتسبة أو قابلة للتعلم.
.1احلرب هء خمرجات عملية طويلة املدى.
.2احلرب هء منتوج عملية تفاعل ،وليست وليدة ظروف ،أو شروط منظومكة
بسيطة.
.4احلرب تعال طريقة صنع القرارات.
.1احلرب متعددة املسببات.
.9يوجد أمناط وأشالال متنوعة للحرب.
3مفووم العنف:
من ناحية أخرى ،فإن مفهوم العنف يُعترب ظاهرة لصيقة بالصرا ،وهو غالبًا
أحد خمرجات ،أو أبعاد ظاهرة الصرا .وحيدد بعض الباحثني العنف بأنه" :ظاهرة
تتألف من أفعال ،ومفردات ،واجتاهات ،ببُنية أو نُظم ،تسبب إيذاءً جسدياً ونفسياً
واجتماعياً أو بيئياً ،أو متنع النا من الوصول لالستفادة الالاملة مكن إمالانيكاهتم
البشرية".3
عموماً ،أبسط أشالال تعريف العنف وأبرزها هو :القيام بعمل اإليذاء املادي
لآلخرين من البشر ،ويشمل استخدام القوة ،أو التهديد باستخدامها.4
Bull, Hedley: 1977, The Anarchical Society, New York, Colombia 1
University Press, p. 184, quoted in Vasquez, John A: 2009, the War
Puzzle Revisited, Cambridge, UK, Cambridge University Press,
p. 24.
Vasquez, John A: The War Puzzle Revised, Op. cit., 2
pp. 42-51.
Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for 3
Action, London, Birmingham and ZED Books, Responding to Conflict
Agency, p. 4.
Joeng, Ho-Won (Ed): 2000, Peace & Conflict Studies: An 4
Introduction, England, Ashgate, p. 19.
70
لظاهرة العنف شالالن أو اجتاهان أساسان :1األول" :العنف املباشر" ،مثكل:
القتل ،االضطهاد ،التعذيب ،القمع ،اإليكذاء اجلسكدي ،احلصكار ،والعقوبكات
االقتصادية ،وما عداها .والثاين :هو "العنف البنيوي" ،أو ما يسمّى "العنف غكري
املباشر" ،مثل التمييز ،االستغالل ،اخلوف ،وغريها .ويلخص أحد الباحثني ،بكأن
الشالل التقليدي للعنف (العنف املادي املباشر) يالون ظاهراً أو واضحاً ،وبشكالل
عام ،يعمل بشالل سريع ،أو دراماتيالء أو مثري لالنتباه .أما "العنف غري املباشكر"،
فيالون عادة غري ظاهر أو كامنًا ،ويف غالب األحيان ،يعمل ببطء يف تآككل قكيم
اإلنسان أو البشرية ،ويف تقصري مدة احلياة.2
ولي األمر كذلك دائما؛ ففء بعض األحيان ،العنف هو ظكاهرة إجيابيكة
وبناءة ،أو هو عملية عالجية مرغوبة ،وإن كانت مؤملة ،مثل :اسكتخدام العنكف
الشرطء ضد اجلرمية املنظمة ،أو املقاومة العنيفة ضد االحتالل ،أو دفع العكدوان،
وغري ذلك من الظواهر اإلجيابية للعنف .وبالتايل ،فإن "العنف" قد يالون مفهومكًا
حمايدًا ،والذي حيدد طبيعته السلبية أو اإلجيابية ،هو طبيعة وكيفية وشالل وتوقيكت
استخدامه ،والغاية أو اهلدف منه.
9مفووم إدارو الصراع:
إن مفهوم إدارة الصرا ،يُعترب من املفاهيم احملورية اللصيقة بالصرا ،وهو من
املفاهيم اليت تباينت اآلراء حوهلا تبايناً واسعاً ،وأثارت حوهلا نقاشاً أو جدالً كبرياً؛
لتحديد طبيعة وحدود هذا املفهوم .وبشالل عام ،ميالن القول :إن مفهكوم إدارة
الصرا ،ومضمونه األسا يتمثل يف أنه عملية ،هتدف إمّا إىل احلد ،أو التهدئة ،أو
االحتواء ،أو منع تصاعد الصرا والعنف .إن عملية إدارة الصكرا ،تسكعى يف
71
غالب األحيان أيضاً إىل الوصول إىل تسوية .وفيما يأ استعراض لبعض مفكاهيم
إدارة الصرا :
يشري معهد GTZاألملاين ،إىل أن إدارة الصرا هء "حماولة لتنظيم الصكرا ،
من خالل العمل على منع ،أو إهناء العنف ،وهو يسعى جللب حلول بنكاءة،
من مجيع أطراف الصرا ،واليت ميالن االستفادة منها".1
بينما تشري بعض الدراسات الصادرة عن وزارة اخلارجية السكويدية ،إىل أن إدارة
الصرا هء" :عملية تتضمن مساحة واسعة من اإلجراءات الواعكدة واملهمكة،
للتعامل مع املشالالت ،سواء العسالرية أو اإلنسانية أو االقتصادية -االجتماعية،
والسياسية ،-والتعامل مع البيئة املؤسسية يف خمتلف مراحل الصرا ".2
ويشري "أوليفر" Oliverإىل أن إدارة الصرا ،ارتبطت بتنظكيم الصكرا ،
ويستخدم كمصطلح يشمل جمموعة أو سلسلة من اإلجكراءات اإلجيابيكة،
ملعاجلة الصرا ،حبيث يشمل ذلك احتواء الصرا العنيف ،وعملية التسوية.3
يرى نيالال ،أن إدارة الصرا هء :اإلجراءات اليت تستخدم للتعامل مكع
االختالفات ،واملواقف جتاه القضايا بدون حل الصرا ،ولالن هبدف تغكيري
وضع التفاعالت الصراعية من السلوك السلبككء أو املكدمر ،إىل السكلوك
اإلجيابكء أو البناء.4
Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: 2002, Peace-Building, 1
Crisis Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in
the Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Eschborn, Germany,
Deutsche Gesellschaft für Technische Zusammenarbeit (GTZ), division
42, http://www.gtz.de/de/dokumente/en-crisis-prevention-and-conflict-
.management.pdf, p. 12
Ministry for Foreign Affairs: 2001, Preventing Violent Conflict - 2
Swedish Policy for the 21st Century, Sweden, Secretariat for Conflict
.Preventing, Ministry of Foreign Affairs, p. 19
.Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit., p. 29 3
انظر: 4
Swanstrom, Niklas: 2002, Regional Cooperation and Conflict
Management: Lessons from The Pacfic Rim, Report No.64, Uppsala
University, Uppsala, Department of Peace and Conflict Research, p. 24.
Research on Conflict Resolutions, in Joeng, Ho-Won (ed): 1999,
"Conflict Resolution: Dynamics, Process and Structure, England,
Ashgate, p. 14.
71
وحيدد البعض عملية إدارة الصرا ،والسيطرة عليه من خالل وضكع قواعكد،
ومعايري يتفق عليها األطراف لعملية التناف ،وتساعد أطراف أخرى يف :حتديد قضكايا
حتالم كل طرف يف طموحاته ،إزالة سوء فهم كل طرف جتاه أهداف اآلخر ،حتليل أو
حتديد املصاحل ،رسم واقتراح البدائل واخليارات .ويرى الكبعض ،أن اإلدارة العقالنيكة
للصرا ،ترتالز على افتراض وإدراك أطراف الصرا ملصاحلهم األفضل.1
ويف هذا السياق ،من املفيد اإلشارة إىل أن إدارة الصرا الدويل ،هء عمليكة
ال خترج بطبيعتها ومفهومها عن إدارة الصرا ،مع اختالف أطرافها وسكاحتها أو
ميداهنا .فيشري البعض -على سبيل املثال -إىل أن إدارة الصرا الكدويل ،هكء:
"عملية تشري إىل سلوك يقوم به بعض الفاعلني الدوليني( ،سواء أكان من أطكراف
الصرا أم أطراف وسيطة) ،من أجل حتجيم مستويات الصرا ،أو تفادي حدوث
أمناط صراعية معينة أو شديدة ،مثل :احلرب" .كمكا يشكري االجتكاه السكائد يف
األدبيات الغربية ،يف جمال دراسات الصرا والسالم ،إىل أن ظكاهرة الصكراعات
الدولية هء" :عالقات ومواقف ،أو أوضا دولية تنطوي على مشالالت ،يكتعني
إجياد حلول هلا ،وهو ما نتج عنه حقل إدارة الصراعات الدولية".2
عموماً ،هناك جتاهات متباينة بشالل كبري ،حول حتديد مفهوم إدارة الصرا ،
فهناك جتاهات متيل إىل النظر إىل عملية إدارة الصرا كعملية تُعىن إما بتحجيم ،أو
احلد من ،أو هتدئة ،أو احتواء ومنع تصعيد الصراعات أو العنكف القكائم فعليكاً.
وهناك جتاه ثانٍ ،أو جتاهات أخرى ،متيل إىل النظر إىل إدارة الصكرا ،كعمليكة
واسعة شاملة لالل ما يتعلق بالصرا ،مبا يف ذلك عملية تسوية الصرا ،أو املنكع
الوقائء حلدوث الصرا مستقبال.3
Jeong, Ho-Won: "Research on Conflict Resolution", in Jeong, Ho-Won 1
(ed): Conflict Resolution: Dynamics, Process and Structure, Op. cit., p. 14.
نقالً عن وهبان .أمحد حممد :حتليل إدارة الصرا الدويل :دراسة مسكحية لألدبيكات 2
املعاصرة .جملة عامل الفالر ،اجملل الوطين للثقافة والفنون واآلداب ،الالويت،4 )29( ،
.11-19 . ،89-10 . . ،1118
ملزيد من التفاصيل ميالن االطال حول اجلدل الدائر حكول مفهكوم إدارة الصكرا 3
واجتاهاته ،انظر:
Azem, Ahmad, J: 2005, The Reconceptualisation of Conflict
Management, Peace, Conflict & Development: An Interdisciplinary
Journal, University of Bradford, Department of Peace Studies, p. 4-11.
74
ومييل الباحث إىل االعتقاد ،أن االجتاه الثاين ،الذي يتبىن املفهوم األوسكع ،أو
األمشل إلدارة الصرا ،جيب أن خيتلف عن مفهوم تسوية الصرا ،وعن مفهكوم
املنع الوقائء للصراعات؛ فلو كانت عملية إدارة الصراعات شاملة لعملية التسوية،
أو املنع الوقائء ،مل يعد هناك مربر لوجود هذه املفاهيم ،وملا استطاعت أن تشكالل
جزءاً حمورياً يف املنظومة املفاهيمية ،لعلم دراسات الصكرا والسكالم ،كمكا أن
مفاهيم التسوية ،واملنع الوقائء حتتوي على إجراءات ومضامني نظرية وعملية ،يتم
القيام هبا يف إطار صناعة املستقبل مع وجود صكرا أصكالً يف الواقكع ،مثكل:
إجراءات ،أو نظام اإلنذار املبالر ،حرصاً على احملافظة على السالم ،وخلكق بيئكة
طاردة ألي مسببات تؤدي حلدوث الصرا يف املستقبل.
وال شك ،أن غياب احلرب الباردة ألقى بظالله على هذا اجلدل ،والتباين يف
مفاهيم علم الصرا والسالم ،ولعب دوراً يف املزيد من التداخل يف بعض مفكاهيم
هذا احلقل من جهة ،واملزيد من الفصل والتمايز -أحياناً -يف مفاهيم أخرى من
جهة ثانية ،مثل :املنع الوقائء للصرا ،اإلنذار املبالر ،وغريها .كما أدخلت الالثري
من املفاهيم يف مرحلة جديدة ،وأصبحت العديد من الدراسات ،تتناول ضكرورة
إعادة النظر يف بعض املفاهيم األساسية ،وإعادة حتديدها ،وكذلك ضرورة ظهكور
مفاهيم جديدة يف هذا احلقل.1
1مفووم تسوية الصراع:
إن تسوية الصراعات ،أو فض املنازعات يشالل احملصلة الرئيسكة اإلجيابيكة،
لالافة أشالال التدخل يف تفاعالت عملية الصراعات ،ويعد مفهوم تسوية الصرا
من املفاهيم احملورية يف علم دراسات الصرا والسالم .كما أنه من املفاهيم الكيت
جتمع بني الوضوح والضبابية يف آن واحد؛ فمصطلح فض املنازعات ،أو تسكوية
انظر حول طروحات التغيري يف مفاهيم يف هذا احلقل العلمء يف مرحلة ما بعد احلكرب 1
الباردة:
Melande, Erik & Oberg, Magnus & Hall, Jonathan: 2006, The New
Wars Debate Revisited: An Empirical Evaluation of the Atrociousness
of New Wars, , Uppsala University, Uppsala, Sweden, Uppsala Peace
Research Papers, No.9, Department of Peace and Conflict Research.
http://www.freds.lu.se/upload/freds/FKVA11/FKVA11.2.melander.pdf
75
الصراعات واضح من حيث االنطبا األويل والفهم العكام للغايكة ،أو اهلكدف
اإلجيابكء الذي يتم السعء للوصول إليه ،أي حتقيق تسوية وحل للصكرا .ويف
املقابل ،هو مفهوم ضبابكء ،من حيث حتديد حدوده مع املفاهيم األخرى ،خاصة
مع مفهوم إدارة الصرا ،أو مفهوم اتفاقيات التسوية للصرا ،أو مع مفهوم املنكع
الوقائء للصرا ،وكذلك من حيث حتديد طبيعة خمرجاته ،ومدى استمراريتها.
وبشالل عام ،يعد مصطلح أو مفهوم فض النكزاعات/تسوية الصراعات ،من
املفاهيم الفضفاضة الواسعة "محّال أوجه"؛ مما خلق تباينًا كبريًا يف حتديد مضكمونه
وحدوده.
فالبعض يرى ،أنه يشمل األشالال ،أو اجلوانب األربعة التالية ملرحلكة بكدء
الصرا ،فهو يشمل :إدارة الصرا ،وتسويته ،ومنكع حدوثكه ،والتحكول
اجلذري له ،والبعض اآلخر يرى أن تسوية الصرا تتم من خالل العمل على
إزالة الصرا ،بينما يرى غريهم أهنا تالمن يف العمل والسيطرة على إدارتكه،
أو احملافظة على بقائه صراعاً سياسياً.1
ويرى "بيتر فالنستني" ،أن تسوية الصراعات عبارة عن "موقف ،تتم مكن
خالله عملية اتفاق طوعية ،ورمسية بني األطراف املتنازعكة ،إمكا حلكل
خالفاهتم األساسية ،أو للتعايش بسالم مع اخلالف بدون اللجوء إىل العنف
املسلح".2
عموماً ،إن االجتاه السائد حول مفهوم تسوية الصراعات/فض النككزاعات،
يرى أهنا "عملية هتدف إىل معاجلة مسببات الصرا ،أو جذور مصادر الصكرا ،
وتُعىن ببناء عالقات جديدة دائمة ،وإجيابية وتعاونية بني األطكراف املتصكارعة،
وبالتايل حماولة معاجلة أبعاد الصرا ،سواء على مستوى السلوك ،أو على مستوى
االجتاهات ،أو على مستوى السياق ،أو البيئة واملواقف" .إذن هء معاجلة تتوجه إىل
عملية الصرا ،وإىل قضايا وحمتوى الصرا ،وكذلك حمصلة ،أو نتائج الصكرا
77
ويطلق بعض الباحثني ،على حلظة ،أو مرحلة االستعداد للكدخول يف عمليكة
تسوية سلمية للصرا ،بلحظة "النضج أو االستواء ،أو اللحظة املواتية" ،وهء النقطة
اليت تبدأ فيها األطراف املتصارعة بالتفالري يف الدخول يف عملية تسوية للصرا الذي
تعيشه .وترتبط مرحلة أو حلظة "النضج أو االستواء" ،بعوامل أساسية ،منها :مكدى
كثافة الصرا ،وتوفر بديل للصرا قابل للتطبيق واحلياة ،وطبيعة توازنات وعالقات
القوة بني أطراف الصرا .وتشري هذه الدراسات ،بشكءء مكن التفصكيل ،إىل أن
الصرا ،يصبح قابالً للدخول يف حلظة التسوية بتوفر شروط ثالثة:1
.0حتقق الدخول يف "أزمة األمل أو املعاناة املتبادلة" ،وأن االستمرار يف احلكرب
سيترتب عليه إما هناية ماللفة وقاتلة ،ودون أي احتمالية للتحسن ،أو حتقيكق
املطالب ،أو االنتقال إىل وضع أكثر عنفاً وسوءاً.
.1وجود أو توفر اعتقاد لدى أطراف الصرا بإمالانية وجود حل "ألزمة املعاناة
املتبادلة" ،مبعىن ،أن كل طرف من أطراف الصرا ،وصل إىل قناعكة بعكدم
إمالانية حتقيق حل أحادي أي من طرف واحد ،وأن الطريق مسدود لذلك.
وبالتايل جيب على األطراف املتصارعة أن تعترب احتمالية وجود بكديل ،هكو
مسارًا ثانيًا أو آخر مقبوالً ،هلذه األطراف (مثالً قبول مسار التفاوض أو احلل
الدبلوماسء وفقدان القناعة بإمالانية احلسم).
.2تغري الوضع على صعيد التوازن العسالري ،أو توازن القوة بكني األطكراف
املتصارعة ،على حنو يبدأ فيه الطرف األكثر قوة أو سيطرة بالتراجع؛ بينمكا
الطرف األقل قوة أو غلبة بالصعود وازدياد قوته وتأثريه.
ومن املالحظ ،حدوث بعض التطورات اليت أخذت تظهر منذ العقد األخكري
من القرن العشرين -يف عملية تسوية الصراعات - ،تتمثل يف الدخول بأشكالال
وتطبيقات جديدة هء:2
.0مشاركة أطراف ،أو فاعلني جدد ،مثل :املنظمات غري احلالومية.
Zartman, William: 1989, Ripe for Resolution: Conflict and Intervention 1
Africa, New York, Oxford University Press, pp. 266-273.
ملزيد من التفاصيل يف جمال التطبيقات اجلديدة انظر على سبيل املثال: 2
Kriesberg, Louis: "Conflict Resolution", in Klare, Michael T. (Ed):
Op. cit., pp. 177-180.
78
.1تتم ممارستها ضمن إطار عملية مؤسسية ،مع وجود وحدات فنية متخصصة،
يف املنظمات الدولية احلالومية أو غري احلالومية.
.2إعداد علمء ومنهجء ملمارسة عمليات املفاوضات والوساطة ،وكيفية تسوية
الصراعات.
.4إن عملية تسوية الصراعات ،هء عملية تطبق لي فقكط عنكد حكدوث
الصرا ،وإمنا يف أي مرحلة من مراحله ،مبا فيها مرحلة ما قبل الصرا ،من
خالل االهتمام باملنع الوقائء للصرا ،ونظام اإلنذار املبالر.
من جانب آخر ،عند تناول مفهوم تسوية الصرا ،ال بد من الوقوف عنكد
مفهوم متهيدي للتسوية ،وهو ما يُطلق عليه يف الترمجة العربية -أيضكاً -تسكوية
الصرا .ومييل الباحث إىل استخدام مصطلح "اتفاقية تسوية الصرا " ،إذ جيعل من
هذا املفهوم أقرب للشالل القانوين للتسوية ،بدالً عن مصطلح "تسوية الصكرا "؛
وذلك الختالف املقصود هبما .إن مفهوم "اتفاقية تسوية الصرا " حيكدد بأنكه:
"العملية اليت تعىن بوضع حد لعملية العنف املتبادل ،من خالل عقد اتفاقية سكالم
بني األطراف املتصارعة .1ومبعىن آخر ،هء" :عملية ،يغلب عليهكا التسكوية ،أو
احملصلة القانونية لتسوية الصرا ،وهء جزء أو مرحلة ،من عملية تسوية أوسكع،
تشمل أبعاداً وحراكاً سياسياً متنوعاً".
إن عملية الوصول إىل اتفاقية تسوية للصرا هتدف -عموماً -إىل ختلء
األطراف عن سلوك العنف املعلن ،وأعمال القسر ،واإلكراه ،وصوالً إىل حكل
وسط ،وهء بالنتيجة عملية تغيري يف السكلوك ،دون أن تتطلكب تغكيرياً يف
االجتاهات ،أو تغيرياً يف العالقات التنافسية .2ومبعىن آخر ،هء "تسوية تأخكذ
79
إطاراً قانونياً "اتفاقية سالم" ،يترتب عليه تغيري وختل عن سلوك العنكف بكني
الطرفني ،ولالن يف نف الوقت ال تعين إحداث تغيري أسكا ،يف االجتاهكات
السلبية ،أو املواقف االجتماعية والنفسية؛ بني الطرفني املتنازعني" .ومن أوضح
األمثلة على ذلك ،اتفاقيات السالم "الرمسية" بني األردن وإسرائيل ،وبني مصر
وإسرائيل ،إذ مت فيها التخلء عن سلوك/خيار الصرا املسلح ،دون حكدوث
تغيري يف االجتاهات ،واملواقف اجملتمعية ،أو ح الرمسية ،السكلبية أو الرافضكة
للتطبيع مع إسرائيل.
9مفووم المنع الورائي للصراعا :
إن ما ينتج عن عملية الصرا العنيف ،وخاصة "احلكروب" ،مكن معانكاة،
وكوارث بشرية وإنسانية ،ودمار اقتصادي واجتماعء وبيئء ،وغريها؛ دفع جهود
الباحثني واملمارسني يف جمال دراسات الصرا والسالم ،لي فقكط للبحكث يف
كيفية تسوية الصراعات ،وإمنا للعمل على هدف منع حدوثها أصكالً أو تالكرار
حدوثها؛ ومن هنا تولد يف حقل دراسات الصرا والسالم ،جمال يُطلق عليه "املنع
الوقائء للصرا " .ويتركز هذا اجملال العلمء ،حول إجياد آليات وأنظمة إلحكداث
عملية***** وقائية ،هتدف إىل منع حدوث الصراعات مستقبالً ،أو منع تصكاعد
الصراعات القائمة حالياً ،أو منع تالرار حدوثها.
بشالل عام ،تباينت جهود وآراء الباحثني واملؤسسات املتخصصة ،يف جمكال
الصرا والسالم حول حتديد هذا املفهوم ،وضبط حدوده .وميالن تلخيص أهكم
هذه املفاهيم فيما يأ :
يشري معهد كارنيجء للسالم ،إىل أن املنع الوقائء للصراعات هو ":عمليكة
هتدف إىل منع ظهور الصراعات العنيفة ،أو منع الصراعات اجلاريكة ،مكن
امتدادها وانتشارها ،أو منع إعادة ظهور العنف يف هذه الصراعات".1
ويشري "بيتر فالنستني" - Peter Wallensteenأيضاً -إىل أن املنع الوقكائء
للصرا هو" :أفعال بنّاءة ،يتم اللجوء إليها ،لتجنكب هتديكد ،ولتجنكب
Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict: 1997, 1
Preventing Deadly Conflict: Final Report, Washington D.C, Carnegie
Corporation of New York, P X U iii.
81
استخدام أو نشر القوة املسلحة ،من قبل أطكراف متنكازعني يف خكالف
سياسء".1
بينما يشري "مايالل لند" Micheal Lundإىل مفهوم إجرائء ،وأكثر مشولية؛
إذ يرى أن املنع الوقائء للصراعات هو" :أي وسكيلة هيالليكة بنيويكة أو
متداخلة القطاعات ،ملنع التوتر والنكزاعات داخل الدولة ،أو بني الدول من
التصعيد إىل عنف ملمو ،واستخدام القوة املسلحة ،وكذلك لتعزيز قدرة
أطراف من احملتمل دخوهلا يف صرا عنيف على تسوية نكزاعاهتا سكلمياً،
وإحداث تقدم ملمو يف تسوية املشالالت اجلوهرية ،اليت تولد تكوترات
ونكزاعات".2
ويشري األكادميء العربكء عمرو عبد اهلل ،إىل أن املنع الوقائء هو" :عمليكة
ترتبط بتوفري بيئة معرفية ومهارات للتعامل اإلجيابكء مع الصكراعات" ،وأن
مفهومه هو" :أن تنجح اجملتمعات واألفراد يف اكتساب املعرفة واملهارات ،اليت
متالنهم من التعامل مع النكزاعات بأسلوب سلمء وإجيابككء ،يكؤدي إىل
إشبا حاجات ومصاحل األطراف ،دون تصعيد أو عنف".3
ويعرب األمني العام األسبق لألمم املتحدة بطر غايل ،عكن املنكع الوقكائء
للصرا مبصطلحات رديفة مثل الدبلوماسية الوقائية ،أو املنع الوقائء لألزمات.4
Wallensteen, Peter (ed): 1998, Preventing Violent Conflict: Past 1
Record and Future Challenges, Uppsala: Uppsala University, Sweden,
Department of Peace and Conflict Research, p. 11.
Lund, Michael: 2002, "Preventing Violent Intrastate Conflicts: 2
Learning Lessons from experience", p. 117, cited in Wallensteen,
Peter & Moller, Frida: 2003, Conflict Prevention: Methodology for
Knowing the Unknown, Uppsala University, Uppsala, Department of
Peace and Conflict Research, Peace Research Paper, No. 7, p. 5.
عبد اهلل ،عمرو خريي :حل النكزاعات ،معهد دراسات السالم -جامعة السالم التابعة 3
لألمم املتحدة ،كوستاريالا.049. ،1111 ،
انظر على سبيل املثال: 4
بطرس غايل ،بطرس :خطة للسالم ،منشورات األمم املتحدة ،نيويورك ،0111 ،ط.1
Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: Peace - Building, Crisis
Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the
Context of Crisis, Conflicts, and Disasters Op. cit.
80
وبالرغم من وجود تباين -أحياناً -بني هذه املصطلحات ،إال أهنا من حيث
اجلوهر تسعى إىل غاية واحدة ،وهء إحداث عملية وقائيكة مكن الصكراعات أو
األزمات ،أو هتيئة الظروف املناسبة لتحقيق هذه الغاية.
ويعلق أحد الباحثني يف هذا احلقل العلمء" ،بيتر فالنستني" ،على أن معظكم
تعريفات املنع الوقائء للصرا ،تُستخدم بشالل هالمء ،وبشكالل جيعكل هكذه
املفاهيم فضفاضة جداً ،وجيعلها غري عملية يف اجملال البحثء ،وضعيفة من الناحيكة
التطبيقية ،أو اإلجرائية؛ مما يتطلب من اجلماعة البحثية/األكادميية العمل على تطوير
أجندة جمال املنع الوقائء للصرا .1
ورمبا من املفيد اإلشارة هنا ،إىل أن املنع الوقائء للصراعات يشمل نوعني ،أو
منطني من األعمال أو اإلجراءات:
.0أعمال املنع الوقائء للصرا على املدى القصري/املنع الوقائء املباشر.
.1أعمال املنع الوقائء على املدى الطويل/املنع الوقائء البنيوي للصراعات.
وسيتم يف الفصل الرابع عرض املزيد من التفاصيل حول كل نو من هكذه
األعمال الوقائية.
7مفووم الحرب األهلية:
تناولت األدبيات الغربية ،يف جمال دراسكات الصكرا والسكالم ،مفهكوم
الصراعات األهلية ،أو احلرب الداخليكة بعكدة مصكطلحات إجنليزيكة ،منكها:
( .)Intra-state Conflict; Civil Warوبالرغم من وجود بعض التباين اجلزئء بني
هذه املصطلحات ،إال أهنا من حيث اجلوهر حتمل مضموناً واحداً.
ويف الوقت املعاصر ،هناك معنيان عند التعامل مع مفهوم الصكراعات األهليكة:
أحدمها واسع ،وهو يرتبط ،أو يترادف مع كل أشالال العنف الداخلء ،مثل الالفكاح،
أو العنف السياسء .واآلخر حمدود أو ضيق ،وهو مرتبط أو حمدد بالصرا فقط.
وبالنسبة للمعىن الواسع ،والذي استخدم مكن قبكل "هكاري إكسكتني"
،Ecksteinفإنه يعين :حماولة لتغيري السياسات احلالومية ،للقكادة أو احلالكام أو
81
عام ،فإن املقصود بك "إصالح النكزا " أنه" :عملية طويلكة املكدى ،تسكعى
إلحداث تغيري ،ومعاجلة عميقة وجذرية ،هياللية أو بنيويكة ،لالامكل مصكادر،
ومسببات الصرا أو العنف ،وعلى كافة الصعد واملستويات ،وهء تعمكل علكى
إصالح العالقات ،واملفاهيم والبيئة احمليطة بالصرا وأطرافه" .ومبعىن آخر ،حتويكل
اإلمالانيات ،والقدرات اإلنسانية إىل عملية إجيابية بناءة ،وبناء السكالم الكدائم أو
املستدام.1
إن الترمجة العربية احلرفية ،للمصطلح اإلجنليزي "حتويل الصرا " ،ال تعبّر عن
املقصود من هذا املصطلح .بينما يشري بعض البكاحثني ،إىل اسكتخدام مصكطلح
"إصالح النكزا " ،بديالً عن هذه الترمجة احلرفية ،وهذا املصطلح العربكء يسمح
لنا بتفهم كافة أبعاد املعىن املقصود ،وهو إصالح العالقة بني األفكراد ،وإصكالح
عناصر احمليط ،وإصالح ذات النف ،مبا يؤدي إىل اخلري .ورمبكا يالكون التكأثري
اإلسالمء هنا واضحاً؛ إذ إن "الصلح خري".2
إن استخدام "إصالح النكزا " ،أو "صالح النكزا /الصرا " حيكوي داللكة
لغوية عربية قوية بديلة عن الترمجة احلرفية ،فتشري بعض معاجم اللغة العربيكة إىل أن
معىن :صلح ،صالحاً ،أي زال عنه الفساد .وأصلح بينهما :أي أزال ما بينهما مكن
عداوة وشقاق .ويف القرآن الالرمي :وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِنيَ اقتَتَلُكوا فَأَصْكلِحُوا
بَيْنَهُمَا( ...سورة احلجرات ،آية .)1ويُقال :الصالح مبعىن االستقامة والسالمة من
العيب ،ويقال :أيضاً أن الصلح هو إهناء حالة احلرب ،وقيل :الصلح هكو السكلم.3
وعموم هذه الدالالت اللغوية العربية ،تشري إىل وجود عملية صلح جذري وتعكايش
سلمء وتعاون بني األطراف ،كما تشري إىل أن صالح النكزا ،هو حالة أو معاجلة
متت وانتهت للصرا ،وأن العمل اإلجيابكء قائم يف مرحلة ما بعد الصرا .
املصدر:
Galtung, Johan: 1969, Violence, Peace and Peace Research, Journal of Peace
Research, Vol. 1, no. 3, p. 183.
ويشري بعض العلماء املؤسسني حلقل دراسات الصرا والسالم ،من أمثال لوي
استخدام القوة املسلحة حلل الصراعات .ولالن رايت مل يقكف عنكد هكذا
املفهوم (السالم السلبكء) ،وإمنا استخدم مفهوماً أكثر عمقاً وتطوراً وأقرب
إىل ما أطلق عليه السالم اإلجيابكء .حيث يشري رايت ،إىل أن السالم هكو
86
عبارة عن الظروف ،أو بيئة اجملتمع اليت يسود فيها النظكام ،والعكدل علكى
الصعيد الداخلء بني أعضاء اجملتمع ،وعلى الصعيد اخلارجء يف عالقاته مكع
اآلخرين.1
87
التعاون ،والتسامح ،اإليثار ،واحملبة ،وغريها .وكذلك مع الوعء وحسن الكتفالري
واإلدراك .وبالتايل فإن السالم يف املنظور اإلسالمء ،هو خلق عالقة من االنسجام
مع التوازن والتالامل ،ما بني احلاجات اإلنسانية والقيم والوعء إلجياد عالقة عطاء
وتفاعل إجيابكء بني اإلنسان مع اهلل ،ومع أخيه اإلنسان( ،سواء يف جمتمعه احمللء،
أو اإلنساين الواسع) ،ومع ذاته ،لتحقيق الطمأنينة والسعادة من جهكة ،ولتحقيكق
اخلري والعمران للبشرية واجملتمع اإلنساين العام ،وهو ما يشالل حتقيقكاً إلرادة اهلل،
وعبوديته من جهة أخرى.
88
وتعترب األمم املتحدة هذا النشاط ،أو املفهوم من ابتالارها ،وتعرب عن مفهومها
حلفظ السالم بأنه" :نشر قوات تابعة لألمم املتحدة يف امليدان" ،ويتم ذلكك
ح اآلن ،مبوافقة مجيع األطراف املعنية ،ويشكمل عكادة اشكتراك أفكراد
عسالريني و/أو أفراد من الشرطة تابعة لألمم املتحدة ،وغالبكاً -أيضكاً -
باشتراك موظفني مدنيني.
وتعترب رؤية األمم املتحدة ،أن حفظ السالم هو مرحلة سكابقة ،للوصكول إىل
عملية صنع السالم ،على عال التسلسل اليت تناولته هذه الدراسة والالثري مكن
األدبيات العربية ،اليت ترى أن املرحلة األوىل تبدأ بصنع السالم بكني األطكراف
املتصارعة ،تليها عملية احلفاظ على هذا السالم؛ أي حفظ السالم .ويشري البعض
هنا إىل أن مفهوم فرض السالم ،يُقصد به ،فرض اتفاقية سالم بكني األطكراف
املتصارعة ،من قبل طرف ثالث ،ميلك القوة على فرض ذلك على الطرفني.
.3مفهوم بناء السالم :هء عملية مترادفة ملا أطلق عليه سابقاً "حتويل ،أو إصالح
الصرا " ،وتتم عادة بعد انتهاء الصرا ،وهء" :عملية تُعىن بالقضاء على أيكة
جذور للعنف -سواء املباشر أو غري املباشر (البنيوي) -قد تؤدي إىل حدوث
صرا مستقبالً ،ويف نف الوقت ،ترسيخ وبناء عالقة تعاونية بعيدة املكدى،
وإحداث تغيري قيمء ومفاهيمء ومؤسسا ،يعمل على استقرار وبناء السكالم
على املدى البعيد ،وحتويل هذا التغيري املفاهيمء والقيمء اإلجيابكء إىل عمليكة
بنيوية راسخة يف عالقات األطراف ،واستثمار القوى واإلمالانيكات اإلجيابيكة
لدى األطراف ،وفق رؤية مستقبلية لبناء السالم العادل الدائم" .وتعرب األمكم
املتحدة عن مفهومها لبناء السالم بأنه" :العمل على حتديد ودعم اهلياكل ،الكيت
من شأهنا تعزيز وتدعيم السلم؛ لتجنب العودة إىل حالة الصرا ".
من ناحية أخرى ،فإن شالل وتسلسل العالقة بني هذه العمليات ،أو املفاهيم
الثالثة املرتبطة بالسالم أخذ اجتاها متباينًا أو متنوعاً؛ فعلى سبيل املثال ،فإن األمكم
املتحدة حتدد العالقة بني هذه العمليات الثالث بأهنا تبدأ حبفظ السالم ،وهو سبيل
لصنع السالم ،ومها يُفرزان يف حالة جناحهما فرصة بناء السكالم ،بينمكا بعكض
الدراسات املتخصصة ،مبا فيها هذه الدراسة -وكما أُشري سكابقاً -متيكل إىل أن
العالقة تبدأ بصنع السالم ،مث حفظ السالم ،انتهاءً ببناء السالم.
89
ومن جانب آخر ،ميالن القول إن مفاهيم الصرا ،ومفاهيم السالم ال ميالكن
الفصل بينهما فصالً واضحاً ،وال يوجد بينهما حكدود قاطعكة؛ فهكء مفكاهيم
وممارسات وتفاعالت إنسانية ،تتباين يف مضامينها ،وتتداخل يف حدودها يف ضوء
اجتهادات أهل االختصا .واملمارسة ،حسب طبيعة املمارسة العملية ،خاصة من
قبل املنظمات الدولية ،والدول وقوى امليدان ،ومنظمات اجملتمع املدين ،وغريها من
الفاعلني .وبالتايل ،فإن عملية الصرا والسالم :هء سلسلة من العمليات املتفاعلة
يف أهدافها ،وإجراءاهتا ،ودوافعها أو نتائجها.
وحياول الشالل املرفق ،حتديد أشالال العالقة بني جمموعكة مفكاهيم الصكرا ،
وجمموعة مفاهيم السالم ،سواء يف داخل كل جمموعة ،أو يف عالقاهتا مكع اجملموعكة
األخرى.
91
المناهج األساسية لدراسا الصراع:
يف ضوء استعراضنا ملفاهيم دراسات الصرا والسالم ،رمبا مكن املناسكب
استالمال تناول املفاهيم ،من خالل الوقوف على أهم املناهج األساسكية ،حلقكل
دراسات الصرا والسالم ،فالما هو معروف إن هذا احلقل خرج من رحم حقل،
أو ختصص العالقات الدولية ،فالان من الطبيعء أن تكنعال منكاهج العالقكات
الدولية ،على ختصص ودراسات الصرا والسالم .واستالماالً لإلطار املفكاهيمء
وملزيد من اإلحاطة أو اإلملام بالصورة الاللية ،واألبعاد النظرية حلقكل دراسكات
الصرا والسالم .ويف ضوء استعراضنا ملفاهيم الصرا والسالم ،رمبا من املناسكب
استالمال تناولنا للمفاهيم والوقوف على أهم املناهج األساسية ،حلقل دراسكات
الصرا والسالم .سوف نتناول هنا أهم املناهج العامة ،أو األساسية يف هذا اجملكال
العلمء ،وإن كانت هذه املناهج ليست املناهج الوحيدة املستخدمة ،يف هذا احلقل
العلمء .لقد تباينت وتعددت آراء الباحثني حول املناهج العلمية املستخدمة يف هذا
احلقل العلمء ،وسنتناول هنا أهم مناهج هذا احلقل ،حيث يشري لوي كريسكربغ
Louis Krisbergإىل املناهج الثالثة اآلتية:1
9منوج وحدو الدولة (الدوالنية) Statism
وهو املنهج ،الذي يقوم على أسا وحدة الدولكة يف العالقكات الدوليكة،
ومنظور الواقعية ،وهو املنهج التقليدي الذي يدر العالقات الدولية مكن خكالل
وحدة الدولة .وهو جزء من منهج املدرسة الواقعية (من أهم مؤسسكيها هكان
مورغانثو) .ومنهج الدوالنية يعتمد على مفهوم القوة؛ وأولوية األمكن واملصكلحة
القومية للدولة.
واعتماد هذا املنهج ،يعين جلوء القادة أو صنا القرار يف الدولة ،إىل القكوة
والعنف لرد اخلصوم ،أو تسوية الصراعات ،وكما يركز هذا املنهج على مفهكوم
توازن القوى ،أو عالقات القوة ،وعلى استخدام القكوة العسكالرية يف معاجلكة
الصراعات وتسويتها أو منع حدوثها.
Kriesberg, Louis: 1992, International Conflict Resolution: the U.S - 1
USSR and the Middle East Cases, U.S, Yale University, pp. 5-8.
90
2منوج وحدو الفرد أو الشعب (الشعبوية)
وهو منهج ،يعتمد على مستوى العالقات بني األفراد ،ويقوم كذلك على
أساس التفاعالت بني األشخا( .سواء أكانوا أفراداً أم صنا قرار ،أم مجاعات).
وعالقات االعتماد املتبادل ،أو التأثري املتبادل للنا والاليانات اجملتمعية ،مما يدفعها
لالخنراط يف األنشطة معاً *،وهذا املنهج يولد من هذه التفاعالت علكى مسكتوى
األفراد ،أو اجلماعات حراكاً أو حركات اجتماعية تعمل إلحداث التغيري ،وجتنب
الصراعات واحلروب .وينظر هذا املنهج لألمن بأنه لي أمن الدولة فحسب ،بكل
أمن اجملتمع بالل أفراده ،ويف كل دولة ،مما جيعل عالقات تفاعل بكني أفكراد ،أو
مجاعات من دول خمتلفة تسعى إىل إجياد حركات اجتماعية تعمل علكى إحكداث
تغيري يف سياسات احلالومة واألنظمة السياسية.
ويتبىن هذا املنهج مفهوم األمن اجلماعء ،وحق تقريكر املصكري للشكعوب،
واالعتماد على القيم ،والقانون الدويل ومؤسساته ،والعمل الدبلوماسء يف تناولكه
ومعاجلته عملية إدارة وتسوية الصراعات .وهذا املنهج ،أقرب ما يالون للمدرسكة
املثالية ،بالرغم مما يعتري ممارسة هذا املنهج -أحياناً -شءء من الغوغائية الشعبية
أو املثالية احلاملة.
3منوج التعددية
استخدم هذا املنهج يف األصل ،لتفسري السياسات اخلارجيكة واملمارسكات
الدولية ،وهو يتالون من شقني أو مستويني ،األول :الرؤية أو "النكزعة العامليكة"،
أو"أنظمة العامل" .والثاين" :الفاعل -املتعدد/تعدد الفاعلني".
بالنسبة ملستوى "النكزعة العاملية" ،فهو يقوم على وضع مصكاحل مجيكع ،أو
كامل دول العامل فوق مصاحل الدول منفردة .وهذا املستوى يركز علكى التنميكة
االقتصادية ،وقضية التباين وعدم التالافؤ ،أو املساواة االقتصادية واالجتماعيكة يف
العامل ،أو بني دول العامل .ويرى أصحاب هذه النكزعة العامليكة ،أن الصكراعات
الدولية نتاج أو مرتبطة حبالة التباين الالبري أو الواسع بني الدول الرأمسالية الغنيكة،
والدول النامية الفقرية .باإلضافة إىل إشالالية التباين االقتصادي .ويؤكد أصكحاب
هذه النكزعة أيضاً ،ضرورة االعتماد املتبادل ،والتعاون بني الكدول واملنظمكات
91
العابرة للحدود ،أو القوميات سواء احلالومية ،أو غري احلالومية .ومن هنكا يكرى
أصحاب هذا املنهج ،أن السالم يرتالز على حتقيق التالامل؛ واالندماج واالعتمكاد
املتبادل بني وحدات اجملتمع الدويل من جهة ،وعلى مدى فعالية املنظمات الدوليكة
من جهة أخرى.
أما بالنسبة للمستوى الثاين هلذا املنهج" - ،الفاعل املتعدد -تعدد الفاعلني"،
فهو يؤكد أن الفاعلني ،أو املشاركني يف العامل ليست الدول ،أو املنظمات الدولية
العابرة للحدود أو القوميات وحسب ،وإمنا هناك حركات دون قومية أو فكاعلني
حمليني ،هلم دور أساسء يف صراعات العنف ،وأن السياسات اخلارجيكة للكدول،
مرتبطة بفاعلني دوليني أو خارجيني ،وبفاعلني حمليني ،وإن قناعات ومنكافع ككل
فاعل ،هء اليت حتدد شالل العالقات بني احللفاء ،أو املعارضني ،فتالون عالقكات
تعاون أو عالقات صرا .ويرى أصحاب هذا املنهج التعددي ،أن السكالم هكو
مزيج من القوة والقيم ،واملصاحل .ويعترب أصحاب هذا املنهج ،أنه ال فاعل واحكد
لديه الشرعية لالدعاء املطلق حبصوله على هذا املزيج ،بينما خصومه غكري متكوفر
لديهم هذا املزيج .كما يؤكدون أن هناك أمناً مشتركاً ،ويرفضون مبدأ حتقيق أمن
الفاعل على حساب إلغاء أمن اخلصوم.
منوج الالعنف
تشري العديد من أدبيات الصرا وفض املنازعات ،إىل مناهج أخكرى ،مكن
أمهها:
منظور/منهج الالعنف والسالم :إن منهج الالعنف يُعترب من املناهج الرئيسية
يف التعامل مع الصراعات ،وفض املنازعات وحتقيق السالم .ومكن الكرواد
املمارسني هلذا املنهج "غاندي" يف مقاومة االستعمار يف اهلند ،ومارتن لكوثر
كنغ يف أمريالا ،للمطالبة باحلقوق املدنية للسود .ويُقصد مبنظكور الالعنكف
"هو جمموعة مواقف ،ومفاهيم وأفعال املقصود منها اجتما النكا علكى
اجلانب اآلخر بتغيري آرائهم ومفاهيمهم وأفعاهلم ،ويستخدم الالعنف وسائل
سلمية لتحقيق نتائج سلمية .ويعين الالعنف بأن املعنيني ال يثأرون بعنف من
أفعال خصومهم ،بل ميتصون الغضب والضرر ،بينما يقومون بإرسال رسكالة
91
راسخة عن الصرب ،والتصميم على هزمية الظلم" .1ويلخص أحكد البكاحثني
السمات العامة هلذا املنهج الالعنيف كما يأ :2
إن هناك تباينا كبرياً يف جتاهات هذا املنهج ،ما بني رافض بشكالل مطلكق ،أو
كلء الستخدام العنف ،وما بني جتاه يقبل العنف كضرورة طارئكة ،ال بكديل
عنها ،خدمة للخري ومقاومة للشر ،أ وما يُعرف ضمن نطاق "احلرب العادلة"،
وجتاه ثالث جيمع بينهما حتت مسمى منهج "الالعنف النشكط" ،وهكو جتكاه
يتوسط االجتاهني ،وهو يقوم على أسا تغيري موقف اآلخرين ،جبعل استخدام
العنف "ماللفاً جداً :من خالل االعتماد على وسائل القوة املدنية ال العسالرية.3
منهج الوسطية( :الدمج بني املثالية ،والواقعية)
وهو منهج إسالمء املصطلح واملفهوم ،يقوم على مقاومة الظلم والعكدوان،
والقيام باإلصالح وفق مبدأ احلق ،أو العدل ،أو حتقيق اخلري .ولالكن هكذا
املنهج ،ال يرفض استخدام القكوة بأشكالاهلا املاديكة ،واملعنويكة (املدنيكة
والعسالرية) ،ولالن ،وفق ضوابط أخالقية ،يلتزم بالعدالة ،وتقدر الضكرورة
بقدرها ،فهوال يتعامل خبيالية ،أو مثالية مطلقة ،وال بواقعية مفرطة األنانيكة،
ومنحازة للمصلحة الذاتية ،أو خالية من الضوابط والقيم األخالقية ،فهو يقوم
على مبدأ الدمج بني املثالية والواقعية ،وإن استخدام هذا املنكهج يف حقكل
دراسات الصرا والسالم ،مازال حباجة ملزيد مكن الدراسكات وجهكود
الباحثني ،لتحديد مفاهيمه وتطوير آلياته أو أساليبه وتطبيقاته ونتائجه.4
كما هو معروف ،إن ظاهرة العنف والصرا ،هء ظاهرة معقكدة متداخلكة
األبعاد ،واملؤثرات من مستويات خمتلفة ،ومن هنا ،كانت احلاجة إىل إجياد إطكار
منهجء يساعد يف فهم وحتليل هذه الظاهرة ،واألبعاد األساسية هلكذه الظكاهرة.
يتناول هذا املبحث حتديد اإلطار املنهجء/التحليلء الذي يتناول هكذه الظكاهرة،
وأبعادها .وهو يشالل املرحلة ،أو العملية األساسية يف حتليل وفهكم أي ظكاهرة
صراعية.
قام يوهان غالتونع ،Johan Galtungأحد العلماء املؤسسني لعلم دراسكات
الصرا والسالم ،بصياغة أمنوذج شالل البنيان األسا ألبعاد الصرا ،وذلكك يف
دراسة له عام ،0191وهذا البنيان متثل يف أمنوذج عرف بك "مثلكث الصكرا "
ABC Triangleأو .Conflict Triangle1وأحياناً يُطلق عليه هندسة الصرا .
وحيتوي هذا املثلث ،على ثالثة أركان ،أو أبعاد أساسية للصرا أو العنكف،
وهء األول :االجتاهات ،الثاين :السلوك ،والثالث السياق ،أو التناقضات البنيويكة،
أو العنف البنيوي.
هذا النموذج أو اإلطار ،يسمح لنا بتحليل عملية الصرا والعنف بأبعادها
املختلفة ،كما يساعد يف حتديد كيفية البدء يف معاجلة ،أو تسوية الصكرا أو
95
ظاهرة العنف .وفيما يأ توضيح مثلث الصكرا أو األبعكاد الثالثيكة هلكذا
األمنوذج:1
.1االجتاهات :ويُقصد باالجتاهات هنا" ،األمناط املشكتركة (املتداخلكة) مكن
التوقعات ،والعواطف املوجهة ،واالنطباعات اليت تصاحب وضعا صكراعيا،2
من قبل األطراف املتصارعة ،واالجتاهات املقصودة يف أمنوذج الصرا هكء
االجتاهات السلبية جتاه الطرف اآلخر( ،سواء أكانت فرداً أم مجاعة أم دولة أم
غري ذلك) .وتتضمن هذه االجتاهات السلبية جمموعة من املالونات ،أمهها:
العواطف واملشاعر ،مثل( :اخلوف ،الالراهية ،الغضب ،عكدم الثقكة،
االحتقار واالزدراء) وغري ذلك من املالونات واألمثلة.
االنطباعات والتصورات ،مثل الصور النمطية السلبية ،عن اآلخر وغكري
ذلك.
املعتقدات مثل األحالام أو املواقف املسبقة عن اآلخر.
الرغبات واألمنيات مثل املطامع واملصاحل الذاتية.
.2السلوك :ويقصد به هنا ،األعمال واملمارسات الفعلية العنيفة من قبل أحكد
األطراف يف أي وضع صراعء ،ويهدف إىل جعل الطرف املعارض ،يتخلكى
عن أو يغري أهدافه املتعارضة مع الطرف اآلخر .3باحملصلة ،فإن السلوك عبارة
عن ممارسات فعلية ،أي واضحة معلنة جتاه اخلصم .ومن أمثلة هذا السكلوك
الصراعء :القتل ،اإليذاء اجلسدي ،التهديد ،احلصار ،احلكرب والعكدوان،
العبارات والاللمات املسيئة لآلخر ،احلرب اإلعالمية وغري ذلكك .وبالتكايل
يتسم السلوك الصراعء إما بالعنف أو اإلجبار واإلكراه أو التدمري السلبككء
96
املادي أو املعنوي .والسلوك الصراعء يعمل على التكأثري علكى العالقكات
واملصاحل بني األطراف املتصارعة.
.3السياق أو التناقضات البنيوية :وهء عبارة عن وضع هياللكء ،أو بنيكوي
حيتوي مسببات وأشالالًا غري معلنة أو كامنة ،من املمالن أن يؤدي إىل حالكة
صرا عنيف ،أو عنف سلوكء من قبل األطراف املتعارضة ،يف أهكدافها أو
مصاحلها .ويعرب ميتشل عن ذلك بأن أي وضع أو حالة يالون فيها كيانكان
جمتمعان أو طرفان أو أكثر يعتقد أن لديهما تناقضا يف الغايات ،1ومن أمثلكة
هذه التناقضات البنيوية والسياق ما يأ :
التمييز من قبل طرف جتاه آخر ،سكواء يف جمكال التعلكيم ،النكو
االجتماعء (اجلندر) ،أو الطائفة ،أو الدين ،أو العمكل ،أو العكرق ،أو
اللون (التمييز العنصري) ،وغري ذلك.
التباين الطبقء يف النظام االجتماعء داخل الدولة الواحدة ،مثل وجكود
طبقية حادة بني األغنياء والفقراء ،أو تباين اجتمكاعء ،أو اقتصكادي،
داخل النظام الدويل ،مثل ،التباين احلاد بني الدول الفقرية والدول الغنية،
وغريها من أشالال التباين الطبقء.
وجود استقطابات اجتماعية ،أو سياسية داخل اجملتمع ،مثل( ،طائفة ضد
طائفة ،أو أقلية عرقية ضد أغلبية عرقية ،أو قبائل وعشائر ضد أخرى ،أو
وجود استقطاب بني قوى كربى يف النظام الدويل ،مثل احلرب البكاردة
وما نتج عنها من عنف وحروب بالوكالة بني العديد من الدول).
جتاهل أو إنالار احلقوق املشروعة لآلخرين ،سواء للدول أو الشعوب أو
األقليات أو الطبقات أو األفراد أو غريها.
وجود قوانني وتشريعات غري عادلة ،أو ال حتقكق املسكاواة وتالكافؤ
الفر..
وجود قيم سلبية ،مثل عدم التسامح ،الغرور واالسكتالبار (السياسكء
واالجتماعء) ،سيطرة النكزعة الفردية األنانية ،على حساب النككزعة
اجلماعية.
97
االستخدام السلبكء للتباين يف عالقات القوة ،كأن يسكتخدم عنصكر
القوة للهيمنة أو إخضا اآلخرين ،استخدام ازدواجية املعايري يف النظام
الدويل يف تطبيق القانون الدويل لصاحل األقوياء على حساب الضكعفاء
أصحاب احلق.
مالونات الثقافة لالل طرف ،وما ختلقه من تباين يف وجهات النظر جتاه
القضايا احملورية ،يف احلياة ،مثل املقارنة يف مفهوم املقاومة واإلرهكاب،
مفهوم وقضايا حقوق اإلنسان ،ودور الدين ،وغري ذلك.
عموما ،إن هذه األركان ،أو األبعاد الثالثة للعنف ،أو الصرا (االجتاهكات،
السياق ،السلوك) تتفاعل مع بعضها تأثرياً وتأثراً ،وقد يأخذ هذا التفاعل منحكىً
سلبياً يتمثل يف تصعيد الصرا وزيادة حدته ،أو منحىً إجيابيكاً حنكو التهدئكة،
والتسوية والتعايش اإلجيابكء .وميالن تلخيص إطار فهم وحتليل أبعاد العنكف أو
مثلث الصرا ،ABC Triangleوطبيعة تفاعالهتا وفق الشالل اآل :
الشكل ررم ()3
ABC Triangle مثلث الصراع
98
كما قام يوهان غالتونغ الحقاً ،مبتابعة Follow Upوتطكوير واسكتالمال
أمنوذجه للصرا والعنف ،بإضافة أمنوذج آخر مالمل أطلق عليه العنكف الثقكايف
،Cultural Violenceوذلك يف دراسة نشرها عام .0111وهء عملية اسكتالمل
فيها فهم وحتليل عملية الصرا والعنف وأبعادها .وربط فيها بني أنكوا العنكف
املباشر ،وغري املباشر اليت سبق اإلشارة إليها .ويشري غالتونغ يف أمنوذجكه العنكف
الثقايف ،إىل مفهوم له ،أنه عبارة عن جمموعة أوجه الثقافة ،والعناصكر الرمزيكة يف
وجودنا ،املتمثلة بالدين ،واأليدولوجيا ،واللغة والفن ،والعلوم التجريبية (االقتصادية
على وجه اخلصو ،).والعلم اجملرد (املنطق والرياضيات) ،واليت ميالن اسكتخدامها
لشرعنة Legitimizeالعنف املباشر ،أو العنف البنيوي (غري املباشر) .1ويعرب عكن
العالقة بني العنف الثقايف والعنف البنيوي والعنف املباشر ،باألمنوذج اآل :
ويرى غالتونغ ،أن العنف يف هذا النموذج ميالن أن يبدأ من أي بعد ،أو أي
ركن من األركان يف هذا األمنوذج (املثلث) ،ومن السهولة أن ينتقل إىل األركان
أو األبعاد األخرى .ويرى أن العمل على التغكيري اإلجيابككء ألرككان هكذا
املثلث /األمنوذج جيب أن يتم على األركان الثالثكة يف نفك الوقكت ،وعكدم
Galtung, Johan: 1990, "Cultural violence", Journal of Peace Research, 1
Vol. 27. 3, p. 291.
99
االفتراض أن التغيري يف ركن أو بعد سيؤدي تلقائياً إىل إحداث التغيري يف البعدين
اآلخرين.1
ويشري غالتونغ ،إىل العالقة بني األمنوذج األول للصرا ( ،األبعكاد الثالثيكة)
،ABC Triangleواألمنوذج الثاين (العنف الثقايف) ،من خالل تأثري كل طكرف،
على الفضاء الثاين .ويوضح غالتونغ ،إىل أن القضاء على العنف املباشر من خكالل
تغيري السلوك ،واالنتهاء من العنف البنيوي؛ من خالل معاجلة التناقضات البنيويكة،
واالنتهاء من العنف الثقايف من خالل تغيري االجتاهات .Attitudes2
011
املبحث الرابع
إن احلجم الالبري لعملية التداخل ،والتفاعل بني الفاعلني ،أو بكني مالونكات
وقضايا اجملتمع الدويل تأثراً وتأثرياً -خاصة يف ضوء ظاهرة العوملة -جعكل مكن
األزمات الدولية املعاصرة يف هذا اجملتمع ،عملية قابلة لالنتشار ،والتوسع بسهولة،
مع قابلية أو سرعة هتديدها لألمن والسلم الدوليني ،إن مل يتم إدارهتا وتسويتها وفق
عملية علمية وراشدة تشمل معاجلة شاملة لالافة مراحل وأبعاد األزمة ،أو الصرا
الدويل .ويشري بعض الباحثني ،إىل حقيقتني تتسم هبما احلياة الدولية املعاصرة:1
األوىل :توصف بأهنا عصر األزمات.
والثانية :أن أقدار ومستقبل احلياة البشرية ،تعتمد على قدرات صنا القكرار
يف إدارة األزمات الدولية اليت قد تصبح شرارة الصراعات الدولية.
كما أنه نتيجة لتزايد حجم التهديد واملخاطر ،الذي تشالله األزمات الدولية
على البيئتني اإلقليمية والدولية ،جعل االهتمام العلمء مبوضكو إدارة األزمكات
الدولية وتسويتها ضرورة حياتية وعلمية سواء على صعيد املمارسة أو التنظري ،وإن
ارتباط الالثري من األزمات الدولية بظاهرة الصراعات الدولية ،وهتديدها يف ككثري
من األحيان ،لألمن والسلم الدوليني دفع إىل إفراد مبحث خا .يف هذه الدراسكة
ملوضو إدارة األزمات الدولية.
يتناول مبحث إدارة األزمات الدولية احملاور التالية:
مفاهيم أساسية يف جمال األزمة الدولية.
Holsti, Ole R.: 1999, "Crisis Management", p. 396, in Seek Choue, 1
Young (ed): World Encyclopedia of Peace, pp. 396-400, New York,
Oceana Publications, Inc, Vol. I, Second Edition.
010
اخلصائص والسمات العامة لألزمة الدولية.
حممد شدود ،ماجد :إدارة األزمات واإلدارة باألزمة ،األوائل للنشر والتوزيع ،دمشق، 1
،1111ط.01 . ،0
011
مفووم األزمة:
إن مفهوم أو تعريف األزمة ،من املفاهيم اليت من الصعب وضع مفهوم قاطع
الداللة ،أو مفهوم شامل جامع" ،قاطع" يف داللته .إن وجه الصكعوبة يف حتديكد
مفهوم األزمة ،يالمن يف مشولية طبيعته ،واتسا نطاق استعماله لينطبق على خمتلف
صور العالقات اإلنسانية ،يف كافة جماالت التعامل اإلنساين ،وعلى تعدد مستوياته،
ح يالاد يالون من املتعذر علينا ،إن مل يالن من املستحيل ،أن جنكد مصكطلحاً
يضار "األزمة" ،يف ثراء إمالانياته ،واتسا جماالت استخدامه .1بدءاً من احلديث
عن اتسا أزمة "الثقة" ،اليت تنشأ على مستوى أفراد ،وانتهاءً بأزمة العالقات بني
الدول العظمى ،أو الالربى وما ينتج عنها من خماطر كربى.
إن مفهوم األزمة من الناحية اللغوية العربية ،يُقصد بكه" :الضكيق والشكدّة
والقحط أو الشح يف املوارد ،كما تُطلق على املصائب ،واالبتالءات أو الالرب".2
ويشري بعض الباحثني ،إىل بعض التعابري يف القرآن الالرمي ويف السنة النبويكة عكن
األزمة ،فقد عبّر القرآن الالرمي عن األزمة مبعانٍ عدّة ،منها:
َاتقُوا
" .0الفتنة" ،من حيث أهنا هتديد خطري للقيم ووجود النظام أو املنظومة" و َّ
َن الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْالُمْ خَآصَّةً( ...سورة األنفال.)11 ، فِتْنَةً الَ ُتصِيب َّ
... .1وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ....
كما عبّر القرآن الالرمي عن األزمة بلفظ "املصيبة" كمعىن مرادف لألزمكة يف
قوله تعاىل ...وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ ُمصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ َوإِنَّا ِإلَيْكهِ
رَا ِجعُونَ( سورة البقرة ،)019-011 ،وهو توجيه إىل أمهية استخدام ،أو تعزيكز
القوة املعنوية -اإلميانية -أثناء األزمة "املصيبة".3
العماري ،عباس رشدي :إدارة األزمات يف عامل متغري ،مركز األهرام للترمجة والنشر، 1
القاهرة.01-09 . ،0112 ،
هارون ،عيد السالم (مشرف) ،مصطفى ،إبراهيم وآخرون (قاموا بإخراجه) :املعجم 2
الوسيط ،اجلزء األول ،0191 ،مرجع سبق ذكره ،09 . ،وملزيد من التفاصيل انظكر:
الكيالين ،عبد اهلل :إدارة األزمة :مقاربة التراث ....واآلخر ،سلسلة كتاب األمة ،العدد
،020مركز البحوث والدراسات -وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،قطر ،السكنة
التاسعة والعشرون 0421 ،1111 ،هك.29 . ،
ملزيد من التفاصيل انظر الكيالين ،عبد اهلل :مرجع سابق.44-21 . ، 3
011
عموماً ،إن األزمة -باستثناء الالوارث الطبيعية ،-هء فعل أو نشاط مكن
صنع اإلنسان ،أو قصده وإرادته املباشرة .إن األزمة ،هء مرحلكة مكن مراحكل
الصرا ،وهء عبارة عن حلظة حرجة ،أو نقطة حتول خطرة ،أو هتديد يف العالقات
بني األطراف أو الفاعلني ،أو بني الفاعلني ،والبيئة احمليطة هبم .وقد يالون الفاعلون
إما على مستوى نظام دويل ،أو مجاعات ومؤسسات أو أفراد .واللحظة احلرجكة،
قد ترتبط بأي عملية تفاعل ،أو عالقات مبستوياهتا املختلفة .وهذه اللحظة احلرجة،
يتحدد فيها مصري تطور العالقة ،إما إىل احلرب أو إىل السلم.1
ويشري بعض الباحثني إىل مفهوم آخر لألزمة ،يركز على املنظومة العامة ،أكثر
من التركيز على العالقات بني األطراف ،فيشري البعض إىل أهنا :عبارة عن هتديكد
خطري للبنية األساسية ،أو للقيم اجلوهرية ،وأس النظام ،ويالون هذا التهديد حتت
ضغط عنصري الوقت ،والظروف عالية الغموض يف املعلومات؛ ومهكا عنصكران
ضروريان يف اختاذ قرار حرج.2
ويُعترب تشارلز هريمان ،من أوائل من قدم مفهوماً لألزمة بتعريفه :أن األزمكة
عبارة عن وضع يتم فيه:3
هتديد األهداف ذات األولوية الالربى لصنا القرار.
حمدودية الوقت املتوفر لصناعة القرار ،قبل أن حيدث تغيري يف الوضع.
014
مفاجأة صنا القرار بوقو احلدث.
ويرى هولسيت أن األزمة :هء مرحلة من مراحل الصرا ،تشمل على تصعيد
مفاجئ ،شامل ألحداث غري؛ متوقعة ناجتة عن الصرا .1
عموماً ،إن معظم مفاهيم األزمة ،تشري إىل وجود قاسم مشترك يدور حكول
أمرين:
.0خلل يف توازن العالقات بني األطراف.
.1وضع فيه إما هتديد جزئء خطري للمنظومة Systemالقيمية ،أو السياسكية أو
االجتماعية ،أو األمنية ،وغريها أو تغيري للمنظومة.
ويعترب بعض الباحثني ،أن األزمة قد تشالل فرصاً ،أو شرطاً إلحداث تغيري كبري،
وإجيابكء يف املنظومة احملافظة .2إذ إن مصطلح األزمة باللغة الصينية ،أُستخدم للداللكة
على معنيني ،أوهلما :يعبّر عن اخلطر ،الثاين :يُعبّر عن الفرصة اليت تفتح اجملكال إلبكراز
الطاقات اخلالقة ،والقدرات ،وإحداث التغيري اإلبداعء أو اإلجيابكء املنشود.
نشأ مصطلح األزمة يف العصر اإلغريقء القدمي ،وكان يستخدم لإلشكارة إىل
حلظة مرضية حرجة ،ترتبط هبا حياة اإلنسان ،مث تطور هذا املفهوم يف القرن السابع
عشر ،للداللة على ارتفا درجة التوتر ،يف عالقات السلطة السياسكية وسكلطة
الالنيسة ،ويف القرن التاسع عشر ،مع ظهور الدميقراطية ،والليرباليكة يف أوروبكا،
استخدم مصطلح األزمة ،لإلشارة إىل حلظات حتول ،أو مشكالالت خطكرية يف
العالقات السياسية ،أو االجتماعية ،أو االقتصادية .يف حكني نظكرت املاركسكية
لألزمات ،على أهنا حالة تراكمية يف اجملال االقتصادي .ومنذ بداية القرن العشرين،
وح ما بعد احلرب الباردة ،حدث تطور كبري وتسار ،وح تباين يف استخدام
مفهوم األزمة ،كما أُشري إىل بعضها سابقاً.3
Holsti, Ole R: "Crisis Management", p. 397, in Choue, Young Seek 1
(ed): Op. cit., pp. 396-400.
Rosenthal, Uriel, Boin, Arjen & Comfort, Louise K. (eds): 2001, 2
Managing Crises: Threats Dilemmas, opportunities, USA, Charles
C Thomas Pub Ltd, p. 7.
انظر أيضاً :جرب ،حممد :املعلومات وأمهيتها يف إدارة األزمات ،اجمللة العربية للمعلومات،
تون ،العدد ،0اجمللد .99 . ،0118 ،01
ملزيد من التفاصيل حول التطور التارخيء ملفهوم األزمة راجع :العماري ،عباس رشدي: 3
إدارة األزمات يف عامل متغري ،مرجع سابق.08-01 . ،
015
مفووم األزمة الدولية وادارو األزما :
إن مفهوم األزمة الدولية ،ينبثق من مفاهيم األزمكة ،والكيت مت اإلشكارة إىل
مضامينها .وهناك ارتباط ،ما بني هذه املضامني مع البيئة احمليطة والنظام الكدويل،
وعادة ما يالون بعض الفاعلني ،أو بعض أطراف األزمة غري حملكيني .ويف ضكوء
اعتبار األزمة ،هء مرحلة من مراحل الصرا ،فإن مفهوم األزمة الدولية؛ ميالكن
اعتباره مفهوماً مرادفاً أو جزءاً من مفهوم الصرا الدويل.
وقد تباينت وجهات النظر ،حول مفهوم األزمة الدولية ،وإن كان املفهكوم
العام هلا يدور على اعتبار أهنا "الصورة األكثكر دراماتياليكة ،واألشكد كثافكة
للصراعات ،واليت جتري داخل النظام الدويل ،واليت تتوقف دون نقطكة احلكرب
الساخنة ،وتؤدي األزمة الدولية بطبيعتها؛ إىل تنشيط احتمال احلرب ،حبيث يغدو
عامالً مركزياً يف تصور أطرافها ،مبا لذلك من تأثري قوي ومباشر على مسكلالهم
منها" .1ويعرف مايالل بريتشر ،األزمة الدولية" بأهنا :تدهور خطري يف العالقكات
بني دولتني ،أو أكثر نتيجة تغري يف البيئكة اخلارجيكة ،أو الداخليكة لألطكراف
املشاركني؛ يف األزمة .هذا التدهور يولد لدى صنا القرار ،إدراكاً بوجود هتديكد
خارجء للقيم ،واألهداف الرئيسة للسياسة اخلارجيكة .ويزيكد مكن إدراكهكم
الحتماالت الدخول يف مواجهة عسالرية ،كما يزيد إدراكهم ووعيهم لضكغوط
الوقت احملدد الالزم ،لالستجابة لذلك التهديد والرد عليه" .2ويقكول أيضكاً "إن
األزمة حتصل عندما يبلغ التفاعل بني دولتني ،حدّ الفصل أو القطيعة .ومن شكأن
هذا التفاعل أن يؤدي بأحد الطرفني أو كليهما إىل الوعء بتهديد قادم من الطرف
اآلخر ،مما يرجح احتمال املواجهة العسالرية".3
ويشري بعض الباحثني ،إىل أن "األزمة الدولية" هء "ظاهرة سياسية ،عرفتكها
العالقات بني اجملتمعات اإلنسانية ،ح قبل أن تأخذ هذه اجملتمعات شالل الدول،
ربيع ،حممد حممود ،مقلد ،إمساعي بربي (حمرران) :موسوعة العلوم السياسية ،جامعة 1
الالويت ،الالويت.929 . ،0114 ،
نقالً عن شدود ،ماجد حممد :إدارة األزمات واإلدارة باألزمة ،مرجع سكبق ذككره، 2
.18 .
نقالً عن هنرا ،فؤاد وآخرون" :أعمال ندوة األزمكات السياسكية الدوليكة :واقعهكا 3
ومعاجلتها" ،جملة شؤون األوسط ،العدد ،011ربيع .01 . ،1110
016
ومن مث قبل أن تنعت األزمات اليت طرأت على عالقاهتا بأهنا "دوليكة" .و"األزمكة
الدولية" هبذا املعىن ،هء وصف حلالة تتميز بالتوتر الشديد ،والوصول إىل مرحلكة
حرجة تُنذر باالنفجار يف العالقات الطبيعية بني الدول ،ومكن مث تشكالل طكوراً
متقدماً من أطوار الصرا الدويل ،الذي يبدأ باملساجالت الالالمية ،ويتكدرج يف
تصاعده ح يصل يف ذروته إىل االشتباكات العسالرية".1
ويلخص أحد الباحثني ،تباين التعريفات ملفهوم األزمة الدولية علكى صكعيد
العالقات الدولية ،فهء تباينت بني من يتناوهلا من خالل حتليل النسق ،وباعتبارهكا
نقطة حتول يف بنية دولية ،تتزايد معها احتماالت اندال املواجهة العسالرية ،وبني
من تناوهلا ضمن مدرسة صنع القرار واعتربها موقفا فجائيا ،ينطوي على درجكة
خطرية من التهديد ،ويضع صنّا القرار أمام وضعية حرجة؛ تتطلب اختاذ قرارات
دقيقة وفعالة".2
إن احلديث عن األزمة الدولية ،يترابط معه ارتباطاً وثيقاً ،احلديث عكن إدارة
األزمة الدولية؛ ومن هنا ،فان تناول مفهوم إدارة األزمة الدولية ،ال بد أن يسكبقه
توضيح ملفهوم األزمة الدولية.
حتدد بعض األدبيات الغربية مفهوم إدارة األزمة ،بأهنا حماولة للسيطرة على
األحداث ،أو التطورات أثناء األزمة ،ملنع حدوث العنف ،سواء بشالل منهجء
وخطري ،أو بأي شالل آخر؛ هء حماولة إلجياد توازن ،ما بني استخدام اإلكراه،
أو القوة واإلجبار وما بني تقدمي التنازالت ،أو التوازن مكا بكني الصكدامية
والتاليف أو التساهل .فاالستخدام املفرط للقوة ،أو القسر ،واإلكراه ،قد يؤدي
إىل العنف الذي خيرج عن دائرة السيطرة .كما أن اإلفراط يف التساهل ،ميالكن
أن يؤدي إىل االستسالم ،أو السالم بأي مقابل " ."Peace at any priceلذلك،
فان عملية إدارة األزمة ،تتطلب معرفة م تقدم موقفاً متساهالً ،وم تأخكذ
موقفاً صلباً؟.3
العماري ،عباس رشدي :إدارة األزمات يف عامل متغري ،مرجع سابق.14 . ، 1
لكريين ،إدريس :إدارة األزمات يف عكامل مكتغري :املفهكوم واملقومكات والوسكائل 2
والتحديات ،املركز العلمء للدراسات السياسية ،عمّان.01 . ،1101 ،
Evans, Graham & Newnham, Jeffery: The Dictionary of World 3
Politics, Op. cit., p. 6.
017
يشري عدد من الباحثني ،إىل وجود إدارة أزمات خاصة ،بالقطا املكدين ،أو
األهلء ،وهو ما يطلق عليه إدارة األزمات املدنية ،واليت يقصد هبا :تدخل أشخا.
غري عسالريني ،يف األزمة العنيفة أو غري العنيفة ،هبدف منع تصعيد األزمة؛ وتسهيل
عملية تسويتها.1
ويشري ،Richard Clutter Buckإىل عملية إدارة األزمة الدولية بأهنا ،هكء
القدرة على فهم اخلصم ،كيف يفالر ،أو ماذا سكيعمل ،وكيكف سكتالون ردّة
فعله؟ .2ويعرّف هانكز بيتر ينوهولد إدارة األزمات الدولية ،بأهنا "احتواء األزمة،
والتلطيف من حدّهتا ،بشالل يستبعد معه حدوث اشتباكات عسالرية على نطكاق
واسع".3
ويعّرف العماري إدارة األزمات بأهنا" :العمل على جتنب حتكول النككزا ،
إىل صرا شامل بتاللفكة مقبولكة ،ال تتضكمن التضكحية مبصكلحة أو قيمكة
جوهرية".4
ويشري الباحثون واملمارسون ،إىل أن إدارة األزمات هء علم ،مبعىن وجكود
منهج له أصوله وقواعده ،وقد بدأ هذا العلم يتبلور يف العقكود األخكرية .وإدارة
األزمات هء فن أيضاً ،مبعىن أن ممارستها تعتمد على أشخا .يتحلون بقكدرات،
ومهارات خاصة ،منها القدرة على اإلبدا والتخيل ،والتقدير السليم ،وغريها من
الصفات .كما أن مفهوم إدارة األزمات ،حيمل بني طياته شيئاً من التناقض ،فإدارة
األزمة ،تبدو كأهنا حماولة للسيطرة على شءء ال ميالن السيطرة عليه ،أو إدارة شءء
ال ميالن إدارته؛ ولالن مع ضرورة استمرار احملاولة ،مهما كانت الصكعوبات؛ ألن
البديل هو املخاطر الالربى واحلروب أو اإلبادة.5
Lindborg, Chris: 2001, European Approaches to Civilian Crisis 1
Management, A basic Special Report on Roundtable Discussions,
Washington, D.C, British American security Information Council.
.http://www.operationspaix.net/IMG/pdf/BASIC_report.pdf , p. 4
نقالً عن العماري ،عباس رشدي :إدارة األزمات يف عكامل مكتغري ،مرجكع سكابق، 2
.149 ،142 .
نقالً عن املرجع نفسه.48 . ، 3
نقالً عن املرجع نفسه.42 . ، 4
اجلمال ،أمحد خمتار :مرجع سابق.128 . ، 5
018
و مبعىن آخر ،فان عملية إدارة األزمة ،هتدف إىل حل ،أو تسكوية املواجهكة
اخلطرة ،بني الطرفني دون اللجوء إىل القتال ،ولالن مع احملافظكة علكى املصكاحل
احليوية .1وميالن تلخيص أهداف إدارة األزمة مبا يأ :2
.0منع تصعيد األزمة ،خاصة إىل مستوى حرب.
.1احملافظة على قدرة القادة ،على السيطرة على وضع األزمة.
.2حماولة تعظيم ،أو احلصول ما أمالن ،على أقصى قكدر مكن املالاسكب ،أو
املميزات؛ من جراء حدوث األزمة.
أو كما يصف كورال بل Coral Bellهذا اهلدف ،بأنه كتابكة اتفاقيكات
السالم ،دون البدء بالقتال أو احلرب .3وبالطبع ،هذا ال ينفء أن استخدام القكوة
أحياناً ،هو أحد األدوات الالزمة يف عملية إدارة األزمات الدولية ،متهيداً لتسويتها.
كما أن هناك بضع حروب وقعت ،بني دول كان ميالن جتنبكها ،لكو أن األزمكة
الدولية أديرت يف بداياهتا بطريقة أفضل؛ أو أعقل.
ويف ضوء استعراض املفاهيم املختلفة إلدارة األزمة ،فان مفهوم أو عملية إدارة
األزمات الدولية ،هو مضمون هذه املفاهيم على أن يالون بعض أطرافها أو بعكض
الفاعلني فيها دوليني ،وترتبط بشالل ما ،ببيئة اجملتمع الدويل أو النظام اإلقليمء أو
الدويل.
عموماً ،هناك انطبا عام لدى الالكثري مكن البكاحثني ،أن مفهكوم إدارة
األزمات الدولية ،مكا زال مفهومكاً فضفاضكاً؛ ويشكوبه بعكض الغمكوض
واإلرباك.4
على صعيد آخر ،رمبا من املفيد اإلشارة هنكا ،إىل مسكببات ،أو أسكباب
األزمات ،واليت تُعترب عملية معقدة ،مت دراستها ضمن مستويات عدة وفق مفكاهيم
علمية من ختصصات متنوعة مثل علم االجتما ،واإلدارة والسياسكة والقكانون،
Clutterbuck, Richard: 1993, International Crisis and Conflict, New 1
York, St. Martin’s Press, p. 8.
Barash, David p. & Webel, Charles P.: 2009, Peace and Conflict 2
Studies, Sage, 2nd edition, p. 177-178.
Bell, Coral: 1971, The Conventions of Crisis: A Study of Diplomatic 3
Management, London, Oxford University Press, p. 116.
Ibid., p. 4. 4
019
والعالقات الدولية ،ويالحظ أن مداخل ،أو مسببات األزمات يف جوهرها تكدور
حول املستويات والعناصر التالية:1
-على الصعيد الضيق :ويشمل أسباب األزمات يف مستوى األفراد ،ويشكمل
هذا املستوى دور األفراد ،ومن أمثلة هذه األسكباب :حكدوث األخطكاء
البشرية ،أي أخطاء القادة وصنا القرار مثل :الفشل يف احلالم ،أو التجاهل،
سوء التقدير ،وطبيعة الدوافع وراء بعض اإلجراءات للقادة ،أو املسكؤولني؛
حمدودية التفالري العقالين .وال شك ،أن هناك ضرورة لوجود دراسات ،توفر
معرفة علمية حول كيفية حدوث هذه األفالار ،وملاذا حدثت؟
-أسباب األزمات على مستوى البيئة ،أو العوامل التنظيمية واإلجرائية ،وهكء
تُعترب عناصر قد تعوض ،حمدودية اإلمالانيات البشرية .ويعترب البعض العوامل
التنظيمية واإلجرائية وسيلة ،ملنع األزمات بينما الفشل التنظيمكء؛ يشكالل
مصدراً لألزمات.
ويف اإلطار األوسع ،أو الاللء للتحليل ،يشري بعض الباحثني ،إىل دور األنظمة
التقنية الالبرية مثل الطاقة النووية ،والتعقيدات التقنية املصاحبة هلا ،اليت قد تكؤدي،
حالياً أو الحقاً؛ إىل أزمات وكوارث.
وأخرياًً ،طبيعة التقلبات ومتغريات البيئة اخلارجيكة ،وظهكور قكوى Force
وظواهر مؤثرة يف البيئة الدولية ،مثل ظاهرة العوملة ،وثورة املعلومات واالتصاالت،
قوى إرهابية دولية ،الشركات الدولية أو العابرة للقارات ،االعتماد على نظام مايل
دويل واحد؛ وغريها من القوى والظواهر اليت قد تشالل مصكادر ،أو مسكببات
لألزمات ،وبنف الوقت قد تشالل هذه التقلبات ،واملتغريات اخلارجية عناصر ،أو
عوامل أساسية لتسوية ،ومعاجلة األزمات يف ضوء إدارهتا من قبل العنصر البشري.
خصائم وسما األزمة الدولية:
إن األزمة عموماً ،والدولية خصوصاً ،ويف ضوء املفاهيم السكابقة ،الكيت مت
تناوهلا لألزمة ،فإهنا تتسم مبجموعة من اخلصائص .ويعترب تشارلز هريمكان ،أحكد
001
الباحثني املعروفني يف جمال دراسات السياسة اخلارجية ،من أوائل من قدم حتديداً أو
توصيفاً هلذه السمات ،أو اخلصائص ،وذلك يف عام ،0191ومكا زالكت معظكم
األدبيات املعاصرة يف دراسة األزمات ،تستند إليها يف هذا اجملكال .وأهكم هكذه
السمات واخلصائص ما يلء:1
.0التهديد واخلطر :فاألزمة :هء وضع حيمل يف طياته ،التهديد ،واملخاوف أو
املخاطر واحلروب ،لذا إذا مل يتم إدارة األزمة بطريقة واعية ،وراشدة من قبل
صنا القرار فيها ،فإن ذلك ،يؤدي إىل حدوث املخاطر ،والنتائج املتوقعكة
وغري املتوقعة؛ وقد يصحب ذلك دمار وحروب.
.1عنصر املفاجأة ،يف كثري من األحيان حتدث األزمة ،كفعل من اآلخر بشكالل
مفاجئ غري متوقع ،مما خيلق حالة من االرتباك والتشويش .ولالن يف بعكض
األحيان ،قد حتدث األزمة بشالل متوقع ،لالن دون القدرة على حتديد حجم
تأثريها ،أو خماطرها ،واملفاجأة حتدث يف تقدير حجم األزمة وخماطرها ،مكن
حيث املبالغة يف تقدير حجمها ،أو تقدير حجمها بأقل من املتوقع.
.2ضبابية أو نقص املعلومات :تتسم األزمة بعدم وضوح أو نقص املعلومات عن
كيفية إدارة الطرف اآلخر لألزمة ،أو عن طبيعته وسلوكه يف التعامل معهكا،
أو نقص املعلومات حول املوقف وتفاعالته ،وحجم املخكاطر ونتائجهكا،
وطبيعة األطراف املؤثرة وحجم تأثريهم فيها.
.4ضيق الوقت/ضغط الوقت :تتسم األزمة بضيق الوقت الالزم ،الختكاذ القكرار،
وتتطلب سرعة االستجابة ملستجدات ،ومتغريات األزمة ،وبالتايل ،فكإن عامكل
ضيق الوقت ،يشالل حبد ذاته عامالً ضاغطاً؛على صنا القرار يف األزمة .حيث
ال ميلالون مساحة كافية من الوقت ،إما جلمع املعلومكات ودراسكة اخليكارات
والبدائل ،وغريها من العناصر الالزمة يف عملية صنع القرار .ورمبا هذا العامل هو
من العوامل األساسية اليت تشالل مصدراً أساساً للحالة االنفعاليكة ،وألخطكاء
صنا القرار يف عملية إدارة األزمة ،والوقو يف املخاطر وسوء التقدير.
Herman, Charles F: 1972, International Crisis, New York, The Free 1
Press, p. 414.
نقالً عن شدود ،ماجد :مرجع سابق.22 . ،
000
.1التعقيد والتشابك :إن األزمة عادة تدخل يف تفاعالهتا ،جمموعة من العناصكر
والعوامل ،وعادة لديها حساسية مفرطة ،أو استعداد ككبري لالسكتقبال ،أو
لالستجابة لتأثري أي عوامل خارجية أو داخلية .وهو ما جيعل األزمة ،وعملية
إدارهتا عملية معقدة ،وحساسة ألي إجراءات أو تصرفات أو قرارات؛ بشالل
كبري وسريع .سواء يف جتاه التصعيد أو يف جتاه التهدئة والتسوية.
.9ضخامة املسؤولية :إن األزمة جتعل من قادة ،أو صنا القرار يكدركون ،أو
على األقل يدعون أهنم يدركون ،حجم الاللفة أو املعاناة اإلنسانية ،اليت قكد
تسببها قراراهتم يف األزمة وما ينتج عنها من تصعيد؛ وخماطر أو حرب.
.1التوتر الشخصء :إن حالة أو وضع األزمة ،يولد توتراً نفسياً وضغطاً انفعالياً،
مما يؤثر يف كثري من األحيان ،بشالل كبري أو خطري على اختاذ قرارات غكري
راشدة ،أو عقالنية تزيد من خماطر األزمة وتصعيدها ،حنو األسوأ واملزيد مكن
التعقيد؛ وصعوبة التسوية أو املعاجلة.
انظر: 1
Bell, Coral: the Conventions of Crisis: A Study of Diplomatic
Management, Op. cit.
Cleveland, Harlan: July 1963, “Crisis Diplomacy”, Foreign Affairs,
New York, Council of Foreign Relations, Vol. 41, pp. 638-649.
Holsti, Ole R.: 1972, Crisis, Escalation, War, Montereal, McGill-
Queens University Press.
Williams, Phill: 1971, Crisis Management, London, International
Affairs Chatm House.
001
9التصعيد التدريجي نحو خيا ار استخدام:
وجيب أن يتم ذلك بطريقة يدرك اخلصم جدية ذلك ،ولالن يف نف الوقكت
ال يغلق أمامه خيار التسوية السلمية املشرفة.
1اإلبقاء على جميع الخيا ار مفتوحة:
وهذا املبدأ يتوازى مع املبدأ السابق ،وهذه اخليارات تعين التصعيد حنو العمل
العسالري ،وإدراك الطرف اآلخر جدية ذلك ،ويف نف الوقت ،وجكود جديكة
حقيقية لديك يف خيار الوصول إىل تسوية سلمية.
9المحافظة على خيار/مخرج غير ُمذل أمام الخصم بدون اللجوء إلى التنازل:
جيب عدم دفع اخلصم إىل خيار القتال ،أو احلرب فقط ،بل إبقاء خيار آخكر
غري مُذل ،للخروج بتسوية سلمية مقبولة من األزمة ،وإتاحة الوقت الالزم للخصم
للتدبر ،وعدم دفعه إىل خيارات متهورة ،وإمنا عدم قطع الطرق عليه جتكاه بكدائل
أخرى غري احلرب أو القتال.
7إحكام سيطرو القيادو السياسية على عملية اتخاذ القرار في األزمة:
وهذا يتطلب أحياناً ،مركزية يف القرار ،باإلضافة إىل اطال ،ومتابعة جلميكع
التفاصيل ،أو اخلطوات اليت تتم يف عملية إدارة األزمة ،منعاً حلدوث مفاجآت ،أو
عواقب غري متوقعة ،وضماناً لسري عملية إدارة األزمة؛ حنكو حتقيكق األهكداف
املرجوة.
1توفير نظام للمعلوما واالتصاال :
إن وجود مصادر ،وقنوات استخبارات فاعلة ،وتالنولوجيا متطورة للحصول
على املعلومات بدقة ،وبسرعة يشالل عنصراً استراتيجياً ،وحامساً يف إدارة األزمة،
خاصة وأن أحد أهم إشالاليات ،ومسات األزمة؛ هء نقص أو غموض املعلومات.
كما إن توفر قنوات اتصال فاعلة بني مجيع األطراف املباشرة ،وغكري املباشكرة يف
األزمة ،وكذلك بني هياللية ومؤسسات اختاذ القرار ،تشالل ضرورة مالملة لنظام
املعلومات ،وللتحالم بتداعيات؛ وتطورات األزمة الدولية.
004
ويشري هولسيت ،إىل عناصر أساسية لتحقيق إدارة فاعلة لألزمة ،وهذه العناصر
يعرضها بأمناط متشاهبة من حيث اجلوهر ،ومتباينة من حيث املظهر للمبادئ العامة
السابقة؛ ويلخص هولسيت هذه العناصر مبا يلء:1
.0احلساسية جتاه مرجعية اخلصم.
.1جتنب اخلطوات اليت تغلق "طرق اهلروب للخصم.
.2استخدام كل من "العصا واجلزرة" ،لتحفيز اخلصم على عكدم التصكعيد يف
األزمة.
.4احلساسية من الوصول إىل نقطة ،يصبح فيها صوت األفعال أعلى من صوت
الاللمات.
.1القيام باجلهود لتبطئة وترية األحداث.
.9احملافظة على السيطرة ،لي على القرارات االستراتيجية فحسب ،بل أيضكاً
على تفاصيل عملية التنفيذ.
ويُالحظ أن الدراسات املعاصرة ،يف جمال إدارة األزمات الدوليكة ،مل تقكدم
إضافات ملموسة على صعيد املبادئ العامة إلدارة األزمات الدولية ،عمكا قدمتكه
اجلهود التأسيسية ،بالرغم من حدوث تغيريات جوهريكة؛ علكى صكعيد ثكورة
تالنولوجيا املعلومات.2
تجاها حديثة في إدارو األزما الدولية:
يف ضوء التغريات ،يف أشالال ،وطبيعة وأمناط األزمات الدولية يف الفتكرات
املعاصرة ،فإنه من املفيد الوقوف على التطورات اجلديدة ،أو االجتاهات احلديثكة،
اليت طرأت على طبيعة األزمات ،أو مستقبل هذه التطورات؛ مع دخولنكا القكرن
الواحد والعشرين .تشري بعض الدراسات احلديثة ،يف هذا اجملال إىل حدوث تغكيري
جديد واجتاهات حديثة ،أو تطورات متعددة يف األزمكات الدوليكة احلاليكة ،أو
املستقبلية ويف إدارهتا ،وهذا التغري ،أو االجتاهات والتطورات شاللت مسات إضافية
Holsti, Ole R.: Crisis Management, in Seekchoue, Young (ed): 1
Op. cit.
Clutterbuck, Richard: 1993, International Crisis and Conflict, New 2
York, St. Martin’s Press.
005
جديدة ،يف األزمة الدولية ،قد تدفع إىل حتديات جديدة أمام قادة اإلدارة السياسية؛
أو صنّا القرار يف عملية إدارة األزمات الدولية.
حتدد بعض الدراسات ،1جوهر هذا التغري اجلديد ،يف أن األزمات أصكبحت
عابرة للحدود ،وترتب على هذا التغيري ،تأثري على طبيعة ومسات ونتكائج األزمكة
الدولية ،من خالل ما يأ :
-أصبح الشالل العام ،وديناميالية األزمات آخذة يف التغري.
-وأصبح هناك مصادر ومسببات خمتلفة ،أو جديدة.
-وأصبحت تأخذ جمراها بطريقة خمتلفة.
-وأصبحت تستجلب ،أو ترسم ردود فعل خمتلفة أو متباينة.
-وتؤثر يف اجملتمعات بطرق خمتلفة.
إن مفهوم األزمة عابرة احلدود ،يستند إىل نف مالونات املفهوم التقليكدي
لألزمة ،واليت تتمثل يف التهديد ،واملفاجأة ،والغموض .ولالن من املتوقع ،أن يصبح
هناك اتسا كبري هلذه املالونات وامتداد أطول يف تأثرياهتا .فمن املتوقع ،أن يالون
هناك هتديد لنظام االستمرارية ،أو توسع يف تأثري التهديكد ليشكمل قطاعكات،
ووظائف خمتلفة يف احلياة ،كما أن األضرار ،ستالون أكثر فداحكة يف اجملتمعكات
والبنية التحتية .كما ستصبح حتدياً جوهرياً ،أو حامساً جتكاه "الشكرعية" خاصكة
للسلطة السياسية ،أو للنخب اإلدارية العليا يف القطاعني العام واخلا ..كمكا أن
مسببات األزمة والفشل ما زالت غامضة.
من ناحية أخرى ،تتسم األزمة العابرة للحدود ببضع مسات منها:
.0أهنا تعرب احلدود اجلغرافية بسهولة ،وهتدد الدول واملدن واألقاليم والقارات.
.1أيضاً تعرب احلدود الوظيفية مثل النظام املايل ،إىل النظام الصناعء ،من القطا
اخلا .إىل العام ،ومن قطا صناعء إىل أخر ،وهالذا ،ومن أوضح األمثلكة
على ذلك ،أن األزمة املالية العاملية اليت بدأت عام 1100-1118واملسكتمرة
ح اآلن ،تُعترب *مثاال صارخا على التغري اجلديد ،إىل ما يسكمى األزمكات
الدولية العابرة للحدود.
Boin, Arjen: 2009, "The New World of Crisis and Crisis Management: 1
Implications for Policymaking & Research, Review of Policy Research,
Vol. 26, Issue 4, pp. 367-377, p. 367-369.
006
.2كما أن األزمة العابرة للحدود ،تتجاوز األزمة احلكدود الزمنيكة ،فاألزمكة
التقليدية يف كثري من األحيان ،ميالن حتديد بدايتها وهنايتها ،بينمكا األزمكة
الدولية العابرة للحدود لي من السهولة حتديد بدايتها وهنايتها ،وقد تُعكرف
بدايتها ،ولالن من الصعب حتديد هنايتها ،بسبب استمرارها وطول اسكتمرار
تأثرياهتا وانعالاساهتا.
.4إن هذه األزمة ختلق فراغ سلطة ،حبيث يصبح من غري الواضح من صكاحب
إدارة األزمة ،ومن الذي جيب عليه التعامل معها( ،مثال ذلك أزمة أنفلونكزا
اخلنازير ،واألزمة املالية العاملية ،واإلرهاب العاملء ،أزمة املناخ أو االحتبكا
احلراري ،فريوسات اإلنترنت ...وغريها).
إن هذه األزمات الدولية أو العابرة للحدود ،بسماهتا املكذكورة ،تكؤثر أو
تسبب أضرارا بعدة طرق منها:
.0املباشر ،وهو الضرر الشخصء ،الذي يلحق باألفراد واجملتمعات.
.1إضعاف البنية التحتية بشالل كبري ،وما يشالل ذلك من خطورة وتالكاليف
على الدول.
.2إضعاف قاعدة الشرعية لبنية ،وهياللية النظام السياسء وعملية احلالم ،الكيت
ستظهر أهنا غري كفوءة؛ يف التعامل مع األزمة.
ال شك ،أن طبيعة األزمات الدولية وتغرياهتا خالل السنوات األخرية ،سكواء
على مستوى املهام ،أو احلدود الزمنية ،أو زيكادة عكدد الفكاعلني ،أو احلكدود
اجلغرافية والزمنية ،ترتب عليها تغري نسبكء يف إدارة األزمات الدولية متثل يف ثالثة
أبعاد:1
.0مت حدوث تغري من خالل التوسع يف املهام (مهام إدارة األزمة الدولية) ،حيث
توسعت أطياف مهام إدارة األزمة الدولية من عملية احتواء وتقليص التصعيد
العسالري ،إىل مهمة ،أو هدف الوصول إىل تسوية شاملة للصكرا علكى
املستوى االجتماعء؛ واالقتصادي والسياسء.
Molling, Christian: October 2008, Comprehensive Approaches to 1
International Crisis Management, CSS Analysis in Security Policy,
Center for Security Studies, ETH Zurich, Vol. 3, No. 42, p. 1.
007
.1إن التوسع يف املهام ،ترافق مع توسع ،أو تداخل يف حدود إدارة األزمة علكى
الصعيد النظري ،واملمارسة العملية ،فأصبحت األزمة متتكد مكن التكدخل
اإلنساين ،وحفظ وبناء السالم ،إىل اإلدارة خالل مرحلة ما بعكد الصكرا .
فأصبحت مهام إدارة الصرا معقدة ،وتتداخل مع خمتلف مراحل الصكرا ،
(واليت مت التطرق إليها يف املبحث السابق من هذا الفصل).
.2توسع أو ازدياد عدد الفاعلني بشالل كبري ،خاصة مع توسع املهام ،فأصكبح
هناك تدخل للفاعلني من الدول ،والفاعلني من غري الدول ،ونتيجكة هكذا
االزدياد يف عدد الفاعلني تزايدت تعقيدات حتديد الشرعية السياسية الالزمكة
للتدخل الدويل .كما أصبح للفاعلني من إقليم الصرا (سواء أكانوا دوالً أم
مجاعات وحركات سياسية أم مسكلحة) دورٌ أسكا ٌ يف احملافظكة علكى
االستقرار.
عموماً ،يف ضوء تعقيدات األزمة الدولية ،خاصة مبا يف جتاهاهتكا احلديثكة،
جعلت هنا ضرورة إلجياد منهج أو مدخل حديث لدراسة طبيعة األزمات الدولية.
إن هناك جدليات أكادميية واسعة حول حتديد املنكاهج ،أو النظريكات األنسكب
لدراسة األزمات الدولية وإدارة األزمة .واليت مكا زالكت تواجكه العديكد مكن
اإلشالاليات اهلامة على الصعيد العملء؛ أو التطبيق امليداين هلا.
و بشالل عام ،فإن منهج أو مدخل إدارة األزمات الدولية ،يرتالز على عكدة
عناصر أساسية منها:1
.0اعتبار األزمة عملية تفاعلية ،فدراسة األزمة جيب أن يراعء دراسة العالقكة،
والتداخل ما بني مسات األزمة ،وظروف األزمة ،واآلثار والنتكائج املترتبكة
عليها.
.1األزمة عامل مسهل :جيب أن يسمح أي منهج لدراسة األزمة ،مبساحة ملبكدأ
اعتبار أن األزمة رمبا تالون ،عكامالً مرغوبكاً للتغكيري واإلصكالح .أي أن
املشالالت ،والتهديد يف األزمة قد يتحول إىل فرصة لإلصكالح؛ والتطكوير
واإلبدا .
Rosenthal, Uriel, Boin, Arjen & Comfort, Louise K. (eds): 1
Managing Crises: Threats Dilemmas, opportunities, Op. cit., pp. 21-22.
008
.2أن األزمة ،هء شأن حالومء وخكا :.أي أن األزمكة أصكبحت ،ذات
مسؤولية مشتركة ،ومتداخلة ما بني القطاعني العكام واخلكا ،.ومل تعكد
معاجلتها ،وخماطرها حالراً على احلالومة ومؤسساهتا ،بل أصكبح القطكا
اخلا ،.عنصراً أساسياً يف مسبباهتا ،أو إدارهتا أو معاجلتها خاصة؛ من قبكل
الشركات اخلاصة املتعددة اجلنسيات.
.4األزمة حالة أو هنج تعاطفء :فاألزمة تدر ليست كحالة دراسية ،أو عملية
أو دراسة فر .علمية ،وإمنا جيب مراعاة املعطيات اإلنسانية ،والالوارثيكة يف
التعامل معها ،وتدر بروح من التفاعل ،والتعاطف العلمء ،واإلنساين معاً،
ولي من خالل أداء أكادميء؛ أو منهجء قا ٍ.
009
املبحث اخلامس
إن أي صرا ال يتولد فجأة بدون مقدمات ،سواء كانت ظاهرة أو خفيكة،
ترتبط باالجتاهات أو التناقضات البنيوية ،ذلك أن الصرا عملية ديناميالية متغرية.
فهو لي عملية جامدة ،وإمنا ينتقل ،أو يتغري ضمن مراحل ،أو مستويات تتباين يف
درجتها ،أو حدهتا وسرعة تغريها ،وفق الظروف واملعطيات اليت ترتبط هبا .ومكن
هنا ،فإن دراسة تطور؛ ومراحل الصرا عملية مهمة لفهم وحتليل الصرا .
إن الصراعات ختتلف يف مراحلها ،من حيث الشدّة ،أو الالثافة أو الكتغري أو
التذبذب ،ومن حيث التأثري والسمات.
عموماً ،إن دورة الصراعات يف اجلزء األكرب منها ،خاصة الدولية ،تشمل أربع
مراحل ،ولالن لي بالضرورة أن متر مجيع الصراعات بالل مرحلة مكن املراحكل
األربعة .وإن كانت كل مرحلة ،قد تشالل احتمالية كبرية للكدخول؛ كبدايكة يف
املرحلة اليت تليها.1
وسنتناول هنا ،بعض أهم مراحل الصرا وفق طروحات ،أو مناذج قكدمها
بعض الباحثني ،أو مؤسسات حبثية ،أو مؤسسات ممارسة يف جمال السالم والصرا ،
ومن أهم هذه النماذج ،والطروحات ،ما قدمتكه مؤسسكة مواجهكة الصكرا
)Responding to Conflict (RTCالربيطانية ،وأيضاً منوذج أوليفر رامسكبوثان
،Oliver Ramsbothanوأمنوذج مايالل لند ،Michael Lundوأخكرياً أمنكوذج
معهد بيوم .PIOOM
وفيما يلء تفصيل كل منوذج من هذه النماذج األربعة:
املصدر:
Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for
Action, op. cit., p. 20.
011
المرحلة األولى :مرحلة ما ربل الصراع:
هء املرحلة اليت يظهر فيها التباين ،أو االختالفات يف املصاحل ،أو األهكداف
Goals Incompatibilityبني طرفني أو أكثر .ويالون االخكتالف ،أو النككزا
فيها ،كامنا أو غري ظاهر .وتتسم هذه املرحلة ،حبالة بسيطة من التوتر ،أو ميكول
سلبية جتاه اآلخر ،أو مواقف بعدم رغبة الطرفني/األطراف ،يف االتصال؛ أو التواصل
مع بعضهم .وهذه املرحلة ،ينتج عنها غالباً ،اجتاهات سلبية ،كمكا يتولكد فيهكا
تناقضات بنيوية ،تشالل أحد أبعاد الصرا ومسبباته.
014
.0مرحلة النكزا الالامن جتاه أزمة سياسية.
.1مرحلة املواجهة دون استخدام العنف.
.2مرحلة استخدام العنف لتحقيق الغايات ،وعلى أسا ممنهج.
.4هناية احلرب.
.1مرحلة ما بعد احلرب ،إلدارة الصرا ،أو بدايات تعزيز السالم.
من ناحية أخرى ،يعرض أوليفر رامسبوثان Oliver Ramsbothanمنوذجكا
آخر حول مراحل تطور الصرا ،فيشري إىل مراحل تصعيد ،أو تصكاعد وهبكوط
الصرا ،كما هو موضح يف الشالل اآل :
الشكل ررم ( :)9أنموذج أوليفر لمراحل تطور الصراع
Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom and Miall, Hugh: Op. cit., p. 11 املصدر:
حيث يشري إىل أن عملية تصعيد الصرا ،هء عملية معقدة وال ميالن التنبكؤ
هبا ،حيث ميالن أن تظهر فيها قضايا جديدة ،وأطراف جدد .وصكراعات القكوة
الداخلية ،اليت ميالن أن تغري األهداف والتالتيالات .كما إن صراعات ثانوية قكد
تدخل على عملية الصراعات وتزيد تعقيدها.1
ويف نف الوقت ،قد حتدث افتراقات ،أو انتالاسات تؤثر علكى دينامياليكة
هتدئة الصرا .
015
و يوضح منوذج أوليفر ،مراحل تطور الصرا ضمن رسم توزيع طبيعء،
يبدأ ب اختالفات ضمن احلراك ،أو التطور االجتماعء ،مث تتطور إىل تناقضكات،
وقد تبقى املرحلتان يف وضع كامن وغري ظاهر ،وبعد ذلك يتطور الصكرا إىل
مزيد من التصعيد ،حنو املزيد من حالة االستقطاب ،مع استمرار هذه األجكواء
تتزايد األعمال العدائية ،بني أطراف الصرا ،مث يتصاعد الوضكع إىل مرحلكة
عنف مباشر ،مع استمرار تراكم هذه األعمكال العدائيكة وزيكادة حكدهتا
وانتظامها ،وبعد ذلك يتحول العنف املباشر ،وتزداد حدته ليصل إىل الذروة أو
احلرب.
ويف املراحل الثالث األخرية ،يصبح فيها الصرا ظاهراً مالشوفاً أو علنيكاً،
ويف املقابل ،فإن عملية التهدئ ة ،وتراجع حدة الصرا ،يأخذ منحى هبكوط يف
الرسم البياين ابتداء من قمة الصرا (احلرب) ،حيث يبدأ التراجع مكع وصكول
األطراف املتصارعة ،إىل وضع وقف إطالق النار ،ومن مث اتفاقيكة سكالم بكني
األطراف املتصارعة ،مث تتواىل املراحل اإلجيابية ،من خالل استمرار تراجع الصرا
بش الل طبيعء ،حنو التطبيع يف العالقات بني األطراف ،وصوالً إىل حتقيق مصاحلة
كلية ،واليت يُقصد هبا معاجلة شاملة ،وبعيدة لالل مقومات وجكذور الصكرا
واالنتقال الالامل إىل الشراكة؛ والتعاون يف خمتلف جماالت احلياة.
وعند مقارنة منوذج معهد RTCمع األمنوذج الذي قدمه أوليفكر ،Oliver
جند أن األمنوذج األخري ،يسري بنف مراحل األول ،ولالن بتفصكيل آخكر ،إذ
نالحظ أن مرحلة ما قبل الصرا يف األمنوذج األول ،تشمل مرحليت االخكتالف
والتناقضات؛ وهء عموماً كامنة .بينما مرحلة املواجهة يف األمنوذج األول ،تشمل
مرحليت االستقطاب والعنف املباشر ،وه ء مراحل ظاهرة بينما مرحلة األزمكة يف
األمنوذج األول ،هء مرحلة احلرب يف األمنوذج الثاين .ويف املقابل ،فإن مرحلكة
النتيجة يف األمنوذج األول ،تشمل مرحليت وقف إطالق النار ،واتفاقية السالم يف
األمنوذج الثاين .وأخرياً ،فإن مرحلة ما بعد الصرا ،تشمل مكرحليت التطبيكع،
واملصاحلة الشاملة يف األمنوذج الثاين ،ويوضح الرسم البياين يف الشكالل رقكم 1
مقارنة أعدها الباحث بني األمنوذجني ،ويشري بوضكوح ،إىل أوجكه الشكبه يف
املراحل مع اختالف املسميات.
016
اإلطار العام لمراحل تطور الصراع:)7( الشكل ررم
017
وحاول لند يف منوذجه ،أن يدمج مراحل الصرا ،مع مراحل أو عمليكة
السالم ،فيبدأ اجلزء األول ،املرحلة املبالرة وهء حالة السالم املسكتقر ،والكيت
يُقصد هبا توافر احلد األدىن ،أو األساسء للنظام واألمن ،مث يتغري الوضع ،باجتاه
أو حنو تصاعد التوتر ،بني األطراف ،والدخول يف مرحلة عدم االستقرار ،أو ما
أطلق عليه السالم غري ا ملستقر ،والسقف األعلى هلذه املرحلة ،يؤدي إىل مرحلة
الصرا العنيف ،أو ما أطلق عليه مرحلة األزمة ،وهو اجلزء الثاين من الصرا ،
ويف هذه املرحلة يتم انتشار ،وازدياد حدّة العنف واالنتقال إىل مرحلة احلرب،
وهء مرحلة تشالل ذروة ،أو قمة التصعيد يف الصرا ،ولالن هذه املرحلكة ال
تستمر ،حيث تبدأ بالتراجع يف حدة ومستوى الصرا ،وبالتايل ،الكدخول يف
بدايات املرحلة الثالثة (املرحلة املتأخرة من الصرا ) ،إذ يكدخل الصكرا يف
مرحلة التهدئة ،أو التسالني من خالل إيقاف إطالق النار .مث يستمر تراجكع
الصرا ،والدخول يف مرحلة إهناء الصرا ،و ذلك من خالل مفاوضات وعقد
اتفاقية تسوية للصرا بني األطراف املتنازعة ،مث يلء ذلك مرحلة تسوية الصرا
أو ما بعد الصرا من خالل إحداث تقارب ،وتعاون ومصاحلة هنائية؛ وحتقيق
وبناء السالم املستقر.
وعند مقارنته بنموذج RTCيُالحظ ،أن هذا النموذج الذي يقدمه Lundال
خيتلف اختالفاً جوهرياً عن املراحل األساسية ،يف مراحل منوذج RTCمع وجكود
حمطات تفصيلية يف منوذج Lundوحماولته دمج ،أو ربط تطور دورة الصرا ،مكع
تطور السالم يف دورة واحدة.1
018
مراحل تطور الصرا من خالل املراحل التالية:1
املرحلة األوىل :ورع سلمي مستقر ،وهذه املرحلة ،تتضمن درجة عالية من
الشرعية للنظام السياسء؛ واالستقرار االجتماعء.
املرحلة الثانية :حالة التوتر السياسي ،أو مرحلة األزمة السياسية ،وتشمل أو
تتسم هذه املرحلة مبا يلء:
.0منو ظاهرة التوتر بشالل منهجء متسلسل ،أي أهنا ليست حالة عفويكة مكن
العنف.
.1ازدياد االنقسامات ،واالنشقاقات السياسية واالجتماعية ،وغالباً ما تالكوّن
حدوداً ،أو خطوطا فاصلة بني األطراف املتنازعة.
املرحلة الثالثة :الصراع السياسي العنيف ،وتتسم هذه املرحلة مبا يلء:
.0تآكل الشرعية السياسية للسلطة ،أو احلالومة و/أو.
.1ازدياد القبول ،أو االعتراف بسلطة األطراف ،أو الفصائل املقاتلة.
ويف هذه املرحلة ،يصل العنف فيها إىل درجة سقوط عدد من القتلى يتراوح
ما بني - 11إىل أقل من 011قتيل يف السنة الواحدة ،ويتم استخدام عدد القتلى،
كمؤشر على مستوى حدة العنف يف هذا الصرا .
املرحلة الرابعة :مرحلة الصراع العنيف املنخفض الشدة ،ويف هذه املرحلة
يصبح الصرا مسلحا والعداء صارخا بني اجلماعات ،أو الفصائل والنظام القمعء،
ويتم اللجوء إىل القوة املسلحة يف الصرا بني األطراف .ويتراوح عدد القتلكى يف
هذه املرحلة ما بني 0111-011قتيل يف السنة .وهذه املرحلة ،هء مرحلة حدوث
أزمة إنسانية.
املرحلة اخلامسة :مرحلة الصراع العنيف املرتفع الشدة ،وتشكمل هكذه
املرحلة حدوث القتال املنظم ،بني األطراف املتصارعة ،قتل مجاعء ،حركة نكزوح
انظر: 1
Jongman, Albert J.: 2001/2002, "Mapping Dimensions of Contemporary
& Conflicts and Human Rights Violations", in World Conflict
Human Rights Map 2001/2002 Project, The PIOOM: Netherlands.
http://www.citizenpaul.com/gallery/v/maps/atf_world_conf_map.pdf.html
Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom and Miall, Hugh: Op. cit., p. 56.
019
وجلوء واسعة ،بني السالان املدنيني .ويزيد مؤشر عدد القتلى يف هذه املرحلة ،على
0111قتيل فما فوق يف السنة الواحدة.
خنلص إىل القول ،إن مناذج مراحل تطور الصرا ،تُظهكر تباينكاً حمكدوداً،
وتشاهباً يف مضموهنا أو جوهرها ،وإن كان التباين ،يسري حنو حماولة الوصكول إىل
حمددات وضوابط ومسات لالل مرحلة ،ميالن من خالهلا قيا ،وتلمك طبيعكة
وحدود كل مرحلة مع مساهتا .وبالتايل زيادة القدرة على حتديد أو معرفة املرحلكة،
اليت مير فيها أي صرا بشالل يساهم يف توفري حتليل ،أو تشخيص لواقع الصرا ،
وبالتايل حتديد نقطة البدء ،وطبيعة اإلجراءات؛ أو اخلطوات واملوارد الالزمة.
011
الفصل الثالث
إن منظومة احلياة اليت خلقها اهلل سبحانه وتعاىل تقوم على أن ال شءء يكأ
من العدم ،وإن لالل شءء سبباً يؤدي إىل وجوده.
إن نتائج تفاعالت اجملتمع اإلنساين أو نتائج تفاعالت حياة اإلنسكان سكواء
على مستوى الفرد واجلماعات أو اجملتمع أو الدول ،تؤكد هذه احلقيقكة الالونيكة
بالل وضوح وجالء .وال شك أن ظاهرة الصرا هء جزء من تفاعالت اجملتمكع
اإلنساين ،وهء من نتائج هذه التفاعالت .ومن أكثر الظواهر اليت تدل على أهنا ال
تأ من فراغ أو عدم وإمنا ترتبط بوجود أسباب متنوعة تؤدي إىل حكدوثها .وإن
كان من أكثر الظواهر تعقيداً يف تفسري ديناميالية حدوث وتأثري األسباب املؤديكة
للصرا .
إن معرفة أو حتديد العوامل واألسباب املؤدية إىل حدوث بعض الصراعات ال
يعين بالضرورة وجود قدرة أو إمالانية علمية كافية ملعرفة أو تفسري كيفية تأثري هذه
األسباب ،ومن هنا كان تعدد احملاوالت والنظريات العلمية اليت حتكاول أن تقكدم
تفسرياً حلدوث ظاهرة الصرا يف اجملتمع اإلنساين .خاصة وإن تكوفر اإلمالانيكة
لتفسري أسباب الصرا سيؤدي إىل حد كبري إىل معرفة كيفية فكض النككزاعات
وحتقيق السالم الدائم وآليات حتقيقه.
ومن هنا ،يتناول هذا الفصل املباحث األربعة اآلتية:
املبحث األول :نظريات تفسري أسباب حدوث الصراعات
املبحث الثاين :اإلطار العام لفهم وحتليل أسباب الصرا
املبحث الثالث :أنوا وأمناط الصراعات الدولية واألهلية
املبحث الرابع :قضايا جدلية يف الصراعات
010
املبحث األول
إن تعقد أسباب ودوافع الصرا وتنوعها وتداخلكها ،دفعكت العلمكاء إىل
البحث عن نظريات توفر قواعد عامّة ،لتفسري حدوث الصراعات ،أو احلكروب،
وقد تنوعت هذه النظريات ،وتباينت أو تداخلت فيما بينها ،بشالل واسع لدرجة
أن بعض الباحثني ،يشري إىل أن كل عامل يف جمال السالم ،واحلرب جيد إطارا خمتلفا
لفهم أسباب العنف املنظم .1فعلى سبيل املثال ،كوينسء رايت حدد أربعة عوامل
أو أسباب رئيسة ،لفهم أسباب احلروب والصراعات ،وهء( :مثاليكة أخالقيكة،
ونفسية ،وسياسية ،وقانونية) ،وذلك ،العتبارات عديدة منها طبيعة اخللفيكات ،أو
التخصصات العلمية اليت انطلقوا منها ،مثل علم النف أو االجتما أو العالقكات
الدولية ،واالقتصاد ،وغريها ،أو طبيعة املدار الفالرية ،أو املناهج العلميكة الكيت
يتبنوهنا يف دراسة املعطيات ،مثل املدرسة الواقعية ونظريات القوة ،أو املدرسة املثالية
يف العالقات الدولية ،وكذلك طبيعة األيديولوجيات ،مثل املاركسية ،أو الرأمساليكة
وغريمها .ما يعنينا يف هذا املبحث التعرف إىل أهم النظريات السائدة؛ حول أسباب
الصراعات .وسنقوم باإلشارة العابرة إىل بعض هذه النظريات ،والوقكوف عنكد
النظريات األكثر أمهية ،وانتشاراً يف تفسري الصراعات.
كما أشرنا أعاله ،فقد قسم كوينسء رايت - Quincy Wrightوهو أحكد
العلماء املؤسسني حلقل دراسات الصراعات واحلكروب -العوامكل واألسكباب
األساسية للصراعات إىل ما يلء:2
.Barash, David p. & Webel, Charles P.: Op. cit., p. 93 1
Wright, Quincy: "Analysis of the Causes of War", in R. Falkad, S. 2
Mendlovitz (eds): 1966, Toward a Theory of War Prevention, New
York, World Law Fund, quoted in Barash, David P: ibid., pp. 93-94.
011
.0العوامل املثالية األخالقية ،وتشري هذه العوامل ،إىل أن األفراد والشكعوب
تتحرك باجتاه الصرا واحلروب بسبب محاسها جتاه مثاليات ،مت التعكبري
عنها من خالل الدين ،الوطنية ،الق ومية ،والدائرة احلضكارية اإلنسكانية.
وذلك حلمايتها ،أو لنشرها من خالل استخدام وسائل اإلككراه؛ ضكد
املعارضني هلا.
.1العوامل النفسية ،وتتمثل بتحرك األفراد ،والشكعوب باجتكاه العنكف،
واحلروب بسبب أملها يف اهلروب ،أو التخلص من الظروف القاسية ،أو
غري املرضية أو غري احمل تملة ،أو اخلطرية؛ وغري ذلك من أشالال رفكض
املعاناة.
.2العوامل السياسية ،يف حاالت معينة يُعترب العنف ،أو احلرب بالنسبة لالثري
من القادة ،أو الشعوب ،أداة ضرورية ،أو مالئمة لتطبيق سياسة خارجية
ما ،أو إلجياد ،أو حفظ أو زيادة نفوذ احلالومكة ،أو حكزب أو طبقكة
داخل الدولة .أو احملافظة على أو زيادة نفوذ الدولة؛ باملقارنة مع الكدول
األخرى.
.4العوامل القانونية ،التحرك باجتاه العنف ،أو احلرب يالون يف بعض األحيكان
بسبب ظهور ظروف ،أو حدوث تطكورات يعتقكد أن فيهكا انتكهاكا،
لقواعد القانون الدويل ،وحقوق اآلخرين ،وبالتايل ميالن أن يالون اللجكوء
إىل القوة ،أو احلرب هو العكالج املناسكب؛ وفكق شكرعية قانونيكة أو
قضائية.
وفيما يأ عرض ملخكص ألهكم هكذه النظريكات املتداولكة يف هكذا
اجملال:
.1النظرية النفسية (السيكولوجية) يف تفسري الصراعات ،وهء عبكارة
عن جمموعة من نظريات ،يقدمها جمموعة من العلماء املتخصصكني ،وتفسكر
هذه النظريات النفسية ظاهرة الصرا من خالل جمموعكة مكن الكدوافع،
والعوامل النفسية للقائد أو صانعء القرار لدى أطراف الصرا ،مثل الرغبكة
يف التسلط ،والسيطرة واملالانة ،أو احلقد والالراهية ،النكزا عات العدوانيكة،
الثأر واالنتقام ،اإلحباط وخيبة األمل ،االنطباعات والصور الذهنية ،انفعاالت
014
نفسية وغريها من العوامل والدوافع النفسية . 1واحتلت هذه النظريات موقعاً
هاماً يف تفسري السلوك الصراعء.2
.2نظرية العالقات اجملتمعية ،وتعترب هذه النظرية ،أن أسباب الصكرا هكو
االنقسام واالستقطاب املستمر ،وحالة عدم الثقكة والعكداء ،بكني الطوائكف أو
اجلماعات املتنوعة داخل اجملتمع أو الدولة .وينطبق ذلك على اجملتمع الدويل أيضاً.3
.3نظرية احلاجات األساسية (اإلنسانية) :تُُعترب هذه النظرية ،مكن أكثكر
النظريات اليت تلقى اهتماماً وجدالً يف تفسري أسباب الصراعات .إن هذه النظريكة
تعترب أن أسباب الصراعات ،ناجتة عن عدم توفري االحتياجات األساسية لإلنسكان،
سواء املتطلبات اجلسدية ،أو االجتماعيكة أو النفسكية والعقليكة (أي احلاجكات
األساسية املادية واملعنوية) ،ويشري أصحاب هذه النظرية ،إىل أن عكدم تكوفري ،أو
إشبا احلاجات األساسية اإلنسانية ،يولد العنف أو الصرا كوسيلة لتكوفري ،أو
احلصول على احلاجات األساسية .4ومن أهم منظري هذه النظرية :جون بورتكون
انظر على سبيل املثال: 1
Wright, Quincy: "The Nature of Conflict", Op. cit.
Werner, Levi: 1960, "On the Causes of War and the Conditions of
Peace", The Journal of Conflict Resolution, Vol. 4, No. 4, pp. 411-420.
نقالً عن مقلد ،إمساعي بربي :العالقات السياسية الدوليكة :دراسكة يف األصكول
والنظريات ،مرجع سابق.112 . ،
حول استعراض أهم االنتقادات هلذه النظريات النفسية راجع مقلد ،إمساعي بدربي: 2
املرجع نفسه.181-180 . ،
انظر على سبيل املثال: 3
Jeong, Ho-Won: Peace and Conflict Studies: An Introduction, Op. cit.,
p. 73-74.
Druckman, Daniel: 1993. An Analytical Research Agenda for Conflict
and Conflict Resolution, in Sandole, Dennis J. D. and Hugo van der,
Merwe’s (eds): Op. cit., p. 35.
& Burton, John & Dukes, Frank: Conflict: Readings in Management
Resolution, Op. cit.
Azar, Edward: Protracted International Conflict: Ten Propositions, in
Burton, John & Duckes, Frank (eds): Conflict: Readings in
Management and Resolution, Op. cit., pp. 145-155.
انظر ما يلء: 4
فالنستني ،بيتر (مؤلف) ،السعد ،سعد ،دبور ،حممد (مترمجني) :مرجع سابق.91-94 . ،
015
،John Burtonلوي كوسر ،يوهان غالتونغ ،إدوارد عازار .وحيدد إدوارد عازار
Edward Azarيف دراسته للصراعات االجتماعية الطويلة األمد ،أهم احلاجكات
األساسية اليت تسبب هذه الصراعات :احلاجكة إىل األمكن ،احلاجكة إىل اهلويكة
واالنتماء ،احلاجة إىل االعتراف (التقدير واالحتكرام والالرامكة) ،واحلاجكة إىل
املشاركة يف القرار ،والدور أو احلالم ،1وهناك أيضاً احلاجة إىل العدالة واحلاجة إىل
احلرية ،كما إن من أهم احلاجات املادية لإلنسان ،تتمثل يف احلاجة للغذاء والصحة
واملسالن.
عموماً ،يرى أصحاب هذه النظرية ،أن تسوية الصراعات تتم مكن خكالل
إشبا هذه احلاجات ،ويف أحيان كثرية ،إن عملية إشبا هذه احلاجكات ككاليت
تتعلق بشح املوارد ،أو تتعلق باهلوية واالنتماء احلضاري واليت ترتبط مبوقع جغرايف
واحد متناز عليه ،مثل الصراعات العرقية ،والصراعات حول االسكتقالل ،قكد
تالون من الصعوبة مبالان ،مما جيعل الصرا بني األطراف عملية ممتدة وطويلة.
.4نظرية احلرمان النسبدي :تستند هذه النظرية ،إىل جانب آخر مكن
احلاجات اإلنسانية ،وتسم ى "نظرية احلرمان النسيب" ،كوهنا ترتبط باحلاجكات
والثورة .ترى هذه النظرية ،أن الدوافع واألسباب ،اليت تكؤدي إىل حكدوث
الثورات ،أو التمرد والعنف السياسء ،أو االجتماعء؛ ناجتة عن حدوث حالكة
من اإلحباط ،اليت تنتج عن عدم تلبية حاجات هامة للجماعات ،أو كيانكات
جمتمعية م عينة .مثل احلرمان من املشاركة السياسية أو احلريات األساسية .ويشري
أحد منظري نظرية احلرمان النسبكء تيد جكري Ted Gurr ،إىل أن احلرمكان
النسبكء ،عبارة عن وسيلة منظمة تدفع بالصكراعات إىل مرحلكة العنكف.2
& Sites, Paul: "Legitimacy & Human Needs", p. 117, in Burton, John
Dukes, Frank: Conflict: Readings in Management & Resolution,
Op. cit., pp. 117-144.
Burton, John (ed): 1990, Conflict: Human Needs Theory, Vol. 2 of
the Conflict Series, London: Macmillan.
Azar, Edward: “Protracted International Conflicts: Ten Propositions”,
in Burton, John & Dukes, Frank: Conflict: Readings in Management
& Resolution, Op. cit., p. 293.
Gurr, Ted R.: 1993, Minorities at Risk, Washington, D.C, United 2
States Institute of Peace Press.
016
ومضمون هذه النظرية ،يتمثل يف الربط بني سقف التوقعات ،وسقف املطالب،
جتاه حتقيق حياة أفضل من حيث توفري الظروف الفضلى واالحتياجات ،كمكا
تربط هذه النظرية بني األداء ،أو التحقق الفعلء هلذه الظروف ،أو االحتياجات،
واإلمالانيات الفعلية للتحقق هلذه التوقعات ،وإن اتسا حجم الفجكوة بكني
التوقعات ،واألداء الفعلء ،هو الذي يؤدي ،أو خيلق الظروف اليت تدفع باجتاه؛
حدوث االضطرابات والعنف .ويقدم جيم ديفز James Davisأحد منظري
هذه النظرية ،أمنوذجاً لتحليل حدوث ثورات العنف ،حيث يكبني يف الشكالل
املرفق.
الشكل ررم ( :)1إشباع الحاجا والثورو (وفقاً آلراء جيمس ديفيز)
املصدر:
Wallensteen, Peter: 2002, Understanding Conflict Resolution: War, Peace and the
Global System, London, Sage Publications, p 41.
Gurrr,Ted R.: 1993, Minorities at Risk, Washington, D.C, United States Institute of
Peace Press
Davies, James C. (ed): 1971, When Men Rebel and Why, Free Press, New York.
017
إنه عندما تالون هناك فجوة ما بني اإلجناز ،أو األداء السياسء املتوقع ،واألداء
أو اإلجنازات الفعلية للنظام السياسء ،أقل من املتوقع ولالن بفارق مقبول؛ أو ميالن
معاجلته .ولالن عندما تالون هناك فجوة كبرية جداً بني األداء ،واإلجنكاز املتوقكع
للنظام السياسء ،وبني األداء واإلجناز الفعلء للنظام من خالل عجز النظام ،عكن
تلبية وإشبا احلاجات األساسية أو املتطلبات واحلقكوق األساسكية للمجتمكع،
كحرمانه من املشاركة السياسية ،احلرمان أو كبت احلريات العامكة ،فكإن هكذه
الفجوة ختلق إحباطاً أساساً يدفع إىل الثورة ،أو التمرد وظهور ممارسات عنيفة من
القوى أو مالونات اجملتمع احملرومة ،أو احملبطة ضد القادة السياسيني داخل الدولة.1
ويشري جون بورتون John Burtonأن الثورة والعنف حيدثان نتيجة حالة اإلحباط،
ميالن أيضاً أن يتسبب حبدوث صرا دويل ،وفق التأثري االنسيابكء ،حيث يشكري
إىل أن الصراعات وخاصة على املستوى الدويل هء نتيجة انسيابية ،لبعض املشاكل
اليت تظهر يف الدولة ،ألهنا متثل طرقاً يلجأ القادة إليها لصرف االنتباه عنهم .2أي إن
حدوث صراعات ،أو اضطرابات ،أو عنف داخلء يدفع أحياناً بعض احلالومات،
أو القادة السياسيني إىل خلق اضطرابات وصراعات خارجية ،لتهدئة االضطرابات
الداخلية واملخاطر اخلارجية حبيث تدفع قوى الصرا الداخلء؛ حنكو التهدئكة أو
التوقف عن الصرا .3
إن توليد صراعات خارجية ،قد يشجع القوى السياسية املتمردة يف الكداخل،
على العمل ضد النظام السياسء ،وتنظر إىل الظروف على أهنكا فرصكة مواتيكة،
إلضعاف النظام السياسء وتوسيع دائرة؛ أو جبهات القتال ضده.
Davies, James C. (ed): 1971, When Men Rebel and Why, New York, 1
Free Press; Ted R. Gurr, ibid.
نقالً عن فالنستني ،بيتر (مؤلف) ،السعد ،سعد ودبور ،حممد (مترمجان) :مصدر سابق،
.99 .
Burton, John W: 1996, Conflict Resolution: It's Language and 2
Processes, Lanham, Md and London: Scarecrow Press, p. 41.
Dollard, J., L. N. Doob, N. E. Miller, O. H. Mowrer and R. R. 3
Sears: Frustration and Aggression, New Haven , CT, Yale University
Press.
نقالً عن فالنستني ،بيتر (مؤلف) ،السعد ،سعد ودبور ،حممد (مترمجان) :مصدر سابق،
.91 .
018
كما يرى أيضاً أصحاب نظرية احلرمان النسبككء ،أن اإلحبكاط سكبب
للعدوان ،أي أن العدوان ما هو إال نتيجة لإلحباط.1
وهنا ميالن اإلشارة إىل أن هذه النظرية ،قد تفسر أحياناً بعض أشكالال التمكرد
على النظام الدويل ،أو أقطابه الغربية من قبل دول ،أو حركات سياسية عابرة للحدود،
حمبطة من غياب عدالة هذا النظام وعدم احترام حلقوقها مما دفعها للجوء إىل العنكف،
لتحقيق تغيري جيعل هذا النظام ،ينصفها أو حيقق العدالة ،ويناصر قضاياها (من وجهكة
نظرها) ،ومساواهتا يف احلقوق مقارنة؛ مع بقية أعضاء النظام الدويل.
.5النظرية املاركسية :تفسر األيديولوجية املاركسية ،الدوافع ،أو األسكباب
اليت تؤدي إىل الصراعات الدولية بشالل أساسء ،من خالل ما يسكمى بالتفسكري
املادي أو االقتصادي للتاريخ ،أي أن الصراعات واحلروب بني الكدول ،حتركهكا
بشالل أساسء الدوافع االقتصادية ،وخاصة يف ضوء تنافسها مع الرأمسالية الغربية،
بينما الصراعات الداخلية تالون من خالل صرا يف البنية الطبقيكة ،أو الصكرا
الطبقء داخل اجملتمع أو الدولة ،خاصة بني طبقة الالادحني (العمال) وطبقة األغنياء
أو أصحاب العمل ،وفق الدوافع االقتصادية لالل طبقة.2
Ibid. 1
ملزيد من التفاصيل انظر :نقالً من مقلد ،إمساعي بربي :نظريات السياسة الدوليكة: 2
دراسة حتليلية مقارنة ،مرجع سبق ذكره.200 . ،
019
ومبعىن أخر ،إن هذا اخللل يف االنسجام والتوازن ،يؤدي إىل/أو ينتج عكن
احنرافات يف منظومة القيم ،واألخالق ،والدوا فع (الروحء واملعنوي) ،واملفاهيم،
والرؤى ،والسلوك واملمارسات جتاه اآلخرين (أفراداً أو شعوباً وجمتمعكات)،
يترتب عليها حدوث الصرا .فمثالً إن اخللل يف عالقات االنسجام ،والتوازن
املذكورة أعاله لدى الفرد (صانع القرار ،أو خنبة) يترتب عليه هيمنة ،وسيطرة
الشهوات ،و الدوافع السلبية مثل شهوة السلطة االستبدادية ،أو الطمع واجلشع،
أو السيطرة على اآلخرين؛ أو مواردهم ...أو التوجه حنو اسكتخدام اإلنتكاج
العقلء ،واملعريف دون ضوابط أخالقية ،إىل تسخري العلوم واملعارف باجتاه القوة
املعادية لإلنسانية .أو خدمة شهوة السلطة االستبدادية ،بشالل قد يترتب علية
استخدام القوة ،املسلحة املتطورة تالنولوجيا للعدوان ،أو االستبداد والظلكم.
وإىل هذه املعاين ،يشري ابن خلدون إذ يقول" :اعلم أن احلروب ،وأنوا املقاتلة
مل تزل واقعة يف اخلليقة منذ برأها اهلل ،وأصلها إرادة االنتقام بعض البشر مكن
بعض ،ويتعصب ل الل منها أهل عصبيته ...وسبب هذا االنتقام يف األكثر ،إما
غرية ومنافسة ،وإما عدوان ،وإما غضب هلل ولدينه ،وإما غضب للملك وسعء
يف متهيده".1
أيضا ،إن املنظور اإلسالمء ،يف ضوء معادلة االنسجام والتوازن ،يرى ويؤكد
أن التغيري اإلجيابكء واإلصالح والسالم ،يف اجملتمعات والدول ،هو نتيجة تغكيري
وإصالح يف اإلنسان ذاته ،أو اإلنسان كمجمو أعضاء اجملتمع ،ويشري القرآن إىل
ذلك ...إِنَّ اللَّهَ الَ ُيغَيِّرُ مَا ِبقَ ْومٍ حَتَّى ُيغَيِّرُوا مَا ِبأَْنفُسِهِمْ ....ومبعىن أخكر ،إن
هذه اآلية تُظهر أن حتول واقع أو بيئة اإلنسان اإلجيابية ،أو حياة السالم اليت يعيشها
اإلنسان أو اجملتمع ،إىل حالة صرا وعنف واضطراب هو نتيجة خلل يف معادلكة
اإلنسان ،وبالتايل هو مصدر الصرا .وباملقابل ،فإن تغيري الواقكع السلبككء ،أو
الصرا يف حياة اإلنسان إىل حياة سالم وأمان وإصالح هلذا الواقكع أو تسكوية
الصرا ،هو أيضاً نتيجة تغيري اإلنسان يف ذاته ومنظومته احلياتية واجملتمعية ،ولالن
كما أشرنا سابقا على أسا من االنسجام والتوازن.
ابددن خلدددون ،عبددد الددرمحن :املقدمككة ،دار القلككم ،بككريوت،0180 ، 1
.110-111 .
041
وميالن تلخيص هذه النقطة بالقول ،إن اخللل يف نظام االنسجام والتوازن يولد
سلوكاً أو منطاً صراعياً ولي تعاونياً مع اآلخر ،ويقابله منط أو سلوك أو رد فعكل
إصالحء أو "تدافعء" هبدف حتقيق اإلصالح والعمران ،وغريها ،كما أن احملافظكة
أو محاية أو رعاية حالة االنسجام والتوازن يعين القضاء علكى مصكادر الصكرا
واحملافظة على السالم مع اآلخر ،ويولد عالقات تشاركية وحتول الصرا .
من جانب أخر ،رمبا من املفيد اإلشارة هنا إىل إن املنظور اإلسالمء ،يكتفهم
تأثري ودور الظروف والبيئة احمليطة على سلوك اإلنسان ودوافعه حنو الصرا ،ولالن
ال يقبلها أن تالون مربراً ملمارسة العنف والعدوان على حقوق ومصاحل اآلخكرين،
ولذلك يأمر مبقاومة ومعاقبة من ميار الظلم والعدوان علكى مكوارد وحقكوق
اآلخرين ،ولو كانت الظروف الصعبة تدفعه لذلك.1
من جانب آخر ،إن األصل يف طبيعة عالقة اإلنسان مع اآلخر وفق املنظكور
اإلسالمء ،تقوم على أسا عالقة "التراحم" يليها عالقة "التعاقد" حلفظ ومحايكة
عالقة التراحم ،2وإن عالقة التعاقد تعمل على منع ،أو السيطرة على أي جتاهكات
وتفاعالت ميالن أن تالون مصدراً للصرا أو النكزا ،كما إن التراحم يشكالل
إطاراً لتجاوز؛ أو ملنع اخلالفات والنكزاعات.
.6نظرية براع احلضارات/الثقافات :مما ال شك ،فيه أن التباين أو التعكدد
الثقايف ،يف اجملتمعات اإلنسانية يشالل أحد أهم مسات وخصائص اجملتمع اإلنسكاين
والدويل ،والتباين الثقايف طبيعة إنسانية ،وإحدى حقائق اجملتمع اإلنساين الناجتة عن
التعدد واالختالف؛ يف اللغات ،والقيم والعادات احمللية واألديان ،وغري ذلك مكن
مالونات الثقافات واحلضارات .ولالن هل يعين هذا التباين والتعكدد الثقكايف أن
هنتنجتون ،بموئي " :صرا احلضارات" ،جملة ،Foreign affairsجملد ،11عدد،2 1
،0112ترمجة عبد احلميد فتاح ،عرفان :جملة الندوة ،اجمللد السكاد ،العكدد األول،
كانون الثاين/يناير.0111 ،
Buzan, Barry: 1991, "New Patterns of Global Security in the Twenty 2
First Century", International affairs, 67 (3), pp. 431-451.
041
احلضارات ،إىل أن سيطرة فالرة "اهليمنة" السياسية ،والعسالرية واملادية للقكيم
الغربية ،ولي فال رة "التعايش" مع اآلخر هء اليت قد تولد ردود فعل تكدفع إىل
الصرا مع الغرب ،باإلضافة إىل وجود مضامني ثقافية سلبية ومنطية عن اآلخكر
الثقايف ،مع سوء اتصال معريف ثقايف ،توفر البيئة املهيمنة ملمارسات عنيفة جتكاه
اآلخر الثقايف.
.1نظرية اهلوية االجتماعية :1ال شك أن قضية اهلويكة ،تشكالل إحكدى
القضايا األساسية اليت يدور حوهلا الصرا سواء داخل الاليانكات اجملتمعيكة ،أو
اجلماعات البشرية أو مع حميطها اخلارجء املختلف عنها ،وهكذه اجلماعكات ،أو
الاليانات تتمثل بأشالال عدّة ،منها( :األسرة ،احلزب ،األقليات الدينية أو العرقية،
الدولة القطرية وغريها).
وكان هناك نظريات علمية حتاول دراسة قضية اهلوية االجتماعيكة ،مكن
أمهها( :نظرية اهلوية االجتماعية اليت مت تطويرها يف السبعينيات والثمانينيكات،
من قبل هنري تاجفيل ،Henri Tajfelوجون ترنر John Turnerوهذه النظرية
هء من نظريات علم النف االجتماعء أو ا جلماعات ،وهء حتاول تفسري سلوك
الفرد /أعضاء مجاعة معينة (مثل األسرة ،حزب ،مجاعة ،أقلية ،دولكة وطنيكة)
باالعتماد على اختالف ،وتشابه جمموعة من العناصر ،منها ،املالانة ،ووالؤهكا
ورؤيتها لذاهتا ولشرعيتها ،وإمالانية انتقال هذه العناصر إىل مجاعكة بشكرية
أخرى.
ملزيد من التفاصيل ،انظر ما يلء: 1
Tajfel, H., & Turner, J. C. (1986). The social identity theory of
intergroup behavior. In S. Worchel & W. G. Austin (Eds.), Psychology
of Intergroup Relations (pp. 7-24). Chicago, IL: Nelson-Hall.
Turner, John; Oakes, Penny (1986). "The significance of the social
identity concept for social psychology with reference to individualism,
interactionism and social influence". British Journal of Social
Psychology 25 (3): 237-252.
Haslam, S. A.; Ellemers, N.; Reicher, S. D.; Reynolds, K. J.; Schmitt,
M. T. (2010). "The social identity perspective today: An overview of its
defining ideas". In Postmes, T.; Branscombe, N. R. Rediscovering
social identity (Psychology Press): 341-356.
041
إن نظرية اهلوية االجتماعية ترتبط بطريقة تفسري الفرد ،أو عضكو اجلماعكة
لوجوده ضمن اجلماعة أو الاليان اجملتمعء ،ومن مث فإن التمييز بني "حنن" و"هم" أو
"اآلخر" على أسا من هذه اهلوية االجتماعية .أي أن هذا التفسري خيلق التناف ،
والتمييز ،أو التعاون مع دائرة اجلماعات أو الاليانات اجملتمعية األخرى؛ أو املختلفة
عنها.
ومبعىن آخر ،إن طبيعة العالقة بني اهلوية االجتماعية ،والسكلوك السياسكء
للجماعات البشرية أو الاليانات اجملتمعية ،أو طبيعة العالقة التفاعلية بكني "حنكن"
و"هم" حتدد سلوكاً صراعياً وتنافسياً أو تعاونياً يف ضوء احتكرام هكذه اهلويكة
االجتماعية؛ وحتقيق مشاركتها ومصاحلها.
و ميالن القول ،إن هذه النظرية ختدم إىل حد كبري يف تفسري السلوك السياسء
للاليانات اجملتمعية أو اجلماعية ،مثل سلوك األقليات بأنواعها الدينيكة والطائفيكة
والعرقية وغريها ،أو الاليان الوطين أو القطري ،أو اجلماعات احلزبية ،جتاه البيئكة
اخلارجية أو "اآلخر" سواء داخل احمليط الوطين أو القومء أو اإلقليمء أو الكدويل،
وذلك يف ضوء حتديد كيفية التعامكل ،واالحتكرام ،واملشكاركة ،هلكذه اهلويكة
االجتماعية ،ودرجة ،أو مستوى الشرعية اليت تعطى أو توفر هلا .ويف املقابكل ،إن
درجة التنافسية هلذه اجلماعات البشرية ،أو الاليانات اجملتمعية مع "اآلخر" ،تكدفع
إىل ممارسات وسلوكيات إمّا صراعية أو تعاونية داخل اجلماعكات ،أو الاليانكات
البشرية الواحدة ،أو جتاه الاليانات أو اجلماعات البشرية األخرى.
ويف ختام استعراضنا هلذه النظريات ،ال بد من اإلشارة إىل أن معظكم هكذه
النظريات ارتبطت مبدخالهتا الثقافية ،ورؤيتها املادية ،للحياة .فهكذه النظريكات
باستثناء املنظور اإلسالمء ،وبالرغم من انتشارها الواسع ،يف األدبيات العلمية لعلم
دراسات الصرا والسالم ،إال أهنا تعاين من بضع إشالاليات ،من أمهها:
األوىل :أهنا ختضع هليمنة املنظور الفالري والثقايف الغربكء ،مكع ضكعف أو
حمدودية إسهامات املدخالت الثقافية واحلضارية "لآلخر" غري الغربككء .وهكذه
اإلشالالية جعلت من معظم هذه النظريات ،أسرية التجربة والبيئة الغربية ومنظومتها
القيمية ،أي أهنا مرتبطة حبدود خرباهتا الثقافية ،أو اجلغرافية إىل حد مكا .وبالتكايل
فهذه النظريات تفتقد إىل اندماجها مع التجارب الثقافية واحلضكارية يف بيئكات
044
متنوعة من العامل .فهذه اإلشالالية ،أدت إىل افتقاد هذه النظريات العلمية إىل مسكة
"العاملية" يف التفسري ،والتحليل ملختلف أنوا الصرا ،خاصة العنيفكة يف منكاطق
وبيئات خمتلفة من العامل.
الثانية :يف ضوء هيمنة املنظور الغربكء على هذه النظريات ،فكإن الرؤيكة
"املادية" للحياة هء السائدة يف معظم هذه النظريات ،وهو ما جعل تفسكري هكذه
النظريات للصراعات ،وتفاعالت العالقات اإلنسانية قائما على معادلة "عالقكات
القوة" ،ومن مث فإن فالرة "اهليمنة" بأشالاهلا املادية واملعنوية ،و"األنانية املصكلحية"
وما يرتبط هبا من حاجات ورغبات مادية ،هء اليت تشالل اإلطار العام ملعظم هذه
النظريات يف تفسري وحتليل الصراعات ،مع حتييد كبري أو شبه كامل لدور "الدوافع
األخالقية واحلضارية" أو"العمرانية" للحياة ،وإجياد البيئكة "التعدديكة والتعكايش
احلضاري" أو "االعتراف باآلخر" على أسا من العدالكة واملسكاواة واالحتكرام
املتبادل ،وهتميش هذا الدور؛ يف نظريات تفسري الصراعات أو فض املنازعات.
045
املبحث الثاني
إن حتديد إطار نظري ألسباب الصرا ،هو حماولة منهجيكة لإلجابكة عكن
السؤال التايل :ملاذا يذهب النا أو الفاعلون actorsإىل الصرا أو احلروب؟
ال شك أنه سؤال بسيط يف صياغته ،ولالنه معقد يف حماولة اإلجابة عنه فقكد
استنكزف ومازال يستنكزف جهود الباحثني ،واخلرباء املمارسني للوصكول إىل
أدوات علمية تساعد يف فهم وحتليل حدوث ظواهر الصرا واحلروب .وال شكك
أن العلماء والباحثني يف هذا احلقل العلمء ،مل يتمالنوا من إجياد أدوات ،وقوالكب
علمية جاهزة ميالن تطبيقها على مجيع الصراعات لتنتج تفسرياً واضحاً حمدداً لالل
صرا .وهذا يعود ألسباب عديدة ،من أمهها:
إن ظاهرة الصرا هء ظاهرة ترتبط بالافة أشالال وتعقيدات حياة اإلنسان،
واجملتمع اإلنساين ،وهء بالتايل ظاهرة حتوي متغريات ،ومستجدات عديدة متنوعة
متحركة وغري مستقرة ،سواء يف تفاعالهتا أو مضامينها ومالوناهتكا؛ وبالتكايل يف
نتائجها.
عموماً ،كانت هناك حماوالت علمية عديدة ،خاصة يف األدبيكات الغربيكة،
لتفسري وحتليل أسباب الصرا واحلروب ضمن هذا احلقل العلمكء .1وإن حماولكة
اإلجابة عن هذا السؤال أدت وما زالت تشالل أحد الدوافع األساسية لتطوير حقل
047
دراسات الصرا والسالم ،كحقل علمء معريف ،كما أن حتليل أسباب الصراعات
أدى النشغال ،واستنكزاف جهود الباحثني يف هذا احلقل .إن حمكاوالت معرفكة
أسباب الصراعات هو اجلزء األساسء ،لي فقط لعملية حتليل الصراعات ،بل حمطة
أساسية أيضاً يف عملية الوصول إىل تسوية للصراعات وبناء السالم.
ومن احملاوالت العلمية القيمة لدراسة وحتليل أسباب احلروب والسالم ،حماولة
الباحث توما أولسون يف جامعة أوبساال وذلك ضمن جهود جمموعة العالقكات
الدولية يف التحالف األوروبككء لألحبكاث السياسكية Standing Group on
International Relations of the ECPRإلجياد إطار منكهجء لفهكم وحتليكل
أسباب احلروب والسالم ،والذي ميالن اعتباره إطاراً عاماً منهجياً يتناول مسكتوى
الصراعات األهلية بوجه خا ،.والصراعات الدولية بشالل عام.
وميالن تلخيص مضمون اإلطار النظري ،حول دراسكة أسكباب الصكرا ،
واحلرب والسالم الذي قدمها توما أولسن يف دراسته القيمكة "فهكم أسكباب
احلروب والسالم" 1من خالل حماولة هذا اإلطار اإلجابة عن ثالث أسئلة حموريكة،
وهء:
.0ملاذا تبدأ النا بالقتال؟
.1ملاذا توقف النا عن القتال؟
.2كيف ميالن صنع السالم الدائم؟
يف ضوء هذه األسئلة احملورية ،حيدد أولسن اإلطار املنهجء من العناصر التالية:
أوالً :األطراف املتنازعة ،تبدأ باللجوء إىل القوة أو العنف ،ألن لديها أسكبابا
تشالل أهدافاً أو مظامل.
كاللكادر تشك كوارد ،أو مصك كديها مك
كة ،لك
كراف املتنازعك ثانيكاً :ألن األطك
قدرات/إمالانيات وفرصا تدفعهم للعنف.
ثالثاً :ألن األطراف املتنازعة لديها إرادة للحسم ،أو القرار أو احلكل ضكمن
قناعة انه ال بديل عن خيار العنف ،لتحقيق أهدافها؛ أو هو اخليار الذي يقدم هلكا
حالً.
Ohlson, Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit., 1
.p. 134
048
Triple R هذه العناصر الثالثة يطلق عليهكا الباحكث مثلكث Rالثالثكء
،Triangleوميالن شرح هذه العناصر أو العوامل التوضيحية الثالث كما يلء:1
049
أو تُعترب األسباب املباشرة حلدوث الصرا ،وهء إما أفعال أو أحكداث ،وهكء
تتمثل يف نوعني أو شاللني ،حدوث أحدمها قد يولد صراعاً عنيفاً.
-األول :حدوث تغري ملحوظ وحاد ،يؤدي إىل وضع أسوأ يف ظروف وواقكع
املعاناة اليت تعيشها األطراف اليت ستالون موضع الصرا .
-الثاين :حدوث هزّة فجائية للنظام ،أو للمنظومة العامة للدولكة ،أو اجملتمكع
الدويل مثل صدور قرارات اقتصادية وسياسية قاسية مت احلاجات األساسية
لألطراف أو للشعب ،منها على سبيل املثال ،رفع األسعار للمواد األساسكية
بشالل كبري يف ظروف اقتصادية صعبة ،أو صدور قرار إللغاء حقوق سياسية
أساسية لبعض اجلماعات ،أو األحزاب أو الطوائف .أو قيام دولة أو حرككة
سياسية بغزو دولة أخرى قد يترتب عليه تغيري أو هتديد يف النظام اإلقليمء أو
الدويل ،أو إحداث تغيري يف عملية السيطرة على املوارد األولية احليوية للعكامل
مثل البترول أو موارد الطاقة ...وغري ذلك من األمثلة اليت يشالل حدوثها يف
غالب األحيان حروباً ،مثل غزو العراق للالويت يف عام ،0111أو أحكداث
احلادي عشر من أيلول 1110يف أمريالا.
Ohlson, Thoma: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit., 1
.p. 14
050
عموماً إن حدوث أي صرا عنيف ،أو حرب ما سواء كانكت دوليكة أو
داخلية تتطلب تفعيل هذه العناصر الثالثة ،وغياب أي منها ،ال يلغكء حكدوث
الصرا ،ولالن جيعل فرصة حدوثه ضعيفة ،أو جتعل الصرا غري عنيف.
بالرغم من أن هذه العناصر الثالثة ،أو مثلث Rالثالثكء ،تشكالل إطكاراً
منهجياً/نظرياً ها ّماً؛ لدراسة وحتليل أسباب الصرا ،ولالن تبقى هنكاك ضكرورة
لتحديد مستويات حتليل أسباب الصرا اليت ،ال يظهرها هذا اإلطار أو املثلث ،مما
يدفعنا إلضافة إطار منهجء آخر ،مالمالً لدراسة عملية حتليل أسكباب الصكرا ،
ليشالال معاً إطاراً شامالً متالامالً لتحليل أسباب الصرا .
استفاد الباحث يف صياغة هذا اإلطار من جمموعة واسعة من الدراسات منها على سبيل 1
املثال:
Rubenstein, Richard E.: "Conflict Resolution and the Structural
Sources of Conflict," in Jeong, Ho-Won (ed): 1999, Conflict
Resolution: Dynamics, Process, and Structure, Vermont: Ashgate
Publishing Co., pp. 173-195.
Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom and Miall, Hugh: Op. cit.,
p. 78-105.
علي سامل ،أمحد " :عن احلرب والسالم :مراجعات ألدبيات الصرا الدويل" ،السياسكة
الدولية ،اجمللد ،41العدد ،011أكتوبر .12-8 . . ،1111
Ropers, Norbert, and Klingwbiel, Stephan: Peace-Building, Crisis
Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the
Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Op. cit.
051
الدوافع واملوارد والقرار .ويعتقد الباحث ،أن استخدام النموذجني (اإلطارين) معاً،
يف حتليل أسباب الصراعات الداخلية أو الدولية ،يوفر معظكم البيئكة ،واألدوات
املنهجية الالزمة ،يف حتديد العوامل إيل تسبب وتشالل الصرا ،وحتديد مسكتوى
وآليات تسوية هذه الصراعات .ويشمل هذا اإلطار األبعاد أو البيئات اآلتية:
.0البعد أو البيئة اجملتمعية الداخلية.
.1بيئة الدولة.
.2البعد اإلقليمء والدويل.
وفيما يأ تفصيل هذه األبعاد:
9البعد أو البيئة المجتمعية الداخلية
يعترب البعد اجملتمعء ،هو البيئة اليت حيدث فيها الصرا "ميكدان الصكرا "،
وأيضاً اخللل يف هذه البيئة يشالل مصدراً وسبباً حلدوث الصرا ،ويشكمل هكذا
البعد املستويات اآلتية:
مستوف الفرد/النخبة:
عندما يتم احلديث عن مستوى الفرد/النخبة ،كأحد مستويات حتليل أسباب
الصرا ،فمن الطبيعء أن يُنظر بشالل أسا ،إىل القائد السياسء/صانع القرار ،أو
اجملموعة الضيقة (النخبة) املتنفذة؛ يف صناعة القرار .فإن طبيعة املنظومة املعرفيكة،
والقيمية ،أو الثقافية أو العقائدية والدافعية ،ومصاحل هذه القيادة جتكاه األحكداث
واألوضا السياسية ،أو األزمات تلعب دوراً أساسياً ،باإلضكافة إىل املسكتويات
األخرى ،يف توجيه سياسات ،أو قرارات أو سلوكيات القائد ،بشالل يؤدي إمكا
إىل حدوث صرا ،أو تصعيده أو حتقيق السالم .فعلى سبيل املثكال إن املصكاحل
السياسية ،أو االنتخابية لبعض القادة تدفعهم يف كثري من األحيان ،إىل تصكعيد أو
هتدئة أزمات ،أو صراعات مع أطراف أخرى .كما إن هناك خنبكا سياسكية ،أو
عسالرية ،أو اقتصادية متنفذة يف القرار السياسء ،وتلعكب مواقفهكا ومصكاحلها
وتقديراهتا ،دوراً يف افتعال أزمات أو صراعات أو هتدئتها .وكما أن النخبكة ،أو
الرموز اجلماهريية غري الرمسية ،أو خارج دائرة صنع القرار السياسء الرمسء ،مثكل
قادة اجلماعات العرقية أو الدينية وغريها ،يف بعض األحيان ،تلعب دوراً هامكاً يف
051
توجيه قرارات القادة السياسيني يف الدولة ،أو يف توجيه العالقات مكع السكلطة
احلاكمة ،باجتاه الصرا والصدام أو التهدئة أو التعاون ،وذلك وفق املصاحل الكيت
يروهنا اي ،وفق مصاحلهم وتقكديراهتم للمواقكف ،وفكق منظومكاهتم املعرفيكة
ومعلوماهتم.
ويلخص أحد الباحثني -من مؤسسء علم الصراعات ( -كوينسء رايت)،
أهم أسباب الصراعات العنيفة واحلروب ،على هذا املستوى الفردي/النخبوي ،بأهنا
تنبع من املواقف اآلتية:1
.0املواقف اليت جيد فيها القادة أو احلالومات أنفسهم ،مرغمني على االختيار بني
أن حياربوا أو أن يفقدوا وجودهم ،ومن مث فهم يقاتلون إذعاناً ملبدأ الضرورة.
.1املواقف اليت يقاتل فيها القادة أو احلالومات على سبيل االسكتجابة لكبعض
املؤثرات الضاغطة بصورة تصبح معها احلرب مبثابة رد فعل حتمء ال مفكر
منه.
.2املواقف اليت يقاتل فيها القادة أو احلالومات ،لتحقيق أهداف معينة ككالثروة
أو القوة ،أو لتوثيق عرى التضامن القومء ،وإذ تبدو الوسائل األخرى أقكل
فاعلية.
.4املواقف اليت يقاتل فيها القادة واحلالومات حتت ضغط الشعور باإلحباط ،أو
للتنفي عن بعض العقد واملركبات .وتالون احلرب وسيلة ،لتحقيق الشعور
باالسترخاء من هذه الضغوط ،والتوترات النفسية املستمرة.
مستوف الكيان السياسي الجمعي/الجماعي:
إن مستوى الاليان السياسء اجلمعء أو اجلماعء ،يُقصكد بكه الاليكان أو
اإلطار ،الذي يرتبط به أو الذي ينتمء إليه ،إطار واسع من األفراد وفق روابكط
معينة ،أو حيمل صيغة تنظيمية معينة؛ هلذا اجلمع الواسع من األفراد ،وذلكك يف
اجملتمع الواحد .منها على سبيل املثال :الطوائف أو األقليات الدينيكة والعرقيكة،
الاليانات العشائرية أو القبلية ،األحزاب الس ياسية ،البنية الطبقيكة .إن وجكود
نقالً من مقلد ،إمساعي بربي :نظريات السياسة الدولية :دراسة حتليلية مقارنة ،مرجع 1
سبق ذكره.191 . ،
054
تعارض يف األهداف واملصاحل ،بني بعض هذه الاليانات اجملتمعية ،سواء أكانكت
مع* كيانات سياسية مجاعية أخرى ،أم مع السلطة السياسية احلاكمة يف الدولة،
غالباً يُولد -وفق معطيات أو ظروف معينة -صكراعات عنيفكة ككاحلروب
األهلية ،أو األزمات السياسية احلادة يف الدولة وغري ذلك .إن هكذه الاليانكات
اجملتمعية أو اجلماعية ،بالرغم من كوهنا تشالل إثراء وتوازناً ،يف نسكيج وبنيكة
اجملتمعات ،إال أن اإلخالل يف هذا التوازن ،جيعل منها عنصراً أساساً يف حكدوث
الصراعات العنيفة أو احلروب.
ملزيد من التفاصيل حول العالقة بني األسباب املتعلقة بالظروف الداخلية واخلصكائص 1
القومية للدولة ودورها يف حدوث صراعات دولية انظر:
علي سامل ،أمحد" :عن احلرب والسالم :مراجعات ألدبيات الصرا الكدويل" ،مرجكع
سابق.01-8 . ،
Englehart, Neil A.: 2009, State Capacity, State Failure and Human
Rights, Journal of Peace Research, Vol. 46, Issue 2, pp. 163-180.
055
الوحدات أو البنية املؤسسية ،قد تالون خارج اإلطار الرمسء لصنع القكرار ،مثكل
األحزاب واجلماعات السياسية املعارضة( ،الشرعية منها ،أو غري الشرعية).
إن هذه البنية املؤسساتية ،قد تلعب عادة دوراً هاماً يف حدوث الصكراعات
العنيفة ،سواء فيما بينها ،أو يف إطار خارج الدولة ،فهكء عكادة ،الكيت تشكر
للصرا ،وتقدم له الشرعية السياسية والدستورية ،وهء اليت تقكوم بتنفيكذه ،أو
املشاركة يف إدارته أو اإلشراف على تنفيذه ،وأكثر ما يظهر دور هذه الوحكدات
املؤسسية ،يف الصراعات واحلروب األهلية .ويف املقابل قد تشكالل هكذه البنيكة
املؤسساتية ،عناصر ضاغطة أو ضابطة ،لصنّا القكرار حنكو إيقكاف أو هتدئكة
الصراعات ،والتوجه حنو دعم تسويات سلمية أو سياسية هلا.
ثانياً :مستوى القطاعات والقضايا ذات العالقة بأسباب الصكرا :هنكاك
1
ملزيد من التفاصيل حول هذا املوضو انظر على سبيل املثال: 1
Kadayifici-Orellana, S. Ayse: 2009, "Ethno-Religious Conflicts:
Exploring the Role of Religion in Conflict Resolution", in Bercovitch,
Jacob & Kremenyuk,Victor & Zartman,William (Eds): Conflict
Resolution, London, Sage, pp. 264-284.
Salem, Ahmad: 2002, "Ideology, Interest and International Order: A
Critique of the Democratic Peace Theory", the Annual Conference of
the Center for the Study of Islam and Democracy, Arlington, Virginia,
USA, 6-7 April 2002.
Hensel, Paul: 2000, "Territory and Evidence on Geography and
?Conflict", in Vasquez, John (ed): What Do We Know A Bout War
Lanham, MD: Rowman and Littlefield.
Ministry for Foreign Affairs: 1999, Preventing Violent Conflict: A
Swedish Action Plan: Summary of Ds 1999:24, Stockholm,, Policy
Planning Group, p. 16.
056
التجان بني مالونات اجملتمع أو الدولة ،أو ما يعرف باالنقسام ،وعدم التوازن
العرقء أو الديين والثقايف ،وغالباً ما يالون ذلك ،نتيجة غياب عالقة تعاقديكة
واضحة وعادلة ،بني الاليانات العرقية أو الدينية للدولة ،1أو نتيجكة وجكود
انقسامات طبقية حادة يف اجملتمع ،ترتبط باعتبارات اقتصادية أو دينية ،أو عرقية
أو ثقافية أو غريها .مثل اضطهاد األقليات ،ضعف البنية اجملتمعيكة ،وضكعف
التسامح الديين أو املذهبكء والثقايف ،بني طوائف ومالونات الدولكة .وهكذه
االنقسامات ،تعين وجود ضعف يف بنية الدولة واجملتمع ووحدته الوطنية.
وتشالل هذه االنقسامات ،بيئة خصبة تنمو فيها الصراعات ،عند توفر متغريات
جديدة وظروف ،أو عوامل داخلية وخارجية حمفزة ،كمكا إهنكا تسكاهم يف
إحداث تغيري ،يف توازنات أو عالقات القوة؛ بشالل يكؤدي إىل اللجكوء إىل
وسائل عنف ،إلحداث تغيري يف توازنات مالونات الدولة ،وبيئتكها هبكدف
إحداث تغيري ينصف طرفاً ،ويوفر له املساواة وحقوقه الغائبة .فعلى سبيل املثال
تشري بعض الدراسات ،إىل أن "احلروب األهلية اليت يتدخل فيها عدو خارجء
تدوم أطول من غريها ،وحني يتدخل العدو اخلارجء ،فإن احلرب األهلية غالباً،
ما تالون بدأت بالفعل ،وهو يتدخل عادة ملساعدة أطراف مرتبطة به ثقافيكاً،
(أي لغوياً ودينياً) أو أيدولوجياً ،ولالن االنتماء إىل ثقافة أو أيدولوجية واحدة،
لي شرطاً كافياً لتدخل عدو خارجء ،ملسكاعدة أحكد أطكراف احلكرب
األهلية" .2وقد أثبتت دراسات كمية امربيقية ،وجود ارتباط مباشر بني التماثل
اإلثين (بني دولتني متجاورتني) ،واندال احلروب بني هذه الدول ،كما أثبتت
وجود عالقة عالسية بني االختالف يف الدين ،واندال احلروب بني الدول.3
اخلزندار ،سامي :الصراعات العربية الداخلية :رؤية يف األسباب والدوافع ،مرجع سبق 1
ذكره.012-011 . ،
علي سامل ،أمحد" :عن احلرب والسالم :مراجعات ألدبيات الصرا الدويل" ،مرجع سبق 2
ذكره.0 . ،
انظر: 3
علي سامل ،أمحد" :عن احلرب والسالم :مراجعات ألدبيات الصرا الكدويل" ،مرجكع
سابق.01 . ،
Henderson, Errol: 1997, "Culture Or Contiguity: Ethnic Conflict, The
Similarity of States, and the Onset of War 1820 -1980", Journal of
Conflict Resolution, 41 (1), pp. 649-668.
057
.2املستوى االقتصادي :إن العامل االقتصادي ،باإلضافة إىل العامل السياسكء،
يُعترب من أكثر العوامل أو األسباب وضوحاً ،يف دورها األسا يف حكدوث
الصراعات العنيفة .فعلى صعيد املستوى االقتصادي ،توجد عناصكر عكدة
تشالل أسباباً للصراعات ،منها على سبيل املثال :شكح املكوارد األساسكية
والطبيعية للدولة ،أو سوء توزيع أو عدم عدالة توزيكع املكوارد الطبيعيكة،
والفساد املايل واالقتصادي يف الدولة ،مع وجود تباين طبقء اقتصادي حكاد.
وغري ذلك من القضايا أو املشالالت االقتصادية ،فعلى سبيل املثكال :تشكري
بعض الدراسات ،إىل أن هناك عالقة ما بني التخلف التنموي ،واملسكتويات
املطلقة للتخلف االقتصادي للدولة ،وإمالانية حدوث الصكرا العنيكف،1
ومبعىن آخر ،يشالل هذا الوضع مصدراً من مصادر العنكف يف الدولكة .وال
شك ،أن املستوى االقتصادي يلعب دوراً هاماً ،يف التكأثري علكى القكرار
السياسء للدولة ،وما يترتب على ذلك من قرارات اقتصادية قاسكية ،علكى
حياة املواطن ،وما يولد ذلك ،من ردود أفعال على هذه القرارات تصكل إىل
درجة من العنف والصدام؛ مع القيادة السياسية يف الدولكة يف ككثري مكن
األحيان.
.2مستوى القطاع السياسي :ال شك ،أن املستوى السياسء ،هكو املسكتوى
احملوري ،الذي جيعل املستويات والعوامل األخرى ،تتجه حنو الصرا أو حنو
التهدئة؛ واإلصالح أو السالم .ويشالل النظام السياسكء بالافكة مفرداتكه
وطبيعته ،عنصراً جوهرياً ،إما يف حدوث الصرا يف الدولة ،أو حتقيق األمكن
والسالم .ولذلك ،فإن أزمة الشرعية يف أي نظام سياسء ،أو قيادته السياسية،
انظر: 1
Jongman A. and Schmid, Alex: 1997, Mapping Violent Conflicts and
Human Rights Violations in the mid-1990s. London, Leiden
University.
Stewart F., & Fitzgerald, V.: 2001, War and Underdevelopment,
Oxford, Oxford University Press.
Jongman, Berto & Schmidt Alex: World Conflict & Human Rights
Map, the PIOOM: Netherlands, 2001/2002. http://www.citizenpaul.com/
gallery/v/maps/atf_world_conf_map.pdf.html
058
تشالل على سبيل املثال ،ويف كثري من األحيان أحد مصادر الصرا والعنف
داخل الدولة ،مع املعارضة السياسية ،أو األقليات العرقية والدينية ،أو مجاعات
سياسية متطرفة .وكذلك فان أي نظام سياسء ديالتاتوري واستبدادي ،يُعترب
من أهم أسباب حدوث الصراعات العنيفة واحلروب األهلية ،وح احلروب
اإلقليمية.
وكذلك فان ضعف السلطة املركزية يف الدولة ،مكع وجكود انقسكامات
جمتمعية عرقية أو مذهبية أو دينية حادة ،يتسبب حبدوث كثري من األحيكان
يف صراعات عنيفة (منها على سبيل املثال الصومال) ،وميالن القكول أن أي
نظام سياسء استبدادي أو دكتاتوري ،يستمر لسنوات طويلة ،يف احلالم أو
السلطة ،يف دولة ذات تعددية عرقية أو دينية أو قبلية غري متجانسة ،فإنكه
عند تغيري أو سقوط نظا م احلالم بالقوة ،أو العنف يتولد عنه إمكا اهنيكار
للدولة ،أو ظهور أعمال عنف ،بني بعض مالونات اجملتمع ،ومكن أمثلكة
ذلك :الصومال بعد سقوط زياد بري ،والعراق بعد سقوط صدام حسكني،
ويوغسالفيا السابقة بعد وفاة جوزيف تيتو ،واالحتاد السوفييت بعد سكقوط
النظام الشيوعء .من ناح ية أخرى ،فإن انتشار الفساد السياسء يف أي نظام
أو دولة ،مع وجود نظام دكتاتوري سلطوي ،وظروف صكعبة ومعانكاة
اقتصادية لدى املواطنني ،فإن ذلك ،قد خيلق بيئة مسكتعدة السكتقبال أي
تدخل خارجء ،إلحداث تغيري وإصالح ،ولو كان ذلك التغري أو التكدخل
اخلارجء؛ من خالل استخدام ا لعنف ،أو اللجوء إىل الثكورة أو الصكرا
املسلح إلحداث التغيري.
وتشري بعض الدراسات ،إىل وجود ارتباط ،بني بيئة صناعة القرار السياسء
يف الدولة وسياستها ومواقفها اخلارجية ،وما ينتج عن ذلك من تفاعالت
سلبية أو إجيابية ،حيث يشري جاك سنايدر إىل أنه من غري السليم ،االعتقاد
بأن الضغوط اخلارجية على الدولة ،أخطر من الضغوط الداخلية عليهكا،
فقادة الدول الذين يواجهون هتديداً خارجياً خطرياً ،خيشون من اإلطاحكة
هبم يف ثورة داخلية ،على نف الدرجة من اهلزمية العسالرية ،أمام قكوى
أجنبية ،وح ولو كان اخلطر الداخلء ،أقل حدة من اخلطر اخلكارجء،
059
فإهنم حيتفظون خبشيتهم من اهنيار حالوماهتم.1
من ناحية أخرى ،يشري فريق آخر من الباحثني ،إىل وجود عالقة ،مكا بكني
الثورة الداخلية واحلروب الدولية ،وأن اندال ثورة ،يؤدي إىل إعادة حتديكد
املصدر الرئي للتهديد اخلارجء للدولة ،ومن مث قد يشجع الزعماء اجلكدد،
على استخدام القوة املسلحة ،يف السلوك اخلارجء لدوهلم.2
ومن األمثلة املفيدة يف هذا املستوى السياسء ،التطرف السياسء للقادة ،علكى
صعيد النكزعة القومية أو الدينية واأليديولوجيكة ،مثكل هتلكر يف أملانيكا،
وموسوليين يف إيطاليا ،سلوبودان ميلوسوفيتش يف يوغسالفيا السابقة .حيكث
مييل هؤالء القادة ،سواء على مستوى الدولة ،أو اجلماعات السياسية ،أو قكادة
األقليات العرقية والدينية ،إىل استخدام اخلطاب االنفعايل واألفعال االستفزازية،
ووسائل القوة واإلكراه ،أكثر من اللجوء إىل التفاوض ملنع حدوث الصكرا
وتصعيده ،أو مييلون إىل إعاقة أي عملية لتسوية هذا الصرا .3
عموماً ،إن هذه القطاعات والقضايا ،تشالل عناصر متداخلة مكع بعضكها،
ومتفاعلة فيما بينها ،باجتاه أن تشالل مصدراً ،حلدوث الصراعات العنيفكة،
فهء ال تلعب دوراً منفرداً أو أحادياً يف خلق الصرا ،وإمنا هء عبارة عكن
جمموعة متالاملة من العناصر داخل الدولة أو خارجها ،تتفاعل مع بعضكها،
وتسهم يف حدوث الصرا العنيف أو احلروب.
.4املستوى اإلقليمي :إن املستوى اإلقليمء ،يُعترب أحد املسكتويات األساسكية
للصراعات ،ويتداخل معها سواء أكانت صكراعات داخليكة ،أم أهليكة ،أو
للصراعات بني الدول .وإن دراسة الصراعات من خالل املستوى اإلقليمكء،
يُعترب مدخالً أساسياً ،يف حتليل مصادر أو أسكباب الصكراعات .حيكث إن
التأثريات اإلقليمية للصرا تأخذ اجتاهني :األول داخلء باجتاه اخلارج ،ومكن
Snyder, Jack: 1991, Myth of Empire: Domestic politics and 1
International Ambition, Ithace, Cornell University press, p. 317.
Walt, Stephen M.: 1996, Revolution and War, Ithace, Cornell 2
University press, pp. 18-45.
ملزيد من التفصيل انظر: 3
Conflict Prevention Guide: Understanding Conflict and Peace, Life
Cycle of the conflict, Op. cit., p. 12.
061
أشالاله االنتشار واالمتداد ،وكذلك العدوى وسهولة االنتقال .واالجتاه الثكاين
خارجء باجتاه الداخل ،والذي من أشالاله التدخل بأشالاله املختلفة ،والنفوذ.1
فعلى صعيد االجتاه األول( ،اجتاه داخلء -خارجء) :إن احلكروب األهليكة،
تنتقل تأثرياهتا إىل دول اإلقليم ،سواء على صعيد السياسة الداخلية للدول اجملاورة،
خاصة إذا كانت هناك امتدادات عرقية أو دينية ،أو على صعيد إحداث مشالالت
اقتصادية يف املنطقة ،أو على الصعيد السالاين ،بإحداث حركة هجرة ،ونككزوح
سالانية والجئني عرب احلدود ،إىل الدول اجملاورة ،أو التأثري على االستقرار األمكين
لإلقليم ،أو هتريب وبيع السالح للدول اجملاورة ،وغري ذلك من األمثلة .ويف املقابل،
أما على صعيد االجتاه الثاين (خارجء -داخلء) ،فإن بعض الدول اجملاورة تتكدخل
بدعم بعض أطراف الصرا ،لتعزيز نفوذها يف منطقة الصرا ،وبعضها يتكدخل
لتفادي تأثرياهتا السلبية األمنية والسياسية واالقتصادية ،على بعض الدول أو األنظمة
السياسية اجملاورة ،وبالتايل ،يتحرك هبدف إحداث تسوية سلمية للصرا .ويف كثري
من األحيان ،تصبح هناك حالة من التناف ،التوتر أو التناز السياسء ،بني بعض
دول اإلقليم نتيجة هذا الصرا ألسباب تتعلق بصرا النفوذ ،أو تعارض األهداف
واملصاحل بني هذه األطراف املختلفة.
ويشري بعض الباحثني إىل أهم العوامل اليت جتعل مكن املسكتوى اإلقليمكء،
مصدراً للصرا الدول ،أو تزيد من احتمالية حدوثه ،منها:2
.0اجلوار والتقارب اجلغرايف :وما يستتبع ذلك ،من تناز حول حدود مشتركة،
مسطحات مائية ،وتشري بعض الدراسات التطبيقية إىل وجود عالقة قوية ،بني
الصراعات الدولية وعوامل اجلغرافيا خاصة التجاور والتقارب والتناز ،على
أقاليم أرضية أو مائية.3
Lake, David A. and Rothchild, Donald: 1996, "Containing Fear: The 1
Origins and Management of Ethnic Conflict", International Security,
Vol. 21, No. 2, pp. 41-75.
علي سامل ،أمحد" :عن احلرب والسالم :مراجعات ألدبيات الصرا الدويل" ،مرجع سبق 2
ذكره.01 . ،
Hensel, Paul: 2000, "Territory and Evidence on Geography and 3
?Conflict", in Vasquez, John (ed): What Do We Know A Bout War
Lanham, MD, Rowman and Littlefield.
060
.1العداوة املزمنة :ويُقصد هبا ،تالرار الصراعات املسلحة ،بني دولتني ،يف مدى
زمين قصري مع استمرارها .ويلعب عامل اجلغرافيكا ،أو اجلكوار والتقكارب
اجلغرايف؛ دورا كبريا يف موضو العداوة املزمنة (خاصة خالفات حدوديكة)،
ويعترب الباحثون ،أن العداوة املزمنة ،ليست سبباً مبفردها ،لنشوب حكرب أو
صرا عنيف .وهذه العداوة املزمنة يف حال استمرارها لفترة طويلكة ،قكد
تصبح إرثا تارخييا بني أطراف الصرا .
.2اخللل يف توازنات القوة بني األطراف املتنازعة وظهور سباق تسلح بينها ،وما
يرتبط هبذا اخللل من حتالفات مع أطراف خارجية.
تشالل هذه العناصر يف بعض األحيان ،مصكدراً مكن مصكادر احلكروب
والصراعات ،على مستوى دول اإلقليم الواحد .ويف املقابل ،إن وجود بنية تنظيمية
مشتركة( ،منظمة تعاون إقليمية ،تعترب عنصراً إجيابياً يف هتدئة النكزاعات اإلقليمية،
والبحث عن حلول سلمية هلا).
061
إن هذا الوضع أو الشالل ،من النظام الدويل ميثل شالال من أشالال هيمنة القكوى
العظمى ،على النظام نتجت عنه ممارسات غري عادلة ،كما تولد عنكه ،ازدواجيكة
املعايري ،يف تطبيق قواعد القانون الدويل على الدول ،وهو ما يسبب منو قوى تغيري
أو معارضة عنيفة( ،بغض النظر عن صحة معتقداهتا ،وسالمة أساليبها يف التعكبري)
يلعب دوراً يف خلق حالة من الصراعات اإلقليمية أو الداخلية ،أو على املسكتوى
الدويل ،مثال ذلك سلوك إسرائيل ،والغرب جتاه الشعب الفلسطيين ،وما تولد عنه
من حروب ،ومقاومة فلسطينية مسلحة .وكذلك حرب القاعدة علكى السكاحة
الدولية ،وتداعياهتا الدولية واإلقليمية واحمللية يف العديد من دول العكامل ،األزمكة
النووية يف إيران ،مع جتاهل للحظر النووي األمريالء واإلسرائيلء ،وما يتولد عنها
من خماطر وهتديد لألمن اإلقليمء.
ال شك ،أن وجود حالة من ازدواجية املعايري ،وغياب العدالة وهيمنة القوى
الالربى( ،أو توجه بعض الدول الالربى حنو السيطرة ،والتوسع على حساب دول
أخرى) ،وخضو املؤسسات الدولية العسالرية والسياسية واالقتصادية ،هليمنة هذه
القوى ،مثل حلف الناتو ،وجمل األمن .تشالل هذه احلالة ،عنصكراً مكن أهكم
العناصر على مستوى النظام الدويل ،اليت تتسبب حبدوث صكراعات ،وحكروب
إقليمية وأهلية ،وإن كان ذلك ،ال يتم بشالل منفرد ،وإمنا يكرتبط بعناصكر مكن
املستويات األخرى للصرا .
إن حماولة تغيري منظومة عالقات القوة ،أو القرارات الدولية املرتبطكة هبكا،
ومبعىن آخر عالقات القوة يف اجملتمع الدويل ،تسببت يف صراعات وحروب ،فإن
احلاالت اليت حاولت فيها بعض الدول ،أو القوى السياسكية إحكداث تغكيري
جوهري ،يف معادالت القوة واهليمنة ومصادر النفوذ للقوة الالربى ،وقواعكدها
بشالل تؤثر تأثرياً مباشراً وجوهرياً؛ على مصاحل الالبار ،سواء علكى املسكتوى
اإلقليمء أو الدويل ،ولدت حروباً وصراعات عنيفة ،مثل :غزو العراق للالويت
، 0111حركة محا وحرب إسرائيل على غزة ، 1118أزمة إيران النووية وغريها
من األمثلة.
وكذلك ،من املصادر املساندة للصراعات على املستوى الدويل ،هو اخللل يف
"توازن العالقات" أو "هياللة النظام" ،بني مالونات اجملتمع الدويل ،فهنكاك حالكة
061
انقسام مزمنة ،على مستويات أو بأشالال عدة يف اجملتمع الدويل ،منها على سكبيل
املثال :الدول النامية -املتقدمة ،الدول الغنية -الفقكرية ،الثقافكات الغربيكة -
اإلسالمية ،دول الشمال -دول اجلنوب وغريها.
ويُشار أيضاً ،إىل أنه بالرغم من حركة التفاعل والتعاون ،بني وحكدات
اجملتمع والبيئة الدولية ،سواء على املستوى االقتصادي واالجتماعء والسياسء،
إال أهنا يف املقابل ،تتسبب يف تناز أو تصار أو تنكاقض ،يف املصكاحل بكني
وحدات ومالونات اجملتمع الدويل ،خاصة حول قضايا أو مشالالت مت البيئة
الدولية ،وذات طبيعة تتطلب جهودا دولية مشتركة ،منها على سبيل املثكال،
اخلالفات حول قضايا البيئة واملياه ،والقوانني املنظمة للتجارة الدولية ،مفهكوم
اإلرهاب الدويل واملقاومة ،مصاد ر الطاقة ،الثقافات واحلضارات ،جرائم احلرب
واإلبادة اإلنسانية ،قضايا حقوق اإلنسان وغريها من القضايا اليت تباينت فيهكا
املواقف واملصاحل بني الدول ،وفيها تداخل بكني حكدود السكيادة الوطنيكة،
واالهتمام الدويل .وإن كانت هذه اخلالفات والنكز اعات حول هذه القضايا،
ذات ال طبيعة أو الصفة الدولية ،مل تشالل مبفردها عنصراً للصراعات العنيفة أو
املسلحة.
يوضح الشالل رقم ( ،)00ملخصاً توضيحياً هلذا اإلطار العام ،لتحليل أسباب
الصرا الدولية أو الداخلية.
064
الشكل ررم ( :)99نموذج لمستويا تحليل أسباب الصراع
(الذي ينعكس على صراعا سياسية أهلية أو إرليمية/داخلية أو خارجية)
065
ال بد ،من اإلشارة إىل أن أسباب الصرا ،تتم ضكمن عمليكة دينامياليكة،
وتفاعل تؤثر فيها مجيع أو بعض هذه املستويات يف الصرا ،ببعضها البعض ؛حمدثة
الصراعات العنيفة أو احلروب ،وال شك ،أن عملية إدارة هذه الصكراعات حتكدد
نتائجها واجتاهاهتا وآثارها.
ويقدم "مايالل لند" مع آخرين ،إطارا /منوذجا آخر ،لتحليل أسباب الصرا ،
يف دول العامل الثالث ،ويقدم هذا النموذج ،إطارا أبسط يف حتليل الصكراعات،
ولالنه ،خيتلف عن اإلطار السابق ،يف أنه أقل مشولية ،ويهكتم بكالتركيز علكى
الصراعات الداخلية ،وكذلك عدم اهتم امه بتحديد مستويات معينكة للصكرا .
وتفاصيل هذا األمنوذج /اإلطار موضح يف الشالل اآل :
066
وجتدر اإلشارة ،إىل أن منظمة الصحة العاملية ،حددت العوامكل أو املصكادر
األولية للعنف اجلماعء مبا يأ :1
.0نقص العمليات الدميقراطية ،وعدم احلصول على السلطة بشالل متالافئ.
.1انعدام املساواة االجتماعية ،اليت يشري إليها التوزيع غري املتساوي للمصكادر،
وفرصة احلصول عليها.
.2سيطرة مجاعة واحدة ،على املوارد القيمة ،مثل :املا ،الكنفط ،اخلشكب،
واألدوية.
.4التغري الدميغرايف السريع ،الذي جيرد الدولة من قدرهتا ،على تقدمي اخلكدمات
الضرورية وفر .العمل.
خالصة القول ،إن تعقيدات وديناميالية عملية الصرا ،قد جتعل مكن هكذه
النماذج أو األطر املنهجية الثالثة ،مناذج متالاملة إىل حد كبري ،ميالن استخدامها،
يف حتليل أسباب الصراعات ،ولالن ،ال يعين هذا أهنا قوالب جاهزة لتحليل أسباب
كل صرا عنيف ،فهء أطر إرشادية *،ولالل صرا تفاصيل ،وجزئيات خاصة هبا
تتطلب تفالريا إبداعيا خاصا.
األيوبدي ،عمر ،وحسن ،حسن ،واأليوبدي ،أمني (مترمجون) :إشراف وحترير مركز 1
دراسات الوحدة العربية ،التسلح وندزع السالح واألمن الدويل ،1111 ،النسكخة
العربية املترمجة لالتاب SIPRI Yearbook 2007: Armaments, Disarmaments,
،and International Securityمركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت.210 . ،
067
املبحث الثالث
يتناول هذا املبحث ،عرض وتوضيح ،أنوا وأشالال الصرا العنيف علكى
مستوى الدولة ،Intrastateأي الصراعات األهليكة ،وككذلك علكى مسكتوى
الصراعات الدولية ،أو بني الدول ،Interstateإذ يشالل هذان املستويان ،املوضو
أو اجملال الرئي هلذا الالتاب .ويتعلق هذان املستويان من الصرا عادة ،باألبعكاد
السياسية أو العنف ،املرتبط بأبعاد سياسية.
إن هناك تباينا وجدال كبريا ،بني الباحثني املتخصصني يف دراسات الصكرا
والسالم ،حول أشالال وأنوا الصراعات ،وكما تشري بعكض الدراسكات ،إىل
وجود حالة من اإلرباك والتشويش ،يف تصنيف الصراعات .ومن أسكباب هكذا
اجلدل أو اإلرباك ،هو اختالف معايري تقسيم الصراعات ،فهناك معكايري ،تعتمكد
أطراف الصرا ،وأخرى تعتمد قضايا الصرا ،وأخرى تعتمد مسببات الصكرا ،
ولذلك ،فهناك من صنف الصرا إىل نوعني ،وآخرون صنفوها إىل أكثكر مكن
عشرين نوعاً.1
وفيما يأ ،أهم أنوا الصراعات ،وفق ما تتناوله العديد من الدراسات املعنية
ببحث أنوا الصرا ،إذ تقسم العديد من هذه الدراسات ،أنوا الصراعات على
النحو اآل :2
Ramsbothan, Oliver, Woodhouse, Tom, and Miall, Hugh: Op. cit., 1
p. 63.
ملزيد من التفاصيل حول أنوا الصراعات انظر: 2
Kriesberg, Louis: "Conflict Resolution", in Klare, Michael T (Ed):
Peace and World Security Studies: A curriculum Guide, Op. cit.
Ohlson, Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.,
p. 145.
069
أوالً :صراعا مصنفة وفق أطراف الصراع ،أو منطقة الصراع وتشمل
هذه الصراعا األنواع اآلتية:
.0الصراعات على مستوى الدولة( ،الصراعات األهلية) :وهء صراعات ،تالون
داخل الدولة الواحدة ،وقد تالون صراعات عنيفة أو مسلحة ،بني حالومكة
الدولة مع طرف أو أكثر ،من املعارضة .أو تالون صكراعا مسكلحا ،بكني
مجاعات داخل الدولة ،وألن تالون احلالومة طرفاً ،فيها بسبب ضكعفها أو
تفالالها ،واهنيار سلطة الدولة.1
.1الصراعات اإلقليمية :وهء عادة ما تالون بني دول متجاورة ،أو بني قكوى
كربى أو خارجية ،يف إقليم ما ،أو قد تالون بني دول جديدة ،تشاللت مكن
اهنيار وتفالك دولة أكرب يف إقليم معني.
.2الصراعات الدولية :وهء صراعات عنيفة بني دول أو تالتالت دولية ،ليست
متجاورة ،أو بني دول أو تالتالت دولية ،ضد حركات أو منظمات عكابرة
للحدود.
ملزيد من التفاصيل حول الصراعات األهلية انظر املبحث الثالث من الفصل الثالث مكن 1
هذا الالتاب.
071
.4الصراعات العرقية أو الدينية أو القبلية :عادة ،تالون هذه الصراعات داخكل
الدولة ،وهء إما حول القوة وزيادة النفوذ ،أو االعتراف باهلوية ،أو مشاركة
الطوائف العرقية ،والدينية ،والاليانات القبلية والعشائرية ،يف السكلطة أو يف
مساحة القرار السياسء ،أو زيادة حصتها يف املوارد ،ويالون أحيانا السكعء
لتحقيق احلالم الذا .
.1الصراعات األيديولوجية أو الثورية أو الطبقية :عادة ،هذه الصراعات تالكون
بني حركات أو مجاعات سياسية ،ذات طبيعة أيديولوجية معينة ،يف داخكل
الدولة ،إما إلحداث تغيري يف النظام السياسء ،أو يف املنظومة االجتماعيكة أو
االقتصادية ،من خالل استخدام القوة والعنف.
.9الصراعات من أجل احلرية ،أو التحرر من االستعمار :وعادة ما تالون هكذه
الصراعات ،من قبل الشعب ،للتخلص من االحتالل واالستعمار اخلكارجء،
أي حتقيق االستقالل ،وبناء الدولة الوطنية املستقلة ذات السيادة .كما ميالكن
أن تالون صراعات للتخلص من االسكتبداد ،وحتقيكق احلريكات العامكة،
والدميقراطية للشعب داخل الدولة.
يالحظ ،أن هذه التقسيمات ألنوا الصكراعات ،بكالرغم مكن شكيوعها
وانتشارها ،تتداخل فيها معايري أطراف الصرا ،وقضايا الصكراعات ،ومنطقكة
الصرا ،أو مصادر ومسببات الصرا ،مما يفتح اجلدل واالختالف العلمء حوهلا.
من ناحية أخرى ،تشري قاعدة بيانات أبساال للصرا ،UCDPاليت تصدر عن
قسم أحباث السالم والصرا ،يف جامعة أبساال يف السويد ،إىل تقسكيم فضكفاض
للصراعات األهلية والدولية ،حبيث تستوعب دائرة واسعة من الصراعات .وحتكدد
قاعدة أبساال للصراعات ثالث فئات للصراعات:1
070
9الصراعا الدولية حول األرض والحكم:
وهذه الصراعات الدولية ،يف األصل كانت فئتني ،األوىل :كانت صكراعات
حول األراضء ،والثانية حول احلالم ،ولالن خلضوعها أو عالقتها بالقانون الدويل
ووسائله حول تسوية املنازعات مت دجمهما يف فئة واحدة.
ويستخدم بيتر فالنستني رئي فريق قاعدة أبساال للصراعات ،معايري لتحديد
الصراعات الدولية ،ويتمثل يف جمموعة من األسئلة ،أمهها:
-هل حيمل الصرا عنصراً دولياً؟ كاخنراط قوات دولة أخرى ،يف الصرا على
سبيل املثال.
-من أين حيصل الطرف غري احلالومء املشارك يف الصرا ،علكى التكدريب،
واألموال ،والدعم اللوجسيت ،واألسلحة والدعم السياسء؟
-من الذي ميالنه وقف القتال؟
-من الذي سيوقع االتفاقية اليت سيتم تنفيذها؟
فالصرا على األرض أو احلدود ،بني دولتني أو أكثر ،هو شكالل تقليكدي
للصرا بني الدول .أيضاً ،يُعترب تدخل دول خارجية بالقوة لتغيري نظام حالكم يف
دولة أخرى ،بالتعاون مع قوى حملية وفق قاعدة أبساال ،صراعا دوليا على احلالم.
2الصراع الداخلي على الحكم:
ويتم حتديد الصراعات ،اليت تنتمء إىل هذا النو يف السؤال التايل :هل حيمل
الصرا الداخلء عنصرا هاماً ،يتعلق بالصرا على احلالم؟ ويعترب الصكرا بكني
طرف حالومء ،وطرف غري حالومء ،شالال من أشالال احلرب األهلية .ويرتالز
على األعمال Actionالعسالرية ،وعلى األهداف املعلنة ألطراف الصرا ،سكواء
الوصول إىل السلطة أو احملافظة عليها .وأحياناً ،قد يالون هذا النو من الصكرا ،
لي هبدف الوصول إىل السلطة ،ولالن ملنع وصول أو سيطرة احلالومكة ،علكى
موارد معينة داخل الدولة؛ فهو شالل من أشالال حتدي سلطة احلالومة.
3الصراع الداخلي على األرض:
وميالن حتديده من خالل السؤال التايل :هل حيمل الصرا عنصراً هاماً ،يتعلق
بالسيطرة على األرض؟ ويف هذا النو ،يدور الصرا بني احلالومة ،وطرف غكري
071
حالومء .كأن يسعى الطرف غري احلالومء إىل االنفصال عن الدولكة ،الرتباطكه
هبوية أخرى ،بينما تسعى احلالومة ملنع ذلك ،واحملافظة على وحدة أراضء الدولة.
ومن أمثلة ذلك صراعات تشاليل الدولة ،إذ حيتدم الصرا بني احلالومة ،حلمايكة
وحدة الدولة أمام معارضة مسلحة ،تسعى إلقامة دولة جديدة منفصلة عن الدولكة
األم ،مرتالزة إىل هوية ثقافية أو قومية خمتلفة ،تالون موجودة يف جكزء أو إقلكيم
معني داخل الدولة.
إن أنوا أو تقسيم الصراعات ،وفق قاعدة بيانات أبساال للصكراعات ،ميتكاز
بشموليته ومنطه املختلف ،عن التقسيمات التقليدية ،إال انه ،ما زال فضفاضاً ،لدرجكة
انه من السهل االختالف فيه ،حول طبيعة الصراعات اليت يشملها ،خاصة تلك الكيت
تدور حول قضايا غري سياسية ،مثل قضايا تتعلق باالقتصاد واملوارد .كمكا أن هنكاك
إشالالية ،حول الصراعات اليت تالون بني أطراف داخل الدولة ،والن تالكون طرفكًا
فيها ،أو يف حالة غياب نفوذ احلالومة ،أو اهنيار السلطة املركزية للدولة.
كما أن الالثري من الصراعات ،قد تتغري طبيعة أهدافها وأطرافها ،أثناء مسرية
الصرا ،بالرغم من وقوعها جغرافياً ،يف داخل الدولة الواحدة ،وبالتكايل ،هنكاك
صعوبة يف تصنيف طبيعة الصرا يف غالب األحيان.
من ناحية أخرى ،اعتمد أحد كبار أساتذة العالقكات الدوليكة (هولسكيت
،)Holstiتصنيفاً خمتلفاً جزئياً للصراعات الدولية وغري الدوليكة .1فقكد صكنف
الصراعات الدولية إىل مخ فئات ،وهء:
.0الصراعات حول األرض.
.1صراعات حول االقتصاد.
.2صراعات تشاليل الدولة.
.4صراعات أيدولوجية.
.1صراعات التعاطف ،أو االرتباط اإلنساين مثل (عالقكات الكدين ،العكرق،
اللون ...إخل).
071
أما على صعيد الصراعات واحلروب غري الدوليكة Non-interstate ،فيشكري
هولسيت ،إىل أربعة تصنيفات/تقسيمات خمتلفة تعتمد على معايري طبيعة الفاعكل أو
الطرف و/أو األهداف ،وهذه التصنيفات هء:
-حروب استقالل ،أو انفصال إقليم داخل الدولة التقليدية.
-احلروب الوطنية للتحرر من االستعمار.
-احلروب األهلية ألهداف أيدولوجية.
-حروب بناء ،أو تشاليل الدولة القومية :وهء اليت تشمل املقاومة املسكلحة،
من قبل مجاعات عرقية -لغوية و/أو دينية ،واليت تالون غالباُ لالنفصال عكن
الدولة ،وبناء دولة جديدة مستقلة.
إن ما مت استعراضه من أنوا وتصنيفات للصراعات ،يعال حجم التبكاين
واالختالف ،بني الباحثني والعلماء يف هذا اجملال ،وكذلك حجم التداخل فيما بني
هذه التصنيفات .عموماً ،إن هذه االختالفات ،ترتبط باختالف املعكايري الكيت مت
اعتمادها يف عملية تصنيف الصراعات ،باإلضافة إىل اختالف جتربكة البكاحثني،
وبيئاهتم العلمية والفالرية.
عموماً ،إن مجيع هذه التصنيفات ألنوا الصرا ،ال حتتوي حداً فاصالً ،عن
بعضها البعض ،فمعظم الصراعات ،سواء الدولية أو األهلية ،تتداخل فيها وتتشابك
عوامل مادية ومعنوية وثقافية ،خارجية وداخلية .مما جيعل من الصعوبة مبالان ،فصل
هذه الصراعات عن تأثرياهتا وتفاعالهتا وعمليتها الديناميالية .وهذا التداخل يدفعنا
إىل اإلشارة ،إىل بعض الفروقات واملقارنات ،بني الصراعات األهلية والصكراعات
الدولية أو اإلقليمية ،حبيث تساعد يف إجياد بعض احلدود املميزة بكني الصكراعات
األهلية واإلقليمية أو الدولية ،وأهم هذه الفروق:1
إن األطراف الرئيسة يف الصراعات األهلية ،هم إما ،حالومة مكع طكرف أو
أطراف حمليني يف دولة واحدة ،وتالون الدول اجملاورة غالباً ،هكء أطكراف
انظر: 1
اخلزندار ،سامي :الصراعات العربية الداخلية :رؤية يف األسباب والدوافع ،مرجع سبق
ذكره.048. ،
Ohlson, Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit.
074
مساندة .بينما يف الصراعات بني الدول ،تالون األطراف الرئيسة ،هء الدول،
وغالباً ما يالون بني الدول اجملاورة.
إن منطقة الصراعات األهلية أو الداخلية ،غالباً ،ال حتتوي حدوداً جغرافيكة
معينة ،فجميع حدود الدولة ،غالباً ما تالون هء حدود أو منطقة الصراعات
األهلية .بينما يف الصراعات بني الدول ،فإن حدود الصرا ،غالباً هء منطقة
"احلدود اجلغرافية".
إن مقاتلء أو جنود الصراعات األهلية ،هم عادة من العسكالريني واملكدنيني
معاً ،بينما يف احلروب بني الدول ،فإهنا عادة ما تالون بني قوات عسكالرية
نظامية.
تشري العديد من إحصائيات ودراسات الصراعات املسكلحة ،إىل أن معظكم
الصراعات األهلية اليت متت تسويتها ،كانت غالباً نتيجة حتقق نصر أو هزمية،
بشالل اكرب بالثري من الصراعات ،اليت متت تسويتها بني الدول ،وذلك خالل
حقبة احلرب الباردة ،أو حقبة الصرا األيديولوجء .أما يف مرحلة ما بعكد
احلرب الباردة ،فإن تسوية الصراعات األهلية ،أصبح يتجه بشالل أكرب ،مكن
خالل املفاوضات واملساومات على اعتبار أن هذه الصراعات األهلية ،تعكود
إىل أو ،تالون نتيجة احنراف العملية أو احلياة السياسية يف اجملتمع ،1ولي إىل
صراعات أيدلوجية.
وأخرياً ،ميالن القول إن تصنيف أو تقسيم الصراعات العنيفة ،إىل أنوا هكء
عملية إجرائية أو قانونية وأكادميية ،أكثر منها عملية سياسية ،إذ إن الرؤية السياسية
للدول أو القادة أو احلالومات ،ال تقف عند طبيعة التصكنيف إال فيمكا ترغكب
بتصنيفه لدوافع سياسية ،وضمن عملية إدارة الصرا ودوافعه.
Zartman, William (Ed): Elusive Peace: Negotiating and End to Civil 1
Wars, Op. cit., pp. 332-333, and p. 3.
075
املبحث الرابع
توجد جمموعة من القضايا احملورية ،تدور غالباً حوهلا الصراعات ،أي تشالل
ما يُعرف بقضايا الصرا ،وتُعترب مصدراً أساساً أو سبباً جوهرياً للصراعات ،سواء
على مستوى اجملتمع والدولة أو النظام الدويل .وهذه القضايا األساسكية ،تُعتكرب
استالماالً للحديث ،عن مصادر أو أسباب الصرا ،وهذه القضايا هء :السكلطة
والنفوذ ،اهلوية والثقافة ،النو االجتماعء ،وأخرياً احلقوق .وهذه القضايا احلامسة
أو اجلدلية ،تعرف بأن لي هلا جواب صحيح ،ومن الصعب التعرف إىل حكدود
واضحة حوهلا ،بني أطراف الصرا .وتالثر فيها املناطق الرمادية .وهذه القضكايا،
يتفاوت تأثريها وحدهتا حسب طبيعة الصرا أو أطراف الصرا ،ومستوى العالقة
بني هذه األطراف ،وغري ذلك من العوامل.
ربيع ،حممد حممود ،مقلد ،إمساعي بربي (حمرران) :موسوعة العلوم السياسية ،مرجع 1
سابق.041 . ،
املرجع نفسه. 2
Donovan, John C et al: 1993, "People, Power and Politics", Maryland, 3
Rowman & Littlefield publishers, INC, p. 3.
078
وتستمد القوة والسلطة من مصادر عدة ،فعلى صعيد اجملتمع والدولة ،تستمد
من عناصر كثرية ،مثل اإلمالانيات الثقافية واأليديولوجيكة ،والتنكو والوحكدة
االجتماعية والسياسية ،ومكن اإلمالانيكات املاليكة واالقتصكادية ،واملنصكب
والصالحيات ،املوارد الطبيعية ،املنظومة األخالقية ،املوقع اجلغرايف االسكتراتيجء،
والسيطرة على طرق تزويد املوارد الطبيعية ،املعرفكة والقكدرات التالنولوجيكة،
اإلمالانيات العسالرية ،طبيعة النظام السياسء ،وغري ذلك من املالونات اليت ميالن
أن تتفاعل كشبالة عالقات ،لتولد قوة ودوراً سياسياً فاعالً للدولة ،حتمكء فيكه
مصاحلها وأهدافها وحتقق مطالبها .وعلى املستوى الكدويل ،فكإن تكوفر هكذه
اإلمالانيات على املستوى اإلقليمء أو الدويل ،تشالل مصكدر القكوة للاليانكات
الدولية واإلقليمية ،وختلق هلا نفوذاً أو مصداقية لتحقيق األهداف ،اليت يسعى إليها
النظام اإلقليمء أو الدويل ،وهذه املالونات أيضاً ،هء اليت تصنع قوى عظمى على
املستوى الدويل أو اإلقليمء ،وتفرز قائداً أو كياناً سياسياً متقدماً ،يف قيادة النظكام
اإلقليمء والدويل .ومييل البعض إىل التمييز بني أشالال القوة إىل نوعني:1
-القوة الصلبة ،وهء القدرة على التحالم واإلكراه أو اإلجبار.
-القوة الناعمة ،وهء القدرة على اإلقنا وعلى إجياد التعاون والشرعية.
وتسيطر القوة الصلبة يف الصراعات العنيفة ،خاصة الصراعات املسلحة بكني
القوى العسالرية ،بينما تعترب القوة الناعمة ،حيوية يف هتدئة الصراعات وصنع وبناء
السالم .والقوة الناعمة ،تلجأ عادة إىل أسكاليب املسكاومة واحللكول الوسكط،
وإستراتيجية اإلقنا عند الصرا للوصول إىل تسوية يف الصراعات.
-عالرة القوو مع الصراع:
عموماً ،إن السلطة أو القوة ،تشالل عنصراً حمورياً يف أي مشاللة أو صكرا
يف اجملتمع اإلنساين .إذ غالباً ،ما يالون النكزا حوهلا إما للحصول علكى املزيكد
منها أو احلفاظ عليها .وهء إما أن تالون مصدراً ،لتحقيكق اإلصكالح والتغكيري
اإلجيابكء ،وتسوية الصراعات وإحالل السالم ،أو سبباً يف خلق الفوضى والعنف
وفقدان األمن.
فيشر ،سيمون وآخرون (مؤلفون) ،اجليوسي ،نضال (مترجم) :مرجع سابق.44 . ، 1
079
إن األصل يف استخدام القوة والسلطة ،على صعيد الدولة هو إلقرار األمكن
والنظام وحتقيق العدالة ،وكذلك احلال على صعيد النظام الدويل ،فكإن اسكتخدام
السلطة والقوة ،قد يالون لتحقيق األمن والسلم الدوليني .ويف املقابل فإنه قد يكتم
استخدامها ،لتحقيق املزيد من السيطرة والنفوذ باستخدام القهر واإلكراه ،ولتحقيق
اهليمنة واالستبداد على اآلخرين من الكدول يف النظكام الكدويل ،أو الطوائكف
واألحزاب واجلماعات داخل الدولة ،وهو ما يرتبط بالقمع والتسلط ،يف غالكب
األحيان ،وبالتايل يولد ردود فعل عنيفة وصراعاً مع من ميلالون السلطة والقيادة.
ويالحظ أن تشعب مصادر وعالقات القوة ،أدت إىل إمالانية حتول وامتكداد
الصرا الداخلء إىل صرا إقليمء أو دويل ،بسبب تشابك عالقات ومركبكات
القوة ،على الصعيد العرقء اإلثين وامتداداهتا اإلقليميكة ،وارتباطاهتكا السياسكية،
وارتباط خمتلف أشالال الدعم جلماعات قوى املعارضة املسلحة ،مع دول اجلكوار،
وغري ذلك من أمثلة مالونات القوة.
من ناحية أخرى ،تُعترب بعض النظريات أن "توازن القكوى" ،أو التسكاوي
النسبكء يف القوة ،بني األطراف املتصارعة سواء على صعيد الدولة أو اإلقلكيم أو
النظام الدويل؛ قد يدفعان إىل منع حدوث الصرا العنيف ،والقبكول بتسكويات
وسطية بني األطراف أو الدول املتصارعة ،بدالً من اللجوء إىل العنف بينها .وتشري
بعض الدراسات ،1إىل أن اخللل يف توازن القوة أو عدم التناسق يف توزيع القكوة،
على الصعيد الدويل ،يُعترب واحداً من أهم األسباب اليت تدفع إىل الصرا واحلرب،
إذ إن اخللل يف توزيع القوة أو يف معادالت القوة ،يولد الشعور باخلوف والتهديكد
واالستفزاز ،من بعض الدول ،مما يُعمق مركبات العداء والالراهيكة خلصكومها.
انظر: 1
Rosen, Steven & Jones, Walter: 1974, the Logic of International
Relations, Cambridge, Winthrop, p. 232.
نقالً عن مقلد ،إمساعي بربي :العالقات السياسية الدوليكة :دراسكة يف األصكول
والنظريات ،مرجع سابق.189 . ،
Waltz, Kenneth: 1979, Theory of International Politics, New York,
Random House, p. 118.
نقالً عن علي سامل ،أمحد" :عن احلرب والسالم :مراجعات ألدبيات الصرا الكدويل"،
مرجع سبق ذكره.04 . ،
081
وكذلك فان الدول اليت تتغري موازين القوة لصاحلها ،قد تندفع حتت تأثري الشكعور
بالتفوق ،إىل ممارسة العدوان ،وحماولة التوسع وزيادة النفكوذ والسكيطرة ،علكى
حساب األطراف الضعيفة .عموماً ،إن اخللل يف توازن القوة ،قد يالون أحد أهكم
أسباب عدم االستقرار الدويل ،إذ إن طبيعة حسابات القوة لدى الدول ،قد تكدفع
أحياناً الصرا ،كما أهنا قد تؤدي إىل هتدئة الصرا وتسكويته ،األخكذ بعكني
االعتبار .ولالن النتائج ،ترتبط بطبيعة متغري حسابات القوة ،مع تقديرات األطراف
لنتائج هذه القوة وكيفية استخداماهتا وإدارهتا.
2الووية والثقافة:
إن قضية اهلوية والثقافة وارتباطهما بالصراعات ،يشالالن مصكدراً أساسكًا
للعديد من الصراعات ،خاصة على املستوى اجملتمعء ،ومستوى الدولة وارتباطاهتا
أو امتداداهتا الثقافية والعرقية بني الدول املتجاورة.
قبل تناول العالقة بني هذه القضية والصرا ،ال بد من اإلشارة ،إىل أن مفهوم
اهلوية والثقافة عنصران متداخالن يف كثري من جوانبهما .وتشالل الثقافة مبا حتتويه
من عادات وتقاليد ونظم اجتماعية وطرق حياة ،ودين ،وتاريخ وتراث وغري ذلك
من املالونات ،جزءاً حمورياً ،يف بناء وصياغة اهلوية ،سواء علكى صكعيد األفكراد
واجلماعات ،والدولة الوطنية ،أو الاليان القومء اإلقليمء .ويفصل الكبعض بكني
اهلوية والثقافة ،بالرغم من تأثري الثقافة يف بناء اهلوية .واهلوية يف احملصكلة ،هكء:
جمموعة عالقات مشتركة مع اآلخرين ومع اجلغرافيا (إقليم جغرايف) ،وجوهرهكا
الثقافة الذاتية لتخلق "أنا خمتلف عن اآلخر" ،1وحول أهم مالونات أو مؤشكرات
توينبدي ،أرنولد :احلضارة يف امليزان ،ترمجة الشريف ،أمني :مطبعة عيسى البابككء
احللبكء ،القاهرة( ،ب .ت).
حداد ،جورج :املدخل إىل تاريخ احلضارة ،مطبعة اجلامعة السورية.0118 ،
Rodolfo Stavenhagen, Ethnic Conflict and the Nation- State, London 1
& New York: Macmillan, 1996.
081
مدى زمين طويل ،وال يوجد فيها منتصر ،ولالن يوجد فيها مسيطر .وهكء مكن
الصراعات املعقدة يف تفاعالهتا ،ويف معرفة كيفية تأثريها وطبيعة آثارها.
إن الصراعات حول اهلوية ،غالباً ما تتطور إىل انفصكال أو حالكم ذا ،أو
صرا هويات بني طوائف ،أو قمع هلوية اآلخر حتت مسمى "الوحدة الوطنية" أو
"احملافظة على األمن العام" ،أو "االرتباط بقوى خارجية" .إن العالقة بكني اهلويكة
والصرا ،ينتج يف جوهره ،إما نتيجة عدم "قبول اآلخر" ،أو عدم "االعتراف" بكه
وخبصائصه الثقافية واالجتماعية أو التعايش معها .أو االنغالق حول هذه اخلصائص
ضمن دائرة منتسبيها فقط ،أو النظرة املتفردة للكذات "نككزعة عنصكرية" ،أو
"تصنيف اآلخر" باختالفه عن الذات .ويشري بعض الباحثني ،إىل "أننكا يف الواقكع
نتأثر إىل درجة مدهشة ،بالنا الذين نرى أننا نشترك معهم يف هوية واحكدة...
ومع التحريض املناسب ،ميالن أن يتحول وعء متعمق ،منذ النشأة هبوية مشكتركة
مع مجاعة من النا ،إىل سالح قوي يوجه بوحشية ضد مجاعة أخرى .والواقع أن
كثرياً من النكزاعات واألعمال الوحشية يف العامل ،تتغذى على وهم هوية متفردة
ال اختيار فيها .وفن بناء الالراهية ،يأخذ شالل إثارة القوى السحرية هلوية مزعومة
السيادة واهليمنة ،حتجب كل االنتماءات األخرى ،وعندما تعطء هذه اهلوية شالالً
مالئماً مياالً للقتال ،ميالن أيضاً ،أن هتزم أي تعاطف إنساين ،أو مشكاعر شكفقة
وفطرية ،قد تالون موجودة يف نفوسنا بشالل طبيعء .والنتيجة ميالن أن تالون عنفاً
عارماً مصنوعاً داخل الوطن ،أو إرهاباً وعنفاً مراوغكاً ومكدبراً علكى مسكتوى
كوكبكء .واحلقيقة ،إن من أهم مصادر الصراعات الالامنة يف العكامل املعاصكر،
الزعم بأن النا ميالن تصنيفهم تصنيفاً متفرداً مؤسساً على الدين والثقافة".1
ال شك أن احملافظة على اهلوية ،حاجة وضرورة لإلنسان واجلماعات والدول.
ولالن النكزعة "التعصبية للذات" ،أو إنالار أو هتميش هوية اآلخر ،وما يصاحبها
من حماولة فرض هوية األقوى على األضعف ،تشالل يف االجتكاهني مضكموناً أو
صراعاً كامناً ،ضمن "السياق" أو "البنية املتناقضة" ،والذي يشالل أحكد األبعكاد
الثالثية للعنف ومثلث الصرا ،الذي سبق احلديث عنه .وما يستتبع ذلكك مكن
بن ،أمارتينا (مؤلف) ،توفيق ،سحر (مترمجة)" :اهلوية والعنف :وهم املصري احلتمء"، 1
مرجع سابق.01-00 . ،
081
سلوك استفزازي أو قسري ،لفرض هوية األقوى على األضعف؛ العتبارات التمايز
يف مالونات اهلوية ،يفقد األقلية اإلحسا باألمان على اهلوية والذات واخلوف من
اآلخر ،أو يولد سلوكاً رافضاً لآلخر منغلقاً على الذات بطريقة تؤدي إىل ممارسات
رافضة لالندماج والتعايش مع اآلخر ،حبجة احملافظة على ثقافة الذات ،وهو ما خيلق
شالوكاً متبادلة ونفوراً يربر سلوكاً عنيفاً بكني األقليكة واألغلبيكة ،أو القكوي
والضعيف ،باالعتماد على آليات عرقية أو دينية أو وطنية.
"إن مشهد السالم يف العامل املعاصر ،قد يالمن بالامله يف االعتراف بتعدديكة
انتماءاتنا ،ويف استخدام التفالري واملنطق ،باعتبارمها موجودات مشتركة يف عكامل
متسع ،بدالً من جعلنا نكزالء حمصورين بقسوة يف عبوات صغرية" .1وهناك مكن
يشري إىل أن بعض الثقافات ،أو اجملتمعات ذات طبيعة صراعية ،أو عنيفة أكثر مكن
غريها ،العتبارات ثقافية وسياسية واجتماعية ونفسية جمتمعية .وبعض الدراسكات
حتاول تفسري ذلك ،وحتليل وحتديد األس اليت تبىن عليها هذه الفرضية .2ولالكن،
ال يعين ذلك أهنا عملية بيولوجية ،بل باعتبارها عملية تنشئة ثقافية ،وسياسية مكع
مؤثرات ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية.
وتضيف بعض الدراسات ،جمموعة من عوامل الصرا ،ذات الطبيعة الثقافية
والعرقية واهلوية ،واليت تلعب دوراً هاماً ،أو تشالل مصدراً أساساً للعنف والصرا ،
يف بعض الدول أو األقاليم ،أو على األقل تشالل بيئة بنيوية حلدوث العنف ،منها:3
" .0غربة" السلطة السياسية ،أو النظام السياسء احلاكم ثقافياً وسياسكياً ،عكن
حميطه أو قواعده الشعبية.
" .1اجلهل" الديين وبالتاريخ السياسء للمجتمع العرقء.
.2غياب العالقة التعاقدية الواضحة ،والعدالة بني الدولة وطوائفها املختلفة.
املرجع نفسه.02 . ، 1
انظر على سبيل املثال: 2
Ross, Marc Howard: 1993, the Culture of Conflict: Interpretations and
Interests in Comparative perspective, New York & London, University
Press, p. 1-14.
اخلزندار ،سامي :الصراعات العربية الداخلية :رؤية يف األسباب والدوافع ،مرجع سابق،
.014-010 .
اخلزندار ،سامي :املرجع نفسه.014-010 . ، 3
084
.4التالوين القسري للدولة القطرية :حيث مل يتم يف غالب األحيكان ،جعكل
احلدود السياسية للدولة القطرية ،متجانسة مع احلدود الثقافية واالجتماعية أو
العرقية ،ومبعىن آخر ،استقطب هذا التالكوين القسكري ،جمتمعكات غكري
متجانسة ،وأحياناً متصارعة عرقياً أو طائفياً أو عشائرياً.
.1الدور السلبكء "للنخبة" يف النظام السياسء واألقليات.
وظهرت على املستوى الدويل كذلك ،نظرية صرا الثقافات واحلضكارات،
واليت تعترب أن صرا املستقبل .هو صرا بني تالتالت ثقافية عاملية .العتبكارات
قائمة على أسا أمهية اهليمنة الثقافية ،أو احلضارية للحضارة الغربية على اآلخكر،
وإنالاره فالرة التعايش بينها مع الثقافات ،واحلضارات األخكرى ،مبعكىن آخكر،
الصرا الثقايف واحلضاري العاملء هو أسا رفض فالرة التعددية الثقافية الفاعلكة،
أو التشاركية احلضارية يف بناء وإدارة اجملتمع اإلنساين ومستقبله .وقد سبق اإلشارة
يف مبحث سابق ،إىل نظرية صدام احلضارات ،عند احلديث عن نظريات الصرا .1
3رضية الحقوق:
إن قضية احلقوق ،تُعترب أيضاً من أهم القضايا اليت يشالل اخلكالف حوهلكا،
مصدراً أساساً للصرا ،سواء على مستوى األفراد ،أو اجملتمع أو الدولة أو النظكام
الدويل .وقضية احلقوق قضية يقع فيها اخلالف ،والتباين حول حدودها بني أطراف
الصرا ،وما يعنينا هنا لي احلديث عن حقوق اإلنسان على مستوى األفراد ،مثل
احلقوق املدنية والسياسية ،مثل (حرية التعبري ،احلماية القضائية ،واألحزاب واحلرية
الدينية) ،أو احلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،كاحلق يف العمكل وعكدم
التمييز ،بل ما يعنينا هنا يسمى "احلقوق اجلماعية" ضمن منظومة حقوق اإلنسان.
عموماً ،قضية حقوق اإلنسان قضية ترتبط بالعدالة من ناحية ،وحتقيق الالرامة
ومتطلبات احلياة الالرمية للفرد ،وتنمية اجملتمع من ناحية أخرى .وسوف نتنكاول
هنا ،ما يُعرف مبجموعة اجليل الثالث من حقوق اإلنسان أو "احلقوق اجلماعيكة".
وتوصف باحلقوق اجلماعية ،ألهنا تستلزم ملمارستها والتمتع هبا ،وجود مجاعة مكن
األشخا ،.يشتركون فيما بينهم يف روابط وخصائص معينة ،أي يتعذر ممارسكة
085
هذه احلقوق ،دون االخنراط يف مجاعة معينة ،يشترك أفرادها يف املعتقد ذاته .وكثري
من هذه احلقوق ،ارتبطت نشأهتا حبركات سياسية واجتماعية ،يف العديد من دول
العامل .1ومن أمثلة هذه احلقوق على مستوى الدولة أو على املستوى الدويل :احلق
يف تقرير املصري ،حقوق األقليات ،احلق يف السالم ،احلق يف احلياة يف بيئة صكحية
وسليمة ،حقوق الالجئني ،حقوق املدنيني أثناء احلروب والصراعات املسكلحة ،أو
حتت االحتالل ،حقوق السالان األصليني وغريها من احلقوق اجلماعية .ويكرتبط
تنفيذ هذه احلقوق على مستوى الدول ،يف الوقت املعاصر ،هكو مكدى قبوهلكا،
وتوافقها مع أو التزامها بالقانون الدويل واالتفاقيات الدولية ،اليت تنظم هذه احلقوق
وممارستها .ومن أهم هذه املواثيق واالتفاقيات ،ميثاق األمم املتحدة 0141خاصكة
فيما يتعلق حبق تقرير املصري ،واإلعالن العاملء حلقوق اإلنسكان ،وسياسكة منكع
ومعاقبة جرمية التطهري العرقء ،وامليثاق اخلا .بوضع الالجكئني ،0110والعهكد
الدويل اخلام باحلقوق املدنية والسياسية عام ،0199والعهكد الكدويل اخلكا.
باحلقوق االقتصادية واالجتماعية ،عام ،0199إعالن القاهرة حلقوق اإلنسكان يف
اإلسالم .0111
كما أنه أصبحت هناك مؤسسات وهيئات دولية ،تُعكىن هبكذه احلقكوق
اجلماعية ومتابعة تنفيذها ،خاصة أثناء احلروب والصراعات ،وهذه املؤسسكات
واهليئات الدولية تعد مبثابة آليات حلماية حقوق اإلنسان اجلماعية ،ومن أمثلة هذه
املؤسسات الدول ية ،مؤسسات األمم املتحدة ،مثل :املفوضية السكامية حلقكوق
اإلنسان ،مفوضية األمم املتحدة لشؤون الالجئني ،حمالمكة اجلنايكات الدوليكة
وغريها.
العالرة بين الحقوق الجماعية والصراعا :
إن موضو احلقوق ،سواء من حيث اإلنالار ،أو التهميش يشالل مصكدرًا
أساساً للصراعات ،سواء العرقية أو الطائفية ،أو بني القوى واجلماعات السياسكية،
أو بني الدول.
الرشيدي ،أمحد :حقوق اإلنسان :دراسة مقارنة يف النظرية والتطبيق ،مالتبة الشكروق 1
الدولية ،القاهرة.041 . ،1112 ،
086
فعلى صعيد حقوق الشعوب يف االستقالل ،وحق تقرير املصري (الذي ميثكل
أحد األشالال التطبيقية للحقوق اجلماعية) ،فإهنا تُعترب أحد احلقوق األساسية ،اليت
أقرها ميثاق األمم املتحدة والقرارات اليت صدرت عنها.1
يشري مفهوم حق تقرير املصري بصفة عامة ،إىل حق ككل شكعب يف تقريكر
مصريه بنفسه وحبرية كاملة ،وإىل حق كل شعب ،يف اختيكار شكالل حالومتكه
ونظامه السياسء ،واإلفادة من ثرواته الطبيعية ،واالستفادة من تراثه دومنا قيد وفق
رغبته .2تارخيياً ،إن إنالار حق الشعوب يف تقرير املصري واالستقالل ،شالل مصدراً
للحروب واملقاومة املسلحة ،ضد االستعمار أو االحتالل .وغالباً تتطلب ممارسكة
هذا احلق أو االعتراف به ،إىل الدخول يف صراعات طويلة األمد بكني الشكعوب
ومستعمريها ،أو حالامها ،ح نالت مجيع شعوب العامل حقها يف تقرير املصري ما
عدا الشعب الفلسطيين.
كما إن إنالار حقوق األقليات سواء العرقية أو الدينية ،كانت مصدراً للعنف
سواء على شالل حروب أهلية أو أعطت مربراً "شرعياً" ،للتدخل اخلارجء ،وأدت
إىل توتر العالقات بني الدول .كما إن قضايا الالجئني واحلماية الدولية لألقليكات،
وغريها من احلقوق اجلماعية أنشأت مبدأ يف القانون الدويل والعالقات الدوليكة،
والذي يسمى "التدخل الدويل اإلنساين" ،والذي يقوم دعاته ،باملنكاداة بضكرورة
استخدام القوة ،والشالل العسالري أو أي صورة من األعمال القسرية ،واإلجبكار
حلماية مواطن دولة ما؛ إزاء املعاملة التعسفية أو اختراقها للقوانني اإلنسانية الدولية.
يشري قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة رقم 0104الصادر بتاريخ 0191/01/04بعنوان 1
"إعالن منح االستقالل والشعوب املستمرة ،الذي نص على ما يلء:
" ......أن خضو الشعوب لالستعباد األجنبكء أو سيطرته أو استغالله ،يُعترب إنالاراً
حلقوق اإلنسان األساسية ،ويناقض ميثاق األمم املتحدة ،ويهدد قضية السالم والتعاون
يف العامل.
جلميع الشعوب احلق يف تقرير مصريها ،وهلا مبقتضى هذا احلق أن حتدد حبرية مركزهكا
السياسء ،وتسعى حبرية إىل حتقيق منائها االقتصادي واالجتماعء والثقايف."......
كما تنص املادة 11من ميثاق األمم املتحدة إىل أنه ...." :رغبكةً يف هتيئكة دواعكء
االستقرار والرفاهية الضروريني لقيام عالقات سلمية ودية بني األمم ،على أسا احترام
مبدأ تساوي الشعوب يف حقوقها ،وحقها يف تقرير املصري ."...نقالً عن أمحد الرشيدي،
املرجع نفسه.048-049 . ،
انظر حول مضمون ومفهوم هذا احلق :الرشيدي ،أمحد :مرجع سابق.049 . ، 2
087
ويشمل ذلك استخدام القوة لضبط سلوك تصرفات الدول ،ح داخكل منكاطق
سيادهتا الداخلية .1ويشري بعض الباحثني ،حول التدخل الدويل حلماية األقليكات،
ومبدأ االنفصال وما يترتب عليه من صراعات ،إال أن احترام حقوق األقليات" ،ال
ينبغء أن يالون بأي حال من األحوال ،على حساب السالمة اإلقليمية للدولة األم،
مبعىن أن ما يسميه البعض احلق يف االنفصال ...ألن السماح لألقليات باالنفصكال
عن الدولة األم - ،واعتبار ذلك حقاً من حقوقها ،ميالن أن يستتبع تدخالً دوليكاً
لصاحل هذه األقلية أو تلك -من شأنه أن يفتح الباب واسعا ً،أمام صراعات داخلية
ودولية ال حد هلا ،خاصة وأنه ما من دولة ،إال فيما ندر ،إال وتضكم يف إطارهكا
واحدة أو أكثر من اجلماعات (األقليات) املتمايزة نوعاً ما ،عن باقء أفراد اجملتمكع
الذين يشاللون األغلبية".2
خالصة القول ،إن انتهاك أو إنالار احلقوق اجلماعية يف كثري من دول العامل،
شالل ويشالل مصدراً دائماً لالثري من الصراعات العنيفة .ويف املقابل شالل انتهاك
حقوق اإلنسان عموماً ،واحلقوق اجلماعية خصوصاً ،مصدراً ودافعاً أساساً؛ لتنظيم
العديد من االتفاقيات الدولية حلماية هذه احلقوق ،منها ما يتعلق باحلماية الدوليكة
لالجئني ،ومنها ما يتعلق باحلماية الدولية حلقوق اإلنسان ،أثناء الصراعات املسلحة
واحلروب ،سواء من املدنيني أو املقاتلني ،وأسرى احلروب ،وأشهرها على سكبيل
املثال :اتفاقيات جنيف األربع لعام .0141كما تأس العديد مكن املؤسسكات
اإلقليمية والدولية احلالومية ،وغري احلالومية ،واليت تُعىن بالعمل على محاية احلقوق،
منعاً حلدوث الصراعات الداخلية أو الدولية .مثل ،منظمة العفو الدوليكة ،منظمكة
هيومان رايت ووتش ،احملالمة اجلنائية الدولية ،وغريها.
089
الفصل الرابع
إن عملية تسوية الصراعات العنيفة ،وعملية الوقاية أو املنع الوقائء حلكدوث
صراعات عنيفة على مستوى الصراعات األهلية ،أو الدولية يشالالن عملية معقدة
ومركبة ،وذلك ،العتبارات عدّة ،منها :الظروف احمليطة بالصرا ،وطبيعة قضكايا
وأهداف الصرا ،وطبيعة دور أطراف الصرا ،وطبيعة آثار ونتائج الصرا ،سواء
على صعيد السلوك أو االجتاهات أو البنية اهلياللية.
من جانب آخر ،إن حراك اجملتمع اإلنساين مبختلف مستوياته سكواء علكى
صعيد الدولة أو النظام الدويل ،ومؤسساته ،والاليانات والوحدات اجملتمعية املعنية،
لتحقيق االستقرار واألمن ،وتسوية الصراعات وحتقيق السالم العادل ،والوقاية من
حدوث الصراعات ،وهذا كله يشالل عنصراً جوهرياً يف عملية التنمية والعمكران
اإلنساين .وبسبب هذه األمهية ،فإن جهوداً علمية وأكادميية ضخمة ،بُذلت يف هذا
اجملال ،من قبل الباحثني واخلرباء أو املمارسني يف جمال دراسات الصرا والسكالم.
وهذه اجلهود العلمية ،سعت لبناء نظريات ووسائل أو أساليب وأدوات منهجيكة،
لتسوية الصراعات أو الوقاية منها .وسيتم يف هذا الفصل ،استعراض بعض األطكر
واألشالال املنهجية ،اليت قدمتها دراسات متخصصة يف جمال تسوية الصرا واملنع
الوقائء حلدوث الصراعات.
090
املبحث األول
يتناول هذا املبحث ،بعض األطر املنهجية ،لتسوية الصراعات العنيفة ،واليت تُعترب
آليات علمية وعملية ،يف مسار تسوية الصراعات ،أو فض املنازعات ،سكواء علكى
مستوى الدولة أو بني الدول .وقبل حتديد هذه األطر أو اآلليات ،قد حنتاج إىل اإلجابة
عن السؤال اآل :م مت بدء دخول األطراف املتصارعة يف عملية تسوية للصرا ؟
حتاول العديد من دراسات الصرا وفض املنازعات ،اعتبار أن نقطة البدء يف
عملية تسوية الصرا ،تالون من حلظة دخول األطراف املتصارعة يف مكا يُعكرف
بك "مرحلة أو حلظة االستواء ،أو النضج ،أو ما ميالن تسكميتها بكك "اللحظكة
املواتية" .إذ يُقصد هبا الظروف والتغريات ،اليت تؤدي إىل النقطة اليت تبكدأ فيهكا
األطراف املتصارعة ،التفالري يف الدخول يف عملية تسوية للصرا العنيكف الكذي
تعيشه ،وتُعترب حلظة النضج أو االستواء ،اللحظ التمهيدية للدخول يف أي عمليكة
تسوية للصراعات العنيفة .وترتبط مرحلة "االستواء أو النضج" ،أو "اللحظة املواتية"
بشروط وعوامل عدّة سبق اإلشارة إليها.1
من ناحية أخرى ،ويف ضوء التعريف الذي اعتمدته الدراسة لتسوية الصرا ،
والذي يُعين إما حل الصرا أو التعايش مع اخلالفات ،فإن بعض الباحثني يقتكرح
جمموعة من اآلليات اليت تشالل مدخالً وإطاراً لعملية التسوية ،وأمهها:2
راجع التفاصيل حول "اللحظة املواتية" ،وشروط وجودها ومساهتا ،يف املبحث الثاين من 1
الفصل الثاين يف هذا الالتاب ،91. ،وملزيد من التفاصيل حول "حلظكة االسكتواء أو
النضج" وشروط حتققها ،راجع هامش 01من:
Zartman, William: 1989, Ripe for Resolution: Conflict and
Intervention Africa, New York, Oxford University Press, pp. 266-273.
حول هذه اآلليات انظر :فالنستني ،بيتر (مؤلف) ،السدعد ،سدعد ودبدور حممدد 2
(مترمجني) :مرجع سابق.011-012 . ،011-010 . ،81-81 . ،
091
تغيير األولويا /تعديل الموارف األساسية: 9
يف كثري من األحيان ،ميالن الوصول إىل تسوية بني األطراف املتصكارعة يف
الصراعات العنيفة ،نتيجة لتغريات تؤدي إىل قيام األطراف املتصارعة ،أو أحكدها
بإدخال تغيري أو تعديل ،يف األولويات أو املطالب أو املواقف األساسكية .والكيت
يتسبب التمسك هبا تصلباً ،مينع األطراف من الوصول إىل تسوية .وعادة ،حيكدث
التغيري يف األولويات أو املواقف األساسية نتيجة متغريات عديدة ،منها:
-حدوث تغيري يف القيادة السياسية ألحد األطراف ،كأن تأ قيكادة سياسكية
براغماتية ،بدالً من قيادة أيدولوجية سابقة ،وهذا التغري يف القيادة ،قد يؤدي
إىل اهتمامها بأولويات أو قضايا خمتلفة ،واختالف تقديراهتا ألمهية املطالب.
-قد حيدث التغيري يف األولويات واملواقف أيضاً ،نتيجة التغكيري يف الظكروف
والتحالفات احمللية والدولية واإلقليمية احمليطة بقيادة األطكراف املتصكارعة،
وخاصة اليت تؤثر على إمالانيات وعالقات القوة لالل طرف من األطكراف
املتصارعة ،مثل تغري النظام الدويل الثنائء القطبية ،إىل أحادي القطبية ،ومكا
نتج عنه من تغيري ،يف موازين القوى لالثري من األطراف املتصارعة يف مناطق
عدة من العامل.
-عدم تغيري أو مجود ،يف الظروف امليدانية للصرا ،مما جيعل فرصة االنتصكار
مستبعدة ،ألي من األطراف املتصارعة ،مما يترتب على اسكتمرار الصكرا ،
استنكزاف املوارد وتالاليف بشرية واقتصادية واجتماعيكة ككبرية ،علكى
األطراف املتصارعة ،مما يدفع األطراف املتصارعة ،إىل تغيري يف مواقفهكا أو
مطالبها األساسية (مثال حرب اخلليج األوىل بني العكراق وإيكران -0181
.)0188
-حدوث أزمات حادة (اقتصادية أو كارثة إنسانية مثالً) ،لكدى األطكراف
املتصارعة (كاألزمة املالية العاملية ،)1101- 1118وهذه األزمات احلادة تدفع
املتأثرين هبا من أطراف الصرا العنيف ،إىل إعادة النظر والتقدير يف أولوياهتم
أو مواقفهم ومطالبهم األساسية ،نتيجة تأثري هذه األزمات علكى قكدراهتم
وإمالانياهتم يف الصرا باجتاه أكثر مرونة ،وإجيابية جتاه الطرف اآلخر ،وسعياً
للوصول إىل حل وسط أو تسوية.
094
تقاسم الموارد أو المصادر المتنازع عليوا: 2
تُعترب هذه اآللية ،وسيلة تسوية بني األطراف املتصارعة ،من خالل االعتمكاد
على مبدأ "احلل الوسط" ،الذي حيقق بعض املطالب واألهداف األساسية -ولي
مجيعها -لالل طرف ،وفيه حيصل كل طرف ،على جزء من املطالب ،ويتنازل عن
جزء آخر .وهو ما يشالل ،نقطة االلتقاء "الوسط" بني األطراف املتنازعة .وبالطبع،
إن عملية تقاسم املوارد أو الوصول إىل احلل الوسط ،هء يف غالب األحيان ،عملية
معقدة لي من السهولة حتقيقها ،وهء نتاج عملية خماض للمفاوضات واملساومة،
تقوم على قاعدة األخذ والعطاء .ولالن قبول هذه اآللية ،يشالل إطاراً مبدئياً ،يتم
العمل به للوصول من خالله إىل تسوية للصرا .ومبدأ تقاسم املوارد ،أو املصكادر
قد يالون حول السلطة ،مثل توزيع املناصب العليكا يف الدولكة ،مكثالً ،رئاسكة
اجلمهورية لطائفة ،ورئاسة الوزراء لطائفة أخرى ،ورئاسة الربملان لطائفة أخرى)،
أو تشاليل حالومة وحدة وطنية ،بني أطراف الصرا وتقاسم املناصكب فيهكا.
وأحياناً ،تستخدم هذه اآللية ،يف منازعات املناطق اجلغرافية أو احلدود ،أو املكوارد
الطبيعية ،أو املياه بني الدول .وغري ذلك ،من القضايا أو املوارد املختلف عليهكا،
ولالن هذه اآللية ،من الصكعوبة مبالكان اسكتخدامها فيمكا يتعلكق بصكرا
األيديولوجيات ،والثقافات والقيم ،واليت عادة ما ترتبط باهلوية احلضارية ،والثقافية
ألطراف الصرا .ورمبا اآللية اآلتية ،أقرب لالسكتخدام يف هكذا النكو مكن
الصراعات.
المقايضة: 3
وهذه اآللية ،تتم من خالل حصول طرف من أطراف الصرا ،على مجيكع
طلباته يف جانب معني من قضية ما موضع الصرا ،ويف املقابل ،حيصكل الطكرف
اآلخر ،على مجيع طلباته يف جانب آخر من هذه القضية .فهء عملية مقايضة ،يتم
فيها حصول طرف على %011يف جزء من القضية ،مقابل حصول الطرف اآلخر
على %011يف جزء آخر من القضية .وهذه اآللية ،أيضاً ،شكالل مكن أشكالال
الوصول إىل "احلل الوسط" ،الذي يرضء تطلعات ومطالب األطراف املتصكارعة،
ولالن دون اللجوء إىل عملية تقسيم ،أو جتزئة للهدف املطلوب .وآليكة املقايضكة
095
ميالن استخدامها ،سواء على صعيد السلطة السياسية ،كحكدوث تكداول دوري
لرئاسة السلطة ،بني القوى السياسية املتنازعة .وهذه اآللية ،ميالن استخدامها نسبياً
يف الصراعات األيديولوجية ،أو الثقافية واهلوية ،مقارنة مع آلية تقاسم املوارد ،إذ ال
حيتاج فيها إىل تقسيم أو جتزئة القيم ،والبيئة الثقافية أو األيديولوجية .وإمنا يتم قبول
مالونات بشالل كامل من املنظومة األيديولوجية ،أو الثقافية أو اهلوية ،من قبل كل
طرف جتاه اآلخر .كما يتم التعامل مع هذه اآللية أيضاً ،يف نكزاعات الدولة حول
األرض واحلدود ،ومقايضتها وفق االمتدادات أو اجلغرافيا العرقية والثقافية.
تتمثل هذه اآللية يف تأجيل تسوية قضية الصرا إىل املستقبل( ،احملدد زمنياً أو
املفتوح) ويتم عادة اللجوء إىل استخدام هذه الطريقة ،لالسب الوقت الكذي قكد
يترتب عليه ،إمّا تغيري يف املواقف السياسية ،أو يف الظروف احمليطة بالصكرا ،أو
خللق فر .جديدة لتسوية الصرا ،أو انتظار نتائج أو تقارير معينة ،من جلكان أو
بعثات ،تعمل على التحقيق يف الصرا أو دراسة تقدمي بعض احللول ،إن هذه اآللية
تعتمد على عدم إمالانية حل كافة قضايا الصرا وتعقيداته يف وقت واحد ،مكع
إمالانية توفر فر .مستقبلية تسهم يف تسوية الصرا .
إن هذه اآلليات السبعة ،تشالل إطاراً عاماً ولالن ،لي إطاراً حصرياً ،ففكء
كثري من األحيان تعتمد تسوية الصراعات ،على حلول وآليات إبداعية جديكدة،
وهذه اآلليات ميالن استخدامها فرادى ،أو قد يتم دمج أكثر من آليكة يف عمليكة
تسوية الصراعات.
إن هذه اآلليات تساعد إىل حد كبري ،يف حتديد أطكر عمليكة أو جتاهكات
ومداخل معينة ،للبحث من خالهلا عن تسويات للصراعات ،خاصكة الصكراعات
الدولية واألهلية.
من جانب آخر ،فإن هناك بعض الدراسات ،تتناول إطكاراً آخكر لتسكوية
الصراعات ،وحتقيق السالم ،منها ما أطلق عليه منكوذج ثالثيكة ،(Triple M) M
وهذه الثالثية أو األمنوذج ،يشالل إطاراً لتسوية الصراعات من ناحيكة ،وإطكاراً
098
مالمالً أو تالاملياً لآلليات السبعة ،اليت سبق اإلشارة هلا من ناحية أخرى .وإن هذا
اإلطار ،يقدم رؤية أو مدخالً هاماً إبداعياً ،لتسوية الصراعات بطريقكة يوجكد أو
ينتج عنها ،خالصة دقيقة لألدبيات الغربية ،يف دراسات تسوية الصراعات .وهكذا
اإلطار ،قدمه الباحث السويدي توما أولسكن ،Thomas Ohlsonاألككادميء
واخلبري يف دراسات الصرا والسالم يف جامعة أوبساال ،يف دراسته حول أسكباب
احلرب والسالم .1ويشمل هذا اإلطار "ثالثية "Mجمموعكة مكن اخلطكوات ،أو
املراحل لتسوية الصراعات ،تبدأ من خالل حتديد مراحل عملية لتسوية الصكرا ،
وحتقيق السالم ،من خالل ثالث مراحل هء:
.0مرحلة احلوار :وهء مرحلة االتصاالت والوساطة ،احملادثات واملفاوضكات،
اليت تؤدي إىل اتفاقية سالم.
.1مرحلة التنفيذ :وهء املرحلة اليت تتمحور حول تنفيذ اتفاقيات السالم ،املوقعة
بني أطراف الصرا .
.2مرحلة الترسيخ أو التطبيع :وهء املرحلة اليت حيدث فيها ،أو تظهكر فيهكا
النتائج أو التغيريات الناجتة ،عن تنفيذ االتفاقية (أو مرحلة التنفيذ) ،ويف هكذه
املرحلة ،تلقى اتفاقيات التسوية ممارسة وقبكو ًال وشكرعية ،علكى الصكعيد
الشعبكء ،وعلى صعيد النخب والقادة ،وبالتايل تلقى قبوالً وممارسة ملا تنتجه
االتفاقية ،من أنظمة وقوانني وسياسات ،وكذلك ما يترتب على عملية تنفيذ
االتفاقية من نتائج واستحقاقات.
ومن مث تنتقل الدراسة إىل حتديد العناصر ،اليت يتالون منها إطار ثالثيكة ،M
والذي يرتبط أو يتالون من ثالثة عناصر ،أو مراحل تؤدي إىل حكدوث تسكوية
للصراعات أو حتقيق السالم ،والعناصر أو املراحل الثالثة هء:
.0مرحلة "أزمة املعاناة املتبادلة" :)MHS (Mutual Hurting Stalemateوهء
تعين الدخول يف فترة أو حلظة "النضج أو االستواء" أو "اللحظة املواتية" ،واليت
مت احلديث عنها سابقاً .2وهذه املرحلة ،ختلق تغيري قناعات لدى النخبكة ،أو
Ohlson,Thomas: Understanding Causes of War and Peace, Op. cit., 1
pp. 144-152.
راجع الفصل الثاين ،املبحث الثاين ،من هذا الالتاب. 2
099
قادة الصرا ميهد للدخول يف مرحلة احلوار ،وهتيئهم إلمالانية الكدخول يف
املفاوضات ،مع احتمالية حدوث تغيري لسلوكهم الصراعء.
.1مرحلة "الفر .احملفزة" للطرفني "مرحلكة احلكوافز" ( Mutually Enciting
:)"Opportunities "MEOوهء املرحلة اليت تظهر فيها النتائج اجلاذبكة ،أو
اليت تشالل جوهر أو مضمون إطار التسوية ،ويف هذه املرحلة فكإن وجكود
طرف ثالث ،أو وسيط يشالل ضرورة وأمهية أساسية ،لي للتواصل وبنكاء
الثقة فقط ،وإمنا أيضاً يساهم يف تعزيز أو يزيد من جاذبية احلوافز أو املوارد،
ويعمل بالتايل على تسهيل الوصول إىل تسوية .وهذه املرحلة ،ختلكق تغكيرياً
تدرجيياً بني أطراف الصرا سواء من حيث الثقة واالجتاهات اإلجيابية بكني
النخب أو القادة ،أو من حيث توفري أو زيادة درجة الشرعية السياسية هلكم،
للدخول يف عملية السالم أو حتقيق التسوية ،سواء أكان ذلكك يف مرحلكة
احلوار أم التنفيذ.
واحلوافز يف هذه املرحلة ،تتجه عادة حنو خنب ،أو قادة أطراف الصرا أكثكر
من اجتاهها حنو الشعوب ،ومن أمثلة هذه احلكوافز ،منكافع فوريكة ماديكة
ملموسة ،توفري ضمانات حلقهم يف السلطة ،وبالتايل احملافظة على مناصكبهم،
ومشاركتهم يف السلطة ،تعزيز شرعيتهم على الصكعيد الكداخلء ،حتسكني
صورهتم الدولية ،تأمني املنح واملساعدات الدولية ألطراف الصكرا ،وغكري
ذلك من األمثلة.
.2مرحلة جين الثمار "جين املنكافع املتبادلكة" (MOR Mutually Obtained
) :Rewardsوهذه املرحلة ،هء مرحلة يتحقق فيها السالم ،سواء املستقر أو
الدائم ،وهذه املرحلة ترتبط مبرحلة "التعزيز ،والتطبيع" بني أطراف الصكرا .
وما ينتج عن ذلك من العودة إىل السياسة الطبيعية ،وحتقيق قبكول وشكرعية
شعبية التفاقيات السالم ،وبالتايل ،املشاركة على كافة املسكتويات الشكعبية
والرمسية ،يف تعزيز السالم والتطبيع ،بني أطراف الصرا .ومكن مث ،حتقيكق
التنسيق السياسء واألمين ،ومساحات واسعة من التعاون الثقايف واالجتماعء،
والتعاون االقتصادي والتجاري ،وغري ذلك من جمكاالت التعكاون واملنكافع
املتبادلة.
111
إن تفاعل عناصر أو مراحل األمنوذج الثالثء (ثالثية ،)Mعملية غكري بسكيطة
ومعقدة ،وال تسري بشالل مستقيم متتال وبشالل تلقائء ،وإمنا تبدأ من مرحلة "أزمكة
املعاناة املتبادلة" ،MHSمث تنتقل إىل مرحلة الفر .احملفزة ،MEOومن مث إىل مرحلكة
جين الثمار ،MORوهذه املراحل أو العناصر الثالثية ،قد ال متلك حكدوداً فاصكلة،
وبالتايل يتم االنتقال فيها من مرحلة إىل مرحلة أخرى ،بشالل متداخل أحياناً.
ميالن القول ،إن إطار أو منوذج ثالثية ،Mيوفر رؤية وإطاراً أو مدخالً هاماً حنو
تسوية الصرا ،وحتقيق السالم ،خاصة إذا مت ربطه مع منوذج حتليل أسباب الصكرا
(مثلث ،)Triple Rواللذين يشالالن معاً إطاراً شامالً ،يتناول مراحل عملية الصرا ،
بدءاً من حتليل الصرا وانتهاء بتسوية الصرا ،واملنع الوقائء للصرا .وبالرغم من أن
توما أولسن ،تناول ثالثية Mومنوذج مثلث Rعلى مستوى الصكراعات األهليكة،
ولالنه* مل ينف يف دراسته ،إمالانية استخدامها على مستوى الصراعات الدولية .1ويف
إطار أمهية منوذج مثلث ،Rالذي سبق اإلشارة إليه ،ومنوذج ثالثية ،Mوتالاملكهما،
فإنه ميالن اقتراح الشالل التوضيحء اآل الذي يربط بني كال اإلطارين:
M الشكل ررم ( :)93العالرة بين ثالثية Rوثالثية
خالل مناقشا مع أستاذ الصراعات توما أولسن حول هذا النموذج وجودي يف قسم 1
دراسات السالم وأحباث الصرا يف جامعة أوبساال يف العام ،1101أكد يل بأن هكذا
النموذج ميالن تطبيقه على الصراعات الدولية ،ولالنه مل يدر ذلك ،بل طلب مين أن
أستالمل تطوير هذا النموذج وأحاول تطبيقه على صراعات دولية ،باإلضافة إىل إجيكاد
شالل أو منوذج يدمج ثالثية Rمع ثالثية ،Mوهذا ما قمت بإضافته يف هذا املبحث.
110
يف ختام هذا املبحث ،ميالن القول :إن هذه النماذج واآلليات ،هء مكداخل
وأطر منهجية ،تساعد يف كيفية البدء أو املسار الذي ميالن البدء به ،للوصكول إىل
تسوية للصرا بني األطراف املتنازعة .وبالرغم من أمهية هذه اآلليات والنمكاذج،
إال أن تطبيقها ما زال خيضع إىل ضرورة توفري أفالار إبداعية ،وقدرة كبرية علكى
تغيري قناعات أطراف الصرا ،للوصول إىل تسوية أو لتقدمي حلول مرضية؛ وعملية
سواء من خالل املفاوضات .أو من خالل عملية الوساطة.
111
املبحث الثاني
إن أي تسوية للصراعات بالافة مستوياهتا ،تتطلب دراسة تعقيدات الصرا ،
وما يرتبط هبا من تشابالات وعوامل مؤثرة يف الصرا ،أو يف توجيكه تفكاعالت
الصراعات واجتاهاهتا ،وبالتايل توجيه عملية تسوية الصرا .إن دراسة تعقيكدات
الصرا ،هء جزء من دراسة عملية حتليل الصرا ،واليت تُعترب مرحلكة أساسكية،
للدخول يف عملية تسوية الصرا .ومن هنا ،فإن هذا املبحث ،يتناول إعداد إطكار
أو خريطة طريق ،ملعرفة عناصر أو مالونات وتعقيدات الصرا اإلقليمء والدويل،
حبيث متهد أو توفر هذه اخلريطة ،أرضية منهجية تساهم يف معرفة كيفيكة تسكوية
الصراعات.
114
الصرا ،سواء على مستوى األطراف أو الفاعلني ،أو قضايا الصرا ،أو التفاعل
وعالقات الصرا ؛ وخيدم هذا اإلطار يف إجياد حلكول علميكة جتكاه تسكوية
الصراعات .وإن استخدام هذه التقنيات (أو اإلطار املنهجء) يفيد يف حتقيق مكا
يأ :1
.0فهم وحتليل علمء عميق ومتماسك وشامل حلاالت الصرا ،وهو ما يؤدي،
إىل حتديد ما جيب عمله فيما يتعلق بعملية حتليل وإدارة وتسوية الصرا ،مع
حتديد كيفية تنفيذها.
.1توفري حلول إبداعيكة مكن املتخصصكني واملمارسكني ،تسكاهم يف تسكوية
الصراعات.
.2عملية تطبيق النماذج ،يسكاعدنا أيضكاً -يف الوصكول إىل أو -حتقيكق
ما يأ :
-تالوين الرؤية :إن استخدام هذه النماذج ،يساعدنا يف تالوين رؤية حول مكا
نريد حتقيقه ،أو ما هو املستقبل اإلجيابكء املنشود ،الذي نعمل له يف عمليكة
تسوية الصرا .
-حتديد نقطة أو عملية البدء ،مبعىن كيف ومن أين نبدأ يف معاجلكة الصكرا ،
ومع من نبدأ؟ وماهية اإلمالانيات والفكر .املمالنكة؛ للبكدء يف معاجلكة
الصرا .
-كما أن استخدام هذه النماذج ،يساعد يف حتديد معوقات تسوية الصراعات،
كما تساعد الحقاً يف تقييم اآلثكار ،والنتكائج الفعليكة لعمليكة تسكوية
الصراعات.
.4أخرياً ،ستساهم هذه التقنيات ،أو اإلطار املنكهاجء يف معرفكة االجتاهكات
املستقبلية للصراعات موضع الدراسة ،ويف إجياد مؤشرات علميكة ،تقكي
هذه االجتاهات سواء حنو السالم والتسوية ،أو حنو املزيكد مكن التصكعيد
والعنف.
اخلزندار ،سامي" :استخدام استطالعات رأي النخبكة يف حتليكل الصكراعات وفكض 1
املنازعات" ،اجمللة العربية للعلوم السياسية ،اجلمعية العربية للعلوم السياسية ومركز دراسات
الوحدة العربية ،بريوت ،عدد ،11شتاء .99-91 . ،12-91 . . ،1101
115
إن اإلطار املنهاجء يف هذه الدراسة يتالون من جزأين:
أوالً :تقنيات ومناذج التحليل .ثانياً :مستويات ومؤشرات اعتبكارات صكنع
القرار يف الدول .ويف ما يلء نستعرض النماذج والتقنيات التالية:
.0أمنوذج خريطة الصرا .
.1أمنوذج شجرة الصرا .
.2أمنوذج حتليل قوى اجملال (قوى الشد العالسء).
116
خريطة الصراع:)99( الشكل ررم
:املصدر
Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for Action, op. cit., p. 23.
117
مع إضافة بعض التعديل من الباحث ،ويتمثل أهم أطكراف الصكرا علكى
املستوى اإلقليمء والدويل مبا يلء:
-الدولة (الدول).
-منظمات إقليمية أو دولية (الناتو ،األمم املتحدة ،جامعة الكدول العربيكة...
إخل).
-حركات سياسية عابرة للدول (مثل القاعدة.)...
-شركات دولية متعددة اجلنسيات (غوغل ،ما يالروسوفت.)...
كة
كو الدوليككة العفك كل منظمك كة( ،مثك كري احلالوميك
كة غك كات الدوليك
-املنظمك
وغريها).
وخريطة الصرا تستخدم خالل مدة أو فترة زمنية حمددة ،لوصف أطكراف
الصرا ،حيث إن هذه اخلريطة ،هء عملية ديناميالية تبعا لديناميالية وتغري الصرا
وأطرافه .وقد يتم بناء أكثر من خريطة ،تعال وجهات نظر أكثر مكن طكرف
أسا يف الصرا .أما على صعيد حتديد قضايا الصرا ،فإنه يتم اسكتخدام مكا
يُسمى منوذج شجرة الصرا ،لتحليل تعقيدات الصرا ،بعكد حتديكد أطكراف
الصرا يف منوذج خريطة الصرا .ومنوذج شجرة الصرا .
وأمنوذج شجرة الصراع :هو عبارة عن أمنوذج يُستخدم لتحليكل احملكاور
الثالثة اآلتية يف الصرا :
جوهر مشاللة الصرا .
جذور وأسباب الصرا .
اآلثار الناجتة عن الصرا .
وعادة توضع هذه احملاور على شالل شجرة ،تالون جذورها هكء أسكباب
الصرا ،وجذعها هو جوهر مشاللة الصرا ،وأغصاهنا هء آثار ونتائج الصرا .
والشالل اآل يوضح ذلك.
118
الشكل ررم ( :)91شجرو الصراع
إن عملية تحليل الصراع باستخدام هذا النموذج تتم من خالل عملية نقاش جمع
ملصدر:
اخلزندار ،سامء " :استخدام استطالعات رأي النخبة يف حتليل الصراعات وفض املنازعكات" ،مرجكع
سابق.10 . ،
Fisher, Simon: Working with Conflict: Skills and Strategies for Action, op. cit., p. 29.
إن عملية حتليل الصرا باستخدام هذا األمنوذج ،تتم من خالل عملية نقاش
مجعء بني الباحثني/املمارسني ،لتحديد جذور الصرا ،وطبيعة جكوهر مشكاللة
الصرا األساسية ،وأخرياً حتديد نتائج أو آثار الصرا .
املصدر:
اخلزندار ،سامء" :استخدام استطالعات رأي النخبة يف حتليل الصراعات وفض املنازعات" ،مرجع سابق.11 . ،
Fisher, Simon: Working with Conflict: Skills and Strategies for Action, op. cit., p. 30.
101
الجزء الثاني :باالعتماد على مستويا مؤث ار واعتبا ار صنع القرار
في الدول:
يف ضوء استخدام هذه النماذج يف حتليل تعقيكدات الصكرا ،لتحديكد
األطراف األساسي ة والثانوية يف الصرا ،وحتديد قضايا الصرا ،وقوى اجملال يف
الصرا .فإنه من املهم استالمال ذلك ،مبراعكاة جمموعكة مكن االعتبكارات
واملستويات ،اليت تتداخل أو تؤثر يف عالقات األطراف ،أو تفاعالت الصكرا ،
وفق أو من خالل منظومة صنع القرار ،لدى كل طرف أو دولة ،إذ تعمل هكذه
املنظومة حنو توجيه الصرا ،إما إىل التصعيد والتعقيد ،أو حنو التسوية وحتقيكق
السالم .وتشالل هذه االعتبارات ،أو املؤثرات اجلزء الثاين من اإلطار املنكهاجء
الذي يتناوله أو يقدمه هذا املبحث ،وميالن تصنيف هذه االعتبارات ،أو املؤثرات
إىل أربعة مستويات:1
المؤثر الدولية:
ا 9
وهء تشمل جمموعة من االعتبارات ،اليت تؤثر على صنا القكرار يف البيئكة
الدولية واإلقليمية ،وهء قد تشالل فرصاً أو قيوداً ،ومن هذه االعتبارات ،طبيعكة
أهداف السياسة اخلارجية للدول ،واإلمالانيات العسالرية ،ونوعية القطبية يف النظام
الدويل (أحادية ،ثنائية ،تعددية) ،واالستقطاب يف احمليط الدويل واإلقليمء ،ومدى
تناز األيديولوجيات السائدة ،واملوقع اجلغرايف ،وتأثريه على األطراف األخكرى،
وطبيعة املنظومة السياسية اإلقليمية واستقرارها ومدى تنافسها أو تعاوهنكا .وغكري
ذلك من العوامل أو االعتبارات ،اليت تلعب دوراً يف عملية صنع القكرار ،باجتكاه
100
تسوية الصرا ،أو التصعيد أو إطالة أمد الصراعات .وإن حتديد هذه املكؤثرات أو
املتغريات ،ومعرفة حجم تأثريها يف عملية صنع القرار لدى األطراف تشالل مدخالً
حمورياً ،يف تفاليك تعقيدات الصرا ؛ وملعرفة كيفية التأثري يف تفاعالت الصرا حنو
التسوية.
2المؤث ار على صعيد الخصائم القومية المجتمعية للدولة:
وهذا يشالل ،املستوى الثاين يف عملية العالقة بني صنع القكرار ،والتكأثري يف
تعقيدات الصرا أو تسويته ،ومن أهم هذه املؤثرات الداخلية اجملتمعية املكؤثرة يف
القرار السياسء ،مدى قوة الرأي العام ،وهء كثرياً ما تلعب دوراً هاماً أو ضاغطاً
يف توجه القيادة السياسية ،سواء حنو املزيد من تصعيد الصرا ،أو حنكو التهدئكة
والتسوية ،ويرتبط بذلك أيضاً ،فعالية األحزاب السياسية ومجاعات الضغط مبختلف
أطيافها ،وخاصة العرقية ،أو االقتصادية أو العسالرية .ومدى قدرة هذه األحزاب،
ومجاعات املصاحل على الضغط ،وتنظيم إدارة احلمالت اإلعالمية املؤثرة .إن القدرة
على حتديد دور هذه املتغريات ،وتأثرياهتا يشالل عنصراً أساسياً يف فهم تفكاعالت
الصراعات اإلقليمية والدولية ،من زاوية بعدها الداخلء لصانع القرار ،مبا يساهم يف
استقراء االجتاهات املستقبلية جتاه الصرا .
3البنية المؤسسية لعملية صنع القرار في الدولة:
وهذا املستوى ،يُعترب اجلانب اآلخر املالمل للمستوى السابق ،أي مسكتوى
املؤثرات اجملتمعية داخل الدولة .إن طبيعة البنية املؤسسية للدولة ،وعمليكة صكنع
القرار ،تلعب دوراً حمورياً يف فهم جتاهات الصرا ،أو اجتاهات التسكوية .فمكن
العناصر األساسية يف هذا املستوى ،طبيعة النظام السياسء (دميقراطء أم ديالتاتوري
أو مشويل ،وبالتايل ،يتم حتديد اختالف يف عدد وحجم الوحدات ،أو األشكخا.
املؤثرة يف عملية القرار يف الصرا ،سواء باجتاه احلرب أو باجتاه حتقيكق السكالم.
كذلك دور الوحدات الرمسية املشاركة يف هذا النو من القرارات (جمل األمكن
القومء ،وزارة الدفا ،وزارة اخلارجية ،وأجهزة االستخبارات ،برملان ... ،إخل)،
وما ينتج عن ذلك من صراعات نفوذ وبريوقراطية ،وما يتعلق هبكا مكن طبيعكة
اإلجراءات التشريعية ،والدستورية املطلوبة يف هذه القرارات املتعلقة بالصكراعات
101
واحلروب ،واتفاقيات السالم .باإلضافة إىل معرفة نفوذ النخب ،الفريق املساعد ،أو
االستشاري لصانع القرار ،ومدى انسجامهم واجتاهاهتم وحجم نفوذهم على صانع
القرار.
هذه جمموعة من املكؤثرات ،الكيت مكن الضكروري إدراكهكا يف فهكم
تعقيدات الصرا ،وتأثرياهتا على اجتاهكات الصكرا حنكو التسكوية وحتقيكق
السالم.
9مستوف القائد السياسي:
يشالل هذا املستوى ،البعد الثالكث أو اسكتالماالً للمسكتويني السكابقني
الثاين والثالث ،يف تعقيدات الصرا ،وهو من أهكم العناصكر يف عمليكة صكنع
القرار ،سواء باجتاه الصرا واحلكرب أو عقكد اتفاقيكات السكالم وتسكوية
الصراعات.
إن القائد السياسء ،هو العنصر الذي يفلتر بشالل أو بآخر مجيع املستويات،
والعوامل األخرى اليت مت اإلشارة إليها من خالل اجتاهاته ومعتقداته وأولوياته ،ويف
كثري من األحيان هو من حيدد اجتاهات الصرا ،وأسلوب تسويته .وبشالل آخر،
غالباً ما يالون مدير عملية الصرا .
إن الالثري من أدبيات الصرا ،وأدبيات السياسة اخلارجية عادة ،حتدد جمموعة
من العناصر اليت ترتبط بصانع القرار ،واليت تؤثر يف قرارات أو اجتاهات السياسكة
اخلارجية للدولة ،منها ،طبيعة منهجيته يف القرار ،هل هو املنهج العقالين يف القكرار
(حسابات/ربح -خسارة) أم منهج عقائدي ،وكذلك اخلصائص الشخصية للقائد
السياسء ،البيئة الثقافية والنفسية للقائد ،مثل املعتقدات ،اإلدراكات ،واالنطباعات،
والتصورات ،اليت حيملها القائد .عموماً ،فان عملية تفاعل هذه املكتغريات لكدى
صانع القرار ،وعالقتها يف صياغة سلوك السياسة اخلارجية( ،حتقيق سالم أو صرا
مع دولة أخرى) ضمن عملية صنع القرار يف الدولة .مع املستويات الثالثة األخرى،
تشالل توجيهاً لسلوك الدولة حنو السالم أو التصعيد يف صراعها ،مكع دولكة أو
طرف آخر.
ورمبا من املفيد اإلشارة إىل ،ما خلصت إليه بعض الدراسات العلمية حول
101
نتائج تفاعالت تعقيدات الصرا ،ومدى إمالانية حتقيكق السكالم ،أو تراجكع
احتمالية الصرا ،نتيجة هذه التفاعالت إىل جمموعة من االفتراضات اهلامة ،مكن
أمهها:1
.0كلما اخنفضت درجة الصرا دون مستوى النظام الدويل ،قلكت احتماليكة
الذهاب ،أو العودة إىل احلرب.
.1كلما اخنفضت درجة الصرا عن مستوى منظومة األمن اإلقليمكء ،قلكت
احتمالية الذهاب ،أو العودة إىل احلرب.
.2كلما ازداد تنسيق جهود الوسطاء (الطرف الثالث) ،قلت احتمالية العودة ،أو
الذهاب إىل احلرب.
.4كلما كانت النخب السياسية ،أو قادة ومسؤولو األحزاب متحدين حكول
قيادهتم ،قلت احتمالية العودة ،أو الذهاب إىل احلرب.
.1كلما كانت اخلربة املتعلمة أو املالتسبة لقادة األطراف األساسكية للصكرا ،
منقوصة ،يف استخدام الصرا املسلح كوسيلة لتحقيق اهلدف املرغوب ،قلت
احتمالية الذهاب ،أو العودة إىل احلرب.
.9كلما زاد حتديد أو النص على اآللية السياسية ،اليت توفر الفرصة لألطكراف
األساسيني يف استخدام القوة السياسية ،قلت احتمالية الذهاب ،أو العودة إىل
احلرب.
بالرغم من الوصول إىل هذه التعميمات على مستوى الصراعات الداخلية ،إال أهنا قكد 1
تالون قابلة للتعميم على مستوى الصراعات اإلقليمية والدولية يف ضوء إثباتات ودراسة
ختضع ذلك لالختبار والتأكد ،انظر الدراسة التالية:
Ohslon, Thomas: 1998, Power Politics and Peace Policies: Intra-State
Conflict Resolution in Southern Africa, Uppsala University, Sweden,
Department of Peace and Conflict Research, Report No. 50, pp. 36-39,
102-127.
104
املبحث الثالث
إن الفصول واملباحث السابقة ،تناولت بشالل أسا ،عملية حتليل الصكراعات
واألطر الالزمة لذلك ،سواء على الصعيد الداخلء للصكرا ،أو اخلكارجء أو البيئكة
احمليطة املؤثرة يف عملية الصرا ،وتعقيدات الصرا .وعملية حتليل الصراعات كمرحلة
أوىل يف دراسة الصراعات ،هء عملية ضرورية وأساسية ،ولالنها عملية ،تشالل البداية
األوىل لطريق حيتوي بضع مراحل ،تشالل حمطات للوصول إىل الوقاية من الصراعات.
املرحلة الثانية :تشمل عملية تسوية الصرا ،وتليها مرحلة الوقاية ،أو املنكع
الوقائء من الصراعات ،وتنتهء هذه املراحل بعملية اإلصكالح اجلكذري لعمليكة
مستقبلية تقضء على الصراعات ،وهذه املرحلكة األخكرية ،تُعكرف بإصكالح
الصراعات ،وفيها تتحول العالقات من نكزاعات إىل شراكة تعاون.
إن تناول عملية تسوية الصراعات ،تتمثل بتناول معرفة طبيعة أشالال التدخل
لتسوية الصراعات العنيفة وتسويتها ،ويشمل هذا املبحث احملاور التالية:
.0حتديد مفهوم وأشالال التدخل يف الصراعات.
.1اإلطار العام لتسوية الصراعات ،وم ميالن أن حتدث ،أو م ميالن اللجكوء
إىل التسوية ،أو أشالال التدخل.
.2حتديد أشالال التدخل ،وطبيعتها ودورها يف التسوية
إن مرحلة تسوية الصراعات ،هء اهلدف املقصود من عملية التدخل بأشالاهلا
املختلفة ،اليت يتناوهلا هذا املبحث.
108
-الثاين :الظروف وأوضا صنا القرار ،اليت ختلق أو توفر إطاراً لتحديد نقاط
البدء ألطراف الصرا ،حنو إيقاف أو تسوية الصرا ,وميالن حتديد ظروف
بدء إيقاف* الصرا ،أو بدء األطراف للدخول إىل تسوية بثالثة أوضكا ،
هء:1
.0القناعة بإمالانية النجاح أو االنتصار على اخلصم .تتمثل هذه احلالة يف قناعكة
الطرف املنتصر ،بأن جناحه يف استخدام اسكتراتيجية القكوة ،أو العنكف يف
الصرا ،جتعله يف موقع األقوى يف التفاوض واملساومة ،وبالتايل ،حتقيق تسوية
وفق شروط املنتصر .ومن هنا ،فعلى املنتصر ،حتقيق تسوية للصرا ،يف ضوء
الوضع األفضل له.
.1وضع املأزق أو ضرورة إهناء اجلمود ،أو الطريق املسدود :إن دخول طكريف
الصرا يف مرحلة مأزق ،بسبب استمرار الصرا ،مع غموض وضع الصرا
ومستقبله ،ويف ضوء التالاليف الباهظة ،الستمرار الصرا ويف مقابل ميزات،
أو مالاسب إيقاف الصرا ،فإن ذلك يدفع إىل وضع مكأزق أو أزمكة األمل
املتبادل ،وهذا الوضع ،يدفع الطرفني إىل الدخول يف مرحلة االستعداد إليقاف
الصرا ،أو اخلروج من املأزق .وهذا الوضع يدفع صكنا القكرار لكدى
األطراف املتصارعة ،إىل اختاذ قرار إجيابكء جتاه تسوية الصرا أو إيقافكه،
وذلك انطالقاً من الرغبة يف حتقيق ما يأ :
حماولة حتقيق األفضل ،يف مرحلة ما بعد الصرا :إن وضع األزمة ،قكد خيلكق
ختوفاً لدى القادة من احتمال تدهور الوضع احلايل للصرا حنو األسوأ .وبالتايل
الدخول يف مفاوضات إليقاف تسوية الصرا ،يعطكيهم فرصكة واحتمكال
احلصول على وضع ،أو نتائج أفضل الحقاً يف مرحلة ما بعد تسوية الصرا .
الرغبة يف منع حدوث الصرا مستقبالً.
احلاجة إىل نصر لتربير التضحيات :إن القادة يف وضع األزمة ،خاصة عنكدما
يواجهون* وضعا مييل إىل اهلزمية ،مييلون إىل تسوية ،تالون يف النهاية مقبولة،
ولو كان ذلك ظاهرياً ،وتسويقها على اعتبار أهنا نصر يف هذا الصرا .
Roger Mitchell, Christopher: the Structure of International Conflict, 1
Op. cit., pp. 174-185.
109
.2وضع اهلزمية املعترف هبا :وهو وضع ،يفرض تسوية على الطرفني ،يريد فيهكا
الطرف املهزوم ،تقليل حجم كلفة اهلزمية إىل أقل قكدر ممالكن .والطكرف
املنتصر ،يعظم مالاسب* نصره بالدخول إىل تسوية ،يفرض فيها شكروطه.
والطرفان خيضعان إىل مبدأ الربح واخلسارة ،يف تقديرمها لعملية التسوية.
عموماً ،إن الدخول يف عملية التسوية ،بني أطراف الصرا ،متر عرب جمموعكة
أو "حلظات" مرحلية ،تشالل مبجملها ظروفاً وشروطاً إجيابية ،وحمطات أساسكية
"للتدخل" والدخول يف عملية تسوية للصراعات ،وحيدد أحكد البكاحثني هكذه
اللحظات والشروط على الشالل التايل:1
111
.2قضايا الصرا :وهء القضايا اليت تشالل دوافع ،أو مصاحل أطراف الصرا .
وبالتايل ،ضرورة أن حتقق أشالال التدخل ،مصاحل وحاجات مجيع األطراف؛
وفق عملية تساومية مرضية هلم.
ويتم تناول هذه العناصر الثالث ،وفق إطار أو توجه أساسء ،حنكو معاجلكة
جذرية ملصادر الصرا ،وهذا يعين استخدام عدة أشالال من التدخل أو الوسائل،
ويف مراحل خمتلفة إلحداث تسوية فعلية للصرا ،متهيداً لالنتقال ،أو مبؤازرة حتقيق
عملية وقائية مبنع حدوث الصرا .
115
املرحلة السابقة .وهذه املرحلة هء مرحلة ترسخ وحتقق السالم الكدائم بكني
هذه األطراف.
ثانياً :الوساطة:
تُعترب الوساطة ،واحدة من أكثر وسائل التدخل استخداماً لتسوية الصراعات،
والوساطة يف كثري من األحيان ،هء الوسيلة اليت تؤدي إىل حدوث املفاوضكات،
ومن مث تسوية الصراعات ،خاصة يف النكزاعات الدولية .فالوساطة قد تبدأ قبكل
املفاوضات ،وهء اليت قد حتقق ،أو توجد املفاوضات بني األطراف املتنازعة ،وهء
تشالل يف غالب األحيان ضرورة للمحافظة على استمرار املفاوضات ،وهء الراعية
أو الضامنة لنتائج ،أو حمصلة املفاوضات سواء أكانت* باتفاقيات سالم وتسكوية
للصرا ،أم بالوهنا أحياناً كثرية صمام أمان لعدم تصعيد الصرا نتيجكة فشكل
املفاوضات.
مفووم الوساطة:
تنوعت وتباينت جتاهات مفهوم الوساطة بني الباحثني ،يف جمكال دراسكات
الصرا والسالم ،فبينما يشري أحكد أعكالم دراسكات الوسكاطة "جكاكوب
بريكوفيتش" ،إىل أن الوساطة هء عملية أو وجه من أوجه إدارة الصرا ،حيكث
تسعى فيه األطراف املتنازعة للمساعدة ،أو قبول عكرض املسكاعدة يف تسكوية
الصرا ،أو اخلالفات وبدون اللجوء إىل استخدام ،إجراءات قسرية أو قوة ماديكة
أو استخدام صالحيات أو إجراءات قانونية ،ويقوم هبذه املساعدة (الوسيط) إمكا
دولة أو منظمة أو مجاعة أو أفراد.1
بينما يعترب البعض ،أن الوساطة هء "امتداد لعملية املفاوضات تشمل تكدخل
فريق ثالث مقبول لدى الطرفني ،وحمدود السلطات يف أخذ القرار املتعلق بالصرا ،
انظر: 1
Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation & Dispute
Settlement: Evaluating the Conditions for Successful Mediation",
Negotiation Journal, Vol. 7, No. 1, pp. 18.
Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation ", Journal of Peace
Research, Vol. 28, No. 1, p. 2.
116
حيث يقوم هذا الطرف مبساعدة األطراف الرئيسية على الوصول طوعاً ،إىل اتفاق
مقبول لديهم حول تسوية القضايا املتناز عليها ،وكما هكو احلكال يف عمليكة
التفاوض فإن الوساطة تترك مسألة اختاذ القرار بيد أطراف النكزا .1
عموماً ،إن الوساطة هء عملية ثالثية األبعاد ،من حيث وجود طكرف مكن
خارج األطراف املباشرة للصرا ،ولالن يشارك يف إدارة الصرا باجتاه تسوية أو
هتدئة الصرا .
إن وجود رغبة أو إرادة بتسوية أو حل هذا الصرا ،وفق خيار سكلمء،
وعلى هذا األسا يدفع الوسيط للتنصل ..والوساطة باحملصلة ،هء عملية تفاعلية
معقدة ،تتأثر مبتغريات ذاتية داخلية وخارجية ،كما يف املفاوضات ،وتعترب الوجه
اآلخر من الع ملة املالملة لعملية املفاوضات بني األطراف .ونتيجة لكذلك فكإن
أدوار ومهام الوسيط معقدة ومتعددة ،وعليه ال بد من اإلشارة إىل طبيعة هكذه
األدوار.
أدوار وموام الوسيط:
إن الوسيط ،أو ما يُعرف يف غالب األحيان بالطرف الثالث ،قد ميار عكدة
مهامً وأدوار حسب مرحلة الصرا ،ومتطلبات إدارة أو تسوية الصرا .ويلخص
ويليام زارمتان أدوار الوسيط كما يأ :2
.0تسهيل التواصل ،أو فتح قنوات االتصال ،بني أطراف الصرا ،ومن أمثلكة
مهام هذا الدور ،كأن ينقل مطالب ،ورسائل األطراف إىل بعضها ،يضيف أو
يتغلب على الفجوات التنظيمية اإلجرائية ،للتواصل بني أطراف الصرا .
.1معد اقتراحات ومشاريع ،كأن يصيغ أفالارا وآراء للطرفني يف شالل مشاريع،
واتفاقيات للتغلب على الفجوات األساسية بني أطراف الصرا .
مور ،كريستوفر (مؤلف) ،سروجي ،فؤاد (متدرجم) ،1111 :عمليكة الوسكاطة: 1
استراتيجيات عملية حلل النكزاعات ،الدار األهليكة ،عمّكان.21. ،18 -11 . ،
وملزيد من استعراض مفاهيم الوساطة ،راجع محدان ،هنلة ياسني (مؤلف) ،كرم ،مسدري
(مترجم) ، 1112 :الوساطة يف اخلالفات العربية املعاصرة ،سلسلة أطروحات الدكتوراه
( ،)49مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت.14-11 . ،
Zartman, William (Ed): Elusive Peace: Negotiating an End to Civil 2
Wars, Op. cit., pp. 20-21.
117
مبعىن آخر فإن مهام وأدوار الوسيط تشمل أشالاالً عديدة ،وميالن تلخكيص
األدوار واملهام األكثر شيوعاً مبا يلء:1
.0تسهيل إقامة اتصاالت ،أو فتح قنوات اتصال بني أطراف الصرا ،أو تعزيكز
الثقة بينهم.
.1املسامهة يف بلورة قضايا ،ومواقف أو مصاحل ،وحقوق أطراف الصرا .
.2املشاركة يف إدارة عملية املفاوضات ،مثل وضع جدول األعمال ،الترتيبكات
اإلجرائية واملالانية والزمنية للمفاوضات ،وحتديد مصاحل األطراف.
.4توفري الدعم واملوارد الفنية والسياسية للمفاوضات.
.1توفري بدائل ،وتقدمي االقتراحات للتسوية ،واملشاركة يف صكياغة اتفاقيكات
التسوية.
.9تقدمي الضمانات الالزمة ،لتنفيذ اتفاقيات التسوية ،بشالل يؤدي إىل إقنكا
األطراف بالقبول بالتسوية املقترحة.
وبالرغم من تعدد أدوار ومهام الوسيط ،فإنه قد ميارسها معاً ،أو ميار جزءاً
بسيطاً منها ،يف الصرا الواحد ،وذلك حسب طبيعة ومراحل الصكرا ،الكذي
يعمل عليه الوسيط .يف ضوء هذه املهام واألدوار ،يطرح السؤال التايل :م يكتم
تدخل الوسيط ،وكيف ميار هذه األدوار؟
عادة يتدخل الوسيط يف أوضا أو حاالت كثرية ،منها:
.0عندما تالون قنوات االتصال ،بني طريف الصرا منقطعة أو ضعيفة ،إىل درجة
ال تؤدي إىل الدخول يف عملية مفاوضات.
.1أو عندما تالون أجواء املفاوضات غري مهيأة ،إلحراز حتقيق تقدم يف عمليكة
التفاوض ألسباب عديدة ،منها :توتر العالقات واملشاعر ،والوضع االنفعكايل
بني طريف الصرا .أو العجز عن حتديد أولويكات وأجنكدة املفاوضكات،
118
اخلالفات حول معلومات كل طرف عن اآلخر ومدى صكدقيتها ،وجكود
فجوة كبرية ،وتباينات واسعة بني مواقف أطراف الصرا ،وغري ذلك مكن
األجواء.
.2أو الوصول إىل طريق مسدود ،أو إىل مجود املفاوضات ،وبالتايل عدم إمالانية
الوصول إىل اتفاقية سالم ،أو تسوية بني الطرفني.
.4وجود حاجة أو ضرورة ،لتقدمي ضمانات معينة ح ميالن القبكول بتسكوية
معينة وتنفيذها.
ويلخص كري مور ،Chris Mooreمراحل تدخل الوسيط ،وطبيعة حتركاته
وممارسته ألوامره يف هذه املراحل يف اجلدول اآل :1
املرحلة السابعة :حتديد القضايا وورع املرحلة األوىل :خلق عالقة مع األطراف
جدول أعمال املتنازعة
-حدد املوضوعات العامة اليت هتم األطراف -االتصال املبدئء مع األطراف
-خذ املوافقة على القضكايا الكيت سكيتم -بناء املصداقية
مناقشتها -تشجيع التواصل (التقارب)
-تعريف األطكراف بعمليكة وإجكراءات -حدد أسلوب التتابع للتعامل مع القضايا
الوساطة
-زيادة االلتزام بإجراءات الوساطة
املرحلة الثانية :اختيار استراتيجية لتوجيه املرحلة الثامنة :اكتشاف املصاحل غري املعلنة
لألطراف املتنازعة عملية الوساطة
-معاونة األطراف على تقدير االجتاهكات -حدد االهتمامات اجلوهريكة واإلجرائيكة
واملككداخل املختلفككة إلدارة وتسككوية والنفسية لالل من األطراف
-عرّف كل طرف باهتمامكات ومصكاحل الصراعات
-معاونة األطراف الختيار اجتاه أو مكدخل الطرف اآلخر
معني
-التنسيق بني اجتاهات األطراف املعنية
W. Moore, Christopher: 2003, the Mediation Process, Jossey Bass A 1
Wiley Imprint, U.S, 3rd Edition, p. 68-69.
119
املرحلة الثالثة :مجع وحتلي معلومات عن املرحلة التاسعة :خلق خيارات لالتفاق أو
التسوية خلفية املوروع
-مجع وحتليل املعلومات والبيانات املهمكة -طور الوعء لدى األطراف حول احلاجكة
بالنسبة لألفراد ،والدينامياليات اخلاصكة لوجود خيارات متعددة
-قلل من االلتزام مبواقف ذات اخليار الواحد بالنكزا ،وجوهر الصرا .
-اخلق خيارات مستخدماً مساومة حكول -التأكد من صحة املعلومات والبيانات
-تقليص تأثري املعلومات غري الدقيقة أو غري املواقف أو املصاحل
املتوفرة
املرحلة العاشرة :تقييم خيارات االتفاق أو املرحلة الرابعة :تصميم خطة مفصلة
التسوية للوساطة
-حدد االسكتراتيجيات واخلطكوات غكري -راجع مصاحل األطراف
املشروطة الناجتة عنها ،واليت متالن األطراف -قيم كيفية حتقيق املصلحة مكن خكالل
اخليارات املتاحة من التحرك يف اجتاه الوصول التفاق.
-حدد احلركات أو اخلطكوات املشكروطة -قيم الربح واخلسارة للبدائل املختارة
جملاهبة املواقف اخلاصة بالصرا .
املرحلة احلادية عشر :املساومة النهائية املرحلة اخلامسة :بناء الثقة والتعاون
-قم بتأهيل األطراف املتصارعة نفسياً للمشاركة -توصل إىل اتفاق إما من خالل تقكارب
متنام للمواقف ،أو طفرات هنائية لصفقة، يف مفاوضات حول قضايا جوهرية.
أو معادلة مقبولة من الطكرفني ،أو مكن -تعامل مع االنفعاالت القوية
-اضبط املفاهيم وحاول أن تقلل من آثكار خالل خلق أساليب إجرائية للوصول إىل
اتفاق جوهري االنطباعات النمطية الشائعة
-القيام ببناء قدرة إلدراك شرعية األطراف
والقضايا
-بناء الثقة
-وضح طرق االتصال
املرحلة الثانية عشرة :الوبول إىل اتفاق رمسي املرحلة السادسة :بدء جلسة املفاورات
-حدد اخلطوات اإلجرائية لتفعيل االتفاق. -قم بفتح املفاوضات بني األطراف
-أ ّس طريقة للتقييم واملتابعة -اخلق لغة متفتحة وإجيابية
-رسّخ قواعد عامة ودليال إرشاديا للتصرف -اعمل على جعل االتفاق رمسياً
-ساعد األطراف على التنفي أو التعبري عن -صمم آلية لإللزام وااللتزام
عواطفهم وانفعاالهتم
-حدد جماالت وقضايا املناقشة
-ساعد األطراف على اكتشكاف أمهيكة
االلتزام والتأثري
111
من جانب آخر فإنه عادة ،عندما يتدخل الطرف الثالث يف مرحلة مكا قبكل
املفاوضات هبدف التقريب بني األطراف املتنازعة ،ودفعها حنو الكدخول أو بكدء
عملية التفاوض .وبالتايل ،وقوف دور الوسيط عند هذه املرحلة (بدء املفاوضات).
فإن هذا النو من التدخل/الوساطة ،يسمى باملساعء احلميدة (،)Good Offices
وإن كان الوضع السائد ،أو األكثر شيوعاً من الوساطة الدولية حالياً ،أهنا ال تقف
عند دور الطرف الثالث يف املساعء احلميدة ،حنو دفع األطراف للبكدء يف عمليكة
املفاوضات ،فغالباً ما يستمر دور الوسيط للمحافظكة علكى اسكتمرار عمليكة
املفاوضات وجناحها يف حتقيق "التسوية بني األطراف" .وتُعترب الدبلوماسية الثنائية،
أو املتعددة من أهم أشالال الوساطة ،خاصة يف النككزاعات الدوليكة ،كمكا يف
احلروب األهلية.
110
ومن أمثلة إجراءات فرض السالم ،واإلجراءات القسرية ولالن غري املسلحة،
مثل العقوبات الدولية ،أو احلصار الدويل على بعض الكدول إلجبارهكا القبكول
بتسويات ،أو شروط معينة تطلبها األمم املتحدة .مثل ،قطع الصالت الدبلوماسية،
واحلصار االقتصادي والعسالري ضد بعكض الكدول ككالعراق ،ويوغسكالفيا،
وغريمها.1
رابعاً :التحكيم:
يُعترب التحاليم شالال من أشالال التدخل ،من قبل طرف ثالكث لتسكوية
الصراعات الدولية (بوسائل سلمية قانونية) أو اجملتمعية ،أما بالنسبة للصراعات
األهلية (خاصة بني حالومة ومعارضة مسلحة) فمن غري املعهكود اسكتخدامه
بشالل واسع .والتحاليم غالباً ،ما يُستخدم يف النكز اعات احلدودية بني الدول،
وأحياناً حول تبعية أقاليم ،أو أراض معينة إىل األطراف ،اليت يدور النككزا
حوهلا .ويشري البعض ،إىل أن التحاليم الدويل ،قد ارتبط من حيث ظهكوره،
وتطوره يف العصر احلديث ،مبنازعات احلدود واملنازعات اإلقليميكة أو حكول
األقاليم.2
وجوهر التحاليم أو مفهومه ،ينصرف إىل العملية اليت ميالن عكن طريقهكا
التوصل إىل تسوية سلمية للنكزا ،حمل االعتبار حبالم مُلزم تصدره هيئة خاصة،3
ويفصّل بعض الباحثني ذلك ،باإلشارة إىل أن "التحاليم ،هو إحدى وسائل تسوية
النكزاعات ،اليت يالون فيها للطرف الثالث دور فعّال يف حسم أوجه اخلالف ،بأن
يصدر قرارات ملزمة .ولذلك فأسلوب التحاليم ،خيتلف عن أسكاليب الوسكاطة
ملزيد من التفاصيل حول هذه اجلزاءات وإجراءات اإلنفاذ (القسرية) ،انظر: 1
غايل ،بطرس بطرس :خطة للسالم ،مرجع سابق.18-14 . ،
حول تقييم احلصار االقتصادي ،انظر:
Wallensteen, Peter: 2000, a Century of Economic Sanctions: A Field
Revisited Uppsala Peace Research No. 1, Department of Peace and
Conflict Research, Uppsala University.
الرشيدي ،أمحد :التسوية السلمية ملنازعات احلدود واملنازعات اإلقليمية يف العالقكات 2
الدولية املعاصرة ،مرجع سابق.41 . ،
الرشيدي ،أمحد :املرجع نفسه.21 . ، 3
111
والتفاوض ،اليت حتافظ بدرجة كبرية على استقاللية أطكراف النككزا يف اختكاذ
قراراهتم .وخيتلف التحاليم عن أشالال القضاء املعتادة ،يف أن احملالم قد ال يسكتمد
سلطته من قانون ،أو من سيادة الدولة .فالتحاليم ،ميالن أن تلجأ إليه األطراف ،إذا
اتفقوا يف عالقتهم التعاقدية على اللجوء إليه .والالثري مكن التعاقكدات التجاريكة
والدولية ،تشترط اللجوء إىل التحاليم ،حلل النكزاعات اليت قكد تنشكب بكني
املتعاقدين.
إن اللجوء إىل التحاليم كوسيلة سلمية ،من وسائل فض النكزاعات عكادة
تالون ،يف مرحلة استنفذت أو فشلت ،فيهكا الوسكائل السكلمية السياسكية أو
الدبلوماسية ،لتسوية الصرا (خاصة املفاوضات) ،مع حر .أطكراف الصكرا ،
على التسوية السلمية كخيار استراتيجء أو وحيد ،مما يدفع أطراف الصكرا ؛ إىل
اللجوء إىل بديل أو خيار التحاليم والقضاء الدويل.1
من جانب آخر ،رمبا من املفيد اإلشارة إىل ما يقدمه أوليفكر ،Oliverمكن
تقنيات أو أشالال أخرى ،للتدخل لتسوية الصراعات مع عالقتها أو حتديد موضع
استخدامها ،وفق كل مرحلة من مراحل الصرا ،أو بشالل يتالامكل مكع ككل
مرحلة .إن أشالال التدخل اليت يقترحها يف كل مرحلة ،هء ليسكت مكن بكاب
احلصر ،بل من باب األمثلة واألكثر أمهية ،وتفاصيل أشالال التدخل هذه موضحة
يف اجلدول اآل :2
ملزيد من التفاصيل حول التسوية القانونية والتحاليم للصكراعات ،خاصكة احلدوديكة 1
واألقاليم ،انظر ،الرشيدي ،أمحد :التسوية السلمية ملنازعات احلدود واملنازعات اإلقليمية
يف العالقات الدولية املعاصرة ،مرجع سابق.91-21 . ،
Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit., 2
p. 14.
111
الجدول ررم ( :)2تقنيا وأشكال التدخل لتسوية الصراعا
114
أمثلة من االستجابة االستجابة (الرد)
مرحلة الصراع
(الرد) التكتيكي االستراتيجي
إصالح مؤسسء وتشريعء - صنع السالم النخبوي االتفاقية
تقاسككم السككلطة والمركزيككة - Elite Peacemaking Agreement
السلطة
آلية حل املشالالت -
األمن اجلمكاعء واإلجكراءات - بناء السالم اهلياللء التطبيع
التعاونية Structural Peace Normalization
التنمية االقتصادية - Building
الدفا البديل -
بعثات وجلان السكالم وتقصكء - بناء السالم الثقايف التصاحل (تسوية
احلقائق Cultural Peace اخلالفات)
تنمية اإلعالم السلمء - Building Reconciliation
تعزيز التعليم والتكدريب حكول -
السالم
والصراعات -
مبادرات التبادل الثقايف للتصاحل -
وتسوية اخلالفات -
آلية حل املشكالالت كتصكور -
مستقبلء
116
املبحث الرابع
إن املنع الوقائء للصراعات ،واملنع الوقائء للصراعات العنيفة بشالل خكا،.
يعترب -بالرغم من حداثته -من اجملاالت األساسية واحلديثة ،يف حقل دراسكات
السالم والصرا ،بَيْد أنه مل يلق اهتماماً واسعاً أو كافياً ،بالرغم من أمهيته الالربى،
سواء من اجملتمع الدويل أو الدراسات املتخصصة ،إال يف فترة متأخرة من مراحكل
تطور هذا احلقل املعريف.
ويشري بعض الباحثني يف هذا احلقل ،إىل أن املنع الوقائء للصراعات ،يشكالل
وضعاً حامساً ،لتحقيق األمن العاملء ،كما يعترب الوسيلة أو الطريقة الوحيدة ،ملنكع
معاناة ماليني النا يف كل أحناء العامل.1
يتناول هذا املبحث ،دراسة موضو املنع الوقائء للصراعات األهلية ،والدولية
وذلك من خالل احملاور اآلتية:
تطور االهتمام العلمء هبذا اجملال املتخصص.
كه،كه ،مالوناتك كه ،ماهيتك
كة :مفهومك كراعات العنيفك كائء للصك كع الوقك املنك
ومؤشراته.
أمناط ،وأشالال ،وأنوا املنع الوقائء للصراعات.
117
أوال :تطور االهتمام العلمي في مجال المنع الورائي للصراعا :
مل يلق جمال املنع الوقائء للصراعات العنيفة ،سواء على صعيد املمارسة ،مكن
قبل صنا القرار يف بيئة اجملتمع الدويل ومؤسساهتا ،أو على صكعيد الدراسكات
والتنظري العلمء ،حلقل دراسات الصرا والسالم ،اهتماماً واسعاً ،أو كافياً خالل
حقبة احلرب الباردة ،خاصة يف ضوء أولوية االهتمام بسباق التسلح ،الذي ككان
سائداً ،بالرغم من إدراك املعنيني ،سواء من صنا القرار أو البكاحثني .أن العمكل
على الوقاية ،أو املنع الوقائء للصراعات ،سيؤدي إىل منع حدوث خماطر وكوارث
كربى ،قد تاللف كثرياً على الصعيد اإلنساين والبشري واالقتصادي والعسالري،
وهتديد األمن والسلم الدوليني ،وأن جهود تسوية الصراعات العنيفة ،بعد حدوثها
قد تالون أصعب كثرياً ،وأكثر كلفة من جهود وكلفة العمل على الوقاية منكها.
ومن هنا؛ فإن العمل على املنع الوقائء للصراعات ،ضرورة أساسية تكوفر هكذه
التالاليف ،ومتنع حدوث هذه املخاطر أو الالوارث.
وتشري بعض الدراسات ،إىل أن االهتمام مبجال املنع الوقكائء للصكراعات
العنيفة ظهر يف بدايات مرحلة ما بعد احلرب الباردة؛ ونتج ذلك عكن حكدوث
صراعات ماللفة جداً يف تلك الفترة ،مثل :اهنيار الدولة يف الصومال عكام ،0110
وحرب التطهري العرقء يف البوسنة واهلرسك ،عام ،0111ومذابح اإلبادة اجلماعية
يف رواندا عام ،0114وغريها من احلروب الصراعات ،واليت دفعت حنو ضكرورة
إجياد وسائل للسيطرة على الصراعات ،ومنع حتويلها إىل حكروب ،أو حكدوث
كوارث إنسانية ،أو هتديد االستقرار واألمن اإلقليمء والدويل.1
وال شك ،أن التغيري يف الظروف الدولية (خاصة هناية احلرب الباردة) ،ومكا
ترتب عليها من تغيري أولويات صنا القرار والسياسات ،أو اهتمامكات القكوى
الالربى؛ ساعد كثرياً يف هتيئة الظروف ،وبدرجة كبرية ،للتوجه حنو اختصا ،.أو
جمال املنع الوقائء للصراعات ،سواء أكان هذا االهتمام من قبل املنظمات الدولية،
كاألمم املتحدة واحلالومات الغربية عموماً ،أم من قبل الباحثني (خاصة الغربيني)،
حنو املزيد من االهتمام والدراسات والبحث العلمء يف هذا اجملكال .وأصكبحت
Wallensteen, Peter & Moller Frida: Conflict Prevention: 1
Methodology for Knowing the Unknown, Op. cit.
118
جهود اجملتمع الدويل ،سواء اجلهود العلمية أو السياسية أو الدبلوماسية( ،مع هنايكة
احلرب الباردة) ،تسعى إىل االهتمام مبوضو منع الصراعات املسلحة ،من خكالل
التركيز بشالل أكرب ،على خصائص كل صرا ،أكثر من التركيز على العالقكات
بني القوى العظمى .1كما أنه يف بدايات القرن احلادي والعشرين ،أصكبح هنكاك
تدفق لفاعلني يف جمال منع الصراعات الدولية ،فظهرت مؤسسكات ومنظمكات
حالومية ،وغري حالومية غري رحبية ،حبثية أو تدريبية ،يف هذا اجملال ،كما ظهكرت
منظمات ومؤسسات خاصة تُعكىن يف جمكال دراسكة األزمكات ،والوسكاطة،
واملفاوضات ،وغريها ،2وال سيما يف جمال األعمال ،وتأهيل املعنيني هبكذا اجملكال.
وأصبح هذا اجملال ،يلقى اهتماماً واسعاً يف جامعات عديدة ،خاصكة يف الكدول
الغربية.
119
انتشار هذه الصراعات عند وقوعها" .1كما ينظر إليها تقريكر معهكد ككارنيغء
للسالم ،على أهنا هدف إلجراءات وقائية ،أو وسيلة وقائية .ويشري املعهد يف أحكد
تقاريره ،إىل أن هدف العمل الوقائء هو "منع ظهور الصراعات العنيفة ،أو منكع
الصراعات اجلارية من انتشارها ،أو منع إعادة ظهور العنف يف هذه الصراعات".2
بينما حيدد "بيتر فالنستني" ،املفهوم بإشارته إىل أن منكع الصكراعات ،هكء
"أفعال بناءة ،يتم اللجوء إليها لتجنب هتديد حمتمل ،أو جتنب اسكتخدام أو نشكر
القوة املسلحة من قبل األطراف املتنازعة؛ يف خالف سياسء" .3يف حكني يقكدم
"مايالل لند" ( )Michael Lundمفهوماً أكثر حتديداً ،ملنع الصراعات ،حيث يشري
إىل أن منع الصراعات ،هو "القيام بعمل يف أوقات ،وأماكن قابلكة لالضكطراب
لتجنب التهديدات ،أو استخدام القوة املسلحة/وغريها من أشالال اإلكراه من قبل
دول ومجاعات ،لتسوية اخلالفات السياسية اليت ميالن أن تظهر ،كآثكار زعزعكة
االستقرار ،نتيجة التغيري االقتصادي واالجتماعء والسياسء الدويل" .4وهو يشكري
إىل أن مفهوم املنع الوقائء ،قد مت تداوله أكثر من مصطلح الدبلوماسية الوقائية ،أو
الوقاية من األزمات.
وتشري دراسة صادرة عن معهد GTZاألملاين ،إىل مفهوم املنع الوقائء للصراعات
على أنه عبارة عن منع األزمات ،وحتدد بأن مصطلح ،أو مفهوم منع األزمات ،يغطكء
الفعل املتماسك واملمنهج واملخطط واملربمج زمنياً ،الذي تقوم به احلالومات واجملتمكع
املدين مبستويات خمتلفة؛ ملنع الصراعات العنيفة .وأن إجراءات املنع الوقائء ،لألزمكات
يتم القيام هبا إما قبل أو أثناء أو بعد الصراعات العنيفة ،لالء يتم:
-تقليص احتمالية الصرا العنيف.
141
-تعزيز عملية تطوير املؤسسات واهلياكل ،وثقافة اإلدارة السلمية للصراعات.1
وتعامل بعض الباحثني ،من أمثال " ،"Carment & Schnabelمع مفهوم منع
الصراعات كعملية إجرائية ،ذات إطار مرحلء أو زمكين ،وبالتكايل فكإن منكع
الصراعات ،هو "إجراء استباقء ،أو استراتيجية بنيوية ،متوسطة ،أو قكد تالكون
طويلة املدى ،يقوم هبا عدد متنو من الفاعلني ،هبدف حتديد ،وهتيئة الظكروف أو
األجواء املناسبة ،لبناء بيئة أمنية دولية مستقرة وقابلة للتوقع.2
ويرى "بيتر فالنستني" ،يف دراسته املسحية حول منع الصراعات ،أن معظكم
تعريفات منع الصراعات ،استخدمت بشالل هالمء ،وبشالل واسكع جكدا ،أو
فضفاض جداً .3من هنا نالحظ أن هناك من حاول ،حتديد مفاهيم منع الصراعات،
إما من خالل تقسيمها إىل نوعني يرتبطان باملدى القصري ،واملدى البعيد ،أو مكن
خالل ارتباطها أو تضمنها مؤشرات معينة.
المدف القصير والمدف البعيد للمنع الورائي للصراعا :4
يف ضوء التباين حول مفاهيم املنع الوقائء للصراعات ،وما يترتب عليه مكن
نتائج ،أو إشالاليات إجرائية ،أو عملية على صعيد أرض الواقع أو امليكدان؛ جلكأ
سهُل عملية
بعض الباحثني إىل تقسيم مضمون منع الصراعات إىل مستويني؛ ح َت ْ
Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: Peace-Building, Crisis 1
Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the
Context of Crisis, Conflicts, and Disasters, Op. cit., p. 12.
Carment, David & Schnabel Albrecht: “Introduction: Conflict 2
& Prevention: A Concept in Search of a Policy”, in Carment, David
Schnabel Albrecht (eds): 2003, Conflict Prevention: Path to Peace or
Grand Illusion?, The United Nations University, Tokyo, p. 11.
انظر: 3
Wallensteen, Peter & Moller, Frida: Op. cit., p. 5-6.
Lund, Michael S.: Op. cit., p. 34-37.
Cahill, Kevin M. (ed): 2000, Preventive Diplomacy: Stopping Wars
Before They Start, Routledge, London, p. 29.
انظر: 4
Wallensteen, Peter & Moller, Frida: Op. cit., p. 6-7.
Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit.
Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan: Op. cit., p. 2.
140
فهم وحتديد تطبيق منع الصراعات على مستوى املدى القصري أو إجراءات املنكع
املباشر.
-املستوى األول :إن أفعال املنع الوقائء للصراعات ،على املدى القصري ،أو ما
يُطلق عليه إجراءات املنع الوقائء املباشر للصرا ،يُقصد هبا" :مرحلة األزمكة
اليت يُقدّر ،بأهنا سوف تدخل يف مرحلة خطر التصعيد العسكالري ،وزيكادة
حدته وانتشاره ،وبالتايل ،يصبح هناك ضرورة أو حاجة ،لعمل فعل معني مبنع
تصاعد أو ازدياد أخطار الصرا .وغالباً يتم ذلك من خالل طكرف ثالكث
وسيط ،ويطلق على هذا املستوى املنع املباشر ،أو اإلجرائء أو اخلفيف).
-املستوى الثاين :املنع الوقائء للصراعات على املدى الطويكل ،وهكء تُعكىن
بإجراءات ،أو أفعال املنع البنيوي للصراعات ،وهو الذي يُعىن بإجياد ظروف،
أو بيئة جتعل من الصعوبة الشديدة ،أن ينشأ أو ينمو فيهكا النككزاعات أو
الصراعات ،أو على األقل ،عدم التهديد بتحويلها إىل صكراعات مسكلحة.
وعادةً يُطلق على هذا املستوى "املنع الوقائء العميق ،أو البنيوي" للصرا .
ويشري بعض الباحثني ،إىل هذين النوعني مبسميات أخرى ،1فعلى مستوى املنع
البنيوي للصراعات ،يسمونه باملنع االستباقء للصراعات ،وهو يرتبط بكاإلجراءات
الوقائية ،اليت متار قبل حدوث الصرا أو تصعيده .بينما يُطلق على مستوى املنكع
املباشر" ،املنع الوقائء على مستوى رد الفعل" ،وهو يرتبط باإلجراءات ،أو اخلطوات
الوقائية اليت تُمار بعد تصاعد الصرا ؛ هبدف احتواء ،أو ختفيكف حكدّة ومكدّة
الصرا ،أو منع االمتداد ،أو االنتشار اجلغرايف للعنف املسلح.
ونتناول الحقاً ،يف هذا املبحث بعض األشالال أو األمنكاط ،واإلجكراءات
التفصيلية ملنع الصراعات ،على مستوى املنع املباشر( ،رد الفعل) ومسكتوى املنكع
البنيوي أو االستباقء.
يف ضوء هذا اجلدل ،أو التباين املفاهيمء للمنع الوقائء للصراعات ،جلكأت
بعض دراسات صنا القرار ،أو صانعء السياسكات إىل حتديكد مفهكوم منكع
Reychler, Luc: “Conflict Impact Assessment”, in Choue, Young Seek 1
(ed): World Encyclopedia of Peace, Oceana Publication, INC, New
York, Vol. 1, p. 304.
141
الصراعات ،من خالل حتديد مؤشراته أو إجراءاته ،وتدابريه ،فتشري خطة عمل املنع
الوقائء للصراعات ،الصادرة عن وزارة اخلارجيكة السكويدية ،إىل مؤشكرات أو
إجراءات أساسية ،للتعبري عن مفهوم املنع الوقائء للصراعات ،كما يلء :1أن املنكع
الوقائء يُقصد به ،أو يشمل اإلجراءات والتدابري اليت:
.0ميالن تنفيذها قبل تصعيد النكزاعات ،واخلالفات إىل مستوى العنف.
.1تصمم ملواجهة الصرا ،ومنع انتشاره إىل مناطق جغرافية أخرى.
.2منع العنف من االشتعال مرة أخرى ،بعد التوقيع على اتفاقية سالم ،أو وقف
إلطالق النار.
141
.2دعم اإلصالح السياسء واالجتماعء.
.4معاجلة الفساد وسوء استخدام السلطة.
.1سيادة القانون.
.9محاية حقوق اإلنسان.
وهذه العناصر مبجموعها ،تشالل أفضل الوسائل ،لتعزيز النظكام أو األمكن
الدويل .وهذا اإلطار ،يُظهر أو يعترب أن املنع الوقائء للصراعات يف اجملتمع الدويل،
هء عملية شاملة ،بأبعاد سياسية وتنموية ،تقوم على احتكرام كرامكة اإلنسكان،
وخدمته ،ورعايته ،ومحاية مستقبله .ويف ضوء ذلك ،تشري العديد من الدراسكات،
وكذلك استراتيجيات العديد من الدول ،إىل أهم مالونات ،أو عناصر املنع الوقائء
للصراعات كما يأ :1
.1تشخيص وحتديد املسببات البنيويدة للصدراعات :ال شكك ،أن حتليكل
الصراعات ،وحتديد أسباب حدوثها يكوفر القكدرة علكى بنكاء رؤى ،أو
تصورات ،أو استراتيجيات فاعلة ،ومناسبة ،يف حتديد ما الذي جيب العمكل
عليه ،يف املنع الوقائء للصراعات يف الدول واجملتمعات ،سواء علكى صكعيد
الصراعات اإلثنية ،أو شح املوارد ،أو التسلط السياسكء ،أو االنقسكامات
الدينية واملذهبية ،أو املعاناة االقتصادية كالفقر ،أو ثقافة العنف اجملتمعكء ،أو
قضايا الالجئني ،وغريها من العوامل واألسباب.
.2تعزيز ثقافة منع الصراعات :وهتدف إىل تعزيز إرادة اجملتمع( ،أو الفكاعلني)
على املستوى احمللء أو الوطين أو الدويل ،واستعدادهم للعمل بالكل جديكة،
وفعالية يف منع نشوء ظاهرة الصراعات العنيفة .وكذلك زيادة الوعء ،علكى
Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan: Summary of Ds 1
:1999:24, Op. cit., p. 13-17, see also
Jeong, Ho-Won: Peace and Conflict Studies: an Introduction, Op. cit.,
p. 197-203.
Jonsson Bernt (Ed), Widepalm Anna (Assistant): 2002, Preventing
Violent Conflict & Peace building: On Interactions between States
Actors and Voluntary Organizations, Stockholm, The European Centre
for Conflict Prevention & the Swedish Peace Team Forum, p. 94-103.
Wallensteen, Peter & Moller Frida: Op. cit.
144
الصعيد السياسء واالجتماعء واالقتصادي ،واإلنساين بأمهية وضرورة العمل
على املنع الوقائء للصراعات.
.3بناء منظومة قيمية أخالقية للنظام الدويل أو اجملتمعي :وهء منظومة ،جيكب
أن تقوم أساساً على احترام الثقافات ،واألديان ،والتعددية اجملتمعية ،باإلضافة
إىل مشاركة مالونات اجملتمع الدويل ،يف إدارة وصنع القرار الكدويل علكى
أسا من املساواة ،والعدالة ،واحترام كرامة اإلنسان ،واحترام سيادة الدول
واجملتمعات واألمم ،مع احلر ،.على املشاركة يف األمن اجلماعء الكدويل،
مبفهومه الشامل للمجتمع اإلنساين .وال شك ،أن ذلك يترافق معكه تكوفري
املؤسسات ،والوسائل الالزمة ،لتطبيق هذه املنظومة القيمية األخالقية يف إدارة
اجملتمع الدويل ،مثل :املؤسسات الدوليكة املعاصكرة ،ككاألمم املتحكدة أو
املنظمات اإلقليمية ،واليت قد تالون لديها ،وسائل ،أو أدوات ،ميالن أن حتقق
ذلك ،مع ضرورة تصحيح بنية القوة ،وصنع القرار فيها على أسكا مكن
املساواة والعدالة ،ولي على أسا مصاحل القوى الالربى.
.4الدميقراطية (والشورى) واحترام حقوق اإلنسان :ذلك أن األمن والسالم،
يسريان بشالل متداخل ،مع وجود الدميقراطية ،واحترام حقكوق اإلنسكان.
وممارسة الشورى والدميقراطية واحترام حقوق اإلنسان ،هء عملية حبد ذاهتا،
حتوي آليات لتسوية الصراعات ،بشالل سلمء من جهة ،وتوفر البيئة الوقائية
للصراعات من جهة أخرى ،وآليات لإلنذار املبالر للصراعات من جهة ثالثة؛
فهء توجد املؤسسات الالزمة ،حملاربة الفساد ،وتفعيل املسكاءلة واملراقبكة،
وتعمل على تعزيز ثقافة احلوار ونبذ العنف ،واملشكاركة يف صكنع القكرار،
والتمثيل السياسء جلميع األطراف ،وحق تقرير املصري ،والتكداول السكلمء
للسلطة ،واإلصالح السياسء ،وغريها من املالونات والوسكائل ،أو األدوات
اليت تشالل البيئة األساسية للمنع الوقائء للصراعات.
.5حتقيق التنمية والتعاون :سواء على املستوى احمللء ،أو اإلقليمء أو الدويل؛ مما
يشالل عنصراً حمورياً ،للمنع الوقائء للصراعات ،من خالل حتقيكق التنميكة
الشاملة ،مبا حتتويه من تنمية اقتصادية ،تشمل القضاء على الفقكر والبطالكة،
وعدالة توزيع الثروة ،وغريها .باإلضافة إىل حتقيق التعاون اإلقليمء ،والدويل
145
يف جمال التنمية ،مبا حيققه من مساعدات اقتصادية وتنموية ،وتبادل جتكاري،
وتشجيع االستثمار املشترك ،والتفاهم على إدارة املوارد املشتركة .كمكا أن
عملية التنمية االقتصادية ،تشالل داعماً أساساً للحياة الدميقراطية ،وختلق بيئة
حماربة ،أو حماصرة جلذور الصرا ومنابته ،وختلق عالقات وثقافة إجيابية ،جتاه
اآلخر ،خاصة يف ضوء املصاحل مع اآلخر.
ويشري البعض ،إىل ضرورة أن يالون موضو املنع الوقائء للصراعات ،عنصرا
أساسيا يف كافة مناحء عملية التنمية ،والتعاون الدويل يف جمال التنمية .1كما
أن التعاون الدويل على صعيد التنمية ،ميالن أن يساهم يف بناء السكالم مكن
خالل توفري دعم مستمر التفاقيات السالم املناسبة.2
.6حتقيق العدالة :رمبا يالون هذا العنصر ،هو اجلوهر ،يف حتقيق املنع الوقائء
للصراعات؛ ذلك أن غياب العدالة ،يُعترب املصدر األساسء للصراعات ،ح
وإن مت عقد اتفاقيات السالم ،فما دام العدل فيها منقوصكاً ،فكإن خطكورة
اهنيارها سيبقى قائما يف مرحلة زمنية ما .والعدل هو جوهر املنكع الوقكائء،
على كافة مستويات الصرا ،الدويل أو الداخلء ،أو حك اجملتمعكات ،أو
املؤسسات واألفراد.
إن قضية العدالة ،بالرغم من مناقشتها يف األدبيات الغربية اخلاصة ،بدراسات
الصرا والسالم ،إال أهنا مل تعطَ األمهية الالافية ،سكواء علكى صكعيد تسكوية
الصراعات ،أو على صعيد املنع الوقائء للصراعات؛ فاالهتمام كان منصبّا حكول
تسوية الصراعات ،لي على أسا مبدأ العدالة ،واحترام احلقوق ،وإمنكا علكى
أسا عالقات القوة ،بني األطراف املتصارعة ،وبالتايل ،السعء للوصول إىل "حل
وسط" ،قائم على مبدأ القبول والتراضء ،أكثر من كونه حيقق مبدأ العدالة ،ويعيد
احلقوق إىل أصحاهبا ،ومن مث العمل على إجياد التعاون املشترك ،بني هذه األطراف.
وهذا األمر جيعل من تسوية الصرا تسوية ناقصة ،ومفتوحكة ملخكاطر حكدوث
Wallensteen, Peter & (others): Conflict Prevention through 1
Development Co-operation, Department of Peace & Conflict Research,
Uppsala University, Uppsala, Sweden, p. 37.
ملزيد من التفاصيل حول قواعد إرشادية ملنع الصراعات من خالل التعكاون التنمكوي، 2
راجع الصفحات 10-21من الدراسة السابقة ،قبل وأثناء وبعد الصرا .
146
الصرا مستقبالً ،بعد تغري معادالت القوة ،أي أن هذه التسوية تنقل الصرا مكن
مستوى عنيف ،إىل مستوى كامن غري معلن .وبالتايل ،ال حيقق هذا يف جوهره منعا
وقائيا للصرا ؛ حيث تبقى هناك بيئة كامنة ،هتدد بعودة الصرا مستقبالً ،وهذا ال
يشالل منعاً وقائياً حقيقياً للصرا .
148
أساسياً للصرا ،ويف املقابل احملافظة عليها يشالل عنصراً أساساً ملنع حدوث
الصراعات.
.1الوحدة اإلنسانية واملساواة :ينظر اإلسالم إىل مجيع البشر سواسكية ،مكن
حيث األصل ،يَا أَيُّهَا النَّا ُ إِنَّا خَلَقنَاكُمْ مِنْ ذَكَكرٍ َوأُنْثَكى( ...سكورة
احلجرات ،آية .)02كما يؤكد على أن قيمة املساواة وعدم التمييز ،بغكض
النظر عن اللون ،أو الدين أو العرق أو اجلن ،هء قيمة حموريكة يف حيكاة
اإلنسان واجملتمع اإلنساين .وقد حر .اإلسالم على التأكيكد عليهكا أشكد
التأكيد ،فهء تشالل أحد أقران العدالة يف احلياة ،يقول الرسول صلى اهلل عليه
وآله وسلم" :أيها النا إن ربالم واحد ،وان أباكم واحد ،ال فضل لعربكء
على عجمء ،وال لعجمء على عربكء ،وال ألمحر على أسود ،وال ألسكود
على أمحر؛ إال بالتقوى .قال اهلل إن أكرمالم عنكد اهلل اتقكاكم" ،1ومعيكار
التمييز بالتقوى لي معيارًا إنسانيًا ،وإمنا هو معيار رباين بيد عكامل النفكو
والغيب والسرائر .وبالتايل ،املساواة معيار يطبقه اإلنسان مع اإلنسان ،ولي
له أن ميار غري ذلك .وال شك ،أن الوحدة اإلنسانية ،ومراعاة املساواة بني
النا ،ويف اجملتمع اإلنساين ،تساهم بشالل كبري يف خلق بيئة مانعة حلكدوث
الصرا ،وتقضء على أهم أسبابه ،سواء على مستوى األفراد ،أو اجلماعات
أو مستوى الدول.
.9العقالنية :اهتم اإلسالم بالعقل والعقالنية ،وحثت الالثري من اآليات القرآنية
على ذلك ... ،أَفَالَ َي ْعقِلُونَ( سورة ي ،آية ،)98أَفَكالَ يَتَكدَبَّرُونَ...
(سورة النساء ،آية َ ... ،)81وجَادِلهُمْ بِالَّتِء هِءَ َأحْسَنُ( ...سورة النحل،
آية ... ،)011هَل يَسْتَوِي الَّذِينَ َيعْلَمُونَ وَالَّذِينَ الَ َيعْلَمُونَ( ...سكورة
الزمر ،آية ،)1حيث تشالل العقالنية ،مصدراً للسلوك الواعء احلاليم مكن
جهة ،ومصدرًا الستخدام احلوار واملنطق يف التعامل مع اآلخرين ،من جهكة
ثانية ،واالهتمام بالعلم واملعرفة وتنمية العقل من ناحية ثالثة .وهذه العناصكر
الثالثة (احلالمة ،احلوار ،والعلم) يشالالن عناصر أساسكية ،يسكتخدمها أو
يدعو إليها اإلسالم ،لتفادي حدوث الصراعات ،سواء بكني اجملتمعكات أو
الكراجكي ،أبو الفتح :معدن اجلواهر ،10 . ،باب ما جاء يف واحد. 1
149
الدول ،أو بني اجلماعات ،أو األفراد ،يف الدولة الواحدة .فاإلسالم يدعو إىل
استخدام العقالنية بعناصرها ،ملنع "سوء اإلدراك أو الفهم" لآلخرين ،وهو ما
يشالل البداية األساسية ملنع حدوث الصرا بني األطراف .كما أن استخدام
السلوك العقالين أو الواعء مينع حدوث "ردود الفعل الالعقالنية" ،اليت هكء
مصدر أسا للسلوك الصراعء وتطوره ،وكذلك فكإن العقالنيكة ،تكدفع
الستخدام استراتيجيات "اإلقنا " و"احلوار" يف حل أي إشالاليات قد تالون
مصدراً حلدوث الصرا .
.1التعددية والتنوع :حيث يؤكد اإلسالم على مسة التعددية ،والتنو يف احلياة،
وأهنا من خلق اهلل تعاىل للبشر واحلياة ،بقوله تعاىلَ ... :و َجعَلنَاكُمْ شُكعُوبًا
وَقَبَائِلَ لَِتعَارَفُوا( ...سورة احلجرات ،آية ،)02فهو مل خيلق شعبًا واحداً أو
قبيلة واحدة ،وإمنا جمموعات متعددة من الشعوب ،والاليانات اإلنسانية ،فهو
خلق التعددية يف اجملتمع اإلنساين ،ووضع هلا غايكة "التعكارف" والتواصكل
كإحدى غايات وجودها .وإن التعارف يؤدي عادة إىل فهم اآلخر والتفاهم
معه ،ويقضء على "سوء اإلدراك والفهم جتاه اآلخر" ،وبالتايل يالون التعكدد
والتنو ،مسة من مسات احلياة اإلنسانية ،وضرورة للحياة البشكرية يف نفك
الوقت .إن دعوة اإلسالم إىل التعددية ،والتنو يف اجملتمع اإلنساين ،ارتبطت
معها الدعوة اإلسالمية إىل القبول واالعتراف باآلخر من جهة ،واملساواة بني
النا ،بغض النظر عن لوهنم وأصلهم وعرقهم ودينهم ،واالهتمام بعالقكات
التسامح بني مالونات اجملتمع اإلنساين عموماً ،واإلسكالمء خصوصكاً .وال
شك أن احلر .علكى " التعكارف" و"القبكول و"االعتكراف بكاآلخر"،
و"املساواة" ،و"التسامح" تشالل مالونات جوهرية؛ يف منظومة املنع الوقكائء
للصراعات.
.8التعاون :فاإلسالم يدعو إىل التعاون ،لي فقط كضرورة ،أو حاجة ذاتيكة
حياتية للمجتمع اإلنساين ،وإمنا كجزء من القيام مبهمة العمران يف اجملتمعات
اإلنسانية ،ولذلك يؤكد التعاون اإلجيابكء يف احلياة ،ويف اجملتمع اإلنسكاين
املتعدد ،واملطلوب هو التعاون على اخلري ،ال التعاون على الشر والعكدوان.
يقول اهلل تعاىل ... :وََتعَاوَنُوا عَلَى البِّرِّ وَالتَّقوَى وَالَ َتعَاوَنُوا عَلَكى اإلِثكمِ
151
وَالعُدْوَانِ( ...سورة املائدة ،آية )1وبالتايل ،فإن منهج التعاون يف اإلسالم،
هو منهج حياة ،واملسلمون مطالبون ،بأن يالونوا أصحاب عطاء و"إجيابيني"
يف اجملتمعات اإلنسانية .وهذا يعين ضرورة ممارسة السلوك ،أو النمط التعاوين
يف احلياة ،مما يعين ،تطبيقاً مبالرًا ألشالال املنع الوقائء حلدوث الصراعات ،أو
السلوك الصراعء بني الدول ،أو اجلماعات أو األفراد ،خاصة مكع مراعكاة
جمموعة املبادئ السبعة السابقة ،اليت تشالل إطارا أو بيئكة الزمكة لتحقيكق
التعاون.
عموماً ،إن مبدأ "التعددية والتنو " ،ومبدأ "التعاون" يشالالن معاً يف املنظور
اإلسالمء إطاراً منهجياً يف العالقات بني الدول ،أو احلضارات أو الثقافات .مبعكىن
أن املنظور اإلسالمء ،يقر بوجود الطبيعكة التعدديكة ،والتنكو يف اجملتمعكات
واحلضارات والثقافات ،ويدعوها إىل التواصل ،و"التعارف" فيما بينها هبدف حتقيق
"التعاون" اإلجيابكء ،أو اخلري لبناء اجملتمعات اإلنسانية وعمراهنا ،ويف هذا بكديل
عن نظرية "صرا احلضارات" ومبدأ هيمنة الثقافة الواحدة.
151
)3المناطق المنزوعة السالح:
ويتمثل ذلك يف إنشاء مناطق منكزوعة السالح ،يف مناطق التما واحلروب
بني أطراف الصرا ،وذلك بعد توقف الصرا أو انتهائه ،ويترافق عكادةً معكه،
انتشار قوات دولية لألمم املتحدة يف تلك املناطق كجزء مكن عمليكات حفكظ
السالم .ويعترب إنشاء هذه املناطق وانتشار قوات حفظ للسالم شالالً من أشكالال
االنتشار ،أو املنع الوقائء ،لعودة الصرا العنيف أو املسلح بني األطراف املتنازعة،
من خالل حظر توفر األسلحة ،واالحتالاك بني األطراف يف مناطق التما .
151
.0القيام بإجراءات أو تدابري بناء الثقة :إذ ي عترب بناء الثقة املتبادلة ،وحسن
النوايا ،عاملني أساسني ،يف منع أو التخفيف من احتمال اندال الصرا ،
بني الدول أو أطراف الصرا ،ومن أمثلة هذه التدابري :تبكادل البعثكات
العسالرية ،بصورة منتظمة ،تشاليل مراكز إقليمية ،أو شبه إقليمية لتقليل
املخاطر.
.1تقصي احلقائق :تتطلب التدابري الوقائية ،معرفة آنية ،ودقيقكة باحلقكائق،
وتوفر املعلومات الدقيقة ،حول األحداث وا لتطورات اليت تؤدي إىل حدوث
توترات خطرية .وبالتايل ،اللجوء إىل تقصء احلقائق؛ لتكوفري املعلومكات
الالزمة ،للمسامهة بالقيام بإجراءات وقائية ،أو عالجية مبالرة ملنع حدوث
الصراعات.
المجموعة الثانية :مجموعة سلم أليسون (:)Elisson Ladder
وهذه اجملموعة حددها "إيان أليسون"( ،باحث وممار يف جمكال دراسكات
السالم والصرا ،عمل أستاذا زائرا يف قسم دراسات الصرا والسكالم يف جامعكة
أوبساال ،وهو وزير خارجية سابق للسويد) ،ويقدم فيها جمموعة مكن اخلطكوات،
واإلجراءات العملية اليت ميالن األخذ هبا ،للمنع الوقائء وحتقيق السالم ،منها سكت
خطوات ملنع حدوث الصرا أصالً ،وست أخرى ملنع عودة الصرا مرّة ثانية بعكد
انتهائه ،أي يف مرحلة ما بعد الصرا .ويقدم "أليسون" طروحاته وإجراءاته ،علكى
شالل أمنوذج متدرج ببضع خطوات ،أطلق عليه "سلم أليسون" ()Elisson Ladder
كما يتضح من الشالل اآل :1
154
الشكل ررم (:)97
مجموعة سلم أليسون
الخطوا :6-1منع ورائي ،الخطوو :7استخدام روو مسلحة ،الخطوا :13-8بناء السالم
155
الجدول ررم (:)3
سياسا وأدوا المنع الورائي للصراعا العنيفة
157
)2تطوير بنية احلكم احمللي مبا يعزز تسوية الصراعات وحلها سلمياً:
-املشاركة يف السلطة.
-نظام احلالم الفدرايل (االحتادي).
-نظام كونفدرايل (تعاضدي).
-حالم ذا .
-التقسيم.
-انفصال ،انسحاب.
-الوصاية واحلماية الدولية.
158
.0االستجابة املبالرة واإلنذار املبالر.
.1استخدام الدبلوماسية الوقائية ،عند وجود هتديد حبدوث أزمة.
.2اإلجراءات االقتصادية (كعقوبات أو حوافز).
.4استخدام القوة أو التهديد باستخدامها (سواء على املستوى العسكالري ،أو
الشرطء ،أو عمليات حفظ السالم ...وغريها).
ثانياً :املنع الوقائي البنيوي للصراع :وتعتمد على حتقيق احلاجات األساسية
اآلتية:
.0األمن (حتقيق األمن واألمان حلياة اإلنسان).
.1الرفاهية (مستوى املعيشة الالئق والالرمي).
.2العدالة (سواء داخل مستوى الدولة ،أو النظام الدويل).
إن هذه اجملموعات األربع املعنية باألطر ،واآلليات العملية ،لتحقيكق املنكع
الوقائء للصراعات ،فإهنا تشالل إسهاماً هاماً يف حتديد اجتاهات احلراك ،واجلهكود
التطبيقية ،سواء للباحثني أو املمارسني وصنا القرار .ولالن مكا زالكت هكذه
اجملموعات حتتاج إىل الالثري من الدراسات اليت حتدد عناصرها التفصيلية ،وجتعلكها
"قوالب" ميالن االستعانة هبا يف كثري من البيئات اليت حتمل جكذور الصكرا ،أو
حتتوي حميطًا متوترًا قد يتطور إىل صرا عنيف بني أطرافه.
عموماً ،إن املنع الوقائء للصراعات على صعيد الدولة ،أو بني الدول يبقكى
مرهوناً باإلرادة السياسية ،واليت تُعترب عكامالً حامسكاً يف اإلجكراءات الوقائيكة
للصراعات .1كما أن أنشطة وإجراءات املنع الوقائء للصراعات ،هء يف جوهرهكا
ذات أنشطة ،ومالونات عملية بناء السالم.
159
املبحث اخلامس
انظر: 1
Holl, Jane E.: 1996, Carnegie Commission on Preventing Deadly
Conflict: Second Progress Report, (Carnegie Corporation of New York,
New York), p. 6-7.
Reychler, Luc: “Conflict Impact Assessment”, in Choue, Young Seek 2
(Ed): World Encyclopedia of Peace, Op. cit., p. 306.
160
هذا اجملال ،أن املفتاح األسا يف توفري بيئة ،أو ظروف وقائيكة ،لتحقيكق منكع
فعال لوجود األزمات ،وإدارة الصرا ،يتطلب تكوفري وسكائل ،وأدوات للتنبكؤ
باألزمات.1
ظهر االهتمام ملا يسمى بنظام اإلنذار املبالر للصراعات ،يف مرحلة مكا بعكد
انتهاء احلرب الباردة ،بدراسة املنع الوقائء للصراعات ،وبشالل أكثر حتديداً ،ظهر
االهتمام هبذا احلقل العلمء كحقل أسا ،يف علم دراسات الصرا والسالم ،مكا
بعد مذابح راوندا يف أفريقيا عام ،0114والصرا يف البوسنة واهلرسك عام ،0110
وما نتج عنهما من مقتل املاليني من املدنيني ،واليت أشارت إىل ضرورة تطوير نظام
دويل لإلنذار املبالر.2
هذا االهتمام املتأخر ،ال ينفء وجود جهود مبالرة وأولية ،يف هكذا اجملكال،
ولالنها ربطت موضو اإلنذار املبالر إما مبوضو سباق التسلح النووي ،والتنبيكه
ألي تصعيد نووي .وإما املعرفة املبالرة بالصراعات لدى طرف على آخر ،ضكمن
صرا النفوذ بني القوى العظمى ،ولي املعرفة املبالرة لتسوية الصراعات مبالراً.3
أو اهتمت مبجال مجع البيانات الالمية ،يف الصراعات اجملتمعية ،أو العرقية اليت توفر
مؤشرات تفيد يف التنبيه حنو تصاعد درجة الصرا ،أو حتديد مسبق لطبيعة حدة أو
شدة جبهات الصرا ،ومن األمثلة على ذلك :اقتراحكات وجهكود باولكدينغ
Bouldingيف إنشاء قاعدة بيانات اجتماعية (جمتمعية) بتأسي مشرو األقليكات
يف خطر Minorities at Risk Projectيف جامعة مرييالند يف النصف الثاين مكن
تسعينيات القرن العشرين.4
161
مفووم وماهية نظام اإلنذار المبكر للصراعا :
تنوعت وتعددت وتباينت ،مفاهيم أو تعريفات اإلنذار املبالكر للصكراعات
العنيفة ،وتباين معها اجتاهات الباحثني يف هذا اجملال ،يف حتديد ماهية اإلنذار املبالر.
عموماً ،إن جوهر نظام اإلنذار املبالر للصراعات العنيفة ،هكو عبكارة عكن
منظومة لالكتشاف ،والتحذير املسبق ،من احتماليكة حكدوث الصكراعات ،أو
األزمات بالافة أشالاهلا متهيداً الختاذ القرارات ،والسياسات واإلجراءات املناسكبة،
ملواجهتها ومنع حدوثها ،بشالل كلء ،أو على األقل ،تقليكل حجكم أضكرارها
وخماطرها ،إىل احلد األدىن املمالن.
وتشري الدراسات يف هذا اجملال ،إىل أكثر من اجتاه بني الباحثني حول مفهكوم
اإلنذار املبالر:
أوالً :اجتاه يلجأ إىل تبسيط مفهوم نظام اإلنذار املبكر ،إذ يعترب أصكحاب
هذا االجتاه ،أن عملية اإلنذار املبالر ببساطة ،ما هء إال نظام حتذير مسكبق مكن
الدخان( ،األزمات ،وبشالل يالون تلقائيا ما أمالن ذلك.1
ثانيا :اتجاه آخر يركز على نظام توفير "المعلومة" (منظومة المعلوماتية)
خاصة في شكلوا الكمي:2
ويشري هوارد أدملان أيضاً ،إىل أن اإلنذار املبالر ،لي جمرد نظام مجع معلومكات
يهتم بتهديد مباشر للجهة املعنية جبمع املعلومات وحتليلها ،وإمنا هء نظام يُعىن باحلماية
جملموعة سالانية يف منطقة ما ،وأيضاً يف سياق هذه األهكداف ،يشكري أيضكاً إىل أن
اإلنذار املبالر ،يُعىن مبحاولة املنع الوقائء للصراعات ،أو هتدئة وإدارة الصراعات الكيت
تسبب الالوارث اإلنسانية .كما يعترب هوارد أدملان ،أن هنكاك عالقكة بكني مجكع
املعلومات ،والبيانات ،وحتليلها واالستجابة املنوي عملها أو املقصودة أو املستهدفة.
Walter, Dorn: “Keeping Tabs on a Troubled World: UN Information 1
Gathering to Preserve Peace”, Op. cit., p. 264.
& Adleman Howard: Difficulties in Early Warning: Networking 2
Conflict Management, cited in Warlraven, Klaas Van (ed): Early
Warning & Conflict Prevention: Limitations and Possibilities, Op. cit.,
pp. 52-53.
161
ومبعىن آخر يشري أصحاب هذا االجتاه ،إىل أن عملية اإلنذار املبالر ،تتجكاوز
مجع املعلومات ،واملشاركة فيها ،لتشمل حتليل املعلومات ،ورسم وإعداد اخليارات
االستراتيجية املناسبة ،يف ضوء نتائج حتليل البيانات ،كما إن مجع املعلومات ،لي
املقصود هبا العملية اإلجرائية ،جلمع املعلومات حول هتديدات موجهكة لدولكة أو
دول بعينها ،وإمنا تركز على خطر عدم االستقرار بني الدول؛ أو داخكل الدولكة
الواحدة وهتديد لألمن والسلم.1
ويف ضوء ذلك كله ،يلخص هوارد والبعض من أصحاب هذا االجتاه ،مفهوم
اإلنذار املبالر بأنه عملية تشمل مجع وحتليل أو تقيكيم اسكتراتيجء للمعلومكات.
وكذلك هء بنية مؤسسية للتنبؤ .2وكما يعرب عنها هوارد ،فهء تواصكل وتبكادل
املعلومات وتطوير خيارات استجابة حمتملة واستراتيجية تالون مربجمة زمنياً.3
هذا االجتاه ،يتبناه بعض الباحثني يف هذا احلقل العلمء ،ومؤسسات األمم املتحدة
وبعض اهليئات البحثية املعنية ،يف هذا اجملال ،مثل معهد كارنيغء للسالم .وتبىن هكذا
االجتاه أو املفهوم أيضاً ،وحدة نظام اإلنذار املبالر للشؤون اإلنسكانية التابعكة لقسكم
الشؤون اإلنسانية يف منظمة األمم املتحدة ،واليت تعترب نظام اإلنذار املبالر ،بأنه عبكارة
عن مجع وحتليل املعلومات مع تبادل نتائج التحليل ،حول مناطق األزمكات ،ويؤككد
البعض ضرورة أن يؤدي ،حتليل املعلومات إىل تطوير خيارات استراتيجية اسكتباقية ،أو
املواجهة احملتملة لألزمات أو الصراعات .4وتشري أيضاً خطة األمم املتحدة للسالم عام
،0111إىل أن منظومة اإلنذار املبالر ،عبارة عن شبالة نظم شاملة ،تتنكاول اإلنكذار
املبالر فيما يتعلق باألخطار البيئية ،وخطر وقو حادثة نووية ،والالكوارث الطبيعيكة،
وحتركات السالان الضخمة ،وخطر حدوث اجملاعات ،وانتشار األمكراض .وتؤككد
احلاجة لتعزيز الترتيبات ،بطريقة جتمع بني املعلومات اآلتية من هذه املصكادر ،وبكني
املؤشرات السياسية للوقوف على احتمال وجود خطر يهدد السلم ،وحتليل ما ميالكن
لألمم املتحدة أن تتخذه من تدابري للتخفيف من هذا اخلطر.5
Ibid., p. 57. 1
Ibid., p. 60. 2
Ibid., p. 52-53. 3
Ibid., p. 52-53. 4
غايل ،بطر بطر :خطة للسالم ،مرجع سابق.49 . ، 5
164
من جانب آخر ،تشري أرضية لتطوير اإلنكذار املبالكر يف األمكم املتحكدة،
إىل أن أي نظام كامل ،وفعال لإلنذار املبالر ،جيب أن حيتكوي العناصكر األربكع
اآلتية:1
.0معرفة اخلطر.
.1خدمة املراقبة والتحذير ،أو اإلنذار املبالر.
.2التواصل وتبادل املعلومات.
.4القدرة على أو إمالانية االستجابة ورد الفعل.
وجيب أن يدعم هذه العناصر األربعة قاعدة صلبة من:
.0الدعم السياسء.
.1القوانني والتشريعات.
.2املسؤولية والعمل املؤسسء.
.4أفراد مدربون على أنظمة اإلنذار املبالر.
من ناحية أخرى ،يشري معهد كارنيجء للسالم الدويل ،إىل نف هذا االجتاه،
يف مفهوم اإلنذار املبالر ،حيث يعترب أن اإلنذار املبالر هو عملية تتالون من مخسكة
عناصر وهء:2
.0جمموعة من أدوات املعلومات ،مثل كيفيكة مجكع املعلومكات ،وتنظيمهكا
وتصنيفها والتحقق من مصداقيتها وغري ذلك.
.1املشاركة يف هذه املعلومات ،وتبادهلا مع اهليئات احلالومية ،وغري احلالوميكة
احمللية أو الدولية املعنية ،هبذه املعلومات.
.2حتليل وتفسري هذه املعلومات ،ويؤثر هبذه املرحلة بشكالل خكا ،.البنيكة
املؤسسية والثقافية ،وطبيعة االنطباعات وغريها.
انظر املوقع اإللالتروين ألرضية تطوير اإلنذار املبالكر Plat form for promotion of 1
Early Warning, International Strategy for Disaster Reduction, Platform
for the Promotion of Early Warning, http://www.unisdr.org/ppew/
whats-ew/basics-ew.htm
Laurance, Edward J.: 1998, Light Weapons & Intrastate Conflict: 2
Early Warning Factors & Preventive Action, Carnegie Commission on
Preventing Deadly Conflict, Carnegie Corporation of New York, , New
York, p. 58-59.
165
.4حتديد م تالون إشارات اإلنذار املبالر املرسلة ،إىل مستقبليها ،هء إشارات
زيادة للخطر ودرجة هذا اخلطر.
.1القدرة على استالم إشارات اإلنذار املبالر ،وطبيعكة حمكددات االسكتجابة
املناسبة ،وطبيعة االستجابة هلذا اإلشارات.
ثالثاً :ال يرف أصحاب االتجاه الثالث في نظام اإلنذار المبكر "كمنظومة
معلوماتية"
للتنبيه عن األخطار ،والصراعات بقدر كوهنا عمليكة بنكاء شكاملة ،ملنكع
الصراعات ،وإذ يعترب بعض الباحثني العمل الوقائء حبد ذاته ،جكزءا عضكويا يف
منظومة اإلنذار املبالر ،1وهبذا املعىن يشري البعض ،إىل أن املنكع الوقكائء ،يعكين
التصرف مبالراً .2وهو ما يعين ،أن نظام اإلنذار املبالر ،هو أحكد مالونكات ،أو
عناصر املنع الوقائء للصراعات ،واليت سبق اإلشارة إليها مثل الدميقراطية ،واحترام
حقوق اإلنسان والتنمية والعدالة وغريها.
عموماُ ،ميالن النظر ،إىل أن جوهر نظام اإلنذار املبالر ،هو عبارة عن منظومة
شاملة جمهزة مسبقاً ،لالكتشاف املبالر ،والتحذير املسبق حلكدوث األزمكات ،أو
الالوارث والصراعات ،اليت هتدر حياة أي جزء من الدول ،أو اجملتمكع اإلنسكاين
وأمنه والسلم فيه ،وهذه املنظومة ،هء عمل مقصود ،ومعد مسبقاً بشالل يكؤدي
إىل سياسات ،وإجراءات وقرارات وقائية ،متنع حدوث هذه األخطار مسكبقاً ،أو
على األقل؛ تعمل على حتجيم ،وتقليص حجم اخلسائر ،واألضرار إىل احلكد األدىن
املمالن.
ويف ضوء هذه املفاهيم ،تتركز عملية ،أو نظام اإلنذار املبالر ،يف أمرين:3
Rupesinghe, Kumar: 1994, Early Warning and Preventive Diplomacy, 1
in the Journal of Ethno-Development, 4:1, pp. 97-88. Cited in
Warlraven, Klaas Van (Ed): Early Warning & Conflict Prevention:
Limitations and Possibilities, Op. cit., p. 53.
Laurance, Edward J.: Light Weapons & Intrastate Conflict: Early 2
Warning Factors & Preventive Action, Op. cit., p. 54.
Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: Op. cit., 3
p. 113.
166
.0حتديد أنوا ومالان الصراعات ،اليت ميالن أن تتحول إىل عنف.
.1مراقبة وتقييم مدى وكيفية تقدم ودرجة اقتراب ،أو تطور هذه الصكراعات
حنو العنف.
مؤش ار عملية لنظام اإلنذار المبكر:
إن تطبيق أو ممارسة عملية اإلنذار املبالر على أرض الواقع ،تتطلكب تكوفري
جمموعة من العوامل واملعطيات ،منها :إعداد مؤشرات عمليكة ،أو إجرائيكة ،أو
عملياتية ،تالون مصدرا ،إلرسال إشارة حتذيرية مبالرة ،إىل أصحاب العالقكة أو
القرار .وقد تباينت اجلهود العلمية أو العملية يف هذا اجملال ،وذلك وفكق تبكاين
اخلربات والتجارب والثقافات يف اجملتمعات أو الدول .وسوف نشري هنا ،إىل بعض
مناذج املؤشرات ،اليت قدمها بعض الباحثني ،أو املنظمات املمارسكني يف ميكدان
السالم والصرا .وأحياناً نشري ،إىل مراحل تتطلبها بناء مناذج مؤشرات اإلنكذار
املبالر .ويف هذا السياق ،تشري االستراتيجية الدولية خلفض الالكوارث ،ISDRإىل
جمموعة من العناصر اليت تشالل أرضية ،أو مالونات بناء ،ملؤشرات إنكذار مبالكر
فاعل على النحو اآل :1
الجدول ررم ( :)9العناصر األربعة لفعالية أنظمة اإلنذار المبكر
انظر املوقع اإللالتروين ألرضية تطوير اإلنذار املبالكر Plat form for promotion of 1
Early Warning, International Strategy for Disaster Reduction, Platform
for the Promotion of Early Warning, http://www.unisdr.org/ppew/
whats-ew/basics-ew.htm
167
-هل خطوط -هل املقايي أو -هل التحذيرات -حتديد هل املخاطر
االستجابة متطورة املؤشرات الصحية تصل إىل مجيع من معروفة جيداً؟
وجمربة؟ هم يف دائرة هء اليت ختضع -ما هء األمناط
-هل اإلمالانيات للمراقبة أو املتابعة؟ اخلطر؟ واالجتاهات يف عوامل
واملعرفة احمللية هيئت -هل يوجد قاعدة -هل املخاطر اخلطورة؟
لالستخدام؟ علمية لعملية التنبؤ؟ والتحذيرات -هل خريطة اخلطر
-هل الشعب أعُد مفهومة؟ هل ميالن ضمان والبيانات متوفرة
وجُهز لالستجابة دقة ووقت اإلنذار؟ -هل معلومات بشالل واسع؟
للتحذيرات أو اإلنذار والتحذير
اإلنذارات املبالرة؟ واضحة وميالن
استخدامها؟
جلأت بعض املنظمات غري احلالومية املعنية بقضايا السالم والعنف ،إىل تطوير
جمموعة من املؤشرات ،عرب جتارب وخربات ميدانية ،لبعض املنظمات اليت تعمكل
على حتقيق السالم يف مناطق نكزاعات خمتلفة ،وقدمت مؤشرات شاملة ،أو ضمن
رؤية مشولية ملختلف جوانب احلياة ،وذلك على اعتبار ،أن مجيع اجلوانب تكؤثر يف
بعضها؛ إما باجتاه تعزيز السالم ،أو التحفيز حنو العنف ،وذلكك ،وفكق طبيعكة
ظروف ،وقضية وأطراف الصرا .
ونشري على سبيل املثال ،إىل أمنوذج من هذه املؤشرات امليدانية ،والكذي مت
تطويره من قبل جمموعة أفريقية -كينيا ،مع إجراء بعض التعديالت علكى بعكض
املؤشرات ،من قبل الباحث جلعلها أكثر مواءمة ،مع طبيعة وأهكداف الدراسكة؛
وتوسعة دائرة االستفادة منها .ويشري اجلدول اآل إىل مؤشرات السالم والعنف:1
ويشري بعض الباحثني ،إىل أن وجود أحداث معينة ،يُعترب إشارات ،أو مؤشكرات
لسياسة اإلنذار املبالر ،وإلمالانية حدوث صراعات عنيفة ،ومن هذه املؤشرات علكى
سبيل املثال :مؤشرات عدم االستقرار ،اليت تتراوح ما بني الصكراعات احلدوديكة ،أو
االعتداء على حقوق اإلنسان ،إىل هجرة وحركة الجئني ،واليت تُعترب مؤشرات علكى
احلروب األهلية ،أو مذابح أهلية ،وباإلضافة إىل هذه املؤشرات على صكعيد الدولكة،
توجد مؤشرات تُعترب عوامل خطورة ،منها على سبيل املثال:1
.0التعبئة السياسية للجماعات املتمردة.
.1تغيري القيادات الراديالالية أو املتطرفة.
.2االستقطاب احلاد بني اجلماعات ،أو القوى السياسية.
.4تآكل الشرعية السياسية للحالومة.
.1حتريض أو تعبئة النخب السياسية وقادة األقليات ،من خالل زيادة اسكتخدام
الدالالت والرموز ،العرقية أو الدينية .وما يستتبعه ذلك من حماولة احلصكول
على الدعم اخلارجء أو الضغوط اخلارجية.
Jeong, Ho-Won: Peace and Conflict Studies: an Introduction, Op. cit., 1
p. 202-203.
171
ويف هذا السياق ،ميالن اإلشارة إىل بعض املؤشرات املشاهبة لإلنذار املبالكر،
إلمالانية حدوث صرا عنيف ،على الصعيد الدويل ،أو بني الدول .فمكن هكذه
املؤشرات على سبيل املثال:
.0االستقطاب األيديولوجء احلاد (اإلقصائء) ،بني القوى السياسكية يف البيئكة
اإلقليمية والدولية ،وما يرتبط هبا من حتالفات ،وانقسامات سياسية إقليمية أو
دولية متضاربة.
.1تآكل مصداقية الشرعية الدولية وأدواهتا.
.2ضعف استقاللية وقدرة املنظمات الدوليكة ،أو اإلقليميكة علكى تسكوية
النكزاعات ،بوسائل سلمية ،ويف املقابل ،زيادة اعتمادها على وسائل القوة؛
واإلكراه لتسوية الصراعات.
.4ازدياد األزمات االقتصادية والبيئية ،والصحية على مستوى عكابر للحكدود
والدول.
.1سيادة سياسة "اهليمنة" يف السياسة الدولية.
.9غياب العدالة ،أو ازدواجية املعايري ،لدى القوى اإلقليمية ،أو الدولية يف تطبيق
القانون الدويل.
.1احلصار االقتصادي ضد املدنيني أو الدول.
وهناك مؤشرات يصدرها صندوق دعم السالم ،بالتعاون مع جملكة فكورين
بوليسء ،Foreig Policyيف تقرير سنوي تتعلق بالدولة الفاشلة" ،مؤشر الكدول
الفاشلة" أو القابلة لالهنيار والفشل ،حيث يشالل وجود هذه املؤشكرات لكدى
البعض ،رسائل إنذار مبالر؛ حول احتمالية حتول بعض أوضا الدول ،إىل صرا
عنيف ،وحروب أهلية أو داخلية.
وهذه املؤشرات ،تتناول قيا درجة االستقرار يف الدول ،1ويعكرف هكذا
التقرير الدولة الفاشلة ،بأهنا "هء الدولة غري القادرة على القيام مبسؤولياهتا السياسية
واالقتصادية واألمنية واالجتماعية ،على املستويات احمللية واإلقليمية والدولية" ،وهء
بذلك تنظر إىل األمن واالستقرار ،من خالل املفهوم الواسع ،أو ما يسمى األمكن
تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام :2008جملة املستقبل العربكء ،العدد ،219مرككز 1
دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،أكتوبر .1118
170
الشامل ،الذي يتناول األبعاد السياسية واالقتصادية واالجتماعية لألمن .وحيدد هذا
التقرير املؤشرات كما يأ :1
171
ثالثاً :المؤش ار السياسية:
فقدان شرعية الدولة" ،إجرام الدولة" ،ويشمل ذلك (الفساد الواسع للنخبكة .0
احلاكمة ،ومعارضتها للشفافية واملساءلة ،والتمثيل السياسء ،انتشار فقكدان
الثقة يف مؤسسات الدولة ،وإجراءاهتا ،والذي ينعال يف املقاطعة الواسكعة
لالنتخابات ،املظاهرات الشعبية ،العصيان املدين ،ظهور متكرد أو عصكيان
مسلح ...انتشار ومنو ظاهرة عصابات اإلجرام املرتبطة بالنخكب احلاكمكة،
وغري ذلك من األشالال).
التدهور احلاد يف اخلدمات العامة يف داخل الدولة( ،ويشمل ذلكك عكدم قيكام .1
الدول بأداء الوظائف األساسية هلا ،مثل توفري األمن ،ومحاية املواطنني من العنف،
والضعف احلاد يف اخلدمات األساسية للمواطنني ،مثكل اخلكدمات الصكحية
والتعليمية واملواصالت العامة ،وكذلك تركز اهتمام الدولة فيما خيكدم النخبكة
احلاكمة ،مثل قوات األمن والعمل الدبلوماسء ،وكاالت اجلباية واجلمارك).
التطبيق التعسفء للسلطة والقانون ،أو تعليق تطبيق سيادة القكانون ،واالنتشكار .2
الواسع النتهاكات حقوق اإلنسان ،ويشمل ذلك (قوانني الطكوارئ ،واحلالكم
العسالري وتعليق العمل باملؤسسات الدميقراطية ،ازدياد االعتقكال السياسكء،
وسوء استخدام احلقوق االجتماعية والقانونية والسياسكية ،سكواء لألفكراد أو
اجلماعات ،مثل تقييد حرية الصحافة ،تسيي القضاء ،استخدام القوة العسالرية
ألهداف سياسية ،قمع املعارضة السياسية واالضطهاد الديين أو الثقايف.
أجهزة أمنية تعمل "كدولة داخل دولة"( ،ويشمل ذلك ظهور فئات ،أو رجكال .4
حر تعمل دون اخلضو للعقاب ،ظهور "جيش داخل اجليش" والذي خيكدم
مصاحل النخبة العسالرية أو السياسية املهيمنة ،ظهور ميليشيات ،أو قوة عسالرية
خاصة ،أو قوة مجاعات منافسة أو موازية للقوة األمنية النظامية يف الدولة).
بروز االنشقاقات ،والتالوينات الفصائلية داخل النخب احلاكمة( ،ويشكمل .1
ذلك على سبيل املثال ،انقسام مؤسسات الدولة ،والنخب احلاكمكة ،وفكق
حدود املالونات اجملتمعية سواء العرقية ،أو الدينيكة أو القبليكة أو غريهكا،
استخدام النخب احلاكمة للخطاب السياسء القومء العرقء أو الكديين ،مبكا
يتالءم مع املالونات اجملتمعية).
171
.9تدخل دول أخرى أو فاعلني سياسيني خارجيني( ،ويشمل ذلك ،التكدخل
العسالري ،أو شبه العسالري من قبل دول ،أو جيوش أو مجاعات عرقية أو
غريها يف الشؤون الداخلية للدول بشالل يؤثر على توازن عالقات القوة ،أو
تسوية الصرا ،تدخل من قبل الدول املاحنة للمساعدات ،أو تدخل قوات أو
بعثات حفظ السالم).
إن مؤشرات الدولة الفاشلة ،كمؤشرات إنذار مبالر ،هء جزء مكن نتكاج
جتربة ،وخربة إنسانية معاصرة ،وبالتايل ،هء تتأثر بالسكياق الثقكايف والسياسكء
والتارخيء للبيئة ،اليت أنتجتها ،كما أنه من الطبيعء ،أال يقدم توضيح ملكربرات ،أو
نتائج حدوث حالة الصرا ،وعدم االستقرار األمين ،حيث إن ذلك يفتكرض أن
يالون له موقف آخر يشرح ذلك.
كما أن هذه املؤشرات ،ختضع لقيمة رقمية معينة أو حمدودة ،تضكع هكذه
املؤشرات ،يف إشالالية مدى دقة هذه القيمة الرقمية ،خاصة وأن هناك سياقا ثقافيا
وتارخييا واجتماعيا ،حييط هبذه املؤشرات ،وجيعل من الصعب توفري دقة رقمية هلا.
ويف املقابل ،اعتماد املؤشرات على خربة إنسانية ،جتهل أن هذه املؤشرات ،تشالل
حالة تشاركية ،أو حتتوي على قواسم مشكتركة؛ ميالكن االسكتفادة منكها ،يف
جمتمعات ،ودول عديدة يف البيئة الدولية.
عموماً ،إن احلديث عن أي مؤشرات ،أو نظام إنذار مبالر ،وبكالرغم مكن
ضرورة وجودها ،إال انه جيب أن تالون قادرة ،على تزويد صنا القرار ،مبعلومات
ذات مصداقية ،والتقييم للمخاطر اللذين يساعدان ،ويسكمحان باإلجابكة عكن
متطلبات السياسة اخلاصة ،بإجراءات املنع الوقائء للصراعات .1كما يقول مايالل
لند :إن أمر توقع الصراعات ،لي التنبؤ بدقكة بتوقيكت واجتاهكات مسكتقبل
األحداث ،بل األمر يتعلق خبصو .اإلنذار املبالر ،للصراعات العنيفة هكو قيكا
االحتمالية النسبية ،الجتاه األحداث املؤدية خالل فترة معينة؛ إىل عنف حاد أو إىل
أزمات أخرى ،يتوافر فيها املربر للتحذير ،أو االهتمام املبالر.2
Gurr, Ted: 1996, Early Warning Systems: from Surveillance to 1
Assessment to Actions, p. 125, cited in Jeong, Ho-Won: Peace and
Conflict Studies: An Introduction, Op. cit., p. 386.
Lund, Micheal S.: 1996, Preventing Violent Conflicts; A Strategy for 2
Preventive Diplomacy, Op. cit., pp. 108-109.
174
وحيدد بيتر فالنستني أربع أوجه أساسية لإلنذار املبالر ،ورد الفعل املبالر على
النحو اآل :1
.0اكتشاف املخاطر.
.1استقبال وتقبل اإلشارات املبالرة للمخاطر.
.2القيام بتدابري وأفعال املنع الوقائء ،قبل حدوث املخاطر.
.4تعزيز إجراءات ،أو تدابري العمل الوقائء للمخاطر.
175
الناعمة ،اليت تؤثر يف ديناميالية ،واجتاهات الصرا ،مثل االنطباعكات
والتوقعات واخليارات االستراتيجية ،ومنط التحليل.
.2إن عملية تقييم أو حتليل تالاليف الربح واخلسارة ،للخيكارات وسياسكات
البدائل ملواجهة الصراعات ،مازالت عملية حتليل بدائية ،بدالً من أن تتجه حنو
إطار شامل لالافة عوامل الاللفة.
.4غالباً ما متيل سياسة تقييم آثار/تأثري ،إجراءات منع الصرا إىل جتاه أحكادي،
وهو لي كافيا ،بل جيب أن يالون متعدد األبعاد واملستويات.
ويلخص هذه اإلشالاليات األربع يف اجلدول اآل :
أخرياً ،لعل من أهم اإلشالاليات ،ما يشري إليه تقرير ككارنيغء ،وهكو أن
املشاللة ليست يف عدم معرفة الدولة/الدول باألزمة ،بل املشكاللة هكء يف عكدم
استجابتهم ،أو االهتمام بإشارات اإلنذار املبالر ،ورمبا يف معظم األحيان أكثر مكن
ذلك ،عدم رغبتهم ح معرفة إشارات اإلنذار املبالر ،فعادة صنا القرار غالباً ،ما
يضعون اخليارات ،أو السياسة الصعبة جانباً ،أو يؤجلوهنا ما أمالن ذلكك ...إمكا
ألهنم يعتقدون أن املصاحل األساسية املباشرة ،أو اهلامة غري مرتبطة هبا ،أو ألنه لي
لديهم بدائل استجابات مناسبة.1
176
الخاتمة
إن حقل دراسات الصرا والسالم ،حقل علمء حديث ،باملقارنة مع بقيكة
العلوم ،سواء اإلنسانية أو التطبيقية .ومن خالل دراسة نشأة ،وتطور هذا احلقكل
العلمء ،بدا واضحاً أن هذا احلقل العلمء ،ما زال يواجه حتديات متنوعة ،بعضكها
يرتبط بطبيعة العلوم اإلنسانية عموماً ،والبعض اآلخر ،يرتبط بطبيعة حداثة هكذا
احلقل العلمء ،أو طبيعته "اهلجينة" ،العتماده على حقول علمية خمتلفة.
نشري يف خامتة هذه الدراسة ،ألهم التحديات اليت يواجهها حقل دراسكات
الصرا والسالم ،مع اإلشارة إىل بعض التحديات اخلاصة ،الكيت تتعلكق بالعكامل
العربكء ،كما سنقف على بعض نتائج الدراسة.
إن هذه التحديات اليت سنعرضها ،هء نتاج مسح ملئات من املراجع الغربيكة،
املنشورة باللغة اإلنالليزية يف هذا احلقل من جهة ،وملناقشات ومقابالت مع جمموعة
أساتذة جامعات متخصصني ،وخاصة يف قسم السالم وأحباث الصرا يف جامعكة
أبساال السويدية ،من جهة ثانية ،ومن خالل اخلربة املهنية والبحثية ،من جهة ثانية،
فيما يأ عرض ألهم هذه التحديات:
.0نالحظ ضعف إسهام الثقافات واحلضارات غري الغربية ،يف هكذا احلقكل
العلمء (حقل دراسات الصرا والسالم) ،خاصة أن ظاهرة الصرا ،هء ظكاهرة
إنسانية عاملية .وبالرغم من ثراء التجارب اإلنسانية ،أو التجارب احمللية يف معظكم
احلضارات والثقافات ،يف ممارسة فض النكزاعات ،والوساطة ،وجتارب الصكرا ،
فمعظم الثقافات اإلنسانية ،هلا جتارب ومتار أشالاالً خمتلفة يف جمكال الصكرا
والسالم ،سواء على صعيد املفاهيم ،أو آليات التدخل وتسوية الصراعات ،أو مثل
الوساطة واملفاوضات ،والتحاليم وغريها .وتسيطر هيمنة الثقافة والفالر الغربكء،
يف هذا احلقل العلمء ،ورمبا باستثناء جتربة غاندي يف اهلند ،يف املقاومة السكلمية مل
تظهر ملسات ،أو تأثري واضح إلسهام الثقافات واحلضارات األخرى ،يف مضكامني
177
هذا احلقل .ومن هذه احلضارات والثقافات الثرية يف جمال الصرا والسالم ،وفض
النكزاعات واملنع الوقائء للصرا ،احلضارة والثقافة اإلسالمية ،وبالرغم مكن أن
تراث الفالر اإلسالمء ،غينٌ جداً يف هذا احلقل ،وإن كان القصور يف هذا اجملكال،
يعود بشالل أسا إىل تقصري الباحثني املسلمني ،يف االستفادة من إنتاج وبلكورة
هذا الثراء الفالري ،وتقدميه للحضارات أو الثقافات األخرى ،وخاصة املتخصصني
يف هذا اجملال من أبناء احلضارة الغربية بشالل خا ..فالتواصل والتفاعكل ،بكني
إسهامات الثقافة الغربية يف جمال الصرا والسالم ،يشالل حتدياً وضرورة إنسانية،
ومعرفية للمجتمعات اإلنسانية ،يتطلب جهود مجيع الباحثني من كافكة الثقافكات
اإلنسانية.
ومن هنا ،فإن كيفية زيادة اعترافنا بأمهية االختالفات الثقافية ،تشالل حتكدياً
هاماً ،وضرورياً الستخدامها يف تطوير ممارسة تسوية الصراعات بشالل إجيابكء،
(تفادي العنف) ،وللمساعدة يف تطوير نظريات علمية؛ عملية تصلح لالسكتخدام
العاملء.1
ويرى أحد الباحثني ،أمهية إبراز ،أو دمج مالوين الثقافة ،والتكاريخ يف هكذا
احلقل العلمء ،بشالل أو طريقة أكثر منهجية.2
جتدر اإلشارة هنا ،إىل وجود إشالالية كبرية ،حول كيفية نقكل نظريكات،
وآليات ونتائج دراسات الصرا ،وإدارته ،أو فض النكزاعات ،واملنكع الوقكائء
للصراعات ،وحتقيق السالم ،إىل التطبيق امليداين ،أو املمارسكة العلميكة للسكلطة
السياسية ،ولإلرادة السياسية دور حمكوري يف االسكتجابة العمليكة لدراسكات،
وطروحات هذا احلقل العلمء ،فعلى سبيل املثال ،إن من أهم اإلشكالاليات الكيت
تواجه تطبيقات املنع الوقائء للصرا ،واالستجابة لإلنذار املبالر ،واملؤشرات كما
Coleman, Peter T. & Marcus, Eric C.: "Concluding Overview" in 1
Deutsch, Morton, Colemon, Peter & Marcus, Eric C. (eds): 2006,
The Handbook of Conflict Resolution: Theory and Practice, Jossey-
Bass, San Fransisco, 2nd edition, p. 875.
مالحظة من أشوك سوان ،Ashok Swainالربوفسور يف قسم السالم وأحباث الصرا 2
يف جامعة أوبساال ومدير مركز التنمية املستدامة يف رسالة خاصة منكه وموجهكة إىل
الباحث مؤلف الالتاب.
178
متت اإلشارة سابقاً يف تقرير كارنيغء ،لي عدم معرفة صنا القرار يف الدول ،مبا
يشري إليه اإلنذار املبالر ،ولالن عدم استجابتها لإلنذار املبالر.1
ويشري بيتر فالنستني ،إىل أن القضية الالربى يف أحباث هذا احلقل ،هو كيفيكة
إيصال نتائج الدراسة ،إىل صنا القرار واملنظمات غري احلالومية.2
أمّا يوهان غالتونغ ،فيشري إىل أن من أزمات وحتديات أحباث السالم ،وجود
عالقة جدلية ما بني البحث العلمء ،والتعليم والفعل ،باإلضافة إىل إشالالية الكدور
االجتماعء ،للباحث املتخصص يف دراسات السالم.3
عموماً ،ما زال هناك املزيد من التحديات ،اليت تواجه اجلهكود العلميكة ،يف
جمال دراسات الصرا ،سواء على صعيد حتليل الصرا ،وإدارة الصرا ،وتسوية
الصرا ،وأشالال التدخل لتسوية الصرا ،خاصة الوساطة ،املنع الوقائء لزيكادة
فاعلية هذه الطروحات النظرية.
مبعىن آخر هناك حاجة إىل العمل ،على جعل هذا احلقل ،منظومة أو نظامكا
عمليا ميدانيا سهل التطبيق ،يف طروحاته ومفاهيمه ومؤشراته ..ولعل مكن أبكرز
التحديات ،هو كيف ميالن االنتقال من الطروحات النظرية األكادميية ،بشالل أكثر
فعالية ،إىل االرتباط بعملية صنع السياسات.4
وخاصة ،يف ضوء ثورة املعلومات ،وتالنولوجيكا االتصكال ،وخاصكة
اإلنترنت ،وما نتج عنها من إحداث تغيري كبري ،أو تضييق يف حجم مسكتوى
التباين ،يف األنشطة واملمارسات ذات العالقة ،بقضايا السالم والصرا علكى
املستوى احمللء ،والوطين والعاملء ،وتآكل الفوارق بني هذه املستويات لصكاحل
التوجه إىل التداخل ،والشراكة العاملية حنو بناء السالم .وما وفرته تالنولوجيكا
Holl, Jane E.: Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict: 1
Second Progress Report, Op. cit., p. 7.
رسالة خاصة إىل الباحث بتاريخ .1101/4/11 2
Galtung, Johan: 1985, Twenty Five Years of Peace Research: Ten 3
Challenges and Some Responses, Journal of Peace Research, Vol. 22,
No. 2, pp. 141-158.
مالحظة من توما أولسون ،أستاذ الصراعات واحلروب األهلية ،قسم السالم وأحباث 4
الصرا يف جامعة أوبساال يف رسالة خاصة منه وموجهة إىل الباحث مؤلف الالتكاب
بتاريخ .1101/1/01
179
االتصال ،من أدوات لصنا السالم من الباحثني ،واملمارسني ميالن استخدامها
يف خلق بيئة السالم.
إن التحدي ،هو كيفية استثمار وتطوير ثورة االتصاالت ،كتالنولوجيا مكن
اجل السالم .هذا التحدي ،يراه البعض أنه يشالل أولوية أساسكية يف السكنوات
القادمة.1
وميالن اإلشارة هنا ،إىل أن معظم اجلهود البحثيكة ،اجتهكت حنكو حتليكل
التهديدات وأسوأ السيناريوهات احملتملة ،حلاالت الصرا ،بينما القليل منها توجه
حنو تقييم فر .بناء السالم ،أو التحويل اإلجيابكء ،أو البناء للصرا ،حيث يؤكد
البعض ،أنه ميالن وصف معظم الصراعات احلديثة ،بأهنا تشبه الفكر .التارخييكة
الضائعة ،والذي يشري إىل حلظات أو فترات ،خالل الصراعات عندما كان ميالكن
استخدام مؤشرات ،مبالرة واليت من احملتمل أن يالون هلا تأثري كبري على ديناميالية
الصرا .
وهذا يعين ،أننا نواجه حتدياً يقوم على ضرورة توجيكه اجلهكود البحثيكة،
واللجوء إىل استخدام مدخل "الفر .الضائعة"؛ اليت قد تؤدي إىل التسوية ،بكدالً
من التركيز على التهديدات وسيناريوهات أسوأ اخليارات يف الصرا .
من جانب آخر ،إن هناك حاجة إنسانية ملحة ،لبناء منظومة حضارية عامليكة
لفض النكزاعات وحتقيق السالم ،يشارك فيها خمتلف الثقافات ،ممثلة يف البكاحثني
وصنا القرار ،واملؤسسات الدولية املعنية ،يف هذا اجملال .وميالن أن يالون للثقافكة
العربية واإلسالمية ،إسهام بارز يف بناء هذه املنظومة احلضكارية ،فهكء ثريكة يف
خربهتا؛ وتراثها السياسء ،والثقايف ،واألخالقء يف هذا اجملال.
ال شك ،أن العامل العربكء ،خاصة يف املرحلة اجلديدة ،مرحلة ما بعد الربيع
العربكء ،حيتاج بشالل خا .إىل بناء ،وتطكوير منظومتكه اخلاصكة ،لفكض
النكزاعات ،وإدارة صراعاته بني أعضائه ،ووحداته بشالل حضاري ،يعال حجم
التغيري الذي حصل يف منظومته السياسية؛ اليت اتسكمت يف غالبكها ،بالسكلطوية
181
واالستبداد ،وقمع احلريات واإلبدا .وهذا يتطلب جهوداً ضخمةً من البكاحثني،
وصنا القرار مع وجود إرادة سياسية ،جادة لبناء هذه املنظومة ،وإن النجكاح يف
بناء مثل هذه املنظومة ،ال بد أن يرتالز على توفري ،إرادة سياسية صادقة وجادة يف
استخدام املعرفة العلمية ،والقيم احلضارية والتعددية الثقافية.
180
رائمة المصادر والمراجع
ابن خلدون ،عبد الرمحن :املقدمة ،دار القلم ،بريوت.0180 ، .0
ابن خلدون ،عبد الرمحن ،حتقيق الشدادي عبد السالم :املقدمة .املركز الوطين للبحث .1
العلمء والتقين ،الدار البيضاء ،الطبعة اخلامسة.1111 ،
أبو النمر ،حممد :الالعنف وصنع السالم يف اإلسالم ،ترمجة اليحىي ،ملي :الدار األهلية، .2
عمّان.1118 ،
أبو عامر ،عالء ،1114 :العالقات الدولية :الظاهرة والعلم -الدبلوماسية واالستراتيجية، .4
دار الشروق للنشر والتوزيع ،عمّان.
أبو عيد ،عارف (مُعداً) ،والفجاوي ،عمر عبد اهلل (حمرراً) :مقرر العالقات الدولية يف .1
اإلسالم ،منشورات جامعة القد املفتوحة ،0119 ،ط.0
إدريس ،ثابت عبد الرمحن :التفاوض مهارات واستراتيجيات ،الدار اجلامعية ،مصكر، .9
.1110
األلوسي ،شهاب الدين حممود :روح املعاين يف تفسري القرآن العظكيم ،دار الالتكب .7
العلمية ،بريوت.2000 ،
أنيس ،إبراهيم (و آخرون) :املعجم الوسيط ،دار احلديث للطبع والنشكر ،بكريوت، .8
.1572
األيوبدي ،عمر وحسن ،حسن واأليوبدي ،أمني (مترمجون) :إشراف وحترير مرككز .5
دراسات الوحدة العربية ،التسلح ونكز السالح واألمن الدويل ،2007 ،النسخة العربية
كاب SIPRI Yearbook 2007: Armaments, Disarmaments, and كة لالتكاملترمجك
،International Securityمركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت.
األيوبدي ،عمر ،وحسن ،حسن ،واأليوبدي ،أمني (مترمجون) :إشراف وحترير مركز .01
دراسات الوحدة العربية ،التسلح وندزع السالح واألمن الدويل ،2005 ،النسكخة
العربية املترمجة لالتكاب SIPRI Yearbook 2009: Armaments, Disarmaments, and
،International Securityمركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت.
بطرس غايل ،بطرس :خطة للسالم ،منشورات األمم املتحدة ،نيويورك.0111 ، .11
تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام :2008جملة املستقبل العربكء ،العدد ،219مرككز .01
دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،أكتوبر .1118
181
توينبدي ،أرنولد :احلضارة يف امليزان ،ترمجة الشريف ،أمني :مطبعة عيسى البابككء .02
احللبكء ،القاهرة( ،ب .ت).
جارمن ،ديفيد :دراسات يف النكزاعات الدولية وإدارة األزمكة ،سلسدلة حماردرات .04
اإلمارات ( ،)41مركز اإلمارات للدراسات االستراتيجية ،أبو ظبكء.0111 ،
جرب ،حممد :املعلومات وأمهيتها يف إدارة األزمات ،اجمللة العربية للمعلومات ،تكون ، .01
العدد ،0اجمللد .0118 ،01
اجلمال ،أمحد خمتار :املفاوضات وإدارة األزمات ،جملة السياسة الدولية ،العدد . ،09 .09
.140-128 .
حداد ،جورج :املدخل إىل تاريخ احلضارة ،مطبعة اجلامعة السورية.0118 ، .01
حسني ،عدنان السيد :العالقات الدولية يف اإلسالم ،املؤسسة اجلامعيكة للدراسكات .08
والنشر ،بريوت ،ط.2006 ،1
اخلزندار ،سامي :حماضرة بعنوان" :املنظور اإلسالمء للصكرا والسكالم" يف قسكم .15
دراسات السالم والصرا ،جامعة أبساال/السكويد،/3/20101 ،Uppsala University ،
"The Perspective of Islamic Culture towards Conflict and Peace
اخلزندار ،سامي" :استخدام استطالعات رأي النخبة يف حتليكل الصكراعات وفكض .11
املنازعات" ،اجمللة العربية للعلوم السياسية ،اجلمعية العربية للعلكوم السياسكية ومرككز
دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،عدد ،11شتاء .12-91 . . ،1101
اخلزندار ،سامي ،1100 :دور مراكز الدراسات اخلاصة يف البحث العلمكء وصكناعة .10
السياسات العامة :إطار عام ،ورقة مقدمة ملؤمتر صناعة البحث العلمء يف اململالة العربية
السعودية 11-19 ،إبريل 1100م ،الرياض :منتدى الشراكة اجملتمعية.218-200 . . ،
اخلزندار ،سامي :الصراعات العربية الداخلية :رؤية يف األسباب والدوافع ،جملة أحباث .11
الريموك ،سلسلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جملد ،11العدد األول أ.1114 ،
خضري ،عبد الكرمي علوان :املنظمات الدولية :الوسيط يف القانون الدويل العام ،الكدار .12
العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،الالتاب الرابع.1111 ،
دلي االحتاد الدويل ألحباث السدالمIPRA Directory Guide of Peace Research, : .14
/http://ipra.terracuranda.org
.11ربيع ،حممد حممود ،مقلد ،إمساعي بربي (حمرران) :موسوعة العلوم السياسية ،جامعة
الالويت ،الالويت.0114 ،
.19رسالن ،أمحد فؤاد :نظرية الصرا الدويل :دراسة يف تطور األسرة الدولية املعاصكرة،
اهليئة املصرية العامة للالتاب ،القاهرة.0189 ،
.11الرشيدي ،أمحد :حقوق اإلنسان :دراسة مقارنة يف النظرية والتطبيق ،مالتبة الشكروق
الدولية ،القاهرة.1112 ،
184
زايد ،حممد بدر الدين مصطفى :املفاوضات الدولية ،اهليئة املصرية العامكة للالتكاب، .18
القاهرة.0110 ،
زريق ،قسطنطني :يف معركة احلضارة:دراسة يف ماهية احلضارة وأحواهلكا يف الواقكع .11
احلضاري ،العلم للماليني ،بريوت.0180 ،
بحيح البخاري يف "األدب املفرد" رقم (.)275 .21
بن ،أمارتينا (مؤلف) ،توفيق ،سحر (مترمجة)" :اهلوية والعنف :وهم املصري احلتمء" ،سلسلة .51
كتب عامل املعرفة ،اجملل الوطين للثقافة والفنون واآلداب ،الالويت ،العدد ،211يونيو .1118
الطربي :تفسري جامع البيان يف تفسري القرآن ،موقع تفاسري جامعة األزهر. .21
عارف ،نصر :يف مصادر التراث السياسء اإلسالمء :دراسة يف إشالالية التعميم قبكل .22
االستقراء والتأصيل ،سلسلة املنهجية اإلسالمية ( ،)1املعهد العاملء للفالر اإلسكالمء،
فرجينيا/الواليات املتحدة األمريالية.0180 ،
عبد الرمحن ،حممد يعقوب :التدخل اإلنساين يف العالقات الدولية ،مرككز اإلمكارات .24
للدراسات والبحوث االستراتيجية ،أبو ظبكء.1114 ،
عبد اهلل ،عمرو خريي :حل النكزاعات ،معهد دراسات السالم -جامعة السالم التابعة .53
لألمم املتحدة ،كوستاريالا.2007 ،
علي سامل ،أمحد " :عن احلرب والسالم :مراجعات ألدبيات الصرا الدويل" ،السياسكة .56
الدولية ،اجمللد ،41العدد ،011أكتوبر .12-8 . . ،1111
العماري ،عباس رشدي :إدارة األزمات يف عامل متغري ،مركز األهرام للترمجة والنشر، .21
القاهرة.0112 ،
فالنستني بيتر (مؤلف) ،السعد سعد ،ودبور حممد( ،مترجم) :مدخل إىل فهم تسكوية .28
الصراعات :احلرب والسالم والنظام العاملء ،املركز العلمء للدراسات السياسية ،عمّان،
،1119الطبعة األوىل.
فرج ،أنور حممد ، 1111 :نظرية الواقعية يف العالقات الدولية :دراسة نقدية مقارنكة يف .21
ضوء النظريات املعاصرة ،مركز كردستان للدراسات االستراتيجية ،السليمانية.
فضة ،حممد :التدخل السوفييت يف أفغانستان :دراسكة جيوسياسكية وجيواسكتراتيجية .41
للصرا الدويل يف جنوب آسيا ،اجلامعة األردنية ،عمّان.0189 ،
فيشر ،سيمون وآخرون (مؤلفون) :اجليوسي ،نضال (مترجم) :التعامل مع النكزا : .40
مهارات واستراتيجيات للتطبيق ،شبالة املنظمات الفلسطينية ،رام اهلل ،د.ت.
الكراجكي ،أبو الفتح :معدن اجلواهر ،21 . ،باب ما جاء يف واحد. .41
الكيالين ،عبد اهلل :إدارة األزمة :مقاربة التراث ....واآلخر ،سلسلة كتكاب األمكة، .45
العدد ،020مركز البحوث والدراسات -وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،قطكر،
السنة التاسعة والعشرون0421 ،1111 ،هك.
185
لكريين ،إدريس :إدارة األزمات يف عكامل مكتغري :املفهكوم واملقومكات والوسكائل .44
والتحديات ،املركز العلمء للدراسات السياسية ،عمّان.1101 ،
اجملذوب ،حممد :التنظيم الدويل :النظرية واملنظمات العاملية واإلقليميكة املتخصصكة، .41
منشورات احللبكء احلقوقية ،بريوت ،الطبعة السابعة.1111 ،
حممد شدود ،ماجد :إدارة األزمات واإلدارة باألزمة ،األوائل للنشر والتوزيع ،دمشق، .49
،1111ط.0
مقلد ،إمساعي بربي ،0181 :العالقات السياسكية الدوليكة :دراسكة يف األصكول .41
والنظريات ،منشورات ذات السالسل ،الالويت.
مور ،كريستوفر (مؤلف) ،سروجي ،فدؤاد (متدرجم) ،1111 :عمليكة الوسكاطة: .48
استراتيجيات عملية حلل النكزاعات ،الدار األهلية ،عمّان.
نافعة ،حسن :إصالح األمم املتحدة ،مركز البحوث والدراسات السياسكية ،جامعكة .41
القاهرة ،القاهرة.0111 ،
محدان ،هنلة ياسني (مؤلف) ،كرم ،مسري (مترجم) ،1112 :الوساطة يف اخلالفات العربية .11
املعاصرة ،سلسلة أطروحات الدكتوراه ( ،)49مرككز دراسكات الوحكدة العربيكة،
بريوت.
هنرا ،فؤاد وآخرون" :أعمال ندوة األزمات السياسية الدولية :واقعها ومعاجلتها" ،جملة .10
شؤون األوسط ،العدد ،011ربيع .1110
هارون ،عبد السالم (مشرف) :مصطفى ،إبراهيم ،والزيات ،أمحد ،عبدد القدادر، .11
حامد ،والنجار ،حممد (قاموا بإخراجه) :املعجم الوسيط ،مطبعة مصر ،القاهرة،0191 ،
اجلزء األول.
هنتنجتون ،بموئي " :صرا احلضارات" ،جملة ،Foreign affairsجملد ،11عكدد،2 .12
،0112ترمجة عبد احلميد فتاح ،عرفان :جملة الندوة ،اجمللد السكاد ،العكدد األول،
كانون الثاين/يناير.0111 ،
وهبان.أمحد حممد :حتليل إدارة الصرا الدويل :دراسة مسحية لألدبيات املعاصرة .جملة .14
عامل الفالر ،اجملل الوطين للثقافة والفنون واآلداب ،الالويت. . ،2008 ،4 )56( ،
.86-31
.33ياسني محدان ،هنلة (مؤلف) ،كرم مسري (مترجم) :الوساطة يف اخلالفات العربية املعاصكرة ،سلسدلة
أطروحات الدكتوراه ( ،)46بريوت ،مركز دراسات الوحدة العربية.1112 ،
.19يوسف أمحد أمحد :الصراعات العربية العربية ( )0180-0141دراسة استطالعية ،مركز
دراسات الوحدة العربية ،بريوت.0188 ،
57. Anders, Mellbourn (ed): 2005, Development, Security and Conflict
Prevention, The Anna Lindh Programme on Conflict Prevention, Hedemora,
Sweden: Gidlunds förlag.
186
58. Azem, Ahmad, J: 2005, The Reconceptualisation of Conflict Management,
Peace, Conflict & Development: An Interdisciplinary Journal, University of
Bradford, Department of Peace Studies.
59. Barash, David P. & Webel, Charles P.: 2009, Peace and Conflict Studies,
Sage, 2nd edition.
60. Bell, Coral: 1971, The Conventions of Crisis: A Study of Diplomatic
Management, London, Oxford University Press.
61. Bercovitch Jacob (Ed): 1991, "International Mediation", Journal of Peace
Research, 28 (1), special issue.
62. Bercovitch Jacob: (ed), 1996, Resolving International Conflicts: The Theory
& Practice of Mediation, Boulder, Col.: Lynne Rienner Publishers.
63. Bercovitch, Jacob & Kremenyuk,Victor & Zartman, William (Eds): 2009,
Conflict Resolution, Sage, London.
64. Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation", Journal of Peace
Research, Vol. 28, No. 1.
65. Bercovitch, Jacob: 1991, "International Mediation & Dispute Settlement:
Evaluating the Conditions for Successful Mediation", Negotiation Journal, Vol
7, No. 1.
66. Boin, Arjen: 2009, "The New World of Crisis and Crisis Management:
Implications for Policymaking & Research, Review of Policy Research, Vol
26, Issue 4, pp. 367-377.
67. Boulding, Kenneth E.: 1962, Conflict and Defense: A General Theory, New
York: Harper and Brothers.
68. Brinton, Crane: 1938, The Anatomy of Revolution, Vintage books, New
York
69. Brown, Michael (ed): 1996, International Dimensions of Internal Conflict,
CSIA Studies in International Security, Cambridge & London, MIT Press.
70. Burton, John & Dukes, Frank: 1990, Conflict: Readings in Management &
Resolution, U.S: The Macmillan Press LTD.
71. Burton, John (ed): 1990, Conflict: Human Needs Theory, Vol 2 of the
Conflict Series, London: Macmillan.
72. Burton, John and Dukes, Frank (Ed): Conflict: Readings in Management
and Resolution, Macmillan, Houndmills and London.
73. Burton, John W: 1996, Conflict Resolution: It's Language and Processes,
Lanham, Md and London: Scarecrow Press.
74. Burton, John: 1968, Systems, States, Diplomacy and Rules, Macmillan,
London.
75. Burton, John: 1969, Conflict and Communication: The Use of Controlled
Communication in International Relations, Macmillan, London.
76. Burton, John: 1972, World Society, Macmillan, London.
187
77. Burton, John: 1979, Deviance, Terrorism and War, St Martins Press, New
York.
78. Buzan, Barry: 1991, "New Patterns of Global Security in the Twenty First
Century", International affairs, 67 (3), pp. 431-451.
79. Carment, David & Schnabel Albrecht (eds): 2003, Conflict Prevention: Path
to Peace or Grand Illusion?, The United Nations University, Tokyo.
80. Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict: 1997, Preventing
Deadly Conflict: Final Report, Washington D.C, Carnegie Corporation of New
York.
81. Charles Ikle, Fred: 1964, How Nations Negotiate, New York: Harper &
Rows Publishers, New York: Krans Reprint, Millwood, 1987.
82. Choue, Young Seek (ed): 1999, World Encyclopedia of Peace, Oceana
Publications, Inc., New York, Vol. I, Second Edition.
83. Cleveland, Harlan: July 1963, “Crisis Diplomacy”, Foreign Affairs, New
York, Council of Foreign Relations, Vol. 41, pp. 638-649.
84. Clutterbuck, Richard: 1993, International Crisis and Conflict, New York, St.
Martin’s Press.
85. Coleman, Peter T. & Marcus, Eric C.: "Concluding Overview" in Deutsch,
Morton, Colemon, Peter & Marcus, Eric C. (eds): 2006, The Handbook of
Conflict Resolution: Theory and Practice, Jossey-Bass, San Fransisco, 2nd
edition.
86. Crocker, Chester A., Hampson Fen Osler, Aall Pamela, (Eds): 2001,
Turbulent Peace: The Challenges of Managing International Conflicts, United
States Institute of Peace Press, Washington, D.C.
87. Curle Adam: 1971, Making Peace, Tavistock Publications, London.
88. Curle Adam: 1986, in the Middle: Non-official Mediation in Violent
Situations. St. Martins Press, New York.
89. Davies, James C. (ed): 1971, When Men Rebel and Why, New York, Free
Press.
90. De Reuck, Anthony: "A Theory of Conflict Resolution by Problem Solving",
quoted in Burton John & Dukes Frank: Conflict: Readings in Management &
Resolution, op. cit., pp. 183-244.
91. Dixon, William J: 1996, "Third- Party Techniques for Preventing Conflict
Escalation and Promoting Peaceful Settlement", International Organization,
The Foundation of the Massachusetts Institute of Technology, (50) 4, pp 653-
681.
92. Dollard, J., L. N. Doob, N. E. Miller, O. H. Mowrer and R. R. Sears:
Frustration and Aggression, New Haven , CT, Yale University Press.
93. Donovan, John C et al: 1993, "People, Power and Politics", Maryland,
Rowman & Littlefield publishers, INC.
188
94. Dungen, Peter Van Den & Wittner, Lawrence S.: 2003, "Peace History: An
Introduction", Journal of Peace Research, Vol 40, No. 4, pp. 363-375.
95. Eckstein, Harry (ed): 1964, Internal War: Problems and Approaches, New
York, Free Press of Glencoe.
96. Englehart, Neil A.: 2009, State Capacity, State Failure and Human Rights,
Journal of Peace Research, Vol. 46, Issue 2, pp 163-180.
97. European Security Strategy: 2003, A Secure Europe in a Better World,
(Brussels: Center Virtuel de la Connaissance sur l’ Europe (CVCE), European
Navigator.
98. Evans,Graham & Newnham, Jeffery: 1992, the Dictionary of World
Politics, London, Harvester.
99. Fisher, Roger & Ury, William: 1983, Getting to Yes, Penguin Books, New York.
100. Fisher, Simon: 2000, Working with Conflict: Skills and Strategies for Action,
London, Birmingham and ZED Books, Responding to Conflict Agency.
101. Galtung Johan and Webel Charles: 2009, "Peace and Conflict Studies:
Looking Back, looking forward". In Webel Charles & Galtung Johan (eds).
Hand book of Peace and Conflict Studies, Oxon: Routledge.
102. Galtung, Johan: "Conflict as a Way of Life", in Freeman, Hugh (ed): 1969,
Progress in Mental Health, Churchill, London, pp. 484-564.
103. Galtung, Johan: 1969, "Peace, Violence, and Peace Research", Journal of
Peace Research, Vol 6, No. (3), pp.167-191.
104. Galtung, Johan: 1980, the True Worlds: A Transnational Perspective, The
Free Press, New York.
105. Galtung, Johan: 1981, "Social Cosmology and the Concept of Peace", Journal
of Peace Research, 18 (2): 183-199.
106. Galtung, Johan: 1984, "Transarmament: From Offensive to Defensive
Defense", Journal of Peace Research, 21(2): 127-140.
107. Galtung, Johan: 1985, Twenty Five Years of Peace Research: Ten Challenges
and Some Responses, Journal of Peace Research, Vol 22, No.2, pp. 141-158.
108. Galtung, Johan: 1987, "Only One Quarrel with Kenneth Boulding", Journal
of Peace Research, 24 (2): 199-203.
109. Galtung, Johan: 1988, 'What If the Devil Were Interested in Peace
Research?", Journal of Peace Research, 25 (1): 1-4.
110. Galtung, Johan: 1989, "The State, the Military and War", Journal of Peace
Research, 26 (1): 101-105.
111. Galtung, Johan: 1990, "Cultural Violence", Journal of Peace Research, Oslo,
the Peace Research Institute Oslo (PRIO) & Sage, London, Vol.27, no.3, pp.
292-296.
112. Galtung, Johan: 1996, Peace by Peaceful Means: Peace & Conflict,
Development & Civilization, International Peace Research Institute, Oslo, p. 72.
189
113. Guha, Amalendu: "Conflict Resolution, Process of", in Choue, Young Seek
(ed): 1999, World Encyclopedia of Peace, pp 321- 328, Oceana Publications,
Inc. New York, Vol I, Second Edition.
114. Gurr, Ted R.: 1993, Minorities at Risk, Washington, D.C, United States
Institute of Peace Press.
115. Hauss, Charles: 2001, International Conflict Resolution, London, Continuum.
116. Henderson, Errol: 1997, "Culture or Contiguity: Ethnic Conflict, the
Similarity of States, and the Onset of War 1820 -1980", Journal of Conflict
Resolution, 41 (1), pp 649-668.
117. Herman, Charles F: 1972, International Crisis, New York, the Free Press.
118. Hidemi, Suganami: 1996, On the Causes of War, Oxford: Clarendon Press.
119. Holl, Jane E.: 1996, Carnegie Commission on Preventing Deadly Conflict:
Second Progress Report, Carnegie Corporation of New York, New York.
120. Holsti, Kalevi J.: 1996, the State, War and the State of War, Cambridge,
Cambridge University Press.
121. Holsti, Ole R.: 1972, Crisis, Escalation, War, Montereal, McGill- Queens
University Press.
122. Jacob Bercovitch, "International Negotiation & Conflict Management: the
Importance of Pre-negotiation", the Jerusalem Journal of International
Relations, Vol. 13, No. 1, 1991, pp. 7-20.
123. Jeong, Ho-Won (Ed): 1999, Conflict Resolution: Dynamics, Process and
Structure, Ashgate Publishing Ltd, England.
124. Joeng, Ho-Won (Ed): 2000, Peace & Conflict Studies: An Introduction,
England, Ashgate.
125. Jongman A. and Schmid, Alex: 1997, Mapping Violent Conflicts and Human
Rights Violations in the mid-1990s. London, Leiden University.
126. Jongman, Albert J.: 2001/2002, "Mapping Dimensions of Contemporary
Conflicts and Human Rights Violations", in World Conflict & Human
Rights Map 2001/2002 Project, The PIOOM: Netherlands.
http://www.citizenpaul.com/gallery/v/maps/atf_world_conf_map.pdf.html
127. Jongman, Berto & Schmidt Alex: World Conflict & Human Rights Map, the
PIOOM: Netherlands, 2001/2002. http://www.citizenpaul.com/gallery/v/maps/
atf_world_conf_map.pdf.html
128. Jonsson Bernt (Ed), Widepalm Anna (Assistant): 2002, Preventing Violent
Conflict & Peace building: On Interactions between States Actors and
Voluntary Organizations, Stockholm, The European Centre for Conflict
Prevention & the Swedish Peace Team Forum.
129. Kegley Jr, Charles W. & Raymond, Gregory A: 1999, How Nations Make
Peace?, New York, Worth Publishers, Inc.
130. Kenneth E. Boulding: "An Editirioal", Journal of Conflict Resolution, June 1957, 1.
191
131. King Jr, Martin Luther: 1957, Non -Violence and Racial Justice, Christian
Century, 6 February.
132. Klare, Michael T. (Ed): 1994, Peace and World Security Studies: A
curriculum Guide, Boulder & London, Lynne Rienner Publishers.
133. Kriesberg Louis: 1973, The Sociology of Social Conflicts, Englewood Cliffs,
NJ: Prentice-Hall.
134. Kriesberg Louis: 1982, Social Conflicts, Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall.
135. Kriesberg Louis: 1991, "Conflict Resolution Applications to Peace Studies",
Peace & Change, 16 (4): 400-417.
136. Kriesberg Louis: 1992, International Conflict Resolution, New Haven,
Conn.:Yale University Press.
137. Kriesberg Louis: 1992b, De-escalation & Transformation of International
Conflicts, New Haven, Conn.: Yale University Press.
138. Kriesberg Louis: 2001, "Mediation & the Transformation of the Israeli
Palestinian Conflict", Journal of Peace Research, 38 (3): 373-392.
139. Kriesberg, Louis: 1992, International Conflict Resolution: the U.S - USSR
and the Middle East Cases, U.S, Yale University.
140. Lake , David & Morgan, Patrick M. (ed): 1997, Regional Orders: Building
Security in a New World, A Project of the University of California Institute on
Global Conflict & Cooperation, the Pennsylvania State University Press,
Pennsylvania.
141. Lake, David A. and Rothchild, Donald: 1996, "Containing Fear: The Origins
and Management of Ethnic Conflict", International Security, Vol. 21, No. 2,
pp. 41-75.
142. Laurance, Edward J.: 1998, Light Weapons & Intrastate Conflict: Early
Warning Factors & Preventive Action, Carnegie Commission on Preventing
Deadly Conflict, Carnegie Corporation of New York, New York.
143. Lawler, Peter: 1995, A Question of Values: Johan Galtung's Peace Research,
Lynne Reinner Publishers, Boulder, London.
144. Lindborg, Chris: 2001, European Approaches to Civilian Crisis Management,
A basic Special Report on Roundtable Discussions, Washington, D.C, British
American security Information Council. http://www.operationspaix.net/IMG/
pdf/BASIC_report.pdf, p. 4.
145. Little, Richard: 1975, Intervention: External Involvement in Civil Wars,
London, Martin Robertson.
146. Lund, Michael S.: 2001, Preventing Violent Conflicts: a Strategy for Preventive
Diplomacy, United States Institute of Peace, Washington D.C, p. 37.
147. Melande, Erik & Oberg, Magnus & Hall, Jonathan: 2006, The New Wars
Debate Revisited: An Empirical Evaluation of the Atrociousness of New Wars,
Uppsala University, Uppsala, Sweden, Uppsala Peace Research Papers, No. 9,
190
Department of Peace and Conflict Research. http://www.freds.lu.se/upload/
freds/FKVA11/FKVA11.2.melander.pdf
148. Mellbourn, Anders (ed): 2004, Developing a Culture of Conflict Prevention,
Hedemora, Gidlunds forlag, Anna Linda Programme on Conflict Prevention.
149. Miller, David (ed), Coleman, Janet, Connolly, William, Ryan, Alan
(Advisory Editors): 1991, The Blackwell Encyclobedia of Political Thought,
Oxford, Blackwell Publishers.
150. Ministry for Foreign Affairs: 1999, Preventing Violent Conflict: A Swedish Action
Plan: Summary of Ds 1999:24, Stockholm,, Policy Planning Group, p. 16.
151. Ministry for Foreign Affairs: 2001, Preventing Violent Conflict-Swedish
Policy for the 21st Century, Sweden, Secretariat for Conflict Preventing,
Ministry of Foreign Affairs.
152. Mitchell, Christopher Roger: 1981, the Structure of International Conflict,
Macmillan, London.
153. Molling, Christian: October 2008, Comprehensive Approaches to
International Crisis Management, CSS Analysis in Security Policy, Center for
Security Studies, ETH Zurich, Vol. 3, No. 42.
154. Nordquist, Kjell-Ake: 1997, Peace After War; on Conditions for Durable
Inter-State Boundary Agreements, PhD Thesis Published as Report No.34
Research, Uppsala, Sweden.
155. Ohlson, Thomas: 2008, Understanding Causes of War and Peace, European
Journal of International Relations, the Standing Group on International
Relations (SGIR) of the European Consortium for Political Research, (14) 1,
pp 133-160.
156. Ohlson, Thomas: 1998, Power Politics and Peace Policies: Intra-State
Conflict Resolution in Southern Africa, Report No. 50, Department of Peace
and Conflict Research, Uppsala University, Sweden.
157. Preventing Deadly Conflict: 1997, Carnegie Commission on Preventing
Deadly Conflict, Final report, New York: Carnegie Corporation of New York.
158. Preventing Violent Conflict, Swedish Policy for the 21st Century, Stockholm:
2001, Ministry for Foreign Affairs, Secretariat for Conflict Prevention.
159. Preventing Violent Conflict: A Swedish Action Plan, Ministry for Foreign
Affairs, Secretariat for Conflict Prevention, Stockholm, 1999, p3,
http://www.sweden.gov.se/content/1/c6/02/01/61/aad1f9e6.pdf
160. Pruitt, Dean, And Rubin, J: 1986, Social Conflicts: Escalation, Stalemate
and Settlement, Random House, New York.
161. Ramsbothan Oliver, Woodhouse Tom, and Miall Hugh: 2005, Contemporary
Conflict Resolution, Cambridge U.K: Polity Press, Second Edition.
162. Reynolds Levy, L.: 2004, The International and Post Conflict Peace building,
PhD Thesis, Department of Peace Studies, University of Bradford.
191
163. Richardson, Lewis: 1960, Statistics of Deadly Quarrels, Chicago, Quadrangle
Books.
164. Rodolfo Stavenhagen, Ethnic Conflict and the Nation- State, London &
New York: Macmillan, 1996.
165. Ropers, Norbert and Klingwbiel, Stephan: 2002, Peace-Building, Crisis
Prevention and Conflict Management: Technical Cooperation in the Context of
Crisis, Conflicts, and Disasters, Eschborn, Germany, Deutsche Gesellschaft für
Technische Zusammenarbeit (GTZ), division 42, http://www.gtz.de/de/
dokumente/en-crisis-prevention-and-conflict-management.pdf.
166. Rosen, Steven & Jones, Walter: 1974, the Logic of International Relations,
Cambridge, Winthrop.
167. Rosenau, James (Ed): 1964, International Aspects of Civil Strife, New
Jersey, Princeton University.
168. Rosenthal, Uriel, Charles, Michael T. & Hart, Paul T.: 1989, Coping with
Crises: the Management of Disasters, Riots and Terrorisms, USA: Charles C
Thomas Pub Ltd.
169. Rosenthal, Uriel, Boin, Arjen & Comfort, Louise K. (eds): 2001, Managing
Crises: Threats Dilemmas, opportunities, USA, Charles C Thomas Pub Ltd.
170. Ross, Marc Howard: 1993, the Culture of Conflict: Interpretations and
Interests in Comparative perspective, New York & London, University Press.
171. Ryan, Stephen: 2003, "Peace and Conflict Studies Today", the Global Review
of Ethnopolitics, Vol. 2, No. 2, pp. 75-82.
172. Said, Abdul Aziz & C. Funk, Nathan, & Kafayifci, Ayse S: 2002, Islamic
Approaches to Conflict Resolution & Peace, Abu Dhabi, the Emirates Center
for Strategic Studies and Research.
173. Salem, Ahmad: 2002, "Ideology, Interest and International Order: A Critique
of the Democratic Peace Theory", the Annual Conference of the Center
for the Study of Islam and Democracy, Arlington, Virginia, USA, 6-7 April
2002.
174. Salem, Paul E (ed): 1997, Conflict Resolution in the Arab World: Selected
Essays, American University of Beirut, Beirut.
175. Sandole, Dennis J. D. and Hugo van der, Merwe’s, (eds): Conflict
Resolution Theory and Practice: Integration and Application, Manchester
University Press, Manchester and New York.
176. Schellenberg, James A.: 1996, Conflict Resolution: Theory, Research, and
Practice, New York: State University of New York Press.
177. Snyder, Jack: 1991, Myth of Empire: Domestic politics and International
Ambition, Ithace, Cornell University press.
178. Stewart F., & Fitzgerald, V.: 2001, War and Underdevelopment, Oxford,
Oxford University Press.
191
179. Swanstrom, Niklas: 2002, Regional Cooperation and Conflict Management:
Lessons from The Pacfic Rim, Report No.64, Uppsala University, Uppsala,
Department of Peace and Conflict Research.
180. Tammen, Ronald et al: Power Transition: Strategies for the 21 Century,
Chatham House Publishers Seven Bridges Press LLC.
181. Tajfel, H., & Turner, J. C. (1986). The social identity theory of intergroup
behavior. In S. Worchel & W. G. Austin (Eds.), Psychology of Intergroup
Relations (pp. 7-24). Chicago, IL: Nelson-Hall.
182. The Global Directory of Peace Studies and Conflict Resolution
Programme: a joint Project of the peace and justice studies association &
International Peace Research foundation, http://www.peacejusticestudies.org/
resources/publications.php
183. Understanding Conflict and Peace, Life Cycle of the conflict, 2009,
http://www.creativeworldwide.com/CAIIStaff/Dashboard_GIROAdminCAIISt
aff/Dashboard_CAIIAdminDatabase/resources/ghai/understanding.htm
184. Van Walraven, Klaas (Ed): 1998, Early Warning & Conflict Prevention:
Limitations and Possibilities, The Hague, Kluwer Law International.
185. Vasquez, John (Ed): 2000, What Do We Know A Bout War? Lanham, MD,
Rowman and Littlefield.
186. Vasquez, John A. (ed.): 1986, Classics of International Relations, Englewood
Cliffs, N.J, Prentice-Hall.
187. Vasquez, John A: 2009, the War Puzzle Revisited, Cambridge, UK,
Cambridge University Press.
188. W. Moore, Christopher: 2003, the Mediation Process, Jossey Bass A Wiley
Imprint, U.S, 3rd Edition.
189. Wallensteen, Peter & (others): Conflict Prevention through Development
Co-operation, Department of Peace & Conflict Research, Uppsala University,
Uppsala, Sweden.
190. Wallensteen, Peter & Harbom Lotta: 2009, Patterns of Peace and Conflict,
Armed Conflict Dataset 1946-2008, Journal of Peace Research, 48 (4):
577- 587.
191. Wallensteen, Peter & Moller, Frida: 2003, Conflict Prevention:
Methodology for Knowing the Unknown, Uppsala University, Uppsala,
Department of Peace and Conflict Research, Peace Research Paper, No. 7.
192. Wallensteen, Peter & Sollenberg, Margareta: 1998, ‘Armed Conflict and
Regional Conflict Complexes, 1989-97’, Journal of Peace Research, 35 (5):
621-634.
193. Wallensteen, Peter (ed): 1998, Preventing Violent Conflict: Past Record and
Future Challenges, Uppsala: Uppsala University, Sweden, Department of
Peace and Conflict Research.
194
194. Wallensteen, Peter, & Harbom, Lotta, & Sundberg, Ralph (Eds): 2009,
States in Armed Conflict 2008, Department of Peace and Conflict Research,
Uppsala University.
195. Wallensteen, Peter, Margareta, Sollenberg: 2001, Armed Conflict 1989-
2000, Journal of Peace Research, 38 (5): 629-644.
196. Wallensteen, Peter: 2000, a Century of Economic Sanctions: A Field
Revisited Uppsala Peace Research No.1, Department of Peace and Conflict
Research, Uppsala University.
197. Walraven, Klaas Van (Ed): 1998, Early Warning & Conflict Prevention:
Limitations and Possibilities, The Hague: Kluwer Law International.
198. Walt, Stephen M.: 1996, Revolution and War, Ithace, Cornell University
press.
199. Walter, Dorn A.: 1996, “Keeping Tabs on a Troubled World: UN Information
Gathering to Preserve Peace”, Security Dialogue, Vol. 27 (3): 263-276.
200. Waltz, Kenneth: 1979, Theory of International Politics, New York, Random
House.
201. Wiberg, Hakan: 1988, "The Peace Research movement", in Wallensteen
Peter (ed), Peace Research: Achievements and Challenges, Boulder &London:
Westview Press, pp.30-53, pp.30-32.
202. Williams, Phill: 1971, Crisis Management, London, International Affairs
Chatm House.
203. World Directory of Peace and Training Institutions: 1994, UNESCO Social
& Human Sciences Documentation Centre & Division of the Human Rights,
Democracy and Peace, Blackwell Publishers, Oxford, pp21-193.
204. World Directory of Peace Research Institution: 1981, reports and papers in
the social sciences, no.49, UNESCO, Paris.
205. Zartman William (Ed), 1995, Elusive Peace: Negotiating an End to Civil
Wars, The Brooking institution, Washington D.C.
206. Zartman William (Ed): 1978, the Negotiation Process: Theories and
Applications, Sage, Beverley Hills, Calif.
207. Zartman William (Ed): 1995, Collapsed States: The Disintegration &
Restoration of Legitimate Authority, Boulder, Col.: Lynne Rienner
Publishers.
208. Zartman William: 1978, the Negotiation Process: Theories and Applications,
Beverley Hills, Calif.: Sage.
209. Zartman, William: 1974,"The Political Analysis of Negotiation: How, Who
Get What, and When?", World Politics, Vol. 26, No.3, pp. 385 -399.
210. Zartman, William: 1989, Ripe for Resolution: Conflict and Intervention
Africa, New York, Oxford University Press.
195