Professional Documents
Culture Documents
فلسفة
يعّد الوجود عند ابن عربي من أهم الصطلحات التي يوظفها ،تلك الكلمة التي َأَخ َذْت َم َكاَنة فلسفَّية في
الخطاب الفلسفِّي مع ابن سينا .والوجود -قْر آنَّيا وفي استخدام العرب -يعني الِو ْج دان ،العثور على
الشيء ،الوعي بالمتعة والَج ْذب .وتْستخدم بمعنى الِع لم بالموجود؛ ألَّن ما يوَج د هو الشيء الواقع هناك،
وما يمكن اختباره .إَّن فعل الوجود عند ابن عربي (اإلدراك ،المعرفة ،الوعي) لم يِغْب أبدا عن حقيقة
كونه موجودا .وإْن كان ابـن عربي قد استخدم اللغة السينوَّية أثناء حديثه عن الوجود من جهة اإلمكان
والوجوب؛ .فإَّنه في الوقِت ذاِته عالج الوجوَد بمفاهيَم تأَّسسْت في الَو ْع ِي الُّص وفي مثل تحقيق الِع لم
بامتالء هللا الحضورِّي ،ومعرفة الوعي اإلنسانِّي (دوبي.)Dobie 2007
من بين األسماء اإللهَّية القرآنَّية اسم (الّنور)؛ فاهلل “نور الَّسَم اَو اِت َو اَأْلْر ِض ” ( .)24:35واّتصاف هللا
بالنورانَّية يعني اّتصاَفه بـ الوجود ،وكما يشرح القونوُّي :
تماما مثلما تتكّشف األشياء بالموجود الحِّق ولكن ال يظهُر هو وال َيَتَبَّدى .يتابُع القونوُّي قائال أَّن النوَر
الحَّق
” “عين ذات الحِّق من حيث تَج ُّر ِدها عن الّنَسب واِإل ضافات” (القونوي ،الفكوك.)225 ،
وبتعبير آخر ،النور الحُّق هو الوجود المطلق الذي ُيْعِلن نفَسه في الوجود المَقَّيد .هذا الُّنور بالَّتحديد هو
اَّلذي َيَتَأَّتى به اإليجاُد والوعُي واإلدراُك .فال موجوَد بحٍّق إال هللا ،وال ُم وِج َد بحٍّق إال هو ،وال موَج َد
بحٍّق إال هو ،ويوِّض ح ابن عربي هذه الفكرة قائال:
” “واعلم -أّيدَك هللا -أَّن األمَر يعِط ي أَّنه لوال النور ما أْدِر ك شيٌئ ،ال معلوم وال محسوس وال
ُم َتَخَّيل أصال .وتختلف على الّنور األسماُء الموضوعُة للقوى؛ فهي عند العاَّم ة أسماء للقوى،
وعند العارفين أسماء للنور الُم ْدَر ك به .،فإذا أدركَت المسموعاِت َسَّم ْيَت ذلك النوَر سمعا ،وإذا
أدركَت الُم ْبَصَر اِت سميَت ذلك النوَر بصرا .،وإذا أدركَت الَم لموسات سَّم يَت ذلك المْدَر ك
لْم سا ،وهكذا الُم َتَخَّيالت؛ فهو القَّو ة الالِم َسة ليس غيره ،والشاَّم ة والَّذاِئَقة والُم َتَخ ِّيَلة والحاِفَظة
والَعاِقَلة والُم َفِّك َر ة والمَص ِّو َر ة ،وكُّل ما يقع به إدراك فليس إال الُّنور .وأما الُم ْدَر َكات ،فلوال أنها
-في نفسها على استعداد بهَ -تْقَبل إدراَك المدِر ك لها ما أْدِر َكْت ،فلها ظهور إلى المدِر ك،
وحينئٍذ يتعَّلق بها اإلدراك .والظهور نور؛ فال بد أن يكون لكِّل ُم دِر ك نسبة إلى النور بها يستعُّد
/الوجود-عند-ابن-عربيhttps://hekmah.org/ ُّن ُّق 1/4
8/9/2021 الوجود عند ابن عربي :الخيال ،ووحدة الوجود ،والّتأّله -وليام تشيتيك | مجلة حكمة
إلى أن ُيْدِر ك؛ فكُّل معلوم له ِنْس َبة إلى الحِّق ،والحُّق هو الُّنور؛ فال معلوم إال هللا على الحقيقة”.
(ابن عربي ،الفتوحات المكية ،طبعة .) 77-1911،3:276
في العادة ،يعّد كثيرون ابن عربي مؤِّس َس عقيدة وحدة الوجود ،أو واحدَّية الوجود ،ولكن ،هذا َقْو ٌل
مَض ِّلل؛ .فابن عربي لم يستخدم هذا التعبير مْط َلقا ،بل إَّن المقاطع التي تُم ّت إلى هذه العقيدة بِص لة ليسْت
ذاَت أهمَّية خاَّص ة .،وليس لها تلك المكانة عند من َيْنِز ع إلى القول بـ وحدة الوجود الضرورِّي في
الفلسفة والالهوت الُم َعاِص َر ين .والسبب وراء اختيار وحدة الوجود بالذات في محاولة تأطير ابن
عربي فلسفَّيا ليس واضحا .قد يكون السبُب تركيَز ه على الَّتوحيد كمبدأ هاٍد له ،وإعطاَء ه الوجوَد مكانة
خاَّص ة في لغته .ومن تمام الوضوح عنده أْن ال موجود بحق إال هللا ،وما من شيء غيره إال وهو زيف.
ولكن ،ال ُيَعُّد هذا القوُل إال طريقة أخرى للتعبير عن ما قاله ابن سينا قبل ذلك؛ أَّن كَّل األشياِء ممكنٌة أو
ُمَح َتَم لُة الوجود؛ من أجِل ِح فظ الموجود الضرورِّي.
باختصار ،نقول :إَّن ابن عربي وحتى أتباعه -كالقونوي -قد رَّكُز وا على الوجود الحِّق ؛ الواحد المتفِّر د
الذي يستمُّد منه كُّل وجوٍد وجوَده .وعندما استخدَم بعُض أتباِع ه -في مناسبات -نادرة تعبيَر وحدة
الوجود لم ُيْعطوه معنًى َفِّنَّيا .وأَّو ل من َنَسَب القول بـ وحدة الوجود إلى ابن عربي هو الحنبلّي المَتَكِّلم
ابن َتَيِم َّية (توفي ،)1328والذي َعَّد هذا القوَل أشنَع من الكفر .وَو فقا له ،تعني هذه العقيدة أْن ال وجود
لثَّم ة َتَغاُير أو ُم َفاَر َقة بين هللا والعاَلم .وقد أثار هجوُم ه جدال طويال حول هذا الُم ْص َطَلح ،ولم يحاول أحٌد
تعريفه إال قليال.
نِسبْت إلى هذه العقيدة سبعُة معاٍن مختلفة في األدبَّيات الالِح قة ،وَح ذا المستشرقون َح ْذَو ها مْعِلنين
اختراع ابن عربي لهذه العقيدة .،وبالتالي كانوا يفِّسرونها تفسيرا سلبيا على مثال ابن تيمّية ،وكاَن األقُّل
شيوعا أن ُتَفَّسَر بشكل إيجابٍّي( ،مثلما فعل عبد الرحمن الجامي (توِّفي )1492؛ .أَّو ل المدافعين عن ابن
عربي ،وأَّو ُل ُم ْعَتِنِقي هذا التعبير) (تشيتيك .)Chittick 1994
.
وتسمية الموجود الحِّق بالواحد يعني الحديث عن َو ْح َدة الَّذات .وبلغة أخرى ،يمكن القول أَّن الموجود
-الّنور في ذاته -مَطَلق؛ ال يقِّيده زمان أو مكان ،ال يَعَّر ف وال َيَتَعَّر ف ،واضح في خفائه ،خفٌّي في
وضوحه .وعلى نقيِض ذلك ،كّل موجود سواه مْدَر ك ومَعَّر ف ومَقَّيد .ورغم أْن ليس للحِّق كفًو ا أحٌد
وأَّنه الَعِلّي ،إال أَّنه َيَتَج َّلى في كل شيء؛ ومن أجل ذلك يَشاِبه ويَح اِيث .بل إَّنه َيحوز تمام الَّطالقة التي ال
يَقِّيدها ثَّم ة إطالق .يقول ابن عربي :
” “واعلم أَّن هللا تعالى َلَم ا كان له مْط َلُق الوجود ،ولم يكن له تقييد ماِنع من تقييد ،بل له الَّتقييداُت
كّلها؛ .فهو مطلق الَّتقييد ،ال يحكم عليه تقييد دون تقييد ،فافهم معنى نسبِة اإلطالِق إليه” (ابن
عربي ،الفتوحات المكية ،طبعة .)3:162.23 ،1911
الخيال
يلعب الخيال -كما يَو ِّض ح كوربان – Corbinدوًر ا كبيًر ا في كتاباِت ابِن عربي .على سبيل المثال،
يقول ابن عربي في فتوحاِته ُم َتَح ِّدثا عنه:
” “وليس بعد الِع لِم باألسماِء اإللهَّية وال الَّتَج ِّلي وعموِم ه أتُّم من هذا الّر ْك ن” (ابن عربي ،
الفتوحات المكية ،طبعة .)2:309.17 ،1911
وكثيرا ما وَّج ه ابن عربي ِس هام نقده ضَّد الفالسفة والالهوتِّيين بسبِب َعْج ِز ِه م عن إدراِك الَح اَج ِة
المعرفَّيِة إليه .يرى ابن عربي أَّن العقَل كلمٌة مأخوَذٌة من الِع َقال؛ لذا ليس له غير أْن يَقِّيَد أو يَح ِّدَد أو
يَح ِّلَل فقط .وِللعقل أْن يْدِر ك الَفْر َق والَّتباين ،وله أْن يستوِع َب َتَعاِلَي ِهللا ومخالَفَته للحوادث .في مقابل
العقل ،نجد أَّن الخياَل الَّص حيَح المْنَض ِبط يملك قدرًة على معرفِة الَّتَج ِّلي الَّذاتِّي هلل في كتبه الثالثة
جميِع ها .وال يمِك ن بحاٍل تأويل اللغة الرمزَّية واألسطورَّية للكتاب المَقَّدس -.مثل الَّتَج ِّلي الَّذاتِّي للّر وح
والكون ،الدائم االستمرار ،غير المَتَكِّر ر أبداِ -بَم ْعِز ل عن الَعْقِل المَقَّيد.
/الوجود-عند-ابن-عربيhttps://hekmah.org/ 2/4
8/9/2021 الوجود عند ابن عربي :الخيال ،ووحدة الوجود ،والّتأّله -وليام تشيتيك | مجلة حكمة
إَّن ما أسماه كوربان Corbinبالخيال اإلبداعِّي (مصطلح ال نجد له مَكاِفًئا يساويه في لغة ابن عربي)
ال بَّد له أْن َيَتَكاَم َل مع اإلدراِك العقلِّي .إَّن مستقر الوعِي والمعرفة هو القلب في اللغة القرآنَّية ،والقلب
كلمة لها نفس الِح ِّس اللَغوي للتَقّلب وعدم الَّثَبات .والقلب -عند ابن عربي -له عينان؛ العقل والخيال،
وتَغّلب أحِدهما على اآلخر يؤِّدي إلى انِح راف الوعي واإلدراك.
إَّن المْس َلَك العقلَّي للفالسفة والالهوتِّيين في حاجٍة إلى أْن يخطَو تجاَه الكماِل عن طريق َح ْدِس الّص وفَّيِة
الّر وحِّي ،أو الَكشِف الذي َيْس َم ح برْؤ َيٍة َخ َياِلَّية غيِر َتْخ ِييلَّية .وعلى القلب ،الواِح دِّي الوعي أْن يتناغَم مع
َتَقّلِبه الخاِّص ؛ فيدرك هللا -في إحدى َنَبَض اِته .-مَفاِر قا لمخلوقاِته بعيِن الَعْقِل ،ثم يراه بعد ذلك مَشاِبها
بعيِن الَخ َيال .ولنا أْن نقاِر َب هاتين الرؤيتين عن طريق اسمي القرآِن الرئيَسْيِن ؛ القرآن (الَج ْم ع)،
والفرقان (الَفْص ل).
هذان المعنَيان يحِّددان المالِم ح األنطولوجية واإلبستمولوجَّية؛ .فاالسم األَّو ل يلِّم ح إلى توحيد الوجود
الواحدِّي (المَتَصَّو ر بالخيال) ،ويفِص ل الثاني بين المعاِر ف واإلدراكاِت المَتَعِّددِة (المْدَر َكة بالعقل).
والحّق في حقيقته- ،كما يوِّض ح ابن عربي كثيرا -هو الواِح د الكثير؛ الواحد في ذاِته ،الكثير في أسماِئه،
وأسماؤه هي أْص ل التعّدِد والَّتقييِد والَح ِّد .يرى القلب بعين الخيال واجَب الوجوِد حاضًر ا في كِّل شيء،
ويْلَح ظ بعين العقل علَّو ه وَتَعّدَد الوجوه التي َيْظ َه ر عليها.
” “فمن وقَف مع القرآِن من حيث هو قرآن ،كان ذا عيٍن واحدٍة َأَح ِدَّيِة الَج ْم ع ،ومن وقَف معه من
حيث هو مجموع كان في حِّقه فرقانا؛ .فشاَهَد الَّظهَر والبطَن ،والَح َّد والمْط َلع ،فقال لكل آية
ظهر وبطن ،وحّد ومْط َلع ،وذلك اآلخر ال يقول بهذا ،والذوق مختلف .ولَّم ا ذْقَنا هذا األمر
اآلخر ،كان الَّتَنّز ل فرقانيا ،فقلنا هذا حالل وهذا حرام وهذا مباح .،وَتَنَّو عْت المشارب،
واختلفْت المذاهب ،وتمَّيَز ْت الِم راِتب ،وظهرْت األسماء اإللهَّية واآلثار الكونَّية ،وكثرِت
األسماء واآللهة في العاَلم” (ابن عربي ،الفتوحات المكية ،طبعة .)3:49.16 ،1911
عندما يتحَّدث ابن عربي عن الخيال ،على أَّنه إحدى عيني القلب ،فإَّنه يستعمل اللغة التي وضعها
الفالسفة أثناء حديثهم عن قوى الّر وح .ورغم ذلك ،نجد أَّنه كاَن أكثر عناية بالحاَلة الوجودَّية للخيال،
والتي لم يْلِق لها الفالسفة األوائل باال ،إاَّل قليال .وقد كان استخدامه للخيال ينسجم مع معناه الحياتِّي الذي
يداني الّص ورَة أكثر من الخيال .وقد وِّظ ف لإلشارة إلى انعكاس الصور ،والخياالت ،واألمور
المْفِز عة ،وكِّل ما قد يتبَّدى في األحالم والّر ؤى .،و يَعّد بهذا المعنى مَر اِدفا لمصطلح الِم َثال اَّلذي َفَّضله
كثيٌر من الكَّتاب المَتَأِّخ رين.
يلّح ابن عربي على أَّن الّص ورَة َتجَم ع بين جانبين اثنين ،وتعمل على توحيدهما في واحٍد َأَح ٍد؛ لذا
يتشابهان ويختلفان في اآلن نفِسه .وانعكاس الّص ورة ،يعني الِم ْر آَة ،والموضوَع المْنَعِك س معا ،أو أَّنه ال
َيْعِني المرآة وال الموضوع .والحلم هو الّر وح والَم ْر ِئّي معا وإال ما هو الّر وح وما هو المرئّي .والصَو ر
بطبيعتها هي/ال هي .وبعيِن العقل ،ال تكون الفكرة إال صحيحًة أو خاِط ئًة ،أَّم ا عين الخيال ،فإَّنها ترى
المفاهيَم صورا .،وتقول بخطئها وصوابها في آن واحد ،أو بانعدام الخطأ والصواب معا .وال تظهر
تطبيقات هذه األنطولوجيا إال عندما ننظر إلى عوالم الخياِل الَّثالثة.
وبالمعنى الواسع ،تصف الصوَر ة/الخيال كَّل ما عدا هللا؛ الكون كَّله ،باعتبار عرضَّيِته وفنائه .وهذا ما
َأْس َم اه ابن عربي بالخياِل المْط َلق .وإَّن ،كَّل كلمة مطلقة منطوَقة في أنفاس الرحمن ،ال تنَكِشف إال في
شكِل موجوٍد مَقَّيد .وما من شيء إال وهو َو ْج ه من وجوه هللا؛ إعالن ألسماء إلهَّية بعينها ،وفي الوقت
ذاِته يكون حجاَب هللا في حالة َتَح ّج ب أسمائه األخرى .وال يعني وجود شيء إال وجوَد الحِق حقيقًة،
وعدم ِو جدانه يعني أْن يكوَن أَّي شيء غير الحِّق .وكّل شيء -بتعبير ابن عربي الموَج ز -هو /ال هو،
حق/ال حق ،موجود/معدوم ،متجٍّل /محتجب.
” “فالَغْيُر على الحقيقِة ثابت ال ثابت ،هو ال هو” (ابن عربي ،الفتوحات المكية ،طبعة ،1911
.)2:501.4
وبالمعنى الضيق ،يدل الخيال على ما أسماه كوربان Corbinبعاَلم الخيال .واإلسالم -مثل معظم
التقاليدَ -يَتَصَّو ر الكون على َتَسْلسل هْيَكِلّي للعواِلم؛ .عالمين أو ثالثة عادة ،والقرآن يقاِبل بين عاَلمي
الغْيب والَّشهادة ،ويَسَّم ى األَّو ل عاَلم األرواح ،والثاني عالَم األجسام ،أو العاَلم المعقوَل والَم ْح سوَس
بلغِة الفالسفة .والقرآن يتحَّدث عن “السماء واألرض وما بينهما” ،وقد أبرَز ابن عربي اآلثاَر الكاملة
لعاَلِم ما بينهما في إحدى مَساَهَم اِته؛ .فالعاَلم يَعّد من جانٍب َغْيِبَّيا وروِح َّيا وَم ْعقوال ،ومن جانٍب آخَر هو
مشهود وعْينّي وَم ْح سوس.
بالضبط ،هذا هو عاَلم الخيال؛ حيث َتَتَج َّسد الموجودات الّر وحَّية ،مثلما َتَج َّلى جبريل لمريَم العذراء في
صورة إنسان ،وحيث يمكن للَعْينَّياِت أن تصير أرواحا ،مثلما نختِبر اللذائَذ واآلالَم الِج ْسِم َّية في عاَلِم ما
بعد الموت .وعالم الَخيال حّق .والعاَلم البَّر انّي لكتاب الكوِن أكثر واقعَّية من عالم المشهوداِت
والمحسوساِت واألجسام ،ولكنه أقّل واقعَّية من العاَلم الغيبي والَم ْعقول والّر وحانِّي .وتحقيق وجوِده هو
ما يمكنه وْح َده أْن يَفِّس َر الَّتَج ِّلَي المالئكَّي والَّشْيَطانَّي ،والبعَث الِج سمانَّي ،واختبار الّر ؤى ،وكَّل
الَّظواهر األخرى غير الحِّسَّية ،فالفالسفة -عادة -ال يعملون إال على تفسير الِح ِّسَّية منها فحسب .وقد
كان تقديم ابن عربي لعاَلم ما بينهما بمثاَبة عامل من بين عوامَل كثيرة أنقذْت الفلسفة اإلسالمَّية من
الوقوع في فِّخ ثنائَّية العقل/الجسد أو التصّو ِر الَّثنوِّي للعاَلم.
ومن هنا ،ينتمي العاَلم الثالث للخيال إلى كتاب اإلنساِن المَص َّغر الذي يتآَلف مع النفس ،وهو مَح ّل التقاء
اّر وح والِج سم .إَّن الِخ بَر ة اإلنسانَّية دائما ما تكون خيالَّية أو نفسانَّية ،وبذلك يمكن القول أَّنها روحَّية
وجسدَّية في الوقت نفِسه .والَّص ْيروَر ة اإلنسانَّية ال تنفّك عن الَّتَذْبذِب بين الروح والجسم ،والّنور
والّدْه َم ة ،والَّصْح و والَم ْح و ،والمعرفة والَج هل ،والفضيَلة والَّر ذيَلة .وألَّن الّر وح تقطن عاَلم ما بينهما؛
فإّنها تملك قدَر َة المجاَهَدِة من أجل الَّتَحّو ل والمعرفة .والحّق الخيالّي وحده هو الذي يطيق أن يتعاَلى
تجاه نورانَّية الّر وح أو أْن َيَتَسَّفَل نحو ظَلَم ِة الماَّدة.
البرزخ
غالبا ،يستخدم ابن عربي مصطلح البرزخ (الحاجز ،الحد) في ِخ َضِّم مناَقَشِته الَّدوَر الوجودَّي
للّص ورة/الخيال ،والبرزخ في القرآن يعني الماِنَع الذي يمنع البحرين؛ العْذب والماِلح أْن يبغَي أحدهما
على اآلخر ( ،)55:20 ،25:53وهو الحاِج ز الذي يحجز األرواَح المتوَّفاة عن الّر جوع إلى العاَلم.
بشكل عام نجد أَّن الالهوتِّيين فهموا البرزَخ على أَّنه مْستقّر الّر وح ما بين الموت إلى البعث .يَو ِّظ ف
ابن عربي هذا المفهوم للَّداللة على أِّي شيء يجمع ويَفِّر ق بين شيئن في الوقِت نفِسه دون أْن يكون ذا
وجهين في ذاِته ،كالخِّط الحاِج ز بين الِظ ِّل ونوِر الَّشمس .ويراِدف البرزخ األعلى -في استخدام ابن
عربي -الخياَل المْط َلَق .
بتعبير آخر ،هو الكون؛ عاَلم المْم ِك نات التي ليسْت ضرورَّية في ذاتها أو مْس َتِح يلة ،وليسْت مْط َلَقة أو
غير مطَلَقة .ولعَّله يكون َنَفَس الَّر حمن الذي ليس بموجود مطلق وال كلمات منطوَقة“ .فالحّق هو الّنور
المْح ض ،والمحال هو الّظْلَم ة المحَض ة؛ فالّظْلَم ة ال تنقِلب نورا ،والّنور ال ينقِلب ظْلَم ة أَبدا .والَخ ْلق بين
الّنور والّظلَم ة برزخ ال َيَّتِص ف بالّظْلَم ة لذاته وال بالّنور لذاِته ،وهو البرزخ والوسط الذي له من َطَر َفْيه
حكم .ولهذا جعل لإلنسان عينين وهداه النجدين (القرآن)10-90:8 ،؛ لكونه بين طريقين ،فبالعين
الواِح َدة من الَّطِر يق الواِح َدة يقبل الّنور وينظر إليه بَقْدر استعداده ،وبالعين األخرى من الطريق
األخرى ينظر إلى الّظْلمة ويقبل عليها ،وهو في نفسه ال نور وال ظلَم ة” (ابن عربي ،الفتوحات المكية،
طبعة .)3:274.28 ،1911
وحدة الوجود
/الوجود-عند-ابن-عربيhttps://hekmah.org/ 4/4