You are on page 1of 180

‫طوُر الدِّاللي‬‫"التّ ّ‬

‫شكا ُل واأل َْمثا ُل"‬‫شكا ُل واألَ ْ‬ ‫ِ‬


‫اإل ْ‬

‫د‪.‬مهدي أسعد عرار‬


‫جامعة بيرزيت‬

‫‪1‬‬
‫اإلهداء‬

‫‪2‬‬
‫بيان المحتوى‬
‫في م ِ‬
‫قاصد العنو ِ‬
‫ان ____________________________________‬ ‫َ‬
‫األو ُل‪ :‬اإلشكا ُل‬
‫المطلب ّ‬
‫ُ‬
‫األو ُل‪:‬‬
‫الفص ُل ّ‬

‫‪3‬‬
‫ق (سجال القدماء)___________________________‬‫الساب ِ‬
‫إشكا ٌل عند ّ‬
‫ق (سجال المحدثين)__________________________‬‫إشكا ٌل عند الالّح ِ‬
‫ردها____________‬
‫"المعاياة" أو "المغاالة" في قَبول هذه الظّاهرة أو ّ‬ ‫إشكا ُل‬
‫السابق)__________________‬‫نص ّ‬ ‫ق (في فهم ّ‬ ‫ق والالّح ِ‬
‫الساب ِ‬
‫بين ّ‬ ‫إشكا ٌل‬

‫الفص ُل الثّاني‪:‬‬
‫اللي في التّلقّي‬
‫الد ّ‬‫طور ّ‬ ‫أثر استشراف التّ ّ‬
‫آني________________‬ ‫طوِر‬ ‫ِ‬
‫ص القر ّ‬ ‫الن ِّ‬
‫اللي في فهم ّ‬
‫الد ِّ‬
‫ّ‬ ‫استشراف التّ ّ‬ ‫أثر‬
‫ُ‬
‫الحديثي________________‬ ‫ص‬ ‫اللي في ِ‬ ‫طوِر‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫الن ّ‬
‫فهم ّ‬ ‫الد ِّ‬
‫ّ‬ ‫استشراف التّ ّ‬ ‫أثر‬
‫ُ‬

‫المطلب الثّاني‪ :‬األمثال‬

‫المطلب الثالث‪ :‬األشكال‬


‫الدرس________________________________‬ ‫مناهج هذا ّ‬
‫ِ‬ ‫أشكا ُل‬
‫اللة___________________________________‬ ‫الد ِ‬
‫تطوِر ِّ‬
‫أشكا ُل ّ‬
‫ِ‬
‫الكلمة العر ّبية‪______________________________:‬‬ ‫تطوِر‬
‫أشكا ُل ّ‬
‫الدا ّل‪ -‬البِنية____________________________‬
‫تطوٌر على مستوى ّ‬ ‫ّ‬
‫كل والمعنى __________________________‬‫تطور على مستوى ال ّش ِ‬
‫ٌّ‬
‫هات كلّّيةٌ ________________________________________‬
‫موج ٌ‬
‫ّ‬
‫ثبت المصادر والمراجع _________________________________‬

‫‪4‬‬
‫أعن‬
‫يس ْر و ْ‬
‫رب ّ‬
‫ّ‬
‫ان‪:‬‬‫قاصد العنو ِ‬ ‫في م ِ‬
‫َ‬
‫ف بينها‬ ‫شعب يؤلّ ُ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لغوي يأخ ُذ في ثالث‬ ‫درس‬ ‫ان العر ِ‬ ‫يتجلّى من ذلكم العنو ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫أن هذا ٌ‬ ‫يض ّ‬
‫الكتاب اإلشكا ُل‪ ،‬وثانيها األمثا ُل‪ ،‬وثالُثها األشكا ُل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مباحث هذا‬ ‫ِ‬ ‫اللي‪ ،‬و ّأو ُل‬ ‫اسمه التّ ّ ِّ‬
‫طوُر الد ّ‬ ‫درس ُ‬ ‫ٌ‬
‫األلفاظ في العر ّبي ِة أفضى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دالالت‬ ‫تطوَر‬
‫أن ّ‬ ‫اللي؛ ذلك ّ‬ ‫الد ُّ‬ ‫طوُر ّ‬‫أما اإلشكا ُل فباعثُه التّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ظاهرين في سيرو ِرة العر ّبي ِة‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وجدل‬ ‫ٍ‬
‫إشكال‬ ‫فظ وداللتِه‪ ،‬وهذا كلُّه أَِذن بتخلّ ِ‬
‫ق‬ ‫اخ بين اللّ ِ‬ ‫وجود تر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬
‫ِ‬
‫القدماء‬ ‫رس سجا ٌل بين‬ ‫الد ِ‬ ‫جت عليها في هذا ّ‬ ‫عر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قديما وحديثًا‪ ،‬و ِمن‬
‫مظاهر اإلشكال التي ّ‬ ‫أعرف‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫المأثور‪:‬‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫ِ‬
‫آخر يفضي بالمرِء إلى استرفاد‬ ‫الدالل ِّي‪ ،‬وسجا ٌل ُ‬ ‫صحيح ّ‬ ‫ِ‬ ‫يتصدرون أسنمةَ التّ‬ ‫ّ‬ ‫وهم‬
‫لف‪،‬‬ ‫نهج الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حديث على يد الخلف الذين ساروا على ِ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫بالبارحة!"‪ ،‬فقد تخلّق إشكا ٌل‬ ‫"ما أشبهَ اللّيلةَ‬
‫ألحدهما‪ ،‬وليس ُينسى في‬ ‫منتصر ِ‬
‫ًا‬ ‫يقف‬
‫ثالث ُ‬ ‫مجيز‪ ،‬و ِمن رٍّاد إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اللي إلى‬
‫الد ِّ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫فَ ِمن ٍ‬
‫منكر للتّ ّ‬
‫نص‬ ‫مثيل‪ ،‬وهو إشكا ُل التّلقّي؛ تلقّي ِّ‬ ‫وقفت عنده بال ّشرِح والتّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫كنت قد‬ ‫خطره ُ‬ ‫المقام إشكا ٌل له‬ ‫ِ‬ ‫هذا‬
‫ُ‬
‫يظنون‬ ‫ق وهم ّ‬ ‫الساب ِ‬
‫نص ّ‬ ‫أبناء العر ّبي ِة َي ِردون على ِّ‬‫تعبيره‪ ،‬فكثير ِمن ِ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورسوم‬ ‫ِ‬
‫مقاصده‬ ‫ق ِ‬
‫وفهم‬ ‫الساب ِ‬
‫ّ‬
‫يح‪ -‬ما ران‬ ‫وهم صر ٌ‬ ‫كانت تعنيه أم ِ‬ ‫ِ‬
‫األو ُل –وهذا ٌ‬ ‫ومحتكمهم ّ‬‫ُ‬ ‫س‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫اليوم ما‬
‫بعض ألفاظه تعني َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫الكلمات معرفةً معاصرةً‪.‬‬‫ِ‬ ‫فة ِد ِ‬
‫اللة‬ ‫غوي المعاصر في معر ِ‬ ‫عليه إلفُهم اللّ ُّ‬
‫ُ‬

‫رس اللّغويِّ‪،‬‬ ‫األو ِل ِمن هذا ّ‬


‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫باب القول على القطب ّ‬
‫ِ‬ ‫المتقدم‪ ،‬وهو ُ‬
‫ِّ‬ ‫ب هذا‬ ‫ِ‬
‫ثم يأتي َعق َ‬‫ّ‬
‫يفات ِمن‬
‫آيات شر ٍ‬ ‫استصفيت ٍ‬
‫ُ‬ ‫مضمار التّطبي ِ‬
‫ق‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬ ‫النظرّي ِة إلى‬ ‫ِ‬
‫مضمار ّ‬ ‫ثان فيه انتقا ٌل ِمن‬ ‫فص ٌل ٍ‬
‫موردا‬ ‫داللي‪ ،‬وقد جعلتُها‬ ‫تطوٌر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل العز ِ‬‫التّنز ِ‬
‫ً‬ ‫ٌّ‬ ‫بعض كلماتها ّ‬ ‫نبويةً كريمةً وقع في‬ ‫أحاديث ّ‬
‫َ‬ ‫يز‪ ،‬و‬
‫أفهامهم‪ ،‬وألجلّ َي ِمن ُ‬
‫بعد ُس ْهمةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المركوز في‬ ‫ألقف على معناها‬ ‫َ‬ ‫أبناء العر ّبي ِة ال ّشادين‬
‫لطلبتي ِمن ِ‬
‫الحديثي‪ ،‬وصفوةُ المستَ ْخلَ ِ ِ‬ ‫اللي في ِ‬ ‫ِ‬
‫ص من هذا كلِّه ّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫آني أو‬
‫ص القر ِّ‬ ‫الن ّ‬‫فهم ّ‬ ‫الد ِّ‬ ‫طوِر ّ‬
‫استشراف التّ ّ‬
‫الساب ِ‬
‫ق‬ ‫مضمونه احتر ِ‬ ‫لح ٍظ‬ ‫ِ‬
‫كالم ّ‬
‫حق َ‬ ‫يفهم الالّ ُ‬
‫أن َ‬ ‫اس من ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫لساني‬
‫ٍّ‬ ‫قائم على استرفاد َم َ‬ ‫المبحث ٌ‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫ابق‪ -‬ما تعنيه‬
‫الس َ‬‫عنده –أعني ّ‬
‫كانت تعني َ‬ ‫ْ‬ ‫ظ المتقادمةَ‬‫أن تلكم األلفا َ‬
‫ظاناً ّ‬
‫عصره ّ‬‫ِ‬ ‫يفهمه في‬
‫كما ُ‬
‫اضه وبواعثِه‪ ،‬واحتر ِ‬ ‫اللي وأعر ِ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫فاد م ِ‬‫ِ‬ ‫اليوم‪ ،‬ولذا ليس ثَم ٌّ ِ‬
‫أن يقعَ‬
‫اسا من ْ‬ ‫ً‬ ‫الد ِّ‬ ‫لحظ التّ ّ‬‫بد من استر َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للمقصد الذي رمى‬ ‫اللي‪ ،‬وتِ ً‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬ ‫محظور َي ِرُد عليه َ‬
‫ٍ‬
‫بيانا َ‬ ‫الد ِّ‬ ‫لحظ التّ ّ‬ ‫عن َم َ‬
‫عند التّجافي ْ‬ ‫المرُء في‬
‫ات والتّبر ِ‬
‫يكات أطيبها وأعطرها‪.‬‬ ‫تقدس اسمه‪ ،‬أو رسولُه الكريم عليه ِمن الصلو ِ‬ ‫ُّ‬
‫الحق ّ‬ ‫إليه‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬
‫الكلمات التي‬ ‫مجموعة ِمن‬
‫ٍ‬ ‫البحث شطر استشر ِ‬
‫اف‬ ‫ِ‬ ‫القطب الثّاني ِمن‬
‫ِ‬ ‫هت وجهي في‬ ‫وج ُ‬
‫َ‬ ‫ثم ّ‬ ‫ّ‬
‫استقر في‬ ‫خاصةً‪ ،‬وقد‬ ‫بي‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المعجم العر ّ‬
‫َ‬ ‫مضمار تلكم الوجهة‬
‫ُ‬ ‫داللي‪ ،‬وقد كان‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫اعترى داللتَها ّ‬
‫األلفاظ عن داللتِها‪ ،‬وفي‬
‫ِ‬ ‫ياح‬
‫نظر إلى انز ِ‬ ‫ِ‬
‫ولطف ٍ‬ ‫وروي ٍة‬
‫ّ‬ ‫تأم ٍل‬ ‫ِ‬
‫بكثير ّ‬ ‫القدماء التفتوا‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫الخاطر ّ‬

‫‪5‬‬
‫الحدود‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫ق‪،‬‬ ‫وقوف المدقِّ ِ‬
‫َ‬ ‫عند هذه الظّاهرِة‬
‫تصرُح بوقوِفهم َ‬‫بل ّ‬‫نصوص تُْل ِم ُح ْ‬
‫ٌ‬ ‫بي‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أركان التّ ِ‬
‫ِ‬ ‫مكين ِمن‬
‫أنظارهم إلى ما يقعُ‬ ‫صرف‬ ‫أفضت إلى‬‫ْ‬ ‫غوي‬
‫قعيد اللّ ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫مانيةَ التي هي رك ٌن‬
‫الز ّ‬‫ّ‬
‫فقد كان ما اشتمل عليه هذا المطلب ِمن مثُ ٍل مجلّ ٍ‬
‫ية‬ ‫مدينة "عصور االحتجاج"‪ ،‬ولذا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حدود‬ ‫خارَج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القدماء‬ ‫غويون‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫ُ‬ ‫داللي التفت إليه اللّ ّ‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫يأتلف من ثالثة أنماط‪ّ ،‬أولُها ما اعتراه ّ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫للتّ ّ‬
‫ألنه‬
‫القدماء ّ‬ ‫غويون‬
‫يلتفت إليه اللّ ّ‬ ‫داللي لم‬ ‫تطوٌر‬ ‫مقررين ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ومثْبتين‪ ،‬وثانيها ما اعتراه ّ‬
‫ُ‬ ‫فعرجوا عليه ّ‬‫ّ‬
‫االجتماعيةُ‬
‫ّ‬ ‫يخيةُ و‬
‫أذنت العوام ُل الحضارّيةُ والتّار ّ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫احتجاجهم‪ ،‬وثالثُها ما‬ ‫ِ‬
‫عصور‬ ‫مما خرج عن‬ ‫ّ‬
‫العلوم ونشوِء‬
‫المجتمع و ِ‬ ‫تطوِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حادث‬
‫ٌ‬ ‫األخير جلّه‬
‫ُ‬ ‫أشياء لم تكن‪ .‬وهذا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بتطوِر داللته ً‬
‫وفاء بمساوقة ّ‬ ‫ّ‬
‫بي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫ُثبتت في‬ ‫ِ‬ ‫بنسب ٍ‬
‫حميم إلى تلكم المعاني المتقادمة التي أ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫يتّص ُل‬

‫الدا ّل عليه "األشكال"‪ ،‬و ِ‬


‫المقص ُد‬ ‫رس فقد كان عنو ُانه ّ‬‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫أقطاب هذا ّ‬ ‫الث ِمن‬
‫القطب الثّ ُ‬ ‫أما‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فاستبطنت فيه مسائ َل‬
‫ُ‬ ‫نماذج جز ّئي ٍة‪،‬‬
‫َ‬ ‫أقيمت على‬
‫ْ‬ ‫الت كلّّي ٍة‬
‫المتعين ِمنه أن يكون استصفاء لمقو ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫البحث؛‬
‫ُ‬ ‫اللي‪ ،‬فقد انتسب هذا‬ ‫صحيح ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫تصدروا للتّ‬
‫ّ‬ ‫مناهج الذين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أشكال‬ ‫ِ‬
‫كالحديث عن‬ ‫متباينةً‪،‬‬
‫اللي‬
‫الد ِّ‬
‫صحيح ّ‬ ‫ومباحث متفر ٍ‬
‫قة كالتّ‬ ‫مسائل‬ ‫اللي وما تشتم ُل عليه ِمن‬ ‫الد ِّ‬ ‫طور ّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قضية التّ ّ‬
‫ّ‬ ‫بحث‬
‫ُ‬
‫يلج بحثَه وقد أخذ له‬ ‫ٍ‬
‫متباينة‪ٌّ ،‬‬ ‫المعجمي ِة ِ‬ ‫طوِر واألنظا ِر‬ ‫ِ‬
‫كل ُ‬ ‫مناهج‬
‫َ‬ ‫وغير ذلك‪ ،‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫واستشراف التّ ّ‬
‫أصحابها في التّأتّي‬
‫ُ‬ ‫المناهج التي سلكها‬
‫ِ‬ ‫ومذهبه‪ ،‬و ِمن أجلى‬
‫َ‬ ‫البحثيةَ التي يبني عليها رَأيه‬‫ّ‬ ‫عدتَه‬
‫ّ‬
‫عرضت لها أشكا ُل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األشكال التي‬ ‫يخي‪ ...‬و ِمن‬
‫ي والتّار ُّ‬ ‫الوصفي والمعيار ُّ‬
‫ُّ‬ ‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المطلب‬ ‫لهذا‬
‫بروي ٍة في ِ‬
‫كلم‬ ‫لمتأم ُل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تطوِر الكلمة العر ّبية‪ْ ،‬‬
‫الدا ّل‪ ،‬وا ْن على صعيد المدلول‪ ،‬فا ّ‬‫صعيد ّ‬ ‫إن على‬ ‫ّ‬
‫تطوُر‬
‫أما ّ‬ ‫غوي ِة‪ ،‬أعني ّ‬
‫الدا ّل والمدلو َل‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫يصيب جانبي العالمة اللّ ّ‬
‫ُ‬ ‫طوَر قد‬
‫أن التّ ّ‬
‫يجد ّ‬‫العر ّبي ِة ُ‬
‫ت‬ ‫ث عن ٍ‬
‫كلمة ظلّ ْ‬ ‫نتحد ُ‬ ‫ٍّ‬
‫ومجل له؛ ذلك ّأننا ّ‬ ‫األمثال ٌّ‬
‫دال عليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فكل ما سيأتي في ِ‬
‫باب‬ ‫المدلول ُّ‬
‫ِ‬
‫فمضماره الكلمةُ‬
‫ُ‬ ‫الدا ّل‬
‫تطوُر‬
‫ّ‬ ‫طوَر اعترى مدلولَها؛ أي معناها‪ .‬أ ّما ّ‬‫ولكن التّ ّ‬
‫ّ‬ ‫سائرةً كما هي‪،‬‬
‫تطوِر‬
‫جلياً بين ّ‬
‫بونا ّ‬
‫ثم ً‬ ‫أن‬
‫ئت‪ ،‬وليس يخفى ّ‬
‫ّ‬ ‫حيث هي بنيةٌ مؤتلفةٌ ِمن صو َ‬
‫امت وصوا َ‬ ‫العر ّبيةُ ِمن ُ‬
‫الد ِّ‬
‫تطوِر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الد ِّ‬
‫يقف على‬
‫فقد ُ‬
‫ال ْ‬ ‫وتطوِر المدلول‪ ،‬ومن وجهة أخرى‪ ،‬إذا ما نظر المرُء في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ضرَبين ِمنه؛ ّأولُهما‬
‫فونيمي‪ ،‬بل هو‬
‫ّ‬ ‫تغي ِر المعنى‪ ،‬وثانيهما ُ‬
‫غير‬ ‫تغي ُر الكلمة إلى ّ‬
‫فونيمي يفضي ّ‬
‫ّ‬
‫مضماره البِنيةُ ال المعنى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫شكلي‬
‫ٌّ‬
‫ويبقى حقا الزما علي ‪ ،‬أن‬

‫‪6‬‬
‫األو ُل‬
‫َ ُ ّ‬‫لب‬ ‫ْ‬‫ط‬ ‫الم‬
‫اإلِ ْشكال‬

‫‪7‬‬
‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫مظاهر اإلشكال‪:‬‬
‫إشكال عند السّابق (سجال القدماء)‬
‫إشكال عند الالّحق (سجال المحدثين)‬
‫إشكال "المعاياة" أو "المغاالة" في قبول الظّاهرة أو ردّها‬
‫نص السابق)‬‫إشكال بين السّابق والالّحق (في فهم ّ‬

‫‪8‬‬
‫ومسوغات َّأو ّلية‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫مقدمة‬‫ّ‬
‫الوفاء ٍ‬
‫بوعد أبرمتُه معه ثَّم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجامعة‪ُ ،‬بغيةَ‬ ‫أستاذ لي في‬‫ٍ‬ ‫نحو‬ ‫مشر ٍ‬
‫يوم ِ‬ ‫في ضحى ٍ‬
‫مت َ‬ ‫يم ُ‬
‫ق‪َّ ،‬‬
‫غوي‪،‬‬
‫ضمار التّصحي ِح اللّ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ائر في ِم‬ ‫الس ُ‬‫غوية‪ ،‬والجد ُل ّ‬ ‫السالمةُ اللّ ّ‬ ‫أسفار مباحثُها ّ‬
‫ًا‬ ‫َّطت‬
‫قد تأب ُ‬ ‫وكنت ْ‬
‫ُ‬
‫بمثالب‬ ‫فت كتابتَه‪ ،‬فرماه‬ ‫كنت قد ُكلِّ ُ‬ ‫ير ُ‬ ‫ِ‬
‫الحديث بتقر ٍ‬ ‫ابل‬
‫منتسًبا‪ ،‬واستفتحنا قو َ‬ ‫جت عليه مسلِّما ِ‬ ‫فعر ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫علي في ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومما استنكره ّ‬ ‫بعض األلفاظ في حدود دالالتها المنقولة‪ّ ،‬‬ ‫استعمال‬ ‫تجافي عن‬ ‫ّ‬ ‫منها‬
‫أن في‬ ‫المدرسة الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق طريقةَ ِ‬ ‫ِ‬
‫الحية"؛ إذ ّإنه رأى ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫شيخه في‬ ‫يطب ُ‬
‫المقام قولي‪" :‬وكان التّلمي ُذ ّ‬
‫استعمال "طَبق" –في ِ‬
‫عما انعقد عليه اإلجماعُ! فأستأذنتُه‬ ‫وخروجا ّ‬ ‫ً‬ ‫ستقبحةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫سياقها ذاك– ُه ْجنةً ُم‬ ‫ِ ّ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫خاصةً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اللي‬
‫عامةً‪ ،‬والد ّ‬ ‫غوي ّ‬ ‫طوِر اللّ ّ‬ ‫اميس التّ ّ‬ ‫أن نو َ‬ ‫شير إلى ّ‬ ‫عما جرى به قلمي‪ُ ،‬م ًا‬ ‫حاميا ّ‬
‫بالكالم ُم ً‬
‫علي‬
‫ألقيت حكمي ُج ازفًا آنذاك‪ ،‬فاستنكر ّ‬ ‫ُ‬ ‫الحق ّأنني‬
‫ك هذا المعنى في ذلكم المبنى‪ ،‬و ّ‬ ‫ذن بص ّ‬ ‫تُ ْؤ ُ‬
‫حالة هي‬‫االنتقال ِمن ٍ‬ ‫طور"؛ إذ ّإنها تعني –كما زعم–‬
‫َ‬ ‫ثانيةً ما جـرى به لسان ــي في قولي "التّ ّ‬
‫مشير‬
‫ًا‬ ‫ذيل ورقتي بعبارٍة له‬ ‫ِ‬ ‫اقع في " ّ ِ‬ ‫أدنى إلى ٍ‬
‫ثم ّ‬ ‫الداللة العر ّبية"‪ّ ،‬‬ ‫حالة هي أسمى‪ ،‬وهذا ليس بو ٍ‬
‫األلفاظ دالالتِها‬
‫ِ‬ ‫أخطاء باعثُها التّجافي عن إلزِام‬ ‫ٍ‬ ‫وقعت فيه ِمن‬ ‫ُ‬ ‫أن " ُي َن ِّوه" بما‬‫أحب ْ‬
‫ّ‬ ‫إلى ّأنه‬
‫ضوئها‪ ،‬ويهتدي بهديِها‪ ،‬إلى‬ ‫ِ ِ‬ ‫المنقولةَ‪ ،‬ورأى أن في ذلك "التّ ِ‬
‫ونا لألخذ بيد َمن يعشو إلى َ‬ ‫نويه" َع ً‬ ‫ّ‬
‫حاجات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فمضيت لِطيَّتي وفي نفسي حاجةٌ بل‬ ‫ُ‬ ‫يزد‪،‬‬
‫المسالك‪ ،‬فاستزدتُه فلم ْ‬ ‫ِ‬ ‫أوضح‬
‫المناهج‪ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬ ‫أبلج‬
‫ِ‬

‫‪9‬‬
‫ألتمس فيها إقامةَ ْبو ٍن بين اللّ ِ‬
‫حن‬ ‫رت ُبرهةً‬ ‫ِ‬
‫الحادثة ّأنني َغ َب ُ‬ ‫ِ‬
‫محصول هذه‬ ‫وقد كان ِمن‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫وتوسيعا‬ ‫طا وتضييقًا‬ ‫للد ِ‬
‫اللة وانحطا ً‬ ‫قياً ِّ‬ ‫اضه وبواعثِه(‪،)2‬‬ ‫اللي(‪ )1‬وأعر ِ‬ ‫طوِر ِّ‬
‫ً‬ ‫ثم ر ّ‬‫أن ّ‬ ‫فألفيت ّ‬
‫ُ‬ ‫الد ِّ‬ ‫والتّ ّ‬
‫أن‬
‫ئت فيه‪ ،‬وقد بدا لي ّ‬ ‫أنظر فيما ُخطِّ ُ‬
‫أن َ‬
‫ِّ ِ‬
‫المتقدمة آنفًا ْ‬
‫ِ‬
‫الحادثة‬ ‫ِ‬
‫محصول‬ ‫وقد كان ِمن‬ ‫ونقالً‪ْ ،‬‬
‫عاني‬ ‫اب عنده‪ :‬اتَّبع طريقتَه"( )‪ ،‬و ّ‬
‫‪3‬‬ ‫ِّ‬
‫أن م َ‬ ‫الحق ّ‬ ‫الصو ُ‬
‫طبق طريقتَه"‪ ،‬و ّ‬ ‫العدناني يخطئُ َمن يقو ُل‪ّ " :‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المفص َل‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫يف‪ :‬أصاب َ‬ ‫الس ُ‬
‫وطبق ّ‬ ‫يء‪ :‬غطاه‪ّ ،‬‬ ‫وطبق ال ّش َ‬ ‫عم‪ّ ،‬‬‫يء‪ّ :‬‬ ‫طبق ال ّش ُ‬‫متعددة‪ ،‬ومنها‪ّ :‬‬ ‫طبق" ّ‬ ‫" ّ‬
‫مجاز‪،‬‬
‫القصد‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫يق إذا قطعتْه غير ٍ‬
‫مائلة عن‬ ‫وطبقت اإلب ُل الطّر َ‬
‫‪4‬‬
‫َ‬ ‫العضو( )‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فأبان‬

‫اج(‪ )6‬لكان في ذلك إبانةٌ عن‬ ‫وصاحب التّ ِ‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األساس(‪)5‬‬ ‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المجاز الذي أثبته‬ ‫ولو اكتُفي بهذا‬
‫العدناني واألستا ُذ‬
‫ّ‬ ‫غوي ِة‪ ،‬ولهذا‪ ،‬ال وجهَ لِما ذكره‬ ‫ِ‬
‫السالمة اللّ ّ‬
‫انتفاء الخرو ِج عن ّ‬
‫ِ‬
‫المعنى المراد‪ ،‬و ُ‬
‫نهجه‪،‬‬ ‫شيخه حاذيا حذوه‪ ،‬مقتبسا فكره‪ ،‬غير ٍ‬
‫حائد عن ِ‬ ‫ق طريقةَ ِ‬ ‫يطب ُ‬
‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫الب ّ‬‫يد أو الطّ َ‬
‫ألن المر َ‬
‫ذاك‪ّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫المتقدم معنى جامعٌ‬ ‫لم ُح ِمن هذا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫غير مائلة عن القصد‪ ...‬أفال ُي َ‬ ‫تقطعها َ‬
‫يق ف ُ‬ ‫ق اإلب ُل الطّر َ‬
‫تطب ُ‬
‫كما ّ‬
‫بين االستعمالَين؟‬

‫تصدروا‬
‫فات الذين ّ‬‫ظر في مؤلّ ِ‬ ‫الن ِ‬
‫عكفت على ّ‬ ‫أيضا‪ّ ،‬أنني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قد كان ِمن‬
‫ُ‬ ‫محصول هذه الحادثة‪ً ،‬‬ ‫وْ‬
‫المصن ِ‬
‫فات‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الخصوص‪ ،‬و ّأو ُل ما استرعى خواطري‪ ،‬وأنا أق أُر في تلكم‬ ‫الداللي على ِ‬
‫وجه‬ ‫صحيح ِّ‬
‫ِ‬ ‫للتّ‬
‫ّ‬
‫عارضا‬ ‫عندها‬
‫أقف َ‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طوَر ِّ‬
‫ً‬ ‫قد أفرز مجموعةً من اإلشكاالت التي تستأه ُل ْ‬ ‫اللي كان ْ‬
‫الد َّ‬ ‫أن التّ ّ‬
‫ّ‬
‫ومحلّالً ومستدرًكا‪:‬‬

‫طوِر‬ ‫سجال عر ٍ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫مضماره قبو ُل التّ ّ‬
‫ُ‬ ‫يض بينهم‬ ‫القدماء‪ ،‬وقد تجلّى ذلك في‬ ‫و ّأولُها إشكا ٌل عند‬
‫الساب ِ‬
‫ق‪ -‬سجال القدماء"‪.‬‬ ‫إنكاره‪ ،‬وقد وسمتُه ب "إشكال ّ‬
‫اللي أو ُ‬ ‫ِّ‬
‫الد ّ‬

‫(‪ )1‬انظر معنى اللحن ونشأته‪ :‬عبد العزيز مطر‪ ،‬لحن العامة‪ ،31 -19 ،‬ورمضان عبد التواب‪ ،‬لحن العامة‬
‫والتطور اللغوي‪.23 -9 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر في بواعث التطور الداللي وأشكاله‪ :‬أولمان‪ ،‬ستيفن‪ ،‬دور الكلمة‪ ،207-169 ،‬وجيرو‪ ،‬بيير‪ ،‬علم‬
‫الداللة‪.121 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬محمد العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.53 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪" ،‬طبق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "طبق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬مادة"طبق"‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ِ‬
‫ضمار‬ ‫يض بينهم مضماره ِ‬
‫كالم‬ ‫ٍ‬
‫سجال عر ٍ‬ ‫وقد تجلّى ذلك في‬
‫الم ْح َدثين‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫عند ُ‬
‫وثانيها إشكا ٌل َ‬
‫مستدرٍك‪ ،‬وقد وسمتُه ب‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مجيز إلى‬ ‫مانع‪ ،‬و ِمن ٍ‬
‫مانع إلى‬ ‫ٍ‬
‫مجيز إلى ٍ‬ ‫بيانه آنفًا‪ِ ،‬‬
‫فمن‬ ‫المتقدِم ُ‬
‫ّ‬
‫"إشكال الالّحق‪ -‬سجال المحدثين"‪.‬‬

‫عماده "المعاياةُ" أو "المغاالةُ" في قَ ِ‬


‫بول هذه الظّاهرِة أو‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وصف‬ ‫بنسب ٍ‬
‫حميم إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وثالُثها يتّص ُل‬
‫ردها‪.‬‬‫ِّ‬

‫الساب ِ‬
‫ق‬ ‫ظ المتقادمةَ عند ّ‬ ‫أن تلكم األلفا َ‬ ‫ق ًّ‬
‫ظانا ّ‬ ‫الساب ِ‬
‫نص ّ‬ ‫ق على ِّ‬ ‫ابعها يقع عند ِ‬
‫ورود الالّح ِ‬ ‫ور ُ‬
‫ُ‬
‫نص‬‫ق– في تلقي ّ‬ ‫ق والالّح ِ‬ ‫الساب ِ‬
‫اليوم‪ ،‬وقد وسمتُه ب‪" :‬إشكال بين ّ‬ ‫كانت تعني ما تعنيه‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بكثير‬ ‫ِ‬
‫المباحث‬ ‫ِ‬
‫عرض هذه‬ ‫فألنتقل إلى‬ ‫مت ِمن ٍ‬
‫مهاد‪،‬‬ ‫قد ُ‬
‫أكتفي بما ّ‬ ‫أن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يحسن ْ‬
‫ُ‬ ‫السابق"‪ .‬لعلّه‬
‫ّ‬
‫ِمن التّ ِ‬
‫فصيل والتّ ِ‬
‫حليل‪:‬‬

‫األول‪:‬‬
‫اإلشكا ُل ّ‬
‫"السابق"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سجا ُل القدماء ّ‬

‫ََبهيم ‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫العامةَ تُسبِغُ هذه ّ‬
‫الصفةَ‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫مكي إلى ّ‬
‫ابن ّ‬‫القول على داللة "بهيم"‪ ،‬وقد ذهب ُ‬ ‫تباين وجهُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫معظم‬ ‫شيء سوى‬ ‫لونه‬
‫البهيم هو الذي ال يخالطُ َ‬ ‫إن‬
‫عنده؛ إذ ّ‬
‫األسود‪ ،‬وليس ذلك كذلك َ‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫أن‬ ‫المذهب الحريري(‪ ،)2‬وابن الجــوزي(‪ ،)3‬ولعلّه يستقيم في ِ‬
‫الفهم ْ‬ ‫ِ‬ ‫لونِه(‪ ،)1‬وقد تابعه في هذا‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫كانت َرحبةً تشتم ُل على ك ّل ٍ‬
‫لون ال شيةَ فيه‪،‬‬ ‫البهيم–‬ ‫ِ‬
‫الكلمة –أعني‬ ‫ِ‬
‫داللة هذه‬ ‫إن دائرةَ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قال ّ‬
‫ُي َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن مكي‪ ،‬تثقيف اللسان‪.210 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الحريري‪ ،‬درة الغواص‪.695 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن الجوزي‪ ،‬تقويم اللسان‪.103 ،‬‬

‫‪11‬‬
‫كانت تشتم ُل عليه‪،‬‬ ‫مما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الدالليةَ اختُِز ْ‬
‫ْ‬ ‫باقتصارها على جزء واحد ّ‬ ‫لت‪ ،‬فأذن هذا‬ ‫الدائرةَ ّ‬
‫ولكن هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المذهب‬
‫ُ‬ ‫ب هذا‬ ‫يحسن –من وجهة ثانية– أ ْن ُيعقَّ َ‬ ‫ُ‬ ‫شيء‪ ،‬ولعلّه‬
‫ٌ‬ ‫طه‬
‫األسود الذي لم يخال ْ‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫هيم ِمن‬
‫فالب ُ‬
‫خاصةً‪َ " ،‬‬ ‫ّ‬ ‫األسود‬
‫ُ‬ ‫أن البهيـ ـ َـم هو‬‫غويين َمن ذهب إلى ّ‬ ‫أن من اللّ ّ‬
‫ِ‬
‫مضمونه ّ‬
‫ُ‬ ‫باحتر ٍ‬
‫اس‬
‫ائر في‬‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫األسود"(‪ .)1‬وفي ِ‬
‫الجدل ّ‬ ‫فلك هذا‬ ‫ُ‬ ‫البهيم‪:‬‬
‫بياض فيها"‪ ،‬و ُ‬ ‫َ‬ ‫وداء التــي ال‬
‫الس ُ‬
‫ـاج‪ّ :‬‬ ‫النع ِ‬
‫ّ‬
‫تقترن‬
‫ُ‬ ‫أن داللتَها ال‬ ‫ظن ّ‬‫ي َوِهم إ ْذ ّ‬ ‫أن الحرير ّ‬ ‫ليقرَر ّ‬‫الخفاجي ّ‬
‫ّ‬ ‫يطل علينا‬‫اللي ُّ‬‫الد ِّ‬
‫صحيح ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضمار التّ‬ ‫ِم‬
‫غويين‪ ،‬و ِمنهم َمن‬‫بعض اللّ ّ‬ ‫ِ‬ ‫أي‬
‫الخفاجي– ر ُ‬
‫ّ‬ ‫يذهب‬
‫ُ‬ ‫أن هذا –كما‬ ‫شيء؛ ذلك ّ‬ ‫ٌ‬ ‫طه‬ ‫إالّ بما ْلم يخال ْ‬
‫تخصيصه‪" ،‬وبه جرى االستعما ُل‪ ،‬فليس ما أنكره بمن َك ٍر"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫جنح إلى‬

‫الح ِشيش‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪‬‬
‫قد‬
‫داللي ْ‬ ‫ق‬ ‫الخلَى‪ ،‬م ِ‬
‫حتك ًما إلى فر ٍ‬ ‫شيش‪ ،‬و َ‬ ‫الح ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ابن قتيبةَ بين كلمتَين اثنتَين‪ ،‬وهما َ‬ ‫ق ُ‬ ‫يفر ُ‬
‫ّ‬
‫الخلَى هو‬ ‫حشيش‪ ،‬و َ‬ ‫ٌ‬ ‫طًبا‬‫اليابس‪ ،‬وال ُيقا ُل له َر ْ‬
‫ُ‬ ‫فالحشيش هو‬ ‫ُ‬ ‫الم َبِّرُز‪،‬‬
‫اب ُ‬ ‫يض ّل عنه َّ‬
‫النقّ ُ‬
‫ضعه"(‪،)4‬‬‫بأنه "باب ما وضعوه غير مو ِ‬ ‫باب وسمه ّ‬ ‫ابن مكي في ٍ‬ ‫طب(‪،)3‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ويتابعه في هذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫الر ُ‬
‫ّ‬
‫وقد كان‬‫األصمعي‪ْ ،‬‬ ‫أن هذا الذي ذكره هو قو ُل‬ ‫أي ِ‬ ‫ولما عرض ابن الس ِ‬
‫ّ‬ ‫ابن قتيبةَ أشار إلى ّ‬ ‫ِّيد لر ِ‬ ‫ّ َ َ ُ‬
‫ابن قتيبةَ قائالً‪:‬‬ ‫ك على ِ‬ ‫ولكنه يستدر ُ‬
‫‪5‬‬
‫حشيش فقد أخطأ"( )‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الن ِ‬
‫بات‬ ‫ط ِب ِمن ّ‬ ‫للر ْ‬
‫يقو ُل‪َ " :‬من قال َّ‬
‫ويابسا" (‪ ،)6‬وقد‬ ‫رطبا‬ ‫ِ‬ ‫"وحكى أبو ٍ‬
‫ً‬ ‫يكون ً‬ ‫ُ‬ ‫الحشيش‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫سألت أبا ُعبيدةَ َم ْع َم ًار عن‬
‫ُ‬ ‫حاتم قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫بالفتح‪ُ :‬خضرةُ‬
‫ِ‬ ‫اق‬
‫الور ُ‬ ‫آخر قال‪" :‬و َ‬
‫ٍ‬
‫سان( )‪ ،‬وفي مقام َ‬
‫‪7‬‬
‫صاحب اللّ ِ‬
‫ُ‬ ‫عرج على َذ ْينِك المعنيين‬ ‫ّ‬
‫‪8‬‬
‫ِ‬
‫الحشيش"( )‪.‬‬ ‫ِمن‬

‫شمة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الح ْ‬ ‫‪‬‬
‫موضعها؛ إذ ّإنها في كال ِمهم‬
‫ِ‬ ‫غير‬ ‫ِ‬
‫اس في زمانه وضعوها َ‬ ‫الن َ‬
‫أن ّ‬‫ابن قتيبةَ إلى ّ‬
‫ذهب ُ‬
‫ِ‬
‫الغضب‬ ‫األصمعي قال ّإنها بمعنى‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫وحجتُه في هذا ّ‬
‫عنده‪ّ ،‬‬
‫االستحياء‪ ،‬وليس ذلك كذلك َ‬ ‫بمعنى‬
‫حشم بني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مما ُي ُ‬
‫إن ذلك لَ ّ‬‫العرب ّأنه قال‪ّ :‬‬ ‫فصحاء‬ ‫بعض‬ ‫االستحياء‪ ،‬وقد َحكى عن‬ ‫ال بمعنى‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بهم"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الخفاجي‪ ،‬شرح درة الغواص‪.695 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.78 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن مكي‪ ،‬تثقيف اللسان‪.160 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن السيد‪ ،‬االقتضاب‪.49/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن السيد‪ ،‬االقتضاب‪.49/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حشش"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ورق"‪ ،‬وانظر‪ :‬ابن السيد‪ ،‬االقتضاب‪.49/2 ،‬‬

‫‪12‬‬
‫األصمعي هو‬ ‫قول‬
‫أن َ‬ ‫رد عليه ابن الس ِ‬ ‫‪1‬‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ذاهبا إلى ّ‬‫فن ًدا قولَه‪ً ،‬‬
‫ِّيد ُم ّ‬ ‫ُ‬ ‫يغضبهم( )‪ ،‬وقد ّ‬
‫ُ‬ ‫فالن؛ أي‬
‫المتنبي‬ ‫جاءت في ِ‬
‫شعر‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫االستحياء‪ ،‬وقد‬ ‫تكون بمعنى‬ ‫المشهور‪ ،‬ولكن غيره ذكر أن ِ‬
‫الحشمةَ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بمعنى االستحياء‪:‬‬
‫يف أحسن ِفعالً منـه باللّ ِ‬
‫مم(‪)2‬‬ ‫الس ُ‬ ‫يف ألَم برأسي غير م ِ‬
‫حتشـم‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ض ٌ ّ‬ ‫َ‬
‫أن ّأو َل‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫والمفارقةُ التي تفضي بنا إلى استشر ِ‬
‫المضمار ّ‬ ‫جال ثانيةً وثالثةً في هذا‬ ‫اف ِّ‬
‫االنقباض(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫الحياء و‬
‫ُ‬ ‫مادة "حشم" هو‬ ‫صاحب اللّ ِ‬
‫سان ّ‬ ‫ُ‬ ‫معنى استفتح به‬

‫طأ‪:‬‬
‫َخ َ‬
‫أْ‬ ‫‪‬‬
‫تعم ًدا "أخطأ"؛‬ ‫نب ُم ِّ‬
‫يقال لمن َيأتي ال ّذ َ‬‫أن َ‬ ‫يستقيم ْ‬
‫ُ‬ ‫ي في ُد ّرتِه إلى ّأنه ال‬ ‫وقد ذهب الحرير ّ‬ ‫ْ‬
‫الفعل‪ ،‬أو لِمن‬‫َ‬ ‫يتعمد‬
‫تكون إالّ لمن لم ّ‬ ‫ُ‬ ‫فظ والمعنى‪ ،‬فداللةُ ا ِ‬
‫لفعل "أَخطأ" ال‬ ‫ألن في ذلك تحريفًا للّ ِ‬
‫ّ‬
‫خاطئٌ‪ ،‬و ِمن‬ ‫يء‪ ،‬فيقا ُل له‪َ :‬خ ِطئ فهو ِ‬ ‫المتعم ُد لل ّش ِ‬ ‫أما‬ ‫نصيب ِمن ّ ِ‬
‫ِّ‬ ‫الصواب‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يكن له‬
‫فلم ْ‬ ‫اجتهد ْ‬
‫أن ث ّم‬ ‫ٍ‬ ‫‪4‬‬
‫كان ِخ ً‬ ‫ِ‬ ‫عز– في التّنز ِ‬
‫بيرا"( )‪ ،‬وليس يخفى على ذي ُن ْه َية ّ‬ ‫طئا َك ً‬ ‫يل الكريم‪ّ " :‬إنه َ‬ ‫ذلك قولُه ‪ّ -‬‬
‫وتطوِره‬ ‫تغي ِر المعنى‬ ‫أهل اللّ ِ‬‫قد يض ّل عنه الم َبِّرُز ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫امل ّ‬ ‫ولكن عو َ‬
‫ّ‬ ‫غة بين الفعلَين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اللياً ْ‬
‫فرقًا د ّ‬
‫المعنيين‬ ‫عرج على‬ ‫صاحب اللّ ِ‬ ‫الب ِ‬ ‫تُؤذن ِّ ِ‬
‫َ‬ ‫أن ّ‬ ‫قد قال بعد ْ‬ ‫سان ْ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫الحق ّ‬
‫اللي‪ ،‬و ّ‬‫الد ّ‬ ‫ون ّ‬ ‫بامحاء هذا َ‬ ‫ُ‬
‫وسهوا‪ ،‬ويقا ُل‪َ :‬خ ِطئ بمعنى‬ ‫ً‬ ‫عمدا‬
‫ً‬ ‫يل الخطأ‬ ‫خطىء إذا سلك سب َ‬ ‫المذكورين آنفًا‪" :‬وأخطَأ ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فوق الس ِ‬
‫َّعة‪.‬‬ ‫غة ما هو َ‬ ‫ألهل اللّ ِ‬
‫ي تكلّفًا والزاما ِ‬ ‫أن فيما ذهب إليه الحرير ُّ‬ ‫‪5‬‬
‫ً‬ ‫أحسب ّ‬
‫ُ‬ ‫أخطأ"( )‪.‬‬

‫الد ََّرن‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫رن ما نتأ في ِ‬
‫بدن‬ ‫الد َ‬
‫أن ّ‬‫يذهب إلى ّ‬ ‫ُ‬ ‫ي في زمانِه َمن‬ ‫الصقلّ ّ‬
‫مكي ّ‬ ‫ابن ٍّ‬‫وقد خطّأ ُ‬‫ْ‬
‫أن فيه تحريفًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فاحش الغلط؛ ذلك ّ‬ ‫ينتسب إلى‬
‫ُ‬ ‫مما‬
‫وسائر جسمه من علّة أو مهنة‪ ،‬فهذا في زعمه ّ‬
‫ضد بها‬ ‫ِ‬
‫األمثال التي َع َ‬ ‫وغيره‪ ،‬و ِمن‬
‫الجسم َ‬
‫َ‬ ‫الوسخ يعلو‬
‫ُ‬ ‫"الدرن"؛ إ ْذ ّإنه‬‫للمعنى الذي يعنيه لفظُ ّ‬
‫ِ ‪6‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مكي ليس‬‫ابن ٍّ‬ ‫أن هذا الذي أنكره ُ‬ ‫الحق ّ‬
‫أبقيت"( )‪ ،‬و ّ‬ ‫ماءك‬
‫مذهبه قولُهم‪ :‬ال درَنك أنقيت‪ ،‬وال َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫األثير ُّ‬
‫الوسخ‪،‬‬
‫َ‬ ‫عند وقوِفه على هذه الكلمة ّ‬
‫مقرًار ّأنها تعني‬ ‫يطل علينا َ‬ ‫ِ‬ ‫ابن‬
‫إن َ‬ ‫بمن َك ٍر ّ‬
‫البتةَ؛ إ ْذ ّ‬
‫تقترن بمعنى‬ ‫فغدت‬ ‫رت‬
‫تطو ْ‬
‫ولكنها ّ‬‫منظور‪ّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫ابن‬
‫وقد تابعه على ذلك ُ‬ ‫اللي‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الد ّ‬‫وهذا هو األص ُل ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،25 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حشم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن السيد‪ ،‬االقتضاب‪ ،13-11/2 ،‬والشعر في ديوان المتنبي‪(،‬شرح أبي البقاء العكبري)‪.34/3،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حشم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الحريري‪ ،‬درة الغواص‪ ،427 ،‬واآلية [اإلسراء‪.] 31 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خطأ"‪ ،‬وانظر رد الخفاجي عليه في شرح الدرة‪.427 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن مكي‪ ،‬تثقيف اللسان‪.15 ،‬‬

‫‪13‬‬
‫حديث‬ ‫مكي‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ومما جاء بالمعنى الحادث الذي أنكره ُ‬ ‫المتقادم‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫حادث مضافًا إليه المعنى‬
‫الوسخ"(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫باء‪ ،‬وأصلُه ِمن‬
‫الد ِرنةَ"‪ ،‬والمعنى‪" :‬الجر ُ‬ ‫يعط ِ‬
‫الهرمةَ وال ّ‬ ‫الزكاة‪" :‬ولم ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬

‫الملَّة ‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن‬
‫الناس ‪-‬كما يقو ُل ُ‬ ‫نفسها( )‪ ،‬وقد ذهب ّ‬ ‫الجمر‪ ،‬وقيل الحفرةُ ُ‬ ‫الحار و ُ‬
‫ُّ‬ ‫ماد‬
‫الر ُ‬
‫وهي ّ‬
‫إن الملّةَ موضعُ الخبزِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِّك ِ‬
‫الس ِّ‬
‫الخبزِة َملّةً‪ ،‬فيقولون‪ :‬أُطعمنا ملّةً‪ ،‬وذلك غلطٌ؛ إذ ّ‬ ‫تسمية ُ‬ ‫يت‪ -‬إلى‬
‫ي(‪،)6‬‬ ‫ابن الجوز ّ‬ ‫ي( ) و ُ‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬
‫ابن قتيبةَ( )والتّبريز ّ‬
‫المذهب ُ‬‫ِ‬ ‫ُسمي بذلك لح اررتِه(‪ ،)3‬وقد تابعه في هذا‬
‫عوالً على‬‫ابن قتيبةَ أنكر ما ليس بمن َك ٍر‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫ليقرَر ّ‬
‫ابن السِّيد يتجافى عن تلكم التّخطئة ّ‬ ‫ولكن َ‬
‫ّ‬
‫ستشرفًا ناموسا فاعالً في تطوِر ِد ِ‬
‫الالت‬ ‫بسبب‪ُ ،‬م ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يء إذا كان ِمنه‬
‫باسم ال ّش ِ‬
‫أن ال ّشيء يسمى ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫طب ُخ في الملّ ِة‪ ،‬كما‬ ‫ألنها تُ َ‬
‫سمى الخبزةُ ملّةً‪ّ ،‬‬ ‫األلفاظ‪ ،‬وفي هذا يقو ُل‪" :‬وليس َيمتنعُ عندي أن تُ َّ‬ ‫ِ‬
‫أن ير َاد بقولِهم‪ :‬أُطعمنا ملّةً‪:‬‬ ‫أيضا ْ‬‫ويجوز ً‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بسبب‪،‬‬ ‫يء‪ ،‬إذا كان ِمنه‬
‫باسم ال ّش ِ‬‫يسمى ال ّشيء ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫ووجدت‬ ‫ممكنا –‬ ‫قامه‪ ،‬فإذا كان هذا‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫المضاف إليه ُم َ‬
‫ُ‬ ‫ويقام‬
‫المضاف‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ف‬‫ثم ُيح َذ ُ‬
‫أُطعمنا خبزةَ ملّة‪ّ ،‬‬
‫طا"(‪.)7‬‬
‫جع َل غل ً‬
‫يجب أن ُي َ‬
‫نظائر – ْلم ْ‬
‫َ‬ ‫له‬

‫خرجنا َن َّ‬
‫تنزهُ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫يتنزهُ عن‬
‫ياف‪ ،‬وهو ّ‬ ‫المياه واألر ِ‬
‫ِ‬ ‫ظلِلنا ّ‬
‫متنزهين إذا تباعدوا عن‬ ‫أص ُل التّ ّنزِه التّ ُ‬
‫باعد‪ ،‬فيقا ُل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫بالبساتين‬ ‫ان التّ ّنزِه‬
‫أفضت إلى اقتر ِ‬ ‫اللي‬ ‫اعث التّ ّ ِ ِّ‬ ‫يء إذا تباعد عنه(‪،)8‬‬ ‫ال ّش ِ‬
‫ْ‬ ‫طور الد ّ‬ ‫ولكن بو َ‬
‫ّ‬
‫تطوٍر‪ ،‬فقال‪" :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فعرج على ما وقع فيها من ّ‬ ‫الهروي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الحادث‬
‫َ‬ ‫الخضر‪ ،‬وقد استشرف هذا المعنى‬ ‫و‬
‫الخضر‪ ،‬ومعناه راجعٌ إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البساتين و‬ ‫هة في ِ‬
‫كالمهم حتّى جعلوها في‬ ‫للنز ِ‬
‫اس ّ‬‫الن ِ‬
‫ثم كثُر استعما ُل ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ ‪9‬‬
‫ذلك األصل"( )‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،115/2 ،‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "درن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ملل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن السكيت‪ ،‬إصالح المنطق‪.284 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.37 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬التبريزي‪ ،‬تهذيب إصالح المنطق‪.108/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن الجوزي‪ ،‬تقويم اللسان‪.184 ،‬‬
‫(‪ )7‬ابن السيد‪ ،‬االقتضاب‪.27 /2 ،‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نزه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬الهروي‪ ،‬غريب الحديث‪.449 /2 ،‬‬

‫‪14‬‬
‫جانحا‬
‫ً‬ ‫باألصل والمعيارّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫معتداً‬
‫نتنزهُ" أنكرها ّ‬‫يت على قولِهم "خرجنا ّ‬ ‫ِّك ِ‬
‫ابن الس ِّ‬‫ولما ورد ُ‬ ‫ّ‬
‫باعد‪،‬‬
‫ـول‪ ،‬وهو التّ ُ‬ ‫حتكما إلى المعنى المنق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العامةُ في ِ‬
‫غير موضعه‪ُ ،‬م ً‬ ‫ّ‬ ‫تضعه‬
‫ُ‬ ‫مما‬‫عد هذا ّ‬ ‫إلى ّ‬
‫ِ‬
‫الجدل‬ ‫بدلوه في هذا‬ ‫ابن قتيبةَ ُمدلياً ِ‬ ‫‪1‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِمنه " ٌ‬
‫ثم جاء ُ‬ ‫يتباعد منها"( )‪ّ ،‬‬ ‫األقذار؛ أي‬ ‫فالن يتن ّـزهُ عـن‬
‫ِّر‬
‫جديدا‪ ،‬مفس ًا‬
‫ً‬ ‫داللياً‬
‫ّ‬ ‫طور‬ ‫ِ‬
‫مستشرفًا ًا‬ ‫ذاهبا إلى صوابِها‪،‬‬‫اللي‪ً ،‬‬ ‫ِ ِّ‬
‫صحيح الد ّ‬
‫ِ‬
‫ضمار التّ‬ ‫ائر في ِم‬ ‫الس ِ‬
‫ّ‬
‫صر‪ ،‬وفي‬ ‫البساتين في ك ّل ِم ٍ‬ ‫ألن‬
‫الحادث‪ ،‬قائالً‪" :‬وليس هذا عندي خطأً‪ّ ،‬‬ ‫اللي‬ ‫ذلكم التّ ّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫طوَر الد ّ‬
‫يتباعد عن‬ ‫يتنزهَ‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ك ّل ٍ‬
‫َ‬ ‫فقد أراد ْ‬
‫يأتيها ْ‬
‫أن َ‬ ‫الرج ُل ْ‬
‫المصر‪ ،‬فإذا أراد ّ‬ ‫تكون خارَج‬‫ُ‬ ‫بلد‪ّ ،‬إنما‬
‫نان‪.)2("...‬‬ ‫الج ِ‬‫الخضر و ِ‬
‫ِ‬ ‫القعود في‬ ‫النزهةُ‬
‫ثم كثر هذا واستُعمل حتّى صارت ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫المنازل والبيوت‪ّ ،‬‬

‫اإلشكا ُل الثّاني‪:‬‬
‫الم ْح َدثين "الالّحق"‪:‬‬ ‫ِ‬
‫سجا ُل ُ‬
‫تتبعتُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العر ِ‬ ‫ٍ‬
‫حديث عن مثُ ِل هذا ّ ِ‬ ‫تقدم ِمن‬
‫إن ّ‬ ‫يكثر ْ‬
‫يض عند القدماء ُ‬ ‫السجال َ‬ ‫ُ‬ ‫أن ما ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫و ّ‬
‫بعض‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫األمس؛ ذلك ّ‬ ‫يب عن‬‫الغرض الذي قصدتُه‪ ،‬وما اليوم بغر ٍ‬
‫ِ‬ ‫تنبهُ على‬‫أوردت أمثلةً ّ‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫ُ‬
‫ابة عر ٍ‬
‫يضة‪ ،‬و ِمن ذلك‪:‬‬ ‫جال ِمن بو ٍ‬
‫الس ِ‬
‫اللي ولجوا في هذا ِّ‬
‫ّ‬ ‫الد ّ‬
‫صحيح ّ‬
‫ِ‬ ‫تصدروا للتّ‬
‫الم ْح َدثين الذين ّ‬ ‫ُ‬

‫داولَه‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬ابن السكيت‪ ،‬إصالح المنطق‪.287 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.38 ،‬‬

‫‪15‬‬
‫الدولةُ الفع ُل واالنتقا ُل ِمن ٍ‬
‫حال إلى‬ ‫تداو ُل‪ ،‬و ّ‬ ‫ِ‬ ‫جاء في اللِّ ِ‬
‫سان ّ ُّ‬
‫اسم ال ّشيء الذي ُي َ‬
‫أن الدولةَ ُ‬
‫ِ‬
‫األمر‪ ،...،‬و تداولتْه‬ ‫بالد َو ِل‪ ،‬وقالوا‪ :‬دوالَيك أي مداولةً على‬
‫األمر‪ :‬أخذناه ُّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫حال‪ ،‬و"تداولنا‬
‫عاوْرناه‪،)1("..‬‬
‫األمر بيننا بمعنى تَ َ‬
‫العمل و َ‬
‫َ‬ ‫مرةً‪...‬ويقا ُل‪ :‬تداولنا‬
‫مرةً‪ ،‬وهذه ّ‬
‫األيدي‪ :‬أخذتْه هذه ّ‬
‫العدناني ومحمد شريف‬
‫ّ‬ ‫ليازجي و‬
‫ّ‬ ‫األمر(‪ ،)2‬وا‬
‫َ‬ ‫ولست أدري لماذا أنكر داغر قولَهم‪ :‬داوله‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫يجيزونها( )‪.‬‬

‫استَلَم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫‪‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد‬
‫ـيء" إذا أخذه( )‪ ،‬وتابعه على هذا ّ‬ ‫ـالن الش ـّ َ‬
‫قول القائليـن "استَلَم ف ـ ٌ‬
‫وقد أنكر داغر َ‬
‫ِ‬
‫بالحجر‪،‬‬ ‫خاص‬ ‫الم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫ّ‬ ‫االست َ‬
‫ْ‬ ‫أن‬
‫شريف( ) وخالد قوطرش( )‪ ،‬والعلّةُ الباعثةُ على هذه التّخطئة ّ‬
‫بول الس ِ‬ ‫و"استالمه‪ :‬لَمسه ِ‬
‫تحرًيا لقَ ِ ّ‬
‫‪7‬‬
‫يستنكر هذه‬
‫ُ‬ ‫العدناني‬
‫ّ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬‫)‬ ‫تبركاً به"(‬
‫الم منه‪ُّ ،‬‬ ‫باليد ِّ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫‪8‬‬
‫الرسالةَ واستلمهـ ــا"( )‪ ،‬وقد‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستعمال ِّ‬ ‫التّخطئةَ قائالً بصو ِ‬
‫جو از "تسل َم ّ‬ ‫الحادث‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫اب هذا‬
‫يستقيم في‬ ‫لة أو ِ‬
‫باليد"(‪ ،)9‬ولعلّه‬ ‫جاء في اللّسان نقالً عن األزهري‪ " :‬استلم الحجر‪ :‬لَمسه إما بالقُْب ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الفعل‬ ‫ِ‬
‫استعمال هذا‬ ‫البتةَ ِمن‬
‫ضير ّ‬ ‫َ‬ ‫ب إلى ّأنه ال‬ ‫ذه َ‬
‫أن ُي َ‬‫س ْ‬‫المقتب ِ‬
‫َ‬ ‫ص‬ ‫الن ّ‬
‫عرض هذا ّ‬ ‫ِ‬ ‫بعد‬ ‫ِ‬
‫الفهم َ‬
‫بلة‪ ،‬ونحن‬ ‫باليد كما يكون بالقُ ِ‬ ‫قد يكون ِ‬ ‫االستِالم –كما ّ‬
‫تقدم قَ ْبالً– ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن ْ‬ ‫على الوجه الحادث؛ ذلك ّ‬
‫شيج ٍة تربطُه‬
‫الحادث عن َو َ‬
‫ُ‬ ‫شف هذا االستعما ُل‬ ‫باليد‪ ،‬أفليس َي ّ‬‫وتناول أشيائِنا نستلمها ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫في تواصلِنا‬
‫ِ‬
‫المتقادِم؟‬ ‫بالمعنى‬

‫ان‪:‬‬
‫ب العدو َ‬
‫ش َج َ‬
‫َ‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫الكلمة ال‬ ‫أصول هذه‬ ‫أن‬
‫َ‬ ‫ان؛ ذلك ّ‬‫شجب العدو َ‬
‫َ‬ ‫العدناني قولَهم‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقد أنكر مصطفى جواد و‬
‫المتقادم فهو‪ :‬هلك وأحزن‬
‫ُ‬ ‫أما المعنى‬
‫االستنكار‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ـص و‬ ‫العيب والتّنقُّـ ُ‬
‫ُ‬ ‫الحادث‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫فق والمعنى‬
‫تتّ ُ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "دول"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أسعد داغر‪ ،‬تذكرة الكاتب‪.30 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬إبراهيم اليازجي‪ ،‬لغة الجرائد‪ ،64 ،‬والعدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪ ،93،‬ومحمد شريف‪ ،‬من‬
‫األخطاء الشائعة‪.32 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬أسعد داغر‪ ،‬تذكرة الكاتب‪.30 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬محمد شريف‪ ،‬من األخطاء الشائعة‪.135 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬خالد قوطرش وعبد اللطيف األرناؤوط‪ ،‬األخطاء السائرة في اللغة العربية‪.16 ،‬‬
‫(‪ )7‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.121 ،‬‬
‫(‪ )9‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سلم"‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫المعجم‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫وذمها واستنكرها(‪.)1‬‬ ‫عندهما‪َ :‬ج َدب أعمالَه‪ ،‬أي عابها ّ‬ ‫اب َ‬ ‫وسد‪ ،‬والصو ُ‬
‫وشغل ّ‬
‫ِ‬
‫االستعمال‬ ‫َّ‬
‫بالش ْج ِب في‬ ‫بأن "المر َاد‬
‫مسو ًغا ذلك ّ‬ ‫الوسيطَ أجازها(‪ ،)2‬وكذلك مجمعُ القاه ِرة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫لحمل‬ ‫ِ‬ ‫الرغبةُ في ِ‬ ‫المعاصر هو الرفض لل ّش ِ‬
‫ِ‬
‫المجاز يتّسعُ‬
‫الستنكاره‪ ،‬و ُ‬ ‫محوه‬ ‫االستبعاد له‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫يء‪ ،‬و‬ ‫ّ ُ‬
‫غبة في زوالِه‪ ،‬وعلى ذلك ُ‬
‫تجيز اللّجنةُ‬ ‫ديد والر ِ‬
‫ّ‬
‫االستنكار ال ّش ِ‬
‫ِ‬ ‫يلزم ِمن‬
‫ألنه ُ‬
‫ِ‬
‫اإلهالك‪ّ ،‬‬ ‫جب على‬ ‫ال ّش ِ‬
‫جب في داللتِه المعاصرِة"(‪.)3‬‬ ‫استعمال ال ّش ِ‬
‫َ‬

‫ــدق‪:‬‬
‫صّ‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬
‫تصديق‬
‫ُ‬ ‫األمر"‪ ،‬و"‬
‫َ‬ ‫المجلس هذا‬
‫ُ‬ ‫صدق‬ ‫ِ‬
‫المعاصر قولُنا‪ّ " :‬‬ ‫يشيعُ في استعمالِنا اللّ ِّ‬
‫غوي‬
‫جي‬
‫اللي الياز ّ‬
‫َ ِّ‬
‫االستعمال الد ّ‬ ‫المتعي ُن ِمن ذلك اإلجازةُ‪ ،‬وقد َخطّأ هذا‬
‫ّ‬ ‫ال ّشهادات"‪ ،‬والمعنى‬
‫افق عليه أو أمضاه أو أجازه‬
‫اب‪ :‬و َ‬‫الصو ُ‬ ‫خالف التّ ِ‬
‫كذيب‪ ،‬و ّ‬ ‫ُ‬ ‫صديق‬
‫َ‬ ‫أن التّ‬
‫وحجتُهما ّ‬
‫‪4‬‬
‫العدناني( )‪ّ ،‬‬ ‫و‬
‫ّ‬
‫أن قولَنا‬
‫ب هذه التّخطئةَ؛ ذلك ّ‬ ‫يصو ُ‬ ‫اللي‬ ‫ِ ِّ‬ ‫أو أق ّره(‪،)5‬‬
‫ّ‬ ‫صحيح الد ّ‬ ‫يتصدرون للتّ‬
‫ّ‬ ‫ممن‬
‫احدا ّ‬
‫ولكن و ً‬
‫ّ‬
‫ضير ِمن هذا‬‫يجد أالّ َ‬
‫نظر ُ‬‫ولطف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫المتبص َر َبرِوّي ٍة‬
‫ِّ‬ ‫أن‬ ‫صدقه" ال ِش َيةَ عليه وال ُشبهةَ( )‪ ،‬و ّ‬
‫الحق ّ‬
‫‪6‬‬
‫" ّ‬
‫صدق‪ :‬خالف كذب)‬ ‫ِ‬
‫المتقادِم( ّ‬ ‫شبه بين المعنى‬ ‫وجه ٍ‬
‫يقف عند ِ‬ ‫اللي؛ ذلك ّأنه قد ُ‬ ‫التّ ّ ِ ِّ‬
‫طور الد ّ‬
‫الش ِ‬
‫بهة أو‬ ‫بصحتِها‪ ،‬ورفع ُّ‬ ‫هادات هو اإلقرُار‬ ‫فتصديق ال ّش ِ‬ ‫أقر)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫صدق‪ :‬أجاز و ّ‬‫الحادث( ّ‬ ‫والمعنى‬
‫ِ‬
‫الكذب‬ ‫يكون في‬ ‫مما ال‬ ‫ِ‬
‫المجلس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اإلجماع عليه‪ ،‬وهذا ّ‬
‫ِ‬ ‫انعقاد‬
‫ُ‬ ‫ألمر ما هو‬ ‫وتصديق‬
‫ُ‬ ‫الكذب عنها‪،‬‬
‫وال في ِشب ِهه‪.‬‬

‫اعتََنق‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫األو ِل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للخاطر ّ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وليس يخفى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ين‬
‫الد َ‬
‫اليوم واستحكــم قولُنا‪ :‬اعتنق ّ‬
‫َ‬ ‫ومما شاع‬
‫ّ‬
‫المتعي ُن ِمنه المالزمةُ‬
‫ّ‬
‫لفظه‪ ،‬و ِ‬
‫المقص ُد‬ ‫ظاهر ِ‬
‫ِ‬ ‫ظر إلى‬ ‫نص المعنى ِمنه ّ‬
‫بالن ِ‬ ‫ي ال ُيقتَ ُ‬
‫تعبير مجاز ّ‬
‫ّأنه ٌ‬
‫ِ ‪7‬‬
‫عد‬
‫عنقه"( )‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وعناقًا‪ :‬التزمه فأدنى عنقَه ِمن‬
‫سان‪" :‬عانقه معانقةً ِ‬
‫بات‪ ،‬وقد جاء في اللّ ِ‬ ‫والثّ ُ‬
‫األوروبي ِة‪ ،‬واللّفظُ‬
‫ّ‬
‫يب الحرفي عن اللّ ِ‬
‫غات‬ ‫ّ‬
‫بركب التّعر ِ‬
‫ِ‬ ‫يلحق‬
‫ُ‬ ‫مما‬
‫ث ّ‬‫المحد َ‬
‫َ‬ ‫عبير‬
‫اليازجي هذا التّ َ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مصطفى جواد‪ ،‬قل وال تقل‪ ،59/1 ،‬والعدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.128 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬مادة "شجب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬مجلة مجمع اللغة العربية األردني‪ ،‬السنة الرابعة‪ ،‬العددان ‪ ،23 ،14-13‬ونهاد الموسى‪ ،‬اللغة العربية‬
‫وأبناؤها‪.101 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬اليازجي‪ ،‬لغة الجرائد‪ ،95 ،‬والعدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.140 ،‬‬
‫(‪ )5‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.140 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬خالد قوطرش‪ ،‬األخطاء السائرة‪.49 ،‬‬
‫(‪ )7‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عنق"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫دين كذا‪ ،‬أي اتّخذه ِد ًينا له‪ ،‬وهو نِ ْحلتُه(بالكسر)(‪ ،)1‬وتابعه في هذه‬ ‫ِ‬
‫بي –في زعمه– ْانتَ َحل َ‬ ‫العر ّ‬
‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫الجدل ِّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار هذا‬ ‫اليازجي في‬ ‫العدناني استدرك على‬ ‫ولكن‬ ‫محمد شريف(‪،)2‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التّخطئة ّ‬
‫إن ِمن معاني اعتنق‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الفعل "اعتنق" ووجاهته؛ إذ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استعمال‬ ‫صح ِة‬
‫محاميا عن ّ‬ ‫ً‬ ‫ُم ِّفن ًدا تخطئتَه‪،‬‬
‫المتقدِم‪ ،‬بل‬
‫ِّ‬ ‫العدناني بهذا‬ ‫ِ‬
‫يكتف‬ ‫ثت به‪ ،‬ولم تترْكه إلى ِ‬
‫غيره‪ ،‬ولم‬ ‫تشب َ‬ ‫لَ ِزم‪ ،‬واذا‬
‫ّ‬ ‫فقد ّ‬‫شيئا ْ‬ ‫لزمت ً‬‫َ‬
‫اليازجي "انتحل"؛ ذلك ّأننا حي ـ ــن‬ ‫اب عند‬‫الصو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫استعمال وجه ّ‬ ‫كثير إلى‬
‫أْل َمح إلى ّأنه ال َيمي ُل ًا‬
‫الديـ ـ ِـن َِ أو‬
‫اعتناق ّ‬
‫ُ‬ ‫فالن ال ّشعر أو الرأي‪ ،‬نعني ّأنه ّادعاه ِ‬
‫لنفسه‪ ،‬وهو لغيـ ـ ِـره‪ ،‬و"‬ ‫نقو ُل‪ :‬انتحل ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الدي ـ ِـن(مع ّأنه‬ ‫ِ‬
‫انتحال ّ‬ ‫تالؤما ِمن حيث معناهما ومبناهما ِمن‬ ‫ً‬ ‫أكثر‬
‫ُ‬ ‫ُمعانقتُه(المجازّيان)‬
‫حقيقةٌ)"(‪.)3‬‬

‫ضولي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫فُ‬ ‫‪‬‬
‫آخر‬ ‫ضولي(‪،)4‬‬ ‫ِّ‬
‫ولكن َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغلبة"‪ ،‬وصو ُابها هذا التّعبير‪ :‬فُ‬ ‫بعضهم قولَنا "كثير َ‬ ‫ُ‬ ‫ويخطئُ‬
‫فيةٌ لمقابلِها اإلنجليزي "‪،)5("Curious‬‬ ‫عم ّأنها ترجمةٌ حر ّ‬ ‫فضولي"؛ إ ْذ ّإنه يز ُ‬
‫ّ‬ ‫ىء قولَنا‪" :‬‬ ‫يخطّ ُ‬
‫الزيادةُ‪،‬‬
‫ضلةَ هي ّ‬‫أن الفَ ْ‬ ‫ك‪ ،‬فقد جاء في اللّ ِ‬
‫سان ّ‬ ‫عوزه فض ُل ٍ‬
‫بيان واستد ار ٌ‬ ‫نظر َي ُ‬‫أن هذا ٌ‬ ‫الحق ّ‬
‫و ّ‬
‫قسم(‪ ،)6‬ولو ّأننا اكتفينا بمعنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفَض ِ‬
‫ضل منها حين تُ َ‬ ‫ضول الغنائم‪ :‬ما فَ َ‬ ‫الماء‪ :‬بقاياه‪ ،‬وفُ َ‬ ‫الت‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الفضول أو‬ ‫جل ذا‬
‫الر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫أن ّ‬‫الزيادة لكان في ذلك ُس ْه َمةٌ في تجلية داللة المعنى الحادث؛ ذلك ّ‬
‫أن‬ ‫نقير والتّ ِ‬
‫فة والتّ ِ‬ ‫"الفضولي" تشطُّ به الرغبةُ في ز ِ‬
‫يادة المعر ِ‬
‫يمكن ْ‬
‫ُ‬ ‫نقيب إلى ما ال يعنيه‪ ،‬أفال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األمس‪ ،‬وداللةَ ِ‬
‫اليوم؟‬ ‫ِ‬ ‫ينتظم تَْينِك ّ‬
‫الداللتَين؛ داللةَ‬ ‫ُ‬ ‫جامعا‬
‫ً‬ ‫يقتنص المرُء ِع ْق ًدا‬
‫َ‬

‫تَفانــى‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫العمل" خطأٌ صو ُابه‬ ‫أن قولَنا‪" :‬تَفانى في‬
‫اللي ّ‬ ‫ِ ِّ‬
‫صحيح الد ّ‬ ‫المتصدرين للتّ‬
‫ّ‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫وقد ذهب‬
‫ِّن ِمنه‪ :‬أفنى‬ ‫ِ‬
‫لم ِح المشاركة‪ ،‬والمعنى المتعي ُ‬
‫ِ‬
‫ؤذن باستشراف َم َ‬
‫الفعل "تفانى" ُي ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫وحجتُه ّ‬
‫ض ّحى"‪ّ ،‬‬ ‫" َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫‪7‬‬
‫أن القالَ َ‬
‫ـض من وجهتَين‪ ،‬أوالهما ّ‬ ‫يمكن أن تُنقَ َ‬
‫ُ‬ ‫أن هذه التّخطئةَ‬
‫الحق ّ‬
‫بعضا( )‪ ،‬و ّ‬‫ً‬ ‫بعضهم‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬اليازجي‪ ،‬لغة الجرائد‪.113 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬محمد شريف‪ ،‬من األخطاء الشائعة‪.133 ،‬‬
‫(‪ )3‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.179 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬خالد قوطرش‪ ،‬األخطاء السائرة‪.68 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬جاسر أبو صفية‪ ،‬الجدل السائد حول التصحيح اللغوي‪ ،‬بحث قدم في ندوة مجادلة السائد في اللغة‬
‫واألدب والفكر‪ ،‬الجامعة التونسية‪ ،‬شباط‪1996 ،‬م‪.13 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فضل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.197 ،‬‬

‫‪18‬‬
‫يت(‪،)1‬‬ ‫وتعاطيت‪ ،‬وتمار ُ‬ ‫اءيت له‪،‬‬
‫يت وتر ُ‬ ‫قاض ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يفي "تفاعل" قد يأتي من واحد؛ وذلك نحو‪ :‬تَ َ‬
‫التّصر ّ‬
‫بعضا في‬ ‫ً‬ ‫بعضهم‬
‫ُ‬ ‫القوم‪ :‬أفنى‬
‫ُ‬ ‫عبير‪ ،‬فقيل‪" :‬تفانى‬
‫المعجم الوسيطَ أجاز هذا التّ َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫وثانيهما ّ‬
‫ق هذه الموافق ـ َة‬‫العدناني ُيعلّ ُ‬ ‫نفسه فيه حتّى كاد يفنى"(‪ ،)2‬ولك ّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الحرب‪ ،‬وتفانى في العمل‪ :‬أَجهد َ‬
‫ِ‬
‫مجمعه(‪.)3‬‬ ‫على مو ِ‬
‫افقة‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪ ،302 ،‬واألستراباذي‪ ،‬شرح الشافية‪.104/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الوسيط‪ ،‬مادة "فني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.197 ،‬‬

‫‪19‬‬
‫الث‪:‬‬
‫اإلشكا ُل الثّ ُ‬

‫ُمغاالة أم ُمعاياة؟‬
‫ف في إلزِام‬ ‫المغاالة والتّكلّ ِ‬
‫ِ‬ ‫عظيما في‬ ‫بلغا‬
‫اللي َم ً‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫المتصدرون للتّصحي ِح الد ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد يبلغُ‬
‫ِ‬
‫الحياة في‬ ‫ق‬‫وج ْع ِل منط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ دالالت ِها المنقولةَ‪ ،‬أو في إلزِام‬
‫االشتقاقيةَ األولى‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫معانيها‬
‫َ‬ ‫األلفاظ‬
‫ليغدو‬ ‫الع ِج ِل‪،‬‬ ‫الن ِ‬ ‫عويل على االستقر ِ‬
‫الداللي‪ ،‬أو التّ ِ‬ ‫صحيح ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اقص َ‬ ‫اء ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫اني محت َك ًما في التّ‬
‫الب ّر ّ‬
‫العالم َ‬
‫ِ‬ ‫حا ُل ِ‬
‫بيان يجلّي‬
‫أنفسهم‪ ،‬وفي الذي يأتي ٌ‬ ‫اس بالبِّر َ‬
‫وينس ْون َ‬ ‫الن َ‬ ‫كحال أولئك الذين يأمرون ّ‬ ‫بعضهم‬
‫تقدم‪:‬‬
‫ما ّ‬

‫ِ‬
‫االست ْحمام‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫غير‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحم‪ :‬الح اررةُ‪ ،‬والح ِميم والحميمةُ‪ :‬الماء الحار‪ ،‬و ِ‬
‫الص ُ‬
‫بكسر الميم‪ ،‬القُ ْمقُ ُم ّ‬ ‫الم َح ّم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫االستحمام‬ ‫ِّن ِمن‬
‫يكون المتعي ُ‬
‫َ‬ ‫بأن‬
‫ؤذن ْ‬ ‫لي ُي ُ‬‫األو َّ‬
‫اللي ّ‬ ‫ِّ‬
‫الماء( )‪ ،‬ولع ّل هذا المعنى الد ّ‬
‫‪1‬‬
‫ُ‬ ‫سخ ُن فيه‬ ‫ُي ّ‬
‫وفاء لذلكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يكون إالّ كذلك ً‬ ‫ُ‬ ‫مكي‪ ،‬فرأى ّأنه ال‬ ‫ابن ّ‬ ‫الحار‪ ،‬والى هذا الوجه ذهب ُ‬ ‫ّ‬ ‫بالماء‬ ‫سال‬
‫االغت َ‬
‫ِ‬
‫البارد هو‬ ‫ِ‬
‫بالماء‬ ‫االستحمام‬ ‫أن‬ ‫األصل االشتقاقــي العر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يض "حمم"‪ ،‬وقد أفضى به هذا ثانيةً إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫اني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األصل االشتقاقي ومنط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق اللّ ِ‬ ‫ساوق بين منط ِ‬‫االبتِر ُاد واال ْقتِرُار‪ُ ،‬لي َ‬
‫الب َّر ّ‬
‫ق الحياة في العالم َ‬ ‫ّ‬ ‫غة و‬ ‫ْ‬
‫يف باعثُه ‪ -‬كما‬ ‫أن هذا َو َه ٌم طر ٌ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫أهل اللّ ِ‬
‫ولذا استنكر على ِ‬
‫الحق ّ‬‫بالماء البارد( )‪ ،‬و ّ‬ ‫االستحمام‬
‫َ‬ ‫غة‬
‫جهة أخرى‪ ،‬أشار‬ ‫جهة‪ ،‬و ِمن ٍ‬ ‫ف يدفع من ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫االشتقاقي‪ ،‬ولكنّه ُمتكل ٌ ُ ُ‬
‫ّ‬ ‫األصل‬ ‫الوفاء بمعنى‬
‫ُ‬ ‫تقدم آنفًا–‬ ‫ّ‬
‫بالماء الحــار‪" ،‬ثم صار ُّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫األصل ِمن قولِنا "االستحمام" هو االغتسا ُل‬ ‫أن‬ ‫صاحب اللّس ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ان إلى ّ‬ ‫ُ‬
‫وجهة ٍ‬
‫نظر‬ ‫ِ‬ ‫اللي – ِمن‬ ‫أن هذا التّ ّ ِّ‬ ‫‪3‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طوَر الد ّ‬ ‫بأي م ــاء كان"( )‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫استحماما ّ‬
‫ً‬ ‫اغتسال‬
‫وتوسيع دائرتِها(‪.)4‬‬
‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫تعميم ّ‬‫ِ‬ ‫ينتسب إلى ظاه ِرة‬ ‫ٍ‬
‫حديثة–‬ ‫لساني ٍة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حمم"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن مكي‪ ،‬تثقيف اللسان‪.177 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حمم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر هذا الملحظ الداللي‪ :‬أولمان‪ ،‬دور الكلمة‪.180 ،‬‬

‫‪20‬‬
‫ِ‬
‫القافلَــة‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫كانت أو راجعةً‪،‬‬ ‫الس ِ‬
‫فر ذاهبةً‬ ‫يخطىء ابن قتيبةَ الذين يجعلون القافلةَ بمعنى ُّ ِ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫الرفقة في ّ‬ ‫ُ ُ‬
‫الرجوِع(‪ ،)1‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫فر؛ إذ ّإنها قافلةٌ مأخوذةٌ من القُفول‪ّ :‬‬ ‫الراجعةُ من ّ‬ ‫أن معناها ّ‬ ‫اب عنده ّ‬ ‫الصو ُ‬
‫و ّ‬
‫سمى قافلةً إالّ منصرفةً إلى‬ ‫ظنه ّأنها ال تُ َّ‬ ‫مشير إلى ّ‬ ‫ًا‬ ‫ابن قتيبةَ‬‫سان على َو َهِم ِ‬
‫صاحب اللّ ِ‬‫ُ‬ ‫عرج‬
‫ّ‬
‫بأن ُي َي ّس َر اهلل لها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وطنِها‪" ،‬فما زالت‬
‫األسفار قافل ـ ـةً تفاؤالً ْ‬ ‫ابتداء‬ ‫الناهضين في‬ ‫تسمي ّ‬‫العرب ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ي تعويالً على معنى‬ ‫ِّ ِ‬ ‫‪2‬‬
‫المتشدد الحرير ّ‬ ‫النه ِج‬‫ابن قتيبةَ في هذا ّ‬ ‫فول"( )‪ .‬وقد تابع َ‬ ‫القُ َ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫وجرًيا‪ ،‬فقال‪" :‬ويقولون‪َ :‬وَّدعت قافلـةَ‬
‫الكالم منه‪ّ ،‬‬‫ُ‬ ‫يتضاد‬
‫ّ‬ ‫الحاج‪ ،‬فينطقون بما‬ ‫ّ‬ ‫الشتقاقي َ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫قرُن بين‬ ‫ِ‬ ‫فقة الر ِ‬ ‫للر ِ‬ ‫الس ِ‬
‫الوطن‪ ،‬فكيف ُي َ‬ ‫اجعة إلى‬ ‫ّ‬ ‫اسم ُّ‬ ‫فر‪ ،‬والقافلةُ ٌ‬ ‫يكون لمن يخرُج إلى ّ‬ ‫ُ‬ ‫وديع ّإنما‬
‫التّ َ‬
‫استقبلت قافلة‬ ‫الحاج‪ ،‬أو‬ ‫يت قافلةَ‬ ‫قال‪ :‬تلقّ ُ‬ ‫أن ُي َ‬‫الكالم ْ‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫المعنيين؟ ووجهُ‬
‫َ‬ ‫اللّفظتَين مع تنافي‬
‫عد قولِنا "قافلة" للر ِ‬
‫فقة‬ ‫جانحا إلى ِّ‬ ‫الدرِة‪،‬‬
‫الخفاجي شارُح ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ي‬‫رد على الحرير ِّ‬ ‫‪3‬‬
‫الحاج‪ ،) ("...‬وقد ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ِ ‪4‬‬
‫أن ذلك كذلك‪.‬‬ ‫الحق ّ‬
‫محاسن العر ّبية( )‪ ،‬و ّ‬ ‫ِ‬ ‫القافلة أو المسافرِة ِمن‬
‫ِ‬

‫مؤدى‬ ‫فمنهم َمن خطّأ قولَنا‪َّ :‬‬ ‫ف سلكها بعض الم ْح َدثين‪ِ ،‬‬ ‫المغاالة والتّكلّ ِ‬
‫ِ‬ ‫السبي ُل ِمن‬
‫ُ ُ‬ ‫وهذه ّ‬
‫الصو ِ‬ ‫ِ‬
‫أن هذا ليس بمن َك ٍر‪ ،‬وال بخرو ٍج عن ّ‬
‫‪5‬‬
‫فالسبي ـ ُل‬
‫اب البتّةَ‪ّ ،‬‬ ‫الحق ّ‬
‫الصواب‪ :‬فَ ْحواه( )‪ ،‬و ّ‬ ‫الكالم‪ ،‬و ّ‬
‫مؤدى‬ ‫ٍ‬
‫الصة ما‪ ،‬فله ّ‬ ‫الكالم في مضمونِه ومستصفاهُ ّ‬
‫يؤدي إلى ُخ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تؤدي إلى غاية أو َم ْوصل ما‪ ،‬و ُ‬ ‫ّ‬
‫كانت ِمن ِ‬
‫باب‬ ‫اللهم إالّ إذا‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫فزعُ إلى هذه التّخطئة‪ّ ،‬‬ ‫ولست أدري لماذا ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫يكون مرادفًا لفحواه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اد‬
‫يك ُ‬
‫المعاياة‪ .‬و ِمن ِمثل ما ّ‬
‫تقدم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المماحكة أو‬

‫َمين الصندوق‪:‬‬ ‫أ ُ‬ ‫‪‬‬


‫المانع لهذا‬ ‫ولكن‬ ‫الخازن‪،‬‬ ‫إن صو َابها‬ ‫ُّ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يجب التّحل ُل منه؛ إ ْذ ّ‬
‫ُ‬ ‫بعضهم خطأً‬ ‫ُ‬ ‫عدها‬ ‫وقد ّ‬‫ْ‬
‫كالمه إرساالً‬ ‫الصندوق"‪ ،‬فقد أرسل‬ ‫ِ‬
‫استعمال "أمين ّ‬ ‫منع‬
‫المنع؛ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستعمال لم ُي َج ِّل لقارئِه علّةَ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫مبين( )‪ ،‬ومع هذا كلِّه أرى ّ‬ ‫غير ٍ‬
‫‪6‬‬
‫ب‬‫سندها‪ ،‬فالقالَ ُ‬
‫لغوي ُي ُ‬
‫ّ‬ ‫أساس‬ ‫تقوم على‬
‫أن هذه التّخطئةَ ال ُ‬ ‫َ‬
‫سمعُ‪ ،‬وقد تقا ُل للذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفاعلي ِة و‬ ‫"فَ ِعيل" ّ‬
‫المفعولية‪ ،‬ومثلُه "السَّميع" تقا ُل للذي َي َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يترد ُد بين معنى‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.26 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "قفل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحريري‪ ،‬درة الغواص‪.438 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الخفاجي‪ ،‬شرح الدرة‪.438 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬خالد قوطرش‪ ،‬األخطاء السائرة‪.82 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬محمد شريف‪ ،‬من األخطاء الشائعة‪.141 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫ومرد ذلك إلى القالَ ِب الم ْح ِ‬
‫تم ِل‪ ،‬فإذا ما قيل‪:‬‬ ‫معنوي‪،‬‬ ‫تضاد‬ ‫مما يقعُ فيه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األمين ّ‬
‫غيره‪ ،‬و ُ‬‫ُيسمع َ‬
‫ِ‬ ‫ٌ ِ‬
‫تمني‪ ،‬أو ّأنه الذي أَتَّمُنه على أمري( )‪ ،‬و ُ‬
‫‪1‬‬
‫قياسا‬
‫الصندوق – ً‬‫أمين ّ‬ ‫فالن أَميني فقد يعني ّأنه ُم ْؤ َ‬
‫الصندو ِ‬
‫ق وما يشتم ُل عليه‪.‬‬ ‫تأتمنه على ّ‬
‫تقدم آنفًا– هو الذي ُ‬ ‫على ما ّ‬

‫ََّ ِ‬
‫رجات‪:‬‬ ‫سقَط إلى أدنى الد َ‬ ‫‪‬‬
‫َ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫بعضهم صوابه‪ :‬سقط إلى أدنى َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهذا خطأٌ في ِ‬
‫الد َركات‪ ،‬وعلّة هذه التّخطئة ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫نظر‬
‫ِ ‪2‬‬
‫تستعم ُل في‬
‫َ‬ ‫فالدرجةُ‬
‫يف‪ّ ،‬‬‫أن هذا َو َه ٌم طر ٌ‬
‫عود( )‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫الص‬
‫تفاع و ّ‬
‫تكون في االر ِ‬
‫ُ‬ ‫الدرجةَ‬
‫ّ‬
‫رجات‪ ،‬وهو مستهلُّه‪ ،‬وأعلى‬ ‫الد ِ‬ ‫الس ِلم أدنى ّ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫زول‪ ،‬وفي ّ‬ ‫ومطلب ّ‬ ‫عود‬ ‫مطلب ّ‬ ‫طلَبين‪،‬‬‫الم ْ‬
‫َ‬
‫نفسه ِمغ ـ ٌ‬
‫ـالق‬ ‫الباب"‪ ،‬وهــو في اآلن ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫فتاح‬ ‫ِ‬
‫الدرجات وهو غايتُه‪ ،‬وليس ُينسى ّأننا نقو ُل‪" :‬هذا م ُ‬
‫ّ ِ‬
‫ق " ِم ٍ‬
‫فتاح" أو‬ ‫نفسه ِمهبطٌ‪ ،‬أفيفضي هذا بنــا إلى إلحا ِ‬ ‫صعد‪ ،‬وهو في اآلن ِ‬
‫َ‬ ‫للباب‪ ،‬ونقو ُل‪ :‬هذا ِم ٌ‬ ‫ِ‬
‫ك؟‪.‬‬‫تصويب أو استد ار ٌ‬
‫ٌ‬ ‫عوزه‬ ‫ِ‬
‫بركب الخطأ الذي َي ُ‬ ‫الد ِ‬
‫رجات"‬ ‫صعد" أو "أدنى ّ‬‫" ِم ٍ‬

‫ف في التّ ِ‬ ‫يب ِمن هذا التّكلّ ِ‬


‫البقّال" يعني به بائعَ‬
‫العدناني َمن يقو ُل " َ‬
‫ّ‬ ‫خطئة تخطئةُ‬ ‫وقر ٌ‬
‫ِ‬ ‫الع َد ِ‬
‫ض ِر( )‪ ،‬وصو ُ‬ ‫ِ‬ ‫الج ْب ِن‬
‫‪3‬‬
‫اب ذلك‬ ‫الخ َ‬
‫البقول‪ ،‬أي ُ‬ ‫فالبقّال – كما زعم– بائعُ ُ‬
‫وسائر المأكوالت‪َ ،‬‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫القول وفنونِه‪ ،‬فال ّشيء يسمى ِ‬
‫باسم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمذاهب‬ ‫تناسيا‬ ‫ِ‬
‫المذهب‬ ‫أن في هذا‬ ‫الب َّدا ُل‪ ،‬و ّ‬
‫الحق ّ‬
‫ُُ ّ‬ ‫ً‬ ‫–كما يرى– َ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫بب‪.‬‬ ‫جزئِه لعالقة المجاورِة أو ّ‬

‫صد ‪:‬‬
‫اقتَ َ‬ ‫‪‬‬
‫اليوم؛ إذ ّإننا نقو ُل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫القتصاد‬ ‫تخطئة معنى ا‬ ‫ِ‬ ‫صحيح في‬
‫ِ‬ ‫يتصد ُر للتّ‬
‫ّ‬ ‫بعض َمن‬ ‫يغالي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تغيير لمعنى‬
‫ٌ‬ ‫اليازجي–‬
‫ّ‬ ‫يذهب‬
‫ُ‬ ‫ضلةً‪ ،‬وفي هذا –كما‬ ‫المال إذا استَ ْفضل ِمنـه فَ ْ‬‫ِ‬ ‫فالن ِمن‬
‫اقتصد ٌ‬
‫األمر(‪ ،)4‬وتابعه على هذا‬ ‫ِ‬ ‫وسطُ في‬‫غة االعتدا ُل والتّ ُّ‬ ‫فاالقتصاد في اللّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االستعمال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ووجه‬ ‫ِ‬
‫الفعل‬
‫ِ‬
‫المعيشة ُعني ّأنه لم‬ ‫اقتصد في‬ ‫قات‪ ،‬فإذا ما قيل‪:‬‬ ‫النفَ ِ‬
‫االقتصاد يكو ُن في َّ‬ ‫أن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫العدناني؛ ذلك ّ‬
‫ّ‬
‫اللي‪ ،‬والذي‬ ‫وتجافيا عن َس َن ِن التّ ّ ِ ِّ‬ ‫‪5‬‬ ‫ٍ‬
‫الحد بإفراط أو ٍ‬
‫طور الد ّ‬ ‫ً‬ ‫أن في هذا تكلّفًا‬ ‫الحق ّ‬
‫تقتير( )‪ ،‬و ّ‬ ‫يتجاوز ّ‬
‫ِ‬
‫المجاز‪،‬‬ ‫صد في معيشتِه واقتصد ِمن ِ‬
‫باب‬ ‫أن قولَنا‪ :‬قَ َ‬
‫ِ‬
‫ي في أساسه يرى ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫أن ّ‬
‫يسند هذا ّ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األنباري‪ ،‬األضداد‪.84 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬محمد شريف‪ ،‬من األخطاء الشائعة‪.121 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.40 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬اليازجي‪ ،‬لغة الجرائد‪.41 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.205 ،‬‬

‫‪22‬‬
‫ِ‬
‫المجاز‬ ‫الحد ورضي بالتّوس ِ‬
‫ُّط(‪ ،)1‬ولو ّأننا تلبَّثنا قليالً عند‬ ‫األمر إذا لم يجاوز ِمنه ّ‬ ‫ِ‬ ‫صد في‬
‫َ‬ ‫وقَ َ‬
‫ِ‬
‫للخيط‬ ‫األمر) لكان في ذلك تجليةٌ‬ ‫ِ‬ ‫ي (اقتصد في معيشتِه‪ ،‬وقصد في‬ ‫الزمخشر ّ‬‫الذي أَْلمح إليه ّ‬
‫تقترب‬
‫ُ‬ ‫أن داللةَ "اقتصد"‬ ‫ينتظم ِعقد َذ ْينِك االستعمالَين‪ ،‬القديم والحديث‪ ،‬وبذا ُ‬
‫نجد ّ‬ ‫ُ‬ ‫الجامع الذي‬
‫ِ‬
‫ق ِمن ِ‬
‫داللة " َوفَّر" المن َكرة‪.‬‬ ‫السيا ِ‬
‫في هذا ّ‬

‫اشترى فالن قُماشا‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫أن‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬
‫األو ُل في هذه التّخطئة ّ‬ ‫المحت َك ُم ّ‬
‫بعضهم خطأً صو ُابه‪ :‬نسيجاً( )‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫عدها‬‫وقد ّ‬ ‫ْ‬
‫شيء‪ ،‬أو ما كان‬ ‫ٍ‬ ‫الرديء ِمن ك ّل‬ ‫ِ‬
‫ش ّ‬ ‫ماش جمعُ "قَ ْمش"‪ ،‬والقَ ْم ُ‬
‫أن القُ َ‬
‫تذهب إلى ّ‬
‫ُ‬ ‫المعجمات العر ّبيةَ‬
‫المتقادم إالّ ثُلّة ِمن‬
‫ِ‬ ‫عهد بهذا المعنى‬
‫اليوم ليس لهم ٌ‬ ‫أهل ِ‬ ‫ولكن َ‬
‫ّ‬ ‫األرض ِمن فُتات(‪،)3‬‬
‫ِ‬ ‫على ِ‬
‫وجه‬
‫انقطاع التّو ِ‬
‫اصل‪ ،‬والزاماً‬ ‫ِ‬ ‫المتخصصين ِمنهم‪ ،‬وليس يخفى أن في هذه التّ ِ‬
‫خطئة ُمعاياةً تفضي إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫َّ ‪4‬‬
‫عدها مولدةً( )‪.‬‬
‫جانحا إلى ّ‬ ‫المعجم الوسيطَ أجازها‬ ‫إن‬ ‫فوق َّ ِ‬ ‫ألهل اللّ ِ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ثم ّ‬
‫السعة‪ّ ،‬‬ ‫غة ما َ‬

‫يتصدرون‬ ‫ِ‬
‫أللفاظ الذين‬ ‫أن بِ ُم ْك َن ِة المتتب ِ‬
‫ِّع‬
‫ّ‬ ‫الخاطر ّ‬
‫َ‬ ‫يف الذي يسترعي‬
‫المْل َحظُ الطّر ُ‬
‫وَ‬
‫ِ‬
‫كحال َمن ينهى عن‬ ‫فيضحي حالُهم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِّ‬
‫يقف عند دالالت حادثات في كالمهم‪ُ ،‬‬ ‫أن َ‬ ‫اللي ْ‬
‫صحيح الد ّ‬ ‫للتّ‬
‫ُخلُ ٍ‬
‫ق ويأتي مثلَه؛ وذلك نحو‪:‬‬

‫ص َمد‪:‬‬
‫َ‬ ‫‪‬‬
‫مر‬ ‫مة كتابِه في التّ‬ ‫مقد ِ‬
‫ص َمدت العر ّبي ـةُ على ّ‬ ‫ـوي‪" :‬ولقد َ‬ ‫صحيح اللّغ ـ ّ‬‫ِ‬ ‫أحدهم في ّ‬ ‫قال ُ‬
‫اليوم‪،‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ات المهل َك ـ ِـة‪،‬‬
‫وجه التّيار ِ‬
‫ـور في ِ‬‫الدهـ ِ‬
‫مود‪ ،‬بمعناه َ‬ ‫الص َ‬‫أن ّ‬ ‫اهر ّ‬
‫وستصمد من جديد‪ ،) ("..‬والظّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫للخاطر ّ‬ ‫فت‬ ‫‪6‬‬
‫مقصود( )‪ ،‬والالّ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ص َّم ٌد‪:‬‬
‫وبيت ُم َ‬
‫ٌ‬ ‫ص ُد‪،‬‬
‫َّمد‪ :‬القَ ْ‬
‫األمس‪ ،‬فالص ْ‬ ‫ِ‬ ‫للص ِ‬
‫مود بمعناه ب‬ ‫مفارق ّ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫ِ‬
‫الجديدة يجنحان إلى إلزِام‬ ‫ف اللّذين استعمال هذه الكلمةَ ِبداللتِها‬ ‫المصن ِ‬
‫َّ‬ ‫صاحبي ذلكم‬
‫أن‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ِ‬
‫ضخ"( ) و"استلم"( ) و"تَحاشى"( )‪ .‬وقد كان حقّا عليهما ْ‬
‫دالالتها المنقولةَ‪ ،‬ولذلك أنك ار " َر َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬أساس البالغة‪.509 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.210 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "قمش"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬مادة "قمش"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬خالد قوطرش‪ ،‬األخطاء السائرة‪.12 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صمد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬خالد قوطرش‪ ،‬األخطاء السائرة‪.98 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫المتشدِد وتعز ًيزا‪ ،‬وقد أنكر هذا الوجهَ –أعني‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫لمنهجهما‬ ‫وفاء‬
‫حدودها المنقولةَ ً‬
‫َ‬ ‫ُيلزما داللةَ "نصمد"‬
‫األمر‬ ‫يد‬
‫اب هو‪ :‬ثََبت له‪ ،‬والذي يز ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الصو َ‬
‫أن ّ‬ ‫مقرًار ّ‬
‫داللةَ صمد بمعناها الحادث– مصطفى جواد‪ّ ،‬‬
‫محاميا عن المعنى‬
‫ً‬ ‫ص َمد له‪ ،‬وثبت له‪،‬‬
‫يجوُز الوجهَين‪ ،‬وهما‪َ :‬‬
‫العدناني ِّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫اعتياصا وتداخالً ّ‬
‫ً‬
‫يعطش وال يجوعُ‬
‫ُ‬ ‫َّم َد ِمن ِّ‬
‫الر ِ‬
‫جال‪ :‬الذي ال‬ ‫أن الص َ‬
‫مشير إلى ّ‬
‫ًا‬ ‫الحادث‪ ،‬ر ّاداً على مصطفى جواد‪،‬‬‫ِ‬
‫المكان المرتفعُ الغليـظُ ِمن‬
‫ُ‬ ‫َّمد هو‬
‫أن الص ْ‬
‫ِ‬ ‫الص ِ‬
‫بر والثّبات‪ ،‬و ّ‬ ‫الحرب‪ ،‬وفي هذا إلماحةٌ إلى ّ‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫غة بالقاهرِة أجاز‬‫الصلب الذي ليس فيه َخور‪ ،‬وأن مجمع اللّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٌَ‬ ‫يء ُّ ُ‬ ‫ص َّمد هو ال ّش ُ‬
‫الم َ‬
‫أن ُ‬‫األرض‪ ،‬و ّ‬
‫صمد" بمعنى "ثَبت"(‪.)3‬‬
‫قولَنا " َ‬

‫احتار‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫وممن خطَّأها‬ ‫‪4‬‬
‫تتفوْه بها( )‪ّ ،‬‬
‫العرب لم ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫تقد َم تخطئةُ بعضهم "احتار"؛ ذلك ّ‬ ‫و ِمن ِ‬
‫مثل ما ّ‬
‫حار‬
‫نقول‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اب ْ‬‫الصو ُ‬
‫فالن‪ ،‬و ّ‬
‫العدناني ومحمد شريف‪ .‬يقو ُل األخي ـ ُر‪" :‬يقولون خطأً‪ :‬احتار ٌ‬ ‫ّ‬
‫وقعت في ِ‬
‫كالم‬ ‫ينكرها في ثناياه‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫نجد هذه الكلمةَ "احتار" في ّ ِ‬ ‫‪5‬‬
‫ْ‬ ‫مقدمة كتاب ُ‬ ‫ولكننا ُ‬
‫فالن"( )‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الكتابة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باختالف‬ ‫يختلف‬ ‫أن المعنى‬ ‫ِ‬
‫الكتاب ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ومعلوم ّ‬
‫ٌ‬ ‫قد ًما فقال‪" :‬‬ ‫الحديث في‬ ‫ابل‬
‫الذي استفتح قو َ‬
‫ِ‬
‫الحدس"(‪.)6‬‬ ‫ِ‬
‫متاهة‬ ‫يحتار القارئُ‪ ،‬ويقعُ في‬
‫ف ُ‬

‫َن َّوه‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫أن‬ ‫أي ِ‬ ‫ِ‬
‫يشير فيه إلى ّ‬ ‫المصححين" ُ‬‫ّ‬ ‫ألحد "‬ ‫وقفت على ر ٍ‬‫ُ‬ ‫المبحث قد‬ ‫آن انشغالي بهذا‬ ‫وكنت َ‬
‫ُ‬
‫فاستذكرت ما‬ ‫‪7‬‬ ‫ِ‬
‫األغالط؛ إذ هي مما ُينكـ ُـره الوضعُ‪ ،‬وتمجُّه الفصاحةُ( )‪،‬‬ ‫شائع‬ ‫هت بكذا" ِمن‬
‫نو ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫"ّ‬
‫األلفاظ عن دالالتِها المنقـ ِ‬
‫ـولة " ُم َن ِّو ًها"‬ ‫ِ‬ ‫عنى نفســه في تتب ِع "انحر ِ‬
‫اف"‬ ‫كتبه لي ذلك األستا ُذ الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المعاصر‪،‬‬ ‫اللي‬ ‫ِ ِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاح كما تشيعُ في إلفنا الد ّ‬ ‫العرب األَ ْق ِ‬ ‫سمع عن‬
‫يومها ّأنها لم تُ َ‬
‫وحجتُه َ‬‫بذكرها‪ّ ،‬‬
‫ينوه إليها(‪.)8‬‬
‫أن ِّ‬ ‫ذيل الورقةَ بقولِه ّإنه ّ‬
‫أحب ْ‬ ‫وقد ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬خالد قوطرش‪ ،‬األخطاء السائرة‪.16 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬خالد قوطرش‪ ،‬األخطاء السائرة‪.95 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪ ،144-143 ،‬وانظر‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬مادة "صمد"‪.‬‬
‫(‪)4‬انظر‪ :‬العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪ ،75 ،‬ومحمد شريف‪ ،‬من األخطاء الشائعة‪.21 ،‬‬
‫(‪ )5‬محمد شريف‪ ،‬من األخطاء الشائعة‪.21 ،‬‬
‫(‪ )6‬الكالم لعبد العزيز قلقيلة إذ قدم به لكتاب محمد شريف‪ ،‬انظر‪ :‬من األخطاء الشائعة‪.8 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬أبو الخضر منسي‪ ،‬حول الغلط والفصيح‪.37 ،‬‬
‫(‪ )8‬وردت هذه الحادثة في مفتتح هذه المباحثة تحت عنوان "مقدمة ومسوغات أولية"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫يء‬
‫إن معنى "ناهَ ال ّش ُ‬
‫كانت عليه قَ ْبالً؛ إذ ّ‬
‫ْ‬ ‫مفارق لما‬
‫ٌ‬ ‫نوه"‬
‫أن استعمالَنا كلمةَ " ّ‬
‫اهر ّ‬
‫والظّ ُ‬
‫هت‬
‫ونو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ينوهُ‪ :‬ارتفع وعال… فهو نائِه‪ُ ،‬‬
‫ونوهتُه تنويهًا‪ :‬رفعتُه‪ّ ،‬‬
‫هت به‪ّ ،‬‬ ‫ونو ُ‬
‫وها ّ‬ ‫ون ْهت بال ّشيء َن ً‬
‫ذكره‪ ، … ،‬و ِمنه قو ُل أبي نخيلةَ لِ َمسلَمةَ ‪:‬‬
‫فعت َ‬
‫ِ‬
‫باسمه‪ :‬ر ُ‬

‫هت لي ذكري‪ ،‬وما كان ِ‬


‫خامـ ـالً‬ ‫ونو َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫بعض"( )‬ ‫الذكر أنبهُ ِمن‬
‫ِ‬ ‫بعض‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬

‫ذكر ال ّش ِ‬
‫يء‬ ‫كانت مقصورةً على ِ‬ ‫نوه"‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫داللياً وقع في داللة " ّ‬
‫تطوًار ّ‬
‫أن ّ‬‫تقدم ّ‬
‫مما ّ‬
‫يتجلّى ّ‬
‫يب ِمن‬
‫اإلشعار أو بقر ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلعالم أو‬ ‫اليوم تُستعم ُل بمعنى‬
‫ولكنها َ‬
‫فعة والتّ ِ‬
‫مجيد‪ّ ،‬‬ ‫بالر ِ‬
‫مقرونا ِّ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫أو‬
‫لحق َبرْك ِب أحـ ِـد األعر ِ‬
‫اض‬ ‫مما َي ُ‬
‫اللي ّ‬ ‫طوُر ِّ‬
‫الد ُّ‬ ‫ِ‬ ‫اح ِّ ِ‬
‫الرفعة والتّمجيد‪ ،‬وهذا التّ ّ‬ ‫َذ ْينِك المعنيين مع اطّر ِ‬
‫تعميمها"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تصيب داللةَ اللّفظ‪ ،‬وهو " ُ‬
‫ُ‬ ‫التي‬

‫تقدم ِمن ُمثُ ٍل ِمن‬


‫مكتفيا بما ّ‬
‫ً‬ ‫أن أجتزئَ‬ ‫ِ‬
‫باالقتضاب ْ‬ ‫ال‬
‫الد ّ‬ ‫ِ‬
‫العرض ّ‬ ‫يحسن بعد هذا‬
‫ُ‬ ‫لعلّه‬
‫ِ‬
‫ثالثة مالحظَ‪:‬‬ ‫ؤذنةٌ باستشر ِ‬
‫اف‬ ‫متكاثر‪ ،‬وهي م ِ‬
‫ٍ‬ ‫مجموٍع‬
‫ُ‬
‫مبحث له أشياعٌ‪ ،‬وله‬ ‫تترد ُد بين منزلتَين؛ إذ هي‬
‫اللي ّ‬ ‫قضيةَ التّ ّ ِ ِّ‬
‫ٌ‬ ‫طور الد ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫ّأولُها‪ّ :‬‬
‫منكرون‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫الس ِ‬ ‫وثانيها‪َّ :‬أنه يبدو للمتبص ِ ِ‬


‫حقيقية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مشكلة‬ ‫يقف وجاهَ‬
‫جال ّأنه ُ‬ ‫ِّر من َع ٍل في هذا ّ‬
‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫ارس المنظِّ ُر‬
‫الد ُ‬
‫ِ‬
‫المشكلة‪ ،‬أهي اللّغةُ أم ّ‬ ‫ِ‬
‫باعث هذه‬ ‫وقد ُيعم ُل المرء فكره في التّ ِ‬
‫ساؤل حول‬ ‫ُ َ‬
‫قاعة المحاضر ِ‬
‫ات‪ ،‬أم‬ ‫البيت األسري‪ ،‬أو في ِ‬ ‫مة ال ّشارِع‪ ،‬أو في ِ‬‫أمن يتعام ُل معها في َز ْح ِ‬
‫ْ ّ‬ ‫المنهج َّ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األلفاظ؟!‪.‬‬ ‫جع معجمي تاريخي يضم سيرةَ ِ‬
‫حياة‬ ‫غياب مر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬

‫ٍّ‬
‫مستمرة على ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تصبح معه‬
‫ُ‬ ‫نحو‬ ‫دائبة‬ ‫حركة‬ ‫األلفاظ في‬ ‫دالالت‬ ‫أن‬ ‫وثالُثها ‪َّ :‬أنه ّ‬
‫تبين ّ‬
‫مطالب العر ّبي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫طلًَبا ِمن‬
‫يخي َم ْ‬
‫لغوي تار ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫معجم‬ ‫وضع‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الملحةُ إلى‬ ‫الحاجةُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نوه"‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الرابع‪:‬‬
‫اإلشكا ُل ّ‬
‫ق‪:‬‬ ‫ق والالّح ِ‬ ‫الساب ِ‬
‫بين ّ‬
‫عل في‬ ‫اللي خاصةً‪ ،‬نافذةُ ِ‬
‫الف ِ‬ ‫الد ِّ‬ ‫عامةً‪ ،‬و ّ‬ ‫طوِر اللّ ِّ‬ ‫قرِر الم ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫غوي ّ‬ ‫أن ظاهرةَ التّ ّ‬ ‫ستحكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫الم َّ‬
‫من ُ‬
‫األسلوبي‪،‬‬ ‫المعجمي‪ ،‬و‬ ‫ركيبي‪ ،‬و‬
‫في‪ ،‬والتّ ِّ‬ ‫الصر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وتي‪ ،‬و ّ‬ ‫الص ِّ‬
‫اللّغة‪ ،‬ويتجلّى ذلك في ُمستويات اللّغة‪ّ :‬‬
‫اض‪،‬‬ ‫اعث َمخصوصةٌ وأعر ٌ‬ ‫اللي الذي له بو ُ‬ ‫الد ِّ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬ ‫وموضعُ الّن ِ‬
‫خاص بالتّ ّ‬‫ٌّ‬ ‫المباحثة‬ ‫ظر في هذه‬
‫ثم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِفد ُ‬
‫قي إلى انحطاط إلى نقل‪ّ ،‬‬ ‫تخصيص إلى ر ٍّ‬ ‫تعميم إلى‬ ‫فمن‬
‫الالت األلفاظ في حركة دائمة‪ْ ،‬‬
‫ينسحب‬ ‫ِ‬
‫الفكر‬ ‫ينسحب على‬ ‫دائبة متوثِّ ٍ‬
‫بة‪ ،‬وما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حركة‬ ‫الفكر في‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫التفكير وأداتُه‪ ،‬و ُ‬ ‫إن اللّغةَ وسيلةُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يجد بين ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫علَى اللّ ِ‬
‫كثير من األلفاظ وِدالالتها تر ً‬
‫اخيا‬ ‫الم ْع َجمات العر ّبية ُ َ‬ ‫اظر في ُ‬ ‫أن الّن َ‬ ‫الحق ّ‬
‫غة‪ ،‬و ّ‬
‫طوِر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ِ‬
‫لناموس التّ ّ‬ ‫خضعت‬
‫ْ‬ ‫وقد‬
‫تداولةٌ‪ْ ،‬‬
‫الم َع َّمرة ُم َ‬ ‫كثير من ألفاظ العر ّبية ُ‬ ‫أن ً‬ ‫جليًّا‪ ،‬وال ُي ْن َسى ّ‬
‫كان‬
‫وقد َ‬ ‫حكام‪ْ ،‬‬ ‫اإل ِ‬ ‫دون ِ‬ ‫ِ‬
‫حد اإليهام َ‬ ‫اخت أخرى إلى ِّ‬ ‫األلفاظ عن ِدالالتِها قليالً‪ ،‬وتر ْ‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫احت‬
‫فانز ْ‬
‫يفهم‬ ‫ِ‬ ‫كثير ِمن المو ِ‬ ‫وغموضا في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ِ‬
‫كأن َ‬ ‫الكالمية‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫اقف‬ ‫ً‬ ‫التباسا‬
‫ً‬ ‫ب‬
‫أن ُي ْعق َ‬‫تقد َم ْ‬
‫شأن هذا الذي ّ‬
‫ظانا أن تلكم األلفاظَ الم ِ‬ ‫يفهمها في َع ِ‬ ‫الساب ِ‬
‫عند‬
‫كانت تَعني َ‬ ‫ْ‬ ‫تقاد َمةَ‬ ‫ُ‬ ‫صره ًّ ّ‬ ‫ق َكما ُ‬ ‫ظ ّ‬ ‫حق ألفا َ‬‫الالّ ُ‬
‫ق‪.‬‬ ‫عند الالّح ِ‬
‫ق ما تَ ْعنيه َ‬ ‫الساب ِ‬
‫ّ‬

‫فقد هجس بهذا‪ ،‬على ص ٍ‬


‫عيد‬ ‫غات في هذه ِ ِ‬ ‫ليست بِ َدعا بين اللّ ِ‬
‫َ‬ ‫الجهة‪َ َ َ ْ ،‬‬ ‫ْ ً َ‬ ‫أن العر ّبيةَ‬
‫اهر ّ‬‫والظّ ُ‬
‫اللي‪ ،‬وانزيا ِح‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫فاصل المتخلِّ َ ِ ِ‬
‫ق مَن التّ ّ‬ ‫تحسسوا هذا التّ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ارسين الذين‬
‫الد َ‬ ‫بعض ّ‬
‫ُ‬ ‫بي‪،‬‬
‫َغر ٍّ‬
‫ِ‬
‫متباعدتين لَتك ّشف لنا‬ ‫بين فتر ِ‬
‫تين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ الم َّ ِ‬
‫المتقادمة‪" ،‬ولو قمنا بمقارنة كاملة َ‬ ‫عمرة َعن دالالتها ُ‬ ‫ُ‬
‫المرحلة الس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تاما‪،‬‬
‫ابقة واد ار َكها إد ار ًكا ًّ‬ ‫ّ‬ ‫فهم‬
‫ق َ‬ ‫عو َ‬ ‫األمر عن اختالفات عميقة كثي ٍرة من شأنها ْ‬
‫أن تُ ِّ‬ ‫ُ‬

‫‪26‬‬
‫لحمة اإلنجليزّي ِة‬
‫هم الم ِ‬
‫َ‬
‫خاص كي نتم ّكن ِمن فَ ِ‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫لغوي‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫استعداد‬ ‫ٍ‬
‫حاجة إلى‬ ‫ك فيه ّأننا في‬
‫فمما ال ش ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫الملك ألفريد ‪.) (" King Alfred‬‬ ‫ِ‬ ‫ثر في ِ‬
‫عهد‬ ‫الن ِ‬
‫أساليب ّ‬ ‫ق‬
‫نتذو َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫أن ّ‬ ‫القديمة”‪ ”Beowulf‬مثالً‪ ،‬أو ْ‬

‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اض ال أم ّل ِمن‬ ‫وفي افتر ٍ‬


‫متخيلين ّ‬‫ّ‬ ‫الخاطر‬
‫َ‬ ‫نسرَح‬
‫أن ّ‬ ‫الخيال أقو ُل‪ :‬لنا ْ‬ ‫وليد‬
‫ترداده‪ ،‬وهو ُ‬
‫ق الالّح ِ‬
‫يتجو ُل في أسوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫حياً ِمن ِ‬ ‫ِ‬
‫ق بزِّيه‬ ‫قبره بمشيئة اهلل القدي ِر‪ ،‬و ّأنه بدأ ّ‬ ‫السابق" ُبعث ّ‬ ‫القيس " ّ‬ ‫ام أَر‬
‫نصيبه معنا ِمن التّو ِ‬
‫اصل‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫أحسب ّ‬
‫ُ‬
‫رمال الصحر ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قليدي وقد نفض عن جبينِه‬ ‫بي التّ ِّ‬ ‫العر ِّ‬
‫المذياع‪،‬‬ ‫لفاز و‬ ‫ِ‬
‫الهاتف‪ ،‬والتّ ِ‬ ‫ِ‬
‫كالحاسوب‪ ،‬و‬ ‫عهد له بها‪،‬‬ ‫الحادثة ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫أن كثي اًر ِمن‬
‫ِ‬ ‫خافت؛ ذلك ّ‬ ‫ٌ‬
‫مالمحها األولى افتراقاً‬‫ِ‬ ‫قة عن‬ ‫استوت اليوم في مالمح ِداللي ٍة مفتر ٍ‬ ‫ِ‬
‫عصره‬ ‫ِ‬
‫ألفاظ‬ ‫أن كثي اًر ِمن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وّ‬
‫سيفتقد ناقتَه‬ ‫من‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سيفتقد كثي اًر ِمن‬
‫ُ‬ ‫الز ُ‬
‫عصره التي طواها ّ‬ ‫ألفاظ‬ ‫ُ‬ ‫يسي اًر أو خطي اًر‪ ،‬وال ُينسى ّأنه‬
‫وصف‪ ،‬والخمرةَ وأشكالَها‪ ،‬وأنواعَ‬ ‫ٍ‬ ‫المميزةَ ِّ‬
‫لكل‬ ‫الليةَ‬ ‫المالمح ِّ‬ ‫وصفاتِها‪ ،‬وسيفَه وأوصافَه‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫َ‬
‫يسبغها‬ ‫الدقيقةَ التي كان‬ ‫األوصاف ّ‬ ‫وحصانه و‬ ‫ِ‬
‫ألفاظها‪،‬‬ ‫دالليةً بين‬ ‫يقيم فروقاً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ياح التي كان ُ‬ ‫الر ِ‬ ‫ّ‬
‫غير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سيجد نفسه غريبا في ِ‬ ‫وفوق هذا كلِّه‬
‫الباحث ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬‫أحسب ّ‬‫القميص‪ ،‬و ُ‬ ‫البنطال و‬ ‫عالم‬ ‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫عليه‪،‬‬
‫رجع إلى‬ ‫"امرئ القيس"‪ ،‬فإذا ما أُ ِ‬ ‫ق‬‫الساب ِ‬
‫عند ّ‬ ‫ق كما هو َ‬ ‫األمر عند الالّح ِ‬ ‫مبالغ لو قال‪ :‬و ُ‬ ‫ٍ‬
‫اب‬‫اصل‪ ،‬بل ستفضي به تلك المشقّةُ إلى أبو ِ‬ ‫فإنه سيالقي عنتاً ومشقّةً في التّو ِ‬ ‫القرون األولى ّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫المعجمات‪ ،‬وقد يتع ّذ ُر عليه إد ار ُكها‬ ‫ق في‬‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلشكال واللَّ ِ‬
‫ِ‬
‫بس؛ ذلك ّأنه سينقُّر عن معاني ألفاظ ّ‬ ‫ا‬
‫رسمها على ما هو عليه‬ ‫بقاء ِ‬‫رت مع ِ‬ ‫تطو ْ‬ ‫وسيجد أن كثي اًر ِمن المدلو ِ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫قد ّ‬ ‫الت ْ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ق‪،‬‬ ‫كإدراك ّ‬
‫ابق‪،‬‬
‫الس ُ‬‫يقيمها ّ‬
‫المميزة التي كان ُ‬
‫ِّ‬ ‫اللي ِة‬
‫الد ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫حاء الفرو ِ‬‫ام ُ‬
‫الكتابة و ّ ِ‬
‫الدّبابة‪ ،‬وال ُينسى ّ‬
‫ِ‬ ‫كالبر ِيد ور ِ‬
‫يشة‬
‫هام‪ ،‬وغير ذلك كثير كثير‪ ،‬حقّاً ّأنها‬ ‫قضيم وال َك ِ‬‫الفيء‪ ،‬وال ِ‬ ‫الجلوس‪ ،‬والظّ ِّل و ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القعود و‬ ‫ق بين‬ ‫كالفر ِ‬
‫يضة‪ِ :‬من ام ِ‬
‫حاء‬ ‫ابة عر ٍ‬ ‫الغموض ِمن بو ٍ‬
‫ِ‬ ‫بس و‬‫عالم اللَّ ِ‬
‫ق إلى الولو ِج في ِ‬ ‫لغويةٌ تفضي بالالّح ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مشكلةٌ ّ‬
‫ِ‬
‫انتفاء‬ ‫ِ‬
‫اإلحكام‪ ،‬و ِمن‬ ‫ِ‬
‫اإليهام دون‬ ‫األلفاظ عن دالالتِها إلى ِّ‬
‫حد‬ ‫ِ‬ ‫اللي ِة‪ ،‬و ِمن انز ِ‬
‫ياح‬ ‫الفرو ِ‬
‫الد ّ‬‫ق ّ‬
‫المتنوعةُ‬
‫ّ‬ ‫الناقةُ وصفاتُها المتباينةُ‬
‫ستصبح ّ‬
‫ُ‬ ‫وعندها‬
‫َ‬ ‫المقيِد‪،‬‬
‫ق و َّ‬ ‫بون بين المطلَ ِ‬ ‫ِ‬
‫إقامة ٍ‬ ‫مقدرتِه على‬
‫ان وأنواعٌ‪ ،‬وستغدو أنواعُ الس ِ‬
‫يوف‬ ‫ق أشكا ٌل وألو ٌ‬ ‫الساب ِ‬ ‫"ناقةً" واحدةً عند الالّح ِ‬
‫ّ‬ ‫عند ّ‬ ‫ق‪ ،‬وهي َ‬
‫سيارةً‬ ‫ِ‬ ‫ات المتب ِ‬ ‫اع السيار ِ‬
‫القيس ّ‬ ‫اينة التي يراها امرؤ‬ ‫ستصبح جميعُ أنو ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫وصفاتُها سيفاً واحداً‪ ،‬كما‬
‫أن هذه ِمن طراز‬ ‫يدرك ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يصعب عليه ْ‬ ‫ُ‬ ‫مما يقعُ خارَج وعيِه ومفهو ِمه‪ ،‬فقد‬ ‫واحدةً؛ ذلك ّأنها ّ‬
‫"فولفو"(‪.)2‬‬ ‫أن تلك ِمن طراز‬ ‫"مرسيدس"‪ ،‬و ّ‬

‫(‪ )1‬أولمان‪ ،‬ستيفن‪ ،‬دور الكلمة‪.170 ،‬‬


‫(‪ ) 2‬كنت قد وقفت عند مبحث اللبس اآلتي من التطور الداللي في كتابي‪" :‬ظاهرة اللبس في العربية"‪ ،‬وقد وقفت‬
‫عند هذا المثال ثَّم‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫اآلن سائرةٌ على لسا ِن الالّح ِ‬
‫ق‬ ‫الساب ِ‬ ‫كانت سائرةً على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ق‪ ،‬وهي َ‬ ‫لسان ّ‬ ‫ْ‬ ‫كلمات‬ ‫بعض‬ ‫لننظر في‬
‫ْ‬
‫كاألو ِل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بمعنى ليس‬
‫األو ِل الذي ال‬ ‫كالمذياع في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عند ّ‬ ‫ق؛ إذ ّإنه َ‬ ‫ِ‬ ‫ق ليس‬ ‫‪ -‬المذياعُ في كالم ّ‬
‫الدالّ ِة على‬
‫صيغة " ِم ْفعال" ّ‬
‫ِ‬ ‫جاءت في‬
‫ْ‬ ‫أن هذه الكلمةَ قد‬ ‫أبدا‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫سر ً‬
‫يكتم ّاً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المبالغة‪.‬‬
‫اليومي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫يحتكم إليه في تواصلِه‬
‫ُ‬ ‫حق بالمعنى الذي‬ ‫فإن ورد عليه الالّ ُ‬ ‫‪ -‬وكذلك "التَّ ْخت"‪ْ ،‬‬
‫أن‬ ‫َّ‬ ‫فإن حظَّه ِمن التّو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سيكون خافتًا بل مط َرًحا؛ ذلك ّ‬ ‫ُ‬ ‫اصل‬ ‫المعاصر‪ّ ،‬‬ ‫غوي‬
‫وِاْلفه اللّ ّ‬
‫ِ‬
‫األمس؟؟‪.‬‬ ‫اليوم ِمن‬
‫ياب‪ ،‬وأين ُ‬ ‫تصان فيه الثّ ُ‬
‫ُ‬ ‫عاء‬
‫قو ٌ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫خت في كالم ّ‬ ‫التَّ َ‬
‫وتعالق؛ إذ ّإنه عند‬
‫ٌ‬ ‫س‪ ،‬وا ْن كان بينهما لُحمةٌ‬ ‫كالصهريج أم ِ‬‫ّ‬ ‫اليوم ليس‬ ‫الصهريج‬ ‫‪ -‬و ِّ‬
‫َ‬
‫الماء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كالحياض يجتمعُ فيها‬ ‫ق‬‫الساب ِ‬
‫ّ‬
‫يردده الفح ُل في ِ‬
‫حلقه(‪.)1‬‬ ‫هدير ّ‬ ‫الساب ِ‬ ‫‪ -‬و َّ‬
‫ق ٌ‬ ‫الزْغردةُ عند ّ‬
‫هر ال ّشديد الجري(‪.)2‬‬
‫الن ُ‬
‫وجمعها َعربات‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫اكد‪،‬‬
‫الرو ُ‬
‫فن ّ‬ ‫الس ُ‬
‫الع َربةُ عنده ّ‬
‫‪ -‬و َ‬
‫طيب‬ ‫تفليجها‪ ،‬أو‬ ‫صفاؤها‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫األسنان‪ ،‬أو‬ ‫ق تحز ُيز أطر ِ‬
‫اف‬ ‫الساب ِ‬ ‫‪ -‬و َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الش َنب عند ّ‬
‫البرد والعذوبةُ في ِ‬
‫الفم(‪ ،)3‬وهي عند الالّحق مرادفةٌ لل ّشارب أو تكا ُد‬ ‫ُ‬ ‫نكهتِها‪ ،‬أو‬
‫تكون‪.‬‬
‫ُ‬
‫خاصةً‪ ،‬وقيل هي الخي ُل‬ ‫ّ‬ ‫الر ِ‬
‫هان‬ ‫ِ‬
‫الخيل في ِّ‬ ‫الدفعةُ ِمن‬
‫ق َّ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫الحْلبةُ في كالم ّ‬ ‫‪ -‬و َ‬
‫احد(‪ ،)4‬وما كان أنأى داللةَ ِ‬
‫اليوم‬ ‫موضع و ٍ‬ ‫أوب ال تخرُج ِمن‬‫كل ٍ‬ ‫ق ِمن ِّ‬ ‫للسبا ِ‬
‫ٍ‬ ‫جمع ّ‬ ‫تُ َ‬
‫ِ‬
‫المكان الذي تعقَ ُد فيه المباراةُ‬ ‫يب في ذلك‪-‬على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمس‪ ،‬فهي دالّةٌ ‪-‬وال ر َ‬ ‫داللة‬ ‫عن‬
‫باق‪.‬‬
‫الس ُ‬‫أو ّ‬
‫الكذب فيه(‪ ،)5‬وقيل‪:‬‬ ‫الصفع في ِ‬ ‫كالم ّ ِ‬ ‫‪ -‬والفَ ْش ُخ في ِ‬
‫لعب الصِّبيان‪ ،‬و ُ‬ ‫طم و ّ ُ‬ ‫السابق اللّ ُ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫بحجر أو ِ‬
‫نحوه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شج الر ِ‬
‫أس‬ ‫اليوم بمعنى ِّ‬
‫أسه بيده( )‪ ،‬وهي َ‬ ‫ب رَ‬ ‫ض َر َ‬
‫َ‬
‫نفسك على‬ ‫ِّ‬
‫الحق –تقدس اسمه‪" :-‬فلعلّك باخعٌ َ‬ ‫وغماً‪ ،‬و ِمنه قو ُل‬
‫الب ْخعُ القت ُل غيظًا ّ‬
‫‪ -‬وَ‬
‫ومخرجها(‪.)7‬‬
‫ُ‬ ‫نفسك‬
‫آثارهم"‪ ،‬والمعنى‪ :‬فلعلّك قات ٌل َ‬‫ِ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "زغرد"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عرب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شنب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "حلب"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حلب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فشخ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "فشخ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬اآلية(الكهف‪ ،)6 ،‬وانظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بخع"‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫غنم‪ ،‬والمتاعُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عند ّ ِ‬
‫السابق ‪-‬كما سيتجلّى بعداً‪ -‬الما ُل أجمع‪ :‬اإلب ُل‪ ،‬وال ُ‬ ‫األثاث َ‬
‫‪ -‬و ُ‬
‫احت داللتُها عن‬ ‫ِ‬
‫األمثال انز ْ‬ ‫باب‬ ‫ٍ‬
‫كلمات أخر في ِ‬ ‫الباحث على‬
‫ُ‬ ‫وسيعرُج‬ ‫العبيد‪،‬‬
‫و ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫افن‪،‬‬ ‫ُثرت عن ّ ِ ِ‬ ‫الد ِ‬
‫الص ُ‬
‫اطر وال َكّنة والمتّكئُ و ّ‬
‫القزم وال ّش ُ‬
‫السابق‪ ،‬ومن ذلك ُ‬ ‫اللة التي أ ْ‬ ‫ّ‬
‫تغي ٍر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بيان ٍّ‬
‫ك ّل ذلك سيأتي عليه فض ُل ٍ‬
‫مجل لما اعتراه من ّ‬

‫وجه التّ ِ‬
‫عيين‬ ‫المباحثة الجزئي ِة على ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكتابة في هذه‬‫ِ‬ ‫ك عنان ِ‬
‫القلم عن‬ ‫عن لي وأنا أمس ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وقد ّ‬
‫ِّن ِمــن نصـ ِ‬
‫ـوص‬ ‫اللي فــي فهـِـم المتعــي ِ‬
‫اف التّطـ ّـوِر الـ ِّـد ِّ‬‫أن أستصــفي م ـثُالً دالّـةً مبِين ـةً عــن أثـ ِـر استش ـر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ول حسـ ٍـن أفضــى إلــى وقــوفي عنـ َـد‬ ‫ـتجدت هــذا الخــاطر‪ ،‬وتلقفتُــه بقَبـ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المعمـ ِرة المتقادمـ ِـة‪ ،‬فاسـ‬
‫َّ‬ ‫العر ّبيـ ِـة‬
‫أن فيهـا ألفاظًـا‬
‫ـت ّ‬ ‫ـاس‪ ،‬وقـد ألفي ُ‬ ‫الن ِ‬
‫ـالم ّ‬‫ـاس‪ ،‬وك ِ‬ ‫الن ِ‬‫ـي ّ‬ ‫الن ِ‬
‫ـاس‪ ،‬ونب ِّ‬ ‫رب ّ‬‫ـالم ّ‬ ‫ثالث قُرٍح‪ِ :‬مـن ك ِ‬ ‫مثُ ٍل ِمن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫إن‬
‫داللي ـاً معاصـ ًـرا؛ إ ْذ ّ‬
‫فهمــا ّ‬ ‫ـق ً‬ ‫يفهمهــا الالّحـ ُ‬
‫أن َ‬ ‫ـتهجن ْ‬ ‫المسـ َ‬
‫ـور ُ‬ ‫رت داللتُهــا‪ ،‬وغــدا ِمــن المحظـ ِ‬ ‫تطـ ّـو ْ‬
‫ـب إلــى‬ ‫ـص الالّح ـ ِ‬ ‫الســاب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ممــا ينتسـ ُ‬
‫ق ّ‬ ‫ق علــى نـ ِّ‬ ‫ورود ّ‬ ‫ولمــا كــان ُ‬ ‫اخيــا بــين اللّفــظ وداللتــه قــد وقــع‪ّ ،‬‬ ‫تر ً‬
‫ـب‬
‫ق متحقّقاً قري َ‬ ‫الساب ِ‬‫نص ّ‬ ‫ق على ِّ‬ ‫ورود الالّح ِ‬
‫ولما كان ُ‬ ‫ِ‬
‫كسبت‪ّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫خلت لها ما‬ ‫أمةٌ قد ْ‬ ‫المحال‪ ،‬فتلك ّ‬
‫ـث الرسـ ِ‬
‫ـول‬ ‫النهـ ِ‬ ‫ـاء اللّيـ ِـل وأط ـر َ‬
‫ـار‪ ،‬وفينــا أحاديـ َ ّ‬ ‫اف ّ‬ ‫يمــا ش ـريفًا يتلــى آنـ َ‬
‫إن فينــا قرًآنــا كر ً‬ ‫المبتغــى؛ إذ ّ‬
‫لمـا كـان كـذلك‪-‬‬ ‫َّ ٍ‬ ‫الكر ِيم صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وفينا‬
‫معمـرةً كثيـرةً كثيـرةً ‪ّ -‬‬ ‫اثيـةً متقادمـةً َّ‬ ‫مصنفات تر ّ‬
‫المثُـل ال ّشـريفةَ‬
‫ـت ُ‬ ‫تطبيقيـاً‪ ،‬فجعل ُ‬
‫ّ‬ ‫رس‬
‫ـون ذلكـم ال ّـد ُ‬
‫أن يك َ‬‫ـطرها ْ‬
‫ـت قلمـي ش َ‬
‫آثرت في وجهتي التـي ولّي ُ‬‫ُ‬
‫فس شـتّى‪،‬‬ ‫اض فـي ال ّـن ِ‬ ‫الحديث ال ّشر ِ‬
‫يف َم ْـوِرًدا لطلبتـي ألغـر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحكيم و‬ ‫المصطفاةَ المقتبسةَ ِمن ال ّذ ِ‬
‫كر‬
‫و ِمنها ما َ‬
‫كان‪:‬‬

‫اللي ّأوالً‪.‬‬ ‫ِ‬


‫الد ّ‬‫طوَر ّ‬‫تبيينا لمدى استشرافهم التّ ّ‬ ‫ً‬ ‫‪‬‬
‫قوِ‬
‫أثره في التّجافي عن‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللي في فهم مقاصد ّ‬ ‫الد ِّ‬
‫طور ّ‬ ‫لوقع تغييب التّ ّ‬
‫‪ ‬وتجليةً ِ‬
‫ثانيا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المقصد الذي رمى إليه ً‬
‫ق والالّح ِ‬
‫ق في التلقّي‪ -‬في‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلشكال الموسوم ب "بين ّ‬ ‫تطبيقياً لهذا‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وتوصيفًا‬
‫ص"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الن ّ‬‫فهم ّ‬

‫تقدم‪.‬‬
‫مباحث تجلّي ك ّل ما ّ‬
‫َ‬ ‫الفصل القادم ِمن‬
‫ِ‬ ‫بروي ٍة فيما يأتي في‬
‫ظر ّ‬ ‫لِ َن ْرجع ّ‬
‫الن َ‬

‫‪29‬‬
‫الفصلُ الثّاني‬
‫طورِ الداللي في التّلقّي‬ ‫ِ‬
‫أثر استشراف التّ ّ‬
‫ُ‬

‫‪30‬‬
‫آني‪:‬‬
‫ص القر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أثر استشر ِ‬
‫اف التّ ّ ِ‬
‫ِّاللي في فهم ال ّن ّ‬
‫طور الد ّ‬ ‫ُ‬
‫سوغ ّأولي‪:‬‬
‫ُم ِّ‬
‫ردت عليه إ ْذ كان م ِ‬
‫حاض ًار في‬ ‫لة َو ْ‬ ‫نفس صاحبِه ِمن مساء ٍ‬ ‫ِ‬
‫الفصل في ِ‬ ‫ت فكرةُ هذا‬‫قام ْ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ض بِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫بعد ِ‬
‫اعترضه نابِهٌ‪َ ،‬‬ ‫طالّبِه‪ْ ،‬‬
‫رجل َك هذا‬ ‫وتدب ٍر‪ ،‬في قوله –تَ َّنزه ُ‬
‫اسمه‪(:-‬ارُك ْ‬ ‫ُّر ّ‬‫طول تبص ٍ‬ ‫َ‬ ‫فقد‬

‫‪31‬‬
‫ق ال َكلِِم‬‫نيوي وتعال ِ‬ ‫ق البِ ِّ‬ ‫السيا ِ‬
‫اف ّ‬ ‫لة تلكم استشر َ‬ ‫ضمار المساء ِ‬
‫كان م ْ ُ ُ َ‬
‫ِ‬
‫وقد َ‬ ‫اب)( )‪ْ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫ُم ْغتَ َس ٌل ِ‬
‫بارٌد َو َشر ٌ‬
‫وهل‬
‫الر ْج ُل؟ ْ‬ ‫اركض برجلِ َك"‪َ ،‬فلماذا ِّ‬ ‫الحق –ج ّل في ُعاله‪ -‬يقو ُل‪ْ " :‬‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫في اآلية ال ّشريفة؛ ذلك ّ‬
‫ِ‬
‫ض بر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب بِ‬ ‫يركض اإلنسان بِ ِ ِ‬
‫أس َك‪ ،‬أو‬ ‫نقول‪ :‬ارُك ْ‬‫أن َ‬ ‫فهل لنا ْ‬ ‫اإليجاب‪ْ ،‬‬ ‫كان الجو ُ‬ ‫غير ِر ْجله؟ واذا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫السؤ ِ‬
‫االت‬ ‫كل ذلك مجموعةٌ ِمن ُّ‬ ‫وكيد؟ ُّ‬‫ص ُد ِم ْنه التّ ُ‬ ‫إطناب الم ْق ِ‬ ‫نيوي فيه‬‫التركيب البِ َّ‬ ‫أن هذا‬ ‫ِ‬
‫ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫يد َك؟ ْأم ّ‬
‫القول علَى‬ ‫ِ‬ ‫طلَ ِب‬
‫ب إلى َم ْ‬ ‫ِ‬ ‫جنحت وقتَها إلى ِّ ِ‬ ‫ت في ال ّذ ِ‬
‫عدها م ّما ينتس ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫هن‪ْ ،‬‬ ‫ازدحم ْ‬
‫َ‬ ‫التي‬
‫ظر‪ ،‬في‬ ‫الن ِ‬‫عاودة ّ‬ ‫بعد م ِ‬ ‫بأم َعينِي‪ ،‬و ّ‬ ‫وكيد( )‪ ،‬كقولِنا‪ :‬رأيتُه ِّ‬
‫ِ ‪2‬‬
‫اإلطناب لِ ِ‬
‫ِ‬
‫نت‪ُ َ ،‬‬ ‫تبي ُ‬
‫الحق ّأنني ّ‬ ‫غرض التّ‬
‫ألقيت حكمي ج ازفًا في تلكم المحاض ِرة‪ ،‬فالمع َّو ُل ِ‬
‫عليه‬ ‫أن ذلك ليس كذلك؛ إ ْذ ّإنني‬ ‫ِ‬ ‫َم ِّ‬
‫َُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫التفسير ّ‬ ‫ظان‬
‫طوِر‬ ‫ِ‬ ‫سياقها ال ّشر ِ‬ ‫اللة "ركض" في ِ‬ ‫ِّن ِمن ِد ِ‬ ‫الوقوف على المتعي ِ‬ ‫ِ‬
‫فاد َمْل َحظ التّ ّ‬ ‫يف ذاك هو استر ُ‬ ‫في‬
‫معنيان‪ ،‬أولُها م ِ‬
‫تقاد ٌم ُم َع َّمر‪ ،‬وثانيهما‬ ‫ِ ّ ُ‬ ‫سيتبي ُن َب ْع ًدا‪ -‬يقعُ تحتَها‬
‫ّ‬ ‫أن "ركض" –كما‬ ‫اللي؛ ذلك ّ‬ ‫الد ِّ‬ ‫ّ‬
‫يف ذاك بالمعنى الم ِ‬
‫تقادِم‪،‬‬ ‫سياقها ال ّشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫جاءت في‬ ‫وقد‬
‫اللي‪ْ ،‬‬ ‫الد ِّ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ث متَ َخلِّ ٌ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق من التّ ّ‬ ‫حاد ٌ ُ‬
‫ِّر البداءةُ به‪ ،‬وهو العلوم اللفظيةُ‪ ،‬وعلى ر ِ‬ ‫بعد هذا كلِّه‪ ،‬ما‬
‫أسها ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫يجب على المفس ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫عت‪َ ،‬‬ ‫ترج ُ‬‫فاس َ‬ ‫ْ‬
‫ب ال‬ ‫َّ‬ ‫‪3‬‬ ‫األلفاظ الم َ ِ‬
‫ِ‬
‫المرك َ‬ ‫إن‬
‫فردة( )‪ ،‬و"هو َكما قالوا‪ّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫تحقيق‬
‫ُ‬ ‫يوطي‪-‬‬
‫الس ُّ‬ ‫ركشي و ّ‬
‫الز ُّ‬ ‫اغب و ّ‬ ‫الر ُ‬‫كما يرى ّ‬
‫الخارجي"(‪.)4‬‬ ‫هني و‬
‫الذ ِّ‬‫الوجود ِمن ِّ‬
‫ِ‬ ‫سابق على ِّ‬
‫الكل في‬ ‫ألن الجزَء‬ ‫ِ‬
‫العلم بمفرداته؛ ّ‬ ‫بعد ِ‬ ‫علم إالّ َ‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُي ُ‬

‫تَجلِية َو ْ‬
‫فض ُل َبيان‪:‬‬
‫ِ‬
‫المباحثة‪ ،‬واستكماالً‬ ‫وض في م ِ‬
‫طالب هذه‬ ‫للخ ِ‬ ‫فاء َ‬
‫َ‬ ‫عنده‪َ ،‬و ً‬
‫ث َ‬ ‫الم ْك ُ‬
‫لع ّل ّأو َل ما ينبغي ُ‬
‫المتقدِم ُ‬ ‫رس المتخلِّق ِمن تلكم المساء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لمستَْل َزماتِها‪ّ ،‬‬
‫بيانها في‬ ‫ِّ‬ ‫لة‬ ‫ُ َ‬ ‫الد ِ ُ‬ ‫الباحث على َّ‬ ‫باعث‬ ‫ظر في‬
‫الن ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫آني ال ّشريف‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الرْكض" في سياقها القر ِّ‬ ‫ِ‬
‫لي" ‪ ،‬وهي داللةُ " ّ‬
‫سوغٌ ّأو ٌّ‬
‫" ُم ِّ‬

‫كض‪ ،‬لِ َي ْعقَُبه فض ُل ٍ‬


‫بيان يجلّي‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ث في داللة ّ‬
‫ِ‬
‫الحاد ُ‬ ‫اللي‬ ‫طوُر ِّ‬
‫الد ُّ‬ ‫َّن التّ ّ‬
‫أن ُيبي َ‬
‫يحسن ّأوالً ْ‬
‫ُ‬
‫آني‪:‬‬
‫ص القر ِّ‬ ‫اللي في ِ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫الن ّ‬
‫فهم ّ‬ ‫الد ِّ‬ ‫أثر استشراف التّ ّ‬
‫َ‬

‫ض‬‫وفالن يرُك ُ‬
‫ٌ‬ ‫ض َرب َج ْن َبيها برجلِه‪،‬‬
‫ضها َر ََ ْكضاً‪َ :‬‬
‫الد ّابةَ َي ْرُك ُ‬
‫ض ّ‬ ‫جاء في اللّ ِ‬
‫سان‪َ :‬رَك َ‬
‫اب‪ ،‬فقالوا‪ :‬هي‬ ‫فلما َكثَُر هذا على ألسنتِهم استعملوه في ّ‬
‫الدو ّ‬
‫ِ‬
‫ب َم ْرَكلَ ْيها برجله‪ّ ،‬‬‫ض ْر ُ‬
‫دابتَه‪ :‬وهو َ‬
‫ّ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورَك َ‬
‫نينها في بطنها‪َ ،‬‬
‫اضطرب َج ُ‬
‫َ‬ ‫رس إذا‬
‫ت الفَ ُ‬
‫كض ْ‬
‫أيضا‪ :‬أ َْر َ‬
‫ويقا ُل ً‬ ‫كض منها‪ُ ،‬‬ ‫الر َ‬‫كأن ّ‬
‫ض؛ ّ‬‫تَْرُك ُ‬

‫(‪ )1‬اآلية(ص‪.)42 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر تعريف اإلطناب وضروبه‪ :‬السيوطي‪ ،‬اإلتقان‪.882-854/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬الراغب‪ ،‬المفردات‪ ،8 ،‬الزركشي‪ ،‬البرهان‪ ،173/2 ،‬السيوطي‪ ،‬اإلتقان‪.1194/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزركشي‪ ،‬البرهان‪.173/2 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫الر ِ‬
‫كض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أص ُل ّ‬
‫البعير برجله‪ :‬أي ضرَبه‪ ،‬و ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضه‬
‫ورَك َ‬
‫بجناحيه‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫ض َرب‬
‫ائر في طَيرانه‪ ،‬أي َ‬ ‫الطّ ُ‬
‫ابن ِ‬
‫عبد‬ ‫ِ‬
‫حديث ِ‬ ‫وب‪ :‬ضرَبهما بِ ِرجلِه‪ ،‬وفي‬ ‫ك ِّ ِ‬
‫األرض والثّ َ‬
‫َ‬ ‫ض‬ ‫ورَك َ‬
‫الر ْجل‪َ ،‬‬ ‫كض تحري ُ‬ ‫الر ُ‬
‫رب‪ ،‬و ّ‬
‫الض ُ‬
‫ّ‬
‫األرض(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫برجلِه‬
‫ضرب ِ‬
‫َ‬ ‫ركض في لَ ْحِده"؛ أي‬
‫َ‬ ‫الوليد‬
‫َ‬ ‫دفنا‬
‫لما ّ‬‫قال‪ّ " :‬‬
‫يز َ‬‫العز ِ‬

‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ِ‬
‫يفيئان إلى‬ ‫كض في أصلِهما ّإنما‬ ‫يصح في الفَ ِ‬ ‫ُّ‬
‫الر َ‬
‫كل و َّ‬ ‫الر َ‬
‫إن َّ‬ ‫قال ّ‬ ‫أن ُي َ‬ ‫هم ْ‬ ‫ولعلّه‬
‫دو‪ ،...،‬وقيل هو‬ ‫ِ‬ ‫جاء في اللِّ ِ‬ ‫و ٍ‬
‫ليع َ‬
‫الفرس برجلك ْ‬ ‫َ‬ ‫كل‪ :‬ضرُبك‬ ‫الر َ‬
‫أن ّ‬ ‫مادة "ركل" ّ‬ ‫سان في ّ‬ ‫فقد َ‬ ‫احد‪ْ ،‬‬
‫السؤا ُل‬ ‫‪2‬‬
‫للرْك ِ‬ ‫ِ‬ ‫الداب ِة‬ ‫ِ‬ ‫كض ِّ ِ‬
‫أما ّ‬‫ض"( )‪ّ .‬‬ ‫حركه ّ‬ ‫الفارس برجله إذا ّ‬ ‫ُ‬ ‫حيث يركلُها‬‫ُ‬ ‫ومراك ُل ّ‬ ‫بالرجل‪َ ،...،‬‬ ‫الر ُ‬ ‫ّ‬
‫عن هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ْ‬ ‫مادة "ركل"‪ ،‬فالجو ُ‬ ‫مادة "ركض" مع ّ‬ ‫تداخل ّ‬ ‫الباعث على‬
‫َ‬ ‫عن علّة العلّة‪ ،‬وهي تُمثّ ُل‬ ‫ْ‬
‫أن‬
‫اليوم؛ ذلك ّ‬ ‫ضاد ِ‬ ‫َ‬ ‫ليست‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫أمس‬ ‫ضاد العر ّبي ِة‬‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫المستَ ْحكِم ّ‬ ‫قرِر ُ‬ ‫الم َّ‬
‫إن من ُ‬
‫ِ‬
‫تيد؛ إ ْذ ّ‬‫حاضر َع ٌ‬
‫ٌ‬
‫معها ّتي ُار‬ ‫ِ‬ ‫كانت ِرخوةً‬
‫اد الحادثةُ فهي انفجارّيةٌ ينقطعُ َ‬ ‫الض ُ‬‫أما ّ‬ ‫جانبيةً كالالّم‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫اد القديمةَ‬ ‫الض َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫القديمة والالِّم‪،‬‬ ‫الض ِاد‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫الهو ِ‬
‫بين ّ‬ ‫أن ثَّم َمشابهَ َ‬ ‫ال‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫القاف و ّ‬ ‫اء الخارِج؛ وذلك نحو‬
‫اد‬
‫الض َ‬ ‫ِ‬ ‫جانبي‪ ،‬وكالهما ِر ْخ ٌو‪ْ ،‬‬ ‫الص ِ‬
‫ألن ّ‬ ‫ص ّرح بهذا سيبويه فقا َل‪ّ " :‬‬ ‫بل َ‬ ‫ألم َح ْ‬
‫وقد َ‬ ‫ّ‬ ‫جهور‬
‫وتين َم ٌ‬ ‫فكال ّ‬
‫الماد ِ‬ ‫استطالت لرخاوتِها حتّى اتّ ْ‬
‫‪3‬‬
‫جلياً في‬
‫تين ّ‬ ‫بين ّ‬‫بم ْخ َرِج الالّم"( )‪ ،‬ولذلك ُيلفي المرُء تداخالً َ‬
‫صلت َ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫أصل‬ ‫ِ‬
‫تنتسبان إلى‬ ‫ماد ِ‬
‫تان‬ ‫كض ّإنما هما ّ‬ ‫ِ‬
‫الر َ‬ ‫كل و ّ‬
‫الر َ‬
‫أن ّ‬‫فاده ّ‬
‫خاطر َم ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بي حتّى لَيس ُكنه‬‫الم ْعجم العر ّ‬
‫ُ‬
‫األمس والالِّم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سبي بين ِ‬
‫ضاد‬ ‫و ٍ‬
‫احد‪ُّ ،‬‬
‫الن ُّ َ‬ ‫كل ذلكم باعثُه التّماث ُل ّ‬

‫ماد ِة "ركض"‬ ‫ِ‬


‫باالقتضاب على ّ‬ ‫الد ِّ‬
‫ال‬ ‫رض ّ‬‫الع ِ‬ ‫بعد هذا َ‬ ‫يستقيم َ‬
‫ُ‬ ‫وجهة أخرى‪-‬‬‫ٍ‬ ‫ولعلّه ‪ِ -‬من‬
‫َّرب الذي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مما بدا آنفًا‪ ،‬الض ُ‬‫اح عن داللته‪ ،‬فأصلُه‪ّ ،‬‬ ‫قد انز َ‬‫المثال ْ‬ ‫ظ في هذا‬ ‫إن اللّف َ‬
‫يقال ّ‬‫أن َ‬ ‫و"ركل" ْ‬
‫اح هذا‬
‫ولما انز َ‬
‫جناحيه‪ّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫ضرب‬
‫َ‬ ‫ائر إذا‬
‫ض الطّ ُ‬ ‫ورَك َ‬
‫الدابةَ‪َ ،‬‬‫ض ّ‬ ‫ق هذا‪َ :‬رَك َ‬ ‫صد ُ‬
‫وي ّ‬ ‫ُيساوقُه حركةٌ‪ُ ،‬‬
‫ومما جاء في‬ ‫وعدا‪ّ ،‬‬ ‫فر َ‬ ‫الرج ُل إذا ّ‬ ‫ض ّ‬ ‫ورَك َ‬ ‫ض ِت ّ‬
‫الدابةُ‪َ ،‬‬ ‫أصبحنا نقو ُل‪َ :‬رَك َ‬
‫ْ‬ ‫اللّفظُ عن ِداللتِه‬
‫تبارك‬ ‫ِ‬
‫المتقادِم قولُه – َ‬ ‫اح عن المعنى‬ ‫الم ْنز ِ‬ ‫ِ‬ ‫التّنز ِ‬
‫يل العز ِ‬
‫يز على هذا المعنى الحادث ُ‬
‫أما في قولِه‪-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوا و ْارج ُعوا)( )‪ّ .‬‬ ‫ضون‪ ،) (‬وقولُه –ج ّل‪ :-‬ال تَْرُك ُ‬ ‫هم منها َي ْرُك َ‬ ‫اسمه‪ -‬إذا ْ‬ ‫ُ‬
‫األو ِل ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ض بِ ِر ْجلِك هذا ُم ْغتَ َس ٌل ٌ‬
‫‪6‬‬
‫بين‬
‫يترد ُد َ‬
‫قد ّ‬ ‫للخاطر ّ‬ ‫اب)( )‪ ،‬فالمرُء‪،‬‬ ‫بارد وشر ٌ‬ ‫‪(:‬ارُك ْ‬
‫تعالى‪ْ -‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ركض"‪ ،‬وقد قال الراغب‪" :‬فمتى نسب إلى الراكب فهو إعداء مركوب‪،‬‬
‫الفرس‪ ،‬ومتى ُنسب إلى الماشي فوطء األرض"‪ .‬انظر‪ :‬المفردات‪.228 ،‬‬
‫َ‬ ‫ت‬‫ضُ‬
‫نحو‪َ :‬رَك ْ‬
‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ركل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪.457/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬اآلية (األنبياء‪.)12 ،‬‬
‫(‪ )5‬اآلية (األنبياء‪.)13 ،‬‬
‫(‪ )6‬اآلية (ص‪.)42 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫اآلخر تُ ْؤِذ ُن باالنزيا ِح‬
‫ِ‬ ‫قام‬ ‫ِ‬ ‫وجود َب ْو ٍن بينهما ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫جلي‪ ،‬واقامةُ أحدهما ُم َ‬ ‫مع‬
‫المعنى الحادث والمتقادم‪َ ،‬‬
‫آني‬
‫ق القُر ِّ‬ ‫السيا ِ‬
‫الب الذين وقَفوا وجاهَ هذا ّ‬ ‫إن الطّ َ‬ ‫وقع هذا حقًّا؛ إ ْذ ّ‬ ‫وقد َ‬ ‫ِّن‪ْ ،‬‬ ‫عن المرِاد والمتعي ِ‬
‫مقصود عن المعنى‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ال ّشر ِ‬
‫ذلكم تَجاف ُ‬ ‫المتقادم‪ ،‬وانبنى على ْ‬ ‫ين تجافَ ْوا عن المعنى ُ‬ ‫فسر َ‬‫يف ُم ِّ‬
‫الحق –‬‫ُّ‬ ‫ص ُد الذي َرَمى إليه‬ ‫نتفيا‪ ،‬والم ْق ِ‬
‫ِ‬
‫اصل خافتاً‪ ،‬ب ْل ُم ً‬ ‫كان حظُّهم ِمن التّو ِ‬ ‫ِّن فيها‪ ،‬فَ َ‬ ‫المتعي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اآلية‬ ‫يجه على هذه‬ ‫ض تعر ِ‬ ‫برسي في َم ْع ِر ِ‬
‫وقد قال الطّ ُّ‬ ‫األرض‪ْ ،‬‬ ‫برجلِ َك‬
‫اضرب ْ‬ ‫ْ‬ ‫تعالى‪ -‬هو‪:‬‬
‫َ‬
‫اع"(‪،)1‬‬ ‫جهة اإلسر ِ‬ ‫ِ‬ ‫جل على‬ ‫بالر ِ‬
‫فع ِّ‬ ‫كض َّ‬
‫بالد ِ‬ ‫ادفع برجلِ َك‬ ‫ِ‬
‫الر ُ‬‫األرض‪ ،..،‬و َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أي‪:‬‬‫ال ّشريفة‪ْ " :‬‬
‫القرطبي يقو ُل‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ين"(‪ ،)2‬و‬ ‫بعت َع ٌ‬‫األرض‪ ،...،‬فضربها فََن ْ‬ ‫َ‬ ‫ضرب برجلِ َك‬‫ْ‬ ‫ي يقو ُل‪" :‬ا‬ ‫الزمخشر ُّ‬
‫وّ‬
‫ك‪،‬‬ ‫كض التّحري ُ‬ ‫ِ‬ ‫بالر ِ‬
‫الر ُ‬‫المبرُد‪ّ :‬‬
‫ثوبه برجله‪ ،‬وقال ّ‬ ‫وركض َ‬‫َ‬ ‫الدابةَ‪،‬‬
‫ركض ّ‬ ‫َ‬ ‫جل‪ ،‬يقا ُل‪:‬‬ ‫الدفعُ ِّ‬‫كض‪ّ :‬‬ ‫الر ُ‬‫" ّ‬
‫ك‬‫كض ّإنما هو تحري ُ‬ ‫الر َ‬
‫ألن ّ‬‫ت هي‪ّ ،‬‬ ‫ضْ‬ ‫ض ِت ّ‬
‫الد ّابةُ‪ ،‬وال ُيقا ُل َرَك َ‬
‫ِ‬
‫األصمعي‪ُ :‬يقال ُرك َ‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ولهذا َ‬
‫فعل لها في ذلك"(‪.)3‬‬ ‫راكبِها ِر ْجلَ ْيه‪ ،‬وال َ‬

‫اإليمان‪:‬‬
‫ُ‬
‫الليين‪ّ ،‬أولُهما مجا ُل ال ّشارِع‪ ،‬وثانيهما مجا ُل‬ ‫معلوم أن هذه الكلمةَ تنتسب إلى م ْ ِ‬
‫جالين د ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ ّ‬
‫بالجوارِح(‪،)4‬‬
‫سان‪ ،‬وعمالً َ‬ ‫ِ‬
‫بالقلب‪ ،‬واق ار اًر باللّ ِ‬ ‫األو ِل فهي تعني تحقيقاً‬ ‫ِ‬
‫أما في المجال ّ‬ ‫اللّغويِّ‪ّ ،‬‬
‫بعده‪ ،‬على ِد ِ‬
‫الالت‬ ‫البلخي‪ ،‬وابن قتيبةَ ِمن ِ‬ ‫عرج‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وقد ّ‬ ‫ب ومنازُل وشرائطُ َمخصوصةٌ‪ْ ،‬‬ ‫ولإليمان ُش َع ٌ‬
‫كذيب‪،‬‬
‫ضده التّ ُ‬‫غوي ُّ‬ ‫وعند اللّ ِّ‬
‫الكفر‪َ ،‬‬ ‫ضده ُ‬ ‫عند ال ّشارِع ُّ‬ ‫اإليمان َ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫اإليمان" ووجوِهها(‪ ،)5‬وبهذا‬
‫ِ‬ ‫"‬
‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫آومن‬ ‫ديق"(‪ ،)6‬فنقو ُل‪ :‬ما‬
‫ص ُ‬ ‫غويين ِ‬ ‫فق أه ُل ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫اإليمان معناه التّ ْ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫وغيرهم ّ‬ ‫العلم من اللّ ّ‬ ‫وقد اتّ َ‬
‫" ْ‬
‫بالمعنيين في التّنز ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولكن ِداللةَ‬
‫‪7‬‬
‫يل‪ ،‬وليس َيخفى‬ ‫وردت‬
‫ْ‬ ‫اإليمان‬ ‫ق بذلك( )‪ّ ،‬‬ ‫أصد ُ‬
‫أي‪ :‬ما ّ‬ ‫مما تقو ُل؛ ْ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالمية من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نقل دالالت األلفاظ‬‫ِ‬ ‫مرده إلى ِ‬ ‫ث ُّ‬ ‫أن معنى ال ّشارِع هو معنى ُم ْح َد ٌ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫َعلى ذي ُن ْه َية ّ‬
‫ِ‬
‫الكلمة إلى‬ ‫انتماء هذه‬ ‫أن‬ ‫المتقادم‪ ،‬و ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِم‬
‫َ‬ ‫الحق ّ‬ ‫غوي ُ ُ‬ ‫األصل هو المعنى اللّ ُّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫آخر‪ ،‬و ّ‬
‫ضمار إلى َ‬

‫(‪ )1‬الطبرسي‪ ،‬المجمع‪ ،281/8 ،‬والى هذا المعنى ذهب الطبري‪ ،‬انظر‪ :‬جامع البيان‪.107/23 ،‬‬
‫(‪ )2‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.376/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪ ،138/15 ،‬وانظر هذه المعاني‪ :‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن‪ ،39/4 ،‬وأبو عبيدة‪ ،‬مجاز‬
‫القرآن‪ ،185/2 ،‬وابن قتيبة‪ ،‬تفسير غريب القرآن‪ ، 380 ،‬وابن عزيز‪ ،‬نزهة القلوب‪ ،118 ،‬واليزيدي‪ ،‬غريب‬
‫القرآن‪ ،118 ،‬والراغب‪ ،‬المفردات‪ ،202 ،‬وأبو حيان‪ ،‬تحفة األريب‪ ،115 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ركض"‪،‬‬
‫وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.384/7 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.34 ،‬‬
‫(‪ )5‬البلخي‪ ،‬األشباه والنظائر‪ ،138-137 ،‬وابن قتيبة‪ ،‬تأويل مشكل القرآن‪.482-481 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أمن"‪ ،‬وابن قتيبة‪ ،‬تفسيرالغريب‪.9 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أمن"‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ِ‬
‫االحتمال‪.‬‬ ‫خول في بو ِ‬
‫ابة‬ ‫الد ِ‬ ‫فرز مواضع تَ ٍ‬
‫فاصل تُفضي إلى ّ‬ ‫قد ُي ُ‬
‫عي ْ‬
‫غوي وال ّشر ِّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫جالين‪ :‬اللّ ّ‬
‫الم ْ‬‫هذين َ‬
‫ِّ‬
‫الحق –تعالى‪:-‬‬ ‫لِننظر في ِ‬
‫قول‬ ‫ْ‬

‫قين)(‪.)1‬‬ ‫صاد َ‬ ‫ت ِبم ْؤ ِمن لَنا ولو ك ّنا ِ‬


‫ْ‬ ‫(وما أ ْن َ ُ‬‫َ‬
‫المتقادِم‪ ،‬وهو‪" :‬وما َ‬
‫أنت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ِ‬
‫باعتبار‬ ‫جاءت‬
‫ْ‬ ‫المتقدِم‬
‫ّ‬ ‫المؤمن" في ِ‬
‫سياقها‬ ‫ِ‬ ‫لع ّل ِداللةَ "‬
‫ق لنا"(‪،)3‬‬ ‫بمصد ٍ‬
‫ِّ‬ ‫أنت‬
‫أن معناه‪" :‬ما َ‬ ‫ِ‬
‫التفسير ّ‬ ‫يختلف أه ُل‬
‫ْ‬ ‫ولم‬ ‫‪2‬‬
‫كنا صادقين"( )‪ْ " ،‬‬ ‫ولو ّ‬ ‫ق لنا ْ‬ ‫بمصد ٍ‬
‫ِّ‬
‫ق‬‫السيا ِ‬
‫ائن ّ‬‫أن قر َ‬ ‫احتملت؛ ذلك ّ‬ ‫ْ‬ ‫أشكلت أو‬
‫ْ‬ ‫أن ِداللةَ "مؤمن" ههنا‬ ‫مت إلى ّ‬ ‫قد ُ‬
‫يذهب بي ما ّ‬ ‫ُ‬ ‫وليس‬
‫قد تُ ِ‬
‫شك ُل‬ ‫ِ‬
‫اإليمان" ْ‬ ‫ولكن ِداللةَ "‬ ‫ٍ‬
‫احتمال‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫إشكال أو‬ ‫يرد ِمن‬
‫قد ُ‬ ‫المقاميةَ تُ ْؤِذ ُن برف ِع ما ْ‬
‫المقاليةَ و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحده َك ْفرتُم‪ ،‬وا ْن ُي ْش َر ْك بِه تُ ْؤ ِمنوا)(‪،)4‬‬‫بعضهم في قوِله‪-‬تعالى‪(:-‬ذلكم ّأنه إذا ُد ِع َي اهللُ َ‬ ‫ِ‬ ‫عند‬
‫َ‬
‫المتعي ُن ِع ُ‬
‫‪5‬‬
‫تصدقوا( )‪.‬‬ ‫عي‪ ،‬وهو‪ّ :‬‬ ‫غوي ال ال ّشر ُّ‬
‫ماده األص ُل اللّ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫والمعنى‬

‫الد ّابة‪:‬‬
‫ّ‬
‫طوِر‬ ‫يرد على قارئِها في ِ‬
‫سياقها إشكا ٌل ُّ‬ ‫الم َع َّم ِرة التي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫مرده إلى التّ ّ‬ ‫قد ُ‬ ‫الد ّابةُ من األلفاظ ُ‬
‫األرض ُّ‬
‫أخف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فارس‪ -‬حركةٌ على‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫جماع المعنى –كما ُيْلم ُح إليه ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬‫اقع فيها؛ ذلك ّ‬‫اللي الو ِ‬
‫الد ِّ‬
‫دابةٌ"(‪ ،)6‬وليس يخفى تلكم ِّ‬
‫الص ْبغةُ‬ ‫ِ‬
‫األرض فهو ّ‬ ‫وكل ما مشى على‬ ‫بيبا‪ُّ ،‬‬ ‫المشي‪ ،‬تقو ُل َّ‬
‫دب َد ً‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫دابةٌ"‪،‬‬
‫األرض فهو ّ‬‫ِ‬ ‫وكل ما مشى على‬ ‫فارس‪ُّ ":‬‬ ‫ٍ‬ ‫كالم ِ‬
‫ابن‬ ‫ئ ِمن ِ‬ ‫العريضةُ التي تَلُو ُح للقار ِ‬ ‫العموميةُ َ‬
‫ّ‬
‫فالطير‬ ‫ِ‬
‫البسيطة‪،‬‬ ‫وجه هذه‬ ‫يدب على ِ‬ ‫كل ما ُّ‬ ‫تشتمل على ِّ‬ ‫ألن‬ ‫اللغويةَ تُ ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫رش ُح ْ‬ ‫ّ‬ ‫الداللةَ‬
‫أن ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫و ّ‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫رجلي ِه في‬
‫يدب على ْ‬ ‫فإن الطّ َير ُّ‬ ‫مردود‪ّ ،...،‬‬ ‫ٌ‬ ‫اس الطّ َير‪ ،‬وهو‬‫الن ِ‬‫بعض ّ‬ ‫ُ‬ ‫وقد أخرَج‬‫دابةٌ‪ْ " ،‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫يدب على‬ ‫بعض ما ُّ‬ ‫ِ‬ ‫اح‬
‫رت‪ ،‬فأفضى هذا إلى اطّر ِ‬ ‫طو ْ‬
‫قد ت ّ‬ ‫الداللةَ ْ‬‫ولكن هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫حاالتِه"(‪،)7‬‬
‫فأشار إلى‬
‫َ‬ ‫الحاد ِث‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫طوِر ِّ‬
‫سان إلى هذا التّ ّ‬ ‫صاحب اللّ ِ‬‫ُ‬ ‫التفت‬
‫َ‬ ‫وقد‬ ‫ِ‬
‫كاإلنسان‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ضمارها‪،‬‬ ‫ِمن ِم‬
‫الصفةُ(‪،)8‬‬
‫اب‪ ،‬وحقيقتُه ّ‬ ‫ب ِمن الدو ِّ‬ ‫ب على ما ُي ْرَك ُ‬ ‫االسم َغلَ َ‬
‫َ‬ ‫أن هذا‬‫ب‪ ،‬و ّ‬ ‫الد ّابةَ هي التي تُْرَك ُ‬‫أن ّ‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬اآلية (يوسف‪.)17 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل المشكل‪ ،481 ،‬وتفسير الغريب‪ ،9 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أمن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أمن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬اآلية(غافر‪.)12 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬تفسير الغريب‪ ،386،‬وتأويل المشكل‪ ،481،‬والزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،419/3 ،‬والقرطبي‪،‬‬
‫الجامع‪ ،195/15 ،‬وأبوحيان‪ ،‬البحر‪.436/7 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "دبب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.132/2 ،‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "دبب"‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫كانت ِداللةً ر ْحبةً عريضةً تشتم ُل على م ْد َخ ٍ‬
‫الت‬ ‫خصيص؛ إ ْذ ّإنها‬ ‫تطوٌر ِد ٌّ‬
‫اللي هيئتُه التّ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫وهذا ّ‬
‫ير في هذه‬ ‫الجن والطّ ِ‬ ‫ِ‬
‫كاإلنس و ِّ‬ ‫ِ‬
‫تستغرقُه‬ ‫بعض ما‬
‫ُ‬ ‫انكمشت فاطُّ ِرَح‬
‫ْ‬ ‫الليةَ قد‬
‫الد ّ‬ ‫كثي ٍرة‪ّ ،‬‬
‫ولكن دائرتَها ِّ‬
‫ِ‬
‫األيام‪.‬‬

‫ِ‬
‫الحادث‪ ،‬واألمثلةُ اآلتيةُ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم و‬ ‫ِ‬
‫بالمعنيين؛‬ ‫يز‬ ‫الد ّاب ِة" في التّنز ِ‬
‫يل العز ِ‬ ‫وردت ِداللةُ " ّ‬
‫ْ‬ ‫وقد‬
‫ْ‬
‫تقد َم‪:‬‬
‫مجل لما ّ‬‫بيان ٍّ‬
‫فيها فض ُل ٍ‬

‫بجناحي ِه إالّ أمم أمثالُ ُكم)(‪.)1‬‬


‫ْ‬ ‫طير‬ ‫ِ‬
‫األرض َوال طائر َي ُ‬ ‫دابة في‬ ‫ِ‬
‫(وما م ْن ّ‬ ‫‪َ -1‬‬
‫ويتعي ُن ِمن إلماحتِه –‬
‫ّ‬ ‫اآلدمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أن ثَّم ثالوثًا ُم ْؤتلفًا ِمن‬ ‫ِ‬
‫ق ال ّشريف ّ‬ ‫السيا ِ‬ ‫ِ‬
‫يظهر من هذا ّ‬ ‫ُ‬
‫الد ّاب ِة‪،‬‬
‫بجناحيه"‪ ،‬و ّ‬
‫ْ‬ ‫يطير‬
‫ُ‬ ‫طائر‬
‫ٌ‬ ‫ويتعي ُن ِمن قولِه –تَعالى– "وال‬ ‫ّ‬ ‫أمم أمثالُكم"‪ ،‬والطّ ِ‬
‫ير‪،‬‬ ‫تعالى‪ٌ " -‬‬
‫اهتدينا إلى الَم ِق ِ‬
‫صد‬ ‫وقد‬ ‫ِ‬
‫الحادث‪ْ ،‬‬ ‫جاءت بالمعنى‬ ‫قد‬
‫يف ْ‬‫ق ال ّشر ِ‬
‫السيا ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الد ّابةَ في هذا ّ‬‫أن ّ‬‫اهر ّ‬
‫والظّ ُ‬
‫وفضله في استشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫السيا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف المعنى(‪.)2‬‬ ‫البنيوي‬
‫ِّ‬ ‫ق‬ ‫المتعي ِن منها بالفيء إلى ّ‬
‫ّ‬

‫ِ‬
‫ناصيتها)(‪.)3‬‬ ‫دابة إالّ هو آخذ ِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وربكم ‪ ،‬ما من ّ‬
‫ربي ِّ‬ ‫لت علَى اهلل ّ‬
‫‪(-2‬إ ّني تو ّك ُ‬
‫يض‪ ،‬واليه‬ ‫ِ‬
‫المتقادم العر ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتبار المعنى‬ ‫جاءت على‬ ‫المتقدِم‬
‫ِّ‬ ‫الداب ِة" في ِ‬
‫سياقها‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫لع ّل داللةَ " ّ ّ‬
‫ودابةٌ‪،‬‬
‫داب‪ّ ،‬‬ ‫األرض‪ُّ ،...،‬‬
‫وكل ما فيه روٌح يقا ُل له ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫تدب على‬‫نفس ُّ‬ ‫بي قائالً‪" :‬أي‪ٌ :‬‬ ‫أشار القرط ُّ‬
‫َ‬
‫‪4‬‬
‫الهاء للمبالغة"( )‪.‬‬
‫و ُ‬

‫ستَْوَد َعها)(‪.)5‬‬ ‫ض إالّ علَى ِ‬


‫اهلل ِرزقُها‬ ‫األر ِ‬ ‫ِ‬
‫وم ْ‬
‫ستقرها ُ‬
‫ويعلم ُم َّ‬
‫ُ‬ ‫دابة في ْ‬ ‫(وما من ّ‬ ‫‪َ -3‬‬
‫تقد َم آنفًا؛ إ ْذ‬
‫عما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القول على ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫طلَ ِب‬
‫الد ّابة في سياقها ال ّشريف هذا ببعيدة ّ‬ ‫وليست تجليةُ َم ْ‬
‫ْ‬
‫اللي الواق ِع‬
‫الد ِّ‬‫طوِر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫الداب ِة ههنا ال يكون إالّ باستر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ظر القائل بالتّ ّ‬ ‫فاد ّ‬ ‫ُ‬ ‫تعيين داللة ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫َّح ّ‬
‫إن المرج َ‬
‫ّ‬
‫عامةً تشتم ُل على‬ ‫جداً أن تكون كلمةُ " ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ّابة" ههنا ّ‬ ‫َ‬ ‫يمكن ّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫المتقادم‪ ،‬ولذلك‪،‬‬ ‫استبطان معناها‬ ‫فيها‪ ،‬و‬
‫تستغرق ك ّل‬ ‫ِ‬
‫المتقادمة التي‬ ‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫تأملِه إلى ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بثاقب ِ‬
‫ُ‬ ‫بصره‪ ،‬وبعيد ّ‬ ‫برسي‬
‫التفت الطّ ّ‬ ‫َ‬ ‫وقد‬
‫دب‪ْ ،‬‬ ‫ك ّل ما ّ‬
‫األرض‪ ،‬ويدخ ُل فيه‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪" :‬أي‪ :‬ليس ِمن داب ٍة تدب على ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬
‫البسيطة َ‬ ‫ما دب على ِ‬
‫وجه هذه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬اآلية (األنعام‪.)38 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر ما قيل فيها‪ :‬الطبرسي‪ ،‬المجمع‪ ،37/4 ،‬والقرطبي‪ ،‬الجامع‪ ،27/6 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.124/4،‬‬
‫(‪ )3‬اآلية(هود‪.)56 ،‬‬
‫(‪ )4‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪ ،36/9 ،‬وانظر ما قاله الزمخشري فيها‪ ،‬الكشاف‪ ،277/2 ،‬والطبرسي‪،‬المجمع‪220/5،‬‬
‫(‪ )5‬اآلية(هود‪.)56 ،‬‬

‫‪36‬‬
‫ولما‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫ير واألنعام والهو ِّام"( )‪ّ ،‬‬ ‫الجن و ِ‬
‫اإلنس والطّ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫األرض ِمن‬
‫ِ‬ ‫جميع ما خلقَه اهلل تعالى على ِ‬
‫وجه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عن تربيتِه‪.) ("...‬‬
‫‪2‬‬
‫الجميع‪ ،‬و ّأنه ال يغف ُل ْ‬
‫ِ‬ ‫أخبر برز ِ‬
‫ق‬ ‫سبحانه َ‬
‫َ‬ ‫أشار إلى " ّأنه‬
‫القرطبي َ‬
‫ُّ‬ ‫ورد عليها‬
‫َ‬
‫داب ٍة ال تحم ُل رزقَها اهللُ يرزقُها)(‪ ،)3‬وتوجيهُ ِداللتِها‬ ‫ِ‬
‫تقد َم قولُه ‪-‬تعالى‪( :-‬وما من ّ‬ ‫وم َِن ِ‬
‫مثل ما ّ‬ ‫ِ‬
‫تعقل"(‪.)4‬‬
‫عقلت أو ْلم ْ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ت على ِ‬
‫وجه‬ ‫دب ْ‬ ‫ي‪ ":‬ك ّل ٍ‬
‫ْ‬ ‫نفس ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬‫عند ّ‬
‫ههنا َ‬

‫السبات‪:‬‬
‫نوم ُكم‬ ‫ُّبات في ِ‬ ‫المباحثة ِداللةُ الس ِ‬
‫ِ‬
‫‪(:‬و َجعْلنا َ‬ ‫تنزه‪َ -‬‬ ‫الحق – ّ‬ ‫ّ‬ ‫قول‬ ‫ب هذه‬ ‫طلَ َ‬‫ومما يجلّي َم ْ‬‫ّ‬
‫عرَج على‬ ‫أن ُي َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وض في ِ‬ ‫الخ ِ‬ ‫ُسباتًا)(‪ ،)5‬ولعلّه‬
‫الحق ْ‬ ‫الم ْقصد الذي َرَمى إليه‬ ‫بيان َ‬ ‫يحس ُن قب َل َ‬‫ُ‬
‫كل ٍ‬
‫جلد‬ ‫ت(بالكسر) ُّ‬ ‫طعُ‪ ،‬والس ِّْب ُ‬ ‫المتقادم‪ -‬فهو القَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫األو ُل‪-‬أعني‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫أما ّ‬ ‫المتقادم والحادث‪ّ .‬‬ ‫المعنى ُ‬
‫عنها‪ ،‬أي‪ُ :‬حلِ َ‬ ‫شعرها ُسبِ َ‬ ‫وكأنها سم ْ ِ‬
‫‪6‬‬
‫شعره‬
‫ت َ‬ ‫يل( )‪ ،‬وقولُنا‪َ :‬س َب َ‬ ‫ق وأُز َ‬ ‫ت ْ‬ ‫ألن َ‬‫بتيةً ّ‬
‫يت س ّ‬ ‫مدبوٍغ‪ّ ُ ّ ،‬‬
‫ت‬‫ب َِ ُ‬
‫الراحةَ‪ ،‬ولذلك نقو ُل‪َ :‬س َبت َي ْس ُ‬ ‫ت ّ‬‫فصار الس َّْب ُ‬
‫َ‬ ‫انتقل‬
‫تطوَر هذا المعنى‪ ،‬و َ‬ ‫أسه‪َ :‬حلَقَه‪ ،‬ث ّم ّ‬
‫ور َ‬
‫وم‪،‬‬‫الن ِ‬
‫تدل على ّ‬ ‫فغدت ُّ‬ ‫لكلمة الس ِ‬
‫ُّبات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ِداللةٌ جديدةٌ‬ ‫اح وس َكن‪ ،‬و ِمن هنا تخلّقَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َس ْبتًا‪ :‬إذا استر َ‬
‫نام انقطعَ‬ ‫فكأنه إذا َ‬ ‫طعُ؛ ّ‬ ‫أصل الس َّْب ِت القَ ْ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫وقيل ّ‬
‫الراحةُ‪َ ،‬‬ ‫سان‪ّ -‬‬‫صاحب اللّ ِ‬
‫ُ‬ ‫وأصلُه ‪-‬كما يقو ُل‬
‫الن ِ‬
‫اس(‪.)7‬‬ ‫عن ّ‬

‫ِ‬
‫المتقاد َم هو‬ ‫اللي‬ ‫األصل ِّ‬
‫الد َّ‬ ‫إن‬ ‫رض ّ ِ‬ ‫الع ِ‬
‫َ‬ ‫أن ُيقا َل ّ‬
‫لمادة "سبت" ْ‬ ‫بعد هذا َ‬ ‫يستقيم َ‬
‫ُ‬ ‫لعلّه‬
‫ُّبات نوما‪ .‬أما السؤا ُل عن ِ‬
‫هيئة هذا‬ ‫فصار الس ُ ً ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫تطور تارةً أخرى‬‫ثم ّ‬
‫الراحةَ‪ّ ،‬‬‫تطور فغدا ّ‬
‫ثم ّ‬ ‫طع"‪ّ ،‬‬
‫"القَ ْ‬
‫كالغ ِ‬
‫شية‪.‬‬ ‫خفيةٌ َ‬‫مات‪َ -‬نومةٌ َخفيفةٌ‪ ،‬أو ّ‬
‫الم ْع َج ُ‬ ‫النوِم فهو –كما إليه ُ‬
‫تشير ُ‬ ‫ّ‬

‫وردت في ٍ‬
‫آيات‬ ‫ْ‬ ‫ماد ِة "الس َّْبت"‪ْ ،‬‬
‫فقد‬ ‫المباحثة‪ ،‬وهو ِداللةُ ّ‬
‫ِ‬ ‫عوًدا على ب ٍ‬
‫دء‪ ،‬على م ِ‬
‫طلب هذه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫العلي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الحق‬ ‫ِمنها قو ُل‬
‫الس ْبت)(‪.)8‬‬ ‫تدوا ِمن ُكم في َّ‬
‫اع َ‬
‫الذين ْ‬
‫َ‬ ‫(ولقد علمتُم‬
‫‪ْ -1‬‬

‫(‪ )1‬الطبرسي‪ ،‬المجمع‪.182/5 ،‬‬


‫(‪ )2‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.9/6 ،‬‬
‫(‪ )3‬اآلية(العنكبوت‪.)60 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،211/3 ،‬وانظر ما قاله فيها الفراء‪ ،‬معاني القرآن‪.318/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬اآلية(عم‪.)9 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سبت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪ ،248 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سبت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬اآلية (البقرة‪.)65 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫يوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هم َ‬‫أتيهم حيتا ُن ْ‬
‫الس ْبت إ ْذ تَ ْ‬
‫ون في ّ‬ ‫البحر إ ْذ َي ْع ُد َ‬ ‫كانت حاضرةَ‬
‫القرية التي ْ‬ ‫َلهم عن‬
‫اسأ ُ‬
‫‪(-2‬و ْ‬
‫ويوم ال َيس ِب َ‬
‫تون ال تَأتيهم)(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ش َّرعا‪َ ،‬‬
‫سبتهم ُ‬
‫سباتا)(‪.)2‬‬
‫نومكم ُ‬
‫(و َجع ْلنا َ‬
‫‪َ -3‬‬

‫ت‬‫وتم ْ‬
‫تت ّ‬ ‫األشياء ُسبِ ْ‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫اآلية األولى "مأخوٌذ ِمن الس َّْب ِت وهو القَ ْ‬
‫ط ِع‪ ،‬فقيل ّ‬
‫ِ‬ ‫ت في‬‫الس َّْب ُ‬
‫اآلية الثّ ِ‬
‫انية؛‬ ‫الدعةُ"(‪ ،)3‬وكذلك المعنى في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الراحةُ و ّ َ‬
‫خلقتُها‪ ،‬وقيل هو مأخوٌذ من السُّبوت الذي هو ّ‬
‫ِ‬
‫القول‪-‬‬ ‫وباب‬
‫ُ‬ ‫)‪.‬أما اآليةُ الثّالثةُ – وهي موضعُ التّمثُّ ِل‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬
‫ك العمل واالنقطاعُ عنه( ّ‬ ‫ت فيها تر ُ‬ ‫فالس ْب ُ‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫الحق‬ ‫يظن – والظّ ُّن ال ُيغني ِمن‬‫قد ّ‬ ‫أن المرَء ْ‬ ‫بعين الر ِ‬
‫وية والتّدب ُِّر؛ ذلك ّ‬
‫يجب أخ ُذه ِ ّ ّ‬
‫ففيها َمْل َحظٌ ُ‬
‫ولكن هذا‬ ‫اليوم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ان عليه إلفُنا َ‬ ‫وفاء لذلكم المعنى الحادث الذي ر َ‬ ‫وم ً‬ ‫الن ُ‬
‫ُّبات ههنا هو ّ‬ ‫أن الس َ‬ ‫شيئا‪ّ -‬‬‫ً‬
‫نوما؟!‪ ،‬وهنا يتجلّى ثانيةً‬ ‫نومكم ً‬ ‫يكون المعنى‪ :‬وجعْلنا َ‬
‫ُ‬ ‫كيف‬
‫بيان؛ إ ْذ َ‬ ‫نظر وفض ُل ٍ‬ ‫يعوزه ٌ‬‫ب ُ‬ ‫الم ْذ َه َ‬
‫َ‬
‫ِّن‪ ،‬وهو‪ :‬وجعْلنا‬ ‫صِد والمتعي ِ‬
‫بيان الم ْق ِ‬ ‫اف أطو ِار ّ ِ‬
‫الداللة في ِ َ‬
‫اإلحكام فض ُل استشر ِ‬
‫ِ‬ ‫وثالثةً على ِ‬
‫وجه‬
‫ِ ‪6‬‬ ‫ِ ‪5‬‬
‫الحق‬
‫االشتغال"( )‪ ،‬و ّ‬ ‫الن ِ‬
‫اس و‬ ‫انقطع عن ّ‬ ‫نام‬
‫َ‬ ‫وكأنه إذا َ‬
‫العمل( )‪ّ " ،‬‬ ‫ط ًعا عن‬
‫كونا وراحةً وقَ ْ‬
‫نومكم ُس ً‬ ‫َ‬
‫كان ذلك كذلك‪َ ،‬ع َدلوا كلُّهم إلى‬ ‫ِ‬
‫ولما َ‬ ‫بعض طالّ ِب العر ّبية ال ّش َ‬
‫ادين عليها‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أوردت‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫كنت ْ‬
‫ّأنني ُ‬
‫دبرين عن المعنى الم ِ‬
‫تقادم‬ ‫ُ‬ ‫القار في ثقافتِهم‪ُ ،‬م ِ‬ ‫سترشدين بالمعنى الم ِ‬
‫ستحكم ِّ‬ ‫ُ‬
‫الحادث‪ ،‬م ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫المعنى‬
‫النتفاء ِ‬
‫عهدهم بِه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الس ْع ُي‪:‬‬
‫َّ‬
‫ظر في‬ ‫الن َ‬ ‫أنعمنا ّ‬
‫اليوم؛ ذلك ّأننا إذا ْ‬
‫غوي َ‬‫مفارق ِلما ار َن عليه ِإْلفُنا اللّ ُّ‬
‫ٌ‬ ‫أمس معنى‬ ‫َّعي ِ‬
‫للس ِ‬
‫جاء في‬
‫وقد َ‬
‫‪7‬‬
‫المشي( )‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫اع في‬‫تدل على اإلسر ِ‬‫كانت ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ألفينا ّأنها‬ ‫ِ‬
‫الحال‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫األصل ال‬ ‫ِ‬
‫باعتبار‬ ‫ِداللتِها‬
‫أنتم تَ ْس َع ْون‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السعي‪َ :‬ع ْد ٌو دون ِّ‬ ‫اللّ ِ‬
‫الصالةَ فال تأتُوها و ْ‬
‫الشد‪ ،...،‬وفي الحديث‪":‬إذا أتيتم ّ‬ ‫أن " ّ َ‬
‫سان ّ‬
‫اهر ِمن هذا ّ‬
‫‪8‬‬
‫ص‬‫الن ِّ‬ ‫الع ْدو‪ .‬سعى إذا َعدا"( )‪ ،‬والظّ ُ‬ ‫عي هنا َ‬‫فالس ُ‬
‫السكينةُ"‪ّ ،...،‬‬
‫ولكن ائتوها وعليكم ّ‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬اآلية (األعراف‪.)163 ،‬‬


‫(‪ )2‬اآلية (عم‪.)9 ،‬‬
‫(‪ )3‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.299/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.194/7 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الطبري‪ ،‬تفسيره‪ ،30/30 ،‬والقرطبي‪ ،‬الجامع‪ ،112/19 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.403/8 ،‬‬
‫(‪ )6‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.112/19 ،‬‬
‫(‪ )7‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سعى"‪ ،‬وابن قتيبة‪ ،‬تأويل المشكل‪.509 ،‬‬
‫(‪ )8‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سعى"‪ ،‬والراغب في مفرداته يرى أن السعي المشي السريع‪ ،‬وهو دون العدو‪،‬‬
‫انظر‪ :‬المفردات‪.261 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫بأن‬ ‫الرسول ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬ينهى المرء عن الع ْد ِو إلى الص ِ‬ ‫قتب ِ‬
‫ويأمر ْ‬
‫ُ‬ ‫الة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫س آنفًا ّ‬ ‫الم َ‬
‫ُ‬
‫غوي‬
‫لف اللّ ِّ‬‫اإل ِ‬
‫ياحا عن ِ‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬يتجلّى للقار ِ‬ ‫يأتيها وعليه السكينةُ‪ ،‬و ِمن و ٍ‬
‫أن ثَّم انز ً‬‫تقدم ّ‬
‫مما ّ‬ ‫ئ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫الع ْد َو" هي‬ ‫ِ‬ ‫الم ِ‬
‫ستحكِم َ‬
‫الداللةَ " َ‬
‫المتقادمةَ‪ ،‬ولع ّل تلكم ّ‬ ‫الداللةَ‬
‫يفارق هذه ّ‬
‫ُ‬ ‫اليوم‬
‫عي َ‬ ‫الس َ‬
‫أن ّ‬
‫عندنا؛ ذلك ّ‬ ‫ُ‬
‫جليةً‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫وتظهر هذه المعاني ّ‬ ‫ُ‬ ‫المشي"( )‪،‬‬
‫صد والعمل و ِ‬ ‫فأصبحت تدل على "القَ ْ‬‫ْ‬ ‫رت‬
‫تطو ْ‬
‫ثم ّ‬ ‫األص ُل‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫أشار "إلى ّ‬‫فقد َ‬ ‫المْل َح ِظ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن قتيبةَ‪ ،‬في باب اللّفظ الواحد للمعاني المختلفة‪ ،‬إلى هذا َ‬
‫ِ‬
‫إلماحة ِ‬ ‫في‬
‫ُخ َر تلفُّها كلمةُ الس ِ‬
‫َّعي‪ ،‬و ِمن ذلك العم ُل‪،‬‬ ‫ينصرف إلى َم ٍ‬
‫عان أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ولكنه‬
‫المشي‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫عي هو إسراعٌ في‬
‫الس َ‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫عيكم لَ َشتّى)( )‪،‬‬
‫(إن َس َ‬
‫اسمه‪ّ :-‬‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬
‫كقولِه –تعالى‪(:-‬فَ َ‬
‫شكورا)( )‪ ،‬وقوله‪-‬تبارك ُ‬ ‫كان َس ْعُيهم َم ً‬
‫أؤلئك َ‬
‫لمختلف(‪.)4‬‬
‫ٌ‬ ‫أي ‪:‬عملَكم‬
‫ْ‬

‫الع ْد ِو‪،‬‬ ‫عي في أصلِها الم ِ‬


‫تقادم ُّ‬ ‫تقدم آنِفًا ِ‬
‫اع و َ‬‫تدل على اإلسر ِ‬ ‫ُ‬ ‫الس ِ‬
‫أن داللةَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫مما ّ‬
‫ص ّ‬ ‫المستخلَ ُ‬
‫وُ‬
‫ِ‬
‫المقام‬ ‫ق ََ ََْبلِه إلماحةُ ِ‬
‫ابن قتيبةَ‪ ،‬وليس ُي ْن َسى في هذا‬ ‫منظور‪ ،‬و ِمن َ‬
‫ٍ‬ ‫ويدلُّنا على هذا قو ُل ِ‬
‫ابن‬
‫بيانه في‬ ‫المتقد ُم ُ‬ ‫سول ‪-‬صلّى اهللُ عليه وسلّم‪-‬‬ ‫حديث الر ِ‬ ‫دان ما نحن فيه‪ّ ،‬أولُهما‪:‬‬ ‫ض ِ‬ ‫َمطلَ ِ‬
‫بان َي ْع ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫تجس ُد ِداللةَ‬ ‫ٍ‬
‫مقرون بحركة ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫الحج‬ ‫ِ‬
‫مناسك‬ ‫ك ِمن‬‫َّالة‪ ،‬وثانيهما‪َ :‬م ْن ِس ٌ‬
‫َّعي إلى الص ِ‬ ‫هي عن الس ِ‬ ‫الن ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫بينهما‪ ،‬وما‬ ‫فاد صو ِرة ّ‬
‫الساعي َ‬ ‫أن استر َ‬ ‫الصفا والمروِة‪ ،‬و ُّ‬
‫الحق ّ‬ ‫بين ّ‬ ‫َّعي َ‬ ‫َّعي المتقادمةَ‪ّ :‬إنها الس ُ‬‫الس ِ‬
‫قررِة بمعنى الس ِ‬
‫َّعي‬ ‫الم ِّ‬
‫الدواعي ُ‬‫كل ذلك ِمن ّ‬ ‫استحضار هم ٍة‪ُّ ،‬‬
‫ِ ّ‬
‫دار و ٍ‬
‫اشتداد و‬ ‫يقترن بها ِمن سر ٍ‬
‫عة وبِ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫المتقادم‪.‬‬

‫تترد ُد‬
‫عي ّ‬ ‫الس ِ‬
‫أن كلمةَ ّ‬ ‫يرد على المرِء باعثُه ّ‬‫قد ُ‬
‫ْ‬ ‫أن إشكاالً‬ ‫ليس يخفَى على ذي تبص ٍ‬
‫ُّر ّ‬ ‫َ‬
‫ومما‬ ‫الد ِ‬
‫اللتين‪ّ ،‬‬ ‫يز تَْينِ َك ّ‬ ‫احتملت في التّنز ِ‬
‫يل العز ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫حادث‪ ،‬و ّأنها‬ ‫ِ‬
‫متقادٍم‪ ،‬ومعنى‬ ‫ِ‬
‫معنيين‪ ،‬معنى‬ ‫بين‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المتقادِم قولُه‪ -‬تبارك‪:-‬‬ ‫جاء في التّنز ِ‬
‫يل بالمعنى‬ ‫َ‬

‫س َعى)(‪.)5‬‬
‫حية تَ ْ‬
‫‪(-1‬فَإذا هي ّ‬

‫س ْعيا)(‪.)1‬‬
‫يأتينك َ‬
‫َ‬ ‫‪(-2‬ثُ ّم ْاد ُع ُه ّن‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سعى"‪.‬‬


‫(‪ )2‬اآلية (اإلسراء‪.)19 ،‬‬
‫(‪ )3‬اآلية (الليل‪.)4 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل المشكل‪.509 ،‬‬
‫(‪ )5‬اآلية (طه‪.)20 ،‬‬

‫‪39‬‬
‫س َعى)(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المدينة رجل َي ْ‬
‫جاء من أقْصى َ‬
‫(و َ‬
‫‪َ -3‬‬
‫يقتلوك‪.)3("....‬‬
‫َ‬ ‫بك لِ‬
‫مرون َ‬
‫القوم َيأتَ َ‬ ‫إن‬
‫قال يا موسى ّ‬ ‫‪"-4‬وجاء رجل يسعى ِمن أقصى الم ِ‬
‫دينة َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬

‫أبناء العر ّبي ِة‬


‫ِ‬ ‫ِم ْن‬
‫أظفر بأحٍد‪،‬‬
‫ْ‬ ‫اإللماح إليه ّأنني ْلم‬
‫ُ‬ ‫األو َل الذي ينبغي‬
‫المْل َحظَ ّ‬
‫لع ّل َ‬
‫يب– على‬ ‫جنح إليه أه ُل التّ ِ‬ ‫ال ّشادين‪ ،‬ذي ٍ‬
‫–ال ر َ‬
‫قائم‬
‫فسير‪ ،‬وهو معنى ٌ‬ ‫َ‬ ‫عهد بالمعنى الذي‬ ‫َ‬
‫المشي‬ ‫عي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الس ُ‬
‫القول‪ّ " :‬‬ ‫ي إلى‬ ‫الزمخشر ُّ‬‫جنح ّ‬‫اللي‪ ،‬ففي اآلية ال ّشريفة األولى َ‬
‫الد ِّ‬ ‫استشراف التّ ّ‬
‫ِّ‬
‫الجان"(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫حركة‬ ‫عبان‪ ،‬وسر ِ‬
‫عة‬ ‫ِ‬
‫شخص الثّ ِ‬ ‫كانت في‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫وحركة‪،...،‬‬ ‫عة وخفّ ٍة‬ ‫بسر ٍ‬
‫عة ‪.)5("....‬‬ ‫برسي يقو ُل‪" :‬أي تمشي بسر ٍ‬ ‫والطّ ُّ‬
‫وأبو حيان يقو ُل‪" :‬تنتق ُل وتمشي بسر ٍ‬
‫عة"(‪.)6‬‬ ‫ّ َ‬

‫ي بالمعنى‬‫الزمخشر ُّ‬‫فقد َه َج َس ّ‬‫ك َس ْعًيا"‪ْ ،‬‬ ‫يأتين َ‬


‫هن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم ْاد ُع ّ‬
‫أما في اآلية الثّانية‪ ،‬وهي‪ّ " :‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫هن‪ ،‬أو في مشيِ ّ‬
‫‪7‬‬
‫القرطبي‬
‫ِّ‬ ‫عند‬
‫هن"( )‪ ،‬وكذلك الحا ُل َ‬ ‫فقال‪" :‬ساعيات مسرعات في طيران ّ‬ ‫المتقادم‪َ ،‬‬
‫طار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للطائر "سعى" إذا َ‬ ‫هن‪ ،‬وال ُيقال‬
‫عيا‪ ،‬أي َع ْد ًوا على أرجل ّ‬ ‫داء‪ ،‬فجاءتْه َس ً‬ ‫الن َ‬
‫كرَر ّ‬‫ثم ّ‬
‫القائل‪ّ " :‬‬
‫ق ال ّشر ِ‬
‫يف ُنكتةً‬ ‫السيا ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ‪8‬‬
‫عي في هذا ّ‬ ‫الس ِ‬
‫التمس من داللة ّ‬ ‫َ‬ ‫فقد‬
‫ان ْ‬ ‫حي َ‬‫أما أبو ّ‬ ‫إالّ على التّمثيل"( )‪ّ ،‬‬
‫طار‬ ‫ظي ِن‪ّ ،‬أولُهما سعي الطّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ائر؛ إ ْذ ّإننا نقو ُل‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫لح ْ‬‫إعجاز قائمةٌ على استرفاد َم َ‬ ‫بالغيةً فيها لمحةُ‬
‫ّ‬
‫عنده‬
‫وترشيح ذلك َ‬ ‫سياقها ال ّشر ِ‬
‫يف‪،‬‬ ‫عي في ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫اإلنسان"‪ ،‬وثانيهما ُم ْستَقى من داللة ّ‬ ‫ُ‬ ‫ائر وسعى‬ ‫الطّ ُ‬
‫إتيانهن مسر ٍ‬
‫عات إليه في‬ ‫ِ‬ ‫فأتي َنه وتن ّزْل َن َم ْن ِزلةَ‬
‫وكان ُ ّ‬ ‫عي‪َ ،‬‬ ‫بالس ِ‬
‫العاقل الذي ُيوصف ّ‬ ‫دعاهن ْ‬
‫ّ‬ ‫لما‬
‫" ّأنه ّ‬
‫جد الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اغب فيما يمشي إليه‬ ‫الم ِّ ّ‬‫سيرُه ّن َس ْعًيا؛ إ ْذ هو مشيةُ ُ‬ ‫وجعل َ‬ ‫َ‬ ‫اآلية‪،...،‬‬ ‫أبلغ في‬
‫المشي َ‬‫ِ‬
‫جابة دعوتِه‪.)9("...‬‬‫قصد إبراهيم وا ِ‬ ‫إلظهار ِج ّدها في ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬اآلية (البقرة‪.)260 ،‬‬


‫(‪ )2‬اآلية (ياسين‪.)20 ،‬‬
‫(‪ )3‬اآلية (القصص‪.)20 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.534/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬الطبرسي‪ ،‬المجمع‪.13/7 ،‬‬
‫(‪ )6‬أبوحيان‪ ،‬البحر‪.221/6 ،‬‬
‫(‪ )7‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.392/1 ،‬‬
‫(‪ )8‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.195/3 ،‬‬
‫(‪ )9‬أبو حيان‪ ،‬البحر‪.311/2 ،‬‬

‫‪40‬‬
‫كان َمنزلُه‬ ‫أما اآليةُ الثّالثةُ‪" :‬وجاء ِمن أقصى الم ِ‬
‫جل َ‬‫الر َ‬
‫إن هذا ّ‬‫قيل ّ‬
‫فقد َ‬
‫رج ٌل َي ْسعى" ْ‬ ‫دينة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وهموا بقتلِهم جاء يعدو‬
‫سل ّ‬ ‫الر َ‬
‫قد َك ّذبوا ّ‬
‫قومه ْ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫بلغه ّ‬ ‫فلما َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫عند أقصى باب من أبواب المدينة‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫ويشتد‪.)1("...‬‬

‫عون بقتلِه‬
‫أمر فر ُ‬ ‫يشتد في مشيِه‪ّ ،‬‬
‫ولما َ‬ ‫ان‪" :‬يسعى‪ّ :‬‬ ‫حي َ‬
‫ِ‬
‫الرابعة فقال فيها أبو ّ‬
‫ِ‬
‫أ ّما في اآلية ّ‬
‫أقرب إلى موسى"(‪.)2‬‬
‫الرج ُل طريقًا أخرى َ‬
‫فسلك ّ‬
‫َ‬ ‫األعظم لِطلبِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الوَزةُ ِمن ال ّشارِع‬
‫الج ِ‬
‫خرَج َ‬

‫ِ‬
‫الفتْ َنة‪:‬‬
‫عند ِد ِ‬
‫اللة‬ ‫ث َ‬ ‫تلب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابن قتيبةَ على ِ‬ ‫يجة ِ‬ ‫ض تعر ِ‬ ‫في َم ْع ِر ِ‬
‫باب "اللّفظ الواحد للمعاني المختلفة" ّ‬
‫ِ‬
‫االختبار‪ ،‬وفتنةُ‬ ‫فكان ثَّم فتنةُ‬ ‫ِ‬ ‫نة" ووجوِهها التي يمكن أن تُتَصي َد ِمن ِ‬ ‫الفتْ ِ‬
‫" ِ‬
‫آني ال ّشريف‪َ ،‬‬ ‫سياقها القر ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫أنزل اللّهُ‬
‫بعض ما َ‬‫ِ‬ ‫عن‬
‫نوك ْ‬ ‫أن َي ْفتِ َ‬ ‫الل‪ ،‬و ِمنه قولُه‪-‬تعالى‪(:-‬و ْ‬
‫اح َذرُه ْم ْ‬ ‫الص ِّد واالستز ِ‬
‫عذيب‪ ،‬وفتنةُ ّ‬ ‫التّ ِ‬
‫تكون فتنةٌ"(‪،)4‬‬ ‫لوهم َحتّى ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اك و ِ‬ ‫إليك)(‪ ،)3‬وفتنةُ اإلشر ِ‬
‫َ‬ ‫الكفر واإلثم‪ ،‬ومنه قولُه –تعالى‪":-‬وقات ْ‬ ‫َ‬
‫تج َعْلنا ِفتنةً)(‪.)5‬‬ ‫ِّ‬
‫الحق‪( :‬ربَّنا ال ْ‬ ‫وفتنةُ ِ‬
‫العب ِرة‪ ،‬و ِمنه قول‬

‫حق ِداللةُ ِ‬
‫كلمة‬ ‫تعارف عليه الالّ ُ‬ ‫ق بما َي‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫األمثلة الم ِ‬
‫ِ‬ ‫و ِمن‬
‫ُ‬ ‫خطر فهم دالالت ّ‬ ‫بينة عن‬ ‫ُ‬
‫صين‪،‬‬ ‫الخاطر إال َ ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تخص َ‬ ‫الم ّ‬‫عند ثلّة من ُ‬ ‫ينقدح في‬
‫ُ‬ ‫يكاد‬
‫ادما ال ُ‬ ‫إن لها معنى ُمتق ً‬ ‫"الفتنة"؛ إ ْذ ّ‬
‫الف ِ‬
‫تنة‬ ‫وقال "األزهري وغيره‪ِ :‬جماعُ معنى ِ‬ ‫َ‬ ‫الكلمة مأخوٌذ ِمن اإلح ار ِ‬
‫ق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المتقادم لهذه‬ ‫واألص ُل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الن ِار‬
‫هب إذا أذبتَهما في ّ‬‫الفضةَ وال ّذ َ‬
‫ّ‬ ‫االختبار‪ ،‬وأصلُها مأخوٌذ ِمن قولِك فَتَْن ُ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫االمتحان و‬
‫ُ‬ ‫االبتالء و‬
‫ُ‬
‫لتنظر ما جودتُه‪ ،...،‬والفَتْ ُن‬
‫َ‬ ‫الن َار‬
‫حاح‪ :‬إذا أدخلتَه ّ‬ ‫الص ِ‬ ‫ّ‬ ‫الجيِد‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫ديء ِمن‬
‫الر َ‬ ‫ميز ّ‬‫لِتَ َ‬
‫قت‬
‫ُحر ْ‬ ‫كأنها أ ِ‬ ‫قيل للحجارِة الس ِ‬
‫وداء التي ّ‬ ‫ان‪ ،...،‬و ِمن هذا َ‬
‫ّ‬ ‫سمى الصائغُ الفتّ َ‬ ‫وي ّ‬
‫اق‪ُ ،...،‬‬ ‫اإلحر ُ‬
‫ضةٌ ُم ْح َرقةٌ‪.)6("...‬‬
‫أي ف ّ‬‫تين‪ْ ،‬‬‫ق فَ ٌ‬‫تين‪َ ،...،‬وَوِر ٌ‬
‫بالن ِار‪ :‬الفَ ُ‬
‫ّ‬

‫عرج على هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ ِلما ّ‬‫والذي َيلو ُح للقار ِ‬
‫وقد ّ‬
‫االمتحان – ْ‬
‫االختبار و‬ ‫االبتالء و‬ ‫اني‬
‫أن مع َ‬‫تقدم ّ‬
‫صاحب‬ ‫نص عليها‬ ‫ِ‬ ‫قت ِمن ِّ ِ‬ ‫صاحب اللّ ِ‬
‫ُ‬ ‫الداللة المتقادمة التي ّ‬ ‫سان‪ّ -‬إنما هي حادثةٌ تخلّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫المعاني‬

‫(‪ )1‬الطبرسي‪ ،‬المجمع‪.202/8 ،‬‬


‫الش َر ِط ّي‪.‬‬
‫الوزة مفردها ال ِج ْلواز‪ ،‬وقيل معناها ُّ‬
‫الج ِ‬
‫( ) أبو حيان‪ ،‬البحر‪ ،106/7 ،‬و َ‬
‫‪2‬‬

‫(‪ )3‬اآلية (المائدة‪.)49 ،‬‬


‫(‪ )4‬اآلية (البقرة‪.)193 ،‬‬
‫(‪ )5‬اآلية (يونس‪ )85 ،‬وانظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل المشكل‪.473 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فتن"‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫اللي تشعب إلى ِد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اللّ ِ‬
‫االختبار الخيطَ الجامعَ‬
‫ُ‬ ‫االمتحان و‬
‫ُ‬ ‫ُخ َر‪ ،‬ويبقى‬ ‫الالت أ َ‬ ‫ليقرَر ّأنها أص ٌل د ٌّ ّ َ‬ ‫سان ِّ‬
‫قال ّإنها في ساب ِ‬
‫ق‬ ‫أن ُي َ‬
‫ويستقيم ْ‬
‫ُ‬
‫يصح في ِ‬
‫الفهم‬ ‫ُّ‬ ‫شتق ِمنها‪ ،‬ولعلّه‬
‫الماد ِة وما ُي ُّ‬
‫ينتظم ِع ْق َد هذه ّ‬
‫ُ‬ ‫الذي‬
‫ولما‬ ‫ٍ‬ ‫إحر ِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫هب و ِ‬ ‫كانت تُستَعم ُل في ِ‬
‫إذابة ال ّذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ق كل شيء‪ّ ،‬‬ ‫انتقلت إلى ا‬ ‫ْ‬ ‫ثم‬
‫الفضة واحراقها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫عهدها‬
‫الرديء‪ُ ،‬ن ِق َل هذا المعنى إلى‬ ‫ِ‬
‫الجيد و ّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫تمييز‬ ‫اختبار لها في‬
‫ٌ‬ ‫الفض ِة‬
‫هب و ّ‬
‫ِ‬
‫إذابة ال ّذ ِ‬ ‫كان في‬
‫َ‬
‫الجامع الذي‬ ‫أن المعنى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستعمال في َم ْع ِر ِ‬
‫َ‬ ‫اس وامتحانهم‪ ،‬وال يخفَى على ذي ُن ْه َية ّ‬ ‫اختبار ّ‬ ‫ض‬
‫ط ِب( )‪ْ ،‬‬
‫وقد‬ ‫‪1‬‬
‫نحو المعنى القُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ٍ‬
‫المعاني َ‬ ‫ستقطب كل تلكم االستعماالت و َ‬ ‫فارس َي‬ ‫ابن‬
‫أشار إليه ُ‬
‫َ‬
‫ظهر جودتُه‬ ‫هب ّ ِ‬ ‫فقال‪" :‬أص ُل الفَتْ ِن إدخا ُل ال ّذ ِ‬ ‫الم ِ‬
‫الن َار لتَ َ‬ ‫عنيين‪َ ،‬‬ ‫بين َ‬
‫الجامع َ‬
‫َ‬ ‫اغب الوجهَ‬
‫الر ُ‬
‫تحس َس ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫عمل في ْإد ِ‬‫ِمن رداءته‪ ،‬واستُ َ‬
‫ِ‬
‫‪2‬‬
‫الن َار"( )‪.‬‬
‫اإلنسان ّ‬ ‫خال‬

‫آيات ٍَ ِمن التّنز ِ‬


‫يل العز ِ‬
‫يز‪:‬‬ ‫بعض ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفتنة في‬ ‫ننظر فيما يأتي ِ‬
‫لبيان معنى‬ ‫ِ‬
‫ل ْ‬
‫السامري)(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قومك م ْن بعد َك وأضلّهم ّ‬ ‫قد فت ّنا َ‬‫(قال فإ ّنا ْ‬
‫‪َ -1‬‬
‫بلهم)(‪.)4‬‬ ‫الذين ِمن قَ ِ‬
‫َ‬ ‫(ولقد فَت ّنا‬
‫‪ْ -2‬‬
‫نون)(‪.)5‬‬ ‫(يوم هم علَى ال ّن ِ‬
‫ار ُيفتَ َ‬ ‫‪َ -3‬‬
‫ِ‬
‫المؤمنات‪.)6()....‬‬
‫المؤمنين و‬
‫َ‬ ‫(إن الذين فَتنوا‬
‫‪ّ -4‬‬

‫ص َد في‬‫جلي ظاهر؛ ذلك أن الم ْق ِ‬ ‫اآليتين األولى والثّ ِ‬


‫انية ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫الف ِ‬
‫تنة" في‬ ‫أحسب أن معنى " ِ‬
‫ّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ّ‬
‫فثم‬ ‫الثة و ِ‬ ‫انية فهو‪" :‬ابتليناهم"( )‪ .‬أما في الثّ ِ‬
‫‪8‬‬ ‫امتحناهم"( )‪ ،‬أما في الثّ ِ‬
‫‪7‬‬
‫الرابعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األولى‪" :‬اختبرناهم و ّ‬
‫ِ‬
‫هاتين‬ ‫عرضت‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫كنت ْ‬‫الحق ّأنني ُ‬‫ِّن؛ و ّ‬‫صِد المتعي ِ‬‫للوقوف على الم ْق ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫طلبا‬
‫فاده ً‬
‫لحظٌ ينبغي استر ُ‬ ‫َم َ‬
‫بيان‪ ،‬ولما كان ذلك‪ ،‬لم أظفر ٍ‬
‫بأحد‬ ‫فضل ٍ‬
‫َ‬ ‫لتم ًسا ِمنهم‬‫مالء م ِ‬‫الز ِ‬‫يفتين على ثلّ ٍة ِمن ّ‬‫اآليتين ال ّشر ِ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ولكن‬ ‫ِ‬
‫االختبار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االمتحان و‬ ‫وقد َج َنحوا إلى معنى‬
‫يل‪ْ ،‬‬ ‫صاحب التّنز ِ‬ ‫عهد بالمعنى الذي أر َاده‬‫ذي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حرقون‪،‬‬ ‫الن ِار ُي َ‬ ‫ِّ‬ ‫إن المتعّي َن ِمن ِ‬
‫فتنون) هو‪ُ :‬ي َ‬ ‫(يوم هم على ّ‬
‫تنزه‪َ -‬‬ ‫الحق – ّ‬ ‫قول‬ ‫ذلك ليس كذلك؛ إ ْذ ّ‬
‫كأنها‬
‫ألن حجارتَها ّ‬ ‫الزمخشريِّ‪" :‬يحرقون وي َّ‬
‫الح َّرةُ؛ ّ‬
‫تين‪ ،‬وهي َ‬ ‫ومنه الفَ ُ‬‫عذبون‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫عند ّ‬
‫والمعنى َ‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "فتن"‪.‬‬


‫(‪ )2‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.416 ،‬‬
‫(‪ )3‬اآلية (طه‪.)85 ،‬‬
‫(‪ )4‬اآلية (العنكبوت‪.)3 ،‬‬
‫(‪ )5‬اآلية (الذاريات‪.)13 ،‬‬
‫(‪ )6‬اآلية (البروج‪.)10 ،‬‬
‫(‪ )7‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.155/11 ،‬‬
‫(‪ )8‬ابن قتيبة‪ ،‬تفسير الغريب‪.337 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫بالن ِار‪،‬‬
‫وي ْح َرقون ّ‬ ‫برسي يقو ُل فيها‪" :‬أي يكون هذا الجزاء في ِ َّ‬ ‫‪1‬‬
‫بون فيها‪ُ ،‬‬
‫يوم ُيعذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُم ْح َرقة"( )‪ .‬والطّ ُّ‬
‫النار قيل فُتِن‪ ،‬أي فهؤ ِ‬
‫الء ُيفتَنون باإلح ار ِ‬
‫ق كما ُيفتَ ُن‬ ‫َ‬ ‫خل ّ َ‬
‫هب إذا أ ُْد َ‬
‫أن ال ّذ َ‬
‫ألم َتر ّ‬
‫وقال عكرمةُ‪ْ :‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫هب بإح ار ِ‬
‫عذابكم وحريقَكم‪ ،‬هذا‬ ‫أي َ‬‫الن ِار‪" :‬ذوقوا فتنتَكم"‪ْ ،‬‬
‫الغش الذي فيه‪ ،‬ويقو ُل لهم خزنةُ ّ‬ ‫ق ِّ‬ ‫ال ّذ ُ‬
‫حيان(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫الوجهة في التّ ِ‬ ‫‪2‬‬ ‫الذي كنتُم بِه تَست ِ‬
‫القرطبي وأبو ّ‬
‫ّ‬ ‫فسير‬ ‫تابعهما على هذه‬ ‫عجلون"( )‪ ،‬وقد َ‬

‫ِ‬
‫المؤمنات)؛ إ ْذ‬ ‫المؤمنين و‬ ‫(إن الذين فَتَنوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِمث ُل ما ّ‬
‫َ‬ ‫الرابعة‪ّ :‬‬
‫تقدم قولُه –تعالى– في اآلية ّ‬
‫مال أص ٌل‪ ،‬ولذا‬ ‫ِ‬
‫المتقادِم الذي هو في االستع ِ‬ ‫جاءت بالمعنى‬ ‫ق ال ّشر ِ‬
‫يف‬ ‫السيا ِ‬
‫ْ‬ ‫إن الفتنةَ في هذا ّ‬ ‫ّ‬
‫اغب‬
‫الر ُ‬ ‫ي وّ‬‫ذهب الطبر ُّ‬
‫الم َ‬
‫ذهب هذا َ‬ ‫َ‬ ‫بالن ِار‪ْ ،‬‬
‫وقد‬ ‫إن الذين أحرقوهم وع ّذبوهم ّ‬ ‫ِّن هو‪ّ :‬‬ ‫فالمتعي ُ‬
‫يخي‬ ‫السيا ِ‬
‫ق التّار ِّ‬ ‫المذهب استرجاعُ ّ‬
‫َ‬ ‫ويعضد هذا‬
‫ُ‬ ‫حيان(‪.)4‬‬
‫القرطبي وأبو ّ‬
‫ُّ‬ ‫برسي و‬
‫ي والطّ ُّ‬ ‫الزمخشر ُّ‬
‫وّ‬
‫الموضع بيًِّنا‪،‬‬ ‫أن ثَّم تفاصالً في هذا‬ ‫ذات الوقود(‪ .)5‬و‬‫الن ِار ِ‬ ‫ِ‬
‫أصحاب األ ِ‬ ‫وقص ِة‬
‫ِ‬ ‫الظاهر ّ‬
‫ُ‬ ‫ُخدود‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫اقتصار هذه‬ ‫الحق‪ ،‬ولع ّل َّ‬
‫مرد ذلك إلى‬ ‫ُّ‬ ‫قصِد الذي َرَمى إليه‬
‫وقد تجلّى ذلكم بتجافي أولئكم عن الم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اللي الذي أَِذ َن‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫مرده إلى التّ ّ‬‫بل ُّ‬ ‫الخاطر ِ‬
‫لغيره‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ينقدح ِز ُ‬
‫ناد‬ ‫ُ‬ ‫يكاد‬
‫اليوم على معنى ال ُ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة َ‬
‫أن هذه الكلمةَ ِمن‬ ‫عن المعنى الم ِ‬
‫تقادم هو ّ‬ ‫ُ‬ ‫اب ْ‬ ‫اإلضر ِ‬
‫ْ‬ ‫يد ِمن تجلّي‬‫إن الذي َيز ُ‬ ‫ثم ّ‬ ‫ِ‬
‫االقتصار‪ّ ،‬‬ ‫بهذا‬
‫ِ‬
‫عصر‬ ‫ستعم ُل في‬
‫كانت تُ َ‬‫ْ‬ ‫َّ‬
‫المرج ِح ّأنها‬ ‫مان‪ ،‬و ِمن‬
‫الز ُ‬‫ات‪ ،‬وليس ِمن ُم َع َّم ََ ََ ََ ٍر يتغاف ُل عليه ّ‬ ‫المع َّمر ِ‬
‫َُ‬
‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫أكثر هذا في التّنزيل‪ ،‬ويدلنا على هذا التّ ّ‬ ‫االمتحان‪ ،‬وما َ‬ ‫االختبار و‬ ‫زول بمعنى‬ ‫ّ‬
‫اللي ِ‬
‫غير‬ ‫ور ِد ٍّ‬‫ث المرُء بِطَ ٍ‬ ‫يتشب َ‬
‫أن ّ‬ ‫يحدث ْ‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫منظور‪" :‬وأصلُها مأخوٌذ‪ْ ،"...‬‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫الحادث قو ُل ِ‬
‫تعاقب األطو ِار‬
‫َ‬ ‫إن‬‫يقال ّ‬
‫أن َ‬ ‫ِ‬
‫العرض‪ْ ،‬‬ ‫بعد هذا‬
‫يستقيم‪َ ،‬‬ ‫األو َل‪ ،‬ولعلّه‬
‫الخاطر ّ‬
‫َ‬ ‫الذي َس ّرَح إليه‬
‫ُ‬
‫قات فإن ذلك يفضي إلى ُّ‬
‫تعذ ِر‬ ‫ُ‬ ‫قات األثرّي ِة"‪ ،‬فإذا ما تر ْ‬
‫اخت تلكم الطَّب ُ ّ‬
‫بعلم "الطّب ِ‬
‫َ‬
‫اللي ِة شبيهٌ ِ‬‫الد ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫أحيان‪.‬‬ ‫الفص ِل َ‬
‫بينها في‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،15/4 ،‬وهو المعنى الذي ذكره الفراء‪ ،‬معاني القرآن‪.83/3 ،‬‬
‫(‪ )2‬الطبرسي‪ ،‬المجمع‪.195/9 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪ ،24/17 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.134/8 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الطبري‪ ،‬تفسيره‪ ،87/30 ،‬والراغب‪ ،‬المفردات‪،416 ،‬والزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،239/4 ،‬الطبرسي‪،‬‬
‫المجمع‪ ،251/10 ،‬والقرطبي‪ ،‬الجامع‪ ،194/19 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.444/8 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر كالم الفراء عن تحريقهم في المعاني‪ ،253/3 ،‬وكالم القرطبي عن قصتهم ومسير اليهودي إليهم من‬
‫فخد لهم األخدود فحرقهم‪ :‬القرطبي‪.192/19 ،‬‬
‫حمير‪ ،‬بعد أن دعاهم إلى اليهودية فأبوا‪ّ ،‬‬

‫‪43‬‬
‫يك‪:‬‬
‫ُن َن ِّج َ‬
‫ق َم ْنجاةٌ‪ ،‬و ِمنه‬‫ِّد ُ‬
‫ونجاةً‪ ،‬والص ْ‬‫ون ْجواً َ‬
‫جاء َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الخالص من ال ّشيء‪ ،‬فنقو ُل‪َ :‬نجا َي ْنجو َن ً‬ ‫ُ‬ ‫جاء‬
‫الن ُ‬
‫النجاةُ‪ :‬ما‬ ‫ِ‬
‫العذاب وأهلَك‪ ،‬والنَّ ْجوةُ و َّ‬ ‫صوك ِمن‬ ‫‪1‬‬
‫أهلَ َك)( )‪ ،‬أي ُم َخلّ َ‬ ‫ُّوك َو ْ‬
‫قولُه‪-‬تعالى‪ّ :-‬إنا ُم َنج َ‬
‫الخاطر إلى‬
‫ُ‬ ‫سرَح‬
‫أن ُي َّ‬
‫يستقيم ْ‬
‫ُ‬ ‫جاؤه(‪ ،)2‬ولعلّه‬
‫فيظن المرُء ّأنه َن ُ‬
‫ّ‬ ‫السي ُل‪،‬‬
‫فلم يعلُه ّ‬‫األرض ْ‬‫ِ‬ ‫تفع ِمن‬
‫ار َ‬
‫ثم‬ ‫‪3‬‬
‫يل ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تفع ِمن‬ ‫األصل في هذه ّ ِ‬
‫وغيره( )‪ّ ،‬‬ ‫الهارب من ّ‬ ‫جاء‬
‫األرض…وهذا َن ُ‬ ‫الداللة هو ما ار َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫قتص ٍرة على ِ‬
‫طلب‬ ‫النجاةُ غير م ِ‬ ‫أصبحت َّ‬ ‫جرِد‪ ،‬و‬
‫الم َّ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫للمحسوس و ُ‬ ‫فغدت تتّسعُ‬
‫ْ‬ ‫الداللةُ‬
‫رت هذه ّ‬ ‫تطو ْ‬
‫ّ‬
‫ونجاتُه‪.‬‬‫جاؤه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الناجي َّ‬
‫إن ك ّل ما يسعفُه على تنجيته هو َن ُ‬ ‫بل ّ‬ ‫األرض‪ْ ،‬‬ ‫تفع من‬‫الن ْجوةَ أو ما ار َ‬ ‫ّ‬

‫اآليات الكر ِ‬
‫يمات‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ماد ِة "نجا" في‬ ‫لِننظر في ِد ِ‬
‫اللة ّ‬ ‫ْ‬
‫ناك ِمن ال َغ ِّم َوفَت ّن َ‬
‫‪4‬‬
‫اك فُتُونا)( )‪.‬‬ ‫َّي َ‬
‫(فَ َنج ْ‬
‫الكافرين)(‪.)5‬‬
‫َ‬ ‫(وَن ِّجنا ِب َر ْحم ِت َك ِمن ِ‬
‫القوم‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫‪6‬‬
‫أعرضتُم)( )‪.‬‬
‫ْ‬ ‫البِّر‬
‫( َفلَ ّما َن ّجا ُكم إلى َ‬
‫يك ِب َب َد ِن َك)(‪.)7‬‬‫فاليوم ُن َن ِّج َ‬
‫َ‬ ‫(‬

‫الثة يظهر أن معنى التّ ِ‬ ‫انية والثّ ِ‬


‫في اآليا ِت‪ :‬األولى والثّ ِ‬
‫فق والمعنى ال ّذائعَ‬ ‫بل يتّ ُ‬
‫يكاد ْ‬
‫نجية ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫اك ِمن‬‫آمن َ‬
‫يناك" هو ّأننا " ّ‬
‫فنج َ‬ ‫اآلية األولى المعنى المتعي ِ‬
‫ِّن من " ّ‬‫ُ‬
‫اليوم‪ ،‬وهو التّخليص واإلنقا ُذ‪ ،‬ففي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سياقها ال ّشر ِ‬
‫يف‬ ‫اللة "نجنا" في ِ‬ ‫انية فالمتعين ِمن ِد ِ‬
‫اآلية الثّ ِ‬
‫ِ‬ ‫أما في‬ ‫‪8‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخوف و ِ‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫الحبس"( )‪ّ .‬‬ ‫القتل و‬
‫يجب‬
‫لحظٌ ُ‬ ‫يك) فثَّم َم َ‬
‫نج َ‬
‫(فاليوم ُن ّ‬
‫َ‬ ‫أما في قولِه‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫‪9‬‬
‫برحمة ِمنك وا ٍ‬
‫حسان"( )‪ّ .‬‬
‫ٍ‬ ‫صنا‬ ‫ِّ‬
‫ذاك هو "خل ْ‬
‫اللي‪،‬‬
‫الد ِّ‬‫ياح ّ‬ ‫ِ‬
‫باعتبار االنز ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬
‫باعتبار‬ ‫جاءت‬
‫ْ‬ ‫نجيك" –واهلل أعلم–‬‫أن "ُن ّ‬
‫التّنبيهُ إليه؛ ذلك ّ‬
‫ذهب‬
‫وقد َ‬ ‫لقيك على َنجوٍة لِتُ ْع َر َ‬
‫ف‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬أو ُن َ‬ ‫فوق َنجوٍة ِمن‬
‫ِّن ِمنها‪ّ :‬أننا نجعلُك َ‬
‫فالمعنى المتعي ُ‬

‫(‪ )1‬اآلية (العنكبوت‪. )33 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نجا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نجا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬اآلية (طه‪.)40 ،‬‬
‫(‪ )5‬اآلية (يونس‪.)86 ،‬‬
‫(‪ )6‬اآلية (اإلسراء‪.)67 ،‬‬
‫(‪ )7‬اآلية (يونس‪.)92 ،‬‬
‫(‪ )8‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.132/11 ،‬‬
‫(‪ )9‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن‪.428/2 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫يدي‬
‫يز واليز ِّ‬ ‫ابن عز ٍ‬
‫ابن قتيبةَ و ِ‬ ‫ِ‬
‫األخفش و ِ‬ ‫ين كأبي ُع َبيدةَ و‬ ‫إلى هذا المعنى َخْل ٌ ِ‬
‫غوي َ‬
‫ق من اللّ ّ‬
‫لقيك‬
‫الزمخشريُّ‪ُ" :‬ن َ‬ ‫ِ‬
‫اآلية يقو ُل ّ‬ ‫المفسرين‪ ،‬ففي هذه‬
‫ِّ‬ ‫وقد تابعهم على هذا جمعٌ ِمن‬ ‫‪1‬‬
‫ومكي( )‪ْ ،‬‬
‫ٍّ‬
‫المكان‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬وهي‬ ‫لقيك على نجوٍة ِمن‬
‫أي ُن َ‬
‫برسي يقو ُل فيها‪ْ " :‬‬
‫‪2‬‬
‫ِ‬
‫األرض"( )‪ ،‬والطّ ُّ‬ ‫بِنجوٍة ِمن‬
‫ائيل َش ُّكوا‬
‫بعض بني إسر َ‬ ‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عب ٍ‬ ‫ابن ٍ‬ ‫‪3‬‬
‫َ‬ ‫السلف ّ‬
‫وغيره من ّ‬
‫اس ُ‬ ‫ابن ّ‬
‫كثير يقو ُل‪" :‬قال ُ‬ ‫المرتفعُ‪ ،) ("...‬و ُ‬
‫سوياً بال رو ٍح وعليه ِدرُعه المعروفةُ‬ ‫ِ‬
‫لقيه بجسده ّ‬ ‫أن ُي َ‬
‫البحر ْ‬
‫َ‬ ‫فأمر اهللُ‪ -‬تعالى‪-‬‬
‫عون‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫في موت فر َ‬
‫فاليوم‬ ‫ِ‬ ‫المكان المرتفعُ‪ ،‬لِيتحقّقوا ِمن‬ ‫ِ‬ ‫على َن ْجوٍة ِمن‬
‫قال –تعالى‪َ ": -‬‬ ‫هالكه‪ ،‬ولهذا َ‬ ‫ُ‬ ‫األرض‪ ،‬وهو‬
‫ويسنده أيضاً قراءةُ‬ ‫يقل " ِ‬
‫بروحك"(‪،)5‬‬ ‫ولم ْ‬ ‫ِ‬ ‫يك ببدنِ َك"(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫ويسند هذا قولُه‪-‬تعالى‪" -‬ببدنك"‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ننج َ‬
‫ّ‬
‫البحر(‪.)6‬‬ ‫مما يلي‬ ‫ٍ‬ ‫مسعود‪" :‬فاليوم ننح َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫لقيك بناحية ّ‬
‫أي ُن َ‬
‫يك ببدنك"(بالحاء المهملة)‪ْ ،‬‬ ‫َ ّ‬ ‫ابن‬

‫ِ‬
‫بالبارحة‪:‬‬ ‫أشبه اللّيل َة‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫اللي قد‬ ‫طوِر ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫متباينين ُّ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مرد تخلّقهما إلى التّ ّ‬ ‫معنيين‬ ‫كلمة ما على‬ ‫اشتمال‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫الحق ّ‬
‫و ّ‬
‫ٍ‬
‫تفاصل‬ ‫أبناء العر ّبي ِة في‬
‫ِ‬ ‫بالبارحة‪ ،‬فكما وقعَ ال ّشادون ِمن‬
‫ِ‬ ‫تكون اللّيلةُ شبيهةً‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫أفضى إلى ْ‬
‫ين‬ ‫عهدهم بِه‪ّ ،‬‬‫النتفاء ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شكال إذ تجافَوا عن استشر ِ‬ ‫وا ٍ‬
‫المفسر َ‬
‫ِّ‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫تردد‬ ‫المتقادم‬ ‫اف المعنى‬ ‫ْ‬
‫ياق‬
‫الس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعيين ِد ِ‬
‫ِ‬
‫أن ّ‬ ‫المتقادم أم الحادث؟ ذلك ّ‬ ‫معنيين‪ ،‬أهي بالمعنى‬ ‫الكلمة بين‬ ‫اللة‬ ‫ين في‬ ‫غوي َ‬
‫واللّ ّ‬
‫ثم‬ ‫ِّ‬ ‫عي" في ِ‬ ‫ية لِما ّ ِ‬ ‫المعنيين‪ ،‬و ِمن المثُ ِل المجلّ ِ‬
‫ِ‬ ‫يحتم ُل َذ ْينِ َك‬
‫تبارك‪ّ " :-‬‬
‫الحق – َ‬ ‫قول‬ ‫الس ِ‬
‫تقدم داللةُ َُ " ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وقد تُُرِّد َد في دالالتها َ‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬
‫سعى‪ :‬يعم ُل في‬‫فقيل‪َ :‬ي َ‬ ‫ذكرهما( )‪َ ،‬‬‫المتقدم ُ‬ ‫المعنيين‬ ‫بين‬ ‫ْأد َبر َي ْسعى"( )‪ْ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أبو عبيدة‪ ،‬مجاز القرآن‪ ،281/1 ،‬واألخفش‪ ،‬معاني القرآن‪ ،378 ،‬وابن قتيبة‪ ،‬تفسير غريب القرآن‪،‬‬
‫‪ ،198‬وابن عزيز‪ ،‬نزهة القلوب‪ ،458 ،‬واليزيدي‪ ،‬غريب القرآن‪ ،78 ،‬ومكي‪ ،‬العمدة‪.153 ،‬‬
‫(‪ )2‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،252/2 ،‬وعبارة الطبري في معناها‪..." :‬فاليوم نجعلك على نجوة من األرض"‪ .‬انظر‪:‬‬
‫تفسيره‪.113/11 ،‬‬
‫(‪ )3‬الطبرسي‪ ،‬المجمع‪.166/5 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن‪ ،431/2 ،‬وقد أشار القرطبي إلى أنها تحتمل معنيين‪ :‬أحدهما نلقيك على نجوة من‬
‫األرض‪ ،‬والثاني‪ :‬نظهر جسدك الذي ال روح فيه‪ .‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.243/8 ،‬‬
‫مادة "نجا"‪.‬‬
‫( ) انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ّ ،‬‬
‫‪5‬‬

‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،252/2 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.189/5 ،‬‬


‫(‪ )7‬اآلية (النازعات‪.)22 ،‬‬
‫(‪ )8‬انظر الحديث عن كلمة "السعي" في هذه المباحثة وما ورد فيها من أقاويل‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫عوبا ُيسرعُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نِ ِ‬
‫أدبر مر ً‬
‫الحيةَ في عظَمها َ‬
‫لما رأى ّ‬
‫سعى‪ّ :‬‬
‫وقيل‪َ :‬ي َ‬
‫األرض‪َ ،‬‬ ‫اإلفساد في‬‫كاية موسى و‬
‫ُّ‬
‫ويشتد(‪.)1‬‬ ‫في مشيِ ِه‬

‫ب ال ُكفّ َار‬ ‫شأنه‪َ :-‬ك َمثَ ِل َغيث أ ْ‬


‫َع َج َ‬ ‫عز ُ‬ ‫ِّ‬
‫الحق– ّ‬ ‫الكفر" في ِ‬
‫قول‬ ‫تقد َم داللةُ " ِ‬
‫ثل ما ّ‬ ‫و ِمن ِم ِ‬
‫كون ُحطاما)(‪.)2‬‬
‫ثم َي ُ‬
‫صفَّار ّ‬‫هيج فَتَراه ُم ْ‬
‫ثم َي ُ‬‫نباتُه ّ‬

‫ِ‬
‫األرض‬ ‫البذر في‬
‫ألنه ُيلقي َ‬ ‫كافر‪ّ ،‬‬ ‫للزارِع ٌ‬ ‫لع ّل المعنى المر َاد ههنا‪ُّ :‬‬
‫الزّراعُ؛ إ ْذ ّإنه ُيقال ّ‬
‫ِ‬
‫الكفر‬ ‫الحة‪ ،‬وهذه ِداللةُ‬ ‫الف ِ‬ ‫بات و ِ‬‫بالن ِ‬ ‫ِ‬
‫البصر ّ‬ ‫ألنهم أه ُل‬
‫كر ّ‬ ‫صوا بال ّذ ِ‬ ‫وقد ُخ ُّ‬‫فيكفره "فيغطّيه"‪ْ ،‬‬
‫ُ‬
‫نقيض‬ ‫ُّ‬
‫فغدت تدل على ما هو‬ ‫ِ‬
‫المشابهة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫لعالقة ُ‬‫آخر َ‬‫قلت إلى َمجال َ‬ ‫ولكنها ُن ْ‬
‫األصليةُ "التّغطيةُ"‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫لإللف – أَِذ َن‬
‫ِ‬ ‫ق‬‫لغوي مفار ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫يفة –وهي منتسبةٌ إلى ٍ‬
‫حقل‬ ‫ُ‬
‫اآلية ال ّشر ِ‬
‫ِ‬ ‫ق‬‫ومجيئها في سيا ِ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لإليمان‪،‬‬
‫قد تعني الكفّ َار‬ ‫يف ْ‬‫ق ال ّشر ِ‬ ‫السيا ِ‬ ‫بتعدِد وجوِه القَ ِ‬ ‫ِ‬
‫إن الكفّ َار في هذا ّ‬ ‫فقيل ّ‬
‫ول‪َ ،‬‬ ‫بل ّ‬ ‫المساءلة‪ْ ،‬‬ ‫بهذه‬
‫الدنيا‬‫حال ّ‬
‫شبه اهللُ –تبارك‪َ -‬‬ ‫فقد ّ‬
‫الكالم ال يأبى هذا الوجهَ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وسياق‬ ‫مس على قلوبِهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الذين طُ َ‬
‫ب به الكفّ ُار الجاحدون‪،‬‬ ‫الغيث فاستوى‪ ،‬فأ ِ‬ ‫بالن ِ‬
‫تقضيها معَ قلّ ِة َجدواها ّ‬ ‫وسرعةَ ِّ‬
‫ُعج َ‬ ‫ُ‬ ‫بات الذي أنبتَه‬
‫ابن قتيبةَ على هذه‬ ‫عرَج ُ‬ ‫ولما ّ‬ ‫فصار ُحطاماً عقوبةً لهم‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫اصفر‬
‫فهاج و َّ‬ ‫َ‬ ‫فبعث اهللُ عليه العاهةَ‬
‫َ‬
‫مما يستوي فيه‬ ‫ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن هذا ّ‬ ‫عند كلمة "الكفّار"‪ ،‬ف أر َْوا ّ‬
‫تلبثوا َ‬‫غرضين ّ‬ ‫قوما من ُ‬ ‫أن ً‬ ‫أشار إلى ّ‬‫اآلية َ‬
‫دون‬
‫ص الكافرون َ‬ ‫أعجبهم‪ ،‬فلماذا ُخ ّ‬
‫َ‬ ‫إن هو‬
‫المؤمنين‬
‫َ‬‫ْ‬ ‫إيمان‬
‫ُ‬ ‫ينقص‬
‫ُ‬ ‫المؤمنون والكافرون‪ ،‬وال‬
‫َ‬
‫كتابيه‪" :‬تأوي ُل‬ ‫ِ‬
‫المتقادم في ْ‬ ‫غوي‬ ‫فقد وجه ابن قتيبةَ ِداللةَ هذه ِ‬
‫نحو المعنى اللّ ِّ‬
‫اآلية‬ ‫المؤمنين؟ ولذا ْ ّ ُ‬
‫ذر‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آن"‪ ،‬و"تفسير غر ِ‬ ‫ِ‬
‫مشكل القر ِ‬
‫ألنه إذا ألقى الب َ‬
‫كافر؛ ّ‬
‫ع ُيقال له ٌ‬
‫الزار َ‬
‫أن ّ‬‫يب القرآن"‪ُ ،‬ملتفتًا إلى ّ‬ ‫ُ‬
‫أي غطّاه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض َكفَره‪ْ ،‬‬ ‫في‬

‫ي‬
‫الزمخشر ِّ‬
‫برسي و ّ‬
‫الراغب والطّ ِّ‬
‫ي وّ‬ ‫ين كالطّبر ّ‬
‫المفسر َ‬
‫ِّ‬ ‫يين ثُلّةٌ ِمن‬
‫بين المعن ِ‬
‫تردد َ‬‫وقد ّ‬
‫ْ‬
‫ألنهم ُيغطّون‬
‫الزّراعُ؛ ّ‬
‫أن "الكفّار هنا ّ‬ ‫ِ‬
‫القول فيها ّ‬ ‫ومستصفى‬ ‫‪3‬‬
‫ان و ِ‬
‫ابن كثيرٍ( )‪ُ ،‬‬ ‫حي َ‬
‫القرطبي وأبي ّ‬
‫ِّ‬ ‫و‬
‫يلبث‬
‫ثم ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫لخضرتِه بكث ِرة‬ ‫كالزرِع ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫األمطار‪ّ ،‬‬ ‫ين إليه ُ‬
‫الناظر َ‬
‫ب ّ‬ ‫عج ُ‬ ‫الدنيا ّ‬
‫أن الحياةَ ّ‬
‫ذر‪ ،‬والمعنى ّ‬
‫الب َ‬
‫حسن‪ ،...،‬وقيل‪ :‬الكفّ ُار هنا‬‫اع فهو غايةُ ما ُيستَ ُ‬
‫الزّر َ‬
‫َعجب ّ‬
‫يكن‪ ،‬واذا أ َ‬
‫كأن ْلم ْ‬
‫شيما ْ‬
‫يصير َه ً‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬انظر هذين المعنيين‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،214/4 ،‬والطبرسي‪ ،‬المجمع‪ ،202/10 ،‬والقرطبي‪ ،‬الجامع‪،‬‬
‫‪ ،131/19‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪ ،414/8 ،‬واكتفى ابن كثير بمعنى المكايدة واإلفساد‪ ،‬انظر‪ :‬ابن كثير‪ ،‬تفسير‬
‫القرآن‪.468/4 ،‬‬
‫(‪ )2‬اآلية (الحديد‪.)20 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪ ،486 ،‬والطبرسي‪ ،‬المجمع‪ ،306/9 ،‬والزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،65/4 ،‬والقرطبي‪،‬‬
‫الجامع‪ ،165/17 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪ ،223/8 ،‬وابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن‪.313/4 ،‬‬

‫‪46‬‬
‫فإن‬ ‫الدنيا ِمن‬ ‫ِ‬ ‫أشد إعجابا بز ِ‬
‫ألنهم ُّ‬ ‫الكافرون ِ‬
‫حسن‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وهذا قو ٌل‬
‫َ‬ ‫الحياة ّ‬ ‫ينة‬ ‫ً‬ ‫عز وج ّل؛ ّ‬
‫باهلل ّ‬
‫ردِد‬
‫وباعث التّ ّ‬
‫ُ‬ ‫للدنيا وما فيها"(‪،)1‬‬
‫عظيم ّ‬
‫يظهر ذلك‪ ،‬وهو التّ ُ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلعجاب لهم وفيهم‪ ،‬و ِمنهم‬ ‫أصل‬
‫َ‬
‫احدة تكتسي‬ ‫كل و ٍ‬ ‫الليين‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قام هو انتساب ِد ِ‬ ‫المعنيين في هذا الم ِ‬
‫ِ‬
‫الكفر إلى َمجالين د ّ‬ ‫اللة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بين‬
‫ِ‬
‫تغطية البِذر‬ ‫جامع‪ ،‬فَمن حملَه على معنى التّغط ِ‬
‫ية؛‬ ‫وجود ٍ‬
‫خيط‬ ‫ِ‬ ‫مع‬ ‫معنوي ُمفار ٍ‬ ‫بِلَ ٍ‬
‫ٍ َْ َ‬ ‫اآلخر‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫بوس‬
‫ث‬
‫تشب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالتّر ِ‬
‫فقد ّ‬ ‫الكفر ْ‬ ‫حملَه على معنى‬‫ومن َ‬ ‫غوي‪َ ،‬‬
‫ث بداللة الكلمة في مجالها اللّ ّ‬ ‫تشب َ‬
‫فقد ّ‬ ‫اب‪ْ ،‬‬
‫الفهم و ِ‬
‫الحكم‬ ‫أن هذا التّباين في ِ‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫تقدم ّ‬
‫مما ّ‬‫يني( )‪ ،‬والحاص ُل ّ‬‫الد ِّ‬
‫عي ّ‬ ‫بداللة الكلمة في مجالها ال ّشر ّ‬
‫اللي‪.‬‬ ‫طوِر ّ‬ ‫الداللي ِة" ّ ِ‬
‫الد ّ‬ ‫الناشئة عن التّ ّ‬ ‫مرده إلى "المجاالت ّ ّ‬ ‫ّإنما ّ‬

‫يل العز ِ‬
‫يز‪:‬‬ ‫تقدم ِداللةُ ِ‬
‫الوْزِر في التّنز ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وم ْن مثل ما ّ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫الوْزر لغةً‪ِ :‬‬
‫ار‬
‫سمى أوزًا‬ ‫اآلثام تُ ّ‬
‫الداللةُ على ال ّذ ْنب لثقله‪ ،‬و ُ‬ ‫ُسبغت هذه ّ‬ ‫ْ‬ ‫الحم ُل الثقي ُل‪ ،‬وقد أ‬ ‫ِ ُ‬
‫اإلنسان على ِ‬
‫ظهره"(‪،)3‬‬ ‫ظهر صاحبِها وتُثق ُل كاهلَه‪" ،‬وأص ُل ِ‬
‫الوْزِر‪ :‬ما َحملَه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ألنها أحما ٌل تُنقض َ‬ ‫ّ‬
‫ير‬ ‫عينه ب أريِه‪َ ،‬‬
‫وقيل لوز ِ‬ ‫وي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوز ِ‬ ‫الد ِ‬‫و ِمن هذه ّ‬
‫الملك الذي يحم ُل ث ْقلَه‪ُ ،‬‬ ‫ير‪" ،‬فهو َح َبأُ َ‬ ‫جاءت كلمةُ َ‬
‫ْ‬ ‫اللة‬
‫المملكة‪ ،‬أي يحم ُل ذلك"(‪،)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تدبير‬ ‫أثقال ما أُسنِد إليه ِمن‬ ‫عنه‬
‫يزر ْ‬ ‫الس ِ‬
‫َ‬ ‫ألنه ُ‬ ‫لطان وز ٌير ّ‬ ‫ّ‬
‫ذنبا‬ ‫صار " ِ‬ ‫ِ‬ ‫الو ِ‬ ‫ِ‬
‫لكلمة " ِ‬
‫الوْزُر" ً‬ ‫ثم َ‬ ‫زر" هو الح ْم ُل الثقي ُل‪ّ ،‬‬ ‫اللي‬
‫الد َّ‬‫األصل ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫تقد َم ّ‬
‫مما ّ‬‫ص ّ‬ ‫المستخلَ ُ‬
‫وُ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فإنه يحملُه ويتقلّ ُده‪ ،‬وليس يخفَى‪ ،‬من وجهة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫اجترحه ّ‬
‫َ‬ ‫ألن المرَء إذا ما‬‫تجوًاز وتشبيهًا؛ ّ‬
‫ّ‬
‫جرِد‬
‫الم َّ‬
‫ضمار ُ‬ ‫ِ‬ ‫الحمل الثّقيل" إلى ِم‬ ‫المحسوس " ِ‬
‫ِ‬ ‫الداللي هو انتقا ٌل ِمن ِمض ِ‬
‫مار‬ ‫طوَر ّ ّ‬ ‫هذا التّ ّ‬
‫ِ‬
‫القائم على‬ ‫ِ‬
‫الحادث‬ ‫ِ‬
‫المتقادم و‬ ‫ِ‬
‫بالمعنيين‪:‬‬ ‫يز‬‫يل العز ِ‬ ‫الوْزر" في التّنز ِ‬ ‫وردت كلمةُ " ِ‬‫ْ‬ ‫وقد‬
‫"ال ّذ ْنب"‪ْ ،‬‬
‫طوِر‪:‬‬ ‫لح ِظ االنز ِ‬
‫ياح والتّ ّ‬
‫ِ‬
‫استرفاد َم َ‬

‫وض ْعنا ع ْن َك ِو ْزَر َك)(‪.)5‬‬


‫(و َ‬ ‫‪َ -1‬‬
‫لون أوزَارهم َعلى ظُ ِ‬
‫هورهم)(‪.)6‬‬ ‫حم َ‬ ‫‪(-2‬وهم ي ِ‬
‫ْ َ‬
‫‪7‬‬
‫زينة ِ‬
‫القوم)( )‪.‬‬ ‫ار ِمن ِ‬ ‫(ولك ّنا ُح ّملنا أوز ا‬
‫‪َ -3‬‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.165/17 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،65/4 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪ ،223/8 ،‬وقد ذك ار الوجهين‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل المشكل‪.140 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "وزر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬اآلية (االنشراح‪.)2 ،‬‬
‫(‪ )6‬اآلية (األنعام‪.)31 ،‬‬
‫(‪ )7‬اآلية (طه‪.)87 ،‬‬

‫‪47‬‬
‫ماد ِة‬
‫تفيء إلى ّ‬
‫ُ‬
‫كل و ٍ‬
‫احدة كلمةٌ‬ ‫يمات تتجلّى في ِّ‬ ‫آيات كر ٍ‬ ‫ثالث ٍ‬‫نقف وجاه ِ‬
‫َ‬ ‫الء ُ‬‫ها نحن أو ِ‬
‫زر"؛‬ ‫الو ِ‬ ‫ِ‬
‫كلمة " ِ‬ ‫اللي في‬ ‫صِد ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫حيث تعيين الم ْق ِ‬ ‫تتفاوت ِمن‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫أن هذه‬ ‫" ِ‬
‫الو ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الحق ّ‬
‫زر"‪ ،‬و ّ‬
‫يف‬‫ق ال ّشر ِ‬
‫السيا ِ‬ ‫إن داللةَ ِ‬
‫الو ِ‬ ‫اآلية األولى ال ِش َيةَ عليه وال‬
‫فالمعنى في ِ‬
‫زر في ذلكم ّ‬ ‫إشكال؛ إ ْذ ّ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫ان‬‫حي َ‬
‫عند أبي ّ‬‫ذنب َك"( )‪ ،‬وهي َ‬‫عنك َ‬‫طنا َ‬ ‫القرطبي‪َ ":‬حطَ ْ‬
‫ِّ‬ ‫عند‬
‫عن َك إثْ َمك( )‪ ،‬والمعنى َ‬ ‫ضعنا ْ‬
‫هي‪َ :‬وَو ْ‬
‫س"(‪.)3‬‬‫وتطهيره ِمن األدنا ِ‬
‫ِ‬ ‫عن ِعصمتِه ِمن ال ّذ ِ‬
‫نوب‬ ‫كنايةٌ ْ‬

‫ِّن ِمن‬‫هورهم)‪ ،‬فالمعنى المتعي ُ‬‫لون أوزَارهم َعلى ظُ ِ‬ ‫ِ‬


‫(وهم َيحم َ‬ ‫ْ‬
‫اآلية الثّ ِ‬
‫انية‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫أما في‬
‫ّ‬
‫الحقيقي والمجازيِّ؛ وذلك‬
‫ِّ‬ ‫ين‪:‬‬ ‫بين االستعمالَ ِ‬
‫الجامع َ‬
‫َ‬ ‫ي الوجهَ‬
‫الزمخشر ُّ‬
‫تحس َس ّ‬
‫وقد ّ‬ ‫األوزِار " ُ‬
‫اآلثام"‪ْ ،‬‬
‫أي‪:‬‬‫القرطبي‪ْ " :‬‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫وعنها َ‬
‫‪4‬‬
‫الكسب باأليدي"( )‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫هور‪ ،‬كما أُلِف‬ ‫ِ‬
‫األثقال على الظّ ِ‬ ‫اعتيد حم ُل‬
‫َ‬ ‫ألنه‬
‫" ّ‬
‫مجاز وتوسُّعٌ وتشبيهٌ بِ َمن يحم ُل ثِ ْقالً"( )‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ذنوبهم‪َ ،‬ج ْمع ِو ٍ‬
‫‪5‬‬
‫ي‬
‫ذهب الطّبر ُّ‬‫َ‬ ‫وقد‬ ‫ٌ‬ ‫ظهورهم‪:‬‬ ‫زر‪ ،‬على‬ ‫َ‬
‫عنه فض ُل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وأبو حيان في ِد ِ‬
‫اللة ِ‬
‫أن‬
‫بيان‪ ،‬وثانيهما ّ‬ ‫تقدم ْ‬ ‫الوْزِر في تلكم اآلية َم َ‬
‫ذهبين‪ّ ،‬أولُهما ما ّ‬ ‫ّ َ‬
‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫قبيح‬
‫رجل ِ‬‫العمل يمث ُل في صو ِرة ٍ‬ ‫إن‬ ‫اهر ِمن " ِ‬
‫َ‬ ‫الحمل حقيقةٌ؛ إ ْذ ّ‬
‫َ‬ ‫أن هذا‬
‫الوْزر" فيها هو ّ‬ ‫الظّ َ‬
‫فيركبه"(‪.)6‬‬
‫ُ‬ ‫الصو ِرة‬
‫و ّ‬

‫اعتاص‬ ‫فقد‬ ‫ينة ِ‬


‫القوم) ْ‬ ‫ار ِمن ز ِ‬ ‫(ولكننا ُح ّمْلنا ْأوزًا‬
‫الثة‪ ،‬وهي‪ّ :‬‬ ‫اآلية الثّ ِ‬
‫الوْزِر" في ِ‬ ‫أما داللةُ " ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫معناها‪ ،‬وتَأَبَّى عن التّعي ِ‬
‫القول عليها؛ إ ْذ ّ‬ ‫باي َن وجهُ‬
‫دون اإلبهام‪ ،‬فَتَ َ‬ ‫ُّن على وجه من اإلحكام َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫األصل‬ ‫يب القر ِ‬
‫آن" إلى‬ ‫آن" و"تفسير غر ِ‬ ‫ِ‬
‫مشكل القر ِ‬ ‫كتاب ْيه‪" :‬تأوي ُل‬
‫يذهب في معناها في َ‬ ‫ُ‬ ‫ابن قتيبةَ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان علَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللي العر ِ‬
‫قال اهللُ‬
‫ظهره‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫المتقاد َم‪ ،‬فاألص ُل هو "ما َح َمله‬ ‫ستذكر المعنى‬
‫ًا‬ ‫يض ُم‬ ‫الد ِّ‬
‫ّ‬
‫وتاب َعه على هذا المعنى‬ ‫‪7‬‬ ‫ِ‬ ‫ينة ِ‬ ‫ار ِمن ز ِ‬
‫القوم" أي‪ :‬أحماالً من ُحليِّهم"( )‪َ ،‬‬ ‫ولكنا ُح ّملنا أوزًا‬
‫عز وج ّل‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫يظهر جليًّا‬ ‫اللي‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬
‫‪8‬‬ ‫ِ‬
‫األصل ِّ‬ ‫القائم على استر ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أثر التّ ّ‬
‫أن َ‬‫الحق ّ‬
‫ِّجستاني( )‪ ،‬و ّ‬
‫ُّ‬ ‫اللي الس‬
‫الد ِّ‬ ‫فاد‬
‫ان‪،‬‬ ‫حي َ‬
‫القرطبي وأبو ّ‬
‫ُّ‬ ‫برسي و‬
‫ي والطّ ُّ‬ ‫المعنيين‪ ،‬و ِمنهم ّ‬
‫الزمخشر ُّ‬ ‫ِ‬ ‫بين‬
‫ترددوا َ‬
‫المفسرين ّ‬
‫ِّ‬ ‫أن‬
‫ههنا؛ ذلك ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل المشكل‪.140 ،‬‬


‫(‪ )2‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.72/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو حيان‪ ،‬البحر‪.484/8 ،‬‬
‫(‪ )4‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.14/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.266/6 ،‬‬
‫(‪ )6‬يقول الطبري‪" :‬وقد زعم بعضهم أن الوزر الثقل والحمل‪ ،‬ولست أعرف ذلك كذلك‪ ."...‬وأحسب أن هذا‬
‫مردود‪ ،‬فقد ذهب لغويون كثيرون إلى ما أنكره الطبري‪ .‬انظر‪ :‬تفسيره‪ ،114/7 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.111/4،‬‬
‫(‪ )7‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل المشكل‪ ،140 ،‬وتفسير الغريب‪.281 ،‬‬
‫(‪ )8‬ابن عزيز‪ ،‬النزهة‪.71 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫ولكنا ُح ِّملنا‬
‫قدير‪ّ :‬‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫يكون التّ ُ‬
‫ُ‬ ‫اللي‪ ،‬وعلى هذا‬
‫الد ِّ‬ ‫قائم على استشراف التّ ّ‬
‫عندهم ٌ‬ ‫األو ُل َ‬
‫والمعنى ّ‬
‫جوِز والتّوس ِ‬
‫ُّع‪،‬‬ ‫القائم على التّ ُّ‬ ‫الحادث‬ ‫عماده المعنى‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أثقاالً من الق ْبط وزينتهم‪ ،‬وثَّم معنى ُ‬
‫ألنهم استعاروا‬ ‫عات ِمن حلي ِ‬
‫القوم؛ ّ‬ ‫ولكنا حملنا آثاما وتَبِ ٍ‬
‫قدير‪ّ ُ ّ :‬‬ ‫يكون التّ ُ‬
‫ُ‬ ‫المتأخ ِر‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫وعلى هذا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مصر؛ إ ْذ كانوا‬
‫َ‬ ‫عند الخرو ِج ِمن‬
‫يردوها عليهم َ‬ ‫ثم ْلم ّ‬‫كان لهم‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلياً من القبط ليتزّينوا بها في عيد َ‬ ‫ّ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫دار الحرب( )‪.‬‬ ‫ْمنين في ِ‬ ‫ِ‬
‫المستَأ َ‬
‫معهم في ُحكم ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬انظر ما قيل في هذين المعنيين‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،550/2 ،‬والطبرسي‪ ،‬المجمع‪ ،39/7 ،‬والقرطبي‪،‬‬
‫الجامع‪ ،156/11 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪ ،249/6 ،‬وابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن‪ ،162/3 ،‬واكتفى الطبري بمعنى‬
‫األثقال واألحمال‪ ،‬انظر‪ :‬تفسيره‪.147/16 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫الحديثي"‬ ‫ص‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ِّاللي في فهم ال ّن ّ‬‫طور الد ِّ‬‫"أثر استشراف التّ ّ‬ ‫ُ‬
‫حديث َّ‬
‫الش ْجب‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫األو ُل‪:‬‬
‫الحديث ّ‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫س ثالثة‪ :‬سالم وغانم وشاجب"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫المجال َ‬
‫"إن ُ‬ ‫ّ‬
‫السـابق كمـا يفهمهـا فـي عص ِـره ّ‬
‫ظانـاً‬ ‫ظ ّ‬ ‫ـق ألفـا َ‬
‫يفهم الالّح ُ‬
‫ألن َ‬ ‫المرشحة ْ‬‫ِّ‬ ‫وداللةُ ال َّش ْج ِب ِمن المو ِ‬
‫اضع‬ ‫ِ‬

‫ق‪ ،‬وجمــاعُ‬‫إن لهــا دالل ـةً متقادم ـةً ليســت كــالتي عنــد الالّح ـ ِ‬
‫ق؛ إذ ّ‬ ‫الســاب ِ‬
‫ـت تعنيــه عنــد ّ‬ ‫ّأنهــا تعنــي مــا كانـ ْ‬
‫ـس –‬‫الشـجب أم ِ‬ ‫ان اإلسـرائيلي‪ ،‬ولك ّـن َّ‬‫ب العـدو ِ‬‫فض‪ ،‬فيقولـون‪َ :‬ش ْـج ُ‬ ‫ـتنكار وال ّـر ُ‬
‫ّ‬ ‫ـوم التّندي ُـد واالس ُ‬
‫معناها الي َ‬
‫ـالك(‪ ،)2‬وقــد ُح ِملـت ِداللـةُ َّ‬
‫الشـ ِ‬
‫ـجب‬ ‫النحـو اليــوم؛ إ ْذ ّإنهــا دالّـةٌ علــى اإله ِ‬‫وقـد تقـ ّـدم هـذا‪ -‬لــيس علـى هــذا ّ‬
‫َ‬
‫علــى ذلكــم المحمـ ِـل فــي قولِــه –صـلّى اهلل عليــه وسـلّم‪" :-‬فقــام رســو ُل اهلل ‪-‬صـلّى اهلل عليــه وسـلّم‪ -‬إلــى‬
‫طب منه الماء…"‪ ،‬فقد قيل إن ال ّشـجب هـو السِّـقاء الـذي قـد أخلـق ِ‬
‫وبلـي وصـار َش ّـنا‪ ،‬وهـو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َش ْج ٍب ْ‬
‫فاص َّ‬
‫المباحثة؛ أعني كلمة "ال ّشاجب" في هـذا‬‫ِ‬ ‫أما تجليةُ موضع هذه‬ ‫‪3‬‬ ‫مأخوٌذ ِمن َّ‬
‫ك( )‪ّ .‬‬ ‫الش ْجب الذي هو هال ٌ‬

‫‪ ،‬والمعجم المفهرس‪،‬‬ ‫(‪ )1‬انظرالحديث‪ :‬المسند‪ ،75/3 ،‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،223/2 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪،‬‬
‫‪.66/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شجب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،223/2 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية ‪.444/2 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫ـس إلـى‬ ‫ِّن منهـا‪ ،‬وعـدلوا عـن معنـى األم ِ‬ ‫يف فقد جانب الطّلبةُ الصواب في استشر ِ‬
‫اف المتعـي ِ‬ ‫الشر ِ‬‫ق َّ‬ ‫السِّيا ِ‬
‫ّ َ‬
‫أن ذلـك لـيس كـذلك‪ ،‬وق ْـد فُسِّـر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اليوم ُم ْحتكمين في ذلك كلِّه إلى‬
‫معنى ِ‬
‫المعاصر‪ ،‬وفـاتهم ّ‬ ‫غوي‬
‫اإللف اللّ ِّ‬
‫ـاجب هـو‬ ‫ِ‬ ‫اكت السالم ِمن ِ‬
‫أن ال ّش َ‬ ‫األجر‪ ،‬و ّ‬ ‫غانم‬
‫الغانم هو ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اإلثم‪ ،‬و ّ‬ ‫الس ُ ّ ُ‬ ‫الم هو ّ‬ ‫الس َ‬
‫أن ّ‬
‫يف ّ‬
‫الحديث ال ّشر ُ‬
‫ُ‬
‫بالخنا(‪.)1‬‬
‫اآلثم الذي يأتي َ‬
‫ك ُ‬ ‫الهال ُ‬

‫الج ْهش‪:‬‬
‫حديث َ‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬الحديث الثّاني‪:‬‬
‫عمر فإذا هو‬ ‫رسول ِ‬
‫ِ‬
‫فأجشهت بكاء‪ ،‬وركبني ُ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‪،‬‬ ‫ارجع إلى‬
‫ْ‬ ‫"‪...‬فقال‪:‬‬
‫"فجهشت للبكاء"‪.‬‬
‫ُ‬ ‫على أثري"(‪ ،)2‬وقد روي‪:‬‬
‫ِ‬
‫االستعبار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للبكاء و‬ ‫االستعداد‬ ‫قديما هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وداللة ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫ُ‬ ‫فالمتعي ُن منها ً‬‫ّ‬ ‫اليوم؛‬ ‫القديمة‬ ‫اللة‬ ‫بون بين ّ‬ ‫ثم ٌ‬ ‫ّ‬
‫أمه وأبيه‬
‫بي يفزعُ إلى ّ‬ ‫اإلنسان إلى ِ‬
‫كالص ّ‬
‫ّ‬ ‫البكاء‬
‫َ‬ ‫يد‬
‫كأنه ير ُ‬ ‫غيره‪ ،‬وهو مع ذلك ّ‬ ‫ُ‬ ‫أن يفزعَ‬ ‫ش ْ‬ ‫الج ْه ُ‬
‫و َ‬
‫مفارق لِما لنا به ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ‪3‬‬
‫أن‬
‫استعمال اليوم؛ ذلك ّ‬ ‫عهد في‬ ‫ٌ‬ ‫أن هذا المعنى‬ ‫الحق ّ‬‫للبكاء( )‪ ،‬و ّ‬ ‫تهيأ‬
‫وقد ّ‬ ‫ْ‬
‫أن‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحسب ّ‬
‫حيب‪ ،‬و ُ‬ ‫حد ّ‬‫البكاء وأطال إلى ّ‬ ‫أغرق في‬ ‫َ‬ ‫األيام على ّأنه‬ ‫"أجهش" تد ّل في هذه‬
‫أمر يفضي إلى‬ ‫ِ‬ ‫ومالحظة أطو ِار ّ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫الداللة المتعاقبة ٌ‬ ‫العناية‪،‬‬ ‫اللي بعين‬
‫الد ّ‬ ‫جافي عن أخذ التّ ّ‬ ‫التّ َ‬
‫فصل تر ِ‬
‫تيب‬ ‫ِ‬ ‫عالبي على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللّ ِ‬
‫عرج الثّ ّ‬ ‫ولما ّ‬‫األول‪ّ ،‬‬ ‫ق فهماً مغاي اًر للقصد ّ‬ ‫بس والى فهم ألفاظ ّ‬
‫ِ‬
‫للبكاء قيل‪:‬‬ ‫الرج ُل‬ ‫ِ‬ ‫الكلمة في حقلِها ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تهيأ ّ‬
‫اللي بين أخواتها‪ ،‬فقال‪" :‬إذا ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫البكاء ّبي َن موضعَ هذه‬
‫وهمعت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫عت‬
‫سالت قيل‪َ :‬د َم ْ‬
‫ْ‬ ‫قت‪ ،‬فإذا‬‫عينه وترقر ْ‬ ‫قت ُ‬ ‫امتألت عيناه دموعاً قيل‪ :‬اغرور ْ‬ ‫ْ‬ ‫فإن‬
‫أجهش‪ْ ،‬‬
‫أعول"(‪.)4‬‬
‫َ‬ ‫صوت قيل‪َ :‬نحب ونشج‪ ،‬فإذا صاح مع بكائِه قيل‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫فإذا كان لبكائِه‬

‫اليوم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫أن داللةَ "أجهش" َ‬ ‫الحديث‪ ،‬وهو ّ‬
‫ُ‬ ‫تقدم عليه‬
‫بجالء ملحظان‪ّ :‬أولُهما ما ّ‬ ‫تقدم‬
‫مما ّ‬‫يظهر ّ‬
‫ُ‬
‫خطره‬
‫ُ‬ ‫مطلب له‬
‫ٌ‬ ‫اللي بين أخواتِها‬
‫الد ّ‬
‫ِ‬
‫الحقل ّ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة في‬ ‫موضع‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫مفارقةٌ لداللتِها ِ‬
‫أمس‪ ،‬وثانيهما ّ‬
‫أجل‬ ‫ِ‬
‫الحديث َ‬ ‫ولما ورد الطّلبةُ على هذا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امتيازها عن بنات حقلها‪ّ ،‬‬ ‫ومالحظة‬ ‫تعيين معناها‪،‬‬ ‫في‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫هش جنحوا كلُّهم إلى ِّ‬ ‫ِ‬
‫ش‪ ،‬وقد آثروا داللةَ‬ ‫القار في أنفسهم من داللة معاصرٍة َ‬
‫للج ْه ِ‬ ‫الج ِ‬ ‫ِ‬
‫تعيين داللة َ‬

‫(‪ )1‬انظر ما قيل في هذا الحديث‪ :‬الهروي‪ ،‬غريب الحديث‪ ،437-436/2 ،‬والزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،223/2 ،‬وابن‬
‫األثير‪ ،‬النهاية‪ ،445/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شجب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر الحديث‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬حديث ‪ ،351/1 ،52‬والزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،249/1 ،‬وابن األثير‪،‬‬
‫النهاية‪ ،322/1 ،‬والمعجم المفهرس‪.52/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جهش"‪.‬‬
‫الثعالبي‪ ،‬فقه اللغة وسر العربية‪.125 ،‬‬
‫ّ‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪51‬‬
‫صحيح ٍ‬
‫مسلم فقال في عبارٍة‬ ‫الج ِ‬
‫هش شارُح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫هيؤ للبكاء‪ ،‬وقد التفت إلى داللة َ‬
‫البكاء ال ّشديد على التّ ّ‬
‫ولما ْيب ِك ُ‬
‫بعد"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫متهيئٌ للبكاء‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫متغي ُر الوجه‪ّ ،‬‬
‫غيره وهو ّ‬ ‫اإلنسان إلى ِ‬
‫ُ‬ ‫ع‬
‫أن يفز َ‬
‫دالّة‪" :‬وهو ْ‬

‫ِ‬
‫الجائ َزِة‪:‬‬ ‫حديث‬
‫ُ‬ ‫الث‪:‬‬
‫الحديث الثّ ُ‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫"الضياف ُة ثالثة ّأيام‪ ،‬وجائزتُه يوم وليلة‪ ،‬وما زاد فهو صدقة"‬ ‫ّ‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة الجائ ِزة مستشرفًا داللةَ‬
‫الجذر المستَقََيةَ منه "جوز"‪ّ ،‬‬ ‫اظر قليالً عند‬‫الن ُ‬‫إذا ما لبث ّ‬
‫و"جزت الطّريق" إذا قطعتُه‬
‫ُ‬ ‫االشتقاقي بين قولِنا "الجائزة"‬
‫ّ‬ ‫عنده‪ ،‬فما الجامعُ‬
‫ق َ‬ ‫تعج ٍب سيتخلّ ُ‬
‫خاطر ّ‬‫َ‬
‫المعاني‬ ‫أن هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الرابطُ بينها وبين‪ :‬أجازه إذا أنفذه‪ ،‬وليس يخفى‪ ،‬من وجهة أولى‪ّ ،‬‬ ‫وسلكتُه‪ ،‬وما ّ‬
‫ٍ‬
‫وجهة أخرى–‬ ‫المستهج ِن– ِمن‬ ‫ِ‬
‫البعيد‬ ‫العطيةُ أو المكافأةُ‪ ،‬و ِمن‬ ‫داللة "الجائزة" التي هي‬‫ِ‬ ‫بعيدةٌ عن‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫تنبعث المساءلةُ‬
‫ُ‬ ‫االشتقاقي الذي يكتنفُها‪ ،‬و ِمن هنا‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الجذر‬ ‫تكون داللةُ "الجائزة" متجافيةً عن‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اللي وأصولِه‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫االستعمال ّ‬ ‫قص ِة هذا‬‫االشتقاقي‪ ،‬أو ّ‬
‫ِّ‬ ‫للبحث عن الر ِ‬
‫ابط‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫كثير ِمن التّطلّ ِب‬
‫ثانيةً في ٍ‬
‫ِ‬
‫داللة الجائ ِزة‪:‬‬ ‫الد ِ‬
‫اللة؛‬ ‫األصل في هذه ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫متقادمة‪ ،‬فقد قيل إن‬ ‫ٍ‬
‫عصور‬ ‫ِ‬
‫المنتسبة إلى‬
‫النهر فله كذا‪ ،‬فكان كلّما‬ ‫جاز هذا ّ‬ ‫نهر‪ ،‬فقال‪َ :‬من َ‬ ‫عدواً‪ ،‬وبينهما ٌ‬‫أمير واقف ّ‬ ‫أن ًا‬ ‫‪ّ -‬‬
‫احد أخذ جائزةً‪.‬‬
‫جاز منهم و ٌ‬‫َ‬
‫لوج ِهه‪ ،‬فيقول‬ ‫ليذهب‬
‫َ‬ ‫ويجيزه‬
‫َ‬ ‫ماء‪،‬‬
‫الرجل ً‬
‫َ‬ ‫الرج ُل‬
‫يعطي ّ‬
‫َ‬ ‫إن الجائزةَ أصلُها أن‬
‫‪ -‬وقيل ّ‬
‫أجوز‬
‫لوجهي و َ‬ ‫أذهب‬ ‫ماء حتّى‬ ‫ِ‬ ‫ارد على ِ‬
‫الماء ِّ‬
‫َ‬ ‫ماء‪ ،‬أي أعطني ً‬ ‫لقيم الماء‪ :‬أجزني ً‬ ‫الو ُ‬
‫إن الجيزةَ ِمن‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫‪2‬‬
‫العطيةَ جائزةً"( )‪ ،‬وقد قال األزهر ّ‬
‫ّ‬ ‫سموا‬
‫"ثم كثر هذا حتّى َّ‬ ‫عنك‪ّ ،‬‬
‫منهل إلى ٍ‬
‫منهل(‪.)3‬‬ ‫يجوز به المسافر ِمن ٍ‬ ‫مقدار ما ُ‬ ‫ِ‬
‫الماء‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫االشتقاقي "جوز"‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫يستشرف داللةَ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يعدم ْ‬
‫المتأم َل ال ُ‬
‫ّ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫العرض ّ‬ ‫اهر ِمن هذا‬
‫الظّ ُ‬
‫ِ‬
‫الحادث تنأى عنه‪ ،‬و ّأياً كان‬ ‫الداللةَ المشتقَّة ِمنها "الجائزة"‪ ،‬وا ْن ظهر ّأنها في معناها‬
‫المكتنِفةَ ّ‬
‫قصةَ أولئك الذين‬
‫هر‪ ،‬أو ّ‬ ‫لقاء جو ِازهم ّ‬
‫الن َ‬ ‫العطيةَ َ‬
‫ّ‬ ‫جنوده‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األمير الذي وهب‬ ‫قصةَ‬
‫األص ُل‪ ،‬أعني ّ‬
‫أن الجائزةَ في ثوبِها‬ ‫ِ‬ ‫قيِم‬
‫يب‪ ،‬وهو ّ‬ ‫احد ال ر َ‬ ‫المؤدى و ٌ‬
‫ّ‬ ‫ليجيزهم‪ ،‬فلع ّل‬
‫َ‬ ‫الماء‬ ‫كانوا َي ِردون على ّ‬
‫الدائرةَ‬
‫إن ّ‬ ‫األو ِل‪ ،‬ولع ّل‬ ‫ِ‬
‫تعميما أصابها؛ إذ ّ‬
‫ً‬ ‫متطورةٌ منزاحةٌ عن المعنى ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحادث ّإنما هي‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬‫ّ‬
‫كانت‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫أصبحت ُّ‬
‫ْ‬ ‫عطية جائزةً‪ ،‬بعد ْ‬
‫كل ّ‬ ‫ْ‬ ‫سعت‪ ،‬فقد‬
‫غدت تترّبعُ عليها هذه الكلمةُ اتّ ْ‬
‫ْ‬ ‫الليةَ التي‬
‫الد ّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.352/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جوز"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جوز"‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫يجوز به المرء ِمن ٍ‬
‫منهل إلى‬ ‫ٍ‬
‫مقدار ُ‬ ‫ِ‬
‫كالماء‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫مخصوصة‬ ‫عطي ٍة‬ ‫في ساب ِ ِ‬
‫ق عهدها مقصورةً على ّ‬
‫ُ‬
‫القطامي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫وردت بالمعنى ال ِ‬
‫متقادم في قول‬ ‫ْ‬ ‫موضع‪ .‬وقد‬
‫ٍ‬ ‫موضع إلى‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منهل‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫الماء جائزة"‬ ‫أهل‬ ‫ظلِ ُ‬
‫لت أسأ ُل َ‬ ‫"َ‬

‫ِ‬
‫المتقادم في قولِه ‪-‬صلّى اهلل‬ ‫وردت كذلك بالمعنى‬
‫ْ‬ ‫والمعنى المتعين منها‪َ :‬شربة ٍ‬
‫ماء‪ .‬وقد‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫يوم وليلةٌ‪ ،‬وما زاد فهو صدقةٌ"( )‪ ،‬ومعنى هذا‬ ‫ٍ‬
‫"الضيافةُ ثالثة ّأيام‪ ،‬وجائزتُه ٌ‬
‫ّ‬ ‫عليه وسلّم‪:-‬‬
‫مما اتّسع ِمن بِّر‬ ‫ِ‬
‫األول ّ‬ ‫ِ‬
‫ف له في اليوم ّ‬‫يضاف المرُء ثالثةَ ّأي ٍام‪ ،‬فيتكلّ ُ‬
‫ُ‬ ‫الحديث ال ّشر ِ‬
‫يف ّأنه‬ ‫ِ‬
‫ثم يعطيه – وهنا تتجلّى داللةُ الجائ ِزة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تيسر وحضر‪ّ ،‬‬ ‫قد ُم له في الثّاني والثّالث ما ّ‬‫ثم ُي ّ‬
‫والطاف‪ّ ،‬‬
‫يوم ٍ‬
‫وليلة(‪.)2‬‬ ‫يجوز به مسافةَ ٍ‬
‫المتقادمةُ – ما ُ‬

‫ضخ‪:‬‬ ‫الر ْ‬
‫الرابعُ‪ :‬حديث ّ‬
‫الحديث ّ‬ ‫‪‬‬
‫نصيب‪ ،‬ولك ّنهم‬ ‫الم ْغ َنِم‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫العبد فليس له من َ‬
‫أما ُ‬ ‫تم إذا احتلم‪ ،‬و ّ‬
‫الي ُ‬
‫بي فينقطعُ عنه ُ‬
‫الص ُّ‬
‫أما ّ‬‫‪..." -1‬و ّ‬
‫للن ِ‬
‫ساء‬ ‫يضرب ّ‬ ‫آخر قيل ّإنه ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬لم‬ ‫ٍ‬ ‫‪3‬‬
‫ْ‬ ‫ض ُخ لهم"( )‪ ،‬وفي حديث َ‬ ‫قد كان ُي ْر َ‬
‫لهن"‪.‬‬
‫كان يرض ُخ ّ‬ ‫ِ‬
‫المغنم‪ ،‬و"قد َ‬ ‫ٍ‬
‫بسهم في‬

‫أن‬
‫اس ْ‬ ‫ِ‬
‫بعد؛ فلكم ّأيها ال ّن ُ‬
‫أما ُ‬
‫ثم قال‪ّ :‬‬
‫ثم سألوه‪ ،‬فحمد اهلل –تعالى‪ -‬وأثنى عليه‪ّ ،‬‬‫‪ّ ..." -2‬‬
‫ِ‬
‫الفضل َِ"(‪.)4‬‬ ‫ترضخوا ِمن‬
‫َ‬

‫نبي اهلل‪ ،‬ليس‬


‫فقالت‪ :‬يا َّ‬ ‫بي –صلّى اهلل عليه وسلّم‪-‬‬ ‫بنت أبي ٍ‬‫‪" -3‬عن أسماء ِ‬
‫ْ‬ ‫الن ّ‬
‫بكر ّأنها جاءت ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫علي‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لي ِمن‬
‫مما يدخ ُل ّ‬
‫أرضخ ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫علي ُجناح ْ‬ ‫ّ‬ ‫الزبير‪ ،‬فهل‬
‫شيء إالّ ما أدخل على ّ‬
‫ارضخي ما استطعت‪.)1("...‬‬

‫(‪ )1‬انظر الحديث‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،244/1 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪.314/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،244/1 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،314/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جوز"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر الحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪.224/1 ،‬‬
‫(‪ )‬انظر الحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،379/ ،‬المعجم المفهرس‪.263/2 ،‬‬

‫‪53‬‬
‫الحي ِة‬
‫ّ‬ ‫أس‬
‫رضخت ر َ‬
‫ُ‬ ‫النوى‪ ،‬فيقا ُل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وكسر‬
‫ُ‬ ‫أس‪،‬‬ ‫الر ِ‬
‫كسر ّ‬ ‫ُ‬ ‫متنوعةٌ‪ ،‬و ِمنها‬‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫معان‬ ‫ضخ‬
‫للر ِ‬‫ّ‬
‫فيقال‪ :‬رضخ له‬‫العطاء‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫إلى معانيها‬ ‫وينضاف‬
‫ُ‬ ‫بالحجا ِرة‪ ،‬وهذا معنى ما ي از ُل قائماً في أذهانِنا‪،‬‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يظهر ّ‬
‫فالن شيئاً إذا أعطى وهو كارهٌ‪ ،‬و ُ‬ ‫اضخ ٌ‬‫العطيةُ‪ ،‬ور َ‬ ‫ّ‬ ‫الرضيخةُ‬ ‫من ماله إذا أعطاه‪ ،‬و ّ‬
‫أن معنى‬ ‫فالناس يتعارفون على ّ‬
‫اليوم‪ّ ،‬‬ ‫غوي َ‬ ‫شائع في ُعرِفنا اللّ ّ‬ ‫غير ٍ‬ ‫العطاء‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫األخير‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫المعنى‬
‫ٍ‬
‫لفالن‪ ،‬إذا‬ ‫فالن‬
‫ضخ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيقال‪َ :‬ر َ‬
‫اإلذعان واالنقياد‪ُ ،‬‬ ‫ق‪ ،‬وقد تد ّل أيضاً على‬ ‫الد ّ‬
‫الكسر أو ّ‬
‫ُ‬ ‫الرضخ"‬‫" ّ‬
‫لما‬ ‫ق اللّ ِ‬‫مرش ٌح لتخلّ ِ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة ِّ‬
‫بس‪ ،‬وقد وقع هذا حقّاً ّ‬ ‫تطوَر هذه ّ‬ ‫أن ّ‬‫استجاب له وأذعن‪ ،‬والحاص ُل ّ‬
‫األو ِل قائماً على ما ران عليه إلفُهم‬ ‫ِ‬ ‫كان مذهب الطّ ِ‬
‫"الرضخ" في الحديث ّ‬ ‫جميعا في معنى ّ‬ ‫ً‬ ‫لبة‬ ‫ُ‬
‫يف‪ ،‬بل المعنى‪ :‬كانوا‬‫ق ال ّشر ِ‬
‫السيا ِ‬
‫ياد‪ ،‬وليس ذلك كذلك في هذا ّ‬ ‫اإلذعان واالنق ُ‬
‫ُ‬ ‫اليوم‪ ،‬وهو‬
‫غوي َ‬ ‫اللّ ّ‬
‫الرض ِخ فيه مقرونةً‬ ‫الحديث الثّ ِ‬
‫ِ‬
‫ووي داللةَ ّ‬
‫الن ّ‬
‫الث‪ ،‬وقد جعل ّ‬ ‫شيئا قليالً‪ ،‬وكذلك الحا ُل مع‬ ‫يعطون ً‬
‫ِ‬
‫بالعطاء(‪.)2‬‬

‫الخامس‪ :‬حديث الوضوء‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الحديث‬


‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫"‪...‬مررت بأبي هريرةَ وهو يتوضأُ فقال‪ :‬أتدري مما أتوضأُ؟ ِمن أثو ِار ٍ‬
‫أقط أكلتُها‪ّ ،‬إني‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫مست ال ّن ُار"( )‪ ،‬وفي رواية أخرى‬
‫مما ّ‬
‫"توضؤا ّ‬
‫ّ‬ ‫رسول اهلل ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬يقو ُل‪:‬‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫"مما أنضجت ال ّن ُار"(‪.)4‬‬
‫يقو ُل‪ّ :‬‬

‫يف كلمةُ‬‫الحديث ال ّشر ِ‬


‫ِ‬ ‫اللي في ِ‬
‫فهم‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الدالّ ِة على ِ‬ ‫و ِمن األ ِ‬
‫أثر استشراف التّ ّ‬ ‫مثلة ّ‬
‫ق ال ّشر ِ‬
‫تنسب إلى مجالَين‬
‫ُ‬ ‫أن هذه الكلمةَ‬ ‫ِ‬
‫المذكور آنفًا‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫يف‬ ‫الوضوِء في ّ‬
‫السيا ِ‬
‫ِ‬
‫األحاديث التي‬ ‫أن خلطًا قد وقع بينهما في ِ‬
‫فهم‬ ‫عي‪ ،‬واخا ُل ّ‬
‫لغوي‪ ،‬وثانيهما شر ّ‬
‫ّ‬ ‫دالليين‪ّ ،‬أولهما‬
‫ّ‬

‫(‪ )‬انظر الحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام أحمد‪ ،35/6 ،‬وانظر مع اختالف الرواية‪ :‬شرح صحيح مسلم‪،‬‬
‫باب الزكاة‪ ،‬حديث رقم ‪ ،2/7 ،89‬والمعجم المفهرس‪.263/2 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.124/7 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر الحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،265/2 ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬باب الحيض‪ ،‬حديث رقم‪ ،90‬المعجم‬
‫المفهرس‪ ،239/7 ،‬وفي رواية أخرى يقول‪" :‬مما أنضجت النار" ‪ ،‬انظر‪ :‬المسند‪.30/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬أحند بن حنبل‪ ،‬المسند‪.30/4 ،‬‬

‫‪54‬‬
‫لغوي انبنى عليه‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫إشكال‬ ‫يحا‪ ،‬فشكا ِمن‬ ‫إلماحا صر ً‬ ‫ً‬ ‫ابن قتيبةَ إلى هذا‬ ‫اشتملت عليها‪ ،‬وقد ألمح ُ‬ ‫ْ‬
‫ثانية‪ ،‬يجعلُنا نقو ُل ثانيةً وثالثةً ورابعةً‪ :‬ما أشبهَ اللّيلةَ‬ ‫ٍ‬ ‫فقهي‪ ،‬وهذا اإلشكا ُل‪ِ ،‬من ٍ‬
‫جهة‬ ‫ٌّ‬ ‫إشكا ٌل‬
‫عضوا ِمن أعضائِه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يده أو رجلَه أو‬ ‫حة‪ ،‬فقد اختُلف في معنى الوضوِء‪ ،‬فقد يقا ُل لمن غسل َ‬ ‫بالبار ِ‬
‫متعارف عليه‪.‬‬ ‫حده اهلل الباري فهو ّبي ٌن‬ ‫الوضوء الذي ّ‬ ‫أما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وضأه‪ّ .‬‬‫أو س ّكن من َشعث رأسه بالماء‪ّ :‬‬
‫يحهما‪ ،‬وقد جرى‬ ‫اليد و ِ‬ ‫النار فهو غس ُل ِ‬
‫ويطيب ر ُ‬ ‫َ‬ ‫اغ لينظفا‬
‫الفم بعد الفر ِ‬ ‫مست ّ ُ‬‫مما ّ‬‫الوضوء ّ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫وّ‬
‫أن‬‫قبل ْ‬
‫أيديهم َ‬ ‫أن يقولوا إذا غسلوا َ‬ ‫هم‪ ،‬و ْ‬ ‫ابن قتيبةَ‪ -‬على الوضوِء ِمن ّ‬
‫الز ِ‬
‫بعد – كما يقو ُل ُ‬ ‫اس ُ‬ ‫الن ُ‬
‫ّ‬
‫تنتسب إليه‬ ‫طعم بها ‪ .‬وهذا هو المعنى الذي‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أيدينا ل َن َ‬ ‫توضأنا" وهم يريدون بهذا نظّفنا َ‬ ‫يأكلوا " ّ‬
‫ِ‬
‫التباسها‬ ‫عي أفضى إلى‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نقل اإلسالم لهذه الكلمة إلى المجال الشر ّ‬ ‫ولكن َ‬
‫غوي‪ّ ،‬‬ ‫الكلمةُ في مجالها اللّ ّ‬
‫ووي على هذا يأخ ُذ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ّ‬ ‫اإلمام ّ‬ ‫اب‬
‫عي‪ ،‬وجو ُ‬ ‫وي وال ّشر ِّ‬ ‫المعنيين؛ اللّغ ِّ‬
‫َ‬ ‫وترددهم بين‬
‫اس ّ‬ ‫بعض ّ‬ ‫على‬
‫"‪...‬أن‬ ‫لك قولِه‪:‬‬ ‫النار‪ ،‬وثانيهما‪ :‬يدور في َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مست ّ ُ‬ ‫مما ّ‬ ‫نسخ الوضوء ّ‬ ‫الن ْسخ؛ ُ‬ ‫عبين ّأولُهما‪ّ :‬‬ ‫في ش َ‬
‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫األول‪ّ ،‬‬ ‫در ّ‬ ‫الخالف الذي حكيناه كان في ّ‬ ‫َ‬ ‫إن هذا‬ ‫ثم ّ‬‫المر َاد بالوضوء غس ُل الفم والكفين‪ّ ،‬‬
‫الن ُار‪ ،‬واهللُ أعلم"(‪.)2‬‬
‫مستْه ّ‬‫بأكل ما ّ‬ ‫يجب الوضوء ِ‬ ‫العلماء بعد ذلك ّأنه ال ُ‬ ‫أجمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫األو ُل الخلطُ‬
‫إليه باعثُه ّ‬ ‫المشار‬
‫َ‬ ‫الفقهي‬ ‫الخالف‬
‫َ‬ ‫بأن‬
‫ير ّ‬‫أميل إلى التّقر ِ‬
‫ولعلّني ألفي نفسي َ‬
‫ّ‬
‫أن فيها‬
‫أحسب ّ‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫ولس ُ‬ ‫يف‪،‬‬‫الحديث ال ّشر َ‬
‫َ‬ ‫بعض َمن سمع‬ ‫ِ‬ ‫عي ِة عند‬ ‫الداللتَين اللّ ِ‬
‫غوية وال ّشر ّ‬
‫ّ‬ ‫بين ّ‬
‫يعضد هذا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البيان ما‬ ‫سخ‪ ،‬ولع ّل في الذي يأتي ِمن فضل‬ ‫للن ِ‬‫وجهًا ّ‬

‫ِ‬
‫بعضهم بين‬ ‫اإلشكال ِمن ِ‬
‫خلط‬ ‫ِ‬ ‫ق هذا‬ ‫الدالّةُ على تخلّ ِ‬ ‫‪ -1‬إلماحةُ ِ‬
‫ابن قتيبةَ المعجبةُ ّ‬
‫مما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توضأ ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن‬
‫عي)‪َ " :‬‬ ‫غوي) والحادثة(المعنى ال ّشر ّ‬‫الداللتَين‪ :‬المتقادمة(المعنى اللّ ّ‬ ‫ّ‬
‫جهة وضوئِه‬‫ِ‬ ‫فإنما وقع غلطُه في ذلك ِمن‬ ‫الن ُار‪ ،‬فغسل وجهَه ورجلَيه ّ‬ ‫غيرت ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ (‪.)3‬‬
‫للصالة"‬
‫ّ‬
‫الخلفاء‬ ‫الن ُار‪ ،‬ومنهم‬
‫مست ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -2‬إجماعُ ِّ‬
‫ُ‬ ‫مما ّ‬ ‫الصحابة على ترك الوضوء ّ‬ ‫مشاهير ّ‬ ‫جل‬
‫عمر‪،‬‬ ‫عب ٍ‬ ‫مسعود‪ ،‬وأبو ّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫بن َ‬ ‫وعبد اهلل ُ‬
‫ُ‬ ‫اس‪،‬‬ ‫ابن ّ‬‫الدرداء‪ ،‬و ُ‬ ‫ابن‬
‫الراشدون األربعةُ‪ ،‬و ُ‬
‫مذهب أبي حنيفةَ‬ ‫مالك‪ ،‬وأبو موسى‪ ،‬وأبو هريرةَ‪ ،‬وعائشةُ و‪ ....‬وهذا‬ ‫وأنس بن ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫‪4‬‬
‫بن حنبل( )‪.‬‬‫أحمد ِ‬
‫الشافعي و َ‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ومالك و‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬غريب الحديث‪.9/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.284/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن قتيبة‪ ،‬غريب الحديث‪.9/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.283-282/3 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫بأحاديث‬ ‫ثم أعقبها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الن ُار‪ّ ،‬‬
‫مست ّ‬
‫مما ّ‬
‫بذكر األحاديث الواردة بالوضوء ّ‬ ‫مسلم‬
‫ٌ‬ ‫‪ -3‬بدأ‬
‫الن ُار(‪.)1‬‬
‫مست ّ‬ ‫مما ّ‬ ‫ِ‬
‫ك الوضوء ّ‬‫تر ُ‬ ‫مضمارها‬
‫ُ‬

‫ادس‪ :‬حديث الكفر‪:‬‬ ‫الس ُ‬‫الحديث ّ‬


‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫رقاب‬
‫َ‬ ‫بعضكم‬
‫ُ‬ ‫يضرب‬
‫ُ‬ ‫رجعوا َب ْعدي ُكفّا ار‬ ‫قال ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلم‪" :-‬أال ال تَ ِ‬
‫بعض…"(‪.)2‬‬
‫للكفر داللتَين‪ :‬األولى لغويةٌ متقادمةٌ تد ّل على التّ ِ‬
‫غطية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لع ّل ِمن‬
‫ّ‬ ‫القول التّقر َير ّ‬ ‫فضول‬
‫ٍ‬
‫داللة‬ ‫تقدس اسمه‪ ،‬وقد وقع اإلشكا ُل ِمن إنز ِ‬
‫ال‬ ‫ِّ‬
‫الحق ّ‬ ‫ِ‬
‫اإللحاد باهلل‬ ‫عيةٌ حادثةٌ تد ّل على‬
‫ُ‬ ‫والثّانيةُ شر ّ‬
‫اللي في ِ‬
‫فهم‬ ‫طوِر ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الداللتَين في باب "أثر استشراف التّ ّ‬ ‫المفسرون بين ّ‬‫ّ‬ ‫تردد‬
‫مكان األخرى‪ ،‬فكما ّ‬ ‫َ‬
‫السيا ِ‬ ‫ِّ ِ‬
‫ق هو‬ ‫المتعي َن من الكفّ ِار في هذا ّ‬ ‫إن المعنى‬ ‫ترددوا بينهما ههنا‪ ،‬فقيل ّ‬ ‫فقد ّ‬ ‫آني" ْ‬
‫ص القر ِّ‬ ‫الن ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫لبعض في‬ ‫بعضكم‬ ‫أعداء يتكفُّر‬ ‫بعد الو ِ‬
‫الية‬ ‫ترجعوا َ‬ ‫الح‪ ،‬والمعنى الكلّي‪ :‬ال ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫التّكفُّر في ّ‬
‫الكفر إلى مجالَين‬‫ِ‬ ‫المقام هو انتساب ِد ِ‬
‫اللة‬ ‫ِ‬ ‫بس في هذا‬ ‫وباعث الولو ِج في عالم اللّ ِ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحرب(‪،)3‬‬
‫ُ‬
‫جامع‪ ،‬فقد يقا ُل لالّ ِ‬
‫بس‬ ‫ٍ‬ ‫لآلخر‪ ،‬مع وجود ٍ‬
‫خيط‬ ‫ِ‬ ‫معنوي مفار ٍ‬
‫ق‬ ‫احدة تكتسي بلَ ٍ‬
‫بوس‬ ‫ِدالليين‪ ،‬ك ّل و ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫مؤداه‪ :‬ال‬
‫آخر ّ‬ ‫الحديث على معنى َ‬ ‫ُ‬ ‫حم ُل هذا‬
‫قد ُي َ‬
‫السالح" ‪ ،‬و ْ‬‫كافر‪ ،‬وهو الذي غطّاه ّ‬ ‫الح ٌ‬‫الس َ‬ ‫ّ‬
‫ومن حمله على معنى‬ ‫(‪)5‬‬
‫الناس فيكفّرونهم ‪َ ،‬‬ ‫اس كما يفعلُه الخوارُج إذا استعرضوا ّ‬ ‫الن ِ‬
‫تكفير ّ‬
‫َ‬ ‫تعتقدوا‬
‫ومن َح َمله على معنى ال ُك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فقد‬
‫فر ْ‬ ‫غوي‪َ ،‬‬
‫تشبث بداللة الكلمة في مجالها اللّ ّ‬ ‫فقد ّ‬ ‫الح ْ‬ ‫التّكفّ ِر ّ‬
‫بالس ِ‬
‫ِ‬
‫الحديث‬ ‫الكفر في سيا ِ‬
‫ق‬ ‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ووي ّ‬
‫الن ّ‬
‫يني‪ ،‬وقد قال ّ‬ ‫الد ّ‬
‫عي ّ‬ ‫تشبث بداللة الكلمة في مجالها ال ّشر ّ‬ ‫ّ‬
‫يقرب ِمن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلسالم‪ ،‬واّنه‬ ‫ِّ‬
‫وحق‬ ‫الن ِ‬
‫عمة‬ ‫كفر ّ‬‫وآكدها‪ُ :‬‬
‫ال أعرفُها ُ‬ ‫يف قد قيل في معناه سبعةُ أقو ٍ‬ ‫ال ّشر ِ‬
‫ِ‬
‫الكفر‪ ،‬أي‪ :‬ال تكفّروا ودوموا مسلمين‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫الكفر‪ ،‬واّنه فع ٌل كفعل الكفّ ِار‪ ،‬وقيل المر ُاد حقيقة ُ‬
‫ِ‬
‫أن هذا التّباين في ِ‬ ‫ِ‬ ‫الح(‪ ،)6‬والمستصفى ِمن ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفهم‬ ‫َ‬ ‫تقدم في هذه المباحثة ّ‬ ‫كل ما ّ‬ ‫من التّكفّ ِر ّ‬
‫بالس ِ‬
‫اللي‪.‬‬ ‫طوِر ّ‬ ‫الداللي ِة" ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِ‬
‫الد ّ‬ ‫الناشئة عن التّ ّ‬ ‫المجاالت ّ ّ‬
‫مرده إلى " َ‬
‫الحكم ّإنما ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ 282/3 ،‬وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر الحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،402 ، 230/1 ،‬وشرح صحيح مسلم‪ ،‬حديث رقم ‪ 118‬في كتاب‬
‫اإليمان‪ ،‬والمعجم المفهرس‪.44/6 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظ ــر‪ :‬اب ــن قتيب ــة‪ ،‬غري ــب الحـ ــديث‪ ،58/1 ،‬واب ــن األثي ــر‪ ،‬النهاي ــة‪ ،185/4 ،‬واب ــن منظـــور‪ ،‬اللســـان‪ ،‬مـــادة‬
‫"كفر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كفر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،185/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬مادة "كفر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪.415/2 ،‬‬

‫‪56‬‬
‫حديث الس ْؤر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫السابعُ‪:‬‬
‫الحديث ّ‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫‪"-1‬إذا شربتُم ِ‬
‫فأسئروا"(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫سائر الطّعام"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫كفضل الثّريد على‬ ‫‪"-2‬فض ُل عائش َة على ال ّن ِ‬
‫ساء‬
‫ضاعة أحد ِمن‬
‫ِ‬ ‫الر‬
‫عليهن بتلك َّ‬
‫ّ‬ ‫يدخل‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫بي –صلّى اهلل عليه وسلّم‪ْ -‬‬
‫سائر أزواج ال ّن ّ‬
‫‪" -3‬وأبى ُ‬
‫ال ّن ِ‬
‫اس"(‪.)3‬‬

‫األول يد ّل على هذا المعنى‪،‬‬


‫الحديث ّ‬
‫َ‬ ‫ائر الباقي‪ ،‬ولع ّل‬
‫الس ُ‬
‫بقية ال ّشيء‪ ،‬و ّ‬
‫الس ْؤر" ّ‬
‫" ُّ‬
‫فأصبحت تد ّل على‬ ‫رت‬
‫تطو ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫الداللةَ قد ّ‬
‫ولكن هذه ّ‬
‫صبابةً من الماء‪ّ ،‬‬ ‫المتعين منه‪ :‬إذا شربتم فأبقوا ُ‬
‫و ّ‬
‫ي يرفضان هذا الزعم(‪،)4‬‬ ‫الزمخشر ُّ‬
‫يوّ‬ ‫طوُر تبايناً في قبولِه أو ِّ‬
‫رده‪ ،‬فاألزهر ُّ‬ ‫الجميع‪ ،‬وأعقب هذا التّ ّ‬
‫ِ‬
‫األثير‬ ‫ابن‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعد هذا ِمن‬
‫الد ّ ِرة ّ‬
‫الصحيح( )‪ ،‬و ُ‬‫تخالف سنن الكالم ّ‬ ‫ُ‬ ‫القبيحة التي‬ ‫األوهام‬ ‫ي في ّ‬ ‫والحرير ُّ‬
‫اس يستعملونه في‬ ‫ِ‬
‫الن ُ‬
‫للحديث الثّاني "فض ُل عائشةَ‪" :"...‬أي باقيه‪ ،...،‬و ّ‬ ‫عرض‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يقو ُل بعد ْ‬
‫الحديث‪ ،‬وكلّها بمعنى باقي‬‫ِ‬ ‫رت هذه اللّفظةُ في‬ ‫تكر ُ‬‫بصحيح‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫معنى الجمي ِع‪ ،‬وليس‬
‫العام ِة‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫لسان‬ ‫طوِر الذى جرى على‬ ‫ِ‬
‫بالرّد وقبول التّ ّ‬
‫ِ‬
‫وممن وقف وجاهَ هذا المذهب ّ‬
‫‪6‬‬
‫ال ّشيء"( )‪ّ ،‬‬
‫أن السائر‬ ‫ِ‬ ‫ي في الصِّحاح(‪ ،)7‬وقد أفاض‬
‫الدالّة على ّ‬
‫األمثلة ّ‬ ‫صاحب التّاج في‬‫ُ‬ ‫الخاصة الجوهر ّ‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫‪8‬‬
‫أوردت طلبتي على‬‫ُ‬ ‫كنت قد‬
‫الحق ّأنني ُ‬‫البقية أو الج ّل( )‪ ،‬و ّ‬ ‫الجميع أو ّ‬ ‫ِ‬ ‫قد توجَّه وجهةَ معنى‬
‫داللة "سائر" في ِ‬
‫سياقها ال ّشريف‪ ،‬فذهبوا كلُّهم‬ ‫ِ‬ ‫المتعي َن ِمن‬ ‫أللتمس ِمنهم‬ ‫الحديثَين الثّاني و ِ‬
‫األخير‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫بطور‪،‬‬ ‫ث المرس ُل‬
‫يتشب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طورين دالليَّين‪ ،‬فقد ّ‬
‫أن لهذه الكلمة َ‬
‫تفسير ذلك ّ‬
‫َ‬ ‫إلى ّأنه "الجميع"‪ ،‬ولع ّل‬
‫طور‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الحدث الكالمي ِ‬
‫ِ‬
‫آخر‪ ،‬فيحدث اإلشكال عند تغييب التّ ّ‬ ‫داللي َ‬
‫ّ‬ ‫بطور‬ ‫نفسه‬ ‫ّ‬ ‫ويتشبث المتلقّي في‬
‫ّ‬
‫السابق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اقتناص مقاصد ّ‬ ‫اللي في‬
‫الد ِّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )‬انظر الحديث‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.327/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر الحديث‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪( ،‬باب فضائل الصحابة)‪ ،‬طبعة دار المعرفة‪،206/15 ،‬‬
‫والنسائي‪ ،‬السنن‪ ،68/7 ،‬والهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪.286/9 ،‬‬
‫(‪ )3‬اإلمام مالك‪ ،‬الموطأ‪ ،‬باب "ما جاء في الرضاعة بعد الكبر"‪.80/2 ،‬‬
‫ي‪ ،‬الفـ ــائق ‪ ،41/1‬واألزهـ ــري‪ ،‬تهـ ــذيب اللغـ ــة‪ ،‬مـ ــادة "سـ ــأر"‪ ،‬وابـ ــن منظـ ــور‪ ،‬اللسـ ــان‪ ،‬مـ ــادة‬
‫( ) انظـ ــر‪ :‬الزمخشـ ــر ّ‬
‫‪4‬‬

‫"سأر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الحريري‪ ،‬درة الغواص‪.47 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.327/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "سأر"‪ ،‬السيوطي‪ ،‬المزهر‪.136/1 ،‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬الزبيدي‪ ،‬التاج‪ ،‬مادة "سأر"‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الصالة‪:‬‬‫حديث ّ‬
‫ُ‬ ‫امن‪:‬‬
‫الحديث الثّ ُ‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫ص ِّل" (‪.)1‬‬ ‫طعام َف ْلي ِج ْب‪ ،‬وا ْن كان م ِ‬
‫كان صائما َف ْل ُي َ‬‫يأكل‪ ،‬وا ْن َ‬‫فط ار َف ْل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كم إلى َ‬ ‫أحد ْ‬
‫عي ُ‬ ‫"إذا ُد َ‬
‫ص ِّل"؛ ذلك ّأنه ظُ َّن‬ ‫باحثة في هذا الم ِّ ِ‬‫موضع الم ِ‬
‫تقدم قولُه –صلّى اهلل عليه وسلّ َم– " َفْلُي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ٍ‬
‫يوم ‪ ،‬و ِمن وجهة أخرى‪َ ،‬يتجلّى لنا علّةُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫عية التي أُم ْرنا بها َخ ْم ًسا كل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة ال ّشر ّ‬‫ّأنها بمعنى ّ‬
‫يب الح ِ‬ ‫صن ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫األو ُل‬
‫الباعث ّ‬
‫ُ‬ ‫ديث(‪ ،)2‬و‬ ‫دت لغر ِ َ‬ ‫فات التي أُ ْف ِر ْ‬ ‫الم َّ‬ ‫ق هذا الحديث ال ّشريف ب َرْكب ُ‬ ‫إلحا ِ‬
‫سيذهب إلى‬ ‫اهم الذي‬ ‫للخاطر الو ِ‬
‫ِ‬ ‫ص ِّل " َد ْرًءا‬ ‫بركب الغر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يب هو التّنبيهُ على معنى " َفْلُي َ‬ ‫إلحاقه‬ ‫على‬
‫البركة والمغف ِرة(‪.)3‬‬ ‫بالخير و ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللة ال ّشر ِ‬
‫الد ِ‬
‫ضيف‬ ‫بالض ِّد‪ ،‬وهو‪َ :‬فْليدعُ ُ‬
‫للم‬ ‫ّ‬ ‫ِّن‬
‫عية‪ ،‬والمتعي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬

‫حديث االستهتار‪:‬‬‫ُ‬ ‫‪ ‬الحديث التّاسعُ‪:‬‬


‫ذكر اهلل"(‪ ،)4‬وفي رواية‬ ‫ستَ ْهتَرون في ِ‬ ‫الم ْ‬
‫المفردون؟ قال‪ُ :‬‬ ‫المفردون‪ ،‬قالوا‪ :‬وما ّ‬ ‫"سبق ّ‬ ‫َ‬
‫ِ ‪5‬‬
‫أخرى‪" :‬الذين يستهترون ِ‬
‫بذكر اهلل"( )‪.‬‬
‫ِ‬
‫القول‪،‬‬ ‫وسي ٍء من‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫باطل‬ ‫اء أص ٌل يد ّل على‬ ‫الر َ‬
‫اء و ّ‬ ‫الهاء والتّ َ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬
‫فارس إلى ّ‬ ‫ابن‬
‫يذهب ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القول‪،‬‬ ‫الك َبر‪ ،‬ومعنى هذا ّأنه يتكلّم بال ِهتْ ِر‪ ،‬وهو السَّقَطُ ِمن‬ ‫خرف من ِ‬ ‫الرج ُل إذا ِ‬ ‫فنقو ُل‪ :‬أ ْ ِ‬
‫ُهتر ّ‬
‫وفتحها في اللّسان)‬‫المقاييس ِ‬
‫ِ‬ ‫الراء في‬ ‫ِ‬ ‫"واألص ُل فيه هذا"(‪ .)6‬و ِمنه قيل‪ :‬رج ٌل ُم ْستَ ْه ِت ََ‬
‫ر(بكسر ّ‬
‫عد‬ ‫‪7‬‬
‫كالم عنده ساقطٌ( )‪ ،‬وقد ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن َّ‬‫ال يبالي ما قيل له‪ ،‬وال ما قيل فيه‪ ،‬وال ما ُشتم به‪ ،‬والمعنى ّ‬
‫أحبها وفُتِن بها‬
‫المجاز‪ ،‬والمعنى ّ‬ ‫ِ‬ ‫فالن بفالنة" ِمن‬ ‫ٌ‬ ‫ي قولَهم‪ُ :‬م ْستهتَر به‪ ،‬و"استَ ْهتَر‬ ‫الزمخشر ّ‬‫ّ‬
‫ُخذت‬‫ارس قَ ْبالً‪ ،‬ومنه أ ِ‬
‫ابن ف ٍ‬ ‫‪8‬‬
‫الجامع هو األص ُل الذي إليه أشار ُ‬ ‫َ‬ ‫وذهب عقلُه( )‪ ،‬ولع ّل الخيطَ‬
‫ولكن الذي‬
‫ّ‬ ‫غيره(‪،)9‬‬
‫بغيره‪ ،‬وال يفع ُل َ‬ ‫ث ِ‬ ‫يتحد ُ‬
‫داللةُ االستهتار‪ ،‬فقيل‪ :‬استُهتر به إذا تولّع به‪ ،‬فال ّ‬
‫أن قائالً قال‪:‬‬
‫نعرف هذه الكلمةَ بهذا المعنى‪ ،‬فلو ّ‬
‫ُ‬ ‫اليوم ال‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الخاطر ههنا ّأننا‬ ‫يعزب عن‬
‫ُ‬ ‫ال‬
‫ٍ‬
‫مرذولة تفضي إلى‬ ‫ٍ‬
‫وظالل‬ ‫سلبي ٍة‬ ‫ذات حو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لتعين ِمن هذا‬ ‫ٍ‬
‫اش ّ‬ ‫الخبر داللةٌ ُ‬ ‫بفالن" ّ‬ ‫فالن‬
‫"استهتر ٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزمخشريُّ؟ بل أين هو من داللتها‬ ‫ِ‬
‫ص‪ ،‬وأين هذا من ذاك الذي أشار إليه ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة االزدراء والتنقّ ِ‬

‫(‪ )1‬انظر الحديث‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪( ،‬طبعة دار المعرفة)‪ ،238/9 ،‬والهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪.56/4،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،309/2 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،50/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة"صال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،309/2 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،50/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر الحديث‪ :‬الهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،54/1 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،242/5 ،‬والمعجم‪ ،61/7 ،‬وقد اختلف‬

‫الم ْف ِردين‪ ،‬أو ُ‬


‫الم ْف َردين‪.‬‬ ‫المفَِّردين‪ ،‬أو ُ‬
‫في روايته وضبط المفردين‪ ،‬فقد قرأها بعضهم ُ‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪.54/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "هتر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "هتر"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "هتر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "هتر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،243/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "هتر"‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫رت‬
‫تطو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحديث ال ّشر ِ‬
‫ِ‬ ‫في سيا ِ‬
‫الداللةَ ّ‬
‫أن هذه ّ‬
‫يتبدى ّ‬
‫والذي ّ‬ ‫المباحثة‪،‬‬ ‫المخوض فيه في هذه‬ ‫يف‬ ‫ق‬
‫المتقدم فقد جاء‬ ‫يف‬
‫الحديث ال ّشر ُ‬ ‫أما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بامحاء المباالة واالكتراث‪ّ .‬‬ ‫مقرونا ّ‬
‫ً‬ ‫ستهتار‬
‫ُ‬ ‫فغدا اال‬
‫ٍ‬
‫فارس هو‬ ‫ابن‬ ‫للمباالة واالكتر ِ‬
‫ِ‬ ‫"االستهتار" بمعنى مفار ٍ‬
‫المتقادم الذي ألمح إليه ُ‬
‫َ‬ ‫األصل‬
‫َ‬ ‫اث‪ ،‬ولع ّل‬ ‫ق‬
‫فالن مستهتٌِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعيين المعنى‪ ،‬فقد ِّ‬
‫بأنهم هم المولَعون بذكر اهلل‪ ،‬ومثلُه‪ٌ :‬‬ ‫الداللةُ ّ‬
‫وجهت ّ‬ ‫حتكم في‬
‫الم ُ‬‫ُ‬
‫بال ّشر ِ‬
‫اب‪ :‬أي مولَعٌ به‪.‬‬

‫الجبين‪:‬‬
‫حديث َ‬
‫ُ‬ ‫العاشر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬الحديث‬
‫أعيدت له‬ ‫بردت‬ ‫وظهره‪ ،‬كلّما‬ ‫جنبه وجبي ُنه‬ ‫ِ‬
‫فأحمي عليها في ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫جهن َم فيكوى بها ُ‬ ‫نار ّ‬ ‫‪..."-1‬‬
‫‪.)1("...‬‬
‫ِ‬
‫الجبين‪.)2("...‬‬ ‫العينين ناتئ‬ ‫كث اللّ ِ‬
‫غائر َ‬
‫مشرف الوجنتَين ُ‬
‫ُ‬ ‫حية‬ ‫‪..." -2‬فجاء رج ٌل ّ‬
‫مسند فخ َذه‬
‫ٌ‬ ‫أن الوحي ينزُل عليه وهو‬ ‫رسول اهلل –صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬و ّ‬
‫َ‬ ‫أيت‬
‫‪... " -3‬ولقد ر ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‪.)3("...‬‬ ‫ِ‬
‫جبين‬ ‫العرق عن‬
‫َ‬ ‫عثمان‪ ،‬وا ّني ألمسح‬
‫َ‬ ‫على‬

‫ضعتا لمعنى‬ ‫مؤداه أن الجبهةَ والجبين ّإنما هما مترادفتان و ِ‬ ‫يشيعُ عند الالّح ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫داللي ّ ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫وهم‬
‫ق ٌ‬
‫طوِر‬ ‫أن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫احد‪ ،‬واخا ُل أن هذه ِ‬ ‫و ٍ‬
‫األو َل إلى التّ ّ‬
‫مردها ّ‬ ‫يب ّ‬‫المظّنةَ ضاربةٌ في العتاقة بسهم؛ وال ر َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫داللة‬ ‫ق دائرِة‬‫اللي بين تَْينِ َك الكلمتَين فأفضى إلى تطاب ِ‬ ‫الد ِّ‬‫ون ّ‬ ‫الب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بامحاء َ‬ ‫الداللي الذي أَذن ّ‬
‫ِّ‬
‫قدماء‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬
‫تصدروا للتّصحيح ّ‬ ‫ممن‬ ‫ٍ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫غير واحد ّ‬ ‫اللي ُ‬‫الد ِّ‬ ‫الكلمتَين‪ ،‬وقد شكا من هذا التّ ّ‬
‫ق بينهما إلى الخطأ‬ ‫تفر ُ‬ ‫ومحدثين‪ ،‬و ِمنهم ابن قتيبةَ الذي ارتضى أن ينسب تلكم ِ‬
‫ظنةَ التي ال ّ‬‫الم ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الس ِ‬ ‫مسجد الر ِ‬ ‫ِ (‪)4‬‬ ‫واله ِ‬
‫جود‪ ،‬وقيل هي مستوى‬ ‫جل عند ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫أن الجبهةَ‬ ‫اب في ذلك ّ‬ ‫الصو ُ‬
‫المسقبحة ‪ ،‬و ّ‬ ‫َ‬ ‫جنة‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الجبهة‪،‬‬ ‫احد عن يمين‬ ‫الص ْد ِغ‪ ،‬وهما جبينان؛ و ٌ‬ ‫ما بين الحاجبين إلى ّ ِ‬
‫فوق ّ‬ ‫الجبين َ‬
‫الناصية‪ ،‬و ُ‬ ‫َ‬
‫ُّدغ‪ ،‬وهو الذي‬ ‫مكان الص ِ‬‫ِ‬ ‫يحسن التّعريج على‬ ‫ِ‬
‫وتحديده‬ ‫يب التّعر ِ‬
‫يف‬ ‫وآخر عن شمالِها ‪ ،‬ولتقر ِ‬
‫)‬‫‪5‬‬ ‫(‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الجبينين‪ ،‬فقد قيل ّإنه ما‬
‫َ‬ ‫موضع الجبي ِن‪ ،‬بل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتعيين‬ ‫الجبين‪ ،‬لينبي على ذلك فض ُل ٍ‬
‫بيان‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫أسفل‬
‫َ‬
‫ظي‬‫األذن‪ ،‬وقيل هو ما بين لِحا َ‬
‫العين و ِ‬
‫ِ‬ ‫أس إلى َمرَك ِب اللَّ ْحيين‪ ،‬وقيل هو ما بين‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫انحدر من ّ‬

‫(‪ )1‬انظر الحديث‪ :‬النووي‪ ،‬شرح الصحيح‪ ،‬باب الزكاة‪ ،‬حديث رقم ‪.69/7 ،24‬‬
‫(‪ )2‬انظر الحديث‪ :‬النووي‪ ،‬شرح الصحيح‪ ،‬باب الزكاة‪ ،‬حديث رقم ‪.167/7 ،143‬‬
‫(‪ )3‬انظر الحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪.261/6 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.30 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.36 ،‬‬

‫‪59‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْح َكِم ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫جانبيها‬
‫الجبينين حرفان ُم ْكتَنفا الجبهة من َ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫األذن( )‪ ،‬وقد جاء في ُ‬ ‫أصل‬ ‫العينين إلى‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫عر( )‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قصاص ال ّش ِ‬ ‫ِ‬
‫مصع ًدا إلى‬ ‫الحاجبين‬ ‫فيما بين‬
‫َ‬

‫ال‬
‫أن إنز َ‬ ‫ِ‬ ‫المتقدِم أن الجبين ليس كالج ِ‬
‫بي‪ ،‬و ّ‬
‫العر ِّ‬ ‫المعجم‬ ‫بهة في‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ّ‬ ‫يظهر بعد هذا‬
‫ُ‬ ‫ولعلّه‬
‫ِ‬
‫تعبيره‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫ورسوم‬ ‫مقاصد ِ‬
‫كلمه‬ ‫ِ‬ ‫ق قد يفع ُل في التّجافي عن‬ ‫الساب ِ‬ ‫و ٍ‬
‫نص ّ‬ ‫مكان األخرى في ّ‬ ‫َ‬ ‫احدة‬
‫ٍ‬
‫نصوص‬ ‫تقدم ِمن‬ ‫ِ‬
‫الجبين جبهةً فيما ّ‬ ‫أبناء العر ّبي ِة في ّ‬
‫عد‬ ‫ذهبت ثلّةٌ من ِ‬ ‫ْ‬ ‫وقع هذا حقًّا عندما‬
‫ِ‬
‫العناية‬ ‫يؤخ َذ بعين‬
‫أن َ‬ ‫نص ِ‬ ‫شر ٍ‬
‫يجب ْ‬
‫ُ‬ ‫ولكن الذي‬
‫ّ‬ ‫اليوم البتّةَ‪،‬‬ ‫أنكر عليهم هذا في ِّ‬ ‫ولست ُ‬
‫ُ‬ ‫يفة‪،‬‬
‫الجبينين‪.‬‬ ‫الجبين؛ بل‬ ‫ِ‬
‫الجبهة و ِ‬ ‫جلياً بين‬ ‫دب ِر هو المعنى‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫داللياً ّ‬
‫إن فرقًا ّ‬ ‫المتقادم؛ إذ ّ‬
‫ُ‬ ‫وعظيم التّ ّ‬

‫الصافن‪:‬‬
‫حديث ّ‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬الحديث الحادي عشر‪:‬‬
‫مقعده ِمن ال ّن ِ‬
‫ار"(‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫قليتبوأ‬
‫ّ‬ ‫اس صفونا‬ ‫يقوم له ال ّن ُ‬
‫أن َ‬ ‫سره ْ‬ ‫"من ّ‬ ‫‪َ -1‬‬
‫افن"(‪.)4‬‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ " -2‬نهى عن صالة ّ‬
‫مضمار إلى‬‫ٍ‬ ‫انتقلت داللتُها ِمن‬
‫ْ‬ ‫عصور العر ّبي ِة سيرةٌ وأطو ٌار‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة في‬ ‫ِ‬
‫ولرحلة هذه‬
‫معاصر يشطُّ عن‬ ‫ًا‬ ‫فهما ًّ‬
‫لغويا‬ ‫فهمه لها ً‬
‫ٍ‬
‫ق في إشكال باعثُه ُ‬ ‫مضمار‪ ،‬وانبنى على هذا وقوعُ الالّح ِ‬ ‫ٍ‬
‫تلقاء‬ ‫كالم الالّح ِ‬‫مكان طَرو ٍح؛ فهي في ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الساب ِ‬
‫نظره َ‬ ‫صرف َ‬ ‫َ‬ ‫الساجي الذي‬ ‫ق تد ّل على ّ‬ ‫ق إلى‬ ‫معنى ّ‬
‫جالسا‬
‫ً‬ ‫قاعدا أم‬
‫قائما أم ً‬ ‫الخاطر سواء أكان ً‬ ‫ِ‬ ‫يح‬
‫ق وتسر ِ‬ ‫كثير ِمن التّحدا ِ‬ ‫ظر مع ٍ‬ ‫الن َ‬
‫شيء ما فأطال ّ‬ ‫ٍ‬
‫جنس ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ون يد ّل على‬ ‫الن ُ‬
‫الفاء و ّ‬
‫اد و ُ‬ ‫فالص ُ‬
‫ّ‬ ‫الساب ِ‬
‫ق‪،‬‬ ‫ولكن ذلك ليس كذلك عند ّ‬ ‫اكبا أم محموالً‪ّ ،‬‬ ‫أم ر ً‬
‫قدميه‬ ‫ٍّ‬ ‫األثير‪ُّ :‬‬
‫ِ‬ ‫قدميه(‪ ،)5‬وعند ِ‬ ‫ٍ‬ ‫افن عند ِ‬ ‫ِ‬
‫صاف َ‬ ‫كل‬ ‫ابن‬ ‫يصف َ‬ ‫ّ‬ ‫فارس هو الذي‬ ‫ابن‬ ‫الص ُ‬
‫القيام‪ ،‬و ّ‬
‫افره(‪ ،)7‬وعند‬ ‫طرف حو ِ‬‫ِ‬ ‫منظور هو الذي قام على‬ ‫ٍ‬ ‫افن برجلِه عند ِ‬
‫ابن‬ ‫‪6‬‬
‫الص ُ‬
‫صافن( )‪ ،‬و ّ‬ ‫ٌ‬ ‫قائما فهو‬
‫ً‬
‫ميز به‬ ‫أعرف ما ُي َّ‬‫َ‬
‫‪8‬‬
‫بعض( )‪ ،‬ولع ّل‬‫ٍ‬ ‫بعضهما إلى‬ ‫َ‬ ‫ضاماً‬ ‫الص ْف ُن الجمعُ بين ال ّش َيئين‬‫اغب َّ‬ ‫الر ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قائما لقائده مسلّ ًما‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫قدميه ً‬ ‫صافنا صافّاً َ‬ ‫ً‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫ي حين‬ ‫المقام صورةُ العسكر ِّ‬ ‫ُّفون في هذا‬‫الص ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صدغ"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن سيده‪ ،‬المحكم‪ ،‬مادة "جبن"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جبن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،39/3 ،‬والزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،302/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر الحديث‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.39/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.39/3 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.317 ،‬‬

‫‪60‬‬
‫هيئة عسكرّي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫صافنا ثابتًا على‬
‫ً‬ ‫فيقف‬
‫ُ‬ ‫للرئيس‬ ‫ٍ‬
‫ض على موكب ّ‬ ‫ض عليه‪ ،‬أو ُي ْع َر ُ‬ ‫عر ُ‬
‫حين ُي َ‬
‫ِ‬
‫ثالث‬ ‫الفرس على‬ ‫يقوم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫أن َ‬ ‫ُّفون‪ْ :‬‬
‫بالخيل‪ ،‬فالص ُ‬ ‫تقترن‬
‫ُ‬ ‫السمةَ كانت‬
‫أن هذه ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫مخصوصة‪ ،‬و ّ‬
‫غويين‬ ‫‪1‬‬ ‫بطرف س ْن ِ‬
‫ِ‬
‫األرض( )‪ ،‬وهذا معنى أجمع عليه ج ّل اللّ ّ‬ ‫َ‬ ‫بكها‬ ‫ُ‬ ‫الرابعةَ‪ ،‬إالّ ّأنه ينا ُل‬
‫ائم ويرفعَ ّ‬ ‫قو َ‬
‫األثير و ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ابن‬ ‫جستاني والر ِ‬
‫اغب و ِ‬ ‫ِّ ّ‬ ‫الس‬
‫فارس و ّ‬‫ٍ‬ ‫ابن قتيبةَ و ِ‬
‫ابن‬ ‫أمثال ِ‬‫ِ‬ ‫اإلثبات ِمن‬
‫ِ‬ ‫ير و‬ ‫بالتّقر ِ‬
‫ابي في صفة ٍ‬
‫فرس‪:‬‬ ‫ابن األعر ِّ‬
‫‪2‬‬
‫منظور( )‪ ،‬وقد أنشد ُ‬

‫الث َكسيرا(‪.)3‬‬ ‫مما يقوم على الثّ ِ‬ ‫كأنه‬


‫ُّفون فال ي از ُل ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ألف الص َ‬ ‫َ‬
‫صفَن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصافن في الخيل‪ ،‬يقا ُل َ‬ ‫ستاني فقال‪" :‬وأص ُل ّ‬ ‫ّ‬ ‫السج‬
‫االستعمال ّ‬ ‫أصل هذا‬ ‫وقد ألمح إلى‬
‫داللياً‬ ‫تعميما‬ ‫أن‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اهر ّ‬‫الرابعة"( )‪ ،‬والظّ ُ‬ ‫نبك ّ‬ ‫ائم وثنى ُس َ‬ ‫صافن إذا قام على ثالث قو َ‬ ‫ٌ‬ ‫الفرس فهو‬
‫ُ‬
‫قت‬
‫الليةُ فاستغر ْ‬
‫الد ّ‬‫سعت دائرتُها ّ‬‫ثم اتّ ْ‬ ‫ِ‬
‫جستاني‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الس‬
‫يشهد به ّ‬ ‫ُ‬ ‫بالخيل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يختص‬
‫ّ‬ ‫وقع‪ ،‬فقد كان‬
‫ق‬ ‫انتقلت في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫ثم‬ ‫طوِر ّ‬ ‫الخي َل وغيره‪ ،‬ولذلك و ِسم هذا الطّ ِ‬
‫ْ‬ ‫تعميم‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫بأنه‬
‫اللي ّ‬ ‫الد ِّ‬ ‫ور من التّ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ظر وتسري ِح‬ ‫الن ِ‬
‫ق ّ‬ ‫أم ِل وتحدي ِ‬ ‫هيئة ِمن التّراخي مع ٍ ِ‬ ‫ٍ‬
‫كثير من التّ ّ‬ ‫الص ْفنةُ على‬ ‫فون و َّ‬ ‫الص ُ‬
‫ليغدو ّ‬
‫َ‬
‫معاصر ما ورد في الحديثين‬ ‫ًا‬ ‫فهما‬ ‫ِ‬ ‫فهم الالّح ِ‬ ‫أمثلة ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقدم قَ ْبالً‪ ،‬و ِمن‬ ‫ِ‬
‫ق لهذه الكلمة ً‬ ‫الخاطر كما ّ‬
‫سول ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪-‬‬ ‫داللة نهي الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫أما عن‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫المثْبتين في ُمفتَتح هذه المباحثة‪ّ .‬‬ ‫ال ّشريفين ُ‬
‫افن ههنا هو الذي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َ‬
‫أن ّ‬ ‫جميع أبناء العر ّبية من طلبتي إلى ّ‬ ‫ذهب‬
‫افن فقد كان م ُ‬ ‫عن صالة ّ‬
‫اف‪،‬‬ ‫فسير وال في االستشر ِ‬ ‫بيانها حظٌّ في التّ ِ‬ ‫المتقدِم ُ‬
‫ّ‬ ‫الساب ِ‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫خاطره وصفن؛ ولم يكن لداللة ّ‬ ‫َ‬ ‫سرح‬
‫ّ‬
‫قدميه‪ ،‬وقيل‬ ‫ِ‬ ‫السيا ِ‬ ‫وأين هذا ِمن ذاك؟‬
‫ق ال ّشريف هو "الذي يجمعُ َ‬ ‫افن فيه؛ أعني في ذلكم ّ‬ ‫فالص ُ‬
‫ّ‬
‫األو ِل‬ ‫ِ‬ ‫‪5‬‬
‫قدمه إلى ورائِه كما يفع ُل‬
‫المتعي ُن من الحديث ّ‬‫حافره"( )‪ ،‬و ّ‬ ‫الفرس إذا ثنى َ‬ ‫ُ‬ ‫هو الذي َيثني َ‬
‫مقعده‬
‫فليتبوأ َ‬
‫ّ‬ ‫فونا‬
‫ص ً‬ ‫اس ُ‬
‫الن ُ‬
‫يقوم له ّ‬
‫أن َ‬ ‫سره ْ‬
‫الذي قال فيه رسو ُل اهلل ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪َ " :-‬من ّ‬
‫القيام(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫ِمن ّ‬
‫النار"‪ ،‬والمعنى‪ُ :‬يديمون له‬

‫الوجوب‪:‬‬
‫حديث ُ‬
‫ُ‬ ‫الحديث الثّاني عشر‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬الغريب‪ ،379 ،‬وابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "صفن"‪ ،‬والسجستاني‪ ،‬النزهة‪،301 ،‬‬
‫والراغب‪ ،‬المفردات‪ ،317 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،39/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر الشعر في األساس واللسان تحت مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬السجستاني‪ ،‬النزهة‪.297 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.39/3 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر الحديث‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬الغريب‪ ،379 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،39/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪،‬مادة "صفن"‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫فقلت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األنصار وأهلُه يبكون ُ‬ ‫مي ٍت ِمن‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬على ّ‬ ‫"دخلت مع‬
‫ُ‬ ‫‪-1‬‬
‫هن‬
‫دع ّ‬
‫أتبكون وهذا رسو ُل اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬فقال رسو ُل اهلل ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪ْ :-‬‬
‫يبكين"(‪.)1‬‬
‫عندهن‪ ،‬فإذا َو َجب فال ّ‬
‫ّ‬ ‫يبكين ما دام‬
‫جنوبها قال‪.)2("...‬‬
‫ُ‬ ‫وجبت‬
‫ْ‬ ‫"‪...‬فلما‬
‫ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫قم‬
‫العشاء‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫مس‪ ،‬ثم جاءه‬
‫ش ُ‬‫قم فصلّه‪ ،‬فصلّى حين وجبت ال ّ‬
‫المغرب فقا َل‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫"‪...‬ثم جاءه‬
‫‪ّ -3‬‬
‫فصلّه‪ ،‬فصلّى حين غاب َّ‬
‫الشفق‪.)3("...‬‬

‫يض‪ ،‬و ِمن‬‫األصل العر َ‬


‫َ‬ ‫تكتنف هذا‬
‫ُ‬ ‫متعددةً‬
‫معاني ّ‬ ‫َ‬ ‫ماد ِة "وجب"‬ ‫يلفي المرُء‪ ،‬في ثِ ْني وقوِفه عند ّ‬
‫اجب‪ ،‬والمو ِجبةُ الكبيرةُ‬‫علي و ٌ‬‫وجوبا إذا لزم‪ ،‬وحقّك ّ‬ ‫ً‬ ‫يء‬
‫زوم‪ ،‬فيقا ُل‪َ :‬و َجب ال ّش ُ‬ ‫ِ‬
‫أجالها وأعرفها اللّ ُ‬
‫يف‬
‫حديث شر ٌ‬ ‫الحسنات والس ِ‬
‫يئات‪ ،‬وقد ورد‬ ‫ِ‬ ‫تكون ِمن‬ ‫العذاب‪ ،‬وقيل‬ ‫ستوجب بها‬ ‫ِمن ال ّذ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نوب التي ُي َ‬
‫ت‪،‬‬‫المي ُ‬
‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجب ّ‬ ‫الرج ُل وجوباً‪ :‬إذا مات‪ ،‬والو ُ‬ ‫ب ّ‬ ‫وو َج َ‬
‫اللهم ّإني أسألُك موجبات رحمتك"( )‪َ ،‬‬ ‫مفاده‪ّ " :‬‬
‫ُ‬
‫داللياً وقع‬ ‫ِّ‬ ‫للمتبص ِر في هذه‬ ‫الهد ِة‪ ،‬وال ّ‬
‫تطوًار ّ‬ ‫ثم ّ‬ ‫أن ّ‬
‫المادة ّ‬ ‫ِّ‬ ‫يظهر‬
‫ُ‬ ‫حق ّأنه‬ ‫السقطةُ مع ّ‬ ‫والوجبةُ‪ّ :‬‬
‫يغدو األص ُل فرًعا‪،‬‬‫أن َ‬
‫ِ‬
‫المتقادم‪ ،‬إلى ْ‬ ‫تغي ِر داللتِها‪ ،‬بل أفضى هذا‪ ،‬في ُع ُم ِر العر ّبي ِة‬ ‫فأفضى إلى ّ‬
‫ثم ّثنى‬ ‫ِ‬ ‫مادةَ "وجب" ِ‬ ‫ٍ‬
‫بذكر المعنى الحادث‪ّ ،‬‬ ‫منظور ّ‬ ‫ابن‬
‫والفرعُ أصالً‪ ،‬وقد تجلّى هذا إذ استفتح ُ‬
‫قوط‪ ،‬وقد التمس‬ ‫المتقادم الذي يد ّل على الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫الماد ِة ِ‬
‫بذكر‬ ‫ّ‬ ‫يجه على معاني هذه‬ ‫بعد تعر ِ‬
‫ّ‬
‫أصل‬
‫أن " َ‬ ‫يض مشيرين إلى ّ‬ ‫اللي العر َ‬ ‫الد َّ‬ ‫األصل ّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫منظور‬ ‫ابن‬ ‫‪6‬‬
‫ِ‬
‫األثير( ) و ُ‬ ‫ابن‬
‫ي( ) و ُ‬
‫‪5‬‬
‫الزمخشر ُّ‬
‫ّ‬
‫‪7‬‬
‫للقتيل واجب"( )‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫ِ‬ ‫ويقال‬
‫ومات‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ت إذا سقط‬ ‫المي ُ‬
‫السقوطُ والوقوعُ‪ ،‬ووجب ّ‬ ‫ِ‬
‫الوجوب‪ّ :‬‬
‫يعضد هذا‬ ‫ومما‬ ‫‪8‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يبكين"( )‪ّ ،‬‬
‫وجب فال ّ‬
‫َ‬ ‫الحديث الثّاني وهو "فإذا‬ ‫حم ُل كلمةُ "وجب" في‬
‫المعنى تُ َ‬
‫ِ‬
‫الجيم‬ ‫الم ْع ِجبةُ في مقاييسه إلى ّ‬
‫أن الو َاو و َ‬
‫ٍ‬
‫فارس ُ‬ ‫ذكرهم‪ ،‬إلماحةُ ابن‬
‫تقدم ُ‬
‫مذهب َمن ّ‬
‫َ‬ ‫المذهب‪،‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬انظر الحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪.446/5 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر الحديث‪ :‬أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬باب المناسك‪ ،255/2 ،‬وقد جاء فيه‪" :‬وقُّرب لرسول اهلل –صلى اهلل عليه‬
‫وسلم بدنات خمس أو ست‪ ،‬فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ‪ ،‬فلما وجبت جنوبها قال‪ :‬فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ما قال؟ قال‪" :‬من شاء اقتطع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظرالحديث‪ :‬أحمد بن حنبل‪ ،‬المسند‪.330/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "وجب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪.43/4 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.154-153/5 ،‬‬
‫(‪ )7‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "وجب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،43/4 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪.153/5 ،‬‬

‫‪62‬‬
‫ِ‬
‫الوجوب بالمعنى‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫ومجيء‬ ‫يتفرعُ(‪،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ثم ّ‬ ‫احد يد ّل على سقوط ال ّشيء ووقوعه‪ّ ،‬‬
‫الباء أص ٌل و ٌ‬
‫و َ‬
‫ِ‬
‫الخطيم‪:‬‬ ‫بن‬ ‫قول ِ‬
‫قيس ِ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم في ِ‬
‫اج ِب(‪.)2‬‬
‫كان أو َل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عن السِّلم حتّى َ ّ‬ ‫نهاه ُم‬
‫أمير ُ‬
‫عوف ًا‬ ‫أطاعت بنو‬
‫ْ‬

‫قطت‬
‫جنوبها"‪ ،‬أي س ْ‬ ‫وجبت‬ ‫فلما‬ ‫حديث الض ِ‬ ‫الحديث ال ّشر ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫حية‪ّ " :‬‬
‫ُ ّ ّ‬ ‫يف الثّاني‪ ،‬وهو‬ ‫أما في‬
‫ّ‬
‫الث ال ّشر ِ‬
‫يف فوجبةُ‬ ‫ق الثّ ِ‬‫السيا ِ‬ ‫‪3‬‬ ‫َّ‬ ‫ستح َّ‬ ‫ِ‬
‫أما في ّ‬ ‫قياما معلقةً( )‪ّ ،‬‬
‫أن تُْن َح َر اإلب ُل ً‬
‫ب ْ‬ ‫الم َ‬
‫ألن ُ‬
‫األرض‪ّ ،‬‬ ‫إلى‬
‫ِ‬
‫المغيب(‪.)4‬‬ ‫ال ّش ِ‬
‫مس معناه سقوطُها مع‬

‫يتبدى‬
‫ثالثة مالحظَ‪ّ ،‬أولُها ّأنه ّ‬ ‫ِ‬ ‫المتقدِم ُ‬
‫بيانه‪ ،‬اإلشارةُ إلى‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫العرض‬ ‫بعد هذا‬ ‫يحسن‪َ ،‬‬ ‫لعلّه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القدماء‬ ‫ٍ‬
‫حادثة‪ ،‬وثانيها‪ُّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫الماد ِة‪ :‬و ٍ‬
‫تنبهُ‬ ‫متقادمة‪ ،‬وأخرى‬ ‫احدة‬ ‫ّ‬ ‫يقف على داللتَين لتلكم‬ ‫أن المرَء ُ‬ ‫ّ‬
‫اس‬ ‫بنقل هذه ّ ِ‬ ‫يض الذي اعتراه تطور أَِذن ِ‬ ‫اللي العر ِ‬ ‫ِ‬ ‫المْل ِم ُح إلى‬
‫الداللة‪ ،‬وثالثُها احتر ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫الد ِّ‬‫األصل ّ‬ ‫ُ‬
‫داللي أفضى إلى‬ ‫تطوٌر‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن على الالّح ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ق التي اكتنفها ّ‬ ‫ط في فهم مقاصد ّ‬ ‫يتحو َ‬
‫أن ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫مضمونه ّ‬
‫ُ‬
‫وردت في‬ ‫المادّيةَ العتيقةَ قد‬ ‫الداللةَ‬
‫أن تلكم ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫للخاطر ّ‬ ‫فت‬
‫مقاصدها‪ ،‬والالّ ُ‬ ‫اللة عن‬ ‫ياح ّ‬ ‫انز ِ‬
‫جنوبها فكلوا ِمنها"(‪،)5‬‬
‫ُ‬ ‫وجبت‬
‫ْ‬ ‫اسمه‪":-‬فإذا‬ ‫تقدس ُ‬ ‫يز في قوِله ‪ّ -‬‬ ‫يل العز ِ‬ ‫نصوص العر ّبي ِة‪ ،‬كالتّنز ِ‬
‫ِ‬
‫تج به ِمن ٍ‬
‫شعر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والحديث ال ّشريف‪ ،‬وما ُي ْح ّ‬

‫الماد ِة بأطو ِارها‬


‫ِع ْق َد هذه ّ‬
‫ينتظم‬
‫ُ‬ ‫الجامع الذي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخيط‬ ‫تلم ُس هذا‬ ‫ِ‬
‫تقدم آنفًا يغدو بِ ُم ْك َنتنا ّ‬
‫مما ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بئيس‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عذاب‬ ‫ٍ‬
‫رحمة‪ ،‬أو‬
‫نزول‬ ‫فالموجبةُ‪ ،‬إن حسنةً وان سيئةً‪ ،‬هي ِ‬
‫الفعلةُ التي تستدعي‬ ‫ِ‬ ‫اللي ِة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ْ‬ ‫الد ّ‬‫ّ‬
‫أسقطت عليه‬
‫َ‬ ‫فكأنك‬
‫أوجبت عليه كذا‪ ،‬إذا ألزمتُه وفرضتُه‪ّ ،‬‬‫ُ‬ ‫ب الحائطُ أو َو ْج َبتُه‪ :‬سقوطُه‪ ،‬و‬ ‫ووج ُ‬
‫ْ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫بالساقط( )‪،‬‬ ‫الجبان‪ ،‬وقد أُ ْسبِغت عليه هذه ّ‬
‫الصفةُ تشبيهًا له ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب هو‬ ‫الو ْج ُ‬
‫الفرض‪ ،‬و َ‬
‫َ‬ ‫الحكم أو‬
‫َ‬
‫بتصوِر الوقوِع فيه(‪.)7‬‬ ‫اعتبار‬
‫ٌ‬ ‫ووجيب ِ‬
‫القلب‪ :‬ك ّل ذلك‬ ‫ُ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "وجب"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر الشعر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "وجب"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،43/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة‬
‫"وجب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.154/5 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر تفسيره وتفسير األحاديث التي ورد فيها مادة "وجب"‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،43/4 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪،‬‬
‫‪.154-153/5‬‬
‫(‪ )5‬اآلية (الحج‪.)36 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "وجب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.583 ،‬‬

‫‪63‬‬
‫حديث الفسق‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬الحديث الثّالث عشر‪:‬‬
‫اسق ُيقتلن في الح ّل و ِ‬
‫الحرم"(‪.)1‬‬ ‫مس فو َ‬ ‫"خ ُ‬
‫الحق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وعز‪ ،‬والخرو ُج عن طري ِ‬
‫ق‬ ‫تبارك ّ‬
‫َ‬ ‫ك ِ‬
‫ألمر اهلل‬ ‫العصيان والتّر ُ‬ ‫ق هو‬ ‫إن معنى ِ‬
‫الفس ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫المْل َم ُح الجامعُ‬
‫قت‪ ،‬وهذا هو َ‬ ‫الرطبةُ ِمن ِ‬
‫قشرها فَ َس ْ‬ ‫خرجت ّ‬
‫ْ‬ ‫العرب تقو ُل إذا‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫واألص ُل في ذلك ّ‬
‫العود‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫بين ِد ِ‬
‫اللة الفس ِ‬
‫أن َ‬
‫ويظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫وحكم اهلل‪،‬‬ ‫ين‬ ‫ق لغةً وشرعاً‪ ،‬ففي الحالين يحص ُل خروٌج عن ّ‬
‫الحديث الذين أثبتوا هذا‬‫ِ‬ ‫المصنفين في غر ِ‬
‫يب‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫اإلشكال‪ ،‬ولع ّل ُمبتغى‬ ‫غوي ُيؤِذن ب‬‫على المعنى اللّ ّ‬
‫سياقها لُِي ْرفَع اإلشكا ُل‬
‫لت فيه الكلمةُ في ِ‬ ‫اللي الذي استُ ْع ِم ْ‬
‫الد ّ‬
‫ِ‬
‫المجال ّ‬ ‫حديث هو التّنبيهُ على‬ ‫ال َ‬
‫يكون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫الواقعُ‪ْ ،‬أو لما قد يحتمل ْ‬

‫يت فُويسقةً لِخرو ِجها ِمن ُج ِ‬


‫حرها‬ ‫وكأنها ّإنما ُس ّم ْ‬ ‫ٍ‬
‫فاسقة‪ّ ،‬‬ ‫تصغير‬
‫ُ‬ ‫إن الفأرةَ فُويسقةٌ‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الحديث‬ ‫قشرها فتغدو فاسقةً‪ ،‬وما يجري على هذا‬ ‫الرطبةُ ِمن ِ‬ ‫)‬‫‪2‬‬ ‫(‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫اس وافسادها ‪ ،‬كما تخرُج ّ‬ ‫على ّ‬
‫أن هذه‬ ‫ي ّ‬‫الزمخشر ّ‬ ‫اسق"‪ ،‬وقد ّبين ّ‬‫ينسحب على قولِه ‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :-‬خمس فو َ‬ ‫ُ‬
‫لخروجهن عن‬ ‫بثهن‪ْ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫اسق على ِ‬
‫وجه االستعا ِرة ال‬ ‫الحيو ِ‬
‫ّ‬ ‫لخ ّ‬ ‫الحقيقة ُ‬ ‫يت فو َ‬
‫انات الخمسةَ ّإنما ُس ّم ْ‬
‫الحرمة في الح ّل و ِ‬
‫الحرم(‪.)3‬‬ ‫ُ‬

‫حوط واستدراك‪:‬‬ ‫تَ ّ‬


‫استدبرت بِ ُّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعقبه‬
‫تحوط ُ‬ ‫ُ‬ ‫أستقبل ما‬
‫َ‬ ‫علي‪ ،‬استكماالً لمتطلَّبات هذه المباحثة‪ْ ،‬‬
‫أن‬ ‫ويبقَى حقّاً َّ‬
‫ك‪:‬‬‫استد ار ٌ‬
‫ليست‬
‫ْ‬ ‫إن العر ّبيةَ‬‫القول ثانيةً وثالثةً ّ‬
‫َ‬ ‫ولكنه ِمن التّذكرِة‪،‬‬ ‫ير‪ّ ،‬‬ ‫حوطُ‪ :‬فلع ّل ِمن التّكر ِ‬
‫أما التّ ُّ‬‫ّ‬
‫ٍ‬
‫صعيد‬ ‫َتت ِمن‬ ‫الفصل َِ ِشكايةٌ أ ْ‬
‫ِ‬ ‫تح هذا‬‫تقد َم في ثِْن ِي ُم ْفتَ ِ‬
‫فقد ّ‬‫الجهة؛ ْ‬‫ِ‬ ‫غات في هذه‬ ‫بِ َدعا بين اللّ ِ‬
‫ً َ‬
‫نظر إبراهيم أنيس المتجلّي في قولِه‪:‬‬ ‫ِّ ِ‬
‫المتقدم ُ‬ ‫يد على هذا‬ ‫بي َجأَر بها ستيفين أولمان‪َ ،‬وأز ُ‬ ‫غر ٍّ‬
‫نفهم معناها‪ ،‬ويقو ُل‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ التي ُّ‬ ‫ي ُيح ّذ ُرنا ِمن تلك‬ ‫ِ‬
‫نظن ّأننا ُ‬ ‫األدب اإلنجليز ّ‬ ‫وكان لهذا أستا ُذ‬ ‫" َ‬
‫الغر َيب ِة التي ْلم تُصادفوها في‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ َ‬ ‫أدب شكسبير ِمن تلك‬ ‫لطالّبِه ّإنني ال أخشى عليكم في ِ‬
‫ِ‬
‫األلفاظ التي ال ت از ُل‬ ‫ولكني أخشى عليكم ِمن تلك‬ ‫نصوص أخرى‪ْ ،‬أو ْلم تسمعوا بِها ِمن قب ُل‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألو ِل وهلة ّ‬
‫أن‬ ‫يخطر في أذهانكم ّ‬ ‫ُ‬ ‫الحديث‪ ،‬والتي‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫األدب اإلنجليز ّ‬ ‫القديمة في‬ ‫تشيعُ بصورتِها‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،116/3 ،‬والفواسق الفأرة‪ ،‬والعقرب‪ ،‬و ِ‬


‫الح َدأة‪ ،‬والغراب األبقع‪ ،‬والكلب العقور‪.‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،446/3 ،‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فسق"‪.‬‬
‫ي‪ ،‬الفائق‪ ،116/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬مادة "فسق"‪.‬‬
‫( ) انظر‪ :‬الزمخشر ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪64‬‬
‫رت ِداللتُه‪،‬‬
‫تطو ْ‬
‫قد ّ‬ ‫كثير ِمنها ْ‬
‫ألن ًا‬ ‫لل والخطأ‪ّ ،‬‬ ‫جميعا‪ ،‬فهي َم ْح ِم ُل ّ‬
‫الز ِ‬
‫ً‬ ‫ِداللتَها واضحةٌ مألوفةٌ لكم‬
‫ِ‬
‫الوقوف‬ ‫ِ‬
‫البحث عنها في َم ِّ‬
‫ظانها‪ ،‬و‬ ‫هي ٌن ال تُكلّفُكم سوى‬ ‫ِ‬
‫فأمرها ّ‬
‫أما األولى ُ‬ ‫الزمن‪ّ ،‬‬ ‫رت مع‬‫وتغي ْ‬
‫ّ‬
‫على معناها"(‪.)1‬‬

‫قصور على التّنز ِ‬


‫يل‬ ‫اللي ليس َم ًا‬ ‫الد ِّ‬‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫أثر استشراف التّ ّ‬ ‫أن َ‬‫فمضمونه ّ‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫أما االستد ار ُ‬
‫ّ‬
‫ق في ِّ‬
‫كل‬ ‫آن ولو ِج الالّح ِ‬ ‫بالنو ِ ِ‬ ‫ب ُي َع ُّ‬ ‫بوي ال ّشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫العز ِ‬
‫اجذ َ‬ ‫ض عليه ّ‬ ‫طلَ ٌ‬
‫بل هو َم ْ‬‫يف‪ْ ،‬‬ ‫الن ِّ‬‫الحديث ّ‬ ‫يز‪ ،‬أو‬
‫طلب له‬
‫اف َم ٌ‬ ‫أن هذا االستشر َ‬ ‫ِ‬ ‫الساب ِ‬
‫بنص ْين أضرُبهما مثالً على ّ‬ ‫ق‪ ،‬وألَ ْكتَف ّ‬ ‫ينتسب إلى ّ‬
‫ُ‬ ‫نص‬ ‫ٍّ‬
‫عبير‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ورسوم التّ ِ‬ ‫قاصد ال َكلِِم‬
‫تعيين م ِ‬
‫ِ َ‬ ‫ط ُره في‬
‫َخ َ‬

‫الطيبي ِة‪:‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المقامة‬ ‫ي في‬ ‫المثا ُل األو ُل‪ ،‬وهو ِمن ِ‬
‫كالم الحرير ِّ‬ ‫ّ‬
‫تحت الجر ِ‬
‫باء‪،‬‬ ‫أعلم َمن‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫العرباء‪ ،‬و ُ‬ ‫العرب َ‬ ‫األسماء‪ّ ،‬إني لفقيهُ‬
‫َ‬ ‫آدم‬
‫ماء‪ ،‬وعلّم َ‬
‫الس َ‬
‫فطر ّ‬ ‫"‪...‬فوالذي َ‬
‫الص ِ‬
‫مود‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪2‬‬
‫ِ‬ ‫فتيق اللّ ِ‬
‫أن داللةَ ّ‬
‫تقدم في صفحات سابقة ّ‬ ‫الجنان‪ ،) ("...‬وقد ّ‬ ‫يء‬
‫سان‪ ،‬جر ُ‬ ‫ص َمد له ُ‬ ‫فَ َ‬
‫يظهر ّأنهم‬
‫ُ‬ ‫االستبانة التي أذعتُها في طالّ ِب العر ّبي ِة ال ّشادين‬ ‫ِ‬ ‫اليوم‪ ،‬وفي‬
‫َ‬ ‫أمس ليست كداللتِها‬
‫ِ‬
‫أن المعنى الذي هو‬ ‫ِ‬ ‫أن معنى "صمد له" في سيا ِ‬
‫ي "ثبت له"‪ ،‬واخال ّ‬ ‫مقامة الحرير ِّ‬ ‫ق‬ ‫جنحوا إلى ّ‬
‫ِ‬
‫الكالم " قصده وذهب إليه"‪.‬‬ ‫أليق بسيا ِ‬
‫ق‬ ‫ُ‬

‫أما المثا ُل الثّاني فهو قو ُل ال ّش ِ‬


‫اعر‪:‬‬ ‫ّ‬
‫جل اللّ ِ‬
‫عين‬ ‫ئب كالر ِ‬‫مقام ال ّذ ِ‬ ‫عنه‬
‫فيت ْ‬
‫ون ُ‬ ‫ت به القَطا َ‬ ‫َذ َع ْر ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫رد‪ ،‬و‬‫اإلبعاد والطّ ُ‬ ‫عن لغةً هو‬ ‫ِّ ِ َّ‬ ‫عين" في ِ‬ ‫المباحثة فيه ِداللةُ "اللّ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المتقدم‪ ،‬فالل ُ‬ ‫سياقها‬ ‫وموضعُ‬
‫فصار قَوال"(‪ ،)3‬أي ّأنها‬ ‫انتقل ذلك‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫"لَعن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذءوما‪ّ ،‬‬‫قال‪ :‬أخرْج منها َم ً‬ ‫حين َ‬ ‫رده َ‬ ‫إبليس‪ :‬ط ُ‬ ‫َ‬ ‫اهلل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫بعيدا عن رحمتِه‪ُ ،‬مستحقّاً‬ ‫رت فغدا ُّ‬
‫‪4‬‬
‫مقام‬
‫اعر‪َ :‬‬ ‫وقد أر َاد ال ّش ُ‬
‫للعذاب هال ًكا( )‪ْ ،‬‬ ‫لعنه اهللُ ً‬‫كل َمن َ‬ ‫تطو ْ‬‫ّ‬
‫‪5‬‬
‫المنفي( )‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫جل اللّ ِ‬
‫عين‬ ‫جل‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد مقام الذي هو كالر ِ‬ ‫عين الطّر ِيد كالر ِ‬ ‫ِ‬
‫الذئب اللّ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ثالث قُرٍح‪ِ :‬من ِ‬


‫كالم ِّ‬ ‫وبعد‪ ،‬فهذه أمثا ٌل ِمن ِ‬
‫وقد وقعَ‬
‫اس‪ْ ،‬‬ ‫وكالم ّ‬ ‫اس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ونبي‬
‫اس‪ِّ ،‬‬ ‫رب ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫على ذلكم هو تغييب استر ِ‬
‫فاد‬ ‫الباعث‬ ‫ٍ‬
‫مقصود‪ ،‬و‬ ‫غير‬ ‫ِ‬ ‫صِد‬
‫تجاف عن الم ْق ِ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تجافيا َ‬
‫ً‬ ‫المركوز فيها‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬إبراهيم أنيس‪ ،‬داللة األلفاظ‪.123 ،‬‬


‫(‪ )2‬الشريشي‪ ،‬شرح مقامات الحريري‪ ،433/2 ،‬والسيوطي‪ ،‬المزهر‪.624/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن قتيبة‪ ،‬تفسير الغريب‪ ،26 ،‬واآلية (األعراف‪.)18 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬تفسير الغريب‪ ،27 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لعن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لعن"‪ ،‬والشعر منسوب للشماخ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الم ْستَ ْح ِكِم‪ ،‬أو‬
‫غوي ُ‬
‫لف اللّ ِّ‬ ‫اإل ِ‬
‫ياحها عن ِ‬ ‫العهد بها‪ ،‬والنز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النتفاء‬ ‫طوِر ال ّد ِّ‬
‫اللي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنظار القائلة بالتّ ّ‬
‫قائم على‬
‫مطلب ٌ‬ ‫َ‬ ‫أن هذا ال‬ ‫تقدم ّ‬
‫مما ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫المستَ ْخلَ ِ‬
‫عنها‪ ،‬وصفوةُ ُ‬ ‫الم ْستَ ْح ِكِم ْ‬
‫غوي ُ‬
‫ِ‬
‫اإللف اللّ ِّ‬ ‫ياح‬
‫النز ِ‬
‫ِ‬
‫عصره‬ ‫يفهمه في‬ ‫الساب ِ‬ ‫مضمونه احتر ِ‬ ‫لح ٍظ‬ ‫ِ‬
‫ق كما ُ‬ ‫كالم ّ‬
‫حق َ‬ ‫يفهم الالّ ُ‬‫أن َ‬ ‫اس من ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫لساني‬
‫ٍّ‬ ‫استرفاد َم َ‬
‫ت‬‫اليوم‪ ،‬وقد تجلّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ابق‪-‬ما تعنيه‬‫الس َ‬‫عنده – أعني ّ‬ ‫كانت تعني َ‬ ‫ْ‬ ‫أن تلكم األلفاظَ المتقادمةَ‬ ‫ظاناً ّ‬
‫ّ‬
‫أحاديث‬
‫َ‬ ‫يمات‪ ،‬و‬ ‫آيات كر ٍ‬ ‫عند ٍ‬ ‫ِ‬
‫بالوقوف َ‬ ‫نماذج جز ّئي ٍة‪ ،‬وذلك‬ ‫يء إلى‬ ‫المباحثة بالفَ ِ‬
‫ِ‬ ‫معالجةُ هذه‬
‫َ‬
‫هات كلّّيةٌ‬
‫موج ٌ‬ ‫ِ‬ ‫تطوٌر ِد ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ماذج الجز ّئية ّ‬ ‫الن ِ‬‫تلكم ّ‬
‫اللي‪ ،‬وانبنى على ُ‬ ‫بعض كلماتها ّ‬ ‫وقع في‬‫شريفة‪َ ،‬‬
‫قصِد الذي‬ ‫يانا للم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اللي وأعراضه وبواعثه‪ ،‬ت ْب ً َ‬ ‫الد ِّ‬ ‫طوِر ّ‬
‫لحظ التّ ّ‬
‫اف م ِ‬ ‫ِ‬
‫قائم على استشر َ َ‬ ‫كين ٌ‬
‫الم ُ‬‫مادها َ‬ ‫ِع ُ‬
‫يرد عليه‬
‫محظور ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يقع المرُء في‬ ‫دة‪ ،‬واحتر ِ‬ ‫لأللفاظ الم ْفر ِ‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫أن َ‬ ‫اسا من ْ‬ ‫ً‬ ‫َُ‬ ‫سبحانه‪ ،‬وتحقيقًا‬ ‫َ‬ ‫الحق‬ ‫َرَمى إليه‬
‫فهم ِ‬
‫كالم الساب ِ‬
‫ق"‪.‬‬ ‫اللي في ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫لح ِظ " ِ‬
‫أثر استشراف التّ ّ‬ ‫عن َم َ‬
‫عند التّجافي ْ‬ ‫َ‬

‫علّ ُة العلّ ِة‪:‬‬


‫كثير‬
‫أن ًا‬ ‫باعثين َعر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫البحث عن علّ ِة العلّ ِة ّ‬
‫فإنه ُيؤِذ ُن‬
‫يضين‪ّ ،‬أولُهما‪ّ :‬‬ ‫بالوقوف على‬ ‫ُ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫يم‪ ،‬فنق َل‬ ‫ِ‬ ‫كثير ِمن‬ ‫بباعث كر ٍيم َ‬ ‫ٍ‬ ‫رت ِدالالتُها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم الكر ُ‬
‫ُ‬ ‫المفهومات‪ ،‬وهو‬ ‫نسخ ًا‬ ‫تطو ْ‬
‫من األلفاظ ّ‬
‫لغويةٌ‬ ‫الهما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نقف على ِد ِ‬ ‫ض ٍ‬‫ضمار إلى ِم ْ‬ ‫ٍ‬ ‫األلفاظَ ِمن ِم‬
‫ّ‬ ‫اللتين للكلمة الواحدة‪ ،‬أُو ُ‬ ‫فغدونا ُ‬ ‫ْ‬ ‫مار‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‬‫إقامة َب ٍ‬ ‫ابن قتيبةَ‪ ،‬جانحاً إلى‬‫عرَج على هذه الظّاهرِة ُ‬ ‫وقد ّ‬‫عيةٌ حادثةٌ‪ْ ،‬‬ ‫متقادمةٌ‪ ،‬وثانيتُهما شر ّ‬
‫ِ‬
‫الجديدة‬ ‫يم بمصطلحاتِه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اإلسالم الكر َ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫عي الحادث؛ إ ْذ ّ‬ ‫غوي المتقادم‪ ،‬والمعنى ال ّشر ّ‬ ‫بين المعنى اللّ ّ‬
‫َ‬
‫أصبح فيه الفَرعُ أصالً‪ ،‬واألص ُل‬ ‫َ‬ ‫الحد الذي‬‫األلفاظ عن ِدالالتِها إلى ّ‬ ‫ِ‬ ‫ياح‬
‫قد أثَّر كثي اًر في انز ِ‬
‫القنوت(‪)1‬؛ وذلك نحو ِد ِ‬
‫اللة‬ ‫كاة والتّيمِم والوضوِء و ِ‬ ‫الز ِ‬
‫الة و ّ‬ ‫ث ابن قتيبةَ عن الص ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحد َ ُ‬ ‫وقد ّ‬ ‫فرعاً‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاءت بالمعنى المتقادم في قوِله –تعالى‪(:-‬وا ْن ُي ْش َر ْك بِه تُؤ ِمنوا)‪ ،‬وداللة " ّ‬
‫الص ْوم"‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان" التي‬‫"‬
‫فر" في قولِه ‪ّ -‬‬
‫تنزه‪-‬‬ ‫ِ‬
‫وداللة "ال ُك ِ‬ ‫وما)(‪،)2‬‬ ‫للر ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ً‬‫حمن َ‬ ‫نذرت ّ‬
‫ُ‬ ‫اسمه‪(:-‬فقولي ّإني‬ ‫في قوله –تبارك ُ‬
‫ب الكفّ َار نباتُه)‪.‬‬ ‫مثل َغ ٍ‬
‫‪َ (:‬ك ِ‬
‫َع َج َ‬
‫يث أ ْ‬

‫امل‬ ‫ِ‬
‫الحديث‪ ،‬كالعو ِ‬ ‫يضين عوام ُل مقررةٌ في ِ‬
‫علم اللّ ِ‬
‫سان‬ ‫العر ِ‬ ‫ِ‬ ‫وثاني َذ ْينِ َك‬
‫ّ‬ ‫الباعثين َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫االجتماعي ِة والثّقافي ِة والتّار ِ‬
‫بتطوِر دالالت األلفاظ‪ّ ،‬‬
‫ومما ورد في‬ ‫يؤذن ّ‬
‫مما ُ‬‫فسية‪ ،‬ك ّل ذلك ّ‬
‫يخية و ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجه الب ِ‬
‫سيطة‪،‬‬ ‫دب على ِ‬ ‫كل ما َّ‬ ‫كانت ُّ‬
‫تدل على ِّ‬ ‫أن‬ ‫الد ّاب ِة" َ‬ ‫المباحثة تخصيص د ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫بعد ْ‬ ‫اللة " ّ‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬غريب الحديث‪ ،54-8/1 ،‬ومن المظان التي أفردت للتصنيف في األلفاظ اإلسالمية كتاب‬
‫"الزينة في الكلمات اإلسالمية" ألبي حاتم الرازي‪ ،‬ومن المحدثة "التطور الداللي بين لغة الشعر ولغة القرآن"‬
‫لعودة أبو عودة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اآلية (مريم‪.)26 ،‬‬

‫‪66‬‬
‫ِ‬
‫المحسوس‬ ‫ِ‬
‫ضمار‬ ‫تنة" ِمن ِم‬
‫الف ِ‬
‫اللة " ِ‬
‫عي" التي لم تَع ْد ركضا خالصا‪ ،‬وانتقا ُل ِد ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ ُ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وتعميم داللة " ّ‬
‫ُ‬
‫المجرِد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى‬

‫ب الثّاني‬‫َ‬‫ل‬
‫َ ُ‬ ‫ط‬
‫ْ‬ ‫الم‬
‫األمثا ُل‬

‫‪67‬‬
‫‪َ ‬مأْتَـــم‪:‬‬
‫غويــون‪ ،‬فــأنكر‬ ‫ـت فــي أط ـو ٍار دالليـ ٍـة متعـ ّـد ٍ‬
‫أن دالل ـةَ هــذه الكلمـ ِـة قــد تنقلّـ ْ‬
‫ـت إليهــا اللّ ّ‬
‫دة التفـ َ‬ ‫ّ‬ ‫إخــا ُل ّ‬
‫ـات هـذه‬ ‫يض الـذي تجتمـعُ عليـه كلم ُ‬ ‫اللي العـر َ‬ ‫بعضهم‪ ،‬وارتضاها آخرون‪ ،‬ولع ّل األص َـل ال ّـد ّ‬ ‫ُ‬ ‫بعضها‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫اس فيه( )‪ ،‬واألتْ ُـم‬ ‫الن ِ‬
‫الجتماع ّ‬
‫ِ‬ ‫مأتما‬
‫سمي ً‬ ‫المأتم ّإنما ِّ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫العرب ّ‬ ‫الماد ِة االجتماعُ‪ ،‬فقد ورد في ِ‬
‫لسان‬ ‫ّ‬
‫ـامع فقــال‪ :‬الهم ـزةُ‬
‫ـارس المعنــى الجـ َ‬ ‫تلمــس ابـ ُـن فـ ٍ‬ ‫الخـ َـرز‪ :‬أن تُفتَــق ُخ ْرزتــان فتصــي ار واحــدةً‪ ،‬وقــد ّ‬ ‫ِمــن ُ‬
‫ي فــي‬ ‫بعضــه إلــى بعــض(‪ ،)2‬واألصـ ُل فــي صـ ِ‬ ‫ـيء ِ‬ ‫ـمام ال ّشـ ِ‬
‫والتّــاء والمــيم يــد ّل علــى انضـ ِ‬
‫ـحاح الجــوهر ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫‪3‬‬ ‫الس ِ‬
‫الجامع الذي ألمح إليه ُ‬ ‫ِ‬ ‫األصل‬ ‫أن داللةَ‬ ‫تنفتق ُخ ْرزتان فتصيران واحدةً( )‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّقاء‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أتم"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "أتم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "أتم"‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫ـاع‬
‫ـح االجتم ـ ِ‬
‫ولم ــا ك ــان ملم ـ ُ‬
‫الخ ــرزتَين؛ إذ ستص ــيران واح ــدةً فتجتمع ــان‪ّ ،‬‬
‫ق ُ‬ ‫ـارس تتجلّ ــى ف ــي انفت ــا ِ‬
‫فـ ٍ‬
‫ُخر – لما كان ذلك كذلك‪ -‬قيل المأتم مجتمع الر ِ‬
‫جال‬ ‫ٍ‬
‫ُ ُ َُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سعا لدالالت أ َ َ‬
‫ولما كان متّ ً‬ ‫غير هذا‪ّ ،‬‬ ‫يستغرق َ‬‫ُ‬
‫ساء في الفرِح و ِ‬
‫الحزن(‪.)1‬‬ ‫الن ِ‬
‫وّ‬

‫ـيبة والمناح ِـة‪ ،‬وقـد شـكا ِمـن ذيـوِع هـذا المعنـى الح ِ‬
‫ـادث اب ُـن‬ ‫ـاد يقتـرن بالمص ِ‬ ‫ـوم فيك ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المأتم الي َ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫ـاء يجــتمعن فــي الخيـ ِـر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـأتم الّنسـ ُ‬
‫ـرن بالمصــيبة‪ ،‬واّنمــا "المـ ُ‬
‫إن دالل ـةَ المــأتم تقتـ ُ‬‫قتيب ـةَ‪ ،‬فخطّــأ َمــن يقــو ُل ّ‬
‫المستَصـفى ممـا‬ ‫‪3‬‬ ‫ـون ِمـن الرج ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬
‫أيضـا( )‪ ،‬و ُ‬ ‫ـال ً‬ ‫ّ‬ ‫ـأتم يك ُ‬
‫إن الم َ‬
‫وال ّش ّر"( )‪ ،‬واستدرك عليه اب ُـن السِّـيد قـائالً ّ‬
‫النس ِ‬
‫ـاء‬ ‫ـرن بال ّشـ ّر و ّ‬ ‫ـبغة منداح ٍـة َّ ٍ‬‫ص ٍ‬ ‫ذات ِ‬ ‫ِ‬
‫معممـة؛ إذ ّإنهـا ل ْـم تقت ْ‬ ‫ـت َ‬ ‫ـديما كان ْ‬
‫أن داللةَ المـأتم ق ً‬ ‫تقدم آنفًا ّ‬
‫ّ‬
‫يض هـو‬ ‫الن ِ‬
‫ساء والر ِ‬ ‫ِ‬
‫اللي العـر َ‬‫الد ّ‬ ‫األصل ّ‬
‫َ‬ ‫بأن‬
‫جال‪ ،‬ولع ّل هذا ُيفسَّر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشر‪ ،‬و ّ‬
‫بالخير و ِّ‬ ‫نت‬
‫فقط‪ ،‬بل اقتر ْ‬
‫مقاييس ـه يعضـ ُـد هــذا‪ ،‬ولكـ ّـن هــذه الكلم ـةَ فــي ســيرورِة‬ ‫ِ‬ ‫االجتمــاعُ واالنضــمام‪ ،‬ونظـ ُـر ابــن فـ ٍ‬
‫ـارس فــي‬ ‫ُ‬
‫فمـن تعم ٍ‬‫كانت تستغرقُه وتسـتوعبه‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬ ‫العر ّبي ِة قد ُخ ِّ‬
‫ـيم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫مما‬ ‫صصت‪ ،‬فاط ِرح من دائرِة داللة المأتم ٌ‬
‫كثير ّ‬
‫تخصيص ذلكم المعنى المخصَّص ثالثًا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ثانيا‪ ،‬إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تخصيص ً‬ ‫داللة ّأوالً‪ ،‬إلى‬ ‫اندياح‬
‫و ِ‬

‫‪ ‬األثاث‪:‬‬
‫يظهر ّأنه قد وقع فيها‬ ‫كثير‬
‫اليوم تداوالً ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫وبنظرة سريعة إلى داللة هذه الكلمة التي نتداولُها َ‬
‫عة‪،‬‬‫الت متنو ٍ‬‫كانت رحبةً تشتم ُل على م ْد َخ ٍ‬ ‫المتاع‬ ‫إن داللةَ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫خصيص؛ إذ ّ‬
‫ُ‬ ‫داللي هيئتُه التّ‬
‫ّ‬ ‫تطوٌر‬
‫ّ‬
‫عند‬ ‫‪4‬‬
‫العبيد( )‪ ،‬وهي َ‬ ‫الغنم‪ ،‬والمتاعُ‪ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬
‫األثاث الما ُل أجمع‪ :‬اإلب ُل‪ ،‬و ُ‬‫َ‬ ‫أن‬
‫فقد جاء في "أدب الكاتب" ّ‬
‫األثاث‬ ‫إن‬ ‫ألشياء كثي ٍرة‪ ،‬وفي اللّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫سان قيل ّ‬ ‫َ‬ ‫محتم ٌل‬ ‫أن قولَه "المتاع"‬
‫الفراء المتاعُ( )‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫ّ‬
‫اش أو ِدثار( )‪ ،‬وقد‬
‫‪6‬‬
‫حشو لفر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لباس أو‬ ‫المال‪ ،‬وقيل‪ :‬الما ُل كلُّه‪ ،‬والمتاعُ ما كان ِمن‬
‫ِ‬ ‫الكثير ِمن‬
‫ُ‬
‫اغب‬ ‫ِ‬
‫مفردات الر ِ‬ ‫‪7‬‬
‫البيت والما ُل أجمع( )‪ ،‬وكذلك في‬ ‫ِ‬ ‫األثاث هو متاعُ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫القاموس ّ‬ ‫جاء في‬
‫األصفهاني(‪.)8‬‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أتم"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.26 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن السيد‪ ،‬االقتضاب‪.15/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.53 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الفراء‪ ،‬معاني القرآن‪.171/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أثث"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "أثث"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.15 ،‬‬

‫‪69‬‬
‫اسم‬ ‫داللة ر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ائر في َفلَ ِك دال ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫يظهر ِمن هذا‬
‫فاألثاث ٌ‬
‫ُ‬ ‫حبة‪،‬‬ ‫ذات‬
‫كانت َ‬ ‫ْ‬ ‫األثاث ّأنها‬ ‫لة‬ ‫العرض ّ‬ ‫ُ‬
‫الرحبةَ اختُِز ْ‬
‫لت‬ ‫الغنم‪ ،‬و ِ‬ ‫اإلبل‪ ،‬و ِ‬
‫المال‪ ،‬و ِ‬
‫البيت‪ ،‬و ِ‬‫ِ‬
‫الليةَ ّ‬
‫الد ّ‬
‫الدائرةَ ّ‬
‫ولكن هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫العبيد و‪،...‬‬ ‫لمتاع‬
‫ِ‬
‫رحلة العربي ِة على و ٍ‬
‫احدة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فاقتصرت في‬
‫ْ‬ ‫الداللةُ‪،‬‬
‫تستوعبها هذه ّ‬ ‫فاطُّ ِرح كثير ِمن الم ْد َخ ِ‬
‫الت التي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫األيام‪.‬‬ ‫عهد وتواضعٌ هذه‬ ‫البيت‪ ،‬وهذا هو المعنى الذي لنا به ٌ‬ ‫وهي متاعُ ِ‬
‫َ‬

‫‪ ‬التّأفف‪:‬‬
‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫اقع في هذه‬‫اللي الو ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّأو ُل ما ُيستفتَح به في هذا المقام؛ مقام استشراف التّ ّ‬
‫ُف(‪ ،)1‬وقد‬
‫ف إلى ّأنها إتباعٌ لأل ّ‬ ‫مادتَي "أفف" و"تفف"‪ ،‬فقد ُذهب في التُّ ّ‬ ‫ٍ‬
‫تداخل بين ّ‬ ‫إلماحةٌ إلى‬
‫األف‬
‫ّ‬ ‫المعجمات العر ّبيةُ‪ ،‬فقيل‬
‫ُ‬ ‫بون أثبتته‬ ‫ُف‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ف واأل ّ‬ ‫بونا بين التُّ ّ‬ ‫أن الخلي َل قد أقام ً‬ ‫ُروي ّ‬
‫حول الظّفُر‪ ،‬والتُّ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َو َس ُخ الظّفُ ِر‪ ،‬والتُّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ف الذي فيها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الوسخ الذي‬
‫ُ‬ ‫ُف‬
‫األذن( )‪ ،‬وقيل األ ّ‬ ‫وسخ‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫ف‬‫قت ِمنه ِداللةُ التُّ ّ‬ ‫المتقادم الذي تخلّ ْ‬
‫ُ‬ ‫أن هذا هو األص ُل‬ ‫قدِم اإلشارةُ إلى ّ‬ ‫المتعي ُن ِمن هذا المت ِّ‬ ‫و ّ‬
‫أن هذا‬ ‫متكرهٌ( )‪ ،‬وليس يخفى ّ‬
‫‪3‬‬
‫ِّ‬
‫متضجٌر ِّ‬ ‫صوت به المرُء ُعلِم ّأنه‬ ‫صوت إذا ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أفيف‬
‫ُف َب ْع ًدا‪ ،‬فالتّ ُ‬ ‫واأل ّ‬
‫أن‬
‫جديد اعترى هذه الكلمةَ‪ ،‬فاألص ُل فيه ّ‬ ‫ٌ‬ ‫داللي‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫وينضاف إليه ّ‬ ‫ُ‬ ‫األو ِل‪،‬‬
‫ق عن ّ‬ ‫المعنى متخلِّ ٌ‬
‫كل ما‬ ‫عند ِّ‬
‫"ثم كثر حتّى صاروا يستعملونه َ‬ ‫ِ‬
‫ذلك كان‪ -‬وال ي از ُل‪ -‬يقا ُل عند ال ّشيء ُي ْستَ ْق َذر‪ّ ،‬‬
‫ُف ك ّل‬ ‫إن أص َل األ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪4‬‬ ‫َّ‬
‫المتقادم والحادث فقال ّ‬ ‫اغب على المعنيين‬ ‫الر ُ‬ ‫عرج ّ‬ ‫يتأذون به"( )‪ ،‬وقد ّ‬
‫ُف في التّنز ِ‬
‫يل‬ ‫وردت كلمةُ األ ّ‬ ‫ْ‬ ‫المة ظُفُ ٍر وما يجري َمجراهما(‪ ،)5‬وقد‬ ‫وسخ أو قُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُمستق َذ ٍر ِمن‬
‫المتعين‪:‬‬ ‫أف"(‪ ،)6‬والمعنى‬ ‫تقل لهما ٍّ‬
‫اسمه‪" :-‬وال ْ‬ ‫اضع ِ‬ ‫يز‪ ،‬و ِمن مو ِ‬ ‫العز ِ‬
‫ّ‬ ‫تقدس ُ‬ ‫الحق ‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫ورودها قو ُل‬
‫يتلم ُس المدقِّ ُ‬ ‫صدر به‪ ،‬وال تُغلِ ْ‬ ‫شيئا ِمن أمرِهما‬
‫‪7‬‬
‫ق أصالً دالليًّا‬ ‫ظ لهما( )‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ًا‬ ‫وتضق‬
‫ْ‬ ‫تستثقل ً‬‫ْ‬ ‫ال‬
‫اب‬‫يء يسقطُ عليك ِمن تر ٍ‬ ‫نفخك لل ّش ِ‬
‫"أصل هذا ُ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫بي‪ ،‬فقد أشير إلى ّ‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫ُف في‬ ‫آخر لأل ّ‬ ‫َ‬
‫‪8‬‬
‫مستثقل"( )‪.‬‬‫َ‬ ‫فقيلت ِّ‬
‫لكل‬ ‫ْ‬ ‫وللمكان تريد إماطةَ أذى عنه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أو ٍ‬
‫رماد‪،‬‬

‫‪ ‬التّيمم‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أفف" ومادة "تفف"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "أفف"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أفف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.55/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أفف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.26 ،‬‬
‫(‪ )6‬اآلية( اإلسراء‪.)23 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أفف"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أفف"‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫القصد‪ ،‬وقد جاء في‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‪ ،‬فاألص ُل‬ ‫اقع في هذه‬ ‫اللي الو ِ‬
‫الد ِّ‬ ‫طوِر ّ‬
‫ُ‬ ‫غويون إلى التّ ّ‬
‫وقد التفت اللّ ّ‬
‫ِ‬
‫المتقادم‬ ‫ومما جاء بالمعنى‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصدت( )‪ّ ،‬‬‫ُ‬ ‫المتعي ُن‪:‬‬
‫ّ‬ ‫"فيممت بها التّّنور"‪ ،‬والمعنى‬ ‫مأثور الحديث‪ّ :‬‬
‫طي ٍب(‪،)3‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪2‬‬ ‫في ِ‬
‫طيًبا"( )‪ ،‬والمعنى اقصدوا لصعيد ّ‬ ‫صعيدا ّ‬
‫ً‬ ‫"فتيمموا‬
‫ّ‬ ‫وتنزه‪:-‬‬
‫الحق ‪-‬تبارك ّ‬ ‫ّ‬ ‫قول‬
‫الكلمة ِمن‬
‫ِ‬ ‫اللة‪ ،‬وصيرو ِرة هذه‬ ‫الد ِ‬
‫تخصيص هذه ّ‬ ‫ِ‬ ‫أفضت إلى‬ ‫ْ‬ ‫اللي‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫اعث التّ ّ‬‫ولكن بو َ‬
‫ّ‬
‫اللي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مصطلحات ال ّشر ِ‬
‫ِ‬
‫الد ّ‬
‫طوَر ّ‬‫بي عبارةٌ دالّةٌ على استشرافهم التّ ّ‬ ‫المعجم العر ِّ‬ ‫يعة‪ ،‬وقد جاء في‬
‫ِ‬
‫الوجه واليدين‬ ‫لمسح‬ ‫علما‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫اسما ً‬‫يمم ً‬ ‫"ثم كثر استعمالُهم لهذه الكلمة حتّى صار التّ ّ‬ ‫ومفادها‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫فيتمس ُح‬ ‫اب‬ ‫ِ‬ ‫األو ِل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ألنه َيقصد التّر َ‬ ‫وض ُؤ بالتّراب‪....‬وأصلُه من ّ‬ ‫يمم‪ :‬التّ ّ‬
‫بالتّراب‪ .‬ابن سيده‪ :‬التّ ّ‬
‫قد‬
‫عيد حتّى يقولوا‪ْ :‬‬ ‫فارس‪" :‬فصار التّيمم في أفو ِاه العام ِة فعالً للتّمس ِح بالص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬ ‫‪4‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫به"( )‪ ،‬وقال ُ‬
‫فالن بالتّر ِ‬
‫اب"(‪.)5‬‬ ‫تيمم ٌ‬
‫ّ‬

‫سالم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ام معاهدة َ‬
‫‪ ‬إبر ُ‬
‫الزمخشري بالتّ ِ‬
‫جلية‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وقد وقف عنده ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بركب‬ ‫المي ِت الذي ركب‬ ‫ِ‬ ‫وهذا ِمن‬
‫ّ‬ ‫المجاز ّ‬
‫الحقيقة و ِ‬
‫الكناية عن‬ ‫ِ‬ ‫الفصيح بإفرِاد‬ ‫الخطاب و ِ‬
‫الكالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فصل‬ ‫انين‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫يؤسس قو َ‬ ‫ّ‬ ‫اإلثبات وهو‬ ‫و‬
‫ِ‬
‫المتقادم قو ُل‬ ‫ومما جاء بالمعنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪6‬‬
‫يح( )‪ ،‬وهو مستقى من إبرام الفَ ْتل إذا كان ذا طاقَين‪ّ ،‬‬ ‫التّصر ِ‬
‫يم هو الحب ُل الذي‬ ‫ِ‬
‫البر ُ‬
‫الم ْب َرُم و َ‬
‫ثم فتله‪ ،‬و ُ‬
‫بل إذا أجاد فتلَه‪ ،‬أو إذا جعله ذا طاقَين ّ‬ ‫العرب‪ :‬أبرم الح َ‬
‫تمتد حتّى‬
‫الحبل‪ ،‬بل ّ‬‫ِ‬ ‫البرم مقصورةً على‬ ‫احدا‪ ،‬وليست داللةُ ِ‬ ‫ُجمع بين مفتولَين ففُتِال حبالً و ً‬
‫ئ بعد‬ ‫ٍ‬
‫بجالء للقار ِ‬ ‫يظهر‬ ‫ياب‪ :‬المفتو ُل الغزل طاقَين‪ ،‬ولعلّه‬ ‫ياب‪ ،‬فيقا ُل‪ :‬المبرم ِمن الثّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫غرق الثّ َ‬
‫لَتَ ْستَ ُ‬
‫أي وابرِام‬‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َمشبهًا بين إبرِام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر أو المعاهدة أو ّ‬ ‫أن ّ‬‫مادة "برم" ّ‬ ‫مضمار ّ‬ ‫الوقفة في‬ ‫هذه‬
‫ينقطع‪ ،‬وال‬ ‫حكم فتلَه بِ ُعرى وثقى خشيةَ أن‬ ‫يبرم معاهدةً أو اتّفاقًا كالذي ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وي ُ‬‫برم حبلَه ُ‬ ‫الحبل‪ ،‬فالذي ُ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫أن للمج ِاز ُسهمةً جلّّيةً في تخلّ ِ‬
‫اللي‪ ،‬وليس يخفى –من وجهة أخرى– ّ‬ ‫الد ِّ‬ ‫ق هذا التّ ّ‬ ‫يب ّ‬‫ر َ‬
‫اللة على‬ ‫الد ِ‬
‫ي إلى ّ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫المباحثة هيئتُه انتقا ٌل ِمن‬
‫ِ‬
‫الماد ّ‬
‫اللة على ّ‬ ‫مضمار ّ‬ ‫اللي في هذه‬‫الد َّ‬
‫طوَر ّ‬‫التّ ّ‬
‫المعنويِّ‪.‬‬

‫البطَل‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أمم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬اآلية( النساء‪.)43 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.613 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "أمم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "أمم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬مقدمة األساس‪ ،8 ،‬وانظر مادة "برم"‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الجامع بين "الباطل" الذي هو‬ ‫ِ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫الوجه ّ‬ ‫الخاطر عند استشر ِ‬
‫اف‬ ‫ِ‬ ‫لع ّل مساءلةً تَِرُد على‬
‫ينتظم‬ ‫مادةَ "بطل" في ٍ‬
‫خيط‬ ‫فارس‪ ،‬وهو يجمع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫قرر ُ‬ ‫َم ْثلََبةٌ والبطولة التي هي َم ْح َمدةٌ‪ ،‬فقد ّ‬
‫يء وقلّ ِة مكثِه ولبثِه(‪ ،)1‬و ِمن‬ ‫ذهاب ال ّش ِ‬
‫ِ‬ ‫احد يد ّل على‬
‫الطاء والالّ َم أص ٌل و ٌ‬
‫الباء و َ‬‫أن َ‬
‫ِ‬
‫مشتقاتها‪ّ ،‬‬
‫عما‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طالن والباط ُل واإلبطا ُل و ِ‬
‫ليست بنائية ّ‬
‫ْ‬ ‫البطل‬ ‫أن داللةَ‬
‫للخاطر ّ‬ ‫فت‬
‫الب ََطالةُ‪ ،‬والالّ ُ‬ ‫الب ُ‬‫ذلك ُ‬
‫ألنه‪:‬‬
‫سمي بذلك ّ‬ ‫تقدم‪ ،‬فقد قيل ّإنه ِّ‬
‫ّ‬
‫يكترث لها‪ ،‬وال تبط ُل نجادتُه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ .1‬شجاعٌ تبطُل جراحتُه فال‬
‫فيبهرجها‪.‬‬ ‫ألنه يبط ُل العظائم ِ‬
‫بسيفه‬ ‫سمي بطالً ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ .2‬وقيل ّإنه ّ‬
‫اء يبطلون عنده‪.‬‬
‫األشد َ‬
‫ّ‬ ‫ألن‬
‫سمي بذلك ّ‬ ‫‪ .3‬وقيل ّإنه ِّ‬
‫عنده(‪.)2‬‬ ‫دماء األقر ِ‬
‫ان تبط ُل َ‬ ‫ألن َ‬‫‪ .4‬وقيل ّ‬

‫الجامع‪ ،‬فجنح‬ ‫المعنوي‬ ‫ِ‬


‫الخيط‬ ‫عرج على‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫لما ّ‬
‫اللي ّ‬
‫الد ّ‬ ‫طوَر ّ‬
‫فارس هذا التّ ّ‬ ‫ابن‬
‫وقد التمس ُ‬
‫فكأنه يبطلُها أو يبط ُل‬ ‫ِ‬
‫للمتالف‪ّ ،‬‬ ‫نفسه‬ ‫الصفةَ ّإنما تتأتّى لصاحبِها ّ‬
‫عرض َ‬ ‫ألنه ُي ِّ‬ ‫أن هذه ّ‬ ‫إلى ّ‬
‫لبطالن ِ‬
‫دمه‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫تصو اًر‬ ‫سمي بذلك‬ ‫ِ‬
‫للموت؛ ِّ‬ ‫ض‬ ‫‪3‬‬
‫ّ‬ ‫المتعر ُ‬
‫ِّ‬ ‫البطل ال ّشجاعُ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫اغب ّ‬‫الر ُ‬‫دمه( )‪ ،‬وقال ّ‬
‫َ‬
‫‪4‬‬
‫أقرب( )‪.‬‬
‫آكد و ُ‬
‫األو َل ُ‬‫ض له‪ ،‬ولع ّل ّ‬ ‫المتعر ِ‬ ‫دم‬
‫ّ‬ ‫ألنه هو الذي يبط ُل َ‬
‫ّ‬

‫اللة المجازّي ِة في ثِ ْني‬


‫الد ِ‬‫يعرَج على هذه ّ‬
‫ي أن ّ‬ ‫ظر ِمن ّ‬
‫الزمخشر ِّ‬ ‫المنتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقد كان من المأمول ُ‬
‫ِ‬
‫البطل‬ ‫أن داللةَ‬‫الباعث على هذا ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يكن كذلك‪ ،‬واخا ُل ّ‬
‫ولكن ذلك لم ْ‬‫ّ‬ ‫ماد ِة "بطل"‪،‬‬
‫وقوِفه عند ّ‬
‫ِ‬
‫المجاز‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الحقيقة ال‬ ‫ِ‬
‫بركب‬ ‫يسير‬
‫مما ُ‬ ‫فغدت ّ‬
‫ْ‬ ‫استحكمت‬
‫ْ‬ ‫نت و‬
‫عهد تم ّك ْ‬
‫التي لنا بها ٌ‬

‫البتول‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫ملتمسا‬
‫ً‬ ‫الم– على ثلّ ٍة ِمن الطالّ ِب‬
‫لس ُ‬‫يم –عليها ا ّ‬‫عرضت كلمة "البتول" مقرونةً بمر َ‬ ‫ُ‬ ‫كنت قد‬ ‫ُ‬
‫اء الطّاهرةَ‪ ،‬وقد أصابوا‬ ‫البتول‪ ،‬فجنحوا كلّهم إلى ِّ‬‫ِ‬ ‫فضل ٍ‬
‫عد "البتول" العذر َ‬ ‫بيان يجلّي داللةَ‬ ‫َ‬ ‫منهم‬
‫ِ‬
‫األصل‬ ‫بل إلى‬ ‫اقع في هذه‪ْ ،‬‬ ‫اللي الو ِ‬
‫الد ِّ‬‫طوِر ّ‬
‫أن يلتفتوا إلى التّ ّ‬ ‫ولكنه فاتهم ْ‬ ‫في إجابتِهم تلكم‪ّ ،‬‬
‫الب ْتل" في‬ ‫ٍ‬ ‫االشتقاقي العري ِ‬
‫إن " َ‬ ‫أظفر بأحد ذي عهد به؛ إذ ّ‬ ‫تنتسب هذه الكلمةُ‪ ،‬فلم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ض الذي إليه‬ ‫ِّ‬
‫النخلةُ التي‬
‫يت ّ‬ ‫سم ْ‬ ‫وتبتَّل‪ :‬أبانه ِمن ِ‬
‫غيره‪ ،‬و ِمن هنا ِّ‬ ‫غة القطعُ‪ ،‬فنقو ُل‪َ :‬بتَلَه َبتْالً وبتَّله ْ‬
‫فان َبتَل َ‬
‫اللّ ِ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "بطل"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بطل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "بطل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.61 ،‬‬

‫‪72‬‬
‫أمها‬ ‫استغنت عن أمها " ِ‬
‫البتول‪ ،‬وهي المنقطعةُ عن ّ‬ ‫الم ْبتل"‪ ،‬والفَسيلةُ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫انفردت و‬
‫ْ‬ ‫يكون لها فَسيلةٌ قد‬
‫ُ‬
‫يعني‬ ‫إما أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫منقطعا‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫عطاء َبتْالً‪ ،‬أي‬
‫ً‬ ‫الباب تُ ْح َمل القولةُ‪ :‬أعطيتُه‬ ‫المستغنيةُ عنها‪ ،‬وعلى هذا‬
‫بعده(‪ ،)1‬وعلى هذا‬‫عطاء َ‬
‫ً‬ ‫يد ّأنه ال يعطيه‬ ‫أن ير َ‬
‫عطاء‪ ،‬وا ّما ْ‬
‫ٌ‬ ‫عطاء ال يشبهُه‬
‫ً‬ ‫الغايةَ‪ ،‬فقد أعطاه‬
‫ٍ‬
‫شيء وأقبل على اهلل‬ ‫ِ‬
‫للعابد إذا ترك ك ّل‬ ‫انقطع‪ ،‬ويقا ُل‬ ‫قيل‪ :‬تبتّ ْل إلى ا ِ‬
‫أخلص و ْ‬ ‫ْ‬ ‫هلل – تعالى‪ :-‬أي‬
‫شيء إالّ أمر اهلل وطاعتَه(‪ ،)2‬ومما ُيحم ُل على هذا ِ‬
‫الباب قولُنا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫قطع ك ّل‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫متنس ًكا‪ :‬قد تبتّل‪ ،‬أي‪َ :‬‬‫ِّ‬
‫البتل الذي‬
‫يض " َ‬
‫االشتقاقي العر َ‬
‫ّ‬ ‫األصل‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اء الطّاهرةُ‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫يم البتو ُل‪ ،‬والمعنى العذر ُ‬‫مر ُ‬
‫الداللةُ توجيهَين ال يتدافعان‪:‬‬
‫هت هذه ّ‬ ‫يكتنف هذه الكلمةَ‪ ،‬وقد ِّ‬
‫وج ْ‬ ‫ُ‬ ‫هو القطعُ"‬
‫زويج‪.‬‬ ‫جال ِ‬
‫وترك التّ ِ‬ ‫البتو ُل المنقطعةُ عن الر ِ‬
‫ّ‬ ‫‪ّ ‬أولُهما‪َ :‬‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫‪ ‬وثانيهما‪ :‬المنقطعةُ إلى اهلل عن ّ‬

‫االنقطاع إلى‬
‫ِ‬ ‫جلياً في المعنيين؛ معنى‬
‫االشتقاقي "القطع" يبقى ّ‬
‫ُّ‬ ‫المتعين فاألص ُل‬
‫ّ‬ ‫و ّأياً كان‬
‫اج(‪.)3‬‬‫االنقطاع عن األزو ِ‬
‫ِ‬ ‫اهلل‪ ،‬أو‬

‫‪ ‬البراز‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫جميع ما‬
‫ِ‬ ‫يض في‬
‫وبدوه( )‪ ،‬وقد دار هذا األص ُل العر ُ‬ ‫ظهور ال ّشيء ّ‬ ‫ُ‬ ‫مادة "برز"‬
‫جماعُ معنى ّ‬
‫فمنهم َمن جنح إلى‬ ‫ضبطها‪ِ ،‬‬‫ِ‬ ‫غويين في‬ ‫ِ‬ ‫يمكن أن يشتَ َّ ِ‬
‫تباين اللّ ّ‬
‫ُ‬ ‫المباحثة ههنا‬ ‫ق منه‪ ،‬وموضعُ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫يج على المعنى‬ ‫ِ‬ ‫المقدم‪ ،‬و ِمنهم َمن قال‬ ‫فتح ِ‬
‫الباء‪ ،‬ولعلّه َّ‬
‫بالكسر‪ ،‬والملحظُ الثّاني هو التّعر ُ‬ ‫الفتح؛ ِ‬
‫ِ‬
‫الداللةُ من‬
‫ذت هذه ّ‬‫ُخ ْ‬‫الغذاء‪ ،‬وهو الغائطَُ‪ ،‬وقد أ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة "البراز"‪ ،‬وهو كنايةٌ عن ثُْف ِل‬ ‫ِ‬
‫الحادث في‬
‫ً‬
‫البعيد الواسعُ(‪ ،)5‬فإذا ما خرج المرُء إلى ذاك‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫الفضاء ِمن‬
‫ُ‬ ‫المكان‬
‫ُ‬ ‫قولِنا‪َ " :‬‬
‫البراز"‪ ،‬وهو‬
‫أن هذه‬
‫البراز(قضاء الحاجة)‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫بروزا‪ ،‬أي‪ :‬خرج إلى َ‬‫الموضع "البراز" قيل‪ :‬قد َب َرَز ً‬
‫ِ‬
‫يتبرزون في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف في وصف قضاء الحاجة؛ إذ ّإنهم كانوا ّ‬ ‫حسن التّأتّي والتّلطّ ُ‬
‫ُ‬ ‫كنايةٌ لطيفةٌ باعثُها‬
‫ِ‬ ‫خالية ِمن ّ‬
‫األمكنة ال ِ‬
‫ِ‬
‫البرِاز للحاجة‪ ،‬و َ‬ ‫اس( )‪ ،‬و ِمنه قيل‪ّ :‬‬ ‫الن ِ‬
‫‪6‬‬
‫البرُاز في‬ ‫الرج ُل إذا خرج إلى َ‬
‫تبرز ّ‬

‫(‪ )1‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بتل"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بتل"‪ ،‬وانظر حديث الراغب عن داللة البتل وعن قوله–تعالى‪" :-‬وتبتل إليه‬
‫تبتيال" في المفردات‪.45 ،‬‬
‫(‪ )3‬معنى البتول عند ابن فارس انفرادها إذ لم يكن لها زوج‪ ،‬وكذلك مذهب ابن األثير‪ .‬انظر‪ :‬المقاييس‪،‬‬
‫مادة "بتل"‪ ،‬والنهاية‪.94/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "برز"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،118/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "برز"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،118/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "برز"‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ِ‬
‫الغذاء‬ ‫البرِاز التي هي ثف ُل‬ ‫البعيد‪ ،‬و ِمن هنا‬ ‫المتقد ِ‬ ‫ِ‬
‫اكتسبت داللةُ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫الفضاء‬
‫ُ‬ ‫المكان‬
‫ُ‬ ‫مة‬ ‫ّ‬ ‫الجملة‬
‫الجامع‬ ‫أن‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫المحل الذي كانت تُقضى فيه‪ ،‬وليس ُينسى ّ‬ ‫لعالقة‬ ‫الحادث‬
‫َ‬ ‫الت هذا المعنى‬‫ض ُ‬ ‫والفَ َ‬
‫الفارسين؛‬ ‫تبارز‬ ‫ِ‬
‫المتقادم‬ ‫ومما جاء بالمعنى‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المادة الحادثةَ‪ّ ،‬‬ ‫ينتظم داللةَ‬
‫ُ‬ ‫االشتقاقي بقي أصالً‬
‫َّ‬
‫ينفرد عن جماعتِه إلى صاحبِه(‪.)1‬‬
‫احد منهما ُ‬ ‫فارس أن ك ّل و ٍ‬
‫ٍ ّ‬ ‫وبيان ذلك عند ِ‬
‫ابن‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل –صلّى اهلل عليه وسلّم– رأى رجالً يغتس ُل‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫و ِمن استعماالتها المتقادمة ً‬
‫أيضا ّ‬
‫الكنائي الذي‬ ‫ِ‬
‫الحادث‬ ‫وردت فيه بالمعنى‬ ‫ومما‬ ‫ٍ ‪2‬‬
‫المنكشف ِ‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫بغير سترة( )‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫الموضع‬
‫َ‬ ‫يد‪:‬‬
‫بالبراز‪ ،‬ير ُ‬
‫َ‬
‫كنوا عنه‬ ‫ِ‬
‫الغائط كما ّ‬ ‫ِ‬
‫قضاء‬ ‫كني عن‬‫البرَاز أبعد"‪ ،‬فقد ّ‬
‫الحديث‪" :‬كان إذا أراد َ‬
‫ُ‬ ‫غدا حقيقةً‬
‫ِ‬
‫بالخالء(‪.)3‬‬

‫صمة‪:‬‬
‫الب ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫ص َم‬ ‫اللة التي هي في اللّ ِ‬ ‫كالد ِ‬ ‫ِ‬
‫الب ْ‬‫أن ُ‬ ‫سان‪ ،‬فقد جاء فيه ّ‬ ‫ليست ّ‬‫ْ‬ ‫الكلمة داللةٌ حادثةٌ‬ ‫ولهذه‬
‫بر وال‬ ‫العرب قولُهم‪ :‬ما فارقتُك ِش ًا‬
‫ِ‬ ‫ومما أُثِر عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وت ما بين الخنصر إلى طرف البِنصر‪ّ ،‬‬ ‫فَ ُ‬
‫ائر والمؤس ِ‬
‫سات‬ ‫الدو ِ‬
‫أكثر سيرورتَها في ّ‬
‫‪4‬‬
‫ِف ًا‬
‫ّ‬ ‫اليوم فما كان َ‬
‫أما َ‬ ‫ص ًما( )‪ّ ،‬‬ ‫تر وال َعتًَبا وال َرتًَبا وال ُب ْ‬
‫قية‬‫غدت تو ِمئ بكونِها شارةً َخْل ّ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫المأثور؛ إذ ّإنها‬ ‫ق سيرورةً مجافيةً لذلكم المعنى‬ ‫ِ‬
‫ومكاتب التّحقي ِ‬
‫قيد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مستعينا بر ِ‬ ‫كأنه توقيع المرِء ِ‬
‫أس إصبعه وختمه على ما ّ‬ ‫ً‬ ‫بالمداد‬ ‫ُ‬ ‫فارقةً معناها ّ‬

‫‪ ‬ال ِبضاعة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أن معناها‬ ‫ولداللة هذه الكلمة رحلةٌ متطاولةٌ في سيرو ِرة العر ّبية المتقادمة‪ ،‬وليس يخفى ّ‬
‫القدماء‪،‬‬ ‫عرج عليها‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫حق؛ إذ ّإنه من المعاني التي ّ‬‫ابق والالّ ُ‬
‫الس ُ‬
‫السلعةُ‪ ،‬وهو معنى ُيجمع عليه ّ‬ ‫ّ‬
‫السلعةُ أصلُها "القطعةُ ِمن‬
‫أن البضاعةَ التي هي ّ‬
‫ِ‬
‫اللي يتجلّى آن معرفتنا ّ‬
‫الد َّ‬
‫طوَر ّ‬‫ولكن التّ ّ‬
‫ّ‬
‫"ومما هو محمو ٌل على‬ ‫ٍ‬
‫فارس فقال‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫‪5‬‬
‫المال الذي ُيتّجر فيه"( )‪ ،‬والى هذا المعنى ألمح ُ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫األو ِل بضاعةُ التّاجر ِمن مالِه‪ :‬طائفةٌ ِمنه"( )‪ ،‬و ّ‬ ‫ِ‬
‫‪6‬‬
‫بأنه‬
‫ف ّ‬ ‫أن هذا الذي قد ُيست َش ّ‬‫الحق ّ‬ ‫القياس ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن لداللة هذه الكلمة أطو ًارا‪ ،‬فاألص ُل في هذا كلِّه "القطعُ"‪ّ ،‬‬
‫فكأن المرَء‬ ‫أص ٌل ليس كذلك؛ إذ ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "برز"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،118/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "برز"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،118/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "برز"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بصم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بضع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "بضع"‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ذاهبا‬ ‫ٍ‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫يقطعُ ِمن مالِه ًا‬
‫فارس ً‬ ‫ابن‬
‫ضع وهو القَطعُ"( )‪ ،‬وقد قال ُ‬
‫الب ْ‬
‫جر به‪" ،‬وأصلُها من َ‬
‫شطر ليتّ َ‬
‫ِ‬
‫المال‬ ‫ألنها قطعةٌ من‬
‫سميت البضاعةُ بضاعةً ّ‬ ‫"إنما ِّ‬
‫المتقادم‪ّ :‬‬ ‫األصل‬
‫َ‬ ‫المذهب‪ ،‬مستشرفًا‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫َ‬
‫جع ُل في التِّجا ِرة"(‪.)2‬‬
‫تُ َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ها نحن أو ِ‬


‫فغدت جزًءا‬
‫ْ‬ ‫رت‬
‫تطو ْ‬
‫ثم ّ‬ ‫نقف وجاهَ أطو ٍار لداللة البضاعة‪ ،‬فاألص ُل القطعُ‪ّ ،‬‬ ‫الء ُ‬
‫ِ‬
‫بالمال‪،‬‬ ‫السلعةَ التي تُشتَرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫أمست ّ‬‫ْ‬ ‫ثم‬
‫جر به‪ّ ،‬‬ ‫يقتطعه المرُء من ماله ليتّ َ‬
‫ُ‬ ‫المال الذي‬
‫أصل‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫باسم ال ّش ِ‬
‫فال ّشيء قد يسمى ِ‬
‫َ‬ ‫ومما يد ّل على ّ‬
‫مجاور له‪ ،‬أو منه بسبب‪ّ ،‬‬ ‫ًا‬ ‫يء إذا كان‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫المعجم بالتّقر ِ‬
‫ير والتّصري ِح‪ -‬ما يلي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫عرج عليه‬‫يب فيه؛ إذ ّ‬‫ضع" القطعُ – وهذا ال ر َ‬‫"الب ْ‬
‫َ‬
‫رق‪.‬‬ ‫المشرطُ‪ ،‬وهو ما يبضع به األديم و ِ‬
‫الع ُ‬ ‫الم ْبضع‪ِ :‬‬
‫‪ِ -‬‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َُ‬
‫ضعه‪ ،‬أي قطعه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مر بشيء َب َ‬‫‪ -‬سيف باضعٌ‪ :‬إذا ّ‬
‫بضعت الجرَح‪ :‬شققتُه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬البضاعةُ‪" :‬القطعةُ ِمن ِ‬
‫ضع‪ ،‬وهو القطعُ"(‪.)3‬‬ ‫المال الذي ُيتَّجر به‪ ،‬وأصلُها من َ‬
‫الب ْ‬

‫‪ ‬ال ِبطاقة‪:‬‬
‫فإنه‬
‫أعرْج عليه ّ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‪ ،‬ومع ذلكم التّ ِ‬ ‫ِ‬
‫القول على ِ‬
‫لما ّ‬ ‫باين الذي ّ‬ ‫جذر هذه‬ ‫وجهُ‬ ‫وقد تباين‬
‫مقدار‬
‫ُ‬ ‫ت فيها‬
‫الصغيرةُ ُي َثب ُ‬
‫الرقعةُ ّ‬
‫إن البطاقةَ ّ‬
‫داللي‪ ،‬فقد قيل ّ‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫ألم به ّ‬
‫مما ّ‬‫ّ‬ ‫كونها‬
‫ال َيرفعُ َ‬
‫متاعا فقيمتُه( )‪ ،‬وقد جاء في التّ ِ‬
‫هذيب‬ ‫‪4‬‬
‫عدده‪ ،‬وا ْن كان ً‬
‫عينا فوزُنه أو ُ‬
‫إن كان ً‬ ‫ْ‬ ‫جع ُل فيه‪،‬‬
‫ما تُ َ‬
‫تكون‬
‫ُ‬ ‫الرقعةَ التي‬
‫بمصر وما واالها‪ ،‬وهم َي ْدعون ّ‬
‫َ‬ ‫أن البطاقةَ رقعةٌ صغيرةٌ‪ ،‬و ّأنها كلمةٌ مبت َذلةٌ‬
‫ّ‬
‫يد‬ ‫ون ْد ٍ‬
‫حة تز ُ‬ ‫عمومي ٍة ُ‬ ‫ذات‬
‫اليوم ُ‬ ‫قم ثمنِه بطاقةً( )‪ ،‬والذي‬
‫‪5‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫أن البطاقةَ َ‬ ‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫في الثّوب وفيها ر ُ‬
‫ِ‬
‫للدعوة‪ ،‬والذي يسترعي االنتباهَ‬ ‫بحثية‪ ،‬وثالثةٌ ّ‬
‫فثم بطاقةٌ للمعايدة‪ ،‬وأخرى ّ‬ ‫المتقدم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫على هذا‬
‫البطاقة اختالفُهم في أصلِها‪ ،‬فقد قيل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫اقع في‬
‫اللي الو ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫يج على التّ ّ‬
‫في ِ‬
‫مقام التّعر ِ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بضع"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "بضع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "بضع"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "بضع"‪ ،‬وابن منظور‪،‬‬
‫اللسان‪ ،‬مادة "بضع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،135/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بطق"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة‬
‫"بطق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "بطق"‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ زائدةً"(‪)1‬؛ أي‬ ‫الباء‬ ‫ِمن ِ‬
‫هدب الثّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫فتكون ُ‬‫ُ‬ ‫وب‪،‬‬ ‫بطاقة‬ ‫"ألنها تُ َش ّد‬
‫ّإنها ّإنما ُس ِّميت بذلك ّ‬
‫صعيد ال ّش ِ‬
‫فاه‪ ،‬وا ْن على‬ ‫ِ‬ ‫إن على‬ ‫ِ‬
‫االستعمال‪ْ ،‬‬ ‫كثرةَ‬
‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫ومجرورها "طاقة"‪،‬‬‫ُ‬ ‫الجر‪،‬‬
‫باء ّ‬ ‫هي ُ‬
‫تكون كلمةً واحدةً‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫فغلب عليها ْ‬
‫حدود الكلمتَين‪َ ،‬‬ ‫تداخل‬ ‫أفضت إلى‬
‫ْ‬ ‫األقالم‪ ،‬قد‬ ‫صعيد‬
‫المذهب ابن سيده في م ِ‬
‫حكمه(‪.)2‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫تجافى عن هذا‬

‫البلَد‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫ِ‬
‫األخير‬ ‫عند‬
‫ق؛ إذ ّإنها َ‬ ‫أرحب ِمن داللتِها َ‬
‫عند الالّح ِ‬ ‫أعم و ُ‬ ‫ق داللةٌ ّ‬‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وللبلد في كالم ّ‬
‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫ولكن هذا المعنى جزٌء ِمن معناها في‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫الحدود‪،‬‬ ‫المسكون ذا‬
‫َ‬ ‫العامر‬
‫َ‬ ‫المكان‬
‫َ‬ ‫تعني‬
‫غير عام ٍرة‪ ،‬خاليةً‬ ‫ٍ‬
‫قطعة ُمستحي ٍزة عامرةً‬
‫كانت أو َ‬‫ْ‬ ‫موضع أو‬
‫ٍ‬ ‫ينضاف إليه ّأنه ك ّل‬
‫ُ‬ ‫بي؛ إذ‬
‫العر ِّ‬
‫يف‪" :‬وأعوُذ بك‬‫الحديث ال ّشر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفسير‬ ‫ِ‬
‫األثير في‬ ‫ابن‬ ‫‪3‬‬
‫أو مسكونةً( )‪ ،‬وقد جنح إلى هذا المعنى ُ‬
‫بناء‪ ،‬وأراد‬
‫ان وا ْن ْلم يكن فيه ٌ‬ ‫ِ‬
‫األرض ما كان مأوى للحيو ِ‬ ‫البلد ِمن‬
‫البلَد"‪ ،‬فقال‪" :‬و ُ‬ ‫من ساكني َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫داللة‬ ‫اللي الواق ِع في‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫األرض"(‪ ،)4‬ولع ّل‬ ‫َّ‬
‫وصف هذا التّ ّ‬
‫َ‬ ‫ان‬‫ألنهم س ّك ُ‬
‫الجن ّ‬ ‫بساكنيه‬
‫ِ‬
‫خصيص‪.‬‬ ‫قائم على التّ‬ ‫ِ‬
‫البلد ٌ‬

‫‪ ‬البالَ ُة‪:‬‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المعاصـرِة؛‬ ‫عامياتِنـا‬
‫ـطين واألردن‪ ،‬وقـد جـاء فـي التّهـذيب ّ‬ ‫عاميـة فلس َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلمةٌ عتيقةٌ تشـيعُ فـي‬
‫ـاء الطّيـ ِ‬
‫ـب(‪ ،)6‬والظّــاهر‬ ‫اب‪ ،‬وقيــل وعـ ُ‬
‫‪5‬‬
‫ـخم( )‪ ،‬وقيــل القــارورةُ والجـر ُ‬ ‫ـال جمــع "بالــة"‪ ،‬وهــي ِ‬
‫اب الضـ ُ‬ ‫الجـر ُ‬ ‫ُ‬ ‫الب َ‬
‫ولكن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المعاصر‪ْ ،‬‬ ‫هذيب هو المعنى الذي ُن ْج ِمع عليه في إِ ِلفنا اللّ ِّ‬
‫غوي‬ ‫صاحب التّ ِ‬
‫ُ‬ ‫أن المعنى الذي أثبته‬ ‫ّ‬
‫ـت‬
‫ملت ثـ ّـم بيعـ ْ‬
‫ـس التــي اســتُ ْع ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـوم؛ إذ ّإنهــا تعنــي عنـ َـدنا المالبـ َ‬
‫ـي فــي داللــة "البالــة" اليـ َ‬
‫ـي جلـ ّ‬
‫ثـ ّـم تطـ ّـوٌر داللـ ّ‬
‫ـاحب‬ ‫ِ‬ ‫حال اسـتعمالِها‪ ،‬والح ّ‬
‫على ِ‬
‫اللي ال ُي ْفهَـم إالّ باسـترفاد المعنـى الـذي أثبتـه ص ُ‬ ‫أن هـذا التّط ّـوَر ال ّـد ّ‬
‫ـق ّ‬
‫ـب ِم ـن‬
‫ـس المســتعملةَ "البالــة" تُســتَورد فــي الكثيـ ِـر الغالـ ِ‬
‫َ‬ ‫أن تلكــم المالبـ َ‬‫الضــخم)؛ ذلــك ّ‬‫الج ـراب ّ‬ ‫ـذيب( ِ‬
‫التّهـ ِ‬
‫يسمون‬ ‫ٍ‬ ‫بال ُ ٍ‬ ‫غرب في ٍ‬ ‫ال ِ‬
‫اس ّ‬ ‫الن ُ‬
‫المالبس المستعملةُ‪ ،‬وصار ّ‬ ‫ُ‬ ‫ستخرج منها‬
‫ثم تُفتَح البا ُل ُلي َ‬ ‫وج ُرب ضخمة‪ّ ،‬‬

‫(‪ )1‬ورد هذا النص مع قليل تفاوت في العبارة عند ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،135/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة‬
‫"بطق"‪ ،‬وابن سيده‪ ،‬المحكم‪ ،‬مادة "بطق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن سيده‪ ،‬المحكم‪ ،‬مادة "بطق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "بلد"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بلد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،151/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بلد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "بول"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بول"‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫َّ‬
‫المحل‪ ،‬وهم يريدون الحا ّل‪،‬‬ ‫باسم وعائِها الذي يشتم ُل عليها "البالة"‪ّ ،‬‬
‫وكأنهم بهذا يذكرون‬ ‫المالبس تلك ِ‬
‫َ‬
‫نت لك في ِ‬
‫باب‬ ‫ٍ‬
‫بسبب‪ ،‬على ما ّبي ُ‬ ‫مجاور له‪ ،‬أو كان ِمنه‬
‫ًا‬ ‫ِ‬
‫الشيء إذا كان‬ ‫و"العرب تسمي ال ّشيء ِ‬
‫باسم‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ‬
‫يء ِ‬
‫باسم ِ‬
‫غيره"(‪.)1‬‬ ‫تسمية ال ّش ِ‬

‫ابوت‪:‬‬
‫‪ ‬التّ ُ‬
‫ٍ‬
‫حميم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بنسب‬ ‫الداللتين – تتّصالن‬
‫ولكنهما –أعني ّ‬ ‫ِ‬
‫األمس‪ّ ،‬‬ ‫تفارق داللةَ‬ ‫اليوم داللةٌ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫للتّابوت َ‬
‫عاميتِنا‬
‫ّ‬ ‫يكاد هذا المعنى في‬
‫ت ُلي ْح َم َل‪ ،‬وال ُ‬‫المي ُ‬
‫يوضع فيه ّ‬
‫رف الذي َ‬ ‫اليوم ّأنه الظّ ُ‬
‫والمعنى ال ّشائعُ َ‬
‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫الحادث لم ِ‬
‫يرْد في‬ ‫أن هذا المعنى‬ ‫ِ‬ ‫ينصرف إالّ ِ‬
‫َ‬ ‫الحق ّ‬
‫الموت‪ ،‬و ّ‬ ‫لحقل‬ ‫ُ‬ ‫أعلمه–‬
‫– في الذي ُ‬
‫وردت هذه الكلمة في قولِه – تبارك‬
‫ْ‬ ‫ندوق(‪ ،)2‬وقد‬ ‫الص ُ‬ ‫إن الذي ورد فيه ّأنه هو ّ‬ ‫بي؛ إذ ّ‬ ‫العر ِّ‬
‫عرج عليه‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬
‫ابوت فيه سكينةٌ"( )‪ ،‬والمعنى –كما أشار إليه َمن ّ‬ ‫يأتيكم التّ ُ‬
‫أن َ‬ ‫إن آيةَ ملكه ْ‬
‫اسمه‪ّ " :-‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الخشب فيه‬ ‫شيئا منحوتًا ِمن‬
‫الصندوق‪ ،‬وقد قيل ّإنه "كان ً‬ ‫ّ‬ ‫المفسرين‪ّ -‬أنه‬
‫غويين و ّ‬ ‫من اللّ ّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫سمساد عليه‬ ‫توضع‪ ،‬وقد كان ِمن ِ‬
‫عود‬ ‫كانت فيه التّوراةُ‬ ‫ندوق الذي‬
‫الص ُ‬
‫‪4‬‬
‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫حكمةٌ"( )‪ ،‬وقيل هو ّ‬
‫الم‪ -‬إذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪5‬‬
‫الس ُ‬
‫صندوق التّوراة‪ ،‬وكان موسى‪-‬عليه ّ‬
‫ُ‬ ‫ي ّأنه‬
‫الزمخشر ِّ‬
‫هب( )‪ ،‬والمعنى عند ّ‬ ‫صفائح ال ّذ‬
‫ُ‬
‫‪6‬‬
‫يفرون( )‪.‬‬ ‫ائيل فال ّ‬
‫نفوس بني إسر َ‬
‫تسكن ُ‬ ‫ُ‬ ‫فكانت‬
‫ْ‬ ‫قدمه‪،‬‬ ‫قاتل ّ‬

‫غويين افترقوا في ِ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬
‫ولكن اللّ ّ‬
‫ّ‬ ‫ندوق‪،‬‬
‫الص ُ‬ ‫أن التّابوت هو ّ‬ ‫تقدم ُي ْجمعُ على ّ‬
‫أن ك ّل ما ّ‬
‫إخا ُل ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ‪7‬‬
‫اللي– برأيين‪ّ :‬أولُهما ّأنه على ِ‬
‫وزن‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ي –وهنا موضعُ تمثّل التّ ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬
‫وقد قال ّ‬
‫اشتقاقه( )‪ْ ،‬‬
‫وآكد؛ إذ ّإنه مأخوٌذ ِمن "التّ ِ‬
‫وب"‪،‬‬ ‫عنده أعلى ُ‬ ‫األخير َ‬ ‫"فاعول"‪ ،‬وثانيهما ّأنه على ِ‬
‫وزن "فعلوت"‪ ،‬و ُ‬
‫ود ُعه فال ي از ُل يرجعُ إليه ما يخرُج ِم ْنه"(‪.)8‬‬
‫األشياء وتُ َ‬
‫ُ‬ ‫توضعُ فيه‬
‫ظرف َ‬
‫ٌ‬ ‫ألنه‬
‫الرجوعُ‪ّ " ،‬‬
‫وهو ّ‬

‫قائم على ّأنه إذا نحن‬


‫داللياً اعترى كلمةَ "التّابوت"‪ّ ،‬أولُه ٌ‬
‫تطوًار ّ‬
‫أن ّ‬
‫تجدر اإلشارةُ إلى ّ‬
‫ُ‬ ‫لعلّه‬
‫سمي‬
‫داللياً وقع إذ ِّ‬ ‫ِ‬
‫تطوًار ّ‬
‫أن ّ‬ ‫فإن ذلك يعني ّ‬ ‫أن هذه الكلمةَ ّإنما هي مشتقّةٌ من "توب"‪ّ ،‬‬
‫سلّمنا ّ‬

‫(‪ )1‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.23 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "تبت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬اآلية (البقرة‪.)248 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.82 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬السجستاني‪ ،‬النزهة‪.154 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.378/1 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "تبت"‪ ،‬ومادة "توب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،380/1 ،‬وأبو حيان‪ ،‬البحر‪.269/2 ،‬‬

‫‪77‬‬
‫طوُر‬ ‫ي ِمن ٍ‬
‫بيان‪ .‬وثانيه‪ :‬التّ ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬
‫تقدم عند ّ‬ ‫ِ‬
‫رجعة صاحبِه إليه كما ّ‬ ‫تابوتًا لِما فيه ِمن‬ ‫ابوت‬
‫التّ ُ‬
‫ق وما‬‫الصندو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معممةً تد ّل على ّ‬
‫كانت َّ‬
‫ْ‬ ‫أن‬
‫للميت بعد ْ‬
‫تخصيص داللة التّابوت ّ‬
‫ُ‬ ‫اليوم‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫الحادث‬
‫ُ‬
‫أودعت‬
‫ُ‬ ‫أودعت تابوتي شيئاً ففقدتُه"‪ ،‬أي ما‬
‫ُ‬ ‫ومما جاء بالمعنى المجازيِّ‪" :‬ما‬ ‫ق‪ّ ،‬‬ ‫يوضعُ فيه بإطال ٍ‬
‫َ‬
‫اللهم اجعل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫علما فعدمتُه( )‪ ،‬وكذلك قولُه– صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬في دعاء قيام اللّيل‪ّ " :‬‬ ‫صدري ً‬
‫ِ‬
‫كالقلب‬ ‫ابوت ههنا األضالعُ وما تحويه‬ ‫نور –وذكر سبعا– في التّابوت"‪ ،‬وقد أريد بالتّ ِ‬ ‫في قلبي ًا‬
‫ً‬
‫بالصندوق الذي ُي ْح َرز فيه المتاعُ(‪.)2‬‬ ‫وغيرهما تشبيهاً‬ ‫و ِ‬
‫الكبد ِ‬
‫ّ‬

‫‪ ‬الت ّرهات‪:‬‬
‫ِ‬
‫المحسوس إلى‬ ‫المادي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫داللي هيئتُه انتقا ٌل ِمن‬
‫ّ‬ ‫تطور‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫وقد وقع في ِد ِ‬
‫اللة هذه‬ ‫ْ‬
‫يظهر‬ ‫ِ‬
‫األصل‪ ،‬والذي‬ ‫ِ‬
‫وتبيان‬ ‫ِ‬
‫باإلثبات‬ ‫المعجميون فاستشرفوه‬ ‫المجرِد‪ ،‬وقد التفت إلى هذا‬
‫َّ‬ ‫المعنوي‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫معجمات‬ ‫مقرٌر في‬ ‫هات والتَُّّرهات‪ :‬األباطي ُل‪ ،‬وواحدتُها تَُّرهة‪ ،‬وهذا معنى– كما هو َّ‬ ‫أن التُُّّر ِ‬
‫غار المتشع ِ‬
‫ِّبة عن‬ ‫الص ِ‬ ‫آخر‪ ،‬وأص ُل ذلك مستقى ِمن داللتِها على الطّر ِ‬ ‫العر ّبي ِة‪ -‬منز ٌ‬
‫ق ّ‬ ‫اح عن َ‬
‫اللي‬ ‫ِ‬
‫األعظم(‪ ،)3‬وقد قال الزمخشر ُّ‬ ‫الطّري ِ‬
‫الد ّ‬‫معرجاً على المعنى المجازيِّ‪ ،‬مستشرفاً الوجهَ ّ‬ ‫ي ّ‬ ‫ق‬
‫ِ‬
‫الخالية من‬ ‫ِ‬
‫األقاويل‬ ‫ِ‬
‫لألباطيل و‬ ‫استعيرت‬ ‫فار البيد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الب ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫سابس‪ ،‬وهي الق ُ‬ ‫الجامع‪" :‬وجاء بالتّّرهات َ‬
‫َ‬
‫ِ ‪4‬‬
‫الطائل"( )‪.‬‬

‫‪ ‬التِّ ْن َبل‪:‬‬
‫القصير(‪ ،)5‬وذلك ليس كذلك في ِ‬
‫كالم‬ ‫الرج ُل‬ ‫والتِّْنب ُل والتِّنبا ُل والتِّْنبالةُ في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫َ‬
‫هامشي ٍة‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫يحاءات‬ ‫سلبي ٍة وا‬ ‫ٍ‬
‫ذات داللة ّ‬
‫وهي ُ‬ ‫ِ‬
‫الحماقة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالخمول و‬ ‫ق؛ إذ ّإنها تد ّل على َمن ُو ِسم‬ ‫الالّح ِ‬
‫مرذولة في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫ق‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫‪ ‬التّّيار‪:‬‬
‫اعر‪:‬‬
‫ولجتُه‪ ،‬وقد قال ال ّش ُ‬ ‫ِ‬
‫البحر ّ‬ ‫ِ‬
‫األخير مو ُج‬ ‫عند‬ ‫الساب ِ‬
‫ق؛ إذ ّإنه َ‬ ‫كتي ِار ّ‬ ‫وتي ُار الالّح ِ‬
‫ق ليس ّ‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪.59 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.179/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،189/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "تره"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "تره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر هذا المعنى‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،198/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "تنبل"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪،‬‬
‫مادة "تنبل"‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫تيا ار‬
‫يقذف بالتّّيار ّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كالبحر‬ ‫ِ‬
‫المكاسب ما تُ ْكدى حسافتُه‬ ‫عف‬
‫ّ‬
‫مما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عند الالّح ِ‬
‫وغير ذلك ّ‬ ‫وتي ُار المعارضة ُ‬ ‫بائي‪ّ ،‬‬
‫تيار كهر ّ‬
‫فثم ٌ‬ ‫بالبحر فقط‪ّ ،‬‬ ‫بمقترن‬ ‫ق ليس‬ ‫وهو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طوِر‪.‬‬
‫تقدم على وجه التّشبيه والتّ ّ‬ ‫مما ّ‬
‫يب ّأنه مأخوٌذ ّ‬‫لتم َس في عر ّبيتنا المعاص ِرة‪ ،‬وال ر َ‬
‫أن ُي َ‬
‫يمكن ْ‬
‫ُ‬

‫‪ ‬ال ِج ْلف‪:‬‬
‫المتعي ُن ِمن معناها‪ :‬الجافي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معنوية مرذولة ٍَ‪ ،‬و ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫صفة‬ ‫الجلف" تو ِمئ إلى‬ ‫أن كلمةَ " ِ‬ ‫معلوم ّ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫باألصل‬ ‫ِّ‬
‫المتقد ُم ليس‬ ‫وخلُِقه( )‪ ،‬وهذا المعنى‬
‫‪1‬‬
‫ابي الجافي‪ ،‬وقيل الجافي في َخْل ِقه ُ‬ ‫وقيل هو األعر ُّ‬
‫المعجميون مستشرفين‬ ‫مادي ّنبه عليه‬ ‫آخر‬ ‫ٌّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫في اللّ ِ‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫مشتق من َ‬ ‫االستعمال؛ إذ ّإنه‬ ‫غة وال في‬
‫قشر‬ ‫‪2‬‬
‫ٍ‬ ‫الالم و ِ‬
‫الفاء عند ِ‬ ‫الجيم و ِ‬
‫ِ‬ ‫ومثْبِتين‪ ،‬وجماعُ معنى‬
‫ف ُ‬ ‫الجْل ُ‬
‫القشر والقطعُ( )‪ ،‬وقيل َ‬ ‫ُ‬ ‫فارس‬ ‫ابن‬
‫ِ‬
‫إصبعه‪:‬‬ ‫وجلَف ظُفَُره عن‬ ‫ف أجفى ِمن الجر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫أشد استئصاالً‪َ ،‬‬ ‫فو ّ‬ ‫َْ‬ ‫الجْل ُ‬
‫الجلد مع شيء من اللّحم‪ ،‬و َ‬
‫جوِز‪ :‬أصابته جالفةٌ‪،‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫‪ِ 3‬‬
‫يء قطعه واستأصله( )‪ ،‬ومن هنا قيل على وجه من التّ ّ‬ ‫وجلَف ال ّش َ‬‫َك َشطَه‪َ ،‬‬
‫الجذر "القشر والقطع" تسري في‬ ‫ِ‬ ‫أن ِداللةَ‬‫اس‪ ،‬وال يخفى ّ‬ ‫الن ِ‬‫ال ّ‬ ‫تذهب بأمو ِ‬
‫ُ‬ ‫السنةُ التي‬
‫وهي ّ‬
‫بيانه‪ ،‬وقد‬
‫تقدم ُ‬ ‫عما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المباحثة " ِ‬ ‫ِ‬
‫فليست ببعيدة ّ‬
‫ْ‬ ‫الجْلف"‬ ‫أما موضوعُ هذه‬ ‫تقدم‪ّ .‬‬
‫أوصال ك ّل ما ّ‬
‫أس وال ٍ‬
‫بطن وال‬ ‫ِ‬
‫المسلوخة بال ر ٍ‬ ‫ِ‬
‫الشاة‬ ‫بدن‬ ‫غت هذه الفعلة "القشر" على ال ّش ِاة‪ ،‬فقيل ِ‬ ‫أُسبِ ْ‬
‫لف هو ُ‬ ‫الج ُ‬
‫األو ِل؛ ْ‬
‫فقد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصفةَ "الجلف" على امرئ ما مأخوٌذ من المعنى ّ‬ ‫إسباغنا هذه ّ‬‫َ‬ ‫أن‬
‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫ائم‪ ،‬والذي‬ ‫قو َ‬
‫وعند‬
‫بطن( )‪َ ،‬‬
‫‪4‬‬
‫ائم وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصل ذلك من أجالف ال ّشاة المسلوخة بال رأس وال قو َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫ي ّ‬ ‫جاء عند الجوهر ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫لضعف‬ ‫األحمق‬
‫ُ‬ ‫ف‪ ،‬وقد ُشّبه بهما‬ ‫للد ّن الفارِغ أيضاً ِجْل ٌ‬
‫األثير األص ُل ال ّشاةُ المسلوخةُ‪ ،‬وقيل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابن‬
‫عقل‬
‫اء ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن ِ‬ ‫ِ‬ ‫عقلِه(‪ ،)5‬وفي‬
‫أن جوفَه هو ٌ‬ ‫شبه بجلف ال ّشاة‪ ،‬أي ّ‬ ‫اآلدمي ّ‬
‫َّ‬ ‫لف‬
‫الج َ‬ ‫المحكم قيل ّ‬
‫اللة على‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫ضمار ّ‬ ‫قلت ِمن ِم‬
‫الجلف انت ْ‬ ‫ِ‬ ‫أن داللةَ‬
‫‪6‬‬
‫تعين آنفاً ّ‬‫مما ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫فيه( )‪ ،‬والمستخلَ ُ‬
‫اآلدمي‬ ‫ِ‬
‫صفات‬ ‫صفة ِمن‬
‫ٍ‬ ‫اللة على‬‫الد ِ‬‫مضمار ّ‬‫ِ‬ ‫أس لها) إلى‬
‫ّ‬ ‫اني(ال ّشاة المسلوخة التي ال ر َ‬ ‫الحيو ّ‬
‫طوِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السبي ُل إلى التّأتي لذلك االنتقال المفضي إلى التّ ّ‬ ‫المعنوية(الجافي األحمق)لعالقة المشابهة‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫جوز والتّشبيهُ‪.‬‬
‫التّ ُ‬

‫الجنُب‪:‬‬
‫‪ُ ‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جلف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "جلف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر هذه المعاني‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "جلف"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جلف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "جلف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.287/1 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن سيده‪ ،‬المحكم‪ ،‬مادة "جلف"‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ٍ‬
‫معان‬ ‫المتقد ُم ِمن‬
‫ّ‬ ‫ني‪ ،‬وهذا‬ ‫الم ّ‬
‫الصالة التي فرضتْها ال ّشريعةُ الجنابةُ‪ ،‬والجنابةُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من ُم ْبطالت ّ‬
‫ِ‬
‫ب إذا كان غر ًيبا‪ ،‬وكذلك‬ ‫االستعمال‪ ،‬فنحن نقو ُل‪ :‬رج ٌل ُجُن ٌ‬‫ِ‬ ‫الوضع وال في‬
‫ِ‬ ‫بأصل في‬‫ٍ‬ ‫ليس‬
‫ابة‪ ،‬ونقو ُل‪َ :‬ج َن َبه‬‫ضد القَر ِ‬
‫الجنابةُ ُّ‬ ‫فالن في بني ٍ‬
‫فالن َجنابةً إذا نزل فيهم غر ًيبا‪ ،‬و َ‬ ‫وج َنب ٌ‬ ‫الجنيب‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫جماعها يد ّل على‬ ‫ُ‬ ‫المادةَ‬
‫إن هذه ّ‬ ‫ٍ‬
‫فارس ّ‬ ‫وجَّنبه وجانبه وتجانبه واجتنبه‪ :‬بعد عنه( )‪ .‬وقد قال ُ‬
‫ابن‬ ‫‪1‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المتقادم‪ ،‬وقد‬ ‫ت ِمن ذاك المعنى‬ ‫عيةَ قد تخلّقَ ْ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫الجُنب" ال ّشر ّ‬
‫أن داللةَ " ُ‬ ‫الناحية والبعد( )‪ ،‬واخا ُل ّ‬
‫ألنه ُن ِهي‬‫مشير إلى ّأنه قيل للمرِء ُجُنب ّ‬ ‫ًا‬ ‫الجُنب"‬ ‫ِ‬
‫اقع في كلمة " ُ‬ ‫اللي الو َ‬
‫الد َّ‬
‫ي التّط ّوَر ّ‬ ‫التمس األزهر ّ‬
‫تنحى‪ ،‬وقيل‬ ‫أن يقرب مواضع الص ِ‬
‫تجنبها وأجنب عنها‪ ،‬أي ّ‬ ‫يكون قد ّ‬ ‫ُ‬ ‫الة ما لم يتطهّ ْر‪ ،‬وبذا‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫األثير عند قولِه – صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :-‬ال‬ ‫ِ‬ ‫لمجانبتِه ّ‬
‫‪3‬‬
‫ابن‬
‫يغتسل( )‪ ،‬وقد وقف ُ‬ ‫ْ‬ ‫اس ما ْلم‬‫الن َ‬
‫االسم‪ ،‬وهي‬ ‫أن "الجنابةَ‬ ‫جانحا إلى ّ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫المخوض فيه‪،‬‬ ‫تدخل المالئكةُ بيتًا فيه ُجُنب" مجلّياً داللةَ هذا‬
‫ُ‬
‫البعد"(‪.)4‬‬
‫األصل ُ‬ ‫ِ‬ ‫في‬

‫‪ ‬الجنازة‪:‬‬
‫ِ‬
‫ضبط‬ ‫تباينت في‬ ‫غويين قد‬
‫ْ‬ ‫مذاهب اللّ ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫باإللماح إلى ّ‬
‫ِ‬ ‫أستفتح هذه المباحثةَ‬
‫َ‬ ‫يحسن أن‬
‫ُ‬ ‫لعلّه‬
‫إن ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يره( )‪ ،‬و ِمنهم َمن قال ّ‬ ‫ت على سر ِ‬
‫‪5‬‬
‫الجنازةَ‬
‫إن َ‬ ‫المي ُ‬
‫الجنازة ّ‬ ‫الجنازةَ و َ‬ ‫هذه الكلمة‪ ،‬فمنهم َمن قال ّ‬
‫نعش(‪ ،)6‬و ِمنهم َمن قال‬
‫ت فهو سر ٌير أو ٌ‬ ‫المي ُ‬
‫يكن عليه ّ‬ ‫السر ُير‪ ،‬وا ْن لم ْ‬ ‫ِ‬
‫وبالكسر ّ‬ ‫ت‪،‬‬
‫المي ُ‬
‫بالفتح ّ‬
‫النحار ُير ينكرونه"(‪،)7‬‬
‫بالفتح‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬ ‫اس َجنازة‪،‬‬ ‫كالم أفو ِاه ّ‬
‫الن ِ‬ ‫الميت‪ ،‬و"قد جرى في ِ‬ ‫اإلنسان ّ‬
‫ُ‬ ‫إن ِ‬
‫الجنازةَ‬ ‫ّ‬
‫حمل‪،‬‬ ‫ت على سر ِ‬ ‫أن ِ‬
‫السر َير الذي عليه ُي َ‬
‫يره‪ ،‬أو ّ‬ ‫المي َ‬
‫تكون ّ‬
‫ُ‬ ‫الجنازةَ قد‬ ‫تقدم ّ‬
‫مما ّ‬‫والمستصفَى ّ‬
‫اليوم تد ّل على‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫المعجمات العر ّبيةُ بمطابقة لداللة اليوم؛ إذ ّإنها َ‬
‫ُ‬ ‫الداللةُ التي أثبتتها‬
‫وليست تلكم ّ‬
‫ت‬‫المي َ‬ ‫ِ‬ ‫المشيعين‪ ،‬ولسنا في ُعرِفنا اللّ ِّ‬ ‫ونعشه وجم ِ‬ ‫ِ‬ ‫المي ِت‬
‫نسمي ّ‬ ‫فلسطين ّ‬
‫َ‬ ‫المعاصر في‬ ‫غوي‬ ‫ّ‬ ‫هور‬ ‫ّ‬
‫أن هذا‬
‫ويظهر ثانيةً وثالثةً ورابعةً ّ‬ ‫تقدم‪،‬‬
‫مما ّ‬ ‫جنازةً‪ ،‬ال وال سريره كذلك‪ ،‬بل الجنازةُ ٌّ‬
‫ُ‬ ‫ك ّ‬‫كل مشتر ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مقصد‬ ‫صدين‪:‬‬
‫باين في المق َ‬ ‫المتقادم‪ ،‬و ِمن هنا وجب التّنبيهُ على التّ ِ‬ ‫الحادث ليس هو‬
‫َ‬ ‫المعنى‬
‫َ‬
‫ق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومقصد الالّح ِ‬ ‫السابق‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جنب"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "جنب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬مادة "جنب"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جنب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.303/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،306/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جنز"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جنز"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "جنز"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جنز"‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫اإلجهاض‪:‬‬
‫ْ‬ ‫‪‬‬
‫ـدت‬
‫ـان وج ُ‬ ‫ـدت إلـى اللّس ِ‬ ‫ـقاط الجنـين‪ ،‬ولمـا ع ُ‬ ‫ـقاط؛ إس ِ‬‫األيام بمعنـى اإلس ِ‬ ‫ِ‬ ‫يشيعُ هذا اللّفظُ في هذه‬
‫جهاض ـا‪ ،‬وهــي‬
‫ً‬ ‫الناقــة إِ‬
‫َجهَضــت ّ‬ ‫الناق ـةُ ولـ َـدها لغيـ ِـر تمـ ٍـام‪ ،‬وقــد جــاء فيــه‪ " :‬أ ْ‬
‫ـي ّ‬‫أن تُلقـ َ‬
‫ـاض هــو ْ‬
‫أن اإلجهـ َ‬ ‫ّ‬
‫أن هــذه‬‫ـف ّ‬
‫‪1‬‬
‫خاص ـةً‪ ,) ("...‬والطّريـ ُ‬‫ّ‬ ‫للناقـ ِـة‬
‫ي‪ :‬يقــا ُل ذلــك ّ‬ ‫ٍ‬
‫ُم ْج ِه ـض‪ :‬ألقــت ولـ َـدها لغيـ ِـر تمــام‪ ،‬وقــال األزهــر ّ‬
‫الناق ِـة‪ ،‬والحاصـ ُل‬‫اإلخبار عـن ّ‬‫ِ‬ ‫الداللةَ ال تُستعم ُل اليوم إال للمرِأة‪ ،‬وال تُستعم ُل – فيما أعلمه– في ِ‬
‫مقام‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مضمار اقترانِهـا‬
‫ِ‬ ‫ان إلى‬ ‫ضمار اقترانِها بالحيو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكلمة ِمن ِم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انتقال دائ ِرة‬ ‫داللياً وقع فأفضى إلى‬ ‫تطوًار ّ‬‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫باإلنسان‪.‬‬

‫‪ ‬الجيل‪:‬‬
‫إن ما ورد في ِ‬
‫كالم‬ ‫ِ‬
‫داللة الالّح ِ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫ظاهرا؛ إذ ّ‬
‫ً‬ ‫ق افتراقاً‬ ‫تفترق عن‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ولهذه الكلمة داللةٌ عند ّ‬
‫العرب جي ٌل‪،‬‬ ‫الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ق يشير إلى ّأنها تعني َّ‬ ‫الساب ِ‬
‫ين جي ٌل‪ ،‬و ُ‬ ‫الص ُ‬
‫ك جي ٌل‪ ،‬و ّ‬ ‫اس‪ ،‬فالتّر ُ‬ ‫صنف من ّ‬ ‫كل‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫األمة( )‪ ،‬وبهذه المعاني‬ ‫ٍ‬ ‫إن ك ّل ٍ‬ ‫‪2‬‬
‫الجيل ّ‬‫َ‬ ‫إن‬
‫يختصون بلغة جي ٌل‪ ،‬وقيل ّ‬ ‫ّ‬ ‫قوم‬ ‫وم جي ٌل( )‪ ،‬وقيل ّ‬‫الر ُ‬
‫وّ‬
‫دقيق‬ ‫‪4‬‬
‫أخبث منكم"( )‪ ،‬ولع ّل التّ َ‬‫َ‬ ‫جيل كان‬ ‫معاذ‪" :‬ما أعلم ِمن ٍ‬ ‫بن ٍ‬ ‫سعد ِ‬‫حديث ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫األثير‬ ‫ابن‬
‫فسر ُ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫زمني‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معيار‬ ‫ِ‬
‫وتقييده على‬ ‫الجيل الحادثةَ قائمةٌ في ضبط معناها‬ ‫ِ‬ ‫بأن داللةَ‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬ ‫يفضي إلى االعتقاد ّ‬
‫ابن‬ ‫ٍ‬
‫بجالء عند ِ‬ ‫تبدى هذا‬‫مكاني‪ ،‬وقد ّ‬ ‫قي أو‬ ‫غابر ِ‬‫كانت في ِ‬
‫ٌّ‬ ‫معيار عر ّ‬
‫ٌ‬ ‫يغلب عليها‬ ‫ُ‬ ‫عهدها‬ ‫ْ‬ ‫ولعلّها‬
‫عنده ِمن ّ‬
‫ي في قوِله‪َ " :‬‬ ‫فارس في إشارتِه إلى قوم "جيل" إخو ِ‬ ‫ٍ‬
‫‪5‬‬
‫الناس أجيا ٌل؛‬ ‫الزمخشر ِّ‬ ‫الديلم( )‪ ،‬و ّ‬
‫ان ّ‬
‫المتقدِم آنفًا‪ ،‬وليس‬
‫ّ‬ ‫منظور في ِ‬
‫كالمه‬ ‫ٍ‬ ‫أي أصناف‪ :‬جي ٌل ِمن التّرك‪ ،‬وجي ٌل من َ‬
‫الخ َزر"(‪ ،)6‬و ِ‬
‫ابن‬
‫ِ‬
‫المعاصر‬ ‫ين كذلك‪ ،‬بل تناهى إلى ُعرِفنا اللّ ِّ‬
‫غوي‬ ‫الص َ‬
‫ك جيالً‪ ،‬ال‪ ،‬وال ّ‬‫يعرف التّر َ‬
‫ُ‬ ‫ق َمن‬‫في الالّح ِ‬
‫بت أعما ُرهم فصاروا أترًابا أو كادوا‪،‬‬‫اس الذين تقار ْ‬ ‫الجيل الجماعةُ ِمن ّ‬
‫الن ِ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِْ‬
‫المستحكم ّ‬ ‫وا ِلفنا‬
‫الجيل‪.‬‬
‫َ‬ ‫نطلق عليهم‬
‫ُ‬ ‫وصرنا‬

‫‪ ‬اإلحباط‪:‬‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جهض"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر معنى الجيل‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "جيل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جيل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.325/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "جيل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "جيل"‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫المادي إلى‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫الد ِ‬
‫اللة من‬ ‫ِ‬
‫انتقال هذه ِّ‬ ‫قصةٌ طريفةٌ تد ّل على‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫اليوم ّ‬
‫ولهذه الكلمة بمعناها َ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫طوِر الو ِ‬ ‫ِ‬
‫األثير إلى ّ‬ ‫ابن‬
‫اقع فيها‪ ،‬فأشار ُ‬ ‫القدماء إلى ملحظ التّ ّ‬
‫ُ‬ ‫المعنويِّ‪ ،‬وقد التفت اللّغويون‬
‫فتموت(‪ ،)1‬ورأى‬‫َ‬ ‫تنتفخ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األكل حتّى‬ ‫فأفرطت في‬
‫ْ‬ ‫أصابت مرعى‬
‫ْ‬ ‫يكون إذا‬ ‫ُ‬ ‫قولَنا‪َ " :‬حبِطت ّ‬
‫الدابة"‬
‫إن‬ ‫كأل يستوبلُه(‪ ،)2‬وقال الجوهر ُّ‬‫ابن سيده ِمن قبلِه أن "الحبط" وجع يأخ ُذ البعير في بطنِه ِمن ٍ‬
‫ي ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ ََ‬ ‫ُ‬
‫الح َبط" هو‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫تأكل الماشيةُ فتُ ْكثِ َر حتّى‬
‫بطونها‪ ،‬وال يخرُج منها ما فيها( )‪ ،‬و" َ‬
‫ُ‬ ‫تنتفخ لذلك‬
‫َ‬ ‫أن َ‬
‫الح َبط" ْ‬
‫" َ‬
‫اح َبنطأ‬
‫منتفخ الخاصرتَين‪ ،‬و ْ‬
‫َ‬ ‫ص ْيرى إذا كان‬‫وفرس َحبِط القُ َ‬
‫ٌ‬ ‫جلده إذا ورم‪،‬‬ ‫الورم‪ ،‬ومنه قولُنا‪َ :‬حبِط ُ‬
‫ُ‬
‫ألنه كان في ٍ‬
‫سفر فأصابه مث ُل‬ ‫بن مازن؛ ُس ّمي بذلك ّ‬
‫الحرث ُ‬
‫ُ‬ ‫الحبِطُ هو‬
‫بطنه‪ ،‬و َ‬
‫الرج ُل‪ :‬انتفخ ُ‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بطنه ورم من شيء أكله( )‪.‬‬
‫ألن َ‬‫يصيب الماشية‪ ،‬فنسبوا إليه‪ ،‬وقيل ّ‬
‫ُ‬ ‫الح َبط الذي‬
‫َ‬

‫أما قولُنا‪َ " :‬حبِط عملُه‪ ،‬وأحبط اهلل أعمالَهم"‪ ،‬فالمعنى فيها‪ :‬أَبطلها(‪ ،)5‬وهذا يقا ُل لِ َمن عمل‬ ‫ّ‬
‫اليوم حقيقةً ق ّارةً‬
‫َ‬ ‫مجاز‪ ،‬وا ْن كان‬
‫ٌ‬ ‫حادث في أصلِه‬
‫ٌ‬ ‫يب فيه‪ ،‬معنى‬‫ثم أفسده‪ ،‬وهو‪ ،‬ال ر َ‬ ‫عمالً ّ‬
‫ِ‬
‫الحادث‬ ‫ِ‬
‫المتقادم والمعنى‬ ‫الجامع بين المعنى‬ ‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫ي على‬ ‫في ُعرِفنا اللّغويِّ‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫عرج األزهر ّ‬‫وقد ّ‬
‫ِ‬
‫البطن‬ ‫صاحب‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ِ‬
‫البطن‪ّ ،‬‬ ‫وبطالنه مأخوذاً إالّ من َح َب ِط‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫مشير إلى ّأنه ال يرى " َح ْبط‬‫ًا‬
‫حم ُل قولُهم في العر ّبي ِة‬ ‫أويل ْ ِ‬
‫المعجب ُي َ‬
‫ق َي ْح َبط"(‪ ،)6‬وعلى هذا التّ ِ‬‫يهلِك‪ ،‬وكذلك عم ُل المناف ِ‬
‫صحيح ال شيةَ عليه وال شبهةَ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫محاولة االغتيال‪ ،‬والمعنى إبطالُها‪ ،‬وهذا معنى‬ ‫المعاصرِة‪ :‬إحباطُ‬

‫قاش‪:‬‬
‫احتدم ال ّن ُ‬
‫‪ْ ‬‬
‫اللة على‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫مضمار ّ‬ ‫االحتدام هيئتُه االنتقا ُل ِمن‬ ‫اللي الذي اعترى‬
‫َ‬ ‫الد ّ‬‫طوَر ّ‬
‫أن التّ ّ‬ ‫إخا ُل ّ‬
‫الح ْد ُم‪:‬‬ ‫‪7‬‬
‫الحر( )‪ ،‬و َ‬
‫اشتداد ّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المقاييس‬ ‫مادتِها في‬ ‫ِ‬
‫داللة ّ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة على المعنويِّ‪ ،‬فجماعُ‬ ‫ي إلى ّ‬ ‫الماد ِّ‬
‫ّ‬
‫صوت التهابِها‪،‬‬ ‫الن ِار‪:‬‬ ‫بحر ال ّش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وح َدمةُ ّ‬‫الن ِار‪ ،‬ونقو ُل‪َ :‬ح َدمه فاحتدم‪َ ،‬‬
‫مس و ّ‬ ‫شدةُ إحماء ال ّشيء ّ‬ ‫ّ‬
‫‪8‬‬
‫الح َدمةُ سريعةُ الغلي( )‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫در ُ‬ ‫اشتد غلي ُانها‪ ،‬والق ُ‬
‫القدر إذا ّ‬
‫الحر‪ ،‬واحتدمت ُ‬ ‫شديد ّ‬
‫ُ‬ ‫المحتد ُم‪:‬‬ ‫اليوم‬
‫و ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.331/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حبط"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حبط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حبط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حبط"‪ ،‬وانظر حديث الراغب عن داللة الحبط في المفردات‪.120 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حبط"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "حدم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "حدم"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حدم"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬مادة‬
‫"حدم"‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫المتقادم‪ ،‬والثّاني المجاز ِّ‬ ‫فعرج على المعنى‬ ‫ِ‬
‫ياح عن األصل‪ّ ،‬‬ ‫ي إلى االنز ِ‬‫الزمخشر ّ‬
‫وقد التفت ّ‬
‫تقدم(‪ ،)1‬وليس‬‫اب" أصلُهما ما ّ‬ ‫ظا"‪ ،‬و"احتدم ال ّشر ُ‬ ‫صدر ٍ‬
‫فالن غي ً‬ ‫ُ‬ ‫أن قولَنا‪" :‬احتدم‬
‫مشير إلى ّ‬
‫ًا‬
‫تقدم؛ إذ يتعين ِمن داللتِه ما يتعين ِمن اتّ ِ‬
‫قاد‬ ‫بركب ما ّ‬‫ِ‬ ‫يسير‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫قاش" ُ‬‫الن ُ‬
‫أن قولَنا‪" :‬احتدم ّ‬
‫يخفى ّ‬
‫قاش أو الس ِ‬
‫ِّجال‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫ّ‬

‫الحنيف‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫ِ‬
‫بإبهامها‪ ،‬أي‬ ‫احدة ِمنهما على األخرى‬ ‫ف المي ُل في القدمين‪ ،‬وهو أن تُ ْقبِ َل ك ّل و ٍ‬ ‫وأص ُل الح َن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫العقبين( )‪ ،‬وقيل‬ ‫ِ‬ ‫يكون بتداني صد ِ‬ ‫اعوجاج في الر ِ‬
‫القدمين‪ ،‬وتباعد َ‬ ‫َ‬ ‫ور‬ ‫ُ‬ ‫جل إلى داخل‪ ،‬وذلك‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬
‫ف في‬ ‫قيس بذلك لح َن ٍ‬‫ٍ‬ ‫بن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫األحنف ُ‬
‫ُ‬ ‫سمي‬‫ظهرها‪ ،‬وقد ِّ‬ ‫َ‬ ‫بطنها‬
‫يصير ُ‬ ‫َ‬ ‫القدم حتّى‬ ‫انقالب‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫فالحنيف –‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رجلِه(‪ ،)3‬و ِ‬
‫ي لعالقة المشابهة‪َ ،‬‬ ‫قي تخلّق المعنى المجاز ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫الخ‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫الماد‬
‫ّ‬ ‫المعنى‬ ‫هذا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ف عن األديان‪ ،‬أي يمي ُل إلى الحق‪،‬‬ ‫يتحن ُ‬
‫اإلسالمي‪ -‬هو الذي ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الد ِ‬
‫ين‬ ‫الم‪ ،‬أو ّ‬
‫الس ُ‬ ‫اهيم عليه ّ‬ ‫كإبر َ‬
‫ِ‬
‫للمائل‬ ‫الح َنف االستقامةُ‪ ،‬واّنما قيل‬ ‫اهلل‪ ،‬فلم ِ‬‫أمر ِ‬ ‫وقيل هو َمن أسلم في ِ‬
‫إن َ‬ ‫بعضهم‪ّ :‬‬
‫ُ‬ ‫يلتو‪ ،‬وقال‬
‫ِ‬
‫اإلسالم المي ُل إليه‪،‬‬ ‫الحنيفي ِة في‬
‫ّ‬ ‫أن معنى‬ ‫باالستقامة‪ ،‬وقد جاء في التّ ِ‬
‫هذيب ّ‬
‫ِ‬ ‫جل "أحنف" تفاؤالً‬ ‫الر ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫"الميل"‬ ‫أصل‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪4‬‬
‫َ‬ ‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫داللة "الحنيف" فالذي‬ ‫تفسير‬ ‫أي في‬
‫الر ُ‬
‫واإلقامةُ على َعقده( )‪ ،‬وأيًّا كان ّ‬
‫ق‪ ،‬وحسبي بعد‬‫باالشتقا ِ‬‫الماد ِة‬
‫ق ِمن هذه ّ‬ ‫يتخلّ َ‬ ‫أن‬
‫يلم شتات ما يمكن ْ‬ ‫المتقادم الذي ّ‬
‫ُ‬ ‫هو األص ُل‬
‫ثم ُيتّسعُ في‬ ‫ِّ‬ ‫فارس الثّا ِ‬
‫ٍ‬ ‫نظر ِ‬
‫اإللماح إلى ِ‬ ‫المتقدِم‬
‫ِّ‬
‫المادة‪" :‬واألص ُل هذا‪ّ ،‬‬ ‫في هذه‬ ‫قب‬ ‫ابن‬ ‫ُ‬ ‫هذا‬
‫ِ‬
‫تفسيره"(‪.)5‬‬

‫َّ‬
‫المحنك‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ق والالّح ِ‬
‫ق‬ ‫وللساب ِ‬
‫جارب فه ّذبتْه‪ّ ،‬‬‫األمور فراضتْه‪ ،‬وأحكمتْه التّ ُ‬‫ُ‬ ‫عضتْه‬
‫ّ‬ ‫الرج ُل الذي‬
‫ك ّ‬ ‫و َّ‬
‫المحن ُ‬
‫مادة "حنك" وهذه‬‫اللي ِة بين ّ‬‫الد ّ‬
‫ِ‬
‫العالقة ّ‬ ‫تلم ُس‬
‫الخاطر ههنا ّ‬
‫َ‬ ‫عهد بهذا المعنى‪ ،‬والذي يسترعي‬ ‫ٌ‬
‫الفم ِمن داخل‪ ،‬وقيل‬ ‫الد ّاب ِة باطن أعلى ِ‬
‫ُ‬ ‫ك ِمن اإلنسان و ّ‬ ‫فالح َن ُ‬
‫ادةُ‪َ ،‬‬‫الم ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة التي أودع فيها هذه ّ‬
‫ِ‬
‫لإلنسان َح َنكان أحدهما‬ ‫معا يصبح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طرف َّ ِ َّ‬
‫مقدم الل ْحيين من أسفلهما‪ ،‬وبجمعهما ً‬ ‫هو األسف ُل في‬
‫مضمارها الوجهُ الجامعُ‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المذكور آنفًا تبقى المساءلةُ التي‬ ‫سفلي‪ ،‬ومع هذا‬ ‫آخر‬
‫علوي‪ ،‬و ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ابن األثير و ِ‬
‫ابن‬ ‫ي و ِ‬ ‫الزمخشر ِّ‬ ‫الداللي‪ ،‬قائمةً‪ ،‬فاألص ُل في ذلك –كما ورد عند الر ِ‬
‫اغب و ّ‬ ‫ّ‬ ‫طور ّ ّ‬ ‫التّ ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "حدم"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "حنف"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حنف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حنف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "حنف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "حنف"‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫يقوده‬ ‫ِ‬
‫األسفل حبالً ُ‬ ‫منظور والفيروزأبادي‪ّ -‬أنه مستقى ِمن قولِهم‪ :‬ح َنك الفرس إذا جعل في ِ‬
‫حنكه‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ألقيت في ِ‬
‫حنكها حبالً‬ ‫دابتي‪ ،‬أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫ُ‬ ‫احتنكت ّ‬‫ُ‬ ‫العرب‪:‬‬ ‫المضمار قو ُل‬ ‫ومما شاع في هذا‬‫به( )‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫المجاز‪،‬‬ ‫السن‪ِ ،‬من‬ ‫َّ‬
‫المحنك‪ ،‬وحنكتْه ّ‬ ‫عبير اللّغويَّ؛ أعني‬
‫ي هذا التّ َ‬‫الزمخشر ّ‬
‫وقدتُها‪ ،‬وقد جعل ّ‬
‫مجرًبا مذلَّالً"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫بالفرس إذا ُحّنك حتّى عاد َّ‬ ‫فعل‬
‫"فعلت ما ُي َ‬
‫ْ‬ ‫والمعنى‪:‬‬

‫الحنين‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫ان‬
‫فالحن ُ‬
‫ّ‬ ‫هر‪،‬‬‫الد ُ‬
‫تسامح عليه ّ‬ ‫َ‬ ‫المي ِت الذي‬ ‫ِ‬
‫المجاز ّ‬ ‫ِ‬
‫الحنين َوقفةٌ عند‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫تطوِر‬ ‫ِ‬
‫وفي استشراف ّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يجنح في ُعجالة إلى ّ‬ ‫ُ‬ ‫فس‪ ،‬ولع ّل المرَء‬ ‫ق وتََوقان ّ‬ ‫شو ُ‬
‫نين التّ ّ‬‫الح ُ‬‫الرحمة والتعطّف‪ ،‬و َ‬ ‫اهلل ذو ّ‬
‫يخي ٍة‪ ،‬وأص ُل‬ ‫ٍ‬
‫تأصيلية وال تار ّ‬‫ّ‬ ‫في ٍة ال‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أن ذلك كذلك من وجهة وص ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫ق‪ ،‬و ّ‬ ‫ادف لالشتيا ِ‬ ‫الحنين مر ٌ‬
‫َ‬
‫إثر‬ ‫اقة‪ ،‬وهو ترجيع ّ ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناقة صوتَها َ‬ ‫ُ‬ ‫حنين ّ‬ ‫بي– مأخوٌذ من‬ ‫المعجم العر ِّ‬ ‫يظهر في‬
‫ُ‬ ‫ذلك –كما‬
‫اعر‪:‬‬‫العرب‪ ،‬و ِمنه قو ُل ال ّش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أشعار‬ ‫كثير في‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬
‫المتقد َم ٌ‬
‫ّ‬ ‫يعضد هذا‬
‫ُ‬ ‫ومما‬
‫ولدها( )‪ّ ،‬‬
‫بح ترجيعُ ز ِ‬
‫امر‬ ‫الص ِ‬ ‫قَُبيل انعتا ِ‬ ‫ي ْ ِ‬
‫ق ّ‬ ‫نينها‬
‫كأن َح َ‬ ‫احا ّ‬ ‫عارضن ملو ً‬ ‫ُ‬
‫اآلدمي‪ ،‬وهو به شبيهٌ إن لم‬ ‫حنين‬ ‫ولدها‪ -‬جاء‬ ‫اقة صوتَها إثر ِ‬ ‫الن ِ‬
‫ترجيع ّ‬ ‫األصل –أعني‬‫ِ‬ ‫و ِمن هذا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫االشتياق ِمن المتر ِ‬
‫ادفات؛‬ ‫َ‬ ‫الحنين و‬
‫َ‬ ‫يجعل‬
‫ْ‬ ‫ي لم‬ ‫أن العسكر َّ‬ ‫المتقدِم ّ‬
‫ّ‬ ‫طيف في هذا‬ ‫يكن له مماثالً‪ ،‬واللّ ُ‬
‫ِ‬
‫أصل‬ ‫ِ‬
‫اعتبار‬ ‫ف من ِقَبل‬ ‫عر ُ‬
‫فرق ُي َ‬
‫غة‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫البصر باللّ ِ‬
‫ِ‬ ‫داللياً ال يعرفُه إالّ أهل‬‫ذلك ّأنه التمس فرقاً ّ‬
‫ِ‬
‫القائلة‬ ‫فع ال ّش ْب ِ‬
‫هة‬ ‫اللي في ر ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللّفظ في اللّغة وحقيقته فيها‪ ،‬وليس يخفى ّأنه احتكم إلى التّ ّ‬
‫اإلبل تُ ْحِدثُها‬
‫ات ِ‬ ‫صوت ِمن أصو ِ‬‫ٌ‬ ‫غة هو‬‫الحنين في اللّ ِ‬
‫ِ‬ ‫أصل‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ق؛ و"ذلك ّ‬‫الحنين واالشتيا ِ‬
‫ِ‬ ‫بتر ِ‬
‫ادف‬
‫اآلخ ِر‪ ،‬كما يجري‬ ‫احد منهما على َ‬ ‫أج ِري اسم ك ّل و ٍ‬ ‫ِ‬
‫ثم كثر ذلك حتّى ْ َ ُ‬ ‫اشتاقت إلى أوطانها‪ّ ،‬‬‫ْ‬ ‫إذا‬
‫وت قو ُل العرب‪:‬‬ ‫الص ُ‬‫الحنين داللتُه ّ‬ ‫أن‬
‫يسند ّ‬ ‫ومما‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫على ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫السبب"( )‪ّ ،‬‬
‫اسم ّ‬
‫السبب وعلى المسبِّب ُ‬
‫ت إذا‬ ‫يصو ُ‬ ‫هم الذي‬ ‫اإلنباض‪ ،‬ويقال للس ِ‬
‫ِ‬ ‫تحن عند‬
‫حنانة ّ‬
‫وقوس ّ‬ ‫ت‪،‬‬
‫صوت ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫القوس حنيناً إذا ّ‬‫ُ‬ ‫حنت‬‫ّ‬
‫حنان(‪.)5‬‬
‫األصابع ّ‬
‫ِ‬ ‫ُنفِّز بين‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪ ،150 ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "حنك"‪ ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،452/2 ،‬وابن‬
‫منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حنك"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "حنك"‪.‬‬
‫النبت إذا‬
‫َ‬ ‫الم َحنك مأخوذ من قولنا‪ :‬احتنك الجراد‬
‫( ) الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "حنك"‪ ،‬ويرى ابن فارس أن ُ‬
‫‪2‬‬

‫استأصله‪ ،‬انظر ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "حنك"‪.‬‬


‫(‪ )3‬انظر‪ :‬العسكري‪ ،‬الفروق‪ ،39 ،‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،452/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حنن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬العسكري‪ ،‬الفروق‪.39 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "حنن"‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ ‬ال َخ ْبت‪:‬‬
‫إن كلتيهما مجازّيةٌ‪ ،‬وكلتيهما‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وليس ما وقع في هذه ّ ِ‬
‫عما وقع في سابقتها؛ إذ ّ‬ ‫الداللة ببعيد ّ‬
‫أما‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ضرب من‬ ‫المجرِد‪ ،‬وكلتيهما تد ّل على‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫ِ‬
‫المحسوس إلى‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫انتقلت ِمن‬
‫ْ‬
‫اطمأن من‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫األرض واتّسع‪ ،‬وقيل ما‬ ‫اطمأن ِمن‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬وقيل‪ :‬ما‬ ‫ِ‬
‫بطون‬ ‫ت فهو ما اتّسع ِمن‬ ‫الخ ْب ُ‬
‫َ‬
‫المتقدِم‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫االحتماالت‬ ‫أن ك ّل‬ ‫‪1‬‬
‫خرجت ِمنه‬ ‫ِ‬
‫اهر ّ‬
‫أفضيت إلى َس َعة( )‪ ،‬والظّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫األرض وغمض‪ ،‬فإذا ما‬
‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫المادي إلى‬ ‫اللي‬
‫ّ‬ ‫الد ّ‬‫المْل َم ُح ّ‬
‫مطمئنةٌ‪ ،‬وقد انتقل هذا َ‬‫ّ‬ ‫ض‬‫ت أر ٌ‬ ‫الخ ْب َ‬
‫أن َ‬ ‫بيانها تلتقي على ّ‬ ‫ُ‬
‫الد ِ‬
‫عاء‪:‬‬ ‫حديث ّ‬ ‫ِ‬ ‫اطمأن وتواضع‪ ،‬وفي‬ ‫أخبت المرُء إلى ربِّه‪ ،‬والمعنى‬ ‫َ‬ ‫المعنوي‪ ،‬فصرنا نقو ُل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫األرض"(‪، )3‬‬ ‫ِّ‬
‫المطمئن من‬ ‫الخ ْب ِت‬
‫مطيعا( )‪" ،‬وأص ُل ذلك ِمن َ‬
‫‪2‬‬
‫ً‬ ‫خاشعا‬
‫ً‬ ‫"واجعلني لك ُم ْخبِتًا"‪ ،‬أي‬
‫اسمه–‪:‬‬ ‫يز‪ ،‬و ِمن ذلك قولُه – ّ‬ ‫يل العز ِ‬ ‫ثالث مر ٍ‬
‫ات في التّنز ِ‬
‫تقدس ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫الداللةُ الحادثةُ‬‫وردت هذه ّ‬ ‫ْ‬ ‫وقد‬
‫الفراء‪:‬‬
‫عند ّ‬ ‫المتعي ُن ِمنها َ‬‫ّ‬ ‫الحات وأخبتوا إلى رّبهم"‪ ،‬والمعنى‬ ‫"إن الذين آمنوا وعملوا الص ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫استعمال التّليين‬
‫َ‬ ‫اإلخبات‬
‫ُ‬ ‫األصفهاني‪ :‬تواضعوا والنوا؛ إذ ّإنه "استُعمل‬‫ِّ‬ ‫"تخ ّشعوا( )‪ ،‬وعند الر ِ‬
‫اغب‬ ‫‪4‬‬
‫ّ‬
‫اضع"(‪.)5‬‬
‫والتّو ِ‬

‫صلة‪:‬‬
‫‪ ‬ال َخ ْ‬
‫الخ ِ‬
‫صلة‬ ‫اقع بين َ‬ ‫اللي الو ِ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫البون ّ‬ ‫الوقوف عند‬
‫ُ‬ ‫أستفتح به هذه المباحثةَ‬ ‫لع ّل ّأول ما‬
‫ُ‬
‫غلبت‬
‫ْ‬ ‫قد‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وقيل ْ‬ ‫تكون في‬
‫ُ‬ ‫الرذيلةُ‬
‫بالفتح‪ ،‬فمعناها الفضيلةُ و ّ‬
‫ِ‬ ‫أما األولى‪ ،‬وهي‬ ‫الخصلة؛ ّ‬ ‫و ُ‬
‫الخاء فتعني لفيفةً من ال ّش ِ‬
‫عر‬ ‫ِ‬ ‫بضم‬ ‫أما الثّانيةُ التي هي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫وجمعها ِخَصا ٌل‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الفضيلة‪،‬‬ ‫على‬
‫أن هاتين الكلمتَين ليستا‬‫بي ّ‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫للمتدب ِر في‬ ‫يتبدى‬ ‫‪6‬‬
‫صل"( )‪ ،‬والذي ّ‬
‫ّ‬ ‫وجمعها " ُخ َ‬
‫ُ‬ ‫المجتمع‪،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫ويعضد هذا المذهب ما ورد من َش َذرات مبِي ٍ‬
‫نة في‬ ‫صل "القطع"‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الخ ْ‬
‫بأصل‪ ،‬واّنما أص ُل َ‬
‫عم‪ ،‬و ِمن ذلك‪:‬‬‫الز ِ‬
‫بي عن هذا ّ‬ ‫العر ِّ‬
‫صالً‪ :‬قطعه‪.‬‬ ‫يخصله َخ ْ‬
‫ُ‬ ‫صله‬‫َخ َ‬ ‫‪-‬‬
‫البعير‪ :‬قطع له ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫خصَّل‬ ‫‪-‬‬
‫يوف ِ‬
‫وغيرها‪.‬‬ ‫المخصل القطّاع من الس ِ‬ ‫المنجل‪ ،‬و ِ‬‫المخصال‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫خص َل ال ّشيء جعله ِقطَعاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )1‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خبت"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.4/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،4/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خبت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الفراء‪ ،‬معاني القرآن‪.9/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.158 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خصل"‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫أغصانه وش ّذبته‪.‬‬
‫َ‬ ‫جر إذا قطّعت‬
‫خصلت ال ّش َ‬‫‪ّ -‬‬
‫احد يد ّل على القط ِع‬
‫الصاد والالّم أص ٌل و ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الخاء و ّ‬
‫فارس في مقاييسه‪ُ " :‬‬ ‫ابن‬
‫‪ -‬قال ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ‪1‬‬ ‫ِ‬
‫الخصل‬ ‫وصاحب اللّ ِ‬
‫سان‪" :‬وأص ُل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األثير‬ ‫ابن‬
‫والقطعة من ال ّشيء"( )‪ ،‬وقال ُ‬
‫القطعُ"(‪.)2‬‬

‫قف‬
‫أن أ َ‬ ‫اقع في قولِنا " َ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫صلة" ْ‬‫الخ ْ‬ ‫اللي الو ِ‬
‫الد ِّ‬ ‫ويبقى حقّاً عل ّي استكماالً الستشراف التّ ّ‬
‫اللي‪،‬‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫األصل ّ‬ ‫يدور في َفلَ ِك‬ ‫تقدم ِمن ٍ‬
‫بيان ُ‬ ‫ثم مستأنساً فيما ّ‬
‫أن ّ‬
‫أحسب ّ‬
‫بيان‪ ،‬و ُ‬
‫عندها بالتّ ِ‬
‫جلية والتّ ِ‬
‫ٍ‬
‫غصن من‬ ‫قطع‪ ،‬وقد أُطلق على ك ّل‬ ‫وكأنها قطعةٌ ِمن ٍ‬
‫عر لفيفةٌ مجتمعةٌ منه‪ّ ،‬‬ ‫فالخصلةُ من ال ّش ِ‬
‫ُ‬
‫طياتِها معنى القطع‬ ‫الخلق" فتحم ُل في ّ‬‫مضمارها " ُ‬
‫ُ‬ ‫الخصلة التي‬ ‫أما َ‬‫جر ُخصلة‪ّ ،‬‬ ‫أغصان ال ّش ِ‬
‫ِ‬
‫صلة ِمن مجموٍع‪ ،‬وقد جاء‬ ‫ٍ‬
‫ب‪ ،‬وك ّل ُشعبة "قطعة" أو َخ ْ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان ُش َع ٌ‬ ‫فكأن أخالق‬
‫ومجازا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫تشبيهًا‬
‫ق‪ "...‬والمعنى‪ :‬شعبةٌ وجزٌء وحالةٌ ِمن‬ ‫صلةٌ ِمن ّ‬
‫النفا ِ‬ ‫ِ‬
‫في الحديث ال ّشريف‪َ " :‬من كانت فيه َخ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫المجاز(‪،)4‬‬ ‫الرذيلةُ ِمن‬
‫صلة" التي هي الفضيلةُ أو ّ‬ ‫ي "ال َخ ْ‬ ‫حاالت َِه( )‪ ،‬وقد جعل ّ‬
‫الزمخشر ّ‬
‫‪3‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫منظور‪،‬‬ ‫أساسه حقيقةٌ عند ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ي في‬‫الزمخشر ّ‬ ‫المجاز الذي أثبته ّ‬
‫َ‬ ‫أن هذا‬
‫والمفارقةُ اللّطيفةُ ههنا ّ‬
‫مؤخ َرها‬
‫مادتَه ّ‬
‫ي ّ‬ ‫الزمخشر ُّ‬
‫األصلي‪ ،‬وبه اختتم ّ‬
‫ّ‬ ‫مقد َمها على المعنى‬‫مادتَه ّ‬
‫األخير ّ‬
‫ُ‬ ‫وبه استفتح‬
‫ِ‬
‫األصل‪.‬‬ ‫باعتبارها مجا اًز لِقُ ْدمة‬
‫ِ‬

‫‪ ‬ال َخ ْوض‪:‬‬
‫المجرِد‪ ،‬فقد كان‬
‫َّ‬ ‫المعنوي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫المحسوس إلى‬ ‫المادي‬
‫ِّ‬ ‫احت في ِداللتِها عن‬ ‫وهذه كلمةٌ متقادمةٌ انز ْ‬
‫وتخوضه‪:‬‬ ‫يخوضه خوضاً وخياضاً‬ ‫الماء‬ ‫الماء‪ ،‬فيقا ُل‪ :‬خاض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خوض‬ ‫وض مقصو اًر على‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الخ ُ‬
‫َ‬
‫دابتي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أخضت في الماء ّ‬ ‫ُ‬ ‫وركبانا‪ ،‬و‬
‫ً‬ ‫اس فيه مشاةً‬ ‫مشى فيه‪ ،‬والموضعُ‪َ :‬مخاضةٌ‪ ،‬وهي ما جاز ا ّلن ُ‬
‫العبور َِ عليه(‪،)5‬‬
‫ِ‬ ‫عند‬
‫فيخاض َ‬ ‫يتخضخض ماؤه ُ‬
‫ُ‬ ‫الكبير‪ :‬الموضعُ الذي‬‫ِ‬ ‫هر‬ ‫المخاض ِمن ّ‬
‫الن ِ‬ ‫ُ‬ ‫و‬
‫ولكن‬ ‫ِ‬
‫الماء"‪،‬‬ ‫المشي في‬ ‫المحسوس؛ إذ هو "‬ ‫المادي‬ ‫مضماره‬ ‫ٍ‬
‫داللة‬ ‫تقدم ِمن‬
‫أن ما ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وليس يخفى ّ‬
‫ي معنويٍّ‪ ،‬وقد‬ ‫آخر مجاز ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫انتقلت ِمن ذلكم ِ‬
‫المعرِج على أمثلته آنفاً إلى َ‬ ‫َّ‬ ‫ضمار‬ ‫الم‬ ‫ْ‬ ‫الداللةَ‬
‫هذه ّ‬
‫يز‪ ،‬ومنه قولُه –تعالى‪" :-‬فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتّى‬ ‫الداللةُ الحادثةُ في التّنز ِ‬
‫يل العز ِ‬ ‫وردت ّ‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "خصل"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،38/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خصل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،38/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خصل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "خصل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خوض"‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫ض في ِ‬
‫مال اهلل تعالى‪،)2("...‬‬ ‫متخو ٍ‬ ‫رب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫َّ‬ ‫يوعدون"( )‪ ،‬وفي الحديث ال ّشريف‪ّ " :‬‬ ‫يومهم الذي َ‬
‫ُيالقوا َ‬
‫ِ‬
‫األثير‪:‬‬ ‫ابن‬ ‫المجاز(‪ ،)3‬وعن هذه ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األخير ِمن‬ ‫ِ‬
‫الداللة قال ُ‬ ‫َ‬ ‫أساسه هذا‬ ‫ي في‬ ‫الزمخشر ّ‬
‫عد ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫ْ‬
‫ف فيه"(‪،)4‬‬ ‫باألمر والتّصر ِ‬
‫ِ‬ ‫ثم استُعمل في التّ ّلب ِ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫الخ ِ‬
‫ّ‬ ‫المشي في الماء وتحري ُكه‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وض‬ ‫"أص ُل َ‬
‫جاءت داللةُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫األمر‪ ،‬وقد‬ ‫وض‪ :‬اللَّْب ُس في‬
‫الخ ُ‬
‫الكذب والباط ُل‪ ،‬و َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكالم‪ :‬ما فيه‬ ‫وض من‬ ‫الخ ُ‬
‫و َ‬
‫ف‬‫بيانه على المعنى المجازي؛ إذ إن المتعين‪ :‬رب متصر ٍ‬ ‫المتقدِم ُ‬ ‫الحديث ال ّشر ِ‬
‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ض في‬ ‫خو ِ‬
‫ّ‬ ‫َّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التّ ّ‬
‫غير وج ِهه كيف‬ ‫مال اهلل –تعالى‪ -‬ال يرضاه اهلل‪ ،‬وقيل‪ :‬هو التّخليطُ في تحصيلِه من ِ‬ ‫في ِ‬
‫أمكن(‪.)5‬‬

‫دليس‪:‬‬
‫‪ ‬التّ ُ‬
‫س الذي هو الظُّلمة(‪ ،)6‬وقد‬ ‫دليس مأخوٌذ ِمن َّ‬
‫الدلَ ِ‬ ‫أن التّ َ‬ ‫اهر إلى ّ‬ ‫الز ِ‬
‫ي في ّ‬ ‫يذهب ابن األنبار ِّ‬‫ُ‬
‫تر‬‫أحد وجوِهه‪ -‬على َس ٍ‬ ‫الباب فجنح إلى ّأنه يد ّل –في ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجامع‪ ،‬لهذا‬ ‫قد‬ ‫فارس ِ‬
‫الع َ‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬
‫َ‬ ‫استجمع ُ‬
‫ِ‬
‫المدالسة‪:‬‬ ‫أن معنى "‬ ‫وظلمة(‪ ،)7‬فنقول‪ :‬دلس الظّ ِ‬
‫يدالس؛ أي ال يخادعُ‪ ،‬والذي يبدو ّ‬
‫ُ‬ ‫وفالن ال‬
‫ٌ‬ ‫الم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫األصلي‪ ،‬وهو الظّلمةُ‪ ،‬فأصبحنا نسمعُ بالتّ ِ‬
‫دليس في البي ِع‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫متطوٌر من ذاك‬ ‫المخادعةُ" ما هو إالّ‬
‫ّ‬
‫عيب الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عند ِ‬
‫ابن‬ ‫لعة عن المشتري‪ ،‬وهو َ‬ ‫كتمان ِ ّ‬‫ُ‬ ‫البيع فهو‬
‫دليس في ِ‬ ‫أما التّ ُ‬ ‫والحديث ال ّشريف‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫الحديث‬ ‫دليس في‬ ‫ٍ ‪8‬‬
‫إبانة عن عيبِه‪ّ ،‬‬ ‫غير ٍ‬ ‫فارس بيعٌ من ِ‬ ‫ٍ‬
‫أما التّ ُ‬
‫فكأنه خادعه وأتاه به في ظالم( )‪ّ ،‬‬
‫أن المدلِّ َس ال ُي َقبل حديثُه‪ ،‬وهو الذي ال‬ ‫األصل‪ ،‬وصفوةُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف فليس ٍ‬ ‫ال ّشر ِ‬
‫القول فيه ّ‬ ‫ببعيد عن هذا‬
‫حدثه ليوِه َم ّأنه سمعه ِمنه‪ ،‬وقد جعل‬ ‫ممن ّ‬‫ويذكر من هو أعلى ّ‬ ‫ُ‬ ‫يذكر في حديثِه َمن سمعه ِمنه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ي ّإنه مأخوٌذ من‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫باب المجاز( )‪ ،‬وقد قال في وصف المدل ِ‬
‫س األزهر ُّ‬ ‫‪9‬‬ ‫ي هذا المعنى في ِ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫ّ‬
‫األكبر‪ ،‬وقد كان رآه إالّ ّأنه سمع ما أسنده إليه ِمن‬
‫ِ‬ ‫يخ‬
‫ث عن ال ّش ِ‬ ‫ِّ‬
‫المحد ُ‬ ‫ث‬ ‫حد َ‬‫أن ُي ِّ‬ ‫ِ‬
‫الظّلمة‪ ،‬وهو ْ‬
‫غيره ِمن دونِه(‪.)10‬‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬اآلية (المعارج‪.)42 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر الحديث‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.88/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "خوض"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ، 88/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خوض"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.88/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األنباري‪ ،‬الزاهر‪.74/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "دلس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "دلس"‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "دلس"‪.‬‬
‫(‪ )10‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "دلس"‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الدماثة‪:‬‬
‫‪ّ ‬‬
‫الرسول –صلّى اهلل عليه‬ ‫ِ‬
‫الخلق لطيفُه‪ ،‬وقد ورد في صفة ّ‬ ‫سبغ على َمن هو سه ُل ُ‬ ‫وصف ُي َ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫بأصل‬ ‫أن هذا ليس‬ ‫‪1‬‬ ‫ٍ‬ ‫الخل ِ‬
‫الحق ّ‬
‫سهولة( )‪ ،‬و ّ‬ ‫ق في‬ ‫دمث ليس بالجافي‪ ،‬والمعنى ّأنه ّلي ُن ُ‬ ‫وسلّم– ّأنه ٌ‬
‫الرم ُل الذي‬ ‫األصل هو " َّ‬ ‫ِ‬
‫الرخوة‪ ،‬و ّ‬
‫السهلةُ ِّ‬
‫األرض ّ‬ ‫ُ‬ ‫الد ْمث"‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫اللي؛ إذ ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫االستعمال ّ‬ ‫في‬
‫يف ّأنه "مال إلى‬‫حديث شر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫رمل‪ ،‬وفي‬‫المكان اللّّين ذو ٍ‬ ‫ي‪:‬‬ ‫ليس بمتلبٍد(‪ ،)2‬و َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫الدمث عند الجوهر ّ‬ ‫ّ‬
‫تطوًار‬
‫أن ّ‬‫اهر ّ‬ ‫البول‪ ،‬والظّ ُ‬
‫رشاش َ‬
‫ُ‬ ‫األرض فبال فيه‪" ،‬واّنما فعل ذاك لئالّ ير َّ‬
‫تد عليه‬ ‫ِ‬ ‫دم ٍث ِمن‬
‫ْ‬
‫(األرض‬ ‫ِ‬
‫المحسوس‬ ‫ي‬
‫الماد ِّ‬
‫ّ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة على‬ ‫ِ‬
‫ضمار ّ‬ ‫االستعمال ِمن ِم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بانتقال هذا‬ ‫داللياً وقع فأذن‬
‫ّ‬
‫الخلق)‪ ،‬وقد‬
‫المجرد(سهولة ُ‬ ‫المعنوي‬ ‫الد ِ‬
‫اللة على‬ ‫ِ‬
‫مضمار ّ‬ ‫الرمل الذي ليس بمتلبِّد) إلى‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫السهلة و ّ‬
‫ّ‬
‫نسب إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أخر تُ َ‬
‫وعرج على استعماالت َ‬ ‫مجازا‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫األخير‬
‫َ‬ ‫االنتقال‪ ،‬فجعل‬ ‫ي إلى هذا‬ ‫الزمخشر ُّ‬
‫تنبه ّ‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫المجاز‪.‬‬ ‫باب‬
‫الباب؛ أعني َ‬‫هذا ِ‬

‫‪ ‬الد َّمل‪:‬‬
‫فاؤل في تغي ِر ِد ِ‬
‫الالت‬ ‫النفسي والتّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الجانب‬ ‫أثر ر ِ‬
‫عاية‬ ‫الد ّم ِل إلماحةٌ إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة ّ‬ ‫تطوِر‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫وفي ّ‬
‫احد دماميل القُرو ِح‪ ،‬وهو‬ ‫فالد ّم ُل و ُ‬
‫العرب‪ّ ،‬‬‫ِ‬ ‫مستفيض في ِ‬
‫كالم‬ ‫ٌ‬ ‫األلفاظ‪ ،‬وهذا نمطٌ ِمن التّ ِ‬
‫عبير‬ ‫ِ‬
‫التحم وتماثل‪ ،‬والمفارقةُ اللّطيفةُ ّأنه قد َي ِرد‬ ‫ولكننا نقو ُل‪ :‬اندمل الجرح‪ِ َ ،‬‬
‫ودمل إذا برئ و َ‬ ‫ُ‬ ‫الخ َراج‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫رجيع ِمن‬ ‫ٍ‬ ‫أن هذه الكلمةَ اجتمع فيها نقيضان‪ ،‬ولع ّل هذا يفضي إلى‬ ‫يظن ّ‬ ‫ارد على المرِء إذ ّ‬ ‫و ٌ‬
‫فاد ر ِ‬
‫عاية‬ ‫ماثل؟ لع ّل استر َ‬‫االندمال والتّ ِ‬
‫ِ‬ ‫بالبرِء و‬ ‫مقترٌن بالقر ِ‬
‫آلد ّم ُل ِ‬
‫دب ِر‪ّ :‬‬ ‫التّ ْس ِ‬
‫الخراج‪ ،‬أم ُ‬ ‫حة و ُ‬ ‫آل والتّ ّ‬
‫االندمال ما هي‪ ،‬فهذا‬ ‫ِ‬ ‫البرء و‬ ‫فسي يؤِذن برف ِع هذه ال ّش ِ‬ ‫ِ‬
‫ألنها إلى ُ‬‫بهة‪ ،‬فقد قيل له " ُد َّمل" ّ‬ ‫الن ِّ ُ ْ‬ ‫الجانب ّ‬
‫فر ذاهبةً‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االندمال(‪ ،)3‬ومث ُل هذا‬ ‫باب التّ ِ‬ ‫إذاً من ِ‬
‫للرفقة في ّ‬ ‫المخوض فيه قولُنا ّ‬ ‫الح و‬
‫بالص ِ‬
‫ّ‬ ‫فاؤل‬
‫ك‬‫القفول‪ ،‬ومثل تَْينِ َ‬
‫َ‬ ‫ييس َر اهلل لها‬
‫بأن ّ‬ ‫فاؤل ْ‬ ‫باب التّ ِ‬‫كانت أو راجعةً قافلة‪ ،‬وهذا ّإنما هو من ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قاطعها‬
‫ُ‬ ‫ينجو‬
‫بأن َ‬ ‫الم ْهلَكة مفازةٌ تفاؤالً ْ‬
‫وللصحراء و َ‬ ‫ّ‬ ‫ليم‪،‬‬ ‫الد ّم ِل والقافلة‪ ،‬قولُهم للّديغ ّ‬
‫الس ُ‬ ‫الكلمتين؛ ّ‬
‫ِ‬
‫باجتيازها(‪.)4‬‬ ‫الفوز‬
‫ليكون حظّه َ‬ ‫َ‬ ‫ِمن مجاهلِها‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،132/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "دمث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،438/1 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،132/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "دمث"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "دمل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر بعض هذه األمثلة عند السيوطي‪ ،‬المزهر‪.393/1 ،‬‬

‫‪88‬‬
‫داهنة‪:‬‬
‫الم َ‬
‫‪ُ ‬‬
‫ليين في‬ ‫ِ‬
‫الكالم والتّ ِ‬ ‫المصانعة والمقار ِ‬
‫بة في‬ ‫المواربة و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يقترب من معنى ُ‬ ‫ُ‬ ‫وللمداهنة معنى‬
‫هن‬ ‫ِ‬
‫داللة ُّ‬
‫الد ِ‬ ‫يج على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أصل‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫القول َِ( )‪ ،‬ولع ّل هذه ّ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫القول التّعر ُ‬ ‫فضول‬ ‫فمن‬ ‫الداللةَ فرعٌ عن‬
‫ي إلى‬ ‫الماد ِّ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة على‬ ‫ِ‬
‫ضمار ّ‬ ‫طوِر هو االنتقا ُل ِمن ِم‬ ‫الد ِ‬
‫و ِّ‬
‫ّ‬ ‫شكل هذا التّ ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يظهر ّ‬‫ُ‬ ‫هان‪ ،‬والذي‬
‫ِ‬
‫المجاز‪،‬‬ ‫بيانه ِمن‬
‫المتقدِم ُ‬
‫ّ‬ ‫ي المداهنةَ بالمعنى‬ ‫الزمخشر ُّ‬‫نوي‪ ،‬وقد جعل ّ‬ ‫الداللة على المع ّ‬
‫مضمار ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫حركات‬ ‫بأعذار أو أقو ٍ‬
‫ال أو‬ ‫ٍ‬ ‫فيتمس ُح‬ ‫المالينةَ والمقاربةَ‪،‬‬ ‫وحق له ذلك(‪،)2‬‬
‫ّ‬ ‫يتصنعُ ُ‬
‫ّ‬ ‫وكأن فاعلَها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذميم ممجوٌج‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تو ِمئ بلطافتِه‬
‫خلق ٌ‬ ‫ظهر‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫خالف ما ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫يضمر‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫مأخذه‪ ،‬وهو بذاك ْ‬ ‫وسهولة‬
‫سحب على‬ ‫ِ‬ ‫الفلسطيني ِة‬
‫مأثور لفظه هو‪"َ :‬ي ُ‬ ‫ُ‬ ‫اصطالحي‬
‫ٌّ‬ ‫تعبير‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫عامّيتنا‬
‫أن مرادفَه في ّ‬ ‫أحسب ّ‬
‫و ُ‬
‫الناعم"‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ ‬الذ ّرّية‪:‬‬
‫ليست مهموزةً‪ ،‬وا ْن‬
‫ْ‬ ‫بالهمز ِمن "ذرأ"‪ ،‬وقيل‬
‫ِ‬ ‫أصل ال ّذ ّرّي ِة‪ ،‬فقيل هي‬
‫ِ‬ ‫القول على‬ ‫وقد تباين وجهُ ِ‬
‫نثره على‬ ‫فمادتُها المؤلِّفةُ "ذرر"‪ ،‬وجماعُ معناها األخ ُذ بأطر ِ‬ ‫غير مهمو ٍزة ّ‬
‫ثم ُ‬
‫األصابع ّ‬
‫ِ‬ ‫اف‬ ‫كانت َ‬ ‫ْ‬
‫اإلنسان من ٍ‬
‫ذكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لنسل‬ ‫‪3‬‬ ‫ال ّش ِ‬
‫اسم جامعٌ‬
‫أما ال ّذ ّرّيةُ فهي ٌ‬
‫اء إذا نثرتُه( )‪ّ ،‬‬
‫الدو َ‬
‫الحب و ّ‬
‫ّ‬ ‫وذررت‬
‫ُ‬ ‫يء‪،‬‬
‫غير مهموزٍة(‪ ،)4‬وقد اختُلِف في نسبتِها‬ ‫تشع إالّ َ‬
‫فلم ْ‬ ‫ولكنهم خفّفوه ْ‬ ‫الهمز‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫إن أصلَه‬
‫وأنثى‪ ،‬وقيل ّ‬
‫األصل مأخوٌذ من قولِنا‪:‬‬ ‫إن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الصغار‪ ،‬وقيل ّ‬‫النم ُل ّ‬ ‫ومأخذها‪ ،‬فقيل ّإنها منسوبةٌ إلى ال ّذ ّر الذي هو ّ‬
‫أن اهلل‬
‫يق؛ ذلك ّ‬‫المتقادم التّفر َ‬ ‫يكون األص ُل‬
‫ُ‬ ‫األرض‪ ،‬والمعنى َن َش َرهم‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫ِ‬ ‫الخلق في‬
‫َ‬ ‫ذر اهللُ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫‪5‬‬
‫ِ‬
‫األرض( )‪.‬‬ ‫ذرهم في‬‫–تعالى‪ّ -‬‬

‫‪َّ ‬‬
‫الذكاء‪:‬‬
‫ِ‬
‫القول‬ ‫بدهي‬
‫ِّ‬ ‫القدماء‪ ،‬ولع ّل ِمن‬
‫ُ‬ ‫داللي هيئتُه انتقا ٌل التفت إليه‬
‫ّ‬ ‫تطوٌر‬
‫وقد اعترى هذه الكلمةَ ّ‬
‫بأصل في‬‫ٍ‬ ‫أن هذا المعنى ليس‬ ‫فت للخاطر ّ‬ ‫وحدةَ الفؤ ِاد‪ ،‬والالّ ُ‬
‫ادف الفطنةَ ّ‬‫أن ال ّذكاء ير ُ‬
‫اإلشارةَ إلى ّ‬
‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫انتقال هذه ّ‬ ‫ناموس الم ِ‬
‫جاز إلى‬ ‫ُ‬ ‫يقترن‪ ،‬وقد أفضى‬ ‫ُ‬ ‫بالن ِار‬
‫آخر ّ‬
‫ق من َ‬
‫اللّغة؛ إذ ّإنه متخلِّ ٌ ِ‬
‫الن ُار‬ ‫ِ‬
‫العرب‪" :‬قد َذ َكت ّ‬ ‫ي‪ -‬مستقى ِمن ِ‬
‫قول‬ ‫ابن األنبار ّ‬
‫يقرره ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مضمار‪ ،‬فاألص ُل –كما ّ‬ ‫مضمار إلى‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "دهن"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "دهن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ذرر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.157/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،157/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ذرر"‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫النار(‪ ،)2‬وقد‬ ‫وقودها"( )‪ ،‬و ِمنه قيل‪ٌ :‬‬
‫‪1‬‬
‫هج ّ‬ ‫شدة َو ِ‬ ‫كاء‪ّ :‬‬ ‫اشتعلت‪ ،‬وال ّذ ُ‬
‫ْ‬ ‫لهبها و‬
‫اشتد ُ‬
‫ذكيةٌ إذا ّ‬ ‫نار ّ‬ ‫تم ُ‬ ‫إذا ّ‬
‫ِ‬ ‫مس ُذكاء ّ ِ‬
‫جب حقًّا ّ‬ ‫قيل لل ّش ِ‬
‫‪3‬‬
‫أساسه قد جعل قولَنا‪:‬‬ ‫ي في‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫الم ْع ُ‬
‫ضوئها( )‪ ،‬و ُ‬ ‫ألنه من َ‬
‫الدا ّل على التّوقِّد‬
‫المتقادم ّ‬
‫َ‬ ‫األصل‬
‫َ‬ ‫المجاز(‪ ،)4‬ولعلّه بهذا استرفد‬ ‫ِ‬ ‫ينتسب إلى‬
‫ُ‬ ‫مما‬
‫ذكاء" ّ‬‫ٌ‬ ‫"فيه‬
‫كي بالمتوقِّد‪ ،‬بل‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ننعت‬
‫ُ‬ ‫ننعت الفَط َن ال ّذ ّ‬ ‫المخوض فيه ّأننا ما زلنا‬
‫َ‬ ‫يسند هذا‬
‫ومما ُ‬ ‫الن ِار‪ّ ،‬‬‫اشتعال ّ‬ ‫و‬
‫ِ‬ ‫نفسه بالتّوقِّد‪ ،‬فنقول‪ٌ :‬‬
‫ملمحا‬
‫ً‬ ‫ثم‬ ‫يظهر من هذا كلِّه ّ‬
‫أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫وذكاء متوقّ ٌد‪ ،‬والذي‬
‫ٌ‬ ‫فالن متوقّ ٌد‪،‬‬ ‫كاء َ‬‫ال ّذ َ‬
‫الن ِار في‬ ‫ِ‬
‫اشتعال ّ‬ ‫مام؛ ِ‬
‫تمام‬ ‫دال على التّوقِّد والتّ ِ‬‫الحادث؛ فكالهما ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم و‬ ‫جامعا بين ال ّذ ِ‬
‫كاء‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫الحادث‪.‬‬ ‫وحد ِة الفؤ ِاد في المعنى‬ ‫ِ‬
‫الفطنة ّ‬ ‫المتقادم‪ ،‬وتم ِام‬
‫ِ‬ ‫المعنى‬

‫‪َّ ‬‬
‫الذ ْوق‪:‬‬
‫المجرِد‪ ،‬فال ّذ ُ‬
‫وق‬ ‫ّ‬ ‫المعنوي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫المحسوس إلى‬ ‫المادي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫فانتقلت ِمن‬
‫ْ‬ ‫رت داللتُه‬‫تطو ْ‬
‫مما ّ‬ ‫وهذا ّ‬
‫الفم(‪ ،)5‬وأراني ألفي هذا‬ ‫وبغير ِ‬‫ِ‬ ‫وق يكون ِ‬
‫بالفم‬ ‫إن ال ّذ َ‬ ‫و َّ‬
‫ُ‬ ‫ابي ّ‬
‫ابن األعر ّ‬ ‫عم‪،‬وقد قال ُ‬ ‫ذاق الطّ ُ‬
‫الم ُ‬ ‫اق و َ‬‫الذو ُ‬
‫يستقيم في ال ّذهن‬ ‫المتقادم فليس ذلك كذلك؛ إذ ّإنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ِ‬
‫باعتبار‬ ‫أما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫باعتبار الحال‪ّ ،‬‬ ‫صحيحاً‬
‫الفم‪ ،‬وصار لدينا ُخلُق‬ ‫بغير ِ‬ ‫رت‪ ،‬فصار ِ‬ ‫وتطو ْ‬ ‫الداللةُ‬
‫انتقلت هذه ّ‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫أن يقال ّإنه كان بالفم ّأوالً‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬
‫البالغي ِة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المصطلحات‬ ‫ينتسب إلى‬‫ُ‬ ‫أسه‬ ‫وق‪ ،‬ولعلّه مما َغدا مصطلحاً قائماً بر ِ‬
‫ّ‬ ‫الذ ُ‬ ‫حميد اسمه َّ‬
‫ٌ ُ‬
‫عر إذا‬‫ق لل ّش ِ‬ ‫حسن ال ّذو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ذقت فالناً ووزنتُه وكلتُه‪ ،‬وهو‬ ‫ي قولُهم‪ُ :‬‬ ‫الزمخشر ِّ‬ ‫عند ّ‬ ‫ِ‬
‫المجاز َ‬ ‫جاء في ِ‬
‫باب‬
‫لما رأى حمزةَ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪6‬‬
‫سفيان ّ‬
‫َ‬ ‫ي قو ُل أبي‬ ‫ق بالمعنى المجاز ِّ‬ ‫ومما ورد من كالم ّ‬ ‫كان مطبوعاً عليه( )‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ولطف‬ ‫وي ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ّ‬ ‫بكثير من ّ‬ ‫األثير‬ ‫ابن‬
‫طعم مخالفتك لنا‪ ،‬وقد التفت ُ‬ ‫مقتوالً‪ُ " :‬ذ ْق ُعقَق"؛ أي ُذ ْق َ‬
‫الكلمة في ذلكم‬ ‫ِ‬ ‫المعنوي في هذه‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫المادي إلى‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫انتقال ّ‬ ‫ِ‬
‫ملحظ‬ ‫ظر إلى‬ ‫الن ِ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫مما يتعلّق‬ ‫ق – وهو ّ‬ ‫أن ُيستعمل ال ّذ ْو ُ‬ ‫ِ‬
‫المجاز ْ‬ ‫سفيان‪ ،‬فقال‪" :‬وهذا ِمن‬ ‫َ‬ ‫ق كالم أبي‬ ‫ق؛ سيا ِ‬ ‫السيا ِ‬
‫ّ‬
‫وبال ِ‬
‫أمرهم"‬ ‫يم‪ ،‬وقوله‪" :‬فذاقوا َ‬ ‫باألجسام– في المعاني‪ ،‬كقولِه –تعالى‪ْ " :-‬‬ ‫ِ‬
‫ذق ّإنك أنت العز ُيز الكر ُ‬
‫"(‪.)7‬‬

‫‪ ‬الرسوب‪:‬‬

‫(‪ )1‬ابن األنباري‪ ،‬الزاهر‪.365/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،165/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ذكو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "ذكو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "ذكو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ذوق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "ذوق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،172/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ذوق"‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ِ‬
‫الماء ُس ْفالً‪،‬‬ ‫هاب في‬ ‫ق والالّح ِ‬ ‫الساب ِ‬ ‫جلي بين الر ِ‬
‫ق‪ ،‬فاألص ُل فيه ال ّذ ُ‬ ‫عند ّ‬ ‫سوب َ‬ ‫ّ‬ ‫وثَّم َمشبهٌ ٌّ‬
‫سوبا‪ :‬ذهب فيه ُس ْفال( )‪ ،‬وقد استُ ْع ِملت هذه الكلمةُ استعماالً‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫يء في الماء ُر ً‬ ‫فنقو ُل‪َ :‬ر َسب ال ّش ُ‬
‫سيف‬
‫الوليد –رضي اهلل عنه– ٌ‬ ‫ِ‬ ‫بن‬ ‫ِ‬
‫ولخالد ِ‬ ‫سوب إذا كان يغيب في الضر ِ‬
‫يبة‪،‬‬ ‫سيف َر ٌ‬ ‫مجازيًّا فقيل‪ٌ :‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عرج‬‫المجاز الذي ّ‬‫ِ‬ ‫المتقدم كلُّه ِمن‬
‫ّ‬ ‫ثابت‪ ،‬وهذا‬
‫اسب ٌ‬ ‫ورسبت عيناه‪ :‬غارتا‪ ،‬وحب ٌل ر ٌ‬ ‫ْ‬ ‫سبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سماه م ْر ً‬
‫ّ‬
‫ِ ‪2‬‬
‫زماننا ألضاف‬ ‫مقترن بالماء( )‪ ،‬ولو ّأنه أدرك َ‬ ‫ٌ‬ ‫سوب في أصلِه‬ ‫الر َ‬
‫بأن ُّ‬ ‫ًّ‬
‫معتدا ّ‬ ‫ي‪،‬‬
‫الزمخشر ّ‬ ‫عليه ّ‬
‫غدت‬
‫ْ‬ ‫ات التي‬‫قائمة تلكم المجاز ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االنتخابات‪ ،‬إلى‬ ‫ِ‬
‫االمتحان أو‬ ‫المعاصر‪ :‬رسب في‬ ‫غوي‬
‫قولَنا اللّ َّ‬
‫َ‬
‫غوي المعاصر َب ْع ًدا‪.‬‬ ‫أساسه قَ ْبالً‪ ،‬وفي إِْل ِفنا اللّ ِّ‬
‫مستحكما في ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫أصالً‬

‫شوة‪:‬‬
‫الر َُ َِ ْ‬
‫‪َّ ‬‬
‫ِ‬
‫الحاجة‬ ‫صلةٌ إلى‬ ‫ِ‬ ‫شيء‪ ،‬وهي عند ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األثير‪ُ :‬و ْ‬ ‫ابن‬ ‫حاجة أو‬ ‫توصالً إلى‬
‫ّ‬ ‫ُج ْع ٌل يعطَى محاباةً‬
‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬‫تحو ِل هذه ّ‬ ‫كيفيةُ ّ‬‫اإلعجاب‪ ،‬هو ّ‬ ‫ِ‬ ‫العجب‪ ،‬بل على‬ ‫ِ‬ ‫الباعث على‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالمصانعة(‪ ،)3‬و‬
‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫قار في ّ‬ ‫الجامع ظ ّل مركو اًز ّاً‬ ‫االشتقاقي‬ ‫فإن المعنى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫مضمار‪ ،‬وهذا إذ حدث ّ‬ ‫مضمار إلى‬
‫الد َلو‪ :‬إذا جعل‬ ‫الرشاء" الذي هو الحب ُل‪ ،‬فنقول‪ :‬أرشى ّ‬ ‫فالرشوة مأخوذةٌ في أصلِها ِمن " ِّ‬ ‫ِ‬
‫الحادثة‪ِّ ،‬‬
‫اليقطين‪ :‬خيوطُه‪ ،‬وقد‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحنظل و‬ ‫شبيه‪ْ " :‬أرِش َية"‬
‫وجه التّجوِز والتّ ِ‬
‫ّ‬
‫رسنا‪ ،‬ومنه على ِ‬ ‫رشاء‪ ،‬أي ً‬ ‫ً‬ ‫لها‬
‫المادي‬
‫ِّ‬ ‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر هو انتقا ُل هذه ّ‬ ‫طيف في هذا‬ ‫‪4‬‬
‫أغصانها( )‪ ،‬واللّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫امتد ْ‬
‫أ َْر َشت ال ّشجرةُ إذا ّ‬
‫فالرشوة –وهي‬ ‫اللة العر ّبي ِة‪ِّ ،‬‬
‫الد ِ‬
‫األثر في ّ‬ ‫الفعل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناموس ناف ُذ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫المشابهة‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫لعالقة‬ ‫المعنوي‬
‫ِّ‬ ‫إلى‬
‫ِ‬
‫الماء كما‬ ‫بالرشاء(الحبل) الذي ُيتوصَّل به إلى‬ ‫ص ِّورت ِّ‬ ‫مستقبحةٌ لُ ِعن‬
‫أقطابها الثّالثة– ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فعلةٌ‬
‫ِ ‪5‬‬ ‫ِ‬
‫طوِر‬
‫إن األص َل–وهذا ال ينفي ملحظَ التّ ّ‬ ‫بالرشوِة إلى ما ُيطلَب من األشياء( )‪ .‬وقيل ّ‬ ‫ُيتوصَّل ِّ‬
‫أمه لتزقَّه(‪ ،)6‬ولعلّني‬ ‫أسه إلى ِّ‬ ‫اللة البتّةَ‪ -‬مستقى ِمن‪ :‬أرشى الفرُخ إذا ّ‬
‫مد ر َ‬
‫الد ِ‬ ‫اقع في هذه ّ‬ ‫الو ِ‬
‫ِ‬
‫المتقادِم‪.‬‬ ‫االشتقاقي‪ ،‬وا ٍ‬
‫بانة عن المعنى‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫باألصل‬ ‫أغلّب المذهب األول لما فيه من لُ ْح ٍ‬
‫مة‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬
‫المتقادِم؛‬ ‫الحادث على‬ ‫قدموا المعنى‬
‫القدماء قد ّ‬ ‫المعجميين‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫للخاطر ثانيةً وثالثةً ّ‬ ‫فت‬
‫والالّ ُ‬
‫ي‬
‫الزمخشر ّ‬ ‫قدمه ّ‬ ‫ٍ‬
‫أصل‪ ،‬وقد تجلّى هذا إ ْذ ّ‬ ‫أن كان فرًعا مستقى من‬‫بعد ْ‬
‫إذ ّإنه غدا أصالً عريضاً َ‬
‫غدت‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫االستعمال‪ ،‬فقد‬ ‫مجاز وما هو أص ٌل في‬
‫بون بين ما هو ٌ‬ ‫ِ‬
‫إقامة ٍ‬ ‫ِ‬
‫ملحظ‬ ‫أساسه ِ‬
‫القائم على‬ ‫في ِ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رسب"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "رسب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.226/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رشا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،226/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رشا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رشا"‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫عنده في هذه ّ ِ‬
‫الداللة فهو تشبيهُ‬ ‫المجاز َ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫مجاز فيها‪ ،‬و ّ‬
‫َ‬ ‫مقد ًما ال‬
‫الرشوةُ أصالً عريضاً ّ‬
‫عنده ِّ‬
‫َ‬
‫ألفاظ العر ّبي ِة َّ‬
‫معمرةٌ‬ ‫كثير ِمن ِ‬
‫أن ًا‬‫مرده إلى ّ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫األرشية( )‪ ،‬ك ّل هذا ُّ‬ ‫يور البِطّيخ ب‬
‫وس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغصان الحنظل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫المجاز قد يغدو حقيقةً‪ ،‬والحقيقةَ قد تغدو‬
‫َ‬ ‫طوِر‪ ،‬و ّ‬
‫أن‬ ‫متداولةٌ‪ ،‬و ّأنها في حركة دائمة التّوثّب والتّ ّ‬
‫مجاز !‪.‬‬
‫ًا‬

‫‪ ‬الرفات‪:‬‬
‫الماد ِة‬
‫جماع معنى هذه ّ‬‫َ‬ ‫أن‬ ‫تخصيص ّ ِ‬
‫الداللة"؛ ذلك ّ‬ ‫ِ‬ ‫عارض "‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكلمة يتجلّى‬ ‫تطوِر هذه‬
‫وفي ّ‬
‫يء يرفُته ويرِفته فهو ر ٌ‬
‫فات؛ إذا كسره ودقّه‪ ،‬ور ُّ‬ ‫ِ‬
‫‪2‬‬
‫فت‬ ‫ت ال ّش َ‬‫ق( )‪ ،‬فنقو ُل‪َ :‬رفَ َ‬‫الد ّ‬
‫الكسر و ّ‬ ‫يلتقي على‬
‫ليطبخها(‪ ،)3‬والمعنى الجامعُ لهذه‬‫َ‬ ‫كسرها‬
‫الجزور إذا ّ‬ ‫عظام َ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ورفَ َ‬
‫وكس ْرتُه‪َ ،‬‬
‫يء إذا حطَ ْمتُه َ‬ ‫ال ّش َ‬
‫أن‬
‫اهر ّ‬
‫‪4‬‬
‫ولي( )‪ ،‬والظّ ُ‬
‫فت ٍّ‬ ‫احد يد ّل على ٍّ‬ ‫اء أص ٌل و ٌ‬‫الفاء والتّ َ‬
‫الراء و َ‬ ‫أن ّ‬ ‫ابن فار ٍ‬
‫س ّ‬ ‫ِ‬
‫مقاييس ِ‬ ‫المادة في‬
‫ّ‬
‫المي ِت بعد‬ ‫ِ‬
‫جثمان ّ‬ ‫ق بما يبقى ِمن‬ ‫فات ّإنما هو متعلّ ٌ‬‫الر َ‬‫أن ّ‬
‫ِ‬
‫يقر في أذهانهم ّ‬ ‫اليوم ّ‬
‫َ‬ ‫أبناء العر ّبي ِة‬
‫َ‬
‫الحادث ّإنما هو‬ ‫أن هذا المعنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحلّلِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫بمبالغ– ّ‬
‫ٍ‬ ‫ولست‬
‫أحسب – ُ‬ ‫المنثور‪ ،‬و ُ‬ ‫الهباء‬ ‫كالعظم البالي‬
‫الت كثي ٍرة متنو ٍ‬
‫عة‪،‬‬ ‫كانت رحبةً تتّسع لم ْد َخ ٍ‬ ‫الرفات"‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫أن دائرةَ داللة " ّ‬ ‫المتقادم؛ ذلك ّ‬ ‫شطر من المعنى‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫المتقادمة‪:‬‬ ‫عموم داللتِها‬ ‫ويشهد على هذا كلِّه؛ أعني‬ ‫ُ‬
‫َ‬

‫أن‬ ‫يل العز ِ‬ ‫ِ‬


‫الكلمة في موضعيها في التّنز ِ‬ ‫‪ .1‬تعريجةُ الر ِ‬
‫يز‪ ،‬فقد رأى ّ‬ ‫َ‬ ‫اغب على هذه‬ ‫ّ‬
‫وغيره( )‪ .‬وقولُه‪ِ " :‬من التّ ِ‬
‫بن‬ ‫‪5‬‬
‫ِ‬ ‫وتفرق من التّ ِ‬
‫بن‬ ‫تكسر ّ‬
‫فات كالفُتات؛ إذ هو ما ّ‬
‫الر َ‬
‫ّ‬
‫بأن داللةَ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بيانه‪ ،‬وهو القو ُل ّ‬ ‫المتقدم ُ‬
‫ّ‬ ‫المذهب‬
‫َ‬ ‫تعضد‬
‫ُ‬ ‫وغيره" ذو إلماحة فاقعة‬
‫معنوي ٍة كثي ٍرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫عموم يتّسع لم ْد َخ ٍ‬
‫الت‬ ‫ُ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫فات المتقادمةَ كانت رحبةً َ‬‫الر ِ‬
‫ّ‬
‫كل شيء‬ ‫الحطام ِمن ِّ‬ ‫فات " ُ‬ ‫الر َ‬
‫أن ّ‬ ‫سان‪ ،‬فقد ذكر ّ‬ ‫ِ‬
‫صاحب اللّ ِ‬ ‫‪ .2‬ما ورد عند‬
‫المذكور آنفًا بعبارٍة أخرى‬
‫ِ‬ ‫يلح على هذا المعنى‬
‫آخر ّ‬ ‫موضع َ‬ ‫ٍ‬ ‫تكسر"(‪ ،)6‬وفي‬
‫ّ‬
‫‪7‬‬
‫ق ف ُك ّسر"( )‪.‬‬‫فات‪ :‬ك ّل ما ُد ّ‬
‫الر ُ‬
‫مفادها‪" :‬و ّ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "رشا"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رفت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رفت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "رفت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.225،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رفت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رفت"‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫شيء‪ ،‬كالفُ ِ‬
‫ٍ‬ ‫وبلِ َي ِمن ك ّل‬ ‫ِ‬
‫تات‬ ‫تكسر َ‬
‫فات ما ّ‬ ‫للرفات بعبارتِه‪" :‬و ّ‬
‫الر ُ‬ ‫القرطبي ّ‬
‫ِّ‬ ‫تفسير‬
‫ُ‬ ‫‪.3‬‬
‫ِ‬
‫ضاض"(‪.)1‬‬ ‫الر‬ ‫والح ِ‬
‫طام و ُّ‬ ‫ُ‬

‫ق‪،‬‬‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيان ْينبِئ عن‬


‫فضل ٍ‬ ‫المتقدِم‬
‫ِّ‬
‫الرفات في كالم ّ‬ ‫عمومية داللة ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫لع ّل في هذا‬
‫ِ‬
‫المنتس ِب‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫بالحقل ّ‬ ‫تقترن‬ ‫غدت‬
‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ق‪ ،‬و ّأنها في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫كالم الالّح ِ‬ ‫ِ‬
‫وتخصيصها في ِ‬
‫ُ‬
‫تقترن بما يبقى ِمن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحقل "الموت"؛ إذ ّإنها‬ ‫يلحق به‪ ،‬و ّأنها لم تكن مقصورةً على ذلكم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للموت وما‬
‫عظاما ورفاتًا"(‪:)2‬‬ ‫كنا‬
‫اسمه‪" :-‬أإذا ّ‬ ‫المي ِت ِمن فُتات‪ ،‬وقد قال أبو عبيدةَ في ِ‬
‫ً‬ ‫تقدس ُ‬ ‫الحق ‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫قول‬ ‫ّ‬
‫تات(‪.)4‬‬
‫جستاني إلى ّأنها الفُ ُ‬
‫ّ‬ ‫الس‬ ‫‪3‬‬
‫حطاماً( )‪ ،‬وقد ذهب ّ‬

‫‪ ‬التَّْرميج ‪:‬‬
‫السـ ِ‬
‫طور بعــد‬ ‫ـاد ّ‬
‫رميج‪ :‬إفسـ ُ‬ ‫ـان‪ :‬التّـ ُ‬ ‫ـزل أو اإلقالـ ِـة‪ ،‬وقــد جــاء فــي اللّسـ ِ‬
‫دف للعـ ِ‬
‫ـطلح معاصـٌـر مـ ار ٌ‬
‫مصـ ٌ‬
‫أن ُيخطَّـأ هـذا‬ ‫ـح ْ‬ ‫فسد( )‪ ،‬ولـيس يص ّ‬
‫‪5‬‬
‫اب حتّى َ‬ ‫ونحوه‪ُ ،‬يقال‪ :‬رمج ما كتب بالتّر ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫تسويتِها وكتابتِها بالتّر ِ‬
‫اب‬
‫المعني ــين القـ ـ ِ‬
‫ـديم‬ ‫ـمونها وجـ ــه ال ّشـ ـ ِ‬
‫به بـ ــين‬ ‫ـاطر مسـ ــاءلةٌ مض ـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اللّفـ ـظُ بداللت ـ ـه الجدي ــدة‪ ،‬وا ْن اسـ ــترعى الخ ـ َ‬
‫أن إســقاطَ هــذا اسـ ِـم العامـ ِـل‬ ‫وهِم‪ ،‬وهــو ّ‬ ‫ـديث‪ ،‬فــالجواب عــن هــذا حاضـ ٌـر عتيـ ٌـد‪ ،‬ولعلّــه ِم ـن بـ ِ‬
‫ـاب التّـ ّ‬ ‫والحـ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العمل‪.‬‬ ‫َّدا في ديو ِ‬
‫ان‬ ‫يغدو مقي ً‬
‫اسمه لن َ‬ ‫ألن َ‬ ‫حاص ٌل بشطبِه أو إفساد الكتابة بعد تسويتها‪ّ ،‬‬

‫األرَملَة‪:‬‬
‫‪ْ ‬‬
‫المساءلةُ األولى التي تَِرُد على‬ ‫ِ‬
‫داللي له أطو ٌار متعاقبةٌ‪ ،‬و ُ‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫وقد وقع في هذه الكلمة ّ‬
‫يب‪ -‬مأخوذةٌ ِمن‬ ‫ِ‬
‫الجذر في هذه الكلمة‪ ،‬وهي–وال ر َ‬ ‫ِ‬ ‫تلم ُس معنى‬‫مضمارها ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المقام‬ ‫الن ِ‬
‫فس في هذا‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الغموض؛ إ ْذ ال عالقةَ بين‬ ‫ِ‬
‫درجة‬ ‫أن هذه اإلبانةَ قد تَْرفعُ من‬ ‫المعروف ِمن التّر ِ‬
‫ِ‬ ‫الرْم ِل‬
‫الحق ّ‬
‫اب‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫رجيع من التّ ِ‬
‫نقير‬ ‫ٍ‬ ‫اب‪ ،‬ولع ّل هذا يفضي إلى‬ ‫مل الذي هو تر ٌ‬ ‫زوجها "األرملة" والر ِ‬ ‫َمن مات عنها ُ‬
‫ّ‬
‫الجامع‪:‬‬
‫ِ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫الوجه ّ‬ ‫ِ‬
‫لكشف‬ ‫والتّدقي ِ‬
‫ق‬

‫األول‪:‬‬
‫الطّور ّ‬

‫(‪ )1‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.177/10 ،‬‬


‫(‪ )2‬اآلية (اإلسراء‪.)49 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬أبو عبيدة‪ ،‬المجاز‪.381/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن عزيز‪ ،‬النزهة‪.249 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رمج"‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الم ْرِم َل الذي ِنفد ز ُاده‪ ،‬وقد أَثبت هذا‬
‫أن ُ‬ ‫جوِز ّ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاء في كالم العرب على وجه من التّ ّ‬
‫سول –‬ ‫ٍ‬
‫حديث للر ِ‬ ‫الداللةُ في‬
‫وردت هذه ّ‬ ‫ْ‬ ‫وقد‬ ‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫المجاز الزمخشريُّ( )‪ْ ،‬‬ ‫االستعمال في ِ‬
‫باب‬ ‫َ‬ ‫المعنى و‬
‫ّ‬
‫أصحابه كانوا معه في َغزٍاة فأرملوا وأنفضوا‪ ،‬والمعنى‪ِ :‬نفد‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫مفاده ّ‬
‫صلّى اهلل عليه وسلّم– ُ‬
‫للفقير التَِّرب"(‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫مل‪ ،‬كما قيل‬ ‫كأنهم ِ‬
‫لصقوا بالر ِ‬ ‫مل‪ّ " ،‬‬‫ز ُادهم‪ ،‬وأصلُه ِمن الر ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ور الثّاني‪:‬‬
‫الطّ ُ‬
‫فاألرملةُ‬ ‫األرَمل"‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دنونا ِمن‬
‫ْ‬ ‫األرَملة" و" ْ‬
‫الجامع بين داللة " ْ‬
‫ِ‬ ‫اقتناص المعنى‬ ‫ولعلّنا َ‬
‫بعد أن‬ ‫ٍ‬
‫رجال أرملةٌ َ‬ ‫نساء‪ ،‬أو ٍ‬
‫نساء دون‬ ‫رجال دون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ونساء‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫رجال‬ ‫جماعة ِمن‬
‫ٍ‬ ‫المحتاجةُ‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬
‫رجل أو امرٍأة‪ :‬أرملة‪ ،‬واألرام ُل‪:‬‬
‫شيء من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يقدر على‬ ‫ِ‬
‫للفقير الذي ال ُ‬ ‫يكونوا محتاجين‪ ،‬ويقال‬
‫مثيل‪ ،‬وهي‪،‬‬ ‫المساكين‪ ،‬وليس يخفى أن تلكم المعاني المذكورةَ آنفًا متخلِّقةٌ ِمن ِ‬
‫جهة التّجوِز والتّ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫متقادم‪.‬‬ ‫متطورةٌ عن معنى‬ ‫ٍ‬
‫وجهة أخرى‪،‬‬ ‫ِمن‬
‫ّ‬

‫ور الثّالث‪:‬‬
‫الطّ ُ‬
‫ماتت عنه زوجتُه‪ ،‬فقيل‪:‬‬‫ْ‬ ‫وجها‪ ،‬أو‬‫مات عنها ز ُ‬ ‫ي على َمن َ‬ ‫الوصف المجاز ّ‬
‫ُ‬ ‫ثم أُسبِغ هذا‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫لذهاب‬ ‫اللة ُمْل ِمحاً إلى ّأنها ّإنما ُس ّميت بذلك‬
‫الد ِ‬‫ي عند هذه ّ‬ ‫ابن األنبار ّ‬
‫أرملت‪ ،‬وقد وقف ُ‬‫أرملةٌ‪ ،‬و ْ‬
‫ي‪ِ -‬من قولِهم‪:‬‬ ‫ابن األنبار ّ‬ ‫ِ‬
‫مذهب ِ‬ ‫ومن كان عي ُشها صالحاً به‪ ،‬وهو – في‬ ‫كاسبها‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫زِادها‪ِ ،‬‬
‫وفقدها‬
‫أن األرملةَ‬
‫ي ّ‬ ‫ابن األنبار ّ‬
‫ظاهر ِ‬
‫كالم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ستشف ِمن‬
‫ّ‬ ‫الرج ُل إذا ذهب ز ُادهم(‪ ،)3‬والذي ُي‬
‫القوم و ّ‬
‫ُ‬ ‫أرمل‬
‫َ‬
‫زوجها‪،‬‬
‫سب َغ على َمن يستأهلُها‪ّ ،‬أولُهما‪َ :‬من مات عنها ُ‬
‫دالليان حتّى تُ َ‬
‫محددان ّ‬‫يجب أن يكتنفَها ِّ‬
‫ُ‬
‫ي‬
‫الزمخشر ُّ‬ ‫باب ا ِ‬
‫لمجاز ّ‬ ‫اللي في ِ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫الملحظ ّ‬ ‫عرج على هذا‬ ‫وقد ّ‬
‫الفقر "اإلرمال"‪ْ ،‬‬
‫وثانيهما‪ :‬الحاجةُ و ُ‬
‫لت ِمن ِ‬
‫زوجها‪ ،‬وال يكون إالّ‬ ‫ورَم ْ‬ ‫ِ‬ ‫افدا ِمن‬
‫مالمح داللة "األرملة" فقال‪" :‬أرملت المرأةُ َ‬
‫ِ‬ ‫لمحا ر ً‬
‫فجعله َم ً‬
‫ِ‬
‫الحاجة"(‪.)4‬‬ ‫مع‬

‫الرابع‪:‬‬
‫ور ّ‬‫الطّ ُ‬
‫متقادما‬
‫ً‬ ‫االشتقاقي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ِ‬
‫اعتبار‬ ‫بالنظر إلى‬
‫ق قد يبدو أصيالً ّ‬ ‫تقدم ِمن تدقي ٍ‬
‫أن ما ّ‬‫الحق ّ‬
‫و ّ‬
‫بمن مات عنها‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫آخر ِمن‬ ‫ِّ‬
‫نت في يومنا هذا َ‬ ‫األرملة قد اقتر ْ‬ ‫إن داللةَ‬
‫وصفية؛ إذ ّ‬
‫ّ‬ ‫وجهة‬ ‫متخلقًا عنه ُ‬
‫األخير قد ورد في‬
‫َ‬ ‫طوَر‬
‫أن هذا التّ ّ‬ ‫تحديد داللتِها‪ ،‬و ّ‬
‫الحق ّ‬
‫ِ‬ ‫العسر في‬ ‫لليسر أو ُ‬‫فعل ُ‬
‫زوجها‪ ،‬وال َ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "رمل"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رمل"‪ ،‬وانظر ما قاله الهروي عن داللة "اإلرمال" في غريبه‪.414/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األنباري‪ ،‬الزاهر‪ ،303/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رمل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "رمل"‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫غنيين‬
‫وجها سواء كانا ّ‬ ‫ِ‬
‫ماتت زوجتُه‪ ،‬واألرملةُ التي مات ز ُ‬
‫ْ‬ ‫بي‪ ،‬فقيل‪" :‬واألرم ُل الذي‬ ‫المعجم العر ِّ‬
‫الحقيقي‬ ‫الرْم ِل‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫ّ‬ ‫يخ العر ّبية وسيرةُ حياة‪ ،‬فمن ّ‬‫قصةٌ في تار ِ‬
‫فقيرين"( )‪ ،‬وهكذا كان لهذه الكلمة ّ‬ ‫أو َ‬
‫فغدت قصيرةَ‬ ‫زوجها‬
‫الفقر والحاجةَ‪ ،‬إلى َمن مات عنها ُ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ي الذي يعني َ‬ ‫اإلرمال المجاز ّ‬ ‫الماديِّ‪ ،‬إلى‬
‫وتعميمها – ِمن وجهة‬ ‫ِ‬ ‫الجنسين‪ ،‬ال ّذ ِ‬
‫كر واألنثى‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الداللة على‬ ‫ِ‬
‫تعميم هذه‬ ‫ِ‬
‫اليد سائلةً ُم ْرِملَةً‪ ،‬إلى‬
‫ِ‬
‫األخير قد‬ ‫ِ‬
‫االستعمال‬ ‫أن ِداللةَ "األرملة" في هذا‬
‫الفقر والغنى‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫أخرى– على حالي ِ‬
‫وغنى‪.‬‬‫يسار ِ‬
‫أحدهما وهو ذو ٍ‬ ‫الفقر‪ ،‬فقد تُسبغ على ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاجة و ِ‬ ‫ملمحي‬ ‫ْ ِ‬
‫َ‬ ‫غدت خلواً من َ‬

‫‪ ‬الرّمة‪:‬‬
‫األمر بُِرَّمته"‪ ،‬ومعناه‪ :‬نظر فيه‬
‫ِ‬ ‫معمٌر وهو‪" :‬نظر في‬
‫عتيق َّ‬ ‫أسلوبي‬ ‫تعبير‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫يشيعُ في العر ّبية ٌ‬
‫ولم ما‬
‫إصالح ما فسد‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الرّم‬
‫جذرها "رمم"‪ ،‬و َّ‬
‫الرّمة ُ‬
‫أن ُّ‬‫شيئا‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫يغادر ِمنه ً‬
‫ْ‬ ‫بجماعتِه‪ ،‬فلم‬
‫عهده‬
‫رم إذا بعد ُ‬
‫أن ُي َّ‬
‫استرم‪ ،‬أي حان له ْ‬ ‫ّ‬ ‫الد ُار تَُرّم‪ ،‬والحائط‬
‫رم‪ ،‬و ّ‬ ‫تفرق‪ ،‬و ِمن ذلك الحب ُل يبلى ُ‬
‫في ّ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫يظهر ّ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫الحبل باليةٌ‪ ،‬وقيل الحب ُل ُيقلّد البعير( )‪ ،‬والذي‬ ‫الرّمة‪ :‬قطعةٌ من‬‫الرّمةُ و َّ‬
‫ق‪ ،‬و ُّ‬‫بالتّطبي ِ‬
‫ُ‬
‫قص ِة‬ ‫ِ‬
‫المأثور‪ ،‬وقد قال في ّ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫الرّمة" بمعنى "جميع" في ذلك‬ ‫تطو اًر دالليًّا أفضى إلى ذيوِع " ّ‬
‫ّ‬
‫ي قولَين‪:‬‬ ‫وتطوِرها ُ‬
‫ابن األنبار ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرّمة"‬
‫" ّ‬

‫األسير أو القات ُل إذا قيد إلى القَ َود؛ ذلك ّأنهم كانوا‬ ‫شد بها‬ ‫أن الرمة قطعةٌ ِمن ٍ‬
‫حبل ُي ّ‬
‫ُ‬ ‫ّأولُهما‪ّ ّ ّ :‬‬
‫عمل في‬‫المشدود به‪ ،‬ثم استُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالحبل‬ ‫برمتِه؛ أي‬
‫ّ‬ ‫قدموه ُلي ْقتَل قالوا‪ :‬قد أخذناه ّ‬
‫األسير‪ ،‬فإذا ّ‬
‫َ‬ ‫يشدون‬
‫ّ‬
‫تقدم ِمن ٍ‬
‫مثال‪.‬‬ ‫حو ما ّ‬‫غير هذا على ن ِ‬
‫ِ‬

‫برمتِه؛‬
‫أخذت الجمل ّ‬
‫ُ‬ ‫الجمل أو ِ‬
‫عنقه فيقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫شد في ِ‬
‫رجل‬ ‫ِ‬
‫الحبل ُي ّ‬ ‫أن أصلَه قطعةٌ ِمن‬
‫وثانيهما ّ‬
‫بعير ٍ‬
‫بحبل‬ ‫آخر ًا‬ ‫ي في هذا ِ‬ ‫ِ‬
‫المشدود به(‪ .)3‬وذهب الجوهر ُّ‬ ‫ِ‬
‫أن رجالً دفع إلى َ‬
‫القول إلى ّ‬ ‫بالحبل‬ ‫أي‬
‫يخاطب‬ ‫شيئا بجملتِه‪ ،‬وقد ورد هذا المعنى في ِ‬
‫كالم األعشى وهو‬ ‫في ِ‬
‫عنقه‪ ،‬فقيل لك ّل َمن دفع ً‬
‫ُ‬
‫ار‪:‬‬
‫خم ًا‬
‫ّ‬
‫حبل َِ م ْق ِ‬
‫تاد َِها‬ ‫بأدماء في ِ‬ ‫فقلت له‪ :‬هذه ِ‬
‫هات َِها‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رمل"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رمم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر هذين المعنيين عند ابن األنباري‪ ،‬الزاهر‪.361/1،‬‬

‫‪95‬‬
‫بحبل في ِ‬
‫عنقه فقيل ذلك‪ ،‬وقد جعل‬ ‫بعير ٍ‬‫أن رجالً باع ًا‬
‫أن أصلَه ّ‬‫ي إلى ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬
‫وقد ذهب ّ‬
‫عد‬
‫مما ُي ّ‬ ‫ِّ‬ ‫المجاز(‪ ،)1‬وأحسب ّأنه في يو ِمنا هذا أو ذاك‬
‫ِ‬ ‫ي هذا التّعبير في ِ‬
‫المتقدم ّ‬ ‫باب‬ ‫َ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫ّ‬
‫الع ُمر‪.‬‬
‫ميتاً قد تطاول عليه ُ‬
‫مجا اًز ّ‬

‫‪ ‬الز ْخ ُرف‪:‬‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫محكم ِ‬ ‫ِ‬ ‫يين والتّزوي ِ‬
‫تقترن بالتّز ِ‬ ‫الز ِ‬
‫ابن سيده ّ‬ ‫اإلكمال‪ ،‬فقد ورد في‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫خرف‬ ‫أن داللةَ ّ‬
‫معلوم ّ‬
‫ٌ‬
‫ومزوٍر به"( )‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫مموٍه‬
‫كل َّ‬ ‫سمي ك ّل ز ٍ‬
‫ينة ُزخرفًا‪ ،‬ثم ُشبِّه ُّ‬ ‫"ثم ِّ‬
‫‪2‬‬ ‫األصل في ُّ ِ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫هب( )‪ّ ،‬‬ ‫الزخرف ال ّذ َّ ََ ُ‬ ‫َ‬
‫وردت هذه الكلمةُ يكتنفُها المعنى‬ ‫يء(‪ ،)4‬وقد‬‫حسن ال ّش ِ‬‫ِ‬ ‫هب وكما ُل‬ ‫ِ‬ ‫واألص ُل عند ِ‬
‫ْ‬ ‫األثير ال ّذ ُ‬ ‫ابن‬
‫نقوش‬
‫ٌ‬ ‫خرف ههنا‬
‫الز ُ‬ ‫فن ّحي"‪ ،‬و ُّ‬
‫بالزخرف ُ‬‫"إنه لم يدخل الكعبةَ حتّى أمر ُّ‬ ‫ِ‬
‫الحديث‪ّ :‬‬ ‫المتقادم في‬
‫ُ‬
‫الرسو ُل الكريم – صلّى اهلل عليه وسلّم‪-‬‬ ‫كانت قد ُزّينت بها الكعبةُ‪ ،‬وقد أمر ّ‬ ‫ْ‬ ‫وتصاوير بال ّذهب‬
‫ُ‬
‫الحق –‬ ‫ق جليًّا في ِ‬
‫قول‬ ‫الساب ِ‬ ‫ت( )‪ ،‬ويظهر أثر استشر ِ‬
‫اف التّ ِ‬ ‫‪5‬‬
‫فح َّك ْ‬
‫ّ‬ ‫نص ّ‬ ‫اللي في تلقّي ّ‬ ‫الد ِّ‬
‫طور ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫بها ُ‬
‫ق(‪ ،)7‬وقد ذهب إلى‬ ‫مزو ٍ‬
‫ذهب َّ‬ ‫زخرف"(‪ ،)6‬والمعنى‪ِ :‬من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بيت ِمن‬
‫يكون لك ٌ‬ ‫اسمه‪" :-‬أو‬
‫َ‬ ‫تقدس ُ‬ ‫ّ‬
‫كانت هذه الكلمةُ تستَعم ُل‬ ‫غويين(‪ .)8‬وكما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫المفسرين واللّ ّ‬
‫الصحابة والتّابعين و ّ‬ ‫هذا المعنى ثلّةٌ من ّ‬
‫كالم‬ ‫ِ‬ ‫للد ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫فغدونا نقو ُل‪ٌ :‬‬ ‫المعنوي‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫مضمار‬ ‫اللة على‬ ‫انتقلت ّ‬
‫ْ‬ ‫الماديِّ‪ ،‬فقد‬
‫اللة على ّ‬ ‫مضمار ّ‬ ‫في‬
‫قو ِ‬
‫البيان‪.‬‬ ‫مزوقًا يرقى في معارِج التّ ّأن ِ‬
‫القول‪ ،‬إذا كان َّ‬ ‫وزخرف ِ‬
‫ُ‬ ‫ف‪،‬‬ ‫مزخر ٌ‬
‫َ‬

‫تزمت‪:‬‬
‫الم ِّ‬
‫‪ُ ‬‬
‫اللي‪ ،‬فقد جاء‬
‫الد ُّ‬
‫طوُر ّ‬ ‫الساب ِ‬ ‫وللمتزم ِت في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫وباعث ذلك التّ ّ‬
‫ُ‬ ‫ق‪،‬‬ ‫ق معنى ليس عند ّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّميت(‪ ،)9‬أو الس ِّ‬
‫ِّكيت‬ ‫اكن القلي ُل الكالم‪ ،‬كالص ِّ‬ ‫الزِم َ‬
‫يت و ِّ‬ ‫أن َّ‬ ‫ِ‬
‫الس ُ‬‫الحليم ّ‬
‫ُ‬ ‫الزِّميت‬ ‫بي ّ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫في‬
‫ِ‬
‫مجلسه‪ ،‬و ِمنه ما‬ ‫يت إذا توقّر في‬ ‫تزمتَه‪ ،‬ورج ٌل َزِم ٌ‬
‫يت ِ‬
‫وزِّم ٌ‬
‫‪10‬‬
‫أشد ّ‬
‫ت‪ ،‬وما ّ‬ ‫متزم ٌ‬
‫( )‪ ،‬وقد قيل رج ٌل ِّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "رمم"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن سيده‪ ،‬المحكم‪ ،‬مادة "زخرف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "زخرف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.299/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،299/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "زخرف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬اآلية (اإلسراء‪.)92 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.237 ،‬‬
‫(‪ ) 8‬قيل إن هذا مذهب ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وقتادة‪ ،‬وقد ذكر هذا المعنى ابن قتيبة في تفسير‬
‫الغريب‪ ،261 ،‬والقرطبي في تفسيره‪ ،214/10 ،‬والطبرسي كذلك؛ انظر تفسيره‪.233/6 ،‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "زمت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "زمت"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "زمت"‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫ِ‬
‫المجلس"‪ ،‬والمعنى‬ ‫وسلّم‪ّ " -‬أنه كان ِمن أزمتِهم في‬ ‫سول الكر ِيم –صلّى اهلل عليه‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫صفة الر ِ‬ ‫ورد في‬
‫ِ‬
‫الحادثة‬ ‫ِ‬
‫الداللة‬ ‫تفترق عن‬
‫ُ‬ ‫الداللةَ المتقادمةَ‬
‫أن هذه ّ‬ ‫يظهر‬ ‫المتعين‪ِ :‬من أرزنِهم و ِ‬
‫أوقرهم(‪ ،)1‬والذي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الهامشيةُ فذلك ّأنها تكتسي‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫الهامشيةُ‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫الداللةُ‬ ‫ِمن جهتَين‪ّ :‬أولُها ّ‬
‫الداللةُ المركزّيةُ‪ ،‬وثانيهما‬
‫ّ‬
‫ممن ينتسبون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هامشي ٍة‬ ‫ٍ‬
‫المتزمت" ّ‬
‫الموسوم بها " ِّ‬
‫َ‬ ‫صاحبها‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫سلبية تد ّل على ّ‬ ‫وظالل ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمعان‬ ‫اليوم‬
‫َ‬
‫صِم ّ‬ ‫ِ‬
‫الداللةَ "المتزمت"‬ ‫النصوص وحروِفها‪ّ ،‬‬
‫ولكن هذه ّ‬ ‫متشددين الذين يستمسكون بع َ‬ ‫الغالة وال ّ‬‫إلى ُ‬
‫تقدم‬
‫نة‪ ،‬ولع ّل ما ّ‬‫يحاءات هامشي ٍة مستحس ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بظالل وا‬ ‫ق يكتسي‬ ‫داللي مشر ٍ‬ ‫ذات ٍ‬
‫وجه‬ ‫ق ُ‬ ‫الساب ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫عند ّ‬
‫يسند هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعالجة ُ‬ ‫في ُمفتَتَ ِح هذه‬

‫ظاهر‬
‫ًا‬ ‫ياحا‬
‫احت انز ً‬‫الداللةَ قد انز ْ‬ ‫أن هذه ّ‬ ‫اللة المركزّي ِة ّ‬
‫فمرده إلى ّ‬
‫الد ِ‬
‫اق الواقعُ في ّ‬ ‫أما االفتر ُ‬
‫ّ‬
‫الوقور‪ ،‬وفي كالم‬ ‫الساجي‬ ‫األو ِل‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫ُ‬ ‫الحليم ّ‬
‫ُ‬ ‫ق‪ ،‬فعند ّ‬ ‫ق عن داللتها في كالم ّ‬
‫ق‪،‬‬‫ق والالّح ِ‬‫الساب ِ‬
‫الداللتين؛ أعني داللةَ ّ‬ ‫المتشد ُد المغالي الجافي‪ ،‬ولع ّل وجهَ االلتقاء بين ّ‬ ‫ّ‬ ‫الالّح ِ‬
‫ق‬
‫ق يبقى على ٍ‬
‫حال‬ ‫ت في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫المتزم َ‬ ‫فكأن ذلك‬ ‫ِ‬ ‫كوت أو التّوقّ ِر في‬‫مأخوٌذ من الس ِ‬
‫ِّ‬ ‫المجلس‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫مادة‬
‫يعد ّ‬‫فارس ال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫و ٍ‬
‫أن َ‬ ‫طيف في هذا المبحث ّ‬ ‫يبرحها وال يرتضي لها بدالً‪ ،‬واللّ ُ‬ ‫يكاد ُ‬ ‫احدة ال ُ‬
‫طقي ِة‪،‬‬ ‫الصو ِرة ّ‬
‫الن ّ‬ ‫أن إبداالً وقع فأفضى بها إلى هذه ّ‬
‫ِ‬
‫قائما برأسه؛ ذلك ّأنه يرى ّ‬ ‫"زمت" أصالً ً‬
‫ت(‪.)2‬‬
‫الص ْم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصاد‪ ،‬واألص ُل هو ّ‬ ‫عنده مبدلةٌ من ّ‬ ‫اي َ‬ ‫فالز ُ‬
‫ّ‬

‫السبب‪:‬‬
‫ب و َّ‬
‫الس ّ‬
‫‪َّ ‬‬
‫قرر ّأنه القَطعُ(‪ ،)3‬وهو كذلك في‬ ‫فقد ّ‬‫ب"‪ْ ،‬‬ ‫الس ّ‬ ‫ِ‬
‫أصل " ّ‬ ‫مذهب في‬
‫ٌ‬ ‫البن در ٍيد في جمهرتِه‬‫ِ‬
‫ب‬‫الس ُّ‬
‫يقطعها‪ ،‬وقيل ّ‬ ‫ُ‬ ‫ألنه‬ ‫العر ِ‬
‫اقيب ّ‬ ‫اب َ‬ ‫يسمى َسّب َ‬‫يف َّ‬ ‫الس ُ‬
‫سباً‪ :‬قطعه‪ ،‬و ّ‬
‫سبه ّ‬
‫‪4‬‬
‫سان( )‪ ،‬فيقا ُل‪ّ :‬‬‫اللّ ِ‬
‫اللة في سيرورِة العر ّبي ِة في‬‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫رحلة هذه ّ‬ ‫يظهر ِمن‬
‫ُ‬ ‫الناقةَ إذا عقرها‪ .‬والذي‬
‫سب ّ‬ ‫العقر‪ ،‬فيقا ُل‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫تفرع عن ذلكم‬ ‫الد ِ‬
‫انتقلت ِمن ّ‬ ‫ِ‬ ‫زمانِها‬
‫المادي إلى المعنويِّ‪ ،‬فقد ّ‬
‫ِّ‬ ‫اللة على‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫الس ّ‬
‫أن ّ‬ ‫المتطاول ّ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ذات ٍ‬ ‫ِ‬
‫تم‪ ،‬وأصلُه –كما‬ ‫ب الذي هو الش ُ‬ ‫نسب حميم به‪ ،‬و ِمن ذلك ّ‬
‫الس ّ‬ ‫دالليةٌ أخرى ُ‬ ‫األصل فروعٌ ّ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫المادّي ِة و‬ ‫سان‪ِ -‬من ذلك(‪ ،)5‬وقد التمس المعنى‬ ‫صاحب اللّ ِ‬
‫المعنوية ُ‬
‫ّ‬ ‫الداللتَين ّ‬
‫الجامع بين ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يرى‬

‫(‪ )1‬انظر الحديث وما قيل فيه‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،137/3 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،311/2 ،‬وابن منظور‪،‬‬
‫اللسان‪ ،‬مادة "زمت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "زمت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن دريد‪ ،‬الجمهرة‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫وس ْب َسب إذا قطع َرِح َمه‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫تم‪" ،‬وال قطيعةَ أقطعُ من ال ّشتم"( )‪َ ،‬‬ ‫ب ال ّش ُ‬
‫الس ّ‬
‫أن ّ‬
‫ِ‬
‫فارس من قبله‪ ،‬فرأى ّ‬‫ٍ‬
‫المعنوي قو ُل ذي‬
‫ّ‬ ‫المادي‪ ،‬وداللةُ الفَرع‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫الداللتان؛ ِداللةُ‬
‫ومما ورد فيه ّ‬ ‫باب التّقاطعُ‪ّ ،‬‬‫والتَّ ْس ُ‬
‫وي‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫الخ َرق الطهَ ّ‬
‫ب‬ ‫فس ْ‬ ‫بِأن س َّ ِ‬ ‫فما كان ذنب بني ٍ‬
‫غالم َ‬
‫ب منهم ٌ‬ ‫ْ ُ‬ ‫مالك‬ ‫ُ‬
‫كب‬ ‫تَ ِخ ّر بوائ ُكها ُّ‬
‫للر ْ‬ ‫اقيب ُك ٍ‬
‫وم طوال ال ّذرى‬ ‫عر َ‬
‫صب‬ ‫يقُطُّ‬ ‫بأبيض ذي ُشطَ ٍب ٍ‬
‫الع ْ‬‫العظام ويبري َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫باتر‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫سب" األخيرة فالمعنى‪" :‬عقر"( )‪.‬‬ ‫أما " َّ‬ ‫المتعين منه‪ :‬شتم‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫سب" فالمعنى‬‫أما قولُه " ّ‬ ‫ّ‬

‫جعلت فالناً‬ ‫توس ُل بها إلى ِ‬


‫غيرها‪ ،‬فنقو ُل‪:‬‬ ‫يعة التي ُي َّ‬‫دال على العلّ ِة أو ال ّذر ِ‬ ‫بب فهو ٌّ‬
‫ُ‬ ‫الس ُ‬
‫أما ّ‬‫ّ‬
‫احا عن‬ ‫‪3‬‬
‫صلة وذريعة( )‪ ،‬والمتدب ُِّر يلفي هذا المعنى منز ً‬ ‫فالن في حاجتي‪ ،‬أي ُو ْ‬ ‫لي سبباً إلى ٍ‬
‫المحسوس فهو‬
‫ُ‬ ‫المادي‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫المجرد‪ّ .‬‬
‫َّ‬ ‫المعنوي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫المحسوس إلى‬ ‫المادي‬
‫ِّ‬ ‫إن فيه انتقاالً ِمن‬
‫آخر؛ إذ ّ‬ ‫َ‬
‫لكل ما يتوصَّل به إلى‬ ‫المجرُد فهو ما استُعير ِّ‬ ‫المعنوي‬ ‫أما‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫توصل به للحاجة‪ ،‬و ّ‬ ‫الحب ُل الذي ُي ّ‬
‫بي فقيل‪" :‬وهو ِمن‬ ‫ِ‬
‫جوز في المعجم العر ّ‬
‫القائم على التّ ّ ِ‬ ‫االتنقال المع ِج ِب ِ‬
‫ِ ُْ‬ ‫شيء‪ ،‬وقد التفت إلى هذا‬ ‫ٍ‬
‫شيء(‪ ،)4‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ثم استُعير لك ّل ما ُيتوصَّل به إلى‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫السبب‪ ،‬وهو الحب ُل الذي ُيتَوصَّل به إلى الماء‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫بسبب إلى‬ ‫فليمدد‬ ‫اسمه‪" :-‬‬ ‫ِّ‬ ‫يز في ِ‬ ‫يل العز ِ‬ ‫ورد المعنى المتقادم في التّنز ِ‬
‫ْ‬ ‫تقدس ُ‬ ‫الحق ‪ّ -‬‬ ‫قول‬ ‫ُ‬
‫غويين‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫تباينت أقوا ُل اللّ ّ‬
‫ْ‬ ‫ليموت مختنقًا( )‪ ،‬وقد‬ ‫َ‬ ‫ليقطع‬
‫ْ‬ ‫ثم‬
‫فليمدد حبالً في سقفه ّ‬ ‫ْ‬ ‫ماء"‪ ،‬والمعنى‪:‬‬ ‫ّ‬
‫سببا‬
‫القوي الطّوي ُل‪ ،‬وقيل‪ :‬ال ُيدعى الحب ُل ً‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫الحبال‬ ‫هيئة ذلكم الحبل‪ ،‬فقيل هو ِمن‬ ‫توصيف ِ‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫وينحدر(‪.)6‬‬
‫َ‬ ‫صع َد به‬
‫حتّى ُي َ‬

‫السجال‪:‬‬
‫‪ِّ ‬‬
‫ٍ‬
‫مضمار‬ ‫ٍ‬
‫مضمار إلى‬ ‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫انتقال ّ‬ ‫بين عن‬ ‫الس ِ‬
‫جال مثا ٌل ُم ٌ‬ ‫ِ‬
‫داللة ّ‬ ‫تطوِر‬ ‫ِ‬
‫وفي استشراف ّ‬
‫اء‪ ،‬وقولُنا‪:‬‬ ‫لعالقة التّ ِ‬
‫شبيه والتّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ُلو الضخمةُ المملوءةُ م ً‬
‫مفردها َس ْجل‪ ،‬وهو ّ‬
‫ُ‬ ‫فالسجا ُل‬
‫ّ‬ ‫مثيل‪،‬‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬


‫بصوأَر‪ ،‬فعقر‬
‫لسحيم بن وثيل لما تعاق ار َ‬
‫( ) يريد الشاعر في األبيات معاقرة أبي الفرزدق غالب بن صعصعة ُ‬
‫‪2‬‬

‫سحيم خمسا‪ ،‬ثم بدا له وعقر غالب مئة‪ .‬انظر قصة هذه األبيات في اللسان في مادة "سبب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬اللسان‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر هذه األوصاف الداللية في اللسان‪ ،‬مادة "سبب"‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ويدال علينا تارةً ًَ أخرى(‪ ،)1‬وأص ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مما ُذكر آنفًا‪ ،‬والمعنى ّأننا ُندال تارةً ُ‬
‫"الحرب سجا ٌل" مأخوٌذ ّ‬
‫ُ‬
‫جل‪ :‬باراه‪،‬‬
‫الر َ‬ ‫البئر يكون لك ّل و ٍ‬
‫بس ْجلَين ِمن ِ‬
‫و"ساجل ّ‬
‫َ‬ ‫احد منهما َسجل "دلو"‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫المستقيين َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ذلك ّ‬
‫احد منهما ما في َسجلِه‬‫االستقاء‪ ،‬وقد قيل إن المساجلةَ أن يستقي ساقيان فيخرج ك ّل و ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫وأصلُه في‬
‫العرب مثالً للمفاخ ِرة"(‪ ،)2‬وقد ذهب قر ًيبا‬
‫ُ‬ ‫نكل فقد ُغلب‪ ،‬فضربتْه‬ ‫فأيهما َ‬‫اآلخر‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مثل ما ُيخرج‬
‫َ‬
‫أن‬ ‫الد ِ‬
‫أن أصلَها في ِّ‬ ‫جعل المساجلةَ مرادفةً للمفاخرِة‪ًّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مشير إلى ّ‬
‫ًا‬ ‫الء‪،‬‬ ‫عادا ّ‬ ‫لما َ‬ ‫فارس ّ‬ ‫ابن‬
‫من هذا ُ‬
‫شيء بعد امتالئِه(‪.)3‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫انصباب‬ ‫أصل و ٍ‬
‫احد يد ّل على‬ ‫مادة "سجل" تجتمع على ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬

‫فاسف األمور‪:‬‬
‫ُ‬ ‫س‬‫‪َ ‬‬
‫يح‬
‫الر ُ‬ ‫المس ْف ِسفةَ و َّ‬
‫الس ْفسافةَ ّ‬ ‫أن ُ‬ ‫بي ّ‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫الس ْفساف"‪ ،‬وقد ورد في‬ ‫مفرده " َّ‬
‫َّفاسف جمعٌ ُ‬ ‫الس ُ‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ساف ما ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫تثيره‪ ،‬وقيل ّ‬
‫الريح التي ُ‬ ‫المس ْفسفة ّ‬ ‫دق من التّراب‪ ،‬و ُ‬ ‫الس ْف َ‬
‫أن َّ‬ ‫األرض‪ ،‬و ّ‬ ‫فويق‬
‫َ‬ ‫التي تجري‬
‫ِ‬ ‫ق بالم ِ‬ ‫ِ‬
‫الدقي ِ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ونحوه‪ ،‬والذي يبدو‬ ‫نخل‬ ‫انتخال ّ‬ ‫فقد دلّت على‬ ‫الس ْفسفةُ ْ‬
‫أما َّ‬ ‫اب الهابي( )‪ّ ،‬‬ ‫ساف التّر ُ‬
‫الس ْف َ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‪،‬‬ ‫ديء ِمن ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ات ِمن سيرِة هذه‬ ‫رصد َش َذر ٍ‬
‫ِ‬
‫الر َ‬ ‫َّفساف ّ‬
‫مت‪ ،‬فغدا الس ُ‬ ‫الكلمة ّأنها ُع ّم ْ‬ ‫عند‬
‫أن هذا‬ ‫‪5‬‬
‫عر واألخال ِ‬ ‫ديء من ِّ‬
‫الش ِ‬ ‫اإلحكام‪ ،‬والر ِ‬
‫ِ‬ ‫وكل ٍ‬ ‫لحقير‪ِّ ،‬‬‫كاألمر ا ِ‬
‫ِ‬
‫ق( )‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمل دون‬
‫المادي والمعنويِّ‪،‬‬ ‫الليةُ التي تترّبعُ عليها رحبةً تشتم ُل على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫الد ّ‬‫الدائرةُ ّ‬
‫لتغدو ّ‬
‫َ‬ ‫الكلمة‬ ‫داللة‬ ‫تعميم في‬
‫ٌ‬
‫‪6‬‬ ‫ق إذا ُن ِخل‪ ،‬والتّر ِ‬
‫اب إذا أُثير"( )‪.‬‬ ‫الدقي ِ‬ ‫يطير من ِ‬
‫غبار ّ‬ ‫و"أصلُه ما ُ‬

‫الساعة‪:‬‬
‫‪ّ ‬‬
‫كل منهما اثنتَي‬‫نصيب ٍّ‬ ‫بع وعشرين ساعةً‪ ،‬فإذا اعتدال كان‬ ‫هار َّ‬
‫موزعان على أر ٍ‬
‫ُ‬ ‫الن ُ‬
‫اللّي ُل و ّ‬
‫الساعةَ‪ ،‬أي في‬ ‫الحاضر؛ وذلك نحو قولِنا‪ :‬جاء ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فالن ّ‬ ‫الوقت‬ ‫الساعةُ على‬
‫عشرة ساعةً‪ ،‬وقد تد ّل ّ‬
‫متعددةٌ‪،‬‬ ‫الساعةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫وردت فيها ّ‬ ‫ْ‬ ‫يمات التي‬
‫يات الكر ُ‬ ‫القيامة‪ ،‬واآل ُ‬ ‫يوم‬
‫هذا الوقت المعلوم‪ ،‬وقد تعني َ‬
‫تطوٌر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪7‬‬
‫القمر"( )‪ ،‬وفي استعمالنا لها بمعنى يوم القيامة ّ‬ ‫انشق ُ‬‫الساعةُ و ّ‬
‫الحق‪" :‬اقتربت ّ‬
‫ّ‬ ‫ومنها قولُه‬
‫ٍ‬
‫ساعة‬ ‫اس في‬ ‫ِ‬
‫الن َ‬
‫ألنها تَ ْفجأ ّ‬
‫سميت بذلك ّ‬‫العباد‪ ،‬وقد ِّ‬
‫ُ‬ ‫يصعق فيه‬
‫َ‬ ‫للوقت الذي‬ ‫اسم‬
‫داللي؛ ذلك ّأنها ٌ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر هذه المعاني‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "سجل"‪ ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،344/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪،‬‬
‫مادة "سجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سجل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "سجل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سفف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سفف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،374/2 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سفف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬اآلية( القمر‪.)1 ،‬‬

‫‪99‬‬
‫اثنين‪:‬‬‫لمعنيين َ‬ ‫ِ‬
‫األصل تُطلَق‬ ‫الساعةَ في‬ ‫‪1‬‬ ‫الخلق كلُّهم عند الص ِ‬
‫َ‬ ‫أن ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫يحة األولى( )‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وت‬
‫فيم ُ‬
‫أن‬ ‫بعة وعشرين جزءاً هي مجموعُ ِ‬ ‫أحدهما أن تكون عبارةً عن جزٍء من أر ٍ‬
‫اليوم واللّيلة‪ ،‬وثانيهما ْ‬ ‫ْ‬
‫وينضاف إلى ما‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القيامة"(‪،)2‬‬ ‫يل‪" ،‬ثم استُعير ِ‬
‫السم ِ‬
‫يوم‬ ‫النهار أو اللّ ِ‬ ‫تكون عبارةً عن جزٍء قليل من ّ‬
‫ّ‬
‫َّن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫آخر تخلّق بتخلّ ِ‬
‫الوقت ويعي ُ‬
‫ُ‬ ‫ضبطُ‬
‫ي جديد‪ ،‬وهو اآللةُ التي بها ُي َ‬ ‫ماد ٍّ‬
‫ق مرج ٍع ّ‬ ‫داللي ُ‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫تقدم ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫تعيين‬ ‫ئيس في‬ ‫بملحظ المجاورِة والتّعال ِ‬‫ِ‬
‫كم ر ٌ‬ ‫اء محتَ ٌ‬
‫الص ّم ُ‬
‫ق‪ ،‬فاآللةُ ّ‬ ‫وفاء‬
‫فصرنا نقو ُل لها ساعةً ً‬
‫اللة على‬‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫مضمار ّ‬ ‫داللي هيئتُه انتقا ٌل ِمن‬ ‫تطوٌر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫الوقت "الساعة" على وجه اإلحكام‪ ،‬وهذا ّ‬
‫اآللة‪ ،‬و ِ‬
‫الوقت‬ ‫تترد ُد الساعةُ بين ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫ي "اآللة"‪ ،‬وهكذا ّ ّ‬ ‫الماد ِّ‬
‫اللة على ّ‬ ‫مضمار ّ‬ ‫المعنوي "الوقت" إلى‬
‫ِّ‬
‫بعة وعشرين جزًءا‪.‬‬ ‫الحاضر‪ ،‬وجزٍء من أر ٍ‬
‫ِ‬

‫‪ ‬الش ّباك‪:‬‬
‫باك‪ ،‬وهي‬‫الش َ‬‫اص الذين يجلبون ِّ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ك السابق ليس ك ُشب ِ‬
‫ق القُّن ُ‬ ‫عند ّ‬ ‫اك الالّحق؛ إذ ّإنه َ‬ ‫ّ‬ ‫و ُشّبا ُ ّ‬
‫جعل على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫للص ِيد‪ ،‬وقد تعني َ‬
‫المشبَّكة التي تُ َ‬ ‫اسما "لك ّل شيء كالقصب ُ‬ ‫أيضا ً‬‫عنده ً‬ ‫صايد ّ‬ ‫الم ُ‬‫َ‬
‫الشّباك ما وضع ِمن‬ ‫ِ‬
‫الحديد‪ ،‬و ُّ‬ ‫الم َشبَّكةُ ِمن‬ ‫ُّ‬
‫البواري‪ ،‬والشّباكةُ واحدةُ ال ّشبابيك‪ ،‬وهي ُ‬
‫ِ‬
‫صنعة َ‬
‫الملمح‬ ‫للن ِ‬
‫افذة‪ ،‬ولع ّل‬ ‫يكون مرادفًا ّ‬ ‫فيكاد‬ ‫اليوم‬ ‫ُّ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أما الشّباك َ‬ ‫البواري"( )‪ّ ،‬‬ ‫ونحوه على صنعة َ‬ ‫القصب‬
‫تداخل ال ّش ِ‬
‫ِ‬ ‫الد ُّ‬ ‫اك الالّح ِ‬ ‫ق وشب ِ‬ ‫ِ‬
‫يء (‪،)4‬‬ ‫ال على‬ ‫ق هو األص ُل الجامعُ ّ‬ ‫الساب ِ ّ‬ ‫الجامع بين ُشّباك ّ‬‫َ‬
‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫تطوِر هذه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يكون مؤتلِفاً ِمن‬
‫طيف في ّ‬ ‫متشابك‪ ،‬واللّ ُ‬ ‫مختلط‬ ‫حديد‬ ‫ُ‬ ‫وكذلك هيئةُ ال ّشّباك‪ ،‬فقد‬
‫حديده وال مختلطٌ‪،‬‬ ‫اك شبا ًكا وهو غير م َشب ٍ‬
‫َّك‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫نسمي ال ّشّب َ ّ‬
‫تقدم– ّأننا في يومنا هذا قد ّ‬ ‫عما ّ‬ ‫– فضالً ّ‬
‫يكون نافذةً فقط‪.‬‬
‫وعندها ُ‬

‫‪َّ ‬‬
‫الش ّحاذ‪:‬‬
‫أن فيها‬ ‫ِ‬ ‫عامّياتِنا المعاصرِة في بال ِد ال ّش ِام ّ‬
‫بالد ِ‬
‫أحسب ّ‬
‫ال المهملة‪ ،‬و ُ‬ ‫تشيعُ هذه الكلمةُ في ّ‬
‫يف أصوالً عتيقةً؛ إذ كان العو ُّام فيها يخطئون فيقولونها‬ ‫تحريفًا أو تصحيفًا‪ ،‬ويبدو أن لهذا التّحر ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫العرض‬ ‫ِّن من هذا‬
‫المقصد المتعي ُ‬
‫ُ‬
‫‪5‬‬
‫ي( )‪ ،‬و‬‫ابن الجوز ّ‬‫اليقي و ُ‬
‫ي والجو ُّ‬ ‫بالثّاء‪ ،‬وقد شكا ِمن هذا الحرير ُّ‬
‫ال المعج ِ‬
‫مادة "شحذ" عند‬
‫مة‪ ،‬وجماعُ معنى ّ‬ ‫تكون الكلمةُ بال ّذ ِ ُ ْ َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اآلكد ْ‬
‫بأن األوجهَ و َ‬ ‫ِّ‬
‫المتقدم التّقر ُير ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سوع"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سوع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شبك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "شبك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الحريري‪ ،‬درة الغواص‪ ،581 ،‬والجواليقي‪ ،‬تكملة ما تغلط فيه العامة‪.880 ،‬‬

‫‪100‬‬
‫اللي الجامعُ بين‬ ‫الن ِ‬ ‫الحدةُ(‪ ،)1‬ولع ّل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الد ّ‬
‫مضماره الوجهُ ّ‬
‫ُ‬ ‫فس‬‫يقفز إلى ّ‬ ‫خاطر ُ‬
‫ًا‬ ‫فارس الخفّةُ و ّ‬ ‫ابن‬
‫عند ِ‬
‫ابن‬ ‫حاضر َ‬ ‫اب عن هذا‬ ‫تحديد و َّ ِ‬ ‫ال ّش ِ‬
‫ٌ‬ ‫الش ْحذ الذي هو مسألةٌ و ُك ْديةٌ‪ ،‬والجو ُ‬ ‫ٌ‬ ‫حذ الذي هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األنباري والحريري؛ ِ‬
‫أن‬
‫ومْلحف‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫فالمل ُّح في المسألة ُمشبَّهٌ بهذا‪ ،‬ويقال سائ ٌل ُملحٌّ‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجهة أخرى‪ِ ،‬من‬
‫ٍ‬ ‫حديد(‪ ،)2‬وهو‪ِ ،‬من‬
‫يف إذا ألح عليه بالتّ ِ‬
‫ّ‬ ‫الس َ‬
‫الرج ُل ّ‬‫شح َذ ّ‬
‫ِ‬
‫هذا أصلُه مأخوٌذ من‪َ :‬‬
‫الزمخشريُّ(‪.)3‬‬
‫عرج عليه ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المجاز المتقادم الذي ّ‬

‫‪َّ ‬‬
‫الشريعة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫عجب‬ ‫األردن ال ّشريعةَ ِ‬
‫بكثير‬ ‫ّ‬ ‫فلسطين منطقةَ ِ‬
‫نهر‬ ‫َ‬ ‫الس ّن‪ -‬تسميةَ ِ‬
‫أهل‬ ‫حديث ّ‬‫ُ‬ ‫ف‪ ،‬وأنا‬ ‫كنت أتلقّ ُ‬
‫ُ‬
‫نظرت في أصولِها فألفيتُها ِمن الفصي ِح‬ ‫ُ‬ ‫لما‬
‫إعجابا ّ‬
‫ً‬ ‫ب قد استحال‬ ‫الع َج َ‬
‫أن هذا َ‬ ‫الحق ّ‬‫اب‪ ،‬و ّ‬ ‫واستغر ٍ‬
‫مما تتكلّ ُم به‬ ‫شيئا‪ّ -‬أنها ّ‬ ‫الحق ً‬‫ِّ‬ ‫أظن – والظّ ُّن ال يغني ِمن‬ ‫كنت ّ‬ ‫ألسنة العو ِّام‪ ،‬وأنا ُ‬‫ِ‬ ‫ائر على‬‫الس ِ‬
‫ّ‬
‫اس فيشربون ِمنها‬ ‫الن ُ‬‫بة التي كان َي ْش َرُعها ّ‬ ‫المتقادم موِرُد ال ّشار ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫العامة‪ ،‬فإذا ال ّشريعةُ في أصلِها‬ ‫ّ‬
‫روعا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الدو ُّ‬ ‫‪4‬‬
‫اب في الماء َش ْرًعا و ُش ً‬ ‫عت ّ‬‫الماء بفيه‪ ،‬وشر ْ‬ ‫َ‬ ‫ارد إذا تناول‬ ‫ويستقون( )‪ ،‬وقد قيل‪َ :‬ش َرع الو ُ‬
‫ألمحت إليها آنفًا كذلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الماء ِمنها‪ ،‬والمنطقةُ التي‬ ‫ِ‬ ‫در إلى‬ ‫َّ‬
‫دخلت‪ ،‬والشريعةُ‪ :‬المواضعُ التي ُي ْن َح ُ‬ ‫ْ‬
‫الشر ِ‬ ‫اإلبل إذا ورد بها على َّ‬ ‫ور َِ َد ِ‬ ‫وقد جاء في الم ِ‬
‫يعة لم‬ ‫َهون السَّقي التَّشريعُ‪" ،‬وذلك ّ‬
‫ألن ُم ِ‬ ‫ثل‪ :‬أ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ورَد‬ ‫ِ‬ ‫‪5‬‬ ‫إسقاء الم ِ‬
‫ِ‬
‫أن تُ َ‬ ‫اإلبل هو ْ‬ ‫سقي‬
‫أن َ‬ ‫بعيدا"( )‪ ،‬وقيل معناه ّ‬ ‫يتعب إذا كان ً‬ ‫ُ‬ ‫اء لها كما‬ ‫يتعب في‬
‫ْ‬
‫يعة ويترَكها فال‬ ‫الشر ِ‬
‫أن يوصلَها إلى َّ‬ ‫ِ‬
‫صاحبها على ْ‬‫ُ‬ ‫صر‬ ‫ثم ُيستقَى لها‪ ،‬فإذا ا ْقتَ َ‬ ‫شريعةُ الماء ّأوالً‪ّ ،‬‬
‫لكل ٍ‬‫َّقي‪ ،‬وهو مقدور عليه ِّ‬
‫ي‬‫أن َي ْرِو َ‬
‫ام ْ‬‫أحد‪ ،‬واّنما السَّقي التّ ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫أهون الس ِ‬ ‫ُ‬ ‫فإن هذا هو‬ ‫يستقي لها‪ّ ،‬‬
‫صاحبها(‪.)6‬‬
‫ُ‬ ‫اإلبل‬
‫َ‬

‫سنه اهلل ِ‬
‫لعباده وفرضه لهم‪ ،‬مأخوذةٌ‬ ‫أن َّ‬
‫الشريعةَ‪ ،‬وهي ما ّ‬ ‫تقدمني– ّ‬ ‫إخا ُل – كما يخا ُل َمن ّ‬
‫سميت كذلك "تشبيهًا‬ ‫ِ‬
‫الحدود‪ ،‬واّنما ِّ‬ ‫الحق‪ ،‬وظمأى المعر ِ‬
‫فة و‬ ‫ِّ‬ ‫مورد لطالّ ِب‬ ‫ِمن ذلك المعنى‪ّ ،‬‬
‫فكأنها ٌ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫المصدوقة ُرِوي وتطهّر"(‪.)7‬‬ ‫ِ‬
‫الحقيقة‬ ‫إن َمن َش َرع فيها على‬ ‫يعة الم ِ‬
‫بشر ِ‬
‫حيث ّ‬
‫اء من ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "شحذ"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األنباري‪ ،‬الزاهر‪ ،412/1 ،‬الحريري‪ ،‬درة الغواص‪.581 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "شحذ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "شرع"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شرع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شرع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.460/2 ،‬‬
‫(‪ )7‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.290 ،‬‬

‫‪101‬‬
‫ش ِ‬
‫اطر‪:‬‬ ‫‪ ‬ال ّ‬
‫ضاد؛ إذ‬
‫عتبة التّ ّ‬‫اق داللي يص ُل إلى ِ‬ ‫الساب ِ‬
‫ق‪ ،‬بل بينهما افتر ٌ‬ ‫ِ‬ ‫و"شاطر" الالّح ِ‬
‫ّ‬ ‫كشاطر ّ‬ ‫ق ليس‬
‫بخالف ذلك في ِ‬
‫كالم‬ ‫ِ‬ ‫األمر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سلبي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫هامشية مقيتة‪ ،‬و ُ‬ ‫ّ‬ ‫وظالل‬ ‫ق ذو إيحاءات ّ‬ ‫ّإنه في كالم ّ‬
‫أن أعياهم ُخ ْبثًا‪ ،‬وقيل‬ ‫ِ‬ ‫الالّح ِ‬
‫اغما أو مخالفًا بعد ْ‬ ‫قديما الذي نزح عن أهله وتركهم ُمر ً‬ ‫ق‪ ،‬فهو يعني ً‬
‫إن ال ّشاطر‬ ‫تقدم قيل ّ‬
‫مما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫ومصدره "الشطارة"‪ ،‬وفي معنى قريب ّ‬ ‫ُ‬ ‫ومؤدبه خبثًا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هو الذي أعيا أهلَه‬
‫غير االستواء‪ ،‬ولذلك قيل له‬ ‫األو َل بل يساوقُه‪ -‬هو الذي أخذ في نحو ِ‬ ‫ِ‬
‫–وهذا معنى ال يدافعُ ّ‬
‫أنظار ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫اء(‪ ،)1‬ولع ّل تفسير هذا التّطوِر يغدو قريباً باستر ِ‬
‫فاد‬ ‫ألنه تباعد عن االستو ِ‬ ‫شاطر؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحدهما على‬ ‫اء أصالن يد ّل ُ‬ ‫الر َ‬
‫اء و ّ‬ ‫الم ْع ِجبة في مقاييسه‪ ،‬فقد جنح إلى ّ‬
‫أن ال ّشين والطّ َ‬ ‫ٍ‬
‫فارس ُ‬
‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ق مأخوذةٌ ِمن‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخر على البعد والمواجهة( )‪ ،‬واخا ُل ّأنها في كالم ّ‬
‫ِ‬
‫نصف ال ّشيء‪ ،‬و ُ‬
‫ِ‬
‫األهل مراغمةً أو مخالفةً‪ ،‬أما في ِ‬
‫كالم‬ ‫ِ‬ ‫النزو ُح عن‬ ‫البعد و ّ‬
‫فارس‪ ،‬وهو ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬
‫ّ‬ ‫عرج عليه ُ‬ ‫الثّاني الذي ّ‬
‫تكون‬ ‫تكاد‬
‫يء؛ إذ ّإنها ُ‬ ‫نصف ال ّش ِ‬ ‫األو ِل‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫الالّح ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كأنها‪ -‬مأخوذةٌ من األصل ّ‬ ‫فكأنها –وأقول ّ‬‫ق ّ‬
‫ِ‬
‫بسهمه في‬ ‫يضرب‬ ‫يسم‬ ‫في العربي ِة المعاص ِرة مرادف ًة ل "ماهر" أو "ذكي"‪ ،‬وكأن من يوسم بهذا ِ‬
‫الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عرس له قرص"‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫دق فيه المث ُل وعليه‪" :‬في ِّ‬
‫كل‬ ‫ص َ‬ ‫ٌ ِ‬ ‫ك ّل ٍ‬
‫نصيب‪ ،‬ل َي ْ‬ ‫شطر أو‬
‫ٌ‬ ‫ليكون له منه‬
‫َ‬ ‫باب‬
‫شاطر يأخذ ِمن هنا وهناك ما ُ‬
‫يفيده‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فكأنه‬
‫ّ‬

‫‪َّ ‬‬
‫الشكيمة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وعارضة‬ ‫الش ِ‬
‫كيمة‪ ،‬والمعنى ّأنه ذو ٍّ‬
‫حد‬ ‫قوي َّ‬
‫فالن ُّ‬ ‫ات االصطالحي ِة ال ّش ِ‬
‫ائعة قولُنا‪ٌ :‬‬ ‫و ِمن التّعبير ِ‬
‫ّ‬
‫بي‪-‬‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫آخر‪ ،‬فاألص ُل – كما ورد في‬ ‫الحق أن هذا المعنى متخلّ ٌ ِ‬ ‫وقوِة ٍ‬
‫ق من َ‬ ‫قلب‪ ،‬و ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫قوِة‬ ‫المعترضةُ في ِ‬ ‫شكيمةُ اللِّ ِ‬
‫ِ َ‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫الفرس"( )‪،‬‬ ‫"قوتها تد ّل على ّ‬
‫أن ّ‬‫الفم( )؛ ذلك ّ‬ ‫جام‪ ،‬وهي الحديدةُ‬
‫ي على هذه‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫سائر في يو ِمنا هذا‪ ،‬وقد ّ‬
‫عرج ّ‬ ‫قد غدا أصالً ًا‬ ‫المتقادم ْ‬
‫َ‬ ‫المجاز‬
‫َ‬ ‫أن هذا‬ ‫واخا ُل ّ‬
‫ِ‬
‫المجاز(‪،)5‬‬ ‫اح عنه‪ ،‬وقد نسبه إلى ِ‬
‫باب‬ ‫ِ‬
‫المتقادم والمعنى المنز ِ‬ ‫المعنيين؛ المعنى‬
‫َ‬ ‫الماد ِة ُمْل ِم ًحا إلى‬
‫ّ‬
‫فمه‬
‫سد َ‬‫الفاعل ّ‬
‫َ‬ ‫كأن‬
‫الي إذا رشوتُه‪ّ ،‬‬
‫شكمت الو َ‬
‫ُ‬ ‫الكلمة المجازّي ِة قولُهم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استعماالت هذه‬ ‫و ِمن‬
‫الرسو َل – صلّى اهلل عليه وسلّم– فقال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫أن أبا طَ ْيبةَ َح َجم ّ‬
‫بالشكيمة‪ ،‬وقد جاء في الحديث ال ّشريف ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شطر"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "شطر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.497/2 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "شكم"‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ِ‬
‫شكيمة‬ ‫ابن األ ِ‬
‫ثير‪ -‬من‬ ‫يو ُ‬‫الزمخشر ّ‬
‫أجره‪ ،‬وأص ُل ذلك– كما يرى ّ‬
‫لهم‪ :‬ا ْش ُكموه"‪ ،‬والمعنى‪ :‬أعطوه َ‬
‫ك فاه عن ِ‬
‫القول(‪.)1‬‬ ‫كأنها تُمس ُ‬
‫جام‪ّ ،‬‬ ‫اللّ ِ‬

‫‪َّ ‬‬
‫الشلَل‪:‬‬
‫تقترن بها‬ ‫شلل ِ‬
‫اليد‪ ،‬بل‬ ‫كانت هذه الكلمةُ تقتصر على ِ‬ ‫ق‪ ،‬فقد‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َشل ُل الالّح ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫كشلل ّ‬ ‫ق ليس‬
‫يعضد‬ ‫ومما‬ ‫‪2‬‬ ‫لل يبس في ِ‬
‫ُ‬ ‫فسادها( )‪ّ ،‬‬‫ُ‬ ‫وذهابها‪ ،‬وقيل هو‬
‫ُ‬ ‫اليد‬ ‫إن ال ّش َ ُ ٌ‬‫الزما‪ ،‬فقيل ّ‬
‫اقترًانا لفظيًّا ً‬
‫ق‪:‬‬ ‫قول الالّح ِ‬ ‫لل ِ‬
‫باليد في ِ‬ ‫ان ال ّش ِ‬
‫مذهب اقتر ِ‬
‫َ‬
‫يوم أُحد"(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يده َ‬‫ُحد‪َ " :‬شلّت ُ‬
‫يوم أ ُ‬
‫‪ .1‬ما ورد في الحديث ال ّشريف َ‬
‫يدك وال تكلَ ْل‪.‬‬ ‫الدعاء‪ :‬ال تَشلَل ُ‬
‫‪ .2‬في ّ‬
‫ٍ‬
‫جعفر‬ ‫ابن‬
‫يوم أعلو َ‬ ‫‪ .3‬وفي ِ‬
‫قول ال ّش ِ‬
‫ت يميني‪َ ،‬‬ ‫اعر‪ " :‬ف َشلّ ْ‬
‫الخناصر(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫و َش ّل بناناها‪ ،‬و َش ّل‬
‫تتبعتُه‪ ،‬وقد‬ ‫لل ِ‬
‫باليد في اللّ ِ‬ ‫ان ال ّش ِ‬
‫إثبات اقتر ِ‬
‫يكثر إن ّ‬‫غالب‪ ،‬وهو ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ظاهر‬
‫ٌ‬ ‫بي‬
‫سان العر ِّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫الحق ّ‬
‫و ّ‬
‫يد لِما بها‬
‫صاحبها على ما ير ُ‬ ‫َ‬ ‫بأنها "المنتشرةُ العصب التي ال تواتي‬ ‫الء ّ‬‫اليد ال ّش َ‬ ‫ِ‬
‫األثير َ‬ ‫ابن‬
‫فسر ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الجسم‬ ‫عموم يشتم ُل على ِ‬
‫يبس‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫فتظهر داللتُه َ‬ ‫ُ‬ ‫أما ال ّشل ُل في العر ّبي ِة المعاصرِة‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬
‫من اآلفة"( )‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫اللي‬
‫الد ِّ‬
‫صحيح ّ‬
‫ِ‬ ‫تصدروا للتّ‬
‫ّ‬ ‫بعض الذين‬ ‫ِ‬
‫الجارحة‪ ،‬وقد خطّأ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬أو على‬‫ِ‬ ‫كلّه‪ ،‬أو على ِّ‬
‫شق‬
‫ُ‬
‫أن‬ ‫معتدين بما ورد في ال ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بي‪ ،‬ذاهبين إلى ّ‬ ‫معجم العر ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ذكره‬
‫المتقدم ُ‬ ‫الوجه‬ ‫استعمالَنا لها على هذا‬
‫اميس‬
‫أن نو َ‬
‫‪6‬‬
‫هو "الفالج" ال ال ّشل ُل( )‪ ،‬واخا ُل ّ‬ ‫اب‬
‫الصو َ‬
‫بأن ّ‬‫عموم‪ ،‬قائلين ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خصوص ال‬ ‫ذات‬
‫داللتَها ُ‬
‫ٍ‬
‫وجهة‬ ‫المتأخ ِر‪ ،‬واخا ُل – ِمن‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫على‬ ‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫ق لهذه ّ‬ ‫استعمال الالّح ِ‬ ‫تجيز‬ ‫اللي‬ ‫طوِر ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الد ّ‬ ‫التّ ّ‬
‫فتطرُح ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أهل اللّ ِ‬
‫أن في تخطئتِهم تكلّفاً وتضييقاً على ِ‬
‫تضيق ّ‬
‫ُ‬ ‫الكلمة قد‬ ‫داللة‬ ‫غة‪ ،‬فدائرةُ‬ ‫أخرى– ّ‬
‫نصيب ِمنها‪ ،‬وهذا الذي وقع‬‫ٌ‬ ‫الت جديدةً لم يكن لها‬ ‫فتستغرق م ْد َخ ٍ‬
‫ُ ُ‬ ‫وقد تتّسعُ‬
‫قد كان داخالً فيها‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫ي في‬ ‫الزمخشر َّ‬
‫أن ّ‬‫يعضد هذا ّ‬
‫ُ‬ ‫ومما‬
‫الجسم كافّة‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫بس فاستغرق‬ ‫في داللة ال ّشلَ ِل‪ ،‬فقد اتّسع ملحظُ ُ‬
‫الي ِ‬
‫ظاهر ِ‬
‫يؤذن‬ ‫مسوغٌ‬
‫‪7‬‬
‫عد قولِنا " ٌ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫فثم ّ‬‫بصرها‪ ،‬مجا اًز( )‪ّ .‬‬‫ُ‬ ‫عين شالّء"؛ أي ال ّذاهب‬ ‫أساسه جنح إلى ّ‬
‫الجسم‪.‬‬
‫َ‬ ‫لتشمل‬
‫َ‬ ‫اللة وانتقالِها‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫بتعميم هذه ّ‬

‫(‪ )1‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.496/2 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة " شلل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر الحديث‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.498/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر الشعر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "شلل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.498/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪.134 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "شلل"‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الص ْبر‪:‬‬
‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫المبالغة‪ ،‬ومعناه الذي ال يعاج ُل العصاةَ‬ ‫ِ‬
‫أبنية‬ ‫العلي ِة "الصَّبور"‪ ،‬وهو ِمن‬ ‫ِ‬
‫أسماء اهلل‬ ‫ِمن‬
‫ّ‬
‫يدور في‬ ‫ِ‬ ‫اآلدمي المخلو ِ‬ ‫باالنتقام و ِ‬
‫األخذ(‪ ،)1‬وقد يقعُ هذا‬ ‫ِ‬
‫المتعي ُن منه ُ‬
‫ّ‬ ‫ق‪ ،‬والمعنى‬ ‫ِّ‬ ‫الوصف على‬
‫ُ‬
‫الن ْفس على ما‬‫حبس ّ‬ ‫المكابدة‪ ،‬وهو عند الر ِ‬
‫اغب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الج َزِع و‬ ‫حم ِل واطّر ِ‬ ‫َفلَ ِك ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اح َ‬ ‫الداللة على التّ ّ‬
‫حبسها عنه( )‪ ،‬و ِمن ذلك قولُه –تبارك‪" :-‬أولئك ُي َ‬
‫‪2‬‬
‫جزون‬ ‫عما يقتضيان َ‬ ‫يقتضيه العق ُل وال ّشرعُ‪ ،‬أو ّ‬
‫مرضاة ِ‬
‫اهلل(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوصول إلى‬ ‫بر في‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪3‬‬
‫تحملوا من ّ‬ ‫صبروا"( )‪ ،‬والمعنى‪ :‬بما ّ‬ ‫الغرفةَ بما َ‬

‫متقادم‪ ،‬و"أص ُل‬ ‫بر لها أص ٌل‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وبع ٍ‬
‫ٌ‬ ‫أن داللةَ ّ‬
‫الباحث ّ‬
‫َ‬ ‫بي يلفي‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫فاحص في‬ ‫ود‬ ‫َ‬
‫يء‪ :‬حبسه‪،‬‬ ‫المعجم‪ :‬صبره عن ال ّش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة في‬ ‫ٍ‬
‫سياقات لهذه‬ ‫ومما ورد ِمن‬ ‫‪5‬‬
‫ِ‬
‫َ ََ‬ ‫الحبس"( )‪ّ ،‬‬‫ُ‬ ‫الصبر‬
‫الرسو ُل–صلّى اهلل عليه وسلّم– عن المصبورِة‪،‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ُّ‬
‫فقد صبره( )‪ ،‬ولذلك نهى ّ‬ ‫وكل َمن حبس شيئاً ْ‬
‫يحبس‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪7‬‬
‫َ‬ ‫وبيانها ْ‬
‫َّبر‪ُ ،‬‬ ‫يمين الص ْ‬
‫تقدم‪ُ :‬‬‫داللة ما ّ‬ ‫ينتسب إلى‬
‫ُ‬ ‫ومما‬
‫وهي المحبوسةُ على الموت( )‪ّ ،‬‬
‫ياح‪ ،‬فقد قيل لها‬ ‫تجوز وانز ٌ‬
‫اليمين المصبورةُ فيها ّ‬
‫يحلف بها‪ ،‬و ُ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫اليمين حتّى‬ ‫صاحبها على‬
‫َ‬ ‫ُّلطان‬
‫الس ُ‬
‫صبِر من أجلِها‪ ،‬أي ُحبِس‪،‬‬ ‫المصبور‪ ،‬واّنما ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة هو‬ ‫صاحبها في‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫مصبورة "محبوسة" ّ‬
‫األصلي ِة؛‬
‫ّ‬
‫اللة المتقا ِ‬
‫دمة‬ ‫الد ِ‬‫حمل على تلكم ّ‬ ‫ومما ُي َ‬
‫‪8‬‬
‫مجازا( )‪ّ ،‬‬‫ً‬ ‫أضيفت إليه‬
‫ْ‬ ‫بالصبر‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫فت‬ ‫ِ‬
‫فوص ْ‬
‫ابن‬
‫وقد جنح ُ‬
‫بر‪ْ ،‬‬‫الص ِ‬
‫بشهر ّ‬‫ِ‬ ‫رمضان‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫لشهر‬ ‫الحبس‪ ،‬وصفُه– صلّى اهلل عليه وسلّم–‬‫ِ‬ ‫أعني داللةَ‬
‫إن فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم "الحبس"؛ إذ ّ‬ ‫األصل‬ ‫لداللة‬ ‫سمي كذلك‬‫بأنه ّإنما ّ‬
‫الحديث ّ‬
‫َ‬ ‫تفسيره هذا‬ ‫األثير في‬
‫كاح(‪.)9‬‬
‫الن ِ‬‫اب و ّ‬ ‫فس عن الطّ ِ‬
‫عام وال ّشر ِ‬ ‫للن ِ‬
‫حبسا ّ‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،7/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.306 ،‬‬
‫(‪ )3‬اآلية( الفرقان‪.)75 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.307 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،7/3 ،‬وابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "صبر"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صبر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صبر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،8/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صبر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صبر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،7/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صبر"‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫آخر‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يف في رجل أمسك رجالً‪ ،‬وقتلَه ُ‬ ‫الحديث ال ّشر ُ‬
‫ُ‬ ‫المتقادم‬ ‫ومما جاء بالمعنى‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬ ‫يموت ِ‬
‫كفعله به( )‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للموت حتّى‬ ‫ابر"‪ ،‬والمعنى‪ :‬احبسوا الذي حبسه‬
‫َ‬ ‫الص َ‬
‫القاتل‪ ،‬واصبروا ّ‬
‫َ‬ ‫"اقتلوا‬
‫ِ‬
‫الحطيئة‪:‬‬ ‫العرب ِمن ِ‬
‫قول‬ ‫ِ‬ ‫تقدم ما ورد في ِ‬
‫شعر‬ ‫و ِمن ِ‬
‫مثل ما ّ‬
‫ويح ِك‪ ،‬أمثا ُل طر ٍ‬
‫يف قليل‬ ‫جاهدا‬ ‫َصبُِرها‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫قلت لها‪ :‬أ ْ‬
‫ُ‬
‫ص َب َرت نفسي على كذا‪ :‬حبستُها‪ ،‬واّنه‬ ‫ِ‬ ‫ومما جاء على ِ‬
‫ي قولُهم‪َ :‬‬
‫الزمخشر ّ‬
‫الحقيقة عند ّ‬ ‫وجه‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫يحبسني( )‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َليصبُِرني عن حاجتي‪:‬‬

‫بين أسمائِه‬
‫الخارجي‪ ،‬خولف َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫العالم‬ ‫أشياء كثي ٍرة في‬
‫َ‬ ‫عاماً يقعُ على‬
‫بر ّ‬ ‫الص ِ‬
‫ولما كان لفظُ ّ‬ ‫ّ‬
‫وضده الجزعُ‪ ،‬وا ْن كان‬‫ُّ‬ ‫صبرا‪،‬‬ ‫سمي‬ ‫ٍ‬
‫فس لمصيبة ِّ‬ ‫الن ِ‬
‫حبس ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫الحبس َ‬
‫ُ‬ ‫الختالف مواقعه‪ ،‬فإذا كان‬
‫سمي رحابةَ‬ ‫ض َجرٍة ِّ‬
‫الص ْب ُر في َم ْ‬ ‫الصبر في محار ٍ‬
‫الجبن‪ ،‬واذا كان ّ‬ ‫ُ‬ ‫وضده‬
‫ّ‬ ‫بة ُس ِّمي شجاعةً‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫المذل‪ ،‬ك ّل ذلك‬ ‫ُّ‬
‫وضده َ‬ ‫ِ‬
‫بالكتمان‪،‬‬ ‫الكالم ُو ِسم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إمساك‬ ‫الص ُبر في‬
‫جر‪ ،‬وا ْن كان ّ‬ ‫الض ُ‬
‫وضده ّ‬‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫صدر‪،‬‬
‫ِ‬
‫البأساء‬ ‫الصابرين في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصبر واطالقها‪" :‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫داللة‬ ‫عموم‬ ‫بلفظ‬ ‫اسمه–‬
‫ُ‬ ‫تقدس‬
‫يجمعه قولُه– ّ‬‫ُ‬
‫ِ ‪3‬‬
‫الض ّراء"( )‪.‬‬
‫و ّ‬

‫الص ْفقة‪:‬‬
‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫تكون معروفةً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ماد ِة "صفق"؛ إذ ّإنها ُ‬
‫تكاد‬ ‫ث عند معاني ّ‬ ‫الم ْك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن من فضول القول ُ‬
‫ِ‬
‫إخا ُل ّ‬
‫باليدين‪،‬‬
‫صويت َ‬ ‫ُ‬ ‫فمنها التّصفيق‪ ،‬وهو التّ‬‫فضالً عن كونِها ذائعةً مستعملةً في عربيتِنا المعاص ِرة‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫ظر والروي ِة هو تلمس الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫بكثير ِمن‬
‫االشتقاقي بين "صفّق"‬
‫ِّ‬ ‫ابط‬‫ُّ ّ‬ ‫الن ِ ّ ّ‬ ‫لطف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حق المساءلةَ‬
‫ولكن ما يست ّ‬‫ّ‬
‫وقد‬
‫للبائع والمشتري‪ْ ،‬‬ ‫الصفقةُ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫بحت صفقتُك‪ ،‬لل ّشراء‪ ،‬و ّ‬
‫الصفقةَ المبايعةُ‪ ،‬فيقال‪ :‬ر ْ‬ ‫إن ّ‬ ‫الص ْفقة؛ إذ ّ‬
‫و َّ‬
‫مادي هو‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫أصل‬ ‫يء(‪ ،)4‬وهي‪ ،‬في هذا كلِّه‪ ،‬مأخوذةٌ ِمن‬ ‫االجتماع على ال ّش ِ‬
‫ِ‬ ‫تكون بمعنى‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالبيعة والبي ِع‬ ‫يده‬
‫بي "تصافقوا‪ :‬والمعنى تبايعوا‪ ،‬وصفّق َ‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫صفيق؛ ذلك ّأنه جاء في‬
‫ُ‬ ‫التّ‬
‫ألم بها‬‫الصفقة" التي ّ‬
‫َّر داللةُ " ّ‬
‫ِّ‬
‫المتقدم تُفس ُ‬ ‫بيده على ِيده‪ ،‬وبهذا اإليضا ِح‬
‫على ِيده صفقًا‪ :‬ضرب ِ‬
‫البيع أو ال ّشراء‪" ،‬واّنما قيل‬ ‫ِ‬
‫انعقاد ِ‬ ‫آن‬ ‫ٍ‬
‫حركي يقعُ َ‬
‫ٍّ‬ ‫تصوير‬ ‫الداللةَ قائمةٌ على‬
‫أن هذه ّ‬ ‫تطوٌر؛ ذلك ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫أكثر هذه الفعلةَ في ّأيامنا‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬
‫كان َ‬ ‫ألنهم كانوا إذا تبايعوا تصافقوا باأليدي"( )‪ ،‬وما َ‬ ‫للبيعة صفقة ّ‬
‫يعقبه‬
‫كل ذلك قد ُ‬ ‫أي ما‪ُّ ،‬‬ ‫أمر أو ر ٍ‬‫البيع‪ ،‬أو االجتماعَ على ٍ‬ ‫إن المعاهدةَ‪ ،‬أو البيعةَ‪ ،‬أو‬
‫هذه؛ إذ ّ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.8/3 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "صبر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬الراغب‪ ،‬المفردات‪ ،307 ،‬واآلية( البقرة‪.)177 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفق"‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫العهد المقطوِع‪ ،‬ولع ّل هذه الداللةَ "الصَّفقة" في أي ِ‬
‫امها األ َُو ِل‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ووفاء بذلكم‬
‫ً‬ ‫توكيدا‬
‫ً‬ ‫فاق باأليدي‬
‫ص ُ‬ ‫التَّ ْ‬
‫اء‪ ،‬فقد ورد في‬ ‫ِ‬
‫بيعا وشر ً‬
‫عهدا وميثاقًا‪ ،‬وا ْن ً‬
‫إن ً‬ ‫االجتماع على ال ّشيء‪ْ ،‬‬
‫ِ‬ ‫تكن مقصورةً على‬‫لم ْ‬
‫أهل صفقتِك"‪،‬‬ ‫تقاتل َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكبائر أن‬ ‫إن ِمن ِ‬
‫أكبر‬ ‫ٍ‬
‫حديث شريف ّأنه –صلّى اهلل عليه وسلّم– قال‪ّ " :‬‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫اآلخر‪،‬‬ ‫يده في ِيد‬‫أحدهما َ‬
‫ألن المتعاهدين يضعُ ُ‬ ‫ثم ينكثَه‪ّ " ،‬‬
‫عهده وميثاقَه ّ‬
‫الرج ُل َ‬‫عطي ّ‬
‫أن ُي َ‬‫وهو ْ‬
‫باليدين"(‪.)1‬‬
‫ق َ‬ ‫المرةُ من التّصفي ِ‬
‫كما يفع ُل المتبايعان‪ ،‬وهي ّ‬

‫‪ ‬الص ِ‬
‫افن‪:‬‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مضمار إلى‬ ‫انتقلت داللتُها ِمن‬
‫ْ‬ ‫عصور العر ّبي ِة سيرةٌ وأطو ٌار‪ ،‬فقد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة في‬ ‫ِ‬
‫ولرحلة هذه‬
‫فهما لغويًّا معاص اًر يشطّ عن‬ ‫ٍ‬ ‫مضمار‪ ،‬وانبنى على هذا وقوعُ الالّح ِ‬
‫ٍ‬
‫فهمه لها ً‬
‫ق في إشكال باعثُه ُ‬
‫تلقاء‬
‫نظره َ‬ ‫الساجي الذي صرف َ‬ ‫ق تد ّل على ّ‬ ‫مكان طَرو ٍح؛ فهي في كالم الالّح ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ق إلى‬ ‫لساب ِ‬
‫معنى ا ّ‬
‫جالسا‬
‫ً‬ ‫الخاطر سواء أكان قائماً أم قاعداً أم‬ ‫ِ‬ ‫كثير ِمن التَّحداق وتسر ِ‬
‫يح‬ ‫ظر مع ٍ‬ ‫الن َ‬
‫شيء ما فأطال ّ‬ ‫ٍ‬
‫جنس ِمن‬ ‫ٍ‬ ‫ون يد ّل على‬ ‫الن ُ‬
‫الفاء و ّ‬
‫اد و ُ‬ ‫فالص ُ‬
‫ّ‬ ‫ق‪،‬‬ ‫الساب ِ‬
‫ولكن ذلك ليس كذلك عند ّ‬ ‫اكبا أم محموالً‪ّ ،‬‬ ‫أم ر ً‬
‫قدميه‬ ‫ٍّ‬ ‫األثير‪ُّ :‬‬
‫ِ‬ ‫قدميه(‪ ،)2‬وعند ِ‬ ‫ٍ‬ ‫افن عند ِ‬ ‫ِ‬
‫صاف َ‬ ‫كل‬ ‫ابن‬ ‫يصف َ‬ ‫ّ‬ ‫فارس هو الذي‬ ‫ابن‬ ‫الص ُ‬‫القيام‪ ،‬و ّ‬
‫افره(‪ ،)4‬وعند‬ ‫طرف حو ِ‬ ‫ِ‬ ‫منظور هو الذي قام على‬ ‫ٍ‬ ‫عند ِ‬
‫ابن‬ ‫افن برجلِه َ‬
‫‪3‬‬
‫الص ُ‬ ‫صافن( )‪ ،‬و ّ‬ ‫ٌ‬ ‫قائما فهو‬
‫ً‬
‫أعرف ما ُي َّميز به‬ ‫َ‬
‫‪5‬‬
‫بعض( )‪ ،‬ولع ّل‬‫ٍ‬ ‫بعضهما إلى‬ ‫َ‬ ‫الص ْف ُن الجمعُ بين ال ّشيئين ضا ّماً‬ ‫اغب َّ‬ ‫الر ِ‬
‫ّ‬
‫وم َسلِّماً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قائما لقائده ُم ْسل ًما ُ‬‫قدميه ً‬ ‫صافنا صافّاً َ‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫ي حين ُ‬ ‫المقام صورةُ العسكر ِّ‬ ‫ُّفون في هذا‬ ‫الص ُ‬
‫هيئة عسكرّي ٍة‬ ‫صافنا ثابتاً على ٍ‬ ‫ً‬ ‫للر ِ‬
‫ئيس فيقف‬ ‫ٍ‬
‫ض هو على موكب ّ‬ ‫ض عليه أو َي ْع ِر ُ‬ ‫عر ُ‬‫أو حين ُي َ‬
‫ِ‬
‫ثالث‬ ‫الفرس على‬ ‫يقوم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫أن َ‬ ‫ُّفون‪ْ :‬‬
‫بالخيل‪ ،‬فالص ُ‬ ‫تقترن‬
‫ُ‬ ‫السمةَ كانت‬
‫أن هذه ّ‬ ‫الحق ّ‬‫صوصة‪ ،‬و ّ‬ ‫مخ‬
‫غويين‬ ‫جل اللّ ّ‬ ‫األرض(‪ ،)6‬وهذا معنى أجمع عليه ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫بطرف ُس ْنُب ِكها‬
‫ِ‬ ‫الرابعةَ‪ ،‬إالّ ّأنه ينا ُل‬ ‫ائم ويرفعَ ّ‬ ‫قو َ‬
‫األثير و ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫اغب و ِ‬
‫ابن‬ ‫جستاني والر ِ‬
‫ِّ ّ‬ ‫الس‬
‫فارس و ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أمثال ابن قتيبةَ و ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫اإلثبات ِمن‬
‫ِ‬ ‫ير و‬ ‫بالتّقر ِ‬
‫صفة ٍ‬
‫فرس‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ابي في‬ ‫‪7‬‬
‫ٍ‬
‫ابن األعر ّ‬ ‫منظور( )‪ ،‬وقد أنشد ُ‬

‫(‪ )1‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،38/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.39/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ال ارغب‪ ،‬المفردات‪.317 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬الغريب‪ ،379 ،‬وابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "صفن"‪ ،‬والسجستاني‪ ،‬النزهة‪،301 ،‬‬
‫والراغب‪ ،‬المفردات‪ ،317 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،39/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مما يقوم على الثّ ِ‬
‫الث َكسيرا(‪.)1‬‬ ‫كأنه‬
‫ُّفون فال يزال ّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أَلف الص َ‬

‫ِ‬
‫الخيل‪ ،‬يقا ُل‬ ‫افن في‬ ‫الص ِ‬
‫جستاني فقال‪" :‬وأص ُل ّ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬
‫االستعمال ّ‬ ‫ِ‬
‫بأصل هذا‬ ‫صرح‬
‫ّ‬ ‫بل ّ‬ ‫وقد ألمح ْ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬
‫تعميما‬
‫ً‬ ‫أن‬
‫اهر ّ‬
‫الرابعة"( )‪ ،‬والظّ ُ‬ ‫بك ّ‬ ‫ائم وثنى ٌس ْن َ‬ ‫صافن إذا قام على ثالث قو َ‬ ‫ٌ‬ ‫الفرس فهو‬‫ُ‬ ‫صفَن‬‫َ‬
‫الليةُ‬
‫الد ّ‬
‫سعت دائرتُها ّ‬ ‫ثم اتّ ْ‬ ‫ِ‬
‫جستاني‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الس‬
‫يشهد به ّ‬ ‫ُ‬ ‫بالخيل‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يختص‬
‫ُّ‬ ‫دالليًّا وقع‪ ،‬فقد كان‬
‫انتقلت في‬ ‫ثم‬ ‫طوِر ّ‬ ‫الخيل وغيره‪ ،‬ولذلك و ِسم هذا الطَّ ِ‬
‫ْ‬ ‫تعميم‪ّ ،‬‬‫ٌ‬ ‫بأنه‬
‫اللي ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ور من التّ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قت‬
‫فاستغر ْ‬
‫النظر‬‫ق ّ‬ ‫أم ِل واحدا ِ‬ ‫كثير من التّ ّ‬‫هيئة ِمن التّراخي مع ٍ‬ ‫الص ْفنة على ٍ‬ ‫ليغدو الصُّفون و َّ‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫الرسول ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫فهم الالّح ِ‬ ‫ِ‬
‫أمثلة ِ‬ ‫ِ‬
‫نهي ّ‬
‫معاصر ُ‬ ‫ًا‬ ‫فهما‬
‫ق لهذه الكلمة ً‬ ‫تقدم ْقبالً‪ ،‬ومن‬‫الخاطر كما ّ‬ ‫يح‬
‫وتسر ِ‬
‫ِ‬
‫المنتقاة التي‬ ‫افن‪ ،‬وقد ذهب جميع أبناء العربي ِة ِمن ِ‬
‫الفئة‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬عن صالة ّ‬
‫ِ‬
‫لداللة‬ ‫خاطره وصفن؛ ولم يكن‬ ‫سرح‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫افن ههنا هو الذي ّ‬ ‫الص َ‬
‫أن ّ‬ ‫أوردتها على هذا الحديث إلى ّ‬
‫ِ‬
‫حديث‬ ‫افن في‬
‫فالص ُ‬
‫ّ‬ ‫اف‪ ،‬وأين هذا ِمن ذاك؟‬ ‫فسير وال في االستشر ِ‬ ‫بيانها حظٌّ في التّ ِ‬ ‫المتقدِم ُ‬
‫ِّ‬ ‫الساب ِ‬
‫ق‬ ‫ّ‬
‫دال قال رسو ُل اهلل‬ ‫حديث آخر ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫‪3‬‬
‫قدميه( )‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الرسول –صلّى اهلل عليه وسلّم– هو الذي يجمعُ َ‬ ‫ّ‬
‫الن ِار"‪ ،‬والمعنى‪:‬‬ ‫مقعده ِمن ّ‬ ‫َ‬ ‫صفوناً فليتبوْأ‬ ‫اس ُ‬ ‫الن ُ‬
‫يقوم له ّ‬‫سره أن َ‬‫‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪َ " :-‬من ّ‬
‫القيام(‪.)4‬‬
‫َ‬ ‫ُيديمون له‬

‫الضابطُ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫أسه‪ٌّ ،‬‬
‫دال‬ ‫مصطلح قائم بر ِ‬ ‫اليوم‬ ‫عهد؛ إذ ّإنه‬
‫ق به ٌ‬ ‫للساب ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ ٌ‬ ‫َ‬ ‫وللضابط عند الالّحق معنى ليس ّ‬ ‫ّ‬
‫أمس‪ ،‬فقد‬‫الرتَب‪ ،‬وليس ذلك كذلك ِ‬ ‫ِ‬ ‫بنات حقلِها ّ‬‫تبة عسكري ٍة لها موقعها بين ِ‬ ‫على ر ٍ‬
‫اللي من ّ‬‫الد ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫جار على‬ ‫تعبير ٍ‬ ‫وحبسه‪ ،‬و ِمنه قولُنا–وهو‬ ‫َّبطَ هو لزوم ال ّش ِ‬
‫يء‬ ‫أن الض ْ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بي ّ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫جاء في‬
‫ِ‬
‫البطش‬ ‫شديد‬ ‫ديد‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫القوي ال ّش ُ‬ ‫الضابطُ فهو‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أما ّ‬ ‫ض َبط عليه‪ ،‬وضبطه‪ّ .‬‬ ‫اليوم واألمس‪َ -‬‬ ‫األلسنة َ‬
‫داللة الض ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن‬
‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫اليوم‬
‫َ‬ ‫ابط‬ ‫ّ‬ ‫وبالعود ثانيةً على‬‫َ‬ ‫بعير ضابطٌ كذلك(‪،)5‬‬ ‫القوِة والجسم‪ ،‬وقيل‪ٌ :‬‬ ‫و ّ‬
‫بالض ّد‬
‫ّ‬ ‫األمر‬
‫ق‪ ،‬و ُ‬ ‫محدداتِها عند الالّح ِ‬
‫ليست ِمن ّ‬ ‫ْ‬ ‫الجسميةَ مطّ َرحةٌ ِمن دائ ِرة داللتِها؛ إذ ّإنها‬
‫ّ‬ ‫القوةَ‬
‫ّ‬
‫ق‬‫فالضابطُ اليوم لم يرت ِ‬ ‫اإلحكام‪،‬‬ ‫الضبطُ و‬
‫الجامع فلعلّه ّ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬
‫المْل َم ِح ّ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أما عن َ‬ ‫ق‪ّ ،‬‬ ‫في كالم ّ‬
‫باإلحكام والض ِ‬
‫بط فاستأهلَها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أحسن عملَه‬ ‫لما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الرفيعة إالّ ّ‬ ‫الرتبة ّ‬‫إلى ّ‬

‫(‪ )1‬انظر الشعر في األساس واللسان تحت مادة "صفن"‪.‬‬


‫(‪ )2‬السجستاني‪ ،‬النزهة‪.297 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.39/3 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر الحديث‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،39/3 ،‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صفن"‪.‬‬
‫(‪ ) 5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ضبط"‪ ،‬وانظر حديث ابن األثير عن مادة "ضبط" في النهاية‪.72/3 ،‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ ‬ال ِمضمار‪:‬‬
‫الد ِ‬
‫اللة من‬ ‫ِ‬
‫انتقال ّ‬ ‫يصدق عليه هيئةُ‬ ‫تطوًار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المضمار في سيرورة العر ّبية ّ‬ ‫رت داللةُ‬
‫تطو ْ‬
‫وقد ّ‬
‫ْ‬
‫المجرِد‪ ،‬ولع ّل في استعمالي لها قُبيل ٍ‬
‫قليل في‬ ‫َّ‬ ‫المعنوي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫ِ‬
‫المحسوس إلى‬ ‫المادي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬
‫ع" أو‬
‫تكاد "الموضو َ‬
‫ادف أو ُ‬ ‫يكتنف هذه الكلمةَ؛ إذ ّإنها تر ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المباحثة إبانةً عن المعنى الذي‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫المتقادم‪ ،‬فاألص ُل‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ولكن ذلك ليس كذلك في‬ ‫ِ ِ‬
‫يدور في َفلَك تَْين َك الكلمتَين‪ّ ،‬‬ ‫المجال" أو ما ُ‬
‫َ‬ ‫"‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫ٍ‬
‫ولحوق‬
‫ُ‬ ‫ُّم ُر هو اله از ُل‬
‫فارس يد ّل على دقّة في ال ّشيء( )‪ ،‬وقيل الض ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬
‫يض الذي ّنبه عليه ُ‬ ‫العر ُ‬
‫طيف‬ ‫ِ‬
‫البطن اللّ ُ‬ ‫َّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬
‫ِ‬
‫المهَض ُ‬
‫الرجال في التّهذيب ُ‬ ‫َّم ُر من ّ‬ ‫ضامر وجم ٌل‪ ،‬والض ْ‬ ‫ٌ‬ ‫البطن( )‪ ،‬ومنه قيل ناقةٌ‬
‫ذكره آنفًا‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪3‬‬
‫تقدم ُ‬ ‫عما ّ‬ ‫المضمار– فهو ليس ببعيد ّ‬ ‫ُ‬ ‫المباحثة‪-‬وهو‬ ‫أما موضوعُ هذه‬ ‫الجسم( )‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫العرب‬ ‫مير عند‬ ‫ض ِ‬ ‫ض َّمر فيه الخي ُل‪ ،‬وهيئةُ ذلكم التّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌّ‬
‫الموضع الذي تُ َ‬
‫ِ‬ ‫المتقادم على‬ ‫دال في المعنى‬
‫ق أو‬‫للسبا ِ‬
‫ضمر فيها الخي ُل ّ‬ ‫لألي ِام التي ُي َّ‬
‫المضمار وقتًا ّ‬‫ُ‬ ‫ويكون‬
‫َ‬ ‫علف قوتًا بعد سمنِها‪،‬‬
‫أن تُ َ‬
‫فيذهب عنها‬
‫َ‬ ‫تعرق تحتَها‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن ُي َش َّد عليها السُّرو ُج‪ ،‬وتجلّ َل باألجلّ ِة حتّى‬
‫تضميرها ْ‬
‫ُ‬ ‫كض‪ ،‬وقيل‬‫الر ِ‬ ‫ّ‬
‫ضمير‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫غير ُم ْعنفين بها‪ ،‬وهذا هو التّ ُ‬ ‫خفاف ُي ْجرونها َ‬ ‫ٌ‬ ‫مان‬
‫حم َل عليها غل ٌ‬ ‫وي َ‬‫لحمها‪ُ ،‬‬
‫ويشتد ُ‬ ‫َرَهلُها‬
‫ضم ُر فيه الخي ُل‪ ،‬وقد‬
‫الموضع الذي تُ َّ‬ ‫ق على‬ ‫المضمار قد ُيطلَ ُ‬ ‫أن‬ ‫‪4‬‬ ‫وِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ضمار( )‪ ،‬والمستصفَى ّ‬ ‫ُ‬ ‫الم‬
‫ِ‬
‫البحث هو ‪"....‬‬ ‫مضمار هذا‬ ‫أن في قولِنا "‬ ‫‪5‬‬
‫لألي ِام التي‬
‫ُ‬ ‫تضمر فيها( )‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫َّ‬ ‫يكون وقتًا ّ‬ ‫ُ‬
‫الليةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫انزياحا لد ِ‬
‫الد ّ‬
‫سعت دائرتُها ّ‬
‫ثم اتّ ْ‬ ‫تضمير الخيل‪ّ ،‬‬ ‫تقتصر على موض ِع‬ ‫ُ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬ ‫المضمار؛ إذ‬ ‫اللة‬ ‫ً‬
‫ينتسب‪ ،‬وقد جعل‬ ‫آخر أو مجالَه الذي إليه‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫أي شيء َ‬ ‫موضع ِّ‬‫َ‬ ‫ادت عليه‬
‫المتقد َم وز ْ‬
‫ّ‬ ‫فشملت‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫تضمير‬ ‫ِ‬ ‫مضمار ال ّش ِ‬
‫الداللي الذي هو موضعُ‬
‫ِّ‬ ‫باألصل‬ ‫وفاء‬
‫مجاز ً‬ ‫ًا‬ ‫عر‬ ‫ُ‬ ‫الغناء‬
‫ُ‬ ‫ي قولَهم‪:‬‬ ‫الزمخشر ُّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الخيل(‪.)6‬‬

‫ي‪:‬‬
‫الع ْبقر ّ‬
‫‪َ ‬‬
‫عرج عليه‬ ‫ِ‬
‫متقادم ّ‬
‫ٌ‬ ‫دالليين قد اعتراها؛ ّأولهما‬
‫ّ‬ ‫تطوَرين‬
‫أن ّ‬‫يجد ّ‬
‫ي" ُ‬ ‫اظر في داللة "العبقر ّ‬
‫الن ُ‬
‫وّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫حادث متخلّ ٌ ِ‬ ‫مقررين ومثْبِتين‪ ،‬وثانيهما‬
‫األو ُل فقد قيل ّ‬
‫طوُر ّ‬ ‫أما التّ ّ‬
‫األول‪ّ .‬‬
‫ق من ّ‬ ‫ٌ‬ ‫المعجميون ّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "ضمر"‪ ،‬وقد أشار إلى أصل آخر‪ ،‬وهو تستر الشيء وغيبته‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ضمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "ضمر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،98/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ضمر"‪ ،‬وانظر الكفوي‪ ،‬الكليات‪.568 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،98/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ضمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "ضمر"‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫ِ‬
‫األثير هذا‬ ‫ابن‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫الجن( )‪ ،‬وقد استشرف ُ‬ ‫كثير ّ‬ ‫منسوب إلى "عبقر"‪ ،‬وهو موضعٌ في البادية ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬
‫العبقر َّ‬
‫ي‪ ،‬فيما قيل‪،‬‬ ‫الداللة ُمبِ ٍ‬ ‫مشر ِ‬
‫ونص ِ‬ ‫اللي بعبا ٍرة مجلّ ٍ‬
‫ين‪ ،‬فقال‪" :‬واألص ُل في العبقر ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ية‪،‬‬ ‫الد َّ‬ ‫طوَر ّ‬ ‫التّ ّ‬
‫ق‪ ،‬أو‬ ‫يسكنها الجن فيما يزعمون‪ ،‬فكلّما أَروا شيئاً فائقًا غريبا مما يصعب عملُه ِ‬
‫ويد ّ‬ ‫ُ‬ ‫أن َع ْبقَ َر قريةٌ‬
‫ُ‬ ‫ً ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكبير"(‪،)2‬‬
‫ُ‬ ‫السّي ُد‬
‫سمي به ّ‬ ‫ثم اتُّ ِسع فيه حتّى ِّ‬ ‫ي‪ّ ،‬‬ ‫عظيما في نفسه نسبوه إليها‪ ،‬فقالوا‪ :‬عبقر ّ‬ ‫ً‬ ‫شيئا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫باليمن يو ّشى‬ ‫بلد‬
‫عبقر" ٌ‬ ‫ِ‬
‫أن كلمةَ " َ‬ ‫ي صفةٌ لك ّل ما بولغ في وصفه‪ ،‬وأصلُه ّ‬ ‫أصل العبقر ّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫وقيل ّ‬
‫فيع(‪.)3‬‬ ‫شيء ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منسوب إلى‬ ‫فغدت مثالً لك ّل‬ ‫أجود الثّ ِ‬
‫ياب‪،‬‬ ‫يابها ُ‬
‫ْ‬ ‫وغيرها‪ ،‬وث ُ‬‫الب ُسطُ ُ‬ ‫فيه ُ‬
‫اللي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ّ‬‫طوُر ّ‬ ‫تعيين أصل االستعمال‪ُ -‬يلتَ َم ُس منه التّ ّ‬ ‫اختالفه في‬ ‫تقدم – على‬‫أن ما ّ‬ ‫أحسب ّ‬ ‫ُ‬
‫أن اإلجابةَ‬ ‫ِ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ٍ ِ َّ ِ‬
‫الحق ّ‬
‫الحادث‪ ،‬و ّ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫رجيع من الت ْسآل عن التّ ّ‬ ‫ولكن هذا يفضي إلى‬ ‫المتقادم‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫إن‬
‫بي‪ ،‬فقد قيل ّ‬ ‫ِ‬
‫ي في المعجم العر ِّ‬ ‫تحت العبقر ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫استحضار المعاني التي تقعُ‬ ‫آن‬
‫تتبدى َ‬ ‫تقدم ّ‬ ‫عما ّ‬ ‫ّ‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬وقيل‬ ‫وقويهم‬
‫وشديدهم ّ‬ ‫ُ‬ ‫وكبيرهم‬
‫ُ‬ ‫سي ُدهم‬
‫قوم‪ ،‬أي ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫فيقال‪ :‬هذا عبقر ُّ‬ ‫السّي ُد‪ُ ،‬‬
‫ي هو ّ‬ ‫العبقر َّ‬
‫ُ‬
‫أن‬
‫يظهر ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الجوهر(‪ ،)4‬ولعلّه‬ ‫لفاخر من الحيو ِ‬
‫ان و‬ ‫ديد‪ ،‬وقيل‪ :‬ا ُ‬ ‫شيء‪ ،‬وقيل‪ :‬ال ّش ُ‬
‫ٌ‬ ‫هو الذي ليس فوقَه‬
‫وغدت تد ّل في عر ّبيتِنا‬‫ْ‬ ‫ي" قد اختُِزلت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن دائرةَ داللة كلمة "العبقر ّ‬ ‫داللياً وقع‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫تخصيصا‬
‫ً‬ ‫ثم‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ثانية‪ّ ،‬أننا ال‬ ‫ٍ‬
‫وجهة‬ ‫نبوغا ومعرفةً‪ ،‬وليس يخفى‪ِ ،‬من‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫الممتاز‬ ‫ذكاء‪ ،‬و‬ ‫المعاص ِرة على المتوقِّد‬
‫ً‬
‫الفاخر ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ابق‪ ،‬فليس عندنا بال ّش ِ‬
‫ديد‪ ،‬ال وال‬ ‫الس ُ‬‫بعض معانيه‪-‬كما عرفه ّ‬ ‫ِ‬ ‫ي –في‬ ‫نعرف العبقر َّ‬
‫ُ‬
‫أن ال لُ ْحمةَ بين المعنيين؛ معنى‬ ‫ِ‬ ‫الحيو ِ‬
‫يذهب بي الظّ ّن إلى ّأنني أُْلم ُح إلى ْ‬ ‫ُ‬ ‫ان‪ ،‬وال القويِّ‪ ،‬وليس‬
‫يكون له مزّيةٌ بيننا‪ ،‬ولذا فهو‬ ‫أن‬ ‫ي عندنا ال ّ ِ‬ ‫ق والالّح ِ‬ ‫الساب ِ‬
‫َ‬ ‫بد من ْ‬ ‫ق‪ ،‬فذلك ليس كذلك‪ ،‬فالعبقر ُّ‬ ‫ّ‬
‫مي َز‪.‬‬ ‫فيع المتمي ِِّز‬ ‫ِ‬
‫يكون الجامعُ التّ ّ‬
‫المطاع‪ ،‬وقد ُ‬‫ِ‬ ‫الر ِ‬
‫كالسّيد ّ‬
‫ّ‬

‫الع َربون‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫جار‪ ،‬فيقال‪ :‬عربان‪ ،‬وعربون‪ ،‬وعربون‪ ،‬و ِ‬
‫المقص ُد‬ ‫ِ‬
‫صعيد التّجارِة والتّ ِ‬ ‫مصطلح ذائعٌ على‬
‫ٌ‬
‫ُْ‬ ‫ََ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬
‫المتعي ُن منه ّأنه ما ُعقد به البيعةُ من الثّمن( )‪ ،‬ولعلّه– بعبارٍة َ‬
‫‪5‬‬
‫ي‬‫يكون بأن يشتر َ‬
‫ُ‬ ‫أبين وأجلى–‬ ‫ّ‬
‫ضرب‬ ‫من‪ ،‬وا ْن َ‬‫البيع ُح ِسب ِمن الثّ ِ‬
‫َ‬ ‫إن أمضى‬ ‫ويدفع إلى صاحبِها ً‬
‫شيئا على ّأنه ْ‬ ‫َ‬ ‫السلعةَ‪،‬‬
‫المرُء ّ‬
‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫تجع المشتري "العربون"(‪ ،)6‬وفع ُل هذا في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلعة‪ ،‬ولم ير ْ‬ ‫لصاحب ّ‬ ‫صفحا كان‬‫ً‬ ‫عنها‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،173/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عبقر"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة‬
‫"عبقر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،173/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عبقر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عبقر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عبقر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عرب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.202/3 ،‬‬

‫‪109‬‬
‫جذر‬
‫أن َ‬ ‫اهر ّ‬
‫الع َربون‪ ،‬والظّ ُ‬
‫وع ْربن‪ ،‬ك ّل ذلك إذا أعطى َ‬ ‫وعرب تعر ًيبا‪َ ،‬‬
‫َع َرب إعرًابا‪َّ ،‬‬
‫بي هو‪ :‬أ ْ‬‫العر ِّ‬
‫ِ‬
‫الجامعة‬ ‫ق ِمنه‪ ،‬فاألص ُل في داللتِه‬ ‫ِ‬
‫أوصال ما ُيشتَ ّ‬ ‫الكلمة‪ ،‬وهو "عرب"‪ ،‬يظ ّل يسري في‬ ‫ِ‬ ‫هذه‬
‫ِ‬ ‫الكلّّي ِة‪ :‬اإلبانةُ و‬
‫اإلفصاح( )‪ ،‬و ِمنه أعرب ّ‬
‫‪1‬‬
‫حمل على‬‫ومما ُي َ‬
‫الرج ُل عن نفسه‪ ،‬إذا ّبين وأوضح‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ق بين المعاني في اإلعر ِ‬
‫اب‪،‬‬ ‫المتقدِم‪ ،‬فبه ُي ْف َر ُ‬
‫ّ‬ ‫ينقاس على المعنى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكالم‪ ،‬فهو‬ ‫اب‬
‫تقدم إعر ُ‬
‫مثل ما ّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫المفعول(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫كالفاعل و‬

‫الخاطر وهو‬ ‫قد يشطّ‬ ‫بون؟ ْ‬‫العر ِ‬


‫اب و َ‬ ‫الداللي الجامع بين َذ ْينِ َك اللّفظَين؛ اإلعر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولكن‪ ،‬ما الوجهُ ّ ّ‬ ‫ْ‬
‫المعجميون‬
‫ّ‬ ‫يقف عليه‬
‫بأن َ‬ ‫ويةَ أذنا ْ‬
‫الر ّ‬
‫نقير و ّ‬
‫ولكن التّ َ‬
‫الجامع‪ ،‬وقد يتع ّذ ُر عليه ذلك‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يتلم ُس الوجهَ‬ ‫ّ‬
‫كالمصطلح‬ ‫الع َربون"‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫داللياً وقع‪ ،‬فأصبح " َ‬ ‫ّ‬ ‫تطوًار‬
‫ثم ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫مقررين على وجه من التّعيين ّ‬ ‫القدماء ّ‬‫ُ‬
‫غيره‬ ‫ٍ‬ ‫ائع‪ ،‬وقد س ِّمي بذلك ألن فيه إعرابا ِ‬
‫إصالحا وازالةَ فساد لئالّ يمتل َكه ُ‬
‫ً‬ ‫البيع‪ ،‬أي‬
‫ِ‬ ‫لعقد‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ال ّذ ِ‬
‫حوي ِة‬
‫الن ّ‬
‫يقف كذلك على المعاني ّ‬ ‫مفص ًحا ُمبِيناً‪ ،‬وكما ُ‬‫نفسه ِ‬ ‫باشترائِه(‪ ،)3‬وكما يع ِرب اإلنسان عن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫لينبني على إع اربِه‬ ‫فإنه يعرب عن نيتِه وهواه في ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفاعل ِمن‬
‫َ‬ ‫البيع‪،‬‬
‫عقد ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫المفعول‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُم ْع ِرًبا ُ‬
‫وم َعيِّناً‬
‫اب المشتري "عربونه"‪،‬‬ ‫حوي‪ ،‬واعر ِ‬
‫الن ّ‬ ‫اب ّ‬ ‫جلياً؛ إعر ِ‬
‫بونا بين اإلعرَابين ّ‬ ‫ولكن ً‬ ‫ّ‬ ‫اء‪،‬‬
‫ك واشتر ٌ‬ ‫ذاك تملّ ٌ‬
‫ِ‬
‫اإلبانة‬ ‫قائم على‬ ‫ِ‬
‫بالحركات والتّ ِ‬ ‫حوي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األخير ٌ‬
‫قدير‪ ،‬و ُ‬ ‫الن ّ‬
‫وتعيين المعاني ّ‬ ‫اإلبانة‬ ‫قائم على‬ ‫فاألو ُل ٌ‬
‫ّ‬
‫للبيع وال ّشر ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫مقدمةً ِ‬‫يع ّد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وتعيين التّملّ ِك وال ّشر ِ‬
‫ِ‬
‫فع‪ ،‬ولو بشيء َ‬
‫بالد ِ‬
‫اء ّ‬

‫‪َ ‬عرَقل‪:‬‬
‫حق‪ ،‬فالعرقلةُ في‬ ‫اضع عليه الالّ ُ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق معنى ليس كالمعنى الذي تو َ‬ ‫وللعرقلة في كالم ّ‬
‫الرج ُل إذا جاز‬ ‫معان متقار ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عويج‪ ،‬وقد يقال‪ :‬عرقل ّ‬ ‫تكون التّ َ‬
‫ُ‬ ‫بة‪ ،‬فقد‬ ‫بي تشتم ُل على‬ ‫المعجم العر ّ‬
‫الدواهي‪،‬‬
‫العراقي ُل‪ّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كالما ليس بمستقيم‪ ،‬و َ‬‫ً‬ ‫عوجه وأدار عليه‬ ‫كالمه‪ّ :‬‬‫َ‬ ‫القصد‪ ،‬وعرقل عليه‬ ‫عن‬
‫نت‬
‫عما ُذكر آنفًا‪ ،‬ولعلّها اقتر ْ‬ ‫ِ‬ ‫صعابها(‪،)4‬‬ ‫ِ‬
‫اليوم ليس ببعيد ّ‬
‫ولكن معنى العرقلة َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫األمور‪:‬‬ ‫وعراقي ُل‬
‫حم ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جسمي ٍة ّ‬ ‫ٍ‬
‫وقد تُ َ‬
‫القصد‪ْ ،‬‬ ‫ليجوز عن‬
‫َ‬ ‫لآلخر ليتعثّر‪ ،‬أو‬ ‫يده‬
‫يمد فيها المرُء رجلَه أو َ‬ ‫ّ‬ ‫بحركة‬
‫ِ‬
‫المتقادم‬ ‫أن بين المعنى‬‫يظهر ّ‬ ‫ق‪ ،‬والذي‬‫يكاد يكو ُن مرادفًا للتّعوي ِ‬
‫ي ُ‬ ‫آخر مجاز ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫العرقلةُ على محمل َ‬
‫حميمين‪.‬‬ ‫ونسبا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والحادث لحمةً ً‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عرب"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عرب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،202/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عرب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عرقل"‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ ‬التّعزير‪:‬‬
‫الجاني‬ ‫الحد ِ‬
‫لمنعه‬ ‫ضرب دون ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫رده‪ ،‬والتّعز ُير‬
‫عزره إذا ّ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫األضداد ‪ ،‬فيقا ُل ّ‬ ‫وهذه كلمةٌ ِمن‬
‫َ‬
‫تقدم‪ ،‬وهو‬
‫آخر يقاب ُل ما ّ‬ ‫أشد ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫وثم معنى ُ‬ ‫الضرب‪ّ ،‬‬ ‫المعصية‪ ،‬وقيل هو ّ‬ ‫وردعه عن‬ ‫المعاودة‪،‬‬
‫أعداءه‪ ،‬ومنعتَهم‬
‫َ‬ ‫رددت عنه‬
‫َ‬ ‫فكأن َمن نصرتَه قد‬ ‫الرّد‪ّ " ،‬‬
‫صر‪ ،‬وأص ُل ذلك كلّه المنعُ و ّ‬ ‫الن ُ‬
‫وقير و ّ‬
‫التّ ُ‬
‫غوي ال‬ ‫اليوم فهي ِ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫تقدم افت ارقًا يسي اًر؛ ذلك ّأنها في ُعرفنا اللّ ّ‬ ‫عما ّ‬
‫مفترقةٌ ّ‬ ‫أما داللتُها َ‬ ‫من أذاه" ‪ّ .‬‬
‫ٍ‬
‫متعاقبة‪ّ :‬أولها‬ ‫مرت بأطو ٍار‬ ‫تشيع إالّ بمعنى التّ ِ‬
‫إن داللةَ "التّعزير" ّ‬ ‫قال ّ‬
‫أن ُي َ‬‫يستقيم ْ‬
‫ُ‬ ‫أديب‪ ،‬ولعلّه‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫مر ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫األصل على معنى عام‪ ،‬وهو المنع‪ ،‬والمنع يقع بالتّ ِ‬
‫أديب‪ ،‬ويقعُ بالتّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم ّ‬‫صر‪ّ ،‬‬ ‫وقير و ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫داللةُ‬
‫بطور آخر ٍ‬
‫األخير اقتصر‬
‫َ‬ ‫ور‬ ‫أن هذا الطّ َ‬‫أديب‪ ،‬والحاص ُل ّ‬ ‫إلف‪ ،‬وهو التّ ُ‬ ‫جديد لنا به ٌ‬ ‫ٍ َ‬ ‫الداللةُ‬
‫هذه ّ‬
‫تضييق لدائرِة المعنى التي تترّبعُ عليها هذه الكلمةُ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫احد‪ ،‬واطّرح اآلخر؛ فهو‬ ‫ملمح داللي و ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫على‬
‫ّ‬
‫لتعزروه وتوقّروه‪.)3(‬‬ ‫ِ‬
‫المتقادم‪ّ :‬‬ ‫يز بالمعنى‬ ‫وردت في التّنزيل العز ِ‬ ‫ْ‬ ‫وقد‬
‫ْ‬

‫كرية‪:‬‬
‫س ّ‬ ‫الع ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫ائح‬ ‫ِ‬ ‫بالج ِند والمقاتلين‪،‬‬
‫بأن للعسكرّية أصوالً ولو َ‬ ‫وغدونا نسمعُ ّ‬ ‫َ‬ ‫نت هذه الكلمةُ ُ‬ ‫وقد اقتر ْ‬
‫ِ‬
‫العسكر الجمعُ‪،‬‬ ‫تطوٌر‪ ،‬فأص ُل‬ ‫ِ‬
‫ألم به ّ‬
‫مما ّ‬ ‫يجد ّأنها ّ‬
‫بي ُ‬ ‫المعجم العر ِّ‬ ‫اظر في‬
‫الن َ‬
‫ولكن ّ‬
‫مخصوصةً‪ّ ،‬‬
‫عسكر‪،‬‬ ‫الخارجي‪ ،‬فجماعةُ الر ِ‬
‫جال‬ ‫ِ‬
‫العالم‬ ‫ٍ‬
‫متباينة في‬ ‫أشياء‬ ‫الجمع قد يقعُ على‬ ‫أن‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وليس يخفى ّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‪،‬‬ ‫الكثير من ك ّل‬ ‫العسكر‬ ‫إن‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عسكر( )‪ ،‬وقد قيل ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الكالب‬ ‫عسكر‪ ،‬وجماعةُ‬
‫ٌ‬ ‫الخيل‬ ‫وجماعةُ‬
‫ِ‬
‫الداللةُ‬ ‫الباعث على تسمية َع َرفةَ و ِمنى َ‬
‫بالع ْس َك َرين هو هذه ّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫تجمع‪ ،‬واخا ُل ّ‬ ‫ِ‬
‫بالمكان‪ّ :‬‬ ‫وقد عسكر‬
‫معسكرهم‬
‫ُ‬ ‫يفيض‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫الحجيج تعسكر "تجتمع" في عرفةَ ّ‬ ‫ِ‬ ‫جم َع‪ ،‬فجموعُ‬
‫الجمع أو التّ ّ‬
‫َ‬ ‫الكلّّيةُ(‪ ،)5‬أعني‬
‫ِ ‪6‬‬
‫ولما كان‬
‫ون َعمه( )‪ّ ،‬‬ ‫جماعة مالِه َ‬
‫ِ‬ ‫الرجل قد ُيطلَق على‬ ‫عسكر ّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫ي ّ‬ ‫إلى منى‪ ،‬وقد قال األزهر ّ‬
‫ِ‬
‫ثم أسبِ َغت هذه‬ ‫الجيش" إذا اجتمع‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫عماد وال هيئةٌ إالّ بالعسكرِة قيل " َع ْس َك َر‬‫ٌ‬ ‫يكون له‬
‫ُ‬ ‫الجيش ال‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لمكان‬ ‫بي‪-‬‬‫المعجم العر ُّ‬ ‫االسم‪ ،‬وصرنا نقو ُل –وهذا معنى أثبته‬ ‫ِ‬ ‫مقام‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫فقامت َ‬‫ْ‬ ‫الجيش‬ ‫الصفةُ على‬‫ّ‬
‫سائر على‬
‫متلئباً ًا‬‫ّ‬ ‫صناعياً صار‬
‫ّ‬ ‫مصدر‬
‫ًا‬ ‫الجيش "معسكر"‪ ،‬واشتققنا في عر ّبيتنا المعاص ِرة‬ ‫ِ‬ ‫تجم ِع‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫األلسن‪ ،‬وهو العسكرّية‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األنباري‪ ،‬األضداد‪.147 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عزر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬اآلية (الفتح‪.)9 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر هذا كله في اللسان‪ ،‬مادة "عسكر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عسكر"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "عسكر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "عسكر"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عسكر"‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫فية‪:‬‬
‫تعس ّ‬
‫‪ ‬قرارت ّ‬
‫أن‬ ‫داللة التّعس ِ‬
‫ِ‬
‫ظين؛ ّأولُهما ّ‬ ‫يج على َملح َ‬ ‫ف بالتّعر ِ‬ ‫ّ‬ ‫اقع في‬
‫اللي الو َ‬
‫الد َّ‬
‫طوَر ّ‬ ‫أستفتح استشرافي التّ ّ‬‫ُ‬
‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫القائم‬
‫ُ‬ ‫اللي االنتقا ُل‬
‫الد ّ‬ ‫أن هيئةَ ذلكم التّ ّ‬‫تطوٍر‪ ،‬وثانيهما ّ‬‫تنبهوا إلى ما اعتراها من ّ‬ ‫القدماء ّ‬
‫َ‬
‫األصل أن تأخ َذ على ِ‬
‫غير‬ ‫ِ‬ ‫سف في‬‫الع ُ‬ ‫جلياً فيما ورد في اللّ ِ‬ ‫جوِز‪،‬‬
‫سان‪" :‬و َ‬ ‫ويظهر األص ُل ّ‬ ‫ُ‬ ‫على التّ ّ‬
‫الس ِ‬ ‫فنقل هذا إلى الظّ ِلم و ِ‬ ‫جاد ٍة وال َعلٍَم‪ُ ،‬‬ ‫طري ٍ‬
‫‪1‬‬
‫ير‬ ‫الليةَ بين ّ‬
‫الد ّ‬ ‫أن الوشيجةَ ّ‬ ‫أحسب ّ‬
‫الجور"( )‪ ،‬و ُ‬ ‫ق وال ّ‬
‫هداية‪ ،‬واألخ ُذ على ِ‬
‫غير‬ ‫ٍ‬ ‫الس ُير بغير‬ ‫ٍ‬
‫هداية والظّ ِلم‬ ‫على ِ‬
‫ف ّ‬ ‫الع َس َ‬
‫أن َ‬ ‫أمرها؛ ذلك ّ‬ ‫جلي ُ‬‫ٌّ‬ ‫غير‬
‫مسلوك‪ ،‬وكذلك‬‫ٍ‬ ‫ق‬‫وب وال طري ٍ‬‫ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقطعها ِ‬ ‫ركوب المفا ِزة‬ ‫الطّري ِ‬
‫توخي َ‬ ‫قصد وال ّ‬ ‫بغير‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ِ‬
‫الحديث‬ ‫روي ٍة(‪ ،)2‬وقد جاء في‬ ‫ٍ‬
‫تدبير وال ّ‬ ‫أمره بال‬‫يركب َ‬
‫ُ‬ ‫فكأنه‬
‫ف رًأيا أو قوالً أو فعالً‪ّ ،‬‬ ‫المتعس ُ‬
‫ّ‬
‫لوما‪ ،‬واألص ُل كما تجلّى آنفًا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جائر ظَ ً‬
‫إماما َعسوفًا"‪ ،‬أي‪ً :‬ا‬‫ال ّشريف‪" :‬ال تَْبلغُ شفاعتي ً‬

‫‪ِ ‬‬
‫العصابة‪:‬‬
‫القدماء‪ ،‬وثانيهما‬ ‫غويون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أحدهما التفت إليه اللّ ّ‬
‫الليان‪ُ ،‬‬
‫تطوران د ّ‬
‫وقد اعترى داللةَ هذه الكلمة ّ‬
‫معنوي ٍة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نفسي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اللة الهامشي ِة وما يقترن ّ ِ‬
‫بالداللة المركزّية من إيحاءات ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بالد ِ‬
‫مساس ّ‬
‫ٌ‬ ‫حادث له‬
‫ٌ‬

‫أن‬ ‫ٍ‬
‫فارس ّ‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫مقاييس ِ‬ ‫صب اللّ ّي(‪ ،)3‬وقد جاء في‬ ‫الع ْ‬
‫أن أص َل َ‬ ‫اللي فباعثُه ّ‬‫الد ّ‬‫طوُر ّ‬‫أما التّ ّ‬
‫ّ‬
‫فرع ذلك‬ ‫"ثم ُي ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صحيح يد ّل على ر ِ‬
‫مستديرا‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫بشيء مستطيالً أو‬ ‫شيء‬ ‫بط‬ ‫ٌ‬ ‫الباء أص ٌل‬
‫اد و َ‬ ‫الص َ‬
‫العين و ّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫فارس‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ‪4‬‬
‫ٍ‬ ‫فروعا‪ ،‬وكلُّه راجعٌ إلى‬
‫القياس الواحد الذي ألمح إليه ُ‬ ‫ومما يرجعُ إلى‬
‫قياس واحد"( )‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫أن‬ ‫ق جماعةً ما بين العش ِرة إلى األربعين‪ ،‬والذي‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫"العصابة"‪ ،‬فقد كانت تعني في كالم ّ‬
‫كانت وسيلتُه االستعارةَ‬ ‫مجيئها ذاك قد‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يب ّ‬
‫الداللةَ آتيةٌ من المعنى المتقادم‪ ،‬وال ر َ‬ ‫هذه ّ‬
‫متعصبين ملتفّين‬ ‫كأن أهلَها يتحلّقون ويستديرون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫أيضا العمامةُ‪ ،‬والعصابةُ ّ‬ ‫مثيل‪ ،‬فالعصابةُ ً‬ ‫والتّ َ‬
‫العصب ُة‬ ‫صبت‪ ،‬أي كأ ّنها ُرِبط‬ ‫قد ع ِ‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫صبة أل ّنها ْ ُ‬ ‫س ِّميت ُع ْ‬ ‫مترابطين‪" ،‬وا ّنما ُ‬
‫ير و ِ‬
‫الخيل"(‪.)5‬‬ ‫العصاب ُة ِمن ال ّن ِ‬
‫اس والطّ ِ‬ ‫وِ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عسف"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عسف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عصب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عصب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عصب"‬

‫‪112‬‬
‫القارِة‬ ‫ِ‬ ‫الداللةُ الهامشيةُ التي تحيطُ بتلكم ّ ِ‬
‫الداللة المركزّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫فمضماره ّ‬
‫ُ‬ ‫الحادث‬
‫ُ‬ ‫اللي‬
‫الد ُّ‬
‫طوُر ّ‬‫أما التّ ّ‬
‫ّ‬
‫ق‬ ‫طر ِ‬
‫سوداويةً عند َ‬
‫ّ‬ ‫سلبياً‪ ،‬وظالالً‬
‫إيحاء ّ‬
‫ً‬ ‫اليوم يستحضرون‬
‫َ‬ ‫ناء العر ّبي ِة‬
‫بي‪ ،‬فأب ُ‬
‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫في‬
‫للعيث في‬‫ِ‬ ‫وشركاءهم‬ ‫أمرهم‬ ‫مسامعهم؛ إذ ّإنها تد ّل على ثلّ ٍة من ّ‬
‫الن ِ‬ ‫كلمة ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫اس أجمعوا َ‬ ‫َ‬ ‫"عصابة"‬
‫وعصابات المافيا‬ ‫ِّالح‪ِ ،‬‬
‫يب الس ِ‬ ‫فسادا‪ ،‬وصرنا نسمع أو نق أرُ‪ :‬القبض على ِع ٍ‬
‫صابة لتهر ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫األرض‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تقتحم‪...‬‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫داللة‬ ‫اقع في‬
‫اللي الو ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫بد ِمن التّعر ِ‬
‫يج عليه استكماالً الستشراف التّ ّ‬ ‫وثم ملحظٌ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫اليوم ال‬ ‫ير و ِ‬
‫الخيل و ّ ِ‬ ‫بل على الطّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫غير مقتص ٍرة على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬و َ‬ ‫وحده‪ْ ،‬‬
‫اإلنسان َ‬ ‫كانت َ‬
‫ْ‬ ‫فقد‬
‫العصابة‪ْ ،‬‬
‫ار دالليةً متراكمةً‪ِ ،‬‬
‫فمن‬ ‫ِ ِ‬ ‫الن ِ‬
‫أن لداللة "العصابة" أطو ًا ّ‬ ‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫اس‪ ،‬وهكذا‬ ‫تكون مقصورةً إالّ على ّ‬
‫تكاد ُ‬ ‫ُ‬
‫بالناس‪ ،‬إلى‬ ‫ِ‬
‫تخصيصها ّ‬ ‫غيرهم‪ ،‬إلى‬ ‫مجموعة ِمن ّ‬
‫الن ِ‬
‫اس أو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اللّ ِّي وال ّش ّد‪ ،‬إلى تمثّ ِل هذ المعنى في‬
‫وي َم ّج‪.‬‬
‫ذكره ُ‬ ‫ِ‬
‫ستقبح ُ‬
‫مما ُي َ‬
‫صيرورتها ّ‬

‫طف‪:‬‬
‫الع ْ‬
‫‪َ ‬‬
‫الذي يقع تحتَه معنيان أو أكثر‪ ،‬فقد تد ّل على ال ّش ِ‬
‫فقة‪،‬‬ ‫المشترِك اللّ ِّ‬
‫فظي‬ ‫العطف ِمن‬
‫ِ‬ ‫وكلمةُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ابع‪ ،‬وقد يد ّل على معنى‬ ‫ِ‬
‫ينتسب إلى ملحظ التّو ِ‬ ‫بر ِ‬
‫أسه‬ ‫حو ٍ‬
‫قائم‬ ‫الن ِ‬
‫مصطلح في ّ‬
‫ٍ‬ ‫وقد تد ّل على‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫ذات‬
‫طف" ُ‬ ‫"الع ْ‬ ‫ٍ‬
‫المعاني المذكورةَ التي تلتقي عليها داللةُ َ‬
‫َ‬ ‫أن هذه‬‫الحني‪ ،‬واخا ُل ّ‬
‫ثالث‪ ،‬وهو المي ُل و َ‬
‫االنحناء‪ ،‬وك ّل ما يأتي‬ ‫ِ‬
‫األصل‪ ،‬وهو المي ُل و‬ ‫القدماء إلى ذلكم‬ ‫عت منه‪ ،‬وقد التفت‬‫تفر ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أصل واحد ّ‬
‫ولطف ٍ‬
‫نظر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بروي ٍة‬ ‫ِ‬ ‫الماد ِة يرجعُ إلى هذا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِمن ٍ‬
‫اللي ّ‬
‫الد ِّ‬‫األصل ّ‬ ‫لكلمات هذه ّ‬ ‫استعماالت‬ ‫معان أو‬

‫ِ‬
‫العطف‪:‬‬ ‫القدماء في ِداللة‬
‫ِ‬ ‫النظر في أقو ِ‬
‫ال‬ ‫ِ ِ‬
‫ل َن ْرجع ّ َ‬
‫وعياج(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫انثناء ِ‬ ‫ٍ‬
‫فارس يد ّل على‬ ‫صحيح عند ِ‬
‫ابن‬ ‫الفاء أص ٌل‬
‫ٌ‬ ‫اء و ُ‬ ‫العين والطّ ُ‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫الوسادة‬ ‫ِ‬
‫الغصن و‬ ‫ِ‬
‫كعطف‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‪،‬‬ ‫العطف يقا ُل في ال ّشيء إذا ثُنِي ُ‬
‫أحد طرفَيه إلى‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫و ِ‬
‫الحبل(‪.)2‬‬
‫يت بذلك‬‫سم ْ‬‫سي‪ ،‬وقد ِّ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫العطائف الق ّ‬ ‫الخشبة فانعطف‪ ،‬أي حنيتُه‪ ،‬و‬ ‫أس‬
‫عطفت ر َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬نقول‪:‬‬
‫وتعاطف في مشيِه‪:‬‬
‫َ‬ ‫منعرجه ومنحناه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومنعطف الوادي‬
‫ُ‬ ‫النحنائِها‪ ،‬كما ُس ِّميت َحنِّية‪،‬‬
‫عنقه‪ ،‬أي النثنائِه‪ ،‬و‬
‫جل‪ ،‬وهما ناحيتا ِ‬
‫ّ‬ ‫لوقوعه على ِع ْ‬
‫طفي الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫داء ِعطافًا‬
‫الر ُ‬ ‫وس ِّمي ّ‬
‫تثنى‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫حن عليه وأشفق‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للميل وال ّشفقة إذا ُع ّدي بعلى"( )‪ ،‬فنقول‪َ :‬عطَف عليه إذا ّ‬ ‫يستعار‬
‫ُ‬ ‫"قد‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عطف"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.378 ،‬‬
‫(‪ )3‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.378 ،‬‬

‫‪113‬‬
‫حوي يسري فيه ذلكم‬ ‫الن َّ‬
‫العطف ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫فكأنه يمي ُل عليه ويقرُبه ويحضُّه‪ ،‬وما ِمن ر ٍ‬
‫يب ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫المعطوف عليه‪ ،‬تابعٌ له‪ ،‬متأثٌّر بحركتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫نحو‬
‫المعطوف ُمما ٌل َ‬
‫َ‬ ‫فكأن‬
‫المتقادم‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫المعنى‬

‫الع ْفو‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫االسم ال ّشريف "فَعول"‪،‬‬ ‫فية التي ِ‬
‫أودع فيها هذا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الصر ّ‬
‫الصيغةُ ّ‬
‫العفو‪ ،‬و ّ‬‫من أسماء اهلل الحسنى ّ‬
‫ِ‬
‫االستعمال‬ ‫غة و‬‫ك العقاب عليه‪ ،‬وأص ُل هذا المعنى في اللّ ِ‬ ‫نب‪ ،‬ويتر ُ‬‫يتجاوز عن ال ّذ ِ‬
‫ُ‬ ‫والمعنى ّأنه‬
‫َ‬
‫ذنبك‪ ،‬وهو مأخوٌذ ِمن‪:‬‬ ‫دعاؤنا "عفا اهللُ عنك" معناه‪َ :‬محا اهلل َ‬
‫ُ‬ ‫يصبح‬
‫ُ‬ ‫مس(‪ ،)1‬وبذلك‬‫حو والطّ ُ‬‫الم ُ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫امحى‪ ،‬وعفا المنزُل‪،‬‬ ‫األثر‪ :‬درس و ّ‬
‫أيضا‪ :‬عفا ُ‬ ‫اآلثار إذا درستْها ومحتْها( )‪ ،‬ونقو ُل ً‬ ‫َ‬ ‫يح‬
‫الر ُ‬
‫َعفَت ّ‬
‫لعثمان ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫المتقادم قو ُل ِّأم سلمةَ‬ ‫الساب ِ‬
‫ق بالمعنى‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ومما جاء في كالم ّ‬ ‫درست‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ونحوها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الد ُار‬
‫وعفت ّ‬
‫رضي اهلل عنهما‪" :-‬ال ِّ‬
‫تعف سبيالً كان رسو ُل اهلل‪-‬صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬لَ َحبها"‪ ،‬والمعنى‪ :‬ال‬
‫اس‬
‫طمس واندر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫العفو الذي هو‬‫تجاوز عن ال ّذنب‪ ،‬و ِ‬
‫ٌ‬ ‫عفو الذي هو‬‫أن بين ال ِ‬
‫تطمسها‪ ،‬والظّاهر ّ‬
‫ْ‬
‫عروةً وثقى(‪.)3‬‬

‫الدين‪:‬‬
‫‪ُ ‬عقوق الو َ‬
‫كأنه‬ ‫ِ‬
‫بالحجاز‪ّ ،‬‬ ‫العقيق"‪ ،‬وهو و ٍاد‬ ‫ِ‬ ‫ق(‪ ،)4‬وبهذه ّ ِ‬
‫الداللة قد ُوسم " َ‬ ‫العق هو ال ّش ّ‬
‫داللة ّ‬ ‫ِ‬ ‫األص ُل في‬
‫ٍ‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬
‫فارس جميعَ‬ ‫ابن‬
‫الم( )‪ ،‬وقد قلّب ُ‬ ‫ألف و ٌ‬
‫االسم ولزمتْه ٌ‬ ‫الصفةُ غلبةَ‬
‫غلبت عليه ّ‬ ‫ْ‬ ‫ق‪ ،‬وقد‬
‫ق أو ُش ّ‬ ‫ُع ّ‬
‫احد يد ّل على‬
‫القاف أص ٌل و ٌ‬‫العين و َ‬ ‫أن‬ ‫ِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق ِمن هذا‬
‫َ‬ ‫األصلي ُمْلم ًحا إلى ّ‬ ‫الجذر على المعنى‬ ‫ما اشتُ ّ‬
‫ِ‬
‫استعماالت‬ ‫نظر"(‪ ،)6‬و ِمن‬ ‫ِ‬
‫بلطف ٍ‬ ‫نقير قال‪" :‬واليه يرجع فروعُ ِ‬
‫الباب‬ ‫أم ِل والتّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ال ّش ِّ‬
‫ُ‬ ‫وبكثير من التّ ّ‬ ‫ق‪،‬‬
‫ووسعه‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫بي ّأنه يقال ِّ‬ ‫الجذر ودورانِه في ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض فأنهره ّ‬ ‫يل في‬ ‫ماء ّ‬ ‫لكل ما شقّه ُ‬ ‫الكلم العر ِّ‬ ‫هذا‬
‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ويقال‪ :‬عقّت‬ ‫العقّة‪ :‬حفرةٌ عميقةٌ في‬ ‫ِ‬
‫األرض مستطي ٌل‪ ،‬و َ‬ ‫حفر في‬
‫ق‪ٌ :‬‬ ‫الع ّ‬
‫أن َ‬ ‫عقيق‪ ،‬و ّ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وسط‬ ‫البرق‪ ،‬إذا رأيتَه في‬ ‫انعق‬ ‫ِ‬
‫الباب‬ ‫كأنها تشقّه شقًّا‪ ،‬و ِمن‬
‫استدرتْه ّ‬ ‫تعقُّه إذا‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المزن ُ‬
‫َ‬ ‫يح‬
‫الر ُ‬
‫ّ‬
‫أما‬ ‫‪7‬‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ق والقطعُ"( )‪ّ ،‬‬‫األصل ال ّش ّ‬ ‫العق في‬
‫انشق‪ ،‬و" ّ‬
‫ّ‬ ‫وب إذا‬
‫انعق الثّ ُ‬
‫سيف مسلو ٌل‪ ،‬و ّ‬
‫ٌ‬ ‫كأنه‬
‫حاب ّ‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،265/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة عفو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عفو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،265/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عفو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عقق"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عقق"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "عقق"‪ ،‬وابن منظور‪،‬‬
‫اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ولكنهما يلتقيان على‬ ‫تطوٌر‪ -‬ففيها قوالن متباينان‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫العقيقةُ – وفي داللة هذه الكلمة ّ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫الجلد( )‪،‬‬
‫َ‬ ‫ألنه ُّ‬
‫يشق‬ ‫ِ‬
‫المولود عقيقة؛ ّ‬ ‫عر الذي يخرُج على ر ِ‬
‫أس‬ ‫الشق"‪ ،‬فقد قيل لل ّش ِ‬ ‫اللي "القطع و ّ‬ ‫الد ِّ‬
‫ّ‬
‫ودجاها‬ ‫حلقومها َ‬ ‫ق‬
‫في َش ّ‬ ‫طع‪ ،‬ثم قيل لل ّذ ِ‬
‫ُ‬ ‫ذب ُح ُ‬
‫ألنها تُ َ‬
‫بيحة عقيقة ّ‬ ‫ويق َ ُ ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ألنه ُي ْحلَ ُ‬
‫سمي بذلك ّ‬ ‫وقيل ّإنه ِّ‬
‫عد َّ‬
‫الش ِ‬
‫عر‬ ‫بيح إلى ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬
‫ي في داللة العقيقة التي هي ال ّشاةُ ال ّذ ُ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫قطعا( )‪ ،‬وقد جنح ّ‬ ‫ومر ُيئها ً‬
‫اجتماعياً‬ ‫لغوياً‬ ‫ٍ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫تفسير ّ‬
‫ًا‬ ‫منظور هذا‬ ‫ابن‬
‫فسر ُ‬ ‫وي ْقطَعُ أصالً‪ ،‬وال ّشاةُ مشتقّة منه( )‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ق ُ‬‫الذي ُي ْحلَ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫كانت معها أو‬ ‫ْ‬ ‫غيرها إذا‬‫باسم ِ‬ ‫فقال في عبارٍة ُم ْع ِجبة دالّة‪" :‬وهذا من األشياء التي رّبما ُس ّ‬
‫مي ْ‬
‫الش ِ‬
‫عر"(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫لعقيقة َّ‬ ‫يت ال ّشاةُ عقيقةً‬ ‫ِمن سببِها‪ِّ ،‬‬
‫فسم ْ‬

‫ِ‬
‫االستعمال‪ ،‬وا ْن‬ ‫ِ‬
‫صعيد‬ ‫إن على‬ ‫غدت للقار ِ‬ ‫ِ‬
‫جليةً ْ‬
‫ئ ّ‬ ‫ْ‬ ‫العق‬
‫أن داللةَ ّ‬‫العرض– ّ‬ ‫بعد هذا‬
‫إخا ُل – َ‬
‫الدين وتخلُّ ِ‬
‫ق‬ ‫ق الو َ‬ ‫يلبث قليالً عند عقو ِ‬
‫أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صعيد استشر ِ‬
‫ِ‬
‫اآلن ْ‬
‫األصل المتقادم‪ ،‬وللباحث َ‬ ‫اف‬ ‫على‬
‫المتعي ُن‬
‫ّ‬ ‫بيانه‪ ،‬والمعنى‬‫المتقدِم ُ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم‬ ‫داللتِها ِمن المعني الماديِّ‪ ،‬فاألص ُل مأخوٌذ ِمن المعنى‬
‫يصل َرِح َمه(‪.)5‬‬
‫ْ‬ ‫ط َعهما ولم‬ ‫شق عصا طاعتِهما‪ّ ،‬‬
‫وكأنه قَ َ‬ ‫وم َعقّة" ّأنه ّ‬
‫الديه عقوقًا َ‬ ‫ِمن‪ّ " :‬‬
‫عق و َ‬

‫‪ ‬تعا َل‪:‬‬
‫صل‬ ‫ِ‬
‫داللة األ ِ‬ ‫خاصةً تشطُّ عن‬
‫ّ‬ ‫أن الكلمةَ قد تأخ ُذ داللةً‬‫للمتدب ِر ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المباحثة يتجلّى‬ ‫وفي هذه‬
‫يعتوره ِمن معنى كلّ ٍّي‪ ،‬فهذه الكلمةُ "تعال" اشتُقَّت‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بخالف ما‬ ‫قد تغدو مفارقةً له‪ ،‬أو‬
‫الجامع‪ ،‬بل ْ‬
‫ِ‬
‫تفاع‪ ،‬فال يش ّذ عنه‬
‫مو واالر ِ‬‫الس ِّ‬
‫احد يد ّل على ّ‬ ‫فارس أص ٌل و ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫عند ِ‬
‫ابن‬ ‫ماد ِة "علو" التي هي َ‬‫ِمن ّ‬
‫ينتظمه خيطٌ‬
‫ُ‬ ‫العلي‪ ،‬و‪ ،...‬ك ّل ذلك‬
‫العلياء‪ ،‬والمتعالي‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫العالء‪ ،‬والعاليةُ‪ ،‬و‬
‫ُ‬ ‫شيء(‪ ،)6‬و ِمن ذلك‬
‫ٌ‬
‫تفاع‪.‬‬
‫تقدم ْقبالً– باالر ِ‬
‫يوسم ‪-‬كما ّ‬‫جامع َ‬

‫لشيوعه والتقائِنا على معناه‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجذر‬ ‫ِ‬
‫داللة ذلكم‬ ‫يج على‬ ‫ِ‬
‫القول التّعر َ‬ ‫ِ‬
‫فضول‬ ‫أن من‬‫أحسب ّ‬
‫ُ‬
‫ٍّ‬
‫مطمئن‬ ‫يكون في منخفَ ٍ‬
‫ض أو‬ ‫ُ‬ ‫قد‬
‫أن َمن ْ‬
‫استحسانا ّ‬
‫ً‬ ‫الن ِ‬
‫فس‬ ‫يثير في ّ‬‫يف الذي ُ‬ ‫الكلّ ِّي‪ ،‬والملحظُ الطّر ُ‬
‫ق اللّ ِ‬
‫غة‬ ‫نساوق بين منط ِ‬ ‫أن‬ ‫األرض قد ينادي من هو على ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫َ‬ ‫تعال‪ ،‬واذا أردنا ْ‬
‫َ‬ ‫جبل قائالً‪:‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األرض أعلى‬ ‫ممن هو في‬ ‫َّ‬ ‫الكون و ِ‬
‫ِ‬ ‫ومنط ِ‬
‫تعال" ّ‬
‫أن يخرَج " َ‬ ‫المقد َم ْ‬ ‫األصل‬
‫َ‬ ‫فإن‬
‫الخارجي ّ‬
‫ِّ‬ ‫العالم‬ ‫ق‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،11/3 ،‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،277/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عقق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "علو"‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫أقبل‪،‬‬
‫تفع و ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كمن ينادي ِمن ٍ‬
‫شخص في واد باإلقبال‪ ،‬والمعنى‪ :‬ار ْ‬ ‫جبل على‬ ‫إلى َمن هو فيها أدنى‪ْ ،‬‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكالمي‪ ،‬وقد التفت –كما يقو ُل ُ‬
‫ِّ‬ ‫الحدث‬ ‫قطبي‬
‫بالض ّد‪ ،‬فقد تأتي من َ‬ ‫ّ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫الحق ّ‬‫و ّ‬
‫ق ِ‬
‫الكلم‬ ‫مع ِجبةً تد ّل على بصي ٍرة ّ‬
‫وتدب ٍر في اشتقا ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫اللي التفاتةً ْ‬
‫الد ِّ‬ ‫اء إلى هذا التّ ّ‬ ‫الفر ُ‬
‫ي‪ّ -‬‬ ‫األنبار ّ‬
‫ثم أكثروا‬ ‫ِ‬ ‫بي‪ ،‬فقال في عبا ٍرة دالّ ٍة مبِ ٍ‬
‫تفع"‪ّ .‬‬
‫تفاع ْل من "العلّو"‪ ،‬أي‪" :‬ار ْ‬
‫تعال"‪َ :‬‬
‫ينة‪" :‬أص ُل " َ‬ ‫ُ‬ ‫العر ِّ‬
‫ِ‬
‫المنخفض‪ ،‬للذي هو‬ ‫الموضع‬
‫ِ‬ ‫الرج ُل يقو ُل‪ ،‬وهو في‬
‫أقبل"‪ ،‬فصار ّ‬‫استعمالَه حتّى جعلوه بمنزلة " ْ‬
‫أقبل"(‪.)1‬‬
‫تعال‪ ،‬يريد ْ‬
‫تفع‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫المكان المر ِ‬ ‫على‬

‫‪َ ‬ع ّيط‪:‬‬


‫مادةَ‬
‫إن ّ‬ ‫ِ‬ ‫بعض عامياتِنا أن ِ‬
‫ِ‬
‫ادف للبكاء‪ ،‬وهو ليس كذلك في الفصحى؛ إذ ّ‬‫العياطَ مر ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يشيعُ في‬
‫تفاع‪ ،‬وثانيهما يد ّل على التّ ِ‬
‫عييط(‪،)2‬‬ ‫معنويين‪ّ ،‬أولُهما يد ّل على ار ٍ‬ ‫"عيط" تجتمعُ على أصلَين‬
‫ّ‬
‫عود‬
‫شجر أو ٌ‬ ‫حجر أو ٌ‬ ‫ينب َع ٌ‬ ‫أن ُ‬
‫ط‪ْ :‬‬ ‫إن التّعيي َ‬
‫األخير؛ إذ ّ‬
‫ُ‬ ‫يخص هذه المباحثةَ هو األص ُل‬ ‫ّ‬ ‫والذي‬
‫سالت‪ ،‬ومنه قو ُل‬ ‫بالع َرق‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫طت الذفرى َ‬ ‫تعي َ‬
‫يسيل( )‪ ،‬وقد ّ‬‫َ‬ ‫فيص َّم َغ أو‬
‫َ‬ ‫الماء‪،‬‬ ‫فيخرَج منه شبهُ‬
‫ال ّش ِ‬
‫اعر‪:‬‬
‫ُكحي ٌل جرى ِمنها على اللّ ِ‬ ‫بج ٍ‬
‫يت واكف(‪)4‬‬ ‫َ‬ ‫كأنه‬‫ون ّ‬ ‫تعَّيطُ ذفراها َ‬
‫َ‬
‫الجلَبة‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫القاموس‪" :‬وقيل هو َ‬
‫‪5‬‬
‫وتكبره( ) وقد جاء في‬ ‫جل واختالطُه ّ‬ ‫غضب الر ِ‬ ‫عيطَ‪:‬‬
‫إن التّ ّ‬‫وقيل ّ‬
‫ُ ّ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫يخ وهو‬ ‫بالصر ِ‬
‫ّ‬ ‫مد صوتَه‬ ‫عيط إذا ّ‬ ‫ي‪ّ " :‬‬ ‫الزمخشر ّ‬
‫األشر( )‪ ،‬وقد قال ّ‬ ‫صياح‬
‫ُ‬ ‫ياح‪ ،‬أو‬ ‫الص ُ‬
‫ّ‬
‫‪7‬‬ ‫ِ‬
‫العياطُ"( )‪.‬‬

‫ِ‬
‫وعياط‬ ‫ِ‬
‫اليوم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عياط‬ ‫الجامع بين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫استشفاف‬
‫ُ‬ ‫مضماره‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫ف ِمن‬‫ويبقى مستَ َأن ٌ‬
‫ُ‬
‫كانت تد ّل‬
‫ْ‬ ‫تقدم آنفًا مجموعةٌ ِمن المعاني التي‬
‫وقد ّ‬ ‫فصياح‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أما ِ‬
‫أمس‬ ‫فبكاء‪ ،‬و ّ‬
‫ٌ‬ ‫اليوم‬
‫أما َ‬ ‫األمس‪ّ ،‬‬
‫عيط"‪:‬‬
‫عليها "التّ ّ‬

‫تعال‪ ،‬وال يبالون أين يكون‬


‫( ) ابن األنباري‪ ،‬الزاهر‪ ،265/2 ،‬وقد قال األزهري إن العرب تقول في النداء‪َ :‬‬
‫‪1‬‬

‫المدعو في مكان أعلى من مكان الداعي أو مكان دونه"‪ .‬انظر‪ :‬اللسان‪ ،‬مادة "عال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عيط"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "عيط"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عيط"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة‬
‫"عيط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عيط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عيط"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "عيط"‪.‬‬
‫(‪ )7‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "عيط"‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحجر أو ال ّش ِ‬
‫ِ‬ ‫العياط مأخوذاً ِمن نب ِع‬ ‫‪-‬فإذا كان ِ‬
‫العود وخرو ِج شبه الماء منه ّ‬ ‫جر أو‬
‫العود أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عياط الالّح ِ‬ ‫جلي بين ِ‬ ‫ثم وجه ٍ‬
‫ُ‬ ‫ق تسي ُل وتنبعُ بالماء كما ينبعُ‬ ‫فالعين في‬
‫ُ‬ ‫طين‪،‬‬ ‫العيا َ‬ ‫شبه ٍّ‬ ‫ّ َ‬
‫الن‪.‬‬
‫الحجر‪ ،‬والمعنى الجامعُ هو الس ََّي ُ‬‫ُ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كر فالمعنى‬ ‫صياح األش ِر‪ ،‬عند ّ‬ ‫ياح‪ ،‬أو‬
‫الص ِ‬‫الجلَبة و ّ‬
‫كانت مأخوذةً من معنى َ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -‬واذا‬
‫حيب‪ .‬و ّأياً كان المعنى فالذي يتجلّى‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫كالولولة و ّ‬ ‫صوت‪،‬‬ ‫يقترن ببكائِه‬ ‫الباكي قد‬ ‫أن‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الجامعُ ّ‬
‫الساب ِ‬
‫ق‪ ،‬وا ْن كان بينهما أرومةٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ ِ ِ‬ ‫ط في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫ئ المتدب ِر أن ِ‬ ‫للقار ِ‬
‫مفارق للعياط في كالم ّ‬ ‫ق‬ ‫العيا َ‬ ‫ّ ّ‬
‫جامعةٌ‪.‬‬

‫ِ‬
‫الغائطُ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫أد ِب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقامات التّ ّ‬ ‫للمتدب ِر ُ‬
‫أثر‬ ‫ّ‬ ‫الكلمة يتجلّى‬ ‫اقع في هذه‬
‫اللي الو ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫وفي استشراف التّ ّ‬
‫المكث‬ ‫ِ‬
‫المقام هو‬ ‫ِ‬
‫العناية في هذا‬ ‫يؤخ َذ ِ‬
‫بعين‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تطوِر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يحسن ْ‬
‫ُ‬ ‫األلفاظ‪ ،‬والذي‬ ‫دالالت‬ ‫والتّلطّف في ّ‬
‫اء أص ٌل يد ّل على‬‫الغين والو َاو والطّ َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫نجد ّ‬
‫يض ُ‬ ‫مدخل ِد ٍّ‬
‫اللي عر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فمن‬‫المتقادم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫عند ذلكم المعنى‬
‫الغوطة‪ ،‬وهي‬ ‫سميت ُ‬ ‫الرج ُل في الوادي إذا غاب فيه‪ ،‬ومنه ِّ‬
‫‪1‬‬
‫وغور( )‪ ،‬وقد قيل‪ :‬غاط ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اطمئنان‬
‫ف‬‫أد ِب والتّلطّ ِ‬ ‫ِ‬
‫مقامات التّ ّ‬ ‫وبالع ِ‬
‫ود على‬ ‫ِ‬
‫القعر‪،‬‬ ‫وبئر غويطةٌ بعيدةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫األرض المطمئّنة‪ٌ ،‬‬ ‫الوهدةُ في‬
‫َ‬
‫أن المرَء إذا ما أراد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طا‪ ،‬وعلّةُ هذا ّ‬ ‫الغذاء غائ ً‬ ‫الحدث وثف ُل‬
‫ُ‬ ‫سمي‬
‫لعرض الفكرة ّ‬ ‫حسن التّأتّي‬ ‫في‬
‫اس‪" ،‬ثم قيل للبرِاز ن ِ‬ ‫التّ ّبرَز ارتاد غائطاً ِمن‬
‫الحدث‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فسه‪ ،‬وهو‬ ‫الن ِ ّ‬ ‫ِ‬
‫أعين ّ‬ ‫يغيب فيه عن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬
‫ِ‬
‫بالمتروك‪ ،‬واذا نحن‬ ‫الي‬
‫اللي الغز ُّ‬
‫‪2‬‬
‫الد ّ‬‫طوَر ّ‬ ‫وسم هذا التّ ّ‬ ‫وقد َ‬
‫سببا له"( )‪ْ ،‬‬ ‫غائطٌ كنايةً عنه؛ إذ كان ً‬
‫ِ‬
‫ضرب مثاالً ُيبِ ُ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫وقد‬
‫أصالً‪ْ ،‬‬ ‫يصير ْ‬‫ُ‬ ‫قد‬
‫يصير فَرًعا‪ ،‬والفَرعُ ْ‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫األصل ْ‬
‫َ‬ ‫فإن‬
‫استرجعنا لغةَ الفقهاء ّ‬
‫ْ‬
‫فناء‬ ‫ِ‬ ‫بيانه‪ ،‬و ِمن ذلك الغائطُ والعِذرةُ‪ ،‬و ِ‬ ‫لمتقدِم ُ‬
‫ظر ا ِّ‬ ‫مقصوده ِمن هذا ّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫العذ َرةُ في أصلها ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫عن‬
‫ْ‬
‫الغائط الذي هو‬ ‫ِ‬ ‫تدل على‬ ‫فغدت ُّ‬ ‫االجتماعي‬ ‫غوي‬ ‫ِ‬
‫االستعمال اللّ ِّ‬ ‫ِ‬
‫بفعل‬ ‫رت‬
‫تطو ْ‬ ‫الد ِار‪ّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ولكنها ّ‬ ‫ّ‬
‫الف ِ‬
‫ناء‪ ،‬كما ُكّن َي‬ ‫باسم ِ‬ ‫ِ‬
‫باألفنية‪ ،‬ف ُكّني عنها ِ‬ ‫كانت تُلقَى‬ ‫ألنها‬
‫ات ّ‬ ‫يت عِذر ٍ‬ ‫‪3‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫السْل ُح( )‪" ،‬وقيل ّإنها ُس ِّم ْ َ‬
‫َّ‬
‫المطمئنةُ‪ ،‬عنها(‪.)4‬‬
‫ّ‬ ‫األرض‬
‫ُ‬ ‫الغائطُ‪ ،‬وهي‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "غوط"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "غوط"‪ ،‬والغزالي‪ ،‬المستصفى‪.693/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عذر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عذر"‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫طوِر اللّ ِّ‬
‫غوي‬ ‫ات التّو ِ‬ ‫والظّاهر إذاً أن مقامي ِ‬
‫قد أذن بهذا التّ ّ‬ ‫االجتماعي ْ‬
‫َّ‬ ‫غوي‬
‫العرف اللّ َّ‬
‫اصل‪ ،‬و َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫اليوم َعِذ َرةً أو غائطاً"‪ ،‬وهو ير ُ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫أيت‬
‫قال‪" :‬ر ُ‬ ‫أن قائالً َ‬ ‫ولو ّ‬ ‫ِ‬
‫ان عليه إلفُنا‪ْ ،‬‬ ‫مما استحكم فر َ‬ ‫فغدا ّ‬
‫كالمتروك بع ِ‬
‫رف‬ ‫ِ‬ ‫صار‬ ‫الد ِار‪ّ ،‬‬
‫ألنه‬ ‫وفناء ّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ئن ِمن‬
‫تقاد َم " ْلم ُيفهَ ْم ِمنه المطم ُّ‬
‫المعنى الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫كالحقيقي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫المجاز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫تردد اللّفظ بينهما‪ ،‬وليس‬ ‫ِ‬ ‫الوضعي في ّ‬
‫ِّ‬ ‫في كالمعنى‬ ‫ِ‬
‫االستعمال‪ ،‬والمعنى العر ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ‪1‬‬
‫هجس‬
‫َ‬ ‫أن هذا الذي‬‫اإلعجاب ّ‬ ‫يقود إلى‬
‫ومما ُ‬ ‫للعرف"( )‪ّ ،‬‬ ‫الحكم ُ‬
‫ُ‬ ‫فياً كا َن‬
‫صار عر ّ‬
‫المجاز إذا َ‬‫َ‬ ‫لكن‬
‫ّ‬
‫الحديثة‪ ،‬و ِمن ذلك وقفةُ "فندريس"‬ ‫ِ‬ ‫غوي ِة‬ ‫ِ‬
‫أنظارهم اللّ ّ‬ ‫العرب قد تلقّفه الغر ّبيون في‬
‫ُ‬ ‫المعجميون‬
‫ّ‬ ‫به‬
‫تطوِر‬ ‫ِ‬ ‫فقد عرج على البو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االجتماعية التي تفع ُل في ّ‬‫ّ‬ ‫اعث‬ ‫عند هذا المثال على وجه التّعيين‪ّ ْ ،‬‬
‫كلمة ِمن‬
‫ٍ‬ ‫ألن "استعارةَ‬ ‫ِ‬
‫األلمانية؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫ومثّ َل لهذا ب "‪ ”pissoir‬في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دالالت األلفاظ مراعاةً للّياقة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكناية"(‪.)2‬‬ ‫دور‬ ‫ِ‬ ‫ف ِمن‬
‫تلعب َ‬ ‫ُ‬ ‫يعبر بها عنه‪ ،‬فهي‬ ‫افتضاح ال ّشيء الذي ّ‬ ‫ِ‬ ‫الخارِج تخفّ ُ‬

‫صة‪:‬‬
‫‪ ‬الفُ ْر َ‬
‫أن هذه‬‫اهر ّ‬‫اللي الواق ِع في "الفَ ْرض" و"الفرصة"‪ ،‬والظّ ُ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ّ‬ ‫جلياً بين التّ ّ‬
‫ثم َم ْش َبهًا ّ‬
‫أن ّ‬ ‫إخا ُل ّ‬
‫االنقطاع عن‬
‫َ‬ ‫المدرسي‪ ،‬تعني‬
‫ِّ‬ ‫االستعمال في العربي ِة المعاص ِرة‪ ،‬فهي‪ ،‬على الص ِ‬
‫عيد‬ ‫ِ‬ ‫الكلمةَ ذائعةُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق‬
‫الن ْهزة"‪ ،‬و ّ‬ ‫ِ‬
‫داللة " ُّ‬ ‫آخر‪ ،‬نلفيها قريبةً ِمن‬ ‫ٍ‬ ‫يس إلى ٍ‬ ‫اسة أو التّدر ِ‬ ‫الدر ِ‬
‫مسمى‪ ،‬وعلى صعيد َ‬ ‫أجل َّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫العناية في‬ ‫عين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن تَْينِك ّ‬
‫أن نولَّيه َ‬ ‫يجب ْ‬‫ُ‬ ‫ولكن الذي‬ ‫ّ‬ ‫األمس‪،‬‬ ‫داللة‬ ‫الداللتَين ليستا ببعيدتَين عن‬
‫األصل في "الفَ ْرص" القطعُ‪ ،‬ومنه‬ ‫أن‬ ‫الداللي الواقع‪ ،‬فقد جاء في اللّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫سان ّ‬ ‫طوُر ّ ّ‬ ‫هذه المباحثة التّ ّ‬
‫يضة الطّ ِ‬
‫بحديدة عر ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اخر ْق في أذنِها ِّ ِ‬ ‫ص نعلَك‪ ،‬أي‪ِ :‬‬
‫رف‬ ‫الجلد‬ ‫شق‬
‫ص‪ّ :‬‬ ‫للشراك‪ ،‬والفَ ْر ُ‬ ‫يقا ُل‪ :‬ا ْف ِر ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ت ْف ِر ُ‬
‫‪3‬‬
‫الجامع ثانيةً وثالثةً كما‬
‫ِ‬ ‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫األصل ّ‬ ‫تنبه إلى‬ ‫فارس قد ّ‬ ‫ابن‬
‫أن َ‬ ‫الحق ّ‬
‫صا( )‪ ،‬و ّ‬ ‫صه بها ْفر ً‬
‫شيء عن‬‫ٍ‬ ‫اقتطاع‬ ‫يدل على‬ ‫صحيح ُّ‬ ‫اد أص ٌل‬ ‫الص ُ‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫اء و ّ‬‫الر ُ‬
‫فالفاء و ّ‬
‫ُ‬ ‫مادة "فرض"‪،‬‬ ‫هي الحا ُل في ّ‬
‫القطن‪ ،‬ولعلّها مأخوذةٌ ِمن‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وف أو‬‫شيء(‪ ،)4‬و ِمن ذلك الفرصةُ(مثلّثة الفاء)‪ :‬القطعةُ من الص ِ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫اص(‪.)6‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يء‪ ،‬أي قطعتُه(‪ ،)5‬ولذلك كلِّه قيل‬
‫الفضة‪ :‬م ْفر ٌ‬
‫ّ‬ ‫للحديدة التي تُ ْقطَعُ بها‬ ‫صت ال ّش َ‬ ‫فَ َر ُ‬

‫يض "فرص" و"الفُ ْرصة"‬‫العر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الداللي َ‬
‫ّ‬ ‫األصل‬ ‫العالقة بين‬ ‫تلم ُس‬
‫مضمارها ُّ‬
‫ُ‬ ‫أن مساءلةً‬
‫الحق ّ‬
‫و ّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ألنها ِخلسةٌ‪ّ " ،‬‬
‫وكأنها اقتطاعُ‬ ‫الن ِ‬
‫فس‪ ،‬ولعلّها ُس ِّميت بذلك ّ‬ ‫تقوم في ّ‬ ‫التي هي ُّ‬
‫الن ْهزةُ قد ُ‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ ،‬المستصفى‪.693/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬فندريس‪ ،‬اللغة‪.280 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فرص"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "فرص"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "فرص"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "فرص"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فرص"‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الوقت المقطوعُ‬ ‫كأنها‬
‫المدرسي‪ ،‬فهي ّ‬ ‫داللة "الفرصة" على الص ِ‬
‫عيد‬ ‫ِ‬ ‫البحث عن‬ ‫أما‬ ‫ٍ ‪1‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بعجلة"( )‪ّ .‬‬
‫اللي‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫األصل ّ‬ ‫ان هذا‬ ‫ِ‬ ‫المتقدِم‪،‬‬ ‫الدر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫يستقر في نفسه دور ُ‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫اسة‪ ،‬ولع ّل المرَء‪ ،‬بعد هذا‬ ‫ساعات ّ‬
‫قصةً‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫شتق ِمنه ِمن‬
‫أن ُي َّ‬ ‫العر ِ‬
‫أن للفُرصة المتقادمة ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫كلمات‪ ،‬و ّ‬ ‫يمكن ْ‬
‫ُ‬ ‫جميع ما‬
‫ِ‬ ‫يض في‬
‫فأد ِل‪،‬‬ ‫لماء‪ ،‬فقيل‪ :‬إذا جاءتْك فرصتُك ِمن ِ‬
‫البئر ْ‬ ‫القوم يتناوبونها على ا ِ‬‫تكون بين ِ‬ ‫ُ‬ ‫قيل ّإنها النَّ ْوبةُ‬
‫وفرصتُه ههنا‪ :‬ساعتُه التي ُيستقى فيها(‪.)2‬‬

‫‪ ‬الفَ ْرض‪:‬‬
‫يرد ِمنها في اللّ ِ‬
‫سان‬ ‫بي‪ ،‬و ّأو ُل ما ُ‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫ماد ِة "فرض" في‬ ‫تحت ّ‬ ‫تتعد ُد المعاني التي تقعُ َ‬ ‫ّ‬
‫ضا إذا أوجبتُه‪ ،‬و ِمنه قولُه –تعالى‪-‬‬ ‫ضه فَ ْر ً‬ ‫يء ِ‬
‫أفر ُ‬ ‫فرضت ال ّش َ‬
‫ُ‬ ‫اجب‪ ،‬فنقو ُل‪:‬‬ ‫الفرض الذي هو و ٌ‬ ‫ُ‬
‫العمل بما فُ ِرض فيها‪ ،‬و ّ‬
‫‪3‬‬
‫أن هذا المعنى‬ ‫الحق ّ‬ ‫َ‬ ‫‪":‬سورةٌ أنزلناها وفرضناها"( )‪ ،‬والمعنى‪ :‬ألزمناكم‬
‫الفرض القطعُ"(‪،)4‬‬‫ِ‬ ‫أصل‬
‫أن " َ‬ ‫متقادم؛ ذلك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أصل‬ ‫اح عن‬ ‫حادث منز ٌ‬ ‫المتداول ما هو إالّ‬ ‫ائع‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذ َ‬
‫ِ‬
‫كفرض‬ ‫أثير فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬
‫الراغب‪" :‬قطعُ ال ّشيء الصُّلب والتّ ُ‬ ‫الحز في ال ّشيء والقطعُ( )‪ ،‬وهو عند ّ‬ ‫وقيل ّ‬
‫اليوم‬ ‫غوي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحديِد"(‪ ،)6‬والظّاهر بال ر ٍ‬
‫َ‬ ‫األثر بهذا المعنى المتقادم المتواري عن إلفنا اللّ ّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫يب ّ‬ ‫ُ‬
‫وفرضت‬
‫ُ‬ ‫َّير ِ‬
‫وغيره‪،‬‬ ‫الزْنِد والس ِ‬ ‫الحز في ِ‬
‫الق ْد ِح و َّ‬ ‫ض‪ّ :‬‬ ‫بي‪ ،‬و ِمن ذلك‪ :‬الفَ ْر ُ‬
‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫مستفيض في‬‫ٌ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫الزْن َد و ِ‬
‫العود و َّ‬
‫حززت فيهما َح ّزا‪ ،‬والم ْفرض‪ :‬الحديدةُ التي ُي َح ّز بها‪ ،‬وقد التمس ُ‬ ‫ُ‬ ‫المسواك‪:‬‬ ‫َ‬
‫ماد ِة‬
‫ق عن ّ‬ ‫كل ما يتخلّ ُ‬ ‫بصره هذا المعنى االشتقاقي الجامع في ِّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وثاقب‬ ‫تأمِله‬ ‫ِ‬
‫فارس ببعيد ّ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬
‫بالحز‬ ‫سميت بذلك تشبيهًا‬ ‫النهر‪ ،‬وقد ِّ‬ ‫الم ْش َرعةُ في ّ‬ ‫"فرض"‪ ،‬و ِمن هذا ِ‬
‫عنده "الفُ ْرضة"‪ ،‬وهي َ‬ ‫الباب َ‬
‫ض من جوانبِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫في ال ّش ِ‬
‫ألنه ُي ْف َر ُ‬
‫وس ِّمي بذلك ّ‬ ‫رس‪ُ ،‬‬ ‫ض‪ :‬التُّ ُ‬ ‫هر‪ ،‬والفَ ْر ُ‬‫الن ِ‬
‫طرف ّ‬ ‫حز في‬ ‫ألنها كال ِّ‬ ‫يء ّ‬
‫ِ‬
‫الحادث‪،‬‬ ‫ض‬‫داللي ٍة بين الفَ ْر ِ‬ ‫ٍ‬
‫اف وشيجة ّ‬ ‫خاطر باعثُه استشر ُ‬ ‫ٌ‬ ‫الباحث‬
‫َ‬ ‫يعترض‬
‫ُ‬ ‫وي َح ّز‪ ،‬وقد‬
‫أي ُيقطَعُ ُ‬
‫باب‬ ‫عتيد‪ ،‬فمن هذا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اب عند ِ‬ ‫ِ‬
‫الباب‪ ،‬أعني َ‬ ‫حاضر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فارس‬ ‫ابن‬ ‫اجب‪ ،‬وذاك المتقادم‪ ،‬والجو ُ‬ ‫أعني الو َ‬
‫وحدودا"(‪،)7‬‬
‫ً‬ ‫معالم‬ ‫ألن له‬
‫سمي بذلك ّ‬‫أسماؤه‪ ،‬و" ِّ‬
‫ُ‬ ‫ست‬
‫تقد ْ‬
‫ض الذي أوجبه ّ‬ ‫اشتقاق الفَ ْر ِ‬
‫ُ‬ ‫"فرض"‪،‬‬
‫َ‬
‫القطع‪ ،‬وكذلك فرائض اهلل؛ و ِمنها فرض الص ِ‬
‫الة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫بالحز أو‬ ‫فرضنا شيئاً فقد أثّرنا فيه‬
‫ْ‬ ‫ونحن إذا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "فرص"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فرص"‪.‬‬
‫(‪ )3‬اآلية( النور‪.)1 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.433/3 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فرض"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.421 ،‬‬
‫(‪ )7‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "فرض"‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الحاكم‬
‫ُ‬ ‫ضه‬‫يفر ُ‬ ‫ٍ‬
‫فارس ما ِ‬ ‫الباب ذاتِه عند ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫الحز ِ‬
‫للق ْد ِح"(‪ ،)1‬و ِمن‬ ‫ِ‬
‫كلزوم ِّ‬ ‫و" ّإنما هو الزم ِ‬
‫للعبد‬ ‫ٌ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِمن ٍ‬
‫ومما جاء‬
‫كاألثر في ال ّشيء( )‪ّ ،‬‬‫ِ‬ ‫معلوم َيبين‬
‫ٌ‬ ‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫ألنه‬
‫وسمي بذلك ّ‬ ‫غيرها‪ِّ ،‬‬ ‫نفقة لزو ٍج أو ِ‬
‫طعاً‬
‫‪3‬‬
‫مفروضا"( )‪ ،‬والمعنى‪ :‬مقت َ‬ ‫نصيبا‬ ‫ِ‬
‫عبادك‬ ‫خذن ِمن‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫المتقادم قولُه –تبارك‪" :-‬ألتّ ّ‬ ‫بالمعنى‬
‫السالم‪" :-‬لم‬ ‫ِ‬ ‫مقطوعا(‪ ،)5‬و ِمنه‬ ‫محدودا(‪ ،)4‬وقيل‪:‬‬
‫الحديث في صفة مرَي َم ‪-‬عليها ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫معلوما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حديث‬ ‫الم( )‪ .‬و ِمنه‬
‫‪6‬‬
‫ولد"؛ أي لم يؤثِّْر فيها‪ ،‬ولم َّ‬
‫ُ‬ ‫الس ُ‬
‫المسيح عليه ّ‬
‫ِ‬ ‫قبل‬
‫يحزها‪ ،‬يعني َ‬ ‫يفترضها ٌ‬
‫ْ‬
‫طي في ألفَين‪،‬‬ ‫جل ِمن ٍّ‬ ‫يفرض للر ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫أناس ِمن قومي‪ ،‬فجعل‬ ‫ٍ‬ ‫بن الخطّ ِ‬
‫اب في‬ ‫عمر َ‬
‫أتيت َ‬ ‫عدي‪َ " :‬‬‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫العطاء(‪.)7‬‬ ‫لكل ِمنهم في ألفَين في‬ ‫ويوجب ٍّ‬
‫ُ‬ ‫عني"‪ ،‬أي يقطعُ‬ ‫ويعرض ّ‬
‫ُ‬

‫المعم ِرة التي انز ْ‬


‫احت‬ ‫َّ‬ ‫ألفاظ العر ّبي ِة‬
‫ِ‬ ‫الفرض ِمن‬
‫ِ‬ ‫أن داللةَ‬ ‫ِ‬
‫العرض ّ‬ ‫بعد هذا‬
‫والذي يتجلّى َ‬
‫ٍ‬
‫وجهة أخرى– أ ّن‬ ‫ظر – ِمن‬ ‫للن ِ‬
‫فت ّ‬ ‫المجرِد‪ ،‬والالّ ُ‬ ‫المعنوي‬ ‫المادي إلى‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫داللتُها ِمن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة و ِ‬
‫المجاز في‬ ‫ق بين‬ ‫شطر التّفري ِ‬ ‫األساس‪ ،‬وهو الذي ولّى وجهَه‬‫ِ‬ ‫صاحب‬ ‫ي‬
‫الزمخشر َّ‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إن تلكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن هذه فعلةٌ صالحةٌ ال تُدفَعُ؛ إذ ّ‬ ‫الحق ّ‬
‫مجازا‪ ،‬و ّ‬‫ً‬ ‫مما كان‬‫يلتفت إلى كونها ّ‬
‫ْ‬ ‫أساسه‪ ،‬لم‬
‫غوي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫غدت حقيقةً مستحكمةً في تواصلنا اللّ ّ‬ ‫ْ‬ ‫الداللةَ الحادثةَ‬

‫‪ ‬القَ َزم‪:‬‬
‫ٍ‬
‫دناءة‬ ‫الميم كلمةٌ تد ّل على‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫زم عند الالّح ِ‬‫وللقَ ِ‬
‫اي و ُ‬‫الز ُ‬
‫فالقاف و ّ‬
‫ُ‬ ‫ق‪،‬‬ ‫تفترق عن داللة ّ‬
‫ُ‬ ‫ق داللةٌ‬
‫الماد ِة ّ‬ ‫ِ‬ ‫رف مجالَه في اللّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫‪8‬‬
‫سيقف‬
‫ُ‬ ‫فإنه‬ ‫مضمار هذه ّ‬ ‫سان في‬ ‫الدناءة( )‪ ،‬واذا ما جال الطّ ُ‬
‫ولؤم‪ ،‬والقَ َزُم ّ‬
‫على‪:‬‬

‫غناء عنده‪.‬‬ ‫َ‬ ‫غير الجثّة الذي ال‬‫الص ُ‬


‫الدنيء ّ‬ ‫ئيم ّ‬
‫أن القَ َزَم اللّ ُ‬
‫‪ّ -‬‬
‫خير فيها‪.‬‬
‫وغ َنم قَ َزم ُرذال ال َ‬‫‪ -‬و ّأنه يقا ُل‪ :‬شاة قَ َزمة‪ :‬رديئةٌ صغيرةٌ‪َ ،‬‬
‫وس ِفلَتُهم‪.‬‬
‫اس َ‬ ‫الن ِ‬
‫قصير‪ ،‬والقَزم‪ُ :‬رذا ُل ّ‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬و ّأنه يقا ُل‪ :‬رجل قَ َزمة‪:‬‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فرض"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "فرض"‪.‬‬
‫(‪ )3‬اآلية( النساء‪.)118 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "فرض"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.421،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.433/3 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.433/3 ،‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "قزم"‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫ِ‬
‫األشياء‪ :‬قَ َزم‪.‬‬ ‫للرذال ِمن‬
‫‪ -‬و ّأنه يقا ُل ّ‬
‫يف ّأنه كان –صلّى اهلل عليه وسلّم– يتعوُذ ِمن ِ‬
‫القزم‪ ،‬وهو‬ ‫الحديث ال ّشر ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬وقد جاء في‬
‫ّ‬
‫ؤم وال ّش ّح(‪.)1‬‬
‫اللّ ُ‬

‫يظهر ّأنها في‬ ‫صر‪ ،‬والذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القزم في عر ّبيتِنا المعاصرِة فهو‬
‫ُ‬ ‫المفرطُ في الق َ‬ ‫القصير‬
‫ُ‬ ‫أما ُ‬ ‫ّ‬
‫نت بداللتِها‬‫سوداوي ٍة‪ ،‬بل اقتر ْ‬
‫ّ‬ ‫هامشي ٍة‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫وظالل‬ ‫سلبي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تعد مقترنةً بإيحاءات ّ‬ ‫ق لم ْ‬ ‫ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫تقييدين‪:‬‬
‫يقوم على َ‬ ‫كالم ّ ِ‬‫عماد داللتِها في ِ‬ ‫ِ‬
‫السابق ُ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫على الوصف الجسديِّ‪ ،‬والذي يظهر ّ‬
‫ِ‬
‫لداللة‬ ‫األصول المقي ِ‬
‫ِّدة‬ ‫ِ‬ ‫الدناءةُ‪ ،‬وهذا ِمن‬‫ؤم و ّ‬
‫قي فهو اللّ ُ‬ ‫الخلُ ّ‬
‫أما ُ‬ ‫قي‪ّ ،‬‬‫وآخر ُخلُ ّ‬
‫ُ‬ ‫قي‬
‫ّأولُهما َخْل ّ‬
‫ق‪.‬‬‫كالم الالّح ِ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة في ِ‬ ‫القصر‪ ،‬وهذا مح ِّد ُد هذه ّ‬ ‫قي فهو‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الخْل ّ‬
‫أما َ‬‫ق‪ ،‬و ّ‬ ‫"القزم" في كالم ّ‬

‫القاموس‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫القاموس– ِمن‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ق ّ‬ ‫الساب ِ‬
‫عند ّ‬‫ق‪ ،‬فجماعُ المعنى َ‬ ‫كقاموس الالّح ِ‬
‫ِ‬ ‫ق ليس‬‫الساب ِ‬
‫وقاموس ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أوصال هذه‬ ‫ائر في‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫داللي ٍة‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫الس َ‬
‫الجامع ّ‬
‫َ‬ ‫ملتمسا المعنى‬
‫ً‬ ‫فارس‬ ‫ابن‬
‫يقترن بالماء‪ ،‬وقد قال ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وجهة‬
‫يسمى‬ ‫ِ‬ ‫ٍٍ‬ ‫ِ‬ ‫صحيح ُّ‬ ‫الماد ِة‪:‬‬
‫نفسه ّ‬ ‫الماء ُ‬
‫غمس شيءَ في الماء‪ ،‬و ُ‬ ‫يدل على‬ ‫ٌ‬ ‫ين أص ٌل‬
‫الس ُ‬
‫ميم و ّ‬
‫"القاف وال ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ثم يرتفعُ فقد قَ َمس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬
‫بذلك( )‪ ،‬فنقول‪ :‬قَ َمس في الماء إذا انغطّ فيه‪ ،‬وكل شيء ينغط في الماء ّ‬
‫اس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غابت فيه‪ ،‬والقام ُس والقَ ّم ُ‬
‫ْ‬ ‫الماء إذا‬ ‫الد ُلو في‬
‫ست ّ‬ ‫الماء إذا غاب فيه‪ ،‬وقَ َم ْ‬ ‫الرج ُل في‬
‫وقَ َمس ّ‬
‫الهذلي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫شعر أبي ٍ‬
‫ذؤيب‬ ‫اص‪ ،‬وقد جاء في ِ‬ ‫الغو ُ‬ ‫ّ‬
‫وهيج(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫النبو ِح‬
‫تقطيع ّ‬
‫ِ‬ ‫بعد‬
‫لها َ‬ ‫ٍ‬
‫قامس‬ ‫درةُ‬
‫همي ّ‬
‫الس ِّ‬
‫كأن ابنةَ ّ‬
‫ّ‬
‫ي‬
‫الزمخشر ُّ‬
‫غور فيه‪ ،‬و ّ‬
‫موضع ًا‬
‫ٍ‬ ‫أبعد‬
‫ومعظمه‪ ،‬وقيل‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البحر‪ ،‬وقيل وسطُه‬ ‫قعر‬
‫القاموس ُ‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫تقدم ِمن ٍ‬
‫بيان يجلّي‬ ‫‪4‬‬
‫قعره األقصى( )‪ ،‬ولع ّل هذا الذي ّ‬‫البحر‪ :‬في ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قاموس‬ ‫يقو ُل‪ :‬غرق في‬
‫قاموس‬
‫ٌ‬ ‫المعجم‬ ‫الساب ِ‬
‫ق‪ ،‬و‬ ‫قاموس عند ّ‬
‫ٌ‬ ‫فالبحر‬
‫ُ‬ ‫ق‪،‬‬‫ق والالّح ِ‬‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫القاموس عند ّ‬ ‫الوشيجةَ بين معنى‬
‫ُ‬
‫وكأن‬
‫ّ‬ ‫لوجدان ضالّتِه أو مكنوناتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫سيغوص في ِ‬
‫قعره‬ ‫ُ‬
‫لداللة ٍ‬
‫كلمة فيه‬ ‫ِ‬ ‫اشد‬
‫الن َ‬
‫وكأن ّ‬
‫ّ‬ ‫ق‪،‬‬‫عند الالّح ِ‬
‫ِ‬
‫المحيط على‬ ‫ِ‬
‫بالقاموس‬ ‫معجمه‬ ‫غة‪ ،‬وقد وسم الفيروزأبادي‬ ‫أللفاظ اللّ ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫عميق جامعٌ‬
‫ٌ‬ ‫بحر‬
‫المعجم ٌ‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫البحر‬ ‫ألنه‬
‫"القاموس المحيطَ" ّ‬ ‫"سميتُه‬ ‫ِ‬ ‫جوِز‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وفاء بالمعنى المتقادم "البحر"‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬ ‫ً‬ ‫وجه من التّ ّ‬
‫األعظم"(‪.)5‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.59/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "قمس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "قمس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "قمس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬المقدمة‪.89 ،‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ ‬ال َك َدمات‪:‬‬
‫ِ‬
‫ير بجرو ٍح و َك َدمات‪ ،‬وهو‬ ‫الس ِ‬
‫الرج ُل في حادث ّ‬ ‫يشيعُ في عر ّبيتنا المعاص ِرة قولُنا‪ :‬أصيب ّ‬
‫عمومي ٍة‬
‫ّ‬ ‫ذات‬
‫كانت َ‬ ‫ْ‬ ‫الوقوف عنده داللةُ "الكدمات"؛ إذ ّإنها‬
‫َ‬ ‫ولكن الذي ُّ‬
‫أود‬ ‫ّ‬ ‫تعبير ال ِشيةَ عليه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫الحمار‪ ،‬وقيل‪ :‬هو‬ ‫الفم كما ي ِ‬
‫كد َُم‬ ‫العض بأدنى ِ‬‫ُّ‬ ‫أشهر معنى لها‬ ‫ق‪ ،‬ولع ّل‬ ‫الساب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عند ّ‬
‫ساع َ‬‫واتّ ٍ‬
‫ِ‬ ‫عامةً( )‪ ،‬و ِمن استعماالتِها التي أ ْ‬
‫‪1‬‬
‫المعجم‪:‬‬ ‫ُثبتت في‬ ‫العض ّ‬
‫ّ‬
‫دوم؛ أي َعضوض‪.‬‬
‫لكد ٌام و َك ٌ‬
‫ّإنه ّ‬
‫العض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وال َك ْد ُم‬
‫وحمار م َك َّد ٌم معض ٌ‬
‫َّض‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫سمي بذلك ِّ‬
‫لعضه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض؛ ِّ‬ ‫ِ‬
‫أحناش‬ ‫وال ُك َد ُم ِمن‬

‫تنعقد‬
‫ُ‬ ‫العرض ّأننا في عر ّبيتنا المعاصرِة ال نتواضعُ على هذا المعنى‪ ،‬بل‬
‫ِ‬ ‫اهر ِمن هذا‬
‫والظّ ُ‬
‫يكون قر ًيبا ِمن الجرو ِح ال ِمن‬
‫ُ‬ ‫يكاد‬
‫آخر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الليةُ المتعيِّنةُ من ال َك َدمات على معنى َ‬
‫الد ّ‬
‫المواضعةُ ّ‬
‫ٍ‬
‫بحديدة‪،‬‬ ‫كدمه إذا أثّر فيه‬
‫بي‪ ،‬فقد قيل‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫أن هذا المعنى قد ورد في‬ ‫ِّ‬
‫الحق ّ‬
‫العض‪ ،‬و ّ‬
‫اح(‪.)2‬‬
‫رت فيه الجر ُ‬ ‫ورج ٌل َّ‬
‫مكدم إذا لقي قتاالً فأثّ ْ‬

‫ِ‬
‫الكاشح‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ٍ‬
‫متدافعة‪،‬‬ ‫غير‬ ‫ِ‬ ‫ال اللّغويين في ِ‬ ‫تباين أقو ِ‬
‫ومع ِ‬
‫جاءت متقاربةَ المعاني َ‬
‫ْ‬ ‫داللة "ال َك ْشح" فقد‬ ‫تقييد‬
‫خصر‪ ،‬وقيل‬ ‫ِ‬ ‫غة ما بين الخاص ِرة إلى ِّ‬ ‫فقد قيل إن ال َك ْشح في اللّ ِ‬
‫الضلَ ِع الخلف‪ ،‬وقيل هو ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وباطن‪ ،‬وعند األزهري هما َك ْشحان يقعان موقع الس ِ‬
‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ظاهر‬ ‫البطن ِمن‬
‫ِ‬ ‫الحشى‪ ،‬وقيل هما جانبا‬
‫َ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫داللة‬ ‫ق– على‬ ‫وجه ِمن التّ ِ‬
‫وليف والتّوفي ِ‬ ‫ِمن المتقلِِّد( )‪ ،‬و ِمن هذه المعاني التي تلتقي ‪-‬على ٍ‬ ‫‪3‬‬

‫ض‬ ‫بوده‪ ،‬و ِ‬


‫المبغ ِ‬ ‫الكاشح؛ إذ ّإنه في عر ّبيتنا يد ّل على المتولّي عن المرِء ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ذت داللة‬ ‫"الخصر" أ ِ‬
‫ُخ ْ‬
‫أن هذا المعنى‬ ‫ِ‬
‫المعجميون إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫االسم ال ُكشاحةُ‪ ،‬وقد التفت‬‫المعادي‪ ،‬والذي يضم ُر العداوةَ‪ ،‬و ُ‬
‫عندهم‬
‫محسوس هو ال َك ْش ُح "الخصر"‪ ،‬وقد احتمل بعثُه َ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫ماد ٍّ‬
‫آخر ّ‬ ‫ٌّ ِ‬
‫مشتق من َ‬ ‫المعنوي ّإنما هو‬
‫َّ‬
‫سبيلَين‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "كدم"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كدم"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة‬
‫"كدم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كدم"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "كدم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "كشح"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "كشح"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة‬
‫"كشح"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "كشح"‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫كأنما يطويها في َك ِ‬
‫شحه "خصره"‪.‬‬ ‫يضمر العداوةَ ّ‬ ‫باطنا‬
‫عدوا ً‬
‫ُ‬ ‫كاشح ّ‬
‫يكون ال ُ‬‫أن َ‬
‫أوالهما‪ْ :‬‬
‫كشحه عنه وال‬
‫َ‬ ‫عرض عنه بوج ِهه‪ ،‬فيطوي‬
‫وي ُ‬‫كشحه ُ‬
‫َ‬ ‫خصمه‬
‫َ‬ ‫كأنه يولّي‬
‫يكون ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫وثانيتُهما‪ْ :‬‬
‫كشحه‬
‫َ‬ ‫كشحه‪ ،‬وطوى عنه‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ي قولَهم‪ :‬طوى على‬
‫الزمخشر ُّ‬
‫وقد جعل ّ‬
‫‪1‬‬
‫يألفُه( )‪ْ ،‬‬
‫مجازين(‪.)2‬‬
‫َ‬

‫شرة‪:‬‬ ‫‪ِ ‬‬


‫الك ْ‬
‫ق‪ ،‬وقد تجلّى هذا‬ ‫الساب ِ‬ ‫الك ْش ِرة إبانةٌ ظاهر أمرها عن إ ٍ‬ ‫داللة ِ‬
‫ِ‬ ‫تطوِر‬
‫نص ّ‬ ‫ِّ‬ ‫شكال في تلقّي‬ ‫ٌ ُ‬ ‫وفي ّ‬
‫ق‪ ،‬وفيهما تلكم الكلمةُ‪،‬‬‫الساب ِ‬ ‫تطبيقي ٍة‪ -‬آن عرضي نصين ينتسبان إلى ِ‬
‫كالم‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫محض‬ ‫ٍ‬
‫وجهة‬ ‫– ِمن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫المتعين منهما هو ما يشيع في ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الفهم‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ‬ ‫أن‬
‫على ثلّة من أبناء العر ّبية ال ّشادين‪ ،‬فجنحوا كلهم إلى ّ‬
‫الدرداء‪" :‬إنا لََن ْك ِش ُر في وجوِه‬ ‫حديث أبي ّ‬ ‫ُ‬ ‫صان ّأولهما‬ ‫الن ّ‬ ‫ِ‬
‫للعبوس‪ ،‬و ّ‬ ‫المعاصر المر ِ‬
‫ادف‬ ‫ِ‬ ‫غوي‬
‫اللّ ِّ‬
‫لنبسم في وجوِههم‪ .‬والثّاني قو ُل ال ّشاعر‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫قلوبنا لَتَْقليهم"‪ ،‬والمعنى‪ُ :‬‬ ‫أقوام‪ ،‬وا ّن َ‬
‫واخوانَ كيف الحا ُل والبا ُل كلُّه‬ ‫ان ِك ْش ٍرة‬
‫ان إخو َ‬ ‫وا ّن ِمن األخو ِ‬
‫كاشره إذا ضحك في وج ِهه‬ ‫األسنان للض ِ‬
‫حك‪ ،‬فيقا ُل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ظهور‬ ‫والمعنى المتعين من ِ‬
‫الك ْش ِرة‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وباسطَه(‪.)3‬‬

‫ق؛ إ ْذ ّإنها‪ ،‬فيما‬‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق تُ ُّ ِ‬ ‫الك ْشرةَ في ِ‬


‫كالم الالّح ِ‬ ‫وليس يخفى أن ِ‬
‫ضاد الكشرةَ في كالم ّ‬ ‫ّ‬
‫بروي ٍة‬
‫مادة "كشر" ّ‬
‫ظر في ّ ِ‬ ‫الن ِ‬
‫قائم على ّ‬ ‫طوِر ٌ‬‫تفسير هذا التّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫األسنان‪ ،‬ولع ّل‬ ‫وبدو‬
‫ك ُّ‬ ‫الضح ُ‬
‫تقدم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الض ِح ِك‬
‫يكون في ّ‬ ‫ُ‬ ‫األسنان عند التّبسُّم"‪ ،‬وقد ورد ّأنه‬ ‫ِ‬ ‫بدو‬
‫كبيرين‪ ،‬فاألص ُل فيها " ّ‬ ‫نظر َ‬‫ولطف ٍ‬‫ِ‬
‫طوِر ّأنه‬ ‫تبص ِرنا القت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغيره(‪ ،)4‬فالمتجهِّ ُم‬
‫ناص ذلكم التّ ّ‬ ‫يد في ّ‬ ‫مما يز ُ‬
‫العابس قد تعتريه كشرةٌ‪ ،‬ولع ّل ّ‬ ‫ُ‬
‫كأنه َسُبع(‪،)5‬‬‫تنمر له وأوعده ّ‬ ‫ٍ‬ ‫للحر ِ‬‫يقا ُل‪َ :‬ك َشر السَّبع عن نابِه إذا هر ِ‬
‫لفالن إذا ّ‬ ‫فالن‬
‫اش‪ ،‬و َك َشر ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُُ‬
‫المتنبي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المعنيين قو ُل‬
‫َ‬ ‫اإلبانة عن احتمالِها‬
‫ِ‬ ‫يد ِمن‬‫مما يز ُ‬
‫ولع ّل ّ‬
‫ث ِ‬
‫يبتس ُم‬ ‫أن اللّي َ‬ ‫أيت نيوب اللّ ِ‬
‫تظنن ّ‬‫فال ّ‬ ‫يث بارزةً‬ ‫َ‬ ‫إذا ر َ‬

‫(‪ )1‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "كشح"‪ ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،175/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪،‬‬
‫مادة "كشح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "كشح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،176/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كشر"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "كشر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "كشر"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كشر"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة‬
‫"كشر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كشر"‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫أن الذي َي ِرُد‬ ‫ِ‬ ‫بالض ّد؛ أي للتّجهِّم و‬ ‫فَبدوها‪ ،‬إذاً‪ ،‬قد يكون للض ِ‬
‫الحق ّ‬
‫العبوس‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫حك‪ ،‬وقد‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫بي معنى‬ ‫المعجم العر ُّ‬ ‫قدم‬
‫اللة تتّسعُ للحالَين‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الد ِ‬
‫كانت عائمةَ ّ‬ ‫مادةَ "كشر"‬
‫أن ّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الخاطر ّ‬ ‫على‬
‫ق‪ ،‬فاطُّ ِرح ِمن‬ ‫خصيص في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫ِ‬ ‫رت بالتّ‬‫تطو ْ‬
‫الداللةَ ّ‬
‫ولكن هذه ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسِم في الوجه والمباسطة‪ّ ،‬‬ ‫التّ ّ‬
‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫الع ِ‬
‫بوس‪،‬‬ ‫الزْمج ِرة و ُ‬ ‫ِ‬
‫مقتصرةً على ّ‬ ‫أفهام الالّح ِ‬
‫ق‬ ‫وشاعت في‬
‫ْ‬ ‫بس ُم‪،‬‬
‫ك أو التّ ّ‬‫الضح ُ‬ ‫دائرتِها ّ ّ‬
‫اللية ّ‬
‫ِ‬
‫المباسطة‪.‬‬ ‫مطّ ِرحةَ الض ِ‬
‫َّحك و‬

‫‪ ‬ال َك ْهل‪:‬‬
‫فضل ٍ‬
‫بيان يجلّي‬ ‫َ‬ ‫الدنيا هذه الكلمةَ ِ‬
‫ملتم ًسا منهم‬ ‫الدر ِ‬
‫اسات ّ‬ ‫في ّ‬ ‫عرضت على طلبتي‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫كنت ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكهل وان على ِ‬
‫ين‬
‫الستّ َ‬
‫الكهل َمن َربا على ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اإلحكام‪ ،‬فجنحوا جميعاً إلى ّ‬ ‫ال‬‫اإلبهام‬ ‫وجه‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُع ُم َر‬
‫أنعمت نظري في‬ ‫قد‬
‫وكنت قبلَها ْ‬ ‫بي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫كذلك في‬ ‫أن ذلك ليس‬ ‫الحق ّ‬
‫السبعين‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أو ّ‬
‫فس و ِ‬
‫الفهم‪:‬‬ ‫الن ِ‬
‫قار في ّ‬
‫يفارق ما هو ٌّ‬
‫ُ‬ ‫معجمات العر ّبي ِة فألفيتُها على ٍ‬
‫نحو‬ ‫ِ‬ ‫كثير ِمن‬
‫داللتِها في ٍ‬

‫هاية َمن زاد على ثالثين سنةً إلى األربعين‪ ،‬وقيل‪ِ :‬من‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫األثير في ّ‬ ‫‪ -‬فالكه ُل عند ِ‬
‫ابن‬
‫ٍ‬
‫ثالث وثالثين إلى ِ‬
‫تمام الخمسين(‪.)1‬‬
‫يب(‪.)2‬‬
‫الرجال الذي جاوز الثّالثين ووخطه ال ّش ُ‬
‫‪ -‬وقيل الكه ُل من ّ‬
‫قوته(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ -‬ويقال له كه ٌل النتهاء شبابه وكمال ّ‬
‫شبابهما‪ ،‬وذلك عند استكمالِهما ثالثًا وثالثين‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬وقيل رجل كه ٌل وامرأةٌ كهلةٌ إذا انتهى‬
‫سنةً(‪.)4‬‬

‫الكاف‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عند ِ‬


‫َ‬ ‫تفسير معنى الكهولة‪ ،‬فقد أشار إلى ّ‬ ‫اليقين في‬
‫َ‬ ‫الخبر‬
‫َ‬ ‫فارس‬ ‫ابن‬ ‫أن َ‬ ‫أحسب ّ‬
‫و ُ‬
‫اجتماع ِج ِبلّة‪ ،‬ومن ذلك الكاه ُل‪ ،‬وهو ما بين‬
‫ِ‬ ‫شيء أو‬‫قوة في ال ّ‬‫الهاء والالّ َم أص ٌل يد ّل على ّ‬
‫و َ‬
‫يب‪َ :‬كهل(‪ ،)5‬والمعنى‪ :‬نما‬ ‫المجتمع إذا وخطه ال ّش ُ‬
‫ِ‬ ‫سمي بذلك لقوتِه‪ ،‬ويقا ُل للر ِ‬
‫جل‬ ‫الكتفَين‪ ،‬وقد ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عم َر‬
‫السبعين؛ إ ْذ ال ُم َّ‬
‫الستين أو ّ‬‫يكون بعد ّ‬
‫بعد الثّالثين واألربعين‪ ،‬وال ُ‬‫يكون َ‬ ‫ُ‬ ‫قوتُه‪ ،‬وهذا‬
‫اجتمعت ّ‬
‫ْ‬ ‫و‬
‫ِ‬
‫الكهل‪ ،‬واكتها ُل‬ ‫فإنما هو تشبيهٌ بالر ِ‬
‫جل‬ ‫بت‪ّ " ،‬‬‫الن ُ‬
‫ويسند هذا قولُهم‪ :‬اكتهل ّ‬‫ُ‬ ‫مان‪،‬‬
‫الز ُ‬
‫يتغاف ُل عنه ّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.213/4 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "كهل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "كهل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كهل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "كهل"‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫تم‬ ‫الن ْور"(‪ ،)1‬وقد جاء في اللّ ِ‬
‫يعمها َّ‬ ‫ِ‬
‫بت إذا طال وانتهى منتهاه‪ ،‬أو ّ‬
‫الن ُ‬
‫سان‪ :‬اكتهل ّ‬ ‫أن َّ‬ ‫الروضة ْ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫طولُه‪ ،‬وأظهر َن ْوره( )‪.‬‬

‫‪ ‬اإللحاد واللَّ ْحد‪:‬‬


‫المْل ِح َد العاد ُل عن‬
‫إن ُ‬‫اليوم؛ إ ْذ ّ‬
‫َ‬ ‫أبناء العر ّبي ِة‬
‫اإللحاد مما انعقد عليه إجماعُ ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫أن معنى‬‫أحسب ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫عن طري ِ‬ ‫المد ِخ ُل فيه ما ليس فيه( )‪ْ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫اإليمان( )‪،‬‬‫الحق و‬‫ّ‬ ‫ق‬ ‫الرج ُل‪ :‬إذا مال‬ ‫وقد ألحد ّ‬ ‫الحق‪ْ ،‬‬
‫فقد‬
‫تقدم‪ْ ،‬‬
‫داللياً مشتقّاً منه ما ّ‬ ‫ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫والمتأم ُل بروي ٍة ولط ِ‬
‫ثم أصالً ّ‬ ‫أن ّ‬
‫بي يلفي ّ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫نظر في‬ ‫ّّ‬ ‫ّ‬
‫ِ ‪5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإللحاد– وهذا معنى‬ ‫ُ‬ ‫أن "معنى اإللحاد في اللّغة المي ُل عن القصد"( )‪ ،‬وقيل‬ ‫جاء في اللّ ِ‬
‫سان ّ‬
‫ِ ‪6‬‬
‫يكمن‬
‫ُ‬ ‫تنف ما‬
‫يض الذي يك ُ‬ ‫األو ِل‪ -‬أصلُه المي ُل والعدو ُل عن ال ّشيء( )‪ ،‬واألص ُل العر ُ‬ ‫يتساوق مع ّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ ‪7‬‬ ‫الد ِ‬ ‫فارس يدور في ِ‬
‫ميل عن استقامة( )‪ ،‬ولع ّل‬ ‫اللة على ٍ‬ ‫فلك ّ‬ ‫ٍ ُ‬ ‫الجذر عند ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ق ِمن هذا‬ ‫أن ُيشتَ َّ‬
‫اشتقاق اللَّ ْحِد‪.‬‬
‫َ‬ ‫يفس ُر لنا‬ ‫ٍ‬
‫ئ ما‪ ،‬و ِمن وجهة أخرى ‪ّ ،‬‬ ‫غ "المْل ِحد" على امر ٍ‬
‫ِّر لنا إسبا َ ُ‬ ‫هذا يفس ُ‬

‫مجاز‬
‫ًا‬ ‫ي‬
‫الزمخشر ُّ‬ ‫عد هذا ّ‬ ‫وقد ّ‬‫غيرها‪ْ ،‬‬ ‫الحق وعدل إلى ِ‬ ‫ِّ‬ ‫مال عن طري ِ‬
‫ق‬ ‫فألنه َ‬
‫الملحد ّ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫ِ ‪9‬‬ ‫ِ‬
‫جانبي الجدث( )‪ ،‬وهو عند‬ ‫فارس– في أحد َ‬ ‫ٍ‬ ‫فألنه مائ ٌل – في ِ‬
‫نظر ابن‬ ‫حد ّ‬ ‫أما اللّ ُ‬
‫‪8‬‬
‫يحا( )‪ ،‬و ّ‬
‫صر ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫القبر إلى جانبِه( )‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وسط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪10‬‬
‫األصل في‬ ‫منظور داللةَ‬ ‫ابن‬
‫تلمس ُ‬ ‫األثير قد أُميل عن‬ ‫ابن‬
‫قد‬ ‫المي ِت ّ‬
‫ألنه ْ‬ ‫موضع ّ‬ ‫َ‬ ‫جانب ِ‬
‫القبر‬ ‫ِ‬ ‫يكون في‬
‫ُ‬ ‫ق الذي‬ ‫اشتقاقنا "اللّحد"‪ ،‬فقال في تعر ِيفه ّإنه ال ّش ّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أُميل عن وسط إلى جانبِه( )‪ّ .‬‬
‫‪11‬‬
‫الهدف‪ :‬مال في‬
‫َ‬ ‫هم‬
‫الس ُ‬
‫ومما جاء بالمعنى المتقادم قولُهم‪ :‬ألحد ّ‬
‫تجد من دونِه‬ ‫ولن‬ ‫المتقدِم قولُه‬ ‫جانبيه(‪،)12‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الحق–تبارك‪ْ ":-‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حمل على هذا‬ ‫ومما ُي َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أحد‬

‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "كهل"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "كهل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.236/4 ،‬‬
‫(‪ )11‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )12‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.502 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫تدور‬ ‫ِ‬ ‫طيف في هذه ِ‬ ‫‪1‬‬
‫الت ُ‬ ‫األصل التي ما ز ْ‬ ‫اآلية هو داللةُ‬ ‫ُمْلتَ َح ًدا"( )‪ ،‬والمعنى الكلّ ّي‪ :‬ملجأً‪ ،‬واللّ ُ‬
‫تجد من دونِه م ِ‬
‫عدالً؛‬ ‫ابن قتيبةَ المعنى‪ :‬لن َ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫عد ُ‬ ‫جىء َيمي ُل إليه( )‪ ،‬وقد ّ‬
‫إن الالّ َ‬ ‫في هذه الكلمة؛ إذ ّ‬
‫العدو ُل(‪.)3‬‬ ‫غوي العر ِ‬
‫يض الذي هو المي ُل و ُ‬
‫ِ‬
‫األصل اللّ ّ‬ ‫أي ِمن‬

‫‪ ‬اللّ ْغز‪:‬‬
‫يظهر(‪ ،)4‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫خالف ما‬ ‫ضماره على‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫أن الل َغ َز أو الل ْغ َز أو الل َغز هو تعميةُ المراد وا ُ‬‫معلوم ّ‬
‫ٌ‬
‫غز في أصلِه الحفرةُ‬ ‫اليربوعُ يفعلُها ليخفى‪ ،‬فاللّ ُ‬ ‫ٍ‬
‫يض‪ ،‬وأص ُل ذلك من فعلة كان َ‬ ‫باعثُه التّوريةُ والتّعر ُ‬
‫الفأر واليربوِع‪ ،‬وقد ُو ِسم بهذه‬
‫ب و ِ‬ ‫الض ّ‬
‫جحر ّ‬ ‫ض‪ ،‬وقيل هو ُ‬ ‫تحت األر ِ‬ ‫َ‬ ‫حره‬‫يحفرها اليربوعُ في ُج ِ‬‫ُ‬
‫ثم تعد ُل عن يمينِه وشماله( )‪،‬‬
‫ِ ‪5‬‬
‫أسفل‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫مستقيما إلى‬
‫ً‬ ‫لغزها‬
‫تحفر َ‬ ‫ُ‬ ‫الدو َّ‬
‫اب‬ ‫ألن تلك ّ‬ ‫ّ ِ‬
‫الداللة ّ‬
‫جهة‪ ،‬وتخرُج ِمن‬ ‫ٍ‬ ‫ذات جهتَين‪ ،‬تدخ ُل اليرابيعُ ِمن‬‫تكون َ‬
‫ُ‬ ‫األلغاز(الحفر أو الطّرق الملتويةُ)‬ ‫و ُ‬
‫جانب ِمنه طريقًا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫إلغازا‪ ،‬إذا حفر في‬‫ائر‪ :‬ألغز اليربوعُ ً‬‫الس ِ‬
‫العرب ّ‬ ‫ِ‬ ‫أخرى(‪ ،)6‬وقد ورد في ِ‬
‫كالم‬
‫البدوي بعصاه‬ ‫ابع‪ ،‬فإذا ما طلبه‬‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫اآلخر طريقًا‪ ،‬وكذلك في الجانب الثّالث و ّ‬ ‫الجانب‬ ‫وحفر في‬
‫ِ‬
‫اآلخر(‪.)7‬‬ ‫ِ‬
‫الجانب‬ ‫جانب نفق ِمن‬‫ٍ‬ ‫ِمن‬

‫الماديِّ(الحفرة والطرق الملتوية) إلى‬ ‫ّ‬ ‫الد ِ‬


‫اللة على‬ ‫ِ‬
‫مضمار ّ‬ ‫وقد انتقل هذا االستعما ُل ِمن‬ ‫ْ‬
‫وري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫الملغز ُي ّ‬
‫المعم َي و َ‬‫ِّ‬ ‫إن‬
‫المعنوي(التّعمية واإللباس) لعالقة المشابهة؛ إ ْذ ّ‬
‫ّ‬ ‫اللة على‬ ‫مضمار ّ‬
‫ِ‬
‫الكالم‬ ‫أحد‪" ،‬فاستُعير لمعار ِ‬
‫يض‬ ‫يصل إليه ٌ‬ ‫َ‬ ‫بكالمه‪ ،‬ويخفي مر َاده‪ ،‬كما يفع ُل اليربوعُ حتّى ال‬ ‫ِ‬
‫األخير‬ ‫ي هذا‬‫الزمخشر ُّ‬
‫عد ّ‬‫وقد ّ‬
‫‪9‬‬ ‫طرق تلتوي وتشك ُل على ِ‬
‫سالكها( )‪ْ ،‬‬ ‫األلغاز‬ ‫إن‬ ‫ِ ‪8‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ومالحنه"( )؛ إ ْذ ّ‬
‫وشيوعه‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫الحادث‬ ‫ِ‬
‫االستعمال‪ ،‬وغلبةَ المعنى‬ ‫أن كثرةَ‬ ‫ِ‬ ‫‪10‬‬
‫ِ‬ ‫ِمن ِ‬
‫َ‬ ‫للخاطر ّ‬ ‫فت‬
‫المجاز( )‪ ،‬والالّ ُ‬ ‫باب‬
‫بأن‬ ‫أسه‪ِ ْ ،‬‬ ‫ي أصالً عريضا قائما بر ِ‬
‫وقد أَذن هذا ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يصبح "اللّغز" بمعناه المجاز ِّ‬
‫َ‬ ‫أن‬‫ذلك أفضى إلى ْ‬

‫(‪ )1‬اآلية(الكهف‪.)27 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "لحد"‪ ،‬والراغب‪ ،‬المفردات‪ ،502 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لحد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬الغريب‪.266 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لغز"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لغز"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،256/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لغز"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لغز"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.256/4 ،‬‬
‫(‪ )9‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "لغز"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "لغز"‪.‬‬
‫(‪ )10‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "لغز"‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫الجامع بين‬ ‫الم ْل ََ َم َح‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫فارس َ‬ ‫ابن‬
‫تلمس ُ‬‫الحادث على المعنى المتقادم‪ ،‬وقد ّ‬
‫َ‬ ‫منظور المعنى‬ ‫ابن‬
‫قدم ُ‬ ‫ّ‬
‫الزاء أص ٌل يد ّل على التو ٍ‬
‫اء في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغين و ّ َ‬
‫أن الالّ َم و َ‬
‫القائم على عالقة المشابهة‪ ،‬فرأى ّ‬
‫َ‬ ‫الداللتين‪،‬‬
‫ّ‬
‫شيء ٍ‬
‫وميل(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬

‫‪ ‬اللَّ ْفح‪:‬‬
‫ض‬‫وصف َع َر ٍ‬‫ِ‬ ‫مؤداه إلى‬
‫تعبير ّ‬ ‫يشيعُ في عر ّبيتِنا المعاص ِرة قولُنا‪" :‬لفحه الهواء"‪ ،‬ولُِف َح‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬
‫ؤذن‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِمن أعر ِ‬
‫المادة ُي ُ‬ ‫مضمار هذه‬ ‫بي في‬ ‫المعجم العر ِّ‬ ‫نقير في‬‫ولكن التّ َ‬ ‫ّ‬ ‫البرودة‪،‬‬ ‫كام و‬ ‫اض ّ‬
‫إن‬ ‫ٍ‬ ‫لفظي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أمره‪ ،‬فليس اللَّ ْف ُح‬ ‫ٍ‬ ‫تطوٍر‬ ‫ِ‬
‫ثم؛ إذ ّ‬ ‫بمقترن به ّ‬ ‫للبرد‪ ،‬وال‬ ‫ٍّ‬ ‫بضميم‬ ‫ظاهر ُ‬ ‫داللي‬
‫ٍّ‬ ‫بالوقوف على ّ‬
‫النار تْلفَ ُحه إذا‬ ‫‪2‬‬
‫َّموم( )‪ ،‬فنقو ُل‪ :‬لفحتْه ّ‬ ‫بالن ِار والس ِ‬
‫مقترن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أن اللّ ْف َح‬
‫بالض ّد‪ ،‬والذي ورد فيه ّ‬ ‫ّ‬ ‫األمر‬
‫َ‬
‫بالن ِار سياقان شريفان؛ ّأولُهما قولُه‬‫ية القترانِها ّ‬ ‫األمثلة المجلّ ِ‬‫ِ‬ ‫بحرها‪ ،‬و ِمن‬‫أصابت وجهَه أو أحرقتْه ِّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫الكسوف‪:‬‬ ‫ِ‬
‫حديث‬ ‫ورودها في‬ ‫‪3‬‬
‫الن ُار"( )‪ ،‬وثانيهما ُ‬ ‫وجوههم ّ‬ ‫تلفح‬ ‫يل العز ِ‬ ‫قدس اسمه‪ -‬في التّنز ِ‬
‫َ‬ ‫يز‪ُ " :‬‬ ‫ُ‬ ‫–ت ّ‬
‫ووه ِجها‪.‬‬ ‫لفحها"(‪ ،)4‬أي‪ِّ :‬‬ ‫رت مخافةَ أن يصيبني ِمن ِ‬
‫حرها َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تأخ ُ‬ ‫" ّ‬

‫الن ِار‬
‫مقترن ب ّ‬
‫ٌ‬ ‫فح في العر ّبي ِة الفصحى‬ ‫ِّ‬
‫المتقدم‪ ،‬فاللّ ُ‬ ‫ِ‬
‫العرض‬ ‫جلياً ِمن‬
‫طوَر قد بدا ّ‬ ‫أن التّ ّ‬
‫إخا ُل ّ‬
‫ِ‬
‫الباب‬ ‫قد‬
‫الحر فهو ما عليه َع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫أما ّ‬ ‫الحر والبرد‪ّ ،‬‬ ‫غويون بين هواء "لَ ْفح" ّ‬ ‫فرق اللّ ّ‬
‫موم‪ ،‬وقد ّ‬ ‫و ّ‬
‫الن ْف ُح"(‪.)5‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪ ،‬بل هو " ّ‬ ‫فح في‬‫البرد فليس من اللّ ِ‬‫أما َ‬
‫"اللّ ْفح"‪ ،‬و ّ‬

‫المجون‪:‬‬
‫‪ُ ‬‬
‫بيان أصلِه‪،‬‬
‫ولكنهم افترقوا في تَ ِ‬
‫القدماء‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫غويون‬
‫داللي التفت إليه اللّ ّ‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬ ‫ِ‬
‫وفي هذه الكلمة ّ‬
‫ق والالّح ِ‬‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫المقابح‬
‫َ‬ ‫الماجن هو الذي يجترُح‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ق ّ‬ ‫عتيدا مطّ ِرًدا في كالم ّ‬
‫أن الذي بات ً‬ ‫واخا ُل ّ‬
‫مقرٍع(‪ ،)6‬وأص ُل ذلك‬ ‫ٍ‬
‫عاذل‪ ،‬وال تقريعُ ِّ‬ ‫يمضه في ذلك عذ ُل‬ ‫ّ‬ ‫المخزيةَ‪ ،‬ال‬
‫ْ‬ ‫الفضائح‬
‫َ‬ ‫الم ْرديةَ‪ ،‬و‬
‫ُ‬
‫جونا إذا صلب وغلظ‪،‬‬ ‫يء ُم ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المجون‪ ،‬فنقو ُل‪َ :‬م َجن ال ّش ُ‬ ‫العرب– من‬ ‫لسان‬ ‫ُمستقى –كما ورد في‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "لغز"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "لفح"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "لفح"‪ ،‬وابن األثير‪،‬النهاية‪،260/4 ،‬‬
‫وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لفح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬اآلية(المؤمنون‪.)104 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.260/4 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "لفح"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لفح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "مجن"‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المذهب في‬
‫َ‬ ‫الماجن لصالبة وج ِهه‪ ،‬وقلّة استحيائه"( )‪ّ ،‬‬
‫وممن ارتضى هذا‬ ‫ِ‬ ‫اشتقاق‬
‫ُ‬ ‫"و ِمنه‬
‫الماجن ِمن الر ِ‬
‫جال الذي ال‬ ‫ُ‬ ‫وجه ِمن التّح ّكِم‪" :‬و‬
‫المتقادم ابن سيده‪ ،‬فقال على ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫استشر ِ‬
‫اف‬
‫ّ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يبالي بما قال‪ ،‬وال ما قيل له‪ِ ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫فارس فقد التفت إلى‬ ‫ابن‬
‫أما ُ‬
‫الصالبة"( )‪ّ .‬‬ ‫كأنه من غلظ الوجه و ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫العرب ّ‬ ‫ولكنه استشرف أصالً آخر متقادما‪ ،‬فقد جاء في ِ‬
‫كالم‬ ‫اللي ْقبالً‪ّ ،‬‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫هذا التّ ّ‬
‫عنده أص ُل‬ ‫‪3‬‬
‫تكاد تلقَح( )‪ ،‬وهذا َ‬ ‫ِ‬
‫الفحولة فال ُ‬ ‫احد ِمن‬
‫النوق‪ :‬التي ينزو عليها غير و ٍ‬
‫المماجن ِمن ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المجون‪.‬‬

‫أن‬ ‫ِ‬
‫المقام َملحظان؛ ّأولُهما ّ‬ ‫الخاطر في هذا‬ ‫أن يوجَّهَ إليه‬
‫و ّأياً كان األص ُل‪ ،‬فالذي ينبغي ْ‬
‫ُ‬
‫وآخر حادثًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫متقادما َ‬
‫ً‬ ‫أن لها معنى‬
‫طورين دالليَّين‪ ،‬و ّ‬
‫المجون َ‬ ‫الماجن و‬ ‫لداللة‬ ‫أن‬
‫القدماء لم َيفُتْهم ّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫فارس‬ ‫منظور‪ ،‬ووجهَ ِ‬
‫ابن‬ ‫ٍ‬ ‫ابن سيده و ِ‬
‫ابن‬ ‫أن كال الوجهَين؛ وجهَ ِ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم‪ .‬وثانيهما ّ‬ ‫متخلّقًا ِمن ذلكم‬
‫داللي‬ ‫تطوٍر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ٍّ‬ ‫لتفسير ما اعترى هذه الكلمةَ من ّ‬ ‫اآلخر؛ إذ ّإنهما صالحان‬
‫َ‬ ‫أحدهما‬
‫متقب ٌل ال َيدفَعُ ُ‬
‫ِ‬
‫المخوض فيه‪.‬‬ ‫أفضى إلى داللتِها على هذا المعنى‬

‫‪ِ ‬‬
‫المداد‪:‬‬
‫يكتنف هذه الكلمةَ‬
‫ُ‬ ‫الجامع الذي‬
‫ِ‬ ‫ود على المعنى‬ ‫الع ِ‬
‫أن في َ‬ ‫يب ّ‬‫الن ْق ُس الذي ُيكتَب به‪ ،‬وال ر َ‬‫ِّ‬
‫مدهم به أو‬‫الم َد ُد ما ّ‬
‫اقع‪ ،‬فنقول‪َ :‬‬ ‫اللي الو ِ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فضل ٍ‬
‫بيان مجل للتّ ّ‬ ‫َ‬ ‫شتق ِمنه‬
‫يمكن أن ُي َّ‬
‫ُ‬ ‫وما‬
‫ِ‬
‫داللة‬ ‫أن في‬ ‫‪4‬‬
‫الدواة إذا أخذ ِمنها ِم ً‬‫استمد ِمن َّ‬
‫الحق ّ‬
‫دادا( )‪ ،‬و ّ‬ ‫أمده‪ ،‬و ّ‬ ‫القلم و ّ‬
‫مد َ‬ ‫أمدهم‪ ،‬وكذلك‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫غدت‬ ‫ولكنها‬
‫مد به‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء ُي ّ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫المتقادم؛ إ ْذ ّإنها تد ّل على ِّ‬ ‫ِ‬
‫األصل‬ ‫اندياحا في‬ ‫" ِ‬
‫ْ‬ ‫عموميةً و ً‬
‫ّ‬ ‫المداد"‬
‫ٍ‬
‫منظور‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫نت ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتابة وال ُكتّ ِ‬ ‫ِ‬
‫مصطلحات ِ‬ ‫ِمن‬
‫الحبر‪ ،‬وقد جنح ُ‬ ‫أمست رديفةَ‬
‫بالقلم‪ ،‬و ْ‬ ‫اب‪ ،‬فاقتر ْ‬ ‫حقل‬
‫ِ‬
‫المتقادم‬ ‫ومما ورد بالمعنى‬ ‫‪5‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى أن ِ‬
‫الكاتب( )‪ّ ،‬‬‫َ‬ ‫إلمداده‬ ‫الحبر ّإنما ُس ِّمي بذلك‬
‫ُ‬ ‫داد الذي هو‬ ‫الم َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫األخطل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الكتابة قو ُل‬ ‫انتفاء اقترانِها ِ‬
‫بحقل‬ ‫القائم على العمومي ِة و ِ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫بم ِ‬
‫داد‬ ‫دت ِ‬
‫مصابيح ُسرٍج أوِق ْ‬ ‫كأنها‬ ‫ِّ‬
‫باألكف ّ‬ ‫أت بار ٍ‬
‫قات‬ ‫رْ‬
‫ُ‬

‫المتقدِم‪،‬‬ ‫آن وقوِفه على ال ّش ِ‬


‫عر‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫اقع في هذه الكلمة َ‬
‫اللي الو َ‬
‫الد ّ‬
‫طوَر ّ‬
‫ولي التّ ّ‬
‫الص ّ‬
‫وقد استشرف ّ‬
‫ِ‬
‫الكتابة في‬ ‫ِ‬
‫بحقل‬ ‫وتخصيصها واقترانِها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم‪،‬‬ ‫المداد في أصلِها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫ِ‬
‫تعميم‬ ‫مشير إلى‬
‫ًا‬ ‫فقال‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "مجن"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن سيده‪ ،‬المحكم‪ ،‬مادة "مجن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "مجن"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "مجن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "مدد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "مدد"‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫ٍ‬
‫شيء غ َيره‪،‬‬ ‫فقلِب ك ّل‬ ‫ت به‪ ،‬كثر هذا االستعما ُل لِما تُ َم ّد به ّ‬
‫الدواةُ‪ُ ،‬‬ ‫الحادث‪" :‬بِ ُد ْه ٍن أ ِ‬
‫ُم ّد ْ‬ ‫ِ‬ ‫استعمالِها‬
‫شيء غيره"(‪.)1‬‬‫ٌ‬ ‫ف‬‫عر ْ‬ ‫فإذا قيل ِم ٌ‬
‫داد لم ُي َ‬

‫الم ْع َم َعة‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للحرب َمعمعة؛ وذلك‬ ‫تطوٍر كلمةُ " َ‬
‫الم ْع َمعة"‪ ،‬فقد قيل‬ ‫ومما التُفت إلى ما وقع فيه من ّ‬ ‫ّ‬
‫نارها( )‪ ،‬واألص ُل في ذلك كلِّه معمعمةُ ّ‬
‫الن ِار( )‪،‬‬ ‫استعار ِ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫ُ‬ ‫صوت المقاتَلَة‪ ،‬والثّاني‬
‫ُ‬ ‫لمعنيين ّأولُهما‬
‫َ‬
‫بالضرِام‪ ،‬و ِمنه قو ُل‬ ‫الن ِار إذا ُشَّب ْ‬
‫ت‬ ‫صوت ِ‬
‫لهب ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القصب‪ ،‬وقيل‪ :‬حكايةُ‬ ‫ق في‬ ‫صوت الحري ِ‬
‫ُ‬ ‫وقيل‪:‬‬
‫ّ‬
‫ال ّش ِ‬
‫اعر‪:‬‬
‫الموقَِد(‪)4‬‬ ‫معة َّ ِ‬
‫الس َعف ُ‬
‫َكمع ِ‬
‫َْ‬

‫أمتي حتّى‬ ‫ك ّ‬ ‫المتطوِر قولُه –صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :-‬ال تهلِ ُ‬
‫ّ‬ ‫ي‬‫ومما ورد بالمعنى المجاز ِّ‬
‫ّ‬
‫الحرب و ِ‬
‫الج ّد في‬ ‫ِ‬ ‫شدةُ‬ ‫ق ال ّشر ِ‬
‫يف‪ّ :‬‬ ‫السيا ِ‬ ‫مايز و ِ‬
‫المعامعُ في ذلكم ّ‬
‫المعامع"‪ ،‬و َ‬‫يكون بينهم التّماي ُل والتّ ُ َ‬
‫َ‬
‫التهاب نيرانِها(‪.)5‬‬ ‫وهيج ِ‬
‫الفتن و ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القتال‪،‬‬

‫‪ ‬التّملّق‪:‬‬
‫اللي‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫عصور العر ّبي ِة‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مبين عن التّ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫المتقادمة مثا ٌل‬ ‫عبر‬
‫قصة هذه الكلمة َ‬ ‫وفي ّ‬
‫حادث‪ ،‬والمعنى ال ّشائعُ عندنا‬ ‫ٌ‬ ‫معمٌر‪ ،‬وثانيهما‬‫متقادم َّ‬ ‫يعتورها معنيان‪ّ :‬أولُهما‬ ‫ِ‬
‫الحادث؛ إذ ّإنه‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ضرِع‬ ‫ودِد و ّ ِ‬ ‫مستقب ٌح ِمن ُ‬ ‫ِ‬
‫الدعاء والتّ ّ‬ ‫الزيادةُ في التّ ّ‬ ‫فالملَق ّ‬ ‫الخلُق‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يلحق بما هو‬
‫ُ‬ ‫الكلمة‬ ‫اليوم لهذه‬
‫َ‬
‫‪7‬‬
‫ٍ‬
‫معان متقاربةٌ( )‪،‬‬ ‫ق والمداراةُ‪ ،‬وكلُّها‬ ‫ديد‪ ،‬وقيل التّرفّ ُ‬ ‫طف ال ّش ُ‬ ‫فوق ما ينبغي( )‪ ،‬وقيل هو ُّ‬
‫الود واللّ ُ‬
‫‪6‬‬
‫َ‬
‫فالملَق‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مرٍة في ثِني‬ ‫ٍ‬
‫ليين‪َ ،‬‬
‫المتقدم التّ ُ‬ ‫أصل هذا‬
‫َ‬ ‫بأن‬
‫مادة "ملق" ّ‬ ‫عرضه ّ‬ ‫غير ّ‬‫منظور َ‬ ‫ابن‬
‫صرح ُ‬ ‫وقد ّ‬
‫يء‪ :‬ملّسه‪ ،‬وانملق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن التّملّ ِ‬
‫اللينة‪َ :‬ملَقَة‪ ،‬وملّق ال ّش َ‬ ‫للصفاة الملساء ّ‬ ‫ليين‪ ،‬فيقا ُل ّ‬ ‫ق‪ ،‬وأصلُه التّ ُ‬
‫اعر‪:‬‬‫قول ال ّش ِ‬‫املق إذا صار أملس‪ ،‬وقد جاء هذا المعنى في ِ‬ ‫يء و َّ‬
‫َ‬ ‫ال ّش ُ‬

‫(‪ )1‬الصولي‪ ،‬أدب الكتاب‪.100 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "معمع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،343/3 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "معمع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "معمع"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "معمع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ما قيل عن داللة "المعامع"‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الفائق‪ ،374/3 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،443/3 ،‬وابن‬
‫منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "معمع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،358/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫انملق‬
‫ْ‬ ‫ساعده قد‬
‫ُ‬ ‫وحوقل‬
‫األرض‬ ‫شعر عليه(‪ ،)1‬وملّق‬ ‫وولد ّ ِ‬
‫َ‬ ‫المليق‪ :‬هو الذي ال َ‬
‫الناقة َ‬ ‫يلين‪ُ ،‬‬
‫األديم إذا دلّكه حتّى َ‬‫َ‬ ‫وملَق‬‫َ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالم ْملقة‪ :‬ملّسها بالم ْملَسة( )‪.‬‬

‫طالب‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫العرض إلى ثالثة م َ‬ ‫بعد هذا‬
‫تجدر َ‬
‫لع ّل اإلشارةَ ُ‬
‫ليين أو‬ ‫اآلدمي مستقى في داللتِه ِمن التّملّ ِ‬
‫ق الماديِّ‪ ،‬ففع ُل التّ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ق‬
‫أن تملّ َ‬
‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫‪ّ ‬أولُها‪ّ :‬أنه‬
‫يمتدان‬
‫ُّلب فقط‪ ،‬بل قد ّ‬ ‫يء الص ِ‬ ‫الملساء أو ال ّش ِ‬
‫ِ‬ ‫األرض أو الص ِ‬
‫فاة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الملوسة ال يقعان على‬
‫ّ‬
‫نسمه‬ ‫الخلُق قوالً وفعالً وأثرا‪ ،‬واذا ما بدا ذلك ِمن أحٍد‪ ،‬أو على ٍ‬
‫فإننا ُ‬‫أحد‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ليستغرقا ُ‬
‫ق‪.‬‬‫بالمتملِّ ِ‬

‫الرسو ُل–صلّى اهلل عليه وسلّم–‪" :‬ليس‬


‫مذموم‪ ،‬فقد قال ّ‬
‫ٌ‬ ‫لق‬
‫الخ َ‬
‫أن هذا ُ‬‫‪ ‬وثانيها اإلشارةُ إلى ّ‬
‫لق"(‪.)3‬‬
‫الم ََ ُ‬ ‫ِ‬
‫المؤمن َ‬ ‫ِمن ُخلُق‬

‫ابن‬ ‫ق‪ ،‬وهي الفقر‪ ،‬وأص ُل هذه ّ ِ‬ ‫ِ‬


‫داللة اإلمال ِ‬
‫وجهها ُ‬‫الداللة –كما ّ‬ ‫ُ‬ ‫الوقوف عند‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬وثالثُها‬
‫أملق ما معه‪ ،‬أي أخرجه‬
‫َ‬ ‫اإلنفاق‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬ ‫صاحب اللّ ِ‬
‫سان‪ -‬هو‬ ‫ُ‬ ‫األ ِ‬
‫ثير‪ ،‬وتابعه على ذلك‬
‫الس ِ‬
‫بب في‬ ‫الفقر لهذا تابعٌ؛ ذلك ّأنهم "استعملوا لفظَ ّ‬
‫يحبسه‪ ،‬فقد أنفقه‪ ،‬و ُ‬‫ْ‬ ‫ِمن ِيده ولم‬
‫ولكنه ليس‬‫تفسير ال ُيدفَع‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أن هذا‬‫الحق ّ‬
‫‪4‬‬
‫أشهر"( )‪ ،‬و ّ‬ ‫َّب‪ ،‬حتّى صار به‬ ‫موضع المسب ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫كلمات هذه‬ ‫يكتنف‬ ‫ليين والمالسةُ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫يض‪ ،‬وهو التّ ُ‬‫االشتقاقي العر َ‬
‫َّ‬ ‫األصل‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫بأصل؛ إذ ّ‬
‫ملساء‬
‫َ‬ ‫يده تغدو‬ ‫فإن َ‬
‫وكأن المرَء إذا أملق ما معه ّ‬ ‫الفقر‪ّ ،‬‬ ‫اإلمالق"‪ ،‬وهو ُ‬‫ُ‬ ‫الماد ِة التي ِمنها "‬
‫ّ‬
‫اء اللّي ِ‬
‫نة‪ ،‬أو‬ ‫فاة الملس ِ‬
‫ق الذي ال شعر عليه‪ ،‬أو الص ِ‬ ‫الملي ِ‬ ‫كولد ّ ِ‬
‫مال فيها‪ِ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الناقة َ‬ ‫خاويةً ال َ‬
‫ي التفاتةً‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫التفت ّ‬ ‫الوس ِخ‪ ،‬وقد‬ ‫تجرُده عن‬ ‫كالثّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ألنك ّ‬ ‫وب الذي َملَ ْقتَه إذا غسلتَه ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ‪5‬‬
‫فارس الذي أشار‬ ‫ٍ‬ ‫بأصل( )‪ ،‬و ِمن قبله ُ‬
‫ابن‬ ‫مجاز ليس‬
‫ٌ‬ ‫أن معنى "اإلمالق"‬ ‫ُم ْع ِجبةً إلى ّ‬
‫ولين‪ ،‬و ِمن ذلك‬‫يء ٍ‬ ‫صحيح يد ّل على تجرٍد في ال ّش ِ‬ ‫القاف أص ٌل‬
‫الميم والالّ َم و َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫إلى ّ‬
‫المال(‪.)6‬‬‫كأنه تجرد عن ِ‬ ‫اإلمالق؛ ّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،358/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،357/4 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "ملق"‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪ ‬االستنباط‪:‬‬
‫ِ‬
‫اجه الفقهَ‬
‫اليوم واألمس‪ ،‬فيقا ُل‪ :‬استنباطُ الفقيه‪ ،‬أي استخر ُ‬ ‫اج َ‬ ‫هذه كلمةٌ شائعةٌ بمعنى االستخر ِ‬
‫يستنبطونه ِمنهم"(‪ ،)2‬أي يستخرجونه‬
‫َ‬ ‫باجتهاده(‪ ،)1‬و ِمن ذلك قولُه –تعالى‪":-‬لَ َعلِ َمه الذين‬ ‫ِ‬ ‫الباطن‬
‫َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫منهم( )‪ ،‬وبنظرٍة فاحصة يتجلّى ّ‬
‫‪3‬‬
‫األصل‬
‫َ‬ ‫إن‬‫آخر؛ إ ْذ ّ‬
‫مستن َبطٌ من َ‬ ‫أن هذا المعنى ما هو إالّ‬
‫الماء‬ ‫ون َبط‬
‫فرت‪َ ،‬‬ ‫قعر ِ‬
‫البئر إذا ُح ْ‬ ‫الماء الذي َي ْن ِب َُطُ من ِ‬ ‫الن ْبطة"‪:‬‬ ‫ِ‬
‫المياه‪ ،‬و ِمنه " َّ‬
‫الن َبط" و" ُّ‬ ‫اج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫استخر ُ‬
‫عائد إلى‬
‫اللي ٌ‬ ‫الد َّ‬
‫األصل ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫وصاحب اللّ ِ‬
‫سان إلى ّ‬ ‫ُ‬ ‫ابن األث ِ‬
‫ير‬ ‫اغب و ُ‬‫الر ُ‬
‫طا‪ :‬نبع‪ ،‬وقد أشار ّ‬ ‫ُنبو ً‬
‫الماء الذي يخرُج ِمن ِ‬
‫البئر ّأو َل ما تُ ْحفَر(‪.)4‬‬ ‫ُ‬ ‫" َّ‬
‫الن َبط"‪ ،‬وهو‬

‫المعنوي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫المادي إلى‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫المحسوس‬ ‫ِ‬
‫مضمار‬ ‫انتقلت ِمن‬
‫ْ‬ ‫الداللةَ قد‬
‫أن هذه ّ‬ ‫اهر ّ‬ ‫والظّ ُ‬
‫شأنه وهو يستخرُج‬ ‫األرض‪ ،‬فكذلك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غامض‬ ‫الماء ويستنبطُه ِمن‬
‫َ‬ ‫أن المرَء يستخرُج‬ ‫المجرِد‪ ،‬فكما ّ‬ ‫َّ‬
‫ومما ُح ِمل على معنى‬ ‫ِ‬
‫األمور واستشراف أغو ِارها‪ ،‬فكالهما استنباطٌ‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقليب‬ ‫علمه عند‬‫رَأيه أو َ‬
‫الن َب ِط‪ ،‬والمعنى ّأنه داني‬ ‫بعيد َّ‬
‫يب الثّرى‪ُ ،‬‬ ‫رجل فقال‪ :‬ذاك قر ُ‬ ‫بعضهم وقد سئل عن ٍ‬
‫ُ‬
‫المجاز قو ُل ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫كلمات هذه‬ ‫ينتظم‬ ‫الجامع الذي‬ ‫ِ‬
‫مقاييسه الخيطَ‬ ‫ٍ‬
‫فارس في‬ ‫ابن‬ ‫‪5‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تلمس ُ‬ ‫إلنجاز( )‪ ،‬وقد ّ‬ ‫بعيد ا‬
‫الموعد ُ‬
‫يدل على استخ ار ِج‬ ‫ون والراء والطّاء أص ٌل ُّ‬
‫َ‬ ‫الن َ ّ َ‬‫أن ّ‬ ‫أم ِل إلى ّ‬
‫ق والتّ ّ‬‫بكثير ِمن التّدقي ِ‬
‫ٍ‬ ‫المادة‪ُ ،‬مْل ِم ًحا‬
‫ّ‬
‫أيضا تسميةُ النَّ َب ِط‪ُ ،‬س ُّموا به‬ ‫نفسه إذا استُ ْخ ِرج َنبط‪ ،‬و ِمن ذلك ً‬ ‫فالماء ُ‬
‫ُ‬ ‫شيء؛ وذلك نحو "الماء"‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الفرس‪،‬‬ ‫تحت ِ‬
‫إبط َِ‬ ‫َ‬ ‫يكون‬ ‫البياض‬ ‫تقدم النُّ ْبطة‪ ،‬وهي‬
‫المحمول على ما ّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الستنباطهم المياهَ‪ ،‬و ِمن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كل ذلك مشبَّهٌ بما َن َبط(‪.)6‬‬ ‫ُّ‬

‫ت ضالّتي‪:‬‬
‫شد ُ‬
‫‪َ ‬ن ْ‬
‫وتنويه(‪ ،)7‬وير ُاد ِمن هذا التّ ِ‬
‫ركيب‬ ‫ٍ‬ ‫ذكر ال ّش ِ‬
‫يء‬ ‫الدا ُل أص ٌل يد ّل على ِ‬
‫ين و ّ‬‫ون وال ّش ُ‬
‫الن ُ‬
‫ّ‬
‫االشتقاقي ِة التي‬
‫ّ‬
‫استرشد‪ ،‬والذي يسترعي االنتباه ههنا هو تلمس الص ِ‬
‫لة‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫طلبها و‬ ‫ِ‬
‫المذكور آنفًا‪َ :‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نبط"‪.‬‬


‫(‪ )2‬اآلية(النساء‪.)83 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬الغريب‪ ،132 ،‬والسجستاني‪ ،‬النزهة‪ ،486 ،‬والراغب‪ ،‬المفردات‪.536 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪ ،536 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،9/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نبط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.9/5 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "نبط"‪ ،‬وقد جنح ابن منظور إلى أن تسمية النبط جاءت الستنباطهم ما‬
‫يخرج من األرضين‪ ،‬انظر‪ :‬اللسان‪ ،‬مادة "نبط"‪.‬‬
‫(‪)7‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "نشد"‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ِ‬
‫وجدان‬ ‫الغلّةَ في‬
‫بي ما َيشفي ُ‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫أن في‬ ‫ِ‬ ‫ف بين َّ‬
‫الحق ّ‬
‫و"نشدت"‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫و"اإلنشاد"‬ ‫"النشيد"‬ ‫تؤلّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ق ِمن هذه‬ ‫الضالّ ِة‪ ،‬فاألص ُل ّ‬
‫المادة هو رفعُ‬ ‫دم الذي يجمعُ َشتات ما ُيشتَ ّ‬ ‫اللي المتقا ُ‬‫الد ُّ‬ ‫هذه ّ‬
‫وسألت‬ ‫ناديت‬ ‫يكون إذا‬ ‫الضالّةَ"‬ ‫ِ‬ ‫وت‪ ،‬و ِمن ذلك ما عليه َع ُ‬ ‫الص ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫"نشدت ّ‬
‫ُ‬ ‫المباحثة‪ ،‬فقولُنا‪:‬‬ ‫قد هذه‬ ‫ّ‬
‫الضوا ّل فيأخذونها ويحبسونها على أربابِها‪،‬‬ ‫اإلبل ويطلبون ّ‬ ‫َ‬ ‫الناشدون‪ :‬الذين ينشدون‬ ‫عنها‪ ،‬و ّ‬
‫مفاده ّأنه–صلّى اهلل عليه وسلّم‪-‬‬ ‫يف ُ‬ ‫حديث شر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وردت هذه الكلمةُ في‬ ‫وت‪ ،‬وقد‬‫شيد رفع الص ِ‬
‫ْ‬ ‫الن ُ ُ ّ‬ ‫وّ‬
‫وجدت‪ ،‬قال ذلك‬ ‫اجد"‪ ،‬والمعنى‪ :‬ال‬ ‫غيرك الو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫اشد‪ُ ،‬‬ ‫الن ُ‬
‫المسجد‪ّ :‬أيها ّ‬ ‫ينشد ضالّتَه في‬
‫لرجل ُ‬ ‫"قال‬
‫جاء في التّ ِ‬
‫هذيب‬ ‫‪1‬‬ ‫المسجد‪ ،‬و"هو ِمن ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصوت"( )‪ ،‬وقد َ‬ ‫النشيد‪ :‬رفع ّ‬ ‫تأديبا له؛ إذ طلب ضالّته في‬ ‫ً‬
‫إنشاد ال ّش ِ‬ ‫لب‪ ،‬و ِمن هذا‬ ‫فع صوتِه بالطّ ِ‬ ‫ّأنه ّإنما قيل للطّ ِ‬
‫عر‪ ،‬واّنما هو رفعُ‬ ‫ُ‬ ‫الب "ناشد" لر ِ‬
‫ق‪ ،‬وهي‪ :‬نشدتُك‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وت(‪ ،)2‬وليس ُينسى في هذا‬ ‫الص ِ‬
‫نصوص ّ‬ ‫المقام قولةٌ مأثورةٌ ذائعةٌ في‬ ‫ّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫تقدم ِمن ر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل‪ ،‬ونشدتُك ِ‬
‫باهلل وبالر ِ‬
‫الصوت؛ إ ْذ ّ‬
‫فع ّ‬ ‫عما ّ‬‫المتعي ُن فيها ليس بمتجاف ّ‬ ‫ّ‬ ‫حم‪ ،‬والمعنى‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫تقدم‬
‫ينضاف إلى ما ّ‬ ‫ومما‬ ‫‪3‬‬ ‫وبحق الر ِ‬ ‫المتعين‪ :‬طلبت إليك ِ‬
‫ُ‬ ‫فع نشيدي؛ أي صوتي( )‪ّ ،‬‬ ‫حم بر ِ‬ ‫ّ ّ‬ ‫باهلل‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫المتقدِم‬
‫ّ‬ ‫وت‪ ،‬ك ّل هذا‬ ‫صوت وال رفع للص ِ‬ ‫ٌ‬ ‫العلم‪ ،‬وليس في نِشدتِه تلكم‬ ‫ينشد‬
‫ُ‬ ‫ّأننا نقو ُل‪ :‬فالن‬
‫ٌ ّ‬ ‫َ‬
‫فمن الص ِ‬ ‫اكم الطَّ ِ‬
‫بقات األثري ِة‪ِ ،‬‬ ‫المتقادم كتر ِ‬
‫ِ‬
‫وت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دالليةٌ متراكمةٌ في سيرو ِرة العر ّبية ُ‬
‫وع ُم ِرها‬ ‫طبقات ّ‬
‫ٌ‬
‫شيد؛ أعني‬‫بالن ِ‬
‫البحث مطلقًا وا ْن لم يكن ّ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة على‬ ‫الضالّ ِة‪ ،‬إلى ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور ِ‬
‫وطلب ّ‬ ‫االسترشاد‬ ‫فعه إلى‬
‫رفع الص ِ‬
‫وت‪.‬‬ ‫َ ّ‬

‫‪َّ ‬‬
‫الن ّخاس و ِّ‬
‫النخاسة‪:‬‬
‫ِ‬
‫اس بائعُ‬‫ومثْبِتين‪ ،‬فالنَّ ّخ ُ‬
‫مقررين ُ‬
‫القدماء ِّ‬
‫ُ‬ ‫داللي التفت إليه‬
‫ّ‬ ‫تطوٌر‬
‫وقد وقع في هذه الكلمة ّ‬
‫األو َل هو األص ُل(‪،)4‬‬ ‫ولكن ّ‬ ‫ّ‬ ‫اسا‪،‬‬
‫نخ ً‬
‫ق ّ‬‫الرقي ِ‬
‫يسمى بائعُ ّ‬ ‫النخاسةُ‪ ،‬وقد َّ‬ ‫النخاسةُ و َّ‬
‫اب‪ ،‬وحرفتُه ِّ‬‫الدو ّ‬
‫ّ‬
‫‪5‬‬
‫الدفعُ والحركةُ( )‪ ،‬وقد جاء عند‬ ‫ٍ‬
‫منظور هو ّ‬ ‫األثير و ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫ابن‬ ‫ٍ‬
‫فارس و ِ‬ ‫المتقادم عند ِ‬
‫ابن‬ ‫أما األص ُل‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫حاد‪ ،‬فنقو ُل‪َ :‬ب َخسه ٍ‬
‫بعود أو‬ ‫ٍ‬
‫بشيء ّ‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ين كلمةٌ تد ّل على َب ْزِل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الس َ‬
‫الخاء و ّ‬
‫ون و َ‬ ‫الن َ‬
‫أن ّ‬
‫فارس ّ‬ ‫ابن‬
‫اب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حديدة َب ْخ ًسا(‪ ،)6‬والوجهُ الجامعُ بين هذا‬
‫الدو ّ‬
‫الحادث( بائع ّ‬ ‫المتقادم‪ ،‬وذلكم المعنى‬ ‫األصل‬

‫(‪ )1‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،53/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نشد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "نشد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نشد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نخس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "نخس"‪ ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،32/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة‬
‫"نخس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "نخس"‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫ِ‬
‫ويدفعها َن ْخ ًسا‬
‫ُ‬ ‫ك ماشيتَه‬ ‫يحر ُ‬
‫اس ّ‬ ‫فالن ّخ ُ‬ ‫أم ِل والتّ ّ‬
‫دب ِر‪ّ ،‬‬ ‫داللي ُيهتَدى إليه بلطف التّ ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الرقيق) ملحظٌ‬‫وّ‬
‫يعضد‬ ‫ومما‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ط"( )‪ّ ،‬‬ ‫"لنخسه ّإياها حتّى تن َش َ‬ ‫الن ّخاس بذلك‬ ‫للبيع‪ ،‬واّنما ُس ّمي ّ‬
‫عرضها ِ‬ ‫أجل‬
‫خز َ‬‫ون ًا‬‫َ‬
‫سان أسف َل‬ ‫أمره‪ ،‬فقد جاء في اللّ ِ‬ ‫ظاهر ُ‬
‫ًا‬ ‫التقاء‬
‫ً‬ ‫فالداللتان تلتقيان‬ ‫ماد ِة "نخز"‪ِّ ،‬‬
‫المذهب داللةُ ّ‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫ٍ‬
‫فارس‬ ‫ابن‬ ‫‪2‬‬ ‫ٍ‬
‫يب‪ -‬ما أشار إليه ُ‬ ‫بحديدة‪َ :‬و َجأه"( )‪ ،‬وهذا – وما في ذلك ر ٌ‬ ‫مادة "نخز"‪َ ..." :‬ن َخزه‬‫ّ‬
‫آت‬‫مادةَ "نخس" و "نخز" ٍ‬ ‫المادتين؛ أعني ّ‬ ‫داخل بين ّ‬ ‫أن هذا التّ َ‬ ‫قبيل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أحسب ّ‬
‫قليل‪ ،‬و ُ‬ ‫منظور َ‬ ‫ابن‬
‫و ُ‬
‫صوت ِرخو‪،‬‬ ‫بي(‪ ،)3‬فكالهما‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫نمو‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫ٌ‬ ‫كبير في ّ‬ ‫أثر ٌ‬ ‫اي‪ ،‬وللمماثلة ٌ‬ ‫الز ِ‬
‫ين و ّ‬ ‫تعاقب ّ‬
‫ين‬
‫فالس ُ‬
‫الجهر؛ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ون بينهما هو‬ ‫الب ُ‬
‫قام َ‬‫المْل َم ُح الذي به ُي ُ‬
‫ق‪ ،‬و َ‬ ‫أسناني‪ ،‬وكالهما مرقَّ ٌ‬
‫ّ‬ ‫لثوي‬
‫وكالهما ّ‬
‫مجهور‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫اي‬
‫الز ُ‬
‫مهموس‪ ،‬و ّ‬
‫ٌ‬

‫‪ ‬الن َعرة‪:‬‬
‫تد إلى‬‫بمحد ٍث؛ إذ ّإنه ير ُّ‬
‫َ‬ ‫تعبير ليس‬
‫ائفيةُ‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫يشيعُ في عر ّبيتنا المعاص ِرة القو ُل‪ّ :‬‬
‫الن َعرةُ الطّ ّ‬
‫النعرة الخيشوم‪ ،‬ومنها ي ِ‬ ‫أصول عر ّبي ٍة أثبتتها‬
‫ٍ‬
‫اعر‪ ،‬وقيل – وهذا الوجه‬ ‫الن ُ‬
‫نعر ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فالن َعرة و ُّ ْ‬
‫المعجمات‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ت بخيشو ِمه‪،‬‬ ‫وصو َ‬
‫ّ‬ ‫الخيشوم‪ ،‬و ِمنه قولُنا‪َ :‬ن َعر ّ‬
‫الرج ُل إذا صاح‬ ‫ِ‬ ‫صوت في‬‫ٌ‬ ‫الن ْعرة‪:‬‬
‫إن ّ‬ ‫هو َّ‬
‫المقد ُم– ّ‬
‫دمه ِمنه(‪ ،)4‬وقد‬ ‫شد ِة خرو ِج ِ‬
‫ت ِمن ّ‬ ‫يصو ُ‬
‫ألنه ِّ‬ ‫سمي بذلك ّ‬ ‫دما وال ْيرقأ‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وع ْرق ناعٌر‪ :‬الذي يسي ُل ً‬
‫ِ‬
‫مفرد نواعير‪ -‬لصوتِه(‪.)5‬‬ ‫الناعور – ُ‬ ‫الب‪ّ :‬‬ ‫للدو ِ‬
‫قيل ّ‬

‫ِ‬
‫المباحثة‬ ‫الصوت"‪ ،‬وتبقى المساءلةُ في هذه‬ ‫ِ‬
‫ينتظمها معنى " ّ‬ ‫ُ‬ ‫الكلمات المذكورةَ آنفاً‬ ‫أن‬
‫إخا ُل ّ‬
‫أسه " ُلن َعرة" يعني‪ِ :‬كب اًر‪ ،‬ولهذه‬ ‫اقع فيها‪ ،‬فقولُنا‪ :‬إن في ر ِ‬
‫ّ‬ ‫طوِر ال ِّد ِّ‬
‫اللي الو ِ‬ ‫ِ‬
‫واقعةً في استشراف التّ ّ‬
‫سمي‬‫أزرق ِّ‬ ‫كبير‬ ‫أن ُّ‬ ‫ِ‬ ‫أي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ذباب ٌ‬‫ٌ‬ ‫الن َعرةَ‬ ‫األثير فيها ّ‬ ‫ابن‬ ‫قصةٌ‪ ،‬ور ُ‬
‫الداللة المجازّية الحادثة المشتقّة ّ‬
‫ثم‬ ‫بالبعير فيدخ ُل في ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسه‪ّ ،‬‬ ‫فيركب ر َ‬
‫ُ‬ ‫أنفه‪،‬‬ ‫لنعيره‪ ،‬أي‪ :‬صوته‪ ،‬وله إبرةٌ يلسعُ بها‪ ،‬ويتولّعُ‬ ‫كذلك‬
‫ِ‬
‫المجاز(‪.)7‬‬ ‫ِ‬
‫بركب‬ ‫يلحق‬ ‫مما‬ ‫‪6‬‬ ‫للنخوِة و ِ‬
‫األنفة و ِ‬
‫ُ‬ ‫ي هذا المعنى ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫عد ّ‬‫الكبر( )‪ ،‬وقد ّ‬ ‫استُعيرت ّ‬
‫باألو ِل‪ ،‬فقد قيل‪ :‬أل َ‬
‫طيِّرن‬ ‫ٍ‬ ‫تقدم ِمن ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مذهب ِ‬
‫بآخر ذي لُ ْح َمة ّ‬ ‫أي‪ ،‬وقال َ‬ ‫منظور فقد أورد ما ّ‬ ‫ابن‬ ‫ُ‬ ‫أما‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة نخس"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نخز"‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬للوقوف على أمثلة كثيرة في أثر المماثلة في نمو المعجم العربي انظر‪ :‬مهدي عرار‪ ،‬أثر المماثلة في نمو‬
‫المعجم العربي‪ :‬دراسة صوتية معجمية‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نعر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "نعر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،80/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نعر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "نعر"‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫أسه‪ ،‬فيقا ُل ِّ‬
‫لكل َمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ركب ر َ‬
‫الحمار إذا نعر َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫كبرك وجهلَك من رأسك‪ ،‬و"األص ُل فيه ّ‬ ‫ُن َعرتك‪ ،‬أي َ‬
‫أسه‪ :‬فيه ُن َعرة"(‪.)1‬‬
‫ركب ر َ‬
‫َ‬

‫كانت تد ّل‬ ‫متعد ٍ‬


‫دة ّأنها‬ ‫أمكنة عر ّبي ٍة ّ‬
‫أزمنة و ٍ‬‫ٍ‬ ‫الد ِ‬
‫اللة وسيرورتِها عبر‬ ‫قص ِة هذه ّ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫والمستصفى من ّ‬
‫ِ‬
‫كاإلنسان‪،‬‬ ‫جي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صويت يقعُ ِمن‬ ‫ِ‬
‫أشياء متباينة في العالم الخار ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ولما كان التّ‬‫على التّصويت‪ّ ،‬‬
‫سمي نوعٌ ِمن ال ّذ ِ‬
‫باب‬ ‫لما كان ذلك كذلك – ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫النو ِ‬ ‫البعير‪ ،‬وعر ِ‬
‫و ِ‬
‫اعير‪ ،‬وضرب من ال ّذباب‪ّ ،‬‬ ‫الدم‪ ،‬و ّ‬
‫ق ّ‬
‫االشتقاقي "التّصويت"‪ ،‬و ِمن هذا أ ِ‬ ‫ِ‬
‫النعرةُ‬
‫ُخ َذت ّ‬ ‫ِّ‬ ‫لضخامته وجها ِرة صوتِه بالنُّ َعرة‪ً ،‬‬
‫وفاء بذلكم المعنى‬
‫النعرة" الذي‬‫باب " ّ‬ ‫يكون لل ّذ ِ‬ ‫أسه‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ركب ر َ‬
‫البعير إذا نعر َ‬ ‫َ‬ ‫ألن‬
‫يكون ّ‬‫ُ‬ ‫قيةُ‪ ،‬فقد‬
‫ائفيةُ أو العر ّ‬
‫الطّ ّ‬
‫أمره‪ ،‬وقد نشأ‬ ‫ركوب الر ِ‬
‫أس‪ ،‬و ّأياً كان األص ُل‪ ،‬فالوجهان متقاربان تقارًبا ّبيناً ُ‬ ‫َ‬ ‫فيحدث‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالبعير‬ ‫يتولّعُ‬
‫معنويةٌ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المادّي ِة داللةٌ أخرى‬
‫عن داللتِهما ّ‬

‫عش‪:‬‬ ‫االنتعاش و َّ‬


‫الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫فاالنتعاش‬
‫ُ‬ ‫تفاع(‪،)2‬‬ ‫فع وار ٍ‬ ‫ماد ِة "نعش"‪ ،‬وهو أص ٌل يد ّل على ر ٍ‬ ‫الداللتَين إلى ّ‬ ‫تفيء هاتَين ّ‬
‫ش الذي هو رفعٌ‪،‬‬ ‫احة‪ ،‬وأص ُل ذلك مأخوٌذ ِمن ّ‬
‫الن ْع ِ‬ ‫بالبهجة والتم ّك ِن والر ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجأش مقرونةً‬ ‫قوةُ‬
‫اليوم ّ‬
‫َ‬
‫وجه ِمن‬ ‫أس‪ ،‬و ِمنه قيل على ٍ‬ ‫االنتعاش رفعُ ال ّر ِ‬
‫ُ‬ ‫العاثر إذا نهض ِمن عثرتِه‪ ،‬و‬ ‫ُ‬ ‫فيقا ُل‪ :‬انتعش‬
‫بعد عث ٍرة(‪،)4‬‬‫فقر أو رفعتُه َ‬ ‫ورطة(‪ ،)3‬أو إذا جبرتُه بعد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جوِز‪ :‬نعشتُه فانتعش إذا تداركتُه ِمن‬ ‫التّ ّ‬
‫ِ ‪5‬‬
‫المتأم َل‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫الحق ّ‬
‫تفاعه( )‪ ،‬و ّ‬ ‫سمي بذلك الر‬ ‫المي ِت؛ ِّ‬
‫بيان‪ ،‬فهو سر ُير ّ‬ ‫تقدم من ٍ‬ ‫ش أصلُه ما ّ‬ ‫و َّ‬
‫الن ْع ُ‬
‫ظاهرا‪ ،‬فك ّل‬
‫ً‬ ‫تخصيصا دالليًّا‬
‫ً‬ ‫المي ِت‬
‫ير ّ‬ ‫الن ْعش– على سر ِ‬ ‫وصف –أعني َّ‬ ‫ِ‬ ‫أن في إسبا ِغ هذا ال‬ ‫يجد ّ‬ ‫ُ‬
‫بالمي ِت‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الكلمة َِ‪ ،‬اقترن‬ ‫ولكنه فيما بعد‪ ،‬وفي َسيرورِة هذه‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ّ ،‬‬ ‫ألنه يرتفعُ عن‬‫نعش ّ‬ ‫ير ٌ‬ ‫سر ٍ‬
‫ك إذا مرض(‪ ،)6‬وقيل‪" :‬واذا لم‬ ‫حمل عليها المل ُ‬ ‫الن ُ ِ‬
‫بعضهم‪َّ :‬‬
‫عش م َحفّةٌ ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫وتخصص‪ ،‬ولذلك قال‬ ‫ّ‬
‫اقع في‬ ‫اللي الو َ‬
‫الد َّ‬ ‫خصيص ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫منظور التّ‬ ‫ابن‬ ‫‪7‬‬
‫ت محمو ٌل فهو سر ٌير"( )‪ ،‬وقد التمس ُ‬ ‫مي ٌ‬
‫يك ْن عليه ّ‬
‫المي ِت نعشا"(‪.)8‬‬ ‫سرير ِّ‬‫ُ‬ ‫سمي‬
‫كالمهم حتّى ِّ‬‫عش فقال‪" :‬هذا هو األص ُل‪ ،‬ثم كثر في ِ‬
‫ّ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة ّ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نعر"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "نعش"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "نعش"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نعش"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،81/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نعش"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "نعش"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.81/5 ،‬‬
‫(‪ )8‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نعش"‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫المتََنطِّعون‪:‬‬
‫‪ُ ‬‬
‫يسمى‬ ‫وصف ِ‬ ‫ِ‬
‫يء قد ّ‬
‫أن ال ّش َ‬
‫ابن قتيبةَ في ّ‬ ‫ُ‬ ‫يص ُدق عليه‬
‫تطوًار ْ‬
‫رت داللةُ هذه الكلمة ّ‬‫تطو ْ‬
‫وقد ّ‬
‫ْ‬
‫فالمتعي ُن ِمن المتنطِّعين المغالون في‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بسهم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بسبب‪ ،‬أو ضارًبا فيه‬ ‫اآلخر إذا كان ِمنه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باسم‬
‫الوضع وال‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بأصل في‬ ‫أن هذا المعنى ليس‬ ‫المعجميون إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫المتعمقون فيه(‪ ،)1‬وقد التفت‬ ‫ِ‬
‫الكالم‪ ،‬و ِّ‬
‫الفم األعلى‪ ،‬وهي ِ‬
‫الجلدةُ‬ ‫غار ِ‬ ‫طعُ ما ظهر من ِ‬ ‫تطوًار دال ّلياً وقع؛ ِّ‬
‫فالن ْ‬ ‫ِ‬
‫إن ّ‬ ‫االستعمال؛ إذ ّ‬ ‫في‬
‫نك(‪ ،)2‬والتّنطُّعُ الذي هو‬‫سان في الح ِ‬
‫َ‬ ‫يز‪ ،‬وهنالك موقعُ اللّ ِ‬ ‫آثار للتّحز ِ‬ ‫الملتصقةُ بعظم ُ ِ‬
‫الخليقاء فيها ٌ‬
‫بيانه‪" :‬مأخوٌذ ِمن ِّ‬
‫النطَع‪ ،‬وهو‬ ‫المتقدِم ُ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫األثير في هذا‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫ق في الكالم منه مأخوٌذ‪ ،‬فقد قال ُ‬ ‫تعم ٌ‬
‫ّ‬
‫سول –صلّى‬‫حديث الر ِ‬ ‫‪3‬‬
‫ق قوالً وفعالً"( )‪ ،‬وقد ُحمل‬‫تعم ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫ثم استُعمل في كل ّ‬ ‫الغار األعلى من الفم‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكالم‪ ،‬الذين يتكلّمون‬ ‫المتعمقون في‬ ‫اهلل عليه وسلّم‪َ " :-‬هلَك المتنطِّعون" على ذلك الم ِ‬
‫حمل‪ ،‬فهم‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫المتشد َ‬
‫ّ‬ ‫فكأن المتنطِّ َع‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫المجاز‪،‬‬ ‫ي ِمن‬‫الزمخشر ّ‬
‫األخير جعله ّ‬‫ُ‬ ‫بأقصى حلوِقهم ّ‬
‫تكب اًر(‪ .)4‬وهذا‬
‫طع ِ‬
‫الفم(‪.)5‬‬ ‫يرمي بلسانِه إلى نِ َ‬

‫‪َّ ‬‬
‫النكهة‪:‬‬
‫اليوم في عر ّبيتِنا‬‫َ‬ ‫ق؛ إذ ّإنها تشيعُ‬
‫كهة في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫كالن ِ‬
‫ليست ّ‬ ‫ْ‬ ‫الساب ِ‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫الن ْكهة في كالم ّ‬ ‫و َّ‬
‫ساءلت ثلّةً ِمن طالّ ِب العر ّبي ِة‬
‫ُ‬ ‫الحق ّأنني‬
‫ائحة‪ ،‬و ّ‬‫المذاق بالر ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫يقترن‬
‫ُ‬ ‫"المذاق"‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫المعاصرة بمعنى َ‬
‫يج ِمن‬ ‫احد ِمنهم ّ‬
‫بأنها مز ٌ‬ ‫ذاق‪ ،‬وانفرد و ٌ‬ ‫الم ُ‬ ‫ِ‬
‫المتعي َن منها َ‬
‫ّ‬ ‫أن‬ ‫داللة ّ ِ‬
‫النكهة‪ ،‬فجنحوا إلى ّ‬
‫ِ‬ ‫ال ّشادين في‬
‫يح ِ‬
‫الفم‬ ‫سان ألفيتُها دالّةً في أصلِها على ر ِ‬ ‫ولما راجعتُها في اللّ ِ‬ ‫كية‪ّ ،‬‬ ‫الز ّ‬
‫ق الطّي ِب والر ِ‬
‫ائحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المذا ِ‬
‫ِ‬
‫صحاحه‪:‬‬ ‫ي في‬‫يعضد هذا المعنى ما تمثّله الجوهر ُّ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العرب‬ ‫فقط(‪ ،)6‬ومما جاء ِمن ِ‬
‫كالم‬ ‫ّ‬
‫‪7‬‬
‫حديث عهد( )‪.‬‬
‫َ‬ ‫مات‬
‫الكلب َ‬ ‫ِ‬ ‫يح‬
‫كر ِ‬ ‫فوجدت ِمنه‬
‫ُ‬ ‫مجالدا‬
‫ً‬ ‫َن ِك ُ‬
‫هت‬
‫وقول اآلخر‪:‬‬
‫أكلت َس ْفر َجال‬
‫بل ُ‬ ‫فقلت لهم‪ :‬ال ْ‬
‫ُ‬ ‫بت مدامةً‬
‫يقولون لي‪ْ :‬ان َك ْه قد شر َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،74/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نطع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نطع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.74/5 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نطع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "نطع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "نكه"‪ ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،117/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نكه"‪،‬‬
‫والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‪ ،‬مادة "نكه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "نكه"‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ون َكه‪:‬‬ ‫االسم َّ‬
‫النكهة‪َ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وبالفَ ِ‬
‫شم رائحةَ فيه‪ ،‬و ُ‬
‫المتقدم يغدو المعنى‪َ :‬ن َكهَه واستنكهه‪ّ :‬‬ ‫يء على هذا‬
‫شموا نكهتَه ورائحةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخمر‪" :‬استنكهوه‪ ،‬أي ّ‬ ‫شارب‬ ‫حديث‬ ‫نفسه إلى أنفي‪ ،‬وقد جاء في‬‫إذا أخرج َ‬
‫أن‬
‫النكهة‪ّ ،‬‬‫الدا ّل على دالل ِة ّ‬ ‫ِ‬
‫العرض ّ‬ ‫ٍ‬
‫شارب(‪ ،)1‬واخا ُل‪ ،‬بعد هذا‬ ‫غير‬
‫أشارب هو أم ُ‬
‫ٌ‬ ‫فيه‪ُ ،‬لي ْعلَم‬
‫أصبحت في‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫داللياً مؤتلفًا ِمن أطو ٍار‬
‫ْ‬ ‫يح الفم‪ّ ،‬‬ ‫المتقادم ر ُ‬
‫ُ‬ ‫متعاقبة قد اعتراها‪ ،‬فاألص ُل‬ ‫تطوًار ّ‬‫ّ‬
‫ائحة ال ّش ِ‬
‫يء‬ ‫الفم‪ ،‬بل بر ِ‬ ‫تعد مقترنةً بر ِ‬
‫ائحة ِ‬ ‫ق‪ ،‬ولم ْ‬ ‫ق دالّةً على الر ِ‬
‫ائحة ممزوجةً بالمذا ِ‬ ‫ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫ّ‬
‫َّ‬
‫المميزة"‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫كهة‬ ‫"مذاق ّ‬ ‫المنتَجات‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫عام‪ ،‬فصرنا نسمع أو نق أر على ِ‬ ‫أو الطّ ِ‬
‫ُ‬ ‫بعض ُ‬ ‫علب‬ ‫ُ‬

‫وتي‪:‬‬
‫‪ ‬الن ّ‬
‫جذرين‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كلمات العر ّبي ِة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِمن‬
‫تحت َ‬ ‫َ‬ ‫منظور‬ ‫ابن‬
‫غير ال ّشائعة في العر ّبية المعاصرة‪ ،‬وقد أثبتها ُ‬
‫السفينةَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدب ُر ّ‬
‫المتعي ُن من هذه الكلمة هو المالّ ُح الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫يائي‪ ،‬والمعنى‬
‫اوي‪ ،‬وثانيهما ّ‬ ‫ّأولُهما و ّ‬
‫ِ‬
‫البحر‪ ،‬واألص ُل في هذا – كما‬ ‫اتي‪ ،‬وهم المالّحون في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫النو ّ‬
‫وجمعها ّ‬
‫ُ‬ ‫جانب‪،‬‬ ‫جانب إلى‬ ‫ويميلُها من‬
‫ُ‬
‫عاس( )‪ ،‬وقيل التّماي ُل ِمن ضعف( )‪،‬‬
‫ٍ ‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫المعجمات– هو التّماي ُل‪ ،‬وقيل التّماي ُل من ّ‬ ‫يتجلّى في‬
‫ِ‬
‫العالقة بين‬ ‫اقتناص‬ ‫وتي هي‬ ‫ِ‬ ‫الخاطر بعد استشر ِ‬
‫ِ‬ ‫ولع ّل المساءلةَ التي تَِرد على‬
‫ُ‬ ‫الن ّ‬
‫داللة ّ‬ ‫اف‬
‫السفينةَ يمنةً ويسرةً‪ ،‬وقد‬
‫وتي "المالّح" يمي ُل ّ‬ ‫فالن ّ‬
‫األو ُل‪ّ ،‬‬
‫المْل َم ُح ّ‬
‫أن التّماي َل هو َ‬‫المعنيين‪ ،‬واخا ُل ّ‬
‫ِ‬
‫كتمايل المرِء‬ ‫يدافعها المو ُج‬ ‫ِ‬
‫البحر وهي تدافعُ المو َج أو‬ ‫نفسها تتماي ُل في ُع ِ‬
‫رض‬
‫ُ‬ ‫السفينةُ ُ‬
‫تكون ّ‬
‫ُ‬
‫يل‬‫الحق في التّنز ِ‬ ‫اس عن ِ‬
‫قول‬ ‫عب ٍ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫وردت هذه الكلمةُ في حديث ابن ّ‬ ‫ْ‬ ‫نعاسا‪ .‬وقد‬
‫ً‬ ‫ضعفاً أو‬
‫مع"(‪ ،)4‬فقال‪ّ :‬إنهم كانوا َن ّواتين‪ ،‬أي مالّ ِحين(‪.)5‬‬ ‫تفيض ِمن ّ‬
‫الد ِ‬ ‫ُ‬ ‫أعينهم‬
‫يز‪":‬ترى َ‬ ‫العز ِ‬

‫اله َمج‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫حقل داللتِها على‬ ‫اللة‪ ،‬وهو انتقا ٌل ِمن ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫انتقال ّ‬ ‫ِ‬
‫ملحظ‬ ‫ِ‬
‫داللة الهَ َمج إلماحةٌ إلى‬ ‫تطوِر‬
‫وفي ّ‬
‫أبناء العر ّبي ِة‪،‬‬
‫عرضت هذه الكلمةَ على ثلّ ٍة من ِ‬‫ُ‬ ‫وكنت قد‬
‫ُ‬ ‫اآلدمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حقل داللتِها على‬‫الحيواني إلى ِ‬
‫ّ‬
‫اس والس ِ‬ ‫عاع ِمن ّ‬ ‫فذهبوا بمعناها إلى اقترانِه‬
‫الحق ّأنهم‬
‫فلة‪ ،‬و ّ‬ ‫الن ِ ّ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫باإلنسان‪ ،‬والى ّأنها تد ّل على َّ‬
‫ولكنه‬
‫المعاصر‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫بيانه وان احتكموا إلى عرِفهم اللّ ّ‬
‫غوي‬ ‫المتقدِم ُ‬
‫ّ‬ ‫اب في مذهبِهم‬ ‫الصو َ‬
‫لم يجانبوا ّ‬
‫العرب – كما يرى‬ ‫ِ‬ ‫بي‪ ،‬وأصلُه في ِ‬
‫كالم‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫ميتاً في‬
‫مجاز ّ‬
‫ًا‬ ‫عد‬
‫مما ُي ّ‬
‫مذهبهم ذاك ّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫فاتهم ّ‬
‫ذباب صغير يسقطُ على وجوِه ِ‬
‫الغنم‬ ‫البعوض أو‬ ‫وغيرهم‪-‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ي ُ‬ ‫الزمخشر ّ‬‫األثير و ّ‬ ‫ابن‬
‫يو ُ‬ ‫ابن األنبار ّ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،117/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نكه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،123/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نوت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "نوت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬اآلية( المائدة‪.)83 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر هذا الحديث‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.123/5 ،‬‬

‫‪136‬‬
‫الزمخشري في ِ‬
‫أساسه قولَنا‪" :‬ما هم إالّ َه َم ٌج‬ ‫عد ّ‬
‫‪1‬‬
‫ورذالتُهم( )‪ .‬وقد ّ‬ ‫الن ِ‬ ‫و ِ‬
‫ّ‬ ‫اس ُ‬ ‫الحمير‪ ،‬ف ُشّبه به َرعاعُ ّ‬
‫ِ‬
‫أن‬
‫مفاده ّ‬ ‫ِ‬
‫خاطره معتَقَ ًدا ُ‬ ‫ئ في‬ ‫أن ينش َ‬‫المتقدِم ْ‬
‫ّ‬ ‫المجاز(‪ ،)2‬وللمرِء بعد هذا‬
‫ِ‬ ‫ينتسب إلى‬
‫ُ‬ ‫مما‬
‫َرعاع" ّ‬
‫المعجميين‬
‫ّ‬ ‫ميتاً ليس فيه ِمن المجازّي ِة إالّ إلماحة‬ ‫مان‪ ،‬فأمسى ّ‬ ‫الز ُ‬
‫المجاز قد تقادم عليه ّ‬
‫َ‬ ‫ذلكم‬
‫ِ‬
‫القدماء‪.‬‬

‫اله ْمس‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫الليةُ تترّبع في ِ‬
‫كالم‬ ‫ُ‬ ‫الد ّ‬‫كانت دائرتُها ّ‬
‫ْ‬ ‫خصيص؛ إذ‬
‫ُ‬ ‫تطوٌر هيئتُه التّ‬ ‫ِ‬
‫الهمس ّ‬ ‫وقد اعترى ِداللةَ‬
‫مقصور على‬ ‫ق‬ ‫ق‪ ،‬فالهمس في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫مساحة أرحب ِمن دائرتِها في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ق على‬ ‫الساب ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الخفي ِمن‬
‫ّ‬ ‫فالهمس هو‬ ‫البتّةَ‪َ ،‬‬
‫أمس فذلك ليس كذلك ّ‬ ‫أما ِ‬ ‫يكاد ُيفهَم‪ّ ،‬‬
‫وت الذي ال ُ‬ ‫لخفي ِمن الص ِ‬
‫ّ‬ ‫ا ِّ‬
‫اسكت‪،‬‬
‫خفياً و ْ‬ ‫وص ْه‪ ،‬أي ِ‬ ‫ِ‬ ‫مأثور ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوطء و ِ‬‫وت و ِ‬ ‫الص ِ‬
‫امش ّ‬ ‫اهمس َ‬ ‫ْ‬ ‫العرب‪:‬‬ ‫كالم‬ ‫األكل‪ ،‬وقد قيل في‬ ‫ّ‬
‫المضغُ الذي ال‬
‫ْ‬ ‫الخفي الوطء‪ ،‬والهَميس‪:‬‬‫ّ‬ ‫األسد الهَموس‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ق قاله لصاحبِه‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫وهذا قو ُل سار ٍ‬
‫منضم قيل‪َ :‬ه َمس‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫الرج ُل ِمن الطّعام وفوه‬‫الحس‪ ،‬واذا مضغ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخفي‬
‫ّ‬ ‫المشي‬
‫ُ‬ ‫فغر به الفم‪ ،‬وكذلك‬ ‫ُي َ‬
‫الراجز‪:‬‬
‫ويعضد هذا قو ُل ّ‬
‫ُ‬
‫يأكلن ما في َر ْحلِ ّ‬
‫‪3‬‬
‫هن َه ْمسا( )‬ ‫َ‬
‫األكل و ِ‬
‫الوطء‬ ‫وت و ِ‬ ‫الخفي ِمن الص ِ‬ ‫الهمس الثّالثة؛ أعني‬ ‫ِ‬ ‫معاني‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫وقد جمع ّ‬
‫ِ ‪4‬‬ ‫في ِ‬
‫الهمس بهذه المعاني داللتُها العائمةُ التي‬ ‫ِ‬ ‫أن الباعث على اقتر ِ‬
‫ان‬ ‫أحسب ّ‬‫باب الحقيقة( )‪ ،‬و ُ‬
‫السين‬ ‫ٍ‬ ‫عند ِ‬ ‫متعد ٍ‬
‫معنوي ٍة ّ‬ ‫تتّسع لم ْد َخ ٍ‬
‫الميم و ّ‬
‫فالهاء و ُ‬ ‫ُ‬ ‫حاضر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فارس‬ ‫ابن‬ ‫دة‪ ،‬والتّمثي ُل على هذا َ‬ ‫ّ‬ ‫الت‬ ‫ُ ُ‬
‫الكالم‪ ،‬أو خفاء صوتِ‬ ‫ِ‬ ‫خفاء‬ ‫مضماره‬ ‫يكون‬ ‫ِ‬
‫الصوت قد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فخفاء ّ‬ ‫ُ‬ ‫وحس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يد ّل على خفاء صوت‬
‫وطء ِ‬
‫القدم"(‪،)5‬‬ ‫األقدام أخفى ما يكون ِمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫"ه ْم ُس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫خفاء صوت األخفاف والوطء؛ و َ‬ ‫َ‬ ‫األكل‪ ،‬أو‬
‫مسا" تباينوا في‬ ‫ست أسماؤه‪" :-‬فال تسمعُ إالّ َه ً‬ ‫تقد ْ‬‫الحق‪ّ -‬‬‫ّ‬ ‫المفسرون على قولِه‬ ‫غويون و ّ‬ ‫ولما ورد اللّ ّ‬
‫ّ‬
‫اغب في مفرداتِه‬ ‫الر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وفاء بداللتها المتقادمة المنداحة‪ ،‬فذهب ّ‬
‫ِ‬
‫الهمس ً‬ ‫ِ‬ ‫المتعي ِن ِمن‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المقصد‬ ‫ِ‬
‫اقتناص‬
‫ِ‬
‫األقدام‬ ‫الفراء في المعاني‪"َ :‬ن ْق ُل‬ ‫ِ ‪6‬‬
‫همس األقدام( )‪ ،‬وقال ّ‬ ‫ِ‬ ‫الخفي ِمن‬‫ّ‬ ‫وت‬
‫الص ُ‬‫المتعي َن هو ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫إلى ّ‬
‫الخفي‪،‬‬ ‫وت‬
‫َ‬ ‫الص‬
‫ّ‬ ‫تعني‬ ‫ها‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫إلى‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫فذهب‬ ‫ن‬ ‫ابن الملقّ ِ‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫جستاني‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫قتيب‬ ‫ابن‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫أم‬
‫ّ‬ ‫)‪،‬‬ ‫‪7‬‬
‫ِ‬
‫المحشر"(‬ ‫إلى‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األنباري‪ ،‬الزاهر‪ ،178/1 ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،273/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "همج"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "همج"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "همس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "همس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "همس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الراغب‪ ،‬المفردات‪.578 ،‬‬
‫(‪ )7‬الفراء‪ ،‬معاني القرآن‪.192/2 ،‬‬

‫‪137‬‬
‫يف جنح إلى ِ‬
‫ذكر‬ ‫سياقها ال ّشر ِ‬
‫الكلمة في ِ‬
‫ِ‬ ‫القرطبي على هذه‬ ‫ولما ورد‬ ‫ِ ‪1‬‬
‫ُّ‬ ‫صوت األقدام( )‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ويقال ّإنه‬
‫ِ‬
‫األقدام بعضها‬ ‫وقع‬
‫صوت ِ‬ ‫الخفي‪ ،‬وهو‬ ‫وت الخفي‪ ،‬وقيل‪ِ :‬‬
‫الح ّس‬ ‫الص ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مس‪ّ :‬‬ ‫المعنيين‪ ،‬فقال الهَ ُ‬
‫َ‬
‫المذهب ِمن‬
‫َ‬ ‫اجز –كما ما استشهد َمن ذهب هذا‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المحشر‪ ،‬وقد استشهد بقول ّ‬ ‫ٍ‬
‫بعض إلى‬ ‫على‬
‫قبلِه‪:-‬‬
‫يمشين بِنا َهميسا(‪)2‬‬
‫َ‬ ‫وهن‬
‫ّ‬

‫المعاني‬
‫َ‬ ‫يستغرق‬
‫ُ‬ ‫داللي‬
‫ّ‬ ‫انفتاح‬
‫ٌ‬ ‫ثم‬
‫يكون ّ‬
‫َ‬ ‫عمادها أن‬
‫ُ‬ ‫بالغيةً ُم ْع ِجبةً‬
‫ّ‬ ‫القرطبي نكتةً‬
‫ّ‬ ‫وقد التمس‬
‫كعب‪" :‬فال ينطقون إالّ َهمسا"‪ ،‬والمعنى‬‫بن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الثّالثةَ في هذا ّ ِ‬
‫أبي ُ‬
‫السياق ال ّشريف‪ ،‬فقال‪" :‬وق أر ّ‬
‫الخفاء كيفما‬ ‫وبناء (همس) أصلُه‬ ‫صوت ٍ‬
‫أقدام‪،‬‬ ‫كالم وال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نطق وال ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫متقارب؛ أي ال ُي ْس َمع لهم‬
‫ٌ‬
‫‪3‬‬
‫تصرف"( )‪.‬‬
‫ّ‬

‫اله ْم َهمة‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫قرروا على‬ ‫ِ‬
‫داللي هيئتُه التّعميم كلمةُ "الهَ ْمهَمة"‪ ،‬فقد ّ‬
‫ّ‬ ‫تطور‬
‫المعجميون من ّ‬
‫ّ‬ ‫ومما وقف عليه‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫وجه من التّح ّكِم ّ‬
‫ِ ‪4‬‬
‫الليةَ التي تترّبعُ‬
‫الد ّ‬
‫الدائرةَ ّ‬
‫ولكن هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫صوت البقرة( )‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الهمهمة‬ ‫أن األص َل في‬
‫فالن‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فغدونا نقو ُل‪َ :‬ه ْمهَم‬ ‫ٍ‬
‫جديدة‪َ ،‬‬ ‫فاشتملت على م ْد َخ ٍ‬
‫الت‬ ‫ْ‬ ‫سعت‬
‫عليها كلمةُ "الهَمهمة" قد اتّ ْ‬
‫ُ‬
‫يق‪ ،‬وعلى‬ ‫ألبق وأل ُ‬
‫المقصد الذي هو بالمعنى ُ‬
‫ُ‬ ‫دوي‪ ،‬وصار‬
‫عد إذا ُسمع له ّ‬‫الر ُ‬
‫األسد‪ ،‬وهمهم ّ‬
‫ُ‬ ‫وهمهم‬
‫الرج ُل إذا‬ ‫الص ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫در‪ ،‬وهمهم ّ‬ ‫ئير في ّ‬ ‫ترد ُد ّ‬
‫الخفي‪ ،‬وقيل ّ‬
‫ّ‬ ‫الكالم‬
‫ُ‬ ‫أن الهمهمة‬
‫أعرف‪ّ ،‬‬
‫األلسنة أشيعُ و ُ‬
‫ثانيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ‪5‬‬
‫داللي ً‬
‫ّ‬ ‫تطوٌر‬
‫يبي ْن في كالمه( )‪ ،‬ك ّل هذا مأخوٌذ من صوت البقرة ّأوالً‪ ،‬وقد وقع فيه ّ‬ ‫لم ّ‬
‫الد ِ‬
‫اللة" ثالثًا‪.‬‬ ‫تعميم ّ‬
‫وهيئتُه " ُ‬

‫سم‪:‬‬
‫الو ْ‬
‫‪َ ‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬تفسير الغريب‪ ،282 ،‬والسجستاني‪ ،‬النزهة‪ ،475 ،‬وابن الملقن‪ ،‬تفسير غريب القرآن‪،‬‬
‫‪.250‬‬
‫(‪ )2‬انظر الشعر‪ :‬الفراء‪ ،‬معاني القرآن‪ ،192/2 ،‬واألزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "همس"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة‬
‫"همس"‪ ،‬والقرطبي‪ ،‬الجامع‪.164/11 ،‬‬
‫(‪ )3‬القرطبي‪ ،‬الجامع‪.164/11 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،276/5 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "همهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "همهم"‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫األصل قد غدا‬ ‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ماد ِة "وسم" رحلةٌ في العربي ِة عتيقةٌ تص ُل بالمتدب ِر إلى ِ‬ ‫و ِلد ِ‬
‫َ‬ ‫القول ّ‬ ‫عتبة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللة ّ‬
‫الكي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫األثير و ِ‬
‫ِ‬ ‫يو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عند ِ‬
‫أثر ّ‬ ‫منظور‪ُ -‬‬ ‫ابن‬ ‫ابن‬ ‫الزمخشر ِّ‬‫فارس و ّ‬ ‫ابن‬ ‫يظهر َ‬ ‫ُ‬ ‫الوسم –كما‬ ‫فرًعا‪ ،‬فأص ُل َ‬
‫سام ما ُو ِسم به‬ ‫ِ‬
‫وكي‪ ،‬والو ُ‬ ‫بسمة ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وسمةً إذا أثّر فيه‬ ‫والجمع وسوم‪ ،‬ونقو ُل أيضاً‪ :‬وسمه وسما ِ‬
‫ً‬ ‫ََ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ومما جاء بهذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اب‪ّ ،‬‬ ‫الدو ّ‬‫يوسم به ّ‬ ‫يء الذي َ‬ ‫يسم‪ :‬المكواةُ أو ال ّش ُ‬ ‫ضروب‪ ،....‬والم َ‬ ‫البعير من‬
‫ُ‬
‫ف‬‫رطوم"( )‪ ،‬وللمرِء أن يتوقّ َ‬
‫‪1‬‬
‫الخ ِ‬ ‫"سنسمه على ُ‬ ‫ست صفاتُه‪:-‬‬ ‫تقد ْ‬
‫الحق – ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم قو ُل‬ ‫المعنى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكلمات‬ ‫أن تلكم‬ ‫مي أو التّوسُّم‪ ،‬وما ِمن ر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عند ّ ِ‬
‫يب ّ‬ ‫الو ْس ِّ‬
‫الموسم أو َ‬ ‫الداللة الحادثة للوسم أو َ‬
‫المتعي ِن‬ ‫األصل عند استشر ِ‬
‫اف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫تنتسب إلى المعنى األو ِل انتسابا جليًّا يفضي إلى استر ِ‬
‫فاد‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الماد ِة‪ ،‬فجعل‬
‫ّ‬ ‫المجاز في هذه‬ ‫ِ‬ ‫صل الحقيقةَ عن‬ ‫لما فَ َ‬‫ي ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬ ‫الكلمات‪ ،‬وقد أجاد ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن تلكم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب هذا‬ ‫وس ًما وسمةً‪ ،‬وما جاء َعق َ‬ ‫دابته بالميسم ْ‬ ‫مقتصر على قولِنا‪َ :‬و َسم ّ‬ ‫ًا‬ ‫األو َل– أعني الحقيقةَ–‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ق( )‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األصل العتي ِ‬ ‫اح عن‬‫المتطوِر المنز ِ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫المجاز‬ ‫فهو ِمن‬

‫أثر‬
‫بات‪ ،‬فيصيِّر فيها ًا‬ ‫بالن ِ‬
‫األرض ّ‬ ‫ألنه َي ِسم‬
‫بيع‪ُ ،‬س ّمي بذلك ّ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫مطر ّأول ّ‬
‫سمي فهو ُ‬ ‫الو ّ‬ ‫أما َ‬‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫في أول الس ِ‬
‫نة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اس‪.‬‬ ‫الحج أو ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ُ‬
‫ألنه َم ْعلٌَم يجتمعُ إليه ّ‬
‫غيره‪ ،‬فقد ُس ّمي ذلك كذلك ّ‬ ‫الموسم‪ ،‬كموسم ّ‬ ‫ُ‬ ‫أما‬
‫وّ‬ ‫‪-‬‬
‫المتقادم يسري فيه؛‬ ‫األو ُل‬
‫الخير‪ ،‬فالمعنى ّ‬ ‫َ‬ ‫توسم فيه‬ ‫وسم الذي هو ِمن ِ‬
‫نحو قولِنا‪ّ :‬‬ ‫أما التّ ّ‬
‫وّ‬ ‫‪-‬‬
‫ُ‬
‫أثر ِم َِنه‪.‬‬
‫كأنه رأى فيه ًا‬ ‫وتخيله‪ ،‬و ّ‬ ‫ِ‬
‫تفرسه ّ‬ ‫المتعي َن منه ّأنه ّ‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫إ ْذ ّ‬
‫البعير أو اإلب ُل‬ ‫مة التي كان ُيميَّز بها‬ ‫ممي ٍزة كالس ِ‬ ‫ٍ‬
‫داللة ِّ‬ ‫ذات‬
‫السمةُ فهي عالمةٌ فاقعةٌ ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أما ّ‬ ‫وّ‬ ‫‪-‬‬
‫إبل الص ِ‬
‫دقة"‪ ،‬أي ُي َعلِّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالكي‪ ،‬وقد ورد من شاكلة هذا في الحديث ال ّشريف ّأنه "كان َيس ُم َ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫بالكي( )‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫عليها‬

‫الوعو ُل‪:‬‬
‫‪ُ ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجبل‪،‬‬ ‫الو ِعل ُ‬
‫تيس‬ ‫فالو ْع ُل و َ‬
‫ِ‬
‫عبر زمانها المتطاول‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫ولداللة الوعول رحلةٌ في سيرورة العر ّبية َ‬
‫ِ‬
‫بركب‬ ‫تلحق هذه الكلمةُ‬ ‫أن‬
‫داللي أفضى إلى ْ‬ ‫تطوٌر‬
‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫وو ُعل‪ ،‬وقد وقع ّ‬ ‫ووعول ُ‬ ‫والجمعُ أوعا ٌل ُ‬
‫ؤوس و ِ‬
‫العلية‪ ،‬وقد‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫فغدت الوعو ُل تد ّل على األشراف و ّ‬
‫ْ‬ ‫فظي الذي يقعُ تحتَه معنيان‪،‬‬
‫المشترك اللّ ِّ‬
‫َ‬
‫اللي الواقع في األخيرِة‪ ،‬فقيل ّ‬
‫إن‬ ‫الد ّ‬‫طوِر ّ‬
‫لمح التّ ّ‬ ‫ٍ‬
‫منظور َم َ‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬
‫األثير و ُ‬ ‫ابن‬ ‫ٍ‬
‫فارس و ُ‬ ‫ابن‬
‫التمس ُ‬

‫(‪ )1‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "وسم"‪ ،‬والزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "وسم"‪ ،‬وابن منظور‪،‬‬
‫اللسان‪ ،‬مادة "وسم"‪ ،‬وابن األثير‪ ،‬النهاية‪.185/5 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "وسم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.186/5 ،‬‬

‫‪139‬‬
‫أن‬
‫ويظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫الجبال وُقلَلِها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رؤوس‬ ‫ِ‬
‫بالوعول التي ال تُرى إالّ في‬ ‫سميت بذلك تشبيهًا‬ ‫الوعول ّإنما ِّ‬
‫َ‬
‫وردت هذه الكلمةُ بالمعنى‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫مضمار‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬
‫مضمار إلى‬ ‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬
‫داللي هيئتُه انتقا ُل ّ‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫هذا ّ‬
‫ط الس ِ‬
‫اعة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يصف أش ار َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫للرسول –صلّى اهلل عليه وسلّم‪ -‬وهو‬ ‫األخير الحادث في حديث شريف ّ‬
‫الن ِ‬
‫اس‬ ‫المتعي ُن منها‪ :‬وجوهُ ّ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫تظهر التُّ ُ‬
‫الوعول"( )‪ ،‬و ّ‬ ‫حوت‪ ،‬وتهل َك ُ‬ ‫َ‬ ‫الساعةُ حتّى‬
‫تقوم ّ‬ ‫قائالً‪" :‬ال ُ‬
‫مقاصد ِ‬
‫كالم‬ ‫ِ‬ ‫الدا ّل عن مدلولِه في ِ‬
‫فهم‬ ‫ياح ّ‬‫أثر انز ِ‬
‫أتلم ُس َ‬
‫كنت – وأنا ّ‬ ‫الحق ّأنني ُ‬‫اف‪ ،‬و ّ‬ ‫واألشر ُ‬
‫أبناء العربي ِة ال ّشادين ِ‬
‫ملتم ًسا منهم فض َل‬ ‫الحديث ال ّشريف على ثلّ ٍة من ِ‬ ‫َ‬ ‫عرضت هذا‬
‫ُ‬ ‫السابق– قد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫استقر في‬ ‫يف ذاك‪ ،‬فعدلوا كلُّهم إلى المعنى الذي‬ ‫سياقها ال ّشر ِ‬
‫الوعول في ِ‬ ‫ِ‬ ‫المتعي َن ِمن‬ ‫ٍ‬
‫بيان يجلّي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ق كما‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللة معتمدين على ِ‬
‫فهم الالّح ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق أللفاظ ّ‬ ‫اقتناص هذه ّ‬ ‫اليوم‪ ،‬فقد وردوا على‬ ‫نفوسهم َ‬
‫عصره‪ ،‬فقالوا ّإنها "التّيوس"‪.‬‬‫ِ‬ ‫حق في‬ ‫يفهمها الالّ ُ‬
‫ُ‬

‫جت عليه‬ ‫عر ْ‬ ‫ِ‬ ‫صفوةُ المستخلَ ِ‬


‫داللي ّ‬
‫ٌّ‬ ‫طور‬
‫دالليين‪ّ :‬أولُهما ٌ‬
‫طورين ّ‬ ‫أن لهذه الكلمة َ‬ ‫تقدم ّ‬‫مما ّ‬ ‫ص ّ‬
‫اني إلى‬ ‫ٍ‬
‫مضمار حيو ٍّ‬ ‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬‫طوِر انتقا ُل ّ‬ ‫ِ‬
‫ير واإلثبات‪ ،‬وهيئةُ هذا التّ ّ‬ ‫المعجمات العر ّبيةُ بالتّقر ِ‬
‫ُ‬
‫ورين وقع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وثاني َذ ْين َك الطّ َ‬ ‫آدمي‪ ،‬وقد تجلّى هذا في حديث ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫مضمار‬
‫ضرب ِمن‬
‫ٍ‬ ‫اضعهم على‬ ‫ينعقد تو ُ‬
‫ُ‬ ‫اليوم‬ ‫ِ‬
‫أهل العر ّبية َ‬ ‫إن َ‬ ‫خصيص؛ إذ ّ‬
‫ُ‬ ‫ق‪ ،‬وهيئتُه التّ‬ ‫في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫ق الثّاني من االشتر ِ‬
‫اك‬ ‫ينصرف– فيما أعلم‪ -‬خاطرهم إلى ِّ‬
‫الش ّ‬ ‫ُ‬ ‫يكاد‬
‫الوعول‪ ،‬وال ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫الحيو ِ‬
‫ان في‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ذهاب‬ ‫العلية‪ ،‬ولذا وقع ما وقع ِمن‬ ‫اف و ِ‬ ‫ِ‬
‫الوعول‪ ،‬وهو األ ْشر ُ‬ ‫فظي الذي تشتم ُل عليه داللةُ‬ ‫اللّ ِّ‬
‫اليوم‪.‬‬ ‫اطر الطّ ِ‬
‫الب إلى معنى ٍ‬ ‫خو ِ‬
‫غوي َ‬ ‫ان عليه إلفُنا اللّ ّ‬
‫فرد ر َ‬

‫الوغى‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫بي ُيْل ِمح‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫الحرب‪ ،‬والذي ورد في‬
‫ُ‬ ‫اس ِمن الوغى‬ ‫الن ِ‬
‫رف ّ‬‫المستح ِكم في ع ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫المتعي ُن‬
‫ّ‬
‫وت‪ ،‬وقد جمع‬ ‫الص ُ‬
‫الوغى ّ‬‫إن َ‬
‫وسبب؛ إذ ّإنه قيل ّ‬
‫ٌ‬ ‫آخر له به لُ ْحمةٌ‬
‫ق من َ‬‫أن هذا المعنى متخلّ ٌ‬‫إلى ّ‬
‫الن ِ‬
‫حل‬ ‫ات ّ‬ ‫إن الوغى أصو ُ‬ ‫الصوت(‪ ،)2‬وقد قال‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بعضهم ّ‬
‫ُ‬ ‫الجلَبة و ّ‬‫فارس هذا األص َل على معنى َ‬ ‫ابن‬
‫ُ‬
‫ق‪،‬‬
‫الب ّ‬
‫الكثير الطّنين‪ ،‬يعني َ‬ ‫الخموش‬
‫الوغى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ابي َ‬
‫ابن األعر ِّ‬
‫اجتمعت‪ ،‬وقال ُ‬
‫ْ‬ ‫ونحو ذلك إذا‬ ‫البعوض‬ ‫و‬
‫و ِمنه قو ُل ال ّش ِ‬
‫اعر‪:‬‬
‫مآتم َيلتدمن على ِ‬
‫قتيل(‪)3‬‬ ‫بجانبيه‬
‫َ‬ ‫الخ ِ‬
‫موش‬ ‫كأن وغى َ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر الحديث عند ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،207/5 ،‬وفي اللسان تحت مادة "وعل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "وغا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر البيت في مادة "وغا" في التهذيب واللسان‪ ،‬وقد اختلف في رواية العجز‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫العهد تد ّل على الص ِ‬
‫وت‬ ‫ِ‬ ‫ق‬‫كانت في ساب ِ‬ ‫الوغى‬ ‫ِ‬ ‫المتقدِم ِمن‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫أن داللةَ َ‬
‫العرض ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحسب بعد هذا‬
‫ُ‬
‫بحرب أو ٍ‬
‫نحل أو‬ ‫ٍ‬ ‫فارس لها وانتفاء ِ‬
‫تقييدها أو اقترانها‬ ‫ٍ‬ ‫إطالق ِ‬
‫ابن‬ ‫ُ‬ ‫ق‪ ،‬ويد ّل على ذلك‬ ‫بإطال ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المتطاول‪،‬‬ ‫مان‬ ‫الداللةَ العائمةَ المتّسعةَ ُخصِّصت في سيرورتِها عبر ّ‬
‫الز ِ‬ ‫ولكن هذه ّ‬ ‫بق‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫بعوض أو ّ‬
‫ِ‬
‫األصل‬ ‫المعجميون إلى هذا‬ ‫ِ‬
‫الحرب‪ ،‬وقد التفت‬ ‫وت في‬‫فأمست تقترن بالص ِ‬
‫ْ‬ ‫المكان المتغايِر‪،‬‬
‫و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الوغى دالّةً‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األثير َ‬ ‫ابن‬
‫مجازا( )‪ ،‬وجعل ُ‬ ‫ً‬ ‫الحرب‬ ‫الوغى على‬
‫ي داللةَ َ‬
‫الزمخشر ّ‬
‫المتقادم‪ ،‬فقد جعل ّ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقدمه‪" :‬الوغى‬
‫ال َمن ّ‬
‫مستجمعا أقو َ‬
‫ً‬ ‫منظور في اللّ ِ‬
‫سان‬ ‫ٍ‬ ‫ابن‬
‫الصوت ال ّشديد( )‪ ،‬وقال ُ‬
‫الجلَبة و ّ‬‫على َ‬
‫للحرب وغى لِما فيه ِمن‬
‫ِ‬ ‫الحرب وغى‪ ،...،‬و ِمنه قيل‬
‫َ‬ ‫سموا‬
‫ثم كثر ذلك حتّى َّ‬ ‫الو َعى‪ّ ،‬‬‫مث ُل َ‬
‫وت والجلَ ِ‬
‫بة"(‪.)3‬‬ ‫الص ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬

‫‪ ‬المتَّ ِكئ‪:‬‬
‫بيان ِ‬
‫جذرها‪ ،‬فقد‬ ‫المعجميين في ِ‬ ‫المادة اإلشارةُ إلى ِ‬
‫تباين‬ ‫ِ‬
‫بالمعالجة في هذه ّ‬ ‫لع ّل ّأو َل ما يولَ ُج‬
‫ّ‬
‫مادة "تكأ"‪،‬‬
‫تحت ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫اغب فقد جعالها تقعُ‬
‫الر ُ‬
‫األثير و ّ‬ ‫ابن‬
‫أما ُ‬ ‫فارس في باب "وكا"‪ّ ،‬‬ ‫ابن‬
‫ورد عليها ُ‬
‫األثير‪ ،‬وتابعه عليه‬ ‫ِ‬ ‫ابن‬
‫متقادم شكا منه ُ‬ ‫ٌ‬ ‫داللي‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬
‫أن داللةَ المتّكئ يعتريها ّ‬ ‫ِ‬
‫للخاطر ّ‬ ‫فت‬
‫والالّ ُ‬
‫تحمل واعتمد‪ ،‬والتُّ َكأة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫منظور‪ ،‬فقد ورد عن العرب ّأنه يقا ُل‪ :‬تو ّكأ على ال ّشيء واتّكأ إذا ّ‬ ‫ابن‬
‫ُ‬
‫نعهده ِمن‬ ‫ُ‬ ‫هيئة "المتّكئ"؛ إذ ّإنها مفارقةٌ لِما‬‫تعيين ِ‬‫ِ‬ ‫كاء‪ ،‬والمفارقةُ اللّطيفةُ تتجلّى في‬ ‫كثير االتّ ِ‬
‫ُ‬
‫‪4‬‬
‫ِ‬
‫األثير( )‪،‬‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫معتمدا على ِ‬ ‫ٍ‬
‫العامة الذي أشار إليه ُ‬ ‫مذهب ّ‬ ‫ُ‬ ‫أحد شقّيه‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫القاعد‬
‫ُ‬ ‫هيئة َيمي ُل فيها‬
‫العامةُ ال‬ ‫ٍ‬ ‫الخلَّص‪" :‬ك ّل َمن استوى‬ ‫ِ‬ ‫ولكن المتّكئ في ِ‬
‫قاعدا على وطاء متم ّكناً‪ ،‬و ّ‬ ‫ً‬ ‫العرب ُ‬ ‫كالم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يثير‬ ‫أحد شقَّيه"( )‪ ،‬و ّ‬
‫‪5‬‬ ‫معتمدا على ِ‬ ‫مال في ِ‬
‫تقدم ُ‬ ‫أن هذا الذي ّ‬ ‫الحق ّ‬ ‫ً‬ ‫قعوده‬ ‫تعرف المتّكئ إالّ من َ‬ ‫ُ‬
‫تبيان‪ ،‬وثالثها إشكا ٌل‪:‬‬
‫ك‪ ،‬وثانيها ٌ‬ ‫فس ثالثةَ مالحظَ‪ّ ،‬أولُها استد ار ٌ‬ ‫الن ِ‬
‫في ّ‬

‫نعرف المتّكئ إالّ كما عرفه‬


‫ُ‬ ‫اليوم ال‬
‫فمضماره اإللماحةُ إلى ّأننا َ‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫أما االستد ار ُ‬
‫‪ّ -‬‬
‫عتيق ليس‬
‫ٌ‬ ‫داللي‬
‫ٌّ‬ ‫تطوٌر‬ ‫ِ‬
‫األثير‪ ،‬فهذا إذاً ّ‬ ‫ابن‬
‫العامةُ قبالً‪ ،‬وهم الذين أشار إليهم ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بحادث في عر ّبيتنا المعاص ِرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "وغا"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.208/5 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "وغا"‪ ،‬وانظر ما قاله السيوطي في المزهر‪.429/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.193/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،193/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "وكأ"‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن التّ َ‬
‫الجذر المكتنف كلمةَ "المتّكئ"‪ ،‬فقد قيل ّ‬ ‫داللة‬ ‫بيان‬
‫فمضماره ُ‬
‫ُ‬ ‫أما التّبيان‬
‫‪ّ -‬‬
‫فكأن‬
‫ّ‬ ‫ونحوه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الكيس‬
‫ُ‬ ‫فيه بد ٌل ِمن الواو‪ ،‬وأصلُه ِمن "الوكاء"‪ ،‬وهو ما ُي َش ّد به‬
‫ِ‬
‫الوطاء الذي‬ ‫ِ‬
‫بالقعود على‬ ‫فشدها‬
‫ق أوكأ َم ْق َع َدتَه ّ‬ ‫الساب ِ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫ق ّ‬ ‫المتّكئ في كالم ّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫مادة "وكا" تد ّل على ِّ‬
‫شد‬ ‫أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫هو تحتَه(‪،)1‬‬
‫فارس إلى ّ‬ ‫ويسند هذا إلماحةُ ابن‬
‫ُ‬
‫ق‪.‬‬‫العام ِة والالّح ِ‬ ‫ِ‬
‫يكون في قَعدة المتّكئ المسترخي بلغة ّ‬
‫ِ‬
‫مما ال ُ‬
‫ِ ٍ ‪2‬‬
‫وشدة( )‪ ،‬وهذا ّ‬

‫ِ‬
‫بالفهم‬ ‫ِ‬
‫عصره‬ ‫ق في‬‫الساب ِ‬
‫كالم ّ‬
‫َ‬ ‫حق‬
‫يفهم الالّ ُ‬
‫أن َ‬ ‫فمرده إلى ْ‬
‫ّ‬ ‫أما اإلشكا ُل‬
‫‪ّ -‬‬
‫سول الكر ِيم –صلّى‬
‫قول الر ِ‬
‫ِّن من ِ‬ ‫ِ‬
‫اقتناص المتعي ِ‬ ‫ِ‬
‫الحادث َِ‪ ،‬وقد وقع ذلك حقّاً في‬
‫ّ‬
‫كئ في هذا‬ ‫ِ‬
‫داللة المتّ ِ‬ ‫اهلل عليه وسلّم‪" :-‬ال آك ُل متّكئاً"‪ ،‬وقد ُذ ِهب في ِ‬
‫فهم‬
‫فمن حمله‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ق ال ّشر ِ‬‫السيا ِ‬
‫الحادثة‪َ ،‬‬ ‫اللة‬ ‫المتقادمة‪ ،‬و ّ‬ ‫اللة‬ ‫يف إلى الوجهَين؛ ّ‬ ‫ّ‬
‫ينحدر في مجرى‬ ‫ال‬ ‫فإنه‬
‫ب‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫مذهب الطّ ّ‬ ‫تأوله على‬
‫الميل إلى أحد ال ّشقّين ّ‬‫على َ‬
‫ِ‬
‫المتقادم‪ ،‬فقد ذهب إلى ّأنه‬ ‫ومن حمله بالمعنى‬ ‫الطّ ِ‬
‫يسيغه هنيئاً‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫عام سهالً‪ ،‬وال‬
‫قعود‬
‫القعود للطّعام َ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫البْلغةَ‪ ،‬وعند هذا‬ ‫االستكثار ِمنه‪ّ ،‬‬
‫ولكنه يأك ُل ُ‬ ‫َ‬ ‫يد‬
‫ال ير ُ‬
‫المستوِف ِز ال المسترخي(‪.)3‬‬

‫الوليمة‪:‬‬
‫‪َ ‬‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذن باستشراف معنى الوليمة استش ارفًا ْأب َ‬ ‫اللي ُي ْؤ ُ‬
‫الد ِّ‬
‫الكلمة ّ‬ ‫أصل هذه‬ ‫الوقوف عند‬
‫َ‬ ‫لع ّل‬
‫ابن‬
‫وخصها ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫وغيره(‪،)4‬‬ ‫ٍ‬
‫لعرس‬ ‫صنِع‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫العرس واإلمالك‪ ،‬وقيل هي كل طعام ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طعام‬
‫ُ‬ ‫أظهر‪ ،‬فهي‬ ‫و َ‬
‫االجتماع(‪ ،)6‬ولع ّل‬
‫ِ‬ ‫بي–من‬ ‫ر‬ ‫الع‬ ‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫في‬ ‫ورد‬ ‫كما‬ ‫–‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ذلك‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫أص‬ ‫و‬ ‫)‪،‬‬‫‪5‬‬
‫ِ‬
‫العرس(‬ ‫ِ‬
‫بطعام‬ ‫ِ‬
‫األثير‬
‫ّ‬
‫الوصف الذي ورد في‬ ‫َ‬ ‫األصل و‬
‫َ‬ ‫يعضد هذا‬
‫ُ‬ ‫اقف‬
‫ال ومو َ‬ ‫الوليمة وما يساوقُها ِمن أحو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فاد ِ‬
‫هيئة‬ ‫استر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة ّأنه انبعث‬ ‫داللة هذه‬ ‫تطوِر‬
‫يظهر في ّ‬ ‫ُ‬ ‫ترحا‪ ،‬والذي‬
‫فرحا وان ً‬ ‫إن ً‬ ‫سان‪ ،‬فهذا كلُّه اجتماعٌ‪ْ ،‬‬ ‫اللّ ِ‬
‫غيره إذا كان‬ ‫يء ِ‬
‫باسم ِ‬ ‫الكلمات‪ ،‬وهو تسميةُ ال ّش ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دالالت‬ ‫تطوِر‬ ‫لفعل و ِ‬ ‫نافذ ا ِ‬ ‫ناموس ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِمن‬
‫األثر في ّ‬
‫مجاور له‪.‬‬
‫ًا‬ ‫ٍ‬
‫بسبب‪ ،‬أو‬ ‫ِمنه‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،193/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "وكأ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "وكا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر هذين المعنيين‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،193/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "تكأ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ولم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.226/5 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "ولم"‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪َ ‬يمين‪:‬‬
‫فثم‬ ‫بنات هذه ّ ِ‬ ‫لكلمة "اليمين" مساءلةٌ مضمارها الوجه الجامع بين ِ‬ ‫ِ‬
‫المادة‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫المتدب َر‬
‫ّ‬ ‫يستوقف‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫باإلجابة؛ ذلك‬ ‫أن تلكم المساءلةَ حقيقةٌ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫القسم‪ ،‬واخا ُل ّ‬ ‫يمين‬
‫وثم ُ‬ ‫اليسار‪ّ ،‬‬ ‫وضدها َ‬ ‫اليمين الجارحةُ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وداللة‬ ‫اليمين التي هي جارحةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫الداللتين؛‬‫جليةٌ بين تَْينِك ّ‬ ‫أن ال لُ ْحمةَ ّ‬ ‫يتوه ُم ْ‬
‫الخاطر قد ّ‬‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫فارس في‬‫ٍ‬ ‫المساءلة حاضرةٌ عند ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫أن اإلجابةَ على هذه‬ ‫الحق ّ‬
‫القسم‪ ،‬و ّ‬ ‫ُ‬ ‫اليمين التي هي‬
‫ِ‬
‫المتحالفَين‬ ‫ألن‬ ‫الحِلف ً‬ ‫قياس و ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كلمات ِمن‬ ‫ِ‬
‫يمينا ّ‬ ‫سمي َ‬ ‫احد‪ ،‬وقد ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ون‬
‫الن َ‬
‫الميم و ّ‬
‫الياء و َ‬ ‫إن َ‬ ‫مقاييسه؛ إذ ّ‬
‫قائم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمين صاحبِه(‪،)1‬‬ ‫ص ِفق بيمينِه على ِ‬
‫اليمين "القسم" ٌ‬ ‫داللة‬ ‫ي في‬
‫ومذهب الجوهر ِّ‬
‫ُ‬ ‫أحدهما َي ْ‬
‫كأن َ‬ ‫ّ‬
‫ألنهم كانوا‬ ‫ي إلى المعنويِّ‪ ،‬ذلك ّأنها ُس ِّميت بذلك ّ‬ ‫القائلة بانتقالِها ِمن الم ّ‬
‫اد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنظار‬ ‫على استر ِ‬
‫فاد‬
‫آخر في‬ ‫ِ ‪2‬‬
‫يمينه على ِ‬ ‫كل امر ٍ‬ ‫ضرب ُّ‬
‫مذهبا َ‬ ‫ً‬ ‫غيره‬
‫يمين صاحبه( )‪ ،‬وقد ذهب ُ‬ ‫ئ منهم َ‬ ‫َ‬ ‫إذا تَحالفوا‬
‫ِ‬
‫الجارحة‪ ،‬فقد‬ ‫يمين ِ‬
‫اليد‬ ‫باسم ِ‬ ‫يمين ِ‬‫للحلِف ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬
‫اليمين‪ ،‬فقيل َ‬ ‫داللة‬ ‫اقع في‬
‫اللي الو ِ‬
‫الد ِّ‬ ‫استشراف التّ ّ‬
‫اب‬‫بن الخطّ ِ‬ ‫عمر ُ‬
‫‪3‬‬
‫سي ُدنا ُ‬ ‫أيمانهم إذا حلفوا وتحالفوا وتعاقدوا وتبايعوا( )‪ ،‬ولذلك قال ّ‬ ‫كانوا يبسطون َ‬
‫أبايعك"(‪.)4‬‬‫يدك ْ‬ ‫ط َ‬‫ق‪-‬رضي اهلل عنهما‪" :-‬ابس ْ‬ ‫للص ّدي ِ‬
‫ّ‬

‫حركي ٍة تصويرّي ٍة كانت‬


‫ّ‬
‫المتقدِم أن داللةَ اليمين "القسم" مأخوذةٌ ِمن ٍ‬
‫هيئة‬ ‫ّ ّ‬ ‫بعد هذا‬
‫يظهر َ‬ ‫ُ‬ ‫والذي‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقع عند ِ ِ‬
‫يظهر‪ ،‬من وجهة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫اليمين الجارحةُ‪ ،‬والذي‬
‫ُ‬ ‫امها‬
‫الحلف أو التّعاهد‪ ،‬وقو ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مادة "يمن"‪ ،‬بل ألحقه ِ‬
‫بباب‬ ‫ِ‬
‫المجاز في ّ‬ ‫يعرْج على هذا المعنى المتطوِر في ِ‬
‫باب‬ ‫ي لم ِّ‬ ‫الزمخشر َّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫اليمين‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫ولكنه اكتفى في‬ ‫أسه‪ّ ،‬‬ ‫الحقيقة؛ إذ ّإنه مما شاع فاستحكم فصار أصالً قائما بر ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ألنهم كانوا يتماسحون بأيمانِهم(أيديهم) فيتحالفون(‪ ،)5‬وليس‬ ‫اليمين ّ‬
‫ُ‬ ‫ف‬‫باإلشا ِرة إلى ّأنه قيل للحلِ ِ‬
‫ي الذي أثبت ما‬ ‫الزمخشر ِّ‬ ‫ِ‬
‫تخطئة ّ‬ ‫ِ‬
‫اإللماحة إلى‬ ‫الباحث يرمي بهذه‬ ‫أن‬ ‫يذهب بالقار ِ‬
‫َ‬ ‫ئ الظّ ّن إلى ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم الذي غدا أصالً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المجاز‬ ‫أن ذاك من‬ ‫ولكنه يرمي إلى اإلشارِة إلى ّ‬
‫الحقيقة‪ّ ،‬‬ ‫تقدم في باب‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫بركب‬ ‫بعد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البالغة من ُ‬ ‫ِ‬
‫أساس‬ ‫ق ِمن قب ُل‪ ،‬وفي‬ ‫لسان الخل ِ‬
‫ِ‬ ‫وقد أفضى هذا إلى سيرورتِه‪ ،‬على‬
‫ِ‬
‫الحقيقة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "يمن"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "يمن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "يمن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "يمن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "يمن"‪.‬‬

‫‪143‬‬
144
‫الث‬
‫ب الثّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ط‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫األشكالُ‬
‫ْ‬

‫‪145‬‬
‫األشكا ُل‪:‬‬
‫اللي‪،‬‬
‫الد ِّ‬‫صحيح ّ‬
‫ِ‬ ‫يتصدرون للتّ‬
‫ّ‬ ‫للمناهج التي صدر عنها َمن‬
‫ِ‬ ‫المطلب استش ارفًا‬
‫ُ‬ ‫ويأتي هذا‬
‫معنوي قد‬ ‫وآخر‬ ‫لتطوٍر‬ ‫أشكال تطوِر ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬ ‫الدا ّل‪َ ،‬‬‫شكلي قد يقعُ على ّ‬
‫ٍّ‬ ‫الدالالت‪ ،‬وتجليةً ّ‬ ‫ّ‬ ‫يجا على‬‫وتعر ً‬
‫المدلول(المعنى)‪ ،‬وما يأتي ِمن‬
‫َ‬ ‫ال (ال ّشكل) و‬‫الد َّ‬
‫وثالث قد يعتري الوجهَين؛ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المدلول‪،‬‬ ‫يقعُ على‬
‫المتقد َم‪:‬‬ ‫اإلجمال‬ ‫ِ‬
‫المهاد سيجلّي هذا‬ ‫ب هذا‬ ‫ٍ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مباحثات َعق َ‬

‫الد ِ‬
‫رس‪:‬‬ ‫مناهج هذا ّ‬
‫ِ‬ ‫‪ - 1‬أشكا ُل‬
‫ومباحث‬ ‫اللي‪ ،‬وما تشتم ُل عليه من مسائ َل‬ ‫طوِر ّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫قضية التّ ّ‬
‫ّ‬ ‫بحث‬
‫ُ‬ ‫البحث؛‬
‫ُ‬ ‫انتسب هذا‬
‫َ‬ ‫وقد‬
‫ٍ‬
‫متباينة‪،‬‬ ‫مناهج‬ ‫ِ‬
‫وغير ذلك‪ ،‬إلى‬ ‫جمي‬
‫النظر المع ِّ‬ ‫طوِر و ّ‬ ‫ِ‬ ‫متفر ٍ‬
‫َ‬ ‫اللي واستشراف التّ ّ‬ ‫الد ِّ‬
‫صحيح ّ‬‫ِ‬ ‫قة كالتّ‬ ‫ّ‬
‫المناهج التي‬
‫ِ‬ ‫ومذهبه‪ ،‬و ِمن أجلى‬
‫َ‬ ‫البحثيةَ التي يبني عليها رَأيه‬
‫ّ‬ ‫يلج بحثَه وقد أخذ له ُع ّدتَه‬ ‫كل ُ‬ ‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫المطلب‪:‬‬ ‫أصحابها للتّأتّي لهذا‬
‫ُ‬ ‫سلكها‬

‫‪146‬‬
‫طوِر‬
‫س التّ ّ‬‫بأن اللّغةَ "راضخة" لنوامي ِ‬ ‫أشياعه الفكرةَ القائلةَ ّ‬
‫ُ‬ ‫الوصفي الذي ارتضى‬ ‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬
‫طوِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جانبا من جوانب التّ ّ‬ ‫ً‬ ‫خاصةً‪ ،‬فتغيُّر "المعنى ليس إالّ‬ ‫ّ‬ ‫اللي‬
‫الد ّ‬ ‫عامةً‪ ،‬و ّ‬‫غوي ّ‬ ‫اللّ ّ‬
‫تقد َمها قد‬
‫أن ّ‬ ‫ال‪ ،‬وبالر ِ ِ‬ ‫بحال ِمن األحو ِ‬ ‫ليست هامدةً أو ساكنةً ٍ‬
‫غم من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫غوي‪ ، ...،‬فاللّغةُ‬‫اللّ ّ‬
‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫لمنهج عن إلزِام‬ ‫أنصار هذا ا ِ‬ ‫ِ‬
‫األحيان"(‪ ،)1‬ولذا تجافى‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫بطيئا في‬
‫ً‬ ‫يبدو‬
‫ُ‬
‫متباينة‪ ،‬وأعر ٍ‬
‫اض‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعالقات‬ ‫الد ِ‬
‫الالت‬ ‫انتقال ّ‬ ‫أن‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫دالالتها المنقولةَ‪ ،‬واستشعر أثباتُهم ّ‬
‫ناموس ناف ٌذ ال شبهةَ‬ ‫الن ِ‬
‫قل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االنحطاط‪ ،‬و ّ‬ ‫قي‪ ،‬و‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مخصوصة‪ ،‬كالتّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫الر ّ‬
‫خصيص‪ ،‬و ّ‬ ‫عميم‪ ،‬والتّ‬
‫خطئة أو إلزِام ِ‬
‫أهل‬ ‫عليه‪ ،‬ولذلك كلِّه قَبِل أنصار هذا المنه ِج التّطور‪ ،‬فلم يجنحوا إلى التّ ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫أظن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فوق الس ِ‬ ‫اللّ ِ‬
‫المنهج نهاد الموسى إ ْذ يقو ُل‪" :‬وال ّ‬ ‫ِ‬ ‫َّعة‪ ،‬ومن شيعة هذا‬ ‫غة الذي هو َ‬
‫ٍ‬
‫لفظة‬ ‫ِ‬
‫استعمال‬ ‫موقعه ال ّذاتي اآلني أن يحكم بالخطأ في ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫معاصر يستطيعُ من‬ ‫ًا‬
‫َ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ّ‬
‫أحدنا‬
‫األلفاظ‪ ،‬فليس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دالالت‬ ‫تض ْينا مواضعاتِنا المعاصرةَ َ‬
‫حول‬ ‫ٍ‬
‫لداللة؛ وذلك ّأننا إذا ار َ‬
‫لأللفاظ ِدالالتِها‬
‫ِ‬ ‫ونعرف‬
‫ُ‬ ‫االستعماالت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫احية؛ إذ تتناهى إلينا‬ ‫الن ِ‬
‫اآلخر في هذه ّ‬ ‫ِ‬ ‫اما على‬ ‫قو ً‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ية‪.) ("...‬‬‫غوية الجار ِ‬‫اميس اللّ ِ‬‫للنو ِ‬ ‫َوْفقًا ّ‬

‫عت‬‫ولما فز ْ‬ ‫المتقدمةَ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الوصفيةَ‬


‫ّ‬ ‫البحث وجهة معيارية تقاب ُل الوجهةَ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬وقد اتّخذ هذا‬
‫ولما كان هذا اإللزُام‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مجموعةٌ ِمن‬
‫المحدثين إلى إلزام األلفاظ دالالتها المنقولةَ‪ّ ،‬‬ ‫القدماء و َ‬
‫تطور في معانيها –لما كان ذلك كذلك‪ -‬صرفوا و ْك َدهم في " ِ‬
‫إقامة‬ ‫ٍ‬ ‫اح ك ّل‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ب عليه اطر ُ‬ ‫يترتّ ُ‬
‫عمادها‪" :‬قل وال تقل"‪ ،‬و" ِكال اللّفظَين َم ْع َيرةٌ‬ ‫ُ‬ ‫أ ََوِد ما اعو ّج"‪ ،‬مسكونين بنظرٍة معيارّي ٍة‬
‫أن‬ ‫يل العز ِ‬ ‫بالمحافظة على ِ‬
‫لغة التّنز ِ‬ ‫ِ‬ ‫لصاحبِه والمتلفِّ ِظ به"(‪َّ ،)3‬‬
‫يز‪ ،‬مشيرين إلى ّ‬ ‫مؤرقين‬
‫أن المفاضلةَ‬ ‫ظانين ّ‬‫مت ِمن أمثالِه‪ ،‬زاعمين أو ّ‬ ‫الداللي مما يستعا ُذ بالص ِ‬
‫ّ‬ ‫طوِر ّ ّ ّ ُ‬ ‫القول بالتّ ّ‬
‫َ‬
‫قدسيةَ العر ّبي ِة‬
‫ّ‬ ‫يمس‬
‫اللي ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫طوِر ّ‬ ‫القول بالتّ ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يؤخذ به‪ ،‬و ّ‬ ‫حصيف َ‬ ‫ٌ‬ ‫غات َمْل َحظٌ‬‫بين اللّ ِ‬
‫ِ‬
‫األمثلة‬ ‫عصور االحتجاج"‪ ،‬وهذا َو َهم‪ ،‬و ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مدينة "‬ ‫أن تبقى في أس ـ ـو ِار‬ ‫يجب ْ‬ ‫ُ‬ ‫التي‬
‫خطئة‪ -‬على‬ ‫صويب والتّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫االقتصار‪ -‬في محت َكم التّ‬ ‫ِ‬ ‫الدالّ ِة على هذه المعيارّي ِة و‬ ‫ِ‬
‫الفاقعة ّ‬
‫عر‬ ‫َّ‬
‫العين‪ ،‬يعنون بها الش َ‬ ‫ِ‬ ‫ابن قتيبةَ قولهَم‪ :‬أَ ْشفار‬ ‫حاح تخطئةُ ِ‬ ‫ص األ ْق ِ‬ ‫الخلَّ ِ‬
‫العرب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالم‬
‫ينبت‬
‫العين التي ُ‬ ‫ِ‬ ‫حروف‬ ‫األشفار‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عنده غلطٌ صو ُابه ّ‬ ‫العين‪ ،‬وهذا َ‬ ‫حروف‬ ‫ابت على‬ ‫الن َ‬ ‫ّ‬
‫هاجسا‪:‬‬ ‫ي‪،‬‬ ‫ك على ِ‬ ‫َّ‬
‫ً‬ ‫اك المعيار ّ‬ ‫نفسه استدر َ‬ ‫ولكنه يستدر ُ‬ ‫عر هو الهُ ْدب‪ّ ،‬‬ ‫عر‪ ،‬والش ُ‬ ‫عليها ال ّش ُ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫"فإن كان ٌ ِ‬
‫يء‬
‫تسمي ال ّش َ‬ ‫العرب ّ‬‫بم ْنبِته‪ ،‬و ُ‬ ‫سماه َ‬ ‫فإنما ّ‬‫عر ُش ْف ًار ّ‬ ‫سمى الش َ‬ ‫أحد من الفصحاء ّ‬

‫(‪ )1‬أولمان‪ ،‬دور الكلمة‪.170 ،‬‬


‫(‪ )2‬نهاد الموسى‪ ،‬العربية وأبناؤها‪.52،‬‬
‫(‪ )3‬انظر هذه العبارة‪ :‬الحريري‪ ،‬درة الغواص‪.38 ،‬‬

‫‪147‬‬
‫ِ‬
‫تسمية‬ ‫نت لك في ِ‬
‫باب‬ ‫ٍ‬
‫بسبب‪ ،‬على ما ّبي ُ‬ ‫مجاور له‪ ،‬أو كان ِمنه‬
‫ًا‬ ‫باسم ال ّش ِ‬
‫يء إذا كان‬ ‫ِ‬
‫يء ِ‬
‫باسم ِ‬
‫غيره"(‪.)1‬‬ ‫ال ّش ِ‬

‫ٍ‬
‫حميم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بنسب‬ ‫اريخي‬
‫ّ‬ ‫القضي ِة يتّص ُل في إحدى ُوجهاتِه بال ِ‬
‫منهج التّ‬ ‫ّ‬ ‫بحث هذه‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫‪ ‬وقد بدا ّ‬
‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫تطوِر ّ‬ ‫ِ‬ ‫تتب ًعا تار ًّ‬ ‫ِ‬ ‫وقد تجلَّى هذا في تتب ِ ِ ِ‬
‫يخيا مع مالحظة ّ‬ ‫ُّع دالالت الكلمات ّ‬
‫وأطو ِارها‪ ،‬واستقر ِ‬
‫اء سيرتِها‪.‬‬

‫القائم على مقار ِ‬


‫نة‬ ‫المقارن ِ‬
‫ِ‬ ‫اريخي‬ ‫ٍ‬
‫وجهة أخرى إلى ال ّن ِ‬
‫ظر التّ‬ ‫البحث ِمن‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬كما انتسب هذا‬
‫ّ‬
‫امي ِة أو العبرّي ِة‪ ،‬أو ّ‬
‫رد‬ ‫ِ‬ ‫ًّ‬
‫صوتيا بما يقابلُها في لغة أخرى كاآلر ّ‬ ‫الكلمات ِدال ًّليا أو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬
‫ورمي‬
‫ِ‬ ‫وهِم‪،‬‬ ‫موغلَ ٍة في ِ‬
‫الق َدِم ال ُيوقَف عليها إالّ بالتّ ُّ‬ ‫سامي ٍة ِ‬ ‫ٍ‬
‫أصول‬ ‫ِ‬
‫الكلمات إلى‬ ‫ِ‬
‫بعض‬
‫ّ‬
‫ظر في ت َكهُّ ٍن وتَ َخطُّ ٍ‬
‫ف‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫ّ‬

‫"االستقر ِ‬
‫اء‬ ‫يتصدرون للتّصحي ـ ِـح ُيدلون بد ِلوهم ِّ‬
‫معولين على‬ ‫بعض الذين‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أحسب ّ‬
‫‪ ‬و ُ‬
‫منتص ار ِ‬
‫ألحدهما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يقف‬
‫ثالث ُ‬‫ِّح ٍ‬
‫ِّع ألخطائِه‪ ،‬إلى مصح ٍ‬ ‫ٍّ‬
‫مصح ٍح إلى متتب ٍ‬ ‫ال ّناقص"‪ِ ،‬‬
‫فمن‬
‫ً‬
‫ألم بما َدنا واستقرب إِلماما كع ِ‬
‫جالة‬ ‫حكمه ُج ازفًا؛ إذ ّإنه َّ‬
‫ً ُ‬ ‫َ‬ ‫بعضهم كان ُيلقي َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫أحسب ّ‬
‫و ُ‬
‫الم ْحدثون يجلّيان‬ ‫الر ِ‬
‫الذي خاضه ُ‬ ‫جال‬
‫الس َ‬‫لقدماء‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫ـال الذي خاضه ا‬ ‫السج ـ َ‬
‫اكب‪ ،‬ولع ّل ِّ‬ ‫ّ‬
‫لدالالتِها وتخطئتِه‪ ،‬وهو‪-‬أعني‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫ِ‬
‫استعمال‬ ‫ِ‬
‫تصويب‬ ‫اقص في‬‫الن ِ‬‫اء ّ‬ ‫مْلحظَ االستقر ِ‬
‫َ َ‬
‫كاره؛ إذ ال َّ‬
‫بد‬ ‫الم ِ‬
‫ق وَ‬ ‫بالمزال ِ‬
‫محفوف َ‬
‫ٌ‬ ‫وباطنه‬
‫الي ْسر‪ُ " ،‬‬ ‫ظاهره ُ‬
‫ُ‬ ‫عامةً‪-‬‬
‫غوي ّ‬ ‫صحيح اللّ ّ‬
‫َ‬ ‫التّ‬
‫ِ‬
‫بشعرهم‬ ‫عالما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للمتوغ ِل فيه ْ‬
‫ِّ‬
‫بصير بأساليبهم‪ً ،‬‬ ‫ًا‬ ‫بأكثره‪،‬‬ ‫العرب أو‬ ‫بكالم‬ ‫طا‬
‫يكون محي ً‬‫َ‬ ‫أن‬
‫وضرب َِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستشهاد‬ ‫قادر على‬
‫ذاكر ًا‬
‫ظا ًا‬ ‫ِ‬
‫البيئات‪ ،‬حاف ً‬ ‫وتعدِد‬ ‫ِ‬
‫العصور‬ ‫مر‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ونثرهم على ّ‬
‫ِ‬
‫اإلدالء بالحجَّة"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫المثل و‬

‫كأنهم بهذا‬
‫الخارجي‪ ،‬و ّ‬ ‫العالم‬ ‫ِ‬
‫األشياء و ِ‬ ‫ق‬ ‫يف‪ ،‬وهو ِ‬
‫منط ُ‬ ‫‪ ‬وقد جنح بعضهم إلى محت َكٍم طر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ولكن‪،‬‬
‫ْ‬ ‫تنقص‪،‬‬ ‫يد وال‬
‫الخارجي ال تز ُ‬ ‫ِ‬
‫العالم‬ ‫ت على قَ ّد‬ ‫أن اللّغةَ قَ ْد قُ َّد ْ‬
‫ظر يذهبون إلى ّ‬ ‫الن ِ‬
‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫هيهات هيهات‪ ،‬و ِمن ذلك تخطئةُ بعضهم " َ‬
‫البقّال" و"القافلة" و"االستحمام" و" َّ‬
‫الدرجة"‪ ،‬وقد‬
‫يستقيم(‪.)3‬‬ ‫يصح في ِ‬
‫الفهم وال‬ ‫نظر ال‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أن هذا ٌ‬
‫تبين ْقبالً ّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.23 ،‬‬


‫(‪ )2‬ناصر الدين األسد‪ ،‬العشرينات والعشرينيات‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية األردني‪،‬م‪،1‬ع‪1،1978‬م‪.139،‬‬
‫(‪ )3‬وقد ورد هذا في حديثنا عن اإلشكال اآلتي من المعاياة أو المغاالة في مطلب "اإلشكال"‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ِ‬ ‫نيوي المتمثّ ِل في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ِ‬
‫مالحظة‬ ‫البعد ال ِب ّ‬
‫البحث‪ ،‬من وجهة أخرى‪ ،‬إلى ُ‬ ‫انتسب هذا‬
‫َ‬ ‫‪ ‬وقد‬
‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫متشكالً ِمن‬
‫ِّ‬ ‫إن المعنى ليس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق اللّ ِ‬ ‫العالئ ِ‬
‫غوية بين مستويات اللّغة؛ إ ْذ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫كلمة ما قد يشطُّ‬
‫وحدها‪ ،‬فالقالَب التّصريفي يؤذن بمز ِيد معنى‪ ،‬وتباين ضميم ٍ‬ ‫ِ‬
‫المعجمية َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫لة طَرو ٍح؛ وذلك نحو‪َ ":‬سها عن صالتِه"‪ ،‬و"سها في صالتِه"‪ ،‬و"رغب‬ ‫بالمعنى إلى منز ٍ‬
‫المباعة"‪ ،‬و"تفانى"(‪.)1‬‬
‫به"‪ ،‬و"رغب عنه"‪ ،‬و"البضاعة ُ‬

‫وصفيين‪ ،‬وا ْن‬


‫ّ‬ ‫إن‬
‫اللي‪ْ ،‬‬
‫الد ّ‬ ‫صحيح ّ‬
‫ِ‬ ‫تصدروا للتّ‬
‫ّ‬ ‫أن الذين‬‫يظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫إجمالي ٍة كلّّي ٍة‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وبنظ ٍرة‬
‫ص ٌد‬ ‫ِ‬
‫غوي‪ ،‬وهو قَ ْ‬ ‫صدرون عن منه ِج التّخطيط اللّ ّ‬ ‫يخيين‪ ،‬كانوا َي ْ‬
‫معيارّيين‪ ،‬وا ْن تار ّ‬
‫المتعي ُن ِمن هذا‬
‫ّ‬
‫غة‪ ،‬والم ْق ِ‬
‫ص ُد‬ ‫َ‬
‫مستويات اللّ ِ‬
‫ِ‬ ‫يحاولون فيه التّغيير أو اإلصالح في ِ‬
‫أحد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المسار؛‬ ‫زمة للتّح ّكم في هذا‬ ‫دابير الالّ ِ‬
‫المناسبة‪ ،‬ووضعُ التّ ِ‬‫ِ‬ ‫المنهج هو تهيئةُ ال ّش ِ‬
‫روط‬ ‫ِ‬
‫الوصفي‬ ‫ي أو‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫يصدرون عنه‪ ،‬كالمعيار ّ‬ ‫المعجمية‪ ،‬ويبقى المحت َك ُم هو الذي ْ‬ ‫ّ‬ ‫اللة‬ ‫مسار ّ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫غوي ِة‬ ‫ِ‬
‫منهج‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫محتك ًما إلى‬ ‫مخططًا‬ ‫السياسة اللّ ّ‬
‫يلج في هذه ّ‬ ‫يخي‪ ،‬ك ٌّل ُ‬ ‫أو التّار ّ‬

‫قليدية)‬ ‫‪ -2‬أشكا ُل تطو ِر ّ ِ‬


‫الداللة‪( :‬األشكا ُل التّ ّ‬ ‫ّ‬
‫وبالن ِ‬
‫ظر‬ ‫تطوٌر‪ّ ،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫عند مجموعة من األلفاظ التي اعترى دالالتها ّ‬ ‫المح َدثون َ‬ ‫غويون ْ‬‫وقد وقف اللّ ّ‬
‫اض‬
‫الالت‪ ،‬وهي أعر ٌ‬ ‫الد ِ‬‫تطوِر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫المدقِّ ِ‬
‫يدور في فلكها ملحظُ ّ‬‫يمكن أن َ‬‫ُ‬ ‫اضا كلّّيةً‬
‫ق استصفَوا أعر ً‬
‫قي واالنحطاطُ‪ ،‬واالنتقا ُل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫الر ّ‬
‫خصيص‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫عميم‪ ،‬والتّ‬
‫تقتصر على لغة بعينها‪ ،‬ومن ذلك التّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫عامةٌ ال‬
‫ّ‬

‫ِ‬
‫الكلمة قد‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫أن دائرةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫المتعي ُن منه ّ‬
‫ّ‬ ‫المقصد‬
‫ُ‬ ‫لتوسيعها‪ ،‬و‬ ‫ادف‬
‫اللة فهو مر ٌ‬ ‫أما تعمي ُم ّ‬‫‪ّ ‬‬
‫دائرِة داللتِها‪ ،‬و ِمن ذلك كلمةُ "ال ّشلل"‬ ‫ٍ‬
‫جديدة لم تكن مثبتةً في‬ ‫أشياء‬
‫َ‬ ‫تتّسعُ فتشتم ُل على‬
‫اتسعت دائرتُها‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫وذهاب‪ ،‬ثم‬ ‫في ِ‬
‫اليد‬ ‫تقتصر على ٍ‬
‫يبس‬ ‫داللة ضي ٍ‬
‫قة‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫كانت َ‬
‫ْ‬ ‫التي‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫اشتملت على‬
‫ْ‬ ‫الجسم كلَّه أو شقّه‪ ،‬وهذا يعني ّأنها‬
‫َ‬ ‫ق فاستغرقت‬ ‫الليةُ في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬ ‫الد ّ‬‫ّ‬
‫حديث عن‬‫ٍ‬ ‫تقدم ِمن‬
‫اندياح‪ ،‬وليس ُينسى ما ّ‬ ‫ٍ‬
‫عمومية و ٍ‬ ‫ذات‬
‫جديدة‪ ،‬فصارت َ‬ ‫ٍ‬ ‫مدخ ٍ‬
‫الت‬ ‫َ‬
‫القوي والذي ليس فوقَه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ديد و ّ‬ ‫الكبير وال ّش ُ‬
‫السّي ُد‪ ،‬و ُ‬
‫ي"‪ ،‬فقد قيل ّإنه ّ‬ ‫تخصيص داللة "العبقر ّ‬
‫مما‬ ‫اح ٍ‬
‫كثير ّ‬ ‫صت باطّر ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫الداللةَ ُخ ِّ‬
‫ولكن هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫الجوهر(‪،)2‬‬ ‫ان و‬‫الفاخر ِمن الحيو ِ‬
‫شيء و ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الممتاز‬ ‫ذكاء‪ ،‬و‬
‫ً‬ ‫وصارت تد ّل في عر ّبيتنا المعاصرِة على المتوقِّد‬ ‫ْ‬ ‫كانت تشتم ُل عليه‪،‬‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أحمد مختار عمر‪ ،‬أخطاء اللغة العربية المعاصرة‪.80-79 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عبقر"‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫ِ‬
‫بعض معانيه‪-‬‬ ‫ي –في‬ ‫نعرف العبقر َّ‬
‫ُ‬ ‫وجهة ٍ‬
‫ثانية‪ّ ،‬أننا ال‬ ‫ٍ‬ ‫نبوغا ومعرفةً‪ ،‬وليس يخفى‪ِ ،‬من‬
‫ً‬
‫الفاخر من الحيو ِ‬
‫ان‪ ،‬وال القويِّ‪ ،‬وكذلك‬ ‫ِ‬ ‫ديد‪ ،‬ال وال‬‫ابق‪ ،‬فليس عندنا بال ّش ِ‬
‫الس ُ‬
‫كما عرفه ّ‬
‫سعت‬
‫الليةَ التي تترّبعُ عليها قد اتّ ْ‬
‫الد ّ‬‫الدائرةَ ّ‬
‫ولكن هذه ّ‬‫صوت البق ِرة‪ّ ،‬‬‫َ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬ ‫"الهمهمةُ" التي‬
‫أن‬ ‫عد‪ ،‬حتّى وصل األمر بهذه ّ ِ‬ ‫األسد والر ِ‬
‫اإلنسان و ِ‬
‫ِ‬ ‫فاشتملت على همه ِ‬
‫الداللة إلى ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫مة‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬
‫داللي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫تعميم‬
‫ٌ‬ ‫الخفي‪ ،‬وهذا كلُّه‬
‫ّ‬ ‫الكالم‬
‫َ‬ ‫تصبح الهمهمةُ‬
‫َ‬

‫تضيق‬ ‫أن‬ ‫ِ‬


‫عصور العر ّبية ْ‬ ‫عبر‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫يحدث في سيرورة الكلم َ‬ ‫ُ‬ ‫فبالض ّد‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬ ‫خصيص‬
‫ُ‬ ‫أما التّ‬
‫‪ّ ‬‬
‫أو مسم ٍ‬
‫يات‪ ،‬فيغدو المعنى‬ ‫أشياء‬ ‫بعض ما كانت تشتم ُل عليه ِمن‬ ‫طرَح‬‫في َّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫دائرةُ داللته‪ُ ،‬‬
‫مما كان يشتم ُل عليه ْقبالً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫األو ِل‬
‫صا مقتص ًار على جزء ّ‬ ‫مخص ً‬
‫َّ‬ ‫اح عن ذلكم ّ‬ ‫الجديد المنز ُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫منداحة‬ ‫ٍ‬
‫صبغة‬ ‫قديما ذات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمثلة ذلك ما ورد ِمن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫و ِمن‬
‫كانت ً‬ ‫ْ‬ ‫المأتم‪ ،‬فقد‬ ‫داللة‬ ‫حول‬
‫بيان َ‬
‫جال‪،‬‬ ‫الن ِ‬
‫ساء والر ِ‬ ‫ِ‬
‫بالخير وال ّشِّر‪ ،‬و ّ‬ ‫نت‬
‫ساء فقط‪ ،‬بل اقتر ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫تقترن بال ّش ّر و ّ‬ ‫مة؛ إذ ّإنها لم‬ ‫معم ٍ‬
‫َّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫مدخالت‬ ‫تستغرق‬
‫ُ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫األثاث التي‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫وتخصيص‬ ‫ِ‬
‫بالمناحة‪،‬‬ ‫مختصةٌ‬ ‫اليوم‬ ‫وهي‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ظ ِمنها ك ّل تلكم‬ ‫ثم لُِف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللية كالمال والغنم واإلبل ومتا ِع البيت‪ّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫كثيرةً في دائرتِها ّ ّ‬
‫كانت تشتم ُل‬ ‫العروس التي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫البيت ِمن ٍ‬ ‫متاع ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ص داللة َ‬ ‫ودثار‪ ،‬وتخصي ُ‬ ‫حشو‬ ‫َ‬ ‫المدخالت إالّ‬
‫ق مقتصرةً على األنثى‪ ،‬وكذلك داللةُ‬ ‫ِ‬
‫استعمال الالّح ِ‬ ‫فصارت في‬
‫ْ‬ ‫كر واألنثى‪،‬‬ ‫على ال ّذ ِ‬
‫ِ‬
‫األخير‬ ‫عند‬
‫ق؛ إذ ّإنها َ‬ ‫أرحب ِمنها َ‬
‫عند الالّح ِ‬ ‫أعم و َ‬ ‫ق ّ‬‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫كانت في كالم ّ‬ ‫ْ‬ ‫البلَد التي‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫ولكن هذا المعنى جزٌء ِمن معناها في‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫الحدود‪،‬‬ ‫المسكون ذا‬
‫َ‬ ‫العامر‬
‫َ‬ ‫المكان‬
‫َ‬ ‫تعني‬
‫كانت أو غير عام ٍرة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫قطعة ُمستحي ٍزة عامرة‬ ‫موضع أو‬
‫ٍ‬ ‫ينضاف إليه ّأنه ك ّل‬
‫ُ‬ ‫بي؛ إ ْذ‬
‫العر ِّ‬
‫تقدم ْقبالً(‪.)1‬‬‫خالية أو مسكونة كما ّ‬

‫ستحسن‬ ‫ِ‬
‫الكلمة راقيةً ت‬ ‫تغدو داللةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫ُ‬ ‫أن َ‬ ‫المتعي ُن منه ْ‬
‫ّ‬ ‫فالمقص ُد‬ ‫سموها‬
‫اللة أو ُّ‬ ‫أما رقي ّ‬
‫‪ّ ‬‬
‫ثم‬ ‫فقد تكون في ساب ِ ِ‬
‫السمعُ‪ّ ،‬‬
‫ذكره‪ ،‬أو ينبو عنه ّ‬ ‫سقب ُح ُ‬
‫مما ُي َ‬ ‫ق عهدها ّ‬ ‫ُ‬ ‫المجتمع؛ ْ‬
‫ِ‬ ‫بول‬
‫قَ َ‬
‫ٍ‬
‫ابتذال‪ ،‬و ِمن ذلك‬ ‫ت عنها ما كان يعتريها ِمن‬ ‫ٍ‬
‫ومكانة َرفَ َع ْ‬ ‫ذات ٍ‬
‫شأن‬ ‫ق َ‬ ‫عند الالّح ِ‬
‫تمسي َ‬
‫ٍ‬
‫مقيتة‪ ،‬فهو يعني‬ ‫هامشي ٍة‬ ‫ٍ‬
‫وظالل‬ ‫سلبي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الساب ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ق ذو إيحاءات ّ‬ ‫اطر"؛ إذ ّإنه في كالم ّ‬ ‫"ال ّش ُ‬
‫أن أعياهم ُخ ْبثًا‪ ،‬وفي معنى‬ ‫ِ‬
‫اغما أو مخالفًا بعد ْ‬ ‫قديما الذي نزح عن أهله وتركهم ُمر ً‬ ‫ً‬
‫األو َل بل يساوقُه‪ -‬هو الذي أخذ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫إن ال ّشاطر –وهذا معنى ال يدافع ّ‬ ‫تقدم قيل ّ‬ ‫مما ّ‬‫قريب ّ‬
‫اء‪.‬‬‫ألنه تباعد عن االستو ِ‬ ‫شاطر؛ ّ‬ ‫اء‪ ،‬ولذلك قيل له‬ ‫غير االستو ِ‬‫في نحو ِ‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬األزهري‪ ،‬التهذيب‪ ،‬مادة "بلد"‪ ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "بلد"‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫الحديث عن‬‫ِ‬ ‫يدور في َفلَ ِك‬ ‫تقدم ِمن ٍ‬ ‫‪ ‬أما انحطاطُ ّ ِ‬
‫بيان ُ‬ ‫نقيض ما ّ‬ ‫ُ‬ ‫بأنه‬
‫ف ّ‬ ‫عر ُ‬
‫الداللة فقد ُي ّ‬ ‫ّ‬
‫حسن؛ إذ‬‫ٍ‬ ‫ابق يتلقّفُها بقَ ٍ‬
‫بول‬ ‫الس ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الد ِ‬
‫ذات داللة مستحسنة كان ّ‬ ‫ثم كلمةٌ ُ‬ ‫تكون ّ‬
‫ُ‬ ‫اللة‪ ،‬فقد‬ ‫قي ّ‬
‫رّ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫مان و ِ‬
‫المكان و‬ ‫ولكنها في سيرو ِرة العر ّبي ِة مع َسيرو ِرة ّ‬
‫الز ِ‬ ‫ال شيةَ عليها وال شبهةَ‪ّ ،‬‬
‫بالض ِّد‪،‬‬ ‫أمرها عند الالّح ِ‬
‫ق‬ ‫والس ِ‬
‫ّ‬ ‫تقترن بما هو ُمست َقب ٌح أو ممجوٌج‪ ،‬فغدا ُ‬ ‫ُ‬ ‫أصبحت‬
‫ْ‬ ‫ياقات‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫القصير(‪ ،)1‬وذلك ليس‬ ‫ُ‬ ‫الرج ُل‬
‫ق ّ‬ ‫و ِمن ذلك التِّْنَبل والتِّنبال والتِّْنبالة‪ ،‬وهي في كالم ّ‬
‫الساب ِ‬
‫ٍ‬
‫داللة‬ ‫ذات‬
‫الحماقة‪ ،‬وهي ُ‬ ‫ِ‬ ‫بالخ ِ‬
‫مول و‬ ‫ق؛ إذ ّإنها تد ّل على َمن ُو ِسم ُ‬ ‫كذلك في ِ‬
‫كالم الالّح ِ‬
‫باش ِمن‬ ‫األو ُ‬ ‫ِ‬
‫األوباش‪ ،‬ف ْ‬ ‫ق‪ ،‬وكذلك داللةُ‬ ‫كالم الالّح ِ‬ ‫ٍ‬
‫مرذولة في ِ‬ ‫هامشي ٍة‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫يحاءات‬ ‫سلبي ٍة وا‬
‫ّ‬
‫أوباش ِمن ال ّشجـ ِـر‬
‫ووَبش‪ ،‬و ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫احدهم َوْب ٌ‬
‫المتفرقون‪ ،‬و ُ‬
‫ِّ‬ ‫ُّروب‬
‫اس‪ :‬األخالطُ‪ ،‬وهم الض ُ‬ ‫الن ِ‬‫ّ‬
‫المتفرقة( )‪ ،‬واألوباش‪ :‬هم أخالطٌ ِمن ّ‬
‫الن ِ‬ ‫النبات‪ ،‬وهي ُّ‬
‫‪2‬‬
‫رؤساء‬
‫َ‬ ‫اس وا ْن كانـ ـوا‬ ‫ّ‬ ‫ـروب‬
‫الض ـ ُ‬ ‫وّ‬
‫داللتَها تحتم ُل‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫األمس؛ ذلك ّ‬ ‫أوباش‬
‫َ‬ ‫تفارق‬
‫ُ‬ ‫أوباش ِ‬
‫اليوم‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫أفاضل( )‪ ،‬وال يخفى ّ‬
‫‪3‬‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ما " َوْبش"‪ ،‬أو‬ ‫انقباضا‪ ،‬بل هي ُسبَّة إذا ما أُسبغت على ٍ‬
‫فرد‬ ‫الن ِ‬
‫فس‬ ‫يثير في ّ‬
‫ً‬ ‫ملمحا ُ‬
‫ً‬
‫الد ِ‬
‫اللة"‪.‬‬ ‫داللي هيئتُه "انحطاطُ ّ‬ ‫ٍ‬
‫مجموعة متكاث ٍرة "أ َْوباش"‪ ،‬وهذا تطـ ّـوٌر‬
‫ّ‬

‫يفسر‬
‫المتعي ُن منه َّ‬ ‫فالمقصد‬ ‫بي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫اللي‪ ،‬وما كان أجاله في‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الد ّ‬
‫أما االنتقا ُل ّ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫نسب في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫باستر ِ‬
‫فاد ظاهرِة‬
‫غوي لها حق ٌل إليه تُ َ‬ ‫أن الكلمةَ في العالم اللّ ّ‬ ‫اللية؛ ذلك ّ‬ ‫الد ّ‬
‫الحقول ّ‬
‫ِ‬
‫المحسوس‪ ،‬وهكذا‬ ‫ي‬ ‫بالماد ِّ‬
‫ّ‬ ‫المجرِد‪ ،‬وأخرى‬ ‫بالمعنوي‬
‫ِّ‬ ‫تقترن‬ ‫الخارجي‪ ،‬فهناك ألفاظٌ‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫العالم‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫متباينة ِمن هذا‬
‫ٍ‬ ‫يج على ُمثُ ٍل‬ ‫ئ التّعر ُ‬ ‫االنتقال يغدو بِم ْك َن ِة القار ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫دوالَيك‪ ،...‬وفي ِ‬
‫باب‬
‫آخر‪ ،‬وانتقالُها ِمن‬ ‫داللي َ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مجال‬ ‫داللي إلى‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مجال‬ ‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬ ‫االنتقال‪ ،‬و ِمن ذلك انتقا ُل ّ‬‫ِ‬
‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫اآلدمي‪ ،‬وانتقالُها ِمن ّ‬ ‫اللة على‬‫الد ِ‬ ‫ضمار ّ‬‫ِ‬ ‫اني إلى ِم‬ ‫اللة على الحيو ِّ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫مضمار ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫المحسوس إلى‬ ‫المادي‬
‫ّ‬ ‫المحسوس‪ ،‬وانتقالُها ِمن‬
‫ِ‬ ‫المادي‬
‫ِّ‬ ‫المجرِد إلى‬
‫َّ‬ ‫المعنوي‬
‫ّ‬ ‫على‬
‫ِ‬
‫وجحوره إلى‬ ‫ألغاز اليربوِع‬‫لة على ِ‬ ‫الدال ِ‬
‫غز ِمن ّ‬ ‫المعنوي المجرِد‪ ،‬و ِمن ذلك انتقا ُل ِ‬
‫كلمة اللّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫البعوض‬ ‫الد ِ‬
‫اللة على‬ ‫المشابهة‪ ،‬وانتقال "الهمج" ِمن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعالقة‬ ‫شك ُل حلّه‬ ‫األسرِار وما ي ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫داللة‬ ‫اس وسفلتِهم‪ ،‬وانتقا ُل‬ ‫الن ِ‬
‫اذل ّ‬‫اللة على أر ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫اني‪ ،‬إلى ّ‬ ‫الحقل الحيو ِّ‬ ‫ِ‬ ‫باب؛ أي ِمن‬ ‫وال ّذ ِ‬
‫ِ‬
‫األشياء‪،‬‬ ‫يتوصل به ِمن‬ ‫ِ‬
‫الماء إلى ما‬ ‫يتوص ُل به إلى‬ ‫ِ‬
‫الحبل الذي‬ ‫الرشوِة من ِ‬
‫رسن‬ ‫ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخل ِ‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫صاحب ُ‬ ‫ين إلى‬ ‫الس ِ‬
‫هل اللّ ِ‬ ‫ِ‬
‫المكان ّ‬ ‫الدالل ِة على‬ ‫ِ‬
‫مضمار ّ‬ ‫ماثة ِمن‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫داللة ّ‬ ‫وانتقا ُل‬
‫تقترن‬ ‫صارت‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحسن اللّ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫البسابس‪ّ ،‬‬ ‫القفار و‬ ‫كانت تد ّل على‬
‫ْ‬ ‫هات التي‬
‫طيف‪ ،‬وكذلك التّّر ُ‬

‫(‪ )1‬انظر هذا المعنى‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪ ،198/1 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "تنبل"‪ ،‬والفيروزأبادي‪ ،‬القاموس‬
‫المحيط‪ ،‬مادة "تنبل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "وبش"‪.‬‬
‫(‪ ) 3‬انظر‪ :‬ابن مكي‪ ،‬تثقيف اللسان‪.164 ،‬‬

‫‪151‬‬
‫وغير‬ ‫الم َّ‬
‫حنك"‪ُ ،‬‬ ‫" ُ‬ ‫طائل تحتَها‪ ،‬وكذلك ِداللة "االحتدام"‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األباطيل التي ال‬ ‫ِ‬
‫باألقاويل و‬
‫كثير‪.....‬‬
‫كثير ٌ‬
‫ذلك ٌ‬

‫العربي ِة‪:‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫تطور‬
‫‪ -3‬أشكا ُل ّ‬
‫غويةَ‬ ‫الت "دي سوسير" اللّ ِ‬ ‫النظر في مقو ِ‬
‫بأن العالمةَ اللّ ّ‬
‫غوية أللفيناه يقو ُل ّ‬
‫ّ‬ ‫لو ّأننا أعدنا ّ َ‬
‫كلم العر ّبي ِة ُ‬
‫بروي ٍة في ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫‪1‬‬
‫قد‬
‫طور ْ‬ ‫أن التّ ّ‬
‫يجد ّ‬ ‫المتأم ُل ّ‬
‫الدا ّل والمدلو ُل( )‪ ،‬و ّ‬‫جانبين هما ّ‬‫تأتلف من َ‬
‫تقدم في ِ‬
‫باب‬ ‫ِ‬
‫المدلول فك ّل ما ّ‬ ‫تطوُر‬
‫أما ّ‬‫المدلول‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫غوي ِة‪ ،‬أعني ّ‬
‫الدا ّل و‬ ‫ِ‬
‫جانبي العالمة اللّ ّ‬
‫يصيب َ‬‫ُ‬
‫بنيوية شكلي ٍة‪ -‬كما‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وجهة‬ ‫ت سائرةً – من‬ ‫نتحدث عن ٍ‬
‫كلمة ظلّ ْ‬ ‫مضماره؛ ذلك ّأننا ّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫األمثال كان‬
‫ٍ‬
‫أمثال ُمستكفى و َم ْغنى عن‬ ‫تقدم من‬
‫طوَر اعترى مدلولَها؛ أي معناها‪ ،‬ولع ّل فيما ّ‬ ‫ولكن التّ ّ‬
‫ّ‬ ‫هي‪،‬‬
‫ِ‬
‫المقام‪.‬‬ ‫أخر في هذا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫استشراف أمثلة َ‬

‫مؤتلفةٌ ِمن صو َ‬
‫امت‬ ‫حيث هي بنيةٌ ْ‬ ‫ُ‬ ‫فمضماره الكلمةُ العر ّبيةُ ِمن‬
‫ُ‬ ‫الد ِّ‬
‫ال‬ ‫تطوُر ّ‬
‫أما ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وجهة أخرى‪ ،‬إذا‬ ‫ِ‬
‫المدلول‪ ،‬و ِمن‬ ‫وتطوِر‬ ‫الد ِّ‬
‫ال‬ ‫تطوِر ّ‬
‫ّ‬ ‫جلياً بين ّ‬
‫ثم َبوًنا ّ‬
‫أن ّ‬ ‫ائت‪ ،‬وليس يخفى ّ‬ ‫وصو َ‬
‫ِ‬
‫الكلمة إلى‬ ‫تغي ُر‬ ‫يقف على ضرَبين ِمنه؛ ّأولُهما‬ ‫الد ِّ‬
‫تطوِر ّ‬
‫فونيمي يفضي ّ‬
‫ّ‬ ‫ال فقد ُ‬ ‫ما نظر المرُء في ّ‬
‫شكلي مضماره البنيةُ ال المعنى‪ ،‬و ِمن أمث ِ‬
‫لة ذلك في‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫فونيمي‪ ،‬بل هو‬
‫ّ‬ ‫تغي ِر المعنى‪ ،‬وثانيهما ُ‬
‫غير‬ ‫ّ‬
‫العر ّبي ِة‪:‬‬

‫طوِر الذي يعتري بنيةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أن ظاهرةَ القلب شك ٌل من أشكال التّ ّ‬
‫القلب‪ :‬وليس يخفى ّ‬ ‫‪ ‬ظاهرةُ‬
‫تطوِره‪ ،‬وقد وقف عند‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تغي ِر المعنى أو ّ‬
‫فونيمي ال يفع ُل في ّ‬
‫ّ‬ ‫غير‬
‫الكلمة‪ ،‬وهو في العر ّبية ُ‬
‫وغيرهم(‪ ،)2‬و ِمن أمثلتِها "جبذ"‬
‫طي ُ‬‫السيو ّ‬
‫ٍ‬
‫فارس و ّ‬ ‫ابن‬ ‫ٍ‬
‫ابن دريد و ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه الظّاه ِرة من القدماء ُ‬
‫و "جذب"‪ ،‬و"ما أيطبه" و"ما أطيبه"‪ ،‬و"ربض" و "رضب"‪ ،‬و"صاعقة" و "صاقعة"‪،‬‬
‫و"عميق" و"معيق"‪ ،‬و"بكل الشيء" و"لبكه"(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬دي سوسير‪ ،‬فصول في علم اللغة العام‪.123 ،‬‬


‫(‪)2‬انظر‪ :‬ابن دريد‪ ،‬الجمهرة‪ ،431/3 ،‬وابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،208 ،‬والسيوطي‪ ،‬المزهر‪.476/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر هذه األمثلة وغيرها عند السيوطي في المزهر‪ ،481-476/1 ،‬وممن وقف عند هذه الظاهرة من‬
‫المحدثين معرجا على أمثلتها وتفسيرها وأنواعها عبد الفتاح الحموز‪ ،‬انظر كتابه‪ :‬عبد الفتاح الحموز‪ ،‬ظاهرة‬
‫القلب المكاني في العربية‪ :‬عللها وأدلتها وتفسيراتها وأنواعها‪ ،‬دار عمار ودار الرسالة‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫حيث شكلُها ال معناها‪ ،‬فمن َس ِ‬
‫نن‬ ‫ُ‬ ‫مضمارها الكلمةُ من‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬ظاهرةُ ال ّنحت‪ :‬وهي ظاهرةٌ‬
‫االختصار"(‪ ،)1‬و ِمن‬
‫ِ‬ ‫جنس ِمن‬
‫يد كلمةً واحدةً‪" ،‬وهو ٌ‬ ‫تنحت ِمن كلمتَين أو أز َ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫العرب ْ‬
‫يصيب الكلمةَ العر ّبيةَ على‬ ‫طوِر الذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أمثلة هذه الظّاهرة التي هي شك ٌل من أشكال التّ ّ‬
‫الح ْيعلة"‪ ،‬وهي حكايةُ ِ‬
‫قول المؤّذن‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫مستوى ال ّش ِ‬
‫العبشمي" نسبةً إلى عبد شمس‪ ،‬و" َ‬
‫ّ‬ ‫كل "‬
‫بقاءك‪،‬‬ ‫المتعي ُن ِمنها‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أطال اهلل َ‬
‫َ‬ ‫الفالح‪ ،‬و"الطلبقة"‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬ ‫حي على‬ ‫الصالة‪ّ ،‬‬ ‫حي على ّ‬ ‫ّ‬
‫قوةَ إالّ باهلل(‪.)2‬‬
‫حول وال ّ‬
‫الحمد هلل‪ ،‬و"الحوقلة"‪ ،‬وهي قولُنا‪ :‬ال َ‬
‫ُ‬ ‫الحمدلة"‪ ،‬وهي قولُنا‪:‬‬
‫و" َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتي الحديث بالمغاي ِرة؛ ذلك ّ‬
‫أن‬ ‫الص ّ‬ ‫رس ّ‬ ‫الد ِ‬
‫ف في ّ‬ ‫تعر ُ‬
‫‪ ‬ظاهرةُ المخالفة‪ :‬وهي ظاهرةٌ َ‬
‫صوت مؤثٌِّر مكي ٌ‬
‫ِّف‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ثم‬
‫فيكون ّ‬
‫ُ‬ ‫أعرْج عليها‪،‬‬ ‫لما ّ‬ ‫ق كما المماثلة التي ّ‬ ‫تيسير ا ّلنط ِ‬
‫ُ‬ ‫عمادها‬
‫َ‬
‫تكون‬ ‫قد‬ ‫ِ‬
‫المخالفة ُيشار إلى ّأنها ْ‬ ‫ِ‬
‫الحديث عن‬ ‫ِّف‪ ،‬وفي ِ‬
‫باب‬ ‫آخر متأثٌّر متكي ٌ‬
‫ُ‬ ‫وصوت ُ‬
‫ٌ‬
‫تكون‬ ‫قد‬
‫ف‪ ،‬و ّأنها ْ‬ ‫ف في المتكي ِ‬ ‫وت المكي ِ‬ ‫تأثير الص ِ‬
‫ظر إلى مدى ِ‬ ‫بالن ِ‬
‫تامةً أو جز ّئيةً ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تباعديةً‬ ‫تكون تجاورّيةً أو‬ ‫قد‬
‫ف‪ ،‬و ّأنها ْ‬ ‫وت المتكي ِ‬‫موقع الص ِ‬ ‫ظر إلى‬‫بالن ِ‬
‫أماميةً ّ‬ ‫رجعيةً أو‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫"إجاص" التي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بالن ِ‬
‫بين المكيِّف والمتكيِّف‪ ،‬ومثا ُل ذلك ّ‬ ‫وجود صوت يفص ُل َ‬ ‫ظر إلى‬ ‫ّ‬
‫لت "دينار"(‪ُّ ،)3‬‬
‫كل‬ ‫تحو ْ‬ ‫ِ‬
‫"جْلمد"‪ ،‬و"دّنار" التي ّ‬ ‫و"جمد" التي غدت َ‬‫ّ‬ ‫لت إلى "إنجاص"‪،‬‬ ‫تحو ْ‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫الدال ال‬
‫تطوٌر يقعُ على مستوى ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لغوي له بواعثُه‪ ،‬وهو‪ ،‬من وجهة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تطوٌر‬
‫ذلك ّ‬
‫ِ‬
‫المدلول‪.‬‬

‫قد تفضي إلى‬ ‫أن هذه الظّاهرةَ ْ‬ ‫ِ‬


‫اإلبدال‪ ،‬واخا ُل ّ‬
‫َ‬ ‫القدماء‬
‫ُ‬ ‫يسميها‬
‫‪ ‬ظاهرةُ المماثلة‪ :‬وهي التي ّ‬
‫بنيوي‬ ‫تطوٍر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تطوٍر في المعنى في‬
‫ٍّ‬ ‫ذات ّ‬ ‫اضع أخرى َ‬ ‫تكون في مو َ‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫الكلمات‪ْ ،‬‬ ‫بعض‬ ‫ّ‬
‫فت مجموعةً مصطفاةً ِمن المو ِّاد المعجميةِ‬ ‫الحق ّأنني استشر ُ‬ ‫داللي‪ ،‬و ّ‬
‫ٍّ‬ ‫فونيمي‬
‫ٍّ‬ ‫شكلي ال‬
‫ٍّ‬
‫ّ‬
‫حميم إلى‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بنسب‬ ‫بي فروعٌ تتّص ُل‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫بعض مو ِّاد‬ ‫أن‬
‫لتكون ُمثُالً دالّةً على ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أصل و ٍ‬‫مادتَين أو كلمتَين تعودان إلى ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أصول‪ ،‬وصفوةُ ِ‬ ‫ٍ‬
‫احد؛‬ ‫يجد ّ‬‫أن َ‬ ‫بمكنة المرِء ْ‬ ‫أن ُ‬
‫القول ّ‬
‫الماد ِة األخرى مع وجوِد‬ ‫ّ‬ ‫تحت‬
‫َ‬ ‫بت‬
‫المثْ ُ‬
‫مادة ما هو المعنى ُ‬
‫ت تحت ّ ٍ‬ ‫المثَْب َ‬
‫إن المعنى ُ‬ ‫إذ ّ‬
‫نية المؤلِّ ِ‬
‫فة‬ ‫شكليا واقعا على مستوى البِ ِ‬ ‫ًّ‬ ‫طوُر‬ ‫اتفا ٍ‬
‫ً‬ ‫يكون التّ ّ‬
‫ُ‬ ‫كلي بينهما في المعنى‪ ،‬وهنا‬ ‫ق ٍّ‬
‫مستويين؛ ّأولُهما الكلمةُ‪،‬‬
‫َ‬ ‫اقعا على‬
‫طوُر و ً‬
‫يكون التّ ّ‬
‫ُ‬ ‫ئي‪ ،‬وهنا‬
‫اق جز ٌّ‬
‫فقط‪ ،‬وقد يتجلّى افتر ٌ‬
‫ِ‬
‫تفسير هذه‬ ‫فإنني أستجمعُ حديثًا عن‬
‫طلب ّ‬
‫الم َ‬ ‫قارب هذا َ‬
‫وثانيهما معناها‪ ،‬واّنني إ ْذ أ ُ‬

‫(‪ )1‬السيوطي‪ ،‬المزهر‪.483/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر حديث السيوطي عن هذه الظاهرة وأمثلتها‪ ،‬المزهر‪.485 -482/1 ،‬‬
‫(‪ ) 3‬انظر تعريف المخالفة والمماثلة‪ :‬محمد الخولي‪ ،‬األصوات اللغوية‪.222-71 ،‬‬

‫‪153‬‬
‫عرجوا على هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ًّ‬ ‫الظّاهرِة‬
‫بعض مالحظ القدماء الذين ّ‬ ‫لسانيا حديثًا‪ ،‬ملتفتًا إلى‬ ‫تفسير‬
‫ًا‬
‫سأضرب‬ ‫وتي‪ ،‬و‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫ُ‬ ‫وثانيهما‪:‬الص ّ‬
‫َّ‬ ‫جي‪،‬‬
‫نظرين من التّفسير؛ ّأولُهما‪ :‬الل ْه ّ‬ ‫مترددين بين َ‬
‫رس ّ‬ ‫ّ‬
‫مجموعةَ ٍ‬
‫أمثلة على ك ّل ٍ‬
‫شكل‪:‬‬

‫َّ‬
‫نية(الشكل)‪:‬‬ ‫الدا ّل‪ -‬ال ِب‬
‫تطور على مستوى ّ‬
‫ّ‬
‫غتت‪ -‬غطط‪:‬‬
‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫المادتين يتجلّى أثر التّ ِ‬
‫فخيم أو التّرقي ِ‬
‫فقد ذهب ُ‬ ‫بي‪ْ ،‬‬
‫نمو المعجم العر ّ‬‫ق في ّ‬ ‫ُ‬ ‫وفي هاتَين ّ‬
‫ماد ِة‬
‫ق‪ ،‬وقد جاء في ّ‬ ‫بعض االفت ار ِ‬
‫َ‬ ‫فاق ال ينفي‬‫ولكن هذا االتّ َ‬
‫ّ‬ ‫ت كالغطّ(‪،)1‬‬‫الغ ّ‬
‫أن َ‬ ‫ٍ‬
‫منظور إلى ّ‬
‫النفَ َسين‬ ‫وغت في ِ‬
‫الماء‪ ،‬وهو ما بين ّ‬ ‫خفيه‪،‬‬ ‫"غتت"‪َّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ثوبه على فيه ُلي َ‬ ‫يده أو َ‬‫حك‪ :‬وضع َ‬ ‫الض َ‬‫غت ّ‬
‫اب‪ ،‬وغتّه‪ :‬عصره‪ ،‬وغتّه في ِ‬
‫الماء غتًّا‪:‬‬ ‫ارب ِمن ال ّشر ِ‬ ‫من ال ّش ِ‬
‫اإلناء على فيه‪ ،‬أي‪ :‬تنفّس ال ّش ُ‬
‫رب و ُ‬
‫غطّه(‪.)2‬‬

‫تكاد‬
‫المادةُ ال ُ‬
‫الداللةَ التي تلتقي عليها هذه ّ‬‫أن ّ‬ ‫ماد ِة "غطط" ّ‬
‫فإننا نلفي ّ‬ ‫ِ‬
‫الورود على ّ‬ ‫وعند‬
‫َ‬
‫ديد‬
‫العصر ال ّش ُ‬ ‫الغطّ‪:‬‬
‫الماء‪ :‬غطسه ومقلَه فيه‪ ،‬و َ‬ ‫ِ‬ ‫فيقال‪ :‬غطّه في‬ ‫تفارق ِداللةَ ّ‬
‫ُ‬ ‫مادة "غتت"‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫وت الذي يخرُج مع‬
‫الص ُ‬ ‫وص‪ ،‬وغطّ في نو ِمه‪َ :‬ن َخ َر‪ ،‬و َ‬ ‫والكبس‪ ،‬ومنه الغطّ في ِ‬
‫الغطيطُ‪ّ :‬‬ ‫لغ ُ‬
‫الماء‪ :‬ا َ‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫ساغا( )‪.‬‬
‫يجد َم ً‬
‫ترديده حيث ال ُ‬
‫ُ‬ ‫النائم‪ ،‬وهو‬
‫َنفَس ّ‬

‫غت ال ّشارب في ِ‬
‫الماء‪ ،‬وهو‬ ‫يب ِمن معنى‪ّ :‬‬
‫األخير قر ٌ‬ ‫أن هذا المعنى‬ ‫بروي ٍة ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يجد ّ‬ ‫المتأم ُل ّ‬
‫و ّ‬
‫يصدر ِمن ّ‬
‫النائم في َن َخره‪ ،‬وقد استشرف‬ ‫ُ‬ ‫ت كما‬‫يصدر ِمنه صو ٌ‬‫ُ‬ ‫قد‬ ‫التنفّ ُس في ال ّشر ِ‬
‫اب؛ إ ْذ ّإنه ْ‬
‫صحيح يد ّل‬
‫ٌ‬ ‫اء أص ٌل‬‫الغين والطّ َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫مادة "غطط" مشي اًر إلى أنهّا تلتقي على ّ‬ ‫معاني ّ‬ ‫ٍ‬
‫فارس‬ ‫ابن‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫يت بذلك‬
‫سم ْ‬
‫الغطَاط‪ :‬وهي القَطا ِّ‬ ‫اإلنسان في نو ِمه‪ ،‬و ِمنه َ‬
‫ِ‬ ‫على "صوت"‪ ،‬و ِمن هنا جاء َغطيطُ‬
‫المتعي ُن ِمنها ذلك‬
‫ّ‬ ‫يكون‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ويستقيم ْ‬
‫ُ‬
‫يصح في ِ‬
‫الفهم‬ ‫ّ‬ ‫مما‬ ‫ِ‬
‫لصوتها‪ ،‬وكذلك‪ :‬غطّه في الماء‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬
‫ابن‬ ‫الن َخر(‪ ،)4‬و ِمن مثلِه‪ :‬غتّه في ِ‬ ‫الصوت الذي يكون ِمن ِ‬
‫الماء أو َّ‬
‫مادة "غتت" جنح ُ‬ ‫الماء‪ .‬وفي ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بالفيء على ما ُذكر‬ ‫ثم إبداالً وقع؛ إ ْذ ّإننا نقول‪ :‬غططتُه وغتتُه(‪ ،)5‬والمرجَّح –‬ ‫ٍ‬
‫أن ّ‬
‫فارس إلى ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جاءت ِمنها‪ ،‬واذا‬
‫كانت في أصلها المتقادِم بالتّاء‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫أن أخرى‬ ‫أماً هي األص ُل‪ ،‬و ّ‬
‫مادة ّ‬
‫أن ّ‬
‫آنفًا– ّ‬

‫(‪ )‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "غتت"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "غتت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬هذه المعاني تحت مادة "غطط" في اللسان‪.‬‬
‫(‪ )‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "غطط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "غتت"‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫وتيةَ‪،‬‬
‫الص ّ‬‫السمةَ ّ‬ ‫اء هذه ّ‬ ‫مفخم‪ ،‬فأكسب التّ َ‬ ‫الغين َّ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫حاضر عتيد؛ إذ ّ‬
‫ٌ‬ ‫مادة "غطط"‬ ‫وجود ّ‬ ‫ِ‬ ‫تعليل‬
‫َ‬
‫فخيم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صوتي ٍة – إالّ في‬ ‫ٍ‬ ‫ون بينهما – ِمن‬
‫ملمح واحد‪ ،‬وهو التّ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وجهة‬ ‫اء صنوان ال َب َ‬ ‫اء والطّ ُ‬‫والتّ ُ‬
‫وتي هو الذي‬ ‫ِ‬
‫الص ّ‬ ‫طابق في الوصف ّ‬ ‫أن هذا التّ َ‬ ‫ويظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫لثوي‪،‬‬
‫أسناني ّ‬
‫ّ‬ ‫يو‬ ‫مهموس وانفجار ّ‬
‫ٌ‬ ‫فكالهما‬
‫ص الذين ُيحتَ ّج‬ ‫الخلَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫العرب ُ‬ ‫عت عن‬ ‫طائيا" فقد ُس ِم ْ‬
‫أما إذا كان األص ُل " ّ‬ ‫طاء‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫أَذن باستحالة التّاء ً‬
‫ِ‬
‫المادتين قائما‪ ،‬وقد ورد اللّغويون على ٍ‬
‫أمثلة‬ ‫ائي‪ ،‬وظ ّل تداخ ٌل بين ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ائي والطّ ّ‬‫بعر ّبيتهم بالوجهَين‪ :‬التّ ّ‬
‫مستقبحةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫عدوها ُه ْجنةً‬
‫مضماره فقد ّ‬‫ِ‬ ‫االحتجاج‪ ،‬ولكونِها خارجةً عن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عصور‬ ‫بعد‬
‫مثل هذا َ‬ ‫ِمن ِ‬
‫حديث ِ‬
‫ابن‬ ‫ُ‬ ‫ماد ِة "غتت" و "غطط"‪ ،‬و ِمن ذلك‬ ‫وقع في ّ‬ ‫مما َ‬
‫ِ‬
‫ولَ ْحناً َمرذوالً‪ ،‬وهي في حقيقتها قريبةٌ ّ‬
‫العامة‬ ‫بالس ِ‬ ‫ِ‬ ‫عما ُيتكلَّم فيه‬ ‫ِ‬
‫بالسين فيتكلّم ّ‬ ‫ومما ُيتكلّم فيه ّ‬ ‫ين‪ّ ،‬‬ ‫العامةُ ّ‬
‫مما َيتكلّ ُم به ّ‬‫بالصاد ّ‬‫ّ‬ ‫الس ّكيت " ّ‬
‫ّ‬
‫ين صاداً‪،‬‬ ‫الس ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحديث ابن م ّكي عن نط ِ‬ ‫بالصاد"(‪،)1‬‬
‫ال ضاداً‪ ،‬و ّ‬ ‫ذاء‪ ،‬و ّ‬
‫تاء‪ ،‬والظّاء ً‬ ‫ق الطّاء ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫مما ذكره( )‪.‬‬ ‫وغير ذلك ّ‬

‫سغسغ – صغصغ‪:‬‬
‫ملمح من افت ار ٍ‬
‫ق؛‬ ‫ٍ‬ ‫ملمح أو أدنى‬
‫ٌ‬ ‫يظهر‬
‫ُ‬ ‫يكاد‬
‫فاق كلّ ّي‪ ،‬وال ُ‬
‫المادتين يتجلّى اتّ ٌ‬
‫وبين هاتَين ّ‬
‫آخر في‬‫مكان َ‬‫ٍ‬ ‫وردت في‬
‫ْ‬ ‫نفسها التي‬
‫مادةُ "سغسغ" هي ُ‬ ‫معان تشتم ُل عليها ّ‬‫ٍ‬ ‫أن ما جاء ِمن‬ ‫ذلك ّ‬
‫خائض فيه‪:‬‬ ‫البحث‬ ‫مادة "صغصغ"‪ ،‬وفيما يأتي فض ُل بيان يجلّي ما‬ ‫تحت ّ‬
‫بي َ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫المعجم العر ّ‬
‫هن‬ ‫تحت ِ‬ ‫الدهن في ر ِ‬
‫الد َ‬‫رواه ووضع عليه ّ‬ ‫بالدهن ّ‬
‫أسه ّ‬ ‫شعره‪ ،‬وسغسغ ر َ‬ ‫أسه‪ :‬أدخله َ‬ ‫سغسغ ّ َ‬
‫َ‬
‫‪3‬‬
‫األرض‪ :‬دخل( )‪ ،‬وكذلك‬ ‫ِ‬ ‫من‪ ،‬وتسغسغ في‬ ‫الس ِ‬
‫بالدهن و ّ‬
‫رواه ّ‬ ‫يده‪ّ :‬‬ ‫صره‪ ،‬وسغسغ ثر َ‬ ‫وع َ‬
‫بكفّيه َ‬
‫يده‪" ،‬وهي لغةٌ في‬ ‫هن‪ ،‬وصغصغ ثر َ‬ ‫بالد ِ‬
‫أسه ّ‬ ‫صغصغ ر َ‬
‫َ‬ ‫ماد ِة "صغصغ"‪ ،‬فنقو ُل‪:‬‬‫الحا ُل في ّ‬
‫سغسغ"(‪.)4‬‬

‫الغين ِمن‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫انشعبت عنها األخرى هي "سغسغ"‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫األصل التي‬
‫َ‬ ‫المادة‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫إخا ُل ّ‬
‫ين المرقّقةُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫األصو ِ‬
‫الس ُ‬
‫أن تكتسي ّ‬ ‫الغين في سياقه ْ‬
‫َ‬ ‫فخيم الذي يعتري‬
‫المفخمة‪ ،‬وقد أذن هذا التّ ُ‬ ‫ات‬
‫احد‪ ،‬فأفضى هذا كلّه إلى استحالتِها صاداً‪،‬‬ ‫ملمح صوتي و ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشيء منه تأثّ اًر ومماثلةً للغين في‬
‫إطباق في الظّ ِ‬
‫اء‬ ‫لكانت داالً‪ ،‬ولوال‬ ‫إطباق في الطّاء‬ ‫لكانت سيناً‪ ،‬ولوال‬ ‫الص ِاد‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫إطباق ّ‬‫ُ‬ ‫و"لوال‬
‫مادتين‬
‫وجود ّ‬
‫ُ‬ ‫جمع العر ّبية‪،‬‬
‫ِ‬ ‫المعجميين عند‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫أنظار‬ ‫لكانت ذاالً"(‪ ،)5‬وقد انبنى على هذا‪ ،‬في‬ ‫ْ‬

‫(‪ )‬انظر‪ :‬ابن السكيت‪ ،‬إصالح المنطق‪.83 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن مكي‪ ،‬تثقيف اللسان‪ 53 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سغسغ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صغصغ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن جني‪ ،‬سر الصناعة‪.241/1،‬‬

‫‪155‬‬
‫يعضد هذا‬ ‫ومما‬ ‫ٍ‬
‫تقارب صوتي‪ ،‬وتطاب ٍ‬
‫ُ‬ ‫معنوي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫صوتيتَين متباينتَين‪ ،‬مع تجلّي‬
‫ّ‬ ‫تُرويان بهيئتَين‬
‫تعاقبت مع الغين(‪.)1‬‬
‫ْ‬ ‫قد‬
‫اد ْ‬‫الص َ‬
‫أن ّ‬ ‫بالس ِ‬
‫ين‪ ،‬و ّ‬ ‫يكون "سغسغ" ّ‬
‫أن َ‬ ‫رجح ْ‬ ‫غويين ّ‬
‫بعض اللّ ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫المذهب ّ‬
‫َ‬

‫ِ‬ ‫عب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مصنفو غر ِ‬


‫الم ْح ِرم‪ ،‬ولفظُه‪ّ " :‬‬
‫أما‬ ‫اس في طيب ُ‬ ‫يب الحديث على حديث ابن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولما ورد‬
‫ّ‬
‫ين‪ ،‬و ِمنهم َمن جاء به‬ ‫بالس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فأسغسغه في رأسي"‪ ،‬تباينوا في هيئة تلفّظه‪ ،‬فمنهم َمن جاء به ّ‬
‫ُ‬ ‫أنا‬
‫بالص ِاد(‪.)2‬‬
‫ّ‬

‫لعثم – لعذم‪:‬‬
‫ال مالمح صوتيةٌ متماثلةٌ‪ ،‬فكلتاهما ِرخوة مرقَّقة بيأسنانية‪ ،‬ولكن وقوعَ الثّ ِ‬
‫اء‬ ‫للثّ ِ‬
‫اء وال ّذ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ق المتلفّ ِظ‬ ‫صوتي ٍة ما قد يعم ُل على صيرورت ِها مجهورةً‪ ،‬لتغدو في نط ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫لمجهور في ٍ‬
‫بيئة‬ ‫ٍ‬ ‫مجاورةً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتي بين‬ ‫الص ّ‬ ‫بي‪ ،‬و ِمن ذلك التّداخ ُل ّ‬ ‫بها ذاالً صريحةً‪ ،‬وقد وقع أمثلةٌ من هذا في المعجم العر ّ‬
‫ث‬‫مك ُ‬‫احد(‪ ،)3‬وجماعُ معناهما التّ ُّ‬ ‫المباحثة الجزئي ِة "لعثم– لعذم"‪ ،‬وهما بمعنى و ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ان هذه‬ ‫عنو ِ‬
‫ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫‪4‬‬ ‫ٍ‬ ‫واالنتظا ُر والتّ ّأني‪ ،‬وقد ِ‬
‫الس ّكيت إلى ّ‬ ‫ابن ّ‬‫تلعثم عن شيء‪ :‬وما تلعذم( )‪ ،‬وقد أشار ُ‬ ‫قرئ‪ :‬وما ْ‬
‫ِ‬
‫الكثير‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫الغالب‬ ‫أن الثّاء هي األص ُل في‬‫المتقدِم فالحاص ُل ّ‬
‫ّ‬ ‫ال بد ٌل ِمن الثّاء(‪ ،)5‬وعلى هذا‬ ‫ال ّذ َ‬
‫لتغدو‬ ‫ِ‬
‫الجهر‬ ‫اء صفةَ‬ ‫ِ‬
‫المهموسة َِ و ِ‬
‫العين المجهورِة‪ ،‬ف‬ ‫وقعت مماثلةٌ صوتيةٌ بين الثّ ِ‬
‫َ‬ ‫اكتسبت الثّ ُ‬
‫ْ‬ ‫اء‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مادتين لهما أص ٌل واحد‪.‬‬
‫وجود ّ‬
‫ُ‬ ‫ولينبي على هذا كلّه‬ ‫النط ِ‬
‫ق‪،‬‬ ‫ذاالً في ّ‬
‫َ‬

‫عسد – عصد –عزد‪:‬‬


‫ٍ‬
‫منظور في‬ ‫ابن‬ ‫ِ‬ ‫المماثلة الص ِ‬
‫ِ‬ ‫ين عن ِ‬ ‫مثا ٌل ُمبِ ٌ‬
‫بي‪ ،‬فقد ذهب ُ‬‫نمو المعجم العر ّ‬ ‫وتية في ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫فعل‬
‫ماد ِة‬
‫تحت ّ‬ ‫َ‬ ‫أما ما ورد‬ ‫العزِد و ْ‬
‫العصد قد وقع‪ّ ،‬‬ ‫أن تداخالً بين ْ‬ ‫مادة "عزد" إلى ّ‬‫تح حديثِه عن ّ‬ ‫ُمفتَ ِ‬
‫ماد ِة "عصد"‬
‫الحبل َع ْس ًدا‪ :‬أحكم فتلَه‪ ،‬وفي ّ‬
‫َ‬ ‫فمفاده إحكام ِ‬
‫الفتل‪ ،‬فنقول‪َ :‬ع َسد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫معان‬ ‫"عسد" ِمن‬
‫البعير عنقَه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫صد‬
‫وع َ‬
‫صيد‪َ ،‬‬
‫وع ٌ‬‫معصود َ‬
‫ٌ‬ ‫يء فهو‬
‫صد ال ّش َ‬
‫هو اللّ ّي‪ ،‬فنقو ُل‪َ :‬ع َ‬ ‫العص َد‬
‫ْ‬ ‫أن‬
‫أشار إلى ّ‬
‫كاح‬
‫الن ُ‬‫العزُد‪ّ :‬‬
‫صد و ْ‬ ‫الع ْ‬
‫الهدف‪ ،‬و َ‬
‫َ‬ ‫ولم يقصد‬
‫مر ْ‬ ‫هم‪ :‬التوى في ٍّ‬ ‫الس ُ‬
‫وعصد ّ‬ ‫الرُج ُل‪،‬‬
‫لواه‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫ينتظم هذه المو ّاد‬
‫ُ‬ ‫الجامع الذي‬
‫َ‬ ‫وعزدها نكحها(‪ ،)6‬ولع ّل المعنى‬
‫الرج ُل المرأةَ َ‬
‫وعصد ّ‬
‫َ‬ ‫والجماعُ‪،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.33/3 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.33/3 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن السكيت‪ ،‬القلب‪ ،39 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لعثم"‪ ،‬وأبو حيان‪ ،‬االرتشاف‪.159/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لعثم" و"لعذم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن السكيت‪ ،‬القلب‪ ،39 ،‬وابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "لعذم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "عزد"‪ ،‬ومادة "عصد"‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫ِ‬
‫لي‬
‫الحبل إذا أحكم فتلَه‪ ،‬وفي إحكامه ّ‬ ‫َ‬ ‫وعس َد‬
‫أسه‪َ ،‬‬ ‫البعير ر َ‬
‫ُ‬ ‫عصد‬‫الث هو اللّ ّي‪ ،‬و ِمن هنا جاء‪َ :‬‬ ‫الثّ َ‬
‫الث معا في ج ٍ‬
‫عبة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتوثيق‪ ،‬وكذلك الحا ُل في ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ابن السِّيد هذه الكلماتَ الثّ َ ً‬ ‫مادة "عزد"‪ ،‬وقد جمع ُ‬ ‫ٌ‬
‫معان و ٍ‬
‫احدة‬ ‫ٍ‬ ‫اجتماع هذه المو ّاد على‬ ‫ِ‬
‫باعث‬ ‫أما عن‬ ‫‪1‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫احد( )‪ّ .‬‬ ‫أن معناها و ٌ‬ ‫واحدة ذاهباً بها إلى ّ‬
‫بي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جهة التّ ِ‬ ‫جهة ‪ِ :‬‬ ‫غير ٍ‬ ‫المماثلة ِمن ِ‬‫ِ‬
‫تكون في المعجم العر ّ‬ ‫الجهر‪ ،‬ولذا َّ‬ ‫وجهة‬ ‫فخيم‪،‬‬ ‫فمرده إلى‬ ‫ّ‬
‫تمي ُزها عن األخرى‪ ،‬و ّأولُها‪:‬‬ ‫احدة ِ‬‫احدة‪ ،‬ولك ّل و ٍ‬ ‫أرومة و ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صوتيةٌ ّ‬ ‫ّ‬ ‫صبغةٌ‬ ‫تفيء إلى‬
‫ُ‬ ‫ثالث مو ّاد‬ ‫ُ‬
‫آت ِمن‬ ‫قيق فلعلّه ٍ‬ ‫أما التّر ُ‬ ‫َّ‬
‫المفخمةُ "عصد"‪ ،‬وثانيها‪ :‬المرققةُ "عسد"‪ ،‬وثالثُها المجهورةُ "عزد"‪ّ .‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ال المرقَّقَين‪ْ ،‬‬ ‫الد ِ‬ ‫الص ِاد‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ألسنة‬ ‫ين على‬ ‫الس ُ‬
‫قيق ففُ ّخمت ّ‬ ‫يكون األص ُل التّر َ‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬ ‫ِ‬
‫للعين و ّ‬ ‫مجاو ِرة ّ‬
‫فرق بينهما إالّ في‬ ‫اد شقيقتان ال َ‬ ‫الص َ‬‫ين و ّ‬ ‫الس َ‬
‫إن ّ‬ ‫فغدت صاداً‪ ،‬فصار لدينا "عصد"؛ إ ْذ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫العرب‬
‫مهموس ِ‬ ‫ٍ‬
‫اي‬
‫الز ُ‬ ‫أما ّ‬ ‫لثوي‪ّ ،‬‬ ‫أسناني ّ‬ ‫ّ‬ ‫خو و‬ ‫ور ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الصوتَين‬
‫فخيم‪ ،‬فكال ّ‬ ‫صوتي واحد ممي ٍِّز‪ ،‬وهو التّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ملمح‬
‫ٍ‬
‫ملمح‬
‫َ‬ ‫السين‬
‫فاكتسبت ّ‬
‫ْ‬ ‫ين مهموسةٌ‪،‬‬ ‫الس ُ‬
‫ال‪ -‬مجهورةٌ‪ ،‬و ّ‬ ‫الد َ‬
‫ال‪ ،‬وهي –أعني ّ‬ ‫بأثر ِمن ّ‬
‫الد ِ‬ ‫جاءت ٍ‬ ‫ْ‬ ‫فقد‬
‫ظر‬‫الن ِ‬ ‫لطف ّ‬ ‫ِ‬ ‫بكثير ِمن‬
‫ٍ‬ ‫القدماء التفتوا‬ ‫أن‬ ‫ال‪ ،‬فأَِذ َن هذا بصيرورت ِها زًايا‪ ،‬و ّ‬ ‫الجهر ِمن ّ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الحق ّ‬
‫عند‬
‫اي‪ ،‬وقد وقف َ‬ ‫الز ِ‬
‫ين مع ّ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫مطلب َِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وي ِة إلى هذا‬
‫الصاد‪ ،‬و ّ‬ ‫ين مع ّ‬ ‫تعاقب ّ‬ ‫المطلب؛‬ ‫الر ّ‬ ‫وّ‬
‫بعضها‪ ،‬وهو ما‬ ‫ات في ِ‬ ‫تجاور األصو ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقع‬ ‫المتبص ِر‬ ‫وقوف المدقّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه الظّاه ِرة‬
‫ملتمسا َ‬‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫سيبويه‬
‫قلب‬‫حديث عن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األلفوني‪ ،‬و ِمن ذلك ما ُع ِرض آنفًا ِمن‬ ‫ِ‬
‫الحديث بالتّ ِ‬
‫باين‬ ‫وتي‬ ‫الد ِ‬
‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫رس ّ‬ ‫وسم في ّ‬ ‫ُي َ‬
‫صوتي ٍة‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وجهة‬ ‫الحق ّأننا – ِمن‬
‫الكالمي ِة‪ ،‬ومنه "العصد"‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫البيئات‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ين زًايا في‬ ‫الس ِ‬
‫الصاد أو ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫تفخيم‬
‫ٌ‬ ‫ق زًايا يعتريها‬ ‫بل نحقّ ُ‬ ‫ننطق صاداً صريحةً عند تلفّ ِظنا بكلمة "العصد"‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫فاقعة‪ -‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫نطقي ٍة‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫البحث‪،‬‬ ‫مضمار هذا‬ ‫سيبويه ِمن قب ُل على هذا ُمْل ِم ًحا إلى ملحظَين هما‬ ‫ِ‬ ‫العين‪ ،‬وقد ورد‬ ‫ِ‬ ‫آت ِمن‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫ال‪:‬‬ ‫الص ِاد ّ‬
‫للد ِ‬ ‫ِ‬
‫وتي‪ ،‬فقال في حديثه عن مجاو ِرة ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫جاور ّ‬ ‫جي‪ ،‬وثانيهما‪ :‬التّ ُ‬ ‫الباعث اللّ ْه ّ‬
‫ُ‬ ‫و ّأولُهما‪:‬‬
‫صدير‪ :‬التّْزدير‪ ،‬وفي‬ ‫الفصحاء يجعلونها زاياً خالصةً‪ ،...،‬وذلك في قوِلهم‪ :‬التّ ْ‬ ‫َ‬ ‫العرب‬
‫َ‬ ‫"وسمعنا‬
‫أزدرت"(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫صد‪ :‬الفزد‪ ،‬وفي أصدرت‪:‬‬
‫الفَ ْ‬

‫المؤِذ ِن‬ ‫ِ‬ ‫للد ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْع ِجبةُ إلى ِ‬ ‫و ِمن ِ‬
‫الساكنة ْ‬
‫ال ّ‬ ‫ين ّ‬ ‫تجاور ّ‬ ‫أثر‬ ‫ان ُ‬‫حي َ‬
‫تقدم التفاتةُ أبي ّ‬‫مثل ما ّ‬
‫بدل زًاياً‬
‫أن تُ َ‬
‫يجوز ْ‬
‫ُ‬ ‫وي ْسدل‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫أسدل ُ‬
‫ين ووليتها دا ٌل؛ نحو‪ْ :‬‬
‫الس ُ‬
‫نت ّ‬ ‫بقلبِها زًايا‪ ،‬فقال‪" :‬وا ْن ُس ِّك ْ‬
‫اصدق"(‪،)4‬‬
‫ْ‬ ‫تخلص زًايا"(‪" ،)3‬والعرب تقو ُل‪ْ :‬ازدق‪ ،‬بمعنى‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الزاي وال‬
‫محضةً‪ ،‬وقيل ُيضارعُ بها ّ‬
‫الص ِاد‬ ‫ِ‬
‫ملحظ ِ‬
‫قلب ّ‬ ‫شار إلى‬
‫يوطي‪ ،‬وفيه ُي ُ‬
‫الس ّ‬‫القالي و ّ‬
‫ِ‬
‫الس ّكيت و ّ‬
‫نص ورد عند ِ‬
‫ابن ّ‬
‫وقر ٌ ِ‬
‫يب من هذا ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن السيد‪ ،‬الفرق بين الحروف الخمسة‪.701 ،‬‬


‫(‪ )2‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪.478/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬أبو حيان‪ ،‬االرتشاف‪158/1،‬‬
‫(‪ )4‬ابن السكيت‪ ،‬القلب‪ ،45 ،‬وقد عرج على هذه الظاهرة الصوتية عند قبيلة "كلب" ابن جني ‪ :‬انظر‪ :‬ابن جني‪،‬‬
‫سر الصناعة‪.196/1،‬‬

‫‪157‬‬
‫اد‬
‫الص َ‬ ‫فُ ِ‬ ‫وسمعت أعر ًّ‬
‫أبدل ّ‬
‫صد له‪ ،‬فخفّف‪ ،‬و َ‬ ‫حرْم َمن فُ ْزَد له‪ ،‬أراد‪َ :‬من‬
‫ابيا يقو ُل‪ :‬لم ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫وهو‪" :‬‬ ‫زًايا‪،‬‬
‫كلّها"(‪.)1‬‬ ‫بعض حاجتِه وا ْن ْلم ينْلها ٌ‬
‫أحد‬ ‫َ‬ ‫حرْم َمن أصاب‬ ‫والمعنى‪ :‬لم ُي َ‬ ‫زًايا‪،‬‬

‫سرط – صرط‪:‬‬
‫جماعُ ِد ِ‬
‫طانا إذا‬‫وس َر ً‬
‫سرطًا َ‬
‫يء َ‬ ‫مادة "سرط" االبتالعُ‪ ،‬فنقو ُل‪َ :‬س ِرطَ الطّ َ‬
‫عام وال ّش َ‬ ‫اللة ّ‬
‫بعض القَرِأة‪:‬‬ ‫ِ ‪2‬‬
‫بالصاد( )‪ ،‬وقد ق أر ُ‬‫ّ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫السبي ُل الواضحةُ‪ ،‬وقد‬
‫الس ارطُ‪ّ :‬‬
‫البلعوم‪ ،‬و ِّ‬
‫ُ‬
‫ابتلعه‪ ،‬و ِ‬
‫الم ْسرطُ‪:‬‬
‫الص ِاد‪،‬‬
‫ين أو ّ‬ ‫بالس ِ‬
‫إن ّ‬ ‫السراط"‪ْ ،‬‬
‫أن داللةَ " ّ‬ ‫اهر ّ‬
‫‪4‬‬
‫بالصاد( )‪ ،‬والظّ ُ‬
‫ّ‬ ‫المستقيم"(‪)3‬‬
‫َ‬ ‫ط‬
‫الص ار َ‬
‫"اهدنا ّ‬
‫فارس في حديثِه عن المعنى‬ ‫ٍ‬ ‫األو ِل‪ ،‬وقد ألمح إلى هذا ُ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬
‫متطورةٌ في داللتها عن المعنى ّ‬ ‫ّ‬
‫صحيح يد ّل على‬ ‫اء أص ٌل‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫اء والطّ َ‬
‫الر َ‬
‫ين و ّ‬
‫الس َ‬
‫أن ّ‬ ‫فأشار إلى ّ‬
‫َ‬ ‫مادة "سرط"‪،‬‬ ‫عقد ّ‬‫ينتظم َ‬
‫ُ‬ ‫جامع الذي‬
‫ال ِ‬
‫ألنه إذا ُس ِرط غاب‪ ،‬وكذلك ِّ‬
‫الس ارطُ‪،‬‬ ‫عام‪ :‬إذا َبِلعته‪ّ ،‬‬
‫سرطت الطّ َ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وذهاب‪ ،‬و ِمن ذلك‪:‬‬ ‫مر‬ ‫ٍ‬
‫َغيبة في ّ‬
‫ي‪ ،‬فرأى‬ ‫ٍ‬ ‫‪5‬‬ ‫ألن ال ّذاهب فيه يغيب َغيبةَ الطّ ِ‬
‫جامع العكبر ّ‬
‫ٍ‬ ‫آخر‬
‫المسترط( )‪ ،‬وقد التفت إلى وجه َ‬‫َ‬ ‫عام‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫‪6‬‬ ‫يان ال ّش ِ‬
‫يء المبتلَ ِع( )‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫اس فيه كجر ِ‬ ‫يان ّ‬‫ّأنه ُس ّمي ِسراطاً لجر ِ‬

‫الصراط"‪ ،‬وهي‬
‫السراط و ّ‬‫ت إلى وجود هاتَين‪ّ " :‬‬ ‫ثم مماثلةً ال تخفى ّأد ْ‬ ‫أن ّ‬
‫تقدم ّ‬
‫مما ّ‬ ‫اهر ّ‬
‫والظّ ُ‬
‫اكتسبت‬ ‫ولكنها‬
‫ين‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مماثلةٌ في التّ ِ‬
‫ْ‬ ‫الس ُ‬
‫ي– ّ‬ ‫منظور والعكبر ُّ‬ ‫ابن‬
‫يقرُر ُ‬ ‫األصل – كما ّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫فخيم؛ إ ْذ ّ‬
‫صادا‪ ،‬وأصبح في ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المعجميين‬
‫ّ‬ ‫عبة‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫فغدت‬
‫ْ‬ ‫اء "سرط"‪،‬‬ ‫صفةَ التّفخيم اآلتي من مجاورتِها الطّ َ‬
‫الس ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ي على هذه المماثلة الواقعة بين الطّاء و ّ‬ ‫عرج العكبر ُّ‬
‫حمالتان لمعنى واحد‪ ،‬وقد ّ‬ ‫مادتان ّ‬‫ّ‬
‫بالس ِ‬
‫ين جاء به‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فمن قرأه ّ‬ ‫لتباين القراءات في هذا الحرف‪َ " ،‬‬ ‫تفسير‪ ،‬ومجلّياً‬ ‫أحسن‬
‫َ‬ ‫ِّر‬
‫مستشرفاً ومفس ًا‬
‫ك‬‫السين تشار ُ‬ ‫اء في اإلطبا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق‪ ،‬و ّ‬ ‫جانس الطّ َ‬
‫ين صاداً لتُ َ‬
‫الس َ‬
‫قلب ّ‬
‫بالصاد َ‬
‫ّ‬ ‫األصل‪ ،‬ومن قرأه‬ ‫على‬
‫مجوَزةً‬
‫فكانت مقاربتُها لها ّ‬
‫ْ‬ ‫قربت منها‪،‬‬‫اد في ذلك ُ‬‫الص َ‬
‫فلما شاركت ّ‬ ‫ِ‬
‫الهمس‪ّ ،‬‬ ‫الص ِ‬
‫فير و‬ ‫اد في ّ‬
‫الص َ‬
‫ّ‬
‫اء في اإلطباق"(‪.)7‬‬
‫لتجانس الطّ َ‬
‫َ‬ ‫قلبها إليها‬
‫َ‬

‫خسق – خزق‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر النص‪ :‬ابن السكيت‪ ،‬القلب‪ ،44،‬والقالي‪ ،‬األمالي‪ ،114/2 ،‬والسيوطي‪ ،‬المزهر‪.467/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "سرط"‪.‬‬
‫(‪ )3‬اآلية(الفاتحة‪.)6 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صرط"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "سرط"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬العكبري‪ ،‬إمالء ما من به الرحمن‪.7 ،‬‬
‫(‪ )7‬العكبري‪ ،‬إمالء ما من به الرحمن‪.7 ،‬‬

‫‪158‬‬
‫وخزق‬
‫عن‪َ ،‬‬ ‫تأم ٍل‪ ،‬وجماعُ معناهما‪ :‬الطّ ُ‬ ‫المادتين تداخ ٌل ال يخفى على ذي ّ‬‫ّ‬ ‫وبين هاتَين‬
‫مادةُ "خسق" فعنها قال‬‫أما ّ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫خازق‪ :‬مقرط ٌس نافذ( )‪ّ .‬‬
‫ٌ‬ ‫وسهم‬
‫ٌ‬ ‫ميةَ ونفَذ فيها‪،‬‬
‫الر ّ‬
‫هم‪ :‬إذا أصاب ّ‬ ‫الس ُ‬
‫ّ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬
‫شديدا( ) ‪ ،‬وقد التُف َ‬ ‫ِ‬
‫هام هو المقرط ُس‪ ،‬وخسق‪ :‬لم ينف ْذ نفا ًذا‬ ‫ِ‬
‫الخاسق من الس ِ‬ ‫إن‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫منظور ّ‬ ‫ابن‬
‫ُ‬
‫هم‬ ‫‪3‬‬
‫منظور‪" :‬وهو لغةٌ في الخاز ِ‬
‫ٍ‬ ‫إلى هذا التّ ِ‬
‫الس ُ‬
‫ق"( )‪ ،‬و" َخ َزق ّ‬ ‫ابن‬
‫المادتين‪ ،‬فقال ُ‬
‫داخل بين هاتَين ّ‬
‫‪4‬‬
‫اهر‪،‬‬‫وخاسق"( )‪ .‬والظّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫خازق‬
‫ٌ‬ ‫سهم‬
‫وخ َزق‪ ،‬و ٌ‬ ‫هم إذا قرطس فقد َخ َسق َ‬ ‫الس ُ‬
‫وخ َسق بمعنى واحد‪....‬و ّ‬ ‫َ‬
‫ماد ِة‬
‫ت تحت ّ‬ ‫المثَْب َ‬
‫أن المعنى ُ‬ ‫أصل واحد؛ ذلك ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫المادتَين ّإنما تعودان إلى‬
‫ّ‬ ‫أن هاتَين‬ ‫يب‪ّ ،‬‬ ‫بال ر ٍ‬
‫ٍ‬
‫منظور إشارةً‬ ‫المتقدِم إشارةُ ِ‬
‫ابن‬ ‫ّ‬ ‫وينضاف إلى هذا‬‫ُ‬ ‫ماد ِة "خسق"‪،‬‬‫تحت ّ‬‫ت َ‬ ‫المثَْب ُ‬
‫"خزق" هو المعنى ُ‬
‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫تضخِم‬
‫ّ‬ ‫بوت إلى أنهّما لغتان‪ ،‬وينبني على هذه اإلشا ِرة إشارةٌ إلى‬ ‫اللة والثّ ِ‬‫الد ِ‬ ‫قطعيةَ ّ‬‫ّ‬
‫أثر اللَّه ِ‬ ‫ونموه ّأوالً‪ ،‬والى اشتمالِه على مو ّاد‬
‫جات‬ ‫ثانيا‪ ،‬والى ِ َ‬ ‫أن تَُرَّد إلى أخرى ً‬ ‫جدا ْ‬ ‫يمكن ًّ‬
‫ُ‬ ‫بي ّ‬ ‫العر ّ‬
‫المماثلة الصوتي ِة في شيوِع هذه اللّ ِ‬
‫هجات‬ ‫ِ‬ ‫العر ّبي ِة التي كان لها ُس ْه َمةٌ في ذلك ثالثًا‪ ،‬والى ِ‬
‫دور‬
‫ّ ّ‬
‫ومعلوم‬ ‫طبقيةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫القاف ّ‬ ‫لثويةٌ‪ ،‬و ُ‬ ‫أسنانيةٌ ّ‬
‫ّ‬ ‫السين" في "خسق"‪ ،‬وهي‬ ‫لهوي‪ ،‬ويليه " ّ‬‫ّ‬ ‫الخاء‬ ‫ابعا‪ ،‬فمخرُج‬ ‫رً‬
‫قد‬
‫بقي ْ‬ ‫ِ‬ ‫طرف اللّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫السين" إلى الطّ ّ‬ ‫ثوي " ّ‬ ‫األسناني اللّ ّ‬
‫ّ‬ ‫هوي "الخاء" إلى‬ ‫الصوت اللّ ّ‬ ‫سان من ّ‬ ‫انتقال‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫ين في هذه‬ ‫الس ِ‬
‫اي مح ّل ّ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫بحلول ّ‬ ‫ق زائداً‪ ،‬ولع ّل هذا هو الذي أَِذ َن‬ ‫عضلياً في ا ّلنط ِ‬‫ّ‬ ‫يقتضي جهداً‬
‫الخاء َِ والقاف‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫خالص‪ِ ،‬من مخرِج‬ ‫لثوي‬ ‫وتي ِة "خسق"‪ ،‬فاقترب مخرُج ّ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫اي‪ ،‬وهو ّ‬ ‫الز ِ‬ ‫الص ّ‬‫البيئة ّ‬
‫ق‬‫اضع االتّفا ِ‬ ‫ِ‬ ‫انبنى على هذا أن و ِجد جذران لغويان ينضويان َ ِ‬
‫ولكن مو َ‬ ‫بي‪ّ ،‬‬ ‫تحت لواء المعجم العر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ُ‬
‫تفسير‬ ‫احد‪ ،‬ورّبما كان هناك‬ ‫أصل و ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫المادتين تشي بأنهّما يفيئان إلى‬ ‫أمره على هاتَين‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الغالب ُ‬
‫القاف‬
‫ُ‬ ‫مادة "خسق"‪ ،‬ولعلّها‬ ‫القاف في ّ‬ ‫ِ‬ ‫وجود‬
‫ُ‬ ‫احد‪ ،‬وهو‬‫المادتَين بمعنى و ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لوجود هاتَين‬‫ِ‬ ‫آخر‬
‫ُ‬
‫ين بهذا‬ ‫ِ‬
‫الس َ‬
‫نرسمها "‪ "g‬في اإلنجليزّية‪ ،‬وهي مجهورةٌ‪ ،‬وجه ُرها هذا هو الذي كسا ّ‬ ‫ُ‬ ‫اليمانيةُ التي‬
‫ّ‬
‫سابقه أمران‪:‬‬ ‫يسند هذا الرأي الذي أرجحه على ِ‬ ‫فغدت زًايا‪ ،‬ولع ّل ما ُ‬ ‫وتي‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الص ّ‬ ‫الوسم ّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫عد‬
‫جني‪ ،‬جنحا إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫امت العر ّبية‪ ،‬و ِمن بعده ُ‬
‫ابن‬ ‫وصفه صو َ‬ ‫سيبويه في‬ ‫أن‬
‫ّأولهما‪ّ :‬‬
‫ِ‬ ‫"القاف" العر ّبي ِة مجهورةً( )‪ ،‬وهي في يو ِمنا هذا ليس ْ‬
‫‪5‬‬
‫بعض‬ ‫ت كذلك البتّة إالّ فيما يتجلّى في‬
‫ِ‬
‫بعض البيئات "‪."g‬‬ ‫ق في‬ ‫طُ‬
‫خاصةً؛ إذ تُن َ‬
‫ّ‬ ‫البدوي ِة‬
‫عامةً‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬
‫عامياتنا ّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خزق"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خسق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خسق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "خزق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،434/4 ،‬وابن جني‪ ،‬سر الصناعة‪.277/1،‬‬

‫‪159‬‬
‫بعض اللّ ِ‬
‫هجات‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ين زاياً في‬ ‫ان إلى ظاهرِة ِ‬ ‫ِ‬
‫قلب ّ‬ ‫حي َ‬
‫جني وأبي ّ‬
‫وثانيهما‪ :‬إلماحةُ ابن ّ‬
‫تحركت‬
‫ان‪" ،‬فلو ّ‬
‫حي َ‬
‫متحركةً عند أبي ّ‬
‫ّ‬ ‫جني أم‬ ‫ِ‬
‫أكانت ساكنةً عند ابن ّ‬
‫ْ‬ ‫الكالمي ِة‪ ،‬سواء‬
‫ّ‬
‫و ِ‬
‫البيئات‬
‫قاف فلغةُ َكْل ٍب إبدالُها زًايا‪ :‬يقولون‪َ " :‬سقَر"‪َ " :‬زقَر"(‪،)1‬ويقولون‪َ ":‬س ْقر" و" َزْقر"(‪.)2‬‬
‫ين ووليها ٌ‬
‫الس ُ‬
‫ّ‬

‫ِ‬
‫المدلول)‪:‬‬‫(الدا ّل و‬
‫كل والمعنى ّ‬ ‫ش ِ‬‫تط‪ّ .‬ور على مستوى ال ّ‬
‫رجس – رجز‪:‬‬
‫ق‪،‬‬ ‫ق ِداللي وافت ار ٍ‬‫سيقف على اتّفا ٍ‬
‫ُ‬ ‫المتبص َر‬
‫ِّ‬ ‫فإن‬
‫المادتين ّ‬
‫ّ‬ ‫ظر في هاتين‬ ‫الن ُ‬
‫إذا ما أ ِ‬
‫ُنعم ّ‬
‫ّ‬
‫ت ك ّل و ٍ‬
‫احدة‬ ‫اختص ْ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬ ‫احد‪ّ ،‬‬
‫مادتان لهما أص ٌل و ٌ‬ ‫خاطره ّأنهما ّ‬
‫َ‬ ‫يسكن‬
‫ُ‬ ‫الهاجس الذي‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫واخا ُل ّ‬
‫ماد ِة‬
‫لننظر فيما ورد في ّ‬ ‫ْ‬ ‫داخل البتّةَ‪.‬‬
‫ولكن هذا ال ينفي التّ َ‬
‫ّ‬ ‫وذاعت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫نت بها‬ ‫ٍ‬
‫معان اقتر ْ‬ ‫بمعنى أو‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫أوجه االتّفا ِ‬ ‫تلم ُس‬ ‫"رجس" أوالً‪ ،‬وما ورد في ّ ِ‬
‫يتأس ُس عليه ّ‬ ‫ليكون هذا مدخالً ّ‬
‫َ‬ ‫ثانيا‪،‬‬
‫مادة "رجز" ً‬ ‫ّ‬
‫ق ثالثاً‪:‬‬‫واالفت ار ِ‬

‫ماد ِة "رجس"‪:‬‬
‫رحاب ّ‬‫ِ‬ ‫في‬
‫النجاسةُ‪،‬‬
‫الرجاسةُ‪ّ :‬‬ ‫نجس‪ ،‬و َّ‬ ‫مرجوس ِ‬
‫ورج ٌس‪ٌ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫يء القَِذ ُر‪ ،‬ورج ٌل‬
‫جس‪ :‬القَ َذر‪ ،‬وقيل‪ :‬ال ّش ُ‬
‫الر ُ‬
‫ِّ‬
‫العذاب‬ ‫جس‪:‬‬ ‫عنة‪ ،‬و ِ‬
‫العذاب‪ ،‬و ِ‬
‫الكفر(‪ ،)3‬و" ِّ‬ ‫بيح‪ ،‬واللّ ِ‬ ‫وقد ُيعبَّر به عن الحرِام‪ ،‬و ِ‬
‫ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫الفعل الق ِ‬
‫وعذابك"‬ ‫أنزل عليهم ِر ْج َسك‬ ‫ِ‬
‫الوتر‪" :‬و ْ‬ ‫ِ‬
‫دعاء‬ ‫جس في‬ ‫‪4‬‬
‫َ‬ ‫الر َ‬
‫أن ِّ‬ ‫ي إلى ّ‬ ‫كالرجز"( )‪ ،‬وقد جنح األزهر ّ‬
‫ِّ‬
‫شدةُ‬
‫الر َجس ّ‬‫األزد"(‪ ،)5‬و َّ‬
‫األس ُد و ْ‬
‫ْ‬ ‫سينا‪ ،‬كما قيل‬
‫الزاي ً‬
‫العذاب‪ ،‬وقد ُقلبت ّ‬
‫ُ‬ ‫الرجز‪ ،‬وهو‬
‫بمعنى ِّ‬
‫ساء‬ ‫وصوت الر ِ‬ ‫الص ِ‬
‫ضت‪ ،‬وناقة َر ْج ُ‬
‫وتمخ ْ‬
‫ّ‬ ‫عدت‬
‫ماء إذا أر ْ‬
‫الس ُ‬
‫ضه‪ ،‬ويقال‪ :‬ارتجست ّ‬
‫وتمخ ُ‬
‫ّ‬ ‫عد‬ ‫ُ ّ‬ ‫وت‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ور ْجس ال ّش ِ‬
‫يطان‪ :‬وسوستُه(‪.)6‬‬ ‫الحنين‪ :‬متتابعتُه‪ِ ،‬‬
‫ِ‬

‫ماد ِة "رجز"‪:‬‬ ‫ِ‬


‫رحاب ّ‬ ‫في‬
‫تعاد‪ ،‬ويقا ُل‬
‫الر َج ُز ار ٌ‬
‫القيام‪ ،‬و َّ‬
‫َ‬ ‫البعير أو فخذاه إذا أراد‬‫ِ‬ ‫تضطرب رج ُل‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫الر َج َز ْ‬
‫أن َّ‬
‫جاء ّ‬
‫المعروف‪ ،‬وقد ُس ّمي‬
‫ُ‬ ‫العروضي‬
‫ّ‬ ‫البحر‬
‫ُ‬ ‫الر َج ُز‪:‬‬
‫يح‪ ،‬و َّ‬‫الر ُ‬
‫اء‪ ،‬وقد رجزت ّ‬‫كانت دائمةً‪َ :‬ر ْجز ُ‬
‫ْ‬ ‫يح إذا‬
‫للر ِ‬
‫ّ‬
‫الرعد المتدارك‪ ،‬وارتجز‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كذلك الضط اربِه تشبيهاً َّ‬
‫بالر َج ِز الذي هو في ّ‬
‫صوت ّ‬‫ُ‬ ‫تجاز‪:‬‬
‫الناقة‪ ،‬واالر ُ‬

‫(‪ )1‬أبو حيان‪ ،‬االرتشاف‪.158/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن جني‪ ،‬سر الصناعة‪.196/1،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر كل هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجس"‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫جس‪:‬‬
‫الر ُ‬
‫العذاب‪ ،‬و ِّ‬
‫ُ‬ ‫جز‪:‬‬
‫الر ُ‬ ‫الر ْج ِ‬
‫س‪ ،‬و ِّ‬ ‫الر ْج ُز‪ :‬القَ َذر مث ُل ِّ‬
‫صوت متتابعٌ‪ ،‬و" ِّ‬
‫ٌ‬ ‫تجاز إذا كان له‬
‫عد ار ًا‬ ‫الر ُ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫األوثان"( )‪.‬‬ ‫عبادةُ‬

‫اللي ٍة‪ -‬هو التّتابعُ والحركةُ‪،‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬


‫مادة "رجز" أو "رجس" –من وجهة د ّ‬
‫أصل ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫أحسب ّ‬
‫ُ‬
‫اء أص ٌل يد ّل على‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫المذهب إشارةُ ِ‬
‫الز َ‬
‫الجيم و ّ‬
‫اء و َ‬ ‫الر َ‬
‫أن ّ‬ ‫فارس في مقاييسه إلى ّ‬ ‫ابن‬ ‫َ‬ ‫ق هذا‬‫ويصد ُ‬
‫ّ‬
‫منظور ٍَ حين‬
‫ٍ‬ ‫ابن‬ ‫‪2‬‬
‫ور َجز ال ّش ِ‬ ‫اب‪ ،‬و ِمن ذلك رجز ّ ِ‬ ‫اضطر ٍ‬
‫صرح بهذا ُ‬ ‫بل ّ‬ ‫عر( )‪ ،‬وقد ألمح ْ‬ ‫الناقة َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫وعند استر ِ‬ ‫ِ ‪3‬‬ ‫ِ‬
‫اللي‬
‫الد ّ‬ ‫األصل ّ‬ ‫فاد هذا‬ ‫الحركات( )‪َ ،‬‬ ‫الر َج ِز في اللّغة التّتابعُ؛ تتابعُ‬
‫أصل َّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫جنح إلى ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جز‪ ،‬وهو‬ ‫فالر ُ‬‫جامع‪ِّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫تحت معنى‬
‫َ‬ ‫لمادتين‬
‫ألفاظ ا ّ‬ ‫يجمع شتات‬
‫َ‬ ‫يض يغدو بِ ُم ْك َنة الباحث ْ‬
‫أن‬ ‫العر ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫‪4‬‬ ‫قلق ٌل ّ ِ‬‫ألنه م ِ‬
‫ساء ورجز ُ‬ ‫يح َر ْج ُ‬‫الر ُ‬
‫لشدته‪" ،‬فله قلقلةٌ شديدةٌ متتابعةٌ"( )‪ ،‬و ّ‬ ‫سمي بذلك ّ ُ‬ ‫العذاب‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫الن ِ‬
‫فس‬ ‫ور ْج ُزه‪ :‬وسوستُه وحركتُه في ّ‬ ‫يطان ِ‬
‫ور ْج ُس ال ّش ِ‬
‫اي‪ِ ،‬‬ ‫الز ِ‬
‫ين و ّ‬ ‫بالس ِ‬
‫ّ‬ ‫ماء كذلك‬
‫الس ُ‬
‫عد و ّ‬ ‫الر ُ‬
‫وّ‬
‫يض عنو ُانه الحركةُ‬
‫يجمعه معنى عر ٌ‬
‫ُ‬ ‫اي‪،‬‬
‫الز ِ‬ ‫بالس ِ‬
‫ين أو ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫ور َج ُز ال ّش ِ‬
‫عر‪ ،‬ك ّل هذا‪ْ ،‬‬ ‫والخو ِ‬
‫اطر‪َ ،‬‬
‫والتّتابعُ‪.‬‬

‫اء إلى ّأنهما‬ ‫الرجز‪ ،‬إشارةُ الفر ِ‬ ‫صنو ِّ‬ ‫الر ْج َس‬
‫إن ِّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫لنقل ّ‬
‫بل ْ‬ ‫المادتَين‪ْ ،‬‬‫تداخل ّ‬ ‫وما يد ّل على‬
‫اإلبدال(‪ ،)7‬وال ُينسى‬ ‫ِ‬ ‫الزجاجي ِمن ِ‬
‫باب‬ ‫ّ‬ ‫هما‬ ‫عد‬
‫ّ‬ ‫وقد‬ ‫‪،‬‬‫)‬ ‫ٍ ‪6‬‬
‫(‬ ‫احد‬
‫و‬ ‫بمعنى‬ ‫ه‬ ‫لغتان(‪ ،)5‬و ّأنهما في مذهبِ‬
‫ّ‬
‫الر ْجز هو‬ ‫أن " ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المقام إشارةُ ِ‬
‫مادة "رجس"‪ ،‬و ّ‬ ‫الر ْجز" في ّ‬ ‫الر ْجس هو ِّ‬ ‫أن " ِّ‬ ‫منظور إلى ّ‬ ‫ابن‬ ‫في هذا‬
‫رحلة العر ّبي ِة‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مخصوصة في‬ ‫ٍ‬
‫بمعان‬ ‫تمايزت مستقلّةً‬ ‫ْ‬ ‫مادةَ "رجز"‬ ‫ولكن ّ‬‫ّ‬ ‫ماد ِة "رجز"‪،‬‬‫الر ْجس" في ّ‬ ‫ِّ‬
‫داخل بينهما‬ ‫بأن التّ َ‬ ‫ِ‬
‫اقتضاء التّقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫المتقادمة‪ ،‬ك ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ير ّ‬ ‫المعروف‪ ،‬مع‬ ‫روضي‬
‫ّ‬ ‫الع‬
‫البحر َ‬ ‫عصورها‬ ‫في‬
‫فإن مماثلةً‬ ‫ين ‪-‬وهو ما أُغلُّبه‪-‬‬ ‫بالس ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫عصورها المتقادمةَ ّ‬ ‫المادةُ في‬
‫ّ‬ ‫كانت هذه‬‫ْ‬ ‫قائم‪ ،‬واذا‬ ‫ٌ‬
‫ين‬‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫رت في ّ‬ ‫الجيم المجهورةَ أثّ ْ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫فأفضت إلى تخلق شقيقتها؛ إ ْذ ّ‬ ‫ْ‬ ‫وقعت‬
‫ْ‬ ‫الجهر قد‬
‫ُ‬ ‫مضمارها‬
‫ُ‬
‫الجهر اآلتي عليها ِمن "الجيم"‪ ،‬وا ْن‬ ‫ِ‬ ‫ملمح‬
‫ُ‬ ‫بعد أن اعتراها‬ ‫بت زًايا صفيرّيةً َ‬ ‫فقلِ ْ‬ ‫ِ‬
‫المهموسة ُ‬ ‫الصفيرّي ِة‬‫ّ‬
‫الماد ِة األخرى‪،‬‬‫ق ّ‬ ‫الرجس" أفضى إلى تخلِّ ِ‬ ‫اي في " ّ‬ ‫الز ِ‬
‫جهر ّ‬ ‫ف ِمن ِ‬ ‫فإن التّخفّ َ‬‫األصل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ائيةَ‬
‫كانت ز ّ‬ ‫ْ‬
‫الجيم في‬‫ِ‬ ‫أثر‬ ‫ِ‬ ‫عند هذه الظّاه ِرة َِ الص ِ‬
‫وتية على وجه التّعيين‪ ،‬أعني َ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ان قد وقف َ‬ ‫حي َ‬
‫أن أبا ّ‬ ‫الحق ّ‬ ‫و ّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجز"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "رجز"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجز"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجز"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "رجس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬ابن السكيت‪ ،‬القلب‪.44 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬الزجاجي‪ ،‬اإلبدال‪.65 ،‬‬

‫‪161‬‬
‫ت"‬ ‫جيم أو ر ٍ‬
‫اء؛ نحو‪ُ " :‬ج ْز ُ‬ ‫لت زايا بعد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ين في سيا ِ‬
‫الس ِ‬
‫السين "رّبما أ ُْبد ْ ً‬
‫أن ّ‬‫فقد ذكر ّ‬
‫كلمة ما‪ْ ،‬‬ ‫ق‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫رست"( )‪.‬‬
‫جست" و" ُ‬
‫رزت" في " ُ‬
‫و" ُ‬

‫صعق – زعق‪:‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬فهو‬ ‫صعق‬‫يض هو "الصياح"‪ ،‬فيقا ُل‪ِ :‬‬ ‫مادتان تلتقيان على معنى عر ٍ‬ ‫وهاتان ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ ُ‬
‫وت‬
‫الص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ق إذا ُغشي عليه‪ ،‬وذهب عقلُه ِمن‬‫ص ِع ٌ‬
‫الصاعقة‪ّ :‬‬ ‫كالهدة ال ّشديدة‪ ،‬ومث ُل ّ‬ ‫يسمعه‬
‫ُ‬ ‫صوت‬ ‫َ‬
‫اللي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ّش ُ ِ‬
‫الد ّ‬‫طوَر ّ‬ ‫منظور التّ ّ‬ ‫ابن‬
‫الصاعقةُ‪ :‬صيحةُ العذاب( )‪ ،‬وقد استشرف ُ‬ ‫الرعدة‪ ،‬وقيل ّ‬
‫ديد من ّ‬
‫يسمعه‬ ‫ٍ‬
‫شديد‬ ‫ٍ‬
‫صوت ٍَ‬ ‫اإلنسان ِمن‬
‫ِ‬ ‫َّعق" أن ُيغ َشى على‬ ‫في قولِنا "صعق" إذا َ‬
‫ُ‬ ‫إن "الص ْ‬‫مات؛ إ ْذ ّ‬
‫ص َعق‬ ‫استعماالت هذه ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المادة‪َ :‬‬ ‫أيضا في‬
‫ويقال ً‬ ‫كثيرا"( )‪ُ ،‬‬
‫ثم استعمل في الموت ً‬ ‫ورّبما مات منه‪ّ " ،‬‬
‫شديدا(‪.)4‬‬
‫ار ً‬ ‫صعاقًا‪ :‬خار ُخو ًا‬
‫ور ُ‬
‫الثّ ُ‬

‫ٍ‬
‫بمتجافية عن‬ ‫ماد ِة "صعق"‬
‫بيانها‪ ،‬واآلتيةُ ِمن ّ‬ ‫ِّ‬
‫المتقد ُم ُ‬ ‫االستعماالت‬
‫ُ‬ ‫وليست تلكم‬
‫ْ‬
‫ويصيح بدو ّابه‬
‫ُ‬ ‫يسوق‬
‫ُ‬ ‫اعق‪ :‬الذي‬
‫الز ُ‬
‫ياح‪ ،‬و ّ‬
‫الص ُ‬ ‫ماد ِة "زعق"‪َّ ،‬‬
‫فالزْعق " ّ‬ ‫اآلتية ِمن ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستعماالت‬
‫وزْعقةُ المؤّذ ِن‪:‬‬ ‫ويصيح في ِ‬
‫آثارها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫يطردها مسرعاً‬
‫ُ‬ ‫عق بدو ّابه‪ :‬أي‬
‫مر يز ُ‬
‫شديدا‪ ،‬ويقا ُل‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫صياحاً‬
‫شيء(‪ ،)5‬وليس أد ّل على هذا التّ ِ‬
‫داخل بين‬ ‫ٍ‬ ‫النشيطُ الذي يفزعُ ِمن ِّ‬
‫كل‬ ‫عوق‪ّ :‬‬
‫ق والمز ُ‬ ‫الزِع ُ‬
‫صوتُه‪ ،‬و ّ‬
‫ماد ِة‬
‫فارس‪ ،‬فقد قال في ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عند ِ‬
‫ابن‬ ‫ماد ٍة َ‬
‫ينتظم ك ّل ّ‬
‫ُ‬ ‫المادتين ِمن المعنى القُ ْ‬
‫ط ِب الذي‬ ‫معاني هاتَين ّ‬
‫ماد ِة‬ ‫ٍ ‪6‬‬
‫ملوحة"( )‪ ،‬وفي ّ‬ ‫صياح أو م ار ٍرة أو‬
‫ٍ‬ ‫شد ٍة في‬
‫القاف أص ٌل يد ّل على ّ‬
‫العين و ُ‬
‫اء و ُ‬ ‫الر ُ‬
‫"زعق"‪ّ " :‬‬
‫صوت"(‪ ،)7‬وليس يخفى‬ ‫ٍ‬ ‫وشد ِة‬
‫صْلقَ ٍة ّ‬
‫احد يد ّل على َ‬ ‫القاف أص ٌل و ٌ‬
‫العين و ُ‬
‫اد و ُ‬ ‫الص ُ‬
‫"صعق" قال‪ّ " :‬‬
‫اق‬
‫ثم افتر ٌ‬
‫ولكن‪ّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫يب‪،‬‬
‫احد ال ر َ‬
‫إنما هما و ٌ‬‫المادتين ّ‬
‫يضين اللّذين ينتظمان هاتَين ّ‬ ‫أن المعنيين العر َ‬ ‫ّ‬
‫كثير‬
‫وطعام ُزعاق‪ُ :‬‬‫ٌ‬ ‫طاق شرُبه ِمن أُجوجتِه‪،‬‬
‫مر غليظٌ ال ُي ُ‬ ‫عاق‪ٌّ :‬‬
‫ماء ُز ٌ‬
‫اللي؛ إ ْذ ّإنه يقا ُل‪ٌ :‬‬
‫د ّ‬
‫ِ‬
‫تردِد‬
‫باعث ّ‬
‫َ‬ ‫أظهر‪ ،‬ولع ّل‬
‫األخير أعلى و ُ‬‫ُ‬ ‫فاق البتّة‪ ،‬بل‬
‫اق ال ينفي االتّ َ‬
‫ولكن هذا االفتر َ‬
‫ّ‬ ‫الملح"(‪،)8‬‬
‫ِ‬
‫مجهور‪ ،‬ولع ّل‬ ‫العين‬ ‫إن‬ ‫اي و ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫العين؛ إ ْذ ّ‬
‫ُ‬ ‫لثوي‪ ،‬هو‬
‫ي ّ‬ ‫خو صفير ّ‬ ‫الصاد‪ ،‬وكالهما ر ٌ‬
‫ّ‬ ‫الز ِ‬
‫المادتين بين ّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬أبو حيان‪ ،‬االرتشاف‪.158/1 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر هذه المعاني‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة"صعق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صعق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صعق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "زعق"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن فارس‪ ،‬المقاييس‪ ،‬مادة "زعق"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "صعق"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "زعق"‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫ِ‬ ‫اد زايا وفاء بقو ِ‬
‫المماثلة‪،‬‬ ‫اعد‬ ‫ً‬ ‫ثم ُقلبِت ّ‬
‫الص ُ ً‬ ‫يكون األص ُل "صعق"‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫جزم‪ْ -‬‬ ‫يرج ُح –وال أقو ُل ي ُ‬ ‫هذا ّ‬
‫الزاي‪،‬‬ ‫الرخاوِة‪ ،‬فكان ّ‬ ‫يب منه في المخرِج و ّ‬ ‫مهموس‪ ،‬فح ّل محلّه ما هو قر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اد‬
‫الص ُ‬
‫مجهور‪ ،‬و ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فالعين‬
‫ُ‬
‫المتقدِم‪ ،‬فنحن نقو ُل في "صعتر" –‬ ‫ِّ‬ ‫ثل هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نجد أمثلةً من م ِ‬ ‫ِ‬
‫عاميتنا ُ‬ ‫ِ‬
‫كالعين‪ ،‬وفي‬ ‫مجهور‬ ‫ألنه‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫بالس ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بي ّ‬ ‫وردت في المعجم العر ّ‬ ‫ْ‬ ‫اي‪ ،‬وقد‬
‫الز ِ‬
‫بالكلمة نحو ّ‬ ‫المعروف‪" -‬زعتر" ذاهبين‬ ‫ُ‬ ‫بات‬
‫الن ُ‬
‫وهو ّ‬
‫عاميتِنا‪،‬‬
‫اي في ّ‬ ‫بالز ِ‬
‫نطقها ّ‬ ‫العين هو الذي أفضى إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫جهر‬
‫ولكن َ‬
‫‪1‬‬
‫الصاد‪" :‬سعتر"‪ ،‬و"صعتر"( )‪ّ ،‬‬
‫و ِ‬
‫ّ‬
‫مما استحكم وشاع‪،‬‬ ‫اليوم‪ ،‬فغدا ّ‬
‫انعقد عليه اإلجماعُ َ‬ ‫َ‬ ‫مما‬
‫العامي ّ‬
‫ّ‬ ‫اي في إِْلفنا‬ ‫بالز ِ‬
‫إن نطقَها ّ‬ ‫بل ّ‬
‫أن‬ ‫أبناء العربي ِة ال ّشادين أن يكتبها فجنح في ِ‬ ‫سألت طالباً من ِ‬
‫الزاي" واهماً ّ‬‫رسمها إلى " ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وكنت قد‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وجهة ٍَ‬ ‫آويةً هيئةَ التّلفّ ِظ بها‪ ،‬وليس ذلك كذلك‪ ،‬وليس – ِمن‬ ‫هيئةَ ِ‬
‫تطابق مطابقةً مر ّ‬ ‫ُ‬ ‫رسمها‬
‫ماد ِة "صعق" و"زعق"‪.‬‬ ‫عما وقع في ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عاميتنا ببعيد ّ‬
‫ِ‬
‫أخرى‪ -‬هذا المثا ُل المستقَى من ّ‬

‫وتي ِة‪ ،‬و ِمن ذلك ما أنا‬


‫الص ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض هذا‪ ،‬فوقف على ُمثُ ٍل من المماثلة ّ‬ ‫ِ‬ ‫ثعلب إلى‬
‫ٌ‬ ‫تنبه‬
‫وقد ّ‬
‫طاء أو‬
‫بعدها ٌ‬‫اد ساكنةً‪ ،‬وكان َ‬ ‫الص ُ‬
‫جاءت ّ‬
‫ْ‬ ‫وجه ِمن التّح ّكِم‪ّ ،‬أنه "إذا‬
‫خائض فيه‪ ،‬فقد قرر‪ ،‬على ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫اي"(‪ ،)2‬وقد‬ ‫الص ِاد و ّ‬
‫الز ِ‬ ‫بين ّ‬ ‫سينا أو زًايا ُممالةً َ‬
‫صادا أو ً‬ ‫ً‬ ‫علت‬
‫دة ُج ْ‬ ‫قة الم ْفر ِ‬
‫َُ‬
‫بعة المطب ِ‬
‫ُ َ‬
‫حرف ِمن الس ِ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫مما‬
‫يب ّ‬ ‫اي"‪ ،‬وهو قر ٌ‬ ‫بالص ِاد و ّ‬
‫الز ِ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الكلمات‬ ‫للقول عنو ُانه‪" :‬ما جاء ِمن‬ ‫ِ‬ ‫القالي في أماليه مطلباً‬
‫ّ‬ ‫عقد‬
‫تقدم(‪.)3‬‬
‫ّ‬

‫نسغ – نزغ ‪:‬‬


‫فيحمل‬
‫َ‬ ‫غ بين ٍ‬
‫قوم‬ ‫الن ْزِغ‪ :‬أن ِ‬
‫تنز َ‬ ‫اق‪ ،‬وجماعُ معنى ّ‬ ‫داللي وافتر ٌ‬ ‫فاق‬
‫المادتين اتّ ٌ‬
‫وبين هاتَين ّ‬
‫ّ‬
‫الن ِ‬
‫اس‪،‬‬ ‫بين ّ‬
‫‪4‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الكالم الذي يغري َ‬
‫ُ‬ ‫الن ْزغُ‬
‫ونزغ‪ :‬أفسد وأغرى( )‪ ،‬و ّ‬
‫بفساد بينهم‪َ ،‬‬ ‫بعض‬ ‫بعضهم على‬‫ُ‬
‫ماد ِة "نسغ"‬
‫أما في ّ‬
‫‪5‬‬
‫وطعن فيه مثل " َن َس َغه"( )‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بكلمة‪ :‬نخسه‬ ‫ون َزَغه‬ ‫ِ‬
‫الوخز والطّعن‪َ " ،‬‬ ‫الن ْزغُ‪ :‬شبهُ‬
‫وّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منظور أن " َنس َغه ٍ‬
‫بكلمة‪:‬‬ ‫ونس َغه‬
‫رمح أو سوط َن ْس ًغا‪ :‬طعنه‪ ،‬وكذلك أنسغه َ‬ ‫بيد أو ٍ‬ ‫ٍ ّ َ‬ ‫ابن‬
‫فقد ّبين ُ‬
‫النسغُ تغر ُيز اإلب ِرة(‪.)7‬‬
‫غرزت بها‪ ،‬و ّ‬
‫ْ‬ ‫ون َس َغت الواشمةُ باألب ِرة‪:‬‬ ‫‪6‬‬
‫مثل َن َزَغه"( )‪َ ،‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "زعتر" ومادة "صعتر"‪.‬‬


‫(‪ )2‬السيوطي‪ ،‬المزهر‪.474/1 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬القالي‪ ،‬األمالي‪.113/2 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة" نزغ"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نزغ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نسغ"‪.‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نزغ"‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫مشترٍك‪ ،‬وأنهّما تفترقان‪،‬‬
‫َ‬ ‫نوي‬
‫قدر مع ّ‬ ‫المادتين تلتقيان على ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أن هاتين‬‫ّ‬ ‫تقدم‬
‫مما ّ‬ ‫يظهر ّ‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫العام ِة‬ ‫فالن ْزغُ في داللتِه‬
‫أحسب‬
‫مح‪ ،‬و ُ‬ ‫الر ِ‬ ‫النسغُ تغر ُيز اإلب ِرة والطّ ُ‬
‫عن باليد أو ّ‬ ‫عن‪ ،‬و ّ‬
‫اإلفساد والطّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كانت‬
‫ْ‬ ‫فإن‬
‫وجود أخرى‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ت إلى‬
‫خاصةً ّأد ْ‬
‫ّ‬ ‫صوتيةً‬
‫ّ‬ ‫ارض‬
‫أن عو َ‬ ‫واحداً‪ ،‬و ّ‬ ‫أن لهما أصالً‬ ‫بعد هذا ّ‬
‫أن ينا َل‬ ‫ِ‬
‫اقتضت ْ‬
‫ْ‬ ‫السين"‬
‫وردت فيها " ّ‬
‫ْ‬ ‫وتيةَ التي‬
‫الص ّ‬
‫عد المماثلة‪ ،‬والبيئةَ ّ‬ ‫فإن قوا َ‬
‫األصل ّ‬
‫َ‬ ‫ين هي‬
‫الس ُ‬ ‫ّ‬
‫ين‬
‫الس ُ‬
‫فاستحالت ّ‬
‫ْ‬ ‫الجهر اآلتي ِمن مجاورتِها "الغين"‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬
‫ُ‬ ‫ين –وهي مهموسةٌ صفيرّيةٌ–‬‫الس َ‬ ‫ّ‬
‫المادةَ الحادثةَ المتخلِّقةَ ِمنها‪ ،‬ويد ّل على هذا المعنى‬
‫األم مكتنِفًا ّ‬ ‫"زايا" مجهورةً‪ ،‬وبقي معنى ّ ِ‬
‫المادة ّ‬ ‫ً‬
‫تغرز‬
‫ُ‬ ‫كنسغ الو ِ‬
‫اشمة التي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المفسد‬ ‫مادتي "نزغ" و"نسغ"‪َ ،‬فن ْزغُ ال ّش ِ‬
‫يطان أو‬ ‫يكتنف ّ‬
‫ُ‬ ‫الكلّ ُّي الذي‬
‫فس‪،‬‬‫الن ِ‬
‫اس يقعُ في ّ‬ ‫ٌ ِ‬
‫ضرب من ال ّش ّر أو وسو ٌ‬ ‫المجردةَ التي هي‬
‫َّ‬ ‫يغرز إبرتَه‬
‫األو َل ُ‬
‫إن ّ‬ ‫إبرتَها؛ إ ْذ ّ‬
‫إن‬
‫ثم ّ‬‫مادّياً ََ‪ّ ،‬‬
‫معنوياً وا ْن ّ‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫عن" ْ‬ ‫الماد ِ‬
‫تان هو "الطّ ُ‬ ‫ولع ّل المعنى الكلّ ّي الذي تلتقي عليه هاتان ّ‬
‫ماد ِة "نزغ" قال‪:‬‬‫المادتين‪ ،‬ففي ّ‬
‫تداخل معاني هاتَين ّ‬ ‫ِ‬ ‫منظور جنح جنو َح المدلّ ِل الممثّ ِل على‬
‫ٍ‬ ‫ابن‬
‫َ‬
‫أن "نزغه مث ُل‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬ ‫ٍ‬
‫مقر اًر ّ‬
‫مرتين ّ‬ ‫ي في أساسه ّ‬ ‫الزمخشر ّ‬
‫بكلمة‪ :‬مثل َن َزَغه"( )‪ ،‬وقد جمعهما ّ‬ ‫ون َس َغه‬
‫"َ‬
‫نسغه"(‪.)2‬‬

‫جذا – جثا‪:‬‬
‫أن‬ ‫ظاهر‪ ،‬فقد جاء في اللّ ِ‬ ‫ِ‬
‫سان ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مستحك ٌم‬ ‫فاق‬
‫ولكن االتّ َ‬
‫اق‪ّ ،‬‬ ‫فاق وافتر ٌ‬ ‫معنييهما اتّ ٌ‬
‫مادتان بين َ‬‫وهاتان ّ‬
‫جاثيت ركبتي إلى ركبتِه‪ ،‬وتجاثَوا على الر ِ‬
‫كب‪،‬‬ ‫الركبتين‪ ،‬ويقال‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫الجلوس على ّ‬
‫ُ‬ ‫معنى "جثا"‬
‫أن "جثا‬ ‫‪4‬‬
‫الجاثي كالجاذي( )‪ ،‬و ّ‬ ‫أن‬ ‫فقد جاء في اللّ ِ‬
‫سان ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫أما عن وجوِه االتّفا ِ‬ ‫‪3‬‬
‫القاعد( )‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫والجاثي‪:‬‬
‫َ‬
‫الجذوِة و ِ‬
‫الجذوِة و ُ‬
‫الجذوة‪ ،‬وزعم‬ ‫الجثوة وال ِجثوة و ُ‬
‫الجثوة لغةٌ في َ‬ ‫وج ُذ ّواً‪ ،...،‬و َ‬
‫وجثُّواً كجذا ج ْذوا ُ‬
‫َجثْ ًوا ُ‬
‫المادتان على معنى و ٍ‬
‫احد‪،‬‬ ‫وعند الفر ِ‬
‫اء تستوي هاتان‬ ‫أن الثّاء هنا بد ٌل ِمن ال ّذال"(‪،)5‬‬
‫ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫يعقوب ّ‬
‫ُ‬
‫‪6‬‬
‫جن ّي‪" :‬جذا وجثا لغتان"( )‪.‬‬ ‫عمرو و ِ‬
‫ابن ّ‬ ‫وعند أبي ٍ‬

‫علماء العر ّبي ِة إلى فر ٍ‬


‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫المادتين يتجلّى عند إشا ِرة‬
‫ّ‬ ‫ولكن وجهَ االفت ار ِ‬
‫ق بين هاتين‬ ‫ّ‬
‫صب‬
‫المقعي منت َ‬ ‫ي‪ :‬الجاذي‪ُ :‬‬ ‫كل ِمنهما‪ّ ،‬‬
‫فالداللةُ عند الجوهر ّ‬
‫ِ‬
‫داللة ٍّ‬ ‫اللي يترّبعُ على دائ ِرة‬
‫د ّ‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "نسغ"‪.‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬األساس‪ ،‬مادة "نزغ"‪ ،‬ومادة "نسغ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جثو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جثا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة جذا"‪ ،‬ابن جني‪ ،‬سر الصناعة‪.190/1 ،‬‬

‫‪164‬‬
‫الجثو على‬ ‫ثعلب‪ :‬الجذو على أطر ِ‬ ‫ِ‬
‫أصابعه(‪ ،)1‬وعند ٍ‬ ‫القدمين‪ ،‬وهو على أطر ِ‬
‫األصابع‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬ ‫اف‬ ‫ّ‬ ‫اف‬ ‫َ‬
‫ِ ‪2‬‬
‫قدميه‪ ،‬والجاثي على ركبتَيه‪.‬‬
‫ابي‪ :‬الجاذي على َ‬ ‫ِ‬
‫الركب( )‪ ،‬وعند ابن األعر ّ‬
‫ّ‬

‫القدماء إلى ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلماحات‬ ‫تقدم ِمن‬
‫ظر ما ّ‬ ‫مادةً ِ‬
‫الن َ‬
‫ويسند هذا ّ‬
‫ُ‬ ‫أصيلةً‪،‬‬ ‫ثم ّ‬ ‫أن ّ‬
‫أحسب ّ‬
‫ُ‬
‫ولكن سيرورةَ هذه‬ ‫ّ‬ ‫ق‪ ،‬أو إلى كونِهما لغتَين تفترقان في المبنى‪ ،‬وتلتقيان في المعنى‪،‬‬ ‫االتّفا ِ‬
‫ِ‬
‫انشعاب‬ ‫ليفضي إلى‬ ‫تضافر‬ ‫مان‪ ،‬وتقادم العربي ِة‪ ،‬وتباين اللّ ِ‬
‫هجات‪ ،‬ك ّل هذا‬ ‫الز ِ‬
‫عبر ّ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الكلمةَ َ‬
‫يكون‬ ‫كأن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ك ّل و ٍ‬
‫َ‬ ‫اللي واحد‪ْ ،‬‬ ‫عند بعض علماء العر ّبية– بفرق د ّ‬ ‫احدة ‪َ -‬‬ ‫فاختص ْ‬
‫ّ‬ ‫تالبسها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أخرى‬
‫يضا جامعاً‪،‬‬ ‫كب‪ ،‬والج ّذو على أطر ِ‬ ‫الجثو على الر ِ‬
‫داللياً عر ً‬
‫ّ‬ ‫ثم ملمحاً‬
‫أن ّ‬ ‫ويظهر ّ‬
‫ُ‬ ‫األصابع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مذهب أبي‬ ‫هجي يداً في ذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أن للباعث اللّ ّ‬ ‫حاضر؛ ذلك ّ‬
‫ٌ‬ ‫تفسير هذا فالقول فيه‬
‫ُ‬ ‫واذا ما أريد‬
‫ابن قتيبةَ(‪،)5‬‬
‫يد في ذلك كذلك‪ ،‬وقد ذهب ُ‬ ‫وتي ٌ‬ ‫الص‬
‫ّ‬ ‫جني(‪ ،)4‬وللتّ ِ‬
‫قارب‬ ‫ّ‬ ‫عمرو(‪ ،)3‬و ِ‬
‫ابن‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احد‪ ،‬فإذا كان األص ُل في تَْينِك‬ ‫الزجاجي(‪)6‬وأبو حيان(‪ )7‬إلى أن "جثوت" و"جذوت" بمعنى و ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ‬ ‫وّ‬
‫ال منقلبةٌ عن‬ ‫أن ال ّذ َ‬
‫مفاده ّ‬
‫فس ُ‬ ‫الن ِ‬
‫يقوم في ّ‬
‫لظن ُ‬ ‫فإن ذلك ير ّش ُح ّ‬ ‫المادتين هو "جثو" و"الجثوة" ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الجيم‬ ‫الجهر ِمن‬
‫ِ‬ ‫فدت صفةَ‬
‫اء المهموسةَ استر ْ‬ ‫إن الثّ َ‬
‫المماثلة الص ِ‬
‫وتية؛ إ ْذ ّ‬
‫ّ ّ‬
‫ِ‬ ‫وفاء بقواعِد‬ ‫ِ‬
‫"الثّاء" ً‬
‫ِ‬
‫الجهر‬ ‫صوتي ٍة– إالّ في‬‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وجهة‬ ‫ال – ِمن‬
‫اء وال ّذ ِ‬‫فاستحالت ذاالً؛ إ ْذ ال بون بين الثّ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫المجهو ِرة‪،‬‬
‫ق‪.‬‬
‫خو‪ ،‬ومرقّ ٌ‬
‫بيأسناني‪ ،‬ور ٌ‬ ‫ال –‬
‫اء وال ّذ َ‬ ‫ِ‬
‫الهمس‪ ،‬فكالهما– أعني الثّ َ‬
‫و‬
‫ّ‬

‫متعددةً‪،‬‬ ‫تقدم أن العربيةَ بناء ائتالفي ينتظم لَه ٍ‬


‫جات‬ ‫ِ‬ ‫الم ْستخلَ ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫عرض ما ّ ّ‬ ‫ص من‬ ‫صفوةُ ُ‬ ‫و َ‬
‫ِ‬
‫مستويات‬ ‫مشترٍك في‬ ‫أساسي‬ ‫أقيمت عليها العر ّبيةُ تلتقي على ٍ‬
‫قدر‬ ‫ْ‬ ‫هجات التي‬
‫كانت تلكم اللّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫فقد‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫يض لم يكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاق العر َ‬
‫ولكن هذا االتّ َ‬
‫المعجمي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ركيبي‪ ،‬و‬
‫في‪ ،‬والتّ ّ‬ ‫الصر ّ‬‫وتي‪ ،‬و ّ‬‫الص ّ‬
‫العر ّبية المتباينة‪ّ :‬‬
‫ِ‬
‫كلمات‬ ‫ق بعض‬ ‫لتباين في نط ِ‬
‫ٍ‬ ‫ق ما نحن فيه ِمن ُمثُ ٍل مجلّية‬ ‫اق‪ ،‬ومن وجوِه هذا االفت ار ِ‬ ‫فع االفتر َ‬
‫لير َ‬
‫أن هذين‬ ‫ِ‬ ‫ات الص ِ‬ ‫كثير ِمن هذا يتّسع للتّفسير ِ‬ ‫العر ّبي ِة‪ ،‬ولع ّل ًا‬
‫الحق ّ‬ ‫خاصةً‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫المماثلة‬ ‫عامةً‪ ،‬و‬
‫وتية ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ُ‬
‫يدور عليهما هذه المباحثةُ‪ ،‬ولعلّه – ِمن‬ ‫الرحى اللّذان ُ‬ ‫وتي‪ ،‬هما قطبا ّ‬ ‫الص ّ‬
‫جي و ّ‬ ‫الملحظين‪ :‬اللّ ْه ّ‬
‫َ‬
‫بيانا مجلّّياً ل َذ ْينِ َ‬
‫ك‬ ‫يصلح ً‬
‫ُ‬ ‫بي‬ ‫ِ‬
‫نصا من المعجم العر ّ‬ ‫أقتبس ًّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يحسن ْ‬
‫ُ‬ ‫تطبيقية أخرى‪-‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وجهة‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جذا"‪.‬‬


‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جذا"‪ ،‬وقد ذكر المعنيين ابن السكيت‪ ،‬القلب‪.40،‬‬
‫(‪ )3‬ابن منظور‪ ،‬اللسان‪ ،‬مادة "جذا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬ابن جني‪ ،‬سر الصناعة‪.190/1 ،‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.316 ،‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ :‬الزجاجي‪ ،‬اإلبدال‪.47 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬أبو حيان‪ ،‬االرتشاف‪.159/1 ،‬‬

‫‪165‬‬
‫النص الذي لما ِ‬
‫يأت بياُنه عند‬ ‫ِ‬ ‫أثرهما الظّ ِ‬
‫الملحظَين و ِ‬
‫ّ‬ ‫ورد هذا ّ ّ‬ ‫بي‪ ،‬وقد‬
‫نمو المعجم العر ّ‬
‫اهر في ّ‬
‫القالي في مطلبِه‪" :‬ما‬ ‫ِ ‪1‬‬
‫عن اإلبدال( )‪ ،‬و ّ‬ ‫يت في حديثِه‬‫كابن الس ّك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫غير واحد من علماء العر ّبية‪ّ ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫القاف(‪ ،)3‬و ِ‬
‫ابن‬ ‫ِ‬
‫صوت‬ ‫في حديثِه عن‬ ‫جني‬‫ابن ّ‬ ‫ِ‬
‫األلفاظ"(‪ ،)2‬و ِ‬ ‫الكاف من‬
‫القاف و ُ‬
‫ُ‬ ‫تتعاقب فيه‬
‫ُ‬
‫القاف‬ ‫بالقاف‪ ،‬وقيس تقو ُل‪َ :‬ك َشطت‪ ،‬وليست‬ ‫ِ‬ ‫أس ٌد يقولون‪ :‬قَ َشطت‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫تميم و َ‬
‫مادة "قشط"‪ٌ " :‬‬ ‫منظور في ّ‬
‫ٍ‬
‫مسعود‪" :‬واذا‬ ‫بن‬ ‫اءة ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬ ‫الكاف؛ ألنهما لغتان ألقو ٍام مختلفين‪ ،‬وقال في قر ِ‬ ‫ِ‬ ‫في هذا بدالً ِمن‬
‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ماء قُ ِشطت"‪ ،‬بالقاف‪ ،‬والمعنى و ٌ‬
‫صلة بما‬ ‫آخر ذا‬‫يستشرف ُب ْعداً َ‬
‫َ‬ ‫أن‬‫احد"‪ ،‬وبِ ُمكنة الباحث ْ‬ ‫الس ُ‬‫ّ‬
‫ق ٍ‬
‫كلمة ما‬ ‫أجمعت على نط ِ‬ ‫كانت قد‬ ‫ِ‬
‫القبائل‬ ‫بعض‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ومستصفاه ّ‬ ‫تفسير هذه الظّاهرة‪ُ ،‬‬ ‫ُذكر في‬
‫الص ِاد أو‬ ‫ِ‬
‫نطقت بها بالطّاء أو ّ‬ ‫ْ‬ ‫أن قبائ َل أخرى‬ ‫ِ‬
‫ين أو الكاف‪ ،‬و ّ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫أو كلمات بالتّاء مثالً أو ّ‬
‫ٍ‬
‫عت بعض المو ّاد وال ِ‬
‫كلمات‬ ‫سم ْ‬ ‫جم ِعت العر ّبيةُ من أفو ِاه العرب ُ‬
‫الخلَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫حاح ُ‬‫ص األ ْق ِ‬ ‫لما ُ‬ ‫ثم ّ‬
‫القاف‪ّ ،‬‬
‫بأن ك ّل ما ورد عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فبثَّ ْ‬
‫بي على الهيئات المسموعة إق ار اًر ّ‬ ‫ت في المعجم العر ّ‬ ‫على هيئتَين أو أ َْزَيد‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫عصور‬ ‫بعد‬ ‫ٍ‬
‫أمثلة َ‬ ‫حديث عن‬ ‫وقد ورد في ال ِ‬
‫كتاب قَ ْبالً‬ ‫صحيح‪ْ ،‬‬ ‫تج بعر ّبيتهم‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫العرب الذين ُي ْح ّ‬
‫تقدم ِمن‬‫البحث‪ ،‬و ِمن ذلك ما ّ‬ ‫ُ‬ ‫يقوم عليه هذا‬ ‫مما ُ‬ ‫تفسر جزءاً ّ‬
‫ِ‬
‫االحتجاج‪ ،‬وهي في حقيقتها قد ّ‬ ‫ِ‬
‫مما ُذكر‪.‬‬ ‫الس ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫حديث عن نط ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين صاداً‪ ،‬وغير ذلك ّ‬ ‫ال ضاداً‪ ،‬و ّ‬ ‫تاء‪ ،‬والظّاء ذاالً‪ ،‬و ّ‬
‫ق الطّاء ً‬

‫ِ‬
‫رحلة‬ ‫فمنها ما بقي في‬ ‫المباحثة ِ‬
‫ِ‬ ‫عولجت في هذه‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الجذور والمو ّاد التي‬ ‫أما عن ِد ِ‬
‫اللة‬ ‫ّ‬
‫الصراط"‪،‬‬
‫السراط"‪ّ "-‬‬ ‫معنوي كلّ ّي؛ وذلك نحو "صغصغ"‪"-‬سغسغ"‪ ،‬و" ّ‬ ‫ّ‬ ‫العر ّبي ِة على حالِه ِمن تطاب ٍ‬
‫ق‬
‫الجامع؛ وذلك نحو "جثا"‬
‫ِ‬ ‫ردها إلى المعنى الكلّ ّي‬
‫يمكن ّ‬ ‫ٍ‬
‫مخصوصة‬ ‫ٍ‬
‫بمعان‬ ‫و ِمنها ما تمايز مستقالًّ‬
‫ُ‬
‫زت عن األخرى في سيرو ِرة العر ّبي ِة عبر ّ‬
‫الز ِ‬
‫مان‬ ‫فتمي ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫سعت دائرةُ داللته ّ‬ ‫و"جذا"‪ ،‬و ِمنها ما اتّ ْ‬
‫اثنين‪:‬‬
‫مستويين َ‬ ‫لغوي وقع على‬ ‫تطوٌر‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتقادم‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫المتمايز‪ ،‬وهذا كله ّ‬ ‫اإلنسان‬ ‫المتطاول‪ ،‬و‬ ‫المكان‬
‫الباب والموضوعُ‪.‬‬ ‫عقد ِ‬
‫حيث هي بِنيةٌ‪ ،‬والمعنى‪ ،‬وهو الذي عليه ُ‬ ‫الكلمة ِمن ُ‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن السكيت‪ ،‬القلب‪ ،37 ،‬مع اختالف يسير في لفظ هذا النص بين هذه المصادر‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬القالي‪ ،‬األمالي‪.139/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬ابن جني‪ ،‬سر الصناعة‪.277/1،‬‬

‫‪166‬‬
167
‫موجهات كلّ ّية‪:‬‬
‫ِّ‬
‫ّأولُها‪:‬‬
‫ٍ‬
‫حميم إلى‬ ‫ٍ‬
‫بنسب‬ ‫اللي‪ ،‬يتّص ُل‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ّ‬ ‫باب القول على هذا المبحث؛ مبحث التّ ّ‬ ‫أن َ‬ ‫إخا ُل ّ‬
‫الباحث يو ِمئُ إلى‬
‫َ‬ ‫ئ الظّ ُّن ثانيةً وثالثةً إلى ّ‬
‫أن‬ ‫يذهب بالقار ِ‬
‫ُ‬ ‫المجاز‪ ،‬وليس‬
‫ُ‬ ‫بالغي عنو ُانه‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫مطلب‬
‫وتطاول‬ ‫ولكن سيرورتَه‪،‬‬ ‫حياً لحظةَ ِ‬
‫وقوعه‪،‬‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مجاز ّ‬
‫ًا‬ ‫قد كان‬‫اللة ْ‬ ‫طوَر ّ‬ ‫أن ت ّ‬‫درس البالغة؛ ذلك ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫األقالم؛ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫صعيد ال ّش ِ‬
‫ِ‬
‫كل ذلك أفضى به إلى ْ‬ ‫صعيد‬ ‫فاه‪ ،‬أو على‬ ‫إن على‬ ‫الع ُمر به‪ ،‬وغلبتَه ْ‬ ‫ُ‬
‫جني مأثورةٌ‪ ،‬وهي ذاهبةٌ‬ ‫ابن ّ‬ ‫نسب إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فد في هذا المقام قولةٌ تُ َ‬ ‫أن نستر َ‬ ‫بركب الحقيقة‪ ،‬ولنا ْ‬ ‫يلحق‬
‫َ‬
‫الصفقةَ‬ ‫ِ‬
‫مجاز‪ ،‬وا ّن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫اليوم‬
‫الرشوةَ َ‬ ‫إن ِّ‬ ‫أن ُيقا َل ّ‬ ‫يصح ْ‬
‫ّ‬ ‫بالحقيقة‪ ،‬فليس‬ ‫لحق‬
‫المجاز إذا كثر َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫إلى ّ‬
‫ثانية– يكون في استر ِ‬
‫فاد‬ ‫وجهة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الفصل – ِمن‬ ‫بالض ّد‪ ،‬ولع ّل القو َل‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أمرهما‪ ،‬بل ُ‬ ‫الدماثةَ كذلك ُ‬ ‫وّ‬
‫ِ‬
‫ثالثة‬ ‫ِ‬
‫المجاز‪ ،‬فقد ُمّيز بين‬ ‫ِ‬
‫تقسيم‬ ‫مذاهب في‬ ‫ِ‬
‫ثالثة‬ ‫الحديثة ال ّذ ِ‬
‫اهبة إلى‬ ‫ِ‬ ‫ساني ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫األنظار اللّ ّ‬ ‫بعض‬
‫بين بين(‪ ،)1‬وك ّل ذلكم‬ ‫يترد ُد َ‬
‫النائم الذي ّ‬ ‫ت‪ ،‬وثالثُها ّ‬ ‫المي ُ‬
‫المجاز ّ‬
‫ُ‬ ‫الحي‪ ،‬وثانيها‬
‫ّ‬ ‫المجاز‬
‫ُ‬ ‫اع ّأولُها‬‫أنو ٍ‬
‫المي ِت‪.‬‬
‫المجاز ّ‬‫ِ‬ ‫ينتسب إلى‬
‫ُ‬ ‫مما‬ ‫ِ‬
‫المخوض فيه في هذه المباحثات ّ‬ ‫ِ‬

‫وثانيها‪:‬‬
‫الد ِ‬
‫اللة‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المتقدِم ُ‬ ‫ِ‬
‫بيانها‪ ،‬الخائضة في الوقوف عند ُمثُل من ت ّ‬ ‫ّ‬ ‫المباحثات‬ ‫عماد‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫عامةً‪ ،‬وانتقالِها خاصةً‪ ،‬قائم على ِ‬
‫ثالث ُش َع ٍب‪ّ ،‬أولها "األص ُل"‪ ،‬وثانيها " ّ‬
‫النقل"‪ ،‬وثالثُها "الوص ُل"‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غة يتخلّ ُ ِ‬ ‫أما "األص ُل" فقد بدا أن ثم أصالً في اللّ ِ‬
‫حادث‪ ،‬و ِمن ذلك ّ‬
‫الرشوةُ التي‬ ‫ٌ‬ ‫آخر‬
‫ق منه معنى ُ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الدماثةُ التي هي من‬ ‫البيع‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬
‫ق األيدي عند البيعة أو ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َسن‪ ،‬والصَّفقةُ من تَصفا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هي من رشاء ّ‬
‫الموِهمة‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وحفَ ِره المضللة ُ‬ ‫غز الذي هو ِمن ِ‬
‫ألغاز اليربوِع ُ‬
‫األرض الس ِ‬
‫َّهلة التي ليست بمتلبِّدة‪ ،‬واللّ ُ‬ ‫ِ‬
‫فثم حق ٌل‬ ‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫الالت تُْنسب إلى ٍ‬ ‫داللة ِمن تلكم ّ‬
‫ٍ‬
‫ارجي‪ّ ،‬‬
‫العالم الخ ِّ‬ ‫حقل في‬ ‫َ‬ ‫كل‬
‫أن ّ‬
‫فعماده ّ‬
‫ُ‬ ‫أما "النقل"‬
‫ّ‬
‫يحدث‪ ،‬أو‬ ‫أيضا‪ ،‬والذي‬ ‫جي و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫غوي ً‬
‫العالم اللّ ِّ‬ ‫الكوني الخار ِّ‬
‫ّ‬ ‫العالم‬ ‫للمجردات في‬
‫ّ‬ ‫وآخر‬
‫للمحسوسات‪ُ ،‬‬

‫(‪ ) 1‬أحمد مختار عمر‪ ،‬علم الداللة‪.242 ،‬‬

‫‪168‬‬
‫ِ‬
‫باالنتقال‬ ‫ِ‬
‫الكلمة عن معناها‬ ‫ياح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المثُ ِل المذكورِة في ثِْني‬
‫الكتاب‪ ،‬هو انز ُ‬ ‫صفحات هذا‬ ‫حدث في ُ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫خصيص‪.....‬‬ ‫أو التّ ِ‬
‫عميم أو التّ‬

‫الن ِ‬
‫قل‬ ‫ِ‬
‫األصل و ّ‬ ‫فبين‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫حبات العقد الواحد‪َ ،‬‬ ‫ينتظم ّ‬
‫ُ‬ ‫الجامع الذي‬
‫ِ‬ ‫كالخيط‬ ‫أما "الوص ُل" فهو‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مضمار‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مضمار إلى‬ ‫اللة ِمن‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫بانتقال ّ‬ ‫الوصل‪ ،‬وهو المعنى الجامعُ الذي ُي ْؤِذن‬ ‫ِ‬ ‫وجود‬
‫ُ‬ ‫يتعي ُن‬
‫ّ‬
‫غير ما‬ ‫المجاز هو اللّفظُ المستعم ُل في ِ‬ ‫إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ولع ّل هذا قد ُوسم في البالغة العر ّبية بالمناسبة؛ إذ ّ‬
‫المجاز‪" :‬هو‬‫ِ‬ ‫الدالّ ِة على "الوصل" في تعر ِ‬
‫يف‬ ‫الكفوي ّ‬
‫ِّ‬ ‫لمناسبة بينهما(‪ ،)1‬وبعبا ِرة‬ ‫ٍ‬ ‫ضع له ّأوالً‬ ‫وِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صال بينهما"( )‪ ،‬والمناسبةُ تلك‪ ،‬أو االتّصال ذاك‪ ،‬هو حلقةُ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫يد به غير موضعه التّ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اسم لما أر َ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫القدماء‬
‫َ‬ ‫أن‬‫الداللة الحادثة‪ ،‬ولع ّل هذا يفضي إلى اإلشا ِرة إلى ّ‬ ‫الداللة المتقادمة و ّ‬ ‫وصل جامعة بين ّ‬
‫ِ‬
‫بالمثال‪ ،‬وا ْن‬ ‫إن‬ ‫اللي عامةً‪ ،‬وموضوِع هذه الور ِ‬ ‫طوِر ِّ‬ ‫ِ‬
‫خاصةً‪ْ ،‬‬‫ّ‬ ‫قة‬ ‫الد ِّ ّ‬ ‫كانوا قد التفتوا إلى ملحظ التّ ّ‬
‫طوِرها‬ ‫ِ‬ ‫ا ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫بالتّ ِ‬
‫المثُل التي ّنبهوا على ت ّ‬ ‫متكاثر من ُ‬ ‫ً‬ ‫مجموعا‬
‫ً‬ ‫بأن لديهم‬ ‫مصنفاتهم ما يومئُ ّ‬ ‫نظير‪ ،‬وفي‬
‫النظر في ِ‬
‫قول‪:‬‬ ‫الساب ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق‪ ،‬ل َن ْرجع ّ َ‬ ‫أو مجازّيتها في عهدها ّ‬
‫ٍ‬
‫بسبب‬ ‫مجاور له‪ ،‬أو كان ِمنه‬ ‫ًا‬ ‫يء إذا كان‬ ‫باسم ال ّش ِ‬ ‫ابن قتيبةَ‪" :‬والعرب تسمي ال ّشيء ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫باسم ِ‬
‫غيره"(‪.)3‬‬ ‫يء ِ‬ ‫تسمية ال ّش ِ‬
‫ِ‬ ‫نت لك في ِ‬
‫باب‬ ‫على ما ّبي ُ‬
‫الكلمة إذا كان‬ ‫ِ‬ ‫مكان‬ ‫فتضعها‬ ‫تستعير الكلمةَ‬ ‫ب‬ ‫وكذلك في قولِه في سيا ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫آخر‪" :‬فالعر ُ‬ ‫ق َ‬ ‫‪-‬‬
‫مجاور لها أو مشاكالً"(‪.)4‬‬ ‫ًا‬ ‫بسبب ِمن األخرى أو‬ ‫ٍ‬ ‫المسمى بها‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بسبب"(‪.)5‬‬ ‫يء إذا كان ِمنه‬ ‫باسم ال ّش ِ‬ ‫ابن السِّيد‪" :‬كما يسمى ال ّشيء ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وقول ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫صار به‬ ‫َّب حتّى‬ ‫موضع المسب ِ‬ ‫بب في‬ ‫الس ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقول ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ظ ّ‬ ‫هاية‪" :‬فاستعملوا لف َ‬ ‫األثير في ّ‬ ‫ابن‬ ‫‪-‬‬
‫أشهر"(‪.)6‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫انتقال‬ ‫عرج فيه على‬
‫موسوما "باالستعارات"‪ ،‬وقد ّ‬
‫ً‬ ‫بابا‬ ‫ابن در ٍيد في جمهرتِه ُ‬
‫يعقد ً‬ ‫وهذا ُ‬ ‫‪-‬‬
‫الر ِ‬
‫كض(‪.)7‬‬ ‫داللة الم ْجِد والع ِ‬
‫قيقة و َّ‬ ‫األلفاظ‪ ،‬كتطوِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دالالت‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫غيرها"(‪.)8‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بابا في "أصول أسماء قيس عليها وأُلحق بها ُ‬ ‫ابن فارس يعق ـ ُـد ً‬
‫وهذا ُ‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن أبي اإلصبع‪ ،‬بديع القرآن‪.176 ،‬‬


‫(‪ )2‬الكفوي‪ ،‬الكليات ‪.804 ،‬‬
‫(‪ )3‬ابن قتيبة‪ ،‬أدب الكاتب‪.23 ،‬‬
‫(‪ )4‬ابن قتيبة‪ ،‬تأويل مشكل القرآن‪.135 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابن السيد‪ ،‬االقتضاب‪.27/2 ،‬‬
‫(‪ )6‬ابن األثير‪ ،‬النهاية‪.357/4 ،‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬ابن دريد‪ ،‬الجمهرة‪.433/3 ،‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬الصاحبي‪.96 ،‬‬

‫‪169‬‬
‫ينتظم‬ ‫ملتمسا الخيطَ الذي‬ ‫ٍ‬
‫كلمات إسالميةً منقولةً‪،‬‬ ‫الز ِ‬
‫ينة"‬ ‫يتتبعُ في " ّ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ي ّ‬ ‫وهذا أبو حاتم الراز ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ِ‬
‫الحادث‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القديم و‬ ‫المعنيين‪:‬‬
‫َ‬ ‫ِعقد‬
‫نقل اللّفظُ ِمن موضوعـِه إلى‬
‫كأن ُي َ‬ ‫ِ‬
‫الي على المعانــي المنقولة‪ْ ،‬‬ ‫يج الغز ّ‬‫يب من هذا تعر ُ‬ ‫وقر ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫لما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العلوم كلِّها لِ‬
‫ِ‬
‫مسيس الحاجة إليها؛ إذ واضعُ اللّغة ّ‬ ‫آخر‪ ،‬و"ُيستعمل المنقو ُل في‬ ‫معنى َ‬
‫الن ِ‬
‫قل"(‪.)1‬‬ ‫غيره إلى ّ‬
‫فاضطر ُ‬ ‫يفردها باألسامي‪ّ ،‬‬ ‫عنده جميعُ المعاني‪ْ ،‬لم ْ‬ ‫يتحقق َ‬‫ْ‬ ‫ْلم‬

‫وثالثُها‪:‬‬
‫قليل ِمن‬
‫الوصل في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عالقة‬ ‫ِ‬
‫استجالء‬ ‫يضل عن‬ ‫ُّ‬ ‫طوِر َِ قد‬‫أمر ذلكم التّ ّ‬ ‫المتدب َر في ِ‬‫ّ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫مقاييسه‪ ،‬وهو –وال‬ ‫ِ‬ ‫ائد في‬ ‫ٍ‬
‫فارس الر ُ‬ ‫الل صنيعُ ابن‬ ‫الض ِ‬‫اضع‪ ،‬وقد يشفعُ له في ح ّل هذا ّ‬ ‫المو ِ‬
‫اللي الذي‬‫الد ِّ‬
‫باألصل ّ‬‫ِ‬ ‫وفاء‬ ‫ِ‬ ‫كلمات ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫المادة الواحدة على معنى تلتقي عليه ً‬ ‫جمع‬
‫قائم على ِ‬ ‫يب– ٌ‬ ‫ر َ‬
‫وجهة تنقيرّي ٍة أخرى–‬ ‫ٍ‬ ‫يرد المرُء ‪ِ -‬من‬ ‫ولكن‪ ،‬قد ُ‬ ‫ق‪ْ ،‬‬ ‫ق باالشتقا ِ‬ ‫أن يتخلّ َ‬ ‫يمكن ْ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أوصال ما‬ ‫يسري في‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الحق ّ‬
‫الحادث‪ ،‬و ّ‬ ‫المتقادم و‬ ‫المعنيين؛‬
‫َ‬ ‫الوصل بين‬ ‫يستجلي عالقةَ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يعسر عليه ْ‬ ‫ُ‬ ‫كلمات‬ ‫على‬
‫أم ِل والتّ ِ‬
‫نقير‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫هذا الذي قد يشكو ِمنه‬
‫بكثير من لطف التّ ّ‬ ‫اج‬
‫الس ّر ِ‬
‫ابن ّ‬ ‫التفت إليه ُ‬ ‫َ‬ ‫بعضنا قد‬ ‫ُ‬
‫يصف‬
‫ُ‬ ‫فيسمي المرُء أو‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫مضمار‪،‬‬ ‫مضمار إلى‬‫ٍ‬ ‫يحدث الّنق ُل ِمن‬
‫ُ‬ ‫عنده‪ ،‬فقد‬ ‫حاضر َ‬ ‫ٌ‬ ‫اب عنه‬ ‫والجو ُ‬
‫يسعف المرَء ال "األصل"‬ ‫شرحها‪ ،‬وعند ذلك ال‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫قصةٌ يطو ُل ُ‬ ‫عندها ّ‬ ‫للكلمة َ‬ ‫بسبب‪ ،‬وتكون‬ ‫يء‬
‫ال ّش َ‬
‫الخارجي ِة وما البسه ِمن‬ ‫ّ‬ ‫الكالم وأحوالِه‬
‫ِ‬ ‫ات‬‫وال "الوصل"‪ ،‬بل الذي يسعفُه هو أن يتبصر في مقامي ِ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ومما‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أحو ٍ‬
‫معمرةٌ عتيقةٌ ضاربةٌ في العتاقة بسهم‪ّ ،‬‬ ‫عجب في ذلك‪ ،‬فهذه لغةٌ َّ‬ ‫َ‬ ‫تصل إلينا‪ ،‬وال‬
‫ْ‬ ‫ال لم‬
‫المتقدِم آنفًا؛ أعني‬ ‫أركان الثّ ِ‬
‫الوث‬ ‫ِ‬ ‫عند‬
‫نقف ََ َ‬ ‫أن َ‬
‫ّ‬ ‫العقيرة"‪ ،‬واذا ما أردنا ْ‬ ‫يجلّي هذه المباحثةَ كلمةُ " َ‬
‫اف‬‫عنده في استشر ِ‬ ‫نركن إليه أو نطمئ ّن َ‬ ‫يكون في ذلك َم ْوص ٌل‬ ‫فلن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الوصل‪ْ ،‬‬‫َ‬ ‫قل و‬‫الن َ‬
‫األصل و ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالغناء‪ ،‬وقد‬ ‫النق ُل هو داللتُها على َمن رفع صوتَه‬ ‫العقيرِة القطعُ‪ ،‬و ّ‬ ‫الجامع‪ ،‬فاألص ُل في َ‬ ‫ِ‬ ‫المعنى‬
‫يشهد‬ ‫غير حاضرٍة لمن لم‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ولكن عالقةَ الوصل غائبةٌ ُ‬ ‫ّ‬ ‫غنى‪ :‬رفع عقيرتَه أي صوتَه‪،‬‬ ‫قيل لمن ّ‬
‫سموا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ُي ّ‬ ‫ألهل اللّغة الواحدة ْ‬ ‫يعرض‬
‫ُ‬ ‫اج‪" :‬‬ ‫الس ّر ِ‬
‫ابن ّ‬‫المقاميات‪ ،‬وفي هذا يقو ُل ُ‬ ‫ّ‬ ‫الحال و‬ ‫داللةَ‬
‫تبلغنا"(‪ ،)2‬ولذلك ما فتئ‬ ‫تبلغنا‪ ،‬ويجوز أالّ َ‬ ‫أخبار‪ ،‬فيجوز أن َ‬ ‫ٌ‬ ‫وتكون لها‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بأسباب‪،‬‬ ‫أشياء‬
‫َ‬ ‫ويصفوا‬
‫ِ‬
‫األصول‬ ‫ِ‬
‫العرب ليس فيها لفظتان تتّفقان في‬ ‫بأن لغةَ‬ ‫ِ‬
‫القائل ّ‬ ‫الز ِ‬
‫عم‬ ‫دحض ّ‬‫ِ‬ ‫يلح على‬
‫اج ّ‬
‫الس ّر ِ‬
‫ابن ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحال‪،‬‬ ‫وشاهد‬ ‫العقيرِة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المتقدم‪ ،‬فأص ُل َ‬ ‫المثال‬ ‫بالفيء على‬ ‫القول‬
‫َ‬ ‫فند هذا‬‫جمعهما‪ ،‬وقد ّ‬
‫إالّ لمعنى ي ُ‬
‫ٍ‬ ‫كانت لما ع ِق ْ ِ‬
‫فعها‪،‬‬‫رت "قُطعت" ِرج ُل َرجل‪ ،‬فكان ينو ُح عليها وير ُ‬ ‫ْ ّ ُ‬ ‫العقيرة"‬
‫قصةَ " َ‬
‫أن ّ‬ ‫يدالّن على ّ‬
‫الخبر‪ ،‬هل كان‬ ‫يبلغنا‬
‫لت‪ :‬فلو ْلم ْ‬
‫فع عقيرتَه‪" ،‬ق ُ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫فع صوتًا مترّن ًما‪ :‬قد ر َ‬
‫بعد ذلك لكل َمن ر َ‬
‫فقيل َ‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ ،‬معيار العلم‪.87 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬ابن السراج‪ ،‬االشتقاق‪.34 ،‬‬

‫‪170‬‬
‫تجيء ألفاظٌ‬ ‫أن‬ ‫شتق للعقيرِة معنى ِمن الص ِ‬
‫أن تَ َّ‬
‫َ‬ ‫تنكر ْ‬
‫فقلت له‪ :‬فما ُ‬‫يجوز‪ُ ،‬‬‫ُ‬ ‫وت‪ ،‬فقال‪ :‬ال‬ ‫ّ‬ ‫يجوز ْ‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫عرف اشتقاقُها‪ ،‬فقال‪ :‬ما أدفعُ ذلك"( )‪.‬‬‫يجوز أن ُي َ‬
‫تبلغنا‪ ،‬فال ُ‬ ‫ٍ‬
‫لقصص لم ْ‬ ‫عملت‬
‫استُ ْ‬

‫ابعها‪:‬‬
‫ور ُ‬
‫ٍ‬
‫وجهة‬ ‫اللي‪ ،‬فهي – ِمن‬ ‫طوِر ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ّ‬ ‫مقام من هذا البحث يتّسع للتّعري ِج على بواعث التّ ّ‬
‫وليس ٌ‬
‫اللي‪ ،‬وهي – ِمن‬
‫الد ّ‬
‫طور ّ‬ ‫ِ‬
‫يتسنمون أسنمةَ بحث التّ ّ‬‫فات َمن ّ‬ ‫مصن ِ‬
‫ّ‬ ‫غدت سائرةً مبسوطةً في‬
‫ْ‬ ‫أولى‪-‬‬
‫غب‬ ‫‪2‬‬ ‫ٍ ٍ‬
‫ولكن الذي أر ُ‬
‫ونفسيةٌ( )‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫يخيةٌ‬
‫ولغويةٌ وتار ّ‬
‫ّ‬ ‫اجتماعيةٌ‬
‫ّ‬ ‫اعث‬
‫فثم بو ُ‬
‫وجهة ثانية– معروفةٌ ذائعةٌ‪ّ ،‬‬
‫خالف‬ ‫حكم المعاني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أن َ‬ ‫اعلم –حفظك اهللُ ّ‬‫"ثم ْ‬‫مفادها‪ّ :‬‬
‫"البيان" ُ‬ ‫للجاحظ في‬ ‫اإللماح إليه مقولةٌ‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫أسماء المعاني‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫وممتدةٌ إلى ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ألن المعاني مبسوطةٌ إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غير نهاية‪ ،‬و َ‬ ‫غاية‪،‬‬ ‫غير‬ ‫َ‬ ‫حكم األلفاظ؛ ّ‬
‫يذهب فيها‬ ‫ِ‬
‫الجاحظ‬ ‫هر عبارةٌ مضارعةٌ لعبارِة‬ ‫مقصورةٌ معدودوةٌ‪ ،‬ومحصَّلةٌ محدودةٌ"(‪ ،)3‬وفي المز ِ‬
‫ُ‬
‫أن‬
‫غير متناهية‪ ،‬و ّ‬ ‫المعاني ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ومفادها عنده ّ‬‫ُ‬ ‫فظي في العر ّبي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المشترك اللّ ِّ‬ ‫ِ‬
‫بوجود‬ ‫ير‬‫إلى التّقر ِ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫أن بِ ُم ْكنة الباحث ْ‬
‫‪4‬‬
‫اللة‬ ‫انتقال ّ‬
‫عامةً‪ ،‬و َ‬ ‫اللي ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫طوَر ّ‬‫أن ُيفسِّر التّ ّ‬ ‫الحق ّ‬‫ظ متناهية( )‪ ،‬و ّ‬ ‫األلفا َ‬
‫فر يحصيها‬ ‫قد تُ ْج َمع في ِس ٍ‬ ‫الم ْع ِجبة‪ ،‬فاأللفاظُ متناهيةٌ ْ‬ ‫كون إلى هذه الحج ِة ّ ِ‬
‫الدامغة ُ‬ ‫ّ‬ ‫خاصةً‪ ،‬بال ّر ِ‬
‫ّ‬
‫ث وتُن َشر‪،‬‬‫تبع ُ‬ ‫ق ك ّل ٍ‬ ‫فثم ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تموت‪ ،‬وثالثةٌ َ‬ ‫ُ‬ ‫يوم‪ ،‬وأخرى‬ ‫معان تتخلّ ُ‬ ‫غير متناهية‪ّ ،‬‬ ‫المعاني ُ‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫عددا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫وتغي ٍر‪ ،‬وال يبقى على ٍ‬ ‫دائمة متوثّ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حال ٍّ‬
‫حال إالّ‬ ‫تبد ٍل ّ‬‫ومظاهرها في ّ‬ ‫ُ‬ ‫بة‪ ،‬والحياةُ‬ ‫حركة‬ ‫الفكر في‬
‫و ُ‬
‫ِ‬
‫خصيص‪،‬‬ ‫ولست أعني العر ّبيةَ بالتّ‬ ‫ُ‬ ‫الحال‪ ،‬وهذا كلّه ينعكس انعكاسا مرآويًّا على اللّ ِ‬
‫غة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مغي ُر‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫المْل َح ِظ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ليست ب َد ًعا بين أخواتها في هذا َ‬
‫ْ ِ‬ ‫فليست في نجوٍة ِمن ذلك كلِّه‪ّ ،‬‬
‫ألنها‬ ‫ْ‬

‫وخامسها‪:‬‬
‫ُ‬
‫اللي قلي ٌل قلّةً بالغةً من‬ ‫طوِر ِّ‬
‫الد ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫المبثوث في هذه األو ار ِ ِ‬
‫ق من أمثلة دالّة على التّ ّ‬ ‫َ‬ ‫أن هذا‬ ‫ّ‬
‫المعنويةُ المتخلِّقةُ من أخرى‬ ‫بي كثرةً بالغةً‪ ،‬فهناك داللةُ "ال ّش ِ‬
‫رف"‬ ‫كثير في المعجم العر ِّ‬‫مجموٍع ٍ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫امتالء‬ ‫كانت تد ّل على‬‫ْ‬ ‫المجِد" التي‬
‫األرض وارتفع‪ ،‬وهناك داللةُ " ْ‬ ‫ِ‬ ‫مادّي ٍة تد ّل على ما نشز ِمن‬
‫ّ‬
‫كانت تد ّل‬
‫ْ‬ ‫ق" التي‬ ‫كرما ورفعةً‪ ،‬وهناك ِداللةُ " ِ‬
‫المأز ِ‬ ‫الماجد قد امتأل ً‬ ‫َ‬ ‫فكأن‬
‫بالعلَف‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫البعير َ‬ ‫بطن‬
‫الح ِ‬
‫ذافير"‬ ‫ِ‬ ‫فصارت تُطلَق على ال ّش ّد ِة أو‬ ‫الضِّي ِ‬ ‫ِ‬
‫بيانها‪ ،‬وهناك داللةُ " َ‬ ‫المتقدم ُ‬
‫ّ‬ ‫الورطة‬ ‫ْ‬ ‫ق‪،‬‬ ‫المكان ّ‬ ‫على‬
‫قت من أخرى‬‫يء وأعاليه‪ ،‬وهناك ِداللة "إبرِام المعاهدة" التي تخلّ ْ‬
‫انب ال ّش ِ‬
‫كانت تد ّل على جو ِ‬
‫ْ‬ ‫التى‬
‫تتبعتُه‬
‫إن أنا ّ‬
‫الحبل وفتلُه‪ ،‬وهناك وهناك وهناك‪....‬ولعلّه يطول ْ‬ ‫ِ‬ ‫إحكام‬ ‫األو ُل‬
‫ُ‬ ‫مضمارها ّ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬ابن السراج‪ ،‬االشتقاق‪.34 ،‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أولمان‪ ،‬دور الكلمة‪.162 -159 ،‬‬
‫(‪ )3‬الجاحظ‪ ،‬البيان‪.76/1 ،‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬السيوطي‪ ،‬المزهر‪.369/1 ،‬‬

‫‪171‬‬
‫ٍ‬
‫أشتات‬ ‫تلمس‬
‫األو ُل " ُّ‬ ‫ِ‬ ‫للد ِ‬ ‫ِ‬
‫وعماده ّ‬
‫ُ‬ ‫الغرض الذي قصدتُه‪،‬‬ ‫اللة على‬ ‫قدمتُه‪ّ ،‬‬
‫فألكتف بما ّ‬ ‫واستقصيتُه‪،‬‬
‫بي"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعجم العر ِّ‬ ‫طوِر ّ‬
‫الدالل ِّي في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من أمثلة التّ ّ‬

‫وسادسها‪:‬‬
‫ُ‬
‫جليةً في‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مان ُس ْهمةً ّ‬ ‫عبر ّ‬
‫أن لسيرورة العر ّبية َ‬ ‫سيجد ّ‬
‫ُ‬ ‫فإنه‬
‫األلفاظ ّ‬ ‫نظر المرُء إلى‬
‫إذا ما َ‬
‫آلخر‪ ،‬وهنا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فظ وداللتِه إلى ّ‬ ‫اخ بين اللّ ِ‬
‫حد اإليهام في مواضعَ‪ ،‬وفي نقل معنى من مجال َ‬ ‫وقوِع تر ٍ‬
‫يخي الذي‬ ‫الكلمة الو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طلَ ٍب عز ٍ‬
‫غوي التّار ّ‬ ‫المعجم اللّ ّ‬
‫ُ‬ ‫احدة‪ّ :‬إنه‬ ‫دالالت‬ ‫الستجماع‬
‫ِ‬ ‫يز‬ ‫يأتي دوُر َم ْ‬
‫األدبي ِة‬
‫غوية و ّ‬
‫بطون المظان اللّ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫العصور مستخرجين داللتَها ِمن‬ ‫ِ‬ ‫َيسيح القائمون عليه والكلمةَ عبر‬
‫عة‪ ،‬وصوالً بها‬ ‫ياقات المتنو ِ‬‫والفقهي ِة‪ ،‬مقتنصين تطورها وأطوارها‪ ،‬متتبعين داللتَها في ضوِء الس ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫المستشرق‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ووصفه‬ ‫ِ‬
‫المعجم‬ ‫هيئة هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحديث عن‬ ‫استخدام لها‪ ،‬وقد كفاني ُم ْؤنةَ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى ِ‬
‫آخر‬
‫أن‬ ‫معجم َِه الذي ْلم َير ّ‬ ‫ِ‬ ‫مقد ِ‬
‫مشير إلى ّ‬ ‫ًا‬ ‫أسسه وبنيتَه‪،‬‬
‫النور َ‬ ‫مة‬ ‫"أوغست فيشر"؛ إذ أرسى في ّ‬
‫األسلوبي ِة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حوي ِة‪ ،‬و‬
‫الن ّ‬ ‫يفي ِة‪ ،‬و ّ‬ ‫ِ‬
‫االشتقاقية‪ ،‬والتّصر ّ‬ ‫ّ‬ ‫يخي ِة‪ ،‬و‬ ‫ٍ‬
‫انب متباينة كالتّار ّ‬ ‫عرض من جو َ‬
‫ِ‬
‫مو ّاده ستُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫يخي"‪ ،‬يقعُ‬ ‫بي التّار ّ‬ ‫ولست أنسى اإلشارةَ إلى س ْفر كبير الجرم‪ ،‬عظيم القدر‪ ،‬عنو ُانه "المعجم العر ّ‬ ‫ُ‬
‫أنفسنا كث ٌير ِمن‬
‫المعجم الذي نرنو إليه وفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫صفحة تعرج على ِ‬
‫هيئة هذا‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫خمس ِ‬
‫مائة‬ ‫يد على ِ‬ ‫فيما يز ُ‬
‫التّطَلُّ ِب والتّ ُّ‬
‫شو ِ‬
‫‪1‬‬
‫ولكن‪:‬‬
‫ق( )‪ْ ،‬‬

‫الي َب ِ‬
‫س‬ ‫السفين َة ال تَ ْجري َعلى َ‬
‫إن ّ‬‫ّ‬ ‫تسلك مسال َكها‬
‫ْ‬ ‫ولم‬
‫تَرجو ال ّنجاةَ ْ‬

‫(‪ )1‬لمزيد معرفة بالمعجم اللغوي التاريخي انظر‪ :‬فيشر‪ ،‬أوغست‪ ،‬المعجم اللغوي التاريخي‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪1967 ،‬م‪ ،25-5،‬وانظر‪ :‬عبد المنعم محمد‪ ،‬المعجم اللغوي التاريخي‪ :‬مفهومه‪ ،‬وظيفته‪ ،‬محتواه‪ ،‬من‬
‫وقائع الندوة التي نظمتها جمعية المعجمية العربية‪ ،‬تونس‪1989 ،‬م‪.186-159 ،‬‬

‫‪172‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ -‬إبراهيم أنيس‪ ،‬داللة األلفاظ‪ ،‬ط‪ ،6‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم اليازجي‪ ،‬لغة الجر ائد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار مارون عبود‪ ،‬بيروت‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن األثير‪ ،‬مجد الدين أبو السعادات(‪ ،)606‬النهاية في غريب الحديث واألثر‪،‬‬
‫تحقيق أحمد الزاوي ومحمود الطناجي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1963 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد مختار عمر‪ ،‬أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب واإلذاعيين‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫اللغوي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪1991،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أحمد مختار عمر‪ ،‬دراسة الصوت‬
‫‪ -‬أحمد مختار عمر‪ ،‬علم الداللة‪ ،‬ط‪ ،3‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو الخضر منسي‪ ،‬حول الغلط والفصيح‪ ،‬مكتبة دار العروبة‪ ،‬القاهرة‪1963 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األخفش‪ ،‬أبو الحسن سعيد بن مسعدة(‪ ،)215‬معاني القرآن‪ ،‬تحقيق هدى قراعة‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األزهري‪ ،‬أبو منصور محمد بن أحمد(‪)370‬هـ‪ ،‬تهذيب اللغة‪ ،‬تحقيق عبدالسالم‬
‫هارون‪ ،‬مراجعة على النجار‪ ،‬الدار المصرية للتأليف والترجمة‪ ،‬القاهرة‪1964،‬م‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ -‬األستراباذي‪ ،‬رضي الدين محمد بن الحسن(‪ ،)686‬شرح شافية ابن الحاجب‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد الحسن وآخرين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1982،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أسعد داغر‪ ،‬تذكرة الكاتب‪ ،‬مكتبة العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪1923 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إسماعيل عمايرة‪ ،‬تأصيل الجذور اللغوية في المعجم العربي‪ :‬في سبيل معجم‬
‫تاريخي للعربية‪ ،‬مجلة الدراسات اإلسالمية والعربية‪ ،‬بلومنغتون‪ ،‬إنديانا‪،‬‬
‫أميريكا(منشور في كتابه‪ :‬تطبيقات في المناهج اللغوية‪ ،‬دار وائل‪،‬عمان‪2000،‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬إسماعيل عمايرة‪ ،‬نمو الجذور اللغوية‪ ،‬في سبيل معجم تاريخي للعربية‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات‪ ،‬مج ‪-26‬ع‪ ،2‬الجامعة األردنية‪1999 ،‬م‪.544-518 ،‬‬
‫‪ -‬األنباري‪ ،‬أبو بكر محمد بن القاسم(‪ ،)328‬األضداد‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األنباري‪ ،‬أبو بكر محمد بن القاسم(‪ ،)328‬الزاهر في معاني كلمات الناس‪ ،‬تحقيق‬
‫حاتم الضامن‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أولمان‪ ،‬ستيفين‪ ،‬دور الكلمة في اللغة‪ ،‬ترجمة كمال بشر‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الشباب‪،‬‬
‫القاهرة‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬بالمر‪ ،‬ف‪.‬ر‪ ،‬علم الداللة‪ :‬إطار جديد‪ ،‬ترجمة صبري السيد‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬البلخي‪ ،‬مقاتل بن سليمان(‪ ،)150‬األشباه والنظائر في القرآن الكريم‪ ،‬تحقيق عبد اهلل‬
‫شحاته‪ ،‬ط‪ ،2‬الهيئة المصرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التبريزي‪ ،‬أبو زكريا يحيى بن علي‪ ،‬تهذيب إصالح المنطق‪ ،‬ط‪ ،1‬تحقيق فوزي عبد‬
‫العزيز مسعود‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الثعالبي‪ ،‬أبو منصور عبد الملك بن محمد(‪ ،)430‬فقه اللغة وسر العربية‪ ،‬تحقيق‬
‫مصطفى السقا وآخرين‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة(د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -‬جاسر أبو صفية‪ ،‬الجدل السائد حول التصحيح اللغوي‪ ،‬بحث قدم في ندوة "مجادلة‬
‫السائد في اللغة واألدب والفكر‪ ،‬الجامعة التونسية‪ ،‬شباط‪1996،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬جسبرسن‪ ،‬أوتو‪ ،‬اللغة بين الفرد والمجتمع‪ ،‬ترجمة عبد الرحمن أيوب‪ ،‬مكتبة‬
‫األنجلو‪ ،‬القاهرة‪1954 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان(‪392‬هـ)‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق محمد علي النجار‪،‬ط‪،3‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬ودار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان(‪392‬هـ)‪،‬سر صناعة اإلعراب‪ ،‬تحقيق حسن هنداوي‪،‬‬
‫ط‪ ،2‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ -‬الجواليقي‪ ،‬أبو منصور موهوب بن أحمد(‪ ،)539‬تكملة إصالح ما تغلط فيه العامة‪،‬‬
‫تحقيق عبد الحفيظ القرني‪(،‬مطبوع مع كتاب درة الغواص)‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ومكتبة التراث اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الجوهري‪ ،‬أبو نصر إسماعيل بن حماد(‪ ،)393‬الصحاح‪ ،‬تحقيق أحمد عبد الغفور‬
‫عطار‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬القاهرة‪1956 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن الجوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرحمن(‪ ،)597‬تقويم اللسان‪ ،‬تحقيق عبد العزيز مطر‪،‬‬
‫ط‪ 1‬دار المعرفة‪ ،‬القاهرة‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬جيرو‪ ،‬بيير‪ ،‬علم الداللة‪ ،‬ترجمة منذر عياشي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪1992،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحريري‪ ،‬أبو محمد القاسم بن علي(‪ ،)516‬درة الغواص في أوهام الخواص‪ ،‬تحقيق‬
‫عبد الحفيظ القرني‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ومكتبة التراث اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حلمي خليل‪ ،‬الكلمة‪ :‬دراسة لغوية معجمية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو حيان‪ ،‬أثير الدين محمد بن يوسف(‪745‬هـ)‪ ،‬ارتشاف الضرب من لسان العرب‪،‬‬
‫تحقيق مصطفى النحاس‪ ،‬المكتبة األزهرية للتراث‪ ،‬القاهرة‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو حيان‪ ،‬محمد بن يوسف(‪ ،)745‬تحفة األريب بما في القرآن من الغريب‪ ،‬تحقيق‬
‫أحمد مطلوب وخديجة الحديثي‪ ،‬و ازرة األوقاف‪ ،‬بغداد‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو حيان‪ ،‬محمد بن يوسف(‪ ،)745‬تفسير البحر المحيط‪ ،‬تحقيق عادل عبد‬
‫الموجود وآخرين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬خالد قوطرش‪ ،‬وعبد اللطيف األرناؤوط‪ ،‬األخطاء السائرة في اللغة العربية‪ ،‬مطابع‬
‫ابن زيدون‪ ،‬دمشق‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الخفاجي‪ ،‬أحمد بن محمد(‪ ،)1069‬شرح درة الغواص‪( ،‬مطبوع مع درة الغواص)‪،‬‬
‫تحقيق عبد الحفيظ القرني‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ومكتبة التراث اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث(‪ ،)275‬سنن أبي داود‪ ،‬إعداد عزت عبيد الدعاس‬
‫وعادل السيد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن دريد‪ ،‬أبو بكر محمد بن الحسن(‪ ،)321‬جمهرة اللغة‪ ،‬ط‪ ،1‬دائرة المعارف‬
‫العثمانية‪ ،‬حيدر أباد‪1345 ،‬هجرية‪.‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ،‬أبو حاتم أحمد بن حمدان(‪ ،)322‬كتاب الزينة في الكلمات اإلسالمية‬
‫العربية‪ ،‬تحقيق حسين بن فيض اهلل الهمذاني‪(،‬د‪.‬ن)‪ ،‬القاهرة‪1957 ،‬م‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ -‬الراغب األصفهاني(‪ ،)503‬معجم المفردات في غريب القرآن‪ ،‬تحقيق إبراهيم شمس‬
‫الدين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رمضان عبد التواب‪ ،‬التطور اللغوي‪ :‬مظاهره وعلله وقوانينه‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة الخانجي‪،‬‬
‫القاهرة‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رمضان عبد التواب‪ ،‬لحن العامة والتطور اللغوي‪،‬ط‪( ،1‬د‪.‬ن)‪ ،‬القاهرة‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬أبو بكر محمد بن الحسن(‪ ،)379‬لحن العوام‪ ،‬تحقيق رمضان عبد‬
‫التواب(د‪.‬ن)‪ ،‬القاهرة‪1964 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬السيد محمد مرتضى‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ليبيا‪،‬‬
‫بنغازي‪1306 ،‬هجرية‪.‬‬
‫‪ -‬الزجاجي‪ ،‬أبو القاسم عبدالرحمن بن إسحاق(‪337‬هـ)‪ ،‬اإلبدال والمعاقبة والنظائر‪،‬‬
‫تحقيق عز الدين التنوخي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫الزركشي‪ ،‬بدر الدين محمد بن عبد اهلل(‪ ،)794‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪-‬‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمر(‪ ،)538‬أساس البالغة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمر(‪ ،)538‬الفائق في غريب الحديث‪ ،‬تحقيق‬
‫علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمر (‪ ،)538‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون‬
‫األقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪1977،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السجستاني‪ ،‬أبو بكر محمد بن عزيز(‪ ،)330‬نزهة القلوب في تفسير القرآن العزيز‪،‬‬
‫تحقيق يوسف المرعشلي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬أبو بكر محمد بن سهل(‪ ،)316‬االشتقاق‪ ،‬تحقيق محمد علي الدرويش‬
‫ومصطفى الحدري‪( ،‬د‪.‬ن)‪ ،‬دمشق‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن السكيت‪ ،‬أبو يوسف يعقوب بن إسحاق(‪ ،)244‬إصالح المنطق‪ ،‬تحقيق أحمد‬
‫شاكر وعبد السالم هارون‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪1956،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن السكيت‪ ،‬يعقوب بن إسحاق(‪ ،)244‬القلب واإلبدال‪ ،‬منشور ضمن كتاب "الكنز‬
‫اللغوي في اللَّسن العربي‪ ،‬تحقيق أوغست هفنر‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1903‬م‪.‬‬
‫‪ -‬سيبويه‪ ،‬أبو بشر عمرو بن عثمان(‪ ،)180‬الكتاب‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪،‬ط‪،3‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ -‬ابن السيد‪ ،‬عبد اهلل بن محمد البطليوسي(‪ ،)521‬االقتضاب في شرح أدب الكتاب‪،‬‬
‫تحقيق مصطفى السقا وحامد عبد المجيد‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن السيد‪ ،‬عبداهلل بن محمد البطليوسي(‪521‬هـ)‪ ،‬الفرق بين الحروف الخمسة‪،‬‬
‫تحقيق علي زوين‪ ،‬مطبعة العاني‪ ،‬بغداد‪(،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(‪ ،)511‬اإلتقان في علوم القرآن‪،‬‬
‫تحقيق مركز الدراسات والبحوث بمكتبة الباز‪،‬ط‪ ،2‬مكتبة الباز‪ ،‬الرياض‪1998،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(‪911‬هـ)‪ ،‬المزهر في علوم اللغة‬
‫وأنواعها‪ ،‬تحقيق محمد أحمد جاد المولى وعلي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -‬الشريشي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن عبد المؤمن‪ ،‬شرح مقامات الحريري‪ ،‬وضع حواشيه‬
‫إبراهيم شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الصولي‪ ،‬أبو بكر محمد بن يحيى(‪ ،)335‬أدب الكتاب‪ ،‬شرح أحمد بسج‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الطبرسي‪ ،‬الفضل بن الحسن(‪ ،)5--‬مجمع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الطبري‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير(‪ ،)310‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو الطيب اللغوي(‪ ،)351‬اإلبدال‪ ،‬تحقيق عز الدين التنوخي‪ ،‬المجمع العلمي‬
‫العربي‪ ،‬دمشق‪1961 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز مطر‪ ،‬لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة‪ ،‬الدار القومية‪،‬‬
‫القاهرة‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الفتاح الحموز‪ ،‬ظاهرة القلب المكاني في العربية‪ :‬عللها وأدلتها وتفسيراتها‬
‫وأنواعها‪ ،‬دار عمار ودار الرسالة‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد المنعم محمد‪ ،‬المعجم العربي التاريخي‪ :‬مفهومه‪ ،‬وظيفته‪ ،‬محتواه‪ ،‬وقائع الندوة‬
‫التي نظمتها جمعية المعجمية العربية‪ ،‬تونس‪1989/7/14 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أبو عبيدة‪ ،‬معمر بن المثنى(‪ ،)210‬مجاز القرآن‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد سزكين‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬العسكري‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد اهلل(‪ ،)395‬الفروق اللغوية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫‪ -‬العكبري‪ ،‬عبد اهلل بن الحسين(‪ ،)616‬إمالء ما من به الرحمن من وجوه اإلعراب‬
‫والقراءات في جميع القرآن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1،1979 1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عودة أبو عودة‪ ،‬التطور الداللي بين لغة الشعر ولغة القرآن‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة المنار‪،‬‬
‫الزرقاء‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد(‪ ،)505‬المستصفى من علم األصول‪ ،‬تحقيق‬
‫إبراهيم رمضان‪ ،‬دار األرقم‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد(‪ ،)505‬معيار العلم‪ ،‬تحقيق سليمان دنيا‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة‪1969 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬أحمد بن فارس(‪ ،)395‬الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن‬
‫العرب في كالمها‪ ،‬تحقيق عمر الطباع‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة المعارف‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفراء‪ ،‬أبو زكريا يحيى بن زياد(‪ ،)207‬معاني القرآن‪ ،‬تحقيق أحمد نجاتي‪ ،‬ومحمد‬
‫النجار‪ ،‬الدار المصرية‪ ،‬القاهرة‪1955 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فندريس‪ ،‬جوزيف‪ ،‬اللغة‪ ،‬ترجمة عبد الرحمن الدواخلي‪ ،‬ومحمد القصاص‪ ،‬مكتبة‬
‫األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪1950 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفيروزأبادي‪ ،‬مجد الدين محمد بن يعقوب(‪ ،)817‬القاموس المحيط‪،‬ط‪ ،1‬المؤسسة‬
‫العربية للطباعة‪ ،‬بيروت‪(،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -‬فيشر‪ ،‬أوغست‪ ،‬المعجم اللغوي التاريخي‪ ،‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫علي إسماعيل بن القاسم(‪356‬هـ)‪ ،‬اآلمالي‪ ،‬تحقيق محمد عبدالجواد‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القالي‪ ،‬أبو‬
‫األصمعي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل بن مسلم(‪ ،)276‬أدب الكاتب‪ ،‬شرح علي فاعور‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل بن مسلم(‪ ،)276‬تأويل مشكل القرآن‪ ،‬تحقيق السيد صقر‪،‬‬
‫المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪1973،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل بن مسلم(‪ ،)276‬تفسير غريب القرآن‪ ،‬تحقيق السيد صقر‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل بن مسلم(‪ ،)276‬غريب الحديث‪ ،‬دراسة رضا السويسي‪ ،‬الدار‬
‫التونسية‪ ،‬تونس‪1979 ،‬م‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد(‪ ،)671‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ط‪ ،5‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن كثير(‪ ،)774‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪1980،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اإلمام مالك بن أنس‪ ،‬الموطأ‪ ،‬صححه محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪1951 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المتنبي‪ ،‬أحمد بن الحسين‪ ،‬ديوانه(بشرح أبي البقاء العكبري‪ ،‬تحقيق مصطفى السقا‬
‫وآخرين‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -‬محمد شريف‪ ،‬من األخطاء الشائعة في النحو والصرف واللغة‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الناشر‪،‬‬
‫القاهرة‪1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمد ضاري حمادي‪ ،‬حركة التصحيح اللغوي في العصر الحديث‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الرشيد (منشورات و ازرة الثقافة واإلعالم)‪ ،‬بغداد‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمد العدناني‪ ،‬معجم األخطاء الشائعة‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬محمد النجار‪ ،‬لغويات وأخطاء لغوية شائعة‪ ،‬دار الهداية‪ ،‬القاهرة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى جواد‪ ،‬قل وال تقل‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة أسعد‪ ،‬بغداد‪1970 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم المفهرس أللفاظ الحديث النبوي‪ ،‬رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين‪ ،‬دار‬
‫الدعوة‪ ،‬إستانبول‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المعجم الوسيط‪،‬‬
‫‪ -‬مكي بن أبي طالب(‪ ،)437‬العمدة في غريب القرآن‪ ،‬تحقيق يوسف المرعشلي‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1981 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن مكي الصقلي(‪ ،)501‬أبو حفص عمر بن خلف‪ ،‬تثقيف اللسان وتلقيح الجنان‪،‬‬
‫تحقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن الملقن‪ ،‬عمر بن أبي الحسن‪ ،‬تفسير غريب القرآن‪ ،‬ط‪ ،1‬تحقيق سمير طه‬
‫المجذوب‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬جمال الدين محمد بن مكرم(‪ ،)711‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت(د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -‬مهدي عرار‪ ،‬أثر استشراف التطور الداللي في فهم النص القرآني‪ :‬نماذج جزئية‬
‫وموجهات كلية‪ ،‬بحث قبل للنشر في مجلة مجمع اللغة العربية األردني‪،‬‬
‫عمان‪2002،‬م‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ -‬مهدي عرار‪ ،‬جدل اللفظ والمعنى‪ :‬دراسة في داللة الكلمة العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار وائل‪،‬‬
‫عمان‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مهدي عرار‪ ،‬ظاهرة اللبس في العربية‪ :‬جدل التواصل والتفاصل‪ ،‬ط‪ ،1‬دار وائل‪،‬‬
‫عمان‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مهدي عرار‪ ،‬قضية التطور الداللي بين اإلنكار واإلثبات ومنهج الحل‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات‪ ،‬الجامعة األردنية‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ناصر الدين األسد‪ ،‬العشرينات والعشرينيات‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية األردني‪،‬‬
‫م‪،1‬ع‪1978‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النسائي‪ ،‬أحمد بن شعيب‪ ،‬سنن النسائي (بشرح السيوطي)‪ ،‬دار إحياء التراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ن‪.‬‬
‫‪ -‬نهاد الموسى‪ ،‬اللغة العربية وأبناؤها‪ :‬أبحاث في قضية الخطأ وضعف الطلبة في‬
‫اللغة العربية‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة وسام‪ ،‬عمان‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النووي(‪ ،)676‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬النووي(‪ ،)676‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ن‪.‬‬
‫‪ -‬الهروي‪ ،‬القاسم بن سالم(‪ ،)224‬غريب الحديث‪ ،‬تحقيق حسين محمد شرف‪ ،‬الهيئة‬
‫العامة لشؤون المطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الهيثمي‪ ،‬نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي(‪ ،)807‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪،‬‬
‫تحقيق محمد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اليزيدي‪ ،‬عبد اهلل بن يحيى(‪ ،)237‬غريب القرآن وتفسيره‪ ،‬تحقيق مازن المبارك‬
‫ومحمد حمد اهلل‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة سيد الشهداء(د‪.‬ن)‪1972 ،‬م‪.‬‬

‫‪180‬‬

You might also like