Professional Documents
Culture Documents
القرآن وتحريف الغالين
القرآن وتحريف الغالين
هذا الكتاب هو الجزء األول من أجزاء ثالثة من هذه السلسلة تحاول أن
تصحح األخطاء الكبرى التي وقعت أثن##اء التعام##ل م##ع الق##رآن الك##ريم ،وهي
التي أشار إليها الحديث المعروف المشهور ،وهو قول رسول هللا ( :يحمل
هذا العلم من كل خلف عدوله ،ينفون عنه تحريف الغالين ،وانتحال المبطلين،
وتأويل الجاهلين)
وبناء على هذا؛ فإن ه##ذا الج##زء يع##الج المبالغ##ات والغل##و ال##ذي ارتب##ط
ببعض العل##وم القرآني##ة ،أو الفه##وم المتعلق##ة ب##ه ،وال##تي ص##رفت عن الت##دبر
الحقيقي #للقرآن الكريم ،وجعلت من أولئك الغالة ،مثل الذي يهتم بالقش#ر أك#ثر
من اللباب ،وباألجزاء أكثر من الكل.
ولذلك؛ فهو ال ي#دعو لط##رح تل##ك العل##وم أو الفه#وم طرح#ا #كلي##ا ،وإنم#ا
يدعو إلى تصحيحها ،ونفي الغلو عنها ،ووضعها في محاله##ا المناس##بة ،ح##تى
ال تكون سببا يصرف عن تدبر القرآن الكريم ،أو يؤثر في فاعليته في الواقع.
وقد رأين##ا أن##ه يمكن انحص##ار تل##ك المبالغ##ات في س#بعة قض##ايا وعل##وم
ك##برى ،هي :الرس##م واإلمالء ..والتجوي##د والق##راءات ..وأس##باب ال##نزول..
ومحال النزول ..ومصاديق التنزيل ،أو ما يطل#ق علي#ه [الج#ري والتط##بيق]..
والناسخ والمنسوخ ..وعقبات التأوي##ل ،وق##د تناولن##ا في##ه س##بع عقب##ات ك##برى،
هي :عقبة الفضول ،وعقبة الخرافة ،وعقبة الوهم ،وعقبة المحدودي##ة ،وعقب##ة
الحرفية ،وعقبة األهواء ،وعقبة الدجل.
التنزيل والتأويل
()3
الطبعة األولى
1443ـ 2021
4
350 الموضوعات والمقاصد:
350 السور المكية:
356 السور المدنية:
363 . 2اختالفات وخالفات:
363 سور مختلف فيها:
374 آيات مختلف فيها:
374 سورة البقرة:
376 سورة األنعام:
382 سورة األعراف:
383 سورة االنفال:
385 سورة براءة:
388 سورة يونس:
388 سورة هود:
390 سورة يوسف:
391 سورة إبراهيم:
391 سورة الحجر:
393 سورة النحل:
394 سورة اإلسراء:
399 سورة الكهف:
402 سورة مريم:
403 سورة طه:
404 سورة الشعراء:
405 سورة القصص:
406 سورة العنكبوت:
408 سورة لقمان:
409 سورة السجدة:
410 سورة سبأ:
412 سورة فاطر:
413 سورة يس:
414 سورة الزمر:
415 سورة غافر:
416 سورة الشورى:
417 سورة الزخرف:
418 سورة الجاثية:
5
418 سورة االحقاف:
420 سورة ق:
421 سورة النجم:
422 سورة القمر:
423 سورة الواقعة:
424 سورة الملك:
424 سورة القلم:
425 سورة الم ّزمل:
427 سورة المرسالت:
428 .3شبهات وردود:
430 العنف والشدة:
433 التقريع والتوبيخ:
439 االنحطاط والتعارض:
440 القصار والطوال:
442 تشريعات وأحكام:
445 براهين وأدلة:
448 الحس والمعنى:
451 لغو وغموض:
456 خامسا ـ القرآن ..ومصاديق التنزيل
457 .1المصاديق والتأويل الصحيح:
464 .2المصاديق والتأويل المنحرف:
465 نماذج للتفسير المنحرف:
470 مثال البعوضة:
474 السماء والطارق:
476 ليلة القدر:
478 النبأ العظيم:
481 الخنّس:
486 سنفرغ لكم أيها الثقالن:
489 هذا الذي كنتم به تكذبون:
491 دين القيمة:
492 نارا تلظى:
494 ك رقبة:ف ّ
498 والتين والزيتون:
500 وطور #سينين:
6
501 يا ليتني كنت ترابا:
503 أهل الكتاب:
506 لحبّ الخير لشديد:
508 لقد خلقنا اإلنسان في أحسن تقويم:
509 لعلي حكيم:
511 فإذا فرغت فانصب:
514 الذي يكذب بالدين:
515 عاملة ناصبة:
518 اثنا عشر شهرا:
520 رب المشرقين ورب المغربين:
521 والفجر وليال عشر:
523 والسماء ذات البروج:
525 والشمس وضحاها والقمر إذا تالها:
527 والنور الذي أنزلنا:
529 واآلخرة خير وأبقى:
531 وقال اإلنسان ما لها:
533 فاستبقوا الخيرات:
535 إقامة الصالة:
538 األمر بالمعروف #والنهي عن المنكر:
540 مصادر التفسير المنحرف:
544 تفسير العسكري:
554 تفسير القمي:
563 تفسير العياشي:
565 تفسير الحويزي:
566 تفسير البحراني:
568 .3الغالة وتحريف التنزيل:
570 شهادات وتصريحات:
581 الحشوية واإلخباريون:
595 تدليس وتزوير:
603 4ـ الموقف المعتدل:
606 سادسا ـ القرآن ..وتعطيل التنزيل
608 1ـ نسخ التالوة:
608 شواهد وإشكاالت:
613 ردود وإجابات:
7
613 من المدرسة السنية:
624 من المدرسة الشيعية:
629 2ـ نسخ األحكام:
631 المنكرون للنسخ:
631 من المدرسة الشيعية:
634 من المدرسة السنية:
645 الدليل القرآني للنسخ:
656 آيات النسخ وتوجيهها
658 آيات الرحمة والشدة:
666 آيات الرخصة والعزيمة:
675 آيات التدرج واللطف:
683 آيات البر والصلة:
700 آيات العفاف والتحصين:
709 آيات الزواج وأحكامه:
722 آيات العفو والتوبة:
730 3ـ الموقف المعتدل:
733 سابعا ـ القرآن ..وعقبات التأويل
736 1ـ عقبة الفضول:
785 2ـ عقبة الخرافة:
795 3ـ عقبة الوهم:
813 4ـ عقبة المحدودية:
827 5ـ عقبة الحرفية:
833 6ـ عقبة األهواء:
838 7ـ عقبة الدجل:
846 النهاية
849 هذا الكتاب
8
مقدمة الكتاب
هذا الكت##اب ه##و الج##زء األول من أج##زاء ثالث##ة من ه##ذه السلس##لة تح##اول أن
تصحح األخطاء الكبرى ال##تي وقعت أثن##اء التعام##ل م##ع الق##رآن الك##ريم ،وهي ال##تي
أشار إليها الحديث المعروف #المشهور ،وهو قول رس#ول هللا ( :يحم#ل ه#ذا العلم
من ك##ل خل##ف عدول##ه ،ينف##ون عن##ه تحري##ف الغ##الين ،وانتح##ال المبطلين ،وتأوي##ل
الجاهلين) ()1
وق##د #رأين##ا تق##ديمها على غيره##ا من األج##زاء ال##تي تبحث في المواض##يع#
والمقاصد #القرآنية ،حتى ال نكرر في كل جزء االنحرافات والتأويالت الخاطئة التي
ترتبط #بالقضايا ال##تي نطرحه##ا #..وح##تى نص##رف الش##به عن الق##رآن الك##ريم ،والفهم
الخاطئ له ،وهو مقدم على غيره؛ ألن التعامل الخ##اطئ ن##وع من الجه##ل الم##ركب،
وال يمكن معالجة الجهل البسيط #إال بعد إصالح الخلل الناجم عن الجهل المركب.
ومن خالل الحديث الشريف تبين لنا أن للتعام#ل الخ##اطئ م#ع الق##رآن الك#ريم
ثالثة ميادين كبرى ،لكل ميدان أهله الخاصون به:
أما األول؛ فهو التحريف ،وأهله هم الغ##الون ،وق##د رأين#ا أنهم يش#ملون أولئ##ك
المؤمنين الصادقين في إيمانهم ،لكنهم نتيجة مبالغاتهم وتش##ددهم #وغل##وهم في بعض
األمور ،وقعوا #في التحريف من غير أن يقص##دوه أو يش##عروا ب##ه ..وق##د تن##اول ه##ذا
الجزء هذا النوع من الخلل الذي حصل للتعامل مع القرآن الكريم.
وأما الثاني؛ فهو #االنتح#ال وال#تزوير #والت#دليس ،وأهل#ه هم المبطل#ون ،وهم ـ
ليسوا كالطرف #األول مؤم##نين ص#ادقين ـ وإنم#ا هم منحرف##ون مغرض#ون #متبع#ون
للباطل ،وال يستبعد #أن يكون منهم من يكون صاحب ني##ة س##يئة ،وال يبع##د أيض##ا أن
يكون منهم الضالون الذين اشتبهت عليهم األمور؛ فتوهموا #الباط##ل حق##ا ،والض##الل
هداي##ة ..وق##د خصص##نا #الج##زء الراب##ع من ه##ذه السلس##لة لل##رد والتص##حيح المرتب#ط#
بهؤالء.
وأما الثالث؛ فهو #التأويل الزائغ عن الحق ،وأهله هم الجهلة الذين ال يفرق##ون
بين المحكم والمتشابه ،وال يرجعون للراسخين في العلم منهم ،ولذلك انحرف فهمهم
عن المعاني القرآنية إلى أضدادها ..وقد خصصنا #الجزء الخ##امس من ه##ذه السلس##لة
للرد والتصحيح المرتبط بهؤالء.
وبناء على هذا؛ فإن هذا الجزء يع##الج المبالغ##ات والغل##و ال##ذي ارتب##ط ببعض
العلوم القرآنية ،أو الفه##وم المتعلق##ة ب##ه ،وال##تي ص##رفت عن الت##دبر الحقيقي للق##رآن
الكريم ،وجعلت من أولئك الغالة ،مثل الذي يهتم بالقشر أكثر من اللباب ،وباألجزاء
أكثر من الكل.
ولذلك؛ فهو #ال يدعو لطرح تلك العلوم أو الفهوم طرحا #كليا ،وإنما ي##دعو إلى
)( 1الحديث مروي في المصادر السنية والشيعية ،ومنها :البيهقي في السنن الكبرى ،209 /10ومعاني األخبار ص .33
9
تصحيحها ،ونفي الغلو عنه##ا ،ووض##عها #في محاله##ا المناس##بة ،ح##تى ال تك##ون س##ببا
يصرف #عن تدبر القرآن الكريم ،أو يؤثر في فاعليته في الواقع.
وقد رأينا أنه يمكن انحصار تلك المبالغ##ات في س##بعة قض##ايا #وعل##وم ك##برى،
وض##عنا ك##ل قض#ية أو علم منه##ا في فص##ل خ#اص ،سنش##رحها هن##ا ،ونش#رح #معه#ا
الجانب الروائي من الكتاب ،والذي يهدف إلى التبسيط والتيسير واالستيعاب#.
الجانب العلمي من الكتاب:
قسمنا الكتاب من خالل القضايا الك##برى المطروح##ة في##ه إلى س##بعة فص##ول،
وهي:
أوال ـ القرآن ..ورسم التنزيل :وقد #تناولنا فيه االهتمام المبالغ في##ه بم##ا يطل##ق
عليه [الرسم العثم##اني] ،واعتب##اره موقوف##ا #،ال يج##وز #االجته##اد في##ه ،وبين##ا أن ذل##ك
الرسم مرتبط فقط بتلك البيئة التي لم تنضج فيه الكتابة العربية بعد ،ولذلك ال عالقة
له ب##القرآن الك##ريم ،ويمكن كتاب##ة المص##احف #بالرس##م اإلمالئي الع##ادي ال##ذي ييس##ر
لعام##ة الن##اس ق##راءة الق##رآن الك##ريم من دون حاج##ة لمن يص##حح لهم ،م##ع إمكاني##ة
االحتفاظ بمصاحف #كتبت بالرسم العثماني #لتكون في متناول الخاص##ة من الن##اس ال
عامتهم.
ثانيا ـ القرآن ..وقراءات التنزيل :وقد تناولنا #فيه االهتمام المب#الغ في#ه بعلمين
أصبحا عند كثير من الناس حجاب##ا دون ت#دبر الق##رآن الك#ريم ،وهم#ا [علم التجوي#د]
و[علم القراءات] ،وبينا أن أكثر تلك االهتمامات من التكلف والغل#و #ال##ذي ال عالق##ة
له بالقرآن الكريم ،والذي جعله هللا تعالى يسيرا سهال لك##ل ق##ارئ ،كم##ا ق##ال تع##الى:
﴿فَإِنَّ َم#ا يَ َّس#رْ نَاهُ بِلِ َس#انِكَ لَ َعلَّهُ ْم يَتََ #ذ َّكرُونَ ﴾ [ال##دخان ،]58 :وق#الَ ﴿ :ولَقَْ #د يَ َّس#رْ نَا ْالقُ#رْ آنَ
ر﴾ [القمر]22 : لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍ
ثالثا ـ القرآن ..وأسباب النزول :وقد تناولنا فيه االهتمام المب##الغ في##ه بأس##باب
النزول إلى الدرجة التي تحول فيها القرآن الكريم إلى وثيق##ة تاريخي##ة ال عالق##ة له##ا
بالحياة ،وقد #بينا من خالل استعراض أسباب النزول كيفية التعامل الصحيح معها.
رابعا ـ القرآن ..ومحال النزول :وقد تناولنا فيه االهتمام المبالغ فيه بما يطل#ق
عليه [المكي والمدني] ،وبينا #كيفية االستثمار #الصحيح لها.
خامسا ـ القرآن ..ومصاديق التنزيل :وقد #تناولنا فيه خصوصا #ما يطلق عليه
[الجري والتط##بيق] ،وخصوص##ا في تطبيقات##ه الخاطئ##ة ال##تي ق##ام به##ا غالة الش##يعة
الذين حملوا كل آيات القرآن الكريم على أئمة اله##دى ،من غ##ير مراع##اة أي مناس##بة
تدعو إلى ذلك ..وقد بين#ا في#ه أق#وال العلم##اء الع#دول من الش#يعة في ال##رد على تل##ك
المبالغات ،سواء من خالل نقد أسانيدها ،أو من خالل بيان تفسيراتهم لتلك اآليات.
سادسا ـ القرآن ..وتعطيل التنزيل :وقد #تناولن#ا في##ه بتفص##يل ش##ديد م#ا يطل#ق
عليه [الناسخ والمنسوخ] ،وبينا أنه ـ بأنواعه جميعا ـ معارض لتفعيل القرآن الكريم#
10
في الواقع ،ثم استعرضنا كل اآليات التي قيل بنسخها ،وبينا إمكانية االستفادة منه##ا،
وتفعيلها فيما نزلت من أجله.
سابعا ـ القرآن ..وعقبات التأويل :وقد #تناولنا فيه العقبات الك##برى ال#تي وق#ع
فيها المفسرون ،وقد رأينا أنها سبعة عقبات ،ذكرنا نماذج عن كل واحدة منها ،ألننا
سنستعرض #تفاصيلها في سائر األجزاء ،وهي:
1ـ عقبة الفضول :ونقصد #بها التكلف في البحث عن القضايا واألخب##ار #ال##تي
لم يرد في القرآن الكريم تفصيلها ،ولم تكن هناك حاجة تدعو إلى ذلك.
2ـ عقب##ة الخراف##ة :ونقص##د به##ا الخراف##ات ال##تي ألص##قت ب##القرآن الك##ريم،
وجعلته يتعارض مع العقل أو العلم.
3ـ عقبة الوهم :ونقصد بها تلك األوهام التي تسربت خصوصا #إلى التفاس##ير
الباطنية؛ فجعلت للكشف واإللهام دورا #في تفسير الق##رآن الك##ريم من غ##ير أي دلي##ل
أو حجة.
4ـ عقبة المحدودية :ونقصد بها ما تعلق به المت##أثرون بالتفس##ير الم##أثور #من
قصر #فهم القرآن الكريم #على سلف األمة دون خلفها.
5ـ عقبة الحرفي##ة :ونقص#د #به##ا م##ا نش##أ عن التعل##ق ب##الظواهر القرآني##ة ،من
انحرافات #ترتبط بالتجسيم والتشبيه ونحوها#.
6ـ عقبة األهواء :ونقصد بها تل##ك التفاس##ير ال##تي انطل##ق فيه##ا أص##حابها من
تعصبهم #لطوائفهم؛ فجعلوه متحكما في القرآن الكريم ،وحاكما عليه.
7ـ عقبة الدجل :ونقصد بها ربط القرآن الكريم #بالشعوذة والدجل ،كن##وع من
االستغالل الخاطئ لما ورد فيه من البركات وتحقيق #الشفاء ونحوهما.
الجانب الروائي من الكتاب:
تبدأ الرواية من زيارة معلم القصد واالعت##دل لتلمي##ذ الق##رآن الك##ريم ،لي##دعوه
للرحيل إلى بلدة الغالين ،للمساهمة مع##ه في ال##دعوة لالعت##دال والوس##طية والتعام##ل
المقاصدي مع القرآن الكريم.
وعن##دما ذهب تلمي##ذ الق##رآن الك##ريم للبل##دة تفاج##أ باهتمامه##ا الكب##ير ب##القرآن
الكريم ،في نفس الوقت الذي لم تظه##ر عليهم آث##اره العملي##ة ،ال في حي##اتهم ،وال في
سلوكهم ،ثم يكتشف أن سبب ذلك هو غلوهم في بعض قضاياه أو علومه عن التدبر
والتأثر #واالنفعال.
وأول تلك المحال التي رأى مبالغة أهل تلك المدينة فيها ،هي الرسم واإلمالء
القرآني ،وقد سمع منهم وجوه المبالغة في##ه ،وأس##بابها ،لكن ت##دخل المعلم ،وطريقت##ه
الحكيمة في التعامل مع تلك القضية ،جعلتهم يميل##ون إلي##ه ،ويقبل##ون قول##ه في كتاب##ة
المص##احف وتعليم #الق##رآن الك##ريم ب##اإلمالء الع##ادي ..وق##د #ك##ان ذل##ك أول توجي##ه
وتص##حيح أله##ل تل##ك المدين##ة ،جعلهم يثق##ون في المعلم ،وال##ذي اس##تطاع بطريقت##ه
الخاصة أن يؤثر فيهم ،ويجعلهم #يقبلون كل ما يطلبه منهم.
11
وهكذا ،انتقل إلى المهتمين بالقراءات والتجوي#د #،وص#حح لهم م#ا يقع#ون في#ه
من مبالغات ،ودعاهم إلى ما ورد في القرآن الكريم من اليسر والسهولة.
ثم انتقل إلى المبالغين في أسباب النزول ،وص##حح لهم كيفي##ة التعام##ل معه##ا،
وبين لهم من خالل تعليق##ه على أس##باب ال##نزول ال##تي يوردونه###ا كيفي##ة التعام##ل
الصحيح معها ومع اآليات المرتبطة بها.
وهكذا سرت تعاليم المعلم في الذين يب##الغون في مح##ال ال##نزول ،وعلم المكي
والمدني؛ فصاروا يبحثون في أسرارها وكيفية االستفادة منها.
وهكذا اس##تطاع أن يص##ل إلى القض##اء ،وي##دعو إلى محاكم##ة متهمين معطل##ة
أحك##امهم ،بتهم##ة التفس##ير الب##اطني للق##رآن الك##ريم والق##ول بتحريف##ه ،وق #د #ك##انت
المحاكمة فرصة ألولئك الفتية لي##دافعوا #عن أنفس##هم ،وي##بينوا #أن م##ا نس##ب لهم غ##ير
صحيح ،بل هو من فعل الغالة الذين يتبرؤون #منهم ،وقد ك##ان ذل##ك فرص##ة لتحقي##ق
الوحدة والتآلف بين أهل المدينة.
وبفعل كل تلك التغييرات الطارئة على المدينة بسبب توجيه##ات #المعلم خ##رج
أحفاد قت##ادة ،وه##و من ينس##ب إلي##ه أول كت##اب في الناس##خ والمنس##وخ ،ليت##برؤوا #من
مق##والت ج##دهم ،ويجيب##وا عن ك##ل األس##ئلة ال##تي ط##رحت عليهم ،وال##تي من خالل
أجوبتهم #لها ،بينوا أن القرآن الكريم كله محكم ال تعطيل في أي كلمة من كلمات##ه ،أو
آية من آياته.
وبعد أن حصل كل ذلك قرر أهل المدينة ،وبإش##راف #المعلم ،القي##ام بمراجع##ة
شاملة للتفاسير القرآنية ،ليميز ما فيها من غلو وتحريف وانحراف#.
وفي آخر الرحلة ،وببركات ذلك كله تحولت المدينة إلى مدينة قرآنية حقيقية،
تحاول أن تتدبر القرآن الكريم ،وتعيش معانيه ،بعيدا عن الغلو والتحريف#.
وقد حاولنا في هذا الجانب أن نطرح كل القضايا بس##هولة ويس##ر واس##تيعاب،
ولذلك كثر المتحدثون في الرواية ،سواء من الغالة المنحرفين ،أو من غيرهم.
وننب##ه في األخ##ير إلى أن التوثيق##ات ال##واردة قب##ل ذك##ر الق##ول ،ت##بين مص##در
الكالم المطروح ،لكن ليس بالضرورة أن يك##ون نفس الكالم موج##ودا #في المص##در،
ألني أتصرف فيه بحسب المق##ام ،وأحيان#ا #يك##ون لص##احب الكت##اب غ##رض مختل##ف
تماما ،لكني أصححه في النص ،بخالف النص##وص ال##تي تك##ون في ثناي##ا الكالم ،أو
بين قوسين ،فهي منقولة بدقة وأمانة.
وذلك ألن هذه السلسلة وغيرها من السالسل تهدف إلى التقريب والوحدة بين
المسلمين ،ولذلك أحذف كل ما يسيء إلى تلك الوحدة ،ومثلها ما قد يصرف #القارئ
عن المقصد من الكتاب.
12
البداية
بعد أن طلب مني معلمي معلم القرآن االستعداد للسفر للرحل##ة الخاص##ة بتعلم
ما يتعلق بـ [القرآن ..وتحريف #الغالين] رحت أبحث في كل الكتب التي تتح#دث عن
الغلو ،وأسبابه ،وكيف واجه القرآن الكريم ه##ذه الظ##اهرة الخط##يرة ال##تي تنتش#ر #في
كل المجتمعات ،وبين أهل كل األديان.
وحين قرأت كل ذلك ،عرفت سر قوله تعالى﴿ :قُلْ يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ
ب اَل تَ ْغلُوا فِي
ض#لُّوا ع َْن
ض#لُّواَ #كثِ##يرًا َو َ ضلُّوا ِم ْن قَ ْب ُل َوأَ َ ق َواَل تَتَّبِعُوا أَ ْه َوا َء قَوْ ٍ#م قَ ْد َ ِدينِ ُك ْم َغي َْر ْال َح ِّ
َس َوا ِء ال َّسبِي ِل﴾ [المائ##دة ،]77 :وكيف #اعت##بر الغل##و س##ببا التب##اع األه##واء ..ثم س##ببا لك##ل
أنواع الضاللة.
م##ا إن ع##رفت ذل##ك ،ح##تى رأيت رجال ال يختل##ف عن ك##ل المعلمين ال##ذين
رأيتهم؛ ففرحت كثيرا ،وقلت مخاطبا #له :من أنت من المعلمين؟
قال :أنا معلم القصد واالعتدال.
قلت :إذن أنت الذي سأرحل معه إلى [القرآن ..وتحريف #الغالين]
قال :أجل ..فقد كلفني معلمي معلم القرآن بذلك ..وأنا ط#وع #أم#ره ..فعلي##ك أن
تكون طوع أمري ،حتى ال يحصل لك ما حصل لموسى عليه السالم مع الخضر.
صي لَكَ أَ ْمرًا﴾ [الكهف]69 : صابِرًا َواَل أَ ْع ِ قلت :ال تخفَ ﴿ ..ستَ ِج ُدنِي إِ ْن َشا َء هَّللا ُ َ
ك ِم ْنهُ ِذ ْكرًا﴾ [الكهف]70 : ث لَ َ قال﴿ :فَإِ ِن اتَّبَ ْعتَنِي فَاَل تَسْأ َ ْلنِي ع َْن َش ْي ٍء َحتَّى أُحْ ِد َ
قلت :لك ذلك ..فقد علمني معلمي معلم السالم أن أكون لينا سهال متسامحا.
قال :وشديدا #في ذات هللا ..فنحن سنقوم برحل##ة تقتض##ي من##ا بعض الش##دة ،أو
الكثير منها.
قلت :أنحن ذاهب##ون إلى بالد الكف##ار ..فق##د وص#ف #هللا المؤم##نين بالش##دة على
ار﴾ [الفتح]29 : الكفار ،فقالُ ﴿ :م َح َّم ٌد َرسُو ُل هَّللا ِ َوالَّ ِذينَ َم َعهُ أَ ِش َّدا ُء َعلَى ْال ُكفَّ ِ
ق###ال :ال ..نحن ذاهب###ون إلى بالد المؤم###نين ..ولكنهم #خلط###وا إيم###انهم بم###ا
يشوهه ،حتى صاروا #وسيلة يتذرع بها الكفار لكفرهم.
قلت :فما تريد أن نفعل لهم؟
قال :ننصحهم #بكل لين ورأفة ..وبكل قوة وشدة حتى يرتدعوا.
قلت :وعيت اللين والرأفة لكني لم أع القوة والشدة.
قال :القوة في الحق ..والشدة في تبليغه ،حتى ال تأخذنا في الحق لومة الئم.
قلت :فهمت ..كنت أتوهم أن الشدة عنف وبطش.
قال :معاذ هللا ..فنحن ليس لدينا سوى #سالح الكلمة وأنواره##ا #..الكلم##ة القوي##ة
الشديدة التي ال تداري #وال تماري#.
قلت :فألي بالد المؤم##نين تري##د أن نس##ير لن##ؤدي واجبن##ا في األم##ر والنهي
13
والنصح واإلرشاد#.
قال :إلى مدينة أس#اءت فهم الق#رآن الك#ريم ،فزاحمت#ه بعل#وم #كث#يرة ،فيه#ا م#ا
يجدي ،وفيها ما ال يجدي ،وفيها #النافع ،وفيها #الض##ار #..ونحن سنس##ير #إليه##ا لن##ؤدي#
واجبنا في نصحها ..لعلهم يعقلون ويهتدون.
قلت :فهل تريد مني أن أشاركك في التوجيه والنصح؟
قال :أجل ..لقد طلب مني معلمنا معلم القرآن ذلك ..فل##ك أن تش##ارك لكن بع##د
أن ترى مني ما يدل على إذني لك ..حتى ال نخرب ما نريد بناءه.
قلت :لقد تعودت من كل المعلمين أن أعرف مسار رحلتي قبل البدء بها.
قال :سنسير #إلى سبعة محال كبرى.
قلت :فما أولها؟
قال :أولها المحل الذي نوجه فيه أولئك الذين غ##الوا في كتاب##ة الق##رآن الك##ريم
ورسمه حتى توهموا أنه البد أن يكتب بم##ا كتب##ه ب##ه األول##ون ،ح##تى ل##و خ##الف ك##ل
أع##راف الكتاب##ة وقوانينه##ا ،وح##تى ل##و أدى ألن يق##رأه عام##ة الن##اس على خالف م##ا
أنزل.
قلت :أع##رف ه##ؤالء جي##دا ،وأع##رف غل##وهم ومبالغ##اتهم ،وال##تي جعلتهم
يتوهمون أن جبريل عليه السالم نزل بالقرآن الكريم بنفس تلك الكتابة التي يكتبون##ه
بها ..فما المحل الثاني؟
ق##ال :أولئ##ك ال##ذين غ##الوا وب##الغوا فيم##ا يطلق##ون علي##ه [علم التجوي##د] و[علم
القراءات] ،فجعلوه عسير المنال ،صعب النطق ،خالفا لما أنزل هللا تعالى به كتابه،
فقد قال﴿ :فَإِنَّ َما يَسَّرْ نَاهُ بِلِ َس#انِكَ لَ َعلَّهُ ْم يَتََ #ذ َّكرُونَ ﴾ [ال##دخان ،]58 :وق##الَ ﴿ :ولَقَْ #د يَ َّس#رْ نَا
ر﴾ [القمر]22 : ْالقُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍ
قلت :أعرف هؤالء كذلك ،ومبالغاتهم وغلوهم ..فما الثالث؟
قال :أولئك الذين بالغوا في أسباب النزول إلى الدرجة التي تحول فيها القرآن
الكريم عندهم إلى وثيقة تاريخية ترتبط كل آية منها بشخص أو حدث.
قلت :فما الرابع؟
قال :أولئك الذين بالغوا في محال ال##نزول إلى الدرج##ة ال##تي توهم##وا فيه##ا أن
القرآن الكريم ال يمكن تدبره من دون معرفتها#.
قلت :فما الخامس؟
قال :أولئك الذين بالغوا في مصاديق #التنزيل ،وغ##الوا فيه##ا إلى أن ألغ##وا ك##ل
المعاني القرآنية من أجلها.
قلت :فما السادس؟
قال :أولئك الذين توهموا أن بعض القرآن الك##ريم معط##ل ،وأن الغ##رض من##ه
ليس سوى #تالوته والتبرك به دون االستفادة منه أو تفعيله في الحياة.
14
قلت :فما السابع؟
قال :أولئك الذين انحرفوا #بالتأويل عن مساره الذي رسمه هللا تعالى؛ فخلطوا#
المدنس بالمقدس ،وحولوا #من تفاسير القرآن الكريم إلى كتب خرافة ودجل وفضول
وتكلف#.
قلت :فهل سنسير اآلن إلى تلك البالد؟
قال :ستسير #أنت ..أما أنا فال أحتاج إلى السير.
قلت :ولكني قد أضيع عنك ..أو تضيع عني ..فكيف نلتقي؟
ق##ال :س##ر فق##ط ..وس##تراني #في ك##ل مح##ل تحت##اج أن ت##راني في##ه ..وإي##اك أن
تتصرف #من غير استئذان حتى ال يساء إليك.
قلت :أهناك عنف في تلك المحال؟
قال :وشديد #..أنسيت أنك سترحل إلى بالد الغالة؟
قلت :أفيهم إرهـابيون؟
قال :هم ليسوا إرهـابيين ..ولكن أك##ثر اإلرهـابيين أو جلهم أو كلهم تخرج##وا
من مدارسهم#.
15
أوال ـ القرآن ..ورسم التنزيل
فجأة الحت لي مدينة جميلة ،يبدو عليها النظافة والنظام والهدوء التام ،لك##ني
ما إن اقتربت منها حتى بدأت أغير نظ##ري إلى الص##ورة ال##تي كنت أحمله##ا عنه##ا..
وأول ذلك تلك الحفر الكثيرة التي كانت تمأل الطرقات ،والتي جعلتني أق##ع ك##ل حين
على وجهي ،مع أنه كان في اإلمكان لمن بنى تلك المدين##ة الجميل##ة أن يس##دها ،ومن
غير تكلفة ،لكنه لم يفعل ،وربما عمدا ،ولست أدري السبب.
ال تظنوا أني قلت ذلك حدسا ،أو شقا على القلوب ،فمع##اذ #هللا أن أفع##ل ذل##ك..
ولكني رأيت أن تلك الحفر ،وكأنهم قصدوها ،بل إنه صرفوا #عليها ـ على ما يب##دو ـ
أمواال أكثر من األموال التي صرفوها #على الطريق المعب#د ،ذل#ك أنه#ا ك#انت حف#را
معبدة ،وبأشكال #مختلفة ،ولم تكن مجرد حفر عادية.
وهكذا في كل المحال التي دخلت إليها؛ فعندما دخلت بعض المطاعم ق##دم لي
طعاما لذيذا ..لكني ما إن قربته من فمي حتى شممت رائح##ة كريه##ة ،جعلت##ني أنف##ر
من##ه ،ولم أس##تطع أن أس##أل ص##احب المطعم عن تل##ك الرائح##ة الكريه##ة ،خش##ية أن
أؤذيه ،لكني تعجبت عندما رأيت الداخلين ،يستلذون تل##ك الرائح##ة ،ب##ل يطلب##ون من
صاحب المطعم أن يضيف لطعامهم بعض ما يجعلهم يشمونها.
اتهمت نفسي وأنفي وذوقي ،ورحت آكل الطعام ،فإذا بالل##ذة والغص##ة تكتن##ف
كل لقمة؛ فلم أجد إال أن أطرحه ،وأخرج من المطعم ،وأدفع ثمنا غالي##ا من غ##ير أن
أستلذ لقمة واحدة.
ُ َ
﴿وأ ْس#ق ْينَاك ْ#م َم##ا ًءَ وهكذا عندما شربت من العين التي كتب عليها قول##ه تع##الىَ :
فُ َراتًا﴾ [المرسالت ،]27 :فاستبشرت ،لكن ما إن شربت منها حتى وجدت ماءها مك##درا،
ال يختلف عن كدورة الطعام الذي طعمته في شيء.
وهكذا في كل المحال التي سرت إليها ،وهو ما جعلني أتعجب منها ،وخاصة
عن##دما رأيت ك##ل الفتاته##ا مزين##ة باآلي##ات القرآني##ة المرس##ومة بالرس##م الق##رآني ال
اإلمالئي ..وكل أهلها يتكلم##ون ب##القرآن وعن الق##رآن ..وه##ذا م##ا س##رب إلي ال##ريب
والشك الذي كنت أسمعه من العلم##انيين والح##داثيين والمالح##دة وغ##يرهم ،وقلت في
نفسي :كيف يمكن أن تكون هناك مدين##ة ال تتغ##نى إال ب#القرآن ،ثم يك##ون حاله##ا ه#ذا
ُ
الحال ،ألم يسمعوا قوله تعالىَ ﴿ :ولَ##وْ أَنَّهُ ْم أَقَ##ا ُموا التَّوْ َراةَ َواإْل ِ ْن ِجيَ #ل َو َم##ا أ ْنِ #
#ز َل إِلَ ْي ِه ْم
ت أَرْ ُجلِ ِه ْم﴾ [المائدة]66 :؟ ِم ْن َربِّ ِه ْم أَل َ َكلُوا ِم ْن فَوْ قِ ِه ْ#م َو ِم ْن تَحْ ِ
ما قلت هذا في نفسي من غير أن أتفوه بحرف واحد ،حتى ق##ال لي بعض##هم،
وهو يربت على كتفي :أتقن قراءة اآلية أوال ،ثم استدل به#ا ..أين الغن#ات والم#دود..
فكيف #بلعتها جميعا في نفسك؟ ..هل ترى من حرمة القرآن الكريم أن يُقرأ كما يق##رأ
سائر الكالم؟
16
قلت :من أنت؟ ..وكيف عرفت ما جال بخاطري؟
قال :نحن أهل هذه المدينة القرآنية وهبن##ا هللا ـ لص##دقنا وص##فائنا وإخالص##نا
للقرآن الكريم ـ قراءة الخواطر ،والتفرس في الوجوه ..فلذلك اح##ذر أن يخط##ر على
بالك في هذه المدينة ما قد تعاقب عليه.
قلت :إن مدينتكم غريبة ..ما اسمها ..فأنا لم أقرأ في الت##اريخ والجغرافي##ة عن
مدينة تشبهها؟
قال :هذه مدينة الغالين..
قلت :أهي تلك التي قال عنها رسول هللا ( : يحمل هذا العلم من كّ #ل خل##ف
عدوله ،ينفون عنه تحريف #الغالين ،وانتحال المبطلين ،وتأويل الجاهلين) ()1
قال :ال ..ومعاذ #هللا أن تكون مدينة كذلك ..بل هي مدينة الغ##الين ..من الغالء،
وليس من الغل##و ..فانتب##ه لم##ا تق##ول ،واح##ذر أن تخل##ط بين عقل##ك وال##دين ..فال##دين
مصدره الوحي ،والعقل مصدره الهوى.
قلت :أجل ..صحيح ..وشكرا جزيال ..بالفعل مدينتكم ك##ذلك ،وكي##ف ال تك##ون
ك##ذلك ،وهي ممل##وءة بالالفت##ات القرآني##ة ..لكن تم##نيت ل##و أنكم كتبتموه #ا #بالرس##م#
اإلمالئي العادي ليفهمها سائر الناس ..فقل من يتقن الرسم القرآني.
﴿واَل تَيْأ َ ُس #وا ِم ْن َروْ ِ
ح هَّللا ِ إِنَّهُ اَل أش##رت إلى الفت##ة كتب عليه##ا قول##ه تع##الىَ :
ح هَّللا ِ إِاَّل ْالقَوْ ُم ْال َكافِرُونَ ﴾ [يوسف ،]87 :وقلت :انظر إلى تلك الالفتة التي يَيْأَسُ ِم ْن َروْ ِ
كتبت هكذا ﴿إنّه ال يايئس﴾ ،فالكثير قد يخطئ في قراءتها.
قال :هل تريد منا أن نبدلها إذن بالرسم اإلمالئي العادي؟
قلت :أجل ..إن لم يكن هناك مانع ..فالرسم #مجرد اصطالح ،والعبرة بالقراءة
الصحيحة.
ما إن قلت هذا حتى أخذ بتالبيبي ،ثم صار يبطش بي بش##دة ،فقلت :م##ا ال##ذي
حصل؟ ..ما الذي فعلته لك حتى تؤذيني هكذا؟ ..ه##ذا مج##رد رأي ..وليس عليكم أن
تعملوا به.
قال :أنا لم أبطش بك ،وإنما بطشت بالشيطان الذي تكلم على لسانك ..اذهب،
وال تعد إلى هنا ،فلو رأيتك مرة أخرى ،سيكون لي معك شأن آخر.
ما إن أطلقني حتى أسرعت مهروال مبتعدا عنه ،خشية أن يدور #بخاطري م##ا
يجعله يستبيح دمي..
وفي أثناء فراري أمسك بي أحدهم ،وهو يق#ول :أرج##و أال تك##ون لص##ا ..وإال
فسأحملك #إلى قاض يقطع يدك من غير حاجة لبينة؛ فيكفي أن أشهد له بذلك.
امتأل قلبي خوفا ،وخشيت على يدي التي ال أملك غيرها ..فقلت مترجي##ا :ال..
ال ..معاذ هللا أن أكون كذلك ..أنا كاتب فقط ..دوري في الحياة هو الكتابة ..فل##ذلك ال
أهتم ال بمال وال بجاه ..والكاتب ال يحتاج سوى لألقالم والقراطيس ،وه##و في غ##نى
)(1معاني األخبار.33/
17
عن كل أموال الدنيا ..ولذلك ال حاجة له للسرقة وغيرها.
قال بكل شدة وقوة :كاتب ..ما أكثر كتاب السوء ..ب##ل إن بعض##هم أو أك##ثرهم
أحوج إلى حد الردة منه إلى حد السرقة.
ازداد خوفي ،وقلت :مهال س##يدي ..فأن##ا ك##اتب عن##د معلم الق##رآن ..وإن ش##ئت
فتشني ،ف##إن وج##دت في كت##ابتي أي هرطق##ة أو زندق##ة أو ض##اللة؛ فل##ك أن تأخ##ذني
للقاضي الذي تشاء.
1ـ التحريف والغلو:
عن##دما قلت ل##ه ه##ذا ،انقلب رأس##ا على عقب؛ حيث أخ##ذ ي##دي ،وراح يقبله##ا،
ويعت##ذر بش##دة ..وه##و يق##ول :أعت##ذر ل##ك ..م##ا كنت أظن أن##ك من المهتمين بالرس##م
واإلمالء القرآني ..هلم معي؛ فأنا أيضا أعمل في تلك المدرسة التي ال هم لها س##وى
الدعوة للرسم القرآني ،بل بيان إعجازه وعظمته ،وهي تق##ف بش##دة في وج##ه أولئ##ك
المحرفين الذين يهونون من شأنه.
لم أدر ،إال وأنا أدخل تلك المدرسة التي وصفها ..ولست أدري هل كان ذل##ك
بسبب اعتذاره وأدبه ..أم خوفا #من أن يعود من جديد لشدته وقسوته.
عندما دخلت وجدت حلقة مجتمعة ..وكانوا يتحدثون ب##أدب وه##دوء ولط##ف..
مما أغراني بالجلوس إليهم ..لكني كنت أمسك بلساني #أن يزل ب##أي كلم##ة ق##د ت##ودي
بي إلى م##ا ال تحم##د عقب##اه ..ب##ل إني ل##ورعي وحيط##تي #كنت أص##رف #ك##ل خ##واطر
السوء عن ذهني ،حتى ال يقرأ فيه ما قد يؤذيني.
ق##ال أح##د الجالس##ين في الحلقة( :)1اس##معوني #أيه##ا الكتب##ة الك##رام ال##بررة ..إن
القرآن الكريم ليس أمرا ونهيا فقط ..أو كلمات ومعاني فق##ط ..ب##ل ه##و رس##م أيض#اً..
والمقصود #بالرسم القرآني هو رسم الكلم#ات القرآني#ة من حيث نوعي#ة ح#روف ك#ل
كلمة وردت في الق##رآن الك##ريم ،وع##دد حروفه##ا #..وليس المقص##ود من##ه ـ كم##ا يفهم
المغفلون ـ نوعية خط الكتابة من نسخ أوكوفي #أوغيرها.
قال آخر( :)2وله##ذا أجم##ع علم##اء األم#ة على أن رس##م المص##حف ت##وقيفي ،ال
ض َّ #ل
#وى َم##ا َ يج##وز مخالفت##ه؛ واس##تدلوا على ذل##ك بق##ول هللا تع##الىَ ﴿ :والنَّجْ ِم إِ َذا هََ #
#وى﴾ ي يُو َحىَ #علَّ َمهُ َش ِدي ُد ْالقَُ # ق ع َِن ْالهَ َوى إِ ْن هُ َو إِاَّل َوحْ ٌ
احبُ ُك ْ#م َو َما َغ َوى َو َما يَ ْن ِط ُ
ص َِ
[النجم]5-1 :
أردت أن أتكلم ،وأذكر #خطأ ه##ذا ،وأن##ه لم ينعق##د في ي##وم من األي##ام اإلجم##اع
على هذا ،لكني خشيت على نفسي؛ فآثرت #الصمت على الكالم ..لكن الجميع التفتوا
لي ،وكأنهم #أحسوا بم##ا قلت؛ فل##ذلك رحت أرف##ع ص##وتي باالس##تغفار ح##تى ص##رفوا#
أبصارهم #عني.
ً
قال آخر :فقد ُس#ئل مال#ك :أرأيت من اس#تكتب مص#حفا الي#وم أت#رى أن يُكتب
)(1تأمالت في إعجاز الرسم القرآني وإعجاز التالوة والبيان ،محمد شملول ،ص.15
)(2تأمالت في إعجاز الرسم القرآني ،ص.17
18
على ما أحدثه الناس من الهج#اء الي##وم ،ق#ال( :ال أرى ذل##ك ولكن يُكتب على ال ِك ْتب#ة
األولى) ،قال أبوعمروال َّداني( :وال مخالف له في ذلك من علم##اء األم##ة)( ..)1وق##ال
في موضع آخر :سُئل اإلمام مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواوواألل##ف:
أترى أن تُغير من المص##حف #إذا وج##دت في##ه ك##ذلك؟ فق##ال :ال .ق##ال الَّ #داني( :يع##ني
الواوواألل###ف المزي###دتين في الرس###م لمع###نى المع###دومتين في اللف###ظ)( ..)2وعقّب
السَّخاوي #على قول مالك فقال( :والذي ذهب إليه مالك هوالحق ،إذ في##ه بق##اء الح##ال
األولى إلى أن يعلمها اآلخر ،وفي #خالف ذلك تجهيل الناس بأوليتهم)()3
الج ْعبَري معقبا ً على قول اإلمام قال آخر :وهومذهب األئمة األربعة ،فقد قال َ
مالك( :وهذا مذهب األئمة األربعة ،وخص مالكاً؛ ألنه حكى فتياه ،ومستندهم #مستند
الخلفاء األربع)( ..)4وقال ُمالَّ علي بن سلطان القاري :والمعنى #أن اإلمام مالكا ً قال:
(إن المصحف #ينبغي أن يُكتب على منهاج رسم الكتاب األول الذي كتب##ه الص##حابة،
ال حال كون مستحدثا ً على مسطور اليوم عند العامة)()5
قال آخر :وهذا ما نص عليه كل المتقدمين ،فقد قال الفرَّاء( :اتباع المص##حف
ي من خالفه)( ..)6وقال إذا وجدت له وجها ً من كالم العرب ،وقراءة القراء ،أحب إل َّ
البيهقي( :من كتب مص##حفا ً فينبغي #ل##ه أن يحاف##ظ على الهج##اء ال##ذي كتب##وا ب##ه تل##ك
المصاحف #وال يخالفهم فيه##ا ،وال يُغ##ير مم##ا كتب##وه ش##يئاً ،ف##إنهم ك##انوا أك##ثر علم#اً،
وأص##دق قلب #ا ً ولس##اناً ،وأعظم أمان##ة من##ا ،فال ينبغي لن##ا أن نظن بأنفس##نا اس##تدراكاً#
عليهم ،وال سقطا ً لهم)(..)7
قال آخر :وقال النس#ائي في الس#نن الك#برى بع#د أن نق#ل ق#ول زي#د بن ث#ابت:
(القراءة سنة)( :وإنما أراد وهللا أعلم أن اتباع من قبلنا في الح##روف #وفي الق##راءات
سنة متبعة ال يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام وال مخالف##ة الق##راءات ال##تي هي
مشهورة ،وإن كان غير ذلك سائغا ً في اللغة أوأظهر #منها)(.)8
قال آخر :وق##ال اإلم##ام أحم##د( :تح##رم مخالف##ة خ##ط مص##حف #عثم##ان في ي##اء
أوواوأوألف #أوغ##ير ذل##ك)( ..)9ونُق##ل عن أبي عبي##د القاس##م بن س##الم قول##ه( :وت##رى
الق##راء لم يلتفت##وا إلى م##ذاهب العربي##ة في الق##راءة إذا خ##الف ذل##ك خ##ط المص##حف،
ورأوا #تتب##ع ح##روف #المص##احف عن##دهم كالس##نن القائم##ة ال##تي ال يج##وز #ألح##د أن
المقنع.9/ )(1
المقنع.28/ )(2
الوسيلة.80/ )(3
جميلة أرباب المراصد 1/265ـ.266 )(4
الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية .1/294 )(5
انظر البرهان .2/12 )(6
شعب اإليمان .2/548 )(7
السنن الكبرى ،2/539 ،ولمزيد من األقوال انظر إيقاظ األعالم ،19/وسمير الطالبين ،20/ومناهل العرفان .1/298 )(8
البرهان ،1/379واإلتقان ،2/443وشرح منتهـى اإلرادات :للبهوتي ،1/74وكشاف القناع :له .1/136 )(9
19
يتعداها)(.)1
ً
قال آخر :وقال ال َمهْدوي( :وال يسع أح##دا اكتت##اب مص##حف على خالف خ##ط
المصحف #اإلمام ورتبته)( ..)2وقال البَغَوي( :ثم إن الناس كما أنهم متعبّ##دون باتب##اع
أحكام القرآن ،وحفظ حدوده ،فهم متعبدون بتالوته ،وحف##ظ حروف##ه على س##نن خ##ط
المصحف #اإلمام الذي اتفقت عليه الصحابة) (.)3
قال آخر :وعلى هذا اتفق المتأخرون ،فقد قال الزمخش#ري( :خ#ط المص#حف
سنة ال تغير)( ..)4وقال اللبيب في شرح العقيلة( :وق##د اجتم##ع على كتب المص##احف
حين كتبت اثناعشر ألفا ً من الصحابة ونحن مأجورون على اتب##اعهم وم##أثمون على
مخالفتهم) ،ثم نص بعد ذلك على وجوب التزام الرسم العثماني (.)5
قال آخر :وقال ابن الحاج في المدخل( :ويتعين عليه ـ أي ناس##خ المص##حف #ـ
أن يترك م##ا أحدث##ه بعض الن##اس في ه##ذا الزم##ان وه##وأن ينس##خ الختم##ة على غ##ير
مرسوم المصحف الذي اجتمعت عليه األمة على ما وجد به بخط عثمان بن عف##ان..
وال يجوز غير ذلك) (.)6
ُ
(وعلمت أن الكتاب##ة منقول##ة كم##ا أن الق##راءة الس #مرْ قَندي:
ق##ال آخ##ر :وق##ال َّ
منقولة ،فكما ال يجوز ألحد أن يُغير م##ا نُق##ل عن األئم##ة الس##بعة في ق##راء ٍة ك##ذلك ال
ينبغي أن يتجاوز عن الرسم في كتابة المصحف؛ ألنها سنة متبعة ومخالفتها #بدع##ة،
وإنما جُعل اإلمام إماما ً ليؤتم به)()7
قال آخر :وقال نظام #الدين النيسابوري( #:وقال جماعة من األئمة :إن الواجب
على القراء والعلماء وأهل الكتاب أن يتبعوا هذا الرسم في خط المصحف)(.)8
الو ْن َشريسي المالكي في المعي##ار المع#رَّب أن##ه( :ال يج##وز لهم قال آخر :ونقل َ
أن يقرؤوا ق##راءة تخ#الف ص##ور الخ##ط ،وال أن يكتب##وا كتاب#ة مخالف#ة للرس#وم #ال#تي
وضعها #الصحابة في المصاحف #المجمع عليها ،فالمكتوب متواتر #بتواتر نق##ل دليل##ه
المتحد ،والمقرُوء هوالمكتوب بعينه) ()9
ق##ال آخ##ر :وق##ال الخ##وارزمي( #:اعلم أن اتب##اع مص##حف عثم##ان في هجائ##ه
واجب ومن طعن في ش##يء من إيجاب##ه؛ فهوكالط##اعن في تالوت##ه) ،ثم ق##ال مس##تدالً
على ذلك( :أما خطه ورسمه فالدليل عليه ق##ول الص##حابي وهوحج##ة فكي##ف إجم##اع
الصحابة زمن عثمان ،وإجماع التابعين من بعدهم ،وإجماع القراء والفقهاء ،وجملة
انظر شعب اإليمان ،2/548والبرهان .2/15 )(1
هجاء مصاحف األمصار.135/ )(2
معالم التنزيل .1/37 )(3
الكشاف .3/270 )(4
الدرة الصقيلة.17 ، )(5
المدخل .4/86 )(6
انظر مجلة المورد .مج .15ع1986( 4م) .419/ )(7
غرائب القرآن ورغائب الفرقان .1/43 )(8
المعيار المعرب .12/150 )(9
20
المفسرين)(.)1
ق##ال آخ##ر :وق##ال عب##د ال##رحمن بن القاض##ي( :اعلم ـ رحمن##ا هللا وإي##اك ـ أن
متابعة مرسوم اإلمام أم##ر واجب محتم على األن##ام كم##ا نص علي##ه األئم##ة األعالم،
فمن حاد عنه فقد خالف اإلجماع ومن خالفه فحكمه معل##وم في الش##رع الش##ريف بال
نزاع) ()2
قال آخر :وعلى هذا اتفق المت##أخرون #..فق##د بحث مجم##ع البح##وث اإلس##المية
ب##األزهر #في الم##ؤتمر #الس##ادس المنعق##د في الف##ترة من ( 30مح##رم 1391هـ إلى 5
صفر 1391هـ) موضوع رسم المصاحف #العثمانية ،وأوصى #بأن يعتمد المس##لمون
على الرسم العثماني للمصحف #الشريف؛ حفظا ً له من التحريف.)3(#
قال آخر :ومثل ذلك أصدرت هيئة كبار العلم##اء بالمملك##ة العربي##ة الس##عودية
القرار رقم ( )71بت##اريخ 21/10/1399هـ ،وج##اء في##ه( :ي##رى مجلس هيئ##ة كب##ار
العلماء أن يبقى رسم المص##حف على م##ا ك##ان بالرس##م العثم##اني ،وال ينبغي تغي##يره
ليوافق #قواعد اإلمالء الحديث##ة؛ محافظ##ة على كت##اب هللا من التحري##ف ،واتباع#ا ً لم##ا
كان عليه الصحابة وأئمة الس##لف) ..وفي##ه( :فالمحافظ##ة على كتاب##ة المص##حف به##ذا
الرسم هوالمتعين ،اقتدا ًء بعثمان وعلي وسائر #الصحابة وعمالً بإجماعهم)(.)4
قال آخر :ومثل ذل#ك أص#در المجم##ع الفقهي اإلس##المي الت#ابع لرابط#ة الع#الم
اإلسالمي بمكة المكرمة في دورته السابعة المنعقدة عام 1404هـ تأيي##د م##ا ج##اء في
قرار #مجلس هيئة كبار العلم##اء في المملك##ة العربي##ة الس##عودية باإلجم##اع على ع##دم
ج##واز تغي##ير رس #م #المص##حف العثم##اني ووج##وب بق##اء رس##م المص##حف #على م##ا
هوعليه؛ لنفس األسباب(.)5
قال آخر( :)6لهذا اهتم العلماء بالكالم على رسم القرآن ،وحصر تلك الكلمات
التي جاء خطها على غ#ير مقي##اس لفظه##ا ..ب##ل أف##رده بعض##هم #بالت##آليف النافع##ة من
أمثال اإلمام العالمة أبي عمروالداني في كتابه [المقنع] ..ومنهم العالمة أب##و عب##اس
المراكشي #في كتابه [عنوان الدليل في رسوم #خ##ط التنزي##ل] ،ومنهم العالم##ة الش##يخ
محمد بن أحمد الشهير بالمتولي #،إذ نظم أرج#وزة س#ماها [اللؤل#ؤ المنظ#وم #في ذك#ر
جملة من المرسوم] ،ثم جاء العالمة الشيخ محمد خلف الحس##يني ـ ش##يخ المق##ارىء
بالديار #المصرية ـ فشرح تلك المنظومة ،وذيل الشرح بكتاب سماه [مرشد الح##يران
إلى معرفة ما يجب اتباعه في رسم القرآن]
)(1في علوم القرآن دراسات ومحاضرات ،محمد عبد السالم كفافى وعبد هللا الشريف.98/
)(2في علوم القرآن دراسات ومحاضرات،ص .98
)(3مناهل العرفان ،1ص.370
40
قريش) ()1 فقال :اكتبوا [التابوت] فإنما أنزل القرآن على لسان
ثم عقب على هذا بقوله( :واحترام #الرس##م العثم##اني واستحس##ان التزام##ه أم##ر
يختلف اختالفا جوهريا #عن الق#ول ب#التوقيف في##ه ،فق##د تض##افرت #آراء العلم#اء على
ضرورة ال##تزام ه##ذا الرس##م ..ولكن أح##دا من ه##ؤالء األئم##ة لم يق##ل :إن ه##ذا الرس##م
توقيفي ،وال سر أزلي) ()2
بعد أن انتهيت من حديثي ،قال المعلم :ها أنتم ترون أنه لم ينعق##د في ي##وم من
األيام اإلجماع على هذا ..وإنما كان مجرد اص##طالح اص##طلحوا علي#ه ،وال مش#احة
في االصطالح ،أو في تبديله إذا اقتضت المصلحة ذلك ..وأنتم #تعلم##ون أن مص##لحة
القراءة الصحيحة أهم من مصلحة الحفاظ على الرسم.
3ـ الموقف المعتدل:
قال أحدهم :وما نفعل برسم القرآن الموجود ..هل تري##د من األم##ة هج##ره إلى
أن يُنس##ى؛ فيتهم المت##أخرون حينه##ا ب##أنهم خ##الفوا الق##رآن ،ويس##تدلون على ذل##ك
باختالف النسخ القديمة عن الجديدة.
قال المعلم :معاذ هللا أن أقول ذل#ك ،أو أدع الفرص#ة ل#ذلك ..ب#ل إني أق#ول م#ا
ق##ال بعض المت##أخرين من الجم##ع بين الحس##نين ..فيوض #ع #لعام##ة الن##اس مص##احف#
ب#اإلمالء الع#ادي ال#ذي يعرفون#ه ،ويوض#ع لخاص#تهم ،أو لمن ش#اء منهم مص#احف
باإلمالء القديم ..أو يجمع بينهما.
س##كتوا ،فق##ال :ه##ذا ليس رأيي ،ب##ل ه##و م##ا ذك##ره كب##ار العلم##اء ال##ذين رأوا
المصلحة في ذلك..
أش##ار إلي ،فقلت :أج##ل ..وق##د ق##ال بعض##هم في ذل##ك( :بم##ا أن العام##ة ال
يس##تطيعون أن يق##رؤوا #الق##رآن في رس##مه الق##ديم ،فيحس##ن ب##ل يجب أن يكتب لهم
باالصطالحات الشائعة في عصرهم ،ولكن هذا ال يعني إلغاء الرسم العثماني القديم
ألن في إلغائه تشويها لرمز ديني عظيم اجتمعت عليه الكلمة ،واعتصمت ب##ه األم##ة
من الشقاق ،ففي األمة دائما علماء يالحظون هذه الفروق الضئيلة في طريقة الرسم
العثماني ،ومن الممكن ـ مع ذلك ـ كما اقترحت مجل#ة األزه#ر أن ينب##ه في ذي##ل ك##ل
صفحة من صفحات المص#حف #على م#ا عس#ى أن يك#ون فيه#ا من األلف#اظ المخالف#ة
لالصطالح الحديث في الخط واإلمالء) ()3
قال أحدهم للمعلم :لست أدري ما أق##ول ل##ك ..ولكن م##ا تطرح##ه جمي##ل ج##دا..
)(1البرهان .1/376
)(2مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح (ص )278
)(3مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح (ص )280
41
وهو حل يدل على االعتدال والتوسط#..
ثم التفت لزمالئه ،وقال :أال ترون أن في هذا حال مناسبا يحل كل اإلشكاالت
التي نقع فيها ..ألم تروا أولياء التالمي##ذ ال##ذين يدرس##ون في مدارس##نا القرآني##ة كي##ف
يشكون لنا عن تخل##ف أوالدهم في اإلمالء بس##بب ع##دم ق##درتهم الجم##ع بين إمالئين:
إمالء خاص بالقرآن ،وإمالء خاص بغيره.
قال آخر :أجل ..وبه##ذا #الح##ل لن نحت##اج إلى تخص##يص دروس لعام##ة الن##اس
حول الرسم القرآني ،والتي تكلفنا وقتا كثيرا نحن في غنى عنه.
قال آخر :أجل ..وبدل ذلك ،نعلم الناس معاني القرآن؛ فهي أولى من رسمه.
قال آخر :ولن يضر ذلك ما اخترناه ألنفسنا من االهتمام بالرس##م أو مراعات##ه
أو التدبر فيه ..فقناعاتنا الشخصية ال يصح تعميمها على غيرنا.
ق##ال آخ##ر :إن أجم##ع رأيكم على ه##ذا ،فس##نقوم بطباع##ة مص##حف #ب##اإلمالء
العادي ،وال بأس أن نشير #في الهوامش إلى االختالفات الموجودة في الرسم الق##ديم،
مثلما يفعل المحققون في تحقيقاتهم ،عندما يشيرون في الهوامش إلى ذلك.
قال آخر :وإن اتفقتم على هذا أيضا سنصدر #بيانا لكل معلمي القرآن الك##ريم،
وخصوصا #أولئك الذين يشكون من صعوبة تعليم الرسم للتالميذ والطلبة ..أو يشكوا
أولياؤهم #من ذلك.
قال آخر :أرى أن أحسن حل لمعرفة آراء الجميع ه##و التص##ويت ..فمن منكم
يوافق #على هذه الطروحات؟
رفعوا جميعا أيديهم ..فقال المعلم :بورك فيكم #..وفي تجاوبكم #مع م##ا تقتض##يه
المص##لحة الش##رعية ،وأنتم به##ذا يمكنكم أن تلتحق##وا بتالمي##ذ الق##رآن الك##ريم ال##ذين
يهتمون بمقاصده وحقائقه ومعانيه أكثر من اهتمامهم بحروفه ورسمه وشكله.
قال أحدهم :لسنا ندري ما الذي حل بنا ..لقد كنا نس##مع مث##ل ه##ذا الكالم ،لكن##ا
كنا نرفضه بشدة ..بل إنا كنا نضع أصابعنا في آذانن##ا ح##تى ال نس##معه ..ب##ل إنن##ا ق##د
نبطش بمن يقوله ..فما سرك أنت؟
ما قال ذلك حتى أذن المؤذن ،فقال المعلم :هلم إلى الصالة ..وبعدها #س##نجلس
ونتحدث ،وسأجيبكم إن شاء هللا.
قلت للمعلم :إلى أين سنذهب بعد هذا؟
قال :أنت ستبقى في المسجد ..أما أنا فسأذهب مع هؤالء ألكمل حديثي معهم؛
فمهمتي #معهم أعظم من أن تنحصر #في هذه الجزئية ..ومن هدم شيئا علي##ه أن يب##ني
ما يعوضه ،وإال كان مفسدا ال مصلحا.
قلت :ما تعني؟
ق##ال :هم يحت##اجون اآلن إلى من يعلمهم كيفي##ة التعام##ل م##ع الق##رآن الك##ريم،
وكيفية االستفادة من معانيه لتحقيقه##ا في ع##الم األنفس واآلف##اق #..وهم يحت##اجون إلى
من يدربهم #على ذلك ..أنا وفريق ممن من ُكلفنا بذلك.
42
قلت :وهل ستدعني وحدي؟ ..هم ال يسمعون لي ،وال طاقة لي بإقناعهم#.
قال :أنت لست مكلفا بذلك ..سأحضر #أنا في الوقت المناسب.
43
ثانيا ـ القرآن ..وقراءات التنزيل
بعد ذهابنا إلى المسجد ،وصالتنا #خلف اإلمام صالة المغرب ،والتي قرأ فيه##ا
بصوته الجميل ما أثر في تأثيرا كبيرا ..لكني بعد الصالة ،سمعت نف##را كث##يرين من
الناس يجتمعون في حلقة ،ويرفعون أصواتهم #منددين ،قال أح##دهم :ألم تس##معوا إلى
هذه القراءة التي لم ي##راع فيه##ا أحك##ام التجوي##د ..ه##ل س##معتم كي##ف لم يطب##ق أحك##ام
الهمزة ،ال في كونها مفردة ،وال في كونها مقترنة مع همزات أخرى ،وال في كلم##ة
واحدة ،وال في أكثر من كلمة؟
قال آخر( :)1أجل ..فهو لم يطبق ذلك الحكم األساسي المعروف #من إبدال ك##ل
همزة ساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها ..ألم يعلم( )2أنه إذا كانت الهمزة فاء
﴿و ْأ ُمرْ قَوْ َم##كَ يَأْ ُخُ #ذ ْ
وا الكلمة ،فإنه يبدل الهمزة المفتوح ما قبلها ألفا ً مثل قوله تعالىَ :
﴿وا ُمرْ قومك #يَا ُخ ُذوا﴾ ،ويبدل المض#موم #م#ا قبله#ا واواً، بِأَحْ َسنِهَا﴾[األعراف ]143:فتُقرأ َ
﴿ويُوتُونَ الزَ َكاةَ﴾ ،ويبدل المكسور ما قبلها يا ًء، مثلَ ﴿ :وي ُْؤتُونَ ال َّز َكاةَ﴾[المائدة ]5:فتقرأ َ
ضيتِيَا﴾ ،إال ما اس##تثناه في كلم##ة واح##دة خروج#ا ً ض اِ ْئتِيَا﴾ ،فتقرأ ﴿ولالَرْ ِ مثل ﴿ َولِأْل َرْ ِ
عن قاعدت##ه ،وهي كلم##ة (اإلي##واء) وم##ا تص##رف من لفظه##ا ،فإن##ه ينبغي أن تُحق##ق
الهمزة فيها ،مع أنها فاء الكلمة( ..)3وقد #جاءت في القرآن الكريم في س#بعة مواض#ع
س ﴿و َم##أْ َواهُ َجهَنَّ ُم َوبِ ْئ َ
س َم ْثَ #وى الظَّالِ ِمينَ ﴾ [آل عم##رانَ ..]151 : ﴿و َم##أْ َواهُ ُم النَّا ُر َوبِ ْئ َ
منه##ا َ
ْ
﴿و َمأ َوا ُك ُم النَّا ُر َو َم##ا لَ ُكم ِّمن
ْف﴾ [الكهفَ ..]16: ْ
صي ُ#ر﴾ [آل عمران﴿ ..]162:فَأ ُووا #إِلَى ْال َكه ِ ْال َم ِ
ْ
ك َمن تَ َشاء﴾ [األح##زابِ ﴿ ..]51:عن َدهَا َجنَّةُ ْال َم##أ َوى﴾# اص ِرينَ ﴾ [العنكبوتَ ﴿ ..]25:وتُ ْؤ ِوي إِلَ ْي َ نَّ ِ
صيلَتِ ِه الَّتِي تُ ْؤوي ِه﴾ [المعارج]13: ﴿وفَ ِ[النجمَ ..]15:
قال آخر : 4وهوـ أيضا ـ لم يطبق أحك##ام ترقي#ق #ال#راء إذا ج#اء قبله##ا كس#رة ) (
أصلية أوياء ساكنة من الكلم#ة نفس##ها ،أوج##اء قبله##ا س#اكن قبل#ه كس##ر ،إذا أتت بع#د
كسرة الزمة سواء كانت الراء مفتوحة أم مضمومة منونة أم غير منونة.
قال آخر( :)5بورك فيك ..لق##د ذكرت##ني ب##الجهود #ال##تي ب##ذلناها في تعلم ترقي##ق
ال###راء من كلم###ات ﴿ناض###رة﴾ ،و﴿ن###اظرة﴾ ،و﴿باس###رة﴾ ،و﴿ف###اقرة﴾ ،و﴿س###احران﴾،
#راء﴾ و﴿ظَ##ا ِهراً﴾ ..وكم ك##ان ات﴾ ،و﴿ َشا ِكراً﴾ ،و﴿ ِمَ # ص َر ُ و﴿ال َمقَابِ َر﴾ ،و﴿قَا ِ و﴿ ِذ َرا َع ْي ِه﴾ْ ،
﴿وتُ َعِّ #زرُوهُ﴾ يصعب علينا ترقيق #الراءات المضمومة بع##د كس##ر مباش##ر ،من أمث##ال َ
خَاسرُونَ ﴾ احرٌ﴾ْ ،
و﴿ال ِ و﴿ال َكافِرُونَ ﴾ ﴿ َس ِ ﴿ َوتُ َوقِّرُوهُ﴾ ،و﴿ ُمن ِذرٌ﴾ْ ،
)( 1األحكام التي نوردها هنا هي األحكام التي تبناها ورش عن نافع ،وسنتبين سبب ذلك فيما يلي من األحداث.
)(2القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة.128/
)(3القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة.129/
)( 4ركزنا هنا على المحال التي انفرد بها ورش في ترقيق الراء ،وهو ما يصعب على الكثير من القراء ،وخصوصا المبت##دئين ،أنظ##ر :ال##داني،
التهذيب لما تفرد به كل واحد من القراء السبعة .ص.41
)(5القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة.152/
44
ق##ال آخر( :)6وك##ان أص##عب ش##يء علين##ا ترقيقه##ا عن##دما يفص##ل بين الكس##ر
اج﴾، ###راهَ﴾ ،و﴿إِ ْخَ ###ر ٍ و﴿و ْز َركَ ﴾ ،و﴿إِ ْك َ ك﴾ ِ ###ر َوال###راء س###اكن في مث###ل كلم###اتِ ﴿ :ذ ْك َ
﴿وإِجْ َرا ِمي﴾ ..وكان يختلط علينا ذلك في حال كون الح##رف الفاص##ل متحرك#اً ،ألن##ه
﴿ال ِكبَرُ﴾ فى قوله عز وج##لَ ﴿ :علَى أَن َّم َّس #نِ َي ْال ِكبَ ُ #ر﴾ حينئذ ال ترقق #الراء ،كما كلمة ْ
[الحجر ،]54:وكلمة ْ
﴿ال ِخيَ َرةُ﴾
قال آخر :ومثلها إذا أتت الراء بعد ياء ساكنة؛ فإن ورشاً #يرققها س##واء ك##انت
مفتوحةً أومضمومةً ،أوكانت الراء منونة أم غير منونة في مثل هذه الكلمات وصالً
#يراً﴾،صبْحا ً﴾ [العادي##ات ،]3 :و﴿بَ ِشيراً﴾ ،و﴿ َونَ ِ #ذيراً﴾َ ﴿ ،خبَِ # ت ُ يرا ِووقفاًَ ﴿ #كبِي ُرهُ ْم﴾﴿ ،فَ ْال ُم ِغ َ
ر﴾ [الشعراء]50: صيراً﴾﴿ ،قَالُوا اَل َ
ض ْي َ و﴿بَ ِ
قال آخر( :)2وكان أصعب شيء بالنسبة لي ،وربم##ا لكم مس##تثنيات #ورش من
ال##راء المرقق##ة؛ فمنه##ا وج##ود فاص##ل بين الكس##رة وال##راء وأح##د أح##رف االس##تعالء
ص َ #رهُ ْم﴾، ص #راً﴾ ،و﴿إِ ْ التالية :الصاد والقاف والطاء ..ومن األمثلة مع الصاد كلمة ﴿إِ ْ
ْ ْ
و﴿ ِمصْ راً﴾ و﴿بِ ِمصْ َر﴾ ،و﴿ ِّمصْ َر﴾ ..وم##ع الط##اء في موض##عين﴿ :قِط##راً﴾ و﴿فِطَ #رةَ﴾..
﴿و ْقراً﴾ [الذاريات]2: ومع القاف في موضع واحدِ :
قال آخر :وأصعب تلك المستثنيات ال##تي تعس##ر علي حفظه##ا وإتقانه##ا وج##ود
فاصل بين الكسرة والراء وحرف #االس##تعالء (الخ##اء) ،ألنه##ا ال تمن##ع ترقي##ق ال##راء
وإن ك###انت هي من ح###روف االس###تعالء وذل###ك في نح###و﴿إِ ْخَ ###را ُجهُ ْم﴾ [البق####رة،]85:
و﴿إِ ْخ َراجا ً﴾ [نوح﴿ ،]18:إِ ْخ َرا ِج ُك ْم﴾ [الممتحنة ،]9:حيث يقرؤها ورش بترقيق الراء.
قال آخر :ومثل ذلك إذا تكررت الراء في آخر كلمة واح##دة في مث##ل كلم##ات:
﴿ض َ #راراً﴾ [البق##رة﴿ ،]231فِ َ #راراً َولَ ُملِ ْئتَ ِم ْنهُ ْم ُر ْعب #ا ً﴾ [الكه##ف﴿ ،]18:إِ ْس َ #راراً﴾ [ن##وح،]9: ِ
﴿ ِّم ْد َراراً﴾ [األنعام ،]6:حيث فخم ورش الرائين تبعا ً للراء الثانية ما عدا كلم##ة ﴿بِ َش َ #ر ٍر﴾
[المرس##الت ]32:فقد اتفق ال##رواة عن ورش ب##ترقيق #ال##راء األولى وص#الً ووقف#ا ً ألج##ل
كسر الراء الثانية بعدها فهوترقيق لترقيق#.
قال آخر :بورك فيكم ..لقد ذكرتموني ببعضهم #جاء يعظ##ني ،فق##رأ علي قول##ه
ت عَا ٌد فَ َك ْيفَ َكانَ َعَ #ذابِي َونُ ُ #ذ ِر ﴿ولَقَ ْد يَسَّرْ نَاْ #القُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍر َك َّذبَ ْ
تعالىَ :
اس َك##أَنَّهُ ْم أَ ْع َج##ازُ َّ
#زع الن َُ ْ َ َ
س ُم ْس#ت ِمرٍّ تنِ # ص#رًا فِي يَ##وْ ِم نَحْ ٍ صرْ َ إِنَّا أَرْ َس ْلنَا َعل ْي ِه ْم ِريحًا َ
َ
ر﴾ [القم##ر: ن َْخ ٍل ُم ْنقَ ِع ٍر فَ َك ْيفَ َكانَ َع َذابِي َونُ ُذ ِر َولَقَ ْد يَسَّرْ نَا ْالقُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَ##لْ ِم ْن ُمَّ #د ِك ٍ
﴿ونُ ُذ ِر﴾ ،فقلت له :اذهب ،وتعلم ]22-17من غير أن يراعي األحكام الواردة في كلمة َ
األحك##ام أوال ..ثم اذهب بع##دها لتع##ظ الن##اس ..إن المغف##ل لم يعلم أن لتل##ك الكلم##ة
وجهين عن##د الوق##ف عليه##ا ،من حيث ال##ترقيق #والتفخيم ،لكن أه##ل األداء رجح##وا
الترقيق#.
قال آخر :ومثلك أنا فقد رأيت بعضهم ينطق #الهمزة المفتوح##ة في ف##اء الكلم##ة
)(6القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة.152/
)(2القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة.152/
45
بعد ضم محققة مع أنها تنطق واواً ،سواء وقعت في األسماء أواألفعال ..ه#و لم يعلم
#و ِّذ ٌن﴾ ،و﴿المؤلّف#ة﴾ تق#رأ ﴿ال ُم َولّف##ة﴾.. أن ﴿ ُم َؤجال﴾ تقرأ ﴿ ُمَ #و َّجاًل ﴾ ،و﴿م#ؤ ِّذن﴾ تُق#رأ ﴿ ُمَ #
وهكذا في األفعال فـ ﴿تُ َؤاخذنا﴾ تقرأ ﴿تُواخذنا﴾ ،و﴿يُؤَ يد﴾ تقرأ ﴿ي َُويِّد﴾
قال آخر :دعونا من أولئك الذين لم يتصدروا لإلمامة؛ ف##إثمهم قاص##ر عليهم،
وهيا نبحث كيف نتصرف #مع هذا اإلمام ..البد أن نش##كوه للمس##ؤولين عن المس##اجد
حتى يطردوه من وظيفته.
قال آخر :لكن ..أال ترون أننا بالغنا كث##يرا في ال##ذهاب لتل##ك المؤسس##ة ،فه##ذا
اإلمام العاشر الذي تريدون الشكوى به ،وفي ظ##رف #ال يتج##اوز #س##تة أش##هر؟ ..ه##ل
تريدون أن يعينوا لنا في كل شهر إماما.
قال آخر :المشكلة ليست في اإلمام ،ولكن في الجهة التي ق##امت بامتحان##ه في
حفظه وتجويده وإتقانه ..لقد ذكروا لنا أنه يحفظ الق##رآن الك##ريم حفظ##ا متقن##ا ،ويتقن
تجويده وترتيله.
قال آخر :أنسيتم أن أولئك الذين امتحن##وه ك##انوا ممن يق##رؤون بق##راءة حفص
عن عاصم ..فهل يحق لهم وحدهم أن يمتحنوا اإلمام ،ه##ل نس##وا أن هن##اك من يق##رأ
بغير قراءتهم ،أم أنهم يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على المسجد؟
قال آخر :ألم يكفهم أن يجعلوا أكثر المصاحف #في المسجد برواية حفص عن
عاص##م ..ف##أين ب##اقي الق##راء ..ألم يعلم##وا أن في بل##دتنا من يق##رأ برواي##ة ق##الون عن
نافع ..ومنهم من يقرأ برواية ورش عن نافع ..ومنهم #من يق##رأ برواي##ة ال##دوري #عن
أبي عمرو ..فما بال أصحاب حفص عن عاصم يهيمنون علينا ،وفي #كل المحال.
قال آخر :لقد علمت أن األعيان المس##ؤولين عن المس##اجد مجتمع##ون اآلن في
مجمع القراءات والتجويد ،واإلمام معهم؛ فهي فرصة لنا ألن نقدم شكوانا #..فهلم بن##ا
إليها.
سرت معهم إلى المحل الذي ذك##روا؛ وهن##اك وج##دت نف##را كث##يرين مجتمعين
في حلقة كب#يرة ،وهن#اك رأيت معلمي الجدي#د معلم القص#د واالعت#دال جالس#ا بينهم،
وفي #صدر المجلس ،والكل ينظر #إليه باحترام #شديد.
قال المعلم :لقد سمعت جميع أقوالكم ..وأرى #أن ننظر إلى المس##ألة بعي##دا عن
كل الحساسيات #والعصبيات ،فقد وصف #هللا تعالى القرآن الك##ريم بكون##ه كتاب##ا يس##ر
للذكر ،فقالَ ﴿ :ولَقَْ #د يَ َّس#رْ نَاْ #القُ##رْ آنَ لِلِّ #ذ ْك ِر فَهَ##لْ ِم ْن ُمَّ #د ِك ٍر﴾ [القم##ر ..]22 :ول##ذلك؛ ف##إن
الضابط #األكبر للقراءة التي عليكم أن تعتمدوها ،وخاصة لعامة الناس ،القراءة ال##تي
تتوفر على هذا القيد القرآني؛ فهو يجعل القارئ منصرفا #إلى الق##راءة ال إلى تحقي##ق
الح##روف ،وتط##بيق األحك##ام الص##عبة ..وأخ##ذكم #به##ذا س##يوفر الوح##دة لمجتمعكم
ومدينتكم؛ فالقرآن الكريم يوحد قلوب المؤمنين ،وال يفرقها#.
قال أحدهم :ولكن ماذا نفعل بالقراءت التي وجدنا #عليها آباءنا؟
ق##ال المعلم :يمكنكم أن تحتفظ##وا به##ا ل##دى متخصص##ين في الق##راءات ،ال أن
46
تنشروا #مصاحفها بين الناس ،أو تعلموها #للص##بية الص##غار؛ ف##ذلك مم##ا يبع##دهم عن
مقصد القرآن الكريم األكبر الذي هو التدبر والتأمل في معانيه ،ال في إقامة حروفه.
1ـ القراءات واليسر:
قام رجل ،وقال :بورك فيك أيها المعلم المنور بن##ور اإليم##ان ..وه#ذا م##ا قلت##ه
لهم كثيرا ..فأنا إمام بمسجد من مساجد هذه المدينة ،وقد رأيت بع##د بحث طوي##ل في
القراءات أن أيسرها وأسهلها وأوفقها #مع اللغة العربية الفصيحة التي نس##تعملها #هي
القراءة التي تنسب إلى عاص##م برواي##ة حفص ..ذل##ك أني ـ بع##د تجرب##ة طويل##ة في
تعليم القرآن الكريم ـ وج##دت أنه##ا األيس##ر على العام##ة والخاص##ة على ح##د س##واء..
ولهذا تركت القراءة التي وجدت عليها آبائي ،وهي رواي##ة ورش عن ن##افع ،لكونه##ا
صعبة جدا ،بل قل من يتقنها حتى من القراء المشهورين أنفسهم ،وهم يقرون بذلك،
ويفتخرون #به.
قال آخر :ص##دقت ي##ا إمامن##ا ..وأن##ا مثل##ك ..وق#د #اقتنعت بنص##يحتك ..وعن##دما
بحثت في تاريخ القراءات وانتشارها #وجدت أنها أكثر الق##راءات انتش##ارا #بين عام##ة
المسلمين ،وكلهم #متفقون على يسرها وسهولتها وكونها األكثر اتفاقا مع اللغ##ة ال##تي
كتبت بها الكتب ،ودونت بها العلوم.
قال آخر :وكمثال على ذل##ك؛ ف##إن رواي##ة حفص عن عاص##م ليس فيه##ا عم##ل
كثير إضافي ،كاإلمالة الكثيرة في قراءة حمزة والكسائي وخلف ،وهم قراء الكوفة.
قال آخر :وليس فيها المد المشبع في المنفصل والمتص##ل ،والس##كت المتك##رر
على الهمز الذي قبله ساكن موصوالً #كان أم مفصوالً ،والوقف #على الهم##ز كم##ا في
قراءة حمزة وهشام ..وليس فيها إمالة هاء التأنيث حال الوقف #عند الكسائي ..وكله##ا
صعبة األداء.
قال آخر :وليس فيها المدود الكث##يرة كم##ا في ق##راءة ورش عن ن##افع ،أوص##لة
أيض #ا،
ميم الجم##ع وس##كونها واختالف #الم##د المنفص##ل في ق##راءة ق##الون عن ن##افع ً
والصلة المتكررة أيضًا في قراءة ابن كث##ير المكي وأبي جعف##ر الم##دني ..وك##ل ذل##ك
يحتاج نفسا طويال ،وهو صعب على عامة الناس.
ق##ال آخ##ر :وليس فيه##ا اإلدغ##ام الكث##ير للمثلين الكب##ير والمتق##اربين ،كم##ا في
رواية السوس#ي #عن أبي عم##رو ،أوالعم##ل في الهم##ز المتت#الي س##واء ك##ان في كلم#ة
أوكلمتين ،عند نافع وابن كثير وأبي عمرووابن عامر.
قال آخر :باإلضافة إلى ذلك؛ فإننا نالحظ جميعا أن رواية حفص متناسبة مع
اللغة العربية الفصحى التي يتحدث بها أكثر العرب والمس##لمين ..ومن األمثل##ة على
47
ذلك عند المقارن##ة بين ورش وحفص في نط##ق الهم##زة ،حيث نج##د ورش يمي##ل إلى
تس##هيلها في بعض اآلي#ات ،وح##ذفها #في آي##ات أخ##رى ،وأحيان##ا يقلب الي#اء هم##زة..
باإلضافة إلى تف##رده بنق##ل حرك##ة الهم##زة إلى الس##اكن قبله##ا ،ح##تى أن ذل##ك أث##ر في
القراء الذين يقرؤون بتلك الق##راءة ،وم##يز لغتهم عن الفص##حى ال##تي يعتم##دها س##ائر
العرب والمسلمين.
قال آخر :ومثل ذلك في الياء التي تأتي بع##دها هم##زة مفتوح##ة؛ حيث يقرؤه##ا
ورش بالفتح ،أما حفص فيقرؤها بالسكون ،كما ننطق بها في كالمنا العادي ..فقول##ه
#ني﴾ بفتح تعالى ـ مثال ـَ ﴿ :وقَا َل َربِّ أَوْ ِز ْعنِي ﴾ [النم##ل ]19 :يقرؤه##ا ورش ﴿ربِّ أوزعَ #
الياء ..وهكذا الي#اء ال#تي ت#أتى بع#دها هم#زة مكس#ورة ،حيث يقرؤه#ا ورش ب#الفتح،
فيقرأ قوله تعالىِ ﴿ :م ْن بَ ْع ِد أَ ْن نَزَ َغ ال َّش ْيطَانُ بَ ْينِي َوبَ ْينَ إِ ْخَ #وتِي إِ َّن َربِّي لَ ِطيٌ #
#ف لِ َم##ا
يَ َشا ُء إِنَّهُ ه َُو ْال َعلِي ُم ْال َح ِكي ُم﴾ [يوسف ،]100 :حيث يقرؤها ورش بفتح ياء ﴿ إِ ْخ َوتِ َي ﴾
ق##ال آخر( :)1ومث##ل ذل##ك عن##د المقارن##ة بين تفخيم ال##راء وترقيقه##ا بين ورش
وحفص ،حيث نجدا حفصا يميل إلى األصل الذي يميل إليه اللسان ،وهو أن األصل
في الراء التفخيم ،وأن##ه ال يج##وز ال##ترقيق #إال لعل##ة أوجبت ذل##ك ،لكن ورش#ا #اعتم##د
منهجا صعبا جدا ،قل من يتقنه ..فهو ق##د انف##رد ب##ترقيق #ال##راء إذا ك##انت مفتوح##ة أو
مضمومة ،وكان قبله##ا ي##اء س##اكنة أو كس##رة متص##لة به##ا ،وعلت##ه في ترقي##ق ال##راء
المضمومة إذا أتت بعد كسر نحو ﴿الخاسرون﴾ أوبعد ياء ساكنة نحو﴿ :بشير﴾ أوقبله
ساكن وقبل الساكن كس##رة نح##و﴿ :ل##ذكرُ﴾ ع##دم االعت##داد بحرك##ة ال##راء ألج##ل ق##رب
الكسرة منها أوالياء ..ولم يعتد كذلك بالس##اكن لض##عفه بالس#كون ،وك#أن ال#راء قبله##ا
كسرة مباشرة.
كبْر﴾ [غافر ،]56:و﴿عشرون﴾ [األنف##ال]65: قال آخر( :)2وأما علته في تفخيم كلمة ﴿ ِ
ولم يرققها في ﴿ذك ُر﴾ [األعراف ]63:ألن الكاف أقرب مخرجا إلى الذال منها إلى الراء
ولذلك فخمت الراء في ﴿ ِكبْر﴾ لبعد المخرجين ورققت في ﴿الذكرُ﴾ لقرب المخرجين،
وأما ﴿عشرون﴾ ففخمت لصفة التفشي التي فيها.
قال آخر( :)3وعلته في تفخيم الراء بعد ح##روف #االس##تعالء لقوته##ا ،واس##تثنى#
ح##رف الخ##اء وذل##ك لض##عفه بص##فة الهمس ..وعلت##ه في ترقي##ق #ال##راء إذا تك##رر
نحو﴿بشرر﴾ من أجل قوة الكس#رة في ال#راء الثاني#ة ،ولم يرق#ق #ال#راء في ﴿الض#رر﴾
وذلك لوجود #حرف االستعالء الذي قبل الراء وهوالض##اد ..وروي #عن##ه وجه##ان في
﴿ح##يران﴾ فرققه##ا بعض أه##ل األداء على حس##ب قاعدت##ه ،وفخمه##ا اآلخ##رون وذل##ك
ألجل الجمع بين اللغتين.
قال اإلمام :ومثل ذلك كره اإلمام أحمد اإلدغام الكبير ألبي عمرو( ..)5وهكذا
وقف #نفس الموقف قوم #من العلماء ،كما عبر عن ذل##ك الس##خاوي #بقول##ه( :وق##د ك##ره
إدغام أبي عمروقوم وعابوه ،وق##الوا #:إن ذل##ك تغي##ير لح##روف الق##رآن ،وي##ؤدي #إلى
زوال مع##اني كلمات##ه ،وأن##ه ال أص##ل ل##ه وال أث##ر يؤي##ده ،إنم##ا هوش##يء تف##رد ب##ه
أبوعمرو) ()6
قال آخر :ومثل ذلك قال ابن العربي( :ما كنت ألمد مد حمزة ،وال أق##ف على
الساكن وقفته ،وال أقرأ باإلدغام الكبير ألبي عمروولورواه في تسعين أل##ف ق##راءة،
فكيف #في رواي#ة بح#رف من س#بعة أح#رف؟ وال أم#د ميم ابن كث#ير ،وال أض#م ه#اء
﴿عليهم﴾ و﴿إليهم﴾ وذلك أخف ،وهذه كلها أوأكثرها #عندي لغات ال قراءات ،ألنه##ا لم
يثبت منه##ا عن الن##بي ش##يء ،وإذا تأملته##ا رأيته##ا اختي##ارات مبني##ة على مع##ان
ولغات) ()7
ق#ال اإلم#ام( :)8ومم#ا يؤك#د ه#ذا م#ا ورد من النص#وص والرواي#ات من كالم
القراء وغيرهم ،والتي تدل داللة واضحة على عدم وجود قواع##د مح##ددة للم##دود #أو
غيرها من أنواع األداء ،ألن##ه ال تت##وفر #ال##دواعي إلى نق##ل جمي##ع ص##فات الح##روف#
ومخارجها في الكالم ،وال يمكن ذلك ،إذ هي صفات للفظ ال يضبطها #السماع عادة،
70
وإفريقيا؛ #ومع هذا فق##د ب##دأ االنتش##ار الواس##ع لمطبوع##ات المص##احف الجدي##دة ي##دبُّ
إليها.
قال آخر :باإلضافة إلى أن وس##ائل #اإلعالم ال##تي يس##تعملها #المت##أخرون ،تبث
الق##رآن الك##ريم في معظمه##ا برواي##ة حفص ،وق#د #ك##ان أول تس##جيل ص##وتي للق##رآن
الكريم في العالم اإلسالمي بصوت الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص.
ق##ال آخ##ر :باإلض##افة إلى أن ت##دريس الق##رآن الك##ريم في معظم الم##دارس
والمعاه##د والجامع##ات والكت##اتيب في أغلب األقط##ار #اإلس##المية؛ ح##تى في معاه##د
القراءات برواية حفص؛ تالوة وحفظًا وتجويدًا ،ثم يُب##نى عليه##ا بقي##ة الق##راءات لمن
رغب في ذلك.
قال آخر : 1وليس ذلك فقط في عصور المتأخرين ..فق##د اعتم#دها المس##لمون ) (
فى عامة أدوارهم ،نظرا الى هذا التوافق #والوئ##ام ،وك##انت نس##بتها الى حفص نس##بة
رمزية ،تعيينا له##ذه الق##راءة ،فمع##نى اختي##ار ق##راءة حفص :اختي##ار ق##راءة اختاره##ا
حفص ،ألنها قراءة متواترة بين المسلمين منذ االول.
قال آخ##ر :وهك##ذا فى جمي#ع أدوار الت#اريخ ك#انت ق#راءة عاص#م هى الق##راءة
المفضلة التى راجت بين عامة المسلمين وخاصتهم #..،فهذا القاسم بن أحم##د الخي##اط
الحاذق الثقة كان إماما فى قراءة عاص##م ،ومن ثم ك##ان اجم##اع الن##اس على تفض##يله
فى قراءته( ..)2وكان فى حلقة ابن مجاهد ـ مقرئ بغداد على رأس المائ##ة الرابع##ة ـ
خمسة عشر رجال متخصصا بقراءة عاصم ،فكان الشيخ يقرئهم بهذه الق##راءة فق##ط،
دون غيره##ا من ق##راءات( ..)3وك##ان نفطوي##ه إب##راهيم بن محم##د إذا جلس لإلق##راء ـ
وكان قد جلس أكثر من خمسين عاما ـ يبتدئ بشي ء من القرآن المجي##د على ق##راءة
عاصم فحسب ،ثم يقرئ بغيرها(.)4
قال آخر :وهكذا اختار اإلمام أحمد بن حنبل قراءة عاصم على قراءة غ##يره،
ألن أهل الكوفة ـ وهم أه##ل علم وفض##يلة ـ اخت##اروا #قراءته( ..)5وقد #ق##ال احم##د بن
حنبل في ذلك :كان عاصم ثقة ،وأنا اختار قراءته(.)6
قال آخر :ومثله قال شمس الدين ال##ذهبى :وأعلى م##ا يق##ع لن##ا الق##رآن العظيم،
فهو من جهة عاصم( ..)7ثم ذكر اسناده متصال الى حفص عن عاص##م عن أبى عب##د
الرحمن السلمى عن على وعن زر عن عبد هّللا ،كالهما عن النبى .
قال آخر :ومثله قال ابوعمروالدانى #:حفص هوالذى #أخ##ذ ق##راءة عاص##م على
83
ثالثا ـ القرآن ..وأسباب النزول
في صباح اليوم التالي ،وجدت نفس##ي في ش##ارع آخ##ر ،ك##ان أعجب وأغ##رب
من الشارع الذي كنت فيه ،ذل##ك أن اآلي##ات الكريم##ة ال##تي عُلقت في##ه ،وفي المح##ال
المختلف##ة ،ك##انت مص##حوبة بعن##اوين وتفاس##ير ،ال لتزي##د في توض##يحها #،وإنم##ا في
إبعادها عن أغراضها ومحتواها#.
ومن األمثلة على ذلك ،أني وجدت ص##ورة كب##يرة لقول##ه تع##الىَ ﴿ :ذرْ نِي َو َم ْن
ت َو ِحيدًا﴾ [المدثر ،]11 :واآليات التالية له##ا ،وبجنبه##ا كتب بخ##ط كب##ير :ه##ذه اآلي##ة خَ لَ ْق ُ
نزلت في الوليد بن مغيرة ..وأمامها ترجمة مفصلة عنه وعن نسبه ،وكل ما يرتب##ط
به ،حتى يخيل للقارئ أن هذه اآلية ال يمكن أبدا أن تنطبق على غيره.
وهكذا فعلوا في الفتة خاص##ة بس##ورة الفاتح##ة ،فق##د كتب##وا تحت قول##ه تع##الى:
الض##الِّينَ ﴾ [الفاتح###ة :]7 :المغض##وب عليهم هم اليه##ود، َّ ب َعلَ ْي ِه ْم َواَل ْ##ر ْال َم ْغ ُ
ض##و ِ ﴿ َغي ِ
والضالون :النصارى ..وكأن هللا تعالى لم يغضب إال على اليهود والنصارى#.
واألخط #ر #من ذل##ك أني وج##دت الفت##ة كتب عليه##ا قول##ه تع##الى﴿ :أَفَ ِم ْن هَ َ #ذا
عبُ #دُوا ﴾ [النجم: ْجبُونَ َوتَضْ َح ُكونَ َواَل تَ ْب ُكونَ َوأَ ْنتُ ْم َسا ِم ُدونَ فَ ْ
اس ُ #جدُوا #هَّلِل ِ َوا ْ ث تَع َ ْال َح ِدي ِ
،]62-59ووجدت بجنبها :روي أنه لما نزلت سجد النبي ،وس##جد #مع##ه جمي##ع من
حض##ر من المس##لمين والمش##ركين ،إال رجلين اث##نين :أمي##ة بن خل##ف ،والمطلب بن
وداع##ة ..وعن ابن عب##اس( :أن الن##بي س##جد ب##النجم ،وس##جد مع##ه المس##لمون
والمشركون والجن واإلنس) ( .. )1وعن ابن مسعود #ق##ال( :أول س##ورة أن##زلت فيه##ا
سجدة (والنجم) قال :فسجد #رسول هللا ،وسجد #من خلفه ،إال رجال رأيته أخذ كف##ا
من تراب فسجد #عليه ،فرأيته بعد ذلك قتل كافرا ،وهوأمية بن خلف) ()2
وتحت ه###ذه الرواي###ات كتبت ه###ذه العب###ارة الخط###يرة :وق###د #ورد في بعض
الروايات تفسير سبب سجود المش##ركين م##ع الن##بي وحاص##لها #أن الش##يطان ألقى
في أثناء قراءته كلمات على لسان النبي فيها الثناء على آلهتهم ،وإثبات الشفاعة
لها عند هللا ،وهذه الكلمات هي( :تلك الغرانيق العلى ،وإن شفاعتهن لترتجى) ،ولما
سمع المشركون ذلك فرحوا #واطمأنوا #وسجدوا #مع النبي .
ولم يقتصر األمر على الالفتات ،بل تعداه إلى جمهور #ذلك الشارع الغ##ريب،
ذلك أني عندما قرأت لبعضهم #قوله تعالىَ ﴿ :ولَ##وْ أَنَّهُ ْم أَقَ##ا ُموا التَّوْ َراةَ َواإْل ِ ْن ِجيَ #ل َو َم##ا
87
.1أسباب النزول والمؤمنون:
قال اإلمام :فلنبدأ بالصنف #األول ..وهم المؤمنون ..فمن ي##ذكر لي منكم س##بب
َي هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َواتَّقُوا هَّللا َ إِ َّن نزول قوله تعالى﴿ :يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تُقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَد ِ
ت النَّبِ ِّي َواَل تَجْ هَ #رُوا صوْ ِ ق َ هَّللا َ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَرْ فَعُوا #أَصْ َواتَ ُك ْم فَوْ َ#
ُون إِ َّن الَّ ِذينَْض أَ ْن تَحْ بَ##طَ أَ ْع َم##الُ ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل ت َْشُ ##عر َ# ْضُ ##ك ْ#م لِبَع ٍْ##ر بَع ِ ##القَوْ ِل َك َجه ِ لَ##هُ بِ ْ
#وى لَهُ ْم َم ْغفِ َ #رةٌ ُول هَّللا ِ أُولَئِكَ الَّ ِذينَ ا ْمتَ َحنَ هَّللا ُ قُلُوبَهُْ#م لِلتَّ ْقَ #
يَ ُغضُّ ونَ أَصْ َواتَهُْ#م ِع ْن َد َرس ِ
ت أَ ْكثَُ ##رهُ ْم اَل يَ ْعقِلُ##ونَ َولَ##وْ أَنَّهُ ْم ك ِم ْن َو َرا ِء ْال ُحج َ
ُ##را ِ َوأَجٌْ ##ر ع ِ
َظي ٌم إِ َّن الَّ ِذينَ يُنَادُونََ ##
ُج إِلَ ْي ِه ْم لَ َكانَ َخ ْيرًا لَهُ ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [الحجرات]5-1 :؟ صبَرُواَ #حتَّى ت َْخر َ َ
ق##ال أح##دهم :روي أن##ه ق##دم ركب من ب##ني تميم على رس##ول هللا فق##ال
أبوبكر #:أمر القعقاع بن معبد ،وقال عمر :بل أمر األقرع بن ح##ابس ،فق##ال أب##وبكر#:
ما أردت إال خالفي ،وقال عمر :ما أردت خالفك ،فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما،
فنزلت اآليات في ذلك(.)1
ق##ال آخ##ر :ومثل##ه م##ا روي عن ابن أبي مليك##ة ق##ال :ك##اد الخ##يران أن يهلك##ا:
أبوبكر #وعم##ر رف##ع أص##واتهما #عن##د الن##بي حين ق##دم علي##ه ركب من ب##ني تميم،
فأشار #أحدهما باألقرع بن حابس وأشار #اآلخر برجل آخر ،فقال أبو بك##ر لعم##ر :م##ا
أردت إال خالفي ،وقال عمر :ما أردت خالفك وارتفعت أصواتهما في ذلك ،ف##أنزل
هللا تعالى اآلية(.)2
ق##ال المعلم :وهي ش##املة لك##ل من تج##رأ؛ فق##دم رأي##ه أو نفس##ه أو ه##واه على
رسول هللا أو على ربه ..أو أساء األدب معهما كائنا من كان؛ فقيم##ة ك##ل ام##رئ
باتباعه وأدبه.
ض##ونَ ق##ال اإلم##ام :ومن ي##ذكر لي س##بب ن##زول قول##ه تع##الى﴿ :إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ُغ ُّ
#رةٌ َوأَجٌْ #ر أَصْ َواتَهُْ#م ِع ْن َد َر ُس#و ِل هَّللا ِ أُولَئِ##كَ الَّ ِذينَ ا ْمتَ َحنَ هَّللا ُ قُلُ##وبَهُْ#م لِلتَّ ْقَ #وى لَهُ ْم َم ْغفَِ #
َع ِظي ٌم﴾ [الحجرات]3 :؟
َ َرْ اَل ُ َّ َ
قال أحدهم :روي أنه لم##ا ن##زل قول##ه تع##الى﴿ :يَ##ا أيُّهَ##ا ال ِذينَ آ َمن##وا ت ف ُع##وا#
ْض أَ ْن تَحْ بَ#طَ ْضُ #ك ْ#م لِبَع ٍ #ر بَع ِ #القَوْ ِل َك َج ْهِ #ت النَّبِ ِّي َواَل تَجْ هَرُوا لَهُ بِْ # صوْ ِ ق َ أَصْ َواتَ ُك ْ#م فَوْ َ
أَ ْع َم##الُ ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل ت َْشُ #عرُونَ ﴾ [الحج##رات ]2 :ت##ألى أب##وبكر أن ال يكلم رس##ول هللا إال
كأخي السرار ،فأنزل هللا تعالى اآلية(.)3
قال المعلم :وهي ش#املة لآلداب م#ع رس##ول هللا في ك#ل األزمن##ة ،ومثله#ا
األدب مع من أمرنا باألدب معهم من الصالحين والعلماء وغيرهم.
قلت :لقد ذكرتني #بما روي عن مالك أنه أنك##ر على أبي جعف##ر رفع##ه ص##وته
عند قبر رسول هللا قائال( :ال ترفع صوتك في هذا المسجد ،ف##إن هللا تع##الى أدب
)(1أسباب نزول القرآن ،الواحدي.383/
)(2أسباب نزول القرآن ،الواحدي.385/
)(3أسباب نزول القرآن ،الواحدي.385/
88
ت النَّبِ ِّي َوالَ تَجْ هَرُوا لَهُ صوْ ِ ق َ قوما فقال :يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا الَ تَرْ فَعُوا أَصْ َواتَ ُك ْم فَوْ َ
ْض أَن تَحْ بَ #طَ أَ ْع َم##الُ ُك ْم َوأَنتُ ْم الَ ت َْشُ #عرُون[ الحج##رات،]2: ْض ُ #ك ْم لِبَع ٍ #ر بَع ِ #القَوْ ِل َك َج ْهِ #بِْ #
ول هَّللا ِ أُولَئِ##كَ الَّ ِذينَ ا ْمت ََحنَ
ومدح قوما فقال :إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ُغضُّ ونَ أَصْ َواتَهُ ْم ِع ْنَ #د َر ُس ِ #
َظي ٌم[ الحجرات ،]3 :وذم قوما فق##ال :إِ َّن الَّ ِذينَ هَّللا ُ قُلُوبَهُ ْم لِلتَّ ْق َوى لَهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َوأَجْ ٌر ع ِ
ت أَ ْكثَ ُ #رهُ ْم اَل يَ ْعقِلُ##ونَ [ الحج##رات ،]4 :وإن حرمت##ه ميت##ا يُنَادُونَ##كَ ِم ْن َو َرا ِء ْال ُح ُجَ #را ِ
كحرمته حيا) ()1
ك ِم ْن َّ
قال اإلم##ام :ومن ي##ذكر لي س##بب ن##زول قول##ه تع##الى﴿ :إِ َّن ال ِذينَ يُنَادُونَ#َ #
صبَرُوا َحتَّى ت َْخ ُر َج إِلَ ْي ِه ْم لَ َكانَ خَ ْيرًا لَهُ ْم ت أَ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعقِلُونَ َولَوْ أَنَّهُ ْم َ
َو َرا ِء ْال ُح ُج َرا ِ
َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [الحجرات]5-4 :؟
قال أحدهم :روي أنها نزلت في ناس أتوا الن##بي وس##لموا فجعل##وا #ينادون##ه
وهو في الحجرة :يا محمد ،يا محمد ..فأنزل هللا تعالى اآلية(.)2
قال آخر :ومثله ما روي أنه##ا ن##زلت في جف##اة ب##ني تميم ،ق##دم وف#د #منهم على
الن##بي ف##دخلوا المس##جد ،فن##ادوا الن##بي من وراء حجرت##ه :أن اخ##رج إلين##ا ي##ا
محمد ،فإن م##دحنا زين وإن ذمن##ا ش##ين ،ف##آذى ذل##ك من ص##ياحهم #الن##بي فخ##رج
إليهم ،فقالوا :إنا جئناك يا محمد نفاخرك ،ونزل فيهم(.)3
ق##ال المعلم :وهي ت##دل على أن من عالم##ات العق##ل حس##ن األدب ،وحس##ن
الخلق ،فالعقل هو الذي يعقل صاحبه عن ال##دنايا والسفاس##فه ،ويوجه##ه إلى المع##الي
والمكارم.
قال اإلمام :ومن يذكر لي س#بب ن#زول قول##ه تع##الى﴿ :يَ##ا أَيُّهَ#ا الَّ ِذينَ آ َمنُ#وا إِ ْن
ص#بِحُوا َعلَى َم##ا فَ َع ْلتُ ْم نَ##ا ِد ِمينَ ﴾ ق بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا #أَ ْن تُ ِ
ص#يبُوا قَوْ ًم##ا بِ َجهَالٍَ #ة فَتُ ْ َجا َء ُك ْم فَا ِس ٌ
[الحجرات]6 :؟
قال أحدهم :روي أنها نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رس##ول هللا
إلى بني المصطلق #مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ،فلما سمع القوم
به تلقوه تعظيما هلل تعالى ولرسوله فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فه##ابهم ،فرج##ع
من الطريق إلى رسول هللا وقال :إن بني المصطلق #قد منعوا ص##دقاتهم وأرادوا
قتلي ،فغضب رسول هللا وهم أن يغزوهم ،فبلغ القوم رجوعه ،ف##أتوا رس##ول #هللا
وقالوا #:سمعنا برسولك ،فخرجنا #نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه م#ا قبلن#ا من ح#ق هللا
تعالى ،فبدا له في الرجوع ،فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب ج##اءه من##ك
بغضب غضبته علينا ،وإنا نعوذ #باهلل من غضبه وغضب رسوله ،ف##أنزل #هللا تع##الى
اآلية(.)4
قال آخر :ومثله ما روي عن الحارث بن ضرار #قال :ق#دمت على رس#ول هللا
شفاء السقام،السبكي.69 : )(1
أسباب نزول القرآن ،الواحدي.386/ )(2
أسباب نزول القرآن ،الواحدي.386/ )(3
أسباب نزول القرآن ،الواحدي.386/ )(4
89
فدعاني إلى اإلسالم ،فدخلت في اإلسالم وأقررت فدعاني إلى الزكاة ،ف##أقررت
بها ،فقلت :يا رسول هللا أرجع إلى ق##ومي #ف##أدعوهم #إلى اإلس##الم وأداء الزك##اة ،فمن
استجاب لي جمعت زكاته ،فترسل إلبان كذا وكذا آلتيك بما جمعت من الزكاة ،فلما
جم##ع الح##ارث بن ض##رار #ممن اس##تجاب ل##ه وبل##غ اإلب##ان ال##ذي أراد أن يبعث إلي##ه
رسول هللا احتبس عليه الرسول ،فلم يأته ،فظن الحارث أن قد حدث فيه س##خطة
من هللا ورسوله ،فدعا سروات #قومه ،فقال لهم :إن رس##ول هللا ق##د ك##ان وقت لي
وقتا #ليرسل إلي ليقبض ما كان عندي من الزكاة ،وليس من رس##ول هللا الخل##ف،
وال أرى حبس رسوله إال من سخطة ،فانطلقوا فنأتي #رس##ول هللا ،وبعث رس##ول هللا
الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مم##ا جم##ع من الزك##اة ،فلم##ا أن
سار الوليد حتى بل#غ بعض الطري#ق ،ف#رق فرج#ع #فق#ال :ي#ا رس#ول هللا إن الح#ارث
منع##ني الزك##اة ،وأراد قتلي ،فض##رب رس##ول هللا البعث إلى الح##ارث ،وأقب##ل
الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة ،فلقيهم الحارث فق##الوا :ه##ذا
الح##ارث ،فلم##ا غش##يهم ق##ال لهم إلى :من بعثتم؟ ق##الوا #:إلي##ك ،ق##ال :ولم؟ ق##الوا :إن
رسول هللا كان بعث إليك الوليد بن عقبة ،فرجع إلي#ه ،ف#زعم أن#ك منعت#ه الزك#اة
وأردت قتله ،قال :ال والذي بعث محمدا ب##الحق م##ا رأيت##ه وال أت##اني ،فلم##ا أن دخ##ل
الح##ارث على رس##ول هللا ق##ال( :منعت الزك##اة وأردت قت##ل رس##ولي؟) ق##ال :ال
وال##ذي بعث##ك ب##الحق م##ا رأيت رس##ولك ،وال أت##اني وال أقبلت إال حين احتبس علي
رسولك #خشية أن تكون سخطة من هللا ورسوله! قال :فنزلت في الحجرات﴿ :يَا أَيُّهَا
ص #بِحُوا َعلَى َم##ا صيبُوا قَوْ ًم##ا بِ َجهَالَ ٍ #ة فَتُ ْ ق بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَ ْن تُ ِ
الَّ ِذينَ آ َمنُوا إِ ْن َجا َء ُك ْم فَا ِس ٌ#
#ير ِمنَ اأْل َ ْم ِ
#ر لَ َعنِتُّ ْم َولَ ِك َّن فَ َع ْلتُ ْم نَا ِد ِمينَ َوا ْعلَ ُموا أَ َّن فِي ُك ْم َرسُو َ#ل هَّللا ِ لَوْ يُ ِطي ُع ُك ْ#م فِي َكثِ ٍ
ص #يَانَق َو ْال ِع ْ #ر َو ْالفُ ُس #و َ#
َّب إِلَ ْي ُك ُم اإْل ِ ي َم##انَ َو َزيَّنَ #هُ فِي قُلُ##وبِ ُك ْم َو َكَّ #رهَ إِلَ ْي ُك ُم ْال ُك ْفَ #
هَّللا َ َحب َ
كي ٌم﴾ [الحجرات)1(]8-6 : ُون فَضْ اًل ِمنَ هَّللا ِ َونِ ْع َمةً َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َح ِ ك هُ ُم الرَّا ِشد َ# أُولَئِ َ
قال المعلم :وفيها إرشاد #للمؤمنين في كل األزمنة ب##التحري #واالحتي##اط #ح##تى
)(1االصابة.2/519 :
)(2ميزان االعتدال.1/193 :
)(3االتقان.1/13 :
)(4أسباب النزول بهامش الجاللين.2/94 :
)(5رسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجاللين.2/199 :
)(6اإلتقان.1/13 :
)(7اإلتقان.1/13 :
)(8مجمع البيان.10/296 :
)(9اإلتقان .1/13 :وتفسير شبر ،ص.542
)(10التمهيد.1/155 :
)(11في ظالل القرآن.29/215 :
239
مكيّة باتفاق المفسّرين ،وهذه القص##ة ـ إن ك#انت ـ فهي مدنيّ##ة ،فكي#ف ك##انت س##بب
نزول السورة؟ فقال ـ ر ّدا على هذا القائل ـ :كي##ف يس##وغ ل##ه دع##وى اإلجم##اع ،م##ع
قول األكثر :أنّها مدنيّة ..ثم ذكر نصوص األئمة على ترتيب السور مص #رّحة بأنّه##ا
نزلت في المدينة بعد سورة الرحمن وقبل #س##ورة الطالق( ..)1وهك##ذا حقّ##ق العاّل م##ة
المفس##رين ..والعم##دة :إطب##اق رواي##ات ّ الطبرس##ي في تفس##يره وغ##يره من محقّقي
تشذ منها في ذلك وال رواية واحدة ،وعليه فاالعتماد على الس##ياق غ##ير الترتيب ،ال ّ
كاف.
ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [س##ورة المطففين ] ،وأمامه##ا #:أوّل
سورة نزلت بالمدينة ..وقيل :نزلت عليه وه#و مه#اجر في طريق#ه الى المدين#ة..
وعن ابن عباس ،قال :ل ّما قدم النب ّي المدينة كانوا من أخبث الن##اس كيال ،ف##أنزل#
هّللا هذه السورة ،فأحسنوا الكيل( ..)2لكن هذا يناقض رواي##ات ال##ترتيب المتّفق##ة على
أنّها آخر السور #المكيّة.
ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة األعلى ] ،وأمامها : 3قيل:
) (
ص#لَّى﴾ إنّه#ا مدنيّ#ة ،اس#تنادا الى قول#ه تع#الى﴿ :قَْ #د أَ ْفلَ َح َم ْن تَ#زَ َّكى َو َذ َكَ #ر ْ
اسَ #م َربِّ ِه فَ َ
[األعلى ]15-14 :إشارة الى صالة العيد وزكاة الفطرة ..لكن اآلية عا ّمة ،والرواية ـ إن
صحت ـ جاءت لتطبّق هذا العموم على مصداق #من مصاديقه ،ال أنّه ه##و المقص##ود
أنأن هاتين اآلي##تين نزلت##ا بالمدين##ة ،فال ي##د ّل ذل##ك على ّ الذاتي ال غير ..ثم لو سلّمنا ّ
أن السورة مكيّة حتى ولو كانت بعض آيه##ا جميع السورة بكاملها مدنيّة ..فالصحيح ّ
مدنيّة.
ورأيت أمام محل آخر الفت##ة مكتوب##ا عليه##ا [س##ورة الفج##ر] ،وأمامه##ا :مكيّ##ة
باتفاق ،والقائ#ل ب#الخالف غ##ير مع#روف( ..)4وأمامه##ا الفت##ة مكتوب#ا #عليه##ا [س##ورة
ألن البلد هي مكة المكرّم##ة باالتف##اق ،فكي##ف يق##ال: البلد] ،وأمامها :مكيّة باإلجماعّ ،
إنّها مدنيّة()5؟!.
ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليه##ا [س##ورة اللي##ل ] ،وأمامها( :)6قي##ل:
انّها مدنيّة ،نظرا لما روي في سبب نزولها #:كانت نخلة متدلّية في دار رج##ل فق##ير،
ي ـ فكان يجفوهم. وكان صبيانه يتناولون تمرها ،أ ّما صاحب النخلة ـ وهو رجل ثر ّ
ي على أربعين فساومه الن##ب ّي على نخل##ة في الجن##ة ف##أبى ،ح##تى س##اومه أنص##ار ّ
نخلة ،فاشتراها #من##ه ووهبه#ا #للن##ب ّي فوهبه##ا الن##ب ّي الى الرج##ل الفق##ير .قي##ل:
ب بِ ْال ُح ْسنَى #فَ َسنُيَ ِّس ُرهُ لِ ْل ُعس َْرى﴾ [الليل ]10-8 :غير فنزلتَ ﴿ :وأَ َّما َم ْن بَ ِخ َل َوا ْستَ ْغنَى َو َك َّذ َ
شواهد التنزيل ،ص 310و.315 )(1
اإلتقان.1/13 : )(2
التمهيد.1/156 : )(3
اإلتقان.1/14 : )(4
اإلتقان.1/14 : )(5
التمهيد.1/157 : )(6
240
أن السند مقطوع غير موصول( ..)1إضافة إلى أن اآلية ال تنطبق تماما على فح##وى ّ
ق سبحانه فال يخشى عقابه. هّللا أن اآلية عا ّمة في ك ّل بخيل بح ّ القصّة؛ والصحيحّ :
ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة القدر] ،وأمامها : 2 #قال ابن
) (
حزم وأبو محمد :إنّها مدنيّة( )3لما رواه الحاكم عن اإلم##ام الحس##ن ق##ال :رأى الن##ب ّي
بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة ،فساءه ذل##ك ف##نزلت تس##لية لخ##اطره(..)4
ألن الحاكم رواه##ا بس##ند وقال المزي :وهو حديث منكر( ..)5لكنّه تعصّب مفضوحّ ،
صحيح ،وقال :هذا إسناد صحيح .وقرّره على ذلك ،الحاف##ظ ال##ذهبي في التلخيص..
وأض##اف إلي##ه طريق##ا آخ##ر ووثق##ه أيض##ا ،ثم ق##ال :و م##ا أدري آفت##ه من أين()6؟!..
فإن داللة هذا الحديث على مدنيّة السورة ،جاءت من قبل لفظ (المنبر) إذ لم ولذلك؛ ّ
يكن للنب ّي وهو بمكة منبر ..لكن هذا وح##ده ال يص##لح دليال على ذل##ك ،إذ يج##وز#
أنّه أري ذلك بمكة قب##ل هجرت##ه لتك##ون بش##ارة ل##ه ب##اعتالء ذك##ره ،وإلماح##ه الى
االغتصاب الذي يرتكبه شرار أ ّمته ،فال تتنافى #ه##ذه الرواي##ة م##ع رواي##ات ال##ترتيب
أصال ..ويدل لذلك أيضا م##ا ورد في تفس##ير قول##ه تع##الىَ ﴿ :و َم##ا َج َع ْلنَ##ا الرُّ ْؤيَ##ا الَّتِي
آن َونُ َخ ِّوفُهُْ#م فَ َما يَ ِزي ُدهُْ#م إِاَّل طُ ْغيَانً##ا اس َوال َّش َج َرةَ ْال َم ْلعُونَةَ فِي ْالقُرْ ِ أَ َر ْينَا َ
ك إِاَّل فِ ْتنَةً لِلنَّ ِ
َكبِيرًا﴾ [اإلسراء ،]60 :فهي تشير الى نفس الرؤيا #المذكورة ،واآلية من سورة اإلس##راء
المكيّة باالتفاق ،ولم يستثن أحد هذه اآلية ،وإن استثنوا غيره##ا ،فق##د أخ##رج ابن أبي
أن النب ّي قال( :رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر حاتم عن ابن عمرّ :
كأنّهم القردة ،وأن##زل هّللا في ذل##كَ ﴿ :و َم##ا َج َع ْلنَ##ا الرُّ ْؤيَ##ا الَّتِي أَ َر ْينَ##اكَ إِاَّل فِ ْتنَ#ةً لِلنَّ ِ
اس
َوال َّش َج َرةَ ْال َم ْلعُونَةَ فِي ْالقُرْ آ ِن َونُ َخ ِّوفُهُْ#م فَ َما يَ ِزيُ #دهُْ#م إِاَّل طُ ْغيَانً##ا َكبِ##يرًا﴾ [اإلس##راء،]60 :
قال( :والشجرة الملعونة ،يعني الحكم وولده)
ورأيت أمام محل آخر الفت##ة مكتوب##ا عليه##ا [س##ورة البيّن##ة] ،وأمامها( :)7ق##ال
مك ّي بن أبي طالب :مكيّة ..لكن اتفاق روايات الترتيب ونصوصه على أنّه##ا مدنيّ##ة،
ويؤيّده ما ورد :أنّها ل ّما نزلت على النب ّي دعا أبي بن كعب فقرأها علي##ه ،وأبي،
ي #،أسلم على يدي رسول هّللا بالمدينة(.)8 أنصار ّ
ورأيت أمام محل آخر الفت##ة مكتوب##ا عليه##ا [س##ورة الزلزل##ة] ،وأمامه##ا :ق##ال
ضحّاك وعطاء :مكيّة ..وهكذا ق##ال مك ّي بن أبي ط##الب ..لكن اتفقت الرواي##ات على
أنّها مدنيّة( ..)9وقد #أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري ،قال :ل ّما نزلت ﴿فَ َم ْن
اإلتقان.1/14 : )(1
التمهيد.1/158 : )(2
الكشف عن القراءات السبع.1/385 : )(3
مستدرك الحاكم.3/171 : )(4
اإلتقان.1/14 : )(5
تلخيص المستدرك بالهامش.3/170 : )(6
التمهيد.1/160 : )(7
الدر المنثور.6/378 : )(8
الدر المنثور.6/379 : )(9
241
#رهُ﴾ [الزلزل##ة ]8-7 :قلت :ي##ا #ال َذ َّر ٍة َخ ْي#رًا يََ #رهُ َو َم ْن يَ ْع َم##لْ ِم ْثقََ #
#ال َذ َّر ٍة َشًّ #را يََ # يَ ْع َملْ ِم ْثقََ #
رس##ول هّللا إنّي ل##راء عملي؟ ق##ال :نعم ،قلت :تل##ك الكب##ار الكب##ار؟ ق##ال :نعم ،قلت:
ي لم يبل##غ إاّل الصغار #الصغار؟ قال :نعم ،قلت :واثكل أمي( ..)1وأب##و س##عيد أنص##ار ّ
بعد وقعة أحد(.)2
ورأيت أمام محل آخ#ر الفت#ة مكتوب#ا عليه#ا [س#ورة العادي#ات ] ،وأمامها: 3 #
) (
عن قتادة :أنّها مدنيّة ،لرواي##ة منس##وبة الى ابن عب##اس ،ق##ال :ن##زلت في خي##ل بعثه##ا
ق ذل##ك علي##ه ،ف##أخبره هّللا بم##ا ك##ان من رس##ول هّللا في س##ريّة فأبط##أت ،فش#ّ ##
أمرهم( ..)4لكن الرواية فيها تهافت ظاهر ،وفي نفس الوقت معارضة بم##ا رواه ابن
جرير وابن أبي حاتم وابن األنباري #والح#اكم #ـ وص#حّحه ـ وابن مردوي##ه ،عن ابن
أن عليا نهره عن تفسير العاديات بالخي##ل تغ##ير في س##بيل هّللا ،وأوض##ح ل##ه: عباسّ :
أنّها اإلفاضة من عرفات الى المزدلفة ..قال ابن عباس :فنزعت عن ق##ولي ورجعت
الى قول عل ّي(.)5
ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوب##ا عليه##ا [س##ورة التك##اثر] ،وأمامه##ا :قي##ل:
إنها مدنيّة ،لحديث ابن بريدة :أنّها ن##زلت في قبيل##تين من األنص##ار تف##اخروا ..وق##ال
أن (لو ي ـ :كنّا نزعم ّ قتادة :إنّها نزلت في اليهود ..وعن أبي بن كعب ـ وهو أنصار ّ
كان البن آدم واديان من ذهب لتمنّى ثالثا )..آية قرآنيّة ،حتى نزلت ﴿أَ ْلهَا ُك ُم التَّ َك##اثُرُ﴾
[التكاثر ..]1 :وعن عل ّي :كنّا نشك في عذاب القبر ،حتى نزلت ..وعذاب القبر لم يذكر
إاّل بالمدينة( ..)6وكل ما ذك##روه من ه##ذه األدل##ة باطل( :)7ألن ه##ذه الس##ورة ال تمسّ
ك من آي##ة مسألة التفاخر ،وإنّما تعرّضت للتكاثر ..ثم كيف يبقى أبي بن كعب في ش ّ #
قرآنية ،وال يسأل رسول هّللا وهو كاتبه األوّل ،الى أن يذهب ش ّكه بنزول س##ورة
الش #ك ال شأن لها ونفي قرآنيّة غيرها ..ثم كيف نجيز ألنفسنا تصديق رواي##ة تنس##ب ّ
إلى مثل اإلمام عل ّي في مسألة من مسائل اآلخ##رة ،وه##و ب##اب علم الن##ب ّي ..وأ ّم##ا
اختصاص نزولها ب##اليهود ،فض##يق في فح##وى #الس##ورة الع##ام ،إذ هي تع##الج مس##ألة
عا ّمة تمسّ حياة البشريّة جميعا ..والصحيح ـ كما جاء في روايات ال##ترتيب المتّفق##ة
ـ :أنّها من أوّليات السور المكيّة ،وق##د رواه عن ابن عب##اس( ..)8ه##ذا مض##افا #الى م##ا
نلمسه من لهجة السورة العنيفة ،ال##تي تناس##ب أج##واء مك##ة المس##يطر #عليه##ا النزع##ة
الماديّة بش ّدة ،ويزيد #العنف استعمال لفظة (كال) الخاصة بأهل مكة.
)(1التمهيد.1/162 :
)(2مجمع البيان.10/546 :
)(3مجمع البيان .10/405 :واإلتقان.1/11 :
)(4التمهيد.1/163 :
)(5مجمع البيان.10/548 :
)(6الدر المنثور.6/401 :
)(7لباب النقول بهامش الجاللين .2/147 :واإلتقان.1/14 :
)(8الدر المنثور.6/410 :
)( 9رجح هذا القول الشيخ محمد مهدي معرفت ،حيث قال :ال يبعد ذلك ،ولكن معنى ن##زول الس##ورة م##رّتين :أنّ الثاني##ة ك##انت ت##ذكيرا للن##ب ّي
بمناسبتها الحاضرة ،فمن المحتمل ـ على هذا الفرض ـ :أنّ اليهود سألوا النب ّي سؤاال ،كان المشركون قد سبقوهم الى مثله ،فتردّد النب ّي في
أن يقرأ عليهم السورة التي كانت إجابة على سؤال المشركين من ذي قبل ،وذلك نظرا للفرق بين مستوى اليه#ود ومس#توى المش##ركين ،فعن##د ذل##ك
خاص#ة بق#وم دون ق#وم ،وبمس#توى دون مس#توى إذ الن#اس على مختل#ف ّ نزل جبريل بكفاي#ة نفس اإلجاب#ة األولى ،بع#د أن لم تكن الس#ور القرآني#ة
مستوياتهم يستفيدون من جميع آي القرآن ،وإن كانت نوعيّة االستفادة تختلف حسب مراتب الثقافات ،وعلى ذلك فالسورة مكيّة وإن تك ّ #رر نزوله##ا
بالمدينة أيضا[ .التمهيد .]1/164 :وهو ترجيح غريب جدا ،وذرائعه أغرب منه.
)(10التمهيد.1/164 :
243
سحر لبيد بن األعصم ( ..)1والتي حدثت فيها عائش##ة ،ق##الت( :س##حر رس##ول هّللا
رجل من يهود بني زري##ق ،يق##ال ل##ه :لبي##د بن األعص##م ..ح##تى ك##ان رس##ول هّللا
القص#ة ـ باإلض##افة لمخالفته##ا ّ يخيّل إليه إنّه يفع##ل الش##يء وم##ا يفعل##ه ..)2( )..وه##ذه
القرآن الكريم في عدم إمكانية سحر النبي ـ ليس فيه##ا ش##اهد ب##نزول الس##ورتين،
وقد #تنبّه السيوطي لذلك ،ومن ثم استدرك بما ورد من طرق لم يص ّح إسنادها.
آيات مختلف فيها:
لم تكن الالفتات الكثيرة المعلقة في تلك المح#ال وح#دها م##ا أث##ار انتب#اهي إلى
مبالغ##ة أه##ل ذل##ك الحي في التعام##ل م##ع [المكي والم##دني] ،ب##ل رأيت الكث##ير من
المظاهر التي تدل على أن االختالف لم يكن مجرد اختالف علمي ،وإنما تحول إلى
ج#دل وص#راع ص#رف #أه#ل ذل#ك الحي عن التأم#ل في الق#رآن الك#ريم ،واالنش#غال#
بمحال نزوله.
ومن األمثل##ة على ذل##ك أني وج##دت ش##حناء وقعت في الحي ،وعن##دما رحت
أبحث عن أس##بابها ،وج##دت خالف##ا ج##رى بين اث##نين ح##ول مكي##ة بعض اآلي##ات أو
مدنيتها#.
لكن ذلك ليس عاما؛ فقد مررت في ذلك الشارع #بمن يتح##اور #بطريق#ة علمي#ة
مهذبة مثل تلك الحوارات التي ذكرت لكم طرفا منه##ا عن##د الح##ديث عن التص##نيفات
والتحقيقات.
سورة البقرة:
ومن تلك الحوارات العلمي##ة اللطيف##ة ،أني م##ررت على رجلين ،ق##ال أح##دهما
لصاحبه :لقد ذكرت لك سابقا أن سورة البقرة مدنية.
ق##ال الث##اني :لكن اس##تثني منه##ا ثالث آي##ات ..األولى ،قول##ه تع##الى﴿ :فَ##ا ْعفُوا
َواصْ فَحُواَ #حتَّى يَأْتِ َي هَّللا ُ بِأ َ ْم ِر ِه إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك##لِّ َشْ #ي ٍء قَِ #ديرٌ﴾ [البق##رة ،]109 :فق##د روي
أنها نزلت بشأن المشركين أيام كان المسلمون بمكة ضعفاء.
ْ ْ ُ َ ُّ
ب ل##وْ يَُ #ردونك ْ#م ِمن بَعِ #د َ #ل ْال ِكتَ##ا ِ
﴿و َّد َكثِي ٌر ِم ْن أَ ْهِ # قال األول :لكن صدر اآليةَ :
اص#فحُوا َ إِي َمانِ ُك ْم ُكفَّارًا َح َسدًا ِم ْن ِع ْنِ #د أَ ْنفُ ِسِ #ه ْم ِمن بَ ْعِ #د َم##ا تبَيَّنَ لهُ ُم ال َح #ق ف##اعفوا َو ْ
ُ ْ َ ُّ ْ َ َ ْ
َحتَّى يَأْتِ َي هَّللا ُ بِأ َ ْم ِر ِه إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِديرٌ﴾ [البقرة ]109 :شاهد نزولها بشأن أهل
الكتاب ،أوائل هجرة الرسول إلى المدينة ،ولم تقو شوكة اإلسالم بعد.
هَّللا
ْس َعلَ ْي#كَ هُ#دَاهُ ْم َول ِكن َ
َّ َ قال الثاني :فم##ا تق##ول في اس##تثناء قول##ه تع##الى﴿ :لَي َ
يَ ْه ِدي َم ْن يَ َشا ُء َو َما تُ ْنفِقُوا ِم ْن َخي ٍْر فَأِل َ ْنفُ ِس ُك ْم َو َما تُ ْنفِقُ##ونَ إِاَّل ا ْبتِ َغ##ا َء َوجِْ #ه هَّللا ِ َو َم##ا
ظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة ،]272 :فقد روي أنها ن##زلت بش##أن ف إِلَ ْي ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل تُ ْ
تُ ْنفِقُوا ِم ْن خَ ي ٍْر يُ َو َّ
ق.تعنت المشركين تجاه الح ّ
)(1اإلتقان.1/14 :
)(2صحيح البخاري.7/177 :
244
قال األول( :)1لكن روي #أن اآلية ن##زلت بش##أن إنف##اق المس##لمين على الكفّ##ار،
حيث امتنعوا #من ذلك زعما أنّها محرّمة عليهم وهم على غير دينهم ،فنزلت(.)2
قال الثاني :فما تقول في استثناء قوله تعالىَ ﴿ :واتَّقُ##وا يَوْ ًم##ا تُرْ َج ُع##ونَ فِيِ #ه إِلَى
ُظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة ،]281 :فقد قيل :هي آخ##ر آي##ة ت َوهُ ْم اَل ي ْ س َما َك َسبَ ْ هَّللا ِ ثُ َّم تُ َوفَّى ُكلُّ نَ ْف ٍ
نزلت على رسول هّللا وهو بمنى في حجّة الوداع(.)3
قال األول :حتى لو صح ذلك ..فالعبرة بالمكي والم##دني ليس بمح#ل ال##نزول،
وإنما بزمنه ،فما نزل قبل الهجرة مكي ،واآلخر مدني.
سورة األنعام:
ومنها أني مررت ب##آخرين ،ق##ال أولهم##ا لص##احبه :لق##د ذك##رت ل##ك س##ابقا أن
سورة األنعام مكيّة ،وأنها (نزلت بمكة جملة واحدة ،وشيّعها سبعون ألف مل##ك ،لهم
زجل بالتسبيح والتحميد ،وقد طبقوا م##ا بين الس##ماء واألرض ،وك##انت ليل##ة جمع##ة،
وكان لنزولهم #هيبة وعظمة ،فجعل رسول هّللا يقول :سبحان هّللا العظيم ،سبحان
هّللا العظيم ،وخّ ##ر س##اجدا ..ثم دع##ا الكتّ##اب فكتبوه##ا #من ليلتهم) ..وه##ذا الح##ديث
مستفيض رواه الفريقان بطرق يعضد بعضها #بعضا(.)4
ق##ال الث##اني( :)5أن##ا مع##ك في مجم##ل الس##ورة ،ال في جمي##ع آياته##ا ..فق##د قي##ل
ْرفُ##ونَ ْرفُونَ#هُ َك َم##ا يَع ِ #اب يَع ِ باستثناء تسع آيات ،منها قوله تعالى﴿ :الَّ ِذينَ آتَ ْينَ##اهُ ُم ْال ِكتََ #
َسرُوا أَ ْنفُ َسهُ ْم فَهُ ْم اَل ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [األنع##ام ..]20 :وقول##ه تع##الى﴿ :ثُ َّم لَ ْم تَ ُك ْن أَ ْبنَا َءهُ ُم الَّ ِذينَ خ ِ
فِ ْتنَتُهُْ#م إِاَّل أَ ْن قَالُوا َوهَّللا ِ َربِّنَا َما ُكنَّا ُم ْش ِر ِكينَ ﴾ [األنعام.]23 :
قال األول( :)6ال شاهد لالستثناء في ه##اتين اآلي##تين إطالق##ا ،وال دلي##ل علي##ه..
ولع ّل السبب في هذا القول الضعيف #المستهجن ما ورد من ذكر أهل الكت##اب فيهم##ا،
وهو استدالل ضعيف؛ فقد ورد ذكر أه##ل الكت##اب في كث##ير من س##ور #مكيّ##ة ،كقول##ه
ب إِاَّل بِالَّتِي ِه َي أَحْ َس#نُ إِاَّل الَّ ِذينَ ظَلَ ُم##وا ِم ْنهُ ْم َوقُولُ##وا# ﴿واَل تُ َجا ِدلُوا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ تعالىَ :
س#لِ ُمونَ ﴾ [العنكب##وت: احٌ #د َونَحْ نُ لَ#هُ ُم ْ آ َمنَّا بِالَّ ِذي أُ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َوأُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َوإِلَهُنَ##ا َوإِلَهُ ُك ْ#م َو ِ
#اب فَالَّ ِذينَ ك ْال ِكتََ # ﴿و َكَ #ذلِكَ أَ ْنزَ ْلنَ##ا إِلَ ْيَ #
،]46ولم يس##تثنها #أح##د ..وك##ذلك قول##ه تع##الىَ :
ْ اَّل
َاب ي ُْؤ ِمنُونَ بِ ِه َو ِم ْن هَؤُاَل ِء َم ْن ي ُْؤ ِمنُ بِ ِه َو َما يَجْ َحد بِآيَاتِنا #إِ الك##افِرُونَ ﴾
َ َ ُ آتَ ْينَاهُ ُم ْال ِكت َ
[العنكبوت ..]47 :وأمثال ذلك كثير.
ق قَْ #د ِر ِه إِذْ ﴿و َم##ا قََ #درُوا #هَّللا َ َحَّ # قال الثاني :فما تقول في اس##تثناء قول##ه تع##الىَ :
ُ
َاب ال ِذي َجا َء بِ ِه ُمو َسى نو ًرا# َّ قَالُوا َما أَ ْن َز َل هَّللا ُ َعلَى بَ َش ٍر ِم ْن َش ْي ٍء قُلْ َم ْن أَ ْنزَ َل ْال ِكت َ
يس تُ ْب#دُونَهَا َوتُ ْخفُ##ونَ َكثِ##يرًا َو ُعلِّ ْمتُ ْم َم##ا لَ ْم تَ ْعلَ ُم##وا أَ ْنتُ ْم اط َ# اس تَجْ َعلُونَهُ قَ َر ِ َوهُدًى لِلنَّ ِ
التمهيد.1/225 : )(1
مجمع البيان .2/385 :والدر المنثور.1/357 : )(2
الدر المنثور.1/370 : )(3
مجمع البيان 4/271 :والدر المنثور.3/2 : )(4
اإلتقان.1/15 : )(5
التمهيد.1/173 : )(6
245
ض ِه ْ#م يَ ْل َعبُونَ ﴾ [األنعام ،]91 :فقد قيل :إنها نزلت في َواَل آبَا ُؤ ُك ْم قُ ِل هَّللا ُ ثُ َّم َذرْ هُ ْم فِي َخوْ ِ
جماعة من اليهود ،قالوا :يا محم##د أن##زل هّللا علي##ك كتاب##ا؟ ق##ال :نعم .ق##الوا :وهّللا م##ا
أنزل هّللا من السماء كتابا ..وقيل :نزلت في مالك بن الصيف ،وكان حبرا من أحبار
يهود قريظة ،وك##ان س#مينا ،فق##ال ل#ه الن#ب ّي : أنش##دك بال#ذي أن##زل الت##وراة على
(إن هّللا يبغض الحبر السمين؟) ،فغضب وقال :ما أنزل موسى ،أما تجد في التوراةّ :
هّللا على بشر من شيء ..وقيل :الذي خاصم النب ّي في ه##ذا المق##ال ه##و فنح##اص
بن عازوراء اليه##ودي ..و قي##ل :ن##زلت في مش##ركي ق##ريش ،حيث أنك##روا النب#وّات
رأسا(.)1
قال األول : 2لقد رد أبو جعف##ر الط##بري على ه##ذه الرواي##ات بقول##ه( :وأولى ) (
هذه األقوال بالصواب ،هو القول األخ#ير ،إذ لم يج#ر لليه#ود ذك#ر قب#ل ذل#ك ،وليس
إنكار نزول الوحي على بشر م ّما تدين به اليه#ود ،ب#ل المع#روف #من دينهم اإلق#رار
بصحف #إبراهيم وموسى وزبور داود ..ولم يكن الخبر بأنّها نزلت في اليه##ود خ##برا
المفس#رون على ذل##ك ..وك##ان س##ياق الس##ورة من ّ صحيحا متصل الس##ند ،وال أجم##ع
أوّلها الى هنا جاريا في المشركين ،فناسب أن تكون هذه اآلي##ة أيض##ا موص##ولة بم##ا
قبلها ال مفصولة من#ه؛ فلم يج#ز لن#ا أن نّ #دعي فص#لها #إاّل بحجّ#ة قاطع#ة من خ#بر أو
عقل ..ولع ّل ال##ذي أوق##ع ه##ذا القائ##ل في ال##وهم الم##ذكور م##ا وج##ده في قول##ه تع##الى:
﴿تَجْ َعلُونَهُ﴾ على وجه الخطاب ( ..)3أ ّما القراءة المشهورة بتاء الخطاب في الجمي##ع،
فال تستدعي اختصاص الخطاب بأه#ل الكت#اب ،ب#ل ه#و موج#ه إلى البش#رية جميع#ا
باعتبار فعل بعضهم م ّمن نزل عليهم الكت##اب ،وله##ذا ج##اء الكالم عن ب##ني إس##رائيل
﴿و َم##ا في سور مكيّة كث##يرة ،كم#ا في س#ورة األع#راف ..ويش##هد ب##ذلك قول##ه تع##الىَ :
ك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم##ونَ ﴾ [األنبي##اء: اس#أَلُوا أَ ْهَ #
#ل الِّ #ذ ْك ِر إِ ْن ُ ك إِاَّل ِر َجااًل نُو ِحي إِلَ ْي ِه ْم فَ ْ أَرْ َس ْلنَا قَ ْبلَ َ
،]7فهي خطاب ألهل مكة ،وسورة األنبياء مكية ..وقد #كان للعرب صلة وثيقة وثقة
بأهل الكتاب ،ويعرفونهم أهل علم ،وكثيرا ما يس##ألونهم عن ت##اريخ األمم واألنبي##اء،
ويعتم##دون كالمهم ،فج##از #أن يخ##اطبوا #بخط##اب اليه##ود المج##اورين لهم المخ##الطين
معهم الموثوق #بهم عندهم.
َ
#رىَ #على َ ْ َ ْ َ ْ
قال األول( :)4فما تقول في استثناء قوله تع##الىَ ﴿ :و َمن أظل ُم ِم َّم ِن افتَ #
ال َسأ ُ ْن ِز ُل ِم ْث َل َما أَ ْن َز َل هَّللا ُ َولَوْ
ُوح إِلَ ْي ِه َش ْي ٌء َو َم ْن قَ َي َولَ ْم ي َ ال أُ ِ
وح َي إِلَ َّ هَّللا ِ َك ِذبًا أَوْ قَ َ
اسطُو #أَ ْي ِدي ِه ْم أَ ْخ ِرجُوا أَ ْنفُ َس ُك ُم ْاليَوْ َم ت َو ْال َماَل ئِ َكةُ بَ ِت ْال َموْ ِ ت ََرى إِ ِذ الظَّالِ ُمونَ فِي َغ َم َرا ِ
ق َو ُك ْنتُ ْم ع َْن آيَاتِِ ###ه ْ###ر ْال َحِّ ###
اب ْالهُ###و ِن بِ َم###ا ُك ْنتُ ْم تَقُولُ###ونَ َعلَى هَّللا ِ َغي َ تُجَْ ###زوْ نَ عََ ###ذ َ
تَ ْستَ ْكبِرُونَ ﴾ [األنعام ،]93 :فقد روي #أنها نزلت في عبد هّللا بن سعد بن أبي س##رح أخي
ومثل ذل#ك أب#وي رس#ول هللا ؛ ف#إن ك#ل األدل#ة ت#دل على أن جمي#ع أج#داد
رسول هللا لم يتل ّوثوا بدنس شرك قط؛ وقد روي في الحديث عن رسول هللا :
مهذبا) ()1 (لم يزل هّللا ينقلني من األصالب الطيّبة إلى األرحام الطاهرة مصفى ّ
َّاج ِدينَ ﴾ [الشعراء ،]219 :أي وبهذا المعنى جاء تأويل قوله تعالىَ ﴿ :وتَقَلُّبَكَ فِي الس ِ
لم ت##زل تنتق##ل من ص##لب م##ؤمن مو ّح##د إلى ص##لب م##ؤمن مو ّح##د ،ق##ال الطبرس##ي#:
(وقيل :معناه :وتقلّبك في أصالب الموحّدين ح##تى أخرج##ك نبيّ##ا ..وه##و م##روي عن
ابن عباس وعن اإلمام الباقر ،واإلمام #الصادق) ()2
ّ
والصحيح في سبب نزول اآلية ،ما ذكره الطبرسي #:أن المسلمين ج##اؤوا إلى
النب ّي يطلبون إليه االستغفار لموتاهم #الذين مضوا على الكفر أو النفاق ،وق##الوا:
أال تستغفر آلبائنا الذين ماتوا في الجاهلية ،فنزلت اآلية(.)3
ّ
و م ّما يد ّل على ص ّحة هذه الرواية وبطالن الرواية األولى ،أن اآلية الكريمة
جاءت بلفظ ﴿ما كانَ لِلنَّبِ ِّي والَّ ِذينَ آ َمنُوا﴾ ،فل##و ص#حّت تل##ك الرواي##ة لم##ا ك##ان هن##اك
سبب معقول إلرداف غيره من المؤمنين معه في هذا اإلنكار الصارم(.)4
قال الثاني :فما تقول في استثناء قوله تعالى﴿ :لَقَ ْد َج #ا َء ُك ْم َر ُس#و ٌل ِم ْن أَ ْنفُ ِس#ك ْمُ
وف َر ِحي ٌم فَإِ ْن ت ََولَّوْ ا فَقُلْ َح ْسبِ َي هَّللا ُ
ين َر ُء ٌ َزي ٌز َعلَ ْي ِه َما َعنِتُّ ْم َح ِريصٌ َعلَ ْي ُك ْم بِ ْال ُم ْؤ ِمنِ َ#ع ِ
ش ال َع ِظ ِيم﴾ [التوب##ة ،]129-128 :فق##د ق##ال ابن ْ ْ ُ ْ َّ َ
اَل إِلهَ إِ هُ َو َعل ْي ِه ت ََوكلت َوه َُو َربُّ ال َعرْ ِ اَّل َ
الغرس :إنّهما مكيّتان(.)5
قال األول :وقد قال السيوطي( :وهذا غريب ،كي##ف وق##د ورد #أنّهم##ا آخ##ر م##ا
نزل) ( ..)6باإلضافة إلى ما روي في سبب نزولهما ،وهو أن جهين##ة ج##اءت تس##أل
رسول هّللا ـ أوّل قدومه المدينة ـ عهدا يأتمنون اليه ،فنزلت اآليتان(.)7
سورة يونس:
296
قال القاضي :ها نحن نجتمع أخيرا في البت في هذه القضية التي طال تأجيلنا
له##ا ،خوف #ا #من الفتن##ة ال##تي زعم البعض أن م##دينتنا #ق##د تق##ع فيه##ا ..لكن ه##ذا المعلم
الفاضل أقنعني بأن العدل لن يجر إلى الفتنة ،والحقيق##ة هي وح##دها من يقض##ي على
كل صراع ..ولذلك طلبت من المدعي أن يجمع كل الش##هادات والوث##ائق #ال##تي ت##دين
هؤالء المتهمين ،ومعها كل الشهود ،وسنسمح للمتهمين طبعا بأن يجيب##وا عليه##ا ،ثم
بعد ذلك نقرر ما يقتضيه العدل ال##ذي ن##راه ،وال##ذي ترون##ه معن##ا معش##ر الحض##ور#،
وخاصة أهل العلم منكم.
قال المدعي :وقد فعلت ذلك ..وسأبدأ بأول ما قد نكتفي به إلدانتهم#.
ثم التفت للمتهمين ،وق##ال :إن التهم##ة الك##برى الموجه##ة لكم هي تحري##ف فهم
الق#رآن الك#ريم ،وأنتم ب#ذلك تش#بهون ب#ني إس#رائيل ال#ذين ك#انوا يحرف#ون الكلم عن
مواضعه ،ويستبدلون بمعانيه ما يريدون هم ال ما تريده كتبهم المقدسة.
قال أحد المتهمين :كيف ذلك؟
قال المدعي :ألستم تقولون بأن للقرآن الكريم ظاهرا وباطن##ا #..وأنكم تأخ##ذون
بباطن القرآن؟
قال أحد المتهمين :وبظاهره ..فنحن نؤمن بكليهما ،ونحاول أن نفهم كليهما.
قال المدعي :وذلك هو التحريف بعينه ..فظاهر القرآن الكريم هو المقص##ود..
وكل من يرى أن هناك باطنا له فهو من زنادقة الباطنية.
قال أحد المتهمين :فأنت تتهم نفسك بذلك إذن؟
قال المدعي :كيف ذلك؟
قال أحد المتهمين :ألم تشبهنا #ببني إسرائيل وتحريفهم لكتبهم؟
قال المدعي :وال أزال أصر على ذلك ..ف##أنتم معش##ر الباطني##ة هم يه##ود ه##ذه
األمة ..بل منافقوها#.
ق#ال أح#د المتهمين :وه#ذا ه#و مع#نى الب#اطن ال#ذي نري#ده ..فنحن ن#ؤمن ب#أن
اليهود والمنافقين المذكورين في القرآن الكريم لم ي##ذكروا #ل##ذواتهم ،وإنم##ا لص##فاتهم
وأفعالهم المشينة ،ولذلك فإن كل من تشبه بهم يجري ويطبق #عليه حكمهم.
قال آخر :لقد ق##ال إمامن##ا الب##اقر #ي##ذكر ذلك( :ظه##ر الق##رآن ال##ذين ن##زل فيهم،
وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم) ()1
قال آخر :ومثله ما روي عنه قول##ه في تفس##ير قول##ه تع##الى﴿ :إِنَّ َم##ا أَ ْنتَ ُم ْنِ #ذ ٌر
علي اله##ادي ،ومنَّا اله##ادي) ،فقي##ل له :ف##أنتَ َولِ ُك ِّل قَ##وْ ٍ#م هَ##ا ٍد﴾ [الرع##د ،]7 :فق##د ق##الٌّ ( :
ق##ال آخر( :)2وه##ذا الق##ول ليس منك##را ال عقال وال ش##رعا ..ف##القرآن الك##ريم
قال أحد المتهمين( :)3إن هذه الروايات سيدنا غير ص#حيحة ،ب#ل هي ض#عيفة
سنداً ،مضطربة متنا ً ،وهي في أغلبها ،بل كلها من وضع الغالة الذين نص##بهم #أئم##ة
السوء لتشويه أئمة الهدى.
قال آخر :والدليل على ذلك ما روي #عن اإلمام الص#ادق أن#ه ق#ال( :ال تقول#وا
في ك ّل آية هذا رجل وهذا رجل ،من القرآن حالل ومن##ه ح##رام ،ومن##ه نب##أ م##ا قبلكم
(إن القرآن نزل أربعة أرب##اع: وحكم ما بينكم وخبر ما بعدكم وهكذا هو) (..)4وقالّ :
ربع حالل ،وربع حرام ،وربع سنن ،وربع أحكام ،وربع خبر ما كان قبلكم ونب##أ م##ا
يكون بعدكم وفصل بينكم)()5
أن اإلم##ام الص##ادق كتب ألبي الخطّ##اب( )6ـ وه##و قال آخر :وفي حديث آخر ّ
قال آخر :وعلى هذا النهج نرى أئمة الهدى يحذرون من الغالة ،ومن األمثل##ة
على ذلك قول اإلمام الص#ادق( :إن#ا أه#ل بيت صّ #ديقون ،ال نخل##و من ك#ّ #ذاب يك##ذب
علينا ويُسقط #صدقنا بكذبه علينا عند الناس ..كان رسول هللا أصدق الناس لهج#ةً
وأصدق #البرية كلها ،وكان مسيلمة يكذب عليه ،وكان اإلمام علي أصدق َمن برأ هللا
بعد رسول هللا ،وكان الذي يكذب عليه ويعم##ل في تك##ذيب ص##دقه ويف##تري #على هللا
الكذب عب ُد هللا بن سبأ)()6
إن بنان##ا يت##أول ه##ذه اآلي##ةَ ﴿ :وهَُ #و الَّ ِذي فِي
قال آخر :وقي##ل لإلم##ام الص##ادقّ :
ض إِلَ#هٌ﴾ [الزخ##رف ،]84 :أن ال##ذي في األرض غ##ير إل##ه الس##ماء، ال َّس َما ِء إِلَهٌ َوفِي #اأْل َرْ ِ
وأن إل##ه الس##ماء أعظم من إل##ه األرضّ ،
وأن أه##ل وإل##ه الس##ماء غ##ير إل##ه األرضّ ،
ّ
األرض يعرفون فضل إله الس##ماء ويعظمون##ه ،فق##ال( :وهللا م##ا ه##و إال هللا وح##ده ال
شريك له ،إلهٌ في السماوات وإلهٌ في األرضين ،كذب بنان ـ عليه لعن##ة هللا ـ ص ّ #غر
ل جالله ،وص ّغر عظمته)()7 هللا ج ّ
قال آخر :وقيل لإلمام الصادق :إنهم يقولون :يعلم قطر المطر وع##دد النج##وم
)(1األمثلِ ،
الشيرازي.19/318 ،
)(2األمثلِ ،
الشيرازي.19/318 ،
)(3األمثلِ ،
الشيرازي.19/322 ،
314
والخ##بر #الح##ق ال##ذي يتع##رى عن الك##ذب ،والن##بيء هوالم##وحى #إلي##ه بأخب##ار #الح##ق
والصدق #،حاملة كافة البراهين المصدقة لهما ثم إذا ك#ان النب#أ عظيم#ا ك#انت الفائ#دة
والعلم فيه أعظم ،دون أن يتطرق #إليه أية شائبة وريبة اللهم إال جهال وعنادا ممن ال
يهوى إال هواه ،وال يهدف هداه ..وأول األنباء العظيمة ـ منذ بزوغ اإلسالم ـ هونب##أ
الرسالة اإلسالمية التي حملها الرس##ول األق##دس محم##د ،فنب##أ الرس##الة المحمدي##ة
هوأعظم األنب##اء الرس##الية في ت##اريخ الرس##االت ،وألنه##ا تش##ملها كله##ا وفيه##ا مزي##د
هورمز #الخلود ،فلما بعث الن##بي جعل##وا يتس##اءلون بينهم ف##نزلت ﴿ َع َّم يَت ََس#ا َءلُونَ
ع َِن النَّبَإِ ْال َع ِظ ِيم﴾ [النب##أ﴿ #،]2-1 :بَلْ ع َِجبُوا أَ ْن َج #ا َءهُ ْم ُم ْنِ #ذ ٌر ِم ْنهُ ْم فَقَ##ا َل ْال َك##افِرُونَ هََ #ذا
َش ْي ٌء ع َِجيبٌ ﴾ [ق ..]2 :فه##ذه الرس##الة الس##امية ك#انت نب#أ عظيم#ا تحم#ل كاف#ة األنب#اء
العظيمة)()1
ومن المصاديق #التي ذكرها (إنذار النبي وإنبائه نبأ التوحيد ،هم##ا من األنب##اء
العظيمة ،وقد #بدأ بنبإ التوحيد﴿ :قُلْ إِنَّ َما أَنَا ُم ْنِ #ذ ٌر َو َم##ا ِم ْن إِلَ ٍ #ه إِاَّل هَّللا ُ ْال َوا ِحُ #د ْالقَهَّا ُر
َظي ٌم أَ ْنتُ ْم َع ْن##هُض َو َم##ا بَ ْينَهُ َم##ا ْال َع ِزيُ ##ز ْال َغفَّا ُر قُ##لْ هَُ ##و نَبَ##أ ٌ ع ِ ت َواأْل َرْ ِ اوا ِ َربُّ َّ
السَ ##م َ
ي إِاَّل أَنَّ َما أَنَ##ا ُوحى إِلَ ََّص ُمونَ إِ ْن ي َ ْرضُونَ َما َكانَ لِ َي ِم ْن ِع ْل ٍم بِ ْال َمإَل ِ اأْل َ ْعلَى إِ ْذ يَ ْخت ِ ُمع ِ
ين﴾ [ص)2( )]70-65 : نَ ِذي ٌر ُمبِ ٌ
ومن المصاديق #التي ذكرها (الق##رآن ..فه##و نب##أ عظيم ألن##ه المعج##زة الخال##دة
وحيهَا إِلَ ْي##كَ
ب نُ ِ لهذه الرسالة السامية ،وأنه يحمل كافة أنباء الغيب﴿تِ ْلكَ ِم ْن أَ ْنبَا ِء ْال َغ ْي ِ
اص#بِ ْ#ر إِ َّن ْال َعاقِبَ#ةَ لِ ْل ُمتَّقِينَ ﴾ [ه##ود..]49 : ك ِم ْن قَب ِْل هََ #ذا فَ ْ َما ُك ْنتَ تَ ْعلَ ُمهَا أَ ْنتَ َواَل قَوْ ُم َ#
قَك َو َج #ا َءكَ فِي هَ ِ #ذ ِه ْال َحُّ # ِّت بِ ِ #ه فُ##ؤَاد َ#ك ِم ْن أَ ْنبَ##ا ِء الرُّ ُس ِ #ل َم##ا نُثَب ُ ﴿ َو ُكاًّل نَقُصُّ َعلَ ْي َ #
رى #لِ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [هود)3( )]120 : َو َموْ ِعظَةٌ َو ِذ ْك َ
﴿وقَ##ا َل ومن المصاديق #التي ذكرها (نبأ المعاد ..وهو نبأ عظيم بعد التوحي##دَ ..
ق َج ِديٍ #د﴾ ق إِنَّ ُك ْم لَفِي َخ ْلٍ # الَّ ِذينَ َكفَرُوا هَلْ نَدُلُّ ُك ْم َعلَى َر ُج ٍل يُنَبِّئُ ُك ْ#م إِ َذا ُم ِّز ْقتُ ْم ُكَّ #ل ُم َمَّ #ز ٍ#
#زينَ ﴾ [ي##ونس: ق َو َم##ا أَ ْنتُ ْم بِ ُم ْع ِجِ # ق هُ َو قُلْ إِي َو َربِّي #إِنَّهُ لَ َحٌّ # ﴿ويَ ْستَ ْنبِئُونَكَ أَ َح ٌّ[سبأَ #..]7 :
)4( )]53
ثم عل##ق على ه##ذه المص##اديق #بقول##ه( :ه##ذه هي ال##دعائم األرب##ع من األنب##اء
العظيمة ،تشملها﴿ :النَّبَإِ ْال َع ِظ ِيم﴾ ..ومن األنب##اء العظيم##ة اس##تمرارية الوالي##ة والحكم
المحمدي المتمثل في أخيه ونفسه ووليه وخليفته علي أمير المؤمنين) ()5
الخنّس:
قال المدعي :فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قول##ه تع##الى﴿ :فَاَل
س إِنَّهُ لَقَ##وْ ُل َر ُس#و ٍ#ل ْح إِ َذا تَنَفَّ َ الص#ب ِ
س َو ُّ َسَ #ع َ س َواللَّي ِْل إِ َذا ع ْ ار ْال ُكنَّ ِ
س ْال َج َو ِ أُ ْق ِس ُم بِ ْال ُخنَّ ِ
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه.30/10 ، )(1
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه.30/10 ، )(2
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه.30/11 ، )(3
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه.30/11 ، )(4
الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه.30/11 ، )(5
315
##ر ٍيم﴾ [التك###وير ،]19-15 :حيث ورد في تفس##يرها أن ﴿الخنّس﴾ هوق##ائم #آل مح ّم##د َك ِ
) (
الغائب عن األنظار . 1
المفس#رة لآلي##ة ِّ قال أحد المتهمين : 2وقد #وق##ع في س##ند بعض ه##ذه الرواي##ات
) (
الشريفة ،جعفر بن مح ّمد بن مالك ،وقد ذكروا #فيه :إنّه ضعيف ،غال ،وضّاع ،وق##د
أن الكث##ير من رواة ه##ذه األخب##ار جم##ع إلي##ه جمي##ع عي##وب ال##رواة الض##عاف .#.كم##ا ّ
مجاهيل ..باإلضافة إلى ذلك ،فإن القسم الوارد ،في هذه الس##ورة ،هو لتأكي##د حقّاني##ة
النب #وّة والق##رآن ،وعلي##ه فكي #ف #يت ّم القس##م بغيب##ة اإلم##ام ال##تي هي ف##رع النب #وّة؟!..
باإلض##افة إلى أن الش##يء ال##ذي يق##ع القس##م ب##ه ال بّ ##د من أن يك##ون معلوم##ا ً عن##د
المخاطبين في ذلك الزمان ،ولم تكن مسألة الغيبة بهذه المثابة.
قال المدعي :فما تقولون في حديث آخر حول نفس اآلي#ة الكريم#ة ،رووا #في#ه
عن أ ّم ه#اني أنه#ا ق#الت لإلم#ام الص#ادق :م#ا مع#نى ق#ول هللا عّ #ز وج#لّ﴿ :فَاَل أ ْق ِسُ #م
س﴾؟ فقال :ي##ا أ ّم ه##اني ،إم##ام يخنَّس نفس##ه حتّى ينقط##ع عن الن##اس علم##ه س##نة بِ ْال ُخنَّ ِ
ستّين ومائتين ،ث ّم يبدوكالشهاب #الواقد في الليلة الظلم##اء ،ف##إن أدركت ذل##ك الزم##ان
قرّت عينك (.)3
قال أحد المتهمين( :)4ال شك في ك#ون ه#ذه الرواي#ة مكذوب#ة موض#وعة؛ ففي
وض #اع #للح##ديث ..وق #د #ذك##روا سندها جعفر بن مح ّمد بن مالك ،وهوضعيف ،غالّ ،
فيه :إنّه جمع عيوب الرواة الضعاف جميعاً ..باإلضفاة إلى ذل##ك؛ فإن##ا لوفرض##نا #أنّ
وأن سماعها الحديث كان راوية الحديث كان عمرها عند سماع الحديث ( )15سنةّ ،
فإن عمر أ ّم أن وفاته كانت سنة ّ ،114 في أخريات حياة اإلمام الباقر ،فمع مالحظة ّ
هاني كان آنذاك في سنة 260هو( )161سنة ،وحينئ##ذ فمن المس##تبعد أن يق##ول له##ا
اإلمام :إذا أدركت زمانه.
قال آخر :ولهذا نرى كل علمائنا يفسرون اآليات الكريمة بحسب ما يدل عليه
ظاهره##ا ،فق##د ق##ال بعض##هم #بع##د أن أورد المع##اني اللغوي##ة له##ا( :يعتق##د كث##ير من
المفسرين ،إنها الكواكب الخمسة السيارة التي في منظومتن##ا الشمس##ية ،وال##تي يمكن
رؤيتها #بالعين المجردة (عط##ارد ،الزه##رة ،الم##ريخ ،المش##تري وزح##ل) ..فلوتأملن#ا#
الس##ماء ع##دة لي##ال ،لرأين##ا أن نج##وم #الس##ماء أوالقب##ة الس##ماوية تظه##ر وتغيب بش##كل
جماعي من دون أن تتغير الفواصل والمسافات #فيما بينها ،وكأنها آللئ خيطت على
قطعة قماش داكن اللوان ،وهذه القطعة تتحرك من المشرق #إلى المغرب ،إال خمسة
كواكب قد خرجت عن هذه القاع#دة ،فنراه#ا تتح##رك وليس بينه#ا وبين بقي#ة النج##وم
فواصل #ثابتة ،وكأنها لئالئ قد وضعت على تلك القطعة وض##عا ،من دون أن تخي##ط
الشيرازي.17/406 ،
األمثلِ ، )(1
الشيرازي.17/406 ،
األمثلِ ، )(2
من هدي القرآن.14/303 )(3
من هدي القرآن.14/320 )(4
320
الحوض)()1 علي
وق#د #ق#ال القاض##ي عي#اض في تفس#يرها( :قِي##ل ُسِّ #ميَا ب##ذلك؛ ِلعظم أق#دارهما#،
األخذ بهما)( ،)2وقال النوويُّ ( :س ِّميَا ثَقلين؛ لعظمهما ،وكبير #شأنهما)()3 وقيل :لش َّدة ْ
هذا الذي كنتم به تكذبون:
قال المدعي :فما تقولون في الرواية التي وردت في تفس##ير قول##ه تع##الى﴿ :ث َّمُ
صالُو ْال َج ِح ِيم ثُ َّم يُقَا ُل هَ َذا الَّ ِذي ُك ْنتُ ْم بِ ِه تُ َكِّ #ذبُونَ ﴾ [المطففين 16 :ـ ،]17فق##د ورد في إِنَّهُ ْم لَ َ
َّار لَفِي ْ
#اب الفُج ِ تفس##يرها عن محم##د بن الفض##يل ،عن أبي الحس##ن قلتَ ﴿ :كاَّل إِ َّن ِكتََ #
ِسجِّي ٍن﴾ [المطففين ،]7 :قال( :هم الذين فجروا #في حق األئمة واعتدوا عليهم) ،قلت﴿ :ث َّمُ
يُقَ##ا ُل هَ َ #ذا الَّ ِذي ُك ْنتُ ْم بِ ِ #ه تُ َكِّ #ذبُونَ ﴾ [المطففين ]17 :ق##ال( :يع##ني أم##ير المؤم##نين) ،قلت:
تنزيل؟ قال( :نعم) ()4
قال أحد المتهمين( :)5يكفي في رد هذه الرواية أن يكون في س##ندها مح ّم##د بن
الفضيل ،وه##و من الغالة المع##روفين ..باإلض##افة إلى أن اآلي##ات الس##ابقة على ه##ذه
أن األم#ر ال#ذي وق#ع م#ورد التك#ذيب هوي#وم القيامة ،ق#ال تع#الى: اآلية صريحة في ّ
ِّين َو َم##ا يُ َكِّ #ذبُ بِِ #ه إِاَّل ُك##لُّ ُم ْعتٍَ #د أَثِ ٍيم إِ َذا
﴿ َو ْي ٌل يَوْ َمئِ ٍذ لِ ْل ُم َك ِّذبِينَ الَّ ِذينَ يُ َك ِّذبُونَ بِيَ##وْ ِم ال#د ِ
ر اأْل َ َّولِينَ ﴾ [المطففين]13-10 : تُ ْتلَى َعلَ ْي ِه آيَاتُنَا قَا َل أَ َس ِ
اطي ُ
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
غيرهم ..ومن األمثلة على ذلك ق##ول بعض##هم( #:بع##دما ذك##رت آخ##ر آي##ة من اآلي##ات
السابقة مصير المكذبين ،تأتي اآليات أعاله لتش##رح ح##الهم ،فتق##ول﴿ :الَّ ِذينَ يُ َكِّ #ذبُونَ
﴿و َما يُ َك ِّذبُ بِ ِه إِاَّل ُكلُّ ُم ْعتٍَ ##د ِّين﴾ [المطففين ،]11 :وهويوم #القيامة ..وتقول أيضاَ : بِيَوْ ِم الد ِ
أَثِ ٍيم﴾ [المطففين ..]12 :فإنك#ار #القيام#ة ال يس##تند على المنط#ق الس##ليم والتفك#ير الص##ائب
واالس##تدالل العقلي ،ب##ل هون##ابع من حب االعت##داء وارتك##اب ال##ذنوب واآلث##ام ..فهم
يريدون اإلستمرار بالذنوب واإليغال باإلعتداءات وبكامل اختي##ارهم ،ومن دون أي
رادع يردعهم من ضمير أوقانون ،وهذا الحال شبيه ما أشارت إليه اآلية من س##ورة
القيامة﴿ :بَلْ ي ُِري ُد اإْل ِ ْن َسانُ لِيَ ْفج َُر أَ َما َمهُ يَسْأ َ ُل أَيَّانَ يَ##وْ ُم ْالقِيَا َمِ #ة﴾ [القيام##ة ،]6-5 :وعلي##ه،
فهو يكذب بيوم الدين ..وعلى هذا األساس ،فإن للممارسات #الس##يئة أث##ر س##لبي على
عقيدة اإلنسان ،مثلما للعقيدة من أثر على سلوكية وتوجيهات #اإلنسان)()6
دين القيمة:
﴿و َم##اقال المدعي :فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالىَ :
( )(1رواه أحم##د ( ، )11578وابن أبي عاص##م في (الس##نة) ( ، )1553وأب##و يعلى ( ، )1140والط##براني في (المعجم الكب##ير) (#)3/65
، )2678والبغوي في (شرح السنة) ()3914
)(2مشارق األنوار على صحاح اآلثار ()1/134
)(3شرح صحيح مسلم ()15/180
)(4البرهان في تفسير القرآن ،البحراني ()5/799
)(5مجلة المنهاج ،ع.32/258
)(6األمثلِ ،
الشيرازي.20/25 ،
321
صاَل ةَ َوي ُْؤتُ##وا ال َّز َك##اةَ َو َذلِ##كَ
صينَ لَهُ ال ِّدينَ ُحنَفَا َء َويُقِي ُموا ال َّأُ ِمرُوا إِاَّل لِيَ ْعبُدُوا هَّللا َ ُم ْخلِ ِ
ِدينُ ْالقَيِّ َم ِة﴾ [البينة ..]5 :فقد ورد في تفسيرها عن عمرو بن شمر ،عن جابر بن يزي#د،
عن اإلمام الباقر #..أن ﴿ ِدينُ ْالقَيِّ َم ِة﴾ هي فاطمة بنت رسول هللا .)1(
المفس#رة أب##و عب##د هللا ،عم##روبن ّ قال أحد المتهمين( :)2في سند هذه الروايات
ووض#اع ّ الشمر بن يزيد الجعفي ،روى عن اإلمام الصادق ،وق##د ُعّ #د في الض##عاف
الحديث ..باإلضافة إلى أن (ذل#ك) اس#م إش#ارة لألم#ر الس#ابق ال#وارد في ه#ذه اآلي#ة
وهو :عبادة هللا سبحانه بإخالص ،وإقامة الصالة ،وإيتاء الزك##اة ،فه##ذه هي ال##دعائم
التي أقام سبحانه عليها دينه وأمر #الناس بها.
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
القَيِّ َمِ #ة﴾ [البين##ة]5 :غيرهم ..ومن األمثلة على ذل##ك ق##ول بعض##هم( #:جمل##ة ﴿ َو َذلِ##كَ ِدينُ ْ
إش##ارة إلى أن األص##ول الم##ذكورة في اآلي##ة وهي :التوحي##د الخ##الص ،والص##الة
(االرتباط باهلل) ،والزكاة (االرتباط بالن##اس) من األص##ول الثابت##ة الخال##دة في جمي##ع
األديان ،بل إنها قائمة في أعماق فط##رة اإلنس##ان ،ذل##ك ألن مص##ير اإلنس##ان يرتب#ط#
بالتوحي##د #،وفطرت##ه ت##دعوه إلى معرف##ة المنعم وش##كره ،ثم إن ال##روح االجتماعي##ة
المدنية لإلنسان تدعوه إلى مساعدة المحرومين ..من هنا ،هذه التعاليم لها جذور في
أعماق الفطرة ،وهي لذلك كانت في تعاليم كل األنبياء السابقين وتعاليم خاتم النب##يين
)3()
قال آخر :وقال آخر( :وهذه درج##ة الحنيفي##ة ..ومن أبعاده##ا االل##تزام بش##رائع
هّللا :من إقامة الصالة على وجهها ،إلى الخضوع #فيها وتعاهدها دائما ،وكذلك إيت##اء
الزكاة ..بداللة قوله﴿ :فِيهَ##ا ُكتُبٌ قَيِّ َم #ةٌ﴾ [البين##ة ..]3 :بلى ،إنه##ا كتب ال ع##وج فيه##ا وال
تعقيد ،وال تفاوت وال اختالف ،وال نش##وز عن فط##رة البش#ر أو حق#ائق الخل#ق ..وال
يج##وز #االختالف بين أتب##اع دين واح##د ،كم##ا ال يمكن توحي##د #دين الح##ق وم##ذهب
الباطل ،بل ال بد أن يبقى الخالف ماثال بين الحق والباط##ل وه#و أس##اس توحي##د هّللا ،
وحينما #ينماث الخالف بينهما هنالك يغلب الباطل ويهزم #أهل الح##ق ،وهك##ذا ي##ذكرنا
ر البرية) ()4 السياق هنا بأن الكفار هم ش ّ
َ ْ ينُ
ق##ال آخ##ر :وق##ال آخ##رَ ﴿( :وذلِ##كَ ِد القيِّ َمِ #ة﴾ أي الكتب القيّم##ة أو الش##ريعة
القيّم#ة ..والم#راد :وذل#ك دين الق#ائمين هلل بالتوحي#د #،وإذا تح#دثنا عن التوحي#د ،فإنن#ا#
نتحدث عن العقيدة التي تربط #اإلنسان بكل أحواله الخاصة أو العام##ة باهلل ،بحيث ال
يتح##رك إال من خالل##ه ،وال يس##كن إال ب##أمره ،وه##و ال##ذي يختص #ر #العقي##دة كله##ا،
والشريعة كلها في كلمة واحدة هي كلمة( :ربن##ا هللا) ثم االس##تقامة على ه##ذا الخ##ط..
الشيرازي.20/221 ،
األمثلِ ، )(1
من وحي القرآن.24/270 )(2
الكافي ،6/549 ،من ال يحضره الفقيه 2/484 ،و.485 )(3
مجلة المنهاج ،ع.32/260 )(4
325
والمفس##رين ـ الق##ذارة وم##ا يلتص##ق بالجس##م وزوائ##ده كاألظ##افر #والش##عر ..ويق##ول
البعض :إن أص##لها يع##ني الق##ذارة ال##تي تحت األظ##افر وأمثاله##ا ..وق##د فس##رت في
األحاديث اإلسالمية بتقليم األظافر #وتطه##ير الب##دن ون##زع اإلح##رام ..وبتعب##ير آخ##ر:
تش##ير ه#ذه العب##ارة إلى برن##امج (التقص##ير) ال##ذي يع##د من مناس##ك الحج ،وج##اء في
أحاديث إسالمية أخرى بمعنى حالقة ال#رأس ال#تي تعت#بر أح#د أس#اليب (التقص#ير)،
كما جاء في (كنز العرفان) ح##ديث رواه ابن عب##اس في تفس##ير ه##ذه اآلي##ة( :القص##د
إنجاز مشاعر الحج كلها) إال أنه ال سند لدينا لحديث ابن عباس هذا) ()1
قال آخر :لكنه لم يمنع من احتم##ال أن ي##راد ب##ه مع##نى آخ##ر من حيث الب##اطن
والمصداق ،فقال( :والذي يلفت النظر في حديث عن اإلمام الصادق أنه فسر عبارة
(ليقضوا تفثهم) بلقاء اإلمام ،وعندما سأله الراوي عبدهللا بن سنان عن توضيح لهذه
المس##ألة ق##ال( :إن للق##رآن ظ##اهرا وباطن##ا) ..وه##ذا الح##ديث ربم##ا ك##ان إش##ارة إلى
مالحظة تستحق االهتمام ،وهي أن حجاج بيت هللا الح##رام يتطه##رون عقب مناس##ك
الحج ليزيلوا األوساخ عن أبدانهم ،فعليهم #أن يطهروا #أرواحهم أيض##ا بلق##اء اإلم##ام،
خاصة وأن الخلف##اء الجب##ابرة ك##انوا يمنع##ون لق##اء المس##لمين إلم##امهم #في الظ##روف#
العادية ،لهذا تكون أيام الحج خ##ير فرص##ة للق##اء اإلم##ام ،وبه##ذا المع##نى نق##رأ ح##ديثا
لإلمام الباقر قال فيه( :تم##ام الحج لق##اء اإلم##ام) ..وكالهم##ا ـ في الحقيق##ة ـ تطه##ير،
أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة واألوساخ ،واآلخر تطهير #باطني من الجهل
والمفاسد األخالقية) ()2
وأنت ترى ـ س##يدي ـ أن ه##ذا المع##نى ال يتن##اقض م##ع المع##نى الظ##اهر ،وال
يتن##افى #مع##ه ،ب##ل ه##و فهم من الفه##وم المكمل##ة ل##ه ..ف##الحج مناس##بة عظيم##ة للق##اء
الصالحين واالستفادة منهم ،وليس مجرد قيام بالمناسك الظاهرية.
والتين والزيتون:
ق##ال الم##دعي :فم##ا تقول##ون في الرواي##ة ال##تي وردت في تفس##ير قول##ه تع##الى:
ون﴾ [ال##تين ،]1 :فقد روي #في تفسيرها #أن ال##تين والزيت##ون هم##ا الحس##ن ﴿ َوالتِّي ِن َوال َّز ْيتُ ِ
والحسين.
قال أحد المتهمين : 3في سند هذه الروايات المفسّرة مح ّم##د بن القاس##م ،وه##و
) (
كذاب ..وعبد هللا بن عبد ال##رحمن األصّ #م ،وه##و ض##عيف غ##ال ك#ّ #ذاب ،من ضعيفّ #
البصرة ..ومح ّمد بن الفض##يل ،وه##و غ##ال ..ومح ّم##د بن عيس##ى بن عُبي##د اليقطي##ني،
وهو غال ..وبدر بن الوليد وأبوالربيع #الش##امي ،وكالهم##ا مجه##ول ..ول##ذلك ف##إن م##ا
نعتقده ،في شأن هذه األحاديث ،هوأنّها من صنع ال ُغالة بهدف الحطّ من مقام األئ ّمة،
ولع ّل وضّاعها كانوا يرمون إلى ذلك أيضاً.
)(1األمثلِ ،
الشيرازي.10/333 ،
)(2األمثلِ ،
الشيرازي.10/334 ،
)(3مجلة المنهاج ،ع.32/261
326
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
غيرهم ..ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم( #:التين والزيتون :ثمرت##ان معروفت##ان،
واختلف #المفسرون في المقصود بالتين وبالزيتون ،هل هما الفاكهتان المعروفتان أم
شيء آخر ..بعضهم #ذهب إلى أنهما الفاكهتان بما لهما من خواص عذائية وعالجي##ة
كبيرة ..وبعض آخر قال :المقصود #منهما جبالن واقعان في مدينتي (دمشق) و(بيت
المق##دس) ألن المك##انين منبث##ق كث##ير من الرس##ل واألنبي##اء ..وب##ذلك ينس##جم ه##ذان
القسمان مع ما يليهما من قسمين بأراض مقدسة ..وق##ال آخ##رون :إن تس##مية الجبلين
بالتين والزيتون يعود إلى وجود #أشجار التين على أح##دهما والزيت##ون على اآلخ##ر..
وقال بعض##هم #:إن ال##تين إش##ارة إلى عه##د آدم علي##ه الس##الم ،إذ أن آدم وح##واء طفق##ا
يضعان على عوراتهما من ورق ال##تين في الجن##ة ،والزيت##ون إش##ارة إلى عه##د ن#وح
ألنه أطلق في آخر مراحل الطوفان حمامة فعادت وهي تحمل غصن الزيتون ،ففهم
نوح عليه السالم أن األرض بدأت تبتلع ماءها وظهرت اليابسة ،ل##ذلك اتخ##ذ غص##ن
الزيتون رمزا للسالم ..وقيل :إن التين إشارة إلى مسجد نوح عليه السالم الذي ب##ني
فوق #جبل الجودي ،والزيتون إشارة إلى بيت المقدس)()1
ثم عقب على كل ه##ذه المع##اني بقول##ه( :ظ##اهر اآلي##ة ي##دل على أن المقص##ود
هوالفاكهت##ان المعروفت##ان ،ولكن القس##مين الت##اليين يجعالن تفس##ير ال##تين والزيت##ون
بالجبلين أوالمركزين المقدسين أنسب) ()2
ون﴾ الظ##اهر من ه##اتين الكلم##تين الل##تين قال آخر :وقال آخر﴿( :والتِّي ِن وال َّز ْيتُ ِ
أقسم هَّللا بهما ،أن المراد بهما ،الفاكهتان المعروفتان المتميزتان بخص##ائص غذائي##ة
ومذاقية معينة ،تجعلهما في موق##ع اإلب##داع من خل##ق هَّللا ،وفي #موق##ع النعم##ة من نعم
هَّللا ،وقد جاء في بعض التفاس##ير ،أن الم##راد بهم##ا ش##جرتا ال##تين والزيت##ون ،وقي##ل:
المراد بالتين الجبل الذي عليه دمشق ،وب##الزيتون الجب##ل ال##ذي علي##ه بيت المق##دس،
وقيل :إن المناسبة في إطالق الفاكهتين على الجبلين باعتبار أنهم##ا منبتاهم##ا ،ولعّ #ل
القسم بهما لكونهما #مبعثي ج ّم غفير من األنبياء ..و ربما كان هذا التوجيه ناش##ئا من
محاولة إيجاد نوع من التناس##ب بين ه##اتين الكلم##تين وبين الكلم##تين الت##اليتين ،ولكن
ي ابتع##اد عن ذلك خالف الظاهر في طبيعة م##دلول الكلم##تين ،وق##د ال يك##ون هن##اك أ ّ
التناسب في الجمع بين هاتين الفاكهتين اللتين تمثالن موضع #نعمة هَّللا المادي##ة ،كم##ا
هما الكلمتان التاليتان اللتان تمثالن منطلق #نعمة هَّللا الروحية) ()3
وطور سينين:
ق##ال الم##دعي :فم##ا تقول##ون في الرواي##ة ال##تي وردت في تفس##ير قول##ه تع##الى:
ور ِسينِينَ ﴾ [التين ،]2 :فقد روي #في تفسيرها #أنه اإلمام علي ،وفي خ##بر آخ##ر أن##ه ﴿ َوطُ ِ#
)(1األمثلِ ،
الشيرازي.20/306 ،
)(2األمثلِ ،
الشيرازي.20/306 ،
)(3من وحي القرآن.24/323
327
الحسن والحسين(.)1
قال أحد المتهمين( :)2في سند أحد هذه الروايات المفسّرة مح ّم##د بن الفض##يل،
وفي #اآلخر مح ّمد بن عيسى بن عبيد ،وكالهما غال ،وأما قوله تع##الىَ ﴿ :وهَ َ #ذا ْالبَلَ ِ #د
اأْل َ ِمي ِن﴾ [التين ،]3 :فالرواية في تأويله مرسلة (.)3
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
ور ِسينِينَ ﴾ قيل هو :طور #س##يناء، غيرهم ..ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم﴿( #:طُ ِ
وه#و الجب#ل المع#روف في ص#حراء س#يناء حيث أش#جار الزيت#ون المثم#رة ،وحيث
ذهب موسى #عليه السالم لمناجاة ربّه ،و(سيناء) تعني المبارك ،أو كث##ير األش##جار،
إن س##ينين أو الجمي##ل ..و قي##ل :إنّ##ه جب##ل ق##رب الكوف##ة في أرض النج##ف ..و قي##لّ :
وسيناء بمعنى واحد وه##و كث#ير البرك##ة ..و﴿هَ #ذا ْالبَلَِ #د اأْل َ ِمي ِن﴾ ،م ّك##ة ،األرض ال#تي
ك##انت في عص##ر الجاهلي##ة أيض##ا بل##دا آمن##ا وحرم#ا #إليه##ا ،وال يح##ق ألح##د فيه##ا أن
يتعرض ألح#د ،المجرم#ون والقتل##ة ك#انوا في أم#ان إن وص#لوا #إليه#ا أيض#ا ..وه##ذه
األرض لها في اإلسالم أهمية عظمى ،الحيوانات والنباتات والطيور #فيه##ا آمن##ة فم##ا
بالك باإلنسان)()4
ور ِسينِينَ ﴾ وقيل في معنى (س##ينين) الحس##ن باللغ##ة ُ
قال آخر :وقال آخر﴿( :ط ِ
الس##ريانية ،وقي##ل :إن ك##ل جب##ل ذا أش##جار مثم##رة يس##مى بس##ينين ..وأنى ك##ان ف##إن
الصورة تنسجم مع القسم بالتين والزيتون #من جهة وبالبل##د األمين من جه##ة أخ##رى،
ين﴾ ذلك أن أصول مدنيّ##ة اإلنس##ان :الطع##ام، حيث قال ربنا سبحانه﴿ :وه َذا ْالبَلَ ِد اأْل َ ِم ِ
واألرض ،والس##الم؛ ف##إذا ك##ان ال##تين والزيت##ون مثال ألرقى #أن##واع الطع##ام ،وط##ور
سينين ألحسن األراضي وأكثرها #بركة ،ف##إن البل##د األمين مث##ل ألفض##ل البالد وهي
بالد األمن ،ويتناس##ب ه##ذا اإلط##ار #م##ع مح##ور الس##ورة المتمث##ل في خل##ق اإلنس##ان
بأحسن تقويم ،ذلك ألن تسخير #الحياة ل#ه ،وإع##داد طعام##ه وأرض##ه ،وتوف#ير األمن،
وبالتالي #توفير #وسائل المدنيّة له بعض جوانب حسن صنعه إليه وجميل عطائ#ه ل#ه)
()5
يا ليتني كنت ترابا:
قال المدعي :فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قول##ه تع##الى﴿ :إِناَّ
تت يَ#دَاهُ َويَقُ##و ُل ْال َك##افِ ُر يَ##ا لَ ْيتَنِي ُك ْن ُ
أَ ْن َذرْ نَا ُك ْ#م َع َذابًا قَ ِريبًا #يَ#وْ َم يَ ْنظُُ #ر ْال َم#رْ ُء َم#ا قََّ #د َم ْ
إن الكفّار يقولون ي##وم القيام##ة( :ي##ا ليتن##ا كنّ##ا تُ َرابًا﴾ [النبأ ،]40 :فقد روي #في تفسيرهاّ :
في زمرة شيعة أبي تراب)()6
الشيرازي.20/299 ،
األمثلِ ، )(1
الشيرازي.20/300 ،
األمثلِ ، )(2
الشيرازي.20/300 ،
األمثلِ ، )(3
الشيرازي.20/484 ،األمثلِ ، )(4
336
ال يؤمن##ون #ب##الجزاء في ي##وم القيام##ة ،أو ال يؤمن##ون بال##دين كل##ه في عقيدت##ه وفي#
شريعته ال##تي ت##دعو إلى أن يحم##ل اإلنس##ان مس##ئوليّة الفئ##ات المحروم##ة في األم##ة،
ليمنحهم من جه##ده ،ومن مال##ه ،ومن جاه##ه ،اإلمكان##ات المادي##ة والمعنوي##ة ال##تي
يستطيعون من خاللها الحصول على العيش الكريم ،فال يستجيبون لهذه الدعوة ،ب##ل
يتم##ردون عليه##ا في م##ا يأخ##ذون ب##ه من أس##باب النف##اق ال##تي ترتك##ز على االرتب##اط
بالشكليات الدينية ،التي ال تكلّفهم الكثير من جهدهم المالي أو المعنوي #الذي قد يثق##ل
عليهم بنتائجه ،ولو كانوا قد استجابوا #لتلك الدعوة ،البتع##دوا عن النف##اق ..أرأيت ي##ا
محمد ،ويا ك ّل من يتحرك في الحياة على خط محمد ،هذا اإلنسان كيف يتح##رك
يك#ذب عمل#ه م##ا ي ّدعي#ه من في المجتمع ،وكي##ف يعبّ##ر عن واقع#ه ال#داخلي ،وكي#فّ #
اإليمان في الصورة الخارجية من حياته؟)()1
قال آخر :وقال آخر( :تلك الصفات التي تس##وقها #س##ورة الم##اعون ه##ل تؤخ##ذ
مفردة أم جميعا؟ نقل عن بعضهم #الثاني ،فالمكذب بالدين ه##و ال##ذي يجم##ع الص##فات
الثالث ،وهذا هو الظاهر؛ ألن ص##فات الش##ر تت##داعى كم##ا تت##داعى ص##فات الخ##ير،
وهكذا تعرفنا السورة الكريمة بالذين يكذبون بالدين من هم ،حتى نتقي تلك الصفات
وما يؤول إليها من التكذيب بالدين ..والدين هو الجزاء ،وقيل :بل اإلسالم والق##رآن،
ي دين ه##و االيم##ان ب##الجزاء ،ال##ذي ينعكس على النفس باإلحس##اس ولكن مح##ور أ ّ
بالمسؤولية ،وهو معنى الدين بمعناه الشامل ..االيم#ان بال#دين ي#زكي نفس اإلنس#ان،
ويخرجها من شحّها وضيقها وجهلها ،ويستثير #فيها فط##رة الحب ،وب##واعث الخ##ير،
وحوافز المعروف ،ويجليها بالعواطف #الجيّاشة تجاه المستضعف #والمح##روم ،بينم##ا
ع الي##تيم ،ذل##ك الطف##ل ال##بريء ال##ذي ح##رم حب وال##ده (أو الذي يكذب بالدين تراه يد ّ
والدته) وحنانه وعواطفه)2( )..
عاملة ناصبة:
قال المدعي :فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالى﴿ :هَ##لْ
َاصبَةٌ تَصْ لَى نَارًا َ
حا ِميَةً﴾ [الغاش###ية-1 : َاش َعةٌ عَا ِملَةٌ ن ِ يث ْالغ ِ
َاشيَ ِة ُوجُوهٌ يَوْ َمئِ ٍذ خ ِ أَتَاكَ َح ِد ُ
،]4فق##د روي #في تفس##يرها أنه##ا ن##زلت في النواص##ب ،فق##د ك##انوا من أه##ل الص##الة
والصوم ،ولكنّهم يعادون اإلمام عليّا ً(.)3
قال أحد المتهمين( :)4في سند هذه الرواية المفسّرة سهل بن زي##اد ومح ّم #د #بن
أن سياق اآلي##ات يتحّ #دث عن عاقب##ة ط##ائفتين الفضيل ،وهما غاليان ..باإلضافة إلى ّ
ف#إن تخص#يص في ي#وم القيام#ة ،إح#داهما آمنت ب#النبوّة ،واألخ#رى كف#رت ،وعلي#ه ّ
خاص#ة ج##اءت بع##د ن##زول ّ اآليات ـ الواردة في عا ّم##ة من أنك##ر النب#وّة ـ بمجموع##ة
)(1األمثلِ ،
الشيرازي.6/44 ،
)(2بحار األنوار.24/240 ،
)(3مجلة المنهاج ،ع.32/266
340
الحد األدنى لنزول الشمس في المدار الجنوبي ،ويعبرون عن أحدهما بم##دار (رأس
السرطان) ،وعن اآلخر بمدار (رأس الجدي) ،وقد اعتمد على ذلك ألنهما واضحان
تمام#ا ،باإلض#افة إلى ه#ذين المش#رقين والمغ#ربين اآلخ#رين ال#ذين س#ميا بالمش#رق#
والمغرب واإلعتداليان ،وهوأول الربيع وأول الخريف ،عند تس##اوي س##اعات اللي##ل
والنهار #في جميع الدنيا ،ولذا ذهب البعض إلى ه##ذا المع##نى في تفس##ير اآلي##ةَ ﴿ :ربُّ
#ربَ ْي ِن﴾ [ال##رحمن ،]17 :وهومع##نى #مقب##ول أيض##ا ..وأم##ا م##ا ج##اء ْال َم ْش ِ #رقَي ِْن َو َربُّ ْال َم ْغِ #
بصيغة المفرد فإن المراد ب##ه ماهيت##ه ،ألن المالح##ظ في##ه أص##ل المش##رق والمغ##رب
بدون اإللتفات إلى األفراد ،وبهذا ال##ترتيب ف##إن لك##ل من العب##ارات المختلف##ة مس##ألة
تلفت نظ##ر اإلنس##ان إلى التغي##يرات المختلف##ة لطل##وع وغ##روب الش##مس ،والتغي##ير
المنتظم #لمدارات الشمس) ()1
والفجر وليال عشر:
ق##ال الم##دعي :فم##ا تقول##ون في الرواي##ة ال##تي وردت في تفس##ير قول##ه تع##الى:
ال َع ْش ٍر َوال َّش ْف ِع َو ْال َو ْت ِر﴾ [الفجر ،]3-1 :فقد روي #في تفس##يرها أن ﴿الفج##ر﴾ ﴿ َو ْالفَجْ ِر َولَيَ ٍ
هو اإلمام المهدي ،و(ليال عشر) األئ ّمة بدءاً باإلمام الحسن المجتبى وانتها ًء باإلمام
الحسن العسكري ،و(الشفع) علي وفاطمة ،و(الوتر) هللا تعالى(.)2
المفس#رة عم##رو بن ش##مر ،وه##و ّ قال أحد المتهمين( :)3في س##ند ه##ذه الرواي##ة
الوض#اعين ق##د عق##دوا الع##زم ّ ضعيف #وضّاع ..والحديث ظ##اهر التكل##ف ،ويب##دوّ #
أن
ي نحو اتّف##ق ،ف##إذا ك##ان في##ه إش##ارة إلى الع##دد على تأويل اللفظ القرآني في األئ ّمة بأ ّ
إن المراد به هم األئ ّمة اإلثنا عشر ،وإذا ك##ان في##ه الع##دد (أربع##ة) (اثنا عشر) قالواّ :
قيل :هم األئ ّمة األربعة الذين س ّموا بعل ّي ،وإذا كان فيه العدد (اثنان) فإ ّما يقال :هم##ا
النب ّي وعل ّي ،أويقال :هما علي وفاطمة ،أويق##ال :هم##ا الحس##ن والحس##ين ..وهن##ا
إن المراد به األئ ّمة من اإلمام الحسن السبط حيث كان العدد مح ّدداً بعشرة فقد قالواَّ :
أن بعض من جمع مث##ل ه##ذه الرواي##ات إلى اإلمام الحسن العسكري ..ومن الطريفّ #
أن تفسير (ليال عشر) هنا باألئ ّمة العشرة يطلق ي##دنا التفسيرية قد ذكر ،في تفسيرهّ ،
في عملية تطبيق مثل هذه األعداد على األئ ّمة.
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
(فس #ر (الفج##ر) في اآلي##ة بمعن##اهغ##يرهم ..ومن األمثل##ة على ذل##ك ق##ول بعض##همّ #:
هّللا
المطلق ،أي :بياض الص##بح ..وال ش##ك فه#و #من آي##ات عظم##ة س##بحانه وتع##الى،
ويمثل انعطافا #في حرك##ة حي##اة الموج##ودات #الموج##ودة على س##طح األرض ،ومنه##ا
اإلنسان ،ويمثل كذلك حاكمية النور على الظالم ،وعند مجيئه تشرع الكائنات الحية
بالحركة والعمل ،ويعلن انتهاء فترة النوم والسكون ،وقد #أقسم هّللا تعالى ببداية حي##اة
الشيرازي.19/34 ، )(1األمثلِ ،
)(2البرهان في تفسير القرآن ،البحراني ()5/848
)(3مجلة المنهاج ،ع.32/266
341
وفس#ره بعض##هم #بفج##ر أوّل ي##وم من مح##رم وبداي##ة الس##نة الجدي##دة.. الي##وم الجدي##دّ ..
وفسّره آخرون بفجر يوم عيد األضحى ،لما فيه من مراسم الحج المه ّم##ة والتص##اله
بالليالي العشرة األولى من ذي الحجّة ..و قيل أيض##ا :إنّ##ه فج##ر أوّل ش##هر رمض##ان
المبارك ،أو فجر يوم الجمعة)()1
ّ
(لكن مفه##وم اآلي##ة ثم بين اتساع مفهوم اآلية لكل المصاديق #المناس##بة ،فق##ال:
ل ما ذكر) ()2 أوسع من أن تحدد بمصداق #من مصاديقها ،فهي تضم ك ّ
ثم ذكر من تلك المصاديق #ال##تي يمكن اعتباره##ا فهوم##ا لآلي##ة ،لكنه##ا ال تلغي
ظاهرها ،فقال( :وذهب البعض إلى أوسع م ّما ذكر حينما ق##الوا #:ه##و كّ #ل ن##ور يش##ع
وس#ط #ظالم ..وعلي##ه ،ف##بزوغ #ن##ور اإلس##الم ون##ور المص##طفى في ظالم عص##ر
الجاهلية ه##و من مص##اديق الفج##ر ،وك##ذا ب##زوغ ن##ور قي##ام #المه##دي في وس#ط #ظالم
العالم ..و من مصاديقه أيضا ،ثورة اإلمام الحسين في كربالء الدامية ،لش##قها ظلم##ة
ظالم بني أميّة ،وتعرية نظ##امهم الح##اكم بوجه##ه الحقيقي أم##ام النّ##اس ..و يك##ون من
مصاديقه ،ك ّل ث##ورة ق##امت أو تق##وم على الكف##ر والجه##ل والظلم على مّ #ر الت##اريخ..
وحتى انقداح أ ّول شرارة يقظة في قلوب المذنبين المظلمة تدعوهم إلى التوبة ،فه##و
أن المعاني هي توس##عة لمفه##وم اآلي##ة ،أ ّم##ا ظاهره##ا في##دل (فجر) ..وم ّما ال شك فيه ّ
على (الفجر) المعهود) ()3
والسماء ذات البروج:
ق##ال الم##دعي :فم##ا تقول##ون في الرواي##ة ال##تي وردت في تفس##ير قول##ه تع##الى:
ُوج﴾ [ال##بروج ،]1 :فق##د روي في تفس##يرها #أن (الس##ماء) هي الن##ب ّي ت ْالبُ#ر ِ السَ #ما ِء َذا ِ
﴿ َو َّ
،و(البروج) هم األئ ّمة(.)4
المفس#رة س##عد بن طري##ف ،وق#د# ّ ق##ال أح##د المتهمين :في س##ند ه##ذه الرواي##ات#
ضعّفه بعضهم#.
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
ت َّ
﴿والس#ما ِء ذا ِ غيرهم ..ومن األمثل##ة على ذل##ك ق##ول بعض#هم( #:ابت##دأت ّ
الس#ورة بـ
ُوج﴾ و(البروج) :جمع (برج) وهو القصر ،وقيل :هو الشيء الظ##اهر ،وتس##مية ْالبُر ِ
القصور واألبنية العالية بالبروج لظهورها ووضوحها ،وقيل للمحالت الخاص##ة من
الس##ور #المحي##ط بالبل##د وال##تي يجتم##ع فيه##ا الح##راس والجن##ود (ال##بروج) لظهوره #ا#
الخاص ،ويقال للمرأة ال#تي تظه#ر زينته##ا (ت#برجت) ..واألب##راج الس##ماوية :إ ّم##ا أن
يكون المراد منها النجوم الزاهرة والكواكب المنيرة في السماء ،أو المجموعات من
النج##وم تتخ##ذ م##ع بعض##ها #ش##كل ش##يء مع##روف #في األرض ،وتس##مى ب (الص##ور#
األمثل.20/172 )(1
األمثل.20/172 )(2
األمثل.20/172 )(3
البرهان في تفسير القرآن.4/478 ، )(4
342
الفلكية) ،وهي إثنا عشر برج##ا ،وفي #كّ #ل ش##هر تح##اذي الش##مس أح##د ه##ذه ال##بروج،
طبيعي #أن الشمس ال تتحرك تلك الحركة ،وإنّما األرض ،تدور حول الشمس فيب##دو
لنا تغيّر موضع الشمس بالنسبة إلى الصور الفلكية أو األبراج ..والقسم بهذه البروج
يشير إلى عظمة أمرها ،ال##تي لم تكن معلوم##ة للع##رب الج##اهليين وقت ن##زول اآلي##ة
أن الم##راد منه##ا ه#و النج#وم بينما أصبحت معلومة تمام##ا في ه##ذا الزم##ان واألق##وىّ #
المتأللئة ليال في القبة الس##ماوية ،و ل##ذا نق##رأ فيم##ا روي #عن النّ##بي األك##رم ،أنّ##ه
حينما سئل عن تفسير اآلية قال( :الكواكب) ()1
ق#ال آخ#ر :وق#ال آخ#ر( :القس#م بالس#ماء ذات ال#بروج ..ربم#ا ك#ان كناي#ة عن
مواضع الكواكب في السماء ،وذلك ما يوحي به قوله تعالىَ ﴿ :ولَقَ ْد َج َع ْلنَا فِي ال َّس َما ِء
ان َر ِج ٍيم﴾ [الحج##ر ،]17-16 :مما ي##راد اظ ِرينَ َو َحفِ ْ
ظنَاهَاِ #م ْن ُكلِّ َش ْيطَ ٍ بُرُو ًجاَ #و َزيَّنَّاهَا لِلنَّ ِ
فيه اإليحاء بأنها تشبه البروج المع ّدة للدفاع ..و على ضوء ذلك ،يظهر أن تفس##يرها
بالبروج #االثني عشر ال يرجع إلى دليل ،بل الدليل القرآني على خالفه) ()2
قال آخر :وقال آخر﴿( :البروج ..يبدو أنّها طبقات السماء المتمثلة في مجاميع
المجرات ،كل مجرة فيها أعداد هائلة من الشموس ..وأصل معنى البروج الظه##ور،
وألن البناء العالي ظاهر س ّمي القص#ر برج#ا ،كم#ا سّ #مي موق#ع ال#دفاع عن المدين#ة ّ
ألن في الس##ماء حرس##ا اتخ##ذوا مواق##ع بالبرج ،ولع ّل انتخ##اب ه##ذه الكلم##ة هن##ا ك##ان ّ
لرصد حركات اإلنس والجن والشياطين ،م ّما ينسجم م##ع الس##ياق ال##ذي يج##ري في##ه
تحص #ن الطغ##اة ّ ق المؤم##نين ،ف##إذا الح##ديث عن ج##زاء الطغ##اة على ج##رائمهم #بح ّ #
#إن للس##ماء بروج##ا ال يس##تطيعون مقاوم##ة جنوده##ا ..و ق##ال ب##بروجهم األرض##ية فّ #
بعضهم #:البروج هي من##ازل الش##مس والقم##ر والك##واكب وأفالكه##ا ال##تي ال تس##تطيع
أجرام السماء على عظمتها تجاوزها #قيد أنملة ،م ّما يشهد على أنّها كائن##ات مخلوق##ة
مدبّرة) ()3
والشمس وضحاها والقمر إذا تالها:
ق##ال الم##دعي :فم##ا تقول##ون في الرواي##ة ال##تي وردت في تفس##ير قول##ه تع##الى:
##ر إِ َذا تَاَل هَ##ا﴾ [الش###مس ،]2-1 :فق##د روي #في تفس##يرها أن ضَ ##حاهَا َو ْالقَ َم ِ س َو ُ ﴿ َو َّ
الشْ ##م ِ
(الشمس) هي رسول هللا ،و(القمر) هو اإلم##ام عل ّي ،و(اللي##ل) هم أئ ّم##ة الج##ور،
و(النهار) هم أئ ّمة الهدى.
ّ
ق##ال أح##د المتهمين :الح##ديث عالوة على إرس##اله ،ف##إن في##ه س##هل بن زي##اد
الغالي ..ولهذا فسرها جميع مفسرينا بظاهرها ..ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم:
(القسم عادة يكون بالمهم من األمور من هنا تعمل ه##ذه األقس##ام #على تحري##ك الفك##ر
في اإلنسان كي يمعن النظر في هذه الموضوعات الها ّمة من ع#الم الخليق#ة ،وليتخ##ذ
)(1األمثل.20/78
)(2من وحي القرآن.24/166
)(3من هدي القرآن.17/469
343
منه##ا س##بيال إلى هّللا س##بحانه وتع##الى ..و﴿الش##مس﴾ ذات دور ه##ام وبنّ##اء جّ ##دا في
الموج##ودات الحي##ة على ظه##ر البس##يطة فهي إض##افة إلى كونه##ا مص##درا للن##ور
والحرارة ـ وهما عامالن أساسيان في حياة اإلنس##ان ـ تعت##بر مص##درا لغيرهم##ا من
المظاهر الحياتية ،حركة الرياح ،وهطول األمطار ،ونمو #النباتات ،وجريان األنه##ر
والشالالت ،بل حتى نشوء مصادر #الطاقة مثل النف##ط والفحم الحج##ري ..ك##ل واح##د
منها يرتبط ـ بنظرة دقيق##ة ـ بن##ور الش##مس ..و ل##و ق##در له##ذا المص##باح الحي##اتي أن
ينطفئ يوما لساد الظالم والسكوت والموت في كل مكان ..و﴿الض##حى﴾ في األص##ل
انتشار #نور الشمس ،وهذا ما يح#دث حين يرتف#ع ق#رص الش#مس عن األف##ق ويغم#ر#
الن##ور ك##ل مك##ان ،ث ّم يطل##ق على تل##ك البره##ة من الي##وم اس##م (الض##حى) ،والقس##م
بالض##حى #ألهميت##ه ،ألنّ##ه وقت هيمن##ة ن##ور الش##مس على األرض ..و القس##م الثّ##الث
المفس#رين ـ إش##ارة إلى القم##ر ّ بالقمر ..وهذا التعبير ـ كم##ا ذهب إلى ذل##ك جم##ع من
حين يكتمل ويكون بدرا كامال في ليلة الراب##ع عش##ر من كّ #ل ش##هر ،ففي ه##ذه الليل##ة
يط#ل القم#ر من أف#ق المش#رق متزامن#ا م#ع غ#روب الش#مس .فيس#طع #بجمال#ه النّ#ير
ويهيمن على ج ّو السماء ،ولجماله وبهائه في هذه الليلة أكثر من أيّة ليلة أخرى جاء
القسم به في اآلية الكريم#ة ..واحتم#ل بعض#هم #أن يك#ون في تعب#ير اآلي#ة إش#ارة إلى
تبعية القمر بشكل دائم للشمس ،واكتساب النور #من ذل##ك المص##در المش #عّ ،غ##ير أن
﴿والقَ َم ِر إِذا تَاله##ا﴾ تك##ون في ه##ذه الحال##ة قي##دا توض##يحيا #..و ث ّم##ة احتم##االت عبارة ْ
أخرى ذكرت في تفسير اآلية ال تستحق الذكر) ()1
وض#حاها﴾ ه##ذا القس#م بالش##مس ال##تي تمنح س ُ الشْ #م ِ قال آخر :وقال آخ#رَ ﴿( :و َّ
الكون الشروق الذي ينفذ إلى السماء ليعطيها الرونق #والصفاء ،وإلى األرض ليهبها
الحيوية والجمال ،وإلى المخلوقات #الحيّة المتحركة فيها ،ليمنحها ال##دفء والح##رارة
وحيويّة الحياة ،وجعل الضحى رديفا للشمس ،ألنه ال#زمن ال#ذي ترتف#ع في#ه وتتجلّى
في كبد السماء ،لتكون في أكثر أوقاتها رونقا وصفاء ،فهي في الشتاء تعطي الدفء
﴿و ْالقَ َمِ #
#ر إِذا المنعش ،وفي #الصيف تعطي اإلشراق الرائع قبل اشتداد حرارة القيظَ ..
تَالها﴾ عند ما يطلع في الليل ليكون نوره تابعا للشمس في م##ا يس##تم ّده من إش##راقها،
ليعطي اللي##ل بعض نوره##ا ،من خالل الن##ور المنبعث من##ه ،حيث يم##تزج امتزاج##ا
هادئا بحبّات الظالم ،فيزيد #الكون سحرا وصفاء ووداعة توحي ب##الكثير #من األحالم
الغامض##ة ال##تي تش##يع في القلب همس##ات الس##عادة ،وفي النفس تس##بيحات الرحم##ة
المنبعثة من روح هّللا ) ()2
والنور الذي أنزلنا:
ق##ال الم##دعي :فم##ا تقول##ون في الرواي##ة ال##تي وردت في تفس##ير قول##ه تع##الى:
ور الَّ ِذي أَ ْن َز ْلنَ##ا َوهَّللا ُ بِ َم##ا تَ ْع َملُ##ونَ خَ بِ##يرٌ﴾ [التغ##ابن ،]8 :فق##د
﴿فَ##آ ِمنُوا بِاهَّلل ِ َو َر ُس#ولِ ِه َوالنُّ ِ#
)(1األمثل.20/231
)(2من وحي القرآن.24/281
344
روي #في تفسيرها أن النور هواألئ ّمة (.)1
قال أحد المتهمين( :)2في سند هذه الروايات المفسّرة مح ّمد بن الفضيل ،وه##و
غال ..وأحم#د #بن أبي عب##د هللا ال##برقي ..وأحم##د بن مه##ران ..والمعلّى #بن الخ##نيس..
وكلهم من الضعاف.
#إن تش##بيه الن##ب ّي وأه##ل بيت##ه الك##رام ق##ال آخر( :)3باإلض##افة إلى ذل##ك؛ فّ #
بالشمس والقمر والنور #وما شابه ،وإن كان ص##حيحا ً في نفس##ه ،وكم##ا ه##و وارد في
القرآن الكريم في شأن النب ّي ﴿ :يَا أَيُّهَا النَّبِ ُّي إِنَّا أَرْ َسْ #لنَاكَ َش#ا ِهدًا َو ُمبَ ِّش#رًا َونَِ #ذيرًا
أن حم##ل ه##ذه األلف##اظ على َودَا ِعيًا إِلَى هَّللا ِ بِإِ ْذنِ ِه َو ِس َراجًا ُمنِ##يرًا﴾ [األح##زاب ]46-45 :إاّل ّ
النب ّي وعل ّي وفاطمة وأهل البيت من دون نصب قرين##ة على ذل##ك م ّم##ا ال وج##ه ل##ه،
فإن استعمال مثل هذه األلفاظ فيهم ،استعمال مجازي يحتاج إلى القرينة ،وحينئذ فال ّ
ب ّد من حملها على معانيها الحقيقيّة.
قال آخر :ولهذا فس#رها #جمي#ع مفس#رينا بمعناه##ا الظ#اهر ..ومن األمثل#ة على
المفس#رون في المع##نى الم##راد من كلم##ة (النّ##ور) ّ ذل##ك ق##ول بعض##هم( :لق##د اختل##ف
الواردة في اآلية ،فذهب البعض منهم إلى أنّها تعني شخص النّبي مح ّم##د ،وق##ال
إن المعنى بالنور هو القرآن المجيد ..و حين نالحظ آي##ات قرآني##ة مفسّرون آخرونّ :
أن كلم#ة (الن#ور) ال#واردة في اآلي#ة إنّم#ا تع#ني عديدة تشبه القرآن بالنور ،يتبيّن لن#ا ّ
فإن عطف عبارة (كتاب مبين) على كلمة (النور) يعتبر القرآن ،وعلى هذا األساس ّ
من قبي#ل عط#ف التوض#يح ،كم#ا نق#رأ في قول#ه تع#الى﴿ :فَالَّ ِذينَ آ َمنُ#وا بِِ #ه َوعََّ #زرُوهُ
ور الَّ ِذي أُ ْن ِز َل َم َعهُ أُولَئِكَ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ ﴾ [األع###راف ..]157 :وآيات َصرُوهُ َواتَّبَعُوا النُّ َ
َون َ
عديدة أخرى تشير إلى نفس المعنى ،بينما ال نجد في الق##رآن آي##ة أطلقت فيه##ا كلم##ة
فإن الضمير المف##رد ال##وارد في النور على شخص النّبي ..و إضافة إلى ما ذكر ّ
عبارة (به) ال#واردة في اآلي#ة الثاني##ة من اآلي#تين األخ##يرتين ،يؤ ّك##د ه##ذا الموض#وع
أيضا ،وهو أن النور والكتاب المبين هما إشارتان لحقيقة واحدة) ()4
ّ
ثم تحدث عن المصاديق #التي وردت في تفسير اآلي##ة ،فق##ال( :وم##ع إنن##ا نج##د
روايات عديدة تفسّر كلمة (النّور) على أنّها إشارة إلى اإلمام علي بن أبي ط##الب أو
أن ه##ذا التّفس##ير يعت##بر من ب##اب بي##ان ب##واطن األئ ّمة اإلثني عشر ،لكن الواضح هو ّ
أن لآليات القرآنية ـ باإلضافة إلى معانيها #الظاهري##ة ـ مع##ان اآليات ،ألنّنا كما نعلم ّ
أن األئ ّم##ة باطنية يعبّر عنها ب (بواطن القرآن) أو (بطون القرآن) ،ودليل قولنا هذا ّ
لم يكن لهم وجود في زمن النّبي لكي يدعو القرآن أهل الكتاب لإليمان بهم) ()5
واآلخرة خير وأبقى:
البرهان في تفسير القرآن 4/341 ،و.342 )(1
مجلة المنهاج ،ع.32/268 )(2
مجلة المنهاج ،ع.32/268 )(3
األمثل.3/647 )(4
األمثل.3/647 )(5
345
قال المدعي :ال بأس ..قد نسلم لكم بك#ل م#ا ذك#رتم ..لكن م#ا تقول#ون في تل#ك
الت##أويالت الخط##يرة ال##تي ال ه##دف له##ا إال إنك##ار أص##ول الش##ريعة وفروعه##ا ..ب##ل
القضاء على اإلسالم تماما.
قال أحد المتهمين :كل ذلك من الغل##و ..وكله##ا من األك##اذيب ال##تي ح##ذر منه##ا
أئمتنا ،وفي إمكانك أن تذكر لنا ما تش##اء منه##ا لن##بين ل##ك وج##ه رده ،وكي##ف لم يع##ر
علماؤنا تلك التفاسير أي اعتبار.
قال المدعي :من األمثلة على ذلك تأويل أكثر اآليات ال#وارد فيه##ا أمث#ال لف#ظ
القيامة ،والحش#ر ،والنش#ر ،والبعث ،وغيره#ا بالرجع#ة أوأه#ل ال#بيت ،ومنه#ا قول#ه
تع##الىَ ﴿ :واآْل ِخَ ##رةُ َخيٌْ ##ر َوأَ ْبقَى﴾ [األعلى ،]17 :حيث فس##رت (اآلخ##رة) بأنه##ا اإلم##ام
عل ّي(.)1
المفض#ل بن عم#ر ،وه#و من ال ُغالة.. ّ قال أحد المتهمين( :)2في س#ند الرواي#ة
وفيه##ا مح ّم##د بن س##نان ،والمعلّى بن مح ّم##د ،وكالهم##ا ض##عيف ،وأوّلهم#ا #من ال ُغالة
أيضاً.
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
غ##يرهم ..ومن األمثل##ة على ذل##ك ق##ول بعض##هم( #:يش##ير البي##ان الق##رآني إلى العام##ل
األساس في عملية االنحراف #عن جادة الفالح﴿ :بَلْ تُ#ْ #ؤثِرُونَ ْال َحيَ##اةَ ال ُّ #د ْنيَا َواآْل ِخَ #رةُ
خَ ْي ٌر َوأَ ْبقَى﴾ [األعلى ،]17-16 :ونقل الحديث النّب##وي الش##ريف #ه##ذا المع##نى ،بقول##ه :
(حبّ الدنيا رأس ك ّل خطيئة) ..فاإلنسان العاقل ال يجيز لنفسه أن ي#بيع ال#دار الباقي#ة
بأمتعة فانية ،وال أن يستبدل اللذائذ المحدودة والمحفوفة بألوان اآلالم ب##النعم الخال##دة
والنقية الخالصة) ()3
ّ
#رة ْيٌ #ر وأبْقى﴾ إنه##ا األكم##ل ،وق##درة اإلنس##ان َ خَ ُ آْل
قال آخر :وقال آخرَ ﴿( :وا ِخَ #
اّل
يومئ##ذ كامل##ة ،إنّ##ك ال تس##تطيع أن تس##تم ّر في األك##ل إ ريثم##ا يمتلئ بطن##ك ،وإذا
ولكن أهل الجن#ة يجلس#ون على كّ #ل مائ#دة ّ أسرفت فسوف تصاب بالتخمة والغثيان،
أربعمائ##ة ع##ام ال يملّ##ون وال يس##أمون ..و إن الم##رض واله##رم والكس##ل والض##جر#
ّ
والموت يه ّدد أهل الدنيا ،بينما اآلخرة باقية مع األبد) ()4
(إن أهل الجنّة يحي##ون ثم استدل لهذا بحديث رواه عن اإلمام الباقر #يقول فيهّ :
فال يموت##ون أب##دا ،ويس##تيقظون فال ين##امون أب##دا ،ويس##تغنون فال يفتق##رون أب##دا،
ويفرحون فال يحزنون أبدا ،ويضحكون فال يبكون أبدا ،ويكرمون فال يه#انون أب##دا،
ويفكهون وال يقطبون أبدا ،ويح##برون ويس#رّون أب##دا ،وي##أكلون فال يجوع##ون أب##دا،
ويروون فال يظمؤون أبدا ،ويكس##ون فال يع##رون أب##دا ،ويركب##ون وي##تزاورون أب##دا
األمثل.20/376 )(1
األمثل.20/376 )(2
من هدي القرآن.18/276 )(3
من هدي القرآن.18/278 )(4
348
على حس##ب م##ا تقتض##يه مص##الحهم #وليس حكم##ا ً تكوينيّ##ا ً ذاتي##ا ً ال يقب##ل التغي##ير
والتحوي##ل ،فال يهم لكم البحث والمش##اجرة في##ه ،ف##اتركوا ذل##ك واس##تبقوا الخ##يرات
فإن هللا سيجمعكم إلى يوم ال ريب في##ه) ( ..)1ول##ذلك فإن##ه وسارعوا #إليها باالستباقّ ،
يمكن قبولها #من ب##اب الج##ري والتط##بيق #المتس##امح في##ه ..ال من ب##اب التفس##ير ال##ذي
يحرم فيه القول بالرأي المجرد عن الدليل(.)2
قال آخر :ولهذا فسرها جميع مفس##رينا المعت##برين المعتم##دين بم##ا فس##رها ب##ه
غيرهم ..ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم( #:هذه اآلية الكريم##ة ت##رد على الض##جة
التي أثارها اليهود حول تغيير القبلة وتقول﴿ :ولِ ُك ٍّل ِوجْ هَةٌ هُ َو ُم َولِّيه##ا﴾ ك##ان لألنبي##اء
عليهم السالم على م ّر التاريخ وجهات عديدة يولونها ،وليست القبلة كأص##ول #ال##دين
ال تقب##ل التغي##ير ،وال أم##را تكويني #ا #ال يمكن مخالفت##ه ،فال تطيل##وا #الح##ديث في أم##ر
ت﴾ ،ألن معي##ار القيم##ة الوجودي##ة لإلنس##ان هي ﴿اس#تَبِقُوا ْالخَ ْي##را ِ
القبل##ة ،وب##دل ذل##ك ْ
أعمال الب ّ
ر والخير) ()3
قال آخر :قال آخر( :لكل قوم وجهة يتجهون إليه##ا من خالل القاع##دة الفكري##ة
اإليمانية التي يرتكزون عليه##ا في م##ا يأخ##ذون ب#ه أو يتركون##ه ،أو ينطلق##ون ب#ه من
مواقع ومواقف #وعالقات بالحياة وباإلنسان ،سواء في ذلك األنبياء الذين ينطلق ك##ل
واحد منهم بملّته ووجهته التي تختلف في خصوصياتها #فتتعدد جهاتها ،ولكنها تلتقي
في اإلسالم الذي يجمع الرساالت كلها عند االنقي##اد هّلل في ك##ل ش##يء ،وه##ذا ه##و م##ا
ينبغي للمس##لمين أن يتحرك##وا #في##ه في انفت##احهم على الكعب##ة ال##تي أراد هّللا لهم أن
يتوجهوا #إليها ،بعيدا عن كل عناصر الشك التي يثيرها اليهود والمنافقون في عملية
تحويل القبلة التي ش ّرعها األنبياء من قبلهم ،ألنه من الممكن أن يختلف اتج##اه القبل##ة
ت﴾ فهذا هو الوجه ال##ذي أراد بين رسالة وأخرى ،وبين نبي وآخر﴿ ،فَا ْستَبِقُوا ْالخَ يْرا ِ
هّللا لكم أن تستقبلوه في كل مواقع حياتكم في رسالتكم التي ح ّملكم هّللا إياها من خالل
رسوله بالمس##ارعة إلى الخ##يرات ال##تي تمث##ل حرك##ة الحي##اة في إيجابياته##ا الروحي##ة
واألخالقية في اإلنسان بعالقته باإلنسان اآلخر ،وبالكون من حوله ،عند ما يقدم من
عقله وقلبه وروحه وجهده الكثير من األفكار #والمشاعر والعواطف #واألعم##ال ال##تي
تفتح آفاته على عوالم جديدة كما توجّه خطوات##ه إلى دروب جدي##دة ،وترتف##ع بحيات##ه
إلى الدرجات العليا على مستوى تطوير طاقاته وتنميتها #وتحويلها إلى عناصر حيّ##ة
في كل اتجاه من اتجاهات الحركة في الحياة) ()4
إقامة الصالة:
﴿و َم##ا
قال المدعي :فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالىَ :
األمثل.18/456 )(1
تهذيب األحكام .7/225 )(2
بحار األنوار ،2/165 :وتفسير العياشي. )(3
صحيح الكافي 1ص.11 )(4
وسائل الشيعة .78/ 18 )(5
353
قال آخر :ولهذا اعتبر علماؤنا كل كتبهم الحديثية محال للمناقش##ة والنق##د ألي
رج##ل بل##غ درج#ة االجته#اد من غ#ير نك#ير علي#ه ،وق#د ق##ال الش##يخ المفي#د في كتاب#ه
[تص##حيح االعتق##اد]( :وكت##اب هللا تع##الى مق َّ #دم على األح##اديث والرواي##ات ،وإلي##ه
ق دون سواه)()1 يتقاضى في صحيح األخبار وسقيمها ،فما قضى #به فهو #الح ّ
قال آخر( :)2ولهذا؛ فإن الجوامع الحديثية التي حوت على أمثال تلك التفاسير
المأثورة نقال عن األئ ّمة لم يك##د يص##ح منه##ا إاّل القلي##ل الن##ادر ..فتفس##ير #أبي النض##ر
محمد بن مس##عود #العياش##ي (ت##وفّي )320ال##ذي ك##ان من أجم##ع التفاس##ير الم##أثورة،
أصبح مقطوع #اإلسناد ،حين حذف أسانيده بعض الناسخين لعذر غير وجيه ،وب##ذلك
أسقط مثل هذا التفسير الثمين عن الحجّية واالعتبار#.
ق##ال آخر( :)3ومثل##ه تفس##ير ف##رات بن إب##راهيم الك##وفي( #ت##وفّي ،)300وق##د
أسقطت أسانيده أيض##ا ..ومثلهم#ا تفس##ير محم#د بن العب#اس ماهي#ار المع##روف ب##ابن
الحجّام (توفّي ،)330حيث لم يوجد منه سوى روايات مقطوعة اإلسناد.
قال آخر( :)4فهذه تفاس##ير ك#انت برواي##ات مس##ندة إلى أئم##ة أه#ل ال##بيت ،وق#د
أصبحت مقطوعة اإلسناد فاقدة االعتبار ،ال يجوز #االستناد إليها في معرفة م##ا قال##ه
األئ ّمة في التفسير.
ق##ال آخر( : 5وهك##ذا؛ ف##إن تفس##ير أبي الج##ارود ،زي##اد بن المن##ذر الهم##داني
)
الخارفي #الملقّب بسرحوب (توفّي )150 #الذي يرويه عن اإلمام الباقر ،فإنه ضعيف
ال اعتبار له.
قال آخر( :)6ومثله تفسيرأحمد بن محمد السياري (ت##وفّي ،)268فه##و تفس##ير
متقطع مختصر اعتمد المأثور #عن األئ ّمة ،غير أنه ضعيف #الحديث ،فاسد المذهب،
مجف ّو الرواية ،كث##ير المراس##يل ،حس##بما وص##فه أرب##اب ال##تراجم ..وك##ان الق ّمي##ون ـ
المحتاطون في نقل الحديث ـ يحذفون من كتب الحديث ما كان برواية السيّاري(.)7
ق##ال آخر( :)8ومثله تفس##ير النعم##اني ،المنس##وب إلى أبي عب##د هّللا محم##د بن
إب##راهيم النعم##اني #من أعالم الق##رن الراب##ع (ت##وفّي ،)360 #فه##و تفس##ير مجه##ول ،لم
يعرف واضعه ،وإنما نس##ب إلى النعم##اني #عف##وا ولم يثبت؛ فق##د ع##زي ه##ذا التفس##ير
المش##تمل على توجي##ه اآلي##ات المتعارض##ة ـ فيم##ا زعم##ه واض##عه ـ إلى ثالث##ة من
شخصيات المعة في تاريخ اإلسالم ،هم :السيد المرتضى علم الهدى ،وسعد #بن عبد
360
في خلق األرض والسموات والعالم ،أن يجعل األرض آهلة محيط##ة بك##ل ش##يء في
يوم ونحوه قبل خلق السموات ..مضافا #إلى مقتضى الحديث أن األرض ك##انت على
الماء ال على الحوت ،والحال إن الجبال جزء من األرض ومن طبيعتها مهم##ا بلغت
من العظم فال تقتضي رسوب #األرض على الصفا على خالف طبيعة األرض ال##تي
طبعها هللا عليها ،على أن الجبال بالنسبة إلى جرم ش##يء يس##ير فل##و ك##انت من غ##ير
طبيعة األرض لما اقتضت ثقال ترسب ب##ه األرض إذا ك##انت طافي##ة على الم##اء ،أو
تضعف #به الحوت إذا كانت تقوى على األرض)
﴿ولَقَْ #د َج #ا َء ُك ْم
قال آخر :ومن األمثلة على ذلك قول##ه في تفس##ير قول##ه تع##الىَ :
ت ثُ َّم اتَّخ َْذتُ ُم ْال ِعجْ َل ِم ْن بَ ْع ِد ِه َوأَ ْنتُ ْم ظَالِ ُمونَ ﴾ [البقرة ]92 :ما مل ّخص##ه( :إن ُمو َسى #بِ ْالبَيِّنَا ِ
بني إسرائيل قالوا للسامري #كيف يكون العجل إلها ً ؟ فق##ال :إنم##ا ه##ذا العج##ل يكلمكم
منه ربكم ،وقال :إن السامري #نص##ب عجال م##ؤخره إلى الحائ##ط وحف##ر في الج##انب
اآلخر في األرض ،وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه في دبره وتكلم بما
تكلم لما قال ه##ذا إلهكم وال##ه موس##ى)( ..)1وحاص##ل ه##ذا أن كلم##ات الض##الل ك##انت
تخرج من ناحية فم العج##ل بدسيس##ة تكلم الم##ارد من وراء الحائ##ط في دب##ر العج##ل،
فض ّل بنو إسرائيل وحسبوا #أن العجل يكلمهم على أن هللا يكلمهم على لسانه ..وك##أن
المفس#ر لم يفطن إلى قول##ه تع##الى في وص##ف العج##ل وت##وبيخ الض##الين بعبادت##ه ّ هذا
واالحتجاج واإلنكار عليهمَ ﴿ :واتَّ َخ َذ قَوْ ُم ُمو َسىِ #م ْن بَ ْعِ #د ِه ِم ْن ُحلِيِّ ِه ْم ِعجْ اًل َج َس #دًا لَ #هُ
خُ #ذوه ُ َو َك##انُوا ظَ##الِ ِمينَ ﴾ [األع##راف: ُخ َوا ٌر أَلَ ْم يَ َروْ ا أَنَّهُ اَل يُ َكلِّ ُمهُ ْم َواَل يَ ْهِ #دي ِه ْ#م َس#بِياًل اتَّ َ
]148
﴿وظَلَّ ْلنَ##ا َعلَ ْي ُك ُم
قال آخر :ومن األمثلة على ذلك قوله في تفس##ير قول##ه تع##الىَ :
ْال َغ َما َم﴾ [البقرة( :]57 :لما كنتم في التيه يقيكم حر الشمس وب##رد القم##ر)( ..)2وق #د #عل##ق
عليه الشيخ البالغي بقوله( :وال يخفى أنه ال يوجد للقمر برد يحتاج إلى الوقاي##ة ،أال
ترى يبدو في الصيف كامال والناس تض##جر من الح##ر ،وينقص في الش##تاء ويمح#ق#
وتتضور #من البرد ،فمن أين جاء برد القمر في اآلية الكريمة أيكون هذا من إمام؟)
تفسير القمي:
قال المدعي :ال بأس ..يمكننا أن نقبل م##ا ذكرتم##وه من األدل##ة والتص##ريحات#
على ع##دم اعتب##ار ذل##ك التفس##ير ..لكن م##ا تقول##ون في تفس##ير أبي الحس##ن علي بن
إبراهيم بن هاشم القمي ،وهو تفسير يش##مل الق##رآن الك##ريم كل##ه ..وص##احب الكت##اب
كان في عصر اإلمام العسكري ،وعاش إلى سنة ( 307هـ) ..وه##و ف##وق ذل##ك ثق##ة
عندكم ،بل يعتبر من أجل الرواة ،وقد أكثر من النقل عنه تلمي##ذه محم##د بن يعق##وب
الكليني في كتابه (الكافي) ،الكتاب األول في الحديث عن##دكم ..وم##ع ذل##ك كل##ه نج##ده
مع الشيعة االثني عشرية في األصول والفروع لعلي السالوس ـ ص.489 )(1
رجعنا في هذا المبحث إلى دراسة بعنوان :تفسير الق ّمي ،دراسة علمية على ضوء علم الرجال والحديث ،الشيخ محمود هيدوسفى. )(2
رجال النجاشي.183 : )(3
تفسير القمي.8 : )(4
الفهرست209 :؛ ورجال النجاشي.183 : )(5
تفسير القمي .27 :1 )(6
تفسير الق ّمي ،دراسة علمية على ضوء علم الرجال والحديث ،الشيخ محمود هيدوسفى. )(7
362
الهادي قد لقب بجعفر الكذاب.
قال آخر :أما ركون األصحاب إلى الكتاب ،مع أنه ال يمكن اعتب##اره دليال إال
أنه قد يكون لتفسيره الموجود آنذاك ،ال لهذا التفسير الذي بين أيدينا ..باإلض##افة إلى
أن الركون من األصحاب قد يكون للوث##وق #بكث##ير مم##ا تض##منه من رواي##ات تواف##ق
القرآن الكريم ،ذلك أنه ليس كل ما فيه مرفوض مردود#.
قال المدعي :لكني رأيت أن مش##كلة جهال##ة ال##راوي للكت##اب ،طرحه#ا #الش##يخ
المعاص #ر #ب##اقر اإلي##رواني ،وأج##اب عنه##ا بقول##ه( :وفي##ه :أن الش##يخ الطوس##ي في
فهرسته يذكر طريقا صحيحا إلى جميع كتب علي بن إبراهيم ،والتي منه##ا تفس##يره،
وينص في ذل##ك الطري#ق #إلى القمي نفس##ه ،وم##ع اف##تراض أن القمي نفس##ه ق##د أج##از
الشيخ الطوسي #بالوسائط #في نقل تفسيره ،فال تضر بعدها جهالة أبي الفضل) (.)1
قال أحد المتهمين( :)2إن هذا االفتراض يتم لو كان القمي قد أعطى الواس##طة
األولى كتابه ،وقال له :أجيزك أن تنقل هذا الكتاب ،وهكذا نكون قد حصلنا على م##ا
في النسخة األصلية ،أو يكون قد قرأ عليه التفسير فأجازه بنقله؛ وه##ذا بعي##د؛ لك##ثرة
مؤلفات علي بن إبراهيم ،واإلجازة لم تكن للتفسير ،بل لجميع كتبه بما فيها التفس##ير
كما ذكر الشيخ الطوسي.
قال آخر :باإلضافة إلى ذلك؛ فإن قوله( :ال تضر بع##دها جهال##ة أبي الفض##ل)
غير مقبول وال صحيح ،ذلك أن أبا الفضل ما زال طرف##ا من خالل وج##وده في ك##ل
النسخ التي بأيدينا ،فهو الذي يقول( :حدثنا علي بن إبراهيم ،)..مما يبعد من احتمال
أن يكون الكتاب ق##د وص##لنا #من طري#ق #آخ##ر ،ب##ل هن##اك ق##رائن كث##يرة موج##ودة في
الوسائل والبحار #تدل على أن النسخة الموجودة ل##ديهما هي نفس النس##خة الموج##ودة
لدينا بتوسط #أبي الفضل ،فكثيرا ما يرد في الوسائل( :علي بن إب##راهيم في تفس##يره،
عن أبي الجارود) ()3
قال آخر :وهكذا يذكر علماء الرجال كالشيخ محم##د س##ند( )4الش##واهد الكث##يرة
من الوسائل والبحار #وغيرها ،والتي تفيد أن نسخة صاحب الوس##ائل لتفس##ير القمي،
وكذلك النسخة التي عند العالمة المجلسي ،وأيضا النسخة التي عند ص##احب تفس##ير
البرهان ،هي النسخة عينها التي بأيدينا بتوسط أبي الفضل.
قال آخر :باإلضافة إلى ذلك؛ فإن الفحص والتأم##ل في تفس##ير القمي يفض##يان
إلى القول بأنه عبارة عن خليط من تفسيرين أو أكثر ،فبعضه للقمي وبعضه اآلخ##ر
لغ##يره ،ب##ل عب##ارة اآلغ##ا ب##زرك الطه##راني #ت##وحي بأن##ه مقتن##ع به##ذا التص##رف #من
الراوي؛ فقد قال( :ولخلو تفسيره (القمي) هذا عن رواي##ات س##ائر األئم##ة ،فق##د عم##د
371
اإلنتقاد ،وصان الشريعة أن يدخل فيها ما خ##ل باإلعتق##اد ،ش##كر هللا ص##نعه ،وأث##اب
جمعه ..وقد #رأيت ما هو أهم من ذلك ،وه##و تب##يين األح##اديث المش##تهرة على ألس##نة
العوام ،وكث##ير من الفقه##اء ال##ذين ال معرف##ة لهم بالح##ديث ،وهي :إم##ا أن يك##ون له##ا
أصل يتعذر الوقوف #علي##ه ،لغراب##ة موض#عه ،ول#ذكره في غ#ير مظن#ه ،وربم##ا نف##اه
بعض أهل الحديث لعدم إطاعته عليه ،والنافي #له كمن نفى أصال من ال##دين ،وض##ل
عن طريقه المبين ،وإما ال أصل له#ا البت#ة ،فالناق#ل #له#ا ي##دخل تحت قول#ه ( :من
يقل عني ما لم أقل ،فليتبوأ مقعده من النار) ()1
قال المتهم :فه##ل ت##رى ج##واز التس##اهل في أع##راض المس##لمين ،ب##ل اته##امهم
بالكفر والبدعة والضاللة ،مستساغا ما دام قد اشتهر عن األلسنة؟
قال المدعي :ال يمكنني طبعا أن أقول ذلك ..ولذلك سألتك عن موقفكم.
شهادات وتصريحات:
قال المتهم :قبل أن أجيبك عن موقفنا ..أعود بك إلى تلك األحاديث المش##تهرة
بين الن##اس ،وال##تي ذك##رت لي أن##ه ألفت فيه##ا المؤلف##ات ال##تي تح##ذر المس##لمين من
األحاديث المكذوبة المنتشرة بينهم ..ما هي أدلتهم على ذلك؟
قال المدعي :طبع##ا ..هم يس##تدلون ل##ذلك ب##أقوال #العلم##اء في بي##ان ض##عفها أو
كذبها ..ومن األمثلة على ذلك الحديث المش##تهر المنس##وب لرس##ول #هللا ( م##ا أفلح
صاحب عيال قط) ،فقد استدل الزركشي #على كذبه بقوله( :ق##ال ابن ع##دي :ه##و من
كالم ابن عيينة وهو منكر عن النبي ..)2()فقد اعتبر شهادة ابن عيين##ة كافي##ة في
الداللة على كذب الحديث.
قال المتهم :بما أننا أمرنا بالعدالة ..فهل تقب##ل من##ا ش##هادات كب##ار علمائن##ا في
تبرئتنا #من القول بتحري#ف #الق##رآن الك##ريم ..أم أن ذل##ك قاص##ر فق##ط على األح##اديث
المشتهرة؟
ق#ال الم#دعي :ب#ل أقب##ل ش##هادات علم##ائكم ..لكن بش##رط أن يك#ون لهم س##معة
واحترام #ومتبوعية عندكم ..حتى ال تأتيني بالشواذ #الذين ال يعرفهم وال يتبعهم أحد.
ق#ال المتهم :ال ب#أس ..فكب#ار #علمائن##ا من ال##ذين نرج#ع إلى كتبهم وتص##انيفهم#
كلهم صرحوا #بذلك ..وق##د ع##بر عن ذل##ك بعض كب##ار متأخرين##ا ،فق##ال ـ في مقدم##ة
ذكره لتصريحاتهم #في ذلك ـ( :وإليك اآلن تصريحات #من ألمع وجوه الطائف##ة ،م ّمن
دارت عليهم رحى االعتبار ،وكانوا #قدوة التحقي##ق وأس##وة النق##د واالختي##ار #،فك##انت
أقوالهم #بالذات ح ّجة وآراؤهم بالخصوص سند القبول ..وقد أجمعوا بال استثناء على
رفض احتم##ال التحري##ف في كت##اب هّللا المجي##د ،حتّى جعل##ه مث##ل الص##دوق ـ وه##و
المضطلع بآثار اآلئمة ـ من أصول معتقدات الشيعة اإلمامية ..وصّ #رح #الم##ولى أب##و
#أن جمه##ور #المجته##دين على القاسم الجيالني (ت )1231صاحب قوانين األصول #بّ #
)(1الآللئ المنثورة في األحاديث المشهورة (ص)25
)(2الآللئ المنثورة في األحاديث المشهورة (ص)124
372
عدم التحريف #..وهكذا اإلمام كاشف الغطاء (ت )1373قال :علي##ه إجم##اع الش##يعة
اإلماميّة) ()1
قال آخر :فمن أعالمنا العدول الصادقين الذين ش##هدوا ب##ذلك ش##يخ المحّ #دثين،
أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق (ت ،)381فقد قال ـ في رسالته التي
وضعها #لبيان معتقدات الشيعة اإلمامية حسب ما وصل إليه من النظ##ر والتمحيص ـ
أن القرآن الذي أنزله هّللا تعالى على نبيّه مح ّمد ه##و م##ا بين ال##دفّتين، ( :اعتقادنا ّ
وهو ما في أيدي الناس ليس ب##أكثر من ذل##ك ،وع##دد س##وره على المع##روف)114( #
سورة ،وعندنا تع ّد (و الضحى) و(ألم نشرح) سورة واحد ،وكذا (إليالف) و(ألم تر
كيف) ..ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب) ()2
قال آخر :ومنهم عميد الطائفة ،محمد بن محمد بن النعمان المفيد (ت ،)413
بأن ال##ذي بين فقد قال في أجوبة المسائل السروية( :فإن قال قائل :كيف يص ّح القول ّ
الدفّتين هو كالم هّللا تعالى على الحقيقة من غير زيادة وال نقصان وأنتم #ت##روون عن
األئ ّم##ة أنّهم ق##رأوا( :كنتم خ##ير أئ ّم##ة أخ##رجت للن##اس)( ..وك##ذلك جعلن##اكم #أئم##ة
وسطا) ..وهذا بخالف ما في المصحف الذي في أي##دي الن##اس؟ قي##ل ل##ه :ق##د مض##ى
أن األخبار التي جاءت ب##ذلك أخب##ار آح##اد ال يقط##ع على هّللا الجواب عن هذا ،وهوّ :
تعالى بصحّتها ،فل##ذلك وقفن##ا فيه##ا ولم نع##دل ع ّم##ا في المص##حف الظ##اهر ،على م##ا
أمرنا به حسب ما بيّناه) ()3
قال آخر :ومنهم الشريف #المرتضى ،علي بن الحسين علم الهدى (ت ،)436
(إن العلم بص #حّة فقد قال ـ في رسالته الجوابية االولى عن المسائل الطرابلسيات #ـ ّ :
نقل الق##رآن ك##العلم بالبل##دان والح##وادث الكب##ار والوق##ائع العظ##ام والكتب المش##هورة
ف##إن العناي##ة اش##ت ّدت وال##دواعي ت##وفّرت على نقل##ه
وأش##عار الع##رب المس##طورةّ ،
ألن الق##رآن معج##زة النب#وّة ومأخ#ذ# وحراسته ،وبلغت إلى ح ّد لم يبلغه فيم##ا ذكرن##اهّ ،
العلوم الشرعيّة واألحكام #الدينيّ##ة ،وعلم##اء المس##لمين ق##د بلغ##وا في حفظ##ه وحمايت##ه
الغاية ،حتّى عرفوا ك ّل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ،فكيف
يجوز #أن يكون مغيّرا ومنقوصا ،مع العناية الصادقة والضبط #الشديد!) ()4
(إن العلم بتفص#يل الق#رآن وأبعاض##ه في ص#حّة نقل#ه ك##العلم بجملت#ه، و ق##الّ :
وجرى #ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة ،ككتاب س##يبويه والم##زني،
فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمون#ه من جملتهم#ا ،حتّى ل#و ّ
أن مدخال أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لع##رف وميّ #ز #وعلم ّ
أنّ##ه ملح##ق وليس من أص##ل الكت##اب ،وك##ذلك الق##ول في كت##اب الم##زني ،ومعل##وم ّ
أن
الصافي في تفسير القرآن 1/33 :ـ ،34والوافي 2/273 :ـ .274 )(1
كتاب علم اليقين في اصول الدين للفيض الكاشاني.1/565 : )(2
كتاب علم اليقين في اصول الدين.1/565 : )(3
نقال عن :صيانة القرآن من التحريف ،ص.64 )(4
376
ق##ال آخ##ر :ومنهم المحقّ##ق الت##بريزي (ت ،)1307فق##د ق##ال في تعليقت##ه على
رس##ائل أس##تاذه المحقّ##ق األنص##اري( #:الق##ول ب##التحريف ه##و م##ذهب األخب##اريين
والحشوية ،خالفا ألص#حاب األص#ول ال#ذين رفض#وا #احتم#ال التحري#ف #في الق#رآن
ق ،للوجوه التالية :أوّال :إجماع الطائفة ،على ما حكاه الش##يخ رفضا #قاطعا ،وهو الح ّ
الطوس##ي والطبرس##ي والمرتض##ى #علم اله##دى والص##دوق وغ##يرهم من أقط##اب
اإلمامية ..ثانيا :صراحة القرآن بعدم إمكان التغيير في#ه ،كآي##ة الت#دبّر (النس#اء)82 :
(فص#لت ،)42 :وك##ذا الرواي##ات ّ وآية الحفظ (الحج##ر )9 :وآي##ة ع##دم إتيان##ه الباط##ل
الكثيرة الدالّ##ة على وج##وب الرج##وع إلى الق##رآن ..ثالث##ا :دلي##ل العق##ل ،حيث الق##رآن
عماد الدين وأس##اس الش##رع الم##بين ،لكون##ه معج##زا ومصّ #دقا لمق##ام النب#وّة إلى قي##ام
القيامة ،ويؤيّد ذلك عناية األ ّمة بحفظه وحراسته على ما كان علي##ه في العه##د األوّل
في رسم الخطّ ونحوه ،فال ب ّد من تأويل ما ورد بخالف ذلك أو طرحه) ()1
ق##ال آخ##ر :ومنهم الس#يّد محس##ن األع##رجي (ت ،)1227فق##د ق##ال في ش##رح
الوافية( :اتّف##ق الك#لّ ،ال تم#انع بينهم ،على ع##دم الزي##ادة ،ونطقت ب##ه األخب#ار ،وق#د#
حكى اإلجم##اع على ذل##ك جماع##ة من أئ ّم##ة التفس##ير والح##ديث ،كش##يخ الطائف##ة في
التبي##ان ،وش##يخنا #أبي علي في مجم##ع البي##ان ،وإنّم##ا وق##ع الخالف في النقيص##ة،
والمعروف ـ بين أصحابنا #حتّى حكى عليه اإلجماع ـ عدم النقيصة أيضا)()2
قال آخر :ومنهم قاضي #القض##اة المحقّ##ق الك##ركي ،فق##د ق##ال الس#يّد األع##رجي
عنه( :ث ّم إنّي رأيت للفاضل المحقّق قاضي #القض##اة علي بن عب##د الع##الي (ت )940
رسالة في نفي النقيصة ،ص ّدرها بكالم الصدوق ،ث ّم اع##ترض ب##ورود م##ا ي##د ّل على
بأن الحديث إذا جاء على خالف الدليل القاطع من الكتاب أو السنّة النقيصة ،وأجاب ّ
المتواترة أو اإلجماع ولم يمكن تأويله وال حمل##ه على بعض الوج##وه وجب طرح##ه،
ث ّم حكى اإلجماع على هذه الضابطة واستفاضة النقل عنهم وروى قطع#ة من أخب#ار
العرض ،ث ّم ق#ال :وال يج#وز أن يك#ون الم#راد بالكت#اب المع#روض علي#ه غ#ير ه#ذا
المتواتر #الذي بأيدينا #وأيدي الناس ،وإاّل لزم التكليف بما ال يطاق ،فقد وجب عرض
األخب#ار على ه#ذا الكت#اب ،وأخب#ار النقيص#ة إذا عرض#ت علي#ه ك#انت مخالف#ة ل#ه،
ي تكذيب يكون أش ّد من هذا!)()3 لداللتها على أنّه ليس هو ،وأ ّ
أن التأويل الذي يتخلّص من معارضة الحكم ويتحقّق الر ّد إليه ه##و أن ث ّم ذكر ّ
(إن القوم غيّروه وب ّدلوه ونقصوا من##ه) (التغي##ير #في تفس##يره أن المراد بقولهمّ :ننزل ّ
وأن الم#راد من الكت##اب فس#روه بخالف م##ا ه##و علي#ه في نفس األم#رّ .. وتأويله ب##أن ّ
ّ
الذي نزل به جبريل وهو عند أهل البيت أو عند القائم من آل مح ّم##د أن التفس##ير
ق ه##و الّ##ذي عن##دهم ،ث ّم و ّج##ه س##ؤاال :لم##اذا لم يط##رح األص##حاب تل##ك والتأويل #الح ّ
)(1اإلتقان ،1/198 :قال الذهبي :تف ّرد محمد بن عبيد بهذا الخبر الباطل.
)(2اإلتقان.1/198 :
)(3اإلتقان .3/72 :عن كتاب فضائل القرآن ألبي عبيد القاسم بن سالم.190 ،
380
قال آخر :ومثل ذلك ما يروى عن ابن شهاب ،قال( :بلغنا أنّه كان أنزل قرآن
كثير ،فقتل علماؤه يوم اليمامة ،الذين كانوا قد وعوه ،ولم يعلم بعدهم ولم يكتب) ()1
قال آخر :ومثل ذلك ما يروى #عن عائشة أنها عهدت إلى أبي ي##ونس مواله##ا
أن يكتب لها مصحفا ـ أي يستنسخ على أحد المصاحف المعروفة حين##ذاك ـ وق##الت
الص#اَل ِة ْال ُو ْس#طَى َوقُو ُم##وا هَّلِل ِ قَ##انِتِينَ ﴾ت َو َّ ﴿ح##افِظُوا َعلَى َّ
الص#لَ َوا ِ له :إذا بلغت اآلية َ
[البق##رة ]238 :فآذنّي ،قال أب##و ي##ونس :فل ّم##ا بلغته##ا آذنته##ا ،ف##أملت عل ّي (ح##افظوا #على
صلوات والصالة الوسطى وصالة العصر) ،قالت :سمعتها من رسول هّللا )2() ال ّ
قال آخر :ومثل ذلك ما يروى #عن عمرو بن ن##افع م##ولى عم##ر بن الخط##اب،
فق##د ق##ال :كنت أكتب مص##حفا لحفص##ة زوج الن##بي فق##الت :إذا بلغت ه##ذه اآلي##ة
الص#اَل ِة ْال ُو ْس#طَىَ #وقُو ُم##وا #هَّلِل ِ قَ##انِتِينَ ﴾ [البق##رة ]238 :ف##آذنّي، ﴿حافِظُواَ #علَى ال َّ
صلَ َوا ِ
ت َو َّ َ
فل ّما بلغتها آذنتها ،فأملت عل ّي (حافظوا على الص##لوات والص##الة الوس##طى وص##الة
العصر) قالت :أشهد أنّي سمعتها من رسول هّللا )3()
قال آخر :ومثل ذلك م##ا ي##روى #عن حمي##دة بنت أبي ي##ونس ،ق##الت :ق##رأ عل ّي
ُص#لُّونَ َعلَى أبي ـ وهو ابن ثمانين س##نة ـ في مص##حف #عائش##ة( :إِ َّن هَّللا َ و َمالئِ َكتَ#هُ ي َ
صلُّوا َعلَ ْي ِه و َسلِّ ُموا تَ ْسلِيماً ،وعلى الّذين يصلون الص##فوف النَّبِ ِّي ،يا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا َ
األ ّول) ،قالت حميدة( :قبل أن يغيّر عثم#ان المص#احف) ( ،)4أي ك#انت ه#ذه الزي#ادة
موجودة إلى ذاك الحين.
قال آخر :ومث##ل ذل##ك م##ا ي##روى #عن عم##رة بنت عب##د الرحم##ان عن عائش##ة،
قالت( :كانت فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرّمن) ث ّم نس##خن ب
وهن فيما يقرأ من القرآن) ()5 ّ (خمس معلومات) فتوفّي #رسول هّللا
ألنو قال الزيعلي ـ تعليق#ا على ه#ذه الرواي#ة ـ( :ال حجّ#ة في ه#ذا الح#ديثّ ،
عائشة أحالتها على أنّه ق##رآن ،وق##الت :ولق##د ك##ان في ص##حيفة تحت س##ريري ،فل ّم##ا
مات رسول #هّللا وتشاغلنا بموته دخل داجن البيت فأكلها ..وقد ثبت أنّ##ه ليس من
القرآن لعدم التواتر ،وال تح ّل الق##راءة ب##ه وال إثبات##ه في المص##حف ،وألنّ##ه ل##و ك##ان
قرآنا #لكان متلوّا اليوم ،إذ ال نسخ بعد النبي )6()
ّ
قال آخر :ومثل ذل##ك م##ا ي##روى #عن مس##لمة بن مخل##د األنص##اري ـ وك##ان لم
يتجاوز #العاشرة عند وفاة النبي ـ أنّه ق##ال يوم##ا :أخ##بروني ب##آيتين في الق##رآن لم
يكتبا في المصحف فلم يخبروه ،وعندهم أبو الكنّود سعد بن مالك ،فقال مس#لمةّ :
(إن
الّ##ذين آمن##وا وه##اجروا وجاه##دوا في س##بيل هّللا ب##أموالهم وأنفس##هم ،أال أبش##روا #أنتم
منتخب كنز العمال.2/50 : )(1
الدرّ المنثور.1/302 : )(2
الدرّ المنثور.1/302 : )(3
فضائل القرآن ألبي عبيد القاسم بن ساّل م ،193 ،واإلتقان.3/73 : )(4
تنوير الحوالك.2/118 : )(5
بهامش مسلم.4/167 : )(6
381
المفلحون ،والّذين آووهم ونصروهم وج##ادلوا عنهم الق##وم الّ##ذين غض##ب هّللا عليهم،
أولئك ال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعلمون) ()1
ق##ال آخ##ر :ومث##ل ذل##ك م##ا ي##روى #عن أبي األس##ود ،ق##ال :بعث أب##و موس##ى
األشعري #إلى ق ّراء أهل البصرة ،فدخل عليه ثالثمائة رجل قد قرأوا الق##رآن ،فق##ال:
يطولن عليكم األم##د فتقس#و #قل##وبكم كم##ا ّ أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم ،فاتلوه وال
قست قلوب من كان قبلكم #..وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول والش ّدة ببراءة
فأنسيتها ،غير أنّي قد حفظت منها( :لو كان البن آدم وادي##ان من م##ال البتغى وادي##ا
ثالث##ا ،وال يمأل ج##وف ابن آدم إاّل ال##تراب) ،وكنّ##ا نق##رأ س##ورة كنّ##ا نش #بّهها بإح##دى
المسبّحات فأنسيتها #،غ#ير أنّي حفظت منه##ا( :ي##ا أيّه##ا ال##ذين آمن##وا لم تقول##ون م##ا ال
تفعلون ،فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) ()2
قال آخر :ومثل ذلك ما يروى #عن ز ّر بن حبيش عن أب ّي بن كعب ،ق##ال :كم
تقرأون (أو كأيّن تع ّدون) سورة األحزاب؟ قلت :ثالثا وس##بعين آي##ة ،ق##ال :ق##ط! لق##د
رأيتها وإنّه##ا لتع##ادل س##ورة البق##رة (أي م##ا يق##رب من م##ائتين وثم##انين آي##ة ،أربع##ة
أضعاف #الموجود!) وفيها #آية الرجم ..قال زرّ :قلت وم##ا آي##ة ال##رجم؟ ق##ال( :الش##يخ
والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكاال من هّللا وهّللا عزيز حكيم) ()3
قال آخر :ومثل ذلك ما ي##روى #عن ع##روة عن خالت##ه عائش##ة ،ق##الت( :ك##انت
سورة األحزاب تق##رأ زمن الن##بي م##ائتي آي##ة ،فل ّم##ا كتب عثم##ان المص##احف ،لم
نقدر منها إاّل على ما هو اآلن) ()4
قال آخر :ومثل ذلك م##ا ي##روى #عن ابن س##يرين ،ق##ال :كتب أب ّي بن كعب في
ّ
#ركهن مصحفه فاتحة الكتاب والمعوّذتين واللّه ّم إنّ##ا نس##تعينك واللّه ّم إيّ##اك نعب##د ..وت#
منهن فاتحة الكتاب والمعوّذتين) ()5 ّ ابن مسعود ،وكتب عثمان
أن سورة براءة ك##انت تع##دل قال آخر :ومثل ذلك ما يروى #عن مالك بن أنس ّ
سورة البقرة ،وقد أسقط من أوّلها ،فاس##قطت البس##ملة فيم##ا اس##قط ،ق##ال جالل ال##دين
إن أوّلها ل ّما سقط سقط معه البسملة ،فقد ثبت أنّها كانت تعدل السيوطي( :قال مالكّ :
البقرة لطولها) ()6
ّ
قال آخر :ومثل ذلك ما ي##روى #عن حذيف##ة بن اليم##ان ،أن##ه ق##ال( :م##ا تق##رأون
ربعها ،يعني ربع براءة ،وأنّكم تس ّمونها #س#ورة التوب#ة وهي س#ورة الع#ذاب) ( ..)7و
في رواية( :التي تس ّمون سورة التوبة هي س##ورة الع##ذاب ،وهّللا م##ا ت##ركت أح##دا إاّل
في كتابه (فصل الخطاب) إثبات عدم تحريف الكتاب المودع بأيدي المسلمين منذ الجمع األوّ ل فإلى اآلن .ي#ا هّلل والتس#اهل بش#أن الكت#اب العزي#ز،
وليته اعترف بخطئه صريحا واستغفر ربّه وأناب ،وترك هذا االلتواء المفضوح .إنّه ح ّشد كتابه بأباطيل القول بالتحريف وق##اس الق##رآن بالعه##دين
فى التالعب به ـ والعياذ باهّلل ـ ث ّم يقول :إنّي أردت في هذا الكتاب إثبات عدم تحريف القرآن ،وأنّه لم يطرأ علي##ه تغي#ير وتب#ديل كم##ا وق##ع في كتب
العهدين .إن هذا إاّل تناقض صريح ،والتواء في التعبير ،وخداع مكشوف) صيانة القرآن من التحريف ،ص.106
)(1الذريعة 10/220 :ـ :221وج 16/231ـ 232؛ وج .18/9
)(2صيانة القرآن من التحريف ،ص.104
)(3البرهان للبروجردي 138/ـ .142
)(4صيانة القرآن من التحريف ،ص.104
)(5آالء الرحمان.1/25 :
388
أص##اب جمي##ع ال##تراث اإلس##المي ،وفي #جمي##ع الم##دارس اإلس##المية ..ودورن #ا #ه##و
التحذير منه ،ورده ،ال اتهام أي طائفة من المسلمين بسببه ..وإن شئت أن أذك##ر ل##ك
ما دس من الكتب في مدرستكم ،ألبين لكم التشابه بيننا وبينكم فعلت.
قال المدعي :ال ..يكفي أن تذكر لي ما دُس في مدرستكم ..فأن##ا أعلم بم##ا دس
في مدرستي#.
قال المتهم :لقد ذكر الح ّجة البالغي ما اعتمده اإلخباريون في القول بتحريف
القرآن الكريم ،فقال( :قد جهد المح ّدث النوري #في جمع روايات التحري##ف ـ حس##ب
زعمه ـ في حجم كبير ،بتكثير أعداد المسانيد #بض ّم المراس##يل الم##أخوذة في األص##ل
أن القس#ط ال#وافر #من من تلك المسانيد ،كمراس##يل العياش#ي #وف#رات وغيرهم##ا ،م#ع ّ
ّ
أسانيدها #ترجع إلى بضعة أنفار متّهمين في ت##راجم الرج##ال ،فمنهم الك##ذاب الخ##بيث
أو المجف ّو المنب#وذ #ال يس#تح ّل الرواي#ة عن#ه أو ش#ديد الع#داء لس#اللة آل الرس#ول
أن وأمثال ذلك من تعابير #تنبئ عن س##وء الس##ريرة أو س##وء القص##د ..ومن الواض##ح ّ
أمثال هؤالء ال تجدي كثرتهم #شيئا) ()1
قال آخر( :)2ومن األمثلة على تلك المصادر #ال##تي نق##ل عنه##ا تل##ك الرواي##ات،
رسالة مجهولة االنتساب ،اعتم##دها أص#حاب الق##ول ب##التحريف ،نس##بت إلى كّ #ل من
سعد بن عبد هّللا األشعري (ت )301ومحمد بن إبراهيم النعماني( #ت )360والسيّد#
المرتضى( #ت )436لكن مع اختالف في العنوان؛ فق##د نس##بت إلى األش##عري باس##م
[رسالة الناسخ والمنسوخ] ،وإلى النعماني باسم [ما ورد في صنوف #آيات القرآن]،
وإلى المرتضى #باسم[ :رسالة المحكم والمتش#ابه] ..فرس#الة ه#ذا ش#أنها ـ ال يع#رف#
واضعها #وال ناسخها ،وال صّ #ح س#ندها ،وال حظيت بتوثي#ق أح#د من رج#االت العلم
والح##ديث ،وال نصّ على اعتباره##ا وإس##نادها أح##د من أئ ّم##ة النق##د والتمحيص ـ ال
تصلح مستندا الختي##ار وال مص##درا يرج##ع إلي##ه ،نعم تص##لح مرجع##ا لمث##ل الن##وري#
الغريق الذي يتشبّث بك ّل حشيش ،وقد #شحن حقيبته الجوفاء (رسالة فصل الخطاب)
تجتث من ف##وق األرض م##ا له##ا من ّ بمثل ه##ذه الحش##ائش الهزيل##ة ال##تي س##رعان م##ا
قرار ،و هكذا سائر الكتب التي استند إليها القوم في مسألة التحري##ف ،لم يكن ش##أنها
بأفضل #من شأن هذه الرسالة المجهولة.
قال آخر( :)3ومن األمثلة عنها كتاب السقيفة المنسوب لس##ليم بن قيس الهاللي
(ت ،)90فقد تم استغالل لكونه من خواصّ أصحاب اإلم##ام علي ..وق##د شّ #كك فيه##ا
ج ّل أهل التحقيق ،فقد قال الش##يخ المفي##د( :ه##ذا الكت##اب غ##ير موث##وق ب##ه وال يج##وز#
العمل على أكثره ،وقد #حصل فيه تخليط وتدليس ،فينبغي #للمت##ديّن أن يتجنّب العم##ل
بك ّل ما فيه وال يعوّل على جملته والتقليد لروايته ،وذلك أنّه ل ّما طلبه الحجّاج ليه##در
)(1آالء الرحمان ،ص.26
)(2صيانة القرآن من التحريف ،ص.192
)(3صيانة القرآن من التحريف ،ص.194
389
دمه هرب وآوى #إلى أبان بن أبي عياش (فيروز) فل ّما حض##رته الوف##اة س##لّم الكت##اب
إلى أبان مكافأة لجزيل فضله ..فلم يرو عن سليم كتابه هذا سوى أبان وعن طريق##ه،
و أبان ه#ذا ك#ان تابعي#ا ص#حب اإلم#امين الب#اقر والص#ادق #،وق#د ض#عّفه الش#يخ في
رجاله) ،وقال ابن الغضائري( :ضعيف ال يلتفت إليه ،وقد اتّهم األصحاب أبانا بأنّه
دسّ في كت##اب س##ليم ،ومن ث ّم ه##ذا التخلي##ط ،ح##تى أنّهم نس##بوا الكت##اب إلي##ه رأس##ا..
وينسب أصحابنا #وضع كتاب سليم بن قيس الهاللي إليه)
قال آخر( :)1وللشيخ إلى كتاب سليم طريق##ان ،أح##دهما :عن طري##ق ح ّم##اد بن
عيسى وعثمان بن عيسى عن أب##ان عن س##ليم ،واآلخ##ر :عن حم##اد عن إب##راهيم بن
عمر اليماني عن أب##ان عن س##ليم ،على م##ا ذك##ره الطه##راني #في الذريع##ة ،وق##د ق##ال
العالمة الخوئي في بيان ضعف هذا اإلسناد( :وكيفما كان فطريق #الش##يخ إلى كت##اب
س##ليم بكال س##نديه ض##عيف #..والص##حيح أنّ##ه ال طري##ق لن##ا إلى كت##اب س##ليم بن قيس
#إن في الطري#ق( #محم##د بن علي الهاللي المروي بطريق #حم##اد بن عيس##ى ،وذل##ك فّ #
الصيرفي أبا سمينة) وهو ضعيفّ #
كذاب) ()2
ق##ال آخر( :)3ق##د اش##تهر ه##ذا الكت##اب ب##اختالف النس##خ ،ولعّ #ل ط##ول الزم##ان
وتداول #أيدي الكتّاب جعله عرضة للدسّ فيه مع مختلف اآلراء واألنظار ،ش##أن كّ #ل
كتاب لم يوفّق #المصنّف لنشره بنفسه بل على أي##دي اآلخ##رين بع##د وفات##ه ،وق##د ق##ال
المحقّق الطهراني عنه( :رأيت منه نسخا متفاوتة من ثالث جهات :أوالها :التف##اوت
في السند في مفتتح النسخ ،ثانيتها :التفاوت في كيفيّة الترتيب ونظم #أحاديثه ،ثالثتها:
التفاوت في كمية األحاديث ،وجهة رابعة ذكرها بعض المحقّقين في مق ّدمة الكت##اب،
قال :وهناك أحاديث كثيرة أوردها العاّل مة المجلسي في أجزاء البحار المتع ّددة وكذا
غ##يره من األعالم في كتبهم (ك##الكليني ،والص##دوق ،والحلّي في مختص##ر بص##ائر
الدرجات ،وابن عبد الوهّاب في عيون المعجزات ،والصفّار في البصائر وغيرهم)
مرويّة عن سليم ،ال توجد فيما بأيدينا من نسخ الكت##اب ،وكث##يرة منه##ا مرفوع##ة إلي##ه
من غير طريق #أبان ،األمر الذي يؤ ّكد مسألة تصرّف أبان في كتاب سليم ،وأخ##يرا،
#إن الكت##اب وض##ع على أس##لوب التقطي##ع ،فيتك #رّر في أثنائ##ه( :وعن أب##ان بن أبي فّ #
عياش عن سليم بن قيس الهاللي ،قال :سمعت ،)..وعليه فاحتمال ك##ون الكت##اب من
صنع أبان وأنّه هو الذي وضعه على هذا األس##لوب ف##زاد في##ه ونقص ورتّب حس##ب
تصرّفه الخاص ،احتمال قويّ ،فاستناد الكت##اب في وض##عه الحاض##ر إلى أب##ان أولى
من استناده إلى س##ليم ،وإن ك##ان ه##و األص##ل ،فم##ا يوج##د في##ه من من##اكير أو خالف
معروف #لم يثبت كونه من سليم ،فقد ص ّح ما قال##ه ق##دوة أه##ل التحقي##ق الش##يخ المفي##د
بشأن الكتاب :هذا الكتاب غير موثوق به ..وال يجوز العمل على أكثره ..فيه تخلي##ط
)(1صيانة القرآن من التحريف ،ص.194
)(2تصحيح االعتقاد ،ص 149ـ .150
)(3صيانة القرآن من التحريف ،ص.195
390
وت##دليس ..فينغ##بي #للمت##ديّن أن يجتنب العم##ل بكّ #ل م##ا في##ه ..و ال يع#وّل على جملت##ه
والتقليد لروايته) ()1
الس##ياري( #تقال آخر( :)2ومن األمثلة عنها كتاب القراءات ألحمد بن محمد ّ
،)268وقد قال محدثونا #عنه :ضعيف الحديث ،فاسد #المذهب ،مجف ّو الرواية ،كث##ير
المراسيل ..وقال ابن الغضائري #:ضعيف متهالك ،غ##ال مح #رّف ،وحكى محم##د بن
علي بن محبوب في كتاب النوادر المصنّفة :إنّه قال بالتناسخ( ،)3وكتابه هذا يع##رف
بكت##اب (التنزي##ل والتحري##ف) على م##ا عبّ##ر ب##ه الش##يخ حس##ن بن س##ليمان الحلّي في
مختصر #البصائر ،وهذا العنوان أق##رب إلى محت##وى الكت##اب من عن##وان الق##راءات،
وكانت عند المح ّدث النوري منه نسخة ،ونقل عنها في مستدرك الوسائل(.)4
ق###ال آخ###ر ( :)5ومن األمثل###ة عنه###ا تفس###ير أبي الج###ارود #زي###اد بن المن###ذر
السرحوب( #ت ،)150قال الكشي :وكان مكفوف #ا #أعمى القلب ،وق #د #ورد لعن##ه عن
لسان اإلمام الصادق ،قال :لعنه هّللا فإنّه أعمى القلب أعمى البصر ،وقال في#ه مح ّم#د
بن سنان :أبو الجارود ،لم يمت حتى شرب المسكر وتولّى الكافرين( ..)6أما تفس#يره
هذا فالذي يرويه عن##ه ه##و أب##و س##هل كث##ير بن عي##اش القط##ان ،وإلي##ه ينتهي طري##ق
الشيخ والنجاشي إلى تفسيره ،قال الشيخ :وكان ضعيفا.
ق##ال آخ##ر ( :)7ومن األمثل##ة عنه##ا تفس##ير علي بن إب##راهيم القمي (ت ،)329
والذي سبق لنا الحديث عنه ،وذكرنا #أنه منسوب إليه من غير أن يكون من ص##نعه،
وإنّم##ا ه##و تلفي##ق من إمالءات##ه على تلمي##ذه أبي الفض##ل العب##اس بن محم##د العل##وي،
وقسط وافر من تفسير أبي الجارود ،ضّ #مه إليه##ا أب##و الفض##ل وأكمل##ه برواي##ات من
عنده ،كما وضع له مق ّدمة وأورد #فيها مختصرا من روايات منسوبة إلى اإلمام علي
فص##لها وش##رحها #ص##احب التفس##ير المنس##وب إلى في ص##نوف #آي الق##رآن ،وق##دّ #
النعماني ..فقد أخذ أبو الفضل العلوي عن ش##يخه القمي م##ا رواه بإس##ناده إلى اإلم##ام
الصادق #من تفسير القرآن ،وض ّم إلي##ه من تفس##ير أبي الج##ارود #م##ا رواه عن اإلم##ام
الباقر #وأكمله بما رواه هو عن سائر #مشايخه تتميما للفائدة ،فجاء هذا التفسير مزيجا
من روايات القمي وروايات أبي الجارود #ورواي##ات غيرهم#ا م ّم##ا رواه أب##و الفض##ل
نفسه.
ّ
قال آخر ( :)8وهذا التفسير بهذا الشكل ،هو صنيع أبي الفضل العلوي ،وإنم##ا
الذريعة 2/152 :ـ 159؛ ومقدمة كتاب سليم 19/ـ .39 )(1
صيانة القرآن من التحريف ،ص.196 )(2
معجم رجال الحديث 2/282 :ـ .284 )(3
الذريعة.17/52 : )(4
صيانة القرآن من التحريف ،ص.197 )(5
فهرست ابن النديم.267/ )(6
صيانة القرآن من التحريف ،ص.197 )(7
صيانة القرآن من التحريف ،ص.197 )(8
391
نسبه إلى شيخه القمي ألنّه األصل واألكثر حظّا من روايات هذا التفس##ير ،وق#د #ق##ال
المحقّق الطهراني :وهذا التصرّف وقع منه من أوائل سورة آل عم##ران ح#تى نهاي#ة
القرآن( ،)1ويبتدئ #التفسير بقوله( :ح ّدثني أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن
حمزة بن موسى #بن جعفر قال ح ّدثنا أبو الحس##ن علي بن إب##راهيم ،)..فمن ذا يك##ون
القائل في قوله( :ح ّدثني)..؟ ..ومن هو أبو الفضل العباس العلوي ،الذي يحّ ##دث عن
ش##يخه القمي؟ ..فهن##ا مجه##والن ،األوّل :ال##ذي يح ّ #دث عن أبي الفض##ل العل##وي ،ال
يعرف شخصه ،ال اسمه وال وصفه ..والثاني :نفس أبي الفضل ،وهذا غير معروف#
عند أصحاب الحديث ،وال ذكره أحد من أصحاب التراجم ،ال بم##دح وال بق##دح ،نعم
إنّما يعرف بأنّه من أعقاب حمزة بن اإلم##ام الك##اظم ،ال ش#يء س#واه ،فال##ذي يع#رف#
عنه أنّه من العلويين ،وربّما #ك##ان من تالم##ذة عل ّي بن إب##راهيم القمي ه##ذا ال غ##ير،
أن األوّل مجهول شخصا #ونسبا ،فهذا يع ّد من المهملين في علم الرجال ،وعليه فكما ّ
فاإلسناد إلى هذا التفسير مقطوع أو مجهول اصطالحا ،ومثل هذا تأليف س##اقط عن
درجة االعتبار عند أرباب الحديث.
قال آخر ( :)2ومن األمثلة عنه##ا كت##اب االس##تغاثة لعل ّي بن أحم##د الك##وفي( #ت
،)352فقد ق##ال النجاش##ي عن##ه( :ك##ان يق##ول إنّ##ه من آل أبي ط##الب ،وغال في آخ##ر
عمره وفسد #مذهبه ،وص#نّف #كتب##ا كث##يرة أكثره##ا على الفس##اد ،منه##ا ه##ذا الكت##اب)،
وقال( :كان إماميا مستقيما ،وصنّف #كتبا سديدة منها كت#اب األوص#ياء وكت#اب الفق#ه
على ترتيب كتاب المزني ،ثم خلط وأظهر #مذهب الخمسة( ،)3وصنّف #كتبا في الغل ّو
والتخليط #وله مقالة تنسب إليه) ،وقال ابن الغض#ائري( #:ك#ّ #ذاب غ#ال ص##احب بدع#ة
ومقالة ،رأيت له كتبا كثيرة ،ال يلتفت إليه)،
ق##ال آخر( :)4ومن األمثل##ة عنه##ا كت##اب االحتج##اج للطبرس##ي ،وه##و كت##اب
مجهول ،وقد ذكر الس#يّد مح ّم#د بح#ر العل#وم في مق ّدم#ة الكت#اب س#تّة من المع#اريف
يحتم##ل انتس##اب الكت##اب إليهم ،أولهم أب##و منص##ور ،أحم##د بن علي بن أبي ط##الب
الطبرسي( #ت )620والمعروف انتساب الكتاب إليه ،نسبه إليه الس #يّد ابن ط##اووس
في كت###اب (كش###ف المحجّ###ة) ..ومنهم أب###و عل ّي ،الفض###ل بن الحس###ن بن الفض###ل
الطبرس #ي( #ت )548ص##احب تفس##ير (مجم##ع البي##ان) ،نس##به إلي##ه ص##احب كت##اب
(الغوالي) والمح ّدث االسترابادي ،وابن أبي جمهور #االحسائي #في كتاب (المجلّى)..
ومنهم #أبو نصر ،الحسن بن الفضل بن الحسن صاحب كتاب (مكارم األخالق) نجل
الطبرسي #أمين اإلس#الم ص##احب التفس##ير ..ومنهم أب##و الفض##ل ،عل ّي بن الحس##ن بن
الفضل ،حفيد صاحب التفسير ،له كتاب (نثر اللئالي) وكتاب (مشكاة األن##وار) كتب##ه
)(1الذريعة 4/302 :ـ .303
)(2صيانة القرآن من التحريف ،ص.198
)(3معنى التخميس عند الغالة أنّ سلمان الفارسي والمقداد وع ّمارا وأب#ا ذر وعم#رو بن أميّ#ة الض#مري هم المو ّكل#ون بمص#الح الع#الم ،ص#يانة
القرآن من التحريف ،ص.198
)(4صيانة القرآن من التحريف ،ص.199
392
تتميم###ا لكت###اب وال###ده (مك###ارم األخالق) ..ومنهم أب###و عل ّي ،محم###د بن الفض###ل
الطبرسي #،من تالمذة الشيخ الطوسي ..ومنهم #أبو علي ،الحس##ن بن عل ّي بن مح ّم##د
الطبرسي #،المعاصر للخواجا نصير الدين الطوسي#.
قال آخر( :)1والكتاب ال يعدو كونه مراس##يل ال إس##ناد له##ا ،وأكثره#ا #تلفيق##ات
من روايات نقلية واحتجاجات عقلية ك#انت الع#برة ب#ذاتها ال باألس#انيد ،ومن ث ّم ّ
ف#إن
العلماء يرفضون األخ##ذ به##ا كرواي##ات #متعبّ##د به##ا ،وإنّم##ا ه##و كالم عقالني وإاّل فال
اعتبار بكونه منقوال ،األمر الذي يحطّ من شأن الكتاب باعتبار كونه س##ندا لح##وادث
تاريخية سالفة.
قال آخر( :)2ولعلّه ألجل ذلك أخفى المؤلّف اسمه في صدر الكتاب ،وقد #عللّ
تأليف##ه ل##ه ب##ترغيب أبن##اء الطائف##ة في س##لوك طري#ق #الحج##اج والمجادل##ة ب##التي هي
أحسن ،فأتى فيه بأنواع #الجدل في مختلف شؤون الدين ،ناسبا لها إلى عظماء األ ّم##ة
كاّل أو بعضا ترويجا #لهذه الطريقة الحسنة ،وقد قال( :وال نأتي في أك##ثر م##ا ن##ورده
من األخبار بإسناده ،إ ّما لوجود اإلجماع علي#ه أو موافقت#ه لم#ا دلّت العق#ول إلي#ه ،أو
الش##تهاره في الس##ير والكتب) ،ول##ذلك فه##و أش##به بكت##اب كالمي من كون##ه مص##درا#
حديثيا أو تاريخيا ،والعمدة هي االستدالل بطريقة العقل ال مجرّد النقل.
أن قال آخر( :)3ومن األمثلة عنها تفاس##ير جليل##ة ص#نّفها علم##اء أجاّل ء ،غ##ير ّ
النسخ األصل ضاعت ،وبقيت منها مختصرات محذوفة اإلسناد ،وربّم#ا #تم اخ##تزال
أو تحوير في األحاديث وفي ترتيبها ،بما زالت الثقة بأصالة أكثرها ..ومنه##ا تفس##ير
أبي النضر مح ّمد بن مسعود ،ابن عياش الس##لمي الس##مرقندي (ت )320المع##روف#
بتفس##ير العياش##ي ،فق##د ح##ذف من##ه بعض الناس##خين أس##انيد الرواي##ات لغ##رض
االختصار #،وقد قال العاّل مة المجلسي عنه( :ذكر الحاذف لذلك ع#ذرا ه#و أش#نع من
جريمت##ه) ،وق##ال( :نظ##رت في التفس##ير بإس##ناده ورغبت إلى ه##ذا وطلبت من عن##ده
سماع من المصنّف أو غيره فلم أجد في ديارن#ا #من ك##ان عن##ده س##ماع أو إج##ازة من
المصنّف ،ولذلك حذفت من#ه اإلس##ناد وكتبت الب#اقي على وجه##ه ليك##ون أس#هل على
الكاتب والناظر فيه ،فإن وجدت بع##د ذل##ك من عن##ده س##ماع أو إج##ازة من المص#نّف
اتّبعت األس##انيد وكتبته##ا على م##ا ذك##ره المص#نّف ،وم##ع ذل##ك فإنّ##ه لم يب##ق من ه##ذا
التفسير الموتور #سوى نصفه إلى آخر سورة الكهف) ()4
قال آخر( :)5ومن األمثل##ة عنه##ا تفس##ير ف##رات بن إب##راهيم بن ف##رات الك##وفي#
(توفي حدود )300 #المقصور على الروايات المأثورة عن األئ ّمة ،وقد أكثر الرواية
عن الحس##ين بن س##عيد الك##وفي األه##وازي نزي##ل قم والمت##وفّى #به##ا ،ال##ذي ك##ان من
صيانة القرآن من التحريف ،ص.200 )(1
صيانة القرآن من التحريف ،ص.200 )(2
صيانة القرآن من التحريف ،ص.202 )(3
الذريعة.4/295 : )(4
صيانة القرآن من التحريف ،ص.202 )(5
393
أصحاب األئ ّمة :الرضا والجواد والهادي ،وكذلك #يروي كثيرا عن جعفر بن مح ّم##د
الفزاري وعبيد بن كثير العامري وعن سائر #مشايخه البالغين إلى نيف ومائة ش##يخ،
كلّهم من رواة أحاديثن###ا ،غ###ير أنّ###ه ليس ألك###ثرهم ذك###ر وال ترجم###ة في أص###ولنا
أن فرات أيضا لم يذكر بمدح وال قدح ،قال المحقّق الطهراني( :ولكن الرجالية ،كما ّ
من األسف أنّه عمد بعض إلى إسقاط أكثر تل##ك األس##انيد واكتفى مثال بقول##ه :ف##رات
عن حس##ين بن س##عيد معنعن##ا عن فالن ،وهك##ذا في غ##الب األس##انيد ،فأش##ار #بقول##ه:
أن الرواية كانت مسندة معنعنة وإنّما تركها لالختصار) ()1 (معنعنا) إلى ّ
قال آخر( :)2ومن األمثلة عنها تفس##ير مح ّم##د بن العب##اس الماهي##ار المع##روف
بابن الحجام (ت##وفي #ح##دود ،)330وه##و ثق##ة ،ق##ال النجاش##ي عن##ه :ق##ال جماع##ة من
أصحابنا( #:إنّه كتاب لم يصنّف #في معناه مثله ،وقيل أنّ##ه أل##ف ورق##ة) ( ،)3وطري##ق
الشيخ إلي##ه ص##حيح ،ولكن ه##ذا التفس##ير لم يوج##د ولم ي##ره أح##د من أرب##اب التحقي##ق
المتأ ّخرين ،وظاهر عبارة النجاشي أنّه لم يش#اهده ،وإنّم#ا نق#ل عن غ#يره في مق#دار
حجمه ..وقد #قال الطهراني #عنه :وينق##ل عن##ه الس#يّد ش##رف ال##دين في كتاب##ه (تأوي##ل
اآليات الظاهرة) وهو تلميذ المحقّق الكركي المتوفى #سنة 940فيظهر بق##اء الكت##اب
إلى هذا الزمان ،وهّللا العالم بما بعده.
4ـ الموقف المعتدل:
بعد أن انتهى المتهمون من الدفاع عن أنفسهم ،التفت المدعي للقاضي ،وقال:
ليس لدي ما أضيفه ..وأصدقك القول أني ـ مع كوني كنت أكثر الن##اس حرص#ا #على
إقامة أشد العقوبات على ه##ؤالء الفتي##ة ـ إال أني بع##د س##ماعي لحججهم أتن##ازل عن
ذلك ،وأستغفر #هللا من موقفي #المتش##دد ال##ذي لم يكن ولي##د البحث والعلم ،وإنم##ا ك##ان
وليد التعصب والطائفية المقيتة.
قال القاضي :ش##كرا ج##زيال س##يادة الم##دعي على م##ا ذكرت##ه ..وأن##ا أش##اطرك#
القول فيه؛ فقد خرجت من بي##تي ه##ذا الي##وم ،وأن##ا أحم##ل معي حكم اإلع##دام له##ؤالء
الفتية ،ألني كنت ال أعرفهم #إال من خالل تلك الكتب والمنشورات التحريضية ال##تي
تسيء إليهم ..والحمد هلل لقد أتاح هللا لن##ا أن نس##تمع إليهم ،ونع##رف حقيق#ة األم##ر من
أفواههم#.
قال أحد المتهمين :نشكركم #س##يادة القاض##ي على ه##ذا الموق#ف #الطيب ،ويعلم
هللا أننا ـ مع األذى الذي كنا نتحمل#ه في الس#جن ـ لم نكن نق#وم س#وى بم#ا أمرن#ا ب#ه
أئمتنا من الدعوة إلى توحد صف األمة ،وعودتها إلى رشدها.
ق##ال الم##دعي :ص##دقت في ذل##ك ..لق##د أخ##برني الس##جناء عنكم ،وعن دينكم
وورعكم #وأدعيتكم الجميلة التي كنتم تترنمون بها كل حين ..لكني كنت أحذرهم من
)(1الذريعة.298/
)(2صيانة القرآن من التحريف ،ص.203
)(3معجم رجال الحديث.16/198 :
394
االستماع لكم ،لما كنت أحمله عنكم من األحكام الجائرة الخاطئة.
قال القاضي :ونحن نعتذر #لكم بشدة ،ونعدكم #أن نع##وض ك##ل م##ا أص##ابكم #من
أذى بسببنا.
قال أحد المتهمين :ال نحتاج أي تع##ويض ،يكفين##ا فق##ط أن نهتم جميع##ا بإع##ادة
الق##رآن الك##ريم إلى وض##عه الحقيقي الط##بيعي #..فنحتكم إلي##ه في ك##ل ش##يء ،وحينه##ا
ستندثر #الطوائف ،ولن يبقى إال اإلسالم الواحد.
قال القاضي :أجل ..أنا أعلم أنه ال يمكن تعويضكم ..لكني أع##دكم ب##أن أس##عى
ل##دى ك##ل المس##ؤولين لتش##كيل لجن##ة تهتم بتنقيح ال##تراث التفس##يري ،لتطه##ر الق##رآن
الكريم من كل ما يسيء إليه ..فنحن نعلم أن في تراثنا من الخرافات واألباطيل #ما ال
يقل عما في تراثكم ..وستكونون أنتم أول أعضاء هذه اللجنة؛ فقد أثبتم فهمكم للقرآن
الكريم ووعيكم #لمقاصده.
التفت القاضي إلى الحاضرين ،وقال :من ك##ان لدي##ه اع##تراض منكم على م##ا
ورد في الجلسة؛ فيمكنه الحديث.
قام أحد الحاضرين ،وق#ال :ش##كرا ج#زيال لكم على ه#ذه الجلس#ة ال##تي لم نكن
نحلم بأن نجلس فيها ..وشكرا #لمعلم القصد واالعتدال ال#ذي اس#تطاع بن#وره وإيمان#ه
أن يزيح عن هؤالء الفتية التهم التي اتهموا بها زورا وبهتانا #..وأنا ـ باعتباري ـ من
الذين كانوا يحرضون عليهم ،أعتذر بشدة لهم ،وأطلب منهم أن ي##برئوا ذم##تي ،وأن
يقبلوني أخا لهم.
قال أحد المتهمين :أنت أخ لنا ،ولو لم تطلب ذلك ..فاهلل تعالى أخبر عن أخوة
المؤمنين ،فقال﴿ :إِنَّ َما ْال ُم ْؤ ِمنُونَ إِ ْخ َوةٌ﴾ [الحجرات ..]10 :ولذلك ال حاجة ل##ك لالعت##ذار؛
فنحن نعلم ما قام به شياطين اإلنس والجن للتفريق بيننا.
قال أحد الحضور :لقد ذكرتم #أثن##اء ردكم للتهم الموجه##ة إليكم تفاس##ير جميل##ة
للقرآن الكريم ،ونحن نود أن تعرفونا #بها ،وت#دلونا عليه#ا؛ فنحن نرج#ع في تفس#يرنا#
للقرآن الكريم لما كتبه سلفنا ،وهم ال يتناولون القضايا بمث##ل م##ا ذكرتم##وه من الدق##ة
والجمال واالستيعاب#.
قال القاض##ي :أج##ل ..س##نعمل على ذل##ك ..ونخ##رج تفاس##ير موح##دة تع##بر عن
القرآن الكريم بعيدا عن كل تلك الرؤى #الطائفية التي مزقت األمة.
بعد أن قال القاضي هذا ..أذن المؤذن ..فرفع القاضي الجلسة ..ثم ق##ام أولئ##ك
الفتية مع الحاضرين يص##افح بعض##هم بعض##ا بك##ل ح##رارة ..وك##ان من بينهم أولئ##ك
الذين سرت خلفهم للحضور #لقاعة المحكمة.
395
سادسا ـ القرآن ..وتعطيل التنزيل
في صباح اليوم التالي ،سمعت ص##وتا عالي##ا ي##ردد :ه##ل تري##دون أن تس##معوا
أكبر مراجعة في التاريخ ..أحفاد قتادة بن دعامة السدوسى ،صاحب أق##دم كت##اب في
[الناسخ والمنسوخ] ينتقدون جدهم ،وفي #كل الرواي##ات والتفاص##يل ال##تي أورده##ا؟#..
من أراد منكم االس##تماع أو المناقش##ة؛ فعلي##ه بال##ذهاب إلى س##احة التفعي##ل والتعطي##ل
الموجودة في شارع التنزيل والتأويل#.
وم##ا هي إال لحظ##ات ح##تى اجتم##ع الكث##ير من الن##اس ،وراح##وا #يس##يرون إلى
الشارع والساحة التي ذكرها ..وقد كان من الكلمات التي س#معتها ،وأن#ا في ط#ريقي
سائرا معهم :عجبا ألحفاد قتادة ..لقد صدعوا رؤوسنا #فخرا بجدهم ..بل كتبوا الكتب
في الثناء عليه ،وفي #ريادته لعلم الناسخ والمنسوخ #..ثم ها هم أخيرا ي##تراجعون عن
كل ذلك ..ما الذي حصل لهم؟
قال آخر :ال أظن إال أن السبب في ذلك هو المعلم الجديد ..لقد رأيته البارح##ة
معهم في تل##ك الس##احة ،وأظن أن##ه أقنعهم #بالع##دول عن فخ##رهم بآب##ائهم #وأج##دادهم،
وتبنيهم #ألقوالهم#.
قال آخر :لست أدري ما أقول لكم ..لكني كنت أش##عر أن#ه س##يأتي الي##وم ال##ذي
سيقرر فيه حفدة قتادة هذا القرار الخطير ..لق##د درس##ت عن##د بعض##هم ،وكنت أش##عر
بحرجهم #كلما ذك##ر لن##ا عن نس##خ آي#ة من الق##رآن الك##ريم ..ك##انوا ي##ذكرون ذل##ك ..ثم
يرددون بعدها :وهللا أعلم ..مرات كثيرة ..ثم يستغفرون بعدها ،وكأنهم #ق##اموا #ب##ذنب
أو جريمة.
ما إن وصلنا إلى ساحة التفعي#ل والتعطي#ل ،ح#تى وج#دنا #منص#ة جلس عليه#ا
بعض الشيوخ والكه##ول ،ممن ك##ان يطل##ق عليهم أحف##اد قت##ادة ،وك##ان بج##انبهم معلم
القصد واالعتدال.
قال المعلم :هؤالء الشيوخ األفاضل الذين ترونهم أم##امكم مث##ال على اإليم##ان
والتق##وى #والص##الح ..فهم على ال##رغم من ش##هرتهم بم##ا يُطل##ق علي##ه علم الناس##خ
والمنسوخ ،بل مرجعيتهم في ذلك ..إال أنهم ،وبعد اكتش##افهم للح##ق ،راح##وا يميل##ون
إليه ،ويدورون #معه حيث دار ..وقد طلبوا #م##ني أن يجتمع##وا بكم لتس##ألوهم عن ك##ل
اآليات التي ذكروا لكم أنها منسوخة ،ليذكروا لكم ما استجد لهم من رأي حولها.
قال أحد األحفاد :ونحن نعتذر لكم بسبب اس##تعجالنا في تل##ك التقري##رات ال##تي
كنا نبثها لكم ..لقد كان ديننا الذي ورثناه طاغيا علينا ،وخاصة بس##بب م##ا أتاح##ه لن##ا
من ج##اه ومناص##ب ..ول##ذلك نرج##و منكم أن ت##ذكروا #لن##ا م##ا ذكرن##اه لكم لنص##ححه؛
فعالمة التوبة الصحيحة البيان ،كم##ا ق##ال تع##الى﴿ :إِاَّل الَّ ِذينَ تَ##ابُوا َوأَ ْ
ص#لَحُواَ #وبَيَّنُ##وا
حي ُم﴾ [البقرة]160 : فَأُولَئِ َ#
ك أَتُوبُ َعلَ ْي ِه ْم َوأَنَا التَّوَّابُ ال َّر ِ
قال المعلم :بما أنكم رضيتم #بي حكما؛ فإني أري##د ـ أوال ـ من ك##ل من ي##ؤمن
396
بالنس##خ ،وخاص##ة من التالمي##ذ ال##ذين درس##وا #على حف##دة قت##ادة ،أن يطرح##وا م##ا
يعرفونه ،أو درسوه عليهم ،حتى يتسنى #لهم بعد ذلك بيان ما ثبتوا علي##ه ،أو رجع##وا
فيه.
ق##ام أح##د الحض##ور ،وق##ال :نش##كر أس##اتذتنا األفاض##ل من آل قت##ادة على ه##ذه
الفرصة التي وفروها لنا ،لنناقشهم #فيما كنا نود أن نناقشهم #في##ه أثن##اء تدريس##هم لن##ا،
لكن تشددهم في ذلك الحين ،لم يسمح لنا بطرح ما لدينا من إشكاالت تتعل##ق بالنس##خ
وعالقته بالتعطيل.
ق##ال آخ##ر :بم##ا أنكم ذك##رتم لن##ا أنكم س##تجيبونا عن ك##ل إش##كاالتنا #من خالل
مراجع##اتكم #لم##واقفكم؛ فس##نذكر لكم م##ا ذكرتم##وه لن##ا من أن##واع النس##خ ،وأمثلته##ا،
وأدلته##ا ..وق##د ذك##رتم #لن##ا أنه##ا يمكن أن تجتم##ع في قس##مين :نس##خ التالوة ..ونس##خ
األحكام.
1ـ نسخ التالوة:
قال آخر :فلنبدأ بـ [نس##خ التالوة] ،وال##ذي كنتم تعتبرون##ه نوع##ا ص##حيحا من
أنواع النسخ،
شواهد وإشكاالت:
قال آخر :وقد ضربتم #لنا عنه المثل بما روي عن عمر أنه خطب الناس على
المنبر ،فقال( :إن هللا بعث محمدا بالحق ،وأنزل عليه الكت##اب ،فك##ان مم##ا أن##زل
هللا آي##ة ال##رجم ،فقرأناه##ا وعقلناه##ا ووعيناه##ا ،رجم رس##ول هللا ورجمن#ا #بع##ده،
فأخشى #إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :وهللا ما نج##د آي##ة ال##رجم فى كت##اب هللا؛
فيض##لوا #ب##ترك فريض##ة أنزله##ا هللا ،وال##رجم فى كت##اب هللا ح##ق على من زنى إذا
أحصن من الرجال والنساء ،إذا قامت البينة أو كان الحبل أو االعتراف) ()1
قال آخر :وقد ذكرتم لنا في شرح هذا الحديث م##ا قال##ه أب##و العب##اس أحم##د بن
عمر القرطبي( :هذا نص من عمر على أن هذا كان قرآنا يتلى ،وفي #آخره م##ا ي##دل
على أنه نسخ كونها من القرآن ،وبقي حكمها معم#وال ب#ه ،وه##و ال#رجم ،وق#ال #ذل#ك
عمر بمحضر #الصحابة ،وفي معدن ال##وحي ،وش##اعت ه##ذه الخطب##ة في المس##لمين،
وتناقلها الركبان ،ولم يسمع في الص##حابة وال فيمن بع##دهم من أنك##ر ش##يئا مم##ا قال##ه
عمر ،وال راجعه في حياته وال بعد موته ،فكان ذل#ك إجماع#ا منهم على ص#حة ه#ذا
الن##وع من النس##خ ،وه##و نس##خ التالوة م##ع بق##اء الحكم ،وال يلتفت لخالف من ت##أخر
زمانه) ()2
437
فهاتان اآليتان ال يمكن الجمع بينهما إال ب##القول ب##أن إح##داهما منس##وخة ،وطبع#ا #هي
اآلية الثانية التي ورد فيها التخفيف.
قال أحد حفدة قتادة( :)1ال تعارض بين هذه اآلي#ات الكريم#ة ح##تى نحت#اج إلى
القول بنسخها ،ذلك أن كل حكم محكوم بحال خاصة به ،مقدرة له ،وعلة تدور #مع##ه
وجودا #وعدما ..فاآلية األولى ـ والتي قيل بنسخها #ـ تفرض على المؤمنين حكم##ا في
حال كانوا أهال للوفاء به ،لما فيهم من قوة إيمان وثب##ات يقين ..ف##إذا ك##انوا في تل##ك
الحالة كان واجبا عليهم إذا التقوا في ميدان الحرب بأعدائهم من الكافرين ـ أن يثبت
العشرون منهم لمئتين من أعدائهم ،وأن تثبت المائة لأللف ..فلم##ا وق##ع الض##عف في
المسلمين ،حين كثر عددهم ،ودخل فيهم من دخ##ل ،وليس فيهم م##ا في ه##ؤالء النف##ر
القلي##ل الك##رام ،ال##ذين س##بقوا إلى اإلس##الم ،من ك##رم المع##دن ،وص##فاء الج##وهر،
والتعرف #على الحق ،والبدار إلي##ه ،خف##ف هللا عنهم ،وجع##ل أم##رهم يس##را ،فف##رض
عليهم أال تفر المائة من المائتين ،وال األلف من األلفين.
قال آخر :وانظروا #كيف كانت أع##داد المس##لمين في اآلي##ة األولى (عش##رون)
و(مئة) ثم أصبحت في اآلية الثاني##ة (مئ##ة) و(ألف##ا) ..ف##ذلك يكش##ف عن أن الض##عف
ال##ذي ع##رض للمس##لمين في ه##ذا ال##وقت المبك##ر من ال##دعوة اإلس##المية ،وفى عه##د
النب##وة ،لم يكن من جه##ة المس##لمين الص##ادقين الس##ابقين إلى اإلس##الم ،لكن الض##عف
الذي وقع ،كان على مجموع #المس##لمين ،حين ك##ثر ع##دد ال##داخلين في اإلس##الم ،وال
شك أن هذه األعداد الكثيرة التي دخلت في دين هللا أفواج##ا ،لم يكن له##ا جميعه##ا من
وثاقة اإليمان ،وقوة اليقين ما كان في هذه الصفوة التي سبقت إلى اإلسالم.
ق##ال آخر( :)2ول##ذلك ف##إن اآلي##ة األولى ليس##ت معطل##ة ،ب##ل إذا ع##ادت ح##ال
المسلمين إلى الحال األولى التي كانوا عليه##ا قب##ل ه##ذا الض##عف ،ع##اد الحكم األول،
فإذا ضعفوا لزمهم حكم اآلية الثانية ،والذي ال ينبغى أن ينزلوا #عن##ه أب##دا ،ح##تى في
أضعف أحوالهم #..المائة تغلب المائتين ،واأللف تغلب األلفين.
قال آخر( :)3ومثل ذلك قوله تعالى﴿ :يَا أَيُّهَا ْال ُم َّز ِّم ُل قُ ِم اللَّي َْل إِاَّل قَلِياًل نِصْ فَهُ أ ِوَ
ك قَوْ اًل ثَقِياًل إِ َّن ن ِ
َاشئَةَ ا ْنقُصْ ِم ْنهُ قَلِياًل أَوْ ِز ْد َعلَ ْي ِه َو َرتِّ ِل ْالقُرْ آنَ تَرْ تِياًل إِنَّا َسنُ ْلقِي َعلَ ْي َ
ار َس ْبحًا طَ ِوياًل ﴾ [المزم###ل ]7-1 :وقوله في ك فِي النَّهَ ِ طئًاَ #وأَ ْق َو ُم قِياًل إِ َّن لَ َاللَّي ِْل ِه َي أَ َش ُّد َو ْ
ص#فَهُ َوثُلُثَ#هُ َوطَائِفَ#ةٌ ِمنَ آخر السورة﴿ :إِ َّن َربَّكَ يَ ْعلَ ُم أَنَّكَ تَقُو ُم أَ ْدنَى ِم ْن ثُلُثَ ِي اللَّي ِْل َونِ ْ
#اب َعلَ ْي ُك ْم فَ##ا ْق َر ُءواَ #م##اص#وهُ فَتََ # الَّ ِذينَ َم َعكَ َوهَّللا ُ يُقَ ِّد ُر اللَّ ْيَ #ل َوالنَّهَ##ا َر َعلِ َم أَ ْن لَ ْن تُحْ ُ
ضض ِ #ربُونَ فِي اأْل َرْ ِ ض #ى َوآخَ #رُونَ يَ ْ آن َعلِ َم أَ ْن َس #يَ ُكونُ ِم ْن ُك ْم َمرْ َ تَيَ َّس َ #ر ِمنَ ْالقُ##رْ ِ
يَ ْبتَ ُغونَ ِم ْن فَضْ ِل هَّللا ِ َوآخَ رُونَ يُقَاتِلُونَ فِي َسبِي ِل هَّللا ِ فَا ْق َر ُءوا َما تَيَس ََّر ِم ْنهُ َوأَقِي ُم##وا
ضاَ #ح َسنًا َو َما تُقَ ِّد ُموا أِل َ ْنفُ ِس ُك ْم ِم ْن خَ ي ٍْر ت َِج #دُوهُ صاَل ةَ َوآتُوا #ال َّز َكاةَ َوأَ ْق ِرضُوا هَّللا َ قَرْ ً ال َّ
)(1التفسير القرآني للقرآن ()1/125
)(2التفسير القرآني للقرآن ()1/126
)(3نظرات في القرآن الكريم ،ص.211
438
اس#تَ ْغفِرُوا #هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ َغفُ##و ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المزم##ل]20 :؛ ظ َم أَجْ #رًا َو ْ#و خَ ْي#رًا َوأَ ْع َ ِع ْنَ #د هَّللا ِ هَُ #
فاآلية األولى نص ص##ريح في طلب قي##ام #ج##زء من اللي##ل ق##ريب من نص##فه ،وبينت
السبب في هذا اإليجاب ،والخطاب فيها موجه إلى الن##بي ،والثاني##ة دال##ة على أن
الرسول كان يقوم بهذا التكليف ،وطائفة من ال##ذين مع##ه ،ثم ذك##ر هللا تع##الى أن
هن##اك س##ببًا يقتض##ي التخفي##ف عن األص##حاب ،وه##و علم هللا ب##أن س##يكون منهم
األصناف #الثالثة الذين ذكرهم ،ومن أجل ذلك كان التكليف مقصورًا على قراءة م##ا
تيسر من القرآن ،ف##إذا ك##ان النص األول قاص#رًا على الن##بي واألص##حاب ،إنم##ا
ق##اموا بقي##ام اللي##ل اقت##داء ب##ه ،والتخفي##ف قاص#ر #عليهم لألس##باب الم##ذكورة ،لم يكن
النص األول منسو ًخا ،بل حكمه باق بالنسبة إلى النبي ،وهذا رأي ابن عباس.
قال آخر :وبذلك ف##إن اآلي##ة األولى ت##ذكر أن ف##رض قي##ام اللي##ل ک##ان في ح##ق
رس##ول هللا ،وليس في ح##ق أمت##ه ،وه##و حكم بقي مس##تمرا لم ينس##خ ،كم##ا ق##ال
ربُّكَ َمقَا ًم##ا َمحْ ُم##ودًا﴾ [اإلس##راء: ك َ ﴿و ِمنَ اللَّ ْي ِل فَتَهَ َّج ْ#د بِ ِه نَافِلَةً لَكَ َع َسى أَ ْن يَ ْب َعثََ #
تعالىَ :
،]79فقد روي عن ابن عباس قوله﴿( :نافِلَةً لَ##ك﴾ ،أي خاص##ة للن##بي ،أم##ر بقي##ام
الليل ،وکتب عليه(..)1
َّس#و َل قال آخر( :)2ومثل ذلك قوله تعالى﴿ :يَ##ا أَيُّهَ##ا الَّ ِذينَ آ َمنُ##وا إِ َذا نَ##ا َج ْيتُ ُم الر ُ
طهَ ُر فَ#إِ ْن لَ ْم ت َِج #دُوا فَ#إِ َّن هَّللا َ َغفُ##و ٌر ك خَ ْي ٌر لَ ُك ْم َوأَ ْ ص َدقَةً َذلِ َ
فَقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَ َديْ نَجْ َوا ُك ْم َ
َر ِحي ٌم﴾ [المجادلة ، ]12 :ثم قال في السورة نفسها﴿:أَأَ ْش#فَ ْقتُ ْم أَ ْن تُقَِّ #د ُموا بَ ْينَ يََ #ديْ نَجَْ #وا ُك ْ#م
الص#اَل ةَ َوآتُ#وا #ال َّز َك#اةَ َوأَ ِطيعُ#وا #هَّللا َ َ#اب هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم فَ#أَقِي ُموا َّت فَ#إِ ْذ لَ ْم تَ ْف َعلُ#وا َوت َ ص َدقَا ٍ# َ
َو َرسُولَهُ َوهَّللا ُ َخبِي ٌر بِ َم##ا تَ ْع َملُ##ونَ ﴾ [المجادل##ة ..]13 :ف##األمر #في اآلي#ة األولى للن##دب ،ال
للوجوب بقرينة قوله تعالى ﴿ :فَإِ ْن لَ ْم ت َِجدُوا فَإِ َّن هَّللا َ َغفُ##و ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المجادل##ة ..]12 :أم##ا
اآلية الثانية؛ ففيها تخيير بين التصدق وعدم التصدق ..وبذلك ال يكون بينهم##ا ناس##خ
وال منسوخ.
قام أحد الحضور ،وقال :لم نفهم ..كيف يكون األمر كذلك ،واآلية الثانية تدل
على رفع الحكم السابق ،وهو يعني أنه منسوخ؟
ق##ال أح##د حف##دة قت##ادة( :)3ال ب##أس ..سنوض##ح لكم األم##ر أك##ثر لتعرف##وا #م##راد
اآليتين ،ومن خالل معرفة المراد جيدا يتضح لكم ما ذكرن##ا من ع##دم النس##خ ..وأول
ذلك أن تعرفوا أنه ليس المراد بتقديم الص##دقة هن##ا ،أن توض##ع بين ي##دى الن##بي ،
وإنما المراد أن توضع في يد من يستحقها من الفقراء والمساكين وابن السبيل.
قال آخر( :)4وهذه الصدقة التي يقدمها المؤمن الذي يغشى مجلس رس##ول هللا
،مطهرة لهذا المؤمن ،وإعداد له كى يلتقي ب##النبي الك##ريم ،وينتف##ع بهدي##ه ،حيث
ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ،الدر المنثور .4/196 )(1
نظرات في القرآن الكريم ،ص.211 )(2
التفسير القرآني للقرآن ()14/834 )(3
التفسير القرآني للقرآن ()14/834 )(4
439
يك##ون في تل##ك الح##ال على ق##رب نفس##ى وروحى #من##ه ..ف##ذلك أش##به بالطه##ارة قب##ل
الصالة ..فالصالة مناجاة هلل سبحانه وتعالى ،ودخول #إلى ساحة مغفرته ورض##وانه،
والطهارة قبل الدخول في الصالة ،هي التي تهيء المؤمن نفس#يا وروحي#ا #لالتص#ال
باهلل سبحانه ،والقرب منه جل وعال.
قال آخر( :)1إنها أشبه باالستئذان قبل الدخول ..فكما أنه ال يج##وز للم##ؤمن أن
يدخل بيتا غير بيته قب##ل أن يس##تأذن ،رعاي##ة لحرم##ة المس##كن وأهل##ه؛ فك##ذلك ينبغى
على المؤمن أال يقتحم مقام الرسول ،ويغشى #حم##اه الطه##ور ،من غ##ير أن يق##ف
بين يدى هذا الحمى ،وأن يقدم ص##دقة ،ي##دخل منه##ا على مش##اعره أن##ه لن ي##ؤذن ل##ه
طهَ#رُ﴾ بالدخول إلى هذا الحمى ،من غير استئذان ،وقول##ه تع##الىَ ﴿ :ذلِ##كَ خَ ْيٌ #ر لَ ُك ْم َوأَ ْ
[المجادلة ،]12 :أي هذا الفعل الذي تفعلون##ه بتق##ديم الص##دقة قب##ل مناج##اتكم هوخ##ير#
لكم ،وأطهر #،حيث يرضى هللا سبحانه وتعالى عنكم ،ويطهركم من ذن#وبكم ،فيك#ون
لق##اؤكم للرس##ول على ص##فاء نفس ،وش##فافية روح ،فتص##يبون كث##يرا من الخ##ير
الذي بين يديه.
قال آخر( :)2وهي كذلك ترفع الحرج على من لم يجد﴿ :فَإِ ْن لَ ْم ت َِجدُوا فَ##إِ َّن هَّللا َ
َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المجادل##ة ،]12 :إذ ال يكل##ف هللا نفس##ا إال وس##عها ،وهللا س##بحانه يغف##ر لكم
ذنوبكم #،ويطهركم ،ح##تى إذا ن##اجيتم الرس##ول #كنتم على ح##ال من الطه##ر كح##ال
الذين قدموا #صدقات بين يدى نجواهم ،فاهلل سبحانه غفور ،أي كث##ير المغف##رة ،تس##ع
مغفرته الخلق جميعا ،وهورحيم #بكم ،فال يحرمكم مغفرته التي قص##رت أي##ديكم عن
أن تنالوها بالصدقة.
قال أحد الحضور :وعينا كل هذا ،وهو واضح جدا ..اإلشكال في اآلي##ة ال##تي
ت فَإِ ْذ لَ ْم ص َدقَا ٍ جاءت بعدها ،وهي قوله تعالى﴿ :أَأَ ْشفَ ْقتُ ْم أَ ْن تُقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَ َديْ نَجْ َوا ُك ْم َ
صاَل ةَ َوآتُوا ال َّز َكاةَ َوأَ ِطيعُوا هَّللا َ َو َرسُولَهُ َوهَّللا ُ َخبِي ٌر َاب هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم فَأَقِي ُموا #ال َّ
تَ ْف َعلُوا َوت َ
بِ َما تَ ْع َملُونَ ﴾ [المجادلة ،]13 :والتي ذكر أغلب المفسرين أنها ناسخة لآلي##ة ال##تي قبله##ا..
بمعنى أن تقديم الصدقة من الم##ؤمن ال##ذي ي##ود مناج##اة الرس##ول ،قب##ل أن ي##دخل في
مناجاته ،والذي #دعت إليه اآلية السابقة قد جاءت هذه اآلي##ة ناس##خا ل##ه ،تخفيف##ا على
الذين يودون مناجاة النبي ..
قال آخر :ويدل لذلك ما روي #أنه لما نزلت اآلية السابقة شق ذل##ك على كث##ير
من المؤمنين ،وضن كثير من األغنياء بأموالهم أن يخرجوا منها صدقة عند مناج##اة
الرسول ،وبهذا قلت تلك األعداد الكثيرة التي كانت تسعى إلى مناجاة النبي ،
فنزلت اآلية الثانية؛ فنسخت اآلية ال##تي قبله##ا ،وأبيح للمؤم##نين مناج##اة الرس##ول #
من غير صدقة يقدمونها بين يدى نجواهم.
)(1األمثل)5/503( ،
)(2األمثل)5/506( ،
)(3األمثل)5/507( ،
458
قال أحد الحضور :ال بأس ..فلنسلم لكم بذلك ..لكن ما تقولون في قوله تعالى:
اطِ #ل﴾ [النس##اء ،]29 :فق##د روي #أنه##ا لم##ا ﴿يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَأْ ُكلُوا أَ ْمَ #
#والَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم بِ ْالبَ ِ
ْس َعلَى نزلت تحرج الرجل أن يأكل عند أحد من الناس ،فنس##خت بقول##ه تع##الى﴿ :لَي َ
#ر ٌج َواَل َعلَى أَ ْنفُ ِس ُ #ك ْم أ ْن
َ يض َحَ # ج َح َر ٌج َواَل َعلَى ْال َم ِر ِ اأْل َ ْع َمى َح َر ٌج َواَل َعلَى اأْل َ ْع َر ِ
تت إِ ْخَ #وانِ ُك ْ#م أَوْ بُيُ##و ِ ت أُ َّمهَ##اتِ ُك ْم أَوْ بُيُ##و ِ
ت آبَ##ائِ ُك ْم أَوْ بُيُ##و ِ تَ##أْ ُكلُوا ِم ْن بُيُ##وتِ ُك ْ#م أَوْ بُيُ##و ِ
ت خَ #ااَل تِ ُك ْم أَوْ ت أَ ْخَ #والِ ُك ْم أَوْ بُيُ##و ِ ت َع َّماتِ ُك ْم أَوْ بُيُو ِ ت أَ ْع َما ِم ُك ْم أَوْ بُيُو ِ أَ َخ َواتِ ُك ْ#م أَوْ بُيُو ِ
ْس َعلَ ْي ُك ْم ُجنَا ٌح أَ ْن تَأْ ُكلُوا َج ِميعًا أَوْ أَ ْشتَاتًا فَ#إِ َذا َدخَ ْلتُ ْم ص ِديقِ ُك ْم لَي َ َما َملَ ْكتُ ْم َمفَاتِ َحهُ أَوْ َ
ك يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ُم اآْل يَ##ا ِ
ت ار َكةً طَيِّبَةً َك َ #ذلِ َ بُيُوتًا فَ َسلِّ ُمواَ #علَى أَ ْنفُ ِس ُك ْم تَ ِحيَّةً ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ ُمبَ َ
ك ْم تَ ْعقِلُونَ ﴾ [النور)1( ]61 : لَ َعلَّ ُ
ق##ال أح##د حف##دة قت##ادة :ليس هن##اك أي تع##ارض بين اآلي##تين ح##تى يق##ال ب##أن
إحداهما منسوخة ..ولهذا قال ابن مسعود( :إنه##ا محكم##ة م##ا نس##خت ولن تنس##خ الى
يوم القيامة)
قال آخر : 2في تلك اآلية الكريمة التي يراد تعطيله##ا ب##القول بنس##خها إش##ارة ) (
إلى القاعدة األساس##ية للق##وانين اإلس##المية في مج##ال المس##ائل المتعلق##ة بالمع##امالت
والمبادالت #المالي#ة ،وله#ذا يس#تدل به#ا فقه#اء اإلس#الم في جمي#ع أب#واب المع#امالت
والمب##ادالت المالي##ة ..فهي تخ##اطب المؤم##نين بقوله##ا ﴿ :اَل تَ##أْ ُكلُوا أَ ْمَ ##والَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم
اط ِل﴾ ،وهذا يعني أن أي تصرف #في أموال الغير بدون ح##ق أو ب##دون أي م##برر بِ ْالبَ ِ
منطقي ومعقول ،ممنوع ومحرم من وجهة نظر اإلسالم ،فقد أدرج اإلسالم كل هذه
األمور #تحت عنوان (الباطل) الذي له مفهوم واسع وكبير #..والباطل كما نعلم يقاب##ل
(الحق) وهو شامل لكل ما ليس بحق وكل ما ال هدف له وال أساس.
قال آخر( :)3وفيها إش##ارة ك##ذلك إلى أن الم##ال مائ##دة مم##دودة من هللا س##بحانه
لعباده ،يأكلون منها ،وأن لكل إنسان حظه من هذا المال ،وأن من وقع إلى ي##ده ق##در
منه على حين خلت أيدى الجماعة التي حول##ه ،أو قص##رت عن أن تن##ال ش##يئا من##ه،
كان واجبا علي#ه أن يعطى مم#ا فى ي##ده لمن حول#ه ،إذ من غ#ير المستس#اغ أن يأك##ل
والناس المشتركون معه على المائدة ،ال يأكلون ..وفى كلمة ﴿أموالكم﴾ المض##افة إلى
المؤمنين جميعا ،وكلمة ﴿بينكم﴾ ما يشير إلى وحدة الملكية للمال ،ووح##دة االجتم##اع
فى المكان ..وفى #هذا وذاك ما يجعل الوحدة الشعورية بالتكاف##ل بين ه##ذه الجماع##ة،
أم##را واجب##ا ،إن لم تقض ب##ه ش##ريعة الس##ماء ،ولم ي##دع إلي##ه دين هللا ،قض##ت ب##ه
المروءة ،ودعت إليه ..ومن تدبير #القرآن الكريم فى هذا ،أن##ه لم يجع##ل ه##ذه المائ##دة
المشاعة بين الن##اس قائم##ة على ق##انون م##ادى قه##رى ،إذ ال س##بيل إلى ق##انون يحمى
بنصوصه ومواده ،العدوان والبغي ،وتسلط األقوياء على الضعفاء ،وإال ك##ان علي##ه
)(1الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص)33
)(2األمثل)3/200( ،
)(3التفسير القرآني للقرآن ()3/769
459
أن يقيم وازعا من سلطانه على رأس كل إنسان ..يمسك بيده ،ويدفع بغيه وعدوان##ه،
وذلك أمر محال ،وإنما جعل اإلسالم ذلك إلى مشاعر الجماعة ووجدانها #،بم##ا أيق##ظ
فيها من نوازع الخير ،ودوافع اإلحسان ،وبما غذاها ب##ه من فض##له وإحس##انه ،وبم##ا
وعدها من حسن المثوبة ،وعظيم الجزاء ،فى الدنيا ،وفى اآلخرة جميعا.
آيات العفاف والتحصين:
قام أحد الحضور ،وق##ال :ال ب##أس ..فلنس##لم #لكم ب##ذلك ..فم##ا تقول##ون في قول##ه
﴿والاَّل تِي يَأْتِينَ ْالفَا ِح َشةَ ِم ْن نِ َسائِ ُك ْم فَا ْستَ ْش ِهدُواَ #علَ ْي ِه َّن أَرْ بَ َعةً ِم ْن ُك ْم فَإِ ْن َشِ #هدُوا تعالىَ :
ْ َّ هَّللا
ت أوْ يَجْ َع َل ُ لَه َُّن َس#بِياًل َوالل َذا ِن يَأتِيَانِهَ#ا# َ ْ فَأ َ ْم ِس ُكوه َُّن فِي البُيُو ِ
ت َحتَّى يَت ََوفَّاه َُّن ال َموْ ُ ْ
حي ًما﴾ [النس##اء 15 :ـ ِم ْن ُك ْم فَآ ُذوهُ َما #فَإِ ْن تَابَا َوأَصْ لَ َحا فَأ َ ْع ِرضُواَ #ع ْنهُ َما إِ َّن هَّللا َ َكانَ تَ َّوابًا َر ِ
]16؛ فاألولى #دلت على أن حد الزانية في ابت##داء اإلس##الم الحبس إلى أن تم##وت ،أو
يجعل هللا لها سبيال ،وهو عام في البك##ر وال##ثيب ..والثاني##ة أفض##ت أن ح##د الزان##يين
األذى؛ فظهر #من اآليتين أن حد المرأة كان الحبس واألذى جميعا ،وحد الرجل كان
األذى فقط ،ونسخ الحكمان بقوله ﴿ال َّزانِيَ#ةُ َوالَّ #زانِي فَاجْ لِ#دُوا ُكَّ #ل َوا ِحٍ #د ِم ْنهُ َم##ا ِمائَ#ةَ
#ر َو ْليَ ْش#هَ ْ#د ْ ْ
َج ْل َد ٍة َواَل تَأ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َرأفَةٌ فِي ِدي ِن هَّللا ِ إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِمنُ##ونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ##وْ ِ#م اآْل ِخِ #
َع َذابَهُ َما طَائِفَةٌ ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [النور.)1( ]2 :
واإلجماع يكاد يكون قائما على ذلك ،وباتف##اق الرواي##ات المفس##رة لآلي##ة ،ولم
يشذ فيها إال أبو مسلم بقوله( :المراد بالفاحشة فى اآلي##ة األولى هى المس##احقة ،وفى
اآلية الثانية اللواطة) ،وقد رد عليه الطبرسي #بقول##ه( :و ه##ذا الق##ول ـ يع##نى م##ذهب
أبي مسلم ـ مخالف لإلجماع ،ولما علي##ه المفس##رون ،ف##إنهم #أجمع##وا على أن الم##راد
بالفاحشة هنا الزنا) ( ..)2ومثله قال الجصاص( :إن األمة لم تختل##ف فى نس##خ ه##ذين
الحكمين عن الزانيين) ()3
قال أحد حفدة قتادة :كيف يزعمون أن اإلجماع ق##ائم على تعطيله##ا ،وق##د ق##ال
بذلك كبار العلماء من المدرس##تين ،فق##د ق##ال الس##يد الخ##وئي ،وه##و مرج##ع كب##ير من
مراجع اإلمامية بع##دم نس#خها؛ فق#د اس#تعرض األق##وال ال#واردة فيه##ا ،وفي #نس#خها،
فق##ال( :ذهب بعض##هم ،ومنهم #عكرم##ة وعب##ادة بن الص##امت في رواي##ة الحس##ن عن
الرقاش##ي عن##ه أن اآلي##ة األولى منس##وخة بالثاني##ة ،والثاني##ة منس##وخة في البك##ر من
الرجال والنساء إذا زنى ب##أن يجل##د مائ##ة جل##دة ،وينفى عام##ا ،وفي ال##ثيب منهم##ا أن
يجلد مائة ،ويرجم حتى يموت ،وذهب بعضهم كقتادة ومحمد بن جابر إلى أن اآلي##ة
األولى مخصوصة بالثيب والثانية بالبكر ،وقد نسخت كلتاهما بحكم الجل##د وال##رجم،
وذهب ابن عباس ومجاهد ومن تبعهم##ا ،ك##أبي جعف##ر النح##اس إلى أن اآلي##ة األولى
مختصة بزنا النساء من ثيب أو بكر ،واآلية الثانية مختصة بزنا الرجال ثيبا كان أو
)(1المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ (ص)24
)(2مجمع البيان ،للطبرسي.3/20 :
)(3احكام القرآن.2/107 :
460
بك##را ،وق##د نس##خت كلتاهم##ا بحكم ال##رجم والجل##د ..وكي#ف #ك##ان فق##د ذك##ر أب##و بك##ر
الجصاص أن األمة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين) ()1
ثم عقب على ذلك بقوله( :والحق أنه ال نسخ في اآليتين جميع##ا ،وبي##ان ذل##ك:
أن المراد من لفظ الفاحشة م##ا تزاي##د قبح##ه وتف##احش ،وذل##ك ق##د يك##ون بين ام##رأتين
فيكون مساحقة ،وقد يك##ون بين ذك##رين فيك##ون لواط##ا ،وق#د #يك##ون بين ذك##ر وأن##ثى
فيكون زنى ،وال ظهور #للفظ الفاحشة في خصوص الزنا ال وضعا وال انصرافا ،ثم
إن االلتزام بالنسخ في اآلي##ة األولى يتوق#ف #أوال :على أن االمس##اك في ال##بيوت ح##د
الرتكاب الفاحشة ..وثانيا :على أن يكون المراد من جعل الس##بيل ه##و ثب##وت ال##رجم
والجلد وكال هذين األمرين ال يمكن إثباته ،فإن الظاهر من اآلية المباركة أن إمساك
المرأة في البيت إنما هو لتعجيزها #عن ارتكاب الفاحشة م##رة ثاني##ة ،وه##ذا من قبي##ل
دفع المنكر ،وقد ثبت وجوبه بال إشكال في األمور المهم##ة ك##األعراض ،والنف##وس،
واألمور الخطيرة ،ب##ل في مطل##ق المنك##رات على ق##ول بعض ،كم##ا أن الظ##اهر من
جع##ل الس##بيل للم##رأة ال##تي ارتكبت الفاحش##ة ه##و جع##ل طري#ق #له##ا تتخلص ب##ه من
العذاب ،فكيف يكون منه الجلد وال##رجم ،وه##ل ترض#ى #الم##رأة العاقل##ة الممس##كة في
البيت مرفهة الحال أن ترجم وتجلد ،وكيف يكون الجلد أو الرجم سبيال لها وإذا كان
ذلك سبيال لها فما هو السبيل عليها؟!)()2
قال آخر :ثم ذك##ر نتيج##ة ه##ذا بقول##ه( :وعلى م##ا تق##دم ،فق##د يك##ون الم##راد من
الفاحشة خصوص المساحقة ،كما أن المراد بها في اآلية الثاني##ة خص##وص الل##واط،
وقد #يكون المراد منها ما هو أعم من المساحقة والزنا ،وعلى كال ه##ذين االحتم##الين
يكون الحكم وجوب إمساك المرأة ال##تي ارتكبت الفاحش##ة في ال##بيت ح##تى يف##رج هللا
عنها ،فيجيز لها الخروج إما للتوبة الصادقة التي يؤمن معه##ا من ارتك##اب الفاحش##ة
مرة ثانية ،وإما لسقوط المرأة عن قابلية ارتكاب الفاحشة لك##بر س##نها ونح##وه ،وإم##ا
بميلها إلى الزواج وتزوجها برجل يتحفظ عليها ،وإما بغير ذل##ك من األس##باب ال##تي
يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة ،وهذا الحكم باق مستمر ،وأما الجلد أو ال##رجم فه##و
حكم آخر شرع لتأديب مرتكبي الفاحش##ة ،وه##و أجن##بي عن الحكم األول ،فال مع##نى
لكونه ناسخا له)()3
قال آخر :ثم ذكر الحكم الشرعية المرتبطة بتفعيل ه##اتين اآلي#تين الكريم##تين،
وعدم تعطيلهما ،فقال( :إن الحكم األول شرع للتحفظ عن الوقوع #في الفاحش##ة م##رة
أخرى ،والحكم #الثاني شرع للتأديب على الجريمة االولى ،وصونا لباقي النساء عن
ارتكاب مثلها؛ فال تنافي بين الحكمين لينسخ األول بالثاني)()4
األمثل.3/179 )(1
األمثل.3/179 )(2
األمثل.3/179 )(3
مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ()10/44 )(4
471
قال أحد حفدة قتادة :المانع هو تعطيلها ..فكيف نرضى #آلية قرآني##ة أن يعط##ل
حكمها في نفس الوقت الذي يمكن تفعيلها فيه؟
أنقال آخر( :)1باإلض##افة إلى ذل##ك؛ فق##د اتف##ق عا ّم##ة علم##اء المس##لمين ،على ّ
الزواج المؤقت كان أمرا مشروعا في صدر اإلسالم ،بل كان المس##لمون في ص##در
اإلسالم يعملوا به##ذا الحكم ،والعب##ارة المعروف##ة المروي##ة عن عم##ر( :متعت##ان كانت##ا
على عهد رسول هّللا وأنا محرمهما #ومعاقب عليهما ،متعة النس##اء ومتع##ة الحج)
( )2دليل واضح على وجود #هذا الحكم في عص#ر النّ#بي ،غاي#ة م#ا في األم#ر أن
من خالف هذا الحكم ادعى أنّه قد نسخ في ما بعد ،وحرم هذا النوع من الزواج.
أن الروايات الناسخة لهذا الحكم التي ادعوها قال آخر( :)3والملفت للنظر هو ّ
إن النّ#بي نفس##ه ه#و ال#ذي نس#خ ه##ذا مضطربة اضطرابا كبيرا ،فبعضها يق##ولّ :
الحكم ،وعلى هذا يكون الناسخ لهذا الحكم القرآني هو السنة النبوية ،وبعضها يقول:
إن ناسخه هو آية الطالق إذ يقول سبحانه﴿ :يَا أَيُّهَا النَّبِ ُّي إِ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َس #ا َء فَطَلِّقُ##وه َُّن ّ
أن ه##ذه اآلي##ة تبحث في الطالق ،في حين أن ال##زواج لِ ِعَّ ##دتِ ِه َّن﴾ [الطالق ]1 :في حين ّ
الم##ؤقت (أو المتع##ة) ال طالق في##ه ،واالف##تراق بين الط##رفين في ه##ذا ال##زواج يت ّم
بانتهاء الم ّدة المقررة.
إن القدر المتيقن في المقام هو أن أصل مشروعية هذا النوع من قال آخر(ّ :)4
ال##زواج في زمن النّ##بي أم##ر قطعي #ومف##روغ عن##ه ،وليس ث ّم##ة أي دلي##ل يمكن
االطمئنان إليه ويثبت نسخ ه##ذا الحكم ،وله##ذا فال بّ #د من أن نحكم ببق##اء ه##ذا الحكم،
بناء على ما هو مقرر وث##ابت في علم األص##ول ..والعب##ارة المش##هورة المروي##ة عن
أن هذا الحكم لم ينس##خ في زمن رس##ول هّللا عمر خير شاهد على هذه الحقيقة ،وهي ّ
.
قال آخر( :)5باإلضافة إلى هذا؛ فإن من الب##ديهي أنّ##ه ال يح##ق ألح##د إاّل النّ##بي
أن ينسخ األحكام ،فهو وحده يحق له ـ وبأمر من هّللا س##بحانه وإذن##ه ـ أن ينس##خ
بعض األحكام ،وقد سد باب نسخ األحكام بعد وف##اة النّ##بي تمام##ا ،وإاّل الس##تطاع
كل واحد أن ينسخ شيئا من األحكام اإللهية حسب اجتهاده ومزاجه ،وحينئ##ذ #ال يبقى
أن االجته##اد في مقاب##ل النص شيء من الشريعة الخال##دة األبدي##ة ،وه##ذا مض##افا إلى ّ
النّبوي ال ينطوي على أية قيمة أبدا.
قام أحد الحضور ،وق##ال :ال ب##أس ..فلنس##لم #لكم ب##ذلك ..فم##ا تقول##ون في قول##ه
اج ِه ْ#م َمتَا ًع##ا إِلَى ْال َح##وْ ِل ص#يَّةً أِل َ ْز َو ِ
﴿والَّ ِذينَ يُتَ َوفَّوْ نَ ِم ْن ُك ْم َويََ #ذرُونَ أَ ْز َوا ًج##ا َو ِ
تعالىَ :
هَّللا
ُوف َو ُ ْ َّ ُ ْ َ ْ َ ُ َ
اج فإِن َخ َرجْ نَ ف ُجنَا َح َعل ْيك ْم فِي َما ف َعلنَ فِي أنف ِس ِهن ِمن َم ْع #ر ٍ# اَلَ ْ َ َغ ْي َر إِ ْخ َر ٍ
األمثل.3/181 )(1
رواه مسلم ()1249 )(2
األمثل.3/181 )(3
األمثل.3/181 )(4
األمثل.3/181 )(5
472
﴿والَّ ِذينَ يُت ََوفَّوْ نَ
َزي ٌز َح ِكي ٌم﴾ [البقرة]240 :؛ فهي منسوخة باتفاق العلماء بقوله تع##الىَ : ع ِ
َ ْ ْ َ َ ُ َ َ
ُون أ ْز َواجًا يَتَ َربَّصْ نَ بِأ ْنف ِس ِه َّن أرْ بَ َعةَ أش#ه ٍُر َوعَش#رًا فَ#إِ َذا بَلَ ْغنَ أ َجلَه َُّن فَاَل
ِم ْن ُك ْم َويَ َذر َ#
ُ هَّللا
ُوف َو ُ بِ َما تَ ْع َمل##ونَ خَ بِ##ي ٌر﴾ [البق##رة..]234 : ْ ُ َ ْ
َاح َعلَ ْي ُك ْم فِي َما فَ َعلنَ فِي أ ْنف ِس ِه َّن بِال َم ْعر ِ#
ُجن َ
وقد #روي أن عدة المتوفى عنه##ا زوجه#ا #ك##انت في الجاهلي##ة س##نة كامل##ة ،وك##ان اذا
مات الرجل ألقت المرأة خلف ظهره##ا ش##يئا ،فتق##ول :البع##ل (تري##د المتج##دد) أه##ون
علي من هذه؛ فال تكتحل وال تتمشط وال تتطيب وال ت##تزوج الى س##نة ،وك##ان ورث##ة
الميت ال يخرجونها #من بيتها ،وك##انوا #يج##رون عليه##ا من ترك##ة زوجه##ا ط##ول تل##ك
السنة ،فكان ذلك هو إرثها من مال زوجها #المتوفى(.)1
قال أحد حفدة قتادة( :)2ال نسخ في ه##ذه اآلي##ة الكريم##ة ،وال تعطي##ل لحكمه##ا،
وحكمتها #..فلماذا يحمل القرآن الكريم آية كريمة ،متلوة ،متعبدا به##ا ،وتحم##ل حكم##ا
صريحا #مؤكدا موثقا ،ثم تجىء آية أخرى بحكم آخر يعطل هذا الحكم ،ويبقيه هكذا،
يعلن في وجه المرأة سلب حكم ك##ان في##ه خ##يرا له##ا وب##را به##ا؟ ..أه##ذا مم##ا تقتض##يه
حكمة الحكيم العليم ،في حال كح#ال تل##ك الم##رأة ال#تي ذهب عنه#ا زوجه#ا ،وتركه##ا
تعانى الوحدة والوحشة ،وربما #الفاقة من بع##ده؟ ..وإذا ك##ان من تق##دير هللا أال يك##ون
للمرأة مثل هذا الحق ،أفكان من التدبير الحكيم أن يلوح لها بهذا البر وتلك المواس##اة
في آية كريمة ،ثم تحرم منه وتذاد عنه بآية أخرى من آيات الكتاب الكريم؟
قال آخر( :)3إذا أقمنا اآلية الكريمة على تلك الموازين التي يزن به#ا الق#ائلون
بالنس##خ ض##وابط الناس##خ والمنس##وخ ،نج#د أن أهم االعتب##ارات ال#تي ج#اء من أجله##ا
النسخ عندهم هي التدرج في األحكام ،رحمة بالناس ،وتخفيفا عليهم ،كما حدث ذلك
في تح##ريم الخم##ر والرب##ا ..أو التخفي##ف على الن##اس ،مراع##اة لتغ##ير الظ##روف #..أو
تغليظ الحكم ال تخفيفه ،وذلك لتغ##ير الظ##روف #أيض##ا ..فلم يكن على المس##لمين قت##ال
في أول ال###دعوة اإلس###المية ،ثم لم###ا دخ###ل في اإلس###الم األنص###ار #واجتم###ع إليهم
المهاجرون أذن هللا لهم في قتال من قاتلهم ..تلك هي أهم الضوابط #التي رآها علماء
التفسير داعية إلى نسخ ما نسخ من آيات الكتاب الكريم.
ق##ال آخر( :)4وإذا أقمن##ا اآلي##ة الكريم##ة على تل##ك الض##وابط #لم نج##دها تس##تقيم
عليها ،أوتستجيب لها ..فما جاءت الشريعة السمحاء في كتابها الكريم #وال في الس##نة
المطه##رة ،بمب##اح ثم حظرت##ه ،وال حملت إلى الن##اس خ##يرا ثم ع##ادت فس##لبته ،وال
بسطت يدها الكريمة بإحسان ثم قبضتها #..بل العكس هوالص##حيح ،وهوالواق##ع #..وال
حاجة لذكر الشواهد لهذا ..فأمر الشريعة كله قائم على اليسر والخير والرحمة ..فما
كان على غير هذه السبيل فهو مدخول على الشريعة ،مفترى عليها.
481
سابعا ـ القرآن ..وعقبات التأويل
في ص##باح الي##وم األخ##ير من زي##ارتي #لتل##ك المدين##ة العجيب##ة ،نهض##ت على
أصوات ضجة تمأل الشارع الذي كنت أقيم في##ه ،لم تكن تختل##ف كث##يرا عن الض##جة
التي كنت أسمعها صباح كل يوم ،لكنها كانت أكثر هدوءا.
سمعت أحدهم يقول لصاحبه :هيا بنا إلى المعهد العالي للتفس##ير؛ فق##د س##معت
أن هناك لقاء كبيرا سيحصل بين علماء هذه المدينة المتنازعين في كل شيء.
قال آخر :أجل ..وقد وصل الخالف بينهم إلى حد التنابز باأللقاب ..بل أحيان##ا
إلى حد التكفير والتضليل والتبديع.
قال آخر :وقد سمعت أن الجميع رضي بالتحاكم إلى معلم القصد واالعت##دال،
خاصة بع##د أن رأوا آث##اره في األي##ام المبارك##ة الس##ابقة ،وال##تي تجاوزن#ا #فيه##ا أك##ثر
المشاكل التي كانت تعيق فهمنا للقرآن الكريم ،وتفعيلنا #له في الحياة.
قال آخر :صدقت ..لقد كان لقدوم معلم القصد واالعتدال برك##ات كث##يرة على
مدينتنا #..لقد صرت أشعر بأننا كنا مغالين في أشياء كثيرة حجبتنا عن معاني القرآن
الكريم الجميلة.
قال آخر :صدقت ..لقد قض##يت ك##ل عم##ري أفتخ##ر بإتق##اني للرس##م الق##رآني..
وكأن القرآن تنزل من عند هللا لنكتبه بتلك الصيغة ،ال لنعيش معانيه.
ق#ال آخ#ر :وأن#ا ك##ذلك عش##ت ط#ول عم#ري أهتم فق##ط بمخ#ارج الح#روف #ال
أتجاوزها#.
قال آخر :وأنا مثلكم كان كل همي التع##رف على األح##داث ال##تي ن##زل بس##ببها
القرآن الكريم ال بتفعيله في واقع كل األزمنة واألمكنة..
بعد أن ق##الوا #ه##ذا غ##يره ..س##رت خلفهم ،وأن##ا متعجب من ق##درة معلم القص##د
واالعتدال على التأثير في سكان تلك المدينة المملوءة بالغلو ..لك##ني عن##دما ت##ذكرت
الحكمة القائلة( :تسبق أنوار #الحكماء أقوالهم؛ فحيث صار التنوير وص##ل التعب##ير)،
واألخرى #التي تقول( :كل كالم يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز) ،ع#رفت أن
اللسان ليس سوى ترجمان للقلب ،ولذلك بقدر تطهر القلب وصفائه ونورانيته يكون
للكالم تأثيره.
وقد جربت ذلك مع أهل المدين##ة؛ فق##د كنت أردد بينهم نفس كالم معلم القص##د
واالعتدال ،لكن لم يعيروني #أي اهتمام ،بسبب افتق##ادي لم##ا يملك##ه المعلم##ون ،وه##و
كونهم( #النقطة تحت الباء) ،والتي تعني العبودية المحض##ة ..فمن ص##ار نقط##ة تحت
الباء جعله هللا باء يفعل بها ما يشاء.
ما هي إال لحظات حتى وصلت إلى ذل##ك المعه##د الع##الي ال##ذي تح##دثوا #عن##ه،
وقد #رأيت الكثير من سكان المدينة من العامة والعلماء يدخلون من بابه العريض.
482
في منص#ة القاع#ة الكب#يرة ،وق#ف المعلم ب#أنواره الس#اطعة ،وه#و يق#ول :لق#د
اتصل بي بعد انتهاء محاكمة البارحة ،كبار علم##ائكم المح#ترمين ..وطلب##وا م##ني أن
أكون موجها لجلسة حول العقبات التي تحول بين التأويل والتوافق مع التنزيل ..وقد
رضيت بذلك ..فهل أنتم معشر الحضور #راضون أيضا؟
قالوا جميعا بصوت واح##د :نعم ..وكي#ف #ال نرض##ى ،ولم ن##ر من##ك إال الخ##ير
والبركة.
قال المعلم :لق##د رأيت من خالل اطالعي على واق##ع م##دينتكم ،وجمي##ع الم##دن
التي تعظم القرآن الك##ريم لكنه##ا تح##رم نفس##ها من بركات##ه س##بع عقب##ات ال يمكن فهم
القرآن الكريم إال وتأويله التأويل الصحيح إال بعد تجاوزها#.
قالوا :فما أولها؟
قال :الفضول والتكلف والبحث فيما ال حاجة إليه ،كما قال تعالى محذرا﴿ :يَ##ا
أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَسْأَلُوا ع َْن أَ ْشيَا َء إِ ْن تُ ْب َد لَ ُك ْم تَس ُْؤ ُك ْ#م َوإِ ْن ت َْس #أَلُوا َع ْنهَ##ا ِحينَ يُنَ َّ #ز ُل
حلِي ٌم﴾ [المائدة]101 : ْالقُرْ آنُ تُ ْب َد لَ ُك ْم َعفَا هَّللا ُ َع ْنهَا َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َ
قالوا :فما الثانية؟
قال :الخرافة ..فالتأويل ال##ذي ال يس##تند للعق##ل والحكم##ة ،س##يجعل من الق##رآن
الك##ريم مص##درا #من مص##ادر الخراف##ة ،ال مص##درا للعق##ل والحكم##ة ..وب##ذلك يش##وه
كلمات هللا أعظم تشويه ..بل يجع##ل من##ه حجاب##ا يح##ول بين الخل##ق واإليم##ان ب##ه ،أو
االنفعال لما فيه.
قالوا :فما الثالثة؟
ق##ال :ال##وهم والخي##ال ..فمن حكم وهم##ه وخيال##ه في كالم رب##ه ،تربص##ت ب##ه
ك الشياطين ،وزخرفت #له من القول ما يحجبه عن كالم ربه ،كما قال تعالىَ ﴿ :و َكَ ##ذلِ َ
ُف ْالقَ##وْ ِل ْض ُز ْخر َ#ضهُ ْم إِلَى بَع ٍ س َو ْال ِجنِّ ي ِ
ُوحي #بَ ْع ُ اطينَ اإْل ِ ْن ِ َج َع ْلنَا لِ ُك ِّل نَبِ ٍّي َع ُد ًّوا َشيَ ِ
ك َما فَ َعلُوه ُ فَ َذرْ هُ ْ#م َو َما يَ ْفتَرُونَ ﴾ [األنعام]112 : ُغرُورًا َولَوْ َشا َء َربُّ َ
قالوا :فما الرابعة؟
ق##ال :المحدودي##ة ..فال##ذي يت##وهم محدودي##ة الق##رآن الك##ريم وانحص##اره في
تأويالت السلف والخلف ،لم يستوعب قوله تعالىَ ﴿ :ونَ َّز ْلنَاَ #علَ ْيكَ ْال ِكت َ
َاب تِ ْبيَانً##ا لِ ُك##لِّ
َش ْي ٍء َوهُدًى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى لِ ْل ُم ْسلِ ِمينَ ﴾ [النح##ل ..]89 :ولن يستطيع #أن يحي##ا ب##القرآن،
أو يتحول إلى قرآن ناطق.
قالوا :فما الخامسة؟
قال :الحرفية والسطحية والسذاجة؛ فال##ذي يق##رأ الق##رآن الك##ريم مس##تغرقا #في
حروفه وألفاظه ،دون حقائقه ومعانيه ،قد يجع##ل من المتش##ابه محكم##ا ،ومن المحكم
متشابها؛ فيضل عن سواء السبيل.
قالوا :فما السادسة؟
483
أو فيما ابتدعه لنفسه لتأويل كالم ربه ال يختلف عن أولئك الذين قال هللا تعالى فيهم:
ق بِ ِه ْم َم##ا َك##انُوا بِِ #ه ت فَ ِر ُح##وا بِ َم##ا ِع ْنَ #دهُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم َو َح##ا َ# ﴿فَلَ َّما َجا َء ْتهُ ْم ُر ُسلُهُ ْم بِ ْالبَيِّنَ##ا ِ
ْزئُونَ ﴾ [غافر]83 : يَ ْستَه ِ
قالوا :فما السابعة؟
قال :الدجل والشعوذة ،واستخدام القرآن الكريم في غير ما أنزل ألجله ..كم##ا
ت بِِ #ه اأْل َرْ ضُ أَوْ ُكلِّ َم بِِ #ه ْال َم##وْ تَى ت بِ ِه ْال ِجبَا ُل أَوْ قُطِّ َع ْ ﴿ولَوْ أَ َّن قُرْ آنًا ُسيِّ َر ْ قال تعالىَ :
ج ِميعًا﴾ [الرعد]31 : بَلْ هَّلِل ِ اأْل َ ْم ُر َ
قالوا :وعينا هذا ..فكيف تريد منا أن نتجاوز #هذه العقبات؟
1ـ عقبة الفضول:
قال المعلم :فلنبدأ بأول عقبة ..وهي عقبة الفضول ،وهي العقبة التي تتن##اقض
مع ما ورد في القرآن الك##ريم من ال##دعوة إلى ع#دم التكل##ف في البحث فيم##ا ال فائ##دة
فيه ،أو ال جدوى منه ،أو ال طاقة للعقل بفهمه.
قال أحدهم :صدقت ،وق#د #ورد النهي عن ذل##ك ص##ريحا في قول##ه تع##الى﴿ :يَ##ا
أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَسْأَلُوا ع َْن أَ ْشيَا َء إِ ْن تُ ْب َد لَ ُك ْم تَس ُْؤ ُك ْ#م َوإِ ْن ت َْس #أَلُوا َع ْنهَ##ا ِحينَ يُنَ َّ #ز ُل
ص#بَحُوا بِهَ##ا ْالقُرْ آنُ تُ ْب َد لَ ُك ْم َعفَا هَّللا ُ َع ْنهَا َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َحلِي ٌم قَ ْد َسأَلَهَا قَوْ ٌم ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم ثُ َّم أَ ْ
َكافِ ِرينَ ﴾ [المائدة ..]102-101 :فالبحث الذي ال مبرر له ،وال حاجة إليه ،لن يجر إال إلى
السوء.
قال آخر :ولهذا ضرب هللا تعالى المثل ببني إسرائيل وتكلفهم ،حين لم يكتفوا
بتحقيق األمر اإللهي بذبح البقرة ،بل راحوا يتكلفون؛ فيسألون عن أشياء لم يؤمروا
وس#ى #لِقَوْ ِمِ #ه إِ َّن هَّللا َ يَ##أْ ُم ُر ُك ْ#م أَ ْن #ال ُم َ ﴿وإِ ْذ قََ # به##ا؛ فش##دد #هللا عليهم ،كم##ا ق##ال تع##الىَ :
ع لَنَ##ا ت َْذبَحُوا #بَقَ َرةً قَالُوا #أَتَتَّ ِخ ُذنَا هُ ُز ًوا قَا َل أَعُو ُذ بِاهَّلل ِ أَ ْن أَ ُكونَ ِمنَ ْال َجا ِهلِينَ قَ##الُوا ا ْد ُ
ان بَ ْينَ َذلَِ #
ك #و ٌ #ارضٌ َواَل بِ ْكٌ #ر َعَ # #رةٌ اَل فَِ # ك يُبَي ِّْن لَنَا َم##ا ِه َي قَ##ا َل إِنَّهُ يَقُ##و ُل إِنَّهَ##ا بَقََ # َربَّ َ
#ال إِنَّهُ يَقُ#و ُل إِنَّهَ#ا بَقََ #رةٌ ع لَنَ#ا َربَّكَ يُبَي ِّْن لَنَ#ا َم#ا لَوْ نُهَ#ا قَ َ فَا ْف َعلُوا َما تُ ْ#ؤ َمرُونَ قَ#الُوا ا ْد ُ
#ر ت ََش#ابَهَ ك يُبَي ِّْن لَنَ#ا َم#ا ِه َي إِ َّن ْالبَقَ َ ع لَنَا َربَّ َ اظ ِرينَ قَالُوا ا ْد ُ ص ْف َرا ُء فَاقِ ٌع لَوْ نُهَا تَسُرُّ النَّ ِ َ
ض َواَل َ أْل ُ
#رة ذل##و ٌل تثِ##ي ُر ا رْ َ ُ َ اَل ٌ َ َّ ُ َّ َ ُ َ َ هَّللا
َعلَ ْينَا َوإِنا إِن شا َء ُ ل ُم ْهت#دونَ ق##ا َل إِنهُ يَق##و ُل إِنهَ##ا بَقَ # َ ْ َّ
ق فََ #ذبَحُوهَا َو َم##ا َك##ادُوا ث ُم َس#لَّ َمةٌ اَل ِش#يَةَ فِيهَ##ا قَ##الُوا اآْل نَ ِج ْئتَ بِْ #
#ال َح ِّ ت َْس#قِي ْال َح##رْ َ
يَ ْف َعلُونَ ﴾ [البقرة]71-67 :
قال آخ##ر :وله##ذا نهى هللا تع##الى عن الخ##وض في التفاص##يل المرتبط##ة بأه##ل
الكهف ،ألن العبرة في القصة ليست في عدد أه##ل الكه##ف ،وال أس##مائهم ،وإنم##ا في
﴿س#يَقُولُونَ ثَاَل ثَ#ةٌ دينهم وثباتهم ،وقد قال تع##الى يش##ير إلى ذل##ك التخب##ط والفض##ولَ :
ب َويَقُولُونَ َس ْ #ب َعة َوث##ا ِمنهُ ْم
ُ َ ٌ َرابِ ُعهُْ#م َك ْلبُهُ ْم َويَقُولُونَ خَ ْم َسةٌ َسا ِد ُسهُ ْم َك ْلبُهُ ْم َرجْ ًما بِ ْال َغ ْي ِ
#را ًء ظَ##ا ِهرًا َواَل #ار فِي ِه ْم إِاَّل ِمَ #َك ْلبُهُ ْم قُلْ َربِّي أَ ْعلَ ُم بِ ِع َّدتِ ِه ْ#م َما يَ ْعلَ ُمهُ ْم إِاَّل قَلِيٌ #ل فَاَل تُ َمِ #
ث ِمائٍَ ##ة ِس##نِينَ وق##ال﴿:ولَبِثُ##وا فِي َك ْهفِ ِه ْم ثَاَل َ َ ت فِي ِه ْم ِم ْنهُ ْم أَ َح ##دًا﴾ [الكه###ف،]22 : ت َْس##تَ ْف ِ
ْصرْ بِ ِه َوأَ ْس ِ #م ْع ض أَب ِ ت َواأْل َرْ ِ اوا ِ ازدَادُوا تِ ْسعًا قُ ِل هَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما لَبِثُوا لَهُ َغيْبُ ال َّس َم َ َو ْ
484
أَ َ
حدًا﴾ [الكهف]26-25 : ك فِي ُح ْك ِم ِه َما لَهُ ْم ِم ْن دُونِ ِه ِم ْن َولِ ٍّي َواَل يُ ْش ِر ُ
قال آخر :بورك فيك معلمنا ..لألسف قضيت ك##ل عم##ري ،وأن##ا أخ##الف ه##ذه
األوامر #القرآني#ة ،فب#دل أن أهتم باللب#اب والت#دبر ،كنت أبحث في تفاص#يل ال مع#نى
لها ،وال جدوى منه##ا ،وال دلي##ل عليه##ا ..ومن األمثل##ة على ذل##ك أني كنت أذك##ر في
تفسير قص#ة أص#حاب الكه#ف الكث#ير من الغ#رائب ال#تي ال دلي#ل عليه#ا س#وى #تل#ك
الروايات التي ال أدري مصدرها#..
وكنت أتفنن في ذكر الخالف ال##وارد فيه##ا؛ ف##أذكر لهم م##ا روي عن مجاه##د،
وأنه قال :اسم كلبهم قطمور ..وعن الحسن قال :اسم كلب أصحاب الكهف قطم##ير..
وعن ابن جريج ق##ال :قلت لرج##ل من أه##ل العلم :زعم##وا أن كلبهم ك##ان أس##دا ق##ال:
لعمر هللا ما كان أسدا ولكنه كان كلبا أحمر خرجوا #به من بيوتهم #يق##ال ل#ه قطم##ور..
وعن كثير النواء ق#ال :ك#ان كلب أص#حاب الكه#ف أص#فر ..وعن س#فيان ق#ال :ق#ال
رجل بالكوفة يقال له :عبيد وكان ال يتهم بكذب :رأيت كلب أصحاب الكه##ف أحم##ر
كأنه كساء انبجاني ..وعن عبيد الس#واق ق##ال :رأيت كلب أص#حاب الكه##ف ص##غيرا
باسطا #ذراعيه بفناء باب الكهف وهو يقول :هكذا يضرب بأذني##ه ..وعن عب##د هللا بن
صي ِد﴾ [الكه##ف ]18 :قال :جع##ل رزق##ه ﴿و َك ْلبُهُ ْم بَا ِسطٌ ِذ َرا َع ْي ِه بِ ْال َو ِ
حميد المكي في قولهَ :
في لحس ذراعي##ه ..وغيره##ا من التفاص##يل الكث##يرة ال##تي ال دلي##ل عليه##ا ،وال داعي
لها(.)1
قال آخر( :)2ومثلكم أنا ..فقد كنت عند تفسير قوله تعالىَ ﴿ :وإِ ْذ يَرْ فَ ُ #ع إِ ْبَ #
#را ِهي ُم
الس ِ #مي ُع ْال َعلِي ُم﴾ [البق###رة..]127 :
ت َوإِ ْس َ #ما ِعي ُل َربَّنَ##ا تَقَبَّلْ ِمنَّا إِنَّكَ أَ ْنتَ َّ
ْالقَ َوا ِعَ #د ِمنَ ْالبَ ْي ِ
وبدل أن أدعوهم إلى التدبر في المعاني الواردة في اآلية الكريمة أخ##وض معهم في
تفاصيل كثيرة ،ال دليل عليها ..كنت أنقلها لهم عن األزرقي ،وأمثاله من الم##ؤرخين
والمفس##رين ال##ذين هم كح##اطبي لي##ل ،وال يم##يزون بين الغث والس##مين ،والمقب##ول،
والمردود ،في بناء ال##بيت ،ومن بن##اه قب##ل إب##راهيم :أهم المالئك##ة أم آدم؟ ..والحج##ر
األس##ود #ومن أين ج##اء؟ وم##ا ورد #في فض##لهما #..وق##د اس##تغرق #في ه##ذا النق##ل ال##ذي
معظمه من اإلسرائيليات التي أخذت عن أه##ل الكت##اب بض##ع عش##رة ص##حيفة( ،)3ال
يزيد ما صح منها أو ثبت عن عشر هذا المقدار.
ومن تلك الغرائب التي كنت أرويها لهم ما حك##اه عط##اء بن أبي رب##اح ،ق##ال:
(لم#ا أهب#ط هللا آدم من الجن#ة :ك##ان رجاله في األرض ،ورأس#ه في الس#ماء ..يس#مع
كالم أهل السماء ودع##اءهم ،وي##أنس إليهم فهابت##ه المالئك##ة ،ح##تى ش##كت إلى هللا في
دعائها ،وفي #صالتها ،فوجه إلى مكة ،فكان موضع #قدمه قرية وخطوه مف##ازة ح##تى
انتهى إلى مكة وأنزل هللا ياقوتة من ياقوت الجن##ة ،فك##انت على موض##ع ال##بيت اآلن
)(1الدر المنثور في التفسير بالمأثور ()5/373
)(2اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير.168/
)(3الدر المنثور ج 1من 125/ـ .137
485
فلم يزل يطوف ب##ه ،ح##تى أن##زل هللا الطوف##ان ف##رفعت #تل##ك الياقوت##ة ،ح##تى بعث هللا
ت أَ ْن اَل تُ ْش ِر ْك بِي ﴿وإِ ْذ بَ َّو ْأنَا إِل ِ ب َْرا ِهي َم َم َكانَ ْالبَ ْي ِ
إبراهيم ،فبناه ،فذلك قول هللا تعالىَ :
َش ْيئًا َوطَه ِّْ#ر بَ ْيتِ َي لِلطَّائِفِينَ َو ْالقَائِ ِمينَ َوالرُّ َّك ِع ال ُّسجُو ِد﴾ [الحج .. 1 )]26 :إلى غير ذلك
) (
مما مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وخرافاتهم ،ولم يصح في ذلك خبر عن رس##ول
هللا .
ق##ال آخ##ر :ومثلكم أن##ا فق##د كنت أفس##ر لهم قول##ه تع##الى ـ في قص##ة ط##الوت،
وتنصيبه ملكا على بني إسرائيل ،واعتراض بني إسرائيل علي##ه ،وإخب##ار #ن##بيهم لهم
#ال لَهُ ْم نَبِيُّهُ ْم إِ َّن آيَ#ةَ ُم ْل ِكِ #ه أَ ْن يَ##أْتِيَ ُك ُم
﴿وقََ # باآلي##ة الدال##ة على ملك##ه ،وهي الت##ابوت ـَ :
ْ
ُوت فِي ِه َس ِكينَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َوبَقِيَّةٌ ِم َّما ت ََركَ آ ُل ُمو َسى َوآ ُل هَ##ارُونَ تَحْ ِملُ#هُ ال َماَل ئِ َك #ةُ التَّاب ُ
ك آَل يَةً لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [البقرة ]248 :من الفضول والتكلف م##ا يص##رفهم إِ َّن فِي َذلِ َ
عن التأمل في هذه اآلية الكريمة.
ومن األمثل###ة على ذل###ك م###ا كنت أروي###ه لهم نقال عن تفاس###ير ابن جري###ر،
والثعلبي ،والبغوي #،والقرط#بي ،وابن كث#ير ،من األخب##ار عن الص##حابة والت##ابعين،
وعن وهب بن منبه ،وغ##يره من مس##لمة أه##ل الكت##اب في وص##ف الت##ابوت ،وكي##ف
جاء ،وعالم يشتمل ،وعن السكينة وكيف صفتها.
وكنت أذكر لهم أن التابوت كان من خشب الشمشاد ،نحوا من ثالثة أذرع في
ذراعين ،كان عن##د آدم إلى أن م##ات ،ثم عن##د ش##يث ،ثم توارث##ه أوالده ،إلى إب##راهيم
عليه السالم ،ثم كان عند إسماعيل عليه الس##الم ،ثم يعق##وب علي##ه الس##الم ،ثم ك##ان
في بني إسرائيل ،إلى أن وص##ل إلى موس##ى علي##ه الس##الم فك##ان يض##ع في##ه الت##وراة
ومتاعا من متاعه ،فكان عنده إلى أن مات ،ثم تداوله أنبي##اء ب##ني إس##رائيل إلى وقت
شمويل ،وكان عندهم حتى عصوا ،فغلبوا عليه؛ غلبهم عليه العمالقة(.)2
قال آخر :ومثلكم أنا ..فقد كنت أذكر لهم أن السكينة الواردة في قول##ه تع##الى:
ك ْم﴾ [البق##رة]248 : ُوت فِي ِ #ه َس ِ #كينَةٌ ِم ْن َربِّ ُ #ال لَهُ ْم نَبِيُّهُ ْم إِ َّن آيَ #ةَ ُم ْل ِكِ #ه أَ ْن يَ##أْتِيَ ُك ُم التَّاب ُ
﴿ َوقََ #
عبارة عن (ريح خجوج حفّافة لها رأسان ووج##ه كوج##ه اإلنس##ان) ..وأن (له##ا رأس
ك##رأس اله #رّة وذنب ك##ذنب اله #رّة وجناح##ان) ( ..)3أو أنه##ا (ه #رّة ميّت##ة ك##انت إذا
صرخت في التابوت بصراخ ه ّر أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح) ( ..)4أو أنها (طست
من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب األنبياء) ..أو أنها (روح من هللا ع ّز وج ّل
يتكلم ،إذا اختلفوا في شيء تكلّم فأخبرهم ببيان ما يريدون)
مع أني ل#و رجعت إلى الق#رآن الك#ريم ،وبحثت عن مع#نى الس#كينة ،لوج#دت
ذلك بك##ل س##هولة؛ فالس##كينة( )5هي تل##ك الطمأنيني##ة ،والس##كون ال##ذي يح##ل ب##القلب،
تفسير ابن جرير ج.429 ،1/428 )(1
الدر المنثور في التفسير بالماثور ()3/131 )(2
تفسير الثعلبي ()2/213 )(3
تاريخ الطبري.1/327 : )(4
اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير.171/ )(5
486
وبذلك ف##إن تق##ديم الت##ابوت أم##ام الجيش ،س##يكون من أس##باب الس##كون ،والطمأنين##ة،
فتقوى #نفوسهم ،وتشتد #معنوياتهم #فيك##ون ذل##ك من أس##باب النص##ر ،وه##و ب##ذلك مث##ل
#ؤ ِمنِينَ َوأَ ْن##زَ َل ُجنُ##ودًا لَ ْم قول##ه تع##الى﴿ :ثُ َّم أَ ْنَ #ز َل هَّللا ُ َس ِ #كينَتَهُ َعلَى َر ُس #ولِ ِه َو َعلَى ْال ُمْ #
ك َجزَ ا ُء ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [التوبة ]26 :أي طمأنينته ،وم##ا ثبت ب الَّ ِذينَ َكفَرُوا َو َذلِ َ ت ََروْ هَاَ #وع ََّذ َ
#زدَادُوا ب ْال ُمْ #
#ؤ ِمنِينَ لِيَْ # السِ #كينَةَ فِي قُلُ##و ِ به قلبه ،ومثل قول##ه تع##الى﴿ :هَُ #و الَّ ِذي أَ ْن##زَ َل َّ
ض َو َكانَ هَّللا ُ َعلِي ًم##ا َح ِكي ًم##ا﴾ [الفتح..]4 : ت َواأْل َرْ ِ اوا ِ إِي َمانًا َم َع إِي َمانِ ِه ْم َوهَّلِل ِ ُجنُو ُد ال َّس َم َ
#وى #ؤ ِمنِينَ َوأَ ْل##زَ َمهُ ْم َكلِ َم #ةَ التَّ ْقَ #وقول##ه ﴿ :فَ##أ َ ْنزَ َل هَّللا ُ َس ِ #كينَتَهُ َعلَى َر ُس #ولِ ِه َو َعلَى ْال ُمْ #
علِي ًما﴾ [الفتح]26 : ق بِهَا َوأَ ْهلَهَا َو َكانَ هَّللا ُ بِ ُكلِّ َش ْي ٍء َ َو َكانُوا #أَ َح َّ
قال آخر :ومثلكم .أنا ..فقد كنت أذكر لهم في تفسير مجيئ المالئك##ة بالت#ابوت
قصصا #كثيرة مملوءة بالغرابة ،مع أن القرآن الكريم اكتفى بذكر ذلك ..ومن األمثلة
على ذلك ما كنت أروي##ه لهم من أن (الت##ابوت ك##ان بأريح##اء ،وك##ان ال##ذين اس##تولوا
علي##ه وض##عوه في بيت آلهتهم تحت ص##نمهم األك##بر ،فأص##بح الت##ابوت على رأس
الص#نم ،ف#أنزلوه ،فوض#عوه تحت#ه ،فأص#بح ك#ذلك ،فس#مروه تحت#ه ،فأص#بح الص#نم
مكسور #الق#وائم ،ملقى بعي#دا ،فعلم#وا أن ه#ذا أم#ر من هللا ال قب#ل لهم ب#ه ،ف#أخرجوا#
التابوت من بلدهم فوضعوه في بعض القرى ،فأص##اب أهله##ا أم##راض في رق##ابهم#..
فتحيروا في األمر ،فقالت لهم امرأة كانت عندهم من س#بي ب##ني إس##رائيل ،من أوالد
األنبياء :ال تزالون ت##رون م##ا تكره##ون م##ا دام ه##ذا الت##ابوت فيكم ،ف##أخرجوه عنكم،
فأتوا #بعجلة ،بإشارة تلك الم##رأة ،وحمل##وا عليه##ا الت##ابوت ،ثم علقوه##ا على ث##ورين،
وض##ربوا #جنوبهم##ا #،فأقب##ل الث##وران يس##يران ،ووك##ل هللا بهم##ا أربع##ة من المالئك##ة
يس##وقونهما #،ف##أقبال ح##تى وقف##ا على أرض ب##ني إس##رائيل ،فكس##را نيريهم##ا #،وقطع##ا
حبالهم##ا ،ووض##عا #الت##ابوت في أرض فيه##ا حص##اد ب##ني إس##رائيل ،ورجع##ا إلى
أرضهما ،فلم يرع بني إسرائيل إال التابوت ،فكبروا ،وحمدوا هللا تعالى) ()1
قال آخر :ومثلكم .أنا ..فقد كنت أذكر لهم التفاصيل الكث##يرة المرتبط##ة بالبقي##ة
الباقية مما ترك آل موسى وآل هارون عليهم##ا الس##الم ،وال##تي ك##انت محفوظ##ة في
وس#ى َوآ ُل هَ##ارُونَ ﴾ [البق##رة]248 :ومن #ركَ آ ُل ُم َ ﴿وبَقِيَّةٌ ِم َّما تََ #
التابوت ،كما قال تع##الىَ :
غير أي دليل سوى تلك الروايات الكثيرة التي ال تستند إال لخرافات ب##ني إس##رائيل..
ومن األمثلة على ذلك أني كنت أذكر لهم أنها كانت عبارة عن (عصا موس##ى علي##ه
السالم ورضاض األلواح؛ ألنها انكسرت لما ألقاها موس#ى علي#ه الس#الم حين ع#اد،
فوجدهم يعبدون العجل ..أو أنه##ا عص##ا موس#ى #علي##ه الس##الم وعص##ا ه##ارون علي#ه
السالم ،ولوحين من التوراة ،وقفيز من المن الذي كان ينزل على ب##ني إس##رائيل في
التي##ه ..أو أنه##ا عص##ا موس##ى ،ونعاله ،وعص##ا ه##ارون وعمامت##ه ،وثي##اب موس##ى،
وثياب هارون ،ورضاض األلواح) ( ..)2وكنت أجتهد في الترجيح بين هذه األقوال،
)(1تفسير الثعلبي ()2/214
)(2تفسير الطبري ()5/331
487
وكأنها #مسألة ترتبط بقضايا الدين الكبرى ،التي ال يتم إال بها.
م##ع أني ل##و اكتفيت بم##ا ورد في الق##رآن الك##ريم لعلمت أن#ه ك##ان في الت##ابوت
مخلفات من مخلفات موسى ،وهارون عليهما السالم ،وأن هذا التابوت كان مص##در
سكينة ،وطمأنينة لب##ني إس##رائيل ،وال س##يما عن##د قت##ال ع##دوهم ،وأن##ه ع#اد إلى ب##ني
إس##رائيل ،تحمل##ه المالئك##ة ،من غ##ير بحث في الطري##ق ال##تي حملت##ه به##ا المالئك##ة،
وبذلك كان التابوت آية دالة على صدق #طالوت في كونه ملكا عليهم ،وما وراء ذلك
من األخبار التي سمعتها لم يقم عليها دليل ،وال فائدة علمية وال عملية لها.
قال آخر :ومثلكم أنا ..فقد كنت في تفسير قوله تعالى﴿ :قَالُوا يَا ُمو َسى #إِ َّن فِيهَا
َاخلُ##ونَ ﴾ َّارينَ َوإِنَّا لَ ْن نَْ #د ُخلَهَا َحتَّى يَ ْخ ُر ُج##وا ِم ْنهَ##ا فَ#إِ ْن يَ ْخ ُر ُج##وا ِم ْنهَ##ا فَإِنَّا د ِ
قَوْ ًم##ا َجب ِ
[المائدة ،]22 :وبدل الحث على التدبر فيما تحمله اآلية الكريم#ة من المع#اني المرتبط#ة
بالمجتمعات وبسنن نص##ر هللا له##ا ،رحت أش##حن عق##ول المس##تمعين لي ب##الكثير من
التفاصيل الخرافية التي ال تختلف عن حكايات ألف ليلة وليلة.
ومن األمثل##ة على ذل##ك أني كنت أذك##ر األوص##اف #الكث##يرة الغريب##ة له##ؤالء
الجبارين ،وعظم أجسادهم ،مما ال يدل عليه الواق##ع والعلم ..ومن األمثل##ة على ذل##ك
ما كنت أرويه عن بعضهم أنه قال( :استظل سبعون رجال من قوم موس##ى في خ##ف
رج##ل من العم##اليق) ..وعن بعض##هم أن##ه ق##ال( :بلغ##ني أن##ه رؤيت ض##بع وأوالده#ا#
رابضة في فجاج عين رج##ل من العم##اليق) ..وعن بعض##هم أن##ه ق##ال( :أم##ر موس#ى#
عليه السالم أن يدخل مدينة الجبارين ،فسار بمن معه ،حتى نزل قريب#ا من المدين#ة،
وهي أريحاء؛ فبعث إليهم اث##ني عش##ر نقيب##ا ،من ك##ل س##بط منهم عين؛ لي##أتوه بخ##بر
القوم ،فدخلوا المدينة ،فرأوا أم#را عظيم#ا من هيبتهم ،وجس#مهم ،وعظمهم ،ف#دخلوا
حائطا أي :بستانا لبعضهم فجاء ص##احب الحائ##ط ليج##ني الثم##ار ،فنظ#ر #إلى آث##ارهم
فتبعهم ،فكلم##ا أص##اب واح##دا منهم أخ##ذه ،فجعل##ه في كم##ه م##ع الفاكه##ة وذهب إلى
ملكهم ،فن##ثرهم بين يدي##ه ،فق##ال المل##ك :ق##د رأيتم ش##أننا وأمرن##ا #،اذهب##وا ف##أخبروا
صاحبكم؛ فرجعوا إلى موسى عليه الس#الم ف#أخبروه بم#ا ع#اينوه من أم#رهم ،فق#ال:
اكتم##وا عن##ا ،فجع##ل الرج##ل يخ##بر أخ##اه وص##ديقه ،ويق##ول :اكتم ع##ني ،فأش##يع #في
عس###كرهم ،ولم يكتم منهم إال رجالن :يوش###ع بن ن###ون ،وك###الب بن يوحن###ا ..وعن
بعض##هم :أن عنق##ود عنبهم ال يحمل##ه إال خمس##ة أنفس ،بينهم في خش##بة وي##دخل في
شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس وأربعة(.)1
قال آخر :ومثلكم أنا؛ فقد كنت مولع##ا بم##ا ذك##ره المفس##رون والمح##دثون عن##د
َّارينَ َوإِنَّا لَ ْن
وس#ى إِ َّن فِيهَ##ا قَوْ ًم##ا َجب ِ ذكر الجبارين في تفسير قوله تعالى﴿ :قَالُوا يَا ُم َ
َاخلُونَ ﴾ [المائدة ]22 :من قصة ع##وج نَ ْد ُخلَهَا َحتَّى يَ ْخ ُرجُوا ِم ْنهَا فَإِ ْن يَ ْخ ُرجُواِ #م ْنهَا فَإِنَّا د ِ
بن عوق ،وأنه كان طوله ثالثة آالف ذراع ،وأنه ك##ان يمس##ك الح##وت ،فيش##ويه في
عين الشمس ،وأن طوفان نوح لم يصل إلى ركبتيه ،وأنه امتنع عن رك##وب الس##فينة
)(1الدر المنثور في التفسير بالمأثور ()3/48
488
م##ع ن##وح ،وأن موس#ى #ك##ان طول##ه عش##رة أذرع وعص##اه عش##رة أذرع ،ووثب في
الهواء عشرة أذرع ،فأصاب كعب عوج فقتله ،فكان جسرا ألهل النيل سنة.
وكنت أحكي للمستمعين لي ما رواه ابن جرير من أمر موسى #وبني إسرائيل
وبعث موسى النقباء االثني عشر ،وفيها #:فلقيهم رجل من الجبارين يقال ل##ه :ع##وج،
فأخذ االثني عشر فجعلهم في حجزت##ه ،وعلى رأس##ه حمل##ة حطب ،وانطل#ق #بهم إلى
امرأته ،فق#ال :انظ#ري #إلى ه#ؤالء الق#وم ال#ذين يزعم#ون أنهم يري#دون أن يقاتلون#ا،
فطرحهم بين يديها ،فقال :أال أطحنهم برجلي؟ فق##الت امرأت##ه :ب##ل خ##ل عنهم ،ح##تى
يخبروا #قومهم بما رأوا ،ففعل ذلك(.)1
وكل ذلك معارض لما صرح به لم#ا ي#دل علي#ه العلم من أط#وال البش#ر ..ب#ل
ال َونَا َدى #نُو ٌح ا ْبنَهُ َو َكانَ فِي ج َك ْال ِجبَ ِمعارض لقوله تعالىَ ﴿ :و ِه َي تَجْ ِري بِ ِه ْم فِي َموْ ٍ
ي ارْ كَبْ َم َعنَا َواَل تَ ُك ْن َم َع ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [هود.]42 :
ْز ٍل يَا بُنَ َّ
َمع ِ
بل مع##ارض لم##ا ذك##ره العلم##اء ال##ذين كنت أتجنب ذك##ر أق##والهم #في المس##ألة
خش#ية اإلفس#اد #على نفس#ي أو على غ#يري نش#وة االس#تغراب والتعجب ..ومن ذل#ك
قول بعضهم( :أما المراد من عبارة (قوما جبارين) فهم كما تدل عليه التواريخ ق##وم
(العمالقة) الذين كانوا يمتلكون أجساما ض##خمة ،وك##انت لهم أط##وال خارق##ة ،بحيث
ذهب الكثير إلى المبالغة في طول أجس##ام ه##ؤالء وص##نعوا األس##اطير الخرافي##ة من
ذلك ،وكتبوا #فيهم مواضيع تثير السخرية ال يسندها أي دليل علمي ،وباألخص فيم##ا
كتب###وه عن الم###دعو بـ(ع###وج) في الت###واريخ المص###طنعة المش###وبة بالخراف###ات
واألس##اطير #..ويب##دو أن مث##ل ه##ذه الخراف##ات ال##تي تس##ربت ح##تى إلى بعض الكتب
اإلسالمية ،وإنما هي من صنع بني إسرائيل ،والتي تسمى ع##ادة بـ (اإلس##رائيليات)
والدليل على هذا القول هو ما ورد نص##ا في الت##وراة المتداول##ة من أس##اطير #خرافي##ة
تشبه أساطير #العمالقة ،حيث نقرأ في سفر األعداد في أواخ##ر الفص##ل الث##الث عش##ر
(إن األرض ال##تي ذهب بن##و إس##رائيل إليه##ا إلستقص##اء أخباره##ا هي أرض تبي##د
ساكنيها #وإن جميع من فيها هم أناس طوال وفيهم #العمالق#ة من أبن#اء (عن#اق) بش#كل
كان بنو إسرائيل الذين ذهبوا للتجسس هن##اك أش##به ب##الجراد قياس#ا #بأحج##ام العمالق##ة
الموجودين في تلك األرض!)()2
قال آخر :ومثلكم أنا ..فقد كنت عند تفس##ير قول##ه تع##الى﴿ :قَ##ا َل فَإِنَّهَ##ا ُم َح َّر َم #ةٌ
اس#قِينَ ﴾ [المائ##دة]26 : س َعلَى ْالقَ#وْ ِم ْالفَ ِ ض فَاَل تَ#أْ َ
َعلَ ْي ِه ْم أَرْ بَ ِعينَ َسنَةً يَتِيهُ#ونَ فِي اأْل َرْ ِ
)(1تفسير الثعلبي ()4/36
)(2األمثل)3/664( ،
489
أذكر الكثير من القصص الغريبة التي تحول دون تدبر اآليات الكريم##ة ،واالس##تفادة
منها في الواقع.
ومن األمثلة على ذلك 1ما كنت أحدث به ـ نقال عن المفسرين ـ من أنه لما
) (
قال قوم موسى #عليه السالم له ما قالوا ،ودعا موسى علي##ه الس##الم عليهم ،أوحى هللا
إلي##ه أنه##ا محرم##ة عليهم أربعين س##نة ،ي##تيهون في األرض ،وأنهم #ك##انوا هم يومئ##ذ
ستمائة ألف مقاتل فجعلهم #فاسقين بما عصوا ،فلبث##وا أربعين س##نة في فراس##خ س##تة،
أو دون ذلك ،يسيرون كل يوم جادين ،لكي يخرج##وا منه##ا ،ح##تى يمس##وا ،وي##نزلوا#،
فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا ،وأنهم اشتكوا إلى موسى علي##ه الس##الم م##ا فع##ل
بهم فأنزل عليهم المن والسلوى ،وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم ،ينشأ الناش##ئ
فتكون معه على هيئته ،وس#أل موس#ى رب#ه أن يس#قيهم ،ف#أتى بحج#ر الط#ور ،وه#و
حجر أبيض ،إذا ما أنزل القوم ضربه بعصاه ،فيخرج من##ه اثنت##ا عش##رة عين##ا ،لك##ل
سبط منهم عين ،ق##د علم ك##ل أن##اس مش##ربهم #..وكنت أذك##ر لهم أن ثي##ابهم م##ا ك##انت
تبلى ،وال تتسخ ..وكل ذلك من التكلف والفض##ول ال##ذي ال دلي##ل علي##ه ،ب##ل ه##و من
العقبات التي تحول بيننا وبين تدبر القرآن الكريم.
وقد كنت ـ مراعاة لنشوة تلك القصص والتفاصيل المرتبطة بها ـ أرغب عن
كل م##ا ي##دعوني إلى تحكيم عقلي بش##أنها ،ول##ذلك كنت أرد بش##دة على من ي##ورد #لي
قول بعض الم##ؤرخين في رده على ذل##ك( :كث##يرا م##ا وق##ع للم##ؤرخين ،والمفس##رين
وأئمة النقل من المغالط في الحكايات ،والوقائع #،العتم##ادهم فيه##ا على مج##رد النق##ل
غثا ،أو س##مينا ،ولم يعرض##وها #على أص##ولها ،وال قاس##وها بأش##باهها ،وال س##بروها
بمعي##ار #الحكم##ة ،والوق##وف #على طب##ائع الكائن##ات وتحكيم #النظ##ر ،والبص##يرة في
األخب##ار فض##لوا #عن الح##ق ،وت##اهوا #في بي##داء ال##وهم ،والغل##ط ،س##يما في إحص##اء
األع##داد من األم##وال ،والعس##اكر إذا عرض##ت في الحكاي##ات؛ إذ هي مظن##ة الك##ذب
ومطية الهذر ،وال بد من ردها إلى األصول ،وعرضها #على القواع##د ،وه##ذا ـ كم##ا
نق##ل المس##عودي #وكث##ير من الم##ؤرخين ـ في جي##وش ب##ني إس##رائيل ،وأن موس##ى
أحص##اهم في التي##ه ،بع##د أن أج##از من ك##ان يطي##ق #حم##ل الس##الح خاص##ة من ابن
عشرين ،فما فوقها ،فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون ،ويذهل في ذلك عن تقدير مصر
والشام ،واتساعها لمثل هذا العدد من الجيوش ،لكل مملكة حصة من الحامي##ة تتس##ع
لها ،وتقوم #بوظائفها ،وتضيق عما فوقها ،تشهد بذلك العوائ##د المعروف##ة ،واألح##وال
المألوفة ..ولقد كان ملك الفرس ودولتهم #أعظم من ملك ب#ني إس#رائيل بكث#ير ،يش#هد
ل##ذلك :م##ا ك##ان من غلب##ة بختنص#ر #لهم ،والتهام##ه بالدهم ،واس##تيالئه على أم##رهم،
وتخريب #بيت المقدس قاعدة ملتهم ،وسلطانهم وهو من بعض عمال مملك##ة ف##ارس،
أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر .الدر المنثور في التفسير بالمأثور ()7/192 )( 1
أحمد في الزهد .الدر المنثور في التفسير بالمأثور ()7/194 )(2
ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه .الدر المنثور في التفسير بالمأثور ()5/659 )( 3
ابن أبي حاتم وابن مردويه ،الدر المنثور في التفسير بالمأثور ()8/505 )(4
506
وكنت أحكي لهم عن عبد هللا بن قالبة :أنه خرج في طلب إبل له فوقع #عليه##ا
يعني مدينة إرم ،فحمل منها ما قدر عليه ،وبلغ خ##بره معاوي##ة ،فاستحض##ره ،وقص
علي#ه فبعث إلى كعب األحب#ار ،فس#أله عنه#ا فق#ال :هي إرم ذات العم#اد ،وس#يدخلها#
رجل من المسلمين في زمان##ه أحم##ر ،أش##قر ،قص##ير ،على حاجب##ه خ##ال ،ثم التفت،
فأبصر ابن قالبة ،فقال :هذا وهللا ذاك الرجل(.)1
ق##ال آخ##ر :ومثلكم أن##ا ..فق##د كنت بارع##ا في ك##ل التفاص##يل المرتبط##ة بقص##ة
ُ
#ز َل َعلَى ه##اروت وم##اروت #الغريب##ة ،وال##تي كنت أفس##ر به##ا قول##ه تع##الىَ ﴿ :و َم##ا أ ْنِ #
ْال َملَ َك ْي ِن بِبَابِ َل هَا ُروتَ َو َما ُروتَ َو َما يُ َعلِّ َما ِن ِم ْن أَ َحٍ #د َحتَّى يَقُ#واَل إِنَّ َم##ا نَحْ نُ فِ ْتنَ#ةٌ فَاَل
ضارِّينَ بِ ِه ِم ْن أَ َح ٍد تَ ْكفُرْ فَيَتَ َعلَّ ُمونَ ِم ْنهُ َما َما يُفَ ِّرقُونَ بِ ِه بَ ْينَ ْال َمرْ ِء َوزَ وْ ِج ِه َو َما هُ ْم بِ َ
ن هَّللا ِ َويَتَ َعل َّ ُمونَ َما يَضُرُّ ه ُ ْ#م َواَل يَ ْنفَ ُعه ُ ْم﴾ [البقرة]102 : إِاَّل بِإِ ْذ ِ
وقد كنت أبالغ في نقل أسانيدها المرتبطة بكبار الصحابة والتابعين من أمث##ال
ابن عم###ر ،وابن مس###عود ،وابن عب###اس ،ومجاه###د ،وكعب ،والربي###ع ،والس###دي،
وغيرهم ..باإلضافة إلى توثيقها من المصادر الكبرى للتفسير والحديث كابن جري##ر
الط###بري في تفس###يره ،وابن مردوي###ه ،والح###اكم ،وابن المن###ذر ،وابن أبي ال###دنيا،
والبيهقي ،والخطيب وغيرهم(.)2
بل إني كنت أنسب لهم تلك الروايات العجيب##ة إلى رس##ول هللا مس##تندا في
ذلك إلى ما رواه ابن جري##ر ،والخطيب في الت##اريخ ،وغيرهم##ا عن ن##افع ،عن ابن
عمر ..وكنت ـ حرصا على التسلية والمتعة والغرابة ـ أغض الط##رف عن ك##ل من
حكم بوضعها #من أمثال ابن الج##وزي( ..)3والش##هاب الع##راقي ،وال##ذي نص على أن
من اعتق##د في ه##اروت وم##اروت أنهم##ا ملك##ان يع##ذبان على خطيئتهم##ا #:فه##و ك##افر
باهلل( ..)4ومثلها القاضي عياض الذي قال :وما ذكره أهل األخبار ،ونقله المفس##رون
في قصة هاروت وماروت :لم يرد فيه ش##يء ال س##قيم ،وال ص##حيح عن رس##ول #هللا
وليس هو شيئا يؤخذ بالقياس ..وغيرهم ..ومثلهم المحققون من المفسرين ال##ذين
مه##روا في معرف##ة أص##ول ال##دين ،وأبت عق##ولهم أن تقب##ل ه##ذه الخراف##ات :كاإلم##ام#
الرازي ،وأبي حيان ،وأبي السعود ،واآللوسي ،وغيرهم كثير.
وفوق #ذلك كله ،قد كنت أثناء قصي لها أغف##ل عم##ا تحمل##ه من مخالف##ات لك##ل
الحق##ائق والقيم القرآني##ة النبيل##ة ،وأهمه##ا أن المالئك##ة عليهم الس##الم معص##ومون ال
يعصون هللا ما أمرهم ،ويفعلون ما يؤمرون.
ق##ال آخ##ر :ومثلكم أن##ا ..فق##د كنت ـ ب##دل البحث في أس##باب النص##ر في قول##ه
ك َو ْال ِح ْك َم #ةَ َوعَلَّ َم #هُ ِم َّما تعالى﴿ :فَهَزَ ُموهُ ْم بِإِ ْذ ِن هَّللا ِ َوقَت ََل دَا ُوو ُ#د َجالُوتَ َوآتَاهُ هَّللا ُ ْال ُم ْل َ
)(1انظر :ابن حجر العسقالني :تهذيب التهذيب 113/ 8ـ 114برقم .223االصابة .178/ 3
)(2العتب الجميل ،ص.15
541
والجوزج##اني مش##هور بالنص##ب واالنح##راف #فال يق##دح في##ه قول##ه انتهى .ومن ه##ذا
تعرف أن التشيع الذي يعرقب المتصف #ب#ه ويك#ون زائغ#ا ج#ائزا عن الطري#ق #عن#د
أمثال الجوزجاني #هو االمتناع عن سب مولى المؤمنين عليه السالم)()1
قال آخر :وفي مقاب##ل ذل##ك ..وبع##د إقص##ائنا #للس##ابقين األولين من المه##اجرين
واألنص##ار ،وأمث##الهم من آل بيت النب##وة ،بأمث##ال تل##ك الحجج الواهي##ة رحن##ا نق##رب
رج##ال ال##دين من اليه##ود ،ومن تتلم##ذ على أي##ديهم من الص##حابة والت##ابعين ،ح##تى
أص##بحنا نج##د ه##ؤالء في ك##ل مص##در #من مص##ادر #التلقي ابت##داء من تفس##ير الق##رآن
الكريم ،وانتهاء بكتب العقائد والحديث ونحوها ،حيث ال نكاد نجد مص##درا من ه##ذه
المصادر #ـ وخاصة كتب التفسير التي منها تؤخذ تصورات الدين وعقائ##ده المختلف##ة
ـ إال وهو مملوء بأمثال إسماعيل بن أبي كريمة السدي ،ومحم##د بن إس##حاق ،وعب##د
الملك بن جريج ،وعبد هللا بن سالم وكعب األحبار ،وابن وهب ،وغ##يرهم من رواة
األحاديث اإلسرائيلية التي سربت إلى اإلسالم ،وفسر #بها القرآن.
قال آخر :صدقت ..ولألسف ال نجد المبالغات ال##تي وج##دناها #في علم الج##رح
والتعديل ـ والتي مست خيار األمة بس##بب م##واقفهم الطيب##ة من الس##ابقين األولين من
المهاجرين واألنصار ،وخاصة بيت النبوة ـ هنا ..بل نجد تساهال كبيرا إلى الدرجة
التي يعتبر فيه##ا علم##اء الج##رح والتع##ديل رجال مث##ل كعب األحب##ار علم##ا من أعالم
األمة ،وإماما من أئمتها.
قال آخر :والمشكلة ال تكمن في كعب وحده ،فقد يمكن تالفي #روايات##ه ،وإنم##ا
تكمن في أولئك الذين تتلم##ذوا علي##ه ،ثم رووا روايات##ه ،من غ##ير أن يس##ندوها #إلي##ه،
وبذلك اختلط األم##ر اختالط##ا ش##ديدا؛ فمن ال##ذين ذك##ر الم##زي في (ته##ذيب الكم##ال)
جلوسهم #بين يدي كعب األحبار ،وروايتهم #عنه ،سواء أس##ندوا أو لم يس##ندوا #ـ ه##ذه
األسماء التي له##ا حض##ورها الق##وي في كتب التفس##ير والعقائ##د( :األخنس بن خليف##ة
الضبى ،وأسلم مولى عمر بن الخطاب ،وتبيع الحميرى ( #ابن امرأته ) ،وجرير بن
جابر الخثعمى ،وخالد بن معدان ،وروح بن زنباع ،وأب#و المخ#ارق #زه#ير بن س#الم
الس##لولى ،وس##عيد #بن المس##يب ،وش##ريح بن عُبي##د ،وعب##د هللا بن رب##اح األنص##ارى،
وعبد هللا بن الزبير بن العوام ،وعبد هللا بن ض##مرة الس##لولى ،وعب##د هللا بن عب##اس،
وعب##د هللا بن عم##ر بن الخط##اب ،وعب##د هللا بن غيالن ،وعب##د ال##رحمن بن مغيث،
وعط##اء بن أبى رب##اح ،ومال##ك بن أبى ع##امر األص##بحى ،ومحم##د بن عب##د هللا بن
ص##يفى ،ومط##رف #بن عب##د هللا بن الش##خير ،ومعاوي##ة بن أبى س##فيان ،ومغيث بن
سمى ،وممطور #أبو سالم األسود ،وهمام ( شيخ لعبد الغفور الواسطى ) ،ويزي##د بن
خمير اليزنى ،ويزيد بن قوذر #،وأبو إبراهيم الردم##انى ،وأب##و راف##ع الص##ائغ ،وأب##و
سعيد الحبرانى ،وأبو مروان األسلمى ( والد عطاء بن أبى مروان ) ،وأبو #هري##رة،
546
وال##تي لم ي##رد منه##ا إال الحق##ائق ال##تي انط##ويت #عليه##ا ..لكن الفهم القاص##ر جع##ل
أصحابها #ال يرون منها إال ظواهرها #وحروفها دون أعماقها.
قال آخر :ولذلك كان الصالحون الذين قضوا حي##اتهم بص##حبة الق##رآن الك##ريم
يشيرون إلى عظم الحقائق التي يذكرها ،وكثرتها #،ووفائها #بكل الحاجات ،وق##د ق##ال
اإلمام عل ّي( :لو شئت ألوقرت #سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب)
قال آخر :ولهذا ورد في األح##اديث ال##دعوة إلى ت##دبر الق##رآن الك##ريم #والبحث
عن حقائقه ،كما قال رسول هللا ( :اعربوا القرآن والتمسوا غرائب#ه)( .. )1وأخ#بر
أن المعاني القرآنية ال تقتصر على الظواهر فقط ،فق##ال في وص##ف الق##رآن الك##ريم:
(وهو كتاب تفص##يل وبي##ان تحص##يل ،ه##و الفص##ل ليس ب##الهزل ،ول##ه ظهٌ #ر وبطن،
وظاهره حكم هللا وباطن##ه علم هللا تع##الى ،فظ##اهره وثي#ق #وباطن##ه عمي##ق ،ل##ه نج##وم
وعلى نجومه نجوم ،ال تُحصى عجائبه وال تُبلى غرائبه ،فيه مصابيح الهدى ومن##ار
الحكم##ة ،ودلي##ل على المعرف##ة لمن ع##رف النص##فة ..فل##يرع رج ٌ #ل بص##ره ،وليبل##غ
فإن التفك##ر حي##اة قلب البص##ير، النصفة نظره ينجو من عطب ،ويتخلّص من نشبّ ،
ل التربّص)()2 كما يمشي المستنير في الظلمات ،والنور #يُحسن التخلّص ويُق ّ
وقد فسر اإلمام الباقر هذا الحديث بقوله( :ظاهره تنزيله ،وباطنه تأويله ،منه
ما قد مضى ،ومنه ما لم يكن ،يجري كما يجري الشمس والقم##ر ،كلم##ا ج##اء تأوي##ل
منه يكون على األموات كما يكون على األحياء ،ق##ال هللاَ ﴿ :و َم##ا يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَ #هُ إِاَّل هَّللا ُ
ال ِع ْل ِم ﴾ [آل عمران ]7 :نحن نعلمه)()3 َّاس ُخونَ فِي ْ َوالر ِ
وقال( :ولو أن اآلية إذا نزلت في قوم #ثم مات اولئ##ك الق##وم م##اتت االي##ة ،لم##ا
بقي من الق##رآن ش##ئ ولكن الق##رآن يج##ري أول##ه على آخ##ره م##ا دامت الس##ماوات
واالرض ،ولكل قوم #آية يتلونها #هم منها من خير أو شر)()4
6ـ عقبة األهواء:
ق##ال المعلم :ب##ورك فيكم ..ف##القرآن الك##ريم أعظم من أن يحص##ر في حروف##ه
وألفاظه ،وإال ك#ان مح##دودا ال يفي بك#ل الحاج##ات ،م##ع أن هللا تع##الى ق#الَ ﴿ :ونَ َّز ْلنَ##ا
سلِ ِمينَ ﴾ [النحل]89 : َاب تِ ْبيَانًا لِ ُكلِّ َش ْي ٍء َوهُدًى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى #لِ ْل ُم ْ ك ْال ِكت ََعلَ ْي َ
قال أحدهم :أجل ..فحدثنا #عن العقبة السادسة.
قال المعلم :العقبة السادسة أم ك##ل العقب##ات الس##ابقة وأساس##ها ومنبعه##ا #..فك##ل
االنحرافات #التي وقعت في التأويل سببها اتب#اع اله##وى ،فه##و الحج#اب ال#ذي يح#ول
﴿و ِم ْنهُ ْم َم ْن يَ ْستَ ِم ُع إِلَ ْيكَ َحتَّى بين القلوب والعقول وفهم كلمات ربها ،كما قال تعالىَ :
َ َ
ك ال ِذينَ طبَ َ #ع هللا َعلى َّ ال آنِفًا أُولئِ َ #
َ إِ َذا َخ َرجُوا ِم ْن ِع ْن ِدكَ قَالُوا لِلَّ ِذينَ أُوتُوا ْال ِع ْل َم َما َذا قَ َ
558