Professional Documents
Culture Documents
المدير المسؤول:
محمد بوجنون
أستاذ المالية العامة جامعة الحسن األول– سطات
كريم الصبونجي :رئيس التحرير بالل بورخة :مدير التواصل سمية عكور :مديرة التحرير خالد صديقي :مدير النشر
أستاذ القانون الخاص أستاذ التدبير أستاذة القانون الخاص أستاذ االقتصاد والتدبير
كلية الحقوق سطات المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير وجدة كلية الحقوق سطات كلية الحقوق سطات
Amrald.settat@gmail.com
***اللجنــــة العلميــــــة الوطنيـــــة***
محمد الكنيدري :رئيس الجامعة الخاصة بمراكش -أحمد نجم الدين :رئيس جامعة الحسن األول سطات -عبد اهلل اإلدريسي :عميد كلية
الحقوق وجدة – رشيد السعيد :عميد كلية الحقوق سطات -جمال حطابي :عميد كلية الحقوق المحمدية -محمد يحي :عميد كلية الحقوق
طنجة – خالد حمص :عميد كلية الحقوق سال – محمد الغالي :رئيس المركز الجامعي قلعة سراغنة -عبد القادر تيعالتي عميد سابق بكلية
الحقوق سطات – رياض فخري :نائب رئيس جامعة الحسن األول سطات -عبد المجيد اسعد :نائب رئيس جامعة الحسن األول سابقا -نجيب
الحجيوي :رئيس شعبة القانون العام بسطات ،عبد الجبار عراش :نائب عميد كلية الحقوق بسطات -المصطفى منار :نائب عميد كلية الحقوق
بسال – محمد بوخبزة :نائب عميد كلية الحقوق طنجة -حنان بنقاسم :أستاذة التعليم العالي كلية الحقوق سطات -احمد بوجداد :رئيس شعبة
القانون العام ،كلية الحقوق اكدال -عبد الجبار عبدوني :رئيس شعبة االقتصاد ،كلية الحقوق سطات -يحي الحلوي :أستاذ القانون العام
والعلوم السياسية وجدة -احمد خرطة :أستاذ القانون الخاص كلية المتعددة التخصصات الناظور -أبو بكر مهم :أستاذ القانون الخاص بكلية
الحقوق سطات -احمد حضراني :أستاذ القانون اإلداري بكلية الحقوق مكناس -احمد مفيد :أستاذ القانون العام والعلوم السياسية كلية
الحقوق فاس -محمد غزالي :أستاذ القانون العام والعلوم السياسية ،كلية علوم التربية الرباط -كريمة طويلي :مديرة مختبر البحث حول
التدبير والتنمية كلية الحقوق سطات -محمد كميشو :أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق قنيطرة – عبد اللطيف بكور :أستاذ التعليم العالي
كلية المتعددة التخصصات أسفي -محمد بن ماسو :أستاذ االقتصاد والتدبير بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير مراكش -نورالدين الناصري:
أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق سطات – عبد الواحد المسعودي :أستاذ االقتصاد والتدبير بكلية الحقوق سطات -يحي العلوي :أستاذ
التعليم العالي بكلية الحقوق سطات -حسن طارق أستاذ القانون العام والعلوم السياسية كلية الحقوق الرباط.
منشـــــــــورات
هيئـــــــــــــــــــــــة اإلدارة
المديـــــــــــر المســـــــؤول :محمد بوجنون :أستاذ المالية العامة جامعة الحسن األول – سطات
مديـــــر النشـــــــر :خالد صديقي :أستاذ االقتصاد والتدبير كلية الحقوق سطات
مديـــــرة التحرير :سمية عكور :أستاذة القانون الخاص كلية الحقوق سطات
مديـــــر التواصل :بالل بورخة :أستاذ االقتصاد والتدبير المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير وجدة
رئيس التحرير :كريم الصبونجي :أستاذ القانون الخاص كلية الحقوق سطات
تعبر المساهمات المنشورة ضمن منشورات المجلة العربية للدراسات القانونية واالقتصادية واالجتماعية عن
آراء كاتبها
املجلة العربي ــة للدراسات القانونية واالقتصادية واالجتماعية « Al-Arabiya » Review of Legal, Economic and Social studies
La revue « Al-Arabiya » des études juridiques, économiques et sociales
الفهرس
05 عبد الكريم المصباحي اإلشكاليات القانونية والعملية للحساب البنكي
وحماية حقوق المستهلك
20 عادل المعروفي اآلليات القانونية لحماية مستهلك العقار
29 رضوان جيراني الحق في التراجع كألية لحماية المستهلك في
عقود التجارة اإللكترونية
43 كمال الفاسي الحماية القضائية لمستهلك العالمة ما بين إجحاف
النص ومتطلبات الممارسة
58 سيدي علي ماء العينين ضمانات مستهلك الخدمات البنكية
82 يونس عثماني المستهلك المغربي بين الحماية والخداع
97 عبد المهيمن حمزة تبصير المستهلك المقترض عبر تقنية العرض
المسبق في القروض العقارية على ضوء
القانونين المغربي والفرنسي
123 هند الحدوتي تسوية منازعات عقود االستهالك
135 هاجر السعيدي نحو دعم المركز القانوني للمستهلك في
المنازعات القضائية
150 منى المسلومي دور بنك المغرب في حماية مستهلك مؤسسات
االئتمان
167 عمر السكتاني جمعـيــات حمـايـة المستهــلك :المكاسب
واإلكراهات
187 محمد االيوبي مدى مالءمة الضوابط الشخصية لتحديد
االختصاص القضائي الدولي
في حماية المستهلك اإللكتروني
206 مساهمة إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة
في حماية المستهلك وضمان أمن المواطن
237 محمد صداق الحماية القانونية لمستهلك القرض العقاري
258 كريم الصبونجي حماية المستهلك في العقد السياحي
283 عبد المغيث تـابتـي حماية المستهلك في التشريع الجمركي المغربي
290 هشام العوفي -سارة الدور الوقائي للجمعيات في حماية المستهلك من
الحميدي االشهار الكاذب والمضلل بالمغرب
املجلة العربي ــة للدراسات القانونية واالقتصادية واالجتماعية « Al-Arabiya » Review of Legal, Economic and Social studies
La revue « Al-Arabiya » des études juridiques, économiques et sociales
يعتبر عقد الحساب البنكي من أهم العقود التي تبرمها األبناك مع عمالئها ،بالنظر
إلى أنه يلبي حاجة مؤسسات االئتمان من األموال الالزمة لتمويل املشاريع ،كما يلبي حاجة
العمالء الذي يبحثون عن فتح حسابات بنكية من أجل االستفادة من مختلف الخدمات
التي تقدمها األبناك ألصحاب الودائع النقدية ،وخاصة ما يتعلق بخدمات الصندوق،
واستخالص ووفاء األوراق التجارية ،وعمليات التحويل البنكي...
وإذا كان املشرع املغربي قد عمل على تنظيم عقد الحساب البنكي بكل من مدونة
التجارة والقانون البنكي ،فإن األعراف والعادات املهنية البنكية قد أثرت عليه ال من حيث
إبرامه ،وتنظيم مختلف العمليات التي يشملها ،وال من حيث إثباته.
لذالك فإن املشرع املغربي ألزم مؤسسات االئتمان باحترام مجموعة من االلتزامات
التي من شأنها أن تؤدي إلى حماية املودع باعتباره الطرف الضعيف في عقد الوديعة
النقدية .كما أن القضاء بدوره اعتاد على التشدد في التعامل مع املؤسسات البنكية
باعتبارها مودعا لديه محترفا ومهنيا.
ولهذا السبب فقد أسند املشرع املغربي لوالي بنك املغرب عددا من السلطات التي
تمكنه من بسط رقابته على املؤسسات البنكية العاملة تحت رقابته ،من أجل ضمان
حسن سيرها وإدارتها بغية الحفاظ على سمعة وثقة العمالء في النظام البنكي املغربي.
وهو ما جعل نظام ضمان الودائع أمرا ال مناص منه من أجل تعزيز ثقة الزبناء في
النظام البنكي ،عن طريق قيامه بدور وقائي يكمن في مساعدة مؤسسات االئتمان التي
تعاني من صعوبات ،إضافة إلى دوره العالجي املتمثل في تعويض املودعين في حالة تصفية
املؤسسة البنكية املودع لديها.
لذ الك فإن املشرع املغربي عمل على إحاطة عقد الحساب البنكي بعدة ضمانات
لتوفير الحماية الالزمة للمستهلكين.
لكن الواقع املعاش أبان عن مجموعة من اإلشكاليات العملية التي تنشأ بين
مؤسسة األثمان واملستهلك واملتعلقة بالحساب البنكي ،فما هي هده اإلشكاالت وكيف
تعامل معها التشريع والقضاء ؟
إن الطريقة التي نهجها املشرع املغربي في تنظيمه للحسابات البنكية ،تفرز نتائج
نظرية وعملية في غاية األهمية في تفسير ماهية الحسابات البنكية وصورها(املبحث
األول) ،فإعطاء املؤسسة البنكية حرية قبول أو رفض فتح الحساب البنكي ،يتير النقاش
حول إمكانية قيام مسؤولية البنك اتجاه املستهلك عن تعسفه في استعمال حقه عندما
يمتنع عن فتح الحساب البنكي ؟ وهل يحق للبنك نقل الحساب من وكالة إلى أخرى ؟ (
املبحث الثاني).
فالحساب البنكي إذن وإن كان يفتح باألساس إليداع النقود لدى البنوك ،1فإنه
عادة ما يستعمل كوسيلة إلجراء العديد من العمليات البنكية األخرى ،ذلك أن الحساب
البنكي قد يسمح للمستهلك بالحصول على االئتمان في الحالة التي يرخص له فيها البنك
-1محمد حسني عباس " :عمليات البنوك " ،دار النهضة العربية القاهرة 1972 ،ص .57
صراحة أو ضمنيا بإمكانية تحول رصيده بالحساب إلى رصيد املدين ،وذلك استثناء من
القاعدة املنصوص عليها في الفقرة الثانية من املادة 524من مدونة التجارة والتي مؤداها
" الرصيد املدين العرض ي ال يعتبر فتحا لالعتماد ".
وال يقتصر الحساب البنكي على ما ذكر ،بل إنه أيضا أساس إلجراء بعض
العمليات البنكية األخرى كتحصيل أو استخالص مبالغ األوراق التجارية املودعة من
طرف املستهلك املعني باألمر وتقييد هذه املبالغ في الجانب الدائن للحساب ،والوفاء
باألوراق التجارية التي يسحبها هذا املستهلك على البنك املفتوح له الحساب ،وتنفيذ أوامر
التحويل البنكي التي يصدرها صاحب الحساب للبنك ،وغير ذلك من العمليات البنكية
التي لها عالقة إما بتلقي الودائع أو بتقديم الخدمات املرتبطة بهذه الودائع.1
فاملشرع املغربي وعلى غرار باقي التشريعات املقارنة لم يعرف الحساب البنكي و
إنما قسم الحسابات البنكية في املادة 487من مدونة التجارة إلى حسابات باطالع
وحساب ألجل ،ولم يعرف الحساب البنكي بشكل عام ولكنه قام بتعريف الحساب
باالطالع في املادة 493من مدونة التجارة ،حيث جاء في هذه املادة " الحساب باإلطالع
عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما املتبادلة في كشف وحيد على
شكل أبواب دائنة ومدينة والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة
أحد األطراف ".2
بناءا على ما سبق يتبين لنا بجالء أن املشرع املغربي جمع في تعريفه للحساب
باإلطالع بين خصائص الحساب الجاري وحساب الودائع النقدية ،بحيث أن مفردات
الحساب تندمج فيما بينها ،وأن الديون تخضع ملبدأ التجديد وتجري املقاصة بينهما ،وأن
الديون بصورة دورية ،ويمكن استخراج الرصيد املؤقت في أي وقت ،وهذا ش يء بالغ
األهمية حيث يوحد األحكام املطبقة على جميع الحسابات البنكية.
وبالتالي ال توجد ضرورة للبحث عن قصد األطراف عند توقيع اتفاقية الحساب،
واألصل أن يكون هذا الحساب دائنا وال يؤدي االتفاق على فتحه على منح اعتماد
-1مصطفى كمال طه " :القانون التجاري عمليات البنوك " ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية 1990 ،ص:
.415
-2أنس موسى أبو العون " :المسؤولية المدنية لألبناك اتجاه الزبائن والغير " أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،شعبة القانون الخاص ،وحدة التكوين والبحث للدكتوراه ،في العقود والعقار ،جامعة محمد األول ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية و االجتماعية ،وجدة ،السنة الجامعية ،2010 -2009ص .53
للمستهلك ،كما تنص على ذلك املادة 499من مدونة التجارة ،وهذا من أهم خصائص
حساب الوديعة.
وفي مقابل ذلك أجازت املادة 501من م .ت أن يكون هذا الحساب مدينا ،هذه
اإلمكانية ترجع إلى اتفاق كل من البنك واملستهلك.
ومن هنا يمكن أن نستنتج أن املشرع املغربي لم يقم بتعريف حساب الوديعة
النقدية كوعاء تفرغ فيه هذه الوديعة ،واكتفى باإلشارة إلى هذه الوديعة في املادة 509من
مدونة التجارة ،وأشار إلى االلتزام بالرد في املادة 510من نفس املدونة ،وجمع خصائص
كل من عقد الحساب الجاري في حساب واحد وأطلق عليه الحساب باإلطالع.
وقد تعرضت مدونة التجارة لحالة تعدد الحسابات البنكية املفتوحة لشخص
واحد لدى نفس البنك في املادة 489منها والتي تنص على أنه " في حالة تعدد الحسابات
املفتوحة لنفس الزبون وفي نفس الوكالة أو في عدة وكاالت لنفس املؤسسة البنكية ،فإن
كال هذه الحسابات يعمل مستقال عن األخر ،إال إذا نص القانون على خالف ذلك ".
-1إبراهيم قادم " :محاضرات في القانون البنكي " السداسي الرابع ,كلية متعددة التخصصات سيدي محمد بن عبد
هللا تازة ,طبعة ،2011ص .24
هذا النص وكما هو واضح منه ينظم العالقة بين البنك واملستهلك عند توفر هذا
األخير على عدة حسابات بنكية لدى نفس املؤسسة ،سواء كان في وكالة واحدة أو عدة
وكاالت بنكية تابعة لنفس للبنك ،فقد تكون هذه الحسابات من نفس الطبيعة أي قد
تكون جميعها مثال حسابات باإلطالع أو حسابات ألجل أو حسابات لوديعة األوراق املالية،
فمهما كان نوع هذه الحسابات وطبيعتها فإن كل واحد منهما يخضع للقواعد الخاصة بها
فيما يتعلق بتشغيله ووقفه ،1وهذا ما يعبر عنه باستقالل الحسابات 2ويستند املبدأ إلى
فكرة جوهرية مؤداها أن املستهلك عندما يقدم على فتح عدة حسابات بنكية في فرع
مؤسسة بنكية واحدة أو عدة فروع لدى نفس املؤسسة البنكية فإنه يكون قد عبر عن
إرادته في أن يستقل كل حساب عن األخر بطريقة تشغيله ،وبالتالي يجب على املؤسسة
البنكية احترام إرادة املستهلك وكذلك الغير الذي يتعامل معه.3
كما سبقت اإلشارة إلى ذلك أعاله فقاعدة استقالل الحسابات البنكية ،املفتوحة
لنفس الزبون (املستهلك) لدى نفس البنك ،عن بعضها البعض ترتكز على انفراد كل واحد
من هذه الحسابات بأمر وطريقة تشغيله ،ومن هنا فإن أي من الحسابات املتعددة التي
يكون فاتحها لدى نفس املؤسسة البنكية شخص طبيعي أو معنوي واحد ال يتأثر بغيره وال
يؤثر فيه ،ولو كان ذلك في مصلحة املستهلك املعني باألمر ،إال إذا تم االتفاق صراحة على
مخالفة هذه القاعدة.
إال أن التساؤل الذي يطرح في هذا اإلطار حول ما إذا كان بإمكان املؤسسة
البنكية املفتوح لديها عدة حسابات بنكية لنفس الزبون ،أن تقوم في حالة عدم توفر
مؤنه كافية حساب املسحوب منه الشيك املقدم لها ،للوفاء بأداء هذا الشيك من رصيد
الدائن املسجل بأحد الحسابات األخرى املفتوحة باسم هذا الزبون ،وذلك لكفاية هذا
األخير شر ما يمكن أن يتعرض إليه من جزاءات مدنية وجنائية ،نتيجة عدم توفر املؤنة
الكافية ألداء شيك عند التقديم.4
-1إال إذا كان اإلنهاء مترتبا عن سببا ال يعود إلى إرادة الطرفين ولكن إال سبب خارج عن إرادة ،حيث تقفل الحساب
حسب المادة 503من مدونة التجارة التي تنص على أن " الحساب يقفل بالوفاة أو انعدام األهلية ،والتسوية أو
التصفية القضائية للزبون " حيث أنه في حال تحقق واحد من هذه الحاالت يؤدي إلى توقف حسابات الزبون سواء
كان حساب وحيد أو عدة حسابات.
-2رضا السيد عبد الحميد " :النظام المصرفي عمليات البنوك" ال يوجد ذكر للنشر ،القاهرة ،2000 .ص .226
-3محمد الفروجي :العقود البنكية " ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء 2001 ،ص .72
-4بخصوص الجزاءات المترتبة على عدم توفير الساحب المؤونة الكافية ألداء الشيك عند تقديمه راجع.
-امحمد لفروجي " الشيك وإشكاالته القانونية والعملية " ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة
األولى ،1999.ص .306 – 305
الواقع أنه بالرغم من كون التساؤل عن مدى جوازه يعتبر في صالح الزبون ذي
الحسابات البنكية املتعددة لدى نفس املؤسسة البنكية ،فإن مؤدى مبدأ استقالل
الحسابات في هذه الحالة عن بعضها البعض يقتض ي أن ال يتم وفاء الشيك إال من رصيد
الحساب الذي سحب منه ،وأن ال يتم كذلك نقل الرصيد الدائن ألحد الحسابات إلى
حساب آخر إال بناء على أمر بذلك صادر من الزبون صاحب هذه الحسابات.1
فمن خالل تتبع العمل القضائي للمحاكم التجارية باملغرب يالحظ أنها المست
قضايا من النوع املذكور أثيرت بين عدة بنوك وأصحاب الحسابات البنكية املفتوحة
لديها ،ذلك أن هؤالء اآلخرين لم يتوانوا في التمسك بالدفع بعدم االختصاص النوعي
للمحكمة التجارية بالبث في النزاع املعروض عليها بهذا الخصوص وذلك بدعوى عدم
تجارية الحساب البنكي من زاوية الزبون /املستهلك املدعى عليه.2
وهذا ما يفسر أن املستهلك يعد حلقة ضعيفة في هذه العالقة التعاقدية بينه
وبين البنك وبالتالي هناك إهدار وتقصير لحقوقه ،وهذا ما يجعلنا ندعو املشرع لتوفير
حماية كافية للمستهلك في عالقته مع البنك.
إال أنه بالرغم من التبريرات املتعددة املقدمة من طرف املدعى عليه املستهلك
بالدفع بعدم اختصاص املحكمة التجارية بالنظر في الدعوى الناشئة عن الحساب
البنكي ،فإن بعض املحاكم التي تمكنا من االطالع عن عملها القضائي طبقت القانون
تطبيقا سليما في االتجاه الذي أكدنا عليه أعاله وقضت بالتالي بكون املحكمة التجارية
مختصة نوعيا بالنظر في الدعوى املترتبة عن الحساب البنكي باعتباره عقدا تجاريا
بطبيعته وذلك بصرف النظر عن صفة صاحبه وعن الغرض املفتوح من أجله.3
أنظر أيضا:
C. EAVALADES et J. STOUFFET : « Chèques et effet des commerce » éd.
PUE, Paris, 1994
p 388.
-1محمد الفروجي " :العقود البنكية " ،م.س ،ص .74
-2ألنه لو كان صاحب الحساب هو الطرف المدعي لما جاز له أن يتمسك بالدفع بعدم االختصاص النوعي للمحكمة
التجارية حتى لو سلمنا جذال بأن عقد الحساب البنكي بعد عمال مختلطا بجميع بين الوصف التجاري والوصف
المدني.
-للمزيد من االطالع بخصوص االختصاص القضائي النوعي بالنسبة للعمل المختلط.
-امحمد لفروجي " :التاجر وقانون التجارة بالمغرب " ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة الثانية 1999ص 394و
.395
-3أنظر على الخصوص:
وفي مقابل ذلك تنص املادة 490من مدونة التجارة على أنه " يمكن للمؤسسة
البنكية فتح حسابات جماعية مع أو بدون تضامن ".
فمن خالل املادة 490السالفة الذكر يتبين أنه يقصد بالحساب البنكي الجماعي
أنه الحساب املفتوح لعميلين أو أكثر ،ولكن الحساب الجماعي يختلف في طريقة إنشائه
وفي أنواعه فقد تتدخل إرادة عدة أشخاص في إنشاء مثل هذا الحساب ،1وقد ال يكون
لإلدارة أي دور في إحداث مثل هذا الحساب فقد يتحول الحساب الفردي إلى حساب
جماعي نتيجة وفاة صاحب الحساب وتصفيته وبالتالي ال يمكن أن يستمر البنك في
تشغيل الحساب بهذه الصفة ،وما يجرى به العمل أن يقوم البنك بفتح حساب جديد
(حساب جماعي) باسم هؤالء الورثة ينقل إليه رصيد كل منهم بحسب نصيبه في حساب
املورث ويقفل هذا الحساب بحكم وفاة هذا األخير.2
ولكن من خالل استقراء املادة 490من مدونة التجارة نالحظ أنها لم تتطرف إلى
جميع أنواع الحسابات وإنما اكتفت بذكر الحساب الجماعي أو تضامن.
وبناءا على ذلك يثور التساؤل حول ما إذا كانت عبارة " الحساب الجماعي "
املستعملة من قبل املشرع املغربي في املادة 490من مدونة التجارة تؤدي معنى عاما وتغني
بذلك عن استعمال عبارات " الحساب الشائع " و" الحساب املشترك " و" حساب التركة "
أم أن لكل واحد من هذه العبارات معناها الخاص بها باعتبارها تدل على مؤسسة قانونية
قائمة بذاتها ؟.
فبخصوص هذا التساؤل يذهب أحد الباحثين إلى أن املشرع في هذا املجال تعود
الدقة وأن مصطلح الحساب الجماعي املنصوص عليه في املادة 490م ت يشتمل جميع
أنواع الحسابات ألشخاص متعددين ،كما يذهب األستاذ امحمد لفروجي في نفس االتجاه
-محكمة االستئناف التجارية بفاس ،قرار رقم 182/98بتاريخ 30دجنبر 1998ملف عدد -29608غير
منشور.
-محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء ،قرار رقم 213/99بتاريخ 25فبراير .1999ملف عدد
.141/99/6غير منشور.
-محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء ،قرار رقم 164/99بتاريخ 16فبراير 1999ملف عدد
.60/99/6غير منشور.
-المحكمة التجارية بالدار البيضاء .حكم رقم 271/98بتاريخ 27يوليوز ،1998ملف عدد 560/98غير
منشور.
-1سميحة القليوني " :األسس القانونية لعمليات البنوك ،دار الجيل للطباعة ،القاهرة ،طبعة ،1992ص .616
-2امحمد لفروجي " :العقود البنكية ".م.س .ص .56
بقوله بأن املشرع املغربي وهو بصدد الحديث عن الحساب البنكي املفتوح لعدة أشخاص
قد تجاوز بمقتض ى املادة 490م ت التعابير املستعملة في التشريع الفرنس ي ،ذلك أن
املتداول في فرنسا تشريعا وفقها وقضاءا هو نعت هذا الحساب البنكي بالحساب الشائع
أو املشترك ،في حين أن استخدام مصطلح الحساب الجماعي أسلم ملا لهذا املصطلح من
معنى شمولي.
وهناك رأي آخر يقول بأن 1إلى أن الحساب الشائع هي الصورة التي قام املشرع
املصري بالنص عليها في املادة 308من القانون التجاري املصري حيث أنها تمثل الحساب
املشترك الغير قائم على التضامن السلبي أو اإليجابي ،حيث جاء في الفقرة األولى من هذه
املادة أنه " يجوز أن يفتح البنك حساب مشترك بين شخصين أو أكثر بالتساوي فيما بينهم
ما لم يتفق على غير ذلك ".
اعتقد أن هذه املقتضيات تنسحب على التشريع املغربي مع أن هذا األخير كان
أكثر وضوحا بالنص في املادة 490م ت على أن تفتح حساب جماعي بدون تضامن
وبالتالي فإن الحساب األخير يمكن أن يشمل حساب الشركة أو الحساب الذي يفتح باسم
الشركاء في شركة املحاصة أو أي حالة من الحاالت املشابهة لهذه الحسابات.
املبحث الثاني :بين حرية البنك في فتح ونقل الحساب البنكي وحق املستهلك في ذلك
يوجب املشرع على بعض الفئات ضرورة التوفر على حساب بنكي والتعامل من
خالله ،ومن جانب آخر أعطى املشرع املؤسسات البنكية حق احتكار ممارسة العمليات
البنكية بنصوص صريحة ،فكيف وفق هذا األخير بين اإللزام املفروض على تلك الفئات،
وبين حرية البنك برفض فتح الحساب البنكي؟ (املطلب األول) ،كما أن املشرع أعطى
املؤسسة البنكية حق إغالق الوكالة التي يفتح فيها الحساب البنكي ،والتي اختارها صاحب
الحساب وفق ما يحقق مصالحه ،مما قد يلحق العديد من األضرار باملستهلك الذي ال
يعلم بنقل حسابه البنكي (املطلب الثاني).
زبنائها ،نظرا ملخاطر الكبيرة املرتبطة باملهنة ،إال أن هذا املبدأ تطور مع مرور الزمن ،وأدى
إلى تقييم نسبي إلرادة البنك في هذا املجال ،وهو ما أكده قانون 1993الخاص بمؤسسات
االئتمان والذي أحدث في املادة 65مبدأ " الحق في حساب اإليداع " ومعنى هذا املبدأ أنه
يمكن لكل شخص ال يتوفر على حساب إيداع بنكي وطلب دالك-فتح حساب بنكي -وثم
رفض طلبه بفتح هذا الحساب من طرف عدة مؤسسات ائتمان أن يطلب من بنك املغرب
أن يعين له البنك الذي يمكنه فتح حساب لديه.1
صحيح أنه ليس هناك نص قانوني يلزم البنك بفتح حساب لكل شخص راغب في
ذلك ،غير أن ما يالحظ في الواقع العملي أن هذا املبدأ يتعارض مع بعض النصوص
القانونية التي تلزم فئات من األشخاص املعنويين بإيداع األموال الناتجة عن عمليات أو
تصرفات معنية في حساب بنكي ،مما يقتض ي أن يتوفر هؤالء األشخاص املخاطبون بهذه
النصوص على حسابات إيداع لدى البنوك ،وإال استحال عليهم االمتثال ملا أمر به القانون
في هذا اإلطار ،2وإذا كان املشرع املغربي لم يضع قانونيا يلزم بواسطته املؤسسة البنكية
بفتح حساب بنكي لكل شخص راغب في ذلك ،فإنه في املقابل أوجد نصوصا قانونية تجبر
التجار على فتح حسابات لدى البنوك ،من ذلك مثال املادة 22من قانون شركة املساهمة
املغربي لسنة 1996والتي تنص على ضرورة إبداع األموال املحصلة من عملية االكتتاب في
رأسمال هذه الشركة ،3وأيضا املادة 18من مدونة التجارة املغربي التي تفرض على التجار
ضرورة فتح حسابات بنكية أو في مراكز الشبكات البريدية ألغراضهم التجارية ،4وذلك
تمهيدا إلخضاعهم ملقتضيات املادة 306من م ت ،التي تلزم التجار بأن يوفوا بشيك
مسطر أو بتحويل إذا زاد املبلغ عن عشرة آالف درهم ،وذلك تحت طائلة غرامة ال تقل
عن 6%من قيمة املبلغ املوفا.5
-1عائشة الشرقاوي المالقي " :الوجيز في القانون البنكي المغربي " دار أبي رقراق للطباعة والنشر الطبعة الثانية
2007ص .77
-2امحمد الفروجي " :العقود البنكية " ،م.س .ص.21 ،
-3راجع بهذا الخصوص المادة 22من قانون شركات المساهمة المغربي لسنة 1996التي تنص على ما يلي "
تودع ألموال المحصلة نقدا باسم الشركة التي في طور التكوين في حساب بنكي مجمل مع قائمة للمكتتبين تبين
المبالغ التي دفعها كل واحد منهم ويجب أن يتم اإليداع داخل أجل ثمانية أيام من تلقي األموال".....
-4انظر في هذا الصدد المادة 18م ت م والتي تنص على أنه " يتعين على كل تاجر ألغراضه التجارية ،أن يفتح
حسابا في مؤسسة بنكية أو في مركز الشكات البريدية ".
-تجدر اإلشارة في هذا اإلطار أن هناك قانون في فرنسا مؤرخ في 22أكتوبر 1940يجبر جميع التجار
المتوفرة فيهم الشروط الالزمة للتنفيذ في سجل التجارة و الشركات على فتح حسابات إيداع لدى البنوك أو لدى
مراكز الشكات البريدية وذلك تحت طائلة غرامة جبائية.
-5مع العلم أن هناك العديد من المتعاملين بالشيك كوسيلة للوفاء الذين يجدون الوفاء بالشيك المسطر نظرا لما وفره
لهم طبقا لإلجراء من ضمانات وخاصة فيما يتعلق بتفادي مخاطر السرقة أو الضياع.
وهكذا يالحظ أن هناك مصلحتين مختلفتين تتجاذبان ،طلب فتح الحساب لدى
املؤسسة البنكية املقدم من طرف الشخص املعني باألمر – املستهلك – ورفض هذا
الطلب من قبل املؤسسة البنكية مع العلم أن كلتا هاتين املصلحتين مشروعتين مبدئيا
من الناحية القانونية 1،فاملؤسسة البنكية ترى أن من حقها أن ترفض فتح حساب بنكي
ألي شخص ال يقدم لها الضمانات الكافية أوال تتوفر فيه الشروط الالزمة أو كانت
شخصيته أو سلوكه ال توحي باالطمئنان فكانت ترفض الدخول في هذه العالقة حتى ال
تترتب مسؤوليتها الجنائية على بعض العمليات التي يعتبر الحساب البنكي بداية لها،
واألساس التي تعتمده هو حرية التجارة ،ومن جهة أخرى كان التجار املستهلكين يرون من
حقهم أن يتوفروا على حسابات في البنك مادام القانون في صفهم.
ومن تم يطرح تساؤل ما هو مصير املستهلك الذي رفض البنك فتح حساب بنكي له؟
إال أنه رغم الصعوبات التي كانت تترتب على املادة 65من ظهير 1993و املادة 112
من قانون 34-03السالف ذكره أعاله نصطدم مرة أخرى بصعوبات من طبيعة مختلفة
ويتمثل هذا النوع من الصعوبات في تلك النظرة الخاصة التي ينظرها عامة الناس إلى
املؤسسة البنكية على أنها مصلحة ذات النفع العام أو مرفق عام من مرافق الدولة
وباألخص بالنسبة لألبناك التي تساهم فيها الدولة بنسبة مهمة 1وبالتالي فإن هذه األبناك
ال يفترض فيها مبدئيا مبدأ التعسف في استعمال السلطة.
بالرغم من تقرير الحق في امتالك حساب بنكي فإن بعض السلوكيات تفرز من
حيث الواقع العملي دلك أن البنوك ال زالت تسلك نهجا انتقائيا لزبنائها ،فالبنوك تعتمد
في الغالب إتباع إجراءات عند فتح الحساب تعرقل إلى حد ما تطبيق املبدأ املشار إليه
أعاله كأن تستوجب من طالب الحساب ( املستهلك) ،ضرورة إيداع قدر مالي في هدا
الحساب.
وبالتالي فإن املؤسسات البنكية تعتمد إيجاد طرق ووسائل للحد من فتح
الحساب للودائع الصغيرة التي قد يبدو تسيرها مكلفا مقابل ما قد تجنيه من أرباح
بعموالت وفوائد 2الش يء الذي يجعل الزبناء يبحثون عن مؤسسات أخرى أقل تعجيزا دون
أن يستخدموا حقهم املتمثل في طلب االئتمان من بنك املغرب من أجل تعيين مؤسسة
لفتح الحساب ،حيث لم يثبت لجوء أي شخص لبنك املغرب من أجل أن يعين له
املؤسسة البنكية التي يفتح لديها حسابه ،ذلك أنه بالرغم من وجود حاالت عديدة لرفض
فتح الحساب من لدن األبناك لصغار املودعين الذين تتم مواجهتهم بشروط تعجيزية وغير
قانونية بهدف إجبارهم على التراجع على طلباتهم لفتح الحساب 3،وهدا راجع باألساس إلى
جهل غالبية املستهلكين بالقانون مما يتركهم عرضة للشروط التعسفية البنكية.
املطلب الثاني :حرية البنك في نقل حساب املستهلك من وكالة إلى أخرى
بالرجوع إلى مقتضيات املادة 117من قانون 34-03التي جاءت بالكثير من
املستجدات التي توفر حماية أكبر للزبون –املستهلك -في حين كانت املادة 42من الظهير
املغربي لسنة 1993واملتعلق بنشاط مؤسسات االئتمان ومراقبتها ،والتي كانت تقض ي
بإعطاء املؤسسات البنكية الحرية الكاملة في فتح فروع أو وكاالت أو شبابيك في أنحاء
اململكة املغربية أو إغالقها أو نقلها من مكان إلى أخر داخل نفس الجماعات الحضرية أو
القروية وتحديد أيام وساعات فتح فروعها أو وكاالتها ،أو شبابيكها دون أن يتوقف ذلك
-1كالبنك المغربي للتجارة الخارجية BMCEالذي تمت خوصصته في بداية سنة 1995حسب حيث يبعث
للخواص األسهم التي كانت للدولة في رأسمال هذا البنك.
-2محمد اليونسي" :مبدأ الحق في الحساب البنكي بين النظرية والتطبيق في القانون المغربي "مجلة القانون
المغربي ،عدد 10سنة ،2006ص .25
-3الصنهاجي بو بكر :الحساب البنكي على ضوء مدونة التجارة والقانون البنكي " رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة في الحقوق ،القانون الخاص ،تخصص القانون األعمال جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية و
االقتصادية واالجتماعية الحسن الثاني ،الدار البيضاء ،ص .23
على الحصول على اإلذن املسبق لوزير املالية والذي كانت تشترطه سابقا املادة 6من
قانون 1967حيث تم االستغناء عن هذا اإلذن في القانون البنكي لسنة ،1993ومما ال
شك فيه أن املشرع املغربي يهدف من وراء إعطائه للمؤسسات البنكية الحرية الكاملة في
فتح أو إغالق أو قفل وكاالتها أو فروعها أو شبابيكها ،دون أن يتوقف ذلك على الحصول
على رخصة بهذا الشأن من الجهات املختصة ،إلى تمكن هذه املؤسسة من مزاولة نشاطها
بكيفية تسمح لها بالتقرير فيما تراه مناسبا لسير مصالحها الخارجية وفق ما تتوفر عليه
من إمكانيات مادية وتقنية وبشرية ،وبالرغبة التي يقتضيها التأقلم مع الظروف
االقتصادية واملالية التي تعرفها البالد باختالف املواسم والسنوات ،1وقد تنبه املشرع
املغربي لهذه املسألة وأحسن صنعا بذلك حيث نص في املادة 155من القانون 103.12
املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات املعتبرة في حكمها على أنه " يجب أن يبلغ كل إغالق
تقوم به مؤسسة ائتمان إلحدى الوكاالت إلى العمالء بأية طريقة مالئمة قبل تاريخ اإلغالق
الفعلي بشهرين على األقل ويجب على مؤسسة االئتمان املعنية أن تخبر العمالء
باملعلومات املتعلقة بالوكالة التي تتحول إليها حساباتهم".
وتلزم بأن تتيح إلى العمالء الراغبين في إقفال حساباتهم أو تحويل أموالهم إمكانية
ذلك بدون مصاريف إما لدى أية وكالة أخرى من وكاالت شبكاتها وإما لدى مؤسسة
ائتمان أخرى"2.
-1يبدو أن مشرع القانون البنكي لسنة 1993تأثر فيما يخص عدوله عن اشتراط اإلذن الحكومي لفتح الفروع،
والوكاالت التي كانت البنوك به في إطار قانون ،1967بمشرع القانون البنكي الفرنسي لسنة 1984الذي لم
يشترط بدوره اإلذن المذكور بهذا الخصوص.
2-تراجع المادة 155من قانون 103.12المتعلق بمؤسسات أالتمنان و الهيآت المعتبرة في حكمها.
-3موسى أبو العون.م.س.ص .76
وتأسيسا على ما سبق يتضح أن تنظيم املؤسسة البنكية لشبكة وكاالتها عن
طريق فتح وكاالت جديدة أو إغالق أو نقل الوكاالت املوجودة ،قد تصاحبه عملية تحويل
حسابات بعض املودعين من وكاالت بنكية إلى أخرى األمر الذي ال يقبله هؤالء املودعون
في غالب األحيان ويعتبرونه إجراءا تعسفيا في حقهم وخرقا سافرا ملبدأ " العقد شريعة
املتعاقدين " الذي يفرض توفر إرادة الطرفين معا لتعديل بنود العقد ،1كما يمكن أن
يتقرر ألصحاب هذه الحسابات من نقل الوكاالت البنكية املتواجدة فيها حساباتهم إلى
أماكن بعيدة عن محل سكناهم 2،ولكن التساؤل املطروح أال يعد تحويل الحساب البنكي
إلى وكالة أخرى غير التي فتح فيها للمرة األولى تعديال لبنود عقد فتح الحساب ويجدر
باملؤسسة البنكية الحصول على موافقة الزبون ؟.
نعم يعتبر تحويل الحساب البنكي من وكالة إلى وكالة أخرى تعديال في بنود العقد
الرابط بين املستهلك والبنك ،مما يخلق تناقضا واضحا بين املقتضيات التي تعطي الحرية
الكاملة للبنك في نقل أو إغالق الوكاالت البنكية وبين العقد الرابط بين املستهلك الذي ال
يمكن إلغاؤه أو تعديله إال برضاهما.3
لكن في الوقت ذاته جعل تحويل الحساب البنكي من وكالة إلى أخرى رهينا
بموافقة كل الزبائين من شأنه أن يعرقل تسيير املؤسسات البنكية ،التي ترى في هذا
التحويل ما يحقق مصالحها ويجعلها تواكب التغييرات االقتصادية ألنه يستحيل أخد
موافقة جميع أصحاب الحسابات املفتوحة داخل الوكاالت املنوي إغالقها ،4هذه
الصعوبات التي تطرحها املادة 42من ظهير 3يوليوز ،1993دفعت املشرع إلى إدخال
العديد من التعديالت من أجل املوازنة بين حماية الزبائن من تعسف البنك في نقل
الوكالة البنكية دون أخذ رأيهم ،وحق البنك في إعادة النظر في شبكة فروعه وفق ما
يحقق مصالحه بمقتض ى املادة 155من قانون 103.12التي أوجبت على املؤسسة
-1مع العلم أن تحويل الحساب البنكي إلى وكالة بنكية أخرى غير الوكالة التي تفتح فيها للمرة األولى يعتبر تعديال
لبنود عقد فتح هذا الحساب وتتطلب اتخاذه موافقة الزبون المعني باألمر.
-2ويمكن اإلشارة إلى االحتجاجات التي أثارها إغالق 15وكالة بنكية للبنك المغربي للتجارة والصناعة وتحويل ما
يصل إلى 60ألف حساب بنكي إلى مختلف الوكاالت األخرى ،حيث طالب المودعون أصحاب الحسابات البنكية
المخولة ،مسؤولي البنك بالتراجع عن قرارهم وإرجاع حساباتهم إلى الوكاالت القريبة من محل سكناهم غير أن
مسؤولي البنك يبررون إغالق هذه الوكاالت بأنها غير مربحة.
يراجع بهذا الخصوص :امحمد الفروجي " :العقود البنكية " :م.س .ص .31
-3ينص الفصل 230ق ل ع على أنه " االلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى
منشئيها ،وال يجوز إلغائها إال برضاهما معا أو في الحاالت المنصوص عليها في القانون.
-4موسى أبو العون :م.س.ص .79
البنكية أن تبلغ العمالء بكل إغالق تقوم به إلحدى وكاالتها بأية طريقة مالئمة قبل
شهرين من اإلغالق على األقل.
إال أن املشرع لم يتعرض للحالة التي يتم فيها نقل الحساب البنكي نتيجة فتح
وكالة جديدة ودون إغالق الوكالة األصلية ويتم نقل جزء من الحسابات البنكية إلى
الوكالة الجديدة دون الجزء األخر.
اعتقد أن نقل الحسابات في هذه الحالة يعتبر خرقا للعقد الرابط بين الطرفين
إذا تم دون موافقة أصحاب الحسابات يعتبر البنك مسؤوال عن األضرار الناشئة عن هذا
النقل في حال حدوثها .1كما أن النقل في حد ذاته قد يشكل ضررا باملستهلك في حال نقل
الحساب إلى وكالة بعيدة عن محل سكنى صاحب الحساب ،وبالتالي فإن البنك يكون
متعسفا في استعمال حقه في هذه الحالة ،ويمكن للمستهلك الزبون اإلستناد إلى الفصل
94من ق ل ع إلثارة مسؤولية البنك.
بناءا على ما سبق يتضح أن تنظيم املؤسسة البنكية لشبكة وكاالتها عن طريق
فتح وكاالت جديدة أو إغالق أو نقل الوكاالت املوجودة قد تصاحبه عملية تحويل
حسابات بعض املودعين من وكالة بنكية إلى أخرى ،األمر الذي ال يقبله هؤالء املودعين في
غالب األحيان ويعتبرونه إجراء تعسفيا في حقهم ،وخرقا سافرا ملبدأ العقد شريعة
املتعاقدين مما يدعو إلى التساؤل حول الصيغة التي ينبغي اعتمادها في هذا اإلطار
للتوفيق بين مصلحة البنك في إعادة هيكلة شبكة وكاالته وبين مصلحة املستهلك صاحب
الحساب الذي يقتض ي أخد موافقته على اإلجراء الرامي إلى تحويل حسابه إلى وكالة بنكية
أخرى غير تلك التي فتح فيها حسابه ألول مرة.
خاتمة
وإذا كان املشرع املغربي يرمي إلى تعزيز ثقة الزبناء في آليات العمل البنكي
وتشجيعهم على التعامل مع األبناك عن طريق إيداع أموالهم بها ،فإن املمارسة العملية
أثبتت أن تلك الضمانات ما تزال قاصرة عن تحقيق الغاية املرجوة.
-1انظر حكم المحكمة التجارية بالدار البيضاء ،حكم رقم 7935/2002غير منشور.
_ ندعو املشرع املغربي لتدارك عدم التوازن املوجود بين إرادتين إحداهما قوية
متمثلة في سلطة البنك ،وأخرى ضعيفة متمثلة في خضوع املستهلك الزبون ،أن ينهج نهج
املشرع الفرنس ي فيما يخص إحداث لجنة عمالء البنك ".1 "Comité des usagers
-1تنص المادة 59من القانون البنكي الفرنسي لسنة 1984في فقرتها األولى على ما يلي:
« Il est institutue un comité consulftatif chanyé d’etudier les puobémes live au
relations entre les établissements de credit et leur clientèle et de préparer toutes
mesures approprie dans ce dommaine notamment sons forme d’avis ou de
recommandation d’ordre général ». Cavaldo et J. stoffet, le droit bancaire Op.
cit p 59.
لجنة عمالء البنك هي التي تختص بدراسة المشاكل التي تقع بين البنك و زبنائه و اقتراح حلول لها " Comité
_"des usagers
عادل املعروفي
أفرد املشرع املغربي بعض اآلليات لحماية مستهلك العقار ،ذلك أن حصول
املستهلك على عقاره ليس دائما مضمونا دائما ،بحيث قد تواجهه بعض املعيقات والتي
تكون ناتجة في بعض األحيان عن خطأ في تحرير الوثيقة ،أو عدم القيام باإلجراءات
الالزمة املرتبطة بها ،وأحيانا القيام بها ناقصة من طرف املنهي املكلف بتحريرها ،األمر الذي
يفرض توفير السبل الكفيلة لحماية حق املستهلك من الضياع حقوقه.
ولعل أبرز هذه اآلليات هناك التقييد االحتياطي والخالصة اإلصالحية واإليداع،
وذلك عندما يكون العقار في طور التحفيظ .
وقد يحدث أن يفقد املستهلك العقد املثبت لشرائه ،مما يستوجب على املنهي أن
يقوم باالحتفاظ بنسخة من تلك الوثيقة التي حررها ،باإلضافة إلى ذلك يتعين على هذا
املنهي إعطاء فاتورة للمستهلك مقابل الثمن الذي أداه له.
لتوضيح االشكال سنقسم هذه الدراسة إلى مبحثين :نتطرق في األول لحماية
املستهلك عن طريق التقييد االحتياطي والخالصة اإلصالحية واإليداع ،ونعالج في الثاني
التزام املنهي بإعطاء الفاتورة وحفظ أصول العقود.
تقع التصرفات الواردة على العقار والتي يقتني من خاللها املستهلك عقارا إما
محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ ،إال أنه قد تثار إشكالية تتعلق بنقل امللكية
في حالة العقار املحفظ أو الذي في طور التحفيظ من البائع إلى املستهلك ،مما يتعين
حماية حق املستهلك من الضياع.
ويمكن القول في هذا الصدد بأن يكون التقييد االحتياطي فيما يتعلق بالعقار
املحفظ ،والخالصة اإلصالحية واإليداع فيما يتعلق بالعقار الذي في طور التحفيظ من
جهة أخرى ،كآليات لحماية املستهلك.
وفي هذا اإلطار نجد بأن محكمة االستئناف في الرباط اعتبرت بأن "التقييد
االحتياطي يهدف إلى االحتفاظ املؤقت بحق موجود ولكنه معلق إما على انتظار إصدار
حكم نهائي في املوضوع أو انتظار إتمام بعض اإلجراءات املرتبطة بتسجيله".3
وبذلك يمكن للمستهلك الذي تعذر عليه تسجيل حقه بالتسجيالت العقارية ونظير
الرسم العقاري لسبب من األسباب أن يقوم بهذا اإلجراء التحفظي ضد كل عقود
التصرف التي يمكن أن يقوم بها البائع.4
1محمد بن الحاج السلمي "،سياسة التحفيظ العقاري بالمغرب ،بين اإلشاهر العقاري والتخطيط االجتماعي ـ
االقتصادي " ،يونيو ، 2002ص 29 :
2مأمون الكزبري "،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية" ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء
،1978م.س .ص135 :
3قرار صادر عن محكمة االستئناف بتاريخ 03نوفمبر 1934منشور في مجموعة األحكام ،حكم رقم .1525
أشار إليه ذ .إدريس الفاخوري م.س ،ص162:
4عبد السالم بلخياط "التقييد االحتياطي في سؤال وجواب " مجلة صلة وصل ،العدد 3يوليوز 1985ص13:
ولقد تطرق الفصل 85من ظهير التحفيظ العقاري املعدل بقانون 14 . 07
لبعض الحاالت 1التي يمكن فيها إجراء تقييد احتياطي على الرسم العقاري ،فقد يقيد إما
بناء على سند أو بناء على أمر قضائي ،وإما بناء على مقال الدعوى.2
وبالرجوع إلى الحالة األولى فقد منح املشرع املغربي هذه اإلمكانية لحامل سند
مؤسس لحق خاضع للتقييد والذي ال يستطيع تقييده بشكل نهائي لوجود عيب أو نقص
في هذا السند يجب تالفيه ،ففي هذه الحالة يلجأ املستهلك الذي يرغب في الحفاظ على
حقه إلى املحافظ مباشرة وتقديم طلب إلجراء تقييد احتياطي يبين فيه الحق الذي يدعيه
على العقار موضوع التقييد ،كما يجب أن يبين األسباب التي دعته إلى القيام بهذا اإلجراء
3وقد حدد املشرع املغربي في الفقرة األولى من الفصل 86من ظ.ت.ع املعدل بالقانون
14 . 07مدة صالحية هذا النوع من التقييد االحتياطي في عشرة أيام ،يمكن للمحافظ
التشطيب عليه تلقائيا بمجرد انتهاء هذه املدة ،كما منع املشرع من قبول أي تقييد لحق
آخر يقتض ي إنشاءه موافقة األطراف خالل هذه املدة ،كما أنه ال يقبل طلب إجراء تقييد
احتياطي بناء على سند إذا كانت مقتضيات القانون تمنع تقييده النهائي ، 4وقد جاء
املشرع بحالة أخرى يسمح فيها بإجراء تقييد احتياطي حيث مكن صاحب حق قابل
للتقييد في الرسم العقاري يعترضه مانع من تقييد هذا الحق نهائيا اللجوء إلى رئيس
املحكمة االبتدائية الستصدار أمر يخول له إجراء تقييد احتياطي ،وذلك عن طريق
تقديم مقال بواسطة محام يبين فيه األسباب التي منعته من تقييد حقه نهائيا ،ويقوم
الرئيس بالنظر في الطلب ،فإذا تأكد من توفره على الشروط املتطلبة قانونا يصدر أمره
بإجراء تقييد احتياطي ،وقد جاء في أمر صادر عن رئيس املحكمة االبتدائية بوجدة 5ما
يلي "في إطار املادة 148من ق.م.م والفصول 85و 86من ق.ت.ع .
1للمزيد من التفاصيل يراجع :ــ مأمون الكزبري التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،1978ص 139 :وما بعدها .
2كريم أحادو" ،التقييد االحتياطي بين تقييد حق الملكية وحمايته وفق القانون 14.07والقانون "39.08رسالة
لنيل ديبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية واالجتماعية واالقتصادية
طنجة لسنة ، 2013-2012ص 18 :
3إدريس الفاخوري "نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون ،"14.07مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط،
طبعة ، 2013ص164 :
4الفقرة الثانية من الفصل 86من القانون 14 . 07
5رقم 1721/11بتاريخ 25نونبر ، 2011غير منشور ،أورده إدريس الفاخوري ،م.س .ص164 :
نوافق على الطلب ونأذن للطالبين بإجراء تقييد احتياطي بالرسم العقاري ...
للحفاظ على حقوقهم عن أعمال عقود البيع "
ويقوم املستهلك أومن ينوب عنه غالبا باإلدالء به لدى املحافظة العقارية مشفوعا
بطلب التقييد ،أما إذا ثبت للرئيس غير ذلك فإنه يصدر أمره برفض الطلب ،ويستمر
مفعول هذا النوع من التقييد االحتياطي ثالثة أشهر ابتداء من تاريخ صدور األمر وليس
من تاريخ تقييده باملحافظة العقارية ،ما لم ينجز التقييد النهائي للحق ،وتكون هذه املدة
قابلة للتمديد بأمر من رئيس املحكمة االبتدائية ،شريطة تقديم دعوى في املوضوع ،
ويستمر مفعول هذا التقييد إلى حين صدور حكم نهائي1
ويتم التقييد االحتياطي بناء على نسخة من مقال الدعوى بناء على طلب موجه
إلى املحافظ على األمالك العقارية مرفق بنسخة من مقال الدعوى الذي سبق للمعني
باألمر وضعه بكتابة ضبط املحكمة وأشرت عليه.
وقد حدد املشرع في القانون العقاري الجديد آجال هذا النوع من التقييد
االحتياطي في شهر يجب أن يمدد بأمر صادر عن رئيس املحكمة االبتدائية ،وفي هذا
الصدد جاء في أمر لرئيس املحكمة االبتدائية بوجدة 2.ما يلي ":حيث التمس الطالب
تمديد أمد التقييد االحتياطي إلى حين نهاية النزاع املثار بموجب الدعوى املسجلة على ذمة
امللف املدني عدد 11 / 3080املدرجة بجلسة . 2012 / 04 / 25
وباستقرائنا لهذا الحكم يتضح أن رئيس املحكمة يتأكد من مدى جدية النزاع
وذلك باإلطالع على املراحل التي قطعتها الدعوى أمام محكمة املوضوع ،وفي حالة عدم
تمديد هذا التقييد االحتياطي فإن املحافظ يشطب عليه تلقائيا من الرسم العقاري.3
وعليه يتضح بأن التقييد االحتياطي يعتبر إجراء مهما يكفل حق املستهلك من
الضياع ويعطيه األفضلية في حماية هذا الحق ،وذلك انطالقا من تاريخ التقييد
االحتياطي.
تتابع مسطرة التحفيظ بصفة قانونية مع أخذ الحق املنشأ أو املغير أو املقر به
بعين االعتبار.
ويكتسب صاحب الحق املنشأ أو املغير أو املقر به صفة طالب التحفيظ في حدود
الحق املعترف له به.
إذا كان اإلعالن عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية فيجب أن يعاد
نشره من جديد ليفتح أجل شهرين ، ....يبتدئ من تاريخ اإلعالن عن الحق املنشأ أو املغير
أو املقر به ،وفي هذه الحالة لن تقبل إال التعرضات املنصبة مباشرة على الحق املذكور.
يؤخذ بعين االعتبار عند التحفيظ الحق املنشأ أو املغير أو املقر به خالل املسطرة".
فاملستهلك حينما يشتري عقارا في طور التحفيظ حسب هذا الفصل له الحق في
أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية وذلك بعد أن يعمل على إيداع الوثائق املثبتة لحقه
باملحافظة العقارية ،وفي هذه الحالة فإن مسطرة التحفيظ تتابع بصفة قانونية
ويكتسب املستهلك صفة طالب التحفيظ في حدود الحق املعترف له به ،أما إذا كان
اإلعالن عن انته اء تحديد ذلك العقار قد تم نشره في الجريدة الرسمية ،فيجب أن يعاد
نشر ذلك اإلعالن من جديد من أجل فتح باب التعرضات داخل أجل شهرين ،تحسب
ابتداء من نشر اإلعالن عن الحق املنشأ أو املغير أو املقر به بالجريدة الرسمية ،إال أن
التعرضات لن تقبل إال إذا انصبت مباشرة على الحق املذكور أو الحق املعترف به
لصاحب الحق ،ويؤخذ بعين االعتبار عند التحفيظ الحق املنشأ أو املغير أو املقر به خالل
املسطرة.
إن املستهلك الذي اشترى عقارا في طور التحفيظ يمكنه أن يتابع إجراءات
التحفيظ ويحتفظ 1بحقه إلى حين إنشاء الرسم العقاري ،وهو ما نص عليه الفصل 84
من القانون : 14 . 07إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع لإلشهار أمكن
لصاحبه ،من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير أن يودع باملحافظة العقارية
الوثائق الالزمة لذلك ،ويقيد هذا هذا اإليداع بسجل التعرضات.
يقيد الحق املذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا
سمحت إجراءات املسطرة بذلك "
وعليه فإن املستهلك يقوم بإيداع العقود لدى املحافظ العقاري وكافة الوثائق
األخرى الالزمة للتسجيل عموما ،ثم يقيد هذا اإليداع بسجل التعرضات إلى أن يتم
تحفيظ العقار ويكون حق املستهلك في هذه الحالة بأثر رجعي ،وذلك إلى يوم قيامه
بإيداع طلب التقييد إذا سمحت إجراءات املسطرة بذلك.
وعلى العموم فإن شراء املستهلك العقار في طور التحفيظ يكتنفه الكثير من
املخاطر ،مما يدفع إلى القول بالتريث قبل اإلقدام على شراء عقار في هذا الوضع.
1ال شك أن خدمات التدبير اإللكتروني للمنظومة المعلوماتية الداخلية وعلى إحداث منصة إلكترونية للوكالة،سوف
يسهم بشكل كبير في تتبع العمليات المنجزة بالرسوم العقارية،و لالنخراط في االستفادة من التدبير االلكتروني
للمنظومة المعلوماتية،حيث يتعين على المرتفقين تعبئة الطلب بعناية وبعد المعالجة الفورية للطلب والمصادقة عليه
سيتوصلون برسالة نصية تخبرهم بذلك وفي حالة تعذر المصادقة يرجى االتصال بالمحافظة العقارية المختصة،أما
فيما بخص التنصيص على التدبير االلكتروني فيجب أن يستوفي التوقيع اإللكتروني المؤمن،المنصوص عليه في
الفصل 417-3من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون االلتزامات والعقود ...محمد الزكراوي " ،التدبير
اااللكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به" ،مقال منشور بمغرب القانون على الموقع
االلكتروني https://www.maroclaw.com :تاريخ الولوج 22مارس 2019على الساعة 22:15
املبحث الثاني :التزام مهنيي التوثيق بإعطاء الفاتور وحفظ أصول العقود
إن من بين اآلليات التي يمكن أن تكون جديرة باالهتمام للمساهمة في حماية
املستهلك حصوله على فاتورة من املنهي الذي قام بتحرير العقود ،وكذا حفظ املنهي
ألصول العقود التي يحررها.
املطلب األول :التزام املنهي بإعطاء الفاتور بمقتض ى النصوص املنظمة للمهنة
بتصفح القانون 32 . 09ال نجده ينص على أي مقتض ى يلزم املوثقين بإعطاء
فاتورة للمستهلك وهو ما يعد نقطة سلبية في القانون الجديد ،كما أن العدل ملزم
بمقتض ى خطة العدالة بأن يقدم فاتورة أو وصال للمستهلك وهكذا نجد املادة 12من
خطة العدالة تنص في فقرتها الثانية على أن "تحدد تعريفة أجور العدول وكيفية
استخالصها بنص تنظيمي" وفعال فإن النص التنظيمي يحدد إلزامية أن يقدم العدل
وصال للمستهلك حيث جاء في املرسوم 2 . 08 . 378في مادته الرابعة أن "يتعين على
طالب الشهادة أن يؤدي األجر مباشرة للعدلين ،ويتعين عليهما أن يسلما له وصال مرقما
مستخرجا من كناش ذي جذور مرقم ومؤشر عليه من لدن القاض ي املكلف بالتوثيق"
.فمن شأن هذا املقتض ى أن يوفر حماية للمستهلك.
كما أن املحامي عندما يقوم بتحرير عقد للمستهلك يتعين عليه أن يقدم وصال
مرقما ويحتفظ بنظير منه ،ويلزم أن يتضمن هذا الوصل اسم املحامي أو اسم املستهلك
الذي قدم النقود وسبب ذلك وتاريخه وكيفية األداء1
وهو ما يشكل في نظرنا حماية للمستهلك بأن يحصل على وثيقة تثبت أداءه ملبلغ
الخدمة التي حصل عليها.2
إن من بين أهم االلتزامات امللقاة على عاتق محرري العقود الرسمية االحتفاظ
بأصول العقود التي يقومون بتحريرها وإن اختلفت بالنسبة للعدل أو املوثق
1تنص المادة 54من القانون 28 . 08المنظم لمهنة المحاماة" :يجب على المحامي أن ال يتسلم في نطاق نشاطه
المهني أية نقود أو سندات أو قيم إال مقابل وصل مرقم وله نظير
يتضمن هذا الوصل حتما البيانات التالية :اسم المحامي ،واسم الطرف الذي قام بالدفع أو التسليم ،أو موجبه أو
تاريخه وكيفية األداء"
2محمد كبوري " ،توثيق المعامالت الواردة على العقار في المحررات العرفية " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق بوجدة السنة الجامعية ،2004-2003ص 399 :ـ 400
فاملوثق ملزم بأن يحتفظ بأصل العقد لديه ،وهكذا فإن العقد األصلي الذي
يوقعه املستهلك والبائع واملوثق يحتفظ به هذا األخير تحت مسؤوليته وهو ما يستشف
من نص املادة 50من القانون 32 . 09التي نصت على أن " يجب على املوثق أن يحفظ
تحت مسؤوليته أصول العقود والوثائق امللحقة بها ،وصور الوثائق التي تثبت هوية
األطراف"
على أن تسلم نسخة منها لكل من املستهلك والبائع ،1كما يجب على املوثق أن
يقدم نسخا من املحررات والعقود بعد اإلشهاد بمطابقتها لألصل ملكتب التسجيل و 2....
وعليه فإن املوثق ملزم بحفظ أصول العقود ويعتبر مسؤوال عن ضياع أي عقد أو
وثيقة ويتحمل تبعات خطئه في عدم حفظ هذه األصول مما يشكل ضمانة قوية
للمستهلك في حماية العقود واملستندات ويعطيه الحق في طلب نسخة منها عند الضرورة
لذلك.
أما العدل فطريقة تحريره للوثيقة تختلف عن تلك التي يتبعها املوثق ومع ذلك
يتعين عليه أن يحتفظ بالوثائق التي لم يحزها املستهلكون طيلة خمس سنوات من تاريخ
خطاب قاض ي التوثيق عليها ،باإلضافة إلى أنه يبقى مسئوال عن الوثائق اإلدارية املعتمدة
في تحرير الشهادات لنفس املدة ابتداء من تاريخ تلقي الشهادة ،ويتعين عليه أن يحتفظ
بنسخ أو صور من هذه الوثائق اإلدارية عندما يعطيها ألصحابها مقابل إشهاد مصادق
عليه ،وذلك طبقا للمادة 21من خطة العدالة.
أما بالنسبة للمحامي املقبول للترافع أمام محكمة النقض وباعتبار أن املشرع
خول له تحرير املحررات الثابتة التاريخ التي تثبت شراء املستهلك لعقاره فيتعين عليه أن
يحافظ على الوثائق املقدمة لديه ،ألجل ذلك ،فلقد نصت املادة 50من القانون . 08
28على أن يبقى املحامي مسئوال عن الوثائق املسلمة إليه طيلة خمس سنوات ،اعتبارا
من تاريخ انتهاء القضية ،أو من آخر إجراء في املسطرة أو من يوم تصفية الحساب مع
املوكل في حالة استبداله ملحاميه"
وعليه فإن املحامي يبقى مسئوال عن حفظ املستندات التي تقدم له قصد تحرير
العقد العرفي لشراء مستهلك العقار خمس سنوات تبتدئ من تاريخ استكمال اإلجراءات
اإلدارية املصاحبة لشراء املستهلك والالزمة لذلك ،والتي يمكن تحديدها في تاريخ تقييد
العقد لدى املحافظة العقارية أو تاريخ التسجيل لدى إدارة التسجيل ،والتنبر إذا كان
العقار غير محفظ ،وإذا كان العقار غير محفظ وكان خاضعا للقوانين 106 .12و 51 . 00
و 14 . 07فمن تاريخ تسجيل العقد لدى كتابة الضبط باملحكمة االبتدائية ،الكائن
العقار بدائرة نفوذها ،وهو التزام منطقي ،فاملحامي بحكم مهنته يعلم القيمة القانونية
لهذه الوثائق ،مما يدفع ه إلى الحفاظ عليها بكل أمانة ،وإذا ما تم تسليمها إلى املستهلك
فيتعين أن يكون ذلك مقابل إشهاد مصادق على توقيعه.
خـاتـمـة.
من خالل ما تقدم نستخلص يتضح لنا أهمية الخالصة اإلصالحية ومسطرة
اإليداع وكذلك مسطرة التقييد االحتياطي وما يصحبها من إجراءات ،هذه األخيرة لها من
األهمية القانونية والعملية ما يجعلها في خدمة املستهلك على اعتبارة الطرف الضعيف في
العالقات التعاقدية ،بحيث تقتض ي العمل على ضمان استقرار املعامالت وحماية حقوق
األفراد.
إذا كان املشرع املغربي بإصداره للقانون 39.08الذي عمل على توحيد األحكام
امل طبقة بشأن العقار ،قد وضع لبنة مهمة ستساعد في دمج التوثيق في املحيط
االقتصادي واالجتماعي والحفاظ على استقرار املعامالت من خالل جعل الكتابة شكلية
في املعامالت العقارية وإجبار تحرير التصرفات العقارية لدى موثقين يتميزون بالكفاءة
ودراية بالقانون للحد من النزاعات التي تغرق املحاكم بامللفات ،وتعصف بحقوق األطراف
نتيجة إلنكار بعض املتعاملين اللتزاماتهم،أو نتيجة لسوء التعبير عن االتفاقات ،أو إلغفال
بعض شرط من شروط التعاقد التعاقد.
رضوان جيراني
أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم الشرعية السمار
جامعة ابن زهر
في إطار الحماية اإلضافية املقررة للمستهلك سواء العادي أو اإللكتروني ،أقر
املشرع املغربي إلى جانب اآلليات القانونية املعمول بها ،آلية حمائية أخرى تهم زيادة
الحماية لجمهور املستهلكين ويتعلق األمر في حق املستهلك في التراجع عن التعاقد والذي
خصه باملواد من 36إلى 38من القانون .1 31-08
وعليه ،وجب علينا التطرق لألحكام العامة للحق في التراجع في املطلب األول،
على أن نتطرق في املطلب الثاني للتنظيم القانوني لهذا الحق.
املطلب األول :األحكام العامة للحق في التراجع
يعتبر الحق في الرجوع بمثابة تقنية قانونية وحمائية أقرها املشرع املغربي لحماية
الطرف الضعيف في التعاقد ،ومنحه فرصة للتفكير والتحري قصد التعاقد بإرادة
صحيحة.
لذلك ارتأينا تقسيم هذا املطلب إلى فقرتين ،نخصص الفقرة األولى لتعريف
الحق في التراجع وخصائصه ،على أن نخصص الفقرة الثانية لتمييز الحق في التراجع عن
بعض النظم املشابهة له.
الفقر األولى :تعريف الحق في التراجع وخصائصه
على اعتبار أن املستهلك املتعاقد إلكترونيا ال يستطيع الوقوف بشكل صحيح على
طبيعة السلعة محل التعاقد مهما قدم املنهي من معطيات حولها ،فقد أوجد املشرع وسيلة
قانونية بين يد املستهلك لتدارك املوقف واملتمثلة في ممارسة حقه في التراجع وفق مجموعة
من الشروط كما سوف نبين فيما يلي .
وعليه ،سوف نقسم هذه الفقرة إلى جزئين ،نخصص الجزء األول لتعريف الحق في
التراجع ثم نتطرق لخصائصه في الجزء الثاني .
-1تطرق المشرع المغربي لهذه االمكانية في الباب الثاني من القسم الرابع من قانون 31.08القاضي بتحديد تدابير
لحماية المستهلك وذلك في المواد من 36إلى .38
في حين عرفه البعض اآلخر بأنه " :وسيلة بمقتضاها يسمح املشرع للمستهلك
بأن يعيد النظر من جديد ،ومن جانب واحد ،في اإللتزام الذي إرتبط به مسبقا ،فتمة عقد
-1عبد الحق حميش :حماية المستهلك االلكتروني ،مداخلة في مؤتمر األعمال المصرفية االلكترونية بين الشريعة
والقانون ،المنعقد في 10و 11و 12ماي 2003بغرفة تجارة وصناعة دبي ،المجلد الثالث ،ص 1290و
.1291
-2ابراهيم الدسوقي أبو الليل :المصادر اإلرادية لاللتزام ،العقد واالرادة المنفردة والتصرف القانوني ،مطبوعات
جامعة الكويت ،الطبعة األولى ،1995ص .274
3
- Dominique lefort : la rétraction des actes en droit privé français, contribution à
l’étude de la formation des actes juridiques, thése pour le doctorat d’état en droit
, université de droit, d’économie et sciences sociales, Paris (Paris II) , 4 février
1981 , Tome 1, P 32.
4
- Gilles Paisant : la rétraction du consommateur en droit Français , une analyse
de droit comparé : droit européen, allemand, français, néerlandais et belge, sous
la direction de :Evelyne Terryn , collection droit et patrimoine, édition larcier (n°
d’édition non cité) Bruxelle, 2008, page 63.
سبق تكوينه ،لكن أحد األطراف وهو املستهلك سوف يستفيد من مهملة التفكير ،من
خاللها سيكون بوسعه الرجوع عن إلتزامه الذي سبق وأن إرتبط به". 1
كما يعرفه البعض اآلخر بأنه " :وسيلة بمقتضاها يسمح املشرع للمستهلك بأن يعيد
النظر من جديد ،ومن جانب واحد ،في االلتزام الذي ارتبط به مسبقا".2
وعليه ،من وجهة نظرنا يمكن القول بأن الحق في التراجع هو وسيلة قانونية
حمائية وضعها املشرع بين أيدي املستهلك يمكنه من خاللها التراجع عن اإللتزامات التي
التزم بها فيما قبل بالعقد .
وتجدر اإلشارة هنا أن الحق في التراجع كما سلف القول يعتبر تمردا على القواعد
العامة ،خصوصا القوة امللزمة للعقد ،حيث أن أساس هذه القاعدة األخيرة هو أن اإلرادة
هي مصدر قوة العقد .فالعلة وراء إقرار هذا املبدأ حسب البعض هو حماية املستهلك
الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية ،خصوصا بالنظر للطابع الخاص للعقود
اإللكترونية والفوارق التقنية التي تفرضها ،3وهو ما تم إنتقاده من طرف البعض اآلخر،
الذي اعتبر أن العلة من وراء الحق في التراجع ال تكمن في إعادة التوازن بين أطراف العقد
بهذا املعنى ،بل إن هذا الحق مرتبط بالظروف املتعلقة بالعقد االستهالكي املبرم عن بعد،
والذي يتسم ببعد املسافة الجغرافية بين األطراف ،حيث إن هذا الحق يسمح للمستهلك
بتجربة محل التعاقد والوقوف على مدى صحة خصائصه والصورة املكونة عنه.4
-1نور الدين الصبار :النظام القانوني للعقد المبرم بالشكل اإللكتروني ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
القانون الخاص ،جامعة الحسن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سطات ،السنة الجامعية
،2009-2008ص 220و . 221
- 2عبد الواحد سامح التهامي :التعاقد عبر االنترنت ،دراسة مقارنة ،دار الكتب القانونية ودار شتات للنشر
والبرمجيات ،الطبعة األولى ،2008 ،ص 321
3
- Chiheb Ghazouani : le contrat de commerce électronique international , étude
de droit européen, americain et tunisien, thése pour le doctorat, université
panthéon- Assas (Paris II) Faculté de droit, d’économie et sciences sociales, 16
Mai 2008, Page 216.
4
- Geoffray Brunaux : le contrat à distance au 21e siècle, préface de Natacha
Sauphanor – Brouillaud, Coll. Bibliothèque de droit privé Tome 524, édition
LGDJ, lextenso DL2010, Paris, page 376.
وهو ما أكدته املادة 49من القانون 31.08حيث ورد في فقرتها الثانية أنه " :
يعتبر كل شرط من شروط العقد يتخلى املستهلك بموجبه عن حقه في التراجع باطال وعديم
األثر ".
من جهة أخرى ،فالحق في التراجع يعتبر تصرفا إنفراديا ،2يرتكز على اإلرادة
املنفردة للمستهلك اإللكتروني و حالته النفسية التي تعالج وتقارن بين املعطيات املقدمة له
من طرف املنهي وبين املعطيات التي يالمسها في محل التعاقد ،ومدى صحتها وبالتالي الوقوف
على الخطأ الذي وقع فيه.
باإلضافة لذلك ،تعتبر مجانية ممارسة حق التراجع من أهم خصائصه ،حيث إن
للمستهلك إمكانية ممارسة حقه في التراجع دون دفع أي مقابل مالي جراء ذلك ،باستثناء ما
يمكن أن يدفعه املستهلك فقط كمصاريف وتكاليف اإلرجاع ،وبالتالي فإن املصاريف التي
يمكن أن يتحمل بها املستهلك نتيجة ممارسة حقه في الرجوع هي فقط املصاريف املتعلقة
بإرسال البضاعة.3
وهو ما ذهب له املشرع املغربي في املادة 50من القانون رقم 31.08والتي ورد فيها
" :ال يجوز ألي كان قبل انصرام أجل التراجع املنصوص عليه في املادة 49أن يطالب
-1ورد في المواد 44و 52من القانون رقم 31.08أنه " :تعتبر أحكام هذا الباب من النظام العام ".
كما عرف القضاء المغربي النظام العام بأنه :مجموعة من القواعد القانونية التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة
سياسية أو اجتماعية تتعلق بنظام المجتمع األعلى ،وتعلو على مصلحة األفراد ،فيجب على جميع األفراد مراعاة هذه
المصلحة وتحقيقها ،وال يجوز لهم أن يخالفوها باتفاقات فيما بينهم حتى لو حققت لهم هذه االتفاقات مصالح فردية فإن
المصالح الفردية ال تقوم أمام المصلحة العامة ".
-حكم عدد 155صادر عن المحكمة االبتدائية بالبيضاء بتاريخ ،1979/02/19منشور بمجلة المحاكم المغربية
عدد 22أكتوبر – نونبر ،1981ص .83
2
)- Solange Mirabail : la rétraction en droit privé français (thèse de doctorat
préface de jean – Pierre MARTY, édition LGDJ , Paris 1997, p 3
-3أبو بكر مهم :حماية حقوق المستهلك االقتصادية من خالل االلتزام باإلعالم .قراءة في القسم الثاني من القانون
31-08المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،مداخلة في اليوم الدراسي حول حماية حقوق المستهلك االقتصادية
والتمثيلية واإلنصات اليه ،المنظم من قبل مختبر البحث قانون األعمال ،كلية الحقوق سطات ،جامعة الحسن األول،
يوم الخميس 14مارس ،2013مطبعة المعارف الجديدة الرباط ،طبعة ،2015ص .83
املستهلك أو يحصل منه بصفة مباشرة أو غير مباشرة بأي وجه من الوجوه أو أي شكل من
األشكال على أي مقابل أو أي إلتزام أو تقديم أي خدمة كيفما كانت طبيعتها.
ال يجوز تنفيذ اإللتزامات أو األوامر باألداء إال بعد انصرام األجل املنصوص عليه في
املادة ،49ويجب أن ترد إلى املستهلك اإللتزامات واألوامر املذكورة داخل الخمسة عشر يوما
املوالية لتراجعه ".
وبالتالي لو كان املشرع قد فرض على املستهلك مقابال ماليا ملمارسة حقه في التراجع،
لكان قد عرقل بشكل كبير جدا من إستعمال هذا الحق.
باإلضافة للخصائص السالفة الذكر ،يمكن إضافة خاصية جوهرية للحق في
التراجع ،واملتمثلة في أن الحق في التراجع يفترض وجود إرادتين متناقضتين صادرتين من
شخص واحد ،1بحيث أن املستهلك هنا يعبر عن رغبته في البداية على إبرام العقد ،ثم يأتي
بعد ذلك ويعبر هو نفسه عن رغبته في التراجع عن العقد.
الفقر الثانية :تمييز الحق في التراجع عن بعض النظم املشابهة
حاول املشرع املغربي من خالل إقرار حق املستهلك في التراجع أن يوفر حماية إضافية
واستثنائية من القاعدة العامة التي تقول بأن العقد ملزم ألطرافه بمجرد توافر الشروط
القانونية لذلك ،حيث يكون للمستهلك خصوصا في املعامالت اإللكترونية إمكانية فحص
محل التعاقد وجودته بل حتى مدى احتياجه له ويعطيه إمكانية التفكير بعيدا عن
الضغوطات التي يمكن أن تكون رافقت عملية التعاقد .غير أنه يمكن أن يقع لبس لدى
البعض حول الحق في التراجع املخول للمستهلك وبعض النظم املشابهة له والتي يمكن
للمستهلك االرتكاز عليها عند محاولته التحلل من بعض العقود .
من أجل ذلك ،سنحاول من خالل هذه الفقرة التمييز بين الحق في التراجع وبين
فسخ العقد باإلرادة املنفردة )أوال( على أن نميز بينه وبين طلب إبطال العقد لتعييب اإلرادة
(ثانيا).
أوال -تمييز الحق في التراجع عن فسخ العقد باإلراد املنفرد
يشترك الحق في التراجع عن العقد والفسخ باإلرادة املنفردة في مجموعة من
النقاط التي يمكن أن تجر البعض للخلط فيما بينهما ،غير أنه هناك كذلك بعض النقاط
التي تشكل عنصر التميز بينهم وهو ما سنشير له فيما يلي :
1
- David Bosco : le droit de rétraction, d’un aspect des rapports du droit de la
consomation et du droit commun des contrats,mémoire présenté pour
l'obtention du DEA en droit privé de la faculté de droit et science politique d'aix-
marseille,1999, p 2.
-1عمر محمد عبد الباقي ،الحماية العقدية للمستهلكين ،دراسة مقارنة بين التشريعية والقانون ،ص .897
-2عبد القادر العرعاري :مصادر االلتزامات ،الكتاب األول نظرية العقد ،الطبعة الثانية ،الرباط ،ص .221
-3ابراهيم الدسوقي أبو الليل ،المصادر اإلرادية لاللتزام ،مرجع سابق ،ص .100
-4يعد أساس التعويض في هذه الحالة مبنيا على المسؤولية التقصيرية ألن الفسخ يؤدي إلى زوال العقد ،وبناء عليه
يتم تقدير التعويض طبقا للقواعد العامة في هذا النوع من أنواع المسؤولية.
-عبد القادر العرعاري ،مصادر االلتزام .الكتاب األول نظرية العقد ،الطبعة الثانية ،مكتبة دار األمان ،الرباط،
،2005ص . 326
-5عمر محمد عبد الباقي :الحماية العقدية للمستهلك .دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون ،منشأة المعارف،
االسكندرية ،2008 ،ص .796
-1ابراهيم الدسوقي أبو الليل ،المصادر اإلرادية لاللتزام .العقد واالرادة المنفردة والتصرف القانوني ،مطبوعات
جامعة الكويت ،الطبعة األولى ،1995،ص .88
-2عمر عبد الباقي ،الحماية العقدية للمستهلك .دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون ،منشأة المعارف ،االسكندرية،
،2008ص .787
بالرغم من إقرار حق املستهلك في التراجع عن التعاقد الذي أقدم عليه ،عمل املشرع
على وضع نهج معين وشروط محددة لسلوك هذه املسطرة سواء من ناحية طريقة ممارسة
هذا الحق أو اآلجال املخصصة له .
لذلك ،سنقسم هذه الفقرة إلى جزئين ،نخصص الجزء األول ملسألة اآلجال ثم
نتطرق لكيفية ممارسة هذا الحق في الجزء الثاني.
- 1آجال ممارسة الحق في التراجع :
حتى يتمكن املستهلك من ممارسة حقه في التراجع بشكل صحيح ،وجب عليه
مراعاة بعض اآلجال التي تساهم في استقرار العالقات التجارية ،حيث ورد في املادة 36من
القانون رقم 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك أنه " :للمستهلك أجل :
سبعة أيام كاملة ملمارسة حقه في التراجع.
ثالثين يوما ملمارسة حقه في التراجع في حالة ما لم يف املورد بالتزامه بالتأكيد
الكتابي للمعلومات املنصوص عليها في املادتين 29و ." 32
وعليه ،فما يستشف من هذه املادة أن أجل سبعة أيام يشكل املبدأ العام،1
وهناك من الفقه من قال بأن أجل سبعة أيام وضعه املشرع ألنه يتضمن يومي السبت
واألحد ،وهذين اليومين قد يستغلهما املستهلك ليتفحص املنتوج بشكل جيد وليتشاور مع
أفراد عائلته ،2غير أنه في الواقع العملي يمكن مالحظة أنه مثال عند التعامل مع وكاالت
بنكية فهذه األخيرة تعمد إلى عدم إدراج يومي السبت واألحد في أجل ممارسة الحق في
التراجع ،وتكون بذلك أضافت على األقل يومين إثنين لهذا األجل ،وهو في نظرنا يشكل
إضافة محمودة للمستهلك على اعتبار أنها تزيد من األجل كما فعل املشرع الفرنس ي في
الفصل L221- 18السالف الذكر .
وعليه ،فهذه اآلجال الواردة في املادة 36تسري إبتداءا من تاريخ تسلم السلعة أو
قبول العرض فيما يتعلق بتقديم الخدمات ،وبدأ سريان اآلجال إبتداءا من تاريخ التسليم
-1ضاعف المشرع الفرنسي المدة من 7أيام إلى 14يوما في المادة L221-18حيث قال :
« le consommateur dispose d’un delai de quatorze jour pour exercer son droit de
» rétraction
Article L221- 18 crée par ordonnonce n° 2016-301 du 14 mars 2016.
-2أبو بكر مهم :قراءة في المقتضيات المتعلقة بالبيع عن بعد ،مجلة الدفاع ،عدد خاص بأشغال الندوة العلمية التي
نظمتها هيئة المحامين بسطات بشراكة مع مختبر قانون األعمال بكلية الحقوق بجامعة الحسن األول ،في موضوع
قراءة في القانون رقم 31.08المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك بتاريخ 17يونيو ،2011عدد أكتوبر
،2011ص . 81
فيما يتعلق بالسلع ،1يعتبر ضمانة مهمة للمستهلك اإللكتروني الذي تتاح له الفرصة في
تجربة املنتج والتأكد من مطابقته للشروط واملواصفات املتعاقد على أساسها.
إضافة ملا سبق ،تجدر اإلشارة أن هذه اآلجال تعتبر من النظام العام بدليل املادة
44من القانون 31.08التي ورد فيها " :تعتبر أحكام هذا الباب من النظام العام " ،وبالتالي
ال يجوز االتفاق على مخالفتها أو التنصيص على أجال أقل منها.
كما تجدر اإلشارة كذلك للتساؤل الذي يمكن أن يطرح حول مدى اعتبار هذا
األجل ،أجل تقادم أم أجل سقوط؟ فمن املعلوم أن أجل التقادم يهدف باألساس لوضع
حد لنزاع يجمع بين دائن ومدين ،بينما نجد أجل السقوط يلزم صاحب الحق لكي يبقى
يقظا حتى ال يخسر الحق الذي متعه به القانون ،وبالتالي فإن طبيعة أجل سقوط الحق هي
التي تتماش ى مع خصائص الحق في التراجع.2
كان الزما على املشرع املغربي بعد التطرق لألحكام العامة للحق في التراجع ،أن
يخصص جانبا للحديث عن كيفية ممارسة هذا الحق ،وهو ما تطرق له في املادة 49من
القانون 31.08التي ورد فيها " :يجوز للمستهلك التراجع داخل أجل أقصاه سبعة أيام
ابتداء من تاريخ الطلبية أو االلتزام بالشراء ،عن طريق إرسال االستمارة القابلة االقتطاع
من العقد بواسطة أية وسيلة تثبت التوصل ".
كما ورد كذلك في املادة 85من القانون 31.08في فقرتها الثانية " :غير أن
للمقترض إن تراجع عن التزامه ،داخل أجل سبعة أيام ابتداء من تاريخ قبوله للعرض،
وملمارسة الحق في التراجع ،يرفق العرض املسبق باستمارة قابلة لالقتطاع ".
وعليه ،تتم ممارسة الحق في التراجع باعتماد استمارة مرفقة بعقد البيع قابلة
لالقتطاع ترسل بواسطة أي وسيلة تثبت ذلك.
1
- Geoffray Brunaux, le contrat à distance au 21éme siècle, op .cit, p 225 .
2
-Geoffray Brunaux : le contrat à distance au 21éme siècle , op .cit p 383.
وهو نفس التوجه الذي جاء به املشرع الفرنس ي من خالل إقرار االستمارة
من خالل الفقرة الثانية من املواد،« Formulaire type de rétraction » الخاصة بالتراجع
.من قانون االستهالك الفرنس ي1L221-21 وL221-5
يمكننا القول أن املشرع الفرنس ي حسنا فعل عندما أقر بإمكانية ممارسة،وعليه
وألزم هذا األخير بإرسال،الحق في التراجع عن العقد عن طريق املوقع اإللكتروني للمنهي
مع إخضاعه للقواعد الالزمة،إشعار باالستالم دون االرتباط بأي أجل كان لهذا الرد
. إلعتباره حجة كاملة كما سبقت اإلشارة إلى ذلك فيما سبق
1
- Article L221-5 : « 2 » - l’orsque le droit de rétraction existe , les conditions, le
délai et les modalités d’exercice de ce droit ainsi que le formulaire type de
rétraction, dont les conditions de présentations et les montions qu’il contient sont
fixés par décret en conseil d’état ».
- Article L221-21 : « le consommateur exérce son droit de rétraction en informant
le profesionnel de sa décision de se rétracter par l’envoi , avant l’expiration du
delai prévu à l’article L 221-18, du formulaire de rétration mentionnée au 2° de
l’article L221-5 ou de toute autre déclaration dénuée d’ambiguité,exprimant sa
volonté de se rétracter ».
2
- Article L221-21 : « le professionnel peut également permettre au
consommateur de remplir et de transmettre en ligne sur son site internet, le
formulaire ou la déclaration prévu au premier alinea. Dans cette hypothèse le
profesionnel communique, sous délai , au consommateur un accusé de réception
de la rétraction sur un support durable ».
3
- Civ.1ère 12/02/1991,conso. 1991, n°95, obs.G.RAYMOND; RTDCiv.1991,
p.525.
-David Bosco « le droit de rétraction, d’un aspect des rapport du droit commun
des contrats et du droit de la consommation et droit commun des contrats ,
1999,op.cit, page,76.
-1حنان أزناي :تأثير قانون حرية األسعار والمنافسة على قانون العقود،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة
في القانون المدني المعمق ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،جامعة محمد الخامس – أكدال الرباط،
السنة الجامعية ،2004-2003ص .60
2
- Article L221-24 : "lorsque le droit de rétraction est exercé, le professionnel
rembourse le consommateur de la totalité des sommes versées, y compris les
frais de livraison, sans retard injustifié et au plus tard dans les quatorze jours à
compter de la date à laquelle il est informé de la décision du consommateur de
se rétracter.
هنا ال نجد أي إشارة للمشرع املغربي بهذا الخصوص ،بينما نجد أن املشرع
الفرنس ي قال بأن هذا األجل يحتسب من تاريخ علم املنهي بتراجع املستهلك عن التعاقد كما
بينا سابقا من خالل مقتضيات املادة . L 221-24
وعليه ،ونظرا لطبيعة املعامالت اإللكترونية ،والسرعة التي يمتاز بها املجال
اإللكتروني ،نرى بأنه يمكن للمشرع املغربي األخذ بما جاء به املشرع الفرنس ي بإمكانية
تعبئة االستمارة بشكل إلكتروني ،على أن يجيبه املنهي على ذلك التراجع بواسطة إشعار
باالستالم ،وبالتالي نقول بأنه من املالئم أكثر لو تم احتساب تلك املدة من تاريخ توصل
املستهلك باإلشعار من طرف املنهي بأنه قد بلغ إلى علمه إقدامه على التراجع عن التعاقد-
داخل أجل معقول .-
تجدر اإلشارة كذلك على أنه في حالة مخالفة هذا األثر بالنسبة للمنهي يتم تطبيق
مضامين املادة 178من القانون 31.08والوارد فيها ":يعاقب بغرامة مالية من 1200إلى
50.000درهم املورد الذي يرفض ارجاع املبالغ إلى املستهلك وفق الشروط املنصوص
عليها في املادتين 37و .40في حالة العود ترفع الغرامة إلى الضعف.
يعتبر في حالة العود من يرتكب مخالفة داخل أجل الخمس سنوات املوالية لصدور
حكم حائز على قوة الش يء املقض ي به من أجل أفعال مماثلة ".
- 2أثر الحق في التراجع بالنسبة للمستهلك :
ينتج الحق في التراجع بالنسبة للمستهلك نفسه أثرا مباشرا ،يتعلق بضرورة
إرجاعه للبضاعة محل التعاقد للمنهي ،وهو ما يمكن أن يستنتج ضمنيا من الفقرة الثانية
من املادة 36من القانون 31.08التي جاء فيها " :وذلك دون الحاجة إلى تبرير ذلك أو دفع
غرامة باستثناء مصاريف اإلرجاع إن اقتض ى الحال ذلك ".
منه يستنتج أن املستهلك عند ممارسة حقه في التراجع يكون عليه رد محل
التعاقد للمنهي ،غير أن املشرع املغربي لم يحدد أجال لذلك وال من يمكنه أن يتسلمه مكانه،
كما فعل املشرع الفرنس ي من خالل املادة L 221-23من قانون االستهالك ،1حيث قال بأن
املستهلك عند ممارسة حقه في التراجع يجب عليه إرجاع محل التعاقد للمنهي أو ألي شخص
1
- Article L221-23 : " le consommateur renvoie ou restitue les biens au
professionnel ou à une personne désignée par ce dernier, sans retard éxcessif
et au plus tard dans les quatorze jours suivant la communication de sa décision
de se rétracter conformément à l’article L221-21 à moin que le professionnel ne
propose de récupérer lui-même ces biens.
Le consommateur ne supporte que les coûts directes de renvoi des biens , sauf
si le professionnel accepte de les prendre à sa charge ou s’il a omis d’informer le
consommateur que ces couts son à sa charge".
يعينه هذا األخير مكانه ،بدون تأخر وداخل أجل أربعة عشر يوما من تاريخ تبليغه للمنهي
قراره بالتراجع عن التعاقد ،ما لم يقترح املنهي أنه هو من سيتكفل بإرجاع محل التعاقد.
كما أضاف أن املستهلك ال يتحمل إال مصاريف اإلرسال ،ما لم يقم أيضا املنهي
بإشعار املستهلك بأنه هو من سيتكفل بتلك املصاريف.
باإلضافة لذلك ،قال املشرع الفرنس ي من خالل الفقرة الثالثة من املادة L 221-
23أنه فيما يخص العقود املبرمة عن بعد ،أي عندما يتم تسليم محل التعاقد مباشرة
ملنزل املستهلك عند إبرام العقد ،يلتزم املنهي باسترجاع ذلك املحل على مصاريفه الخاصة لو
كانت طبيعة املحل تحول دون إرساله بالشكل العادي.1
كما ورد في املادة L 221-23مقتضا مهم آخر ،يخص مسؤولية املستهلك عن
خفض قيمة محل التعاقد الناتج عن إستعماله ،2حيث يطرح سؤال حول إمكانية حرمان
املستهلك وخصوصا املستهلك املتعاقد إلكترونيا ،في حالة فتح غالف السلعة محل التعاقد،
فهل يمكن إعتبار أن املستهلك هنا عمل على نقص وخفض قيمة ذلك املحل ؟
هذا التساؤل هو ما أجاب عنه القضاء الفرنس ي من خالل قرار ملحكمة اإلستئناف
بـبوردو بقوله " :فيما يخص الحق في التراجع فإن شركة ،CDiscoutوهي شركة مختصة
بالبيع عبر األنترنت ،تشترط في العقود التي تبرمها أنه ال تقبل املنتجات التي ترجع في حالة ال
تسمح بإعادة تسويقها ،حيث إن املنتوج يجب أن يرد في حالة جيدة وفي غالفه األصلي،
وذلك دون أن يتم فتح هذا األخير وال اتالفه وال أن يكتب عليه ،وحيث إن جمعية حماية
املستهلك ،UFC que choisirتعتبر أن هذا الشرط يحرم املستهلك املتعاقد إلكترونيا من
اإلستفادة من حقه في التراجع ،ألنه ليس بإمكانه أن يتفحص املنتوج الذي اقتناه ،بما أن
شركة CDiscountتمنع املستهلك في حقيقة األمر من فتح الغالف من خالل الشرط املشار
إليه ،ألنه في حالة فتحه فإنه سيتم اتالفه بالتأكيد.
1
- Article L221-23 : « Néanmoins , pour les contrat conclus hors établissement,
lorsque les biens sont livrés au domicile du consommateur au moment de la
conclusion du contrat, le professionnel récupère les biens à ses frais s’ils ne
peuvent pas etre renvoyés normalement par voie postale en raisin de leur
nature ».
2
- Article L221-23 « la résponssabilité du consommateur ne peut etre engagée
qu’en cas de dépreciation des biens résultants de manupilations autres que
celles nécessaires pour établir la nature, les caracteristiques et le bon
fonctionnement de ces biens , sous réserve que le professionnel ait informé le
consommateur de son droit de rétraction, conformément au 2° de l’article L221-5.
وقد ردت شركة CDiscountعلى هذا الدفع ،فاعتبرت أن الهدف من هذا الشرط
ليس هو حرمان املستهلك من ممارسة حقه في التراجع ،بل إن هذا الشرط يهدف إلى
الحفاظ على املنتوج وإرجاعه في حالة جيدة.
إن املنتوج يجب أال يتم خلطه مع الغالف ،فهذا الخير من الضروري فتحه حتى
يتمكن املستهلك من تصفحه السلعة بل ويمكن إتالفه أيضا ،لكن هذه املسألة يجب أال
تحرم املستهلك من ممارسة حقه في التراجع ،لذا فإن الشرط املشار إليه أعاله يجب
تعديله".1
وعليه ،ما يمكن أن نستنتجه من خالل املقتضيات السالفة الذكر ،أن املشرع
املغربي سلك الطريق الصحيح حينما أقر حق املستهلك في التراجع ،غير أنه عند مقارنة ما
جاء به املشرع املغربي مع ما جاء به املشرع الفرنس ي ،نجد هذا األخير قد توسع في معالجة
هذه النقط إلى جانب قضاءه ،بل وفر حماية أكثر للمستهلك اإللكتروني باقراره مقتضيات
تسهل املساطر من جهة ،وتحصنه من جهة أخرى ،ومنه نتمنى أن يعمل املشرع املغربي على
تحسين تلك املقتضيات ليحدو حدو املشرع الفرنس ي.
1
- Tribunal de grande instance de bordeau , 1er chambre le 11 mars 2008,publié
sur www.legalis.net motclé : rétraction.
أكدال -الرباط
في سياق هذا التحول ،ظهرت عالقة جديدة بين طرفين من طبيعتين مختلفتين:
العالمة واملستهلك ،األول – العالمة -ينتمي في أغلب األحيان إلى حقل امللكية الصناعية
الذي يهدف إلى حماية الحق االستئثاري ألصحاب الحقوق كأولوية ،والثاني " املستهلك "
يشكل األساس الذي يبتغي قانون االستهالك حمايته ،مما جعل النظرة إلى األولى تختلف
حسب موقع طرفي العالقة االستهالكية إذ يعتبرها املستهلك رمزا اللتزام املقاولة
بادعاءاتها ،في مقابل اعتبار حمولتها الداللية من قبل املقاولة تشكل رمزا لكسب ثقة
املستهلك.1
ووجب التنبيه إلى أن العالمة إن كانت مفهوما يندرج ضمن حقل امللكية
الصناعية باعتبارها حسب تعريف أحد الفقهاء":2كل شار تحملها املنتجات تهدف إلى
تمييزها ولضمان مصدرها لصالح املستهلكين" ،فإنه سيتم في هذه الدراسة اعتماد
1
BORDENAVE (R), Marque & Consommateur: Le divorce, Edition EMS, Paris,
2004, p17.
2
ROUBIER (P) : Le droit de la propriété industrielle, T2, Recueil Sirey, 1954, p
483.
وعرفها الفقيه GUYONعلى أنها ":الشارة أو االسم التي يضعها التاجر على البضاعة التي تمكن المشتري من
معرفة أصلها".
- GUYON (Y) : Droit des affaires, Tome 1 : Droit commercial général et
Sociétés, 8éme édition, Economica, paris, 1994, p741.
مفهوم أكثر اتساعا عبر توسيعه ليشمل العالمات الواردة في قوانين االستهالك ،املتمثلة في
عالمة املطابقة املنظمة بموجب قانون سالمة املنتجات والخدمات ،1والعالمة الصحية
املنصوص عليها في الظهير الشريف بمثابة القانون املتعلق بتدابير التفتيش من حيث
السالمة والجودة بالنسبة للحيوانات الحية واملواد الحيوانية أو ذات األصل الحيواني،2
التي يتم وضعها من قبل صاحب املنتج أو الخدمة بعد فحصه من الجهات املختصة
ضمانا للجودة والسالمة.
تأسيسا على ما سبق ،فإن العمل على الضبط القانوني لدور العالمة تجاه
املستهلك كان ضروريا خصوصا على الصعيد الوقائي بوضع آليات تهدف لتفعيل هذا
الطابع من أجل التناغم مع توجهات السياسة التشريعية الحديثة ،سواء من خالل
منظومة قوانين االستهالك التي تعتبر الحقل األصيل لحماية املستهلك ،أو عبر قانون حماية
امللكية الصناعية 3الذي هو مجال لحماية الحق االستئثاري ملالك الحق.
إال أنه في حالة عدم تحقيق التدابير الوقائية لغايتها ،يكون من الالزم البحث عن
تدابير قضائية قصد إعادة التوازن إلى العالقة االستهالكية وحماية مستهلك العالمة من
كل األفعال التي تهدف إلى املساس بمصالحه اإلقتصادية والصحية ،هذه التدابير تتنوع
بتعدد النصوص التشريعية املرتبطة بها بسسب تالقي مجالين قانونيين :قانون االستهالك
وقانون حماية حقوق امللكية الصناعية.
في هذا الصدد يثار التساؤل عن مدى نجاح املشرع في وضع آليات قضائية ناجعة
تحقق حماية حقيقية ملستهلك العالمة في ظل األدوار الهامة التي أصبحت تلعبها هذه
األخيرة على مستوى العالقة االستهالكية؟
1القانون رقم 24.09 :المتعلق بسالمة المنتوجات والخدمات ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.140
الصادر في 16رمضان 1432الموافق 17أغسطس ،2011المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5980بتاريخ 23
شوال 1432الموافق 22سبتمبر ،2011ص.4678 :
2ظهير الشريف بمثابة قانون رقم 291.75.1 :الصادر بتاريخ 24شوال 1397الموافق 8أكتوبر 1977
المتعلق بتدابير التفتيش من حيث السالمة والجودة بالنسبة للحيوانات الحية والمواد الحيوانية وذات األصل الحيواني،
الجريدة الرسمية عدد 3388مكرر بتاريخ 26شوال 1397الموافق 10أكتوبر ،1977ص.2857
3القانون رقم 17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-00-19:الصادر
في 15فبراير ،2000المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4776بتاريخ 9مارس ،2000ص ،366المغير
والمتمم بقانون 31-05الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-05-190الصادر بتاريخ 14فبراير 2006
المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5397بتاريخ 20فبراير ،2006ص ،453وكذلك المعدل والمغير بقانون -13
23الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-14-188بتاريخ 21نونبر ،2014المنشور بالجريدة الرسمية عدد
،6318بتاريخ 18دجنبر ،2014ص.8465
من أجل معالجة التساؤل السالف الذكر يجب في البداية مناقشة دور التدابير
القضائية لقوانين االستهالك في حماية مستهلك العالمة (املطلب األول) ،قبل تحليل
مسألة استحضار التدابير القضائية لقانون حقوق امللكية الصناعية لحماية مستهلك
العالمة (املطلب الثاني).
من هذا املنطلق ،سنعمل على مناقشة الحماية القانونية املمنوحة ملستهلك
العالمة وفق أحكام القانون رقم 31.08بمثابة تدابير لحماية املستهلك( 2الفقر األولى)،
ثم مناقشة هذه الحماية من خالل قانون الزجر الغش في البضائع (الفقرة الثانية).
وعلى اعتبار أن العالمة من بين الوسائل التي يمكن للمنهي بواسطتها تجسيد الحق
في اإلعالم ،فإن التدابير القانونية الكفيلة بحماية هذا الحق تقوم كذلك بحماية مستهلك
العالمة ،ومفاد ذلك أن أي إخالل في طبيعة العالمة يؤدي إلى إخالل في االلتزام باإلعالم
املمنوح للمستهلك بالتبعية على أساس أن هذه األخيرة وسيلة لتجسيده ،مما يجعل املنتج
-1أخريف عبد الحميد :الحقوق القضائية للمستهلك ،مقال منشور بمجلة المعيار ،عدد ،38سنة ،2007ص.20
- 2القانون رقم 31-08:المتعلق بتدابير حماية المستهلك ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 03.11.1بتاريخ
14ربيع األول 1432الموافق ل 18فبراير ،2011المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5932الصادرة بتاريخ 3
جمادى األولى 1432الموافق ل 7أبريل ،2011ص.1073
مسؤول عن اإلخالل ويكون مهددا بجزاء جنائي يتمثل في غرامة تتراوح بين ألفي إلى خمسة
أالف درهم.1
باإلضافة إلى أن االلتزام بإعالم املستهلك من طرف املنهي قبل إبرام العقد ال
يستند في وجوده على عقد يربط بينهما ،وإنما هو التزام يفرضه واجب اإلعالم ،وفي حالة
اإلخالل به يمكن للمستهلك مطالبة املنهي بالتعويض إستنادا إلى قواعد املسؤولية
التقصرية.2
إن الفعل الضار املشكل للخطأ يتجلى إما في الكذب أو املغالطة إنطالقا من
تزييف العالمة ،بما يجعل املستهلك في موقع يصعب معه تحديد محل التعاقد ،هذه
الصعوبات تتنافى والحق في اإلعالم وبالتالي تشكل الضرر .وتقوم العالقة السببية عندما
يكون اإلخالل بالتزام باإلعالم هو السبب في تحقق صعوبات لدى املستهلك في تحقيق
الحق في االختيار لديه.
وكما تعتبر املقتضيات القانونية للحماية من اإلشهار الكاذب واملضلل صورة من
صور الحماية القانونية ملستهلك العالمة على اعتبار أن العالمة يمكن أن تكون هي اإلشهار
نفسه أو جزء منه ،وفي هذا الصدد منع املشرع املغربي اإلشهار الكاذب أو املضلل بموجب
القانون رقم 31.08بمثابة تدابير لحماية املستهلك.3
ولقد رتب املشرع على هذا النوع من اإلشهار جزاء يتمثل في غرامة تتراوح مابين 50
ألف درهم و 250ألف درهم مع رفع حدها األقص ى إلى مليون درهم في حالة كون املخالف
شخصا معنويا ،وإعطاء القضاء سلطة تقديرية واسعة في الرفع من هذه الغرامة إلى
نصف نفقات اإلشهار املشكل للجنحة في حالة إذا كانت قيمة اإلشهار تفوق الغرامات
املحددة قانونا.4
وبناء على املقتضيات القانونية السالفة الذكر ،وجود قنوات قانونية تتيح
للمستهلك املتضرر من العالمة في العالقة االستهالكية املطالبة بجبر الضرر ومعاقبة املنهي
املخالف ،لكنها تظل غير ناجعة في تحقيق الحماية املنشودة لعدم اإلعتراف الصريح
بالحماية الواجبة على هذا املستوى ملستهلك العالمة.
إذ نص الفصل األول من قانون زجر الغش في البضائع على أنه ":يعد مرتكبا
الغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من غالط املتاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية
الش ئ املصرح به أو قام خرقا ألحكام هذا القانون أو النصوص املتصد لتطبيقه أو
خالفا لألعراف املهنية والتجارية بعملية تهدف عن طريق التدليس الى تغيرهما" ،وبما
أنمدلول الغش في الفصل السابق جاء بصيغة عامة ،2يثار التساؤل عن إمكانية اعتبار
هذا القانون يتح إمكانية قانونية من أجل حماية املستهلك املخدوع بالعالمة ؟ و ملحاولة
مناقشة شمول فعل الخداع عبر العالمة بالعقاب الجنائي وفق مقتضيات ظهير 1984
املتعلق بزجر الغش في البضائع يجب عمليا مناقشة توفر أركان الجريمة في هذا الفعل.
ومن الثابت تشريعا وفقها أن قيام جريمة الغش في البضائع تتطلب قيام ركنيها
املادي واملعنوي باإلضافة إلى شرطها املفترض.
1القانون 13.83المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 108.83.1الصدر
بتاريخ 9محرم 1405الموافق 5أكتوبر 1984المنشور بالجريدة الرسمية عدد ،3777الصادرة بتاريخ 20
مارس 1985ص ،402والمعدل بقانون 31.08القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك ،الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.11.03الصادر في 14ربيع األول 1432الموافق ل 18فبراير ،2011المنشور بالجريدة
الرسمية عدد ،5932بتاريخ 3جمادى االولى 1432الموافق ل 7أبريل .2011
2بلمحجوب إدريس :جرائم زجر الغش في البضائع على ضوء قرارات المجلس األعلى ،مقال منشور بمجلة القضاء
والقانون ،عدد ،156سنة ،2008ص.128
فالنسبة للشرط املفترض 1في جريمة الغش في البضائع فيتمثل في طبيعة البضائع
التي يقع الخداع بشأنها ،إذ يشترط أن تكون داخل عملية التعامل التجاري ،وأن تكون
شيئا أو بضاعة ،2مما يمكن القول معه أنه ال يمكن تطبيق هذه املقتضيات على
الخدمات وعالمتها ،وأما السلع وعالمتها تظل قائمة كمحل للشرط املفترض.
بينما الفعل املادي أو الركن املادي للجريمة ،3فإنه يتحقق عند الخداع أو
محاولته في نوع البضاعة إذ إشترط املشرع لقيامه أن يعتبر تعيين النوع املنسوب زورا
للبضاعة هو السبب األساس ي اللتزام املتعاقد بناء على االتفاق أو األعراف ،حيث مما قد
تأخذ به البضاعة نوعها أوتسمية معينة في شكل عالمة مميزة.4
وإن هذا النوع من الخداع يرى فيه البعض عدم إمكانية شموله بالزجر في ظل
مقتضيات ظهير 1984على اعتبار أنه يرد في شكل تقليد ويعاقب عليه في ظل قانون
امللكية الصناعية ،5غير أنه أمام عدم إمكانية تحريك املستهلك لدعوى التزييف ،فإننا
نعتقد بأحقية اعتبار هذا الفعل مشكال للفعل املادي لجريمة الغش في البضائع.
أما بالنسبة للركن األخير لقيام الجريمة أي الركن املعنوي ،6فإن املشرع يشترط
في ظل مقتضيات القانون رقم 18.83وجود نية الخداع التي تتحقق بمجرد علم الجاني
بأن الوسيلة التي يستخدمها من شأنها أن تؤدي إلى خداع املستهلك بهدف الوصول إلى
التعاقد حول بضاعة تحمل عالمة مقلدة.7
وبتحقق هذه األركان يصبح املنهي معرض للعقاب الجنائي استنادا إلى الفصل 4
من القانون رقم 13.83الذي يحيل فيما يخص الحالة املذكورة على الفصل األول من
نفس القانون إذ يعاقب الجاني بالحبس من ستة أشهر إلى خمسة سنوات ،وبغرامة ما
بين ألف ومائتي درهم إلى أربعة وعشرون ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
ويمكن كذلك األمر بنشر الحكم بالعقوبة في جريدة أو بتعليقه في باب املؤسسة
وفقا ألحكام مجموعة القانون الجنائي املتعلقة بنشر األحكام القضائية وتعليقها ،1ومنه
يصح القول أن هذا النشر يشكل نوعا من اإلعالم للمستهلك ألخذ الحيطة والحذر
بخصوص هذا النوع من الخداع ،باإلضافة إلى ذلك فإنه بغرض تطهير السوق من هذه
املنتجات وحماية املستهلك يتم مصادرتها 2استنادا إلى الفصل 11من قانون زجر الغش في
البضائع.3
وبخصوص تفعيل هذه الحماية فإنه ال يوجد أي قيد قانوني يمنع املستهلك
بوصفه متضررا من إمكانية تحريك املتابعة عن طريق شكاية مباشرة مع املطالبة
بالحق املدني ومتابعة الدعوى أمام محكمة اإلحالة.4
وعليه يمكن الجزم بتناسب هذه املسطرة مع حماية مستهلك العالمة في حالة
إستعمالها للخداع ،ولكن ذلك يظل محل غموض على مستوى التنزيل مما يقتض ي
إعتبار العالمة وسيلة لخداع املستهلك في صلب قانون اإلستهالك.
1بوفادي محمد :حماية المستهلك في ضوء قانون الغش في البضائع ،م.س ،ص.94
2الحديثي فخري عبد الرزاق ،الزعبي خالد حميدي :شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،الطبعة الثانية ،دار الثقافة
للنشر والتوزيع ،دون ذكر مكان النشر ،سنة ،2010ص .383
3الفصل 11من ظهير زجر الغش في البضائع:
"تحكم المحاكم وفقا للفصلين 89و 610من مجموعة القانون الجنائي بالمصادرة النهائية للبضائع والمنتجات
المرتكبة بشأنها جنحة الخداع أو التزييف أو التدليس أو الحيازة المنصوص عليها في الفصول 4و 5و 6من هذا
القانون وبوجه عام لجميع األدوات التي استعملت في ارتكاب أو محاولة ارتكاب الخداع أو التزييف أو التدليس كما
تأمر بإتالف المنتجات والبضائع المذكورة عندما يكون فيها خطر على صحة اإلنسان أو الحيوان أو بإتالف
األدوات المصادرة عند االقتضاء".
4بلمحجوب إدريس :جرائم زجر الغش في البضائع على ضوء قرارات المجلس األعلى ،مرجع سابق ،ص130
5برانبوا عدنان غسان :التنظيم القانوني للعالمة التجارية ،م ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،منشورات الحلبي
الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،سنة ،2012 :ص.55
ومما يشكل بعد حمائي للمستهلك سواء تعلق األمر بدعوى التزييف (الفقرة األولى) أو
بدعوى املنافسة غير املشروعة (الفقرة الثانية).
تعتبر دعوى التزييف 1من بين الدعاوى التي وضعها املشرع لحماية صاحب الحق
في العالمة من تزييف عالمته ،أي قيام املزيف بإدخال التحويرات والتعديالت على حقوق
امللكية الصناعية حتى تتشابه في مظهرها مع الحقوق األصلية ،أو قيامه بصنع مبتكرات
جديدة أو وضع عالمات فارقة غير حقيقية تشبه في شكلها املبتكرات الجديدة أو العالمات
الفارقة الصحيحة ولكنها تختلف عنها في حقيقتها إختالفا كليا.2
وإن كان الهدف األساس ي لهذه الدعوى هو حماية أصحاب الحقوق ،فإنها تحمل
أيضا في طياتها نوعا من الحماية للمستهلك ،إذ عندما يسعى صاحب العالمة إلى حماية
حقه عليها عن طريق ممارسة دعوى التزييف ضد من يعتدي عليها عن طريق تزييفهاأو
تقليدها فهو يحمي بصورة غير مباشرة املستهلكين الذين جرى تضليلهم من قبل املزييف.3
وبما أن العالمة وسيلة للتخاطب واالستقبال بين املنتج غير املعروف وبين زبائنه
املرتقبين ،فإنه كان من الواجب التدخل من أجل حمايتها من التزييف لكون هذه الحماية
هي باألساس حماية للعالقة الرابطة بين املنهي واملستهلك ،4بما يعكس كذلك مظهرا من
مظاهر التحصين للحق في االختيار لدى املستهلك ،وضمان حقه في الحصول على السلعة
بأفضل املواصفات.1
ويعتبر من التدابير العاكسة لحماية املستهلك عبر دعوى التزييف اعتماد تقدير
وجود فعل التزييف على معيار مدى إمكانية إحداث لبس في ذهن املستهلك العادي ،2إذ
أن االجتهاد القضائي في الغالب ما يعتمد في تقدير التزييف مدى إمكانية مغالطة املستهلك
بواسطة العالمة املزيفة من خالل خلق اللبس والتشويش في ذهنه بخصوص صورة املنتج
أو الصانع حيث أنه سبق وصرح ب ":إن استعمال عالمة تجارية مماثلة لعالمة أخرى
وتوظيفها في منتوجات ،من شأنه أن يصلق في ذهن املستهلك لبسا وتشويشا بصصوص
شخصية الصانع وصور املنتوج ،وأن التزييف وإن كان ينصب أساسا على العالمة
ومدى تشابهها بعالمة أخرى ،فإنه يتجسد أيضا في مجال استعمالها وموقع توزيعها
وترويجها املوحد".3
وفي نفس اإلتجاه السابق صرحت املحكمة التجارية بالرباط ب " :أن إستعمال
عالمة ...والتي هي ملك املدعية واستغاللها في البيع وعرض املنتوجات من طرف املدعى
عليه يشكل تقليدا أو تزييفا ومن شأنه إلحاق الضرر مباشر باملدعية من جراء خلق
وهم في ذهن الزبناء يفيد كون املدعى عليه هو نفسه املنتج واملوزع للعالمة
املذكور " ،4وهو ما أكدته املحكمة التجارية بمراكش في حكم لها صادر سنة ،52010مما
يعكس أهمية تصورات املستهلك في تحديد فعل التزييف ويجسد مظهرا من مظاهرغير
مباشرة للحماية للمستهلك من خالل دعوى التزييف.
وأن ممارسة الدعوى في الشق املدني من قبل صاحب الحق املزيف يؤدي في حالة
ثبوت التزييف إلى الحكم بالتعويض مع مصادرة األشياء التي تثبت أنها مزيفة والوسائل
1كيموش نوال :حماية المستهلك في إطار قانون الممارسة التجارية ،مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجيستر في القانون
الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة الجزائر ،الجزائر العاصمة ،سنة الجامعية ،2011-2010 :ص.42
2
- VOGEL (L): Droit européen des affaires, 1éme édition, Dalloz, Paris, 2012,
p371.
- 3قرار عدد 402صادر عن محكمة النقض ،ملف تجاري عدد ،2011/1/3/632بتاريخ 12أبريل ،2012
منشور بمجلة القضاء التجاري ،العدد الثاني ،سنة ،2013ص.242
4حكم عدد 4215الصادر عن المحكمة التجارية بالرباط ،ملف عدد ،2015/8232/2568بتاريخ 02دجنبر
( ،2015حكم غير منشور).
5حكم رقم 63صادر عن محكمة التجارية بمراكش ،ملف رقم 09/12/1307بتاريخ 18يناير ،2010منشور
بالمجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية ،عدد الخامس ،سنة ،2011ص .363
واألجهزة املعدة خصيصا إلنجاز التزييف ،واملنع من مواصلة فعل التزييف ،1مما يمكن
القول معه بأن الجزاءات الثالث األخيرة من شأنها تحقيق نوع من الحماية للمستهلك عبر
وقف األعمال التي كان ضحية لها.
أما على صعيد الشق الجنائي ،فمظاهر الحماية تتجلى على صعيد العقوبات
اإلضافية املتمثلة في إتالف األشياء املزيفة واملقلدة وإتالف األجهزة والوسائل املعدة
خصيصا النجاز التزييف ،2هذه التدابير تشكل حماية للمستهلك من الوقوع في الخلط بين
السلع األصلية واملزيفة من جديد في املستقبل.
غير أنه إذا كانت هذه العقوبات السابقة تعكس تجليات الحماية غير املباشرة
للمستهلك من خالل دعوى التزييف ،فإن األمر يظل محدودا في ظل حصر الجهات التي
يمكن لها تحريك دعوى التزييف الجنحية حيث نجد القانون 97-17املغير واملتمم
بالقانون 31.05وبالقانون 23.13املتعلق بحماية امللكية الصناعية قد حصر األمر في
أصحاب الحقوق بشرط أن يكون بحوزتهم حكم مدني بات ،وكذلك النيابة العامة التي
أعطى لها املشرع حق تحريك الدعوى تلقائيا في حالة إنتهاك حقوق صاحب العالمة
التجارية أو الصناعية أو الخدماتية املسجلة كما هي على التوالي في املواد 154و155
و 225و 226من قانون حماية حقوق امللكية الصناعية.6
1محبوبي محمد :حماية حقوق الملكية الصناعية من التزييف ،مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون األعمال
والمقاوالت ،عدد ،12سنة ،2007ص.51
2حالمي بدر :دعوى تزييف العالمة التجارية بين التشريع والقضاء ،الطبعة األولى ،دار السالم للطباعة والنشر
والتوزيع ،الرباط ،سنة ،2014ص .209
3القانون رقم 17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-00-19:الصادر
في 15فبراير ،2000المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4776بتاريخ 9مارس ،2000ص ،366المغير
والمتمم بقانون 31-05الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-05-190الصادر بتاريخ 14فبراير 2006
المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5397بتاريخ 20فبراير ،2006ص ،453وكذلك المعدل والمغير بقانون -13
23الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1-14-188بتاريخ 21نونبر ،2014المنشور بالجريدة الرسمية عدد
،6318بتاريخ 18دجنبر ،2014ص.8465
4الراضي سعيدة :حماية العالمة من خالل دعوى التزييف ودعوى المنافسة غير المشروعة ،بحث نهاية التدريب
للملحقين القضائيين ،فوج ،35المعهد العالي للقضاء ،سنة ،2010/2008ص.53
5الحالمي بدر :دعوى تزييف العالمة التجارية بين التشريع والقضاء ،المرجع السابق ،ص.136
6محبوبي محمد :مظاهر حماية حقوق الملكية الفكرية في التشريع المغربي ،المرجع السابق ،ص .190
رغم إعطاء املشرع الصالحية للنيابة العامة لتحريك الدعوى ،فهو لم يحترم
املنطق السليم إذ منح ألصحاب الحقوق في العالمة الحق في تحريك الدعوى العمومية
الخاصة بالتزييف بوصفهم ضحية له ،ولكن لم يعطي هذه اإلمكانية للمستهلكين من
خالل جمعيات حماية املستهلك رغم كونهم بدورهم من ضحايا فعل التزييف ،إذ يشكل
مسا بالحق في االختيار لديهم ،بل وقد يتعداه في الكثير من األحيان إلى املساس بسالمتهم
الجسدية نظرا ملا تتصف به بعض املنتجات املقلدة من خطورة ،مما كان على املشرع أن
يمنح لها هذه اإلمكانية 1على غرار التشريع الفرنس ي الذي يخولها بشكل صريح هذا الحق
بموجب قانون االستهالك.2
وفي ظل الحظر القانوني على جمعيات حماية املستهلك من مباشرة دعوى التزييف
الجنحية فإننا نرى بأنه يمكن لها تقديم ملتمساتها في حالة وجود أفعال تشكل تزييفا الى
إلنيابة العامة املختصة قصد تحريك هذه األخيرة للدعوى تلقائيا.
إذا كانت دعوى التزييف تحمل في عمقها بعد حمائي لصالح مستهلك العالمة من
خالل ما يمكن أن يترتب عن الجزاءات املتولدة عنها من تحصين للحق في االختيار ،إال أنها
في ظل النصوص القانونية الحالية ال تستوعب وضعية مستهلك العالمة بشكل صريح من
خالل تمكينه من ممارستها كما هو األمر في بعض التجارب املقارنة من منطلق تضرر
مصالحه كذلك بسبب التزييف.
الفقر الثانية :حماية مستهلك العالمة عبر دعوى املنافسة غير املشروعة
"سؤال املساهمة"
تعتبر املنافسة غير املشروعة حسب الفقيه أحمد شكري السباعي 3هي كل تزاحم
على الزبناء عن طريق استخدام وسائل منافية للقانون أو الدين أو العرف أو العادات أو
االستقامة التجارية أو الشرف املنهي ،ونظم املشرع املغربي الدعوى الناتجة عنها 4في
املادتين 184و 185من قانون امللكية الصناعية.
1عالبوش فهد :دور الملكية الصناعية في حماية المستهلك ،المرجع السابق ،ص.43
2
CHAVANNE (A)/ BRUST(J):Droit de la propriété industrielle, 5éme édition,
Dalloz, paris,1998, p 474.
3السباعي أحمد شكري :الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاوالت التجارية والمدنية ،دراسة عميقة
في قانون التجارة المغربي الجديد والقانون المقارن ،الجزء الثاني ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،سنة ،2011
ص.476
4لتعمق في هذه الدعوى أنظر:
ويمكن حصر تجليات الحماية الخاصة بمستهلك العالمة على صعيد دعوى
املنافسة غير املشروعة ثالث نقط أساسية تتعلق األولى بصاحب الحق في إقامة الدعوى،
والثانية بصورة الخطأ املشكل لفعل املنافسة غير املشروعة ،وثالث التجليات يمكن
رصدها على مستوى الجزاءات.
إن املدعي في دعوى املنافسة غير املشروعة هو كل شخص لحقه ضرر من
جرائها ،1ذلك أن صياغة املادة 185من قانون امللكية الصناعية جاءت عامة ،مما يثير
التساؤل حول مدى إمكانية إثارة الدعوى من طرف املستهلكين؟
إن الفعل املشكل للخطأ جاء مدلوله في املادة 184من القانون 17.97بشكل
موسع ويتصف بالعمومية 2من خالل اعتبار كل عمل يتنافى وأعراف الشرف في امليدان
الصناعي والتجاري عمال مشكال للمنافسة غير املشروعة ،مما يكمن معه القول بأن هذا
التوجه يتماش ى مع نظرة العميد RIPERTالقائلة بوجوب جعل غاية الدعوى هي تهذيب
العالقات بين املهنيين مراعاة لألعراف السائدة بينهم ويحدد الخطأ عندئذ بشكل واسع
حسب الطابع القمعي أو التعويض ي ،بما من شأنه تحقيق نوع من الحماية للمتنافسين
املغبونين و كذلك املستهلكين.3
ولكن لقيام ركن الخطأ رغم مفهومه املوسع البد من ضرورة وجود منافسة ،4مما
يتنافى في العالقة بين املنهي واملستهلك بما يمكن الجزم معه بعدم أحقية املستهلك في
ممارسة هذه الدعوى.
-السباعي أحمد شكري :الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاوالت التجارية والمدنية،
المرجع السابق ،ص 468وما بعدا.
-محبوبي محمد :مظاهر حماية حقوق الملكية الفكرية في ضوء التشريع المغربي ،المرجع السابق،
ص 197وما بعدها.
-محبوبي محمد :النظام القانوني للعالمات في ضوء التشريع المغربي المتعلق بحقوق الملكية الصناعية
واالتفاقيات الدولية ،المرجع السابق ،ص 169وما بعدها.
-معال ل فؤاد :شرح القانون التجاري المغربي الجديد ،الطبعة الثالثة ،مطبعة األمنية ،الرباط ،سنة ،2009
ص .250
- RIPERT(G) / ROBLOT (R):Trait2 de droit commercial, Tome 1, Volume 1,
;18éme édition, Librairiegénérale de droit et de jurisprudence; Paris
2001,P 590 -599.
1محبوبي محمد :مظاهر حماية حقوق الملكية الفكرية في ضوء التشريع المغربي ،المرجع السابق ،ص.216
2السباعي أحمد شكري :الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاوالت التجارية والمدنية ،المرجع
السابق ،ص.489
3
RIPERT (G) /ROBLOT (R): Trait2 de droit commercial, Tome 1, Volume 1, op
cit, p 592.
4محبوبي محمد :النظام القانوني للعالمات في ضوء التشريع المغربي المتعلق بحقوق الملكية الصناعية والتفاقيات
الدولية ،المرجع السابق ،ص .179
ومن جهة ثانية فاملادة 162من القانون رقم 31.08أعطت الحق للجامعة
الوطنية للمستهلكين ولجمعيات حماية املستهلك أن تطلب من املحكمة التي تنظر في
الدعوى أو الدعوى التابعة أن تأمر املدعى عليه أو الظنين ،بإيقاف التصرفات غير
املشروعة .1
وفي ظل كون أن الفعل املشكل للمنافسة غير املشروعة يكون في حد ذاته فعال
غير مشروع ،فإنه يكمن القول بأن جمعيات حماية املستهلك لها فقط الحق في طلب
إيقاف األفعال املشكلة للمنافسة غير املشروعة في الدعاوى الجارية دون الحق في إقامة
دعوى املنافسة غير املشروعة.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن الفكر القانوني األملاني متطور بخصوص هذه النقطة
حيث منح للمستهلكين والنقابات في قانون 21يوليوز 1965حق رفع دعوى وقف
األعمال املخلة باملنافسة.2
وأما فيما يخص النقطة الثانية التي تعكس هذه التجليات ،فتتجلى في كون أهم
صور املنافسة غير املشروعة تتمثل في إحداث الخلط في أذهان الزبناء إذ يعتقد هؤالء
أنهم يقتنون العالمة التي يرغبون فيها ،ويقع ذلك عندما يلجأ املنافس إلى استعمال وسائل
تضليلية تؤدي إلى خلط عالمة بعالمة أخرى ،3حيث أن املشرع في البند األول من املادة
184من قانون حماية حقوق امللكية الصناعية إعتمد مدى إمكانية إحداث خلط في ذهن
املستهلك كمعيار 4لقيام فعل املنافسة غير املشروعة ،وهو ما كرسته محكمة النقض حين
صرحت بأنه" :وملا كان القول بوجود منافسة غير مشروعة من عدمها يعد من مسائل
الواقع ،الذي للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في التثبت من قيامه ،فإنها باعتبارها
1الفقرة األولى من المادة 162من قانون 31.08بمثابة تدابير لحماية المستهلك التي تنص على :
" يمكن للجامعة الوطنية أو جمعية حماية المستهلك المشار إليها في المادة ،157أن تطلب من المحكمة التي تنظر
في الدعوى أو الدعوى التابعة أن تأمر المدعى عليه أو الظنين ،بإيقاف التصرفات غير المشروعة أو حذف شرط
غير مشروع أو تعسفي في عقد أو نموذج العقد المقترح أو الموجه إلى المستهلك".
2السباعي أحمد شكري :الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاوالت التجارية والمدنية ،المرجع
السابق ،ص .489
3معالل فؤاد :شرح القانون التجاري المغربي الجديد ،المرجع السابق ،ص .254
4تظل مسألة التقدير خاضعة للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع وهذا ما أكدته محكمة النقض بالتصريح بأن ":إن
القول بوجود العناصر المكونة للمنافسة غير المشروعة من عدمها يعتبر من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها
محكمة الموضوع ولها سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال وال رقابة عليها من طرف محكمة النقض كان تعليلها
مستساغا ومبررا قرارها".
-قرار محكمة النقض عدد 1/19ملف تجاري ،عدد ،2014/1/3/6بتاريخ 14يناير ( 2016قرار غير
منشور).
نفس التوجه في قرار محكمة النقض عدد ، 1/237ملف تجاري عدد ،2012/1/3/1439بتاريخ 7ماي 2015
(قرار غير منشور).
"أن تحدد وجود تشابه بينهما من شأنه أن يصلق لبسا لدى املستهلك العادي ويجعله
يصلط بينهما إذا أن املقارنة التي أجرتها بين العالمتين أفض ى فعال لوجود هذا التشابه
من خالل تضمنهما معا لحرفwوهو العنصر املميز لهما معا لدرجة تؤدي إلى الخلط
بينهما ،ومن ثم فال عبر بالفوارق الجزئية وأوجه االختالف الثانوية بينهما الناتجة عن
إضافة كلمة ...إلى عالمة املستأنفة ،خاصة وأن الشركتين معا تقومان بنشاط تجاري
واحد وروادهما من السياح األجانب الذين يصلطون أحيانا بين مصدر املنتوجين
السياحيين بسبب حرف wاملشترك بينهما" ،أبرزت عناصر التشابه بين العالمة
املستعملة من طرف الطاعنة وتلك املستعملة من طرف املطلوبة التي من شأنها
إحداث لبس في ذهن الجمهور يبرر قيام منافسة غير املشروعة من لدن هذه
االخير " ،1مما يعبر على نوع من الحماية غير املباشرة للمستهلك عبر هذه الدعوى.
وكذلك عندما يسعى صاحب الحق في العالمة لحماية حقوقه عن طريق دعوى
املنافسة غير املشروعة تساهم خصوصية الجزاء املقرر في تحقيق حماية للمستهلك،
سواء على مستوى وقف األعمال أو على مستوى نشر الحكم.
إن املحكمة عند ثبوت فعل املنافسة غير املشروعة ترتب عن الدعوى الحكم
بوقف األفعال املشكلة لها ،2حيث أن هذا الوقف إذ كان يهدف باألساس إلى حماية
املصالح االقتصادية لصاحب الحق ،فهو يشكل كذلك حماية للمستهلك إذ كون استمرار
الوضع املختل في السوق قد يؤثر على الحق في االختيار لديه.
ومن جهة ثانية فاملشرع في املادة 209من قانون حماية امللكية الصناعية نص
على وجوب نشر جميع األحكام الصادرة في الدعوى خاصة لهذا القانون ،3وبالتالي شمول
األحكام املتعلقة باملنافسة غير املشروعة بهذا املقتض ى بما يشكل نوعا من الحماية
للمستهلك من خالل تنبيهه إلى أخذ املزيد من الحيطة والحذر في املعامالت التي يقبل عليها.
وعليه يمكن القول بمساهمة دعوى املنافسة غير املشروعة في تحقيق حماية
ملستهلك العالمة من خالل الجزءات املترتبة عنها ،لكن هذه املساهمة تتصف باملحدودية
1قرار محكمة النقض ،عدد ،1/149ملف تجاري عدد ،2012 /3/1713بتاريخ 19مارس ( 2015قرار غير
منشور).
2محرر كمال :الحماية القانونية لحقوق الملكية الصناعية بالمغرب ،مقال منشور بمجلة القضاء والقانون ،عدد
،151سنة ،2005ص .257
3المادة 209من قانون حماية حقوق الملكية الصناعية:
"تأمر المحكمة بنشر األحكام القضائية التي صارت نهائية والتي صدرت طبقا ألحكام هذا القانون".
إلنعدام إمكانية ممارستها من طرف املستهلك أو جمعيات حماية املستهلك بالرغم من كل
األفعال املشكلة للمنافسة غير املشروعة التي تمس بحقه في اإلختيار ،مما يقتض ي ضرورة
العمل على التفكير في خلق وسائل قانونية لتجاوز ذلك.
خاتمة:
إن املقاربة القضائية لحماية مستهلك العالمة تتصف بتعدد املنافذ املسطرية
املباشرة وغير املباشرة سواء على صعيد قوانين اإلستهالك التي ال تستوعب دور العالمة في
العالقة اإلستهالكية بشكل املطلوب ،مما يجعلها ال تنسجم مع متطليات الواقع بشكل
املرغوب فيه ،وعلى صعيد آخر فقانون حماية حقوق امللكية الصناعية إذ كان يوفر
مجموعة من الدعاوى التي تحمل بعد حمائي فإنه بدوره ال يمنح ملستهلك العالمة دورا
إيجابيا في تفعيل اآلليات القضائية.
وفي ظل إجحاف النصوص بما يجعلها ال تساير متطلبات الواقع فإنه يكون من
الضروري إستحضار في األفق املنشود العالمة كوسيلة لتفعيل التواصل داخل السوق
اإلستهالكية ضمن صلب قانون اإلستهالك مع ربط دورها بحصانة قضائية ،وكذلك
العمل على إعطاء جمعيات حماية املستهلك بشكل صريح الحق في إثارة الدعاوى ذات
البعد الحمائي الواردة في قانون حماية حقوق امللكية الصناعية.
كما أن تطور الحياة االقتصادية في املجتمعات الحديثة أثر على النمط االستهالكي
ملكوناتها من مختلف الشرائح والفئات العمومية ،وأصبح كل فرد مستهلكا 1ملا يقدم له
من خدمات وما يحتاجه من متطلبات املعيشة.
-1حدد جانب من الفقه مفهوم المستهلك خاصة المصطلح القانوني حيث تم تقسيمه إلى :
-مستهلك بالمفهوم الضيق :يحاول أنصار هذا االتجاه حصر مفهوم المستهلك في األشخاص الذين يقتنون أو
يستعملون السلع و الخدمات إلشباع حاجياتهم الخاصة و العائلية بعيدا عن أي ارتباط بالمهنة التي يزاولونها.
-مستهلك باالتجاه الموسع :هو كل شخص يتعاقد بهدف االستهالك ،أي بمعنى اقتناء أو استعمال أو استخدام مال
أو خدمة فيعتبر مستهلكا إذن من يشتري سيارة الستعماله الشخصي ومن يشتريها الستعماله المهني ألن السيارة
في الحالتين معا تستهلك عن طريق استعمالها.
للمزيد من الشرح و التفصيل راجع .
-منير مهدي ":المظاهر القانونية لحماية المستهلك " ،أطروحة لنيل الدكتوراه قانون خاص ،وحدة البحث
والتكوين ،قانون عمال كلية الحقوق بوجدة ،السنة ، 2005- 2004ص 24 :وما بعدها
-عمرو قريوح ":الحماية القانونية للمستهلك " أطروحة لنيل الدكتوراه قانون خاص ،وحدة التكوين والبحث قانون
األعمال السنة الجامعية ، 2007-2006ص 38 :ما بعدها.
-2الخدمات البنكية :مجموعة من األعمال التي تلعب تدعم النشاط البنكي وتتجاوز ما كان متعلقا باالقتراض
والخزينة التقليدية ،إلى خدمات متطورة كالبطاقات البنكية ،توظيف القيم المنقولة واالكتتاب فيها وشرائها
وإدارتها وحفظها وبيعها إلى غير ذلك.
فمن هؤالء األشخاص من يجد في البنك مودعا لديه يأتمنه على أمواله إلى أن
يعمل على استرجاعها عبر استعمال وسائل الوفاء التي توضع رهن إشارته لهذا الغرض،
ومن بينهم من يجد في البنك مالذا القتراض ما يحتاجه لتمويل بعض األغراض الخاصة
املرتبطة باالستهالك .1ويرجع طلب هذه القروض لعدة عوامل أهمها محدودية القدرة
الشرائية لفئات عريضة من املجتمع بحيث ال تستطيع مواجهة متطلباتها عبر االدخار ،مما
يجعل هذه القروض مموال للخدمات التي يحتاجونها (تجهيزات منزلية ،اآلالت ،شراء
منازل ،بناء عقارات )...في أسرع وقت بدل االنتظار ملدة طويلة قصد توفير املال عن طريق
االدخار.
وبالتالي كان الزما من وضع نظام قانوني يؤطر حقوق والتزامات متقابلة لألطراف
املتعاقدة يكفل الحماية القانونية للمستهلك لالستفادة من هذه الخدمات املقدمة في إطار
مركز قانوني يترجم اإلرادة الحقيقية له ،من خالل ضمانات تسمو بهذه العالقة وتكرس
توازن عقدي لطفي العقد
وسنحاول من خالل هذا البحث اإلملام بهذه الضمانات من خالل مبحثين ،حيث
سنخصص األول منه للضمانات القانونية ،في حين نخصص الثاني للضمانات االتفاقية.
وكما هو معلوم من خالل منطوق املادة 74من قانون تدابير حماية املستهلك
والسيما الفقرة الثانية التي تنص على أنه ":تدخل في حكم عمليات القرض عملية اإليجار
املفض ي إلى البيع واإليجار مع خيار الشراء واإليجار املقرون بوعد بالبيع وكذا البيع أو
وسنقتصر في هذا البحث على خدمات القروض االستهالكية و العقارية ومحاولة الوصول إلى آليات حماية المستهلك
في هذه الخدمة البنكية.
للمزيد حول الخدمات البنكية يرجى مراجعة:
-جعفر الجزاز ":العمليات البنكية " دار النفائس ـ بيروت ،الطبعة األولى 1987ص 21 :
-نجاة بضراني ":االئتمان المصرفي بطريقة التوقيع" ،أطروحة لنيل الدكتوراه ،جامعة القاهرة ،كلية الحقوق
،1997ص .23
-1أمحمد لفروجي ":القانون البنكي وحماية حقوق الزبناء" ،أطروحة لنيل الدكتوراه ،كلية الحقوق الحسن الثاني ـ
عين الشق ، 1997-1996 ،ص .1
-2عبد المنعم موسى إبراهيم": ،حماية المستهلك ،دراسة مقارنة" ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى،
2007ص.462 :
تقديم الخدمات التي يكون أداؤها محل جدولة أو تأجيل أو تقسيط" .وما تنص عليه
املادة 135من قانون تدابير حماية املستهلك حيث اعتبرت أنه ":تخضع عقود اإليجار
املفض ي إلى البيع أو اإليجار املقرون بوعد بالبيع أو اإليجار مع خيار الشراء واملتعلقة
بالعقار املشار إليها في البند 1من املادة 113ألحكام هذا الباب وفق الشروط املحددة في
هذا الفرع مع مراعاة أحكام املادة ."114
واعتمادا على إحالة املادة 65من قانون تدابير حماية املستهلك على املواد 549إلى
571من ظهير االلتزامات والعقود ،فقد ارتأينا تقسيم هذا املبحث إلى مطلبين نتناول في
األول دعاوى الضمان كآلية لحماية إرادة املستهلك على أن نخصص الثاني لدور القضاء
في تقوية الضمان القانوني .وذلك ألن النقود الناضة ال ضمان قانوني فيها خاصة فيما
يتعلق بالعيوب الخفية.1
بمقتض ى الفصل 864من ظهير االلتزامات والعقود ،فإن أحكام الضمان املطبقة
على القرض هي نفسها التي تطبق على البائع في عقد البيع ،والتي يحددها الفصل 532
من نفس القانون حيث ،ينص على ما يلي ":الضمان الواجب على البائع للمشتري يشمل
أمرين:
أولهما حوز املبيع والتصرف فيه ،بال معارض (ضمان االستحقاق)؛ أ-
وانطالقا من مقتضيات هذا الفصل سنقسم هذا املطلب إلى فقرتين األولى
لدعوى التعرض واالستحقاق والثانية لضمان العيوب الخفية.
يترتب على ممارسة التعرض واالستحقاق عدة نتائج قانونية في غاية األهمية
تهدف في مجملها إلى رفع التعرض واالستحقاق سواء كان صادرا من البائع أو الغير أو هما
معا ويمكن للمستهلك أن يحمي نفسه من الخطر الذي يهدده.
-1محمد الملجاوي":دور القضاء في حماية المستهلك ،أشغال ندوة" ،المظاهر الجديدة لحماية المستهلك وفق القانون
الجديد ،31.08المنظمة بكلية الحقوق السويسي بتاريخ 17مارس ،2011لم تنشر بعد.
فالتزامات املؤجر تهدف إلى تمكين املستهلك من االنتفاع باألصل املؤجر طوال مدة
العقد ،إذ يلتزم األول باالمتناع عن كل أمر يحول بين املستهلك وبين االنتفاع باألصل
املؤجر ،1كما أن ضمان املورد ال يقتصر على األعمال التي تصدر عنه أو عن أتباعه سواء
كانت مادية أو قانونية بل يمتد هذا الضمان إلى كل تعرض مبني على سبب قانوني يصدر
عن الغير.
وبالرغم من ضيق نطاق الحماية التي تتقرر للمستهلك عن طريق الدفع ضد
مخاط ر التعرض واالستحقاق ،إال أن استعمال هذه الوسيلة غالبا ما يحقق جملة من
النتائج اإليجابية ويجنبه إثارة الدعوى وما يتطلبه ذلك من مصاريف قضائية قد ال يكون
قادرا على تحملها .غير أن سلوك هذا الدفع يرتبط في الواقع بتوفر عناصره التي ال يقبل
إال بتواجدها والتي تتلخص فيما يلي:
أن يواجه املستهلك برفع دعوى ضده من قبل املورد أو البنك ملطالبته -2
بتنفيذ االلتزامات امللقا على عاتقه بمقتض ى عن القرض؛
أن ال يكون املستهلك نفذ ما بذمته من التزامات عقدية وعند توفر هذه -3
العناصر فإنه يحق للمشتري أن يستعمل وسيلة الدفع لحماية نفسه من مصاطر
التعرض واالستحقاق.2
-1رياض فخري":اآلليات القانونية المميزة لعقد اإليجار التمويلي" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة عين
شمس ،مصر ،سنة ،2000ص.134 :
-2عبد القادر العرعاري":الوجيز في النظرية العامة ،العقود المسماة" ،الكتاب األول ،عقد البيع ،دار األمان الرباط،
الطبعة األولى ،1999 ،ص.133 :
وتجدر اإلشارة إلى أن القواعد املنظمة للتعرض الشخص ي للبائع واملقرض ليست
آمرة في أغلبها ،إذ أن إمكانية االتفاق سواء على التشديد من الضمان أو التخفيف منه
تظل ممكنة وإذا أسقطنا هذه اإلمكانية على وضعية املستهلك في مواجهة البنك واملورد
فإن حرمان األول من هذه القواعد ،أمر أكثر من املمكن أمام قوة اآلخرين وإذا كان
املستهلك خاصة وأن تحرير نماذج العقود التي يتم في إطارها التعاقد تعد بواسطة
البنك .1غير أن إمكانية االتفاق هذه ال يمكن أن تمتد إلى إسقاط الضمان كلية كما
يستنتج من مقتضيات الفصل 544من ظهير االلتزامات والعقود الذي ينص على إنه"
يسوغ أن يتفق املتعاقدان على أن البائع ال يتحمل بأي ضمان أصال.
إال أنه ال يكون لهذا الشرط من أثر إال إعفاء البائع ،فال يمكنه أن يحلل البائع من
التزامه برد الثمن الذي قبضه كله أو بعضه في حالة االستحقاق.
إذا وقع تدليس من البائع ،كما إذا باع ملك الغير على علم منه وكما إذا
كان يعرف سبب االستحقاق ولم يصرح به.
وبإسقاط هذه الحاالت على العالقة الثالثية التي تكون أطراف عقد القرض
االستهالكي أو العقاري والتي تجمع املستهلك بالبنك وباملورد بأن على هذا األخير االلتزام
بضمان التعويض واالستحقاق الصادر عنه أو عن الغير سواء أكان ماديا أم قانونيا وذلك
إعماال للقاعدة القانونية والتي تقض ي بأن ":من وجب عليه الضمان امتنع عليه التعرض"
قصد حماية إرادة املستهلك من أي تعسف أو ضياع لحقوقه ،وفي حالة ما تم العقد
صحيحا ودونما تعرض ،يتبقى لنا محل القرض االستهالكي أو العقاري ومدى خلوه من
العيوب الخفية التي يمكن أن تمس املنقول أو العين املكتراة وهو ما يؤثر على العقد
خاصة أن إرادة املستهلك اتجهت إلى محل سليم إبان إبرام العقد.
-1صبري مصطفى حسن السبك":القرض المصرفي كصورة من صور االئتمان وأداة للتمويل" ،دراسة مقارنة ،بين
التعامل المصرفي ،دار الفكر الجامعي ،اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،2011 ،ص.172 :
املقصود بالعيب الخفي كل تلف يصيب املنقول أو العقار والذي لو كان ظاهرا ملا
أقدم األطراف على التعاقد.ويجد هذا االلتزام أساسه القانوني في الفصل 579من ظهير
االلتزامات والعقود الذي ينص على ما يلي ":يضمن البائع عيوب الش يء التي تنقص من
قيمته نقصا محسوسا ،أو التي تجعله غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب طبيعته
أو بمقتض ى العقد ،أما العيوب التي تنقص نقصا يسيرا من القيمة أو االنتفاع ،وتلك التي
جرى العرف على التسامح فيها ،فال تخول الضمان.
ويضمن البائع أيضا وجود الصفات التي صرح بها أو التي اشترطها املشتري؟ وتجدر
اإلشارة إلى أن هذا العيب يوجد في جميع أنواع البيوع الواردة على املنقوالت والعقارات
على السواء ،ويجب بالتالي تقدير العيب تبعا لطبيعة الش يء املبيع.1
وقد استقر االجتهاد الفرنس ي على أن عقد البيع الذي يشترط أن يأخذ الحائز
األصل على الحالة التي يوجد عليها وقت إتمام البيع ال يحول دون إثارة دعوى الضمان
بسبب العيب الخفي املوجود في الش يء املبيع.2
وال شك بأن إقدام املستهلك على إبرام عقد مع البنك قصد تمويل شراء منتجات
عقارات املشار إليها في املادة 113من قانون تدابير لحماية املستهلك ،3ينطوي حتما على
حاجة هذا املستهلك لهذه السلعة أو العقارات خالية من العيوب ومتمتعة بكافة
املواصفات املشروطة من قبل املشتري.
من هنا تبرز األهمية العملية لضمان العيوب الخفية ،فال يكون بيع العقار في طور
اإلنجاز فعاال إال إذا وجد املستهلك كل ما كان ينتظره من مزايا وفوائد في العقار ،أو فيما
يتعلق باآلالت املنزلية أو إحدى الكماليات التي يريدها املستهلك بصفة العموم والتي تدخل
-1عز الدين بنستي":دراسات في القانون التجاري المغربي" ،الجزء الثاني ،األصل التجاري ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدارالبيضاء ،الطبعة األولى ،2001 ،ص.144 :
2
- Cass.com, 26 juin 1973, Bull.cass 1973,4 n°223.
-3المادة 113من قانون تدابر لحماية المستهلك ،تطبيق أحكام هذا الباب على القروض كيفما كانت تسميتها أو
تعقيدها والتي تمنح بصورة اعتيادية من قبل أي شخص ألجل تمويل العمليات التالية:
أ -التي تم اقتناؤها من أجل تملكها أو االنتفاع بها؛
ب -االكتتاب في حصص أو أسهم شركات أو شراؤها إذا كان الغرض منها امتالك هذه العقارات أو االنتفاع بها؛
ج -النفقات المتعلقة ببنائها أو إصالحها أو تحسينها أو صيانتها.
ضمن القرض االستهالكي أو العقاري ،وبمفهوم املخالفة تنتفي هذه الفعالية لوجود عيب
يشوب محل العقد.
وبالرجوع إلى نص املادة 1641من القانون املدني الفرنس ي يتضح لنا أن هذا
القانون قد حافظ في صور ضمان العيوب الخفية على ذات الصيغة القديمة التي قد
تمثل عائقا أمام املستهلك حينما يريد أن يتمسك بضمان العيوب الخفية في حالة قيام
املورد بتسليم محل ال يحمل نفس الصفات املتفق عليها ،أو التي كان يجب توفيرها في
املبيع بالنظر إلى الغرض الذي أراد املشتري استخدامه فيه .1على أننا نالحظ أن القانون
الفرنس ي ال يمكن أن يوصف بالقصور في هذا املجال ألن الحماية التي أغفلتها النصوص،
تم استكمالها من خالل توسع القضاء في تفسيرها فلقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية2
إلى أن ضمانالعيوب الخفية يقتض ي أن يسلم املورد إلى املستهلك محل القرض االستهالكي
و العقاري يتفق في خصائصه ومواصفاته مع الغرض الذي يعلم املورد أنه سيخصص من
أجله ،لذلك رفضت املحكمة دعوى املستهلك الذي استخدم مواد البناء في غرض لم تكن
مخصصة أصال له.
ففي حالة بيع سيارة نجد أن القضاء يعتبر ضعف األجزاء امليكانيكية في نظام
توجيه الحركة عيبا ظاهرا بالنسبة للمنهي ،لكن بالنسبة للمستهلك يعد عيبا خفيا.
-1قرار القطع األرضية المخصصة لبناء العقارات المشار إليها في البند 1أعاله ،عبد المنعم موسى إبراهيم ،مرجع
سابق ،ص.465 :
2
-Cass.com, 15 Décembre 1965K n°715, Bull.cass, p : 547.
3
-Cass.Civ, 19 Février 1978,n° 981, Bull.cass,p : 348.
4
-Cass. Com, 26 Février 1976, Bull, civ, 1976, n°92,p : 61.
املحترف بتلك العيوب ،وبهذا يكون القضاء الفرنس ي قد ساوى بين املحترف واملورد السيئ
النية مما يؤدي من ناحية أولى إلى إهدار أي شروط ترد في عقود البيع الستبعاد الضمان
القانوني الخاص بالعيوب الخفية أو تلك الشروط التي تهدف إلى تخفيف مسؤولية املورد
املترتبة على تلك العيوب ،كذلك فإن املورد وقد افترض القضاء علمه بعيوب املبيع
(وبالتالي افتراض سوء نيته) لن يتمكن من تنفيذ اختيار املستهلك الذييفاجأ بوجود تلك
العيوب في املبيع ،وبهذا يظل مفتوحا أمام املستهلك ليطالب بفسخ العقد أو باإلبقاء عليه
مع إنقاص قيمة املبيع.
ومن ناحية ثانية سيلزم البائع بتعويض املشتري عن كل األضرار التي تنجم عن
العيب باإلضافة إلى رد الثمن أو تخفيضه كما سبق ذكره .1فإذا نجم عن العيب الخفي في
السيارة املشتراة تعطل السيارة وبالتالي اضطرار املستهلك لتأجير مبادرة بديلة فإنه
سيستطيع في هذه الحالة بكل ما ترتب عن وجود العيب من نفقات.
إال أن السمة التقنية والتكنولوجيا املميزة ملختلف املنتجات الحديثة أدت إلى
تعقيدها مما يصعب معه على املستهلك تقديم العيوب وبالتالي املساس بإرادته ،وهو ما
برز معه قصور في قواعد الضمان القانوني.
ومن خالل استقراء القواعد التي جاء بها قانون االستهالك الفرنس ي وكذا قانون
تدابير حماية املستهلك ،يتبين الدور الكبير الذي القضاء الفرنس ي لعبه مما ساعد على
دعم قانون االستهالك في تقوية الضمان القانوني.
أظهرت املعامالت قصور قواعد الضمان القانوني في توفير حماية فعالة للمستهلك
وقد تجلى أبرزها في ضرورة اللجوء إلى رفع الدعوى وفي مدة قصيرة حددها الفصل 537
من ظهير االلتزامات والعقود في 30يوما بالنسبة للمنقوالت والحيوانات و 365بالنسبة
للعقارات إال أن هذا املقتض ى قد تم تجاوزه في املادة 65من قانون تدابير حماية املستهلك
والتي زادت من آجال الدعوى تقررت:
-1عبد الرزاق السنهوري": ،مصادر الحق في الفقه اإلسالمي م ج ،"IIالطبعة الثالثة1967 ،ص741 :
بالنسبة لألشياء املنقولة سنة بعد التسليم بدل 30يوما وهي ضمانة
كفيلة بحماية حقوق املستهلك وتدعم إرادته باالستفادة من أجل أطول.
كما أن القضاء الفرنس ي أقر مجموعة من الخطوات في هذا اإلطار لتجاوز قصور
قواعد الضمان القانوني (الفقر األولى) واالتجاه نحو االلتزام باملطابقة كضمانة إلرادة
املستهلك (فقر ثانية).
أمام عدم كفاية قواعد الضمان القانونية لتقرير حماية كافية للمستهلك في
حصوله على خدمة تستجيب ملتطلباته ،فإن القضاء الفرنس ي سارع إلى األخذ بزمام
املبادرة قبل أن يتدخل املشرع لفرض االلتزام باملطابقة ،وقد اتجه القضاء الفرنس ي
لتغيير النصوص املتعلقة بضمان العيوب الخفية في االتجاه الذي يخدم مصالح املستهلك
بينما بقي القضاء املغربي في عمومه متشبثا بحرفية النصوص القانونية املتعلقة بالضمان
أمام وضوحها.1
وتتجلى الخطوات التي أقدم عليها القضاء الفرنس ي في هذا اإلطار فيما يلي:
حينما يكون الش يء املبيع قد مر بمراحل عديدة أثناء بيعه ،وهو الوضع الغالب في
نشاط املهنيين فيمر املبيع بعدة مراحل ،ويخضع لعمليات إعادة البيع ألكثر من مرة في
هذا الوضع فإن املستهلك وفقا للقواعد العامة ال يمكنه أن يواجه إال البائع املباشر،
وهذا األخير يمكنه أن يرفعها على املورد وهكذا تتوالى سلسلة من الدعاوى حتى الوصول
إلى الصانع مما يعني عرقلة حقيقية للمستهلك ملا في ذلك من ضياع للوقت وإهدار
للمصاريف وطول املدة خاصة إذا تعلق األمر باملنقوالت البسيطة التي تشكل الغالبية
العظمى من تصرفات املستهلكين ،ولتجنب هذه العراقيل ،اعترف القضاء الفرنس ي لهذا
األخير بحق رفع دعوى مباشرة ضد صانع الش يء.2
-1عبد القادر العرعار":ضمان العيوب الخفية وفقا لقانون االلتزامات والعقود المغربي" ،منشورات جمعية تنمية
البحوث والدراسات القضائية ،دار نشر المعرفة ،1996ص.268 :
2
- Cass.com, 17 mai 1982, Dalloz 1983, R479.
لقد حاول االجتهاد القضائي الفرنس ي تفادي املدة القصيرة التي ينبغي فيها رفع
دعوى الضمان املنصوص عليها في الفصل 1646من القانون املدني الفرنس ي وذلك بأن
جعل احتساب هذه املدة ينطلق من اليوم الذي يعلم فيه املستهلك بالعيب علما
حقيقيا ،1ال من تاريخ التسليم ،كما ذهب املشرع املغربي في الفصل 573من ظهير
االلتزامات والعود املغربي والذي تم تجاوز املدة القصيرة لرفع الدعوى فيه من خالل
مقتضيات املادة 65من قانون تدابير حماية املستهلك.
لقد قرر القضاء الفرنس ي هذا التمييز في حكم صدر سنة 1993حينما أكد أنه في
حالة بيع سيارة مستعملة ،فإن عطب أجهزة التوجيه تعتبر كعيب ظاهر إذا كان املشتري
مختصا في السيارات ،ولكن ذات العيب يعتبر عيبا خفيا إذا كان املشتري غير منهي وهو ما
يسمح لهذا األخير بالتمسك بالضمان القانوني.
لقد استقر القضاء الفرنس ي 2على تشبيه البائع املنهي بالبائع الذي يعلم البيع
وافترض فيه هذا العلم ،بناء على أحكام املادتين 1645و 1646من القانون املدني
الفرنس ي وهكذا فاملورد يعتبر ضامنا لجودة خدماته وال يمكنه بالتالي أن يدعي جهله
بالش يء الذي يقدمه.
ويترتب على هذا االفتراض ،أن املورد ال يمكنه إدراج شرط عدم الضمان وهذا
االجتهاد القضائي تم دعمه بمقتض ى قانون 24مارس 1978الذي اعتبر مثل هذا الشرط
تعسفيا.3
1
- Cass.com, 22 juin 1993, cité par Jean CALAIS-AULOY et Frank
STEINMETZ :« Droit de la consommation », 5ème édition, 2000, p :221.
2
- Cass.com, 16 juillet 1987, Dalloz 1987, R182.
-3بالنسبة للقانون المغربي فإن شرط عدم الضمان أو إعفاء البائع من الضمان شرط جائز بدون أية قيود ،وذلك طبقا
للفصل 571من ظهير االلتزامات والعقود.
ملا يريد املستهلك التزود بإحدى الخدمات التي توفرها الشركات اإلنتاجية أو عندما
يرغب في تملك عقار أو تجهيز ،يلجأ إلى البنك ليقترض ما يلزمه وهو ما قد يجعل العقد
ثالثي األطراف لتوريد الخدمات الالزمة وهو ما يقتض ي تأمين املطابقة عن طريق تنظيم
املنتجات والخدمات يمكن أن يتحقق إضافة إلى ما يتضمنه ظهير 1964وحرية األسعار
واملنافسة حيث أن هذه األخيرة تدفع باملقاوالت إلى بذل أقص ى الجهود لتكون الخدمات
التي تقدم للمستهلك أكثر جودة وتطابقا مع مصالحهم.
كما أن املادة 91من قانون تدابير حماية املستهلك أكدت على االلتزام باملطابقة
خاصة الفقرة األولى حيث نصت على ما يلي" يجب أن يشار في العرض املسبق إلى املنتوج
أو السلعة أو الخدمة املمولة وإلى مواصفاتها الجوهرية؟"
وهكذا؛ فبمجرد طرح املنتوج في السوق والذي يكون محل القرض االستهالكي
يجب أن يستجيب للمواصفات الجاري بها العمل ،حتى ال يتم املساس بإرادة املستهلك
التي تتوجه لتلبية حاجيات الحياة بالدخول في عقد القرض التمويلي ويصطدم في األخير
بعدم املطابقة مع التصور الذي كان يتمناه.1
وهنا تكمن أهمية االلتزام العام باملطابقة حيث يحمل في طياته إيجابيات عديدة
منها؛ أن املستهلك يكفيه إثبات اختالف الش يء الذي تم تسليمه عن ذلك الذي كان محال
لعقد القرض الثالثي األطراف ،أي بين املستهلك والبنك واملورد ،ولو لم يكن له أثر على
االستعمال وبالتالي فإن الش يء يجب أن يظل صالحا لالستعمال الذي خصص له .وفي
دعوى املطابقة ينتقل عبء اإلثبات إلى املنهي عكس ما هو واقع بالنسبة لضمان العيوب
الخفية ،ثم إن دعوى املطابقة الناتجة عن هذا االلتزام ال تخضع لشرط املدة القصيرة،
فضال عن أن هذا االلتزام أوسع من االلتزام بالضمان.2
وأهم ما يمكن أن نخلص إليه هو قوة القضاء الفرنس ي في خلق سياسة اجتهادية
تمكن من حماية إرادة املستهلك في ظل قصور قواعد الضمان القانوني ،كما أن قانون
تدابير حماية املستهلك أتى بما هو كفيل لصد املمارسات التي يمكن أن يرتكبها املورد أو
الب نك من خالل فرض التزامات على املستهلك وهي قواعد قانونية جديدة يمكن أن
-1نبيل إبراهيم سعد":نحو قانون خاص باالئتمان" ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية.1991 ،ص.63 :
-2عبد المنعم موسى إبراهيم ،مرجع سابق ،ص.324 :
تنضاف إلى االئتمان القانوني .حيث أكدت املادة 93من هذا القانون ،التزام املقرض
بإخبار املورد بقبول منح القرض داخل أجل السبعة األيام املنصوص عليه في املواد 85
إلى 87من نفس القانون وذلك حتى يتمكن املورد من مراجعة وضعية املستهلك ،ونفس
الش يء بالنسبة لألخير ليرد مدى مالءمة القرض مع وضعيته املالية.
كما ضمنت املادة 91من قانون 31.08االلتزام باملطالبة باإلضافة إلى التنصيص
على مقتض ى مهم يتجلى في عدم تنفيذ املقترض لاللتزامات إال ابتداء من تاريخ تسليم
املنتوج أو السلعة أو االستفادة من الخدمة عندما يتعلق األمر ببيع أو تقديم خدمة ينفذ
بالتتابع .كما أن املستهلك ال يلتزم إال في حدود ما تسلمه من منتوج أو سلعة أو استفاد
منه من خدمة.
كما أتت املادة 139بمقتض ى يضمن املستهلك من مخاطر التوقيع على أوراق
تجارية حيث نصت على إنه ":ال يمكن للمكتري ،إلى حين قبول العرض ،أن يقوم بأي
إيداع أو يوقع أية ورقة تجارية أو يضمنها احتياطا أو يوقع أي شيك أو أي ترخيص
باالقتطاع من حساب بنكي أو مصدر للدخل لفائدة املكري أو لحسابه".
واملالحظ من خالل هذه املقتضيات أنها تشكل ضمانات قانونية أتى بها قانون
تدابير حماية املستهلك والتي تنضاف إلى القواعد العامة فيما يتعلق بالضمان القانوني
قصد توفير الحماية الالزمة للمستهلك ودعم إرادته أمام قوة البنك وكذا املورد في حالة
العقد الثالثي (االئتمان التمويلي) ،ونكون بذلك انتقلنا من وسائل فردية وعالجية إلى
وسائل جماعية ووقائية ،ورغم تنوع هذه التقنيات فإنها ترتكز على هدف واحد هو تمكين
إرادة املستهلك من الوصول إلى حالة التوازن ودرء التفاوت العقدي ،خاصة ملا نتحول من
الضمان القانوني إلى الضمان اإلتفاقي.
يكون مصدر الضمان اإلتفاقي الرابطة العقدية بين الطرفين ،والتي تتجه إلى خلق
العديد من االلتزامات لحماية املصالح املتبادلة ،وسنركز في هذا املبحث على صورتين من
هذه االلتزامات ،تتجلى األولى في ضمان االلتزام بالنصيحة (مطلب أول) على أن نوضح
الصورة الثانية والتي تخص الكفالة (مطلب ثان) كضمانة بنكية.
إن مفهوم االلتزام بالنصيحة يتجاوز مفهوم االلتزام باإلعالم الذي تطرقنا له في
الفصل األول ،حيث يكون البنك ملزما بأن يسدي النصح ملن يتعامل معه في إطار العالقة
التي تربطهما بهدف توضيح الجوانب الخفية ،من أجل تجنيبه ما قد يترتب عن تلك
العالقة من مخاطر غير متوقعة تضربه في الحال أو املآل ،ولو استفاد منها املتضرر ماديا.1
وقبل توضيح االلتزام بالنصيحة سنبحث في واجب النصح كالتزام تعاقدي (فقر
أولى) على أن نرى حدود هذا الواجب (فقر ثانية).
لقد كان لالجتهاد القضائي دور في كشف ارتباط واجب النصح بالعقد رغم أن
أطراف العقد لم تسع إليه ،لذلك يتعين دراسة هذا االرتباط (أوال) ثم تحليله (ثانيا).
ينظر القضاء عادة إلى واجب النصح على أنه التزام تعاقدي منبثق عن العقد
الرابط بين املستهلك والبنك ،وقد أصدرت محكمة النقض الفرنسية عدة قرارات تسير في
هذا االتجاه ولعل أبرزها القرار 2الصادر عن غرفتها التجارية بتاريخ 5نونبر 1991املعروف
باسم قرار بويان ،وهو زبون البنك الشعبي كان مضاربا عن طريق هذا البنك في عمليات
البورصة ،خاصة في سعر الذهب ،وقد أبرم مع مصرفه عقد إيداع السندات ،وبعد شهور
نتجت عن هذه املضاربة خسارة مني بها مما دفع البنك إلى مقاضاته من أجل مطالبته
بأداء الرصيد املدين الناتج بذمته في الحساب الخاص بإيداع السندات .استجابت كل من
محكمة الدرجة األولى ومحكمة االستئناف ملطالب البنك ورفضتا اإلقرار بمسؤوليته
تأسيسا على إخالله بواجب النصح ،غير أن محكمة النقض الفرنس ي طعنت في قرار
محكمة االستئناف واستندت إلى املادة 1147من القانون املدني الفرنس ي فقررت بأن
-1العربي مياد":مظاهر حماية المستهلك" ،أشغال ندوة":المظاهر الجديدة لحماية المستهلك في ظل القانون رقم
،"31.08المنظمة يوم الجمعة 25مارس 2011بكلية الحقوق السويسي.
2
- Cass.com, 5 novembre 1991, RJDA 1/92, n°68, Quot.jur 21 janvier 1992, p :6.
"البنك ملزم بإخبار الزبون بكل املخاطر التي قد يتعرض لها جراء مضاربته في السوق
وتقديم النصيحة له ،بغض النظر عن عالقته التعاقدية مع البنك".1
لقد أكد هذا القرار أن واجب النصح مرتبط بعقد إيداع السندات ،كما أبان عن
وجود التزام بتقديم البنك النصح للمستهلك بغض النظر عن العالقة التعاقدية التي
تربطهما ،أي ولو لم يتضمن العقد أي إشارة إلى واجب البنك إرشاد املستهلك.
وقد يلمس نفس االتجاه في العديد من الحاالت ،خاصة املتعلقة منها بمجال منح
الفرص .إن البنك ملزم تجاه املستهلك بواجب النصح زيادة عن االلتزامات األخرى
املوضوعة على كاهله .فالعقد هو الذي مكن من اكتشاف هذا الواجب الذي يلزم به
البنك ،كما غدا االجتهاد القضائي الذي يعترف صراحة بواجب البنك بموجب القرار
السالف الذكر مرجعا ملا صدر من قرارات ملحكمة النقض الفرنسية ،نذكر منها على سبيل
املثال القرار 2الصادر بتاريخ 23يونيو 1998الذي أيد قرار محكمة االستئناف القاض ي
بشركة القرض باإليجار ألنها لم تنصح كفالء املقاولة املقترضة بالعدول عن كفالة هذه
األخيرة اعتبارا لوضعيتها املالية املختلة.
ويتضح لنا أن هذا االجتهاد القضائي الفرنس ي قد خلق حماية جديدة إلرادة
املستهلك والذي أبرز حاجة األخير إلى الرضا التام حتى يكون على علم بالعواقب التي
ستترتب عن تعاقده مع املؤسسة البنكية .وهو ما جعلنا نبحث عن تحليل هذا االرتباط
وواجب النصيحة بالعقد.
ذهب فريق فقهي 3إلى أن واجب النصح املقرر من طرف االجتهاد القضائي ،ما هو
إال تعبير عن إرادة ضمنية للمتعاقدين الذين أرادوا االلتزام األصلي لكنهم في الوقت ذاته
أرادوا ضمنيا االلتزامات التابعة ،كااللتزام بالنصح واإلخبار وأن األمر ال يمكن تصوره على
1
-« Quelles que soient les relations contractuelles entre un client et sa banque,
celle-ci a le devoir de l’informer et de conseil des risques dans les opérations
» spéculatives sur les marchés à terme.
2
- Cass.com, 23 juin 1998, Bull.civ.iv.n°208.JCP édition entreprise, p :1831.
3
- Jacques GHISTIN et Bernard DESHE : « Traité des contrats : la vente »,
L.G.D.J, Paris, 1990, p :124.
- Bernard NONJEAU : « Le droit à l’information du consommateur », Travaux de
la conférence d’agrégation : in, l’information en droit privé, L.G.D.J, Paris,
1994, p :25.
شكل آخر مادام أن االلتزامات التعاقدية لن يكون لها وجود إال بوجود إرادة األطراف وأن
القاض ي ملا يؤول العقد ضمن الصالحيات املخولة له من طرف القانون إنما يبرز تلك
االلتزامات.
لقد كانت هذه النظرية محط انتقادات ألنها لم تنسجم مع مجموعة من
النصوص القانونية التي تنص على وجوب التعاقد بحسن نية من جهة ،ووفق القانون
والعدل واإلنصاف من جهة أخرى ،إضافة إلى كونها تصطدم بعوائق إحداها فقهي واآلخر
قضائي.
فمن الناحية الفقهية ،يصعب الجزم بأن املتعاقدين أرادوا فعال واجب النصح،
ولو ضمنيا ،فقد أكد بعض الدارسين 1أن هذه اإلرادات إما أنها غير موجودة أصال ،وإما
أنها غير منسجمة مع بعضها البعض ،فالبنك له غاية محددة يسعى إلى تحقيقها من
تعامله مع املستهلك ،أال وهي تحقيق األرباح من أجل تقديم خدماته ،فكيف يمكنه
والحالة هذه أن ينصحه بعدم التعاقد؟
فإذا افترضنا أن البنك قدم قرضا للمستهلك ،وشرع األخير بصرف ماله بطريقة
غير منتظمة وال طائل منها ،فبغض النظر عن معرفة ما إذا كان سيعيد املال أم ال ،فإن
هدف البنك لم يكن يتجه صوب النصح واإلرشاد بقدر ما كان متجها ضمنيا صوب
تقديم الخدمة إذن فإن القول غير صحيح بأن إرادة األطراف أرادت ولو ضمنيا واجب
النصح هذا ،وبهذا املعني يكون االلتزام بتقديم النصيحة مفروضا على البنك من طرف
القاض ي بناء على مراعاة مصالح عليا وهي اإلنصاف والعدالة وحسن النية.2
أما على مستوى االجتهاد القضائي ،وبالرجوع إلى القرارات التي صدرت بخصوص
واجب النصح ،يالحظ أن قرار بويان » « Buonوهو القرار املؤسس لهذا الواجب ،قد ألزم
البنك "بغض النظر عن العالقات التعاقدية" التي تربط بينه وبين زبونه ،ومن أجل
التقص ي بخصوص االعتبار ،لذلك ال يجوز التمسك بفرضية مؤداها أن واجب النصح
يستمد كيانه من إرادة ضمنية لألطراف ،كما أن االجتهاد القضائي بخصوص هذا
الواجب يستدل به على العكس من ذلك إلثبات أن إرادة األطراف ال ينتبه إليها في هذا
املجال.
1
- Viney GENEVIEVE et Jourdain PARTRICE : »Traité de droit civil : les
conditions de la responsabilité », 2ème édition-1998, p :108.
-2نبيل إبراهيم سعد":نحو قانون خاص باالئتمان" ،مرجع سابق ،ص.70:
وهكذا ،ففي ميدان القرض ،يسجل اعتراف محكمة النقض الفرنسية بواجب
النصح في قرارها 1الصادر بتاريخ 27يونيو 1995ومما يثير االنتباه ،أن هذا القرار لم يشر
من قريب وال من بعيد إلى إرادة الطرفين املتعاقدين بل العكس من ذلك ،اكتفت محكمة
النقض الفرنسية باإلشارة إلى عدم توازن أو اختالل بين البنك واملستهلك برر في واقع األمر
الحديث عن واجب النصح.
يستقي هذا الواجب وجوده إذن ،من مفهوم العدالة واإلنصاف تطبيقا للمادة
231من ظهير االلتزامات والعقود التي تنص على أن":كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية،
وهو ال يلزم بما وقع التصريح به فحسب ،بل أيضا كل ملحقات االلتزام يقررها القانون،
أو العرف ،أو مبادئ العدالة واإلنصاف".
فمن خالل تقديم النصيحة تكون إرادة املستهلك سليمة خالية من أي عيب،
ويكون البنك وفى التزامه ،مما يجنبه تحمل املسؤولية عن األضرار التي تلحق املستهلك
جراء اإلخالل بواجب النصح الذي تكون له حدود نتناولها في الفقرة املوالية.
أشار املشرع املغربي في املادة السابعة 2من القانون املتعلق بمؤسسات االئتمان
والهيئ ات املعتبرة في حكمها إلى واجب النصح ضمن النقطتين السادسة والسابعة منه،
وسنركز على موضوع االلتزام بالنصيحة (أوال) ثم إلى جزاء اإلخالل بالنصح (ثانيا).
1
-Cass.civ, 1er, 27 juin 1995, Bull.civ, I, n°287, JCP, Edition Enterprise, II, 652.
تنص المادة 7على أنه":يجوز كذلك لمؤسسات االئتمان أن تقوم بالعمليات المرتبطة بنشاطها مع التقيد بأحكام -2
النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة في هذا المجال مثل:
عمليات الصرف؛
العمليات المتعلقة بالذهب والمعادن النفيسة والقطع النقدية؛
توظيف القيم المنقولة أو سندات الديون القابلة للتداول أو أي منتج من المنتجات المالية واالكتتاب فيها وشراؤها
وتدبيرها وحفظها وبيعها؛
عرض عمليات تأمين األشخاص والمساعدة وتأمين القروض على الجمهور؛
الوساطة فيما يتعلق بتحويل األموال؛
اإلرشاد والمساعدة فيما يتعلق بتدبير الممتلكات؛
اإلرشاد والمساعدة فيما يتعلق بالتدبير المالي والهندسة المالية وبوجه عام جميع الخدمات الرامية إلى تسيير
إحدى المنشآت وتطويرها؛
عمليات اإليجار البسيط للمنقوالت أو العقارات بالنسبة للمؤسسات التي تباشر عمليات االئتمان اإليجاري بصورة
اعتيادية".
يتعلق موضوع االلتزام بالنصيحة أساسا باملخاطر التي يتعرض لها املستهلك ،مما
يدف عنا إلى طرح سؤال ذا أهمية بالغة وهو :هل يتعرض املستهلك للمخاطر بمناسبة إبرام
العقد أم أن تلك املخاطر لها عالقة بالعقد أم هي نتيجة العقد؟ ثم هل العقد هو السبب
في ظهور املخاطر؟
نرى أنه إذا كانت املخاطر محل النصح تنشأ سواء بسبب العقد ،فإن هذا األخير
وحده الذي يحدد املخاطر التي يتعين على البنك أن ينصح املستهلك بها.
إن النصح املرتبط بخدمة معينة يكملها ويحد أحد ملحقاتها ،ومن جهة أخرى
فقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية 1ما يلي":إذا كان البنك مجرد مؤتمن على تلك
القيم ،فإنه يتحمل طبقا لألعراف بالواجبات امللحقة بالعقد واملرتبطة بحيازة القيم)...( ،
فال األعراف وال العقد واإلنصاف وال القانون يلزمه بإخبار املودع بواقعة قد تؤثر سلبا على
حياة املقاولة مصدرة القيم".2
لقد أشر هذا القرار ملعطى جديد يتمثل في كون نصح البنك يحدد في إطار العقد
وال يخرج عنه ،نفس االتجاه نلمسه في ميدان القروض ،ففي قرار صادر عن محكمة
النقض الفرنسية بتاريخ 6يونيو 1990ذهبت فيه إلى أن البنك"لم يتحمل إزاء زبنائه بأي
دور آخر سوى دوره املعتاد في منح القروض" وخلصت إلى أن البنك ليس ملزما بإخبارهم
باملخاطر الناشئة عن سحب االمتيازات املهمة التي كانوا يستفيدون منها.
وعليه ،نخلص إلى أن النصح يتعلق فقط باملخاطر التي ال يمكن للمستهلك أن
يتوقع حدوثها ألنه جاهل بأصول مهنة البنك وهو ما استقر عليه قرار ملحكمة النقض
الفرنسية 3الذي قض ى بأن النصح هو ذلك املجهود الذي يقوم به البنك من أجل أن يدل
1
- Cass.com, 6 juin 1990, cité in : www.courdecassation.fr
2
- Cass.com, 9 Janvier 1990, Bull.civ, IV, n°2.
« Si la banque, simple dépositaire des lettres, assumée en vertu des usages, les
obligations accessoires au contrat in hernutes à la détention de ces titres, (…),
ni ces usages, ni l’équité, ni la loi ne l’obligent en outre à informer le déposant
d’un événement affectent la vie de la société émettrice des titres ».
3
- Cass civ, 1er, 28 mars 2000, n°594-2000, RGDA, 2008, p :489, existe en :
www.courdecassation.fr..
الزبون على التصرف األكثر مالءمة مع مصالحه نظرا للمخاطر التي يتعرض لها بفعل عقد
القرض االستهالكي أو العقاري.1
يتمظهر جزاء اإلخالل بواجب النصح في عدة صور ،نسوغ من بينها في معرض
حديثنا ،لكل من الغش وكذا اإلشهار الكاذب .فإذا ما توفرت شروط الغش ،أسس الجزاء
فيه ،مثلما قضت محكمة النقض الفرنسية 2في قرار لها بتحليل أن البنك لم ينصح مسير
الشركة تأسيسا على حجج ومالبسات معينة ،بالعدول عن ضمانها بكفالة شخصية.
غير أن شروط الغش إن وجدت ال تشكل مع ذلك أهم إدانة لواجب النصح،
فاالجتهاد القضائي امتنع عن األخذ بحالة الغش إلدانة البنك لعدم تحذيره الكفيل
بخصوص االلتزامات التي تحمل بها ،ألن نية الغش لم تتحقق لديه في هذه الحالة.
كما حاول بعض املتقاضين أن يستصدروا أحكاما وقرارات تدين البنك وتؤكد
مسؤوليته اعتمادا على أساس اإلشهار الكاذب كالنازلة 3التي وضعت فيها مؤسسة ائتمان
شكلياتها املختلفة رهن شركة مدنية للتوظيف من ذلك بأن وكل نفسه عن زبنائه الذين
اشتروا أسهم الشركة ،بعد ذلك تم إدانته على أساس اإلشهار الكاذب معتقدين أن البنك
لم يحذرهم وبالتالي عدم النصح .إال أن املحكمة ردت دعواهم معللة حكمها بأن الدعاية
لكي تكون مشروعة ال يتحتم عليها بالضرورة أن تكشف عن الجوانب السلبية.
ويمكن أن نقول ،إن واجب النصح هو التزام يقع على عاتق البنك مما يجعل
املستهلك ذا إرادة مستنيرة ،وذلك من خالل ضمان هذا الواجب الذي ينشأ مع العقد.
1
- Cass.civ, 28 mars, RGDA, 2000, p :489.
2
- Cass.civ, 23 juin 1998, Bull civ, n°208. JCP édition Entreprise, p :1831.
3
- Cass.com, mardi 3 juin 2008, n°07-11981, cité au, droit-Finances-
commentcamarche.net/jurisprudence/cour-de-cassation-1/intedits-2/1400764-
courve cassation-civile-chambre-commercial-3juin-2007.
ومادام العقد خير قانون طرفيه ،فيمكن أن يسعى كل منهما للدفاع عن حقوقه
املشروعة .ولعل أبرز ما يلجأ إليه البنك للحفاظ على أمواله ،طلب الكفالة من املستهلك
الذي يضمن بهذه األخيرة الحصول على القرض .فما هي أبرز إجراءات حماية الكفيل
الذي يدخل في عقد ثالثي األطراف مع البنك واملستهلك؟
يمكن تعريف الكفالة على أنها عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام ،بأن
يتعهد للدائن بهذا االلتزام إذا لم يف به املدين نفسه ،أو هي كما قررها فقهاء الشريعة
اإلسالمية :ضم ذمة الكفيل غلى ذمة األصيل في االلتزام بالدين ليصير واجبا عليهما
جميعا ،ويكون كل منهما مطالب بأدائه.
كما عرفها الفصل 1117من ق.ل.ع بأنها":عقد بمقتضاه يلتزم شخص للدائن
بأداء التزام املدين إذا لم يؤد هذا األخير نفسه".
والكفالة عقد يتم بين البنك والكفيل فال يهم أن يشترك فيه املدين الذي قدم
الكفيل للبنك ،1مما يقتض ي أن تكون نصوص الكفالة محكمة ،حتى ال يدعي الكفيل أن
البنك يطالب بأكثر ما تقدم هو لضمانه ،كما يجب أن تعالج صيغة الكفالة االحتماالت
املتوقعة كالوفاة واإلفالس وتحول الشركة أو إدماجها إذا كانت ضامنته أو مكفولة ،وما
يتبع ذلك إذا طلب املدين األصلي إمهالها في السداد ،وحق البنك على األموال التي ترد إليه
باسم املدين أو باسم الكفيل.2
وإذا كان املهنيون يطالبون املقترضين بتقديم الكفالة من شخص آخر أو من عدة
أشخاص بغرض كفالة الدين فيجب أن يكون الكفيل مليء الذمة.
ومن الناحية املبدئية ،فالكفيل ال يطالب باألداء إال إذا لم ينفذ املدين الرئيس ي
التزامه الذي حل أجله ،مادام أن الكفالة التزام تبعي ،فال يجوز للدائن مطالبة الكفيل
بالدين إال بعد أن يطالب به املدين األصلي وينفذ على أمواله ،ويكون تبعا لذلك من حق
الكفيل مطالبة الدائن بتجريد املدين األصلي من أمواله املنقولة والعقارية أوال قبل
-1جواد الدهيبي":موقع الكفالة على خارطة الضمانات البنكية الشخصية" ،مجلة المحاكم المغربية ،عدد ،100
مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،شتنبر/أكتوبر ، 2007ص.87:
-2عبد الحق سرماك":الكفالة البنكية في القانون المغربي" ،العدد ،2003 ،3ص 54:وما بعدها.
مطالبته باألداء وهذا ما يعرف بمبدأ التجريد الذي يميز الكفالة حسب الفصل 2021من
القانون الفرنس ي الذي يوافقه الفصل 1136من ظهير االلتزامات والعقود.1
وهي ضمانة ال تطرح مشاكل في األحوال العادية باعتبار أنها من العقود الرضائية،
مما يعطي لألبناك حرية التصرف في فرض الشروط التي تخدم مصالحها ،ومن أهم
الشروط التي ال يتوانى البنك عن إدراجها في تلك العقود شرطي التضامن والتنازل عن
حق التجريد ،بما يضن له الرجوع الناجز والحال ضد الكفالء إلى غاية تسديد كامل
الدين وفي حدود ما التزم به الكفيل .إال أن األمور ال تكون دائما على هذه الصورة إذ تمر
على املدين األصلي صعوبات قد تؤدي به غلى تسوية أو تصفية قضائية .وهو ما يثبت في
العمل القضائي 2حول إشكالية استفادة أو عدم االستفادة من اإلجراءات املنصوص عليها
باملادة 653من مدونة التجارة ،خاصة أن املشرع إنما يهدف إلى حماية املقاولة ال حماية
الكفالء.3
وقد كفل قانون االستهالك الفرنس ي الحماية للكفيل الضامن تجلت في مرحلة
إبرام العقد (أوال) وأثناء تنفيذه (ثانيا).
كما أن املادة L-313-7من قانون االستهالك الفرنس ي ألزمت الكفيل بأن يسبق
توقيعه بيان معين يكتبه بخط يده وذلك حتى يكون الكفيل على بينة من النطاق
الحقيقي اللتزامه .وهو نفس ما أتى به املشرع في قانون تدابير حماية املستهلك في املادة
144حيث نص":يجب على الشخص الطبيعي الذي التزم في عقد عرفي بصفته كفيال في
العمليات التي تدخل في نطاق البابين األول أو الثاني من هذا القسم أن يضمن في هذا
-1ينص الفصل 1136في فقرته األولى":للكفيل الحق في أن يطلب من الدائن أن يقوم أوال بتجريد المدين من
أمواله المنقولة والعقارية بشرط أن تكون قابلة للتنفيذ عليها ،وأن توجه داخل المملكة وأن يقوم بإرشاده إليها".
-2قرار المجلس األعلى ،478مؤرخ في 25مارس 2010ن ملف تجاري ،عدد ،2009/1/3/152غير منشور.
-3عبد الحق سرماك ،مرجع سابق ،ص.69:
4
- Jean-Calais AULOY et Frank STEMMETZ, op.cit, p :380.
العقد قبل توقيعه ،تحت طائلة بطالن التزامه ،البيان الخطي التالي دون غيره"( .إنني إذ
أتولى كفالة السيد فالن في حدود مبلغ ......الذي يشمل أداء املبلغ األصلي والفوائد ،وعند
االقتضاء والغرامات أو الفوائد عن التأخير وملدة ،...ألتزم بأن أسدد للقرض املبالغ
املستحقة من مداخيلي وأموالي ،إذا لم يقم السيد فالن بذلك شخصيا".
وإذا اشترط الدائن التضامن بين الكفيل واملدين ،فإن هذا السابق سيضاف إليه
ما يلي":إنني إذ أتخلى عن الدفع بتجريد املدين املنصوص عليه في الفصل 1136من ظهير
االلتزامات والعقود مع االلتزام على وجه التضامن مع السيد فالن ،أتعهد بأن أسدد
للدائن دون مطالبته بمتابعة السيد فالن مسبقا" (املادة 140من تدابير حماية املستهلك)
(املادة L-313-8قانون االستهالك الفرنس ي) فإذا لم يذكر هذا البيان بهذه الكيفية تقع
الكفالة باطلة بطالنا مطلقا.1
وجزاء مخالفة أحكام العرض املقدم للكفيل لسواء من حيث البيانات اإللزامية أو
قائمة استهالك الدين هو السماح للكفيل طلب بطالن التزامه.4
تنص املادة ( )L-314-4من تقنين االستهالك الفرنس ي على أنه "ال يستطيع الدائن
امل نهي أن يتمسك بعقد كفالة أبرم مع شخص طبيعي إذا كان هناك عدم تناسب واضح
-1نبيل إبراهيم سعد":التأمينات الشخصية التبعية وغير التبعية" ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،الطبعة األولى ،2005
ص.77:
-2صبير مصطفى حسن السبك ،مرجع سابق ،ص.162:
-3نبيل إبراهيم سعد":التأمينات الشخصية التبعية وغير التبعية" ،مرجع سابق ،ص.426:
4
- Jean-Calais AULOY et Frank STEMMETZ, op.cit, p :381.
لحظة إبرام بين التزام الكفيل وأمواله وموارده ،ما لم تكن ذمة الكفيل ،في وقت الرجوع
عليه ،تسمح بمواجهة التزامه".
هذه القاعدة جديدة ومبتكرة وفريدة ،1حيث أنها تتطلب من مؤسسات االئتمان
التحقق من يسر الكفالء الذين يتقدمون لها وهذا ال يقارن بما ورد في القواعد العامة
( 2295و 2296من القانون املدني الفرنس ي) حيث أن هذين النصين يتطلبان اليسر
بالنسبة للكفيل حتى يتم إبرام الكفالة وال تظهر أهميتها إال في الحاالت التي يقع فيها على
املدين التزاما ،آيا كان مصدره ،قانوني أو قضائي ،بتقديم كفيل .كما أن هذان النصان
مقرران ملصلحة الدائن فقط حيث يهمه أن يتحصل على ضمان فعال .2ويترتب على
ذلك ،أن الكفيل ال يستطيع أن يتمسك بهذه النصوص ليحصل على بطالن التزاماته،
وإنما يظل الدائن حرا في قبول كفيل ال يستجيب ملا تتطلبه هذه املواد.3
لكن ليس هناك ما يمنع في القواعد العامة أن الكفيل قد ينجح في التنصل من
أي التزام عليه ،وذلك إذا أثبت أن رضاه بالكفالة قد تم نتيجة غلط ،ويمكن الحكم
بالبطالن عندما يكون هناك عدم تناسب بين افتقار موارد صاحب الشأن وضخامة
الكفالة املوقعة بحيث يبدو أن مثل هذا الغلط قد ورد ليس فحسب على مضمون وآثار
العقد وإنما أيضا على محل العملية ،يعفي جوهر االلتزام ذاته.
كما أن املادة L-341-6من قانون االستهالك الفرنس ي تنص على أن "يلتزم الدائن
املنهي بإخطار الكفيل الشخص الطبيعي على أكثر تقدير قبل 31مارس من كل عام بمبلغ
الدين األصلي والفوائد والعموالت واملصاريف وامللحقات التي مازالت مستحقة في 31
دجنبر من العام السابق من االلتزام املضمون وكذلك أجل االلتزام إذا كان هذا العقد غير
محدد املدة يجب أن يذكر الكفيل بحق العدول في كل لحظة والشروط التي يجب توافرها
ملمارستها .فإذا لم يتضمن ذلك فإن الكفيل ال يلتزم بدفع الشروط الجزائية وفوائد
التأخير املستحقة منذ اإلخطار السابق وحتى تاريخ اإلخطار الجديد".1
هذه النصوص فيها تجديد واضح حيث ألقت على عاتق الدائن املنهي التزام
بإخطار الكفيل بأي إخالل من جانب املدين ،2بل ومنذ بداية هذا اإلخالل وإال تعرض
لجزاء هو إعفاء الكفيل من الشروط الجزائية أو فوائد التأخير املستحقة عند املدة بين
تاريخ أو إشكال في الدفع وتاريخ إخطار الكفيل بهذا اإلشكال .وكذلك إخطاره بصفة دورية
في تاريخ معين ليحدد مركز املدين املكفول وبالتالي مركز الكفيل.3
كما الحظنا من خالل إجراءات حماية الكفيل ،وخاصة باالقتصار على الكفيل
الشخص ي والطبيعي والدائن املنهي التي أتى بها قانون االستهالك ،إنما تهدف إلى تذكير
الكفيل بنطاق التزاماته وبتجنب التعسف من جانب الدائن ،وإذا كانت هذه النصوص
تمثل حماية الكفيل ،إال أنه يمثل مصدر إجبار للبنوك ،مما يدفعنا إلى التساؤل أال يؤدي
ذلك ،في مثل هذه الحاالت إلى عدم االلتجاء إلى الكفالة واللجوء بالتبعية إلى تأمينات
أخرى أقل تنظيما وأكثر فائدة؟
وهو ما يوضح استحالة الوصول إلى نقطة توازن بين مصالح كل من املقترضين
والكفالء والبنوك.
خاتمة:
كما الحظنا من خالل إجراءات حماية الكفيل ،وخاصة باالقتصار على الكفيل
الشخص ي والطبيعي والدائن املنهي التي أتى بها قانون االستهالك ،إنما تهدف إلى تذكير
الكفيل بنطاق التزاماته وبتجنب التعسف من جانب الدائن ،وإذا كانت هذه النصوص
تمثل حماية الكفيل ،إال أنه يمثل مصدر إجبار للبنوك ،مما يدفعنا إلى التساؤل أال يؤدي
ذلك ،في مثل هذه الحاالت إلى عدم االلتجاء إلى الكفالة واللجوء بالتبعية إلى تأمينات
أخرى أقل تنظيما وأكثر فائدة؟ وهو ما يوضح استحالة الوصول إلى نقطة توازن بين
مصالح كل من املقترضين والكفالء والبنوك.
كما نخلص الى أن البنك بإبرامه لضمانات مع املستهلكين إنما يهدف إلى حماية
دينه حتى يتقي مخاطر االئتمان ،فيكون هدفه مشروعا ،وحتى موقف املستهلك املحتاج
يلعب دورا في دخول األخير في تقديم هذه الضمانات لكن مع مراعاة الحقوق الواجبة على
الطرفين.
وقد وجدنا في التحليل البسيط مجموع اإلجراءات التي أتى بها املشرع حماية
للطرفين املقرض في حقه بالضمانات واملستهلك في حقه باملمارسة العادلة غير التعسفية
التي تنشأ من املعامالت البنكية.
فضال على انه يجب تحسيس جمهور املستهلكين بخصوصيات هذا القانون من
خالل تخصيص حصص تلفزية وإذاعية وإن اقتض ى الحال في مجالت وجرائد مختصة
لكون قانون 31.08يعد قفزة نوعية في مجال دعم إرادة الطرف الضعيف.
فدور هذه القواعد الجديدة حمائي ووقائي في اآلن ذاته ،يمتد ليس فقط للعالقة
التعاقدية بين املستهلكين والبنوك ،ولكن أيضا خدمة لالقتصاد الوطني بتحقيق
الشفافية في العالقات التعاقدية وإبعاد الشوائب الضارة باالقتصاد واملنافسة والوقاية
من حاالت االستدانة املفرطة حماية إلرادة املستهلك.
يونس عثماني
باحث بمصتبر البيئة والتنمية وتدبير املجال ،جامعة أبن طفيل القنيطر
ظهرت الحركات التي تدافع عن حقوق املستهلك نتيجة اإلهمال والقصور في
حصول املستهلك على حقوقه التي تشمل حماية املستهلك من أساليب الغش والخداع
التسويقي واستغالل حاجته إلى السلع والخدمات ،كما أن األضرار واملخاطراملادية
واملعنوية التي يتعرض لها املستهلك دفعت إلى ظهور حركات حماية املستهلك ،فجاءت
حركة حماية املستهلك لتقوم بدور توعية املستهلك وحمايتهمن الغش والخداع واإلهمال
التسويقي.
تمتد معاناة املستهلك من أساليب الغش والخداع لفترات طويلة وفي أزمنة
مختلفة ،وهذا من خالل السلع والخدمات املقدمة له ،والتي كانت تبدو في ظاهرها السعي
نحو خدمته وإشباع حاجاته ورغباته ،ولكن في حقيقتها كانت تهدف إلى استغالله وتحقيق
أكبر قدر ممكن من األرباح؛ وقد استفحل هذا األمر إلى درجة نبهت الكثير من األفراد
والجماعات والهيئات الرسمية منها أو غير الرسمية إلى ما يعانيه املستهلك من استغالل
فاحش وغش تسويقي كبير ،وما يترتب على ذلك من أضرار مادية ومعنوية؛ كما دفع ذلك
املهتمين بالتسويق إلى لعب دور هام في هذا الشأن بما قدموه من توجيهات وتوصيات
تكفل حماية املستهلك في تعامله مع منتجي وموزعي السلع والخدمات.
ومن ناحية أخرى ،تقوم كثير من املؤسسات واملنظمات بترويج وبيع سلع غير
صحية مثال ألغذية املشبعة بالدهون واملعالجة باملواد الحافظة الضارة ،والحلوى
املحتوية على نسبة عالية من السكر ،خاصة لألطفال ،واملشروبات الكحولية والدخان،
فضال عن السلع الضارة بالبيئة والخطرة على الصحة ،والسلع التي التحتوي على الحد
األدنى من السالمة أثناء االستخدام كما وأن هنالك الكثير من السلع املبرمجة واملصممة
على أساس سرعة العطب والتلف لتقصيرعمرها اإلنتاجي ،مثل بعض األجهزة الكهربائية
واإللكترونية ،مما يجبر املستهلك على استبدالها أوصيانتها بزمن قصير جدا ،وهذايسبب
استنزاف ملوارد املستهلك االقتصادية ،ومن الواضح أن بطالن االستعمال السريع املخطط
مسبقا يؤدي إلى تراجع الرفاه االقتصادي ألفراد املجتمع على املدى الطويل .ويتعرض
التسويق الحديث إلى انتقادات عديدة من حيث محاولة خلق حاجات اصطناعية
وطموحات وقيم استهالك مادية ل ضرورة لها فالنظام التسويقي الحديث يحفز قيم
وثقافة استهالك مادية ،بحيث يتم الحكم على الناس من خالل ما يمتلكونه وليس من
خالل ما يمثلونه كأشخاص .
مفاهيم .I
املستهلك :هو كل شخص تقدم إليه أحد املنتجات إلشباع احتياجاته الشخصية
أو العائلية أو يجري التعامل أو التعاقد معه بهذا الخصوص1
وعي املستهلك
سلوك املستهلك :هو علم ُيعنى بدراسة ؛ كيف يشتري األفراد ،وماذا يشترون
ومن أين ،وملاذا يقومون بالشراء2هذا العلم – على الرغم من ُ
أنه اآلن أحد مجاالت علم
1 Krohn, Lauren (1995). Consumer protection and the law: a dictionary. ABC-
CLIO. ISBN 978-0-87436-749-2
Baron ،Jonathan (2001-01-01). Conflict and Tradeoffs in؛2 Weber ،Elke U.
). Cambridge University Press.باللغة اإلنجليزية( Decision Making
ISBN 9780521772389
التسويق – إال أنه استمد أساسياته من علم النفس واالجتماع وعلم األجناس البشرية
(أنثروبولوجيا )واالقتصاد .تهدف دراسة سلوك املستهلك إلي فهم قرارات الشراءالتي
يتخذها املستهلك ،وكذلك املراحل التي يتم بها هذا القرار .وتدرس لذلك الخصائص
الفردية للمستهلك والشخصية واالجتماعية والثقافية .
حيث أن أي عملية تسويقية تبدا بدراسة الفرص املتاحة للمنتوج املراد طرحه في
السوقوالتي تقتض ي تحليل ودراسة خصائص الزبائن املستهدفين ،تعتبر دراسة سلوك
املستهلك هي نقطة البداية لعملية إدارة التسويقكما يصفها أب التسويق فيليب كوتلر .
-حماية املستهلك.
توجد عدة إسهامات في مجال تعريف مفهوم حماية املستهلك ،من بينها:
-1يعرف هذا املفهوم على أنه ":حفظ حقوق املستهلك وضمان حصوله عليها".1
يشير هذا التعريف إلى أن حماية املستهلك تتضمن اإلقرار بوجود حقوق
للمستهلك ،ويجب أن تبذل كل املجهودات لتأمين االستفادة منها.
-2هناك تعريف أخر لهذا املفهوم يتمثل في أن حماية املستهلك ":عبارة عن خدمة
توفرها الحكومة أو املجتمع املدني لحماية املستهلك من الغش التجاري أو استغالله أو
سوء تقديم خدمة ما عن طريق االحتكار أو الخضوع لظروف معينة".
إذا نستنتج من هذا التعريف أن هذا املفهوم يجسد عملية تفعيل حماية
املستهلك مما يقدم له من سلع وخدمات قد تلحق به أضرارا صحية ،أو اقتصادية ،أو
اجتماعية سواء أكان على علم بهذا الضرر أو لم يكن مدركا له.
ويرتبط بمفهوم حماية املستهلك مفهوم أخر هو حركة املستهلكين ،والتي يعرفها(
) Kotlerعلى أنها ":حركة اجتماعية تعمل على زيادة وتدعيم حقوق املشترين في عالقاتهم
بالبائعين"2.
- 1زكي خليل المساعد ،التسويق في المفهوم الشامل،عمان :دار زهران 1997 ,ص.444
2
- Kotler Ph, 1972, P.48
بمعنى أن هذه الحركة تمثل ذلك الفعل االجتماعي املنظم من طرف املستهلكين،
والذي يهدف إلى تجسيد حق االستماع لهؤالء املستهلكين ،وضمان استعادة حقوقهم التي
تم اإلخالل بها من قبل األطراف األخرى في التبادل ،مما سبب لهم نقص في اإلشباع.
والخدمات الالزمة.
التحليل والخبرات.
1أرز قيزوبير،حماية المستهلك في ظل المنافسةا لحرة ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير ،فرع المسؤولية المهنية،
جامعة
.مولود معمري ،تيزيوزو ، 2008،ص8
1ابراهيم خالد ممدوح ،أمن المستهلك اإللكتروني ،الدار الجامعية ،مصر ، 8002 ،ص12
2أوشن حنان ،حماية المستهلك في التعاقد اإللكتروني ،مذكرة لنيل شهادة ماجيستر في القانون ،تخصص القانون
.اإلداري ،كلية الحقوق ،عنابة ، 8098 ،ص 40
3التوجيه األوروبي المتعلق بحماية المستهلك في ظل التعاقد عن بعد الصادر في 80مايو1997
أحكاما توجب على املواقع املوردة عبر األنترنت أن تقدم للمستهلكين وقبل التعاقد معهم
سلسلة من املعلومات التوضيحية أبرزها حول املراحل التقنية الواجب إتباعها من أجل
إبرام العقد وحول وسائل وآلية تدارك األخطاء.
ولقد عرف البعض االلتزام باإلعالم 2بأنه ”:التزام سـابق علـى التعاقـد لتعلـق بـالتزام
أحد املتعاقدين ،بأن يقدم للمتعاقد اآلخر عند تكوين العقد البيانات الالزمـة إليجـاد رضـاء
ســليم كامــل متنــور علــى علــم بكافــة تفصــيالت هــذا العقــد ،وذلــك بســبب ظــروف واعتبــارات
معينة قد ترجع إلى طبيعة هذا العقـد أوصـفة أحـد املتعاقـدلن أوطبيعـة محلـه أو أي اعتبـار
آخ ــر يجع ــل م ــن املس ــتحيل عل ــى أح ــدھما أن يل ــم ببيان ــات معين ــة أويح ــتم علي ــه م ــنح ثق ــة
مشـ ــروعة للطـ ــرف اآلخـ ــر ،الـ ــذي يلتـ ــزم بنـ ــاء علـ ــى جمي ـ ـع هـ ــذه االعتبـ ــارات بـ ــالتزام بـ ــاإلدالء
بالبي انـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات”.
ونجــد أن معظــم التشــريعات فرضــت التزامــا علــى عــاتق املهنيــين بــإعالم املســتهلك االلكترونــي
فنجــد علــى ســبيل املثــال فــي القــانون املــدني الفرنسـ ي أن املــادة 1602تــنص علــى إلـزام البــائع
أن يوض ـ ــح بدق ـ ــة نط ـ ــاق التزام ـ ــه ،وھ ـ ــذا االلت ـ ـزام يج ـ ــد أساس ـ ــه أيض ـ ــا ف ـ ــي نص ـ ــوص تقن ـ ــين
اإلستهالك الفرنسـ ي خاصـة فـي املـادة 111التـي تـنص علـى أن ”يلتـزم كـل بـائع معنـي أو مقـدم
خـدمات بإحاطـة املسـتهلك علمـا قبـل إبـرام العقـد بـاملميزات أو الخصـائص األساسـية للشـ يء
أو الخدم ــة املقدم ــة ”.ويـ ـرى الفق ــه أن االلتـ ـزام ب ــاإلعالم س ــواء ف ــي مرحل ــة املفاوض ــات أو ف ــي
مرحلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تنفيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ العقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يتطلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافر شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرطين:
أولھم ــا :أن يك ــون أح ــد املتعاق ــدين مهني ــا متخصص ــا عل ــى نح ــو يس ــمح ل ــه ب ــالعلم بالبيان ــات
1د /السيد محمد عمران ،حماية المستهلك في أثناء تكوين العقد دراسة مقارنة ،منشأة المعارف االسكندرية ،1986،
ص .8
2محمد أحمد عبد الحميد أحمد ،الحماية المدنية التقليدي وااللكتروني ،دار الجامعة الجديدة ،االسكندرية ،2015،
ص273
واملعلوم ـ ــات الالزم ـ ــة ،وأن يك ـ ــون الط ـ ــرف اآلخ ـ ــر ج ـ ــاهال لس ـ ــبب أو آلخ ـ ــر به ـ ــذه املعلوم ـ ــات.
ثانيهمــا :أن تكــون هــذه البيانــات أواملعلومــات مــؤثرة فــي رضــا الطــرف الــذي ھومــدين أصــالب
االلتزام باإلعالم.
ونج ــد أن معظ ــم التش ــريعات فرض ــت التزام ــا عل ــى ع ــاتق املهنن ــين ب ــإعالم املس ــتهلك
االلكترونــي فنجــد علــى ســبيل املثــال فــي القــانون املــدني الفرنس ـ ي أن املــادة 1602تــنص علــى
إل ـزام البــائع أن يوض ــح بدقــة نطــاق التزام ــه ،وهــذا االلت ـزام يجــد اساســه أيضــا فــي نص ــوص
تقنــين االســتهالك الفرنس ـ ي خاصــة فــي املــادة 111التــي تــنص علــى أن ”يلتــزم كــل بــائع منه ـي
أومقدم خدمات بإحاطة املستهلك علما قبل إبرام العقد باملميزات أو الخصـائص األساسـية
للش يء أو الخدمة املقدمة ”.ويرى الفقه أن االلتزامب اإلعـالم سـواء فـي مرحلـة املفاوضـات أو
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مرحل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة تنفي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ العق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يتطل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرطين:
أولهم ــا :أن يك ــون أح ــد املتعاق ــدين مهني ــا متخصص ــا عل ــى نح ــو يس ــمح له ــا ب ــالعلم بالبيان ــات
واملعلوم ـ ــات الالزم ـ ــة ،وأن يك ـ ــون الط ـ ــرف اآلخ ـ ــر ج ـ ــاهال لس ـ ــبب أو آلخ ـ ــر به ـ ــذه املعلوم ـ ــات.
ثانيهمــا :أن تك ـون هــذه البيانــات أو املعلومــات مــؤثرة فــي رضــا الطــرف الــذي هــو مــدين أصــال
بااللتزام باإلعالم.
.IIIحقوق املستهلك.
تهدف الحركات املهتمة بحماية املستهلك إلى تطوير املستوى املعيش ي لألفراد كما
وكيفا في إطار عالم يفترض أن يتميز بعالقات تسويقية شفافة تتيح للمستهلكين من
الحصول على حاجاتهم ورغباتهم من السلع والخدمات دون تحمل تكاليف كبيرة من حيث
الجهد؛ األمر الذي يتطلب من األطراف التي تشكل الطرف األخر من املعادلة ونقصد بهم
املنتجين والبائعين أن يمارسوا مهامهم وفق قواعد صحيحة بما يؤدي إلى حصول
املستهلك على كامل حقوقه ،دون تعرضه بأي حال من األحوال إلى الغش أو الخداع
التسويقي.
سنتناول فيما يلي الحقوق الرئيسة للمستهلك ،والتي أعلن عنها بداية الرئيس
األمريكي األسبق( ) John Kennedyفي 15مارس ،1962إضافة إلى الحقوق التي أقرتها
الجمعية العامة ملنظمة األمم املتحدة بقرارها رقم( )248 /39بتاريخ 15أفريل 1985؛
الحقوق األربعة الرئيسة األولى تتمثل فيما يلي1:
-3حق االختيار :ويقصد تمتع املستهلك بحق االختيار أثناء عملية التبادل ،وعدم
إجباره على ما ال يرغب فيه ،أي يجب أن تتاح له فرصة االختيار ما بين املنتجات التي
يحتاجها ويرغب في شرائها في إطار ظروف تنافسية عادلة ،ووفقا ألسعار تنافسية مالئمة
لدخله ،وأال يقع املستهلك رهينة لسيادة حالة االحتكار في السوق من طرف البائعين ،ألنه
عندئذ يكون قد فقد حق االختيار.
-4حق املستهلك في إسماع رأيه :يترجم هذا الحق في تمكين املستهلك من إبداء
رأيه فيما يخص املنتجات املعروضة ،خاصة إذا كانت معرضة الحتماالت التقادم والتلف،
أو تسبب له أضرارا صحية؛ كما يتضمن هذا الحق بأن يكون للمستهلك ممثلين لدى
الجهات الحكومية وغير الحكومية يكفلون له تلبية طلباته عند الشروع في سياسة تطوير
املنتجات ،ويضمنون له اتخاذ اإلجراءات التصحيحية املالئمة في حالة وجود خروق
لحقوقه.
1عنابي بن عيسى ،ديوان المطبوعات الجزائرية ،سلوك المستهلك و دوره االستراتيجي في
التسويق/الدوافع/االدراك/التعلم/االتجاهات ،سنة ،2003ص .234 8
1المرجع السابق ،ص239
أما بالنسبة لحقوق املستهلك التي أضافتها منظمة األمم املتحدة إلى الحقوق
األربعة السابقة ،فيمكن تلخيصها فيما يلي1:
في هذا املجال نشرت املديرية العامة لصحة وحماية املستهلك التابعة للجنة
األوروبية دليال يحوي عشرة توصيات ،شددت في ثمانية منها على الخصوص على منع
تغليط والقيام باإلشهار الكاذب :كان تتصل مؤسسة بمستهلك ما مدعية أنه تحصل على
جائزة ،ويتضح فيما بعد أن الغاية كانت فقط إقناعه بتقديم طلبيات ،وأعتبر الدليل هذا
نموذجا على اإلشهار الكاذب2.
كما مثلت القضايا ذات العالقة باإلشهار الكاذب( )%12من إجمالي الشكاوى
املرفوعة إلى املديرية املعنية( املديرية العامة للمستهلك واملنافسة و قمع الغش) بفرنسا
سنة ،2006وشكلت بذلك النسبة األعلى من إجمالي الشكاوى3.
-2الضمان :وهو الحق الذي يضمن للمستهلك أداء املنتج ،ومستوى هذا
األداء بما يتناسب مع قيمته؛ ومن ثم فإن عدم منح هذا الضمان -وهو ما نراه في
حاالت كثيرة في الدول املتخلفة -أو عدم استيفائه للشروط الضرورية مثل املدة
الكافية للتأكد من عدم ظهور ووجود عيوب ،يعتبر وجه من أوجه اإلخالل بحماية
املستهلك ،نظرا ألن مقدم املنتج في هذه الحالة قد تنصل من مسؤوليته تجاه السلعة
املباعة أو الخدمة املقدمة.
-4السعر :وهو مشكلة يعاني منها املستهلك ذو الدخل املحدود ،وقد استغلت
الكثير من املؤسسات قوتها في األسواق وفرضت أسعار ال تتالءم مع القدرة الشرائية
للمستهلك ،وهو ما نالحظه حاليا خاصة في الدول العربية ،حيث هناك مغاالة كبيرة
في رفع أسعار السلع والخدمات ،تذرعا باألزمة املالية العاملية؛ وينتج هذا اإلخالل
بحماية املستهلك عادة عندما تحتكر فئة معينة تسويق السلع والخدمات ،األمر الذي
يتيح لها إمكانية فرض أسعار سوقية تفوق اإلمكانات املالية للمستهلك؛ كما تندرج
طرق البيع بالتقسيط ،أو التخفيضات الصورية أحيانا في خانة التحايل على األسعار.
-9التصزين :يمكن أن نقف على حجم الضرر الذي قد يلحق باملستهلك في
هذه الحالةمن خالل التلف والتقادم الذي يعتري املواد بسبب أخطاء التخزين ،فقد
يحدث الضرر نتيجة لتخزين بعض املنتجات وتركها لفترات طويلة حيث تتجاوز فترة
صالحيتها لالستعمال...الخ؛ حيث يترتب على ذلك وجود حالة عدم التوازن بين القيم
واملنافع االقتصادية التي يحصل املستهلك من املنتجات املتضررة وبين الغرض الذي
اشتريت من أجله.
-10النقل :يلعب النقل دورا هاما في إشباع الحاجات والرغبات ،إال أنه
أحيانا يتسبب في حدوث أضرارا صحية واقتصادية باملستهلك عندما تستخدم مثال
وسيلة نقل غير مالئمة كأن تكون مخصصة لنقل مادة معينة ولكن توجه لنقل مادة
أخرى غير مالئمة لنقلها ،مثل تخصيص وسائل نقل ملنتجات غذائية كان قد
استعملت في نقل مواد كيماوية قبل ذلك.
وينطبق الش يء نفسه على نقل املواد املجمدة في وسائل نقل ال تتوفر على
شروط التبريد ،فال يخفى على أحد مدى حجم الضرر الذي يلحق باملستهلك في هذه
الحالة جراء استعمال هذه املواد بعد تجميدها للمرة الثانية مثلما هو الحال في حالة
اللحوم على سبيل املثال.
-١هناك منتجات وخدمات قابلة للتجارة االلكترونية ،مما يعنى توافر طلب
خارجى على تلك املنتجات املغربية ،ومن ناحية أخرى يعنى ذلك قدرة املنتجات املغربية
على املنافسة العاملية ،وبالتالى فإن العمل على توفير عرض محلى مقابل للطلب الخارجى
يجب أن يوضع على قمة االولويات حيث البد من االهتمام بالصناعات الخاصة بتلك
املنتجات والصناعات املغذية لها من ناحية ،ومن ناحية أخرى يجب العمل على فتح
أسواق جديدة لتلك املنتجات ٠
-٢الوعى لدى متخذي القرار بأهمية التجارة االلكترونية وبأنها فى نمو متسارع
وتعد هذه نقطة هامة فى عملية تنمية التجارة االلكترونية فى املغرب في ظل االتجاه
العالمى نحو التجارة االلكترونية وهذا ما ينعكس على االهتمام الحكومي بإنشاء وزارة
تهتم بتهيئة البنية األساسية للمعلومات وتفعيل دورها ٠
-٣ضعف الوعى لدي مجتمع األعمال املغربي بكيفية تأثير اإلنترنت علي أنشتطهم
وأهميتها لتحقيق املزيد من التوسع فى املستقبل٠
-٤تكاليف التحول من الطرق التقليدية إلى طرق إدارة التجارة بطرق الكترونية٠
-٢امكانية فتح أسواق جديدة للمنتجات وخلق منتجات جديدة وفقا ملتطلبات
البيئة العاملية ٠
-٤رفع درجة الجودة للمنتجات نتيجة االحتكاك املباشر باألسواق العاملية وبالتالي
درجة التنافسية للمنتجات املغربية فيها ٠
زيادة قدرة شركات البرمجيات على تطوير قدراتها وزيادة فاعلية .1
املشاركة حيث يتم خلق البيئة املناسبة التى تحتاجها هذه الشركات للعمل
والتطوير ٠
ضرورة االستثمار املكثف في مجال السيطرة علي آليات هذه األداة .2
حتى تحقق االستفادة الكاملة منها
اإلسراع في الخطوات التنفيذية للحاق بركب التطورات العاملية .3
السريعة ٠
زيادة الوعي لدى مجتمع األعمال املصري ويعد هذا التحدي من .4
أصعب التحديات التي تواجه عملية إنتشار التجارة االلكترونية ٠
.VIIدور التجار االلكترونية في جانب الصادرات.
تستطيع التجارة االلكترونية كأحد افرازات ثورة املعلومات واالتصاالت أن تساهم
في حل بعض املشاكل التي تعترض الصادرات املغربية وخاصة في إمكانية الوصول إلي
األسواق الخارجية بعيدا عن الفوارق الزمنية واملكانية في شكل جذاب وتوافر املعلومات
عن السلع والخدمات وكيفية الحصول عليها خاصة فى ظل التنافس في األسواق العاملية
واالتجاه نحو عاملية التجارة الحرة والتي سوف تزداد حدتها فى األعوام القادمة نجد أن كل
دولة وخاصة الدول النامية سوف تجد صعوبة فى الحصول على نصيب من األسواق
العاملية وهنا يأتي دور التجارة اإللكترونية لتفعيل هذا الدور وفرض بيئه تنافسية على
املستوي املحلي أو علي املستوي الدولي حيث أنه من املمكن الحصول علي معلومات عن
السلع والخدمات في األسواق بشكل أفضل نظرا للكم الهائل من العروض املتوافرة على
مدار اليوم وحجم املعلومات عن األسعار في األسواق العاملية التي تسمح بتحليل األسواق
واالستجابة لتغير متطلبات املستهلكين ،لذا فإن التجارة اإللكترونية تمثل ميدان فعال
لتنشيط الصادرات يشترط تلبية احتياجات السوق من حيث السعر املنافس والجودة
العاملية والوقت املناسب حيث إنها تسمح بعقد وإنهاء الصفقات في سرعة وبتكاليف
محددة كذلك تعزيز القدرة التنافسية لالقتصاد املغربي وذلك عن طريق نقله جوهرية فى
مستوي املنتجات تقوم علي مفهوم الجودة الشاملة بإدخال التكنولوجيا الحديثة مع
املشاركة في تطويرها من خالل البحث واالبتكار٠
-توفير اإلمكانيات لتحقيق النفاذ إلي األسواق الخارجية والسعي املتواصل وراء
فرص التسويق املتاحة وربط االقتصاد املغربي بالتكتالت االقتصادية واإلقليمية
والعاملية٠
ستؤدى التجارة اإللكترونية إلى توسيع السوق ليصبح هذا السوق هو العالم كله
بأطرافه املترامية وبالتالي فإن التجارة االلكترونية هي وسيلة متميزة لدخول أسواق العالم
بأقل التكاليف وإتاحة أفضل الفرص سواء للصادرات أو الواردات أو حتي لفرص
االستثمارات ،ومن املتوقع للتجارة اإللكترونية أن تزيد كفاءة أسواق التجارة الخارجية
وبالتالي املساهمة في حل أهم املشاكل االستراتيجية التي تواجه املغرب أال وهي مشكلة فتح
األسواق الخارجية وتنمية الصادرات٠
وال تحتل التجارة اإللكترونية دورا كبيرا في التجارة الخارجية السلعية فحسب بل
لها دور أيضا في التجارة الخدمية حيث أصبحت الكثير من السلع قابلة للتجارة بعد أن
كانت غير قابلة لها٠
تهدف القروض العقارية إلى تمويل املستهلك من أجل التعاقد في عملية ذات طابع
عقاري سواء تمثلت في اقتناء سكن أو بنائه أو إصالحه أو شراء قطعة أرضية مخصصة
للبناء من أجل السكن ،ورغم أن القانون رقم 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية
املستهلك 1لم يضع تعريفا للقرض العقاري ،إال أنه استعاض عن ذلك بتحديده ألطراف
هذا القرض ،2والعمليات التي تندرج فيه ،3واستنادا على ذلك يمكن تعريف القرض
العقاري على أنه" :كل عملية أو تقنية ترمي إلى تمويل املستهلك بغرض امتالك عقار أو
بنائه أو إصالحه أو شراء قطعة أرضية مخصصة للبناء من أجل االستعمال السكني
أساسا أو االستعمال السكني واملنهي معا في ترابط تام بين عقد القرض والعملية املمولة
به ،وذلك مقابل التزام املستهلك بتقديم الضمانات الالزمة وبتسديد أقساط القرض مع
الفوائد وفق اآلجال والكيفيات التي يحددها القانون أو االتفاق".4
ويتسم القرض العقاري بالطابع اإلذعاني نظرا الختالل التوازن العقدي فيه
بسبب التفوق االقتصادي والتقني للمقرض ومقدرته على اإلقناع بفعل طغيان وسائل
اإلشهار التجاري التي بحوزته أو في مقدوره توظيفها لفائدته ،مقابل ضعف تجربة
املقترض وحاجته وسرعته في اتخاذ قراره وعدم إملامه بفنون التسويق التجاري ،وانسياقه
نحو التعاقد في إطار ما يسمى ب"التعاقد الالواعي" ،لذلك توجهت قوانين االستهالك
الحديثة نحو تقرير إلزامية تبصير املستهلك ،وجعل الحق في اإلعالم من الحقوق األساسية
للمستهلكين وأحد عوامل املنافسة الشريفة والشفافة.
وتماشيا مه هذا التوجه عمل قانون رقم 08-31على سن بعض التدابير من أجل
حماية املستهلك املقترض وتقوية مركزه التعاقدي ،من خالل تكريس االلتزام باإلعالم في
القرض العقاري ،ومنع أساليب التضليل والخداع أثناء عمليات إشهار هذه القروض طيلة
املرحلة السابقة للتعاقد ،واستكمل ذلك بتعزيز املعرفة املوضوعية للمقترض أثناء اتخاذه
لقرار إبرام القرض العقاري عبر تقنية جديدة تفرض قيودا من نوع خاص تسمى
ب"العرض املسبق" ،والتي تقض ي بإلزام البنك بتقديم عرض مكتوب إلى طالب القرض في
كل عقد من شأنه أن يؤدي إلى الحصول على ائتمان سكني بكيفية تجعل املستفيد منه
يقدر تماما طبيعة ومدى االلتزامات املالية التي قد يتحملها ،وكذا شروط تنفيذها.
وقد جعل املشرع من تقنية العرض املسبق نقطة انطالق مجموعة من التدابير
الحمائية املرتبطة بالقرض العقاري ،حيث تعد وسيلة لتمكين املقترض من الحصول على
املعلومة الصادقة غير املبطنة بالخديعة أو الحيلة ،من خالل إحاطته بمجموعة من
الشكليات والجزاءات ،فضال عن ارتباطها بتمكين املقترض من مهلة زمنية للتفكير الهادئ
والتروي حتى يكتمل تبصير رضاه بإطالعه على الشروط والظروف التي سيتعاقد فيها،
لتمكينه من فكرة كاملة عن االلتزامات التي ستترتب عليه حال قبوله بالعرض طيلة مدة
العقد )املبحث األول(.
ويستمر املفعول الحمائي للعرض املسبق بقيام املشرع بتوظيفه في إقرار مبدإ
الترابط املتبادل بين عقد القرض والعقد األصلي املمول به ،وبالتالي تكريس الطابع املوحد
للعملية اإلجمالية ،حيث جعل املشرع قبول املقترض بالعرض املسبق معلقا على شرط
فاسخ يتمثل في عدم إبرام العقد األصلي ،وفي املقابل جعل نفاذ العقد األصلي معلقا على
شرط واقف يتمثل في الحصول على القرض عبر املرور من تقنية العرض املسبق )املبحث
الثاني(.
املبحث األول :العرض املسبق وسيلة فعالة لتنوير املقترض
ألزم املشرع مؤسسة االئتمان املانحة للقرض العقاري بتقديم العرض املسبق على
شكل محرر مكتوب يتضمن طائفة من البيانات اإللزامية إلى املقترض ،وذلك حماية لهذا
األخير من استغالل إرادته ودفعه نحو القبول بالقرض على عجل ودون معرفة سابقة
اللتزاماته ودون دراسته لشروط العقد.
فالهدف من العرض املسبق هو تمكين املقترض من إعالم كامل وموضوعي ودقيق
حول االئتمان السكني الذي يمنحه له البنك ،1حيث فرض املشرع على هذا األخير اإلبقاء
على عرضه لفترة زمنية كافية للتفكير والتروي حتى ينضج رضا املقترض ليقدم على قبول
العرض بإرادة حرة ومستنيرة.
وعليه سندرس في هذا املبحث الخصوصيات املميزة للعرض املسبق في القرض
العقاري ،ثم أحكام مهلة التفكير في مضمون هذا العرض.
املطلب األول :خصوصيات العرض املسبق في القروض العقارية
من خالل املقتضيات املنظمة للعرض املسبق في القانون رقم 31-08القاض ي
بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،يتبين لنا أنه يتميز بكونه إعالما خاصا وشكليا ،وبكونه ذا
طابع إلزامي في مواجهة املقرض ،ثم إنه عرض مجاني ال يقدم املقترض أي مقابل عنه،
كما يالحظ أن املشرع أخضع توجيه العرض املسبق وإعالن قبوله ملبدإ حرية اإلثبات.
أوال :شكلية العرض املسبق
أوجبت املادة 117من قانون 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك على
املقرض أن يعد عرضا مسبقا مكتوبا ليوجهه باملجان إلى املقترض ،2مما يدل على أن
املشرع اتجه نحو إقرار الشكلية في إعداد وتوجيه العرض املسبق إلى املقترض ،فألزم
املقرض بإعالم املقترض بشروط العقد املزمع إبرامه كتابة ولم يترك له الخيار بين
الوسيلة الشفوية والوسيلة الكتابية ،مع ضرورة اإلشارة إلى عدد من البيانات ،ليمنح
املقترض مهلة إضافية للتفكير حتى يتسنى له تقدير الفائدة من العقد قبل أن يقدم على
1محمد بودالي ،حماية المستهلك في القانون المقارن ،دراسة مقارنة مع القانون الغربي ،دار الكتاب الحديثة،
القاهرة ،2005 ،ص .573
2يقابل هذا المقتضى نص المادة L 312-7من مدونة االستهالك الفرنسية الذي جاء فيه:
« Pour les prêts mentionnés à l'article L. 312-2, le prêteur est tenu de formuler
par écrit une offreadressée gratuitement par voie postale à l'emprunteur éventuel
ainsi qu'aux cautions déclarées par l'emprunteurlorsqu'il s'agit de personnes
physiques ».
1
L.Aynés, Formalisme et prévention le droit du crédit au consommateur, ouvrage
collectif sous la direction d’ I. Fadlallah, Litec, Paris , 1982, p 62.
2الحسين بلحساني ،أساس االلتزام بتبصير المستهلك ومظاهره ،المجلة المغربية لالقتصاد والقانون ،العدد الرابع،
سنة ،2001ص .20
3
J.Alisse , L’obligation de renseignement dans les contrats, thése de doctorat,
paris II 1975 , p 155.
4
C. Larroumet, Larroumet, Droit civil, Economica, 2006, p 126.
وإن اقتض ى الحال مبلغ أقساطه،عالوة على مبلغ القرض املمكن منحه-4
142 كما هو محدد في املادة، وتكلفته اإلجمالية وسعره الفعلي اإلجمالي،املستحقة دوريا
.وكذا كيفيات املراجعة عند االقتضاء،
الشروط والتأمينات والضمانات العينية أوالشخصية املطلوبة التي يتوقف عليها-5
.إبرام القرض مع تقييم تكلفتها
. الشروط املطلوبة للتحويل املحتمل للقرض إلى شخص آخر-6
.120 التذكير بأحكام املادة-7
.1 تحديد املصاريف املرتبطة بمنح القرض وكيفية تحصيلها-8
ومن خالل هذه البيانات يتضح لنا أن اإلعالم الذي يقدمه العرض املسبق يتسم
بالدقة والتفصيل أكثر من ذلك املتحصل من البيانات اإللزامية الخاصة باإلعالنات
األمر الذي يؤدي إلى الزيادة من تنوير وتبصير إرادة،2املتعلقة بإشهار القروض العقارية
مما يدل على،املقترض في فترة إبرام العقد وفق فكرة التكوين التعاقبي أو التدريجي للرضا
رغبة املشرع في الحد من احتماالت التضليل أو الضغط أو التدليس التي تتبعها البنوك
التي نصت، تضمنت مدونة االستهالك الفرنسية مقتضيات مشابهة تخص البيانات اإللزامية في العرض المسبق1
: التي جاء فيها ما يليL 312-8 عليها المادة
« L'offre définie à l'article précédent :
1° Mentionne l'identité des parties, et éventuellement des cautions déclarées .
2° Précise la nature, l'objet, les modalités du prêt, notamment celles qui sont
relatives aux dates et conditions de mise à disposition des fonds .
3° bis Pour les offres de prêts dont le taux d'intérêt est fixe, comprend un
échéancier des amortissements détaillant pour chaque échéance la répartition du
remboursement entre le capital et les intérêts .
4° ter Pour les offres de prêts dont le taux d'intérêt est variable, est
accompagnée d'une notice présentant les conditions et modalités de variation du
taux d'intérêt et d'un document d'information contenant le coût total du crédit .
5° Indique, outre le montant du crédit susceptible d'être consenti, et, le cas
échéant, celui de ses fractions périodiquement disponibles, son coût total, son
taux défini conformément à l'article L. 313-1 ainsi que, s'il y a lieu, les modalités
de l'indexation ;
6° Enonce, en donnant une évaluation de leur coût, les stipulations, les
assurances et les sûretés réelles ou personnelles exigées, qui conditionnent la
conclusion du prêt ;
7° bis Mentionne que l'emprunteur peut souscrire auprès de l'assureur de son
choix une assurance dans les conditions fixées à l'article L. 312-9 ;
8° Fait état des conditions requises pour un transfert éventuel du prêt à une
tierce personne ;
9° Rappelle les dispositions de l'article L. 312-10… »
. القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك31-08 من قانون115 المادة2
والعناصر املستثناة منه ،تطبيقا للمادة 3من قرار وزير املالية والخوصصة رقم 06-2250
الصادر في 29شتنبر 2006بشأن تعيين الحد األقص ى للفوائد االتفاقية املستحقة
ملؤسسات االئتمان.
وباإلضافة إلى ذلك استلزم املشرع أن تلحق بالعرض املسبق مذكرة تعرف
بمؤسسة التأمين ومقرها ومراجع التأمين واملخاطر التي يغطيها التأمين ،وتحدد جميع
كيفيات تنفيذ التأمين ،وذلك في الحالة التي يعرض البنك على املقترض أو يلزمه
باالنضمام إلى عقد تأمين جماعي سبق له أن اكتتب فيه ،قصد ضمان تسديد مبلغ
القرض.5
1جالل األدوزي ،اإلطار التنظيمي والقضائي للفوائد البنكية والعموالت ،مجلة المحاكم التجارية ،العدد ، 7فبراير
،2011ص .27
2المادة 193من قانون 31-08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
3المادة 142من قانون 31-08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
4جاء في الفقرة األولى من المادة األولى من منشور والي بنك المغرب رقم / 19و 2006 /الصادر في 23أكتوبر
2006يتعلق بالحد األقصى للفوائد التعاقدية المستحقة لمؤسسات االئتمان" :يشمل السعر الفعلي اإلجمالي ،إضافة
إلى الفوائد بحد ذاتها المحسوبة على أساس السعر التعاقدي ،المصاريف والعموالت أو األجور المرتبطة بمنح
القرض".
5المادة 119من قانون 31-08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
ورغم االيجابيات الهامة التي يكتسيها العرض املسبق في القروض العقارية ،إال أننا
نسجل غياب التنصيص على اللغة املعتمدة في صياغة العرض املسبق واملواصفات التي
ينبغي أن يتسم بها من وضوح ودقة حتى تكون مقروءة ومفهومة ،وهذا عوار قد يستغل
من طرف مؤسسات االئتمان بصياغة العرض املسبق بلغة أجنبية وعدم اعتماد اللغة
الرسمية ،أو كتابة الشروط والبيانات بشكل مصغر أو في ظهر الوثيقة وبشكل ال ينتبه
املقترض إليه ،مما يجعلنا ننادي بضرورة التنصيص على إلزامية تحرير العرض املسبق
باللغة الرسمية للبالد ،وعلى وجوب استعمال عبارات واضحة ومفهومة عوض استعمال
مصطلحات قانونية مهجورة وغامضة ،فال يكفي التنصيص على إلزامية تحرير العقد
باللغة العربية ،1وإنما يجب أن يعتمد في كافة مراحل إبرام العقد انطالقا من اإلعالنات
واإلشهارات مرورا بالعرض املسبق وانتهاء بالعقد النهائي.
ثانيا :إلزامية العرض املسبق.
استهل املشرع مطلع املادة 117من قانون 31- 08بقوله" :يجب على املقرض،"....
كما فعل نفس الش يء مع مطلع املادة 118من نفس القانون بقوله " :يجب أن يتضمن
العرض املحدد في املادة 177ما يلي."...
من خالل صياغة هذين املادتين يتضح أن املشرع ألزم املقرض قبل إبرام
القروض العقارية بتوجيه العرض املسبق إلى املقترض يتضمن وجوبا مجموعة من
البيانات اإللزامية ألجل دراسته وتقدير النتائج املترتبة عن إبرام عقد القرض ،مما يدل
على أن تقنية العرض املسبق تتسم بخاصية اإللزام ،وهذا أمر منطقي بالنظر إلى كونه
يشكل أحد أهم القواعد الحمائية التي جاء بها قانون االستهالك لتعزيز إعالم املقترض
وحماية إرادته.
كما أن هذه املقتضيات تعد من النظام العام ،2فال يمكن منح قرض عقاري خارج
تقنية العرض املسبق ،بل إن مخالفتها سواء باالمتناع عن تقديم العرض املسبق بصفة
نهائية ،أو بعدم مطابقته للمقتضيات والشروط القانونية يترتب عنها معاقبة املقرض
بالغرامة من 3.000إلى 20.000درهم ،3إضافة إلى جزاء مدني يتمثل في حرمانه من حقه
1المادة 206من قانون 31-08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك..
2المادة 151من قانون 31-08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
3الفقرة األولى من المادة 190من قانون ،31-08يقابلها نص الفقرة األولى من المادة L 312-33من مدونة
االستهالك الفرنسية الذي جاء فيه:
« Le prêteur ou le bailleur qui ne respecte pas l'une des obligations prévues aux
articles L. 312-7 etL. 312-8, à l'article L. 312-14, deuxième alinéa, ou à l'article L.
312-26 sera puni d'une amende de 3 750 euros ».
في الفوائد وقصر حقه على استرداد رأس املال فقط حسب جدول االستحقاق ،أو في
حدود النسبة التي تقررها املحكمة.1
فعلى الرغم من الخصوصية اإللزامية للعرض املسبق فإن هذا األخير ال يلحقه
البطالن إذا لم تحترم مقتضياته ،وإنما يعاقب عليه البنك بالغرامة وبالحرمان من
الفوائد ،حيث يستفيد املقترض من القرض السكني ،دون أن يكون ملزما بأداء الفوائد
وهذا جزاء يشكل امتيازا لصالح املقترض.
وباإلضافة إلى عناصر اإللزام املذكورة أعاله ،ألزم املشرع البنك املقرض باإلبقاء
على عرضه طيلة مدة خمسة عشر يوما ،2دون أن يقوم بتعديل شروط العرض أو
سحبه ،وذلك حتى يتسنى للمقترض دراسة العرض والتأكد من مدى مالءمته للعملية التي
يأمل تمويلها ،3وال يكون املقترض ملزما بالرد على عرض املقرض أو قبوله ،فله أن يرفض
شروط املقرض وبالتالي يتنازل عن الحصول على القرض ،لكن إذا رض ي املقترض
بالشروط املقدمة من املقرض وقبل بها فعليه أن يبدي أو يعبر عن قبوله بوضوح
للمقرض وفي األجل املحدد ،4ويتم التعبير عن قبول املقترض عادة بإمضاء العرض املوجه
إليه وإعادة إرساله للمقرض.5
ونتيجة لذلك ،فإن املراكز التعاقدية ألطراف عقد القرض السكني تختلف عن
غيرها في باقي العقود وفق ما تقرره القواعد العامة التي تقض ي أن يكون املقترض طرفا
موجبا ألنه هو من يبادر باملطالبة باملال وأن املقرض هو الطرف القابل ،إال أن الحماية
التي فرضها املشرع من خالل تقنية العرض املسبق جعلت اإليجاب في عقد القرض
العقاري يصدر دائما من البنك املقرض الذي يعد بعد دراسة ملف طلب القرض بشكل
دقيق عرضا باتا يكون بمثابة إيجاب يوجهه للمقترض الذي يملك حرية أن يرفضه أو
1الفقرة األخيرة من المادة 190من قانون ،31-08ويقابلها نص الفقرة الرابعة من الماد L 312-33من مدونة
االستهالك الفرنسية الذي جاء فيه :
« Dans les cas prévus aux alinéas précédents, le prêteur ou le bailleur pourra en
outre être déchu du droit aux intérêts, en totalité ou dans la proportion fixée par
le juge ».
1
A. Seube, La préparation du contrat , in « le nouveau droit du crédit immobilier,
loi du 13/07/1979 » Journée du droit de l’entreprise, Actualité du droit de
l’entreprise, Librairie technique,Montpellier, 1980, p 44.
2
J.Calis-Auloy, Droit de la consommation, 3ème édition, Dalloz, Paris, 1992, p
262.
1يقابل هذا المقتضى نص الفقرة األولى من المادة L 312-11من مدونة االستهالك الفرنسية الذي جاء فيه:
« Jusqu'à l'acceptation de l'offre par l'emprunteur, aucun versement, sous
quelque forme que ce soit,ne peut, au titre de l'opération en cause, être fait par le
prêteur à l'emprunteur ou pour le compte de celui-ci, ni parl'emprunteur au
prêteur ».
2الفقرة الثانية من المادة 121من قانون ،31-08والتي يقابلها نص الفقرة الثانية من المادة L312-11من مدونة
االستهالك الفرنسية التي جاء فيها:
« Jusqu'à cette acceptation, l'emprunteur ne peut, au même titre, faire aucun
dépôt, souscrire ou avaliser aucun effet de commerce, ni signer aucun chèque.
Si une autorisation de prélèvement sur compte bancaire ou postal est signée par
l'emprunteur, sa validité et sa prise d'effet sont subordonnées à celle du contrat
de crédit ».
3محمد جنكل ،االئتمان التجاري :عمليات االئتمان البنكي نموذجا ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،
جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق /عين الشق ،الدار البيضاء ،2001-2000 ،ص .192
4المادة 150من قانون رقم .31-08
5الفقرة الخامسة من المادة 188من قانون رقم .31-08
6المادة 191من قانون .31-08
7عاقب المشرع الفرنسي على هذه المخالفات في المادة L 312-34من مدونة االستهالك التي جاء فيها:
« Le prêteur ou le bailleur qui, en infraction aux dispositions de l'article L. 312-11
ou de l'article L.312-28, accepte de recevoir de l'emprunteur ou du preneur, ou
وبذلك يكون املشرع املغربي قد اعتبر تقنية العرض املسبق في القروض السكنية
خدمة بنكية مجانية تنضاف إلى الئحة الخدمات البنكية التي أوجب املشرع تقديمها
مجانا للزبناء ،والتي حددتها املادة األولى من تعليمة والى بنك املغرب رقم /1و2010/
الصادرة بتاريخ 3ماي 2010بشأن الخدمات البنكية الدنيا التي يتعين على البنوك
تقديمها للزبناء مجانا.1
رابعا :حرية اإلثبات في العرض املسبق
يعد االلتزام الذي يلقيه املشرع على البنك بإعالم املقترض عن طريق العرض
املسبق قبل إبرام العقد التزاما بنتيجة ،وعليه فإن عبء إثبات تنفيذه يقع على عاتق
البنك ،حيث يوجب الفصل 400من ق.ل.ع على من يدعي انقضاء أو عدم نفاذ االلتزام
تجاهه أن يثبت ادعاءه ،2وبالتالي فإن التطبيق املباشر لهذه املقتضيات في مجال االلتزام
بتوجيه العرض املسبق إلى املقترض يؤدي إلى القول :إن البنك املدين بااللتزام باإلعالم هو
1تنص المادة األولى من تعليمة بنك المغرب رقم /1و 2010 /صادرة في 3مايو 2010تتعلق بالخدمات البنكية
الدنيا التي يتعين على البنوك تقديمها لزبنائها بالمجان على أنه " :يجب أن يتم توفير الخدمات البنكية المشار إليها في
القائمة أسفله والوارد تقديمها من طرف البنوك لزبنائها بشكل مجاني:
.1فتح الحسابات.
.2تسليم دفتر الشيكات.
.3تسليم دفتر التوفير.
.4توطين األجر.
.5طلب الحصول على شهادة كشف الهوية البنكية.
.6الدفع نقدا ،دون احتساب أداء مبلغ الطابع الجبائي.
. 7سحب النقود من شباك البنك حيث يوجد الحساب الذي سيتم تسجيل المبلغ في مدينيته ،باستثناء عمليات السحب
بواسطة «شيك الشباك» بالنسبة للزبائن المتوفرين على دفتر الشيكات.
.8سحب النقود ،بعد تقديم دفتر التوفير ،من شباك البنك حيث يوجد الحساب الذي سيتم تسجيل المبلغ في مدينيته.
.9سحب النقود من الشبابيك البنكية اآللية التابعة للبنك حيث يوجد الحساب.
.10إصدار التحويل من حساب إلى حساب ،بين األفراد ،داخل نفس البنك.
. 11استقبال التحويالت الوطنية.
.12استقبال عمليات الوضع تحت التصرف الوطنية ،داخل نفس المؤسسة البنكية.
.13إعداد وإرسال كشف الحساب للزبون.
. 14االطالع على كشف الرصيد وتاريخ عمليات الحساب وطباعته عبر الشباك البنكي اآللي و/أو األنترنيت ،دون
احتساب مصاريف اال شتراك في قنوات التوزيع هذه.
. 15تغيير عناصر التعريف بهوية صاحب الحساب.
.16إقفال الحسابات".
2ينص الفصل 400من ق.ل.ع على أنه " :إذا أثبت المدعي وجود االلتزام ،كان على من يدعي انقضاءه أو عدم
نفاذه تجاهه أن يثبت ادعاءه".
الذي يقع عليه عبء إثبات توجيهه للعرض املسبق إلى املقترض.1
وبالرجوع إلى النصوص الخاصة نجد أن املادة 117من قانون 31-08تؤكد هذا
الحكم بتحميلها عبء إثبات توصل املقترض بالعرض املسبق على عاتق املقرض ،إال أنها
وسعت من نطاق وسائل إثباته فأخذت بمبدإ حرية اإلثبات ،2مما يعني أن البنك املقرض
يمكنه االستعانة بجميع الوسائل مادام املشرع لم يشترط وسيلة محددة إلثبات تنفيذ
هذا االلتزام.
لكن ،وعلى الرغم من هذه الحرية في اختيار وسائل توجيه العرض املسبق إلى
الدائن فإنه من املفترض اتخاذ االحتياطات الضرورية إلثبات هذا االلتزام ،خاصة وأن
املشرع رتب على اإلخالل به جزاءات مدنية وجنائية ،لذا يالحظ أنه من الناحية العملية
يتم إثبات توصل املقترض بالعرض املسبق إما بتوقيع املقترض على وثيقة العرض ذاتها،
أو أي وثيقة مستقلة تثبت استالم العرض من طرفه ،وإما أن يرسل العرض بموجب
رسالة مقابل تسليم وصل إيداع يثبت استالم املقترض للعرض وتاريخه.
وأيا كانت طريقة اإلرسال فإن املهم في كل األحوال هو وجود وصل إيداع مؤرخ
وموقع من طالب القرض ،وأن يكون لدى كل من املقرض واملقترض دليل على تاريخ
تسليم العرض من املقترض ليكون نقطة انطالق احتساب مهلة التفكير التي يبقى فيها
العرض قائما.
أما املشرع الفرنس ي فقد حصر وسيلة تبليغ وإثبات توجيه العرض املسبق في
البريد ،3ولعل الغرض من اعتماد هذه الوسيلة هو حماية املقترض من تالعب البنك
تسهل هذه الطريقة االستدالل على تاريخ تسلم املقرض بتاريخ توجيه العرض ،بحيث ّ
املقترض للعرض بتاريخ ختم البريد ،ونفس الوسيلة اشترطها املشرع الفرنس ي إلثبات تبليغ
املقترض قبوله للعرض إلى البنك املقرض بعد االستفادة من األجل املحدد قانونا ،4فيما
1بوعبيد عباسي ،االلتزام باإلعالم في العقود ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة القاضي عياض،
كلية الحقوق بمراكش ،2003-2002 ،الطبعة األولى ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،2008 ،ص .333
2جاء في المادة 117من قانون " " : 31-08يجب على المقرض ...أن يعد عرضا مكتوبا يوجهه بالمجان بأي
وسيلة تثبت التوصل إلى المقترض."...
3المادة L 312-7من مدونة االستهالك الفرنسية المذكورة سلفا .
4تنص الفقرة الثانية من المادة L 312- 10من مدونة االستهالك الفرنسية على ما يلي:
« L'offre est soumise à l'acceptation de l'emprunteur et des cautions, personnes
physiques, déclarées. L'emprunteuret les cautions ne peuvent accepter l'offre
que dix jours après qu'ils l'ont reçue. L'acceptation doit être donnée parlettre, le
cachet de la poste faisant foi ».
حافظ املشرع املغربي على مبدإ حرية اإلثبات فألزم املقترض بتبليغ قبوله للعرض إلى
البنك املقرض بأية وسيلة تثبت التوصل.1
املطلب الثاني :ارتباط العرض املسبق بمنح املقترض مهلة التفكير.
بعد استالم العرض املسبق من البنك املقرض ،فإن املشرع منح املقترض مهلة
للتفكير يستغلها في قراءة العرض وطلب االستشارة والتأكد من مالءمته للعملية التي يريد
تمويلها ،وكذا الفوائد واملنافع التي يجنيها من وراء القرض العقاري ،2وتعرف مهلة التفكير
على أنها" :املدة اإللزامية التي يهدف من خاللها املشرع إلى حماية الطرف الذي وجه إليه
العرض وذلك بمنعه من التعاقد قبل حلول األجل املحدد قانونا".3
وقد حدد قانون رقم 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك مهلة التفكير
في خمسة عشر يوما كحد أدنى ،يلتزم فيها البنك املقرض باإلبقاء على عرضه دون إمكانية
سحبه أو تعديله ،4مما يجعل أي شرط يتضمن مدة أقل باطال ،لكن في املقابل يمكن
االتفاق على شرط يجعل مدة التفكير أطول ألن املشرع استعمل عبارة "ال تقل عن خمسة
عشر يوما" ،وبالتالي يعتبر شرطا صحيحا ال يمكن التراجع عنه قبل اقتضاء املدة املتفق
عليها ،وذلك ألن القواعد الحمائية للمستهلك تعد قواعد آمرة وتتعلق بالنظام العام.5
بيد أن صفة القواعد اآلمرة املتعلقة بالنظام العام قد أخذت مفهوما خاصا
يتالءم والطبيعة الخاصة لقانون االستهالك ،بحيث يقتصر تحريم االتفاق على مخالفتها
في الحالة التي تؤدي إلى اإلنقاص من الحقوق والضمانات الحمائية للمستهلك ،أما إذا كان
الهدف من مخالفة قواعد قانون االستهالك منح حقوق أو تقرير ضمانات أكثر فائدة
وحماية للمستهلك فاملخالفة في هذه الحالة تكون جائزة.
وبخالف املشرع املغربي حدد املشرع الفرنس ي مهلة التفكير التي تلزم املقرض
باإلبقاء على عرضه في ثالثين يوما ،6أي ضعف ما قرره املشرع املغربي ،مما يمنح
للمقترض حماية أفضل حيث يستفيد من مدة أطول لدراسة العرض واستيعاب
مضامينه وأبعاده.
ولم يكتف املشرع املغربي بالتنصيص على هذه املهلة التي تلزم املقرض باإلبقاء على
عرضه خمسة عشر يوما ،حيث إنه حماية للمقترض من ضغوط املقرض أو من تهوره
وتسرعه الشخص ي ،قرر إقامة مهلة تفكير إجبارية ،تهدف إلى منع املقترض من إعالن
قبوله بعرض املقرض في مدة ال تقل عن 10أيام من تاريخ تسلمه لإليجاب ،1وأن أي
قبول يصدر قبل مرور هذا األجل يكون باطال أو غير فعال ،إال أن إعادة إبداء هذا القبول
بعد نفاذ هذا األجل وقبل انقضاء املهلة كاملة يولد العقد ويجعله نافذا.2
ومن خالل ما سبق يتضح لنا أن هذه املهلة التي يخولها القانون للمقترض تنسجم
مع أسلوب الحماية الوقائي الذي تتميز به قوانين االستهالك ،حيث تهدف إلى تنوير رضا
املقترض ،نظرا لعدم كفاية أحكام عيوب الرضا في النظرية العامة للعقود ،وذلك بتمكينه
من وقت للتروي والتفكير في اإليجاب املوجه إليه من طرف املقرض قبل إعالنه القبول،3
خالفا لألصل العام في نظرية العقد الذي يقتض ي سقوط اإليجاب قانونا إذا لم يرتبط به
القبول فور صدوره وقبل انفضاض مجلس العقد.4
وعليه؛ فإن مهلة التفكير تعتبر امتدادا طبيعيا اللتزام املقرض باإلعالم ،حيث إن
اإلعالم املجرد ال تكون له أي فعالية إذا لم يكن مقترنا بوقت لدراسة مضامينه بعيدا عن
ّ
أي ضغط تجاري وتقدير مدى مالءمته للعملية املمولة ،كما تمكن مهلة التفكير املقترض
من املوازنة بين عروض عديدة لتحديد القرض الذي يقدم له مزايا أفضل. 5
وبذلك يالحظ أن الزمن قد أصبح يشكل في عقد القرض العقاري إلى جانب
1يتفق المشرعان المغربي والفرنسي في إقرار المهلة اإلجبارية للتفكير وتحديدها في عشرة أيام ،حيث تنص الفقرة
الثانية من المادة 120من قانون 31-08على أنه " :يتوقف العرض على قبول المقترض والكفيل من األشخاص
الطبيعيين المصرح بهم ،وال يجوزللمقترض والكفيل قبول العرض إال بعد تسلمه بعشرة أيام ،ويجب أن يبلغ قبول
العرض بأية وسيلة تثبت التوصل".
في حين جاء في الفقرة الثانية من المادة L312-10من مدونة االستهالك الفرنسية ما يلي:
« L'emprunteuret les cautions ne peuvent accepter l'offre que dix jours après
qu'ils l'ont reçue. L'acceptation doit être donnée parlettre, le cachet de la poste
faisant foi ».
2
C. Mouly, La conclusion du contrat in “ le nouveau Droit du crédit immobilier, loi
du 13-07-1979”, journée du droit de l’entreprise, Actualité du droit de l’entreprise,
Libraire technique, Montpellier, 1980, p 82.
3الحسين بلحساني ،أساس االلتزام بتبصير المستهلك ومظاهره ،م .س ،ص.21
4الفصل 23من ق.ل.ع.
5أحمد الرفاعي ،الحماية المدنية للمستهلك إزاء المضمون العقدي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1994 ،ص .70
الشكلية عنصرا للحماية غايته وضع حد للرضا املعيب ،ليفتح الباب أمام رضاء حر
ومستنير يستطيع من خالله املقترض ممارسة حريته الكاملة في التفكير واالختيار،
والتقليل من هامش الشك والريب ة الذي يميز عملية االقتراض ،حيث يمكنه استعمال
املعلومات والبيانات املعروضة عليه في جو من الهدوء والطمأنينة حتى يترسخ اقتناعه
بقبول القرض.1
ولتعزيز هذه الحماية رتب املشرع على مخالفة أحكام مهلة التفكير عقوبة تتمثل في
الغرامة من 30.000إلى 200.000درهم بالنسبة للمقرض الذي يحمل املقترض على
توقيع العرض ،أو يتلقى منه قبوله دون أن يتضمن أي تاريخ ،أو يتضمن تاريخا مغلوطا
من شأنه أن يوهم بأنه تم قبول العرض بعد انصرام أجل عشرة أيام ،2كما رتب جزاء
مدنيا يتمثل في حرمان البنك املقرض من حقه في الفوائد بصفة كلية أو في حدود النسبة
املقررة من قبل املحكمة.3
وإلى غاية انصرام املهلة يملك املقترض حق الخيار بين قبول العرض املسبق أو
رفضه ،وإذا اختار القبول فيجب أن يكون مطابقا لإليجاب ومتفقا مع ما ورد فيه تمام
املطابقة ،وأن يقبل كل الشروط الواردة فيه ويقبل تنفيذها ،وأن يبلغ البنك املقرض
قبوله للعرض بأي وسيلة تثبت التوصل.4
أما بعد انقضاء املهلة فإن العرض ال يصبح صالحا وملزما للمقرض ،إال أنه يجوز
لهذا األخير أن يمدد املهلة بإرادته املنفردة ،أو أن يعتد بالقبول الصادر من املقترض بعد
فوات األجل.
1
N. chardin,Le contrat de consommation de crédit et l’autonomie de la volonté ,
L.G.D.J, Paris, 1988, p105.
2الفقرة الثانية من المادة 190من قانون ،31-08والتي تقابلها الفقرة الثانية من المادة L 312-33من مدونة
االستهالك الفرنسية التي جاء فيها:
« Le prêteur qui fait souscrire par l'emprunteur ou les cautions déclarées, ou
reçoit de leur part l'acceptation de l'offresans que celle-ci comporte de date ou
dans le cas où elle comporte une date fausse de nature à faire croire qu'elle a
étédonnée après expiration du délai de dix jours prescrit à l'article L. 312-10, sera
puni d'une amende de 30 000 euros ».
3الفقرة الرابعة من المادة 190من قانون ،31-08والتي تقابلها الفقرة الرابعة من المادة L 312-33من مدونة
االستهالك الفرنسية المذكورة سلفا.
4الفقرة الثانية من المادة 120من قانون .31-08
املبحث الثاني :العرض املسبق وسيلة لتحقيق الترابط بين عقد القرض والعقد
األصلي.
لقد كانت جل التشريعات تعتبر عقد القرض العقاري منفصال تماما عن العقد
األصلي الذي يموله ،حيث ظل القضاء الفرنس ي يرفض االعتراف بأن عقد البيع أو املقاولة
الذي يموله القرض هو سبب عقد القرض العقاري ،فكان املقترض يلتزم باملواصلة في
تنفيذ عقد القرض بالرغم من زوال العملية التي اقترض املال من أجل تمويلها ،1كما أن
املشرع املغربي ظل فترة طويلة يخضع القرض العقاري ملنطق القواعد العامة التي تتعامل
مع كل من العقدين بصفة مستقلة عن اآلخر رغم ما بينهما من ارتباط ،ورغم أن العقد
األصلي املمول بالقرض يعد سببا لوجود عقد القرض العقاري؛ ألنه لوال رغبة املقترض في
الحصول على السكن الذي ال يملك ثمنه ملا أقبل على اعتماد القرض ،مما يؤدي إلى
اعتبار عقد القرض العقاري عقدا تبعيا أو ملحقا لعقد أصلي هو عقد البيع أو املقاولة،
فيشكل كال العقدين عملية موحدة ال تنفصل.2
املج ّ ِّزئة بين العقدين تنطوي على تهديد للمقترضين بمخاطر جمة،
إن هذه النظرة َ
تتجلى خصوصا في إمكانية أن يصبح املقترض ملزما بعقد اقتناء السكن دون أن يتمكن
من الحصول على القرض البنكي الضروري لتمويله ،أو عكس ذلك بأن يصبح ملزما بعقد
القرض دون أن يلبي حاجته في اقتناء السكن ،فضال عن الحالة الصعبة التي قد يقع فيها
املقترض حالة وقوع نزاع بينه وبين البائع فيكون ملزما بأداء أقساط القرض والفوائد
وباقي توابع القرض رغم وجود النزاع.3
وعليه؛ فإن حماية مصالح املقترض تتطلب إقرار مبدإ الترابط بين العقدين ،األمر
الذي يخفف عنه عبء تسديد القرض عند زوال العقد األصلي املمول به ،وعبء إتمام
عملية شراء السكن في حالة زوال عقد القرض الذي اعتمده من أجل تمويلها ،ولهذه
األسباب عملت التشريعات االستهالكية الحديثة على تجنب هذه اآلثار السلبية التي يؤدي
التجزئة بين العقدين بإقامة العالقة الترابطية بينهما عن طريق
ِّ إليها اإلبقاء على منطق
استعمال تقنية الشروط الفاسخة والواقفة ،فاعترف املشرع الفرنس ي بالطابع املوحد
1
C. Mouly, La conclusion du contrat in “ le nouveau Droit du crédit immobilier, loi
du 13-07-1979”, op.cit, p 73
2
J. Calais-Auloy et F. Steinmetz,Droit de la consommation, 7éme édition, précis
Dalloz, Paris, 2006, p 314.
3عمرو قريوح ،الحماية القانونية للمستهلك -القرض االستهالكي نموذجا ،-أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،جامعة محمد األول ،كلية الحقوق وجدة ،2007 – 2006 ،ص .269
1
La loi N° 79-596 du 13 juillet 1979, relative à l’information et à la protection des
consommateurs dans le domaine immobilier.
2جيروم هوييه ،المطول في القانون المدني ،م .س ،ص .974
3أمنية ناعمي ،أحكام الشرط في القانون المدني المغربي على ضوء الفقه واالجتهاد القضائي – دراسة مقارنة،-
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق /عين الشق ،الدار البيضاء ،
،2007-2006سلسلة الدراسات القانونية العاصرة ،رقم ، 15مطبعة األمنية ،الرباط ،2009 ،ص .154
من قانون 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك على أنه" :يعلق قبول العرض
على الشرط الفاسخ املتمثل في عدم إبرام العقد املطلوب القرض من أجله داخل أجل
أربعة أشهر من تاريخ قبول العرض.
يجوز للطرفين االتفاق على أجل أطول من األجل املحدد في الفقرة السابقة ".1
وفي حالة تحقق الشرط الفاسخ بعدم تمكن املقترض من إبرام العقد األصلي فإن
النتيجة هي فسخ عقد القرض العقاري ،ويترتب عن فسخه إرجاع املقترض جميع املبالغ
التي دفعها املقرض إليه وكذا الفوائد املترتبة عليها ،وال يجوز للمقرض أن يقتطع أو
يطالب إال باملصاريف املتعلقة بدراسة امللف والتي ال يمكن أن تزيد قيمتها عن مبلغ يحدد
بنص تنظيمي.2
وهذا يعني أن املشرع لم يأخذ باملجانية املطلقة خالل هذه املرحلة التي يكون فيها
عقد القرض السكني معلقا على شرط فاسخ ،فرغم أن املقترض يكون بعد الفسخ في حل
من أي التزام ،إال أنه يمكن للمقرض أن يطالبه بمصاريف دراسة الطلب ’« frais d
» étudeوالتي حدد املشرع الفرنس ي قيمتها في 0,75 %من مبلغ القرض دون أن تتجاوز
كحد أقص ى مبلغ 150أورو ،3أما املشرع املغربي فقد أحال بخصوص تحديد الحد
األقص ى لهذه املصاريف على النص التنظيمي .4
1يقابل المادة 122من قانون 31-08نص المادة L 312 - 12من مدونة االستهالك الفرنسية التي جاء فيها:
« L'offre est toujours acceptée sous la condition résolutoire de la non-conclusion,
dans un délai dequatre mois à compter de son acceptation, du contrat pour
lequel le prêt est demandé.Les parties peuvent convenir d'un délai plus long que
celui défini à l'alinéa précédent ».
2المادة 124من قانون ،31-08والتي تقابلها المادة L 312 – 14من مدونة االستهالك الفرنسية التي جاء فيها:
« Lorsque le contrat en vue duquel le prêt a été demandé n'est pas conclu dans
le délai fixé enapplication de l'article L. 312-12, l'emprunteur est tenu de
rembourser la totalité des sommes que le prêteur lui auraitdéjà effectivement
versées ou qu'il aurait versées pour son compte ainsi que les intérêts y afférents
; le prêteur ne peutretenir ou demander que des frais d'étude dont le montant
maximum est fixé suivant un barème déterminé par décret.Le montant de ces
frais, ainsi que les conditions dans lesquelles ils sont perçus, doivent figurer
distinctement dansl'offre ».
3جياللي بوحبص ،النظام القانوني لعقود اقتناء السكن بالمدار الحضري ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،
جامعة محمد الخامس ،كلية الحقوق/أكدال ،الرباط ،2008-2007 ،ص . 225-224
4في هذا الصدد صدر قرار مشترك لوزير الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي ووزير االقتصاد
والمالية رقم 4043.14صادر بتاريخ 29دجنبر ،2014منشور في الجريدة الرسمية في فاتح أكتوبر ،2015
يتعلق بتحديد المبلغ األقصى لقيمة المصاريف التي يقتطعها أو يطلبها المقرض لدراسة ملف قرض عقاري تطبيقا
للمادة 24من القانون رقم 08-31القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،حيث نصت المادة األولى منه على أنه:
وإلضفاء الصبغة اإللزامية على هذه املقتضيات الحمائية للمقترض ،عاقب املشرع
املقرض الذي ال يقوم بإرجاع املبالغ التي دفعها إليه املقترض بعد الفسخ بغرامة من
30.000إلى 200.000درهم ،مع إمكانية قيام املحكمة بتعليق الحكم أو نشره أو هما معا
على نفقة املقرض.1
كما أن املشرع قطع الطريق أمام البنك املقرض الذي قد يبادر إلى التحايل على
هذه املقتضيات من خالل الضغط على املقترض عن طريق إجباره على توقيع كمبيالة أو
سند ألمر ليضمن وفاءه بالقرض ،أو يستخلص منه مبالغ تفوق تلك التي حددها القانون
في حالة الفسخ ،حيث اعتبر أن التوقيع على هذه األوراق يكون عديم األثر.2
ومن خالل ما سبق يتضح لنا أن إقرار مبدإ الترابط بين إبرام عقد القرض العقاري
وضرورة إتمام العقد األصلي عبر إعمال تقنية الشرط الفاسخ يشكل حماية فعالة
للمقترض ،حيث إنه يضمن في حالة تخلف الطرف الثالث في العملية سواء املنعش
العقاري أو مالك العقار أو مقاول البناء عن إتمام العقد األصلي إمكانية تحرره من
القرض ،ويمكن له أن يرجع األموال املقترضة دون أي تعويضات ،وهذا يشكل حماية
وقائية للمقترض من خطورة الوضع الذي يصبح فيه ملزما بعقد القرض دون أن يلبي
حاجته في اقتناء السكن ،إذ ال يعقل أن يتحمل عبء تسديد مبلغ القرض وفوائده إذا لم
يعد لوجود القرض أي سبب أو مصلحة تعود عليه بسبب عدم إتمام أو زوال عملية
الشراء أو البناء.3
ونشير في األخير إلى أن قانون 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك
"ال يزيد عن %0.1من مبلغ القرض ،المبلغ األقصى لقيمة المصاريف المتعلقة بدراسة الملف الذي يسمح
للمقترض اقتطاعه أو طلبه من المقترض في إطار قرض عقاري".
1المادة 192من قانون 31-08وتقابلها المادة L 312-35التي جاء فيها:
« Le prêteur, en infraction aux dispositions du premier alinéa de l'article L. 312-
14, ou le vendeur,en infraction aux dispositions de l'article L. 312-16, ou le
bailleur, en infraction aux dispositions du dernier alinéade l'article L. 312-30, qui
ne restitue pas les sommes visées à ces articles, sera puni d'une amende de 30
000 euros.
La même peine sera applicable à celui qui réclame à l'emprunteur ou au preneur
ou retient sur son compte des sommes supérieures à celles qu'il est autorisé à
réclamer ou à retenir en application des dispositions de l'article L. 312-23 ou des
deux derniers alinéas de l'article L. 312-29 ».
يتضمن شرطا فاسخا آخر يتمثل في الحالة التي يلزم فيها البنك املقترض بالتأمين على
القرض البنكي املخصص للسكن ،وعلقت شركة التأمين ضمانها على املوافقة على
شخص املقترض املؤمن له ،فإذا لم تمنح هذه املوافقة فإن عقد القرض يفسخ بقوة
القانون ودون أي مصاريف أو غرامة كيفما كان نوعها.1
املطلب الثاني :نفاذ العقد األصلي معلق على شرط واقف يتمثل في الحصول
على القرض
استكماال للعالقة الترابطية بين عقد القرض العقاري والعقد األصلي ،وتأكيدا
للطابع املوحد للعملية اإلجمالية ،عمل املشرع على تمديد نطاق حماية املقترض في
مواجهة الطرف الثالث في العالقة ،فجعل العملية األصلية التي يتوخاها املقترض تبرم
تحت الشرط الواقف وهو الحصول على القرض املطلوب ،وبالتالي فإن العقد األصلي
يصبح عديم املفعول عندما يستحيل على املقترض الحصول على التمويل الضروري له.2
ويعرف الشرط الواقف على أنه" :الشرط الذي يتوقف على تحققه وجود االلتزام
بحيث إذا تحقق الشرط وجد االلتزام ،وإذا تخلف ال ينفذ اإللزام" ،3فالشرط الواقف
إذن من شأنه أن يوقف نفاذ االلتزام إلى أن تتحقق الواقعة املشروطة ،فيكون االلتزام في
فترة التعليق حقا مكتسبا.
وقد عمل املشرع على توظيف املزايا التي توفرها تقنية الشرط الواقف في تكريس
الترابط بين القرض والعقد األصلي املمول به ،بحيث استلزم املشرع أن يتضمن العقد
األصلي ما إذا كان الثمن يجب أن يسدد عن طريق قرض أو عدة قروض ،4فإذا نص
العقد األصلي على أن الثمن يؤدى بواسطة القرض فإن هذا العقد يبرم في محرر ثابت
التاريخ تحت الشرط الواقف املتمثل في الحصول على القرض أو القروض املخصصة
لتمويله.1
وبخصوص مدة هذا الشرط الواقف فبالرجوع إلى الفقرة األولى من املادة 127من
قانون 31-08يالحظ أن املشرع حدد كأدنى أجل في شهر على األقل ،ولم يحدد األجل
األقص ى حيث يمكن االتفاق على مدة أطول ،ويبدأ احتساب هذه املدة من آخر تاريخ
التوقيع على العقد األصلي ،فإذا تم الحصول على القرض ضمن املدة املحددة تحقق
الشرط الواقف ،ويصبح بذلك املقترض ملزما بمقتضيات العقد األصلي ،أما في الحالة
املخالفة إذا لم يتم الحصول على القرض داخل هذه املدة فإن هذا العقد يصبح الغيا،
حيث يسقط الشرط املعلق وتتالش ى العملية العقارية املنشودة.2
وتجدر اإلشارة إلى أن املشرع اعتبر هذا الشرط من النظام العام ،فحتى في حالة
عدم اإلشارة إليه في العقد األصلي فهو واجب التطبيق بمجرد اللجوء إلى القرض لتمويله
فيستفيد املستهلك من مزايا الشرط الفاسخ ،3غير أنه من الناحية العملية غالبا ما تتم
اإلشارة إليه في العقد األصلي ولو كان عقدا ابتدائيا أو وعدا بالبيع ،حيث يتم التطرق إليه
بعبارات واضحة ويتم تخصيص حيز مهم له فيه.4
وتنطبق املقتضيات السابقة املتعلقة بالشرط الواقف على العملية التي يسعى فيها
املستهلك إلى تمويل اقتناء سكن قائم وجاهز ،أما العملية التي تهدف إلى تمويل القيام
بالبناء أو أشغال اإلصالح والتحسين والصيانة ،فإن تفعيل الشرط الواقف يتطلب
1الفقرة األولى من المادة 127من قانون ،31-08ويقابلها نص الفقرة األولى من المادة L 312 - 17من مدونة
االستهالك الفرنسية الذي جاء فيه :
« Lorsque l'acte mentionné à l'article L. 312-15 indique que le prix est payé,
directement ouindirectement, même partiellement, à l'aide d'un ou plusieurs prêts
régis par les sections 1 à 3 et la section 5 duprésent chapitre, cet acte est conclu
sous la condition suspensive de l'obtention du ou des prêts qui en assument
lefinancement. La durée de validité de cette condition suspensive ne pourra être
inférieure à un mois à compter dela date de la signature de l'acte ou, s'il s'agit
d'un acte sous seing privé soumis à peine de nullité à la formalité
del'enregistrement, à compter de la date de l'enregistrement ».
جياللي بوحبص ،النظام القانوني لعقود اقتناء السكن بالمدار الحضري ،م.س ،ص .976 4
التنصيص عليه في العقد الذي يجمع املقترض باملورد املكلف بإنجاز هذه األشغال ،أو على
األقل توجيه إشعار مكتوب يصدره املقترض قبل شروع املورد في تنفيذ األشغال يشير فيه
إلى عزمه على أداء الثمن بصفة مباشرة أو غير مباشرة ولو جزئيا بواسطة قرض أو عدة
قروض.1
ودرءا لكل الصعوبات التي قد تعيق االستفادة من الحماية التي يحققها الشرط
الواقف بربطه العقد األصلي بالقرض ،يتعين على طرفي العقد األصلي اإلشارة فيه إلى
مواصفات القرض املطلوب وتحديد خصائصه بتوضيح كاف يشمل قيمته ومبلغه ومدته
وصيغة الحصول عليه ،حتى يتم اعتماد هذه املعطيات في العرض املسبق الذي ستتقدم
به البنوك وبالتي يمكن تحديد مدى تحقق الشرط الواقف انطالقا من التأكد من
مطابقة العرض املسبق مع مواصفات القرض التي يتضمنها العقد األصلي.2
أما في حالة عدم تحقق الشرط الواقف ،أي عندما ال يحصل املستهلك على
القرض لتمويل العقد األصلي داخل املدة املحددة ،فإن هذا األخير يصبح الغيا ،ويكون
طرفاه متحللين من أي التزام ناش ئ عنه ،ويحق للمشتري استرداد كل املبالغ التي دفعها
كاملة دون اقتطاع أو تعويض ألي سبب من األسباب ،تحت طائلة تحميل املورد جزاءا
مدنيا عن التأخر في رد املبالغ يتمثل في أداء فوائد بالسعر القانوني ابتداء من اليوم
السادس عشر املوالي لتاريخ طلب االسترداد ،3وهو نفس الجزاء الذي نصت عليه مدونة
االستهالك الفرنسية ،إال أنه يسري بعد اليوم الخامس عشر املوالي لطلب االسترداد.4
وباإلضافة إلى ذلك عاقب املشرع املورد الذي ال يقوم بإرجاع املبالغ التي دفعها إليه
1المادة 129من قانون ،31-08وتقابلها المادة L 312-18من مدونة االستهالك الفرنسية التي جاء فيها:
« Pour les dépenses désignées au c du 1° de l'article L. 312-2, et à défaut d'un
contrat signé des deuxparties, la condition suspensive prévue à l'article L. 312-16
ne pourra résulter que d'un avis donné par le maîtrede l'ouvrage par écrit avant
tout commencement d'exécution des travaux indiquant qu'il entend en payer le
prixdirectement ou indirectement, même en partie, avec l'aide d'un ou plusieurs
prêts ».
املقترض وفق املقتضيات التي تطرقنا إليها سابقا بغرامة من 30.000إلى 200.000درهم،
مع إمكانية قيام املحكمة بتعليق الحكم أو نشره أو هما معا على نفقة املورد.1
ورغم البعد الحمائي لهذه املقتضيات لصالح املستهلك املقترض ،إال أن تطبيقها قد
يستغل بشكل معيب ضد البائع الذي يجمد العقار محل العقد األصلي ملدة معينة بشكل
مجاني ،ويمتنع عن التصرف فيه طيلة املدة املحددة لسريان الشرط الواقف ،ليتفاجأ في
األخير بعدم حصول املشتري على القرض ،وذلك بسبب سوء نية هذا األخير الذي تقاعس
في طلب القرض أو أفشل بإرادته الحصول عليه ،كما لو رفض تقديم الضمانات للبنك أو
لم يقم بإجراءات التأمين على القرض ،2مما جعل بعض الفقه الفرنس ي3ينتقد هذه
املقتضيات مطالبا بتوقيع الجزاء على املشتري س يء النية الذي يحول دون تحقيق الشرط
الواقف من خالل اعتبار الشرط الواقف متحققا ،وبالتالي يتعين على املشتري تنفيذ ما
التزم به بمقتض ى العقد األصلي ،كما تنص على ذلك املادة 1178من القانون املدني
الفرنس ي.4التي يقابلها الفصل 122من ق.ل.ع5.
وقد تبنى القضاء الفرنس ي هذا التوجه ،حيث جاء في قرار ملحكمة االستئناف
بباريس صدر بتاريخ 25مارس 1999ما يلي:
" ...ملا كان عقد الوعد بالبيع قد أبرم معلقا على شرط واقف هو حصول املشتري
على القرض ،وملا كان هذا األخير لم يدل بأسماء األبناك املقدم إليها طلب القرض ،وال
بخصائص ونوع القرض املطلوب فإنه يكون بفعله هذا قد حال دون تحقق الشرط".6
فهذا القرار القضائي خول للمحكمة مراقبة مدى جدية املقترض في تحقيق الشرط
الواقف ،ومدى عنايته من خالل التصرفات واألعمال التي قام بها في سبيل تحققه أو
عدم تحققه ،عبر البحث في ما صدر من إهمال أو تقصير شخص ي نابع من إرادة املقترض،
وبالتالي يمكن للمحكمة معاملته بنقيض قصده باعتبار الشرط الواقف متحققا متى ثبت
لها وجود إهمال أو تقصير.
وللتخفيف من فرضيات سوء نية املشتري وتقصيره في عدم الحصول على القرض،
يرى بعض الفقه ضرورة اإلحاطة بطلب القرض الذي يوجهه املشتري إلى املؤسسة
البنكية ،ومدى مالءمته الحتياجات تمويل العقار املراد اقتناؤه ليكون باإلمكان التثبت
بسهولة من الجهود واملساعي الضرورية التي ينبغي أن يبذلها املشتري من أجل الحصول
على القرض ،فإذا قبل البنك طلب القرض بتلك املواصفات وأعد العرض املسبق الذي
يوافقه فإن الشرط الواقف يعتبر محققا بمجرد توصل املشتري بهذا العرض املوافق
لحاجيات املقترض ومتطلبات العقد األصلي.1
سنه املقتضيات الحمائيةكما أنه ثمة نقد آخر نوجهه للمشرع يتجلى في كونه أثناء ّ
ِّ
للمقترض التي تهدف مواجهة املورد أو البائع بالشرط الواقف لتكريس الترابط بين
القرض والعقد األصلي ،لم يميز بين البائع املنهي الذي يضارب في بيع العقارات على سبيل
االعتياد أو االحتراف ويتمتع بالكفاءة والتفوق التقني والقانوني ،مثل شركات اإلنعاش
العقاري والبائع غير املنهي الفرد الذي يبيع عقارا خاصا يملكه من دون أي خلفية تجارية أو
قدرات احترافية ،حيث إن هذه املقتضيات قد تشكل حيفا في حق هذا األخير؛ ألنه يفوت
عقاره بعيدا عن منطق املضاربة والربح واملهنية.
إن هذه االنتقادات املوجهة لكيفية توظيف الشرط الفاسخ في إقرار الترابط بين
العقد األصلي وعقد القرض على الرغم من وجاهتها ،إال أنها ال تنقص من الدور الحمائي
لهذا الشرط ،حيث يضمن حماية مزدوجة للمستهلك تتمثل في تمكينه من التحلل من
التزامه تجاه البائع في حالة عدم حصوله على القرض الكافي لتمويل عملية االقتناء ،كما
تضمن له إمكانية استرداد املبالغ التي سبق أن دفعها للبائع دون أي تخوف من ضياعها
في حالة فشله في الحصول على القرض.
ولم يقتصر املشرع على إقامة الترابط فقط بين العقد األصلي وعقد القرض من
أجل حماية املستهلك من مخاطر الفصل بينهما ،بل اقتضت هذه الحماية أن يقيم ترابطا
حتى بين عقود القرض املتعددة التي تساهم في تمويل العملية العقارية الواحدة ،فقد
يضطر املستهلك أحيانا من أجل تمويل شراء أو بناء سكن إلى إبرام عدة قروض بنكية،
بحيث إذا لم يحصل على أحد القروض فإن ذلك سيؤدي إلى عدم إمكانية إتمام العملية
املراد تحقيقها ،مما يجعل املستهلك أمام خطورة االلتزام بعقود القرض وتحمل عبء
تسديدها رغم زوال عملية الشراء أو البناء بسب عدم حصوله على القروض الكافية،
جيروم هوييه ،المطول في القانون المدني ،م .س ،ص .977 1
وهذا ما دفع املشرع إلى السماح للمستهلك بالتخلص من القروض املبرمة عن طريق فرض
ترابط وتضامن قانوني بينها ،وذلك عن طريق تقنية الشرط الواقف ،فاعتبر أنه في حالة
لجوء املقترض إلى إبرام عدة قروض ألجل تمويل نفس العملية فإن كل قرض يبرم تحت
الشرط الواقف املتمثل في منح كل قرض من القروض األخرى وذلك إذا توفر الشرطان
التاليان:
.1قيام املقترض بإخبار املقرضين بلجوئه إلى عدة قروض لتمويل العملية
العقارية الواحدة.
.2أن تشكل القروض املعنية بالشرط الواقف نسبة يفوق مبلغها % 10من
مبلغ القرض اإلجمالي الذي يلزم تمويل العملية العقارية.1
واستمرارا في تكريس نظرية الترابط بين العقد األصلي وعقد القرض وسعيا إلى
تحقيق حماية شمولية للمقترض ،عمل املشرع على تمديد أثر هذا الترابط ليشمل مرحلة
تنفيذ القرض ،فخول للمحكمة صالحية توقيف تنفيذ عقد القرض في حالة حصول أي
نزاع أو عوائق تحول دون تنفيذ عقد البيع أو عقد القرض إلى أن يتم حل النزاع ،حيث
يت م استئناف تنفيذ عقد القرض مع إمكانية مطالبة املقرض بالتعويض عن التوقيف إن
كان له محل ،وحتى يتم تفعيل هذا اإلجراء الحمائي يجب توافر الشرطين التاليين:
.1أن يتم التصريح في عقد القرض أنه مخصص لتمويل العملية العقارية
محل النزاع.
.2أن يصبح املقرض طرفا في الدعوى عن طريق تدخله تلقائيا أو إدخاله
فيها من قبل أحد األطراف.2
1المادة 123من قانون 31-08التي تقابلها المادة L 312 -13من مدونة االستهالك الفرنسية التي جاء فيها:
« Lorsque l'emprunteur informe ses prêteurs qu'il recourt à plusieurs prêts pour la
même opération,chaque prêt est conclu sous la condition suspensive de l'octroi
de chacun des autres prêts. Cette disposition nes'applique qu'aux prêts dont le
montant est supérieur à 10 % du crédit total ».
2المادة 130من قانون ،31-08والتي تقابلها المادة L 312 - 19من مدونة االستهالك الفرنسية التي جاء فيها:
« Lorsqu'il est déclaré dans l'acte constatant le prêt que celui-ci est destiné à
financer des ouvrages oudes travaux immobiliers au moyen d'un contrat de
promotion, de construction, de maîtrise d'œuvre ou d'entreprise,le tribunal peut,
en cas decontestation ou d'accidents affectant l'exécution des contrats et jusqu'à
la solution dulitige, suspendre l'exécution du contrat de prêt sans préjudice du
droit éventuel du prêteur à l'indemnisation. Cesdispositions ne sont applicables
que si le prêteur est intervenu à l'instance ou s'il a été mis en cause par l'une
desparties ».
فهذا املقتض ى يحقق حماية فعالة للمقترض في مرحلة تنفيذ عقد القرض ،حيث
يجنبه مخاطر الحالة الصعبة التي قد يقع فيها املقترض حال وقوع نزاع بينه وبين البائع
سواء بسبب عيب في العقار املبيع أو غيره من األسباب ،فيكون ملزما باالستمرار في أداء
أقساط القرض والفوائد وباقي توابع القرض رغم وجود النزاع نظرا الستقاللية عقد
القرض عن العقد املمول به.
وإذا كان إقرار العالقة الترابطية بين عقد القرض العقاري والعقد األصلي يشكل
حماية وقائية للمقترض ضد كثير من املخاطر كما سبق الذكر ،فإن هذه العالقة تحقق
من جهة أخرى مزايا وفوائد هامة للمقرض ،حيث تخول لهذا األخير السلطة والصالحية
في مراقبة السير الحسن والتنفيذ السليم للعملية العقارية التي تشكل ضمانا للقرض ،كما
تخول له سلطة مراقبة املقترض في استعمال القرض فيما خصص له ،واألهم من ذلك
هو أن هذه العالقة الترابطية تؤمن للمؤسسة املقرضة املحافظة على أهم ضمان لتنفيذ
عقد القرض وهو العقار املمول الذي يكون محل الرهن الرسمي ،مما يجعل زوال العقد
األصلي بسبب الفسخ أو اإلبطال يساوي انعدام العقار املمول بالقرض ،الش يء الذي
يزعزع ضمان التسديد بشكل كبير وخطير ،وهذا ما ال يمكن تصوره في ظل إقرار العالقة
الترابطية بين عقد القرض والعملية املمولة به .
هند الحدوتي
دكتور في القانون الخاص
كلية الحقوق جامعة محمد األول وجد
إن عقود االستهالك ليست كسائر العقود العادية والتي من املمكن أن تطرح
بعض املنازعات البسيطة بسبب عيب في تحريرها ،وإنما هي من العقود التي يضع
شروطها مختصون أو فنيون في إعداد شروط العقد املألوفة والغير املألوفة
والحديث عنموضوعاملنازعاتفياملادةالتعاقديةيتم في إطار املمارسة العملية للدعوى
القضائية ،فقد خول القانون للمستهلك الحق في رفعها ضد املنهي الذي باع له السلعة
أو قدم له الخدمة إذا لم ينفد التزاماته كما يجب وكذلك له الحق في فض منازعاته عن
طريق وسائل أخرى خارج املساطر القضائية إذا اتفاق مع املنهي على ذلك ومن هذه
الوسائل التحكيم والوساطة التي تتميز بسرعة إجراءات وسرية جلساتها وغيرها من
املميزات.
إن التحوالت االقتصادية واالجتماعية التي شهدها مختلف دول العالم اثر بشكل
فعال على العالقات التعاقدية ،ومن ثم اصبح لزاما على القضاء التدخل من اجل تطوير
القواعد التقليدية التي تحكم العقود لتساير تطور املجتمع ،فالقاض ي يستطيع ان
يتدخل لتفسير مضمون العقد عندما يكون الشرط غامضا ( الفقر االولى) ويتدخل من
اجل تعديل الشروط الجزائية( الفقر الثانية).
يقصد بتفسير العقد ابراز معنى ومدى التزامات الطرفين وذلك بتحديد مقاصد
همها في ضوء ما تم االتفاق عليه ،وهو بهذا املعنى يختلف عن تكييف العقد الذي
بمقتضاه يتم ربط التصرف بنظام قانوني معين1.
واستنادا لقاعدة ان االتفاقات املنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون
بالنسبة لعاقديها 2فانه يمنع على املحكمة مراجعة شروط العقد طاملا كانت واضحة
والغموض فيها ،خاصة إذا كانت غير مخالفة للنظام العام وحسن اآلداب.
االانه بحكم ما يتمتع به املنهي من منزلة قوية في عقد االستهالك فانه في الغالب
يعمد بشكل مقصود الى وضع شروط في العقد اما غامضة اوتحتمل اكثر من معنى اتقاء
ماقد يتعرض له من مساءلة اثناء تنفيد العقد.
ومن هنا يرى بعض الفقه 3ان تفسير عقود االستهالك ال يمكن ان يتم بنفس
الكيفية التي تتبع بالنسبة لسائر العقود االخرى لغياب االرادة املشتركة لذلك فأهمية
تفسير عقود االستهالك تكمن باألساس في فسح املجال للقضاء للتدخل ومراقبة مضمون
العقد من خالل تفسيره عن طريق الكشف عن ارادة املتعاقدين وتطبيق النصوص
القانونية او االتفاقية التطبيق السليم، 4لكن هل يجب ان يقف التفسير عند صيغة
العقد دون الكشف عن مضمونه .وهل تفسيره من طرف القضاء يظل مقيدا بوجود
شروط غامضة اويتعدى الى غير ذلك فما هي الطريقة التي ينهجها القاض ي من اجل
القيام بمهمته؟
1ادريس العلوي العبدالوي النظرية العامة لاللتزام نظرية العقد مطبعة النجاح الحديدة الطبعة االولى 1996
2الفصل 230من قنون االلتزامات والعقود المغربي
3سعيد عبد السالم سلطة محكمة النقض في الرقابة على تفسير عقود االدعان شركة الوالء للطبع والتوزيع طبعة
\ 1992ص 52
4العربي مياد – عقود االدعان دراسة مقارنة -الطبعة االولى مكتبة دار السالم صفحة 476
ان دور القاض ي في العالقة التعاقدية يكمن على الخصوص في تفسير العقد عند
غموض العبارات اوالشك حول معناها والسهر على تنفيذه بحسن نية ،وبالتالي تعديل
شروطه اذا كانت تعسفية .1
تعتبر سلطة القاض ي في تفسير شروط العقد الغامض من بين الوسائل املهمة
التي يتمتع بها لتعديل هذه الشروط أو إلغائها.2
والشروط الغامضة يقصد بها عدم التوافق بين الفاظ واالرادة الحقيقية
للمتعاقدين ،والغموض قد يقع في االلفاظ دون االرادةاو فيهما معا 3،وكلما كانت عبارة
العقد غامضة في داللتها تعيين اللجوء الى التفسير الستجالء غموضها وتحديد حقيقة
مدلولها ،وتفسير العقد يناط بالقاض ي ،وهذا االخير حينما يفسر العقد يستهدف البحث
عما قصدته منه االرادة املشتركة لطرفيه وهو في هذ ا السبيل يستهدى بمجموعة من
القواعد القانونية نظمها قانون االلتزامات والعقود فصول .462_465__473
فالقاض ي عندما يجد نفسه امام عقد غامض وانه مضطر للتأويل عباراته عليه
ان يبحث عن االرادة املشتركة لألطراف املتعاقدة مستعينا في ذلك بطبيعة التعامل
والظروف واملالبسات التي صاحبت إبرام العقدواليمكنه الوقوف عند املعني الحرفي لبنود
العقد التي قد اليحسن املتعاقدين اختيارهما بشكل يعبر فعال عما قصداه من ابرام
العقد.4
واعمال لهذا القاعدة نقض القضاء املجلس االعلى في احدى قراراته رقم752
القرار املطعون فيه تأسيسا على ان املحكمة التي اصدرته قد جردت العقد من كل اثر
والحال انه يمكن التوفيق بين بنوده عن طريق التأويل ،فإعمال العقد خير من اهماله،
وعلى املحكمة ان تقوم بتأويله وتبحث عن قصد العاقدين دون الوقوف عند املعنى
الحرفي لأللفاظوالعند تركيب الجمل.1
والقاض ي بتفسيره العقد يصل الى احدى نتيجتين فهو اما ان يوفق في اجالء
الغموض عن العبارة غير الواضحة ويصل بالتالي إلى اإلرادة املشتركة وهذ،ا ما هدف إليه
املشرع من اعطائه الية التفسير هاته ،وما ان بتعذر عليه الوصول الى هذه االرادة عندما
يبقى الشك يحوم حول العبارة املستعملة في العقد.
وحال لهذه االشكالية أوجد املشرع قاعدة تعتبر منفذا للقاض ي وهي قاعدة تفسير
الشك ملصلحة املدين وهو مانصت عليه الفصل 473ق ل ع.
وينبني هذا املبدأ على أساس ان االصل في االنسان هو براءة الذمة ،وتعني هذه
القاعدة أ ن القاض ي يلتزم بتفسير العقد او احد بنوده ملصلحة من يقع عليه عبء
االلتزام مما يجعل كل طرف من اطراف التعاقد مستفيدا منها على حسب االحوال.
وهكذا فإن اعمال سلطة القاض ي في تفسير عقود االستهالكية الغامضة مقيدة بالبحث
عن اإلرادة املشتركة واليستفيد املستهلك من هذا الوسيلة إال في حالة تفسير الشك
ملصلحة املدين.
ترى غالبية الفقه انه يقصد بشروط العقد الواضحة تلك العبارات التي تكتشف
بجالء عن االرادة الحقيقة للطرفين 2وتجد سندها في ان العبرة بوضوح االرادة ال بوضوح
العبارة ،لذلك متى كانت العبارة الواضحة التعبر عن اإلرادة الحقيقية للمتعاقدين يمكن
1قرار بتاريخ 1ديسمبر 1981مجلة قضاء المجلس االعلى العدد 8مارس 1983ص 58
2بوشتى زياني ،مرحع سابق ص 21
للقاض ي تأويلها وتفسيرها بما يكفل له الدين وصول الى االرادة،فال مجال للحديث عن
تأويل واضح الداللة اذا كانت الفاظ العقد صريحة .ذلك هو املبدأ الذي قرره املشرع في
الفصل 461ق.ل.ع.
والدكتور عبد الرزاق السنهوري 1تبنى نفس االتجاه حينما اكد على انه في بعض
االحيان يجد القاض ي نفسه في حاجة الى تفسير للعبارات الواضحة مهما بلغ وضوحها
،بعلة ان الوضوح العبارة اليعني وضوح االرادة فقد تكون العبارة اليعني وضوح االرادة
فقد تكون العبارة واضحة لكن ارادة املتعاقدين غير واضحة ففي هذه الفرضية يمكن
للقاض ي البحث عن االرادة الحقيقية للمتعاقدين ،واليمكنه سلوك املنحى االبتحقيق
شروطين:
اوال:اقتناعه بان املعنى الواضح في اللفظ ال يعبر عن املعنى الذي قصداه املتعاقدان.
وباحترام هذين الشرطين يمكن للقاض ي استعمال سلطته في التأويل حتى في
الحالة التي تكون فيها عبارات العقد واضحة ،فيمكن للقاض ي بالرغم من صراحة اللفظ
ان يستبعده اذا تبين له انطالقا من ظروف النازلة واملستندات التي يعتمدها عليها في
تكوين قناعه انه ال يتالءم مع القصد الحقيقي للمتعاقدين كما لو الحظ بان هذا اللفظ
اضيف الى العقد بصف تعسفية ودون موافقة احد اطراف العقد بشرط تعليل القرار
واالتعرض حكمه للنقض.
نخلص في االخيران سلطة القاض ي في تفسير العقد سلطة واسعة هدفها اكتشاف
النية املشتركة للمتعاقدين قصد الوصول الى تحديد مضمون االلتزام العقدي ثم التنفيذ
دون اي معوقات.
الشرط الجزائي هو االتفاق الذي يعين الطرفان بمقتضاه مقدما مبلغ التعويض
ا لذي يستحقه احدهما قبل األخر عند اإلخالل بااللتزام امللقى عليه سواء كان ناتجا عن
عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني الجديد لنظرية االلتزام بوجه عام مصادر االلتزام الجزء
1االول دار النهضة العربية سنة الطبع 1969ص602
عدم التنفيذ الجزئي او الكلي او تأخير في تنفيذه. 1ويعتبر الشرط الجزائي او ما يعرف
بالتعويض االتفاقي شرطا مشروعا واليؤدي الى اختالل التوزان العقدي مادام ميلغ
التعويض املتفق عليه اليتجاوز الضرر الفعلي حاصل للدائن ولكن اذا استغل احد
طرفي العقد مركزه وخبرته لفرض شروط جزائية الهدف منها الحصول على مزايا على
حساب الطرف االخر فان الوظيفة االصلية للشرط الجزائي تتحول من وظيفة تهديدية
ووسيلة لالستغالل واالثراء على حساب التوزانالعقدي ،االمر الذي يؤدي الى اعتبار مثل
هذه الشروط تعسفية يجوز للقاض ي التدخل من اجل تعديلها .
وقد اصدرت قرارات قضائية بهذا الشأن ومنها قرار محكمة االستئناف بالرباط
املؤرخ 1926_10_20اعتبرت ان القاعدة في الفصل 230من ق.ل.ع تجعل الشرط
الجزائي الذي بمقتضاه حدد الطرفان مسبقا التعويض الواجب اداؤه في حالة عدم
تنفيذ العقد مشروعا مادام ال يوجد في القانون ما يمنعه .2
وقرار اخر الصادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء بأن الشرط الجزائي شرط اتفاقي
وليس وقتي وال تهديدي وإنما هو اتفاق نهائي قابل للتنفيذ على حاله واالصل فيه عدم
التخفيض 3
وبذلك يكون القضاء املغربي طبق الفصل 230بحذافيره معتمدا على مبدأ
سلطان اإلرادة وال يهمه أن كان الشرط الجزائي فيه مبالغة او كان زهيدا مقارنة مع
الضرر الالحق بالدائن،لكن صدر قرار عن املجلس االعلى غير موقفه جذريا عن الشرط
الجزائي وخالف االتجاه الذي كان مستقرا عليه قرار مؤرخ في " 1994_04_10لكن لئن
محكمة االستئناف ال تملك حق تعديل العقد طبق مقتضيات الفصل 230من ق.ل.ع
فانه ليس ثمة ما يمنعها من تعديل تقدير التعويض موضوع الشرط الجزائي اذا كان
مبالغا فيه جدا"
وهكذا كان هذا القرار خطوة اساسية لحماية الطرف الضعيف في العقد والحد
من انتشار الشروط التعسفية وقد استجاب املشرع املغربي من خالل قانون رقم
فؤاد معالل الشرط الجزائي في القانون المغربي اطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص كلية الحقوق
1بفاس 1993ص 17
قرار المحكمة االستئناف بالرباط اشار اليه احميدو اكري الشرط الجزائي من خالل االجتهاد القضائي المغربي
2.والمقارن مجلة االشعاع العدد 100م
قرار عدد 144صادر بتارخ 1988 _01_19عن المحكمة االستئناف بالدار البيضاء امجلة المغربية للقانون
3السلسلة الجديدة عدد 17ابرل ماي يونيو 1998ص 138
هذا البديل الذي أصبح الحديث عنه في ظل هذا النوع من النزاعات ،قد أتى
كنتيجة الكتساح وغزو منظومة الوسائل البديلة للعديد من امليادين سواء التجارية أو
املدنية أو الجنائية وغيرها ،وهذا بالتالي ان كان يدل على ش يء فانه اليدل فقط على كون
هذه الوسائل قديمة ومتجدرة في مجتمعنا اإلسالمي ،وانما على كونها أيضا حديثة وقد
تم من خاللها حل العديد من النزاعات خاصة بعد التطور االقتصادي الذي شهده العالم
في العقود األخيرة ،والتي أدت الى جعل نمط االستهالك يتحول من مجرد مواد بسيطة الى
منتجات حديثة صاحبتها العديد من النزاعات الناتجة باألساس عن ضعف املركز القانوني
للمستهلك سواء من الناحية االقتصادية أو االجتماعية ،األمر الذي ينعكس سلبا على
وضعه في ابرام هذا النوع من العقود .
وبالرجوع الى مقتضيات قانون 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية للمستهلك ،
وبالضبط الفصل 111منه نجد أن املشرع املغربي قد نص في الفقرة الرابعة على أنه ”
اذا كان عدم تسديد األقساط ناتجا عن الفصل من العمل أو عن حالة اجتماعية غير
متوقعة ،فان إقامة املطالبة باألداء ال يمكن أن تتم إال بعد اجراء عملية الوساطة “،
الجدير باإلشارة ،ومن خالل قراءة مقتضيات املادة أعاله أن املشرع قد اتجه نحو
األخذ بالوساطة كوسيلة بديلة لفض النزاعات املرتبطة باالستهالك ،غير أنه سكت عن
باقي الطرق البديلة األخرى كالتحكيم باعتباره احدى أهم األدوات القانونية لفض النزعات
بشكل متميز وسريع ،األمر الذي يقتض ي منا التساؤل حول :مدى امكانية اللجوء الى
التحكيم لفض النزاعات املرتبطة باالستهالك؟ وأيضا مدى مالئمته لخصوصية هذه
النزاعات ؟
ولإلجابة عن هذا التساؤل ،يقتض ي منا األمر الوقوف عند مدى جوازية التحكيم
في فض هذه النزاعات انطالقا من القواعد القانونية املنظمة له في ظل قانون 08-05
أصبح التحكيم اداة فعالة للفصل في املنازعات بين االفراد والجماعات و اللجوء
اليه كنظام خاص لحسم املنازعات ملا تضمن من استقاللية وحياد ال يتوفر عليه قضاء
الدولة .
لتفادي االجراءات القضائية الطويلة واملعقدة يبادر املستهلك بمطالبة املنهي الى
اجراء تسوية ودية لعدم تنفيذه التزاماته التعاقدية ففي مثل هذه الحاالت يقوم املنهي
بأنصاف زبونه من اجل املحافظة على مصالحه التجارية ،مما يعني ان املفاوضات
املباشرة يمكنها ان تفض ي لحل النزاع ،رغم اهميته اال انه يطرح اشكاليات في عقود
االستهالك في بعض االحيان يختلف االمر فقد يجد املستهلك نفسه امام مسطرة
التحكيم مفروضة عليه ويتفاجأ بها ضمن شروط العامة للعقد مما يطرح اشكالية
امكانية اعتبار هذه الشروط تعسفية فمدى قابلية عقود االستهالك التفاق التحكيم؟
ان شرط التحكيم هو اتفاق داخل اتفاق،وهو االتفاق الذي يلتزم فيها اطراف
العقد بان يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عنه .ويتميز الشرط التحكيم عن
غيره من الشروط العقدية االخرى من حيث انه يؤدي الى تحديد الجهة املختصة بنظر في
النزاع في حال نشوؤه وهي هياة املحكمين.
التحكيم فهذه القاعدة تقض ي وجوب اللجوء الى التحكيم بدال من القضاء
الرسمي،وااللتزام بحل النزاع عن طريق التحكيم ما لم يتفق االطراف على خالف ذلك .
واذا حدث ان خالف احد االطراف هذا الشرط رفع الدعوى عادية امام القضاء
الرسمي ،كان من حق الطرف االخر ان يرد هذه الدعوى عن طريق دفع امام القضاء
العادي الذي ينظر في القضية في القضية ويكون دفعا بعدم قبول الدعوى ال دفعا بعدم
االختصاص1.
وانما يمنعها فقط من سماع الدعوى مادم الشرط قائما واملشرع املغربي في
الفصل 327من 082_05أيد هذا االتجاه واعتبر الدفع باتفاق التحكيم دفعا بعدم
القبول الدعوى،وبهذا القاعدة تحرم املستهلك من حقه في التقاض ي ،اما الحجة الثانية
مفادها ان نظام التحكيم ال يستجيب للحاجات امللحة للمستهلكين ،فضال عن املستهلك
سوف يعجز عن تفعيله واساس ذلك ،ان ارهاق املستهلك بالتكلفة العالية اللتماس
العدالة لدى قضاء التحكيم سوف يحجم عن اللجوء اليه.وهذه التكلفة ال تتناسب
البتة مع ثمن الثالجة او جهاز التكييف وغيرها من السلع االستهالكية وبذلك تنطلق
امكانية اقتضاء حقه املتعاقد مسالة نظرية ويظل عاجزا عن تفعيل هذا النظام،وفي
هذا الوقت يعجز املستهلك على تفعيل نظام التحكيم ،فان الطرف املنهي سوف يحرص
على تضمين هذه العقود لشرط التحكيم ومع مرور الوقت سيتحول الى شرط نمطي
ممايجعله في مأمن ضد اي مطالبات من املستهلكين.
املشرع الفرنس ي ايد هذا االتجاه،اعتبر شرط التحكيم ال يصلح إال في العقود
التجاري،حسبما نص على ذلك الفقرة االخيرة من املادة 631من القانون التجاري واعتبره
شرطا باطال في عقوداالستهالك وان كان الطرف املتعاقد مع املستهلك تاجر ،اذا ان ثبات
التكافؤ عن العالقة املستهلك واملنهي يجعل هذا الشرط موصوفا بالتعسفية والتحكمية
من جانب املنهي.وكذلك املادة 2061من قانون املرافعات الفرنسية حظرت التحكيم ف
العقود املختلطة ،في حينحرصت املادة 132من قانون 95_96التي تبطل الشروط
وبهذا الخصوص قرار صادر عن محكمة االستئناف يقضي حيث ان المستأنفة لما ادلت بعقدة التامين التي تضمنت
شرط التحكيم وحتى على فرض وجود ذلك فان اختيار المستأنف عليه االدعاء لدى المحاكم هو فضال عن ذلك فان
1الدفع بعدم القبول كان على المستأنفة اثارته قبل كل دفع او دفاع منشور مجلة المعيار عدد 33ص 206.
يقضـى القـانون رقم 05-08الذي نشر في الجريدة الرسمية رقم 5584بتاريخ 76ديسمبر/كانون األول 2007
بإلغـاء أحكام قانون اإلجراءات المدنية المتعلقة بالتحكيــم ويفـرض إجراءات جـديدة تنظـم التحكيـم والوسـاطة
2االتفاقية
التعسفية لتحديد ماهية الشرط التعسفي وفي فقرتها الثانية وضعت قائمة استرشاديه
للشروط التعسفية.
ومن هذا املنطلق فشرط لتحكيم اذا توفرت فيه هذه الشروط يعتبر تعسفيا
رغم هذا اال ان جانب من الفقه لم يغير رايه فيظل شرط التحكيم بالنظر لتبعاته املرهقة
للمستهلك يعتبر في حد ذاته شرطا تعسفيا ،ومن ثم يظل جديرا بالبطالن املطلق في عقود
االستهالك.1
ومايخفف من حدة هذا الشرط اذا كان شرط تعسفيا وتوفر للمستهلك حماية هو
مبدأ استقاللية شرط التحكيم عن العقد االصلي.
قررت من خالله على "انه يشكل اتفاق التحكيم بالنسبة الى العقد االصلي املدرج
فيه استقالال قانونيا عن اي افة قد تطرأ على هذا العقد االاذا اتفاق االطراف على
خالف ذلك"
وجاء في قرار تحكيمي سنة "1968ان اتفاق التحكيم يتمتع دائما باستقالل قانوني كامل
بحيث ال يتأثر بما يصيب العقد االصلي اال في حاالت استثنائية "3
1طرح البحور علي حسن عقود االستهالك مابين قضاء التحكيم والقضاء الوطني دار الفكر الجامعي الطبعة
2007ص 215
2قرار لمحكمة النقض الفرنسية غرفتها التجارية صادر بتاريخ 20مارس 2003منشور على موقع االنترنت
3
detrains y les tendances de la jurisprudence arbitral inter nationalclunet 1993
p829
وفي عقود االستهالك ذات طابع الدولي يطبق عليها هذا املبدأ وقد اكدت ذلك
املحكمة الفرنسية في غرفتها املدنية فاعتبرت شرط التحكيم صحيحا رغم العقد البيع
باطل ويلزم املستهلك بالخضوع لوالية قضاء التحكيم في العقود .أما بخصوص التكلفة
التحكيم العالية فهذا االمر يعود الى طبيعة النزاع فاذا كانت قيمة النزاع الدولي فأكيد
التكلفة عالية اما اذا كان النزاع داخلي ستنخفض تكلفة التحكيم ،وقيمة املنازعة هي
التي تحدد التكلفة وللتجاوز هذا املشكل فالتحكيم يسمح بوجود تعريفة محددة لهذا
التكلفة فضال عن تكريس اجراءات مناسبة ملنازعات املستهلكين ،نظرا ملا يتسم به
التحكيم وليس هو وحسب بل كافة الوسائل الودية والسلمية للحل املنازعات كاملفاوضات
والتوقيف والوساطة من سرعة وتخصص ومرونة ،واتجاه مؤسسات التحكيم حل
النزعات بواسطة الشبكة املعلوماتية يجعل التكلفة تقل فهي تختصر التنقل لرفع
الدعوى وكذا تقديم املستندات فيكون قضاء التحكيم ذو نتيجة ويقض ي إلى حماية
املستهلك.
خاتمة
اذا كانت حماية املستهلك موضع اهتمام وعناية كل االمم املتحضرة ،بما فيها
املنظمات الدولية ،فان ذلك يرجع ألهميته وضرورتها ،فعدم التوازن بين املنتجين واملهنين
واملوردين والتجار من ناحية ،واملستهلكين من ناحية اخرى يتعمق ويتوسع كل يوم .لذلك
حاولت من خالل هذا املوضوع ابراز حاجة املستهلك الى الحماية القضائية التي تعتبر من
بين اآلليات الرئيسية لتحقيق هذه الحماية ،والتي يضطلع الجهاز القضائي بالسهر على
ضمان تحقيقها ،فقد أبانت عن محدوديتها وكذا فشلها في القيام باملهمة املوكولة لها على
الوجه املطلوب ،األمر الذي حذا باملشرع املغربي في اعتماده لطريق بديل عن املفهوم
القضائي
وذا ك ــان املش ــرع املغرب ــي ق ــد اتج ــه ،ف ــي ظ ــل الق ــانون ،31 -08إل ــى األخ ــذ بالوس ــاطة
كوسـ ــيلة بديل ـ ــة لفـ ــض النزاع ـ ــات املرتبطـ ــة باالس ـ ــتهالك ،فإنـ ــه س ـ ــكت ،باملقابـ ــل ،ع ـ ــن آليـ ــة
التحكــيم دون أن يجيزهــا ص ـراحة أو يمنعهــا ص ـراحة .لكــن برجوعنــا إلــى القواع ـد القانونيــة
املنظمــة للتحكــيم فــي ظــل القــانون الخــاص بالوســاطة االتفاقيــة والتحكــيم ،نجــده يــنص فــي
الفص ـل 308ومــا يؤكــد طرحنــا القائــل بجوازيــة التحكــيم فــي نزاعــات االســتهالك هــو مــا نــص
علي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ،309م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع مراع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاة مقتض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيات الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل 308أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاله.،
ومــن خــالل مقتضــيات الفصــلين أعــاله ،وكــذا البنــد 17مــن املــادة 18مــن القــانون 31 -08
القاضـ ي بحمايــة املســتهلك ،أنـه يبقــى مــن حــق املسـتهلك اللجــوء إلــى التحكـيم مــن أجــل فــض
النـزاع القــائم بينــه وبــين املنهــي ،مــادام أن اللجــوء إلــى هــذه اآلليــة ال يعرقــل حــق املســتهلك فــي
اللجوء إلى القضاء إلقامة دعوى قضائية أو اللجوء إلى طريق الطعن .هذا ناهيـك عـن كـون
النزاعات املرتبطة باالستهالك ال تدخل ضمن خانة النزاعات التي ال يجوز التحكيم بشأنها
لكن وبالرغم ،من العديد من االمتيازات التي يحملها شرط التحكيم في طياته،
فإنه يبقى باملقابل قاصرا عن توفير الحماية الالزمة للمستهلك ومن السلبياته ،كونه ال
يستجيب للحاجات امللحة للمستهلكين ،خاصة إذا علمنا أن املنهي هو الذي يتولى صياغة
شروط العقد ،وكذا اختيار املحكم للبت في النزاع ،وهذا ما يتنافى مع قواعد العدالة
واإلنصاف ،وروح وفلسفة الطابع الحمائي للقانون القاض ي بحماية املستهلك رقم .31 -08
هاجر السعيدي
قاضية باملحكمة اإلدارية بالرباط
تعتبر الحماية القضائية من أهم املعايير التي يقاس بها تقدم قوانين االستهالك
وتطورها ،فكلما تضمنت هذه القوانين قواعد توفر الحماية القضائية بأقرب الطرق
وبأبسط اإلجراءات وبأقل التكاليف إال وكان القانون متقدما وحمائيا ،وبمفهوم املخالفة
كلما اعترى الحماية القضائية تعقيد في اإلجراءات وارتفاع في التكاليف املادية ونزوح نحو
إسناد االختصاص ملحاكم بعيدة عن املستهلك إال وكان القانون موسوما بالتخلف
والرجعية؛ حيث إن املركز الضعيف للمستهلك في العالقة التعاقدية يفرض على املشرع
توفير قواعد قضائية متميزة عن تلك الواردة في النصوص العامة والتي أثبتت قصورها في
تمكين املستهلك من طرق أبواب العدالة ،وعن تحقيق تسوية منصفة للنزاع في مواجهة
طرف منهي ينعم بالقوة االقتصادية والتقنية ،ومن تم كان البد من خلق قواعد قضائية
وإجراءات مسطرية مرنة تحمل في ثناياها بعدا حمائيا ملصلحة املستهلك وتراعي
خصوصيات النزاع االستهالكية ،وذلك للحد من معيقات ممارسة املستهلكين لحقهم في
التقاض ي.
وقد أحسن قانون 08-31القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك 1صنعا ملا سن
بعض القواعد الجديدة التي تخدم مصلحة املستهلك وتراعي ظروفه االقتصادية
واالجتماعية التي تؤثر على مركزه في العالقة التعاقدية ،2بيد أن هذه القواعد تبقى غير
1القانون رقم 08-31القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،منشور في الجريدة الرسمية عدد 5932بتاريخ 3
جمادى األولى 7( 1432أبريل .)2011
2من بين هذه القواعد نذكر:
أ -االختصاص المحلي حيث إن المشرع مراعاة منه لظروف المستهلك ومركزه الضعيف ،أورد استثناء على هذه
القاعدة العامة التي تقرر أن المدعي يسعى وراء المدعى عليه ،ويتمثل ذلك في جعل إسناد االختصاص المحلي
للمحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها موطن المدعى عليه الحقيقي أو المختار ،أو محل إقامته عند انعدام موطنه ،فبعد
صدور القانون رقم 31-08عمل المشرع على تعزيز القرب القضائي للمستهلك ومن جهة وتجنيبه من أي إرهاق
متعمد من طرف المهني بجره إلى محكمة بعيدة عن موطنه وسكناه ،وذلك من خالل إسناد االختصاص المحلي
للمحكمة التي يوجد بدائرتها المستهلك سواء كان مدعيا أو مدعى عليه ،حيث تقضي المادة 202على أنه" :في حال
نزاع بين المورد والمستهلك ،ورغم وجود أي شرط مخالف ،فان المحكمة المختصة هي محكمة موطن أو محل
إقامة المستهلك أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضرر باختيار هذا األخير".
كافية بفعل محدودية أثرها؛ بحيث أغفلت جوانب أخرى كان حريا على املشرع األخذ بها
حتى يتيسر للمستهلك الولوج إلى العدالة وهو قادر على االستفادة من أنظمة تخفف عليه
عبء التكلفة االقتصادية للتقاض ي وتجعله مدعوما بالدفاع رغم ضعف إمكانياته املادية
عبر تمكينه من املساعدة القضائية (املطلب األول) ،أما في حالة صدور الحكم لصالح
املستهلك فإنه من باب اإلنصاف تمتيعه بالحق في التنفيذ املعجل بقوة القانون مراعاة
لحالته ومركزه ،حيث يشكل النفاذ املعجل آلية مهمة لتسريع اقتضاء املستهلك لحقوقه
رغم أن الحكم ابتدائي وقابل للطعن ،حيث يعفى من انتظار استنفاذ كل طرق الطعن
واالنتهاء من كل مراحل النزاع لينال حقه بالتنفيذ (املطلب الثاني).
املطلب األول :تكريس املساعد القضائية في دعاوى االستهالك
األصل أن خدمة القضاء ﻫي خدمة عمومية غير مؤدى عنﻬا؛ ألنها من مستلزمات
إقامة الدولة وضمان العدل بين الناس وصيانة الحق في التقاض ي ،حيث ينص الفصل
118من دستور 20111في فقرته األولى على أن" :حق التقاض ي مضمون لكل شخص
للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون".
ب -إلقاء عبء اإلثبات على عاتق المقرض في بعض الحاالت المحددة كاستثناء على القاعدة العامة ،وذلك بغض
النظر عن ما إن كان المقرض مدعيا أو مدعى عليه ،فيكون عليه أن يقيم الدليل على ذلك ،والحالة األبرز في هذا
السياق إلزام المهني بإثبات الطابع غير التعسفي للشرط المدرج في العقد االستهالكي رغم أن المدعي هو المستهلك
فيما المهني مدعى عليه ،فكلما ارتأى المستهلك أن شروط ما يعد تعسفيا في حقه ،يمكنه أن يثير دعوى إبطاله ،وال
يكون ملزما إال بإثبات الوجود المادي للشرط موضوع النزاع ،ومقابل ذلك يقع على عاتق المهني إثبات الطابع غير
التعسفي للشرط المتنازع بخصوصه ،وهو ما نستشفه من مقتضيات الفقرة األخيرة من المادة 18من قانون 08-31
التي نصت على أنه" :في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا تعسفيا ،يجب على المورد اإلدالء بما يثبت
الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع".
ج -وجوب تفسير الشك في الشروط الغامضة لفائدة المستهلك ،حيث تنص المادة 9من قانون 08-31على أنه" :في
ما يتعلق بالعقود التي يحرر جميع أو بعض شروطها المقترحة على المستهلك كتابة ،يجب تقديم هذه الشروط
وتحريرها بصورة واضحة ومفهومة ،وفي حالة الشك حول مدلول أحد الشروط ،يرجح التأويل األكثر فائدة بالنسبة
إلى المستهلك" ،فمن خالل هذه المادة يالحظ أن المشرع أكد على إلزامية القضاة بضرورة تفسير الشك في الشروط
الغامضة والمبهمة المدرجة في العقود االستهالكية لصالح المستهلك ،بحيث تعد هذه القاعدة بمثابة جزاء للمهني
فمادام هذا األخير هو الذي يحتكر صياغة العقود االستهالكية في مقابل انعدام مشاركة المستهلك في صياغتها ،األمر
الذي يفرض عليه أن يكون شديد الحرص على صياغة شروط العقد االستهالكي بنوع من الوضوح والدقة الذي ال
يدع مجاال للشك في مدلولها
د -اإلمهال القضائي حيث منح المشرع للقضاء سلطة في منح المهلة للمستهلك المقترض المتوقف عن تسديد أقساط
القرض بسبب حصوص ظروف اجتماعية غير متوقعة وال سيما الفصل عن العمل ،حيث تنص المادة 149من
قانون 08-31على أنه ... " :يمكن والسيما في حالة الفصل عن العمل أو حالة اجتماعية غير متوقعة ،أن يوقف
تنفيذ التزامات المدين بأمرمن رئيس المحكمة المختصة .ويمكن أن يقررفي األمرعلى أن المبالغ المستحقة التترتب
عليها فائدة طيلة مدة المهلة القضائية.
يجوز للقاضي ،عالوة على ذلك ،أن يحدد في األمر الصادر عنه كيفيات أداء المبالغ المستحقة عند انتهاء أجل وقف
التنفيذ ،دون أن تتجاوز الدفعة األخيرة األجل األصليا لمقرر لتسديد القرض بأكثر من سنتين ،غير أن له أن يؤجل
البت في كيفيات التسديد المذكورة إلى حين انتهاء أجل وقف التنفيذ".
1دستور المملكة المغربية الصادر بموجب الظهير رقم 91.11.1بتاريخ 29يوليوز 2011بعد االستفتاء الذي
أجري في فاتح يوليوز ،2011والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964بتاريخ 30يوليوز .2011
ولذلك يسوغ ألي شخص كيفما كان مركزه االجتماعي فقيرا كان أو غنيا ،االستفادة
من خدمات القضاء بصفة مجانية ،1ومفاد ذلك أن القاض ي ال يتقاض ى أجرا من
املتقاضين وهو بصدد الفصل في النزاع املعروض عليه من قبل املتقاضين ،2وبمعنى آخر
فإن املتقاض ي غير ملزم بأداء أي مبلغ معين مقابل خدمة العدالة التي تقدمها الدولة ،بل
إن هذه األخيرة هي التي تتحمل أداء أجور القضاة وسائر موظفي املحاكم باعتبارهم
موظفين عموميين3.
لكن مدلول ونطاق املجانية يقف عند هذا الحد ،ذلك أن التسيير املالي ملرفق
القضاء يقتض ي مداخيل مالية ملواجهة التحمالت من جهة ،ومن جهة أخرى فإن تمديد
مجانية القضاء إلى إجراءات الدعوى من شأنه اإلسهام في تكاثر الدعاوى الكيدية ،4ما دام
أن املتقاض ي يكون على علم مسبق بإعفائه من أي أداء ،وغير معرض ألي جزاء حتى ولو
ثبت أن إقامته للدعوى كانت من أجل الكيد بخصمه وتطويل اإلجراءات دون موجب
حق ،5األمر الذي أدى باملشرع املغربي إلى إحداث نظام الرسوم املؤداة عن اإلجراءات
القضائية ،ومن تم فإن املصاريف الالزمة لسير الدعوى تقع على عاتق املتقاض ي ،بحيث
إن كل شخص أراد رفع دعوى أو طعن أو أي إجراء قضائي يتوجب عليه أداء رسوم مالية
تحدد قيمتها بحسب القانون إما بصورة جزافية أو بناء على نسبة معينة.6
بيد أن املتقاضين ليسوا على درجة واحدة من حيث أوضاعهم املالية ،فمنهم من ال
يقوى على أداء الرسوم املتطلبة لسير إجراءات الدعوى من بدايتها إلى نهايتها،بسبب
ضعف أو انعدام موارده املالية ،األمر الذي يحول دون لجوئه إلى القضاء للدفاع عن
حقوقه ،وهو ما يشكل مساسا بمجموعة من الحقوق الدستورية مثل حق التقاض ي7
1محمد كرام ،الوجيز في التنظيم القضائي المغربي ،الطبعة الثانية ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش،2013 ،
ص .38
2محمد الطيب بوطيبي ،المساعدة القضائية ،مجلة الملحق القضائي ،العدد السادس ،السنة الثالثة ،1981ص .117
3محمد كرام ،الوجيز في التنظيم القضائي المغربي ،م.س ،ص .39
4عبد الوهاب المريني ،دروس في القانون القضائي الخاص المغربي ،الطبعة األولى ،مكتبة دار السالم ،الرباط،
،2001ص .20
5عبد الكريم الطالب ،التنظيم القضائي المغربي ،الطبعة الرابعة ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،2012 ،ص
.40
6عبد الوهاب المريني ،دروس في القانون القضائي الخاص المغربي ،م.س ،ص .20
7الفصل 118من دستور 2011
8تنص الفقرة األولى من الفص 6من دستور 2011على أن" :القانون هو أسمى تعبير عن األمة ،والجميع
أشخاصا ذاتيين واعتباريين ،بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون باالمتثال له".
9تنص الفقرة الثانية من الفصل 120من دستور 2011على أن" :حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم".
وإزاء هذا الوضع أحدث املشرع املغربي نظاما موازيا للرسوم القضائية ،يمكن
املتقاض ي املعسر من اللجوء إلى القضاء دون أن تقف نفقات التقاض ي عائقا أمام اقتضاء
حقوقه ،وذلك من خالل إقراره لنظام املساعدة القضائية بموجب املرسوم امللكي رقم
514-65بتاريخ 17رجب 1386بمثابة قانون يتعلق باملساعدة القضائية ،1والذي أكد
على منح املساعدة القضائية ملعدومي الدخلبمقتض ى الفصل األول منه والذي جاء فيه:
"يمكن منح املساعدة القضائية لدى جميع محاكم اململكة وكيفما كان الحال إلى
األشخاص واملؤسسات العمومية أو ذات املصلحة العمومية والجمعيات الخصوصية
القائمة بعمل إسعافي واملتمتعة بالشخصية املدنية والجنسية املغربية التي نظرا لعدم
كفاية مواردها تكون غير قادرة على ممارسة حقوقها أو الدفاع عنها أمام القضاء وذلك
عالوة على الحالة التي يستفيد فيها األجانب من هذه املساعدة عمال باملعاهدات.
وتطبق هذه املساعدة على كل نزاع وعلى املطالبات بالحق املدني أمام محاكم
التحقيق وإصدار األحكام كما تطبق خارج كل نزاع على أعمال القضاء اإلداري واألعمال
التحفظية.
وال يعمل باملقرر املمنوحة بموجبه املساعدة القضائية إال فيما يخص العقود
والعمليات املنجزة بعد صدوره اللهم إال إذا كان قد تم منح مقرر مؤقت فيما سبق".
وتعرف املساعدة القضائية على أنها" :تلك اإلعانة التي تمنحها الدولة بإحاللها
محل املستفيد منها في أداء الصوائر واملصاريف التي يمكن الحكم عليه بها من طرف
محكمة وطنية أو أجنبية عمال باملعاهدات " ،2وتتم املساعدة القضائية وفقا ألحد
النظامين اآلتي ذكرهما:
الفقر األولى :نظام املساعد القضائية بناء على طلب
لالستفادة من نظام املساعدة القضائية بناء على طلب يتحتم على األشخاص غير
القادرين على تحمل نفقات التقاض ي تقديم طلب إلى مكتب املساعدة القضائية 3الذي
يختلف تشكيله باختالف درجة املحكمة التي سوف يعرض عليها النزاع ،1ويتعين على
املعني باألمر أن يرفق طلبه بشهادة مسلمة من السلطة املحلية في شخص الباشا أو القائد
تثبت عسره وتتضمن وسائل عيشه وهي ما تعرف بشهادة االحتياج ،ثم شهادة مسلمة من
مصلحة الضرائب تثبت عدم توفره على عقارات أو منقوالت ،ناهيك عن ذلك نسخة من
مقال الدعوى فيما يخص طلب اإلعفاء من الرسوم.
ويعد تمتيع املستفيد من املساعدة القضائية أمرا وقتيا ،حيث يمكن سحبه في أي
مرحلة من مراحل الدعوى انتهت بصدور حكم أم ال ،وذلك فيما إذا ثبت أن حالة العسر
قد زالت نتيجة توفر املستفيد على موارد أو استفادته من مبالغ مالية نتيجة تنفيذ حكم
لفائدته ،كما يمكن أن تسحب إذا تم التشطيب على الدعوى أو تمت مصالحة بين
الخصوم أو لوحظ تماطل من طرف املستفيد يظهر من خالله أنه ال يرغب في مواصلة
إجراءات الدعوى طبقا للفصل 14من املرسوم.
وبناء على ما سبق ذكره ،يتضح لنا جليا أن هذا النوع من املساعدة القضائية هو
مكنة خولها املشرع لكافة فئات املجتمع الهشة التي تعجز عن أداء املصاريف القضائية،
وتدخل فئة املستهلكين في خانة املشمولين بهذا النظام ،بحيث كلما أثبت املستهلك عجزه
عن تحمل رسوم مصاريف الدعوى القضائية حق له االستفادة من املساعدة القضائية
بعدما يقدم طلب تمكينه منها.
وفيما يخص المكتب المحدث لدى محكمة النقض ،فيتكون من الوكيل العام للملك لدى هذه األخيرة أو شخص مفوض
من طرفه ،وثالثة مستشارين يزاولون مهامهم أو متقاعدين يعينون من طرف وزير العدل ،ثم ممثل لوزير المالية
طبقا للفصل 3من المرسوم.
وقد أسند المشرع رئاسة هذه المكاتب إلى قضاة النيابة العامة طبقا للفقرة األولى من الفصل ،4بينما يقوم بمهام
كات ب المكتب موظف من كتابة الضبط أو موظف من كتابة النيابة العامة بالنسبة للمكتب المحدث لدى المحكمة
االبتدائية ومحكمة االستئناف ،أما بالنسبة للمكتب المحدث لدى محكمة النقض فيقوم بمهام الكاتب عون من النيابة
العامة وفق ما نص تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل .4
ويتم انتداب أعضاء المكتب غير الرؤساء خالل الخمسة عشر يوما األولى من كل سنة قضائية ،ويكون انتدابهم قابال
للتجديد ،وفي حالة توقف أحد األعضاء غير الرؤساء عن مزاولة مهامه أو تغيب أو عاقه عائق فإنه يتم تعويضه
خالل السنة ذاتها طبقا للفقرة الرابعة من نفس الفصل.
1يالحظ بخصوص تشكيل مكاتب المساعدة القضائية غياب تمثيلية باقي مساعدي القضاء ضمن تشكيلة مكاتب
المساعدة القضائية ،كالمفوضين القضائيين والخبراء والتراجمة ،سيما أن المساعدة القضائية قد تمتد لتشمل األتعاب
المستحقة لهؤالء المساعدين؛ وهذا منطقي ألن القوانين المنظمة لهؤالء المساعدين صدرت في فترة الحقة ،لكن أن
يبقى األمر على ما هو عليه فهذا هو الذي يبدو غير منطقي ،وبالتالي يتعين تعديل المرسوم الملكي بإدراج مساعدي
القضاء ضمن تركيبة المكتب.
كما يالحظ بخصوص تشكيل مكتب المساعدة القضائية لدى محكمة النقض عدم وجود تمثيلية هيئة المحامين ،بخالف
المكتب المتواجد بكل من محكمة االستئناف والمحكمة االبتدائية ،على الرغم من أن المساعدة القضائية أمام محكمة
النقض تهدف بالدرجة األولى االستفادة من خدمات المحامي دون اإلعفاء من الرسوم القضائية ،عكس المساعدة
القضائية أمام المحاكم االبتدائية ومحاكم االستئناف التي تنصب على اإلعفاء من الرسوم القضائية؛ ألن هذه األخيرة
قد تكون مرتفعة باعتبارها تؤدى بحسب النسبة وفق ما ينص عليه قانون المصاريف القضائية ،لذلك نرى أن هيئة
المحامين ينبغي أن تكون ممثلة ضمن تركيبة هذا المكتب.
لكن يبقى أثر هذا النوع من املساعدة القضائية محدودا ،إذ ال يسعف في تحقيق
ولوج فعلي للمستهلك إلى العدالة ،لكون االستفادة منها ال تتم بشكل تلقائي ومضمون ،بل
يتطلب تقديم طلب وسلوك عدة إجراءات تتسم بالتعقيد ،فضال عن تعسف السلطات
اإلدارية في منح الوثائق التي تثبت عسره ،األمر الذي يؤدي ال محالة إلى عدم مطالبة
املقترض بتمتيعه باملساعدة القضائية ،ناهيك على أن هذه األخيرة تنتهي بانتهاء املرحلة
التي منحت فيها ،فاملستفيد من املساعدة القضائية ال يمكن أن يمارس الطعن
باالستئناف أو النقض ضد الحكم الصادر في النزاع ،إال بعد تقديم طلب جديد ينتهي
بصدور قرار جديد يمنحه املساعدة القضائية ،فمفعول قرار املساعدة القضائية ينتهي
في املرحلة االبتدائية ،1وهذا أمر يسبب إرهاقا آخر ينضاف إلى كاهل املستهلك.
كما أن الفائدة من املساعدة القضائية بناء على طلب تنعدم حالة الحكم لصالح
املستهلك بمبالغ مالية ألنها تسحب منه بمجرد تحصيله لهذه املبالغ بناء على التنفيذ
الطوعي أو الجبري ،2وقد تكون هذه املبالغ هزيلة فإذا أدى الصوائر والرسوم القضائية
منها قد ال يبقى له ش يء ،أو قد يبقي له جزء يسير من ذلك ،وهذا دافع للعدول عن
اللجوء إلى القضاء ،بسبب تكلفة الدعوى مقارنة مع ما سيجنيه املستهلك من ربحها.
وبما أن املساعدة القضائية بناء على طلب أثبتت محدوديتها في تشجيع املستهلك
على اللجوء إلى القضاء ،فإن الخيار األنجع في رأينا هو تكريس املشرع لنظام املساعدة
القضائية بقوة القانون ،نظرا ألن هذا النظام ثبتت فعاليته في تمكين املستفيد من طرق
أبواب القضاء بشكل تلقائي وأجدى وأوسع.
الفقر الثانية :املساعد القضائية بقو القانون
على عكس املساعدة القضائية املبنية على طلب التي تنتهي بانتهاء املرحلة
املمنوحة فيها بعد قبول الطلب ،فإن املساعدة القضائية بقوة القانون تتم بشكل تلقائي؛
حيث يتم إعفاء املتقاض ي من أداء الرسوم القضائية بقوة النص القانوني ودون تقديم
أي طلب بشأنها ،وتستمر في جميع مراحل الدعوى تبتدئ من املقال االفتتاحي وتنتهي
بانتهاء املرحلة االستئنافية ،لتتحول بعد ذلك إلى مساعدة قضائية بناء على طلب في
1تنص الفقرة الثانية من الفصل 10من المرسوم الملكي بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية على أنه:
"وال يسوغ للمستفيد من المساعدة القضائية الذي يرفع استئنافا أصليا أو طلبا للنقض أن ينتفع من أجل
طرق الطعن المذكورة بالمساعدة القضائية إال إذا منحت إياه بمقرر جديد".
2جاء في الفصل 14من من المرسوم الملكي بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة القضائية ما يلي " :إن االستفادة
من المساعدة القضائية يمكن سحبها في أي حال من األحوال قبل الحكم أو بعده:
1 -إذا أصبح المستفيد من المساعدة القضائية متوفرا على موارد تثبت كفايتها والسيما إذا حصل
على التنفيذ اإلجباري أو الطوعي للحكم الصادر لفائدته ...؛"
مرحلة النقض ،وإال كان املستفيد منها ملزما بأداء املصاريف التي تستلزمها هذه املرحلة،1
غير أن نطاق هذه املساعدة القضائية ينحصر في قضايا معينة حددها القانون كما هو
الشأن بالنسبة لألجير في قضايا الشغل ،2وكذا جميع الدعاوى املرتبطة بقضايا األحوال
الشخصية التي تقدمها النساء املطلقات أو املهجورات والطلبات املتعلقة بالنفقة ،حيث
راعى املشرع الوضعية املادية للمتقاض ي في هذا النوع من الدعاوى القضائية.3
وعلى غرار تلك الدعاوى فإن املركز الضعيف للمستهلك يجعله في وضع يستحق
معه االستفادة من نظام املساعدة القضائية بحكم القانون ،حيث نعيب على التشريعات
املؤطرة ملنازعات االستهالك ،وخاصة قانون 08-31القاض ي بتحديد تدابير لحماية
املستهلك خلوها من أي مقتض ى يمنح املساعدة القضائية بقوة القانون للمستهلك ،حيث
ال يستفيد املستهل ك من اإلعفاء من أداء الرسوم القضائية بموجب نص قانوني خاص،
وبذلك يكون املستهلك ملزما بتحمل نفس املصاريف القضائية التي تتحملها مؤسسة
القرض أثناء مسطرة التقاض ي ،4وهذا أمر يتنافى مع قواعد العدالة واإلنصاف ،فال مجال
1عبد الكريم الطالب ،التنظيم القضائي المغربي ،م .س ،ص . 42
2ينص الفﺼﻞ 273مﻦ قانﻮن المسطرة المدنية على أنه":يستفيد من المساعدة القضائية بحكم القانون العامل مدعيا
أو مدعى عليه أو ذوو حقوقه في كل دعوى بما في ذلك االستيناف .وتسري آثار مفعول المساعدة القضائية بحكم
القانون على جميع إجراءات تنفيذ األحكام القضائية".
3ينص الفصل 2من الملحق 1المعنون ب "أحكام تطبق على المصاريف القضائية في القضايا المدنية والتجارية
واإلداريةوعلى اإلجراءات القضائية وغير القضائية والعقود التي يحررها الموثقون" من الظهير الشريف رقم
1.84.54بمثابة قانون المالية لسنة 1984المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3730مكرر بتاريخ ،1984/04/27
كما غير بالمادة 10من قانون المالية لسنة 1992رقم ،91-38وتمم بالمادة 22من قانون المالية رقم 98-12
للسنة المالية 1999-1998على ما يلي:
" استثناء من األحكام الواردة في الفصل األول أعاله تتمتع باإلعفاء من الضرائب والرسوم المقررة فيه:
أ -المستندات الواجب اإلدالء بها في حالة وفاة إلى الصندوق المغربي للتقاعد وصناديق االدخار وصناديق التأمين
وفي حالة حادثة إلى شركات التعاون المتبادل المعترف لها بوصف المنفعة العامة؛
ب -المستندات الواجب اإلدالء بها من لدن المصابين في حادثة قصد تنفيذ التشريع المتعلق بإصابات العمل؛
ج -المستندات واإلجراءات المنصوص على مجانيتها في األوفاق الدولية والسيما االتفاقيات المتعلقة بإصابات
العمل؛
د -شهادات الحياة المسلمة للحصول على معاشات ومرتبات عسكرية ،وتصديق إمضاء هذه الشهادات؛
ه -العقود المحررة واإلجراءات المتخذة في القضايا المدنية بطلب من النيابة العامة؛
و -استئناف سير الدعوى من قبل الطرف المحكوم له في حالة صدور حكم استئنافي بإلغاء حكم بعدم االختصاص أو
عدم قبول الدعوى؛
ز -استئناف سير الدعوى في حالة نقض الحكم وإحالة محكمة النقض للقضية على محكمة من المحاكم؛
ح -طلبات تصحيح الحجز لدى الغير إذا كان للدائن سند تنفيذي؛
ط -تلقي اليمين التي يؤديها المحامون والمترجمون والخبراء والموظفون العامون؛
ي -طلبات اإلكراه البدني المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم 1.60.305الصادر في 4رمضان 1380
( 20فبراير )1961بشأن ممارسة اإلكراه البدني في القضايا المدنية؛
ك -الطلبات المتعلقة بالنفقة؛
ل -بوجه عام العقود والمستندات واإلجراءات المتمتعة بالمجانية بناء على نصوص خاصة؛
م -جميع الدعاوى المرتبطة بقضايا األحوال الشخصية التي تقدمها النساء المطلقات أو المهجورات"...
4المهدي العزوزي ،تسوية نزاعات االستهالك في ضوء القانون رقم 31.08القاضي بتحديد تدابير لحماية
المستهلك ،م.س ،ص .67
للمساواة بين املنهي الذي تتوفر لديه اإلمكانيات املادية التي تتيح له تغطية تكاليف
الدعوى القضائية ،وبين املستهلك الذي غالبا ما يكون في وضعية مادية ال تسمح له
بتحمل هذه التكاليف.
فهذا الوضع ال يحقق في نظرنا التوازن املنشود في املنازعات االستهالكية ،التي يكون
أحد أطرافها ذا وضعية مادية ضعيفة ،األمر الذي يؤدي إلى نتائج غير مستساغة ،أال وهي
عزوف املستهلك عن مقاضاة املنهي ،خاصة أنه في بعض األحيان تكون قيمة النزاع أقل
بكثير من قيمة املصاريف القضائية الالزمة ملباشرة الدعوى ،لذلك نرى أن الحل هو
تعديل قانون 08-31بالتنصيص صراحة على تمكين املستهلك من املساعدة القضائية
بقوة القانون ،مع إعطائه الحق في اختيار املحامي بدل تعيينه.
بيد أن إقرار نظام املساعدة القضائية بقوة القانون في قضايا االستهالك قد يحدث
بعض املشاكل ،منها وجود بعض املستهلكين ميسوري الحال ولهم االمكانيات لتحمل
املصاريف القضائية ،فليس كل املستهلكين معوزين ،باإلضافة إلى أن تعميم هذا النظام
ليشمل جميع املستهلكين قد يؤدي إلى تكاثر امللفات أمام املحاكم؛ إذ أن تمتيع املستهلك
بهذا املقتض ى سيشجعه على اللجوء إلى القضاء ولو كان النزاع االستهالكي بسيطا ،1فضال
عن احتمال بروز دعاوى كيدية بسبب هذا األمر ،وبذلك نرى أن املساعدة القضائية بقوة
القانون حالة إقرارها من طرف املشرع يجب أن تقتصر على املستهلك املعوز ،لتحقيق
التوازن بين ضمان ولوج املستهلك إلى القضاء من جهة وتفادي إثقال كاهل املحاكم بكثرة
امللفات وتنامي الدعاوى الكيدية.
املطلب الثاني :شمول األحكام القضائية بالنفاذ املعجل لفائد املستهلك
تصدر األحكام لفرض حقيقة واقعية كانت منبع نشوء نزاع معين ،فيصدر القاض ي
حكما يعبر فيه عن رأي القانون في موضوع الدعوى املثارة أمامه بهدف خضوع األطراف
لحكمه وتنفيذه ،غير أن األحكام ال تنفذ إال بعد صيرورتها نهائية ،بحيث إن طرق الطعن
1نشير إلى أنه إذا كانت قيمة النزاع االستهالكي ال تتجاوز 5000درهم فإن الدعوى تكون مجانية ومعفاة من
الرسوم القضائية ألن االختصاص فيها ينعقد لقضاء القرب كما هو منصوص عليه في القانون رقم 10-42المتعلق
بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصاته المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5975بتاريخ 6شوال 5( 1432
سبتمبر ،)2011ص .4392
حيث تنص المادة 2منه على أنه" :تكون المسطرة أمام قسم قضاء القرب شفوية .وتكون مجانية ومعفاة من الرسوم
القضائية بخصوص الطلبات المقدمة من طرف األشخاص الذاتيين".
أما الفقرة األولى من المادة 10فجاء فيها" :يختص قاضي القرب بالنظر في الدعاوى الشخصية والمنقولة التي ال
تتجاوز قيمتها خمسة آالف درهم ،وال يختص في النزاعات المتعلقة بمدونة األسرة والعقار والقضايا االجتماعية
واإلفراغات".
العادية وآجالها ترتب الوقف التلقائي إلجراءات التنفيذ ،وهو املبدأ املقرر بمقتض ى
الفصلين 1132و 2134من ق.م.م ،والهدف من تقرير هذا املبدإ هو حرص املشرع على
وجوب تأكيد حق الدائن تأكيدا كامال قبل تنفيذه.3
بيد أن هذا املبدأ ال يمكن األخذ به على إطالقه ،ألن من شأن ذلك أن تضيع
حقوق ال تقبل االنتظار حتى تصبح األحكام الصادرة بشأنها نهائية ومكتسبة لقوة الش يء
املقض ي به ،ناهيك على كون تعميم املبدإ املذكور يشجع املحكوم عليهم ذوي النيات
السيئة على التمادي في إطالة النزاع بإقدامهم على إجراء طعون غير جدية ال يهدفون من
ورائها سوى عرقلة إجراءات التنفيذ ولو إلى حين.4
وإزاء هذا الوضع ،بادر املشرع املغربي إلى توفير حماية استثنائية تتسم بالسرعة
واالستعجال ،وتضمن لألحكام فعاليتها ،وتتمثل في حتمية صدور بعض األحكام القضائية
بالنفاذ املعجل مراعاة منه ملصالح الطرف املحكوم له إما لوضعيته االجتماعية أو لقوة
السند الذي بيده فوضع استثناء لقواعد التنفيذ بمقتضاه يجوز للمحكوم له أن ينفذ
الحكم رغم الطعن فيه بالتعرض أو باالستئناف ،وهو ما يصطلح عليه بالنفاذ املعجل
لألحكام ،حيث يعرف هذا االخير بأنه" :امتياز ممنوح للمحكوم له بتنفيذ حكم بمجرد
صدوره وقبل الوقت املحدد إلجرائه وفق القواعد العامة".5
ولذلك فإن مصير النفاذ املعجل لألحكام يبقى معلقا على مصير الحكم ذاته ،فإذا
ألغي الحكم وجب إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل حصول التنفيذ بقدر ما يكون هذا
ممكنا ،إذن فهو تنفيذ معجل ألنه يتم قبل األوان العادي للتنفيذ ،وقد أسماه البعض
التنفيذ املؤقت ألنه غير نهائي ويتم عن طريق التسبيق ،ويجد النفاذ املعجل مصدره في
الحكم القاض ي به أو في القانون نفسه (الفقرة األولى) ،لكن هذا األخير يبقى في نظرنا هو
األنسب لتحقيق النجاعة وتسريع استفادة املستهلك من تنفيذ الحكم في مواجهة املنهي
(الفقرة الثانية).
1ينص الفصل 132من ق.م.م على أنه" :يوقف التعرض التنفيذ ما لم يؤمر بغير ذلك في الحكم الغيابي ،وفي هذه
ا لحالة فإذا قدم المحكوم عليه الطلب بإيقاف التنفيذ بتت غرفة المشورة مسبقا في طلب إيقاف التنفيذ المعجل طبقا
لمقتضيات الفصل ."147
2تنص الفقرة األخيرة من الفصل 134من ق.م.م على أنه" :يوقف أجل االستيناف ،واالستئناف نفسه داخل األجل
القانوني التنفيذ عدا إذا أمر بالتنفيذ المعجل ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل ."147
3محمد ميكو ،قواعد المسطرة في المادة االجتماعية ،المعهد الوطني للدراسات القضائية ،مطبعة الساحل الرباط،
،1980ص .93
4حنان بلعود ،التنفيذ المعجل لألحكام المدنية ونظام إيقافها في قانون المسطرة المدنية المغربي ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني عين الشق ،كلية الحقوق الدار البيضاء ،2012-2011 ،ص . 3
5سعيد الكوكبي ،تنفيذ األحكام القضائية في التشريع المغربي ،دار القلم ،الرباط ،2002 ،ص .71
1حنان بلعود ،التنفيذ المعجل لألحكام المدنية ونظام إيقافها في قانون المسطرة المدنية المغربي ،م.س ،ص .14
2تأكيدا لهذا المبدأ جاء في أمر استعجالي" :حيث إن النفاذ المعجل في النازلة مقرر بقوة القانون مما ال يحتاج معه
األمر إلى التنصيص فيه على شموله بالنفاذ المعجل".
-أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة االبتدائية بقلعة السراغنة ،عدد 98/450بتاريخ ،1998/03/24غير
منشور.
3ينص الفصل 411من ق .م .م على ما أنه" :تحدد أحكام المحاكم االبتدائية التي تأمر بتقديم كفالة شخصية أو نقدية
التاريخ الذي يجب أن تقدم فيه الكفالة أو تودع ما لم يقع هذا التقديم أو اإليداع قبل صدور الحكم.
إذا كان الضمان كفالة نقدية عينية وقع إيداعها في كتابة ضبط المحكمة.
تقدم الكفالة الشخصية في الجلسة مع الحجج المثبتة ليسر الكفيل وخاصة بالنسبة ألمواله العقارية التي يجب أن تكون
بدائرة محكمة االستئناف التي تتبعها المحكمة .ويمكن للضامن أن يودع بكتابة ضبط المحكمة الوثائق المثبتة ليسره".
التي أمرت بالنفاذ املعجل ،وعلى الرغم من أهمية الكفالة فإن اشتراطها في التنفيذ املعجل
بقوة القانون يعوق تحقيق الحماية املرجوة منها ،لذلك لم يوجبها املشرع في هذه الحالة .
الخاصية الثالثة :عدم جواز إيقاف التنفيذ املعجل بقوة القانون ،أي أنه ال يقبل
مسطرة إيقاف التنفيذ على اإلطالق وذلك طبقا للفقرة األخيرة من الفصل 147من ق.م.م
التي جاء فيها" :ال تطبق مقتضيات الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة
والسابعة من هذا الفصل إذا كان التنفيذ املعجل بقوة القانون" ،وتطبيقا لهذا النص
جاء في قرار صادر عن استئنافيه أكادير" :حيث إن األحكام املشمولة بالتنفيذ املعجل بقوة
القانون ال يمكن إيقاف تنفيذها عمال بمقتضيات الفقرة األخيرة من املادة 147من
ق.م.م ،وبالتالي فالطلب غير قانوني ويتعين التصريح برفضه".1
وقد تولى املشرع بيان حاالت التنفيذ املعجل القانوني ،مراعاة منه لنوع طبيعة
القضايا املشمولة به ،وذلك إما لكونها قضايا ذات طبيعة اجتماعية كاألحكام الصادرة في
قضايا حوادث الشغل واالمراض املهنية والضمان االجتماعي ،2أو ذات طبيعة أسرية
ومعيشية مثل قضايا النفقة ،3أو مراعاة لظروف ضحايا حوادث السير ،4وإما لكون
الش يء الذي قض ى به املقرر القضائي ال يمس أصل الحق وموضوعه ،كاألوامر املبنية على
طلب واألوامر االستعجالية ،5وإما مراعاة لخصوصيات إجراءات الوقاية واملعالجة من
1قرار محكمة االستيناف بأكادير عدد ،155في الملف عدد ،99/01بتاريخ ،1999/01/25غير منشور.
2ينص الفصل 285من ق.م.م على أنه " :يكون الحكم مشموال بالتنفيذ المعجل بحكم القانون في قضايا حوادث
الشغل واألمراض المهنية ،وفي قضايا الضمان االجتماعي ،وقضايا عقود الشغل والتدريب المهني رغم كل تعرض
أو استيناف".
3ينص الفصل 179مكرر من ق.م.م كما تم تتميمه بمقتضى القانون رقم 72.03المنشور في الجريدة الرسمية عدد
5184بتاريخ 5فبراير 2004على أنه":يبت في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ األوامر واألحكام في هذه القضايا
رغم كل طعن.
ريثما يصدر الحكم في موضوع دعوى النفقة للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقيها في ظرف شهر من تاريخ
طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن االعتماد عليها.
وينفذ هذا الحكم قبل التسجيل وبمجرد اإلدالء بنسخة منه".
4مراعاة للظروف االجتماعية لضحايا حوادث السير وما يمكن أن يتكبدوه من مصاريف طبية للعالج ،ولمواجهة ما
قد يصيب ذوي حقوقهم من أضرار نتيجة فقد معيلهم ،فإن المشرع أعطى حماية قانونية سريعة لهذه الفئة ،إذ رتب
لألحكام الصادرة فيها بتعويض مسبق نفاذا معجال طبقا للفصل 5من ظهير 1937/07/08المتعلق بأداء
المصاريف والتعويضات المستوجبة بعد وقوع حوادث السيارات الذي جاء فيه" :ينفذ كل حكم يمنح بموجبه قسط ما
للمصاب أو لمستحقي حقوقه ،وذلك رغما عن االستئناف وبدون إعطاء ضامن".
5منح المشرع المغربي للمقررات الصادرة عن القضاء االستعجالي نفاذا معجال بقوة القانون ،حيث تنص الفقرة
األولى من الفصل 153من ق.م.م على أنه":تكون األوامر االستعجالية مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون،"...وقد
أدخل المشرع المغربي في الفصل 149من ق.م.م ضمن القضايا االستعجالية الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند
قابل للتنفيذ ،واألمر بالحراسة القضائية ،وكل إجراء تحفظي آخر ،إضافة إلى الحاالت المشار إليها في الفصل 148
من ق.م.م المتعلقة باألوامر المبنية على طلب والمعاينات ،وذلك في الحالة التي يبت فيها رئيس المحكمة االبتدائية
بصفته قاضيا للمستعجالت.
املقاولة1. صعوبات
-2النفاذ املعجل القضائي
إن النفاذ املعجل القضائي من خالل تسميته يبقى متوقفا على إرادة القاض ي الذي
البد من تدخله لترتيب آثاره ،2يبد أن هذه اإلرادة متوقفة هي األخرى على ضرورة تقديم
طلب من املعني باألمر بشمول الحكم بالنفاذ املعجل ،وبالتالي فإن املحكمة ال يجوز لها
إصدار أمر بالتنفيذ املعجل من تلقاء نفسها ،لذلك يعرف البعض النفاذ املعجل القضائي
بأنه" :التنفيذ الذي تأمر به املحكمة في حكمها بناء على طلب الخصوم ،ويجب املطالبة به
في املقال االفتتاحي أو في مذكرة الحقة قبل قفل باب املرافعة ،على أنه ال يجوز إبداؤه
ألول مرة أمام محكمة االستئناف ،وعلى املحكمة عند إجابتها لهذا الطلب أن تبين
األسباب التي بنت عليها حكمها بالتنفيذ املعجل" ،3ولألمر بهذا النوع من التنفيذ املعجل
يجب أن يطلبه املحكوم له ،وال يجوز للمحكمة أن تأمر به من تلقاء نفسها ،وينقسم
التنفيذ املعجل القضائي إلى نوعين :تنفيذ وجوبي وتنفيذ جوازي.
ففي حالة النفاذ الوجوبي إذا طلب املحكوم له شمول الحكم بالنفاذ املعجل وجب
على املحكمة أن تجيبه لطلبه رغم التعرض أو االستئناف بدون كفالة ،وقد حدد املشرع
حصرا في قانون املسطرة املدنية الحاالت التي يجب فيها على املحكمة أن تشمل حكمها
بالنفاذ املعجل فقد جاء في الفقرة األولى من الفصل 147أنه" :يجب أن يؤمر بالتنفيذ
املعجل رغم التعرض أو االستئناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي 4أو تعهد معترف
1جاء في المادة 761من مدونة التجارة بعد النسخ والتعويض الذي طرأ على الكتاب الخامس منها بموجب القانون
رقم 17-73المنشور بالجريدة الرسمية 6667بتاريخ 23أبريل 2018أنه" :تكون األحكام واألوامر الصادرة في
مساطر اإلنقاذ والتسوية القضائية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون عدا تلك المشار إليها في الفصل الثاني من
الباب االول من القسم السابع وفي الفصلين األول والثاني من الباب الثاني من القسم السابع من هذا الكتاب."...
2حنان بلعود ،التنفيذ المعجل لألحكام المدنية ونظام إيقافها في قانون المسطرة المدنية المغربي ،م .س ،ص .39
3الطيب الفصاي لي ،الوجيز في القانون القضائي الخاص ،الجزء الثاني ،الطبعة الثانية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاء ،1993 ،ص .97
4عرف المشرع المغربي الورقة الرسمية في الفصل 418من ق.ل.ع بقوله":الورقة الرسمية هي التي يتلقاها
الموظفون العموميون الذين لهم صالحية التوثيق في مكان تحرير العقد ،وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.
وتكون رسمية أيضا:
- 1األوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم؛
- 2األحكام الصادرة من المحاكم المغربية واألجنبية ،بمعنى أن هذه األحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة
التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها".
فيما تناول المشرع في الفصلين 419و 420من ق.ل.ع حجية الورقة الرسمية ،فأعطاها حجة قاطعة حتى على
الغير في الوقائع واالتفاقات التي يشهد الموظف العمومي بحصولها في محضره ،وذلك إلى حين الطعن فيها بالزور،
ورغم أن قانون المسطرة المدنية لم يتعرض للتنفيذ الجبري بواسطة محررات الموثقين ،إال أنه في حالة لجوء
األشخاص الحاملين لمحررات موثقة تثبت حقوقهم إلى القضاء الستصدار حكم بتنفيذها فإن األحكام الصادرة بناء
عليها تكون مشمولة بالنفاذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف ،كما نصت على ذلك الفقرة األولى من الفصل 147
من ق.م.م ،وقد كرس المشرع هذا المقتضى مراعاة منه لمصلحة األشخاص الذين تكون بحوزتهم أدلة قوية تثبت
حقوقهم ،بشرط أال يتم الطعن في السند بالزور أو أي طعن آخر يهدف إلى إبطاله.
به 1أو حكم سابق غير مستأنف ،"2فعند توفر الشروط التي نص عليها هذا الفصل يجب
على املحكمة أن تقبل طلب شمول الحكم بالنفاذ املعجل ،وتنص عليه في حكمها ،فإن
رفضت التنفيذ صراحة أو سهت عنه كانت مخطئة في تطبيق القانون.
أما في حالة النفاذ الجوازي فإنه إذا طلب املحكوم له شمول الحكم بالنفاذ املعجل
كان للمحكمة أن تستجيب لطلبه أو ترفضه بحسب تقديرها لظروف كل قضية ،فإذا
استجابت املحكمة للطلب فلها أن تشترط الكفالة أو تعفي املحكوم له منها ،حيث تنص
الفقرة الثانية من الفصل 147من ق.م.م على أنه" :يجوز دائما األمر بالتنفيذ املعجل
بكفالة أو بدونها حسب ظروف القضية التي يجب توضيحها".
فهذه الفقرة أعطت للمحكمة سلطة تقديرية مطلقة في شمول الحكم بالنفاذ
املعجل أو رفضه ،بيد أنه يتعين على املحكمة أن تبين دائما في الحكم األسباب التي
1لقد سوى المشرع في الفقرة األولى من الفصل 147من ق.م.مبين التعهد المعترف به باعتباره ورقة عرفية
والورقة الرسمية من حيث النفاذ المعجل ،خاصة وأن الورقة العرفية المعترف بها لها نفس قوة وحجية الورقة
الرسمية طبقا للفصل 424من ق.ل.ع الذي جاء فيه":الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو
المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه ،يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة األشخاص
على التعهدات والبيانات التي تتضمنها ،وذلك في الحدود المقررة في الفصلين 419و 420عدا ما يتعلق بالتاريخ
كما سيذكر فيما بعد".
وفي نفس هذا السياق ذهبت محكمة النقض إلى أن "الثابت بمقتضى الفصل 424من قانون االلتزامات والعقود أن
الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها يكون لها نفس قوة
دليل الورقة الرسمية في مواجهة كافة االشخاص على التعهدات التي تتضمنها ،وذلك ما لم يطعن فيها بسبب اإلكراه
أو االحتيال أو التدليس أو الصورية أو الخطإ المادي".
-قرار محكمة النقض عدد ،345بتاريخ ،2013/07/02منشور في مجلة القضاء والقانون ،عدد 164لسنة
،2014ص .205
وتطبيقا للفصل 147من ق.ل.ع جرى العمل القضائي المغربي على شمول األحكام بالنفاذ المعجل في حالة وجود
سند معترف به غير مطعون فيه ،حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة االبتدائية التجارية بطنجة ما يلي":حيث إن
الدين ثابت في ذمة المدعى عليها بمقتضى عقد القرض المدلى به.
وحيث إن المدعي يستحق إضافة إلى أصل الدين وحسب ما هو متفق عليه في عقد القرض ،الفوائد االتفاقية
والضريبة على القيمة المضافة والغرامة العقدية.
وحيث إن النفاذ المعجل على األصل مقرر وجوبا لثبوت الدين بسند غير مطعون فيه"
-حكم المحكمة االبتدائية التجارية بطنجة ،عدد ،494في الملف عدد ،4/99/157بتاريخ ،1999/10/14غير
منشور.
2أوجبت الفقرة األولى من الفصل 147من ق.م.م شمول الحكم بالنفاذ المعجل عند وجود حكم سابق غير
مستأنف ،ويشترط لتوافر هذه الحالة ثالثة شروط:
الشرط األول :أن يكون الحكم المراد شموله بالنفاذ المعجل مبنيا على الحكم السابق ،أي أن يكون الحكم السابق حجة
في إثبات الواقعة المنشئة للحق المدعى به في الدعوى التي صدر فيها الحكم الجديد ،ومن أمثلة ذلك الحكم على
المشتري برد العين المبيعة للبائع بعد سبق الحكم بفسخ العقد ،والحكم بتسليم الشيء المبيع تنفيذا للحكم السابق
القاضي بإتمام إجراءات البيع.
الشرط الثاني :أن يكون الحكم السابق غير مستأنف ،وقصد المشرع من هذا الشرط أن يكون الحكم السابق قابال
للتنفيذ ،سواء طعن فيه باالستئناف وتم تأييده أو التصريح بعدم قبول االستئناف ،أو كان انتهائيا ال يقبل االستئناف.
الشرط الثالث :أن يكون المحكوم عليه في الحكم الجديد خصما في الخصومة التي صدر فيها الحكم السابق ،أي أن
يكون كل من الحكمين حجة للمحكوم له في مواجهة المحكوم عليه.
-أحمد مليجي ،التنفيذ وفقا لنصوص قانون المرافعات معلقا عليها بآراء الفقه وأحكام النقض ،دار التوفيق النموذجية
للطباعة ،القاهرة ،1994 ،ص .323
اعتمدتها في حكمها ،1وهي أسباب تعزى في الغالب إلى حاجة االستعجال والسرعة في
التنفيذ ،أو عندما يكون لسند الحق املحكوم به قوة يكون معها احتمال تأييد الحكم إذا
طعن فيه باالستئناف كبيرا جدا ،وبالتالي رجحان الحق في التنفيذ الجبري.2
الفقر الثانية :تعميم النفاذ املعجل القانوني ضرور ملحة لتكريس الحماية
التنفيذية للمستهلك
إذا كان املشرع قد نظم مؤسسة التنفيذ املعجل في قانون املسطرة املدنية
باإلضافة إلى بعض القوانين الخاصة ،مراعيا في ذلك نوعية بعض القضايا التي تستدعي
ضمان تنفيذها بنوع من االستعجال ،فإن هذا األمر يطرح بقوة بالنسبة لقضايا
االستهالك ،فبالنظر إلى املركز الضعيف للمستهلك في العالقة التعاقدية وظروفه
االقتصادية واالجتماعية الهشة التي دفعته إلى التعاقد لتلبية حاجياته الشخصية أو
العائلية ،فإن النفاذ املعجل لألحكام التي تصدر لصالحة يشكل آلية مهمة لتسريع اقتضاء
حقوقه التي يحكم له بها.
فأمام الفعالية اإلجرائية ملؤسسة النفاذ املعجل ،فإننا نعتبر إدراجها ضمن
اإلجراءات املسطرية لدعاوى االستهالك ضرورة ال غنى عنها حتى يمكن للمستهلك أن
يوظفها بهدف تفعيل وتسريع استفادته من الحقوق والتدابير التي يقرها القضاء لصالحه،
ذلك أن ضمان فعالية وتنفيذ املقررات القضائية الصادرة في منازعات االستهالك شكل
إحدى أهم الغايات التي سن من أجلها قانون 08-31القاض ي بتحديد تدابير لحماية
املستهلك ،حيث عمل على تنظيمها ضمن مقتضيات هذا األخير ،وذلك بالتنصيص في
بعض الحاالت على وجوبية شمول املقررات الصادرة عن املحكمة بالنفاذ املعجل ،إذ
تنص الفقرتان األولى والثانية من املادة 162على أنه:
"يمكن للجامعة الوطنية أو جمعية حماية املستهلك املشار إليها في املادة ،157أن
تطلب من املحكمة التي تنظر في الدعوى أو الدعوى التابعة أن تأمر املدعى عليه أو
الظنين ،بإيقاف التصرفات غير املشروعة أو حذف شرط غير مشروع أو تعسفي في العقد
أو في نموذج العقد املقترح أو املوجه إلى املستهلك.
يكون األمر الصادر عن املحكمة مقرونا بغرامة تهديدية تحددها املحكمة ومشموال
بالنفاذ املعجل".
من خالل هذه املادة يتضح أن النفاذ املعجل يسري مفعوله على املقررات
القضائية الصادرة في الدعاوى الرامية إلى طلب إيقاف تصرف غير مشروع ،أو تلك
الهادفة إلى حدف شرط غير مشروع أو تعسفي في العقد أو في نموذج العقد املقترح أو
املوجه إلى املستهلك ،وتبقى اإلشارة واجبة إلى أن التنفيذ املعجل املقرر بخصوص
الدعاوى املشار إليها ،هو تنفيذ معجل بقوة القانون ،أي أن املحكمة ملزمة باألمر به ،أو
بمعنى آخر فهو ال يتوقف على طلب تقدمه الجامعة الوطنية أو جمعية حماية املستهلك.
وبناء على ما سبق ذكره ،يمكن القول إن املشرع املغربي عزز من الحماية
التنفيذية لألوامر واألحكام الصادرة في دعاوى إيقاف التصرفات غير املشروعة التي يقوم
بها املنهي في مواجهة املستهلك ،والتي تستدعي تدخال سريعا من القضاء ملا تشكله من
مساس بمصالح املستهلك والتي قد تتضرر بفعل سلوك اإلجراءات املسطرية العادية
للتنفيذ بعد انتظار استنفاذ طرق الطعن ،كما أن إلزامية شمول الحكم القاض ي بحذف
الشروط التعسفية بالنفاذ املعجل بقوة القانون يشكل آلية فعالة تمكن املستهلك من
حماية مستعجلة ملا قد ترتبه هذه الشروط من تهديد على ذمته املالية ،كما في حالة
وجود شرط يقض ي بفرض تعويض مبالغ فيه أو الجمع بين عدة تعويضات أو جزاءات
عند عدم وفاء املستهلك بالتزاماته.1
بيد أننا نؤاخذ على قانون 08-31في هذا الخصوص حصره لنظام النفاذ املعجل
بقوة القانون فقط في األوامر واألحكام الصادرة بخصوص إلغاء الشروط التعسفية وغير
املشروعة ،أو املتعلقة بإيقاف تصرف غير مشروع ملا يتعلق األمر بالدعاوى والطلبات التي
تثيرها الجامعة الوطنية أو جمعيات حماية املستهلك ،بمعنى أنه ضيق من نطاق إعمال
هذه اآللية في هذه الحاالت دون غيرها ،وهو ما نعتبره قصورا في الحماية التنفيذية
للمقررات القضائية في دعاوى االستهالك.
وهو ما يدفعنا إلى القول بضرورة تدخل املشرع من جديد وتعديل القانون رقم -31
08من أجل تعميم نظام التنفيذ املعجل بقوة القانون ليشمل جميع املقررات القضائية
الصادرة في قضايا االستهالك ،ضمانا لتفعيل حماية إجرائية فعالة للمستهلك مباشرة بعد
صور الحكم االبتدائي لصالحه ،فالنفاذ املعجل بقوة القانون يبقى في نظرنا هو االنسب
لتحقيق النجاعة وتسريع استفادة املستهلك من الحقوق املحكوم له بها.
1البند 6من المادة 18من قانون 08-31القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
د :منى املسلومي
أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن األول سطات.
يعتبر بنك املغرب بمثابة البنك املركزي املغربي 1.و قد خصه املشرع بالقانون رقم
76 .03الذي يعتبر بمثابة قانونه األساس ي 2.و يدخل ضمن مهام هذا البنك املركزي وفق
املادة 9من قانون ،76 .03التحقق من حسن سير النظام البنكي و السهر على تطبيق
األحكام التشريعية و التنظيمية املتعلقة بنشاط و مراقبة مؤسسات االئتمان.
و بالرجوع إلى القانون 103 .12املتعلق بمؤسسات االئتمان و الهيئات املعتبرة في
حكمها 3،خول املشرع املغربي للبنك املركزي صالحيات ملراقبة مؤسسات االئتمان ،و ذلك
اعتمادا على املادة 8التي عهدت إلى بنك املغرب مراقبة مدى التزام هذه املؤسسات
بأحكام القانون البنكي.
و يقف بنك املغرب من خالل املراقبة التي يقوم بها ،على مدى احترام هذه
املؤسسات للقسم السابع من القانون 103 .12املتعلق بمؤسسات االئتمان .فقد نظم
املشرع من خالل هذا القسم العالقات بين هذه املؤسسات و عمالئها ،فيما يتعلق
بالعمليات املنجزة من قبلها .و بذلك يكون املشرع قد وضع ركيزة مهمة يعتمد عليها زبون
مؤسسات االئتمان عند تعامله معها أو للمطالبة بحماية حقوقه إن تم املساس بها.
و يمكن القول إن حماية زبون مؤسسات االئتمان ال تتوقف عند حدود قانون
،103 .12بل إن األحكام املضمنة من خالل القانون 31 .08القاض ي بتحديد تدابير
-1أنشئ بنك المغرب بمقتضى الظهير الشريف رقم 1 -59-233المؤرخ في 23ذي الحجة 30/1378يونيو
.1959و هو حاليا منظم بمقتضى الظهير الشريف رقم 1 .05 .38صادر في 20من شوال 23 /1426نوفمبر
2005بتنفيذ القانون رقم 76 .03المتعلق بالقانون األساسي لبنك المغرب الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5397
بتاريخ .2006 .02 .20ص427 :
-2حدد قانون 76 .03مهام بنك المغرب و طرق اشتغاله و إدارته و مراقبته....
-3ظهير شريف رقم 1 .14 .193صادر في فاتح ربيع األول 24 /1436ديسمبر 2014بتنفيذ القانون رقم .12
103المتعلق بمؤسسات االئتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها .منشور في الجريدة الرسمية عدد 6328بتاريخ
22يناير .2015ص462:
لحماية املستهلك ،تمنح هي األخرى حماية قوية لزبون هذه املؤسسات 1.دون أن ننس
املقتضيات املضمنة في مدونة التجارة املنظمة للعقود البنكية .إذ يمكن لبنك املغرب عند
مراقبته مؤسسات االئتمان ،التأكد من مدى احترامها مقتضيات هذه القوانين .لتكون
الغاية ،هي حماية مضاعفة لزبائن مؤسسات االئتمان و املؤسسات املعتبرة في حكمها.
وللوقوف على عمق و أحكام هذه الحماية ،ارتأيت تقسيم املداخلة إلى مبحثين،
أخصص املبحث األول للحماية املباشرة و الدعم الذي يخص به بنك املغرب زبائن
مؤسسات االئتمان ،على أن أخصص املبحث الثاني لتدخل بنك املغرب من خالل مراقبته
لهذه املؤسسات .2و ذلك وفق اآلتي:
املبحث األول :الحماية املباشر و دعم بنك املغرب زبائن مؤسسات االئتمان.
نقصد بالحماية املباشرة لزبائن مؤسسات االئتمان ،أن هناك حاالت يتدخل فيها
البنك املركزي بكيفية مباشرة و بصفته تلك ،كي يجد حال للمشكل الذي يعرفه الزبون
حماية له باعتباره مستهلكا.أما الدعم فنقصد به املصالح و اآلليات القانونية التي يتم
إعمالها ،إما بمبادرة فردية من بنك املغرب أو بتعاون مع جهات أخرى .فتكون تلك
املصالح و اآلليات القانونية بمثابة ركائز يستفيد منها املستهلك إما لحمايته أو املطالبة
بحقه .و للوقوف على هذه الحماية و الدعم نقسم املبحث إلى فقرتين.
سار املشرع املغربي من خالل املادة 150من القانون 103 .12إلى التأكيد على حق
كل شخص في التوفر على حساب تحت الطلب لدى مؤسسة بنكية .و قد يحدث أن
-1ظهير شريف رقم 1 .11 .03صادر في 14من ربيع األول 18 /1432فبراير 2011بتنفيذ القانون رقم .08
31القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك .منشور بالجريدة الرسمية عدد 5932بتاريخ 3جمادى األولى /1432
7أبريل ،2011ص1072:
-2و سواء ما تعلق بالحماية المباشرة أو الدعم أو المراقبة ،فهي أمور متفرعة وواسعة .لذلك يصعب حصرها في
المداخلة ،األمر الذي يدفع بي إلى التطرق إلى بعضها أحيانا و اإلشارة لألخرى أحيانا.
يرفض طلب هذا الشخص من لدن كل املؤسسات البنكية التي طلب منها فتح حساب
لدى إحدى وكاالتها1.
فأمام هذه االحتمالية سار املشرع من خالل نفس املادة 150من قانون 103 .12
إلى التأكيد أنه " :إذا تبين لبنك املغرب أن الرفض ال مبرر له ،عين مؤسسة لالئتمان التي
سيفتح الحساب لديها ".غير أنه إلعمال هذا األمر ،يجب أن يثبت الشخص أنه قدم
الطلب للبنك برسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل و رفض طلبه ،و أن يقدم
ملتمسا لبنك املغرب لتعيين مؤسسة ائتمان يمكنه أن يفتح الحساب لديها.
و إذا كان فتح الحساب حق للشخص ،فإنه يجب أن نوازن بين املصالح .فبنك
املغرب يعين مؤسسة االئتمان التي سيفتح الحساب لديها ،و في املقابل يجوز لهذه
املؤسسة وفق املادة 150دائما أن تحصر الخدمات املرتبطة بفتح الحساب في عمليات
الصندوق2.
ثانيا :احترام و تقيد مؤسسة االئتمان بأحكام القوانين املنظمة للقطاع البنكي.
منح املشرع لزبون مؤسسات االئتمان من خالل املادة 159من قانون103. 12
إمكانية التوجه لبنك املغرب إذا كان متضررا من تصرف مؤسسة االئتمان بسبب عدم
احترامها أو تقيدها بأحكام قانون ،3103 .12أو قانون 31.08و كذا مقتضيات مدونة
التجارة4.
و يتمحور دور بنك املغرب في هذا اإلطار وفق املادة 159في مراقبة مؤسسة
االئتمان عن طريق االطالع على الوثائق و الحصول على املعلومات الضرورية للوقوف على
حقيقة و صدق شكاية الزبون .و يتم ذلك من خالل املراقبة بعين املكان أو عن طريق
موافاة بنك املغرب بالوثائق التي يعتبرها ضرورية.
-1يجب عدم الخلط بين االمتناع عن فتح الحساب و االمتناع عن تقديم أو توفير دفتر الشيكات .و هو القرار الذي
تتخذه ال مؤسسات البنكية في حالة خضوع الزبون لمنع بنكي أو قضائي وفق األحكام المضمنة في المادتين 312و
317من مدونة التجارة.
-2يقصد بعمليات الصندوق هي العمليات التي يقوم بها الزبون في شبابيكها سواء من خالل سحب أو إيداع النقود أو
تحصيل األوراق التجارية ...أي تلك العمليات و الخدمات األساسية التي يسمح بها لكل زبائن المؤسسة البنكية.
-3عالج بنك المغرب 547شكاية في سنة 2016و 513في سنة 2015و 529سنة . 2014التقرير السنوي
حول اإلشراف البنكي الذي يعده بنك المغرب .السنة المالية .2016
-4سنرى أن شكاية الزبون قد تمر من المديرية المخصصة للشكايات لدى مؤسسة االئتمان فإن لم يتوصل لحل
مرض قد يختار التوجه بشكاية لبنك المغرب أو للوسيط البنكي و قد يختار المطالبة القضائية.
وليتمكن بنك املغرب من خالل مديرية اإلشراف البنكي من الوقوف على حقيقة
الوضعية ،يتعين على املتضرر أن يبعث بشكاية مكتوبة ،و يدعمها بكل الوثائق التي يرى
أنها مفيدة إلثبات إدعاءاته . 1و تعتبر شكاية وفق املادة األولى من منشور بنك املغرب رقم
/16و ،10/كل تصريح يعلن من خالله الزبون عن خالف أو عدم رضاه أو نزاع ،يوجهه
مباشرة أو بواسطة بنك املغرب ملؤسسة االئتمان بخصوص منتوج أو مصلحة أو خدمة
اشترك فيها أو يسعى إلى االنضمام إليها .
ويدخل ضمن الضرر الذي يخول الشخص إرسال شكاية إلى بنك املغرب ،عدم
احترام املؤسسة أسعار الفائدة املدينة و الدائنة أو ما يتعلق بتواريخ القيمة ،2أو عدم
موافاة الزبائن بملخصات العموالت املطبقة ،أو عدم احترام الشروط الدنيا التفاقيات
فتح حسابات الودائع أو حالة عدم حصول الزبون على الخدمات البنكية األساسية مجانا
أو حالة اشتراط املؤسسة البنكية دفع مبلغ مالي قبل فتح حسابات الودائع تحت الطلب3.
كما يدخل ضمن ما سبق ،رفض املؤسسة منح صيغ الشيكات للزبون دون عذر قانوني أو
عدم احترامها مبدأ إغالق الحساب أو نقله4...
ويندرج ضمن ما سبق أيضا عدم إعالم الزبون املقترض وفق املادة 3و ما يليها من
قانون 31.08أو ما يتعلق بصحة اإلشهار و ما قد يحتويه من مضامين تؤثر في الزبون
املستهلك ،الذي يتعين حمايته من اإلشهار الكاذب أو الذي يوقعه في الغلط وفق املادة 21
و ما يليها من قانون ....08.31زد على ما سبق ،فقد خص املشرع االستدانة بالقسم
السادس و الذي نظم من خالله ما يتعلق بالعقود االستهالكية و كذا القرض العقاري و
كيفية إدراج اإلشهار الخاص بهما ،و مراحل عقد القرض مع كيفية إعمال العرض
املسبق .فإن شعر املستهلك أن حقوقه أهدرت أو لم تحترم ،أمكنه إرسال شكاية لبنك
املغرب و في هذه الحالة إما أن تكون املقتضيات القانونية تمكن بنك املغرب من إيجاد
-1توجه الشكاية إما لمديرية اإلشراف البنكي المتواجدة بالدارالبيضاء أو عن طريق رسالة إلكترونية إلى عنوان
بريدي مخصص لذلك أو من خالل إيداعها مباشرة لدى مديرية اإلشراف البنكي أو لدى وكاالت بنك المغرب
المتواجدة في ربوع المغرب .و قد وضع بنك المغرب مطبوعا رهن إشارة الجميع يمكن تحميله من خالل الموقع
الرسمي لبنك المغرب مخصص للشكايات يكفي ملؤه .
-2أظن أنه حان الوقت إليجاد حل لتواريخ القيمة حماية للمستهلك في عالقته بمؤسسات االئتمان.
-3تجدر اإلشارة أن األحكام المنظمة لشروط إعمال هذه المقتضيات تتم وفق قانون 103 .12المنظم لمؤسسات
االئتمان .و أن بنك المغرب هو الذي يحدد القواعد المؤطرة لهذه األحكام القانونية من خالل نصوص تطبيقية.
-4ال يمكن حصر سبب تقديم الزبون لشكايته،لكن كلما شعر بأن إرادته أو النصوص القانونية لم تحترم إال و أمكنه
تقديم شكايته.
حل أو على األقل تحول الشكاية دون استمرار املؤسسة البنكية في خرق أو تجاهل النص
القانوني1.
نقصد بالدعم في هذا اإلطار أن تدخل بنك املغرب تكون الغاية منه حماية
النسيج االقتصادي و في نفس الوقت دعامة للمؤسسات البنكية و زبائنها .و يدخل في
نطاق ذلك:
عمل بنك املغرب باتفاق مع االتحاد املغربي ملقاوالت املغربعلى إنشاء مجموعة من
املصالح ،الغاية منها حماية الدور الذي تلعبه األوراق التجارية ،خصوصا بعد املشاكل
التي عرفها التعامل بالشيك و بعده الكمبيالة .و إن إحداث هذه املصالح الغاية منها
حماية زبائن املؤسسات البنكية من التعامل مع أشخاص يتبين فيما بعد عدم مالءة
ذمتهم املالية2.
وبالفعل ،تم إحداث مجموعة من املصالح منها مصلحة مركزة عوارض أداء
الشيكات ،الغاية منها وفق املادة 160من قانون 103 .12مكافحة التخلف عن األداء
بالشيك 3.إذ تقوم املصلحة بمركزة عوارض األداء و تبليغ املعلومات للمؤسسة البنكية أو
وكيل امللك4.
ذلك أن املادة 322من مدونة التجارة تنص على أنه" :تلزم املؤسسات البنكية
بالتصريح لبنك املغرب ،تحت طائلة التعرض للغرامات املنصوص عليها في املادة ،319
بكل حادث إخالل باألداء داخل أجل يحدده بنك املغرب.
-1نذكر على سبيل المثال أن بعض مؤسسات االئتمان كانت تستعين بإشهار تؤكد من خالله منح قروض استهالكية
دون احتساب الفوائد .و الواقع أن الفوائد كانت تدرجها في مصاريف الملف .و بعد صدور قانون 31.08تدخل بنك
المغرب لمنع مثل هذه الطرق في التعامل و التي يتخللها إشهار كاذب.
-2إن أساس وجود هذه المصالح إما مدونة التجارة فيما يتعلق بالشيك أو الواقع العملي فيما يتعلق بالكمبيالة و السند
ألمر.
-3هناك أيضا مصلحة الشيكات غير الصحيحة و الغاية من إحداثها هو حماية المنشآت من عملية التدليس عند األداء
بالشيك .إذن فهي مصلحة ليست لحماية المستهلك و إنما هي لحماية المؤسسات .و يتم ذلك من خالل نشر تصريحات
االلمؤسسات البنكية و إبالغها للمنشآت بخصوص االعتراضات بسبب فقدان أو سرقة صيغ الشيكات أو االستعمال
التدليسي للشيكات أو تزويرها أو بسبب خضوع الحامل للتسوية أو التصفية القضائية .و يدخل في ا اإلطار أيضا
حالة إصدار شيكات لحسابات مقفلة أو غير قابلة للتصرف فيها.
-4تبلغ المؤسسات البنكية بعوارض أداء الشيكات المصرح بها من لدن المؤسسات البنكية الماسكة للحسابات .و كذا
باألوامر بعدم إصدار شيكات و المنع القضائي من إصدار الشيكات .و يبلغ وكيل الملك بالموانع القضائية و
بالمخالفات لألوامر و للموانع القضائية بعدم إصدار شيكات .
يمركز و ينشر إجراءات املنع املصرح بها تطبيقا ملقتضيات املادة .317
كما يمركز املعلومات املتعلقة بالجرائم املنصوص عليها في املادتين 318و 319و
يبلغها لوكيل امللك1".
وإلى جانب ما ذكر ،هناك مصلحة مركزة األوراق التجارية غير املؤداة .و إن الغاية
من إحداثها هو مكافحة عدم األداء بواسطة الكمبياالت و السند ألمر .فالقصد منها هو
نشرها لدى مؤسسات االئتمان و يحتفظ باملعلومات لدى املصلحة إلى غاية أداء الورقة
التجارية2.
وقد يظن البعض أن وجود هذه املصالح هي لخدمة املؤسسات البنكية .و الواقع
أنها أنشئت كي تتخذ األبناك الحيطة و الحذر عند تعاملها مع زبائنها ،قبل منحهم صيغ
األوراق التجارية .لكن ،في آخر املطاف فالحماية يستفيد منها الجميع .ألن خضوع
الشخص ملنع بنكي أو قضائي أو امتناع املؤسسات البنكية عن منح صيغ كمبياالت و
سندات ألمر لزبون غير مسؤول ،يحول دون اإلضرار بأشخاص حسني النية ،خصوصا أن
الفقرة األخيرة من املادة 317من مدونة التجارة مثال تؤكد أنه و نتيجة لهذا املنع ،يجب
على كل مؤسسة بنكية أخبرت من طرف بنك املغرب ،أن تمتنع عن تسليم املحكوم عليه
وكذا وكالئه صيغ شيكات غير الصيغ املنصوص عليها في الفقرة األولى من هذه املادة و هي
صيغ تمكن الشخص من سحب املبالغ مباشرة أو هي لالعتماد.
زد على ذلك فقد تخطئ املؤسسة البنكية و تمنح زبونها صيغ شيكات خرقا
ملقتضيات املادتين 312و 317من مدونة التجارة أو دون أن تستشير بنك املغرب ،لذلك
فإن هذه املؤسسة تكون مسؤولة وفق املادة 320من مدونة التجارة و بالتالي ملزمة
بالوفاء في حدود 10.000درهما .فإن رفضت الوفاء ألزمت بالتضامن في حدود 100.000
درهما مع التعويض عن الضرر الحاصل للحامل.
-1لكي يتسنى تطبيق المقتضيات المضمنة في المادة 322من مدونة التجارة ،عمل بنك المغرب على إصدار دورية
بتاريخ 22شتنبر 1997مكونة من 51مادة.
-2إذا كانت المصالح السالف ذكرها تقوم على حماية مصالح الزبون و المؤسسة البنكية ،فيمكن القول إن مصلحة
مركزة مخاطر االئتمان هي في مصلحة المؤسسة البنكية في مواجهة زبونها.إذ تضع رهن إشارة مؤسسات االئتمان
المعلومات المالية المفيدة لتدبير مخاطرها المتعرض لها في عالقتها بزبائنها .فتوفر ه المصلحة خدمات المعلومات و
التنقيط المتعلقة بالقرض ،بحيث يحتفظ بالمعلومات مدة خمس سنوات تحتسب من تاريخ تسديد الدين.
وأنش ئ املركز املغربي للوساطة البنكية بتاريخ 20مارس ،2014الغاية منه إيجاد
حلول للنزاعات التي تقع بين املؤسسات البنكية و عمالئها بغية اإلبقاء على شفافية
العالقات 4.و أهم ما يسترعي االنتباه ،هو أن مجلسه اإلداري ال توجد فيه جمعيات
لحماية املستهلك في حين توجد به هيئات مهنية تمثل املجال البنكي و املقاوالتي بل يوجد
به شخصيات مستقلة .و تقوم الخدمات التي يوفرها املركز على تدبير نظامين للوساطة
البنكية ،غايته هو الوصول إلى تسوية ودية للخالفات التي تنشأ بين مؤسسات االئتمان و
املتعاملين معها5.
فأما النظام األول ،فيعتبر بمثابة مسطرة مؤسساتية طوعية و مجانية ،6يعمل بها
في حالة وجود خالفات بين إحدى مؤسسات االئتمان و أحد زبائنها ،شريطة أال تتجاوز
قيمة النزاع 1.000.000,00درهما ،و أن يتعلق النزاع إما بحساب جاري أو ألجل أو للتوفير،
أو أن يتعلق األمر بوسائل األداء أو شروط تسديد القروض أو تسليم وثائق للزبائن1.
كما يخضع ألحكام النظام األول امللفات التي لها عالقة بعجز املستهلك عن سداد
الدين املتعلق باستدانته من خالل قرض استهالكي نتيجة طرد أو وضعية اجتماعية غير
متوقعة وفق املقتضيات املضمنة في املادة 111من قانون 31 .08املتعلق بتدابير حماية
املستهلك2.
وليقوم املركز بمهمته ،يتعين على زبون املؤسسة البنكية أن يوجه شكايته أوال
للمصالح املختصة التابعة للمؤسسة البنكية .ذلك أن املادة 7من منشور والي بنك
املغرب رقم /9و ،2016/يؤكد أن طلبات الوساطة املقدمة من زبائن املؤسسات البنكية،
ال تقبل إال بعد تقديم الشكاية للمؤسسة البنكية و تبقى دون حل .فإن لم يتلق جوابا أو
لم يرض بجواب املؤسسة ،أمكنه اللجوء للوسيط عن طريق وضع الشكاية و الوثائق
الثبوتية رهن إشارة املركز 3.هذا األخير يتوفر على 10أيام للتصريح بقبول الوساطة ثم 30
يوما بعد ذلك ملعالجة الطلب4.
أما النظام الثاني و املسمى مسطرة الوساطة التعاقدية فيعتبر طوعيا ،لكنه مؤدى
عنه وفق الفصل 19من القانون املنظم للمركز 5.و يخضع ألحكام القانون ،608 .05إلى
جانب خضوعه ألحكام نظام املركز 7.و يطبق على الخالفات التي تفوق قيمتها
-1من هذه الوثائق رفع اليد و جدول استهالك الدين و شهادة جاري الحساب...
-2تنص الفقرة الرابعة من المادة 111من قانون 31.08على أنه ":إذا كان عدم تسديد األقساط ناتجا عن الفصل
عن العمل أو عن حالة اجتماعية غير متوقعة ،فإن إقامة دعوى المطالبة باألداء ال يمكن أن تتم إال بعد إجراء عملية
وساطة".
و يضاف إلى هذه الحالة ،حالة صعوبات تسديد المقاوالت الصغرى جدا و المتوسطة للديون البنكية .و لم ندرجها في
المتن ألنه ال تعتبر في وضعية مستهلك .أما ما يتعلق بالقرض العقاري فإن المادة 149من قانون 31.08هي التي
تقنن حالة الفصل عن العمل أو الوضعية االجتماعية غير المتوقعة و هو من اختصاص رئيس المحكمة المختصة
بالنزاع دون أن يسند األمر للوسيط البنكي صراحة كما هو عليه األمر بخصوص القرض االستهالكي.
-3يمكن إرسال طلب الوساطة عن طريق البريد المضمون أو إيداعها مع الحصول على إشعار باالستالم وفق
الفصل 5من القانون المنظم للمركز.
-4وفق الفصل 8من القانون المنظم للمركز .علما أن المركز ال يقبل الخالف الذي شكل مسبقا موضوع قرار
قضائي أو تحكيمي أو أن تكون القضية الزالت جارية ،كما يغلق المركز الملف إذا أشعره الذي قدم الشكوى أنه أحال
الخالف في نفس الوقت أو بعد ذلك على المحكمة .أنظر المادتين 7و 8من القانون المنظم للمركز
-5يسمى أيضا وفق الفصل األول من قانون المركز بالمقصورة الثانية.علما أنه وفق التقرير السنوي لإلشراف
البنكي الصادر عن بنك المغرب برسم السنة المالية 2016تم حل ملف واحد بين كل خمس طلبات مقدمة .
-6يتعلق بالباب الثامن من قانون المسطرة المدنية و المنظم للتحكيم و الوساطة االتفاقية.
-7أنظر:قانون المسطرة المدنية حيث نسخت أحكام الباب الثامن و عوض بالقانون رقم 08 .05الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 1 .07 .169بتاريخ 30نونبر 2007منشور بالجريدة الرسمية عدد 5584بتاريخ 6
دجنبر ،2007ص .3894 :إذ ينظم أحكام الوساطة االتفاقية الفصل 327 -55و مايليه من قانون المسطرة
المدنية .و يخضع كذلك للفصل 16من نظام المركز المغربي للوساطة البنكية.
1.000.000,00درهما ،بحيث يتفق األطراف على تعيين وسيط ،و يوقعون اتفاقية
الوساطة 1.و من خصوصيات هذا النظام أنه يمكن عند اللجوء إليه توقيف املسطرة
القضائية ،بطلب من الطرف الذي باشر هذه املسطرة2.
وبالرجوع للنظام األول أو املقصورة األولى ،3و التي من خاللها يتم تسوية و إيجاد
حلول بخصوص سداد دين نتيجة طرد أو وضعية اجتماعية غير متوقعة .فقد تطرق
املشرع إلى أحكامه من خالل قانون 31 .08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،و
خاصة املادة .111فبعد أن وضع املشرع من خالل املادة 109و ما بعدها املقتضيات
املؤطرة لتوقف املقترض عن أداء الدين و كيفية تعامل املقرض مع هذه الوضعية .سار
من خالل الفقرة 4من املادة 111إلى تأكيد أنه" إذا كان عدم تسديد األقساط ناتجا عن
الفصل عن العمل أو عن حالة اجتماعية غير متوقعة ،فإن إقامة دعوى املطالبة باألداء
ال يمكن أن تتم إال بعد إجراء عملية للوساطة"
يفهم من منطوق الفقرة 4من املادة 111،أن اللجوء إلى القضاء ال يتم من قبل
املؤسسة البنكية بكيفية أوتوماتيكية ،و بمجرد توقف املقترض عن الوفاء .و إنما يعتبر
املرور من نظام الوساطة شكلية الزمة ،يستفيد منها املقترض باعتباره مستهلكا .و إن
االستفادة تظهر أيضا من خالل الفقرة األخيرة من املادة ،111التي تؤكد أنه ":في حالة
اللجوء إلى الوساطة ،ال يمكن تحميل املقترض فوائد التأخير أو أي مصاريف مترتبة عن
هذه املسطرة".
ويتعين على الوسيط وفق املادة 11من منشور والي بنك املغرب رقم /9و2016/
أن يرسل لبنك املغرب تقريرا بمجموع طلبات الوساطة املتوصل بها .كما يرسل وفق املادة
12تقريرا برسم كل سنة مالية يوضح فيه مختلف الشكايات التي تمت معالجتها و عددها
و املشاكل التي تمت مواجهتها سواء في عالقة الوسيط باملؤسسات أو بالزبائن ،مع وضع
اقتراحات من أجل تحسين نظام الوساطة البنكية .
-1إذا ضمن مبدأ الوساطة في االتفاقية الرئيسية سميت بنذ وساطة و إذا أبرمت بعد نشوء الخالف سميت بحل
الوساطة وفق الفصل 18من نظام المركز.
-2الفصل 18من نظام المركز.
-3تلقى المركز المغربي للوساطة البنكية سنة 829 ،2016ملفا مقابل 590سنة .2015تم قبول 298ملفا سنة
2016مستجمعا لكل وثائقه ،مقابل 216ملفا سنة .2015و تم حل 166ملفا بنجاح فيما لم تسفر معالجة 62ملفا
عن التوصل إلى الصلح .و يتم إيداع طلبات الوساطة البنكية أساسا من طرف الزبائن من األشخاص الطبيعيين في
حدود °/91و كان النزاع في حدود °/87مع بنك و °/13مع شركات التمويل .المصدر التقرير السنوي حول
اإلشراف البنكي للسنة المالية 2016و الذي يعده بنك المغرب.
الفقر األولى :مراقبة بنك املغرب العقود املبرمة بين مؤسسة االئتمان و زبائنها.
يندرج ضمن الصالحيات املقررة لبنك املغرب مراقبة مؤسسات االئتمان .و يقوم
البنك املركزي بهذه املراقبة ،سواء بعد شكوى توصلت بها مديرية اإلشراف البنكي التابعة
له ،و التي تتلقاها من زبون أحد األبناك أو وفق املراقبة الدورية التي يقوم بها بنك املغرب
بواسطة مأموريه .و يندرج ضمن هذه املراقبة:
اشترط املشرع املغربي من خالل املادة 151من قانون " 103 .12أن تبرم في شأن
فتح كل حساب تحت الطلب أو حساب ألجل أو حساب للسندات اتفاقية مكتوبة بين
العميل و مؤسسة االئتمان تسلم نسخة منها إلى العميل .2".و يمكن القول إن حماية
املستهلك في هذه الحالة ،هي حماية مزدوجة و مضمونة .فهي مزدوجة ألنها تفعل مراقبة
بنك املغرب ،للتأكد من وجود العقد الرابط بين املؤسسة و الزبون ،إلى جانب الحماية
املقررة من خالل قانون 31 .08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك .فيكون لزبون
مؤسسة االئتمان باعتباره مستهلكا االعتماد على العقد و على مقتضيات قانون 31 .08
من أجل اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقه.
-1المقصود بعين المكان أن مأموري بنك المغرب أو أي شخص ينتدبه والي بنك المغرب لمراقبة مؤسسات االئتمان،
يكون له الحق في االنتقال إلى المقر االجتماعي لمؤسسة االئتمان لمراقبة وثائق المؤسسة .كما يمكنه االنتقال إلى
وكاالتها .كما يجوز لبنك المغرب وفق المادة 82من قانون 103 .12أن يطلب موافاته بجميع المعلومات الالزمة
للقيام بمهامه.
-2يعتبر هذا المقتضى خروج عن القاعدة في المجال التجاري التي تأخذ بحرية اإلثبات .و للوقوف على تعريف هذه
الحسابات و أحكامها يمكن الرجوع للعقود البنكية المنظمة من خالل مدونة التجارة و خصوصا الكتاب الرابع
المتعلق بالعقود البنكية.
وتعتبر الحماية مضمونة ،ألن الفقرة 2من املادة 151من قانون 103 .12تؤكد":
تحدد اتفاقية نموذجية الشروط الدنيا املضمنة في اتفاقية الحساب بمنشور يصدره والي
بنك املغرب بعد استطالع رأي لجنة مؤسسات االئتمان" .مما معناه ،أن هناك حدا أدنى
للشروط املمكن تضمينها في العقد الرابط بين الزبون و مؤسسة االئتمان ال يجوز
للمؤسسات البنكية النزول عنه .و بالفعل فقد صدر املنشور رقم /15و 16/املتعلق
باتفاقية الحسابات تحت الطلب و الحسابات ألجل و حسابات السندات الذي يحدد
الشروط الدنيا التي ينبغي أن تتضمنها االتفاقيات الخاصة بكل نوع من الحسابات مع
تقديم نسخة باملجان للزبون بعد توقيعها من األطراف1.
إذا كانت املادة 152من قانون 103، .12تخول مؤسسات االئتمان املودعة لديها
أموال و قيم بإقفال الحسابات التي تمسكها ،إذا لم يقم أصحابها أو ذوو حقوقهم بأية
عملية أو مطالبة منذ عشر سنوات .فإن منح مؤسسات االئتمان هذه الصالحية يقابلها
التزام يوجب على هذه املؤسسات قبل انصرام العشر سنوات بستة أشهر أن توجه إعالما
وفق الفقرة 2من املادة 152من قانون 103 .12إلى أصحاب الحساب أو ذوي حقوقه
تخبره أنه قد يطاله التقادم.
وإذا لم تتوصل املؤسسة بجواب ،تودع األموال و القيم املذكورة لدى صندوق
اإليداع و التدبير ،الذي يحوزها لفائدة أصحابها إلى غاية تقادم األموال بعد مرور 5
سنوات جديدة فتدفع إلى الخزينة2.
إضافة إلى هذه الحالة ،فقد نظم املشرع املغربي حالة أخرى من خالل املادة 503
من مدونة التجارة ،تهم الحساب باالطالع 3.إذ أكدت املادة أن املؤسسة البنكية ملزمة
بوضع حد للحساب باالطالع املدين ،إذا توقف الزبون عن تشغيله مدة سنة من آخر
عملية دائنة ،شريطة إشعار الزبون بذلك بواسطة رسالة مضمونة و دون أن يبادر داخل
60يوما إلى التعبير عن نيته االحتفاظ بالحساب .
-1المنشور رقم /15و . 16/كما يمكن الرجوع للتقرير السنوي لبنك المغرب حول اإلشراف البنكي للسنة المالية
.2016
-2الفقرتان 2و 3من المادة 152من قانون .103 .12
-3تعتبر هذه الحالة من أكثر المشاكل التي يتفاجئ بها الزبون و تكون محل منازعات بين المؤسسات البنكية و
زبائنها إلى أن تدخل المشرع صراحة من خالل المادة 503من مدونة التجارة.
هذا عن حالة إغالق الحساب أما إذا قررت مؤسسة االئتمان إغالق إحدى
وكاالتها ،تعين عليها وفق املادة 155من قانون 103 .12إبالغ عمالئها قبل تاريخ اإلغالق
بشهرين على األقل ،و تخبرهم بالوكالة التي ستحول إليها حساباتهم أو تمكنهم من إقفال
حساباتهم أو تحويل أموالهم بدون مصاريف إلى وكالة من شبكتها أو لدى مؤسسة ائتمان
أخرى.
املبدأ أن زبون مؤسسات االئتمان يتوفر على قنوات متعددة ،من أجل املطالبة
برفع الحيف أو معالجة األخطاء التي تسبب له ضررا في عالقته بمؤسسة االئتمان التي
يتعامل معها .و يدخل ضمن هذه القنوات أن يلتجئ الزبون للقضاء ،كما له أن يراسل
مديرية املراقبة واإلشراف التابعة لبنك املغرب ،أو أن يقدم شكاية للمصالح الداخلية
ملؤسسة االئتمان .و هنا يتمثل دور بنك املغرب وفق املادة 157من قانون 103 .12في
التـأكد من وجود نظام داخلي يتالءم و بنية و طبيعة أنشطة مؤسسات االئتمان.
فوجود نظام داخلي جيد يمكن من معالجة فعالة و شفافة للشكايات املرفوعة
إلى مؤسسة االئتمان .األمر الذي سيضع حدا للنزاع بكيفية أسرع ،دونما حاجة التساع
رقعة املتدخلين إن تم رفع النزاع أمام املركز املغربي للوساطة البنكية أو القضاء .ثم ال
ننس ى إمكانية تدخل بنك املغرب إذا تلقى شكاية الزبون .إذن فوجود نظام داخلي فعال
لدى مؤسسات االئتمان يخفف عن بقية األجهزة األخرى و يمكنها من البث في قضايا أكثر
صعوبة.
وكي يقوم هذا النظام بدوره على أحسن وجه ،فإن تحديد كيفيات معالجة
الشكايات يتم من خالل املنشور الصادر عن والي بنك املغرب و الذي على أساسه تتم
مراقبة مؤسسات االئتمان 1.إذن ،فمقتضيات التوصية رقم /1و 2012/تم تضمينها في
املنشور رقم /10و 16/املتعلق بمعالجة الشكايات ،حيث يراقب بنك املغرب مؤسسات
االئتمان للتأكد من وجود نظام مالئم للتعرف و معالجة و تتبع كل الشكايات في اآلجال
املحددة ،و أن مؤسسات االئتمان تخبر زبائنها بانتظام باآلليات الداخلية و الخارجية
املتعلقة بمعالجة الشكايات.
كما يجب على مؤسسات االئتمان التوفر على لجنة تسمى لجنة العالقات مع
الزبائن .و يتمحور دور هذه اللجنة وفق املادة 10من منشور بنك املغرب ،في اإلشراف
على نجاعة هذه اآللية لحل النزاعات و تحسين جودتها .و هذا لن يتأت إال بوجود
مستخدمين تمكنهم املؤسسات من تكوين مالئم .و أكثر من ذلك ،فإن التقارير الداخلية
التي تقوم بها مؤسسات االئتمان ،خالل قيامها باملراقبة من خالل اإلشراف الداخلي،
تضعها وفق املادة 14من منشور بنك املغرب ،رهن إشارة هذا األخير .و يجب لزاما أن
يخصص حيز من خاللها لشرح اآللية املعتمدة من قبل مؤسسة االئتمان ملعالجة
الشكايات و أعمال املراقبة امليدانية املنجزة في هذا اإلطار.
وزيادة في املراقبة ،فإن املؤسسات البنكية ترسل لبنك املغرب تقارير فصلية ،تهم
الشكايات التي تتلقاها كل مؤسسة .علما أن التقرير يكون مفصال ،بحيث تحدد من خالله
مجموعة من املعلومات كالجهة التي استقبلت الشكاية و موضوعها و املبالغ و األجل الذي
خالله تمت معالجة الشكاية2.
-1توصية بنك المغرب رقم /1و .2012/المتعلقة بكيفية بمعالجة شكايات زبائن مؤسسات االئتمان.
-2أنظر التقرير السنوي لبنك المغرب بخصوص اإلشراف البنكي للسنة المالية .2016
-3تقرير بنك المغرب حول اإلشراف البنكي للسنة المالية .2016
إذ يتعين على مؤسسات االئتمان احترام مجموعة من املعايير املحددة من قبل
بنك املغرب من أجل تمكين الزبون املستهلك من شفافية كافية في عالقته بها عند تعامله
معها .و يمر هذا األمر من خالل احترام املؤسسات النصوص القانونية و التوصيات و
املناشير الصادرة عن بنك املغرب .إذ يتأكد هذا األخير مثال ،من خالل املراقبة الدورية
التي يقوم بها ،من حسن تطبيق منشور بنك املغرب /10و. 16/إذ يجب على مؤسسات
االئتمان أن تخبر زبائنها بكل الطرق و الدعائم املمكنة و املناسبة بوجود أجهزة داخلية
ملعالجة الشكايات .1فتحدد املؤسسة املحاور و قنوات توصل املؤسسة بالشكاية و كيفية
معالجتها .2كما تخبر املؤسسة الزبائن بوجود أجهزة خارجية ملعالجة الشكايات و املتمثل
في بنك املغرب ثم جهاز الوساطة البنكية الذي انضمت إليه املؤسسات البنكية .
و يراقب بنك املغرب أيضا احترام املؤسسات اآلجال املتعلقة بالبث في عدم قبول
الشكاية الذي ال يمكن أن يتجاوز 10أيام 3.أما إذا قبلت املؤسسة الشكاية ،فتتوفر على
40يوما وفق املادة 4من منشور بنك املغرب لإلجابة على شكاية الزبون.
إضافة ملا سبق ،فإن بنك املغرب يراقب مدى تمكين الزبون من وساطة بنكية
فعالة و محايدة،ذلك أن منشور بنك املغرب املتعلق بالوساطة البنكية ،يشترط من خالل
املادة 13أن تضع مؤسسات االئتمان تنظيما جيدا يمكن من تأمين كل الوسائل املمكنة
إليجاد حل مللفات الوساطة التي تكون املؤسسة طرفا فيها ،و التي تعرض عليها من قبل
الوسيط البنكي .أضف إلى ذلك ،فإن بنك املغرب يتأكد من أن مؤسسات االئتمان تدمج
في العقود التي تبرمها مع زبائنها كل املعلومات التي تشرح كيفية و إمكانية لجوء الزبون
للوساطة البنكية.
-1نقصد باألجهزة الداخلية وجود أجهزة تابعة لمؤسسة االئتمان ،سواء داخل الوكاالت أو من خالل المقر االجتماعي
أنظر المادة 9من من منشور بنك المغرب.
-2يتم إخبار الزبون وفق المادة 2من منشور بنك المغرب من خالل تعليق هذه المعلومات في الوكاالت البنكية و
باستعمال الموقع االلكتروني للمؤسسة أو من خالل تصمينها في كشف الحساب كما تضع المؤسسة قنوات واضحة
تمكن الزبون من تقديم شكايته دون عائق كالتواصل مع مدير الوكالة أو المسؤول عن الزبائن .وفي حالة عدم
التوصل إللى حل أو عدم استجابة كل من سبق ،أمكنه إرسال شكاية إلى المقر االجتماعي وفق المادة 6من منشور
بنك المغرب.
-3في حالة عدم قبول الشكاية ،يجب على المؤسسة وفق منشور /10و 16/أن ترسل جوابا للمشتكي مدعمة سبب
رفضها مع تحديد الطرق األخرى الممكنة للمطالبة بحقه.
ثالثا :مراقبة بنك املغرب احترام مؤسسات االئتمان ملقتضيات قانون 31 .08
واعتمادا على مقتضيات قانون 31.08دائما ،يتولى بنك املغرب اإلشراف على
احترام مؤسسات االئتمان ألحكام هذا النص القانوني من خالل السلطات املمنوحة
ملديرية اإلشراف البنكي .فتتأكد من وجود آليات ناجعة ،تمكن من إخبار الزبون باعتباره
مستهلكا ،بكل املعلومات الضرورية و الكافية عن الخدمة التي يقوم بشرائها .كما يتأكد
بنك املغرب ،من احترام مؤسسات االئتمان لكل األحكام الواجب مراعاتها عند منح
القرض ،من ذلك اإلشهار و العرض املسبق للقرض و آجال التراجع ...أو ما يتعلق باألحكام
-1مرسوم رقم 2 .12 .503صادر بتاريخ 4ذي القعدة 1434موافق 11سبتمبر 2013بتطبيق بعض أحكام
القانون رقم 31.08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك .منشور بالجريدة الرسمية عدد 6192بتاريخ 26ذو
القعدة 3 /1434أكتوبر 2013ص.6384 :
-2منشورة بالجريدة الرسمية عدد 6400بتاريخ 17ذو الحجة 1436موافق فاتح أكتوبر 2015ص 8084:و ما
بعدها.
الواجب احترامها أثناء تحويل العرض املسبق للقرض إلى عقد ملنح القرض .و ما يتعلق
بإبرام العقد و سريان القرض ،من ذلك الحصول على نسخة من العقد موقعة من قبل
مؤسسة االئتمان و على جدول االستهالك ...أو ما يتعلق بفسخه قبل األجل املحدد له
سلفا،أو التسديد املبكر للقرض حيث من أهم ما يطلبه الزبون في هذه املرحلة هي وثيقة
رفع اليد مثال1.
وهكذا ،إذا تأكد لبنك املغرب وجود خلل أو عدم مطاقبة املساطر املتبعة من قبل
مؤسسة بنكية مع املراسيم و املناشير و التوصيات الصادرة عن بنك املغرب ،طلب من
املؤسسة تحديث مساطرها أو تقنياتها املتبعة ،للتمكن من مسايرة التوجهات املحددة من
قبل بنك املغرب .و هذا األمر يمكن من جهة املؤسسات البنكية من احترام املقتضيات
القانونية ،و يمكن في ذات الوقت من تحسين آلياتها لتقليص آجال البث في الشكايات،
بغية الوصول إلى احترام اآلجال القانونية ،في سبيل منح الزبون الثقة في املؤسسة التي
يتعامل معها.
وفي غياب استجابة املؤسسات البنكية ملا تفرضه عليها بنك املغرب باعتباره
البنك املركزي املخول له مراقبة هذه املؤسسات ،فإن قانون 103 .12يخول هذه
املؤسسة إخضاع البنك لعقوبات تأديبية و جنائية وفق القسم الثامن من قانون .12
.103و يمكن القول إن قرار بنك املغرب إخضاع مؤسسة بنكية لعقوبات تأديبية و
و املصاحبة جنائية يأتي بعد إتباع و احترام مراحل في املراقبة تبدأ باملساعدة
للمؤسسات من أجل تطوير آلياتها و احترام األحكام القانونية .ثم يجب أال ننس ى أن عمل
بنك املغرب يتم بتشاور مع الجمعيات املهنية املنتمية للقطاع البنكي بشأن اإلصالحات و
املسائل التي لها عالقة بالقطاع البنكي.
ونخلص في األخير إلى القول ،إن بنك املغرب لعب و يلعب دورا مهما إلى جانب
الفاعلين االقتصاديين من أجل تحسين استفادة املستهلك من املنتجات و الخدمات
البنكية ،و كذلك مأسسة الجهاز املتعلق بالوساطة البنكية و تطويره ،و تقوية حماية
زبائن مؤسسات االئتمان ،دون أن ننس إحداث املؤسسة املغربية للتربية املالية.
وإن نجاح هذه املبادرات رهين بقوة و عمق التنسيق و التعاون بين مجموع
الفاعلين في القطاع ،مع التركيز على تشجيع التربية املالية و املنافسة البنكية الشريفة،
-1اإلشراف و المراقبة تتم من خالل الدور الذي تلعبه مديرية اإلشراف البنكي أساسا.
خصوصا أن املؤسسات البنكية تستغل وضعها كطرف قوي في العالقة التعاقدية .و لن
نصل إلى ما نأمله دون إشراك جمعيات حماية املستهلك ،و توعية املستهلك بحقوقه.
عمر السكتاني
أستاذ باحث وعضو باملركز الدولي
للتحكيم والوساطة بالرباط
إذا كان املشرع قد منح لجمعيات حماية املستهلك دورا أساسيا تمارسه إلى جانب
باقي الهيئات املسؤولة عن حماية املستهلك ومراقبة السوق االقتصادي من خالل منحها
مجموعة من الصالحيات الوقائية والرقابية ،فإن املالحظ أن هذه الصالحيات ال يمكنها
أن تؤتي ثمارها ونتائجها ما لم تفعل على أرض الواقع من خالل ترجمة النصوص إلى
مبادرات ملموسة من أجل التحسيس واإلعالم وتمثيل املستهلك والدفاع عن حقوقه
االقتصادية وتـأمين سالمته الصحية واملادية من كل األفعال املخلة بقواعد السوق
والتنافس الشريف .
لذلك سوف نتطرق أوال إلى تشخيص مدى مساهمة جمعيات حماية املستهلك
في القيام بالدور املنوط بها على مستوى الواقع ( املبحث األول ) قبل أن نتطرق إلى إبراز
مختلف الصعوبات واإلكراهات التي توجهها والحلول املمكنة ملواجهتها ( املبحث الثاني ) .
لقد تبين لنا من خالل تحليل اإلطار القانوني لحماية املستهلك أن املنظومة
القانونية في مجال حماية املستهلك جاءت بمجموعة التدابير التي ترمي إلى تعزيز حقوقه
األساسية والسيما :الحق في اإلعالم ،الحق في حماية حقوقه االقتصادية ،الحق في
التمثيلية ،الحق في التراجع ،الحق في االختيار ،الحق في اإلصغاء إليه ،كما تم إعطاء
أهمية كبيرة للمستهلك باعتباره فاعال أساسيا في الدورة االقتصادية .
وبناء على ذلك فإن قانون حماية املستهلك يرمي إلى تحقيق مجموعة من
األهداف والتي تتجلى فيما يلي :
-تحديد الضمانات القانونية والتعاقدية لعيوب الش يء املبيع والخدمة بعد البيع
وتحديد الشروط واإلجراءات املتعلقة بالتعويض عن الضرر أو األذى الذي قد يلحق
باملستهلك؛
-تمثيل مصالح املستهلك والدفاع عنها وحماية أمن وسالمة املستهلك من كل
األضرار املادية واملعنوية.
ومن هنا يكون التساؤل مشروعا حول مدى مساهمة جمعيات املستهلك في
تحقيق مقاصد التشريع املشار إليها أعاله واإلنجازات التي حققتها في مجال الدفاع عن
مصالح املستهلك ؟
ذلك ما سنتطرق إليه من خالل إبراز الدور الوقائي ( الفقرة األولى ) إلى جانب
الدور العالجي لجمعيات حماية املستهلك في التصدي لكل املمارسات املضرة بمصالح
املستهلك ( الفقرة الثانية ) .
يجب اإلشارة بداية أن املغرب عرف نشأة العديد من الجمعيات التي تهتم بحماية
وتوجيه املستهلك ،وأن هذه الجمعيات تقوم بدور هام في التوعية والتحسيس والدفاع عن
مصالح املستهلك وفضح جميع أشكال التحايل والتظليل 1والشروط التعسفية التي تؤدي
إلى اختالل التوازن بين املورد أو املنتج واملستهلك ،2وأن ممارسة هذا الدور يتم من خالل
مجموعة من األشكال التي تختلف بحسب الزمان واملكان ونوعية املواضيع ،حيث كثيرا ما
تبادر هذه الجمعيات عمليا إلى تنظيم مسابقات لتكريم بعض املهنيين ومنحهم جوائز
-1أنظر في هذا اإلطار :مها سليمان أبو طالب ،ترشيد االستهالك والمستهلك ،دبي ،دار القلم للنشر والتوزيع،
السنة . 1999 :
-2أنظر في هذا اإلطار :حسين جمعة ،الحق في تكوين الجمعيات والمؤسسات األهلية ،السنة . 2004 :
تحفيزية مما يؤدي إلى خلق نوع من التنافس في تقديم أحسن املنتجات والخدمات لفائدة
املستهلك وتوفير خدمات مرضية تتالءم وحاجياته اليومية ،كما تقوم بعض جمعيات
حماية املستهلك بالتنسيق مع كل الجهات املعنية بحماية املستهلك والتنسيق مع باقي
الجمعيات من أجل التواصل مع طرفي عملية االستهالك أي املنتج أو املنهي واملستهلكين ،
وتنظيم أيام إعالمية وتحسيسية وذلك من أجل خلق مستهلك واع ومسؤول وفاعل ،كما
تقوم أغلب جمعيات حماية املستهلك كل سنة بإحياء وتخليد اليوم العالمي للمستهلك
بتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة واالقتصاد الرقمي وغرف التجارة والصناعة
والخدمات وبعض الجامعات والهيئات ذات االهتمام املشترك ،وتنظيم معارض خاصة
تعكس واقع املستهلك ومعاناته اليومية من بعض السلوكات والتصرفات املنافية لقواعد
التنافس ومواصفات الجودة ،باإلضافة إلى حرص عدد من الجمعيات بكيفية دورية على
تنظيم قافلة للتواصل والتحسيس ببعض الظواهر السلبية التي قد تظهر في بعض
املناسبات كظاهرة التسمم الغذائي وارتفاع األسعار الذي قد يصاحب بعض الشهور
كشهر رمضان ومناسبات األعياد والدخول املدرس ي ،وتعمل بعض الجمعيات أيضا على
إصدار مجالت ونشرات تعنى بشـؤون املستهلك ،وتوزيع مطويـات ودالئـل حـول ضوابط
االستهالك الواعي واملسؤول ،ويبقى اإلشارة إلى دور أساس ي تقوم به بعض الجمعيات
الفاعلة واملسؤولة في مجال االستهالك ويتجلى في قيامها بإجراء دراسات خاصة بمجال من
مجاالت االستهالك قصد تقص ي واقع هذا املجال وعالقته باملستهلك ،كما تقوم هذه
الجمعيات باالشتغال على شكل فرق تتكلف بمهمة رصد أراء املواطنين وانشغاالتهم
اليومية فيما يتعلق باملجال املعني وبناء على النتائج املحصل عليها تقوم الجمعيات بإعداد
تقارير يتم إرسالها إلى الجهات املعنية التخاذ اإلجراءات الالزمة ،ويعتبر هذا الدور أساسيا
في تحسين املناخ القانوني لالستهالك وخلق بيئة استهالكية آمنة ،وفي إطار تواصلها مع
املستهلك تتلقى جمعيات حماية املستهلك مختلف الشكاوى التي يتقدم بها املستهلكين
حيث تتولى حل وتسوية النزاع وديا أو مراسلة املنهي من أجل تدارك موضوع الشكوى وإال
يتم إحالتها على الجهات املعنية ملمارسة رقابتها على املهنيين املخالفين لضوابط السوق
واملنافسة الشريفة ،1وبالتالي فإن أغلب جمعيات حماية املستهلك تشتغل بتفان دائم
ومستمر وتسعى إلى محاولة إيجاد حلول ملشاكله واستخدام كل الوسائل املتاحة في هذا
اإلطار حيث تلعب دورها كمركز الستقبال شكاوى املستهلك في مختلف املجاالت وهو ما
ملسناه مؤخرا بشكل واضح من خالل ما تم التنديد به من مخالفات السيما في بعض
-1أنظر في هذا اإلطار :د /محمد بودالي ،حماية المستهلك في القانون المقارن ( دراسة مقارنة مع القانون
الفرنسي ) ،دار الكتاب الحديث الجزائر 2006 ،م ،ص . 39 :
القطاعات الحيوية كقطاع توزيع املاء والكهرباء وخدمات االنترنيت والتواصل االجتماعي
وقطاعات البيئة واملسؤولية الطبية والنقل وارتفاع أسعار بعض املواد األساسية والحيوية
وغيرها من املجاالت ذات الصلة باملستهلك ،كما تشارك العديد من الجمعيات في البرامج
اإلعالمية وتقديم وجهات نظرها ومقترحاتها في السياسات العمومية ومشاريع القوانين
املراد تنزيلها ،لذلك فال يمكن بأي وجه من األوجه تجاهل وإنكار ما حققته جمعيات
حماية املستهلك من إنجازات ومساهمات والتي لقيت صدى وتجاوبا من قبل املستهلك
وساهمت في تطوير وعيه االستهالكي وما يؤكد ذلك هو ارتفاع عدد الشكاوى التي تتوصل
بها هذه الجمعيات من قبل املستهلكين املتضررين والتقارير املنجزة بشأنها .
وإلى جانب الدور التحسيس ي تقوم جمعيات املستهلك أيضا بدور هام يتمثل في
إعالم املستهلك وإحاطته بجميع املعلومات واملعارف القانونية والعلمية والفنية املتعلقة
بالسلع والخدمات وتعريفه بحقوقه وواجباته تجاه املهنيين ، 1ويجد الحق في اإلعالم2
أساسه القانوني في القانون رقم 31/08املتعلق بتدابير حماية املستهلك والذي نص في
املادة 152على أنه " :تتولى جمعيات حماية املستهلك ،املؤسسة والعاملة وفقا للنصوص
التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل واملتعلقة بحق تأسيس الجمعيات ،اإلعالم
والدفاع والنهوض بمصالح املستهلك وتعمل على احترام أحكام هذا القانون " .
بناء على ذلك فإن جمعيات حماية املستهلك باإلضافة إلى إحاطة املستهلك
باملعارف العلمية والقانونية والفنية وتوعيته بحقوقه تجاه املهنيين ،تقوم أيضا بعملية
تقييم للسلع والخدمات بهدف الكشف عن عيوبها ونقائصها وإعالم املستهلك بنتائج
مقارنة جودة ونوعية املنتوجات مع ما يروج له املهنيين من إعالنات ،3وهذا الدور الذي
تقوم به الجمعيات يمكن تسميته بالنقد أو اإلشهار املعاكس ،وهذا العمل يتم غالبا من
خالل قيام الجمعيات بتجارب واختبارات ودراسات ميدانية يتم من خاللها وضع السلع
-1أنظر في هذا اإلطار :حسن عبد الباسط جميعي ،حماية المستهلك ،الحماية الخاصة لرضاء المستهلك في عقود
االستهالك ،بحث منشور بمجلة الدراسات القانونية ،تصدرها كلية الحقوق جامعة أسيوط ،العدد 1991 ، 13م ،
ص . 247 :
-2للتوسع حول الحق في اإلعالم أنظر :ماني عبد الحق ،حق المستهلك في اإلعالم ،دراسة مقارنة بين التشريع
الجزائري والمصري ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،
. 2009/2008
أنظر أيضا :قني سعدية ،جرائم اإلضرار بالمستهلك ،دراسة مقارنة ،رسالة ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة . 2009/2008 ،
-3أنظر في هذا اإلطار :الهواري هامل ،دور الجمعيات في حماية المستهلك ،مجلة العلوم القانونية واإلدارية ،
عدد خاص صادر عن كلية الحقوق بجامعة جياللي ليابس ،سيدي بلعباس ،الجزائر ،أبريل ، 2005ص 224 :
.
والخدمات تحت املجهر ،حيث يتم التوصل إلى مجموعة من النتائج التي تسمح
للمستهلكين بتشكيل معلومات موضوعية حول تلك السلع والخدمات .
وبناء على ذلك يجب اإلشارة بأن جمعيات املستهلك تقوم عمليا في الوضعية
الراهنة بدور أساس ي في الرقابة والتتبع ورصد االختالالت املمارسة في الواقع وكذا مراقبة
مدى احترام املقتضيات القانونية والتي تلزم كل مورد أن يمكن املستهلك بأي وسيلة
مالئمة من معرفة املميزات األساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر املنتوج أو
السلعة وتاريخ الصالحية إن اقتض ى الحال ،وأن يقدم إليه املعلومات التي من شأنها
مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته ، 1بحيث يجب على كل
مورد أن يعلم املستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العالمة أو العنونة أو اإلعالن أو بأي
طريقة مناسبة أخرى بأسعار املنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات وطريقة االستخدام
أو دليل االستعمال ومدة الضمان وشروطه والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة،
وعند االقتضاء القيود املحتملة للمسؤولية التعاقدية والتحذير من الشروط التعسفية
التي يتم تضمينها في العقود املبرمة بين املورد واملستهلك والتي قد يترتب عليها اختالل كبير
بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب املستهلك .
-1أنظر في هذا اإلطار :شعباني حنين ،التزام المتدخل بضمان سالمة المستهلك في ضوء قانون حماية المستهلك
وقمع الغش ،رسالة ماجستير في القانون ،فرع المسؤولية المهنية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود
معمري ،تيزي وزو 2012 ،م ،ص 8 :وما يليها .
حماية املستهلك حركة ضغط فاعلة في مجال حماية املستهلك ووضع حد لألضرار الالحقة
به ،ومن هذه التدابير ذات األثر املباشر يمكن اإلشارة إلى ما يلي :
– 1الدعو إلى املقاطعة :حيث يمكن لجمعيات حماية املستهلك توجيه دعوة
لجمهور املستهلكين من أجل مقاطعة بعض السلع والخدمات واالمتناع عن شرائها وعدم
التعامل مع أحد املهنيين أو املؤسسات إذا ثبت أنها تقدم سلعا أو خدمات تضر بصحة
املستهلك وسالمته ومصالحه املادية واملعنوية ،ومن ذلك ما قامت به بعض الجمعيات
مؤخرا حينما وجهت دعوة ملقاطعة شركات االتصاالت حين مبادرتها إلى قطع بعض
الخدمات املجانية ،وكذلك الدعوة إلى مقاطعة بعض شركات توزيع املاء والكهرباء
باملغرب والتي كانت قد أخلت بشروط التوزيع وما ترتب على ذلك من ارتفاع في األسعار
وسوء تقديم الخدمات املتفق عليها ،وبصفة عامة فإن هذا اإلجراء يعتبر عمال مشروعا
وناجعا شريطة عدم التعسف في استعماله .
ثانـيـا :دور جمعـيـات حمـايـة املستهـلـك فـي الدفـاع عـن مصالح املستهـلـك
لقد خول املشرع لجمعيات حماية املستهلك صالحية الدفاع عن مصالح وحقوق
املستهلكين أمام مختلف الجهات والهيئات اإلدارية والقضائية شريطة احترام مجموعة من
الشروط واإلجراءات املنصوص عليها قانونا وهو ما يمكن توضيحه من خالل ما يلي :
-1أنظر في هذا اإلطار :هامل الهواري ،دور الجمعيات في حماية المستهلك ،مجلة العلوم القانونية واإلدارية ،
عدد خاص ،مكتبة الرشاد للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ،السنة . 2005 :
ويعتبر تخويل جمعيات حماية املستهلك إمكانية تمثيل املستهلك أمام القضاء من
أهم آليات الحماية نظرا لكون املستهلك الذي يتم املساس بحقوقه ومصالحه يفتقد
للخبرة والتجربة ونادرا ما يتقدم بدعوى أمام الجهات القضائية ،وذلك لعدة أسباب منها
املركز االقتصادي واملالي والتقني الذي يجعل املنهي في موقع قوي يمكنه من مواصلة السير
في الدعوى ،األمر الذي يجعل املستهلك يتردد في اللجوء إلى القضاء ،كما أن أعباء الدعوى
وما سيتحمله املستهلك من نفقات ومعارف ووقت قد يكون أكبر بكثير من قيمة املصلحة
موضوع الحماية ،وفضال عن ذلك هناك إحساس من طرف املستهلك بأن بعض
املؤسسات املقدمة للسلع والخدمات هي مرافق عامة تابعة للدولة وأنه يستحيل في نظره
مقاضاة هذه املؤسسات ،ومن هنا كان املبرر في منح جمعيات املستهلك إمكانية التقاض ي
والدفاع عن مصالح املستهلكين أمام القضاء ،غير أن هذا االعتراف عرف تطورا عبر
مجموعة من املراحل وذلك تبعا للجهود التي بذلتها جمعيات املستهلك في العالم ،وهو ما
سنحاول إبرازه من خالل عرض التجربة الفرنسية أوال قبل تقييم موقف املشرع املغربي
في هذا اإلطار ثانيا .
النقض الفرنسية في إقرارها لهذا التأويل املعيب والذي ال ينسجم مع فلسفة املشرع
خاصة إذا أخذنا بعين االعتبار بأن الضرر املدني املستقل عن الجريمة املمنوع على
الجمعيات االدعاء بشأنه هو الجانب األكبر من األضرار االقتصادية التي يتعرض لها
املستهلكون ،بناء على ذلك ومحاولة في وضع حد للنقاش الذي أثارته املادة 46أعاله
تدخل املشرع الفرنس ي عن طريق قانون 14/88الذي ألغى املادة 46املذكورة وتبنى
التفسير الذي كرسته محكمة النقض الفرنسية ،وتال هذا القانون الذي ضيق نطاق
تدخل جمعيات املستهلك أمام القضاء قانون آخر وهو القانون رقم 949/93الصادر
بتاريخ 26يوليوز 1993املتعلق بقانون االستهالك الذي حاول وضع حد للتضارب
والخالف الحاصل ،ومن خالل التطور الذي عرفه القانون الفرنس ي أصبح بإمكان
الجمعيات الحق في ممارسة أربع أصناف من الدعاوى الرامية إلى حماية مصالح
املستهلكين وهي كالتالي :
– 1الدعوى املدنية :حيث يمكن لجمعيات حماية املستهلكين ممارسة حقوق
الطرف املدني من أجل الدفاع عن املصلحة الجماعية أو املشتركة للمستهلكين ، 1كما
يمكنها املطالبة في إطار الدعوى املدنية باتخاذ اإلجراءات التي تهدف إلى تجنب إعادة
الفعل الذي تم الحكم على املنهي بسبب ارتكابه ،وحتى تكون هذه الدعوى مقبولة وجب
أن يشكل الفعل الصادر عن املنهي مخالفة جنائية ،وأن يكون هذا الفعل قد سبب ضررا
أو من املحتمل أن يسبب ضررا للمستهلكين ،واملقصود باملصلحة الجماعية للمستهلكين
الضرر الذي يمس مجموعة من املستهلكين ،والناتج عن أفعال متسعة النطاق وبالغة
االنتشار .
-1حول مفهوم المصلحة الجماعية للمستهلكين أنظر :كريم تعويلت ،حماية المصلحة االقتصادية للمستهلك من
الممارسات التجارية في القانون الجزائري ،أيام دراسية حول التعديالت المستحدثة في ظل المنظومة القانونية
الوطنية ،قسم العلوم القانونية واإلدارية ،جامعة عبد الرحمان ميرة ،بجاية ،أكتوبر 2005م ،ص 15 :وما
يليها .
املفروضة على املستهلكين من طرف املنهي تحت طائلة تحميله غرامة في حالة االمتناع عن
ذلك .
لـقـد خـول املشـرع املغــربي لجمعـيات حمـاية املستـهـلك إمكـانـيـة تـمثيـل املستهلكـيـن
والـدفــاع عـن مصالحهم أمام القضاء ،حيث سبق أن نصت املادة 99من القانون رقم
06/99املتعلق بحرية األسعار واملنافسة 1على أنه " :يمكن أن تنتصب
جمعيات املستهلكين املعلن أنها ذات منفعة عامة طرفا مدنيا أو أن تحصل على تعويضات
عن الضرر الالحق باملستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة".
-1أنظر في هذا اإلطار :القانون رقم 06/99المتعلق بحرية األسعار والمنافسة الصادر بتاريخ . 2000/06/05
كما نصت املاد 157من قانون تدابير حماية املستهلك على أنه يمكن لجمعيات
حماية املستهلك املعترف لها بصفة املنفعة العامة أن ترفع دعاوى قضائية ،أو أن تتدخل
في دعاوى جارية ،أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاض ي التحقيق ،للدفاع عن
مصالح املستهلك ،وتمارس كل الحقوق املخولة للطرف املدني واملتعلقة باألفعال
والتصرفات التي تلحق ضررا باملصلحة الجماعية للمستهلكين ،غير أن جمعيات حماية
املستهلك غير املعترف لها بصفة املنفعة العامة والتي يكون غرضها حصريا هو حماية
املستهلك ،ال يمكن أن تمارس الحقوق املشار إليها أعاله إال بعد حصولها على إذن خاص
بالتقاض ي من الجهة املختصة وحسب الشروط التي يحددها نص تنظيمي ،وال تطبق
أحكام الفقرة الثانية من املادة 7من القانون رقم 22.01املتعلق باملسطرة الجنائية على
الجامعة الوطنية وجمعيات حماية املستهلك املشار إليها في هذه املادة. 1
وباإلضافة إلى ذلك فقد نصت املادة 158من قانون تدابير حماية املستهلك على
أنه استثناء من أحكام الباب الثالث من القسم الثاني والفقرة الثالثة من الفصل 33من
قانون املسطرة املدنية ،يجوز لكل جمعية لحماية املستهلك املشار إليهما في املادة 157
في حالة ما إذا تعرض عدة مستهلكين وكانوا أشخاصا طبيعيينمعروفة هويتهم ،ألضرار
فردية تسبب فيها نفس املورد وكان مصدرها واحدا ،أن تقيم دعوى املطالبة بالتعويض
أمام أي محكمة باسم املستهلكين املذكورين عندما تكون موكلة من قبل مستهلكين اثنين
على األقل من املستهلكين املعنيين باألمر شريطة أن تمنح لها الوكالة كتابة من قبل كل
مستهلك .
وينعقد االختصاص املحلي في الدعاوى املدنية ملحكمة املحل الذي وقع فيه
الفعل املسبب للضرر أو أمام محكمة موطن املدعى عليه باختيار جمعية حماية املستهلك
،في حين تقام الدعاوى املدنية التابعة أمام املحكمة الزجرية وفقا للشروط املقررة في
القانون 22.01املتعلق باملسطرة الجنائية ،وتوجه اإلشعارات والتبليغات التي تهم
املستهلك إلى جمعية حماية املستهلك التي تقيم الدعوى نيابة عنه ،وتكون صحيحة
بتسليمها إليها مع احترام اآلجال املقررة في القانون. 2
-1إلى جانب قانون تدابير حماية المستهلك هناك مجموعة من القوانين األخرى التي تطرقت إلى دور جمعيات
المستهلك في تمثيل المستهلكين أمام القضاء ،ومن هذه القوانين يمكن اإلشارة إلى المادة 7من قانون المسطرة
الجنائية والمادة 183من القانون رقم 17/97المتعلق بالملكية الصناعية .
وطبقا ملقتضيات املادة 162من قانون تدابير حماية املسهلك يمكن لجمعية
حماية املستهلك املشار إليها في املادة 157أن تطلب من املحكمة التي تنظر في الدعوى أو
الدعوى التابعة أن تأمر املدعى عليه أو الضنين ،بإيقاف التصرفات غير املشروعة أو
حذف شرط غير مشروع أو تعسفي في العقد أو في نموذج العقد املقترح أو املوجه إلى
املستهلك ،ويكون األمر الصادر عن املحكمة مقرونا بغرامة تهديدية تحددها املحكمة
ومشموال بالنفاذ املعجل ،وتطبق الغرامة التهديدية ابتداء من اليوم الثامن املوالي لتاريخ
األمر إذا صدر حضوريا ،وابتداء من اليوم الثامن املوالي ليوم التبليغ ،إذا لم يصدر
حضوريا ،ما لم تحدد املحكمة أجال آخرا لتطبيق الغرامة ال يتعدى ثالثين يوما ،وفي
حالة ما إذا أعرب املدعى عليه أو الظنين عن رغبته في إيقاف التصرفات غير املشروعة أو
حذف شرط غير مشروع أو تعسفي في العقد أو في نموذج العقد املقترح أو املوجه إلى
املستهلك ،تطبق املحكمة مقتضيات املادة السالفة ،وتمهل املعني باألمر أجال ال يتعدى
ثالثين يوما قابال للتجديد مرة واحدة ،وتطبق الغرامة التهديدية فور انتهاء األجل املحدد
من طرف املحكمة وتصفى عند النطق بالحكم ،وطبقا ألحكام املادة 165من قانون تدابير
حماية املسهلك يمكن للمحكمة التي تنظر في الدعوى أن تأمر بنشر الحكم الصادر عنها
بالوسائل التي تحددها ويتم هذا النشر طبقا للشروط وتحت طائلة العقوبات املنصوص
عليها في القانون الجنائي ،وتتم عملية النشر على حساب املحكوم عليه أو الطرف الذي
خسر الدعوى.
املبحــث الثانــي :حــدود وإكــراهــات جمعـيـات حمايـة املسته ــلك وآلـيـات مواجـهته ــا
إذا كان املشرع قد منح لجمعيات حماية املستهلك دورا أساسيا تمارسه إلى جانب
باقي الهيئات املسؤولة عن حماية املستهلك ومراقبة السوق االقتصادي ،فإن هذه
الصالحيات ال يمكنها أن تؤتي ثمارها ونتائجها ما لم تفعل على أرض الواقع من خالل
ترجمة النصوص إلى مبادرات ملموسة من أجل التحسيس واإلعالم وتمثيل املستهلك
والدفاع عن حقوقه االقتصادية وتـأمين سالمته الصحية واملادية من كل األفعال املخلة
بقواعد السوق والتنافس الشريف .
لذلك مهما كانت أهمية املساهمات واألدوار التي تقوم بها جمعيات حماية
املستهلك فإنها تعترضها بعض الصعوبات التي تحد من فعاليتها ،لذلك سوف نتطرق أوال
إلى تحديد مختلف الصعوبات واإلكراهات التي تعاني منها جمعيات حماية املستهلك (
الفقر األولى) قبل أن نتطرق ثانيا إلى إبراز الحلول املمكنة ملواجهتها ( الفقر الثانية).
نميز في هذا اإلطار بين الصعوبات الذاتية والصعوبات املوضوعية وهو ما
سنتعرض إليه تباعا كما يلي :
رغم األدوار والصالحيات املعترف بها لجمعيات حماية املستهلك ،فإنها في الواقع
تعترضها مجموعة من اإلكراهات والصعوبات الذاتية ،ومن أهم هذه الصعوبات يمكن
اإلشارة إلى ضعف املوارد املالية لهذه الجمعيات التي تمكنها من القيام واملساهمة
املستمرة في مواكبة احتياجات املستهلك وتوعيته والدفاع عن مصالحه ،فمن خالل
مختلف الدراسات املنجزة في هذا اإلطار يمكن القول بأن أغلب الجمعيات ال تتوفر على
موارد مالية باستثناء انخراطات األعضاء وهي ال تغطي في الغالب احتياجات الجمعية في
تحقيق األهداف التي تروم إلى تحقيقها ،لذلك فإن أغلب الجمعيات ناذرا ما تستمر في
مهمتها ،فإذا كان العمل امليداني يشكل الدور األساس ي لجمعيات حماية املستهلك من
خالل قيامها بأدوارها التحسيسية واإلعالمية ،إجراء الدراسات وإعداد املجالت والنشرات
وغيرها ،فكل هذه املهام تحتاج إلى موارد مادية لذلك فإن غياب النشاط امليداني
لجمعيات املستهلك غالبا ما يرتبط بعجزها عن تمويل مشاريعها وبرامجها املسطرة من
طرفها ،كما يوجد مشكل ازدواجية التعاطي الرسمي مع العمل الجمعوي بحيث يتم
إغراق بعض الجمعيات باإلعانات املالية وحجبها عن جمعيات أخرى ،بل ويتم التضييق
على نشاط جمعيات ذات أهداف جادة في مقابل دعم نشاط جمعيات ذات أهداف آنية ،
أما عن تمويل الجمعيات عن طريق الهبات والتبرعات فهي منعدمة في مجملها ،وذلك
يعود إلى ضعف الوعي العام بخطورة ما يعانيه املستهلك من جهة ،وانعدام التواصل
والنظرة الدونية التي تميزت بها جمعيات حماية املستهلك بسبب بعض العناصر التي ال
يوجد مبرر لوجودها غير استغالل الصفة من أجل مصالحها الشخصية من جهة أخرى .
كما أن مــن بين الصعـوبـات التي تعتـرض جمعيات حمايـة املستهلك يمكـن اإلشـارة
إلى غياب التنسيق والتعاون فيما بينها وغياب روح العمل الجماعي واملشترك وهاجس
حماية املصلحة الجماعية لجمهور املستهلكين ،مما يؤثر كثيرا على نتائج املبادرات املتخذة
من قبلها ،كما أن هذه العزلة التي تطبع اشتغال جمعيات حماية املستهلك تجعلها دائما
في موقع ضعف وتظل عاجزة عن التموقع في الساحة االقتصادية والسياسية ،صحيح
أنه قد نجد عددا من هذه الجمعيات يشتغل في إطار تكتالت وفيدراليات لتحقيق
األهداف واألنشطة التي ترمي إليها غير أنها ورغم مرور سنوات لم تحقق األهداف املنشودة
لها ،بحيث ظلت كل جمعية تشتغل على حدة دون تنسيق فعلي مع باقي الجمعيات مما
يترتب عليه صعوبة في توحيد املوقف واالقتراح الالزم اتخاذه في كل القضايا املرتبطة
بمصالح املستهلك .
وباإلضافة إلى ما سبق ،فإن أغلبية جمعيات حماية املستهلك ال تملك نشرات أو
مجالت خاصة ببيئة االستهالك وتوجيه وتحسيس املستهلك ،وحتى الجمعيات التي تتوفر
عليها فسرعان ما تتوقف عن إصدارها نظرا لقلة املوارد املالية والبشرية الالزمة إلصدارها
واستمرارها وهذا عامل أساس ي لضعف مساهمات جمعيات املستهلك في التوعية
والتحسيس والتصدي لكل الظواهر املضرة بحقوق ومصالح املستهلك ،كما أن أغلب
الجمعيات ال تتوفر على مقرات ملباشرة مهامها وأعمالها ومناقشة برامجها واتخاذ قراراتها ،
ذلك أن مقر الجمعية يعد الحد األدنى من وسائل عملها ،ويسهل على كافة املعنيين
إمكانية االتصال بها وطرح االستفسارات والشكايات الخاصة بهم ،وهذا األمر دفع بالكثير
من الجمعيات إما إلى اإليجار وهذا األمر بطبيعته ليس بالسهل ،وإما إلى التوقف عن
نشاطها وانتظار املناسبات حيث يتم دعوتها للقيام ببعض الحمالت التحسيسية أو
امللتقيات أو األيام الدراسية ،وينضاف إلى مشكل املقر ضعف التكوين لدى أعضاء
الجمعيات ،حيث يبقى من أهم العوائق التي تواجه جمعيات حماية املستهلك نقص
االحترافية وعدم تخصص أعضائها السيما وأن مهام جمعيات حماية املستهلك تحتاج إلى
أطر ومستشارين لهم دراية وخبرة بكل الجوانب القانونية واالجتماعية واالقتصادية ،كما
أن أغلب هذه الجمعيات تفتقر إلى مشاركة املجتمع العلمي أو الكفاءات العلمية والنخب
املتخصصة في مختلف مجاالت االستهالك ،بل وأكثر من ذلك نجد أن أغلب مسيري
جمعيات املستهلك ال يتوفرون على معرفة ودراية كافية بالنصوص القانونية سواء تعلق
األمر بالقانون الخاص بحماية املستهلك أو غيره من القوانين التي تهدف إلى حماية
املستهلك وتحسين إطاره املعيش ي ،وما تتضمنه هذه األخيرة من آليات للتدخل والحمايـة
ومن األحكـام التي تمنحها حق تمثيل املستهـلك والدفـاع عن حقوقـه أمـام مختلـف الجهـات
املعنية ،فجمعيات حماية املستهلك إذن هي مطالبة بتنمية معارفها وخبراتها وانفتاحها
بالشكل الذي يؤدي إلى تحسين أدائها وقدراتها على تحقيق أهدافها االجتماعية .
إلى جانب الصعوبات الذاتية التي تعاني منها جمعيات حماية املستهلك ،هناك
أيضا مجموعة من الصعوبات املوضوعية ،ونذكر منها صعوبة الوصول إلى وسائل اإلعالم
لنشر الثقافة والوعي االستهالكي ،حيث إن اعتماد جمعيات حماية املستهلك على وسائل
اإلعالم لتوصيل رسالتها التحسيسية واإلعالمية يبقى أمرا ناذرا ويتسم باملناسباتية ،
ويرجع ذلك إلى العراقيل التي تضعها الجهات املسؤولة عن مؤسسات اإلعالم في مواجهة
الجمعيات ،فهذه املؤسسات غالبا ما تفضل الجمعيات التي تكتفي باملدح وتلبية املطالب
املوجهة من طرفها ،في حين تعمل على إغالق أبوابها في وجه الجمعيات التي تسعى إلى
التعبير وكشف الحقائق وواقع السوق واملعاناة الحقيقية للمستهلك ،ومن الصعوبات
التي تعاني منها جمعيات املستهلك أيضا املخاطر التي تتعرض لها في عالقاتها مع الفاعلين
االقتصاديين بحيث هناك مجموعة من املتاعب واإلكراهات التي تواجهها أثناء قيامها
بحمالتها التحسيسية ومراقبة السوق من حيث نوعية املنتجات وطريقة عرضها وأسعارها
،وإذا كانت جمعيات حماية املستهلك تتلقى شكاوى من طرف املستهلكين ،فإن هذه
الجمعيات عادة ما تقوم ببعث هذه الشكايات واملراسالت إلى الجهات العمومية املعنية
قصد إخطارها باملمارسات غير املشروعة الصادرة عن بعض املهنيين ،لكي تقوم بدراستها
واتخاذ التدابير والقرارات املناسبة بشأنها ، 1غير أن التجـربة كشفت عن تعاطي سلبي من
طرف هذه الجهات التي ال تعمل على أخذ هذه املراسالت بعين االعتبار مما يجعل عمل
الجمعيات بدون فائدة ،وفضال عن ذلك فإن هناك مجموعة من العوائق التي تتصل
بضعف التشريع حيث نجد مثال أن جمعيات حماية املستهلك تعترضها مجموعة من
القيود في حالة رغبتها في التقاض ي 2وتمثيل املستهلك أمام القضاء ، 3حيث يشترط قانون
تدابير حماية املستهلك أن تكون هذه الجمعيات معترف لها بصفة املنفعة العامة ،في حين
أن الحصول على هذه الصفة يتوقف على توفر مجموعة من الشروط التعجيزية غير
املبررة منها أن يكون غرضها هو الدفاع عن مصالح املستهلكين حصريا وأن تكون خاضعة
ألنظمة أساسية مطابقة لنظام أساس ي نموذجي يحدد بنص تنظيمي ويتضمن مجموعة
-1أنظر في هذا اإلطار :الهواري هامل ،دور الجمعيات في حماية المستهلك ،مجلة العلوم القانونية واإلدارية،
عدد خاص صادر عن كلية الحقوق بجامعة جياللي ليابس ،سيدي بلعباس ،الجزائر ،أبريل ، 2005ص. 224،
2
- Dans ce sens voir : Philipe Brun et Héléne Claret , institution de la
consommation et organisme de la défense des consommateurs , Juris classeur ,
« concurrence et consommation » , fascicule 120000 , Edition : 1998 .
-3أنظر في هذا اإلطار :إشكالية تمثيل جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء ،مجلة المعيار ،العدد 38دجنبر
، 2007ص 56 :وما يليها.
من الضوابط التي يجب على الجمعيات احترامها والتقيد بها سواء فيما يتعلق بتسمية
الجمعية والهدف املتمثل في حماية مصالح املستهلك املالية واالقتصادية 1واالجتماعية
وأن تتوفر على اإلمكانيات والقدرات املالية التي تمكنها على وجه الخصوص من إنجاز
املهام املحددة في نظامها األساس ي والتي تكتس ي طابع املصلحة العامة وأن تمسك محاسبة
تسمح بإعداد قوائم تركيبية تعكس صورة صادقة عن ذمتها ووضعيتها املالية ونتائجها
وفقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل ،واحترام االلتزام بتقديم املعلومات املطلوبة
والخضوع للمراقبة اإلدارية املنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري
بها العمل ،وغيرها من الشروط والقيود املنصوص عليها والتي تعيق عمل هذه الجمعيـات
ومساهمتها فـي أداء األدوار واملهام املنوطة بها ،2وإضافة إلى ذلك يبقى من أهم الصعوبات
التي تعاني منها جمعيات حماية املستهلك ضعف الوعي االستهالكي والثقافة االستهالكية
لدى الكثير من املستهلكين مما يساهم في الحد من فعالية الجهود واملبادرات املبذولة من
قبل هذه الجمعيات ،حيث إن الكثير من املستهلكين ال يطالبون بحقوقهم ويتجاهلون ما
يتعرضون له من تجاوزات وخروقات وال يلجؤون لجمعيات حماية املستهلك بالرغم من
علمهم بوجودها ،وهذا األمر قد يعود لسببين وهما :تخوف املستهلكين من عدم
إنصافهم وعدم ثقتهم في هذه الجمعيات ،ثم ضعف وتدني القدرة الشرائية للمستهلك
حيث إن املستهلك ذو الدخـل املحدود غالبا ما ينصـرف عـن املطالبة بالجـودة لصالح
السعر ،بحيث يفضل شراء منتجات ذات أسعار منخفضة بغض النظر عن جودتها
ونوعيتها وكيفية صنعها وتكوينها.
الفقــر الثـانـيـة :الحل ــول والسبــل املمكنـة لتفعيل دور جمعـيـات املستهـلــك
تبين لنا من خالل ما سبق أن جمعيات حماية املستهلك تقوم بمجموعة من املهام
واألدوار األساسية والتي تتجلى بوضوح من خالل مساهماتها في توفير حماية لحقوق
املستهلك ونشر الوعي االستهالكي والحد من كل املخاطر التي قد تعرض املستهلك لبعض
األضرار املادية واملعنوية ،غير أنها ومهما كانت هذه املهام واألدوار فإنها الزالت تعترضها
مجموعة من اإلكراهات التي تحد من فاعليتها ،لذلك فإننا نعتقد بأنه يجب االهتمام أوال
-1حول مفهوم المصلحة الجماعية للمستهلكين أنظر :كريم تعويلت ،حماية المصلحة االقتصادية للمستهلك من
الممارسات التجارية في القانون الجزائري ،أيام دراسية حول التعديالت المستحدثة في ظل المنظومة القانونية
الوطنية ،قسم العلوم القانونية واإلدارية ،جامعة عبد الرحمان ميرة ،بجاية ،أكتوبر 2005م ،ص 15 :وما
يليها .
-2أنظـر في هـذا اإلطـار :القانـون رقم 06/99المتعلق بحريـة األسعـار والمنافسـة الصـادر بتاريـخ
. 2000/06/05
بالعنصر البشري القادر على تسييرها وتحديد أنشطتها وبرامجها مع التركيز على أن يكون
هذا األخير من ذوي االختصاص في مجاالت االستهالك على اختالفها وأن تتحمل هذه
الجمعيات مسؤولياتها كاملة ألن عمل جمعيات املستهلك ليس رفاهية أو عمال تكميليا بل
يجب على الجميع أن يعي بأن تأسيس جمعية لحماية املستهلك هو مسؤولية يترتب عليها
واجبات يجب االضطالع بها بما يحفظ املصلحة االستهالكية العامة مما يقتض ي حرص
السلطات على تفعيل دورها الرقابي خالل مرحلة منح التراخيص بتأسيس هذه الجمعيات
سواء من حيث الشكل أو املوضوع ، 1كما يجب إعادة النظر في شروط تمثيل املستهلكين
من طرف هذه الجمعيات أمام القضاء وإعادة النظر أيضا في مفهوم املنفعة العامة كقيد
على إمكانية لجوء الجمعية للدفاع عن مصالح املستهلك أمام القضاء ،كما يجب تفعيل
دور الجمعيات في التواصل مع املستهلك بكيفية دائمة ومستمرة مع توسيع نطاق
اشتغالها بأن ال يبقى مقتصرا على مجال معين بل يجب أن تنفتح على مختلف مجاالت
االستهالك ،2باإلضافة إلى وجوب احتفاظها باستقالليتها تجاه السلطات العمومية حتى
تكسب ثقة عامة املستهلكين السيما وأن من أهم واجبات جمعيات حماية املستهلك أن
تعمل على ممارسة ضغوطات على السلطات العمومية وحملها على ضرورة اليقظة
واملراقبة الدائمة وفي نفس الوقت يجب على السلطات العمومية أن تقدم لها الدعم
املادي ملمارسة أنشطتها وتزويدها بمقرات مناسبة لطبيعة عملها ومهامها وتسهيل
اعتمادها على وسائل اإلعالم بمختلف أصنافها قصد إيصال رسالتها إلى أكبر نسبة من
املستهلكين وبالتالي الحد من مخاطر االستهالك وخلق مستهلك واع ومسؤول ،3كما يجب
توسيع حق الجمعيات في تمثيل املستهلك أمام القضاء والتقليص من القيود الواردة في
هذا اإلطار خاصة في ظل هذا االنفتاح االقتصادي 4الذي أصبح املستهلك خالله في أمس
الحاجة لهذا التمثيل نظرا للفوض ى التي أصبح يعرفها السوق االقتصادي واملخاطر
-1أنظر في هذا اإلطار :حسين جمعة ،الحق في تكوين الجمعيات والمؤسسات األهلية ،السنة . 2004 :
-2أنظر في هذا اإلطار :مها سليمان أبو طالب ،ترشيد االستهالك والمستهلك ،دبي ،دار القلم للنشر والتوزيع ،
السنة . 1999 :
-3د /عمر السكتاني ،مداخلة خالل أشغال ندوة حماية المستهلك المنظمة من طرف مختبر قانون األعمال بكلية
الحقوق بسطات بتاريخ 14مارس ، 2013أشغال اليوم الدراسي حول حقوق المستهلك االقتصادية والتمثيلية
واإلنصات إليه ،ص 4 :وما يليها .
-4أنظر في هذا اإلطار :أبو بكر أحمد األنصاري ،الحماية الجنائية للمستهلك ،دراسة مقارنة بين القانون المغربي
والقانون الليبي ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق بالدار البيضاء ،السنة الجامعية :
، 1997/1996ص . 30 :أنظر أيضا :مهدي منير ،المظاهر القانونية لحماية المستهلك ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية ، 2005/2004 :ص . 25 :
الناجمة عنها ،1وأن يتم إشراكها بكيفية فعالة وناجعة في كل البرامج واملقاربات ذات
الصلة باالستهالك حتى ال تبقى مجرد صورة بدون صوت يتم تسويقها بكيفية مناسباتية
لتحقيق بعض املكتسبات على حساب مصالح املستهلك ،وحتى تؤدي جمعيات حماية
املستهلك وظيفتها على أكمل وجه يجب عليها التنسيق فيما بينها وخلق اتحادات وفدراليات
وجامعات تتكت ل تحتها مجموعة من الجمعيات حسب التخصص ومجال االهتمام قصد
تمكينها من ممارسة مهامها والضغط على الفاعلين االقتصاديين ومختلف الهيئات ذات
الصلة واألخذ باملقترحات والتقارير التي تقوم بإنجازها حتى تكون هذه الجمعيات وسيلة
للرصد واإلنذار واليقظة خاصة في ظل تزايد املخاطر التي تهدد أمن وسالمة املستهلكين
حيث إن الكثير من املنتجين ال يهمهم سوى تصريف منتجاتهم وخدماتهم ،مما دفع
البعض منهم إلى البحث عن ابتكار طرق غير مشروعة لتحقيق األرباح من خالل تقديم
منتجات ضارة دون املباالة بنتائجها وحتى مراعاة القواعد القانونية واألخالقية 2وهذا
يقتض ي تقوية دور جمعيات املستهلك وتمكينها من التدخل سواء بكيفية سابقة قصد
وقاية املستهلك من كل مساس أو بكيفية الحقة ويكون هدفها القمع وإيقاف املنهي من
االستمرار في تجاوزاته وأفعاله املنافية لقواعد املنافسة واألمن االستهالكي ، 3وإضافة إلى
ذلك يجب على الدولة أن تهتم بعنصر التكوين لفائدة الجمعيات ،وذلك بتنظيم دورات
تكوينية مستمرة يستفيد منه أكبر عدد ممكن من أعضاء هذه الجمعيات وأن تتناول هذه
الدورات التكوينية أكثر املواضيع أهمية وحساسية وفي مختلف املجاالت ذات الصلة
بعمل جمعيات حماية املستهلك .
وانطالقا من ذلك ومهما كانت أهمية اإلطار القانوني لحماية املستهلك ،فإن دور
جمعيات حماية املستهلك يبقى أساسيا بالنظر لقربها من املستهلك ومعايشتها ملعاناته
اليومية السيما في ظل هذا االنفتاح االقتصادي ،وتبقى هي القادرة على تنزيل آليات
الحماية من القانون إلى الواقع ،والتدخل في كل وقت أو حين لتوجيه املستهلك إلى
السلوك االستهالكي السليم واملسؤول ،وبالتالي حرصها على حماية حقوقه االقتصادية
1
- Fadila Sakhri , le rôle des associations du consommateur dans l’émergence
d’un contre pouvoir face au professionnels , Revue Algérienne , des sciences
juridiques , économiques et politiques , volume 36 , 2002 , N 1
-2أنظر في هذا اإلطار :كتو محمد الشريف ،حماية المستهلك من الممارسات المنافية للمنافسة ،مجلة إدارة ،عدد
، 1 :السنة . 2002 :
3
- Dans ce sens voir :Serge Guichard , consommation « responsabilité des
associations du consommateur » , Droit de critique et boycott , juris classeur ,
fascicule 1215 , édition : 1996 .
والتمثيلية واإلنصات إليه ، 1والدفاع عن مصالحه بكيفية شمولية سواء تعلقت بالسلع
أو بالخدمات ،حيث أصبح من الضروري ضبط العالقة بين املستهلك ومقدم الخدمة أو
املنتج ،ففي إطار عالقة غير متوازنة والتي غالبا ما تميل لصالح مقدم الخدمة وللرساميل
املتحكمة في الدورة اإلنتاجية ،أصبح االنتباه إلى املستهلك الذي يعد الحلقة األضعف في
هذه الدورة مطلبا أساسيا وحاجة ملحة وتزداد هذه الحاجة أكثر إذا علمنا بأن السياسة
االستهالكية تشكل عامال من عوامل تطور السياسة االقتصادية واالجتماعية وهذا األمر
يبقى رهينا بنشر ثقافة االستهالك لدى الجميع ،ألن تعزيز الثقافة االستهالكية باملغرب
يعد مكونا أساسيا للدينامية املجتمعية والتربوية الرتباطه الوطيد بدور الجمعيات ّ
الناشطة في مجال حماية املستهلك ،حيث يصعب على املستهلك بمفرده مواجهة املوردين
،مع كل التنوع الهائل في املنتوجات املعروضة والخدمات املقدمة في السوق ،ومقاومة
شدة التأثيرات واإلغراءات التجارية املتعددة للعوملة االقتصادية والتنافسية خاصة وأن
مجال االستهالك أصبح ُمتعدد ومتنوع وشديد التداخل ؛ وهو األمر الذي يجعل منه فضاء
لتدخل فاعلين عديدين ،بما في ذلك اإلدارات املكلفة على سبيل املثال ال الحصر بالصحة
والتغذية والعقار واالتصاالت والسياحة والنقل والخدمات املالية ،وهذا الواقع يقتض ي
من جمعيات حماية املستهلك أن تكون أكثر مهنية واحترافية ،وإلى اعتماد قواعد الحكامة
الجيدة في إدارتها من أجل القيام بمهامها بشكل فعال ،وإلى إعادة النظر في طريقة
اشتغالها ،وإلى العمل على بروز فيدراليات جهوية على غرار الغرف املهنية من أجل تقوية
دورها وتدخالتها وتمكين القطاعات الوزارية من التوفر على شريك قوي من حيث
التمثيلية قادر على مواكبة األوراش العديدة في هذا املجال السيما وأن بعض الصعوبات
التي تواجهها تعود في جانب مهم منها إلى وجود إكراهات تنظيمية وهيكلية بعضها يرتبط
بضعف التأطير لبعض الجمعيات ،وكذا عدم تكتلها في اتحادات جهوية تشكل بها قوة
فاعلة في تحوالت السوق ،وتمكنها من اتخاذ مواقف قوية ومساندة بجمهور املستهلكين
كقوة فاعلة في السوق ،ولتجاوز هذه اإلكراهات البد من إشراك كافة اإلدارات
واملؤسسات املعنية وتمكين هذه الجمعيات من التمويل الالزم وفق برنامج محدد ،وتوفير
مقرات لها ضمانا للتوازن بين املنهي واملستهلك.
-1أنظر في هذا اإلطار :سامية لموشية ،مداخلة بعنوان :دور الجمعيات في حماية المستهلك ،مجموعة أعمال
الملتقى الوطني " حماية المستهلك في ظل اقتصاد السوق " ،معهد العلوم القانونية واإلدارية ،المركز الجامعي
بالوادي ،أيام 13و 14أبريل ، 2008ص . 287 :
وتحقيقا لذلك يجب تعزيز املكاسب املنجزة عن طريق إعادة النظر في كل
الجوانب التي تحد من فعالية هذه الجمعيات في القيام بالدور املنوط بها والسيما توفير
الدعم املادي والتقني لجمعيات حماية املستهلك في مجال الخبرة والتكوين بتنسيق مع
األجهزة الحكومية الساهرة على تطبيق قوانين حماية املستهلك مع مراعاة املناخ السوسيو
اقتصادي للمعامالت التجارية بإيجاد الحلول االجتماعية واالقتصادية والقانونية
لالقتصاد غير املهيكل لتحسين املناخ العام للتنافسية مع ضرورة تفعيل املقاربة
التشاركية بإشراك جمعيات في مرحلة مناقشة القوانين ذات الصلة بالبيئة االستهالكية
ومنحها فرصة إبداء رأيها واقتراحاتها بشأنها السيما وأننا الحظنا في اآلونة األخيرة صدور
عدد مهم من القوانين لها تأثير مباشر أو غير مباشر بمجال االستهالك غير أنه لم يتم أخذ
وجهة نظر هذه الجمعيات بشأنها ،وإضافة إلى ذلك فإن تفعيل الضمانات املنصوص
عليها قانونا وتقويتها يبقى فرض عين على جميع الجهات املسؤولة عن توفير األمن
االستهالكي ،ألن القانون مهما كان إيجابيا فإن فعاليته تتوقف على املمارسة وتنزيل
النصـوص وفق مقاصدها خدمـة للعدالـة التي نسعى إليها جميعا .
محمد االيوبي
دكتور في القانون الخاص
- 1قانون حماية المستهلك أو قانون المستهلك ينظم العالقات القانونية بين الفرد والمستهلك وبين قطاع األعمال الذي
يبيع البضائع ويقدم الخدمات ،وتغطي حماية المستهلك مجاال واسعا من المواضيع ،بما فيها (دون الحصر) مقاضاة
المنتجات وحقوق الخصوصية وممارسات تجارية غير عادلة واالحتيال وسوء تعريف للمنتجات ،وغير ذلك من
تداخالت المستهلك من التاجر.
ويتعامل مع العالقات المالية وخدمة سالمة المنتجات والعقود وتنظيم سداد الفواتير والتسعير ورد البضائع
وغيرها .وقد تفرض قوانين المستهلك وضع مالحظات للمستهلك كالتنبيهات التي تعلن في كل أماكن تصليح
السيارات في كاليفورنيا ،وتتنوع القوانين الخاصة بالمستهلك ،فمنها قانون ممارسات سداد الديون العادلة faire
debt collection particesactفي الواليات المتحدة وقوانين مالية أخرى تتصل باالعتماد ،في معظم الواليات
توجد مديرية شؤون المستهلك وتعمل على تنظيم بعض الصناعات وحماية المستهلكين المستخدمين لخدمتها .فمديرية
شؤون المستهلك في كاليفورنيا تنظم 2.3مليون مهنيا من 230مهنة مختلفة عبر أربعين وحدة تتبع لها .كما تشجع
المستهلكين على العمل المباشر ومن أهم القوى األهلية :شبكة عمل مستهلكي الخدمات utility consumer’s
،action networkاالتحاد الفدرالي للمستهلك في كاليفورنيا ،consumer fédération of california
وبيت خبرة حقوق الخصوصية.
أما االتحاد األوروبي فقد أصدر العديد من القوانين التي تطلب من الدول األعضاء تنظيم حماية المستهلك إلى
مستوى معين ،وأهمها القانون التوجيهي للممارسات التجارية الغير العادلة commercial partices directive
،unfairوالقوانين التوجيهية للشروط التعسفية غير العادلة contractterms 93/13/ECللتجارة
االلكترونية ،Electronic commerceويوجد المفوض األوروبي لحماية المستهلك أما في ألمانيا فقد اعتمدت
قوانين حماية مأخوذة وفقا لقوانين التوجيهية لالتحاد األوروبي وقد ضم بعضها إللى مدونة القانون المدني.
صلَّى
قو اِلل َّن اب ِّي َ
وفي التاريخ اإلسالمي عرف مبدأ حماية المستهلك عن طريق تحريم الغش ومتابعته في األسواق ( ْ
َّ
س ام َّنا) .أخرجه مسلم في الصحيح ِ -ك َتاب إاإلِيم ِ
َان - ش َنا َفلَ ْي َ
سلَّ َم مَنْ َغ َّ
َّللا ُ َعلَ ْي اه َو َ
كما حرمت التاجرات والعقود التي قد تؤدي للممارسات غير العادلة (عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول
َّللا -صلى َّللا عليه وسلم -قال ِ :ل يبع بعضكم على بيع بعض ) أخرجه البخاريُّ (في باب البيوع ،ص
،)5061والعقود غير الواضحة النتائج (كبيع الثمر على الشجر قبل أن يبدو صالحه) واعتمدت مبادئ منها إزالة
الجهالة المفضية للتنازع من شروط العقد أو صفة البضاعة ،كما عرفت حماية المستهلك على النطاق العملي
الرسمي والشعبي بالحسبة ،ووفق مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما الدول العربية المعاصرة فقد بدأت باعتماد الهيئات الحكومية والمنظمات األهلية لحماية المستهلك وتتواجد في
معظم البالد العربية كدول الخليج ومصر وسورية واألردن ولبنان وغيرها .وقد نشأت مصر بعض األنشطة األهلية
التي ترتبط بحماية المستهلك ومواجهة الغالء واالستغالل والجشع ،ومن أشهرها :منتدى المستهلك المصري ويحرره
المستهلكون بأنفسهم ويحاولون حركة منظمة وموحدة للمستهلك المصري ،بإحياء حركة تعاونية طبقا للمعايير
العالمية وتعزيز الرقابة الشعبية على األسواق ،عن شهادة جودة تمنحها منظمات وجمعيات حماية المستهلك للسلع
والخدمات التي تلتزم بالجودة المناسبة والسعر العادل.
-للمزيد من اإلطالع أنظر في ذلك ،عبد الفتاح الزيتوني ،تنازع االختصاص في العقد اإللكتروني ،المطبعة
والوراقة الوطنية الداوديات ،مراكش ،الطبعة األولى ،2010ص .273 -272
- 1خالد عبد الفتاح محمد ،حماية المستهلك في القانون الدولي الخاص ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2002ص
.4
- 2عبد الباسط جاسم محمد ،تنازع االختصاص القضائي الدولي في التعامالت التجارية اإللكترونية ،منشورات
الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى ،2014ص .203
املستهلك؟ وما تأثيرها على تعيين املحكمة املختصة بنظر النزاع الناش ئ عن التعاقد
بالوسائل اإللكترونية الحديثة؟ (املطلب الثاني).
املطلب األول :أثر املوطن في حماية املستهلك عند تحديد املحكمة املصتصة بنظر
النزاع.
ال شك أنهناك مقاربات تشريعية ،تختلف في النظامين األنجلوسكسوني والالتيني
يتسمان بنوع منالتشدد نوعا ما حيال املسائل التي لها مساس بحماية األفراد ،ومن ضمنها
حماية املستهلك ،في مقابل النظرة األمريكية (املنفتحة) ،بسبب حرية التعبير عن الرأي،
السائدة في املنظومة االجتماعية والسياسية األمريكية ،مما يولد نظرة تتجه نحو عدم
تقييد التعامالت اإللكترونية ،بقيود تحد من إمكانية توسيعها ،ال سيما في ضوء عدم
قابلية شبكة األنترنت الدولية ،للتقيد بقيود املكان(.)1
وإذ كان املستهلك ،هو الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية التقليدية ،فيصح
التساؤل عن املقصود ب (املستهلك) في العقود املبرمة بالوسائل اإللكترونية؟ (الفقر
األولى ) ،وكيف تحميه التشريعات الحديثة؟ وإلى أي مدى تصل هذه الحماية؟ وما مدى
االرتباط بين املوطن وبين الحماية املقررة للطرف الضعيف في العالقة التعاقدية؟
(الفقر الثانية).
الفقر األولى :مفهوم املستهلك في العقود االلكترونية.
من املفارقات غير املنطقية أن يبدأ التطور رويدا رويدا نحو فكرة حماية املستهلك
في حد ذاتها دونما تطور مماثل لتحديد من نحمي(.)2
ولذلك يتعين في البداية توضيح أن املفهوم القانوني للمستهلك في نطاق التجارة
اإللكترونية هو متلقي املنتج أو الخدمة في نطاق هذه التجارة.
واملستهلك( )3في مجال املعامالت التجارية اإللكترونية هو نفسه املستهلك في مجال
عمليات التعاقد التقليدية ،ولكنه فقط يتعامل عبر وسيلة إلكترونية ومن خالل شبكات
اتصال عاملية ،وهذا يعني أن للمستهلك اإللكتروني نفس حقوق املستهلك العادي ويتمتع
بنفس الحماية القانونية التي يقررها املشرع مع األخذ بعين االعتبار القواعد الخاصة
املتعلقة بخصوصية عقود التجارة اإللكترونية كونها من العقود التي تبرم عن بعد عبر
شبكة إلكترونية.
ولتحديد مفهوم املستهلك أهمية كبيرة خاصة وأن صفة املستهلك يمكن إطالقها
على كل من يحصل على حاجاته األساسية لغرض شخص ي أو عائلي ،وأيضا على من
يحصل على السلعة أو الخدمة بطريقة الشراء لغرض مهنته أو حرفته(.)1
فقد ظل تحديد هذا املفهوم الذي يعتبر الحلقة األهم في هذه النزاعات يتنازعه
اتجاهان مختلفان ،األول ضيق :ويحصر املستهلك في األشخاص الذين يقتنون أو
يستعملون السلع والخدمات إلشباع حاجاتهم الخاصة والعائلية ،بعيدا عن أي ارتباط
للمهنة التي يزاولونها ،مما نتج عنه استبعاد فئة مهمة من املستهلكين كالشخص املعنوي
واملنهي الذين يتصرف خارج نشاطه املنهي ،وهو التوجه الذي أخذت به جل التشريعات
الوضعية( )2وعلى رأسها املشرع الفرنس ي(.)3
أما التوجه األوروبي رقم ،97/7فقد عرف املستهلك بأنه "كل شخص طبيعي يبرم
عقدا من تلك التي تخضع لهذا التوجيه ألغراض ال تدخل في مجال نشاطه املنهي(.)4
-وفي نفس االطار نشير إلى أن مفهوم "المستهلك" من صنع المشرع األمريكي الذي أخذ بخطاب الرئيس Jhon
،Fiszhald Kennedyحيث دعا مجلس الشيوخ بتاريخ 15مارس 1962إلى ضرورة تحديد الحقوق التي
يجب أن يتمتع بها المستهلك وهي :حقه في اإلعالم ،حقه في األمن ،حقه في االتيار ،حقه في أن يسمع له ويأخذ
برأيه.
-بليمان يمينة ،دور اإلعالم واإلشهار في نشر الثقافة اإلستهالكية ،مجلة التواصل القضائي ،عدد مزدوج ،3-2
فبراير ،2014ص .150
-1أحمد محمد خلف ،الحماية الجنائية للمستهلك ،دراسة مقارنة دار الجامعة الجديدة للنشر ،2005 ،ص .51
-2راجع بهذا الخصوص:
-السيد عمران ،حماية المستهلك أثناء تكوين العقد ،منشورات المعارف اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،1983 ،ص
.6
و محمد عبد الرحيم الديب ،الحماية المدنية للمستهلك ،دراسة مقارنة ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،2011 ،ص 9
وما بعدها.
ونبيل محمد أحمد صبيح ،حماية المستهلك في التعامالت االلكترونية ،دراسة مقارنة (بدون سنة وال طبعة) ص .20
-3الذي عرف المستهلكين في المادة L-23-1من القانون االستهالك الفرنسي الصادر في 26يوليو ،1993بأنهم
"األشخاص الذين يحصلون أو يستعملون المنقوالت أو الخدمات لالستعمال الغير المهني"
للمزيد من االطالع حول النقاش الدائر لدى الفقه الفرنسي حول مفهوم المستهلك ،يرجى اإلطالع على:
-j-Calais-Auloy et Frank. Steinmetz, Droit de la consommation,
Dalloz,7éme ;édition ,2006,p,7et s, aussi, VirgineCibert-Goton et
AdamouAlbortchire, Partique de droit de la concurrence et de la consommation,
Edition Eska ,France, 2007, p. 1et s, aussi, Guy Raymond, Domaine
d’application du droit de la consommation, une personne moral est-elle un
consommateur » ;in Rev.Contr –concu- consom, 12 Année N°1,Janvier 2002,
- 4المادة الثانية من الفقرة الثانية.
والثاني هو االتجاه املوسع()1فقد اكتفى في تعريفه للمستهلك بالنص على أنه "كل
شخص يتعاقد بهدف االستهالك" وهو مفهوم يسمح بإدراج الشخص املعنوي وكذا املنهي
الذي يتعاقد خارج نطاقه مهنته تحت مفهوم املستهلك(.)2
أما بالنسبة للمشرع املغربي فقد أخذ بمفهوم وسط بين املفهومين الواسع
والضيق عندما نص في املادة الثامنة من ق)3(31.08 .على أن املستهلك هو "الشخص
الطبيعي أو املعنوي الذي يعتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير املهنية منتوجات أو
خدمات معدة الستعماله الشخص ي أو العائلي" وال شك بأن املفهوم الذي أخذ به املشرع
املغربي من شأنه طرح العديد من املشاكل على املستوى العملي خصوصا في عالقته
بالتطبيقات القضائية املستقبلية للقضاء املغربي وهو ما يمكن مالحظته من خالل أولى
التطبيقات القضائية املغربية ،إذ جاء في قرار صادر عن محكمة االستئناف التجارية
بالدار البيضاء بتاريخ ،29/05/2012بأن األمر املستأنف الصادر عن نفس املحكمة بتاريخ
،28/02/2012قد طبق مقتضيات قانون حماية املستهلك بالرغم من أن النزاع يجمع بين
طرفين مهنيين وأن العقد الذي يجمع بينهما هو عقد ائتمان إيجاري ذو صبغة تجارية(.)4
-1محمد إبراهيم بنداري " ،نحو مفهوم أوسع لحماية المستهلك في عقد اإلذعان" مجلة األمن والقانون ،السنة الثامنة،
العدد األول ،يناير ،2000ص 70 ،وما بعدها.
- 2للمزيد من االطالع حول مفهوم المستهلك ينظر في ذلك:
-محمد بودالي ،حماية المستهلك في القانون المقارن ،دراسة مقارنة مع القانون الفرنسي ،دار الكتاب الحديث،
،2006ص 21وما بعدها.
وبوعبيد عباسي ،مفهوم المستهلك على ضوء العمل التمهيدي لمشروع قانون المستهلك" المجلة المغربية لالقتصاد
والقانون المقارن ،العدد ،2002 ،37ص 173وما بعدها.
ودنيا مباركة " ،الحماية القانونية لرضا مستهلكي السلع والخدمات" المجلة المغربية لالقتصاد والقانون ،العدد ،3
يونيو ،2001ص 46وما بعدها.
- 3ظهير شريف رقم 03.11.1صادر بتاريخ 14ربيع األول 18( 1432فبراير )2011بتنفيذ القانون رقم
31-08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5932الصادرة بتاريخ 3
جمادى 7( 1432ابريل )2011ص .1072
-وقد عرف القانون االتحادي لدولة اإلمارات العربية المتحدة رقم 24لسنة 2006في شأن حماية المستهلك في
المادة األولى المقصود بالمستهلك بأنه" كل من يحصل على سلعة أو خدمة بمقابل او بدون مقابل إشباعا لحاجته
الشخصية او حاجات اآلخرين".
-صدر القانون االتحادي لدولة اإلمارات العربية المتحدة رقم 24لسنة 2006بشأن حماية المستهلك في
2006/8/13وقد نص على أن يعمل به بعد ثالثة أشهر من تاريخ نشره.
-ونجد أن القانون اللبناني الخاص بحماية المستهلك رقم 13068لسنة 2004عرف المستهلك في المادة الثانية من
القانون المخصصة للتعريفات بأنه" هو الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يشتري خدمة أو سلعة أو يستأجرها أو
يستعملها أو يستفيد منها ،وذلك ألغراض غير مرتبطة مباشرة بنشاطه المهني.
-صدر القانون اللبناني بشأن حماية المستهلك بموجب المرسوم رقم 13068لسنة 2004بتاريخ 5غشت .2004
-كما عرف قانون سلطنة عمان بشأن حماية المستهلك رقم 81لسنة 2002المستهلك بأنه " كل شخص طبيعي أو
معنوي يشتري سلعة أو خدمة أو يستفيد من أي منهما".
-صدر مرسوم سلطاني رقم 81لسنة 2002بإصدار قانون حماية المستهلك في 28غشت لسنة ،2002ونشر
هذا المرسوم في الجريدة الرسمية برقم 726في .2002/9/1
- 4لمزيد من االطالع حول الموضوع انظر :قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 2897/2012
صادر بتاريخ 29/5/2012ملف عدد .921/2012/4
أما القضاء الفرنس ي ،فنجد محكمة النقض الفرنسية( )1قد تبنت في بعض
األحكام االتجاه املوسع لفكرة املستهلك ،حيث اتجهت إلى إضفاء صفة املستهلك على
الشخص املعنوي ،فقد قضت باعتبار أحد الشركات التجارية العاملة في مجال العقارات
من قبيل املستهلكين على أساس أن تعاقدها كان خارج مجال تخصصها ،وذلك بغرض
االستفادة من نصوص قانون حماية املستهلك في مواجهة الشروط التعسفية الصادر في
10يناير 1978حيث كانت هذه الشركة قد تعاقدت على شراء إنذار بغرض حماية
مواقعها ،إال أنه تبين فيما بعد أن هذا الجهاز به بعض العيوب الفنية ،فأقامت الشركة
دعوى قضائية بطلب إبطال العقد الذي يربطها بالبائع ،واعتبرت املحكمة بأن شروط
العقد تعسفية وأن الشركة بالرغم من أنها شركة مهنية تعمل في مجال العقارات،إال أن
هذا التعاقد جاء خارج عن نطاق تخصصها الفني والتقني الخاص بنظام أجهزة اإلنذار،
وأن الشركة تعتبر في نفس وضعية أي مستهلك آخر.
والواقع أن إدخال الشخصيات املعنوية كالنقابات والجمعيات في طائفة
املستهلكين له ما يبرره،بحيث أنها ال تمارس نشاطا تحصل منه على مواردها املالية(.)2
بينما اتجه القضاء الحديث ملحكمة النقض الفرنسية( ،)3نحو املفهوم الضيق
لفكرة املستهلك ،حيث استبعد املنهي من نطاق حماية املستهلك طاملا كانت معامالته لها
صلة مباشرة مع نشاطه املنهي أما إذا كان معامالته تبعد عن مجال تخصصه فإنه يكون
مجرد مستهلك عادي.
وفي ضوء ما سبق يمكن تعريف املستهلك اإللكتروني حسب البعض( )4بأنه "ذلك
الشخص الذي يبرم العقود اإللكترونية املختلفة من شراء وإيجار وقرض من أجل توفير
حاجياته من سلع وخدمات له ولعائلته ،دون أن يعيد تسويقها".
-أمر صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 1087بتاريخ 28/02/2012ملف رقم ،436/02/2012
أشار إليهما ،المهدي العزوزي ،تسوية نازعات االستهالك في ضوء القانون رقم 31-08القاضي بتحديد تدابير
لحماية المستهلك ،سلسلة – أعمال جامعية – منشورات مجلة القضاء المدني ،مطبعة المعارف الجديدة ،الطبعة
األولى ،2013 ،ص .17
1
- Cass, civ, 1, 28/4/1987, D. 1995,Dalloz 1987. Somm, p455, not Paisant,
6/1/1993, J.C,P. 1993.
-ذكره خالد ممدوح إبراهيم،حماية المستهلك في العقد اإللكتروني ،الدار الجامعية ،اإلسكندرية ،ط ،2007ص .28
- 2حمد هللا محمد حمد هللا ،حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك ،دار الفكر العربي،
،1997ص .24
3
- Cass, civ 24/1/1995, D. 1995, Jurisprudence, p327, not Paissant, 5/3/2002,
J.C, P. 2002.
-ذكره محمد حاسن قاسم ،التعاقد عن بعد – قراءة تحليلية – في التجربة الفرنسية مع إشارة لقواعد القانون
األوربي ،دار الجامعة الجديدة ،2005 ،ص .25
- 4شمس الدين عباتي ،أية حماية للمستهلك اإللكتروني في المغرب؟ مقال منشور في مجلة قانون األعمال ،العدد
الثاني ،2011 ،ص .14
وفي هذا السياق نشير بأن اصطالح املستهلك اإللكتروني هو تعبير مستحدث وال
يختلف عن مفهوم املستهلك التقليدي إال من حيث األداة؛ أو الوسيلة التي يستخدمها
املستهلك للتعاقد عن ُبعد .وبذلك فإن وسائل االتصال عن ُبعد تعتبر األداة املستخدمة
من قبل املستهلك اإللكتروني للقيام بالتعامالت التجارية اإللكترونية.
وإذ كان املستهلك -يعد في العالقة التعاقدية التي تربط بينه وبين البائع– هو
الطرف الضعيف( ،)1كان من الواجب أن يتدخل املشرع بنصوص آمرة لحمايته ،شريطة
أن تكون هذه الحماية فعالة وموضوعية وحازمة ،وقابلة للتطبيق في البيئة
اإللكترونية(.)2
الفقر الثانية :طبيعة الحماية املقرر للمستهلك وعالقتها باملوطن
تعد حماية املستهلك( )3من الواجبات األساسية للدولة الحديثة ،والتي يقع على
عاتقها حمايته من كل التجاوزات التي يمكن أن يكون ضحية لها ،فحق رفع الدعوى
القضائية مضمون بموجب التشريعات األوروبية وعلى رأسها االتفاقية األوروبية(،)4
- 1والطرف الضعيف هو الطرف الذي يتسم إما بالضعف الجسماني أو التقني أو الضعف المادي والمعنوي:
-الضعف المادي :من أهم مظاهره الوضع المهيمن للطرف القوي في السوق مما يفقد المستهلك تعدد الخيارات
فيجد نفسه أمام خيار وحيد.
-حسن عبد الباسط جميعي ،أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ،دار النهضة العربية ،1991 ،ص
.118
الضعف المعنوي ،وهو يرتبط أساسا بشخصية المتعاقد المستهلك وهو ما يفسر تدخل المشرع لحماية شخصية
الطرف الضعيف تعاقديا من خالل تكريس بعض المقتضيات الحمائية (االلتزام باإلعالم ،البنود التعسفية.)...
الضعف الجسماني :باعتبار أن العامل الجسماني يلعب أهمية قصوى في تحديد الحماية القانونية للطرف الضعيف
في نزاعات االستهالك.
الضعف التقني :ويعد أهم مظاهر الضعف في القوانين الحديثة ومنها قانون االستهالك التي تتميز بكونها قوانين
تقنية تحتاج إلى التجربة والخبرة والكفاءة ،محمد شيلح "تعليق على قرار المجلس األعلى رقم 1625بتاريخ 23
يونيو "1988مجلة القانون واالقتصاد ،عدد ،7السنة ،1991ص .113
للمزيد من االطالع حول مفهوم الطرف الضعيف:
-محمد بزالفة ،الحماية القانونية للمتعاقد الضعيف في القانون الخاص ،دراسة في العقد الدولي ،أطروحة لنيل
دكتوراه دولة في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،فاس ،2002-2001 ،ص .4
-محمد الهيني ،الحماية القانونية والقضائية للمؤمن له في عقد التأمين ،دراسة في عقد التأمين البري ،حماية
مستهلك خدمات التأمين ،دار اآلفاق المغربية للنشر والتوزيع ،مطبعة األمنية ،الرباط ،2010 ،ص 11وما بعدها.
-يوسف الزوجال ،حماية الطرف الضعيف في عقد التأمين في التشريع المغربي ،مجلة رحاب المحاكم ،العدد 10
فبراير ،2011 ،ص 45وما بعدها.
- 2محمد سعيد أحمد إسماعيل ،أساليب الحماية القانونية لمعامالت التجارة اإللكترونية دراسة مقارنة ،منشورات
الحلبي الحقوقية ،بيروت ،2009ص .352
- 3اإلنسان كائن استهالكي :سواء كان مستهلكا عاديا أو محترفا ،فهو بحاجة إلى حماية خاصة أي كان النظام
االقتصادي الذي تنهجه الدولة سواء كان اقتصاد موجها قائما على تدخل الدولة أو كان اقتصاد السوق الذي يقوم على
حرية التجارة تطبيقا لقاعدة العرض والطلب ،غير أن حاجة المستهلك للحماية تزداد في ظل األخذ بنظام االقتصاد
الحر وتحرير التجارة.
-بليمان يمينة ،دور اإلعالم واإلشهار في نشر الثقافة االستهالكية ،مجلة التواصل القضائي ،عدد مزدوج ،3-2
فبراير ،.2014ص .150
- 4االتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان :اتفاقية حماية حقوق اإلنسان في نطاق مجلس أوروبا ،روما في نوفمبر
.1950
لحقوق اإلنسان في مادتها السادسة التي تنص على أنه " لكل إنسان الحق في أن تسمع
شكواه بالعدل واإلنصاف علنا ،وفي اآلجال املعقولة من طرف محكمة مستقلة وعادلة
وفق القانون( ،")1وكذا بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية في املادة
2الفقرة 3التي تنص على أنه " تتعهد كل دولة في هذا العهد...
ب -بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعي انتهاكها
سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة" وعليه فإن للمستهلك طرق باب العدالة إذ
شعر بأن مصالحه قد تعرضت للضرر(.)2
ويبدو هدف حماية املستهلك في مجال االختصاص القضائي الدولي أكثر إلحاحا في
عقود التجارة اإللكترونية ،حيث يجد مستخدم اإلنترنت نفسه أمام متاجر افتراضية من
جميع أنحاء العالم ،تعطى له الفرصة من خالل طرق بسيطة للتعاقد والشراء
اإللكتروني(.)3
كما أن املستهلك اإللكتروني ال يملك مناقشة شروط العقد املبرم بينه وبين
البائع ،وأساس ذلك أن البائع ينفرد بوضع الشروط التي تناسبه على موقعه اإللكتروني،
وال يكون للمستهلك حق تعديل أو مناقشة هذه الشروط(.)4
وقد تحتوي هذه الشروط على أحكام تخل بحقوق املستهلك ،ومنها الشروط التي
تفيد منح االختصاص ملحكمة دولة أخرى غير دولة موطن املستهلك.
وتتجه العديد من التشريعات الوطنية( )5واالتفاقيات الدولية( )1إلى تبني قاعدة
تفيد اختصاص محكمة موطن املستهلك ،أو محل إقامته العادية بنظر املنازعات التي
يكون هذا األخير طرفا فيها(.)2
1
Bandrac, « L’action en justice, droit Fondamental », mélanges Perrot,in Dalloz,
1999, p1.
- 2وإن كان المشرع المغربي لم ينص على هذا الحق صراحة ضمن منظومته القانونية ،إال أنه ومن خالل الدستور
الجديد لسنة ،2011نص في ديباجته على " ...جعل االتفاقيات الدولية ،كما صادق عليها المغرب ،وفي نطاق أحكام
الدستور ،وقوانين المملكة ،وهويتها الوطنية الراسخة ،تسمو ،فور نشرها ،على التشريعات الوطنية ،والعمل على
مالءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة"
ظهير رقم 91-11صادر في 29يوليوز 2011بتنفيذ نص الدستور ،الجريدة الرسمية عدد 5964مكرر
الصادرة بتاريخ 28شعبان 20( 1432يوليوز ،)2011ص .3600
3
-VERBIEST (T) .La protection juridique du cyber – consommateur ; Litec, juris
classeur, édition paris, 2003, p 102.
4
- CAPRIOLI Eric : Règlement des litiges internationaux et droit applicable dans
le commerce électronique, éd du J.C.P. Paris, 2002 p 23.
-5من ذلك المادة ( )1/114من القانون الدولي الخاص السويسري لسنة ،1987والتي نصت على أنه" :للمستهلك
أن يرفع دعواه أمام محكمة موطنه أو محل إقامته المعتاد ،وذلك عند غياب محكمة اإلقامة العادية لمقدم السلعة أو
الخدمة".
ومن ذلك املادة 202من القانون املغربي القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك،
والتي تنص على أنه " :في حالة نزاع بين املورد واملستهلك ،ورغم وجود أي شرط مخالف،
فإ ن املحكمة املختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة املستهلك ،أو محكمة املحل الذي
وقع فيه الفعل املتسبب في الضرر باختيار هذا األخير(.)3
وتستند هذه القاعدة إلى فكرة أساسية مؤداها أن املستهلك يعتبر طرفا ضعيفا في
العالقة العقدية التي تربطه بالبائع ،مما يستوجب التدخل تشريعا لحمايته( ،)4األمر الذي
يعكس أحد أبرز وجهي حماية املستهلك ،في مجال تحديد االختصاص القضائي ،واملتمثل
بمنح املستهلك حق رفع دعواه أمام محاكم الدولة التي يقع فيها موطنه الدائم ،أو محل
إقامته املعتاد ،خالفا للمعيار العادي املألوف لالختصاص القضائي الدولي ،املتمثل ،بأن
الدعوى تقام أمام محكمة موطن املدعى عليه (.)5
وحسب المادة ( )1/120من القانون السويسري المذكور ،يطبق قانون موطن المستهلك أو محل إقامته في األحوال
التالية:
-إذا كان المورد قد وجه الطلب إلى هذه الدولة (دولة موطن المستهلك)
-إذا كان المورد قد وجه الطلب إلى هذه الدولة (دولة موطن المستهلك)
-إذا كان إبرام العقد في تلك الدولة قد سبقه عرض أو دعاية ،قام فيها المستهلك باألعمال الضرورية إلبرام العقد
في هذه الدولة
-إذا استحت المورد المستهلك على شراء الطلبية.
-1اتفاقية بروكسل لعام ،1968المادة ()13
- 2أحمد عبد الكريم سالمة ،حماية المستهلك في العقود الدولية اإللكترونية وفق مناهج القانون الدولي الخاص،
المؤتمر األول حول الجوانب القانونية واألمنية في التجارة االلكترونية ،أكاديمية شرطة دبي ،المجلد األول ،
.2003ص 10وما بعدها.
- 3وتطبيقا لمقتضيات هذه المادة ،أصدر السيد رئيس المحكمة االبتدائية بمكناس ،أمرا استعجاليا بتاريخ
،2013/02/12جاء فيه" ،لما كان عقد القرض يعتبر عقد إذعان ،فإن إرادة المدعي لم تنصرف برضاها إلى إسناد
االختصاص إلى ما هو مقرر في العقد ،وإنما كانت مجبرة على الموافقة على بنوده غير القابلة للتجزئة أو التفاوض
على حالتها ،ومن ثم فال يمكن للمدعى عليه االحتجاج به للدفع بعدم االختصاص المكاني الذي يعتبر في جميع
األحوال غير عامل في النازلة طيقا للمادة 202من القانون المتعلق بحماية المستهلك التي تنص على أنه " :في حالة
نزاع بين المورد والمستهلك ،ورغم وجود أي شرط مخالف ،فإن المحكمة المختصة هي محكمة موطن أو محل
إقامة المستهلك ،أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المسبب في الضرر باختيار هذا األخير" .أمر استعجالي عدد
13/150صادر عن رئيس المحكمة االبتدائية بمكناس في الملف عدد 2012/8/966بتاريخ ،2013/02/12
منشور في مجلة القضاء المدني ،سلسلة دراسات وأبحاث ،العدد ،4ص .214
4
- VANOVERSTRAETEN(T) :Droit applicable et juridiction compétence sur
internet, RDAI .N3,1998,p381.
- 5عادل أبو هشيمة محمود حوته ،عقود خدمات المعلومات اإللكترونية في القانون الدولي الخص ،دار النهضة
العربية ،الطبعة األولى ،ص .338
ولعل ما يذهب إليه بعض الفقهاء ،من أن إقرار هذه القاعدة يبرز بشكل جلي ،اتجاه قواعد القانون الدولي
الخاص ،نحو تحقيق أهداف موضوعية فيما يخص العالقات التعاقدية ،كحماية المستهلك بوصفه العاقد الضعيف،
وعدم االكتفاء بكونه مجرد قانون منظم للعالقات الدولية الخاصة ،يقتصر فقط على تحديد القضاء المختص بنظر
دعوى معينة في بلد محدد ،خالد عبد الفتاح محمد خليل ،حماية العاقد الضعيف في مجال االختصاص القضائي
الدولي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2007 ،ص .1
املطلب الثاني :مدى توفر االتفاقيات املتعلقة بتحديد االختصاص القضائي لحماية
املستهلك اإللكتروني.
بالنظر إلى تعدد االتفاقيات الدولية ،التي تحتوي نصوصا تتعلق بتحديد
االختصاص القضائي الدولي ،فإنه يصبح من الواجب الحديث عن قواعد الحماية بشأن
- 1أحمد محمد الهواري ،حماية العاقد الضعيف في القانون الدولي الخاص ،دار النهضة العربية ،القاهرة،2000 ،
ص .57
- 2تجدر اإلشارة هنا إلى أن لجنة الخدمات المالية في البرلمان األوربي قد رفعت إلى البرلمان وإلى مجلس
أوروبا ،قبل إقرار تشريع بروكسيل لعام ،2001مشروعا لتعديل تعليمات خدمات المستهلكين المالية الخارجية،
تضمن في المادة (/4/12أ) حق المستهلك في إقامة الدعوى ضد المحترف (البائع) أمام محاكم موطنه هو ،أو أمام
محاكم البائع ،بغض النظر عن قواعد اتفاقية بروكسيل لعام ،1986في حين يحصر مكان إقامة الدعوى ضد
المستهلك بمحاكم الدولة التي يوجد فيها مكان إقامته.
3
- VERBIEST (F) , la protection juridique du cyber-consommateur, Litec, juris
classeur, édition paris, 2003, p103.
4
CAPRIOLI Eric, Op.cit.p23
- 1عبد الفتاح حجازي ،التجارة اإللكترونية في القانون العربي األنموذجي لمكافحة جرائم الكمبيوتر واإلنترنت ،دار
الكتب القانونية ،القاهرة ،2007 ،ص .326
وعبد الباسط جاسم محمد ،المرجع السابق ،ص .205
-2نبيل زيد مقابلة ،النظام القانوني لعقود خدمات المعلومات في القانون الخاص دراسة مقارنة ،دار الثقافة للنشر
والتوزيع ،عمان ،2009 ،ص .204
- 3عبد الفتاح بيومي حجازي ،التجارة اإللكترونية وحمايتها القانونية ،الكتاب األول (نظام التجارة االلكترونية
وحمايتها المدنية) ،دار الكتب القانونية ودار شتات للنشر والبرمجيات ،المحلة الكبرى مصر ،2008 ،ص .35
- 4فريد منعم جبور ،حماية المستهلك عبر اإلنترنت ومكافحة الجرائم االلكترونية (دراسة مقارنة) ،بيروت،
،2010ص .327
وتجدر اإلشارة إلى أن المادة 12من القانون المحدث للمحاكم التجارية الظهير الشريف رقم 1.97. .65..الصادر
في 12فبراير ،1997على أنه " :يمكن لألطراف في جميع األحوال أن يتفقوا كتابة على اختيار المحكمة التجارية
المختصة".
وقد سارت اجتهادات المحاكم التجارية بفاس رقم 100في الملف عدد 98/11صادر بتاريخ ،1998/10/19
جاء فيه " :وحيث أن االختصاص المحلي ال يكتسي صبغة النظام العام وإنما يجوز ألطراف العالقة االتفاق على
تعيين المحكمة المختصة محليا للنظر في النزاع ،وهو المبدأ الذي كرسه المشرع المغربي بمناسبة سن قانون إحداث
وتنظيم المحاكم التجارية بالمغرب عدد 95/53ضمن الفصل 12والذي ينص على أنه يمكن لألطراف وفي جميع
اختصاص قاض ي دولة املستهلك يتحقق – بموجب االتفاقية – بالنسبة للعقود ،سواء
كان موضعها تقديم خدمات ،أو تسليم منقوالت مادية(.)1
وينقسم الفقه الحديث( ،)2بشأن هذين الشرطين ،من تطبيق نصوص الحماية
التي تضمنتها االتفاقية ،على املستهلك اإللكتروني إلى رأيين،
الرأي األول :لن يكون متحققا بصدد عروض اإلنترنت ،حيث يعكس مصطلح
"عرض خاص" املستخدم في االتفاقية أن هذا العرض ينبغي أن يكون محددا جغرافيا ،أو
داخل نطاق جغرافي معين ،وهو ما ال يمكن حدوثه في عروض اإلنترنت( ،)3وذلك على
عكس العرض التليفوني الذي ينطبق عليه هذا الشرط ،فاالتصال التليفوني محدد بفئة
تسكن إقليما جغرافيا محددا(.)4
هذا فيما يتعلق بالشرط األول ،أما بالنسبة للشرط الثاني الخاص بإتمام
املستهلك لإلجراءات الضرورية للتعاقد في دولته ،فال يمكن الجزم – أيضا – بأن املستهلك
قد قام بهذه اإلجراءات في دولته ،السيما ما يتعلق بملء املستهلك الستمارة البيانات
اإللكترونية عبر شبكة اإلنترنت ،إذ يمكنه أن يقوم بذلك من أي مكان في العالم كون
الشبكة مفتوحة على كافة الدول ،وبالتالي ال يمكن تركيز قيام املستهلك بهذه اإلجراءات في
دولة موطنه ،من الناحية املادية(.)5
األحوال االتفاق كتابة عل تعيين المحكمة التجارية المختصة .قرار منشور على الموقع الرسمي لمحكمة االستئناف
التجارية بفاس ،على الرابط http://www.cacfes.maتم االطالع عليه يوم .2015/11/17
والقرار الصادر عن محكمة االستئناف التجارية بمراكش ،عدد 461في الملف رقم 2005/1200بتاريخ
،2006/09/05جاء فيه " :االختصاص المحلي ،إسناد االختصاص لمحكمة أخرى ،ما تم عليه االتفاق بين
الطرفين مقدم على قواعد االختصاص المنظمة بمقتضى قانون المسطرة المدنية " قرار منشور على الموقع
اإللكتروني الرسمي لمحكمة االستئناف التجارية بمراكش ،على الرابط http//www.cacmarrakech.ma :تم
االطالع عليه يوم .2015/11/17
وقرار محكمة االستئناف التجارية بمراكش ،عدد 116في الملف رقم 1999/72بتاريخ ،1999/03/23جاء
فيه " :ال يثار الدفع بعدم االختصاص المحلي في حالة االتفاق على المحكمة المختصة إال من الطرف الذي شرع
الدفع لمصلحته" .قرار منشور على الموقع اإللكتروني الرسمي لمحكمة االستئناف التجارية بمراكش ،على الرابط:
. http://www.cacmarrakch.maتم االطالع عليه يوم .2015/11/17
- 1أودين سلوم حايك ،مسؤولية مزودي خدمات اإلنترنت التقنية ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،طرابلس -لبنان،
،2009ص .283
- 2للمزيد من التفصيل يرجى االطالع في ذلك على ،عبد الباسط جاسم محمد ،المرجع السابق ،ص .207
- 3حسام أسامة محمد ،المرجع السابق ،ص .125
4
- OSMAN(F) :Vers Cod européen de la consommation, Bruylant, Bruxelles,
1998,p349.
- 5أحمد علي معتوق ،حل منازعات العقود االلكترونية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون األعمال،
كلية الحقوق والعلوم السياسية واإلدارية ،الجامعة اللبنانية ،بيروت ،2007 ،ص .26
وعلى ذلك يبدو أن هذا االرأي ،يذهب إلى أن الحماية التي تقررها االتفاقية ،لن
يكون لها ذلك الدور في التعاقدات التي تجري عبر شبكة اإلنترنت ،السيما وأن نصوص
االتفاقية تستند إلى فكرة (املستهلك السلبي)( ،)1التي ال تنطبق على املستهلك اإللكتروني.
ويذهب رأي ثان ،إلى إمكانية شمول الحماية املقررة بموجب نصوص اتفاقية
بروكسل لعام ،1968للمستهلك اإللكتروني وذلك لسببين:
السبب األول :هو إمكانية تحقق معيار (العرض الخاص) الذي جاءت به
االتفاقية ،في التعاقدات املبرمة عبر شبكة األنترنت ،عندما يقصر املوقع االلكتروني للبائع
العرض الذي يتقدم به ،على إقليم جغرافي محدد ،ويصرح بذلك ،بالشكل الذي ال يدع
مجاال للشك باقتصار العرض على ذلك اإلقليم ،أو أن يوجه املوقع االلكتروني عرضه،
عبر البريد اإللكتروني ،إلى أطراف محددة بالذات ،ويقيمون في إقليم واحد ،بالصورة التي
يف هم منها أن املوقع يقصد عرض التعاقد على منتجاته ،مع املقيمين في هذا النطاق
اإلقليمي املحدد حصرا(.)2
والسبب الثاني :فيما يتعلق بإتمام اإلجراءات الضرورية كشرط إلسباغ الحماية
على املستهلك عبر اإلنترنت،ويرى أصحاب هذا الرأي ،أن مجرد اتخاذ تلك اإلجراءات ،على
خط شبكة اإلنترنت ،ال يعني أنها اتخذت في غير الدولة التي يقيم فيها إقامة معتادة،
وبالتالي فإن الشرطين اللذين فرضتهما املادة ( )13من اتفاقية بروكسل ،يمكن توفرهما في
عقود التجارة اإللكترونية ،فيما يخص قواعد حماية املستهلك املتعلقة باالختصاص
القضائي(.)3
ونتيجة لذلك ،يتبين لنا أن "اتفاقية" بروكسل ،وعلى فرض إمكانية تحقق شرط
املادة ( )13في العقود املبرمة عبر شبكة اإلنترنت ،فإن تطبيقها فيما يتعلق باالختصاص
القضائي سوف يبقى قاصرا عن شمول جميع العقود املبرمة بالطرق اإللكترونية املحدثة،
عبر شبكة اإلنترنت ،مثل التعاقد عبر الفاكس أو التليفون.وبالتالي ،فاملعيار الذي أرسته
- 1يرى بعض الفقهاء ،أن قوانين حماية المستهلك ،قد (بالغت) في حماية المستهلك في عقود التجارة اإللكترونية،
ألن ال َيصإ دق عليه وصف (المستهلك السلبي) بشكل تام ،كونه يقوم ببعض األدوار االيجابية ،عندما يدخل المواقع
االلكترونية ،وينتقل بين مختلف صفحات شبكة االنترنت ،ليختار ما يناسبه من احتياجات ،مفاضالً بين السلع
والخدمات المعروضة التي ال حصر لها ،ويتعاقد على أنسب ما يريده من جهة النوع والثمن.
-حسام أسامة محمد ،المرجع السابق ،ص .134
وعبد الفتاح بيومي حجازي ،التجارة اإللكترونية في القانون العربي ،دار الفكر الجامعي ،الطبعة األولى ،2014
ص .327
2أحمد علي معتوق ،المرجع السابق ،ص 263
- 3حسام أسامة محمد ،االختصاص الدولي للمحاكم وهيئات التحكيم ،دار الجامعة الجديدة ،طبعة ،2009ص
.127-126
دعائمه اتفاقية بروكسل ،ال يتناسب مع ما يجب تقريره من حماية للمستهلك في عقود
التجارة اإللكترونية.
ولهذا السبب تم التوصل إلى ما يمكن عده ،تعديال التفاقية بروكسل ،وهو
مسودة مشروع اتفاقية الهاي الدولية املتعلقة باالختصاص القضائي الدولي ،التي أقرت
في املادة ( )7منها معيارا يشبه إلى حد بعيد معيار العرض الخاص أو معيار مساعي املورد
الذي أوردته االتفاقية ،وهو معيار األنشطة املوجهة(.)1
وبموجب هذا املعيار ،تختص محكمة دولة املستهلك بنظر الدعاوى ،التي يقيمها
املستهلك ضد املنهي ،أو التاجر ،أو الحرفي ،عند توفر شرطين ،نصت عليهما املادة ( )17من
مشروع االتفاقية ،هما:
)1أن يكون إبرام العقد قد تم نتيجة ممارسة البائع أنشطة احترافية في دولة
املستهلك ،سواء تم ذلك من خالل ممثلين للبائع ،أم من خالله مباشرة ،بأية وسيلة من
وسائل الدعاية واإلعالن.
)2وهو ذات الشرط الذي فرضته املادة ( )13من اتفاقية بروكسل لعام ،1968
واملتمثل بأن يكون املستهلك قد أتم اإلجراءات الضرورية للتعاقد في دولته.
وبتوفر هذين الشرطين ،يستحق املستهلك الحماية القانونية ،في مجال قواعد
االختصاص القضائي الدولي ،وتمنح محاكم دولته ،اختصاص النظر في الدعوى التي
يقدمها ضد التاجر(.)2
وقد لقي هذا النص نقدا من الفقه بسبب أمرين:
األول :إغفاله حالة التواجد العابر للمستهلك في دولة أخرى ،غير موطنه أو محل
إقامته املعتاد ،واتخاذ (اإلجراءات الالزمة للتعاقد) ،أثناء تواجده (العابر) في تلك الدولة،
إذ سكت النص عن معالجة هذه الحالة وبالتالي لن يتمتع املشتري ،الذي يقوم باإلجراءات
الالزمة للتعاقد من حاسوب محمول ،خارج دولته أو محل إقامته بالحماية املطلوبة.
- 1ونشير في هذا السياق أن المعيار الذي أستقر عليه مشروع االتفاقية ،كان ضمن سلسلة مقترحات طرحت أثناء
المناقشة التي تمت للمشروع بتاريخ 30نونبر ،1999بهدف إيجاد معيار يحافظ على الحد األدنى من القواعد
المؤدية إلى حماية المستهلك ،فيما يتعلق بإيجاد نظام فعال ،وسهل اإلتباع لحل النزعات ،مثل تضمين العقود التي
تبرم مع المواقع اإللكترونية ،الحاصلة على شهادة التصديق ،بنودا صريحة تتعلق بحل المنازعات ،وفقا للقواعد
الواردة بقوانين دول المستهلكين ،ومحاكم محال إقامتهم.
-طوني ميشال عيسى ،التنظيم القانوني لشبكة اإلنترنت دراسة مقارنة في ضوء القوانين الوضعية واالتفاقيات
الدولية ،منشورات صادر الحقوقية ،بيروت ،2001 ،ص .456
2
-Kessedjian(C) : les échanges de donnée informatisées :internet et le
Commerce électronique .http//hcch.net/doc/9en.pdt.doc .2002, p5
الثاني :إن ممارسة التاجر أو البائع لنشاطه في دولة املستهلك( ،بصفة خاصة)،
أمر ال يمكن تصوره في العروض املقدمة عبر شبكة االنترنت ،في ضوء طبيعة الشبكة
وخصوصيتها املعروفة(.)1
من أجل هذه االنتقادات ،أصبح املعيار الذي أرست دعائمه اتفاقية بروكسل،
ونسج مشروع اتفاقية الهاي على منواله ،ال يتناسب مع ما يجب تقريره من حماية
للمستهلك في عقود التجارة اإللكترونية ،إذ نادى بعض الفقهاء بمعيار يتوافق مع طبيعة
شبكة اإلنترنت من خالل إعادة صياغة الشرط األول فقط مع إعادة صياغته ليأتي
بطريقة أكثر عمومية ،مع استبعاد الشرط الثاني الخاص بضرورة إقامة اإلجراءات
الضرورية للتعاقد في دولة املستهلك ،لكي تتناسب الحماية املقررة للمستهلك في قواعد
االختصاص مع عقود التجارة اإللكترونية ،وهو املوقف الذي تبناه تشريع بروكسل
2001/44بشأن االختصاص القضائي الدولي في االتحاد األوروبي(.)2الذي سأتطرق
لتفصيله في الفقرة الثانية.
الفقر الثانية :حماية املستهلك في ظل قواعد تشريع بروكسل .2001/44
فرض تشريع بروكسل 2001/44حماية أوسع للمستهلك وبصفة خاصة املستهلك
اإللكتروني ،حيث نص على اختصاص محكمة دولة موطن املستهلك( ،)3إذا كان قد أبرم
عقده مع شخص يمارس أنشطة تجارية ،أو احترافية في هذه الدولة ،أو كان وبأي وسيلة
قد وجه نشاطه نحو هذه الدولة منفردة أو معها مجموعة من الدول ،وكان إبرام العقد
قد تم نتيجة لهذه األنشطة(.)4
وعلى هذا النحو ،يتضح لنا أن تشريع بروكسل قد تبنى معيار" توجيه النشاط"
،5نحو دولة املستهلك ،بحيث عندما يقوم شخص بإبرام عقد مع شخص يمارس أنشطة
تجارية ،أو مهنية ،في الدولة العضو في اتفاقية االتحاد األوروبي ،التي يقيم فيها املستهلك،
أو عندما يكون ،املنهي أو التاجر قد وجه أنشطته ،بأي وسيلة ،إلى تلك الدولة ،فإن
محاكمها ،تكون هي املختصة بنظر ما ينشأ عن ذلك العقد من نزاعات ،متى تحقق
التبادل املعلوماتي عبر اإلنترنت ،في دولة املستهلك ،كما يتضح من عبارة النص السابق،
مما يوحي باستعاب هذا النص لتوجيه النشاط االفتراض ي للتاجر من خالل الوسط
اإللكتروني.
ولهذا جاء تشريع بروكسل أكثر استجابة لعالم التجارة اإللكترونية باملقارنة بما
هو معمول به في ظل اتفاقية بروكسل 1968بشأن االختصاص القضائي ،إذ استوعب
هذا التشريع املستهلك اإللكتروني ،فلم ينص على ضرورة قيام هذا األخير باإلجراءات
الضرورية للتعاقد في دولته ،بعد أن أثار هذا الشرط العديد من الصعوبات التي تعوق
تطبيق قواعد االختصاص الحمائية على املستهلك اإللكتروني(.)1
وبذلك تختص محكمة الدولة التي يتوطن بها املستهلك ،إذا كان التاجر قد وجه
نشاطه بطريقة أو بأخرى نحو هذه الدولة ،مع العلم أن النص لم يحدد النص الطريقة
التي ينبغي أن يوجه بها التاجر نشاطه ،مما يثير التساؤل حول ما إذا كان إنشاء املوقع
اإللكتروني يعد توجيها للنشاط نحو الدول التي يتعامل معها فقط ،أم نحو جميع دول
العالم باعتبار أن هذا املوقع يقع على الشبكة العاملية لإلنترنت ،مما يجعله يصل إلى
جميع دول العالم(.)2
لإلجابة عن هذا التساؤل نشير إلى أن جانبا من الفقه الفرنس ي( )3يرى بأنه يتعين
على القضاء أن يطبق معيار " توجيه النشاط " ،وذلك من خالل االسترشاد بالتطبيقات
التي توصل القضاء األمريكي( )4بموجبها إلى نظريات يمكن االستناد إليها في التمييز بين
املواقع اإللكترونية السلبية والتي توجه إلى دول معينة( ،)1وبين املواقع االيجابية ،التي
تقدم عروضا على الشبكة يستطيع معها أي متعامل التعاقد مباشرة ،في أي دولة كان،
وتختص محكمة الدولة التي يصل إليها املوقع اإللكتروني اإليجابي ،لكون املستهلك
املتعامل معها تحديدا يستطيع الدخول في العالقات التعاقدية بعد إرسال وتتبادل
البيانات واملعلومات(.)2
ويرى بعض الفقه( )3أن التفرقة بين املواقع السلبية واإليجابية ليست محددة
بقواعد قانونية واضحة يمكن الركون إليها ،ولذا يلجأ القضاء إلى معايير يستدل من
خاللها على نوع املوقع السيما توجيه املوقع اإللكتروني ألنشطته نحو الدولة التي سيعقد
االختصاص ملحاكمها بنظر النزاع من عدمه ويستدل على توجيه النشاط نحو إقليم تلك
الدولة بقرينة استخدام لغتها في أنشطة املوقع اإللكتروني.
وعلى الرغم من اتساع نطاق الحماية للمستهلك( )4في تشريع بروكسل ،فيما يتعلق
باالختصاص القضائي الدولي ،إال أنه لم يسلم من النقد ،إذ يأخذ الفقه( )5عليه أمران:
األمر األول :يتمثل بأن معيار النشاط املوجه ،الذي يستند إليه التشريع ملنح
االختصاص ملحكمة دولة املستهلك ،يجعل التاجر (املنهي) معرضا إلقامة الدعوى ضده من
قبل املستهلكين ،أمام جميع محاكم دول االتحاد األوربي ،ألن جميع املواقع اإللكترونية
األوربية – تقريبا – توجه أنشطتها إلى دول االتحاد كافة ،وعلى فرض تجاوز الشركات
- 1نشير إلى أن المواقع السلبية التي وإن كان توجه إلى دولة معينة ،إال أنها ال تقدم عروضا مباشرة للتعاقد ،ألن
المهني أو التاجر أو البائع ،إنما يقوم بإرسال المعلومات والعروض لمجرد أن تكون تحت المستخدمين من كل أنحاء
العالم.
- 2كما يوجد نوع ثالث من المواقع ،وهي المواقع الوسطية(Intermediate sites/ sites de ،
) moderationوالتي ال يستطيع المستخدم أو المستهلك من خاللها سوى تبادل البيانات مع الموقع اإللكتروني
المضيف ،دون أن يكون له في هذا النوع والذي قبله ،قدرة الدخول في عالقات تعاقدية مباشرة .للمزيد من التفصيل
يرجى اإلطالع على:
-المرجع السابق ،حسام أسامة محمد ،ص .132
3
- MANARA, (C), op,cit, p 2.
- 4وهذه الحماية الواسعة جعلت البعض يتراجع عن وصف المستهلك الذي يستحق الحماية بمصطلح المستهلك
السلبي ) (Passifويتجه نحو استخدام مصطلح المستهلك شبه السلبي semi passifوهو الوصف الذي ينطبق
بصورة واضحة على مستهلكي االنترنت ،كونه يقوم ببعض األدوار االيجابية ،عندما يدخل المواقع اإللكتروني،
وينتقل بين مختلف صفحا االنترنت ،ليختار ما يناسبه من احتياجات ،مفاضال بين السلع والخدمات المعروضة التي
ال حصر لها ،ويتعاقد على أنسب ما يريد من جهة النوع والثمن .للمزيد من التفصيل حول فكرة المستهلك شبه
السلبي،
- VERBIEST (T), la protection juridique du cyber-consommateur, op.cit. p 119.
وفي هذا اإلطار نشير إلى أننا ال نتفق مع هذا الرأي ،فال يمكن مساواة المستهلك مع المؤسسات والشركات
االحترافية التي تتخذ من شبكة االنترنت الدولية ميدانا لممارسة أنشطتها ،وبالتأكيد فإن أساليب الدعاية والترويج التي
تستخدمها تلك الشركات ،تؤثر في المستهلك وقد توقعه في الغرر ،األمر الذي يستلزم تعزيز الحماية المقررة
للمستهلك في االتفاقيات والقوانين الوطنية.
-5أحمد عبد الكريم سالمة ،حماية المستهلك في العقود االلكترونية ،وفق مناهج القانون الدولي الخاص ،المرجع
السابق ،ص .20
الكبرى لتبعات هذا األمر ،وقدرتها على تحمل نفقات التقاض ي أمام محاكم كافة دول
االتحاد ،فإن الشركات الصغيرة ،ال يمكن أن تتحمل ذلك ،وهو ما يحد من نشاطاتها،
ويؤثر – بالتالي – على التجارة عبر شبكة اإلنترنت برمتها.
األمر الثاني :إن قواعد حماية املستهلك ،التي يقررها التشريع ،ال يمكن أن تطبق
إذا لم يكن للتاجر (املنهي) ،موطن في دولة من دول االتحاد األوربي ،األمر الذي يحد من
قدرة التشريع ،على حماية املستهلكين املقيمين في دول االتحاد ،ألن أي نزاع لهم مع تاجر
(منهي) ،مقيم خارج دول االتحاد ناش ئ عن تعاقد بواسطة شبكة االنترنت ،يكون خارج
نطاق الحماية التي يقررها التشريع.
كما أن هناك انتقادا آخر يوجه إلى التشريع ،ويتمثل في أنه ساهم في خلق صعوبة
في تحديد االختصاص القضائي الدولي ،بحيث ميز بين " النزعات األوروبية " والتي يطبق
بشأنها تشريع بروكسل لعام ،2001و" النزعات الدولية " ،التي تطبق عليها اتفاقية
بروكسل لعام(.1968 )1
ونحن ال نتفق مع هذه االنتقادات على اعتبار أن تشريع بروكسل هو األكثر
انسجاما مع عقود االستهالك اإللكترونية ،وذلك لسببين:
األول ،أن التشريع باعتماده فكرة النشاط املوجه ،يوازن بصورة عملية
ومالئمة ،بين مصالح املستهلكين في عقود التجارة اإللكترونية ،في التقاض ي أمام محاكم
دول موطنهم أو محل إقامتهم ،وبين مصالح التجار (املهنيين) الذين يمارسون أنشطتهم
االحترافية عبر الشبكة في عدم التقاض ي أمام محاكم دول لم يقصدوا التعامل معها ،ولم
يوجهوا أنشطتهم نحوها.
وعلى هذا األساس يمكن القول بأنه ال بد من عقد اتفاقية دولية عامة لحماية
مستهلكي اإلنترنت ،بحيث ال يقتصر مجال تطبيقها على مجال إقليمي محدد ،وضرورة
اللجوء إلى الوسائل البديلة لتسوية املنازعات اإللكترونية بين البائعين واملستهلكين على
اإلنترنت ،ومنها إنشاء محاكم افتراضية تقوم بحل املنازعات اإللكترونية من خالل نفس
الوسط الذي تمت فيه املعاملة ،وهو الوسط اإللكتروني.
مع تزايد املبادالت التجارية الدولية للمغرب ،1وانخراطه ضمن املنظمة العاملية
للجمارك ،2عمل على إنشاء إدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة 3لتنفيذ سياسته
-1انخرط المغرب بمجلس التعاون الجمركي سنة 1968الذي أصبح يدعي المنظمة العالمية للجمارك ( )OMDثم
انضم سنة 1987إلى االتفاقية العامة للتجارة والتعريفة الجمركية "الجات" التي أصبحت تدعى المنظمة العالمية
للتجارة ( )OMCمما شكل قفزة نوعية في المعامالت التجارية وتفكيك الحواجز الجمركية مثلت الواجهة الحقيقية
في توحيد القواعد والقوانين الخاضعة للتجارة الدولية بما فيها المرتبطة باإلجراءات الجمركية كتحديد القيمة
بالجمرك...
-2عملت المنظمة العالمية للجمارك على توحيد قواعد تصنيف البضائع فتم إبرام اتفاقية دولية بشأن النظام المنسق
لتعيين البضائع وتصنيفها ،وهو نظام أقره واعتمده مجلس التعاون الجمركي في إطار توحيد تعريفة الرسوم
الجمركية ببروكسيل في 14يونيو 1986الذي وضع نظام متناسق لبيان وترميز البضائع الذي دخل حيز التنفيذ
منذ فاتح يناير ،1988ويشمل 5000صنف من البضائع معرفة برمز يتكون من ستة أرقام تساعد على تصنيف
البضائع بسهولة .ومن جهة أخرى يعتمد هذا المصنف في المبادالت التجارية من خالل استعماله كآلية إلبرام
االتفاقيات الدولية سواء التجارية أو التعريفية ،إضافة إلى اعتماده في اإلحصائيات التي تخص مجالي التجارة
الخارجية والصرف ،وقد صادق المغرب على كل من االتفاقية المذكورة والبروتكول المعدل .
وتطبيقا من المشرع المغربي لبنود االتفاقية المذكورة أعاله عمل على تضمين القانون الجمركي المغربي ،في
تعريف تعريفة الرسوم الجمركية من خالل الفصل 2من م ج ض غ م ،على نفس التعريف الذي قدمه مجلس
التعاون الجمركي المنضوي تحت لواء المنظمة العالمية للجمارك ،هذا التعريف الذي يشكل أساس مشتمالت تعريفة
الرسوم الجمركية.
-Marcel Steenlandt et luc DE Wulf: Douanes pragramatisme et efficacité ,
philosophie d’une réforme réussie, banque mondiale sept, 2003 p 93.
-3تعتبر الجمارك ظاهرة تعود إلى عصور قديمة ليست من مبتكرات الحاضر ،عرفتها الدول ولجأت إلى تطبيقها
كمصدر من مصادر التمويل ولكنها لم تصل إلى ما وصلت إليه في وقتنا الحاضر من تقدم .حيث نجد أن كلمة
"ديوانة" تحمل نفس معنى كلمة "ديوان" الفارسية ،والتي كانت تعني مكان اجتماع متصرفي المالية ،وقد دخلت اللغة
العربية بواسطة الكلمة العربية "ديوان" و "اإليطالية" ،Doana ، Goganeأما معنى كلمة جمارك Custom
باإلنجليزية و Douaneبالفرنسية فهي تعبير نوعي يستخدم ليعني الخدمة الحكومية المسؤولة عن اإلدارة
التشريعية المتعلقة بالواردات والصادرات من البضائع ولغرض تحصيل اإليراد الناشئ من فرض رسم الواردات
والضرئاب عليها ،ويستخدم أيضا عند اإلشارة إلى أي جزء من خدمة الجمارك أو مكاتبها اإلضافية ،وانطالقا منه
فإن كلمة جمارك توحي بما يلي:
-1وجود حدود فاصلة بين دولة وأخرى اليمكن تجاوزها إال طبقا لقوانين وتنظيمات خاصة.
-2وجود هياكل إدارية منظمة تخضع للقانون في سلطتها وواجباتها
-3وجود سياسة جمركية ترمي إلى تحقيق األهداف المتوخاة والتي ترتبط بتزويد الخزينة بأكبر قدر من المداخيل
الضريبية ،وإنجاز األهداف االقتصادية ،ومراقبة التبادل التجاري الخارجي ،وتطبيق بعض التشريعات الخاصة
الموكلة إلى إدارة الجمارك.
االقتصادية واالجتماعية ،وحتى يتسنى لهذه األخيرة االضطالع باملهام املنوطة بها كما
يجب ،وضمان الفعالية الالزمة في عملها ،فقد تم سن القوانين التي تعتمدها في هذا
الصدد ،واملتمثلة في مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة ،1بما يساهم في بناء الثقة
املفترض وجودها لدى املجتمع في السلع أو البضائع املستوردة ،سيما حينما تضطلع
بدور رقابي ،مشفوع بتدابير مادية ترصد فيها البضائع والسلع( 2سواء على مستوى
التصدير أو االستيراد) بتعددها واختالفها.
واعتبارا للدور االجتماعي الذي تلعبه إدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة،
سنحاول من خالل هذا البحث أن نسرد بعضا من اإلجراءات التي توضح املساهمة
الفاعلة إلدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة في حماية املستهلك وضمان أمن املواطن،ال
-للمزيد من االطالع راجع :عبد العزيز لعراش" :النظام الجمركي ومسألة التنمية االقتصادية بالمغرب" ،أطروحة
لنيل الدكتوراه في الحقوق ،جامعة الحسن الثاني ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،عين الشق ،الدار
البيضاء ،السنة الجامعية ،1999-1998ص.1
-1أحدثت بمقتضى ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.77.393بتاريخ 25شوال 1397الموافق ل 9أكتوبر
،1977والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 3389مكرر بتاريخ 13أكتوبر ،1977ص 2982والجريدة الرسمية
عدد 3392مكرر بتاريخ ،1977/11/4ص ،3289كما وقع تغيير وتتميمه بمقتضى القانون 02.99المصادق
عليه بالظهير الشريف رقم 1.00.222بتاريخ 2ربيع األول 1421الموافق ل 5يونيو 2000والمنشور
بالجريدة الرسمية عدد 4804بتاريخ .2000/6/15
-2نظرالتنوععملياتالتجارةالخارجيةوتشعبهافإن إجراءات جمركة تتشكلمنالعديدالفاعلينالمؤسساتيينالعموميينوالخواص،
وهم:
وزارةالتجارةالخارجية www.mce.gov.ma -
وزارةالتجارةوالصناعةواالستثمارواالقتصادالرقميwww.mcinet.gov.ma -
وزارةالشؤونالخارجيةوالتعاونwww.diplomatie.ma -
وزارةاالقتصادوالماليةwww.finances.gov.ma -
وزارةالفالحةوالصيدالبحريwww.agriculture.gov.ma -
وزارةالتجهيزوالنقلواللوجستيكwww.mtpnet.gov.ma -
وزارةالصحةwww.sante.gov.ma -
وزارةالطاقةوالمعادنوالماءوالبيئةwww.mem.gov.ma -
وزارةالصناعةالتقليديةwww.artisanat.gov.ma -
وزارةالسياحةwww.tourisme.gov.ma -
المركزالمغربيإلنعاشالصادرات) مغربتصدير) www.marocexport.gov.ma -
االتحادالعاملمقاوالتالمغربwww.cgem.ma -
مكتبمعارضالدارالبيضاءwww.ofec.ma -
الوكالةالوطنيةللنهوضبالمقاولةالصغرىوالمتوسطةwww.anpme.ma -
الجامعةالمغربيةلغرفالتجارةوالصناعةوالخدماتwww.fcmcis.ma -
الجمعيةالمغربيةللمصدرينwww.asmex.org -
الشركةالمغربيةللتأمينعلىالصادراتwww.smaex.com -
مكتبالصرفwww.oc.gov.ma -
مديريةالجماركوالضرائبغيرالمباشرةwww.douane.gov.ma -
المكتبالوطنيللسالمةالصحيةللمنتجاتالغذائية)لمراقبةاستيرادالموادالفالحيةوالغذائية -
(www.onssa.gov.ma
المؤسسةالمستقلةلمراقبةوتنسيقالصادرات) لمراقبةتصديرالموادالغذائية(www.eacce.org.ma -
المعهدالمغربيللتقييس) لمراقبةجودةالموادالصناعيةالمستوردة(www.snima.ma -
المختبرالوطنيلمراقبةاألدوية) لمراقبةاستيراداألدوية(www.sante.gov.ma -
سيما على مستوى التصريح الجمركي ،بما ينسجم مع القوانين واإلجراءات التي تؤطر
عمليات التجارة الخارجية للمغرب.
املطلب األول :ضوابط سوق البضائع إلى الجمرك عند االستيراد والتصدير
وأثره على املستهلك
املطلب الثاني :دور إدار الجمارك في مراقبة الصرف وحركة األموال وانعكاسه
على املستهلك
املطلب األول :ضوابط سوق البضائع إلى الجمرك عند االستيراد والتصدير وأثره على
املستهلك
يمثل العمل الجمركي أهمية كبيرة على مستوى العالم؛ نظرا ملا له من ارتباط
وثيق بالتجارة العاملية؛ حيث أن انتقال البضائع بين الدول يترتب عليه إجرائين جمركيين
مهمين؛ هما االستيراد والتصدير ،وما يترتب عليهما من بناء ودعم لالقتصاد الوطني،
وحماية املنتجات الوطنية وحماية املستهلك ،بمواجهة املخاطر الناتجة عن االستيراد أو
التصدير لسلع من شانها املساس بصحة اإلنسان ،ثم الحماية عن طريق مراقبة الجودة
واملواصفات ومدى توفر البضائع على شروط السالمة من جهة ،وجانب أمني يتمثل في
منع دخول بضائع ممنوعة دوليا –بشكل عام -وبضائع يمنع دخولها من دول دون أخرى
من جهة أخرى ،عبر إجراءي االستيرد (الفرع األول) والتصدير (الفرع الثاني).
تلعب مجموعة من األجهزة اإلدارية دورا هاما في حماية مصلحة املستهلك عند
عملية االستيراد نحو املغرب ،وال شك أن أهمية حماية املستهلكين تكمن أساسا في
الصالحيات التي وضعها املشرع املغربي في يد هذه األجهزة والتي تتعدد بتعدد النصوص
القانونية املؤطرة لتدخلها ،وهذه األجهزة موزعة على نصوص كثيرة ،األمر الذي قد ينتج
عنه بروز مجموعة من املعيقات والتي من شأنها الحد من دور األجهزة اإلدارية املكلفة
بحماية مصلحة املستهلك وتعيقها عن تحقيق حماية فعالة للمستهلك مما يقتض ي
ضرورة إيجاد حلول لتجاوزها .وللقيام بعملية استيراد البد من استيفاء املراحل
األساسية التالية:
األصل أن جميع البضائع يمكن استيرادها بحرية ،ما لم تورد على هذه املواد
االستثناءات اآلتية:1
وتهدف املراقبة التقنية للبضائع إلى التأكد من جودة املنتج ومطابقتهل لقوانين
واملعايير املعمول بها في املغرب للتأكد من احترام هذه املعايير ،يمكن ملديرية الجمارك
والضرائب غير املباشرة أن تطالب املستورد باإلدالء بشهادات محددة (صحية أو تقنية).
املراقبةعندالوصول -
-2يطبق في المغرب حوالي 8000معيار 200 ،تقريبا منها إجبارية .وتنطبق جل المعايير اإلجبارية على قطاعات
الكهرباء واإللكترونيك ( 41فيالمائة( والميكانيك ) 14فيالمائة ( والبناء ) 12فيالمائة( والبالستيك ) 9فيالمائة)
والسيارات ) 7فيالمائة(.
3
-http//www.snima.ma/index.php/imanor/information/Catalogue
أنواع التجهيزات .األمر ذاته ينطبق على الواردات النباتية والحيوانية واملنتجات ذات
األصل الحيواني التي تتطلب مراقبة صحية من قبل املؤسسات املختصة1.
يبني املكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية عمليات مراقبته على
أساس القانون املغربي ويكيفها مع طبيعة املنتج واألخطار املرتبطة ببلد املنشأ2.
وعند االستيراد ،تتم املراقبة الصحية مبدئيا قبل إنزال البضائع ،وفي جميع
األحوال قبل أن تدخل البضائع إلى السوق ،كما أن دخول املنتجات الغذائية إلى السوق
رهين بالحصول على "إذن بقبول املنتجات".
التتم املراقبة الفعلية للبضائع بشكل تلقائي حيث تتم هذه العملية بطريقة
فعلية بحضور املصرح لدى مصالح الجمارك أو من ينوب عنه وهي تهدف إلى التحقق من
مطابقة هذه البضائع (طبيعتها ،ومصدرها ،وحالتها ،وكميتها ،وقيمتها) ملا تم التصريح به
بالتفصيل.1
قصد تصدير املنتجات إلى سوق أجنبية 2من املهم االستعالم عن الضرائب
والرسوم التي يج بأداؤها .وللحصول على هذه املعلومات ،ينبغي على املصدر أني حدد
-1للمزيد من االطالع حول اإلجراءات الجمركية :مديرية الجمارك والضرائب غير المباشرة ،مديرية التيسير
والمعلوميات ،مصلحة اإلجراءات والمناهجwww.douane.gov.ma ،
-2لتصدير المنتجات إلى سوق أجنبية مستهدفة ،يمكن تصنيف طرق الولوج المتاحة للمقاولة ،في سياق التصدير،
إلى ثالثفئاتكبرى:
التصدير المنسق :حين تصدر المقاولة بتعاون مع شريك واحد أوأكثر ،مغاربة كانوا أم أجانب. -
التصدير المراقب ] أوالمباشر[ :هناكنوعانمنالتصديرالمراقب،ويتعلقاألمربالبيععنبعدوالتوطين. -
التصدير بالمناولة :اللجوء إلى وسطاء يتوفرون على الموارد والكفاءات الضرورية في المجال التجاري -
و الثقافي واللغوي و أيضا الخبرة والمعرفة المتعلقتين بالسوق ]وسائل النقل ،الزبناء ،المزودون ،شبكات التوزيع،
القوانين ،إلخ[ .يتكفل هؤالء الوسطاء بمجموع أو جزء من عملية تسويق المنتج .تبعا لذلك ،فإن المقاولة يكون لها
تأثير ضعيف أو اليكون لها تأثير بتاتا على مستوى توزيع منتجها والترويج له.
ويمكن تحديد الشركاء حسب كل تصنيف فيما يلي:
على مستوى التوزيع: -1
-التصديربالمناولة
الرمز الجمركي لبضاعته ويستعلم ،بعد اإلدالء بهذا الرمز ،لدى مصالح الجمارك حول
الدولة املستهدفة .وعلى املصدر أيضا أن يستعلم عن:
كما تجدر اإلشارة إلى أن الوثائق األساسية التي يجب تحضيرها من أجل عملية
تصدير) سواء من طرف املصدر نفسه أو وسيط) هي كالتالي:
شركات تدبير الصادرات :هي عبارة عن مقاوالت خدماتية مستقلة تقوم بمجموع وظائف الخدمات المتعلقة -
بالتصدير لفائدة مقاولة ،في إطار عقد.
شركات التجارة الدولية :هي مقاوالت تصدير واستيراد تشتري لحسابها الخاص منتجا تمقاوالت أخرى -
لتبيعه فيما بعد باسمها الخاص في األسواق األجنبية باستعمال الهامش الذي تريد.
مكاتب الشراء :هي مكاتب شراء أجنبية يتم إنشاؤها في بلد المصدر عبارة عن خلية للشراء بالتفويض -
يعمل لحساب" المقاولة األم]"سالسل التوزيع ،المقاوالت الصناعية ،إلخ[.
المستوردون والوكالء :تجار أجانب مستقلون يشترون منتجات المصدر بشكل نهائي لبيعها لحسابهم -
الخاص ،مع مايصاحبه من مخاطر أوأرباح .ويكافئون بالحصول على هامش من الربح.
مركزية الشراء أو مركزيات المراجع ملحق بعنوان واحد أو أكثر .وتتكفل بالتفاوض حول األسعار -
وكميات البضائع مع المنتجين.
السمسار :وسيط غير مالك ينحصر دوره في الربط بين البائع والمشتري. -
التصدير المراقب -
العميل ]وكيل تجاري[ :يستورد البضائع ويوقع الوثائق نيابة عن المصدرين الذين يمثلهم ،لكنه اليملك -
المنتجات .ويقتصر دوره على الترويج والتفاوض أوتنفيذ العمليات لحساب مقاولة أوأكثر مقابل عمولة ،وذلك في
منطقة محددة.
وسيط لعبور :وسيط ينظم عملية النقل .يمكن أن يعرض أسعارا مناسبة جداحسب حجما لبضاعة المنقولة. -
يعمل وسيط العبور وفق تعليمات زبونه لكنه مع ذلك يؤدي وظيفة استشارية فيما يتعلق بالتخزين وإعادة اإلرسال
أوالتعشير للبضاعة.
إذا كان الوسيط وكيل نقل فإنه ينظم بحرية واستقاللية مجموع عملية النقل لحساب المرسل. -
سمسار الجمارك :يساعد المصدر في القيام بجميع اإلجراءات الجمركية. -
الشركاء على مستوى اللوجستيك -2
عمالء الشحن :أشخاص معنويين يحكمهم القانون الخاص ويتولون بشكل أساسي أوجزئي إتمام إجراءات نقل سلعة
من منطقة جمركية إلى أخرى.
ويمكن لهؤالء اتخاذ العديد من الوضعيات القانونية :عميل شحن مفوض )تربطه بالزبون عقد تفويض) وعميل شحن
بالعمولة )تربطه بالزبون عقد عمولة(.
كم ايمكن التمييز بين عمالء النقل الذين يتمتعون باالستقاللية في تنظيم كافة عملية النقل والمخلصين المقبولين لدى
الجمارك (وسيط جمركي( الذين يتولون مهمة التصريح المفصل بالسلع لدى الجمارك.
إذاكان عميل الشحن مفوض ابالنقل فإنه يطبقت عليمات زبونه مع احتفاظهب وظيفة إسداء النصح لهذا الزبون في
مجال تخزين السلع وإعادة شحنها أوتعشيرها .أما إذاكان عميال بالعمولة فإنه ينظم بكل استقاللية وحرية كافة عملية
النقل لفائدة زبون الشحن.
الوسيطا لجمركي :يساعد هذا الوسيط الفاعل في إتمام كافة اإلجراءات الجمركية.
تهدف املراقبة التقنية للبضائع إلى التأكد من كون جودة املنتج تطابق القوانين
واملعاييراملعمول بها في املغرب أو في البلد املستهدف.
يمكننا تحديد املنتجات املعنية بإجراءات املراقبة والهيئات املكلفة بها فيما يلي:
الخاضعة البضائع
هيئات املراقبة
للمراقبة
للمنتجات الصحية
الغذائية
الصيدلية املنتجات
وزار الصناعة
ومستحضرات التجميل
الصناعة منتجات
وزار الصناعة التقليدية
التقليدية
على املصدر أن يستعلم لدى مؤسسات البلد الوجهة حول املقتضيات القانونية
واملعيارية للمنتجات املراد تصديرها.
1
- www.onssa.gov.ma
- 2ظهير رقم 1-09-20بتاريخ 22صفر )2009-2-8( 1430ج ر رقم 5712بتاريخ 26فبراير 2009ص
599
يسهر على الحماية الصحية للموروث النباتي والحيواني الوطني ويراقب -
املنتجات النباتية والحيوانية أو ذات األصل النباتي أوالحيواني ،بما في ذلك منتجات
الصيد ،عند االستيراد نحو السوق الداخلية أو عند التصدير.
يراقب ويصادق على مبيدات الحشرات وعلى املؤسسات التي تنتجها، -
سواء عند التصدير أو االستيراد.
املراقبة الصحية عند التصدير :تقوم بها املصالح البيطرية في مختلف -
األقاليم بما في ذلك املصالح املكلفة بمراقبة الجودة في النقط الحدودية ،أي
الدارالبيضاء وطنجة وأكادير.
تكوين وإيداع امللفات :قبل املراقبة ،ينبغي على املصدر أن يكون ملفا يودع -
لدى املصالح البيطرية ويتشكل هذا امللف من طلب إذن التصدير و/أوشهادة املنشأ
الصحية.
الصادرات1 املؤسسة املستقلة ملراقبة وتنسيق
بموجب الظهير الشريف رقم 1-13-70الصادر في 8رمضان 27( 1434يوليوز
)2013بتنفيذ القانون رقم 61-12القاض ي بتغيير وتتميم القانون رقم .231-86املتعلق
بإحداث املؤسسة املستقلة ملراقبة وتنسيق أعمال التصدير ،3تم تحديد اختصاصات
هذه املؤسسة وتتجلى هذه االختصاصات في ما يلي:
تتولى مهمة ضمان مطابقة املنتجات الغذائية املغربية املوجهة للتصدير -
للمعايير القانونية املعمول بها في األسواق الدولية وتنسيق تصدير
املنتجات الخاضعة ملراقبتها لتقنية من خالل تدبير تثمين هذه الصادرات.
توافق على وحدات تصنيع وتعبئة وتخزين السلع التي توجه منتجاتها نحو -
التصدير
تراقب جودة املنتجات الغذائية خالل مراحل تصنيعها وتعبئتها -
وتصديرها.
1
-http://web2.eacce.org.ma
- 2الصادر بظهير رقم 1-88-240
- 3الجريدة الرسمية عدد 6177بتاريخ 2013-8-12ص5734 :
حيث يجب على املصدر أن يقدم سند التصدير من أجل التأشيرة التقنية ملراقبة
جودة خدمات وزارة الصناعة التقليدية وإال فإن املنتج ال يعتبر منتجا للصناعة
التقليدية.
الصناعية2 املنتجات -
لالستفادةمناالمتيازاتالتيتخولهااالتفاقياتالثنائيةأواملتعددةاألطراف4،ينبغيعلىاملص
درأنيحصلعلىشهادةاملنشأ املالئمةلدىمديريةالجماركوالضرائبغيراملباشرة.1
املطلب الثاني :دور إدار الجمارك في مراقبة الصرف وحركة األموال وانعكاسه
على املستهلك
تلعب الجمارك إلى جانب باقي املتدخلين على مستوى الحدود دورا بارزا في حماية
املستهلك وأمن املواطن ،حيث تسهر على مراقبة عمليات استيراد وتصدير البضائع
وتصفية وتحصيل الرسوم املستحقة عليها ،وتعمل على تنفيذ القوانين واألنظمة املتعلقة
بمراقبة التجارة الخارجية والصرف ،كما تعد قوة اقتراحيهل صياغة إجراءات السياسة
الحكومية في املجال الجمركي ،وتحرص على تطبيق املقتضيات الجمركية لالتفاقيات
الدولية التي التزم بها املغرب ،باإلضافة إلى أن إدارة الجمارك تساهم في خلق املناخ
الخصب لتأهيل النشاط املقاوالتي وتحفيز االستثمار ،كما تعمل على حماية االقتصاد
الوطني من خالل محاربة اإلغراق وزجر الغش ،ولتفعيل هذا االلتزام ،تسخر إدارة
الجمارك والضرائب غير املباشرة هدفا رئيسيا يتمثل في تعزيز محاربة الغش بجميع
أصنافه (التهريب ،التقليد ،تبييض األموال )..ويتعلق األمر هنا باملساهمة الفاعلة في
حماية املستهلك والعمل بشتى الوسائل على أن تحترم املواد املستوردة املعايير الصحية
والتقنية املعمول بها .كما تعمد اإلدارة إلى أجرأة املراقبة الفعالة للمساهمة أكثر في
ضمان أمن املواطن بهدف الحد ،قدر املستطاع ،من االتجار الالمشروع (تهريب املخدرات
واألسلحة واملتفجرات واألموال)...ولدعم هذا الهدف ،تولي اإلدارة ،بتشارك وثيق مع
الجمارك األجنبية ،اهتماما خاصا لتحسين عملية استهداف املسافرين الذين هم محل
شك ولتعزيز قوى التدخل املتواجدة بامليدان (الفيالق)2.
وللتطرق إلى هذا الدور سنعمل على تقسيم هذا املطلب إلى الفرعين التاليين:
فضال عن ذلك ،أبرم المغرب اتفاقيات تجارية أخرى تنص على معاملة تعريفية تفضيلية خصوصا المتعلقة منها
باإلعفاء من الرسوم الجمركية والضرائب المماثلة عن جميع المنتجات المتبادلة أو حسب الئحة منتجات حصرية
ملحقة باالتفاقيات المذكورة.
وتتيح هذه المبادرة التي أطلقها المغرب تجاه الدول األفريقية األقل نموا من استيراد بعض المنتجات دون أداء
التعرفة الجمركية.
وقد تم تحديد البلدان المستفيدة من المبادرة ،وعددها ،34باالسم على ظهر نموذج شهادة المنشأ الذي يمكن تحميله
من الموقع االلكتروني لمديرية الجمارك والضرائب غير المباشرة.
ويستفيد من اإلجراءات التفضيلية التي تخولها هذه االتفاقيات الفاعلين الذي يتحقق فيه ممعيار المنشأ كما هو
منصوص عليه.
وتسلم شهادة المنشأ بناء على استمارات معدة سلفا تسلمها مديرية الجمارك والضرائب غير المباشرة.
-1تتمتع المقاوالت التي لها وضع" مصدر معتمد" باالعتراف المتبادل من طرف إدارات الجمارك على المستوى
الدولي ،حيث يمكن لهذه اإلدارات المصادقة بنفسها على منشأ البضائع التي تصدرها هذه المقاوالت إلى الدول
الواقعة في المنطقة األورو متوسطية.
وتمنح صفة المصدر المعتمد من طرف المديرية المركزية بناء على طلب المقاولة المعنية. -
-2المخطط االستراتيجي إلدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ،مرجع سابق ،ص .19
تهدف املراقبة الجمركية في ميدان الصرف إلى غايات متعددة أهمها منع تهريب
رؤوس األموال الوطنية وهذا اإلجراء يجعل من الرقابة الجمركية أداة أساسية في محاربة
ظاهرة غسيل األموال.
تتدخل إدارة الجمارك لحماية املركز املالي للدولة ،وذلك من خالل تطبيق وفرض
الرسوم الجمركية على كل عملية التصدير أو االستيراد تتعلق بالصرف أو الذهب أو
وسائل األداء األخرى كاألوراق التجارية ،حيث نجد املشرع املغربي ،وذلك على غرار بعض
التشريعات األخرى يفرض رسوما مشددة من أجل مراقبة رؤوس األموال حتى ال تتسرب
إلى خارج البالد.
لقد عمل املشرع على مراقبة صارمة للحواجز الجمركية وذلك حتى يتم مراقبة
النقض ،من أجل الحفاظ على قيمة العملة التي تحتوي عليها البنوك املحلية .1وفي جميع
الحاالت فإن عملية االستيراد والتصدير يترتب عنه تصفية الرسوم الجمركية املستحقة
عن تمرير البضائع املالية ،شرط أال يخضع لألنظمة االقتصادية الجمركية.
إن الحماية الجمركية املطبقة على نظام الصرف بالنسبة للمغرب تتجلى في
الدور التكميلي الذي تقوم به إدارة الجمارك لتنفيذ عمليات مكتب الصرف ،حيث أن
عملية مراقبة الصرف هي عملية حقوق مشتركة بين إدارة الجمارك ومكتب الصرف،
فهذا األخير هو الذي يتكلف بتسليم اإلذن بالصرف املتعلق بالصادرات والواردات املالية،
ويحدد الشروط القانونية لهذه العملية ،أما دور إدارة الجمارك فيتجلى في استخالص
الرسوم عن استيراد وتصدير أدوات الصرف ومباشرة املراقبة وعند االقتضاء فإن
1
-Protection douanier au libre de change par : ALMALIYA N° 64 Octobre 2009
Page 51
الجهات الجمركية تسهر على تطبيق اآلجال املنصوص عليها في اإلذن املسلم من مكتب
الصرف.1
وتجدر اإلشارة إلى أن مراقبة الصرف من طرف إدارة الجمارك ،تجد أساسها
القانوني من خالل الظهير الشريف الصادر بتاريخ 25رجب )1939-09-10( 1358الذي
يمنع ويضبط إخراج رؤوس األموال وعمليات الصرف واالتجار في الذهب ،2حيث نص
الفصل األول من الظهير املذكور على أنه":يمنع إخراج رؤوس األموال بأية صورة كانت إال
بإذن من مدير املالية العام ويمكن للمدير املالية العام أن يفوض نفوذه لتسليم الرخص
املشار إليها أعاله ويحق للكوميسار املقيم العام أن يعين صورة العمليات التي تعتبر
كإخراج األموال عمال بهذا الفصل"3.
الفقر الثانية :التدابير املصولة إلدار الجمارك الجمارك بشان تهريب األموال
كتقنية مستعملة ملحاربة غسيل األموال
ينقسم الرأسمال املهرب إلى عنصرين أساسيين :عنصر قانوني وعنصر غير
قانوني ،ويظهر العنصر القانوني عندما يقرر شخص ما أن يوظف أمواله في دولة أخرى
مستخدما في ذلك طرق قانونية لنقل أمواله بعد خصم الضريبة منها وملتزما بالقواعد
املستندية املطلوبة منه ،والضرورية مع االحتفاظ أو استبقاء األصل في دفاتر الوحدة
الحسابية التي تم التحويل والنقل منها ،وذلك بهدف البحث عن األمان والتحصن ضد
مخاطر املبادالت النقدية.4
-1عبد الغني الصغيري" :االستخالص الجمركي للبضائع وتحرير التجارة الخارجية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،السويسي ،الرباط ،2010 ،ص93.
-2منشور في الجريدة الرسمية عدد 1402بتاريخ 1939-09-10
-3في هذا الصدد صدر قرار عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء (غير منشور) عدد 2483-02-26بتاريخ 4
يونيو 1996والذي جاء فيه:
" ...حيث إن الظنين أدى بمدينة مليلية -وهي تحت النفوذ اإلسباني والعملة الرسمية المتداولة فيها هي العملة
اإلسبانية -مبلغ ثمن شقة سكنية موجودة بالمغرب بالدرهم المغربي بدون إتباع إجراءات قانون الصرف المغربي
فيكون تبعا لذلك هذا األداء غير قانوني وتم بتصديره وسيلة أداء هي العملة المغربية بدون إذن من الجهة المختصة
وهي مكتب الصرف الممثل لدى المحاكم من طرف إدارة الجمارك وحيث يترتب عن هذا األداء بهذه الطريقة غير
المشروعة تحول عملية البيع المبرمة في المغرب بشكل صوري إلى مقاصة حرة غير خاضعة ألي ضابط وغير
مشروعة لمخالفة مرتكبيها لقانون الصرف المغربي".
عبد هللا ولد" :قانون الصرف مع اجتهاد القضاء المغربي المقارن ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء – -
المغرب ،أبريل ،2007ص.5:
-4عبد الحكيم مصطفى الشرقاوي" :العولمة العالمية وتبييض األموال" ،دار الجامعة الجديدة ،ط ،2008ص
.156
أما الرأسمال غير قانوني فهو موضوع آخر ومختلف ،حيث يقوم املهربون بطرق
غير ملفتة للنظر وغير جدابة ،لخلق هذا النوع من الرأسمال ،مثل تشويه وتحريف
أسعار التجارة الخارجية وعادة يتم ذلك بتضخيم أسعار الواردات وتقليل أسعار
الصادرات كما أنه من أشكال رأسمال املهرب غير القانوني ،التعامالت في العملة في
السوق السوداء والتهريب البسيط ،تجدر اإلشارة في هذا الصدد أن التهريب هو من أقدم
وأبسط الطرق التي ابتكرها غاسلو األموال إال أنه ،ما زال مستخدما على نطاق واسع
ففي الواليات املتحدة األمريكية يقدر حجم املبالغ التي تم تهريبها خارج هذه الدولة بنحو
50مليار سنويا رغم ما تتمتع به هذه الدولة من تقدم تكنولوجي.
و هناك طرق أخرى يتم فيها تحقيق نفس الهدف ونفس النتيجة ومثال ذلك
سداد قيمة الواردات والصادرات التي ال وجود لها أو سداد مقابل خدمات لم تؤدى
واإلتجار من خالل سماسرة متعاونين والذين يفقدون في النهاية أحد جوانب الصفقة
التجارية عن عمد وينقلون املؤسسة التجارية من ملكية إلى مكان آخر ،دون إعادة
التعويض إلى الوطن أو الدولة األم.
أضف إلى ذلك عمل تحويالت بنكية ألرصدة أو أموال لم يدفع عنها ضرائب .وفي
الوقت الذي تعد فيه كل هذه الطرق اإلضافية هي طرق هامة إال أنه من الصعب تقدير
مدى أهميتها1.
انطالقا مما سبق ،يتجلى دور إدارة الجمارك في وضع حدلكل ما من شأنه
املساس باملستهلك نتيجة لوجود بضائع تهدد صحته وسالمته ،أو وضع حد لكل منتوج
موجها للسوق الوطنية قصد إغراقها أو إعاقة تطوير و تنمية املنتوج الوطني ،حيث
يتمثل الدور األمني الذي تلعبه إدارة الجمارك حماية لسالمة وصحة املستهلك في مراقبة
ومنع إدخال املواد املمنوعة و أهمها املخدرات واملواد املغشوشة.
يعمد أصحاب هذه األنشطة غير املشروعة في تبييض األموال املتحصل عليها من بيع
املخدرات في أنشطة اقتصادية جديدة قصد إضفاء الطابع املشروع عليها1.
كما تعمل إدارة الجمارك على تحقيق أمن املستهلك من خالل منع وحجز السلع
املقلدة واملغشوشة املستوردة من الخارج ،إذ ال يكفي وضع تشريعات وهيئات تحارب كل
ّ
ما يمس بأمن و سالمة املستهلك في السوق و إنما البد من وضع سياج أو حاجز يحمي من
دخول هذه املنتوجات إلى السوق الوطنية.
و إذا كانت التسهيالت واملرونة في املراقبة الجمركية ،تهدف إلى ضمان سيولة
املبادالت التجارية فإنها في ذات الوقت ال تخلو من آثار سلبية حيث إنها فتحت املجال
النتشار عدة مخاطر ترتبط بالجريمة املنظمة العابرة للقارات والتي من بينها غسيل
األموال .وهو ما يدعو إدارة الجمارك بتطوير فعالية آليات الرقابة لضمان سيولة
العمليات التجارية الدولية واملحافظة على أمن السلسلة اللوجيستيكية من مخاطر
اإلجرام املنظم.
-1غالبا ما تكون مصدر جريمة تبييض األموال من تجارة المخدرات التي يقاضي عليها مبيضوا األموال أرباحا
طائلة.وقد تأتي هذه األموال القذرة من خالل مصادر أخرى غير المخدرات كاألنشطة السياسية غير المشروعة
واإلختالس من المال العام والتهريب وتزوير الشيكات المصرفية وغيرها.
ولقد أصبحت جرائم تبييض األموال جرائم عالمية تتعدى حدود الدولة الواحدة ،األمر الذي يجعل الجهود
الوطنية عاجزة عن مواجهة تفاقم هذه الظاهرة مما جعلها تستدعي جهودا دولية دؤوبة لمواجهتها .وبالرغم من
بعض الفوائد التي تجنيها اتفاقيات تحرير التجارة العالمية وما يرافقها من إزالة العوائق الجمركية واستخدام التجارة
اإللكترونية وشيوع المناطق الحرة وعمليات الخصخصة .إال ّ أن لكل ذلك أثر قد يكون سلبيا في تنشيط عمليات
تبييض األموال -.راجع عليان بوزيان ،إشكالية التجريم في جريمة تبييض األموال ،الملتقى الوطني حول مكافحة
الفساد و تبييض األموال ،جامعة مولود معمري ،كلية الحقوق ،تيزي وزو ،يوم 10و 11مارس ، 2009صفحة
304و.305
2زايد مراد" :دور الجمارك في ظل اقتصاد السوق حالة الجزائر" ،دور إدارة الجمارك في ظل اقتصاد السوق حالة
الجزائر" ،أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في العلوم االقتصادية ،جامعة يوسف بن خدة ،الجزائر سابقا ،كلية
العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،السنة الجامعية .2006-2005ص.399:
ويعتبر الغش الجمركي أوسع داللة ومفهوما ،إذ يشمل عالوة على األفعال التي
تشكل تهريبا جمركيا ،عمليات االستيراد والتصدير دون تصريح ،الخطأ في التصريح سواء
في قيمة البضائع أو في منشأها أو نوعها أو تقديم تصريحات ال تطابق طبيعة البضاعة
املصرح بها وتقديم وثائق مزورة أو املخالفات التي تضبط في مكاتب إدارة الجمارك أثناء
عمليات الفحص الوثائق والبضاعة واملراقبة وهو ما يسمى الغش التجاري في عمليات
االستيراد والتصدير1.
في إطار الغش التجاري يلجؤ بعض املستوردين خالل فترة تطبيق األثمان
املرجعيه إلى تضخيم قيمة البضائع الخاضعة لقيم دنيا ،والتي كانت تفرض عليها رسوم
إضافية في حالة التصريح بقيمة أقل من القيمة الدنيا ،بما يشكل وسيلة للتملص من
أداء الرسم اإلضافي ،وهو ما يشكل إخالال بقواعد التجارة واملنافسة الشريفة ،وقد
عرضت مجموعة من القضايا في هذا املجال على القضاء اإلداري.3
وتعتبر القيمة أهم عنصر في الوعاء الضريبي ،لذا فالغش والتالعب فيها يترتب
عليها انعكاسات سلبية تمس بحقوق الخزينة العامة وقواعد املنافسة التجارية ،وقد
كشفت املمارسة امليدانية أن املستندات التي تكون محل للتدليس هي الفاتورة،
والتصريح املفصل للبضائع ،حيث أن األولى قد تحمل قيما مختلفة او تكون شكلية ،أما
التصريح املفصل ،الذي يفترض أن يتضمن القيمة املحددة بعد تحويل العملة االجنبية
1بن الطيبي مبارك " :التهريب الجمركي ووسائل مكافحته في التشريع الجزائري" ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في
العلوم الجنائية وعلم اإلجرام ،كلية الحقوق جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان ،2010_2009 ،ص.17_16:
2ابن الطيبي مبارك ،التهريب الجمركي ووسائل مكافحته في التشريع الجزائري ،مرجع سابق ،ص.17:
-3راجع على سبيل المثال :الحكم عدد 135المؤرخ في 2003/03/10الصادر عن إدارية البيضاء في قضية
شركة ــــــــ ضد إدارة الجمارك (غير منشور(.
املسجلة بالفاتورة إلى العملة الوطنية مع مراعاة العناصر اإلضافية املكونة للقيمة
كمصاريف النقل والشحن والتأمين.
واملالحظ أن بعض املستوردين يعمدون عند احتساب قيمة بضاعة مرت بعدة
محطات إلى االقتصار على إدخال املصاريف املترتبة على نقل البضائع من املحطة ما قبل
األخيرة إلى محطة الوصول ،أي أن يتم التستر على املبلغ اإلجمالي ملصاريف النقل ،ويترتب
على ذلك تخفيض القيمة الحقيقية للبضاعة املستوردة1.
كما أن تطور املناخ التجاري واالنفتاح على األسواق العاملية انطوى على
ايجابيات كثيرة ونتائج مفيدة القتصاديات الدول باألساس ،ولكن في نفس الوقت حمل
بين طياته بعض الظواهر السلبية واهما ظاهرة الغش التجاري وما ترتب عن هذه األخيرة
من أثار سلبية سواء على الصعيد االقتصادي واملتمثل في أثارها على الخزينة العامة
للدولة حيث يحرم هذه األخيرة من إيرادات جبائية كان من املفروض وجودها في الخزينة
العامة وكما أنه يضرب باألساس روح املنافسة الشريفة بين املقاوالت وما ينتجه من
تهديد على النسيج االقتصادي ،أو على الصعيد االجتماعي وانعكاساته الخطيرة على
الصحة والسالمة العامة.
-1إلياس الهواري احبابو" :دور القضاء الجنائي في تطبيق الضوابط اإلجرائية للقواعد الزجرية الجمركية" أطروحة
لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،السنة الجامعية-2017 :
،2018ص.82
-2ظهير شريف رقم 1.83.108صادر في 9محرم 5(1405أكتوبر )1984بتنفيذ القانون رقم 13.83المتعلق
بالزجر عن الغش في البضائع ،الجريدة الرسمية عدد 3777بتاريخ 27جمادى اآلخرة 20( 1405مارس
،)1985ص .395
إذا كانت املادة األولى من قانون التجارة الخارجية قد كرست مبدأ حرية تصدير
واستيراد البضائع ،فإنها في ذات الوقت أقرت بتقييد مجال هذه الحرية باإلعتبارات
املتعلقة بحماية النظام العام بأبعاده املختلفة وبالحفاظ على الثروة الطبيعية والتراث
الوطني والفني وكذا املركز املالي للبالد ،وتسهر إدارة الجمارك على مراعاة هذه الضوابط
لضمان سالمة وجودة املواد ،وإشباع حاجيات املستهلك ،إال أن هذا األخير أصبح محل
خطر نتيجة لوجود سلع قد تمس بصحته و سالمته .ناهيك عن وجود مناورات و
تالعبات من قبل فئة التجار الذين ال يؤمنون إال بالربح السريع نتيجة للجشع الذي
يرتابهم بعيدا على كل روح تنافسية شريفة.
هذه الروح التنافسية التي سعى املشرع املغربي كباقي املشرعين اآلخرين إلى
تنظيمها وتأطيرها قصد تحقيق الفعالية اإلقتصادية من خالل وضع تسهيالت لالنضمام
إلى األسواق سواء كانت سوقا للسلع أو سوقا للخدمات ،..كما عمل على قمع كافة
املمارسات غير الشرعية التي تتم فيما بين األطراف وبينها في عالقتها مع املستهلك ،وذلك
باتخاذ إجراءات جديدة استحدثت مؤخرا تبعا لالستراتيجيات الجديدة التي انتهجتها
الدولة.
من هذا املنطلق ،سنعمد إلى دراسة هذا الفرع وفق الفقرات التالية:
املواطنة ،وتتميز مقاربة إشكالية التهريب بالواقعية والتركيز حيث تم إعطاء األولوية
للخطوط األمامية للحدود بمدها باملعدات واملوارد البشرية وتدريبها على طرق جديدة
للتدخل كما تم اللجوء إلى تقنيات تعتمد على عامل املباغثة واستغالل وتدبير املعلومات
املتوفرة ملحاربة شبكات التهريب املنظمة أما فيما يخص الغش التجاري والذي يتميز
بكونه يأتي تبعا إلنجاز عمليات تعشير البضائع ويأخذ عدة أشكال ويرمي إما إلى التملص
من أداء الرسوم واملكوس الجمركية أو التهرب من القيام بإجراء منصوص عليه قانونا أو
االستفادة بغير حق من نظام تفضيلي فقد تم االعتماد على أنواع جديدة في املراقبة
لزجرها ونذكر في هذا الصدد املراقبة اآلنية ،املراقبة املؤجلة واملراقبة البعدية.1
تكثيف عمليات املراقبة على مستوى النقاط الجمركية األمامية وتفعيل -
املراقبة على جميع املستويات بإشراك املسؤولين املعنيين بالتأطير في
تنفيذ العمل امليداني وتطوير عالقات التعاون والشراكة مع املتداخلين في
الشأن االقتصادي ومكافحة التهريب.
اعتماد الحركية الجغرافية والوظيفية ألعوان الجمارك كمقاربة جديدة في -
تدبير املوارد البشرية وتبني الصرامة في تطبيق النظام التأديبي للموظفين
لضمان تخليق املرفق وتحسين املردودية والعمل الجمركي 2ويدخل ضمن
هذه اإلستراتيجية عالقة الجمارك بالتجارة الخارجية من خالل
االتفاقيات الدولية فمكافحة التهريب يعتبر الدور األساس ي واملستقبلي
-1يوسف غنو " :دور إدارة الجمارك في تعزيز قدرة المنتوج الوطني على المنافسة" ،المجلة اإللكترونية لندوات
محاكم فاس ،العدد الثالث يونيو 2006ص.34 :
-2عبد اللطيف ناصري" :التشريع الجبائي بين اإلختصاص البرلماني ،والتفويض التشريعي :الرسوم الجمركية
نموذجاً" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد 83نونبر-دجنبر ،2008ص.165-166 :
للجمارك حيث تقوم هذه اإلدارة بأدوار من خالل مديرية مكافحة التهريب
التي تسير وتنظم عمل دوريات املكافحة الجمركية التي تقوم بالكشف
وضبط كل محاوالت التهريب في كافة أنحاء الحدود الجمركية وكذا من
خالل نشاط باقي املديريات املعنية بالتهريب الضمني في الوثائق
واملستندات كالتالعب بالقيمة واألعداد واألوزان واألقيسة أو بنود
التعريفة وعن طريق كذلك توقيع اتفاقية جمركية ثنائية مع بعض الدول
وتتضمن تبادل املعلومات الجمركية التي تساهم في رفع كفاءة هذه
الدوائر في مكافحة الترهيب وأيضا بتنسيق عمليات مكافحة الترهيب على
املستوى الدولي بالتعاون مع منظمة الجمارك العاملية.1
وبالتالي فإن اإلستراتيجية األمنية التي تنهجها الدولة ملحاربة التهريب والغش
الجمركية تذهب بعيدا عن األشكال الخجولة للتعاون وبمفهومه الضيق إذ تتعدى إلى
التعاون الدولي في ميدان مكافحة الغش تحت مظاهر أكثر شمولية ويتمثل هذا التعاون
بشكل خاص في إبرام اتفاقيات ثنائية 2أو متعددة األطراف 3تتعلق بصفة خاصة بالتعاون
اإلداري فيما يتعلق بزجر الغش والوقاية منه 4وهذا يتطلب إعطاء فعالية قانونية للوثائق
واملعلومات الصادرة عن السلطات األجنبية ونجد في هذا الصدد قضية املخدرات التي
تعد أقدم املشاكل التي طرحت على الساحة املغربية وبادر املغرب إلى محاولة محاصرتها
بسبقه إلى املصادقة على أغلب االتفاقيات التي تخص املخدرات5
-1فتيحة حرم ملوح" :تحسين األداء الجمركي في ظل نظام التجارة العالمية" ،دراسة حالة الجزائر ،نوميدي للطباعة
والنشر والتوزيع ،بدون ذكر الطبعة ،ص.160 :
-2أنظر االتفاقية المبرمة بتاريخ 18مارس 1985المتعلقة بالمساعدة اإلدارية المتبادلة في ما بين المملكة المغربية
واإلسبانية لمكافحة الجرائم الجمركية والوقاية منها كمثال على االتفاقية الثنائية.
-3أنظر القانون عدد 66-236الصادر بتاريخ 22أكتوبر 1966المتعلق بنشر والمصادقة على اتفاقية نيويورك
حول المخدرات المنعقدة بتاريخ 30ماس .(B.O.N 2823 du 7-12-1966( 1961
-4ظهير عدد 324.80.1بتاريخ 22دجنبر 1980المتعلق بالمصادقة على االتفاقية الدولة حول المساعدة اإلدارية
المتبادلة فيما يتعلقب زجر الجرائم الجمركية الوقاية منها أو البحث عنها المبرمة بنيروبي بتاريخ 9يونيو 1977
p: 343) 1977.،(BO 15 juill 1981
-5هذه االتفاقيات هي:
االتفاقية الفريدة لمكافحة المخدرات لسنة .1961 -
اتفاقية 21فبراير 1971المتعلقة بالمواد النفيسة -
اتفاقية 19دجنبر 1988 -
اتفاقية التعاون بين المغرب وإسبانيا في مجال مكافحة المخدرات الموقع في 21يناير .1987 -
اتفاق التعاون بين المغرب والجمهورية اإليطالية في محاولة مكافحة اإلرهاب والجريمة المنظمة وتهريب -
المخدرات الموقعة في 16يناير .1987
-اتفاقية التعاون بين المغرب والبرتغال في مجال مكافحة المخدرات الموقع في 18أكتوبر .1988 -
اتفاقية التعاون بين المغرب وبريطانيا في مجال محاربة المخدرات واإلرهاب والجريمة المنظمة الموقع -
في 7يناير .1989
ويشتمل نطاق هذا التعاون على املساعدة الدولية املتبادلة كما تنص على ذلك
اتفاقية "نيروبي" محاالت عدة تذهب إلى حد تواجد أعوان الجمارك التابعين ألي بلد
عضو فوق تراب بلد عضو آخر وبهدف إعطاء هذا التعاون مظاهر أكثر شمولية تسهر
عدد من اللجان املتخصصة على تنسيق عمليات االتصال فيما بين األجهزة الجمركية
وغيرها بهدف استغالل أفضل املعلومات والوسائل ومن الطبيعي والحالة هذه أن
ضخامة وأهمية هذه الوسائل تتناسب مع الغش املنظم والذي يتم على نطاق واسع
وبذلك فهي تبقى دونما فعالية في مجال محاربة عمليات الغش الصغيرة أو الصدفة حتى
تعتمد إستراتيجية السياسة الزجرية للغش في هذه الحالة على البساطة والسرعة 1ألن
الخطورة الكبيرة ملشكلة املخدرات ليست هي الزراعة رغم ما تشكله من تداعيات
محدودة نسبيا لكنها تتجلى في الشبكات اإلجرامية املتخصصة في التهريب الوطني والدولي
التي هي املستفيد األول من نشاط املخدرات بما يشكل ذلك من مخاطر على االقتصاد
الوطني واألمن العام مما يحتاج إلى بذل مجهودات جد مهمة للتصدي لهذا النشاط من
خالل تحديث آليات املراقبة وذلك باستعمال أحدث التقنيات وتجهيز كل املطارات
واملوانئ واملناطق الحدودية بأجهزة سكانير وفق املعايير املتعارف عليها دوليا وتعزيز
التعاون الدولي ملواجهة تهريب املخدرات واالستمرار في اإلستراتيجية املبنية على تعزيز
املقاربة الشمولية القائمة على دعم املجهود التنموي وتقوية آليات املحاربة وطنيا
ودوليا،2وملعالجة هذه القضايا وألجل الوصول إلى نتيجة إيجابية في هذا النطاق يجب
العمل على إيجاد إستراتيجية وطنية توازي االستراتيجية الدولية في مجال مكافحة تهريب
املخدرات والوقاية منها مبنية على أسلوب التنسيق.3
لقد اتضح جليا من خالل الترسانة التشريعية والتنظيمية واملادية والبشرية التي
أعدتها جل الدول من أجل منح إدارة الجمارك اإلمكانيات الالزمة ملكافحة الغش الجمركي
و حماية املستهلك .حيث أدى تطور املبادالت التجارية الدولية إلى تطور أساليب تنقل
برتوكول اتفاق مع الواليات المتحدة األمريكية في مجال المخدرات واإلرهاب والجريمة المنظمة 10 -
فبراير ..1989
-1حفيظي الشرقي" :حول الطبيعة القانونية للمحاضر في القانون الجنائي الجمركي ،دراسة لبعض جوانب التحوالت
التقنية للقانون الجنائي"،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،بالرباط ،1991ص380 :
2
- Bensalem FENNASSI, le grand piège de la contrefaçon, aujourd'hui le Maroc,
n° 802 du 28 décembre 2004.
-3يونس المسكيني" :سياسة محاربة زراعة وتهريب المخدرات بشمال المغرب" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون العام ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال الرباط ،السنة الجامعية
،2011-2010ص.112-111 :
السلع والبضائع وأدى ذلك إلى كثرة املخاطر التي قد تلحق بالسلع واملنتجات عند
االستيراد واالستيراد والتصدير وما يلحق ذلك من تبعات في مجال االستهالك ،لذا أصبح
على عاتق التشريع الجمركي باعتباره الحامي األول لالقتصاد الوطني وكذا حارس بوابة
التجارة الدولية مسؤولية حماية نظام االستهالك في الداخل والخارج ،وأصبح معه
التشريع الجمركي يساهم أكثر فعالية في حماية املستهلك على النطاق الدولي والداخلي
حسب اآلليات الحديثة.
عمدت إدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة إلى وضع سياسة ،تعد بمثابة
خارطة طريق واضحة املعالم ومن تحديد مضبوط ألولوياتها للوصول إلى النتائج املرجوة
املتمثلة في حماية وتطوير االقتصاد الوطني .مما يحتم عليها أن تبرهن عن الواقعية
واليقظة وكذلك العزم ،السيما الدور الحيوي الذي تلعبه في مسألة الحماية ،مراقبة
التجارة الخارجية ومكافحة الجرائم االقتصادية في ظل عوملة االقتصاد والتجارة الدولية
الذي شهده العالم املعاصر بسبب التطور التكنولوجي الحاصل في وسائل النقل،
اإلتصال ،تحرير املبادالت التجارية وتكريس مبدأ املنافسة الحرة بين الدول ،ومكافحة
الغش والتهريب وتزييف العالمات الصناعية والتجارية.
-1يمكن تحديد مفهوم تزييف البضائع انطالقا من القانون المتعلق بالملكية الصناعية بأنه القيام دون اذن مالك العالمة
باحد األعمال التالية :
استنساخ أو استعمال او وضع عالمة ولو باضافة كلمات مثل "صيغة وطريقة ونظام وتقليد ونوع
ومنهاج" ،وكذا استعمال عالمة مستنسخة فيما يخص المنتجات او الخدمات المماثلة لما يشمله التسجيل؛
حذف أو تغيير عالمة موضوع بصورة قانونية ،أو استنساخ أو استعمال او وضع عالمة وكذا استعمال
مستنسخة فيما يخص المنتجات او الخدمات المشابهة لما يشمله التسجيل؛
تقليد عالمة مقلدة فيما يخص المنتجات او الخدمات المماثلة او المشابهة لما يشمله التسجيل؛
راجع المواد 154و 155و 201من القانون رقم 17.97المتعلق بحماية الملكية الصناعية الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.00.19بتاريخ ،2000/05/15كما تغييره وتتميمه بالقانون رقم 31.05الصادر بشأنه الظهير
رقم 1.05.190بتاريخ ،2006/02/14الجريدة الرسمية عدد 5397بتاريخ 2006/02/20
-2راجع الفصل االول من القانون رقم 13.80المتعلق بالزجر عن الغش في البضائع المشار اليها سابقا
االعتداء على حق ملكية العالمة جرائم التقليد كما تميز بين تقليد وتزوير العالمات ،فهذا
األخير يقصد به نقل العالمة نقال حرفيا بحيث تبدو مطابقة للعالمة األصلية ،أما التقليد
فهو اتخاذ عالمة تشبه العالمة األصلية مما قد يؤدي إلى تضليل وخداع الجمهور1.
ومع تزايد مخاطر التزييف والقرصنة على املشاريع املعتمدة على االبتكار والتطور
التكنولوجي ،2شكلت احد انشغاالت جولة األورغواي التي استهدفت تعديل االتفاقية
العامة للتعريفة الجمركية والتجارة "الجات" فاحدث نظام عالمي جديد لحماية حقوق
امللكية الفكرية ،حيث فرضت االتفاقية على الدول األعضاء إقرار مجموعة من اآلليات
التي تسمح لصاحب حق امللكية الفكرية بمطالبة السلطات اإلدارية والقضائية املختصة
بإصدار أمر مؤقت إليقاف إجراءات رفع اليد على سلع مزيفة مستوردة أو مصدرة ،ومنعا
للتعسف في استعمال هذا الحق أوجبت االتفاقية على صاحب الطلب تقديم األدلة
الكافية على وجود التزييف وإيداع ضمانة أو كفالة 3
-1حسام الدين الصغير" :قضايا مختارة من اجتهادات المحاكم العربية في مجال العالمات" ندوة الويبو دون االقليمية
عن العالمات التجارية ونظام مدريد ،أكتوبر ،2004المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية.
2
- voir pierre Delval : « traquer le crime organisé : le nouveau défi
européen »,lacontrefacon riposte, n16 ,juillet aout 2006.
-3فؤاد معالل " :تحيين القانون المغربي للملكية الصناعية ومالءمته مع االتفاقية المنبثقة عن المنظمة العالمية
للتجارة المتعلقة بجوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة" ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية العدد
،56السنة ،2004دار النشر المغربية الدرالبيضاء ،ص 45و46
4
- bensalem fennassi : « le grand piége de la contrefacon » , aujourd’hui le maroc
N802 du 28 décembre 2004.
كانت مقترنة بمخالفة أو جنحة جمركية ،وإال فإنها تكتفي بإشعار النيابة العامة تطبيقا
للمادة 42من قانون املسطرة الجنائية.
وتدخل إدارة الجمارك لحماية امللكية الصناعية أو الفكرية يكون إما تلقائيا أو
بناء على طلب صاحب الحق (مالك العالمة أو املستفيد من حق استئثاري على العالمة (،
وذلك بعد االطالع على شهادة تسجيل العالمة املسلمة من طرف املكتب املغربي للملكية
الصناعية ،والخصائص املميزة التي تمكن من معرفة وتحديد البضائع املزيفة ،وكذا
التزام مصادق عليه من طرف السلطات اإلدارية املختصة من أجل :
إشعار اإلدارة بكل تغيير يطرأ على العناصر املعللة للطلب ،وموافاتها
بالقرارات واألحكام القضائية الفاصلة في التزييف.
اإلدالء خالل عشرة أيام من تاريخ تبيلغ اإلجراء املتخذ بما يثبت مباشرة
اإلجراءات التحفظية املتخذة من رئيس املحكمة أو إقامة دعوى وتقديم
الضمانات املحددة من طرف املحكمة 1
ويترتب على ثبوت التزييف بقرار قضائي نهائي مجموعة من اآلثار منها إتالف املواد
املزيفة – ما عدا في حاالت استثنائية – تحت نفقة رافع الدعوى ،وإلغاء التصريح
املفصل للبضائع املعنية ،وذلك بمقتضيات الفصل 78املكرر من م.ج.ض.غ.م ،ومنع
تصدير املنتجات املزيفة أو خضوعها ألنظمة أو مساطر جمركية أخرى ما عدا في حاالت
خاصة2.
بناء على قرار قضائي نهائي إذا لم يثبت تزييف السلع ،وفي هذه الحالة
يتعين على املصرح استكمال اإلجراءات املتعلقة بالجمركة داخل اجل
ثالثين يوما من تاريخ تبليغ القرار القضائي ،وذلك تحت طائلة اعتبار
البضائع املعنية متخلى عنها بالجمرك .3
-1المادة الثانية من القرار المشترك لوزير المالية والخوصصة ووزير الصناعة والتجارة وتأهيل االقتصاد رقم
206.06الصادر بتاريخ 2006/05/06بتحديد شروط تطبيق الفصل السابع من القانون رقم 17.97المتعلق
بالتدابير على الحدود ،الجريدة الرسمية عدد 5398بتاريخ .2006/02/23
-2المادة 176من القانون المتعلق بالملكية الصناعية المشار إليه سابقا.
-3راجع الفصل 106من مدونة الجمارك
أو بقوة القانون 1في الحالة التي ال يدلي الطالب إلدارة الجمارك داخل
أجل عشرة أيام من تبليغ التوقيف بما يفيد اتخاذ اإلجراءات التحفظية
املأمور بها من طرف قاض ي املستعجالت ،أو رفع دعوى وتقديم
الضمانات املحددة من طرف املحكمة لتغطية مسؤوليته املحتملة في
حالة صدور حكم بانعدام التزييف ،وإلقامة هذه الدعاوى يمكن للمدعي
أن يطلب من إدارة الجمارك املعلومات املتعلقة بأسماء وعناوين
األشخاص املعنيين بالبضاعة السيما املرسل واملرسل إليه واملستورد
الحائز ،وباملقابل يجوز للمستورد في حالة عدم اإلقرار بتزييف السلع،
مقاضاة طالب التوقيف ملطالبته بجبر األضرار الواقعة .2
لقد اعتبر البعض أن التكليف التشريعي إلدارة الجمارك بإيقاف التداول الحر
للبضائع املرتاب في زيفها قد يفسح املجال للتعسف في استعمال هذه الصالحية القانونية
،السيما وأن مقتضيات املادة 176من قانون حماية امللكية الصناعية تنص على انتفاء
املسؤولية اإلدارية في حالة توقيف التداول الحر للبضائع ،وباملقابل دعى املنتقدون إلى
جعل إجراء التوقيف اختصاصا حصريا للجهاز القضائي ،3لكن هذا املوقف يبدو
متجاوزا بالنظر ملا يجري في بعض التجارب العاملية في مجال مكافحة تزييف العالمات،
حيث أن النظام القانوني الفرنس ي على سبيل املثال أصدر منذ سنة 1994نصا تشريعيا
يكيف تزييف العالمات كجنحة جمركية يسري عليه ما يسري على املواد املحظورة عند
االستيراد والتصدير4.
واعتبارا لم تشكله عملية التزييف من مخاطر ،من كونها عقبة تحول دون
تشجيع الخلق واالبتكار ،وكذلك عامال لتشجيع القطاع غير املنظم وتقليص فرص
العمل ،الش يء الذي دفع باملشرع املغربي إلى تمكينها من وسائل مهمة ،يدخل في إطار
-1الفقرة الثالثة من المادة 176من القانون المتعلق بحماية الملكية الصناعية المشار اليه سابقا
-2الفقرة السادسة من المادة 176من القانون المتعلق بحماية الملكية الصناعية المشار اليه سابقا.
-3راجع موقف بعض األحزاب المغربية خالل مناقشة مشروع القانون المتعلق بتعديل قانون حماية الملكية
الصناعية،
أنظر :
عبد اإلله المحبوب" :مالحظات حول مشروع قانون 23.13بتغيير وتتميم القانون رقم 97-17المتعلق بحماية
الملكية الصناعية" ،مقال منشور على الموقع اإللكتروني
http://www.marocdroit.com/a3959.html
تاريخ الزيارة ،2016/11/15 :الساعة10.32 :
4
« la douane : lutte contre la conterfacon de marque » , htt://www.douane.gouv.fr.
صالحياتها وواجباتها املتعلقة بحماية املستهلك من السلع املزيفة التي يصعب التحقق من
توفرها على معايير الجودة والسالمة التي تتميز بها العالمة األصلية.
وهكذا يمكن تحقيق الحماية الفعلية للمستهلك عند إعمال إدارة الجمارك
لدورها في هذا املجال ،الذي يعتبر حلقة من حلقات البناء التي شيدت فكرة حماية
العالمة التجارية ،على أساس تدخلها في مراقبة حركة تدفق السلع واملنتجات داخل
التراب الوطني ،وتعمل على ضبط التجاوزات غير املشروعة التي تستهدف املساس
باالقتصاد الوطني.
كما سبق القول ،فإن من مهام إدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة وضع
حدلكل ما من شأنه املساس باملستهلك نتيجة لوجود بضائع تهدد صحته وسالمته ،أو
وضع حد لكل منتوج موجها للسوق الوطنية قصد إغراقها أو إعاقة تطوير و تنمية
املنتوج الوطني ،حيث يتمثل الدور األمني الذي تلعبه إدارة الجمارك حماية لسالمة و
صحة املستهلك والتوازن االقتصادي للدولة.
1
- J.Buhart : « le régime communautaire de l’antidumping , vingt ans d’expérience
» ,RTDE n2 avril , juin 1988 , p 253 cite par Mehdi Essarsar : « le régime
juridique de l’anttidumping en commerce international », revue marocaine
d’administration locale et de dévlopment , imprimerie édition maghrébines
casablanca , année 2004 , n 57-58 , p 133 et 136.
2
- Peter.lindert et charlesp.kindleberger : « économie internationale,7 édition sans
date et lieu dédition p 199.
البيع بأسعار أقل من تلك املطبقة على املواد املنتجة محليا من طرف
البلد املستورد ؛
البيع بأثمان أقل من تلك املطبقة في البلد املتأصلة منه البضاعة؛
البيع بثمن أقل من سعر التكلفة والثمن املطبق بباقي البلدان املصدرة.1
وتاريخيا ،تعد كندا أول دولة وضعت منذ سنة 1904إجراءات جمركية مضادة
لإلغراق لحماية الصناعة املحلية ،إذ انه خالل األزمة االقتصادية العاملية حاولت اغلب
الدول تسويق منتجاتها خارجيا ،األمر الذي أدى إلى طرح مشكل اإلغراق باعتباره يعرقل
إنتاج الصناعات الناشئة في البلد املستورد ،وبالتالي يعد مبررا لتبني سياسة الحمائية .
ولم تتمكن املجموعة الدولية من التوصل إلى اتفاق بخصوص إجراءات محاربة
اإلغراق إال بعد الحرب العاملية الثانية عند إبرام اتفاقية " الجات" سنة 1947التي
حددت مفهوم اإلغراق بكونه املمارسة التجارية التي تمكن من إدخال البضاعة إلى دولة
أخرى بثمن يقل على قيمتها العادية ،كما تضمن الفصل املذكور مقتضيات تتعلق
باإلجراءات املضادة لإلغراق. 2
إن شروط تطبيق التدابير املضادة لإلغراق مقننة بموجب املادة 15من القانون
رقم 13.89املتعلق بالتجارة الخارجية التي جاء فيها :
"إذا كانت بعض الواردات تسبب أو توشك أن تسبب ضرار جسيما ملنتجات
وطنية قائمة أو كان من شأنها أن تؤخر بصورة محسوسة إحداث منتجات وطنية ،فانه
يجوز إخضاعها :
لرسم تعويض ي إذا ثبت أن املنتجات املستوردة تتمتع بصورة مباشرة أو -1
غير مباشرة بمكافأة أو معونة عند صنعها أو إنتاجها أو تصديرها في بلد
منشئها أو مصدرها
1
- A. Pireli : op. cit , p 135
2
-Mehdi Essarsar : op .cit , p 140
لرسم مضاد لإلغراق إذا ثبت أن سعر استيرادها دون قيمة العادية، -2
وذلك:
بأن يكون سعرها دون السعر املشابه املعمول به خالل عمليات تجارية أ-
-1المادة 15من القانون رقم 13.89المتعلق بالتجارة الخارجية المشار اليه سابقا
-2المادة 23من المرسوم عدد 2.93.415بتاريخ 1993/07/02بتطبيق القانون المتعلق بالتجارة الخارجية،
الجريدة الرسمية عدد 4212بتاريخ .1993/07/21
املعنية ،أما في الحالة التي ال يثبت فيها وجود اإلغراق ،فان وزارة التجارة الخارجية تحيل
األمر على اللجنة االستشارية لالستيراد قصد إبداء الرأي1
خاتمة
يتضح لنا من خالل دراسة هذا املوضوع أن السياسة الجمركية عالوة على أنها
قد قطعت أشواطا بعيدة في إطار التخطيط العام للدولة وأدت دورها االقتصادي
واالجتماعي ،ستبقى العنصر الفعال والدائم في توجيه االقتصاد الوطني وحماية
املستهلك ،ولهذه الغاية فقد وضعت سياسة جمركية واضحة املعالم هدفها خلق حكامة
يندرج فيها ما يسمى بالتخطيط اإلستراتيجي القائم على حماية املستهلك ،ولتفعيل هذه
الحماية يتعين إيجاد مقاربة تشاركية بين كل املتدخلين في هذا املجال ،وكذلك تقوية
وتدعيم عالقات التعاون بين الدول ،عن طريق تعزيز الترسانة التشريعية بنصوص
واضحة وصريحة ،وتفادي ازدواجية النصوص ،لتجنب أي لبس أو غموض في التطبيق
على مستوى القضاء.
-1تتكون اللجنة االستشارية لالستيراد من ممثلي القطاعات التالية :التجارة الخارجية ،المالية ،الداخلية ،الشؤون
االقتصادية ،الجمارك ،الجمعيات المهنية ،جامعة غرف التجارة والصناعة ،جامعة غرف الصناعة التقليدية
محمد صداق
طالب باحث بسلك الدكتوراه
جامعة محمد األول بوجد
إن فكرة املستهلك واالستهالك الحر لم تأخذ الزخم الالزم إال مع إعالن الرئيس
األمريكي " "Kinnedyأن " املستهلكين يمثلون قوة اقتصادية هي األكثر أهمية واألقل تأثيرا
في نفس الوقت" ،بعد ذلك بسنوات استشعرت أوروبا الغربية األخطار التي يتعرض لها
املستهلكون ،ففي الفترة ما بين 1970و 1980صدر العديد من التشريعات و التنظيمات
للدفاع عن املستهلكين ووضع قواعد حمائية من أجلهم .1
وقد ظهر على أثر ذلك فرع جديد من فروع القانون يسمى قانون االستهالك
والذي دشن في عام 1993بتقنيين االستهالك في فرنسا ،2والذي تمت فيه بعض التغييرات
بتاريخ 19ماي 32011
أما بالنسبة للمغرب فقد عرف صدور قانون تدابير حماية املستهلك ،4بعد مخاض
عسير في دواليب الحكومة وقبة البرملان ،وسنركز على هذا القانون لكونه يعتبر األساس
األول للبحث مع القواعد العامة.
هذا القانون الذي يتخذ حماية املستهلك الغاية األساسية له بصفة عامة وفق
تدابير محددة وآليات تضمن حماية مقترض القروض االستهالكية والعقارية بصفة خاصة.
1
- Luc Bihl : « Consommateur réveille – toi ! » Gazette de palais , 1993, p 11.
2
- Loi n° 93-949 26 juillet 1993 relative au code de consommation jo 27 juillet
1993, existe sin : www.legi France gouv.fr.
3
- www.journal-officiel.gouv.fr/base de données-jo.html..
-4ظهير شريف رقم 1.11.03صادر في 14من ربيع األول ( 18فبراير )2011بتنفيذ القانون 31.08المتعلق
بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،منشور بالجريدة الرسمية السنة المائة عدد 5932بتاريخ 3جمادى األولى
17( 1432أبريل )2011ص .1072 :
وفي هذا السياق ،عرفت النظرية العامة للعقد مجموعة من التغيرات نتيجة
لظهور ما يعرف باملجتمعات االستهالكية.
وعلى رأسها مبدأ سلطان اإلرادة املشار إليه في الفصل 230من ظهير االلتزامات
والعقود الذي ينص على إن" :االلتزامات التعاقدية املنشأة على وجه صحيح تقوم مقام
القانون بالنسبة ملنشئيها وال يجوز إلغاؤها إال برضاهما أو في الحاالت املنصوص عليها في
القانون" ،وهو نفس مضمون املادة 1134قانون مدني فرنس ي .ويقصد بمبدأ سلطان
اإلرادة أن " اإلرادة قادرة أن تنش ئ التصرف القانوني وتحدد اآلثار التي تترتب عليه"1.
وعليه فقد كرست أغلب التشريعات جهودها لبلورة ترسانة قانونية لحماية
املستهلك في ميدان املعامالت البنكية وفي مقدمتها خدمات القروض االستهالكية والعقارية
لكونها تطرح مجموعة من اإلشكاالت واالختالالت تصب ملصلحة الطرف القوي -البنك-
على حساب الطرف الضعيف -املستهلك.-
ومما ال شك فيه ،أن ال أحد ينكر املخاطر التي يتعرض لها مستهلكو االقتراض وما
يقتضيه ذلك من ضمانات يلتزمون بتقديمها ملؤسسات ذات إمكانيات مالية ضخمة قد
تدفعهم في بعض األحيان إلى إبرام معامالت ليسوا في حاجة إليها ،عالوة على عدم قدرتهم
على مناقشة شروط البنك وهذا ما قد يضر بإرادة املستهلك صاحب املوارد الضعيفة.
وإلبراز أهم التدابير املتخذة لحماية مستهلك الخدمات البنكية املتعلقة باالقتراض
سنعمل على اإلملام في هذا املقال على دراسة القرض العقاري بحكم أن املتطلع إلى امللكية
العقارية يلجأ إلى اقتراض مبالغ مالية لتغطية الثمن الالزم للشراء ،كما قد يلجأ إلى عقود
أخرى كالتأمين لضمان الوفاء بالثمن .ومن الواضح أن عقد القرض العقاري الذي يهمنا
يرتبط ارتباطا وثيقات بعقد شراء العقار من الناحية العملية ،على نحو دفع باملشرع
الفرنس ي من خالل هذه الرابطة إلى تكريسها تشريعيا في إطار قانون ،21978والذي هدف
من خالل هذه الرابطة إلى تكريس حماية املستهلك املقترض ،يستوي في ذلك أن يكون
شخص طبيعيا أو معنويا ،إلى وضع عدد من الضمانات لصالح املستهلك املقترض ،والتي
-1إدريس العلوي العبدالوي ،شرح القانون المدني ،النظرية العامة لاللتزام ،نظرية العقد ،الطبعة األولى،1996 ،
ص.91:
2
- Jaques MOUDINE et Yves THOMES : " Le droit de crédit", 2éme édition A
ENCDECLIT », Paris 1989, p :192.
سنقوم بدراستها في الحماية املقررة قبل إبرام العقد (املبحث األول) ثم الحماية الواجبة
في مرحلة تنفيذ العقد (املبحث الثاني).
ترتكز أبرز آليات حماية املستهلك املقترض في مرحلة إبرام العقد في حماية رضا
األخير (مطلب أول) ،حتى يكون متمكنا من تقدير طبيعة وأبعاد وآثار االلتزامات املالية التي
قد يتحملها ومن معرفة موضوعية لشروط التعاقد .1وإعطائه مهلة للتفكير (مطلب ثان)،
وهي آليات ارتكز عليها املشرع لجالء غبن املستهلك وحتى ال يكون ضحية للبنك.
ليتضح رضا املقترض قام املشرع باتخاذ تدابير مستوحاة من قانون االستهالك
الفرنس ي ،لتكون من آليات الحماية في قانون تدابير حماية املستهلك ،مما جعله ينظم
العرض املسبق( 2الفقرة األولى) ،فحدد له بيانات إلزامية ،وجعل املقرض ملزما باإلبقاء
على العرض (الفقرة الثانية).
ألزم املشرع الفرنس ي مؤسسات التمويل املانحة للقروض بتقديم عرض مسبق،3
يوفر للمقترض كل املعلومات الالزمة واملؤثرة في قراره ،كما حدد املشرع زمنا معينا تلتزم
خالله املؤسسة باإلبقاء على عرضها قائما ،فيتسنى للمقترض دراسته بشكل واف ،بل إن
املشرع الفرنس ي أخضع القبول من جانب األخير لشروط شكلية من حيث التوقيع وحدد
زمنا ال يصح القبول قبل انقضائه ،ملخالفته شرطا يتعلق بالنظام العام4.
ويعتبر العرض املسبق إعالما شكليا حيث تنص املادة 5من قانون 10يناير
L311-8/1978من قانون االستهالك لسنة 1993على أن عقد القرض يتم بواسطة
1
- Jean CALAIS-AULOY et Frank STEINMETZ :« Droit de la consommation »,
5ème édition, 2000. p :262
-2بلحساني الحسين":التجديدات األساسية في مسودة المشرع المغربي لحماية المستهلك" ،ص.84:
3
- M.SANTCREU : « La protection de l’emprunteur immobilier », loi du 13 juin
1979, 1982, p :92.
-4عبد المنعم موسى إبراهيم":حماية المستهلك ،دراسة مقارنة" ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى،
2007ص.388:
عرض مسبق ويسلم إلى املقترض في نسختين وهو ما يوافقها في التشريع املغربي باملادة
117من قانون تدابير حماية املستهلك1.
ويبين العرض بطريقة واضحة هوية الطرفين ،ومبلغ القرض وكلفته اإلجمالية
واملعدل اإلجمالي للفائدة ،وغيرها من البيانات املتعلقة بالقرض والتي يجب أن تكون
صحيحة.
أ -يجب على املقرض أن يرسل مجانا عرضا مكتوبا عن طريق البريد إلى املقترض
وهذا مقرر من قانون 31دجنبر 19892؛
-1عمرو قريوح": ،الحماية القانونية للمستهلك –القرض االستهالكي نموذجا ،"-أطروحة لنيل الدكتوراه ،وحدة
التكوين والبحث ،قانون األعمال ،كلية الحقوق ،وجدة ،السنة الجامعية .2007-2006ص.233:
2
- Loi n°89-1009 du 31 décembre 1989 renforçant les garanties offertes aux
personnes assurées contre certaines risques. Existe sur :
www.légifrance.gouv.fr
3
- Jean CALAIS-AULOY et Frank STEINMETZ, op.cit, p :450.
-4حمد هللا محمد حمد هللا":حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك" ،دراسة مقارنة ،دار
الفكر العربي ،القاهرة .ص.213:
وفي نفس االتجاه ،سار املشرع املغربي وفق املادة 118من قانون تدابير حماية
املستهلك في عقد القرض العقاري .وتعتبر هذه املقتضيات من النظام العام ،فال يمكن
منح قرض خارج مؤسسة العرض املسبق ،بل إن مخالفتها تعرض البنك إلى جزاء مزدوج
جنائي ومدني نصت عليه املادة ( )L-311-34وحدد الجزاء الجنائي بغرامة قدرها 1800
يورو وهي غير رادعة ،أما الجزاء املدني فيحرم املقرض من الحق في الفوائد ،وأن املقترض
ال يلتزم إال برد مبلغ القرض في تاريخ االستحقاق املادة (1.)L-311-33
أما املشرع املغربي فقد حدد عقوبة على اإلخالل بالعرض املسبق في عقد القرض
العقاري في غرامة تتراوح ما بين 30000درهم إلى 200000درهم وهو جزاء أقل فاعلية
مما أقره املشرع الفرنس ي من حرمان املقرض من الفائدة2.
وحول الطبيعة القانونية فقد ذهب بعض الفقه إلى أن األمر يتعلق بإيجاب
تعاقدي ،يلتزم بموجبه املقترض بناء على الشروط التي يتضمنها.
بينما ذهب الفقيه H.GESONإلى أن العرض املسبق وعد أحادي الجانب بالقرض
العقاري ،مادام أن البنك ال يمكنه سحبه ،وأن املستهلك ال يلتزم بش يء خالل هذه املرحلة
فال يدفع أي مبلغ قبل قبول القرض العقاري املقترح طبقا للمادة 7من قانون 1978
املادة L-311-7من قانون االستهالك.
1
-SOUFFLET : « La protection du consommateur faisant appel au crédit », 2ème
édition, premières réflexions sur la loi 78-22 du 10 janvier 1978, Mélanges, M
de langage, p :225.
-2عمرو قريوح ،مرجع سابق ،ص.237:
-3أورده السيد محمد عمران":حماية المستهلك أثناء تكوين العقد" ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية .ص.240:
خصوصيات القرض العقاري وتفاصيله في العرض املسبق تدبير حمائي بالغ األهمية حول
مالئمة العملية ويفتح باب املوازنة لتحديد القرض الذي يقدم ميزة أكثر من غيره ،ووقاية
من التعبير عن رضا مستعجل وغير مدروس.
بين املشرع الفرنس ي في املادة L-312-10مدة اإلبقاء على العرض في عقد القرض
العقاري وحددها في مدة ال تقل عن ثالثين يوما ،وأي تعديل في شروط الحصول على
القرض يعتبر عرضا جديدا ،ويجب أن يتم بعد املدة املحددة وأن يبقى على هذا التعديل
نفس املدة ،ويبدأ احتساب هذه املدة من تاريخ استالم املقترض لهذا العرض وهو نفس ما
كرسه املشرع املغربي في املادة 120من قانون تدابير حماية املستهلك واقر مدة أقل من
نظيره الفرنس ي تجلت في 15يوما.
ويمكن قبول العرض قبل املدة املحددة وذلك حسب قرار مدني ابتدائية باريس
بتاريخ 30مارس 1994حيث نص على ما مفاده "ال يمكن إلغاء قبول صدور قبل انتهاء
املهلة القانونية"1.
كما أكدت محكمة النقض الفرنسية على أن "املقترض يمكن أن يجدد قبوله بعد
املوعد النهائي في حالة تعذر القبول أو اتضح أنه كان سابقا ألوانه"2.
فهذه املدة مقررة لصالح املستهلك ،في انسجام تام مع أسلوب الحماية الوقائي
الذي تتميز به قوانين االستهالك ،فاملشرع يتيح للمستهلك املقترض فرصة تقدير االلتزامات
التي قد يتحملها بعيدا عن أي تأثير ضاغط ،بمنحه الوقت املناسب لذلك ،وكذا لالختيار
بين العروض .ويحيط زيادة على ذلك ،بقواعد تجعله يحدد موقفه في طمأنينة كافية،
إضافة إلى أن البنك يكون ملزما في نفس الوقت بشروط العرض فإن املشرع يمنع البنك
تلقي أي مقابل تحت طائلة الجزاء (املادة 121من قانون تدابير حماية املستهلك).
1
-Civ. 1er , 30 mars 1994, D. 1994, IR, 102.
2
- Jean CALAIS-AULOY et Frank STEINMETZ, op.cit, p :451.
في ذلك بخاتم البريد .ولذلك يمكن أن تصل مهلة التفكير إلى 30يوما والعلة في ما يتسم
به القرض العقاري من تعقيدات وما يحتاجه من مبالغ كبيرة يجب أن تدفع1.
مما يقتض ي أن تمض ي 10أيام من تاريخ استالم املقترض العرض قبل أن يعلن
قبوله لهذا العرض في الوقت الذي يكون البنك ملتزما باإلبقاء على عرضه 30يوما.2
ويترتب على ذلك أنه طاملا أن العرض لم يقبل بعد ،فإنه ال يجوز دفع أي مبالغ تحت أي
شكل بخصوص عقد القرض وإال يقع املقرض تحت طائلة العقوبة (املادة L-312-17
قانون االستهالك الفرنس ي املادة 50من قانون تدابير حماية املستهلك) وملهلة التفكير ميزة
خاصة تمكن املستهلك املقترض من مراجعة االرتباط بين كل من عقد القرض والعقد
الرئيس ي (الفقر األولى) ،وكذا مدى التضامن بين القروض (الفقر الثانية) وفي حالة ما
لم يستسغ العرض ،كان له حق العدول (الفقر الثالثة).
القرض العقاري بطبيعته عقد تابع لعقد آخر ،عقد بيع ،بناء ،إصالح عقار،
فاملستهلك يرغب في أن ارتباطه بأحد العقدين ال يتم إال إذا كان العقد اآلخر قد تم
انعقاده أيضا ،ولذلك نجد أن قانون االستهالك الفرنس ي نظم هذا االرتباط بين العقدين
على النحو التالي:
أ -نجد أن عقد القرض يفسخ إذا كان العقد الذي يقوم بتمويله لم يتم إبرامه
خالل مدة معينة بعد قبول العرض .هذه املدة يحددها عقد القرض بشرط أال تقل عن
أربعة أشهر ،وهو ما وضحته املادة .L-312-12وحتى ال يكون هناك ضغط على املستهلك
جعل املشرع توقيع املقترض على كمبيالة أو سند إذني الذي يحصل عليه املقرض ال قيمة
له (املادة )L-312-13وأكد املشرع الفرنس ي في املادة L312-14أنه في حالة فسخ العقد في
هذه الحالة يجب على البنك أن يرد للمستهلك املبالغ التي دفعها له وفوائدها .مع املالحظة
أن البنك ال يستطيع أن يطالب بمصاريف الدراسة في هذه الحالة إال في حدود %0,75
من مبلغ القرض ودون أن يتجاوز مبلغ 150يورو وهو ما ننصت عليه املادة ،L-312-1وإال
تعرض لغرامة حددتها املادة L-312-35في 30000يورو ،شرط أن يكون مبلغ هذه
-1أحمد محمد الرفاعي":الحماية المدنية للمستهلك إزاء المضمون العقدي" ،دار النهضة العربية،1994 ،
ص.225:
2
- Catherine THIBIRG-GRULFUCCI, Libre propose sur la transformation du droit
des contrats, RTD. Civ.2 avril-juin 1997, p350.
ب -نجد عقد البيع (ويشمل الوعد بالبيع من جانب واحد) والبناء واإلصالح
العقاري بصفة عامة العقد الرئيس ي ينعقد تحت شرط واقف هو الحصول على القرض،
حتى في الحالة التي لم يذكر فيها املستهلك املقترض أن لديه النية في الحصول على ائتمان
طبقا للمواد L-312-16و ،L-312-17وإذا كان العقد الرئيس ي هو الذي يحدد مدة
صالحية هذا الشرط إال أن هذه املدة يجب أال تقل عن شهر .وعند عدم النص على مدة
محددة للشرط ،فإنه يمكن القول بأن مدة الشرط الواقف هي نفسها مدة العقد
الرئيس ي .2وطبقا للمادة 1178من القانون الفرنس ي ،يوافقها الفصل 113من ظ.ل.ع،
فإنه يجب على املتصرف إليه ( )L’acquéreurأن يطالب إعمال هذا الشرط في الوقت
املناسب خالل هذه املدة وليس في نهايتها.
وعندما ال يحصل املستهلك على القرض العقاري يصبح كأن لم يكن ويجب على
البنك أن يرد إلى املستهلك كل املبالغ التي دفعها مقدما كاملة وإال عرض نفسه للغرامة
املقررة في املادة ،L-312-35وعندما يكون العقد العقاري أداء عمل ،فاملنهي ملتزم أيضا
برد ما قبضه وبذلك يضحى العمل الذي قام به دون مقابل3.
وال يدخل في نطاق هذه الحماية املستهلك الذي ال يلجأ عند إبرام العقد العقاري
إلى أي اقتراض وكذلك الحال بالنسبة للبيع باملزاد العلني اختياريا كان أو إجباريا (املادة L-
)312-20هذه املقتضيات وافقتها املواد 124-123-122من قانون تدابير حماية املستهلك.
إمعانا في حماية املشرع للمستهلك املقترض في مجال القرض العقاري ،فإنه قد
أقام نوعا من التضامن بين القروض التي تسهم في نفس الوقت في تمويل عقد عقاري.
قد يحدث في بعض األحيان أن تمويل شراء أو بناء مسكن معين يقتض ي إبرام
عدة قروض ،وعلى ذلك فإذا لم يحصل املستهلك على أحد هذه القروض فإن ذلك قد
1
- Jean CALAIS-AULOY et Frank STEINMETZ, op.cit, p :457 et suivantes
-2القيسي عامر قاسم أحمد":الحماية القانونية للمستهلك ،دراسة مقارنة" ،الدار العلمية الدولية ،ودار الثقافة للنشر
والتوزيع ،عمان ،الطبعة األولى ،2002 ،ص.182:
-3القيسي عامر قاسم أحمد":الحماية القانونية للمستهلك-دراسة مقارنة" ،مرجع سابق ،ص.186:
يؤدي إلى عدم إمكانية إتمام العملية املراد تحقيقها ،بذلك تصبح القروض األخرى حينئذ
عديمة الفائدة1.
ومن أجل أن يسهل املشرع على املستهلك املقترض استعمال هذه الرخصة ،ألزم
مانح القرض أن يلحق بالعرض نموذجا معينا قابال للفصل وبالتالي ،ما على املقترض إال
أن يمأل البيانات الواردة في هذا النموذج ويرسله إلى مانح القرض .وقرر قانون االستهالك
جزاء جنائيا يتمثل في غرامة قدرها 1800يورو4.
1
-Michel DAGOT : « La vente d’immeuble à construire », litec, 1983, p :479 et s.
2
- Jean CALAIS-AULOY et Frank STEINMETZ, op.cit, p :458
-3قورة عادل":الحماية التشريعية للمستهلك" ،القاهرة ،1999 ،ص.134:
-4القيس عامر قاسم أحمد ،مرجع سابق ،ص.194:
-5عبد المنعم موسى إبراهيم ،مرجع سابق ،ص.389:
يتضح من خالل منح املستهلك مهلة للتفكير وحق العدول ألنه ليس من املستبعد
أن يلحق اإلرادة عيب نتيجة االنضمام املتعجل لشروط عقد القرض العقاري .وعلى ذلك،
فإنه إذا ثبت أن املستهلك كان يتمتع بمدة كافية للتفكير ،فإنه ليس لديه أي سند لالدعاء
بأنه ضحية لعيب في اإلرادة ألن التفاوت في القوة االقتصادية قد تم تصحيحه بإنشاء
ميزة وهي عدم إمكانية القبول الحال للعقد املقترح .لكن في املقابل ينبغي أن يعتبر رضا
املستهلك قد أحيط علما على الوجه األكمل في كل مرة صدر فيها هذا الرضا ،مع عدم
العدول عند االقتضاء .فالتدليس الذي يمكن أن يدبره املتعاقد اآلخر سيعتبر قليل
االحتمال ألنه يستطيع أن يستخدم املدة املوضوعة تحت تصرفه من أجل تجريده من
مفعوله عليه .ونفس الش يء بالنسبة للغلط الذي يمكن أن يدعيه املستهلك إذ سيكون
أيضا أقل تصديقا ألنه خالل مدة التفكير يستطيع أن يكتشفه ،أو على األقل يتخلص منه
باستعمال رخصة العدول1.
كانت هذه أبرز اآلليات املقررة لحماية املستهلك املقترض في مرحلة إبرام العقد،
فما هي األسس التي حددها املشرع لحماية إرادة الطرف الضعيف في مرحلة تنفيذ العقد؟
لعل أبرز الوسائل التي تحمي املستهلك املقترض خالل مرحلة تنفيذ العقد ،مع
افتراض أن االلتزامات التي بين الطرفين تسير بشكل صحيح ،فقد أقر املشرع للمستهلك
مهلة الوفاء (املطلب األول) مع تكريس حماية املقترض من سعر الفائدة (املطلب الثاني).
1
- Jaques GHASTIN : « Traité de droit civil : la formation du contrat », 3ème
édition, 1993, p :498.
وقد أحالت املادة L-312-12على مواد القانون املدني وجعلت اختصاص منح
هذه املهلة في مجال االئتمان من سلطات القاض ي1.
ويترتب على منح مهلة الوفاء وقف تنفيذ التزامات املدين إلى انتهاء األجل املحدد.
فالدائن ال يستطيع أن يطالب املدين بالوفاء باملبالغ التي استحقت ،كما ال يستطيع أن
يطلب الفسخ أو التعويض .ويستطيع القاض ي أن يحكم بأن املبالغ املستحقة ال تنتج أي
فوائد أثناء األجل القضائي .وفي نهاية األجل القضائي تكون هذه املبالغ مستحقة األداء
وإن كان القاض ي ال يستطيع أن يحدد كيفية الوفاء باملبالغ املستحقة بشرط أن يكون
ذلك في إطار املدة القصوى لألجل القضائي وعلى أال يتجاوز ذلك األجل املحدد لرد
القرض2.
أما بالنسبة للمشرع املغربي ،فتقتض ي القاعدة العامة حسب الفصل 127من
ظهير االلتزامات والعقود بأن تنفيذ االلتزام يتم في الوقت املتفق عليه ،فإذا لم يحدد
للوفاء أجل معين وجب تنفيذه حاال .وحسب نص الفصل 867من ظهير االلتزامات
والعقود فإنه":إذا لم يحدد لدفع القرض أجل ،وجب على املقترض الوفاء عند طلب
املقترض.
وإذا اشترط أن املقترض يرد القدر الذي اقترضه عندما يمكنه ذلك ،أو من أول
مال يستطيع التصرف فيه فإن املحكمة تحدد ،وفقا لظروف الحال ،ميعادا معقوال
للرد".
واملالحظ من خالل هذا النص ،أن املشرع راعى مصلحة املقرض ،إذ أعطى
للمحكمة أن تحدد وفقا لظروف الحال ميعادا معقوال للرد ،في حالة اشتراط أن املقترض
يرد مبلغ القرض عندما يمكنه ذلك ،رغم أن القوة امللزمة للعقد تقتض ي أن يثبت
املقرض وجود إمكانيات لدى املقترض تمكنه من األداء.
لكن في الواقع العملي ،نالحظ أن هذا النص متجاوز ألن القوة االقتصادية
والقانونية للبنك تجعله يراعي مصلحته التي ال تقتض ي تمكين املستهلك من إمكانية األداء
حينما يكون قادرا على ذلك ،أو حينما يتوفر على مال يستطيع التصرف فيه ،ذلك أن
القرض العقاري في العصر الحاضر ال يتم منحه إال مقابل ضمانات محددة وشروطا
دقيقة ملواعيد األداء واألقساط الواجب أداؤها1.
نستخلص أنه في الغالبية ما يخضع تحديد مهلة الوفاء إلرادة الطرفين ،إال أنه
يمكن للمستهلك أن يدفع القرض قبل حلول األجل (الفقر األولى) ويمكن أن تمنح
املحكمة للمدين مهلة ميسرة رغم حلول األجل (الفقر الثانية).
عرفت هذه املسألة تطورا في القانون الفرنس ي ،ففي قانون 10يناير 1978قد
حدد مبلغ التعويض املستحق للمقرض في مثل هذه الحالة ،ثم في قانون 31دجنبر 1989
ألغي الحق في التعويض املقرر للبنك .ومنذ ذلك التاريخ يستطيع املقترض دائما أن يرد
القرض قبل حلول أجله ،دون أي تعويض ،كليا كان أو جزئيا .2وهكذا نجد أن املادة L-
312-21من القانون الفرنس ي كفلت للمقترض الحق في املبادرة دائما في الرد املبكر لكل أو
جزء من القرض ،كما سمحت أن ينص عقد الرهن على منع رد ما يعادل أو يقل بنسبة
%10من املبلغ األصلي للقرض مع إلغاء أي تعويض للمقرض .3وقد نظمت املادة L-312-
21هذا الحق وفق مرحلتين مختلفتين:
* مرحلة ما قبل قانون 25يونيو 41999ففي هذه املرحلة كان للمستهلك الحق في
تعويض في حالة الرد املبكر بشرط أن يكون هناك شرط في عقد القرض يجيز ذلك على
أن يخضع التعويض للمادة 1152من القانون املدني الفرنس ي والخاصة بسلطة القاض ي
في تعديل الشرط الجزائي ،كما أن القانون وضع حدودا ال يجوز تجاوزها بحسب مدة
العقد (املادة .)L-312-2
* مرحلة بعد قانون 25يونيو :1999فقد عرفت هذه املرحلة تأكيدا لعدم
استحقاق البنك ألي تعويض في حالة الرد املبكر القرض طاملا أن سبب هذا الرد يرجع إلى
بيع العقار على إثر تغيير أصل النشاط املنهي للمقترض أو زوجه ،أو نتيجة الوفاة أو
التوقف القهري للنشاط املنهي لهذا األخير.1
أما فيما يخص موقف املشرع املغربي من أداء مبلغ للقرض قبل األوان فيمكن
استنتاجه من الفصل 866من ظ.ل.ع الذي يمنح للمقترض إمكانية التسديد املبكر ملبلغ
القرض ،لكنه ال يتطرق لوضع الفوائد على األقساط التي سيتم أداؤها قبل تاريخ
االستحقاق ،وعما يمكن أن يقرن باألداء املسبق من جزاءات يفرضها البنك في هذه
الحالة2.
وقد ذهبت املادة 132من قانون تدابير حماية املستهلك إلى جواز التسديد املبكر
لكل أو بعض القرض .كما نصت على أنه في حال توافر شرط يخول للمقرض الحصول
على التعويض جزاء األداء املبكر وحددته في نسبته ال تزيد عن قيمة نصف سنة من
الفوائد املستحقة على رأسمال املسدد بمتوسط سعر القرض دون أن يفوق %2من
رأسمال الباقي املستحق قبل التسديد مع مراعاة ألحكام الفقرة 3من الفصل 264من
ظهير االلتزامات والعقود 3املتعلقة بإمكانية املحكمة في تخفيض التعويض املتفق عليه إذا
كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمة إذا كان زهيدا كما يمكنها أن تخفض من التعويض
املتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزائي.
نالحظ أن مقتضيات املادة 132من قانون تدابير حماية املستهلك قد تفادت ما
ينص عليه الفصل 866من ظهير االلتزامات والعقود من ربط إمكانية األداء املسبق بعدم
تعارضه مع مصلحة البنك ،وتفتح الباب أمام املستهلك للتخلص وبأقل تكلفة من الفوائد
التي لم تحل بإقدامه على دفع رأس املال.
وهي أجل يمنحه القضاء للمدين الذي استحق دينه ،وأصبح خاضعا ملالحقة
دائنه .وتجد أساسها القانوني في املادة 243من ظ.ل.ع بعد إضافة الفقرة الثانية بموجب
ظهير 18مارس 1917التي جاء فيها أنه "ومع ذلك يسوغ للقضاة مراعاة منهم ملركز املدين
ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق أن يمنحوه آجاال معتدلة للوفاء وأن يوقفوا
إجراءات املطالبة مع إبقاء األشياء على حالها".
والقضاء 2وفق قرار املجلس األعلى عدد 300بتاريخ 09فبراير 1983ملف مدني عدد
.86255
وبالرجوع إلى صياغة الفقرة الثانية من فصل 243من ظهير االلتزامات والعقود
يتضح أن منح مهلة امليسرة يعود ملحكمة املوضوع ،وهو ما يعني أن ذلك ال يتم إال أثناء
سريان الدعوى ،وقبل صدور الحكم البات في املوضوع وهو ما يؤدي إلى التساؤل حول
إمكانية منح مهلة امليسرة بعد صدور الحكم؟
بالرجوع إلى ظهير االلتزامات والعقود وقانون املسطرة املدنية فإنه ال يوجد أي
نص على هذه اإلمكانية بعد صدور حكم قضائي باستثناء الفصلين 165و 440من قانون
املسطرة املدنية.
وقد عرف العمل القضائي استقرارا على منح رؤساء الدرجة األولى والرؤساء
األولين ملحاكم االستئناف ملهلة امليسرة للمدين في مرحلة التنفيذ .3ورغم معارضة بعض
الفقه ملنح أي أجل للمدين بعد صدور الحكم النعدام األساس القانوني ،وألن االستجابة
لطلبه في هذه الحالة يشكل مرحلة أخرى تنضاف إلى مشاكل التنفيذ وهمومه.
واملالحظ أن املشرع املغربي لم يحدد مدة قصوى للميسرة مثل نظيره الفرنس ي
والذي أعطى مدة سنتين وذلك حسب قانون 11أكتوبر 1985الذي عدل املادة 1244من
القانون املدني الفرنس ي.
-1عبد القادر العرعاري" :النظرية العامة لاللتزامات في القانون المدني المغربي" ،الجزء األول ،مطبعة فضالة،
المحمدية ،طبعة ،1995ص.260:
-2قرار المجلس األعلى عدد ،300بتاريخ 09فبراير 1983ملف مدني ،عدد ،89255غير منشور.
-3األمر االستعجالي رقم 62بتاريخ ،1475-02-21الصادر من الرئيس األول لمحكمة االستئناف بالدارالبيضاء،
ملف استعجالي رقم 5-625منشور بمجلة المحاكم المغربية ،العدد ،12ص 57:وما بعدها.
لذلك ترك املشرع املغربي تحديد هذه املدة تبعا الختالف ظروف ومالبسات كل
قضية على حدة .إال أنها وضعت شروطا بحيث ال تمنح مهلة امليسرة إال في نطاق ضيق
وبمراعاة مركز املدين حيث أنه على هذا األخير أن يبت طبقا للقواعد العامة أن مركزه
االقتصادي يستدعي مهلة للوفاء مع إثبات قدرته عليه ،أي أن عارض تنفيذ االلتزام لديه
مجرد عارض مؤقت ،كعدم توفر السيولة وهو ما أقره القضاء 1وفق أمر استعجالي عدد
2000/77بتاريخ 2ماي .2000
كما يشترط أيضا حسن النية ملنح مهلة امليسرة وهو ما يفرض على املدين عدم
استخدام الغش أو التدليس أو ارتكاب خطأ جسيم .لذلك لم تتردد محكمة النقض
الفرنسية في إيقاف العمل بالشرط الفاسخ ومنح أجل لألداء باعتباره حسن النية2.
ويشترط كذلك عدم وجود مانع قانوني كما هو الحال بالنسبة للوفاء بالكمبيالة
إذ منح املشرع منح مهلة للوفاء نظرا ملا تنص عليه املادة 231من مدونة التجارة ،وينطبق
األمر نفسه على الشيك بمقتض ى املادة 304من مدونة التجارة3.
ويترتب عن مهلة امليسرة آثار تتجلى في وقف إجراءات املطالبة ،وذلك حسب
الفصل ،243بمعنى أن إجراءات الدعوى تتوقف طيلة املهلة ،وكذلك األمر بالنسبة
إلجراءات التنفيذ .وإذا انقض ى األجل املمنوح للمدين دون أن يتمكن من األداء فإن
للدائن أن يستمر في إجراءات املطالبة أو التنفيذ ،وال يطالب بإعادتها من جديد وإنما
تبقى جميع اإلجراءات محتفظة بآثارها ،فمهلة امليسرة توقف اإلجراءات فقط وال تلغيها.
ومن أبرز اآلثار املترتبة كذلك عن منح مهلة امليسرة هو جواز قيام الدائن
باإلجراءات التحفظية وذلك حسب الفصل 232من ظ.ل.ع .لذلك ال يمكن حرمان
الدائن من اللجوء إلى جميع اإلجراءات التي من شأنها أن تحفظ حقوقه تجاه املدين،
وعلى رأسها إقامة الحجز التحفظي ،والحجز لدى الغير ،وفقا ملا تقتضيه شروط الحجز4.
نخلص في األخير ،أن املشرع بمنحه حق مهلة الوفاء ،وسواء كان بوقت الحلول أم
بأداء قبل األوان وفي حالة التعذر قد تمتد املهلة بيد القاض ي بمنح املقترض مهلة امليسرة،
إنما يهدف من تخفيف وطأة التعسف التي قد تبدر من البنك ،وجعل هذه اآلليات
لحماية املستهلك املقترض ،مع العلم أن هذا األداء يكون مشموال بفوائد يترتب على
املقترض دفعها للمؤسسة املانحة لالئتمان .فما هي أبرز التدابير التي اقرها املشرع املغربي
للحماية من التعسف الذي قد يكون في سعر الفائدة ومدى عقلنته؟
لذلك لن نخوض في النقاش الفقهي حول ربوية الفائدة البنكية ،بقدر ما سنحاول
مالمسة األساس القانوني للنصوص التي تقر الفائدة.
بقراءة للمادة 870من ظهير االلتزامات والعقود نجد أنها حرمت التعامل بالفائدة
بين املسلمين ،إال أن املادة 871من ظهير االلتزامات والعقود اعتبرت هي األساس القانوني
لتقاض ي البنوك في املغرب فوائد عن القروض التي تمنحها للمقترضين ،بدعوى أن البنك
بصفته تاجرا يخرج من نطاق تطبيق القاعدة املقررة بموجب الفصل 870من ظهير
االلتزامات والعقود2.
-1قال هللا تعالى(:يا أيها الذين آمنوا اتقوا هللا وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مومنين) سورة البقرة اآلية .278
وثبت في الحديث الصحيح عن رسول هللا ص أنه قال":لعن هللا آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" ،وقال" :وهم
سواء" أخرجه اإلمام مسلم في صحيحه المساق تحت رقم .1598
-2امحمد لفروجي ،سلسلة القانون والممارسة القضائية ،العدد ،2003 ،1ص.130:
الفرضية األولى:
إذا كان أطراف العقد يعتنقون اإلسالم ،1فإنه يمنع عليهم التعامل بالفوائد
االتفاقية أي ال يجوز أن يعقد القرض بينهم إال بدون عوض ،وإذا اشترطت الفائدة مهما
كانت نسبتها فإن الشرط يكون باطال ويؤدي إال بطالن عقد القرض بالتبعية2.
الفرضية الثانية:
في الحالة التي يكون فيها جميع أطراف العقد غير مسلمين أو الحالة التي يكون فيها
أحد األطراف غير مسلم فإن التعامل بالفوائد االتفاقية يكون جائزا بينهم بشرط الكتابة
أي أن يتضمن العقد اإلشارة الصحيحة إلى إنتاج القرض لفوائد بسعر معين أو بدون
تعيين السعر.
لكن ما هو الحل عندما تكون العالقة العقدية التي تضمنت اشتراط الفائدة قد
تمت بين شخص معنوي من جنسية مغربية وشخص ذاتي يدين بدين اإلسالم؟ وهي
الصورة الغالبة للقرض الذي يعقده أحد املسلمين املغاربة مع بنك مغربي؟
إن الجواب على هذا السؤال محير في الحقيقة ،ذلك أن البنك باعتباره شخصا
معنويا ينتمي إلى القانون الخاص وكذا املؤسسة املالية التي تنتمي للقانون العام ،كالهما
من جنسية مغربية ودستور اململكة املغربية ينص في فصله السادس على أن دين الدولة
هو اإلسالم ،وبالتالي فإذا كانت الدولة مسلمة فإن جميع أجهزتها تكون بالضرورة مسلمة
ويستتبع ذلك أنه ال يجوز لها التعامل بالفوائد في عالقتها مع مؤسسة مغربية أخرى تابعة
للقطاع العام أو مع شخص ذاتي يدين بدين اإلسالم3.
أما األبناك والشركات فإنها تنتمي إلى القانون الخاص وبالتالي قد يكون رأسمالها
من استثمار أجنبي ال يدين أصحابه بدين اإلسالم .وفي هذه الحالة البد من البحث عن
ديانة حملة أغلبية أسهمها ،فإذا كانت تلك األغلبية تدين بدين اإلسالم طبق على
-1المحكمة االبتدائية بالبيضاء ،حكم عدد 430بتاريخ 7مايو 1930ن منشور بمجلة المحاكم المغربية لسنة
،1930ص .214:هذا الحكم اعتبر القاعدة الواردة في الفصل 870من ق.ل.ع قابلة للتطبيق حتى على
المسلمين الذين كانوا يتمتعون إبان االستعمار بالحماية الفرنسية وكذلك المسلمين غير المغاربة.
-2حكم عدد 4224بتاريخ 1988/12/26في الملف التجاري عدد ،88/1235منشور بمجلة المحاكم المغربية،
العدد ،58ص.91:
-3محكمة االستئناف بالرباط قرار 2472بتاريخ 27فبراير 1943منشور بمجموعة قرارات محكمة االستئناف
بالرباط RCARالجزء ،12ص.144:
وبما أن العمل بهذا الرأي مكلف ومضني ،ويقتض ي إجراء بحث قضائي للوصول
إلى معرفة ما إذا يتوجب تطبيق مقتضيات الفصل 870من ظهير االلتزامات والعقود أم
ال ،فإن القضاء املغربي يعتبر األبناك والشركات طرفا غير مسلم ،بحكم أن الشخص
املعنوي ال دين له ويصادق على تعاملها بالفوائد بصورة مبدئية .3وهو بهذا املنحى ال
يتحرى الوقوع في الحرام وال يتعمق في روح التشريع.4
وقد وجدت نظرية الشخص املعنوي التي ارتكز عليها املجلس األعلى عدة
انتقادات ،كان ما أورده عبد اللطيف هداية هللا في تعليقه على هذا القرار بقوله "إذا قيل
أن الشخص املعنوي ال يمكن أن يوصف باملسلم ألنه ال يتصور فيه ممارسة الشعائر
الدينية ،قلنا أن هذا التصور ال يمكن أن يطلب في الشخص املعنوي ،بل يطلب من يكون
هذا الشخص املعنوي ،فالدولة حينما يقال إنها مسلمة ليس ألنها تدين باإلسالم انطالقا
من صفقتها كشخص معنوي ،ولكن انطالقا من أفراد الشعب الذين يكونوها ونفس
الش يء يقال في شركة حيث تعتبر مسلمة إذا كان الشركاء فيها مسلمين"5.
وهذا يوضح نوعا ما انعدام أساس قانوني لتعامل البنوك في املغرب بالفوائد مع
املقترضين املسلمين في ظل الوجود التشريعي للمادة 870من ظهير االلتزامات والعقود على
الرغم من أن الواقع العملي وكذا نصوص قانونية تنظم الفائدة وفق صياغتين بين صيغة
التحريم والرغبة في ضمان تنمية االقتصاد الوطني وحماية العملة الوطنية.
وهو ما أدى إلى بعض االستنتاجات تمهد إلى إلغاء الفصل 870من ظهير
االلتزامات والعقود ،كما هو الشأن في تونس حيث تم إلغاء املادة 1095من مجلة
االلتزامات والعقود التونسية املوافقة للفصل 870من ظهير االلتزامات والعقود املغربي
سنة 1959بعد حصول تونس على االستقالل1.
وقد أقر املشرع الفرنس ي جزاء مزدوجا لكل من بالغ في سعر الفائدة املخصصة
للقرض ففي الجزاء الجنائي نص الفصل 6من قانون 1966على عقوبة السعر الربوي
للقرض وتتمثل في عقوبة حبسية أو غرامة أو إحداهما ويمكن إصدار عقوبة إضافية
تتجلى في نشر الحكم القاض ي باإلدانة وكذا اإلغالق املؤقت أو النهائي للمقاولة.
وبالنسبة للجزاء املدني ،فإن العقد املتضمن لشرط فائدة ربوية ال يلغي كليا بل
يتم تخفيض الفائدة ويتم اقتطاع املبالغ املدفوعة ربويا من مبلغ الفوائد الحالة وإذا لم
تكتفي ضمن الرأسمال الذي سوف يدفع.
وإذا كانت الفوائد تم دفعها وأرجع الرأسمال فإن املتضرر يمكنه اللجوء إلى
دعوى غير املستحق من الفوائد الربوية زيادة على الفوائد القانونية من تاريخ دفعها
للبنك ،وهنا تتجلى مدى الحماية املمنوحة إلى املستهلك في القانون الفرنس ي3.
وعلى مستوى االجتهاد القضائي املغربي ،فقد اعتبر أن األصل هو الفائدة القانونية
في غياب أي اتفاق ،حيث جاء في قرار للمجلس األعلى املؤرخ في 14يناير 1998في امللف
املدني ":93/5إن الرصيد املدين للحسابات الجارية ،إذا كان يطبق عليه أساسا أثناء سير
الحساب سعر الفائدة االتفاقية في حدود ما يقض ي به قرار وزير املالية املؤرخ في 30ماي
1988وتطبيقا لظهير 6يوليوز ،1993فإنه بمجرد قفل الحساب الجاري يصبح رصيده
دينا تستحق عنه الفوائد من تاريخه اتفاقية كانت أم قانونية ،وليس في املادة 105من
ظهير 6يوليوز 1993ما يفيد منع البنك ،من الفوائد البنكية في كل الحاالت سواء أثناء
سريان الحساب أو أثناء قفله وامتناع املدين من أداء الرصيد السلبي ،وإنما يعطي لوزير
املالية حق تحديد السعر القانوني األقص ى للفائدة االتفاقية املدينة والدائنة بخصوص
عمليات مؤسسات االئتمان تطبيقا للفقرتين 1و 2من املادة 13اللتين تهم أخيرتهما تحديد
الشروط املتعلقة بمدة االئتمانات وحجمها وأسعار الفائدة املستحقة عليها وإنه من
الثابت أنه يوجد بامللف ما يفيد وجود اتفاق بين الطرفين يفض ي بتطبيق سعر الفوائد
البنكية بعد قفل الحساب مما ال يحق للطالب املطالبة إال بالفوائد القانونية"1.
كما ذهبت املحكمة التجارية بمراكش في أحد أحكامها 2إلى أن":حيث أن سعر
15.552كفائدة بنكية مبالغ فيه مقارنة مع السعر األقص ى الذي كان سائدا في املجال
البنكي من قفل الحساب والذي لم يتجاوز ،%13,25علما أن الحد األقص ى لسعر الفائدة
االتفاقية البنكية ال يعتبر طليقا ،وإنما يخضع تحديده لضوابط حددها قرار وزير املالية
واالستثمارات الخارجية عدد 155/9بتاريخ 20يناير 1997املتعلق بنسب الفائدة املطبقة
على مؤسسات القرض".
يتضح هنا خروج القضاء عن القاعدة التي تنص على أن السعر القانوني للفوائد
ال يعمل به في حالة اتفاق األطراف صراحة على سريان الفوائد بالسر البنكي ،وهم بذلك
يحدون من التفسير الضيق للفصل 230من ظهير االلتزامات والعقود ،حاملين بذلك لواء
مبادئ العدل واإلنصاف للتلطيف من سلبيات القوة امللزمة للعقد.
وفي تأكيد لهذا االتجاه ،ذهبت املحكمة التجارية بالرباط في حكمها الصادر بتاريخ
16دجنبر " 1999أنه حيث نص عقد القرض على فوائد اتفاقية بنسبة %17سنويا وأن
املحكمة بما لها من سلطة تقديرية في تعديل التعويض االتفاقي طبقا للفصل 264من
ظ.ل.ع ترتئي تخفيض نسبة الفوائد املذكورة من %17إلى %12ابتداء من تاريخ 19
مارس 1999إلى يوم التنفيذ"1.
كانت هذه التفاتة من القضاء إلى رفع التعسف الذي قد يفرضه املنهي بصفته
صاحب اليد العليا واملوقف القوي على املستهلك الذي ال يسعه إال الدخول في العقد،
وهو في الواقع ما يوجب على القضاة البحث في روح التشريع والوصول إلى غاية املشرع
حيث ال ضرر وال ضرار.
خاتمة:
نخلص في األخير إلى أن التدابير املتخذة لحماية املستهلك املقترض تساعد في إرجاع
التوازن العقدي واستقرار املعامالت بين املهنيين-البنوك-وكذا املستهلكين-املقترضين،
وحسنا فعل املشرع بإخراج مقتضيات قانون 31.08املتعلق بتدابير حماية املستهلك إلى
الوجود ،والذي أتى بكسر أو تلطيف ملبدأ سلطان اإلرادة في إبرام العقود ،وهو ما سعى له
الفقه والتشريع في فرنسا والدول األوربية والغربية بصفة عامة لالقتراب من منهج يحترم
فيه اإلنسان بوصفه فردا في جماعة ومحال لحمايتها ،للتحرر من املفاهيم التقليدية قصد
حل مسألة انعدام التوازن العقدي.
فباإلضافة إلى هذه اآلليات الحماية للمستهلك املقترض في هذا الباب ،توجد أيضا
ميكانيزمات التي من شأنها أن تحد من التعسف البنكي فيما يتعلق بوسائل األداء
واالئتمان التي تقرها البنوك للحفاظ على أموالها املقترضة
تعد السياحة ظاهرة اجتماعية وإنسانية ،تطورت وازدهرت على نحو أصبحت اليوم
تمثل خاصية العصر الحديث .إذ انها تقوم على اختالف صورها على التنقل والسفر
والترحال ،حيث التداخل بين األشخاص والثقافات والحضارات في عالم يوصف بأنه أصبح
اليوم أشبه بالقرية الصغيرة.
ويعتبر عقد السياحة 1واألسفار حديث النشأة ،لجأت إليه الدول كآلية قانونية
لتنظيم ظاهرة السياحة والقضاء على املشاكل الناشئة عنها ،فهو الرابطة القانونية التي
تربط بين وكالة السياحة واألسفار واملستهلك السائح 2الساعي للحصول على املتعة والترفيه.
ويترتب على العقد السياحي بوصفه عقدا ملزما للجانبين ،التزامات متقابلة على كل
من طرفيه وكالة السياحة واألسفار التي تلتزم بجملة التزامات قبل إبرام العقد وأخرى بعد
1يمكن تعريف العقد السياحي بكونه ":العقد الذي يلتزم بمقتضاه الوكيل السياحي بتمكين السائح من االستفادة مما قد
يقدمه من خدمات سياحية لقاء أجر معلوم" .جمال عبد الرحمان محمد علي :العقد السياحي ،الطبعة الثانية ،مطبعة
كلية علوم بني سويف ،جامعة القاهرة ،2003 ،ص .50
وفي تعريف آخر هو " :العقد الذي يبرم بين طرفين أحدهما محترف (وكالة السياحة) واآلخر غير محترف
(السائح) ،يلتزم بمقتضاه الطرف األول بتقديم خدمات سياحية لقاء مقابل من الطرف الثاني سواء بناء على تنظيم
مسبق من وكالة السياحة أو بناء على اقتراح العميل".أشرف جابر السيد ،عقد السياحة ،دار النهضة العربية،
القاهرة ،2001 ،ص .6
وهو" :عقد تتعهد بمقتضاه وكالة السياحة والسفر ،بأن تقدم للسائح أو العميل عدة خدمات تتدرج بتدرج طبيعة
النشاط .وتشمل في حدها األدنى حجز األماكن في الطائرات ووسائل النقل األخرى أو الحجز في الفنادق وفي حدها
األقصى تنظيم رحلة شاملة لحسابها ،وتقديم الخدمات المرتبطة بها مقابل مبلغ يتم تقديره عادة حسب نوع الخدمة
وطبيعتها .ومن بين الحدين األدنى واألقصى يمكن لوكاالت السياحة والسفر تنظيم رحالت يحدد العمالء
برامجها".أحمد السعيد الزقرد ،الروابط القانونية الناشئة عن عقد الرحلة ،مجلة الحقوق ،جامعة الكويت ،العدد األول،
السنة الثانية والعشرون ،1998ص 88
كما يعرف بكونه" :العقد الذي يبرم بين وكالتين للسياحة والسفر ،أحديهما تتولى أعداد البرامج السياحية وتقوم بدور
الوكيل المنظم ،وبيعه إلى وكالة سياحة منفذة تتولى اإلعالن عن البرنامج والترويج له والتعاقد مع العمالء أو
أعدادها وتنفيذها للرحلة السياحية بنا ًء على طلب العميل (السائح) لقاء أجر" .بتول صراوة عبادي ،العقد السياحي،
دراسة قانونية مقارنة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،الطبعة األولى ،2012 ،ص .20
2السائح هو الشخص الذي يسافر خارج محل إقامته األصلي أو االعتيادي وألي سبب غير الكسب المادي أو
للدراسة سواء كان داخل البلد الذي يعيش فيه (السائح الوطني) أو في خارج بلده (السائح األجنبي) ولفترة تزيد عن
" "24ساعة وأن تقل على ذلك فهو يعتبر قاصدا للنزهة.أحمد محمود مقابلة ،صناعة السياحة ،دار المعرفة للنشر
والتوزيع ،الطبعة األولى ،2007 ،ص .25
إبرامه .إذ تلتزم بتزويد السائح باملعلومات الضرورية حول الرحلة السياحية املراد القيام بها
والدقة في االختيار واملتابعة ملن تستعين بهم الوكالة في توفير الخدمات السياحية والفندقية.
ومن أهم التزامها هو ضمان سالمة السائح وحقائبه ،عالوة على ضمان سير الرحلة على نحو
يتفق وغاية السائح في املتعة والترفيه.
وبناء على ذلك يمكن القول أن موضوع حماية السائح ليس جديدا للغاية ،حيث
اهتمت به املنظمة العاملية للسياحة منذ نشأتها سنة ،1975كما أن التشريعات الداخلية
ألغلب الدول قامت بتنظيم الكثير من جوانب العقد السياحي ،سواء من خالل النصوص
العامة كما هو الشأن بالنسبة للقانون املدني الفرنس ي وقانون االلتزامات والعقود املغربي
اللذين خصصا بعض املواد املتعلقة بالوديعة الفندقية ،أو من خالل النصوص الخاصة
كما هو الشأن بالنسبة للقانون الفرنس ي الصادر سنة 1992وظهير 131.96املتعلقان
بالروابط القانونية التي تجمع بين وكيل األسفار والسائح أو غيره من النصوص املتفرقة2
والتي بدأت في تزايد مع تنامي االهتمام بالنشاط السياحي ،وما واكب ذلك من كون إبرام
العقد السياحي أصبح يتخذ صبغة احنرافية ،حيث لم يعد يقتصر األمر على عقود ثنائية
بين الفندقي والسائح أو بين هذا األخير والناقل ،بل أصبح السائح يلجأ إلى مؤسسات تحترف
مهنة السياحة.
وبالرغم من ذلك أننا سنرى أن هذه الحماية تبقى قاصرة في القانون املغربي 3من
خالل االلتزامات املفروضة على املنهي في العقد السياحي واملقررة في املقابل ملصلحة السائح
حيث تعتبر غير كافية في ظل الوضعية القوية التي أصبح يحتلها الطرف االول في مواجهة
السائح.
والسؤال الذي يطرح هنا ما مدى الحماية القانونية التي أحيط بها السائح في ضوء
عالقته مع وكالة السياحة واألسفار ،وما طبيعة التزام وكاالت السياحة واألسفار ،هل هي
ملزمة ببذل عناية أم بتحقيق نتيجة؟
1ظهير شريف رقم 1.97.64صادر في شوال 1417والموافق ل 12فبراير 1997بتنفيذ القانون رقم 31.96
المتعلق بالنظام األساسي لوكالة األسفار .الجريدة الرسمية عدد 4482بتاريخ 15ماي ،1997ص .1126
2من ذلك القانون رقم 61.00المعتبر بمثابة النظام األساسي للمؤسسات السياحية (ظهير شريف رقم 1.02.176
الصادر في فاتح ربيع اآلخر 13-1423يونيو – 2002الجريدة الرسمية عدد 5030الصادر في جمادى اآلخر
1423الموافق ل 15أغسطس ،)2002كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 01.07؛ الجريدة الرسمية
عدد 5639؛ 16يونيو 2008؛ ص .1376
وأيضا الظهير الشريف رقم 1.97.05الصادر في 16رمضان 25( 1417يناير )1997بتنفيذ القانون رقم
30.96المتعلق بالنظام األساسي للمرافقين السياحيين والمرشدين السياحيين ومرشدي الجبال.
3بخصوص القصور التشريعي للقطاع السياحي بوجه عام ،يمكن الرجوع إلى:
كمال شرف ،اإلدارة االقتصادية للقطاع السياحي بالمغرب ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام ،جامعة
الحسن الثاني ،عين الشق ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء ،1999/1998 ،ص
.381
يجمع الفقه القانوني على أن الوضعية الحالية أصبحت تتميز بمعامالت يطغى عليها
نوع من عدم التوازن بين املتعاقدين ،حيث يحوز أحد الطرفين مجموعة من املعلومات
الضرورية واملؤثرة على إبرام العقد مقابل انعدامها شبه التام لدى الطرف اآلخر.1
وإن عدم التوازن في العالقة بين وكاالت السياحة واملستهلك السائح يرجع غالبا إلى
عدم التكافؤ بينهما من حيث حصيلة املعلومات التي يملكها كل طرف حول املنتوج أو
الخدمة ،حيث تتمتع وكالة السياحة والسفر بوصفها الطرف املحترف في العقد السياحي
باالستئثار بالعلم حول ظروف وتفاصيل الرحلة التي تقوم بتنظيمها بذات اإلرادة املتنورة
التي تتمتع بها وكالة السياحة والسفر لذلك يقع على عاتق األخيرة التزام قبل التعاقد
بإعالم العميل بكل ما من شأنه أن يقض ي على هذا االختالل في التوازن العقدي بينهما،
ويوفر املساواة في العلم بخصوص العقد املزمع إبرامه.
وعلى هذا األساس سنخصص (املطلب األول) للحديث عن االلتزام قبل التعاقد
بإعالم املستهلك في العقد السياحي ،ثم نتطرق في (املطلب الثاني) لبيان الضمانات
الكفيلة بتفعيل االلتزام بإعالم املستهلك في العقد السياحي.
إن من األسس الجوهرية التي يقوم عليها االلتزام قبل التعاقد باإلعالم هي تحقيق
التكافؤ بين املتعاقدين الذي يستلزم أن يكون كال الطرفين على درجة متساوية من العلم
بمحل العقد من جهة ،ومن جهة أخرى إعادة التوازن إلى العقد من خالل املعلومات
والبيانات التي تمثل ضمانة مهمة لحرية التعبير عن الرأي والقرار في العقد .2وال سيما في
1
AKRAWATI ADJITA SHAMSIDINE : Contribution à la protection juridique du
consommateur dans les Pays en voie de développement, exemple particulier des
pays d’Afrique, Thèse de doctorat en droit privé, université d’Auvergne Clermont-
Ferrand, 1996, P170.
2عبد هللا حسين علي محمود ،حماية المستهلك من الغش التجاري والصناعي (دراسة مقارنة) ،الطبعة الثانية ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،2002 ،ص .124
عقود اإلذعان إذ ال يوجد نص قانوني يحمي الطرف املذعن في املرحلة السابقة على
التعاقد بل الحماية املقررة بعد التعاقد عبر إعطاء القاض ي سلطة تعديل الشروط
التعسفية ،وإعفاء الطرف منها أو تفسير النصوص في العقد ملصلحة (املذعن).
هذا االلتزام الذي يجد أساسه في نظرية عيوب الرضا ،إذ يجب أن يتوفر لدى
املتعاقد رضا حر مستنير بحيث يكون على علم بحقيقة العقد الذي يبرمه وببياناته
التفصيلية ومدى تحقيقه لهدفه من التعاقد.1
وعليه تظهر أهمية االلتزام قبل التعاقد باإلعالم الذي يجد موقعه في وقت
املفاوضات التي يلتزم في املتفاوض (وكالة السياحة والسفر) بأن يقدم إلى املتفاوض معه
(السائح) معلومات حقيقية حول مدى مالءمة العملية املطروحة فنيا وماليا ،إذ ليس
لوكالة السياحة والسفر بوصفها مهنيا أن تستغل عدم التخصص من جانب السائح سواء
من الناحية الفنية أو املالية لتدفعه للتعاقد بما ال يحقق غايته.2
ويعرف االلتزام قبل التعاقد باإلعالم بأنه االلتزام الذي نشأ في مرحلة املفاوضات
العقدية والذي يفرض على كل طرف فيما يعلم أو ينبغي أن يعلم بمعلومات تتعلق بمحل
العقد أن يزود الطرف اآلخر بها ،والذي ال يعلم أو ليس بإمكانه العلم بها.3
وعرفه بعضهم االخر بأنه التزام سابق على التعاقد يتعلق بالتزام أحد املتعاقدين
بان يقدم للمتعاقد اآلخر عند تكوين العقد ،بالبيانات الالزمة إليجاد رضا سليم كامل
متنور على علم بكافة تفصيالت هذا العقد ،4وذلك بسبب ظروف واعتبارات معينة قد
ترجع لطبيعة هذا العقد ،أو صفة أحد طرفيه أو طبيعة محله أو أي اعتبار آخر .يجعل
1تعددت اآلراء حول األساس الذي يقوم عليه االلتزام قبل التعاقد باإلعالم إذ يذهب بعضهم ،إلى إن هذا االلتزام يجد
أساسه في مبدأ حسن النية وبعضهم يجده في التدليس ومنهم من يجده التزاما قانونيا مستقال ال يرد إلى أي نظام
قانوني قائم ومنهم من جعل أساسه نظرية صحة وسالمة الرضا ،للمزيد أنظر في ذلك ،سعيد سعد عبد السالم،
االلتزام باإلفضاء في العقود ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2000ص .61
عمر محمد عبد الباقي ،الحماية القانونية للمستهلك ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،2004ص .200
2محمد حسام محمود لطفي ،المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض (دراسة في القانونين المصري والفرنسي) ،كلية
القانون ،جامعة القاهرة ،1995 ،ص .19
3صبري حمد خاطر ،االلتزام قبل التعاقد بتقديم معلومات ،مجلة العلوم القانونية ،كلية القانون ،جامعة بغداد ،المجلد
الحادي عشر ،العدد االول ،1996 ،ص .17
4خالد ممدوح إبراهيم ،حماية المستهلك في العقد اإللكتروني دار الفكر الجامعي ،ط ،1اإلسكندرية مصر،2008 ،
ص .94
املستحيل على أحدهما ،أن يلم ببيانات معينة أو يحتم عليه منح ثقة مشروعة للطرف
اآلخر ،الذي يلتزم بناء على جميع هذه االعتبارات بااللتزام باإلدالء بالبيانات.1
وعليه فااللتزام باإلعالم قبل التعاقد في عقد السياحة واألسفار ،هو التزام على
عاتق وكالة السياحة واألسفار ،و حق للمستهلك السائح ،يكون سابقا على إبرام العقد،
تلتزم من خالله وكالة السياحة واألسفار بتقديم معلومات جوهرية حول العقد املزمع
إبرامه ،وفي الوقت املناسب وبكل شفافية وأمانة للمستهلك السائح ،الذي ال يمكنه العلم
بها بوسائله الخاصة.2
إن واجب اإلعالم موضوع على عاتق وكالة السياحة واألسفار لكونها شخص منهي
فيفترض فيها العلم بكل جوانب العقد والخدمة التي تقدمها للمستهلك السائح ،الذي
يمثل الطرف الضعيف في هذه العالقة التعاقدية ،فغياب التوازن املعرفي واملعلوماتي بين
الوكالة باعتبارها شخص املحترف تعرف جيدا الخدمات التي تعرضها للغير ،وبين
املستهلك السائح غير املؤهل في أغلب األحيان إلى أن يحكم على هذه املنتوجات ،ويقارن
بين ما هو معروض منها في السوق ،وال يمكن تقليص فجوته إال عن طريق وجود التزام
باإلعالم مبني على حسن نية خالصة من املنهي (وكالة السياحة واألسفار).
ومن ثم فااللتزام باإلعالم 3يجد أساسه ومبرره في ضرورة حماية صحة رضا الزبون
السائح الذي يلزم أن يقدم على إبرام العقد وإرادته حرة متنورة بتفاصيله وخصائصه ال
1نزي ه محمد الصادق المهدي ،االلتزام قبل التعقدي باإلدالء بالبيانات المتعلقة بالعقد وتطبيقاته على بعض أنواع
العقود ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1990ص .15
2زينة غانم العبيدي ،سارة أحمد حمد العبيدي ،عقد السياحة االلكتروني مقال منشور بمجلة جامعة تكريت للعلوم
القانونية والسياسية ،العراق ،العدد السابع ،سنة ،2010ص .230
3ما نبغي اإلشارة إليه أن المشرع المغربي وفي المرحلة السابقة عن صدور القانون رقم 31.08الذي يقضي
بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،تطرق لالتزام باإلعالم في العديد من النصوص التشريعية المتفرقة .ومن هذه
النصوص ما جاء به القانون رقم 17.99المتعلق بمدونة التأمينات (ظهير شريف رقم 1.02.238صادر في 25
رجب 1423الموافق ل 03أكتوبر ،)2002والذي جاء في المادة العاشرة منه "يسلم المؤمن للمؤمن له قبل
اكتتاب العقد بيانا للمعلومات يبين على الخصوص الضمانات واالستثناءات المتعلقة بها وسعر هذه الضمانات
والتزامات المؤمن له ال يلزم اقتراح التأمين ال المؤمن له وال المؤمن .وال تثبت التزاماتهما المتبادلة إال بواسطة عقد
التأمين.
يعد مقبوال من طرف المؤمن االقتراح الذي تم بواسطة رسالة مضمونة لتمديد مدة العقد أو تعديله أو استئناف العمل
من جديد بعقد تم توقيفه إذا لم يرفض المؤمن هذا االقتراح خالل العشرة ( )10أيام الموالية ليوم توصله به.
ال تطبق أحكام الفقرة الثالثة من هذه المادة على التأمينات على الحياة".
يمكن القول أن القضاء المغربي لم يتناول هذا االلتزام بشكل صريح ،وإن كان يمكن أن نستشف من بعض قرارته
أنه يميل لتبني هذا االلتزام .بدليل أن هذه القرارات تميل العتماد مفهوم الكتمان كوسيلة من وسائل التدليس الذي
يؤدي إلبطال العقد ،حيث يمتزج الكتمان بعدم اإلعالم .فقد جاء في قرار للمجلس األعلى بتاريخ 3يوليوز 1986
بأنه "يمنع على المالك أن يبيع أرضا مجزأة قبل أن تصادق المصالح المختصة على التجزئة طبقا للفصل 19من
ظهير 30شتنبر ،1983وإذا خالف هذا المنع وباع المالك قطعة مخفيا على المشتري هذا المعطى لو علمه لما أقدم
يشوبها أدنى غموض .بمعنى أن الهدف املباشر من هذا التنظيم التشريعي هو العمل على
تأمين حماية رضا املستهلك 1بجعل هذا الرضا أكثر وضوحا.
فمضمون هذا االلتزام ،هو قيام املنهي بتبصير السائح وتنوير إرادته وإسداء املشورة
إليه في االلتزام باإلدالء بالبيانات واملعلومات قبل التعاقدية .2فهو إذن التزام يقع على
عاتق املنهي بحكم علمه 3بما ال يستطيع السائح إدراكه بنفسه ،ومن واقع إملامه بمعلومات
قد تعجز املتعامل معه عن الوصول إلى أغواره .ومن ثم ،فإن املنهي ملزم بإرشاد السائح
وإضاءة طريقه وتبصير إرادته قبل إبرام العقد بينهما حتى يأتي رضاه سليما.4
ويمكننا القول أن وكالة السياحة والسفر تقوم بتنفيذ التزامها بإعالم العميل عن
طريق تسليمه العديد من كتيبات وقوائم الدعاية التي تحتوي على بيانات دقيقة ومحددة
عن الرحلة .ومن اهم ما تسلمه وكالة السياحة والسفر إلى العميل في هذه املرحلة – قبل
التعاقدية -ما يسمى ب (الوثيقة العقدية) Le document contractualالتي تأخذ صورة
استمارة أو نشرة تسجيل ،التي تتضمن البيانات التفصيلية كافة املتعلقة بالرحلة وتحرر
هذه االستمارة من نسختين بحيث يحتفظ كل من وكالة السياحة والسفر والعميل
بنسخة منها موقع عليها من الطرف اآلخر.
وفي هذا االطار نشير إلى أن املادة ( )15من القانون الفرنس ي رقم 645لسنة 1992
قد عددت البيانات التي يتعين على وكالة السياحة والسفر أن تدلي بها إلى العميل كتابة،
على الشراء ،فيكون بذلك قد ارتكب في حقه تدليسا" قرار رقم ،1653مجموعة قرارات المجلس األعلى ،الجزء
الثاني ،ص .374
وفي نفس السياق ذهبيت محكمة االستئناف بالدار البيضاء في قرار لها بتاريخ 20يونيو 1984إلى أنه "وحيث
إن العقد المصادق على التوقيعات فيه من طرف المصلحة المختصة بتاريخ 05يناير 1984المبرم بين المتهم
والمشتكي ،ال يفيد أن األول أخبر الثاني بأن العقار موضوع البيع يوجد على الشياع بينه وبين باقي الورثة ،وأنه
يبيعه إليه على هذه الصفة .وحيث إن المتهم استعمل وسائل احتيالية ضد المشتكى به ،بإخفائه عنه وقائع صحيحة
فدفعه إلى أعمال مست مصالحه المالية حصل منها على كسب غير مشروع" قرار رقم ،5347أشار إليه ،عبد
الرحمان الشرقاوي ،العقد السياحي ،الطبعة األولى ،الرباط ،2012 ،ص .193
1
DE JUGLART M : L’obligation de renseignements dans les contrats, Rev, Trim,
Dr, Civil, 1945, P : 1.
2بل وفي سبيل جعل رضا المستهلك أكثر وعيا واختيارا ،فإن القانون الفرنسي منع ونظم بعض صور البيع التي
رأى فيها القضاء صفة اإللحاح واإلثارة من جانب البائع ،الذي يسعى النتزاع رضا المشتري ،كما هو الشأن بالنسبة
لتنظيمه لعقد البيع االئتماني والبيع بالتقسيط بصفة خاصة ،كوسيلة من وسائل إغرائه وتسهيل عملية الشراء له ،ومنع
بعض صور البيع الجبري.
للمزيد من التفيل أنظر في ذلك:
CALAIS-AULOY Jean : La loi sur le démarchage à domicile et la protection des
consommateurs Dalloz, 1973, Chronique, P : 266.
3محمد الملموسي ،حماية المستهلك من الشروط التعسفية أثناء التعاقد ،مجلة المحاكم المغربية ع ،10/2006ص
.110
4عبد الرحمان الشرقاوي ،المرجع السابق ،ص .193
حيث تحرر وثيقة أو إستمارة أو بيان أيا كانت التسمية من نسختين يحتفظ كل من طرفي
العقد وكالة السياحة والسفر والسائح بنسخة موقعا عليها من الطرف اآلخر تتضمن ما
يأتي:
محتوى الخدمات املقترحة (تحديد وجهة الرحلة ،وسائل التنقل ،نماذج .1
اإلقامة ،نوعية وجبات الغذاء).
ثمن الرحلة وطرق السداد (على دفعات أو مقدما). .2
شروط فسخ العقد سواء كانت اتفاقية أو قانونية. .3
شروط اجتياز الحدود (القواعد والضوابط اإلدارية والصحية). .4
وقد جاء املرسوم الصادر في 15يونيو 1994في املادة ( )96منه ما يلزم وكالة
السياحة والسفر بضرورة إعالم السائح قبل التعاقد بمجموعة من البيانات اهمها:
وجود عقد تأمين من املسؤولية املهنية لوكالة السياحة والسفر وتحديد .1
املخاطر التي تكون محال لضمان املؤمن ،وتحديد البيانات املتعلقة بعقد
املساعدة القضائية الذي يغطي مخاطر معينة (كمخاطر الترحيل إلى وطن
بشكل خاص).
التكلفة اإلجمالية للرحلة وما يمكن أن يضاف من رسوم أو ضرائب على .2
بعض الخدمات واإلجراءات الالزم استيفاؤها لعبور الحدود.
شروط العميل الخاصة التي يلزم أن تكون محل قبول من جانب وكالة .3
السياحة والسفر.
وسائل رجوع العميل على وكالة السياحة والسفر عند وقوع إخالل من .4
جانبها في تنفيذ االلتزامات الناشئة عن العقد.
بيان الحد األدنى أو األقص ى ملجموع املسافرين وما إذا كان التنفيذ معلقا .5
على شرط توافر حد معين من املشتركين والتاريخ الواجب إخاطر العميل
فيه عند إلغاء السفر أو اإلقامة ( 21يوما قبل املغادرة كحد أدنى)
والتعديالت املقترحة وغيرها من االلتزامات.1
أما بخصوص التوجيه األوروبي الصادر في 13يونيو 1990فإنه فيما يتعلق بالعقد
السياحي املبرم بين وكالة السياحة واألسفار نجد انه فرق بين حالة وضع دليل السفر تحت
1للمزيد من التفصيل أنظر :أبو الحسن مجاهد وأشرف جابر سيد ،المبادئ العامة للقانون والتشريعات السياحية ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،2003 ،ص 262وما بعدها.
تصرف العميل (السائح) من انه فرق بين حالة وضع دليل سفر تحت تصرف العميل
(السائح) من عدمه ،ففي حالة تقديم دليل للزبون فإن هذا الدليل يجب أن يتضمن
ويشير بصورة واضحة ودقيقة إلى السعر واملعلومات املتعلقة بالعناصر اآلتية:
مكان الوصول ووسيلة وصفات وأنواع وسائل النقل املستعملة وطريقة السكن
والدرجة السياحية ووجبات الطعام املقدمة وكذلك املعلومات املتعلقة بجوازات السفر
والتأشيرات (الفيزا) ،وكذلك اإلجراءات الصحية الضرورية للسفر واإلقامة واملبلغ الذي
يدفع ،وال نسبة املئوية الواجب تسليمها ،هذه املعلمومات قبل التعاقدية ملزمة على وكالة
السياحة واألسفار في حالة وضع دليل تحت تصرف العميل وفيما عدا ذلك يكون للوكالة
الحرية في تقديم املعلومات بأية صيغة تراها مناسبة.
وفي هذا اإلطار نشير إلى أن التوجيه لم يشترط إبراز هذه البيانات التفصيلية في
العقد املبرم الحقا ،في حين إن الالئحة التنفيذية للقانون الفرنس ي الصادر في 15يونيو
1994التي استلزمت أن تدرج البيانات املتعلقة بالرحلة السياحية ليس فقط في االستمارة
أو البيانات املقدمة من قبل وكالة السياحة والسفر إلى العميل قبل التعاقد بل في العقد
السياحي الذي يبرم في وقت الحق.1
وتجدر االشارة إلى أن مدونة القواعد الدولية املرعية في مجال اإلعالن الصادرة عن
غرفة التجارة الدولية في 20مايو من سنة 1937والتي تمثل تقنينا يضم القواعد املتبعة
في اإلعالن ،حيث أوجبت أن يتضمن اإلعالن الخاص برحالت تنظمها وكاالت األسفار
مجموعة من البيانات ،والتي تهم:
1للمزيد من التفصيل أنظر في ذلك :أشرف جابر السيد ،عقد السياحة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،2001 ،ص
.64
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون املغربي نجده هو اآلخر تضمن العديد من
املقتضيات الخاصة التي تلزم املنهي بضرورة إعالم السائح ،من ذلك ما نصت عليه املادة
20من القانون رقم ،162.00حيث أوجبت على كل مستغل مؤسسة سياحية أن يقوم
لفائدة الزبناء بإشهار أسعار الخدمات وال سيما بتعليق ملصقاتها محررة بلغتين على األقل
في مرفق االستقبال وبكل غرفة وفي قاعات تناول الطعام بالنسبة للمؤسسات التي تقدم
هذه الخدمات .باإلضافة إلى أنه يلتزم وحسب نفس املادة السابقة بأن يسلم إلى كل زبون
من الزبناء فاتورة مؤرخة على الوجه األصح تتضمن االسم التجاري للمؤسسة وعنوانها
وتبين بتفصيل جميع الخدمات املقدمة واألسعار املطبقة.
وبهدف احترام هذا االلتزام ،فإن املشرع قد رتب على مخالفته مجموعة من
الجزاءات ،وجعله على غرار بعض االلتزامات األخرى من األولويات التي يتعين احترامها.
حيث يترتب على مخالفة هذا االلتزام إصدار عقوبتي اإلنذار والتوبيخ على مستغل
املؤسسة باإلضافة للعقوبات املقررة في القانون الجنائي ،وإذا استمرت املخالفة بالرغم
من اإلنذار والتوبيخ وجب إدراج املؤسسة في الصنف الذي يقل مباشرة عن الصنف الذي
كانت مرتبة فيه من قبل كما جاء في املادة 22من القانون رقم .61.00
ولعل املمارسات غير األخالقية التي يمارسها مهنيو القطاع السياحي على زبنائهم هي
التي دفعت أيضا املشرع املغربي بمقتض ى قانون وكاالت األسفار إلى فرض هذا االلتزام
لصالح املتعاقد السائح .حيث يحب على وكيل األسفار بمقتض ى املادة العاشرة من
القانون رقم " 31.96أن ينشر ويوزع إما باسمه أو باسم املؤسسة املنتجة للخدمة
السياحية عددا كافيا من املطويات أو الكتيبات التي تتضمن املعلومات املتعلقة بالسفر
والخدمات واألسعار املقترحة عن كل رحلة أو خدمة ذات سعر إجمالي معروضة".
كما يتعين على وكيل األسفار أن يعمل على تضمين العقد مجموعة من البيانات،
وهي كما جاءت في املادة 13من هذا القانون" :يجب تضمين العقد املبرم بين وكيل األسفار
والزبون جميع البيانات املتعلقة بأسماء وعناوين املنظم ووكيل األسفار والضامن واملؤمن،
وبوصف الخدمات املقدمة وحقوق والتزامات األطراف خاصة فيما يتعلق بالسعر
والجدول الزمني ،وإجراءات التسديد ،ومراجعة األسعار املحتملة وإبطال العقد ،وإخبار
الزبون بذلك قبل بداية السفر أو املقام".
وفي التطبيقات القضائية إللتزام وكالة السفر بتزويد السائح قبل التعاقد
باملعلومات الضرورية حول الرحلة ،فقد قضت محكمة االستئناف بباريس بتاريخ 30
مارس 11989بمسؤولية وكالة األسفار عن تعويض األضرار التي ال تغطيها شركة التأمين
اليونانية بناء على كون صياغة العقد غير دقيقة وغير كاملة ،لكونها لم تضع حد للضمان
ولم تثير انتباه عمالئها لضرورة إبرام تأمين تكميلي بهدف ضمان تغطية كافة املخاطر
املحتملة ،خصوصا وأن السائحين سبق لهما تسديد قسط التأمين كجزء من تكاليف
الرحلة ،بهدف إبرام عقد تأمين غير محدود ،بحسب صياغة العقد الذي تم إبرامه مع
وكالة األسفار.2
إذا كان الهدف األساس ي من هذا االلتزام هو ضمان حماية السائح املستهلك فإن
هذا األمر لن يتأتى إال من خالل منع االشهار الكاذب واملضلل للسائح (أوال) ثم إن
املستهلك في كثير من الحاالت ال يستطيع التفكير في العرض املقدم إليه ،لذلك قام املشرع
املغربي بمقتض ى القانون رقم 31.08وعلى غرار العديد من القوانين الحديثة بفرض ما
أصبح يعرف بخيار التروي والتفكير (ثانيا).
يعتبر االشهار التجاري في عصرنا الحالي جزءا مميزا وهاما من النشاطات التجارية،
وله العديد من اآلثار اإليجابية على النشاط االقتصادي ،فمن جهة هو يولد الرغبة في
الشراء ،مما يدفع النشاط االقتصادي لألمام وينمي حجم األعمال التجارية ،ومن جهة
اخرى يساهم كوسيلة فعالة في تقديم املعلومات للمستهلك عن املنتوجات بصفة عامة،
والخدمات بصفة خاصة ،ويحمي رضا املستهلك ويجعله يعي ما يقتنيه ،فهو مجموعة من
الوسائل املستخدمة بقصد التعريف بمشروع صناعي أو إمتداد منتج ما ،أو هو كل بالغ
صادر عن محترف يوجه إلى العامة يهدف إلى تشجيع طلبات الشراء.
1
Cass, Civ, 1er civ. N°228, R .T.D. civ.1984 oct. J.H.U.E.T.
2وفي نفس السياق سبق لمحكمة النقض الفرنسية إلى تحميل المسؤولية لوكالة السفر لكونها لم تشر إلى أن العبور
للشاطئ المزمع السفر إليه يتم من خالل طريق تسلكه السيارات وما قد يترتب عن ذلك من مخاطر ،بل إنها ذكرت
على أن ذلك العبور سيتم من خالل مدخل خاص ،وهو األمر الذي لم تلتزم به ،مما ترتب عن ذلك إصابة أحد
األطفال على إثر حادثة سير في الطريق الذي لم تبصر به الوكالة زبنائها من قبل.
-Cass. Civ. 29 Juin 1976, J.C.P. 1978, 18995.
وفي نفس االطار نشير إلى أنه ال ينبغي أن يتضمن اإلعالن املقدم من قبل املنهي في
العقد السياحي بيانات كاذبة أو مضللة للسائح ،أو ما يسمى باإلشهار الكاذب الذي حرمه
القانون في أغلب التشريعات الحديثة .1وهناك الكثير من التطبيقات القضائية لذلك؛
فمنها قيام وكالة األسفار باإلعالن عن تنظيم رحلة سياحية إلى جزيرة صقلية ملدة ثمانية
أيام يتضمن برنامجها زيارة ملدينة أثرية وقلعة مشهورتين والحال أن شيئا من ذلك لم
يحدث.2
ومن قبيل هذه التطبيقات القضائية أيضا قيام شركة سياحية بتنظيم مسابقة
يفوز فيها 12متسابق نتيجة سحب تقوم به ،وبالتالي يكون لهؤالء الفائزين الحق في رحلة
سياحية ملدة معينة ،غير أنه عندما يذهب املسابقون ويشاركون في املسابقة يتبين لهم أن
هذه الشركة اقتصرت على حجز أماكن للفائزين دون التزامها ،كما جرت العادة على ذلك
من قبل املعلنين في مثل هذه الظروف ،بتحمل نفقات الطعام والنقل .3أو من قبيل قيام
إحدى الشركات السياحية باإلعالن عن تنظيم رحالت سياحية تتوافر فيها إقامة مريحة
في فنادق فئة ثالثة نجوم وعلى بعد 50كيلو متر من البحر في حين تبين أنه يبعد بمسافة
أكبر كما أن غرفه ليس كلها من نفس الدرجة املعلن عنها في اإلعالنات.4
وهكذا فإن االعالم السابق يعتبر مضلال ومن تم ممنوع قانونا ،بل يتعين أن يكون
الزبون السائح قادرا على مراقبة مدى احترام الفندقي لألثمنة املعلنة من قبله .من أجل
هذا ،فإن مرسوم 8يونيو 1967الفرنس ي ألزم الفندقي بتقديم فاتورة من نسختين
مؤرخة وتشمل على الثمن الحقيقي للخدمات املقدمة للزبون ،نسخة تسلم للزبون
والثانية يحتفظ بها الفندقي ملدة سنة بهدف إخضاعها ألي مراقبة؛ وأي تقصير في هذا
االلتزام يعرض صاحبه للجزاء املقرر بمقتض ى الفصل 39من الدورية املؤرخة في 30
يونيو .1945
1
CALAIS-AULOY Jean et STEINMETZ Frank : Droit de la consommation, 5éme
édition, 2000, Dalloz, p 126.
V. aussi Frank : Publicité trompeuse : Quel consommateur choisir ? Le dilemme
de l’appréciation du caractère trompeur, R.E.D. consom. 2000, P :93.
AKRAWATIADJITA Shamsidine : Contribution à la protection juridique du
consommateur dans les Pays en voie de développement (exemple particulier des
pays d’frrique), OP.cit, P :485.
السيد محمد السيد عمران ،حماية المستهلك أثناء العقد ،دراسة مقارنة مع دراسة تحليلية وتطبيقية للنصوص الخاصة
بحماية المستهلك ،منشأة الناشر المعارف باالسكندرية ،دون ذكر سنة الطبع ،ص .77
2
Lyon, 06/02/1985, G.P. 1986, I,P : 397.
3
Rennes, 10/01/1986, Revue juridique de l’Ouest, 1988, II, P :231.
4
Rennes, 04/07/1975, G.P. 1977, II, P : 488.
كما أن الفندقي يلتزم بإخبار اإلدارة بالثمن املطبيق ،ولو أنه يخضع في تحديده
للحرية .فخالل كل سنة يتعين على الفندقي أن يخبر مديرية السياحة باألثمنة املطبقة
خالل السنة الالحقة -ثمن الغرف باالضافة لثمن الوجبات املقدمة .-وفي حالة تطبيق
أثمنة مخالفة لتلك املعلن عنها ،سواء عن طريق اإلعالنات اإللزامية ،أو عن طريق
املطبوعات ،أو أي وثيقة اخرى إعالنية ،1فإنه يتابع بعقوبة اإلشهار حسب الفصل 36من
قانون ،Royerالفرنس ي املؤرخ في 27دجنبر .21973
وفي نفس االطار ،فإن القانون املغربي بمقتض ى املادة األولى من ظهير 5اكتوبر
،1984املعتبر بمثابة القانون املنظم للزجر عن الغش في البضائع ،3نص على مقتضيات
مشابهة ،حيث جاء في هذه املادة "يعد مرتكبا الغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من
غالط املتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الش يء املصرح به ،أو قام خرقا ألحكام هذا
القانون ،أو النصوص املتخذة لتطبيقه ،أو خالفا لألعراف املهنية والتجارية بعملية تهدف
عن طريق التدليس إلى تغييرهما" .وبالرجوع للفصل العاشر من هذا القانون نجده ينص
على ما يلي"يمنع كل إعالن مهما كان شكله يشتمل على ادعاء أو بيان أو عرض كاذب ،أو
من شأنه أن يوقع املستهلك في الغط بشأن أحد العناصر املفيدة ونوعها ومنشئها وكميتها
وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وأثمان وشروط بيعها وشروط أو نتائج استعمالها
وأسباب وأساليب البيع والتسليم أو تقديم الخدمة ومدى االلتزامات وهوية أو صفة أو
أهلية الصناع والباعة واملشهرين واملعلنين ومنجزي الخدمات".
كما جاء القانون رقم 31.08املتعلق بتحديد تدابير حماية املستهلك بمقتضيات
مشابهة؛ حيث نص في املادة 21منه على ما يلي "دون املساس بمقتضيات املادتين 2و67
من القانون رقم 77.03املتعلق باالتصال السمعي البصري ،يمنع كل إشهار يتضمن ،بأي
شكل من األشكال ،إدعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا.
وسعيا من املشرع املغربي لتحقيق حماية أكبر للسائح من هذه االشهار الكاذب،
حيث نص في املادة 26من القانون رقم 61.00املعتبر بمثابة النظام األساس ي للمؤسسات
إذا كان املشرع املغربي قد اتخذ خطوة مهمة في سبيل حماية السائح في العقد
السياحي من خالل فرض االلتزام باالعالم على املنهي بوجه عام بمقتض ى القانون رقم
31.08وعلى كل من الفندقي ووكيل األسفار بوجه خاص بمقتض ى النصوص املنظمة
لهما ،فإن ذلك ال يكفي في ظل التباين الخطير بين هؤالء والسائح النزيل بالفندق أو زبون
وكالة األسفار الذي يعتبر بمثابة مستهلك قليل الخبرة .1ولذلك توجد العديد من القوانين
الحديثة خولت للمستهلك باعتباره الطرف الضعيف مهلة للتفكير في بنود العقد ،2كما هو
الشأن بالنسبة للقانون الفرنس ي لسنة 1972املتعلق ببيع املنازل 3أو قانون 1978املتعلق
بعقود اإلقراض .4كما تطرق له املشرع املغربي حديثا في القانون رقم 31.08السالف
الذكر فيما يتعلق بعقد القرض مميزا بين القروض االستهالكية 5والقرض العقاري.6
كم أننا نتفق مع ما ذهب إليه األستاذ عبد الرحمان الشرقاوي بأنه كان حريا
باملشرع املغربي أن يفرض هذا االلتزام ملصلحة السائح باعتباره مستهلكا وطرفا ضعيفا في
العقد السياحي ،ألنه يلزم املنهي باعتباره الطرف القوي في البقاء على إيجابه املتمثل في
الشروط الواردة بالعقد التمهيدي ملدة محددة يترك للمستهلك مهلة كافية لقراءة هذه
الشروط ومحاولة فهمها ملعرفة ما يترتب عن القبول بها من حقوق والتزامات.
ومن ثم فالحماية تبرز خالل جعل مدة املهلة فترة تأمل وتفكير قبل إبرام العقد،
فال يتم انعقاده إال بعد انقضاء هذه املدة والتي غالبا ما تحدد في سبعة أيام كم هو
الشأن بالنسبة للمادة التاسعة من قانون 12يونيو 1971في فرنسا 1الذي ألزم مقدم
التعليم باملراسلة باإلبقاء على شروط عرضه ملدة سبعة أيام من تاريخ تسليمه لطالب
الخدمة ،وأيضا ما نص عليه القانون رقم 10لسنة 1978الفرنس ي 2الذي ألزم هو اآلخر
مقدم اإلتمان املتعلق باملنقوالت والخدمات باإلبقاء على العرض املقدم منه ملستهلك
املنقول أو الخدمة مدة خمسة عشرة يوما.
باإلضافة لخيار التروي ،في سبيل تقوية الحماية التي تخولها هذه التشريعات
للمستهلك ،نجدها تخول له أيضا مهلة ضافية للرجوع عن العقد أو ما يسمى بمهلة الندم
أو الرجوع ،ومن هذه القوانين نجد املشرع الفرنس ي الذي فرض مهلة الرجوع أو الندم في
بعض العقود التي يكون أحد اطرافها مستهلكا كما هو الشأن بالنسبة للبيع املنزلي ،حيث
أعطت املادة L 121/21للمستهلك املشتري سبعة أيام كمهلة للرجوع.
وفي ظل األهمية التي يحظى بها هذا اإللتزام ،فإن املشرع املغربي قد أخذ بخيار
الرجوع بمقتض ى القانون رقم ،31.08حيث نصت املادة 36منه على ما يلي" :للمستهلك
حقه في التراجع؛
يتوقف العرض على قبول المقترض والكفيل من األشخاص الطبيعيين المصرح بهم .وال يجوز للمقترض والكفيل
قبول العرض إال بعد تسلمه بعشرة أيام .ويجب أن يبلغ قبول العرض بأية وسيلة تثبت التوصل".
1إبراهيم الدسوقي أبو الليل ،العقد غير الالزم ،دراسة مقارنة معمقة في الشريعة اإلسالمية والقوانين الوضعية،
جامعة الكويت ،1994 ،ص .15
2بخصوص بعض النماذج األخرى من العقود التي يفرض فيها المشرع المغربي خيار الروي يمكن الرجوع إلى:
CALAIS-AULOY Jean et STEINMETZ Frank : Droit de la consommation, 5éme
édition 2000, Dalloz, P, 11.
وذلك دون الحاجة إلى تبرير ذلك أو دفع غرامة باستثناء مصاريف اإلرجاع إن
اقتض ى الحال ذلك.
تسري اآلجال املشار إليها في الفقرة السابقة ابتداء من تاريخ تسلم السلعة أو قبول
العرض فيما يتعلق بتقديم الخدمات.
وبالرجوع للمادة 37من هذا القانون –القانون رقم -31.08نجدها حددت الجزاء
املترتب عن ممارسة هذا الحق ،حيث جاء فيها "عند ممارسة حق التراجع ،يجب على
املورد أن يرد إلى املستهلك املبلغ املدفوع كامال على الفور وعلى أبعد تقدير داخل الخمسة
عشرة يوما املوالية للتاريخ الذي تمت فيه ممارسة الحق املذكور .وبعد انصرام األجل
املذكور ،تترب بقوة القانون ،على املبلغ املستحق فوائد بالسعر القانون املعمول به".
وفي هذا اإلطار نشير إلى أن املشرع املغربي بمقتض ى القانون رقم 31.08حرم السائح
في العديد من الحاالت من ممارسة حق التراجع ،وهذا ما يتضح من خالل قراءة املادة 42
من هذا القانون ،حيث نصت على ما يلي" :ال تبطق أحكام املواد 29و 32و 36و 37على
العقود التي يكون محلها:
.............-1
-2تقديم خدمات اإليواء أو النقل أو املطاعم أو الترفيه التي يجب أن تقدم في تاريخ
معين أو بشكل دوري محدد".
لم تقتصر الحماية املقررة للمستهلك السائح على املرحلة السابقة لتنفيذ عقد
السياحة واألسفار ،وإنما اتسع نطاقها إلى مرحلة تنفيذه ،نظرا لحساسية وأهمية هذه
املرحلة التي تتشعب فيها مهام ووظائف وكاالت السياحة واألسفار ،األمر الذي عكس تعدد
االلتزامات امللقاة على عاتقها.
وترتبط التزامات وكالة السياحة واألسفار في مرحلة تنفيذ العقد أساسا على
املحافظة السالمة الجسدية للمستهلك (املطلب األول) وبااللتزامات املتعلقة بالخدمات
السياحية املقدمة ونوعيتها (املطلب الثاني).
يقصد بضمان السالمة أن يتعهد أحد املتعاقدين لآلخر باملحافظة على سالمته
الجسدية طوال مدة تنفيذ العقد ،فإذا حدث أن تعرض الدائن ألي ضرر جسدي التزم
املدين بضمان السالمة بتعويضه هن هذا الضرر.1
وعليه فإن االلتزام بضمان السالمة في عقد السياحة واألسفار هو األثر القانوني
املترتب على العقد ،الذي تلتزم وكاالت السياحة واألسفار بوصفها مدين محترف بتنفيذه
للمستهلك السائح بوصفه طرف ثان في العقد ،من احتمال وقوع خطر يهدد سالمته
الجسدية أثناء تنفيذ العقد ،وإال كانت الوكالة مسؤولة عن الضرر الجسدي الذي لحقه.
ولكي نكون أمام التزام بضمان السالمة فقد يجب توفر بعض الشروط لالعتراف
بوجوده في عقد السياحة واألسفار يمكن بيانها على النحو اآلتي:
في العقود املقترنة بضمان السالمة التي يدخل ضمنها عقد السياحة واألسفار،
تكون فيها شخصية املدين بااللتزام محل اعتبار ،4فيضع املستهلك السائح ثقته في وكالة
السياحة واألسفار املتعاقد معها ،ويسلمها نفسه لتقوم باملحافظة عليها ،فيكون بذلك
خاضعا لها خضوعا نسبيا من الناحية الفنية واالقتصادية ،وهذا ما يتحقق في عقود
اإلذعان ،الذي يعتبر عقد السياحة واألسفار (في الرحالت الشاملة) منها ،كون وكالة
1نزيه محمد الصادق المهدي ،االلتزام قبل التعاقدي باإلدالء بالبيانات المتعلقة بالعقد وتطبيقاته على بعض أنواع
العقود ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1990 ،ص .274
2أمل كاظم سعود ،ومحمد علي صاحب ،االلتزام بضمان السالمة في العقود السياحية ،مقال منشور في مجلة األنبار
العلوم القانونية والسياسية ،العدد 7المجلد األول ،سنة ،2013ص .100
3عدنان ابراهيم سرحان ،العالقة بين وكالة السياحة والسفر وعمالئها (الطبيعة القانونية ،اإلبرام ،التنفيذ
والمسؤولية) ،مقال منشور بمجلة الحقوق ،تصدر عن جامعة الكويت ،العدد ،3السنة ،31سبتمبر ،2007ص
.443
4أمل كاظم سعود ،ومحمد علي صاحب ،المرجع السابق ،ص .106
السياحة تحتكر فيه الخدمات السياحية ،وتكون في مركز أقوى يتيح لها إمالء شروطها،
دون أن يكون باستطاعة املستهلك السائح مناقشتها أو تعديلها ،فهذه الرحالت تعلن عنها
وكالة السياحة واألسفار ،وتدعوه لالشتراك فيها ،وتنظيم كل مراحلها من نقل وإيواء
وإطعام...الخ ،ويشترك املستهلك السائح بقبوله لها بشروطها ،وبذلك ال يمكنه أن يراجع
بنفسه إجراءات السالمة واألمن ،أثناء التنقل واإلقامة والزيارة.1
وهو ما يتحقق في وكاالت السياحة واألسفار ،التي ال يمكنها أن تمارس نشاطها في
املجال السياحي إال على وجه اإلحتراف ،2فمن جهة يجب عليها أن تمتلك الخبرة الالزمة
واإلمكانيات االقتصادية الكافية ملمارسة نشاطها ،ومن جهة أخرى تلزم القوانين في أغلب
بلدان العام على ممارس ي مثل هذه النشاطات أن يحوزوا رخصة مسبقة ،وهو ما ذهب
إليه املشرع الجزائري ،حين اعتبر هذا النشاط من النشاطات التجارية املقننة ،ونص على
ضرورة حيازة رخصة مسبقة ملمارسة النشاطات السياحية في القانون ،063/99املحدد
للقواعد التي تحكم نشاط وكالة السياحة واألسفار ،وبذلك تعد الوكالة السياحية تاجرا
وتلزم بمسك الدفاتر التجارية والتسجيل في السجل التجاري.
ولكي تفي وكال الساحة واألسفار بالتزامها وتضمن سالمة املستهلك السائح أثناء
تنفيذها للعقد ،ينبغي عليها تنبأ بالحوادث املستقبلية ،التي تعترض التنفيذ العادي
والصحيح له وأن تتصرف من أجل منع اي أحداث ضارة أو لتقليل من أثارها.
1أحمد السعيد الزقر ،الروابط القانونية الناشئة عن عقد الرحلة ،دراسة تأصيلية ،مقارنة لاللتزامات ومسؤولية وكالة
(مكاتب) السياحة والسفر في مواجهة السائح أو العميل ،مقال منشور بمجلة الحقوق الكويت ،جامعة الكويت ،العدد
،1مارس ،1998ص .163
2أحمد شوقي محمد عبد الرحمن ،المسؤولية العقدية للمدين المهني ،منشأة المعارف للتوزيع ،االسكندرية ،مصر،
،2003ص .49
3تنص المادة السادسة من القانون ،06/99المؤرخ في ،1999/04/04الذي يحدد القواعد التي تحكم نشاط وكالة
السياحة واألسفار" يخضع إنشاء وكلة السياحة واألسفار للحصول على رخصة استغالل تسلمها الوزارة المكلفة
بالسياحة بعد استشارة اللجنة الوطنية العتماد وكاالت السياحة واألسفار".
4مروان كساب ،الخطأ العقدي وأثاره على العقد ،الطبعة األولى ،مكتبة الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان،2000 ،
11و مابعدها.
من أي إخالل ،ترتكبه الوكالة السياحية ،التي يفرض عليها الوفاء بضمان سالمة هذا
األخير في كل مراحل تنفيذ العقد وتقديم الخدمات السياحية ،من اإلطعام واإليواء،
والتنقل.
وفي نفس اإلطار نشير إلى أن طبيعة التزام الفندقي بضمان السالمة كان محل خالف
إذ يذهب بعض الفقه 1إلى أن التزامه هو التزام ببذل عناية ،إذ أنه ال يزيد عن مجرد
التزام الفندق ببذل قدر معين من العناية والحذر في دفع االذى عن الزبناء وإذا ما أصيب
أحدهم عليه إثبات الخطأ من جانب الفندق ،ويذهب آخر 2في تحديد االلتزام بضمان
سالمة النزيل (السائح) إلى التفرقة بين نوعين من األضرار؛ فهناك بداية األضرار التي
تصيب النزيل وهو داخل ردهات الفندق ملتزما التزام ببذل عناية ،فال يعد مسؤوال إال إذا
ثبت الخطأ أو اإلهمال في اتخاذ االحتياطات الضرورية لتوقي الضرر كاإلهمال في إجراء
الصيانة او عدم نظافة السلم مما يؤدي إلى سقوط النزيل أو عدم إضاءة ردهات الفندق،
أما إذا حدث الضرر بينما النزيل في حالة سكون (نائما أو جالسا) فالفندق يلتزم بضمان
سالمته التزام بتحقيق نتيجة ،ويعد في هذه الحالة مسؤوال عن تعويض الضرر بمجرد
وقوعه.
وباملقابل يرى بعض الفقه 3إلى أن التزام الفندق تجاه النزيل (السائح) هو التزام
بتحقيق نتيجة محددة ،هي مغادرته (السائح) للمنشأة الفندقية كما دخلها سليما معافى
ال فرق في ذلك أن يقع الضرر وهو في حالة حركة أو سكون ألن مثل هذا القول من شأنه
أن يفرغ اإللتزام بضمان السالمة في عقد الفندقة من محتواه مما يجعله عديم الجدوى
كما إنه يسمح للفندقي من التقصير والتهرب من التزامه باتخاذ االحتياطات الالزمة لحماية
النزيل .في الحقيقة نؤيد هذا االتجاه ،ونضيف إن وصف االلتزام بضمان السالمة كالتزام
بتحقيق نتيجة أمر ترفضه الضرورات العملية ،التي تفرض على الفندقي بوصفه مختصا
أن يوفر اإلقامة الهادئة ويمنع كل ما من شأنه ان يلحق الضرر بالعمالء ألن ذلك ينعكس
على النشاط الفندقي والسياحي على نحو يؤدي لالرتقاء بها ،وذلك عبر تشديد االلتزامات
1محمد علي عمران ،االلتزام بضمان السالمة وتطبيقاته في بعض العقود ،دار النهضة العربية ،القاهرة،1980 ،
ص .116
2حسن علي الذنون ،المبسوط في المسؤولية المدنية (الضرر) ،شركة التايمس للطباعة والنشر ،بغداد ،1991 ،ص
.118
ومحمد عبد الظاهر حسين ،عقد الفندقة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1997 ،ص .118
3أحمد السعيد الزقرد ،المرجع السابق ،ص .75
وبتول صراوة عبادي ،العقد السياحي ،دراسة قانونية مقارنة ،منشوراة الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى،2012 ،
ص .224
التي تقع على الفندقي ،وعلى وجه الخصوص ضمان سالمة العمالء مما يؤثر ليس فيما
يخص زيادة الثقة التي يوليها العميل ليشمل تحقيق التوازن بين طرفين منهي وغير منهي في
العالقة التعاقدية.
أما بخصوص بحث التزام وكالة السياحة والسفر بالقياس مع التزام الناقل بضمان
السالمة في عقد النقل يمكن القول بأن التزام الناقل بضمان السالمة ووفقا للرأي
السائد فقها وقضاء 1في الوقت الحاضر ناش ئ عن عقد النقل نفسه من جهة ،وإنه التزم
بتحقيق نتيجة من جهة أخرى .إذ يلتزم الناقل بإيصال الراكب إلى محل الوصول ساملا
بتوفير وسائل الراحة والسالمة ،إذ إن إصابته بضرر تكفي للقول بمسؤولية الناقل الذي
ال يكون أمامه للتخلص من املسؤولية إال اثبات أن الضرر الحاصل نتيجة لسبب أجنبي.
وبناء عليه فإنه يجب التمييز بين التزام وكالة السياحة واألسفار بضمان سالمة
السائح وبين الرحالت السياحية الشاملة والرحالت الفردية ،فاألولى يكون التزام الوكالة
بضمان السالمة التزاما بتحقيق نتيجة مطلقا ،وإن محاولة بعضهم قياس اإللتزام بضمان
السالمة في عقد الفندقة على العقد السياحي حيث الغالب فيه أنه ببذل عناية أو القياس
على التزام الناقل بضمان السالمة وهو بتحقيق نتيجة.
ونتيجة لذلك يمكن القول إن وكالة السياحة واألسفار تلتزم مطلقا بضمان سالمة
السياح التزاما بتحقيق نتيجة ،سواء وقع الضرر الجسدي في الفندق أو خالل النقل مع
األخذ في نظر االعتبار بالعتبار األحكام الخاصة بضمان السالمة في عقد النقل من حيث
النطاق الزمني وغيرها من األحكام.
أما في الرحالت السياحية الفردية فإن وكالة السياحة والسفر تلتزم بضمان
السالمة التزاما ببذل عناية ال بتحقيق نتيجة ،سواء وقع الضرر في أثناء اإلقامة في
الفندق أو خالل عملية النقل.
1لقد رفض القضاء الفرنسي اإلقرار بوجود التزامات بضمان السالمة في عقد النقل حيث إن الراكب إذا أصيب
بضرر فإنه محكموم بقواعد المسؤولية التقصيرية عليه إثبات خطا الناقل وإنه أصيب بضرر جراء هذا الخطأ إال أنه
تحول عن هذا الرأي عام 1911إذ فرض على الناقل التزاما بضمان سالمة الراكب وأنه يسأل وفقا لقواعد
المسؤولية العقدية ثم تواترت االحكام على نحو يؤكد هذا االلتزام التعاقدي وجعله التزاما بتحقيق نتيجة ،للمزيد من
االطالع أنظر في ذلك ،محمود جمال الدين التركي ،مشكالت المسؤولية المدنية ،الجزء األول ،مطبعة جامعة
القاهرة ،1978 ،ص 229وما بعدها.
يقع على وكالة السياحة واألسفار التزاما بحسن اختيار مقدمي الخدمات الذين
تستعين بهم في تنفيذ العقد املبرم بينها وبين السائح املستهلك (ثانيا) .ولكن دورها ال يقف
عند مراعاة الحرص على والدقة في اختيار مقدمي الخدمات وإنما يتعداه إلى حسن تنفيذ
وتنظيم الرحلة السياحية (أوال).
السياحية1 أوال :حسن تنفيذ وتنظيم برنامج الرحلة
تلتزم وكالة السياحة واألسفار في أثناء تنظيم الرحلة السياحية وتنفيذها ،ولعل أبرز
هذه االلتزامات وأهمها هو إعداد البرنامج السياحي على نحو يتناسب مع طبيعة الرحلة
املزمع القيام بها وحسن اختيار البرامج الترفيهية ،فضال عن مراعاة تنفيذ املراحل املختلفة
للرحلة.
فال يخفى أن مخالفة هذا االلتزام ال يترتب عليه مسؤولية وكالة السياحة واألسفار
املنظمة للرحلة عن تعويض االضرار املادية واألدبية للعمالء فحسب ،بل أنها تمس بما ال
يدع مجاال للشك بسمعة الوكالة في السوق السياحي كما أنه يزعزع ثقة العمالء فيها.
كما أن االلتزام بضمان سير الرحلة ال يقتصر على الرحالت السياحية الشاملة بل
ينطبق عموما على العقد السياحي أيا كانت طبيعته ،وتجدر االشارة إلى أن هذا االلتزام
يكتسب أهمية خاصة في الرحالت الشاملة لسبب مهم يكمن في الخدمات التي تؤديها
وكالة السياحة واألسفار إلى العميل التي تتصف بأنها متنوعة ومتعددة وتشمل عددا كبيرا
من السياح إذ أنها تبدأ من املراحل األولى للعقد وال تنتهي إال بوصول الفوج السياحي إلى
البلد الذي قدم منه .إذ أنها تشتمل على حجز التذاكر على وسائل النقل املحلية والدولية
فضال عن حجز األماكن في الفنادق واملطاعم واملسارح ودور السينما فضال عن تسهيل
الحصول على تأشيرات الدخول والخروج وخدمات تغيير العملة وخدمات اإلرشاد
1ويسمى هذا االلتزام أيضا بضمان الفعالية والمناسبة ويقصد بضمان الفعالية أساسا ضمان فعالية خدمة النقل التي
تقدمها وكالة السياحة واألسفار لعمالئها وال سيما إذا كانت تتولى تنظيم الرحلة بصورة شاملة فتلتزم ليس فقط بحجز
تذاكر النقل بل تسليم العمالء تذاكر سارية المفعول من حيث لزمان والمكان للرحلة المتفق عليها وهو التزام بتحقيق
نتيجة ُتسأل وكالة السياحة واألسفار بموجبه في مواجهة العميل عن عدم مراجعة الحجز أو تأكيده من دون الحاجة
إلثبات الخطأ .أما ضمان المناسبة والتزامن يعني التزام الوكالة بمراعاة التنسيق والتنظيم الدقيق لكل مرحلة من
مراحل الرحلة ،للمزيد من التفصيل أنظر في ذلك:
أسامة أبو الحسن مجاهد وأشرف جابر السيد ،المبادئ العامة للقانون والتشريعات السياحية ،دار النهضة العربية،
القاهرة ،2003 ،ص .233
السياحي ،وتلتزم وكالة السياحة واألسفار بأداء هذه الخدمات جميعا بالنسبة لكل أفراد
الرحلة السياحية في الزمان واملكان املتفق عليه في العقد املبرم بين األطراف.1
وبناء على ما تقدم يمكننا أن نبين معالم وحدود هذا االلتزام من جوانب ثالثة
تتعلق بتوفير شروط املكان والزمان والراحة املناسبة وعلى النحو اآلتي:
ما يتعلق باملكان :تلتزم فيه وكالة السياحة واألسفار بأن تقدم للسائح املكان املتفق
عليه في العقد ،فتحجز له في الفندق املتفق عليه سواء كان من الدرجة املمتازة أو الدرجة
األولى أو الثانية أو الثالثة مثال أو تسمية فندق معين بالذات وكذلك الحال فيما يتعلق
باختيار وسائط النقل التي يستلزم أن تكون صالحة للنقل ،وأن توفر للسائح مكانا في
الدرجة التي تعاقد عليها هذا من ناحية؛ وأن تتولى وكالة السياحة واألسفار نقل السائحين
إلى األماكن املحددة واملتفق عليها وأن تحترم خطوات ومراحل الرحلة والقيام بالجوالت
والنزهات والزيارات التي يتضمنها جدول الرحلة من ناحية أخرى.
أمابصصوص الزمان :فإن وكالة السياحة واألسفار تقوم بتنفيذ الرحلة واإلقامة
من خالل برناج زمني محدد مسبقا .فالزمن عنصر من عناصر الرحلة ويجب توظيف هذا
الزمان على نحو يسهم في تحقيق أكبر قدر من التسلية والترفيه ،وعليه ليس للوكالة أن
تبقى في مدينة معينة أقل أهمية مدة أطول من تلك املدة املقررة ملدينة أخرى أكثر أهمية
من الناحية السياحية ،لذا على وكالة السياحة واألسفار احترام املواعيد املتفق عليها إذ
تعد قد أخلت بالتزامها لو حجزت للزبون في موعد آخر غير املوعد املقرر مما أدى إلى
إلحاق ضرر به وال يسما أنه ينبغي عليه أن يصل في موعد معين ،ألنه يتمتع بإجازة من
عمله أليام معدودة لذا فإن عليه يصل في موعد معين ،إذ تبرز أهمية عامل الزمن في مثل
هذه الحاالت لذا فإن االت فاقات إن لم تكن كلها في العموم الغالب تتضمن موعد لبدء
الرحلة السياحية وموعد آخر النتهائها.2
وأخيرا عنصر الراحة :ويتحقق متى التزمت وكالة السياحة واألسفار بالعنصرين
السابقين (املكان والزمان) فتكون اإلقامة واالنتقال في أماكن إقامة مناسبة ووسائط نقل
مالئمة عند مراعاة الدقة في مواعيد بدء الرحلة ،ووصول العمالء إلى محطة الوصول
ومواعيد حجز الفنادق واملطاعم .إذ تعد مخلة بااللتزام بضمان السالمة في حالة عدم
إعداد الفندق لألماكن والغرف الالزمة الستقبال العمالء مما أدى إلى اضطرارهم للبقاء في
صاالت الفندق في حين من املفروض أن يكون كل ش يء معدا حسب اإلتفاق مباشرة عند
وصولهم ،كما تلتزم بالتنسيق في تنفيذ الجولة السياحية.1
تلتزم وكالة السياحة واألسفار باليقظة والعناية والتبصر في اختيار مقدمي الخدمات
السياحية ،من ناقل وفندقي ومرشد سياحي وغيرهم ممن يتعاملون مع السائح أثناء
الرحلة ،ومما ال شك فيه أن تنفيذها لهذا االلتزام ينسجم مع الدور الذي تقوم به
بوصفها منظمة ومنفذة للرحلة السياحية في آن واحد في الرحالت السياحية الشاملة أو
كانت وكيال عن السائح ورخص لها هذا األخير اختيار من ينفذ البرنامج السياحي (ناقل،
فندقي ...وغيرهم) ،إذ تكون وكالة السياحة والسفر مسؤولة عن الخطأ في اختيار هؤالء
حتى وإن كانت مجرد وكيل.
وجدير بالذكر أن االلتزام باليقظة والتبصر تفرضه القواعد العامة على كل متعاقد
أن يكون ملما باملعلومات الفنية والعملية املتعلقة بمهنته إملاما كافيا ،فإن السائح يتوجه
إلى وكالة السياحة واألسفار لعلمه بأنها متخصصة في تقديم الخدمات السياحية ،األمر
الذي يوفر عليه أمور عديدة في مقدمتها عامل الوقت ،إذ أنه بدونها سيقض ي وقت في
البحث عن فندق مالئم لرغبته وشخص يتعهد بتوفير خدمات التنقل فضال عن اإلرشاد
السياحي كلها يمكن اختصارها باللجوء إلى من يحترف ويمتهن هذا النشاط هذا من
ناحية ،كما أنه يحصل باملقابل على الراحة واملتعة والتسلية واألمان الذي يتحقق عبر
الضمانات التي تقدمها وكالة السياحة والسفر إليه خالل االنتقال واإلقامة والجولة
السياحية من ناحية أخرى.2
كما يتجسد التزام وكالة السياحة واألسفار هذا تجاه السائح في الرحالت السياحية
الشاملة باختيار شركة طيران ذات سمعة حسنة في تقديم خدماتها واختيارها فندقا يوفر
الراحة واألمان تشتمل على تقديم الوجبات الكاملة ،وتتوفر فيه الشروط الصحية
املطلوبة كما تلتزم باختيار ناقل يقدم وسائط نقل مريحة سواء في االنتقال داخل املناطق
السياحية املوجودة في ذات اإلقليم ،أو تضمن النقل عبر خطوط السكك الحديدية فإنه
تلتزم باختيار أفضل وأسرع القطارات عند التنقل ملسافات بعيدة تجنبا إلضاعة الوقت في
السفر ،أما في حالة عدم تضمن العرض املقدم إلى السائح بيانا للفنادق أو املطاعم أو
وسائط النقل على نحو واضح فإن وكالة السياحة واألسفار تلتزم على أية حال اختيار
الخدمات باملستوى الجيد.1
في حين لو تم اختيارهم من قبل السائح فإن عدم تقديم الخدمة باملستوى
املطلوب كأن تغير شركة الطيران خط سيرها مما يترتب عليه الوصول في غير امليعاد
املتفق عليه ،أو اختيار مرشد سياحي لم يكن من ذوي الخبرة والدراية باملناطق السياحية
ولم يحسن معاملته ولم يجيب عما لديه من استفسارات فال تقع املسؤولية على وكالة
السياحة والسفر في مثل هذه الحاالت.2
وفي هذا اإلطار نشير إلى أن هناك من يرى 3أن نطاق االلتزام بالعناية والدقة
واليقظة في اختيار مقدمي الخدمات السياحية من قبل وكالة السياحة واألسفار ،يتفاوت
اتساعا وضيقا باختالف الدور الذي تؤديه في حالة اقتصار دورها على التوسط أو التقديم
الفعلي للخدمات ،إذ أن نطاق هذا االلتزام يتسع في حالة مباشرة وكالة السياحة واألسفار
أعمال التوسط إذ يحق للسائح الرجوع عليها في حالة التعرض إلى الضرر أيا كان نوعه
جسديا أم ماليا أم معنويا متمثال بعدم التمتع بالرحلة أو عدم الحصول على الراحة
املنشودة في أثناء النقل أو اإلقامة الفندقية على أساس الخطأ في اختيار مقدمي
ال خدمات ،وبخالفه يضيق الرجوع إلى وكالة السياحة واألسفار على أساس اإلساءة في
االختيار متى ما اخذت دور املقدم الفعلي للخدمة سواء كانت مقاوال أو ناقال وتعرض
السائح إلى ضرر جسدي أو مالي لخطأ مقدم الخدمة الذي استعانة به الوكالة فال حاجة
إلثبات خطأ الوكالة السياحية في االختيار بل الرجوع يكون على أساس خاللها باإللتزام
بضمان السالمة الذي يبرز في حالة التقديم الفعلي للخدمة السياحية من قبل وكالة
السياحة والسفر ناقال كانت أم مقاوال وليس في حالة التوسط في تقديم الخدمات.4
1هيثم محمد صابر ،الحماية القضائية والقانونية للسائح ،بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي السنوي الرابع بعنوان
الجوانب التشريعية واالقتصادية للسياحة في مصر والعالم العربي ،كلية الحقوق ،جامعة حلوان ،2005 ،ص .301
2رضا عبيد ،القانون التجاري ،الطبعة الخامسة ،مطابع شركة نصر القاهرة ،1984 ،ص .301
3ضحى محمد سعيد ،المسؤولية المدنية لمتعهدي السفر والسياحة ،اطروحة دكتوراه ،كلية القانون ،جامعة الموصل،
،2001ص .93
4ومن التطبيقات القضائية إلخالل وكالة السياحة والسفر في االلتزام باليقظة والدقة في اختيار مقدمي الخدمات،
قضية تتلخص وقائعها شركة سياحية نظمت رحلة سياحية لهواة التزحلق على الجليد في إيطايا ،وخالل اإلقامة في
الفندق وقع حريق ضخم خلف وراءه عددا كبيرا من الضحايا فضال عن انهيار الفندق نفسه ،ورفع ضحايا الحادث
وورثة من توفي منهم دعوى التعويض على الشركة المنظمة للرحلة الشتوية التي وقع الحادث خاللها ،فأكدت
محكمة درجة أولى مسؤولية الشركة السياحية عن الحادث .وفي عبارات واضحة ومحددة ذهبت محكمة االستئناف
وبناء على ما تقدم نخلص إلى أن التزام وكالة السياحة واألسفار بالتنفيذ الكامل
للرحلة هو التزام بتحقيق نتيجة بحيث يكفي أن يثبت السائح مجرد عدم تقديم الخدمة
املعلن عنها أو عدم تنفيذ الرحلة ،لكي تقوم مسؤولية وكالة السياحة واألسفار التي ال
يكون أمامها في هذا الصدد سوى إثبات السبب األجنبي الذي حال دون تقديمها كما لو
احترق الفندق الذي كان مقرر نزول الفوج السياحي فيه على نحو يؤدي إلى استبداله
بفندق آخر أقل درجة بسبب عدم وجود فندق آخر من الدرجة نفسها أو حدوث عاصفة
غير متوقع حدوثها ،مما أدى إلى تغيير خط سير الطائرة أو السفينة على نحو أدى إلى
الحيلولة من دون زيارة املناطق السياحية املقررة في البرناج السياحي.
وخالصة القول ،ينبغي على املشرع املغربي أن يتبنى مقتضيات حمائية على مستوى
تكوين العقد السياحي والتي تتالءم مع طبيعته ،نظرا لكون هذا العقد يتميز بخصائص
مستقلة ،لعل أهمها عدم التوازن بين طرفيه ،حيث يحتكر املنهي مجموعة من املعلومات
الضرورية واملؤثرة على إبرام العقد مقابل انعدامها شبه التام لدى السائح؛ وهو ما يفرض
من جهة أولى وضع بعض االلتزامات على عاتق املنهي ،لعل من أهمها في نظرنا التزامه
باإلعالم باعتباره الباعث واملحفز على إبرام العقد السياحي؛ وااللتزام بالسهر على تنفيذ
الخدمات السياحية املتفق عليها باعتبارها غاية السائح ومجال تحقق تسليته وترفيهه،
ومن جهة أخرى تقييد حريته في رفض إبرام العقد السياحي؛ وأن تكون هذه املقتضيات
الفرنسية إلى أن الشركة السياحية المنظمة للرحلة أهملت في مراجعة ما إذا كان الفندق المختار إلقامة العمالء مؤمنا
عليه ضد الكوارث ومنها الحريق ،وخاصة أن التأمين على الفنادق ليس إجباريا في إيطاليا ،كما إنها أهملت التأمين
على كل سائح بما لهم الرجوع على المؤمن عند وقوع الحادث.
وأمام محكمة النقض الفرنسية أدعت الشركة السياحية أن حكم محكمة االستئناف قد شابه التناقض وأنه ليس مؤكدا
تماما وجود تأمين يغطي جميع الخسائر التي تحدث للسائح .كما أن المحكمة لم تضع في اعتبارها أن الحريق الذي
وقع في الفندق كان ألسباب جنائية .ومع هذا ذهبت محكمة النقض إلى أن على الشركة السياحية مع غياب التأمين
على العمالء من جانب الفندق المختار بواسطتها كان عليها أن تحذرهم على األقل ،بأنه في حالة وقوع حادث في
مدة إقامتهم بالفندق لن يمكن التعويض عنه ،وأن هذا اإلهمال في إرشاد العمالء وتوجيههم دفعهم إلى عدم إبرام
عقود تامين فردية ،وبالتالي تكون الشركة مسؤولة عن تعويض العمالء.
وفي قضية أخرى تتلخص وقائعها بإصابة السيد والسيدة (هوميسير) بتسمم غذائي بسبب طعام قد لهم في باخرة
في أثناء اشتراكهما في رحلة سياحية شاملة في مصر مما منعهما من إكمال الرحلة لما عاناه من مشاكل صحية
استلزمت نفقات العالج والفحوصات ،فأقاما الدعوى على وكالة السياحة واألسفار المنظمة للرحلة السياحية الشاملة
مطالبين بالتعويض عن الضرر الذي أصابهما مؤيدا بالمستندات والوثائق التي تثبت اإلصابة والنفقات المصروفة،
وقضت المحكمة للزوجين بتعويض قدره أربع عشر ألف فرنك مسببة حكمها على أساس خطأ وكالة السياحة
واألسفار في اختيار مقدم الخدمة والخطأ في مراقبته أيضا.
-حكم لمحكمة النقض الفرنسية في 12يونيو ،1997أشارت إليه ،ضحى محمد سعيد ،المرجع السابق ،ص
.95-94
أكثر وضوحا على غرار تلك التي نص عليها القانون رقم 31.08القاض ي بتحديد تدابير
لحماية املستهلك.
تسهر إدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة على احترام وتطبيق القوانين
والتنظيمات الرامية إلى حماية املستهلك ،وبموازاة مع املكتب الوطني للسالمة الصحية
للمنتجات الغذائية ،1وذلك من خالل مراقبة املواد والسلع املستوردة أو املقدمة للتصدير،
سواء من حيث الجودة أو املعايير والضوابط التقنية الخاضعة ملواصفات ومعايير الصحة
والسالمة ،وذلك للحفاظ على الصحة العمومية للمواطنين من األمراض واألوبئة ،إضافة
إلى حماية البيئة من خالل مراقبة حركية نقل املواد الكيماوية أو الخطيرة ،وتهريب
الحيوانات أو النباتات املعرضة لالنقراض ،كما تساهم عمليات إدارة الجمارك في حماية
املستهلك عن طريق تحديد وتقنين التعريفات الجمركية املرتبطة باستيراد وتصدير مواد أو
بضائع معينة ،والتي تهم تحديد جودة املنتجات كأساس لتحديد التعريفة ومراقبتها لهذه
الجودة.
ويعتبر الفحص الجمركي املادي للبضائع من أهم املهام املوكولة إلدارة الجمارك في
إطار حماية املستهلك ،وذلك من خالل مراقبة سالمة املواد املستوردة واملصدرة التي قد
تعرض الصحة العمومية للخطر ،2كاستيراد مواد بها أوبئة أو أمراض معدية أو منتهية
الصالحية ،أو عند حظر استيراد بعض املنتجات الغذائية أو الحيوانية من بعض البلدان
حماية للصحة العامة(3املطلب األول) ،كما يساهم الفحص املادي للبضائع في الحد من
1الظهير الشريف رقم 1.09.20الصادر في 18فبراير ،2009بتنفيذ القانون رقم 25.08القاضي بإحداث
المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية.
2عبد الغني صغيري ،االستخالص الجمركي للبضائع وتحرير التجارة الخارجية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس السويسي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الرباط .2010ص
.95
3أعلن المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية في يناير ،2016حضر االستيراد المؤقت للدواجن
والمنتجات المشتقة من دولة فرنسا كإجراء احترازي بهدف منع انتقال مرض أنفلونزا الطيور إلى المغرب.
وتخضع البضائع والسلع املستوردة ذات الصبغة التجارية للمراقبة الجمركية ،أما
املواد املعدة لالستهالك الشخص ي واملحولة من طرف مالكيها ضمن أمتعتهم أو املرسلة عن طريق
البريد ،فتستثنى من عملية املراقبة الصحية شريطة أن تكون سلعا قانونية ومشروعة ،أي غير
محظورة أو منافية للنظام العام أو األخالق.
-"1ألجل تطبيق هذه المدونة ورغبة في البحث عن الغش ،يجوز ألعوان اإلدارة أن يقوموا بمعاينة
البضائع ووسائل النقل وتفتيش األشخاص.
-2يجب على سائق كل وسيلة من وسائل النقل االمتثال ألوامر أعوان الجمارك".
2الظهير الشريف رقم 1.11.03الصادر في 14فبراير 2011بتنفيذ القانون رقم 31.08القاضي بتحديد
تدابير لحماية المستهلك.
3الفصل 20من القانون رقم 13.83المتعلق بزجر الغش في البضائع المصادق عليه بالظهير الشريف رقم
1.83.108بتاريخ ،1984/10/05الجريدة الرسمية عدد 3777بتاريخ .1985/03/20
وفي الحالة التي يثبت فيها وجود بضائع أو سلع قد تعرض املستهلك للخطر ،فإنه يتم
حجزها بمقتض ى القانون ،ويتم تحرير محضر بشأنها ،على أن يتم إتالفها كليا أو الجزء املنافي
للصحة والسالمة ،وذلك بحضور ممثل عن إدارة الجمارك وممثل عن السلطة املحلية،
باإلضافة إلى ممثل النيابة العامة.
تتدخل إدارة الجمارك ملراقبة ضمان جودة املواد الصناعية والفالحية الخاضعة ملعايير
إجبارية ،وذلك بغية تفادي استيراد مواد مشكوك في جودتها ،والتي يمكن أن تشكل خطرا على
سالمة وصحة املستهلك.
ووعيا من إدارة الجمارك بضرورة الحفاظ وتوفير الحماية لسالمة وصحة املستهلك ،فهي
تقوم بتشديد الرقابة على النقط الحدودية خشية تهريب املواد التي تشكل تهديدا على صحة
وسالمة املستهلك.1
أيضا ،تقوم إدارة الجمارك بالسهر على احترام وتطبيق املعايير الواجب توفرها في
البضائع املستوردة وكذا املصدرة ،حيث ال يسمح أعوان اإلدارة باستيراد أو تصدير البضائع
الخاضعة لقانون خاص ،إال بعد اإلدالء بوثيقة تثبت القيام باإلجراءات املتعلقة بها طبقا
للقوانين والتنظيمات الجاري بها العمل2.
1أحمد برواحة ،إدارة الجمارك بين حماية المستهلك وحماية االقتصاد الوطني ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون
الخاص جامعة محمد الخامس كلية العلوم االقتصادية واالجتماعية -الرباط السويسي 2010ص .86
2القانون رقم 13.89المتعلق بالتجارة الخارجية ،الظهير الشريف رقم 1.91.261الصادر في 9نوفمبر،1992
الجريدة الرسمية عدد 4181بتاريخ .1992/12/16
3القانون رقم 24.89بشأن الشرطة الصحية والبيطرية عند استيراد الحيوانات والمواد الحيوانية المصادق عليه
بالظهير الشريف رقم ،1.89.230الجريدة الرسمية عدد 4225بتاريخ .1993/10/20
والتنمية القروية واملياه والغابات – قطاع الفالحة ،باملوانئ البحرية والحدود البرية واملطارات،
واملفتوحة لهذه الغاية داخل محاجر صحية .وتدخل إدارةالجمارك في هذا امليدان بالتصدي
الستيراد وتصدير الحيوانات خارج املراكزالحدودية املخصصة لهذه العمليات ،ومنع دخول
الحيوانات التي لم تخضع لفحوص البيطرية أو التي صدر بشأنها قرار حظر االستيراد.1
الفقر الرابعة :حماية الثرو النباتية
في إطار حمايةومراقبة الصحة النباتية 2تقوم إدارة الجمارك بمراقبة استيراد وتصدير
مختلف النباتات ،والتي تخضعها للتفتيش الصحي عند االستيراد والتصدير ،كاألغراس والزهور،
باإلضافة إلى الفواكه والخضر...الخ .والهدف من هذه املراقبة التي تباشر من طرف مصالح تابعة
لوزارةالفالحة ،هو حماية الثروة الطبيعية املغربية ضد األمراض املعدية القادمة من الخارج.
ويتجلى تدخل إدارة الجمارك في منع دخول النباتاتغير الخاضعة للتفتيش الصحي ،والتصدي
الستيراد الحشرات الحية واليرقات والفطريات أو البكتريات ،ويرخص بدخولها إلى التراب الوطني
إال ألغراض علمية.
وكما الشأن بالنسبة لجميع البضائع املستوردة أو املصدرة ،والتي يثبت أنها منافية
للصحة والسالمة العمومية ،فإن املنتجات النباتية التي يثبت وجود طفيليات بها يتم إتالفها
تحت مراقبة املصالح الجمركية.
تحرص إدارة الجمارك ،في إطار املراقبة العامة على الواردات والصادرات املخولة لها
بمختلف القوانين والنصوص التشريعية على إقرار حماية جمركية على مختلف السلع والبضائع
املارة على الحدود ،في إطار التدابير الحدودية التي تهم مكافحة استيراد أو تصدير بضائع يشوبها
غش بمختلف أنواعه .ومن جملة املهام الرقابية التي تتوالها املصالح الجمركية ،نجد مكافحة
تزييف العالمات الصناعية أو التجارية أثناء قيام إدارة الجمارك بالفحص املادي للبضائع عند
القيام بعمليات االستخالص الجمركي.
1عبد اللطيف ناصري ،عرض موجز حول وظائف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ،منشورات إدارة
الجمارك ،الرباط.2012 ،
2الظهير الشريف المؤرخ في 1927/09/20والمتعلق بتنظيم الشرطة الصحية للنباتات ،الجريدة الرسمية عدد
782بتاريخ .1927/10 /18
عرف املشرع املغربي تزييف العالمات الصناعية والتجارية" ،كل مساس بحقوق مالك ّ
براءة اختراع أو تصميم تشكل (طبوغرافية) الدوائر املندمجة أو رسم أو نموذج صناعي مسجل أو
عالمة صنع أو تجارة أو خدمة مسجلة أو اسم بيان جغرافي أو تسمية منشأ".1
وتكون البضاعة مزيفة عندما تحمل بصفة غير قانونية عالمة مسجلة ملنتوج مماثل أو
مطابق ،وإلدارة الجمارك إمكانية إيقاف التداول الحر للبضائع التي تمس حقوق مالك العالمة،
واملتمثلة أساسا في استنساخ أو استعمال أو وضع عالمة ولو بإضافة كلمات مثل صيغة أو
طريقة أو غير ذلك أو استعمال عالمة مستنسخة فيما يخص املنتجات أو الخدمات املماثلة ملا
يشمله التسجيل.2
1المادة 201منالقانون رقم 17-97المتعلق بحماية الملكية الصناعية ،الظهير الشريف رقم 1-00-19المؤرخ في
،2000/02/15الجريدة الرسمية عدد 4776بتاريخ .2000/03/09كما تم وتعديله بمقتضى القانون ،31-05
الظهير الشريف رقم 1-05-190بتاريخ .2006/02/14كما تم تعديله بمقتضى القانون رقم 23.13الصادر
بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.188بتاريخ 21نوفمبر ،2014الجريدة الرسمية عدد 6318بتاريخ 18
ديسمبر .2014
2الماد 154و 201من قانون حماية الملكية الصناعية
3لمادة 7-176من قانون حماية الملكية الصناعية.
4القانون رقم 13.99القاضي بإنشاء المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية ،الظهير الشريف رقم 1.00.71
الصادر في 15فبراير ،2000الجريدة الرسمية عدد 4776بتاريخ 9مارس ،2000كما تم تعديله بمقتضى
القانون رقم رقم ،87.17الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.18.79بتاريخ 6أغسطس ،2018الجريدة
الرسمية عدد 6702بتاريخ 23أغسطس .2018
ملنتجات وطنية قائمة ،أو كان من شأنها أن تؤخر بصورة محسوسة إحداث منتجات وطنية،
فيمكن إخضاعها لرسم تعويض ي أو لرسم مضاد لإلغراق.1
إن الهدف من فرض رسوم إضافية على السلع املستوردة ،التي قد تشكل خطرا على
املنتجات الوطنية املماثلة لها ،هو محاولة ملء الفرق بين كلفة اإلنتاج األجنبي وكلفة اإلنتاج
املحلي ،مما يتيح للصناعة واملنتوج الوطنين منافسة املنتوج األجنبي املستورد.
خاتمة:
لقد عمل املشرع املغربي على إقرار مجموعة من النصوص القانونية التي تدخل في خانة
حماية املستهلك املغربي ،وقد أعطى ألعوان إدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة مجموعة من
الصالحيات تتمثل في مراقبة مطابقة البضائع والسلع لألنظمة القانونية التي تقر مشروعية
عمليات االستيراد والتصدير ،ثم حظر كافة أنواع الغش والتهريب الجمركي للبضائع املغشوشة أو
املزيفة ،ومكافحة تزييف العالمات الصناعية وحماية املنتوج الوطني من اإلغراق ،وغيرها من
املمارسات التي تضر بسالمة املستهلك.
1المادة 15من القانون 13-89المتعلق بالتجارة الخارجية ،الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 1-91-261
بتاريخ ،1992/11/09الجريدة الرسمية عدد ،4181بتاريخ .1992/12/16
لقد مرت حركة حماية املستهلك في العالم عبر عدة مراحل ،اعتبارا للسياسات
االقتصادية املتبعة في مختلف الدول ،واعتبارا كذلك ،لدرجة التطور االقتصادي
والتكنولوجي .لكن البوادر األولى ،لهذه الحركة ،ظهرت في الواليات املتحدة األمريكية ،حينما
صرح الرئيس "جون كينيدي" في إعالنه التاريخي يوم 15مارس ،11962تحدث فيه قائال" :
كلنا مستهلكون ،ونحن نمثل املجموعة االقتصادية األكثر أهمية؛ وإن ثلثي نفقات االقتصاد
القومي يقوم بها املستهلكون .ومع ذلك فإنهم يمثلون املجموعة االقتصادية الوحيدة غير
املنظمة بشكل فعال والتي ال قيمة لوجهة نظرها" .2ومع تزايد االهتمام بمجال حقوق
املستهلك ،التزمت معظم دول العالم املتقدمة ،من خالل توصيات األمم املتحدة في هذا
الصدد ،بحفظ حقوق املستهلك وضمان حصوله عليها .وسارعت إلى سن التشريعات
الخاصة في املجال وإلى إحداث هيئات قضائية وإدارية متخصصة باإلضافة إلى تعزيز دور
املجتمع املدني في توفير الحماية الالزمة للمستهلك.
وحيث تعتبر حماية املستهلك من الحقوق الدولية األساسية ،فإنه يحق للمستهلكين
تكوين جمعيات املستهلكين ،والسماح لها بالتدخل والتعبير عن آرائها في كل ما يخص
املصالح الخاصة والجماعية للمستهلكين .واستنادا على ذلك ،عرفت حركة تأسيس
جمعيات املستهلكين3تطورا سريعا ،في عقد الستينيات ،خاصة بعد إنشاء االتحاد الدولي
1وهو التاريخ الذي اعتمد ،فيما بعد ،لتخليد اليوم العالمي للمستهلك
2 Cas.(G) et FERRIER.(D).Traité de droit de la consommation.PUF 1986.p:2
3تكتسي ج.ح.م أهمية بالغة في الدفاع عن مصالح المستهلكين وحقوقهم وسالمتهم ،ولذلك تعتبر األقدر على التعبير
عن حاجاتهم ومتطلباتهم حيث تهدف إلى حماية مصالحهم الفردية والجماعية أمام المؤسسات اإلدارية والقضائية
والسلطات العمومية والفاعلين في القطاع ،كما تقوم بجمع المعلومات الموضوعية حول المنتوجات والخدمات
لجمعيات املستهلكين ،سنة ،1960والذي سيصبح ،فيما بعد ،املنظمة العاملية للمستهلك.
وقد ُعرف مفهوم الجمعية باملغرب ُ
كمكـ ّ ِّـون فاعل في الشأن املحلى والوطني ،منذ عهد
عرف الجمعيةالحماية حيث صدر الظهير الشريف املتعلق بحق تأسيس الجمعيات 1الذي ّ
بالفصل ،1بأنها " :اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص الستخدام
معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع األرباح فيما بينهم".وتسري هذه املقتضيات القانونية
على مختلف الجمعيات كيف ما كان مجال عملها ،بما فيها جمعيات حماية املستهلك ،التي
يمكن تعريفها بأنها" :كل هيأة مكونة من قبل مستهلكين ...هدفها ضمان حمايتهم ،والدفاع
عنهم وإعالمهم وتكوينهم وتمثيلهم واحترام حقوقهم ،.بعيدا عن أي مصالح اقتصادية
وتجارية أو سياسية. "2
ولم َي ْعرف املغرب ظهور أولى الجمعيات املهتمة بحماية املستهلك إال في بداية
التسعينيات ،3وقد سعت جاهدة إلى أن يكون لها دور في حماية املصالح االقتصادية
للمستهلكين ،على غرار ما يوجد ،مثال ،في الواليات املتحدة أو في أوروبا .لكن هذه الجمعيات
لم تتمكن من القيام بنفس األدوار التي تقوم بها (ج.ح.م )في الدول املؤسسة لحركة حماية
املستهلك ،واملتمثلة في إعالم املستهلكين وتوعيتهم بحقوقهم ،ومشاركتها في إعداد وتنفيذ
السياسات العمومية لالستهالك ،وتأطير الحوار بين األطراف املتدخلة ،وإبداء املقترحات
بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين .وكذا قيامها بمختلف التدابير واإلجراءات الضاغطة
على املهنيين داخل السوق ،باإلضافة إلى تمثيل املستهلكين أمام الهيئات اإلدارية
والقضائية ...كل هذه األدوار وغيرها تقوم بها (ج.ح.م) في الدول املتقدمة ،في حين تواجه،
في الدول النامية ،بما فيها املغرب ،العديد من اإلكراهات والعراقيل في مجال عملها ،من
المعروضة ومعالجتها ونشرها إضافة إلى تثقيف المستهلكين وتوعيتهم بأهمية جودة المنتجات والخدمات ومراقبة
مطابقة السّلع للمواصفات ،ومراقبة االشهارات.م.
1مرسوم 2.04.969صادر في 28ذي القعدة 10( 1425يناير )2005الصادر بتطبيق ظ.ش رقم -58-376
1صادر في 3جمادى األولى 15( 1378نونبر )1958المتعلق بحق تأسيس الجمعيات ،تم تغييره وتتميمه
بموجب القانون -75 00الصادر بتنفيذه ظ.ش ،1-02-206في 23يوليو 2002ج ر ،5046في 10أكتوبر
2002ص .2892والقانون 36-04الصادر بتنفيذه ظ.ش 1-06-18بتاريخ 14فبراير 2006ج ر 5397في
20فبراير 2006ص .466والقانون 07-09الصادر بتنفيذه ظ.ش 1-09-39بتاريخ 18فبراير 2009ج ر
عدد 5712بتاريخ 26فبراير 2009ص .614والقانون 29-11الصادر بتنفيذه ظ.ش 1-11-166بتاريخ 22
أكتوبر 2011ج ر 5989بتاريخ 24أكتوبر 2011ص 5172
2 Loi modèle pour la protection du consommateur en Afrique, organisation
internationale des consommateurs, bureau régional pour l’Afrique, juin 97, p:51
3وتعتبر حِقبة ثمانينيات القرن الماضي ،في المغرب ،بداية تشكل وعي المستهلكين بضرورة التجمع والتكتل للدفاع
األمثل عن حقوقهم حيث تأسست عدة جمعيات نذكر منها :الجمعية المغربية للمستهلكين بالدار البيضاء 1993
والعصبة الوطنية لحماية المستهلكين بمكناس ،1996والجمعية المغربية لضحايا القروض االستهالكية بالرباط سنة
2000
قبيل ضعف الوسائل التقنية واملادية والبشرية ،وغياب التنسيق بين الجمعيات في ما
بينها ،وفي ما بينها وبين باقي الهيئات املتدخلة ،...باإلضافة إلى انعدام إطار قانوني محكم
يحدد مجاالت تدخلها ،وكيفيات عملها.
وفي ظل هذه الوضعية ،جاء القانون 31-08القاض ي بتحديد تدابير لحماية
املستهلك1لتنظيم مجاالت تدخل وعمل (ج.ح.م) ،من خالل القسم 07املعنون
ب"جمعيات حماية املستهلك" ،حيث منح املشرع املغربي لها ،صالحيات مهمة تمارسها إلى
جانب باقي الهيئات املتدخلة في حماية املستهلك .غير أن هذه الصالحيات لن تؤتي النتائج
كتسب فعليا من قبل (ج.ح.م) ،من خالل تفعيل النصوص املتوخاة منها ،ما لم ُت َ
القانونية على أرض الواقع .فهل تم تفعيل القانون 31-08في القسم املتعلق بالجمعيات؟
وإلى أي حد استطاعت( ج.ح.م )تكييف القانون مع الواقع املغربي؟ وما هي العوائق التي
تعرقل التفعيل؟ وما هي الحلول املقترحة من لدن( ج.ح.م) قصد تجاوز هذه العوائق؟مع
اإلشارة إلى اإلكراه الكبير املتعلق بالتكتل الحاصل بين الوكاالت اإلشهارية واملهنيين،
والذي أدى إلى خلق قطب قوي ،بما يتوفر عليه من إمكانيات مالية وفنية وقانونية،
الش يء الذي قد يؤثر ،على سلطات( ج.ح.م) ،وكذا على قدرتها على الضغط والتكتل،2
من أجل مواجهة كل املمارسات التجارية غير املشروعة ،بما فيها اإلشهار الكاذب
واملضلاللذي جرمته املادة 21من القانون رقم .331-08واعتبره املشرع املغربي من جرائم
الخطر بحيث تقوم مسؤولية املعلن بمجرد العرض أو النشر أو البث ،حتى ولو لم ينخدع
أي مستهلك .4نظرا للطابع الخاص الذي يميز هذه الجنحة وما تحدثه من تأثير خطير في
نفسية املستهلك وعلى إرادته خالل املرحلة ما قبل التعاقد.
1الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.11.03صادر في 14من ربيع األول 18( 1432فبراير )2011
2في ظل الجامعة الوطنية لحماية المستهلك التي نصت عليها المادة 155من القانون ،31-08التي تتمتع بصفة
المنفعة العامة بقوة القانون ،ولم تتمكن ج.ح.مبالمغرب من التكتل في ظلها
"3دون المساس بمقتضيات المادتين 2و 67من القانون رقم 77.03المتعلق باالتصال السمعي البصري ،3يمنع
كل إشهار يتضمن ،بأي شكل من األشكال ،إدعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا.
كما يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط بأي وجه من الوجوه ،إذا كان ذلك يتعلق بواحد أو أكثر من العناصر
التالية:حقيقة وجود السلع أو المنتوجات أو الخدمات محل اإلشهار وطبيعتها وتركيبتها ومميزاتها األساسية ومحتواها
من العناصر المفيدة ونوعها ومنشأها وكميتها وطريقة وتاريخ صنعها وخصائصها وسعرها أو تعريفتها وشروط
بيعها وكذا شروط أو نتائج استخدامها وأسباب أو أساليب البيع أو تقديم الخدمات ونطاق التزامات المعلن وهوية
الصناع والباعة والمنعشين ومقدمي الخدمات أو صفتهم أو مؤهالتهم".
4أنظر المادة 175من القانون رقم 31-08
وعلى اعتبار أن حماية املستهلك من هذه املمارسة التجارية غير املشروعة ،يتعين
أن تتم خالل مرحلة قبل إقدامه على التعاقد ،فإننا اقتصرنا على دراسة الدور الوقائي أو
الحماية القبلية التي تقوم بها الجمعيات من أجل التصدي لالشهار الكاذب واملضلل.1
ويقصد بالحماية القبلية للمستهلك تمكينه من اآلليات والتقنيات التي يقي بها نفسه
قبل عملية التعاقد ،أي قبل أن يعبر عن إ ادته من أجل الحصول على َ
املنتج أو الخدمة ر
محل اإلشهار .كما يمكن تفسير الحماية القبلية بأنها توعية وتبصير وتثقيف املستهلك لكي
ال يقع ضحية إشهار مضلل .وتنبني القاعدة األساسية لهذه الحماية على أساليب وتدابير
وقائية خاصة ،نقتصر فيها على ،دور اإلعالم ومواثيق الشرف اإلعالنية ،في املطلب األول ؛
على أن نتحدث عن الدعاية املضادة واملقاطعة في املطلب الثاني.
املطلب األول :دور اإلعالم ومواثيق الشرف اإلعالنية
تنمية ثقافته
ِّ ووعيه وفي
ِّ لإلعالم دو ٌر هام جدا وأساس ي في التأثير على املستهلك
ّ
االستهالكية ،بما ُيوفره له من حماية من االشهارات الكاذبة واملضللة بصفة خاصة ،ومن
باقي املمارسات التجارية غير املشروعة بصفة عامة .كما يوفر له الحماية الصحية من حيث
جودة املنتج ،وفترة الصالحية ،واملكونات ...باإلضافة إلى فهم ومناقشة شروط والتزامات
التعاقد ،ومعرفة مختلف الحقوق واملقتضيات القانونية الحمائية املقررة لفائدته.
وتتعدد أساليب اإلعالم املوجهة لفائدة املستهلك ،حسب الجهات التي تقوم به،
وحسب الوسائل املستعملة فيه .لكننا سنقتصر على الدور اإلعالمي الذي تقوم به ج.ح.م
في نشر الوعي االستهالكي ؛ إضافة إلى ما تبرمه من اتفاقيات مع املهنيين واملعلنين ،في إطار
الحماية الوقائية للمستهلك ،من ش.ك.م .وتتضمن هذه االتفاقيات مجموعة من البنود
التي تخدم مصالح املستهلكين ،وتشكل ميثاق شرف ألخالقيات اإلشهار ،قد يوفر نوعا من
الحماية ،إذا تم احترام تلك البنود ،من جانب املعلنين .فبقدر ما تتنوع أساليب اإلشهار
ك.م ،والخداع الترويجي ،بقدر ما ينبغي ،باملقابل ،أن تتنوع وتتعدد أساليب الحماية
ُ
الوقائية للمستهلك .ووفقا لهذا املنظور نقسم هذا املطلب إلى فقرتين :نناقش في األولى
الدور الوقائي لإلعالم في حماية املستهلك من (ش.ك.م) وفي الثانية الدور الوقائي ملواثيق
الشرف اإلعالنية.
1سنتعامل في هذا المقال مع كل من االشهار الكاذب واالشهار المضلل على قدم المساواة ،ألن المشرع المغربي
اعتبرهما كذلك من حيث األركان والمسؤولية والجزاءات ،ونرمز لهما اختصارا ب)ش.ك.م(
1علي السلمي ،الجوانب األخالقية في اإلعالم ،مؤتمر أخالقيات اإلعالم واإلعالن28 ،و 29مارس ،2009
جامعة النهضة والمجلس العربي للتربية واألخالق ،ص13:
2تقرير للمنظمة العربية للمواصفات والمقاييس ،األمانة العامة ،جمعية حماية المستهلك ،إنشاؤها دورها في معالجة
مشاكل المستهلك ،المملكة األردنية الهاشمية ،عمان ،الطبعة األولى ،1984ص ،55 :أورده إبراهيم المامون،
جمعيات حماية المستهلك ،مجلة حماية المستهلك ،دراسات وأبحاث في ضوء مستجدات القانون ،31-08سلسلة
دراسات وأبحاث ،العدد ،4منشورات مجلة القضاء المدني ،ص187 :
اإللكترونية 1؛ وإصدار مجالت تعنى بقضايا االستهالك ،وتسهم في الرفع من وعي املستهلك
ُ
ُليصبح مستهلكا فعاال؛ وتنظيم ِّخ َي ِّم اإلنصات للمستهلك التي تستدعى فيها مختلف
ّ
القطاعات والهيئات املعنية في فضاء مفتوح ،يمكن املستهلك من الحضور واإلنصات
مباشرة للمسؤولين املعنيين ،وتقديم مالحظاته أو شكايته التي يتم تدوينها من أجل دراستها
ومعالجتها من الناحية القانونية ،وتتم إحالتها بعد ذلك ،على الجهة املعنية ،ومتابعة
مسارها 2؛ وتنظيم دورات تكوينية يشرف عليها أساتذة ومختصون في مجال االستهالك،
تستهدف تزويد املستهلكين باملعارف العلمية واالقتصادية ليكونوا على دراية ّ
وبينة عند
قيامهم بعمليات التعاقد ،التي تفرضها عليهم مستلزمات املعيشة اليومية .واإلشراف على
تحليلية ملضمون إشهارات كاذبة ومضللة ،سواء كانت صورا أو نصوصا أوٍ اسة
اءة أو در ٍ
قر ٍ
هما معا ،مع إشراك املستفيدين بواسطة أسئلة استكشافية على استجالء مظاهر الكذب
أو التضليل في اإلشهار موضوع القراءة أو الدراسة؛ وعرض نماذج فيديوهات تعالج أساليب
التحايل والغش في املنتجات والخدمات وتبرز التقنيات الترويجية االحتيالية التي يعتمدها
املهنيون؛ وعقد جلسات استماع للمستهلكين املتضررين لتقديم وتسجيل شكاياتهم
ومالحظاتهم حول أساليب الكذب والتضليل والغش والخداع وغيرها من املخالفات التي
وقعوا ضحيتها؛ واتخاذ اإلجراءات القانونية حسب الحاالت ،أو توجيههم إلى الجهات
املختصة،مع متابعة مسار الشكاية؛وشرح املقتضيات القانونية املتعلقة باإلعالم واإلشهار
واملسابقات والبيوع بالتخفيض ،وتوضيح الحقوق التي ينبغي على املستهلك املطالبة
والتمسك بها.
كل هذه اإلجراءات تعد مهمة جدا ومؤثرة بشكل كبير في تشكيل وعي املستهلك،
وتثقيفه من الناحية االستهالكية ،لكن التساؤل الذي يتبادر للذهن هنا ،هو :هل تقوم
(ج.ح.م) باملغرب بكل هذه التدابير الوقائية؟ وإن كان األمر كذلك ،هل يستفيد فعليا
جمهور املستهلكين منها؟
كما هو معلوم ،تنشط (ج.ح.م) باملغرب في مجال إعالم املستهلكين وتحسيسهم،
حيث تمنح الجمعيات لهذا املجال أهمية خاصة ،وتقوم بعدة أنشطة للوصول إلى هذا
الهدف .إال أن ما يحول دون قيام هذه الجمعيات بدور أكثر فعالية في مجال إعالم
املستهلكين هو عامل األمية الذي يجعل فئة عريضة من املجتمع ال تتفاعل مع أنشطة
1إبراهيم المامون ،مساهمات جمعيات حماية المستهلك ،الحوار المتمدن ،العدد ،3983في ،25 / 1 / 2013
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=342632 ،22:58على الموقع
2وفي هذا الصدد نذكر بالبرنامج التوعوي التلفزيوني الذي يهم حماية المستهلك" ،استهلك بال متهلك" الذي القى
استحسانا وتفاعال مهما من قبل فئات عريضة من المستهلكين من جميع الطبقات االجتماعية ،خاصة وأن اللغة
المستعملة فيه بسيطة ،ومع األسف هذا البرنامج التوعوي لم يستمر مدة طويلة.
ُ
ملحة إلعداد مواثيق شرف إعالمية تلزم املوقعين عليها أخالقيا.1واملواثيق اإلعالمية هي
عبارة عن اتفاقيات مكتوبة تنشأ بين طرفين أو أكثر .هدفها ،الزام كل طرف باحترام
ّ وتطبيق مضامين امليثاق الذي ُي ّ
حدد ِّب ِّدقة الحقو ِّق والشروط وااللتزامات وما إلى ذلك منِّ
القواعد األخالقية التي يتعهد املوقعون بااللتزام بها.
مواد تتعلق بأخالقيات اإلشهار من بين وقد تتضمن املواثيق اإلعالمية في بنودها َّ
مجموعة من املواد األخرى املرتبطة بقطاع اإلعالم بصفة عامة ،كما قد يكون ميثاق شرف
إعالني خاص بالقواعد األخالقية املرتبطة بمجال اإلشهار بصفة خاصة.
ُ َ
مباشرة أو بكيفية غير مباشرة.
ويمكن أن تعقد هذه االتفاقية بين الطرفين بكيفية ِّ
َ ّ
املباشرة ف ُت َوث ُق بين طرفين مستقلين ،دون تدخل أو وصاية طرف ثالث .كأن تعقد بين
ِّ فأما
الجامعة الوطنية لحماية املستهلك مثال ،من جهة ،وبين مجموعة معلني املغرب 2أو اتحاد
وكاالت االستشارة في التواصل ،3أو مؤسسات إنتاجية أو جمعية املعلنين " ،من جهة ثانية.
َ
أما االتفاقية غير املباشرة ف ُت ْن َجز بين طرفين ،تحت إشراف قطاع وص ي ،كوزارة اإلعالم
واالتصال أو التجارة والصناعة ،الرتباطهما بمجال حماية املستهلك من (ش.ك.م) بناء على
طلب (ج.ح.م).
َ
والوصاية ،في هذه الحالةَ ،تَعني اإلشراف على املفاوضات وعلى مطابقة بنود
االتفاقية للمقتضيات القانونية ،من أجل إضفاء نوع من التوازن بين طرفين غير
متكافئين من الناحية التقنية والقانونية واملادية ،وهما جمعيات حماية املستهلكين من
جهة ،واملعلنين من جهة ثانية ،على اعتبار أن أعضاء الجمعية غير ملمين بكل املقتضيات
القانونية في مجال اإلشهار ،وليست لديهم خبرة في املفاوضات وفي وضع مواثيق الشرف.
وبالتالي يساهم إشراف قطاع مختص في التخفيف من سلطة املعلنين ،في فرض مضامين
ميثاق الشرف اإلشهاري ،وكذا في تنظيم وإلزام األطراف بحضور املناقشات.
1توطئة من ميثاق الشرف اإلعالمي السوري ،انطالقة نحو االلتزام بالمعايير األخالقية للسلطة الرابعة،اإلخبارية
السورية ،في 14يناير ،02:44 ،2015على الموقع
https://www.youtube.com/watch?v=ohU60uzEPRw
2 Groupe des Annonceurs du Maroc=GAM, Créé en 1984.Selon son président
MOUNIR JAZOULI: http://www.gam.co.ma/motdelapresidente.html
3 Union des Agences Conseil en (=communication UACC):
http://www.infomediaire.net/news/maroc/uacc-un-nouveau-pr%C3%A9sident-
pour-les-agences-de-communication
ويتمثل دور( ج.ح.م) في مجال مواثيق الشرف اإلشهارية ،في املرافعة أمام
القطاعات املعنية ،وإقناعها بضرورة إعداد ميثاق شرف خاص باإلشهار ،كما تقوم
بمهمة التفاوض مع املعلنين قصد تكريس قواعد أخالقية لصالح املستهلكين ،وإلزامهم
باحترام القواعد والضوابط املتفق عليها بامليثاق والتي تعتبر في أصلها ضوابط وقواعد
قانونية.
ويرجع سبب عدم مباشرة هذه املواثيق ،إلى محدودية الوعي بمزايا القانون
التعاقدي الذي يهدف إلى حسن تدبير العالقات االستهالكية غير املتكافئة ،وخلق مجال
للحوار واملناقشة بين املعلنين ،وبين املجتمع املدني كممثل عن جمهور املستهلكين.
وما تزال التجربة املغربية في إعداد املواثيق اإلشهارية بين (ج.ح.م )واملعلنين ،لم
تأخذ طريقها نحو التفعيل ،بالرغم من املبادرة التي قامت بها وزارة االتصال في إعداد
ميثاق شرف إشهاري مع املعلنين املغاربة ،والذي لم َي َر النور إلى حد الساعة؛ مع العلم
أنه لم يتم إشراك( ج.ح.م )في األعمال التحضيرية للميثاق املذكور ،وفي االجتماعات
واملناقشات األولية للمشروع.
ُ
لذا نطمح أن تمنح ل (ج ح.م) بقوة القانون ،مكنة الضغط على املعلنين إللزامهم
بالتوقيع على مواثيق الشرف التي ليس الهدف منها ردع املعلنين والتحكم في تصرفاتهم،
وإنما ترسيخ مبادئ أخالقيات املهنة ،وجعلها عادات وأعراف تجارية يستقر عليها
املعلنون .غير أن القانون ،31-08لم ينص على أي مقتض ى يخول لـ ( ج ح.م) إمكانية
دخولها في مفاوضات مع تجمع املعلنين أو أي تجمع آخر للمهنيين من أجل إعداد مواثيق
الشرف ،كنوع من الرقابة الذاتية .الش يء الذي ال يمكن( ج.ح.م) من التدخل في هذا
الصدد دون سند قانوني.
وفي هذا الصدد نشير إلى تصريح رئيس تجمع معلني املغرب ،1الذي جاء فيه بأن
التجمع هو عبارة عن منظمة معترف بها ،ألنها املمثل الوحيد ملعلني املغرب .وأن نشاط
التجمع ال ينحصر في الدفاع عن مصالح املعلنين .وإنما يشمل كذلك التنمية املهنية في
قطاع اإلشهار ،بتقوية خبرات األعضاء في التسويق واالتصاالت من جهة ،وتطوير إشهار
مسؤول يحت ِّـرم العموم ،قصد بناء ثقة املستهلكين تجاه املقاوالت ،من جهة ثانية.2
في ما يخص الجمهورية املصرية ،فقدعقدت كل من وزارة التموين ووزارة اإلعالم
وجهاز حماية املستهلك مؤتمرا 3يهدف إلى التصدي لإلشهارات املضللة بمختلف وسائل
اإلعالم ،وذلك بتفعيل بنود ميثاق الشرف اإلعالني(م.ش.ع) وتأكيد مبدأ العقاب ،حتى ال
تظل مجرد حبر على ورق . 4وطالب رئيس جهاز حماية املستهلك املصري ،بناء على العديد
من شكايات املستهلكين املتضررين من اإلشهارات غير املشروعة ،بتفعيل( م.ش.ع) الذي
تضمن املواصفات القياسية 4841الصادرة عن الهيأة العامة للموصفات والجودة الخاصة
1منير جزولي
2 Créé en 1984, le Groupement des Annonceurs du Maroc (GAM), se présente
aujourd’hui comme un organisme connu et reconnu en tant qu’unique
représentant des annonceurs du Maroc. Le travail du GAM ne se limite pas à la
défense des intérêts directs de ses membres, mais il consiste également à
développer le professionnalisme dans la pratique de la publicité en renforçant
l’expertise des adhérents en matière de marketing/communication d’une part et
d’autre part à promouvoir une publicité responsable et respectueuse du public
qui est nécessaire pour la construction de la confiance des consommateurs
envers les entreprises.Cité in: http://www.gam.co.ma/index.html
3مؤتمر بعنوان "ميثاق الشرف اإلعالني وحماية المستهلك" ،بحضور وزير التموين والتجارة الداخلية المصري،
ووزير اإلعالم ،ورئيس جهاز حماية المستهلك ،وبتنسيق مع الجمعية المصرية لإلعالن ،بفندق سونستنا مصر،
/20يناير ،2014/والذي يهدف إلى التصدي لإلعالنات المضللة ،التي يجرمها قانون حماية المستهلك المصري رقم
67لسنة ،2006باإلضافة إلى تفعيل المرصد اإلعالمي بجهاز حماية المستهلك لمراقبة تلك اإلعالنات على مدار
24ساعة عقب توقيع الميثاق ،والتخاذ كافة اإلجراءات القانونية للحد من اإلعالنات المضللة ،وتم خالل المؤتمر،
عرض التجربة اإلسبانية في التنظيم الذاتي لإلعالنات .وتم التأكيد على ضرورة تقوية الدور التنسيقي بين األجهزة
الحكومية وغير الحكومية المتمثلة في منظمات المجتمع المدني وجمعية اإلعالن المصرية ووكاالت اإلعالن
والقنوات الفضائية من جانب واألجهزة الرقابية من جانب آخر لضبط إيقاع صناعة اإلعالن في مصر.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1553193&eid=54
4أحمد عادل ،ميثاق شرف إعالمي لحماية المستهلك من اإلعالنات المضللة ،كلمة وزيرة اإلعالم بمصر ،درية
الموقع الزراعية. المجلة الدين، شرف
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=1553193&eid=54
باإلعالنات .1ومنه فإن الجمهورية املصرية تجاوزتنا إلى مرحلة املطالبة بتفعيل( م.ش.ع)
الصادر في ،2005بتظافر جهود املؤسسات اإلدارية والقطاعات الحكومية املعنية،
وبإشراك (ج.ح.م )املتخصصة في مجال اإلشهارات ،بينما في املغرب الزامليثاق الشرف
اإلعالني في مخاض عسير غير محدد األجل.
املطلب الثاني :دور الدعاية املضاضة واملقاطعة
الدعاية املضادة واملقاطعة وسيلتان ،وقائيتان وعالجيتان في ذات اآلن ،تلجأ إليهما
الجمعيات
لحماية املستهلكين من اإلشهار الكاذب واملضلل .ففي حال عدم توقف املنهي املعلن عن
عرض إشهاراته املضللة ،بالرغم من وجود نصوص قانونية واضحة ،وبالرغم من وجود
رقابة إدارية ،وفي ظل صعوبة التواصل مع تجمع املعلنين ،يمكن للجمعية أن تلجأ إلى
وسائل دفاعية ذاتية ،كنشر انتقادات أو مالحظات سلبية عن إشهارات كاذبة أو مضللة،
قصد إعالم املستهلكين بخطورة ما جاء فيها ،وذلك باستعمال نفس الوسائل التي
استخدمها املعلن في إشهاره املذكور .كما يمكن للجمعية أن تدعو املستهلكين إلى مقاطعة
املنتج أو الخدمة محل اإلشهار التضليلي الذي الزال يعرض بوسائل اإلعالم .2لذلك
سنحاول البحث في دور الدعاية املضادة في حماية املستهلك من اإلشهار (ك.م) في الفقرة
األولى ،ودور مقاطعة املنتوجات والخدمات محل اإلشهار (ك.م) في الفقرة الثانية.
الفقر األولى :دور الدعاية املضاضة
َ
التالعب ُي َربط مفهوم الدعاية ،في غالب األحيان ،بأسلوب خطابي خادع ،يستهدف
باملتلقي وتغيير الحقائق من أجل تقوية ثقته وإيمانه باملعتقد أو الرأي الذي يدافع عنه
الشخص الذي يروج للدعاية .لكن هذا املعنى ليس هو املراد توضيحه في هذا الصدد،
وإنما املقصود بالدعاية املضادة القيام بتصحيح البيانات واملعلومات غير الحقيقية التي
تضمنها إشهار( ك.م) قصد التصدي للمنتج أو الخدمة محل هذا اإلشهار .وبهذا املعنى
يمكن اعتبار الدعاية املضادة أسلوبا إعالميا تلجأ إليه (ج.ح.م) كرد فعل منها ،ملواجهة
1أحمد عادل ،ميثاق شرف إعالمي لحماية المستهلك من اإلعالنات المضللة ،كلمة عاطف يعقوب رئيس جهاز
حماية المستهلك المصري ،مرجع سابق.
2إيمان دناقير ،الحماية الجزائية للمستهلك من اإلعالن التجاري الكاذب والمضلل ،مذكرة لنيل ماستر الحقوق
والعلوم السياسية ،شعبة العلوم ،تخصص القانون العام لألعمال ،جامعة قصدي مرباح -ورقلة -كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،قسم الحقوق ،السنة الجامعية ،2013-2012ص 53:و54
إشهار( ك.م)قصد تحسيس نفس الجمهور املستهدف ،وحثه على التصرف خالفا ملبتغى
ََ
املعلَن من اإلشهار (ك.م).1
واجه بها املستهلكون ،من خالل ُ
واألصل في الدعاية املضادة ،أنها وسيلة تواصلية ،ي ِّ
(ج.ح.م) املمارسات غير املشروعة التي يقوم بها املهنيون .وتعتمد هذه الوسيلة على إعداد
ونشر تصريحات وتوضيحات بخصوص املنتجات أو الخدمات ،محل اإلشهارات( ك.م)
باالعتماد على نفس الوسائط اإلعالمية التي يوظفها املعلنون في إشهاراتهم ،عن طريق
الوسائط املكتوبة أو الوسائل (س.ب) أو اإللكترونية ،2إلعالم جمهور عريض من
املستهلكين باتخاذ الحيطة والحذر من الوقوع ضحية لتلك اإلشهارات.
وتنقسم الدعاية املضادة إلى دعاية مضادة عامة ،حيث تنتقد املنتوجات والخدمات
املعروضة في السوق وكذا املمارسات التجارية (غ.م) بصفة عامة ،وإلى دعاية مضادة
خاصة ،أو مباشرة .وتتمثل في ذكر سلبيات منتوج معين بذاته ،ألنه ال يستجيب
للمواصفات املعمول بها ،أو يشكل خطرا على سالمة املستهلكين ،أو أن املعلومات التي يدعي
املعلن وجودها فيه ليست حقيقية ...كما قد تتم عن طريق ما تقوم به (ج.ح.م )من أبحاث ِّ
مقارنة على املنتجات املعروضة ،وتنشر نتائجها في مجالتها املتخصصة.3
وتجارب ِّ
ونظرا للتأثير القوي والسريع لإلشهارات ( ك.م) على املستهلكين ،فإنه يتعين أن يكون
رد الفعل كذلك سريعا .فبقدر ما تطول املدة بين اإلشهار املضلل والدعاية املضادة التي
تتصدى له ،بقدر ما تنقص نسبة االستجابة لهذه األخيرة ،على اعتبار أن تلقي املستهلكين
لإلشهار(ك.م ) مرات متكررة ،يرسخ لديهم سلوكا استهالكيا اندفاعيا قويا يصعب معه
تصديق الدعاية املضادة والوثوق بمضمونها ،ما لم تكن مدعومة بحجج ومعطيات مقنعة.
وتتوفر( ج.ح.م ) في الدول املتقدمة على اإلمكانات املادية والتقنية والقانونية والبشرية،
َ
التي تمكنها من القيام بالدعاية املضادة بحرفية عالية .ولها شراكات واتفاقيات مع
مختصين ومختبرات في مختلف املجاالت االستهالكية ،حيث تقوم بتحاليل وتجارب مقارنة
1هناك بعض الفقه يعبر عن اإلشهار الكاذب والمضلل بمصطلح "الدعاية" لما لهذه العبارة من دالالت سلبية تعبر
فعال عن نية المعلن من عرضه إلشهارات تضليلية ،كالفقه المصري (أحمد السعيد الزقرد)
2صياد الصادق ،حماية المستهلك في ظل القانون الجديد رقم 03/09المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش ،مذكرة
لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية واإلدارية ،جامعة قسنطينة ،1كلية الحقوق ،السنة ،2014-2013
ص140:
3إيمان التيس ،التجارة االلكترونية وضوابط حماية المستهلك في المغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،جامعة موالي إسماعيل ،كلية العلوم القانونية ،مكناس ،2014-2013 ،ص160 :
على املنتجات املعروضة ،والتحقق من مدى صحة البيانات املصرح بها من لدن املعلنين في
إشهاراتهم ،1وعرض نتائجها .
واألصل أن الدعاية املضادة التي تمارسها (ج.ح.م) ضد ممارسات املهنيين (غ.م) في
الدول املتقدمة ال تعتبر عمال من أعمال املنافسة غير املشروعة ،خاصة وأن الدعاية،
عموما ،والدعاية املضادة خصوصا ،تعتبران نوعا من أنواع التعبير الحر الذي ال قيد عليه،
وال تخضع للرقابة القبلية ،من لدن الجهات املختصة ،الش يء الذي قد يخلق اضطرابات
بين املهنيين داخل السوق ،حيث يمكن ألحد املهنيين اعتمادها أو تقويتها ضد منهي آخر من
أجل التشهير بمنتجاته في إطار املنافسة غير املشروعة.وليس مستبعدا أيضا أن تتلقى
مباشر من ِّقبل منهي منافس للمنهي
ٍ الجمعية ،في دعايتها املضادة ،دعما مباشرا أو غير
ُ
املقصود بالدعاية املضادة بهدف إقصائه من السوق.ولهذا ،يجب أن تعتمد الدعاية
املضادة كنوع من املعارضة الحمائية التي تستهدف توعية املستهلكين وإعالمهم بالحقائق
من جهة ،والضغط على املهنيين 2من أجل احترام الضوابط القانونية من جهة ثانية.
ويتعين أن تحترم الدعاية املضادة بدورها ،مجموعة من الشروط والضوابط ،3لكي ال
َ
وتخرج عن الدور الحمائي الذي تستعمل في إطار املنافسة غير املشروعة بين املهنيين،
أعدت من أجله.
ُ
وتعتبر الدعاية املضادة دعوة للمنتج للتفكير في مصير سمعته التجارية داخل
السوق ،إذ تفرض عليه بكيفية استباقية احترام الضوابط القانونية لإلشهار املشروع ،لكي
ال يتعرض لدعاية مضادة متكررة ،تمس بسمعته التجارية .وتعتبر أيضا دعوة للمستهلكين،
إلى عدم تصديق ما جاء باإلشهار ،وملقاطعة املنتجات أو الخدمات محل اإلشهار(ك.م)4
1السيد محمد السيد عمران ،حماية المستهلك أثناء تكوين العقد ،دراسة تحليلية وتطبيقية للنصوص الخاصة بحماية
المستهلك ،منشاة المعارف الجديدة ،1986 ،ك 5فقرة ،5أوردته نزهة الخلدي ،م.س ،ص301:
2نعتبر الدعاية المضادة من أقوى األساليب العملية ردعا للممارسات التجارية غير المشروعة ،ألنها تستهدف
التأثير على سمعة المهني داخل السوق ،وكلنا نعلم أن اضطراب سمعة مؤسسة معينة يعني تراجع زبنائها وبالتالي
انهيارها ،لذلك سيفكر كل مهني مطوال قبل إقدامه على أي ممارسة غير مشروعة ،قد تكون محل دعاية مضادة،
تهدد سمعته داخل السوق.
3أن يكون القائم بالدعاية المضادة ال تربطه عالقة بالمنافسة التجارية ،كجمعيات ح.م مثال ،وإن يكون هدفها
الحصري هو حماية مصالح المستهلكين ،وأن تلتزم الجمعية بالحياد والموضوعية ،وأن تلتزم باآلداب العامة وحسن
ت وألفاظ الئقة ،ال تحمل معاني القذف والتجريح ،وأن تبرر انتقاداتها بتقديم الحجج التي األخالق باستعمال عبارا ٍ
تؤكد ما تدعيه في دعايتها
4قامت (ج.ح.م )بوهران(الجزائر)بدعاية مضادة في حصة إذاعية حيث صرحت بوجود منتجات خاصة غير
صالحة للتغذية في السوق مع ذكر الشركتين المسؤولتين .واستنا ًدا لحق الرَّ د تم تفنيد تصريحات هذه الجمعية ورغم
ذلك لم يتطرق المشرع الجزائري لهذا اإلجراء في قانون حماية المستهلك .صياد الصادق ،م.س ،ص141:
ولم يتطرق املشرع املغربي ،لهذا املوضوع بالرغم من اقتباس القوانين املغربية من
القانون الفرنس ي ،إذ ال تثير الدعاية املضادة ،في التشريع الفرنس ي ،أية مشاكل قضائية
وجه بالفعل لحماية املستهلك ،وتعتمد على الدقة واملوضوعية في النقد وعلى ألنها ُت َّ
املصداقية في املقارنة بين املنتوجات والخدمات.1
ونحن نعتبر أن الدعاية املضادة أسلوب دفاعي وحمائي قوي ،يهدد سمعة املنهي
داخل السوق من جهة ،كما قد يكون أداة قانونية ممتازة في مجال اإلشهار الكاذب
َ
واملضلل ،بحيث تعلم ،من خالله ،النيابة العامة بوجود هذه الجنحة ،وبالتالي تتدخل من
أجل إجراء البحث والتثبت.
الفقر الثانية :دور املقاطعة
املقاطعة سلوك يلجأ إليه شخص أو عدة أشخاص للتعبير عن رفضهم ملمارسة
أوسلوك معين .وفي مجال االستهالك ،تعني اإلضراب عن الشراء ( )...لعدم الرضا عن
ممارسات تجارية من جانب بعض املهنيين .ويترتب على االمتناع عن الشراء أو املقاطعة،
التوقف عن استهالك املنتجات والخدمات التي ال توافق املواصفات القانونية ،أو معارضة
إحدى املؤسسات االقتصادية ،2وخاصة تلك التي ال تحترم املقتضيات القانونية املتعلقة
بحماية املستهلكين في مخططاتها التسويقية .وتتم مقاطعة املنتجات والخدمات ،التي تشكل
خطرا على املستهلكين ،أو التي ال تتوفر فيها املواصفات املتفق عليها أو املحددة وفق معايير
معينة ،أو التي كانت محل إشهار (ك.م) باتفاق جمهور املستهلكين ،على عدم الشراء،
كرفض جماعي ملمارسة تجارية (غ.م) تمس باملصالح الجماعية للمستهلكين.3
وتعتبر املقاطعة وسيلة دفاعية يلجأ إليها املستهلكون ،بمبادرة من (ج.ح.م) ،قصد
الضغط على املهنيين وإجبارهم على التراجع عن ممارسة معينة أو تحسين جودة منتج أو
خدمة أو غيرها من املطالب املشروعة .وحيث إن املقاطعة تكتس ي طابعا سلميا ،فإن
القائمين بها يعتبرونها حقا مشروعا ،ال تترتب عليه أية مسؤولية قانونية ،بحيث ال توجد
1محمد بودالي ،حماية المستهلك في القانون المقارن( ،دراسة مقارنة مع القانون الفرنسي) ،دار الكتاب الحديث،
الجزائر ،2006 ،ص686:
2مهدي منير ،المظاهر القانونية لحماية المستهلك ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة محمد األول،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة ،السنة ،2005-2004ص369:
3عمار طهرات ،انعكاسات تطبيق اتفاقية تريبس TRIPSعلى حماية المستهلك في الوطن العربي ،وقصور
التشريعات على محاربة ظاهرة التقليد -الجزائر نموذجا ،منشورات كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،جامعة
حسيبة بن بوعلي الشلف ،الجزائر ،ص7:
قاعدة قانونية تمنع هذا الفعل .1بيد أن بعض الباحثين ذهبوا إلى حد املطالبة بتجريم
أسلوب مقاطعة ،ألنه يؤدي إلى اإلضرار باملؤسسات اإلنتاجية ،الش يء الذي يؤثر بشكل
سلبي على االقتصاد ككل .2
وللتوفيق بين املتمسكين بأحقية املستهلكين في مقاطعة املنتجات والخدمات ،كحق
مكتسب ،من شأنه إعادة التوازن للعالقة االستهالكية ،واملطالبين بتجريم هذه املقاطعة،
تبنى القضاء الفرنس ي موقفا وسطا ،واعتبر أن املقاطعة ال تعد ،في حد ذاتها ،سلوكا خاطئا
ألن مصدرها هو الجمعية التي تدافع عن مصالح املستهلكين .لكنها قد تصبح كذلك إذا
بلغت عملية املقاطعة درجة التعسف واإلضرار باملصالح العامة االقتصادية .3ويمكن
القول ،إن الرأي التوفيقي للقضاء الفرنس يُ ،يعتبر فضفاضا بحيث لم يحدد بالضبط
الدرجة التي ينبغي أن تبلغها املقاطعة لتعتبر تعسفا .كما لم يبين املقصود باملصلحة العامة
االقتصادية .هل هي املصلحة العامة للدولة أم للمقاولة اإلنتاجية؟ فإذا كانت املصلحة
العامة ملؤسسة املعلن هي املتضررة ،فاملقاطعة ال تعتبر في رأينا خطأ ،وإنما سلوكا مشروعا
عبر من خالله املستهلكون عن رفضهم اقتناء املنتج أو الخدمة محل اإلشهار( ك.م).وتعد ُي ّ
ِّ
كذلك إنذارا للمعلن ولباقي املعلنين ،لالنضباط للشروط والضوابط القانونية الخاصة
باإلشهار.4
ّ
ومن األساليب الحديثة ِّل َح ِّث املستهلكين على املقاطعة ،نشير إلى إنشاء معارض
متنقلة بين املدن لعرض صور ونماذج للممارسات (غ.م) ،وتعريف املستهلكين بمختلف
الحيل التي يعتمدها املهنيون ،في الغش التجاري والترويجي على حساب املصلحة العامة
للمستهلكين .5كما يمكن للجمعيات عرض نماذج إشهارات (غ.م) ،أو أسماء املعلنين لها ،في
1يشترط في المقاطعة :أن تكون الغاية منها ،الدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين ،وأن تكون الوسائل القانونية
لتوفير هذه الحماية غير موجودة أو غير فعالة ،وأن تكون المقاطعة متناسبة مع درجة خطورة الضرر ،بمعنى أنه
يمكن أن تكون المقاطعة قصيرة األمد ألجل التنبيه والتحذير ،أو تكون طويلة األمد ألجل الردع إلى أن يغير المنتج
سلوكه ويمتثل لمطالب المستهلكين المقاطعين ،وأن يتم إعالم المهني ،مُسبقاً ،بأسلوب وكيفية المقاطعة التي تعتزم
الجمعية ومنخرطوها القيام بها في مواجهة منتجاته أو خدماته .عبد الجبار حدوي ،الحماية الجنائية للمستهلك في
ضوء قانون 31-08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،م.س ،ص44:
2مهدي منير ،المظاهر القانونية لحماية المستهلك ،م.س ،ص369 :
3 Jean Calais Auloy et F , Steinmetz , Droit de la consommation….p:585
أورده مهدي منير ،المظاهر القانونية لحماية المستهلك ،م.س ،ص369 :
4ومن النتائج اإليجابية التي تحققت بفضل هذا األسلوب ،في فرنسا ،نشير إلى مقاطعة المواد الملوِّ نة les
) ) additifs colorantsالتي انتهت ِبحَ إظر استعمال تسعة ألوان خطيرة منها في المواد الغذائية )...( ،وكدا
مقاطعة اللحوم التي انتهت بكسر تعنت المحترفين في استعمال مادة )(l’œstrogèneالخطيرة علفا ً للماشية
5مصطفى محمود محمد عبد العال عبد السالم ،دور المنظمات غير الحكومية في حماية المستهلك (حالة مصر)،
مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا ،العدد ،4ص208 :
قوائم سوداء توضع رهن إشارة زوار املعرض ،أو الخيم التواصلية أو بنشراتها أو عبر
األنتيرنت...
وتأسيسا على ما سبق ،يمكن القول ،إن مقاطعة املنتجات والخدمات التي كانت
محال إلشهارات( ك.م) ،ستفرض على املعلنين احترام الضوابط القانونية لإلشهار من
الناحية الواقعية ،ألن املقاطعة تعتبر رد فعل مخالف تماما لغرض 1املعلن ،من عرض
بيانات أو ادعاءات (ك.م) ،بحيث يعاقب املعلن بنقيض قصده .وذلك في حال تمت
املقاطعة على نطاق واسع ،إذ تصبح تهديدا حقيقيا ملصالح املهنيين االقتصادية عند أي
ممارسة إشهارية (غ.م) ،مما يجعلهم أكثر حرصا وأقل تعسفا ،في مواجهة قوة ضاغطة قد
تقلب كل مخططاتهم التسويقية.
وفي هذا الصدد نتساءل عن سبب سكوت املشرع املغربي عن اإلشارة للمقاطعة في
القانون رقم ،31-08فهل هذا السكوت يعني املنع أم اإلباحة؟
فمن وجهة نظرنا ،فإن مقاطعة املستهلك ألي منتج أو خدمة بإرادته الحرة أمر ال
تترتب عنه أية مسؤولية ،ألنه قرار شخص ي .لكن اإلشكال يطرح عندما تتم املقاطعة
باتفاق من قبل جمهور املستهلكين ،وبإيعاز من (ج.ح.م) ،ملدة زمنية طويلة ،قصد الضغط
على املنهي املعلن من أجل االمتناع عن املمارسات غ.م .ألن هذا السلوك قد يكون له
انعكاس كبير على تموقع مجموعة من املهنيين داخل السوق ،وعلى االقتصاد الوطني .إال
أن املقاطعة ستدفع كل منهي إلى التوقف عن املمارسات غ.م ،حفاظا على مصالحه
االقتصادية .لذلك نؤكد على أن املقاطعة أسلوب دفاعي ناجع لصالح املستهلكين .ويندرج
في صميم أنشطة ج.ح.م ، .وسكوت املشرع املغربي عن تنظيم املقاطعة في القانون ،31-08
ال يعني منع (ج.ح.م ) من القيام باملقاطعة ،وإنما عدم تقنينها فقط.
لكن السؤال املطروح هنا هو :هل يمكن تصور اتفاق وتكتل املستهلكين في املغرب
من أجل مقاطعة منتج أو خدمة كانت محال إلشهار( ك.م)؟ أو من أجل الضغط على
املعلنين الحترام ضوابط اإلشهار التجاري2؟
1وهو دفع المستهلكين القتناء واستخدام المنتجات والخدمات محل اإلشهار الكاذب أو المضلل
2ونشير في هذا اإلطار إلى المقاطعة التي قام بها جمهور المستهلكين بالمغرب ،في أبريل ،2018لبعض
المنتجات االستهالكية ،والتي كانت األولى من نوعها بالمغرب والتي تعتبر نقطة انطالقة مهمة ،تنم عن بداية انتشار
وعي استهالكي بأهمية االتفاق والتكتل من أجل الدفاع عن المصالح الجماعية للمستهلكين ،من جهة ،وبأهمية هذه
الوسيلة في الضغط على أكبر قوة اقتصادية في العالم ،من جهة ثانية.
ال تقوم (ج.ح.م )باملغرب ،إال بإعالم املستهلك من خالل الندوات وبعض وسائل
اإلعالم ،ولم يسبق لها أن قامت بالدعاية املضادة أو حث املستهلكين على املقاطعة .1فهذه
املمارسات ،تنجح في معظم الدول املتقدمة ،ألن مستوى وعي املستهلكين فيها وصل حدا
ّ
يمكنهم من الدفاع عن مصالحهم بكل تلقائية وجرأة.أما مستهلكو الدول النامية ،التي تعتبر
مجتمعات استهالكية بامتياز ،فتنقسم إلى ثالث فئات :األولى تمتلك القدرة الشرائية
والشراهة االستهالكية ،تتأثر باإلشهارات بقوة ،وال يمكن إقناعها باملقاطعة .والفئة الثانية ال
تملك القدرة الشرائية وتسعى لتلبية احتياجاتها املعيشية األساسية ،وال يمكن إقناعها
باملقاطعة ،إال في حال ارتفاع األسعار .وهناك الفئة الثالثة وهي فئة املثقفين الذين
يحاولون ترشيد استهالكهم ،ويمكن إقناعهم باملقاطعة ،لكنهم يظلون فئة قليلة قد ال تكون
مؤثرة.
وبناء على كل ما سبق ،فإن الدور الوقائي أو الحماية القبلية لـ (ج.ح.م) من اإلشهار
الكاذب واملضلل بالدول النامية ،تعتبر مهمة صعبة جدا ،إن لم نقل مستحيال في ظل كل
العوائق القانونية واملادية والواقعية التي تواجه عمل هذه الجمعيات.
1شمس الدين عبداتي ،رئيس المنتدى المغربي لحماية المستهلك ،في لقاء خاص بغرفة التجارة والصناعة والخدمات
لجهة الرباط سال والقنيطرة ،مرجع سابق
وفي هذا اإلطار جاءت الوساطة البنكية حيث تنص الفقرة الرابعة من الفصل 111
من قانون حماية املستهلك على ما يلي " :إذا كان عدم تسديد األقساط ناتجا عن الفصل
عن العمل أو عن حالة اجتماعية غير متوقعة ،فان إقامة دعوى املطالبة باألداء ال يمكن
أن تتم إال بعد إجراء عملية للوساطة".....
سنتطرق في هذا املطلب إلى كل من تعريف الوساطة البنكية ضمن فقرة أولى و كذا
لجهاز حكامة املركز املغربي للوساطة البنكية ضمن فقرة ثانية
عرف الفصل 327-56من قانون املسطرة املدنية 1اتفاق الوساطة بأنه هو "العقد
الذي يتفق األطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح إلنهاء نزاع نشأ
أو قد ينشأ فيما بعد"
أما الوساطة البنكية فهي عبارة عن عملية تعاقدية وطوعية ،غايتها إيجاد حل
لنزاع قد ينشأ بين مؤسسات االئتمان و زبنائها ،حيث تعمل هذه اآللية على تقريب وجهات
النظر من الطرفين بهدف التوصل إلى حلول مقبولة من لدنهما ،كما تسمح باستمرار
العالقات التجارية القائمة قبل نشوب النزاع.و تقوم الوساطة البنكية على التفاوض بين
الطرفين بمساعدة وسيط محايد ومستقل ملم بهذه العملية ومتمرس على تقنيات
الوساطة.2
و قد مرت تجربة الوساطة البنكية باملغرب بمرحلتين أساسيتين ،تتمثل األولى في
الوساطة البنكية وامليثاق البنكي .3و تعتبر الوساطة البنكية أول تجربة مغربية في هذا
املجال تم تفعيلها على ضوء مقتضيات قانون 08.05املتعلق بالتحكيم والوساطة
1تعريف مقتبس من الموقع اإللكتروني للمركز المغربي للوساطة البنكية http://cmmb.ma .تاريخ اإلطالع
2017/10/26الساعة 9:40
3للتوسع أكثر بخصوص المرحلة األولى من تجربة الوساطة البنكية انظر "تسوية نزاعات االستهالك على ضوء
القانون رقم "31.08المهدي العزوزي سلسلة أعمال جامعية ،منشورات مجلة القضاء المدني الطبعةاألولى2013
ص 90ومايليها.
4ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447بتاريخ 11رمضان 28( 1394شتنبر )1974بالمصادقة على
نص قانون المسطرة المدنية ،كما تم تعديله ،الجريدة الرسمية عدد 3230مكرر بتاريخ 13رمضان 30( 1394
شتنبر )1974ص 2741
5القانون رقم 08.05الذي يعدلويعوضالفصاللثامنمنالبابالخامسمنقانونالمسطرةالمدنية المصادق عليه بموجب
الظهير رقم 1.07.169الصادر بتاريخ 30نونبر 2007
االتفاقية 4،إذ بدأ العمل بها بعد دخوله حيز التنفيذ ،حيث تم تعيين أول وسيط بنكي في
أواخر سنة .2008وانطلقت الوساطة البنكية رسميا يوم 7دجنبر .20095
في حين تتعلق املرحلة الثانية بتجربة املركز املغربي للوساطة البنكية Centre
) ، Marocain de Médiation Bancaire (CMMBهاته املرحلة انطلقت منذ سنة ،2013
بعد املصادقة على النظام األساس ي للمركز خالاللجمع العامالتأسيس ي بتاريخ
،2013/06/25وتعيين الوسيط البنكي في مارس 2014و تكوين مجلسه اإلداري ،الذي
يضم في عضويته كال من بنك املغرب والوكالة الوطنية لدعم املقاوالت الصغرى
واملتوسطة واملجموعة املهنية لبنوك املغرب والفيدرالية املغربية لجمعيات القروض
الصغرى وشخصيات أخرى مستقلة ذات خبرة و كفاءة في ميدان االئتمان واملال واألعمال.
و قد نصت املادة 158من القانون البنكي على ما يلي« :يجب على مؤسسات
االئتمان أن تنضم إلى نظام وساطة بنكية يهدف إلى تسوية ودية للنزاعات القائمة بينها
وبين عمالئها .ويتم تحديد كيفيات تسيير هذا النظام بمنشور يصدره والي بنك املغرب،
بعد استطالع رأي لجنة مؤسسات االئتمان ».وتعتبر هذه املادة من مستجدات القانون
البنكي الجديد ،التي تصب في خانة الحماية املؤسساتية للمستهلك وضمان حقوقه تحت
مظلة املؤسسة الوصية على البنوك أي بنك املغرب.
و يعد املركز املغربي للوساطة البنكية مؤسسة ذات طابع جمعوي ،أنشأه املجتمع
البنكي تحت إشراف بنك املغرب ،باعتباره ضامنا الستقاللية ونزاهة الوسيط ،وتقوم
وظيفته على تسوية الخالفات بين البنوك وشركات التمويل وجمعيات القروض الصغرى
وزبنائها بطرق ودية ،عبر آليتين للوساطة ،األولى مؤسساتية واألخرى توافقية ،وفقا
للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل .و ذلك بغية الحفاظ على استقرار
العالقات مع الزبناء وتحسينها ،و كذا التخفيف على الجهاز القضائي من عبء القضايا
البسيطة والتي يمكن حلها عن طريق الوساطة.
ومن خصائص هذه اآللية األولى أنها إرادية و مجانية وسريعة .1يتم بموجبها البث
في النزاع داخل أجل 30يوما من قبول الطلب ،قابل للتمديد مرة واحدة لنفس املدة
باتفاق معلل بين الطرفين ،و ذلك حسب الفصل التاسع من نظام الوساطة 2.وتجدر
اإلشارة أن إحداث مؤسسة الوساطة البنكية ال يلغي حق األطراف املتنازعة في اللجوء إلى
القضاء أو إلى مساطر التحكيم.
1ينص الفصل الثالت من نظام الوساطة على ما يلي ":يكون اللجوء إلى نظام الوساطة المرتبط بالمقصورة ألولى
تطوعيا ومجانيا"
2جاء في الفصل 9من نظام الوساطة ما يلي "يتوفر المركز على أجل 10أيام للتصريح بقبول طلب الوساطة .في
حالة قبول الملف ،يتوفر المركز على أجل 30يوم المعالجة الطلب ،إال في حالة تمديد هذا األجل بشكل مبرر
ومقبول من طرف األطراف واقتراح حل على هذه األخيرة .وال يجب أن يتعدى هذا التمديد أجل 30يوما"
ُ
وقد أعطت املقتضيات التنظيمية للوسيط صفة القرار النهائي و امل ِّلزم إلى حدود
مبلغ 200ألف درهم في ما يخص البنك ،ولكنه غير ملزم للزبون ،بمعنى أن هذا األخير إذا
كان راضيا على قرار الوسيط ،فإن مؤسسة االئتمان مجبرة على تنفيذه ،أما إذا لم يكن
راضيا عن القرار فيمكنه في هذه الحالة اللجوء إلى القضاء .فطبيعة قرارات الوسيط
تحكيمية ملزمة بالنسبة ملؤسسة االئتمان في حدود 200ألف درهم ،وغير ملزمة بالنسبة
للزبون .أما إذا كان القرار يتعلق بمبلغ يزيد عن 200ألف درهم ،فإنه غير ملزم لجميع
األطراف.
أما اآللية الثانية فتخص الوساطة التعاقدية ويدخل في إطارها النزاعات التي تفوق
قيمتها مليون درهم عند عرض النزاع أمام املركز ،ومن خصائصها أنها تعاقدية ومؤدى
عنها حسب جدول معد من قبل مجلس إدارة املركز ،يتم بموجبها البث في النزاع داخل
أجل 90يوما قابلة للتمديد باتفاق بين الطرفين (الفصل )23وتمنح لطرفي النزاع حق
طلب تغيير الوسيط املعين من املركز مرة واحدة خالل أجل 7أيام التالية إلشعارهما
بتعيينه (الفصل .)24
ويسهر على اآلليتين معا جهاز للحكامة ،فما هو هذا الجهاز؟ ومن هم أعضاؤه ؟
ذلك ما سنحاول اإلجابة عليه في النقطة التالية.
مجلس اإلدارة
اللجنة اإلدارية
الوسيط /مدير املركز املغربي للوساطة البنكية
واملالحظ على هذه التشكيلة ،هو الغياب التام ملمثلي املجتمع املدني واملتمثل في
جمعيات حماية املستهلك التي يمكنها الدفاع عن حقوق و مصالح املستهلك داخل هاته
الهيئة ،وهذا يمثل إقصاءا واضحا ملمثلي الزبناء الذين يتوفرون على فدراليتين
للمستهلكين ،أزيد من 100جمعية مسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة 1،و رغم هذا
العدد الهائل من جمعيات حماية املستهلك فال واحدة منها تتوفر على ممثل ضمن أعضاء
املجلس اإلداري للمركز املغربي للوساطة البنكية.
في مقابلة شخصية أجريت مع أحد مسؤولي املركز املغربي للوساطة البنكية 2،و
حول سؤال عن غياب ممثلي جمعيات حماية املستهلك ضمن اعضاء املجلس اإلداري،
أكد هذا األخير ،أنه بالرغم من هذا الغياب ،و في إطار انفتاح املركز على املجتمع املدني،
فإن أغلب امللفات املعروضة على املركز ،يكون إلحدى جمعيات حماية املستهلك دور
فعال في التوصل لحل النزاع القائم بين البنك و زبونه.
ومع ذلك ،فإننا ندعو هذا املركز إلى إضافة ممثل عن جمعيات حماية املستهلك
ضمن مجلسه اإلداري بصفة رسمية ،و ذلك ضمانا لالستقاللية و الشفافية و املصداقية
في التعامل مع امللفات املعروضة على املركز ،و حتي تتمكن هذه الجمعيات من الدفاع عن
مصالح عمالء األبناك و املؤسسات املالية األخرى .خاصة إذا علمنا أن املجلس اإلداري هو
الذي يقوم بتعيين الوسيط املكلف بتدبير ملفات الوساطة بين األبناك و زبنائها .فال يعقل
أن يكون هذا الوسيط معينا من قبل مجلس كل أعضائه من املؤسسات املالية ،و بذلك
يكون البنك هو الخصم و الحكم في آن واحد ،و هذا ما يمثل إجحافا بل و إضرارا بحقوق
العمالء.
وما يزيد من تخوف عدم استقاللية الوسيط ،هو أن أتعاب هذا األخير و كذا
مصاريف املركز تتحملها الجمعيات املهنية ملؤسسات اإلئتمان ،مما يثير تساؤالت حول
عالقة الوسيط البنكي اتجاه هاته املؤسسات و مدى استقالليته في تدبير امللفات
املعروضة عليه.
ولتجاوز هذا القصور في التمثيلية ،اقترح املركز الوطني للوساطة البنكية على
جمعيات حماية املستهلك إحالة الحاالت املعروضة عليهم حيث يتم معالجتها داخل إطار
نظام الوساطة ،كما يستقبل املركز الشكايات الخاصة بالقطاع البنكي املعروضة على
مصالح وزارة الصناعة والتجارة التي تحيله بدورها عليه.
يعين من طرف املجلس اإلداري و يتمتع بكافة السلطات التي تؤهله إلدارة
املركز واتخاذ جميع اإلجراءات الضرورية لتدبيره اليومي.
و هكذا نالحظ أن مجلس إدارة مؤسسة الوساطة يترأسه والي بنك املغرب ،الذي
يتمتع بالحياد التام سواء تجاه املؤسسات البنكية أو الزبناء.
ويمثل هذا املقتض ى تحوال نوعيا ،باملقارنة مع الوساطة البنكية التي كان معموال بها
في السابق ،إذ لم تكن مؤسسة الوساطة تتوفر على مجلس إداري ،بل لجنة وساطة ،كما
أن املؤسسة كانت توجد بمقر املجموعة املهنية لألبناك .لذا تقرر إعادة هيكلة املؤسسة
بالدار البيضاء1،
بما يضمن املزيد من الحياد ،حيث أصبح مقرها يوجد بفرع بنك املغرب
كما أن الوسيط أصبح له توكيل وتفويض من املجلس اإلداري ،ويمارس عمله خالل
واليته بكل استقاللية ،وال يمكن ألي طرف من املجلس اإلداري أن يتدخل في إصدار
قراراته.
وتنحصر مهمة املجلس في الشؤون ذات الطابع اإلستراتيجي و اإلداري ،وكل ما
يتعلق بوسائل العمل .وال يتدخل بأي شكل من األشكال في اقتراحات و عمل الوسيط.
و هكذا يتولى املجلس اإلداري تنظيم عمل جهاز الوساطة البنكية ،ويقوم بإنشاء
املواثيق األخالقية املهنية ،وتحديد طرق ومواصفات ممارسة نشاط الوساطة ،ويسهر على
ضمان استقالل الوسيط الذي يقوم باختياره من بين األشخاص الذين تتوفر فيهم
الكفاءة املهنية في املجاالت القانونية والقضائية .و يمارس الوسيط مهامه ملدة ثالث
سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ،إال إذا اتخذ املجلس قرارا يقض ي بالتجديد ألكثر من
مرة واحدة2.
ويجتمع املجلس اإلداري مرة كل سنة ،أو كل ما اقتضت الضرورة ذلك ،بدعوة من
رئيسه أو غالبية األعضاء.
أما مهمة الوسيط فتتجلى أساسا في اقتراح الحلول التوافقية للنزاعات املحالة
عليه من طرف عمالء املؤسسات البنكية ،شريطة أال يكون هذا النزاع قد فصل فيه حكم
قضائي أو قرار تحكيمي .ويشرف الوسيط على مختلف املراحل التي يتطلبها الوصول إلى
الحل الودي للنزاع ،حيث يجوز له في سبيل ذلك ،أن يطلب من الزبون املشتكي اإلدالء
بكل الوثائق التي يراها ضرورية ملمارسة مهامه على الوجه املطلوب. 3
كما يمكن للوسيط اختيار مساعدين له ،بعد استشارة اللجنة اإلدارية للوساطة
البنكية ،من بين األشخاص املشهود لهم بالكفاءة املهنية في القطاع البنكي و القانوني أو
القضائي .ويتوجب على الوسيط البنكي وكذا مساعديه ،أو أي طرف آخر يشارك في
معالجة القضايا املعروضة على الجهاز ،احترام مقتضيات مسطرة أخالقيات املهنة الذي
تعده لجنة الوساطة البنكية .
1بالتحديد يوجد مقر المركز بمرآب فرع بنك المغرب بالدار البيضاء ،و هذا يوحي أن السلطات المعنية ال توليه
اهتماما كبيرا
2الموقع الرسمي للمركز المغربي للوساطة البنكية http://cmmb.ma
3الموقع الرسمي للمركز المغربي للوساطة البنكية http://cmmb.ma
ويحرر الوسيط البنكي تقريرا سنويا يتضمن جميع األنشطة والتدخالت التي قام
بها ،ويتضمن التقرير أيضا إحصائيات بخصوص مختلف الشكايات املعروضة عليه،
والشكايات املتوصل بشأنها إلى حلول ودية .
فما هي املساطر املتبعة و اآلجال القانونية املحترمة أمام مركز الوساطة؟ ذلك ما
سنتطرق إليه في املطلب الثاني من املوضوع.
تمر اإلجراءات املسطرية للوساطة البنكية بمرحلتين ،املرحلة السابقة للوساطة ،و
مرحلة الوساطة1.
إن الهدف من إحداث تقنية الوساطة البنكية ،هو محاولة إيجاد حلول توفيقية
بين الزبون ومؤسسته البنكية ،لكن قبل عرض النزاع على الوسيط البنكي ،يتعين على
الزبون اللجوء إلى البنك ،وذلك عبر توجيه شكاية و عرض النزاع على املصالح املختصة
باملؤسسة البنكية املعنية باألمر من أجل إيجاد صيغة توافقية بين املؤسسة وزبونها.
ذلك انه في إطار نظام الوساطة يتعين توجيه الشكاية أوال إلى املؤسسة البنكية من
طرف الزبون الذي لحقه ضرر جراء معامالته مع مؤسسته البنكية .وفي املقابل تكون
املؤسسة البنكية ملزمة بالرد على الشكاية و ذلك داخل أجل ال يتعدى 15يوما من تاريخ
التوصل بها.
ويتعين توجيه الشكاية إلى املصالح املختصة لدى املؤسسة البنكية ،ويمكن إرسال
الشكاية عبر البريد املضمون مع اإلشعار بالتوصل ،أو إيداعها لدى الوكالة البنكية مقابل
وصل من هذه الوكالة وليس من املقر املركزي للمؤسسة البنكية ،حتى ولو كان املشكل ال
يمكن أن يحل إال على مستوى املقر املركزي ،و ذلك بهدف توفير كلفة وعناء التنقل على
الزبون .وتجدر اإلشارة ،في هذا الصدد ،أن املركز املغربي للوساطة يتواصل مع املركز
االجتماعي للمؤسسة البنكية املعنية بالنزاع ،يمثله شخص يعين من قبل الرئيس املدير
العام للمؤسسة املالية الذي يتكلف بالعالقة مع املركز.و يتعين على هذا الشخص املعين
الرد على مراسلة املركز في ظرف ال يتجاوز 15يوما ،وعليه أن يخبر في ظرف ثمانية أيام
إذا كانت املؤسسة لجأت إلى مسطرة قانونية أخرى كالقضاء أو التحكيم ،وفي هذه الحالة
ال يمكن للمركز أن يتدخل.
فالهدف من هذه املرحلة إذن هو فتح جسور التواصل بين الزبون ومؤسسته
البنكية من أجل إيجاد صيغة توافقية بين الطرفين دون تدخل طرف ثالث في النزاع .
ففي الكثير من األحيان تكون النزاعات بسيطة وال تتطلب سوى مراجعة بسيطة
نتيجة فهم خاطئ لبعض املقتضيات .إذ في العديد من الحاالت يتم التوصل إلى حلول
ودية لبعض النزاعات دون تدخل الوسيط .
وقد ألزم ميثاق الوساطة البنكية كافة املؤسسات البنكية بإخبار زبنائها عن وجود
آلية الوساطة البنكية ،وعن املزايا التي توفرها عبر كافة الوسائل التي تراها كفيلة بذلك .
غير أن املالحظ أن غالبية زبناء املؤسسات البنكية يجهلون تماما وجود هذه
التقنية ،حيث ال يتم إخبارهم بها من طرف أطر و مستخدمي األبناك و املؤسسات املالية،
ألن العديد من هؤالء األطر يجهلون وجود هذه اآللية لفض النزاعات ،و السبب في ذلك
راجع إلى أن هذه التقنية لم تصاحبها حملة إعالمية تحسيسية باملزايا التي توفرها من
مختلف وسائل اإلعالم املكتوبة أو املرئية أو املسموعة ،و نرى أن تقنية الوساطة البنكية
ستشهد إقباال واسعا إذا ما تم إطالع زبناء املؤسسات البنكية عليها ،وعلى املزايا التي
توفرها لهم .
في إطار ميثاق الوساطة البنكية يحق للزبون الذي لم يتوصل برد على شكايته من
طرف وكالته البنكية داخل األجل املحدد لها أو توصل برد لم يقنعه ،أن يلجأ إلى املركز
املغربي للوساطة البنكية من أجل عرض شكايته قصد التوصل إلى حل نهائي للنزاع .
وتوجه الشكاية إلى الوسيط عبر البريد املضمون مع اإلشعار بالتوصل ،أو عبر
وضعها مباشرة لدى مكتب املركز مقابل وصل ،و هذه اإلمكانية تبقى صعبة من الناحية
العملية ،على اعتبار أن املركز املغربي للوساطة البنكية يوجد بمقر بنك املغرب بالدار
البيضاء ،و هي طريقة تبقى مكلفة بالنظر إلى الطريقة األولى ،خاصة بالنسبة للزبناء
القاطنين باملدن البعيدة عن الدار البيضاء مثل وجدة أو أكادير أو العيون و الداخلة.
و بعد توصل املركز بالشكاية يقوم بإرسالها إلى املؤسسة البنكية املعنية باعتبارها
الطرف الثاني في عملية الوساطة البنكية ،وبذلك يكون امللف في أيدي الوسيط .
ويتعين على املشتكي أن يرفق شكايته بكل املعلومات واملعطيات الكاملة عن النزاع
باإلضافة إلى تعزيزها بجميع الوثائق واملبررات الكتابية التي تؤكدها .
ومن أجل ذلك يتعين على املشتكي تحرير طلب مصادق عليه ،وملئ وثيقة تتضمن
أمرا موقعا ومصادقا عليه من طرف املشتكي ملؤسسته البنكية ،برفع السرية على حسابه،
ليتمكن الوسيط من االطالع عليه ،وإعفاء املؤسسة البنكية من جريمة إفشاء السر املنهي،
وذلك من أجل تسهيل مأمورية املؤسسة البنكية ،والتعاون مع الوسيط عبر مده بكافة
الوثائق التي يتطلبها النزاع .ومن أجل تبسيط املسطرة أعدت مؤسسة الوساطة البنكية
مطبوعا من ورقة واحدة يمكن الحصول عليه من مقر الوساطة البنكية ،يتضمن خانة
مخصصة للشكاية ،وأخرى لطلب رفع السرية ،على أن يكون هذا الطلب مصحح
اإلمضاء .
بعد وضع امللف أمام املركز ،مرفوقا بكل الوثائق الالزمة كنسخة من العقد املبرم
مع البنك ،واملراسالت ،وكشف الحساب ،وإعالمات املديونية ،و كل الوثائق الضرورية
األخرى .يتوفر املركز على أجل 30يوما ملعالجته واتخاذ القرار ،ويمكن تمديد هذا األجل
مرة واحدة ملدة 30يوما إضافيا في حالة وجود مبرر معقول ،مثال مراجعة دقيقة
للحسابات على سنوات أو املهلة الستخراج وثائق أو ملف.
و الجدير بالذكر أن مسطرة الوساطة مجانية بالنسبة للملفات التي تقل عن 1
مليون درهم سواء تعلق األمر باألشخاص الذاتيين أو املعنويين ،في حين يتم أداء نسبة
تتراوح ما بين % 0.20الى % 0.70من قيمة املبلغ املتنازع عليه بكيفية تدريجية بالنسبة
إلى امللفات التي تتجاوز مليون درهم.
وبعد إحالة كل الوثائق على الوسيط يقوم هذا األخير بفحصها ،ويقترح حال كتابيا،
فإذا ما تم التوافق على هذا الحل ،يوقعه الطرفان ،والتوقيع الخاص بالزبون يجب أن
يكون مصادقا عليه .
وفي حالة رفض الزبون للحل الذي قدمه الوسيط يمكنه االنسحاب و عدم توقيع
العقد التصالحي ،حيث يتم تحرير و إنجاز محضر حول ذلك ،في حين يختلف األمر
بالنسبة إلى مؤسسات االئتمان ،سواء كانت بنوكا أو شركات تمويل أو مؤسسات للقروض
الصغرى .فاألبناك ملزمة بقبول االقتراح الذي يقدمه الوسيط إذا كان مبلغ النزاع ال
يتعدى 200ألف درهم ،إذ ال يمكن للمؤسسات البنكية االنسحاب من مسطرة الوساطة
البنكية ،مهما يكن الحل املقترح من قبل الوسيط ،إذا كان املبلغ املتنازع بشأنه ال يتجاوز
هذا السقف.
اما بالنسبة ملؤسسات التمويل األخرى ،فقد حدد السقف اإللزامي لشركة «كريدي
باي» في 100ألف درهم ،و 50ألف درهم في ما يتعلق بشركة قروض االستهالك ،و
بالنسبة ملؤسسات القروض الصغرى حدد السقف في حدود 5آالف درهم ،وهكذا تكون
الحلول املقترحة من قبل الوسيط ملزمة لهذه املؤسسات في حدود األسقف املحددة .وتم
اتخاذ هذه اإلجراءات من أجل منح املركز سلطة تقريرية في هذا املجال.
أما بالنسبة إلى امللفات التي تتراوح قيمة املبلغ املتنازع بشأنه بين 200ألف درهم و
مليون درهم ،فإن طرفي الن زاع لهما الحق في االنسحاب من مسطرة الوساطة إذا لم يحظ
الحل املقترح برضاهما.
من خالل ما سبق يتبن لنا الدور الفعال ملؤسسة الوسيط البنكي ،لكن ما يجب
التأكيد عليه هو وجوب بذل مجهودات أكبر من أجل التعريف بهذه اآللية وبمزاياها،
خاصة أن نسبة كبيرة من امللفات املعروضة على القضاء يمكن أن تجد طريقها إلى الحل
عن طريق الوسيط ودون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء أو إلى اآلليات األخرى لفض
النزاعات .فمن خالل استطالع آراء عدد من زبناء هذه الشركات يتضح أن النسبة الكبرى
ال تعلم بوجود هذه اآللية ،و حتى الذين يعلمون بها يجهلون مسطرتها و آليات اشتغالها.
من جهة أخرى ،فإن هدف هذه اآللية هو اإلسهام في حل املشاكل من جذورها بين
الزبون و مؤسسته البنكية .و كذا التخفيف على الجهاز القضائي من كثرة امللفات
املعروضة عليه في هذا الشأن .لهذا يجب العمل على تنمية الوعي لدى زبناء البنوك
بالطرق البديلة لفض املنازعات ،حتى يصبح اللجوء إلى مؤسسة الوساطة البنكية سلوكا
اعتياديا وتلقائيا .و لن يتأتى ذلك إال بالقيام بحمالت تحسيسية و توعوية بأهمية هذه
اآللية عبر وسائل اإلعالم و شبابيك األبناك و املؤسسات املالية.
كما يتعين تدعيم الثقة في مؤسسة الوساطة البنكية عبر التركيز على الضمانات
التي توفرها هذه اآللية ،وذلك بالنسبة إلى طرفي النزاع ،فإذا توفرت الثقة في الوسيط،
ستتبدد مجموعة من املخاوف ،فثقة الطرفين تعتبر أساس عمل الوسيط الذي يقع عليه
عبىء إيجاد مقترحات الحلول ،و هذه الثقة لن تتم إال إذا تم تمثيل جمعيات حماية
املستهلك داخل املجلس اإلداري للمركز املغربي للوساطة البنكية ،و كذا داخل لجنته
اإلدارية.
و نالحظ في اآلونة األخيرة ارتفاع في عدد امللفات املعروضة على املركز .فمنذ إنشاءه
سنة 2014استقبل املركز أزيد من 2000طلب وساطة 830 ،في سنة ، 2016هذا املنحى
التصاعدي استمر كذلك في سنة ،2017حيث ارتفعت نسبة طلبات الوساطة في الستة
أشهر األولى من هذه السنة إلى أكثر من 1.% 71
أما بخصوص التوزيع الجغرافي للملفات ،التي توصل بها الوسيط ،سواء املقبولة أو
املرفوضة ،تمثل الدار البيضاء الرتبة األولى ،إذ تمثل % 44من إجمالي امللفات الواردة
على الوساطة البنكية ،تليها الرباط بنسبة ،% 8وتطوان وطنجة بنسبة 5في املائة،
ووجدة والقنيطرة والجديدة بنسبة ،% 2ولم تتعد النسبة في كل من السمارة ومكناس
وأكادير .% 1وتمثل باقي الجهات األخرى مجتمعة نسبة .% 18كما توصل الوسيط بما
يمثل % 10من إجمالي امللفات من طرف املغاربة املقيمين بالخارج2.
و هكذا و من من خالل دراستنا لهذا املوضوع يتضح أنه وعلى الرغم من األهمية
البالغة التي أوالها الفاعلون في قطاع االئتمان لهاته التجربة ،نظرا ملدى فعاليتها في حل
مجموعة من النزاعات خاصة البسيطة منها ،والتي تثقل كاهل القضاء ،إال أن هذا ال يمنع
القول بأن هاته التجربة ال زالت تشوبها مجموعة من النواقص أو السلبيات على عدة
مستويات نذكر من بينها:
تمركز جهة الوساطة بالدار البيضاء فقط وعدم وجود فروع للمركز باملدن األخرى
أو حتى مكاتب جهوية على صعيد جهات اململكة.
1حوار مع محمد الغرفي ،الوسيط مدير المركز المغربي للوساطة البنكية أجرته الجريدة اإللكترونية
Infomediaireو المنشور على الموقع اإللكتروني للمركز المغربي للوساطة البنكية
/http://cmmb.ma/entretien-m-el-ghorfi-infomediaireتاريخ اإلطالع 2017/10/31الساعة
12:30
2نفس المرجع السابق
االعتماد على املسطرة الكتابية في هذه املسطرة يؤثر على حق الفرد في الولوج إلى
العدالة.
عدم وجود تمثيلية للزبون داخل أجهزة املركز املغربي للوساطة البنكية ،ذلك أن
طريقة تأسيس املركز توحي بأنه جهة عليا ملؤسسات االئتمان ،باعتبار أن جل
أعضاء املجلس اإلداري و كذا اللجنة اإلدارية ينتمون للقطاع البنكي و املؤسسات
املالية األخرى ،وهذا من شأنه أن يفقده مصداقيته والثقة التي يمكن أن يضعها
فيه الزبون املشتكي.
كما نؤكد على التوصيات التي خرجت بها املائدة املستديرة حول "الوساطة
القضائية ،أية نموذج أمثل للمغرب" التي نظمتها وزارة العدل و الحريات بشراكة مع
مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي ،بتاريخ 2012/12/14نذكر ما يلي:
1
" Hassan Alami Avantages de la médiationjudiciaire et recommandations de la
Conférenceinternationalesur la médiationjudiciaire"tenue à Skhirat, mai
2012publier sur http://hiwar.justice.gov.ma
سواء تم إسناد مهمة الوساطة للغير أو للقاض ي فإنه يلزم املواكبة إلخضاع
هؤالء لدورات تكوينية متخصصة تراعي طبيعة هذه املهمة و الغايات
املرجوة منها وذلك بحسب املعايير الدولية للقيام بدور الوسيط ما دام
يستحسن قيامهم بهذا الدور وهم على دراية بآليات ممارسة الوساطة1.
وجوب إصدار قانون للوساطة اإلجبارية لكونها الوسيلة األهم لتدعيم
ثقافة التفاهم و الحوار و تعزيز السلم اإلجتماعي ،و إعطاء دفعة قوية
لتفعيل الوسائل البديلة لحل املنازعات.
توفير مدونة أخالقية للوساطة و إعداد دليل للوساطة قصد توحيد عمل
الوسطاء "األجرة ،التكاليف".....
تفعيل الوساطة اإلتفاقية و جعلها إلزامية في بعض العقود ،مع ترك
الحرية لألطراف في اختيار الوسيط الذي يرغبون في عرض نزاعهم عليه.
توسيع اختصاصات املركز املغربي للوسطة البنكية لتشمل جانب التكوين
لتوفير الكفاءات الضرورية للمركز و بالتالي توفير اإلمكانية لألطراف قصد
اختيار الوسيط الذي يرغبون فيه
ضرورة انفتاح املركز على الجامعة و ذلك قصد إدراج هذه الوسائل البديلة
في املقررات الجامعية لكليات الحقوق و في مراكز تدريب و تكوين القضاة و
املحامين و مواكبة ذلك بإصدار مجالت و نشرات متخصصة و وضع برامج
إعالمية للتعريف به بمختلف وسائل اإلعالم.
1توصيات المائدة المستديرة حول "الوساطة القضائية ،أية نموذج أمثل للمغرب" التي نظمتها وزارة العدل و
الحريات بشراكة مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي ،بتاريخ 2012/12/14
وباعتبار التجارة من أهم مقومات االقتصاد ،كان لزاما أن تتأثر بهذا التحول،
فانتقلت بذلك من تجارة تقليدية إلى أخرى إلكترونية ،تعتبر من أهم املستجدات على
املستوى املحلي و الدولي ،حيث أصبحت نمطا من أنماط املعامالت االقتصادية في عصر
تالشت فيه الحدود و الفواصل الجغرافية.
1يمكن النظر إلى مصطلح التجارة اإللكترونية من خالل تقسيمه إلى قسمين :القسم األول :التجارة وهو مصطلح
معروف ،ويعبر عن نشاط اقتصادي يتم من خالل تداول السلع والخدمات.
القسم الثاني :اإللكترونية وهو نوع من التوصيف لمجال أداء النشاط المحدد في القسم األول ،ويقصد به هنا أداء
النشاط التجاري باستخدام الوسائط واألساليب اإللكترونية ويعد االنترنت واحدا من أهم هذه الوسائط .اإللكترونية
تستخدم البيانات اإللكترونية إلبرام المعامالت بين طرفي عقد التجارة اإللكترونية.
ويتم إنجاز التجارة اإللكترونية عبر وسائل إلكترونية وبالضبط عبر االنترنت بخالف العقود التجارية التقليدية.
كما أن الفكرة الرئيسية للتجارة اإللكترونية تدور حول تجميع البائعين والمستهلكين في مراكز تجارية افتراضية،
وتنقسم هذه المراكز إلى قسمين القسم األول يمكن الدخول إليه دون الحاجة إلى إجراءات معينة ولكنه يسمح
باالطالع والتجول واإلبحار فقط من أجل التعرف على السلع والخدمات المعروضة دون الشراء ،والقسم الثاني الذي
ال يمكن الدخول إليه إال بعدإ تباع إجراءات معينة تستهدف التحقق من شخصية الزائر وتسجيله ،والتي تتلخص في
أن يذكر رقم بطاقة االئتمان ،وذلك بهدف تيسير الوفاء وأن يكون له توقيع إلكتروني ذو شفرة خاصة ،وذلك بهدف
أن يعتمد التصرفات التي يبرمها.
فالنجاح في مجال التجارة اإللكترونية يحتاج إلى تطوير التشريعات القائمة بشكل مستمر ،مما يستلزم وضع ضوابط
قانونية بصفة مستمرة حتى يمكن تهيئة المناخ المالئم لنمو هذا النوع من التجارة ،وإزالة ما يعتريها من صعوبات
خاصة في الجانب الحمائي للمتعاقدين.
وهذا مافعله المشرع المغربي بإصداره قانونا يتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية.
وللمزيد من التفصيل حول موضوع التجارة اإللكترونية أنظر في ذلك:
-كريم الصبونجي ،الحماية المدنية لعقود التجارة اإللكترونية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،جامعة عبد المالك السعدي ،السنة الجامعية
،2017/2016ص 3ومابعدها.
amina Adnani : " Commerce Electronique et propriété intellectuelle", mémoire de
DESA, Faculté du droit casablanca, Université hassan II , année 2002, P :22.
اإللكتروني عبر الحدود ،وما تبعه من إجراءات للوصول إلى التعاقد اإللكتروني الذي
يشكل املستهلك أحد أطرافه األساسية في كثير من األحيان.
ومن هنا بدأت الحاجة إلى حماية املستهلك اإللكتروني ،فالثقة في السوق
اإللكترونية من أبرز مايحتاج إليه املستهلك اإللكتروني في سبيل تلبية احتياجاته
الشخصية ،حيث أن حماية املستهلك اإللكتروني سواء في مرحلة ما قبل التعاقد
اإللكتروني ،أو أثناء التعاقد في عقود التجارة اإللكترونية أو في مرحلة ما بعد االنتهاء من
عملية التعاقد اإللكتروني .تعتبر مهمة جدا بسبب أن املستهلك اإللكتروني يعد طرفا
ضعيفا في معادلة يحتل فيها التاجر مركز القوة ،ألن املستهلك يحتاج إلى سلعة معينة
بصورة ضرورية وبالتالي يخضع لشروط غير عادية ومجحفة بحقه.
وبالرغم من كثرة القوانين املؤطرة لعقد االستهالك اإللكتروني ،إال أنها تثير العديد
من الصعوبات على مستوى العملي ،األمر الذي أضحى يطرح إشكاال رئيسيا حول مدى
قدر و فعالية هذه النصوص القانونية التي أقرها املشرع املغربي في توفير حماية
قانونية للمستهلك املتعاقد الكترونيا؟
وهكذا ،فإن دراسة هذا املوضوع ستكون من خالل معالجة إشكاليتين فرعيتين
نوزعهما من خالل املطلبين التاليين:
أدى بروز التعاقد عبر شبكة االنترنت ،إلى التحول في منهج دراسة إبرام العقد،
وأصبحت الدراسة تتجه إلى املرحلة السابقة على التعاقد ،فاملستهلك الذي نبحث عن
حمايته نتيجة تعرضه للعديد من األخطار يحتاج لحماية واضحة وشاملة تعز زموقفه،
وخصوصا أنه يمثل الطرف الضعيف في مقابل املزود الذي يتمتع بالخبرة والدراية
االقتصادية.
كما تبرز أهمية هذه املرحلة بوجود االلتزام بتقديم املعلومات السابق للتعاقد و
الذي كرسته أغلب التشريعات التي تنظم التجارة االلكترونية و التعاقد عبر االنترنت,
حيث يلق ي هذا االلتزام على عاتق املنهي تقديم املعلومات الكافية عن العملية محل
التعاقد ليكون رضا املتعاقد صادرا عن وعي و بصيرة و إدراكا ملصلحته (الفقر الولى).
وتنصب الحماية في هذه املرحلة على التنوير املعلوماتي لحماية املستهلك قبل
التعاقد ،عن طريق تنويره باملعلومات الالزمة لكي يقدم على التعاقد بإرادة حرة واعية
مبصرة ،حيث وجب التأكد من أن الرضا املعبر واملنتج ألثاره القانونية هو رضاء صحيح
خال من أي عيب من عيوب الرضا ،وذلك طبقا للقواعد العامة ،حيث يشترط لصحة
التراض ي خلو اإلدارة من العيوب التي يمكن أن تؤثر فيها )الفقر الثانية)
حرصت التشريعات الحديثة على ضرورة إعالم املستهلك اإللكتروني على نحو معين
يختلف عن الحق في اإلعالم في الحاالت العادية ،و عليه سنحاول من خالل هذا املطلب
أن نوضح مفهوم هذا االلتزام (أوال) ثم نتطرق ملضمونه (ثانيا).
ارتبط مصطلح اإلعالم في املجال القانوني بنمط التعاقدات التي تحصل بين أطراف غير
متوازنة من حيث املراكز القانونية أو االقتصادية ،األمر الذي يجع اللطرف القوي يستغل
بعض املبادئ التقليدية لنظرية العقد كمبدأ سلطان اإلرادة ،ومبدأ العقد شريعة
1االلتزام باإلعالم يمكن أن يرد بمسميات أخرى منها :االلتزام بالتبصر ،االلتزام باإلخبار ،االلتزام باإلدالء ،االلتزام
باإلفصاح ،االلتزام باإلفضاء ...إلى غير ذلك حيث الحظنا اختالف التسميات باختالف الدراسات التي تتطرق لهذا
الموضوع ،ولكنها ال تختلف في مضمونها عن االلتزام باإلعالم الذي أخذ به المشرع المغربي في القانون رقم
31.08
املتعاقدين إلخضاع الطرف اآلخر إلرادته وذلك كله دون أن يخرق املنظومة التقليدية
لعيوب التراض ي.
فعندما يحصل التعاقد خارج نطاق االحتراف بأن يكون أحد املتعاقدين محترفا
واآلخر مستهلكا عاديا ال عالقة له بأصول الحرفة محل التعاقد فإن الضرورة تفرض إعالم
هذا األخير وتنوير بصيرته قبل مرحلة التعاقد حينها تتحقق العدالة املنشودة من مؤسسة
العقد 1وخاصة العقد اإللكتروني.
وقد عرف البعض اإلعالم بوجه عام على أنه" :تنبيه أوإعالم طالب التعاقد
بمعلومات من شأنها إلقاء الضوء على واقعة ما أو عنصر ما من عناصر التعاقد ،حتى
يكون الطالب على بينة من أمره بحيث يتخذ قراره الذي يراه مناسبا على ضوء حاجته
وهدفه من إبرام العقد." 2
أما بخصوص االلتزام باإلعالم اإللكتروني فيعرف على كونه" :التزام عام يغطي
املرحلة السابقة على التعاقد يفي جميع العقود اإللكترونية." 3
وعليه فقد عرفه البعض على أنه " :ذلك اإللتزام الذي يقع على عاتق التاجر اإللكتروني
والذي بمقتضاه يعلم ويبصر املستهلك باملعلومات الجوهرية املتعلقة بالعقد (سواء كان
1عبد القادر العرعاري" :مصادر االلتزام" ،الكتاب األول نظرية العقد ،مكتبة دار األمان الرباط ،الطبعة الثانية،
،2004ص 144 :و 145
2المنتصر سهير" :االلتزام بالتبصر" ،دارالنهضة العربية مصر ،الطبعةاألولى ،1990 ،ص 41 :
وعرفه آخرب كونه" :التزام سابق على التعاقد يتعلق بالتزام أحد المتعاقدين ،بأن يقدم للمتعاقد اآلخر عند
تكوين العقد،البيانات الالزمة إليجاد رضاء سليم كامل متنور ،بحيث يكون المتعاقد اآلخر على علم بكافة تفصيالت
هذا العقد ".المهدي نزيه محمد الصادق" :االلتزام قبل التعاقد باإلدالء بالبيانات المتعلقة بالعقد ،دراسة فقهية
قضائية" ،دارالنهضة العربية مصر،الطبعة األولى ،1982،ص15
كما عرفه البعض اآلخر على كونه" :التزام يفرض على أحد المتعاقدين– أي المدين -إعالم المتعاقد
اآلخر– أي الدائن -بكافة الوقائع والمعلومات التي تكون منتجة والزمة لتكوين رضاء حر مستنير ،ولضمان حسن
تنفيذ العقد ".بوعبيد العباس" :االلتزام باإلعالم في العقود ،دراسة في حماية المتعاقد والمستهلك" ،المطبعة والوراقة
الوطنية مراكش ،الطبعة األولى ،ماي ،2008ص.34
3أبو عربي غازي" :االلتزام باإلعالم قبل التعاقد عبر شبكة االنترنت" ،مقال منشور بمجلة علوم الشريعة
والقانون ،المجلد ، 92لسنة ، 2002ص .466
وعرفه أحد الفقهاء بكونه" :حق ذلك المستهلك في اإلعالم الرئيسي المتعلق بالمنتجات المعروضة "عبد الفتاح
بيومي حجازي" :حقوق الملكية الفكرية وحماية المستهلك في عقود التجارة اإللكترونية" ،دار الكتب القانونية
مصر ،طبعة ، 2004ص: 49
كما عرفه أحد الباحثين على أنه" :التزام ملزم لجانب أو لجانبين ،يفرض على طرفي العالقة اإللكترونية أن
يضع الطرف اآلخر موضوع العارف بكل خبايا وآثار ما سيتعاقد بشأنه ،وإن اقتضى الحال أثار استخدام الوسائل
اإللكترونية في التعاقد ".بونعمان يونس " :االلتزام باإلعالم في العقود اإللكترونية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القانون الخاص تخصص قانون المقاولة التجارية ،جامعة الحسن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية سطات ،السنة الجامعية ،2004/2003ص .13
محل العقد سلعة أو خدمة) والتي يتخذ املستهلك بناءا عليها قراره بإتمام التعاقد أو
باالنصراف عليه ."1
يتضح من التعريفات السابقة أن جوهر التزام املنهي قبل التعاقد هو إعالم املستهلك
اإللكتروني بالبيانات واملعلومات املتعلقة بالسلعة والخدمات املزمع التعاقد عليها ،حينها
يكون املستهلك على بينة من أمره ويتخذ قراره باإلقدام أو اإلحجام ،بناء على رضاء سليم
كامل متنور ،وبإرادة واعية للنتائج املترتبة على القرارا لذي اتخذه.
انطالقا من الذي تقدم أعاله يمكن تعريفا اللتزام باإلعالم اإللكتروني على أنه :
"هو التزام قانوني سابق على إبرام العقد اإللكتروني يلتزم بموجبه أحد الطرفين الذي
يملك معلومة جوهرية فيما يخص العقد املزمع إبرامه بتقديمها بوسائط إلكترونية وفي
الوقت املناسب وبكل شفافية وأمانة للطرف اآلخر الذي ال يمكنه العلم بها بوسائله
الخاصة".
يعتبر الحق في اإلعالم ،جعل املستهلك في أمان ضد مخاطر املنتج الذي يشتريه سواء
كانت سلعة أو خدمة ،وهو ما يفرض على املنتج أو املورد املنهي التزاما بإحاطة املستهلك
علما بظروف العقد و مالبساته.
و نظرا لخصوصية فقد فرضت معظم التشريعات التزاما على عاتق املنهي بإعالم
املستهلك االلكتروني ,كما ذهبت إلى ذلك املادة 1602من القانون املدني الفرنس ي التي
تنص على إلزام البائع أن يوضح بدقة نطاق التزامه.
وهذا االلتزام يجد أساسه أيضا في نصوص تقنين االستهالك الفرنس ي حيث نصت
املادة 1/111على أنه يتعين على كل منهي يعرض السلع للبيع أو يقدم الخدمات أن يعلم
املستهلك قبل إبرام العقد بالخصائص الضرورية للبضاعة أو الخدمة .وهو نفس املقتض ى
الذي نصت عليه املادة 1/4من التوجيه األوربي لسنة 1997الخاص بحماية املستهلك
املتعاقد إلكترونيا.
-1كوثر سعيد عدنان خالد :حماية المستهلك اإللكتروني ،دار الجامعة الجديدة ،مصر،الطبعة الثانية ،2016 ،ص:
.283
وهو نفس األمر الذي كرسه املشرع املغربي في القانون رقم 31.08القاض ي بتحديد
تدابير لحماية املستهلك ,حيث نصت املادة الثالثة على االلتزام العام " يجب على كل مورد
أن يمكن املستهلك بأي وسيلة مالئمة من معرفة املميزات األساسية للمنتوج أو السلعة
أو الخدمة وكذا مصدر املنتوج أو السلعة وتاريخ الصالحية إن اقتض ى الحال ،وأن
يقدم إليه املعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار
حاجياته وإمكانياته"...
كما يشمل االلتزام باإلعالم قيام املورد بإعالم املستهلك بنوع البيع املراد إبرامه ،هل
يتعلق األمر بعقد بيع عادي ،أم بعقد بيع إلكتروني ,أم أن األمر يتعلق ببيع خارج املحالت
أو بيع التخفيض.
و باستقراء مقتضيات بعض املواد التي جاء بها القانون رقم 31.08القاض ي بتحديد
تدابير لحماية املستهلك ،و منها املادة 29التي نصت على ضرورة
و تجدر اإلشارة في هذا اإلطار إلى املقتض ى الجديد الذي جاء به القانون رقم 31.08
من (ق ح م) املتعلق باإلعالم بآجال التسليم ،إذ في كثير من العقود االستهالكية ال يكون
التسليم فوريا إما بسبب طبيعة السلعة أو الخدمة ،أو ألسباب خاصة باملورد ،حيث يظل
املستهلك في حالة انتظار حصول التسليم ،تبعا لظروف و إرادة املورد ،رغم وفائه الكلي أو
الجزئي بالتزامه بدفع ثمن أو سعر السلعة الخدمة ،وهي حالة تلحق به ضررا ،خاصة إذا
تأخر املورد عن التسليم في آجال معقولة)1(.
و تبعا لذلك نجد أن املشرع املغربي في القانون املتعلق بتحديد تدابير لحماية
املستهلك ألزم املورد في حالة إذا تعلق األمر ببيع منتوجات أو سلع أو تقديم خدمات إلى
املستهلك أن يتم تحديد آجال التسليم كتابة في العقد أو الفاتورة أو تذكرة املخالصة أو
أية وثيقة أخرى .و هو ما نصت عليه املادة 12من (ق ح م).
وإذا تجاوز أجل التسليم األجل املحدد في سبعة أيام دون أن يعزى ذلك إلى قوة
قاهرة ،فإنه يحق للمستهلك فسخ العقد بقوة القانون ,داخل أجل خمسة أيام املوالية
لتاريخ انتهاء مهلة التسليم املمنوحة للمستهلك دون اللجوء إلى القضاء عن طريق إشعار
البائع املنهي بالفسخ بأية وسيلة تثبت التوصل.
أما إذا تم التسليم في الفترة املمتدة بين بعث اإلشعار و توصل املورد به ،فإنه ال
مجال للحديث عن الفسخ ما دام املستهلك يملك أجل خمسة أيام ملمارسة حقه في
الفسخ املقرر له بمقتض ى املادة 13من (ق ح م).
و تأسيسا على ما سبق فإن الهدف من إقرار املشرع الحق في اإلعالم تمكين
املستهلك من معرفة االلتزامات القانونية الخاصة بالطرف اآلخر ،و اإلحاطة بجوانبها
القانونية و املادية ،كما تمكن كل متعاقد من تقدير مضمون االلتزامات التي يتحملها ،كل
هذا مع مراعاة الوسائل الحديثة لالتصال التي أنتجت مستهلكا غير عادي يتخذ من وسائل
االتصال االلكتروني أساسا لتعاقداته.
قد يشوب إرادة املستهلك عيب يؤثر في الرضا ،فيتجه إلى التعاقد وهو على غير بينة
من حقيقة األمر ،حيث يقصد بعيوب الرضا الشوائب التي تلحق إرادة املتعاقد ،فتفسد
الرضا الذي ال يكون سليما ،ولم يصدر عن بينة واختيار ،و يكون ملن عيبت إرادته أن
يطلب إبطال التصرف ،أي أن التصرف يكون قابال لإلبطال.
1حليمة سهيل "الحماية المدنية للمستهلك المتعاقد إلكترونيا" .رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص .وحدة
التكوين و البحث قانون األعمال .كلية الحقوق جامعة القاضي عياض مراكش .السنة الجامعية .2013-2012ص
21
وال يقتصر املزود على مجرد تقديم ما يعرفه من معلومات عن املنتوج ،بل يتحمل
كذلك واجب استفسار املستهلك عن جوهر طلب هو يقدم إليه املساعدة ،وااللتزام
بالتبصير يتطلب من املزود االستعالم عن حاجيات املستهلك من وراء إقدامه على إبرام
العقد تفاديا لوقوعه في الغلط أو تدليس.
يعرف الغلط بأنه الحالة النفسية التي تحمل الشخص على اعتقاد غير الواقع بأن
يتوهم صحة واقعة غير صحيحة ،أو عدم صحة واقعة صحيحة و يجب أن يكون الغلط
مما ال يمكن التسامح فيه ،وال يقع فيه الشخص املعتاد ،وأن يقع على صفة جوهرية في
الش يء محل العقد .ويعرف الغلط بأنه "حالة نفسية تحمل على توهم واقع أو غير
الواقع ،بسبب واقعة غير صحيحة يتوهم اإلنسان صحتها " .
فالغلط باعتباره عيبا من عيوب اإلرادة يؤدي إلى إمكانية طلب إبطال العقد (
الفصل 41من ق ل ع) ،ويجب على املستهلك أن يثبت بأن رضاه لم يكن سليما حتى
يستطيع إبطال العقد)1(.
وللمطالبة بإبطال العقد ،البد من توفر الشروط النظرية التي تطلبها املشرع في
مجال الغلط وإال كان الطلب مرفوضا ،ولعل من أهمها أن يكون الغلط جوهريا ،أي دافعا
إلى التعاقد .كما أنه ال يجب إبطال العقد لغلط البائع ،كمن يبيع شيئا معتقدا أنه مجرد
تقليد للقديم في حين أنه أثري و ال يجوز له املطالبة بإبطال العقد ألن الغلط إنصب على
صفة جوهرية ،وعلى العكس من ذلك ،فإن من يشتري شيئا قديما معتقدا أنه تحفة
أثرية في حين أنه مجرد تقليد يمكنه املطالبة بإبطال العقد ألن الغلط إنصب على صفة
جوهرية.
بالرجوع إلى الفصل 41من قانون االلتزامات و العقود نجده قد قرر جواز إبطال
العقد للغلط "إذا وقع على ذاتية الش يء أو على نوعه أو على صفة كانت هي السبب
الدافع إلى الرضا" ،وقد أحسن املشرع إذ أخذ بهذه املسطرة التي ال تقتصر على االعتداد
بالغلط الواقع على مادة الش يء أو على نوعه بل تعتد أيضا بالغلط الواقع على "صفة في
الش يء إذا كانت هي السبب الدافع إلى الرضا" أي بغلط في صفة جوهرية للش يء ،كما في
1عبد الرازق أحمد السنهوري" ،الوسيط في شرح القانون المدني -مصادر اإللتزام العقد" .1997.الجزء .1ص
382
مثال من يشتري آنية ذهبية على أنها أثرية ثم يتضح أنها ليست أثرية ،حيث يسوغ إبطال
الشراء حتى ولو كانت اآلنية ذهبية إذا تبين أن املستهلك ما كان ليقدم على الشراء لو علم
أن اآلنية ليست أثرية ،وأن هذه الصفة في اآلنية هي كانت إذن السبب الرئيس ي في التعاقد
(.)1
ونخلص مما سبق إلى أنه إذا أمكن إبطال العقد بسبب غلط وقع فيه املتعاقد
اآلخر ،فليس من الجائز القول إن هذا اإلبطال يشكل دوما جزاء ،فقد يجهل املتعاقد
اآلخر املعلومات التي يجب تقديمها إلى املتعاقد الغالط ،أو يجهل الغلط الذي وقع فيه،
ويعكس ضرورة قيام أحد املتعاقدين بإعالم املتعاقد معه باملعلومات املتعلقة بالعقد،
والش يء محل العقد ،على الوجه املطلوب .ومن هذا املنظور يظهر االلتزام باإلعالم بمثابة
نوع من الوقاية من عيوب الرضا.
فاللجوء إلى التعاقد يتم في إطار ضعف القدرة والخبرة و لهذا فإن ما يتعرض له
املستهلك بالنسبة للتعاقد اإللكتروني من ضغوط واقعية ال يمكن تكييفها على أنها تدليس
من شانه أن يعيب اإلرادة وبالتالي يسمح بإبطال العقد ،فما هو التدليس ؟.
التدليس عيب يشوب الرضا عن طريق اللجوء إلى التضليل والخداع بقصد إيقاع
املتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد ،وأساس التدليس هو استعمال الحيل والتمويه
إليقاع شخص في وهم يدفعه إلى قبول تصرف قانوني .و املدلس ال يكتفي بعدم اإلعالم
وإنما يعمد إلى الخداع و لذا فهو غلط مصطنع .وحاول القضاء تفعيل نظرية الغلط عن
طريق فرض االلتزام بالعلم على عاتق املنهي بشكل يؤدي إلى استبعاد احتمال وقوع
املستهلك في الغلط.
و يعرف الفقه التدليس بأنه استعمال شخص لطرق احتيالية إليقاع آخر في غلط
،و ذلك بأن يستعمل أحد األطراف طرقا احتيالية ،ومناورات خادعة تؤدي إلى إقناع
العاقد وإيقاعه في الغلط .ألجل ذلك فالتدليس عيب للرضا ناش ئ عن الحيل يثير الغلط
في ذهن املتعاقد عن طريق إيهامه بأمر يخالف الحقيقة وجره بذلك إلى التعاقد (.)2
1مأمون الكزبري" ،نظرية اإللتزامات في ضوء قانون اإللتزامات والعقود المغربي" .مصادر اإللتزامات1998 .
ص 89
2إدريس العلوي العبدالوي" ،النظرية العامة لإللتزام نظرية العقد" .مطبعة النجاح .1996 .ص 361
وإذا كان التدليس يتطلب استعمال وسائل احتيالية إيجابية ،فإنه يمكن أن ينتج
كذلك عن مجرد االحتفاظ باملعلومات ،فالكتمان يعادل التدليس ،و ال يعد دائما طريقة
احتيالية إال إذا كتم أحد املتعاقدين على اآلخر واقعة جوهرية ولم يكن باستطاعة املدلس
عليه أن يعرفها عن طريق آخر ،كان هذا الكتمان تدليسا.
والشك أن التدليس قد يتم بطرق احتيالية إيجابية تتمثل في إدالء املتعاقد املدلس
ببيانات خاطئة مخالفة للحقيقة ،وقد يلتجأ إلى وسائل سلبية تتمثل في سكوته عن
اإلدالء للمتعاقد األخر باملعلومات املهمة عن الش يء محل التعاقد ،وهذا الكتمان يتجلى
في احتفاظ شخص سيئ النية بمعلومات ، ،لم يكن بوسع الطرف اآلخر معرفتها من
مصدر آخر ،و يعد مخال بااللتزام باإلدالء باملعلومات املتعلقة بالعملية التعاقدية.
فالكتمان يعد خرقا مباشرا لاللتزام باإلعالم ،ولهذا السبب فرض املشرع على املزود
التعاقد بحسن نية وهذا ما سنراه في الفرع التالي )1( .
إن مقومات حماية املستهلك اإللكتروني في مرحلة إبرام العقد اإللكتروني من خالل
الحماية من عيوب اإلرادة والشروط التعسفية تهدف بصفة أساسية إلى حماية رضاء
املستهلك اإللكتروني أثناء إبرام العقد.
أما حماية املستهلك في املرحلة الالحقة إلبرام العقد فتتعلق بمرحلة تنفيذ العقد ،وما
قد يصاحب ذلك من حاجة ملحة لحماية املستهلك اإللكتروني .ألنها يجب أن تكون قائمة
بعد إبرام العقد مثلما هي قائمة قبل وأثناء إبرامه ،وتؤسس هذه الحماية على ذات األسس
واملقومات التي تقوم عليها الحماية السابقة إلبرام العقد اإللكتروني ،والتي تتمثل في الطبيعة
اإللكترونية الخاصة التي يبرم بها العقد ،وتشمل هذه الحماية حماية املستهلك في مواجهة
العيوب الخفية ،ألن الحماية من أضرار املنتجات املعيبة فيها حماية للضرر الذي يمكن أن
يصيب املستهلك سواء في ماله أو بدنه وذلك ضمانا لسالمته (الفقر األولى(
كما تشمل أيضا الحماية من آثار القوة امللزمة للعقد وخصوصا العقد اإللكتروني ،عن
طريق حماية حق املستهلك اإللكتروني في ممارسة خيار التراجع عن التعاقد اإللكتروني بعد
إبرام العقد)الفقر الثانية(
1الطيب الفصايلي "النظرية العامة لإللتزام" .الجزء األول .مصادر اإللتزام .1997 .ص 90
يعد ضمان العيوب الخفية وسيلة ناجعة في يد املستهلك إللزام البائع بتسليم
مبيع مطابق للمواصفات املتفق عليها .و بالنظر ألهمية هذا االلتزام فإننا سنتناول مفهومه
(أوال) ثم نقف على شروطه (ثانيا).
قام املشرع املغربي بتعداد العيوب التي تستوجب الضمان بمقتض ى الفصل 549
من ق ل ع و الذي جاء فيه على أنه "يضمن البائع عيوب الش يء التي تنقص من قيمته
نقصا محسوسا أو التي تجعله غير صالح الستعماله فيما أعد له بحسب طبيعته أو
بمقتض ى العقد .أما العيوب التي تنقص نقصا يسيرا من القيمة أو االنتفاع و العيوب
التي جرى العرف على التسامح فيها فال يصول الضمان .و يضمن البايع أيضا وجود
الصفات التي صرح بها أو التي اشترطها املشتري".
األمر الذي يفيد أن املشرع املغربي ال يقصر ضمان البائع على العيوب بل يمتد إلى
الصفات التي صرح بها أو التي اشترطها املشتري ،و قد سعى من خالل هذا الحكم إلى
توسيع ميدان الضمان الذي يتحمله البائع ,و هو نفس االتجاه الذي تبناه املشرع املصري
من خالل املادة 447من القانون املدنين و ذلك ألجل تمتيع املشتري أو املستهلك بحماية
حقيقية في ظل تخلف إحدى الصفات التي كفل البائع وجودها للمشتري و بغض النظر
عن أهمية هذه الصفة املتخلفة أو علم املشتري بتخلفها وقت البيع.
و لم يعرف املشرع املغربي العيب ،و قد سلك في ذلك نفس مسلك بعض
التشريعات املقارنة حيث ترك مهمة ذلك للفقه.
وقد تصدى القضاء املصري في أواسط القرن العشرين لهذا الفراغ التشريعي
بوضعه تعريفا للعيب الخفي حينما قرت محكمة النقض املصرية في أحد األحكام
الصادرة عنها ،بأن العيب هو "اآلفة الطارئة التي تصلو منها الفطر السليمة للمبيع" .و
الظاهر أن محكمة النقض املصرية قد تأثرت بتعريف بعض الفقه ،حينما عرف العيب
الخفي على أنه "ما يخلو منه أصل الفطرة السليمة من اآلفات العارضة لها".
أن يكون العيب مؤثرا :بمقتض ى الفصل 549من ق ل ع ،فإن العيب أ-
يكون مؤثرا "إذا كان ينقص من قيمة الش يء نقصا محسوسا أو يجعله غير صالحا
الستعماله فيما أعد له ,ومعنى ذلك أن الضمان يتحقق لوجود العيب إذا كان هذا
األخير يؤدي إلى نقصان قيمة املبيع عند التجار بحيث ال يبتاعه املشتري بثمنه الذي
اشتراه لو علم بوجود العيب ,لذلك فإن املعيار في الحقيقة هو معيار موضوعي بحيث
يتحدد العيب وفقا ألهل الخبر بحسب حالة السوق و ظروف التعاقد")1(.
و يعتبر العيب مؤثرا أيضا إذا كان يؤدي إلى نقص في منفعة املبيع .و قد أشار
الفصل 549من ق ل ع إلى الضوابط التي يتحدد على أساسها هذا النقص ,و يتعلق
األول بطبيعة املبيع ذاته ،و مثال ذلك درجة امللوحة في األراض ي الزراعية ،حيث قد تعتبر
عيبا موجبا للضمان ,بينما ال يعتبر األمر كذلك في األراض ي املعدة للبناء.
و الضابط الثاني يتعلق بالغرض الذي أعد الش يء املبيع ,فقوة الحصان املباع و
درجة عدوه أو سرعته قد تكون عيبا إذا كان معدا للسباق بينما ال تعد كذلك إذا كان
معدا لجر العربات.
أما الضابط الثالث فهو نقص منفعة املبيع بحسب ما هو مبين في العقد ,كأن
يتفق على أن املبنى املباع فندق ,مما يتطلب أن يكون متوفرا على رخصة بذلك أو باإلمكان
الحصول على هذا الترخيص و إال كان املبيع معيبا.
ولقد أكد املشرع في نص الفصل 549من ق ل ع ،على أن العيب املوجب للضمان
هو الذي ينقص من قيمة الش يء املبيع أو منفعته نقصا محسوسا ,و هو ما يقتض ي أن
يكون العيب جسيما ,أما العيوب التي تنقص من القيمة نقصا يسيرا ,و كذا العيوب التي
جرى العرف على التسامح بشأنها ,فال تخول الضمان .و تحديد مدى جسامة العيب من
عدمه مسألة موضوعية يتمتع القضاء في شأن تقديرها بسلطة واسعة.
ب -أن يكون العيب خفيا :البائع ال يضمن العيب الظاهر و إنما الخفي الذي
ال يرى بالعين املجردة ،و هو ما أشار إليه املشرع في الفصل 569من ق ل ع ،الذي جاء
فيه "ال يضمن البائع العيوب الظاهر و ال العيوب التي كان املشتري أن يعرفها أو كان
يستطيع بسهولة أن يعرفها".
وبناء عليه ،فإن البائع يسأل فقط عن العيوب الخفية دون الظاهرة ،و لكن ما
هو معيار التفرقة بين العيبين؟
بالرجوع إلى الفصل 569املذكور أعاله ,فإنه يوحي بأن املعيار املعتمد هو معيار
شخص ي ،إذ يستبعد من مجال الضمان العيوب الظاهرة و كذا العيوب التي كان املشتري
يعرفها أو كان يستطيع بسهولة أن يعرفها .فالعيب ال يعتد به حتى و لو كان خفيا إذا علم
به املشتري عند البيع ,أو كان بإمكانه أن يعرفه لو فحص املبيع الفحص العادي الذي
يجري عادة في مثل الظروف التي تم فيها البيع ،وهو يختلف باختالف املبيع ،و حسب
اإلمكانيات الشخصية للمشتري أي التمييز بين ما إذا كان هذا الشخص منهي محترف
يمكنه معرفة و تفحص الش يء املبيع بسهولة أو مجرد مستهلك عادي تعاقد خارج نطاق
اختصاصه.
و مع ذلك ،فإن البائع يضمن العيب ولو كان ظاهرا غير خفي أو كان باستطاعة
املشتري أن يتبينه بسهولة ويسر إذا كان قد صرح بخلو املبيع منها و ذلك استنادا ملا جاء
في الفصل 570من ق ل ع.
ج -أن يكون العيب قديما :ال يضمن البائع إال العيوب التي كانت موجودة عند
البيع إذا كان املبيع شيئا معينا بذاته أو عند التسليم إذا كان املبيع شيئا مثليا بيع بالوزن
أو القياس أو على أساس الوصف (الفصل 562من ق ل ع) ،و يعتبر هذا الشرط منطقيا
مادام أن املشرع يربط بين انتقال امللكية و ضمان العيوب.
إن العقد الذي ينشأ صحيحا يرتب التزامات متبادلة على عاتق طرفي العالقة
التعاقدية و ال يجوز نقضه أو تعديله إال باتفاق الطرفين ،إال أن التشريعات الحديثة
املتعلقة بالتعاقد االلكتروني قد منحت للمستهلك فرصة للتفكير والتحري قصد التعاقد
بإرادة صحيحة و قبول املبيع أو الرجوع أو استبدال املبيع بآخر خالل مهلة زمنية.
حيث يعرفه البعض بأنه " :إثبات حق املشتري في إمضاء العقد أو فسخه عند
رؤية املعقود عليه إذا لم يكن رآه عند العقد أو قبله ،واملستهلك املتعاقد إلكترونياالذي
يشتري السلعة عن طريق األنترنت لم يكن قد رأى البضاعة ،وإنما رأى صورتها أو علم
بأوصافها املكتوبة على الشاشة أمامه ،فإذا ما إستلم السلعة يكون له حق خيار الرؤية في
إمضاء العقد أو فسخه." 1
وعرفه البعض اآلخر بأنه " :سلطة أحد املتعاقدين باإلنفراد بنقض العقد
والتحلل منه دون توقف ذلك على إرادة الطرف األخر.2
كما عرف بأنه " :الرجوع عن إرادة بإرادة أخرى منبثقة عن نفس الشخص"،3
وهناك من عرفه بأنه " :تعبير عن اإلرادة يتم بواسطته الرجوع من طرف الشخص
عن االلتزامات التي إلتزم بها فيما قبل ،بحيث أن هذه االلتزامات تقدم آثارها في
املاض ي و املستقبل وتصبح كأنها لم تكن في يوم من األيام.4
في حين عرفه البعض اآلخر بأنه " :وسيلة بمقتضاها يسمح املشرع للمستهلك
بأن يعيد النظر من جديد ،ومن جانب واحد ،في االلتزام الذي إرتبط به مسبقا ،فثمة عقد
سبق تكوينه ،لكن أحد األطراف وهو املستهلك سوف يستفيد من مهملة التفكير ،من
خاللها سيكون بوسعه الرجوع عن التزامه الذي سبق وأن أرتبط به". 5
كما يعرفه البعض اآلخر بأنه " :وسيلة بمقتضاها يسمح املشرع للمستهلك بأن يعيد
النظر من جديد ،ومن جانب واحد ،في االلتزام الذي ارتبط به مسبقا".6
-1عبد الحق حميش :حماية المستهلك االلكتروني ،مداخلة في مؤتمر األعمال المصرفية االلكترونية بين الشريعة
والقانون ،المنعقد في 10و 11و 12ماي 2003بغرفة تجارة وصناعة دبي ،المجلد الثالث ،ص 1290و
.1291
-2ابراهيم الدسوقي أبو الليل :المصادر اإلرادية لاللتزام ،العقد واالرادة المنفردة والتصرف القانوني ،مطبوعات
جامعة الكويت ،الطبعة األولى ،1995ص .274
3
- Dominique lefort : la rétraction des actes en droit privé français, contribution à
l’étude de la formation des actes juridiques, thése pour le doctorat d’état en droit
, université de droit, d’économie et sciences sociales, Paris (Paris II) , 4 février
1981 , Tome 1, P 32.
4
- Gilles Paisant : la rétraction du consommateur en droit Français , une analyse
de droit comparé : droit européen, allemand, français, néerlandais et belge, sous
la direction de :Evelyne Terryn , collection droit et patrimoine, édition larcier (n°
d’édition non cité) Bruxelle, 2008, page 63.
-5نور الدين الصبار" ،المعامالت واإلثبات في مجال االتصاالت الحديثة" ،سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة،
مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األولى ، 2002 ،ص 220و . 221
-6عبد الواحد سامح التهامي :التعاقد عبر االنترنت ،دراسة مقارنة ،دار الكتب القانونية ودار شتات للنشر
والبرمجيات ،الطبعة األولى ،2008 ،ص .321
ويتميز الحق في التراجع بجملة من الخصائص أهمها :أن هذا الحق ال يرد على عقد
الزم كالبيع و اإليجار ،دون العقود غير الالزمة بطبيعتها كالوكالة ،و كان املشرع الفرنس ي
يكرس الحق في التراجع في العقود التي تتم إلكترونيا عن طريق البيع من خالل االنترنت ،و
منح املشتري في هذا املجال حق العدول خالل سبعة أيام ) ،(1ثم جاء ذلك في قانون حماية
املستهلك 31.08الصادر سنة ,2011في املادة 29منها التي نصت " -4...وجود حق التراجع
املنصوص عليه في املادة ,36ما عدا الحاالت التي تستثني فيها أحكام هذا الباب ممارسة
الحق املذكور" و في نفس اإلطار جاءت املادة 36لتكريس حق املستهلك في التراجع إذ
نصت على أن للمستهلك أجل :
من خصائص حق العدول أيضا أن مصادره محددة بالقانون و االتفاق ,و يتقرر
باإلرادة املنفردة للمستهلك ,و دون الحاجة للجوء إلى القضاء ,و دون اشتراط موافقة
الطرف اآلخر ,بل و دون الحاجة إلثبات التعرض إلى أي وسيلة من وسائل التأثير أو
الخداع.
كما يعد الحق في العدول من الحقوق املؤقتة ,أي محددة املدة ,حفاظا على استقرار
مراكز االطراف في العقد ,ينقض ي إما باستعماله أو بفوات املدة املحددة له ,كما أن هذا
الحق متعلق بالنظام العام إذ أقره املشرع صراحة في النص.
باإلضافة للخصائص السالفة الذكر ،يمكن إضافة خاصية جوهرية للحق في التراجع،
واملتمثلة في أن الحق في التراجع يفترض وجود إرادتين متناقضتين صادرتين من شخص
واحد ،2بحيث أن املستهلك هنا يعبر عن رغبته في البداية على إبرام العقد ،ثم يأتي بعد
ذلك ويعبر هو نفسه عن رغبته في التراجع عن العقد.
1قانون 53.05المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية لم يشر إلى مكنة الحق في الرجوع لفائدة
المستهلك.
2
- David Bosco : le droit de rétraction, d’un aspect des rapports du droit de la
consommation et du droit commun des contrats, mémoire présenté pour
l'obtention du DEA en droit privé de la faculté de droit et science politique d'aix-
Marseille,1999, p 2.
بهدف تعزيز رضا املستهلك فإن مختلف التشريعات الحديثة منحته أيضا مهلة
إضافية للرجوع عن العقد أو ما يسمى بمهلة الندم أو الرجوع أو بحسب تسمية املشرع
املغربي مهلة التراجع.
وتأسيسا على ذلك نجد املشرع املغربي تعرض لنطاق تطبيق حق التراجع من خالل
تطرقه لجملة من االستثناءات التي وردت في املادة 38من القانون 31.08القاض ي
بتحديد تدابير لحماية املستهلك ,و كذلك ما جاءت به الفقرة األخيرة من املادة 36من
نفس القانون التي نصت على أنه "...تطبق أحكام هذه املادة مع مراعاة أحكام املادتين 38
و "42كل هذا يوضح اتساع نطاق هذا الحق ليشمل جميع العقود االستهالكية سواء تلك
التي تعتمد على الوسائل العادية أو االلكترونية ,لكن املشرع من خالل املادة 42يستثني
من العقود التي تتم عن طريق وسائل االتصال عن طريق األنترنت من نطاق ممارسة حق
التراجع ,حيث استثنى بعض السلع و الخدمات من ممارسة حق التراجع كخدمات التزويد
بسجالت سمعية أو بصرية ،أو الجرائد أو املجالت ،أو السلع السريعة التلف ,أو التي
صنعت خصيصا للمستهلك بحسب املواصفات التي طلبها.
ويعد تحديد املشرع املغربي لنطاق حق التراجع عن طريق أسلوب االستبعاد إال
تجسيدا ملا ذهب إليه املشرع الفرنس ي ملا قرر استبعاد هو اآلخرو العديد من العقود،
طبقا للمادة .20-1-121
وفي هذا اإلطار نصت املادة 38من القانون ( 31.08ق ح م) على ما يلي "ال يمكن أن
يمارس حق التراجع إال إذا اتفق الطرفان على خالف ذلك في العقود املتعلقة بما يلي :
-1الخدمات التي شرع في تنفيذها بموافقة املستهلك قبل انتهاء أجل السبعة أيام
كاملة؛
بممارسة الحق في التراجع فإن حالة الشك تنقض ي بزوال الرابطة العقدية بأكملها،
و يعتبر العقد كان لم يكن ،و يعاد الحال إلى ما كان عليه قبل إبرام العقد ،حيث قرر
املشرع املغربي أنه من حق املستهلك ممارسة هذا الخيار بطريقتين ،فإما أن يكون
للمستهلك حق استرداد ما دفعه من مبالغ ،أو حق استبدال املنتوج بغيره.
1
- Article L221-24 : "lorsque le droit de rétraction est exercé, le professionnel
rembourse le consommateur de la totalité des sommes versées, y compris les
frais de livraison, sans retard injustifié et au plus tard dans les quatorze jours à
compter de la date à laquelle il est informé de la décision du consommateur de
se rétracter.
هنا ال نجد أي إشارة للمشرع املغربي بهذا الخصوص ،بينما نجد أن املشرع الفرنس ي قال
بأن هذا األجل يحتسب من تاريخ علم املنهي بتراجع املستهلك عن التعاقد كما بينا سابقا من
خالل مقتضيات املادة . L 221-24
وعليه ،ونظرا لطبيعة املعامالت اإللكترونية ،والسرعة التي يمتاز بها املجال اإللكتروني ،نرى
بأنه يمكن للمشرع املغربي األخد بما جاء به املشرع الفرنس ي بإمكانية تعبئة اإلستمارة
بشكل إلكتروني ،على أن يجيبه املنهي على ذلك التراجع بواسطة إشعار باإلستالم ،وبالتالي
نقول بأنه من املالئم أكثر لو تم إحتساب تلك املدة من تاريخ توصل املستهلك باإلشعار من
طرف املنهي بأنه قد بلغ إلى علمه إقدامه على التراجع عن التعاقد -داخل أجل معقول .-
تجدر اإلشارة كذلك على أنه في حالة مخالفة هذا األثر بالنسبة للمنهي يتم تطبيق مضامين
املادة 178من القانون 31.08والوارد فيها ":يعاقب بغرامة مالية من 1200إلى 50.000
درهم املورد الذي يرفض ارجاع املبالغ إلى املستهلك وفق الشروط املنصوص عليها في
املادتين 37و .40في حالة العود ترفع الغرامة إلى الضعف.
يعتبر في حالة العود من يرتكب مخالفة داخل أجل الخمس سنوات املوالية لصدور حكم
حائز على قوة الش يء املقض ي به من أجل أفعال مماثلة ".
- 2أثر الحق في التراجع بالنسبة للمستهلك :
من آثار حق التراجع من قبل املستهلك نقض العقد السابق إبرامه و فسخه بصفة
عامة ،و يترتب على ذلك أن يكون عليه رد السلعة أو املنتج إلى املنهي أو التنازل عن
الخدمة ،و املستهلك الذي يمارس حقه في التراجع خالل املدة املقررة ال يتحمل في مقابل
ذلك أية جزاءات أو مصروفات فيما عدا املصروفات املحتملة إلرجاع املنتوج.
وهو ما يمكن أن يستنتج ضمنيا من الفقرة الثانية من املادة 36من القانون 31.08
التي جاء فيها " :وذلك دون الحاجة إلى تبرير ذلك أو دفع غرامة باستثناء مصاريف
اإلرجاع إن اقتض ى الحال ذلك ".
منه يستنتج أن املستهلك عند ممارسة حقه في التراجع يكون عليه رد محل التعاقد
للمنهي ،غير أن املشرع املغربي لم يحدد أجال لذلك وال من يمكنه أن يتسلمه مكانه ،كما
فعل املشرع الفرنس ي من خالل املادة L 221-23من قانون االستهالك ،1حيث أقربأن
1
- Article L221-23 : " le consommateur renvoie ou restitue les biens au
professionnel ou à une personne désignée par ce dernier, sans retard éxcessif
et au plus tard dans les quatorze jours suivant la communication de sa décision
املستهلك عند ممارسة حقه في التراجع يجب عليه إرجاع محل التعاقد للمنهي أو ألي شخص
يعينه هذا األخير مكانه ،بدون تأخر وداخل أجل أربعة عشر يوما من تاريخ تبليغه للمنهي
قراره بالتراجع عن التعاقد ،ما لم يقترح املنهي أنه هو من سيتكفل بإرجاع محل التعاقد.
كما أضاف أن املستهلك ال يتحمل إال مصاريف اإلرسال ،ما لم يقم أيضا املنهي بإشعار
املستهلك بأنه هو من سيتكفل بتلك املصاريف.
باإلضافة لذلك ،نص املشرع الفرنس ي من خالل الفقرة الثالثة من املادة L 221-23أنه
فيما يخص العقود املبرمة عن بعد ،أي عندما يتم تسليم محل التعاقد مباشرة ملنزل
املستهلك عند إبرام العقد ،يلتزم املنهي باسترجاع ذلك املحل على مصاريفه الخاصة لو كانت
طبيعة املحل تحول دون إرساله بالشكل العادي.1
كما ورد في املادة L 221-23مقتضا مهم آخر ،يخص مسؤولية املستهلك عن خفض
قيمة محل التعاقد الناتج عن استعماله ،2حيث يطرح سؤال حول إمكانية حرمان
املستهلك وخصوصا املستهلك املتعاقد إلكترونيا ،في حالة فتح غالف السلعة محل التعاقد،
فهل يمكن إعتبار أن املستهلك هنا عمل على نقص وخفض قيمة ذلك املحل ؟
هذا التساؤل هو ما أجاب عنه القضاء الفرنس ي من خالل قرار ملحكمة االستئناف
بـبوردو بقوله " :فيما يخص الحق في التراجع فإن شركة ،CDiscoutوهي شركة مختصة
بالبيع عبر اإلنترنت ،تشترط في العقود التي تبرمها أنه ال تقبل املنتجات التي ترجع في حالة ال
تسمح بإعادة تسويقها ،حيث إن املنتوج يجب أن يرد في حالة جيدة وفي غالفه األصلي،
وذلك دون أن يتم فتح هذا األخير وال اتالفه وال أن يكتب عليه ،وحيث إن جمعية حماية
املستهلك ،UFC que choisirتعتبر أن هذا الشرط يحرم املستهلك املتعاقد إلكترونيا من
اإلستفادة من حقه في التراجع ،ألنه ليس بإمكانه أن يتفحص املنتوج الذي اقتناه ،بما أن
شركة CDiscountتمنع املستهلك في حقيقة األمر من فتح الغالف من خالل الشرط املشار
إليه ،ألنه في حالة فتحه فإنه سيتم اتالفه بالتأكيد.
وقد ردت شركة CDiscountعلى هذا الدفع ،فاعتبرت أن الهدف من هذا الشرط ليس هو
حرمان املستهلك من ممارسة حقه في التراجع ،بل إن هذا الشرط يهدف إلى الحفاظ على
املنتوج وإرجاعه في حالة جيدة.
إن املنتوج يجب أال يتم خلطه مع الغالف ،فهذا الخير من الضروري فتحه حتى يتمكن
املستهلك من تصفحه السلعة بل ويمكن إتالفه أيضا ،لكن هذه املسألة يجب أال تحرم
املستهلك من ممارسة حقه في التراجع ،لذا فإن الشرط املشار إليه أعاله يجب تعديله".1
وعليه ،ما يمكن أن نستنتجه من خالل املقتضيات السالفة الذكر ،أن املشرع املغربي
سلك الطريق الصحيح حينما أقر حق املستهلك في التراجع ،غير أنه عند مقارنة ما جاء به
املشرع املغربي مع ما جاء به املشرع الفرنس ي ،نجد هذا األخير قد توسع في معالجة هذه
النقط إلى جانب قضاءه ،بل وفر حماية أكثر للمستهلك اإللكتروني باقراره مقتضيات تسهل
املساطر من جهة ،وتحصنه من جهة أخرى ،ومنه نتمنى أن يعمل املشرع املغربي على
تحسين تلك املقتضيات ليحدو حدو املشرع الفرنس ي.
خالصة القول ،فإنه يمكن استخالص حماية املستهلك من خالل التوسع في
جملة من االلتزامات املقررة على عاتق املنهي ،خشية من قصور االلتزامات التقليدية
املقررة في القواعد العامة كالتزامه بضمان العيوب الخفية ،و سلطة القاض ي في تعديل
الشروط التعسفية ،و ذلك إما لعدم كفاية هذه االلتزامات في حماية حقوق املستهلك ،و
إما لصعوبة تقريرها أو إعمالها ،أو ملا قد ال ينتج عن إعمالها من تعويض مناسب للضرر
الالحق باملستهلك.
كما تعد الحماية مدخال هاما لضمان استقرار املعامالت التجارية باالعتماد على
وسائط تقنية ،و بذلك فهي توفر عنصر األمان و الثقة في هذا النوع من التعامالت
االلكترونية على اختالفها خاصة ما تعلق بعملية االستهالك للمنتجات و الخدمات.
1
- Tribunal de grande instance de bordeau , 1er chambre le 11 mars 2008,publié
sur www.legalis.net motclé : rétraction.
طارق عزوز
يعتبر مبدأ حجية التقييد 1حجر الزاوية في نظام التحفيظ العقاري ،فهو ال يقتصر
على توفير الشعور باألمن واالطمئنان إلى املالك املسجل فحسب ،و الذي يبقى في منأى عن
أية منازعة بخصوص ملكيته لحقه أو مدى هذه امللكية .وإنما يوفر املبدأ أيضا الشعور
نفسه لكل من يريد التعامل مع هذا املالك املسجل/املستهلك،حيث بإمكانه أن يطمئن إلى
قيود السجل العقاري والتعامل على أساسها ،مما يجعله هو اآلخر في منأى من أية مفاجأة
من شخص آخر يدعي أنه هو املالك الحقيقي للعقار موضوع املعاملة ،مادام أنه قد اعتمد
على ما هو مضمن بالرسم العقاري بحسن نية.
أما إن هو كان على علم بعدم مشروعية التقييد الذي اعتمد عليه ،فإن حجية
التقييد بالنسبة إليه تتالش ى وتفقد قيمتها القانونية ،وبذلك يمكن القول بأن حجية
التقييد ـ بخالف حجية التحفيظ ـ تتأرجح بين النسبية واإلطالق بحسب األحوال.
فما هي قيمة هذه التقييدات ومدى حجيتها بين األطراف؟ وهل تقتصر على
األطراف أم تمتد إلى الغير؟ وما دخل القاعدة األخالقية (حسن النية -سوء النية) في
ذلك ؟ وهل هناك استثناءات لهذه القوة الثبوتية ،تعطل مفهومها في بعض الحاالت؟
1نقصد بحجية التقييد القيمة التي يمكن إعطاؤها للتقييدات الالحقة للتحفيظ ،بحيث يعتد بها كوسيلة إلثبات ملكية
الحقوق العينية العقارية و كذلك القيود التي تترتب عنها.
تنص املادة الثانية 1من م.ح.ع .على "أن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات
تابعة إلنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه و تكون حجة في مواجهة الغير على أن
الشخص املعين بها هو فعال صاحب الحقوق املبينة فيها.
إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري ال
يمكن التمسك به في مواجهة الغير املقيد عن حسن نية ،وال يمكن أن يلحق به أي ضرر...
".
و ينص الفصل 66من ظ.ت.ع في فقرته الثانية على انه "...ال يمكن في أي حال
التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة"...
بناءا على هذه املقتضيات التشريعية ،يتبين أن حجية التقييد تتأرجح بين النسبية
واإلطالق ،وذلك بحسب ما إذا تعلق األمر بأطراف التصرف املقيد فيما بينهم من جهة ،أو
بالغير من جهة أخرى ،وفي هذه الحالة األخيرة يختلف األمر أيضا بحسب ما إذا كان هذا
األخير ذي نية حسنة أم ذي نية سيئة.
وعليه ،فبحثنا ملدى حجية التقييدات الالحقة على تأسيس الرسم العقاري
يقتض ي تقسيم هذا املوضوع إلى فقرتين ،نعالج في األولى حجية التقييد بين املتعاقدين،
ثم نبحث في مدى هذه الحجية بالنسبة للغير خالل الفقرة الثانية.
إن ضمان الحقوق العينية و التكاليف العقارية بين أطراف التصرف القانوني
يحصل بمجرد تقييدها في السجل العقاري ،ذلك أن املتصرف إليه/املستهلك بمجرد ما
يسجل الحق العيني الذي اكتسبه يصبح صاحب هذا الحق دون أن ينازعه فيه أحد طاملا
بقي التقييد على اسمه بالسجل العقاري ،فهذا التقييد يضمن له الثبات واالستقرار2.
وعليه ،فحجية التقييد تمنع املتصرف أن ينازع في كونه صاحب الحق املتصرف
فيه ،كما تجعل أي تصرف الحق يجريه املتصرف غير نافذ في حق املتصرف إليه األول
الذي سجل حقه1.
لكن هذه الحجية ال تأثير لها في صحة التصرف وال يترتب عليها إزالة العيوب التي
تكون عالقة بالسند الذي تم على أساسه التقييد ،بحيث يجوز الطعن في هذا التقييد إن
كانت هناك أسباب تسمح بذلك.2فالتقييد ال ينشا ملصلحة صاحب الحق العيني املسجل
سندا قانونيا جديدا مجردا ومستقال عن التصرف القانوني الذي استند إليه هذا
التقييد ،إذ القاعدة العامة في هذا املوضوع هي أن التقييد ال يساوي بين طرفي التصرف،
إال ما يساوي ذلك التصرف نفسه املؤسس لذلك التقييد.
وهذا يعني أن حجية التقييد بين األطراف ليست سوى مجرد قرينة بسيطة تقبل
ُ
إثبات العكس 3عن طريق الدليل املعاكس ،والذي إذا ما اعترف به قضائيا فإنه يؤدي إلى
التشطيب على التقييد وإبطال كل آثاره .فقيمة التقييد ترتبط ارتباطا وثيقا بقيمة
التصرف الذي قام عليه هذا التقييد وتتبعه في الصحة والبطالن ،إذ أن التقييد ال
يضيف شيئا لقيمة هذا التصرف.
فمثال إذا جرى التقييد استنادا لعقد قابل لإلبطال ،كما لو تعلق األمر بعقد بيع
مشوب بعيب من عيوب الشكل كأن يكون عقدا عرفيا غير مصادق على تواقيعه أو
يتضمن التزامات مترتبة على أشخاص أميين ،أو كما لو تعلق األمر بعقد بيع مشوب بعيب
من عيوب قابلية اإلبطال ملصلحة أحد الطرفين بسبب ما شاب إرادته العقدية من عيوب
اإلرادة ،كالغلط أو اإلكراه أو الغبن أو التدليس ،فإنه يمكن لصاحب املصلحة أن يراجع
القضاء إلبطال ذلك العقد املعيب وتشطيب التقييد تبعا لذلك.
كذلك يمكن الطعن في التقييد عن طريق طلب الفسخ من قبل الطرف الذي نفذ
التزامه العقدي دون أن يقوم الطرف اآلخر بتنفيذ ما عليه من التزام مقابل ذلك
1مأأأأمون الكزبأأأري ،التحفأأأيظ العقأأأاري والحقأأأوق العينيأأأة االصأأألية و التبعيأأأة فأأأي ضأأأوء التشأأأريع المغربي،الجأأأزء
الثاني.مطبعة الهالل العربية الرباط،الطبعة الثانية 1987ص.165.
2محمد خيري،مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي،المساطر االدارية و القضائية،مطبعة
المعارف الجديدة-الرباط طبعة ،2013ص.584.
3محمد بن أحمد بونبات " ،نظام التحفيظ العقاري دراسة في القوانين المرتبطة بنظام التحفيظ العقاري في المغرب"
،المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش،الطبعة الثانية 2005ص.129.
االلتزام ،1كما لو تعلق األمر بعقد بيع عقار محفظ ،لم يقم فيه املشتري بأداء الثمن بعد
أن قام البائع بتنفيذ التزامه بتقييد عقد البيع بالسجل العقاري ،حيث تنتقل ملكية
العقار املبيع للمشتري الذي لم ينفذ التزامه بأداء الثمن .ففي هذا املثال يمكن للبائع أن
يراجع القضاء لفسخ عقد البيع لعدم تنفيذ املشتري التزامه وتشطيب التقييد تبعا لذلك.
ففي جميع هذه ا ألحوال إذا تبين للمحكمة أن الطعن في العقد مبني على سبب
صحيح ،فإنها تقض ي بالبطالن أو اإلبطال أو الفسخ بحسب األحوال ،وهذا يؤدي
بالضرورة إلى تشطيب التقييد الذي بني عليه وإبطال سائر آثاره ،وذلك فيما بين
املتعاقدين الذين أنشئوا هذا التقييد ،عمال بمفهوم املخالفة للفقرة الثانية من املادة
الثانية 2من م.ح.ع .التي جاء فيها بأن ..." :ما يقع من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم
العقاري ال يمكن التمسك به في مواجهة الغير املقيد عن حسن نية ،كما ال يمكن أن
يلحق به أي ضرر " 3حيث نستنتج أن هذا اإلبطال يمكن التمسك به في مواجهة أطراف
التصرف القانوني الذين أنشئوا ذلك التقييد.
وهذا هو االتجاه الذي يسير عليه اجتهاد املحاكم في بالدنا ،حيث ورد في قرار
ملحكمة االستئناف بالرباط " :أن عدم قابلية الطعن في الرسم العقاري للملكية املحفظة
ينحصر في تنظيم الرسم نفسه الذي سبقته مسطرة التحفيظ ،ولكن ال شأن له في
التسجيالت الالحقة على التحفيظ "4.
وهكذا يجوز ألي طرف أن ينازع ـ في مواجهة الطرف اآلخر ـ في وجود أو صحة الحق
العيني على الرغم من تقييده ،وذلك بإثبات عيوب التصرف أو العمل الذي استند إليه
هذا التقييد ،فالسجل العقاري ال يمكن أن يعتبر مأوى العقود املعيبة كما ال يمكن أن
يصبح التقييد حاجزا أمام إعادة األمور إلى وضعيتها الحقيقية.
1مازن الجم " ،الحقوق الخاضعة للتسجيل وفق نظام التحفيظ العقاري" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في
القانون الخاص ،الجزء الثاني ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مراكش ،سنة
،1991ص.291.
2تقابلها الفقرة الثانية من الفصل 3من ظهير 2يونيو 1915الملغى.
3كما يستفاد ذلك أيضا من خالل الفقرة الثانية من الفصل 66من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله بمقتضى
القانون رقم 14.07الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177الصادر في 22نونبر . 2011
و التي جاء فيها " :ال يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة ".
4قرار محكمة االستئناف بالرباط مؤرخ في 19مارس ،1937مجموعة قرارات محكمة االستئناف
بالرباط ،1937،ص.316.
ويعتبر ورثة أحد األطراف طرفا في التصرف ،ذلك ألنهم يحلون محل موروثهم في
حقوقه والتزاماته ،وهو ما أكدته ابتدائية فاس بقولها " :و حيث إنه من القواعد القانونية
أن الوارث خلف املورث ويقوم مقامه في ذمته املالية إثباتا ونفيا ،وأن كل التزام تعلق
باملوروث فإنه ينتقل إلى الوارث بحكم القانون طبقا للفصل 228من ق.ل.ع ،وطبقا لهذه
القاعدة فإن الوارث إذا سجل إراثته فوق الرسم العقاري فإن ذلك ال يحول دون تقييد
كل التزام أبرمه موروثه في حياته ألن الوارث ليس أجنبيا بل هو قائم مقام موروثه شرعا
وقانونا ،يلزمه ما يلزم موروثه ،فلو أن البائع كان حيا لوجب عليه الوفاء بالتزامه وإيصال
املشترين إلى التسجيل في دوائر املحافظة العقارية اختيارا أو قضاء ،فوارثه يلزم بذلك
أيضا "1.
وبالتالي ،فإنه يمكن للطرف اآلخر أن يتمسك في مواجهة الورثة بإبطال التصرف
الذي أبرمه مع موروثهم والتشطيب على التقييد الذي تم على أساسه تبعا لذلك ،وال
يحول دون ذلك كون هؤالء الورثة حسني النية أي ال يعلمون بالعيوب التي تشوب
التصرف املذكور الذي أبرمه موروثهم ،إذ ال مجال لحسن النية أو سوئها في هذا الصدد،
وهو ما أكدته ابتدائية فاس بقولها" :و حيث إنه إذا كان قانون التحفيظ يحترم حسن
النية في التقييدات فوق الرسم العقاري ،فإن ذلك غير وارد في حق الوارث إطالقا ألنه
خلف ملوروثه "2.
نستخلص في نهاية هذه الفقرة أنه ليس للتقييدات الالحقة على إنشاء الرسم
العقاري فيما بين املتعاقدين سوى حجية نسبية ،فهذه التقييدات تبقى مرتبطة بقيمة
التصرف الذي ُبنيت عليه ،وبذلك يمكن القول إن حجية التقييد بين األطراف في التشريع
املغربي ال تختلف عن نظام الشهر الشخص ي الذي ال يضيف شيئا إلى قيمة السند الذي
كان أساسا لهذا التقييد.
1حكم المحكمة االبتدائية بفاس رقم 76في الملف المدني رقم ،33/9203مؤرخ في ،1978/09/29أشارت إليه
فاطمة الحروف ،حجية القيد في السجل العقاري،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص،كلية
العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية،جامعة محمد الخامس،الرباط،السنة الجامعية 1994-1993ص308.
و.309
2حكم ابتدائية فاس رقم 76ملف رقم ،77-32-3مؤرخ في ،1978/06/29أشارت إليه فاطمة الحروف ،م.س ،
ص.312.
وهذا على خالف بعض األنظمة العقارية األخرى ،كأملانيا التي أنشأت ملصلحة
صاحب الحق العيني الذي يقوم بتقييده سندا قانونيا جديدا مستقال تماما عن التصرف
القانوني الذي أجري التقييد استنادا إليه ،ومن ثم يكون للتقييد الالحق على إنشاء
الرسم العقاري في هذه األنظمة حجية مطلقة حتى فيما يبن املتعاقدين1.
غير أن القانون العقاري املغربي لم يحدد ما يقصده بلفظ الغير ،لكن بالرجوع
إلى املبادئ العامة نجد أنه يعتبر من الغير كل شخص لم يكن طرفا في العقد وال ممثال
فيه.
و حتى تكون للتقييد قوة ثبوتية مطلقة في مواجهة الغير ،يجب أن يكون هذا
الغير حسن النية.
وإذا كان الغير الذي لم يقيد حقه ال يستطيع أن يدعي أو يرتمي على ملك الغير
املقيد فإن التساؤل يبقى متعلقا بحجية التقييد بالنسبة للغير املتمتع بحق عيني مقيد؟
وحجية التقييد بالنسبة للغير املتمتع بحق عيني مقيد تقتض ي التفرقة بين
الحالة التي يكون فيها حسن النية (أوال) والحالة التي يكون فيها س يء النية (ثانيا).
1علي حسن نجيده" ،الشهر العقاري في مصر والمغرب" ،دار النهضة العربية ،القأاهرة ،الطبعأة األولأى،1986 ،
ص.190.
من خالل هذين الفصلين يمكن القول أن الغير حسن النية هو الشخص الذي
يجهل بالعيوب أو الشوائب التي تعيب أو تشوب سند أو رسم من كان تلقى الحق منه يوم
تلقي هذا الحق و تقييده على اسمه في السجل العقاري 2،دون أن يكون قد ارتكب رعونة
أو إهماال تتجلى في كونه كان عليه أن يعلم بالحقيقة3
وتجدر اإلشارة إلى أنه حتى يعتبر متلقي الحق حسن النية يتعين أن يكون جاهال
للعيوب والشوائب املذكورة عند تقييد حقه بالرسم العقاري .وعليه فال يتأثر حسن نيته
إن هو علم بهذه العيوب والشوائب بعد تقييد الحق الذي انتقل إليه.فما هو اثر حسن
النية على حجية التقييد؟
عند ثبوت حسن نية الغير باملفهوم السابق بيانه ،فإن حجية التقييد بالنسبة له
تكتس ي مبدئيا قوة ثبوتية مطلقة ،بمعنى أن قيود السجل العقاري التي اطمأن إليها هذا
الغير حسن النية وارتكز عليها في اكتساب الحق تعتبر قيودا صحيحة على وجه مطلق،
بحيث ال يتأثر حقه بما يمكن أن يطرأ عليها من بطالن أو إبطال أو تغيير الحق 4،وهذا ما
أعلنه املشرع في الفقرة الثانية من الفصل 5 66من ظ.ت.ع بقوله " :ال يمكن في أي حال
التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة ".
1ومحكمة النقض بدورها تؤكد على أن " :تطبق في شأن بيع العقار المحفظ القواعد الواردة في قانون االلتزامات
والعقود دون غيرها " .القرار رقم 717في الملف المدني رقم 62536المؤرخ في 18أكتوبر ،1978منشور
بمجلة قضاء المجلس األعلى،عدد 26أكتوبر ،1980ص.67.
2مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية ،م.س ،ص.169.
3محمد شكورة ،حسن النية في قانون العقارات المحفظة والقانون الخاصة بالمنقول في التشريع المغربي.،رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني .كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية،عين الشق-الدار البيضاء ،السنة الجامعيــــــة ،1986-1985 :ص.47.
4مأمون الكزبري ،مرجع سابق ،ص.167.
5كما تم تعديله بمقتضى القانون رقم 14.07الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177الصادر في 22
نونبر . 2011
وأيضا في الفقرة الثانية من املادة الثانية 1من م.ح.ع .عندما صرح " :إن ما يقع على
التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري ال يمكن التمسك به في
مواجهة الغير املقيد عن حسن نية ،كما ال يمكن أن يلحق به أي ضرر".
وعلى ضوء هذه النصوص نستطيع أن نقول بأن حجية التقييد بالنسبة للغير لها
وجهان :وجه إيجابي وآخر سلبي .فالوجه اإليجابي لحجية التقييد يعني أن كل ما هو مقيد
في السجل العقاري يعتبر موجودا وصحيحا اتجاه الغير حسن النية الذي اكتسب حقه
استنادا لهذا القيد.
أما الوجه السلبي لحجية التقييد فيعني أن كل حق غير مقيد بالسجل العقاري
يعتبر غير موجود بالنسبة للغير حسن النية الذي اكتسب حقه باالستناد ملندرجات هذا
السجل ،والتي ال تنص على التكليف أو الحق املراد إلزامه به2.
كما أكد القضاء املغربي أكثر ما مرة ـ واستنادا إلى الفصل 66ظ.ت.ع و املادة 2
من م.ح.ع .السالفين الذكر ـ بأن " :حجية التقييد بالنسبة للغير حسن النية تكتس ي قوة
مطلقة ،بمعنى أن قيود السجل العقاري التي ارتكز عليها هذا الغير تعتبر قيودا صحيحة
على وجه مطلق ،بحيث ال يتأثر حقه بما يطرأ عليها من تغيير" 3،وبذلك ال يؤثر على حق
املشتري حسن النية ،بطالن البيع الذي يقع بين البائع له ومن اشترى منه أيا كان سبب
البطالن ،وذلك ألنه عندما أقدم على الشراء اعتمد على ما هو ثابت في صفحات السجل
العقاري وهو حسن النية4.
ستعمل في حقه ما يكفي من فإن ذلك يكون على حساب املالك األصلي للعقار الذي قد ُي َ
وسائل التزوير والتضليل للتشطيب عليه كمالك من الرسم العقاري ،وهو ما حدا ببعض
الفقه إلى اعتبار أن األولى بالحماية هو املالك الحقيقي األصلي و ليس الغير ولو كان حسن
النية ،مستندا في ذلك إلى ما يوحي به ظاهر الفصل 66من ظ ت ع أعاله.
في هذا الصدد يرى احد الفقه 1أن ما ال يجوز التمسك بطلب إبطاله في مواجهة
الغير حسن النية هو التقييد في حد ذاته وليس موضوعه ،كما يتضح من سياق الفقرة
الثانية من الفصل 66السالفة الذكر ،خاصة عند قول املشرع (...ال يمكن في أي حال
التمسك بإبطال هذا التقييد ،)...ويرجع ذلك إلى أن التقييد ينبني على شروط شكلية ورد
النص عليها في الفصل 69من ظ.ت.ع ،وهذه الشروط ال تؤثر على موضوع الحق عند
الخطأ فيها أو إغفالها ،الش يء الذي دفع باملشرع إلى حماية الغير حسن النية في الفرضية
التي يقع فيها التقييد دون استيفاء شروطه الشكلية مادام موضوع الحق سليما،وأما
موضوع التقييد فإنه ينصرف إلى الحق الذي يملكه الشخص والحق ال يكون حقا إال إذا
كان صحيحا ،وإذا ما سجل حق مزور أو باطل فإنه يبقى مزورا وباطال ،ألن ما بني على
الفساد يبقى فاسدا ،وما بني على الباطل يبقى باطال وال يحول دون ذلك كون املستفيد
من هذا التقييد حسن النية.
من جهة أخرى يذهب بعض الباحثين 2إلى أن قاعدة عدم جواز التمسك بإبطال
التقييد في مواجهة الغير حسن النية املنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 66من
ظ.ت.ع أعاله ،ينحصر مجال تطبيقها في حاالت اإلبطال دون البطالن بقوة القانون،
ويتضح ذلك من خالل استعمال املشرع لعبارة " ال يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا
التقييد " .ويترتب على ذلك أنه متى كان التقييد باطال بقوة القانون ،كالحالة التي يستند
فيها إلى وثيقة مزورة ،فإنه يبقى باطال وال مجال لالستدالل بحسن نية املستفيد من هذا
التقييد.
ومن خالل اطالعنا على بعض القرارات الحديثة ملحكمة النقض " ونظرا لكثرة
التهافت على ملكية العقار بجميع الوسائل ولو باستعمال النصب والتزوير وتفويته بعد
ذلك للغير ،حتى يتم قطع الطريق أمام املالك األصلي من استرجاع ما سلب منه بدعوى
أن هذا الغير حسن النية يوفر له القانون الحماية الالزمة " 3نجد أنه قد بدأ يؤكد هذا
1عبد الرحمن بلعكيد" ،وثيقة البيع بين النظر والعمل" مطبعة النجاح الجديدة،الدار البيضاء،الطبعة االولى،1993
ص.162.
2عمر األبيض ،تعليق على قرار المجلس األعلى رقم 28554الصادر بتاريخ ،2008/7/23مجلة قضاء المجلس
األعلى العدد ،69 :سنة ،2008ص 278.وما بعدها.
3عمر األبيض ،م.س ،ص 279.و.280
الرأي الفقهي ،فيعتبر أن األولى بالحماية هو املالك األصلي ،وأنه ال مجال للدفع بحسن نية
الغير طاملا أن التقييد الذي اعتمد عليه هذا األخير يستند إلى سند باطل ،ويتضح ذلك
من خالل بعض القرارات الحديثة كالقرار رقم 1107الصادر في .12008/03/26
وقد أكدت محكمة النقض نفس التوجه مرة أخرى من خالل قرار حديث آخر جاء
فيه" :إن األولى بالحماية هو املالك الحقيقي طاملا أن حق امللكية مضمون ،وأنه ال مجال
لالستدالل بحسن النية طاملا أن الوكالة التي انعقد البيع األول على أساسها ثبتت زوريتها
بمقتض ى قرار جنحي انتهائي ،وأن ما بني على التزوير ال يترتب عنه أي أثر قانوني سواء
بالنسبة للمتعاقدين أو لخلفائهما ...فااللتزام الباطل ال يمكن أن ينتج أي أثر إال استرداد
ما دفع بغير حق تنفيذا له مما تكون معه العقود املبرمة تأسيسا على عقد الوكالة باطلة
وكذا جميع إجراءات تسجيلها"2.
و أخيرا فقد أحسن املشرع املغربي صنعا إذ هو يتدخل بمقتض ى القانون رقم
39.08املتعلق ب م.ح.ع ،ليؤكد على أن حماية الغير حسن النية (من ما يمكن أن يقع
على التقييدات بالرسم العقاري من إبطال أو تغيير أو تشطيب) مشروط بعدم كون
صاحب الحق قد ضاع عليه حقه بسبب التدليس أو التزوير .أما إن كان هذا األخير قد
وقع ضحية ماذكر من التدليس أو التزوير فإنه يكون أولى بالحماية شريطة أن يرفع
الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد املطلوب إبطاله أو
تغييره أو التشطيب عليه .وبذلك ورد النص في الفقرة الثانية من املادة 2من م.ح.ع.3
1قرار محكمة النقض رقم ،1107في الملف المدني رقم ،2006/2/1/1638 :المؤرخ في ،2008/03/26
منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ،123 :نونبر – دجنبر ، 2009ص 114.وما بعدها 1.قرار المجلس األعلى
رقم ،1107في الملف المدني رقم ،2006/2/1/1638 :المؤرخ في ،2008/03/26منشور بمجلة المحاكم
المغربية عدد ،123 :نونبر – دجنبر ، 2009ص 114.وما بعدها
2قرار محكمة النقض رقم ،2854 :في الملف المدني رقم ،04/1/1/1696 :المؤرخ في ،2008/07/23منشور
بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ،69 :سنة ،2008ص 22.وما بعدها.
3لكن ما يعاب على المشرع المغربي هو انه اورد استثناءات على قاعدة الحجية المطلقة للتقييدات بالرسوم العقارية
بالمادة الثانية من م.ح.ع فقط.و بالرجوع الى الفصل 66من قانون التحفيظ العقاري لم يشر الى تلك االستثناءات
االمر الذي نتج عنه نوع من عدم التوافق بين القانونين(ظ.ت.ع و م.ح.ع) بخصوص هذه المسالة -.بوحامد عبد
القادر .حدود الحماية القانونية و القضائية للتقييدات بحسن نية.الندوة الوطنية في موضوع االمن العقاري.دفاتر
محكمة النقض عدد ، 26مطبعة االمنية ،الرباط 2015ص554:
فبمفهوم املخالفة يتضح أن سوء نية الغير يتمثل في علمه عند تقييده الحق العيني
على اسمه في السجل العقاري بالعيوب أو الشوائب التي تعيب أو تشوب سند أو رسم من
كان تلقى الحق منه ،أو على األقل كان بإمكانه أن يعلم بهذه العيوب أو الشوائب،فمثل
هذا الغير ليس جديرا بالرعاية التي أحاط بها املشرع الغير حسن النية،ألنه بعلمه عيوب
سند املتصرف و قبوله إبرام التصرف معه رض ي باملخاطرة و الخسارة،فال يجب أن يحتمي
بحجية التقييد التي إنما أفردت لحماية الحقوق املستندة إلى أعمال أو اتفاقات صريحة1.
وبخالف املشرع املغربي ،لم يفت املشرع اللبناني تنظيم حالة الغير سيئ النية بنص
خاص وبيان متى يكون هذا الغير س يء النية ،وذلك في الفقرة 2من املادة 13من القرار
رقم 188التي استثنت من حق التذرع بحجية التسجيل ،األشخاص اآلخرين الذين عرفوا
قبل اكتساب الحق بوجود العيوب أو األسباب التي تدعو إلى إلغاء الحق أو إلى نزعه.وهو
نفس املعنى الذي تضمنته املادة 974من القانون املدني السويسري التي تنص على أن
"س يء النية هو ذلك الذي علم أو كان عليه أن يعلم بالعيوب التي تكتنف التقييد".
أما بالنسبة للقضاء املغربي فقد جاء في قرار ملحكمة النقض 2انه" :إذا كانت
الطاعنة قد أبرمت عقد بيع ثان مع زوجها تدليسا منها حتى ال يتوصل املشتري إلى التمتع
بما اشتراه بنية صالحة ،فال يضر في ش يء كون البيع الذي أبرمته مع زوجها وقع تقييده
بالسجل العقاري دون البيع اآلخر .وتكون املحكمة على صواب إذ لم تعتبر ذلك وقضت
حسب سلطتها التقديرية اعتمادا منها على ما استنتجته من عناصر امللف ومستنداته من
أن البيع الثاني لغو ال يعتد به ملا وقع فيه من التدليس ،ألن األرض املتنازع فيها سبق
تفويتها للغير بمقتض ى عقد صحيح".
وبذلك يمكن استخالص رأي محكمة النقض في تحديد مفهوم سوء النية في هذه
الفرضية ،وهو اشتراط تواطؤ البائع واملشتري الثاني على اإلضرار باملشتري األول وتفويت
الفرصة عليه.
فالعقد املقيد الذي ينطوي على غش وتواطؤ هو عقد باطل وال يخلصه التقييد من
البطالن ذلك أن الحجية املعطاة للتقييد ال تسري إال في مواجهة الغير حسن النية،
فمناط إبطال التقييد إذا ليس هو مجرد علم املشتري الثاني بل غشه أي علمه األكيد أن
املشتري األول كان عازما على تقييد عقد البيع فاستعجل تقييد عقده مع وثوقه بأنه
يحرم األول من املزايا الخاصة بشرائه قصد اإلضرار به ،وإلثبات سوء النية يمكن الرجوع
إلى املادة 574من ظ.ل.ع لبيان بعض الضوابط التي يمكن االستئناس بها لإلثبات سوء
النية حيث نصت على ما يلي" :ال يحق للبائع س يء النية التمسك بدفوع التقادم املقررة في
الفصل السابق كما ال يحق له التمسك بأي شرط آخر من شأنه أن يضيق حدود
الضمان املقرر عليه".
وتجدر اإلشارة إلى أن صفة سوء النية تالزم الشخص وال تتعداه ،بمعنى أن
املتصرف إليه س يء النية إذا أبرم تصرفا ملصلحة شخص آخر وكان هذا الشخص حسن
النية ،فإن هذا األخير يبقى حسن النية رغم أن الحق انتقل إليه من متصرف س يء
النية1.
هكذا إذا كان التقييد بالنسبة للغير حسن النية يكتس ي حجية مطلقة -كما مر
معنا ،-فإن هذه الحجية تتالش ى عند ثبوت سوء نية هذا الغير ،بحيث يمتنع عليه
التمسك بقيود السجل العقاري ودرء ما يمكن أن يترتب على بطالن أو إبطال أو فسخ
هذه القيود ،كما ال يمكنه دفع سريان بعض الحقوق أو التكاليف عليه بعلة عدم
تقييدها في السجل العقاري.
وعليه ،فلو أن شخصا اشترى عقارا وعلم عند إبرام العقد أن حق البائع قد جرى
قيده بالسجل العقاري بدون حق ،أو أن حق هذا البائع عرضة لإللغاء أو اإلبطال أو
البطالن أو الفسخ فإن ما يسري على البائع من أسباب إبطال الحق أو بطالنه أو فسخه
َ
املعتبر في هذه الحاالت س يء النية1. أو انتزاعه منه...يسري أيضا على املشتري
وقد قضت استئنافية الرباط بأن " :القوة املطلقة للتسجيل في السجل العقاري ال
يمكن إثارتها من طرف الغير س يء النية "2.
نفس الحكم تتبناه العديد من التشريعات واالجتهادات القضائية األجنبية ،في هذا
الصدد قضت محكمة النقض السورية بأن" :االجتهاد مستقر على إبطال أي تسجيل جرى
إذا تم التواطؤ وبقصد اإلضرار بالغير"3.
وهذا ال يطعن في الثقة الواجبة للرسم العقاري ،وذلك ألن العلم ينفي املفاجأة وال
يمكنهما أن يجتمعا معا ،كما ال يمكن للغير س يء النية أن يدعي أنه اطمأن إلى قيود
السجل العقاري ،وبالتالي فإن الطعن في تقييد حقه ال يخل بمبدأ تشجيع االئتمان.
وبذلك يكون املشرع املغربي في مجال التقييدات الالحقة إلنشاء الرسم العقاري قد
أقام توازنا بين قواعد األخالق من جهة ،وبين دواعي استقرار امللكية العقارية من جهة
أخرى ،أي بين مبادئ العدالة وبين متطلبات املصلحة االقتصادية ،من خالل اعتماده
حال وسطا بالنسبة للحجية القانونية املعطاة لهذه التقييدات ،فجعلها نسبية بالنسبة
لألطراف والغير س يء النية ،ومطلقة بالنسبة للغير حسن النية شريطة عدم كون صاحب
الحق قد تضرر بسبب التدليس أو التزوير.
هكذا فالقيود املضمنة بالرسم العقاري بعد إنشائه تتمتع بقوة ثبوتية مطلقة إزاء
الغير ذي النية الحسنة ،بمعنى أن الغير الذي وثق بهذه القيود واعتمد عليها في اكتساب
حقه بحسن نية ،ال يمكن أن يتأثر حقه بما يمكن أن يطرأ عليها من بطالن أو إبطال أو
تغيير ،طبقا ملا نص عليه الفصل 4 66من ظ.ت.ع و املادة 2من م.ح.ع .السالفين الذكر.
1محمد بن أحمد بونبات " ،نظام التحفيظ العقاري ،دراسة في القوانين المرتبطة بنظام التحفيظ العقاري في
المغرب" ،المطبعة و الوراقة الوطنية،مراكش،الطبعة الثانية 2005ص.132.
2
R.A.C.A.R, 1935-1936, P.146.
3قرار محكمة النقض السورية رقم 1813بتاريخ ،1982/2/4منشور بالمجلة العربية للفقه والقضاء ،العدد،4 :
أكتوبر ،1980ص.417.
4كما تم تعديله بمقتضى القانون رقم 14.07الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177الصادر في 22
نونبر .2011
إال أن هذا املبدأ بدوره يعرف بعض االستثناءات التي تحد من الحجية املطلقة
لقيود السجل العقاري ،ويتعلق األمر بالحالة التي يطرأ فيها تغيير على العقار يؤدي ماديا
إلى نقصه أو زيادته ،بحيث يخالف بذلك ما هو مقيد بالرسم العقاري.
وفي الختام نشير إلى أن حديثنا السالف الذكر عن حجية التقييد ،إنما ينسحب
على البيانات املتعلقة بالحقوق العينية دون غيرها من البيانات املرتبطة بالحالة املدنية
ألصحاب الحقوق املسجلة ،فهذه حسب غالبية الفقهاء ال تكتسب الحجية املطلقة ولو
إزاء الغير حسن النية لعدة أسباب نذكر منها:
أ ـ إن تنصيص املشرع في املادة 2من م.ح.ع .على أن «الرسوم العقارية وما تتضمنه
من تقييدات تابعة إلنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه» إنما يقصد به التقييدات
املتعلقة بالحقوق العينية دون سواها من التقييدات املتعلقة بالحالة املدنية أو
الشخصية ألصحاب الحقوق املسجلة ،ويؤكد ذلك بشكل ال يدع مجاال للشك ما ورد في
الفقرة األولى من الفصل 1 66من ظ.ت.ع من أن «كل حق عيني متعلق بعقار محفظ
يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إال بتقييده » ،ثم جاء في الفقرة املوالية من نفس الفصل
ليؤكد بأنه « :ال يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية
الحسنة» ،وواضح أن عبارة "هذا التقييد" إنما تعود على تقييد الحق العيني املشار إليه
في الفقرة األولى.2
1كما تم تعديله بمقتضى القانون رقم 14.07الصادر بتنفيأذه الظهيأر الشأريف رقأم 1.11.177الصأادر فأي 22
نونبر .2011
2مأمون الكزبري ،م.س ،ص.175.
3كما تم تعديله بمقتضى القانون رقم 14.07الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177الصادر في 22
نونبر .2011
4محمد مهدي الجم ،التحفيظ العقاري في المغرب،مطبعة النجاح الجديدة،الدار البيضاء 1986ص.315.
ثم إن أحكام األهلية ـ تتعلق بالنظام العام ،ويجب مراعاتها وفق ما يقرره املشرع،
وال ينبغي لقيود السجل العقاري أن تصل إلى إضفاء األهلية إلى شخص ال يتوفر عليها.1
كما أن االجتهاد القضائي و بعد أن كان يميل إلى إعطاء البيانات املتعلقة بالحالة
املدنية حجية مطلقة اتجاه الغير حسن النية ،2نجد أنه قد بدأ يتراجع عن هذا املوقف ـ
الذي يصفه بعض الباحثين باملهزلة والسخرية والخطأ وعدم االرتكاز على أي أساس3ـ
ليتجه نحو اعتبار البيانات املتعلقة بالحالة املدنية لألشخاص ال تتمتع بنفس الحجية
املطلقة للقيود املتعلقة بالحقوق العينية ،ويظهر ذلك على الخصوص من خالل قرار
ملحكمة النقض اعتبر فيه بأن " :املوطن الحقيقي للشخص هو محل سكناه العادي ومركز
أعماله ومصالحه ،وليس بالضرورة أن يكون هو املوطن املسجل على الرسم العقاري ألحد
أمالكه"4.
عالي طوير
أصبح املستهلك محاطا بالعديد من املؤثرات التي أدت إلى تنامي مقومات ضعفه
بصورة غير مسبوقة ،وعلى نحو برر ضرورة العمل على حمايته من خالل تبني نظريات
تأتي كردة فعل على تشبع القانون املدني بمبدأ سلطان اإلرادة الذي لم يترك مجاالت
مالئمة لتحقيق التوازن بين أطراف العقد ،حيث اتخذ اإلذعان شكال جديدا اختلف عن
صورته التقليدية ،تمثل في خضوع املتعاقد عديم الخبرة والدراية ،للمتعاقد اآلخر ذو
العلم واملعرفة الواسعة ،فيقبل على إبرام العقد وهو جاهل بجوانب هامة متصلة به.
وهنا يثار التساؤل حول حدود تصور ضمانات لقيام توازن عقدي بين نظامين،
أحدهما ذو نزعة فردية ،يحرر اإلرادة ويقدسها ،وآخر ذو نزعة اجتماعية يخفف من
شدتها ويقيدها؟
هكذا سنتطرق إلى مرتكزات فكرة توازن العقود في( املطلب األول ) ،على أن نبحث
في آليات وطرق معالجة اختالل هذا التوازن في عقود اإلستهالك (املطلب الثاني).
يؤكد األستاذ Fausto Pocar 1أن كل عقد ينطوي على قدر من اختالل التوازن بين
طرفيه ،ألن كال منهما قد تكون لديه بعض مواطن الضعف في مواجه الطرف اآلخر عند
إبرام العقد ،بحيث يكون أحدهما مدفوعا للتعاقد العتبارات شخصية ،في حين يكون
اآلخر حرا في إبرامه.
1
Pocar Fausto : le protection de la partie faible en droit international privé،recueil
des cours .la-hoyé 1984. Volume v. tome 188 ،P363
أصبح القول بكفاية اإلرادة في تحقيق التوازن املعرفي في العقد أمرا محط شك
خصوصا في عقود االستهالك ،بسبب التشبث املطلق بفلسفتها املبنية على حرية التعاقد
وقوة العقد اإللزامية التي رتبت نتائج عكسية لم تعكس الطابع الحمائي فيها.
فالتوازن املعرفي في عقود االستهالك أمر يصعب تحقيقه بين طائفتي املوردين
واملستهلكين ،وذلك راجع الختالفهما في جانبين:
هكذا فإن اإلرادة في العصر الحالي لم تعد معيبة فقط بعيب من العيوب التقليدية
للرضا (الغلط،التدليس،اإلكراه،الغبن) ،بل أصبحت إرادة غير متكافئة بسبب نقص
الخبرة واملعرفة مما يولد كنتيجة حتمية وجود عقد غير متوازن.
ترتيبا على ذلك نجد أن طائفة املوردين املحترفين ألبسوا مثال عقود اإلذعان 1ثوبا
جديدا ،بحيث لم يعد تفوقهم في مواجهة املستهلك مقتصرا على التفاوت االقتصادي
فقط ،بل امتد ليشمل التفاوت املعرفي الذي ال يساهم في تكوين رضا مستنير للطرف
الضعيف في العالقة التعاقدية ،بحيث أنه كثيرا ما يحدث في الواقع العملي أن ينقاد أحد
املتعاقدين إلبرام عقد معين تحت تأثير جهله بمعلومات كتمها عنه الطرف اآلخر،دون أن
تكفل له نظريتا عيوب اإلرادة والضمان حماية فعالة.
وإذا كان عصيا تحقيق التوازن املكفول في العقود ،فإن األمر استدعى االنتقال من
قانون اإلرادة إلى إرادة القانون ،ومن اإلرادة الفردية الحرة إلى تعميم سلطة القانون في
كافة مراحل التعاقد ،عبر تدخل املشرع في العقد من تكوينه إلى تنفيذه ثم تفسيره
،انطالقا من أن العقد يستمد قوته اإللزامية من كونه عقدا عادال.2
1يعرف البعض عقد اإلذعان على أنه" العقد الذي يسلم فيه أحد المتعاقدين بشروط محددة يضعها الطرف اآلخر وال
يسمح بمناقشتها ،وذلك في ما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية تكون محل احتكار قانوني أو فعلي أو تكون المنافسة
محدودة بشأنها".
محمدعلي البدوي،النظريةالعامةلاللتزام،مصادرااللتزام،ج، 1ط، 2منشوراتالجامعةالمفتوحة،ليبيا ص 58
2
J.GHESTIN, L’utile et le juste dans les contrats. 1982, Chr.1.P 23
إذا كان املشرع يقبل التفاوتات العقدية البسيطة بين طرفي العالقة التعاقدية وال
يرتب عليها أي جزاءات تبعا ملنطق السوق املبني على حرية التعاقد ،فإنه باملقابل اشترط
تحقيق قدر أدنى من التعادل في األداء تستهدف دفع أي غبن قد يؤثر في توازن العقد
خصوصا إذا اقترن بظروف خاصة.
فعدم توازن طرفي التعاقد في التزاماتهما املتبادلة يشكل عنصرا موضوعيا لتقدير
عدم التوازن سواء تعلق األمر بإرهاق املستهلك كطرف ضعيف بهذه االلتزامات -أو ما
يطلق عليه بعدم التوازن الظاهر ،-أو بانعدام سبب العقد جزئيا أو كليا.1
وفي هذا الصدد يظهر من خالل القانون 08-31املتعلق بتدابير حماية املستهلك أن
املشرع تبنى معيار وجود اختالل كبير بين حقوق والتزامات أطراف العقد للقول بوجود
شروط تعسفية في العقد ،2وهو اتجاه يتماش ى مع ما ذهب إليه املشرع الفرنس ي في قانون
االستهالك لسنة .19953
إن تشكل الرضا لدى املتعاقدين يستند أساسا إلى إرادة املوجب والقابل ،التي هي
حرة في أن تتعاقد أو ال تتعاقد تطبيقا لحرية التعاقد ،إال أن هذا املبدأ لم تعد له نفس
القيمة اليوم أمام تطور وظائف القضاء نحو تحقيق العدل في العالقات التعاقدية.
مهما يكن من إطالق لحرية املوردين في إغراق سوق االستهالك بعالقات تعاقدية
قد تتغول أحيانا في اتجاه فرض أنماط تعاقدية ال تراعي مصالح املستهلك سواء
االقتصادية أو املعرفية ،والتي تولد عدم تعادل صارخ في األداءات وااللتزامات ،فإن روح
القانون تفترض إيجاد أسس يهتدي إليها القضاء كي يحد – ولو نسبيا -من مستوى
اختالل التوازن في عقود االستهالك.
1
Hélène Bricks: les clauses abusives،L.G.D.J،PARIS،1982،P 113
2جاء في المادة 15من القانون 31-08أنه" يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة بين الموردين والمستهلكين كل
شرط يكون الغرض منه أو يترتب عليه ،على حساب المستهلك ،عدم توازن مهم بين حقوق وواجبات طرفي العقد".
3تنص المادة 132-1من قانون االستهالك الفرنسي على أنه"...تكون تعسفية الشروط التي يحدث موضوعها أو
آثارها ضررا لغير المحترفين أو المستهلكين من خالل عدم توازن ظاهر في حقوق والتزامات العقد".
وهنا يبرز مبدأ حسن النية الذي بمقتضاه يجب على املورد أن ينقل املستهلك من
مرحلة الجهل إلى مرحلة العلم بالعناصر األساسية املتصلة بموضوع التعاقد حتى يتسنى
له التعامل وهو في مستوى متكافئ نسبيا من حيث الدراية بظروف العقد.
إن االنتقال من املفهوم الضيق لعيوب الرضا ،حيث كان التدليس يصدر عن أحد
أطراف العالقة التعاقدية،إلى املفهوم الواسع لإلعالم قد وسع من دائرة األشخاص
امللزمين به،حيث أصبح غالبا ما يفرض على املحترف في مواجهة املستهلك،وتم إقرار عدم
التوازن في املعرفة معيارا واضحا لهذا االلتزام،مما جعله أيضا يطبق فيما بين املحترفين
أنفسهم.
في هذا الصدد نجد أن املشرع الفرنس ي أضاف قرينة جهل املستهلك إلى قرينة علم
املحترف ،1ليتلقف القضاء الفرنس ي هو اآلخر هذا الطرح التشريعي ويجعله أكثر تشددا
عبر افتراض الجهل املطلق للمستهلك.2
وهنا نالحظ أن قانون تدابير حماية املستهلك رقم ،331-08وإن نص على بعض
البيانات التي يجب على املورد نقلها إلى املستهلك،4لكن ذلك ال يسعفنا للقول بأن هذه
البيانات يجب أن تكون مالئمة ومفيدة للمستهلك ،بحيث أنه بمجرد قيام املنهي بإعالم
املستهلك بهذه البيانات يكون قد أوفى بالتزامه باإلعالم بغض النظر عن درجة استفادة
هذا األخير من املعلومات املكونة لرضا مستنير يدفع على التعاقد.
وهنا نجد أنفسنا أمام مفارقة تتمثل في أن القضاء الفرنس ي قد تبنى خصائص
ملضمون االلتزام باإلعالم تخدم املصلحة الحقيقية للمستهلك أكثر من تلك التي تبناها
املشرع في قوانين حماية املستهلك،خصوصا بأن الظروف املحيطة بالعقود اليوم أصبحت
تقتحم مجاالت عالية التقنية،يصعب معها تحقيق توازن معرفي حقيقي في العقود.
1
Joëlle Vassaux Vanorversheldle : l’amélioration de la protection des
consommateurs par la loi du 23juin, actualité législative 1990-8éme cahier,
Dalloz, p51
2
Cass Civ,1ére ch14 novembre 1979 cite par Joëlle Vassaux Vanorversheldle,
op ,cit ,p 30
3الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6192بتاريخ 26ذو القعدة 3( 1434أكتوبر .)2013
4تنص المادة 3من القانون " 31-08يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة مالئمة من معرفة
المميزات األساسية للمنتج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصالحية إن اقتضى الحال،
وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته ولهذه الغاية،
يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العالمة أو العنونة أو اإلعالن أو بأي طريقة
مناسبة أخرى بأسعار المنتجات والسلع وبتعريفات الخدمات وطريقة االستخدام أو دليل االستعمال ومدة الضمان
وشروطه والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة ،وعند االقتضاء القيود المحتملة للمسؤولية التعاقدية".
هكذا يمكن القول بأن حسن النية يشكل ضمانة قانونية ,تكفل تنفيذ العقد
وجد العقد بصورة صحيحة وموافقة ألحكام القانون , 1ومحققة للغاية املشروعة التي ُ
لتحقيقها،كما أنه يحول دون تنفيذ عقود مشروعة في ظاهرها ,ولكن غاياتها غير
مشروعة تنطوي على كثير من االستغالل.
زد على ذلك فإن مبدأ حسن النية بمفهومه املرن و شموليته ,يزيد من صالحية
القاض ي في رد العقود و التصرفات إلى حدود الشرعية ،من خالل التوسع في مفهوم الغش
و التعسف و اإلخالل بالتوازن العقدي.
التعسفية2 الفقر الثانية :تصدي املشرع للشروط
يقوم الشرط التعسفي على عدم التوازن الشاسع بين حقوق والتزامات األطراف
املتعاقدة لصالح املنهي على حساب املستهلك ،بغض النظر عن مصدر هذا االختالل ،تبعا
لقوة املنهي االقتصادية أو لخبرته ودرايته بموضوع العقد.
فاملشرع املغربي قام بتحديد املعيار الذي يمكن من خالله تحديد الشرط التعسفي،
واملتمثل في اختالل التوازن بين حقوق والتزامات أطراف عقد االستهالك ،وقام بتأكيد هذا
املعيار عبر وضع الئحة للشروط التعسفية،التي من بينها مثال ما يقض ي بإلزام املستهلك
بالتنازل عن حقه في الرجوع إلى القضاء ،من خالل إلغاء أو عرقلة حقه في إقامة الدعاوى
القضائية أو اللجوء إلى طرق الطعن ،وذلك بالحد بوجه قانوني من وسائل اإلثبات
املتوفرة لديه ،أو إلزامه بعبء اإلثبات الذي يقع عادة على املنهي طبقا للقانون املعمول
به.3
وتعد هذه الشروط شروطا تعسفية كونها تخل بالتوازن العقدي وتحقق للمقرض
مكاسب ومزايا مادية ومعنوية على حساب املستهلك ،وتحول دون مراقبة القضاء لعقود
االستهالك التي تضمن فيها مثل هذه االشتراطات.
وتعتبر سلطة القاض ي في تفسير الشروط الغامضة من املسائل املهمة التي يتمتع بها
لتعديل هذه الشروط أو إلغائها ،ذلك أن الشروط التعسفية عادة ما تأتي في العقد
1ينص الفصل 231من ظهير االلتزامات والعقود على أنه " كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية.وهو ال يلزم بما وقع
التصريح به فحسب،بل أيضا بكل ملحقات االلتزام التي يقررها القانون أو العرف أو اإلنصاف وفقا لما تقتضيه
طبيعته".
الشرط التعسفي بكونه Frank SteinmetzوJean Calais Auloy 2عرف األستاذان
"كلشرطحررمسبقامنقباللطرفاألكثرقوة،ممايخلقعدمتوازنواضح علىحسابالطرفاألكثرضعفا".
- 3البند 17من المادة 18من قانون 31-08المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
غامضة وغير محددة املعاني وهي تكون مدرجة في عقود القرض العقاري املحررة سلفا
حيث ال ينتبه إليها املستهلك.1
هذا األمر حذا باملشرع املغربي في قانون 08-31املتعلق بتدابير حماية املستهلك إلى
النص على أنه في حالة الشك حول مدلول أحد الشروط التعسفية،يرجع التأويل فيها إلى
األكثر فائدة بالنسبة إلى املستهلك.2
"إن الغموض الناش ئ عن املقارنة بين بنود العقد ال يؤدي إلى تجريده من كل أثر،
فإعمال العقد خير من إهماله .يقتض ي إعمال العقد أن تقوم املحكمة بتأويله وتبحث عن
نية املتعاقدين دون التوقف عند املعنى الحرفي لأللفاظ وال عند تركيب الجمل.
إن املحكمة ملا جردت العقد من كل أثر ،والحال أنه يمكن التوفيق بين بنوده،
تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 462من ظ.ل.ع وعرضت قضائها للنقض".3
فالحاالت التي تستدعي التفسير الستظهار النية الحقيقية للطرفين ،هي حالة
غموض عبارة العقد ووضوح اإلرادة ،أو العكس أي حالة غموض اإلرادة ووضوح العبارة،
تم حالة غموض اإلرادة والعبارة معا ،والحالة التي تثير الشك في مدى االلتزام املتولد عنه.
هكذا إذن ال ينحصر تدخل القضاء لحماية املستهلك من الشروط التعسفية على
سلطة التفسير،بل يتعداه إلى سلطة إلغاء هذه الشروط متى شابها تعسف كبير ولو كانت
بنودها واضحة خصوصا في عقود اإلذعان ،مادام أن املستهلك لم يكن بوسعه أن يفعل
شيئا رغم هذا الوضوح.
فتعديل الشرط التعسفي يعني اإلبقاء عليه مع رفع سمة التعسف عنه ،أما إلغاء
هذا الشرط فإنه يمكن للقاض ي من أن يعفي املستهلك من كافة التحمالت املرهقة وإرجاع
الحد األدنى من التوازن في العقد.
- 1إدريس الفاخوري :حماية المستهلك من الشروط التعسفية ،مجلة طنجيس ،العدد ،2003 -3ص.81 .
2تنص المادة 9من القانون 08-31على ما يلي:
"فيما يتعلق بالعقود التي يحرر جميع أو بعض شروطها المقترحة على المستهلك كتابة ،يجب تقديم هذه الشروط
وتحريرها بصورة واضحة ومفهومة .وفي حالة الشك حول مدلول أحد الشروط ،يرجح التأويل األكثر فائدة بالنسبة
إلى المستهلك".
- 3قرار المجلس األعلى عدد 752بتاريخ ،1987/12/01مجلة قضاء المجلس األعلى العدد ،31مارس
،1983ص.33-32 .
خات ـمـة:
إن مسلك املشرع عبر التوسع في حماية املستهلك كطرف في عالقة تعاقدية غير
متكافئة ،يعكس افتراض عدم توازن في املعلومات التي يكاد يحتكر مجملها طرف واحد هو
املحترف ،تاركا الطرف اآلخر – املستهلك -متجردا في كثير من األحيان من أي خبرة معرفية
تقيه مساوئ وجود عالقة تعاقدية غير متكافئة،ويزداد األمر صعوبة أكثر في عقود
الخدمات التي تتسم بالتعقيد التقني والفني ،والتي قد يصعب حتى على املستهلك الخبير
اإلملام بتفاصيلها.
والشك أن قواعد الحماية التشريعية والقضائية التي وجدت لضمان حد معقول
من التوازن في عقود االستهالك رتبت مؤشرات جيدة في اتجاه تقليل درجة التفاوت املعرفي
بين املحترفين واملستهلك.
لقد عرفت القروض االستهالكية تطورا كبيرا في اآلونة األخيرة ،ويرجع هذا التطور
الى املزايا التي توفرها للمستهلك ،بحيث توفر له الحصول على املنتجات والخدمات دون
حاجة لتوفير املؤونة النقدية حاال ،ودون أن يطالب باألداء الفوري للثمن بحيث ينتفع
بالسلعة أو الخدمة وال يؤدي ثمنها إال الحقا ،وإن كان القرض يوفر مزايا للمستهلك فإن
مخاطره قد تفوق هذه املزايا في بعض األحيان وفي ظل اإلغراءات التي يقدمها املهنيون في
هذا اإلطار ،واملشرع املغربي وعيا منه في تجنب هذه املخاطر تدخل من خالل القانون
31.08لتمكين املستهلك من الوسائل القانونية التي تمكنه من التبصر ،حيث جاء
القانون بمقتضيات حمائية هامة للمستهلك املقترض بحقه في اإلعالم والحماية أيضا من
اإلشهار الخادع مع تجريمه لذلك ،كلها مقتضيات حمائية للمستهلك املقترض قبل إبرام
العقد وأثناء إبرامه في سبيل تكريس الحماية الجنائية للمستهلك املقترض لتمكينه من
حماية حقوقه باعتباره الحلقة األخيرة في دورة اإلنتاج ،وفي هذا الصدد تضمن أيضا
القانون مقتضيات جنائية لحماية املقترض من خالل القسم الثامن املتعلق بمسطرة
البحث عن املخالفات وإثباتها في إطار مقاربة مندمجة ملجموعة من األجهزة ،لضمان
احترام بنود هذا القانون وتحقيق حماية فعالة للمستهلك املغربي،وهي مقتضيات تكرس
مظاهر الحماية الجنائية للمستهلك وتعزيز حقوقه األساسية من خالل حقه في اإلعالم
واالختيار وغيرها من املقتضيات الحمائية ،وفي هذا اإلطار هل استطاعت املقتضيات
الحمائية في القانون 31.08ضمان حماية جنائية للمستهلك املقترض؟ وهل النصوص
الزجرية املقررة لردع املخالفين كفيلة بحماية املستهلك املقترض؟ ومدى فعالية األجهزة
املكلفة بحماية املستهلك في الحرص على حفظ حقوقه؟
املبحث األول :تجليات الحماية الجنائية للمستهلك املقترض قبل عملية التعاقد
يعد اإلشهار وسيلة مهمة بيد مؤسسات االئتمان لإلعالن عن خدماتها ،وحث
الجمهور على اإلقبال على منتوجاتها االئتمانية ،وهو طريقة متخصصة من طرق ترويج
املنتوجات البنكية ،ينطوي على مجهودات من جانب األبناك إلقناع املقترض والتأثير على
سلوكه ،وذلك من خالل وسائل اإلعالن العمومية والخصوصية.1
1شيماء نجاح :الحماية الجنائية للمستهلك المقترض في القانون المغربي – دراسة مقارنة ،رسالة لنيل الماستر في
القانون الخاص ،ماستر العلوم الجنائية واألمنية ،جامعة القاضي عياض ،كلية الحقوق ،مراكش ،السنة الجامعية :
،2013 – 2012ص .17 :
وقد ذهب جانب من الفقه إلى تعريف اإلعالن التجاري الخادع أو املضلل من
خالل تفكيك املصطلحين عن بعضهما البعض ،فعرف اإلعالن التجاري لغة :بأنه
النشاط أو الفن الذي يستهدف إحداث تأثير نفس ي على الجمهور تحقيقا لغايات تجارية.
وفقها يراد به الوسيلة الفنية التي يستخدمها املعلن للتأثير النفس ي والذهني على املستهلك
بقصد تحفيزه على شراء املنتوج املعروض ،أما كلمة الخداع فتتجه إلى تضليل املستهلك
بإخفاء ش يء هام عنه يتعلق باملنتوج سواء كان عمدا أو بطريقة الترك ،وأيضا الكذب
عليه.1
وبخالف اإلشهار الكاذب ،عمل املشرع املغربي في إطار مقتضيات القانون 2رقم
31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك على تحديد تعريف له إذ تنص املادة 22
منه على :
" يعتبر إشهارا مقارنا ،كل إشهار يقارن بين خصائص أو أسعار أو تعريفات السلع
أو املنتوجات أو الخدمات إما باإلشارة إلى عالمة الصنع أو التجارة أو الخدمة الخاصة
بالغير أو تجسيدها وإما باإلشارة إلى العنوان التجاري أو تسمية الشركة أو اإلسم التجاري
أو الشعار الخاص بالغير أو تجسيد ذلك ".
من أجل توخي الحماية القانونية للمستهلك املقترض من اإلشهار الخادع بحيث
يجرم القانون ،31.08القيام بإشهار متضمن بأي شكل ادعـاء أو بيانـا أو عرضا كاذبا أو
من شأنه أن يوقع املتلقي في الغلط أو خرق قواعد اإلشهار املقارن كما أنه إال يرخص به
إال إذا كان نزيها وصادقا.3
وهو ما نصت عليه أيضا املادة 23من القانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير
لحماية املستهلك ،على ضرورة أن يشير كل إشهار كيفما كان شكله ،يمكن استقباله عبر
خدمة لالتصاالت موجهة للعموم إلى طبيعته اإلشهارية بطريقة واضحة ال تحتمل أي
لبس .وفي هـذا الصدد فإن املقرض ملزم بـأن يبين بوضوح أن األمـر يتعلق بإشهار يهدف
1محمد العروصي :الحماية الجنائية من اإلعالنات التجارية الخادعة ،المجلة المغربية لقانون األعمال والمقاوالت،
العدد السابع ،يناير ،2005ص .16 :
2ظهير شريف رقم 1.11.03صادر في 14من ربيع األول 18 ( 1432فبراير ) 2011بتنفيذ القانون رقم
31.08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
3راجع المواد 21و 22من القانون 31.08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
منه لتعريف املتلقي بالخصائص العامة للقرض املقترح بحيث ال يشكل إيجابا ملزما ،وال
عرضا مسبقا.
ولقد أضفى القانون رقم 31.08الطابع الجرمي على األفعال املخلة بشروط
اإلشهار ،وأتى بعقوبات زجرية لهذه األفعال الجرمية ،حيث عنون املشرع القسم التاسع
من القانون 31.08بالعقوبات الزجرية ،والحقيقة أن هذا القسم يتضمن تفصيال لكل
صور الجنح واملخالفات الواردة في املواد من 173إلى ،194مع تحديد العقوبات املقررة
لها ،عقوبات مالية أصلية ،وعقوبات إضافية.
وتتمحور العقوبات املالية األصلية حول طبيعة الجاني إذ كـان شخصا معنويا أم
شخصا طبيعيا ،بحيث إذا كان املخالف شخصا معنويا فإنه يعاقب بغرامة تتراوح ما بين
50.000إلى 1.000.000درهم ،1وتسري نفس األحكام السابقة على من يخالف األحكام
املنظمة لإلشهار املقارن ،وكذا على من يرفض اإلدالء بعناصر التبرير أو باإلشهارات التي تم
بثها وفق اإلدالء بعناصر التبرير أو باإلشهارات التي تم بثها وفق ما تقتضيه املادة 172
املتعلقة بالبحث عن املخالفات ،وتطبق نفس العقوبة في حالة عدم التقييد باألحكام
الصادرة بوقف اإلشهار أو عدم تنفيذ اإلعالنات االستدراكية داخل األجل املحدد.
يتمحور االلتزام باإلعالم في إدالء شخص معين باعتباره مدينا ،إلى شخص آخر هو
الدائن بواقعة ،أو بمعلومة يعرف أهميتها بالنسبة إليه ،وبذلك فااللتزام باإلعالم ينصب
على معلومات ،أو أخبار من مصلحة الطرف اآلخر الدائن.1
ذلك أن االلتزام بإعالم املستهلك املقترض هو التزام عام يغطي املرحلة السابقة
على التعاقد ،ويتعلق باإلدالء بكافة املعلومات والبيانات الالزمة ،إليجاد رضا حر وسليم
لدى املقترض حول بيانات والتزامات عقد القرض االستهالكي.2
وقد حدد القانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،معلومات عدة
يتوجب على املنهي ،اإلدالء بها للمتعاقد غير املنهي ،وذلك عندما تطرق لاللتزام العام
باإلعالم ،كما خص بالذكر العديد من الوقائع التي على املقرض إعالم املقترض بها وذلك
عند الحديث عن االلتزام باإلعالم في عقود القرض االستهالكية.3
1بوعبيد عباسي :االلتزام باإلعالم في العقد – دراسة في حماية المتعاقد والمستهلك ،الطبعة األولى ،ماي ،2008
المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش ،ص .179 :
2محمد صداق :حماية مستهلك الخدمات البنكية ،رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص ،ماستر قانون المقاولة
التجارية ،جامعة الحسن األول ،كلية الحقوق ،سطات ،السنة الجامعية ،2011 – 2010 :ص .22 :
3تنص المادة 78من القانون رقم 31.08على أنه :
" يجب أن يستوفي العرض المسبق الشروط التالية :
أن يقدم بصورة واضحة ومقروءة. -1
أن يشير إلى هوية األطراف وعند االقتضاء هوية الكفيل. -2
أن يحدد مبلغ القرض وعند االقتضاء أقساطه المستحقة دوريا وطبيعة وموضوع العقد وكيفية إبرامه بما في ذلك
إن اقتضى الحال شروط التأمين عندما يطالب المقرض به وكذا التكلفة اإلجمالية المفصلة للقرض وسعره الفعلي
اإلجمالي عند االقتضاء ،ومجموع عمليات التحصيل الجزافي المطلوبة باإلضافة إلى الفوائد مع التمييز بين تلك
المتعلقة بمصاريف الملف وتلك المتعلقة بالمصاريف المؤداة عن كل استحقاق." ...
ولعل أهم ما جاء به قانون 31.08هو إلزامية اللغة العربية في التعريف بالخدمة
كما هو منصوص عليه في املادة 206من القانون ،31.08فمن حق املستهلك أن يفهم
تفاصيل القرض االستهالكي بلغته األم حتى ال يكون ضحية عدم إملامه باللغة األجنبية أو
عدم إتقانه لها.
يجب أن يسبق كل عملية قرض استهالكي كما هو محدد في املادة 74من القانون
رقم 31.08عرض مسبق يحرر بكيفية تمكن املقترض من تقييم طبيعة ومدى االلتزام
املالي الذي يمكن أن يتعهد به ،باإلضافة إلى شروط تنفيذ العقد املذكور.
ويشترط في العرض املسبق أن يتم إفراغه في محرر مكتوب وأن تحرر بنوده
بصورة واضحة ومقروءة ،وأن تسلم نسختان منه إلى املقترض وعند االقتضاء نسخة إلى
الكفيل ،وال يمكن للبنك التراجع عنه إال بعد انصرام أجل سبعة أيام.
ومن جهة أخرى ،فإن املشرع منح ضمانة هامة من أجل حماية املتعاقد ويتجلى
في الحق في التراجع ،بحيث عندما يصبح عقد القرض تاما ،فإنه يحق للمقترض أن يتراجع
عن التزامه ،وذلك داخل أجل سبعة أيام ابتداءا من تاريخ قبوله للعرض ،وفق ما
تقتضيه املادة 85من القانون رقم ،31.08وال يترتب عن هذا الحق – أي الحق في
التراجع – أي تقييد في سجل معين.
كل ذلك في سبيل توفير الحماية القانونية للمستهلك املقترض باعتباره الطرف
الضعيف في املعادلة التعاقدية.
الفقر الثانية :جزاءات اإلخالل بااللتزام باإلعالم على ضوء القانون رقم
31.08
أما فيما يتعلق بالجزاءات التي تفرض على املقرض الذي ال يلتزم بأحكام االلتزام
بااللتزام باإلعالم الخاصة بعقد القرض االستهالكي ،فقد عاقبت املادة 187من القانون
31.08كل مقرض في حالة إغفاله التقيد باإلجراءات املتعلقة بالعرض املسبق ،بما في
ذلك إدراج االستمارة القابلة لالقتطاع في عرض القرض بغرامة مالية من 6.000إلى
20.000درهم مع جواز األمـر بنشر الحكم ،وإذا كـان مرتكب املخالفة شخصا معنويا
يتحمل مسيروه مسؤولية األضرار املترتبة عن املخالفة بالتضامن معه.1
كما أنه إذا قـام املقرض بحمل املقترض على تسليم شيك أو توقيع أوراق تجارية
أو قبولها أو ضمانها احتياطيا ،أو إذا قام – أي املقرض – بتسجيل أسماء األشخاص
املمارسين لحق التراجع ،أو في حالة طلب أو تلقي املقرض مبلغ قبل إبرام عقد القرض
بصفة نهائية أو داخل أجل التراجع ،أو في حالة قام املقرض بحمل الغير على توقيع
ترخيص لالقتطاع من حسابات بنكية أو أي مصادر للدخل متضمنة شروطا تخول طلب
او تلقي مبلغ قبل العقد النهائي ،في جميع هذه الحاالت يعاقب املقرض بغرامة مالية من
30.000إلى 200.000درهم.2
" يعاقب على مخالفة أحكام املادة 59املتعلقة باستغالل ضعف املستهلك أو
جهله بالحبس من شهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 1.200إلى 50000درهم أو بإحدى
هاتين العقوبتين فقط ،وذلك دون اإلخالل بأحكام الفصل 552من مجموعة القانون
الجنائي.
إذا كـان الـمـخـالـف شـخـصا مـعـنـويـا يـعـاقـب بـغـرامـة تتـراوح مـا بين 50.000و
1.000.000درهم ".3
وتصل العقوبة إلى املنع والوقف وسحب االعتماد من السيد والي بنك املغرب في
القانون رقم 43.03املتعلق بمؤسسات االئتمان.
إن االلتزام باإلعالم ،سيفيد املقترض في فهم مضمون العقد ،وحقوقه والتزاماته
املترتبة ،وما زاد من جدية هـذا االلتزام اقترانه بعقوبات زجرية عند إخـالل املقرض به.
1عبد العالي الدليمي /حسن رزق هللا :دليل جرائم قانون حماية المستهلك ،المتابعات والعقوبات المضمنة بالقانون
رقم ،31.08ص .13 :
2شيماء نجاح :مرجع سابق ،ص .43 :
3مصطفى مالك :حماية المستهلك في البيع خارج المحالت التجارية ،مجلة الدفاع ،العدد السادس ،عـدد خاص
وسط المجلة ،أشغال الندوة العلمية التي نظمتها الهيئة بشراكة مع مختبر قانون األعمال بجامعة الحسن األول ،كلية
الحقوق ،سطات ،في موضوع " قراءة في قانون رقم 31.08المتعلق بتدابير لحماية المستهلك بتاريخ 17يونيه
،2011ص .143 :
املبحث الثاني :الحماية الجنائية للمستهلك أثناء التعاقد ودور األجهز املكلفة
لقد اعتمد القانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك مقاربة تقوم
على أساس التوازن في االلتزامات املتقابلة بين أطرافه ،بحيث يجب على كل طرف الوفاء
بما التزم به في الحدود التي ارتضاها بإرادته الحرة الواعية دون زيارة أو نقصان تطبيقا
للقوة امللزمة للعقد ،بحيث أن كل إخالل ينعكس باألساس على العالقات التعاقدية التي
تربط املهنيين باملستهلكين بشكل خاص ،في مقاربة ملواجهة الشروط الجزائية التعسفية
التي تضر بمصالح املستهلك املتعاقد في هذه املعادلة ،ولقد خصص املشرع املغربي في إطار
القسم الثالث من القانون 31.08لحماية املستهلك من الشروط التعسفية باعتبارها تضر
بمصالح املستهلك االقتصادية وهو ما سوف نعمل للوقوف على مظاهر حماية املقترض
من الشروط التعسفية (املطلب األول) ،فيما سنتطرق لدور األجهزة املكلفة بضبط املنح
ومدى فعالية جمعيات حماية املستهلك في حفظ حقوق املستهلك املقترض (املطلب
الثاني).
لقد كرس املشرع حماية هامة في مجال حماية املستهلك ضد الشروط التعسفية
عن طريق ضمان تفسير عادل لبنود العقد من جهة ،وهو ما يؤثر على توازن الحرية
التعاقدية بين األطراف من خالل هـذه الشروط ،وسوف نتطرق ملاهية الشرط التعسفي
وعـنـاصـره ( الفقرة األولى ) ،فيما سوف نتعرض إلى اآلليات الحمائية للمستهلك املقترض
من الشروط التعسفية ( الفقرة الثانية ).
على اعتبار أن الحق في الدفاع عن املستهلك من الركائز التي تقع على الدولة
حمايتها ،ولعل حماية املستهلك املقترض في هذا الصدد من الشروط التعسفية من بين
الضمانات التي يجب على الدولة إقـرارهـا ،وفي هـذا اإلطـار أورد الفقه عـدة تعريفات
للشرط التعسفي ،كما أن التشريعات االستهالكية تصدت لتعريفه أيضا ،ومن بين هذه
التشريعات قانون حماية املستهلك املغربي.
ومن التعريفات الفقهية لهذا الشرط ،عرفه بعض الفقه الفرنس ي أنه " :الشرط
املعد سلفا من طرف املتعاقد القوي بمقتضاه يستطيع جني منفعة فاحشة ".1
وقد عرفه بعض الفقه العربي أنه " :الشرط الذي يفرض على غير املنهي أو على
املستهلك من قبل املنهي نتيجة التعسف في استعمال هذا األخير لسلطته االقتصادية
بغرض الحصول على ميزة مجحفة ".
ويتطلب العتبار الشرط تعسفيا أال يكون موضوعا مفاوضة سابقة بين الطرفين،
بمعنى أن يكون الشرط قد تم فرضه على املستهلك ولم يكن باستطاعته سلفا أن
يناقشه ،وهو ما ينشأ ،بسبب تعسف املنهي في استعمال نفوذه االقتصادي.2
ومن جهة أخرى ،نجد العنصر الثاني في الشرط التعسفي وهو امليزة املفرطة التي
يحصل عليها املنهي ،وهذا العنصر مؤداه بأن الشرط التعسفي يوفر مزايا مبالغ فيها املنهي
على حساب املستهلك كيفما كان نوع هذه املزايا.
ولقد عـدد املشرع املغربي ما يقارب سبعة عشرة حالة تستوجب بطالن وإلغاء
الشرط التعسفي ،ومن بين هذه الحاالت الشرط التعسفي الذي يكون الغرض منه إما
1
Calais Auloy (Jean) : Droit de la consommation, précis Dalloz, 3ème éd, 1992, P :
134.
2محمد حسين عبد العال :تفاوت الحماية القانونية للعاقد الضعيف بين عقود اإلذعان وعقود االستهالك ،المؤتمر
العالمي األول بعنوان حماية المستهلك في القانون والشريعة اإلسالمية ،جامعة العلوم التطبيقية ،بالبحرين ،المنامة،
أكتوبر ،2012ص 4 :وما بعدهـا.
3إدريس الفاخوري :حماية المستهلك من الشروط التعسفية ،مجلة طنجيس ،العدد الثالث ،السنة ،2003ص .68 :
4ينص المشرع المغربي في الفصل 461من ق.ل.ع على أنه :
" إذا كانت ألفاظ العقد صريحة ،امتنع البحث عن قصد صاحبها ".
إلغاء أو انتقاص حـق املستهلك في االستفادة من التعويض في حالة إخالل املورد بأحـد
التزاماته.
ويلزم أن يكون اإلخالل الناتج عن الشرط التعسفي كبيرا بين التزامات الطرفين،
إذ في بعض األحيان تصاغ عقود االستهالك بعبارات غامضة ،وتحتمل شروطها أكثر من
معنى ،مما يتطلب التفسير الستظهار النية الحقيقية للطرفين في حالة غموض مقتضيات
العقد.1
من بين الوسائل الهامة التي تكرس حماية املستهلك من الشروط التعسفية نجد
فعالية التشريع الذي حدد تدابير حمائية ناجعة لحماية املستهلك ،بحيث أن القانون
الجديد ألـزم املنهي بإثبـات كون الشرط موضوع النزع ليس تعسفيا ،معفيا بذلك املقترض
من عبء إثبـات عناصر الشرط التعسفي وفي هذا السياق نصت الفقرة األخيرة من املادة
18من القانون رقم 31.08على أنه " :في حالة وقوع نزاع حول عقد يتضمن شرطا
تعسفيا ،يجب على املورد اإلدالء بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع ".
وإذا ما ثبتت الصفة التعسفية للشرط موضوع النزاع ،فإن ذلك يؤدي إلى بطالن
ذلك الشرط واعتباره كـأن لـم يكن.2
كما يلعب القاض ي دورا هاما في مواجهة الشرط الجزائي التعسفي في عقود
االستهالك من خالل تقدير التعويض في حالة إخالل أحـد الطرفين بالتزاماته ،كما أن
جعل الشرط الجزائي أداة للتهديد واإلكراه ،يستعملها الطرف القوي من أجل استغالل
الطرف الضعيف ،وبذلك تحول من أداة لتحقيق التوازن العقدي إلى عامل اضطراب
واختالل التوازن ،فكثير ما يزيغ الشرط الجزائي عن وظيفته األساسية والتي تكمن في
تـأمين تنفيذ االلتزامات التعاقدية وتقدير التعويض الناتج عن اإلخالل بهذه االلتزامات ،إلى
وسيلة لالستغالل واإلثراء على حساب الغير دون وجه حق ،األمر الذي دفع املشرع املغربي
إلى إقرار مبدأ املراجعة القضائية للشرط الجزائي في مرحلة أولى ليعترف للقاض ي بعد ذلك
صراحة بإمكانية إلغائه للشرط الجزائي التعسفي إذا كان من شأن هذا الشرط اإلخالل
بالتوازن العقدي.1
كما وسع املشرع املغربي بمقتض ى قانون 31.08املتعلق بتحديد تدابير لحماية
املستهلك من نطاق سلطة القاض ي في حذف الشرط الجزائي التعسفي املبالغ فيه ،وغايته
في ذلك وضع تنظيم شامل لهذه املؤسسة القانونية ،ذلك أن إلغاء الشروط الجزائية
املبالغ فيها ،والتي تعتبر األكثر شيوعا واألكثر تهديدا للعدالة التعاقدية ،يتوقف على بعض
الشروط تتمثل في ضرورة أن تتسم هذه الشروط بالغلو واملبالغة ،واملعيار في تحديد
املبالغة هو الضرر الذي يهدد مصالح املستهلك .ثانيا ،أن يكون املستهلك حسن النية في
تعامله مع االلتزام الذي يربطه باملنهي.2
من املالحظ أن هذا املقتض ى الجنائي يدعم موقف املقترض باعتباره طرفا
ضعيفا أمام مؤسسات االئتمان الطرف القوي اقتصاديا.3
وتبعا لذلك لقد أوجد املشرع املغربي من خالل القانون 31.08القاض ي بتحديد
تدابير لحماية املستهلك ،سلطات مكلفة بضبط الجنح وخول لها اختصاصات (الفقرة
األولى) ،ولوقاية املستهلك من الخروقات املرتكبة من قبل املوردين منح أدوارا حمائية
لجمعيات حماية املستهلك ( الفقرة الثانية ).
1فرح بن موسى :حماية المستهلك من الشروط التعسفية ،رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص ،ماستر القانون
المدني واألعمال ،جامعة عبد المالك السعدي ،كلية الحقوق ،طنجة ،السنة الجامعية ،2014 – 2013 :ص .94 :
2فرح بن موسى :حماية المستهلك من الشروط التعسفية مرجع سابق ،ص .100 :
3شيماء نجاح :الحماية الجنائية للمستهلك المقترض في القانون المغربي – دراسة مقارنة ،مرجع سابق ،ص .57 :
وبالتالي وحسب هذه النصوص يمكن حصر األشخاص املكلفين بضبط الجرائم
املرتكبة من قبل مؤسسات االئتمان في فئتين هم ضباط الشرطة القضائية والباحثون
املنتدبون.
وقد اشترطت املادة 166من القانون 31.08أن يكون الباحثون املنتدبون مؤهلين
للقيام بأعمال البحث عن املخالفات ألحكام هـذا القانون وإثبـاتها ،ويجب أن يكونوا
محلفين وأن يحملوا بطاقة مهنية تسلمها اإلدارة املتخصصة لهذا الغرض وفق اإلجراءات
املحددة بنص تنظيمي.
أن خصوصية جرائم قوانين االستهالك جعلت التشريعات تمنح االختصاص في
البحث والتثبت منها ألطر ذوي خبرة ودراسة في هذا املجال ،ال تتـوفر لدى الضباط
العاديين الذين يصعب عليهم مكافحة هذا النوع من الجرائم الذي يحتاج إلى أشخاص
متخصصين وذو خبرة وكمثال على ذلك فإن التثبت من املخالفات املرتكبة من قبل
مؤسسات االئتمان ،والتي تضر بمصلحة املستهلك املقترض تقتض ي أطر متخصصة في
املجال املالي وعلى دراية تامة بمجال األبنـاك.
لذلك فقد سار املشرع املغربي على نفس املنحى في الجرائم االقتصادية ،وهو ما
يظهر في القانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،فاملشرع املغربي في
القسم الثامن املعنون بمسطرة البحث عن املخالفات وإثباتها حـدد في املادة : 166
" عالوة على ضباط الشرطة القضائية ،يكون الباحثون املنتدبون خصيصا لهذا
الغرض من قبل اإلدارة املختصة مؤهلين للقيام بأعمال البحث عن املخالفات ألحكام هذا
القانون وإثباتها ،." ...إن تكوين أطر متخصصة في البحث عن املخالفات االستهالكية
يجعل املوردين بصفة عامة ومؤسسات االئتمان بصفة خاصة تحترم القواعد املنصوص
عليها في القانون ،31.08ألنها تعلم بشكل مسبق أنها تتعامل مع مراقبين وموظفين ذوي
خبرة في املجال االقتصادي واملالي األمر الذي يحقق حماية قصوى للمستهلك املقترض.
لنظرا لخصوصية جرائم االستهالك فقد منح املشرع املغربي ضباط الشرطة
القضائية باإلضافة إلى الباحثين املنتدبين سلطتين متميزتين في ضبط وإثبات جنحة
اإلشهار الكاذب والتي يتم ارتكابها من قبل املوردين بصفة عامة ومؤسسات االئتمان
خاصة وذلك في مختلف املجاالت وبخاصة مجال القروض االستهالكية.
وتتمثل هاتان السلطتان في مطالبة املعلن بأن يضع رهن تصرفهم جميع العناصر
الكفيلة بتبرير اإلدعاءات أو البيانات أو العروض اإلشهارية ،باإلضافة إلى سلطتهم في
مطالبة املعلن أو وكالة اإلشهار أو املسؤول عن الوسيلة املستعملة في اإلشهار بأن يضع
رهن تصرفهم الرسائل اإلشهارية التي تم بتها.1
وعند إثبات جريمة اإلشهار الكاذب أو أي مخالفة ألحكام قانون حماية املستهلك
يلزم ضباط الشرطة القضائية والباحثون املنتدبون بتحرير محاضر توجه إلى وكيل امللك
املختص داخل أجل ال يمكن أن يتعدى 15يوما من تاريخ إتمام البحث ،وذلك طبقا ملا
تقتض ي املادة 167في فقرتها األولى ،1وهذه املادة جاءت بنفس ما تضمنته املادة 23من
قانون املسطرة الجنائية وقد فرض املشرع املغربي على األعوان املكلفين بتحرير املحاضر
التقيد بأجل 15يوما بحيث يتعرض للمتابعة التأديبية كل من لم يتقيد بهذا األجل.
وال يجوز للباحثين القيام بزيارة جميع األماكن وبحجز الوثائق وكل حامل
للمعلومات إال في إطار األبحاث التي تأمر بها اإلدارة املختصة وبترخيص معلل من وكيل
امللك الذي تدخل في دائرة نفوذه األماكن املراد زيارتها.2
تقوم جمعيات حماية املستهلك دور مهم في حفظ حقوق املستهلكين بصفة عامة
واملقترضين خاصة ،ألنهم يفتقدون الخبرة والتجربة ،حيث تتولى جمعيات حماية املستهلك
بحسب املادة 152من القانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،املؤسسة
والعاملة وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ،باإلعـالم والدفاع
والنهوض بمصالح املستهلك .وتعمل على احترام أحكام هـذا القانون.
وتتجلى آليات العمل املمنوحة لجمعيات حماية املستهلك مختلف الدعـاوى
القضائية ،التي منح القانون ،31.08إمكانية رفعها من قبل جمعيات حماية املستهلك،3
وتتمثل في دعـوى إيقاف التصرفات غير املشروعة ،ودعـوى التمثيل املشترك ،ولقد أجازت
املادة 162من قانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،للجامعة الوطنية أو
جمعية حماية املستهلك ،أن تطلب من املحكمة التي تنظر في الدعـوى أو الدعـوى املدنية
التابعة أن تأمر املدعى عليه أو الظنين ،بإيقاف التصرفات غير املشروعة أو حذف شرط
غير مشروع او تعسفي في العقد أو في نموذج العقد املقترح.4
1جاء في الفقرة األولى من المادة " : 167يترتب على إثبات المخالفات تحرير محاضر توجه إلى وكيل الملك
المختص داخل أجل ال يمكن أن يتعدى 15يوما من تاريخ إتمام البحث ".
2الفقرة األولى من المادة 170من القانون .31.08
3المادة 157من القانون .31.08
4خاصة وأن المؤسسات البنكية تتـوفـر على نماذج للعقود غالبا ما تكتب بشكل غير مقروء ،وأن المستهلك غالبا ما
يوقع دون قراءة العقد ،إما لألمية ،وإما لكون عادة مراجعة العقود واإلطالع عليها لم تصبح بعد الثقافة المرسخة في
أذهـان المغاربة.
ورغم أهمية هـذا النص باعتباره أداة لحماية التوازن العقدي وإقرار الحماية
القانونية للطرف الضعيف في عقد االستهالك عن طريق املطالبة بإلغاء ليس فقط
الشروط التعسفية ( املخلة بالتوازن العقدي وبمبادئ العدالة ) ،وإنما أيضا الشروط غير
املشروعة الباطلة قانونا سواء وردت في نماذج العقود أو العقود ذاتها إال أنه يبقى عاجزا
عن توفير الحماية الالزمة لكونه يمنح القضاء املدني وحـده هـذا االختصاص ويحرم
القضاء املتخصص منه ،1باإلضافة إلى ذلك ،يكون الحكم الصادر عـن املحكمة في
الـدعـوى مشموال بالنفاذ املعجل ومقرونـا بغرامة تهديدية ،2ويمكن للمحكمة مصدرة
الحكم أن تـأمـر بنشره بالوسائل التي تحددهـا على نفقة خـاسر الـدعــوى.3كما أجازت املادة
158من القانون 31.08القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك ،للجامعة الوطنية وكل
جمعيات حماية املستهلك ،املشار إليهما في املادة ،157وفي حالة تعرض عـدد من
املستهلكين ،وكانوا أشخاصا طبيعيين معروفة هـويتهم ،ألضرار فردية ناتجة عن فـعـل نفس
املورد وكـان مصدرهـا واحـدا ،أن تقيم دعـوى املطالبة بالتعويض بإسم هؤالء املستهلكين،
إذا كانت موكلة من طرف شخصية اثنين على األقـل لهذا الغرض ،شريطة أن يكون هـذا
التوكيل كتابة ،بحيث ال يمكن التماس الوكالة عن طريق دعـوة العموم عبر التلفزة أو
اإلذاعة وال عن طريق إعـالن أو منشور أو أيـة وسيلة من وسائل االتصال عن بعد ،ويجب
أن تمنح الوكالة املكتوبة من قبل كـل مستهلك.4
إال أنه يمكن القول بـأن منح الجمعية التوكيل للجمعية للـدفــاع عن مجموعة من
املستهلكين الذين تعرضوا للضرر يشكل إجـراء غير ذي جـدوى إذ يمكن للجمعية مباشرة
الـدعـوى إذا أصيب عـدة مستهلكين بـأضرار من مصدر واحـد بدون الحاجة إلى توكيل ،وإذا
صدر حكم لصالح الجمعية.
وحيث جاء باملادة 111من قانون رقم 31.08أنه يجب أن تقام الدعاوى
للمطالبة بأداء املديونية الناجمة سواء عن عقد القرض أو عقود اإليجار املقرون بوعد
1سعاد تيالي :دور الجمعيات في حماية المستهلك من خالل قانون ،31.08مجلة قانون وأعمال ،العدد الثاني،
ديسمبر ،2011ص ك .33 – 32
2الفقرة الثانية من المادة 162من القانون .31.08
3المادة 165من القانون .31.08
4تنص المادة 157من القانون 31.08على أنه :
" يمكن للجامعة الوطنية ولجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة طبقا ألحكام المادة 154
أن ترفع دعاوى قضائية ،أو أن تتدخل في دعاوى جارية ،أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق،
للدفاع عن مصالح المستهلك ،وتمارس كل الحقوق المخولة للطرف المدني والمتعلقة باألفعال والتصرفات التي تلحق
ضررا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين." ...
البيع أو مع خيار الشراء أمام محكمة موطن أو محل إقامة املقترض ،وهـذا املقتض ى
القانوني هو من صميم النظام العام انسجاما مع ما ورد باملادة 151من هـذا القانون.
وحيث جاء كذلك باملادة 202من هـذا القانون أنه في حالة وقوع نزاع بين طرفي
عقد القرض أي كـل من املقترض واملستهلك أو املدين املقترض فإن املحكمة املختصة
تكون هي محكمة موطن املقترض وذلك بالرغم من وجود شرط مخالف ،وحيث إن
مقتضيات هـذا القانون الجديد دخلت حيز التنفيذ من تاريخ نشر هـذا القانون بالجريدة
الرسمية تطبيقا للمادة 197التي أوجبت تطبيق هـذا القانون بمجرد نشره ،وحيث إن
هذه التدابير املنظمة للعالقة بين املستهلك املورد أو املؤسسة املقرضة هي من النظام
العام ال يجوز لألطراف االتفاق على ما يخالفها ،وتبعا لذلك ،فإن املحكمة وخالفا
للقواعد الخاصة باالختصاص املحلي املشار إليها بقانون املسطرة املدنية ،فإنها تتدخل
تلقائيا وتثير من تلقاء نفسها مدى احترام األطراف إلرادة املشرع التي تتجه إلى حماية
حقوق املستهلك بإلزام املؤسسة املقرضة بمقاضاة املدين أمام محكمته املختصة ،وفي
هذا االطار فإن املشرع املغربي كان موفقا في اعتبار االختصاص املكاني من النظام العام،
لتمكين القضاء من تحقيق ذلك التوازن العقدي بين طرفي العقد ،خاصة وأن املستهلك
البسيط أصبح معرضا ملا يسمى باإلكراه االقتصادي.1
وفي األخير فإن عقد القرض يبقى له أهمية كبرى في التصرفات القانونية التي أحاطها
املشرع بترسانة قانونية ضمانا لحماية األطراف املتعاقدة من جهة وحماية التوازن العقدي
أيضا ،واملشرع عمل في القانون 31.08على تكريس مجموعة من الضمانات للمستهلك
املقترض بترسيخ الحماية الجنائية لكل نشاط يمس بحقوق املستهلك املقترض ،بترسيخ
الحماية الجنائية لكل نشاط يمس بحقوق املستهلك كما سخر أيضا في هذا اإلطار
مجموعة من األجهزة خول لها السهر على تفعيل املقتضيات الحمائية لنصوص هذا
القانون ذلك في سبيل الحفاظ على مصالح املستهلك املقترض والحيلولة دون ضياع
حقوقه ،وضمان أيضا احترام القواعد القانونية ذات الطابع الجنائي للتصدي ملختلف
املمارسات غير املشروعة في هذا الجانب ،ألن حماية املستهلك هو جانب جوهري في الحياة
اليومية واالقتصادية ،وفي هذا الصدد يتطلب األمر تشديد العقوبات الزجرية في حالة
خرق املقتضيات الحمائية املرتبطة بااللتزام ،واالشهار الكاذب أو تضمين القرض الشروط
التعسفية التي يضيع معها مبدأ حماية التوازن العقدي ،وهو األمر الذي يطلب تكوين
1منير فوناني :وجيز المنازعات البنكية ،الطبعة األولى ،2012بروما ،الرباط ،ص .55 :
قضاة متخصصين في مجال قانون االستهالك ،وأيضا تبسيط املساطر لتكريس حماية
جنائية فعالة للمستهلك املقترض.
َ
الحـسن العلج
بعد اإلجماع الفقهي على تحريم الفائدة البنكية ،حاول الفقهاء املسلمون
املعاصرون ايجاد سبل الستثمار األموال بطرق مشروعة تقوم على أسس صحيحة من
نظام املعامالت في االسالم .ومن هذه الطرق ما اصطلح على تسميته (بيع املرابحة لآلمر
بالشراء) وحاولوا تأصيل هذا العقد وفق األصول الشرعية ،وما أن بدأت البنوك
االسالمية بتطبيق هذا البيع حتى نشأ نقاش علمي عميق حول مدى شرعية هذا النوع من
املعامالت ،حيث اختلف الفقهاء بين مؤيد ومدافع عن هذا العقد ،وبين معارض له
باعتباره يتنافى مع أصول العقود الصحيحة ،وقد أخذت معظم البنوك االسالمية بهذا
العقد وتعاملت به وفق شروط وضوابط محددة بناء على رأي العلماء الذين أجازوه.
وقد بدأت البنوك اإلسالمية أو ما يسمى في املغرب بالبنوك التشاركية ،مسيرتها منذ
سنة تقريبا ،و استحوذ عقد املرابحة على أغلب معامالتها املالية ،شأنها في ذلك شأن
أغلب البنوك اإلسالمية في الدول األخرى.
و بيع املرابحة لآلمر بالشراء اصطالح حديث ،حيث لم تكن هذه الصورة معروفه في
التعامل قبل عام ،1976وأول من استعمله بهذا الشكل هو الدكتور سامي حمود في
أطروحته "تطوير األعمال املصرفية بما يتفق مع الشريعة اإلسالمية" .وجاء ذلك من
خالل مراجعة كتاب األم لإلمام الشافعي حيث ورد فيه " :و إذا أرى الرجل الرجل السلع
فقال :اشتر هذه و أربحك فيها كذا ،فاشتراها الرجل ،فالشراء جائز ،والذي قال أربحك
فيها بالخيار :إن شاء أحدث فيها بيعا و إن شاء تركه".1
و قد عرف الفقهاء املعاصرون بيع املرابحة لآلمر بالشراء بعدة تعريفات من بينها:
1المرابحة كما تجريها المصارف اإلسالمية -نقالً عن كتاب "التطبيقات المصرفية لبيع المرابحة في ضوء الفقه
اإلسالمي –للدكتور عطية فياض ،مقال منشور على الموقع http://www.mostashar.com
"أن يتقدم العميل الى املصرف طالبا منه شراء السلعة املطلوبة بالوصف الذي
يحدده العميل وعلى أساس الوعد منه بشراء تلك السلعة فعال مرابحة بالنسبة التي
يتفقان عليها ويدفع الثمن مقسطا حسب امكانياته"1.
وعرفه يونس املصري بقوله "أن يتقدم الراغب في شراء سلعة الى املصرف ألنه ال
يملك املال الكافي لسداد ثمنها نقدا وألن البائع ال يبيعها له إلى أجل إما لعدم مزاولته
للبيوع املؤجلة أو لعدم معرفته باملشتري أو لحاجته إلى املال النقدي فيشتريها املصرف
بثمن نقدي ويبيعها إلى عميله بثمن مؤجل أعلى"2.
وعرفه محمد سليمان األشقر بقوله "يتفق البنك والعميل على أن يقوم البنك
بشراء البضاعة ..ويلتزم العميل أن يشتريها من البنك بعد ذلك ويلتزم البنك بأن يبيعها له
وذلك بسعر عاجل أو بسعر آجل تحدد نسبة الزيادة فيه على سعر الشراء مسبقا"3.
أما املادة 58من قانون رقم 103.12املتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات املعتبرة
في حكمها فقد عرفت املرابحة بكونها "كل عقديبيعبموجبه بنك تشاركي،منقوال أوعقارا
محددا وفي ملكيته ،لعميله بتكلفة اقتنائه مضاف إليها هامش ربح متفق عليهمامسبقا".
فما هو بيع املرابحة وحكمه عند الفقهاء املتقدمين و املعاصرين؟ ما هي آلياته؟ ما
هي شروطه؟ و ماهي أحكامه في التشريع املغربي؟ ذلك ما سنحاول اإلجابة عليه في مبحثين
اثنين نعرض في األول منهما لحكم عقد املرابحة لآلمر بالشراء ،على أن نتطرق في الثاني
منهما لإلجراءاته العملية.
ذهب الجمهور من فقهاء املالكية و الحنفية و الشافعية و الحنابلة 4إلى جواز بيع
السلعة لآلمر بشرائها مستدلين بأدلة البيع العامة .و لكن اشترطوا لجواز ذلك عدم اإللزام
1سامي حسن حمود ،تطوير األعمال المصرفية بما يتفق مع الشريعة اإلسالمية ،مطبعة الشرق ،الطبعة األولى
ص 432
2رفيق المصري بيع المرابحة لآلمر بالشراء مجلة مجمع الفقه االسالمي عدد 5ج 2ص1133
3محمد سليمان االشقر بيع المرابحة كما تجريه البنوك االسالمية ،دار النفائس ،عمان .الطبعة الثانية 1995ص
.6
- 4المقدمات و الممهدات ج 2ص 538و فتح العلي المالك لعليش ج 1ص 254
-البسوط ج 30ص 238و رد المحتار ج 5ص 148
-األم ج 3و المجموع ج 9ص 362
-المغني ج 6ص 188و أعالم الموقعين ج 4ص 92
بالوعد ،فللواعد الخيار إن شاء اشترى و إن شاء ترك .بل زاد املالكية شرطا آخر و هو أال
يتم اإلتفاق على الربح1.
أما العلماء املعاصرون فقد اختلفوا في هذه املسألة اختالفا كبيرا ،فمنهم من يرى
جواز هذا العقد (املطلب األول) ومنهم من يرى أن هذا العقد باطل ويحرم التعامل به
(املطلب الثاني) ،ولكل من الفريقين وجهته و رأيه في املوضوع ،نعرضها كما يلي.
املطلب األول :القائلون بجواز بيع املرابحة لآلمر بالشراء مع كون الوعد ملزما
للمتعاقدين
قال بهذا الرأي جماعة من الفقهاء منهم:سامي حمود 2و يوسف القرضاوي 3و علي
أحمد السالوس 4و الصديق محمد األمين الضرير 5و ابراهيم فاضل الدبو 6و الشيخ
محمد علي التسخيري .7و غيرهم و احتج هذا الفريق بعدة أدلة منها.
الدليل األول األصل في األعمال اإلباحة ،إال ما جاء نص صحيح الثبوت صريح
الداللة يمنعه ويحرمه ،فيوقف عنده.وهذا بخالف العبادات التي تقرر أن األصل فيها املنع
حتى يجيء نص من الشارع لئال يشرع الناس في الدين ما لم يأذن به هللا
الدليل الثاني :عموم النصوص من كتاب هللا وسنة رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم الدالة على أن جميع أنواع البيوع هي حالل إال ما استثناه الدليل الخاص.
قال يوسف القرضاوي" :إن البيع خاصة ،جاء في حله نص صريح من كتاب هللا
تعالى يرد به على اليهود الذين زعموا أن الربا كالبيع أو البيع كالربا ال فرق بينهما( .ذلك
بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل هللا البيع وحرم الربا) .فهذه الجملة القرآنية (وأحل
هللا البيع) تفيد حل كل أنواع البيع سواء كان عينا بعين (املقايضة) أم ثمنا بثمن
(الصرف) أو ثمنا بعين (السلم) أو عينا بثمن (هو البيع املطلق) .وسواء كان حاال أم مؤجال
نافذا أو موقوفا .وسواء كان بيعا بطريق املساومة أم بطريق األمانة وهو يشمل :املرابحة
(وهو البيع بزيادة على الثمن األول) والتولية (وهو البيع بالثمن األول) والوضيعة (وهو
البيع بأنقص من الثمن األول) ،أو بطريق املزايدة.فهذه كلها وغيرها حالل ألنها من البيع
الذي أحله هللا تعالى1".
الدليل الثالث :النصوص الواردة عن بعض الفقهاء في إجازة هذا العقد وأهم هذه
النصوص ما يلي2:
جاء في كتاب الحيل ملحمد بن الحسن الشيباني قال" :قلت :أرأيت رجال أمر رجال أن
َ
يشتري دارا بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها اآلمر بألف درهم ومائة درهم فأراد
املأمور شراء الدار ثم خاف إن اشتراها أن يبدو لآلمر فال يأخذها فتبقى في يد املأمور
كيف الحيلة في ذلك؟ قال :يشتري املأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثالثة أيام ويقبضها
ويجيء اآلمر ويبدأ فيقول :قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم فيقول املأمور :هي
لك بذلك فيكون ذلك لآلمر الزما ويكون استيجابا من املأمور للمشتري :أي وال يقل املأمور
مبتدئا بعتك إياها بألف ومائة ألن خياره يسقط بذلك فيفقد حقه في إعادة البيت الى
بائعه وان لم يرغب اآلمر في شرائها تمكن املأمور من ردها بشرط الخيار فيدفع عنه
الضرر بذلك".3
و قال ابن القيم" :رجل قال لغيره :اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فالن بكذا
وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا ،فخاف إن اشتراها أن يبدو لآلمر فال يريدها وال يتمكن من
الرد ،فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثالثة أيام أو أكثر ثم يقول لآلمر :قد اشتريتها بما
ذكرت ،فإن أخذها منه وإال تمكن من ردها على البائع بالخيار ،فإن لم يشترها اآلمر إال
بالخيار فالحيلة أنيشترط له خيارا أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع
ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه"4.
فالشرع لم يمنع من البيوع واملعامالت إال ما اشتمل على ظلم ،وهو أساس تحريم
الربا واالحتكار والغش ونحوها .أو خش ي منه أن يؤدي الى نزاع وعداوة بين الناس وهو
أساس تحريم امليسر والغرر .فاملنع في هذه األمور ليس تعبديا بل هو معلل ومفهوم ،وإذا
فهمت العلة ،فإن الحكم يدور معها وجودا وعدما .وهذا هو األصل في باب املعامالت،
بخالف باب العبادات فاألصل فيها التعبد وامتثال املكلف ملا هو مطلوب منه دون بحث
عن العلة أو املصلحة .وبناء على أن األصل في املعامالت النظر الى املصلحة ،رأينا بعض
فقهاء التابعين قد أجازوا التسعير إلتفاتا إلى العلة و املقصد .ومثل ذلك إجازتهم عقد
االستصناع مع أنه بيع معدوم ،نظرا لحاجة الناس إليه وجريان العمل به وقلة النزاع
فيه1.
وقد أجمع املؤتمر على هذا الجزء من القرار ولكنه اختلف حول اإللزام بالوعد وإن
كان قد ذهب أكثر العلماء املشاركين إلى جواز اإللزام ،غير أن املؤتمر ترك موضوع اإللزام
بعد ذلك لهيئة الرقابة الشرعية لكل مصرف ،وظل الجدل قائما إلى أن صدر قرار مجمع
الفقه بمنظمة املؤتمر اإلسالمي عام 1989والذي أجاز اإللزام بالوعد لضمان حق
الجميع.
كما رأى املؤتمر أن أخذ العربون في عمليات املرابحة وغيرها جائز ،بشرط أال يكون
للمصرف الحق في استقطاع مبلغ العربون أو جزء منه ،إال بمقدار الضرر الفعلي الذي
أصاب البنك من جراء نكول العميل عن تنفيذ وعده
املطلب الثاني :القائلون بتحريم بيع املرابحة لآلمر بالشراء وبأنه عقد باطل إذا كان
ً
الوعد ملزما للمتعاقدين
وقال بهذا القول كال من :محمد سليمان األشقر .3و بكر بن عبد هللا أبو زيد .4و
رفيق املصري5.
منها6: و احتج هذا الفريق على بطالن هذا البيع وحرمته بأدلة
الدليل األول :أنه منهي عنه شرعا ألنه يعتبر من باب بيع ما ال يملك أو بيع ما ليس
عندك
قال محمد األشقر في هذا الصدد" :فإذا جرى االتفاق على هذا -بيع املرابحة لآلمر
بالشراء -فهو عقد باطل وحرام ألسباب :إن البنك باع للعميل ما لم يملك "وقد نهى النبي
صلى هللا عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض" وقد أشار الى هذه العلة في بطالن هذا النوع
من البيع اإلمام الشافعي في كتابه األم ..وأشار له ابن عبد البر من املالكية ...وصاحب
املغني من الحنابلة1"...
الدليل الثاني :إن هذا العقد باطل ألنه من باب البيع املعلق "أنه باع بيعا مطلقا
أي أنه قال للبنك إن اشتريتموها اشتريتها منكم وقد صرح بالتعليل للبطالن بهذه العلة
اإلمام الشافعي ..وابن رشد من املالكية ..حيث قال" :ألنه كان على مواطأة بيعها قبل
وجوبها للمأمور".2
الدليل الثالث :إن بيع املرابحة لآلمر بالشراء من باب الحيلة على اإلقراض بالربا،
وقد أشار الى هذه العلة املالكية كقول ابن عبد البر في الكافي( :معناه أنه تحيل في بيع
دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة .مثال ذلك :أن يطلب رجل من آخر
سلعة يبيعها منه بنسيئة وهو يعلم انها ليست عنده ويقول له :إشتريها من مالكها بعشرة
وهي علي باثني عشر إلى أجل كذا .فهذا ال يجوز ملا ذكرنا ،وأصل تعليل الفساد بهذا منقول
عن ابن عباس رض ي هللا عنهما كما رواه البخاري" :أنه يكون قد باع دراهم بدراهم
والطعام مرجأ"3
الدليل الرابع :إن هذه املعاملة تدخل ضمن بيع الكاليء بالكاليء أي الدين بالدين.
وورد النهي عنه شرعا ملا روي في الحديث عن ابن عمر ان النبي صلى هللا عليه وسلم نهى
عن بيع الكالىء بالكالىء4.
قال األستاذ رفيق املصري" :بيع املرابحة مع امللزم يفض ي إلى بيع مؤجل البدلين .فال
املصرف يسلم السلعة في الحال وال العميل يسلم الثمن ،وهذا ابتداء الدين بالدين أو
الكالىء بالكالىء الذي أجمع الفقهاء على النهي عنه مع ضعف الحديث الوارد فيه".1
الدليل الخامس" :إن هذه املعاملة تدخل ضمن عقدين في عقد (بيعتين في بيعة)
فقد نهى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن بيعتين في بيعة 2،فاملواعدة إذا لم تكن
ملزمة للطرفين ،لم يكن ثمة بيعتان في بيعة ،لكنها إذا صارت ملزمة صارت عقدا بعد أن
كانت وعدا و كان هناك بيعتان في بيعة .فالبيعة األولى بين املصرف وعميله املشتري،
والثانية بين املصرف والبائع".3
هذه أهم األدلة التي ساقها هؤالء العلماء على قولهم ببطالن بيع املرابحة لآلمر
بالشراء إذا كان الوعد ملزما للمتعاقدين.
بل ذهب الدكتور أحمد النجار إلى القول بأن "بيع املرابحة لآلمر بالشراء أكبر حل
إجرامي في التاريخ اإلسالمي ،فهو سعر فائدة لكنه مضمون % 100فهو معاملة ليست
ببيع و ال شراء و إنما حيلة ألخذ الربا"4
و مها يكن من أمر فإن املرابحة لآلمر بالشراء من أكث رأساليب التمويل شيوعا في
البنوك اإلسالمية ،فما هي آليات هذا االسلوب في التمويل؟ و ما هي إجراءاته العملية كما
تعتمدها البنوك التشاركية؟ ذلك ما سنحاول اإلجابة عليه في املبحث التالي.
تبدأ عملية بيع املرابحة لآلمر بالشراء بمرحلة املواعدة ،حيث يتقدم املستهلك
العميل إلى البنك بطلب لشراء العقار أو املنقول املراد اقتناءه وبعد أن تتم دراسة الطلب
يتم إبرام عقد الوعد معه ،وبالتالي فإن اإلجراءات في هذه املرحلة تسير ،وفق الخطوات
التالية:
.1طلب الشراء.
.2دراسة البنك للعملية .
.3إبرام عقد الوعد األحادي الجانب بالشراء.
.4بيع البنك التشاركي للعقار أو املنقول املوصوف للعميل بأجل مع زيادة ربح متفق
عليه بينهما.
و ما يهمنا في هذه الدراسة هو الوعد األحادي الجانب بالشراء و عقد البيع النهائي و
ما يثيرانه من إشكاالت قانونية وعملية
إن الخطوة التالية لدراسة العملية وقبول البنك القيام بها هي إبرام عقد الوعد
مع العميل ،والذي يتفق بموجبه الطرفان ،البنك و العميل ،على تنفيذ العملية .و لكن
السؤال الذي يطرح نفسه هو :هل يتم إبرام عقد الوعد أم يتم االكتفاء بطلب الشراء
فقط ؟
العميل1، في املغرب فإن كل األبناك التشاركية تقوم بإبرام عقد الوعد بينها و بين
أما في الدول اإلسالمية األخرى ،و خالل عملية إستقصاء قام بها أحد الباحثين 2،فإن من
األبناك اإلسالمية ما يقوم بإبرام عقد الوعد ،بينما يكتفي عدد قليل من األبنك األخرى
بطلب الشراء فقط .والحجة لدى لدى هؤالء ،أن إبرام عقد الوعد فيه إلزام للعميل
بإتمام الصفقة ،وهم ال يأخذون بالرأي الذي يقول باإللزام بالنسبة للعميل ـ كما سنرى
ذلك الحقا ـ وبالتالي فليس هناك حاجة في نظرهم إلبرام عقد الوعد.
و تعتبر قضية اإللزام بالوعد في بيع املرابحة لآلمر بالشراء محل خالف رئيس ي بين
الفقهاء املعاصرين ،حيث كثرت فيها الكتابات وصدرت بشأنها التوصيات العديدة ،ويدور
الخالف فيها بين آراء ثالثة ،أولها أن الوعد غير ملزم للعميل أو املصرف ،وثانيها أن الوعد
ملزم للمصرف فقط ،وثالثها أن الوعد ملزم لكل من العميل واملصرف.
ويعتبر الرأي الثالث الذي يقول باإللزام لكال الطرفين ،هو الرأي الراجح لدى
الفقهاء املعاصرين ،وبالتالي هو الرأي السائد في التطبيق العملي ،و يتزعم الدكتور يوسف
القرضاوي 3هذه الرأي ،و الذي يقول أنه تؤيده عدد من الحجج العملية واألدلة الشرعية،
و يؤكد على ما يلي:
1و يسمى الوعد األحادي الجانب بالشراء الذي صادق على نموذجه المجلس العلمي األعلى
2محمد عبد الحليم عمر م س ص 13
3انظر في ذلك :يوسف القرضاوي م س ص 50
1ـ أن موضوع املرابحة في األصل من األمور االجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي
محدد ،وبالتالي فإن االستدالل بقول اإلمام الشافعي بعدم اإللزام بالوعد للعميل ،هو
اجتهاد منه ،صدر في ظل ظروف معينة ،وكما يقول الدكتور القرضاوي" ،1ومن يدري لعل
اإلمام الكبير ـ يقصد الشافعي ـ لو رأى ما يترتب على إعطاء الخيار لطالب الشراء في
الصفقات الكبيرة من األضرار والخسائر ،لغير اجتهاده دفعا للضرر وتجنبا ألسباب النزاع
بين الناس" .وعلى ذلك الرأي وصل إليه جمهور الفقهاء املعاصرين من القول باإللزام ال
يخالف نصا وال يعطل حكما شرعيا قائما ،بل على العكس يدور في فلك مقصود الشريعة
في املحافظة على األموال ومنع الضرر والحد من املنازعة بين الناس.
2ـ أن الوفاء بالوعد من القواعد األصولية في اإلسالم التي يجب أن يلزم بها املسلم
في كل أعماله.
3ـ أن هناك آراء لدى الفقهاء القدامى تقول باإللزام بالوعد في املعامالت دينا
وقضاء.
5ـ أن ما يقوله البعض 2من أنه لو كان هناك إلزام بالوعد فإن العملية تكون قد
تمت ،وفي ذلك مخالفة للحديث الشريف ببيع اإلنسان ما ليس عنده ،هذا فضال على أنه
ال يكون هناك داع إلبرام عقد البيع عند حضور البضاعة ،هذا القول مردود عليه بأن
االجتهاد الفقهي والتطبيق العملي املعاصر على أن عقد الوعد ليس بعملية بيع وأنه
ينصب على الوفاء بالوعد فقط ،بدليل أنه يمكن تعديل الثمن أو شروط السداد في عقد
البيع بعد ورود البضاعة والوقف على تكلفتها الفعلية ،و ال يتم عقد البيع إال بعد ورود
البضاعة فعال للبنك.
و تأسيسا على ما سبق فإن الوعد بالبيع يجب أن يتضمن إلزام كل من العميل و
البنك بالوفاء بوعدهما ،ألن األصل املتفق عليه وفقا لقول الشافعي أن املشتري في عملية
بيع املرابحة لآلمر بالشراء "البنك في هذه الحالة" ملزم بتنفيذ وعده ،بينما الخالف يدور
حول إلزام اآلمر بالشراء أي "العميل".
إال أن املالحظ أنه في نموذج الوعد الذي تقترحه األبناك التشاركية املغربية على
عمالئها ،و كما يشير إلى ذلك اسمه" ،الوعد األحادي الجانب" ال يتضمن سوى الوعد
امللزم لطرف واحد و هو املستهلك العميل ،أما البنك فال يوجد وعد ملزم على عاتقه.
لهذا فإن املجلس العلمي األعلى الذي صادق على نموذج هذا الوعد ،مدعو إلى
إدخال تعديالت على هذا النموذج كما يلي
أوال :بتغيير إسمه وكذا عنوان املادة األولى منه وذلك بحذف عبارة الوعد األحادي
الجانب ليصبح إسمه الوعد امللزم للطرفين ،و عنوان املادة األولى :الوعد امللزم
ثانيا :إضافة فقرة ثانية إلى املادة األولى من الوعد تنص على ما يلي :يلتزم البنك
بشراء العقار موضوع هذا الوعد و بيعه إلى الواعد طبقا للكيفيات و الشروط املحددة
بعده
كما أن املادة الخامسة املتعلقة بتحديد أجل إبرام العقد تنص على أن البنك يدعو
العميل إلى إبرام عقد البيع بواسطة إشعار يوجهه إليه بأية وسيلة من الوسائل املتاحة ،و
ال تنص على أي أجل يلتزم البنك خالله بدعوة العميل إلى التعاقد ،و في هذا حيف كبير
بالنسبة للمستهلك و تحيز واضح لصالح البنك ،لذا نقترح إدخال تغيير على نص ليصبح
نص املادة كما يلي:
" خالل أجل أقصاه شهر من تاريخ اقتناء العقار املحدد مواصفاته في املادة الثانية
أعاله من طرف البنك ،يدعو هذا االخير العميل إلى إبرام عقد البيع باملرابحة ،بواسطة
إشعار يوجهه إليه بأية وسيلة تثبت التوصل داخل أجل مدته ........يحتسب إبتداءا من
تاريخ التوصل باإلشعار"
املطلب الثاني :بيع البنك العقار أو املنقول للعميل بأجل مع زياد ربح متفق
عليه بينهما
إن عقد الوعد يجب أن يتضمن نسبة الربح املتفق عليها بين البنك و املستهلك،
ذلك أن هذا العنصر هو مقصود العملية ومنه يستمد إسمها (بيع مرابحة) والعلم به
وذكره في العقد شرط من شروط املرابحة ،بل إن نسبة الربح يجب أن تذكر في عقد البيع
النهائي حتى يتحقق شرط العلم بالربح كأحد شروط املرابحة ،وال يكتفي في ذلك بذكره في
عقد الوعد حتى ولو أشير صراحة في عقد البيع على هذه اإلحالة ،أوال ألن عقد الوعد ال
ينعقد به بيعا كما سبق أن أشرنا إلى ذلك ،وثانيا ألنه ربما يتم تغيير الربح بين مرحلة
املواعدة ومرحلة البيع ألية ظروف مثل صدور قوانين أو قرارات من الدولة تنظم ذلك.
و يحسب الربح كنسبة مئوية من ثمن الشراء و كذا جميع املصروفات األخرى التي
تحملها البنك من أجل الشراء األول .و هذه النسبة تختلف بحسب أجل السداد ،بما يؤثر
على إجمالي الثمن الذي يزيد في البيع اآلجل عنه في البيع النقدي ،ألن الرأي الفقهي
مجتمع على أن لألجل حظ في الثمن ،وهذه الحظ يظهر في زيادة نسبة الربح ،مع ضرورة
اإلشارة إلى أن ذلك يجب أن يكون محددا بصفة قطعية و نهائية عند إبرام عقد البيع،
وال يقال مثال أن نسبة الربح هي %5إذا كان السداد على ثالث سنوات ،و %7إذا كان
السداد على أربع سنوات فما فوق ،وهو ما يعرف بالتناسب الفردي لألرباح مع أجل
السداد ،فإذا كان يجوز أن يكون هذا واضحا قبل التعاقد ،فإنه إذا تم العقد على نسبة
معينة %5مثال والسداد ملدة ثالت سنوات ثم تأخر املشتري عن السداد في املوعد املحدد،
فال تزاد نسبة الربح مقابل األجل في هذه املرة ،بل يعالج املوقف بأحد اإلجراءات املقررة
في الدفع كما فصلها الفقهاء املسلمين.
و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو :هل يجوز لبنك املغرب أن يحدد
معدالت األرباح للعقود التي تجري داخل األبناك التشاركية ،على اعتبار أنه يمثل السلطة
النقدية املشرفة على تلك األبناك؟
بناءا على الرأي القائل بوجوب التسعير1ـ أي تحديد معدالت األرباح إذا كانت
املصلحة العامة تقتض ي ذلك ـ نقول مع أحد الباحثين أنه " :يجوز للمصرف املركزي أن
يتدخل في تحديد معدالت األرباح إذا ما حقق ذلك املصلحة العامة ،حيث يؤدي إلى منع
التضخم املؤدي إلى اإلخالل بالقيمة الحقيقية للنقود ،كما يؤدي إلى تحقيق التنمية
االقتصادية ،وذلك قياسا على جواز التسعير .فيجوز للمصرف املركزي التدخل في تحديد
معدل األرباح إذا كان ذلك ضروريا ،وتحديد أهداف السياسة النقدية اإلسالمية
.فاالقتصاد اإلسالمي يوفر عقودا متعددة كاملضاربة واملشاركة واإلجارة واملرابحة ،مما
1ابن القيم ،محمد بن أبي بكر ،الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط 1السنة
1995ص 205
يتوجب معه تحديد معدالت أرباح مختلفة من طرف املصرف املركزي ،وهذه املعدالت
تشمل معدالت أرباح املرابحات واإلجارات ،و معدالت املشاركات في األرباح لكل من
االستثمارات باملشاركة واملضاربة ومعدل أرباح الودائع االستثمارية"1
ومما ينبغي اإلشارة إليه في هذا الشأن ،أن اعتماد سياسة عادلة مرتبطة بتحديد
معدالت األرباح في األبناك التشاركية املغربية سيجنبها الفوض ى التي تتخبط فيها مثيالتها
في الدول األخرى ،خصوصا أن بعض األبناك اإلسالمية في دول املشرق العربي تعتمد
معدال لفائدة السائد في البلد الذي تعمل به ،كمعيار رئيس ي لتحديد معدل الربح ،حيث
أن معظمها يجعل معدل الربح مساويا أومتقاربا مع معدل الفائدة ،األمر الذي أوقعها في
توجيها لكثير من االنتقادات إليها2
و بالرجوع إلى نموذج عقد املرابحة الذي تبرمه البنوك التشاركية مع زبنائها يمكن
إبداء املالحظات التالية:
كما أن الفقرة األخيرة من نفس املادة تنص على أنه ال يلتزم البنك بالتنازل عن
جزء من هامش الربح لفائدة املشتري في حالة التسديد املبكر ،في حين أن املادة 132من
قانون حماية املستهلك قد منعت البنك من املطالبة بأكثر من %2من رأس املال املتبقي
في حالة التسديد املبكر 3.بمعنى أن البنك التشاركي في هذه الحالة لن يتنازل عن أي جزء
1الواد يحاز ممحمود عيسى ،كفاءة السياسة النقدية في اإلسالم ،عالم الكتب الحديث ،إربد ،األردن ،ط 1السنة
2010ص 122و 123
2علي محيي الدين القرهداغي ،بحوث في فقه البنوك اإلسالمية ،دار البشائر اإلسالمية ،بيروت ،لبنان ،ط 1السنة
2007ص
3تنص المادة 132من قانون 31.08على ما يلي :إذا كان عقد القرض يتضمن شرطا يخول للمقرض ،في حالة
التسديد المبكر ،الحق في المطالبة بتعويض عن الفوائد غير الحال أجلها ،فإن هذا التعويض المحدد بنص تنظيمي ال
يمكن أن يتجاوز ما يساوي %2من رأس المال المتبقي
من هامش الربح حتى و لو قام العميل بالتسديد املبكر لثمن البيع بعد إبرام عقد البيع
بوقت قصير ،عكس البنك التقليدي الذي ألزمه قانون حماية املستهلك بالتنازل عن
الفائدة املستحقة عن رأس املال املتبقي و ال يطالب إال ب %2من رأس املال املتبقي.
و هذا يعني أن املستهلك املتعامل مع البنك التقليدي سيتفيد أكثر في حالة التسديد
املبكر ،حيث أن التكلفة اإلجمالية لعملية اقتناء العقار ستنخفظ بشكل ملحوظ ،في حين
أن املستهلك املتعامل مع البنك التشاركي لن يستفيد شيئا في حالة التسديد املبكر ،ما
دام أن البنك لن يتنازل عن أي جزء من هامش ربحه.
بل أكثر من ذلك فإن املشتري غير املعسر ،أي املدين املماطل حسب التعبير
الفقهي ،في حالة مماطلته و توقفه عن أداء ثالثة أقساط متتالية ،يمكن للبنك أن يتنازل
عن هامش الربح املضمن في األقساط التي بقيت في ذمة املشتري املماطل ،و ال يطالبه إال
بما بقي من ثمن شراء العقار ،و ذلك حسب الفقرة الثانية من املادة 9من نموذج عقد
البيع باملرابحة .مما يعني أن من وضع و صادق على نموذج هذا العقد قد فضل املشتري
املماطل س يء النية على املشتري حسن النية الذي يقوم بالتسديد املبكر لثمن البيع.
لهذا نقترح تعديل نص املادة الخامسة من عقد البيع باملرابحة على الشكل التالي:
"يحق للمشتري في أي وقت أن يقوم بالتسديد املبكر الجزئي أو الكلي لثمن البيع
املتبقى أداؤه دون أي تعويض ،و يجب أن ال يقل مبلغ التسديد املبكر الجزئي عن% 10
من ثمن الشراء األول ،ماعدا إذا تعلق األمر بما تبقى من ثمن البيع.
في حالة التسديد املبكر الكلي لثمن البيع يلتزم البنك بالتنازل عن هامش الربح
املضمن في األقساط التي بقيت في ذمة املشتري.
في حالة التسديد املبكر الجزئي يلتزم البنك بالتنازل عن جزء من هامش الربح
لفائدة املشتري ،و يتم تحديد نسبة التنازل باتفاق الطرفين".
كما نقترح إلغاء الفقرة الثانية من نص املادة 8من نموذج عقد املرابحة ،املحددة
اللتزامات املشتري ،حيث أن هذه الفقرة عملت على تقييد حرية املشتري في التصرف في
العقار املرهون ،و ذلك بمنعه من إيجاره أو تفويته للغير إال بعد الحصول على موافقة
صريحة من البنك .و ذلك لعدم قانونيتها و مخالفتها ألحكام الفصل 1177ق.ل.ع الذي
ينص على أنه "من رهن شيئا ال يفقد الحق في تفويته" ..ثم إنها قيود ال فائدة منها مادام
أن البنك يتمتع بحق التتبع و األفضلية على العقار املرهون في أي يد وجد من أجل
استيفاء دينه ،في حالة تخلف املشتري عن أداء ما بذمته من دين.
فهذه الفقرة جاءت طبق األصل إلحدى مواد عقد القرض العقاري الذي تبرمه
البنوك التقليدية مع زبنائها ،و الذي يطالب الجميع بإلغائه .و هذا إن دل على ش يء فإنما
يدل على شيئين اثنين:
ثانيا أن نموذج عقد البيع باملرابحة برمته قد تم وضعه و صياغته من دون إشراك
ممثلين عن جمعيات حماية املستهلك ،الش يء الذي أدى إلى تضمين هذا العقد لشروط و
مقتضيات تصب في جملتها لصالح البنك .و ال تضع أي اعتبار ملصلحة املستهلك كما رأينا
ذلك سابقا.
لذلك يجب حذف هذه الفقرة التي نعتبرها غير قانونية و ال فائدة منها سوى التقييد
على حرية املستهلك املشتري في التصرف بعقاره.
إن سوق التمويالت عن طريق املرابحة ستعرف ال محالة تطورا سريعا بالنظر إلى
تزايد الطلب من قبل املواطنين ،خاصة في شق تمويل السكن ،وهو ما سيساهم في تطوير
القطاع وتخفيض هامش الربح ،خاصة إذا عرفت السوق منافسة شريفة بين املؤسسات
والنوافذ البنكية التي تسوق للمنتوجات التشاركية .حيث يمكن في املستقبل أن تقوم
األبناك التشاركية بتوقيع شراكات مع منعشين عقاريين إلنتاج سكن باملواصفات املطلوبة
من قبل الزبناء ،قصد اقتنائها ،ثم بيعها وفق نظام املرابحة لكل الفئات من املواطنين،
سواء في الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص ،أو املهن الحرة التي تعمل في القطاع غير
املهيكل ،والذين يتوجسون من التعامل مع البنك التقليدي ،ويفضلون املنتوجات
التشاركية املطابقة للشريعة .إال أن هذا النوع من التمويل بالرغم من أهميته ،فإنه
ينطوي على سلبيات عديدة سنحاول إستعراضها في الفقرة املوالية.
و في الختام نقوإلن إجازة بيع املرابحة لآلمر بالشراء ،جعله ينتشر في أنحاء العالم
اإلسالمي إلى حد أن أكثر البنوك اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق املرابحة،
فقد وصلت نسبة عقد املرابحة بالنسبة إلجمالي أعمال املصارف اإلسالمية إلى % 90في
باكستان و %98في قطر و % 94في تركيا في مؤسسة فيصل املالية1
مما جعل مجمع الفقهي اإلسالمي يوص ي البنوك اإلسالمية في إحدى دوراتهبمحاولة
اإلقالل من بيوع املرابحة والتوسع في الصيغ االستثمارية األخرى من مضاربات ومشاركات
و غيرها من املعامالت املاية الجائزة األخرى ،والتأكد من تطبيق هذا النوع من البيع
بالطريقة الصحيحة2.
إن أحد أهم مشكالت االقتصاد اإلسالمي اآلن هو عدم التمييز بين مجرد جواز
املعاملة ،وبين اتخاذ هذه املعاملة نهجا اقتصاديا متبعا .هذا األمر نالحظه واضحا جليا في
بيع املرابحة لآلمر بالشراء والذي اتخذته البنوك اإلسالمية أهم ركيزة ملعامالتها املالية،
مما جعل أصوات كثير من العلماء ترتفع داعية إلى التقليل من املرابحة ما أمكن.
إن الفقهاء الذين أباحوا هذا العقد ،نظروا إليه من زاوية شكلية و إجرائية
محضة ،و لم ينظروا إليه من زاوية التأثير على النشاط االقتصادي للفرد والدولة بشكل
عام ،لذلك فبعد إباحته املطلقة في بداية األمر تراجعوا جزئيا وحثوا البنوك على اإلقالل
من االعتماد عليه ،وهي دعوة نراها قاصرة و غير ناجعة ،ألن البنك كمؤسسة تجارية
يهدف إلى الربح ،فإذا توفرت له طريقتان ،إحداهما تدر عليه ربحا وفيرا من غير تعب
ومخاطرة كالتمويل عن طريق املرابحة ،وأخرى تدر عليه ربحا غير مضمون كاملضاربة
واملشاركة ،فسيفضل الطريق األولى بال شك .و لذلك فإن دعوة الفقهاء املعاصرين للبنوك
اإلسالمية للحد من االعتماد على املرابحة لم تجد لها صدى لدى هذه املؤسسات املالية.
لذا ليس من الغريب أن تتعامل البنوك التقليدية املغربية بهذا العقد ،من خالل
نوافذها التشاركية ألنه ال يختلف مع العقود الربوية التي تجريها عادة ،وال يصطدم مع
املبدأ الرأسمالي الذي بنيت على أساسه و القائم على الفائدة و معدالتها املتغيرة.
لهذا فإن جميع الفاعلين من علماء و قانونيين و اقتصاديين مدعوون الى التفكير
بطريقة علمية و شرعية مستقبلية حتى يتحقق طموح املغرب في أن يصبح مركزا للمالية
اإلسالمية في إفريقيا ،فقد أكد تقرير مؤسسة "أوكسفورد بيزنس" و كذا دراسة أجرتها كل
من وكالة رويترز ،واملؤسسة اإلسالمية للبحوث والتدريب التابعة للبنك اإلسالمي للتنمية،
و مكتب االستشارات "زاوية" ،أن ٪ 98من املغاربة عبروا عن إهتمامهم باملنتجات
املصرفية اإلسالمية .كما أن تقريرا آخر صدر عن مؤسسة "طومسون رويترز" توقع أن
تمثل البنوك اإلسالمية ما بين ٪ 3و ٪5من إجمالي أصول القطاع البنكي املغربي بحلول
،2019وتقدر النسبتان املذكورتان بين 5.2و 8.6مليار دوالر 1،مما يشكل حافزا قويا من
أجل إنجاح تجربة البنوك التشاركية باملغرب.
مقدمة
من املبادرات املهمة في رصد التداعيات االجتماعية لالستهالك ما قامت به املندوبية
السامية للتخطيط بإنجازها للبحث الوطني حول االستهالك ( .)2016إال أن املندوبية
تعتمد مؤشرات ومعايير دولية يخفت فيها النفس االجتماعي لصالح مؤشرات رقمية ،غالبا
ما تكون موص ى بها من قبل املنظمات الدولية .لكننا نرى أن موضوع االستهالك يرتبط
باإلنسان ارتباطا وطيدا ،سواء كان طفال أو كهال أو شيخا ،وأيا كانت حيثياته االجتماعية
وامتداداته الفئوية ،لذلك أضحت دراسة السلوك االستهالكي لألفراد والفئات واملجتمعات
إشكالية وقضية العديد من تخصصات العلوم اإلنسانية واالجتماعية.
وإذا كانت بعض التخصصات ،في دراستها للسلوك االستهالكي تروم استثمار منحى
الطلب لتحقيق املزيد من الربح ملصلحة املصنعين والوسطاء ،فإن تخصصات إنسانية
واجتماعية أخرى -وهذا املقال سليل إحداها -تطمح إلى دراسة هذا السلوك في سياق
تحقيق عدالة اجتماعية وإنصاف مستحق ،مما يجعل هذا النوع من الدراسات يستهدف
تفكيك عالقة االستهالك بأجور املستخدمين ورواتب املوظفين ووتيرة زيادتها ،وعالقتها
بتطور االقتصاد العام واقتصاد القطاعات الخدمية وقضايا إعداد الثروة وإعادة توزيعها
وما إلى ذلك ،لكن باستحضار السياقات الكونية والتوازنات الحضارية وتراتبية املجتمعات
والهويات بما هي واقع ال يرتفع.
الشك أن قضية االستهالك تؤثر وتتأثر بالعديد من العناصر واملؤشرات االجتماعية
واالقتصادية ،بل واإلنسانية والحضارية ،التي تضبط أو تحرر املستهلك في تعاطيه مع
السلع والخدمات ،إلى أن تحول مفهوم االستهالك من معنى إشباع الحاجيات إلى معاني
تحقيق الرغبات ومسايرة الشهوات وضبط توازنات االقتصادات الدولية ،خاصة وأن
التحوالت الكونية الحالية ،وطبيعة عالقة الشرق بالغرب ،جعلت من االستهالك في
املطعم وامللبس واملركب وغيرها ،منظومة إنسانية وقيمة بشرية وصلت مستويات السباق
فيها حد التفاهة أحيانا ،كل ذلك باسم املوضة تارة ،وباسم الحداثة تارة أخرى ،وباسم
الحرية عند سواد كبير من الناس ،مما جعل الدول الصناعية الكبرى ،وعموم مستثمريها
يعتبرون العالم سوقا مفترضة مفتوحة في وجه ما ينتجون ويصنعون من بضائع
وخدمات.
إن تدقيق بعض محددات السلوك االستهالكي للمجتمع املغربي ،ومدى تأثيره وتأثره
بالبيئة املحيطة ،االقتصادية واالجتماعية والحضارية ،التي عرفت هي نفسها تحوالت
هامة أرخت بظاللها على أنماط التسوق وحجم االستهالك وأولوياته ،هو ما دفع العديد
من املتتبعين إلى االقتناع بأن االستهالك في املغرب أصبح منظومة حياتية وثقافة متوارثة.
-1حول مفهوم االستهالك
لعل سؤال املفهوم يظل عتبة أساسية في مقاربة أي ظاهرة في العلوم االجتماعية.
وارتباطا بمفهوم االستهالك ،فعلى الرغم من أنه فعل يمارسه األفراد من خالل تجربتهم
اليومية ،يظل التعريف الدقيق لهذا األخير معقدا .خصوصا وأن هذا املفهوم يعبر
تخصصات مختلفة ،ويقارب من خالل خلفيات نظرية وإيديولوجية متباينة ،وهو ما
يجعله يتباين من حقل معرفي إلى آخر ،وبالتالي ليس ثمة إجماع للباحثين حول تعريف
دقيق له .فإذا كان آدم سميت في كتابه "ثروة األمم" ينظر إليه باعتباره الهدف والغاية
الوحيدة لكل إنتاج .وهو ما يعكس وجهة نظره االقتصادية الصرفة التي كانت مؤسسة
ومقدمة للنظام النيوليبرالي الذي نشهده اليوم .فإن التفسير املاركس ي جمع بين
االقتصادي واالجتماعي في قراءته لظاهرة االستهالك ،بتشديده على أنها جزء من الثقافة
الرأسمالية التي تدعم قيمة االستهالك بغرض الحصول على أكبر قدر ممكن من الربح .أما
ماكس فيبر فقد أعلى من شأن املحددات الثقافية في تفسيره لظاهرة االستهالك ،إذ اعتبر
القيم واألفكار واملعتقدات (الطائفة البروتستانية تحديدا) ذات دور فعال في التطور
عمل مقارنة بين أخالق ُ
االقتصادي للرأسمالية وفي أنماط استهالك األفراد ،خاصة حينما ي ِّ
وسلوكيات األفراد البروتستانت والكاثوليك.1
ويزيد من صعوبة تعريف االستهالك ارتباطه ،بل هو نتيجة ،مفهوم الحاجة
( ،)besoinالتي تنقسم بدورها إلى حاجة أساسية وأخرى ثانوية ،ويأخذ عدة معان .أنماط
-1ماكس فيبر" ،األخالق البروتستنتية وروح الرأسمالية" ،ترجمة محمد علي مقلد ،مركز اإلنماء القومي ،بيروت،
الطبعة األولى ،1990 :ص19 :
عيش وحدات االستهالك – الدخل املزدوج ،األفراد الذين يعيشون لوحدهم ،إنجاب
األطفال ،الفرد املستقر في وسط املدينة ،الضواحي أو الريف – كلها اختالفات تؤدي إلى
ظهور االحتياجات واألفضليات املختلفة 1.ولذلك نكتفي بتعريف فانسون شابو ( Vincent
)CHABAUTالذي يرى بأن لالستهالك وظيفتين أساسيتين معرفا إياه بكونه " :فعل يكمن
في تلبية حاجة (وظيفة عملية) ،لكن أيضا في البحث عن املتعة التي تتجاوز هذه الحاجة
امللحة (وظيفة رمزية)2".
1
-Simon Langlois, Nouvelles orientations en sociologie de la
consommation, L'Année sociologique 2002/1 (Vol. 52), pages 83 à 103
2
https://www.dunod.com/sites/default/files/atoms/files/9782100764686/Feuilletag
e.pdf. )consulté en Mai 2019(.
-3حسب نتائج دراسة المندوبية السامية للتخطيط لعينة من 16.000أسرة مغربية ،الذي انتقل من حوالي 8300
درهم سنة 2001إلى حوالي 15900درهم سنة ،2014وعرفت بذلك القدرة الشرائية تحسنا سنويا بلغ في
المتوسط 3,4بالمائة خالل هذه الفترة
وتراجع نفقات الفئة الثانية في تراتبية السلم االجتماعي ،التي تتخلف بما يزيد عن 24مرة
عن نفقات الفئة االجتماعية األولى فيما يخص التعليم ،و 105مرة فيما يخص الترفيه ،و
24مرة لالتصال ،و 44مرة للنقل ،هذا على الرغم من التفوق العددي الواضح للفئة
الثانية مقابل األولى .من جانب آخر تحدثت تقارير املرصد الوطني للتنمية البشرية (دجنبر
)2018عن اختالل حجم االستهالك بين مختلف الطبقات االجتماعية ،إذ أن %10من
امليسورين استهلكوا خالل الفترة املمتدة ما بين 2012و ،2017ثلث ( )1/3مجموع
استهالك األسر املغربية ككل ،وهو ما يعادل استهالك كل فرد أكثر ب ـ 10مرات من
املسجل لدى %10من الفئات الفقيرة .مما يدفع إلى االعتقاد بسير األوضاع منحى الهرم
االجتماعي املقلوب فيما يخص اإلنفاق (إنفاق أكثر لفئات مجتمعية بأعداد أقل).
ونظرا لالنفتاح االقتصادي والثقافي الذي ينهجه املغرب ،شهد السلوك االستهالكي
للعديد من الفئات االجتماعية تحوالت مهمة ،من بين مؤشراتها تزايد استهالك العديد من
البضائع والخدمات ،التي كانت إلى عهد قريب ،ضعيفة االستهالك ،أو في خانة ما ال يرغب
فيه .ومن بين األمثلة على ذلك ،ارتفاع نسب استهالك السجائر (التدخين) ،التي تتجاوز
%34من الذكور الراشدين ،وعلى الرغم من انخفاض هذه النسبة في صفوف النساء
( ،)%03إال أنها آخذة في االنتشار بين صفوف النساء املتعلمات وصاحبات املستويات
الدراسية العالية ،ولعل األرقام املخيفة بهذا الشأن ،هي املعدالت السنوية لكل فرد ،التي
تصل إلى ما يزيد عن 440سيجارة لكل مدخن ،ما يذر أرباحا هامة لفائدة مصنعي هذه
البضائع ومروجيها في املغرب .أما نسبة استهالك املخدرات ،فقد تم تقديرها في حدود
.1%4,1وقد تحدثت بعض املنظمات الدولية عن مضاعفات خطيرة يسببها التدخين ،منها
أنه يتسبب في قتل ما يزيد عن 274شخص أسبوعيا .2ومثال آخر ال يقل أهمية عن
التدخين ،هي نسبة استهالك الخمور ،حيث يتم استهالك ما يزيد عن 130مليون لتر من
الخمور بشتى أنواعها (الجعة ،الخمر ،ويسكي ،فودكا وشامبانيا) ،مع العلم أن استهالك
الخمر يتزايد في العديد من املناسبات ،وخاصة في رأس السنة امليالدية ،3وال تستثنى
النساء في املغرب من استهالك الخمور ،بل إن النساء املغربيات هن األكثر استهالكا في
الدول املغاربية ،ومما يزيد من االستهالك في املغرب ،تصدره لقائمة الدول العربية
املصدرة للخمور ،نظرا ملناخه الجيد املساعد على زراعة أجود أنواع العنب املستعمل في
صناعة الخمر.
ضعف استهالك بعض األساسيات وصعوبات تغطية الخدمات -3
الضرورية
يستنزف اإلنفاق على الغذاء ميزانيات األسر املغربية بما يفوق %40من املداخيل،
ومما يرفع فاتورة املعاش بالنسبة للعديد من األسر املغربية هو ارتفاع أثمان بعض
البضائع والخدمات وعدم استقرارها ،مما يؤثر على السلوك االستهالكي لألسر ،التي تحول
الوجهة إما إلى بضائع أخرى بديلة بأقل ثمن ،أو التقليل من االستهالك .فقد سجل الرقم
االستداللي لألثمان عند االستهالك في املغرب سنة 2016ارتفاعا بقيمة %1,6مقارنة مع
السنة السابقة ،كما ارتفع الرقم االستداللي سنة 2018بما قدره %1,9مقارنة مع سنة
.12017وال يزال اإلنفاق على ضروريات الحياة يرهق امليزانية اإلجمالية لجل األسر
املغربية ،حيث انتقلت نسبة مجموع نفقات التعليم والعالجات الطبية والتثقيف والترفيه
والنقل من %16,7إلى ما يفوق ،%21مع ما يالحظ من إرهاق مليزانيات األسر جراء
تسديد تكاليف خدمات السكن واالستفادة من الطاقة الذي يستحوذ على %19,8من
نفقات األسر القروية ،و %24,2من نفقات األسر الحضرية .وقد أقر تقرير بنك املغرب
( )2017من جانبه بتزايد حصة التعليم في النفقات االستهالكية لألسر ،بحث انتقل،
حسب التقرير ،من %1,6سنة 2001إلى %7,2سنة 2007لينخفض قليال سنة 2014
بنسبة تقدر ب ،%3,7حيث يالحظ زيادة سنوية في أثمان التمدرس بما يقارب 100درهم
سنويا ،وهو ما يفسر تزايد قروض االستهالك لدى األسر بنسبة %5,6ما بين سنتي 2016
و ( 2017مجموع القروض سنة 2017هو 48مليار و 780مليون درهم).
ولتأكيد الصعوبات التي تجدها األسر املغربية ومعاناتها مع تسديد تكاليف الحياة،
يمكن الرجوع إلى التقرير الذي أعدته املندوبية السامية للتخطيط عن خارطة الفقر
متعدد األبعاد باملغرب ،والذي يؤكد أن الحرمان من التعليم يساهم في نسبة الفقر
متعدد األبعاد ب ،%60,8ويساهم الحرمان في مجال الصحة ب %24,5في الوسط
الحضري .وفي الوسط القروي يساهم الحرمان من التعليم ب %54,5والحرمان من
الولوج إلى البنيات التحتية االجتماعية األساسية ب .2%21,2ورغم ارتفاع تكاليف بعض
الخدمات وتزايد أثمان بعض البضائع ،فإن نسب االستفادة منها في تزايد ،حيث ارتفعت
نسبة األسر املستفيدة من الكهرباء في الوسط الحضري من %95,2في سنة 2012إلى
%97,1في سنة ،2017وفي الوسط القروي كذلك ،إذ انتقلت النسبة من )2012( %89
إلى .1)2017( %95,3
ومما يثير انتباه الباحث ضعف مردودية بعض الخدمات رغم تزايد الطلب عليها،
ومن أهم املؤشرات على ذلك ،قضية التعليم ،فرغم تزايد املقبلين على التعليم ،وكثافة
املجهودات املبذولة في ذلك ،إال أن املردودية تبقى ضعيفة باملقارنة مع حجم املجهودات،
إذ تؤكد تقارير املرصد الوطني للتنمية البشرية انخفاض حصة األفراد غير املتعلمين من
اإلنفاق من % 45,5إلى ،% 40,0بينما ارتفع أمد التمدرس إلى 12,7سنة ،2017على أن
معدل سنوات الدراسة للبالغين 25عاما أو أكثر ،والذي يشكل معيارا ملردودية االستثمار
في التعليم ،يتحدد في 4,7سنوات ،بواقع 5,8سنوات للرجال و 3,8سنوات بالنسبة
للنساء.
-4االستهالك باعتباره متغيرا سوسيواقتصاديا
في هذه الفقرة التي نعتبرها محورية في الورقة ،سنقوم بتحليل األرقام واملؤشرات في
سياقاتها التفاعلية ،االقتصادية واالجتماعية ،وذلك باالستفادة من مخرجات العديد من
األطروحات والنظريات في الباب .فال يمكن ،بحال من األحوال ،التعاطي مع االستهالك
بنظرة اقتصادية محضة ،بل املطلوب هو تحليل الظاهرة بشكل متكامل ،يندمج فيه ما
هو اقتصادي بما هو اجتماعي وحضاري ،وذلك ما تم تاريخيا في تطور التعاطي مع هذه
الظاهرة .صحيح أن االهتمام الفكري بموضوع االستهالك في البدء شغل بال علماء
االقتصاد ،على اعتبار أن موضوع االستهالك يحيل على ظاهرة إنسانية أساسها الطابع
االقتصادي بالدرجة األولى ،وما يرتبط به من مفاهيم العرض والطلب ومعدل اإلنتاج
واملنافسة ومنطق السوق ..لكنه انتقل لحقل األنثربولوجيا في سياق البحث عن الثقافات
الغرائبية exotiquesللشعوب القديمة ،حيث اهتم األنثربولوجيون األوائل بدراسة نمط
استهالك هذه األخيرة ،للتعرف على أنماط عيشها وثقافاتها املحلية ،وبذلك أصبح موضوع
االستهالك داخل الحقل األنثربولوجي يزاحم موضوع القرابة أحد أهم التيمات
-1المرصد الوطني للتنمية البشرية " ،مؤشرات رصد التنمية البشرية :المستوى والتوجهات على المستويين الوطني
والجهوي ،"2107 -2012دجنبر .2018
األنثربولوجية ،وهو ما أسفر عن ظهور مفاهيم التبادل والتملك الرمزي .1..لتتناسل بعد
ذلك العديد من النظريات واألطروحات ،مع ثلة من علماء االجتماع وغيرهم من أمثال
"كينز" و "ماركس" و "فيبر" و"فيبلن" و"دوركايم" وغيرهم ،والتي أكدت على تأثير وتأثر
االستهالك بالقضايا االجتماعية وغيرها من القضايا اإلنسانية.
-1-4دور العوامل االقتصادية
يؤثر حجم االستهالك وطبيعة السلوك االستهالكي في دورة االقتصاد ويتأثر بها
كذلك ،لذلك فهو يعتبر مدخال ومخرجا في اآلن نفسه :فاالستهالك يعتبر مخرجا للعديد من
القضايا االقتصادية ،منها باألساس جدلية الدخل واالستهالك .فالدخل يعد املحدد
األساس ي لالستهالك في جل النظريات ،وخاصة االقتصادية منها ،مثل نظرية "كينز" أو
نظريات الدخل بأطروحاتها الثالث :املطلق أو النسبي أو الدائم ،كما أن قضية االستهالك
تتأثر ،بشكل واضح ،بسلوك املستهلكين بالنظر إلى مداخيلهم ،حيث ترتفع مستويات
إنفاقهم بفعل ارتفاع الدخل وتطور األجور ،وفي كثير من األحيان ،يتم تخصيص نسبة
الزيادة في األجر أو الراتب لالستهالك ،ومن ذلك دخول العديد من األسر في قروض
السكن ،سواء للتمكن من امتالك سكن مستقل أو تغيير السكن حسب تحوالت األسرة
(عدد األبناء وأعمارهم ،امتالك سيارة ،تجهيز بعض مرافق املسكن لالستثمار) .فقد
أكدت دراسة املندوبية السامية أن االرتقاء الطبقي أو الفئوي الذي يسببه زيادة الدخل
يتسبب في زيادة اإلنفاق وتحول السلوك االستهالكي (طبيعة التسوق ،حجم املواد ،طبيعة
الخدمات) ،كما أن التحول في االستهالك يحدث بشكل واضح لدى الطبقات الوسطى
والضعيفة ،أما الغنية فإن زيادة الدخل ال تؤثر كثيرا في طبيعة االستهالك ألنها متوفرة
أصال.
وقد ال يرتفع الدخل من خالل الزيادة في األجور والرواتب ،وهي حالة الطبقات
الوسطى في املغرب ،إذ تم تجميد األجور لفترات مهمة ،لكن تؤكد التقارير والدراسات
تزايد دخل أسر الطبقات الوسطى وتزايد إنفاقها ،وهو ما يجد تفسيره في وجود مصادر
متممة أو موازية أحيانا ،مثل الدخل من األعمال الخاصة االستثنائية والظرفية (بيع
وشراء ظرفي ،أنشطة الدعم بالنسبة لرجال التعليم ،أنشطة موسمية في املناسبات)،
1
Simon Langlois, Nouvelles orientations en sociologie de la consommation, ibis,
pages 83 à 103
دخل استثمار امللكيات املوروثة وغيرها ،ودخول التحويالت التي تنتشر بشكل مكثف في
املغرب ،فما هو تأثير الدخل على االستهالك في املغرب؟
ال يزال جزء كبير من األسر املغربية يعاني تكاليف املعاش وضغط املصاريف ،فقد
أوضحت مذكرة إخبارية عن الحسابات الوطنية للقطاعات املؤسساتية صادرة عن
املندوبية السامية للتخطيط في سنة ،2016أن معدل ادخار األسر تراجع ب 1,2نقطة
ليبلغ %12,9سنة .2016كما أكدت املذكرة ارتفاع األسعار عند االستهالك بنسبة ،%1,6
وهو ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية لألسر بنسبة .%0,6وال يزال الوضع مقلقا مع
مطلع سنة ،2019إذ كشفت نفس املندوبية أن % 63,6من األسر صرحت ،خالل
الفصل األول من سنة ،2019أن مداخيلها تغطي مصاريفها ،فيما % 32,6من األسر
استنزفت من مدخراتها أو لجأت إلى االقتراض ،في حين أن نسبة األسر التي تمكنت من
ادخار جزء من مداخيلها ال تتجاوز .%3,8
أما املرصد الوطني للتنمية البشرية ،فقد كشف عن نتائج دراسته ،التي غطت
املرحلة ما بين 2012و ،2017والتي تؤكد تزايد نسب األسر التي تعتبر أن مستوى معيشتها
يتسم بالركود ،1وأبرز املرصد ،كما تم التوضيح سلفا ،أن %10من الفئات امليسورة
تهيمن على حوالي ثلث االستهالك اإلجمالي لألسر ،وهو ما يعادل معدل إنفاق لكل فرد يزيد
ب 10مرات عن معدل إنفاق %10من السكان األكثر فقرا.
ومن جانب آخر ،يعتبر االستهالك مدخال للعديد من القضايا االقتصادية الهيكلية،
وخاصة التوازنات املالية للدولة ،فإذا كان التضخم وانخفاض نسب النمو يؤثر بوضوح
على ارتفاع أسعار البضائع والخدمات والسلع ،2وبالتالي على القدرة الشرائية لألفراد
واألسر ،خاصة في الطبقات املتوسطة والضعيفة ،في غياب أدنى مقايسة لفئات معدالت
الضريبة مع معدالت التضخم ،فإن حجم االستهالك يؤثر هو اآلخر في املوازنات املالية
ونسب النمو والتضخم.
وقد رصدت دراسة املندوبية السامية ،املذكورة سابقا تحسن الطلب الداخلي،
حيث سجلت نموا بالحجم بلغ %5,5سنة 2016مقابل %1,9سنة ،2015ويرجع ذلك
بالخصوص إلى االرتفاع الهام الذي عرفه االستثمار الوطني ،وإلى تحسن نفقات االستهالك
النهائي لألسر ،الذي عرف ارتفاعا بنسبة %3,4سنة 2016عوض %2,2سنة ،2015
-1كشفت الدراسة المذكورة سابقا أن هذه النسبة انتقلت من %70,7إلى %79,3على الصعيد الوطني ،ومن
%67,4إلى %79,8في الوسط الحضري.
-2تجدر اإلشارة هنا إلى انخفاض نسب النمو التي عرفها المغرب خالل السنوات الماضية ،وهو ما يعني تزايد
أعباء األسر.
مساهمة بـ 1,9نقطة في نمو الناتج الداخلي اإلجمالي عوض 1,3نقطة سنة .2015كما
أوضحت مذكرة إخبارية عن الوضعية االقتصادية الوطنية خالل الفصل الرابع من سنة
،2018صادرة عن املندوبية السامية للتخطيط أن االستهالك النهائي لألسر شكـل قاطرة
النمو االقتصادي ،حيث أن نفقات االستهالك النهائي لألسر ارتفعت بنسبة %3,9مساهمة
في النمو ب 2,2نقطة .وحسب موازنة سنة ،2019التي بنيت على فرضية معدل نمو
اقتصادي بنسبة ُ ،%3.2يتوقع أن يساهم استهالك األسر في النمو االقتصادي بنحو
.%2.2
وبالنظر إلى بنية نفقات الدولة ومصادر التمويل فيها ،يتبين أن الضريبة تمثل أهم
املوارد ( ،)%72وتبقى الضرائب امللقاة على كاهل املواطن املستهلك أهم هذه الضرائب،
منها الضريبة على القيمة املضافة ،TVAوالضريبة الداخلية على االستهالك ،TIC
والضريبة على القيمة املضافة عند االستيراد ( %60من مجموع الضريبة املحصلة من
هذا النوع) .هذا في الوقت الذي يتم فيه استمرار إعفاء قطاعات منتجة مثل القطاع
الفالحي .وتبقى الضريبة على القيمة املضافة هي الضريبة األكثر مردودية في مالية
الدولة،إذ يساهم عموم املستهلكين بغض النظر عن حيثياتهم االجتماعية ،بشكل جيد،
في مداخيل الدولة ،وبحكم صيغة الضريبة على القيمة املضافة ،التي ال تميز بين فئات
امللزمين ،يبقى املستهلك األخير ضحية الجباية في املغرب ،خاصة أن هذا النوع من
الضريبة ال يميز بين املستهلكين حسب مستويات مداخيلهم أو مواقعهم االجتماعية،
وباإلضافة إلى الضريبة على القيمة املضافة ،هناك الضريبة على الدخل ،التي يتم
فرضها على األشخاص الطبيعيين حسب مداخيلهم ،ورغم إعفاء الشرائح االجتماعية
الضعيفة ،ذات الدخل الذي ال يتجاوز 30.000درهم سنويا تقريبا ،فإن النسب املعتمدة
تبقى مرتفعة باملقارنة مع تكاليف املعاش في املغرب ،وباملقارنة مع فئات الدخل ،باإلضافة
إلى كونها تثقل كاهل فئات معينة من املجتمع ( %73من الضريبة على الدخل عبارة عن
اقتطاعات من األجور) ،مما يعني تملص فئات أخرى ،منها أجراء القطاع الخاص وغيرهم.
-2-4العوامل االجتماعية وتداعيات االنفتاح السوسيو-ثقافي
فرض تطور مفهوم االستهالك في العلوم اإلنسانية واالجتماعية نماذج تفسيرية
جديدة ،ال تختزل االستهالك حصرا في االستجابة لالحتياجات األولية ( غذاء ،سكن،
لباس) أو الثانوية (االحتياجات األكثر تعقيدا :الثقافة) ،وإنما يفسر من خالل أنماط أخرى
للدافعية املشكلة لجوانب مختلفة من األبعاد االجتماعية لظاهرة االستهالك " .إنه يعود
بشكل واسع إلى مجموع املمارسات الدالة التي من خاللها يتبادل األفراد القيمة واملعنى
الذي يضفونه على األشياء ،ويحافظون من خالله على الروابط االجتماعية1".
إن دراسة تلك األبعاد االجتماعية لالستهالك ،يؤكد فنسون شابو ( Vincent
،)CHABAUTتستدعي الكشف عن دوافع املستهلك ،وكيف تعمل أفضلياته وأذواقه مع
األخذ بعين االعتبار بمتغير أصله وانتمائه االجتماعي( :الفئة السوسيومهنية ،العمر،
الجنس ،الشواهد والدبلومات ،مكان السكن ،الترفيه ،العطل ،النقل ،الصحة )..كلها
معطيات مهمة لفهم قرارات األفراد .وال تقف املقاربة السوسيولوجة عند تفسير سبب
اختيارات املستهلك فقط ،وإنما تفكر أيضا في املنتوجات املقتناة وفي البيئة التجارية.
َ َ
وموجهة من خالل تدخل وسطاء السوق ،واملصنعين، فاختيارات املستهلك مؤطرة
واملوزعين ،واملستشهرين ،واألبناك ،واملقاوالت2..
وبهذا يبدو أن االستهالك موضوع ال تستقيم مقاربته إال في إطار تفاعالت السوق
الناتج عن استراتيجيات ورهانات كل أولئك الفاعلين .إنها مقاربة تتغيى تسليط الضوء
على مختلف تلك املحددات االجتماعية لالستهالك فضال عن سياقه ،والكفيل بإنتاج
املعنى ،من خالل عدم االرتكان للمعرفة الوصفية املستندة على اإلحصائيات الكمية
واستطالعات الرأي ،بل تسعى في املقام األول إلى بناء املنطق االجتماعي الذي يكمن خلف
ممارسات استهالك األفراد .ويظل رهان التحليل السوسيولوجي إذن التفكير في انبناء
َ َ
وتش ُي ِّد العادات ،وفي الطريقة التي بموجبها يتم دمج هذه العادات وممارستها خالل املسار
االجتماعي للفرد 3.ومن ثمة تبدو أهمية تحليل ممارسات االستهالك باعتبارها عتبة كفيلة
بأن تجيبنا عن الفعل االستهالكي بما هو مصدر لتبعية األفراد أو لتحررهم وتعاظم
فردانيتهم.
االستهالك :مصدر للتبعية واالرتهان أم إعالن للتميز؟ -1-2-4
مع توالي فترات الهيمنة يالحظ شيوع العلوم التقنية واألداتية ،وارتفاع سيولة
التخصصات التي تدفع في اتجاه تسليع وتبضيع كل ش يء ،وجعله في متناول نظريات
وتقنيات التسويق .والعمل على تحويل العديد من املفاهيم السيادية مثل "الحرية"
و"القيم" و"التعددية" و"الحاجة الطبيعية" إلى مجرد مفاهيم اقتصادية تدور في فلك
منظومة التسويق واملنافسة ،باإلضافة إلى تقزيم الحرية الشخصية من مفاهيمها السامية
1
https://www.dunod.com/sites/default/files/atoms/files/9782100764686/Feuilletag
e.pdf. Ibis. p:1
2
https://www.dunod.com/sites/default/files/atoms/files/9782100764686/Feuilletag
e.pdf. Ibis. p:1Ibis. page: 4
3
Ibis. Page : 3
إلى مجرد االختيار والترجيح بين بضاعات وخدمات مصنوعة على املقاس.وهذا ما جعل
العديد من النقاد االجتماعيين من أمثال "لوكاتش" و"بودريال" و"أدورنو" وغيرهم،
ينتقدون املجتمع الغربي في هيمنته العلمية واملعرفية هذه ،الخادمة لتسويق بضاعاته
ومصنوعاته وفق منظومة أحادية ضيقة ،تطمس كل ما هو خاص في جميع املجتمعات،
وال تخدم إال مصلحة كبار املستثمرين ،سواء كانو أشخاصا ماديين أو معنويين أو
افتراضيين.
انطالقا مما سبق يظهر على أن فعل االستهالك لم يعد فقط وسيلة لتلبية
االحتياجات األولية ،ولكن بات يعمل على َب ْن َينة ( )structurationالعالقات االجتماعية،
من خالل ما يمنحه فعل االستهالك التفاخري ( )consommation ostentatoireمن تميز
( )distinctionلصاحبه 1.وبذلك تم تجاوز االحتياجات األساسية التي ضمنها "مازلو"
( )maslowفي نظريته .لقد استحال االستهالك وسيلة لإلعالن عن االنتماء إلى هذه الطبقة
أو تلك ،وميدانا ،بتعبير بورديو" ،للصراع الطبقي املتواصل واملستمر" ،2والذي يعمل
باستمرار على إضفاء املعنى على هذا االنتماء والوجود االجتماعي ،من خالل بعثه برموز
وإشارات خارجية تدفع باستمرار األفراد إلى تملك الخيرات ( )les biensواإلجابة عن
احتياجات التقدير واالكتمال الذاتي.
لقد بات مجتمع االستهالك ،بحسب بودريار ،يسمح للفرد بزيادة أو تسريع
استهالكه ،لكن فقط بحسب قيمته التراتبية داخل املجتمع ،ويجعله هذا األخير يعتقد من
خالل وسائل اإلعالم أن ثمة نذرة يمكن أن تمس وضعه الذي يعتقد أنه ينتمي إليه .وهو
ما بات يعرف داخل النظريات النيوكالسكية ب 3. homo economicusوضع من شأنه أن
يؤشر عن أن املجتمع يتوجه شيئا فشيئا نحو فردانية تتعاظم ،وترتكز حول األشياء
املتملكة ،بل حتى أن مجموعة من األفراد عندما تحاول الخروج من مسارات مستهلكة،
فإنها ستعيد مصدرا جديدا للتبعية برموزه الخاصة وعالمات انتمائه 4.األمر الذي يبدو
للوهلة األولى على أنه ضرب من التميز ،لكن في العمق ال يعدو أن يعكس حالة التبعية
واالرتهان لألشياء املستهلكة.
1
Jean Baudrillard, la société de consommation, Gallimard, 1970. Paris
2مجموعة من المؤلفين ،إشكاليات الفكر المعاصر ،بيير ،بورديو ،الخياطة الرفيعة والثقافة الرفيعة ،ترجمة محمد،
سبيال ،منشورات الزمن ،سلسلة ضفاف ،الطبعة األولى ،الدار البيضاء .2009 ،ص29 :
3
Jean Baudrillard, la société de consommation, Ibis.
4
Ibis
ويعزز هذا الطرح مقال موسوم "باملقاس "38للسوسيولوجية فاطمة املرنيس ي في
منجزها "الحريم األوروبي" ،1تعلن من خالله عن صدمتها عندما كانت بأمريكا تبحث عن
تنورة باملقاس الذي يناسبها ،فلم تجده في ذلك املتجر االستهالكي الضخم بأكمله
بنيويورك .وهو ما يحيل على وضع التنميط واالرتهان الذي تقبع تحته األمريكيات املجبرات
ُ
على إخضاع أجسامهن لهذا املقاس /اللباس امل َع ْولم ،ويؤشر في نفس اآلن عن عنف
رمزي ،بتعبير "بورديو" ،ناعم وغير مرئي يمارسه عالم االستهالك على النساء متقنعا تحت
مقاييس جمالية ،والتي ال تقف عند حدود الحديث عن املوضة ،بل توجه وتؤطر نمط
الحياة ،نمط حياة املرأة العصرية التي يتعين أن تكون حرة ،طليقة ،رياضية ،على هواها2.
إنها واقعة تدلل على عوملة االقتصاد وعوملة القيم التي دائما ما تخلق حاجيات موهمة
وموحية لألفراد بأنها بصدد منحهم أفضل ما يتوجب عليهم استهالكه ،فال مجال مع
العوملة لخصائص الشعوب وعاداتها وقيمها وثقافتها.
إنها ثقافة معوملة الستهالك رموز وصور وعالمات للتفوق والرفاهية واملتعة .وقد
أسه مت وسائل اإلعالم في نشر وتدويل هذه الثقافة من خالل إعالء قيم الفردانية،
والسعي خلف املتعة عبر االستهالك املتواصل للخيرات .وهو ما يؤشر عن تحول على
مستوى نسق اإلنتاج الذي غير بدوره من مفهوم الحاجة داخل وحدات االستهالك،
فأصبح هذا األخير عبارة عن توليفة بين الفائدة (( )utilitéالراحة ،األمان )..والتميز (نمط
العيش ،عالمات االنتماء ،التميز) واملتعة (الرضا ،استهالك املتعة3.)..
1
MERNISSI, Fatima, Le Harem européen, Le Fennec, 2003 Casablanca.
2مجموعة من المؤلفين ،إشكاليات الفكر المعاصر ،بيير ،بورديو ،الخياطة الرفيعة والثقافة الرفيعة ،المرجع السابق،
ص28 :
3
Simon Langlois, Nouvelles orientations en sociologie de la consommation, Ibis,
pages 83 à 103
وقد تعددت أشكال الهيمنة وتمددت إلى درجة توجيه االستهالك إلى متاهات ال قبل
لإلنسان بها ،وأصبح العديد من التوجهات والسياسات العمومية تشجع "املوضة" باسم
تحرير السوق ،مما يرفع حظوظ تسويق التفاهة في العديد من املجاالت الحياتية (األكل،
اللباس ،املظهر ،لغة التواصل ،اإلعالم وغيرها) ،ونعرف جيدا أن املوضة هي ليست حالة
مواكبة للجديد والتطلع لإلبداع والتميز فقط ،بل هي وسيلة إلهاء حقيقية عن التفكير في
القطيعة االجتماعية واالنتقال من االستهالك إلى اإلنتاج ،وإلهاء كذلك عن التفكير في
ّ ّ
مدخن أو سكير أو جدوى سلوك استهالكي معين ومآالته ،وإال كيف يمكن تصور إنسان ِّ
مدمن على لباس شاذ نمطي معين ،يوحي بانتمائه إلى منظومة إنسانية معينة ،أو جماعة
بشرية شاذة ،وهو ينتمي عضويا إلى فئات اجتماعية مناقضة لهذا التوجه ،وبقناعات
مناقضة كذلك ،بل في كثير من األحيان نجد الشباب تستهويه ألبسة معينة ،هي في صلبها
تعبير عن قضية اجتماعية أو ظاهرة ما ،في حين ليس له هو خبر أو أدنى علم بذلك.
إن وضعية العجز التي تعيشها بعض األسر املغربية في عالقتها باالستهالك ،ال تقف
عند حدود وضعية االدخار السلبي (اإلنفاق من االدخار السابق) ،بل تتعداها إلى الدخول
في قروض واالستدانة لتغطية "الحاجيات" ،ولعل االرتفاع املستمر في األسعار ،وغالء
املعيشة ،يدفع األسر قسرا إلى قروض االستهالك لتغطية النفقات ،في حين تعجز العديد
من األسر عن تسديد هذه النفقات مع تقدم مدة القرض .وال ينتظر إيجاد حل لهذه
املعضلة ما دامت القوانين والتشريعات تتزايد للرفع من نسب هذا النوع من القروض
ملصلحة كبار املستثمرين واملحتكرين املغاربة واألجانب .وأمام هذا الواقع يفرض على األسر
عدم التفكير في سياقات استهالكية جديدة تضمن توفير االدخار.
وقد أظهرت مقاطعة بعض البضائع واملنتجات في املغرب سنة 2018حجم املعاناة،
ومعها منسوب وعي األسر املغربية بتداعيات احتكار فئات اجتماعية معينة ملصادر الثروة
وحق االستثمار وترويج بعض البضائع الحيوية في املغرب ،1ومن خالله رفض ظاهرة
الهيمنة باعتبار املبدأ .وهو سلوك شبيه بما عرفته بعض فترات الصراع الحضاري مع
الواليات املتحدة األمريكية أو إسرائيل ،حيث دعت العديد من املنظمات والهيئات في عدة
دول ،ومنها املغرب ،إلى مقاطعة البضائع األمريكية ،وعلى رأسها منتوجات "ماكدولدز"
وغيرها ،أو حالة مقاطعة الثمور اإلسرائيلية املستوردة في دول العالم اإلسالمي.
-1أنظر في هذا الصدد مقالنا :ميلود الرحالي وابراهيم بلوح ،الفعل االحتجاجي بالمغرب بين استمرارية أو تالشي
أطروحة الوساطة :حملة المقاطعة نموذجا ،مجلة الدراسات اإلفريقية وحوض النيل ،العدد الثالث ،سبتمبر،2018 ،
ص243-212 :
1
Jean Baudrillard, la société de consommation, ibis.
2
Jean Baudrillard, la société de consommation, ibis.
3
Ibis.
مقدمة
إن حماية املستهلك تقتض ي حمايته في جميع املجاالت التي تنشأ فيها عالقة بينه
وبين محترف وأن ال تقتصر هذه الحماية على قطاع دون اآلخر .وألن القواعد العامة
الواردة في القانون املدني لم تعد كافية لتحقيق هذه الحماية ،فقد تدخل املشرع املغربي
من أجل تنظيم هذه العالقة بإصدار القانون 08 – 31القاض ي بتحديد بعض التدابير
لحماية املستهلك استكماال للمنظومة القانونية الخاصة بحماية املستهلك .وعلى الرغم من
هذا التوجه نالحظ أن املشرع املغربي آثر وضع أحكام خاصة لحماية املستهلك في قطاعات
معينة .ومن بين هذه القطاعات التي عرفت تدخله لحماية الطرف الضعيف في عالقته
معها نذكر قطاع النقل الجوي.
وال شك أن استعمال هذه الوسيلة من النقل يطرح إكراهات للراكب الذي يضع
في عين االعتبار عند اختياره لها ميزة السرعة التي تنفرد بها الطائرات عن غيرها من
وسائل النقل األخرى .إال أنه قد يتفاجأ برفض إركابه بسبب الحجز الزائد للمقاعد أو
إلغاء الرحلة أو تأخيرها.
هذه الحاالت الثالث تعد اليوم من أكثر املشاكل التي قد تواجه الراكب وتسبب له
إكراهات كبيرة والتي لم تنجح االتفاقيات الدولية في إيجاد حلول لها نظرا لتضارب مصالح
األطراف املتعاقدة ،ومن بينها اتفاقية منريال لسنة 1999الخاصة بتوحيد بعض قواعد
النقل الجوي الدولي .لهذا سنحاول من هذا خالل هذا البحث مناقشة الحلول التي جاءت
بها بعض الدول التي رأت ضرورة إصدار تشريعات في شكل قوانين عادية أو فرعية بغرض
حماية الراكب بشكل أفضل ،وسنختار كنموذج للبحث الالئحة األوربية رقم 2004/261
الصادرة عن االتحاد األوربي بشأن تعويض ومساعدة الركاب في حالة رفض االركاب وإلغاء
الرحلة والتأخير املهم للرحلة ،والالئحة التنفيذية لحماية حقوق العمالء 2017/5/26
الصادرة عن مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران املدني السعودي كتجربة عربية ال يستهان
بها في مجال حماية حقوق الراكب الجوي والقانون رقم 40 - 13بمثابة مدونة للطيران
املدني باملغرب الصادر في 24ماي .2016
وسنحاول من خالل هذا البحث تعريف الراكب بأهم الحقوق التي يتمتع بها
كمستهلك لسوق النقل الجوي والتي تحقق له مبتغاه دون اللجوء إلى القضاء ،وهي أيضا
مناسبة للوقوف على مواطن الضعف والخلل في التدابير الحمائية التي اتخذها املشرع
املغربي لصالحه والتي ستظهر من خالل طرح تجربتي الالئحة األوربية والالئحة السعودية.
املطلب األول :حماية الراكب في حالة تأخير الرحلة
يعتبر عامل كسب الوقت من أهم عناصر النقل الجوي نظرا ملا تمتاز به الطائرات
عن وسائل النقل األخرى من إمكانيات تساعدها على تخطي املسافات بسرعة فائقة وألنها
تعد أيضا الوسيلة األكثر أمانا وتحقيقا لشروط السالمة السيما بعد تطور صناعة
الطيران .إال أن الناقل الجوي قد يتأخر في إنجاز الرحلة في املوعد املحدد في تذكرة السفر.
وقد ال يعزى هذا التـأخير إلى خطئه ،كما في الظروف الجوية .وفي حاالت أخرى يكون
التأخير نابعا منه ،وهذا هو الشائع ،كما تكشف على ذلك القضايا املعروضة على املحاكم
في املغرب أو في بلدان أخرى ،كأن يأخر الرحلة أو يلغيها ألسباب تقنية بالطائرة أو ملشاكل
التنظيم الخاصة بشركة الطيران...
وتعتبر مشكلة التأخير من أهم املشاكل املطروحة التي تمس بمصلحة الراكب
الذي يتعرض ألضرار بالغة من قبيل تفويت مباراة توظيف أو مشاركة في مؤتمر دولي أو
تفويت مراسيم تشييع جنازة ،فضال عن خسارات أخرى مثل تكلفة الفندق أو مصاريف
الوجبات واملشروبات .كما يترتب عليه ضرر معنوي يتمثل في الحرج والقلق والضيق الذي
يشعر به الراكب بسبب مكوثه لساعات طويلة في املطار أو بداخل الطائرة السيما إذا كان
هذا الراكب مصحوبا بأطفال أو أشخاص من ذوي االحتياجات الخاصة.1
وإذا كانت اتفاقية منريال بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي املوقع
عليها في 28ماي 1999قد نصت على مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير ،1إال أنها لم
تتصدى ملعالجة اإلشكاالت التي يثيرها هذا التأخير وتقديم الحلول التي يمكن تبنيها حفاظا
على مصالح الراكب .هذه اإلشكاالت التي كانت مطروحة أيضا في ظل تطبيق اتفاقية
فارسوفيا لسنة 1929بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي ،2مما دفع
بمجموعة من الدول إلصدار قواعد قانونية خاصة تتضمن بالخصوص الحقوق التي تنشأ
للراكب في حالة تأخير الناقل الجوي في تنفيذ الرحلة.
وتدور هذه الحقوق بين التزام الناقل الجوي باإلعالم عن تأخير الرحلة ،وتقديم
خدمات الرعاية واملساعدة والتعويض للراكب في حالة التأخير ،وكذا تخيير هذا األخير في
استرجاع قيمة تذكرة السفر.
وضعت الالئحة األوربية التزما على عاتق الناقل الجوي يقض ي بإحاطة الراكب
بحقوقه .3ومن بين هذه الحقوق ،الحق في إعالم الراكب بتأخير الرحلة الجوية ،إذ تنص
-كتاب مسؤولية الناقل الجوي في نقل الركاب والبضائع ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،2014 ،ص
.214
-مقال المسؤولية عن التأخير في النقل الجوي ،مجلة المناهج القانونية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،عدد
مزدوج ،2008 ،12/11ص .69
1أبرمت اتفاقية منلاير في 28ماي 1999بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي .ودخلت حيز التنفيذ
ابتداء من 4نوفمبر .2003وقد صادق عليها المغرب بتاريخ 15أبريل 2010لتصبح نافذة في حقه اعتبارا من
14يونيو ( .2010ظهير شريف رقم ،09 -117صادر في فاتح رمضان 2(1432غشت ،)2011الجريدة
الرسمية 2غشت ،2012عدد .6070
وقد نظمت هذه االتفاقية مجموعة من المواضيع ،منها مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير في حالة نقل الركاب
واألمتعة والبضائع.
2أبرمت اتفاقية فارسوفيا في 12أكتوبر 1929ودخلت حيز التنفيذ اعتبارا من 13فبراير .1933وكان
المغرب قد انضم إلى هذه االتفاقية في 5يناير ،1958وأصبحت سارية المفعول في 5أبريل ( 1958لم يتم نشر
نصوص هذه االتفاقية بالجريدة الرسمية) .وقد عدلت هذه االتفاقية باتفاقيات عديدة آخرها اتفاقية منلاير .1999
وقد تضمنت االتفاقية المبادئ األساسية التالية:
-مسؤولية الناقل الجوي عن األضرار التي تقع أثناء النقل الجوي هي مبنية على الخطأ المفترض .وال يستطيع هذا
األخير دفع المسؤولية إال إذا أثبت أنه اتخذ كافة التدابير الضرورية لتفادي وقوع الضرر أو أنه استحال عليه
اتخاذها.
-التعويض الذي يحصل عليه المتضرر محدد بحد أقصى ال يمكن تجاوزه إال إذا أثبت أن الناقل الجوي قد ارتكب
غشا أو خطأ معادال له.
-االختصاص القضائي محدد في أربعة محاكم يمكن للمتضرر أن يختار واحدة منها.
Règlement (CE) N° 261/2004 du Parlement Européen et du Conseil du 11
février 2004 établissant3 des règles communes en matière d’indemnisation et
املادة 14من هذه الالئحة التي تحمل عنوان " االلتزام بإعالم الركاب بحقوقهم" على
ضرورة أن يضمن الناقل الجوي نشر إشعار مقروء بوضوح للركاب في منطقة التسجيل
يخبرهم فيه بأنه في حالة رفض االركاب أو إلغاء الرحلة أو تأخيرها بساعتين على األقل ،أن
يطلبوا من شباك التسجيل أو باب الركوب النص الذي يبين حقوقهم في مادة التعويضات
واملساعدة.
وال يكفي هذا اإلشعار املقروء لتحلل الناقل الجوي من التزامه بإعالم الراكب
بتأخير الرحلة ،بل يلتزم في حالة رفض االركاب وإلغاء الرحلة بتزويد كل راكب معني بإشعار
خطي متضمن لقواعد التعويض واملساعدة وفقا للمقتضيات الواردة في هذه الالئحة.
ويقدم هذا اإلشعار الخطي أيضا لكل راكب يتعرض لساعتين من التأخير على األقل .كما
يجب عليه أيضا أن يعطي للراكب تفاصيل االتصال بالهيئات الوطنية املعنية واملشار إليها
في املادة 16بطريقة مكتوبة.1
وقد أولت الالئحة األوربية عناية خاصة للراكب من ذوي االحتياجات الخاصة
والذي عرفته بأنه أي شخص تقل حركته عند استخدام وسيلة نقل بسبب إعاقة
جسدية (حسية أو حركية ،دائمة أو مؤقتة) ،أو إعاقة ذهنية ،عن سن أو أي سبب آخر
لإلعاقة ،والذي تتطلب حالته عناية خاصة للتكيف مع احتياجاته من الخدمات املتاحة
لجميع الركاب ،2فأصدرت مقتضيات خاصة تحث الناقل الجوي على مراعاة حالته ،ومن
بينها التأكيد على تطبيق أحكام هذه املادة بالنسبة للمكفوفين وناقص ي البصر باستخدام
وسائل بديلة ،فضال عن توفير الخدمة املالئمة لهم في حالة السفر.
وقد فرض املشرع السعودي أيضا في الالئحة التنفيذية لحماية حقوق العمالء
الصادرة عن مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران املدني في 2017ضرورة إعالم الراكب
بتأخير الرحلة ،1ولكن قبل ذلك أكد على مبدأ أساس ي أال وهو عدم جواز تأخير الرحالت
عن مواعيدها ما لم تقتض ي دواعي األمن والسالمة ذلك ،إذ جاء في املادة 11فقرة 2ما
يلي ":يجب على الناقل الجوي إبالغ العميل بتأخر الرحلة قبل وقت اإلقالع بحد أقص ى
( )45دقيقة وعلى أن يحدد في اإلبالغ الوقت الجديد لإلقالع".
ويجب أن يتم اإلعالم عن التأخير في أماكن واضحة وبطريقة مكتوبة ،وعلى وجه
الخصوص في املواقع االلكترونية الرسمية للناقل الجوي ومكاتب املبيعات ومنصات
املعاينة وفي منطقة استالم األمتعة بالنسبة لألمتعة وتعويضاتها.2
وهذا االلتزام باإلعالم يختلف عن االلتزام باإلعالم املوجه " للراكب العادي" ،فهو
يفرض على الناقل الجوي استعمال وسائل مالئمة تمكن إيصال اإلعالم إلى ذوي
االحتياجات الخاصة والسيما بالنسبة لضعاف وفاقدي البصر الذين ال يستطيعون قراءة
اإلعالنات املكتوبة.
1سنشير خالل هذا البحث لالئحة التنفيذية لحماية حقوق العمالء الصادرة عن مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران
المدني السعودي اختصارا بالالئحة السعودية.
المادة 20من الالئحة السعودية 2 .2017
3المادة 10/1من الالئحة السعودية .2017
وينهض هذا االلتزام متى تأخرت الرحلة الجوية بساعتين على األقل .ويالحظ أنه
أتى بمقتضيات مماثلة في جزء منها لتلك الواردة في املادة 14من الالئحة األوربية ،حيث
نص بموجب املادة 217من مدونة الطيران املدني على ما يلي( :يجب على كل ناقل جوي
يبيع خدمات النقل الجوي باملغرب:
- 3 ...أن يحرص على تعليق إشعار يتضمن النص التالي ،مطبوعا بحروف واضحة جدا،
بمكان ظاهر للعيان في منطقة التسجيل " :إذا تم رفض ركوبكم في الطائرة أو تم إلغاء
رحلتكم أو تأخيرها بساعتين على األقل ،اطلبوا من شباك التسجيل أو في باب الركوب
االطالع على النص الذي يتضمن حقوقكم والسيما فيما يخص التعويض واملساعدة").
وفرض املشرع املغربي في الفقرة الثانية من هذه املادة وضع بوابة إلكترونية
خاصة بإخبار الراكب عن املعايير والقواعد املتعلقة بالتعويض واملساعدة ،بينما كانت
الالئحة األوربية أكثر حرصا على بلوغ هذا االلتزام للراكب ،فاشترطت إضافة إلى اإلشعار
املقروء تسليم كل راكب معني إشعارا خطيا شامال لقواعد التعويض واملساعدة التي
قررت لفائدته .2وال تخفى فائدة هذا اإلشعار الخطي في ضمان اطالع الراكب بشكل أفضل
على التدابير التي قررت لفائدته وكذا االطمئنان على وصول هذه املعرفة إليه.
1ورد االلتزام بإعالم الراكب برفض االركاب في المادة ،8وااللتزام باإلعالم في إلغاء الرحالت في المادة 10
وااللتزام باإلعالم في حالة التأخير في المادة .11
2 Article 14/2 du règlement européen (CE) N° 261/2004.
وأكد املشرع املغربي أيضا التزام الناقل الجوي باإلعالم في حالة تأخير الرحالت
بطريقة ضمنية من خالل مقتضيات املادة 223من مدونة الطيران املدني التي جاء فيها
أنه ":يحق للمسافرين في حالة إلغاء رحلة من منطلقة من املغرب أو تأخرها الحصول على
مساعدة وفق الشروط والكيفيات املحددة بنص تنظيمي مع مراعاة مقتضيات االتفاقية
الدولية املعمول بها في هذا املجال ومع األخذ لزوما بعين االعتبار األجل الذي بلغ فيه إلى
علم املسافرين اإللغاء أو الـتأخير ،واإلمكانيات التقنية والتجارية والسيما في حالة إعادة
النقل ومسافات الرحالت التي تقاس وفق طريقة الخط املستقيم".
ونص في املادة 224فقرة ثانية على أنه ":يجب على الناقل الجوي أن يثبت إخبار
املسافرين بإلغاء رحلة وكذا األجل الذي قام فيه بذلك".
ونالحظ أن املشرع املغربي كان أقل تشددا من الالئحة السعودية التي حددت مدة
إعالم الراكب بتأخر الرحلة قبل اإلقالع ب 45دقيقة كحد أقص ى .أما هو فلم يربط
وجوب االلتزام باإلعالم بمدة معينة ،واكتفى باإلشارة إلى أنه ينبغي األخذ بعين االعتبار
األجل الذي بلغ فيه الراكب بتأخير الرحلة .ولهذا يجب على الناقل الجوي أن يسعى قدر
اإلمكان إلى إشعار الراكب بتأخر الرحلة بوقت كاف من الوقت األصلي املقرر للمغادرة وإال
ضاعت الفائدة من هذا اإلعالم.
كما أكد املشرع املغربي على ضرورة وفاء الناقل الجوي بالتزام اإلعالم عن تأخير
الرحلة بطرق أخرى تتناسب مع حاالت املكفوفين وضعاف البصر ،وهو ما قامت به كل
من الالئحة السعودية بالنسبة لفاقدي البصر والصم ،والالئحة األوربية بخصوص
املكفوفين وناقص ي البصر .إال أن املشرع املغربي أضاف حالة أخرى تهم الركاب الذين
يجهلون القراءة اعتبارا لألمية التي ال زالت تعاني منها شريحة مهمة في املجتمع املغربي.
وأكد املشرع املغربي على إبطال كل شروط أو اتفاقات من شأنها حذف أو تضييق
الحقوق التي تقررت لفائدة الراكب في حالة التأخير ،ومن بينها ال محالة الحق في إعالمه
بتأخير الرحلة.1
إن تنفيذ الناقل الجوي اللتزامه باإلعالم عن تأخير الرحلة إلى موعد آخر ال يحول
دون نشوء التزامات أخرى في عاتقه تتمثل في تقديم املساعدة والتعويض للراكب .وقد
خصت كل من الالئحتين األوربية والسعودية مسألة املساعدة والتعويض بأهمية خاصة
مقارنة مع مدونة الطيران املدني املغربية.
تكشف الالئحة األوربية على أنه إذا كانت مدة التأخير أقل من ثالث ساعات،2
فإن ما يستحقه الراكب هو خدمات الرعاية واملساعدة التي تقدم له مجانا من قبل
الناقل الجوي .3وتشمل هذه الخدمات املرطبات وإمكانية األكل طيلة فترة االنتظار،4
فضال عن منح الراكب إمكانية إجراء مكاملتين هاتفيتين أو إرسال اثنين من التلكس أو
فاكسات اثنين أو رسالتين إلكترونيتين.5
أما إذا كان من الضروري االنتظار ليلة واحدة أو أكثر أو عندما تكون اإلقامة
املضافة إلى تلك املخططة من قبل الراكب ضرورية ،فإن الناقل الجوي يتحمل بمصاريف
1جاء في المادة 228من مدونة الطيران المدني المغربية ما يلي ":ال يجوز حصر أو حذف التزامات الناقلين إزاء
المسافرين في حالة رفض الركوب أو إلغاء رحلة أو تأخيرها ،الواردة في هذا القسم ،وال سيما بموجب استثناء أو
تقييد منصوص عليه في عقد النقل.
يعتبر وجود مثل هذا المقتضى في عقد النقل الغيا بحكم القانون".
2يتحدد التأخير حسب المادة 6من الالئحة األوربية بالكيفية التالية:
أ) من ساعتين أو أكثر بالنسبة لرحالت 1500كيلو متر على األقل ،أو
ب) من ثالث ساعات أو أكثر بالنسبة للرحالت داخل االتحاد األوربي التي تفوق 1500كيلو متر ولكل الرحالت
األخرى بين 1500و 3500كيلو متر ،أو
-من أربع ساعات أو أكثر لكل الرحالت التي ال تدخل في النقطتين (أ) و (ب).
3 Article 6/1 du règlement européen (CE) N° 261/2004.
4 Article 9/1 (a) du règlement européen (CE) N° 261/2004.
5 Article 9/2 du règlement européen (CE) N° 261/2004.
اإلقا مة في الفندق أو في أي مكان آخر طيلة املدة التي استغرقها تأخير الرحلة ،إضافة إلى
توفير وسائل التنقل بين املطار ومكان اإلقامة.1
ويتعين على الناقل الجوي وهو بصدد تطبيقات هذه املقتضيات أن يولي اهتماما
خاصا لألشخاص من ذوي االحتياجات الخاصة واألشخاص املرافقين لهم وأيضا األطفال
غير املرافقين.2
بالنسبة للتعويض يالحظ أن هناك عدة أنواع من التأخير والتي يختلف فيها
التعويض وفقا ملسافة الرحلة .والتأخير الذي يستحق عنه الراكب التعويض هو التأخير
املهم والذي يتبلور حاملا وصلت املدة:
أ) من ساعتين أو أكثر بالنسبة لرحالت 1500كيلو متر على األقل ،أو
ب) من ثالث ساعات أو أكثر لكل الرحالت داخل االتحاد األوربي التي تفوق 1500كيلو متر
ولكل الرحالت األخرى من 1500إلى 3500كيلو متر ،أو
-من أربع ساعات أو أكثر لكل الرحالت التي ال تدخل في النقطتين (أ) أو (ب).3
أما التعويض فهو يكون كاآلتي:
يتبين مما تقدم أن التعويض يتراوح بين 250و 400و 600أورو ،وأن هناك عدة عوامل
تأخذ بعين االعتبار عند احتساب هذا التعويض ،منها ،مسافة السفر واملدة الكاملة
للتأخير والفضاء الجوي املستعمل (إذا تم تشغيل الرحلة داخل االتحاد األوربي أو
خارجه).
ويدفع هذا التعويض نقدا أو عن طريق تحويل بنكي إلكتروني أو عبر تحويل بنكي أو شيك،
أو باتفاق موقع من الراكب في شكل قسائم سفر أو خدمات أخرى.1
وقد تبنت الالئحة السعودية بدورها مجموعة من التدابير ملواجهة التأخير الذي
يأثر بصورة سلبية على مصلحة الراكب .وتشمل هي كذلك واجب تقديم الرعاية
واملساعدة للراكب في أي مرحلة من مراحل الرحلة وكذا تعويضه .تدابير الرعاية واملساندة
حددها املشرع السعودي في املادة السابعة من الالئحة ،وتشمل التزام الناقل الجوي
بتقديم مرطبات ومشروبات ابتداء من الساعات األولى للتأخير ،ووجبة مالئمة إذا
تجاوزت مدة التأخير ثالث ساعات من الوقت األصلي املحدد للمغادرة .أما إذا تجاوزت
مدة التأخير ثالث ساعات من الوقت األصلي املحدد للمغادرة ،فيجب على الناقل الجوي
توفير سكن فندقي ومواصالت من وإلى املطار حتى موعد الرحلة الجديدة.2
وألن هذه الخدمات يستفيد منها فقط الراكب الذي أبلغ بالتأخير وهو متواجد في
املطار ،وال يستطيع أن يستفيد منها الراكب في حالة تأخر الرحلة أثناء تواجده في الفندق،
لذلك ،فإن الناقل الجوي هو الذي يتحمل بتكاليف تمديد اإلقامة الفندقية حتى موعد
اإلقالع الجديد .ويجب عليه إبالغ الراكب بموعد اإلقالع الجديد وإرشاده بما سيتم.3
وإذا لم يحترم الناقل الجوي املوعد الجديد لإلقالع وامتد التأخير ملدة تجاوزت
ست ساعات ،استفاد الراكب من تمديد الرعاية.4
أما التعويض كجزاء عن إخالل الناقل الجوي فينهض متى تجاوزت مدة التأخير
ست ساعات ،حيث يحق للراكب اعتبار الرحلة ملغاة وفقا ألحكام إلغاء الرحالت
والحصول على التعويضات التي قررت لفائدته ،5والتي تدفع له إما نقدا أو عن طريق
تحويل بنكي أو شيك مصرفي أو قسائم تبادلية حسب رغبة الراكب خالل عشر أيام من
تاريخ إقرار الناقل الجوي بحق الراكب .وفي حالة استعمال القسيمة التبادلية يحق
للراكب صرفها نقدا من أي مكتب من مكاتب الناقل الجوي ،أو إعادة استخدامها دون
دفع أي رسوم إضافية مقابل إعادة االستخدام.1
لكن الناقل الجوي يعفى من التعويض متى كان تأخير الرحلة بسبب القوة
القاهرة .والقوة القاهرة هي أيضا سبب لإلعفاء من املسؤولية عن إلغاء الرحلة ورفض
االركاب .إال أن الناقل الجوي ال يستطيع التمسك بالقوة القاهرة إذا كان تأخير الرحلة أو
إلغائها أو رفض االركاب ناتج عن العطب التقني بالطائرة أو الظروف التشغيلية أو جدولة
أو سوء تقدير من جانبه أو من جانب تابعيه ،أو عن إهمال أو تقصير منه أو من وكالئه.3
مدونة الطيران املدنية املغربية فرضت بدورها على الناقل الجوي تقديم خدمات
املساعدة في حالة التأخير في إنجار الرحلة الجوية .إال أنها لم تبين الكيفية التي سيتم بها
تنفيذ هذا االلتزام تاركة ذلك للنصوص التنظيمية التي ستصدر بخصوص هذه املسألة.
ونعتقد أن هذه املساعدة يجب أن تشمل مجموعة من الخدمات التي يجب أن
تقدم مجانا للراكب ،وهي املرطبات ووجبات الطعام طيلة مدة االنتظار ،واإليواء في فندق
أو في مكان آخر في الحاالت التي تقتض ي االنتظار ليلة أو عدة ليالي أو املقام ملدة تضاف إلى
املقام املقرر من طرف الراكب ،وكذا مصاريف التنقل من املطار إلى مكان اإليواء ،وكذا
إمكانية إجراء اتصاالت هاتفية أو مراسالت بالفاكس أو بعث رسائل إلكترونية.
أما فيما يخص التعويض ،فنالحظ أن املشرع املغربي أسقط من املادة 223من
مدونة الطيران املدني مسألة التعويض في حالة تأخير الرحلة أو إلغائها ،ومن ثم نتساءل
هل يتعلق األمر بإرادة متعمدة من املشرع إلعفاء الناقل الجوي من التعويض عن تأخير
الرحالت أو إلغائها؟ من باب التخفيف عليه ،السيما وأن التأخير في إنجار الرحالت أو
إلغائها من أكثر األمور شيوعا في مجال النقل الجوي ،أم هو مجرد سهو فقط؟ خاصة وأن
النسخة املحررة باللغة الفرنسية من مدونة الطيران املدني نصت على التعويض إلى جانب
خدمات املساعدة.1
نعتقد أن املشرع أسقط عن عمد التعويض ،وهو ما يتأكد بربط هذه املادة مع
املادة 227التي تضمنت بعض األحكام املتعلقة بالركاب من ذوي االحتياجات الخاصة،
حيث نص في هذه املادة األخيرة على أنه في حالة رفض ركوب أو إلغاء رحلة أو تأخيرها
مهما بلغت درجة التأخير استفاد الركاب من ذوي الحركية املحدودة من التكفل املنصوص
عليه في املادة 223بما يتالءم مع حالتهم ،إذن فهو تأكيد على أن ما تمنحه املادة 223ال
يتجاوز تقديم خدمات املساعدة أو التكفل للراكب " العادي" وللراكب من ذوي
االحتياجات الخاصة .فضال على أن مشروع قانون رقم 40 – 13بشأن مدونة الطيران
املدني كان ينص على املساعدة والتعويض معا في املادة 220منه ،إال أنه احتفظ فقط
باملساعدة في املادة التي حلت محلها وهي املادة 223من مدونة الطيران املدني.2
وبغض النظر عن نوايا املشرع ،فإن الراكب يستطيع مقاضاة الناقل الجوي
للحصول على تعويض متى كان األمر يتعلق بتأخير مهم ،ونستدل بالقسم الثامن من
مدونة الطيران املدني الذي عنونه املشرع ب " التعويض املمنوح للمسافرين ومساعدتهم
في حالة رفض الركوب أو إلغاء الرحلة أو تأخير مهم" ،فضال على أن املشرع ولو أنه تعمد
إسقاط التعويض في املادة ،223فإنه لم ينتبه إلى املادة 225التي تعفي الناقل الجوي من
التعويض متى كان التأخير أو االلغاء ناتج عن ظروف استثنائية مما يوحي أن الراكب
يستطيع الحصول على تعويض في حالة تأخير املهم للرحلة أو إلغائها في غياب هذه
الظروف االستثنائية ،وأيضا املادة 217التي تعطي للراكب الحق في االطالع على النص
الذي يبين حقوقه والسيما فيما يتعلق بالتعويض واملساعدة ،دون أن ننس ى أن املادة 223
كما جاءت في النسخة الفرنسية والتي تنص على حق الراكب في الحصول على التعويض
إلى جانب خدمات املساعدة.
ومن بين املسائل التي كان املشرع حريصا عليها هي التنصيص في املادة 225من
مدونة الطيران املدني على إعفاء الناقل الجوي من التعويض متى كان التأخير راجعا
لظروف استثنائية لم يكن من املمكن تفاديها رغم كل التدابير التي اتخذها لدرأها.
وتفاديا لالختالفات التي قد تنشأ بسبب تحديد املقصود بالظروف االستثنائية،
فقد عرفها املشرع في املادة 226بأنها الوقائع التي يمكن أن تنشأ على الخصوص ،في
حاالت اتخاذ إجراءات تتعلق بالنظام العام أو بأحوال جوية ال تسمح بالقيام بالرحلة
الجوية املعنية أو أخطار مرتبطة بسالمة الرحلة أو اختالالت تقنية غير متوقعة يمكن أن
تؤثر على سالمة الرحلة ،وكذا في حاالت اتخاذ إجراءات إدارية أو عدم توفير الوسائل
الخارجية عن نطاق مسؤولية الناقل الجوي والالزمة إلنجاز الرحالت في ظروف مناسبة.
وحسنا فعل املشرع املغربي ألن الناقل الجوي يسعى دائما لإلفالت من املسؤولية
عن التأخير أو إلغاء الرحلة بإدخال مجموعة من الحاالت ضمن الظروف االستثنائية،
والسيما االعطاب التقنية للطائرة ،وهو ما الحظناه من خالل مجموعة من القضايا
املعروضة على القضاء املغربي والتي اعتمد فيها على مدى توافر الظروف االستثنائية من
انعدامها للحكم بمسؤولية الناقل الجوي أو إعفائه من التأخير أو إلغاء الرحالت الجوية،1
وذلك حتى قبل أن يتدخل املشرع وينص عليها بكيفية صريحة.
ففي إحدى القضايا املعروضة على محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء
حاول الناقل الجوي أن يدفع مسؤوليته بعلة أن التأخير جاء نتيجة وقوع عطب تقني
أثناء اإلقالع ،وبالتالي توفر حالة القوة القاهرة التي حالت دون تنفيذه النقل في الوقت
املحدد .إال أن املحكمة ردت هذا الدفع ألن االعطاب التقنية تبقى من األمور التي يمكن
توقعها .وقد ورد في حيثيات القرار ما يلي ":وحيث إنه بخصوص الدفع املتعلق بكون تأخير
الطائرة عن اإلقالع في موعدها املحدد راجع إلى عطب تقني يجعل املستأنفتين غير
مستحقتين ألي تعويض ،فإنه بدوره دفع على غير أساس باعتبار أن الثابت من رسالة
االعتذار املوجهة إلى املستأنفتين الصادرة عن املستأنف عليها بتاريخ 2008/11/24إنها
تفيد بأن سبب التأخير في الرحلة يعود إلى أسباب استغاللية متوقعة Un retard pour des
،raisons d’exploitationوهو األمر الذي ال يدخل ضمن األسباب التقنية الغير املتوقعة
حتى يصح القول بأن هناك قوة قاهرة حالت دون إقالع الطائرة في موعدها املحدد".2
وقد ظلت محكمة االستئناف بالدار البيضاء وفية لهذا املبدأ ،حيث رددت في
حيثيات قرار الحق ما يلي ... ":وحيث إنه في نازلة الحال فإن السبب في تأخير الرحلة يعزى
إلى عطب تقني تم اكتشافه قبل الرحلة املقررة لنقل املسافرين الذين حجزوا تذاكر
السفر والذي ال يدخل في مفهوم القوة القاهرة الذي يعفي من املسؤولية إذ أنه كان
باملستطاع وعند اكتشاف العيب استبدال الطائرة املقرر القيام بالرحلة على متنها بطائرة
أخرى وأنه في مثل هذا النوع من النقل فإن املراقبة تكون ضرورية ودورية وذلك التخاذ
التدابير الضرورية لتفادي حصول أي ضرر أو تأخير في الرحلة.
األحكام القضائية الخاصة بإلغاء الرحالت سنتناولها في المطلب الثاني المخصص لحماية الراكب في حالة إلغاء
الرحلة1 .
2محكمة االستئناف التجارية ،الدار البيضاء ،2010/12/20 ،قرار رقم ،2010/5440ملف رقم /355
( 14/2010غير منشور).
وحيث مما تقدم يتبين أن العطب التقني بالطائرة املقرر القيام بالرحلة على متنها
من األمور التي يمكن توقعها وبالتالي ال يدخل ضمن الحاالت الواردة باملادة أعاله وبالتالي
تبقى موجبات مسؤولية الطاعنة قائمة وثابتة".1
نالحظ أن الناقل الجوي يدفع أيضا بالظروف الجوية كسبب للتخلص من التعويض عن
تأخير الرحالت ،إال أن عوامل الطبيعة من ضباب كثيف أو رداءة أحوال الطقس تعتبر من
أهم األمور التي يجب توقعها خاصة بعد تقدم علم األرصاد الجوية ،فضال على أنها تعد
جزء من مخاطر االستغالل الجوي ،وبالتالي ال تشكل قوة قاهرة يدفع بها الناقل الجوي
مسؤوليته.
ومن التطبيقات القضائية ما ذهبت إليه املحكمة التجارية بالرباط بقولها ...":وحيث
تمسكت املدعى عليها بكون تعذر نقل املدعي من مطار الرباط سال وفق ما كان مقررا يرجع
إلى القوة القاهرة املتمثلة في الضباب الكثيف الذي خيم على هذا األخير الليلة ما قبل
السفر مما اضطرت معه الطائرة إلى النزول بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء...
وحيث إن املدعى عليها لم تدل بما يثبت حالة القوة القاهرة وال ما يفيد خطأ املدعي
كسببين معفيين من املسؤولية مما يجعل مسؤوليتها كناقل قائمة".2
ثالثا :التزام الناقل الجوي بتصيير الراكب في استرجاع قيمة تذكر السفر
يتبين من املادة 6من الالئحة األوربية أنه متى تجاوز التأخير ما ال يقل عن خمس
ساعات ،يعطي الناقل الجوي للراكب الخيار في استرداد ثمن تذكرة السفر متى قرر هذا
األخير إلغاء رحلته ،وذلك بالنسبة لجزء أو أجزاء الرحلة غير املنجزة أو لجزء أو أجزاء
الرحلة املنجزة والتي أصبحت عديمة الفائدة بالنظر إلى خطة سفره األولية ،أي أن املشرع
األوربي يمنح بطريقة ضمنية للراكب حق إلغاء العقد متى لم تعد له أي فائدة من القيام
1
محكمة االستئناف التجارية ،الدار البيضاء ،2012/05/31 ،قرار رقم /2955ملف رقم ( 9/2011/5797غير
منشور).
انظر أيضا من تطبيقات القضاء المغربي:
-قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 2012/05/31التي رفضت االستماع إلى الناقل الجوي
الذي تمسك بعدم مسؤوليته عن التأخير بحجة أن التأخير الحاصل في موعد إقالع الطائرة كان نتيجة عطب تقني
إال أن المحكمة خلصت إلى نفس النتيجة وهي أن العطب التقني بالطائرة المقرر القيام بالرحلة على متنها من األمور
التي يمكن توقعها ،وبالتالي ال يدخل ضمن حاالت إعفاء الناقل الجوي من المسؤولية عن التأخير( .قرار رقم
،2012/2955ملف رقم .9/2011/5797غير منشور).
المحكمة التجارية ،الرباط ،2008/06/18 ،حكم رقم ،1981ملف رقم ( 2008/8/180غير منشور)2 .
بالرحلة .ويشترط املشرع األوربي أن تتم هذه اإلعادة خالل سبعة أيام وأن يكون ثمن
استرداد تذكرة السفر مساويا للثمن الذي اشتريت به.1
من بين الخيارات التي يمنحها املشرع السعودي أيضا للراكب الذي تأخرت رحلته
أو يحتمل أن تتأخر بست ساعات هو معاملة الرحلة على أنها ملغاة .وقد نظم هذا الحق
بكيفية صريحة ،حيث نص في املادة 11فقرة 4على ما يلي ":في حالة تأخر الرحلة أو
احتمال تأخرها ملدة تزيد عن ( )6ست ساعات ،فإنه يحق للعميل مطالبة الناقل الجوي
بمعاملة الرحلة على أنها ملغاة وفقا ألحكام إلغاء الرحالت الواردة في املادة العاشرة من
هذه الالئحة" .واعتبار الرحلة ملغاة يخول للراكب استرجاع قيمة التذكرة خالل عشر أيام
من تاريخ إقرار الناقل الجوي بحق الراكب .ويمكن أن يكون ذلك بطرق مماثلة للحصول
على التعويض ،أي نقدا أو عبر تحويالت بنكية أو شيكات أو قسائم تبادلية يقبل بها
الراكب.
ال شك أن خيار استرجاع قيمة التذكرة يشكل أهمية بالنسبة للراكب متى لم تعد
لديه أي فائدة في إنجاز الرحلة بسبب التأخير ،كما لو فوت مثال ميعاد إجراء مباراة أو
مشاركة في معرض علمي .ولهذا يجب عدم إغفال تنظيم هذه املسألة ،إال أنه من خالل
االطالع على مواد مدونة الطيران املدني وتحديدا املادة 223التي تناولت فيها حقوق
الراكب في حالة التـأخير ،نالحظ أنها لم تنظم هذا الخيار ،على الرغم من أنه كان واردا في
مسودة مشروع مدونة الطيران املدني ،2وال يفسر ذلك سوى بمحاولة التخفيف على
الناقل الجوي دون أي اعتبار ملصلحة الراكب.
إن استرجاع التذكرة قد يكون هو الحل الوحيد املتاح للراكب في بعض الحاالت،
كما هو الشأن اآلن ،حيث اضطرت جميع شركات الطيران حول العالم إلى تأخير رحالتها أو
إلغائها نتيجة تعليق الكثير من الرحالت ومنع السفر من وإلى بعض الدول الحتواء تفش ي
مرض " كوفيد ."19والراكب ال يستطيع أن يرفع دعوى على الناقل الجوي من أجل
التعويض ألن تأخير الرحالت أو إلغائها يدخل ضمن الظروف االستثنائية التي تخول له
دفع مسؤوليته متى أثبت أنه لم يكن من املمكن له تفاديها رغم كل التدابير الضرورية التي
اتخذها ،وبالتالي ،فال يبقى أمام الراكب سوى املطالبة باسترجاع قيمة التذكرة ،وهو فعال
ما أعلنت عنه مجموعة من شركات الطيران التي تأخذ تشريعات دولها بمثل هذا اإلجراء،
حيث عبرت عن نيتها في تمكين الركاب من استرداد قيمة التذاكر ،وهو الش يء الذي يمكن
أن يتم إما نقدا أو عن طريق تحويل بنكي أو شيك أو قسائم تبادلية ،وإن كنا نعتقد أن
هذه الشركات ستدفع في اتجاه القسائم التبادلية في شكل تذاكر سفر لرحالت قادمة،
وذلك لتفادي دفع مبالغ التذاكر الذي ستشكل هي أيضا عبء ماليا ثقيال في ظل الخسائر
املالية التي تعاني منها نتيجة قرارات حظر السفر العاملية.1
غير أن الراكب يستطيع مطالبة الناقل الجوي باسترداد قيمة تذكرة السفر عن
جزء أو أجزاء الرحلة غير املنجزة أو عن جزء أو أجزاء الرحلة املنجزة التي أصبحت غير
ذات فائدة بالنظر إلى خطة سفره األولية ،ألنه من غير املقبول أن يحتفظ الناقل الجوي
بثمن التذكرة وهو لم ينفذ النقل أصال .إال أن ذلك سيكلفه رفع دعوى قضائية بينما يتم
ذلك في الدول التي أخذت بمثل هذا الحل في تشريعاتها بطريقة سلسلة من خالل اقتراح
الناقل الجوي على الراكب إعادة قيمة التذكرة.
وفيما يلي ندلي بقرار صادر عن القضاء املغربي بمناسبة إلغاء رحلة جوية مكن
الراكب من استرجاع قيمة التذكرة ،والذي يمكن تمديده أيضا على حاالت التـأخير ،وقد
ورد في حيثياته ما يلي ... ":حيث إن الدفع غير مرتكز على أساس قانوني على اعتبار أن
يتوقع االتحاد الدولي للنقل الجوي الذي يضم الفاعلين في سوق النقل الجوي أن تصل خسارة النقل الجوي إلى 250
مليار دوالر هذا العام .رقم مخيف والمتضرر األكبر هي شركات الطيران.
https://www.rtl.fr/actu/conso/coronavirus-98-du-secteur-aerien-mondial-touche-
1 par-la-crise-7800305893
الحكم املستأنف أنه لم يقرر مسؤوليتها بسبب القوة القاهرة إال أنه ألزمها بإرجاع ثمن
النقل ألن املستأنف عليها لم تستفد أصال من الرحلة وأنه من العبث أن تحتفظ الطاعنة
بأجرة النقل رغم عدم استفادة املستأنف عليها من الرحلة لسبب ال يعود إليها فإن تعليل
الحكم املستأنف كان في محله".1
1محكمة االستئناف التجارية ،الدار البيضاء ،2008/10/28 ،قرار رقم ،2008/4494ملف رقم
( 200è/9/5935قضية السيدة سعد هللا ضد شركة الطيران اإلمارات .غير منشور).
2 Trib .Civ. Seine, 9 juillet 1960, affaire « Houdain », J C P 1960, note De Guglart
Michel.
3من التطبيقات القضائية الحكم الصادر عن المحكمة التجارية الفرنسية في 28أبريل 2000بخصوص شركة
أزياء قاضت شركة الطيران إير فرنس بصفتها ناقال من أجل التعويض عن الضرر الناتج عن الصعوبة في تنظيم
عرض لألزياء بنيويورك بسبب التأخير الذي بلغ 16ساعة ،وذلك استنادا إلى المادة 19من اتفاقية فارسوقيا التي
تجعل الناقل الجوي مسؤوال عن التأخير في النقل .إال أن المحكمة قضت بمسؤولية الناقل الجوي عن تعويض
الضرر وفقا للقواعد العامة للمسؤولية معتبرة بأن األمر ال يتعلق بتأخير تسري عليه أحكام المادة 19من االتفاقية،
وإنما بعدم تنفيذ لعقد النقل .وذلك بعد أن تبين للمحكمة أن شركة الطيران قد ألغت الرحلة الجوية المقررة ألسباب
تقنية بغرض المحافظة على سالمة الركاب والطاقم .إال أن محكمة استئناف باريس ألغت هذا الحكم بتاريخ 2يونيو
،2002وقررت بأن النقل قد نفذ ولو أن هناك تأخيرا في الوصول إلى نيويورك ،وبأن مسؤولية الناقل الجوي تجد
أساسها في المادتين 19و 20من اتفاقية فارسوفيا مسايرة في ذلك بعض المحاكم الفرنسية التي كيفت إلغاء الرحلة
بالتأخير.
Alexandre Job et François Odier : LA responsabilité du transporteur de personne
pour cause de retard (A propos de l’arrêt de la cour d’appel de Paris du 2 juin
2002). Revue française de droit Aérien (RFDA), 2004, p. 4.
تسري على الناقلين الجويين في حالة إلغائهم للرحالت الجوية مما يدفعهم إلى التفكير مليا
قبل إقدامهم على هذا اإلجراء الذي يخلق إكراهات للراكبين.
هذه األحكام الخاصة تتحدد وجوبا في إعالم الراكب بهذا اإللغاء واقتراح رحالت
بديلة وتقديم املساعدة أو التعويض في حاالت معينة ،أو تمكين الراكب من استرجاع
قيمة تذكرة السفر إذا لم تبق له فائدة في القيام بالرحلة.1
أوال :التزام الناقل الجوي باإلعالم عن إلغاء الرحلة
إن إلغاء الرحلة من قبل الناقل الجوي بغض النظر عن األسباب التي دفعته إلى
اتخاذ تلك الخطوة يؤثر ال محالة سلبا على مصالح الراكب ،ومن هنا تظهر أهمية التدابير
الخاصة التي سنتها التشريعات بغية حماية هذا األخير ومنحه حقوقا تترتب عن هذا
اإللغاء .ونبدأ بالالئحة األوربية التي بعد أن تصدت لتعريف املقصود بإلغاء الرحلة
أفردت تدابير خاصة ومالئمة ملواجهة هذه الحالة .2ومن بين أول هذه التدابير التزام
الناقل الجوي بموجب املادة 5فقرة 2بإعالم الراكب بإلغاء الرحلة الجوية وتقديم
معلومات عن وسائل نقل أخرى ممكنة.3
وغني عن البيان أن هذا االلتزام يكون وفق الطرق املنصوص عليها في املادة 14
من الالئحة األوربية والتي سبق الوقوف عليها بشكل مفصل عند البحث في حماية الراكب
وتسير أغلب األحكام القضائية المغربية في هذا االتجاه ،إذ كيفت المحكمة التجارية بالدار البيضاء في قضية أحد
المحامين ضد الخطوط الملكية المغربية إلغاء الرحلة المقررة من مدينة طورينو اتجاه مدينة الدار البيضاء بالتأخير
الذي تسأل عنه شركة الطيران والذي يعطي للمدعي الحق في طلب التعويض عن الخسائر الفادحة التي أصابته.
المحكمة التجارية ،الدار البيضاء ،2011/3/3 ،حكم رقم ،1650ملف رقم ( 2010/6/3269غير منشور).
وهو تأكيد لما سبق وأن قالته في الحكم الصادر عنها بخصوص قضية طبيب تفاجأ بإلغاء رحلته المقررة من ليل
بفرنسا باتجاه المغرب والذي جاء في حيثياته ... " :وحيث إنه ال خالف بين األطراف أن المدعي تعرض لضرر
تمثل في حرمانه من العودة إلى أرض الوطن في اليوم والساعة المحددين في ورقة السفر مما يشكل تأخيرا يسأل
عنه الناقل طبقا للفصل 19من اتفاقية وارسو" .
المحكمة التجارية ،الدار البيضاء ،2009/04/30 ،حكم رقم ،5446ملف رقم ( 2008/6/145غير منشور).
وهذا التوجه سارت عليه من قبل محاكم االستئناف التجارية بالدار البيضاء ،حيث كيفت محكمة االستئناف التجارية
بالدار البيضاء في قرارها الصادر في 18أبريل 2006إلغاء الرحلة التي كانت مقررة من مدينة مرسيليا إلى مدينة
الدار البيضاء بسبب خالفات بين مستخدمي الشركة الناقلة وهاته األخيرة بالتأخير الذي يستحق عنه الراكب
التعويض.
محكمة االستئناف التجارية ،الدار البيضاء ،قرار رقم ،2006/2123ملف رقم ( 9/05/3092غير منشور).
1مسألة تمكين الراكب من استرجاع قيمة تذكرة السفر متى أصبحت الرحلة عديمة الجدوى بالنسبة إليه في حالة
لجوء الناقل الجوي إلى إلغاء الرحلة ال تختلف تدابيرها عن تلك المقررة في حالة التأخير .ولذلك نحيل على ما سبق
بيانه.
2عمدت الالئحة األوربية إلى تحديد المقصود بإلغاء الرحلة أو الرحالت في المادة الثانية التي خصصتها للتعاريف،
وإلغاء الرحلة يعني حسب هذه المادة أن هناك رحلة مخطط لها في البداية والتي حجز مقعدا واحدا على األقل منها،
ولكنها لم تنفذ.
3 Article 5/2 Article 8/1 (a) du règlement européen (CE) N° 261/2004.
من التأخير ،ولذلك نحيل على ما سبق بيانه .وفي حالة تنفيذ الناقل الجوي اللتزامه
بإعالم الراكب بإلغاء الرحلة وفق الطرق املنصوص عليها ،فإنه يعفى من التعويض في
الحاالت اآلتية:
أ) إعالم الراكب بإلغاء الرحلة قبل أسبوعين على األقل من الوقت املحدد للمغادرة ،1أو
ب) إعالم الراكب بإلغاء الرحلة بأسبوعين إلى سبعة أيام قبل املوعد املحدد للمغادرة،
وعرض رحالت بديلة تبيح له املغادرة في مدة ال تزيد عن ساعتين عن املوعد املحدد
للمغادرة بالرحلة األصلية امللغاة والوصول إلى وجهته النهائية في أقل من أربع ساعات بعد
املوعد املحدد للوصول في الرحلة األصلية ،2أو
ت) إعالم الراكب بإلغاء الرحلة بسبعة أيام على األقل من الوقت املحدد للمغادرة في
حالة توفير رحلة تمكنه من املغادرة في أقرب أجل من الوقت املحدد للمغادرة في الرحلة
األصلية والوصول إلى وجهته النهائية بعد أقل من ساعتين من الوقت املحدد للوصول.3
أما بالنسبة لالئحة السعودية فقد نظمت هي أيضا التزام الناقل الجوي بإعالم
الراكب في حالة إلغاء الرحلة الجوية ،وفرضت على هذا األخير إحاطة الراكب بذلك بوقت
كاف .إال أنها ميزت بين الرحالت الداخلية والرحالت الدولية ،حيث وضعت أجلين لإلعالم
ورتبت آثارا مختلفة لكل أجل وذلك بخصوص الرحلتين معا (الدولية أو الداخلية) .ففي
الرحالت الداخلية ،األجل األول هو سبعة أيام ،حيث إذا أبلغ الناقل الجوي الراكب بإلغاء
الرحلة قبل سبعة أيام من املوعد األصلي املحدد للمغادرة ،فإنه يعفى من متطلبات
الرعاية واملساعدة ،ولكن يجب عليه إعادة قيمة التذكرة أو الجزء املتبقي من الرحلة
وتعويضه بالكيفية التي سنراها عند البحث في االلتزام بالتعويض .واألجل الثاني يتراوح بين
سبعة أيام إلى 24ساعة ،فإذا أبلغ الناقل الجوي بإلغاء الرحلة من 7أيام إلى 24ساعة
من املوعد األصلي املحدد للرحلة ،فإنه يتعين عليه في هذه الحالة تخيير الراكب بين رحلة
بديلة خالل أقل من 24ساعة من املوعد األصلي املحدد للمغادرة ،أو فسخ التعاقد.4
أما في الرحالت الدولية ،فيعفى الناقل الجوي من متطلبات الرعاية واملساعدة إذا
أبلغ الراكب بإلغاء الرحلة قبل 14يوما من املوعد األصلي املحدد للمغادرة ،ولكن يجب
عليه إعادة قيمة التذكرة أو الجزء املتبقي من الرحلة للراكب وتعويضه بالكيفية التي
سنراها عند البحث في االلتزام بالتعويض .وفي حالة إبالغ الراكب بإلغاء الرحلة من 14
يوما إلى 24ساعة من املوعد األصلي املحدد للمغادرة ،فإنه يتعين على الناقل الجوي
تخيير الراكب بين رحلة بديلة خالل أقل من 24ساعة من املوعد األصلي املحدد للمغادرة
أو فسخ التعاقد.1
إال أنه إذا اختار الراكب الخيار الثاني ،أي رحلة بديلة عن تلك التي تم إلغائها
سواء في الرحالت الداخلية أو الدولية ،فإن الناقل الجوي يتحمل بمصاريف الوجبات
واملشروبات واإلقامة الفندقية متى تطلب األمر إقامة الراكب في فندق إلى حين حلول
موعد الرحلة البديلة.
يتضح مما تقدم ،أن إعالم الناقل الجوي بإلغاء الرحلة بوقت كاف يعفيه من
مجموعة من االلتزامات الواردة بالالئحة السعودية وهي تلك املرتبطة بالرعاية واملساعدة
ولكن ذلك مرتبط بشرط إعادة قيمة التذكرة أو الجزء املتبقي من الرحلة.
املشرع املغربي ضمن مدونة الطيران املدني مقتضيات محتشمة جدا تهم إعالم
الراكب بإلغاء الرحلة ،فلم يحدد األجل الذي يجب أن يلتزم به الناقل الجوي في حالة
لجوئه إلى إلغاء الرحلة أو اآلثار التي تترتب على ذلك ،بل اكتفى في الفقرة الثانية من املادة
224بالتنصيص على وجوب إثبات إخبار الناقل الجوي للراكب بإلغاء الرحلة وكذا األجل
الذي قام فيه بذلك" ،2وفرض عليه في الفقرة األولى تقديم معلومات له تتعلق برحالت
جوية أخرى ممكنة دون مصاريف إضافية ،بينما حددت كل من الالئحة األوربية والالئحة
السعودية آجاال إلحاطة الراكب بإلغاء الرحلة ،ورتبت عن احترام الناقل الجوي لهذه
اآلجال إعفاءه من عدد من االلتزامات .أما طريقة إعالم الراكب بإلغاء الرحلة فهي ال
تختلف عما هو مقرر للتأخير ،أي من خالل تعليق إشعار يتضمن نصا مطبوعا بحروف
واضحة جدا في مكان بارز في منطقة التسجيل وبوابة إلكترونية تتضمن املعايير والقواعد
املتعلقة باملساعدة والتعويض.
ثانيا :التزام الناقل الجوي بتقديم رحالت بديلة في حالة إلغاء الرحلة
نظمت الالئحة األوربية التزام الناقل الجوي بتوفير رحالت بديلة في حالة إلغاء
الرحلة في املادة الخامسة منها .فمتى قام الناقل الجوي بإعالم الراكب بإلغاء الرحلة وفق
لآلجال املنصوص عليها ،وعرض على هذا األخير رحالت بديلة ،فإنه يعفى من التعويض.
وفي حالة قبول الراكب لرحلة بديلة ،فإنه يستفيد من خدمات املساعدة التي تقررت
لفائدته.
وتصدت الالئحة السعودية أيضا إلى هذا التدبير في املادة العاشرة ،ففرضت على
الناقل الجوي بعد إحاطة الراكب بإلغاء رحلته بوقت كاف تمكينه من رحلة بديلة .إال أنها
ميزت في ذلك بين الرحالت الداخلية التي خصتها بأحكام مختلفة عن الرحالت الدولية.
فإذا كانت الرحلة داخلية ،أي بين املطارات الداخلية فقط ،وأبلغ الناقل الجوي
الراكب باإللغاء من 7أيام إلى 24ساعة من املوعد األصلي املحدد للمغادرة ،فإنه يتعين
عليه تخيير الراكب بين إيجاد رحلة بديلة خالل أقل من 24ساعة من املوعد األصلي
املحدد للمغادرة أو فسخ التعاقد .1أما إذا كانت الرحلة الدولية وقام بإعالم الراكب بإلغاء
الرحلة من 14يوما إلى 24ساعة من املوعد األصلي املحدد للمغادرة ،فإنه يتعين تخيير
الراكب بين رحلة بديلة خالل أقل من 24ساعة من املوعد األصلي املحدد للمغادرة أو
فسخ التعاقد.2
املالحظ أن هناك ثمة اختالف بين النص السعودي والنص األوربي ،ذلك أن هذا
األخير ال يفرق بين الرحالت الداخلية والدولية ،فاملهم هو أن ينفذ الناقل الجوي التزامه
بتقديم رحلة بديلة في مطارات نفس املدينة أو الجهة.3
وال يتحلل الناقل الجوي من االلتزامات امللقاة على عاتقه بمجرد توفير رحلة بديلة
للراكب في حالة إلغاء الرحلة (الدولية والداخلية) ،بل تستمر هذه االلتزامات متى اختار
الراكب رحلة بديلة عن تلك التي تم إلغاؤها وتطلب ذلك تمديد إقامته في فندق إلى حين
موعد الرحلة البديلة ،حيث يتحمل الناقل الجوي تكاليف اإلقامة الفندقية والوجبات
واملواصالت من وإلى املطار عن املدة اإلضافية حتى موعد السفر الجديد.1
وقد تنبه املشرع السعودي إلى حالة إلغاء رحالت في املطارات التي ال تتوفر فيها
رحالت أخرى منتظمة ومستمرة بشكل يومي ،ففرض على الناقل الجوي في هذه الحالة
تأمين رحلة بديلة للرحلة امللغاة على ذات الناقل الجوي أو على ناقل جوي آخر خالل مدة
ال تتجاوز ست ساعات من موعد إقالع الرحلة امللغاة ،2مع توفير وسيلة نقل برية لتأمين
وصول الراكب إلى مقصده في أقرب مطار يمكن أن يغادر منه نقطة الوصول.3
وإذا اختار الراكب رحلة بديلة ولكن أعلى درجة على ذات الناقل الجوي أو ناقل
جوي آخر على أي درجة (نفس الدرجة أو أعلى) ،فإن الناقل الجوي هو الذي يتحمل قيمة
فارق التكلفة .4أما الرحلة البديلة أدنى درجة على ذات الناقل الجوي أو على ناقل جوي
آخر على درجة إركاب أدنى ،فتفرض على الناقل الجوي املتعاقد إعادة فرق قيمة الدرجة
وفق أقل سعر على الدرجة التي تم تخفيض درجة االركاب عليها ،إضافة إلى تعويض
يعادل % 50من تلك القيمة.5
املشرع املغربي عالج بدوره مشكلة إلغاء الرحلة ومن بين اإلجراءات التي جاء بها
إجراء الرحالت البديلة ،وهو ما تكشف عنه املادة 224فقرة أولى من مدونة الطيران
املدني بقولها ":إذا أخبر الناقل الجوي املسافرين بإلغاء الرحلة ،وجب تقديم معلومات
إليهم تتعلق برحالت جوية ممكنة دون مصاريف إضافية".
يضع إذن هذا النص على عاتق الناقل الجوي التزاما باقتراح رحالت بديلة على
الراكب الذي ألغيت رحلته .وإذا وافق الراكب وكان ذلك يؤدي إلى قيام مصاريف إضافية،
فإن الناقل الجوي هو الذي سيتحمل بها .املشرع املغربي لم يفصل في مسألة املصاريف
اإلضافية مقارنة مع املشرع األوربي واملشرع السعودي ،ولكن نعتقد أن هذه املصاريف
ستشمل بالضرورة تكاليف اإلقامة الفندقية والوجبات طيلة املدة التي استغرقها تأجيل
الرحلة ،إضافة إلى توفير وسائل التنقل من وإلى املطار.
نالحظ أيضا أن املشرع املغربي يتكلم عن رحالت جوية ممكنة ومن هنا نتساءل
عن الحل في حالة فشل الناقل الجوي في توفير رحالت أخرى ممكنة أو في حالة رفض
الراكب للرحالت البديلة املعروضة عليه؟ وهل يتحلل الناقل الجوي من املسؤولية ألنه
وفى بالتزامه باقتراح رحلة بديلة على الراكب؟ أم يحق للراكب فسخ العقد؟
نرى بأن الناقل الجوي ال يتحلل من املسؤولية عن إلغاء الرحلة ملجرد أنه تعذر
عليه توفير رحالت بديلة أو اقترح رحالت بديلة على الراكب ورفضها هذا األخير .وعليه ،إذا
فشل في توفير رحالت بديلة أو رفض الراكب الرحلة املقترحة عليه ،يستطيع الراكب فسخ
العقد مع الناقل الجوي .ومتى تقرر فسخ العقد بسبب إلغاء الرحلة ،فإن الناقل الجوي
يلتزم بإعادة قيمة التذكرة مع تعويض يتناسب مع قيمة تلك التذكرة ،انطالقا من أن
الراكب لم يستفد من النقل أصال.
ثالثا :التزام الناقل الجوي بتقديم املساعد والتعويض في حالة إلغاء الرحلة
في حالة إلغاء الرحلة الجوية تنشأ مجموعة من االلتزامات ،فباإلضافة إلى واجب
إعالم الراكب بهذا اإللغاء ،يلتزم الناقل الجوي بتقديم خدمات الرعاية واملساعدة فضال
عن التعويض في حاالت معينة.
1المحكمة التجارية الدار البيضاء ،2017//11/07 ،حكم رقم ،10098ملف رقم .2017/8202/7586
(قضية السيد العمراني ضد الخطوط الملكية المغربية .غير منشور).
فقد أكدت املادة 5من الالئحة األوربية على حق الراكب في االستفادة من
خدمات املساعدة التي تقدم له مجانا من قبل الناقل الجوي واملنصوص عليها في كل من
املادة 8و .9وتتمثل املساعدة املحال عليها في املادة 8والتي وردت تحديدا في الفقرة 3في
تحمل الناقل الجوي بتكاليف نقل الراكب بين مطار الوصول واملطار األصلي املحدد
للمغادرة أو أي وجهة أخرى متفق عليها مع الراكب متى اقترح الناقل الجوي على هذا األخير
مطارا غير الذي كان مخططا له في األصل .أما املساعدة املقررة في املادة ،9فهي تشمل
تقديم املرطبات وإمكانية األكل طيلة فترة االنتظار ،ومنح الراكب إمكانية إجراء مكاملتين
هاتفيتين أو إرسال اثنين من التلكس أو فاكسات اثنين أو رسالتين إلكترونيتين.
أما إذا كان من الضروري االنتظار ليلة واحدة أو أكثر أو عندما تكون اإلقامة
املضافة إلى تلك املخططة من قبل الراكب ضرورية ،فإن الناقل الجوي يتحمل بمصاريف
اإلقامة في الفندق أو في أي مكان آخر طيلة املدة التي استغرقها تأخير الرحلة ،إضافة إلى
توفير وسائل التنقل بين املطار ومكان اإلقامة.
أما تعويض الراكب عن إلغاء الرحلة فال يكون إال في حالة إغفال الناقل الجوي إعالم
الراكب بإلغاء الرحلة داخل اآلجال املقررة ،1والتعويض املستحق هو الوارد في املادة 7
التي وضعت سقفا للتعويضات يتراوح بين 250و 600أورو ويسري في حاالت إلغاء
الرحالت أو تأخيرها أو رفض االركاب 2ـ
إال أن الناقل الجوي ال يكون ملزما بالتعويض إذا نجح في إثبات أن السبب في
إلغاء الرحلة الجوية يرجع إلى ظروف استثنائية لم يستطع التخلص منها رغم اتخاذه كافة
التدابير املعقولة.3
1هذه اآلجال سبق التطرق إليها بمناسبة معالجة التزام الناقل الجوي بإعالم الراكب بإلغاء الرحلة.
2سبق الوقوف على مبالغ هذه التعويضات بكيفية مفصلة بمناسبة التطرق اللتزام الناقل الجوي بالتعويض في حالة
التأخير .ولذلك وتفاديا للتكرار نحيل على ما سبق بيانه وذلك ليس فقط بالنسبة للتعويض في حالة تأجيل الرحالت
وإنما أيضا بخصوص التعويض عن رفض االركاب.
3 Article 5/3 du règlement européen (CE) N° 261/2004.
وقد تصدت محكمة العدل األوربية لتحديد مفهوم الظروف االستثنائية .هذه
الظروف التي تعفي الناقل الجوي من دفع التعويض عن إلغاء الرحلة في حاالت معينة
(أحوال الجو السيئة ،إضراب مراقبي الحركة الجوية.)...
وهكذا قررت بتاريخ 22دجنبر 2008أن املشاكل التقنية للطائرة ال تخول كقاعدة
عامة للناقل الجوي رفض التعويض عن إلغاء الرحلة .1على املستوى العملي ،هذا السبب
تدفع به دائما شركات الطيران للتملص من املسؤولية عن مشاكل التأخير وإلغاء الرحالت.
كذلك قررت محكمة النقض الفرنسية في القرار الصادر عنها في 13مارس 2013
بأن الضباب الكثيف ال يشكل في حد ذاته قوة قاهرة تعفي الناقل الجوي من املسؤولية
عن إلغاء الرحلة املقررة بين بوردو وروما .وبررت املحكمة الفرنسية موقفها هذا بكون
الناقل الجوي لم يقدم الدليل على أنه قد اتخذ كافة التدابير الالزمة ملنع وقوع الضرر أو
أنه استحال عليه اتخاذ هذه التدابير كما تقض ي بذلك املادة 20من اتفاقية فارسوفيا.2
هذا عن الالئحة األوربية أما بخصوص الالئحة السعودية فقد نظمت هي أيضا
التزام الناقل الجوي بتقديم متطلبات الرعاية واملساعدة وكذا التعويض في حالة إلغاء
الرحلة الجوية وخصصت له املادة .10فبخصوص متطلبات الرعاية واملساعدة ميزت بين
إعالم الراكب بإلغاء الرحلة قبل 14يوما من املوعد األصلي املحدد للمغادرة في الرحلة
الدولية ،وقبل 7أيام من الوقت األصلي املحدد للمغادرة في الرحلة الداخلية ،عندئذ
يعفى الناقل الجوي من خدمات الرعاية واملساعدة شريطة إعادة قيمة تذكرة السفر إلى
الراكب .أما إذا أبلغ الناقل الجوي الراكب بإلغاء الرحلة بأقل من 14يوما إلى 24ساعة
من املوعد األصلي املحدد للمغادرة في الرحلة الدولية أو أقل من 7أيام إلى 24ساعة من
املوعد األصلي املحدد للمغادرة في الرحلة الداخلية ،ففي هذه الحالة يتحتم عليه تخيير
الراكب بين رحلة بديلة أو إعادة قيمة التذكرة.3
Voir :la Cour de justice des Communautés Européennes dans son Arrêt 22
décembre 2008 dans 1 l'affaire C-549/07 Friederike Wallentin-Hermann vs.
Alitalia.
Lex-Aero.com/Droit aérien - Annulation d'un vol et indemnisation des passagers
Cour. Cassation. Civile. 13 mars 2013, RFDA, 2013, p. 63. 2
المادة 10من الالئحة السعودية 3 .2017
وفي حالة اختيار الراكب لرحلة بديلة (دولية أو داخلية) يتحمل الناقل الجوي
بتكاليف اإلقامة الفندقية والوجبات واملواصالت من وإلى املطار عن املدة اإلضافية إلى
حين حلول موعد الرحلة الجديدة.
أما بخصوص التعويض املمنوح للراكب في حالة إلغاء الرحلة ،فقد قررت أنه متى
أبلغ الناقل الجوي الراكب بإلغاء الرحلة (الدولية أو الداخلية) من 24ساعة إلى 4
ساعات من املوعد األصلي املحدد للمغادرة وفشل في توفير رحلة بديلة خالل 6ساعات
من املوعد األصلي املحدد للمغادرة واضطر الراكب للحجز على ناقل جوي آخر ،فيجب
على الناقل الجوي األصلي إعادة قيمة التذكرة (خط السير غير املستخدم) باإلضافة
لتعويض يعادل % 100من تلك القيمة ،وذلك دون املساس بحق الراكب في متطلبات
الرعاية واملساندة.1
أما إذا لم يعد للراكب الذي ألغيت رحلته رغبة في إتمام الرحلة ،فإنه يستطيع
فسخ العقد بمحض إرادته مع الناقل الجوي ،الذي يتعين عليه في هذه الحالة إعادة
قيمة التذكرة (خط السير غير املستخدم) باإلضافة لتعويض يعادل % 50من تلك
القيمة.2
وغني عن التذكير أن الراكب ال يستحق أي تعويض متى كان إلغاء الرحلة بسبب
قوة قاهرة تماما كما هو الحال في تأخير الرحالت.
املشرع املغربي أكد في املادة 223على حق الراكب في االستفادة من مساعدة لم
يبين كيفياتها وال شروطها تاركا ذلك للنصوص التنظيمية التي ستصدر في هذا الشأن،
وأشار إلى أنه يجب أن تراعى في هذه املساعدة اإلمكانيات التقنية والتجارية ال سيما في
حالة إعادة النقل ،فهل يقصد املشرع بذلك الحاالت التي ال يستطيع فيها الناقل الجوي
تقديم خدمات املساعدة ،كما لو كان املطار الذي تمت فيه عملية إلغاء الرحلة مثال غير
مؤهل لتقديم مثل هذه البنيات؟ وإذا كان األمر كذلك ،فهل هذا يعني إعفاء الناقل
الجوي من تقديم خدمات املساعدة للراكب؟ أم أن الراكب يستطيع بدال من ذلك
الحصول على تعويض؟ وهل يستطيع الناقل الجوي في حالة منح هذا التعويض للراكب
الرجوع على مشغل املطار؟
املشرع املغربي وضع نصا مرنا يسمح للناقل الجوي من التحلل من تقديم
املساعدة في حالة إلغاء الرحلة متى تعذر عليه تقديم هذه املساعدة ألسباب تقنية أو
تجارية ،ألنه مدفوع برغبته في حماية الناقل الجوي على حساب مصلحة الراكب.1
ولهذا نرى أن الناقل الجوي الذي ال يستطيع تقديم خدمات املساعدة الواجبة
للراكب يجب أن يتحمل وزر خطأه املتمثل في إلغاء الرحلة ويقوم بتعويض الراكب ،ويبقى
للناقل الجوي الرجوع على مشغل املطار أو هيئة الطيران املدني بالتعويض الذي قدمه
للراكب بموجب حكم املادة 229فقرة أولى من مدونة الطيران املدني املغربية التي تقرر
أنه ":عندما يدفع الناقل الجوي تعويضا أو يفي بالتزامات أخرى ملقاة عليه بموجب هذا
القسم ،ال يجوز تأويل أي حكم من أحكام هذا القسم بكونه يحد من حقه في طلب
التعويض عن الضرر من أي شخص ،بما في ذلك األغيار ،طبقا للقانون الوطني املطبق،
وبشكل خاص ،ال يحد هذا القسم بتاتا من حق الناقل الجوي في طلب التعويض عن
الضرر من منظم رحالت أو أي شخص آخر أبرم معه الناقل الجوي عقدا".
ويزداد غموض املشرع املغربي عندما يتبين أنه نص على املساعدة في املادة 223
املذكورة أعاله ولم يذكر التعويض تماما كما فعل بشأن التأخير ،ولهذا تبقى نفس
التساؤالت واملالحظات التي أثيرت بصدد عن التعويض عن التأخير قائمة أيضا هنا .إال أن
الناقل الجوي يعفى من التعويض متى أثبت أن هذا اإللغاء ناتج عن ظروف استثنائية لم
يكن من املمكن تفاديها رغم بذله كل الجهود.2
هذا االتجاه التشريعي كرسه العمل القضائي املغربي في مجموعة من األحكام
والقرارات الصادرة عنه ،فقد جاء في حيثيات املحكمة التجارية بالدار البيضاء ما يلي ... ":
وحيث إنه بالرجوع ملقتضيات املادة 225من مدونة الطيران املدني فإنها تنص على أنه ال
1المشرع األوربي نص على خدمات المساعدة ولم يجعلها مشروطة بتوفر اإلمكانيات التقنية أو التجارية للناقل
الجوي .أما المشرع السعودي والذي كان يسمح بإعفاء الناقل الجوي من متطلبلت الرعاية والمساعدة متى تعذر
عليه ذلك بسبب عدم توفر البنية التحتية في المطار الذي تم فيه التأخير أو اإللغاء إال أنه يمكن تعويض الراكب،
وذلك في المادة 7من الالئحة التنفيذية لحماية المستهلك في قطاع الطيران المدني السعودي ذي الرقم 99 -8لسنة
. 2010إال أنه تراجع عن ذلك بمقتضى الالئحة الصادرة في ،2017وبالتالي أصبح الراكب يستفيد من خدمات
الرعاية والمساعدة دون االلتفات إلى إمكانيات تقديم الناقل الجوي لهذه الخدمات أم ال.
2المادة 225من مدونة الطيران المدني المغربية .2016
يلزم الناقل الجوي بأداء تعويض للمسافرين في حالة إلغاء الرحلة أو تأخيرها بسبب
ظروف استثنائية في حالة إلغاء الرحلة أو تأخيرها بسبب ظروف استثنائية لم يكن من
املمكن تفاديها رغم بذل كل االجراءات لتفاديها.
وحيث أن املدعى عليها لم تثبت إخبار املدعي بإلغاء الرحلة ،كما أنها لم تثبت
الظروف االستثنائية التي تمسكت بها...
وحيث إن الضرر يجبر وإن مسؤولية املدعى عليها تبقى قائمة ،مما تكون معه
ملزمة بتعويض املدعي عن الضرر الالحق به".1
وظلت هذه املحكمة وفية لحكمها فرفضت في قضية مشابهة االستجابة للناقل الجوي
الذي علل إلغاء رحلة من الداخلة إلى الدار البيضاء بظروف جوية استثنائية بقولها ... ":
وحيث إن من بين التزامات الناقل الجوي نقل املسافر املتعاقد معه من مكان الركوب إلى
مكان الوصول على متن طائرة صالحة للمالحة الجوية وفي حالة امتناعه عن تنفيذ ذلك
االلتزام إنما بإلغاء املقعد املحجوز على متن الطائرة أو بإلغاء الرحلة فإنه يبقى مسؤوال
عن األضرار الالحقة باملسافر ما لم يكن ذلك راجع لظروف استثنائية لم يكن من املمكن
تفاديها رغم بذل كل االجراءات لدرئها وفق ما تقتضيه املادة 225من القانون .40 – 13
وحيث لئن تمسكت املدعى عليها بكون إلغاء الرحلة يعود إلى ظروف استثنائية
راجعة إلى اختالالت تقنية غير متوقعة فإنها لم تدل بأي حجة مقبولة قانونا إلثبات ذلك
مما يبقى ما تمسكت به غير مؤسس ويتعين رده واعتبار إلغائها للرحلة غير مبرر وهو ما
يشكل خطأ من جانبها وبالتالي تبقى مسؤولة عن الضرر الالحق باملدعي كمسافر والذي
يحق له استرداد ثمن النقل وكذا التعويض".2
وعلى العكس من ذلك يدخل إغالق املطار في الظروف االستثنائية التي تعفي
الناقل الجوي من التعويض عن إلغاء الرحلة متى لم يكن من املمكن تفاديه رغم اتخاذ
المحكمة التجارية ،الدار البيضاء ،2017/10/10 ،حكم رقم ،8978ملف رقم ( 2017/8202/7008غير
منشور)1 .
2المحكمة التجارية ،الدار البيضاء ،2017/11/07 ،حكم رقم ،10098ملف رقم ( 2017/8202/7586غير
منشور).
أنظر أيضا الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 2009/04/30الذي رفض اعتبار الخلل
التقني الذي يصيب الطائرة سببا إلعفاء الناقل الجوي من المسؤولية عن إلغاء رحلة رجوع من السعودية إلى الدار
البيضاء.
حكم رقم ،5446ملف رقم ( 2008/6/3145غير منشور).
كل التدابير الالزمة لدرأه .ولهذا قررت محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء أن
األمطار الغزيرة التي عرفتها مدينة بومباي أليام والتي أدت إلى إغالق مطار بومباي وإلغاء
كافة الرحالت من وإلى مطار بومباي تجعل مسؤولية الناقل الجوي منعدمة عن إلغاء
رحلة من دبي إلى بومباي ،فال يلتزم بالتعويض وإنما ينحصر دوره في إرجاع ثمن النقل ألن
الراكبة لم تستفد أصال من الرحلة.1
يتبين مما تقدم أن كل من املشرع املغربي واملشرع األوربي استعمال الظروف االستثنائية
كسبب إلعفاء الناقل الجوي من التعويض في حالة إلغاء الرحالت بينما استعمل املشرع
السعودي القوة القاهرة كأساس لهذا الدفع.
ونعتقد أن اختيار الظروف االستثنائية أنسب من القوة القاهرة ،ألن هذه األخيرة تفتح
للناقل الجوي الباب على مصراعيه للتحلل من املسؤولية امللقاة على عاتقه ،فسوء
أحوال الجو مثال هو قوة قاهرة لكنه ال يشكل ظرفا استثنائيا ألن مثل هذا الخطر مرتبط
باالستغالل الجوي.2
املطلب الثالث :حماية الراكب من رفض االركاب
يقوم أسلوب الحجز الزائد Surréservation, surbooking ou overbookingعلى
بيع الناقل الجوي ملقاعد أكثر من التي هي متوفرة بالطائرة ملواجهة الحاالت التي يلغي فيها
بعض الركاب الحجز في آخر لحظة أو يتخلفون عن ركوب الطائرة دون القيام بإلغاء
حجوزاتهم عند العدول عن السفر مما يؤدي إلى بقاء مقاعد شاغرة عند إقالع الطائرة
وتكبيد الناقل الجوي خسائر مهمة .وبما أن النسبة املئوية للمقاعد الشاغرة تبقى ثابتة،
فإنه يخاطر بقبول عدد من الزبناء يفوق عدد املقاعد املتوفرة لديه ،ولو أن األمر يتعلق
بتدبير احتياطي .إال أنه تقع دائما نسبة من األخطاء عندما ال يتراجع بعض الركاب عن
السفر ،فيجد الناقل الجوي نفسه أمام عدد من الركاب يفوق عدد املقاعد على متن
الطائرة مما يفسر رفض الناقل الجوي الركاب بعض الركاب الحاملين لتذاكر السفر .وألن
اتفاقية منريال ومن قبلها اتفاقية فارسوفيا لم تتصدى لهذه اإلشكالية ،فقد اختلفت
الحلول التي لجأ إليها قضاء الدول.
ولتفادي اإلشكالية التي يثيرها الحجز الزائد اتخذت مجموعة من التدابير الخاصة
لحماية الركاب الذين يرفض الناقل الجوي نقلهم ضدا عن إرادتهم .وتتمثل هذه التدابير
الحمائية في واجب إعالم الراكب برفض االركاب وتقديم رحالت بديلة أو البحث عن ركاب
متطوعين يقبلون بتأجيل رحلتهم وكذلك االلتزام بتقديم خدمات املساعدة للراكب
وتعويضه إن اقتض ى األمر ذلك.
أوال :التزام الناقل الجوي باإلعالم عن رفض االركاب
حثت التشريعات محل البحث الناقل الجوي على اإلعالن عن سياسة الحجز
الزائد التي يتبعها وذلك ضمانا لحقوق الركاب .بالنسبة لالئحة األوربية نظمت وجوب
إعالم الراكب بحقوقه وخصصت له مادة مستقلة هي املادة 14التي تسري إلى جانب
إلغاء الرحالت وتأخيرها على حاالت رفض االركاب" ،وذلك من خالل تعليق إشعار مقروء
بوضوح للراكب في منطقة التسجيل يخبره فيه بأنه في حالة رفض االركاب أو إلغاء الرحلة
أو تأخيرها بساعتين على األقل ،أن يطلبوا من شباك التسجيل أو باب الركوب النص
الذي يبين حقوقهم في مادة التعويضات واملساعدة ،وكذا تزويد كل راكب معني بإشعار
خطي متضمن لقواعد التعويض واملساعدة وفقا للمقتضيات الواردة في هذه الالئحة مع
تمكينه من تفاصيل االتصال بالهيئات الوطنية املعنية واملشار إليها في املادة 16بطريقة
مكتوبة.
وغني عن البيان أن أحكام هذا النص تطبق بالنسبة لناقص ي البصر وفاقديه
باستخدام وسائل مالئمة لحالتهم.
التشريع السعودي كان هو أيضا على وعي بأن شركات الطيران تضطر إلى اعتماد
أسلوب الحجز الزائد لتفادي خسارة أرباح مقاعد فارغة بالطائرة ،لذلك فهو لم يمنعه
ولكنه حث الناقل الجوي على الحد من عدد الركاب املرفوضين على الرحلة ،1وعدم األخذ
به عند توفر مقاعد بديلة على ذات الرحلة بدرجة إركاب أعلى ،1أو بدرجة إركاب أدنى من
درجة االركاب املتفق عليها مع الراكب ،2والتقيد بمجموعة من التدابير في حالة اعتماده.
ومن بين أول هذه التدابير االلتزام بإعالم الراكب برفض االركاب بشكل واضح،
وهو ما عبرت عنه املادة 8فقرة ثالثة من الالئحة بقولها ":يجب على الناقل الجوي في
حالة رفض إركاب أي عميل بسبب عدم توفر مقاعد بديلة على ذات الرحلة ،أن يقوم،
وبصورة فورية ،بالتالي:
أ -تقديم معلومات وافية للعميل عن حقوقه عند رفض االركاب بطريقة مكتوبة وواضحة
وأن يقدم له اإلرشاد الالزم في هذا الشأن".
وفي حالة توفر مقاعد بديلة على ذات الرحلة ولكن بدرجة إركاب أدنى من تلك املتفق
عليها مع الراكب ،ال يستطيع الناقل الجوي تحريك سياسة الحجز الزائد بل يمتد هذا
االلتزام ليشمل إعالم الراكب بتوفر هذه املقاعد البديلة ،ليقبل هذا األخير إما تخفيض
درجة االركاب أو فسخ العقد.3
واملشرع السعودي لم يكتف بفرض اإلعالم برفض االركاب بسبب عدم توفر
مقاعد كافية على متن الطائرة بل اشترط تمكين الراكب من هذه املعلومة بطريقة
مكتوبة ،وبالتالي ال يتحقق هذا اإلعالم باالتصاالت الهاتفية أو باإلعالنات التلفونية أو
باملحادثات الشفوية التي يجريها املوظفين بمكاتب التسجيل .وهذه مسألة إيجابية ألن
الكتابة تمكن من تفادي صعوبات اإلثبات.
وإذا كانت الالئحة السعودية تأكد على وجوب التزام الناقل الجوي بإعالم الراكب
من ذوي االحتياجات الخاصة في حالة تأخير الرحالت أو إلغائها أو تغيير مسارها ،فإنه
بخصوص رفض االركاب ،فقد نهجت مسارا مختلفا ،حيث منعت الناقل الجوي من رفض
1يلتزم الناقل الجوي في هذه الحالة بوضع الراكب في درجة أعلى من درجة االركاب المتفق عليها مع الراكب
وذلك دون مقابل (المادة )2/8من الالئحة السعودية.
2المادة 2 /9من الالئحة السعودية .2017
3متى وافق الراكب على تخفيض الدرجة على ذات الرحلة ،يصبح الناقل الجوي في هذه الحالة ملزما بتعويض
الراكب عن كامل فرق السعر بين درجة االركاب األصلية وبين الدرجة التي تم عليها السفر .أما إذا قرر الراكب
فسخ العقد ،فإنه يسترجع قيمة التذكرة فضال عن التعويض (المادة ( 2/9أ -ب) من الالئحة السعودية).
إركاب الراكب من ذوي االحتياجات الخاصة الحاصل على تذكرة سفر مؤكدة الحجز،1
وبالتالي فال مجال للحديث في هذه الحالة عن االلتزام باإلعالم في رفض االركاب بالنسبة
لهؤالء األشخاص.2
وقد فرض املشرع املغربي بدوره على الناقل الجوي اإلعالن عن سياسة الحجز
الزائد التي يتبعها ،وأن يعلم الراكب بذلك بشكل واضح جدا ،حيث قرر في املادة 217من
مدونة الطيران املدني تعليق إشعار مطبوع بحروف واضحة جدا بمكان ظاهر للعيان في
منطقة التسجيل مفاده أن يطلب الركاب في حالة رفض ركوبهم من شباك التسجيل أو في
باب الركوب االطالع على النص الذي يتضمن حقوقهم وال سيما فيما يخص التعويض
واملساعدة ،وأن يضع أيضا رهن إشارتهم بوابة إلكترونية خاصة بإخبارهم عن املعايير
والقواعد املتعلقة باملساعدة والتعويض.3
ولم يكتف املشرع بمد هذه الحماية على ذوي االحتياجات الخاصة بل شملهم
بقاعدة خاصة تمكن من تحقيق هذه الحماية أال وهي استعمال وسائل قادرة على وصول
هذا اإلعالم إليهم.
يالحظ مما تقدم ،أن املشرع املغربي شأنه في ذلك شأن الالئحة األوربية لم يمنع
الناقل الجوي من رفض إركاب األشخاص من ذوي االحتياجات الخاصة ولكن قرر
لفائدتهم بعض التدابير املالئمة لحالتهم بينما ألزمت الالئحة السعودية الناقل الجوي
بعدم رفض إركاب أي راكب من ذوي االحتياجات الخاصة متى كان يتوفر على على حجز
مؤكد ،وهو الش يء الذي يخدم مصلحة هذه الطائفة التي قد تكون في أشد الحاجة إلى
القيام برحالتها بدون عوائق أخرى تنضاف إلى اإلعاقات الجسدية أو الذهنية التي يعانون
منها.
1عرفت الالئحة السعودية الحجز المؤكد بأنه الحجز الذي يطلبه الراكب من الناقل الجوي على رحلة معينة بتاريخ
معين ودرجة خدمة معينة ويؤكدها الناقل الجوي بإشارة مميزة على تذكرة السفر أو بأي طريقة أخرى يستخدمها
الناقل الجوي لذلك مفادها أن الحجز محجوز لصالح العميل" (المادة .)14/1
2المادة 12فقرة 1من الالئحة السعودية .2017
واجب اإلعالم الذي نظمته هذه المادة يسري أيضا على حاالت إلغاء الرحالت أو تأخيرها ،وهو ما سبق بيانه3 .
بعد أن أكدت الالئحة السعودية على مبدئين أساسين ،أولهما جاء في املادة 8
فقرة أولى وهو التزام الناقل الجوي بالحد من عدد الركاب املرفوضين على الرحلة الجوية،
حتى ال يصبح العدد الزائد للركاب ذريعة لتملص شركات الطيران من التزام بالنقل في
امليعاد املحدد ،وثانيهما في املادة 8فقرة ثانية ويتعلق األمر بعدم رفض الناقل الجوي
الركاب أي راكب على الرحلة عند توفر مقاعد بديلة على ذات الرحلة بدرجة أعلى من
درجة االركاب املتفق عليها مع الراكب .فمتى توفرت مقاعد خالية على متن الطائرة وكانت
أعلى درجة من درجة االركاب املتفق عليها بين الراكب والناقل الجوي ،فإن على هذا األخير
وضع الراكب في الدرجة األعلى دون أي مقابل ،ألنه ال دخل له بسياسة الحجز التي
تعتمدها شركات الطيران ملواجهة الحاالت التي يلغي فيها بعض الركاب حجوزاتهم عند
العدول عن السفر دون إشعارها بذلك.
ومكنت الناقل الجوي بموجب الفقرة ثالثة حرف (ب) من املادة املذكورة أعاله
من رفض االركاب ولكن منحت للراكب حق االختيار بين أن يقوم بالسفر على رحلة أخرى
لذات الناقل الجوي أو على ناقل جوي آخر ،شريطة أن يتحمل الناقل الجوي فارق تكلفة
االركاب إن وجد .ولكن هل يستطيع الناقل الجوي إلزام الراكب بالركوب في طائرة على
درجة أدنى من تلك املتفق عليها في العقد ؟
تناولت الالئحة السعودية هذه الفرضية أيضا ،ولم تترك خيارا للناقل الجوي بل
فرضت عليه عدم رفض إركاب أي راكب عند توفر مقاعد بديلة على ذات الرحلة بدرجة
أدنى من درجة االركاب املتفق عليها ،ومتى وافق الراكب على تخفيض درجة االركاب،
فيجب تعويضه عن كامل فرق السعر بين درجة االركاب األصلية وبين درجة التي تم
السفر عليها للجزء الذي تم تخفيض درجة االركاب من الرحلة وفق أقل سعر على الدرجة
التي تم التخفيض عليها ،فضال عن تعويض يعادل قيمة % 50من تلك القيمة .وال يكون
هذا التعويض بديال عن أي تعويضات أخرى أو عن أي ضرر ناتج عن تخفيض درجة
االركاب.1
وفي حالة عدم وجود مقاعد فارغة بدرجات أعلى أو أدنى على متن الطائرة تبقى
هناك إمكانية أخرى متاحة للناقل الجوي للتغلب على مشكلة الحجز الزائد .يتعلق األمر
بالبحث عن متطوعين .ولكن من هو الراكب املتطوع؟
أجابت الالئحة السعودية عن هذا السؤال من خالل تعريفها له في املادة األولى
حرف (ب) بأنه ":الراكب الدي يستجيب لطلب الناقل الجوي متطوعا للتنازل عن مقعده
ويقبل بمحض إرادته التعويض املعروض عليه من الناقل مقابل تخليه عن مقعده
املحجوز حجزا مؤكدا".
إذن املتطوع هو الراكب الذين يقبل بالتنازل عن مقعده املحجوز حجزا مؤكدا
بمحض إرادته مقابل املوافقة على التعويض املقترح من قبل الناقل الجوي ،ليحل الراكب
الذي كان سيرفض بسبب الحجز الزائد على متن الطائرة محل املتطوع باملقعد الذي
أصبح خاليا.
املشرع املغربي نظم هذه الحالة أيضا ،فقرر أنه في حالة رفض ركوب مسافر
يتوفر على حجز مؤكد ،على الناقل الجوي االلتجاء إلى متطوعين يقبلون بالتخلي عن
حجزهم مقابل بعض الخدمات املتفق عليها مع الناقل الجوي .ويستفيد الراكب عالوة
على ذلك من املساعدة وفق شروط معينة .أما إذا كان عدد الركاب املتطوعين غير كاف
لتسهيل ركوب الركاب اآلخرين الذين يتوفرون على حجز مؤكد ،أمكن للناقل الجوي رفض
ركوب الراكب دون الحصول على موافقته في هذه الحالة شريطة تقديم تعويض
ومساعدة.1
الناقل الجوي يستطيع البحث عن حلول أخرى للتغلب عن مشكلة الحجز الزائد،
وبالتالي توفير مقاعد بديلة على ذات الرحلة على درجة أعلى أو أدنى من درجة االركاب
املتفق عليها مع الراكب .فإذا كانت هناك مقاعد خالية في الطائرة على ذات الرحلة ولكن
أعلى درجة من تلك املتفق عليها مسبقا مع الراكب ،فإن الناقل الجوي يستطيع وضع
الراكب على درجة إركاب أعلى ولكن دون مطالبة الراكب بمقابل .2وإنما يكون قد عالج
مشكلة رفض االركاب الناجمة عن الحجز الزائد ونفذ التزامه بشكل أفضل .أما إذا كانت
املقاعد البديلة توجد في درجة إركاب أدنى من تلك املتفق عليها في العقد ووافق الراكب
على تخفيض درجة االركاب ،فإن الناقل الجوي يستطيع وضعه في املقعد أدنى درجة،
ولكن يلتزم في هذه الحالة بإرجاع فرق السعر بين درجة االركاب األصلية وبين الدرجة التي
تم عليها السفر.1
وقد تصدى املشرع املغربي لحالة وضع الراكب في درجة أعلى أو أدنى ،فقرر أنه ال
يجوز للناقل الجوي أن يطلب تكملة أي ثمن إذا قام بوضع الراكب في درجة أعلى من
الدرجة التي اشتريت بها التذكرة .أما قام بوضع الراكب في درجة أدنى من الدرجة التي
اشتريت التذكرة من أجلها ،فيجب عليه أن يرجع للراكب داخل أحل سبعة أيام من تاريخ
ابتداء الرحلة:
أ) نسبة % 30من ثمن التذكرة بالنسبة للرحالت الجوية التي تقل مسافتها عن 1500
كيلو متر،
ب) نسبة % 50من ثمن التذكرة بالنسبة للرحالت الجوية التي تتراوح مسافتها بين 1500
و 3500كيلو متر،
ج) نسبة % 75من ثمن التذكرة بالنسبة للرحالت الجوية التي تزيد مسافتها عن 3500
كيلو متر.2
تحديد هذه النسبة من قبل املشرع يسهل على الراكب اقتضاء حقه من الناقل الجوي
دون الحاجة إلى مراجعة املحاكم كما يضع حدا للسلطة التقديرية للقضاة في مجال
تحديد مبلغ التعويض ،وما ينتج عنها من اختالف مبلغ التعويضات املمنوحة للركاب في
حاالت مماثلة ،وهذا هو الوضع الذي كان سائدا قبل دخول مدونة الطيران املدني حيز
التنفيذ ،فقد ذهبت املحكمة التجارية بالدار البيضاء إلى القول في قضية راكب حجز
بطاقة سفره على متن الخطوط امللكية املغربية كمدعى عليها في الدرجة االقتصادية قبل
أن يحولها لدرجة رجال األعمال خالل مرحلة تسجيل الركاب ،إال عند مرحلة االركاب تم
وضعه في الدرجة االقتصادية مما دفعه إلى مقاضاة الشركة الناقلة ... ":وحيث إنه بالنظر
إلى أن املدعي بحسب الثابت من رسالة املدعى عليها املذكورة أعاله فهو من الزبناء
املخلصين لديها ،وبالتالي فإخاللها نتيجة لخطأ تابعها من عدم اركابه بدرجة رجال األعمال
وسفره في الدرجة االقتصادية ،يعتبر في نظر هذه املحكمة مسا بشعوره وبشخصه ،مما
يكون معه الضرر املعنوي الالحق به محققا.
وحيث إنه بعد ثبوت الخطأ والضرر والعالقة السببية بينهما ،فإن املتضرر يستحق
تعويضا ماديا تقدره املحكمة بما لها من سلطة تقديرية."1
وفي قضية راكب تعاقد مع شركة الخطوط الجوية القطرية قصد السفر على متن طائراتها
املتجهة من بانكوك مرورا بالدوحة بدرجة رجال األعمال والذي فوجئ بنقله على متن
طائرة أخرى بالدرجة االقتصادية فضال عن ضياع أمتعته ،قررت محكمة االستئناف
التجارية بالدار البيضاء ما يلي ... ":وحيث إن الناقل تتحقق مسؤوليته إذا أصيب املسافر
أو لحقت األضرار بأمتعته أو تم نقله متأخرا عن املوعد املتفق عليه .وما دامت الطاعنة
أقرت في رسالتها أعاله بتأخير الرحلة التي كان على متنها املستأنف عليه وعدم تمكينه من
السفر على درجة رجال األعمال وفق املتفق عليه في سند النقل فإنها تبقى مسؤولة عن
الضرر الناتج عن ذلك األمر الذي ينبغي معه تأييد الحكم املستأنف فيما قض ي به في هذا
الجانب".2
ولكن ما هي التدابير التي اعتمدتها الالئحة األوربية ملعالجة رفض االركاب بسبب الحجز
الزائد؟
على خالف مدونة الطيران املدني املغربية والالئحة السعودية اللتين ال تلزمان
الناقل الجوي بالبحث عن متطوعين إال عندما يقرر رفض االركاب بسبب الحجز الزائد،
فإن الالئحة األوربية تفرض على الناقل الجوي بمجرد توقعه بشكل معقول رفض االركاب
النداء أوال على الركاب املتطوعين الذين يقبلون بالتخلي عن حجوزاتهم مقابل بعض
الخدمات وفق طرق مناسبة لهم وللناقل الجوي ،فضال عن تمكينهم من مساعدة مطابقة
للمادة 8من هذه الالئحة .هذه املساعدة تعطي للراكب املتطوع الخيار بين استرجاع قيمة
1المحكمة التجارية ،الدار البيضاء ،2013/10/29 ،حكم رقم ،13093ملف رقم ( 2012/6/1189غير
منشور).
2محكمة االستئناف التجارية ،الدار البيضاء ،2010/03/02 ،قرار رقم ،2010/1008ملف رقم
( 9/2009/2467غير منشور).
تذكرة السفر متى فضل التخلي عن السفر أو اختيار رحلة العودة إلى نقطة املغادرة
األصلية ،وذلك على النحو التالي:
-إرجاع الناقل الجوي لبدل التذكرة بالثمن الذي اشتريت به خالل أجل سبعة
أيام بالنسبة لجزء أو أجزاء الرحلة التي لم تتم ،أو الجزء أو األجزاء التي لم تمت ولكن
أصبحت غير مفيدة بالنسبة ملجموع مخطط الرحلة األساس ي .وكذلك في حالة الفشل،
توفير رحلة العودة إلى نقطة املغادرة األصلية في أقرب أجل .ويجب أن يكون تغيير املسار
نحو الوجهة النهائية في ظروف نقل مماثلة وفي أفضل اآلجال ،أو في ظروف نقل مماثلة
لتاريخ الحق في الوقت املناسب للركاب ،حسب املقاعد املتوفرة.
-في حالة مدينة أو تكتل أو في منطقة تخدمها عدة مطارات ،إذا اقترح الناقل
الجوي على الركاب رحلة موجهة إلى مطار آخر غير األصلي املقرر ،فيجب عليه التكفل
بمصاريف التنقل بين مطار الوصول واملطار األصلي املقرر أو أي وجهة قريبة اتفق عليها
مع الراكب.
وبذلك يحل الركاب الذين كان سيرفض الناقل الجوي إركابهم بسبب الحجز الزائد
محل املتطوعين الذين قبلوا بالتنازل على مقاعدهم على متن الطائرة مقابل هذا العوض
الذي يقدمه لهم الناقل الجوي ،وبالتالي ،ينجح الناقل الجوي في التغلب على مشكلة
رفض االركاب دون التضحية بمصلحة الركاب.
وإذا كان عدد الركاب املتطوعين غير كافي لتمكين ركاب آخرين حاصلين على حجز
مؤكد من القيام بالرحلة ،فإن الناقل الجوي في هذه الحالة يستطيع رفض الراكب رغم
إرادته .وفي حالة رفض هذا األخير ضدا عن إرادته ،فيجب عليه تمكين الراكب فورا من
التعويضات الواردة في املادة 7من الالئحة وتقديم املساعدة املقررة في كل من املادة 8و9
من الالئحة.1
الالئحة األوربية وللتغلب على مشكلة رفض االركاب بسبب أسلوب الحجز الزائد
اختارت أيضا الحل املتمثل في البحث عن مقاعد بديلة على ذات الرحلة على درجة أعلى
أو أدنى من درجة االركاب املتفق عليها مع الراكب .فإذا كانت هناك مقاعد خالية في
الطائرة على ذات الرحلة ولكن أعلى درجة من تلك املتفق عليها مسبقا مع الراكب ،فإن
الناقل الجوي يستطيع وضع الراكب على درجة إركاب أعلى ولكن دون مطالبة الراكب
بمقابل .1أما إذا كانت املقاعد البديلة توجد في درجة إركاب أدنى من تلك املتفق عليها في
العقد ووافق الراكب على تخفيض درجة االركاب ،فإن الناقل الجوي يستطيع وضعه في
املقعد أدنى درجة ،ولكن يجب عليه أن يرجع للراكب داخل أجل سبعة أيام نسبة:
أ) % 30من سعر التذكرة لجميع الرحالت التي تبلغ 1500كيلو متر أو أقل ،أو
ب) % 50من سعر التذكرة لجميع الرحالت داخل االتحاد ألكثر من 1500كيلو متر،
باستثناء الرحالت بين األراض ي األوربية للدول األعضاء واإلدارات الفرنسية فيما وراء
البحار ،وأيضا لجميع الرحالت بين 1500كيلو متر و 3500كيلو متر ،أو
ج) % 75من سعر التذكرة لكل الرحالت التي ال تندرج في النقطتين (أ) أو (ب) بما في ذلك
الرحالت بين األراض ي األوربية للدول األعضاء واإلدارات الفرنسية فيما وراء البحار.2
ثالثا :التزام الناقل الجوي بتقديم املساعد والتعويض في حالة رفض االركاب
نظمت الالئحة األوربية مسألة تقديم املساعدة للراكب في حالة رفض االركاب إلى جانب
حاالت تأخير الرحالت أو إلغائها .إال أنها ميزت في ذلك بين الراكب املتطوع الذي يقبل
بالتنازل عن مقعده ليحل محله ركاب آخرين ،والراكب الذي يرفض الناقل الجوي إركابه
ضدا عن إرادته ألنه فشل في إيجاد متطوع يقبل بالتنازل عن مقعده ليحل محله الراكب
الذي كان سيرفض إركابه بسبب الحجز الزائد على متن الطائرة.
ففي حالة الراكب املتطوع الذي يقبل بالتنازل عن مقعده وتأجيل سفره مقابل بعض
الخدمات ،فإنه يستفيد من املساعدة املنصوص عليها في املادة 8من الالئحة .3وتشمل
املساعدة املحال عليها في هذه املادة دفع الناقل الجوي لتكاليف نقل الراكب بين مطار
الوصول واملطار األصلي املحدد للمغادرة أو أي وجهة أخرى اتفق عليها مع الراكب ،وذلك
متى اقترح الناقل الجوي على الراكب مطار غير الذي كان مخططا له في األصل .4
أما الراكب الذي رفض الناقل الجوي إركابه ضدا عن إرادته ،فهو يستفيد من
هذه املساعدة فضال عن تلك املقررة في املادة 9والتي تشمل تقديم املرطبات وإمكانية
األكل طيلة فترة االنتظار ،1فضال عن منح الراكب إمكانية إجراء مكاملتين هاتفيتين أو
إرسال اثنين من التلكس أو فاكسات اثنين أو رسالتين إلكترونيتين.2
أما إذا كان من الضروري االنتظار ليلة واحدة أو أكثر أو عندما تكون اإلقامة
املضافة إلى تلك املخططة من قبل الراكب ضرورية ،فإن الناقل الجوي يتحمل بمصاريف
اإلقامة في الفندق أو في أي مكان آخر طيلة املدة التي استغرقها تأخير الرحلة ،إضافة إلى
توفير وسائل التنقل بين املطار ومكان اإلقامة.3
ويستفيد الراكب الذي رفض الناقل الجوي إركابه ضدا عن إرادته إلى جانب هذه
املساعدة من التعويضات املقررة في املادة 7من الالئحة ،وهي ذات التعويضات املمنوحة
في حالة إلغاء الرحلة أو تأخيرها.
ويتم أداء هذه التعويضات بطرق متنوعة نقدا أو عبر تحويل بنكي إلكتروني أو
تحويل بنكي أو شيك أو اتفاق موقع من الراكب في شكل وصل سفر أو خدمات أخرى.4
الالئحة السعودية عالجت من جانبها أيضا حالة فشل الناقل الجوي في إيجاد
وجود عدد كافي من املتطوعين يعوض بمقاعدهم ركاب آخرين ،ورتبت على ذلك مجموعة
من االلتزامات أهمها تقديم متطلبات الرعاية واملساعدة وكذا التعويض.
حيث قررت في املادة الثامنة أنه متى رفض الناقل الجوي إركاب الراكب وقرر هذا
األخير فسخ العقد ،التزم الناقل الجوي فضال عن إعادة قيمة التذكرة (خط السير غير
املستخدم) بتعويض يعادل % 100من تلك القيمة.5
ومع ذلك يعفى الناقل الجوي من التعويض عن رفض االركاب بسبب الحجز
الزائد في الحاالت املشار إليها في املادة 9فقرة 3حرف (ه) ،وهي:
-إخالل الراكب بالتزاماته املحددة في املادة 5من الالئحة .وتدور هذه االلتزامات
حول اطالعه على شروط وأحكام عقد النقل وإفصاحه عن أي احتياطات خاصة به إن
وجدت ،وذلك قبل إتمام عملية الحجز املؤكد ،وحضوره إلى املطار في الوقت املحدد من
الناقل الجوي إلنهاء إجراءات السفر واتباع التعليمات املعلنة لذلك ،واستكمال كافة
املستندات ومتطلبات السفر النظامية.
-إذا قام الناقل الجوي بتوفير نقل جوي مشابه خالل ست ساعات من الوقت األصلي
املحدد للمغادرة.
-إذا أعلن الناقل الجوي عن طلب ركاب متطوعين للتنازل عن مقاعدهم مقابل عرض
يقدم لهم ،ووافق الركاب املتطوعين على هذا العرض.
ونصت مدونة الطيران املدني أيضا على أنه إذا قرر الناقل الجوي رفض راكب في
رحلة ما وكان يتوفر على حجز تذكرة بالنسبة إلى هذه الرحلة ،أي أن حجزه مؤكد ،وجب
عليه أن يقوم قبل كل ش يء بالبحث عن ركاب متطوعين مستعدين للتنازل عن حجوزاتهم
مقابل الحصول بعض الخدمات ،فيحل الركاب الذين كان سيرفض إركابهم بسبب الحجز
الزائد محل الركاب املتطوعين حسب املقاعد الخالية ،ولكن متى كان عدد الركاب
املتطوعين غير كاف لتسيير ركوب ركاب آخرين يتوفرون على حجز مؤكد ،أمكن للناقل
الجوي رفض ركوب أي راكب دون الحصول على موافقته ،إال أنه في هذه الحالة يمنح
فورا تعويضات لهؤالء ،فضال عن املساعدة املقررة لفائدتهم.1
ونالحظ أن املشرع يميز بين الراكب املتطوع الذي متى قبل بالتخلي عن مقعده
يستطيع االستفادة من مجرد مساعدة وبين الراكب الذي يرفض الناقل الجوي إركابه
ضدا عن إرادته لفشل هذا األخير في العثور على راكب يقبل بالتنازل له عن مقعد ليحل
محله راكب آخر ،والذي يستطيع الحصول على مساعدة إلى جانب تعويض ،هذا من
جهة ،ومن جه ة ثانية يميز املشرع أيضا بين حاالت التأخير واإللغاء ،التي نص فيها املشرع
عن مجرد مساعدة (املادة )223بالكيفية التي عرضنا لها سابقا ،وحالة رفض االركاب التي
نظم فيها املساعدة إلى جانب التعويض بكيفية واضحة ( ،)2/222مما يؤكد مرة أخرى أن
املشرع أسقط عن عمد التعويض في حاالت التأخير الرحالت أو إلغائها.
خاتمة
إن النمو الهائل واملضطرد لصناعة النقل الجوي بصفة عامة ،واإلقبال املتزايد
على السفر جوا ،أنشأ اهتمامات لدى السلطات التنظيمية لهذا القطاع .وتتعلق إحدى
هذه االهتمامات بمصالح املستهلك والتي بدأت تحظى باهتمام متزايد في اآلونة االخيرة،
والتي تغطي أمورا كثيرة من ضمنها حقوقه تجاه الناقل الجوي وتنظيم العالقة التعاقدية
بينهما ،حيث أصدرت مجموعة من الدول تشريعات سواء كانت على شكل قوانين عادية أو
فرعية الغرض منها حقوق املستهلك (الراكب) بشكل أفضل ،وال سيما لسد الفراغ الذي
شاب بعض املسائل التي لم تعالجها االتفاقيات الدولية ،ومن أهمها مشاكل التأخير وإلغاء
الرحالت ورفض االركاب على نحو ما عالجناه .إال أن هناك قلق بخصوص احترام هذه
التدابير ،الزال هناك عدد كبير من الناقلين الجويين يرفضون تعويض الركاب رغم
مطالبهم املشروعة.
يجب إذن تحريك الحوار حول هذه املسألة .وهي مناسبة أيضا لتعزيز هذه
الحقوق من خالل مراجعة هذه التدابير ال سيما بالنسبة للمغرب الذي ضمن مدونة
الطيران املدني مقتضيات مقتضبة ومحتشمة جدا تعالج إكراهات تأخير الرحالت أو
إلغائها أو رفض االركاب مدفوعا ال محالة برغبته في التخفيف على قطاع النقل الجوي
الذي يشهد من حين آلخر ارتباكات مثل األزمة التي يعيشها اآلن بسبب مرض " كوفيد ."19
لنذكر بالالئحة األوربية التي تعتبر تجربة رائدة في مجال حماية الراكب من حاالت رفض
االركاب وإلغاء الرحالت أو التأخير فيها ،ومع ذلك يجري التفكير اآلن في إعادة مراجعتها
لتخدم بشكل أفضل الراكب.
الراكب املغربي يجب أيضا أن يعي بالحقوق التي يحظى بها في حالة تأخير الرحلة
أو إلغائها أو رفض االركاب ،وبالتالي مطالبة الناقل الجوي بها ،وذلك دون عناء رفع أي
دعوى قضائية .لألسف ،الراكب يجهل ذلك ويرفع دعوى أمام املحكمة تستغرق منه
الجهد والوقت ،وقد ال تنجح املحكمة في إنصافه ،ألنها في كثير من األحيان ،هي األخرى ال
تحرك املقتضيات الواردة بمدونة الطيران املدني والتي عالجت هذه الحاالت وقدمت
حلوال ،وبدال من ذلك ،تلجأ إلى مقتضيات القواعد العامة الواردة في مدونة التجارة
والقانون املدني.
وهذا يقتض ي التركيز من جهة أخرى على إعالم الراكب بحقوقه من خالل وسائل
عديدة ،أهمها التفكير في خلف جهاز يسهر على مراقبة تطبيق التدابير الحمائية التي قررت
لفائدته من قبل مقدمي لخدمات النقل .من املمكن أيضا وضع استمارة شكاية رهن
إشارة الراكب يكتفي بملئها في حالة رفض االركاب وتأخير الرحلة أو إلغائها ويسلمها لشركة
الطيران املكلفة بإنجاز الرحلة .وهذه االستمارة تلعب أيضا دور دليل ألنها باإلضافة إلى أنها
تسهل للراكب الخطوات التي يجب عليه اتباعها في حالة تعرضه إلحدى هذه اإلكراهات
توضح له في آن واحد التدابير التي قررت لفائدته.
ونستحضر هنا دراسة حول حقوق الراكب داخل االتحاد األوربي قامت بها اللجنة
األوربية في 13يناير 2020أن أكثر من نصف املسافرين بوسائل نقل منها الطائرات
يجهلون بوجود الحقوق التي رسخها االتحاد األوربي لفائدتهم ،مع أن هذه الدول ال تدخر
جهدا في سبيل ذلك من خالل مجموعة من التدابير من ضمنها إعطاء الراكب في حالة
تأخير الرحلة أو إلغائها أو رفض إركابه بسبب الحجز الزائد تفاصيل االتصال بالهيئة
املسؤولة عن تطبيق الالئحة األوربية داخل كل دولة عضو ،وكذا اقتراح استمارة شكوى
يكتفي الراكب بملئها.
Chahid SLIMANI
RESUME
ABSTRACT
The property inequality between the credit consumer and the credit institution
places the banker in a privileged position which certainly requires him to be
cautious and vigilant to detect apparent anomalies in the transactions he is asked to
perform, but at the same time allows him to collect very important confidential
information that often enters the sphere of consumer privacy.
MOTS-CLES
Après la loi bancaire du 14 février 2006 venue surtout consolider les orientations
initiales de la loi du 6 juillet 1993 , la loi n° 103.12 relative aux établissements de
crédit et organismes assimilés s’est tracée comme objectifs d’accroitre encore plus
les pouvoirs de décision et de contrôle de Bank Al-Maghrib ainsi que les mesures
prudentielles et les règles de prévention des risques. Cet accroissement des pouvoirs
de décision et de contrôle de Bank Al-Maghrib se justifie par la montée des risques
et la nécessité de les prévenir et de surveiller et contrôler les autres acteurs dans le
secteur. Parmi ces règles prudentielles, une obligation pour les banquiers nous
intéresse particulièrement ; il s’agit du devoir de vigilance qui concerne toute
opération dont la cause économique ou le caractère licite n’est pas apparent.
La position privilégiée du banquier lui impose certes d’être prudent et vigilant (I)
pour déceler les anomalies apparentes que présentent les opérations qu’on lui
demande d’effectuer et de tout mettre en œuvre pour éviter la réalisation d’un
préjudice, mais en même temps lui permet de collecter des informations
confidentielles très importantes qui entrent souvent dans la sphère de la vie privée
des clients particuliers (II).
L’ouverture d’un compte en banque est avant tout l’occasion où se croisent les
intérêts des banques et de leurs clients et où le devoir d’information et le droit à
l’information sont une garantie de bonne foi dans cette opération importante aux
effets complexes. Le banquier est alors tenu dans le cadre du devoir de vigilance de
collecter toutes les informations nécessaires sur la capacité, l’identité, l’activité et le
patrimoine du client. Ces informations sont établies dans une fiche d’ouverture de
compte au nom de chaque client, comprenant pour les personnes physiques, entre
autres : le nom, le numéro de la pièce d’identité officielle, l’adresse exacte, la
profession etc.
Un compte en banque est d’abord identifié par ce qu’on appelle un RIB, c'est-à-dire
un relevé d’identité bancaire. Il s’agit d’une série de numéros constituant un
identifiant du compte bancaire au niveau national. Cet identifiant permet alors aux
clients de banques de communiquer leur domiciliation bancaire à leurs débiteurs ou
créanciers et de répondre aux besoins de traitement automatique nés du
développement des échanges interbancaires. Grâce à l’outil informatique et
télématique, le RIB facilite alors toutes les opérations courantes effectuées par les
clients et leurs établissements. Il y a aussi le Relevé de compte bancaire qui permet
un enregistrement chronologique de toutes les opérations qui concernent les clients
. Ces relevés doivent indiquer :
- l’historique du compte
Les banquiers et les autres professionnels sont censés partager avec leurs clients,
entreprises et particuliers, une obligation d’informer et un devoir de s’informer.
L’inégalité foncière de ces deux parties contractantes justifie cette obligation
précontractuelle de renseignement qui pèse d’abord sur les professionnels et qui
découle du fait que le professionnel détient souvent des informations dont le client
ne dispose pas et surtout parce que l’ignorance du client est le plus souvent légitime
. Toutefois, ces obligations d’information et de conseil s’harmonisent difficilement
avec les règles du droit bancaire, en faisant figure de trouble-fête . Les
professionnels ont instauré des pratiques rigoureuses qui leur permettent d’être
suffisamment éclairés sur la situation financière, la solvabilité et le sérieux du client.
Les clients sont souvent invités à fournir un dossier très complet et répondre à un
questionnaire qui va au-delà des données personnelles et de la vie privée. Certes, les
banquiers et les professionnels de crédit peuvent avancer que la raison de la
collecte, du stockage et du traitement de ces informations n’est rien d’autre que le
respect strict d’une politique d’évaluation des risques de défaillance et de
contentieux que présenterait chaque candidat lors de son accès au produit, imposée
par les autorités monétaires du pays, ainsi qu’un devoir de vigilance. En réalité, ces
informations permettent aux professionnels de repérer avant tout la meilleure
garantie possible et d’engager ainsi le client dans une politique de maîtrise de leurs
risques.
Il est important de connaître d’abord les critères avancés par les chercheurs pour
cerner le concept de « vie privée » et savoir ainsi quelles sont les informations qui
doivent faire l’objet d’une protection spéciale. Le premier critère prend en compte la
nature de la donnée, pour discriminer les informations qui doivent rester les plus
confidentielles (ex : les opinions politiques et religieuses). Le deuxième critère
s’intéresse à la finalité de l’information si elle est légitime ou pas, et ne peut donc
porter atteinte à la vie privée d’une personne que l’information utilisée pour une
finalité suspecte. Enfin, le troisième critère prend en compte la nature technologique
du traitement des informations à travers les phases de mise en mémoire des
données, de leur exploitation et de leur traitement. Ainsi, au plan de la protection, il
requiert la mise au point de procédés techniques divers qui réclament le concours
des informaticiens :
Ces critères sont d’une grande utilité au moment où les possibilités techniques de
stockage, de traitement et de communication des données peuvent vider de son
contenu le droit au respect de la vie privée des clients.
centralisation des risques de crédit qui a pour objet de mettre à la disposition des
établissements de crédit et des organismes assimilés, des informations financières
utiles à la gestion de leurs risques encourus sur les entreprises et les particuliers. Ce
service centralise la fourniture de services d’information et de notation relatifs au
crédit. Les données du service ne peuvent être conservées que pendant cinq années
à compter du remboursement du crédit. Le Wali de Bank Al-Maghrib détermine
alors par circulaire, après avis du comité des établissements de crédit, les modalités
de fonctionnement de ces services et les conditions d’accès aux informations qu'ils
détiennent. Il y a ainsi des fichiers sur lesquels les banquiers et les professionnels du
crédit enregistrent des informations sur tous les clients. Des fichiers qui comportent
des indications sur les éléments patrimoniaux et même sur le mode de vie, c'est-à-
dire sur la vie privée du client, ce qui est en réalité une sérieuse menace. En effet, il
est facile à partir de données relatives au patrimoine du client, de déduire d’autres
informations qui débordent le pur objet financier. Leur actualisation et leur
accumulation, ainsi que les possibilités de transmission instantanée, instituent un
contrôle sur la personne qui en outre n’est pas exempt d’erreur, ni à l’abri d’usages
abusifs. Il ne faut pas oublier aussi le cas de quelques formules de crédit, comme la
carte de paiement, grâce à laquelle on peut découvrir les comportements habituels
d’un individu par le rythme de ses achats. Ainsi comme le note Marc HENRY,
l’exemple est « celui des achats de carburant par l’intermédiaire d’une carte de
paiement : le relevé des différents achats, leur lieu, leur époque, leur montant est
repris mois après mois sur un extrait de compte bancaire, faisant ainsi un relevé
mensuel d’une grande partie de nos allées et venues à travers le pays. » .
Le Maroc dispose désormais d’un arsenal juridique sur la protection des données
personnelles dont l’objectif est de contraindre les informaticiens et tous ceux qui ont
accès aux données automatisées à respecter des règles précises sous peine de
sanctions :
- « … Le droit à l’information ne peut être limité que par la loi, dans le but d’assurer
la protection de tout ce qui concerne la défense nationale, la sûreté intérieure et
extérieure de l’Etat, ainsi que la vie privée des personnes, de prévenir l’atteinte aux
droits et libertés énoncés dans la présente Constitution … », article 27 de la
Constitution du Maroc.
Cette loi a créé entre autres une Commission nationale de contrôle de la protection
des données à caractère personnel (CNDP). Elle vise aussi à harmoniser le droit
marocain avec la législation de l'Union Européenne sur le traitement des données
personnelles, en intégrant les mêmes principes européens et français, à savoir:
Cette loi fixe le régime applicable aux données juridiques échangées par voie
électronique, à l’équivalence des documents établis sur papier et sur support
électronique et à la signature électronique. Elle détermine également le cadre
juridique applicable aux opérations effectuées par les prestataires de service de
certification électronique, ainsi que les règles à respecter par ces derniers et les
titulaires des certificats électroniques délivrés.
La conclusion de J. P. LEMASSON est glaçante. Après tout, face aux banquier, même
nos goûts culturels et artistiques par le biais des librairies ou des salles de spectacles
fréquentées et payées par une carte bancaire, deviennent soudainement
transparents, car à travers chaque transaction économique l’usager d’une carte de
crédit révèle à un tiers qui ne lui demande pas son avis, sa personnalité, ses projets
et ses dépenses futurs compte tenu de sa situation sociale globale .
BIBLIOGRAPHIE