Professional Documents
Culture Documents
القاهرة في 30/8/2007
يتردد هذا المصطلح كما هو معروف بشكل مكثف ويومي في وسائل اإلعالم ،وهو بالطبع واضح
المعنى لكن اإلشارة إليه هنا تأتي لمحاولة بيان نوع آخر من تعامل اإلعالم مع المصطلحات
واأللفاظ يختلف عما نشير إليه عادة هنا من التركيز على المعاني السطحية مع إخفاء األبعاد
األوسع واألعمق .فالتعامل اإلعالمي مع هذا المصطلح والبعض اآلخر غيره يتم بالتركيز على
جانبه المثير وحتى اإلنساني مع إهمال جوانب أخرى فيه التقل إثارة أو إقالقاً ..فالتركيز
اإلعالمي والسيما المرئي يتم على عشرات ومئات الالجئين الغرقى أو الناجين بصعوبة من
حوادث السفن الرديئة والمتهالكة التي يركبونها لتقلهم خلسة الى شواطيء أوروبا الجنوبية
كما كان التركيز في الماضي القريب يتم على مناظر عشرات من العابرين للنهر الفاصل بين
أمريكا والمكسيك وقد التقطت صورهم في ظالم الليل كاميرات األشعة تحت الحمراء التابعة
للشرطة األمريكية.
لكن الظاهرة المعروفة باسم الهجرة غير الشرعية هي أوسع بكثير مما ينشر أو يذاع من صور
مثيرة ذات طابع إنساني مؤلم .وهذا ما كشفت عنه التطورات األخيرة التي لم تخل هي من هذا الطابع اإلنساني المؤلم .ففي هذه األيام بدأ
يتكشف وجود تيار قوي من الهجرة االفريقية الى إسرائيل عبر صحراء سيناء وليس بقصد إتخاذها محطة ألوروبا ولكن بقصد البقاء هناك .كذلك
تبين في الفترة القريبة وجود تيار هجرة قوي الى بلدان أوروبا الشرقية وروسيا وحتى الى بلدان عربية في شمال افريقيا والى بلدان وسط
آسيا.
ولم تكن هذه كلها بلدان مستهدفة بهذه العملية من الهجرة بل ربما ارتبط بعضها بظاهرة تحرك سكاني أخرى هي اللجوء من الحروب أو
الهروب من نيران الحروب ..وال ننسى إسرائيل ودورها في طرد وتهجير الفلسطينيين وطردهم من وطنهم ودور روسيا السوفيتية في تهجير
وطرد الشعوب المسلمة المختلفة من أراضيها ونفيهم الى شرق آسيا والى حدود الصين.
وإذا دل هذا على شيء فإنما يدل على أن تيار الهجرة غير الشرعية كما تسمى قد اتسع ولم يعد يقتصر على مايمكن وصفه بدول المنتهى
التقليدية وإنما ضم دوال ً أخرى كانت ومازالت تعاني من مشكالت إقتصادية شديدة لكنها فيما يبدو تهون أمام فظاعة وهول ما يعانيه هؤالء
المهاجرون في بلدانهم األصلية.
وفي هذه الحالة ومع إتساع رقعة بالد المقصد الى حد يفوق كل التصورات التقليدية وكذلك مع التصاعد الفلكي في أعداد النازحين وتركز
إعتمادهم على وسائل نقل ضخمة مثل السفن أصبحنا اآلن نواجه ظاهرة الينطبق عليها مصطلح محدود مثل الهجرة غير الشرعية وما
يشابهه من تعبيرات سابقة مثل الهجرة اإلقتصادية .إن المصطلح األفضل إنطباقا في هذه الحالة هو مصطلح الخيال العلمي الذي كان يروج في
السبعينات حول الطوفان البشري الذي يتمثل في عشرات الماليين من البشر الذين يهربون من أماكنهم نتيجة لكارثة طبيعية أو تدهور
مأساوي في البيئة بحثاً عن الطعام.
والغريب أن هذه التصورات التي كانت تطرح في السبعينات وحتى في الثمانينات على أنها مجرد خيال علمي محتمل الوقوع أصبحت تطرح
اآلن ومن خالل سيناريوهات االحتباس الحراري وذوبان ثلوج القطبين وتغيير المناخ وما الى ذلك على أنها احتماالت علمية مرجحة .ويقع ما
يحدث اآلن ويجري وصفه تحت مسمى الهجرة غير الشرعية موضعا قلقاً بين تطورات الخيال العلمي السابقة وسيناريوهات العلم المتوقعة.
وبذلك يعد مصطلحنا بمثابة نوع من التعطيف أو التعبير الخفيف حسب المفهوم اللغوي ألن ما يحدث ليس بالتأكيد هجرة غير مشروعة أي غير
مؤطرة بإجراءات قانونية ولوائح محددة بل هو أكبر من ذلك يتخذ صورة بحر من البشر يهرب من ظروف ال تقتصر على ماقد يتوقع من حروب أو
ضغوط سياسية أو بطالة بل تمتد لتشمل مستوى المعيشة نفسه والحصول على أساسيات الحياة.
ومن الواضح أن دول المقصد لم تعد تتعامل مع هذه الظاهرة على أنها مجرد هجرة غير شرعية بل على أنها طوفان بشري ولهذا تتخذ مبادرات
واسعة النطاق وإجراءات تنتهك كل األعراف الديموقراطية المعلنة السيما في أوروبا الغربية ..ووصل األمر الى حد التدخل الفاضح والفظ في
دول المنبع لفرض حكومات معينة يكون كل دورها منع المهاجرين كما وصلنا الى وضع أصبحت فيه بعض دول المرور أو العبور تعرض خدماتها
على الغرب بالذات لمنع مرور الهاربين أو المهاجرين عبر أراضيها لقاء المساعدات المختلفة وصوال ً الى تثبيت أنظمة حكمها والتمكين للحكام
ولورثتهم.
1