تشخيص الكارما الحب- لازاريف

‫تشخيص الكارما ‪ - 3‬الحب‬ ‫‪www.lazarev.ru‬‬ ‫س‪ .‬ن‪ .
‬الزاريف‬
‫س‪ .‬ن‪ .‬الزاريف‬
‫تشخيص الكارما‬ ‫ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭﻱ‬

‫‪Intellectual_revolution‬‬
‫الكتاب الثالث‬
‫الحب‬
‫ترجمة‪ :‬م‪ .‬سبلبل‬
‫‪1‬‬
‫‪@Borsippa_Library‬‬
‫‪Tele: @Intellectual_revolution‬‬
‫تشخيص الكارما ‪ - 3‬الحب‬ ‫‪www.lazarev.ru‬‬ ‫س‪ .‬ن‪ .‬الزاريف‬
‫س‪ .‬ن‪ .‬الزاريف‪ .‬تشخيص الكارما الكتاب الثالث‪ .‬الحب (صدر الكتاب أول‬
‫مرة عام ‪)1996‬‬
‫ض النفس‪.‬‬‫فمريض و ُمنقبِ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إنسان سعيدٌ‪ُ ،‬مبته ٌج‪ُ ،‬مفعَ ٌم بالطاقة‪ ،‬أما آخر –‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫واحد – محظوظ في الحياة‪ ،‬أما حياة اآلخر – فسلسلة من المآسي‪ .‬ما سبب‬
‫الص َّحة‪ ،‬السعادة وطول العُمر؟‬ ‫ذلك؟ ما ِس ُّر ِ‬
‫حتى اآلن لم يشرح أحد ذلك‪ .‬أبحاث س‪ .‬ن‪ .‬الزاريف الفريدةُ‪ ،‬إضافة لفهم‬
‫ما يقع في أساس الصحة والسعادة‪ ،‬تسم ُح بتغيير الطبع الخاص‪ ،‬الصحة‬
‫والمصير فعليا‪ .‬من الضروري فقط التمتُّع باستعداد للتغيُّر وفتح النفس للحب‪.‬‬
‫اليوم ال وجود ألي اتفاقية بين المؤلف ودور نشر‬

‫عربية لطبع ونشر كت ُ ِبه‪ .‬لذلك قانونيةٌ وشرعية فقط نُس ُخ‬
‫الترجمات الرقمية إلى اللغة العربية على الصفحة –‬
‫‪www.lazarev.ru‬‬
‫سيرغيي ن‪ .‬الزاريف‬
‫نيسان ‪2019‬‬
‫‪Serguey N. Lazarev‬‬
‫هذا الكتاب ليس دليال في الطب‬
‫‪2‬‬
‫كلمة مترجم الكتاب‬

‫أوال أود حمد هللا الذي دفعني إلى التعرف على أبحاث سيرغيي‬
‫وأشكر سيرغيي ن‪ .‬الزاريف‬ ‫َ‬ ‫نيكواليفيتش الزاريف قبل ‪ 25‬عام‪،‬‬
‫ُ‬
‫على جهوده الجبارة و ُمساهمته التي ال تقَدَّر بثمن في إنقاذ البشرية‬
‫وفتح أبواب رؤية وجودية جديدة‪ .‬كذلك أشكره على ثقته بي في‬
‫أن أمي روسية‪...‬‬ ‫ترجمة كتُبِه‪ .‬تجدر اإلشارة إلى َّ‬
‫بفضل هللا وأبحاث س‪ .‬الزاريف اكتسبت حياة عدد كبير من‬
‫الناس مغزى عميقا‪ ،‬هم أدركوا هدف حياتهم ‪ -‬الحب ‪ -‬وبات كل‬
‫شخص مهما كان دينه‪ ،‬إيمانه‪ ،‬معتقدُه يفهم دينَه‪ ،‬إيمانَه بشكل عميق‪،‬‬
‫في عدد كبير من الناس‬ ‫ف‪ ،‬وبفضل هللا وأبحاثه ُ‬
‫ش َ‬ ‫تطر ِ‬‫درك‪ ،‬دون ُّ‬ ‫ُم َ‬
‫من أمراض مستعصية‪ ،‬وأنا أحدهم‪ .‬تسمح أبحاث س‪ .‬الزاريف لكل‬
‫فهم أسباب ما يُصيبه ويصيب‬ ‫إنسان بأن يصبح عالما في النفس‪َ ،‬‬
‫فهم قوانين العالم التي تتحكم بصحتنا‪ ،‬مصيرنا‬ ‫أقرباءه والعالم‪َ ،‬‬
‫أن جميع األحداث في الحياة ذو عالقة ديا ِلكتيكيَّة وعالقة‬ ‫وإداركَ َّ‬
‫سببيَّة وليست سلسلة عشوائية من األحداث الفوضوية‪ ،‬العرضية‪،‬‬
‫وإن هذا أكثر ما نحتاجه نحن اليوم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فور إنهائي الدراسة المدرسية‪ ،‬يوم األحد في ال‪ 29‬من حزيران‬
‫سرعان ما تاله سيالن‬ ‫صبتُ فجأة بإسهال قوي ُ‬ ‫من العام ‪ ،1997‬أ ُ ِ‬
‫أن صحتي‪ ،‬كما كان يبدو‪ ،‬كانت ممتازة دائما‪،‬‬ ‫دم من المعى رغم َّ‬
‫إال أني كنتُ عمليا ميتا على مستوى البنيات الحقلية‪ .‬حدَّدت التحاليل‬
‫مستعص يتجلى‬
‫ٍ‬ ‫التقرحي‪ .‬هو مرض‬ ‫ُّ‬ ‫صبتُ بإلتهاب القولون‬ ‫أني أ ُ ِ‬
‫على شكل إسهال قوي يستمر ‪ 24‬ساعة في اليوم‪ ،‬إسها ٍل مصحوب‬
‫بنزيف دم وغالبا بتشنجات وأوجاع ال تُحت َ َمل في البطن‪ .‬تناولتُ‬
‫أدوية قوية مثل‪ :‬الكورتيزون‪ ،‬األزاكول وغيرها مدَّة خمس سنوات‪.‬‬
‫أن رائحتها بدأت تفوح من جلدي‬ ‫كان ك ُّم األدوية كبيرا لدرجة َّ‬
‫وعرقي‪ ،‬وفي النهاية تس َّممت بها من كثرة تناولها‪ ،‬فبات جسدي‬
‫‪3‬‬
‫يرفضها‪ - ،‬بدأت أتقيَّؤها‪ .‬لدى دراستي في موسكو اكت ُ ِشف لدي‬
‫جرت خلفها مشاكل أخرى‬ ‫تضخم في المرارة‪ .‬هذه األمراض َّ‬
‫وسبَّبت األدوية عوارض ثانوية‪ :‬ضيقا في التنفس‪ ،‬انهيارات عصبية‬
‫بسبب انعدام النوم عمليا‪ ،‬سقوط الشعر‪ ،‬فُقدان الذاكرة‪ ،‬تدهور‬
‫انخفض وزني‬
‫َ‬ ‫البصر‪ ،‬فقر الدم‪ ،‬توقَّفت الغدد الكظريَّة عن العمل‪،‬‬
‫إلى ‪ 62‬كيلوغراما‪ ...‬حاولت العمل على ذاتي حسب منظومة‬
‫الزاريف‪ .‬عدد كبير من الناس يشفى بعد عدة جلسات عنده أو بعد‬
‫قراءة كتُبه الثالثة األولى‪ ،‬لكن أنا كان وعي الباطن ُمشبَّعا بعدائية‬
‫باطنة هائلة بسبب تعلُّقاتي الهائلة بالمستويين الثاني‪ ،‬الثالث‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫بهدف الشفاء‪ ،‬كان علي االنسالخ عن العالم المحيط‪ ،‬االعتزال‪ .‬كنتُ‬
‫أدرس‪ ،‬أُعاني من مشاكل عاطفية ومالية‪ ،‬فال ي ِ‬
‫ُفارقُني التوتر‪ .‬تسنَّت‬
‫لي فرصة العمل على ذاتي في أواخر أكتوبر ‪ 2006‬حين انهار‬
‫مصيري تماما ولم تبقى لي فرصة للنجاة إال باالعتزال والعمل على‬
‫ذاتي‪ .‬كما يقول الزاريف‪ ،‬يسع اإلنسان فهم بعمق وتطبيق ما يقوله‬
‫ُعلق اإلنسان‬ ‫هو فقط حين تبلغ ُمعاناته أوجها‪ .‬انقطعتُ عن كل ما ي ِ‬
‫بالدنيا‪ .‬أوصلتُ خالل تلك الفترة تواصلي مع الناس إلى أدنى درجة‬
‫ممكنة‪ ،‬انقطعتُ عن وسائل اإلعالم‪ ،‬صمتُ صوما صارما‪.‬‬
‫استرجعتُ أحداث الماضي وتقبَّلتُها بعواطف الحمد هلل‪ ،‬صفحتُ عن‬
‫فرط ‪ -‬توقَّفتُ عن التفكير‬ ‫ذاتي والجميع‪ .‬أوقفت نشاط الوعي ال ُم ِ‬
‫والتحليل غير المجديَين‪ ،‬الزعل‪ ،‬االنتقاد‪ ،‬اإلدانة‪ ،‬ساعيا بذلك للحفاظ‬
‫على الحب ك َّل لحظة‪ ،‬فأعيش "هنا واآلن"‪ ،‬وعلى خلفية ذلك ِ‬
‫كله‬
‫أصلي ‪ 5-4‬ساعات يوميا‪ ،‬أذكر وأنا في الطريق‪ ،‬أشعر باهلل يخلقني‬
‫ويخلق كل ما في الوجود ك َّل لحظة‪ .‬فزال التوتر والخوف الواعي‬
‫حب عميق‪ ،‬تنزل علي‬ ‫والالواعي‪ .‬اختبرت خالل تلك الفترة شعور ٍ‬
‫بأن كل شيء مقدس‪ ،‬حبٌّ ‪ ...‬في تلك اللحظات‬ ‫السكينة‪ ،‬كنت أشعر َّ‬
‫دركُ أنه حبٌّ ‪ .‬بعد ‪ 10-7‬أيام من بداية تقشفي‬ ‫كنت أعلم بوجود هللا وأ ُ ِ‬
‫شفي ‪ 60‬يوما‪ .‬بعد هذه التجربة توقف اإلسهال‬ ‫استمر تق ُّ‬
‫َّ‬ ‫بدأت أشفى‪.‬‬
‫ونزيف الدم‪ ،‬شُفيتُ من تضخم المرارة وكل ما تبقى‪ .‬لكن حين أعود‬
‫للتعلق بالدنيا فترتفع عدائيتي‪ ،‬تسوء حال مصراني (أصاب بإسهال‬
‫‪4‬‬
‫خفيف لكن دون نزيف دم)‪ ،‬األمر الذي يذكرني بأني عدتُ للسير‬
‫س ُن حالتي‪ .‬نقطة هامة ال بد‬ ‫في الطريق الخطأ‪ .‬فأُزيل العدائية‪ ،‬فتتح َّ‬
‫من ذكرها‪ :‬إن كان اإلنسان يستهدف بواسطة أبحاثه تحسين صحته‪،‬‬
‫أبحاث الزاريف تعليم‬‫ُ‬ ‫مصيره‪ ،‬فستكون النتيجة معدومة‪ .‬تستهدف‬
‫سن الصحة والمصير إن‬ ‫الحب وشفاء النفس‪ ،‬ال الجسد‪ ،‬أما تح ُّ‬
‫س ِن‬
‫حصال فهما مفعول ثانيوي وطبيعي الزدياد الحب في النفس‪ ،‬تح ُّ‬
‫الطبع وتغيُّر ردات الفعل العاطفيَّة على العالم المحيط‪ .‬أبحاث‬
‫الزاريف ليست حبة دواء وكتاباته ليست كلمات سحرية تحقق‬
‫تطبيق ما يقوله يتطلَّب جهدا هائال مدى‬ ‫ُ‬ ‫األمنيات والرغبات‪ ،‬إنما‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ضطر لترجمة بعض الكلمات‬ ‫ٌ‬ ‫كلمة بخصوص الترجمة‪ .‬أنا ُم‬
‫الروسية بكلمتين‪ ،‬مثال‪ "razvitiye" :‬أُترجمها أحيانا "نمو" وأحيانا‬
‫"تطور"‪ ،‬وذلك بحسب مضمون النص؛ "‪ "pokloneniye‬أترجمها‬ ‫ُّ‬
‫"تقديس" أو‪ /‬و "تعبُّد؛ "‪" – "sposobnosti‬قدرات" أو‪ /‬و "مواهب"‪.‬‬
‫لقد ترجمتُ تحت إشرافه وبالمراسلة معه إصدارات كتُبه األخيرة‬
‫التي تتض َّمن تعديالت وتوضيحات طفيفة‪.‬‬
‫ذو أهمية كبرى من ِوجهة نظري كتُبُه األخيرة‪" :‬شفاء النفس"‪،‬‬
‫"أوجه التكبُّر"‪" ،‬طوبى للفقراء بالروح" وغيرها – إذ هي تكشف‬
‫جوهر أبحاثه في صورة ناضجة ومتكاملة‪ .‬ميزة س‪ .‬الزاريف في‬
‫نزاهته وصدقه مع ذاته واآلخرين‪ ،‬هو ال يُخفي أخطاءه‪ ،‬هو إنسان‬
‫الخلو من‬
‫َّ‬ ‫واقعي‪ ،‬حقيقي‪ ،‬حي يُخطئ‪ ،‬ال يدَّعي المعرفة ال ُمطلَقة وال‬
‫نقاط الضعف‪ .‬ك ُّل قارئ سيرى فيه وفي أبحاثه ذاته‪...‬‬
‫كلمة من س‪ .‬الزاريف‪" :‬يشكر المؤلف س‪ .‬الزاريف م‪ .‬سبلبل‬
‫على الترجمة النوعيَّة التي قام بها عن غير ط َمع بهدف ُمساعدة‬
‫الناس وكذلك يشكر السيدة لوريت وسوف التي قامت بتحرير الكتاب‬
‫والسيد حسام الجمل الذي قدَّم للمترجم المساعدة في التدقيق باللغة‬
‫العربية"‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫التمهيد‬
‫أخطط إلصدار الكتاب الثالث بعد عدة سنوات من صدور‬ ‫ِ‬ ‫كنتُ‬
‫الكتاب الثاني‪ .‬لكن المعلومات التي أتتني بعد صدور الكتاب الثاني‬
‫قررتُ إضافة فص ٍل‪-‬فصلين جديدين إلى‬ ‫كانت ها َّمةً لدرج ٍة أني َّ‬
‫إصداره التالي‪ .‬إال أني لم أتم َّكن من جمع المعلومات الجديدة في‬
‫فصل‪-‬فصلين‪ - ،‬بهذه الطريقة ظهر الكتاب الثالث‪ .‬إضافة إلى ذلك‪،‬‬
‫ب يتض َّمن ردا على‬ ‫في ربيع عام ‪ 1996‬كنت أنوي إصدار كتا ٍ‬
‫تصوري عن العالم بدأ يتغيَّر بسرعة‬ ‫ُّ‬ ‫الرسائل التي وصلتني‪ .‬لكن‬
‫قررت التحدُّث في الكتاب الجديد عن البحوث‬ ‫كبيرة لدرجة أني َّ‬
‫األخيرة مع الحفاظ على تسمية "تشخيص الكارما"‪.‬‬
‫أعلم شيئا وال أدعو ألي شيء‪ .‬أنا‬ ‫أريد تنبيه القُراء مجددا‪ :‬أنا ال ِ‬
‫أحاول فهم العالم المحيط‪ ،‬لدي تجر َبةٌ في مساعدة المرضى‪ - ،‬هذا‬
‫تصوري عن العالم يتغيَّر ويبدأ باالختالف‬ ‫ُّ‬ ‫ما اُخ ِب ُر عنه‪ .‬إن كان‬
‫عن سابقه ال َموصوف على صفحات الكتاب السابق‪ ،‬فأنا ال أقوم بأي‬
‫تصحيحات وأحافظ على كل شيء كما كان عليه‪ .‬أنا ال أعلم بما‬
‫سينتهي هذا الريبورتاج الفريد من نوعه‪ ،‬لكن الشعور بأهمية أبحاثي‬
‫يدفعني إلى األمام‪.‬‬
‫المزورة التي قد ظهرت في‬ ‫َّ‬ ‫ب‬‫عد ٌد كبير من القُ َراء قد فهم أ َّن ال ُكت ُ َ‬
‫ي بصلة‪ .‬إن قمتُ بتأليف الكتاب الرابع فذلك‪ُّ ،‬‬
‫أظن‪،‬‬ ‫السوق ال ت َ ُم ُّ‬
‫ت إل َّ‬
‫لن يحصل قبل ‪ 4-3‬سنوات‪.‬‬
‫أنص ُح بإزالة الزعل من هللا‪ ،‬األهل‪ ،‬العالم المحيط‪ ،‬الذات‬
‫أن الكتاب ُمؤلَّف‬
‫والمصير قبل البدء بقراءة الكتاب‪ .‬قد يبدو للقُراء َّ‬
‫أن خلفاها ال ِوحدة‪.‬‬ ‫من مقاطع مشتَّتة‪ ،‬إال َّ‬
‫‪6‬‬
‫ال ُمقدّمة‬
‫ك ُّل منظومة تميل إلى االنعزال عن العالم واالسترشاد بذاتها فقط‪.‬‬
‫على المنظومة التي تنمو أن تحمل في نفسها إنكارا لذاتها‪ ،‬فهذه‬
‫ضمانة بقائها حيَّة‪.‬‬
‫خالل الفترة األخيرة بدأتُ أالحظ أني أحاول ح َّل جميع المشاكل‬
‫عن طريق التطهير الروحي‪ .‬نظريا – هذا صحيح تماما‪ ،‬لكن الوقت‬
‫ير ذاتِه‪ .‬ضرورية كذلك التأثيرات‬ ‫ال يكفي دائما ليلحق الشخص تطه َ‬
‫الخارجية الصحيحة‪.‬‬
‫مريض بالقصة التالية‪:‬‬‫ٌ‬ ‫مرة أخبرني‬ ‫ذات َّ‬
‫‪ -‬بدأت تظهر في فم امرأة قرحاتٌ صغيرة‪ .‬لم تنفعها األدوية‪ .‬هي‬
‫أطباء موسكو‪ ،‬تو َّجهت إلى نجوم الطب في الخارج‪،‬‬ ‫زارت أفضل ِ‬
‫لكن دون جدوى‪ .‬حاو َل مساعدتها أخصائيو اإلدراك فوق الحسي‬
‫كذلك‪ .‬ح َّل تحس ٌن بسيط‪ ،‬لكن سرعان ما بدأ كل شيء مجددا‪ .‬فشلَت‬
‫تطرقَت‬
‫جميع محاوالت العالج‪ .‬بعد فترة‪ ،‬خالل حديث مع شخص‪َّ ،‬‬
‫سدُ‪ ،‬ما‬‫أسنانك معدنية‪ - ،‬هي تتأك َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫"تيجان‬ ‫حدثُها‪:‬‬‫لمشاكلها‪ ،‬فالحظ ُم ِ‬
‫يسبب ظهور القُرحات الصغيرة"‪ .‬عندما استُب ِدلَت تيجان األسنان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫زالت المشكلة‪.‬‬
‫مرة حالة ُمشا ِبهة‪ .‬تو َّجه إلي طالبا المساعدة رئيس‬ ‫صادفتُ ذات َّ‬
‫شركة صغيرة‪.‬‬
‫‪ -‬لقد قرأتُ ِكتا َبكَ ‪ - ،‬يُخ ِب ُرني هو‪ – .‬أنا لستُ ُمت ِ‬
‫َعلقا بالمال‪ .‬أدف ُع‬
‫ظفين أكثر مما يُفت ََرض أن يك ِسبوا‪ ،‬كما أني ال أبخل بالمال على‬ ‫لل ُم َو َّ‬
‫شؤم‪.‬‬
‫ُطاردُني شعور ٍ‬ ‫الص َّحة‪ .‬لكن في الفترة األخيرة ي ِ‬
‫دس جيد‪ - ،‬أُشرتُ أنا‪ – .‬التعلُّق الوحيد الذي أنا‬ ‫‪ -‬أنت تتمتَّع ب َح ٍ‬
‫أراه هو التعلُّ ُق بالمصير اليسير‪ .‬أنت تتقبَّ ُل المتاعب التي تحصل في‬
‫َّ‬
‫موظفيك‪.‬‬ ‫قاومة‪ .‬يُنقَ ُل هذا البرنامج إلى‬‫مصيركَ مع بعض ال ُم َ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ص حقول ُم َوظفي الشركة‪ ،‬فأرى لديهم إخالال ُمماثِال‪.‬‬ ‫أنا أتف َّح ُ‬
‫‪7‬‬
‫كانت الحالة بسيطة‪ ،‬فنسيتُها‪ .‬لكن بعد مرور بعض الوقت التقيت‬
‫بهذا الشخص ُمجددا‪.‬‬
‫ظفي‬ ‫‪ -‬هل تعلم‪ - ،‬يروي هو‪ - ،‬لقد بدأت المتاعب ت ُصيب ُم َو َّ‬
‫شركتي‪َ .‬أو ُّد فهم سبب المشكل‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬نشأت لدي عدائية‬
‫غير مفهومة تُجاه ُ‬
‫الزمالء‪.‬‬
‫أقوم بتشخيص الناس الذين يعملون مع هذا الشخص‪ ،‬فأرى عدائية‬
‫قار تُجاه الناس‬ ‫قوية يق ُع في أسا ِسها تعلُّ ٌق بالمصير اليسير‪ ،‬احتِ ٌ‬
‫ال ُمحيطين‪ .‬يظهر على المستوى الحقلي كيف تصبح نفوسهم أكثر‬
‫ط برئيسهم بشكل أساسي‪ .‬ذلك يعني أ َّن‬ ‫أن ذلك مرتب ٌ‬ ‫قساوة‪ ،‬علما َّ‬
‫ق ما أو أنه لم يتم َّكن من تخطي‬ ‫عدائيَّته قد اشتدَّت بسبب عدم توفي ٍ‬
‫ي عدائيَّة‪ .‬يظهر‬ ‫تجربة ما‪ .‬أقوم بتشخيصه‪ ،‬فأُفا َجأ كثيرا إذ لم أجد أ َّ‬
‫أن ال عالقة لحال ِت ِه الداخليَّة بالموضوع‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أتواصل مع رئيس الشركة بحدود الساعة ُمحا ِوال إيجاد السبب‬
‫ف احتمالين‪-‬ثالثة احتماالت من‬ ‫وأنا في حالة اضطراب‪ .‬أكت ِش ُ‬
‫المشاكل‪ ،‬لكنها‪ ،‬كما أرى‪ ،‬غير مرتبطة بهذه الحالة‪ .‬بموازاة ذلك‬
‫وأحل ُل عشرات االحتماالت‪ ،‬لكني أدخل ك َّل‬ ‫ِ‬ ‫أسترجع في ذاكرتي‬
‫مرة في طريق مسدود‪ .‬عندما تنهار جميع صوري النمطيَّة‪ ،‬ينشأ‬ ‫َّ‬
‫ٌّ‬
‫فراغ في رأسي‪ .‬فجأة يأتي حل أنيق‪:‬‬
‫موظفيك بالمعاش المرت ِفع‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ -‬أنت تُف ِس ُد‬
‫ب ُمحدثي‪:‬‬ ‫يستغر ُ‬
‫ِ‬
‫‪ -‬كيف يُف َه ُم ذلك؟‬
‫ُّ‬
‫فإن تعلقه‬ ‫ب عليها‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫يقترف الخطايا وهو ال يُعاق ُ‬ ‫‪ -‬إن كان شخص ِ‬
‫بالمصير اليسير يشتدُّ‪ .‬إن كان شخص يحصل على معاش ُمرت ِفع‪،‬‬
‫أن اآلخرين يك ِسبون‬ ‫دركُ أنه في الواقع ال يك ِسبُهُ ويرى َّ‬ ‫ومع ذلك يُ ِ‬
‫ُّ‬
‫ماال أقل رغم قيامهم بالجهد نفسه‪ - ،‬يشت ُّد كذلك التعلق بالمصير‬
‫اليسير بسبب ذلك‪ .‬في مثل هذه الحال من الصعب الحفاظ على‬
‫التواز ِن‪ .‬الحفاظ على التوازن أسهل بالنسبة للشخص ال ُمب ِدع‬ ‫ُ‬
‫ويصعب ذلك كثيرا على الشخص العادي‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫لموظفيك‪ ،‬وفي إدرا ِكك أنتَ – الخير هو انعدام‬ ‫َّ‬ ‫أنت تريد الخير‬
‫ب العالية‪ ،‬أي تكوين القَدر األعلى‬ ‫العقاب على ال ُمخالفات والرواتِ ُ‬
‫للموظفين‪ .‬لكن بهذه الطريقة أنت‬ ‫َّ‬ ‫من الراحة الروحية والفيزيائية‬
‫تزيد تعلُّقَهم باليُسر واالستقرار‪ .‬لذلك عليهم بطريقة الواعية هدم هذا‬
‫االستقرار لكي يبقوا أحياء‪ .‬في الحالة العادية هم كانوا ليهدموا‬
‫سكَ جيد وطاقتُك متوازنة‪ - ،‬لذلك‬ ‫لكن َحد َ‬ ‫العمل‪ ،‬أي مصدر الخطر‪َّ .‬‬
‫َّ‬
‫الموظفين‪.‬‬ ‫ال ينهار العمل‪ ،‬إنما ينهار مصير‬
‫وظفيك‪ - ،‬أتابع أنا‪ - ،‬وفي حقل آخر‬ ‫‪ -‬يدنو الموت من أح ِد ُم َّ‬
‫ب أنت‪.‬‬ ‫هيروغليف الموت‪ .‬إن ماتا‪ ،‬فستُعاقَ ُ‬ ‫ُ‬
‫أن مغزى التربية يكمن في تكوين‬ ‫عدد كبير من األهل يعتبر َّ‬
‫ت األخالقية المستمرة‪ .‬إال‬ ‫الشروط المريحة القصوى للطفل والعظا ِ‬
‫تصرفات األهل‬
‫ُّ‬ ‫ب العظات األخالقية أبدا‪ .‬حتى‬ ‫أن الطفل ال يست َو ِع ُ‬ ‫َّ‬
‫وسلوكهم ليسوا األهم‪ .‬أهم ما يقو ُد ويُربي الطف َل هي حالة نفس‬
‫األه ِل الداخليَّةُ‪.‬‬
‫ُ‬
‫تكوين‬ ‫التربية هي‪ ،‬من ناحية‪ ،‬حبُّ الطفل‪ ،‬ومن ناحية أخرى –‬
‫ف مماثِلة لتلك التي سيصطدم بها هو خالل حياته‪ ،‬ودع ُمه في‬ ‫مواقِ َ‬
‫هذه المواقف‪ .‬من األفضل أن يُعاقِب األهل الطفل بقسوة لذنبه‬
‫ُّب للطفل بألم‬‫ُمظ ِهرين له في الوقت ذاتِه ُحبَّ ُهم من أن يتفادوا التسب َ‬
‫روحي وجسدي‪ .‬الطيبة من دون انضباط ال تقُ ُّل خطرا عن العنف‬
‫والقسوة‪.‬‬
‫تت َّصل مريضة‪ ،‬هي أحدى معارفي القدامى‪ .‬أذكر الحديث الجدي‬
‫ضع لها تشخيص "سرطان الكلية" واقت ُ ِر َح‬ ‫الذي دار بيننا حين ُو ِ‬
‫عليها استِئصال الكلية‪.‬‬
‫تك العملي ِة‪.‬‬ ‫‪ -‬لو كانت طاقة ِكليتِك الثانية أفضل مما هي عليه لنَفَعَ ِ‬
‫أن من المستبعَ ِد أن تنف َع العمليَّة‪ُ.‬‬
‫لكن طاقتها فاقدة ُ التوازن لدرجة َّ‬
‫أُزي َل التشخيص الحقا‪ ،‬لكننا تابعنا التواصل عبر الهاتف دوريا‪،‬‬
‫وبدأتُ أسا ِع ُدها في َح ِل مواقف مختلفة أكثر من َح ِل مشاكلها‬
‫الصحية‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫المرة ارتف َعت حرارتها حتى ال‪ 40‬درجة‪ .‬أنا أرى تعلُّقا‬ ‫َّ‬ ‫هذه‬
‫بالروحانية والمصير اليسير‪.‬‬
‫‪ -‬أزيلي االستياءات من جميع المواقف التي عانَيت فيها من‬
‫المتاعب‪ .‬اتصلي غدا‪.‬‬
‫ص‬ ‫هي تتصل في اليوم التالي وتُخ ِب ُرني‪ :‬ال تغيُّرات بتاتا‪ .‬أتف َّح ُ‬
‫حقلها ُمجددا وأشرح‪:‬‬
‫ِك المستقبليين‪.‬‬ ‫وزعلك إلى ابنتِ ِك وأحفاد ِ‬ ‫ِ‬ ‫استياءك‬
‫ِ‬ ‫غيظك‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫‪ -‬لقد نقل ِ‬
‫صل من أجلهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أن حالتها‬ ‫ت من َهك تقول َّ‬ ‫تتص ُل في اليوم التالي مجددا‪ ،‬وبصو ٍ‬
‫ازدادت سوءا‪.‬‬
‫ق بالروحانية والمصير اليسير لدى‬ ‫ت لم تتمكني من إزالة التعلُّ ِ‬ ‫‪ -‬أن ِ‬
‫ابن ِت ِك‪ .‬الروحانية هي ليست األخالق والعدالة فقط‪ ،‬هي كذلك‬
‫المشاريع‪ ،‬األهداف‪ ،‬المهمات‪ ،‬التنظيم‪ .‬التعلُّق بالتنظيم يُعالَ ُج بانهيار‬
‫تجاهك من ناحية الذين يُحيطون‬ ‫ِ‬ ‫التنظيم والمعاملة غير األخالقية‬
‫بك‪.‬‬
‫ِ‬
‫ي تنظيم هنا!‪ – ...‬تئن المرأة‪ – .‬ها نحن انتقلنا منذ عدة أشهر‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -‬أ ُّ‬
‫أحتملها‪ .‬أخذتُ إجازة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫إلى شقة جديدة ونعيش في فوضى لم أعد‬
‫فمرضتُ فورا‪.‬‬ ‫خصيصا ألُرتِب المنزل‪ِ ،‬‬
‫وكأن إلهاما برق في رأسي‪:‬‬
‫ضت‬ ‫ت بذلك لمر َ‬ ‫ُ‬
‫ت الترتيب تحديدا‪ .‬لو قم ِ‬ ‫ت ألنك أرد ِ‬ ‫مرض ِ‬ ‫‪ -‬لقد ِ‬
‫ابنت ُ ِك كذلك إذ كان ليشت َّد بحدة التعلق باالستقرار والتنظيم‪ .‬افهمي‪،‬‬
‫تدمير ُمراقَب و ُمت َح َّك ٌم‬
‫ٌ‬ ‫تدمير‪ ،‬لكنه‬
‫ٌ‬ ‫األيض هو‬
‫ُ‬ ‫الحياة ُ ليست تنظيما‪.‬‬
‫به‪ .‬لو أُزيلَت جميع أشكال التدمير في الجسم‪ ،‬ألصبَ َح ُجثَّةً‪ .‬الحياة ُ‬
‫عمليَّة تذبذبيَّة بين الفوضى والتنطيم‪ .‬التنظيم يكون غالبا أخطر من‬
‫الفوضى‪.‬‬
‫ُ‬
‫ت تستائين من الذين ال يتناسب سلوكهم مع خطتِك وي ُِخ ُّل‬ ‫حين ُكن ِ‬
‫أنك‬‫ت بذلك لدرجة ِ‬ ‫ت تعلَّق ِ‬ ‫استقرار ِك ونجا َح ِك في الحياة‪ ،‬أن ِ‬‫َ‬ ‫سلو ُكهم‬
‫ألحفادك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت ذلك‬ ‫ت القيمة ال ُمطلقة للتنظيم ونقل ِ‬ ‫منح ِ‬
‫في اليوم التالي عادت حرارة المرأة إلى حالتها الطبيعية‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫يت َّصل بي مرضى – رجل وزوجته‪.‬‬

‫المرض ِكلَينا في الوقت عينه‪ – ...‬يشتكيان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫‪ -‬أدنَ َ‬
‫الصلة بعالم ما بعد‬ ‫‪ -‬اآلن فصل الخريف‪ - ،‬أشرح أنا لهما‪ - ،‬تشت ُّد ِ‬
‫الموت الذي مرتبط به وعيُنا الباطن‪ .‬تطفو "األوساخ" التي كانت‬
‫بحدة‪.‬‬‫غير ظاهرة في السابق‪ ،‬فتشت ُّد المشاكل ِ‬
‫أوجه كالمي للرجل‪ - ،‬لديك تعلُّ ٌق بالقيم الدنيوية – المال‬ ‫‪ -‬أنتَ ‪ِ - ،‬‬
‫ُ‬
‫رمز‬ ‫والمصير اليسير‪ .‬المال ليس الرفاهيةُ المادية فقط‪ ،‬إنما هو‬
‫سبَّب لك عد ُم استقرار في ما هو‬ ‫االستقرار والسلطة كذلك‪ .‬كان يُ َ‬
‫طة زوج ِتك‪ ،‬إال أنَّك لم ت ُكن تتقبَّل التطهير وتزعل‪ .‬من‬ ‫دنيوي بوا ِس َ‬
‫خالل الزعل علَّقتَ ابنكَ بالقيم الدنيوية‪ .‬حالة حق ِله سيئة‪ ،‬لذلك يؤل ُمكَ‬
‫قلبك‪.‬‬
‫‪ -‬لدى زوجتِكَ ‪ - ،‬أُتابع أنا‪ - ،‬تعلُّ ٌق بالروحانية‪ .‬هي من الناس الذين‬
‫ال يفارقُهم شعور بأنهم على حق وهم يريدون فرض رؤيتهم‬
‫أن الناس‬ ‫الوجودية على جميع من يحيطون بهم‪ .‬يبدو لهم دائما َّ‬
‫والعالم كلَّه ظا ِلمون‪ .‬هم يشعرون باستمرار باستياء من الناس الذين‬
‫طت َهم ونماذج سلوكهم النمطية ويحتقرونَهم‪ .‬زوجتُكَ من‬ ‫يدمرون خ َ‬
‫خالل العدائية علَّقَت االبنة واالبن بالروحانية‪ .‬لكي تبقى على قيد‬
‫الحياة على االبنة االرتقاء فوق الروحانية أو االمتناع عنها‪ ،‬أي‬
‫تتصرف بطريقة ت ُ ِخ ُّل بالمبادئ األخالقية واألدبية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫عليها أن‬
‫ت‬
‫‪ -‬خالل األشهر األخيرة‪ - ،‬أشرح أنا للمرأة عبر الهاتف‪ - ،‬كن ِ‬
‫سبب سلوكها‪ .‬بهذه‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫تنتقدين وتحتقرين ابنت َِك دون أن تفهمي أنك أن ِ‬
‫غرقينها‪ .‬لذلك نشأت لديك‬ ‫ت تُ ِ‬‫الطريقة‪ ،‬بدل أن تُساعدي ابنتك‪ ،‬كن ِ‬
‫مشاكل صحيَّة‪ .‬في الوقت الحاضر هذه المشاكل تُن ِقذ حياة ابنتِ ِك‪.‬‬
‫يسأل الزوج‪:‬‬
‫‪ -‬أنا أعاني اآلن من ألم قوي في قلبي‪ ،‬فهل من الضروري استدعاء‬
‫اإلسعاف وتناول األدوية؟‬
‫‪11‬‬
‫ط َّو ُق بألم القلب‪ .‬ست ُنجيك‬‫‪ -‬عدائيَّت ُكَ الباطنة التي قد تقتل زوجت َك ت ُ َ‬
‫األدوية لكنها ستُؤذي زوجت َك‪ .‬يمكنك تناول األدوية إن قُمتَ‬
‫وتطهير النفس‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بموازات ذلك بالعمل على ذاتك‪ ،‬أي الصالةِ‬
‫سنت‪ ،‬لكن قليال‪.‬‬ ‫بعد يومين يتصالن مجددا‪ - ،‬الحالة تح َّ‬
‫‪ -‬اآلن حان وقتٌ لن يُسم َح فيه ألحد أن يكون ماديا أو مثاليا‪ .‬سابقا‪،‬‬
‫كان اإلنسان يتعلَّق بما هو دنيوي‪ ،‬يبتعد عن هللا‪ ،‬فيمرض جسده‬
‫ويموت تدريجيا‪ .‬ثم كان يدف ُع عن ذاته كل ما هو دنيوي ويسعى‬
‫للروحانية‪ .‬خالل هذه الفترة من الزمن هو كان سعيدا‪ .‬ثم كان‬
‫اإلنسان يتعلَّق بالروحانية‪ ،‬فتبدأ روحه بالمرض‪.‬‬
‫لفترة طويلة كان العلماء يفصلون بصرامة العقالني عن‬

‫الالعقالني‪ - ،‬األفكار عن العواطف‪ .‬لكن ال وجود الكتشاف هام‬
‫استغنى عن ما يُسمى باالختراق الحدسي‪ ،‬اإللهام‪ .‬يقع في أساس‬
‫االختبار‪ ،‬التجربة‪ .‬يُت َحقَّق من كل فكرة باالختبار‪ - ،‬كما يقول‬
‫ُ‬ ‫العلم‬
‫تولد االكتشاف‪ .‬لكن بهدف القيام بالتجربة يجب‬ ‫العلماء‪ ،‬التجربة ِ‬
‫معرفة النتيجة حدسيا‪ .‬على المستوى العاطفي العميق االختبار‬
‫والنتيجة قد ت َّما سلفا‪ ،‬لم يبقى سوى تحقيقُ ُهما‪.‬‬
‫تقع في أساس النشاط الحيَوي نماذج عاطفية خاصة بإدراك العالم‪.‬‬
‫تكونُها المواقف‬
‫الدين‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬الفن‪ ،‬وكذلك ِ‬ ‫ُ‬ ‫يمنحنا هذه النماذ َج‬
‫الحياتية التي تحصل معنا كل يوم‪ .‬تخطي جميع ال ُمواجهات الحياتية‬
‫عواطفنا‪ .‬غالبا‪ُ ،‬محا ِوالً بواسطة المنطق وح ِده الجمع‬ ‫ِ‬ ‫ب يُغني‬
‫ب ُح ٍ‬
‫يص ُل ال ِعل ُم إلى طريق مسدود‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ت ال ُمشتتة‪ِ ،‬‬ ‫َ‬
‫بين الحلقا ِ‬
‫طبيب مسالك‬
‫ُ‬ ‫مؤخرا تو َّجه إلي بسؤال مثير لالهتمام صديقي‪-‬‬
‫بولية‪:‬‬
‫‪ -‬هل بإمكانك شرح أمر؟ يقوم شخص بدورة لعالج داء المشعرات‪،‬‬
‫لكن ذلك ال ينفع‪ .‬يُعيد الدورة – النتيجة نفسها‪ .‬بعد مرور بعض‬
‫الوقت تُقام الفحوصات التي ت ُظ ِهر الصورة َ عينها‪ .‬ثم‪ ،‬دون أي‬
‫أسباب ظاهرة‪ ،‬تختفي العدوى‪ .‬تُقام الفحوصات – نظافة‪ُّ .‬‬
‫تمر عدة‬
‫‪12‬‬
‫أشهر‪ ،‬فتظهر في بول هذا الشخص مشعرات ميِتة‪ - ،‬تحت المجهر‬
‫مر بدورة عالجية مكثَّفة‪.‬‬ ‫هي تبدو كأن المريض قد َّ‬
‫أن منطقا خاصا موجود هنا‪ ،‬إنما‬ ‫‪ -‬المنطق المعتاد معدوم هنا‪ .‬إال َّ‬
‫تصور مختلف‪ .‬المبدأ ال ُمست َن ُد‬ ‫ُّ‬ ‫يجب اتخاذ مبدأ آخر‪ ،‬االنطالق من‬
‫أن الدواء يؤثر على العدوى‪ ،‬على األجسام المجهرية‬ ‫ض َّ‬ ‫يفتر ُ‬
‫إليه ِ‬
‫سه وحالت ُه ال يؤ َخذان في عين‬ ‫المسببة للمرض‪ .‬ومع ذلك اإلنسان نف ُ‬ ‫ِ‬
‫االعتبار‪.‬‬
‫خالل الفترة األخيرة بدأ األطباء يُولونَ المناعة اهتماما‪ ،‬وللزيادة‬
‫تعز ُز‬ ‫ِ‬ ‫من فعاليَّة التأثير الدوائي بدؤوا استعمال مستحضرات‬
‫شر‪.‬‬
‫أن المبدأ لم يتغيَّر‪ :‬العدوى هي ٌّ‬ ‫المناعة‪ .‬إال َّ‬
‫لكن‪ ،‬في الواقع‪ ،‬تقوم العدوى بتطويق العدائية الباطنة‪ .‬العدائية‬
‫ف المناعة الموضعيَّة والعامة‪ .‬من‬ ‫تشوه البنيات الحقلية وتُض ِع ُ‬ ‫ِ‬
‫الممكن تناول مستحضارات تق ِويَة المناعة‪ ،‬ثم قمع العدوى‬
‫بالمضادات الحيوية‪ ،‬لكن حينها‪ ،‬بعالجنا لشيء‪ ،‬نحن نزيد شيئا آخر‬
‫سوءا‪.‬‬
‫مؤخرا زارني في العيادة رجل‪ .‬عمره ‪ 50‬سنة‪ ،‬لكنه يشعر ذاته‬
‫عنينا تاما‪ .‬تنشأ العُنَّة عادة بسبب الغيرة‪ ،‬الزعل واحتقار النساء‪.‬‬
‫ُدمر‬ ‫ف وتعود في االتجاه ال ُمعاكس‪ ،‬في ِ‬ ‫العدائية المو َّجهة ضد النساء تلت َ ُّ‬
‫سلي‪ .‬شرحتُ للمريض‪:‬‬ ‫برنامج التدمير الذاتي النظام البولي التنا ُ‬
‫ط ألمك هي المواهب‪ ،‬الكمال‪،‬‬ ‫"أنت كنت تزعل من ذاتك‪ ،‬نِقا ُ‬
‫المصير والمستقبل‪ .‬برنامج التدمير الذاتي الخاص بك تجاوز‬
‫بحوالي المرة ونصف المستوى المميت‪ .‬عادة‪ ،‬في مثل هذه الحالة‪،‬‬
‫إما يحصل انخفاض حاد للقوة الجنسية‪ ،‬أو يُصاب الشخص‬
‫بالباسور‪ ،‬أو تظهر عدوى في المسالك البولية التناسلية‪ .‬تُعالَج‬
‫العدوى بنجاح‪ ،‬فيُصاب الشخص بال ِعنَّة‪ ،‬لذلك من األفضل البدء‬
‫إن مفهوما ً مثل فُقدان الشباب هو بدرجة كبيرة نتيجةُ‬ ‫باألهم‪ .‬إجماال‪َّ ،‬‬
‫االستياءات المتراكمة من العالم‪ ،‬الذات وهللا"‪.‬‬
‫‪ -‬لنعُد إلى مسألة العدوى‪ - ،‬أتابع أنا‪ – .‬حسب حالة اإلنسان الداخلية‬
‫تثور عدائيَّتُهُ الباطنة أو تنخفض‪ .‬عندما يتناول‬ ‫ُ‬ ‫وتو ُّج ِهه العاطفي‬
‫‪13‬‬
‫اإلنسان حبوب الدواء ويقوم بدورة عالجية‪ ،‬يحص ُل على مستوى‬
‫الوعي الباطن قم ٌع لللذَّة الجسدية الجنسية والعالقات الجنسية‪ .‬يبدأ‬
‫الجنس االقترانَ باأللم واألمراض لديه‪ .‬يحصل اقتالع قسري عن‬ ‫ُ‬
‫الملذات الدنيوية‪ .‬إن كان اإلنسان يُصلي ويصوم‪ ،‬يمتنِع عن الطعام‬
‫غل برنام ُج إهان ِة‬ ‫يتو َّ‬
‫أساس طوعي‪َ .‬‬‫ٍ‬ ‫تحص ُل العمليَّة نفسها لكن على‬
‫ق ُمعيَّن حتى‬ ‫عم ٍ‬
‫الجسد تدريجيا في الوعي الباطن‪ ،‬وما إن يصل إلى ُ‬
‫تنخفض العدائية الباطنة كونَ التصاق النفس بالملذات الجنسية يُك َبح‬ ‫ُ‬
‫بحدَّة‪ .‬فتزول الحاجة للعدوى‪ ،‬فيتخلَّص منها الجسم بسرعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ظ على عدوى كامنة في منطقة ُمعيَّنة من‬ ‫لكن‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬يُحفَ ُ‬
‫الجسم وذلك بهدف تفعيلها في حال عاد اإلنسان إلى عا َد ِته القديمة‪.‬‬
‫بعد االتصال الجنسي الذي يُقَوي أضعافا التعلُّق بالملذات الجسدية‬
‫ترتف ُع العدائية بحدَّة‪ - ،‬حينها تُفت َ ُح المنطقة ويحصل تكاثر نا ِش ٌ‬
‫ط‬
‫للعدوى‪ ،‬فيظن الشخص أنه قد أُصيب بعدوى بسبب االتصال‬
‫الجنسي‪.‬‬
‫إن كانت عدائية الر ُج ِل الباطنة مرت ِفعة‪ ،‬حينها من بين عدَّة نساء‬
‫هو سيختار حدسيا تلك التي تتميَّز بأسوء طبع أو تلك التي تحمل‬
‫أن مزدوج الرجل أو مصيره سيقوده إلى تلك المرأة‪.‬‬ ‫عدوى‪ .‬علما ً َّ‬
‫‪ -‬لقد فهمتُكَ ‪ - ،‬يُجيب صديقي‪ – .‬طبعا‪ ،‬الجهد الروحي أمر رائع‪،‬‬
‫لكن ليس كل إنسان قادر على تغيير ذاته فورا‪ .‬األدوية تنفع كذلك‪.‬‬
‫هل توافق؟‬
‫‪ُ -‬موافِق!‬
‫اختباركَ ‪ .‬هل باستطاعتِك تحديد األدوية األكثر فعاليَّة في‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬أري ُد‬
‫عالج داء المشعرات من خالل اسمها؟ اآلن يُعا ِلج أطباء المسالك‬
‫البولية بأسلوب التجربة‪ :‬يُجرون دورة عالجية‪ ،‬وإن لم تنفع يُجرون‬
‫يخضر وينهار َكبدُه بسبب ذلك‪- ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫أن المريض‬ ‫دورة أخرى‪ .‬أما َّ‬
‫فتلك مسألة ثانوية بالنسبة لهم‪.‬‬
‫أنا آخذ عيِنة من فلورا المريض المعوية‪ ،‬وفي المختبر يقومون‬
‫ت‬ ‫باختبار حساسيتها تُجاه أدوية مختلفة‪ .‬هذا يسمح بالحفاظ على وق ِ‬
‫‪14‬‬
‫وصحة المريض‪ .‬اآلن أنا أستع ُّد الختبار حساسية الكالميديا‬
‫المأخوذة تجاه ‪ 14‬نوعٍ من المستحضرات‪.‬‬
‫هو يسمي المستحضرات بالتتالي‪ ،‬وأنا أقوم حدسيا بتحديد‬
‫فعاليتها‪ .‬فقط مستحضران قادران على إعطاء مفعول‪.‬‬
‫نت َّصل ببعضنا عبر الهاتف بعد أسبوع‪ .‬اخت َ َبر األطباء فعالية‬
‫األدوية‪ ،‬اثنان فقط أعطيا نتائج إيجابية‪ - ،‬اللذان س َّميت ُ ُهما أنا تحديدا‪.‬‬
‫‪ -‬هذه ُمعجزة! – يستغرب صديقي‪.‬‬
‫‪ -‬هذا ليس ُمعجزة بتاتا‪ - ،‬أُجيب أنا‪ – .‬ك ٌّل منا يم ِلك هذه المعلومات‪،‬‬
‫لكننا ال نُح ِس ُن استعمالها‪ .‬إن لم نقُم لدى تناولنا الدواء بتقييم النتائج‬
‫فورا‪ ،‬فقد ينتهي ذلك بشكل سيء‪ .‬كلما كان تأثير الدواء أكثر فعالية‪،‬‬
‫ازدادت معه ضرورة أن يزيد المريض من العمل الروحي على‬
‫ذاته‪ .‬في هذه الحال يمكن أن تنفع الصالة المستمرة‪ ،‬الصوم لمدة‬
‫طويلة‪ ،‬استثناء العالقات الجنسية‪ .‬يمكن إضافة التمارين الفيزيائية‬
‫ض َّر األدوية‪ ،‬إنما ستنفع‪.‬‬ ‫وتمارين التنفس إلى ذلك‪ .‬حينها لن ت ُ ِ‬
‫‪ -‬هل من الممكن إضافة العالج باإلبر؟‬
‫‪ -‬هنا يتعلَّق األمر بشخصيَّة ال ُمعالج باإلبر‪ .‬طبيبان ُمختلفان ُمؤثران‬
‫باإلبر يحصالن على نتائج ُمختلفة تماما‪ .‬في األعلى ال يُسمح ألي‬
‫شخص أن يُصبح طبيبا‪ ،‬وطبيبا ُمعا ِلجا باإلبر بشكل خاص‪ .‬حتى‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫لدى وص ِفه للدواء يتدخل الطبيب بطاقته‪ .‬لذلك على الطبيب أن يكون‬
‫دائما خوريا ً قليال‪.‬‬
‫باحتياطي ِ حب كبير‬
‫ِ‬ ‫إنسان يتمتَّع‬
‫ٌ‬ ‫يمكن أن يصبح طبيبا حقيقيا فقط‬
‫المريض دوا ًء لعالج الجسد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫في النفس‪ .‬عندما يُعطي طبيبٌ مماثل‬
‫هو يقوم بعالج النفس بشكل حدسي‪ .‬أما إن كان احتياطي الحب لدى‬
‫الطبيب ضئيال‪ ،‬فحينها هو يُعالج الجسد فقط ُمسبِبا الضرر لنفس‬
‫ب على ذلك بصحتِه الخاصة وص َّحة أقاربه‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫المريض‪ ،‬ثم يُحا َ‬
‫حسب اإلحصاء ُمدَّة حياة األطباء أقصر من مدة حياة أشخاص المهن‬
‫احتياطيات‬
‫ِ‬ ‫عمر األطباء عليهم ال ُمضاعفة‬ ‫ُ‬ ‫األخرى‪ .‬لكي يطو َل‬
‫يب وال‬ ‫فهم حقيقة بسيطة كذلك‪ :‬ال طب َ‬ ‫الحب في النفس فحسب‪ ،‬إنما َ‬
‫ُمعال َج يُعا ِل ُج ولم يُعا ِلج يوما‪ .‬هما فقط يُساعدان المريض على الشفاء‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫قررت مؤخرا اختبار ذاتي‪ .‬روى لي أصحابي ‪ -‬علماء في‬

‫أن العصير المستخلَص من نباتات مختلفة‬ ‫الميكروبيولوجيا – عن َّ‬
‫ض َعت في هذه البيئات‬ ‫يُظ ِهر بعد ُمعالجتِه خواصا عالجية‪ُ .‬و ِ‬
‫مستنبتات الخاليا السرطانية‪ .‬في بيئات كانت الخاليا تهلك‪ ،‬أما في‬
‫أخرى فتتكاثر بنشاط‪.‬‬
‫‪ -‬دعوني أحدِد أين يحصل ذلك تحديدا‪ - ،‬اقترحتُ أنا‪.‬‬
‫ضعت أمامي خمس قناني‪.‬‬ ‫ُو ِ‬
‫‪ -‬في هتين القنينت َين يحصل تكاثر ناشط للخاليا السرطانية‪ - ،‬أستنتج‬
‫أنا‪ - ،‬أما في هذه الثالث يحصل هال ُكها‪.‬‬
‫ي‪:‬‬
‫ممتح ِن َّ‬
‫ِ‬ ‫ابتسم‬
‫‪ -‬صحيح‪.‬‬
‫ستخرج الشمندر‪ .‬أما في‬ ‫َ‬ ‫كانت الخاليا تتكاثر بنشاط في ُم‬
‫تناقص الخاليا السرطانية‪ .‬في‬ ‫ُ‬ ‫مستخرج الملفوف فكان يحصل‬
‫القناني الباقية كان يوجد ُمستخرج من الجزر ومستخرج من‬
‫البقدونس‪ .‬يجب فحصها هي أيضا‪ .‬مبدئيا كان هذا يتطابق مع‬
‫أبحاثي‪.‬‬
‫ُحسن البصر كون الجزر يخفف‬ ‫إن تناول الجزر في الطعام ي ِ‬ ‫َّ‬
‫الغيرة‪ .‬ال عالقة للعناصر المجهرية باألمر‪ ،‬إنما يعود السبب للطاقة‪.‬‬
‫ضل أن يأكل الغيورون العصائد‪ ،‬الملفوف‪ ،‬الجزر‪ ،‬البقدونس‪ ،‬أقل‬ ‫يُف َّ‬
‫ض ُل تناول لحم‬ ‫كمية ممكنة من البندورة‪ ،‬وبدل لحم الخنزير يُف َّ‬
‫الخروف‪.‬‬
‫لحم الخنزير يُضاعف الغيرة‪ .‬على فكرة‪ ،‬رويتُ في الكتاب األول‬
‫عن شخص كان يشرب دم الخنازير المذبوحة‪ ،‬األمر الذي أثَّر على‬
‫ابنه‪ .‬توجد في دم الخنازير معلومات خاصة ال بالخوف بقدر ما هي‬
‫ت الجسدية التي‬ ‫خاصة بالتعلُّق بالملذات الجنسية‪ ،‬الطعام‪ ،‬أي الملذا ِ‬
‫ض النفس‪.‬‬
‫أر ُ‬ ‫تُ ِ‬
‫عندما يتناول اإلنسان طعاما لذيذا ومتن ِوعا باستمرار يزداد انفتا ُح‬
‫عة في الغذاء‪ ،‬فتصبح حالتُه مرتبطة بها‪ .‬على ما‬ ‫المعلومات ال َمودو َ‬
‫‪16‬‬
‫يبدو‪ ،‬على التغذية أن تكون رتيبةً من فترة ألخرى‪ .‬لذلك الخبز‬
‫والعصائد هما أفضل المواد الغذائية‪.‬‬
‫اعتبار الحصول على المعلومات الجديدة – هديَّة ٌ‬ ‫َ‬ ‫لقد اعتدتُ‬

‫آخر ُّ‬
‫حظه ُ‬ ‫حظه أكبر‪ُ ،‬‬ ‫واح ٌد ُّ‬‫مفاجئة‪ .‬نزل اإللهام على شخص‪ِ - ،‬‬
‫أن المعلومات‬ ‫ب‪ .‬تبيَّن َّ‬‫أقل‪ .‬على أي حال‪ ،‬هذا ما كنتُ أقرؤه في الكت ُ ِ‬
‫الجديدة تأتي مصحوبةً باأللم والمعاناة دائما‪ - ،‬تأتي على شكل ق َّوة‬
‫شر‪ ،‬دمار‪ .‬إن لم ينشأ حقدٌ‪ ،‬إن حافَظ اإلنسان على الحب‪ ،‬حينها هو‬ ‫ٍ‬
‫ت–‬ ‫استيعاب المعلوما ِ‬
‫ُ‬ ‫–‬ ‫الثانية‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫المرحل‬ ‫فتجري‬ ‫التجربة‪،‬‬ ‫يتخطى‬
‫دركُ كإلهام‪ ،‬كفكرة جديدة‪.‬‬ ‫بسهولة‪ .‬هذه المرحلة تحديدا هي التي ت ُ َ‬
‫الحقا فهمتُ ما األمر‪ ،‬فبدأتُ أشرح للمرضى بالطريقة التالية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أساس العالم هو الحُبُّ ‪ .‬الكون هو نتيجةٌ لتفاعل ثالث قوى‪ :‬األولى‬
‫تخلُق‪ ،‬الثانية ت ُ ِ‬
‫دمر‪ ،‬الثالثة تُوازن‪-‬ت ُ ِثبت‪.‬‬
‫قوى الفوضى أو الدمار‪ - ،‬هي نِظام أيضا‪ ،‬لكن نظام من مستوى‬
‫ومقياس أعلى‪ .‬إذا ً في هذه القوى يستتِ ُر ك ٌّم أعظم من الحب اإللهي‪.‬‬
‫إن قُمنا بزيادة كمية الحب في النفس إجابةً على الدمار‪ - ،‬حينها‬
‫يصبح الدمار َخلقا ً‪ .‬الحقد الداخلي تُجاه الدمار هو عدم رغبة في‬
‫متابعة النمو‪ .‬كلما ازداد شعور ُحبِنا هلل عند وقوعنا في المتاعب‪،‬‬
‫ازداد إدراكنا عمقا لكل ما خلقه الخالق‪.‬‬
‫إحدى أهم مراحل إدراكي بدأت في أواخر عام ‪ .1994‬بدأت‬

‫أشعر بأني أفقد التحكم بالموقف‪ .‬كنت أعمل حسب نمط معيَّن‪ .‬هناك‬
‫ُولد العدائية‪ ،‬ثم المآسي‬
‫الدنيوي وهناك اإللهي‪ .‬التعلق بالدنيوي ي ِ‬
‫واألمراض‪ .‬كنت أشرح للمرضى لما كان موسى يقتل الذين يصلون‬
‫للعجل الذهبي‪ .‬بهذه الطريقة كان موسى يُحاول إيقاف الذين أدمجوا‬
‫المال وهللا في واح ٍد‪ .‬كنت أشرح‪ :‬ها هو الدنيوي وها هو الروحاني‬
‫واإللهي‪ .‬كنتُ أعتبر َّ‬
‫أن الروحاني واإللهي هما الشيء عينه‪.‬‬
‫أن بإمكاني‬ ‫وقررت َّ‬
‫التصور الخاص بالدنيوي َّ‬
‫ُّ‬ ‫تكون تماما‬
‫ما إن َّ‬
‫نشر الكتاب الثاني حتى بدأت تحصل معي أمور غريبة‪ .‬ازداد بحدَّة‬
‫‪17‬‬
‫عدد المرضى الذين كنتُ عاجزا عن مساعدتهم‪ .‬بدأ الناس‬
‫ال ُمحيطون بي يخيبون آمالي ويكذبون علي بطريقة غير متوقَّعة‬
‫تماما‪ .‬لقد ذكرت ذلك في الكتاب الثاني‪ .‬وقد كانت هذه الموجة تتفاقم‪.‬‬
‫أن في‬‫شخص‪ ،‬أردتُ مساعدت َه‪ ،‬كان شاكرا لي كثيرا‪ .‬تبيَّن الحقا َّ‬ ‫ٌ‬
‫لسلبي أكبر مبلغ ممكن من‬ ‫َ‬ ‫ذات الوقت هو كان يخطط مع صاحبه‬
‫المال‪ .‬لو كانت تلك مجرد كذبة لتقبَّلتها بسهولة‪ ،‬لكن خانني شخص‬
‫كنت أثق به وأردتُ مساعدته‪ .‬لم تمنح منظومتي جوابا عن سبب‬
‫أن هذه القصة‬ ‫حصول ذلك‪ .‬كل شيء ُمقدَّر من هللا وكنت أشعر َّ‬
‫الغريبة كانت ضروريةً لسبب ما‪ .‬لكني كنت عاجزا عن فهم الهدف‬
‫منها‪ .‬األمر الوحيد الذي كنت قادرا على فعله هو إزالة الزعل‬
‫واالستياء من هؤالء األشخاص‪ .‬قمت بذلك بسرعة‪ .‬كان من‬
‫األصعب إزالة التخلي عن الحب تُجاه الذين خانوني‪.‬‬
‫"ليس بأمر سيء‪ - ،‬كنت أفكر أنا‪ - ،‬هم خانوني وأنا علي أن‬
‫أحبَّهم"‪ .‬تم َّكنتُ من تخطي ذلك‪ ،‬زالت استياءاتي تماما‪ ،‬إال َّ‬
‫أن‬
‫المتاعب رغم ذلك لم ت َُزل‪.‬‬
‫بعد مرور بعض الوقت تقع دواليب سيارتي اليسرى في الرمل‬
‫مر عبر‬ ‫ف السيارة إلى الرصيف‪ ،‬ثم ت ُّ‬ ‫أوال‪ ،‬ثم برك ٍة من الوحل‪ ،‬فتُق َذ ُ‬
‫األشجار فاقدة ً الرفراف األيسر أوال ثم األيمن‪ .‬لو لم تصطدم السيارة‬
‫برفارفِها فحصل اصطدا ٌم جبهي ألصبح محرك السيارة في مكان‬ ‫ِ‬
‫جلوسي‪.‬‬
‫لكن كان من الممكن اعتبار ذلك كله متاعب بسيطة‪ .‬األصعب‬
‫كانت بالنسبة لي هو رؤية المنظومة التي كانت تبدو لي كاملة ال‬
‫أن شخصا يغرق‪ ،‬أما أنت‪ ،‬فبدل إنقاذه‪،‬‬ ‫تأتي بنتيجة‪ .‬كان شعوري ك َّ‬
‫تلوح له بيدك من الشاطئ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أتذكر حادثة‪ .‬كان المريض سليما فيزيائيا‪ ،‬لكن على مستوى‬
‫الحقل بدأت لديه مشاكل كبيرة‪.‬‬
‫‪ -‬نفسُكَ متعلقة بالمال والمصير اليسير‪ - ،‬شرحت له‪ – .‬عدائيتك‬
‫تخطت المستوى المميت‪ ،‬أي فيك لغ ٌم ذو مفعول بطيء قد‬ ‫َّ‬ ‫الباطنة‬
‫‪18‬‬
‫ينفجر‪ .‬عليك الصالة ال من أجل النِعم الدنيوية‪ ،‬أنما من أجل‬
‫الروحانية وما هو إلهي‪.‬‬
‫هو ص َّدقني‪ ،‬بدأت حالته تتحسن‪ ،‬إنما حصل الحقا أمر غير متوقَّع‪.‬‬
‫‪ -‬تركتُ العمل‪ - ،‬أعلن هو‪ - ،‬ال رغبة لدي في عمل‪ .‬لم يعد شيء‬
‫دنيوي يهمني‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقلق‪ ،‬سينتهي هذا قريبا‪ - ،‬كنت أقنِعه أنا‪ – .‬يحصل في البداية‬
‫رفض تام لكل ما هو دنيوي‪ ،‬تظهر المباالة‪ ،‬ثم يعود اإلنسان للسعادة‬
‫الدنيوية ويتلذَّذُ بما هو دنيوي دون التعلق به‪.‬‬
‫لكن هذا الشخص لم يكن يعود‪ .‬كان يبتعد أكثر فأكثر وكنتُ عاجزا‬
‫عن فعل أي شيء‪ .‬كانت زوجته تتصل بي وتتوسلني المساعدة‬
‫باكيةً‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أخشى على حالة زوجي النفسية‪ - ،‬تقول هي‪ – .‬لقد علَّق‬
‫الصلبان واأليقونات في كل مكان‪ ،‬توقَّف عن التواصل مع األصدقاء‬
‫واألقارب‪ .‬هو ال يُصغي إلي مهما قلت‪.‬‬
‫َّ‬
‫وها أنا أكلم المريض مجددا وأشرح له أن حان الوقت للعودة إلى‬
‫الدنيوي‪ .‬لكنه لم ينجح في ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬لقد بدأتُ أفقد االهتمام بالنساء والحياة عامة‪ – ...‬يروي هو‪.‬‬
‫طبعا‪ ،‬كان من الممكن تفسير ذلك بطبع المريض‪ .‬لكني كنت‬
‫ط بتلك الموجة القوية التي كنت عاجزا‬ ‫بأن ما يحصل مرتب ٌ‬ ‫أشعر َّ‬
‫أن من غير المسموح إصدار الكتاب‬ ‫عن إيقافها‪ .‬كان ذلك يعني َّ‬
‫الثاني‪ .‬يوجد شيء غير مكتمل في المعلومات التي كنت أمن ُحها‪ .‬أنا‬
‫أكثر من أي شخص آخر أعلم بالتأثير الهائل الذي تقوم به المعلومات‬
‫المعروضة في الكتاب‪.‬‬
‫في تلك األثناء كان السوق يمتلئ بكتب مزورة مكتوبٌ فيها أشياء‬
‫القراء‪ .‬وكان الجميع يعتبر أني أنا من ألَّف ذلك‪.‬‬‫ينتصب منها شعر َّ‬
‫اقت ُ ِرح علي إصدار الكتاب األول أجزا ًء إليقاف الفوضى التي تحصل‬
‫في سوق الكتاب بطريقة ما‪ ،‬لكن لم يكن بوسعي المخاطرة‪.‬‬
‫في الواقع الكتاب الثاني الذي صدر كان الثالث حسب العدد‪.‬‬
‫الكتاب الثاني كان جاهزا عام ‪ .1993‬لكني أخذت منه حالة واحدة‬
‫‪19‬‬
‫فقط‪ ،‬أما الباقي فرميته في السلَّة وبدأت تأليف الكتاب مجددا‪ .‬لم أكن‬
‫صال له‪.‬‬ ‫أرغب في أن يكون الكتاب الثاني إعادة لألول أو شرحا مف َّ‬
‫شعور َدفعة حادة‪" .‬كأن‬ ‫ُ‬ ‫لهذا السبب نشأ من الكتاب الثاني الذي صدر‬
‫شخصا آخر ألَّف الكتاب"‪ - ،‬الحظ القراء‪.‬‬
‫صراحة‪ ،‬خلف كل هذه الململة كنت أرى شيئا واحدا‪ :‬منظومتي‬
‫ناقصة‪ ،‬ال عودة إلى الخلف‪ ،‬لكن أمامي حائط أعجز عن تخطيه‪.‬‬
‫أدركُ أهميَّة أبحاثي بالنسبة للذين‬ ‫وما كنتُ ألتخطيه لو لم أكن ِ‬
‫ينتظرهم المرض والموت وهم ال يفهمون سبب معاقبتهم و ِل َم تك َّون‬
‫مصيرهم بهذه الطريقة تحديدا‪.‬‬
‫أنا ال أذكر اآلن بالتفصيل الطريقة التي حصل بها ذلك‪ :‬خطوة‬
‫بعد خطوة‪ ،‬متقدما إلى األمام‪ ،‬كنت أُدرك تدريجيا أين يكمن خطئي‪.‬‬
‫أن الروحانية وهللا – أمران مختلفان‪ .‬القدرات والذكاء‬ ‫بدأت أدرك َّ‬
‫هما طبقةُ الروحانية األولى التي تقع في أساسها طبقات أكثر ِرف َعة‬
‫‪ -‬األخالق‪ ،‬األمانة‪ ،‬األدب‪ ،‬ال ُمثُل‪ُ .‬محا ِوال ح َّل المسألة ليال‪-‬نهارا‪،‬‬
‫بدأتُ أقترب من اإلدراك‪ :‬الروحانية هي قيمةٌ أعظم بكثير من‬
‫لكن الرغبةَ في جعل الروحاني هدفا هي‬ ‫األشياء الدنيوي‪ ،‬المادية‪َّ ،‬‬
‫تخ ٍل عن هللا أعظم من ذلك‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫الناس والعالَم‬
‫ِ‬ ‫حب‬
‫ُّ‬
‫اآلن كانون الثاني من العام ‪ ،1996‬أنا أنظر من النافذة إلى‬
‫أغصان األشجار المغطاة بطبقة رقيقة من الثلج وأ ُعيد في ذاكرتي‬
‫مجددا أحداث األشهر األخيرة‪ .‬أذا‪ ،‬لقد ألَّفتُ الكتاب الثاني الذي‬
‫حاولت فيه التقدم في تطوير نظريَّتي‪.‬‬
‫ُ‬
‫في الكتاب األول كان كل شيء بسيطا‪ :‬توجد عدائية‪ ،‬تزال‬
‫العدائية – يزول المرض‪ .‬في الكتاب الثاني رويتُ عن ُمحاوالتي‬
‫يولد‬‫صلتُ إلى استنتاج‪ِ :‬‬ ‫لمعرفة سبب ومصدر العدائية‪ .‬في النهاية تو َّ‬ ‫ِ‬
‫العدائية نِظام األولويات الخاطئ‪ .‬التعلق ال ُمفرط بالقيم الدنيوية‪،‬‬ ‫َ‬
‫الرغبة في جعلها هدفا ومغزى الحياة يُؤديان حتما إلى تراكم‬
‫أن من الضروري حب هللا أكثر من أي شيء‬ ‫العدائية‪ .‬هذا يعني َّ‬
‫دنيوي‪.‬‬
‫أن اكتشافاتي ليست جديدة‪ .‬يمكن القراءة عن كل ذلك‬ ‫ثم أدركت َّ‬
‫في الكتاب المقدس‪ .‬ليس في الكتاب المقدس فحسب‪ ،‬إنما في‬
‫المصادر الفلسفية الهندية يجري الكالم عن األمر نفسه‪ :‬التعلق‬
‫يولد الشهوات‪ ،‬والشهوات تؤدي إلى‬ ‫المفرط باألشياء الدنيوية ِ‬
‫األمراض‪.‬‬
‫بات واضحا بالنسبة لي أني أقطع مجددا الطريق الذي قد سبق‬
‫أن قُ ِط َع قبلي‪ .‬لكن كوني كنت أ ُجري بحوثي باستقالل عن أي‬
‫مصادر‪ ،‬تابعت التحرك إلى األمام‪ .‬اليهودية‪ ،‬المسيحية‪ ،‬اإلسالم‬
‫أن بتعميمي‬ ‫نشؤوا بعد الديانة والفلسفة الهندية‪ .‬كان ينتابني شعور َّ‬
‫للنقاط األهم في هذه الديانات لن أقترب من الفلسفة والديانة الهندية‬
‫ط ُّر كذلك لممارسة التقنيات الروحية‪ .‬لكن قبل‬ ‫فحسب‪ ،‬إنما سأُض َ‬
‫هم ِل َم‪ ،‬رغم أ َّن‬
‫نظر منظومتي فَ َ‬
‫ذلك كان من الضروري ِمن ِوج َهة ِ‬
‫في الميثولوجيا الهندية اإلله األعلى هو الخالق‪ ،‬يُعت َبر الكون مع ذلك‬
‫َوهما ً وال جدوى من ُح ِبه‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫شرف على إنهاء الكتاب الثاني تغي ََّر بحدة نظام‬ ‫عندما كنت أ ُ ِ‬
‫تصوراتي عن العالم‪ .‬كنت واثقا تماما‪ ،‬وقد كانت مئات الوقائع تؤكد‬
‫أن القيم الدنيوية هي ليست هللا وال تجوز الصالة عليها وال‬ ‫ذلك‪ ،‬من َّ‬
‫يجوز تعبدها وتقديسها‪ .‬لكن الروحانية وهللا كانا يندمجان لدي سويَّة‪.‬‬
‫اإلدراك األليمةُ ساعدتني على إيقاف الدراما التي كانت‬ ‫ِ‬ ‫إعادة‬
‫أن على القيم الروحية مثل المادية‬ ‫لتجري في المستقبل القريب‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫هدف حياة اإلنسان ومغزاها‪ .‬عندما تتعلَّق النفس بها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أن ال تكون‬
‫تثور العدائية على نطاق أعظم وبقوة أعظم‪.‬‬
‫لحقتُ إدخال هذه التصورات في الكتاب الثاني وكنت واثقا‬ ‫لقد ِ‬
‫أن بإمكان السباق الحانق أن يتوقَّف قليال وأني‬ ‫أن ذلك كافي‪َّ ،‬‬ ‫من َّ‬
‫َّ‬
‫وأن‬ ‫سأتمكن من تكريس عدة سنوات لألبحاث الحرة خاصةً‬
‫موضوعا مثيرا لالهتمام مرتبطا بالزمان قد ظهر‪ .‬كنت أشعر بمقدار‬
‫أهميته‪.‬‬
‫ما هو الزمان؟ ِل َم هو مرتبط ارتباطا وثيقا بالمكان والمادة؟ الزمان‬

‫– هو دائما امتداد ما‪ ،‬ما يعني أنه مرتبط بميِزات المكان‪ .‬إن حصل‬
‫ضغط المكان في نقطة‪ ،‬فستنضغط معه في نقطة المادة كذلك‪،‬‬
‫وحينها سينضغط ويتوقَّف الزمان‪ .‬المادة والمكان – هما تكتالت‬
‫مستقرة‪ .‬بالتالي‪ ،‬مع انضغاط المكان والمادة‪ ،‬تنضغط‬ ‫َّ‬ ‫معلوماتية‬
‫ف‬ ‫ُّ‬
‫المعلومات كذلك‪ - ،‬هذا من ناحية‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬تكث ُ‬
‫المعلومات يجب أن يؤدي إلى انضغاط المكان وتوقُف الزمان‪ .‬كلما‬
‫كانت المعلومات أكثر كثافة‪ ،‬ازداد بطء جريان الزمان‪.‬‬
‫اإلنسان – كمنظومة معلوماتية – قادر التأثير على المواصفات‬
‫المكانية‪-‬الزمانية من حوله‪ .‬إن قمنا بمراقبة َميِزات تأثير الزمان‬
‫على وظائف جسم اإلنسان والعالقة العكسية‪ ،‬حينها‪ ،‬سيصبح من‬
‫المحتمل اكتشاف قانونيَّة ما‪ .‬إذا‪ ،‬يجب البدء بأمر َّأولي‪ :‬البحث في‬
‫ُسرع الشيخوخة ويُبطئها‪.‬‬ ‫ما ي ِ‬
‫‪22‬‬
‫واقعة معروفة‪ :‬التأث ُّر السلبي القوي قادر على التسبب بتسريع‬
‫تسرع‬
‫حاد للشيخوخة‪ .‬عدم القدرة على التعامل الصحيح مع التوتر ِ‬
‫العمليات الزمانية‪.‬‬
‫أن ال إيجابيات في تزايد سرعة الزمان‪ ،‬لكني أذكر حديثا‬ ‫قد يبدو َّ‬
‫مثيرا لالهتمام حصل مع صبيَّة‪" .‬حين ينشأ موقف خطير وأنا أخشى‬
‫شيئا ما أنا أقوم بتسريع الزمان في داخلي‪ - ،‬تشاركت هي‪ – .‬حينها‬
‫يصبح من األسهل علي التحكم في ما يحصل‪ ،‬لكن حينها تبدأ فترة‬
‫الحيض لدي قبل عدة أيام من الوقت ال ُمفت َ َرض"‪.‬‬
‫في المواقف المأزقيَّة يحصل لدى عدد كبير من الناس تسريع‬
‫للعمليات الداخلية‪ ،‬فيبدو لهم كل شيء ُمبطأ‪ .‬هذا يساعد غالبا على‬
‫أن لدى إخالله بالقوانين العليا‪،‬‬ ‫إنقاذ الحياة‪ .‬في الوقت عينه الحظتُ َّ‬
‫تزداد سرعة وقوع اإلنسان في الشيخوخة‪ .‬إن كانت توجد عدائية‬
‫تُجاه الزمان‪ ،‬حينها تزداد الشيخوخة سرعة‪ ،‬يكون ذلك مصحوبا‬
‫باألمراض‪ .‬الند ُم على الماضي هو عدائية مباشرة موجهة ضد‬
‫الزمان وهو يُسبِب أخطر األمراض‪ .‬الخوف من المستقبل كذلك‪.‬‬
‫لكن العدائية الداخلية ال تؤدي بالضرورة إلى الشيخوخة السريعة‪،‬‬
‫ال وجود لصلة مباشرة هنا‪.‬‬
‫أذكر مريضة حاولتُ مساع َدت َها عام ‪( 1982‬كنت حينها أستقبل‬
‫المرضى في المستوصف الواقع في جادة "نيفسكيي")‪ .‬امرأة نحيلة‪،‬‬
‫عمرها ‪ 58-55‬سنة‪ ،‬كانت تروي عن مشاكلها‪.‬‬
‫أظهرت‬
‫َ‬ ‫كنت أستم ُع إليها بهدوء دون إظهار عواطف‪ .‬لكن عندما‬
‫أن عمرها أقل من‬ ‫لي صورة ً تظهر فيها قبل سنتين‪ ،‬انصدمت‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫‪ 40‬سنة‪ .‬على الصورة كانت تظهر امرأة زاهرة‪ ،‬جميلة جدا‪.‬‬
‫لديك عدائية هائلة ضد الزمان‪ - ،‬أشرح للمريضة‪َّ – .‬‬
‫وإن سبب‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫ما أصابَ ِك يقع في الفترة حين تراوح عمرك بين ال‪ 18‬و‪ 20‬سنة‪.‬‬
‫حاولَت جاهدة إحياء جميع أحداث تلك الفترة في ذاكرتها‪ ،‬لكنها‬
‫لم تتمكن من تذكر شيء مميَّز‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -‬قبل أن أشيخ شعرت بالطاقة تخرج من الضفيرة الشمسية‪ - ،‬روت‬
‫ذاب ل ِلرجال‪ ،‬ثارت الرغبة في‬ ‫هي‪ – .‬ولسبب ما ثار لدي االنج ُ‬
‫الحب‪.‬‬
‫صلَة المرض بالعدائية وحاولتُ إيجاد السبب ال‬ ‫حينها فقط رأيتُ ِ‬
‫في المرأة نفسها فقط‪ ،‬إنما في أجدادها من ناحية اإلناث كذلك‪ .‬لكن‬
‫رغم اجتهادي ورغم محاو ِالتها كانت جميع الجهود عديمة الجدوى‪،‬‬
‫لم أتمكن من تحسين الوضع‪.‬‬
‫الحقا‪ ،‬مع ازدياد خبرتي ومعارفي‪ ،‬عدت بأفكاري ألكثر من مرة‬
‫لتحليل هذه الحالة‪ .‬عند إنهائي الكتاب الثاني‪ ،‬ومع ُمالمستي للقيم‬
‫الروحية إضافةً للقيم الدنيوية‪ ،‬وصفتُ هذه الحالة كتطويق لغيرةٍ‬
‫هائلة‪ .‬غيرة ُ تلك المرأة كانت تفوق المستوى ال ُمعتاد بعشرات‬
‫األضعاف‪ .‬البقاء على قيد الحياة مع هذا المستوى من الغيرة كان‬
‫طوق رغبة‬ ‫يستحيل على زوجها كذلك‪ .‬الوقوع الحاد في الشيخوخة َّ‬
‫الشعور بالغيرة‪ .‬لكني كنتُ عاجزا عن فهم كيفية ارتباط الغيرة‬
‫بتسريع الزمان‪.‬‬
‫خالل الفترة األخيرة ازدادت مصادفتي لحاالت التعلق بالزمان‪.‬‬
‫تعرض مشاعره الراقية‪ ،‬الحب‬ ‫إن كان اإلنسان يُبدي عدائيةً لدى ُّ‬
‫والنبل لإلهانة‪ ،‬فهو يتعلَّق بالزمان‪ .‬من المرجح أنَّه في نفس تلك‬
‫المرأة كان يحصل إخال ٌل هائ ٌل بالقوانين العُليا ُمرتب ٌ‬
‫ط بالغيرة‪.‬‬
‫عدتُ إلى هذا الموضوع في خريف عام ‪ .1995‬بدأ يؤلمني ويفقد‬
‫الجل ُد اإلحساس على أصابع الرجلين‪ .‬حكما على سرعة حصول‬ ‫ِ‬
‫ذلك كان من المحتمل أن أبقى من دون أرجل قريبا‪ .‬إضافة لذلك بدأ‬
‫البصر يتدهور‪ ،‬ظهر بُع ُد نظر لم أكن مصابا به من قبل‪ .‬كنت أعتبر‬
‫أن ذلك مرتبط بزيادة العمر‪ ،‬فلم أولي ذلك أهمية‪ ،‬لكن بدأت تحصل‬ ‫َّ‬
‫أمور غريبة مرتبطة بالزمان‪ .‬فهمت حينها‬ ‫ٌ‬ ‫مع الذين يحيطون بي‬
‫أن موجةً خطيرة ً ما بدأت تغطيني‪ ،‬إال أني كنت عاجزا عن فعل أي‬ ‫َّ‬
‫شيء‪.‬‬
‫ظهرت لدي المشاكل األولى عن َد ُمحاولتي مساع َدة َ مريض‬
‫ُمصاب بالسرطان‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ -‬سبب مرضكَ ‪ -‬الغيرة‪ - ،‬شرحت له‪ – .‬أنت متعلق بالشخص‬
‫المحبوب والعالقة به‪ .‬ص ِل من أجل أن يكون حب هللا هو السعادة‬
‫المطلقة بالنسبة لك‪.‬‬
‫لكن رغم جهوده في العمل على ذاته كانت غيرته تتضاءل ببطء‬
‫شديد‪.‬‬
‫أن جميع‬ ‫‪ -‬أتعلم‪ - ،‬أشرح أنا‪ - ،‬بهدف أن تكون سليما يجب إدراك َّ‬
‫ال ِق َيم الموجودة في الدنيا – هي مجرد وسيلة لحب هللا‪ .‬توجد في‬
‫ب القي ُم الروحيةُ‬‫كوننا المادة‪ ،‬يوجد المكان‪ ،‬يوجد الزمان‪ .‬ت ُنا ِس ُ‬
‫المكانَ ‪ .‬تعلُّقُكَ بالقيم الروحية يُغذى بال َحلَقَة الثالثة‪ - ،‬هو مجموعة‬
‫القيم الثالث التي تُناسب الزمان‪ .‬هي حبُّ اإلنسان المحبوب وحب‬
‫العالم المحيط‪.‬‬
‫بالنسبة لك حب اإلنسان المحبوب والعالم المحيط هو القيمة‬
‫المطلقة‪ .‬تصبح حالتك العاطفية مرتبطةً بموضوع حبِك‪ ،‬ما يُو ِلد‬
‫العدائية‪ .‬ترتبط حالت ُنا بالهدف ونحن نُغَذى بالهدف‪ .‬إن كان هدفنا‬
‫ونتطور بشكل متناغم‪ ،‬وعلى جميع المشاعر المقدسة‬ ‫َّ‬ ‫هللا‪ ،‬فنحن ننمو‬
‫تجاه كل ما خلقه هللا أن ال تكون هدفا‪ .‬ص ِل من أجل أن يكون حب‬
‫الناس والعالم وسيلة لحب هللا بالنسبة لك‪.‬‬
‫كان لدي إحساس بأني قد لَ َمستُ األهم وأن هذا الشخص سيتمكن‬
‫َّ‬
‫من النجاة‪ .‬ما كنت أعتبره مؤخرا عديم األهمية‪ - ،‬تعلقات "ما"‬
‫متحوال إلى مشكلة جدية تحجب المشاكل‬ ‫ِ‬ ‫بالزمان‪ - ،‬تعاظم فجأة‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬وهل يمكن لحب الناس أن يكون أمرا سيئا؟ ‪ -‬تسأل مريضة‬

‫متسغربة‪.‬‬
‫يتحول هذا الحب‬‫َّ‬ ‫أمر رائع‪ - ،‬أشرح أنا‪ – .‬لكن ما إن‬ ‫‪ -‬حب الناس ُ‬
‫نقيض ِه – الحق ِد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إلى هدف بحد ذاته‪ ،‬حتى يت َح َّول إلى‬
‫‪ -‬تخيَّلي رجال شابا وسيما‪ ،‬ملتحيا‪ ،‬يرتدي نظارات‪ - ،‬أتابع أنا‪- ،‬‬
‫يبدو كعالم لغة‪ُ .‬ح ِكم عليه باإلعدام‪ ،‬ثم استُبدِل الحكم بالسجن المؤبد‪.‬‬
‫هو قتل امرأة‪ ،‬ثم اغتصب وقتل ابنتها ذات ال‪ 9‬سنوات‪ .‬حسب‬
‫‪25‬‬
‫تشخيصي هو ليس متعلقا بالقيم الدنيوية وال الروحية‪ .‬هو متعلق‬
‫غتصبا وقاتال‪.‬‬ ‫بحب الناس‪ .‬وها هو يف ِق ُد هذا الحب‪ ،‬فيُص ِب ُح ُم ِ‬
‫بالمطابقة‪ ،‬لدى ضحاياه برام ٌج داخلية مماثِلة‪.‬‬
‫سه دوريا عن‬ ‫ال يجوز إلحام النفس بشيء‪ .‬عندما يُب ِعد اإلنسان نف َ‬
‫المال‪ ،‬فذلك يُعالجه‪ .‬عندما يبتعد اإلنسان دوريا عن الروحانية‪ ،‬فذلك‬
‫يُعالجه كذلك‪ .‬إن كان مع ذلك يسعى هلل‪ ،‬فذلك يُشفيه أكثر بضعفين‪.‬‬
‫على اإلنسان أن يبتعد دوريا عن حب الناس والتو ُّجهَ هلل‪.‬‬
‫أن "سيرافيم ساروفسكي" كان عاجزا عن التخلص من‬ ‫سمعت َّ‬
‫أن على القيم الروحية أن ال‬ ‫بذاءة اللسان طويال‪ - ،‬هو كان يشعر ب َّ‬
‫تكون راسخة‪ .‬بات مفهوما بالنسبة لي سبب وجود ال ِن َكت السادية‬
‫سبُّ الناس أحيان أثناء الجماع‪.‬‬‫والوقحة‪ِ ،‬ل َم ي ُ‬
‫أن الصدق ال يسمح للعدائية التوغ َل في‬ ‫كنت أقول للمرضى دائما َّ‬
‫أن إحدى‬ ‫النفس‪ ،‬وبهذه الطريق ِة هو يُنجي النفس من المرض‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫ص ُّوراتِنا‬
‫الوسائل المعالجة األفضل هي الفكاهة‪ .‬الفكاهة تدمر ت َ‬
‫تتركُ راسخة أي مقدسات‪ .‬نكتُ المسرح الشعبي‬ ‫النمطية وال ُ‬
‫ُ‬
‫الساخرة الفاضحة كانت تعا ِلج أفضل من أي أدوية‪.‬‬
‫جمل الرصيد‪ .‬في نهاية عام ‪ 1995‬كنت أعتبر أنَّه يمكن تخطي‬ ‫لن ُ ِ‬
‫التعلقَ بجميع القيم في كونِنا‪ .‬هللا واقع خلف حدود الزمان والمكان‪،‬‬
‫إذا بتخطينا حدو َد الزمان‪ ،‬المكان والمادة نحن نتوقف عن المرض‪.‬‬
‫صة من الحب‪ .‬المكان‬ ‫المادة هي جز ٌء من هللا‪ ،‬هي تحتوي على ح َّ‬
‫كذلك جز ٌء من هللا ويحتوي على حصة أكبر من الحب‪ .‬لذلك يُ َو ِلد‬
‫ولد الروح المادة‪ .‬في الزمان حصة‬ ‫الفرا ُ‬
‫غ المادة َ‪ ،‬أو‪ ،‬بكالم أبسط‪ ،‬ت ُ ِ‬
‫أكبر من الحب‪ ،‬لذلك يُ َو ِلد الزمان المكان والمادة‪.‬‬
‫تحوال حادا في‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫لكن‬ ‫أن منظومتي قد اكتملت‪،‬‬ ‫كنت أفترض َّ‬
‫أن حالتي على‬ ‫أن األمر ليس كذلك‪ .‬لنبدأ من َّ‬ ‫األحداث أظهر َّ‬
‫تتدهور‪ .‬في النمط‬‫ُ‬ ‫المستوى الرفيع التي أراقبها باستمرار بدأت‬
‫ال ُمعتاد كان من المفترض أن أموت في أواخر تشرين الثاني‪-‬أوائل‬
‫‪26‬‬
‫كانون األول‪ .‬كانت تخرج طبقة جديدة ما كنت عاجزا عن تخطيها‬
‫حتى اآلن‪.‬‬
‫أن في بداية شهر كانون األول بدأ يت َّصل‬ ‫من المثير لالهتمام َّ‬
‫الناس‪ - ،‬يسألون عن موعد جنازتي‪.‬‬
‫‪ -‬أتعلم‪ - ،‬كانت تروي امرأة‪ - ،‬أنا أحضر دورات في مجال‬
‫أن الزاريف قد مات‪ .‬أتمنى‬ ‫اإلدراك فوق الحسي‪ ،‬وقد قال المسؤول َّ‬
‫حضور جنازته لتمجيد ذكراه‪.‬‬
‫بعد عدة أيام – اتصال آخر‪ .‬كان المتصل ُمعا ِلجا من الشمال‪:‬‬
‫‪ -‬أ ُع ِلموا الزاريف بأن يترك جميع أعماله ويأتي إلي! أنا قادر على‬
‫إنقاذه من الموت‪ .‬قريبا سيموت الجميع من مرض خطير‪ .‬الزاريف‬
‫سيكون أول من يمرضون ويموتون‪ .‬لكنه فعل خيرا كثيرا للناس‪،‬‬
‫وأنا أريد إنقاذه‪.‬‬
‫‪ -‬بالفعل‪ ،‬استع َّد وسافر‪ - ،‬نصحني صاحبي‪ – .‬أنت بنفسك قلت‬
‫أنك قد تموت‪ ...‬سأشتري لك اليوم التذكرة‪ ،‬اذهب إلى هذا المعالج‪.‬‬
‫كان ذلك كله أشبه بالحقيقة‪ .‬حاولت تهدئته‪:‬‬
‫ٌ‬
‫أن ما قاله هذا الشخص حقيقة‪ .‬سأذهب إليه وهو‬ ‫‪ -‬لنفترض َّ‬
‫سيُشفيني‪ .‬لكن ما الذي على الباقين فعله؟ لكن إن بدأتُ بالموت‬
‫ووجدتُ بواسطة طريقتي المخرج‪ ،‬حينها سأتمكن من مساعدة‬
‫الماليين‪ .‬لذلك ال داعي للتسرع في السفر‪.‬‬
‫أنا أتصل بالمريضة وأسألها عن حالتها‪.‬‬

‫‪ -‬لقد ازدادت حالتي سوءا‪ - ،‬تُع ِل ُن هي‪ - ،‬رغم أني كنت أصلي‬
‫طوال الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬كيف تصلين؟‬
‫‪ -‬لقد طلبتُ المغفرة من أجل روحانيتي‪.‬‬
‫‪ -‬ال من أجل الروحانية يجب طلب المغفرة! – أصرخ أنا في‬
‫السماعة‪ – .‬إنما ألنك قد تعلقت بها وجعلتها هدفا‪ .‬المال‪ ،‬النِعم‬
‫المادية – هي سعادة‪ ،‬ومن الضروري السعي لهذه السعادة‪ .‬لكن من‬
‫مض ٌّر‬
‫غير الجائز جعل النِعم المادية ه َدف ومغزى الحياة فذلك ِ‬
‫‪27‬‬
‫بالنفس والجسد‪ .‬الروحانية – هي سعادة أعظم من النِ َعم المادية‪ ،‬هي‬
‫ما يجعل اإلنسان إنسانا‪ .‬لكن الروحانية تصبح مأساة كبيرة إن ُج ِعلت‬
‫هدف ومغزى الحياة‪.‬‬
‫هدف ومغزى الحياة – حبُّ هللا‪ ،‬االتصال به‪ .‬الصالة الخاطئة‬
‫ليست غير نافعة فقط‪ ،‬إنما تسبب األذى كذلك‪ .‬المرض هو نتيجة‬
‫العدائية المتراكمة‪ .‬أما العدائية فهي نتيجة منظومة القيم الخاطئة‪ .‬ما‬
‫إن يجعل اإلنسان شيئا غير هللا هدف ومغزى حياته‪ ،‬حتى تبدأ‬
‫بالتخزن في النفس العدائية التي تؤدي إلى المآسي‪ ،‬األمراض‬
‫والموت‪ .‬اآلن بسبب التفعُّل الحاد لجميع العمليات يمكن لكل شخص‬
‫الشعور بذلك‪.‬‬
‫حصلَت معي أثناء الجلسة حادثة مثيرة لالهتمام‪ .‬الموضوع نفسه‬

‫إن شياطين تسكن في نفسه‪ .‬هو زار‬ ‫– الروحانيةُ‪ .‬يروي رجل شاب َّ‬
‫ال ُمعالجات الشعبيات وأخصائيين في اإلدراك فوق الحسي‪ .‬هم قاموا‬
‫بطرد الشياطين لكن لفترة قصيرة‪ .‬هذه الشياطين ت ُ َوس ِوس‪" :‬اقتل‬
‫شرفة وإلى آخره"‪.‬‬ ‫أحدا ما‪ ،‬اقفز من ال ُ‬
‫الرجل الشاب ينهض‪ ،‬يسير في الغرفة بعصبية ويصرخ فجأة‪:‬‬
‫‪ -‬أوغاد‪ ،‬كالب‪ ،‬سأقتل الجميع!‬
‫ُلوح بي َديه ويبدأ‬ ‫بعد ذلك يصدر صرا ٌخ وحشي‪ ،‬غير مفهوم‪ .‬هو ي ِ‬
‫باالقتراب مني‪ .‬أنا أراقبه باهتمام‪ .‬إن قام بضربي على رأسي‪ ،‬فذلك‬
‫أن لدي برامج مماثلة لبرامجه‪ .‬لكن الشاب يهدأ ويجلس‬ ‫سيعني َّ‬
‫أمامي على الكرسي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ما هو مغزى الحياة؟ ‪ -‬أسأله أنا‪ .‬إجابة هو يهز بكتفَي ِه‪.‬‬
‫‪ -‬يكمن مغزى الحياة في تجميع وتخزين حب هللا في النفس‪ .‬أما‬
‫أن األهم هي المواهب وكمالُك‪.‬‬ ‫أنت ففي حيواتِك الماضية كنت تعتبر َّ‬
‫ً‬
‫األخالق‪ ،‬العدالة‪ ،‬الذكاء والمواهب باتوا قيمة مطلقة بالنسبة لك‪.‬‬
‫أن الروحانية وهللا – هما نفس الشيء‪ .‬بدأت تحتقر‬ ‫قررت َّ‬ ‫أنت َّ‬
‫وتُدين الناس األغبياء‪ ،‬غير األخالقيين‪ ،‬غير الكاملين والذين ال‬
‫يتمتعون بمواهب‪ .‬ثم تفعَّلَت لديك تلقائيا آلية إنقاذ النفس‪ ،‬فبدأتَ‬
‫‪28‬‬
‫بخسارةِ ما كان سبب امتالء نفسك بالعدائية‪ ،‬أي الروحانيةَ‪ .‬كونك‬
‫تعلَّقت بقوة‪ ،‬فكذلك تمر َكز الشيطان في نفسك بثبات‪ .‬لذلك لم تنفعكَ‬
‫صل‬‫المعا ِلجات الشعبيات ولم ينفعك أخصائيو اإلدراك فوق الحسي‪ِ .‬‬
‫من أجل أن تكون الروحانية‪ ،‬األخالق‪ ،‬المواهب والذكاء وسيلة‬
‫لتخزين الحب تجاه هللا‪ .‬أ ِعد كل يوم‪" :‬أعظم سعادة‪ ،‬لذة بالنسبة لي‬
‫وألنجالي‪ ،‬ومغزى حياتي وحياة أنجالي – هو حب هللا"‪.‬‬
‫‪ -‬وهل سيخرج الشيطان من نفسي؟ ‪ -‬يسأل المريض‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬هو فقط سيتَّخذ المكان الذي يُفترض به اتخاذه‪ .‬ما نُسميه‬
‫بالشيطان‪ - ،‬هو العدوى التي تلت َ ِهم النفوس غير الكاملة‪ .‬هي‬
‫ضرورية كأحد عناصر التطور‪.‬‬
‫أن من دون هجوم مستمر من‬ ‫راقب العلماء خاليا الجسم‪ ،‬فتبيَّن َّ‬‫َ‬
‫قبل الميكروبات تتوقَّف الخلية عن النمو‪ .‬الميكروبات تلتهم الخليَّة‬
‫تتطور في االتجاه الخاطئ‪ .‬إذا‪ ،‬يجب البقاء على‬ ‫َّ‬ ‫غير الكاملة التي‬
‫قيد الحياة ال على حساب إبادة جميع الميكروبات‪ ،‬إنما على حساب‬
‫تنمية التو ُّجه األخالقي‪.‬‬
‫أن الخير من هللا‪ ،‬أما الشر فمن الشيطان‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫لقد اعتدنا اعتبار َّ‬
‫أن هللا هو الوجود كله‪ ،‬فهو مصدر الخير ومصدر‬ ‫في الواقع‪ ،‬بما َّ‬
‫الشر‪.‬‬
‫الشيطان هو العدوى التي تعيش في نفس كل إنسان‪ .‬الدمار بالنسبة‬
‫للجسم هو الموت‪ .‬لكن األيض هو تدمير كذلك‪ ،‬إال أنه تدمير ُمت َح َّك ٌم‬
‫سيتحول إلى‬ ‫َّ‬ ‫توقف األيض‪ ،‬أي التدمير‪َّ ،‬‬
‫فإن اإلنسان‬ ‫ُ‬ ‫به‪ .‬إن حصل‬
‫ميِت‪ .‬لذلك يكمن المغزى ال في إيقاف عملية التدمير‪ ،‬إنما في التحكم‬
‫بها‪.‬‬
‫ما هي كيفية زيادة التحكم؟ األمر بسيط‪ .‬كلما كان اإلنسان أقرب‬
‫إلى هللا‪ ،‬حصل على قوة أكبر وقدرة أكبر للتحكم بالوضع‪.‬‬
‫‪ -‬هللا حبٌّ ‪ - ،‬أتابع أنا‪ – .‬كلما ازداد الحب في نفسنا‪ ،‬تمكننا بعد‬
‫حولين الشر إلى‬ ‫فترة من إخضاع العالم المحيط لذاتنا بقوة أكبر ُم ِ‬
‫خير‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫من الخارج يمكن الزعل‪ ،‬التشاجر‪ ،‬االستياء‪ - ،‬ال خطر في ذلك‪.‬‬
‫المهم هو أن تُص ِدر النفس في الداخل الحبَّ ‪ .‬هذا ف ٌّن يصعب تعلُّ ُمه‬
‫فورا‪.‬‬
‫عندما يدخل الشاب إلى الغرفة مجددا بعد ساعة من العمل على‬
‫تصدر نورا‪ .‬أنا اآلن مطمئن‬ ‫ُ‬ ‫نفوس أنجاله‬
‫َ‬ ‫سهُ تستقيم و‬
‫ذاته‪ ،‬أرى نف َ‬
‫بخصوصه‪.‬‬
‫خالل إحدى الجلسات تطرح امرأة سؤاال مثيرا لالهتمام‪:‬‬

‫‪ -‬مات جدي بسبب صاعقة ضربته‪ .‬بعد فترة ساءت حالة جدتي‪،‬‬
‫فدخلت المستشفى‪ .‬بعد ساعة دخل الغرفة برق كروي وضرب‬
‫الفراش الذي كانت مستلقيةً عليه جدتي قبل ذلك‪ .‬في الغرفة المجاورة‬
‫متعرج من البرق‪ .‬كل هذا ليس صدفة‪ ،‬أليس‬ ‫ِ‬ ‫بقي على المرآة أثر‬
‫كذلك؟‬
‫‪ -‬ليس صدفة‪ - ،‬أؤكد أنا بعد أن تف َّحصت حقل المريضة‪ – .‬البرق‪،‬‬
‫المتعلقَ بالروحانية‪ .‬الروحانية – هي‬
‫ِ‬ ‫مثل اإلشعاع‪ ،‬يحرق أكثر‬
‫فقدان‬
‫ٍ‬ ‫من الروحانية هدفا‪ ،‬فلدى أقل‬ ‫جعلتُ‬ ‫كذلك تح ُّكم بالموقف‪ .‬إن‬
‫الموقف يصبح حقلي عدائيا‪ِ .‬طبقا لذلك يقوم حقلي بجذب‬‫ِ‬ ‫الستقرار‬
‫ِ‬
‫العدائية من الخارج‪.‬‬
‫كانت لدى جدك عدائية باطنة مرتفعة تجاه الناس الذين كانوا‬
‫يُهينون قيَ َمه الروحية‪ .‬لدى جدتك الحالة نفسها لكن بدرجة أقل‪ .‬إذا‬
‫إن تعلَّمت النظر بتسامح إلى األغبياء وغير الموهوبين‪ ،‬إن قمت‬
‫بالصالة من أجل أن تكون الروحانية والكمال وسائال لحب هللا‪ ،‬حينها‬
‫عليك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سيُشكل البرق واإلشعاع خطرا أقل‬
‫اإلنسان القوي‪ ،‬النشيط‪ ،‬الذي يتمتَّع بإرادةٍ‪ ،‬خبرةٍ وذكاء‪ ،‬رغم‬

‫ذلك قد يصل إلى انهيار تام بسبب جهله للقوانين التي تتح َّكم بالكون‪.‬‬
‫كنت أفكر بذلك عندما كنت أنظر إلى مريض آخر‪ .‬ببطء‪ ،‬مع وقفات‬
‫طويلة‪ ،‬كان يروي هذا الشخص قصته‪:‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ -‬لم يمر وقت طويل حين كان لدي عدد كبير من األصدقاء‪ .‬دورة‬
‫مؤسستي كانت تشكل عدة مئات ألوف الدوالرات في الشهر‪ .‬كان‬
‫كل شيء ممتازا‪ .‬اآلن لم يعد لدي أصدقاء‪ ،‬لدي بحدود المئة ألف‬
‫وو ِلد لدي طفل مريض‪ .‬أنا لم أفعل شرا ألحد يوما‪.‬‬ ‫دوالر من ال َدين‪ُ ،‬‬
‫كنتُ أعيش حسب قوانين الكتاب المقدس‪ .‬أين العدالة هنا؟‬
‫‪ -‬قوانين الكتاب المقدس هي قوانين الحب‪ ،‬وأنت كنتَ ت ُ ِخ ُّل بها‪.‬‬
‫أنت كنت تُدين وتحتقر الناس غالبا‪ .‬ال يجوز احتقار الفقراء بالمال‪.‬‬
‫إن كنت تصلي على المال‪ ،‬فستحتقر حتما من ال يم ِل ُكهُ‪ .‬لذلك كان‬
‫المسيح يقول‪" :‬أن يدخل الجمل في ثقب اإلبرة أيسر من أن يدخل‬
‫أن لدى الغني إغراء أعظم في جعل المال‬ ‫الغني ملكوت هللا"‪ .‬أي َّ‬
‫مغزى الحياة‪ .‬هذه جملة أخرى من أقوال المسيح‪" :‬طوبى لفقراء‬
‫أن لدى الغني بالروح إغراء أقوى‬ ‫الروح‪ ،‬فلهم ملكوت السماء"‪ .‬أي َّ‬
‫في جعل الروحانية هدف ومغزى الحياة‪ .‬ال يجوز احتقار ال فقراء‬
‫المال وال فقراء الروح‪ ،‬أما أنت فهذا ما كنت تفعله‪.‬‬
‫‪ -‬نعم! – ي ُه ُّز الرجل برأسه‪ – .‬أنا كنت أحتقر األغبياء والخونة‬
‫دائما‪.‬‬
‫سه طافحة بالحقد تجاه العالم‪ ،‬لذلك‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬أما طفلكَ فمستعد لقتلهم‪ .‬إن نف َ‬
‫هو مريض‪.‬‬
‫عم المادية‪.‬‬ ‫تولد المال‪ ،‬النِ َ‬ ‫ُ‬
‫الثقافة ت ُ َو ِلد الحضارة‪ ،‬أي الروحانية ِ‬
‫أنت تجعل من المال هدفا – فتفقد المال وتف ِق ُد الروحانية الحقا‪.‬‬
‫الروحانية ت ُ َولَّد باألخالقيات‪ ،‬األخالقيات ت َنتُج عن حب الناس‪ .‬وذلك‬
‫الحب الذي نحن نحبُّ به الناس نحن نحصل عليه من هللا‪ .‬حبُّ هللا‬
‫يولد حبَّ العالم والناس‪ ،‬ثم تظهر األخالقيات‪ ،‬ثم الروحانية‪ ،‬والحقا‬ ‫ِ‬
‫يظهر ما نسميه بنِعَ ِم الحضارة‪ .‬إن قمتَ بجعل إحدى الدرجات التي‬
‫فإن السلَّم ينهار‪.‬‬
‫تقود إلى هللا هدفاً‪َّ ،‬‬
‫‪ -‬قل‪ ،‬ما هو حب هللا عمليا؟ ‪ -‬يسأل المريض‪.‬‬
‫‪ -‬كل شيء مرتبط باهلل‪ ،‬لكن هللا غير مرتبط بشيء‪ .‬هللا ‪ -‬هو الحب‪.‬‬
‫وأن ال شيء قادر على التأثير على حبِك‬ ‫تخيَّل أنك تحب شخصا‪َّ ،‬‬
‫‪31‬‬
‫تجاهه ‪ -‬ال المال‪ ،‬ال الحالة العائلية‪ ،‬ال الموقع االجتماعي‪ ،‬ال انعدام‬
‫المواهب‪ ،‬ال األخالق‪.‬‬
‫االرتباط‪ ،‬تعلُّ ُق الحال ِة بشيء – يعني األخذ‪ .‬األهم في الحب ليس‬
‫األخذ‪ ،‬إنما العطاء‪ .‬إن تابعتَ حب اإلنسان الذي خانك وأهانك‪- ،‬‬
‫فأنت تحب هللا فيه‪ .‬إن ُكنت ال تخشى أن تكون صادقا وال تعتدي‬
‫تتقرب من‬
‫على شعور الحب في النفس مهما كانت الظروف‪ ،‬فأنت َّ‬
‫هللا‪.‬‬
‫‪ -‬هناك نقطة هامة أخرى‪ - ،‬أتابع أنا‪ - ،‬تزداد الخطورة مع‬
‫االقتراب من هللا‪.‬‬
‫يستطيل وجه محدثي‪:‬‬
‫متسلق الجبال أكثر براعة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬كيف يجب فهم ذلك؟‪ ..‬كلما كان‬
‫ازدادت خطورة الطريق الذي هو سيسلكه؟ منطقي‪.‬‬
‫‪ -‬كلما كان اإلنسان أقرب إلى هللا‪ ،‬حصل على سعادة أكبر وازداد‬
‫األلم عند خسارته لهذه السعادة‪ - .‬أشرح أنا‪ - .‬لدى زيادة حب هللا‬
‫من الضروري االستعداد لل ُمعاناة وليس االسترشاد بغنى العواطف‪،‬‬
‫السعادة واللذة فقط‪ .‬لذلك نحن ال نرى في إيقونات الغذراء سعادة َ‬
‫حب عظيم تُجاه ال َمولود فقط‪ ،‬إنما األلم من خسارته المستقبلية‪ .‬بكالم‬
‫ٍ‬
‫أبسط‪ ،‬هللا ليس سعادة فقط‪ ،‬إنما معاناة كذلك‪ .‬أو على األرجح‪ ،‬هللا‬
‫واقع خلف حدود السعادة والمعاناة معا‪.‬‬
‫في تشرين الثاني من العام ‪ 1995‬كان علي السفر إلى نيويورك‪.‬‬

‫أن من الضروري‬ ‫هناك كنت أنوي ممارسة العالج فقط‪ .‬كنت أشعر ب َّ‬
‫وازن الموقف الذي بات ينهار أمام عينَي‪.‬‬ ‫أتجرد عن مشاغلي وأ ُ ِ‬
‫َّ‬ ‫أن‬
‫أن الكتاب الثاني متوازن تماما‪ .‬اآلن‪ ،‬بانفصاله عن‬ ‫كنت أعتبر َّ‬
‫الدنيا‪ ،‬لن ينكبَّ الشخص على الروحانية ولن يقوم بجعل الروحانية‬
‫أن بعد صدور الكتاب الثاني‬ ‫أظن َّ‬
‫ُّ‬ ‫هدفا‪ ،‬إنما سيسعى هلل‪ .‬كنت‬
‫سأتمكن لمدة نصف سن ٍة‪-‬سن ٍة أن أنسى بأمر علم النفس‪ .‬لكن‪ ،‬حكما‬
‫على ما كان يحصل من حولي‪ ،‬فهمتُ أنَّه لن يتوفَّر لي مجال للراحة‪.‬‬
‫ع هام ما ليس ُمغلقا بعد وهو مرتبط بالزمان بطريقة ما‪،‬‬ ‫موضو ٌ‬
‫‪32‬‬
‫لكني عاجز حتى اآلن عن فهم كيفية ارتباطه به‪ .‬كنت آمل َّ‬
‫أن‬
‫االنقطاع التام عن األعمال سيُساعدني في َحل هذه المسألة‪.‬‬
‫صين مصابَين بمرض‬ ‫قبل سفري مباشرة أحاول مساعدة شخ َ‬

‫خطير‪ .‬األول – صبي بعمر ‪ 10‬سنوات مصاب بسرطان الدم؛‬
‫الثاني – مصاب بالسرطان كذلك‪ ،‬وهو سرطان المرحلة الرابعة‪.‬‬
‫لدى كلَيهما نفس سبب المرض – إعطاء القيمة المطلقة للروحانية‪.‬‬
‫تعلُّ ُق الصبي بالمواهب والذكاء ي َُو ِلد التكبر واالحتقار تُجاه األقل‬
‫يولد حقدا تُجاه الذين يهينونه‪ .‬رغم جميع‬ ‫موهبة واألقل ذكاء وكذلك ِ‬
‫محاوالتي في أن أُساع َده وأُسا ِع َد أهله في تغيير تو ُّجهه الداخلي لم‬
‫وإن محاوالتي لتل ُّمس السبب ال ُمعيق‬ ‫سن‪ .‬شيء ما يُعيق‪َّ ،‬‬ ‫يحل أي تح ُّ‬
‫ال تؤدي إلى نتائج‪ .‬يعمل األهل على ذاتهم بإتقان‪ ،‬لكن حالة الصبي‬
‫تتدهور‪.‬‬
‫أن سبب مرضه‬ ‫مع المريض اآلخر ‪ -‬المشكلة عينها‪ .‬أشرح له َّ‬
‫هي الغيرة‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬الغيرة هي شعور زائد بالملكية‪ .‬العائلة هي نِعمة دنيوية‪ ،‬وإن كان‬
‫متعلقا بهذه الطريقة‬
‫اإلنسان يحسد بسبب قطعة أرض‪ ،‬يحتقر ويُدين ِ‬
‫سيتصرف بذات الطريقة في العائلة‪ .‬إال أنَّ‬ ‫َّ‬ ‫بالقيم الدنيوية‪ ،‬فهو‬
‫العائلة ليست نعمة دنيوية فقط‪ ،‬إنما هي نِعمة روحية كذلك‪ .‬كذلك ال‬
‫يجوز جعل المنطقة الروحية أه َّم هدفٍ ‪.‬‬
‫تخيَّل موقفا‪ :‬أنا لدي قطعة أرض‪ ،‬وأنا أطرد الذي كان يريد‬
‫أتصرف بهذه الطريقة ألنها ملكيَّتي‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫َّ‬ ‫التمركز عليها‪ - ،‬أنا‬
‫مر عبر ملكيَّتي‪ - ،‬هذا‬ ‫طبيعي‪ .‬اآلن تخيَّل أني أكره الشخص الذي َّ‬
‫يمر عبر‬‫لم يعد أمرا طبيعيا‪ .‬أما اآلن فتخيَّل أني مستعد لقتل كل من ُّ‬
‫ملكيَّتي أو بالقرب منها‪ - ،‬هذه باثولوجيا‪ .‬إن كانت قطعة األرض‬
‫بالنسبة لي قيمة مطلقة‪ ،‬فأنا مستعد لقتل كل شخص‪ ،‬لكن إن كانت‬
‫هي بالنسبة لي وسيلة‪ ،‬فستنعدم العدائية‪.‬‬
‫المصاب بالسرطان ينظر إلي ويُحاول فهم ما سمعه‪ .‬هو‬ ‫ُ‬ ‫الرج ُل‬
‫ُّ‬
‫يعمل على ذاته‪ ،‬يصلي‪ ،‬لكن تعلقَه بزوجته‪ ،‬وبالتالي العدائية‬
‫‪33‬‬
‫تجاهها‪ ،‬ال يخفان‪ .‬يوما بعد يوم ألتقي به محاوال إصالح الموقف‬
‫أن شيئا ال ينفع‪ُ .‬حكما‪ ،‬يوجد شيء أعلى من‬ ‫شا ِعرا باضطراب‪ ،‬إال َّ‬
‫الروحانية يُغَذي التعلُّقَ بالزوجة‪.‬‬
‫صلت إلى االستنتاج‪ :‬حبُّ‬ ‫بعد التفكير بمئات ومئات االحتماالت تو َّ‬
‫اإلنسان القريب هو قيمةٌ مستقلَّةٌ في هذا الكون‪ .‬إضافة لذلك‪ ،‬تتض َّمن‬
‫العائلة جميع النواحي‪ :‬العائلة كقيمة دنيوية‪ ،‬العائلة كمنطقة روحية‪،‬‬
‫العائلة كمنطقةُ ٍ‬
‫حب‪.‬‬
‫‪ -‬حتى اآلن بالنسبة لك منطقةُ الحب هي قيمةٌ مطلقة‪ - ،‬أتو َّجه أنا‬
‫إلى المريض بكالمي‪ – .‬لكن اإلنسان المحبوب و ُحبه‪ ،‬كذلك مثل‬
‫مجرد وسيلة لحب هللا‪ .‬يجب‬ ‫َّ‬ ‫ُحب العائلة واألبناء‪ - ،‬هو في الواقع‬
‫غير القابل لالنهيار َوحدُه‪ ،‬وإال فستنشأ‬ ‫ي هدفا أعلى‪ُ ،‬‬ ‫أن يكون األ َ َب ِد ُّ‬
‫العدائية حتما‪.‬‬
‫نودِع بعضنا ونتَّفق على أن نلتقي بعد عودتي‪.‬‬
‫ث‪ :‬حبُّ العالم‬ ‫القيم الثا ِل َ‬
‫لكن يبدو أني قد ل َمستُ األه َّم ‪ -‬مستوى ِ‬
‫ي األول والثاني لن‬ ‫أن الناس الذين قد قرؤوا كتابِ َ‬‫دركُ َّ‬ ‫والناس‪ .‬أنا ا ُ ِ‬
‫يعودوا ليتعلقوا بالقيم المادية والروحية‪ .‬لكن هم قد يتعلَّقون بحب‬
‫حب الناس مرتبط بالبنيات الزمانية‪ .‬كنتُ أجهل حينها‬ ‫الناس‪ .‬شعور ِ‬
‫مقدار خطر منح القيمة ال ُمطلقة للزمان‪ ،‬أي حب الناس‪ .‬وقع اللثام‬
‫عن عينَي في الواليات المتحدة‪.‬‬
‫تقف في مانهاتِن ناطحتا سحاب‪-‬توأمان لمركز التجارة العالمية‪،‬‬

‫ص َّم َمهما مهندس ياباني‪ .‬إن سرتَ عبر برودويي الواقع بمقربة‬
‫منهما‪ ،‬على إحدى الواجهات من الجهة اليُسرى يمكن رؤية يافطة‬
‫قواقب ذات‬
‫َ‬ ‫مصورة ٌ عليها مجموعة من الناس تجري على‬‫َّ‬ ‫جميلة‬
‫عجالت‪ .‬في هذا المبنى في الطابق الخامس أنا أستقبل المرضى‪.‬‬
‫اآلن‪ ،‬عندما بدأتُ بتشخيص المرضى بشكل أعمق‪ ،‬بات مفهوما‬
‫بالنسبة لي جوهر النفسية األميركية‪ .‬أحد المهاجرين يروي لي خالل‬
‫الجلسة‪:‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ -‬األميركيون شعب غبي تماما‪ .‬لديهم هدفان‪-‬ثالث أهداف في‬
‫حياتهم‪ .‬الهدف األهم ‪ -‬المال‪ .‬هنا يصلي الجميع على المال‪ .‬الثاني‬
‫شرب‪ .‬بغير هذا ال يبالي‬ ‫‪ -‬مضاجعة المرأة‪ ،‬نكه الطعام وال ُ‬
‫األميركيون‪.‬‬
‫أن مع مثل هذه االهتمامات الشعب يحيا حياة‬ ‫‪ -‬وأال يبدو لك غريبا َّ‬
‫جيدة ويزدهر؟ ‪ -‬أسأل أنا‪.‬‬
‫هو ُّ‬
‫يهز بكتِفَيه‪.‬‬
‫‪ -‬جعل المال هدفا – خطيئةٌ‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫‪ -‬طبعا‪ - ،‬يُوافق هو‪ – .‬لكني ال أجعل من المال هدفا‪.‬‬
‫أهز أنا برأسي وأتابع‪ - :‬إن كان المال بالنسبة لي قيمةً‬ ‫‪ -‬مفهوم‪ُّ - ،‬‬
‫حب هللا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مطلقة‪ ،‬فهو بالنسبة لي أعلى من كل شيء – أعلى من‬
‫أن في أحد األيام‬ ‫أعلى من الحياة البشرية‪ .‬إذا‪ ،‬من المحتمل جدا‪َّ ،‬‬
‫سأكون مستعدا لقتل شخصين‪-‬ثالثة أشخاص إن قاموا بالتعدي على‬
‫أموالي‪ ،‬ألن على الهدف أن يكون راسخا وعلى كل شيء أن يكون‬
‫مو َّجها لبلوغ هذا الهدف‪.‬‬
‫أما اآلن فتخيَّل‪ :‬أنا أجعل من الروحانية هدفا‪ .‬إذا‪ ،‬على الجنة‬
‫كونتُها في مخيِلتي أن تكون أبديَّة‪.‬‬ ‫األخالقية والعادلة التي أنا َّ‬
‫عليا‬‫كونة على أساسها هي قيمة ُ‬ ‫األفكار‪ ،‬األخالقيات والقوانين ال ُم َّ‬
‫وهي تقف أعلى من حب هللا‪ ،‬أعلى من حب الناس وأعلى من الحياة‬
‫البشرية‪ .‬واآلن أنا لستُ ُمستعدا إلبادة شخص‪ ،‬شخصين أو ثالثة‬
‫فقط‪ ،‬إنما الماليين‪ .‬وهذا ما كان يحصل خالل فترة االشتراكية‬
‫والفاشية حين كانت الدولة باسم فكرة ما تتحول إلى فرامة لحم‪.‬‬
‫الروحانية – هي سعادة ٌ أعظم من المادية‪ ،‬لكنها كذلك مأساة أعظم‬
‫إن باتت هدفا بحد ذاتها‪.‬‬
‫السعادة األعظم هي حب الناس والعالم‪ - ،‬هذا ما يظنه كثيرون‪.‬‬
‫لكن إن كنتُ أحبُّ البشرية كلها وهي خيَّبت آمالي‪ - ،‬حينها سأكون‬
‫مستعدا إلبادة البشرية كلها‪ .‬إذا‪ ،‬الشخص الذي يجعل حُبَّ الناس‬
‫قيمة مطلقة يَت َّجه في الواقع نحو األبوكاليبس‪ ،‬نهاية العالم‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫اآلن لننظر إلى الواليات المتحدة من وجهة النظر هذه‪ .‬يولد هنا‬
‫ويصل إلى هنا أناس نفوسهم مستع َّدة ٌ لجع ِل القيم الروحية وحب‬ ‫ِ‬
‫القريب قيمةً مطلقة‪ ،‬أي أناس أغنياء بالروحانية والحب‪ .‬إن كان‬
‫الحب واإليمان باهلل ناقصين‪ ،‬حينها يُساعد في إنقاذ النفس من‬
‫العدائية الهائلة التخلي عن حب الناس والتخلي عن القيم الروحية‪.‬‬
‫لذلك يُبنى هنا كل شيء على المال والكسب‪ .‬الناس ال يتواصلون‬
‫عمليا مع بعضهم َكون التواصل يُساهم في تنمية الروحانية‪ .‬يُصبِح‬
‫مبرر من‬ ‫المال أهم من حب القريب‪ .‬ورغم غرابة األمر‪ ،‬إال إنَّه َّ‬
‫وجهة النظر العُليا‪.‬‬
‫لكن توجد هنا "لكن" صغيرة‪ .‬التخلي عن حب الناس والروحانية‬
‫الثروتان موجودتان بكمية كبيرة‪ .‬يحق‬ ‫َ‬ ‫ممكن حين تكون هاتان‬ ‫ٌ‬
‫التفكير بالمال واليُسر الدنيوي فقط للشخص الذي يمتلك احتياطيات‬
‫الشرين اختيار‬ ‫َّ‬ ‫كبيرة من الحب والروحانية‪ .‬هذا يسمى ب"من بين‬
‫شرف على‬ ‫األهون شرا"‪ .‬لكن كل ما في األمر هو َّ‬
‫أن هذا الزمان يُ ِ‬
‫االنتهاء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫في السابق كانت القيم الروحية تتخزن في الشرق وتتحقق في‬
‫الغرب‪ .‬إن كانت احتياطيات الروحانية في السابق تكفي اإلنسان‬
‫ألكثر من حياة‪ ،‬فاليوم يمكن إنفاقها خالل عدة سنوات‪.‬‬
‫هنا‪ ،‬في نيويورك‪ ،‬تزداد مصادفتي لمرضى امتنعوا عن‬
‫الروحانية وحب الناس ول ِحقوا التعلُّق بالقيم الدنيوية والنِعَم الدنيوية‪.‬‬
‫هم يُصابون بأشكال خطيرة من االحباط‪ ،‬ثم – باألمراض الفيزيائية‪.‬‬
‫أن جعل الروحانية وحبَّ الناس هدفا‬ ‫بشك ٍل الواعي هم يشعرون ب َّ‬
‫أمر خطير‪ .‬هم يبدؤون العيش بالقيم الدنيوية فقط‪ ،‬فتنشأ المشاكل‬ ‫ٌ‬
‫مجددا‪ .‬مهما كان الشيء الذي هم يُحاولون االرتكاز عليه‪ ،‬إال َّ‬
‫أن‬
‫كل شيء ينهار ويسود شعور يأس‪ .‬لمثل هؤالء المرضى أنا أشرح‬
‫يكونوا نظام قِيَم صحيح‪ ،‬أنَّه من دون مفهوم‬ ‫أنَّه من الضروري أن ِ‬
‫حب هللا سيستحيل عليهم البقاء على قيد الحياة‪.‬‬
‫أنا أستقبل المرضى في عيادة صغيرةٍ وأتحدَّث مع مريضة تالية‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬قريبا قد تنهال عليك مأساة كبيرة إضافة إلى األمراض‪ - ،‬أُنذِرها‬
‫أنا‪ – .‬لقد تفعَّل لديك اآلن برنامج التدمير الذاتي‪ .‬أنت لم تتمكني من‬
‫تخطي التجارب ولم تتقبَّلي التطهير الممنوح من هللا‪.‬‬
‫‪ -‬أتعلم‪ - ،‬تروي المرأة‪ - ،‬أنا لم أشعر يوما بحب قوي تجاه أحد‪.‬‬
‫قبل عدة أشهر استدعتني إلى نيويورك إحدى معارفي‪ ،‬وبدأت العيش‬
‫عندها كعاملة منزلية‪ .‬لكن مؤخرا أحسستُ بشعور قوي‪ .‬أحببتُ‬
‫شخصا حتى الجنون و ُكنتُ سعيدة عن حق‪ ،‬لكن الحقا بدأ مسرح‬
‫السخافات‪ .‬إحدى معارفي التي كنت أعمل عندها رمتني في الشارع‬
‫دون سبب‪ ،‬فبقيت دون وسائل للعيش‪ .‬أكثر من ذلك‪ ،‬هي اتصلت‬
‫بأمي التي تعيش في روسيا وقالت لها أني مصابة بالسرطان وأني‬
‫سأموت قريبا‪ .‬وحينها‪ - ،‬تضبط المريضة دموعها بصعوبة‪ -،‬في‬
‫هذه اللحظة تحديدا يغدر بي الشخص الذي أحبه‪ .‬هو لم يمتنع عن‬
‫مساعدتي فحسب‪ ،‬إنما هرب بكل بساطة‪ .‬كيف لي تح ُّمل كل هذا؟‬
‫أن سبب كل ما حصل هي أنتِ‪ - ،‬أُخبِ ُر‬ ‫‪ -‬رغم غرابة األمر‪ ،‬إال َّ‬
‫أنا المرأة‪ – .‬أو‪،‬على األرجح‪ ،‬السبب في إدرا ُك ِك الخاطئ للعالم‪.‬‬
‫حب اإلنسان المحبوب هو جدران المنزل‪ ،‬أما حب هللا فهو القاعدة‪.‬‬
‫لم يُس َمح لك بنا ُء الجدران العالية ألنها كانت ستنهار وتدفُن ِك معها‪.‬‬
‫إن قاعدتك صغيرة جدا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫في الواليات المتحدة التعلق بحب الناس أضعف‪ ،‬لذلك كان‬
‫بإمكانِك اإلحساس بهذا الشعور وعدم الموت مع ذلك‪ .‬لكن‪ ،‬كما‬
‫ت تُحبين‬ ‫ترين‪ ،‬فقد انهار جزء من الجدران بكل األحوال‪ .‬إن كن ِ‬
‫تجاهك‬
‫ِ‬ ‫العالم أكثر من هللا‪ ،‬حينها على العالم أن يكون قاسيا وظالما‬
‫لكي تعودي هلل‪ .‬إن حافظت على الحب دون إبداء عدائية تجاه‬
‫اآلخرين والذات‪ ،‬حينها يشتد االتصال باهلل ويحصل تطهير‪.‬‬
‫لك‪ ،‬بدأ االتصال باهلل‬ ‫حب اإلنسان اآلخر بات هدفا بالنسبة ِ‬
‫س ِك‪ .‬إلنقاذ حياتِك كان من الضروري أن‬ ‫يضعف تدريجيا‪ ،‬ما هدَّد نف َ‬
‫َ‬
‫تخسري الحب وتشعري بالقسوة من ناحية العالم المحيط‪ .‬حصلت‬
‫أ ُّم ِك على اتصال مزعج ألنها هي تحديدا من نقلت إليك الرغبة في‬
‫‪37‬‬
‫إن ما تعتبرينه مأساة‪،‬‬ ‫جعل اإلنسان المحبوب هدفا وسعادة ً أساسية‪َّ .‬‬
‫نفسك وحيات ِك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كارثة كان في الواقع عمليَّةً ضخمةً تهدف إلى إنقاذ‬
‫أحيانا شخصان يلتقيان خالل حياتهما‪ ،‬يشعران بحب هائل تُجاه‬
‫ض ُهما ثم‬ ‫بعضهما‪ ،‬ثم إما يموتان‪ ،‬أو يمرضان‪ ،‬أو يهينان بع َ‬
‫تتكون في‬ ‫َّ‬ ‫يفترقان‪ ،‬ثم يمرضان ويموتان‪ .‬وخالل كل هذا الوقت‬
‫بنياتِ ِهما الحقلية نفس طفلهما المستقبلي‪ .‬توجد في النفس شرارة إلهية‬
‫ُكونُها حبُّ األهل على مدى عدة‬ ‫أبدية وكذلك تو َج ُد أغ ِلفَةٌ سطحية ي ِ‬
‫تتكون نفس الطفل بشكل صحيح‪ ،‬على األهل أن‬ ‫حيوات‪ .‬بهدف أن َّ‬
‫ط َّهر نفوس أبنائهم بحب‬ ‫يفقدوا بشكل دوري جميع ال ِق َيم‪ - ،‬حينها ت ُ َ‬
‫هللا‪.‬‬
‫كلما اشت َّد الحب تُجاه الشخص اآلخر‪ ،‬ازداد احتمال أن يكون‬
‫استقرار هذا الحب أو‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فقدان‬ ‫الطفل أكثر كماال وفي ذات الوقت‬
‫لكن ذلك ضروري من أجل أن‬ ‫خسارتُه المؤقتة يصبحان أكثر ألما‪َّ .‬‬
‫بحب هللا‪ .‬إن في لحظات الخسارة‬ ‫ِ‬ ‫ال يلتحم حب الشخص المقرب‬
‫عليا‪- ،‬‬ ‫والمعاناة يصلي اإلنسان من أجل أن يُمن َح حبَّ هللا كسعادة ُ‬
‫فهذه الصالة فعَّالَةٌ للغاية‪.‬‬
‫مؤخرا طلبت مني امرأة شرح سبب موت ابنتها‪.‬‬

‫‪ -‬قل لي‪ ،‬أين ذنبي؟ ‪ -‬سألت هي‪.‬‬
‫‪ -‬ال وجود للمذنبين أمام هللا‪ - ،‬هذا أوال‪ .‬وثانيا ‪ -‬أنت لست مصدر‬
‫البرنامج الذي سبب وفاتها‪ .‬إنها الكارما الخاصة بها‪ .‬ابنت ُ ِك ماتت ال‬
‫ألنها قد اقترفت ذنبا‪ - ،‬هي ماتت من أجل أن ال تقترف أفعاال ُمعَيَّنة‪،‬‬
‫أفعاال كان بإمكانها أن تسبِب الضرر لنفسها‪ .‬الموت لعب دور‬
‫الحامي لنفسها‪ .‬بعد فترة كان من الممكن أن تُحبَّ شخصا‪ ،‬إال َّ‬
‫أن‬
‫إدراكها الخاطئ للعالم كان ليُعيقها في بناءعالقة معه وكان ليؤذي‬
‫نفسها‪ .‬قبل نصف سنة من ذلك‪ ،‬هي ُمنِ َحت تجربة من خالل إهانة‬
‫شعور الحب والثقة‪ ،‬إال أنها لم تتمكن من تخطيها‪ .‬الحب الهائل الذي‬
‫ُحولها إلى‬ ‫كان ُمقدَّرا للفتاة‪ ،‬بدل ال ُمساهمة في تنمية نفسها‪ ،‬كان سي ِ‬
‫معاقَة‪ .‬لذلك لم يؤذَن للفتاة بهذا ال ُحب والحياةِ عامةً‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫مرة أخرى بوضوح كبير‬ ‫حادثة أخرى مثيرة لالهتمام أظهرت َّ‬
‫أن السرطان يُعالَج بحب هللا حين يصبح هذا الحب هدفا‪ .‬السرطان‬ ‫َّ‬
‫يظهر حين يُصبِح حبُّ اإلنسان هدفا‪.‬‬
‫‪ -‬أتعلم‪ - ،‬يروي أحد المرضى‪ - ،‬أنا أعيش في فلوريدا‪ ،‬أما ابنتي‬
‫ففي نيويورك‪ .‬قبل عدة أشهر نشأت لديها آالم تحت الضلع من الجهة‬
‫اليُسرى‪ .‬ذه َبت إلى المركز الطبي‪ ،‬قامت بصورة شعاعية‪ .‬اكت ُ ِشف‬
‫على البانكرياس ورم سرطاني بحجم قبضة يد‪ .‬اقت ُ ِرحت على ابنتي‬
‫عمليةٌ وعالج كيماوي‪ .‬بقي أسبوعان قبل بداية الدورة العالجية‪.‬‬
‫بدأت قراءة كتابك األول‪ ،‬الصالة َ ك َّل يوم وتوقَّفت عن تناول الطعام‬
‫صدِم‬
‫تصورت مجددا‪ - ،‬لم يكن الورم موجودا‪ُ .‬‬ ‫َّ‬ ‫تقريبا‪ .‬بعد أسبوعين‬
‫وقرروا أنهم خلَّطوا بين الصور‪.‬‬ ‫األطباء‪ ،‬لم يتمكنوا من فهم شيء َّ‬
‫‪ -‬أشرح لك ما حصل‪ - ،‬أقول أنا لوالد الفتاة‪ – .‬أوال‪ ،‬من الجيد جدا‬
‫ي فقط‪،‬‬ ‫أنها لم تتمكن من لقائي في العيادة‪ - ،‬حينها كانت لتت َّ ِكل عل َّ‬
‫فيُعيق ذلك عملها على ذاتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬البانكرياس مرتبط بالتواصل مع اإلنسان المحبوب‪ .‬التهاب‬
‫البانكرياس‪ ،‬السكري‪ ،‬سرطان البانكرياس – هذه كلها دالئ ُل على‬
‫أن اإلنسان المحبوب والحب الموجه إليه باتا قيمةً مطلقة‪ .‬بسبب‬ ‫َّ‬
‫نظام القيم الخاطئ اشتدَّدت لدى ابنتك العدائية الباطنة فظهر الورم‪.‬‬
‫حر َرت من نفسها كل ما كان‬ ‫ثالثا‪ ،‬هي فهمت أنَّها قد تموت‪ ،‬لذلك َّ‬
‫في السابق سعادة عليا بالنسبة لها‪ .‬حين بدأت بالصالة هلل‪ ،‬هي‬
‫أن السعادة العُليا ومغزى الحياة هو حب هللا‪ .‬زالت‬ ‫شعرت حدسيا ب َّ‬
‫العدائية‪ ،‬فزال الورم‪.‬‬
‫طبيب وال معالج يُشفي‪ ،‬إنما هما يُساعدان اإلنسان‬ ‫َ‬ ‫في الواقع ال‬
‫على الشفاء‪ .‬يَشفى اإلنسان نفسه بفضل السعي الداخلي للحب الذي‬
‫ُقربُه من هللا‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫‪39‬‬
‫قبل عدة أيام تك َّون موقف مثير لالهتمام كنتُ أحد مشاركيه ُرغما‬
‫ص َّحة حبيبها الذي أتى‬ ‫أن ِ‬‫عني‪ .‬اتصلَت بي امرأة من روما وقالت َّ‬
‫لزيارتها تدهورت فجأة‪.‬‬
‫‪ -‬حالته الصحية تتدهور بسرعة كبيرة‪ - ،‬تقول هي مضطربة‪– .‬‬
‫هل بإمكانِكَ شرح السبب؟‬
‫‪ -‬السبب بسيط‪ - ،‬أشرح أنا‪ – .‬هو مغروم بك كثيرا‪.‬‬
‫‪ -‬وهل بإمكان ذلك أن يؤدي إلى موته؟ ‪ -‬تسأل هي‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا‪ - ،‬أُجيب أنا‪ – .‬كلما ازداد تعلق الشخص‪ ،‬اشتدَّت عدائيته‪.‬‬
‫ف وتبدأ بقتله‪.‬‬‫هذه العدائية قد تقت ُلُ ِك‪ ،‬لذلك هي تلت َ ُّ‬
‫‪ -‬ما العمل إذا؟‬
‫‪ -‬أوال‪ ،‬عليكما بالصالة‪ .‬ثانيا‪ ،‬القيام بأقل قدر ممكن من االتصاالت‬
‫الجنسية‪ ،‬وإن حصلَت‪ ،‬فلتحصل مع الواقي الذكري فذلك يُض ِعف‬
‫طهور مرتبط‬ ‫بحب اإلنسان‪ .‬على فكرة‪ ،‬طقس ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫الشهوة والتعلق‬
‫بهذا‪.‬‬
‫أستقبل في العيادة ذات مرة شابا وزوجته الشابة‪ .‬كانت الزوجة‬ ‫تُ‬
‫مصابة بحالة مزمنة من عدوى الخميرة التي كانت تعجز عن‬
‫عالجها‪ .‬لدى حصول االتصال الجنسي كان الزوج يُصاب بآالم في‬
‫المجرى البولي والمثانة البولية فورا‪" .‬عليكما الصالة قبل الجماع‬
‫وليس قبل تناول الطعام فقط‪ - ،‬نصحتهما‪ .‬أزيال االستياءات المتبادلة‬
‫تعلقُكما ببعضكما"‪.‬‬ ‫كونَها ِ‬
‫‪ -‬ليتذكر حبيبُ ِك جميع استياءاته من النساء وليقم بإزالتها‪ - ،‬أتابع‬
‫أنا الحديث عبر الهاتف مع إحدى معارفي‪.‬‬
‫ست الحبيب‪،‬‬ ‫أن القيمة العُليا هي لي َ‬‫ثم يأخذُ السماعة هو‪ ،‬فأشرح له َّ‬
‫بأن محدثي مصدوم داخليا‪ .‬وضعه خطير‬ ‫إنما حب هللا‪ .‬أنا أشعر َّ‬
‫جدا ويوجد في حقله هيوروغليف الموت‪.‬‬
‫‪ -‬است ِغ َّل فرصتك‪ ،‬صل‪ – .‬وأضع السماعة‪.‬‬
‫في اليوم التالي تتصل إحدى معارفي مجددا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد ازدادت حالته سوءا‪ – .‬قالت هي مرعوبة‪ – .‬لقد عدت إلى‬
‫المنزل للتو‪ ،‬كان غائبا عن الوعي لمدة ‪ 4‬ساعات‪ .‬أنا أخشى أن‬
‫‪40‬‬
‫مضطرة للسفر إلى‬ ‫َّ‬ ‫يموت‪ .‬ال يمكن وضعه في المستشفى هنا ألني‬
‫ألمانيا لعدة أيام‪ .‬تركه وحده قد يشكل خطرا عليه‪.‬‬
‫سنت‪ - ،‬أُخبرها أنا‪ - ،‬لقد زال الموت من بنيات‬ ‫‪ -‬أوال‪ ،‬حالته تح َّ‬
‫حبيبك الحقلية‪ .‬ثانيا‪ ،‬كلما اشت َّد خَوفُ ِك عليه‪ ،‬ازداد الضرر الذي‬
‫شي‬ ‫تسببينه له‪ .‬تو َّجهي هلل وهو سي َجري خلفَ ِك ويبقى حيا‪ .‬ال تخ َ‬
‫ت فذلك سينفعُهُ‪ .‬أما إن كان مقدَّرا‬ ‫شيئا‪ ،‬سافري إلى ألمانيا‪ .‬إن سافر ِ‬
‫فإن أحدا لن يُن ِقذه‪ ،‬وأنا كذلك‪.‬‬ ‫للشخص أن يموت‪َّ ،‬‬
‫ظ َر إن كان سيموت أو يبقى حيا؟ ‪ -‬تسأل هي‬ ‫‪ -‬أال يمكنُكَ أن تن ُ‬
‫مكتئبة‪.‬‬
‫كل ُمهُ‪.‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬أنا ال يحق لي أن أنظر‪ - ،‬أجيب أنا‪ – .‬أ َ ِ‬
‫عط ِه السماعة‪ ،‬سأ ِ‬
‫بينما تنقل إليه السماعة أنا أبحث عن المخرج بعذاب‪ .‬بهدف‬
‫تنم َية نفسي‪ .‬تطفو لدي‬ ‫دراسة العالم واالرتقاء درجات جديدة علي ِ‬
‫ص ُل إلى استنتاجات عامة بصعوبة‬ ‫دوريا "أوساخ" كارمية‪ ،‬وأنا أ َ َ‬
‫تو َّ‬
‫وعذاب بعد تخطيها‪ .‬هذا الشخص واقع اآلن على حد الموت‪،‬‬
‫مساعدتي له هي إمكانيته الوحيدة للنجاة‪ .‬هو يتعلَّق بي‪ ،‬يجعلني هدفا‬
‫ي‬
‫وفورا يأخذ على نفسه "أوساخي" الكارمية ويُضاعفها مع ذلك‪ .‬عل َّ‬
‫من َحه المعلومات الدقيقة وفي الوقت عينه دفعه عن ذاتي كون‬
‫يكلفُه حياته‪.‬‬ ‫استرشاده بي قد ِ‬
‫عندما أخذ السماعة أنا كنت قد وجدت الحل‪.‬‬
‫‪ -‬اسمعني بإمعان‪ - ،‬أتو َّجه أنا إلى الرجل الشاب بكالمي‪ – .‬أنت‬
‫ألن القيم األهم بالنسبة لك هي ما تراه من حولِكَ ‪ .‬الموت‬ ‫تموت اآلن َّ‬
‫ط َّهرين‪ ،‬نحن نتَّجه هلل‪ .‬إذا‪ ،‬إن‬ ‫يحر ُمنا من جميع القيم‪ ،‬وحينها‪ُ ،‬م َ‬ ‫ِ‬
‫حرر‬ ‫قمتَ بما يحصل لحظة الموت‪ ،‬فستزول الضرورة ألن تموتَ ‪ِ .‬‬
‫ودع فكريا كل شيء إذ أنت لم تعد بحاجة إلى هذا‬ ‫كل ما تعلَّقتَ به‪ِ ،‬‬
‫كله‪ .‬إن كان ُمقَدَّرا لك أن تموت‪ ،‬فستموت‪ ،‬وأنا لن أتم َّكن من‬
‫مساعدتك‪ .‬أنا منحتُك كل ما باستطاعتي‪ .‬أنت لم تعد تحتا ُجني‪.‬‬
‫في اليوم التالي يتصل بي الشاب‪.‬‬
‫‪ -‬حالتي طبيعية‪ ،‬من الصعب تصديق ذلك‪ - ،‬يعترف هو‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫قيمكَ بشكل صحيح‪ ،‬لذلك زالت‬ ‫‪ -‬لقد بدأتَ ترتيب وبناء نظام ِ‬
‫الحاجة ألن تموت‪ .‬رجاء‪ ،‬تذكر أمرا هاما‪ :‬من الضروري وجود‬
‫مسافة معيَّنة بينك وبين المرأة التي ت ُ ِحبُّها‪ .‬أوال – الحبُّ اإللهي‬
‫والحقا ‪ -‬حبُّ الرجل للمرأة‪ .‬اشعر بأنك تحبُّها كأختٍ‪ ،‬ابنة‪ٍ ،‬أم‪،‬‬
‫كالطيور والحيوانات‪ ،‬كالطبيعة التي تحيط بك‪ ،‬كالعالم الذي خلقه‬
‫صيتُهُ‬‫هللا‪ .‬العاطفة األولى‪ :‬أنت ت ُ ِحبُّ هللا فيها‪ ،‬الحقا فقط – ُك َّل ما أح َ‬
‫لك‪ .‬في هذه الحال‪ ،‬إن رحل الحبُّ ‪ ،‬إن مات الشخص‪ ،‬خان‪ ،‬غدر‪،‬‬
‫أهان‪ ،‬كذَّب‪ ،‬سيبقى شعور الحب في الداخل غير ُمصاب‪ِ .‬‬
‫أذك ُركَ‬
‫مرة أخرى‪ :‬ال تسترشد بي‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬لقد فهمت ذلك‪ - ،‬يتن َّهد هو مرتاحا‪.‬‬
‫نودع بعضنا‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُولد القدرات والمواهب‪.‬‬ ‫حبُّ الناس ‪ -‬قيمةٌ هائلة‪ ،‬هو تحديدا ما ي ِ‬

‫عندما يبدأ اإلنسان بتحقيق قُدُراته ومواهبته يجري في داخله دائما‬
‫صوت حب الناس‪ ،‬لكن يجب أن يجري في نفسه في الوقت نف ِسه‬
‫حب هللا‪ .‬إن كان‬‫ِ‬ ‫صوت آخر غير مسموع لكن أساسي‪ - ،‬صوت‬
‫معدوما لن يُس َمح لإلنسان فت ُح موا ِهبِه لكي ال يَك ِذب على ُم ِحبيه‬
‫ويقودهم في االتجاه الكاذب‪.‬‬
‫فهمت فيما تكمن جاذبية صوت "إيديت بياف" عندما ع ِلمتُ‬
‫بتاريخ طفولتها‪ .‬بين عمر ال‪ 3‬و‪ 7‬سنوات هي كانت عمياء‪ ،‬وحسب‬
‫ما رأيتُه على المستوى الرفيع كان سبب عماها حبُّ الناس والعالم‪.‬‬
‫إن كان اإلنسان يُ ِحبُّ العالم أكثر من هللا‪ ،‬فهو يبدأ بفقدان البصر‬
‫ف تعلُّقه بالعالم‪ .‬مع اقتراب الشيخوخة يفقد عدد كبير من الناس‬ ‫ليَ ُخ َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫بصرهم ألنهم تعلقوا بهذا العالم كثيرا‪ .‬حين بدأت نسا ُء البلدة حيث‬
‫عصفَت ُهن القوية ال ُمو َّحدة أشفت‬
‫تعيش الفتاة بالصالة هلل أمال ب ُمعجزة‪َ ،‬‬
‫نفس الفتاة‪ ،‬فاستعادت بصرها‪.‬‬
‫تخطي االرتباط بجميع القيم البشرية مع االندفاع هلل يسمح لنا‬
‫الشعور في عملنا اإلبداعي بالعالم المحيط والتعبير عنه‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪42‬‬
‫رجل شاب يروي لي طويال عن مشاكله‪.‬‬
‫‪ -‬لم أترك أحدا لم أزره‪ُ ،‬زرت ال ُمعالجات الشعبيات‪ ،‬أخصائيي‬
‫س ٌن مؤقت‪،‬‬ ‫اإلدراك فوق الحسي‪ .‬في أفضل األحوال كان يحل تح ُّ‬
‫لكن أحدا لم يتمكن من إزالة اللعنة‪.‬‬
‫‪ -‬هذه ليست لعنةً‪ - ،‬أشرح أنا له‪ - .‬لديك عدائية باطنة هائلة ضد‬
‫متعلقة بقوة‬
‫ِ‬ ‫النساء‪ .‬بكالم أبسط‪ ،‬أنت إنسان غيور للغاية‪ .‬نفسُكَ‬
‫كبيرة بالعائلة‪ ،‬باإلنسان المحبوب ورغب ِة امتالك أبناء من المرأة‬
‫المحبوبة‪ .‬لذلك لدى خسارتك لذلك تنشأ لديك عدائية‪ .‬مع إعادة النظر‬
‫غير عالقتك بالناس وطب َعك‪.‬‬ ‫في حياتك ِ‬
‫بعد شهر يعود لزيارتي في العيادة‪:‬‬
‫سنت حالتي كثيرا‪ .‬أشعر أني لم أعد متعلقا‬ ‫ِش‪ ،‬لقد تح َّ‬ ‫‪ -‬أنا ُمن َده ٌ‬
‫أن الشخص قد تشاجر معي‪ ،‬خانني‪ - ،‬ومع هذا‬ ‫بالعالقات‪ .‬أنا أتخيَّل َّ‬
‫ال أُبدي عدائية‪ ،‬أتمكن من الحفاظ على الحب في نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أنت لم تعد متعلقا بالعالقات مع اإلنسان المحبوب‪ .‬لكن نفسك‬
‫متعلقة كثيرا بحب الناس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬لكني كنت دائما أعتبر هذا أمرا جيدا‪ - ،‬يستغرب الشاب‪.‬‬
‫‪ -‬حب الناس – هو سعادة وثروة عظيمة‪ .‬لكن إن وضعناه أعلى‬
‫يتحول إلى مأساة‪ .‬ال يجوز أن يكون حب‬ ‫َّ‬ ‫من حب هللا‪ ،‬حينها هو‬
‫مجرد وسيلة لحب هللا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الناس هدفا بحد ذاته‪ - ،‬هو‬
‫َّ‬
‫إن كان اإلنسان يجعل المال هدفا‪ ،‬فإن أبناءه يولدون فقراء لكي‬
‫سهم‪ .‬لن يسمح لهم هللا بامتالك المال أو هم سيمتنعون عن‬ ‫تُط َّهر نف ُ‬
‫المال بأنفسهم ليبقوا أحياء‪ .‬إن كان األهل يجعلون هدفا الروحانية‪،‬‬
‫فإن أبناءهم يولَدون عديمي الروحانية أو يمنتعون عن الروحانية‬ ‫َّ‬
‫بأنفسهم‪ ،‬يرفضون تنمية الذكاء‪ ،‬الموهب‪ ،‬األخالق‪ .‬إن كان اإلنسان‬
‫يجعل هدفا حبَّ الناس ويحتقر ويُدين الذين خانوا ثقته‪َّ ،‬‬
‫فإن هللا يحرم‬
‫أبنا َءه حُبَّ الناس‪" - ،‬يَس ُك ُن الشيطان" في نفسهم‪ ،‬أو هم بنفسهم‬
‫ومتعسفين‪ .‬هم غير‬ ‫ِ‬ ‫يمتنعون عن حب الناس ويُصبحون أوغادا‬
‫ُّ‬
‫متعلقون بالدنيويات وغير متعلقون بالروحانيات‪ ،‬لكن لديهم تعلق‬
‫بحب الناس‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫بعد شهر يأتي الشاب مجددا‪:‬‬
‫ص الطاقة قليال‬ ‫‪ -‬كل شيء على ما يُرام‪ ،‬لكن نشأ شعور بأني أمت َ ُّ‬
‫من النساء‪ .‬هل األمر كذلك؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬األمر كذلك! – أجيب أنا‪ – .‬ال زالت المرأة المحبوبة هدفا‬
‫بالنسبة لك‪ ،‬ال وسيلة‪ .‬نحن نُغَذى بالهدف‪ ،‬نحصل على القوة من‬
‫الهدف‪ .‬إن جعلنا من هللا هدفا‪ ،‬فنحن نحصل على القوة والحب منه‪،‬‬
‫فيبدأ لدينا النمو واالزدهار‪ .‬إما إن جعلنا اإلنسان المحبوب هدفا‪،‬‬
‫وإن هذا نهبٌ ‪ .‬بهذه الطريقة األمهات‬ ‫فنحن نأخذ منه القوة والحب‪َّ ،‬‬
‫اللواتي يحبنَ أوالدهن بجنون يسرقن منهم بطريقة الواعية الصحة‬
‫والسعادة‪.‬‬
‫أن حب اإلنسان اآلخر – خطيئة؟‬ ‫‪ -‬إذا‪ ،‬هل هذا يعني َّ‬
‫‪ -‬األمر يتوقَّف على التناسب بين حب اإلنسان وحب هللا‪ .‬نشأ الكون‬
‫كانفصال جزء من هللا‪ ،‬انبعاث عنه‪ .‬كلما كان االنفصال أقوى‪ ،‬زادت‬
‫ضرورة أن يشت َّد حبُّ هللا وتشتد الرغبة في إعادة الوحدة به‪.‬‬
‫ما المغزى من أسطورة آدم وحواء؟ من ناحية ‪ -‬حبُّ الرجل‬
‫يولد أنجاال‪ ،‬من ناحية أخرى – هذا الحب يبدو آثِما‪ .‬آثميَّة‬ ‫والمرأة ِ‬
‫هذا الحب تكمن في كونِه قد يتخطى حبَّ هللا‪ .‬إن جعلنا من شيء في‬
‫فإن حبنا لهذا الشيء يتجاوز حب هللا‪ .‬إن كانت كل‬ ‫هذا الكون هدفا‪َّ ،‬‬
‫سعادةٍ نشعر بها وكل شيء في الكون وسيلةً لحب هللا‪ ،‬حينها مهما‬
‫كان حبنا للعالم المحيط قويا‪ ،‬سيكون حب هللا أقوى دائما‪ - ،‬إذا‪ ،‬بدل‬
‫حصولنا على الدمار سنحصل على النمو‪.‬‬
‫ذات مرة سألني رجل خالل الجلسة‪:‬‬

‫‪ -‬ما إن أحاول الصالة هلل حتى ينشأ فورا في رأسي من الجهة‬
‫ضع على رأسي‪ .‬هل يمكن شرح سبب‬ ‫اليُمنى ألم وثِقلٌ‪َّ ،‬‬
‫كأن حجرا ُو ِ‬
‫ذلك؟‬
‫‪ -‬ال زال في نفسك الكثير من االحتقار تجاه الناس غير الكاملين‬
‫واالستياء تجاه العالم المحيط‪ .‬ال يجوز االقتراب من األيقونة مع‬
‫ِ‬
‫‪44‬‬
‫شعور زعل وإدانة‪ .‬لن تنجح الصالة إن كنت مليئا ً باالحتقار‬
‫والزعل‪ .‬ابدأ من التوبة‪.‬‬
‫روتها‬
‫يهز المريض برأسه‪ ،‬وأنا أتذكر حادثة مثيرة لالهتمام َ‬
‫كررة‪:‬‬
‫إحدى معارفي‪ .‬هي بدأت الصالة ُم ِ‬
‫‪ -‬اللهم أنا أحبك أكثر من أي شيء في الدنيا‪ - ،‬وكل مرة كان‬
‫يخترق رأسها ألم فظيع‪ .‬استمر ذلك مدة شهرين متتاليين‪.‬‬
‫سلت‪:‬‬‫ذات مرة تو َّ‬
‫‪ -‬اللهم رغم كل شيء أنا أحبك أكثر من أي شيء في الدنيا‪ ،‬فقط ال‬
‫تسبب لي هذا األلم! – بعد هذه الكلمات زال األلم ولم يظهر ثانيةً‪.‬‬
‫ِ‬
‫أن قبل سفري إلى نيويورك زارني مريضان‬ ‫سبق أن ذكَرتُ َّ‬
‫يعانيان من حاالت مستعصية‪ .‬صبي ذكي وصالح بامتياز ُمصابٌ‬
‫بسرطان الدم‪ ،‬السبب – التعلق بالمواهب‪ ،‬الروحانية‪ .‬المريض‬
‫الثاني مصاب بالسرطان في مرحلته األخيرة‪ُ .‬محاوال مساعدتهما‬
‫اكتشفت ما يُغذي تعلقهما بالروحانية‪ :‬الرغبة في جعل حب الناس‬
‫أن كل شيء سينتهي بخير‪ ،‬إال‬ ‫حد ذاته‪ .‬كنت واثقا من َّ‬
‫والعالم هدفا ب ِ‬
‫أني قد أخطأت‪.‬‬
‫بعد سفري تدهورت حالة الرجل‪ .‬كانت زوجته المنهكة تتصل‬
‫بي وأنا في نيويورك على مدى عدة أيام‪ ،‬لكن شيئا لم ينفع‪ .‬بعد‬
‫ي هذا الشخص‪ .‬حينها طرحت على ذاتي سؤاال‪" :‬إن لم‬ ‫أسبوع ت ُ ُوفِ َ‬
‫متعلقا بمجموعات القيم الثالث األساسية على األرض‪ ،‬ف ِل َم مات‬ ‫يكن ِ‬
‫إذا؟"‪.‬‬
‫من المحتمل أنه قد نقل إلى أبنائه كما كبيرا من "األوساخ" التي‬
‫لم يتمكن من إزالتها‪ ،‬أو أنه قد اقترف في هذه الحياة فعال كان ال بُ َّد‬
‫قوة َ دفعِ‬ ‫ُصدقني حتى النهاية‪ ،‬أو َّ‬
‫أن َّ‬ ‫سب عليه‪ ،‬أو أنه لم ي ِ‬ ‫أن يُحا َ‬
‫بأن حب هللا هو‬ ‫طب ِعه كانت قويَّة لدرجة أنه لم يلحق إقناع نفسه َّ‬
‫السعادة العليا في الحياة‪ .‬في نهاية المطاف‪ ،‬ربما ُمقَدَّر له أن يُولد‬
‫بعد سنة‪-‬سنتين في مكان ما ولذلك كان موعد مغادرته هذه الحياة‬
‫ُمثبَّتا بشكل صارم‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫بأن شيئا إضافيا‬ ‫طبعا‪ ،‬كان كل ذلك محتمال‪ ،‬لكني كنت أشعر َّ‬
‫كان يغذي المرض‪ .‬هو لم يتمكن من إزالة الغيرة تماما‪ - ،‬إلزالتها‬
‫كون‬‫يجب االنتقال إلى بنيات أعلى من الزمان‪ ...‬هذه البنيات ت ُ ِ‬
‫بقيم يمكن التعلُّق بها إثر َجعلها‬ ‫الزمان بحد ذاته وهي كذلك مرتبطة ٍ‬
‫تصور ما الذي يجب فعله‬ ‫ُّ‬ ‫هدف ومغزى الحياة‪ .‬كنت عاجزا عن‬
‫لتخطي حدود الزمان‪ ،‬المكان والمادة‪.‬‬
‫المس خالل الفترة األخيرة بن َيةً ما ت ُ ِ‬
‫واجهُ الزمان‬ ‫ُ‬ ‫إال أني قد بدأت أ ُ‬
‫ودوريا كانت تطفو ل َدي برامج – تعلُّقات بهذه البُنية‪ .‬أنا جالس وراء‬
‫الطاولة وأحاول ح َّل المسألة الخاصة بهذه البنية‪ .‬أرسم دائرة‪ - ،‬هذه‬
‫هي القيم الدنيوية‪ ،‬المادة‪ .‬من الجهة اليُمنى في الجوار أرسم دائرة‬
‫ُولد المادة‪ ،‬وفي‬ ‫أخرى‪ - ،‬هذه هي القيم الروحية‪ ،‬المكان‪ .‬المكان ي ِ‬
‫يتحوالن إلى بعضهما‪ .‬إن تغيَّرت بنية المكان تتغيَّر‬ ‫َّ‬ ‫ذات الوقت‪ ،‬هما‬
‫تغير بُنية المكان‪.‬‬
‫بنية المادة كذلك‪ .‬كميات المادة الكبيرة ِ‬
‫أرسم في األسفل دائرة ثالثة‪ - ،‬هذا هو الزمان‪ ،‬أي حب الناس‬
‫تول ُد هذا الحبَّ القي ُم الروحية والمادية‪ .‬ومؤخرا‬ ‫والعالم المحيط‪ِ .‬‬
‫ً‬
‫الزمان دائرة رابعة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رسمتُ أسفل دائرةِ‬
‫إذا‪ ،‬الوقائع جاهزة‪ .‬لقد دخلتُ في اتصال عاطفي مع كيان واقع‬
‫يتحول إلى هذا‬
‫َّ‬ ‫يتحول إلى الزمان والزمان‬ ‫َّ‬ ‫خلف حدود الزمان‪ .‬هو‬
‫الكيان‪ .‬هو مواجه للزمان في شيء ما‪ .‬يبقى سؤال‪ :‬فيما تحديدا؟‬
‫أحاول إيجا َد ما يُشبِهُ تفاعل المادة والمكان‪ .‬ال َمث َل األفضل هنا –‬
‫اإلنسان‪ .‬تجري جميع العمليات لدى اإلنسان بسرعة‪ .‬عندما ينهار‬
‫أن البنيات الحقلية أطول عمرا‬ ‫تستمر النفس في العيش‪ ،‬أي َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الجسد‬
‫من البنيات المادية‪ .‬ثبات الحقل أعلى من ثبات المادة‪.‬‬
‫عادة أنا أشرح للمرضى‪ :‬اللباس‪ ،‬المنزل‪ ،‬المال – هم حمايةٌ‬
‫ط مستقرة تسمح له بالنمو‪ .‬كلما ازداد المال‪ ،‬اليُسر‬ ‫لجسدنا‪ ،‬شرو ٌ‬
‫المادي‪ ،‬ازدادت شروط االستقرار والحمايةُ من العالم المحيط‪ .‬إال‬
‫أن االستقرار الفيزيائي وح َده يؤدي إلى االنحطاط‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪46‬‬
‫هلكت الديناصورات‪ .‬السالحف التي أغ َل َقت نفسها بدرع كثيف‬
‫توقَّفَت عن التطور‪ .‬بدأت تنتصر في صراع البقاء الثديات التي‬
‫ت َرا َج َع بالنسبة لها الوزن الكبير‪ ،‬الدرع الماكن‪ ،‬األسنان الحادة إلى‬
‫المستوى الثاني‪ .‬التأقلم السريع مع الشروط الجديدة والتغيُّراتُ على‬
‫مستوى ردات ال ِفعل سمحوا بتحويل قابليَّة التكيُّف الفيزيائية إلى‬
‫وظيفية‪ .‬كلما كان عدد وظائف العضو الواحد أو ِعدَّة أعضاء‬
‫مجتمعةً أكبر‪ ،‬ازدادت قابليَّة الجسم للتكيُّف‪.‬‬
‫أن الحماية المعلوماتية أقوى من الفيزيائية‪ .‬تطور ونمو‬ ‫تبيَّن َّ‬
‫البنيات الروحية كان يحصل بشكل أكثر نشاطا في مجموعات من‬
‫الكائنات الحية‪ .‬المجموعات األفراد ال ُمست ِق َّرة ُ كانت تملك فُ َرصا أكبر‬
‫أن للتفكير الجماعي سلبياته‪ .‬هو يميل إلى الرتابة‪،‬‬ ‫للبقاء‪ ،‬لكن تبيَّن َّ‬
‫هو أكثر جمادا من الفردي‪ .‬لذلك النحل‪ ،‬النمل والمجتمعات األخرى‬
‫ي تماما‪ ،‬كالسالحف توقَّفوا عن التطور‪.‬‬ ‫ي الفرد َّ‬ ‫حيث قَ َم َع ال َجماع ُّ‬
‫أن التوجه الذي يملك أكثر اآلفاق المستقبلية اتساعا ً هو الذي‬ ‫تبيَّن َّ‬
‫التفكير الجماعي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫التفكير الفردي‬
‫ُ‬ ‫يُغني ضمنَهُ‬
‫للتنوع‪ ،‬التغيُّر‪ ،‬أما العالم الروحي فيسعى‬ ‫إذا‪ ،‬العالم المادي يسعى ُّ‬
‫ً‬
‫للوحدة والرتابة‪ .‬القيم الروحية مقارنة بالدنيوية تمنح اإلنسان‬
‫استقرارا أكبر بكثير‪ .‬القيم الروحية – المواهب‪ ،‬الذكاء‪ ،‬األخالقيات‪،‬‬
‫العدالة‪ ،‬ال ُمث ُل العُليا قادرون على حماية اإلنسان بشكل أفضل‪.‬‬
‫يخزن بالدرجة األولى هذا تحديدا‪ ،‬في نهاية المطاف‬ ‫اإلنسان الذي ِ‬
‫سيكون أكثر قابِ ِليَّة للحياة من الذي يسترشد بالمال والنِعم المادية‬
‫فقط‪.‬‬
‫َّ‬
‫ُمقارنة بالمكان والمادة يتمتع الزمان باستقرار أكبر منهما‪.‬‬ ‫ً‬
‫االستقرار األعلى في هذا الكون خاص بالبنيات الزمانية‪ - ،‬ما يعني‬
‫أن ال ُكت َ َل المعلوماتية األساسية موجودة هناك تحديدا‪ .‬بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫حبَّ الناس والعالم‪ ،‬حبُّ هذا الكون يمنح االستقرار األقصى‬
‫والحماية القصوى‪ ،‬وبالتالي السعادة َ القصوى‪.‬‬
‫لنعُد إلى البنية الرابعة التي لمستُها مؤخرا‪ .‬إن هي كانت مناقضة‬
‫دمره وتتمتَّع باستقرار أعلى مقارنة بالزمان‪.‬‬ ‫للزمان فعليها أن ت ُ ِ‬
‫‪47‬‬
‫قررت تسميته‬ ‫تسم َي ٍة لهذا الكيان‪ ،‬ثم َّ‬ ‫ِ‬ ‫عانَيتُ ُمحاوال إيجاد‬
‫ب"الفوضى"‪" ،‬التدمير"‪" .‬الفوضى – هي درجة النظام العُليا"‪- ،‬‬
‫ألن درجة تنظيمها أعلى‬ ‫أن الفوضى ت ُ ِ‬
‫دمر َّ‬ ‫كان يقول القدماء‪ .‬أي َّ‬
‫حب الناس‬‫ِ‬ ‫من درجة تنظيم الكون‪ .‬تنتج صورة غريبة‪ :‬أعلى من‬
‫والعالم المحيط تقع قوى التدمير‪ .‬كان ذلك حائطا أعجز عن تخطيه‪.‬‬
‫فقررت طرح هذا الموضوع جانبا لبعض‬ ‫لم تكن قواي كافية‪َّ ،‬‬
‫الوقت‪.‬‬
‫الستائر‬
‫ِ‬ ‫وها أنا جالس في المكتب في مانهاتن‪ .‬تخترق شقوقَ‬
‫الشمس‪ .‬أنا أستقبل المرضى‪ .‬جميع الحاالت بسيطة للغاية‪ .‬فقط‬
‫اتصا ٌل هاتفي من بطرسبورغ يُخرجني عن المجرى‪ .‬يتصل زميلي‪:‬‬
‫‪ -‬اسمع‪ ،‬بدأت لدى ابني مشاكل في الرئتين‪ ،‬األدوية ال تنفع‪.‬‬
‫أتف َّحص حقل الصبي‪ ،‬فأدخل في اتصال مع البنية التي أسميها‬
‫اآلن ب"الفوضى"‪.‬‬
‫عليا ما لم أجد لها‬ ‫‪ -‬أتعلم‪ - ،‬أخبِ ُر أنا زميلي‪ - ،‬لديه تعلُّ ٌق ببنيات ُ‬
‫تسمية واضحة بعد‪ .‬حاول القيام بشيء ما من ناحيتك وأنا من ناحيَتي‬
‫سأُحاول تثبيت الوضع‪.‬‬
‫يتصل بي مجددا بعد يومين‪:‬‬
‫َّ‬
‫‪ -‬لقد تو َّجهتُ إلى مستبصرة‪ ،‬قالت أن على ابني أخذ حمام من ثوم‪.‬‬
‫سنت لكن سرعان ما‬ ‫أن حالته قد تح َّ‬ ‫بعد هذا الحمام هو استفرغ‪ ،‬بدا َّ‬
‫تستمر في التدهور‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫عاد كل شيء مجددا‪ .‬حالت ُه‬
‫كان هذا الموقف أشبه بحبل مشنقة يضيِق على إمكانياتي‬
‫تكون موقف حين كل ما‬ ‫ومواهبي ويجمعها في كتلة عاجزة‪ُ .‬مجددا َّ‬
‫ُ‬
‫كان يأتي بمفعول في السابق بات فجأة غير فعَّال‪ .‬ديناميكيَّة تدهور‬
‫حالة ابن زميلي‪ ،‬لسبب ما‪ ،‬كانت تذكرني بوضوح بالشخص الذي‬
‫كان ُمصابا بالسرطان وتُوفي مؤخرا‪.‬‬
‫عادة ً تُن ِقذني في الحالة المأزقيَّة القدرة ُ على إخضاع جميع القوى‬
‫تكثيف المعلومات إلى أقصى حد من خالل تركيز‬ ‫ِ‬ ‫للهدف أساسي‪،‬‬
‫الماضي والحاضر في نقطة واحدة‪ .‬حين تتخطى كثافة المعلومات‬
‫تتحول الكميَّة إلى نوعيَّة‪ ،‬فتولَد الفكرة الجديدة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫مستوى معيَّن‬
‫‪48‬‬
‫بالتناسب مع هذه الفكرة أنا أصنِف العالم المحيط مجدَّدا ُم َك ِونا مفاهيم‬
‫جديدة‪ ،‬وبواسطتها أتح َّكم بالموقف وأ ُ ُ‬
‫ديره‪.‬‬
‫شاعرا باضطراب‪ ،‬بدأت أتذكر جميع الوقائع المرتبطة بالزمان‬
‫وقوى التدمير‪ ،‬أي الفوضى‪.‬‬
‫قبل فترة قريبة جرى لدي حديث مثير لالهتمام في سيبيريا‪ .‬كان‬
‫ُمحدثي يصف تجاربه مع الزمان‪:‬‬
‫أن جريان الزمان غير متجانس‪ .‬تخيَّل على‬ ‫‪ -‬فهمت منذ زمن بعيد َّ‬
‫األرض عددا ً كبيرا من األنابيب المعدنية‪ .‬ال َحظ كثيرون‪ :‬عندما ُّ‬
‫تمر‬
‫ص وقت الطريق‪ .‬قارننا بين األحاسيس الذاتية‪ .‬إن سِرتَ‬ ‫بجانبها يتقلَّ ُ‬
‫بجانب َكو َمة من األنابيب‪ ،‬فأنت تشعر بأنَّك تقطع مقطع الطريق‬
‫أن العدد الكبير من األدوات ذات‬ ‫عينه خالل فترة أقل بكثير‪ .‬يظهر َّ‬
‫الشكل األنبوبي ال ُمر َّكز في نقطة واحدة من المكان يُبطئ الزمان‪.‬‬
‫قمنا بالتجارب مع األدوات أخرى ذات شكل يختلف عن‬
‫صصة للبيض؟ ُكنَّا‬ ‫األسطواني‪ .‬أتعلم‪ ،‬توجد عبوات كرتونية مخ َّ‬
‫نضع ‪ 20‬عبوة فوق بعضها‪ ،‬ونُج ِلس تحتها شخصا‪ .‬فكانت‬
‫تسجل تغيُّرات في الحالة الفيزيولوجية‪ .‬كان ذلك واضحا‬ ‫األجهزت ِ‬
‫ُ‬
‫يحمر الوجه‪ ...‬قدِمت فرضيَّة‬ ‫ُّ‬ ‫ظاهرا كذلك‪ :‬يعلو الدم إلى الرأس‪،‬‬
‫أن هذه األشكال تؤثر بطريقة ما على جريان الزمان‪.‬‬ ‫عن َّ‬
‫أن هذا واضح بالنسبة لي إلى حد ما‪ .‬المادة‪ ،‬المكان والزمان‬ ‫قلتُ َّ‬
‫عنصر واحد يَ ُج ُّر خلفَه تغيُّر‬‫ٍ‬ ‫هم تكوين واحد‪ .‬ما يعني َّ‬
‫أن تغيُّر‬
‫العناصر األخرى‪ .‬الكميات الماديَّة الكبيرة ُ تغيِر مواصفات المكان‬
‫والزمان كثيرا‪ .‬تغيُّر كثافة الزمان يؤدي إلى ظهور أو اختفاء‬
‫ي جسم يؤثر بشكله على‬ ‫األجسام المادية وتغيير مواصفات المكان‪ .‬أ ُّ‬
‫تنوع البنيات السطحية‬ ‫المكان والزمان‪ .‬لذلك بواسطة شكل األدوات‪ُّ ،‬‬
‫يمكننا التأثير على الزمان‪.‬‬
‫لمجرد الفضول‪ ،‬ذهبت إلى‬‫َّ‬ ‫تذكرت حالة أخرى‪ .‬ذات مرة‪،‬‬

‫معالجة شعبية عجوز كانت تُعالج بالصلوات والتعاويذ‪ .‬كانت تنظر‬
‫‪49‬‬
‫إلى ع َينَي الشخص‪ ،‬تروي له عن حياته‪ ،‬ثم تُخ ِب ُره بما قد يُصيبُه في‬
‫أن رغم لغتها البدائية ما كانت تقوله كان‬ ‫المستقبل‪ .‬غريب‪ ،‬إال َّ‬
‫صبِيَّة‬
‫ت تشخيصي‪ .‬لنفترض أني كنت أرى لدى َ‬ ‫يتطابق مع معطيا ِ‬
‫سبب لها مشاكل في حياتها الشخصية وت ِقلص‬ ‫غيرة ً داخلية هائلة ت ُ ِ‬
‫َ‬
‫إمكانياتها في إنجاب األطفال‪ .‬كانت العجوز ت ُعَ ِبر عن ذلك بالطريقة‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عليك ُرقيَة‪ ،‬يا عزيزتي‪ ،‬لن تنجبي أوالدا‪ .‬تعالي‪ ،‬ستشربين من‬
‫مائي – وستتحسن حالتك‪.‬‬
‫حسب ما رأيتُ على المستوى الرفيع عاشت هذه العجوز حياتها‬
‫الماضية في ال ِت ِبت ومارست التمارين الروحية‪ ،‬ما أدى إلى انفتاح‬
‫مواهبها تلقائيا‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أسافر كل سنة إلى ألطاي‪ - ،‬روت هي‪ – .‬هناك يجب السير‬
‫أشخاص من نفس اإليمان‬ ‫ٌ‬ ‫مسافة ‪ 60‬كلم للصالة في كنيسة‪ .‬وها نحن‬
‫نجتمع ونسير طويال للوصول إلى هناك‪ .‬وفي المرة الماضية أتينا‪،‬‬
‫عت َين وصلنا‪ .‬استنتجنا أننا كنا نقطع‬ ‫صلَّينا وسرنا عائدين‪ ،‬وبعد سا َ‬
‫أن هللا‬‫أن ذلك يعني َّ‬ ‫قررنا َّ‬‫‪ 30‬كلم ك َّل ساعة‪ .‬لم يفهم أحد شيئا‪َّ - ،‬‬
‫منحنا بركته‪.‬‬
‫ع‪ .‬لذلك‬ ‫َّ‬
‫الحقا بحثت عن سبب ما حصل‪ .‬تبيَّن أن الزمان ‪ -‬إيقا ٌ‬
‫من خالل اإليقاع يسهل علينا التحكم بالزمان أَكث َ َر‪ .‬عندما يسير‬
‫غل في وعيه‬ ‫اإلنسان بإيقاع ِع َّدة ساعات‪ ،‬حينها ما هو يفكر به يتو َّ‬
‫الباطن أعمقَ بكثير‪ .‬إن كان هو يسير مفكرا باهلل‪ ،‬بادئا بالصالة في‬
‫فإن وقته الداخلي‬ ‫داخله‪ ،‬مدوزنا ذاته على الصالة آخر الطريق‪َّ ،‬‬
‫يَبطأ‪ .‬عادة كان ال ُحجاج يذهبون سيرا‪ ،‬فال يبطأ الزمان الذاتي فقط‪،‬‬
‫إنما الموضوعي كذلك‪.‬‬
‫العالم الذي يعيش يتنفس‪ ،‬يأكل‪ ،‬يتحرك فيه اإلنسان يؤثر على‬
‫العمليات الزمانية‪ ،‬ما يعني أنه يؤثر على الصحة كذلك‪ .‬الثياب‬
‫كالسطح‪ ،‬أي تفصي ُل وشك ُل الثياب قادر التأثير على صحة اإلنسان‪.‬‬
‫كذلك المكان الذي يعيش فيه اإلنسان‪ ،‬التنظيم المساحي والسطحي‬
‫‪50‬‬
‫لهذا المكان‪ ،‬شكل النوافذ‪ ،‬التصميم‪ ،‬ترتيب األثاث في المنزل – كل‬
‫هذا يؤثر إيجابا أو سلبا على صحة اإلنسان‪.‬‬
‫ليست المساحات الداخلية وحدها‪ ،‬إنما الخارجية كذلك‪ :‬واجهات‬
‫المنازل‪ ،‬تصميم المناطق والحدائق‪ ،‬المعابد والمباني العامة – قادرة ٌ‬
‫على التأثير في مصير سكان المدينة وصحتهم الفيزيائية‪ .‬و َّ‬
‫إن ذلك‬
‫كلَّه مرتبط بالزمان‪ ،‬باالنتظام‪.‬‬
‫وما العمل مع الدمار؟ كيف يمكن ربط الدمار بصحة اإلنسان؟‬
‫المرض هو نوع من إفقاد الجسم الستقراره‪ ،‬تدمير لوظائفه‪ .‬في‬
‫أن خالل‬ ‫طفولتي كنت أصاب بالزكام باستمرار وكنت أالحظ َّ‬
‫المرض كان يحصل تحسن هام لحاسة الشم والتذوق‪ ،‬كما لو َّ‬
‫أن‬
‫الجسم يتجدد‪ ،‬يصبح أكثر حساسية‪.‬‬
‫ذات مرة‪ ،‬بهدف تقوية مناعتي ُح ِقنتُ بالبيروجينال‪ .‬بعد الحقنة‬
‫صبتُ بآالم في جسمي‪ ،‬لكني شعرت‬ ‫ارتفعت حرارتي بشكل حاد‪ ،‬أ ُ ِ‬
‫الحقا بحصول تجدُّد لشبابي‪ .‬عندما اعتاد جسمي على هذا الدواء‪،‬‬
‫زال المفعول‪ .‬إذا‪ ،‬إفقاد الجسم لالستقرار يكبح الزمان‪ ،‬ما يسبب‬
‫مفعول تجديد الشباب‪.‬‬
‫ما دام الجسم ينمو يحصل فقدان قوي لالستقرار‪ .‬هذا يؤثر بطريقة‬
‫فقدان قويةٌ لالستقرار خالل‬
‫ٍ‬ ‫ما على العمليات الزمانية‪ .‬تحصل ثورة ُ‬
‫فترة النضوج الجنسي خاصة‪ - ،‬حينها تكون كثافة الزمان في أوجها‪.‬‬
‫قدرات اإلنسان األساسية وسبيله في الحياة كلُّه يح َّددان بحالته‬
‫الداخلية خالل هذه السنوات‪.‬‬
‫إن ممارسة تقنيات إفقاد االستقرار العميق لإلنسان قادرة على‬ ‫َّ‬
‫إبطاء عمليات الشيخوخة بحدة‪ .‬مع هذا النوع من إفقاد االستقرار ال‬
‫وإن إمكانية هذا النوع من‬ ‫بد من تح ُّك ٍم يُ َح ِول التدمير إلى خلق‪َّ ،‬‬
‫التحكم مرتبطة بشكل مباشر بكمية الحب في النفس‪.‬‬
‫أن بهدف التحكم بأي عمليات‬ ‫خلقَ هللا الكون‪ .‬هللا حبٌّ ‪ .‬هذا يعني َّ‬
‫إفقا ٍد لالستقرار يجب التقرب من هللا وزيادة كمية الحب في النفس‪.‬‬
‫أي الحبُّ ‪ -‬أوال‪ ،‬إفقاد االستقرار – الحقا‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫قبل اإلخصاب‪ ،‬باتحادها باهلل‪ ،‬تحصل نفس الطفل المستقبلي على‬
‫كميَّة الحب التي تتناسب مع الكارما الخاصة بها‪ .‬إن كان الحب‬
‫ال ُمؤتى به إلى هذه الحياة غير كافٍ لتح ُّمل فقدان االستقرار الذي‬
‫يحصل عند الوالدة‪ ،‬النمو‪ ،‬التفاعل مع العالم المحيط‪ ،‬حينها تأتي‬
‫اإلعاقات‪ ،‬األمراض والموت‪ .‬إذا‪ ،‬النمو – هو جدران المنزل‪ ،‬أما‬
‫األساس فهو الحب‪.‬‬
‫واقعة أخرى‪ .‬في ربيع عام ‪ 1995‬سافرت مع أصدقائي إلى‬

‫القوقاز الشمالي – إلى تيبردا‪ .‬ذهبنا هناك إلى ينابيع النارزان‪ .‬ذات‬
‫أن المياه المعدنية تُشفي من أمراض مختلفة‪.‬‬ ‫مرة جرى الحديث عن َّ‬
‫أن بعد أن أقطع جميع درجات التطهير الروحي سيتو َّجب‬ ‫فكرت في َّ‬
‫علي إدخال أساليب التأثير الفيزيائية على الجسم كذلك‪.‬‬
‫إضافةً للتأثير الكالمي‪-‬العاطفي يمكن استعمال أساليب أخرى‬
‫كذلك‪ .‬مثال‪ ،‬عندما يصلي اإلنسان في المعبد ال تؤثر على حالته‬
‫يؤثر شكل المعبد كذلك‪ ،‬مساحته‬ ‫ُ‬ ‫الداخلية الصالة وحدها‪ ،‬إنما‬
‫ُ‬
‫وض ُع األدوات‪ ،‬شكله‪ ،‬الروائح وإلى آخره‪ .‬إضافة إلى‬ ‫الداخلية‪َ ،‬م ِ‬
‫إعادة النظر في نظام قِيَ ِمه‪ ،‬كذلك بإمكان اإلنسان تخرين الحب في‬
‫نفسه بواسطة تغيير إيقاعات تنفُّسه والتغذية‪.‬‬
‫الشخص ال ُمسافِ ُر معي‬
‫ُ‬ ‫بعد عودته من ينابيع النارزان أخبرني‬
‫قصةً عن المياه المعدنية الفريدة الموجودة في إحدى قرى القوقاز‬
‫الجبلية‪ .‬تنبع هناك عدة عيون من المياه المعدنية مجاورة ٌ لبعضها‪،‬‬
‫أن كل نبع يُعالج مرضا معيَّنا‪ - ،‬واحد يؤثر على األعيُن‪ ،‬آخر‬ ‫علما ب َّ‬
‫‪ -‬على المفاصل‪ ،‬ثالث – على األمعاء‪ .‬المفعول ُمذهل‪ :‬خالل عدة‬
‫الناس بصرهم عمليا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أيام يستعي ُد‬
‫طلبت من محدثي أن يتخيَّل الماء الذي شربه بهدف أن أد ُخ َل في‬
‫اتصال مع بنية الينابيع الحقلية من خالل حقله‪ .‬كنت أعلم َّ‬
‫أن‬
‫المعلومات التي سأحصل عليها ستكون سطحية‪ ،‬لكن كان علي فهم‬
‫المبدأ األساسي‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫مخز ٌن ممتاز للمعلومات‪ .‬لدى مروره عبر الصخور الجبلية‬ ‫الماء ِ‬
‫الصخور رسوبيةُ‬
‫ُ‬ ‫هو يُشبَّع بالمعلومات التي تُعا ِلج الحقا‪ .‬في القوقاز‬
‫أن البرامج التي يحملها‬ ‫قعر محيطٍ سابقا‪ .‬ليس من ال ُمستبعد َّ‬ ‫هي ُ‬
‫الماء مرتبطة بالنشاط الحيوي لألحياء في الماء وفي قعر المحيط‪.‬‬
‫نتيجةُ التشخيص كانت مفا ِجئ َةً بالنسبة لي‪ .‬كنت أفترض َّ‬
‫أن الماء‬
‫يحتوي على معلومات خاصة بحياة عدد كبير من األحياء‪ ،‬فيشفى‬
‫أن الماء كان يحمل معلومات عن الموت‪.‬‬ ‫الشخص الذي يشربه‪ .‬إال َّ‬
‫أن هذه الينابيع كانت تحمل معلومات تخص موت عدد كبير‬ ‫تبيَّن َّ‬
‫شفَّرا في الماء‪.‬‬‫من الكائنات الحية‪ ،‬أي قبو ُل الموت كان ُم َ‬
‫صباحا آتي إلى دار النشر "أكاديمية الباراسايكولوجيا" التي‬

‫تُصد ُِر كتبي‪.‬‬
‫ي أحد الموظفين‪– .‬‬ ‫‪ -‬اسمع‪ ،‬لدينا خبر مثير لالهتمام‪ - ،‬يتو َّجه إل َّ‬
‫بعد قيامك بعالجها دخلت الصبية عيادة األمراض النفسية‪ .‬اتصلَت‬
‫والدت ُها‪ ،‬تر َكت رسالة صوتية على الهاتف‪" :‬عليكم أن تعرفوا ما‬
‫يُصيب مرضى الزاريف‪ .‬حضرنا الجلسات مرات كثيرة‪ ،‬ومؤخرا‬
‫دخلت ابنتي عيادة األمراض النفسية"‪.‬‬
‫‪ -‬هل تركت الهاتف؟ ‪ -‬أسأل أنا‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬يوجد هنا الرقم‪.‬‬
‫ُ‬
‫أنا أتصل بهذه المرأة‪ ،‬هي تذكر اسم ابنتها‪ ،‬فأحاول اإلمعان في‬
‫الموقف‪ .‬سبب مرض االبنة مرتبط بحالة ابنها‪ .‬هو قد يموت‪ ،‬السبب‬
‫– الغيرة‪ .‬أتف َّحص حقل المرأة الشابة‪ - ،‬هو ُمتنا ِغ ٌم مبدئيا‪ .‬إذا تكمن‬
‫أن نفس االبن غير مط َّهرة‪.‬‬ ‫المشكلة في َّ‬
‫بأن نفس ابنتك غيورة؟‬ ‫‪ -‬هل أخبرت ُ ِك َّ‬
‫سنت حالتها كثيرا‪ .‬لكن ح َّل‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬قلت‪ .‬لقد عملتُ على ذاتي‪ ،‬فتح َّ‬
‫مؤخرا تدهور حاد‪.‬‬
‫‪ -‬هل قلتُ لك أن ال تصلي من أجل ابنتك فقط‪ ،‬إنما من أجل حفيدك‬
‫كذلك؟‬
‫َّ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬صليتُ مع ابنتي‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫أن استرجاع الحياة كلها وإعادة‬ ‫‪ -‬إصغي إلي بانتباه‪ .‬إن قُلتُ لك َّ‬
‫النظر فيها والصالة – هو عم ٌل صعب‪ ،‬فاألمر كذلك‪ .‬إن قلت لك‬
‫أن لتطهير الحفيد ستحتاجين إلى جهد أكبر بكثير مما تحتاجين‬ ‫َّ‬
‫طي بجديَّة مع كالمي‪،‬‬ ‫ذاتك‪ ،‬فاألمر كذلك بالفعل‪ .‬لم تتعا َ‬‫ِ‬ ‫لتطهير‬
‫حفيدك حيا ال زالت ضئيلة‪ .‬كل ما لم‬ ‫ِ‬ ‫وكذلك ابنت ُ ِك‪ .‬فرص بقاء‬
‫تتمكني مع ابنتِك من تطهيره إما سيقتُل الحفيد‪ ،‬أو سيعود إلى‬
‫المصدر‪ ،‬أي األم والجدة‪ .‬إن تكاسلتُما في تطهير النفس فال تبحثا‬
‫عن السبب في اآلخرين‪ .‬تابعا العمل‪.‬‬
‫تضع المرأة السماعة‪ .‬أما أنا فتدور في ذاكرتي حاالت مماثلة‪.‬‬
‫عندما يتعالج الشخص عند أخصائيين في اإلدراك فوق الحسي قد‬
‫يُصيبُه تدهور يعود سببه إلى رنين البرامج‪ .‬إن كانت نفس المعالج‬
‫متعلقة بشيء ما وكان سبب مرض المريض تعلُّ ٌق مماثل‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا‬ ‫ِ‬
‫مؤسسوا األديان كانوا أشخاصا هدف‬ ‫ِ‬ ‫المريض‪.‬‬ ‫ُشفي‬ ‫ي‬ ‫لن‬ ‫المعالج‬
‫نفسهم هللا وحده‪ ،‬األمر الذي كان يجعل نفوس أتباعهم متناغمة‬
‫ويُشفيها‪.‬‬
‫مؤخرا خالل الجلسة حصل بيني وبين صبية حديث مثير‬

‫لالهتمام‪.‬‬
‫س ِك تجعل إنجاب األوالد واإلبداع هدفا‪ - ،‬أشرح أنا‪ – .‬وكذلك‬‫‪ -‬نف ُ‬
‫اإلنسانَ المحبوب و ُحبَّه‪ .‬أنت عاجزة عن تقبل اإلهانة في هذه‬
‫النواحي‪ .‬كان هذا سبب موت ابنِك في الحياة الماضية‪ .‬عليه أن يولد‬
‫مجددا في هذه الحياة‪ .‬إن هو مات خالل الحمل أو بعد الوالدة‬
‫فستُحاسبين على ذلك‪ُ .‬مقدَّر لك تقبُّل اإلساءات واإلهانات قبل‬
‫سعي نف ِسك‬
‫ُ‬ ‫اإلخصاب وخالل الحمل‪ .‬استعدي لذلك سلفا‪ .‬كلما كان‬
‫هلل أقوى‪ ،‬ازدادت قدرت ُ ِك على تخطي التجارب وازداد إنقاذ الطفل‬
‫سهولةً‪.‬‬
‫تروي الصبية عن نفسها وتطرح سؤاال مفاجئا‪:‬‬
‫‪ -‬أتعلم‪ ،‬لقد ُزرتُ امرأة – أخصائية في اإلدراك فوق الحسي‪ ،‬وقد‬
‫أخبرتني بأني قادرة على عالج األطفال‪ .‬وفعال‪ ،‬حصلَت حالةٌ‬
‫‪54‬‬
‫مماثلة‪ :‬ذات مرة تم َّكنتُ من وضعِ تشخيص وشرح كيفية العالج‪.‬‬
‫ثم ُمعا ِل ٌج آخر وجدت نفسي عنده صدفة قال أني أملك مواهب كبيرة‪.‬‬
‫هل يحق لي أن أمارس العالج وأنمي ذاتي في هذا؟‬
‫إن أي نوع من العالج‬ ‫التسرع‪ - ،‬أُجيب أنا‪َّ – .‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬أنا أنصحك بعدم‬
‫ب‪ ،‬وإن كان مخزونه غير كافٍ ‪ ،‬ال يمكن لإلنسان أن‬ ‫هو عالج بال ُح ِ‬
‫يكون معالجا‪.‬‬
‫‪ -‬هل القدرة على العالج موجودة لدى كل إنسان مثل القدرة على‬
‫الحب؟‬
‫‪ -‬توجد لدى كل إنسان طبقتان من الحب‪ .‬حبُّ الطبقة العُليا ينشأ‬
‫لدى التالمس مع جسم مادي ما وحالة هذا الحب متربطة بالجسم‬
‫الذي أثاره‪ .‬هذا الشعور‪ ،‬مثل جميع المشاعر األخرى‪ ،‬يصدر من‬
‫يو ِلد كل شيء‪ .‬فاهلل‬ ‫شعور الحب اإللهي غير المرتبط بشيء والذي َ‬
‫خاضعٍ‬ ‫ِ‬ ‫غير‬
‫َ‬ ‫وإن هذا الحب يسطع كالشمس‬ ‫غير مرتبط بشيء‪َّ ،‬‬
‫لشيء‪.‬‬
‫حبُّك مرتبط باإلنسان الحبيب‪ ،‬مرتبط برغبة إنجاب األطفال‬
‫ت‬‫ت عالج الناس مع مثل هذه التعلقات‪ ،‬فأن ِ‬ ‫واإلبداع‪ .‬إن مارس ِ‬
‫َّ‬
‫ستأخذين "أوساخهم" على نفسك‪ .‬هذا يعني أن أولويَّتك الممنوحة‬
‫حب الناس والعالم ستشتدُّ‪ .‬وحينها ست ُغلَ ُق‬ ‫إلنجاب األطفال واإلبداع‪ِ ،‬‬
‫من األعلى إمكانيَّةُ إنجاب األطفال واإلبداع لديك‪ .‬قد يتجلى ذلك‬
‫مرض خطير وإلى آخره‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فقدان القدرة على العالج‪،‬‬
‫ِ‬ ‫على شكل عقم‪،‬‬
‫تحصل لدى كل إنسان لحظات حين مع وجود أي نوع من‬
‫حل ُق النفس فوقها مرتقيةً وتسطع حبَّا‪ .‬في هذه الفترة‬ ‫التعلقات ت ُ ِ‬
‫إلنسان مساعدة اآلخرين وعدم أخذ أي "أوساخ" منهم‪ .‬لكن‬ ‫ِ‬ ‫بإمكان ا‬
‫ذلك نادرا ما يحصل‪.‬‬
‫أعود إلى الموضوع السابق‪ .‬يموت مرضاي وأنا عاجز عن‬

‫مساعدتهم‪ .‬أوالد زمالئي يمرضون وأنا عاجز عن فهم السبب‪.‬‬
‫الوضع يتدهور‪ .‬يجب التركيز ألقصى حد‪ ،‬جمع أكبر َك ٍم ممكن من‬
‫المعلومات ثم ضغطها وتكثيفها بحدَّة‪ .‬لدى تكث ُّف المعلومات يحصل‬
‫‪55‬‬
‫تدميرها‪ .‬إن كانت كميَّة الحب في النفس غير كافية‪ ،‬قد يُصاب‬
‫يتحول إلى‬
‫َّ‬ ‫فإن التدمير‬‫الشخص بالجنون‪ .‬أما إن كان الحب كافيا‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫كم أكبر من الحب يجب اقتالع‬ ‫خلق‪ ،‬فتنشأ أفكار جديدة‪ .‬لتخزين ٍ‬
‫متعلقة به في هذا العالم‪.‬‬ ‫النفس عن كل ما هي ِ‬
‫عصفٍ ذهني جديد ينهال علي عدد كبير من‬ ‫قبل حصول َ‬
‫المواقف المميتة‪ .‬بعد مثل‬
‫ُ‬ ‫ت والفش ُل‪ .‬تؤثر بفعالي ٍة‬ ‫المتاعب‪ ،‬اإلهانا ِ‬
‫هذا الجري الذي يدوم شهرا‪-‬شهرين‪ ،‬أتمكن عادة من حل المسألة‪.‬‬
‫ب الناس المبدِعين إلى الخطر‬ ‫لدى تحليلي لهذا‪ ،‬فهمتُ س َبب انجذا ِ‬
‫تدميرهم الدائم لنمط عم ِلهم وحياتهم‬ ‫ِ‬ ‫ب‬
‫والمواقف المتطرفة‪ ،‬س َب َ‬
‫حبهم‪ .‬كلما اشت َّد انفصال نفس اإلنسان عن كل‬ ‫ب ِشدَّة ِ‬‫المعتا َدين‪ ،‬س َب َ‬
‫حررة‪.‬‬‫متعلقة به‪ ،‬ازدادت كميَّة الحب ال ُم َّ‬ ‫ما هي ِ‬
‫لهذا السبب‪ ،‬في عدد كبير من المدارس الباطنية السرية كان‬
‫الشخص "يُأر َج ُح" بواسط ِة الموا ِد المسبِبة للهلوسة والقيو ِد الصارمة‬
‫والتجارب التي تُناهز الموت لدرج ٍة أنه كان قادرا على إنجاز قفزة‬
‫ي لدى الشخص كافيا‬ ‫الحب الطبيع ُّ‬ ‫ِ‬ ‫نوعية إلى األمام‪ .‬إن كان مخزون‬
‫(مثال‪ ،‬هو كان في الحياة الماضية مؤمنا بعمق وطيب النفس)‪ ،‬فهو‬
‫ُحقق نتائج ممتازة‪ .‬لكن عدد هؤالء كان‬ ‫كان يتخطى هذه التجارب وي ِ‬
‫ُطردُ‪.‬‬
‫قليال‪ .‬اختيار التالميذ كان صارما‪ ،‬عدد كبير كان يموت أو ي َ‬
‫إذا‪ ،‬موضوع الزمان والتدمير غير خاضع لي‪ ،‬وأنا أشعر بذلك‪.‬‬
‫من الضروري حل هذه المسألة على المستوى العام على األقل‪.‬‬
‫أتذ َّكر مجددا ينابيع المياه المعدنية‪ .‬من خالل األمعاء تؤثر‬
‫المعلومات على طبقات الوعي الباطن العميقة‪ .‬من ناحية يحصل‬
‫ُطوق تعلُّقه‬‫اإلنسان على معلومات خاصة بالتدمير‪ ،‬األمر الذي ي ِ‬
‫ت خاصة‬ ‫بالعالم المحيط‪ ،‬ومن ناحية أخرى هو يحصل على معلوما ٍ‬
‫بالحب موجودةٍ في البُنيات التي ت ُ َد َّمر‪ .‬تبدأ في الوعي الباطن‬
‫العمليات نفسها التي تحصل لحظة الموت وخالل الصالة‪.‬‬
‫عد ٌد كبير من المواد الغذائية التي نأكلها هي نتيجة تخ ُّم ٍر‪ .‬روت‬
‫لي امرأة عن أكل ٍة فخمة – البيض األسود‪ .‬البيضة التي ُدفِنَت في‬
‫األرض ألكثر من سنة تكتسب طعما ال مثيل له وتُعتبر أكلة فخمة‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫عندما يشرب الشخص البول ألهداف عالجية‪ ،‬يحصل‪ ،‬على ما‬
‫ت التدمير‪ ،‬مثلما يحصل لدى شرب الماء من‬ ‫تأثير معلوما ِ‬
‫ُ‬ ‫يبدو‪،‬‬
‫أن أشخاصا شفيوا من األمراض بعد‬ ‫ينابيع المياه المعدنية‪ .‬سمعتُ َّ‬
‫أن الطين العالجي يتمتَّع‬
‫الزبل أو األرض‪ .‬يبدو َّ‬
‫أن استلقوا في ِ‬
‫بالمفعول ذاته‪.‬‬
‫‪ -‬بدأت مفاصلي تؤلمني‪ .‬وال يسعني التخلص من الرشح‪- ،‬‬

‫يشاركني صاحبي الجالس معي في حمام بخاري‪..‬‬
‫‪ -‬غيرة‪ - ،‬أعلمه أنا‪.‬‬
‫‪ -‬غريب! – يستغرب هو‪ – .‬لم أالحظ ذلك على نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬أنت يُخيَّل إليك فقط‪ .‬لكن في الواقع هي قابعة في الداخل‪.‬‬
‫‪ -‬وما سبب األلم في البانكرياس؟‬
‫‪ -‬البانكرياس – هو العالقات مع اإلنسان المحبوب‪.‬‬
‫بكفه على رقبته‪:‬‬ ‫هو يُربِتُ ِ‬
‫‪ -‬ولما تؤلمني رقبتي؟‬
‫‪ -‬زعل من النساء‪.‬‬
‫‪ -‬بعد أن أرسم لوحة يؤلمني وركي‪.‬‬
‫‪ -‬هذا قمع للحب في نفسك بسبب الزعل من النساء‪.‬‬
‫‪ -‬ولما اآلن تحديدا؟‬
‫‪ -‬نفوس أبنائك المستقبليين تقترب‪ .‬اآلن فصل الربيع‪ ،‬يشتد االتصال‬
‫بالمستقبل (في الخريف يشتد االتصال بالماضي)‪ .‬إن كانت توجد‬
‫في نفوس األبناء "أوساخ"‪ ،‬أي خطايا‪ ،‬بمقتضى األمر‪ ،‬تنشأ لديك‬
‫مشاكل‪ .‬لقد كتبت في الكتاب األول عن تفعُّل برنامج التدمير الذاتي‬
‫الخاص بالبشرية‪ - ،‬حكما‪ ،‬لقد بدأ ذلك بالفعل في أواخر العام‬
‫‪ .1995‬كون المقاييس كبيرة‪ ،‬ال يمكن مالحظة ذلك فورا‪ .‬إال َّ‬
‫أن‬
‫تعاظم بعض العمليات السلبية بات ملحوظا‪.‬‬
‫أن التعلقات‬ ‫َّ‬
‫يلوح بيده صاحبي‪ – .‬لقد تكلمتَ عن َّ‬ ‫‪ -‬حسنا‪ِ - ،‬‬
‫باإلنسان المحبوب‪ ،‬العائلة تُسبِب الغيرة‪َّ .‬‬
‫وإن التعلقَ باإلبداعِ والغيرة ُ‬
‫‪57‬‬
‫على مستوى الطاقة – هما الشيء عينه‪ .‬هل ينتج عن ذلك إني إن‬
‫شعرتُ بالغيرة فسأتعلَّق باإلبداع وقد أفقد إمكانياتي اإلبداعية؟‬
‫‪ -‬طبعا‪.‬‬
‫‪ -‬عدا عن ما كتبت َهُ في الكتاب‪ ،‬ما الذي يمكنك أن تنصح به؟‬
‫سك بالقيم اإلنسانية‪.‬‬‫ع عن الموقف دوريا لكي ال تلتحم نف ُ‬ ‫‪ -‬االنقطا َ‬
‫السكر‪ - ،‬ومع‬ ‫أنظر‪ ،‬يعمل الرسام‪ ،‬ثم يترك كل شيء ويغوص في ِ‬
‫ذلك يُبدِع بشكل طبيعي‪ .‬لكن إن استمر في العمل‪ ،‬هو قد يفقد‬
‫إمكانياتِه االبداعية أو يجن‪ ،‬أو يجب أن تنهار حياته الشخصية‪ ،‬أي‬
‫المقربين‪ .‬ليس صدفة أ َّن‬
‫َّ‬ ‫أنه قد يفقد المرأة التي يحبها واألشخاص‬
‫في عصر النهضة كان الرسامون يأخذوا نذر العفة‪ .‬علينا االبتعاد‬
‫دوريا عن الناس الذين نحبهم والعم ِل المفضَّل‪ .‬كلما كان االنقطاع‬
‫أشدَّ‪ ،‬جرى اإلبداع بشكل أفضل في المستقبل‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا بخصوص الحياة؟ ‪ -‬يسأل محدثي بفضول‪.‬‬
‫‪ -‬توجد في اليوغا وضعيَّة اسمها – شافاسانا‪" ،‬وضعية الجثَّة"‪ .‬هي‬
‫أفضل وضعية للتأمل‪ .‬تسميتُها ليست صدفة‪ .‬االسترخاء‪ ،‬تقييد‬
‫التنفس‪ ،‬االختالء بالذات‪ ،‬األلعاب القتالية الشرقية – هذا كله يسمح‬
‫باالنفصال ألقصى درجة عن المواقف الحياتية ال ُمعتادة‪ ،‬ما يُساعد‬
‫في اإلبداع والحياة الشخصية‪ .‬وطبعا‪ ،‬الحمام البخاري‪.‬‬
‫‪ -‬ها نحن جالسان في الحمام! – يهتف صاحبي سعيدا ويبدأ صف َع‬
‫بالمقَ َّ‬
‫شة‪.‬‬ ‫ذاته باجتهاد ِ‬
‫‪ِ -‬ل َم يشربون الفودكا بعد الحمام؟ ‪ -‬يسأل هو‪ – .‬من أجل االنفصال‬
‫عن الموقف بعمق أكبر؟‬
‫بدأت أروي كيف قبل حوالي ال‪ 20‬سنة كانت تجتمع مجموعة‬
‫مكونة من ‪ 8-6‬أشخاص‪ .‬أول‬ ‫جيدة من محبي الحمام البخاري َّ‬
‫ساعتين كان ك ُّل واحد يستحم كما يشاء‪ .‬ثم ينقطعون عن الحمام لمدة‬
‫نصف ساعة‪ ،‬يشربون العصير ويتواصلون‪ ،‬يتحدثون‪ .‬بعد ذلك كان‬
‫ضع أ َحدُهم على أرض الحمام البخاري ويقوم اآلخرون بالتناوب‬ ‫يُو َ‬
‫بتحميمه بالمكنسة والبخار حتى إنهاكه‪ .‬ثم يقوم ‪ 6-5‬أشخاص‬
‫بتدليكه حتى ترتخي عضالته تماما‪ .‬عندما كان يصبح عاجزا حتى‬
‫‪58‬‬
‫عن رفع يده‪ ،‬كان يُقاد إلى المسبح حيث يُح َّمم بحدود الخمس دقائق‪.‬‬
‫ت الماء الدافئ‪ ،‬ثم الما ُء‬‫الطس ِ‬
‫ضع على المقعد ويُدلق عليه من ِ‬ ‫ثم يُو َ‬
‫الفاتر‪ ،‬الساخن والبارد‪ .‬ثم عدة مرات يُدلَق عليه الماء شبه المغلي‬
‫وبعده المثلَّج فورا‪ .‬ثم عدة مرات الدافئ‪ .‬بعد ذلك فقط كان يُترك‬
‫الشخص لشأنِه‪ .‬كان يرقد لحوالي الثالثين دقيقة في غيبوبة‪ .‬خالل‬
‫الست ساعات التي كنا نستحم‪ ،‬كان يتسنى المرور بهذه العملية‬
‫لنصف المجموعة فقط‪ .‬كان الشعور بعد ذلك كأنما ولِدتَ من جديد‪.‬‬
‫الحديث المستحمون الجالسون في الجوار‪.‬‬‫َ‬ ‫يدخل‬
‫أن شخصا استحم في حمام بخاري بشدة‪ ،‬فمات‪...‬‬ ‫‪ -‬هل تعلمون َّ‬
‫‪ -‬يا رجال‪ ،‬تذكروا ثالث نقاط أساسية‪ - ،‬أقول أنا باحتفالية‪ – .‬لكي‬
‫ال يتوقَّف القلب في الحمام وليتمكن الجسم من تحمل الضغط‪ ،‬يجب‬
‫ترك المزاج السيء‪ ،‬الندم على الماضي والخوف من المستقبل عند‬
‫العتبة‪ .‬في الحمام نفسه – عد ُم السب واالنفصال عن كل شيء‬
‫ألقصى حد‪ - ،‬ذلك يقتصد الطاقة‪ .‬المبدأ األساسي الثاني‪ :‬يجب‬
‫الذهاب إلى الحمام بانتظام‪ - ،‬حينها سيصبح الجسم مستعدا للعبء‬
‫المفرط وسيتمكن من تح ُّمله‪ .‬إضافة لذلك العبء المفرط يزيد من‬
‫المناعة تجاه األنواع األخرى من العبء المفرط والمعاناة في الحياة‪.‬‬
‫ش ِرف الموت في الحمام البخاري‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬من ال ُم َ‬
‫يضحك المستحمون‪ .‬أحد ما يُضيف إلى طست الحمام قصب‬
‫النعناع ويُضيف البخار‪.‬‬
‫أتذكر القصة التالية‪ .‬كانت امرأة تدهن زوجها المصاب بالشلل‬
‫تجره إلى الحمام البخاري وتحممه بقسوة بالمكنسة‪ .‬بعد‬ ‫بالعسل‪ ،‬ثم ُّ‬
‫شهرين نهض وسار‪ .‬يمكن فهم هذه الحالة دون أي تشخيص‪.‬‬
‫المرض هو توتر غير ُمتخَطى‪ .‬نحن نعجز عن تحمل التوتر عندما‬
‫يكون الحب في النفس ضئيال‪ .‬هذه المرأة كانت تعطي زوجها أكبر‬
‫قدر من الحب وأكبر قدر من التوتر‪ .‬بهذه الطريقة علَّمت زوجها‬
‫أن كلما فكرنا بالحب‬ ‫الحفاظ على الحب في أي موقف كان‪ .‬أظن َّ‬
‫أكثر‪ ،‬تضاءلت الحاجة للتفكير باألدوية‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫أتذكر حديثا مثيرا لالهتمام حصل في ربيع عام ‪ .1995‬زارني‬
‫في الورشة شخص يعيش في "كامتشاتكا"‪ .‬روى لي عن ظواهر‬
‫غريبة تحصل هناك غالبا‪.‬‬
‫‪ -‬حين يحصل ثوران بركاني‪ ،‬مفاهي ٌم كالزمان‪ ،‬المكان‪ ،‬الجاذبية‬
‫ي فيلم فيديو يظ َهر فيه عا ِلم براكين يُن ِقذ‬
‫تتغيَّر بشكل جوهري‪ .‬لد َّ‬
‫نفسه من حجر يتدحرج على المنحدر‪ .‬عا ِلم البراكين يركض‬
‫لألسفل‪ ،‬ثم إلى اليسار على شكل قوس‪ ،‬ثم لألعلى على المنحدر‪.‬‬
‫ثوان يبدأ الحجر التحرك لألعلى‬ ‫ٍ‬ ‫لدى الحجر المسار نفسه‪ .‬بعد عدة‬
‫على المنحدر ويقتل عالم البراكين‪.‬‬
‫‪ -‬توجد في إقليمنا ينابي ٌع تُعيد البصر إلى حالته الطبيعة‪ - ،‬يُتابع‬
‫الرجل قصته‪ – .‬يوجد نبع حيث حتى المصابون بالشلل يبدؤون‬
‫السير بعد أن يسبحوا فيه‪ .‬يوجد مكان حيث ال يمكن النوم‪ - ،‬هناك‬
‫يُعاني اإلنسان من الهلوسات وقد يفقد عقله‪.‬‬
‫بحثت عن السبب على المستوى الرفيع‪ :‬السبب تحت األرض‪.‬‬
‫صهارية بكثافة عالية وتو ُّج ٍه معلوماتي‪ .‬الصخور‬ ‫تتمتَّع الصخور ال ُ‬
‫ذات البُينة اللولبية أو الدائرية تُغيِر الخصائص المكانية‪-‬الزمانية‪.‬‬
‫يحصل تغي ٌُّر هام في توتر الحقل المغنطيسي‪ .‬إن كانت هذه الصخور‬
‫واقعةً بالقرب من سطح األرض‪ ،‬فإن األجسام الحية تقع ضمن إطار‬
‫تأثيرها‪.‬‬
‫‪ -‬أتعلم‪ - ،‬روى محدثي‪ - ،‬لدينا أماكن يجري فيها الزمان بشكل‬
‫مختلف تماما‪ .‬تتوقف هناك الساعات الميكانيكية وااللكترونية‪.‬‬
‫السكان المحليون‪ ،‬األتيلمان‪ ،‬كانوا يخشون هذه األماكن في البداية‬
‫ُمعتبرين أنها مسكونة باألرواح الشريرة‪ ،‬لكن الحقا بدؤوا‬
‫يستعملونها ألهدافهم‪ .‬لنفترض أنَّه كان من الضروري حل مسألة‬
‫هامة ذات أهمية لحياة القبيلة‪ .‬كان عدة أشخاص يتو َّجهون إلى موقع‬
‫معيَّن‪ - ،‬مجرد التواجد هناك كان يتطلَّب الكثير من الشجاعة‪ ،‬وقُرابَة‬
‫الصباح كانت تُفت َح لديهم قدرات االستبصار‪ ،‬كانوا يبدؤون برؤية‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫بعد التواجد المتكرر في هذه األماكن كانت تظهر عند البعض‬
‫قدرات غير اعتيادية‪ .‬مثال‪ ،‬تكاث َر في المرعى عدد كبير من‬
‫األفاعي‪ ،‬والحيوانات تخشاها‪ .‬كان الشخص يقترب من المكان حيث‬
‫تجتمع األفاعي‪ ،‬وبواسطة التعاويذ يأخذها معه‪ .‬خالل عدة ساعات‬
‫كان المرعى يُط َّهر تماما من األفاعي‪ .‬ثم‪ ،‬بعد انتهاء الرعي‪ ،‬كان‬
‫سهُ‪ ،‬بواسطة التعاويذ نفسها يُعيد األفاعي إلى حيث كانت‪.‬‬ ‫الشخص نف ُ‬
‫بحثت عن سبب إمكانية التأثير على سلوك الكائنات الحية بواسطة‬
‫ع ُم بالجهد‬ ‫نعبر عنها لُغ ِويا تُد َ‬
‫التعاويذ‪ .‬إن كانت المعلومات التي ِ‬
‫اإلرادي‪ ،‬فهي مبدئيا تُؤثر على الكون كله‪ .‬درجة تأثيرها ت ُ َحدَّد‬
‫بمستوى قربنا من الخالق‪.‬‬
‫على المستوى الداخلي العميق االتصا ُل باهلل لدى جميع الناس‬
‫متساوي‪ .‬لكن على المستوى الخارجي يكون االختالف هاما‪ .‬بالتالي‬
‫فإن طبقة الحب السطحية عند اإلنسان قد تملك درجة مختلفة من‬ ‫َّ‬
‫أن الحب الداخلي غير مرتبط‬ ‫االرتباط بالعالم الخارجي‪ ،‬في حين َّ‬
‫بشيء‪ .‬على المستوى العميق نحن مو َّحدون مع هللا جميعا وكاملون‬
‫تماما‪ .‬على المستوى الخارجي كمالُنا يُح َّد ُد بدرجة عدم ارتباط حالنا‬
‫بالعالم المحيط‪ .‬كلما كان اإلنسان أكثر استقاللية‪ ،‬ازدادت قدرته على‬
‫تحمل تدمير متزايد‪.‬‬
‫مكون من أجسام (أو طبقات) مختلفة‬ ‫اإلنسان مثل الماتريوشكا‪َّ ،‬‬
‫ً‬
‫الكثافة‪ .‬كلما كانت الطبقة أكثر ِرفعَة‪ ،‬ازداد استقرارها وازدادت‬
‫المعاناة لدى إفقادها الستقرارها وتدميرها‪ ،‬ومع ذلك ازدادت كمية‬
‫إن إفقا َد البنيات النفسية الباطنة‬ ‫الحب والطاقة التي ت ُ َّ‬
‫حرر‪ .‬لذلك ف َّ‬
‫لالستقرار بشكل دوري مع منح الجسم إمكانية الراحة يؤدي إلى أ َّن‬
‫ف‬ ‫وتركيزه ينتقالن إلى طبقات أكثر ِرفعَةً‪ .‬ي ُك ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ارتكاز اإلنسان‬
‫ِ‬ ‫نقطةَ‬
‫اإلنسان عن االرتباط بالعوامل التي هو كان عبدا لها مؤخرا‪.‬‬
‫االرتباط بالحقول المغناطسية‪ ،‬ال َجذبِيَّة والزمانية ينخفض‪ ،‬فتزداد‬
‫أن‬ ‫إمكانيات التأثير على البيئة المحيطة والتحكم بها أضعافا‪ .‬يعني َّ‬
‫التواجد في األماكن حيث الخصائص المكانية‪-‬الزمانية غير مستقرة‬
‫‪61‬‬
‫ُسبب لبعض الناس كآبة وأمراضا‪ ،‬وعند آخرين – نموا سريعا‬ ‫قد ي ِ‬
‫وانفتاحا للقدرات‪.‬‬
‫عندما بحثت على المستوى الرفيع عن المناطق غير المستقرة‬
‫األساسية على األرض‪ ،‬تبيَّن أنها مناطق الهماليا والبرازيل‪ .‬في‬
‫الهماليا هذه المناطق واقعة على السطح‪ ،‬في البرازيل ‪ -‬تحت‬
‫تحر ِك كميات معلوماتية‬
‫األرض‪ .‬طاقة كوكب األرض مرتبطة ب ُّ‬
‫كبيرة في داخلها‪ .‬نتيجةً لذلك تتغيَّر التيارات المعلوماتية على سطح‬
‫األرض‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫بُنيات جديدة‬
‫ط أساسي‬ ‫استقرارها وإعادة تنظيمها دوريا هو شر ٌ‬
‫َ‬ ‫الصالت‬‫إفقا ُد ِ‬
‫للتطور‪ .‬كوكب األرض يغير دوريا أنماطه الجذبي‪ ،‬المغناطيسي‬
‫والزماني‪ .‬لدى الشمس نبضات مماثلة‪ .‬تغيُّراتٌ مماثلةٌ لألنما ِط‬
‫صادرة ٌ من مركز المجرة تكون أحيانا قويةً لدرج ٍة أنَّه تموتُ على‬
‫كوكب األرض مجموعات كبيرة من الكائنات الحية‪.‬‬
‫حين نشرب ما ًء َم َّر عبر الطبقات األرضية زمن الكوارث‬
‫الطبيعية‪ ،‬من المر َّجح أننا نحصل على معلومات خاصة بالتغيرات‬
‫الحادة للبنيات مكانية‪-‬زمانية‪ - ،‬وهذا ما يُشفينا‪ .‬توجد آالت للتمرين‬
‫َخطيا ال ُجهد‬‫يقوي اإلنسان صحته وجهازه العصبي عليها ُمت ِ‬
‫الفيزيائي‪ .‬من الممكن أن تظهر في المستقبل آالت تمرين سيتعلمَّ‬
‫الناس عليها التأقلم مع تغي ُِّر الخصائص المكانية‪-‬الزمانية وليس مع‬
‫تغيُّر الخصائص الفيزيائية فقط‪.‬‬
‫خالل الفترة األخيرة لدى دراستي لموضوع قدرات اإلنسان‬
‫مرة بأنَّه دون تأثير قوى التدمير يستحيل التطور‪.‬‬ ‫أقتنعتُ ألكثر من َّ‬
‫أن الدمار فوضى‪ .‬لكن الفوضى‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬هي‬ ‫يبدو لنا غالبا َّ‬
‫أن البنية المناقضة للزمان التي كنت‬ ‫درجة النظام العُليا‪ .‬هذا يعني َّ‬
‫أدخل في اتصال معها خالل أبحاثي هي منظومة ذات درجة أعلى‪.‬‬
‫لدى دخولها إلى كونِنا هي تقوم بتدميره‪.‬‬
‫كون اإلنسان يتفاعل مع هذا الكيان على المستوى الرفيع‪ ،‬يُمكن‬
‫أن يُ َمثَّل هذا الكيان كأحد القيم البشرية‪ .‬أنا أعطيته مصطلح‬
‫أن الكمال يتخطى حدود المادة‪ ،‬المكان‬ ‫"الكمال"‪ .‬ينتج عن ذلك َّ‬
‫والزمان‪ ،‬ويمكن جعله هدفا بحد ذاته هو كذلك‪ ،‬ثم‪ِ ،‬وفقا لذلك‪،‬‬
‫المرض والموت‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬إضافة إلى حب الناس والكون‪ ،‬توجد قيمة هامة أخرى –‬
‫يتحول من‬‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان الكمال قيمة مطلقة‪ ،‬فهو‬ ‫الكمال و ُحبُّه‪ .‬إن ج َع َل‬
‫‪63‬‬
‫دمر ويرغب في تدمير الكون كله إذ يبدو له الكون غير‬ ‫ُمبدِعٍ إلى ُم ِ‬
‫كامل‪.‬‬
‫هذه هي الشيطنة بعينها‪ .‬الشيطان هو رمز التدمير‪ .‬تذكرت قصة‬
‫أن هللا خلق‬ ‫تحول المالك إلى شيطان‪ .‬هو تعلق بالكمال إذ اعتبر َّ‬ ‫ُّ‬
‫بأن العالم غير كامل‪ ،‬احتقار‬ ‫فإن الشعور َّ‬ ‫كونا غير كامل‪ .‬بالتالي َّ‬
‫الناس غير الكاملين‪ ،‬أكانوا ناسا آخرين أو الذات‪ - ،‬هو بذور‬
‫الشيطنة‪.‬‬
‫الكمال – هو سعادة عظيمة عندما يكون وسيلة لتخزين حب هللا‪،‬‬
‫سئلتُ‬
‫لكن الكمال يصبح مأساة عندما يتحول إلى هدف بحد ذاته‪ .‬لو ُ‬
‫قبل زمن قريب فيما يكمن مغزى الحياة‪ ،‬ألجبتُ ‪ :‬في السعي للكمال‪.‬‬
‫كلما كنا نحمل حقائق إنسانية أكثر كماال‪ ،‬كلما كانت طموحاتنا‬
‫أكثر ُر ِقيا‪ ،‬ازدادت المسؤولية التي نتح َّملها واشت َّد إغراء جعلها هدفا‬
‫ناسين هللا‪ .‬فكرت طويال ِل َم األمر هكذا تحديدا‪ ،‬ثم فجأة وبسهولة‬
‫صة من الحب‪ - ،‬منها‬ ‫اتضح كل شيء‪ .‬توجد في النِعم المادية ِح َّ‬
‫تحديدا نحن نحصل على اللذة‪ .‬في النِعم الروحية توجد حصة أكبر‬
‫من الحب؛ في الزمانية – أكثر بعد‪ .‬كلما كان حجم الكيان الذي‬
‫نتفاعل معه أهم‪ ،‬ازداد الحب في نفسنا‪ ،‬أي ازدادت المزايا اإللهية‪،‬‬
‫وازداد اإلغراء في جعل هذه الحص ِة الكبيرة من الحب‪ ،‬لكن‬
‫المحدودة رغم ذلك‪ ،‬هدفا ونسيان الالنهائي – هللا‪.‬‬
‫كل منا ُجزيء أبدي من هللا‪ ،‬أما في األغشية‬ ‫يوجد في نفس ٍ‬
‫السطحية األخرى فتحصل زيادة في كميَّة الحب ويحصل اقترابٌ‬
‫من المثال الذي نحمله في ذاتنا‪ .‬مقدَّر على اإلنسان الترقي إلى‬
‫درجات سعادة متزايدة – الترقي نحو هللا‪ُ .‬مقدَّر على اإلنسان تخزين‬
‫قوة أكبر وعيش معاناة متزايدة عند تخطيه إغراء التوقف على إحدى‬
‫الدرجات إثر وض ِع ِه ذات َه في حالة ارتباط بها إثر جعلها هدفا‪.‬‬
‫تخطيت حدود الكون ول َمستُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تخطيتُ مرحلة معيَّنة‪ .‬لقد‬ ‫إذا‪ ،‬لقد‬
‫قيمة أخرى أعطيتها اسم – "الكمال"‪ .‬اآلن على هذا النموذج أن‬
‫يُثبَتَ خالل العمل مع المرضى ويُت َحقَّق منه بتجربتي الشخصية‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫س عند المريض نقطة األلم‪،‬‬ ‫ألتم ُ‬
‫بدأ هذا النموذج بالعمل‪ .‬عندما ِ‬
‫يُ َحدَّد ذلك فورا بردَّة فعله‪ .‬في السابق كنتُ أرى لدى المريض تعلقا‬
‫بالصورة االجتماعية والقدرات‪ ،‬أما اآلن فقد بات يبدو ذلك مختلفا‬
‫بعض الشيء‪.‬‬
‫أتحدث عبر الهاتف مع امرأة‪.‬‬

‫أن نقطة ألمك هي الصورة االجتماعية‪،‬‬ ‫لك َّ‬
‫‪ -‬سابقا كنت أشرح ِ‬
‫أن خلف ذلك يستتر تعلُّ ٌق بالكمال‪ .‬بالنسبة‬ ‫والمركز االجتماعي‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫لك الكما ُل – هو هدف ومغزى الحياة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬طبعا! – تستغرب هي‪ – .‬كيف يمكن أن يكون غير ذلك؟ هذا‬
‫أمر طبيعي تماما‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬غير طبيعي‪ - ،‬أ ُع ِلمها أنا‪ – .‬ال يجب أن يكون الكمال هدفا‪،‬‬
‫مجرد وسيلة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫هو دائما‬
‫تتصل المرأة مجددا في اليوم التالي‪.‬‬
‫‪ -‬بدأت تحصل أمور خرافية‪ - ،‬تروي هي‪ – .‬األجهزة التي أعمل‬
‫تعطلت‪ .‬في المنزل أفتح باب الخزانة – يقع الباب‪ .‬كل ما‬ ‫َّ‬ ‫عليها‬
‫ألمسه يبدأ باالنهيار أمام عيناي‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا‪ - ،‬أؤكد أنا‪ – .‬عندما ذكَرتُ السبب ارتفع البرنامج إلى‬
‫وإن التعلق بالكمال يعمل كتدمير‬ ‫السطح وبدأ يعمل بشكل ناشط‪َّ .‬‬
‫مجرد‬
‫َّ‬ ‫لك‬
‫للعالم المحيط‪ .‬ص ِل من أجل أن يصبح الكمال بالنسبة ِ‬
‫وسيلة لحب هللا‪ ،‬حينها سيعود كل شيء إلى طبيعته‪.‬‬
‫في مدينة نيويورك أستقبل في العيادة رجال صينيا عجوزا‪ .‬لمدة‬

‫‪ 500‬سنة عالج أجدا ُده باإلبر‪.‬‬
‫‪ -‬أموري ال تجري جيدا‪ - ،‬يتشارك هو معي‪.‬‬
‫ثم يروي عن شبابه‪ .‬في الصين بدأت الثورة‪ ،‬فخسر هو كل شيء‪،‬‬
‫صيب بالسل الرئوي‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبعد مرور بعض الوقت أ ُ‬
‫‪ -‬كانت في رئتاي ثقوب بعرض ‪ 3‬سنتمترات‪ - ،‬يتذكر الصيني‪- ،‬‬
‫وقد أشفاني حينها شخص‪ .‬تمارين التاي‪-‬تشي الصينية – هذا ما‬
‫‪65‬‬
‫ساعدني‪ .‬أنا حتى اآلن أمارس هذه التمارين لمدة نصف ساعة يوميا‬
‫لتجميع الطاقة‪.‬‬
‫إن الس َّل الرئوي في الماضي والمشاكل الحالية مرتبطان تماما‪.‬‬ ‫‪َّ -‬‬
‫أنت لست متعلقا ال بالقيم الدنيوية وال الروحية‪ .‬لكن كان هدف‬
‫ومغزى حياتك حبُّ الناس‪ ،‬العالم المحيط‪ ،‬وكذلك الكمال‪ .‬في‬
‫االشتراكية تحصل إهانة هذه القيم تحديدا‪ - ،‬غير الكاملون والقُساة ُ‬
‫يبدؤون التحكم باألشخاص النبالء والكاملين‪.‬‬
‫‪ -‬بدأتَ تُسيء التفكير بالعالم المحيط وتزعل منه‪ - ،‬أتابع أنا‪- ،‬‬
‫لذلك أ ُصبتَ بالسل الرئوي‪ .‬نحن ندين بوعينا‪ .‬إن كان العالم المحيط‬
‫فإن أهميَّة األنا الداخلية الخاصة بنا تزدا ُد بسرعة هائلة‪.‬‬ ‫ال يُعجبنا‪َّ ،‬‬
‫يمكن إيقاف ذلك إما بتصحيح الرؤية الوجودية‪ ،‬أو بتقليص األنا‬
‫الداخلية بواسطة ممارسات مختلفة‪ .‬لكن من األفضل القيام باالثنين‬
‫معا‪.‬‬
‫عندما تقوم بحركات بطيئة‪ ،‬سلسة‪ ،‬أنت تنقطع عن إيقاع الوعي‬
‫المعتاد‪ .‬وعندما ت ُغيِر نمط التنفس‪ ،‬حينها يُكبَ ُح تقييم العالم المحيط‬
‫بحدة‪ .‬هل يمكنك أن تريني كيفية قيامك بهذه التمارين؟‬
‫‪ -‬طبعا‪.‬‬
‫نحن نقف مقابل بعضنا‪ ،‬ويبدأ طقس قطع "األنا"‪.‬‬
‫‪ -‬األرجل تتحرك في مربع‪ - ،‬يشرح العجوز‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أفهم‪ ،‬هذا يُساعد في الحفاظ على اإليقاع‪.‬‬
‫سة‪ ،‬تتحول حركة إلى أخرى‪ .‬كلما كانت الحركات‬ ‫س ِل َ‬
‫‪ -‬الحركات َ‬
‫أبطأ‪ ،‬بات األمر أفضل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫أنا أهز برأسي‪ .‬كلما كانت الحركات أكثر سالسة وبُطأ‪ ،‬تطلبَت‬
‫انتباها أكبر‪ ،‬ما يقطع الوعي جيدا عن جميع المشاكل‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬عندما تقو ُم بنقل راحت َي يديك يجب النظر إليهما‪ ،‬وعندما ت َح ِرك‬
‫ظر إلى هذا الجزء من الراحة‪- ،‬‬ ‫الكفين باالتجاه المعاكس لجسمك أ ُن ُ‬
‫يُشير الصيني‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫أن المالحظة األخيرة هامة للغاية‪ .‬ال يُذ َكر في‬ ‫على فكرة‪ ،‬تبيَّن َّ‬
‫أن من الضروري تركيز البصر على‬ ‫كتب التمارين وال الفيديوهات َّ‬
‫راحت َي اليد‪ .‬هذا يُساهم في زيادة كبح الوعي‪.‬‬
‫ض َّم طرف لسانك إلى‬ ‫‪ -‬عندما تقوم باالستنشاق‪ - ،‬يُتابع العجوز‪ُ - ،‬‬
‫خرج النفس أخ ِفض اللسان‪.‬‬ ‫سقف الحلق‪ .‬عندما ت ُ ِ‬
‫البصر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أهز رأسي مجددا‪ .‬كل ما هو مرتبط بعمل الوعي‪- ،‬‬
‫ُ‬
‫اللسان‪ ،‬راحتا اليدين‪ - ،‬يُكبَ ُح لحظة تنفيذ التمرين‪ .‬بعد هذه التمارين‬
‫سيكون مفعول العالج باإلبر أهم بكثير كون طاقة ال ُمعالج باإلبر‬
‫تنت ِق ُل إلى المريض‪.‬‬
‫يستمر الحديث‪.‬‬
‫ب العالم المحيط‪- ،‬‬ ‫‪ -‬يكمن األمر في أنك قد تعلَّقتَ بالكمال و ُح ِ‬
‫أشرح أنا للعجوز‪.‬‬
‫أن عمره كان ‪ 75‬سنة‪.‬‬ ‫في الحقيقة هو لم يكن يبدو عجوزا رغم َّ‬
‫‪ -‬لقد ظهرت لديك عدائية كبيرة تُجاه العالم الذي تبيَّن أنه غير كامل‬
‫وقاسي‪ - ،‬أُتابع أنا‪ - .‬طيبة نفسك قد أنقذتك‪ ،‬لذلك لم تُصابي بسرطان‬
‫الرئة‪ ،‬إنما بالسل الرئوي وتمكنت من الشفاء منه بسرعة‪.‬‬
‫صبُّ الماء البارد‪ ،‬االمتناع عن الطعام‪ ،‬تمارين التنفس‪ ،‬التمارين‬ ‫َ‬
‫الصينية يُضعفون "األنا" والعدائية الباطنة‪ .‬لكن إن لم تتغيَّر الرؤية‬
‫الوجودية مع ذلك‪ ،‬فمع شفائه الفيزيائي‪ ،‬يحصل اإلنسان على‬
‫أن المشاكل تنتقل من الجسد إلى المصير‪.‬‬ ‫متاعب في المصير‪ ،‬أي َّ‬
‫عليك فكريا استعادة حياتك ورؤية هللا خلف كل موقف مهما كان‬
‫الموقف غير منطقي‪ ،‬سخيف وغير عادل‪ .‬حينها سيزول االستياء‬
‫الداخلي من العالم المحيط‪ ،‬وبالتالي سيستقيم المصير‪.‬‬
‫كان من الضروري أن أتحقَّق من النموذج تحت اسم "الكمال"‬

‫سنِحت لي الفرصة‪.‬‬
‫على ذاتي خالل أسرع وقت ممكن‪ .‬سرعان ما ُ‬
‫بجانب المبنى حيث كنت أستقبل المرضى‪ ،‬كان يقع مكتب‬
‫"فونبيت" حيث كان من الممكن وضع الرهان على سباق الخيول‪.‬‬
‫المشترك‪َّ ،‬‬
‫لكن اآلن شيء ما جذبني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أنا لم ألعب يوما في الرهان‬
‫‪67‬‬
‫خرجت من المكتب‪ ،‬استدرت يسارا‪ ،‬ويعد عدة دقائق وجدت نفسي‬
‫أمام الباب الذي كان عشرات الناس يضعون الرهان خلفه‪ .‬أج ِهزَ ة‬
‫التلفاز المثبَّتة على الجدران كانت تُظ ِهر ما يحصل في ميدان سباق‬
‫الخيول‪.‬‬
‫لألسف كنت أجهل كيفية قول‪" :‬أنا أود أن أضع على الشوط كذا‬
‫تنزهت في‬ ‫وعلى هذا الحصان" باإلنكليزية‪ .‬حوالي الخمس دقائق َّ‬
‫البهو مراقبا ما يجري بفضول‪ .‬ثم استدرت وعدت إلى مكتبي‪ .‬الحظ‬
‫رحلتي أحد موظفي الشركة حيث كنت أستقبل المرضى‪.‬‬
‫‪ -‬تهتم بسباق الخيول؟ هل تريد أن تمتحن ِقواك في لعب الرهان‬
‫المشترك؟ ‪ -‬اقترح هو علي‪.‬‬
‫وافقت‪ ،‬لكن بدايةً اقترحت القيام بتجربة‪:‬‬
‫‪ -‬إذا‪ ،‬هكذا‪ :‬اذكر لي ألقاب األحصنة في السابق وأنا سأحاول تحديد‬
‫الرابح‪.‬‬
‫بدأنا التجربة‪ .‬على طاقة األحصنة المنتصرة أن تتغيَّر إذ تنتقل‬
‫الشوار‪ .‬قمت ب ِع َّدة محاوالت لكنها كانت عديمة الجدوى‪.‬‬ ‫إليها حالة َّ‬
‫حين حاولت تحديد سبب عدم قدرتي على الحصول على المعلومات‬
‫الدقيقة اكتشفت لدى ذاتي خوفا‪ ،‬عدم ثقة وندما‪ ،‬وهم نتيجة تعلٌّ ٍ‬
‫ق‬
‫أن لدي تعلُّقا ببنية الكمال تلك‪.‬‬ ‫بشيء ما‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫عدنا‬ ‫لمدة عدة ساعات قمت بإزالة التوجه للكمال لدى ذاتي‪ ،‬ثم أ َ َ‬
‫التجربة‪.‬‬
‫هو يذكر مجددا رقم الشوط ورقم األحصنة‪.‬‬
‫‪ -‬في الشوط الثالث ربح الرقم "تسعة"‪ - ،‬أعلنت أنا‪.‬‬
‫يهتف محدثي مستغربا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬تماما! –‬
‫ثم يعدد ببطء أرقام أحصنة الشوط الرابع‪.‬‬
‫‪ -‬انتصر الحصان رقم ثالثة‪ - ،‬أُع ِل ُن أنا‪.‬‬
‫يهز رأسه مجددا مستغربا‪.‬‬
‫‪ -‬الشوط الخامس‪ - ،‬أطلب أنا‪.‬‬
‫مجددا يعدد ببطء األلقاب‪.‬‬
‫‪ -‬انتصر "السابع"‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫هو ينظر إلي مبتسما‪:‬‬
‫‪ -‬صحيح تماما‪.‬‬
‫‪ -‬لنُتابع‪ - ،‬أتح َّمس أنا‪ – .‬الشوط السادس‪.‬‬
‫أنا أُصغي إلى ألقاب األحصنة التي يعدِدها ببطء مع وقفات‪ .‬في‬
‫الشوط السادس انتصر الحصان تحت الرقم أربعة‪ .‬الشوط السادس‬
‫سيجري بعد ‪ 15‬دقيقة‪ .‬إذا سينتصر الرقم "أربعة"‪.‬‬
‫‪ -‬الشوط السابع‪.‬‬
‫أستم ُع مجددا بإمعان إلى األلقاب التي يذكرها محدثي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أنا‬
‫‪ -‬في الشوط السابع سينتصر الرقم "ثمانية"‪.‬‬
‫‪ -‬كم تريد أن تضع على الشوط السادس؟ ‪ -‬يسألني صاحبي‪.‬‬
‫‪ 20 -‬دوالرا‪ - ،‬أ ُ ُ‬
‫جيب أنا‪.‬‬
‫‪ -‬يعود بعد عدة دقائق‪:‬‬
‫‪ -‬وضعتُ ‪ ،20‬الرابع يجري ‪ .1:4‬إن انتصر فسيكون ذلك ‪80‬‬
‫دوالرا من الربح الصافي‪ .‬إن ربح الرابع‪ ،‬كم ستضع على الثامن؟‬
‫‪ 80 -‬دوالرا‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬الثامن يجري ‪ .1:10‬إن انتصر فستحصل على ‪ 800‬دوالر‪ .‬لكن‬
‫من المستبعد أن ينتصر‪.‬‬
‫‪ِ -‬ل َم؟ ‪ -‬أسأل أنا‪.‬‬
‫‪ -‬كون األحصنةَ تطعمني‪ ،‬فأنا أعلم أي حصان سينتصر‪ .‬أنا أحسب‬
‫ُ‬
‫بالتحليل أي حصان سينتصر‪ .‬معدل ما أربحه في الشهر هو ‪5000‬‬
‫دوالر‪ .‬األحصنة تطعمني جيدا‪.‬‬
‫‪ -‬أي حصان يجب أن ينتصر في الشوط السابع إذا؟‬
‫‪ -‬أي حصان كان‪ ،‬عدا الثامن‪.‬‬
‫‪ -‬لقد ح َّمستني‪ .‬هيا نذهب لرؤية السباق على التلفاز‪.‬‬
‫لحقنا الشوط السادس‪ .‬في قاعة كبيرة عدة عشرات من األشخاص‬
‫ينظرون إلى الشاشات‪ .‬أرى رت َل أحصن ِة الشوط السادس‪ ،‬وفي‬
‫ط تُعدَّد فيه أرقام األحصنة‪ .‬رقمي "الرابع" يجري‬ ‫األسفل – شري ٌ‬
‫متصدرا‪ .‬أشعر بالفخر واالرتياح‪ .‬لكن فجأة يبدأ الحصان بالتخلُّف‪،‬‬
‫‪ -‬في البداية يرجع إلى المرتبة الثانية‪ ،‬ثم – الثالثة‪ .‬أنا أُدركُ أ َّن‬
‫‪69‬‬
‫تشخيصي كان صحيحا نس ِبيا للماضي‪ .‬أما فيما يخص المستقبل‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫تشخيصي ال يسوى شيئا‪ .‬في هذه اللحظة تحديدا يخرج "الرابع" إلى‬
‫يص ُل‬‫صدِر بثلث الجسم‪ِ ،‬‬ ‫األمام‪ .‬تماما قبل خط النهاية‪ ،‬سابقا ال ُمت َ‬
‫أوال‪.‬‬
‫‪ -‬هل ستضع ‪ 80‬دوالرا على "الثامن"؟ ‪ -‬يسأل صاحبي بفضول‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا‪ - ،‬أجيب أنا‪.‬‬
‫بعد أن وضعنا الرهان بقيت ‪ 15-10‬دقيقة قبل بداية الشوط‬
‫التالي‪ .‬ذهبنا إلى البار الواقع في الجانب المقابل وتناولنا الغداء‪،‬‬
‫وعندما عدنا كان الشوط السابع قد بدأ‪ .‬الحصان تحت الرقم ثمانية‬
‫كان يجري رابعا‪ .‬لم تُفارقني الثقة بأنه سيصل أوال‪ ،‬وقد وصال‬
‫أوال‪.‬‬
‫‪ 800 -‬دوالر من أول مرة – ليس سيئا‪ - ،‬يالحظ صاحبي‪.‬‬
‫حصلت على ‪.880‬‬
‫تشخيصك التحليلي؟ ‪ -‬أسأل أنا باستهزاء‪.‬‬‫ِ‬ ‫‪ -‬وما قصة‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬في سباق اليوم كانت التربة طينية‪ ،‬وأنا كنت أجهل ذلك‪ .‬في هذه‬
‫الحال تتصرف الخيول بطريقة مختلفة تماما‪ .‬على فكرة‪ ،‬لو أنت‬
‫طين متتاليين لحصلتَ اآلن‬ ‫شو َ‬‫وضعت الرهان على المنتصرين في َ‬
‫على ‪ 32‬ألف دوالر‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬غدا سنفكر في هذا الموضوع‪ - ،‬أجيب أنا‪.‬‬
‫مبدئيا أنا كنت راضيا‪ .‬موضوع الكمال يعمل بال عيب‪ .‬يعني أنَّ‬
‫بإمكان ذلك مساعدتي كثيرا في عالج المرضى‪.‬‬
‫مساء بدأت االستعداد لليوم التالي‪" .‬سأربح ‪ 50‬ألف دوالر‪،‬‬
‫قررت أنا‪ .‬لكن بعد ساعة انتابتني مشاعر‬ ‫ويكفي حتى اآلن"‪َّ - ،‬‬
‫ط‪ ،‬لسبب ما فق َدت الحياة ُ مغزاها‪ ...‬شعرتُ بحدة‬ ‫غريبة‪ .‬نشأ إحبا ٌ‬
‫أنه ال يجوز الحصول على مثل هذه "األجرة"‪.‬‬
‫إن بحوثي‪ ،‬وكذلك عالج المرضى – عم ٌل شاق‪ ،‬خطير ومتعب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫لو حصلتُ على مال كثير‪ ،‬طبعا‪ ،‬ما كنت ألترك عملي‪ ،‬لكن من‬
‫المستبعد أني كنت ألتابع االجتهاد والمخاطرة‪ ،‬ومن المستحيل التقدم‬
‫‪70‬‬
‫من دون هذا‪ .‬أدركتُ أن قدرتي على رؤية المستقبل ستُغلَ ُق غدا لكي‬
‫ال أتمكن من ربح مال كثير‪.‬‬
‫استمريت‬
‫َّ‬ ‫لكن قدرتي على االستبصار لم تُغلَق‪ .‬في اليوم التالي‬
‫في رؤية أي حصان سيصل أوال‪ .‬لكني لم أربح المال‪ .‬قبل وضع‬
‫الرهان‪ ،‬كنت أقوم بالتشخيص قبل الشوط‪ ،‬لكن كان يصل أوال‬
‫حصان آخر تماما‪ .‬في المرة الخامسة أو السابعة الحظ صاحبي‬ ‫ٌ‬
‫مستغربا‪:‬‬
‫‪ -‬أتعلم‪ ،‬لقد شاهدت على التلفاز كيف تركض األحصنة‪ .‬من ضمن‬
‫‪ 12-10‬حصان أنت تُشير بدقة إلى الحصان الذي سيجري أوال في‬
‫ص ِدر لكن ليس في‬ ‫مقطع معيَّن من الطريق‪ .‬أي أنك بالفعل ترى ال ُمت َ َ‬
‫خط النهاية‪ ،‬إنما قبله‪ .‬بطريقة ما يُزاح الزمان لديك‪.‬‬
‫الحقا‪ ،‬تابعت معلوماتي "السباحةَ"‪ .‬بعد استمراري في التجربة‬
‫لبعض الوقت اكتفيتُ ‪ .‬بات واضحا بالنسبة لي أني لن أعود ألربح‬
‫المال‪ .‬مبدئيا‪ ،‬أنا حصلت على األهم‪ :‬استوعبت الموضوع الجديد‬
‫ونجحت في التجربة‪.‬‬
‫حضر إلى ورشتي رج ٌل أعمى‪ ،‬بُتتُ قادرا على فَ ِ‬

‫هم‬ ‫عندما أ ُ ِ‬
‫األسباب العميقة لمرضه‪.‬‬
‫صبتُ بااللتهاب السحائي ما بعد السل‬ ‫ُ‬
‫صبت بالعمى عندما أ ِ‬ ‫‪ -‬لقد أ ُ ِ‬
‫الرئوي‪ - ،‬يروي المريض‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ألحدد أن لديه تعلقا بالقدرات والمصير المستقر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫في السابق كنت‬
‫ً‬
‫اآلن كنت أرى خلف ذلك كذلك رغبة في جعل الكمال هدف ومغزى‬
‫الحياة‪ .‬لهذا السبب كان لديه استياء وزعل مفرط من العالم المحيط‪.‬‬
‫ض ِيم الذي‬
‫ُطوق السل الرئوي كليا ِشدَّة ال َ‬
‫لهذا ظهر السل الرئوي‪ .‬لم ي ِ‬
‫يتحول إلى برنامج تدمير ذاتي‪ ،‬فظهر تطويق ثاني – التهاب‬ ‫َّ‬
‫السحايا‪ .‬لكنه أيضا لم يُوقِف برنامج التدمير الذاتي‪ ،‬فبدأت‬
‫المضاعفات التي سبَّبت فقدان البصر‪.‬‬
‫‪ -‬لديك تكبُّر هائل‪ - ،‬أشرح لهذا الشخص‪ – .‬أق ُّل فش ٍل‪ ،‬أبسط مشكلة‬
‫كانا يُسببان لديك استياء من ذاتك ومن العالم الخارجي‪ .‬كان يحصل‬
‫‪71‬‬
‫ألن الكمال قيمة مطلقة بالنسبة لك‪ .‬لكن الكمال هو ليس هللا‪.‬‬ ‫ذلك َّ‬
‫إن كل ما‬ ‫لذلك ال يجب أن يكون الكمال هدف ومغزى الحياة‪َّ .‬‬
‫سيتحول إلى نقيضه‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ستجعلُهُ هدفا غير هللا‬
‫استرجع فكريا حياتك كلها واحمد هللا على جميع اإلخفاقات‪،‬‬
‫أن الكمال بالنسبة لك وسيلة ٌ‬ ‫كرر َّ‬ ‫اإلهانات والمتاعب في المصير‪ِ .‬‬
‫لحب هللا‪ .‬إضافة للصالة من الممكن ممارسة تمارين التنفس‪ - ،‬في‬
‫حالتك يمكنها أن تنفع جيدا‪ .‬أكثر من أكل الثوم‪ .‬لكن األهم‪ :‬عليك‬
‫على المستوى العميق تغيير تو ُّجهاتك ال ِق َي ِمية‪ .‬أما الباقي – تقنيات‬
‫مجر ُد وسائل‬
‫َّ‬ ‫التنفس‪ ،‬صب الماء البارد‪ ،‬حمام الثوم وإلى آخره –‬
‫مسا ِعدة‪.‬‬
‫في واقع األمر عمليَّة انتقالي إلى مستوى ال ِقيَ ِم الجديد الواقع خلف‬
‫حدود الكون كانت أصعب وأكثر دراماتكيَّة بكثير مما قد تبدو‪ .‬لكني‬
‫تكون لدى القارئ‪.‬‬
‫صور العام عن ذلك قد َّ‬ ‫آمل َّ‬
‫أن الت َ ُّ‬
‫أن مشاكل قد أصابت زميلي‪ ،‬مشاكل خاصة بابنه‪ .‬حالة‬ ‫لقد كتبتُ َّ‬
‫رئت َي الصبي قد تدهورت‪ ،‬لم تنفعه أي أدوية‪ .‬منظومتي لم تأتي بأي‬
‫سن حالة‬ ‫نتيجة‪ .‬لكن ما إن أدركتُ مفهوم "الكمال" حتى بدأ َت تتح َّ‬
‫لحقتُ إيجا َد‬‫الصبي فورا‪ ،‬حتى أنه تعافى بعد يومين‪ .‬بهذه الطريقة ِ‬
‫الجواب عن المسألة الموضوعة أمامي‪.‬‬
‫سابقا‪ ،‬عندما كنت أنجح في حل مشكلة ما‪ ،‬كنت آخذ فترة من‬
‫الراحة تدوم ‪ 5-3‬أشهر‪ ،‬لكن في الشهر األخير بات الوقت ينضغط‪.‬‬
‫بعد شهر بدأ يأتيني مرضى مع تعلقات بمستويات أعلى بعدُ‪ ،‬لكن‬
‫تخطيت حدود الكون‪ ،‬باتت الخطوات التالية أسه َل‬ ‫َّ‬ ‫اآلن‪ ،‬عندما‬
‫بكثير‪.‬‬
‫ُ‬
‫مدمرة فذلك يعني وجو َد قوة خالقة‪ .‬سميتها‬ ‫ِ‬ ‫قوة‬
‫إن توجد َّ‬ ‫ُ‬
‫ب"اإلبداع‪ ،‬الخلق"‪ ،‬وبدأت فورا اختبار النموذج الجديد على‬
‫المرضى‪.‬‬
‫أنا أشرح للمرأة الجالسة أمامي‪:‬‬
‫‪72‬‬
‫مشاكلك – الغيرة‪ .‬قد يكون سبب الغيرة هو إعطاء‬ ‫ِ‬ ‫سبب نشوء‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫القيمة المطلقة لما هو دنيوي‪ .‬تغار المرأة ألنها تخشى فقدان النِعم‬
‫الدنيوية المرتبطة بمكانتها العائلية‪ .‬قد تكون الغيرة مرتبطة بإعطاء‬
‫القيمة المطلقة للروحانيات‪ :‬الخوف من فقدان العالقات‪ ،‬التواصل‬
‫الروحي مع الشخص القريب‪ .‬كذلك يمكن إعطاء القيمة المطلقة‬
‫علُوا – حب اإلنسان المحبوب‪ ،‬وحينها ينشأ‬ ‫للطبقة الثالثة األكثر ُ‬
‫خوف خسارتِه‪ .‬لكن يتبيَّن وجود طبقة أخرى فوق تلك الطبقة –‬ ‫ُ‬
‫َلق‪ ،‬اإلبداع‪ُ .‬حكما‪ ،‬ينتمي كذلك إلى هذا المستوى إنجاب األوالد‪.‬‬ ‫الخ ُ‬
‫‪ -‬في الشهر الثاني من الحمل‪ - ،‬أتابع أنا‪ - ،‬كان لديك زع ٌل من‬
‫قك ذلك باإلبداع والخلق‪.‬‬ ‫زوجك‪ .‬علَّ ِ‬
‫تمتلئ عينا المرأة بالدموع‪:‬‬
‫‪ -‬عندما كنتُ في الشهر الثاني من الحمل‪ ،‬قال زوجي أنه ال يريد‬
‫ي كثيرا ردع نفسي عن الزعل‪.‬‬ ‫ب علَ َّ‬‫الطفل‪ .‬صعُ َ‬
‫أبدأ بفهم أين يكمن المشكل‪ .‬في أساس أي شعور كان يقع الحب‬
‫الصادر عن هللا‪ .‬هو غير مرتبط بشيء‪ ،‬هو يخلق كل شيء‪ .‬ببقايا‬
‫هذا الحب نحن نحب الناس والعالم المحيط‪ .‬حالة مشا ِعرنا السطحية‬
‫مرتبطة باألحداث التي تحصل معنا‪ .‬عندما يثور فينا حبٌّ تُجاه‬
‫خارجنا‪ .‬عندما تقع المرأة‬‫ِ‬ ‫شخص‪ ،‬يبدو لنا أنه قد أتى إلى نفسنا من‬
‫في حب أحد‪ ،‬هي بشكل الواعي تريد إنجاب األطفال من هذا‬
‫الشخص‪ .‬الرغبة في إنجاب الطفل تحديدا هي التي ت ُ َو ِلد حب اإلنسان‬
‫اآلخر‪ .‬هذا الحب ي َُو ِلد العالقة الروحية‪ .‬في نهاية المطاف تظهر‬
‫الثمار المادية لهذه العالقات‪ - ،‬هم األوالد وكل ما نسميه بالسعادة‬
‫العائلية‪.‬‬
‫صة‬ ‫َ‬
‫كلما كان الطفل الذي يجب أن يُولد أكثر كماال‪ ،‬ازدادت ح َّ‬
‫صة‬ ‫الحب التي يجب على األهل الحصول عليها‪ ،‬األم خاصة‪ .‬ح َّ‬
‫الحب هذه تأتي من هللا‪ .‬للحصول عليها يجب أن يتزعزع كل ما هو‬
‫إنساني‪ .‬ذلك ليس القيم الدنيوية والروحية فحسب‪ ،‬ذلك ليس حبُّ‬
‫العالم والناس فحسب‪ - ،‬يجب أن تُهانَ حتى الرغبة في إنجاب‬
‫األوالد وجميع المشاعر ال ُمقدَّسة العُليا‪ .‬إن في هذا الموقف احت ُ ِف َ‬
‫ظ‬
‫‪73‬‬
‫بشعور الحب ولم تنشأ العدائية‪ ،‬فذلك يعني َّ‬
‫أن الحب لم يعد مرتبطا‬
‫بشيء‪ .‬بعد ذلك يحصل اشتداد الوحدة مع هللا وزيادة ٌ للحب في نفوس‬
‫األبناء‪.‬‬
‫بعد مرور عدة أيام أستقبل في العيادة مريضة أخرى تعاني من‬
‫مشكلة ال عالقة لها بالصحة كما قد يبدو‪.‬‬
‫‪ -‬منذ الطفولة أتمتع بمواهب كبيرة مرتبطة بالموسيقى‪ ،‬إمكانياتي‬
‫الصوتية‪ ،‬كما قال األخصائيون‪ ،‬كانت ممتازة‪ .‬حتى اآلن ال أفهم ما‬
‫حصل‪ .‬ما إن بدأتُ بتحقيق ذاتي وانفتح أمامي نجاح مهني المع‪،‬‬
‫أن اختفت لدي‬ ‫بدأتُ أفقد إمكانياتي تدريجيا‪ .‬واألكثر غرابة هو َّ‬
‫أن ذلك يحصل بسبب تعويذة‪ .‬لكن لم‬ ‫الرغبة في تحقيقها‪ .‬قيل لي َّ‬
‫يتمكن ال أخصائيو اإلدراك فوق الحسي وال المعالجات الشعبيات‬
‫من إزالتها‪ .‬ال أعلم سبب ُمعاقَ َب ِة هللا لي‪.‬‬
‫عليك‪ - ،‬أقول أنا للمرأة‪ – .‬كل‬ ‫ِ‬ ‫أن هللا لم يُعاقبك‪ ،‬إنما أنعَم‬ ‫‪ -‬أظن َّ‬
‫أن عمليات مثل إنجاب األطفال واإلبداع مو َّحدة في‬ ‫ما في األمر َّ‬
‫إن ما نعطيه القيمةَ المطلقة ونجعلُه هدفا (باستثناء هللا) علينا‬ ‫أساسها‪َّ .‬‬
‫أن نفقده‪ .‬إن جعلَت المرأة هدف ومغزى حياتها الرغبة في إنجاب‬
‫األوالد‪ ،‬فهي ستصبح غيورة للغاية‪ ،‬ست َطفَ ُح بالعدائية ولن تحصل‬
‫على أوالد‪ .‬إعطاء القيمة المطلقة إلنجاب األطفال قد تؤدي إلى‬
‫العقم‪ ،‬لكن إعطاء القيمة المطلقة لإلبداع قد تؤدي إلى العُقم كذلك‪.‬‬
‫‪ -‬لديك إمكانيات إبداعية هائلة‪ - ،‬أُتابع أنا‪ – .‬هذا األمر رفَعَ ِك فوق‬
‫ت‬
‫لك‪ ،‬فقد جعل ِ‬ ‫اآلخرين‪ .‬لكن َكون حب هللا لم يكن هدفا بالنسبة ِ‬
‫لك‪ .‬كان على إعطاء القيمة المطلقة لإلبداع وإنجاب‬ ‫اإلبداع هدفا ِ‬
‫األطفال أن يؤدي إلى خسارةٍ ما – إما إلى العقم مع الحفاظ على‬
‫اإلمكانيات اإلبداعية أو إلى فقدان المواهب‪ .‬مقد ٌَّر لك إنجاب األوالد‪،‬‬
‫والندم بسبب الفشل‬ ‫ِ‬ ‫ت باالنفعال سلبا‬ ‫سهم نيِ َرة‪ .‬إن قُم ِ‬ ‫َّ‬
‫وإن نفو َ‬
‫إمكانياتك اإلبداعية فحسب‪ ،‬إنما‬
‫ِ‬ ‫اإلبداعي والخوف منه‪ ،‬فلن تفقدي‬
‫ستفقدين القدرة على اإلنجاب كذلك‪ .‬وإن حصل ذلك ولم يتمكن‬
‫‪74‬‬
‫األوالد من الوالدة فقد تُصابين بعد مرور بعض الوقت بمرض‬
‫خطير‪.‬‬
‫لكي يكون الحب كافيا لألوالد واإلبداع معا‪ ،‬يجب أن يكون ُحب ُِّك‬
‫هلل أعلى أضعافا‪ .‬إن جعل اإلنسان اإلبداع هدفا لذاته‪ ،‬إن كان اإلبداع‬
‫فإن نفسه تبدأ بفقدان‬ ‫بالنسبة له سعادة ً ُمطلقة ومغزى حياته‪َّ ،‬‬
‫احتياطات الحب‪ .‬حينها‪ ،‬رغ َبةً في الحفاظ على قدراته اإلبداعية‪،‬‬
‫يمتنع اإلنسان عن العائلة واألوالد الذين ُو ِلدوا ولم يُولدوا بعد‪.‬‬
‫غل في هذه الحالة‬ ‫التعلق باإلبداع وإنجاب األوالد ي َُو ِلد غيرة تتو َّ‬
‫عميقا للغاية‪ .‬بهدف إيقاف انفجار العدائية المستقبلي‪ ،‬يُغيِر اإلنسان‬
‫ُطوق العدائية ويسمح‬ ‫أحيانا بشكل حدسي ميله الجنسي‪ .‬هذا األمر ي ِ‬
‫بالحفاظ على اإلمكانيات اإلبداعية‪ - ،‬لكن ليس لفترة طويلة‪ .‬أحيانا‪،‬‬
‫لتطويق الغيرة بأية طريقة كان‪ ،‬يعيش الناس ال ُمبدعون حياة جنسية‬
‫مجرد تأجيل مؤقت مع نتائج سلبية في‬ ‫َّ‬ ‫فوضوية‪ .‬لكن هذا أيضا‬
‫فإن إمكانياته‬‫المستقبل‪ .‬إن كان اإلنسان تعيسا في حياته الشخصية‪َّ ،‬‬
‫بأن التعلق باإلبداع وإنجاب األطفال‬ ‫اإلبداعية تزداد‪ - ،‬هذا مرتبط َّ‬
‫ُطوق‪ .‬ظاهريا يبدو هذا النمط غريبا غالبا‪ :‬االنفعاالت السلبية القوية‬ ‫ي َّ‬
‫بخصوص اإلخفاقات في مجال اإلبداع قد تؤدي إما إلى انخفاض‬
‫اإلمكانيات اإلبداعية‪ ،‬أو إلى اشتداد الغيرة والعقم‪.‬‬
‫أن السبب األساسي للعنَّة عند الرجال هي الغيرة‪ .‬كقاعدة‬ ‫تبيَّن َّ‬
‫عامة‪ ،‬تقع في أساسها السلسلة التالية‪ :‬الخلق ‪ -‬إنجاب األطفال –‬
‫حب الناس – الروحانية – الملذات الجنسية‪ .‬إن كان الرجل يزعل‬
‫غالبا خالل حياته من النساء‪ ،‬إن كان يُسيء التفكير بجميع النساء‬
‫أهنن مشاعره وثِقَته‪ ،‬فهذا الرجل عنِين‬ ‫َّ‬ ‫بشكل عام أو بتلك اللواتي‬
‫مستقبلي‪ .‬التأثير على ُك ٍل من هذه الحلقات يسمح التأثير على الحلقات‬
‫األخرى‪ .‬مثال‪ ،‬التعلق بالملذات الجنسية‪ ،‬أي الملذات الجسدية‪ ،‬يمكن‬
‫تطويقه بالصوم‪ ،‬االمتناع عن الطعام والصالة‪ .‬بالتناسب‪ ،‬ت َضعُف‬
‫يص ُل إلى العنَّة‬ ‫الغيرة وتزداد اإلمكانيات اإلبداعية‪ .‬الغيور ال ِ‬
‫الفيزيائية فقط‪ ،‬إنما اإلبداعية كذلك‪ .‬المرأة الغيورة تنتزع اإلمكانيات‬
‫من أوالدها وأحفادها وتدفعهم إلى اللواط‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫من الضروري فهم أمر‪ :‬نحن جميعا أناس أحياء وسنزعل ونغار‬
‫نشج ُع‬
‫دائما‪ .‬إن لم نقم بالدفاع عن ذاتنا ظاهرا‪ ،‬فذلك يعني غالبا أننا ِ‬
‫الشخص الذي يرت ِكب أفعاال خاظئة‪ .‬لكن ال يجوز إدخال العواطف‬
‫العدائية السطحية إلى الداخل – إلى حيث يجب أن يسود الحب وحده‪.‬‬
‫عندما نلعب رياضة التينيس‪ ،‬نحن نحزَ ن لدى الخسارة‪ ،‬ونحسد‪،‬‬
‫سف‪ .‬لكن في داخلنا نحن سعداء َّ‬
‫ألن ال ِقيَم األساسية واقعة خارج‬ ‫ونتأ َّ‬
‫ُعوقُنا‪ .‬حياتنا هي لعبة‬
‫فإن لعب التينيس يُنمينا‪ ،‬ال ي ِ‬‫اللعبة‪ .‬لذلك َّ‬
‫التينيس تلك نفسها‪ ،‬وخالل هذه اللعبة نحن نكون سعداء فقط حين‬
‫تكون ِق َي ُمنا األساسية واقعة خلف حدود حياة أو عدة حيوات‪ .‬حين‬
‫تكون السعادة العُليا ُمستترة ً في حب هللا‪ ،‬حينها تصبح كل ثاني ٍة من‬
‫حياتنا إمكانيَّةً لنشر الحب والسعادة‪.‬‬
‫وقوة تدمرها‪ ،‬فال بُ َّد من وجود‬ ‫قوة تخلق كوننا َّ‬‫إذا‪ ،‬إن كانت توجد َّ‬
‫قوة تُثبِتُها‪ .‬أنفقتُ الكثير من الجهد من أجل إيجاد نموذج التثبيت في‬
‫درك الواقع المحيط عبر‬ ‫المفاهيم ال ِقيَ ِمية‪ .‬تبيَّن أنه اإليمان‪ .‬نحن نُ ِ‬
‫اإليمان بالناس‪ ،‬اإليمان بعدالة العالم المحيط‪ ،‬اإليمان باهلل‪.‬‬
‫أن ليس َوحدُه اإليمان بالناس والعدالة‬ ‫كانت مفاجأة ً بالنسبة لي َّ‬
‫العُليا للعالم المحيط ال يمكن أن يكونَ هدفا‪ ،‬إنما كذلك اإليمان باهلل‬
‫ال يمكن أن يكون هدفا‪ .‬حب هللا يمكن أن يكون هدفا‪ ،‬لكن اإليمان‬
‫– فال‪ .‬إن يُصبِح اإليمان باهلل هدف ومغزى الحياة‪ ،‬حينها هو يرتفع‬
‫ف‬ ‫فوق الحب وينشأ التطرف الديني‪ ،‬أي االستعداد لتدمير من يخت ِل ُ‬
‫إيمانه في نواحي معيَّنة‪ .‬اإليمان باهلل يجعل اإلنسان سعيدا‪ ،‬لكن إن‬
‫بدأتُ باحتقار من ال يؤمن باهلل‪ ،‬إن كنتُ أكره من أهان مشاعري‬
‫بهدف‬
‫ِ‬ ‫الدينية‪ ،‬حينها تتعلَّق نفسي باإليمان وتصبح قاسية‪ .‬وحينها‬
‫لحدا مع مرور الزمان‪ .‬إذا اإللحاد‬ ‫إنقا ِذ نفسي سأُضطر ألن أصبح ُم ِ‬
‫هو نتيجة التطرف الديني‪.‬‬
‫مرة استقبلت في العيادة رجال شابا عاش في إسرائيل عدة‬

‫ذات َّ‬
‫سنوات‪ .‬كان يهودي الجنسية واإليمان‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫اعترف‪ ،‬أنت كنتَ تحتقر العرب‪-‬المسلمين‪ ،‬أليس كذلك؟ ‪ -‬أسأل‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫أنا‪.‬‬
‫ينظر إلي عدة ثواني مرتبكا‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬حصل ذلك‪ .‬ما األمر بالذات؟‬
‫‪ -‬يكمن األمر في أنك كنتَ عربيا‪-‬مسلما في حيات َيك الماضيتين‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬عندما تبدأ باحتقار العرب في هذه الحياة‪ ،‬أنت ت ُ ِ‬
‫فعل برنامج‬
‫التدمير الذاتي الذي قد يؤدي إلى أمراض خطيرة‪.‬‬
‫في كانون الثاني من العام ‪ 1996‬خالل محاضرتي في موسكو‬

‫كنتُ قد استعملتُ مفاهيم كاإلبداع‪ ،‬إنجاب األطفال‪ ،‬الكمال‪ ،‬اإليمان‬
‫بالناس واإليمان باهلل‪ .‬حسب ما أفهم أنا اآلن‪ ،‬سبب األمراض‬
‫األساسي – هو الرغبة في جعل القيم البشرية‪ ،‬ولو كانت أرقاها‪،‬‬
‫أعلى من حب هللا‪.‬‬
‫حتى اليوم أنا أرى مجموعتين من القيم يمكن اإلنسانَ إعطاءها‬
‫القيمة المطلقة‪ .‬األولى – هي األبناء‪ ،‬حب اإلنسان اآلخر‪ ،‬العالقات‬
‫الروحية‪ ،‬اللذة الفيزيائية‪ .‬إن كان اإلنسان يمنح هذه ال ِقيَم القيمة‬
‫المطلقة‪ ،‬ينشأ الزعل‪ ،‬الغيرة‪ ،‬الحقد‪ ،‬االحتقار واإلدانة‪ - ،‬وحينها‬
‫يُعالَج اإلنسان بالفُقدان المؤقت أو التام لهذه القيم‪ ،‬أو بخسارة الصحة‪،‬‬
‫أو خسارة الحياة‪ .‬إن كان تكبر الشخص خفيفا يكون ِشفاؤه أسهل‪.‬‬
‫عطيَت القيمة المطلقة للكمال (الذي ينتمي إلى المجموعة‬ ‫إن أ ُ ِ‬
‫الثانية من القيم)‪ ،‬حينها‪ ،‬كقاعدة عامة‪ ،‬تنشأ أمراض خطيرة‪ .‬كلما‬
‫كان اإلنسان أكثر كماالً‪ ،‬ازدادت عليه صعوبة تح ُّمل اإلهانة‬
‫والخسارة‪.‬‬
‫عت َين‪ ،‬فأنا أدركُ‬
‫إن كنتُ أرى لدى المريض تعلقات بقيم المجمو َ‬
‫ب عليه العمل على ذاته‪.‬‬ ‫سلفا أنه سيصعُ ُ‬
‫كنتُ أشرح لصبي ٍة خالل الجلسة بالطريقة التالية‪:‬‬
‫شخص‪ ،‬األمر الذي يؤدي تلقائيا إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وحب‬
‫ِ‬ ‫تعلقةٌ باإلبداع‬
‫ت ُم ِ‬ ‫‪ -‬أن ِ‬
‫الغيرة‪ .‬لن تتمكني من تح ُّمل إهانة رغبتِ ِك في إنجاب األطفال إذ‬
‫‪77‬‬
‫ت به‪ ،‬األمر‬ ‫لديك تكب ٌُّر هائل‪ .‬من َح ِك هللا الكثير من الكمال‪ ،‬وقد تعلَّق ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي ي َُو ِلد تكبُّرا ً هائال‪ ،‬وبالتالي عدائيةً‪.‬‬
‫أن هللا قد خلق كونا غير كامل‪.‬‬ ‫قرر َّ‬
‫أصب َح شيطانا المالك الذي َّ‬
‫ت‬
‫يهوذا المسيح عندما بدأ باتهامه بعدم الكمال‪ .‬لذا‪ ،‬إن كن ِ‬ ‫خان َ‬
‫تُريدين إنجاب األطفال‪ ،‬تعلَّمي تقبُّل اإلهانات‪ .‬نظرا لطب ِع ِك أنص ُح ِك‪:‬‬
‫عندما تجلسين بجانب زوجك وراء الطاولة‪ ،‬خذي لنف ِس ِك كرسيا‬
‫أقصر بحوالي ‪ 20‬سنتمتر‪.‬‬
‫لكن إن تكلَّمنا جديا‪ ،‬يمكن استعمال أساليب مختلفة للموازنة‪.‬‬
‫كمالك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أكثري من ممارسة ما أنت غير صالحة له لكي تشعري بعدم‬
‫تمارين التنفس‪ ،‬التعب الفيزيائي‪ ،‬التواجد في الطبيعة‪ ،‬الماء‪ ،‬صب‬
‫الماء البارد‪ ،‬وسائل إيقاف الوعي المختلفة – هذا كله يُساعد على‬
‫التخفيف من التكبر‪.‬‬
‫ُطوقان التعلق بالجسد‪.‬‬ ‫الجهد الفيزيائي‪ ،‬االمتناع عن الطعام ي ِ‬
‫االنعزال في الطبيعة أو الغرفة المظلمة يُض ِعف التعلق بالعالقات‬
‫لك‬
‫ت مع ذلك تخيُّل موتِ ِك‪ ،‬فذلك لن يسمح ِ‬ ‫مع الناس‪ .‬وإن حاول ِ‬
‫التعلُّقَ بحب العالم المحيط والناس‪ .‬من أجل عدم التعلق باإلبداع‬
‫والخلق‪ ،‬من المفيد ممارسة عمل رتيب دوريا‪.‬‬
‫يمكن أكل بذور القمح ال ُمنبَّتةً‪ ،‬وضعها على الرأس‪ ،‬الصدر‬
‫واألعضاء التناسلية‪ .‬لكي تنبتَ البِذرة‪ ،‬على ُحبِها أن ال يكون مرتبطا‬
‫بأي شيء‪ .‬القدرة الخالقة لدى البذرة النابِت َ ِة هائلة‪ ،‬أما الغيرة فسلبية‪،‬‬
‫بالتالي يحصل تقوي ٌم لطاقتِ ِك‪ ،‬يُزال التعلُّق بالخَلق وإنجاب األطفال‪.‬‬
‫على فكرة‪ ،‬الشمس كذلك تملك قدرة خالقة هائلة‪ ،‬لذلك من المفيد‬
‫النظر إلى الشمس وإرسال الحب لها‪ .‬بجانب شيء يتمتَّع بقدرة‬
‫ع ِك وخلقك الخاص‬ ‫خالقة أعظم‪ ،‬ستتضاءل رغبت ُ ِك في جعل إبدا َ‬
‫هدفا‪.‬‬
‫روت لي مريضة عن حادثة مثيرة لالهتمام‪ .‬لقد حضرت‬

‫محاضرتي‪ ،‬وكانت تجلس بجانبها امرأة عجوز تقرأ كتابا في شبه‬
‫الظالم قبل بداية المحاضرة‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ -‬كيف تسعُ ِك القراءة في هذا الظالم؟ ‪ -‬استغر َبت مريضتي‪.‬‬
‫‪ -‬لقد استرجعتُ بصري تماما‪ - ،‬أجابت المرأة‪ – .‬سمعت في مكان‬
‫ما أنَّه إن نظرت إلى الشمس وألقيت كالما لطيفا‪َّ ،‬‬
‫فإن البصر يُست َعاد‪.‬‬
‫بدأتُ القيام بذلك‪ ،‬فاسترجعتُ بصري تدريجيا‪.‬‬
‫تف َّحصت حقل تلك المرأة عن بعد‪ .‬قبل "التواص ِل" مع الشمس‬
‫كانت عدائيتها الباطنة مرتفعة للغاية‪ .‬كانت تلك عدائيةً تُجاه الرجال‪،‬‬
‫والسبب – الغيرة نفسها‪ .‬في أساس هذه الغيرة – تعلُّ ُق النفس‬
‫باإلبداع‪ ،‬إنجاب األطفال والعالقات الروحية‪ .‬التواصل مع الشمس‬
‫حرر النفس من الغيرة تدريجيا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫شخص تجربته‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫ِ َ‬ ‫وصف‬ ‫كيف‬ ‫أذكر‬ ‫لكني‬ ‫رائعا‪.‬‬ ‫المثل‬ ‫يبدو‬ ‫قد‬
‫‪ -‬بعد أن حاولت التحديق إلى الشمس‪ ،‬لم أستطع رؤية شيء عمليا‬
‫لمدة عدة أيام‪.‬‬
‫كان لديه تعلُّ ٌق هائل بإنجاب األطفال وحب الناس‪ ،‬لذلك كان‬
‫ُمصابا بعمى األلوان ومشاك َل أخرى في البصر‪ .‬إذا‪ ،‬طريقة النظر‬
‫إلى الشمس – المدة‪ ،‬في أي فترة من السنة‪ ،‬في أي وقت من النهار‪،‬‬
‫‪ -‬يجب أن تختلف هذه التوصيات باختالف الناس‪.‬‬
‫هم أن على شعور‬ ‫َّ‬ ‫إن تمكنا أن نغرس في أبنائنا منذ طفولتهم فَ َ‬
‫أن القيمة العُليا هي االمتالء‬ ‫الحب أن ال يكون مرتبطا بشيء‪َّ ،‬‬
‫بالحب‪ ،‬أي االتصال المتزايد باهلل‪ ،‬حينها هم لن يحتاجوا للتفكير‬
‫بكيفية التخلص من الغيرة واستعادة البصر‪.‬‬
‫مؤخرا زارني مراسلون‪ .‬طلبوا مني إبداء رأيي بخصوص أسباب‬

‫ظهور مرض السيدا‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيُكَ ‪ ،‬هل ستجد البشرية قريبا دواء ضد السيدا؟ ‪ -‬يسألون هم‪.‬‬
‫أن ال أهميَّة لذلك‪ .‬إن قام األطباء بالبحث عن وسيلة ضد‬‫‪ -‬أظن َّ‬
‫فيروس السيدا تحديدا‪ ،‬فهم سيخسرون‪ .‬ستظهر أمراض أخرى أكثر‬
‫أن عالج عض ٍو منفرد أو‬‫خطورة‪ .‬الطبيعة تدفع الناس إلى إدراك َّ‬
‫مرض منفرد – ال آفاق له‪ .‬بإمكان نقص المناعة أن ينمو اآلن من‬
‫دون وجود الفايروس‪ .‬يصل األطباء أكثر وأكثر إلى االستنتاج َّ‬
‫أن‬
‫‪79‬‬
‫في أساس جميع األمراض يقع خلل في النظام المناعي‪ .‬حالة النظام‬
‫المناعي بدورها مرتبطة بحالة اإلنسان العاطفية العميقة‪ .‬السيدا‪ ،‬مثل‬
‫هريَّة – هم نتيجة التعلق الزائد بالملذات الروحية‬ ‫األمراض ُ‬
‫الز ِ‬
‫والفيزيائية المرتبطة باإلنسان اآلخر‪.‬‬
‫الزهَرية والمسالك البولية‬ ‫عدة مرات تو َّجه إلي أطباء األمراض ُّ‬
‫بطلب مساعدتهم حين لم تنفع األدوية في عالج الكالميديا وداء‬
‫المشعرات‪ .‬كان المريض يُزيل جميع لحظات الغيرة‪ ،‬االستياء‬
‫والزعل تجاه الناس المحبوبين ويُصلي من أجل أنجاله‪ .‬كان يُصلي‬
‫من أجل أن تكون حياتُه وسيلةً لتخرين الحب تجاه هللا؛ من أجل أن‬
‫يكون اإلنسان المحبوب‪ ،‬والعائلة‪ ،‬وحب األبناء كذلك وسيلةً له‪ .‬بعد‬
‫أن العدوى قد اختفت‪.‬‬ ‫عدة أيام كان يقوم بالفحوصات ويتبيَّن َّ‬
‫أن سبب السيدا هي الغيرة‪ .‬في هذه الحال اشرح‪:‬‬ ‫‪ -‬إذا‪ ،‬أنت تعتبر َّ‬
‫المثليون‪،‬‬‫ِل َم يُصاب بالسيدا بشكل خاص ال ُمدمنون على المخدرات‪ِ ،‬‬
‫البغايا؟ ‪ -‬يسأل الصحفيون‪.‬‬
‫المثلي – هو إنسان غيور بشكل غير طبيعي في الداخل‪ ،‬عدائيته‬ ‫‪ِ -‬‬
‫الباطنة تدفعه إلى اللواط‪ .‬اإلدمان على الكحول والمخدرات – كذلك‬
‫أحد أشكال تطويق الغيرة‪ .‬غالبا تصبح زانيةً امرأة ٌ قد تموت إن كان‬
‫لديها إنسان محبوب واحد‪ .‬ممارسة الزنى ال تسمح لها التعلق بشعور‬
‫الحب تجاه شخص واحد‪.‬‬
‫تشوه البنيات‬
‫تذكروا سدوم وعموره‪ .‬الكارثة الطبيعية هي نتيجة ُّ‬
‫لتشو ٍه من مستوى أكثر ِرفعَة – حقو ٍل‬ ‫التشوه هو نتيجةٌ ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫الروحية‪ .‬هذا‬
‫النمط الجيني‪ ،‬تدع ُم ثبات وحماية‬ ‫ِ‬ ‫ذات مستوى أرفع‪ ،‬حقو ٍل‪ ،‬مثل‬
‫ٌ‬
‫بنيات العالم المادي‪ -،‬والتي بدورها نتيجة للتشوهات العاطفية‪ .‬أما‬
‫االنحراف في النفوس‪ ،‬فيحصل حين تصبح ال ِقيَم البشرية هدفا بحد‬
‫ويكف الناس عن حب هللا ورؤيته خلف كل شيء‪ .‬حينها تحصل‬ ‫ُّ‬ ‫ذاته‬
‫َّ‬
‫العودة إلى هللا عبر خسارة ما تعلقَت به نفس اإلنسان‪.‬‬
‫لكن إن كانت تلك مدينتين منفردتين في السابق‪ ،‬فاآلن عملياتٌ‬
‫كلها‪.‬‬‫ق البشرية ِ‬ ‫مماثلة تحصل على نطا ِ‬
‫‪80‬‬
‫‪ -‬نحن نُحاول غالبا الربط بين األمراض ومخالفات القوانين‬
‫األخالقية‪ - ،‬أُتابع أنا‪ – .‬لكن األخالقيات البشرية واإللهية ال تتطابق‬
‫غالبا‪ .‬يُعطى المرض بالدرجة األولى بسبب اإلخالل باألخالقيات‬
‫اإللهية‪ .‬من هو اإلنسان من الخارج – حام ُل جائزة نوبل‪ ،‬أو عاط ٌل‬
‫عن العمل ينام في الشارع‪ - ،‬ليس هذا ما يُحدِد إن كان سيُصاب هو‬
‫ي قِيَ ٍم ت َ ُه ُّمه – البشرية أو اإللهية‪ .‬غالبا‪ ،‬الذكاء الحاد‬ ‫بالسيدا‪ .‬ال ُم ِهم أ ُّ‬
‫الموقف سوءا‪ .‬لكن مع التوجه الداخلي‬
‫َ‬ ‫والتكبُّر المرتبط به قد يزيدان‬
‫قادر على مساعدة اإلنسان في تركيز جميع قواه‬ ‫ٌ‬ ‫الصحيحِ الذكا ُء‬
‫وتحقيق تغي ٍُّر أعمق وأسرع نحو األفضل‪.‬‬
‫ض‬ ‫أمراض مثل مر ِ‬
‫ٍ‬ ‫سجل األطباء ِنسبة ضئيلة من حاالت اختِفاء‬ ‫يُ ِ‬
‫السيالن والسيفليس‪ ،‬السرطان والسيدا دون أثر خالل عدة أيام‪ .‬إنما‬
‫في الواقع عدد هذه الحاالت أكبر بكثير‪ .‬موارد النفس البشرية ال‬
‫حدود لها‪ ،‬لكنها تتفتَّح فقط حين تبدأ النفس باالسترشاد الصحيح في‬
‫حب الخالق‬‫الكون األعلى – قانون ِ‬‫ِ‬ ‫العالم المحيط والتقيُّ َد التام بقانون‬
‫الذي خلقنا‪.‬‬
‫عمليَّة اإلدراك والتطور تجري على شكل َجيبِي‪ .‬يلتمس اإلنسان‬
‫ويتطور متفا ِعال معها‪ .‬ثم يدفع نفسه عنها ليُتابع سيره‬ ‫َّ‬ ‫قِيَما معيَّنة‬
‫ويَف ِقدُها‪.‬‬
‫للخروج إلى المستويات األعلى يجب التخلص من جميع الرغبات‬
‫الدنيوية‪ - ،‬هذا هو مبدأ الفلسفة الشرقية‪ .‬باستثناء التفاع ِل مع العالم‬
‫الخارجي بواسطة التقنيات الفيزيائية والنفسية‪ ،‬كان اإلنسان ي َُوفر‬
‫الطاقة ليُ َحقِقَ االتصاالت بالمستويات العُليا‪ .‬كان ذلك يؤدي إلى فتح‬
‫اإلمكانيات الفيزيائية والنفسية‪.‬‬
‫يو ِلد األمراض‪ ،‬أما االنتقال إلى‬ ‫كان التعلُّق بِقيَم العالم المحيط َ‬
‫مستويات أعلى فيؤدي إلى الشفاء منها‪ .‬لكن التعلُّقَ بالمستويات‬
‫األعلى أخطر من ذلك‪ .‬لم ت ُكن ال ِقوى كافية للترفُّعِ عنها‪ ،‬لذلك كان‬
‫يحصل امتناع عنها وتحصل عودة إلى الدرجات األولى – إلى‬
‫مصالح الجسد الفيزيائي والقيم المادية‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫والغرب الشرقَ ‪ .‬اآلن على هذين‬
‫ُ‬ ‫الشرق كان ي َُو ِلد الغرب‪،‬‬
‫التو ُّجهين أن يت َّ ِحدا إذ َّ‬
‫أن ُك ٌّل ب ُمفردِه قد استنفد ذاته‪ .‬في زمننا معرفة‬
‫قوانين النمو الروحي ِة تُصبِح ضروريةً‪.‬‬
‫‪ -‬اشرح لي‪ ،‬رجا ًء‪ - ،‬يتو َّجه إلي المريض بكالمه‪ - ،‬أنا أؤمن باهلل‪،‬‬
‫أن حُبَّ هللا هو األهم‪ ،‬ف ِل َم في هذه الحال تستمر المشاكل‬ ‫لقد فهمتُ َّ‬
‫في هذه الحال‪ِ ،‬ل َم أنا ال أشفى؟‬
‫أن تغيير النفس عمل أليم‪ .‬إن كنت تقود السيارة‬ ‫‪ -‬يكمن األمر في َّ‬
‫وتستدير بحدَّة باتجاه جانب الطريق‪ ،‬ففي هذه الحال مهما صلَّيت‬
‫َّ‬
‫وإن اإليمان باهلل ال‬ ‫ستنشأ لديك مشاكل‪ .‬توجد قوانين فيزيائية‪،‬‬
‫يستثني معرفتها‪ .‬من الضروري معرفة قوانين العالم الروحي كذلك‪.‬‬
‫تغيير النفس بواسطة الصالة يتطلَّب الكثير من القوى‪ ،‬في حين أننا‬
‫نصرف كمية كبيرة من القوى على التواصل مع الناس‪ ،‬الطعام‪،‬‬
‫التحكم بالمواقف‪ ...‬إذا‪ ،‬يجب التحرر من كل ذلك بشكل دوري لكي‬
‫تأتي الصالة بمفعول أكثر عمقا‪ .‬السعي هلل من خالل تخزين شعور‬
‫الحب يجب أن يكون مستمرا‪.‬‬
‫‪ -‬هل بإمكانك إمالء كلمات الصالة؟‬
‫‪ -‬الصالة العُليا تحصل من دون كلمات‪ .‬هي مجرد الحفاظ على‬
‫شعور الحب وزيادتُه في أي موقف كان‪.‬‬
‫في ما مضى كنت أعالج شخصا‪ ،‬لكن النتائج كانت معدومة‪ .‬في‬
‫البداية كنت أرى المستوى الدنيوي فقط وأتكلم عن الغيرة‪ .‬تبيَّن الحقا‬
‫أن لديه تعلُّقا هائال بنواحي روحية – األخالقيات‪ ،‬األمانة‪ ،‬العدالة‪،‬‬
‫َّ‬
‫ب طوال حياته‪.‬‬ ‫ُضر ُ‬
‫التحكم بالموقف‪ .‬على هذه النقاط تحديدا كان ي َ‬
‫ثم رأيت أنه يعطي القيمة المطلقة لحب الناس‪ .‬كان يقوم بكل ما قيل‬
‫له‪ ،‬لكن المفعول كان معدوما عمليا‪ .‬لسبب ما كان طبعه ال يتغيَّر‬
‫جذريا‪ ،‬عدم تقبلُه القاسي للعالم المحيط كان يبقى كما في السابق‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫سك كذلك‪ - ،‬كنت أشرح له‪ – .‬يجب‬ ‫متعلقة نف ُ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬أنا ال أعلم بما‬
‫أن على االستياءات‬ ‫إدراك األهم‪ :‬على كميَّة الحب أن تزداد‪ ،‬ما يعني َّ‬
‫الداخلية أن تزول‪.‬‬
‫لكن كل إيضاحاتي كانت كأنها تصطدم بحائط‪ ،‬وكنت أعجز عن‬
‫فهم السبب‪.‬‬
‫مؤخرا‪ ،‬وذلك بعد أن ظهر لدي إحساس تقدم هام‪ ،‬التقيت بهذا‬
‫أن لديه تعلُّقا بال ِقيَم األساسية‪ :‬إنجاب‬
‫المريض مجددا‪ .‬أشرح له َّ‬
‫متعل ٌق بالكمال‪،‬‬
‫األطفال‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬الخلق‪ .‬هذا ي َُو ِلد الغيرة‪ .‬وكذلك هو ِ‬
‫ُسبب التكبُّر الهائل‪.‬‬
‫ما ي ِ‬
‫هو يُصغي إلي بهدوء‪ ،‬ثم يبدأ التكلم ببطئ ورتابة‪:‬‬
‫‪ -‬أنت تُعا ِل ُجني منذ سنة ونصف‪ ،‬وخالل هذه الفترة حالتي ساءت‬
‫تر ُمك‬
‫سن‪ .‬أنا ال أؤمن بمنظومتك وأسلوبك‪ .‬أنا أح ِ‬ ‫كثيرا بدل أن تتح َّ‬
‫كشخص‪ ،‬لكن منظوتك ُخدعة‪ .‬أنا أؤمن باهلل‪ ،‬لكن ِل َم علي أن أُعيد‬
‫وأن ذلك هو السعادة األعظم؟ و ِل َم ال يجب‬ ‫آالف المرات أني أحبُّه َّ‬
‫أن أبدي أي استياءات وغيظ تُجاه العالم المحيط؟ ال يمكن لإلنسان‬
‫ناس معتوهون‬ ‫أن يكون سعيدا في هذا البلد‪ .‬يجلس هنا في السلطة ٌ‬
‫أو أوغاد‪ .‬هذا البلد كان وال زال يَخنُق أفضل عقوله بغض النظر‬
‫عن النظام السياسي‪ – .‬تهدأ نبرتُه‪ – .‬أنا أحتر ُمكَ ‪ ،‬لكن لننسى أمر‬
‫العالج‪.‬‬
‫هو يرحل‪ ،‬أما أنا فأحاول أن أفهم ما الذي سبَّب لديه هذا النفور‪.‬‬
‫مرارا وتكرارا أد ُخ ُل في اتصال مع البنية ذاتها التي لمست ُها مؤخرا‪،‬‬
‫أال وهي الكمال‪ .‬كان هذا الشخص يرى العالم غير كامال دائما‪.‬‬
‫يتحول إلى برنامج تدمير ذاتي‬ ‫َّ‬ ‫االحتقار الذي يُولَد في هذه الحال‬
‫قوي جدا‪.‬‬
‫ُعلم‪ .‬يمكنني أن أصف‬ ‫ً‬
‫أن موقفا مثل هذا ي ِ‬ ‫اليوم أنا خسرتُ ‪ ،‬إال َّ‬
‫ب بالتفصيل كيفيَّة صعودي الدرجات المؤدية إلى هللا‪.‬‬ ‫في هذا الكتا ِ‬
‫لكن على المريض أن يرى نقطة النهاية‪ ،‬وال داعي لوصف‬
‫الدرجات التي سيعبرها بالتفصيل‪ .‬على ما يبدو‪ ،‬لقد تولَّعتُ وبدأت‬
‫‪83‬‬
‫أُك ِث ُر الكالم عن الدرجات بدل الحب الذي على اإلنسان أن ِ‬

‫يصل‬
‫إليه‪.‬‬
‫من مدينة كييف تتصل أمرأة سبق أن زارتني في العيادة‪:‬‬

‫ص حقلها‪.‬‬‫‪ -‬بعد الجلسة‪ ،‬لسبب ما‪ ،‬أشعر بلفح على ظهري‪ .‬أتف َّح ُ‬
‫هو يبدو جيدا‪ .‬إال َّ‬
‫أن األحفاد وأبناء األحفاد "ثقيلون"‪.‬‬
‫‪ -‬ما كانت مشاكلُ ِك‪.‬‬
‫‪ -‬كان لدي ورم سرطاني في الرأس‪ ،‬الحلقوم والصدر‪ .‬ولدى ابني‬
‫مشاكل صحية خطيرة‪.‬‬
‫أتفحص البنيات الحقلية بالتفصيل‪ .‬المريضة تعمل على نفسها‬
‫جيدا‪ ،‬لكن ال زالت لديها عدائية ضد الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬هل قلت لك بخصوص الغيرة؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬قُلت‪ .‬أنا أعمل‪ ،‬أصلي صباحا‪ ،‬نهارا ومساء‪.‬‬
‫‪ -‬اسمعي‪ - ،‬أصرخ أنا في السماعة‪ - ،‬يجب الصالة ‪ 300‬مرة‬
‫صباحا‪ ،‬و‪ 300‬مرة نهارا و‪ 300‬مرة مسا ًء! اآلن تخرج جميع‬
‫"األوساخ" من نف ِس ِك‪ ،‬ولن تتمكني من التغلُّب عليها بثالث صلوات‪.‬‬
‫ال داعي لتذكر األمور الصغيرة‪ .‬تذكري عدة أحداث أساسية من‬
‫حياتك وتقبليها مئات المرات‪ .‬وتذكري‪ :‬ال يجوز إدانة الذات‪ ،‬ال‬
‫مذنبين أمام هللا‪ .‬هل فهمتني؟‬
‫من صوتها أشعر َّ‬
‫بأن المرأة قد فهمت‪.‬‬
‫قبل حوالي شهرين‪ ،‬قبل سفري إلى الواليات المتحدة‪ ،‬كنت ُمصابا‬
‫بحالة مؤلمة‪ .‬مهما أزلتُ التعلقات كانت تظهر تعلقات أخرى جديدة‪.‬‬
‫نظفتها ستبقى مت َّ ِسخة‪ .‬دخلَت‬‫موحلة‪ :‬مهما َّ‬
‫ِ‬ ‫كنت أشبه ببركة‬
‫المنظومة طريقا مسدودا‪.‬‬
‫طه ُر ذاتي بالتوبة بشكل أساسي‪ .‬وذات مرة‪ ،‬في إحدى‬ ‫كنت أ ُ ِ‬
‫تتحول إلى صالة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اللحظات األليمة‪ ،‬فهمتُ فجأة َّ‬
‫أن على التوبة أن‬
‫حب ُم ِشعٍ غير مرتبط بشيء‪- ،‬‬
‫تتحول إلى شعور ٍ‬ ‫َّ‬ ‫وعلى الصالة أن‬
‫َ‬
‫أن على البركة ال ُموحلة أن تتحول إلى نبع ماء‪ .‬لكن مماثلة النبعِ‬‫أي َّ‬
‫‪84‬‬
‫ير ُد باستمرار‪َّ ،‬‬
‫وإن هذا‬ ‫ممكنةٌ فقط في حال كان الماء النظيف ِ‬
‫يحصل عندما تسعى النفس هلل دون انقطاع‪ .‬ما إن يجعل اإلنسان‬
‫هدفا لذاته شيئا مختلفا‪ ،‬تبدأ حالته باالرتباط به‪ ،‬و َّ‬
‫إن ارتباط الحالة‬
‫المرض‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُولد عدائية متزايدة‪ ،‬وبالتالي‬
‫بالشيء ي ِ‬
‫أستقبل في العيادة أُما ً مع ابنتها‪ .‬لدى االبنة سرطان‪ ،‬لكنها تجهل‬

‫ذلك‪ .‬هي تشعر بتوعُّك فقط‪ .‬أقوم بالتشخيص‪ .‬يو َج ُد تعلُّ ٌق‬
‫ب الناس‪ ،‬الكما ِل‬ ‫بالدنيويات‪ ،‬يو َجد تعلُّ ٌق بالروحانيات‪ ،‬وكذلك ب ُح ِ‬
‫ق‪ .‬كذلك يوجد تعلُّ ٌق باإليمان بالناس وعدالة العالم المحيط‪،‬‬ ‫والخَل ِ‬
‫باإليمان باهلل والقدر اإللهي‪ .‬ثم أرى تعلُّقا آخر بمجموعة من البنيات‬
‫ال َيسعُني حتى إيجاد اسم لها‪ .‬أمر مريع! أنا أرى شيئا مماثال للمرة‬
‫األولى‪ .‬أُدرك أني لن أتمكن من شرح ذلك كله لها‪ .‬لكن ربما ال‬
‫داعي أصال لشرح جميع الدرجات بالتفصيل‪.‬‬
‫حبك أن ال‬‫ِ‬ ‫‪ -‬هللا حبٌّ ‪ - ،‬أقول أنا‪ – .‬هللا غير مرتبط بشيء‪ ،‬وعلى‬
‫يكون مرتبطا بشيء‪ .‬تذكري وتقبلي جميع الخسائر واإلهانات لكي‬
‫قوة حبِك‪.‬‬ ‫ال تؤثر بتاتا على َّ‬
‫بعد أن أصغَت إلي‪ ،‬تخرج الصبية لمدة ‪ 40‬دقيقة‪ .‬عندما تعود‪،‬‬
‫أن ال حاجة ألي شروحات أحيانا‪.‬‬‫أنا أرى حقال نظيفا‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫مؤخرا خالل الجلسة طرحت علي أمرأة سؤاال مثيرا لالهتمام‪:‬‬

‫‪ -‬كلما أكثرتُ من الصالة‪ ،‬ازدادت معاملة الناس لي سوءا في‬
‫العمل‪ .‬هذا مؤ َّك ٌد تماما‪ .‬ما الذي علي فعله؟‬
‫سؤال مفاجئ تماما بالنسبة لي‪ .‬أنا أتف َّحص ما يحصل على‬
‫أن عالقة الناس هي ردة فع ٍل على احتقار‬ ‫المستوى الرفيع‪ ،‬فأرى َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وتكبر متزايدين في نفسها‪ .‬لقد تعلقَت نفسها بشيء ما‪ .‬أتف َّحص حقلها‬
‫ضح كل شيء‪ .‬توجد في كونِنا قوة تخلُقه‪ ،‬توجد قوة‬ ‫مجددا‪ ،‬فيت َّ َ‬
‫نشعر به كإيمان‬
‫ُ‬ ‫تدمره‪ ،‬وتوجد قوة ت ُ َوفِر استقراره‪ .‬االستقرار‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫بالناس‪ ،‬العدالة العليا واإليمان باهلل‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫مكونا من‬‫‪ -‬أتعلمين‪ - ،‬أبدأ بالشرح للمرأة‪ - ،‬جسم اإلنسان ليس َّ‬
‫العظام فقط‪ ،‬إنما من العضالت والنسيج العصبي كذلك‪ .‬خاليا النسيج‬
‫كس‪-‬دوغماتيون‪ ،‬أما خاليا النسيج العصبي فهي‬ ‫العظمي هي أرثوذ ٌ‬
‫باحثون ومغامرون‪.‬الطقوس‪ ،‬القوانين‪ ،‬العادات – هي النسيج‬
‫العظمي نفسه الذي ال يستطيع اإلنسان العيش من دونه‪.‬‬
‫ت ال تُستطيعين السير‪،‬‬ ‫عكازان‪ ،‬وإن كن ِ‬ ‫الطقوس والعادات – هما ُ‬
‫فمن دونهما لن تتمكني من النهوض ولن تسيري‪ .‬لكن إن تعلَّم ِ‬
‫ت‬
‫يوم غد‪،‬‬‫ويؤ ِمن َ‬
‫السير حينها سيُعيقانِ ِك‪ .‬اإليمان يمن ُحنا االستقرار َ‬
‫لكن حين يصبح اإليمان هدفا بحد ذاته‪ ،‬حينها ينشأ لدينا احتقار تُجاه‬
‫خوف من فقدان اإليمان واالستقرار‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يؤمن‪ ،‬وينشأ‬
‫من ال ِ‬
‫مصير يسير‪ .‬لقد باتت‬‫ٍ‬ ‫لك مص َد َر ص َّحة‪،‬‬
‫باتت الصالة بالنسبة ِ‬
‫هدفا النسبة لك‪ .‬ال يجب أن تكون الصالة هدفا‪ .‬الصالة وسيلة من‬
‫أجل الشعور بالحب في النفس وزيادته‪ .‬أغلب الكلمات التي ننطقها‬
‫خالل الصالة لها عالقة بهذا العالم‪ .‬الصالة األعلى هي الصالة من‬
‫ظ غير منقطع على الحب في النفس وزيادتُه‪.‬‬ ‫دون الكلمات‪ .‬هي حفا ٌ‬
‫لكن كون بلوغ هذه الحالة صعب للغاية‪ ،‬يمكن مساعدة الذات بكلمات‬
‫الصالة‪.‬‬
‫‪ -‬ما هو حبُّ هللا األكثر من حب كل شيء آخر؟ كيف يبدو ذلك في‬
‫الحياة الواقعية المعتادة؟ كيف لي أن أفهم أني أحب هللا أكثر من أي‬
‫شيء كان؟‬
‫‪ -‬حبُّ هللا األكثر من حب أي شيء في الوجود يتجلى في الحياة‬
‫حب داخلي تجاه العالم المحيط دون أي ادعاءات‬ ‫المعتادة على شكل ٍ‬
‫واستياءات منه‪.‬‬
‫مؤخرا استشارتني امرأة شابة تُعاني منذ الطفولة من مشاكل في‬

‫األعضاء نسائية‪ ،‬ومؤخرا ظهرت لديها مشاكل صحيَّة خطيرة‬
‫عامةً‪.‬‬
‫‪ -‬سبب ظهور أمراضك بسيط للغاية‪ - ،‬أشرح أنا لها‪ – .‬بواسطة‬
‫الحب في نفسنا نحن نتصل باهلل‪ .‬هللا غير مرتبط بشيء‪ .‬إذا‪ ،‬إن كان‬
‫‪86‬‬
‫شعور الحب في نفسنا غير مرتبط بشيء‪ ،‬حينها نكون سليمين‬
‫عواطفُه ورغباتُه مرتبطةٌ بالعالم‬ ‫ِ‬ ‫سعداء‪ .‬جميع مشاعر اإلنسان‪،‬‬ ‫و ُ‬
‫متعلقة به‪ - ،‬شعور الحب وحده غير مرتبط بشيء‪.‬‬ ‫المحيط وحالت ُها ِ‬
‫إن حاولنا جعل شعور الحب ُمرت َ ِبطا بشيء‪ ،‬فهو يتضاءل‪ ،‬وحينها‬
‫نبدأ بالمرض والموت‪.‬‬
‫األعضاء النسائية هي منطقة حب‪ .‬كونها مريضةٌ منذ الطفولة‪،‬‬
‫ت تضعين حب َِّك على ركبتيه‬ ‫فذلك يعني أنَّه في حيواتِك الماضية كن ِ‬
‫ت تمنعين ذاتك من الحب انطالقا من معايير‬ ‫أمام المواقف‪ :‬إما كن ِ‬
‫أدبيَّة ما‪ ،‬إما كنت ترفضين اإلنجاب في شروط غير ُمالئمة‪ ،‬إما‬
‫سلو ِكك ُمعتبرة ً أنه مذنبٌ‬
‫بعواط ِفك و ُ‬
‫ِ‬ ‫ت تقتُلين الحب في إنسان آخر‬
‫كن ِ‬
‫مشاكلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫في التسبب بجميع‬
‫‪ -‬لقد قرأتُ ُكت ُ َبك واآلن مست ِعدَّة للسير وراء شعور الحب مهما‬
‫كانت العوائق‪ - ،‬تؤكد لي المرأة‪ – .‬أنا متزوجة اآلن‪ .‬إن التقيت‬
‫بشخص آخر‪ ،‬فسأحاول الحفاظ على العائلة‪ ،‬لكني لن أقمع شعور‬
‫الحب‪ .‬أنا واثقة من أمر واحد‪ :‬أنا سأحب الشخص الذي سيُحبُّني‪.‬‬
‫‪ -‬هذه باتت ادعاءات‪ - ،‬أُالحظ أنا‪ – .‬الشعور باهلل في النفس – هو‬
‫حب دون ادعاءات‪ ،‬دون شروط ومطالبات‪ .‬ال يجوز التحكم باهلل‪،‬‬
‫بالحب‪ .‬هذا أحد أهم شروط الحفاظ على الصحة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وكذلك‬
‫ضه‬ ‫أنا أتواصل اآلن مع شخص مصاب بالسرطان‪ .‬دخل مر ُ‬

‫مرحلةً متأخرة‪ .‬هو شاحب الوجه‪ ،‬شكله مرهق‪ ،‬العالج الكيماوي‬
‫ي‬
‫ال ينفع‪ .‬هو عاجز عن تحمل شرح طويل كونه فاقد القوى‪ .‬عل َّ‬
‫تكثيف المعلومات التي أريد إيصالها للمريض إلى أقصى حد‪ .‬الطب‬
‫الرسمي ال ينفع كونه قد نقل الكثير إلى أبناءه وأحفاده‪ .‬توجد في‬
‫حقل أبنائه تشوهات مميَّزة قد تؤدي بعد عدة سنوات إلى أمراض‬
‫خطيرة أو الموت‪.‬‬
‫غالبا‪ ،‬بعد أن يُعيد اإلنسان اإلدراك ويفهم‪ ،‬هو يعتبر أنه قد تط َّهر‬
‫أن ذلك َوه ٌم‪ ،‬ففي الواقع يكون قد حصل التطهير على‬ ‫تماما‪ ،‬إال َّ‬
‫مستوى طبقة الوعي السطحية الرقيقة‪ .‬طبعا‪ ،‬مع مرور الوقت‬
‫‪87‬‬
‫"ملوثة"‪،‬‬
‫غل التغيُّرات في النفس‪ .‬لكن إن كانت نفوس األنجال َّ‬ ‫ستتو َّ‬
‫فإن مجرد إعادة النظر في الحياة غير كافية‪ .‬في هذه الحال‪ ،‬كقاعدة‬ ‫َّ‬
‫عامة‪ ،‬يجب استرجاع الحياة كلها مجددا مئات المرات وحتى آالف‬
‫المرات‪ .‬على نظام القيم أن يتغيَّر على مستوى ردات الفعل‪.‬‬
‫أبدأ بوصف الحالة للمريض‪:‬‬
‫وحلة‪ ،‬تقريبا ال يصلها ماء جديد‪،‬‬ ‫‪ -‬أنت اآلن أشبه ببركة ماء ُم ِ‬
‫والماء الموجود ينصرف سريعا‪ .‬الماء ينصرف نحو أبنائك وأحفادك‬
‫المستقبليين‪ ،‬ألنك بشكل الإرادي َح َرمت َهم من احتياطي الحب‬
‫والطاقة‪ .‬في البداية يجب تنظيف بركة الماء من الوسخ‪ ،‬ثم زيادة‬
‫كمية الماء فيها‪ ،‬ثم على البركة أن تتحول إلى نبع‪.‬‬
‫سعداء‪ ،‬علينا‬ ‫من أجل حب العالم المحيط والتفاعل معه ولنكونَ ُ‬
‫حصص جديدة من الحب والطاقة باستمرار‪ .‬لدى‬ ‫ِ‬ ‫الحصول على‬
‫ع ِلنا مع العالم المحيط‪ ،‬نحن نف ِق ُد بشكل أساسي ونكتسب عندما‬ ‫تفا ُ‬
‫نتو َّجه هلل‪ .‬إن كنا نحب هللا أكثر من أي شيء‪ ،‬إن كان هو هدفنا‬
‫نصرف‪ .‬في هذه الحال تبقى‬ ‫ِ‬ ‫األساسي‪ ،‬حينها نحن نكت ِسب أكثر مما‬
‫لدينا احتياطات لنفسنا وألنجالنا‪.‬‬
‫لكن إن بدأنا بحب شيء ما أكثر من هللا‪ ،‬حينها تصبح حالة النفس‬
‫مرتبطة بالشيء‪ ،‬فيخمد شعور الحب وتظهر االستياءات وعدم‬
‫الرضى‪ .‬ثم يبدأ شعور الحب بالتالشي‪ ،‬تنشأ العدائية‪ ،‬فتأتي‬
‫األمراض والمآسي‪.‬‬
‫عندما تتضاءل كميَّة الحب تتضاءل الطاقة‪ ،‬حينها‪ ،‬من أجل‬
‫البقاء‪ ،‬علينا الحصول عليها من مكان ما‪ .‬حينها نأخذها من أنجالنا‬
‫المستقبليين ومن حيواتنا المستقبلية‪ .‬كلما كان ارتباط حالتنا بالقيم‬
‫أكثر ال ِقيَم قداسة‪ ،‬ازدادت سرعة‬
‫البشرية أقوى‪ ،‬حتى لو كانت هي َ‬
‫فقدان نفسنا للطاقة‪ ،‬وحينها نحن ال نُهدي أنجالنا الحبَّ ‪ ،‬إنما نسرقهم‪.‬‬
‫طبقات نفسنا السط ِحيَّة تتمتَّع بقدرة معيَّنة على تخزين الطاقة‪َّ ،‬‬
‫وإن‬
‫قادر على بلوغ أنجال أبعد‬ ‫ٌ‬ ‫ثوران العدائية الذي يُف ِق ُد نفسنا طاقتها‬
‫غل العدائية‪.‬‬ ‫وأبعد وذلك حسب عمق تو ُّ‬
‫‪88‬‬
‫خطورة مرضنا مرتبطة بقدر عمق امتصاصنا للطاقة الحيوية‬
‫األساسية من نفوس أنجالنا‪ .‬إذا‪ ،‬بقدر ما مألنا نفسنا بالحب وبقدر ما‬
‫نقلنا إلى أنجالنا احتياطات الحب‪ ،‬ازدادت سرعة شفائنا‪.‬‬
‫حرر جميع القيم البشرية رويدا‬ ‫نحن نشيخ ونموت من أجل أن نُ ِ‬
‫تقربه من هللا‪،‬‬ ‫رويدا‪ .‬بعد الموت وقبل حصول إخصابه‪ ،‬مع اشتداد ُّ‬
‫يحصل اإلنسان مع كل مرة على حصة حب وطاقة متزايدة‪ .‬كمية‬
‫هذه الحصة مرتبطة بقدر سطوع وجمال المشاعر التي يُس َم ُح‬
‫لإلنسان اإلحساس بها في الحياة‪ .‬ال تكون هذه الحصة كافية دائما‪،‬‬
‫وحينها يجب تعزيز الصلة باهلل مجددا‪.‬‬
‫الصلة باهلل من خالل‬ ‫في الحالة العادية نحن نُمنَ ُح إمكانية تعزيز ِ‬
‫المتاعب‪ ،‬المآسي‪ ،‬األمراض‪ ،‬إهانة جميع المشاعر البشرية‪ .‬فُ ٌ‬
‫قدان‬
‫قوي خاصةً الستقرار القيم البشرية يحصل قبل إخصاب األوالد‪.‬‬
‫كلما تناقصت استياءات اإلنسان تجاه العالم المحيط والذات‪ ،‬ازدادت‬
‫ص َّحة األنجال في المستقبل أفضل‪.‬‬ ‫سرعة حصول االتصال وباتت ِ‬
‫على الشخص استرجاع حياته كلها مئات ومئات المرات وإعادة‬
‫شأ َت لديه استياءاتٌ بإحساس سعادة وحب‪.‬‬ ‫عيش تلك المواقف حين نَ َ‬
‫صقها بالحياة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سيصعب على نف ِسك االنفصا ُل عن القيم بالتي كنتَ تل ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫خالل سنوات عمرك الطويلة‪ - ،‬أتاب ُع أنا‪ – .‬تخيَّل أنك ستموت بعد‬
‫بوداعِ كل ما هو غالي‬ ‫فرص لديك في الشفاء‪ .‬إبدأ َ‬ ‫َ‬ ‫أن ال‬‫أسبوع‪َّ ،‬‬
‫قر ٌر‬‫بالنسبة لك ليس في الحاضر فقط‪ ،‬إنما المستقبل كذلك‪ .‬ذلك ُم َّ‬
‫وإن إرادتكَ ال تعني شيئا‪ .‬امتنِع عن التواصل مع العالم‬ ‫من األعلى‪َّ ،‬‬
‫أن السعادة العُليا بالنسبة‬ ‫المحيط‪ - ،‬حينها ستُعيد بعد ذلك في الصالة َّ‬
‫سك أسرع بذلك‪.‬‬ ‫ستؤمن نف ُ‬
‫ِ‬ ‫لك وألنجالِكَ هي حبُّ هللا‪ ،‬حينها‬
‫‪ -‬كيف لي أن أُقنِ َع أبنائي بضرورة اإليمان باهلل‪ ،‬بضرورة ِ‬

‫حب هللا؟‬
‫‪ -‬تسألُني امرأة‪.‬‬
‫‪ -‬أتعملين‪ ،‬على اإليمان أيضا أن ينهار دوريا‪ .‬أوالً يجب تعليم‬
‫األوالد عدم التعدي على شعور الحب في نفوسهم ونفوس الناس‬
‫منطقَنا وجميع‬
‫ِ‬ ‫الشعور َّ‬
‫بأن‬ ‫َ‬ ‫اآلخرين‪ .‬من المهم مساعدة األوالد‬
‫‪89‬‬
‫تصوراتِنا عن العالم مهما َب َدت لنا كاملةً ستسقط وتنكسر أمام المنطق‬
‫اإللهي‪ ،‬ستكون جزءا دائما‪ ،‬ال ُكالً‪.‬‬
‫لدى تربية األوالد يجب تذ ُّك ُر ثالث نقاط‪ :‬أوال‪ ،‬األوالد ال‬
‫يستوعبون التأنيب‪ ،‬المو ِعظة األخالقية؛ ثانيا‪ ،‬هم ينتبهون‬
‫لتصرفاتِنا؛ ثالثا‪ ،‬سلوكُ أطفا ِلنا هو ما كنا نف َعلُهُ في السابق‪ ،‬وما‬
‫ُّ‬
‫فإن تربية األوالد تبدأ من األهل‪.‬‬‫ق نف ِسنا‪ .‬لذلك َّ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ع‬‫ُ‬ ‫في‬ ‫به‬ ‫ر‬ ‫نشعُ ُ‬
‫قل لي‪ - ،‬يسألُني مريض‪ - ،‬إن قام جميع الناس‪ ،‬كما هو مكتوب‬
‫في الكتاب ال ُمقَدَّس‪ ،‬ببناء معب ٍد في نف ِسهم‪ ،‬ال من حو ِلهم‪ ،‬ربما حينها‬
‫ستزول الحاجة للدين؟‬
‫ط ِلع جيدا على تشريعاتنا؟ ‪ -‬أُجيبُه ُمتسائال‪.‬‬‫‪ -‬قل‪ ،‬وهل أنتَ م َّ‬
‫‪ -‬نوعا ما‪ - ،‬يهز كتفيه ُمحدِثي‪.‬‬
‫حل مسألة هامة فأنت لن تهتم بها بنف ِسك‪،‬‬ ‫‪ -‬لكن إن كان ال بُ َّد لك من ِ‬
‫حام ذو خبرة‪ .‬رجال الدين هم ال ُخبراء ذاتُهم لكن‬ ‫إنما ستتو َّجه إلى ُم ٍ‬
‫في المسائل الروحية‪ ،‬األخالقية‪.‬‬
‫‪ -‬اآلن أفهم‪ - ،‬يبتس ُم هو‪.‬‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫‪ -‬لكن‪ ،‬مجددا‪ ،‬ال شيء ُمطلق‪ ،‬وبين األخصائيين كذلك يُصا َد ُ‬
‫ُم ِقلدون ال نَف َع منهم‪ .‬أحيانا يتمتَّع الهاوي أيضا بموهبة من هللا‪ .‬أ ُّ‬
‫ي‬
‫مخزن‬‫َّ‬ ‫ب‬
‫ي ُح ٍ‬ ‫دين كان ينح ُّل بسرعة كبيرة إن لم يكن هناك احتياط ُّ‬
‫الصلَةُ أكثر وضوحا ً‬ ‫تطورنا‪ ،‬باتت هذه ِ‬ ‫في الداخل‪ .‬كلما تقدَّمنا في ُّ‬
‫بالنسبة لنا‪.‬‬
‫أن عدائيتي الباطنة هي ‪ 400‬وحدة؟‬ ‫‪ -‬أنتَ تقول َّ‬

‫‪ -‬نعم‪ - ،‬أُجيب أنا المرأة التي أستقبلها في العيادة‪ – .‬حقل ِك ُمصاب‬
‫ُ‬
‫بتشوه قوي في منطقة الرأس‪ .‬عدائيَّت ُ ِك مو َّجهة ضد ذاتِ ِك‪ .‬بعد سنة‪-‬‬ ‫ُّ‬
‫سنتين ستصابين إما بالعمى‪ ،‬أو باألمراض الوعائية الدماغية‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬
‫التصلُّب المتعدِد‪.‬‬
‫ص الحقل‪ ،‬ثم أُدقِق‪:‬‬ ‫أتابع تف ُّح َ‬
‫‪90‬‬
‫س ِك‪ُ .‬حكما‪ ،‬برنامج التدمير‬ ‫‪ -‬مع أنَّه من المستب َع ِد أن يحتم َل رأ ُ‬
‫سينزل بعد مرور بعض الوقت إلى منطقة الكليتين‪ ،‬وحينها‬ ‫ِ‬ ‫الذاتي‬
‫ستُصابين إما بالسرطان‪ ،‬أو بانهيار وظيفة ال ِكلى‪.‬‬
‫تنظر إلي المرأة بإمعان‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬مع أني قد قرأتُ بإمعان الكتابين األول والثاني‪ ،‬لكن رغم ذلك‬
‫ص‪ .‬ما األمر؟‬ ‫ي فُ َر ٍ‬
‫تتركُ لي أ َّ‬ ‫أنت ال ُ‬
‫قار ُن حالتها الماضية مع حالتها‬ ‫ُ‬
‫ص حقلها في الماضي وأ ِ‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫اليوم‪.‬‬
‫داخ ِل ِك تسعينَ هلل دائما‪ ،‬ورغم أنك لم تكوني تجدين‬ ‫‪ -‬كنت في ِ‬
‫الطريق الصحيح دائما‪ ،‬إال أنَّ ِك كنت تجتهدين دائما في تنمية‬
‫ت حيَّةً وسليمة‬ ‫الروحانية وطيبة النفس في ذا ِت ِك‪ - ،‬لذلك أنت ال ِزل ِ‬
‫ت تأجيال لتزداد فرص نجا ِت ِك‪.‬‬ ‫تشو ِه حق ِل ِك القوي‪ .‬لقد ُم ِنح ِ‬ ‫رغم ُّ‬
‫تعلقةً بالمصير اليسير من خالل‬ ‫س ِك ُم ِ‬ ‫قبل قراءة كتبي كانت نف ُ‬
‫ب الناس واإلنجاب‪،‬‬ ‫بمنزلتِ ِك الخاصة‪ ،‬وكذلك بالكمال‪ُ ،‬ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشعور‬
‫الخَلق‪ .‬اآلن لديك تعلُّ ٌق واحد فقط – بالخلق‪-‬اإلنجاب‪ ،‬لكنه تعلُّقٌ‬
‫سفين على ذلك‪ .‬عندما كانت‬ ‫ت تتأ َّ‬ ‫قوي جدا‪ .‬ليس لديك أوالد‪ ،‬وقد كن ِ‬
‫مصير ِك وت َشعُرين بعدم‬ ‫ِ‬ ‫ت تزعلين من‬ ‫ان مشا ِع ُر ُحبِ ِك وثِقَت ُ ِك كن ِ‬ ‫تُه ُ‬
‫رغبة في العيش‪ .‬عندما كانت تنهار سعادت ُ ِك الحاضرة والمستقبليَّة‬
‫ت تقومين باألمر نف ِسه‪ .‬ال يجوز كذلك ربط الحالة النفسية‬ ‫كن ِ‬
‫بالمستقبل‪.‬‬
‫ت‬‫إن كنت تزعلين من نف ِس ِك‪ ،‬يُفعَّ ُل برنامج التدمير الذاتي‪ .‬إن كن ِ‬
‫فإن هذا البرنامج سيكون‬ ‫ومصير ِك‪َّ ،‬‬‫ِ‬ ‫الموقف‬
‫ِ‬ ‫تزعلين من نف ِس ِك‪،‬‬
‫لك استيا ًء قويا من ذاتِ ِك‬ ‫إن ما كان بيدو ِ‬ ‫أقوى بعشرات األضعاف‪َّ .‬‬
‫كان في الواقع زعال من المصير‪ .‬والندم على الماضي هو في الواقع‬
‫استيا ٌء من هللا‪ .‬اذهبي وأعيدي النظر في حياتِ ِك ُمجددا‪ ،‬وارجعي‬
‫بعد ساعة لنرى ما نتج‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عندما دخلت المرأة لم يبقى لي سوى االنذهال‪ :‬ط ِه َر حقلها تماما‪.‬‬
‫‪ -‬نتائ ٌج جيدة بشكل غير متوقَّع‪ - ،‬أُخبِ ُرها أنا‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫‪ -‬أت َعلَم‪ ،‬أنا لم أُصلي خالل هذه الساعة‪ ،‬ببساطة كنت أمشي ِ‬
‫وأفك ُر‪.‬‬
‫تعترف هي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ثم تغيَّر كل شيء بحدة‪- ،‬‬
‫ط ُّه َر‬‫إن ت َ َ‬
‫ئك! – أبت َ ِس ُم أنا‪ – .‬لكن بقيت لديك مشكلة خطيرة‪َّ .‬‬ ‫‪ -‬أُهنِ ِ‬
‫سنت الحالة كثيرا إال أني أرى‬ ‫حق ِل ِك ال يعني أنك لن تمرضي‪ .‬تح َّ‬
‫فوقك بُق َعةً سوداء‪ .‬إنها مجموعة كبيرة من الناس في شمال روسيا‪،‬‬
‫إن ت ََو ُّج َه ِك الخاطئ‪ ،‬عدائيَّت ُ ِك كانت تؤثر‬ ‫أكثر من مليون شخص‪َّ .‬‬
‫على حالتهم‪ .‬كلما ازداد نمو اإلنسان الروحي‪ ،‬ازداد عدد الناس‬
‫الذين يتبعونه حدسيا أو عن وعي‪ .‬لكن مع حصولهم على حسناتِه‬
‫أبناؤك الروحيون الذين حالتهم‬ ‫ِ‬ ‫هم يحصلون على سيِئا ِته كذلك‪ .‬إنهم‬
‫مرتبطةٌ ِب ِك رغم أنك ال تعيشين اآلن في روسيا‪ .‬عندما ستقومين‬
‫سي أمرهم‪ .‬األمراض الخطيرة التي تدوم أكث َر‬ ‫بتطهير نف ِس ِك ال تن َ‬
‫أن اإلنسان قد تسبَّب بضرر ال ألنجا ِله‬ ‫من حياة يعود سببها غالبا إلى َّ‬
‫الفيزيائيين فقط‪ ،‬إنما الروحيين كذلك‪.‬‬
‫يظهر‪ :‬كلما ازدادت إمكانيتي لفعل الخير للناس‪ ،‬ازدادت خطورة‬
‫ذلك علي وعليهم‪ .‬ذلك خطر كبير ومسؤولية كبيرة‪ .‬فكلما ُكنَّا أكثر‬
‫تطو ِرنا أعلى‪ ،‬اشت َّد شعورنا بالسعادة‬ ‫قُربا من هللا وكلما كان مستوى ُّ‬
‫عمنا‪ .‬لذلك قبل منحِ‬ ‫وال ُمتعة‪ ،‬إذا اشت َّد شعورنا باأللم لدى فقدانِنا لنِ ِ‬
‫اإلنسان السعادة هو يُمنَ ُح األلم‪ ،‬و ُكلَّما ازدادت قُدرته على تح ُّمل هذا‬
‫ُ‬
‫األلم مع الحفاظ على حب هللا في النفس‪ ،‬ازدادت السعادة التي‬
‫سيحصل عليها‪.‬‬
‫صة معيَّنة من‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬أُنظري‪ - ،‬أُتابِ ُع أنا‪ - ،‬توجد في القيم المادية ِح َّ‬
‫صةُ الحب‬ ‫صة الحب أعظم بكثير‪ ،‬وح َّ‬ ‫الحب‪ .‬في القيم الروحية ِح َّ‬
‫حب الكون والناس‪ .‬في الكمال‪ ،‬اإلبداع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أعظم من ذلك في الكون‪،‬‬
‫ق‪ ،‬إنجاب األبناء – هي أعظم من ذلك وإلى آخره‪.‬‬ ‫الخل ِ‬
‫صة‬ ‫كلما كانت حصة الحب أهم‪ ،‬ازداد إغراء جعل هذه الح َّ‬
‫المحدودة هدفا إثر نسيان الحصة الالمحدودة‪ ،‬أي هللا‪ .‬لذلك ال يُس َمح‬
‫ب‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬الكمال‪ .‬ليس‬ ‫ألي إنسان كان الشعور بأرقى لحظات ال ُح ِ‬
‫قادر على االرتقاء فوقهم وتح ُّم َل خسارتهم‪ .‬إن كانت‬ ‫ٌ‬ ‫ُك ُّل إنسان‬
‫َّ‬
‫حالتُنا مرتبطة ب ِهم‪ ،‬فنحن لن نتمكن من ت َح ُّم ِل خسارتهم‪ .‬لالرتقاء‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫‪92‬‬
‫فوقهم والتمكن من تح ُّمل األلم من الضروري أن نف َه َم وإلى األبد َّ‬
‫أن‬
‫حُبَّ هللا أعلى من جميع القيم البشرية‪ .‬ال يكفي فهم ذلك‪ ،‬إنما يجب‬
‫الشعور به كذلك‪.‬‬
‫إن لم ت ُكن قوى اإلنسان كافية للترفُّع عن ق َي ِمه الخاصة‪ ،‬حينها‪،‬‬
‫كل ما هو ُمقَدَّس‪ .‬قد يبدو ذلك‬ ‫للبقاء على قيد الحياة‪ ،‬هو يتخلى عن ِ‬
‫غريبا‪ ،‬إال أنه يصبح أقرب إلى هللا لفترة ُمعيَّنة‪.‬‬
‫كم أعظم من السعادة والحب‪ ،‬لكن علينا‬ ‫نحن نت َّ ِجه حتما نحو ِ‬
‫مجر ُد وسائل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بأن كل ذلك‬ ‫الشعور َّ‬
‫ق بالقيم البشرية؟‬ ‫‪ -‬قل لي‪ ،‬هل األلم في النفس هو دلي ُل تعلُّ ٍ‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬بتاتا‪ .‬ذلك دليل حساسي ٍة عالية مرتبط ٍة بتمتُّع اإلنسان بالقيم‬
‫ق هو عدم الرغبة وعدم القدرة على تح ُّمل‬ ‫اإلنسانية العُليا‪ .‬دليل التعلُّ ِ‬
‫األلم لدى إهانة وخسارة هذه القيم‪ ،‬هو العدائيةُ الداخلية ردا ً على‬
‫الموقف الصادم‪.‬‬
‫‪ -‬الهدف األعلى هو حب هللا‪ - ،‬هذا مفهوم‪ - ،‬تقول المرأة‪ – .‬لكن‬
‫من أجل العيش ال بُ َّد من وجود أهداف لدينا ككسب المال‪ ،‬تنمية‬
‫المواهب‪ ،‬الرغبة في مساعدة اآلخرين‪ - ،‬ما العمل هنا؟‬
‫تخرجين من المنزل وتتو َّجهين إلى المحل لشراء‬ ‫‪ -‬تخيَّلي‪ :‬أنت ُ‬
‫لك‪ ،‬لكن ما إن تشتري حاجت َِك‬ ‫المؤن‪ .‬لبعض الوقت يكون ذلك هدفا ِ‬
‫سط‬ ‫فسترين ُمنبَ َ‬
‫َ‬ ‫ص َر ِك‬
‫ف عن أن يكون هدفا لك‪ .‬وإن رفعت ب َ‬ ‫ذلك ي ُك ُّ‬
‫هدف كذلك‪ ،‬لكنه هدف أعلى‪ .‬لكن إن أصبح هو هدفا‬ ‫ٌ‬ ‫الدرج‪ - ،‬هذا‬
‫ترين باب منزلك‪ ،‬لكنك‬ ‫ت ال َ‬ ‫ُمطلَقا فستَبيتينَ على منبسط الدرج‪ .‬أن ِ‬
‫لفتح ِه والعودة إلى المنزل‪.‬‬
‫تسعَينَ إليه ِ‬
‫كذلك‪ ،‬دون رؤيته له‪ ،‬على ك ُّل إنسان أن يسعى للعودة إليه بفضل‬
‫الحفاظ على أولوية هذا الهدف‪ .‬لكن هذه العودة ال تبدو تماما كما‬
‫نحن نتخيَّلُها‪ .‬نحن خرجنا من هللا ونحمل جزءا منه في نفسنا‪ .‬من‬
‫خالل هذا الجزء نحن نت َّ ِح ُد به‪ .‬العودة هلل هي ُمضاعفة هذا ال ُجزَ يء‬
‫األبدي في النفس‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫ُخبرني باحثون‪ – .‬اتصل شاب وروى‪:‬‬ ‫‪ -‬حالة ُمثيرة لالهتمام‪ - ،‬ي ُ‬
‫يخر ُج من جسده دوريا‪ ،‬ينظر إلى ذاته من‬ ‫هو ال ينام منذ سنة‪ُ ،‬‬
‫الخارج‪ .‬يشعر وكأنه يعيش في عالم غير واقعي‪.‬‬
‫أن الحالة‬‫يُعا ِو ُد الشاب االتصال في اليوم التالي‪ ،‬وأنا أ ُ َح ِدثُه‪ .‬رغم َّ‬
‫أن من السهل شرح الواقعة‪ .‬اإلبداع‪،‬‬ ‫غير مألوفة للوهلة األولى‪ ،‬إال َّ‬
‫الخلق‪ ،‬إنجاب األوالد باتوا هدفا مطلقا بالنسبة له‪ .‬التو ُّجه الداخلي‬
‫هذا ي َُو ِلد زعال من العالم كله‪ ،‬إدانةً له‪ ،‬غيرةً‪ ،‬زعال من الذات وعدم‬
‫أن الشاب يمنح القيمة ال ُمطلقة‬ ‫أضف إلى ذلك َّ‬ ‫رغبة في العيش‪ِ .‬‬
‫فرطا‪ ،‬وهو يسعى لفرض إرادته على‬ ‫ب تكبُّرا ُم ِ‬ ‫ُسب ُ‬
‫للكمال‪ ،‬ما ي ِ‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫غالبا في حاالت مماثلة يحص ُل تطويق باألمراض الخطيرة أو‬
‫ٌ‬
‫وتطويق مماثل قد يُعي ُق‬ ‫المآسي‪ .‬لكن ُمقد ٌَّر له أبنا ٌء متنا ِغمون‬
‫بدعم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ظهورهم في الدنيا‪ - ،‬لذلك تحصل إهانةُ القيم البشرية لديه‬
‫الصلَة‬
‫انخماد األحاسيس‪ ،‬الشعور بوهميَّة العالم المحيط‪ ،‬تضاؤل ِ‬
‫العاطفية به‪ ،‬الحالة النفسية غير المستقرة لدى األهل – يكون كلُّ‬
‫خارق‪ .‬في حاالت مماثلة َّأول مساعدةٍ‬ ‫أن طفلهم ِ‬ ‫ذلك عادة دلي َل َّ‬
‫لألهل هي عمل األهل على ذاتهم‪.‬‬
‫يتصل أحد معارفي من أمريكا‪:‬‬

‫‪ -‬ابني في الطوارئ‪ ،‬راقد تحت المنفَسة‪ ،‬حالته خطيرة‪ .‬يعجز‬
‫األطباء عن وضع التشخيص‪ .‬قلنا له البارحة أنَّه قريبا سيُولد طفل‬
‫أن وا ِل َدته حامل‪ .‬هل من الممكن أن يكون قد أثر ذلك على‬ ‫آخر‪َّ ،‬‬
‫صحته؟‬
‫ُ‬
‫ورث الصبي من أ ِمه إعطاء‬ ‫جيب أنا‪ – .‬لقد ِ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أنت ُم ِحق‪ - ،‬أ ُ‬
‫ب الناس وإنجاب األطفال‪ .‬اإلنسان المحبوب قيمةٌ‬ ‫القيمة ال ُمطلقة ل ُح ِ‬
‫ُ‬
‫ُمطلَقة بالنسبة له‪ ،‬هو يخشى خسارته لحد الذعر‪ .‬طف ٌل مماثل يخشى‬
‫البقاء َوح َده‪ ،‬يخشى المواقف غير ال ُمت ََوقَّعة‪ ،‬يشعر ُ‬
‫بالرعب من فكرة‬
‫أنَّه قد يموت‪ .‬هو غيور وسريع الضيم‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫والمصير اليسير‪ ،‬وكذلك التح ُّك َم‬ ‫ِ‬ ‫ورث ابنُكَ منك السعي للكما ِل‬ ‫لقد ِ‬
‫بحد ذاته بالنسبة‬ ‫هدف ِ‬
‫ٌ‬ ‫فرط بالموقف‪ .‬تحقيق مشاريعه ورغبات ُه‬ ‫ال ُم ِ‬
‫له‪ ،‬لذلك هو ال يُريد وغير قادر على تح ُّمل الموقف الصادم‪.‬‬
‫أن طفال آخر سيظهر في العائلة‪ ،‬ثارت لديه‬ ‫عندما ع ِلم ابنك ب َّ‬
‫صتُه من الحب‪ .‬منطقة الحب‬ ‫نقص ح َّ‬ ‫عدائيةٌ ت ُجاه من بسبَ ِبه قد ت َ ُ‬
‫بالنسبة البنك – قيمةٌ ُمطلَقَة‪ ،‬هو لن يسمح ألح ٍد بدخولها‪ .‬ثوران‬
‫تحول إلى برنامج تدمير ذاتي‪.‬‬ ‫العدائية َّ‬
‫آن واحد‬ ‫ينهار اآلن لدى الصبي الجهاز المناعي‪ .‬هو يُصيب في ٍ‬
‫عددا كبيرا من األعضاء‪ ،‬لذلك يصعب على األطباء وضع‬
‫يتحول ذلك إلى مرض خطير‪ ،‬وأي أعضاء‬ ‫َّ‬ ‫التشخيص‪ .‬مع الوقت قد‬
‫ُحددُه طبع الصبي وإدرا ُكه للعالم‪ .‬إن كانت‬ ‫تحديدا ستُصاب هذا سي ِ‬
‫العدائية تتجلى على شكل زعل من المصير قد يُصاب بالتهابات‬
‫دائمة في الرئة‪ ،‬التهاب المعدة‪ ،‬وفي حال عدائي ٍة أقوى قد يُصاب‬
‫بسرطان المعدة أو الرئة‪ .‬وكونه يعمل برنامج التدمير الذاتي هنا‪،‬‬
‫قد ت ُصاب األمعاء أو النظام البولي التناسلي بقوة‪.‬‬
‫‪ -‬قل لي‪ ،‬هل من الممكن فِع ُل شيء في هذه الحالة؟‬
‫‪ -‬طبعا‪ ،‬يُمكن‪ .‬على زوجتِكً إزالة جميع االستياءات من الذين أهانوا‬
‫صالة يجب طلب أن يُزال شعور‬ ‫ب والثقة لديها‪ .‬خالل ال َ‬ ‫شعور ال ُح ِ‬
‫الزعل من الناس والذات من نفس ابنك واألنجال‪ ،‬طلب أن تكون‬
‫أن‬‫األبناء واألنجا ِل هي حب هللا‪ .‬يجب فهم َّ‬ ‫ِ‬ ‫أعظم سعادة بالنسبة لها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان المحبوب‪ ،‬العائلة – كلها وسائ ٌل‬ ‫ُ‬ ‫الرغبة في إنجاب األطفال‪،‬‬
‫لحب هللا‪.‬‬
‫أما أنتَ فعليك حمد هللا على جميع اإلخفاقات‪ ،‬اإلهانات والظلم‬
‫من ناحية الناس والمصير‪ .‬اليوم فورا ابدأ بتعلُّم تقبُّل اإلهانات‬
‫أن جميع القيم البشرية‪ ،‬بالمقام األول –‬ ‫والتنازل‪ .‬في الصالة أعد َّ‬
‫ف‪.‬‬ ‫طة‪ ،‬ال ِع ُّز‪ ،‬الكمال‪ - ،‬هم بالنسبة لك وسيلة‪ ،‬أما حب هللا فه َد ٌ‬ ‫سل َ‬‫ال ُ‬
‫‪ -‬هل يمكنني طرح سؤال؟ ابني ُمت َبَنى‪ ،‬هل لذلك أهمية؟‬
‫‪ -‬عمليا‪ ،‬ال اهميَّة لذلك‪ .‬أوال‪ ،‬هو كان ابنا لك في الحياة قبل‬
‫الماضية‪ .‬ثانيا‪ ،‬نسبة تطابُق حقله مع حقل والده الفيزيائي ‪ ،%7‬أما‬
‫‪95‬‬
‫معك ف‪ .%80‬ثالثا‪ ،‬من أجل أن ال يُ َح ِمل ذاته "أوسا َخكم" الكارمية‬
‫أن من الضروري أن ي ُِحبَّ هللا أكثر من أمه وأبيه‪.‬‬ ‫ذكروه دائما ب َّ‬ ‫ِ‬
‫لماذا تأ ُخذ الحيوانات المنزلية كارما أصحا ِبها‪ ،‬ثم تمرض‬
‫ألن حالت َها مرتبطة بصاحبها‪ ،‬هي تحصل منه على الغذاء‪،‬‬ ‫وتموت؟ َّ‬
‫فيُصبح صاحبها هدفا لها‪ .‬كلما ازداد وضعُكم للطفل في حالة ارتباط‬
‫بكم‪ ،‬ازدادت كميَّة "األوساخ" التي سيأ ُخذُها‪ ،‬فازداد بؤ ُ‬
‫سهُ واشتدَّت‬
‫ُمحاسبَتُكم على ذلك‪ .‬لكن إن كان لدى االبن شعور بأنه يحصل على‬
‫أن ذلك يحصل عبر األهل‪ ،‬حينها الدعم الذي‬ ‫كل شيء من هللا رغم َّ‬
‫سيحصل عليه من األعلى في المواقف الصعبة س َيشملُ ُكما كذلك‪.‬‬
‫يُعا ِو ُد االتصال بي في اليوم التالي‪:‬‬
‫‪ -‬البارحة ذهبت إلى المستشفى لرؤية ابني‪ .‬قال األطباء أنهم ال‬
‫يفهمون شيئا‪ ،‬فالطفل سلي ٌم تماما‪ .‬هو لم يعُد بحاجة للقطارة وال‬
‫األدوية‪ ،‬األمر الوحيد الذي يحتا ُجه‪ - ،‬أخذه إلى المنزل‪.‬‬
‫ص حقل الصبي‪ - ،‬بالفعل هو في حالة طبيعية‪.‬‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫س ُه َل إصال ُح الموقف‪ .‬الحاالت‬ ‫ً‬
‫كانت تلك حالة "طازجة"‪ ،‬لذلك َ‬
‫النفس ُملت َ َه َمةً بالغيرة وعدم الرغبة في العيش‬
‫ُ‬ ‫ال ُمه َملَة حين تكون‬
‫قادر حتى خالل ساعة تغيير‬ ‫أن اإلنسان ٌ‬ ‫تُعالَ ُج بغاية الصعوبة‪ .‬رغم َّ‬
‫عالقته بالعالم والشفاء خالل ساعات وأيام معدودة‪.‬‬
‫كان أحد معارفي يشتري شقَّةً‪ .‬ذات مرة مساء ُزرتُه في مكان‬
‫عمله‪ .‬كان يبدو مهموما‪.‬‬
‫ُ‬
‫ض ُح إن كانت ستباعُ‬ ‫‪ -‬أتعلم‪ ،‬توجد شقَّةٌ‪ ،‬شقَّة جيدة جدا‪ .‬غدا سيُت َ‬
‫لي أو ال‪ .‬يوجد راغبون غيري‪ .‬لقد ارتفع ضغطي بسبب ذلك‪- ،‬‬
‫اعترف هو‪.‬‬
‫‪ -‬مع مثل هذه العالقة أنت قد لن تخسر الشقة فقط‪ ،‬إنما صحت َك‬
‫كذلك‪ .‬في األعلى كل شيء ُمقر ٌر سلفا‪ .‬إن كان ُمقَدَّرا لك الحصول‬
‫عليها فستحصل عليها‪ ،‬لذلك االنفعال بخصوص هذا الموضوع أمر‬
‫ضر‪ .‬إن لم يكن ُمقَدَّرا لك الحصول على هذه‬ ‫ال معنى له وهو ُم ِ‬
‫‪96‬‬
‫الشقة‪ ،‬فلن تحصل عليها مهما كانت ميزاتُكَ ‪ ،‬وإن حصلت عليها‬
‫ب الصحة والحياة‪.‬‬ ‫رغم كل شيء‪ ،‬حينها ستُسلَ ُ‬
‫أن شخصا آخر‬ ‫صل بصاحبي وقيل له َّ‬ ‫صباح اليوم التالي ات ُ ِ‬
‫توتر‪ ،‬لكن بعد عشر دقائق تذ َّكر‬ ‫ص ُل على الشقة‪ ،‬ف َوقَ َع في حالة ٍ‬ ‫سيح َ‬
‫حرر نفسه من الزعل‪ ،‬االستياء من الموقف وهدأ‪ .‬بعد ثالث‬ ‫كالمي‪َّ ،‬‬
‫بأن الشاري اآلخر امتنع‪ ،‬لذلك يمكن‬ ‫ُ‬
‫صل به مجددا وأع ِل َم َّ‬ ‫ساعات ات ُ ِ‬
‫المجيء والقيام بالدفعة األولى‪.‬‬
‫التقيتُ بصاحبي في اليوم نفسه‪ .‬روى لي مبتسما عن ما حصل‬
‫كما لو كان كوميديا‪ .‬تف َّحصتُ حقله وأخبرتُه‪:‬‬
‫ص ُر كوميدي فقط‪ ،‬إنما تراجيدي كذلك‪ .‬عدائيتك‬ ‫‪ -‬لم يوجد هنا عن ُ‬
‫الباطنة كانت ‪ 300‬وحدة‪ ،‬المستوى المميت بالنسبة لك ‪ 180‬وحدة‪.‬‬
‫صاب بسرطان في‬ ‫َ‬ ‫بعد حوالي سنة ونصف كان من الممكن أن ت ُ‬
‫الرئة اليُمنى‪ .‬بسبب الزعل الهائل من المصير‪ ،‬الذات والموقف‬
‫ليتحول بعد‬
‫َّ‬ ‫أدخلتَ إلى ذاتك برنامج تدمير ذاتي قويا لدرجة أنه كان‬
‫انهيار تام في‬
‫ٍ‬ ‫مضي بعض الوقت إما إلى مرض بالغ الخطورة‪ ،‬أو‬
‫المصير‪.‬‬
‫حادثة أخرى‪.‬‬
‫كنت راكبا السيارة مع أحد معارفي مسافرا من حيفا إلى تل أبيب‪.‬‬
‫مسا ٌء‪ ،‬الطريق مستقيم‪ ،‬السيارات أمامنا شبه معدومة‪ .‬من الخط‬
‫األيمن كانت تسير السيارات بسرعة ‪ 80-60‬كلم في الساعة‪ ،‬من‬
‫اقتربنا من سيارة تسير على‬‫األيسر – ‪ 100-90‬كلم في الساعة‪َ .‬‬
‫نزمر للسائق ليأخذ يمينه‪ ،‬لكنه لم يتفاعل‬ ‫الخط األيسر ببطء‪ .‬بدأنا ِ‬
‫االحتدام غضبا‪.‬‬
‫َ‬ ‫أبدا‪ .‬بعد مرور عدة دقائق بدأ مرافقي‬
‫‪ -‬أترك‪ ،‬الصحة أغلى‪ - ،‬ذ َّكرتُه أنا‪ – .‬لنتخطى السيارة من اليمين‪.‬‬
‫َّ‬
‫تخطينا السيارة ورأينا خلف المقود‬ ‫تكون خلفنا ازدحا ٌم‪.‬‬
‫كان قد َّ‬
‫باص صغير‬ ‫ٌ‬ ‫امرأة ً‪ .‬في هذه اللحظة اقترب من سيارتها من الخلف‬
‫وبدأ يزمر لها مثلنا تماما‪ .‬كذلك لم تُبدي المرأة أية ردة فعل‪ ،‬لم تنتقل‬
‫‪97‬‬
‫إلى الخط اآلخر‪ .‬تابعنا السير‪ ،‬أما خلفنا فب ِق َيت تزمر السيارات‬
‫مستاءة‪ .‬على ما يبدو‪ ،‬بدأت المشاكل هناك‪.‬‬
‫تف َّحصت حالة حقل المرأة قبل الموقف ال َموصوف أعاله‪ :‬هو كان‬
‫شوها بالطموحات والتكبُّر المرتبط بموضوع الكمال والمصير‬ ‫ُم َّ‬
‫اليسير‪ .‬مفهوم‪ :‬الجميع على خطأ – هي على حق‪ ،‬الجميع أوغا ٌد –‬
‫هي قديسة‪ .‬قبل هذا الموقف عدائيت ُها الباطنة كانت ‪ِ 100‬وحدة‪.‬‬
‫المستوى المميت بالنسبة لها هو ‪ِ 180‬وحدة‪.‬‬
‫اآلن حصل في نفس المرأة انفجار من العدائية تجاه الناس الذين‪،‬‬
‫حسب رأيها‪ ،‬أساؤوا إليها ظلما وأهانوها‪ .‬عدائيتها الباطنة قفزت‬
‫قذف للعدائية إلى‬‫ٌ‬ ‫عدة أضعاف‪ ،‬وأخطر ما في األمر أنه حصل‬
‫نفوس األبناء واألنجال‪ .‬اآلن‪ ،‬حتى لو غيَّرت هذه المرأة عالقتها‬
‫ف حالتها بنسبة ‪%20‬‬ ‫سيخف ُ‬
‫ِ‬ ‫بالموقف تماما وأزالت استياءها‪ ،‬فذلك‬
‫فقط‪ .‬ساءت حالة الطاقة كثيرا في منطقة الحلقوم واألعضاء‬
‫التناسلية‪ .‬بعد مرور بعض الوقت‪ ،‬ناسيةً أمر هذه القصة‪ ،‬هي‬
‫ستذهب عند الطبيب وتبدأ بعملية عالجية طويلة وأليمة‪.‬‬
‫أخبرتُ رفيقي بهذا التشخيص‪ ،‬فطرح سؤاال فورا‪:‬‬
‫‪ -‬إحدى معارفي ُمصابة بسرطان الثدي‪ - ،‬هل يمكنك تحديد السبب؟‬
‫‪ -‬عادة يحصل هذا بسبب الزعل المرتبط بموضوع الحب‪ - ،‬أجبتُ‬
‫أنا‪ – .‬لكن فيما يخص إحدى معارفك‪ ،‬فهنا الموضوع دنيوي بحت‪:‬‬
‫سخط‪ ،‬عدم رضى بالحالة المادية وبجميع المواقف بشكل عام‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح تماما‪ -،‬يؤكد ُم َحدِثي‪ – .‬زوجها يكسب الكثير من المال‪،‬‬
‫اشترى منزال منفردا خاصا‪ ،‬لكنها مستاءة من كل شيء باستمرار‪.‬‬
‫عندما يقود اإلنسان السيارة‪ ،‬و ُم ِخال بقوانين السير يصطدم بشيء‬
‫مصيره‪ .‬في حياتنا مشا ِع ُرنا كذلك‬ ‫ِ‬ ‫انهيار‬
‫َ‬ ‫ما‪ ،‬هو يسبب بذلك‬
‫ُ‬
‫سة‪ ،‬والنتائج ال تصيبُنا‬ ‫ً‬ ‫"تصطدم" أحيانا‪ .‬لكن هذه المآسي تحصل ُخل َ‬
‫على الفور‪ .‬إن كان اإلنسان يجهل القوانين الروحية فهو يُشبه‬
‫أن الذي يجهل‬ ‫الشخص الذي يقود السيارة جاهال قوانين السير‪ .‬إال َّ‬
‫ف حدسيا وكأنه‬ ‫ص َّر ُ‬
‫القوانين لكن يُحافِظ على الحب في النفس سيت َ‬
‫ط ِلع جيدا على هذه القوانين‪ .‬الحب وطيبة النفس حتى مع جهل‬ ‫م َ‬
‫‪98‬‬
‫القوانين الروحية يسمحان لنا بالبقاء أحياء على الطريق الذي يُسمى‬
‫بالحياة‪.‬‬
‫في الجلسة تروي لي امرأة أنَّه قبل ‪ 15‬سنة ماتت ابنتها الصغيرة‪.‬‬
‫‪ -‬أنا أعجز عن نسيانها‪ ،‬أشعر وكأنها بالقرب مني دائما‪ .‬أنا أُعاني‬
‫كثيرا‪...‬‬
‫أبحث عن السبب‪ .‬نقلَت المرأة البنتها إعطاء القيمة المطلقة لحب‬
‫يستمر في تعذيب ابنتها‪ .‬أست َ ِع ُّد إلخبار‬ ‫ُّ‬ ‫الناس والعالم‪ .‬إثقا ُل النفس هذا‬
‫صدغ‪ .‬نفس‬ ‫ُ‬
‫األم بذلك بصورة عامة‪ ،‬لكني أصاب فجأة بألم في ال ُ‬
‫وصل إليها أنها كانت تُريد أن‬ ‫الطفلة تريد إيصال معلومات ما‪" .‬أ َ ِ‬
‫تموت خالل فترة حم ِلها بي"‪.‬‬
‫أتف َّحص حقل المرأة في الماضي فأرى برنامج تدمير ذاتي هائل‬
‫في الشهر الخامس‪ ،‬السادس‪ ،‬السابع والثامن من الحمل‪ .‬السبب كان‬
‫يعود لزعلها من زوجها‪.‬‬
‫ت ال تريدين العيش في النصف الثاني من فترة الحمل بابنتِ ِك؟‬ ‫‪ -‬كن ِ‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬لم يحصل هذا‪.‬‬
‫زوجك؟‬
‫ِ‬ ‫ت تزعلين من‬ ‫‪ -‬هل كن ِ‬
‫بقوة‪ .‬كان يشرب في تلك الفترة‪.‬‬ ‫‪ -‬نعم‪َّ .‬‬
‫زوجك‪ ،‬لكن في الداخل‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬في الواقع‪ ،‬ظاهرا كان ذلك زعال من‬
‫ً‬
‫كان ذلك عدم رغبة في العيش‪ .‬هذا البرنامج ُمضاعفا في نفس ابنتِ ِك‬
‫عواطف مماثلة إلى‬ ‫ِ‬ ‫ت‬
‫أدى إلى موتها‪ .‬أضف إلى ذلك أنك قد نقل ِ‬
‫أبنائك اآلخرين كذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب بسيارة وبقي حيا‬ ‫ض ِر َ‬‫‪ -‬نعم! – تهز رأسها‪ – .‬طفلي الثاني ُ‬
‫بأعجوبة‪.‬‬
‫صلي من أجل األنجال الذين‬ ‫س ِك‪ - ،‬أقول أنا للمرأة‪ - ،‬و َ‬ ‫‪ -‬طهري نف َ‬
‫ُو ِلدوا‪ ،‬لم يُولَدوا وماتوا‪ .‬على فكرة‪ ،‬ابنت ِك ستول ُد ُمجددا بعد عدة‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نفس‬
‫ط ِهرين َ‬ ‫ليك‪ .‬بقدر ما ست ُ َ‬ ‫وإن مشاكلَها الصحيَّة قد تؤثر ع ِ‬ ‫سنوات َّ‬
‫وشعورك بالحب بدل الزعل‬ ‫ِ‬ ‫كلها‬ ‫ابنتِ ِك بإعادتِ ِك النظر في حياتِ ِك ِ‬
‫قيامك بذلك‪ ،‬سيسه ُل عليها االستعدا َد للوالدة القادمة وإنجازها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لدى‬
‫‪99‬‬
‫ي انطباعا ثقيال‪ - ،‬تشتكي مريضةٌ‪ – .‬ينشأ شعور‬ ‫‪ -‬أثار كتابك ف َّ‬

‫يأس‪ .‬ال يمكن عيش الحياة كلَّها في حالة توبة‪ .‬ليس بإمكان اإلنسان‬
‫أضف‬ ‫الطبيعي أن يعيش طوال حياتِه دون زعل مهما حاول قم َعه‪ِ .‬‬
‫إلى ذلك أني قد سامحت الجميع على كل شيء‪ ،‬أما أنت فتقول َّ‬
‫أن‬
‫في داخلي يوجد ك ٌّم كبير جدا من الزعل‪.‬‬
‫جيب أنا‪ – .‬صدقيني‪ :‬تطهير النفس‬ ‫‪ -‬أنا أرى ما ال ترينَهُ أنتِ‪ - ،‬أ ُ ُ‬
‫أن ال يجوز الزعل؟‬ ‫أصعب من تطهير الوعي بكثير‪ .‬من الذي قال َّ‬
‫الزعل تحديدا هو ما ال يجوز قمعُه‪ .‬يكمن األمر في التالي‪ :‬مهما‬
‫كان الزعل قويا من الخارج‪ ،‬من الضروري أن يسود الحب دائما‬
‫كل إنسان يوجد هللا‪ ،‬وعلينا أن نُ ِحبَّه دائما‪.‬‬ ‫نفس ِ‬
‫ق ِ‬ ‫عم ِ‬ ‫في الداخل‪ .‬في ُ‬
‫جرد خطوةٍ أولى‪ .‬بدايةً يجب تنظيف البركة التي‬ ‫أما التوبة فهي ُم َّ‬
‫أصبحت ضحلة من النفايات‪ ،‬والحقا فقط إدخال الماء النظيف إليها‪.‬‬
‫فكرين بغير النفايات‪ .‬هذا ال يجوز‪.‬‬ ‫ت فال ت ُ ِ‬
‫أما أن ِ‬
‫ض بي العيش من دون االستياء من الناس‬ ‫‪ -‬قُل لي إذا‪ ،‬كيف يُفت ََر ُ‬
‫ي باستمرار؟‬ ‫الذين يُحيطون بي إن كان هذا االستياء يثور ف َّ‬
‫‪ -‬باستمرار يجب إقناع النفس بواسطة األفكار‪ ،‬الكلمات‪ ،‬العواطف‬
‫بأن حُبَّ هللا هو السعادة ال ُمطلَقَة‪ .‬قبل أن يظهر االستياء ينشأ الخوف‬ ‫َّ‬
‫من خسارة شيء ما‪ .‬ك ُّل إنسان ُمسي ٌَّر باهلل‪ ،‬وعلى سلوك ال ُمحيطين‬
‫بنا أن يُقَ ِربنا من هللا‪ ،‬أعجبنا ذلك أو ال‪ .‬حاولي أن تعيشي مع شعور‬
‫أن أقرب شخص إليك قد يغدر بك‪ ،‬يخونُ ِك‪ ،‬يُهينُ ِك‪ ،‬يتشاجر معك أو‬ ‫َّ‬
‫يموت‪ .‬في البداية سيصعب ذلك‪ ،‬إنما الحقا سيبقى الحُبُّ وتزول‬
‫االستياءات‪.‬‬
‫أن عقدة النقص لديه هي نتيجة‬‫أشرح للشاب الذي أتى إلى الجلسة َّ‬
‫متعلقة بالكمال‪ ،‬القدرةِ على التحكم بالمصير‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سهُ‬
‫لعقدة الكمال‪ .‬نف ُ‬
‫واحتقار تجاه المحيطين به‪ ،‬لذلك يُهينه الناس‬
‫ٌ‬ ‫لديه تكب ٌُّر داخلي هائ ٌل‬
‫وهو يُعاني من مشاكل في مصيره‪.‬‬
‫الصوم واالمتناع عن الطعام؟‬
‫َ‬ ‫‪ -‬وهل من الممكن إضافةً للصالة‬
‫‪100‬‬
‫‪ -‬طبعا‪ .‬االمتناع المؤقَّتُ عن التواصل‪ ،‬أساليب تنفُّ ٍس ُمعيَّنة‬
‫والتغذية المحدودة – كل ذلك يساعد جيدا‪.‬‬
‫بعد مرور بعض الوقت يزورني الشاب ُمجددا ويروي لي عن‬
‫تجربتِه‪:‬‬
‫سنت قدراتي‪.‬‬ ‫‪ -‬ما إن امتنعتُ عن الطعام حتى اشتدَّت ذاكرتي وتح َّ‬
‫خف‪ .‬انهالَت علي عروضات للعمل‪ .‬صغرتُ‬ ‫أن التعلُّقَ قد َّ‬ ‫فهمتُ َّ‬
‫‪ 8-6‬سنوات‪ .‬بعد فترة توقَّفتُ عن االمتناع عن الطعام‪ .‬عروضات‬
‫التعاطي معي باحتقار مجددا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫العمل اختفَت فورا‪ ،‬وبدأ ال ُمحيطون بي‬
‫حادثة مثيرة لالهتمام‪ :‬بدأتُ أحت ِق ُر جاري في داخلي‪ ،‬وبعد نصف‬
‫ساعة اقت َ َح َم غرفتي وتشاجر معي لسبب تافه‪.‬‬
‫‪ -‬عادة ينشأ االحتقار قبل أن نُهان‪ .‬وبعد اإلهانة إما يزول االحتقار‪،‬‬
‫س ُخ هادما الطبع والصحة الحقا‪.‬‬ ‫أو يتر َّ‬
‫‪ -‬أما اآلن‪ - ،‬يُتابِ ُع الشاب‪ - ،‬فأنت ِق ُل إلى األهم‪ .‬كان علي أن أعمل‪،‬‬
‫فقررتُ االمتناع عن الطعام مجددا‪ .‬لكن هذه المرة كان ك ُّل شيء‬ ‫َّ‬
‫مختلفا‪ .‬أوال لم يتصل بي أحد بخصوص العمل ولم يُقت ََرح علي‬
‫صبتُ بآالم في المفاصل والعظام‪ .‬ثالثا‪ ،‬كبِرتُ ما‬ ‫شيء‪ .‬ثانيا‪ ،‬أ ُ ِ‬
‫صد َِم أقربائي لدى رؤيتِهم لي‪ .‬فهمتُ أني‬ ‫يُقارب العشر سنوات‪ُ .‬‬
‫على ما يبدو اقترفتُ ُمخالفة خطيرة ما‪.‬‬
‫ص حقلَه قبل وبعد امتناعه عن الطعام وأبدأ بفهم ما حصل‪.‬‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫َ‬
‫كان يُعطي القيمة ال ُمطلقة للكمال والمصير اليسير‪ .‬خالل امتناعه‬
‫ط ِوق تعلُّقُه بالكمال والمصير اليسير‪ .‬أما في‬ ‫مرة ُ‬‫عن الطعام َّأول َّ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ع عن الطعام التعلق بالكمال لكنه عزز‬ ‫الحالة الثانية فقد أزال االمتنا ُ‬
‫التعلق بالمصير اليسير‪ .‬بهذه الطريقة هو‪ ،‬كما يُقال‪ ،‬دفع "األوساخ"‬
‫تأثير عدد كبير‬ ‫ُ‬ ‫أعمق إلى الداخل‪ .‬حسب هذا المبدأ تحديدا يحص ُل‬
‫من األدوية‪.‬‬
‫َّأول مرة كان االمتناع عن الطعام بالنسبة له درجا نحو هللا‪ ،‬أما‬
‫ُسر الشخصي‪ .‬لهذا السبب تحديدا‬ ‫في المرة الثانية فدرجا نحو الي ِ‬
‫العالمية بإصرار بالصالة خالل الصوم‪ .‬لكن إن كان‬ ‫ِ‬ ‫صح األديان‬ ‫تن َ‬
‫اإلنسان يُصلي فقط من أجل الشفاء‪ ،‬حينها يصبِح هدفا بالنسبة له‬
‫‪101‬‬
‫لحب المتزايد‬
‫الجسد الفيزيائي وليس االتصال باهلل من خالل شعور ا ِ‬
‫الشخص الذي يفه ُم أنه‬
‫َ‬ ‫في النفس‪ .‬تستطيع الصالة المساعدة فِعالً‬
‫من خالل التو ُّجه هلل والحفاظ على الحب في النفس ينال اإلنسان‬
‫السعادة العُليا غير المرتبطة بحصو ِله مع ذلك على الصحة‬
‫الفيزيائية‪.‬‬
‫يت َّصل من مدينة "نيجنِي نوفغورود" مريض يُعاني من مشاكل‬

‫نفسية‪:‬‬
‫سن حالتي بتاتا‪ ،‬ال بل عكس ذلك‪ – ،‬بدأت تتدهور‪.‬‬ ‫‪ -‬لم تتح َّ‬
‫أن لديك تعلُّقا بالمواهب والذكاء؟ هل قلت لك َّ‬
‫أن ذلك‬ ‫‪ -‬هل قُلتُ لك َّ‬
‫وأن في أساسها يقع التعلق بالكمال؟‬ ‫هو الطبقة العُليا‪َّ ،‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬قُلتَ ‪.‬‬
‫‪ -‬ت َ َعلُّقُك بالكمال لم يُزال‪ ،‬ال بل أكثر من ذلك‪ - ،‬هو اشتدَّ‪ .‬أنت ال‬
‫تعمل على ذاتك‪.‬‬
‫‪ -‬حقيقة‪ ،‬أنا ال وقت لدي للقيام بذلك‪ - ،‬يُجيب المريض‪ – .‬من‬
‫األفضل أن ت ُخبِ َرني بإن كان الوضع المالي في البلد سيتغيَّ ُر‪َّ .‬‬
‫إن‬
‫شركتنا الصغيرة على حد اإلفالس‪ ،‬هذا هو األهم بالنسبة لي اآلن‪.‬‬
‫قل لي‪ ،‬ما الذي يجب فعلُه لتصحيح وضعنا المالي؟‬
‫‪ -‬أنا ال يَ ُهمني وضعُكَ المالي بتاتا‪ - ،‬أجيبُه بصرامة‪ - .‬األهم بالنسبة‬
‫لي هو إنقاذ حياتِك‪ .‬في حق ِلك تش ََّوهٌ من المستوى المميت‪ .‬إن تابعت‬
‫إن تعَلُّقَكَ بالكمال‬‫االنفعال سلبا بسبب المال فستموت بكل بساطة‪َّ .‬‬
‫إن نجاحك المالي‬ ‫أن عليك أن تُهانَ من جميع النواحي‪َّ .‬‬ ‫قوي لدرجة َّ‬
‫هو بالنسبة لك بالدرجة األولى بُرهان كما ِلك‪ .‬عندما أنت تندم‪،‬‬
‫تخشى‪ ،‬تشعر باالكتئاب‪ ،‬أي بعدم رغب ٍة داخلي ٍة في العيش‪ ،‬فذلك‬
‫يعني عدم رغبة في تقبُّل إهانة التعلُّق بالكمال‪ .‬من الضروري كسب‬
‫إن حالة عدم وجود المال‬ ‫المال‪ ،‬لكن ال يجوز التفكير به باستمرار‪َّ .‬‬
‫تُعا ِل ُجك اآلن‪ .‬إن لن تتم َّكن من تقبُّ ِلها فستُعالَ ُج باالختالالت النفسية‪.‬‬
‫إن تابعتَ التكدُّر‪ - ،‬ستموت‪ .‬هل ف ِهمت َني؟‬
‫‪ -‬ف ِهمتُ ‪ - ،‬يُجيب المريض‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫فهم بال ِفعل‪ .‬اآلن أنا ُمرتا ٌح لوضعه‪.‬‬
‫حسب حالة حق ِله هو َ‬
‫حالة مثيرة لالهتمام حصلت لدى استقبالي لمريض في إسرائيل‪.‬‬

‫على المستوى الفيزيائي لم يكن المريض يعاني عمليا من مشاكل‪،‬‬
‫لكن عندما تف َّحصتُ المشهد الكارمي فغَرتُ فاهي من التع ُّجب‪ .‬كانت‬
‫تمت ُّد في حق ِله سلسلةٌ من الوفِيات المستقبلية‪ .‬عدائيته الباطنة تُجاه‬
‫الناس – عدَّة آالف من الوحدات‪ .‬إن كانت العدائيَّة ق ِويَّة لهذه الدرجة‬
‫مستعص أو يكون على حافة‬ ‫ٍ‬ ‫يكون اإلنسان ُمصابا عادة بمرض‬
‫الموت‪ .‬البرنامج قوي للغاية‪ ،‬لكنه لم يلحق بعد تدمير المريض‬
‫فيزيائيا‪ ،‬إال أنه سيطفو على السطح بعد حوالي خمس سنوات حين‬
‫سيكون األوان قد فات‪.‬‬
‫‪ -‬لديك عدائية هائلة تُجاه الشعب اليهودي‪ ،‬لديك إدانة له واحتقار‬
‫تُجا َهه‪.‬‬
‫يُصاب المريض بالذهول‪.‬‬
‫هاجر‪ ،‬أنا أعيش‬‫‪ -‬عفوا‪ ،‬لكنك غير ُم ِحق تماما‪ .‬أنا نفسي يهودي‪ُ -‬م ِ‬
‫ُعجبُني هنا كل شيء‪.‬‬ ‫في إسرائيل منذ أكثر من سنة‪ ،‬وي ِ‬
‫ص حقلَه ُمجددا‪ ،‬وأرى مجددا عدائية مو َّجهة ضد مجموعات‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫ً‬
‫كبيرة من الناس‪ .‬من الممكن أن تكون هذه العدائية نتيجة؛ يجب‬
‫وأمر بطبق ٍة كارمية تلوى‬ ‫ُّ‬ ‫البحث عن ما هو واق ٌع أسفلَها‪ .‬أنا أُر ِكز‬
‫أخرى‪ .‬تتضح الصورة‪ .‬في السابق كان لديه احتِقار تجاه مجموعات‬
‫كبيرة من الناس في ألمانيا واالتحاد السوفياتي وإدانةٌ لها‪.‬‬
‫يستمر المريض في االنذهال‪:‬‬‫ُّ‬
‫‪ -‬أنا لم أحتقر أحدا يوما‪ ،‬االستثناء الوحيد هي الفاشية‪.‬‬
‫‪ -‬الفاشية هي إحدى أشكال االشتراكية‪ .‬من المحتمل أنك قد مررت‬
‫بلحظات احتقار تجاه االشتراكية كذلك؟‬
‫يلفظ الرجل ببطء‪:‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬حصل ذلك‪...‬‬
‫يت َّضح كل شيء‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫‪ -‬الصورة هي التالية‪ - ،‬أشرح له أنا‪ - .‬إن أصبح أحد بالنسبة لي‬
‫فإن نفسي‬ ‫صلي عليه وأجعل منه هدفا‪َّ ،‬‬ ‫معبودا‪ُ ،‬مقدسا‪ ،‬إن كنتُ أ ُ َ‬
‫ي ألما ً‬ ‫ُثير لد َّ‬
‫ط سلوكٍ خاطئ من ناحيته ي ُ‬ ‫تلتصق به‪ ،‬وحينها أبس ُ‬
‫ووعيي‬
‫َ‬ ‫يتخزن كل ذلك‪ ،‬وفي النهاية نفسي‬ ‫َّ‬ ‫هائال‪ ،‬زعال وإدانة‪.‬‬
‫الشخص الذي أقدسه‪ ،‬فأبدأ باحتقاره‪ .‬العدائية‬ ‫ِ‬ ‫يلتفتان عن المعبود‪،‬‬
‫تعلقُنا به‪ .‬كلما اشت َّد احتقار وإدانة المرأة‬
‫الموجهة ضد شيء (أو أحد) ِ‬
‫ُسببون الزعل لزوجها‪ ،‬اشت َّد تقديسها له‪ ،‬وفي النهاية‪،‬‬ ‫تُجاه الذين ي ِ‬
‫هي ستزعل منه‪.‬‬
‫لسنوات طويلة أنت كنتَ تحمل في نفسِكَ إدانةً للفاشيين‪،‬‬
‫الشيوعيين وإلى آخره‪ .‬لذلك أصبح الشعب اليهودي بالنسبة لك‬
‫ق نفسِكَ تتعاظم‬ ‫معبودا ُمطلَّقا‪ .‬أنت ال تشُكُ بذلك اآلن‪ ،‬لكن في ُ‬
‫عم ِ‬
‫استياءاتُك من شع ِبك‪ .‬قد ال يخرج كل ذلك إلى طبقات الوعي‬
‫السطحية‪ ،‬لكن بعد مرور بعض الوقت أنت تُخاطر بأن تُصاب‬
‫مستعص‪ .‬إن كنت ال تُريد أن تشعر بحقد تُجاه شعبِكَ‬ ‫ٍ‬ ‫بمرض خطير‪،‬‬
‫فمن الضروري أن ال تحت ِق َر الشعوب األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬كيف إذا علي التعاطي مع الفاشية؟‬
‫حام ُل إيديولوجية‬ ‫‪ -‬أنت كنت تحت ِق ُر الفاشيين‪ .‬لكن أي فا ِشي ِ كان هو ِ‬
‫شخص سعيدا‬ ‫ٌ‬ ‫ُمعيَّنة‪ .‬اإليديولوجيا الفاشية كانت تفترض أن يكون‬
‫على حساب آخر‪ .‬بهدف جعل جميع الناس سعداء يجب إبادة قسم‬
‫صغير – هؤالء الذين يُعيقون السعادة‪ .‬هدف الفاشية األعلى ومغزى‬
‫أن هذه األفكار موجودة‬ ‫الحياة لديها – تأمين الجنة على األرض‪ .‬إال َّ‬
‫منذ ال ِق َدم‪ ،‬تذ َّكر اسبارطة القديمة‪ .‬هذه األفكار موجودة اآلن كذلك‪،‬‬
‫لم يتغيَّر سوى حاملوها‪ .‬دوريا ستظهر مجموعات كبيرة من الناس‬
‫بأن الشرط األساسي لبلوغ السعادة الشاملة هو إبادة‬ ‫المقتنعين َّ‬
‫المخالفين آلرائهم وتحقيق فكرة السعادة بأي وسائل ممكنة‪.‬‬
‫بدأت البشرية بإعطاء القيمة ال ُمطلقة للقيم الدنيوية‪ ،‬ثم قامت‬
‫بإعطاء القيمة ال ُمطلقة للقيم الروحية‪ .‬الحروب التي كانت تشتعل‬
‫بسبب فكرةٍ كانت أكثر قسوة من تلك التي كانت تشتعل بسبب قطعة‬
‫وإن كل هذا ال يحصل مع البشرية‬ ‫خبز‪ .‬لكن كل شيء ُمقَد ٌَّر من هللا‪َّ ،‬‬
‫‪104‬‬
‫صدفَةً‪ .‬مستوى البشرية الروحي قد نما‪ ،‬وهو قد دنا من تلك المرحلة‬ ‫ُ‬
‫حب هللا أعظم بكثير‪.‬‬ ‫التي يمكن تخطيها فقط في حال توفُّ ِر َك ٍم من ِ‬
‫غر ُق‪ .‬هل تذكر األمثولةَ عن مدينة‬ ‫الحب يُن ِقذُ‪ ،‬االستياءات – ت ُ ِ‬
‫األثماء التي دمرها هللا؟ لكن لو ُو ِج َد في تلك المدينة ولو عدَّة قديسين‬
‫لرحم هللا تلك المدينة‪ .‬يُوج ُد لدى كل مجموعة من الناس قا َدة ٌ‬
‫روحيون قد يجهلون أنهم قادة‪ .‬إن بدأ القادة باالحتقار واإلدانة‪ ،‬حينها‬
‫تتضاءل بحدة فرص نجاة األشخاص المرتبطين بهم‪.‬‬
‫ير في مصير‬ ‫اآلن الحالة الداخليَّة لكل إنسان قادرة على التأث َ‬
‫كلها‪ .‬اآلن شخص واحد قادر على إبادة مجموعات كبيرة‬ ‫البشرية ِ‬
‫زمن حين سيتم َّكن شخص واحد من تدمير‬ ‫ٌ‬ ‫من الناس‪ .‬قريبا سيحين‬
‫البشرية كلها‪ .‬للبقاء على قيد الحياة سيُض َ‬
‫طر الناس تذ ُّك َر التربية شبه‬
‫األسطورية اليوم التي ت ُ َربي الحب واألخالق في األوالد‪.‬‬
‫أنا أستقبل المرضى في غرفة صغيرة‪ .‬أمامي على الطاولة ورقةٌ‪.‬‬

‫علب عصير‪ .‬من يسار ‪ -‬نافذة ٌ‬ ‫ضدة ٌ عليها ُ‬
‫من الجهة اليُمنى – من َ‬
‫ت ُ ِط ُّل على شاطئ رملي مغمور بأشعة الشمس‪ ،‬وحتى األفق – البحر‬
‫األبيض المتوسط‪ .‬المدينة التي أنا موجود فيها تُسمى بات يام‪.‬‬
‫أنا أفكر بأني قد لمستُ هنا في اسرائيل حلَقَة أخرى‪.‬‬
‫إذا توجد في الكون ثالث مستويات من القيم‪ :‬القيم األرضية‪،‬‬
‫الدنيوية المرتبطة بالمادة؛ القيم الروحية المرتبطة بالمكان؛ حبُّ‬
‫تخلق كونِنا‪ - ،‬في إدرا ِكنا‬ ‫ُ‬ ‫قوة‬
‫الناس والعالم المرتبط بالزمان‪ .‬توجد َّ‬
‫دمرة لكونِنا‪ - ،‬في‬‫ٌ‬ ‫قوة ُم ِ‬
‫هي الخَلق‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬إنجاب األطفال‪ .‬توجد َّ‬
‫َ‬
‫قوة مثبِتة‪ - ،‬نحن‬ ‫ٌ‬ ‫إدراكنا هي السلطة‪ ،‬الجبروت‪ ،‬الكمال‪ .‬وتوجد َّ‬
‫در ُكها كإيمان بالناس‪ ،‬بعدالة العالم ال ُمحيط‪ ،‬كإيمان باهلل‪.‬‬‫نُ ِ‬
‫مؤخرا دخلت في اتصال مع بُنية جديدة‪ .‬مئات المرات حاولت‬
‫تحديد ماهيتها من خالل تذكر وتحليل احتماالت مختلفة في المواقف‬
‫بتسميَة هذه‬
‫ِ‬ ‫مع المرضى‪ ،‬فبدأ يتجلى بدريجيا نموذج جديد‪ .‬قمتُ‬
‫ب"المنزلَة اإللهية العُليا"‪ .‬هي تتض َّمن جميع البنيات المذكورة‬
‫ِ‬ ‫البُنية‬
‫‪105‬‬
‫أن األول ِويَّة فيها هي للبُنية التي تُسمى ب"الجبروت‪،‬‬ ‫أعاله‪ ،‬علما َّ‬
‫الكمال"‪ .‬ثم اكتشفتُ بُنيَّة مماثلة األولوية فيها للخلق‪ ،‬اإلنجاب‪.‬‬
‫بهذه الطريقة هما تشكالن بالنسبة لبعضهما ما يشبه المتناقضين‪:‬‬
‫األول – يخلق كل شيء‪ ،‬الثاني – يتح َّكم بكل شيء‪ .‬يبدو َّ‬
‫أن ال بُ َّد‬
‫من وجود بُنيَة ثا ِلثة تُعي ُد هلل‪ ،‬لكني لم أتمكن من اكتشافِها‪.‬‬
‫قبل سفري إلى إسرائيل اتصل بي أحد معارفي‪:‬‬

‫ضت ابنتي‪ ،‬فذهبت لعندها‪ .‬على‬ ‫‪ -‬أيمكنك أن تتف َّحص حقلي؟ لقد مر َ‬
‫بحدَّة فقُ ِذفتُ إلى خط السير‬ ‫الطريق المغطى بالثلج استدارت السيارة ِ‬
‫صب‬ ‫ال ُمقابل‪ .‬ال يسعني أن أفهم كيف بقيت حيا‪ .‬حتى السيارة لم ت ُ َ‬
‫بضرر‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ -‬لدى ابنتِكَ تعلُّ ٌق بما أنا أسميه بالمنزلة اإللهية‪ ،‬بمصير مميَّز ما‪.‬‬
‫ي بسبب شعورها بتمي ُِّزها‪ .‬يُعالَ ُج هذا بانهيار‬ ‫لديها تكب ٌُّر داخل ٌّ‬
‫فكر بها‪،‬‬ ‫المصير‪ .‬أنت لديك برنام ٌج مماثل‪ .‬كنتَ ذاهبا عند ابنتِكَ ‪ ،‬ت ُ ِ‬
‫فحصل رنين البرامج‪ .‬أنقذكَ ت َ َم ُّكنُكَ من التخلُّص من تكب ُِّرك الداخلي‬
‫تُجاه الناس‪ ،‬وكذلك أنت لم تزعل من مصيرك بشدة‪ - ،‬وإال النتهت‬
‫هذه الحادثة بشكل أسوأ بكثير‪.‬‬
‫رأيت لدى الشعب االسرائيلي بشكل أساسي تعلُّقَين هائلين‪ .‬إعطاء‬

‫ق يُعالَ ُج بالمعاملة القاسية والظالمة‬
‫القيمة ال ُمطلقة لحب العالم والخَل ِ‬
‫َ‬
‫من ناحية العالم المحيط‪ .‬إعطاء القيمة ال ُمطلقة للمصير الشخصي‪،‬‬
‫الق َد ِر والمنزل ِة الشخصية العُليا يُعالَ ُج بانهيار المصير وتلقي‬
‫الضربات منه‪ .‬عدم القدرة على الحفاظ على الحب عندما تكون هذه‬
‫القيَ ُم العُليا ُمهانةً ت ُ َو ِل ُد عددا كبيرا من المشاكل‪.‬‬
‫ص من‬ ‫بعد أن كنتُ أشرح ذلك للناس كانوا يتم َّكنون من التخلُّ ِ‬
‫إعطاء القيمة ال ُمطلقة لإلبداع وحب العالم بسرعة‪ ،‬لكن مع المصير‬
‫بأن علي إيجاد الكلمات والمفاهيم‬ ‫كان األمر أصعب‪ .‬كنت أشعر َّ‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫في النهاية وجدتُها‪:‬‬
‫‪106‬‬
‫منزلةً خاصة‪ ،‬مصير‬ ‫أن لديه ق َدرا خاصا‪ِ ،‬‬ ‫‪ -‬حين يشعر اإلنسان َّ‬
‫بأن هللا يقودُك‪ .‬كلما كان هذا‬ ‫ما‪ - ،‬فذلك شعور اتصال باهلل‪ ،‬شعور َّ‬
‫االتصال أقوى‪ ،‬ازدادت القدرات اإلبداعية التي نحصل عليها‬
‫وازدادت سلطتُنا وازداد كمالُنا‪.‬‬
‫تختلف درجة هذا االتصال بين إنسان وآخر‪ ،‬هي مرتبطة بطبع‬
‫الصلة باهلل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬سلوكه‪ ،‬رؤيته الوجودية‪ .‬في داخل ُك ٍل منا ِ‬
‫ُمماثلة تماما‪ - ،‬ال وجود لالختالفات هناك‪ ،‬نحن ُم َو َّحدون هناك‬
‫تماما‪ .‬أما من الخارج‪ ،‬فعكس ذلك‪ ،‬هي تختلف بين شخص وآخر‪.‬‬
‫وأوهامنا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الصلة مرتبطةٌ بوعينا‬ ‫هذه ِ‬
‫صةٌ وكونها قيمة بشرية‪ ،‬فيمكن التعلُّقَ‬ ‫الصلةَ السطحيةَ خا َّ‬ ‫كون ِ‬
‫بها مثلما يمكن التعلُّ ُق بال ِق َي ِم األخرى‪ .‬حينها نحن نبدأ باح ِتقار الذين‬
‫صلَتُهم أقل‪ ،‬أضعف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إذا علينا خسارة هذه القيمة كذلك بشكل دوري‪ .‬يحصل هذا من‬
‫خالل االنهيار ال ُمفاجئ والظالم للمصير‪ .‬ينشأ شعور ب َّ‬
‫أن هللا التفَتَ‬
‫عنا ونسينا‪ .‬في هذه الحالة ال يجب البحث عن هللا في الخارج وال‬
‫في الوعي‪ ،‬إنما في داخل الذات‪ ،‬في شعور الحب الذي ال يرتبط‬
‫أكثر شمو ِلية‪.‬‬ ‫بشيء‪ .‬حينها تُد َّم ُر الصلَة السابقة وتنشأ ُ صلة جديدة َ‬
‫فإن القُدرة على الحفاظ على ال ُحب وعدم إبداء استياءات من‬ ‫لذلك َّ‬
‫المصير وهللا حين تنهال المآسي كما قد يبدو عن دون حق‪ ،‬حين‬
‫ُهان أقدس ما لدى اإلنسان‪ - ،‬هو القُدرة على القيام بخطوة أخرى‬ ‫ي ُ‬
‫ُ‬
‫تُجاه هللا‪ ،‬خطوة أخرى تجاه السعادة العُليا‪.‬‬
‫ُ‬
‫َغرقا في التفكير أنظر من النافذة ال ُم ِطلَّة على شاطئ البحر‪.‬‬

‫‪ُ ...‬مست ِ‬
‫من مكان مجهول يظهر صبي ممت َِطيا حصانا صغيرا جاريا على‬
‫حافة البحر‪ .‬المشهد خيالي‪ ،‬شعور بعدم واقعية‪ .‬المكان والزمان‬
‫اللذان كنتُ موجودا لتوه فيهما كأنما اختفيا ِللَحظة‪.‬‬
‫المريضة‪ ،‬امرأة شابة‪ ،‬تبدأ بقول شيء ما‪ ،‬وأنا أ ُ ِ‬
‫حو ُل َ‬
‫طرفي‬
‫بصعوبة عن الشاطئ الرملي المغمور بنور الشمس والبحر‬
‫خرج جريدة ً تصدر في إسرائيل‪.‬‬ ‫تموج‪ .‬المرأة ت ُ ِ‬
‫ال ُم ِ‬
‫‪107‬‬
‫‪ -‬هنا مقالة صغيرة‪ - ،‬تروي هي‪ – .‬صدرت الجريدة في هذا‬
‫الشهر‪ ،‬في شباط‪ .‬يُقال هنا ذات ما قلت َه أنتَ في كتابك‪ .‬هل تذكر‪،‬‬
‫أنت كتَبتَ أنَّه فوق القطب الجنوبي ت ُو َج ُد ِمنطقة خروجٍ إلى العوالم‬
‫األخرى ومن خاللها تأتي النفوس إلى األرض؟‬
‫‪ -‬طبعا‪ ،‬أذكر‪ - ،‬أُجيب أنا‪.‬‬
‫صلت لذلك؟‬ ‫‪ -‬وكيف تو َّ‬
‫ُ‬
‫‪ -‬لم يكن هناك شيء ُم َعقَّ ٌد في ذلك‪ - ،‬أجيب أنا‪ – .‬إن كانت تأتي‬
‫العدائية من مكان ما‪ ،‬أنا أبحث من أي مكان على األرض ومن أي‬
‫عالم هي تأتي‪ - ،‬حينها يصبح من األسهل االهتداء‪ .‬إن كان لدي‬
‫الماضي فقط‪ ،‬إنما‬
‫ِ‬ ‫ص‬
‫برنام ٌج سلبي عميق‪ ،‬حينها أحيانا ال أتف َّح ُ‬
‫ماضي تلك المجموعة من الناس الذين من الممكن أن يكون هذا‬
‫كلها‪،‬‬
‫البرنامج مرتبطا بهم‪ .‬البرامج الشاملة الخاصة بالبشرية ِ‬
‫المسها على كوكب األرض نفسه‪،‬‬ ‫المرتبطةُ بأحداث الماضي لم أ ُ ِ‬
‫إنما في المنطقة الواقعة فوق القطب الجنوبي‪ .‬وعندما بدأت بدراسة‬
‫هذه المنطقة بتفصي ٍل أكبر ظهرت استنتاجات ُمفاجئة‪.‬‬
‫‪ -‬سأذهب اآلن ألُصلي‪ - ،‬تقول المرأة‪ - ،‬وفي هذه األثناء إقرأ‬
‫المقال‪.‬‬
‫أبدأ بدراسة النص‪ .‬هو مثير لالهتمام‪ .‬اسم الجريدة ‪" -‬الصدى"‪.‬‬
‫من ال ُمستبع ِد أن يكون قد ت َّم التحقُّ ُق من المعلومات المطبوعة فيها‪.‬‬
‫بإعالن أمام‬
‫ٍ‬ ‫مؤخرا قامت باحثة أمريكية تعيش في واشنطن‬
‫الصحفيين‪ .‬في شهر كانون الثاني من العام ‪ 1995‬كانت تقوم بِعثة‬
‫أمريكية‪-‬بريطانية ُمشتركة ببحوث في القطب الجنوبي‪ .‬في السماء‬
‫فوق القطب الجنوبي الحظ العلماء حركة غريبة للهواء رغم عدم‬
‫أن اإلعصار كان ال‬ ‫وجود ريح‪ .‬كانت ت ُ ِش ُّع شمس ساطعة‪ ،‬إال َّ‬
‫يختفي‪ .‬أر ِس َل إلى هناك بالون أرصاد جوية مربوط بحبل‪ .‬لدى‬
‫ش َّد الحبل ظهر البالون‬ ‫بلوغه اإلعصار اختفى البالون فجأة‪ .‬عندما ُ‬
‫مجددا‪ ،‬وأُعيد إلى األرض‪ .‬بدأ األخصائيون بتفحص األجهزة‪،‬‬
‫صدِموا‪ :‬كان الكرونومتر يُظ ِه ُر تاريخ كانون الثاني عام ‪،1965‬‬ ‫ف ُ‬
‫أن البالون قد طار إلى الماضي‪ .‬تهتم بذلك اآلن اإلدارة‬ ‫أي َّ‬
‫‪108‬‬
‫فإن اقتحام هذه المنطقة قد ينتهي‬ ‫العسكرية‪ .‬إن كان األمر حقيقةً‪َّ ،‬‬
‫بالنسبة للبشرية بنتائج ال يمكن توقُّعُها‪.‬‬
‫يثير الموضوع اهتمامي‪ ،‬فأرسم نموذج األرض الزماني‪.‬‬
‫الماضي‪ ،‬الحاضر‪ ،‬المستقبل موجودون في مركزها‪ .‬القنوات‬
‫الزمانية تجري من هناك وتخرج إلى سطح األرض‪ .‬يوجد في‬
‫القطب الجنوبي مخرج إلى المستقبل‪ ،‬لكن القسم األكبر من الحقل‬
‫ب منطقة أمريكا الشمالية‪ .‬أما‬ ‫الزماني مو َّجه للماضي‪ .‬الحاضر يُنا ِس ُ‬
‫المنطقة المرتبطة بالمستقبل فموجودة فوق القطب الشمالي ولديها‬
‫ميل لالنتقال إلى ناحية روسيا‪.‬‬
‫بعد مرور بعض الوقت تعود المريضة فنتحاور بخصوص هذا‬
‫الموضوع‪ .‬فجأة هي تطرح السؤال التالي‪:‬‬
‫أن مئات‪ ،‬آالف‬ ‫‪ -‬في كت ُ ِبكَ أنت لم تكتُب يوما عن الشامباال‪ ،‬رغم َّ‬
‫األشخاص المثقفين قد تكلموا عنها‪ .‬قل لي‪ ،‬هل هي موجودة بالفعل‬
‫أو ال؟‬
‫ُ‬
‫‪ -‬أظن‪ ،‬نعم وال‪ - ،‬أجيب أنا‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬تنظر إلي المرأة مندهشةً‪ .‬أريها الورقة التي ُر ِس َمت عليها الك َرة‬
‫ُ‬
‫األرضية‪.‬‬
‫‪ -‬أنظري‪ ،‬هذه هي المنطقة الواقعة فوق القطب الجنوبي‪ - ،‬هنا‬
‫بشكل أساسي منطقة مرتبطة بالماضي‪ .‬هنا أمريكا الشمالية‪ - ،‬هنا‬
‫تقع منطقة الحاضر مع ميل إلى الماضي‪ .‬هنا أوروبا الشمالية وقسم‬
‫من آسيا‪ - ،‬هنا منطقة الحاضر مع ميل للمستقبل‪ .‬أما منطقة المستقبل‬
‫أن هذه هي الشامباال التي كان يحلم بها‬ ‫فتقع فوق الهيمااليا‪ .‬يبدو َّ‬
‫كثيرون‪.‬‬
‫اإلنسان الذي كان يعيش في منطقة االتصال بالمستقبل كان قادرا‬
‫على فتح مواهبه وإمكانيات االستبصار أسرع بكثير من القيام بذلك‬
‫في مناطق أخرى من األرض‪ُ .‬حكما‪ ،‬يحصل في هذه األماكن جم ُع‬
‫أن ما يُسمى بالصحون الطائرة‬ ‫معلومات من المستقبل‪ .‬من المحتمل َّ‬
‫يظهر من هذه المنطقة تحديدا‪ .‬لذلك ليس من المست َبعَ ِد أن يكون‬
‫غل في الماضي مع التقيُّد ببعض الشروط القاسية قد يكون ممكنا‪.‬‬ ‫التو ُّ‬
‫‪109‬‬
‫في الكتاب الثاني تكلَّمتُ عن ثالث نقاط لدى اإلنسان‪ .‬إن كانت‬
‫مستعص‬
‫ٍ‬ ‫مرض‬
‫ُ‬ ‫جميعها مقذوفة إلى الماضي‪ ،‬حينها يجب أن يلي‬
‫أو موت‪.‬‬
‫كجسم‪ ،‬وهذا ما نت َج‪ .‬قبل‬
‫ٍ‬ ‫قررتُ تف ُّحص النقاط الزمانية لألرض‬ ‫َّ‬
‫ألفَي سنة‪ :‬كانت نُقطةٌ في الحاضر‪ ،‬أخرى – في الماضي‪ ،‬وثالثة –‬
‫في المستقبل‪ .‬عام ‪ 1990‬قُ ِذفَت جميع النقاط إلى الماضي‪ .‬التو َّجه‪،‬‬
‫االنطالق إلى المستقبل قبل ألفَي سنة كان ‪ِ 40‬وحدة‪ ،‬أما إلى الماضي‬
‫التطور‪ .‬عام ‪ 1990‬التو ُّجه‪ ،‬االنطالق‬ ‫ُّ‬ ‫ف‪ 3‬وحدات؛ هذا شا ِه ٌد على‬
‫أن عام‬ ‫إلى مستقبل – ‪ 5‬وحدات‪ ،‬إلى الماضي ‪ 25‬وحدة؛ هذا يعني َّ‬
‫‪ 1990‬كانت تحصل على المستوى الرفيع عملياتُ انحالل قويَّة‬
‫جدا‪.‬‬
‫سن‪ ،‬وفي الوقت عينه‬ ‫تو ُّجهان‪ :‬تو ُّجهٌ متزايد للتح ُّ‬ ‫أيامنا يوجد َ‬
‫في ِ‬
‫تو ُّجهٌ لالنهيار‪ - ،‬أي على المستوى الرفيع يتوازن العالم اآلن بين‬
‫الحياة والموت‪ .‬إن انغلَق المستقبل فسيبدأ بإصابة البشرية ذات ما‬
‫يحصل عادة مع اإلنسان الذي قت َ َل الحُبَّ في ذاته‪.‬‬
‫في المستقبل سيزداد اتصالُنا باهلل أكثر فأكثر‪ - ،‬إذا كميَّة الحب‬
‫في نفوسنا ستزداد‪ .‬في الماضي كان الحبُّ فينا أق َّل بكثير‪ .‬إن‬
‫ضت كمية الحب لدى البشرية إلى مستوى أدنى من المستوى‬ ‫انخف َ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الحرج‪ ،‬حينها قد يهلك كوكب األرض كله وليس البشرية فقط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫عجيب كيف أن ك َّل شيء مرتبط‪ :‬الناس يعجزون عن مسامحة‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫بعضهم‪ ،‬وعلى كوكب األرض أن يهلك بسبب ذلك‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫المستقبل‬
‫قبل سفري من إسرائيل لمستُ بنيةً أخرى واقعةً فوق البنيتين‬
‫الحب‪ ،‬األمانة األعلى"‪.‬‬‫ِ‬ ‫السابقتين وجامعةً لهما‪ .‬س َّميتُها ب"حاالت‬
‫إهانة المشاعر المرتبطة بهذا الكيان تحصل حين يُهين اإلنسان‬
‫المحبوب أرقى تجليات الحب‪ ،‬اإليمان واألمل‪ .‬حاولتُ بناء نموذج‬
‫يعكس صفات هذا الكيان‪ ،‬وبالنتيجة ظهر شيء غريب‪ :‬إنها بُنيَة‬
‫العودة إلى هللا‪.‬‬
‫َغرقا في التفكير‬ ‫عدت إلى بطرسبورغ ِسرتُ طويال ُمست ِ‬ ‫عندما ُ‬
‫على كورنيش نهر "النيفا"‪ ،‬إال أني عجزت عن إيجاد اسم لهذه البُنيَة‪.‬‬
‫كالعادة لم يبقى لي سوى العمل على تحسين حالة حقلي‪ .‬بشكل متزايد‬
‫ت البشري ِة في المستقبل‪ .‬فجأة‬ ‫كانت تطفو برامج مرتبطة بمخالفا ِ‬
‫خطر لي‪ :‬بُن َية العودة إلى هللا – هي كل ما خلقه هللا‪ ،‬لكن في‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫وضع هذه البُنية أعلى من هللا أسهل من وضع القيم األخرى أعلى‬
‫من هللا‪ ،‬ويُعالَ ُج هذا بالخيانة وإهانة المشاعر العُليا ليس في الحاضر‬
‫فقط‪ ،‬إنما في المستقبل كذلك‪ .‬حالت ُنا مرتبطة بالمستقبل أكثر بكثير‬
‫ارتباطها بالحاضر‪.‬كذلك على المستقبل أن ينهار بشكل دوري‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫إذ في المستقبل سنكون أقرب إلى هللا في وعينا‪ ،‬أما في نفسنا فاهلل‬
‫اآلن وفي كل حين‪ .‬من الضروري تف ُّحص كل فكرة بالوقائع‪،‬‬
‫وسرعان ما حصلتُ على هذه اإلمكانية‪.‬‬
‫أن أحاسيسي بدأت ت ُكل‪.‬‬‫بعد وصولي إلى بطرسبورغ الحظت َّ‬

‫ببطء‪ ،‬كالماء الثمين‪ ،‬كانت تزول الرغبة في العيش والفرح‪ .‬كان‬
‫َضخم الذي‪ ،‬كما كنتُ أشرح‬ ‫ذلك برنامج التدمير الذاتي ال ُمت ِ‬
‫مجددا‬ ‫شعرتُ‬ ‫للمرضى‪ ،‬يؤدي غالبا إلى انخفاض الخلفية العاطفية‪.‬‬
‫برائحة الموت ال ُمقبِ ِل إلي‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫على المستوى الفيزيائي والكارمي كان الحقل مستقرا نوعا ما‪.‬‬
‫تف َّحصتُ نقاطي الزمانية‪ ،‬فتبيَّن أنها مقذوفة كلُّها إلى الوراء‪ .‬السعي‬
‫للمستقبل – ناقص ‪ ،20‬السعي للماضي – زائد ‪ .60‬هذا أخطر من‬
‫المستوى المميت بثالثة أضعاف تقريبا‪ .‬في مثل هذه الحالة ينتاب‬
‫الناس الشعور‪ :‬يكون لدى الشخص ك ُّل شيء على ما يُرام‪ ،‬هو يشعر‬
‫وأن أحدا‬‫بأنه سليم تماما‪ ،‬لكن رغم ذلك هو يعلم بأنه سيموت قريبا َّ‬
‫لن يتم َّكن من مساعدته‪ .‬هو غير موجود في المستقبل بكل بساطة‪.‬‬
‫كان لدي في الورشة تمثا ٌل طقوسي صغير لهنود األتستيك‬
‫أحضرها أحد من المكسيك وأهداني إياها‪ .‬كان هذا التمثال َيق ُع‬
‫باستمرار‪ ،‬لسبب ما كانت تنتابني باستمرار رغبة في وضع وجهه‬
‫إلى األسفل رغم أنَّه حسب نتائج التشخيص هو لم يكن يحمل عدائية‬
‫فرط بالمستقبل‪،‬‬ ‫باطنة عمليا‪ .‬كان فيه برنامج واحد فقط – اهتدا ٌء ُم ِ‬
‫تقديس للمستقبل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫بالنسبة لألتستيك‪ ،‬الفضائيون‪ ،‬الناس الذين أتوا من العوالم‬
‫العز‪ ،‬السلطة‪ ،‬الحب‬ ‫ِ‬ ‫األخرى أو المستقبل كانوا تجسيدا للقوة‪،‬‬
‫والجمال‪ .‬كلما كان هذا االتصال أقوى‪ ،‬ازداد ظاهرا تأثيره إيجابا‬
‫على األتستيك‪ .‬كان هذا التو ُّجه يُثَبَّتُ في جميع التماثيل الطقوسية‬
‫الصغيرة‪ .‬كان على الناس الذين يُقدِسون‪ ،‬ي ُِألهون المستقبل أن‬
‫يخسروه‪ ،‬لذلك لم يكن لدى األتستيك والماييا مستقبالً‪.‬‬
‫كان المستقبل ينغ ِل ُق لدى مالك تمثا ٍل مماثل‪ .‬كلما نظر اإلنسان‬
‫صه بامتالك مستقبل‪.‬‬ ‫إلى هذا التمثال بسرور أكبر‪ ،‬تضاءلت فُ َر ُ‬
‫أن‬‫فهمتُ اآلن لما كان ينتابني ذلك الشعور الغريب تُجاههُ‪ .‬حتى َّ‬
‫طاقة الورشة باتت في الفترة األخيرة مزعجة‪ ،‬ثقيلة‪ .‬فقط بعد أن‬
‫سنَت معلَماتي الزمانية واستعادت‬ ‫فهمتُ كل ذلك وشعرتُ به تح َّ‬
‫الورشة طاقتها الطبيعية‪.‬‬
‫مؤخرا دار حديث بيني وبين أحد مرضاي السابقين‪.‬‬

‫َّ‬
‫‪ -‬بعد سنتين تقريبا قد تنشأ لديك مشاكل في المصير‪ .‬وقد لن تت َمكن‬
‫ابنت ُكَ من اإلنجاب‪ .‬السبب – تكب ٌُّر هائل‪ .‬يقع في أساس التكبر إعطاء‬
‫‪112‬‬
‫ي لتحقيق جميع‬ ‫القيمة المطلقة للكمال‪ ،‬المصير اليسير‪ ،‬أي سع ٌ‬
‫ق استراتيجي‪ ،‬وكذلك‬ ‫الرغبات‪ ،‬سعي للتح ُّك ِم بالموقف على نطا ٍ‬
‫التح ُّكم بالمستقبل‪ .‬على المستوى الرفيع سيبدأ بعد سنتين حل مسألة‬
‫إن كان سيُولَ ُد لدى ابنتِكَ أطفال‪ .‬من األوالد األربعة الذين يجب أن‬
‫الطف ُل من خالل‬ ‫يُولَدوا‪ ،‬من المقدَّر لواحد فقط أن يبقى حيا‪ .‬سيُ َ‬
‫ط َّهر ِ‬
‫قذف الكارما السلبية إلى الجد‪ ،‬أي إليك أنتَ ‪.‬‬
‫يستغرق المريض في التفكير‪ ،‬ثم يروي‪:‬‬
‫‪ -‬التنجيم الذي أهتم به خالل الفترة األخيرة قادر على التنبؤ بدقَّة‬
‫كبيرة‪ ،‬التنبؤ حتى باليوم والساعة حين سيمرض‪ ،‬يموت الشخص‪.‬‬
‫أتعلم‪ ،‬تشخيصي التنجيمي ال يتطابق مع تشخيصك‪.‬‬
‫‪ -‬هذا محتمل‪ - ،‬أُجيب أنا‪ - .‬أنا أرى ما يُمكن تغييره‪ .‬أنا أقوم‬
‫بالتشخيص وليس التنبؤ‪ .‬لكن فيما يخص التنجيم فأنت لست على‬
‫حق تماما‪ُ .‬حكما‪ ،‬دقَّةُ معلومات المنجمين ال تتخطى ال‪.%70-60‬‬
‫أحيانا يتحقَّق التنبؤ بدقة بالغة‪ ،‬لكن أحيانا أخرى هو ال يتحقَّ ُق بتاتا‪:‬‬
‫كان على اإلنسان أن يحيا‪ ،‬لكنه يموت فجأة‪ ،‬وعكس ذلك‪.‬‬
‫شككا ويهز رأسه‪:‬‬ ‫ينظر إلي الرجل ُم ِ‬
‫ُّ‬
‫أن التنجيم يُعطي توقعات أدق منك‪.‬‬ ‫‪ -‬مع ذلك أظن َّ‬
‫أهز كتفاي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬عندما استشارتني زوجتكَ قبل سنتين كانت قد بدأت تصاب‬
‫بسرطان الرحم‪ .‬أنت تو َّجهت إلي بخصوص صحتها ُمدركا َّ‬
‫أن‬
‫الحالة خطيرة‪ .‬اآلن هي بصحة جيدة‪ .‬ما رأيُك‪ ،‬هل كان ك ُّل ذلك‬
‫ُمتنبَّأ ً بالتوقع التنجيمي أم ال؟‬
‫يجت ِه ُد محدثي في التفكير‪ .‬على ما يبدو يصعب عليه تقبَّل ما‬
‫سمعه‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ - ،‬أقول أنا‪ - ،‬ربما من األفضل أن تنسى بخصوص‬
‫مخططات صارمة خاصة بالمستقبل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫توقُّعاتي‪ .‬على أي حال ال تبني‬
‫ال تتأثَّر كثيرا بخصوص المتاعب والفشل وال تندم على الماضي‪.‬‬
‫أظن أنَّه ليس من الصعب تنفيذ ذلك‪ .‬قم بهذا على األقل‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫بعد هذا الحديث تذ َّكرت كيف كنت أعمل مع التوقُّعات الخاصة‬
‫صر بشكل‬ ‫بالمستقبل‪ .‬كانت عندي إحدى أقاربي البعيدين التي ت ُبَ ِ‬
‫صر لي‪ ،‬وبعد الفُنجان‬ ‫ممتاز بواسطة ثمالة القهوة‪ .‬طلبتُ منها أن ت ُ َب ِ‬
‫األول هتفَت مستغربة‪:‬‬
‫‪ -‬اسمع‪ ،‬أنتَ ال مستقبل لَ َديك!‬
‫‪ -‬كيف يُف َه ُم ذلك؟ ‪ -‬ذُ ِهلتُ أنا‪.‬‬
‫كونُهُ بنف ِسك‪ ،‬ليس لديك مستقبل صارم‪.‬‬ ‫‪ -‬هكذا‪ :‬أنتَ ت ُ ِ‬
‫‪ -‬لنحاول معرفة ولو شيء ما – طلبتُ منها‪.‬‬
‫صبُّها في الفناجين‪.‬‬ ‫ضر القهوة مجددا ونَ ُ‬ ‫وها نحن نُ َح ِ‬
‫عندما كنتُ أشرب القهوة تذكرت حادثة مثيرة لالهتمام‪ .‬وجدت‬
‫تبصر‬ ‫ِ‬ ‫نفسي ذات مرة برفقة أشخاص كانت من ضمنهم امرأة‬
‫بواسطة ثمالة القهوة‪ - ،‬كانت تروي لكل واحد عن ما أصابه‪ ،‬عن‬
‫صد َِم الجميع‪ .‬لكنها لم تلحق‬ ‫أمراضه وعن ما سيُصيبه في المستقبل‪ُ .‬‬
‫ثير اهتمامي لدرجة أني أتيت إليها في اليوم التالي‬ ‫أن تبصر لي‪ .‬لقد أ ُ َ‬
‫تبصر لي‪.‬‬ ‫وطلبت منها أن ِ‬
‫ُ‬
‫عندما حاولَت رؤية ما سيحصل معي في المستقبل أصيبَت بألم‬
‫قوي في الرأس‪ .‬قررنا معاودة اإلجراء‪ .‬لكن كل مرة عندما كانت‬
‫تُحاول رؤيةَ مستقبلي كانت تُصاب بألم في الرأس‪ .‬بعد الفنجان‬
‫ال‪ 15-14‬ف ِهمتُ أن ال جدوى من ذلك‪ ،‬فتوقفنا‪.‬‬
‫بوص ِل مصدر آخر‪- ،‬‬ ‫ت عاجزة عن أخذ المعلومات قومي َ‬ ‫‪ -‬إن كن ِ‬
‫ت أن قدرات ِك على االستبصار قد ظهرت‬ ‫َّ‬ ‫ت قل ِ‬ ‫ُ‬ ‫أنص ُح قريبتي‪ – .‬أن ِ‬
‫وأن في البداية هي تحديدا من كانت تعطيك‬ ‫بعد أن توفيَت ج َّدت ُ ِك‪َّ ،‬‬
‫المعلومات عن المستقبل‪ .‬تواصلي معها‪ - ،‬ربما اآلن أيضا قد تتم َّكن‬
‫من إخبارك بأمر ما‪.‬‬
‫ض عينيها‪ .‬ثم تبدأ بالتحدُّث‪:‬‬ ‫غم ُ‬ ‫ُ‬
‫تجلس المرأة الشابة وت ِ‬
‫ُقرران‬ ‫عالم ما بعد الموت‪ .‬هما ي ِ‬ ‫مزدوجُكَ من ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬هنا جدتي وكذلك‬
‫من الذي سيُعطي المعلومات‪ ...‬رحل المزدوج‪ .‬ستتكلم جدتي اآلن‬
‫عما سيحدث خالل الشهرين‪-‬ثالثة أشهر المقبلة‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫ك ُّل ما قيل حينها أ ُ ِك َد تماما‪ .‬بعد عدة أشهر التقيتُ بقريبتي مجددا‬
‫وقررتُ القيام بتجربة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫أقتر ُح أنا‪ - ،‬سأسا ِعدُك اآلن على دخول المستقبل‪،‬‬ ‫‪ -‬لنقم بالتالي‪ِ - ،‬‬
‫ت أعلميني بكل ما ترينه‪.‬‬ ‫وأن ِ‬
‫ِق في ثمالة القهوة التي في الفنجان وتروي‪...‬‬ ‫هي تحد ُ‬
‫‪ -‬اآلن انتظري عدة دقائق‪ - ،‬أطلب أنا؟‬
‫ط ب ُمخالَفات ُم َحدَّدة‪ .‬أنا أبدأ‬ ‫إن ما قد يُصيبُني في المستقبل مرتب ٌ‬ ‫َّ‬
‫فأطه ُر نفسي‪ .‬في توقُّعاتها جرى الحديث كذلك عن شخص‬ ‫ِ‬ ‫بالصالة‪،‬‬
‫ض أن يموت‪ .‬أنا أصلي ألجله‪ ،‬فأرى َّ‬
‫أن‬ ‫آخر‪ - ،‬كان من ال ُمفت ََر ِ‬
‫سن‪.‬‬ ‫حالة بنياتِه الحقلية تتح َّ‬
‫ت؟ ‪ -‬أتو َّجه أنا إلى قريبتي‪.‬‬ ‫‪ -‬أتذ ُكرين ما قل ِ‬
‫‪ -‬طبعا‪ - ،‬تُجيب هي‪.‬‬
‫أ ُعيد لها الفنجان ذاته‪.‬‬
‫‪ -‬أنظري ما اآلن‪.‬‬
‫تُصاب المرأة الشابة بصدمة‪ .‬هي تم ِعن النظر مرارا وتكرارا في‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرسم الذي شكلته ثمالة القهوة‪ ،‬ثم تنظر إلي في حيرة‪:‬‬
‫‪ -‬أتعلم‪ ،‬لقد تغيَّر ك ُّل شيء‪ .‬وذلك الشخص الذي كان من المفترض‬
‫أن يموت بعد عدة أشهر‪ ،‬اآلن‪ ،‬حسب الرسم‪ ،‬سيعيش‪.‬‬
‫لكن الرسم على ثمالة القهوة لم يتغيَّر‪.‬‬ ‫‪َّ -‬‬
‫‪ -‬نعم‪ - ،‬تُجيب هي مذهولة‪ – .‬لكن تغيَّر المستقبل‪...‬‬
‫مجرد وسيلة‪ِ ،‬زما ٌم لقراءة‬ ‫أن ثمالة القهوة هي َّ‬ ‫كل ما في األمر هو َّ‬
‫تعل ٌق بالشخص الذي يقرأ المعلومات‪.‬‬ ‫المعلومات‪ .‬كل شيء هنا ُم ِ‬
‫ُ‬
‫لذاتك؟ حقل ِك في‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫صر ِ‬
‫‪ -‬اسمعي‪ - ،‬أتو َّجه أنا إلى قريبتي‪ – .‬هل ب َّ‬
‫حالة سيئة‪.‬‬
‫ب منكَ القيام بتشخيصي‪ .‬كما تعلم‪ ،‬صدمتني‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬كنت أريد أن أطل َ‬
‫سيارة في طفولتي‪ُ ،‬ج ِمعَت أجزائي‪ ،‬بقيتُ حية بأعجوبة‪ .‬منذ ذلك‬
‫الحين أنا ُمصابة بمرض خطير في كليت َي‪ - ،‬حقيقةً أنا ال أعلم كم‬
‫بقي لي ألعيش‪ .‬مؤخرا ُزرتُ ُمعالجة شعبية عجوز تُح ِس ُن العالج‪،‬‬
‫أن وضعي سيء‬ ‫اعترفَت لي بأنها عاجزة عن مساعدتي‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫لكنها‬
‫‪115‬‬
‫أن في "أبخازيا" تعيش ُمعالجة عجوز قوية جدا‪.‬‬ ‫للغاية‪ ...‬أخبرتني َّ‬
‫ال أحد غيرها قادر على إزالة اللعنة التي علَي‪ .‬استج َمعتُ قواي‬
‫ش ِر ًحت لي كيفية‬ ‫وبعد عدة أيام سافرت إلى "غاغري" – ‪ُ .Gagry‬‬
‫إيجاد المنزل حيث من الممكن أن ينتظرني الخالص‪ .‬بحثت عن‬
‫المنزل مدة نصف يوم‪ ،‬لكني لم أتمكن من إيجاده‪ ،‬فعُدت إلى منزلي‪.‬‬
‫سافرت إلى هناك مرتين أُخريين‪ ،‬لكن دون جدوى‪ .‬حينها فهمتُ أ َّن‬
‫أن اللعنة بالفعل قوية جدا‪.‬‬ ‫صرفُني‪ .‬من المحتمل َّ‬ ‫شيء ما َي ِ‬
‫لكن الحياة شي ٌء ال يُمكن التوقُّع به‪ ،‬ساعدتني الصدفة‪َّ .‬‬
‫تعرفتُ‬
‫مر ُر‬ ‫إلى امرأة أخصائي ٍة قوية في اإلدراك فوق الحسي‪ :‬عندما كانت ت ُ ِ‬
‫بيديها بدأت أتمايل‪ .‬سافرتُ إلى "غاغري" مجددا‪ ،‬لكن هذه المرة‬
‫معها‪ .‬تلك المرة وجدنا الطريق‪ .‬في فناء منز ٍل خاص اجتمع عدد‬
‫ت‬‫كبير من الناس بانتظار ظهور ال ُمعا ِلجة‪ .‬هي خرجت وبدأت بصم ٍ‬
‫إمعانَ النظر في الجميع‪ .‬ثم اقتربت مني وقالت‪" :‬يقف الموت خلفَ ِك‪.‬‬
‫بعالجك‪ ،‬ارحلي‪ُ .‬حكما‪ ،‬ب ِقيَت مدة قصيرة"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لن أقوم‬
‫شفاءك غير ممكن لسبب‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫‪ -‬في الواقع‪ - ،‬أبدأ أنا بالشرح‪ - ،‬إن‬
‫إن ما تراه ال ُمعالجات كلَعنة هو في الواقع تكبُّر هائل‪ .‬كانت‬ ‫بسيط‪َّ .‬‬
‫لديك في الحيوات الماضية إمكانيات هائلة‪ ،‬مستوى مرت ِفع من‬ ‫ِ‬
‫مصير سعيد وإمكانية لرؤية المستقبل والشعور به‪ .‬خلسة‬ ‫ٌ‬ ‫الكمال‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لك وسيلة‪ ،‬فأصبح هدفا‪ .‬بات طبعُ ِك‬ ‫ف عن أن يكون ذلك بالنسبة ِ‬ ‫توقَّ َ‬
‫ادتك‬
‫ت تفرضين إر ِ‬ ‫ت باحتقار الناس غير الكاملين‪ .‬كن ِ‬ ‫متكبِرا‪ ،‬بدأ ِ‬
‫َّ‬
‫على اآلخرين بنشوة‪ ،‬تتحكمين بمصائر الناس‪ .‬تح ُّمل الموقف‬
‫ت‬ ‫الصادم‪ ،‬ال ُمهين بات غير ممكن بالنسبة لك‪ .‬وإلى هذه الحياةِ أتي ِ‬
‫تطويق رغبتِ ِك في ده ِس وإخضاع العالم كلَّه‬ ‫ُ‬ ‫مع هذا الطبع‪ .‬لذلك‬
‫لذاتِ ِك قد بدأ منذ الطفولة‪.‬‬
‫َّ‬
‫نفسك بنف ِس ِك‪ .‬تعلمي تح ُّمل‬
‫ِ‬ ‫إنقاذك إن لم تُغيِري‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬من غير الممكن‬
‫ُ‬
‫اإلهانة والتنازل مع الحفاظ على دماثة ال ُخلق‪ .‬من المفضَّل أن ال‬
‫تمارسي التبصير‪ ،‬فذلك يُعَ ِلقُ ِك بالمواهب‪ ،‬الكمال‪ ،‬رؤية المستقبل‪.‬‬
‫احمدي هللا على جميع المتاعب في المصير وصلي من أجل أن‬
‫أعظم سعادةٍ بالنسبة لك‪.‬‬
‫َ‬ ‫يصبِح حب هللا‬
‫‪116‬‬
‫على ما يبدو‪ ،‬هي قد فهمتني‪.‬‬
‫سنت حالة قريبتي الصحية وكذلك‬ ‫مرت حوالي أربع سنوات‪ ،‬تح َّ‬ ‫َّ‬
‫سن مصيرها‪ .‬على فكرة‪ ،‬بعد نصف سنة من حديثي معها زارت‬ ‫تح َّ‬
‫تتعرف إليها في البداية‪ ،‬ثم قالت‬ ‫َّ‬ ‫المعالجةَ األولى مجددا‪ .‬لم‬
‫مصير ِك ُكلُّه"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ت اآلن ستعيشين حياة ً طويلة‪ ،‬لقد تغيَّر‬ ‫مستغربة‪" :‬أن ِ‬
‫مرة خالل الجلسة شرحت للمرأة كيفية الصالة‪:‬‬ ‫ذات َّ‬

‫‪ -‬تو َّجهي هلل فكريا واطلبي أن تُزا َل َرغبَت ُ ِك في جعل القيم البشرية‬
‫عليا‪.‬‬‫سعادة ً ُ‬
‫‪ -‬لقد س َّجلتُ ُك َّل ما قُلتَهُ بكلماتي‪ - ،‬أخبرتني هي خالل الجلسة‬
‫التالية‪ – .‬أيمكنَكَ أن ترى؟‬
‫هذا ما كتَبَتهُ‪" :‬اللهم‪ ،‬أنا أطلب أن تزول من نفسي الرغبة في ح ِ‬
‫ب‬
‫عيناي عندما قرأت هذا‪ .‬ظاهريا – ذلك‬ ‫َ‬ ‫ظت‬ ‫القيم البشرية"‪ .‬جح َ‬
‫يُشبِه ما قلتُه‪ ،‬لكن داخال – المعنى مختلف تماما‪.‬‬
‫‪ -‬اس َمعي‪ ،‬عندما تقرئين صلوات كنسيَّة يمكنك حتى عدم التفكير‬
‫دركُ َّ‬
‫أن‬ ‫خوريا‪ ،‬أنا عالم‪ .‬وأنا كعالم أ ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫بعمق في معناها‪ .‬لكني لستُ‬
‫كلمات الصالة – أداة ٌ قويَّة جدا ومن الضروري التأني كثيرا‬
‫باستعمالها‪.‬‬
‫ُ‬
‫علينا حب جميع القيم التي نم ِلكها في هذه الحياة‪ .‬لكن مع ذلك‬
‫أن هذه القيم لن تكون أساسية أبدا‪ .‬عندما‬ ‫علينا كل ثانية إدراك َّ‬
‫تصلين بكلماتِ ِك اطلبي من هللا ما يستطيع من َحهُ هو فقط‪ - ،‬الحُبَّ ‪.‬‬
‫كل ما تبقى علينا َكسبَه بأنفُ ِسنا‪.‬‬
‫صربيا‪.‬‬ ‫أستقبل في العيادة امرأة أتت من ِ‬

‫ً‬
‫‪ -‬قبل عدة أشهر ضربَت ابتني سيارة ٌ‪ ،‬لكنها بقيَّت حيَّة‪ ،‬ففهمتُ َّ‬
‫أن‬
‫ط بي‪ .‬هل هذا صحيح؟‬ ‫وأن ذلك مرتب ٌ‬
‫إنذار َّ‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‬
‫عليك ترتيب ذاتِ ِك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ابنتك‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬نعم‪ - ،‬أجيب أنا‪ – .‬من أجل مساعدة‬
‫مشكلت ُ ِك شائعة – إعطا ُء القيمة ال ُمطلقة للقدرات‪ ،‬المواهب‪ ،‬الذكاء‪،‬‬
‫‪117‬‬
‫ط من العالم المحيط وخاصة من‬ ‫الكمال‪ ،‬وبالتالي لديك استياء مفر ٌ‬
‫ت ذلك كله البنتِ ِك‪.‬‬ ‫الرجال‪ .‬نقل ِ‬ ‫ِ‬
‫غيري عالقت َِك بالماضي‪ ،‬حينها ستتمكنين من تغيير المستقبل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بعد الجلسة ستسبح "األوساخ" الداخلية بشكل أسرع‪ ،‬قد تزداد سرعة‬
‫س ِك‬ ‫تحرك الطبقات الكارمية عشرات األضعاف‪ .‬ست ُ َ‬
‫ط ِهرين نف َ‬ ‫ُّ‬
‫بالصالة وإعادة النظر في حياتِ ِك‪ .‬ما لن تلحقيه "سيُغلَ ُق" بالمتاعب‪،‬‬
‫ع ِل ِك مع اإلخفاقات ست ُ ِ‬
‫حد ُد‬ ‫وإن كيفية تفا ُ‬‫َّ‬ ‫اإلهانات‪ ،‬اإلخفاقات‪.‬‬
‫صحتك ومصيرك المستقبليين‪.‬‬
‫صة التالية‪ .‬أتى شخص إلى موسكو‪ ،‬مسا ًء كان يسير‬ ‫سمعتُ بالق َّ‬
‫انقض عليه كلبٌ وعضَّه في يده‪ .‬هو لم يفهم أ َّن‬ ‫َّ‬ ‫في الشارع‪ ،‬وفجأة‬
‫تلك كانت إشارة‪ ،‬فاغتاظ في نفسه‪ .‬وبعد أسبوع قُ ِت َل في المكان عي ِنه‪.‬‬
‫هو كان يُعطي القيم المطلقة للمواهب والكمال مثلَ ِك‪ .‬المواهب‬
‫ط ِوقَت بعضَّة في‬ ‫وإن العدائية الداخلية ال ُمرت ِفعة ُ‬‫مرتبطة باأليدي‪َّ ،‬‬
‫ضة‪ ،‬أي اإلهانة‪ ،‬هو تمكن من الحفاظ‬ ‫ضه للع َّ‬ ‫اليد‪ .‬لو لحظةَ ُّ‬
‫تعر ِ‬
‫على دماثة ال ُخلق‪ ،‬لكان من الممكن أن يبقى حيا بعد أسبوع بعد‬
‫إصابتِه‪.‬‬
‫‪ -‬هل راقبتَ حاالت حين يتفاعل الشخص مع الموقف بشكل‬
‫ُدركُ ك َّل شيء ويبقى بعد ذلك حيا؟ ‪ -‬تسأل المرأة‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬ي ِ‬
‫واضحا‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا‪ .‬سأضرب مثال ِ‬
‫قبل عدة أشهر كنتُ أقرأ محاضرة في مدينة سوتشي‪ .‬صباحا‬

‫كنتُ أتناول الفطور مع جماعة‪ .‬لفت َت انتباهي امرأة جذابة وطيِبة‬
‫النفس‪ .‬لكن كأخصائي رأيتُ فيها قسوة ً داخلية وتكبُّرا داخليا تُجاه‬
‫الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬كلما كانت المرأة أكثر موهبة‪ ،‬ازدادت عليها صعوبة تقبُّ ِل اإلهانة‬
‫من الرجل‪ - ،‬قلتُ لها‪ – .‬في مثل هذه الحاالت تنشأ مشاكل مع‬
‫األطفال‪.‬‬
‫‪ -‬أنا لدي أطفال‪ ،‬وتفو‪-‬تفو‪-‬تفو‪ ،‬كل شيء على ما يُرام‪.‬‬
‫‪ -‬والحمد هلل‪ - ،‬أ َ َجبتُ أنا‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫لم أرغب في تشخيص أوالدها لكي ال ينشأ لدى المرأة إحساس‬
‫بأني أُخيفُها‪ .‬كان من المفترض أن تحضر محاضرتي‪ ،‬وإذ تذكرت‬
‫قررتُ ُمراقبة إن كانت ست َف َهم ما أتكلم عنه‪ .‬قبل المحاضرة‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫تف َّحصتُها عن بُعد‪ ،‬فرأيتُ في حقلها الموت‪ ،‬موتا قريبا‪ .‬فبدأتُ قراءة‬
‫المحاضرة كأنما لها خصيصا‪ ،‬رغم أنها كانت بشكل عام ُمحاضرة ً‬
‫عادية‪ .‬بعد المحاضرة لم أرى تلك المرأة‪ ،‬لقد رحلت‪ ،‬وفي اليوم‬
‫التالي كان عليها أن تُسافر بالطائرة من المدينة‪ .‬قمتُ بتشخيصها‬
‫ُمجددا‪ ،‬فصفَّرتُ من شدَّة الدهشة‪ - ،‬كان الحقل نظيفا ومتنا ِغما‪.‬‬
‫‪ -‬هل تذكر تلك المرأة؟ ‪ -‬سألتُ صاحبي الذي كان أيضا يتناول‬
‫الفطور حينها مع الجماعة‪ – .‬لدى كثيرين‪ ،‬إن كانوا داخليا‬
‫س ٌن جذري في الحقل‪ .‬لكن في‬ ‫ُمست َ ِعدين‪ ،‬يحصل بعد المحاضرة تح ُّ‬
‫هذه الحالة النتيجة ُمب ِه َرة‪ :‬كان من المفترض أن تموت‪ ،‬لكنها ستبقى‬
‫حيَّة اآلن‪.‬‬
‫الحقا‪ ،‬استُؤنِفَت هذه القصة‪ .‬في اليوم التالي رحلت‬ ‫كما ع ِلمتُ ِ‬
‫المرأة مع صديقتها بالسيارة إلى المطار‪ .‬في النفق قُ ِذفَت السيارة‬
‫بدايةً إلى ِج َهةٍ‪ ،‬ثم أخرى‪ ،‬ثم اصطدمت بحائط النفق‪ .‬بقي الجميع‬
‫أحياء‪ ،‬ت َ َّم األمر دون خدش واحدة حتى‪.‬‬
‫أن هذا الحدث كان ُمثَبَّتا بصرامة‪ ،‬لكن بفضل التغيُّرات‬‫أدركتُ َّ‬
‫العميقة التي حصلت في نفس المرأة حصل حاد ٌ‬
‫ِث فقط وت َ َّم األمر‬
‫دون إصابات وموت‪.‬‬
‫صة للمريضة من صربيا كنتُ أقوم بمراقبة‬ ‫لدى روايتي هذه ال ِق َّ‬
‫أن حان الوقت إلنهاء الجلسة‪.‬‬ ‫فقررت َّ‬ ‫س ٌن َّ‬ ‫حقلها‪ .‬كان يحصل تح ُّ‬
‫صدغ ألم قوي‪ ،‬ففهمتُ َّ‬
‫أن أحدا ما يحا ِو ُل بإصرار‬ ‫فجأة نشأ في ال ُ‬
‫"أوصل إليها أنها‬
‫ِ‬ ‫إيصال معلومات ما‪ .‬كان ذلك مصير مريضتي‪:‬‬
‫صلي في السابق"‪.‬‬ ‫ستموت إن قامت بالصالة كما كانت ت ُ َ‬
‫صلين عادة؟ ‪ -‬أسألُها أنا ُمهتما‪.‬‬ ‫‪ -‬كيف ت ُ َ‬
‫‪ -‬كالعادة‪ ،‬أقرأ صلوات كتاب الصلوات‪.‬‬
‫ت تُصلين مستعملةً كلماتِك كذلك‪.‬‬ ‫‪ -‬ال‪-‬ال‪ ،‬أن ِ‬
‫‪119‬‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬أصلي طالبةً أن يمنح هللا الحب والصحة ألبنائي‪.‬‬
‫لكنك تصلين‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬ال يجب طلب الصحة‪ ،‬الصحة هي نتيجة الحب‪.‬‬
‫بكلماتِ ِك بطريقة أخرى أيضا‪ ،‬تكلمي!‬
‫ب من هللا أن تنتهي الحرب في‬ ‫‪َ -‬كوني من صربيا‪ ،‬أنا أطلُ ُ‬
‫يوغوسالفيا في أسرع وقت ممكن‪.‬‬
‫تمن‬
‫أن ذلك ٍ‬ ‫ص إن كان ذلك إخالال للقوانين العُليا‪ .‬تبيَّن َّ‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫بالموت لمجموعات كبيرة من الناس يفوق المستوى المميت‬
‫أضعاف‪.‬‬
‫ب‬‫‪ -‬صالت ُ ِك‪ - ،‬أشرح أنا‪ - ،‬قد تُسا ِع ُد أجساد الناس‪ ،‬لكنها تتسبَّ ُ‬
‫عليك أن ترغَبي‬ ‫ِ‬ ‫ت كإنسان‬ ‫بضرر كبير على نفوسهم‪ .‬طبعا‪ ،‬أن ِ‬
‫بوسعك لكي ال تنت َ ِش َر وال تبدأ مجدَّدا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ام بكل ما‬
‫بانتهاء الحرب والقي َ‬
‫المرض نفسه‪ .‬الصالة من أجل أن يزول المرض‬ ‫ُ‬ ‫أن الحرب هي‬ ‫إال َّ‬
‫المنطق الدنيوي أن‬ ‫ِ‬ ‫الفيزيائي تؤذي النفس‪ .‬خالل الصالة على‬
‫وإن ذلك‬‫ينطفئ‪ ،‬وإال فبمنطقنا البشري سنبدأ بقمع المنطق اإللهي‪َّ ،‬‬
‫خطير جدا‪ .‬لذلك من األفضل الصالة على الريق‪ ،‬في عزلة‪ ،‬بعد‬
‫إزالة االستياءات من الناس والذات‪ ،‬الماضي‪ ،‬الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫حينها من خالل الحب الذي سنحصل عليه خالل الصالة سيسهل‬
‫علينا تحقيق رغباتنا البشرية بأنفُ ِسنا‪.‬‬
‫الرجل الشاب ينظر أمامه مباشرة ويروي قصة حياته‪:‬‬

‫‪ -‬لم يمر زمن بعيد حين كنت أملكُ الكثير من المال وكان لدي‬
‫أن جميع مشاريعي ستتحقَّق‪ .‬اآلن‬ ‫شعور بأني قادر على كل شيء‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫أنا ال أملك ماال وذهبَت جميع مشاريعي هباء رغم أني على ما يبدو‬
‫كنتُ أقوم بكل شيء بشكل صحيح‪.‬‬
‫ُ‬
‫تعل ٌق بالروحانية‪ ،‬الكمال‪ ،‬لديك احتقار داخلي هائ ٌل تجاه‬ ‫‪ -‬أنت ُم ِ‬
‫أخبره أنا‪ - .‬ال ب َّد َّ‬
‫أن ذلك ليس مفهوما تماما‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫الناس وإدانة لهم‪- ،‬‬
‫سأخبركَ اآلن من أين لك ذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫يوجد على كوكب األرض مكان شديد االتصال بالمستقبل‪ ،‬هو‬
‫موجو ٌد فوق الهماليا منذ آالف السنوات‪ .‬اإلنسان الذي يعيش في‬
‫‪120‬‬
‫قادر الحصو َل على اتصال قوي بالمستقبل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫شمال الهند أو التِبت‬
‫يتصرف‬ ‫َّ‬ ‫اتصال يُحفَظ لديه على مدى ِعدَّة حيوات‪ .‬إن كان اإلنسان‬
‫الصلة تشتدُّ‪ .‬لكن إن كان سلو ُكه خاطئا ‪-‬‬ ‫فإن هذه ِ‬ ‫بشكل صحيح‪َّ ،‬‬
‫راض عن ذاته‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫َ‬ ‫يزع ُل من الذين يهدمون مشاريعه‪ ،‬يكون‬
‫ومصيره حين ال تتحقَّ ُق أحالمه‪ ،‬يُصاب باالكتئاب‪ ،‬أي يخشى‬
‫راض عنه سلفا‪ - ،‬في هذه الحال لن يُسم َح‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫المستقبل ويكون َ‬
‫لهذا الشخص دخو ُل المستقبل‪.‬‬
‫تصرف‬ ‫إن بفضل التربية الدينية‪-‬الفلسفية أو حد ِسه كان اإلنسان ي َ‬
‫الصلَةَ بالمستقبل تشت ُّد وتزداد إمكانية التأثير على‬ ‫فإن ِ‬‫بشكل صحيح‪َّ ،‬‬
‫ق‪ ،‬وهذا‬ ‫بحدَّة‪ .‬في مثل هذه الحال تبدأ الرغبات بالتحقُّ ِ‬ ‫العالم المحيط ِ‬
‫هو المصير اليسير‪ .‬كمالُنا‪ ،‬ذكاؤنا ومواهبُنا‪ ،‬إمكانيَّة الخلق‪ ،‬اإلبداع‪،‬‬
‫إنجاب األطفال يزدادون‪.‬‬
‫لكن أيضا بإمكان الشخص التعلق بالمستقبل إن قام ببناء‬
‫المخططات الصارمة‪ ،‬ال ُحلُم كثيرا بشيء ما‪ ،‬االستياء من المستقبل‬
‫وليس من الذين سببوا المتاعب في الحاضر فقط‪ .‬مثال‪ ،‬أنت فقدتَ‬
‫أمر مؤلم‪ .‬لكن إن فقدتَ إمكانية الحصول عليه في‬ ‫المال‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫المستقبل فذلك مؤلم ضعفين‪ .‬أنت تشاجرت مع المرأة التي ت ِحبُّها‪- ،‬‬
‫ألن شعور ُحبِكَ لها قد أُهين‪ .‬لكن إن هي قالت أنها ال تُريد‬ ‫أنت تتألَّم َّ‬
‫ليس ُمهانا ً في الحاضر‬ ‫َ‬ ‫لقا َءكَ ‪ - ،‬فذلك مؤلم أكثر بكثير َّ‬
‫ألن ُحبَّكَ‬
‫فقط‪ ،‬إنما في المستقبل كذلك‪.‬‬
‫ُ‬
‫صلتِكَ بالمستقبل‪ - ،‬أتابِ ُع أنا‪-،‬‬ ‫َ‬ ‫أعظم من ِ‬
‫َ‬ ‫‪ -‬كلما حصلتَ على سعادةٍ‬
‫إلتحام‬
‫ِ‬ ‫ازداد إغراء وضعِ الذات في حالة ارتباط به وازداد إغراء‬
‫النفس به‪ .‬حينها‪ ،‬بهدف إنقاذ النفس‪ ،‬ينهار المستقبل كونَ المستقبل‬
‫ليس هدفا‪ ،‬إنما وسيلة‪ .‬في البداية يحصل انهيار المخططات‪ ،‬ثم‬
‫تحصل متاعب في المصير‪ ،‬ثم إخفاقات وإهانات ُمت َ َك ِر َرة‪ ،‬ثم‬
‫واألحالم كأمر‬
‫ِ‬ ‫ت‪ ،‬ال ُمث ُل‬
‫أمراض‪ .‬القدرة على تقبُّل انهيار المخططا ِ‬
‫المصير اليسير‪ ،‬الكما ِل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ممنوح من هللا هي القدرة ُ على الحفاظ على‬
‫الذكاء‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫بالنسبة لروسيا القدرة على عدم احتقار ماضيها‪ ،‬عدم اإلصابة‬
‫بالذُعر أمام المستقبل‪ ،‬عدم الزعل من المصير الخاص‪ ،‬عدم احتقار‬
‫غير الكامل في جميع تجلياته‪ ،‬أي تر ِب َيةُ األخالق والحب تُجاه العالم‬‫َ‬
‫الحب تُجاه هللا ‪ -‬هي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ة‬‫تنمي‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫م‬‫بكال‬ ‫‪-‬‬ ‫منه‪،‬‬ ‫االستياء‬ ‫دون‬ ‫المحيط‬
‫ط من المستبعد أن تنجح من دونه اإلصالحات السياسية‬ ‫شر ٌ‬
‫العالم ال ُمحيط بوعيه وأحاسيسه‪.‬‬
‫َ‬ ‫واالقتصادية‪ .‬ك ُّل واحد منا ي ِ‬
‫ُدرك‬
‫تتكون لدى حصول اإلدراك ت ُ ِ‬
‫حد ُد‬ ‫النماذج المنطقيَّة والعاطفية التي َّ‬
‫كل منا‪ .‬تلك بذور اإلدراك العاطفي الصحيح‬ ‫طب َع‪ ،‬مصير وصحة ٍ‬
‫للعالم التي تنمو في نفسنا تجعلنا متناغمين وتزيد من إمكانيات بقائنا‬
‫أحياء وإمكانيات نُ ُم ِونا‪ .‬المنطق هو األوراق‪ ،‬أما الحب فهو الجذور‪.‬‬
‫أص ُل فيها إلى مراحل إدراك جديدة أنا أرى الدرجات‬ ‫ك َّل مرة ِ‬
‫ذاتها في الفن وأفهم َّ‬
‫أن اإلنسان الذي يُمارس اإلبداع بجديَّة يقطع‬
‫بشكل حدسي الطريقَ نفسه الذي أقطعُه أنا‪ .‬عدتُ بأفكاري أكثر من‬
‫مرة للفن المسرحي ُمحاوال اإلقبال على هذا الفن بأسلوب جديد‪.‬‬
‫ث مجموعات من القيم‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬أ ُو ِجزَ لدي اآلن كل شيء بثال ِ‬

‫المجموعة األولى – اإلبداع‪ ،‬الخَلق‪ ،‬إنجاب كل ما في الوجود‪.‬‬
‫الثانية – التحكم‪ ،‬السلطة‪ ،‬ال ِع ُّز‪ ،‬السعي لبلوغ الكمال‪ .‬المجموعة‬
‫الثالثة س َّميتُها – "العودة إلى هللا"‪ .‬كل ما في الوجود يخرج من هللا‪،‬‬
‫يتطور ويعود إليه‪ .‬العودة إلى هللا – هي القيمة البشرية العُليا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ينمو‪،‬‬
‫حوالي شهر حاولتُ إيجاد تسمية أخرى لمفهوم العودة إلى هللا‪ .‬ثم‬
‫ُو ِج َد بسهولة من تلقاء نف ِسه‪ :‬المستقبل‪ .‬اإلنسان الذي يتمتَّع باتصال‬
‫قوي بالمستقبل يقوم بقفزة هائلة في النمو‪ ،‬لكن إن هو قام بإعطاء‬
‫ب على‬ ‫عليا‪ ،‬فهو يُعاقَ ُ‬
‫يعتبره سعادة ً ُ‬
‫ُ‬ ‫القيمة ال ُمطلقة للمستقبل‪ ،‬إن هو‬
‫ذلك‪ .‬تزول لديه الرغبة في اإلنجاب‪ ،‬الخلق واإلبداع‪ ،‬هو يفقد‬
‫الرغبة في تنمية‪ ،‬تطوير ذاته‪ .‬إذا‪ ،‬للتمت ُّع بإمكانية لتنمية الذات‬
‫والتمتُّع بإمكانيات إبدا ِعيَّة من الضروري التعاطي مع المستقبل‬
‫بشكل صحيح‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫التعاطي الصحيح مع المستقبل هو بالدرجة األولى فه ُم َّ‬
‫أن كلما‬
‫تقدمنا نحو المستقبل بُتنا أقرب إلى هللا‪ .‬لكن هذا على المستوى‬
‫السطحي‪ ،‬البشري‪ ،‬أما في الداخل فنحن نحمل هللا في ذاتنا دائما‪.‬‬
‫داخ ِلنا نقطةَ اهتِدائنا األساسية‬
‫لذلك من الضروري أن يكون هللا في ِ‬
‫وليس المستقب ُل‪ ،‬أي من الضروري أن نهتدي بالحبُّ الالنهائي مع‬
‫انعدام أي استياءات‪.‬‬
‫ض ُج خالل عدة حيوات‪ .‬في البداية هو كان قديسا‪،‬‬ ‫ال ُم َمثِل العظيم ين َ‬
‫مستبصرا‪ .‬كان حبُّ هللا الداخلي بالنسبة له أ َه َّم من المستقبل‪ ،‬لذلك‬
‫هو كان قادرا الحصو َل على إمكانية الدخول إلى المستقبل‪ .‬إمكانياتُه‬
‫فكروا‬ ‫اإلبداعية وكماله كانوا ينمون‪ .‬لهذا السبب قال المسيح‪" :‬ال ت ُ ِ‬
‫بيوم غد‪ ،‬عيشوا كالطيور"‪.‬‬
‫خزنَها خالل‬ ‫لكن حين كان يحين موعد تحقيق اإلمكانيات التي َّ‬
‫حياة أو حياتين كان ينهار لدى الشخص المستقبل والمصير‪ .‬كان‬
‫يحصل ذلك أكثر من مرة ويستمر حتى تزول لدية رغبة التعلُّق‬
‫حب هللا‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬ ‫باإلبداع‪ ،‬الخلق‪ ،‬الكمال‪ .‬إن كان اإلنسان يُحافظ على‬
‫َّ‬
‫الحب في نفسه‪ ،‬حينها هو كان يتعلم في هذه‬ ‫ِ‬ ‫يدوس على شعور‬
‫المدرسة حياة ً أو حياتين وليس ‪ 50-30‬حياة‪ .‬حينها‪ ،‬في الحياة‬
‫الرابعة أو الخامسة كانت تتفَتَّح لديه قدرة ٌ إبداعية هائلة‪ ،‬فيقوم‬
‫در‬ ‫بتحقيقها دون االلتحام بها‪ .‬بقدر ما كان حبُّه هلل قويا في نفسه‪ ،‬بق ِ‬
‫ما كان قادرا على العيش طويال ُمحافظا على هذه القُدرة‪.‬‬
‫إن كانت تُصبِ ُح المواهب‪ ،‬الكمال بالنسبة لهذا الشخص هدفا بحد‬
‫ذاته‪ ،‬كان يبدأ تكبُّره بالتعاظم‪ ،‬وحينها كان يُصيبُه التالي‪ :‬إما هو‬
‫كان يُقت َل‪ ،‬أو يُصاب بإعاقات أو مرض خطير‪ ،‬أو تنهار حياتُه ُكلُّها‪.‬‬
‫كلما كان يشت ُّد تعلُّقُه بالخلق‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬إنجاب األطفال وكلما اشت َّد‬
‫جعلُه للفن هدفا بحد ذاته‪ ،‬اشتدَّت في نفسه الغيرة‪ ،‬اشت َّد الزعل من‬
‫األشخاص المقربين وازداد عدد الصدمات والخيانات من األحبَّة‪.‬‬
‫ُهددُه‬‫حينها كان هذا اإلنسان إما يمتنع عن اإلبداع إذ يشعر بأنه ي ِ‬
‫بالموت‪ ،‬أو يمتنع عن العائلة والعالقات المستقرة مع األقارب‪ ،‬أو‪،‬‬
‫‪123‬‬
‫ُغير تو َّج َههُ الجنسي‬
‫إن ذهبت العملية بعيدا جدا‪ ،‬كان وعيُه الباطن ي ِ‬
‫للحفاظ على الحياة واإلبداع‪.‬‬
‫عملية الوالدة هي اتحاد أصلين‪ :‬المعلومات والطاقة‪ .‬الحب ينقسم‬

‫وبتحو ِلهما إلى بعضهما‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫إلى الطاقة والمعلومات‪ ،‬ثم هما يت َّ ِحدان‪،‬‬
‫والتطور‪ .‬الرجل هو الفكرة‪ ،‬المعلومات‪ ،‬السعي‬ ‫ُّ‬ ‫يعطيان الوال َدة َ‬
‫للكمال‪ ،‬الذكا ُء‪ ،‬المواهب‪ .‬المرأة هي الطاقة‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬الخلق‪،‬‬
‫اإلنجاب‪.‬‬
‫األصل الذكوري كاألصل األنثوي موجود في ذات الوقت في‬
‫الرجال كما في النساء‪ .‬لدى الرجال األصل الذكوري ‪ ،%53‬أما‬
‫األنثوي ف‪ .%47‬لدى النساء عكس ذلك‪ .‬على المستوى العميق‬
‫نحن كائناتٌ مزدوجة الجنس‪ ،‬وفقط على المستوى العميق‪ ،‬بهدف‬
‫النمو‪ ،‬التطور‪ ،‬يظهر االختالف الجنسي‪.‬‬
‫يبدأ المسرح حين تت َّ ِح ُد فكرة الكاتب المسرحي التي تحمل في ذات‬

‫الوقت الطاقة الرفيعة مع طاقة مجموعة الممثلين المسرحية التي‬
‫كالحب يجمع في ذاته‬ ‫ِ‬ ‫تحم ُل في ذاتها أفكارا معيَّنة‪ .‬ال ُم ِ‬
‫خرج‬ ‫ِ‬
‫تفاوت القدرات‬ ‫المعلومات والطاقة‪ .‬كلما ازداد الحب في نفسه‪ ،‬ازداد ُ‬
‫ضين وازداد الفن الحقيقي في المسرحية الناتجة‪ .‬في الممثل‬ ‫بين متناقِ َ‬
‫يحضر الكاتب المسرحي وال ُمخرج دائما‪ .‬لكن األهم بالنسبة للممثل‬
‫الحب من المعلومات والطاقة المت َّ ِحدين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تكون‬
‫إظهار كي ِفيَّة ُّ‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫َّ‬
‫المسرح يشبه الطفل المن َجب في الحب‪ .‬عندما تتحد المعلومات‪ ،‬أي‬
‫النص المسرحي‪ ،‬بطاق ِة مجموعة الممثلين يحص ُل ما يشبه‬
‫خرج أن يُ َح ِول المعلومات‪-‬‬‫اإلخصاب‪ ،‬فتُولَ ُد المسرحية‪ .‬على ال ُم ِ‬
‫كون روحي‪-‬ذكوري‪ .‬هذا يشبه تحويل فكرة المنزل إلى‬ ‫الفكرة إلى ُم ِ‬
‫مشروع‪ .‬ثم يأتي ال ُم َك ِون األنثوي‪-‬بنا ُء المنزل‪ .‬من هذا الثالوث يولد‬
‫الفن الحقيقي‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫أذكر كيف حاولتُ ُمساعدة َ صبيَّة كانت تُحاول االلتحاق بمعهد‬
‫ضت في االمتحان األول فورا‪ .‬حصلَت‬ ‫التمثيل المسرحي‪ُ .‬رفِ َ‬
‫ال ُمشاهدة قبل لقائها بي‪.‬‬
‫‪ -‬قفي اآلن أمامي واقرئي القصيدة‪ - ،‬طلبتُ منها‪.‬‬
‫كان ذلك كارثيا‪ ،‬لم أستطع تخيُّل شيء أسوأ من ذلك‪...‬‬
‫أفكار فقط‪ .‬حاولي تالوة شيء آخر‪ .‬هل تعرفين‬ ‫ٌ‬ ‫لديك‪،‬‬
‫‪ -‬ال عواطف ِ‬
‫أمثولة الكاتب "قريلوف"‪" :‬الخنزير تحت السنديان الدهري أكل ثمار‬
‫البلوط حتى شبع‪ .‬بعد أن شبع‪ ،‬نام نوما كافيا تحت الشجرة؛ ثم‪ ،‬ما‬
‫حفر وأتلف جذور السنديان"؟‬ ‫شق عينَيه حتى قام وبفنطيس ِت ِه ال َ‬ ‫إن َّ‬
‫اقرئيها‪ - ،‬أقترحتُ على الصبية‪.‬‬
‫بدأ َت التالوة ُم َح ِركةً يديها بتعبير‪.‬‬
‫لديك‬
‫ِ‬ ‫غ‪ .‬تصطدم‬ ‫‪ -‬شكال – ممتاز‪ - ،‬قُلتُ لها‪ - ،‬لكن في الداخ ِل فرا ٌ‬
‫الكلمات ببعضها‪ ،‬ال شيء أكثر‪ .‬افهمي‪ :‬الكلمات هي نتيجةٌ‪ .‬الكلمة‬
‫ص َور‬
‫عليك صياغة ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫تُولَ ُد من العواطف‪ .‬عندما تقرئين القصيدة‬
‫تالوت َها بتعبير‪ .‬حاولي قراءة القصيدة دون‬ ‫العاطفية بالكلمات وليس َ‬
‫الكلمات‪ .‬تخيَّلي ذات َ ِك خنزيرا أعظ ُم سعادةٍ بالنسبة له هي أكل ثمار‬
‫لك سعادة ٌ عظيمة‪ .‬أشعري‬ ‫أن ثمار البلوط بالنسبة ِ‬ ‫البلوط‪ .‬اشعري ب َّ‬
‫بإحساس النشوة عندما تأكلينها‪ .‬أشعري بأنك ترغبين بشدة نكش‬
‫جذور السنديانة‪ .‬ك ُّل فع ٍل يُح َّد ُد بالعاطفة‪ ،‬الفكرة ُ ثانوية‪ .‬حاولي قراءة‬
‫سي الكلمات‪ .‬الكلمات بالنسبة للممثل‬ ‫ص َو ٍر وان َ‬‫عل ُ‬‫القصيدة بكونِها تفا ُ‬
‫أمر أخير‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫لكن األمثولة لم تحيا‪.‬‬‫سنت‪َّ ،‬‬ ‫ألقَت القصيدة مرارا وتكرارا‪ .‬تح َّ‬ ‫َ‬
‫ت تخشين شيئا ما باستمرار حينَ تلفظين هذه ال ُج َمل‪ .‬ما دام‬ ‫‪ -‬أن ِ‬
‫يوجد في النفس خوف لن تحيا القصيدة‪.‬‬
‫كانت تُحاول‪ ،‬لكن تقريبا دون جدوى‪ .‬أخيرا فهمتُ سبب المشكل‪.‬‬
‫ت تظنين أنَّه الخوف من الحاضر‪،‬‬ ‫‪ -‬هل تعرفين ما هو الخوف؟ أن ِ‬
‫َ‬
‫إال أنه الخوف من المستقبل‪ .‬قرأتُ ذات مرة نصي َحة عا ِلم نفس‪" :‬إن‬
‫أن ذلك قد حصل‪ ،‬واستمروا في‬ ‫كنتم تخشَون شيئا لحد الذُعر تخيَّلوا َّ‬
‫العيش"‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫تبدأ الصبِيَّة القراءة مجددا لكن األمثولة ال تحيا رغم كل شيء‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعلمين بما تختلف الحياة عن تلك األمثولة التي تروينها؟‬
‫‪ -‬بما؟‬
‫ت تعرفين ما سيحصل الحقا بعد سطر‪-‬‬ ‫‪ -‬لدى تالوة القصيدة أن ِ‬
‫ت ال تعلمين ما سيحصل‬ ‫سطرين‪ ،‬أما في الحياة فاألمر مختلف‪ .‬أن ِ‬
‫الحقا وهذا ما يمأل الحياة رهافةً و ِغنى عاطفي‪ .‬ال يجب لدى تِالوة‬
‫القصيدة أن ت َري المستقبل‪ ،‬تشعري به‪ .‬على الصورة العاطفية أن‬
‫تصوير ِك للحاضر أكثر وضوحا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تعيش في الحاضر فقط‪ .‬كلما كان‬
‫علُه مع المستقبل نشاطا ً‪.‬‬ ‫ازداد تفا ُ‬
‫ذهبت الصبية مجددا وق َّد َمت اختبار األداء‪ ،‬لكنها لم تنجح مجددا‪.‬‬
‫حينها لم أكن أفهم ما يحصل‪ .‬اآلن أفهم‪ .‬حسب أسطورة الكتاب‬
‫النفس‪ .‬الحياة‬
‫َ‬ ‫المقدس‪ ،‬خلق هللا اإلنسان من طين‪ ،‬ثم نف َخ فيه الحياة‪،‬‬
‫صةٌ من الحب محصول عليها من هللا‪ .‬هذا الحب‬ ‫والنفس هما ِح َّ‬
‫تحديدا كان ينقص الصبية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحب البشرية‪ ،‬الظاهرية‪ ،‬عليها أن تماثِ َل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بهدف أن تن ُم َو طبقة‬ ‫ِ‬
‫ي الذي يحمله كل منا في نفسه‪ .‬القدرة على‬‫ٌّ‬ ‫ي‪ ،‬الالنهائ َّ‬ ‫الحبَّ الداخل َّ‬
‫حد ذاتها‪ .‬هذا الحب غير مرتبط‬ ‫ٌ‬
‫الحب التي ُمنِحت لنا هي سعادة بِ ِ‬
‫بشيء‪ ،‬ال شيء قادر التأثير عليه‪ .‬هذا الحب وأي شكل من أشكال‬
‫االستياءات متنافران‪.‬‬
‫يكون منيعا عاطفيا في‬ ‫ُ‬ ‫أن اإلنسان المتواج َد في هذه الحالة‬ ‫يتبيَّن َّ‬
‫والعالم المحيط في‬
‫ِ‬ ‫جميع المواقف‪ .‬هو يحافظ على قدرة التحكم بذاته‬
‫قادر على إظهار أي مدى عاطفي ٍ‬ ‫سبِبة للتوتر‪ .‬هو ٌ‬ ‫جميع الحاالت ال ُم َ‬
‫البقاء مستقرا داخليا‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫ِ‬ ‫على المستوى الخارجي مع‬
‫مكتوب‬
‫َ‬ ‫ص ال‬
‫ضروري جدا بالنسبة للممثل‪ .‬على الممثل أن يُشبِ َع النَ َّ‬
‫من قبل مؤلف المسرحية حبا ً لدرج ِة أن تبدأ الصورة العاطفية‬
‫كونة على المسرح بالعيش حياة ً مستقلَّة في زمان ومكان يخصانها‬ ‫ال ُم َّ‬
‫ويختلفان حقيقَة عن زمان ومكان الصالة‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪126‬‬
‫شاب بمعهد التمثيل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬
‫روى أحد معارفي القصة التالية عن إلتحا ِ‬
‫َمث َ َل أمام لجنة التحكيم شابٌّ وقال بخجل أنه مست ِعد لالمتحان‪َ .‬‬
‫أخر َج‬
‫رئيس اللجنة من جيبه ساعة ووضعها أمام نفسه على الطاولة‪.‬‬
‫‪ -‬إذا هكذا‪ ،‬يا أيها الشاب‪ .‬إن تم َّكنتَ من سرقة الساعة من أمام‬
‫أعيُن الجميع فستلتحق بالمعهد‪ ،‬إن لن تتمكن – آسفون‪ ،‬أنتَ لن‬
‫تُنا ِس َبنا‪.‬‬
‫ثوان‬
‫ٍ‬ ‫ظ ُر إلى الممتحنين ع َّدة َ‬ ‫بقي الشاب ين ُ‬ ‫َ‬ ‫دون فهم شيء‬
‫ثارت في نفسه‪.‬‬ ‫مصدوما‪ .‬كانت ج ِليَّةً عاصفةُ العواطف التي َ‬
‫فجأة أفلَتَ منه‪:‬‬
‫مقر ٌر لديكم سلفا من‬ ‫‪ -‬يا أيُّها األوغاد! لقد اشت ََروكم هنا وباعوكم! َّ‬
‫سيُق َبل في المعهد ومن ستدفنوه! اآلن وقد أش َبعت ُم بطونكم بالمال بدأتُم‬
‫تُر ِسبون الشباب الموهوبين!‬
‫هو وثب باتجاه رئيس اللجنة‪:‬‬
‫‪ -‬ها أنت‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬أنت أكثر من حص َل على المال‪ .‬وتتكلمون‬
‫بعد ذلك عن الفن‪ ،‬عن الجمال تتحدثون‪ .‬عيبٌ على اإلنسان الشريف‬
‫أن يتعلَّم في هذا المعهد‪ .‬وأنا محظوظ ألني لم أنجح في دخول‬
‫معهدكم‪.‬‬
‫ي أعضاء اللجنة ينظرون إلى الباب‬ ‫استدار الشاب وخرج‪ .‬ب ِق َ‬
‫َّ‬
‫الحقا فقط اكتشف رئيس اللجنة أن الساعة قد‬ ‫مصدومين دقيقَت َين‪ِ .‬‬
‫اختفت من على الطاولة‪ .‬قُبِ َل الشاب في المعهد‪.‬‬
‫ب في االمتحان من صبية ممتلئة الجسم تح َم ُّر‬ ‫حادثة أخرى‪ُ .‬‬

‫ط ِل َ‬
‫وصل حطب قُشاش من الغابة إلى‬ ‫من الخجل ل ِعب دور فتاة قُ َر ِوية ت ُ ِ‬
‫المنزل‪.‬‬
‫‪ -‬ها قد توقفَت الثيران‪ .‬تصرفي انطالقا من الموقف‪.‬‬‫َّ‬
‫الوهميَّ ٍة وتبدأ بمسحها بنعومة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫هي تقترب من الثيران‬
‫‪ -‬هيَّا يا أعزائي‪ ،‬يا أحبائي‪ ،‬تحركوا‪.‬‬
‫ثم تُلقي نظرة استفهام على أعضاء اللجنة‪ .‬ي ُه ُّز هؤالء أكتافهم‪:‬‬
‫ث الثيران‬ ‫الثيران واقفة‪ .‬تأخذ الصبِيَّة غصنا يابسا وهميا وتبدأ ب َح ِ‬
‫‪127‬‬
‫على التحرك‪ .‬نظرة استفهام مجددا‪ .‬يُشير الممتحنون َّ‬
‫أن الثيران‬
‫واقفة‪ .‬حينها هي تبدأ بسحب الثيران الوهميين بكل ما أوتِ َيت من‬
‫ثوان‪ ،‬ثم فجأة‪ ،‬بصوت‬
‫ٍ‬ ‫قوة‪ .‬مجددا النتيجة عينها‪ .‬ت ُفَ ِكر الصبية عدة‬
‫منخفض تبدأ بقول كالم مزعج للثيران‪ ،‬ثم رافعةً صوتها تبدأ بسبهم‪.‬‬
‫يؤن أعضاء اللجنة ويهزون رؤوسهم‬ ‫‪ -‬حسنا‪ ،‬سارت الثيران‪ُّ - ،‬‬
‫استحسانا‪.‬‬
‫فنان‪ .‬إن يبدأ الممثل في عمق نفسه الشعور بالخوف من‬ ‫الممثل ‪ٌ -‬‬
‫بقيم بشرية ما‪ ،‬فهو لن يتمكن‬ ‫المستقبل‪ ،‬الشعور بارتباط قوي لحالته ٍ‬
‫من خلق الدور‪ .‬القدرة على التحكم بالموقف خارجا هي القدرة على‬
‫بناء الشخصية الفنية على المسرح‪ .‬ليس صدفة أ َّن لعب الشيش في‬
‫ص ٌر ضروري في إعداد الممثل‪ .‬من‬ ‫معاهد التمثيل المسرحي عن ُ‬
‫ناحية‪ ،‬من الضروري وجود الحب غير المرتبط بشيء كفع ٍل‬
‫إبداعي‪ ،‬خَلقي أعلى‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تح ُّك ٌم أقصى بالموقف على‬
‫المستوى الخارجي‪ .‬نقطة هامة‪ :‬من الضروري وجود خضوعٍ تام‬
‫من الداخل‪ ،‬خضوعٍ يتجلى على شكل انعدام الرغبة في التحكم‬
‫بأن هللا يخلق الحاضر والمستقبل‪.‬‬ ‫بالمستقبل وإدراكٍ َّ‬
‫بواسطة الدُعابة‪ ،‬الفُكاهة‪ ،‬اللعب‪ ،‬السلوك البذيء‪ ،‬األفعال‬
‫السخيفة‪ ،‬الغبية وإلى آخره يُحا ِول الفنانون إزالة التعلُّ ِ‬
‫ق بالقيم‬
‫ص من احتياطيات ُحبِهم ويُقَيِد إمكانية‬ ‫أن هذا التعلُّقَ ي ُِقل ُ‬
‫البشرية إذ َّ‬
‫الدخول إلى اإلبداع‪.‬‬
‫لدى جميعنا "لجنة امتحان" تدفعنا إلى رفع قدرتنا اإلبداعية‪ ،‬وهي‬
‫ت َفعَ ُل ذلك أحيانا بطريقة قاسية للغاية‪.‬‬
‫سأضرب مثال من حياتي‪ .‬من الحيوات الماضية أحضرت ارتباطا‬

‫قويا لحالتي بالقيم البشرية وكذلك القدرة َ على الصعود بحدة والتحليق‬
‫فوقها في المواقف الحرجة‪ .‬لذلك‪ ،‬من ناحية‪ ،‬كنت أالحظ غالبا وجود‬
‫ال ُجبن‪ ،‬القسوة‪ ،‬عدم الكرامة في ذاتي‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬أ ُ ِ‬
‫الح ُ‬
‫ظ‬
‫عناص َر محبَّة الغير‪ ،‬الشهامة والشجاعة‪ .‬في المواقف العادية‬
‫ِ‬ ‫ُوجو َد‬
‫‪128‬‬
‫أتحول إلى شخص‬ ‫َّ‬ ‫كنتُ أحيانا جبانا للغاية‪ .‬لكن عندما أُغيَّظ كنت‬
‫أن‬‫ال يمكن التحكم به‪ .‬كنت أحل ُم بالمستقبل باستمرار‪ ،‬في حين َّ‬
‫يولد الخوف لدرجة الذعر أحيانا‪ .‬من السهل‬ ‫التعلُّق بالمستقبل ِ‬
‫إخضاع هذا النوع من األشخاص‪ - ،‬وبالفعل‪ ،‬كان يقمعني أحد ما‬
‫ي إرادته‪.‬‬‫باستمرار‪ ،‬فارضا عل َّ‬
‫يعيش في شقتنا العامة ِسكير مدمن مع صديقته‪ .‬كان يجتمع‬ ‫ُ‬ ‫كان‬
‫عندهما باستمرار أشخاص شبه ُجناة‪ .‬تدريجيا بدؤوا يهتاجون أكثر‬
‫فأكثر فيسرقون أغراضي‪ .‬لم يُعجبني ذلك‪ ،‬فضربت جاري مرتين‪.‬‬
‫ُحضر‬ ‫لكنه شعر بجبني الداخلي‪ ،‬فبدأ ردا على ذلك يهددني بأنه سي ِ‬
‫أصدقاءه الذين سيذبحونني في مدخل المبنى‪ .‬كنتُ حينها شابا وغير‬
‫أن الشرطة‬ ‫دركُ َّ‬ ‫محنَّك‪ .‬احتمال أن اُذبَ َح كان يُخيفُني‪ - ،‬كنت أ ُ ِ‬
‫ب عاقبة‬ ‫ستتعامل مع ُجثَّة أو معاق‪ .‬لذلك بدأتُ االستعداد سلفا لتجنُ ِ‬
‫وخيمة‪.‬‬
‫وها ذات مرة أتى لعند جاري أصحابه‪ .‬ماحكوني لسبب تافه في‬
‫الممشى‪ ،‬أحاطوني وبدؤوا يهددون‪ .‬أحدهم‪ ،‬أطول وأعرض مني‪،‬‬
‫قام بدفعي ضاغطا بإصبعه على بطني مردِدا‪:‬‬
‫‪ -‬سنذبحُكَ غدا‪.‬‬
‫انتظرتُ حتى تهدأ العواطف األولى‪ ،‬وحاولت دخول المطبخ‪.‬‬
‫‪ -‬لن ندعك تدخل المطبخ‪ - ،‬أعلن أحدُهم‪.‬‬
‫‪ -‬يا رجال‪ ،‬أنتم لن تبقوا واقفين هنا ساعتين‪ ،‬دعوني أمر‪.‬‬
‫ي على الطاولة‬ ‫دخلت المطبخ‪ ،‬أما هم فبقوا في الممشى‪ .‬كان لد َّ‬
‫المقبض بقطعة‬ ‫سكين جهزته سلفا‪ .‬أمسكت به من نصله‪ ،‬مسحتُ ِ‬
‫قماش ومدَّيت الكالم قائال‪:‬‬
‫‪ -‬من يريد‪ ،‬ليذبَحني‪.‬‬
‫لكنهم تل َّكؤوا‪ ،‬إذ لم يفهموا ما يحصل‪ .‬كانت حساباتي بسيطة جدا‪:‬‬
‫خر ُج‬‫ما إن يُمسِكَ أحدُهم بالمقبض‪ ،‬سأقوم بخطوة إلى الوراء وأ ُ ِ‬
‫الفأس الذي ج َّهزتُه سلفا‪ .‬أظن أني كنت ألقتل الثالثة جميعا‪ .‬لكن هللا‬
‫حماهم وحماني‪ .‬لم يقوموا بشيء‪ ،‬تراجعوا ورحلوا إلى غرفة‬
‫جاري‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫متعلق بالتهديدات‪،‬‬‫ِ‬ ‫بعد أن أثبتتُ أني قادر على أن أكون غير‬
‫الخوف من المستقبل والخوف على غالفي الفيزيائي تركوني‬ ‫ِ‬
‫وشأني‪ ،‬لكن بعد شهر حصل أمر غير ُمت ََوقَّع‪ .‬أتيت إلى المنزل‬
‫بمزاج فرح‪ ،‬وبقوة االستمرار بدأ جاري بتهديدي‪ .‬فقدت السيطرة‬
‫على نفسي‪ ،‬فضربته‪ ،‬فدخل المستشفى‪ .‬في تلك اللحظة كان اثنان‬
‫من أصحابي وجارتي ُمتواجدين في الممشى‪ - ،‬جميعهم رؤوا ما‬
‫حصل‪ .‬بعد مرور عدة أيام أتى رئيس قسم الشرطة وأعلمني بأن‬
‫دعوة قد ُرفِ َعت ضدي‪.‬‬‫َ‬
‫سجن ثماني سنوات‪ - ،‬أعلن هو‪.‬‬ ‫‪ -‬أنت قد ت ُ ُ‬
‫أنا‪ ،‬طبعا‪ ،‬كذَّبت عليه قائال أني لم ألمس جاري‪.‬‬
‫ع المحقِقَ بذلك‪ - ،‬نصحني رئيس قسم الشرطة‪.‬‬ ‫‪ -‬حا ِول إقنا َ‬
‫وها هو َّأول استدعاء إلى الشرطة‪ .‬كانوا يستج ِوبونني بإلحاح عن‬
‫كيفية حصول ذلك والظروف التي حصل فيها ذلك‪ ،‬لكني كنت أ ُ ِ‬
‫ص ُّر‬
‫على روايتي‪ .‬في مثل هذه الحالة كان بإمكان المزايا التمثيلية‬
‫مساعدتي‪ .‬كلما ازداد تركيزي على السيناريو ال ُمت َخيَّل‪ ،‬بات هو أكثر‬
‫استقالليَّةً عني ويبدأ العيش حياته الخاصة‪ .‬كلما تضاءل خوفي خالل‬
‫االستجواب‪ ،‬ازدادت فرص تخلُّصي من هذه القصة‪ .‬توقَّف‬
‫أن كل شيء قد انتهى بسالمة‪ .‬لكن‬ ‫استدعائي إلى التحقيق‪ ،‬ففهمت َّ‬
‫سرعان ما تبيَّن أني كنت على خطأ‪ .‬لم ألحق أن أهدأ وأست َرخي‬
‫حتى استُد ِعيتُ مجددا لعند المحقق‪.‬‬
‫جالس أمامي ويقول لي بلطف‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫رجل ممتلئ الجسم ذو شاربين‬
‫‪ -‬اسمع‪ ،‬أنا أعلم من هو جارك‪ .‬من الواجب قتل وغد مثله منذ زمن‬
‫بعيد‪ .‬عبثا لم تقتله‪ ،‬لو قتلته لخفَّفت عنَّا العناء‪ .‬أما اآلن‪ ،‬يا أيها‬
‫الشاب‪ ،‬فقد وقعت في مشقَّة وشدَّة‪ - ،‬على األرجح ستحصل على ‪8‬‬
‫سنوات‪ .‬أنا سأحاول مساعدتك‪ ،‬يا أيها األحمق‪ ،‬لكن الفرص ضئيلة‪.‬‬
‫قل لي الحقيقة‪ ،‬هل ضربته؟‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬لم أضربه‪ - ،‬أجبتُ متوتِرا‪.‬‬
‫أن ال‬‫‪ِ -‬ل َم تستغ ِفلُني؟ أنا أفهم كل شيء! – يُتابع هو‪ – .‬أنت ترى َّ‬
‫سجل ما ترويه‪.‬‬ ‫سجل صوتي لدي‪ ،‬أنا ال أ ُ ِ‬ ‫ُم ِ‬
‫‪130‬‬
‫حق ُق على كتفي بمودَّة‪.‬‬ ‫ُربتُ ال ُم ِ‬
‫ي ِ‬
‫التصرف بهذه الطريقة‬ ‫ُّ‬ ‫استمريت‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬أنت محكوم عليك بالسجن‪ .‬إن‬
‫فلن أتم َّكن من مساعدتِكَ ‪.‬‬
‫محام‪ ،‬في حين أنَّك‬‫ٍ‬ ‫في االشتراكية كانت تجري األمور دون‬
‫تتمنى أن يُساعدك أحد‪ .‬عندما كان أحد ما يأخذ على عاتقه دورا‬
‫ب‬ ‫سه بالرغم من إرادته‪ .‬لكن الثعل َ‬ ‫ف نف َ‬‫مماثال كان اإلنسان يك ِش ُ‬
‫محام‪ .‬لقد فهمت ذلك الحقا‪ .‬لكن في تلك اللحظة‬ ‫ٍ‬ ‫للدجاجة ليس أفضل‬
‫أن اإلنسان يريد مساعدتي‬ ‫ورويت كل شيء‪ ،‬فقد بدا َّ‬ ‫َ‬ ‫ارتخيتُ‬
‫وإنقاذي‪ .‬تعلَّقتُ بالمستقبل مجددا وبسبب الخوف أمام هذا المستقبل‬
‫بدأت اقتراف الحماقات‪ .‬وضعني المحقق في حالة ارتباط به بطريقة‬
‫بسيطة‪ :‬من ناحية هو كان يرسم آفاقا مخيفة‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬
‫كل عاطفة خوف‪ ،‬زعل‪ ،‬أمل تظهر مجددا‪،‬‬ ‫يرس ُم إمكانيةَ إنقاذي‪ .‬مع ِ‬
‫كان يشت ُّد وقوعي في سلطته ويزداد فضحي لنفسي‪.‬‬
‫آخرين كانا حاضرين‬ ‫أن شخصين َ‬ ‫‪ -‬صحيح‪ ،‬على فكرة‪ ،‬قال الجار َّ‬
‫ورأيا كيف ضربتَهُ‪ .‬هما كتبا أنهما لم يريا ولم يسمعا شيئا‪ .‬ماذا إذا‪،‬‬
‫هل كانا واقفين بالجوار أم وراء الباب؟‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬هما لم يكونا في الجوار‪ ،‬وهما بالفعل لم يريا ولم يسمعا شيئا‪.‬‬
‫يضحك المحقق‪:‬‬
‫جارك طبيعي‪ .‬هو سكير – نعم‪ ،‬لكنه ليس‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬يا لك من شاب!‬
‫َ‬
‫درك أن لم يكن بمقدوره اختراع صديقيك اللذان كانا‬ ‫َّ‬ ‫مجنونا‪ .‬أنت ت ُ ِ‬
‫واقفين في الممشى‪ .‬لقد رويتَ لي ك َّل شيء‪ ،‬ف ِل َم بدأت تلعب دور‬
‫األحمق اآلن؟‬
‫‪ -‬بال ِفع ِل هما لم يكونا موجو َدين‪.‬‬
‫في تلك اللحظة كان يحصل في نفسي انشطار مؤلم‪ .‬من ناحية‪،‬‬
‫كان ال يجوز إغراق األصدقاء‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬لم أكن أرغب‬
‫الصلة بالمحقق وفقدان إمكانية النجاة من السجن‪ .‬باستعما ِل‬ ‫بتمزيق ِ‬
‫لغة أبحاثي‪ ،‬اضط ِررت لالختيار بين مست َويين من القيم – بين‬ ‫ُ‬
‫المستقبل والحب‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫لو اخترتُ حينها المستقبل وتعلَّقتُ به لخَسرتُه‪ .‬كان ليدمره لي‬
‫نخسره لو‬ ‫ُ‬ ‫هللا‪ .‬أنا اخترت ما تستحيل خسارتُه‪ .‬الوحيد ما نحن ال‬
‫جعلناه هدفا أعلى‪ - ،‬هو الحب الذي يربطنا باهلل‪ .‬من أجل اختيار‬
‫ي دهس الحب تُجاه صديقاي‪ .‬أنا اخترتُ الحب لذلك‬ ‫المستقبل كان عل َّ‬
‫حصلت على المستقبل‪.‬‬
‫ُ‬
‫المحقق كسري الحقا‪ ،‬كنت أعي ُد كل مرة "ال" عندما‬ ‫ِ‬ ‫مهما حاول‬
‫المحقق‬
‫ِ‬ ‫كان يجري الحديث عن صديقاي‪ .‬فقط بعد خروجي من عند‬
‫أن األهم بالنسبة له كان اعترافي الشفهي‪ .‬لو حصل عليه‪،‬‬ ‫أدركتُ َّ‬
‫بأن صديقهما قد‬ ‫سل سيارة شرطة إلحضار صديقاي وأعل َم ُهما َّ‬ ‫ألر َ‬
‫باعهما‪ .‬ولو هما شككا بذلك ورفضا التصديق لنُ ِظ َمت مواجهة‬
‫شاهدين‪.‬‬
‫خالصة القول‪ ،‬أنقذتني المعجزة‪ .‬أدركتُ الحقا أني لم أكن بالنسبة‬
‫للمحقق شابا مسكينا بحاجة لمساعدة‪ ،‬إنما إمكانيةً حيَّة للحصول على‬
‫ض ُّر‬ ‫جائزة على الجريمة المكشوفة‪ .‬القضية غير المكشوفة ت ُ ِ‬
‫بالمسيرة المهنية‪ .‬من ناحية‪ ،‬هو كان يُحاول الحصول على‬
‫س َر‬‫اعترافي‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬يُهدِد جاري لكي يسحب الدعوى‪ .‬انك َ‬
‫ضيَّة‪ .‬اآلن‪ ،‬بعد مرور‬ ‫جاري أوال وسحب الدعوى‪ .‬أُوقِفَت القَ ِ‬
‫ف بنُب ٍل‪ .‬لقد وضع أمامي‬ ‫تصر َ‬
‫َّ‬ ‫أدركُ َّ‬
‫أن المحقِقَ‬ ‫سنوات طويلة‪ ،‬أنا ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫سورا متوسط العلو‪ .‬إن تمكنتَ من تخطيه – تنزه ُحرا‪ .‬بأن األسوار‬
‫تكون أحيانا أعلى بكثير – علمتُ الحقا‪.‬‬
‫يروي مريضي‪:‬‬
‫أن القوانين لدينا فعَّالة؟ كل ذلك تزوير‪َ ،‬وه ُم القوانين‪.‬‬ ‫تظن َّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬أنت‬
‫كما في االشتراكية كان ينتصر األقوى‪ ،‬كذلك اآلن‪ .‬مؤخرا كان‬
‫صديقي يقود سيارة "جيغولي"‪ .‬ت ُضيء إشارة المرور الخضراء‪،‬‬
‫تنتطلق جميع السيارات من أماكنها‪ ،‬وفي ذات الوقت "تطير" على‬
‫ش أربع‬ ‫الضوء األحمر باتجاه تقاطع ال ُ‬
‫ط ُرق سيارة‪ .‬نتيجة لذلك ت ُ َكر َم ُ‬
‫أن جميع الناس بقوا أحياء‪ُ .‬مقدِمة إحدى السيارات‬ ‫سيارات‪ - ،‬إال َّ‬
‫د ُِم َرت تماما‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫يأتي صاحبي إلى الشرطة ويقول‪" :‬أنا ال أريد رفع دعوى‬
‫والمطالبةَ بتعويض عن الخسائر المادية‪ .‬أنا فقط بحاجة إلى المال‬
‫أن الشرطة كانت في‬ ‫وسأقوم بإصالح سيارتي بنفسي‪ ".‬خاصةً و َّ‬
‫محضر‪ .‬وهل تعلم ما أجابوه؟ "لكن الشخص‬ ‫ٌ‬ ‫مكان الحادث و ُح ِرر‬
‫قال أنه سار على الضوء األخضر‪ ،‬لذا فأنت هو ال ُمذنِب‪ .‬وهذا أنت‬
‫من سيدفع له التعويض‪ ".‬يقول صاحبي‪" :‬أنا رجل أعمال‪ ،‬لدي َدع ٌم‬
‫َجيد‪ ،‬أنا أعرف كيفيَّة حصول هذه األمور"‪" .‬في هذه الحال يجب‬
‫ُجيب الشرطي‪ - .‬تعال بعد أسبوع"‪.‬‬ ‫التفكير‪ - ،‬ي ُ‬
‫عندما أتى بعد أسبوع‪ ،‬أتعلَم ما قالوا له؟ ما رأيُك من تبيَّن أنه‬
‫ُمذ ِنب – السائقون األربعة أو ذلك الذي اصطدم بهم؟ لن تحذر‪- ،‬‬
‫يضحك الرجل‪ – .‬تبيَّن َّ‬
‫أن إشارة المرور هي ال ُمذ ِنبة‪ ،‬فقد أظ َه َرت‬
‫ضر وسيكون‬ ‫الضوء األخضر من جميع الجهات! "سنُعطيكَ ال َمح َ‬
‫بإمكانِكَ رفع دعوى ضد إدارة الطرقات"‪ - ،‬أعلن الشرطي‪.‬‬
‫يو َج ُد في الشرطة عد ٌد كبير من الشرفاء‪ ،‬لكن يُوج ُد أوغاد كذلك‪.‬‬

‫ال وجود للشرطة الجيدة أو السئية‪ .‬يوجد قانون سيء قادر على‬
‫االنتقاص من اإلنسان الشريف وإعطاء الحرية للوغد‪ .‬ال يحكم البلد‬
‫القانون‪ .‬في حين َّ‬
‫أن القانون‬ ‫ُ‬ ‫الرئيس وال البرلمان‪ ،‬إنما يحكم البل َد‬
‫ُ‬
‫يستند على معايير أخالقية وتو ُّجهات استراتجية معيَّنة من‬
‫ظ على الحب والحياة‪ .‬إن‬ ‫الضروري أن تكونَ حلَقَتُها األساسيَّة الحفا ُ‬
‫كانت تؤلَّف القوانين دون االسترشاد بالحب‪ ،‬األخالق‪ ،‬الحفاظ على‬
‫ُ‬
‫قانون القوة‪ .‬القوي‬ ‫الحياة‪ ،‬فهي تتوقَّف عن العمل‪ .‬حينها يبدأ العم َل‬
‫اآلن – هو األخالقي في الماضي‪.‬‬
‫على مدى المئة سنة األخيرة ترمي روسيا بنفسها إلى قيم مختلفة‬
‫الشرف وحمايَة المستقبل تارة‪ ،‬الماضي‬ ‫ِ‬ ‫ُمحاولةً وض َع على من َّ‬
‫صة‬
‫ي‪ .‬اآلن‪ ،‬ببطء وعذاب بدأت‬ ‫ي وتارة الماد َّ‬ ‫تارة‪ ،‬تارة الروحان َّ‬
‫البشرية كلُّها‪ ،‬مثل روسيا‪ ،‬االقتراب من إدراك ما هي القيمة‬
‫ال ُمطلَقة‪ .‬سيُسا ِع ُد اإلدراك الجديد للعالم على خلق قوانين تسمح‬
‫‪133‬‬
‫وليس لمجموعة منفردة من الناس‬
‫َ‬ ‫كلها‬
‫بالبقاء على قيد الحياة للبشرية ِ‬
‫أو بلد منفرد فقط‪.‬‬
‫‪ -‬قبل شهر تس َّمم كلبي بشيء ما‪ - ،‬يروي المريض‪ - .‬أُصيب الكلب‬
‫بنوبات صرع عدة مرات‪ .‬هل ذلك مرتبط بكارما عائلتنا؟‬
‫صاحب البرنامج‪ .‬لكنك‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬مرتبط‪ .‬لديك برنامج تدمير ذاتي‪ ،‬وأنت‬
‫وإن كلبك يأخذ كل شيء على نفسه‪.‬‬ ‫كذلك صاحب الكلب‪َّ .‬‬
‫بتشوه قوي في منطقة‬ ‫أتف َّحص حقل المريض مجددا‪ .‬كان ُمصابا ً ُّ‬
‫لكن عدائيَّت َه الباطنة لم تكن مرتفعة‪ .‬غريب‪ِ ،‬ل َم إذا ر َّدة ُ الفعل‬ ‫الرأس‪َّ ،‬‬
‫هذه عند الحيوان؟‬
‫‪ -‬تطفو لديك اآلن التعلقات بالمصير والمستقبل‪ِ .‬أزل الزعل‬
‫الصلَة‬
‫واالستياء من ذاتك واآلخرين‪ .‬اآلن فصل الربيع‪ ،‬تشت ُّد ِ‬
‫فإن جميع المخالفات التي نُ ِقلَت‬ ‫باألنجال والعالم اآلخر‪ .‬بالتالي َّ‬
‫لألنجال تعود بشكل ناشط إلى َمص َد ِرها‪.‬‬
‫يهز المريض رأسه‪ .‬لكني أعجز عن التخلص من شعور وجود‬ ‫ُّ‬
‫ص حقل االبن الذي ذكر لي المريض‬ ‫مشكلة أخرى ما‪ .‬احتياطا أتف َّح ُ‬
‫ب‪ ،‬الكما ِل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫اس َمه‪ .‬اآلن أفهم ما األمر‪ .‬لدى الصبي تعلق بالمواه ِ‬
‫التحكم بالمصير والمستقبل‪ ،‬ما حجب حبَّ هللا لدرجة أن ظهرت في‬
‫شرف‪.‬‬ ‫تشوهات تميِز الموت ال ُم ِ‬‫حق ِله ُّ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬ابني ال يُجيد تح ُّمل اإلخفاقات‪ .‬هو يتأثر ويتكدَّر كثيرا‪- ،‬‬
‫يُجيب المريض عن سؤالي بخصوص ابنه‪.‬‬
‫‪ -‬إن كان اإلنسان يتكدَّر بسبب اإلخفاقات‪ ،‬انهيار المشاريع‪،‬‬
‫المسيرة المهنية‪ ،‬الصورة االجتماعية‪ ،‬حينها من األفضل له عدم‬
‫ع ِلمه تقبُّل اإلخفاقات وانهيار اآلمال كدواء‬ ‫التأمل بمستقبل يسير‪َ .‬‬
‫مر لكن ثمين‪ .‬حينها لن يملِكَ فرصا للبقاء على قيد الحياة فحسب‪،‬‬
‫إنما للبقاء سليما كذلك‪.‬‬
‫يروي صاحبي‪:‬‬
‫‪134‬‬
‫‪ -‬الحظتُ أمرا مثيرا لالهتمام‪ .‬سابقا عندما كنت أشرب الفودكا‬
‫شرب الفودكا شربت نقيع نبات‬ ‫كان الخمار قويا جدا‪ .‬ذات مرة قبل ُ‬
‫الشيح‪ ،‬وفي اليوم التالي كان شعوري ممتازا‪ .‬لذلك أنا أشرب اآلن‬
‫نقيع نبات الشيح قبل وبعد شرب الفودكا‪ ،‬وأشعر نفسي في اليوم‬
‫التالي كالطفل الصغير‪.‬‬
‫‪ -‬كان لديك دائما تكبُّ ٌر مفرط‪ - ،‬أشرح له‪ - .‬يقَ ُع في أساس تكب ُِّرك‬
‫تعلُّ ٌق بالمواهب‪ ،‬الكمال‪ ،‬التحكم بالمصير والمستقبل‪ .‬الفودكا تُوقِف‬
‫فعل الوعي الباطن‪ .‬الطعام‪ ،‬على فكرة‪ ،‬كذلك‪ .‬لذلك هامة‬ ‫الوعي وت ُ ِ‬
‫جدا العاطفةُ التي تبدأ معها الشرب وتناول الطعام‪ .‬إن ُكنت قبل‬
‫فإن "األوساخ" الكارمية التي تطفو‬ ‫تناول الطعام والشراب تصلي‪َّ ،‬‬
‫إن ما نأكله يؤثر على الوعي الباطن مباشرة‪ .‬نبات‬ ‫تف ِقد قوة تأثيرها‪َّ .‬‬
‫الشيح يُهين التكبُّر من خالل تخفيف التعلُّق بالكمال والمصير اليسير‪.‬‬
‫تعزز هذه الحالة‪.‬‬
‫لدى تناول الفودكا في حالة متناغمة أنت ِ‬
‫‪ -‬ما الذي بإمكانه تطويق التعلق بالكمال والمصير اليسير كذلك؟‬
‫‪ -‬الشمار‪ ،‬الثوم‪ ،‬الفجل الحار‪ .‬يمكن إضافة الشمار والثوم في‬
‫المغطس‪ .‬كذلك يمكن‪ ،‬على فكرة‪ ،‬مسح الجسم بالكاز‪ .‬الكاز ذات‬
‫تأثير قوي في هذا المجال‪.‬‬
‫حفز للغاية‪ - ،‬أتابع أنا‪ - .‬هل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫‪ -‬المشروبات الكحو ِليَّة – عامل ُم ِ‬
‫ُ‬
‫الحظت أنَّه في حال كانت الجماعة التي تشرب معها ال تعجبُك فأنت‬
‫ت َث َم ُل أسرع وتصبح أش َّد غيظا؟‬
‫‪ -‬تماما‪ - ،‬يُالحظ محدثي مستغربا‪.‬‬
‫‪ -‬في مثل هذه الحاالت من األفضل عدم الشرب كثيرا‪ .‬ونقيع‬
‫األعشاب‪ ،‬كذلك مثل النبيذ‪ ،‬من المستحب شربُه حسب األحاسيس‪.‬‬
‫نحن ننجذب حدسيا إلى ما هو ُمفيد لنا‪.‬‬
‫‪ -‬لكن في هذه الحال يمكن أكل أي شيء‪ - ،‬يبتسم محدثي‪.‬‬
‫أنا أبتسم أيضا‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬ال بأس‪ .‬في طفولتي أكلتُ الصدف‪ .‬عندما كانت تُربَط يداي خلف‬
‫ظهري‪ ،‬كنت أركع وأستمر بأكلها‪ .‬كان عمري سنتين حينها‪ .‬طبعا‪،‬‬
‫دركُ ‪ .‬لكننا نعلَ ُم حدسيا دائما ما نحتاج‪.‬‬ ‫لم أكن أفهم شيئا‪ ،‬لم أكن أ ُ ِ‬
‫‪135‬‬
‫حادثةٌ أخرى حصلت عندما كان عمري أكثر من ‪ 20‬سنة بقليل‪.‬‬
‫صبت بآالم قوية‬ ‫كنت أعمل حينها في البناء وأعيش في مسكن عام‪ .‬أ ُ ِ‬
‫استمرت اآلالم عدة أشهر‪ .‬لم أكن أرغب‬ ‫َّ‬ ‫في الجهة اليُمنى من بطني‪.‬‬
‫فقررت القيام بالعالج الذاتي‪.‬‬‫في زيارة األطباء‪َّ ،‬‬
‫القط فهما يبدآن بالبحث عن األعشاب التي‬ ‫ُّ‬ ‫الكلب أو‬
‫ُ‬ ‫مرض‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ُ‬
‫تشفيهما‪ .‬بدأتُ أتخيَّل موا َّد ُمختلفة‪ ،‬آكلُها فكريا وأراقب بانتباه تغيُّر‬
‫األلم‪ .‬بدأت بالكافيار األسود واألحمر‪ - ،‬ال تغيُّرات‪ .‬الخبز األسمر‬
‫واألبيض‪ :‬حسب األحاسيس‪ ،‬األبيض – أفضل‪ ،‬لكن‪ ،‬عمليا‪ ،‬األمر‬
‫ذاته‪ .‬بحدود الساعة قمتُ فكريا بابتالع مواد مختلفة‪ ،‬لكن دونَ‬
‫شاغب – بدأت أتخيَّل كل ما يمكن علكه وابتالعه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مفعول‪ .‬فبدأتُ أ ُ‬
‫عندما تخيَّلت صابون الغسيل هدأ األلم فجأة‪.‬‬
‫قمت باختبار ذاتي عدة مرات‪ - ،‬كان المفعول نفسه‪ .‬طبعا‪ ،‬لم‬
‫يكن بإمكاني أكل الصابون‪ ،‬فقررت القيام بالحل الوسط‪ :‬رميتُ‬
‫قطعة صابون في الماء‪ ،‬حركتُها فيه‪ ،‬ثم شربتُ هذا المشروب‬
‫األبيض العكر‪ .‬في اليوم التالي زالت اآلالم ولم تظهر بعد ذلك بتاتا‪.‬‬
‫يمكن تحليل ذلك الموقف‪ :‬بدأ يطفو لدي حينها الزعل والغيرة‪،‬‬
‫أي اشت َّد التعلُّق بحب الناس والعالم المحيط‪ .‬قام الصابون بتطويق‬
‫هذا البرنامج‪.‬‬
‫إن كان اإلنسان يُصلي‪ ،‬تنت َ ِق ُل التغيُّرات عبر الوعي إلى الوعي‬
‫بالحميَة‬
‫ِ‬ ‫الباطن فتُشفيه‪ .‬إن كان اإلنسان يُساعد نفسه مع ذلك‬
‫سرعة‪.‬‬ ‫الصحيحة واألعشاب‪ ،‬حينها تزداد عملية الشفاء ُ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬أود أن أطمئن عن حالتي الصحية‪ - ،‬تقول المريضة‪.‬‬

‫‪ -‬صحت ُ ِك سيئة‪ - ،‬أجيب أنا‪ - .‬قد تُصابينَ في المستقبل القريب‬
‫بمرض خطير‪.‬‬
‫متعلقة نفسي؟‬
‫خبرني هي‪ - .‬بما ِ‬ ‫‪ -‬لقد قرأتُ ُكتُبَكَ ‪ - ،‬ت ُ‬
‫ُ‬
‫‪ -‬بالكمال والمستقبل‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يُف َه ُم ذلك؟‬
‫‪136‬‬
‫أن نفسي قد تعلَّقت بالمال‪ ،‬حينها أبدأ بحسد الناس‪ ،‬سرقتِهم‪،‬‬ ‫‪ -‬تخيَّلي َّ‬
‫إهانتِهم‪ ،‬االستهزاء بهم‪ - ،‬أشرح أنا‪.‬‬
‫‪ -‬أنا ال أستهزئ بأحد‪ - ،‬تبتسم المرأة‪.‬‬
‫حقلك سيئة جدا في منطقة الرحم والثدي األيمن‪ .‬عندما تكون‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬حالة‬
‫المشكلة من الجهة اليسرى من الجسد‪ ،‬فذلك يعني أننا نزعل‪ ،‬عندما‬
‫ت تُسببين الزعل للناس‬ ‫ب الزعل‪ .‬أن ِ‬ ‫سب ُ‬ ‫تكون من الجهة اليُمنى‪ - ،‬نُ ِ‬
‫وأفكارك‪ ،‬وسلو ِك ِك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بكالمك‪،‬‬
‫وتهز كتفيها‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تنظر إلي مستغربة‬ ‫ُ‬ ‫هي‬
‫ف‬ ‫أقتر ُ‬
‫‪ -‬عندما يكون الكمال والمستقبل بالنسبة لي هدفا أعلى‪ ،‬فأنا س ِ‬
‫تصرفات تتعارض مع األخالقيات العُليا‪ .‬أنا بإمكاني‬ ‫ُّ‬ ‫حتما سلسلةً‬
‫أن ذلك سيكون مج ِهدا كثيرا‬ ‫عنك‪ ،‬إال َّ‬ ‫ِ‬ ‫إخبارك بجميع المعلومات‬
‫بالنسبة لي‪ .‬ساعديني‪ ،‬لنبحث سويا‪.‬‬
‫ث عن احتماالت المخالفات الممكنة في الذاكرة‪ .‬أنا‬ ‫نقوم بالبح ِ‬
‫أُشير إلى الفترة التي اقت ُ ِرفَت خاللها ال ُمخالفات‪.‬‬
‫فكرة‪ - ،‬في تلك الفترة تحديدا بدأتُ‬ ‫‪ -‬هل تعلم‪ - ،‬قالت المرأة ُم ِ‬
‫ممارسة التبصير‪ .‬هل من الممكن أن يكون ذلك مرتبِطا بمخالفات‬
‫ما؟‬
‫ت فيها‪ ،‬ولنرى‬ ‫صر ِ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬على ما يبدو‪ .‬أخبريني عن آخر مرة ب َّ‬
‫ما أصاب ذلك الشخص‪.‬‬
‫ب‬‫نج ُ‬ ‫ُ‬
‫أظهرت األوراق أنها ستتزوج قريبا وت ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬تلك كانت امرأة‪.‬‬
‫طفال متناغما‪.‬‬
‫َ‬
‫ص حقل تلك المرأة فأرى موتا محتمال لطفليها‪ .‬السبب –‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫ص‬ ‫َّ‬
‫ثوران برنامج التدمير الذاتي الذي توغل عميقا لدى األم‪ .‬أتف َّح ُ‬
‫مستقبل تلك المرأة وأبدأ بفهم ما يحصل‪.‬‬
‫طل ُق زوجها؟‬ ‫ت لها أنها ست ُ ِ‬ ‫‪ -‬هل قل ِ‬
‫أبصر يكون وعي غافيا‪.‬‬ ‫‪ -‬ال أذكر‪ - ،‬تجيب محدثتي‪ - .‬عندما ِ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬حاولي أن تتذكري‪ - ،‬أطلب أنا‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أخبرتها بالطالق ال ُمقبل‪.‬‬
‫أُفكر بتركيز عن الكيفية التي علي عرض المعلومات عليها‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫‪ -‬أتعلمين ِل َم الموقف من المبصرات والمنجمين سلبي جدا في‬
‫الكتاب ال ُمقدَّس؟ ‪ -‬أسأل أنا‪.‬‬
‫‪ -‬ربما ألنهم يعطون معلومات غير دقيقة؟ ‪ -‬تفترض المرأة‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬بل ألنهم يُعطونَ معلومات دقيقة‪ .‬معرفة المستقبل ت ُ ِ‬
‫شك ُل‬
‫خطورة ً أحيانا‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ِ -‬ل َم في هذه الحال يتنبأ المستبصرون بالمستقبل ويشعرون أنفسهم‬
‫بحالة جيدة؟‬
‫قرر اختبار‬ ‫‪ -‬هل تذكرين القصة؟ هل تذكرين الملك قارون الذي َّ‬
‫َبص َرة ٌ واحدة فقط من تحديد ما كان‬ ‫المستبصرين‪ ،‬وكيف تم َّكنَت ُمست ِ‬
‫هو يفعله في الوقت ال ُمحدَّد‪ .‬حينها سأل قارون ما الذي سيحصل إن‬
‫قام بمحاربة المملكة المجاورة‪" .‬قارون سيسحق المملكة العظيمة"‪-،‬‬
‫تنبأت المستبصرة‪ .‬وقد د ُِمرت المملكة‪ .‬لكن تبيَّن أنها مملكة قارون‪.‬‬
‫أن المتبئين كانوا يعطون أجوبة غير محدَّدة‪ .‬حالتنا‬ ‫ليس صدفةً َّ‬
‫ُكوننا‪ .‬كلما كانت رؤيتُنا للمستقبل‬ ‫مرتبطة كثيرا بالمستقبل‪ ،‬فهو ي ِ‬
‫أكثر وضوحا‪ ،‬ازداد إغراء جعله هدفا أعلى‪ .‬إن كان اإلنسان يجهل‬
‫أن حبَّ هللا واألخالقيات هما الحماية األعلى‪.‬‬ ‫ُدركُ َّ‬
‫المستقبل فهو ي ِ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫كلما كانت معرفة اإلنسان بمستقبله أكثر دقة‪ ،‬ازداد إغراء تغيير‬
‫المصير الشخصي دون تغيير الذات‪ .‬وهذا ينتهي بمأساة عادة ً‪ .‬لذلك‬
‫معرفة المستقبل ممنوحة لعدد ضئيل من الناس‪.‬‬
‫على المعلومات التي نحصل عليها أن تمنحنا إمكانية االختيار‪.‬‬
‫بقدر ما‬
‫ِ‬ ‫َوجها ً في نف ِس ِه بشكل صحيح‪،‬‬ ‫بقدر ما يكون اإلنسان ُمت ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َّحة‪.‬‬ ‫سيختار االحتمال األكثر ِ‬
‫غالبا يحصل المستبصرون على معلومات من كيانات ما‪،‬‬
‫والمسؤولية عن المعلومات ال ُمخبَ َرة تقع على هؤالء المستبصرين‪.‬‬
‫تمر عبرها المعلومات الخطيرة‪ .‬بإمكان‬ ‫مع هذا ت ُو َجد ِمصفاة ٌ ال ُّ‬
‫المستبصر أن يستفسر عن ما هو مسموح إخباره للمريض وما من‬
‫ي معلومات مسموح منحها‬ ‫غير المسموح إخباره‪ ،‬أو هو يشعر أ ُّ‬
‫َ‬
‫وأي معلومات منحها غير مسموح‪ ،‬أو هو يقط ُع مسبقا المعلومات‬
‫التي قد تؤذي المريض‪ ،‬أي هو بكل بساطة ال يأ ُخذُها‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫ت تعملين دون ِمصفاة‪ .‬غريب‪ ،‬عندما تمنحين معلومات‬ ‫ت كن ِ‬ ‫أن ِ‬
‫غير دقيقة عن المستقبل‪ ،‬وحتى لو كانت المعلومات سلبية‪ ،‬فذلك ال‬ ‫َ‬
‫يكون مفيدا ً حتى‪ .‬لكن‬ ‫ُ‬ ‫ُشك ٌل خطرا على المريض‪ .‬أحيانا ذلك‬ ‫ي ِ‬
‫ت تلك المرأة هذا النوع‬ ‫ت َمنَح ِ‬ ‫دمر اإلنسان‪ .‬أن ِ‬ ‫المعلومات الدقيقة قد ت ُ ِ‬
‫من المعلومات تحديدا‪ .‬إن أدى برنام ُج التدمير الذاتي ال ُمفَعَّل لديها‬
‫سبين على ذلك بصحة ومصير‬ ‫وضرب أبناءها‪ ،‬فقد تُحا َ‬ ‫َ‬ ‫إلى مرضها‬
‫أبنائك‪.‬‬
‫ِ‬
‫ت أضعافا تعلُّقاتِ ِك بالكمال والمستقبل‪ .‬بالتالي‬ ‫عزز ِ‬ ‫بهذا ال ِفع ِل َّ‬
‫حرمي من المستقبل و الكمال‪ .‬هذا يحصل في حال وجود‬ ‫يجب أن ت ُ َ‬
‫األمراض المستعصية‪ ،‬انهيار المصير‪ ،‬الموت‪.‬‬
‫تستغرق المرأة في التفكير‪ ،‬ثم تطرح سؤاال‪:‬‬
‫‪ -‬ما الذي تقوله للمرضى عندما ترى مستقبلهم؟‬
‫خبرهم أبدا بما أراه حقا‪ .‬أنا أقول‪" :‬أنت قد يصيبُك‬ ‫‪ -‬أوال‪ ،‬أنا ال أ ُ ُ‬
‫أن األمر ال بُ َّد أن يحصل‪ .‬أنا أقول‪:‬‬ ‫ذلك وذلك‪" ."...‬قد" – ال تعني َّ‬
‫أن بتغييره لذاته‬ ‫"إن لن تتغيَّر‪ ،‬قد يُصيبك التالي‪ ،"...‬فيف َه ُم اإلنسان َّ‬
‫يتغيَّر مستقبله‪ .‬أنا بنفسي أمنع ذاتي عن رؤية ما سيحصل في‬
‫المستقبل بوضوح كونَ هذا أمر غير أخالقي‪.‬‬
‫سأضرب مثال‪ .‬كنت أُلقي ُمحاضرة في أحد البلدان‪ .‬كانت جا ِل َ‬
‫سةً‬
‫المترجمة بجانبي‪ .‬خالل االستراحة ت َ َو َّجهت إلي‪" :‬لدي طلب‪ :‬ال‬
‫خجلتُ من نفسي‪ ،‬شعرت‬ ‫تنظر إلي كالذئب عندما أُترجم ببطء"‪ِ .‬‬
‫بالحرج‪.‬‬
‫مصيرها معلومات‪" :‬هي ستموت ببطء‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ص َل إل َّ‬ ‫َ‬
‫بعد عدة أيام أو َ‬
‫ب ابنا"‪ .‬فكرت لبعض الوقت إن كان يستحق‬ ‫َّ‬ ‫نج َ‬ ‫وعذاب إن لن ت ُ ِ‬
‫العناء إخبار المترجمة بذلك‪ .‬كان عمرها ‪ 30‬سنة‪ ،‬وال ب َّد أنَّه كان‬
‫وص َل هذه‬‫تمن من ناحية المصير الُ ِ‬ ‫لديها أوالد‪ ،‬ولم يكن هناك أي ٍ‬
‫المعلومات إليها‪ .‬كانت لدينا صديقة مشتركة‪" .‬أتعلمين‪ - ،‬قلتُ لها‪-،‬‬
‫ب طفال"‪ .‬بعد يومين‬ ‫ُوصل خبرا أنَّه من المستحب أن ت ُ ِ‬
‫نج َ‬ ‫المصير ي ِ‬
‫شكري‪" :‬هي تزوجت قبل‬ ‫بأن المترجمة طلبت ُ‬ ‫أخبرتني صديقتي َّ‬
‫َ‬
‫تفكر بعذاب إن كان عليها اإلنجاب أم ال‪ .‬بدأت‬ ‫أربعة أشهر وكانت ِ‬
‫‪139‬‬
‫أن الطفل سيُعيق عملها‪ ،‬مشاريعها‪ ،‬وهنا فجأة أتت‬ ‫تميل إلى فكرة َّ‬
‫قر َرت اإلنجاب"‪" .‬أتعلمين‪ ،‬في الواقع‬ ‫هذه المعلومات منك‪َّ .‬‬
‫المعلومات كانت أكثر قسوة بكثير‪ - ،‬الحظتُ أنا‪ - .‬كانت لديها‬
‫إمكانية اختيار‪ ،‬وهي قامت باالختيار الصحيح"‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬كيف يمكننا تحديد إن ُكنا نُ ِخ ُّل بالقانون أم ال؟ ‪ -‬أتابِ ُع أنا‪ - .‬ال ُمؤشر‬
‫ب‪،‬‬
‫األساسي هو شعور الحب في النفس‪ .‬عندما يتباطأ جريان ال ُح ِ‬
‫فتلك إشارة على أننا بدأنا بإدراك العالم بشكل خاطئ‪ .‬عندما يتوقَّف‬
‫الحب‪ ،‬فذلك يعني أننا قد بدأنا بإبداء استياءات تُجاه العالم‪ .‬إن كنا‬
‫أن العدائية قد ظهرت في‬ ‫نقمع في ذاتنا شعور ال ُحب‪ ،‬فذلك دليل َّ‬
‫النفس‪.‬‬
‫وعندما يتعلَّق األمر بمصير وصحة الناس اآلخرين يجب الحذر‬
‫أن ُمعا ِلجا يريد مساعدة مريض‪ .‬المريض يُعاني‬ ‫كثيرا‪ .‬تخيَّلي َّ‬
‫جسديا‪ ،‬لكنه غير مستعد للتقدُّم في تحسين نفسه‪ .‬فيُش ِف ُق عليه‬
‫ال ُمعالج‪ ،‬فيُعال ُج جسد المريض ناسيا بأمر نف ِسه‪.‬‬
‫الجسد مرتبط باإلبداع‪ ،‬الخلق‪ ،‬إنجاب األطفال‪ ،‬حب الناس‪.‬‬
‫عزز المعالج مع كل مرة التعلُّقَ بكل ما هو مرتبط‬ ‫بإنقاذه للجسد ي ِ‬
‫تظهر لدى المريض‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫بالجسد‪ .‬هذا التعلق يُنق ُل إلى أبناء المريض‪.‬‬
‫فجأة الغيرة وسرعة الضيم‪ ،‬ويكون أبناؤه محرومين من الحياة‬
‫الشخصية وينهار مصيرهم‪.‬‬
‫إن إنقاذا ً لجسدنا نحن نخون أحدا‪ ،‬نتخلى عن الحب‪ ،‬نسبِب‬
‫ُ‬
‫الضرر للنفس واضعين الجسد أعلى‪ ،‬حينها يبدأ الجسد وكل ما هو‬
‫مرتبط به بالمعاناة‪ .‬على الحب الذي نخرج من خالله إلى هللا أن‬
‫يكون أعلى من جميع المنارات التي نملكها في حياتنا‪.‬‬
‫أنا موجود في صالة منزل مريحة في ضواحي روما‪ .‬المرأة‬

‫اإليطالية الجالسة أمامي حضرت إلى الجلسة للمرة الثانية‪ .‬أتف َّحص‬
‫حقول أبنائها مجددا وأشرح لها ما يحصل مع أحد أبنائها‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ -‬هذه الكارما الخاصة بابنِ ِك وطبعُه الخاص‪ .‬إن لن يتوقف ابنُ ِك‬
‫عن إدان ِة الناس وظن السوء بهم‪ ،‬فقد يهلك‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫أن حالته‬ ‫خبرني هي‪ - .‬أظن َّ‬‫‪ -‬هو يزور اآلن ُمعا ِلجا نفسيا‪ - ،‬ت ُ ُ‬
‫سن‪.‬‬ ‫ستتح َّ‬
‫ت موجودة في هذه‬ ‫أقتر ُح أنا‪ - .‬وأن ِ‬
‫‪ -‬تخيَّلي فترة حم ِل ِك البنِ ِك‪ِ - ،‬‬
‫الحالة‪ ،‬اطلبي من هللا أن يكون حُبُّ الخالق أعظم سعادة بالنسبة‬
‫البنك وأنجا ِل ِك اآلخرين‪ .‬اطلبي أن تكون الحياة مع القيم البشرية‬ ‫ِ‬
‫مجرد وسيلة لذلك‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫التي تُحبينها‬
‫لكن قبل ذلك يجب إزالة االستياءات من األهل‪ ،‬الزوج‪،‬‬
‫مجموعات كبيرة من الناس‪ ،‬وكذلك من الذات‪ ،‬المصير وهللا‪ .‬ساعة‬
‫واحدة من صال ِت ِك هي عدة أشهر من عمل المعالج النفسي‪ .‬لكن على‬
‫خالف األطباء أنت ستضمنين مساعدة اب ِن ِك على إدراك العالم بشكل‬
‫صحيح‪.‬‬
‫يستمر الحديث‪ .‬تسأل المرأة‪:‬‬
‫صام مع أبنائه‪ .‬هل يُمكنك ذكر السبب؟‬ ‫ي صديق‪ ،‬هو في ِخ ٍ‬ ‫‪ -‬لد َّ‬
‫جيب أنا‪ - .‬هو اعتاد على اتهام جميع‬‫‪ -‬هذا الشخص صارم جدا‪ - ،‬أ ُ ُ‬
‫من يُحيطون به والظن سوءا بالعالم المحيط‪ .‬حكما‪ ،‬خالل سنة‪-‬سنة‬
‫ونصف هو قد يُصاب بسرطان المعى المستقيم‪ .‬طاقة حقله في هذه‬
‫المنطقة سيئة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫االبن األول يبتعد عن أبيه ألن ت َو ُّجهه الداخلي صحيح وهو يشعر‬
‫بأن تكب َُّر وا ِلده وتعلُّقَه بالكمال قد ي ِ‬
‫ُض َّران بنفسه‪ .‬االبن الثاني قد يهلك‬ ‫َّ‬
‫بكل بساطة إن استعاد االتصال الداخلي بوالده‪ .‬أما حقل االبنة‬
‫ف ُمتوازن‪ ،‬عالقَت ُها بوالدها طبيعية‪ .‬أما هو‪ ،‬فعكس ذلك‪ ،‬يُبدي‬
‫استياءات كثيرة منها‪.‬‬
‫‪ُ -‬مدهش‪ - ،‬تبتسم المرأة‪ - .‬أنا ال أذكر لك غير األسم‪ ،‬وأنت تعرف‬
‫فورا كل شيء عن هؤالء األشخاص‪...‬‬
‫تترجم حديثنا إلى اللغة اإليطالية إحدى معارفي‪.‬‬
‫ُ‬
‫شخص يقرأ كتبَكَ ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬قل لي‪ - ،‬تتو َّجه هي إلي‪ِ - ،‬ل َم يحصل ذلك؟‬
‫آخر ال ينجح‪.‬‬
‫ويحقق الكثير‪ ،‬لكن َ‬ ‫ِ‬ ‫يعمل على ذاته‬
‫‪ -‬إن كانت لدى الشخص استياءات ق ِوية من والده‪ ،‬زعل من‬
‫فإن حقلَه يُهاجم حقلي‪ ،‬وحينها هو يتوقَّف عن التفاعل‬ ‫المصير وهللا‪َّ ،‬‬
‫‪141‬‬
‫ف كثيرونَ خطأ شائعا‪ :‬يعمل اإلنسان على برامجه‬ ‫يقتر ُ‬
‫مع الكتاب‪ِ .‬‬
‫الداخلية‪ ،‬يُصلي لتطهير النفس من العدائية الخارجية‪ ،‬لكن مع ذلك‬
‫تغيير طبعه‪ ،‬فتكون النتيجة ُمؤ ِسفَة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ال يُريد‬
‫إن قمتُ بإعادة النظر في حياتي‪ ،‬لكني أست َ ِم ُّر باعتبار المال هدفي‬
‫س ٌن‪ .‬إن قمت‬ ‫األعلى‪ ،‬مهما صلَّيتُ في هذه الحال‪ ،‬لن يحصل تح ُّ‬
‫فإن الغيرة لن تزول‪.‬‬ ‫بإعادة النظر في حياتي ُمطابقا ً ذاتي بالعائلة‪َّ ،‬‬
‫إن قمت بإعادة النظر في حياتي ُمطابقا ذاتي بالمواهب‪ ،‬الذكاء‪،‬‬
‫الكمال‪ ،‬فلن يزول التكبُّر‪ .‬في ُك ِل موقف مأزقي سأستمر التفكير‬
‫بإنقاذ المال‪ ،‬العائلة‪ ،‬الكمال‪ ،‬فأقتل الحبَّ بذلك‪.‬‬
‫بالحب بوضوح‬
‫ِ‬ ‫أما إن قُمتُ ب ُمطابقة "األنا" الداخلية الشخصية‬
‫ت وأينما‬‫كل وق ٍ‬ ‫وإلى األبد‪ ،‬ففي هذه الحال سأقوم بإنقاذ الحب في ِ‬
‫كان‪ .‬وهذا يُن ِقذُني ويُن ِقذ أبنائي‪.‬‬
‫متأملة‪.‬‬
‫تنظر المترجمة إلى النافذة ِ‬
‫‪ -‬أتعلم ما هي ميزة ُكتُبِكَ المهمة؟ ‪ -‬تسأل هي‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي؟‬
‫ُ‬
‫‪ -‬تعمل المنظومة دون مساهمتِك‪ .‬فتِ َحت القوانين الروحية‪ ،‬وبإمكان‬
‫ي قريبٌ يعيش في سردينيا‪ .‬قبل‬ ‫كل واحد العمل بصورة مستقلة‪ .‬لد َّ‬
‫‪ 16‬سنة أُصيب بااللتهاب الكبدي "باء"‪ ،‬بدأت حالته بالتدهور في‬
‫السنوات األخيرة‪ .‬أ ُصيب مؤخرا بنوبة قوية‪ .‬كانت حالته سيئة جدا‪،‬‬
‫أن أمراض الكبد هي رغبة في التفكير سوءا‬ ‫فاتص َل بي‪ .‬قلتُ له َّ‬
‫بالناس والعالم المحيط وقلتُ له أنه غيور وسريع الضيم‪ .‬عرضتُ‬
‫عليه بعض المعلومات من الكتاب الثاني‪ ،‬فتوقَّفَت النوبة‪.‬‬
‫كان عليه أن يزور الطبيب مرتين في الشهر‪ .‬هو لم يكن يشرب‬
‫أن الفيروس قد اختفى وأنه‬ ‫األدوية‪ .‬بعد قيامه بفحوصات جديدة تبيَّن َّ‬
‫ُعذبُه األطباء الستيضاح كيفيَّة زوال المرض‪.‬‬ ‫سليم تماما‪ .‬منذ شهر ي ِ‬
‫أرسلوا البارحة أربعة أنابيب اختبار مع دم إلى مدينة أخرى‪- ،‬‬
‫يُحاولون فهم ما حصل‪.‬‬
‫ثم تطرح علي سؤاال ُمفاجئا‪:‬‬
‫‪142‬‬
‫‪ -‬ما سبب تكلَّم الجميع عن نهاية العالم والكوارث الطبيعية؟ هل‬
‫سيحصل كل ذلك حقا؟‬
‫‪ -‬قولي لي‪ ،‬هل توافقين على أنَّه على البشرية أن ترتقي إلى درجة‬
‫جديدة من النمو؟ ‪ -‬أسألها إجابةً‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا‪.‬‬
‫تأخرة عن إنجازاتنا‬ ‫أن األخالقيات ُم ِ‬ ‫‪ -‬هل أنت موافقة على َّ‬
‫التكنولوجية؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أنا أفهم ذلك كله‪.‬‬
‫صة كبيرة من‬ ‫‪ -‬من المر َّجح أنَّه من الضروري الحصول على ح َّ‬
‫يوم غد‪.‬‬
‫الحب من هللا للبقاء على قيد الحياة َ‬
‫الحب هذه؟‬
‫ِ‬ ‫وإالم قد يُؤدي الحصو ُل على ح َّ‬
‫ص ِة‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬كلما ازدادت كمية الحب لدينا‪ ،‬ازدادت أخالقنا ُر ِقيا‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫ازدادت فُر ُ‬
‫صنا في البقاء أحياء‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ - ،‬تهز المترجمة رأسها‪.‬‬
‫‪ -‬لحظة الحصول على حصة الحب من هللا على جميع القيم البشرية‬
‫أن "تُغلَقَ " لكي ال يحصل إلتصاق بها‪ .‬عادة يموت اإلنسان من أجل‬
‫ذلك‪ .‬أحيانا بدل الموت تأتي المتاعب‪ ،‬اإلهانات‪ ،‬المآسي‬
‫واألمراض‪ .‬نادرا ما يحصل أن يعتزل اإلنسان ال ِقيَم الدنيوية ويتَّجه‬
‫هلل طوعا ً بادئا االهتمام دون انقطاع بنف ِسه وليس بجسده فقط‪ .‬البشرية‬
‫ليست مستعدة بعد للتطهير الطوعي‪ ،‬يجب أن تُفعَّل اآلليات القسرية‪.‬‬
‫إن ستكون بالنسبة للبشريَّ ِة قِيَ ٌم ما أعلى من الحب‪ ،‬حينها هي‬
‫ستحصل على هذه الحصة الجديدة في عالم ما بعد الموت‪ .‬إال أنَّه‬
‫حسب دينامي ِكيَّة العمليات خالل السنوات األخيرة‪ ،‬استعداد البشرية‬
‫لرفع السعي هلل يشتد‪ .‬هذا يبعث على األمل‪.‬‬
‫صته‪:‬‬
‫روى لي شخص ق َّ‬
‫ُسر‪ ،‬النجاح المهني‪ ،‬المصير وجميع‬ ‫صبتُ بإعاقة أ َغلَقَت عني الي َ‬ ‫‪ -‬أُ ِ‬
‫اآلمال المستقبلية‪ .‬دخلتُ المستشفى‪ .‬كان أقربائي يُحضرون ُمختلف‬
‫سلونني آل ُكلها َ‪ ...‬لكني كنتُ أشعر بأنَّه ال يجب‬ ‫األطعمة الشهية‪ ،‬يتو َّ‬
‫‪143‬‬
‫واالنطواء‪ .‬كان‬ ‫ِ‬ ‫ي أن أنسى ُك َّل شيء‬ ‫أن عل َّ‬ ‫ي أكل ذلك ُكلَّه‪َّ ،‬‬ ‫عل َّ‬
‫ُصرون على رأيهم‪ ،‬لكني كنت منشغال بأمور أخرى‪ :‬كانت‬ ‫أقربائي ي ِ‬
‫طت‪ .‬امتنعتُ عن‬ ‫ُ‬
‫عذبُني أفكار خاصة بالمستقبل والمشاريعِ التي أح ِب َ‬ ‫تُ ِ‬
‫دركُ أنَّه‬ ‫ُ‬
‫الطعام الشهي‪ - ،‬كنت أشعر بأنَّه ال يجب علي أكله‪ .‬كنت أ ِ‬
‫وطرد جميع األحالم واآلمال‪ .‬لكني‬ ‫ُ‬ ‫ينبغي علي نسيان أمر المشاريع‬
‫فكر باستمرار بما سيحصل الحقا‪ ،‬بما علي‬ ‫لم أنجح في ذلك‪ :‬كنت أ ُ ِ‬
‫فعله‪ ،‬بدأت أحلم بالمستقبل مجددا‪ .‬بسبب ذلك أفاقَت شهيَّة قوية‬
‫وبدأتُ آكل األطعمة الشهية‪.‬‬
‫بعد عدة أيام كنت أسير في ممشى المستشفى وفجأة فقدتُ الوعي‪.‬‬
‫وقعتُ واصطدمت بقوة في ذات الموضع الذي أُصبتُ فيه مؤخرا‪.‬‬
‫ازدادت حالتي سوءا‪ .‬أدركتُ أني لم أستغل تلك الفُرصة التي ُم ِن َحت‬
‫أن مستقبلي اآلن قد قُ ِط َع تماما‪ .‬ال أعلم ما سيُصيبُني‪ .‬لكن‬ ‫لي‪ .‬يبدو َّ‬
‫اآلن‪ ،‬بعد أن تحدَّثتُ إليك‪ ،‬فهمت االتجاه الذي علي أن أسلُ َكه‪ ،‬ولع َّل‬
‫هذا هو األهم‪.‬‬
‫روت لي ُمعالجةٌ قصةً مثيرة ً لالهتمام‪ .‬كان أحد معارفها‬ ‫مؤخرا َ‬

‫ُمصابا بالسرطان‪ ،‬وبدأ لديه سروج مرضي‪ .‬بدأ كل شيء ب ِكليَةٍ‪ .‬بعد‬
‫أن ال فرص لديه للبقاء على قيد الحياة وأخلوا‬ ‫الفحص قال األطباء َّ‬
‫قر َرت ال ُمعا ِلجةُ القيام بخطوة مفاجئة‪" .‬بدأ لديك كل‬ ‫سبيله بسالم‪َّ .‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫شيء من الكلية‪ - ،‬ذك َرتهُ هي واقترحت‪ - :‬دعني أغيِ ُر كليَت َك على‬
‫س ُره‪ .‬قا َمت المعا ِل َجة بنقل‬
‫المستوى الطاقي"‪ .‬لم يكن لديه شيء يخ َ‬
‫الكلية على المستوى الطاقي‪ ،‬أي تخيَّلَت ِكليَة سليمة وأدخلتها إلى‬
‫سنت حالته كثيرا‪ .‬بعد شهر‪-‬شهر ونصف‬ ‫حقل المريض‪ .‬بعد ذلك تح َّ‬
‫تو َّجه إلى األطباء الذين استغربوا أنه ال زال حيا‪ .‬عندما تف َّحصوه‬
‫قرروا َّ‬
‫أن‬ ‫اشت َّد استغرابهم‪ :‬اختفى السروج المرضي‪ ،‬والورم كذلك‪َّ .‬‬
‫سبب الشفاء يعود إلى دورة العالج بالبول‪.‬‬
‫‪ -‬هل ساعدتُهُ فِعال؟ ‪ -‬سألَتني ال ُمعالجة‪.‬‬
‫‪ -‬طبعا‪ .‬تأثير العالج بالبول كان ضئيال‪ .‬هل تريدين معرفة ما كان‬
‫يحصل أثناء ذلك؟‬
‫‪144‬‬
‫‪ -‬طبعا‪.‬‬
‫‪ -‬لكن اذكري لي أوال اسم زو َجتِه‪.‬‬
‫ص حقل زوجة هذا الشخص وأروي‪:‬‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫‪ -‬إضافة للغيرة لديه تكب ٌُّر‪ .‬كانت لديه استياءات كثيرة من زوجته‪،‬‬
‫عدائيَّت ُه الباطنة تُجا َهها قفزت حتى ال‪ 300‬وحدة‪ .‬هذه العدائية‬
‫استدارت وعادت إليه‪ ،‬فظهر برنامج التدمير الذاتي‪ .‬عندما يُصيب‬
‫ُطو ُق ذلك إما وظيفيا‪ ،‬أو‬ ‫النظام البولي التناسلي ي َّ‬ ‫َ‬ ‫هذا البرنام ُج‬
‫صيب بسرطان ال ِكل َية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عض ِويا‪ .‬نتيجةً لذلك أ‬ ‫ُ‬
‫اآلن توقَّف لديه برنامج التدمير الذاتي‪ ،‬لكن برنامج تدمير زوجته‬
‫التشوهات‬‫ُّ‬ ‫وإن طابع‬‫مشوه بقوة‪َّ ،‬‬ ‫بقي واشتد‪ .‬حقل زوجة هذا الرجل َّ‬
‫يشهد على موت قريب‪.‬‬
‫‪ -‬ما الذي سيحصل إن هي ماتت؟‬
‫‪ -‬مع الوقت قد تُصابين بسرطان في الثدي األيمن كونَك سبب‬
‫الموت‪ .‬عندما "تُنقذين" المريض بهذه الطريقة‪ ،‬ومع ذلك التغيُّرات‬
‫سن الحالة الفيزيائية‪،‬‬ ‫ب يتأ َّخران عن تح ُّ‬ ‫في الطبع واالمتالء بال ُح ِ‬
‫يحص ُل في هذه الحال إعطاء القيمة المطلقة للمستقبل ألنك تسحبين‬
‫من المستقبَل الحب والطاقة بالل َذين تُعا ِلجين المريض‪ .‬بالتالي‪ ،‬أنت‬
‫قد تفقدين المستقبل كذلك‪ .‬على فكرة أنجال هذا الرجل مقطوعون‬
‫عن الطاقة حتى الجيل الثالث وهلم جرا‪ .‬لذلك‪ ،‬حكما‪ ،‬عال ُج ِك أثَّر‬
‫كحبَّة دواء جيدة جدا‪ .‬لكن الحديث يجري عن تأجيل فقط‪ - ،‬إن كانت‬
‫متأخرة عن الجسد تبدأ المشاكل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫النفس‬
‫‪ -‬هل يمكن تغيير هذا الوضع؟ ‪ -‬تسأل المرأة قلقة‪ً.‬‬
‫صل‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬يمكن‪ .‬يجب إنقاذ زوجة هذا الشخص من الوضع المأزقي‪.‬‬
‫من أجله لكي تزول من نفسه الغيرة عليها‪.‬‬
‫بعد مرور بعض الوقت تتصل المعالجة وتسأل عن حال الرجل‪.‬‬
‫تدمير ذاتي‬ ‫ٍ‬ ‫تحول لديه برنامج تدمير زوجته إلى برنامج‬ ‫‪ -‬لقد َّ‬
‫مجددا‪ - ،‬أجيب أنا‪ - .‬بعد سنة‪-‬سنة ونصف قد يُصاب بسرطان‬ ‫ُ‬
‫البروستات‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يمكن مساعدته؟‬
‫‪145‬‬
‫‪ -‬ليقُم بإزالة االستياءات من زوجته ويصلي‪ .‬حينها سيكون سليما‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫مستويات الحب‬
‫‪ -‬أنت تتكلم بسرعة كبيرة‪ - ،‬اشتكى لي المريض مؤخرا‪ - .‬أنا ال‬
‫ألحق إدراك معنى كلماتك‪ .‬طبعا‪ ،‬بالنسبة لك هذا كله بات سهال جدا‪.‬‬
‫أنا ال ألحق الشعور بما تقول‪ ،‬وال حتى تَفَ ُّ‬
‫طنَه‪...‬‬
‫هذه المشكلة مألوفة بالنسبة لي منذ زمن بعيد‪ .‬كلما كان ك ُّم‬
‫المعلومات الواردة أكبر‪ ،‬احتجتُ إلى وقت أطول وجهد أكبر‬
‫خر ُج هنا واحد‪ :‬زيادة كثافة ما أقوله‪ .‬ما كنتُ‬‫إليصالها للمريض‪ .‬ال َم َ‬
‫مضطرا ً لشرحه مدة ساعات في الماضي أشرحه اآلن بجملة‪-‬اثنتين‪.‬‬
‫بتهذيبي ال ُجمل مئات المرات أنا ال أقوم بمنح المعلومات فقط‪ .‬تبيَّن‬
‫منحها األقصى‪ ،‬أي كلما كانت‬ ‫أن تدفُّقها األقصى يحصل خالل ِ‬ ‫َّ‬
‫المعلومات التي أمحنها أكثر تعميما‪ ،‬ازدادت كمية المعلومات التي‬
‫أؤلفُه‪.‬‬
‫بإمكاني الحصول عليها‪ .‬وهذا يأتي لصالح الكتاب الذي ِ‬
‫ي قيم بشرية)‪،‬‬ ‫إن كل ما نحن نُ ِحبُّه في هذه الحياة (وتحديدا – أ ُّ‬ ‫َّ‬
‫ص منا القوى‪ ،‬والحب‪ ،‬والطاقة‪ .‬ويمن ُحنا ُك َّل شيء هللا‪ .‬إذا‪ ،‬إن‬ ‫يمت َ ُّ‬
‫كنتُ أحب هللا أكثر من أي شيء آخر‪ ،‬حتى أكثر من الحياة‪ ،‬فأنا‬
‫صرف هذه البقايا‬
‫َ‬ ‫أحصل على حب وقوى أكثر مما أعطي‪ ،‬فأستطيع‬
‫نفوس‬
‫َ‬ ‫أن على المستوى الرفيع نحن نغذي‬ ‫على ذاتي وأنجالي‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫أنجالنا بحبنا باستمرار‪.‬‬
‫إن كنا نحب شيئا أكثر من هللا‪ ،‬أي بالتالي نمنح أكثر مما نحصل‪،‬‬
‫يبدأ انحالل النفس‪ .‬نحن نبدأ بأخذ الحب والقوى من االحتياطيات‬
‫االستراتجية – من نفوس أنجالنا وحيواتنا المستقبلية‪.‬‬
‫سه‪،‬‬‫ُحرم اإلنسان من الشيء الذي تعلَّقَت به نف ُ‬ ‫بهدف إنقاذ النفس ي َ‬
‫ما هي ت ُ ِحبُّه أكثر من هللا‪ .‬إن تقبَّل اإلنسان ذلك وسعى هلل‪ ،‬حينها هو‬
‫يستعي ُد توازنَه ويُوقِف انحالل نف ِسه‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫أن نفسنا قد بدأت ت ُ ِحبُّ شيئا أكثرمن هللا؟ عندما‬ ‫ما كيفيَّة تحديد َّ‬
‫نجعل هذا ال"شيء" هدفا ونعتبره سعادة ُمطلقة‪ - ،‬وهذا أول دليل‬
‫تضاؤل حب هللا‪ - ،‬حينها تصبح حالتنا مرتبطة بهذا الشيء‪ .‬حينها‬
‫نبدأ بالخوف‪ ،‬الندم‪ ،‬إبداء االستياءات‪ ،‬نض ُع شروطا‪ - ،‬هذا الدليل‬
‫الثاني‪ .‬الدليل الثالث – هو العدائية المباشرة‪ ،‬الزعل‪ ،‬الحقد‪ ،‬اإلدانة‪،‬‬
‫االحتقار وإلى آخره‪...‬‬
‫حب هللا يول ُد حب القيم البشرية التي يمكن تقسيمها إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫مجموعتين‪ .‬أوال‪ ،‬هو حب العالم والناس‪ .‬يق ُع في أساس الرغبة‬
‫حب الشخص اآلخر‬ ‫بامتالك عائلة حب اإلنسان القريب‪ .‬في أساس ِ‬
‫تقع الرغبة في إنجاب األطفال منه‪ ،‬أي غريزة ُ حفظ النسل‪ .‬في‬
‫أساس غريزة حفظ النسل تقع غريزة اإلبداع والخَلق‪.‬‬
‫كلما كانت ق َي ُمنا البشرية أكثر شأنا‪ ،‬ازداد قربُنا من هللا‪ .‬إال أ َّن‬
‫ث في‬ ‫ش ِريَّةً لذلك هي خاضعة للتدمير‪ ،‬أي لالنبعا ِ‬ ‫هذه القيم تبقى َب َ‬
‫صفَة جديدة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تطور‪ ،‬النمو‪ .‬في أساس قدراتنا‪،‬‬ ‫مجموعة القيم الثانية مرتبطة بال ُّ‬
‫ذكائنا تقع قيمة مثل الكمال‪ .‬في أساس الكما ِل يق ُع المصير‪ .‬في أساس‬
‫المصير يق ُع المستقبلُ‪.‬‬
‫ِ‬
‫إن كان اإلنسان يجعَ ُل هدفه حبَّ الناس والعالم‪ ،‬حينها تظهر لديه‬
‫أمراض الغيرة التي تُعالَ ُج بالخيانة‪ ،‬الشجارات‪ ،‬اإلساءات‪ ،‬الغدر‪.‬‬
‫إن يُصب ُح الكمال والنمو بالنسبة لإلنسان قي َمةً عليا‪ ،‬ففي هذه الحال‬
‫أمراض التكبر‪ .‬أمراض التكبُّر تُعالَج باإلخفاق‪ ،‬الكذب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تظهر‬
‫اإلهانات الظالمة‪ ،‬اإلساءات‪ ،‬المتاعب في المصير‪ ،‬انهيار المشاريع‬
‫عت َين‪،‬‬ ‫المستقبلية‪ .‬إن كان اإلنسان يعطي القيمة المطلقة لقيم المجمو َ‬
‫قد تنض ُّم إلى ذلك األمراض الخطيرة‪ :‬السرطان‪ ،‬الشيزوفرينيا‪،‬‬
‫سكري‪ ،‬التصلُّب المتعدد وإلى آخره‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫كقاعدة عامة‪ ،‬ليس من الضروري بتاتا إعادة النظر في الحياة‬
‫الخاصة كلها بالتفصيل‪ - ،‬أحيانا يكفي تذ ُّكر حادثتين‪-‬ثالث حوادث‬
‫هامة وتغيير العالقة بها‪ .‬ال يكمن مغزى التوبة في الندم على‬
‫الماضي‪ ،‬إنما في تغيير الذات وعدم اقتراف األخطاء في المستقبل‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫دركا أنه لم‬ ‫قادر على استفادةِ من أي موقف ُم ِ‬ ‫اإلنسان المؤمن باهلل ٌ‬
‫صدفَةً‪.‬‬
‫يُمنَح هذا الموقف ُ‬
‫ُ‬
‫في الفترة األخيرة أنا أج ِه ُد نفسي كثيرا غالبا‪.‬‬
‫ب مني إعطاء نصيحة لشخص‪ .‬بعد رحيله ب ِقيتُ جالسا فاقدا‬ ‫ُ‬
‫ط ِل َ‬
‫ي استقبال‬ ‫القوى وشاعرا نفسي ُمنهارا كليا‪ .‬في اليوم التالي كان عل َّ‬
‫أن علي إيقاف استقبال المرضى لمدة طويلة‪.‬‬ ‫‪ 7-5‬أشخاص‪ .‬فهمت َّ‬
‫في الوقت عينه أشفقتُ على الناس الذين كانوا يأملون الحصول على‬
‫صبتُ بآالم الرأس مجددا‪،‬‬ ‫فقررتُ محاولة المخاطرة‪ .‬إن أ ُ ِ‬ ‫مساعدتي‪َّ .‬‬
‫ف عملي‪.‬‬ ‫فحينها سأُو ِق ُ‬
‫في اليوم التالي أستق ِب ُل المريض األول وأنا ال أزال أشعر َّ‬
‫أن ال‬
‫المسببة لمرض المريض‪ ،‬أرى‬ ‫ِ‬ ‫قوى لدي للشرح‪ .‬أرى األسباب‬
‫عاجز عن شرح أي شيء‪ .‬تلمع‬ ‫ٌ‬ ‫مشا ِك َل مع أبنائه وأنجا ِلهم‪ ،‬لكني‬
‫في رأسي خاطرة‪ :‬ما الداعي للشرح إن كنتُ قد شرحت كل شيء‬
‫ب؟‬‫في الكت ُ ِ‬
‫‪ -‬هل تعلم ِل َم نحن نشيخ ونموت؟ نحن نشيخ ونموتُ للحصول على‬
‫كل ما خلَقَه هللا أن يعود‬ ‫صة حب جديدة لدى عودتنا إلى هللا‪ .‬على ِ‬ ‫ح َّ‬
‫حصص جديدة من الحب والطاقة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إليه بشكل دوري للحصول على‬
‫ُ‬
‫الشرط األساسي لالتصال باهلل هو االمتناع المؤقت عن ك ِل ما هو‬
‫نتحرر من‬‫َّ‬ ‫خلقَه‪ ،‬عن السعادة البشرية‪ .‬عندما نشيخ ونموت نحن‬
‫حصص‬
‫ِ‬ ‫جميع القيم البشرية‪ ،‬وحينها يصبح ُمم ِكنا الحصول على‬
‫حب جديدة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫غير كافية‪ ،‬حينها‪ ،‬بهدف أن يُصبِح‬ ‫َ‬ ‫الحب‬
‫ِ‬ ‫ص‬‫ص ُ‬‫إن كانت ح َ‬
‫يجب أن تهانَ جميع القيم البشرية‪ ،‬وحتى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫اتصا ٌل جدي ٌد ممكنا‪،‬‬
‫أرقاها‪ .‬على اإلهانة أن تكون قوية خاصة قبل إخصاب األطفال لكي‬
‫ب الحب ألنفسنا فقط‪ ،‬إنما ألطفا ِلنا كذلك‪.‬‬ ‫ال نَ ِه َ‬
‫كلما كان شعور الحب لدينا أق َّل ارتباطا بالقيم البشرية‪ ،‬ازداد‬
‫تشبُّهنا باهلل في نفسنا‪ .‬فاهلل غير مرتبط بشيء‪ .‬كلما ازداد تشبُّهنا باهلل‪،‬‬
‫نتحو ُل من بركة ماءٍ وسخة إلى‬ ‫َّ‬ ‫ازداد الحب في نفسنا‪ .‬حينها نحن‬
‫نبع نظيف‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫غير مرتبط بشيء‪ .‬ص ِل‬ ‫شعور َّ‬
‫بأن حبَّك ُ‬ ‫ٍ‬ ‫استرجع حياتَكَ كلها مع‬
‫ِ‬
‫من أجل أن يُمنَ َح ذلك ألنجا ِلك‪.‬‬
‫يطرح المريض التالي سؤاال‪:‬‬

‫أن اإليمان باهلل هو سعادة عظيمة ال يُمكن خسارتُها‪.‬‬ ‫‪ -‬أنتَ تقول َّ‬
‫أن على اإليمان باهلل أن ينهار‪ .‬كيف يُف َه ُم‬ ‫في ذات الوقت أنت تقول َّ‬
‫كالمك؟‬
‫‪ -‬قل لي‪ ،‬هل وعيُنا كاملٌ؟‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬طبعا‪.‬‬
‫‪ -‬هل عليه أن ينهار ويُست َب َد َل بوعي أكثر كماال؟ إذا‪ ،‬على الوعي‬
‫التصورات عن العالم المحيط أن تنهار‬ ‫ُّ‬ ‫القديم‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬على‬
‫بتصورات أكثر كماال‪ .‬اإليمان – هو إدرا ُكنا الواعي هلل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وتُست َب َدل‬
‫التصورات تتغير مع الوقت‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تصو ُرنا عنه‪ .‬هذه‬ ‫ُّ‬
‫أظن أن هللا واإليمان شيء واحد‪...‬‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كنتُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬لو كان األمر كذلك الختفى هللا مع اختفاء اإليمان‪ .‬لكن يعيش في‬
‫العالم عدد كبير من الملحدين الذين يؤكدون عدم وجود هللا‪ .‬هم‬
‫ينبذون مفهوم اإليمان‪ ،‬لكن رغم ذلك يعيشون ويملكون أطفاال‪ .‬لكن‬
‫عندما يُحاول الملحدون والمؤمنون نبذَ شعور الحب‪ ،‬حينها هم‬
‫عقَماء‪ ،‬يمرضون ويموتون‪.‬‬ ‫يصبحون ُ‬
‫تول ُد بالحب‪ .‬حالة جميع عواطفنا‬ ‫َّ‬ ‫جميع القيم المرتبطة بوعينا َ‬
‫مرتبطة بالعالم المحيط‪ - ،‬هي تنتعش لدى التفاعل معه‪ .‬االستثناء‬
‫يولد العالم المحيط وال يرتبط به‪ .‬إن‬ ‫الوحيد هو شعور الحب الذي ِ‬
‫حاولنا وضع هذا الشعور في حالة ارتباط بالعالم المحيط‪ ،‬حينها لدى‬
‫انهيار العالم من حولنا نحن نبدأ بتدمير الحب في ذاتنا واآلخرين‪،‬‬
‫ثم نمرض ونموت‪.‬‬
‫جالس أمامي رج ٌل أُصيب بالعمى قبل سنة‪ .‬هو مصاب بالسكري‬

‫ٌ‬
‫والعقم‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫حب قوي‪ ،‬لكن ذلك كان مرتبطا ً‬ ‫ٍ‬ ‫عشتُ شعور‬ ‫‪ -‬قبل عدة سنوات ُ‬
‫بإهانات قوية وأ َخ َّل بجميع مبادئي‪ .‬تم َّكنت من التغلُّب على هذا‬
‫صبتُ بها هي نتيجةُ‬ ‫أن المشاكل التي أ ُ ِ‬ ‫الحب‪ .‬اآلن أ ُ ِ‬
‫دركُ َّ‬
‫"انتصاري"‪.‬‬
‫‪ -‬ال يمكن التغلُّب على ال ُح ِ‬
‫ب‪ ،‬فهو هللا‪.‬‬
‫يبقى الرجل صامتا طويال‪ ،‬ثم يهز برأسه‪.‬‬
‫‪ -‬بداية حاول الشعور بأنَّه في أي لحظة كل ما يُحيط بك قد يزول‪،‬‬
‫أن اإلنسان المحبوب قد يخون‪ ،‬يرحل‪ ،‬يُهينُك أو يموت‪ ،‬أنَّه في أي‬ ‫َّ‬
‫لحظة قد تموت أنت كذلك‪ .‬حينها رويدا رويدا ستزول االستياءات‬
‫ويبقى الحب‪ .‬على شعور الحب أن ال يكون مرتبطا بشيء لدينا‪.‬‬
‫مجرد دافعٍ للحب‪ .‬تُنير الشمس دون أن تهتم‬ ‫العالم المحيط وحياتُنا – َّ‬
‫لرأي الناس بها‪.‬‬
‫‪ -‬وإن بدأتُ بحب العالم المحيط حبا قويا جدا؟‬
‫‪ -‬إن لم تكن لديك استياءاتٌ أحبَّ العالم المحيط قدر ما تستطيع‪،‬‬
‫وكلما ازداد الحب الذي تمن ُحه‪ ،‬ازدادت كميَّة الحب الذي ستحصل‬
‫عليه نفسُكَ ‪.‬‬
‫المريض الثاني يسأل‪:‬‬

‫‪ -‬ها أنا أحبُّ هللا وأصلي له‪ ،‬ف ِل َم أنا ُمصابٌ باألمراض والمآسي‬
‫أذا؟‬
‫‪ -‬حبُّ هللا يمنَ ُحك إمكانية أن تكون سعيدا‪ ،‬لكن في التفاصيل عليك‬
‫كسب السعادة بنفسِكَ ‪ .‬إن قمت بالصالة وأنت جالس في السيارة لكن‬
‫عكس السير‪ ،‬فأنت ستقع في متاعب كبيرة حتما‪ .‬توج ُد‬‫َ‬ ‫مع ذلك قُدتَ‬
‫الصالة‪ ،‬وتوجد قوانين السير‪.‬‬
‫ب قوانين العالم المادي توجد قوانين العالم الروحي‪ .‬من‬ ‫إلى جانِ ِ‬
‫تصورات عن‬ ‫ُّ‬ ‫الضروري التقيُّد بها ودراستها كذلك‪ .‬ك ُّل ٍ‬
‫دين يمن ُح‬
‫ف عن قوانين نمو الروح‪ .‬الباطنية‪ ،‬السحر والماورائية‬ ‫عار َ‬
‫هللا‪َ ،‬م ِ‬
‫يدرسون قوانين الروح فقط‪ .‬عندما يُصبِح ذلك هدفا بحد ذاته فال‬
‫‪151‬‬
‫حزنة‪ .‬على البحوث المادية والروحية أن تكون‬‫مفر من النتائ ُج ال ُم ِ‬
‫َّ‬
‫ُم َدفَّأة ً بالحب‪ - ،‬هذا هو الشرط األساسي للنمو‪ ،‬التطور والبقاء‪.‬‬
‫ت إل ِهي ِ‪.‬‬ ‫غل أعمقَ في طبقا ِ‬ ‫أذكر‪ ،‬قبل عدة سنوات حاولت التو ُّ‬
‫من األسهل القيام بذلك عبر الحقل المغناطسي‪ .‬لدى االنتقال من عالم‬
‫إلى آخر‪ ،‬لسبب ما‪ ،‬تكون مواصفات الحقل المغناطيسي أكثر‬
‫استقرارا ً في األماكن حيث تقع أقطاب األرض المغناطسية تحديدا‪.‬‬
‫هناك تتغي َُّر مواصفات الزمان والمكان‪.‬‬
‫القطب الجنوبي يميل إلى الماضي‪ .‬هذا ال َميل يتزحزح باتجاه‬
‫نصف الكرة األرضية الغربي – القارة األمريكية‪ .‬القطب الشمالي‬
‫يميل إلى المستقبل‪ ،‬من خالل روسيا وأسيا الوسطى هذا الميل‬
‫يتزحزح نحو الهمااليا‪ .‬في القسم الشرقي من أمريكا الجنوبية تُوجد‬
‫منطقة ذات تو ُّجه أقصى نحو الماضي‪ .‬حين َر َويتُ ألحد معارفي‬
‫يتحول نحو‬ ‫َّ‬ ‫أن القطب المغناطيسي الجنوبي‬ ‫عن أمريكا الجنوبية قال َّ‬
‫هذه المنطقة تحديدا‪.‬‬
‫سابقا كنتُ عاجزا عن فهم التالي‪ :‬إن عاش اإلنسان حياته الماضية‬
‫أو قبل الماضية في هذه المنطقة‪ ،‬فكقاعدة عامة‪ ،‬هو كان ذات ميول‬
‫ُخض ُع قدراته ألهدافٍ طماعة‪ .‬أما إن عاش‬ ‫ساحر أسود‪ ،‬أي كان ي ِ‬ ‫ٍ‬
‫غيرية‪.‬‬‫اإلنسان في منطقة الهمااليا‪ ،‬حينها‪ ،‬عكس ذلك‪ ،‬كانت الميول ِ‬
‫ط بنا‪ ،‬أما المستقبل فهو‬ ‫ي ال ُمحي ُ‬‫ثم فهمت فجأة‪ :‬الماضي هو الماد ُّ‬
‫ق على المستوى‬ ‫ُّ‬
‫الروحي‪ .‬نصف الكرة األرضية الغربي يسعى للتحق ِ‬
‫الخارجي‪ ،‬يسعى لتجميع القيم المادية‪ .‬أما نصف الكرة األرضية‬
‫الشرقي فيسعى للمستقبل‪ ،‬الروحانية‪.‬‬
‫الغيريَّة‪ .‬إال‬‫ِ‬ ‫اإلنسان الروحاني يحيا بالمستقبل أكثر‪ ،‬هو ُمعتَنِ ٌق‬
‫أن إعطاء القيمة المطلقة للروحانية يؤدي إلى ت َ َوقُّف النمو وانهيار‬ ‫َّ‬
‫المستقبل‪ .‬اإلنسان المادي يعيش بالماضي‪ .‬على خالف اإلنسان‬
‫الروحاني الذي يسترشد بحد ِس ِه وي َُو ِل ُد الثقافة‪ ،‬يسترشد اإلنسان‬
‫التجربَ ِة‪ ،‬تحليل األحداث التي قد‬ ‫ِ‬ ‫المادي بالوقائع والبراهين‪،‬‬
‫حصلت‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫إن كان اإلنسان يندم على الماضي‪ ،‬ال يتقبَّلُه‪ ،‬يُفَعَّ ُل لديه برنامج‬
‫يفكر‬
‫تدمير العالم المادي‪ .‬لدى اإلنسان الذي يخشى المستقبل‪ِ ،‬‬
‫بالمستقبل سوءا‪ ،‬يُفَعَّ ُل برنامج تدمير العالم الروحي‪ .‬تبيَّنَ َّ‬
‫أن‬
‫االكتئاب هو تحديدا عدم اإليمان بالمستقبل‪ ،‬عدم تقبُّله‪ .‬لذلك اإلنسان‬
‫الذي يفكر بالمستقبل بكآبة يقت ُ ُل ذاته في هذا المستقبل‪ ،‬لذلك‪ ،‬حين‬
‫يمرض فجأة ويموت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ي ُح ُّل هذا المستقبل هو‬
‫حاول أحد المرضى باستمرار االستخبار مني عن آفاقه‬
‫معرفة إن كانت جيدة أم سيئة‪ .‬أجبتُه أني لن أُخ ِب َرهُ‬ ‫المستقبلية‪ ،‬أراد ِ‬
‫بذلك‪:‬‬
‫بأن كل شيء في مستقبلك على ما يُرام‪ ،‬فأنت ستتوقَّف‬ ‫‪ -‬إن أخبرتُكَ َّ‬
‫أن كل شيء سيء‪ ،‬أنت لن تعمل على‬ ‫عن العمل على ذاتك‪ .‬إن قلتُ َّ‬
‫ذاتك حتما‪.‬‬
‫كونَ أغلب الناس كانوا يس َعون إلى ما هو مادي‪ ،‬الماضي‪ ،‬كانت‬
‫جميع األديان ت ُ َو ِج ُههم للروحانية‪ ،‬المستقبل‪ .‬كان ذلك يرفع من‬
‫صب للمبادئ‪ ،‬الدوغماتية‬ ‫مستوى الروحانية‪ ،‬لكن يؤدي إلى التع ُّ‬
‫والطغيان‪.‬‬
‫ال داعي للتفكير بالمستقبل خيرا وال سوءا‪ .‬في المستقبل سيكون‬
‫هللا‪ .‬لذلك ال معنى من الخوف‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬الزعل‪ ،‬من الممكن الحب‬
‫لكن هللا ليس في المستقبل فقط‪ - ،‬هو في الماضي والحاضر‬ ‫فقط‪َّ .‬‬
‫كذلك‪ .‬لذلك االستياء الداخلي من الماضي أو المستقبل هو عدائية‬
‫مو َّج َهةٌ ضد هللا‪.‬‬
‫امرأة تكلمني عبر الهاتف باكية‪:‬‬

‫ُ‬
‫‪ -‬لقد سبق أن حضرت جلسةً لديك‪ .‬أعاني من مشاكل كبيرة مع‬
‫ابني‪ .‬هو قاسي جدا‪ ،‬يتشاجر مع الجميع باستمرار‪ ،‬يُهينُنا‪ .‬بعد‬
‫الجلسة لم يتغيَّر شيء‪ .‬مؤخرا قتل بالفأس كلبه‪ ،‬أما البارحة فحاول‬
‫قتل زوجته‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫ص حقل ابنها‪ .‬لديه تعلُّ ٌق واحد‪ ،‬تعلُّ ٌق باالبداع‪ ،‬اإلنجاب‪،‬‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫الخلق‪ ،‬لكنه قوي جدا‪ .‬التعلُّ ُق باإلنجاب‪ ،‬العائلة‪ ،‬اإلنسان المحبوب‬
‫سرعة الضيم‪.‬‬ ‫ي َُو ِلد الغيرة و ُ‬
‫ت لم تُزيلي الرغبة‬ ‫‪ -‬اسمعي‪ - ،‬أتو َّجه أنا إلى المرأة بكالمي‪ - ،‬أن ِ‬
‫ت ذلك بدرجة‬ ‫في جعل اإلنسان المحبوب هدفا ومغزى حياتِك‪ .‬لقد نقل ِ‬
‫ت ستبدئين‬ ‫ت تُحبين شيئا أكثر من هللا‪ ،‬فأن ِ‬ ‫هائلة إلى ابنِ ِك‪ .‬وإن كن ِ‬
‫سه‪.‬‬ ‫بكره هذا الشيء نف َ‬
‫صيتَ ‪ .‬ال أعل ُم ِل َم النتيجة معدومة‪،‬‬ ‫‪ -‬لكني قمت بكل شيء كما أنت أو َ‬
‫إال أني حاولت جاهدة‪.‬‬
‫ساللَتِ ِك ُك ِلها يُنقَ ُل‬
‫أقتر ُح أنا‪ – .‬عبر ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬دعيني أشرح مرة أخرى‪ِ - ،‬‬
‫إعطاء القيمة ال ُمطلقة لإلبداع‪ ،‬الخلق‪ ،‬اإلنجاب‪.‬‬
‫وافق المرأة‪ – .‬كان كثيرون في ساللتنا يتمت َّعون بمواهب‬ ‫‪ -‬نعم‪ - ،‬ت ُ ُ‬
‫تعل ٌم بنف ِسه‪ .‬لكنه‬ ‫في الرسم‪ .‬ابني كذلك حاول رسم اللوحات‪ ،‬لكنه ُم ِ‬
‫لم ينجح في ذلك‪ ،‬فحزن كثيرا‪ ،‬ويكاد يبكي‪.‬‬
‫‪ -‬قبل إخصاب األطفال يجب أن تُهانَ القيَم البشرية العُليا‪ ،‬حتى‬
‫ت‪،‬‬ ‫رغبة إنجاب األطفال نفسها والرغبة في اإلبداع والخَلق‪ .‬أما أن ِ‬
‫ق يُف ِق ُد‬
‫أن أقل إخفا ٍ‬ ‫ت بكل ذلك لدرجة َّ‬ ‫وندمك‪ ،‬فتعلَّق ِ‬
‫ِ‬ ‫بسبب عدم تقبُّ ِل ِك‬
‫ابن َِك أعصابَهُ‪.‬‬
‫‪ -‬لم يكن لدينا أوالد ثماني سنوات‪ ،‬في حين أني كنت أريدهم بقوة‪.‬‬
‫كان زوجي غير مبا ٍل‪ ،‬كان ال يريد فحص وال عالج ذاته‪ .‬كان ذلك‬
‫يسبب لي ضيما قويا‪...‬‬
‫‪ -‬في الحياة الماضية عندما كانت تنهار لدى ابنِ ِك المشاريع الخاصة‬
‫هان رغبتُه في امتالك أطفا ٍل وعائل ٍة‬ ‫باإلبداع والخلق‪ ،‬عندما كانت ت ُ ُ‬
‫لم يكن يتقبَّ ُل ذلك‪ .‬عندما لم يكن هللا يمنَ ُح ِك أطفاال في هذه الحياة‪،‬‬
‫بوس ِع ِك فعل أي شيء من أجل ذلك‪ ،‬لكن لم‬ ‫راغبةً بإنجابِهم‪ ،‬كان ُ‬
‫ت‬ ‫نك كن ِ‬ ‫يحق لك الزعل من نف ِس ِك‪ ،‬المصير وهللا مع ذلك‪ .‬لك ِ‬ ‫ُّ‬ ‫يكن‬
‫تزعلين‪ ،‬تزعلين بقوة‪ ،‬ومن هللا‪ ،‬بشكل أساسي‪.‬‬
‫ت تُمنَحين‬ ‫س ٌل لك من قبل هللا والمصير‪ .‬من خالله كن ِ‬ ‫زو ُج ِك ُمر َ‬
‫ت في الواقع تزعلين من المصير‬ ‫المتاعب‪ ،‬أما أنتِ‪ ،‬بزع ِل ِك منه‪ ،‬فكن ِ‬
‫‪154‬‬
‫ت‬‫ت ذلك وقُم ِ‬ ‫طنَة وقسوة ً هائلة‪ .‬إن ف ِهم ِ‬ ‫ُولد الشي َ‬
‫وهللا‪ .‬الزعل من هللا ي ِ‬
‫ذاتك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بالصالة‪ ،‬حينها ستتمكنين من تطهير ابنِ ِك وأنجا ِل ِك من خالل‬
‫ف هللا ويزعل من‬ ‫يعر ُ‬
‫من األفضل أن يكون الشخص ُملحدا ال ِ‬
‫اإلنسان فقط‪ ،‬من أن يكون مؤمنا يزعل من المصير وهللا ردا ً على‬
‫الم َحن‪.‬‬
‫ِ‬
‫س ُن‬ ‫نظرا لحالة حقل المرأة أرى أنها قد ف ِه َمت‪ .‬حالة حقل ابنها تتح َّ‬
‫كذلك‪.‬‬
‫ابن هذه المرأة الغيرة فقط‪ ،‬صعَّبتُ‬ ‫عندما رأيتُ في البداية لدى ِ‬
‫عليها إمكانيةَ إصالح الموقف‪ .‬اآلن على ما يبدو كان على كل شيء‬
‫أج ُد اإلجابة عنه كان يُغذبُني‪.‬‬ ‫أن سؤاال كنتُ ال ِ‬ ‫أن ينتهي بخير‪ ،‬إال َّ‬
‫ف‬ ‫أص ُ‬ ‫تستحي ُل قيادة ُ المريض عبر جميع حلَقات السلسلة‪ .‬أنا ِ‬
‫ُطه ُرها بنفسه عندما‬ ‫الحلقات األساسية‪ ،‬أما الحلقات ال ُمت َ ِبق َية فهو ي ِ‬
‫يت َبعُني بشكل حدسي‪ .‬في هذه الحالة ذلك لم يحصل لسبب ما‪ .‬مرارا‬
‫اكتشاف سبب عدم حصول أي تغيُّرات بعد الجلسة‬ ‫َ‬ ‫وتكرارا حاولتُ‬
‫األولى‪ .‬كانت تستتِ ُر هنا مشكلة ما‪ ،‬لكني لم أتمكن من كشفها بعد‪.‬‬
‫يقطع تفكيري اتصا ٌل هاتفي‪ .‬يت َّصل مريض من الشرق األقصى‪.‬‬

‫ابنُه ُمصاب بالسرطان – ُمصابَةٌ ِكليَتُهُ ولديه ورم كبير في بطنِه‪.‬‬
‫تشوهات قَ ِويَّة‪ .‬يوجد تعلُّ ٌق باإلبداع‬
‫ص حقل الصبي وال أجد فيه ُّ‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫الخلق‪ ،‬إنجاب األطفال لكنه ذات مستوى رفيع جدا‪ .‬مجددا ال يسعُني‬
‫ضه لكني ال أراه‪.‬‬ ‫ع ُم َم َر َ‬
‫فهم شيء‪ .‬سببٌ ما يد َ‬
‫ُ‬
‫رج ُع عشرات المرات أحداث األيام السابقة‪ .‬أحاول الجمع بين‬ ‫أ َست َ ِ‬
‫المتجمعة والحدس‪ .‬أتذ َّكر الحديث الهاتفي مع المرأة‪ .‬هل من‬ ‫ِ‬ ‫الخبرة‬
‫الممكن أن يكون لدى الصبي زعل من المصير وهللا كذلك؟ على ما‬
‫يبدو‪ ،‬هذه هي الحلَقَةُ األساسية‪ .‬زعل هائل من هللا بسبب المشاكل‬
‫في العالقات مع اإلنسان المحبوب‪ .‬أنا اعت َدتُ على تف ُّحص المستوى‬
‫أن األمراض الخطيرة‬ ‫الروحي المرتبط بالجسد مباشرة‪ ،‬في حين َّ‬
‫ب إصابة المستويات األعلى‪.‬‬ ‫سبَ ِ‬
‫َّب بِ َ‬
‫سب ُ‬ ‫تُ َ‬
‫‪155‬‬
‫ص المستوى األول – الزعل من النساء‪ :‬كان ‪ِ 300‬وحدة‪،‬‬ ‫أتف َّح ُ‬
‫أما اآلن ف‪ِ 70‬وحدة‪ .‬مستوى المصير – الزعل من النساء‬
‫المحبوبات في ما يخص المصير والزع ُل من المصير‪ :‬كان ‪3000‬‬
‫وحدة‪ ،‬أما اآلن ف‪ِ 1000‬وحدة‪ .‬المستوى التالي – الزعل من هللا‪:‬‬
‫كان ‪ 4000‬وحدة وبقيت ال‪ 4000‬وحدة نفسها‪ .‬كذلك يوجد زعل‬
‫من المستقبل‪.‬‬
‫الصلة بالمستقبل هو اشتداد الروحانية؛ لذلك عندما يكون‬ ‫اشتدا ُد ِ‬
‫هان الروحانية كذلك‪ .‬يمكن تح ُّمل ذلك فقط حين‬ ‫المستقبل ُمهانا ً ت ُ ُ‬
‫تكون سرعة صدور الحب من النفس تتخطى االستياءات‪ ،‬أي حين‬
‫يفوق حبُّ هللا حبَّ أي شيء آخر‪.‬‬
‫لكن ِل َم يتغيَّر حقل الصبي بهذا البُطء؟ استوعبتُ أني لم أل َحق‬
‫ص ذاتي في النواحي نفسها‪ :‬الزعل من الناس‬ ‫ترتيب نفسي‪ .‬أتف َّح ُ‬
‫صاب بالذهول‪ .‬ما‬‫ُ‬ ‫‪ِ 2000‬وحدة‪ ،‬الزعل من هللا ‪ 33000‬وحدة‪ .‬أ ُ‬
‫الذي يحص ُل معي إن كانت لدي معلمات العدائية هذه تُجاه هللا؟ وما‬
‫الذي ستُعل ُمه ُكتُبي إن كانت نفسي بهذه الحالة السيئة؟‬
‫أذكر كيف فقزتُ في طفولتي َّأول مرةٍ إلى الماء رأسا على عقب‬
‫من ارتفاع كبير‪ .‬وقفتُ طويال‪ ،‬خائفا‪ ،‬ثم ل َّميتُ أطراف شجاعتي‬
‫وفقزت‪ .‬بعدما ِطرت مسافة متر نشأت لدي فجأة رغبة غريبة في‬
‫العودة‪ .‬اآلن نشأت لدي الرغبة نفسها‪.‬‬
‫حين فهمتُ أين ع ِلقتُ ‪ ،‬أردتُ التراجع‪ ،‬لكن األوان قد فات‪ .‬كما‬
‫تبيَّن‪ ،‬كان الكتاب األول يؤثر بقوة لدرجة أني كنت ال أستطيع عدم‬
‫ض َّم إلى الكتاب األول‪.‬‬ ‫كتابة الكتاب الثاني إذ بقيَت نقاط هامة لم ت ُ َ‬
‫صل إلى مفاهيم مثل الزعل من‬ ‫لو لم أتف َّحص حقلي أو لم أتو َّ‬
‫المصير‪ ،‬المستقبل‪ ،‬هللا‪ ،‬فما الذي كان ليحصل حينها؟ مع ذلك‬
‫أمر واحد‪ :‬كما أشرح عادة للمرضى‪ ،‬كلما كان مستوى‬ ‫عزاني ٌ‬
‫َّ‬
‫تطور‪ ،‬نمو اإلنسان أعلى‪ ،‬كانت استياءاته أعمق إن هو تعلق بهذا‬ ‫ُّ‬
‫ي مثل هذه االستياءات من هللا‪ ،‬فذلك يعني َّ‬
‫أن‬ ‫المستوى‪ .‬بما أنَّه لد َّ‬
‫مستوى نُ ُموي كان مرتفعا للغاية في حياتي الماضية‪ .‬من هناك‬
‫أن الخالق لم يُدمرني في‬ ‫تحديدا أحضرتُ معي الزعل من هللا‪ .‬بما َّ‬
‫‪156‬‬
‫ي سلبيات فقط‪ ،‬إنما‬ ‫بداية هذه الحياة‪ ،‬فذلك يعني أنه ال توجد ف َّ‬
‫حسناتٌ كذلك‪.‬‬
‫لدى إنهائي الكتاب األول نشأ موقف مثير لالهتمام‪ .‬بدأتُ استقبال‬
‫المعلومات على شكل نص وكان النص يبدو على الشكل التالي‬
‫ي فلن يصدر‬ ‫تقريبا‪" :‬إن لن تعترف بأنك تحمل في ذاتك اإلله َّ‬
‫الكتاب"‪.‬‬
‫باحث في البنيات الحيوية الحقلية‪ ،‬أسلوبي هو بحث‬ ‫ٌ‬ ‫أنا عالم‪،‬‬
‫علمي‪ ،‬تحليل‪ ،‬مقارنة‪ ،‬تجارب وأخطاء‪ .‬أنا نزيه حتى النهاية وأخ ِب ُر‬
‫بكل ما يحصل معي‪ .‬نيُوتُن اكتشف قانون الجاذبية األرضية‪ .‬أنا‬
‫التطو ِر‪ ،‬النمو الروحي‪ .‬لكن لم يُس َمح لي البقاء‬ ‫ُّ‬ ‫أقوم باكتشاف قوانين‬
‫عالما فقط‪.‬‬
‫سه‪ .‬كان علي االعتراف‬ ‫لدى إتمام الكتاب الثاني حصل الموقف نف ُ‬
‫بأني أحمل هللا في ذاتي‪ .‬أ ُف ِهمتُ مجددا أني لن أبقى عالما فقط إن‬
‫أمور مماثلة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أكتب عن‬
‫ُ‬ ‫كنتُ‬
‫اآلن فقط أدركتُ ما األمر‪ .‬كل واحد منا يحمل هللا في ذاته‪ ،‬لكن‬
‫ي فكان على ذلك أن يتجلى‪ ،‬ألن إن‬ ‫ذلك غير متجلي عمليا‪ .‬أما ف َّ‬
‫عالم فقط فقد يُش َِك ُل‬
‫بصف ِة ٍ‬‫َ‬ ‫صلتُ إليها ِ‬ ‫قمتُ بالتكلُّم عن األمور التي تو َّ‬
‫ط ُّور القيم البشرية من‬ ‫ي وعلى اآلخرين‪ .‬مع ت َ َ‬ ‫ذلك خطرا عل َّ‬
‫َّ‬
‫الضروري أن يشت َّد شعور الناس بأنهم يحملون هللا في نفسهم‪ .‬إدراكُ‬
‫أمر مستحيل‪ - ،‬سينهار الدرج‪.‬‬ ‫المعارف فقط ٌ‬ ‫ِ‬ ‫العالَم بارتقاء َد َرجِ‬
‫ليس من الضروري االرتقاء من األسفل إلى األعلى فقط‪ ،‬إنما‬
‫الوثوق بالحدس وليس‬ ‫النزول من األعلى إلى األسفل كذلك‪ ،‬أي ُ‬
‫بالتجربَة فقط‪.‬‬
‫ِ‬
‫سرعة تراجع‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫كلما ارتقينا إلى مستويات أكثر ِرفعَة‪ ،‬ازدادت ُ‬
‫المنطق‪ ،‬التجربة والتحليل إلى المستوى الثاني‪ .‬على اإلنسان أن‬
‫يشعر ذاته في آن واحد جسما فيزيائيا‪ ،‬جسدا مرتبطةٌ حالت ُه بالعالم‬
‫غير مرتبط بالعالم‬ ‫المحيط‪ ،‬يتفاعل معه وكذلك جزءا من الخالق َ‬
‫ع وينمي‪ .‬علينا أن نشعر بهذا ال ُجزَ يء‬ ‫المحيط و ُم ِشعا ُحبا يَخلُ ُق‪ ،‬يُب ِد ُ‬
‫‪157‬‬
‫اإللهي في أنف ِسنا باستمرار‪ - ،‬حينها لن ت َدفُنَنا أ ُّ‬

‫ي قِ َي ٍم بشرية مهما‬
‫أحببناها‪.‬‬
‫تتصل امرأة‪:‬‬
‫‪ -‬رأيتُ حلما غريبا ومخيفا‪ .‬رأيتُ طفلي‪ ،‬كان جس ُمه كلُّه مغطى‬
‫بالوشم‪ .‬رجل قصير‪ ،‬قزم تقريبا‪ ،‬كان يقود ابني قابضا على يده إلى‬
‫ق ما‪ ،‬وكنتُ أعلَ ُم أن قتال طقوسيا سيحصل هناك‪.‬‬ ‫مكان ُمغلَ ٍ‬
‫بررة‪ .‬كانت حالة‬ ‫أن مخاوفها كانت ُم َّ‬‫تف َّحصتُ حقل المرأة فرأيتُ َّ‬
‫فاجئا بالنسبة لي‪ :‬إعطا ُء‬ ‫حقل الطفل سيئة‪ .‬كان السبب غريبا و ُم ِ‬
‫ت تتخطى حدود الماضي‪ ،‬الحاضر والمستقبل‪.‬‬ ‫القيمة المطلقة لبُنيا ٍ‬
‫لم أكن حتى أملك اسما لهذه البنيات‪.‬‬
‫ما كيفية الخروج من هذا الموقف؟ أشرح لها قائال التالي‪:‬‬
‫ت تعتبرين إلها ما كان يتخطى حدود‬ ‫‪ -‬في الحياتين الماضيتين كن ِ‬
‫المادة والمكان‪ .‬يمكن القول‪ ،‬ما يتخطى حدود الزمان كذلك‪ .‬لكن‬
‫عليا‪.‬‬‫ذلك لم يكن هللا‪ .‬لم تتعبَّدي اآللهة تلك‪ ،‬كانت تلك قِيَما بشريةً ُ‬
‫صل‪ ،‬وغدا عاودي االتصال‪ .‬إن‬ ‫ِ‬ ‫ت تتعبَّدينه كان تمثيال لَ ُهم‪.‬‬ ‫ما كن ِ‬
‫تط َّهر حقل ابنِ ِك‪ ،‬فذلك سيَعني أني ُم ِحق‪ .‬عندما ستشعرين باهلل في‬
‫نف ِس ِك باستمرار‪ ،‬ستختفي من نف ِسك االستياءات‪ ،‬اإلدانة وعدم‬
‫الرضى عن العالم المحيط بجميع أشكاله‪.‬‬
‫َّ‬
‫عندما اتصلت المرأة في اليوم التالي رأيتُ أن كل شيء عاد إلى‬
‫طبيعته‪ .‬إذا يمكن االستمرار‪.‬‬
‫أ ُّم وابنتُها تطلُبان إنقاذ الوالد‪ .‬التشخيص – سرطان الرئة‪ .‬سرطان‬

‫الرئة وسرطان المعدة يُعالَجان بصعوبة كبيرة ألن سببَهما ال يعود‬
‫المقربين فحسب‪ ،‬إنما من المصير والمستقبل‬‫َّ‬ ‫إلى الزعل من الناس‬
‫أن اإلنسان المحبوب‪،‬‬ ‫كذلك‪ .‬يكمن سبب ظهور هذه العواقب في َّ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫العائلة واألبناء أصبحوا بالنسبة لألب المريض قيمة ُمطلقة‪ .‬لقد نقل‬
‫بدرجة كبيرة العدائية المرتبطة بذلك إلى أنجاله‪.‬‬
‫أنا أشر ُح لالبنة‪:‬‬
‫‪158‬‬
‫المقربين‪ ،‬العالم المحيط‪ ،‬الذات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫‪" -‬رزمة" الزعل من األشخاص‬
‫إدراكك‬
‫ِ‬ ‫أبناءك‪ .‬من الضروري تغيير‬ ‫ِ‬ ‫المصير وهللا قد تقتُلُ ِك وتقت ُ ُل‬
‫للعالم‪ .‬مهما كان شعور حب األقارب والعالم المحيط ُمهانا‪ ،‬على‬
‫شعور الحب الداخلي أن يبقى َمصونا رغم ذلك‪.‬‬
‫أن حبَّ الشخص القريب مرتبط بهذا العالم‪ ،‬فمع انهيار العالم‬ ‫بما َّ‬
‫ينهار بدرجة كبيرة هذا الشعور كذلك‪ .‬لكن في الداخل يوجد حبُّ هللا‬
‫فإن هذا الشعور أ َبدي كذلك‪ .‬لذلك ال يجب‬ ‫أن هللا أ َبدي‪َّ ،‬‬ ‫فقط‪ .‬بما َّ‬
‫المقرب وحبُّ هللا – أن يلتصقا‬ ‫َّ‬ ‫على هذين الشعورين – حبُّ اإلنسان‬
‫يتحوالن إلى بعضهما بالتبادل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ويت َّ ِحدا‪ ،‬رغم أنهما‬
‫يتجلى فينا الحب اإللهي مع اش ِتداد الحب اإلنساني‪ .‬الحقا ينهار‬
‫الحب اإلنساني لكي ال يلتصق بالحب اإللهي ثم هو يُولَ ُد من جديد‪.‬‬
‫‪ -‬تذكري جمي َع اللحظات‪ - ،‬أُتاب ُع أنا‪ - ،‬حين أُهينَ شعور ثق ِت ِك‪،‬‬
‫و ُمري بهذه المواقف مرارا وتكرارا مع الحفاظ على شعور الحب‪.‬‬
‫تهز برأسها وتذهب للعمل على ذاتها‪ ،‬لكن عندما تعود إلى الغرفة‬ ‫ُّ‬
‫صل بالمستشفى‬ ‫بعد مرور بعض الوقت أنا ال أرى تغيُّرات هامة‪ .‬تت َّ ِ‬
‫غل‬ ‫ص مدى عمق تو ُّ‬ ‫تدهورت‪ .‬أتف َّح ُ‬‫َ‬ ‫بأن حالة والدها قد‬ ‫وتُخبرني َّ‬
‫الزعل في نفس الوالد‪ ،‬فأرى صورة قاتمة للغاية‪.‬‬
‫ب محدَّد‪ .‬قبل بعض الوقت كنتُ‬ ‫ال ِقيَم البشرية قد ُج ِمعَت في تعاقُ ٍ‬
‫أشرح للمريض‪" :‬إضافة للقيم البشرية في الماضي والحاضر توجد‬
‫قيم في المستقبل‪ - ،‬خسارتُها تُسبِب ألما أقوى بعد‪ .‬خالل الصالة‬
‫ي سعادة بشرية في الماضي‪،‬‬ ‫أن أ َّ‬ ‫يمكن اإلعادة بالكالم الخاص َّ‬
‫لحب هللا"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الحاضر والمستقبل هي وسيلة‬
‫لكن مؤخرا المستُ بُنيات تتخطى حدود الماضي‪ ،‬الحاضر‬
‫اسم لحلقات هذه السلسلة‪ .‬لم ينجح في‬ ‫والمستقبل‪ .‬لم أتمكن من إيجاد ٍ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫العمل هنا أي نموذج معتاد‪ .‬لكن حقيقة تمكنتُ من تحديد َّ‬
‫أن على‬
‫مستوى الجسد َّأو ُل حلقة هذه السلسلة مرتبطةٌ لدى اإلنسان بمنطقة‬
‫األعضاء التناسلية‪ .‬ما الذي يتبيَّن هنا‪ :‬االنجذاب الجنسي يتخطى‬
‫‪159‬‬
‫حدود الماضي‪ ،‬الحاضر والمستقبل؟ غريب جدا‪ .‬الحلقة الثانية كانت‬
‫مرتبطة بمنطقة الصدر‪ ،‬الثالثة – بالرأس‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬كان المريض الذي تف َّحصت ُهُ عن بُعد يُعطي القيمة ال ُمطلَقة‬
‫لع َّدة حلَقات من السلسلة‪ .‬لكني كنت أجهل كيفيَّة شرح ذلك للزوجة‬
‫واالبنة‪ .‬حاولت الشرح مستعمال المفاهيم المعتادة‪ :‬اإلبداع‪ ،‬الخلق‪،‬‬
‫اإلنسان المحبوب‪ .‬لكن الصبية كانت تعجز عن فهمي‪ .‬حسب الطاقة‬
‫كانت حالتها تتدهور‪.‬‬
‫‪ -‬استراحة ‪ 40‬دقيقة‪ - ،‬أع ِل ُن لهما‪ .‬هما تخرجان وأنا أستغرق في‬
‫ت يس ُه ُل إيجا ُد الحلول الجديدة‪ .‬مدة َ‬ ‫سبا ِ‬‫شبه غيبوبة‪ .‬على حدود ال ُ‬
‫الوعي‬
‫ُ‬ ‫أن الوعي غافٍ تقريبا‪.‬‬ ‫‪ 20‬دقيقة يجري عمل محموم رغم َّ‬
‫ص َور النمطية المعتادة‪ ،‬يصعب عليه تقبُّل المعلومات‬ ‫ط بال ُ‬ ‫مرتب ٌ‬
‫الجديدة‪ .‬بعد نصف ساعة تثور في دماغي فكرة‪ :‬على المشاعر‬
‫الحقا‪ .‬ما إن شعرتُ بذلك حتى‬ ‫إلنسان ِ‬
‫ِ‬ ‫الجنسية أن تُمنَح هلل أوال‪ ،‬ثم ا‬
‫سنا في حقل االبنة وأبيها فورا‪.‬‬ ‫رأيتُ تح ُّ‬
‫أستدعي المرضى‪:‬‬
‫س ٍن؟ ‪ -‬أسأ ُل االبنة‪.‬‬ ‫‪ -‬هل تشعرين بتح ُّ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬أشعر بخفَّة في نفسي‪.‬‬
‫‪ -‬على أول شعور جنسي أن يُمنَ َح هلل‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يُف َه ُم ذلك؟!‬
‫ص ُر انجذاب جنسي دائما‪ ،‬فإن كان من‬ ‫الحب عن ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬يوجد في شعور‬
‫شعور هلل‪ ،‬فمن الضروري منح أول شعور‬ ‫ٍ‬ ‫الضروري من ُح أول‬
‫انجذاب جنسي هلل كذلك‪ .‬في الحياة العادية يبدو ذلك بطريقة بسيطة‪:‬‬
‫ُ‬
‫اإلنسان المحبوب‪،‬‬ ‫لشعور ِك الجنسي كان هدفا أساسيا‬ ‫ِ‬ ‫إن بالنسبة‬
‫ت لن تتمكني من‬ ‫حينها‪ ،‬عندما سيُهين الرجل رغباتِ ِك الجنسية‪ ،‬أن ِ‬
‫شعور ِك هذا مرتبطا باإلنسان المحبوب‪ ،‬فستثور‬ ‫ُ‬ ‫تح ُّمل ذلك‪ .‬إن كان‬
‫العدائية حتما‪ .‬لكن إن لم يكن مرتبطا باإلنسان المحبوب‪ ،‬فحينها لن‬
‫تتم َّكنَ أي إهانة من قتل الحب الداخلي‪ .‬اتصلي بالوالد‪ ،‬ثم عاودي‬
‫االتصال بي‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫هما ترحالن‪ ،‬وأنا أنتظر النتيجة التي كانت هامة جدا بالنسبة لي‪.‬‬
‫س ٌن بسيط‪.‬‬
‫إن كان االستنتاج صحيحا‪ ،‬فال بد أن يحصل ولو تح ُّ‬
‫تتصل بي الصبية بعد ساعتين‪:‬‬
‫سنت‪.‬‬ ‫‪ -‬ال أريد اإلصابة بالعين‪ ،‬إال َّ‬
‫أن حالة والدي قد تح َّ‬
‫حل مسألة ماهية هذه الحلَقة التي تتخطى حدود الماضي‪ ،‬الحاضر‬
‫والمستقبل لن يكون سهال‪ .‬لكن إن لن أقوم بذلك في المستقبل‬
‫القريب‪ ،‬فلن أتمكن من مساعدة المريض الذي هبط زعله إلى هذا‬
‫المستوى‪.‬‬
‫كونات هذه‬ ‫ُ‬
‫وها أنا يوما بعد يوم أحا ِو ُل تحديد التناسب بين ُم ِ‬
‫السلسلة‪ .‬الحلقة األولى – االنجذاب الجنسي‪ .‬هو ينتمي إلى هذا العالم‬
‫آن واحد حدو َده‪ .‬ال َحلَقةُ الثانية مرتبطةٌ بالنفس بطريقة‬ ‫متخطيا في ٍ‬
‫ِ‬
‫ما‪ ،‬هي تذهب أبعد من ذلك متخطيَةً حدود الزمان‪ .‬ال َحلَقة الثالثة‬
‫مرتبطة بالوعي‪ .‬الرابعة‪ ،‬ال أعرف حتى اآلن‪ ،‬هي واقعة فوق رأس‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫ُ‬
‫ف حيث كان من الممكن أن تهانَ‬ ‫عدة أسابيع إيجاد مواقِ َ‬ ‫حاولتُ‬
‫ال ِقيَم البشرية العُليا‪ .‬متذكرا حياتي وأحداثا من حياة أشخاص آخرين‪،‬‬
‫كنت أخرج باستمرار إلى الموقف حين يَنبذُ اإلنسان المحبوب حبَّنا‪.‬‬
‫كوناته يُولَد من الحب‪،‬‬ ‫الكون كلُّه مع جميع ُم ِ‬
‫ُ‬ ‫ثم خطر لي فجأة‪:‬‬
‫سم إلى مستويات مخت َ ِلفة‪ .‬المستوى األول – جنسي‪،‬‬ ‫وهذا الحب يُقَ َّ‬
‫وهو ي َُو ِح ُد ك َّل ما هو حي‪ .‬المستوى الثاني – عندما ال يُ َحبُّ بالجسد‬
‫خاص بالحيوانات العُليا‪ .‬الثالث – حين‬ ‫ٌّ‬ ‫فقط‪ ،‬إنما بالنفس كذلك‪ ،‬وهو‬
‫الحب البشري‪ .‬لدى‬ ‫ِ‬ ‫يُ َحبُّ بالجسد‪ ،‬النفس والوعي‪ ،‬وهذا مستوى‬
‫األشخاص الروحانيين‪ ،‬البارزين يوجد أحيانا حبٌّ من المستوى‬
‫بحب با ِلغٍ المستوى السابع‪ .‬نظريا –‬ ‫ٍ‬ ‫الرابع‪ .‬مبدئيا يمكن الشعور‬
‫حتى العاشر‪ .‬اإلنسان الحالي لن يستطيع تح ُّمل أكثر من ذلك‬
‫ببساطة‪ .‬هو لن يتمكن من تح ُّمل ألم الخسارة‪ُ .‬جملَةً أحصيتُ ‪17‬‬
‫أن عددها أكبر‪ ،‬لكن حتى اليوم هذا أقصى‬ ‫مستوى‪ .‬من المر َّجح َّ‬
‫صلت إلى إدراك كيفيَّة ت َ َ‬
‫شيُّ ِد الحب‬ ‫مدى لحساسيَّتي‪ .‬فهمت أني قد تو َّ‬
‫‪161‬‬
‫في كونِنا‪ .‬من أجل الشعور بالحب اإللهي على مستوى الوعي يجب‬
‫اجيتاز الدرجات ال‪ 17‬جميعها‪ ،‬ثم عيش ألم خسارتها وتخطيه‪ .‬من‬
‫حب هللا أن يكون أعلى بعشرات األضعاف من‬ ‫ِ‬ ‫أجل ذلك على‬
‫مستوى الحب الذي تملكه البشرية اليوم‪.‬‬
‫تف َّحصتُ كيفية حصول عملية النمو‪ :‬في البداية يُمنَ ُح اإلنسان‬
‫الحب العُليا التي قد تبلُ ُغ المستوى ال‪،7 ،4‬‬
‫ِ‬ ‫س ِة تجليات‬ ‫إمكانية مال َم َ‬
‫‪ .13 ،8‬ثم يُقتَلَ ُع اإلنسان عن هذا الشعور لكي ال ِ‬
‫يلتح َم بالحب‬
‫س اإلنسان المستويات األعلى فبال ُمعدَّل هو قادر على‬ ‫اإللهي‪ .‬إن ال َم َ‬
‫صف المستوى األقصى المبلوغ‪.‬‬ ‫ب ِن َ‬ ‫تح ُّمل ألم الخسارة الذي يُنا ِس ُ‬
‫أي إن عاش اإلنسان حبا من المستوى السابع‪ ،‬فهو قادر على تح ُّمل‬
‫اقتالعٍ عن المستوى ال‪4-3‬؛ إن عاش حبا من المستوى ال‪،13‬‬
‫فبال ُمطابقة سيتمكن من تح ُّمل اقتالع من المستوى ‪ .7-6‬إن كانت‬
‫اإلهانة أقوى من إمكانية تح ُّمل الخسارة‪ ،‬حينها يمرض اإلنسان أو‬
‫يموت‪.‬‬
‫شابا‬ ‫أصبحتُ‬ ‫أم‬ ‫كبرتُ‬ ‫النظر إلى نفسي في المرآة‪ :‬هل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي عادة‬‫لد َّ‬
‫قررت استبيان إن كان في ذلك إخالال للقوانين‬ ‫من جديد‪ .‬مؤخرا َّ‬
‫ت للمستقبل وللذات في‬ ‫أن في ذلك إخالال‪ .‬ذلك تمني مو ٍ‬ ‫العُليا‪ .‬تبيَّن َّ‬
‫المستقبل‪ .‬بشكل الواعي كنت أخشى الشيخوخة‪ ،‬ال َه َرم‪ ،‬وعندما كنت‬
‫الحظ في وجهي بوادر الشيخوخة كنت أشعر بالخوف من المستقبل‪،‬‬ ‫أُ ِ‬
‫فترتفع العدائية الباطنة وتزداد عمليات التقدم في السن بسبب ذلك‪.‬‬
‫ال داعي للقول‪" :‬أنا غني"‪" ،‬أنا أشيخ"‪ .‬عندما يَلفُظ اإلنسان كلمة‬
‫يتصور المال‪ ،‬السيارة والشقة‪ ،‬غالفهُ‬ ‫َّ‬ ‫يجب عليه أن‬ ‫ُ‬ ‫"أنا" ال‬
‫الفيزيائي ومواهبَهُ‪ ،‬ذكاءه وكماله‪" .‬أنا" هو الحب الساطع في نفسي‪،‬‬
‫أما كل ما تبقى فنحصل عليه لالستعمال المؤقت وال ُّ‬
‫يحق لنا توحيده‬
‫مع الشرارة األبدية في نفسنا‪.‬‬
‫‪ -‬لقد غادرتُ جمهوريَّتنا‪ - ،‬تروي لي امرأة‪ - ،‬حين ارتفعَت موجة‬

‫أن ذلك يتنافى مع طبعي‪ .‬قل لي‪ ،‬هل‬ ‫صب القومي‪ .‬فهمتُ َّ‬ ‫التع ُّ‬
‫العصب القومي هو إخالل للقوانين العُليا أم ال؟‬
‫‪162‬‬
‫‪ -‬طبعا‪ .‬هو تقديس للمصير اليسير لدى الشعب‪ ،‬ما يؤدي إلى انهيار‬
‫صب القومي‪ ،‬ازداد االنهيار الذي‬‫مصيره‪ .‬كلما اشت َّد ثوران التع ُّ‬
‫يجب توقُّعه في المستقبل‪.‬‬
‫شف بسببه العضالت ببطء‪ .‬هذا المرض‬ ‫الشاب ُمصابٌ بمرض ت َن َ‬

‫تدمير ذاتي قويا جدا‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ط ِوق برنام َج‬ ‫يُ َ‬
‫‪ -‬في الجلسة الماضية شرحتُ لك أنك تعطي القيمة المطلقة لحب‬
‫سرعة الضيم‪.‬‬ ‫العالم والناس‪ .‬هذا يؤدي إلى الغيرة‪ ،‬االرتياب و ُ‬
‫برنامج تدمير اإلنسان المحبوب بسبب الغيرة هو برنامج تدمير أبنائه‬
‫يتحول بسرعة كبيرة إلى برنامج تدمير ذاتي‪ .‬هذا البرنامج‬ ‫َّ‬ ‫الذي‬
‫يُصيب األوالد كذلك‪ - ،‬األمراض المستعصية تظهر بهدف أن ال‬
‫شوه نفوس األبناء واألنجال اآلخرين‪ .‬عدائيَّتُكَ قوية لهذا الحد ألنك‬ ‫ت ُ َّ‬
‫التطور والكمال‪ .‬عليك متابعة العمل‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫متعل ٌق كذلك بالنمو‪،‬‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫‪ -‬أتعلم‪ ،‬أنا أشعر أن اإلنسان المحبوب حتى اآلن هو السعادة العُليا‬
‫بالنسبة لي‪ - ،‬يعترف المريض‪.‬‬
‫‪ -‬أشرح السبب‪ .‬تُولَ ُد جميع ال ِقيَم من شعور الحب‪ .‬في منطقة‬
‫التشاكرا األولى يتحقَّق الحب على شكل رغبة جنسية‪ .‬في منطقة‬
‫الصدر يتحقَّق على شكل صداقة‪ ،‬عالقات جيِدة‪ ،‬طيبة نفس‪ .‬في‬
‫منطقة الرأس يتحقَّ ُق الحب على شكل َرو َحنَةٍ‪ ،‬إبداع‪ ،‬خلق‪ .‬فوق‬
‫الرأس‪ ،‬في جسم اإلنسان الطاقي‪ ،‬يتحقَّق الحب على شكل اتصال‬
‫أحالم بالمستقبل‪ ،‬شعور ُدنُ ٍو من هللا في المستقبل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالمستقبل‪،‬‬
‫ُمزالَةٌ لديك التعلقات بالمست َ َويَين الثاني والثالث‪ ،‬لكن التعلقات‬
‫بالمستويين األول والرابع قد بقيت‪ .‬ذلك يعني أنك مستعد لمنح أول‬
‫شعور جنسي للمرأة‪ .‬وكذلك أنت مستعد من َح األحالم بالحب لها‪.‬‬
‫افهم حقيقة بسيطة‪ :‬هللا ليس أبا فقط‪ ،‬هللا – أ ُ ٌّم‪ ،‬وأختٌ وأ ٌخ‪ ،‬وزو ٌج‬
‫قاء هللا واالتحاد به‪ .‬أما‬
‫وزوجة‪ .‬أحالم الحب األعلى هي أحال ٌم ب ِل ِ‬
‫األحالم ب ِلقاء اإلنسان المحبوب فهي وسيلة لتعزيز الوحدة مع هللا‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي نقاط األلم األساسية؟ ‪ -‬يسألني الشاب‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫‪ -‬أنظر‪ .‬هللا يخلق الكون‪ ،‬هللا يتح َّكم به‪ ،‬وهللا يُعيده إلى ذاته‪ .‬في‬
‫الميثولوجيا الهندية يُسمى هذا باستنشاق وزفير براهما‪ .‬إذا أ َّولُ‪،‬‬
‫أعلى قيمة بشرية هي خلق العالم‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬إنجاب األطفال‪ ،‬حبُّ‬
‫الناس والعالم‪ .‬الثانية – التحكم بالعالم‪ ،‬المواهب‪ ،‬الذكاء‪ ،‬الكمال‪،‬‬
‫ب اإلنسان على‬ ‫ُضر ُ‬
‫المصير‪ .‬الثالثة – كل ما هو مرتبط بالجسد‪ .‬ي َ‬
‫يلتصقَ الحب المرتبط بالعالم المحيط‬ ‫ِ‬ ‫هذه النِقاط الثالث بهدف أن ال‬
‫بالحب اإللهي‪.‬‬
‫ِ‬
‫ب مني إلقاء محاضرة في‬ ‫في شهر آذار من العام ‪ُ 1996‬‬

‫ط ِل َ‬
‫جمعية أكفاء البصر‪ .‬كان مو ِعد المحاضرة الساعة ‪.16‬‬
‫في اليوم الذي سبق يوم المحاضرة اتصل أحد معارفي‪ - ،‬كنت‬
‫أعرفه منذ ‪ 15‬سنة‪ ،‬لكننا لم نرى بعضنا منذ زمن بعيد‪.‬‬
‫‪ -‬أتو َّجه إليك اآلن بصفة مريض‪ .‬هل بإمكانك مساعدتي؟‬
‫‪ُ -‬م َّر علي غدا إلى الورشة بحدود الساعة ال‪ 12‬لنتكلَّم‪ - ،‬اقترحت‬
‫أنا‪.‬‬
‫بتشخيصه فورا بشكل عابر‪ .‬مبدئيا هو سليم‪.‬‬ ‫قمتُ‬ ‫عندما أتى‪،‬‬
‫لكن التشاكرا األولى مغلقة لسبب ما‪ .‬هذه مشاك ُل مع األنجال‪ ،‬نفوس‬
‫األوالد مثقَلَة كثيرا‪.‬‬
‫‪ -‬كل شيء جيد لديك نوعا ما‪ .‬إال أنَّه لديكَ تعلُّقا قويا باإلبداع‬
‫عةُ ضيم‪ ،‬غيرة‪ ،‬مشاكل في الحياة‬ ‫سر َ‬‫وإنجاب األطفال‪ .‬إذا لديك ُ‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫ُ‬
‫ُدركُ أني قمت بالتشخيص بشكل سطحي‪ ،‬فيُساعدني بلطف‪.‬‬ ‫هو ي ِ‬
‫‪ -‬نحن في العائلة ُو ِلدنا ‪ 18‬شخصا‪ - ،‬يروي هو‪ 12 - ،‬ماتوا‪.‬‬
‫واآلن بدأ يموتُ المتبقون‪ .‬عمليا ال يملك أحد من رجال ساللتنا أبنا ًء‪.‬‬
‫فقط لدى أخٍ يوجد أبناء‪.‬‬
‫‪ -‬اذ ُكر لي أسماء إخوتِك الذين ماتوا‪.‬‬
‫تشوهات في الحقل خاصة‬ ‫ُّ‬ ‫يذكر اسما اثنين‪ - ،‬لدى االثنين‬
‫بالموت‪ ،‬تعلُّ ٌق هائل باإلبداع‪ ،‬الخلق‪ ،‬إنجاب األطفال إضافة إلى‬
‫تعلُّق بالكمال‪ .‬حبُّ اإلنسان اآلخر‪ ،‬تكب ٌُّر – موضوع مألوف‪...‬‬
‫‪164‬‬
‫‪ -‬بفض ِل طي َب ِة نف ِسك حالتُك أفضل من حالة إخوتِك الذين ماتوا‪ .‬ال‬
‫تعلُّقَ بالكمال لديك‪ ،‬فقط مشاكل عاطفية‪ - ،‬أ ُخ ِبره أنا وأبدأ بالشرح‪-:‬‬
‫هللا يخلُ ُق الكون‪ ،‬هللا يحكم الكون ويتح َّكم به وهللا يُعيدُه إلى ذاته‪.‬‬
‫اإلنسان يقوم بالشيء نفسه لكن على نِطاق البشرية‪ .‬إن قام اإلنسان‬
‫بإعطاء القيمة المطلقة للنطاق البشري‪ ،‬فهو يُحاول ربط القيم‬
‫البشرية باهلل وجعلَها أبدية‪ .‬ف َيلي ذلك انقطاع الساللة وكذلك‬
‫األمراض والموت‪.‬‬
‫نحن نتابع الحديث لبعض الوقت‪ ،‬ثم يرحل صديقي‪.‬‬
‫جالس في صالة جم ِعيَّة أكفاء البصر الصغيرة‪ .‬أمامي‬ ‫ٌ‬ ‫وها أنا‬
‫‪ 60-50‬شخصا‪ .‬أغلبهم أكفاء‪ .‬أقوم بتشخيص الصالة فأرى إعطاء‬
‫قيمة مطلقة هائالً لألمور التالية‪ :‬اإلبداع‪ ،‬إنجاب األطفال‪ ،‬الخلق‬
‫والكمال‪ .‬قبل بداية المحاضرة قرأت الرسائل‪ ،‬فرأيتُ فيها األسباب‬
‫نفسها‪ :‬تكب ٌُّر وغيرة‪.‬‬
‫سكري‪ ،‬آالم الرأس – جميعُهم أمراض‬ ‫َّ‬ ‫تدهور البصر‪ ،‬السمع‪ ،‬ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫حر ُمنا هللا من ما هو سعادة‬ ‫الغيرة‪ - ،‬أشرح أنا‪ - .‬بهدف إنقاذ نفسنا ي ِ‬
‫عليا بالنسبة لنا‪ .‬تهلكُ النفس إن تعلَّقَت بشيء ما أكثر من تعلقها باهلل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫دركُ العالم بشكل‬ ‫ُ‬
‫إيقاف إلدرا ِكنا الخاطئ للعالم‪ .‬عندما ن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ض هو‬ ‫المر ُ‬
‫يول ُد التوت ُّ ُر الحبَّ ‪ ،‬إنما العدائية‪َ.‬‬
‫خاطئ ال ِ‬
‫تنهض امرأة وتسأل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬قل‪ِ ،‬ل َم ينتقم هللا منا هكذا؟ ِل َم هو ظالم إلى هذا الحد؟‬
‫المشوهة‬
‫َّ‬ ‫الجس ُم من الخ ِليَّة أبدا‪ – .‬أُجيب أنا‪ – .‬الصورة‬ ‫‪ -‬ال ينتقم ِ‬
‫تكييف المنطق اإللهي مع منط ِقنا‬ ‫َ‬ ‫عن العالم تنشأ لدينا حين نحاول‬
‫تصوراتنا‬‫ُّ‬ ‫البشري المحدود للغاية‪ .‬حينها‪ ،‬أق ُّل عدم تناسب للعالم مع‬
‫ُول ُد العدائية‪.‬‬‫عنه ي ِ‬
‫كأس‬
‫حاولتنا ملء ٍ‬ ‫حينَ نزعل من شخص ما فذلك يكون أشبه ب ُم َ‬
‫باألوساخ‪ .‬حينَ سيمتلئ الكأس ستعود هذه األوساخ إلينا وسنُضطرَّ‬
‫ط ُّهر منها باألمراض‪ ،‬المعاناة‪ .‬أما حين نزعل من المصير فنحن‬ ‫للت َ َ‬
‫نملء باألوساخ مغطساً‪ ،‬األمر الذي سيؤدي إلى التطهير نف ِسه لكن‬
‫‪165‬‬
‫سع‪ .‬القدرة على االحتواء لدى المستقبل – أعظم من‬ ‫ق أو َ‬
‫على نطا ٍ‬
‫ذلك‪ ،‬القدرة على االحتواء لدى هللا – المتناهية‪ .‬يوجد دائما "خط‬
‫غ َل أعمق منه‪ .‬يمكن اقتراف ذنوب‬ ‫أحمر" لن تستطي َع عدائيَّتُنا التو ُّ‬
‫ص بقاء الساللة حيَّة بحدِها األدنى‪.‬‬ ‫فر ُ‬ ‫كثيرة‪ ،‬كثيرة لدرجة أن تًصبِح َ‬
‫س تُجاه هللا‪ ،‬المستقبل‪،‬‬ ‫أن بإمكاننا أن ن ُح َّ‬ ‫حاولوا أن تشعروا َّ‬
‫المصير‪ ،‬الناس بشعور واحد فقط – شعور الحب غير المتناهي‪.‬‬
‫تُجاه أنفُ ِسنا في الداخل كذلك علينا الشعور بالحب‪ ،‬الشعور بالحب‬
‫في جميع تجلياتنا الظاهرة‪.‬‬
‫صاب بالعمى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عند قراءتي لهذه المحاضرة تذ َّكرت كيف ُكدتُ أ‬
‫بوتي‪ .‬كنت مصابا بقُرحة القرنية في العين اليُمنى‪ .‬لكن توقَّفَت‬ ‫في ص َ‬
‫عيناي عن العمل‪ ،‬فلم أعد أرى شيئا‪ .‬قبل سنة من حصول ذلك‬ ‫َ‬
‫انهار‬
‫َ‬ ‫وكذلك‬ ‫آمالي‬ ‫أحالمي‪،‬‬ ‫جميع‬ ‫انهارت‬ ‫إذ‬ ‫ي‬ ‫مصير‬ ‫من‬ ‫ز ِعلتُ‬
‫ي‪ .‬دائما كنتُ‬ ‫ض غا ِلبا إلصابات في عينَ َّ‬ ‫أتعر ُ‬ ‫َّ‬ ‫حب شبابي‪ .‬كنتُ‬
‫أن ذلك سيحصل على األرجح‬ ‫وأشعر ب َّ‬
‫ُ‬ ‫أخشى أن أ ُصاب بالعمى‬
‫يوما ما‪.‬‬
‫تصوراتي عن‬ ‫ُّ‬ ‫صل كل ذلك فقط بسبب أني كنت أعتبِ ُر‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وكان يح َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ق‪ ،‬المبادئ‪ ،‬العدال ِة راسخة عندما كان األمر يتعلق بال ُحب‪.‬‬ ‫األخال ِ‬
‫التحر ِر‬
‫ُّ‬ ‫أعجز عن‬ ‫أعجز عن تقبُّل اإلهانة أمام شعور الحب‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫كنتُ‬
‫ع عن التحكم به‪ .‬الشعور بكمالي‪ ،‬ال ِحك َمة‪ُ،‬‬ ‫من الموقف واالمتنا َ‬
‫القدرة ُ على التحكم بالعالم المحيط – هذا ما كان بالنسبة لي حجر‬
‫األساس ونقطة اإلنطالق‪.‬‬
‫أنهيتُ المحاضرة وقمت بتشخيص الصالة‪ :‬كانت التغيُّرات لدى‬
‫الناس رائعة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ثم ذهبت إلى المنزل وفكرتُ لبعض الوقت بقدر تلطخِ ُحبي‬ ‫َّ‬
‫بالتكبُّر‪ ،‬اإلدانة واالحتقار‪ ،‬الغيرة‪ ،‬الزعل على الناس المقربين‬
‫والعالم المحيط‪ ...‬هل سأتم َّكن من جع ِل ُحبي مستقال عن كل شيء؟‬
‫هل سأتمكن من تطهير نفسي عن حق؟ مرارا وتكرارا طرحت على‬
‫ذاتي هذا السؤال ولم أجد اإلجابة‪ .‬لكن اآلن هذا لم يخفني كما في‬
‫السابق‪ .‬النتيجة لم تعد أهم شيء بالنسبة لي‪ .‬بعد الشعور بالحب‬
‫‪166‬‬
‫ُدركُ اإلنسان‬
‫اإللهي في النفس‪ ،‬ساعيا من الخارج إلى أهداف‪ ،‬ي ِ‬
‫دائما أنَّه قد حقَّقَ كل شيء في ِ‬
‫داخ ِله‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫الخاتمة‬
‫في الكتابين الثاني والثالث أنا أصف دخولي في اتصاالت‬
‫عالتي مع بُنيات مخت ِلفة ذات نِطاق متزايد‪ .‬كنت أُشبِ ُهها‬ ‫وتفا ُ‬
‫بالدرجات التي تقود إلى هللا‪ .‬جميعها ‪ -‬درجاتُ ال ُحب‪.‬‬
‫ي تخطيها بعد‪ .‬حسب شعوري‪،‬‬ ‫كنتُ أجهل عدد الدرجات التي عل َّ‬
‫كان بإمكان هذا الجهل أن يُغلِقَ لعدد كبير من الناس إمكانِيَّة إصالح‬
‫فإن إهانة أي قِيَ ٍم بشرية‬ ‫أخطائهم‪ .‬كون ُك َّل بُنيَّ ٍة تنحد ُِر من الحب‪َّ ،‬‬
‫ت ُماثِ ُل إهانة شعور الحب البشري‪ .‬كلما كان شعور الحب الذي عاشه‬
‫اإلنسان أرقى وكلما تضاءل االستياء‪ ،‬ازداد احتياطي المتانة الذي‬
‫اإلنسان من هللا قُربا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يسمح بتح ُّمل إهانة هذا الشعور وازدا َد‬
‫نُس َخةُ الكتاب الثالث األصلية قد ُختِ َمت‪ .‬بقي تصحيح "الخاتمة"‬
‫قليال‪ .‬بالمبدأ‪ ،‬في الكتُب الثالثة قد ُختِ َم رس ُم العالم المحيط‪ .‬لو زالَت‬
‫جميع مشاكلي ولو كنتُ أشعر ذاتي بصحة فيزيائية جيدة لكان كل‬
‫أن األمر لم يكن كذلك‪ .‬إما أني لم أتم َّكن بعد من‬ ‫شيء رائعا‪ .‬إال َّ‬
‫ب الثالثة األولى‬ ‫أن الكت ُ َ‬ ‫ب مع المنظومة‪ ،‬أو َّ‬ ‫س ٍ‬ ‫جعل نفسي في تنا ُ‬
‫جرد مرحلة يجب أن تبدأ بعدها مرحلة جديدة‪ - ،‬كنتُ أجهل ذلك‪.‬‬ ‫ُم َّ‬
‫حضرت الجلسةَ امرأة قالت أنها تُزيل اللعنات‪.‬‬ ‫َ‬ ‫في تلك األيام‬
‫ُ‬
‫‪ -‬هل ت ُح ُّق لي ممارسة ذلك أم ال؟ ‪ -‬سألت هي‪ - .‬أنا أزيل اللعنة‬
‫بواسطة الصلوات‪.‬‬
‫قيامها بالتأثير وبعده‪ ،‬فلم أرى‬ ‫صث إحدى مرضاها قبل ِ‬ ‫تف َّح ُ‬
‫تشوهات قوية‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫‪ -‬كل شيء على ما يُرام‪ - ،‬استنتجتُ أنا‪ - .‬يمكنُ ِك متابعة ممارسة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثم سألتُها‪:‬‬
‫‪ -‬هل تُوج ُد علي لعنَةٌ؟‬
‫جوابُها صدمني قليال‪:‬‬
‫‪168‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬توجد لعنة‪ ،‬وهي قوية جدا‪ .‬وعددها أكثر من واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬وهل بإمكانك إزالتها؟‬
‫‪ -‬طبعا‪.‬‬
‫طيفي وبدأت بتطهيره‪.‬‬ ‫تخيَّلَت المرأة ُ َ‬
‫ط ِه َر حقلُكَ ‪ - ،‬أعلنت هي بعد مرور بعض الوقت‪.‬‬ ‫‪ -‬انتهى‪ُ .‬‬
‫اتفقنا على االتصال ببعضنا في اليوم التالي للمراقبة‪ .‬هي اتصلت‬
‫أن كل شيء على ما يُرام لدي‪ .‬اتفقنا على معاودة االتصال‬ ‫وقالت َّ‬
‫أفك ُر في الموقف الذي َوجدتُ فيه نفسي‪:‬ألَّفتُ‬ ‫في اليوم التالي‪ .‬كنت ِ‬
‫ي‪.‬‬
‫أن لعنَة قابعة ف َّ‬‫ب عن كيفية استعادة الصحة في حين َّ‬ ‫ثالثةً كت ُ ٍ‬
‫س ٍن فيزيائي كبير بال ِفعل‪.‬‬ ‫على فكرة‪ ،‬بعد تأثيرها‪ ،‬شعرتُ بتح ُّ‬
‫بالرغم مني‪ ،‬وإال‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬القواني ُن الروحية التي اكتشفتُها تعم ُل ُ‬
‫فلكانَ األمر غريبا‪ :‬أنا أ ُ ِ‬
‫عل ُم ما ال اُجي ُد ِفعلَه‪.‬‬
‫ير ُّن الهاتف‪ .‬كانت تتصل تلك ال ُمعالجة‪:‬‬ ‫في اليوم التالي ُ‬
‫‪ -‬لقد عادت اللعنةُ‪ .‬هي خلف الرأس وبجانب التشاكرا األولى‪.‬‬
‫ص حقلي وأفهم ما األمر‪:‬‬ ‫أنا أتف َّح ُ‬
‫دركينَه كلعنَ ٍة هو إعطا ُء قيم ٍة مطلقة للقيم البشرية‬ ‫ُ‬
‫ت ت ِ‬ ‫‪ -‬ما كن ِ‬
‫وعدائيةٌ بسبب ذلك‪ .‬علي تخطي ذلك من خالل تطوير المنظومة‪.‬‬
‫ولو كان كل شيء يُزا ُل بواسطة الصالة‪ ،‬فما كانت للمنظو َم ٍة حاجة‪.‬‬
‫ي‬
‫وليس عالجا‪ .‬كون جميع العمليات تجري لد َّ‬ ‫َ‬ ‫كان ذلك تأجيال‬
‫صل التأجيل‬ ‫أسرع بمئات المرات من جريانها عند اآلخرين‪ ،‬فلم يح َ‬
‫لدي لسنة‪-‬سنتين‪ ،‬إنما لعدة أيام‪ .‬يبدو أنَّه ال فائدة من أن أُعا ِل َج نفسي‬
‫بأي وسائل‪ .‬ذلك الموقف أظهر ذلك بوضوح‪.‬‬
‫توجد في ذلك ناحية إيجابية هامة‪ :‬يجب االستمرار في تنمية‬
‫وإدراك العالم‪ .‬يبدو أني لن أشعُ َر بالملَل‪ .‬ليست ُمغلَقَةً لدي‬
‫ِ‬ ‫المنظومة‬
‫ت مختلف ٍة من الحب‪ -،‬تشوهاتُ‬ ‫برامج إعطاء القيمة المطلقة لمستويا ٍ‬
‫الحق ِل هذه رأتها المرأة كلعنَة‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫إنه ربيع عام ‪ .1996‬أنظر من النافذة إلى ال َخضار الرقيق الذي‬
‫ظهر على أغصان األشجار قبل عدة أيام‪ .‬يبدو أن البحوث لم تنتهي‬
‫بعد‪.‬‬
‫ماذا بعد؟‪..‬‬
‫‪170‬‬
‫‪Noor.k.kh-1994‬‬
‫الفهرس‬
‫كلمة مترجم الكتاب‪3 ...............................‬‬
‫التمهيد‪6 .............................................‬‬
‫المقدمة‪7 ............................................‬‬
‫حبُّ الناس والعالم‪21 ................................‬‬
‫بنيات جديدة‪63 ......................................‬‬
‫المستقبل‪111 .........................................‬‬
‫مستويات الحب‪147 .................................‬‬
‫الخاتمة‪168 ..........................................‬‬
‫تاريخ أول إصدار لترجمة كتاب سيرغيي ن‪ .‬الزاريف "تشخيص الكارما ‪- 3‬‬
‫الحب" من الروسية إلى العربية بنُسختِه اإلليكترونية – حزيران ‪2019‬‬
‫ترجمة‪ :‬م‪ .‬سبلبل‬
‫تحرير‪ :‬لوريت وسوف‬
‫أول إصدار لكتاب س‪ .‬ن‪ .‬الزاريف "تشخيص الكارما ‪ – 3‬الحب" – روسيا‪،‬‬

‫سانكت بطرسبورغ‪1996 ،‬‬
‫‪171‬‬

تشخيص الكارما الحب- لازاريف

Uploaded by

Document Information

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

تشخيص الكارما الحب- لازاريف

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

‫تشخيص الكارما ‪ - 3‬الحب‬ ‫‪www.lazarev.ru‬‬ ‫س‪ .‬ن‪ .

‫س‪ .‬ن‪ .‬الزاريف‬

‫تشخيص الكارما‬ ‫ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭﻱ‬

‫ترجمة‪ :‬م‪ .‬سبلبل‬

‫اليوم ال وجود ألي اتفاقية بين المؤلف ودور نشر‬

‫هذا الكتاب ليس دليال في الطب‬

‫كلمة مترجم الكتاب‬

‫يت َّصل بي مرضى – رجل وزوجته‪.‬‬

‫لفترة طويلة كان العلماء يفصلون بصرامة العقالني عن‬

‫قررت مؤخرا اختبار ذاتي‪ .‬روى لي أصحابي ‪ -‬علماء في‬

‫اعتبار الحصول على المعلومات الجديدة – هديَّة ٌ‬ ‫َ‬ ‫لقد اعتدتُ‬

‫إحدى أهم مراحل إدراكي بدأت في أواخر عام ‪ .1994‬بدأت‬

‫ما هو الزمان؟ ِل َم هو مرتبط ارتباطا وثيقا بالمكان والمادة؟ الزمان‬

‫‪ -‬وهل يمكن لحب الناس أن يكون أمرا سيئا؟ ‪ -‬تسأل مريضة‬

‫أنا أتصل بالمريضة وأسألها عن حالتها‪.‬‬

‫حصلَت معي أثناء الجلسة حادثة مثيرة لالهتمام‪ .‬الموضوع نفسه‬

‫خالل إحدى الجلسات تطرح امرأة سؤاال مثيرا لالهتمام‪:‬‬

‫اإلنسان القوي‪ ،‬النشيط‪ ،‬الذي يتمتَّع بإرادةٍ‪ ،‬خبرةٍ وذكاء‪ ،‬رغم‬

‫في تشرين الثاني من العام ‪ 1995‬كان علي السفر إلى نيويورك‪.‬‬

‫صين مصابَين بمرض‬ ‫قبل سفري مباشرة أحاول مساعدة شخ َ‬

‫تقف في مانهاتِن ناطحتا سحاب‪-‬توأمان لمركز التجارة العالمية‪،‬‬

‫أنا أستقبل المرضى في عيادة صغيرةٍ وأتحدَّث مع مريضة تالية‪.‬‬

‫مؤخرا طلبت مني امرأة شرح سبب موت ابنتها‪.‬‬

‫ُولد القدرات والمواهب‪.‬‬ ‫حبُّ الناس ‪ -‬قيمةٌ هائلة‪ ،‬هو تحديدا ما ي ِ‬

‫ذات مرة سألني رجل خالل الجلسة‪:‬‬

‫لمجرد الفضول‪ ،‬ذهبت إلى‬‫َّ‬ ‫تذكرت حالة أخرى‪ .‬ذات مرة‪،‬‬

‫واقعة أخرى‪ .‬في ربيع عام ‪ 1995‬سافرت مع أصدقائي إلى‬

‫صباحا آتي إلى دار النشر "أكاديمية الباراسايكولوجيا" التي‬

‫مؤخرا خالل الجلسة حصل بيني وبين صبية حديث مثير‬

‫أعود إلى الموضوع السابق‪ .‬يموت مرضاي وأنا عاجز عن‬

‫‪ -‬بدأت مفاصلي تؤلمني‪ .‬وال يسعني التخلص من الرشح‪- ،‬‬

‫أتحدث عبر الهاتف مع امرأة‪.‬‬

‫في مدينة نيويورك أستقبل في العيادة رجال صينيا عجوزا‪ .‬لمدة‬

‫كان من الضروري أن أتحقَّق من النموذج تحت اسم "الكمال"‬

‫حضر إلى ورشتي رج ٌل أعمى‪ ،‬بُتتُ قادرا على فَ ِ‬

‫مرة استقبلت في العيادة رجال شابا عاش في إسرائيل عدة‬

‫في كانون الثاني من العام ‪ 1996‬خالل محاضرتي في موسكو‬

‫روت لي مريضة عن حادثة مثيرة لالهتمام‪ .‬لقد حضرت‬

‫مؤخرا زارني مراسلون‪ .‬طلبوا مني إبداء رأيي بخصوص أسباب‬

‫أُك ِث ُر الكالم عن الدرجات بدل الحب الذي على اإلنسان أن ِ‬

‫من مدينة كييف تتصل أمرأة سبق أن زارتني في العيادة‪:‬‬

‫أستقبل في العيادة أُما ً مع ابنتها‪ .‬لدى االبنة سرطان‪ ،‬لكنها تجهل‬

‫مؤخرا خالل الجلسة طرحت علي أمرأة سؤاال مثيرا لالهتمام‪:‬‬

‫مؤخرا استشارتني امرأة شابة تُعاني منذ الطفولة من مشاكل في‬

‫ضه‬ ‫أنا أتواصل اآلن مع شخص مصاب بالسرطان‪ .‬دخل مر ُ‬

‫‪ -‬كيف لي أن أُقنِ َع أبنائي بضرورة اإليمان باهلل‪ ،‬بضرورة ِ‬

‫أن عدائيتي الباطنة هي ‪ 400‬وحدة؟‬ ‫‪ -‬أنتَ تقول َّ‬

‫يتصل أحد معارفي من أمريكا‪:‬‬

‫ي انطباعا ثقيال‪ - ،‬تشتكي مريضةٌ‪ – .‬ينشأ شعور‬ ‫‪ -‬أثار كتابك ف َّ‬

‫يت َّصل من مدينة "نيجنِي نوفغورود" مريض يُعاني من مشاكل‬

‫حالة مثيرة لالهتمام حصلت لدى استقبالي لمريض في إسرائيل‪.‬‬

‫أنا أستقبل المرضى في غرفة صغيرة‪ .‬أمامي على الطاولة ورقةٌ‪.‬‬

‫قبل سفري إلى إسرائيل اتصل بي أحد معارفي‪:‬‬

‫رأيت لدى الشعب االسرائيلي بشكل أساسي تعلُّقَين هائلين‪ .‬إعطاء‬

‫َغرقا في التفكير أنظر من النافذة ال ُم ِطلَّة على شاطئ البحر‪.‬‬

‫أن أحاسيسي بدأت ت ُكل‪.‬‬‫بعد وصولي إلى بطرسبورغ الحظت َّ‬

‫مؤخرا دار حديث بيني وبين أحد مرضاي السابقين‪.‬‬

‫مرة خالل الجلسة شرحت للمرأة كيفية الصالة‪:‬‬ ‫ذات َّ‬

‫صربيا‪.‬‬ ‫أستقبل في العيادة امرأة أتت من ِ‬

‫قبل عدة أشهر كنتُ أقرأ محاضرة في مدينة سوتشي‪ .‬صباحا‬

‫الرجل الشاب ينظر أمامه مباشرة ويروي قصة حياته‪:‬‬

‫ث مجموعات من القيم‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬أ ُو ِجزَ لدي اآلن كل شيء بثال ِ‬

‫عملية الوالدة هي اتحاد أصلين‪ :‬المعلومات والطاقة‪ .‬الحب ينقسم‬

‫يبدأ المسرح حين تت َّ ِح ُد فكرة الكاتب المسرحي التي تحمل في ذات‬