You are on page 1of 559

‫هذا الكتاب‬

‫هذا الكتاب هو الجزء األول من أجزاء ثالثة من هذه السلسلة تحاول أن‬
‫تصحح األخطاء الكبرى التي وقعت أثن‪##‬اء التعام‪##‬ل م‪##‬ع الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وهي‬
‫التي أشار إليها الحديث المعروف المشهور‪ ،‬وهو قول رسول هللا ‪( :‬يحمل‬
‫هذا العلم من كل خلف عدوله‪ ،‬ينفون عنه ‌تحريف ‌الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪،‬‬
‫وتأويل الجاهلين)‬
‫وبناء على هذا؛ فإن ه‪##‬ذا الج‪##‬زء يع‪##‬الج المبالغ‪##‬ات والغل‪##‬و ال‪##‬ذي ارتب‪##‬ط‬
‫ببعض العل‪##‬وم القرآني‪##‬ة‪ ،‬أو الفه‪##‬وم المتعلق‪##‬ة ب‪##‬ه‪ ،‬وال‪##‬تي ص‪##‬رفت عن الت‪##‬دبر‬
‫الحقيقي‪ #‬للقرآن الكريم‪ ،‬وجعلت من أولئك الغالة‪ ،‬مثل الذي يهتم بالقش‪#‬ر أك‪#‬ثر‬
‫من اللباب‪ ،‬وباألجزاء أكثر من الكل‪.‬‬
‫ولذلك؛ فهو ال ي‪#‬دعو لط‪##‬رح تل‪##‬ك العل‪##‬وم أو الفه‪#‬وم طرح‪#‬ا‪ #‬كلي‪##‬ا‪ ،‬وإنم‪#‬ا‬
‫يدعو إلى تصحيحها‪ ،‬ونفي الغلو عنها‪ ،‬ووضعها في محاله‪##‬ا المناس‪##‬بة‪ ،‬ح‪##‬تى‬
‫ال تكون سببا يصرف عن تدبر القرآن الكريم‪ ،‬أو يؤثر في فاعليته في الواقع‪.‬‬
‫وقد رأين‪##‬ا أن‪##‬ه يمكن انحص‪##‬ار تل‪##‬ك المبالغ‪##‬ات في س‪#‬بعة قض‪##‬ايا وعل‪##‬وم‬
‫ك‪##‬برى‪ ،‬هي‪ :‬الرس‪##‬م واإلمالء‪ ..‬والتجوي‪##‬د والق‪##‬راءات‪ ..‬وأس‪##‬باب ال‪##‬نزول‪..‬‬
‫ومحال النزول‪ ..‬ومصاديق التنزيل‪ ،‬أو ما يطل‪#‬ق علي‪#‬ه [الج‪#‬ري والتط‪##‬بيق]‪..‬‬
‫والناسخ والمنسوخ‪ ..‬وعقبات التأوي‪##‬ل‪ ،‬وق‪##‬د تناولن‪##‬ا في‪##‬ه س‪##‬بع عقب‪##‬ات ك‪##‬برى‪،‬‬
‫هي‪ :‬عقبة الفضول‪ ،‬وعقبة الخرافة‪ ،‬وعقبة الوهم‪ ،‬وعقبة المحدودي‪##‬ة‪ ،‬وعقب‪##‬ة‬
‫الحرفية‪ ،‬وعقبة األهواء‪ ،‬وعقبة الدجل‪.‬‬
‫التنزيل والتأويل‬

‫(‪)3‬‬

‫القرآن‪ ..‬وتحريف الغالين‬


‫رواية حول الدعوة للتعامل المقاصدي مع القرآن الكريم‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬نور الدين أبو لحية‬


‫‪www.aboulahia.com‬‬

‫الطبعة األولى‬

‫‪ 1443‬ـ ‪2021‬‬

‫دار األنوار للنشر والتوزيع‬



‫فهرس المحتويات‬
‫‪11‬‬ ‫مقدمة الكتاب‬
‫‪12‬‬ ‫الجانب العلمي من الكتاب‪:‬‬
‫‪15‬‬ ‫الجانب الروائي من الكتاب‪:‬‬
‫‪18‬‬ ‫البداية‬
‫‪23‬‬ ‫أوال ـ القرآن‪ ..‬ورسم التنزيل‬
‫‪26‬‬ ‫‪ 1‬ـ التحريف والغلو‪:‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ 2‬ـ القصد واالعتدال‪:‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪ 3‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫‪67‬‬ ‫ثانيا ـ القرآن‪ ..‬وقراءات التنزيل‬
‫‪72‬‬ ‫‪ 1‬ـ القراءات واليسر‪:‬‬
‫‪77‬‬ ‫الدليل األول‪:‬‬
‫‪81‬‬ ‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫‪90‬‬ ‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫‪92‬‬ ‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫‪97‬‬ ‫الدليل الخامس‪:‬‬
‫‪98‬‬ ‫الدليل السادس‪:‬‬
‫‪103‬‬ ‫الدليل السابع‪:‬‬
‫‪105‬‬ ‫نتيجة األدلة‪:‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪ 2‬ـ القراءات والوحدة‪:‬‬
‫‪112‬‬ ‫‪ 3‬ـ القراءات والتواتر‪:‬‬
‫‪125‬‬ ‫‪ 4‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫‪127‬‬ ‫ثالثا ـ القرآن‪ ..‬وأسباب النزول‬
‫‪132‬‬ ‫‪ .1‬أسباب النزول والمؤمنون‪:‬‬
‫‪254‬‬ ‫‪ .2‬أسباب النزول والجاحدون‪:‬‬
‫‪255‬‬ ‫أسباب النزول والمشركون‪:‬‬
‫‪286‬‬ ‫أسباب النزول وأهل الكتاب‪:‬‬
‫‪313‬‬ ‫أسباب النزول والمنافقون‪:‬‬
‫‪326‬‬ ‫أسباب النزول والمنحرفون مطلقا‪:‬‬
‫‪340‬‬ ‫رابعا ـ القرآن‪ ..‬ومحال النزول‬
‫‪340‬‬ ‫‪ .1‬تصنيفات وتحقيقات‪:‬‬
‫‪340‬‬ ‫المفهوم والحدود‪:‬‬
‫‪345‬‬ ‫الميزات والخصائص‪#:‬‬

‫‪4‬‬
‫‪350‬‬ ‫الموضوعات والمقاصد‪:‬‬
‫‪350‬‬ ‫السور المكية‪:‬‬
‫‪356‬‬ ‫السور المدنية‪:‬‬
‫‪363‬‬ ‫‪ . 2‬اختالفات وخالفات‪:‬‬
‫‪363‬‬ ‫سور مختلف فيها‪:‬‬
‫‪374‬‬ ‫آيات مختلف فيها‪:‬‬
‫‪374‬‬ ‫سورة البقرة‪:‬‬
‫‪376‬‬ ‫سورة األنعام‪:‬‬
‫‪382‬‬ ‫سورة األعراف‪:‬‬
‫‪383‬‬ ‫سورة االنفال‪:‬‬
‫‪385‬‬ ‫سورة براءة‪:‬‬
‫‪388‬‬ ‫سورة يونس‪:‬‬
‫‪388‬‬ ‫سورة هود‪:‬‬
‫‪390‬‬ ‫سورة يوسف‪:‬‬
‫‪391‬‬ ‫سورة إبراهيم‪:‬‬
‫‪391‬‬ ‫سورة الحجر‪:‬‬
‫‪393‬‬ ‫سورة النحل‪:‬‬
‫‪394‬‬ ‫سورة اإلسراء‪:‬‬
‫‪399‬‬ ‫سورة الكهف‪:‬‬
‫‪402‬‬ ‫سورة مريم‪:‬‬
‫‪403‬‬ ‫سورة طه‪:‬‬
‫‪404‬‬ ‫سورة الشعراء‪:‬‬
‫‪405‬‬ ‫سورة القصص‪:‬‬
‫‪406‬‬ ‫سورة العنكبوت‪:‬‬
‫‪408‬‬ ‫سورة لقمان‪:‬‬
‫‪409‬‬ ‫سورة السجدة‪:‬‬
‫‪410‬‬ ‫سورة سبأ‪:‬‬
‫‪412‬‬ ‫سورة فاطر‪:‬‬
‫‪413‬‬ ‫سورة يس‪:‬‬
‫‪414‬‬ ‫سورة الزمر‪:‬‬
‫‪415‬‬ ‫سورة غافر‪:‬‬
‫‪416‬‬ ‫سورة الشورى‪:‬‬
‫‪417‬‬ ‫سورة الزخرف‪:‬‬
‫‪418‬‬ ‫سورة الجاثية‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪418‬‬ ‫سورة االحقاف‪:‬‬
‫‪420‬‬ ‫سورة ق‪:‬‬
‫‪421‬‬ ‫سورة النجم‪:‬‬
‫‪422‬‬ ‫سورة القمر‪:‬‬
‫‪423‬‬ ‫سورة الواقعة‪:‬‬
‫‪424‬‬ ‫سورة الملك‪:‬‬
‫‪424‬‬ ‫سورة القلم‪:‬‬
‫‪425‬‬ ‫سورة الم ّزمل‪:‬‬
‫‪427‬‬ ‫سورة المرسالت‪:‬‬
‫‪428‬‬ ‫‪ .3‬شبهات وردود‪:‬‬
‫‪430‬‬ ‫العنف والشدة‪:‬‬
‫‪433‬‬ ‫التقريع والتوبيخ‪:‬‬
‫‪439‬‬ ‫االنحطاط والتعارض‪:‬‬
‫‪440‬‬ ‫القصار والطوال‪:‬‬
‫‪442‬‬ ‫تشريعات وأحكام‪:‬‬
‫‪445‬‬ ‫براهين وأدلة‪:‬‬
‫‪448‬‬ ‫الحس والمعنى‪:‬‬
‫‪451‬‬ ‫لغو وغموض‪:‬‬
‫‪456‬‬ ‫خامسا ـ القرآن‪ ..‬ومصاديق التنزيل‬
‫‪457‬‬ ‫‪ .1‬المصاديق والتأويل الصحيح‪:‬‬
‫‪464‬‬ ‫‪ .2‬المصاديق والتأويل المنحرف‪:‬‬
‫‪465‬‬ ‫نماذج للتفسير المنحرف‪:‬‬
‫‪470‬‬ ‫مثال البعوضة‪:‬‬
‫‪474‬‬ ‫السماء والطارق‪:‬‬
‫‪476‬‬ ‫ليلة القدر‪:‬‬
‫‪478‬‬ ‫النبأ العظيم‪:‬‬
‫‪481‬‬ ‫الخنّس‪:‬‬
‫‪486‬‬ ‫سنفرغ لكم أيها الثقالن‪:‬‬
‫‪489‬‬ ‫هذا الذي كنتم به تكذبون‪:‬‬
‫‪491‬‬ ‫دين القيمة‪:‬‬
‫‪492‬‬ ‫نارا تلظى‪:‬‬
‫‪494‬‬ ‫ك رقبة‪:‬‬‫ف ّ‬
‫‪498‬‬ ‫والتين والزيتون‪:‬‬
‫‪500‬‬ ‫وطور‪ #‬سينين‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫‪501‬‬ ‫يا ليتني كنت ترابا‪:‬‬
‫‪503‬‬ ‫أهل الكتاب‪:‬‬
‫‪506‬‬ ‫لحبّ الخير لشديد‪:‬‬
‫‪508‬‬ ‫لقد خلقنا اإلنسان في أحسن تقويم‪:‬‬
‫‪509‬‬ ‫لعلي حكيم‪:‬‬
‫‪511‬‬ ‫فإذا فرغت فانصب‪:‬‬
‫‪514‬‬ ‫الذي يكذب بالدين‪:‬‬
‫‪515‬‬ ‫عاملة ناصبة‪:‬‬
‫‪518‬‬ ‫اثنا عشر شهرا‪:‬‬
‫‪520‬‬ ‫رب المشرقين ورب المغربين‪:‬‬
‫‪521‬‬ ‫والفجر وليال عشر‪:‬‬
‫‪523‬‬ ‫والسماء ذات البروج‪:‬‬
‫‪525‬‬ ‫والشمس وضحاها والقمر إذا تالها‪:‬‬
‫‪527‬‬ ‫والنور الذي أنزلنا‪:‬‬
‫‪529‬‬ ‫واآلخرة خير وأبقى‪:‬‬
‫‪531‬‬ ‫وقال اإلنسان ما لها‪:‬‬
‫‪533‬‬ ‫فاستبقوا الخيرات‪:‬‬
‫‪535‬‬ ‫إقامة الصالة‪:‬‬
‫‪538‬‬ ‫األمر بالمعروف‪ #‬والنهي عن المنكر‪:‬‬
‫‪540‬‬ ‫مصادر التفسير المنحرف‪:‬‬
‫‪544‬‬ ‫تفسير العسكري‪:‬‬
‫‪554‬‬ ‫تفسير القمي‪:‬‬
‫‪563‬‬ ‫تفسير العياشي‪:‬‬
‫‪565‬‬ ‫تفسير الحويزي‪:‬‬
‫‪566‬‬ ‫تفسير البحراني‪:‬‬
‫‪568‬‬ ‫‪ .3‬الغالة وتحريف التنزيل‪:‬‬
‫‪570‬‬ ‫شهادات وتصريحات‪:‬‬
‫‪581‬‬ ‫الحشوية واإلخباريون‪:‬‬
‫‪595‬‬ ‫تدليس وتزوير‪:‬‬
‫‪603‬‬ ‫‪ 4‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫‪606‬‬ ‫سادسا ـ القرآن‪ ..‬وتعطيل التنزيل‬
‫‪608‬‬ ‫‪ 1‬ـ نسخ التالوة‪:‬‬
‫‪608‬‬ ‫شواهد وإشكاالت‪:‬‬
‫‪613‬‬ ‫ردود وإجابات‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫‪613‬‬ ‫من المدرسة السنية‪:‬‬
‫‪624‬‬ ‫من المدرسة الشيعية‪:‬‬
‫‪629‬‬ ‫‪ 2‬ـ نسخ األحكام‪:‬‬
‫‪631‬‬ ‫المنكرون للنسخ‪:‬‬
‫‪631‬‬ ‫من المدرسة الشيعية‪:‬‬
‫‪634‬‬ ‫من المدرسة السنية‪:‬‬
‫‪645‬‬ ‫الدليل القرآني للنسخ‪:‬‬
‫‪656‬‬ ‫آيات النسخ وتوجيهها‬
‫‪658‬‬ ‫آيات الرحمة والشدة‪:‬‬
‫‪666‬‬ ‫آيات الرخصة والعزيمة‪:‬‬
‫‪675‬‬ ‫آيات التدرج واللطف‪:‬‬
‫‪683‬‬ ‫آيات البر والصلة‪:‬‬
‫‪700‬‬ ‫آيات العفاف والتحصين‪:‬‬
‫‪709‬‬ ‫آيات الزواج وأحكامه‪:‬‬
‫‪722‬‬ ‫آيات العفو والتوبة‪:‬‬
‫‪730‬‬ ‫‪ 3‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫‪733‬‬ ‫سابعا ـ القرآن‪ ..‬وعقبات التأويل‬
‫‪736‬‬ ‫‪ 1‬ـ عقبة الفضول‪:‬‬
‫‪785‬‬ ‫‪ 2‬ـ عقبة الخرافة‪:‬‬
‫‪795‬‬ ‫‪ 3‬ـ عقبة الوهم‪:‬‬
‫‪813‬‬ ‫‪ 4‬ـ عقبة المحدودية‪:‬‬
‫‪827‬‬ ‫‪ 5‬ـ عقبة الحرفية‪:‬‬
‫‪833‬‬ ‫‪ 6‬ـ عقبة األهواء‪:‬‬
‫‪838‬‬ ‫‪ 7‬ـ عقبة الدجل‪:‬‬
‫‪846‬‬ ‫النهاية‬
‫‪849‬‬ ‫هذا الكتاب‬

‫‪8‬‬
‫مقدمة الكتاب‬
‫هذا الكت‪##‬اب ه‪##‬و الج‪##‬زء األول من أج‪##‬زاء ثالث‪##‬ة من ه‪##‬ذه السلس‪##‬لة تح‪##‬اول أن‬
‫تصحح األخطاء الكبرى ال‪##‬تي وقعت أثن‪##‬اء التعام‪##‬ل م‪##‬ع الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وهي ال‪##‬تي‬
‫أشار إليها الحديث المعروف‪ #‬المشهور‪ ،‬وهو قول رس‪#‬ول هللا ‪( :‬يحم‪#‬ل ه‪#‬ذا العلم‬
‫من ك‪##‬ل خل‪##‬ف عدول‪##‬ه‪ ،‬ينف‪##‬ون عن‪##‬ه ‌تحري‪##‬ف ‌الغ‪##‬الين‪ ،‬وانتح‪##‬ال المبطلين‪ ،‬وتأوي‪##‬ل‬
‫الجاهلين) (‪)1‬‬
‫وق‪##‬د‪ #‬رأين‪##‬ا تق‪##‬ديمها على غيره‪##‬ا من األج‪##‬زاء ال‪##‬تي تبحث في المواض‪##‬يع‪#‬‬
‫والمقاصد‪ #‬القرآنية‪ ،‬حتى ال نكرر في كل جزء االنحرافات والتأويالت الخاطئة التي‬
‫ترتبط‪ #‬بالقضايا ال‪##‬تي نطرحه‪##‬ا‪ #..‬وح‪##‬تى نص‪##‬رف الش‪##‬به عن الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬والفهم‬
‫الخاطئ له‪ ،‬وهو مقدم على غيره؛ ألن التعامل الخ‪##‬اطئ ن‪##‬وع من الجه‪##‬ل الم‪##‬ركب‪،‬‬
‫وال يمكن معالجة الجهل البسيط‪ #‬إال بعد إصالح الخلل الناجم عن الجهل المركب‪.‬‬
‫ومن خالل الحديث الشريف تبين لنا أن للتعام‪#‬ل الخ‪##‬اطئ م‪#‬ع الق‪##‬رآن الك‪#‬ريم‬
‫ثالثة ميادين كبرى‪ ،‬لكل ميدان أهله الخاصون به‪:‬‬
‫أما األول؛ فهو التحريف‪ ،‬وأهله هم الغ‪##‬الون‪ ،‬وق‪##‬د رأين‪#‬ا أنهم يش‪#‬ملون أولئ‪##‬ك‬
‫المؤمنين الصادقين في إيمانهم‪ ،‬لكنهم نتيجة مبالغاتهم وتش‪##‬ددهم‪ #‬وغل‪##‬وهم في بعض‬
‫األمور‪ ،‬وقعوا‪ #‬في التحريف من غير أن يقص‪##‬دوه أو يش‪##‬عروا ب‪##‬ه‪ ..‬وق‪##‬د تن‪##‬اول ه‪##‬ذا‬
‫الجزء هذا النوع من الخلل الذي حصل للتعامل مع القرآن الكريم‪.‬‬
‫وأما الثاني؛ فهو‪ #‬االنتح‪#‬ال وال‪#‬تزوير‪ #‬والت‪#‬دليس‪ ،‬وأهل‪#‬ه هم المبطل‪#‬ون‪ ،‬وهم ـ‬
‫ليسوا كالطرف‪ #‬األول مؤم‪##‬نين ص‪#‬ادقين ـ وإنم‪#‬ا هم منحرف‪##‬ون مغرض‪#‬ون‪ #‬متبع‪#‬ون‬
‫للباطل‪ ،‬وال يستبعد‪ #‬أن يكون منهم من يكون صاحب ني‪##‬ة س‪##‬يئة‪ ،‬وال يبع‪##‬د أيض‪##‬ا أن‬
‫يكون منهم الضالون الذين اشتبهت عليهم األمور؛ فتوهموا‪ #‬الباط‪##‬ل حق‪##‬ا‪ ،‬والض‪##‬الل‬
‫هداي‪##‬ة‪ ..‬وق‪##‬د خصص‪##‬نا‪ #‬الج‪##‬زء الراب‪##‬ع من ه‪##‬ذه السلس‪##‬لة لل‪##‬رد والتص‪##‬حيح المرتب‪#‬ط‪#‬‬
‫بهؤالء‪.‬‬
‫وأما الثالث؛ فهو‪ #‬التأويل الزائغ عن الحق‪ ،‬وأهله هم الجهلة الذين ال يفرق‪##‬ون‬
‫بين المحكم والمتشابه‪ ،‬وال يرجعون للراسخين في العلم منهم‪ ،‬ولذلك انحرف فهمهم‬
‫عن المعاني القرآنية إلى أضدادها‪ ..‬وقد خصصنا‪ #‬الجزء الخ‪##‬امس من ه‪##‬ذه السلس‪##‬لة‬
‫للرد والتصحيح المرتبط بهؤالء‪.‬‬
‫وبناء على هذا؛ فإن هذا الجزء يع‪##‬الج المبالغ‪##‬ات والغل‪##‬و ال‪##‬ذي ارتب‪##‬ط ببعض‬
‫العلوم القرآنية‪ ،‬أو الفه‪##‬وم المتعلق‪##‬ة ب‪##‬ه‪ ،‬وال‪##‬تي ص‪##‬رفت عن الت‪##‬دبر الحقيقي للق‪##‬رآن‬
‫الكريم‪ ،‬وجعلت من أولئك الغالة‪ ،‬مثل الذي يهتم بالقشر أكثر من اللباب‪ ،‬وباألجزاء‬
‫أكثر من الكل‪.‬‬
‫ولذلك؛ فهو‪ #‬ال يدعو لطرح تلك العلوم أو الفهوم طرحا‪ #‬كليا‪ ،‬وإنما ي‪##‬دعو إلى‬
‫‪ )( 1‬الحديث مروي في المصادر السنية والشيعية‪ ،‬ومنها‪ :‬البيهقي في السنن الكبرى ‪ ،209 /10‬ومعاني األخبار ص ‪.33‬‬
‫‪9‬‬
‫تصحيحها‪ ،‬ونفي الغلو عنه‪##‬ا‪ ،‬ووض‪##‬عها‪ #‬في محاله‪##‬ا المناس‪##‬بة‪ ،‬ح‪##‬تى ال تك‪##‬ون س‪##‬ببا‬
‫يصرف‪ #‬عن تدبر القرآن الكريم‪ ،‬أو يؤثر في فاعليته في الواقع‪.‬‬
‫وقد رأينا أنه يمكن انحصار تلك المبالغ‪##‬ات في س‪##‬بعة قض‪##‬ايا‪ #‬وعل‪##‬وم ك‪##‬برى‪،‬‬
‫وض‪##‬عنا ك‪##‬ل قض‪#‬ية أو علم منه‪##‬ا في فص‪##‬ل خ‪#‬اص‪ ،‬سنش‪##‬رحها هن‪##‬ا‪ ،‬ونش‪#‬رح‪ #‬معه‪#‬ا‬
‫الجانب الروائي من الكتاب‪ ،‬والذي يهدف إلى التبسيط والتيسير واالستيعاب‪#.‬‬
‫الجانب العلمي من الكتاب‪:‬‬
‫قسمنا الكتاب من خالل القضايا الك‪##‬برى المطروح‪##‬ة في‪##‬ه إلى س‪##‬بعة فص‪##‬ول‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫أوال ـ القرآن‪ ..‬ورسم التنزيل‪ :‬وقد‪ #‬تناولنا فيه االهتمام المبالغ في‪##‬ه بم‪##‬ا يطل‪##‬ق‬
‫عليه [الرسم العثم‪##‬اني]‪ ،‬واعتب‪##‬اره موقوف‪##‬ا‪ #،‬ال يج‪##‬وز‪ #‬االجته‪##‬اد في‪##‬ه‪ ،‬وبين‪##‬ا أن ذل‪##‬ك‬
‫الرسم مرتبط فقط بتلك البيئة التي لم تنضج فيه الكتابة العربية بعد‪ ،‬ولذلك ال عالقة‬
‫له ب‪##‬القرآن الك‪##‬ريم‪ ،‬ويمكن كتاب‪##‬ة المص‪##‬احف‪ #‬بالرس‪##‬م اإلمالئي الع‪##‬ادي ال‪##‬ذي ييس‪##‬ر‬
‫لعام‪##‬ة الن‪##‬اس ق‪##‬راءة الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم من دون حاج‪##‬ة لمن يص‪##‬حح لهم‪ ،‬م‪##‬ع إمكاني‪##‬ة‬
‫االحتفاظ بمصاحف‪ #‬كتبت بالرسم العثماني‪ #‬لتكون في متناول الخاص‪##‬ة من الن‪##‬اس ال‬
‫عامتهم‪.‬‬
‫ثانيا ـ القرآن‪ ..‬وقراءات التنزيل‪ :‬وقد تناولنا‪ #‬فيه االهتمام المب‪#‬الغ في‪#‬ه بعلمين‬
‫أصبحا عند كثير من الناس حجاب‪##‬ا دون ت‪#‬دبر الق‪##‬رآن الك‪#‬ريم‪ ،‬وهم‪#‬ا [علم التجوي‪#‬د]‬
‫و[علم القراءات]‪ ،‬وبينا أن أكثر تلك االهتمامات من التكلف والغل‪#‬و‪ #‬ال‪##‬ذي ال عالق‪##‬ة‬
‫له بالقرآن الكريم‪ ،‬والذي جعله هللا تعالى يسيرا سهال لك‪##‬ل ق‪##‬ارئ‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪:‬‬
‫﴿فَإِنَّ َم‪#‬ا يَ َّس‪#‬رْ نَاهُ بِلِ َس‪#‬انِكَ لَ َعلَّهُ ْم يَتَ‪َ #‬ذ َّكرُونَ ﴾ [ال‪##‬دخان‪ ،]58 :‬وق‪#‬ال‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د يَ َّس‪#‬رْ نَا ْالقُ‪#‬رْ آنَ‬
‫ر﴾ [القمر‪]22 :‬‬ ‫لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍ‬
‫ثالثا ـ القرآن‪ ..‬وأسباب النزول‪ :‬وقد تناولنا فيه االهتمام المب‪##‬الغ في‪##‬ه بأس‪##‬باب‬
‫النزول إلى الدرجة التي تحول فيها القرآن الكريم إلى وثيق‪##‬ة تاريخي‪##‬ة ال عالق‪##‬ة له‪##‬ا‬
‫بالحياة‪ ،‬وقد‪ #‬بينا من خالل استعراض أسباب النزول كيفية التعامل الصحيح معها‪.‬‬
‫رابعا ـ القرآن‪ ..‬ومحال النزول‪ :‬وقد تناولنا فيه االهتمام المبالغ فيه بما يطل‪#‬ق‬
‫عليه [المكي والمدني]‪ ،‬وبينا‪ #‬كيفية االستثمار‪ #‬الصحيح لها‪.‬‬
‫خامسا ـ القرآن‪ ..‬ومصاديق التنزيل‪ :‬وقد‪ #‬تناولنا فيه خصوصا‪ #‬ما يطلق عليه‬
‫[الجري والتط‪##‬بيق]‪ ،‬وخصوص‪##‬ا في تطبيقات‪##‬ه الخاطئ‪##‬ة ال‪##‬تي ق‪##‬ام به‪##‬ا غالة الش‪##‬يعة‬
‫الذين حملوا كل آيات القرآن الكريم على أئمة اله‪##‬دى‪ ،‬من غ‪##‬ير مراع‪##‬اة أي مناس‪##‬بة‬
‫تدعو إلى ذلك‪ ..‬وقد بين‪#‬ا في‪#‬ه أق‪#‬وال العلم‪##‬اء الع‪#‬دول من الش‪#‬يعة في ال‪##‬رد على تل‪##‬ك‬
‫المبالغات‪ ،‬سواء من خالل نقد أسانيدها‪ ،‬أو من خالل بيان تفسيراتهم لتلك اآليات‪.‬‬
‫سادسا ـ القرآن‪ ..‬وتعطيل التنزيل‪ :‬وقد‪ #‬تناولن‪#‬ا في‪##‬ه بتفص‪##‬يل ش‪##‬ديد م‪#‬ا يطل‪#‬ق‬
‫عليه [الناسخ والمنسوخ]‪ ،‬وبينا أنه ـ بأنواعه جميعا ـ معارض لتفعيل القرآن الكريم‪#‬‬
‫‪10‬‬
‫في الواقع‪ ،‬ثم استعرضنا كل اآليات التي قيل بنسخها‪ ،‬وبينا إمكانية االستفادة منه‪##‬ا‪،‬‬
‫وتفعيلها فيما نزلت من أجله‪.‬‬
‫سابعا ـ القرآن‪ ..‬وعقبات التأويل‪ :‬وقد‪ #‬تناولنا فيه العقبات الك‪##‬برى ال‪#‬تي وق‪#‬ع‬
‫فيها المفسرون‪ ،‬وقد رأينا أنها سبعة عقبات‪ ،‬ذكرنا نماذج عن كل واحدة منها‪ ،‬ألننا‬
‫سنستعرض‪ #‬تفاصيلها في سائر األجزاء‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عقبة الفضول‪ :‬ونقصد‪ #‬بها التكلف في البحث عن القضايا واألخب‪##‬ار‪ #‬ال‪##‬تي‬
‫لم يرد في القرآن الكريم تفصيلها‪ ،‬ولم تكن هناك حاجة تدعو إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ عقب‪##‬ة الخراف‪##‬ة‪ :‬ونقص‪##‬د به‪##‬ا الخراف‪##‬ات ال‪##‬تي ألص‪##‬قت ب‪##‬القرآن الك‪##‬ريم‪،‬‬
‫وجعلته يتعارض مع العقل أو العلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عقبة الوهم‪ :‬ونقصد بها تلك األوهام التي تسربت خصوصا‪ #‬إلى التفاس‪##‬ير‬
‫الباطنية؛ فجعلت للكشف واإللهام دورا‪ #‬في تفسير الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم من غ‪##‬ير أي دلي‪##‬ل‬
‫أو حجة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ عقبة المحدودية‪ :‬ونقصد بها ما تعلق به المت‪##‬أثرون بالتفس‪##‬ير الم‪##‬أثور‪ #‬من‬
‫قصر‪ #‬فهم القرآن الكريم‪ #‬على سلف األمة دون خلفها‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ عقبة الحرفي‪##‬ة‪ :‬ونقص‪#‬د‪ #‬به‪##‬ا م‪##‬ا نش‪##‬أ عن التعل‪##‬ق ب‪##‬الظواهر القرآني‪##‬ة‪ ،‬من‬
‫انحرافات‪ #‬ترتبط بالتجسيم والتشبيه ونحوها‪#.‬‬
‫‪ 6‬ـ عقبة األهواء‪ :‬ونقصد بها تل‪##‬ك التفاس‪##‬ير ال‪##‬تي انطل‪##‬ق فيه‪##‬ا أص‪##‬حابها من‬
‫تعصبهم‪ #‬لطوائفهم؛ فجعلوه متحكما في القرآن الكريم‪ ،‬وحاكما عليه‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ عقبة الدجل‪ :‬ونقصد بها ربط القرآن الكريم‪ #‬بالشعوذة والدجل‪ ،‬كن‪##‬وع من‬
‫االستغالل الخاطئ لما ورد فيه من البركات وتحقيق‪ #‬الشفاء ونحوهما‪.‬‬
‫الجانب الروائي من الكتاب‪:‬‬
‫تبدأ الرواية من زيارة معلم القصد واالعت‪##‬دل لتلمي‪##‬ذ الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬لي‪##‬دعوه‬
‫للرحيل إلى بلدة الغالين‪ ،‬للمساهمة مع‪##‬ه في ال‪##‬دعوة لالعت‪##‬دال والوس‪##‬طية والتعام‪##‬ل‬
‫المقاصدي مع القرآن الكريم‪.‬‬
‫وعن‪##‬دما ذهب تلمي‪##‬ذ الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم للبل‪##‬دة تفاج‪##‬أ باهتمامه‪##‬ا الكب‪##‬ير ب‪##‬القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬في نفس الوقت الذي لم تظه‪##‬ر عليهم آث‪##‬اره العملي‪##‬ة‪ ،‬ال في حي‪##‬اتهم‪ ،‬وال في‬
‫سلوكهم‪ ،‬ثم يكتشف أن سبب ذلك هو غلوهم في بعض قضاياه أو علومه عن التدبر‬
‫والتأثر‪ #‬واالنفعال‪.‬‬
‫وأول تلك المحال التي رأى مبالغة أهل تلك المدينة فيها‪ ،‬هي الرسم واإلمالء‬
‫القرآني‪ ،‬وقد سمع منهم وجوه المبالغة في‪##‬ه‪ ،‬وأس‪##‬بابها‪ ،‬لكن ت‪##‬دخل المعلم‪ ،‬وطريقت‪##‬ه‬
‫الحكيمة في التعامل مع تلك القضية‪ ،‬جعلتهم يميل‪##‬ون إلي‪##‬ه‪ ،‬ويقبل‪##‬ون قول‪##‬ه في كتاب‪##‬ة‬
‫المص‪##‬احف وتعليم‪ #‬الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ب‪##‬اإلمالء الع‪##‬ادي‪ ..‬وق‪##‬د‪ #‬ك‪##‬ان ذل‪##‬ك أول توجي‪##‬ه‬
‫وتص‪##‬حيح أله‪##‬ل تل‪##‬ك المدين‪##‬ة‪ ،‬جعلهم يثق‪##‬ون في المعلم‪ ،‬وال‪##‬ذي اس‪##‬تطاع بطريقت‪##‬ه‬
‫الخاصة أن يؤثر فيهم‪ ،‬ويجعلهم‪ #‬يقبلون كل ما يطلبه منهم‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫وهكذا‪ ،‬انتقل إلى المهتمين بالقراءات والتجوي‪#‬د‪ #،‬وص‪#‬حح لهم م‪#‬ا يقع‪#‬ون في‪#‬ه‬
‫من مبالغات‪ ،‬ودعاهم إلى ما ورد في القرآن الكريم من اليسر والسهولة‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى المبالغين في أسباب النزول‪ ،‬وص‪##‬حح لهم كيفي‪##‬ة التعام‪##‬ل معه‪##‬ا‪،‬‬
‫وبين لهم من خالل تعليق‪##‬ه على أس‪##‬باب ال‪##‬نزول ال‪##‬تي يوردونه‪###‬ا كيفي‪##‬ة التعام‪##‬ل‬
‫الصحيح معها ومع اآليات المرتبطة بها‪.‬‬
‫وهكذا سرت تعاليم المعلم في الذين يب‪##‬الغون في مح‪##‬ال ال‪##‬نزول‪ ،‬وعلم المكي‬
‫والمدني؛ فصاروا يبحثون في أسرارها وكيفية االستفادة منها‪.‬‬
‫وهكذا اس‪##‬تطاع أن يص‪##‬ل إلى القض‪##‬اء‪ ،‬وي‪##‬دعو إلى محاكم‪##‬ة متهمين معطل‪##‬ة‬
‫أحك‪##‬امهم‪ ،‬بتهم‪##‬ة التفس‪##‬ير الب‪##‬اطني للق‪##‬رآن الك‪##‬ريم والق‪##‬ول بتحريف‪##‬ه‪ ،‬وق ‪#‬د‪ #‬ك‪##‬انت‬
‫المحاكمة فرصة ألولئك الفتية لي‪##‬دافعوا‪ #‬عن أنفس‪##‬هم‪ ،‬وي‪##‬بينوا‪ #‬أن م‪##‬ا نس‪##‬ب لهم غ‪##‬ير‬
‫صحيح‪ ،‬بل هو من فعل الغالة الذين يتبرؤون‪ #‬منهم‪ ،‬وقد ك‪##‬ان ذل‪##‬ك فرص‪##‬ة لتحقي‪##‬ق‬
‫الوحدة والتآلف بين أهل المدينة‪.‬‬
‫وبفعل كل تلك التغييرات الطارئة على المدينة بسبب توجيه‪##‬ات‪ #‬المعلم خ‪##‬رج‬
‫أحفاد قت‪##‬ادة‪ ،‬وه‪##‬و من ينس‪##‬ب إلي‪##‬ه أول كت‪##‬اب في الناس‪##‬خ والمنس‪##‬وخ‪ ،‬ليت‪##‬برؤوا‪ #‬من‬
‫مق‪##‬والت ج‪##‬دهم‪ ،‬ويجيب‪##‬وا عن ك‪##‬ل األس‪##‬ئلة ال‪##‬تي ط‪##‬رحت عليهم‪ ،‬وال‪##‬تي من خالل‬
‫أجوبتهم‪ #‬لها‪ ،‬بينوا أن القرآن الكريم كله محكم ال تعطيل في أي كلمة من كلمات‪##‬ه‪ ،‬أو‬
‫آية من آياته‪.‬‬
‫وبعد أن حصل كل ذلك قرر أهل المدينة‪ ،‬وبإش‪##‬راف‪ #‬المعلم‪ ،‬القي‪##‬ام بمراجع‪##‬ة‬
‫شاملة للتفاسير القرآنية‪ ،‬ليميز ما فيها من غلو وتحريف وانحراف‪#.‬‬
‫وفي آخر الرحلة‪ ،‬وببركات ذلك كله تحولت المدينة إلى مدينة قرآنية حقيقية‪،‬‬
‫تحاول أن تتدبر القرآن الكريم‪ ،‬وتعيش معانيه‪ ،‬بعيدا عن الغلو والتحريف‪#.‬‬
‫وقد حاولنا في هذا الجانب أن نطرح كل القضايا بس‪##‬هولة ويس‪##‬ر واس‪##‬تيعاب‪،‬‬
‫ولذلك كثر المتحدثون في الرواية‪ ،‬سواء من الغالة المنحرفين‪ ،‬أو من غيرهم‪.‬‬
‫وننب‪##‬ه في األخ‪##‬ير إلى أن التوثيق‪##‬ات ال‪##‬واردة قب‪##‬ل ذك‪##‬ر الق‪##‬ول‪ ،‬ت‪##‬بين مص‪##‬در‬
‫الكالم المطروح‪ ،‬لكن ليس بالضرورة أن يك‪##‬ون نفس الكالم موج‪##‬ودا‪ #‬في المص‪##‬در‪،‬‬
‫ألني أتصرف فيه بحسب المق‪##‬ام‪ ،‬وأحيان‪#‬ا‪ #‬يك‪##‬ون لص‪##‬احب الكت‪##‬اب غ‪##‬رض مختل‪##‬ف‬
‫تماما‪ ،‬لكني أصححه في النص‪ ،‬بخالف النص‪##‬وص ال‪##‬تي تك‪##‬ون في ثناي‪##‬ا الكالم‪ ،‬أو‬
‫بين قوسين‪ ،‬فهي منقولة بدقة وأمانة‪.‬‬
‫وذلك ألن هذه السلسلة وغيرها من السالسل تهدف إلى التقريب والوحدة بين‬
‫المسلمين‪ ،‬ولذلك أحذف كل ما يسيء إلى تلك الوحدة‪ ،‬ومثلها ما قد يصرف‪ #‬القارئ‬
‫عن المقصد من الكتاب‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫البداية‬
‫بعد أن طلب مني معلمي معلم القرآن االستعداد للسفر للرحل‪##‬ة الخاص‪##‬ة بتعلم‬
‫ما يتعلق بـ [القرآن‪ ..‬وتحريف‪ #‬الغالين] رحت أبحث في كل الكتب التي تتح‪#‬دث عن‬
‫الغلو‪ ،‬وأسبابه‪ ،‬وكيف واجه القرآن الكريم ه‪##‬ذه الظ‪##‬اهرة الخط‪##‬يرة ال‪##‬تي تنتش‪#‬ر‪ #‬في‬
‫كل المجتمعات‪ ،‬وبين أهل كل األديان‪.‬‬
‫وحين قرأت كل ذلك‪ ،‬عرفت سر قوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫ب اَل تَ ْغلُوا فِي‬
‫ض‪#‬لُّوا ع َْن‬
‫ض‪#‬لُّوا‪َ #‬كثِ‪##‬يرًا َو َ‬ ‫ضلُّوا ِم ْن قَ ْب ُل َوأَ َ‬ ‫ق َواَل تَتَّبِعُوا أَ ْه َوا َء قَوْ ٍ‪#‬م قَ ْد َ‬ ‫ِدينِ ُك ْم َغي َْر ْال َح ِّ‬
‫َس َوا ِء ال َّسبِي ِل﴾ [المائ‪##‬دة‪ ،]77 :‬وكيف‪ #‬اعت‪##‬بر الغل‪##‬و س‪##‬ببا التب‪##‬اع األه‪##‬واء‪ ..‬ثم س‪##‬ببا لك‪##‬ل‬
‫أنواع الضاللة‪.‬‬
‫م‪##‬ا إن ع‪##‬رفت ذل‪##‬ك‪ ،‬ح‪##‬تى رأيت رجال ال يختل‪##‬ف عن ك‪##‬ل المعلمين ال‪##‬ذين‬
‫رأيتهم؛ ففرحت كثيرا‪ ،‬وقلت مخاطبا‪ #‬له‪ :‬من أنت من المعلمين؟‬
‫قال‪ :‬أنا معلم القصد واالعتدال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إذن أنت الذي سأرحل معه إلى [القرآن‪ ..‬وتحريف‪ #‬الغالين]‬
‫قال‪ :‬أجل‪ ..‬فقد كلفني معلمي معلم القرآن بذلك‪ ..‬وأنا ط‪#‬وع‪ #‬أم‪#‬ره‪ ..‬فعلي‪##‬ك أن‬
‫تكون طوع أمري‪ ،‬حتى ال يحصل لك ما حصل لموسى عليه السالم مع الخضر‪.‬‬
‫صي لَكَ أَ ْمرًا﴾ [الكهف‪]69 :‬‬ ‫صابِرًا َواَل أَ ْع ِ‬ ‫قلت‪ :‬ال تخف‪َ ﴿ ..‬ستَ ِج ُدنِي إِ ْن َشا َء هَّللا ُ َ‬
‫ك ِم ْنهُ ِذ ْكرًا﴾ [الكهف‪]70 :‬‬ ‫ث لَ َ‬ ‫قال‪﴿ :‬فَإِ ِن اتَّبَ ْعتَنِي فَاَل تَسْأ َ ْلنِي ع َْن َش ْي ٍء َحتَّى أُحْ ِد َ‬
‫قلت‪ :‬لك ذلك‪ ..‬فقد علمني معلمي معلم السالم أن أكون لينا سهال متسامحا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وشديدا‪ #‬في ذات هللا‪ ..‬فنحن سنقوم برحل‪##‬ة تقتض‪##‬ي من‪##‬ا بعض الش‪##‬دة‪ ،‬أو‬
‫الكثير منها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أنحن ذاهب‪##‬ون إلى بالد الكف‪##‬ار‪ ..‬فق‪##‬د وص‪#‬ف‪ #‬هللا المؤم‪##‬نين بالش‪##‬دة على‬
‫ار﴾ [الفتح‪]29 :‬‬ ‫الكفار‪ ،‬فقال‪ُ ﴿ :‬م َح َّم ٌد َرسُو ُل هَّللا ِ َوالَّ ِذينَ َم َعهُ أَ ِش َّدا ُء َعلَى ْال ُكفَّ ِ‬
‫ق‪###‬ال‪ :‬ال ‪ ..‬نحن ذاهب‪###‬ون إلى بالد المؤم‪###‬نين‪ ..‬ولكنهم‪ #‬خلط‪###‬وا إيم‪###‬انهم بم‪###‬ا‬
‫يشوهه‪ ،‬حتى صاروا‪ #‬وسيلة يتذرع بها الكفار لكفرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فما تريد أن نفعل لهم؟‬
‫قال‪ :‬ننصحهم‪ #‬بكل لين ورأفة‪ ..‬وبكل قوة وشدة حتى يرتدعوا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعيت اللين والرأفة لكني لم أع القوة والشدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬القوة في الحق‪ ..‬والشدة في تبليغه‪ ،‬حتى ال تأخذنا في الحق لومة الئم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهمت‪ ..‬كنت أتوهم أن الشدة عنف وبطش‪.‬‬
‫قال‪ :‬معاذ هللا‪ ..‬فنحن ليس لدينا سوى‪ #‬سالح الكلمة وأنواره‪##‬ا‪ #..‬الكلم‪##‬ة القوي‪##‬ة‬
‫الشديدة التي ال تداري‪ #‬وال تماري‪#.‬‬
‫قلت‪ :‬فألي بالد المؤم‪##‬نين تري‪##‬د أن نس‪##‬ير لن‪##‬ؤدي واجبن‪##‬ا في األم‪##‬ر والنهي‬
‫‪13‬‬
‫والنصح واإلرشاد‪#.‬‬
‫قال‪ :‬إلى مدينة أس‪#‬اءت فهم الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم‪ ،‬فزاحمت‪#‬ه بعل‪#‬وم‪ #‬كث‪#‬يرة‪ ،‬فيه‪#‬ا م‪#‬ا‬
‫يجدي‪ ،‬وفيها ما ال يجدي‪ ،‬وفيها‪ #‬النافع‪ ،‬وفيها‪ #‬الض‪##‬ار‪ #..‬ونحن سنس‪##‬ير‪ #‬إليه‪##‬ا لن‪##‬ؤدي‪#‬‬
‫واجبنا في نصحها‪ ..‬لعلهم يعقلون ويهتدون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهل تريد مني أن أشاركك في التوجيه والنصح؟‬
‫قال‪ :‬أجل‪ ..‬لقد طلب مني معلمنا معلم القرآن ذلك‪ ..‬فل‪##‬ك أن تش‪##‬ارك لكن بع‪##‬د‬
‫أن ترى مني ما يدل على إذني لك‪ ..‬حتى ال نخرب ما نريد بناءه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لقد تعودت من كل المعلمين أن أعرف مسار رحلتي قبل البدء بها‪.‬‬
‫قال‪ :‬سنسير‪ #‬إلى سبعة محال كبرى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فما أولها؟‬
‫قال‪ :‬أولها المحل الذي نوجه فيه أولئك الذين غ‪##‬الوا في كتاب‪##‬ة الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫ورسمه حتى توهموا أنه البد أن يكتب بم‪##‬ا كتب‪##‬ه ب‪##‬ه األول‪##‬ون‪ ،‬ح‪##‬تى ل‪##‬و خ‪##‬الف ك‪##‬ل‬
‫أع‪##‬راف الكتاب‪##‬ة وقوانينه‪##‬ا‪ ،‬وح‪##‬تى ل‪##‬و أدى ألن يق‪##‬رأه عام‪##‬ة الن‪##‬اس على خالف م‪##‬ا‬
‫أنزل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أع‪##‬رف ه‪##‬ؤالء جي‪##‬دا‪ ،‬وأع‪##‬رف غل‪##‬وهم ومبالغ‪##‬اتهم‪ ،‬وال‪##‬تي جعلتهم‬
‫يتوهمون أن جبريل عليه السالم نزل بالقرآن الكريم بنفس تلك الكتابة التي يكتبون‪##‬ه‬
‫بها‪ ..‬فما المحل الثاني؟‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬أولئ‪##‬ك ال‪##‬ذين غ‪##‬الوا وب‪##‬الغوا فيم‪##‬ا يطلق‪##‬ون علي‪##‬ه [علم التجوي‪##‬د] و[علم‬
‫القراءات]‪ ،‬فجعلوه عسير المنال‪ ،‬صعب النطق‪ ،‬خالفا لما أنزل هللا تعالى به كتابه‪،‬‬
‫فقد قال‪﴿ :‬فَإِنَّ َما يَسَّرْ نَاهُ بِلِ َس‪#‬انِكَ لَ َعلَّهُ ْم يَتَ‪َ #‬ذ َّكرُونَ ﴾ [ال‪##‬دخان‪ ،]58 :‬وق‪##‬ال‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د يَ َّس‪#‬رْ نَا‬
‫ر﴾ [القمر‪]22 :‬‬ ‫ْالقُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍ‬
‫قلت‪ :‬أعرف هؤالء كذلك‪ ،‬ومبالغاتهم وغلوهم‪ ..‬فما الثالث؟‬
‫قال‪ :‬أولئك الذين بالغوا في أسباب النزول إلى الدرجة التي تحول فيها القرآن‬
‫الكريم عندهم إلى وثيقة تاريخية ترتبط كل آية منها بشخص أو حدث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فما الرابع؟‬
‫قال‪ :‬أولئك الذين بالغوا في محال ال‪##‬نزول إلى الدرج‪##‬ة ال‪##‬تي توهم‪##‬وا فيه‪##‬ا أن‬
‫القرآن الكريم ال يمكن تدبره من دون معرفتها‪#.‬‬
‫قلت‪ :‬فما الخامس؟‬
‫قال‪ :‬أولئك الذين بالغوا في مصاديق‪ #‬التنزيل‪ ،‬وغ‪##‬الوا فيه‪##‬ا إلى أن ألغ‪##‬وا ك‪##‬ل‬
‫المعاني القرآنية من أجلها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فما السادس؟‬
‫قال‪ :‬أولئك الذين توهموا أن بعض القرآن الك‪##‬ريم معط‪##‬ل‪ ،‬وأن الغ‪##‬رض من‪##‬ه‬
‫ليس سوى‪ #‬تالوته والتبرك به دون االستفادة منه أو تفعيله في الحياة‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫قلت‪ :‬فما السابع؟‬
‫قال‪ :‬أولئك الذين انحرفوا‪ #‬بالتأويل عن مساره الذي رسمه هللا تعالى؛ فخلطوا‪#‬‬
‫المدنس بالمقدس‪ ،‬وحولوا‪ #‬من تفاسير القرآن الكريم إلى كتب خرافة ودجل وفضول‬
‫وتكلف‪#.‬‬
‫قلت‪ :‬فهل سنسير اآلن إلى تلك البالد؟‬
‫قال‪ :‬ستسير‪ #‬أنت‪ ..‬أما أنا فال أحتاج إلى السير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولكني قد أضيع عنك‪ ..‬أو تضيع عني‪ ..‬فكيف نلتقي؟‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬س‪##‬ر فق‪##‬ط‪ ..‬وس‪##‬تراني‪ #‬في ك‪##‬ل مح‪##‬ل تحت‪##‬اج أن ت‪##‬راني في‪##‬ه‪ ..‬وإي‪##‬اك أن‬
‫تتصرف‪ #‬من غير استئذان حتى ال يساء إليك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أهناك عنف في تلك المحال؟‬
‫قال‪ :‬وشديد‪ #..‬أنسيت أنك سترحل إلى بالد الغالة؟‬
‫قلت‪ :‬أفيهم إرهـابيون؟‬
‫قال‪ :‬هم ليسوا إرهـابيين‪ ..‬ولكن أك‪##‬ثر اإلرهـابيين أو جلهم أو كلهم تخرج‪##‬وا‬
‫من مدارسهم‪#.‬‬

‫‪15‬‬
‫أوال ـ القرآن‪ ..‬ورسم التنزيل‬
‫فجأة الحت لي مدينة جميلة‪ ،‬يبدو عليها النظافة والنظام والهدوء التام‪ ،‬لك‪##‬ني‬
‫ما إن اقتربت منها حتى بدأت أغير نظ‪##‬ري إلى الص‪##‬ورة ال‪##‬تي كنت أحمله‪##‬ا عنه‪##‬ا‪..‬‬
‫وأول ذلك تلك الحفر الكثيرة التي كانت تمأل الطرقات‪ ،‬والتي جعلتني أق‪##‬ع ك‪##‬ل حين‬
‫على وجهي‪ ،‬مع أنه كان في اإلمكان لمن بنى تلك المدين‪##‬ة الجميل‪##‬ة أن يس‪##‬دها‪ ،‬ومن‬
‫غير تكلفة‪ ،‬لكنه لم يفعل‪ ،‬وربما عمدا‪ ،‬ولست أدري السبب‪.‬‬
‫ال تظنوا أني قلت ذلك حدسا‪ ،‬أو شقا على القلوب‪ ،‬فمع‪##‬اذ‪ #‬هللا أن أفع‪##‬ل ذل‪##‬ك‪..‬‬
‫ولكني رأيت أن تلك الحفر‪ ،‬وكأنهم قصدوها‪ ،‬بل إنه صرفوا‪ #‬عليها ـ على ما يب‪##‬دو ـ‬
‫أمواال أكثر من األموال التي صرفوها‪ #‬على الطريق المعب‪#‬د‪ ،‬ذل‪#‬ك أنه‪#‬ا ك‪#‬انت حف‪#‬را‬
‫معبدة‪ ،‬وبأشكال‪ #‬مختلفة‪ ،‬ولم تكن مجرد حفر عادية‪.‬‬
‫وهكذا في كل المحال التي دخلت إليها؛ فعندما دخلت بعض المطاعم ق‪##‬دم لي‬
‫طعاما لذيذا‪ ..‬لكني ما إن قربته من فمي حتى شممت رائح‪##‬ة كريه‪##‬ة‪ ،‬جعلت‪##‬ني أنف‪##‬ر‬
‫من‪##‬ه‪ ،‬ولم أس‪##‬تطع أن أس‪##‬أل ص‪##‬احب المطعم عن تل‪##‬ك الرائح‪##‬ة الكريه‪##‬ة‪ ،‬خش‪##‬ية أن‬
‫أؤذيه‪ ،‬لكني تعجبت عندما رأيت الداخلين‪ ،‬يستلذون تل‪##‬ك الرائح‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل يطلب‪##‬ون من‬
‫صاحب المطعم أن يضيف لطعامهم بعض ما يجعلهم يشمونها‪.‬‬
‫اتهمت نفسي وأنفي وذوقي‪ ،‬ورحت آكل الطعام‪ ،‬فإذا بالل‪##‬ذة والغص‪##‬ة تكتن‪##‬ف‬
‫كل لقمة؛ فلم أجد إال أن أطرحه‪ ،‬وأخرج من المطعم‪ ،‬وأدفع ثمنا غالي‪##‬ا من غ‪##‬ير أن‬
‫أستلذ لقمة واحدة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫﴿وأ ْس‪#‬ق ْينَاك ْ‪#‬م َم‪##‬ا ًء‬‫َ‬ ‫وهكذا عندما شربت من العين التي كتب عليها قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫فُ َراتًا﴾ [المرسالت‪ ،]27 :‬فاستبشرت‪ ،‬لكن ما إن شربت منها حتى وجدت ماءها مك‪##‬درا‪،‬‬
‫ال يختلف عن كدورة الطعام الذي طعمته في شيء‪.‬‬
‫وهكذا في كل المحال التي سرت إليها‪ ،‬وهو ما جعلني أتعجب منها‪ ،‬وخاصة‬
‫عن‪##‬دما رأيت ك‪##‬ل الفتاته‪##‬ا مزين‪##‬ة باآلي‪##‬ات القرآني‪##‬ة المرس‪##‬ومة بالرس‪##‬م الق‪##‬رآني ال‬
‫اإلمالئي‪ ..‬وكل أهلها يتكلم‪##‬ون ب‪##‬القرآن وعن الق‪##‬رآن‪ ..‬وه‪##‬ذا م‪##‬ا س‪##‬رب إلي ال‪##‬ريب‬
‫والشك الذي كنت أسمعه من العلم‪##‬انيين والح‪##‬داثيين والمالح‪##‬دة وغ‪##‬يرهم‪ ،‬وقلت في‬
‫نفسي‪ :‬كيف يمكن أن تكون هناك مدين‪##‬ة ال تتغ‪##‬نى إال ب‪#‬القرآن‪ ،‬ثم يك‪##‬ون حاله‪##‬ا ه‪#‬ذا‬
‫ُ‬
‫الحال‪ ،‬ألم يسمعوا قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولَ‪##‬وْ أَنَّهُ ْم أَقَ‪##‬ا ُموا التَّوْ َراةَ َواإْل ِ ْن ِجي‪َ #‬ل َو َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬
‫‪#‬ز َل إِلَ ْي ِه ْم‬
‫ت أَرْ ُجلِ ِه ْم﴾ [المائدة‪]66 :‬؟‬ ‫ِم ْن َربِّ ِه ْم أَل َ َكلُوا ِم ْن فَوْ قِ ِه ْ‪#‬م َو ِم ْن تَحْ ِ‬
‫ما قلت هذا في نفسي من غير أن أتفوه بحرف واحد‪ ،‬حتى ق‪##‬ال لي بعض‪##‬هم‪،‬‬
‫وهو يربت على كتفي‪ :‬أتقن قراءة اآلية أوال‪ ،‬ثم استدل به‪#‬ا‪ ..‬أين الغن‪#‬ات والم‪#‬دود‪..‬‬
‫فكيف‪ #‬بلعتها جميعا في نفسك؟‪ ..‬هل ترى من حرمة القرآن الكريم أن يُقرأ كما يق‪##‬رأ‬
‫سائر الكالم؟‬
‫‪16‬‬
‫قلت‪ :‬من أنت؟‪ ..‬وكيف عرفت ما جال بخاطري؟‬
‫قال‪ :‬نحن أهل هذه المدينة القرآنية وهبن‪##‬ا هللا ـ لص‪##‬دقنا وص‪##‬فائنا وإخالص‪##‬نا‬
‫للقرآن الكريم ـ قراءة الخواطر‪ ،‬والتفرس في الوجوه‪ ..‬فلذلك اح‪##‬ذر أن يخط‪##‬ر على‬
‫بالك في هذه المدينة ما قد تعاقب عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن مدينتكم غريبة‪ ..‬ما اسمها‪ ..‬فأنا لم أقرأ في الت‪##‬اريخ والجغرافي‪##‬ة عن‬
‫مدينة تشبهها؟‬
‫قال‪ :‬هذه مدينة الغالين‪..‬‬
‫قلت‪ :‬أهي تلك التي قال عنها رسول هللا ‪( : ‬يحمل هذا العلم من ك‪ّ #‬ل خل‪##‬ف‬
‫عدوله‪ ،‬ينفون عنه تحريف‪ #‬الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل الجاهلين) (‪)1‬‬
‫قال‪ :‬ال‪ ..‬ومعاذ‪ #‬هللا أن تكون مدينة كذلك‪ ..‬بل هي مدينة الغ‪##‬الين‪ ..‬من الغالء‪،‬‬
‫وليس من الغل‪##‬و‪ ..‬فانتب‪##‬ه لم‪##‬ا تق‪##‬ول‪ ،‬واح‪##‬ذر أن تخل‪##‬ط بين عقل‪##‬ك وال‪##‬دين‪ ..‬فال‪##‬دين‬
‫مصدره الوحي‪ ،‬والعقل مصدره الهوى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬صحيح‪ ..‬وشكرا جزيال‪ ..‬بالفعل مدينتكم ك‪##‬ذلك‪ ،‬وكي‪##‬ف ال تك‪##‬ون‬
‫ك‪##‬ذلك‪ ،‬وهي ممل‪##‬وءة بالالفت‪##‬ات القرآني‪##‬ة‪ ..‬لكن تم‪##‬نيت ل‪##‬و أنكم كتبتموه ‪#‬ا‪ #‬بالرس‪##‬م‪#‬‬
‫اإلمالئي العادي ليفهمها سائر الناس‪ ..‬فقل من يتقن الرسم القرآني‪.‬‬
‫﴿واَل تَيْأ َ ُس ‪#‬وا ِم ْن َروْ ِ‬
‫ح هَّللا ِ إِنَّهُ اَل‬ ‫أش‪##‬رت إلى الفت‪##‬ة كتب عليه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ح هَّللا ِ إِاَّل ْالقَوْ ُم ْال َكافِرُونَ ﴾ [يوسف‪ ،]87 :‬وقلت‪ :‬انظر إلى تلك الالفتة التي‬ ‫يَيْأَسُ ِم ْن َروْ ِ‬
‫كتبت هكذا ﴿إنّه ال يايئس﴾‪ ،‬فالكثير قد يخطئ في قراءتها‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل تريد منا أن نبدلها إذن بالرسم اإلمالئي العادي؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬إن لم يكن هناك مانع‪ ..‬فالرسم‪ #‬مجرد اصطالح‪ ،‬والعبرة بالقراءة‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫ما إن قلت هذا حتى أخذ بتالبيبي‪ ،‬ثم صار يبطش بي بش‪##‬دة‪ ،‬فقلت‪ :‬م‪##‬ا ال‪##‬ذي‬
‫حصل؟‪ ..‬ما الذي فعلته لك حتى تؤذيني هكذا؟‪ ..‬ه‪##‬ذا مج‪##‬رد رأي‪ ..‬وليس عليكم أن‬
‫تعملوا به‪.‬‬
‫قال‪ :‬أنا لم أبطش بك‪ ،‬وإنما بطشت بالشيطان الذي تكلم على لسانك‪ ..‬اذهب‪،‬‬
‫وال تعد إلى هنا‪ ،‬فلو رأيتك مرة أخرى‪ ،‬سيكون لي معك شأن آخر‪.‬‬
‫ما إن أطلقني حتى أسرعت مهروال مبتعدا عنه‪ ،‬خشية أن يدور‪ #‬بخاطري م‪##‬ا‬
‫يجعله يستبيح دمي‪..‬‬
‫وفي أثناء فراري أمسك بي أحدهم‪ ،‬وهو يق‪#‬ول‪ :‬أرج‪##‬و أال تك‪##‬ون لص‪##‬ا‪ ..‬وإال‬
‫فسأحملك‪ #‬إلى قاض يقطع يدك من غير حاجة لبينة؛ فيكفي أن أشهد له بذلك‪.‬‬
‫امتأل قلبي خوفا‪ ،‬وخشيت على يدي التي ال أملك غيرها‪ ..‬فقلت مترجي‪##‬ا‪ :‬ال‪..‬‬
‫ال‪ ..‬معاذ هللا أن أكون كذلك‪ ..‬أنا كاتب فقط‪ ..‬دوري في الحياة هو الكتابة‪ ..‬فل‪##‬ذلك ال‬
‫أهتم ال بمال وال بجاه‪ ..‬والكاتب ال يحتاج سوى لألقالم والقراطيس‪ ،‬وه‪##‬و في غ‪##‬نى‬
‫‪ )(1‬معاني األخبار‪.33/‬‬
‫‪17‬‬
‫عن كل أموال الدنيا‪ ..‬ولذلك ال حاجة له للسرقة وغيرها‪.‬‬
‫قال بكل شدة وقوة‪ :‬كاتب‪ ..‬ما أكثر كتاب السوء‪ ..‬ب‪##‬ل إن بعض‪##‬هم أو أك‪##‬ثرهم‬
‫أحوج إلى حد الردة منه إلى حد السرقة‪.‬‬
‫ازداد خوفي‪ ،‬وقلت‪ :‬مهال س‪##‬يدي‪ ..‬فأن‪##‬ا ك‪##‬اتب عن‪##‬د معلم الق‪##‬رآن‪ ..‬وإن ش‪##‬ئت‬
‫فتشني‪ ،‬ف‪##‬إن وج‪##‬دت في كت‪##‬ابتي أي هرطق‪##‬ة أو زندق‪##‬ة أو ض‪##‬اللة؛ فل‪##‬ك أن تأخ‪##‬ذني‬
‫للقاضي الذي تشاء‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ التحريف والغلو‪:‬‬
‫عن‪##‬دما قلت ل‪##‬ه ه‪##‬ذا‪ ،‬انقلب رأس‪##‬ا على عقب؛ حيث أخ‪##‬ذ ي‪##‬دي‪ ،‬وراح يقبله‪##‬ا‪،‬‬
‫ويعت‪##‬ذر بش‪##‬دة‪ ..‬وه‪##‬و يق‪##‬ول‪ :‬أعت‪##‬ذر ل‪##‬ك‪ ..‬م‪##‬ا كنت أظن أن‪##‬ك من المهتمين بالرس‪##‬م‬
‫واإلمالء القرآني‪ ..‬هلم معي؛ فأنا أيضا أعمل في تلك المدرسة التي ال هم لها س‪##‬وى‬
‫الدعوة للرسم القرآني‪ ،‬بل بيان إعجازه وعظمته‪ ،‬وهي تق‪##‬ف بش‪##‬دة في وج‪##‬ه أولئ‪##‬ك‬
‫المحرفين الذين يهونون من شأنه‪.‬‬
‫لم أدر‪ ،‬إال وأنا أدخل تلك المدرسة التي وصفها‪ ..‬ولست أدري هل كان ذل‪##‬ك‬
‫بسبب اعتذاره وأدبه‪ ..‬أم خوفا‪ #‬من أن يعود من جديد لشدته وقسوته‪.‬‬
‫عندما دخلت وجدت حلقة مجتمعة‪ ..‬وكانوا يتحدثون ب‪##‬أدب وه‪##‬دوء ولط‪##‬ف‪..‬‬
‫مما أغراني بالجلوس إليهم‪ ..‬لكني كنت أمسك بلساني‪ #‬أن يزل ب‪##‬أي كلم‪##‬ة ق‪##‬د ت‪##‬ودي‬
‫بي إلى م‪##‬ا ال تحم‪##‬د عقب‪##‬اه‪ ..‬ب‪##‬ل إني ل‪##‬ورعي وحيط‪##‬تي‪ #‬كنت أص‪##‬رف‪ #‬ك‪##‬ل خ‪##‬واطر‬
‫السوء عن ذهني‪ ،‬حتى ال يقرأ فيه ما قد يؤذيني‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د الجالس‪##‬ين في الحلقة(‪ :)1‬اس‪##‬معوني‪ #‬أيه‪##‬ا الكتب‪##‬ة الك‪##‬رام ال‪##‬بررة‪ ..‬إن‬
‫القرآن الكريم ليس أمرا ونهيا فقط‪ ..‬أو كلمات ومعاني فق‪##‬ط‪ ..‬ب‪##‬ل ه‪##‬و رس‪##‬م أيض‪#‬اً‪..‬‬
‫والمقصود‪ #‬بالرسم القرآني هو رسم الكلم‪#‬ات القرآني‪#‬ة من حيث نوعي‪#‬ة ح‪#‬روف ك‪#‬ل‬
‫كلمة وردت في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وع‪##‬دد حروفه‪##‬ا‪ #..‬وليس المقص‪##‬ود من‪##‬ه ـ كم‪##‬ا يفهم‬
‫المغفلون ـ نوعية خط الكتابة من نسخ أوكوفي‪ #‬أوغيرها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وله‪##‬ذا أجم‪##‬ع علم‪##‬اء األم‪#‬ة على أن رس‪##‬م المص‪##‬حف ت‪##‬وقيفي‪ ،‬ال‬
‫ض ‪َّ #‬ل‬
‫‪#‬وى َم‪##‬ا َ‬ ‫يج‪##‬وز مخالفت‪##‬ه؛ واس‪##‬تدلوا على ذل‪##‬ك بق‪##‬ول هللا تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬والنَّجْ ِم إِ َذا هَ‪َ #‬‬
‫‪#‬وى﴾‬ ‫ي يُو َحى‪َ #‬علَّ َمهُ َش ِدي ُد ْالقُ‪َ #‬‬ ‫ق ع َِن ْالهَ َوى إِ ْن هُ َو إِاَّل َوحْ ٌ‬
‫احبُ ُك ْ‪#‬م َو َما َغ َوى َو َما يَ ْن ِط ُ‬
‫ص ِ‬‫َ‬
‫[النجم‪]5-1 :‬‬
‫أردت أن أتكلم‪ ،‬وأذكر‪ #‬خطأ ه‪##‬ذا‪ ،‬وأن‪##‬ه لم ينعق‪##‬د في ي‪##‬وم من األي‪##‬ام اإلجم‪##‬اع‬
‫على هذا‪ ،‬لكني خشيت على نفسي؛ فآثرت‪ #‬الصمت على الكالم‪ ..‬لكن الجميع التفتوا‬
‫لي‪ ،‬وكأنهم‪ #‬أحسوا بم‪##‬ا قلت؛ فل‪##‬ذلك رحت أرف‪##‬ع ص‪##‬وتي باالس‪##‬تغفار ح‪##‬تى ص‪##‬رفوا‪#‬‬
‫أبصارهم‪ #‬عني‪.‬‬
‫ً‬
‫قال آخر‪ :‬فقد ُس‪#‬ئل مال‪#‬ك‪ :‬أرأيت من اس‪#‬تكتب مص‪#‬حفا الي‪#‬وم أت‪#‬رى أن يُكتب‬
‫‪ )(1‬تأمالت في إعجاز الرسم القرآني وإعجاز التالوة والبيان‪ ،‬محمد شملول‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ )(2‬تأمالت في إعجاز الرسم القرآني‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪18‬‬
‫على ما أحدثه الناس من الهج‪#‬اء الي‪##‬وم‪ ،‬ق‪#‬ال‪( :‬ال أرى ذل‪##‬ك ولكن يُكتب على ال ِك ْتب‪#‬ة‬
‫األولى)‪ ،‬قال أبوعمروال َّداني‪( :‬وال مخالف له في ذلك من علم‪##‬اء األم‪##‬ة)(‪ ..)1‬وق‪##‬ال‬
‫في موضع آخر‪ :‬سُئل اإلمام مالك عن الحروف تكون في القرآن مثل الواوواألل‪##‬ف‪:‬‬
‫أترى أن تُغير من المص‪##‬حف‪ #‬إذا وج‪##‬دت في‪##‬ه ك‪##‬ذلك؟ فق‪##‬ال‪ :‬ال‪ .‬ق‪##‬ال ال‪َّ #‬داني‪( :‬يع‪##‬ني‬
‫الواوواألل‪###‬ف المزي‪###‬دتين في الرس‪###‬م لمع‪###‬نى المع‪###‬دومتين في اللف‪###‬ظ)(‪ ..)2‬وعقّب‬
‫السَّخاوي‪ #‬على قول مالك فقال‪( :‬والذي ذهب إليه مالك هوالحق‪ ،‬إذ في‪##‬ه بق‪##‬اء الح‪##‬ال‬
‫األولى إلى أن يعلمها اآلخر‪ ،‬وفي‪ #‬خالف ذلك تجهيل الناس بأوليتهم)(‪)3‬‬
‫الج ْعبَري معقبا ً على قول اإلمام‬ ‫قال آخر‪ :‬وهومذهب األئمة األربعة‪ ،‬فقد قال َ‬
‫مالك‪( :‬وهذا مذهب األئمة األربعة‪ ،‬وخص مالكاً؛ ألنه حكى فتياه‪ ،‬ومستندهم‪ #‬مستند‬
‫الخلفاء األربع)(‪ ..)4‬وقال ُمالَّ علي بن سلطان القاري‪ :‬والمعنى‪ #‬أن اإلمام مالكا ً قال‪:‬‬
‫(إن المصحف‪ #‬ينبغي أن يُكتب على منهاج رسم الكتاب األول الذي كتب‪##‬ه الص‪##‬حابة‪،‬‬
‫ال حال كون مستحدثا ً على مسطور اليوم عند العامة)(‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهذا ما نص عليه كل المتقدمين‪ ،‬فقد قال الفرَّاء‪( :‬اتباع المص‪##‬حف‬
‫ي من خالفه)(‪ ..)6‬وقال‬ ‫إذا وجدت له وجها ً من كالم العرب‪ ،‬وقراءة القراء‪ ،‬أحب إل َّ‬
‫البيهقي‪( :‬من كتب مص‪##‬حفا ً فينبغي‪ #‬ل‪##‬ه أن يحاف‪##‬ظ على الهج‪##‬اء ال‪##‬ذي كتب‪##‬وا ب‪##‬ه تل‪##‬ك‬
‫المصاحف‪ #‬وال يخالفهم فيه‪##‬ا‪ ،‬وال يُغ‪##‬ير مم‪##‬ا كتب‪##‬وه ش‪##‬يئاً‪ ،‬ف‪##‬إنهم ك‪##‬انوا أك‪##‬ثر علم‪#‬اً‪،‬‬
‫وأص‪##‬دق قلب ‪#‬ا ً ولس‪##‬اناً‪ ،‬وأعظم أمان‪##‬ة من‪##‬ا‪ ،‬فال ينبغي لن‪##‬ا أن نظن بأنفس‪##‬نا اس‪##‬تدراكاً‪#‬‬
‫عليهم‪ ،‬وال سقطا ً لهم)(‪..)7‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال النس‪#‬ائي في الس‪#‬نن الك‪#‬برى بع‪#‬د أن نق‪#‬ل ق‪#‬ول زي‪#‬د بن ث‪#‬ابت‪:‬‬
‫(القراءة سنة)‪( :‬وإنما أراد وهللا أعلم أن اتباع من قبلنا في الح‪##‬روف‪ #‬وفي الق‪##‬راءات‬
‫سنة متبعة ال يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام وال مخالف‪##‬ة الق‪##‬راءات ال‪##‬تي هي‬
‫مشهورة‪ ،‬وإن كان غير ذلك سائغا ً في اللغة أوأظهر‪ #‬منها)(‪.)8‬‬
‫قال آخر‪ :‬وق‪##‬ال اإلم‪##‬ام أحم‪##‬د‪( :‬تح‪##‬رم مخالف‪##‬ة خ‪##‬ط مص‪##‬حف‪ #‬عثم‪##‬ان في ي‪##‬اء‬
‫أوواوأوألف‪ #‬أوغ‪##‬ير ذل‪##‬ك)(‪ ..)9‬ونُق‪##‬ل عن أبي عبي‪##‬د القاس‪##‬م بن س‪##‬الم قول‪##‬ه‪( :‬وت‪##‬رى‬
‫الق‪##‬راء لم يلتفت‪##‬وا إلى م‪##‬ذاهب العربي‪##‬ة في الق‪##‬راءة إذا خ‪##‬الف ذل‪##‬ك خ‪##‬ط المص‪##‬حف‪،‬‬
‫ورأوا‪ #‬تتب‪##‬ع ح‪##‬روف‪ #‬المص‪##‬احف عن‪##‬دهم كالس‪##‬نن القائم‪##‬ة ال‪##‬تي ال يج‪##‬وز‪ #‬ألح‪##‬د أن‬

‫المقنع‪.9/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫المقنع‪.28/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الوسيلة‪.80/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫جميلة أرباب المراصد ‪1/265‬ـ‪.266‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الهبات السنية العلية على أبيات الشاطبية الرائية ‪.1/294‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫انظر البرهان ‪.2/12‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫شعب اإليمان ‪.2/548‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫السنن الكبرى‪ ،2/539 ،‬ولمزيد من األقوال انظر إيقاظ األعالم‪ ،19/‬وسمير الطالبين‪ ،20/‬ومناهل العرفان ‪.1/298‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫البرهان ‪ ،1/379‬واإلتقان ‪ ،2/443‬وشرح منتهـى اإلرادات‪ :‬للبهوتي ‪ ،1/74‬وكشاف القناع‪ :‬له ‪.1/136‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪19‬‬
‫يتعداها)(‪.)1‬‬
‫ً‬
‫قال آخر‪ :‬وقال ال َمهْدوي‪( :‬وال يسع أح‪##‬دا اكتت‪##‬اب مص‪##‬حف على خالف خ‪##‬ط‬
‫المصحف‪ #‬اإلمام ورتبته)(‪ ..)2‬وقال البَغَوي‪( :‬ثم إن الناس كما أنهم متعبّ‪##‬دون باتب‪##‬اع‬
‫أحكام القرآن‪ ،‬وحفظ حدوده‪ ،‬فهم متعبدون بتالوته‪ ،‬وحف‪##‬ظ حروف‪##‬ه على س‪##‬نن خ‪##‬ط‬
‫المصحف‪ #‬اإلمام الذي اتفقت عليه الصحابة) (‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وعلى هذا اتفق المتأخرون‪ ،‬فقد قال الزمخش‪#‬ري‪( :‬خ‪#‬ط المص‪#‬حف‬
‫سنة ال تغير)(‪ ..)4‬وقال اللبيب في شرح العقيلة‪( :‬وق‪##‬د اجتم‪##‬ع على كتب المص‪##‬احف‬
‫حين كتبت اثناعشر ألفا ً من الصحابة ونحن مأجورون على اتب‪##‬اعهم وم‪##‬أثمون على‬
‫مخالفتهم)‪ ،‬ثم نص بعد ذلك على وجوب التزام الرسم العثماني (‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال ابن الحاج في المدخل‪( :‬ويتعين عليه ـ أي ناس‪##‬خ المص‪##‬حف‪ #‬ـ‬
‫أن يترك م‪##‬ا أحدث‪##‬ه بعض الن‪##‬اس في ه‪##‬ذا الزم‪##‬ان وه‪##‬وأن ينس‪##‬خ الختم‪##‬ة على غ‪##‬ير‬
‫مرسوم المصحف الذي اجتمعت عليه األمة على ما وجد به بخط عثمان بن عف‪##‬ان‪..‬‬
‫وال يجوز غير ذلك) (‪.)6‬‬
‫ُ‬
‫(وعلمت أن الكتاب‪##‬ة منقول‪##‬ة كم‪##‬ا أن الق‪##‬راءة‬ ‫الس ‪#‬مرْ قَندي‪:‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وق‪##‬ال َّ‬
‫منقولة‪ ،‬فكما ال يجوز ألحد أن يُغير م‪##‬ا نُق‪##‬ل عن األئم‪##‬ة الس‪##‬بعة في ق‪##‬راء ٍة ك‪##‬ذلك ال‬
‫ينبغي أن يتجاوز عن الرسم في كتابة المصحف؛ ألنها سنة متبعة ومخالفتها‪ #‬بدع‪##‬ة‪،‬‬
‫وإنما جُعل اإلمام إماما ً ليؤتم به)(‪)7‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال نظام‪ #‬الدين النيسابوري‪( #:‬وقال جماعة من األئمة‪ :‬إن الواجب‬
‫على القراء والعلماء وأهل الكتاب أن يتبعوا هذا الرسم في خط المصحف)(‪.)8‬‬
‫الو ْن َشريسي المالكي في المعي‪##‬ار المع‪#‬رَّب أن‪##‬ه‪( :‬ال يج‪##‬وز لهم‬ ‫قال آخر‪ :‬ونقل َ‬
‫أن يقرؤوا ق‪##‬راءة تخ‪#‬الف ص‪##‬ور الخ‪##‬ط‪ ،‬وال أن يكتب‪##‬وا كتاب‪#‬ة مخالف‪#‬ة للرس‪#‬وم‪ #‬ال‪#‬تي‬
‫وضعها‪ #‬الصحابة في المصاحف‪ #‬المجمع عليها‪ ،‬فالمكتوب متواتر‪ #‬بتواتر نق‪##‬ل دليل‪##‬ه‬
‫المتحد‪ ،‬والمقرُوء هوالمكتوب بعينه) (‪)9‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وق‪##‬ال الخ‪##‬وارزمي‪( #:‬اعلم أن اتب‪##‬اع مص‪##‬حف عثم‪##‬ان في هجائ‪##‬ه‬
‫واجب ومن طعن في ش‪##‬يء من إيجاب‪##‬ه؛ فهوكالط‪##‬اعن في تالوت‪##‬ه)‪ ،‬ثم ق‪##‬ال مس‪##‬تدالً‬
‫على ذلك‪( :‬أما خطه ورسمه فالدليل عليه ق‪##‬ول الص‪##‬حابي وهوحج‪##‬ة فكي‪##‬ف إجم‪##‬اع‬
‫الصحابة زمن عثمان‪ ،‬وإجماع التابعين من بعدهم‪ ،‬وإجماع القراء والفقهاء‪ ،‬وجملة‬
‫انظر شعب اإليمان ‪ ،2/548‬والبرهان ‪.2/15‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫هجاء مصاحف األمصار‪.135/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫معالم التنزيل ‪.1/37‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الكشاف ‪.3/270‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدرة الصقيلة‪.17 ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫المدخل ‪.4/86‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫انظر مجلة المورد‪ .‬مج ‪ .15‬ع‪1986( 4‬م) ‪.419/‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫غرائب القرآن ورغائب الفرقان ‪.1/43‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫المعيار المعرب ‪.12/150‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪20‬‬
‫المفسرين)(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وق‪##‬ال عب‪##‬د ال‪##‬رحمن بن القاض‪##‬ي‪( :‬اعلم ـ رحمن‪##‬ا هللا وإي‪##‬اك ـ أن‬
‫متابعة مرسوم اإلمام أم‪##‬ر واجب محتم على األن‪##‬ام كم‪##‬ا نص علي‪##‬ه األئم‪##‬ة األعالم‪،‬‬
‫فمن حاد عنه فقد خالف اإلجماع ومن خالفه فحكمه معل‪##‬وم في الش‪##‬رع الش‪##‬ريف بال‬
‫نزاع) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وعلى هذا اتفق المت‪##‬أخرون‪ #..‬فق‪##‬د بحث مجم‪##‬ع البح‪##‬وث اإلس‪##‬المية‬
‫ب‪##‬األزهر‪ #‬في الم‪##‬ؤتمر‪ #‬الس‪##‬ادس المنعق‪##‬د في الف‪##‬ترة من (‪ 30‬مح‪##‬رم ‪1391‬هـ إلى ‪5‬‬
‫صفر ‪1391‬هـ) موضوع رسم المصاحف‪ #‬العثمانية‪ ،‬وأوصى‪ #‬بأن يعتمد المس‪##‬لمون‬
‫على الرسم العثماني للمصحف‪ #‬الشريف؛ حفظا ً له من التحريف‪.)3(#‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك أصدرت هيئة كبار العلم‪##‬اء بالمملك‪##‬ة العربي‪##‬ة الس‪##‬عودية‬
‫القرار رقم (‪ )71‬بت‪##‬اريخ ‪21/10/1399‬هـ‪ ،‬وج‪##‬اء في‪##‬ه‪( :‬ي‪##‬رى مجلس هيئ‪##‬ة كب‪##‬ار‬
‫العلماء أن يبقى رسم المص‪##‬حف على م‪##‬ا ك‪##‬ان بالرس‪##‬م العثم‪##‬اني‪ ،‬وال ينبغي تغي‪##‬يره‬
‫ليوافق‪ #‬قواعد اإلمالء الحديث‪##‬ة؛ محافظ‪##‬ة على كت‪##‬اب هللا من التحري‪##‬ف‪ ،‬واتباع‪#‬ا ً لم‪##‬ا‬
‫كان عليه الصحابة وأئمة الس‪##‬لف)‪ ..‬وفي‪##‬ه‪( :‬فالمحافظ‪##‬ة على كتاب‪##‬ة المص‪##‬حف به‪##‬ذا‬
‫الرسم هوالمتعين‪ ،‬اقتدا ًء بعثمان وعلي وسائر‪ #‬الصحابة وعمالً بإجماعهم)(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذل‪#‬ك أص‪#‬در المجم‪##‬ع الفقهي اإلس‪##‬المي الت‪#‬ابع لرابط‪#‬ة الع‪#‬الم‬
‫اإلسالمي بمكة المكرمة في دورته السابعة المنعقدة عام ‪1404‬هـ تأيي‪##‬د م‪##‬ا ج‪##‬اء في‬
‫قرار‪ #‬مجلس هيئة كبار العلم‪##‬اء في المملك‪##‬ة العربي‪##‬ة الس‪##‬عودية باإلجم‪##‬اع على ع‪##‬دم‬
‫ج‪##‬واز تغي‪##‬ير رس ‪#‬م‪ #‬المص‪##‬حف العثم‪##‬اني ووج‪##‬وب بق‪##‬اء رس‪##‬م المص‪##‬حف‪ #‬على م‪##‬ا‬
‫هوعليه؛ لنفس األسباب(‪.)5‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬لهذا اهتم العلماء بالكالم على رسم القرآن‪ ،‬وحصر تلك الكلمات‬
‫التي جاء خطها على غ‪#‬ير مقي‪##‬اس لفظه‪##‬ا‪ ..‬ب‪##‬ل أف‪##‬رده بعض‪##‬هم‪ #‬بالت‪##‬آليف النافع‪##‬ة من‬
‫أمثال اإلمام العالمة أبي عمروالداني في كتابه [المقنع]‪ ..‬ومنهم العالمة أب‪##‬و عب‪##‬اس‬
‫المراكشي‪ #‬في كتابه [عنوان الدليل في رسوم‪ #‬خ‪##‬ط التنزي‪##‬ل]‪ ،‬ومنهم العالم‪##‬ة الش‪##‬يخ‬
‫محمد بن أحمد الشهير بالمتولي‪ #،‬إذ نظم أرج‪#‬وزة س‪#‬ماها [اللؤل‪#‬ؤ المنظ‪#‬وم‪ #‬في ذك‪#‬ر‬
‫جملة من المرسوم]‪ ،‬ثم جاء العالمة الشيخ محمد خلف الحس‪##‬يني ـ ش‪##‬يخ المق‪##‬ارىء‬
‫بالديار‪ #‬المصرية ـ فشرح تلك المنظومة‪ ،‬وذيل الشرح بكتاب سماه [مرشد الح‪##‬يران‬
‫إلى معرفة ما يجب اتباعه في رسم القرآن]‬

‫موجز كتاب التقريب في رسم المصحف العثماني‪17/‬ـ‪.18‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫انظر إيقاظ األعالم‪ ،16/‬نقالً عن (بيان الخالف والتشهير واالستحسان) ‪ :‬لعبد الرحمن القاضي ق (‪)24‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫انظر مجمع البحوث اإلسالمية تاريخه وتطوره ‪1403‬هـ‪1983/425 /‬ـ‪.426‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة البحوث اإلسالمية‪ .‬الرياض‪ .‬ع ‪1412( 33‬هـ) ‪.327/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫انظر مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي‪ .‬ع‪1410( 4‬هـ) ‪.486/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/368‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪21‬‬
‫قال أحدهم(‪ :)7‬وليس األمر قاصرا على ذلك فقط‪ ،‬بل إن كل األدلة تش‪##‬ير إلى‬
‫أن الكتابة توقيفية ال اصطالحية؛ فقد كان لرسول هللا ‪ُ ‬كتّاب يكتبون الوحي كلم‪##‬ا‬
‫نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابته‪ ،‬مبالغة في تسجيله وتقييده‪ ،‬وزيادة في التوثي‪##‬ق‬
‫والضبط‪ #‬واالحتياط‪ #‬في كتاب هللا تعالى‪ ،‬حتى تظاهر الكتابة الحفظ‪ ،‬ويعاض‪#‬د‪ #‬النقش‬
‫اللفظ‪ ..‬وقد‪ #‬كتبوا القرآن فعال بهذا الرسم وأقرهم‪ #‬رسول هللا ‪ ‬على كتابتهم‪ ،‬وك‪##‬ان‬
‫هؤالء ال ُكتَّاب من خيرة الصحابة‪ ،‬ثم جاء من بع‪##‬ده؛ فكتب‪##‬وا‪ #‬الق‪##‬رآن به‪##‬ذا الرس‪##‬م في‬
‫صحُف‪ ،‬ثم جاء من بعدهم من استنسخ تلك الصحف في مص‪##‬احف‪ ،‬وأق‪َّ #‬ر أص‪##‬حاب‬ ‫ُ‬
‫النبي ‪ ‬ذلك كله‪ ،‬وانتهى األمر إلى التابعين وتابعي‪ #‬التابعين‪ ،‬فلم يُخالف أحد منهم‬
‫في هذا الرسم‪ ..‬ثم يأتي بعض األغبياء من قومنا؛ فيريدون أن يردوا ذلك كل‪##‬ه‪ ..‬أهم‬
‫أعلم من رسول هللا ‪ ‬أم من الصحابة أم من التابعين الذين أقروا‪ #‬ذلك؟‬
‫قال آخر‪ :‬بل إن ذلك من األسرار التي خصّ هللا بها كتابه العزي‪##‬ز‪ ،‬وال ينتب‪##‬ه‬
‫لها إال العارفون المحققون من أمثال العارف باهلل عبد العزيز الدباغ؛ الذي نقل عن‪##‬ه‬
‫تلميذه العالَّمة أحمد بن المبارك السجلماسي في كتابه (الذهب اإلبريز) قوله‪( :‬رس‪##‬م‬
‫الق‪##‬رآن س ‪ٌّ #‬ر من أس‪##‬رار هللا المش‪##‬اهدة‪ ،‬وكم‪##‬ال الرفع‪##‬ة‪ ،‬وهوص‪##‬اد ٌر من الن‪##‬بي ‪،‬‬
‫وهوالذي‪ #‬أمر ال ُّكتاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة‪ ،‬فما نقص‪##‬وا وال زادوا‬
‫على ما سمعوه من النبي ‪ ،‬وما للصحابة وال لغيرهم‪ #‬في رسم الق‪##‬رآن وال ش‪##‬عرة‬
‫واحدة‪ ،‬وإنما هوتوقيف‪ #‬من النبي ‪ ،‬وهوالذي‪ #‬أم‪##‬رهم أن يكتب‪##‬وه على ه‪##‬ذه الهيئ‪##‬ة‬
‫المعروفة بزي‪##‬ادة األل‪##‬ف ونقص‪##‬انها؛‪ #‬ألس‪##‬رار ال تهت‪##‬دي إليه‪##‬ا العق‪##‬ول‪ ،‬وهوس‪#‬ر‪ #‬من‬
‫َظم‬‫األسرار‪ #‬خصَّ هللا تعالى به كتابه العزيز دون سائر الكتب الس‪##‬ماوية‪ ،‬وكم‪##‬ا أن ن ْ‬
‫القرآن ُمعجز‪ ،‬فرسمه ُمعجز‪ ،‬وكل ذلك ألسرار إلهية وأغراض نبوية‪ ،‬وإنما خفيت‬
‫على الناس؛ ألنها أسرار باطني‪##‬ة ال تُ‪##‬درك إال ب‪##‬الفتح الربّ‪##‬اني؛ فهي بمنزل‪##‬ة األلف‪##‬اظ‬
‫والحروف المقطعة التي في أوائل السور؛ فإن لها أسراراً عظيمة‪ ،‬ومع‪##‬اني كث‪##‬يرة‪،‬‬
‫وأكثر‪ #‬الناس ال يهتدون إلى أسرارها‪ ،‬وال يُ‪##‬دركون ش‪##‬يئا ً من المع‪##‬اني اإللهي‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫ر الرسم الذي في القُرآن حرفاً‪ #‬بحرف)(‪)2‬‬ ‫أُشي َر إليها‪ ،‬فكذلك أم ُ‬
‫قال آخر(‪ :)3‬صدقت‪ ..‬فكي‪##‬ف تهت‪##‬دي العق‪##‬ول إلى س‪##‬ر زي‪##‬ادة األل‪##‬ف في مائ‪##‬ة‬
‫دون فئ‪##‬ة‪ ،‬وإلى س‪##‬ر زي‪##‬ادة الي‪##‬اء في ﴿ بِأَيْي ‪ٍ #‬د ﴾ من قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫الس‪َ #‬ما َء بَنَ ْينَاهَ‪##‬ا‬
‫بِأَيْي ٍد ﴾‪ ..‬أم كيف تتوصل إلى سر زيادة األلف في ﴿سعوا﴾ من قوله تع‪##‬الى في الحج‪:‬‬
‫اج ِزينَ أُولَئِكَ أَصْ َحابُ ْال َج ِح ِيم ﴾‪ ،‬وعدم زيادته‪##‬ا في س‪##‬بأ‬ ‫﴿ َوالَّ ِذينَ َس َعوْ ا فِي آيَاتِنَا ُم َع ِ‬
‫اج ِزينَ أُولَئِكَ لَهُ ْم َع َذابٌ ِم ْن ِرجْ ٍز أَلِ ٍيم ﴾‪..‬‬ ‫من قوله تعالى‪َ ﴿:‬والَّ ِذينَ َس َعوْ ا فِي آيَاتِنَا ُم َع ِ‬
‫‪#‬ر َربِّ ِه ْم ﴾‪ ،‬وح‪##‬ذفها‬ ‫وإلى سر زيادتها في قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَ َعقَرُوا النَّاقَ‪#‬ةَ َو َعتَ‪##‬وْ ا ع َْن أَ ْم‪ِ #‬‬
‫من قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َعتَوْ ا ُعتُ ًّوا َكبِيرًا ﴾‪ ..‬وإلى سر زيادتها‪ #‬في قوله تعالى‪ ﴿ :‬أَوْ يَ ْعفُ َوا‬
‫‪ )(7‬تأمالت في إعجاز الرسم القرآني‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪ )(2‬اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)135‬‬
‫‪ )(3‬اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)135‬‬
‫‪22‬‬
‫‪#‬اح ﴾‪ ،‬وإس‪#‬قاطها من قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪ ﴿ :‬فَأُولَئِ‪#‬كَ ع َ‬
‫َس‪#‬ى هللاُ أَ ْن يَ ْعفُ‪َ #‬و‬ ‫الَّ ِذي بِيَ ِد ِه ُع ْق‪َ #‬دةُ النِّ َك ِ‬
‫َع ْنهُ ْم ﴾‬
‫قال آخر ‪ : 1‬وكي‪#‬ف تهت‪#‬دي إلى س‪#‬ر زيادته‪#‬ا‪ #‬في ﴿آمن‪#‬وا وكف‪#‬روا وخرج‪##‬وا﴾‪،‬‬ ‫)‬ ‫(‬
‫وإسقاطها‪ #‬من ﴿باؤ وجاؤ وتبوؤ وإن فاؤ﴾؟‬
‫قال آخر(‪ :)2‬أم كيف تبلغ العق‪##‬ول إلى وج‪##‬ه ح‪##‬ذف األل‪##‬ف في بعض الكلم‪##‬ات‬
‫المتش‪##‬ابهة دون بعض‪ ،‬فح‪##‬ذفت ﴿قرآن‪##‬ا﴾ في يوس‪##‬ف والزخ‪##‬رف‪ ،‬وأثبتت في س‪##‬ائر‬
‫المواضع؟‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪##‬ه إثب‪##‬ات األل‪##‬ف بع‪##‬د ال‪##‬واو في ﴿س‪##‬موات﴾ فص‪##‬لت وح‪##‬ذفها في‬
‫غيرها‪ ،‬وإثبات ﴿الميعاد﴾ مطلق‪##‬ا وحذف‪##‬ه في األنف‪##‬ال‪ ،‬وإثب‪##‬ات ﴿س‪##‬راجا﴾ حيثم‪##‬ا ك‪##‬ان‬
‫وحذفه في الفرقان‪ ،‬وكذا في إطالق بعض التاءات وربطها‪ #‬نح‪##‬و‪﴿ :‬رحم‪##‬ة‪ ،‬ونعم‪##‬ة‪،‬‬
‫وقرة‪ ،‬وش‪##‬جرة﴾‪ ،‬فإنه‪##‬ا في بعض المواض‪##‬ع كتبت بالت‪##‬اء‪ ،‬وفي مواض‪##‬ع أخ‪##‬ر كتبت‬
‫بالهاء‪.‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ﴿الص‪#‬الة والحي‪##‬اة﴾ في بعض المواض‪##‬ع‪ ،‬حيث كتبت ب‪#‬الواو‪#‬‬
‫و﴿ال َحيَو ِة ال ‪ُّ #‬د ْنيَا﴾ و﴿ َعلَى َحيَ‪##‬و ٍة﴾‪ ..‬وفي‪ #‬بعض‪##‬ها ب‪##‬األلف‬ ‫صلَوة﴾ ْ‬ ‫فيهما نحو‪﴿ :‬أَقِي ُموا ال َّ‬
‫و﴿واَل تَجْ هَ‪##‬رْ‬ ‫ص‪#‬اَل تِي َونُ ُس‪ِ #‬كي﴾‪ ،‬و﴿ ُك‪##‬لٌّ قَ‪ْ #‬د َعلِ َم َ‬
‫ص‪#‬اَل تَهُ َوت َْس‪#‬بِي َحهُ﴾‪َ ،‬‬ ‫نح‪##‬و‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ إِ َّن َ‬
‫صاَل تِكَ ﴾‪ ،‬و﴿أَ ْذهَ ْبتُ ْم طَيِّبَاتِ ُك ْم فِي َحيَاتِ ُك ُم ال ُّد ْنيَا ﴾‪ ،‬إلى غير ذلك مما ال يكاد ينحصر‪.‬‬ ‫بِ َ‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وكل ذلك ـ كما يذكر الع‪##‬ارفون‪ #‬باهلل ـ ألس‪##‬رار إلهي‪##‬ة وأغ‪##‬راض‬
‫نبوية‪ ،‬وإنما خفيت على الناس ألنها من األسرار الباطني‪##‬ة ال‪##‬تي ال ت‪##‬درك إال ب‪##‬الفتح‬
‫الرب‪##‬اني؛ فهي بمنزل‪##‬ة األلف‪##‬اظ والح‪##‬روف المقطع‪##‬ة في أوائ‪##‬ل الس‪##‬ور؛ فله‪##‬ا أس‪##‬رار‬
‫عظيمة ومعان كثيرة‪ ،‬حتى إن جميع ما في السورة التي في أولها تلك الح‪##‬روف من‬
‫المعاني واألس‪##‬رار كله‪##‬ا من‪##‬درج تحت تل‪##‬ك الح‪##‬روف‪ ،‬فجمي‪##‬ع م‪##‬ا في س‪##‬ورة (ص)‬
‫مندرج تحت ح‪#‬رف (ص)‪ ،‬وجمي‪#‬ع م‪#‬ا في (ق) و(ن) و(يس) و (ط‪#‬ه) وغ‪#‬ير ذل‪#‬ك‬
‫مندرج في هذه الرموز‪ ،‬وأكثر الناس ال يهتدون إلى أسرارها وال يدركون ش‪##‬يئا من‬
‫المعاني اإللهية التي أشير إليه‪##‬ا‪ ،‬ح‪##‬تى ظن جماع‪##‬ة من الن‪##‬اس أنه‪##‬ا أس‪##‬ماء للس‪##‬ور‪،‬‬
‫وظنت جماعة أخرى أنها أشير بها إلى أعداد معلوم‪##‬ة‪ ،‬وظنت جماع‪##‬ة أخ‪##‬رى أنه‪##‬ا‬
‫من الحروف‪ #‬المهملة التي ليس وراءها معان‪ ،‬وكلهم حجب‪##‬وا اإلطالع على المع‪##‬اني‬
‫الباهرة العجيبة التي فيها‪ ،‬فكذا أمر الرسم الذي في القرآن حرفا بحرف‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬عجبا للمغفلين الذين يتوهمون أن الصحابة هم ال‪##‬ذين اص‪##‬طلحوا‪#‬‬
‫على الرسم المذكور‪ #..‬أفال يعلمون أن القرآن العزيز ُكتب في زمان‪##‬ه ‪ ‬وبين يدي‪##‬ه‬
‫على هيئة من الهيئات‪ ،‬وحينئذ فال يخلو ما اصطلح عليه الصحابة من أن يكون ه‪##‬و‬

‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)136‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)136‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)136‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)137‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪23‬‬
‫عين الهيئ‪##‬ة أو غيره‪##‬ا؛ ف‪##‬إن ك‪##‬ان عينه‪##‬ا بط‪##‬ل اإلص‪##‬طالح ألن‪##‬ه اخ‪##‬تراع وابت‪##‬داع‪،‬‬
‫وسبقية التوقيت تنافي ذلك وتوجب اإلتب‪##‬اع‪ ،‬ف‪##‬إن نس‪##‬ب اتب‪##‬اعهم حينئ‪##‬ذ لإلص‪##‬طالح‬
‫كان بمنزلة من قال إن الصحابة اصطلحوا‪ #‬على أن الصلوات خمس وعلى أن ع‪##‬دد‬
‫الركعات مثال أربع‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وإن كان غير ذلك‪ ،‬فكيف يكون النبي ‪ ‬كتب على هيئة كهيئ‪##‬ة‬
‫الرسم القياسي مثال‪ ،‬والصحابة خالفوا‪ ،‬وكتبوا‪ #‬على هيئة أخرى؟‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وفي ذلك ما فيه من نسبة الص‪##‬حابة وأعالم اله‪##‬دى إلى المخالف‪##‬ة‬
‫وذلك محال‪ ..‬فكيف وسائر األمة من الصحابة وغ‪##‬يرهم أجمع‪##‬وا على أن‪##‬ه ال يج‪##‬وز‪#‬‬
‫أن يزاد في القرآن حرف‪ ،‬وال أن ينقص منه حرف‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وفوق‪ #‬ذلك كل‪#‬ه؛ ف‪#‬إن الكتاب‪#‬ة أح‪#‬د الوج‪#‬ودات األرب‪#‬ع‪ ،‬وم‪#‬ا بين‬
‫الدفتين كالم هللا‪ ،‬فإذا كان النبي ‪ ‬أثبت ﴿الرحمن﴾ و﴿العالمين﴾ ولم ي‪##‬زد األل‪##‬ف في‬
‫﴿مائة﴾ وال في ﴿كف‪##‬روا وأخرج‪##‬وا﴾‪ ،‬وال الي‪##‬اء في ﴿بأيي‪##‬د﴾ وال في ﴿أف‪##‬إن مت﴾ ونح‪##‬و‬
‫ذلك‪ ،‬والصحابة عاكسوه في ذلك وخالفوه لزم أنهم ـ وحاش‪##‬اهم‪ #‬من ذل‪##‬ك ـ تص‪##‬رفوا‪#‬‬
‫في القرآن الكريم بالزيادة والنقصان‪ ،‬ووقعوا فيما أجمع‪##‬وا هم وغ‪##‬يرهم على أن‪##‬ه ال‬
‫يحل ألحد فعله‪.‬‬
‫قال آخر ‪ : 4‬بل يلزم عنه تطرق الشك إلى جمي‪##‬ع م‪##‬ا بين ال‪##‬دفتين‪ ،‬ألن‪##‬ا مهم‪##‬ا‬ ‫)‬ ‫(‬
‫جوزنا‪ #‬أن تكون فيه حروف زائدة على ما في علم النبي ‪ ‬وعلى م‪##‬ا عن‪##‬ده‪ ،‬وأنه‪##‬ا‬
‫ليست بوحي‪ ،‬وال من عند هللا‪ ،‬ولم نعلمها بعينها شككنا في الجميع‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬ولو جوّزنا لصحابي أن يزيد في كتابته حرفا ليس ب‪##‬وحي لزمن‪##‬ا‬
‫أن نجوز لصحابي آخر نقصان حرف من الوحي إذ ال ف‪##‬رق‪ #‬بينهم‪##‬ا‪ ،‬وحينئ‪#‬ذ‪ #‬تنح‪##‬ل‬
‫عروة اإلسالم بالكلية‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬إنما يص‪##‬ح أن ي‪##‬دعى اإلص‪##‬طالح من الص‪##‬حابة ل‪##‬و ك‪##‬انت كتاب‪##‬ة‬
‫القرآن العزيز إنما حدثت في عصرهم بعد وفاة الن‪##‬بي ‪ ،‬فثبت أن الرس‪##‬م ت‪##‬وقيفي‬
‫ال اصطالحي‪ #،‬وأن النبي ‪ ‬هو اآلمر بكتابته على الهيئة المعروفة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)7‬أم‪##‬ا دع‪##‬واهم أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ك‪##‬ان ال يع‪##‬رف‪ #‬الكتاب‪##‬ة‪ ،‬وأن هللا‬
‫ب َواَل تَ ُخ ُّ‬
‫طهُ بِيَ ِمينِ‪##‬كَ إِ ًذا‬ ‫تع‪##‬الى ق‪##‬ال في وص‪##‬فه‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا ُك ْنتَ تَ ْتلُ‪##‬و ِم ْن قَ ْبلِ ‪ِ #‬ه ِم ْن ِكتَ‪##‬ا ٍ‬
‫َاب ْال ُمب ِْطلُونَ ﴾ [العنكب‪##‬وت‪ ،]48 :‬فغير صحيح‪ ..‬فق‪##‬د ك‪##‬ان رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ال يعرفه‪##‬ا‬ ‫اَل رْ ت َ‬
‫باإلص‪##‬طالح‪ #‬والتعلم من الن‪##‬اس‪ ،‬وأم‪##‬ا من جه‪##‬ة الفتح الرب‪##‬اني‪ #‬فيعلمه‪##‬ا ويعلم أك‪##‬ثر‬

‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)137‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)137‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)137‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)138‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)138‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)138‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)138‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪24‬‬
‫منها‪ ،‬وكيف ال واألولياء األميون من أمته الشريفة المفتوح عليهم يعرف‪##‬ون خط‪##‬وط‬
‫األمم واألجيال من لدن آدم عليه السالم وأقالم‪ #‬سائر األلسن وذلك ببركة ن‪##‬وره ‪،‬‬
‫فكيف‪ #‬به ‪‬؟‬
‫قال آخر ‪ : 1‬وقد ذكر األولي‪##‬اء الع‪##‬ارفون باهلل أن من فتح هللا علي‪##‬ه ونظ‪#‬ر‪ #‬في‬ ‫)‬ ‫(‬
‫أش‪##‬كال الرس‪##‬م ال‪##‬تي في أل‪##‬واح الق‪##‬رآن‪ ،‬ثم نظ‪##‬ر في أش‪##‬كال الكتاب‪##‬ة ال‪##‬تي في الل‪##‬وح‬
‫المحف‪##‬وظ‪ ،‬وج‪##‬د حينئ‪#‬ذ تش‪##‬ابها كث‪#‬يرا وع‪##‬اين زي‪#‬ادة األل‪#‬ف في الل‪#‬وح المحف‪#‬وظ في‬
‫﴿كفروا﴾ أو ﴿آمنوا﴾ وغير ذلك‪ ،‬وعلم أس‪##‬رارا في ذل‪##‬ك كل‪#‬ه‪ ،‬وعلم أن تل‪##‬ك األس‪##‬رار‪#‬‬
‫من وراء العقول‪.‬‬
‫قال آخر(‪ : 2‬وقد سمعت من بعض شيوخنا‪ #‬ـ وهو من األميين ـ أس‪##‬رار جمي‪##‬ع‬ ‫)‬
‫ما ذكرتم‪ ،‬وقابلته مع ما ذكره أئمة الرسم وفحوله فوجدت كل ما ذكرت‪##‬ه ص‪##‬حيحا‪..‬‬
‫بل إني سألته على سبيل اإلمتحان‪ ،‬وأنا أعلم أنه ال يعجز عن الج‪##‬واب م‪##‬ع كون‪##‬ه ال‬
‫يحفظ حزب (سبح) عن الزائد في ﴿بأييد﴾‪ ،‬ه‪##‬ل الي‪##‬اء األولى أو الي‪##‬اء الثاني‪##‬ة؟ فق‪##‬ال‪:‬‬
‫الياء الثانية؛ فشككته‪ ،‬فجزم بأنها الثانية‪ ..‬وه‪##‬ذا م‪##‬ا قال‪##‬ه فح‪##‬ول العلم‪##‬اء المختص‪##‬ين‬
‫بالرسم‪ #‬القرآني‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ولهذا فإن التأمل في قواعد الرس‪#‬م الق‪#‬رآني ال‪#‬تي ذكره‪#‬ا العلم‪#‬اء‬
‫يفيد فوائد كثيرة جدا‪ ،‬وفي ك‪##‬ل الج‪##‬وانب‪ ..‬ولع‪##‬ل أقله‪##‬ا ش‪##‬أنا الدالل‪##‬ة على الق‪##‬راءات‬
‫المتنوعة في الكلمة الواحدة بق‪##‬در اإلمك‪##‬ان‪ ،‬وذل‪##‬ك أن قاع‪##‬دة الرس‪#‬م‪ #‬لوح‪##‬ظ فيه‪##‬ا أن‬
‫الكلمة إذا كان فيها قراءتان أو أكثر كتبت بصورة تحتملها جميعا‪ ..‬فإن كان الحرف‬
‫الواحد ال يحتمل ذلك ب‪##‬أن ك‪##‬انت ص‪##‬ورة الح‪##‬رف تختل‪##‬ف ب‪##‬اختالف‪ #‬الق‪##‬راءات ج‪##‬اء‬
‫الرس‪##‬م على الح‪##‬رف ال‪##‬ذي ه‪##‬و خالف األص‪##‬ل‪ ،‬وذل‪##‬ك ليعلم ج‪##‬واز الق‪##‬راءة ب‪##‬ه‪،‬‬
‫وبالحرف الذي هواألصل‪ ..‬وإذا لم يكن في الكلمة إال قراءة واح‪##‬دة بح‪##‬رف األص‪##‬ل‬
‫رسمت به‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك أن الكلم‪##‬ة تُكتب بص‪##‬ورة واح‪##‬دة‪ ،‬وتق‪##‬رأ‬
‫ان﴾ رس‪##‬مت في المص‪##‬حف‪#‬‬ ‫ان لَ َس ‪ِ #‬‬
‫اح َر ِ‬ ‫بوج‪##‬وه متع‪##‬ددة‪ ،‬نح‪##‬و قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ ْن هَ ‪َ #‬ذ ِ‬
‫العثماني هكذا‪( :‬إن هدان لساحران) من غير نق‪##‬ط وال ش‪##‬كل وال تش‪##‬ديد وال تخفي‪##‬ف‬
‫في نوني إن وهذان ومن غ‪##‬ير أل‪##‬ف وال ي‪##‬اء بع‪##‬د ال‪##‬ذال من ه‪##‬ذان‪ ..‬ومجيء الرس‪##‬م‬
‫هك‪##‬ذا ك‪##‬ان ص‪##‬الحا عن‪##‬دهم ألن يق‪##‬رأ ب‪##‬الوجوه األربع‪##‬ة ال‪##‬تي وردت كله‪##‬ا بأس‪##‬انيد‪#‬‬
‫صحيحة‪ ..‬أولها‪ :‬قراءة نافع ومن معه إذ يشددون نون إن ويخففون ه‪##‬ذان ب‪##‬األلف‪..‬‬
‫وثانيه‪##‬ا‪ :‬ق‪##‬راءة ابن كث‪##‬ير وح‪##‬ده إذ يخف‪##‬ف الن‪##‬ون في إن ويش‪##‬دد الن‪##‬ون في ه‪##‬ذان‪..‬‬
‫وثالثها‪ #:‬قراءة حفص إذ يخفف الن‪##‬ون في إن وه‪##‬ذان ب‪##‬األلف‪ ..‬ورابعه‪##‬ا‪ #:‬ق‪##‬راءة أبي‬

‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)139‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اإلبريز من كالم سيدي عبد العزيز (ص ‪)139‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/372‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/372‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪25‬‬
‫عمرو بتشديد إن وبالياء وتخفيف النون في هذين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومن الفوائد التي يفيدها الرسم الق‪##‬رآني إف‪##‬ادة المع‪##‬اني المختلف‪##‬ة‬
‫بطريقة تكاد تكون ظاهرة‪ ،‬وذلك نحوقطع‪ #‬كلمة [أم] في قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَ ْم َم ْن يَ ُك‪##‬ونُ‬
‫اط ُم ْس‪#‬تَقِ ٍيم﴾ إذ‬ ‫ص‪َ #‬ر ٍ‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم َو ِكيالً﴾ ووصلها‪ #‬في قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَ َّم ْن يَ ْم ِش‪#‬ي َس‪ِ #‬ويّا ً َعلَى ِ‬
‫كتبت هكذا [أمن] بإدغام الميم األولى في الثانية وكتابتهما ميم‪#‬ا واح‪#‬دة مش‪#‬ددة فق‪#‬ط‬
‫[أم] األولى في الكتاب‪##‬ة للدالل‪##‬ة على أنه‪##‬ا أم المنقطع‪##‬ة ال‪##‬تي بمع‪##‬نى ب‪##‬ل‪ ،‬ووص‪##‬ل أم‬
‫الثانية للداللة على أنها ليست كتلك‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومن الفوائد التي يفيدها الرسم القرآني الدالل‪##‬ة على مع‪##‬نى خفي‬
‫الس‪َ #‬ما َء بَنَ ْينَاهَ‪#‬ا بِأَيْ‪ٍ #‬د﴾ إذ‬
‫دقيق‪ ،‬كزيادة الياء في كتابة كلمة ﴿أي‪#‬د﴾ من قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫كتبت هكذا ﴿بِأَيْي ٍد﴾ وذلك لإليماء إلى تعظيم قوة هللا ال‪##‬تي ب‪##‬نى به‪##‬ا الس‪##‬ماء‪ ،‬وأنه‪##‬ا ال‬
‫تشبهها قوة على حد القاعدة المشهورة وهي‪ :‬زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ومن هذا القبيل كتابة هذه األفعال األربع‪##‬ة بح‪##‬ذف ال‪##‬واو‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫﴿ويدعو اإلنسان‪ ،‬ويمحوهللا الباطل‪ ،‬يوم يدعو الداع‪ ،‬سندعوا الزبانية﴾‪ ،‬فإنه‪##‬ا كتبت‬
‫اع‪،‬‬‫ع ال‪َّ #‬د ِ‬‫ع اأْل ِ ْن َس‪#‬انُ ‪َ ،‬ويَ ْم ُح هَّللا ُ ْالبَا ِط‪َ #‬ل‪ ،‬يَ‪##‬وْ َم يَ‪ْ #‬د ُ‬
‫﴿ويَ‪ْ #‬د ُ‬
‫في المصحف العثماني‪ #‬هك‪#‬ذا‪َ :‬‬
‫ع ال َّزبَانِيَةَ﴾‪ ،‬ولكن من غير نقط وال شكل في الجميع‪.‬‬ ‫َسنَ ْد ُ‬
‫ع اأْل ِ ْن َس‪#‬انُ ﴾ هوالدالل‪##‬ة على أن ه‪##‬ذا‬ ‫﴿ويَ‪ْ #‬د ُ‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)4‬والس‪##‬ر في ح‪##‬ذفها من َ‬
‫الدعاء سهل على اإلنسان يسارع فيه كما يسارع إلى الخير‪ ،‬بل إثبات الشر إليه من‬
‫جهة ذاته أقرب إليه من الخير‪.‬‬
‫اط‪َ #‬ل﴾ اإلش‪##‬ارة إلى س‪##‬رعة‬ ‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)5‬والس‪##‬ر في ح‪##‬ذفها من ﴿ َويَ ْم ُح هَّللا ُ ْالبَ ِ‬
‫ذهابه واضمحالله‪.‬‬
‫اع﴾ اإلشارة إلى سرعة الدعاء‬ ‫ع ال َّد ِ‬ ‫قال آخر(‪ :)6‬والسر في حذفها من ﴿يَوْ َم يَ ْد ُ‬
‫وسرعة إجابة الداعين‪.‬‬
‫ع ال َّزبَانِيَةَ﴾ اإلشارة إلى س‪##‬رعة الفع‪##‬ل‬ ‫قال آخر(‪ :)7‬والسر في حذفها من ﴿ َسنَ ْد ُ‬
‫وإجابة الزبانية وقوة البطش‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)8‬وقد جمع هذه األس‪#‬رار المراكش‪#‬ي‪ #‬في قول‪#‬ه‪( :‬والس‪#‬ر في ح‪#‬ذفها‬
‫من ه‪#‬ذه األربع‪#‬ة س‪#‬رعة وق‪#‬وع‪ #‬الفع‪#‬ل وس‪#‬هولته على الفاع‪#‬ل وش‪#‬دة قب‪#‬ول المنفع‪#‬ل‬
‫المتأثر به في الوجود)‬

‫مناهل العرفان (‪)1/373‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مناهل العرفان (‪)1/373‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/373‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/374‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/374‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/374‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/374‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/374‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪26‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وزي‪##‬ادة على ه‪##‬ذا؛ ف‪##‬إن من الفوائ‪##‬د ال‪##‬تي يفي‪##‬دها الرس‪##‬م الق‪##‬رآني‬
‫الدالل‪##‬ة على أص‪##‬ل الحرك‪##‬ة‪ ،‬مث‪##‬ل كتاب‪##‬ة الكس‪##‬رة ي‪##‬اء في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وإِيتَ‪##‬ا ِء ِذي‬
‫ْالقُرْ بَى﴾‪ ،‬إذ تكتب هكذا ﴿وإيت‪##‬اءى ذي الق‪##‬ربى﴾‪ ،‬ومث‪##‬ل كتاب‪##‬ة الض‪##‬مة واوا في قول‪##‬ه‬
‫اسقِينَ ﴾ إذ كتبت هكذا سأوريكم ومثل ذلك الداللة على أص‪##‬ل‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬سأ ُ ِري ُك ْم د َ‬
‫َار ْالفَ ِ‬
‫الحرف نحوالص‪##‬الة والزك‪##‬اة إذ كتب‪##‬ا هك‪##‬ذا‪ :‬الص‪##‬لوة الزك‪##‬وة ليفهم أن األل‪##‬ف فيهم‪##‬ا‬
‫منقلبة عن واو‪ .‬من غير نقط وال شكل كما سبق‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬ومن الفوائ‪##‬د ال‪##‬تي يفي‪##‬دها الرس‪##‬م الق‪##‬رآني إف‪##‬ادة بعض اللغ‪##‬ات‬
‫الفصيحة مثل كتابة [هاء التأنيث] تاء مفتوحة داللة على لغات الع‪##‬رب‪ ..‬مث‪##‬ل قول‪##‬ه‬
‫ت ال تَ َكلَّ ُم نَ ْفسٌ إِاَّل بِإِ ْذنِ‪ِ #‬ه﴾‪ ،‬فق‪#‬د كتبت بح‪##‬ذف الي‪#‬اء للدالل‪##‬ة على لغ‪#‬ة‬ ‫تعالى‪﴿ :‬يَ‪#‬وْ َم يَ‪##‬أْ ِ‬
‫هذيل‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬ومن الفوائ‪##‬د ال‪##‬تي يفي‪##‬دها الرس‪##‬م الق‪##‬رآني حم‪##‬ل الن‪##‬اس على أن‬
‫يتلقوا القرآن من صدور‪ #‬ثقات الرجال وال يتكلوا على هذا الرسم‪ #‬العثماني الذي جاء‬
‫غير مطابق‪ #‬للنطق الصحيح في الجملة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬ويضاف إلى هذا التوثق من ألفاظ القرآن وطريقة أدائ‪##‬ه وحس‪##‬ن‬
‫ترتيله وتجويده؛ فإن ذلك ال يمكن أن يع‪##‬رف على وج‪##‬ه اليقين من المص‪##‬حف مهم‪##‬ا‬
‫تكن قاعدة رسمه واصطالح كتابته‪ ،‬فقد تخطئ‪ #‬المطبع‪##‬ة في الطب‪##‬ع وق‪##‬د يخفى على‬
‫القارئ بعض أحكام تجويده كالقلقلة واإلظهار‪ #‬واإلخفاء واإلدغام وال‪##‬روم واإلش‪##‬مام‪#‬‬
‫ونحوها‪ #‬فضال عن خفاء تطبيقها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬ولهذا قرر العلماء أنه ال يجوز التعويل على المصاحف‪ #‬وح‪#‬دها‪،‬‬
‫بل ال بد من التثبت في األداء والقراءة باألخذ عن حافظ ثقة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)6‬لق‪##‬د رحت أتأم‪##‬ل في ه‪##‬ذه القواع‪##‬د ال‪##‬تي ذكره‪##‬ا علم‪##‬اء الرس‪##‬م؛‬
‫فوجدتها مملوءة باألسرار‪ #‬العجيب‪##‬ة‪ ..‬ففي قاع‪##‬دة األولى من قواع‪##‬د الرس‪##‬م الق‪##‬رآني‪،‬‬
‫وهي قاع‪##‬دة الح‪##‬ذف‪ ،‬وج‪##‬دت الكث‪##‬ير من الفوائ‪##‬د واألس‪##‬رار‪ #‬العجيب‪##‬ة ال‪##‬تي ال يمكن‬
‫التعبير عنها‪ ..‬ولكم أن تتأملوا فيها لتكتشفوا أسرارها‪ #‬العجيبة الممل‪##‬وءة باإلعج‪##‬از‪..‬‬
‫فاأللف‪ #‬تحذف من ياء النداء نحو ﴿يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا النَّاسُ ﴾‪ ..‬ومن ه‪##‬ا التنبي‪##‬ه نح‪##‬و﴿هَ‪##‬ا أَ ْنتُ ْم﴾‪..‬‬
‫ومن كلمة نا إذا وليها ضمير نحو﴿أَ ْن َج ْينَ‪##‬ا ُك ْم﴾‪ ..‬ومن لف‪##‬ظ الجالل‪##‬ة ﴿هَّللا ِ﴾‪ ..‬ومن كلم‪##‬ة‬
‫﴿إِلَهَ﴾‪ ..‬ومن لفظي ﴿الرَّحْ َم ِن َو ُس ْب َحانَ ﴾ وبعد‪ #‬الم نحوكلمة ﴿خَالئِفَ ﴾ وبين الالمين في‬
‫ُالن﴾‪ ..‬ومن ك‪##‬ل جم‪##‬ع تص‪##‬حيح لم‪##‬ذكر‬ ‫نح‪##‬و﴿رج ِ‬
‫َ‬ ‫نح‪##‬و﴿ال َكاللَ ‪ِ #‬ة﴾‪ ..‬ومن ك‪##‬ل مث‪##‬نى‬ ‫ْ‬
‫ت﴾‪ ..‬ومن ك‪##‬ل جم‪##‬ع على وزن مفاع‪##‬ل وش‪##‬بهه‬ ‫‪#‬و﴿س‪َّ #‬ما ُعونَ ﴾ ْ‬
‫﴿ال ُم ْؤ ِمنَ‪##‬ا ِ‬ ‫أولم‪##‬ؤنت نح‪َ #‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/374‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/374‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/375‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/375‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/375‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/369‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪27‬‬
‫صا َرى﴾‪ ..‬ومن كل عدد نحو﴿ثَ َ‬
‫الث﴾‬ ‫ْ‬
‫نحو﴿ال َم َسا ِج ِد﴾‪َ ﴿ #‬والنَّ َ‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وتحذف الياء من كل منقوص منون رفعا وج‪##‬را نح‪##‬و﴿ َغ ْي‪َ #‬ر بَ‪ٍ #‬‬
‫‪#‬اغ‬
‫ون‪،‬‬ ‫ون‪ ،‬فَ‪##‬ارْ هَبُو ِن‪ ،‬فَأَرْ ِس‪#‬لُ ِ‬ ‫‪#‬ون‪َ ،‬وخَ‪##‬افُ ِ‬ ‫َوال عَا ٍد﴾‪ ..‬ومن هذه الكلمات ﴿ َوأَ ِطيع ِ‬
‫ُون‪َ ،‬واتَّقُ‪ِ #‬‬
‫فَا ْعبُ‪#‬دُو ِن﴾ إال م‪##‬ا اس‪##‬تثني‪ ..‬وتح‪##‬ذف‪ #‬ال‪##‬واو‪ :‬إذا وقعت م‪##‬ع واوأخ‪##‬رى‪ #‬في نح‪##‬و‪﴿ :‬ال‬
‫ْف﴾‪ ..‬وتحذف الالم‪ :‬إذا كانت مدغمة في مثله‪##‬ا نح‪##‬و‪ :‬اللي‪##‬ل‬ ‫يَ ْستَوُونَ ‪ ،‬فَأْ ُووا‪ #‬إِلَى ْال َكه ِ‬
‫والذي إال ما استثني‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وهناك حذف ال يدخل تحت قاعدة كحذف األلف من كلمة مال‪#‬ك‪،‬‬
‫وكح‪##‬ذف الي‪##‬اء من إب‪##‬راهيم‪ ،‬وكح‪##‬ذف‪ #‬ال‪##‬واو من ه‪##‬ذه األفع‪##‬ال األربع‪##‬ة‪﴿ :‬وي‪##‬دعو‬
‫اإلنسان‪ ،‬ويمحو‪ #‬هللا الباطل‪ ،‬يوم يدعو الداع‪ ،‬سندعوالزبانية﴾‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهكذا أنا‪ ..‬فقد وجدت في القاع‪##‬دة الثاني‪##‬ة‪ ،‬وهي قاع‪##‬دة الزي‪##‬ادة‪،‬‬
‫الكثير من المعاني واألسرار‪ #..‬فأنتم تعلمون أن األلف تزاد بع‪##‬د ال‪##‬واو في آخ‪##‬ر ك‪##‬ل‬
‫اس‪##‬م مجم‪##‬وع‪ ،‬أوفي حكم المجم‪##‬وع مث‪##‬ل‪﴿ :‬مالق‪##‬وا ربهم‪ ،‬بن‪##‬وا إس‪##‬رائيل‪ ،‬أول‪##‬وا‬
‫األلب‪##‬اب﴾‪ ،‬وبع‪##‬د الهم‪##‬زة المرس‪##‬ومة واوا نح‪##‬و﴿تَاهَّلل ِ تَ ْفتَ‪##‬أُ﴾‪ ،‬فإنه‪##‬ا ترس‪##‬م هك‪##‬ذا‪﴿ :‬تاهلل‬
‫تفتؤا﴾‪ ،‬وفي‪ #‬كلمات ﴿مائ‪##‬ة وم‪##‬ائتين والظن‪##‬ون والرس‪##‬ول والس‪##‬بيل﴾ في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ضلُّونَا‪ #‬ال َّسبِيال﴾؛ فك‪##‬ل‬ ‫الظنُونَا﴾‪ ،‬وقوله‪َ ﴿ :‬وأَطَ ْعنَا ال َّرسُوال﴾‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬فَأ َ َ‬ ‫﴿ َوتَظُنُّونَ بِاهَّلل ِ ُّ‬
‫هذه األمثلة ترسم بدون ألف هكذا‪﴿ :‬أنجينكم‪ ..‬هللا‪ ..‬إله‪ ..‬الرحمن﴾‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وهكذا تزاد الياء في هذه الكلم‪##‬ات‪﴿ :‬نَبَ‪##‬أَ‪ ،‬آنَ‪##‬ا َء‪ِ ،‬م ْن تِ ْلقَ‪##‬ا ِء‪ ،‬بِ‪##‬أَيِّ ُك ُم‬
‫ت﴾‬‫ْال َم ْفتُونُ ‪ ،‬بِأ َ ْي ٍد﴾‪ ،‬وتزاد‪ #‬الواو في نحو﴿أُولُو‪ #،‬أُولَئِكَ ‪ ،‬أُوال ِء‪ ،‬أُوال ِ‬
‫قال آخر(‪ :)5‬وهكذا أنا‪ ..‬فقد وج‪#‬دت في القاع‪#‬دة الثالث‪#‬ة‪ ،‬وهي قاع‪#‬دة الهم‪#‬ز ‪،‬‬
‫الكث‪##‬ير من المع‪##‬اني واألس‪##‬رار‪ ..‬ف‪##‬أنتم تعلم‪##‬ون أن الهم‪##‬زة إذا ك‪##‬انت س‪##‬اكنة تكتب‬
‫اؤتُ ِمنَ ‪ْ ،‬البَأْ َس‪#‬ا ِء﴾ إال م‪##‬ا اس‪##‬تثني‪ ..‬أم‪##‬ا الهم‪##‬زة‬ ‫بح‪##‬رف حرك‪##‬ة م‪##‬ا قبله‪##‬ا نح‪##‬و﴿ا ْئ‪َ #‬ذ ْن‪ْ ،‬‬
‫المتحركة فإن كانت أول الكلمة واتصل بها حرف زائ‪##‬د كتبت ب‪##‬األلف مطلق‪##‬ا س‪##‬واء‬
‫ُّوب‪ ،‬أُولُو‪ ،‬إِ َذا‪َ ،‬سأَصْ ِرفُ ‪َ ،‬س ‪#‬أ ُ ْن ِزلُ‪ ،‬فَبِ‪##‬أَيِّ ﴾ إال م‪##‬ا‬ ‫أكانت مفتوحة أم مكسورة نحو﴿أَي َ‬
‫استثني‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬وإن كانت الهمزة وس‪##‬طا‪ #‬فإنه‪##‬ا تكتب بح‪##‬رف من جنس حركته‪##‬ا‬
‫نحو﴿ َسأ َ َل‪ُ ،‬سئِ َل‪ ،‬تَ ْق َرأَهُ﴾ إال ما استثني‪ ..‬وإن ك‪#‬انت متطرف‪#‬ة كتبت بح‪#‬رف من جنس‬
‫اط ِئ‪ ،‬لُ ْؤلُ ٌؤ﴾ إال م‪##‬ا اس‪##‬تثني‪ ..‬وإن س‪##‬كن م‪##‬ا قبله‪##‬ا ح‪##‬ذفت‬ ‫حركة ما قبلها نحو﴿ َسبَأٍ‪َ ،‬ش ِ‬
‫ض‪ ،‬ي ُْخ ِر ُج ْالخَ بْ َء﴾ إال ما استثني‪ ..‬والمستثنيات كثيرة في الكل‪.‬‬ ‫نحو﴿ ِمل ُء اأْل َرْ ِ‬

‫مناهل العرفان (‪)1/369‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مناهل العرفان (‪)1/369‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/370‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/370‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/370‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/370‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪28‬‬
‫قال آخر(‪ :)7‬وهكذا أنا‪ ..‬فقد وج‪##‬دت في القاع‪##‬دة الرابع‪##‬ة‪ ،‬وهي قاع‪#‬دة الب‪##‬دل‪،‬‬
‫الكثير من المعاني واألس‪##‬رار‪ #..‬ف‪##‬أنتم تعلم‪##‬ون أن األل‪##‬ف تكتب واوا للتفخيم في مث‪##‬ل‬
‫الص‪##‬الة والزك‪##‬اة والحي‪##‬اة إال م‪##‬ا اس‪##‬تثني‪ ،‬وترس‪##‬م‪ #‬ي‪##‬اء إذا ك‪##‬انت منقلب‪##‬ة عن ي‪##‬اء‬
‫نحو﴿يَتَ َوفَّا ُك ْ‪#‬م يَا َحس َْرتَى‪ #‬يَا أَ َسفَ ْى﴾‪ ..‬وكذلك ترسم األلف ياء في ه‪##‬ذه الكلم‪##‬ات‪﴿ :‬إِلَى‪،‬‬
‫ب﴾ في س‪##‬ورة‬ ‫َعلَى‪ ،‬أَنَّى ـ بمعنى كيف ـ َمتَى‪ ،‬بَلَى‪َ ،‬حتَّى‪ ،‬لَ‪#‬دَى﴾ م‪##‬ا ع‪##‬دا ﴿لَ‪#‬دَى ْالبَ‪##‬ا ِ‬
‫يوسف‪ #‬فإنها ترسم ألفا‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وهكذا ترسم النون ألفا في نون التوكيد الخفيف‪##‬ة وفي كلم‪##‬ة إذن‪..‬‬
‫﴿رحْ َمتَ ﴾ بالبقرة واألعراف وه‪##‬ود وم‪##‬ريم‬ ‫وتُرسم هاء التأنيث تاء مفتوحة في كلمة َ‬
‫والروم والزخرف‪ #،‬وفي كلمة ﴿نِ ْع َمةَ﴾ بالبقرة وآل عمران والمائدة وإبراهيم‪ #‬والنح‪##‬ل‬
‫ولقمان وفاطر والطور‪ ،‬وفي كلمة ﴿لَ ْعنَةُ هَّللا ِ﴾‪ ،‬وفي كلمة معصية بسورة ق‪##‬د س‪##‬مع‪..‬‬
‫وفي‪ #‬هذه الكلمات‪ :‬إن ش‪##‬جرة الزق‪##‬وم ق‪##‬رة عين جن‪##‬ة نعيم بقي‪#‬ة هللا وفي‪ #‬كلم‪##‬ة ام‪##‬رأة‬
‫أضيفت إلى زوجها نحوامرأة عمران امرأة نوح وفي غير ذلك‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهكذا أنا‪ ..‬فقد وجدت في القاعدة الخامسة‪ ،‬وهي قاعدة الوص‪##‬ل‬
‫والفصل‪ ،‬الكثير من المعاني واألسرار‪ ..‬ف‪##‬أنتم تعلم‪##‬ون أن كلم‪##‬ة [أن] بفتح الهم‪##‬زة‬
‫توصل بكلمة ال إذا وقعت بع‪#‬دها‪ ،‬ويس‪#‬تثنى من ذل‪#‬ك عش‪#‬رة مواض‪#‬ع‪ .‬منه‪#‬ا‪﴿ :‬أن ال‬
‫تقول‪##‬وا‪ ،‬أن ال تعب‪##‬دوا إال هللا﴾‪ ..‬وكلم‪##‬ة [من] توص‪##‬ل بكلم‪##‬ة م‪##‬ا إذا وقعت بع‪##‬دها‪،‬‬
‫ت أَ ْي َم‪##‬انُ ُك ْم﴾ في النس‪##‬اء وال‪##‬روم و﴿ ِم ْن َم‪##‬ا َرزَ ْقنَ‪##‬ا ُك ْم﴾ في س‪##‬ورة‬ ‫ويستثنى ﴿ ِم ْن َما َملَ َك ْ‬
‫المنافقين‪ ..‬وكلمة [من] توصل بكلمة من مطلقا‪ ..‬وكلم‪##‬ة [عن] توص‪##‬ل بكلم‪##‬ة [م‪##‬ا]‬
‫إال قوله تعالى ﴿ع َْن َما نُهُ‪##‬وا َع ْن‪#‬هُ﴾‪ ..‬وكلم‪##‬ة [إن] بالكس‪##‬ر توص‪##‬ل بكلم‪##‬ة [م‪##‬ا] ال‪##‬تي‬
‫ك﴾‪ ،‬وكلمة [أن] بالفتح توصل بكلمة [ما] مطلق‪##‬ا‬ ‫بعدها إال قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َما نُ ِريَنَّ َ‬
‫من غير استثناء‪ ..‬وكلمة [كل] توصل بكلمة [ما] التي بعدها إال قوله تعالى ﴿ ُك َّل َم‪##‬ا‬
‫ُر ُّدوا إِلَى ْالفِ ْتنَ ِة﴾ ‪ ،‬و﴿ ِم ْن ُك ِّل َما َسأ َ ْلتُ ُموهُ﴾‪ ..‬وتوصل كلم‪##‬ات ﴿نِ ِع َّما‪ ،‬و ُربَ َم‪##‬ا‪ #،‬و َكأَنَّ َم‪##‬ا‪،‬‬
‫َو ْي َكأَنَّهُ﴾ ونحوها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وهكذا أنا‪ ..‬فقد وجدت في القاعدة السادسة‪ ،‬وهي قاع‪##‬دة م‪##‬ا في‪##‬ه‬
‫قراءت‪##‬ان‪ ،‬الكث‪##‬ير من المع‪##‬اني واألس‪##‬رار‪ ..‬ف‪##‬أنتم تعلم‪##‬ون أن الكلم‪#‬ة إذا ق‪##‬رئت على‬
‫وجهين تكتب برسم أحدهما كما رسمت الكلمات اآلتية بال ألف في المصحف‪ #‬وهي‪:‬‬
‫ك يَوْ ِم الدِّي ِن‪ ،‬يُخَا ِد ُعونَ هَّللا َ‪َ ،‬و َوا َع ْدنَا ُمو َسى‪ ،‬تُفَادُوهُ ْم﴾ ونحوه‪##‬ا وكله‪##‬ا مق‪##‬روءة‬ ‫﴿ َمالِ ِ‬
‫بإثبات األلف وحذفها‪ ..‬وكذلك رسمت الكلمات اآلتية بالت‪##‬اء المفتوح‪##‬ة وهي ﴿غياب‪##‬ة‬
‫الجب‪ ،‬أنزل عليه ـ في العنكبوت ـ ثمرة من أكمامها ـ في فصلت ـ وهم في الغرف‪##‬ة‬
‫آمنون ـ في سبأ ـ﴾‪ ،‬وذلك ألنها جمعاء مقروءة بالجمع واإلفراد‪ ..‬وغير هذا كثير‪.‬‬

‫مناهل العرفان (‪)1/370‬‬ ‫‪)(7‬‬


‫مناهل العرفان (‪)1/371‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/370‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/370‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪29‬‬
‫قال آخر‪ :‬اسمحوا لي أن أذكر لكم بعض ما أداني إليه التدبر والتأمل في ه‪##‬ذا‬
‫الجانب اإلعجازي العظيم‪ #..‬لقد رأيت أن وجود كلمة قُرآني‪##‬ة برس‪##‬م مختل‪##‬ف في آي‪##‬ة‬
‫يلفت النظر إلى أن هناك أمراً عظيما ً يجب تدبره‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك أني وجدت أنه في حالة زيادة أحرف الكلم‪##‬ة‬
‫فإن هذا يعني زيادة في المبْنى‪ ،‬يتبعه زيادة في المعْنى‪.‬‬ ‫عن الكلمة المعتادة؛ ّ‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ووج‪##‬دت‪ #‬أن زي‪##‬ادة المب‪##‬نى يُمكن أن ي‪##‬ؤدي إلى مع‪##‬نى ال‪##‬تراخي‪،‬‬
‫أوالتمهل‪ ،‬أوالتأمل والتفكر‪ ،‬أوانفصال أجزاءه‪.‬‬
‫‪#‬إن ه‪#‬ذا يع‪#‬ني إم‪#‬ا‬ ‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ووج‪##‬دت أن‪#‬ه في حال‪#‬ة نقص ح‪##‬روف الكلم‪#‬ة؛ ف‪ّ #‬‬
‫سُرعة الحدث‪ ،‬أوانكماش المعنى وضغطه‪ ،‬أوتالحم أجزائه‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)1‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك‪ ،‬أني وج‪##‬دت اإلعج‪##‬از قائم‪##‬ا في ح‪##‬ذف‬
‫بعض األحرف‪ #‬من بعض الكلمات‪ ..‬فمثال إن حذف األل‪#‬ف من كلم‪#‬ة (بس‪#‬م)‪ ،‬وال‪#‬تي‬
‫جاء بعدها لفظ الجاللة (هللا)‪ ،‬يدل ويُوحي‪ #‬بأنه يجب علينا الوص‪##‬ول‪ #‬إلى هللا تع‪##‬الى‪،‬‬
‫والمبادرة إلى الصلة معه تعالى بأقصر الطرق‪ ،‬وأسرع‪ #‬الوسائل؛ وهوما‪ #‬يدل علي‪##‬ه‬
‫ص َراطَ ْال ُم ْستَقِي َم﴾ [الفاتح‪##‬ة‪ ،]6 :‬وهوالذي يُوص‪##‬ل بأس‪##‬رع وأقص‪##‬ر‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬ا ْه ِدنَا ال ِّ‬
‫الطرق‪ #..‬والحرف الوحيد الذي يمكن حذفه من كلمة (باسم) دون تغيير نُطق الكلم‪##‬ة‬
‫هو(حرف األلف)‪ ..‬لذا فقد تم حذفه للتوج‪##‬ه إلى هللا وأخ‪##‬ذ البرك‪##‬ة من‪##‬ه في أي عم‪##‬ل‬
‫نعمله بأسرع‪ #‬ما يمكن وبأقصر طريق‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أما في الحاالت األخرى وال‪##‬تي ورد فيه‪##‬ا (باس‪##‬م)‪ ،‬بإثب‪##‬ات األل‪##‬ف‪،‬‬
‫اس‪ِ #‬م َربِّكَ ْال َع ِظ ِيم﴾ [الواقع‪##‬ة‪ ،]74 :‬وقول‪##‬ه‪﴿ :‬ا ْق‪َ #‬ر ْأ‬ ‫كقوله تعالى‪ :‬ق‪##‬ال هللا تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ َس‪#‬بِّحْ بِ ْ‬
‫بِاس ِْم َربِّكَ الَّ ِذي خَ لَقَ﴾ [العلق‪ ،]1 :‬فإن ذلك بسبب أن كلم‪##‬ة ﴿ َربِّكَ ﴾ ت‪##‬أتي ُمش‪##‬تركة بين‬
‫هللا تعالى وخلقه‪ ،‬كما قال تعالى حكاي‪##‬ة عن يوس‪##‬ف علي‪##‬ه الس‪##‬الم‪ ،‬قول‪##‬ه لزميل‪##‬ه في‬
‫ك﴾ [يوسف‪]42 :‬‬ ‫﴿اذ ُكرْ نِي ِع ْن َد َربِّ َ‬‫السّجن‪ْ :‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذل‪##‬ك‪ ،‬ف‪##‬إن ح‪##‬ذف ح‪##‬رف من الكلم‪##‬ة يض‪##‬غط مبناه‪##‬ا‪،‬‬
‫ويُسرع‪ #‬من َو ْق ِعهَا؛ فَتُؤدي‪ #‬المع‪##‬نى المطل‪##‬وب‪ ،‬وهوالس‪##‬رعة على خ‪##‬ير وج‪##‬ه‪ ،‬وه‪##‬ذا‬
‫إعجاز القرآن الكريم والرسم القرآني‪..‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬أن كلمة ﴿سموات﴾ وردت هكذا‪ ،‬بهذا الرسم‬
‫بدون ألف صريحة (‪ 189‬مرة) في القرآن الكريم كله‪ ..‬ووردت (مرة واح‪##‬دة) فق‪##‬ط‬
‫بألف صريحة بعد ح‪##‬رف (و) بالرس‪##‬م الق‪##‬رآني (س‪##‬موات)‪ ،‬وذل‪##‬ك في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ت فِي يَوْ َم ْي ِن َوأَوْ َحى‪ #‬فِي ُكلِّ َس َما ٍء أَ ْم َرهَا َو َزيَّنَّا ال َّس َما َء ال‪ُّ ##‬د ْنيَا‬ ‫اوا ٍ‬ ‫﴿فَقَ َ‬
‫ضاه َُّن َس ْب َع َس َم َ‬
‫‪#‬ز ْال َعلِ ِيم﴾ [فص‪##‬لت‪ ..]12 :‬وحين نت‪##‬دبر ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‬ ‫ص‪#‬ابِي َح َو ِح ْفظً‪##‬ا َذلِ‪##‬كَ تَ ْق‪ِ #‬دي ُر ْال َع ِزي‪#ِ #‬‬ ‫بِ َم َ‬
‫ُ‬
‫الكريمة وما قبلها من آيات‪ ،‬نجد أن القرآن الكريم يتعرض لقضية كبرى هي قضية‬
‫خلق السماوات واألرض‪ ،‬وترتيب‪ #‬هذا الخلق ومدته‪ ،‬وتقدير األق‪##‬وات في األرض؛‬
‫‪ )(1‬انظر في هذه األمثل‪#‬ة وغيره‪#‬ا‪ :‬كت‪#‬اب ت‪#‬أمالت في إعج‪#‬از الرس‪#‬م الق‪#‬رآني وإعج‪#‬از التالوة والبي‪#‬ان‪ ،‬محم‪#‬د ش‪#‬ملول‪ ،‬وه‪#‬و من أش‪#‬هر الكتب‬
‫المعاصرة التي كتبت في الدفاع عن الرسم العثماني‪ ،‬بل بيان إعجازه‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫ل‪##‬ذا ف‪##‬إن القض‪#‬ية ُمهم‪##‬ة ج‪#‬داً‪ ،‬وتحت‪##‬اج إلى ت‪##‬دبُّر وتفك‪#‬ر؛ وله‪#‬ذا‪ ،‬فق‪#‬د ج‪#‬اءت كلم‪##‬ة‬
‫(سموات) بالرسم‪ #‬غير العادي هذه المرة لتلفت النّظر إلى ضرورة الوقوف‪ #،‬وت‪##‬دبر‬
‫المعاني الجليل‪#‬ة له‪#‬ذه اآلي‪#‬ات‪ ،‬وال‪#‬تي ص‪#‬عب فهمه‪#‬ا على بعض الن‪#‬اس‪ ،‬خاص‪#‬ة في‬
‫حساب أيام الخلق الستة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬أن كلمة ﴿الميعاد﴾ وردت بألف صريحة في‬
‫وسط‪ #‬الكلمة (‪ 5‬مرات) في القرآن الكريم كله‪ ،‬وكلها تتكلم عن الميع‪##‬اد ال‪##‬ذي َو َع‪##‬ده‬
‫هللا؛ لذلك جاء هذا (الميعاد) واضحاً‪ #‬وصريحا ً وال ريب فيه‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك‬
‫ال ِمي َع‪##‬ادَ﴾ [آل‬ ‫ْب فِي‪ِ #‬ه إِ َّن هَّللا َ اَل ي ُْخلِ‪##‬فُ ْ‬ ‫ك َج‪##‬ا ِم ُع النَّ ِ‬
‫اس لِيَ‪##‬وْ ٍم اَل َري َ‬ ‫﴿ربَّنَ‪##‬ا إِنَّ َ‬
‫قوله تعالى‪َ :‬‬
‫هَّللا‬ ‫ْ‬
‫ك اَل تُ ْخلِفُ ال ِمي َعا َد﴾ [آل عم‪##‬ران‪ ، ]194 :‬وقوله‪﴿ :‬إِ َّن َ اَل ي ُْخلِ‪##‬فُ‬ ‫عمران‪ ،]9 :‬وقوله‪﴿ :‬إِنَّ َ‬
‫ْال ِمي َع‪##‬ا َد﴾ [الرع‪###‬د‪ ، ]31 :‬وقول‪##‬ه‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ لَ ُك ْم ِمي َع‪##‬ا ُد﴾ [س‪###‬بأ‪ ، ]30 :‬وقول‪##‬ه‪﴿ :‬اَل ي ُْخلِ‪##‬فُ ُ‬
‫هَّللا‬
‫ْال ِمي َعا َد﴾ [الزمر‪ ،]20 :‬غير أن هذه الكلمة وردت مرة واحدة فقط‪ ،‬وذلك برس‪##‬م يختل‪##‬ف‬
‫بدون ألف صريحة على شكل ﴿الميعـد﴾؛ وذلك حين نُسب ه‪##‬ذا الميع‪##‬اد إلى (البش‪##‬ر)‬
‫حيث قال تعالى‪َ ﴿ :‬ولَوت ََوا َع ْدتُ ْم اَل ْختَلَ ْفتُ ْم فِي ْ‬
‫ال ِمي َعـ ِد﴾ [األنفال‪]42 :‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬أن كلمة ﴿سعوا﴾ وردت بشكلها العادي م‪##‬رة‬
‫واحدة‪ ،‬ووردت ﴿سعو﴾ بشكلها غير العادي بدون ألف في آخرها مرة واح‪##‬دة أيض ‪#‬ا ً‬
‫في القرآن الكريم كله‪ ،‬وتُوحي‪ #‬كلمة ﴿سعو﴾ بنقص األلف في آخرها؛ أن هذا الس‪##‬عي‬
‫سريع جداً‪ ،‬وكله نشاط‪ ،‬وهوحسب‪ #‬اآلية الكريمة سعي في إنك‪##‬ار آي‪##‬ات هللا‪ ،‬وهوم‪##‬ا‬
‫جلب على الكافرين عذابا من رجز أليم في الدنيا‪ ،‬باإلضافة إلى عذاب جهنم‪ ،‬وبئس‬
‫﴿والَّ ِذينَ َس‪َ #‬عوْ ا فِي آيَاتِنَ‪#‬ا‬‫المصير‪ #‬في اآلخ‪#‬رة‪ ..‬ومن األمثل‪#‬ة على ذل‪#‬ك قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫ص‪َ ###‬حابُ ْال َج ِح ِيم﴾ [الحج‪ ،]51 :‬وقول‪###‬ه‪َ :‬‬
‫﴿والَّ ِذينَ َس‪َ ###‬عوْ ا فِي آيَاتِنَ‪###‬ا‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫‪###‬اج ِزينَ أُولَئِ‪َ ###‬‬
‫ُم َع ِ‬
‫ُم َعا ِج ِزينَ أولَئِكَ لَهُ ْم َع َذابٌ ِم ْن ِرجْ ٍز أَلِي ٌم﴾ [سبأ‪ ،]5 :‬أي في الدنيا باإلضافة إلى ع‪##‬ذاب‬ ‫ُ‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬أن كلمة ﴿نعمة﴾ وردت بالتاء المربوطة ‪25‬‬
‫م‪##‬رة في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ #..‬ووردت ﴿نعمت﴾ بالت‪##‬اء المفتوح‪##‬ة ‪ 11‬م‪##‬رة في الق‪##‬رآن‬
‫الكريم‪ ..‬ونالحظ‪ #‬حين نتدبر اآليات الكريمة التي وردت فيها نعمت بالتاء المربوطة‬
‫أنها تتحدث إما عن نعم هللا الظاهرة للعيان‪ ،‬وهي النعم العامة للبشر جميع ‪#‬اً‪ ،‬أو عن‬
‫أقل شيء يطلق عليه ﴿نعمة﴾ مثل‪َ ﴿:‬و َما بِ ُك ْم ِم ْن نِ ْع َم ٍة فَ ِمنَ هَّللا ِ ﴾ [النح‪##‬ل‪ ،]53 :‬أي أن م‪#‬ا‬
‫بكم من أقل شيء يطل‪##‬ق علي‪##‬ه ﴿نعم‪##‬ة﴾ فه‪##‬ومن هللا وليس أي مخل‪##‬وق بق‪##‬ادر على أن‬
‫ينعم عليكم بأق‪##‬ل نعم‪##‬ة‪ ..‬وط‪##‬بيعي أن ت‪##‬أتي كلم‪##‬ة ﴿نعم‪##‬ة﴾ في ه‪##‬ذا المج‪##‬ال بالت‪##‬اء‬
‫المربوطة ألنها محدودة ومربوط‪##‬ة‪ ..‬أم‪##‬ا حين ت‪##‬أتي ﴿نعمت﴾ بالت‪##‬اء المفتوح‪##‬ة فإنه‪##‬ا‬
‫تدل على النعمة الخاصة التي وهبها هللا تع‪##‬الى للمؤم‪##‬نين من عب‪##‬اده‪ ،‬كم‪##‬ا أنه‪##‬ا ت‪##‬دل‬
‫على النعم المفتوحة التي ال يمكن إحصاء ع‪##‬ددها‪ ..‬وألج‪##‬ل ذل‪##‬ك؛ فإن‪##‬ه حينم‪##‬ا ت‪##‬ذكر‬
‫﴿نعمت﴾ في أي آية من القرآن الكريم‪ ،‬يكون ذلك من أج‪#‬ل لفت انتب‪#‬اه ق‪##‬ارئ الق‪##‬رآن‬
‫لتدبر هذه اآلية وما حولها من آيات واستخالص الحكمة والعبرة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذل‪#‬ك‪ ،‬أن كلم‪#‬ة ﴿الرب‪#‬وا﴾ وردت على ه‪#‬ذا الش‪#‬كل‬
‫في القرآن الكريم ‪ 7‬مرات‪ ..‬ووردت‪ #‬كلمة ﴿ربا﴾ مرة واحدة فقط في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫كله‪ ..‬وقد جاءت كلمة ﴿الربوا﴾ بهذا الشكل لتلفت النظر إلى خط‪##‬ورة اس‪##‬تخدام‪ #‬الرب‪##‬ا‬
‫في معامالت الناس‪ ،‬وأن هللا قد حرم الربا‪ ،‬وأن هللا يمحق الربا وي‪##‬ربي‪ #‬الص‪##‬دقات‪..‬‬
‫أما كلمة ﴿ربا﴾ فقد جاءت مرة واحدة‪ ،‬وهي خاصة بأقل شيء يطلق عليه رب‪##‬ا‪ ،‬فه‪##‬و‬
‫اس فَاَل يَرْ بُوا‬ ‫ال النَّ ِ‬ ‫﴿و َما آَتَ ْيتُ ْم ِم ْن ِربًا لِيَرْ ب َُوا فِي أَ ْم َو ِ‬
‫ال يربو‪ #‬عند هللا‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫ض ‪ِ #‬عفُونَ ﴾ [ال‪##‬روم‪،]39 :‬‬ ‫ْ‬
‫‪#‬ك هُ ُم ال ُم ْ‬ ‫ُ‬
‫ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ َو َم‪##‬ا آَتَ ْيتُ ْم ِم ْن زَ َك‪##‬ا ٍة تُ ِري ‪ُ #‬دونَ َوجْ ‪ #‬هَ ِ فَأولَئِ‪#َ #‬‬
‫هَّللا‬
‫ونالحظ‪ #‬أن كلمة ﴿يربوا﴾ تزيد حرف (األلف) في آخرها لتوحي بمع‪##‬نى الرب‪##‬ا وهي‬
‫الزيادة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬أن كلمة ﴿العلمؤ﴾ وردت م‪##‬رتين في الق‪##‬رآن‬
‫الكريم كله‪ ..‬ولم ترد إال بهذه الصورة الخاصة لتدل على المكانة العظيم‪##‬ة والمنزل‪##‬ة‬
‫الكبيرة للعلم‪##‬اء‪ ،‬وأنهم ليس‪##‬وا س‪##‬واء مث‪##‬ل ب‪##‬اقي الن‪##‬اس‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪ ﴿ :‬قُ‪##‬لْ هَ‪##‬لْ‬
‫يَ ْست َِوي‪ #‬الَّ ِذينَ يَ ْعلَ ُمونَ َوالَّ ِذينَ اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [الزمر‪ ،]9 :‬وهي في محل رفع‪ ،‬قال تع‪##‬الى‪:‬‬
‫يل ﴾ [الشعراء‪ ،]197 :‬وقال‪ ﴿ :‬إِنَّ َما يَ ْخ َشى‬ ‫﴿ أَ َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ْم آَيَةً أَ ْن يَ ْعلَ َمهُ ُعلَ َمـؤُا بَنِي إِس َْرائِ َ‬
‫هَّللا َ ِم ْن ِعبَا ِد ِه ْال ُعلَ َمـؤُا ﴾ [فاطر‪ ،]28 :‬وفي‪ #‬هذا اآلية يتبين لنا من هذه الصورة الخاص‪##‬ة‬
‫﴿العلمؤا﴾‪ ،‬وهي التي ال تأتي إال في محل رفع دقة وعظمة القرآن لل‪#‬رد على ه‪#‬ؤالء‬
‫الذين يقولون إن العلماء مفعول به أي في محل نصب‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬أن كلمة ﴿فإن﴾ ال‪##‬تي وردت بش‪##‬كلها الع‪##‬ادي‬
‫مرات عديدة موزعة على آيات القرآن الكريم‪ ،‬غير أنه حينما تعرض القرآن الكريم‬
‫لذكر موت الرسول ‪ ‬فقد خصه بكلمة ﴿أفإين﴾ بشكلها غير العادي‪ ،‬وذلك في قوله‬
‫ين َم‪##‬اتَ أَوقُتِ ‪َ #‬ل ا ْنقَلَ ْبتُ ْم َعلَى‬ ‫ت ِم ْن قَ ْبلِ ِه الرُّ ُس ُل أَفَإِ ْ‬ ‫﴿و َما ُم َح َّم ٌد إِاَّل َرسُو ٌ‪#‬ل قَ ْد خَ لَ ْ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫أَ ْعقَابِ ُك ْم ﴾ [آل عمران‪ ،]144 :‬حيث أنها زادت حرف (الياء)‪ ،‬وذلك ليلفت النظ‪##‬ر إلى أن‬
‫رسول هللا ‪ ‬سيموت مثل البشر جميعاً‪ ،‬وعلى المس‪##‬لمين أال ينقلب‪##‬وا على أعق‪##‬ابهم‬
‫بع‪##‬د موت‪##‬ه‪ ،‬وأال يص‪##‬يبهم ذل‪##‬ك الح‪##‬دث بال‪##‬ذهول وع‪##‬دم االت‪##‬زان‪ ..‬وإنم‪##‬ا يتماس‪##‬كوا‬
‫ويعلموا‪ #‬أن هللا تعالى لم يجعل ألحد من قبله الخلد‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬علما ً بأنها وردت في سائر‪ #‬المواض‪##‬ع ب‪##‬دون (الي‪##‬اء)‪ ،‬كم‪##‬ا في قول‪##‬ه‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬ولَئِ ْن ُمتُّ ْم أَوقُتِ ْلتُ ْم إَل ِ لَى هَّللا ِ تُحْ َشرُونَ ﴾ [آل عمران‪ ،]158 :‬وقوله‪ ﴿ :‬فَ‪#‬إِ ْن َخ‪َ #‬‬
‫‪#‬رجْ نَ‬
‫ل َما آَ َم ْنت ُ ْم بِ ِه ﴾ [البقرة‪]137 :‬‬ ‫فَاَل ُجنَا َح َعلَ ْي ُك ْم ﴾ [البقرة‪ ،]240 :‬وقوله‪ ﴿ :‬فَإِ ْن آَ َمنُوا بِ ِم ْث ِ‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذل‪#‬ك‪ ،‬أن كلم‪#‬ة ﴿أيه‪#‬ا﴾ وردت بش‪#‬كلها المعت‪#‬اد في‬
‫القرآن الكريم ‪ 150‬مرة غير أنها وردت بشكل مختلف ﴿أيه﴾ بنقص األلف ال‪##‬تي في‬
‫آخره‪###‬ا في ثالث مواض‪###‬ع فق‪###‬ط وهي قول‪###‬ه تع‪###‬الى‪َ ﴿ :‬وتُوبُ‪###‬وا إِلَى هَّللا ِ َج ِميعً‪###‬ا أَيُّه‬
‫ْال ُم ْؤ ِمنُونَ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِحُونَ ﴾ [الن‪##‬ور‪ ،]31 :‬لتوحي باإلس‪##‬راع‪ #‬في التوب‪##‬ة‪ ،‬وأن‪##‬ه يجب على‬
‫أي م‪##‬ؤمن أن يت‪##‬وب عن أي خط‪##‬أ يرتكب‪##‬ه بأقص ‪#‬ى‪ #‬س‪##‬رعة وأال يت‪##‬وانى‪ #‬في ذل‪##‬ك‪..‬‬
‫ع لَنَا َربَّكَ ﴾ [الزخرف‪ ]49 :‬لتوحي بالعجل‪##‬ة‬ ‫ومثلها قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وقَالُوا يـأَيُّه الس ِ‬
‫َّاح ُر ا ْد ُ‬
‫‪32‬‬
‫التي تطلبها فرعون وملئه من موسى عليه السالم لرف‪##‬ع الع‪##‬ذاب عنهم‪ ،‬كم‪##‬ا أن‪##‬ه من‬
‫الممكن بأن توحي بأن فرعون وملئه يحاولون التقليل من شأن موس‪##‬ى علي‪##‬ه الس‪##‬الم‬
‫غ لَ ُك ْم أَيُّه الثَّقَاَل ِن ﴾ [ال‪##‬رحمن‪ ]31 :‬لتوحي ب‪##‬التهوين من أم‪##‬ر‬ ‫ومثلها قوله تعالى‪َ ﴿ :‬سنَ ْف ُر ُ‬
‫(الثقلين) وهما اإلنس والجن لدى هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القصد واالعتدال‪:‬‬
‫ما إن وصل الحديث بهم إلى هذا الموضع‪ ،‬حتى بدا لي معلمي الجدي‪##‬د [معلم‬
‫القصد واالعتدال] بطلعت‪#‬ه البهي‪#‬ة وأن‪#‬واره الس‪#‬اطعة؛ فانص‪#‬رفت‪ #‬أنظ‪#‬ار الق‪#‬وم كلهم‬
‫إليه‪ ،‬وبانبهار‪ #‬شديد‪ ،‬وكأنهم‪ #‬يقولون بلس‪##‬ان ح‪##‬الهم‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا هَ‪َ #‬ذا بَ َش‪#‬رًا إِ ْن هَ‪َ #‬ذا إِاَّل َملَ‪ٌ #‬‬
‫ك‬
‫َك ِ‬
‫ري ٌم﴾ [يوسف‪]31 :‬‬
‫وبمجرد ظهوره‪ ،‬قال‪ :‬بورك فيكم أيها الحريصون على القرآن الك‪##‬ريم‪ ..‬لكن‬
‫أرج‪##‬و أن يتس‪##‬ع ص‪##‬دركم‪ #‬لبعض اإلش‪##‬كاالت ال‪##‬تي أري‪##‬د طرحه‪##‬ا عليكم‪ ،‬وأري‪##‬د أن‬
‫تجيبوني‪ #‬بكل صدق وأمانة‪ ،‬كما هو المعهود من كل تالميذ القرآن الكريم‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ ،‬وك‪##‬ان كب‪##‬يرهم‪ ،‬وبانبه‪##‬ار‪ :‬نعم‪ ..‬ل‪##‬ك ذل‪##‬ك‪ ..‬فس‪##‬ل م‪##‬ا ب‪##‬دا ل‪##‬ك‪،‬‬
‫وسنجيبك‪ #‬إن شاء هللا بما يمليه علينا الصدق‪ #‬واإلخالص والتجرد‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وجهك يبدو متنورا بنور‪ #‬القرآن‪ ،‬ونحن ال نستطيع أن نقابله إال بما‬
‫يُقابل به القرآن من التعظيم واإلجالل‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬أن‪#‬ا أش‪#‬يد أوال باهتم‪#‬امكم بالرس‪#‬م‪ #‬ال‪#‬ذي ُكتبت ب‪#‬ه المص‪#‬احف‪ #..‬أو‬
‫اعتبار البحث في ذلك علما‪ ..‬أو وج‪#‬ود‪ #‬متخصص‪#‬ين في ذل‪##‬ك‪ ..‬ح‪##‬تى يُحف‪##‬ظ للق‪#‬رآن‬
‫رسمه‪ ،‬كما حُفظ له نطقه‪ ..‬لكن اإلش‪##‬كال ال‪##‬ذي أري‪##‬د أن أطرح‪##‬ه عليكم ه‪##‬و ج‪##‬دوى‪#‬‬
‫نشر القرآن الكريم بهذا الرسم الذي ال يعرفه عامة الناس‪ ،‬بل يتن‪##‬اقض م‪##‬ع القواع‪##‬د‬
‫التي يدرس‪#‬ون به‪#‬ا دراس‪#‬تهم العادي‪#‬ة؛ فأن‪#‬ا ال أقص‪#‬د‪ #‬من ح‪#‬واري‪ #‬معكم دع‪#‬وتكم‪ #‬إلى‬
‫استئص‪##‬ال وإلغ‪##‬اء ك‪##‬ل م‪##‬ا تعلمتم‪##‬وه وبحثتم في‪##‬ه‪ ،‬وإنم‪##‬ا إلى حص‪##‬ره في دائ‪##‬رة‬
‫المختصين المحدودة‪ ،‬ال لسائر الناس‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ #:‬وم‪##‬ا تق‪##‬ول في ك‪##‬ل األدل‪##‬ة ال‪##‬تي طرحناه‪##‬ا‪ #..‬وال‪##‬تي تب‪##‬دأ‬
‫بإجماع األمة‪ ..‬فهل ترى من الجائز أن يُخرق اإلجماع؟‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬لك‪##‬ل إجم‪##‬اع مؤسس‪##‬ون؛ فمن أس‪##‬س له‪##‬ذا اإلجم‪##‬اع ال‪##‬ذي يح‪##‬رم‬
‫مخالفته؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬الصحابة الذين كتبوا المصاحف‪ ،‬فقد أجمع‪##‬وا على كتابته‪##‬ا ب‪##‬ذلك‬
‫الشكل‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬إن كان قد وقع اإلجماع من الصحابة على كتابته‪##‬ا ب‪##‬ذلك الش‪##‬كل؛‬
‫فلم تخالفونهم‪ #..‬بل لم خالفهم سلفكم األول؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬ما تقول يا هذا‪ ..‬نحن أحرص الناس على اتباع الصحابة؟‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬فه‪##‬ل المص‪##‬احف ال‪##‬تي تنش‪##‬رونها اآلن بين العام‪##‬ة والخاص‪##‬ة‪،‬‬
‫وتعلمون بها الصبية الصغار هي نفس‪##‬ها ال‪##‬تي كتبه‪##‬ا الص‪##‬حابة‪ ،‬أم أن أش‪##‬ياء جدي‪##‬دة‬
‫‪33‬‬
‫أُدخلت فيها‪.‬‬
‫سكتوا؛ فأشار لي المعلم‪ ،‬فقلت(‪ :)1‬بل هناك الكثير من األش‪##‬ياء الجدي‪##‬دة ال‪##‬تي‬
‫أُدخلت فيها‪ ،‬ومنها ما نراه في المصاحف من تجزئة إلى أرباع وأحزاب وغيره‪##‬ا‪..‬‬
‫فقد كانت المصاحف‪ #‬األولى مجردة من التجزئة‪ ..‬ولما امت‪##‬د الزم‪##‬ان بالن‪##‬اس جعل‪##‬وا‬
‫يفتنون في المصاحف‪ #‬وتجزئتها‪ #‬عدة تجزئ‪##‬ات مختلف‪##‬ة االعتب‪##‬ارات‪ ،‬فمنهم من قس‪##‬م‬
‫القرآن ثالثين قسما وأطلقوا‪ #‬على كل قس‪#‬م منه‪##‬ا اس‪##‬م الج‪#‬زء بحيث ال يخط‪#‬ر‪ #‬بالب‪#‬ال‬
‫عند اإلطالق غيره‪ ،‬وجرى على ذلك أصحاب الربعات إذ طبع‪##‬وا ك‪##‬ل ج‪##‬زء نس‪##‬خة‬
‫مستقلة ومجموع‪ #‬النسخ الجامعة للقرآن كله يسمونه ربعة‪ ..‬ومنهم من قسموا الج‪##‬زء‬
‫إلى حزبين‪ ،‬ومن قس‪##‬موا الح‪##‬زب إلى أربع‪##‬ة أج‪##‬زاء س‪##‬موا ك‪##‬ل واح‪##‬د منه‪##‬ا ربع‪##‬ا‪..‬‬
‫ومنهم‪ #‬من وضعوا كلمة خمس عند نهاية كل خمس آيات من السورة‪ ،‬وكلم‪##‬ة عش‪##‬ر‬
‫عند نهاية كل عشر آيات منها؛ فإذا انقضت خمس أخ‪#‬رى بع‪#‬د العش‪#‬ر أع‪#‬ادوا كلم‪#‬ة‬
‫خمس؛ فإذا صارت هذه الخمس عشرا أعادوا كلمة عشر‪ ،‬وهك‪##‬ذا دوالي‪##‬ك إلى آخ‪##‬ر‬
‫الس‪##‬ورة‪ ..‬وبعض‪##‬هم‪ #‬ك‪##‬ان يكتب في موض‪##‬ع األخم‪##‬اس رأس الخ‪##‬اء ب‪##‬دال من كلم‪##‬ة‬
‫خمس‪ ،‬ويكتب في موضع األعشار رأس العين بدال من كلمة عشر‪ ..‬وبعضهم ك‪##‬ان‬
‫يرم‪##‬ز إلى رؤوس‪ #‬اآلي ب‪##‬رقم ع‪##‬ددها من الس‪##‬ورة أومن غ‪##‬ير رقم‪ ..‬وبعض‪##‬هم ك‪##‬ان‬
‫يكتب ف‪##‬واتح للس‪##‬ور‪ #‬كعن‪##‬وان ين‪##‬وه في‪##‬ه باس‪##‬م الس‪##‬ورة وم‪##‬ا فيه‪##‬ا من اآلي‪##‬ات المكي‪##‬ة‬
‫والمدنية إلى غير ذلك‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل اكتفوا بهذه اإلضافات؟‬
‫قلت(‪ :)2‬ال‪ ..‬فكلم‪##‬ا امت‪##‬د الزم‪##‬ان بالن‪##‬اس ازدادت عن‪##‬ايتهم بتيس‪##‬ير‪ #‬الرس‪##‬م‬
‫القرآني‪ ،‬وقد اتخذ هذا التيسير أشكاال مختلف‪##‬ة‪ ،‬حيث ك‪##‬ان الخلي‪##‬ل بن أحم‪##‬د أول من‬
‫ص‪##‬نف النق‪#‬ط‪ ،‬ورس‪##‬مه في كت‪#‬اب‪ ،‬وذك‪##‬ر علل‪#‬ه‪ ،‬وأول من وض‪#‬ع الهم‪##‬زة والتش‪##‬ديد‬
‫والروم واإلشمام‪ #..‬ولم يكد أبو حاتم السجستاني يؤلف كتابه عن نقط الق‪#‬رآن وش‪##‬كله‬
‫حتى يكون رسم المصاحف‪ #‬قد قارب الكم‪##‬ال‪ ،‬ح‪##‬تى إذا ك‪##‬ان نهاي‪##‬ة الق‪##‬رن الهج‪##‬ري‬
‫الثالث بلغ الرسم ذروته من الجودة والحس‪##‬ن‪ ،‬وأص‪##‬بح الن‪##‬اس يتنافس‪##‬ون في اختي‪##‬ار‬
‫الخطوط‪ #‬الجميلة‪ ،‬وابتكار العالم‪##‬ات المم‪##‬يزة ح‪##‬تى جعل‪##‬وا للح‪##‬رف المش‪##‬دد عالم‪##‬ة‬
‫كالقوس‪ ،‬وأللف الوصل جرة فوقها أو تحتها أو وس‪##‬طها‪ #،‬على حس‪##‬ب م‪##‬ا قبله‪##‬ا من‬
‫فتحة أو كسرة أو ضمة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل اتفق الجميع على هذه اإلضافات‪ ،‬أم أن هناك من وقف‪ #‬منه‪##‬ا‬
‫موقفا سلبيا؟‬
‫قلت(‪ : 3‬بل هناك من وقف منها موقفا سلبيا‪ ،‬وكرهها‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‬ ‫)‬
‫ما رواه أبو عبيد‪ ،‬عن النخعي أنه كره نقط المصاحف‪ ..‬وأخ‪##‬رج ابن أبي داود عن‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/409‬‬
‫‪ )(2‬مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح (ص ‪)94‬‬
‫‪ )(3‬المدخل لدراسة القرآن الكريم (ص ‪)383‬‬
‫‪34‬‬
‫أنه كان يكره العواشر‪ ،‬والف‪##‬واتح‪ ،‬وتص‪##‬غير المص‪##‬حف‪ ،‬وأن يُكتب في‪##‬ه س‪##‬ورة ك‪##‬ذا‬
‫وكذا‪ ،‬ولما أتي بمصحف‪ #‬مكتوب فيه س‪#‬ورة ك‪#‬ذا‪ ،‬ك‪#‬ذا آي‪#‬ة ق‪#‬ال‪ :‬امح ه‪#‬ذه؛ ف‪#‬إن ابن‬
‫مسعود‪ #‬كان يكرهه‪ ..‬وعن اإلمام مالك أنه ك‪##‬ره العش‪##‬ور ال‪##‬تي تك‪##‬ون في المص‪##‬حف‬
‫ب‪##‬الحمرة وغيره‪##‬ا‪ ،‬وعن‪##‬ه أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪ :‬ال ب‪##‬أس بالنق‪##‬ط في المص‪##‬احف‪ #‬ال‪##‬تي يتعلم فيه‪##‬ا‬
‫الغلمان‪ ،‬أما األمهات فال‪.‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬فق‪##‬د احت‪##‬اجوا إلى إض‪##‬افة النق‪##‬اط وعالم‪##‬ات التش‪##‬كيل وغيره‪##‬ا‬
‫مخالفين بذلك شكل المصاحف‪ #‬التي تدافعون عنها اآلن؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬يمكنك أن تقول ذلك‪ ..‬لكن اإلجم‪##‬اع أيض‪##‬ا وق‪##‬ع على ذل‪##‬ك؛ فنحن‬
‫نتبع اإلجماع الجديد‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فما سبب اإلجماع الجديد؟‬
‫قال أحدهم(‪ :)1‬ألن الحال قد تغيرت عما ك‪##‬ان في العه‪##‬د األول‪ ،‬ول‪##‬ذا اض‪##‬طر‬
‫المسلمون إلى نقطه وشكله للمحافظة على الق‪##‬رآن من اللحن والتغي‪##‬ير والتص‪##‬حيف‪،‬‬
‫وللتيسير على الحفاظ والقارئين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا؛ فإن المس‪#‬لمين بع‪#‬د أن ك‪#‬انوا يكره‪#‬ون ذل‪#‬ك ص‪#‬ار واجب‪#‬ا أو‬
‫مستحبا‪ ،‬لما هو مقرر في علم األصول‪ #‬من أن الحكم يدور مع علته وجودا‪ #‬وع‪##‬دما‪،‬‬
‫وقد‪ #‬قال اإلمام النووي في التبيان‪( :‬قال العلماء‪ :‬ويس‪##‬تحب نق‪##‬ط المص‪##‬حف وش‪##‬كله‪،‬‬
‫فإنه صيانة من اللحن فيه وتصحيفه‪ ،‬وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرها‬
‫ذلك في ذلك الزمان خوفا‪ #‬من التغيير فيه‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬أمن ذل‪##‬ك الي‪##‬وم‪ ،‬فال من‪##‬ع‪ ،‬وال يمن‪##‬ع‬
‫من ذل‪##‬ك لكون‪##‬ه مح‪##‬دثا‪ ،‬فإن‪##‬ه من المح‪##‬دثات الحس‪##‬نة فال يمن‪##‬ع من‪##‬ه كنظ‪##‬ائره‪ ،‬مث‪##‬ل‬
‫تصنيف‪ #‬العلم وبناء الم‪##‬دارس والرباط‪##‬ات‪ ،‬وغ‪##‬ير ذل‪##‬ك وهللا أعلم والخطب في ه‪##‬ذا‬
‫ونح‪##‬وه مث‪##‬ل التنبي‪##‬ه على الوق‪##‬وف والس‪##‬كتات‪ #‬س‪##‬هل م‪##‬ا دام الغ‪##‬رض ه‪##‬و التيس‪##‬ير‬
‫والتسهيل‪ #‬على القارئ‪ ،‬وما دام األم‪##‬ر بعي‪##‬دا عن اللبس والتزي‪##‬د واالختالق‪ #‬وم‪##‬ا دام‬
‫األمن متوفرا)‪)2( #‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فلم فعلوا ذلك‪ ،‬وخرقوا اإلجماع القديم؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬الخوف على أن يُقرأ القرآن الكريم بطريقة خاطئة‪ ،‬فالحف‪##‬ظ على‬
‫سالمة القراءة أهم وأوجب‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل ترون عامة الناس اآلن يقرؤون القرآن قراءة صحيحة؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬إن ش‪##‬ئت الص‪##‬دق‪ ،‬هم ال يفعل‪##‬ون ذل‪##‬ك‪ . ..‬ول‪##‬ذلك يحت‪##‬اجون إلى‬
‫معلم ليصحح لهم‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل يُتاح المعلم الذي ت‪##‬ذكرون لعام‪##‬ة الن‪##‬اس‪ ،‬وفي‪ #‬جمي‪##‬ع أقط‪##‬ار‪#‬‬
‫األرض‪ ،‬أم أن ذلك غير ممكن‪.‬‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬أنتم تعلمون أن ذلك غير ممكن‪ ..‬بل مستحيل‪ ..‬وحتى لو‬
‫‪ )(1‬المدخل لدراسة القرآن الكريم (ص ‪)384‬‬
‫‪ )(2‬التبيان في آداب حملة القرآن (ص ‪)189‬‬
‫‪35‬‬
‫كان هناك معلمون في جميع أقطار األرض؛ فليس هناك من يس‪##‬تعد للجل‪##‬وس إليهم‪،‬‬
‫ليتعلم أمثال هذه العلوم التي ال يرى لها أي ضرورة‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬لكن ما تقول في اإلجماع الذي انعقد بعد ذلك؟‬
‫أشار لي المعلم‪ ،‬فقلت‪ :‬لم ينعق‪##‬د اإلجم‪##‬اع أب‪##‬دا على ذل‪##‬ك‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على‬
‫المخالفين لذلك القاضي أبو بكر الب‪##‬اقالني في كتاب‪##‬ه االنتص‪##‬ار‪ #،‬حيث يق‪##‬ول‪( :‬وأم‪##‬ا‬
‫الكتابة فلم يفرض هللا على األمة فيها شيئا‪ ،‬إذ لم يأخذ على كتّ‪##‬اب الق‪##‬رآن‪ ،‬وخط‪##‬اط‪#‬‬
‫المصاحف‪ #‬رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم‪ ،‬وترك ما ع‪##‬داه‪ ،‬إذ وج‪##‬وب ذل‪##‬ك ال‬
‫يدرك إال بالسمع والتوقيف‪ #..‬وليس في نصوص الكتاب وال مفهومه أن رسم القرآن‬
‫وضبطه ال يجوز إال على وجه مخصوص‪ ،‬وح ّد محدود ال يجوز تج‪##‬اوزه‪ ،‬وال في‬
‫نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه‪ ،‬وال في إجماع األمة ما يوجب ذل‪##‬ك‪ ،‬وال دلت‬
‫عليه القياس‪##‬ات الش‪##‬رعية‪ ،‬ب‪#‬ل الس‪#‬نّة دلت على ج‪#‬واز رس‪##‬مه ب‪##‬أي وج‪##‬ه س‪##‬هل‪ ،‬ألن‬
‫رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ك‪##‬ان ي‪##‬أمر برس‪##‬مه‪ ،‬ولم ي‪##‬بين لهم وجه‪##‬ا معين‪##‬ا‪ ،‬وال نهى أح‪##‬دا عن‬
‫كتابته‪ ،‬ول‪##‬ذلك اختلفت خط‪##‬وط‪ #‬المص‪##‬احف‪ ،‬فمنهم يكتب الكلم‪##‬ة على مخ‪##‬رج اللف‪##‬ظ‬
‫ومنهم‪ #‬من كان يزيد وينقص لعلم‪#‬ه ب‪#‬أن ذل‪#‬ك اص‪#‬طالح‪ ،‬وأن الن‪#‬اس ال يخفى عليهم‬
‫الحال‪ ،‬وألجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية‪ ،‬والخط األول‪ ،‬وأن يجعل‬
‫الالم على صورة الك‪##‬اف‪ ،‬وأن تع‪#‬وّج األلف‪##‬ات‪ ،‬وأن يكتب على غ‪##‬ير ه‪##‬ذه الوج‪##‬وه‪،‬‬
‫وج‪##‬از‪ #‬أن يكتب المص‪##‬حف‪ #‬بالخ‪##‬ط والهج‪##‬اء الق‪##‬ديمين‪ ،‬وج‪##‬از أن يكتب ب‪##‬الخطوط‬
‫والهجاء المحدثة‪ ،‬وجاز أن يكتب بين ذلك‪ ..‬وإذا كانت خط‪##‬وط‪ #‬المص‪##‬احف‪ ،‬وكث‪##‬ير‬
‫من حروفها‪ #‬مختلفة متغايرة الص‪##‬ورة‪ ،‬وك‪##‬ان الن‪##‬اس ق‪##‬د أج‪##‬ازوا ذل‪##‬ك‪ ،‬وأج‪##‬ازوا‪ #‬أن‬
‫يكتب كل واحد منهم بما هو عادته‪ ،‬وما هو أسهل وأشهر وأولى‪ ،‬من غير تأثيم وال‬
‫تناكر‪ ،‬علم أنه لم يؤخذ على الناس في ذلك حد محدود مخصوص‪ ،‬كم‪##‬ا أخ‪##‬ذ عليهم‬
‫في القراءة واألذان ‪ ..‬وبالجملة فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص‬
‫وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه‪ ،‬وأنّى له ذلك) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره؟‬
‫قلت‪ :‬منهم ابن خلدون الذي انتقد بشدة فكرة اإلص‪#‬رار على الرس‪#‬م الق‪#‬ديم في‬
‫سياق حديثه عن الخط العربي‪ ،‬حيث قال‪( :‬كان خط العرب ألول اإلسالم غير ب‪##‬الغ‬
‫إلى الغاية من اإلحكام واإلتقان واإلجادة‪ ،‬وال إلى التوسط‪ ،‬لمكان العرب من البداوة‬
‫والتوحش‪ ،‬وبعدهم‪ #‬عن الصنائع‪ ،‬وانظر ما وقع ألجل ذل‪##‬ك في رس‪##‬مهم المص‪##‬حف‪،‬‬
‫حيث رسمه الصحابة بخطوطهم‪ ،‬وكانت غير محكم‪##‬ة اإلج‪##‬ادة‪ ،‬فخ‪##‬الف‪ #‬الكث‪##‬ير من‬
‫رسومهم ما اقتضته رسوم‪ #‬صناعة الخط عن‪#‬د أهله‪#‬ا‪ ..‬ثم اقتفى الت‪#‬ابعون من الس‪#‬لف‬
‫رسمهم‪ #‬فيه‪##‬ا‪ ،‬تبرك‪##‬ا بم‪##‬ا رس‪##‬مه أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬وخ‪##‬ير الخل‪##‬ق من بع‪##‬ده‪،‬‬
‫المتلقون لوحيه من كتاب هللا وكالمه‪ ،‬كما يقتفى لهذا العهد خط ولى أوع‪##‬الم تبرك‪##‬ا‪،‬‬
‫ويتبع رسمه خطأ أوصوابا‪ ..‬وأين نسبة ذل‪##‬ك من الص‪##‬حابة فيم‪##‬ا كتب‪##‬وه‪ ،‬ف‪##‬اتبع ذل‪##‬ك‬
‫‪ )(1‬االنتصار للقرآن ‪1/375‬ـ‪.376‬‬
‫‪36‬‬
‫مواضعه) (‪)1‬‬ ‫وأثبت رسما‪ ،‬ونبه علماء الرسم على‬
‫ثم عقب على ذلك ببي‪##‬ان الس‪##‬بب في ذل‪##‬ك‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وال تلتفتن في ذل‪##‬ك إلى م‪##‬ا‬
‫يزعم‪##‬ه بعض المغفلين من أنهم ك‪##‬انوا محكمين لص‪##‬ناعة الخ‪##‬ط‪ ،‬وأن م‪##‬ا يتخي‪##‬ل من‬
‫مخالفة خطوطهم ألصول الرسم ليس كما يتخيل‪ ،‬بل لكله‪##‬ا وج‪##‬ه‪ ..‬وم‪##‬ا حملهم على‬
‫ذلك إال اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهم النقص في قلة إج‪##‬ادة الخ‪##‬ط‪،‬‬
‫وحسبوا‪ #‬أن الخط كمال‪ ،‬فنزهوهم عن نقصه‪ ،‬ونسبوا‪ #‬إليهم الكمال بإجادته‪ ،‬وطلب‪##‬وا‬
‫تعليل ما خالف اإلجادة من رسمه‪ ،‬وليس ذلك بصحيح) (‪)2‬‬
‫ثم بين أن عدم العلم باإلمالء‪ ،‬أو تطبيقها‪ ،‬بسبب عدم وضع قوانينها في ذل‪##‬ك‬
‫الحين ال يقدح فيهم‪ ،‬فقال‪( :‬واعلم أن الخط ليس بكمال في حقهم‪ ،‬إذ الخط من جمل‪##‬ة‬
‫الصنائع المدنية المعاشية‪ ،‬والكمال في الصنائع إض‪##‬افي وليس بكم‪##‬ال مطل‪##‬ق‪ ،‬إذ ال‬
‫يعود نقصه على الذات في الدين‪ ،‬وال في الخالل‪ ،‬وإنما يع‪##‬ود على أس‪##‬باب المع‪##‬اش‬
‫وبحسب العمران والتعاون عليه‪ ،‬ألج‪##‬ل داللت‪##‬ه على م‪##‬ا في النف‪##‬وس‪ ،‬وق‪##‬د ك‪##‬ان ‪‬‬
‫أميا‪ ،‬وكان ذلك كماال في حق‪#‬ه‪ ،‬وبالنس‪##‬بة إلى مقام‪#‬ه‪ ،‬لش‪##‬رفه وتنزه‪##‬ه عن الص‪#‬نائع‬
‫العملية التي هي أسباب المعاش والعمران كلها‪ ..‬وليست األمية كماال في حقنا نحن‪،‬‬
‫إذ هومنقطع إلى ربه‪ ،‬ونحن متعاونون على الحياة الدنيا)(‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره؟‬
‫قلت‪ :‬منهم الشوكاني‪ ،‬فقد نقل ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪ #‬في كتاب‪##‬ة ﴿الرب‪##‬ا﴾ في المص‪##‬حف‬
‫بالواو‪ ،‬ثم عقب عليه بقوله‪( :‬وهذا مجرد اصطالح ال يلزم المش‪##‬ي علي‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬إن ه‪##‬ذه‬
‫النقوش الكتابية أمور اصطالحية ال يُشاحح في مثلها إال فيما كان يدل به منه‪##‬ا على‬
‫الحرف الذي كان في أصل الكلمة ونحوه كما ه‪##‬و مق‪##‬رر في مب‪##‬احث الخ‪##‬ط من علم‬
‫الصرف‪ ،‬وعلى كل حال فرسم‪ #‬الكلمة وجعل نقشها الكت‪##‬ابي على م‪##‬ا يقتض‪##‬يه اللف‪##‬ظ‬
‫بها هواألولى‪ ،‬فما كان في النطق ألفا ً كالص‪##‬الة‪ ،‬والزك‪##‬اة ونحوهم‪##‬ا ك‪##‬ان األولى في‬
‫رسمه أن يكون كذلك‪ ،‬وكون أصل هذه األلف واواً أوي‪##‬ا ًء ال يخفى على من يع‪##‬رف‬
‫علم الصرف‪ ،‬وهذه النقوش ليست إال لفهم اللفظ ال‪#‬ذي ي‪#‬دل به‪#‬ا علي‪#‬ه كي‪##‬ف ه‪#‬و في‬
‫نطق من ينطق به ال لتفهيم أن أصل الكلمة كذا مم‪##‬ا ال يج‪##‬ري ب‪##‬ه النط‪##‬ق‪ ،‬ف‪##‬اعرف‬
‫هذا وال تشتغل بما يعتبره كثير من أهل العلم في هذه النق‪##‬وش ويلزم‪##‬ون ب‪##‬ه أنفس‪##‬هم‬
‫ويعيبون‪ #‬من خالفه‪ ،‬فإن ذلك من المشاححة في األم‪##‬ور‪ #‬االص‪##‬طالحية ال‪##‬تي ال تل‪##‬زم‬
‫أحداً أن يتقيد بها‪ ،‬فعليك بأن ترسم هذه النقوش على ما يلفظ به الالفظ عند قراءتها‪،‬‬
‫فإنه األمر المطلوب من وضعها‪ #‬والتواضع عليه‪##‬ا‪ ،‬وليس األم‪##‬ر المطل‪##‬وب منه‪##‬ا أن‬
‫تكون دالة على ما هو أصل الكملة التي يتلفظ به‪##‬ا المتلف‪##‬ظ مم‪##‬ا ال يج‪##‬ري في لفظ‪##‬ه‬
‫اآلن‪ ،‬فال تغتر بما ي‪##‬روى عن س‪##‬يبويه ونح‪##‬اة البص‪##‬رة أن يكتب الرب‪##‬ا ب‪##‬الواو؛ ألن‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬مقدمة ابن خلدون‪.350/‬‬
‫‪ )(2‬مقدمة ابن خلدون‪.350/‬‬
‫‪ )(3‬مقدمة ابن خلدون ‪ ،1/419‬ط مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫يقول في تثنيته ربوان‪ ،‬وقال الكوفيون‪ :‬يكتب بالياء وتثنيته ِربَيَان‪ ،‬قال الزج‪#‬اج‪ :‬م‪#‬ا‬
‫رأيت خط‪##‬أ ً أقبح من ه‪##‬ذا وال أش‪##‬نع‪ ،‬ال يكفيهم الخط‪##‬أ في الخ‪##‬ط ح‪##‬تى يخطئ‪##‬وا‪ #‬في‬
‫التثنية) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره؟‬
‫قلت‪ :‬منهم ابن قتيبة‪ ،‬وقد ك‪##‬ان من العلم‪##‬اء المتق‪##‬دمين‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال توجيه‪##‬ه لم‪##‬ا‬
‫يروى‪ #‬من وج‪##‬ود‪ #‬لحن أوخط‪##‬أ في رس‪##‬م بض‪##‬عة كلم‪##‬ات في المص‪##‬حف‪ #‬إلى أن خط‪##‬أ‬
‫الكاتب أحد احتمالين في توجيه ذلك‪ ،‬حيث قال‪( :‬وليست تخلو هذه الح‪##‬روف من أن‬
‫تكون على مذهب من مذاهب أهل اإلعراب فيها‪ ،‬أو أن تكون غلطا ً من الكاتب كم‪##‬ا‬
‫ذكرت عائشة؛ فإن كانت على مذاهب النحويين فليس هاهنا لحن ـ بحم‪##‬د هللا ـ وإن‬
‫كانت خطأ في الكتاب فليس على هللا وال على رسوله ‪ ‬جناي‪##‬ة الك‪##‬اتب في الخ‪##‬ط‪،‬‬
‫ولوكان هذا عيبا ً يرجع على القرآن لرجع عليه كل خط‪##‬أ وق‪##‬ع في كتاب‪##‬ة المص‪##‬حف‬
‫من طريق التهجي)(‪)2‬‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فمنهم بعض المتأخرين ‪ 3‬الذي رد على قول الجعبري عن رسم‬
‫)‬ ‫(‬
‫المصحف‪( :‬وأعظم فوائده أنّه حجاب يمنع أهل الكتاب أن يقرؤوه على وجه‪##‬ه) (‪:)4‬‬
‫(وبمثل هذا الهراء ينطق‪ #‬أحد أئ ّمة القرّاء‪ ،‬وبمثل هذا الكالم يحت ّج الق‪##‬ائلون بوج‪##‬وب‪#‬‬
‫أن هذا القول واضح البطالن ب‪##‬ادي الخس‪##‬ران‪ ..‬وفي‪ #‬الق‪##‬رآن آي‪##‬ات‬ ‫الهجاء القديم مع ّ‬
‫كثيرة تخاطب أهل الكتاب وتدعوهم إلى اإليمان فكيف عن تالوته يحجبون؟!)(‪)5‬‬
‫ثم قال‪( :‬ومن أشنع ما يتصف به إنسان سليم العقل‪ ،‬صحيح العرفان ما ذكره‬
‫(إن فوائد‪ #‬هذا الرسم كثيرة وأسراره شتّى‪ ،‬منها ع‪##‬دم االهت‪##‬داء الى تالوت‪##‬ه‬ ‫الصباغ‪ّ :‬‬
‫على حقّه إاّل بموقف‪ ،‬شأن ك‪ّ #‬ل علم نفيس يتحفّ‪##‬ظ علي‪##‬ه)‪ ..‬في‪##‬ا للداهي‪##‬ة ال‪##‬دهياء‪ ،‬لق‪##‬د‬
‫ص‪##‬ار الق‪##‬رآن مث‪##‬ل علم اليازرج‪##‬ات‪ #‬واللوغارتم‪##‬ات والطلس‪##‬مات‪ #‬واالص‪##‬طرالبات‬
‫وضرب‪ #‬الرمل والتنجيم‪ #‬وما شاكل ذلك من العل‪##‬وم‪ ..‬يزعم‪##‬ون نفاس‪##‬تها لم‪##‬ا تحتوي‪##‬ه‬
‫من أسرار ال تنال إاّل بجهد جهيد وتل ّ‪#‬‬
‫ق طويل األمد‪ ..‬ه‪##‬ذا‪ ..‬وق‪#‬د‪ #‬ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د‬
‫يَسَّرْ نَا‪ْ #‬القُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍر﴾ [القمر‪ ،]17 :‬وأنتم‪ #‬تقولون إنّه أبعدهم منه وأض‪##‬لّهم‬
‫عنه!‪ ..‬فما أكبر هذا الزعم!‪ ..‬وما أعظم هذه الفرية!‪ ..‬ولوتساءلنا‪ #:‬ه‪##‬ل وض‪##‬ع رس‪##‬م‬
‫المصحف‪ #‬ليقرأ‪ ،‬أوليكون رمزا ويظ ّل طلسما‪ ،‬يتناقله القرّاء وح‪##‬دهم‪ ،‬ويلقّنون‪##‬ه لمن‬
‫يريدون تلقينه‪ ،‬م ّمن يتزلّف إليهم بمال‪#‬ه ونفس‪#‬ه ويمنعون‪#‬ه ع ّمن ي‪#‬رون منع‪#‬ه م ّمن لم‬
‫يرزق‪ #‬جاها وال ماال!) (‪)6‬‬

‫‪ )(1‬فتح القدير ‪.1/241‬‬


‫‪ )(2‬تأويل مشكل القرآن‪.57/‬‬
‫‪ )(3‬هو محمد محمد عبداللطيف أفندي‪ ،‬المعروف بابن الخطيب‪ ،‬وهو من ال‪#‬دعاة إلى ض‪#‬رورة كتاب‪##‬ة الق‪#‬رآن بالرس‪##‬م اإلمالئي‪ ،‬وذل‪##‬ك في كتاب‪##‬ه‬
‫[الفرقان]‪ ،‬والذي وقف منه األزهر موقفا سلبيا لألسف‪.‬‬
‫‪ )(4‬مناهل العرفان‪.1/366 :‬‬
‫‪ )(5‬الفرقان (البن الخطيب) ‪ ،‬ص‪ 63‬ـ ‪.86‬‬
‫‪ )(6‬الفرقان (البن الخطيب) ‪ ،‬ص‪ 63‬ـ ‪.86‬‬
‫‪38‬‬
‫ثم قال يتحدث عن نفسه‪( :‬ولقد رأيت بعيني وس‪##‬معت ب‪##‬أذن ّي‪ ،‬كث‪##‬يرا من ذوي‬
‫الثقافات واألدب يلحنون في قراءة القرآن‪ ،‬لعدم أنسهم به‪##‬ذا الرس‪##‬م الغ‪##‬ريب‪ ،‬وع‪##‬دم‬
‫معرفتهم بأساليب القراءة على وجهها‪ #‬المأثور) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره؟‬
‫قلت‪ :‬أج‪###‬ل‪ ..‬فمنهم بعض المعاص‪###‬رين ‪ 2‬ال‪###‬ذي وق‪###‬ف موقف‪###‬ا متش‪###‬ددا‪ #‬من‬
‫)‬ ‫(‬
‫المغالين في الرس‪#‬م الق‪#‬رآني‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬ه‪#‬ذا رأي جمه‪#‬ور المحقّقين‪ ،‬ال‪#‬ذين ذهب‪#‬وا الى‬
‫ج‪##‬واز تب‪##‬ديل الرس‪##‬م الق‪##‬ديم الى الرس ‪#‬م‪ #‬الحاض‪##‬ر بع‪##‬د أن لم يكن رس‪##‬م الس‪##‬لف عن‬
‫توقيف‪ ،‬وإنّما هواصطالح منهم‪ ،‬أو كانت الكتابة في بداءة أمره‪##‬ا غ‪##‬ير متقن‪##‬ة‪ ،‬أ ّم‪##‬ا‬
‫م‪##‬ع تق‪ّ #‬دم أس‪##‬اليب الكتاب‪##‬ة‪ ،‬وفيه‪#‬ا‪ #‬من التوض‪##‬يح م‪##‬ا يجع‪##‬ل أم‪##‬ر الق‪##‬راءة س‪##‬هال على‬
‫الجمي‪##‬ع‪ ،‬فال ب‪ّ #‬د من تغي‪##‬ير ذاك الرس‪##‬م الى المص‪##‬طلح الحاض‪##‬ر ال‪##‬ذي يعرف‪##‬ه كاف‪##‬ة‬
‫األوساط‪ #،‬وليكون القرآن في متناول عا ّمة الن‪##‬اس‪ ،‬وفي ذل‪##‬ك تحقي‪##‬ق للغ‪##‬رض ال‪##‬ذي‬
‫نزل ألجله هذا الكتاب الخالد ليكون هدى للناس جميعا مع األبد) (‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فمنهم العز بن عبد السالم الذي نقل قوله الزركشي بعد نقله ق‪##‬ول‬
‫اإلمام مالك وأحمد في التزام رسم‪ #‬المصحف‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وك‪##‬ان ه‪##‬ذا في الص‪##‬در األول‬
‫والعلم حي غض‪ ،‬وأم‪##‬ا اآلن فق‪##‬د يُخش‪##‬ى اإللب‪##‬اس‪ ،‬وله‪##‬ذا ق‪##‬ال ع‪##‬ز ال‪##‬دين بن عب‪##‬د‬
‫السالم‪ :‬ال تجوز كتابة المصحف اآلن على الرس‪##‬وم‪ #‬األولى باص‪##‬طالح األئم‪##‬ة‪ ،‬لئال‬
‫يوقع في تغيير من الجهال‪ ،‬ولكن ال ينبغي إجراء ه‪#‬ذا على إطالق‪#‬ه؛ لئال ي‪#‬ؤدي إلى‬
‫دروس العلم‪ ،‬وش‪###‬يء أحكمت‪###‬ه الق‪###‬دماء ال ي‪###‬ترك مراع‪###‬اة لجه‪###‬ل الج‪###‬اهلين ولن‬
‫تخلواألرض من قائم هلل بالحجة)(‪ ..)4‬أي أنه ذهب إلى جواز كتابة المصحف لعام‪##‬ة‬
‫الناس على االصطالحات المعروفة الشائعة عندهم؛ ليكون أبع‪##‬د عن اللبس والخل‪##‬ط‬
‫في القرآن‪ ،‬ولكن يجب في الوقت ذاته المحافظة على الرسم العثماني‪ #‬في مص‪##‬احف‬
‫الخاصة الذين ال يخشى عليهم االلتباس‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك من يقف معه في هذا القول؟‬
‫قلت‪ :‬أجل كثيرون هم(‪ ..)5‬ومنهم‪ #‬بعض العلم‪##‬اء المح‪##‬دثين ال‪##‬ذي ق‪##‬ال‪( :‬لقيت‬
‫مش‪##‬كلة طباع‪##‬ة المص‪##‬حف وف‪##‬ق قواع‪##‬د الهج‪##‬اء الح‪##‬ديث عناي‪##‬ة من بعض علم‪##‬اء‬
‫العص‪##‬ر‪ ،‬ومنهم من رفض ذل‪##‬ك رفض ‪#‬ا‪ #‬بات‪##‬ا‪ ،‬مس‪##‬تندا إلى م‪##‬ا نق‪##‬ل عن الس‪##‬لف من‬
‫تقديس لرسم المصحف‪ ،‬كم‪##‬ا ورثن‪##‬اه عن عص‪##‬ر عثم‪##‬ان‪ ،‬ومنهم من ن‪##‬ادى ب‪##‬أن من‬

‫‪ )(1‬الفرقان (البن الخطيب) ‪ ،‬ص‪ 63‬ـ ‪.86‬‬


‫‪ )(2‬أقصد العالمة محمد مهدي المعرفة‪ ،‬العالمة القرآني الكبير‪.‬‬
‫‪ )(3‬التمهيد‪.1/384 :‬‬
‫‪ )(4‬البرهان ‪.1/379‬‬
‫‪ )(5‬وقد مال إلى هذا الرأي‪ :‬ا‪.‬د‪.‬محمد أبو شهبة في المدخل‪ ،322/‬والزرقاني في مناهل العرفان ‪ ،1/302‬وأحمد مصطفى المراغي في تفسيره‬
‫‪ ،1/19‬ود‪.‬صبحي الصالح في كتابه مباحث في علوم القرآن‪ ،280/‬ود‪.‬عبد الفتاح شلبي في كتابه رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في‬
‫قراءات القرآن الكريم دوافعها ودفعها‪ ،134/‬ود‪.‬محمد لطفي الصباغ في كتابه لمحات في علوم القرآن‪.135/‬‬
‫‪39‬‬
‫ال‪##‬واجب أن ييس‪##‬ر كت‪##‬اب هللا‪ ،‬وأال نتمس‪##‬ك برس‪##‬م لم تقم على ض‪##‬رورة التمس‪##‬ك ب‪##‬ه‬
‫نصوص من كتاب وال سنة) (‪)1‬‬
‫ثم علق على هذا بقوله‪( :‬إن عصرنا ه‪##‬ذا ق‪##‬د أص‪##‬بح عص‪##‬را قارئ‪##‬ا‪ ،‬والق‪##‬رآن‬
‫الكريم يقع في أيدي كثير من الناس قد ال يكونون على صلة بالحفاظ‪ ،‬وهم يقرؤون‪##‬ه‬
‫على ق‪##‬در اجته‪##‬ادهم‪ ،‬والس‪##‬بيل الوحي‪##‬د لض‪##‬بط‪ #‬الق‪##‬راءة ه‪##‬و الطباع‪##‬ة وف ‪#‬ق‪ #‬اإلمالء‬
‫الحديث‪ ،‬وكثير‪ #‬من األبحاث تتضمن نقوال من القرآن الكريم‪ ،‬ويكاد‪ #‬يجمع الباحثون‬
‫الذين يقتبسون آيات الكتاب الكريم‪ #‬ليستشهدوا بها على نقل ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات إلى الهج‪##‬اء‬
‫الحديث‪ ،‬وال أحسب أن هذا األم‪#‬ر ق‪#‬د لقي معارض‪#‬ة ت‪#‬ذكر‪ ،‬لكن طباع‪#‬ة المص‪#‬حف‬
‫بالهجاء الحديث ال تزال موضع خالف‪ ،‬يقف بها حتى اآلن عند الرسم القديم) (‪)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬منهم ذلك الذي قدم لقوله ببيان تغيير السلف من مواقفهم مراع‪##‬اة‬
‫لتيسير‪ #‬قراءة الق‪##‬رآن لعام‪##‬ة الن‪##‬اس‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال في ذل‪##‬ك‪( :‬اتبعت اللجن‪##‬ة الرباعي‪##‬ة في‬
‫استنساخ مصاحف‪ #‬األمصار على عهد عثمان طريقة خاصة ارتض‪##‬اها ه‪##‬ذا الخليف‪#‬ة‬
‫في كتابة كلمات القرآن وحروف‪##‬ه‪ ،‬وق‪##‬د اص‪##‬طلح العلم‪##‬اء على تس‪##‬مية ه‪##‬ذه الطريق‪##‬ة‬
‫برسم‪ #‬المصحف‪ ،‬وكثيرا‪ #‬ما ينسبون هذا الرسم إلى الخليفة ال‪##‬ذي ارتض‪##‬اه فيقول‪##‬ون‪:‬‬
‫رسم عثمان أو الرسم العثماني‪ ..‬ولقد بلغ الغلو ببعض‪##‬هم‪ #‬أش‪##‬ده حين زعم‪##‬وا أن ه‪##‬ذا‬
‫الرسم القرآني‪ ،‬توقيفي وضع منهاجه النبي الكريم نفسه‪ ، ،‬فقد نسبوا إليه ـ وه‪##‬و‬
‫األمي الذي ال يكتب ـ أنه قال ألحد كتبة الوحي‪( :‬ألق الدواة وحرف‪ #‬القلم‪ ،‬وانص‪##‬ب‬
‫الب‪##‬اء‪ ،‬وف‪##‬رق‪ #‬الس‪##‬ين‪ ،‬وال تع‪##‬ور‪ #‬الميم‪ ،‬وحس‪##‬ن هللا‪ ،‬وم‪##‬د ال‪##‬رحمن‪ ،‬وج‪##‬ود ال‪##‬رحيم‪،‬‬
‫وضع قلمك على أذنك اليسرى‪ ،‬فإنه أذكر لك) (‪)3‬‬
‫وبعد أن نقل تلك المواقف المتشددة‪ ،‬قال‪( :‬وال ريب أن ه‪##‬ذا غل‪##‬و في تق‪##‬ديس‬
‫الرسم العثم‪##‬اني‪ ،‬وتكل‪##‬ف في الفهم م‪##‬ا بع‪##‬ده تكل‪##‬ف‪ ،‬فليس من المنط‪##‬ق في ش‪##‬يء أن‬
‫يكون أمر الرسم توقيفيا‪ ،‬وال أن يكون له من األسرار‪ #‬ما لف‪##‬واتح الس‪##‬ور‪ ،‬فم‪##‬ا ص‪##‬ح‬
‫في ه‪##‬ذا التوقي‪##‬ف ح‪##‬ديث عن رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬وال مج‪##‬ال لمقارن‪##‬ة ه‪##‬ذا ب‪##‬الحروف‪#‬‬
‫المقطعة التي ت‪##‬واترت قرآنيته‪#‬ا‪ #‬في أوائ‪##‬ل الس‪##‬ور‪ ،‬وإنم‪##‬ا اص‪##‬طلح الكتب‪##‬ة على ه‪##‬ذا‬
‫اصطالحا‪ #‬في زمن عثم‪##‬ان‪ ،‬ووافقهم‪ #‬الخليف‪##‬ة على ه‪##‬ذا االص‪##‬طالح‪ ،‬ب‪##‬ل وض‪##‬ع لهم‬
‫دستورا‪ #‬يرجع‪##‬ون إلي‪##‬ه في الرس‪#‬م‪ #‬عن‪##‬د االختالف في قول‪##‬ه للثالث‪##‬ة القرش‪##‬يين‪( :‬وإذا‬
‫اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في ش‪##‬يء من الق‪##‬رآن ف‪##‬اكتبوه بلس‪##‬ان ق‪##‬ريش‪ ،‬فإنم‪##‬ا ن‪##‬زل‬
‫بلسانهم)‪ ..‬وروي‪ #‬أنه لما كتب الص‪##‬حابة المص‪##‬حف زمن عثم‪##‬ان اختلف‪##‬وا في كتاب‪##‬ة‬
‫﴿التابوت﴾ فقال زيد‪[ :‬التابوه] وقال النفر القرشيون [التابوت]‪ ،‬وترافعوا إلى عثمان‬

‫‪ )(1‬في علوم القرآن دراسات ومحاضرات‪ ،‬محمد عبد السالم كفافى وعبد هللا الشريف‪.98/‬‬
‫‪ )(2‬في علوم القرآن دراسات ومحاضرات‪،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ )(3‬مناهل العرفان‪ ،1‬ص‪.370‬‬
‫‪40‬‬
‫قريش) (‪)1‬‬ ‫فقال‪ :‬اكتبوا [التابوت] فإنما أنزل القرآن على لسان‬
‫ثم عقب على هذا بقوله‪( :‬واحترام‪ #‬الرس‪##‬م العثم‪##‬اني واستحس‪##‬ان التزام‪##‬ه أم‪##‬ر‬
‫يختلف اختالفا جوهريا‪ #‬عن الق‪#‬ول ب‪#‬التوقيف في‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬د تض‪##‬افرت‪ #‬آراء العلم‪#‬اء على‬
‫ضرورة ال‪##‬تزام ه‪##‬ذا الرس‪##‬م‪ ..‬ولكن أح‪##‬دا من ه‪##‬ؤالء األئم‪##‬ة لم يق‪##‬ل‪ :‬إن ه‪##‬ذا الرس‪##‬م‬
‫توقيفي‪ ،‬وال سر أزلي) (‪)2‬‬
‫بعد أن انتهيت من حديثي‪ ،‬قال المعلم‪ :‬ها أنتم ترون أنه لم ينعق‪##‬د في ي‪##‬وم من‬
‫األيام اإلجماع على هذا‪ ..‬وإنما كان مجرد اص‪##‬طالح اص‪##‬طلحوا علي‪#‬ه‪ ،‬وال مش‪#‬احة‬
‫في االصطالح‪ ،‬أو في تبديله إذا اقتضت المصلحة ذلك‪ ..‬وأنتم‪ #‬تعلم‪##‬ون أن مص‪##‬لحة‬
‫القراءة الصحيحة أهم من مصلحة الحفاظ على الرسم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬وما نفعل برسم القرآن الموجود‪ ..‬هل تري‪##‬د من األم‪##‬ة هج‪##‬ره إلى‬
‫أن يُنس‪##‬ى؛ فيتهم المت‪##‬أخرون حينه‪##‬ا ب‪##‬أنهم خ‪##‬الفوا الق‪##‬رآن‪ ،‬ويس‪##‬تدلون على ذل‪##‬ك‬
‫باختالف النسخ القديمة عن الجديدة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬معاذ هللا أن أقول ذل‪#‬ك‪ ،‬أو أدع الفرص‪#‬ة ل‪#‬ذلك‪ ..‬ب‪#‬ل إني أق‪#‬ول م‪#‬ا‬
‫ق‪##‬ال بعض المت‪##‬أخرين من الجم‪##‬ع بين الحس‪##‬نين‪ ..‬فيوض ‪#‬ع‪ #‬لعام‪##‬ة الن‪##‬اس مص‪##‬احف‪#‬‬
‫ب‪#‬اإلمالء الع‪#‬ادي ال‪#‬ذي يعرفون‪#‬ه‪ ،‬ويوض‪#‬ع لخاص‪#‬تهم‪ ،‬أو لمن ش‪#‬اء منهم مص‪#‬احف‬
‫باإلمالء القديم‪ ..‬أو يجمع بينهما‪.‬‬
‫س‪##‬كتوا‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬ه‪##‬ذا ليس رأيي‪ ،‬ب‪##‬ل ه‪##‬و م‪##‬ا ذك‪##‬ره كب‪##‬ار العلم‪##‬اء ال‪##‬ذين رأوا‬
‫المصلحة في ذلك‪..‬‬
‫أش‪##‬ار إلي‪ ،‬فقلت‪ :‬أج‪##‬ل‪ ..‬وق‪##‬د ق‪##‬ال بعض‪##‬هم في ذل‪##‬ك‪( :‬بم‪##‬ا أن العام‪##‬ة ال‬
‫يس‪##‬تطيعون أن يق‪##‬رؤوا‪ #‬الق‪##‬رآن في رس‪##‬مه الق‪##‬ديم‪ ،‬فيحس‪##‬ن ب‪##‬ل يجب أن يكتب لهم‬
‫باالصطالحات الشائعة في عصرهم‪ ،‬ولكن هذا ال يعني إلغاء الرسم العثماني القديم‬
‫ألن في إلغائه تشويها لرمز ديني عظيم اجتمعت عليه الكلمة‪ ،‬واعتصمت ب‪##‬ه األم‪##‬ة‬
‫من الشقاق‪ ،‬ففي األمة دائما علماء يالحظون هذه الفروق الضئيلة في طريقة الرسم‬
‫العثماني‪ ،‬ومن الممكن ـ مع ذلك ـ كما اقترحت مجل‪#‬ة األزه‪#‬ر أن ينب‪##‬ه في ذي‪##‬ل ك‪##‬ل‬
‫صفحة من صفحات المص‪#‬حف‪ #‬على م‪#‬ا عس‪#‬ى أن يك‪#‬ون فيه‪#‬ا من األلف‪#‬اظ المخالف‪#‬ة‬
‫لالصطالح الحديث في الخط واإلمالء) (‪)3‬‬
‫قال أحدهم للمعلم‪ :‬لست أدري ما أق‪##‬ول ل‪##‬ك‪ ..‬ولكن م‪##‬ا تطرح‪##‬ه جمي‪##‬ل ج‪##‬دا‪..‬‬
‫‪ )(1‬البرهان ‪.1/376‬‬
‫‪ )(2‬مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح (ص ‪)278‬‬
‫‪ )(3‬مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح (ص ‪)280‬‬
‫‪41‬‬
‫وهو حل يدل على االعتدال والتوسط‪#..‬‬
‫ثم التفت لزمالئه‪ ،‬وقال‪ :‬أال ترون أن في هذا حال مناسبا يحل كل اإلشكاالت‬
‫التي نقع فيها‪ ..‬ألم تروا أولياء التالمي‪##‬ذ ال‪##‬ذين يدرس‪##‬ون في مدارس‪##‬نا القرآني‪##‬ة كي‪##‬ف‬
‫يشكون لنا عن تخل‪##‬ف أوالدهم في اإلمالء بس‪##‬بب ع‪##‬دم ق‪##‬درتهم الجم‪##‬ع بين إمالئين‪:‬‬
‫إمالء خاص بالقرآن‪ ،‬وإمالء خاص بغيره‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أجل‪ ..‬وبه‪##‬ذا‪ #‬الح‪##‬ل لن نحت‪##‬اج إلى تخص‪##‬يص دروس لعام‪##‬ة الن‪##‬اس‬
‫حول الرسم القرآني‪ ،‬والتي تكلفنا وقتا كثيرا نحن في غنى عنه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أجل‪ ..‬وبدل ذلك‪ ،‬نعلم الناس معاني القرآن؛ فهي أولى من رسمه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولن يضر ذلك ما اخترناه ألنفسنا من االهتمام بالرس‪##‬م أو مراعات‪##‬ه‬
‫أو التدبر فيه‪ ..‬فقناعاتنا الشخصية ال يصح تعميمها على غيرنا‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬إن أجم‪##‬ع رأيكم على ه‪##‬ذا‪ ،‬فس‪##‬نقوم بطباع‪##‬ة مص‪##‬حف‪ #‬ب‪##‬اإلمالء‬
‫العادي‪ ،‬وال بأس أن نشير‪ #‬في الهوامش إلى االختالفات الموجودة في الرسم الق‪##‬ديم‪،‬‬
‫مثلما يفعل المحققون في تحقيقاتهم‪ ،‬عندما يشيرون في الهوامش إلى ذلك‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وإن اتفقتم على هذا أيضا سنصدر‪ #‬بيانا لكل معلمي القرآن الك‪##‬ريم‪،‬‬
‫وخصوصا‪ #‬أولئك الذين يشكون من صعوبة تعليم الرسم للتالميذ والطلبة‪ ..‬أو يشكوا‬
‫أولياؤهم‪ #‬من ذلك‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أرى أن أحسن حل لمعرفة آراء الجميع ه‪##‬و التص‪##‬ويت‪ ..‬فمن منكم‬
‫يوافق‪ #‬على هذه الطروحات؟‬
‫رفعوا جميعا أيديهم‪ ..‬فقال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ #..‬وفي تجاوبكم‪ #‬مع م‪##‬ا تقتض‪##‬يه‬
‫المص‪##‬لحة الش‪##‬رعية‪ ،‬وأنتم به‪##‬ذا يمكنكم أن تلتحق‪##‬وا بتالمي‪##‬ذ الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ال‪##‬ذين‬
‫يهتمون بمقاصده وحقائقه ومعانيه أكثر من اهتمامهم بحروفه ورسمه وشكله‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬لسنا ندري ما الذي حل بنا‪ ..‬لقد كنا نس‪##‬مع مث‪##‬ل ه‪##‬ذا الكالم‪ ،‬لكن‪##‬ا‬
‫كنا نرفضه بشدة‪ ..‬بل إنا كنا نضع أصابعنا في آذانن‪##‬ا ح‪##‬تى ال نس‪##‬معه‪ ..‬ب‪##‬ل إنن‪##‬ا ق‪##‬د‬
‫نبطش بمن يقوله‪ ..‬فما سرك أنت؟‬
‫ما قال ذلك حتى أذن المؤذن‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬هلم إلى الصالة‪ ..‬وبعدها‪ #‬س‪##‬نجلس‬
‫ونتحدث‪ ،‬وسأجيبكم إن شاء هللا‪.‬‬
‫قلت للمعلم‪ :‬إلى أين سنذهب بعد هذا؟‬
‫قال‪ :‬أنت ستبقى في المسجد‪ ..‬أما أنا فسأذهب مع هؤالء ألكمل حديثي معهم؛‬
‫فمهمتي‪ #‬معهم أعظم من أن تنحصر‪ #‬في هذه الجزئية‪ ..‬ومن هدم شيئا علي‪##‬ه أن يب‪##‬ني‬
‫ما يعوضه‪ ،‬وإال كان مفسدا ال مصلحا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما تعني؟‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬هم يحت‪##‬اجون اآلن إلى من يعلمهم كيفي‪##‬ة التعام‪##‬ل م‪##‬ع الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪،‬‬
‫وكيفية االستفادة من معانيه لتحقيقه‪##‬ا في ع‪##‬الم األنفس واآلف‪##‬اق‪ #..‬وهم يحت‪##‬اجون إلى‬
‫من يدربهم‪ #‬على ذلك‪ ..‬أنا وفريق ممن من ُكلفنا بذلك‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫قلت‪ :‬وهل ستدعني وحدي؟‪ ..‬هم ال يسمعون لي‪ ،‬وال طاقة لي بإقناعهم‪#.‬‬
‫قال‪ :‬أنت لست مكلفا بذلك‪ ..‬سأحضر‪ #‬أنا في الوقت المناسب‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ثانيا ـ القرآن‪ ..‬وقراءات التنزيل‬
‫بعد ذهابنا إلى المسجد‪ ،‬وصالتنا‪ #‬خلف اإلمام صالة المغرب‪ ،‬والتي قرأ فيه‪##‬ا‬
‫بصوته الجميل ما أثر في تأثيرا كبيرا‪ ..‬لكني بعد الصالة‪ ،‬سمعت نف‪##‬را كث‪##‬يرين من‬
‫الناس يجتمعون في حلقة‪ ،‬ويرفعون أصواتهم‪ #‬منددين‪ ،‬قال أح‪##‬دهم‪ :‬ألم تس‪##‬معوا إلى‬
‫هذه القراءة التي لم ي‪##‬راع فيه‪##‬ا أحك‪##‬ام التجوي‪##‬د‪ ..‬ه‪##‬ل س‪##‬معتم كي‪##‬ف لم يطب‪##‬ق أحك‪##‬ام‬
‫الهمزة‪ ،‬ال في كونها مفردة‪ ،‬وال في كونها مقترنة مع همزات أخرى‪ ،‬وال في كلم‪##‬ة‬
‫واحدة‪ ،‬وال في أكثر من كلمة؟‬
‫قال آخر(‪ :)1‬أجل‪ ..‬فهو لم يطبق ذلك الحكم األساسي المعروف‪ #‬من إبدال ك‪##‬ل‬
‫همزة ساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها‪ ..‬ألم يعلم(‪ )2‬أنه إذا كانت الهمزة فاء‬
‫﴿و ْأ ُمرْ قَوْ َم‪##‬كَ يَأْ ُخ‪ُ #‬ذ ْ‬
‫وا‬ ‫الكلمة‪ ،‬فإنه يبدل الهمزة المفتوح ما قبلها ألفا ً مثل قوله تعالى‪َ :‬‬
‫﴿وا ُمرْ قومك‪ #‬يَا ُخ ُذوا﴾ ‪ ،‬ويبدل المض‪#‬موم‪ #‬م‪#‬ا قبله‪#‬ا واواً‪،‬‬ ‫بِأَحْ َسنِهَا﴾[األعراف‪ ]143:‬فتُقرأ َ‬
‫﴿ويُوتُونَ الزَ َكاةَ﴾‪ ،‬ويبدل المكسور ما قبلها يا ًء‪،‬‬ ‫مثل‪َ ﴿ :‬وي ُْؤتُونَ ال َّز َكاةَ﴾[المائدة‪ ]5:‬فتقرأ َ‬
‫ضيتِيَا﴾‪ ،‬إال ما اس‪##‬تثناه في كلم‪##‬ة واح‪##‬دة خروج‪#‬ا ً‬ ‫ض اِ ْئتِيَا﴾‪ ،‬فتقرأ ﴿ولالَرْ ِ‬ ‫مثل ﴿ َولِأْل َرْ ِ‬
‫عن قاعدت‪##‬ه‪ ،‬وهي كلم‪##‬ة (اإلي‪##‬واء) وم‪##‬ا تص‪##‬رف من لفظه‪##‬ا‪ ،‬فإن‪##‬ه ينبغي أن تُحق‪##‬ق‬
‫الهمزة فيها‪ ،‬مع أنها فاء الكلمة(‪ ..)3‬وقد‪ #‬جاءت في القرآن الكريم في س‪#‬بعة مواض‪#‬ع‬
‫س‬ ‫﴿و َم‪##‬أْ َواهُ َجهَنَّ ُم َوبِ ْئ َ‬
‫س َم ْث‪َ #‬وى الظَّالِ ِمينَ ﴾ [آل عم‪##‬ران‪َ ..]151 :‬‬ ‫﴿و َم‪##‬أْ َواهُ ُم النَّا ُر َوبِ ْئ َ‬
‫منه‪##‬ا َ‬
‫ْ‬
‫﴿و َمأ َوا ُك ُم النَّا ُر َو َم‪##‬ا لَ ُكم ِّمن‬
‫ْف﴾ [الكهف‪َ ..]16:‬‬ ‫ْ‬
‫صي ُ‪#‬ر﴾ [آل عمران‪﴿ ..]162:‬فَأ ُووا‪ #‬إِلَى ْال َكه ِ‬ ‫ْال َم ِ‬
‫ْ‬
‫ك َمن تَ َشاء﴾ [األح‪##‬زاب‪ِ ﴿ ..]51:‬عن َدهَا َجنَّةُ ْال َم‪##‬أ َوى‪﴾#‬‬ ‫اص ِرينَ ﴾ [العنكبوت‪َ ﴿ ..]25:‬وتُ ْؤ ِوي إِلَ ْي َ‬ ‫نَّ ِ‬
‫صيلَتِ ِه الَّتِي تُ ْؤوي ِه﴾ [المعارج‪]13:‬‬ ‫﴿وفَ ِ‬‫[النجم‪َ ..]15:‬‬
‫قال آخر ‪ : 4‬وهوـ أيضا ـ لم يطبق أحك‪##‬ام ترقي‪#‬ق‪ #‬ال‪#‬راء إذا ج‪#‬اء قبله‪##‬ا كس‪#‬رة‬ ‫)‬ ‫(‬
‫أصلية أوياء ساكنة من الكلم‪#‬ة نفس‪##‬ها‪ ،‬أوج‪##‬اء قبله‪##‬ا س‪#‬اكن قبل‪#‬ه كس‪##‬ر‪ ،‬إذا أتت بع‪#‬د‬
‫كسرة الزمة سواء كانت الراء مفتوحة أم مضمومة منونة أم غير منونة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬بورك فيك‪ ..‬لق‪##‬د ذكرت‪##‬ني ب‪##‬الجهود‪ #‬ال‪##‬تي ب‪##‬ذلناها في تعلم ترقي‪##‬ق‬
‫ال‪###‬راء من كلم‪###‬ات ﴿ناض‪###‬رة﴾‪ ،‬و﴿ن‪###‬اظرة﴾‪ ،‬و﴿باس‪###‬رة﴾‪ ،‬و﴿ف‪###‬اقرة﴾‪ ،‬و﴿س‪###‬احران﴾‪،‬‬
‫‪#‬راء﴾ و﴿ظَ‪##‬ا ِهراً﴾‪ ..‬وكم ك‪##‬ان‬ ‫ات﴾‪ ،‬و﴿ َشا ِكراً﴾‪ ،‬و﴿ ِم‪َ #‬‬ ‫ص َر ُ‬ ‫و﴿ال َمقَابِ َر﴾‪ ،‬و﴿قَا ِ‬ ‫و﴿ ِذ َرا َع ْي ِه﴾‪ْ ،‬‬
‫﴿وتُ َع‪ِّ #‬زرُوهُ﴾‬ ‫يصعب علينا ترقيق‪ #‬الراءات المضمومة بع‪##‬د كس‪##‬ر مباش‪##‬ر‪ ،‬من أمث‪##‬ال َ‬
‫خَاسرُونَ ﴾‬ ‫احرٌ﴾‪ْ ،‬‬
‫و﴿ال ِ‬ ‫و﴿ال َكافِرُونَ ﴾ ﴿ َس ِ‬ ‫﴿ َوتُ َوقِّرُوهُ﴾‪ ،‬و﴿ ُمن ِذرٌ﴾‪ْ ،‬‬

‫‪ )( 1‬األحكام التي نوردها هنا هي األحكام التي تبناها ورش عن نافع‪ ،‬وسنتبين سبب ذلك فيما يلي من األحداث‪.‬‬
‫‪ )(2‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.128/‬‬
‫‪ )(3‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.129/‬‬
‫‪ )( 4‬ركزنا هنا على المحال التي انفرد بها ورش في ترقيق الراء‪ ،‬وهو ما يصعب على الكثير من القراء‪ ،‬وخصوصا المبت‪##‬دئين‪ ،‬أنظ‪##‬ر‪ :‬ال‪##‬داني‪،‬‬
‫التهذيب لما تفرد به كل واحد من القراء السبعة‪ .‬ص‪.41‬‬
‫‪ )(5‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.152/‬‬
‫‪44‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)6‬وك‪##‬ان أص‪##‬عب ش‪##‬يء علين‪##‬ا ترقيقه‪##‬ا عن‪##‬دما يفص‪##‬ل بين الكس‪##‬ر‬
‫اج﴾‪،‬‬ ‫‪###‬راهَ﴾‪ ،‬و﴿إِ ْخ‪َ ###‬ر ٍ‬ ‫و﴿و ْز َركَ ﴾‪ ،‬و﴿إِ ْك َ‬ ‫ك﴾ ِ‬ ‫‪###‬ر َ‬‫وال‪###‬راء س‪###‬اكن في مث‪###‬ل كلم‪###‬ات‪ِ ﴿ :‬ذ ْك َ‬
‫﴿وإِجْ َرا ِمي﴾‪ ..‬وكان يختلط علينا ذلك في حال كون الح‪##‬رف الفاص‪##‬ل متحرك‪#‬اً‪ ،‬ألن‪##‬ه‬
‫﴿ال ِكبَرُ﴾ فى قوله عز وج‪##‬ل‪َ ﴿ :‬علَى أَن َّم َّس ‪#‬نِ َي ْال ِكبَ ‪ُ #‬ر﴾‬ ‫حينئذ ال ترقق‪ #‬الراء‪ ،‬كما كلمة ْ‬
‫[الحجر‪ ،]54:‬وكلمة ْ‬
‫﴿ال ِخيَ َرةُ﴾‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلها إذا أتت الراء بعد ياء ساكنة؛ فإن ورشاً‪ #‬يرققها س‪##‬واء ك‪##‬انت‬
‫مفتوحةً أومضمومةً‪ ،‬أوكانت الراء منونة أم غير منونة في مثل هذه الكلمات وصالً‬
‫‪#‬يراً﴾‪،‬‬‫صبْحا ً﴾ [العادي‪##‬ات‪ ،]3 :‬و﴿بَ ِشيراً﴾‪ ،‬و﴿ َونَ ‪ِ #‬ذيراً﴾‪َ ﴿ ،‬خبِ‪َ #‬‬ ‫ت ُ‬ ‫يرا ِ‬‫ووقفاً‪َ ﴿ #‬كبِي ُرهُ ْم﴾‪﴿ ،‬فَ ْال ُم ِغ َ‬
‫ر﴾ [الشعراء‪]50:‬‬ ‫صيراً﴾‪﴿ ،‬قَالُوا اَل َ‬
‫ض ْي َ‬ ‫و﴿بَ ِ‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وكان أصعب شيء بالنسبة لي‪ ،‬وربم‪##‬ا لكم مس‪##‬تثنيات‪ #‬ورش من‬
‫ال‪##‬راء المرقق‪##‬ة؛ فمنه‪##‬ا وج‪##‬ود فاص‪##‬ل بين الكس‪##‬رة وال‪##‬راء وأح‪##‬د أح‪##‬رف االس‪##‬تعالء‬
‫ص ‪َ #‬رهُ ْم﴾‪،‬‬ ‫ص ‪#‬راً﴾‪ ،‬و﴿إِ ْ‬ ‫التالية‪ :‬الصاد والقاف والطاء‪ ..‬ومن األمثلة مع الصاد كلمة ﴿إِ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫و﴿ ِمصْ راً﴾ و﴿بِ ِمصْ َر﴾‪ ،‬و﴿ ِّمصْ َر﴾‪ ..‬وم‪##‬ع الط‪##‬اء في موض‪##‬عين‪﴿ :‬قِط‪##‬راً﴾ و﴿فِط‪َ #‬رةَ﴾‪..‬‬
‫﴿و ْقراً﴾ [الذاريات‪]2:‬‬ ‫ومع القاف في موضع واحد‪ِ :‬‬
‫قال آخر‪ :‬وأصعب تلك المستثنيات ال‪##‬تي تعس‪##‬ر علي حفظه‪##‬ا وإتقانه‪##‬ا وج‪##‬ود‬
‫فاصل بين الكسرة والراء وحرف‪ #‬االس‪##‬تعالء (الخ‪##‬اء)‪ ،‬ألنه‪##‬ا ال تمن‪##‬ع ترقي‪##‬ق ال‪##‬راء‬
‫وإن ك‪###‬انت هي من ح‪###‬روف االس‪###‬تعالء وذل‪###‬ك في نح‪###‬و﴿إِ ْخ‪َ ###‬را ُجهُ ْم﴾ [البق‪####‬رة‪،]85:‬‬
‫و﴿إِ ْخ َراجا ً﴾ [نوح‪﴿ ،]18:‬إِ ْخ َرا ِج ُك ْم﴾ [الممتحنة‪ ،]9:‬حيث يقرؤها ورش بترقيق الراء‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك إذا تكررت الراء في آخر كلمة واح‪##‬دة في مث‪##‬ل كلم‪##‬ات‪:‬‬
‫﴿ض ‪َ #‬راراً﴾ [البق‪##‬رة‪﴿ ،]231‬فِ ‪َ #‬راراً َولَ ُملِ ْئتَ ِم ْنهُ ْم ُر ْعب ‪#‬ا ً﴾ [الكه‪##‬ف‪﴿ ،]18:‬إِ ْس ‪َ #‬راراً﴾ [ن‪##‬وح‪،]9:‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ ِّم ْد َراراً﴾ [األنعام‪ ،]6:‬حيث فخم ورش الرائين تبعا ً للراء الثانية ما عدا كلم‪##‬ة ﴿بِ َش ‪َ #‬ر ٍر﴾‬
‫[المرس‪##‬الت‪ ]32:‬فقد اتفق ال‪##‬رواة عن ورش ب‪##‬ترقيق‪ #‬ال‪##‬راء األولى وص‪#‬الً ووقف‪#‬ا ً ألج‪##‬ل‬
‫كسر الراء الثانية بعدها فهوترقيق لترقيق‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬بورك فيكم‪ ..‬لقد ذكرتموني ببعضهم‪ #‬جاء يعظ‪##‬ني‪ ،‬فق‪##‬رأ علي قول‪##‬ه‬
‫ت عَا ٌد فَ َك ْيفَ َكانَ َع‪َ #‬ذابِي َونُ ‪ُ #‬ذ ِر‬ ‫﴿ولَقَ ْد يَسَّرْ نَا‪ْ #‬القُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍر َك َّذبَ ْ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫اس َك‪##‬أَنَّهُ ْم أَ ْع َج‪##‬ازُ‬ ‫َّ‬
‫‪#‬زع الن َ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ُم ْس‪#‬ت ِمرٍّ تن‪ِ #‬‬ ‫ص‪#‬رًا فِي يَ‪##‬وْ ِم نَحْ ٍ‬ ‫صرْ َ‬ ‫إِنَّا أَرْ َس ْلنَا َعل ْي ِه ْم ِريحًا َ‬
‫َ‬
‫ر﴾ [القم‪##‬ر‪:‬‬ ‫ن َْخ ٍل ُم ْنقَ ِع ٍر فَ َك ْيفَ َكانَ َع َذابِي َونُ ُذ ِر َولَقَ ْد يَسَّرْ نَا ْالقُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَ‪##‬لْ ِم ْن ُم‪َّ #‬د ِك ٍ‬
‫﴿ونُ ُذ ِر﴾‪ ،‬فقلت له‪ :‬اذهب‪ ،‬وتعلم‬ ‫‪ ]22-17‬من غير أن يراعي األحكام الواردة في كلمة َ‬
‫األحك‪##‬ام أوال‪ ..‬ثم اذهب بع‪##‬دها لتع‪##‬ظ الن‪##‬اس‪ ..‬إن المغف‪##‬ل لم يعلم أن لتل‪##‬ك الكلم‪##‬ة‬
‫وجهين عن‪##‬د الوق‪##‬ف عليه‪##‬ا‪ ،‬من حيث ال‪##‬ترقيق‪ #‬والتفخيم‪ ،‬لكن أه‪##‬ل األداء رجح‪##‬وا‬
‫الترقيق‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أنا فقد رأيت بعضهم ينطق‪ #‬الهمزة المفتوح‪##‬ة في ف‪##‬اء الكلم‪##‬ة‬
‫‪ )(6‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.152/‬‬
‫‪ )(2‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.152/‬‬
‫‪45‬‬
‫بعد ضم محققة مع أنها تنطق واواً‪ ،‬سواء وقعت في األسماء أواألفعال‪ ..‬ه‪#‬و لم يعلم‬
‫‪#‬و ِّذ ٌن﴾‪ ،‬و﴿المؤلّف‪#‬ة﴾ تق‪#‬رأ ﴿ال ُم َولّف‪##‬ة﴾‪..‬‬ ‫أن ﴿ ُم َؤجال﴾ تقرأ ﴿ ُم‪َ #‬و َّجاًل ﴾‪ ،‬و﴿م‪#‬ؤ ِّذن﴾ تُق‪#‬رأ ﴿ ُم‪َ #‬‬
‫وهكذا في األفعال فـ ﴿تُ َؤاخذنا﴾ تقرأ ﴿تُواخذنا﴾‪ ،‬و﴿يُؤَ يد﴾ تقرأ ﴿ي َُويِّد﴾‬
‫قال آخر‪ :‬دعونا من أولئك الذين لم يتصدروا لإلمامة؛ ف‪##‬إثمهم قاص‪##‬ر عليهم‪،‬‬
‫وهيا نبحث كيف نتصرف‪ #‬مع هذا اإلمام‪ ..‬البد أن نش‪##‬كوه للمس‪##‬ؤولين عن المس‪##‬اجد‬
‫حتى يطردوه من وظيفته‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لكن‪ ..‬أال ترون أننا بالغنا كث‪##‬يرا في ال‪##‬ذهاب لتل‪##‬ك المؤسس‪##‬ة‪ ،‬فه‪##‬ذا‬
‫اإلمام العاشر الذي تريدون الشكوى به‪ ،‬وفي ظ‪##‬رف‪ #‬ال يتج‪##‬اوز‪ #‬س‪##‬تة أش‪##‬هر؟‪ ..‬ه‪##‬ل‬
‫تريدون أن يعينوا لنا في كل شهر إماما‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬المشكلة ليست في اإلمام‪ ،‬ولكن في الجهة التي ق‪##‬امت بامتحان‪##‬ه في‬
‫حفظه وتجويده وإتقانه‪ ..‬لقد ذكروا لنا أنه يحفظ الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم حفظ‪##‬ا متقن‪##‬ا‪ ،‬ويتقن‬
‫تجويده وترتيله‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أنسيتم أن أولئك الذين امتحن‪##‬وه ك‪##‬انوا ممن يق‪##‬رؤون بق‪##‬راءة حفص‬
‫عن عاصم‪ ..‬فهل يحق لهم وحدهم أن يمتحنوا اإلمام‪ ،‬ه‪##‬ل نس‪##‬وا أن هن‪##‬اك من يق‪##‬رأ‬
‫بغير قراءتهم‪ ،‬أم أنهم يريدون أن يفرضوا سيطرتهم على المسجد؟‬
‫قال آخر‪ :‬ألم يكفهم أن يجعلوا أكثر المصاحف‪ #‬في المسجد برواية حفص عن‬
‫عاص‪##‬م‪ ..‬ف‪##‬أين ب‪##‬اقي الق‪##‬راء‪ ..‬ألم يعلم‪##‬وا أن في بل‪##‬دتنا من يق‪##‬رأ برواي‪##‬ة ق‪##‬الون عن‬
‫نافع‪ ..‬ومنهم من يقرأ برواية ورش عن نافع‪ ..‬ومنهم‪ #‬من يق‪##‬رأ برواي‪##‬ة ال‪##‬دوري‪ #‬عن‬
‫أبي عمرو‪ ..‬فما بال أصحاب حفص عن عاصم يهيمنون علينا‪ ،‬وفي‪ #‬كل المحال‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد علمت أن األعيان المس‪##‬ؤولين عن المس‪##‬اجد مجتمع‪##‬ون اآلن في‬
‫مجمع القراءات والتجويد‪ ،‬واإلمام معهم؛ فهي فرصة لنا ألن نقدم شكوانا‪ #..‬فهلم بن‪##‬ا‬
‫إليها‪.‬‬
‫سرت معهم إلى المحل الذي ذك‪##‬روا؛ وهن‪##‬اك وج‪##‬دت نف‪##‬را كث‪##‬يرين مجتمعين‬
‫في حلقة كب‪#‬يرة‪ ،‬وهن‪#‬اك رأيت معلمي الجدي‪#‬د معلم القص‪#‬د واالعت‪#‬دال جالس‪#‬ا بينهم‪،‬‬
‫وفي‪ #‬صدر المجلس‪ ،‬والكل ينظر‪ #‬إليه باحترام‪ #‬شديد‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬لقد سمعت جميع أقوالكم‪ ..‬وأرى‪ #‬أن ننظر إلى المس‪##‬ألة بعي‪##‬دا عن‬
‫كل الحساسيات‪ #‬والعصبيات‪ ،‬فقد وصف‪ #‬هللا تعالى القرآن الك‪##‬ريم بكون‪##‬ه كتاب‪##‬ا يس‪##‬ر‬
‫للذكر‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د يَ َّس‪#‬رْ نَا‪ْ #‬القُ‪##‬رْ آنَ لِل‪ِّ #‬ذ ْك ِر فَهَ‪##‬لْ ِم ْن ُم‪َّ #‬د ِك ٍر﴾ [القم‪##‬ر‪ ..]22 :‬ول‪##‬ذلك؛ ف‪##‬إن‬
‫الضابط‪ #‬األكبر للقراءة التي عليكم أن تعتمدوها‪ ،‬وخاصة لعامة الناس‪ ،‬القراءة ال‪##‬تي‬
‫تتوفر على هذا القيد القرآني؛ فهو يجعل القارئ منصرفا‪ #‬إلى الق‪##‬راءة ال إلى تحقي‪##‬ق‬
‫الح‪##‬روف‪ ،‬وتط‪##‬بيق األحك‪##‬ام الص‪##‬عبة‪ ..‬وأخ‪##‬ذكم‪ #‬به‪##‬ذا س‪##‬يوفر الوح‪##‬دة لمجتمعكم‬
‫ومدينتكم؛ فالقرآن الكريم يوحد قلوب المؤمنين‪ ،‬وال يفرقها‪#.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬ولكن ماذا نفعل بالقراءت التي وجدنا‪ #‬عليها آباءنا؟‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬يمكنكم أن تحتفظ‪##‬وا به‪##‬ا ل‪##‬دى متخصص‪##‬ين في الق‪##‬راءات‪ ،‬ال أن‬
‫‪46‬‬
‫تنشروا‪ #‬مصاحفها بين الناس‪ ،‬أو تعلموها‪ #‬للص‪##‬بية الص‪##‬غار؛ ف‪##‬ذلك مم‪##‬ا يبع‪##‬دهم عن‬
‫مقصد القرآن الكريم األكبر الذي هو التدبر والتأمل في معانيه‪ ،‬ال في إقامة حروفه‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ القراءات واليسر‪:‬‬
‫قام رجل‪ ،‬وقال‪ :‬بورك فيك أيها المعلم المنور بن‪##‬ور اإليم‪##‬ان‪ ..‬وه‪#‬ذا م‪##‬ا قلت‪##‬ه‬
‫لهم كثيرا‪ ..‬فأنا إمام بمسجد من مساجد هذه المدينة‪ ،‬وقد رأيت بع‪##‬د بحث طوي‪##‬ل في‬
‫القراءات أن أيسرها وأسهلها وأوفقها‪ #‬مع اللغة العربية الفصيحة التي نس‪##‬تعملها‪ #‬هي‬
‫القراءة التي تنسب إلى عاص‪##‬م برواي‪##‬ة حفص ‪ ..‬ذل‪##‬ك أني ـ بع‪##‬د تجرب‪##‬ة طويل‪##‬ة في‬
‫تعليم القرآن الكريم ـ وج‪##‬دت أنه‪##‬ا األيس‪##‬ر على العام‪##‬ة والخاص‪##‬ة على ح‪##‬د س‪##‬واء‪..‬‬
‫ولهذا تركت القراءة التي وجدت عليها آبائي‪ ،‬وهي رواي‪##‬ة ورش عن ن‪##‬افع‪ ،‬لكونه‪##‬ا‬
‫صعبة جدا‪ ،‬بل قل من يتقنها حتى من القراء المشهورين أنفسهم‪ ،‬وهم يقرون بذلك‪،‬‬
‫ويفتخرون‪ #‬به‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ص‪##‬دقت ي‪##‬ا إمامن‪##‬ا‪ ..‬وأن‪##‬ا مثل‪##‬ك‪ ..‬وق‪#‬د‪ #‬اقتنعت بنص‪##‬يحتك‪ ..‬وعن‪##‬دما‬
‫بحثت في تاريخ القراءات وانتشارها‪ #‬وجدت أنها أكثر الق‪##‬راءات انتش‪##‬ارا‪ #‬بين عام‪##‬ة‬
‫المسلمين‪ ،‬وكلهم‪ #‬متفقون على يسرها وسهولتها وكونها األكثر اتفاقا مع اللغ‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫كتبت بها الكتب‪ ،‬ودونت بها العلوم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وكمثال على ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن رواي‪##‬ة حفص عن عاص‪##‬م ليس فيه‪##‬ا عم‪##‬ل‬
‫كثير إضافي‪ ،‬كاإلمالة الكثيرة في قراءة حمزة والكسائي وخلف‪ ،‬وهم قراء الكوفة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وليس فيها المد المشبع في المنفصل والمتص‪##‬ل‪ ،‬والس‪##‬كت المتك‪##‬رر‬
‫على الهمز الذي قبله ساكن موصوالً‪ #‬كان أم مفصوالً‪ ،‬والوقف‪ #‬على الهم‪##‬ز كم‪##‬ا في‬
‫قراءة حمزة وهشام‪ ..‬وليس فيها إمالة هاء التأنيث حال الوقف‪ #‬عند الكسائي‪ ..‬وكله‪##‬ا‬
‫صعبة األداء‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وليس فيها المدود الكث‪##‬يرة كم‪##‬ا في ق‪##‬راءة ورش عن ن‪##‬افع‪ ،‬أوص‪##‬لة‬
‫أيض ‪#‬ا‪،‬‬
‫ميم الجم‪##‬ع وس‪##‬كونها واختالف‪ #‬الم‪##‬د المنفص‪##‬ل في ق‪##‬راءة ق‪##‬الون عن ن‪##‬افع ً‬
‫والصلة المتكررة أيضًا في قراءة ابن كث‪##‬ير المكي وأبي جعف‪##‬ر الم‪##‬دني‪ ..‬وك‪##‬ل ذل‪##‬ك‬
‫يحتاج نفسا طويال‪ ،‬وهو صعب على عامة الناس‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وليس فيه‪##‬ا اإلدغ‪##‬ام الكث‪##‬ير للمثلين الكب‪##‬ير والمتق‪##‬اربين‪ ،‬كم‪##‬ا في‬
‫رواية السوس‪#‬ي‪ #‬عن أبي عم‪##‬رو‪ ،‬أوالعم‪##‬ل في الهم‪##‬ز المتت‪#‬الي س‪##‬واء ك‪##‬ان في كلم‪#‬ة‬
‫أوكلمتين‪ ،‬عند نافع وابن كثير وأبي عمرووابن عامر‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإننا نالحظ جميعا أن رواية حفص متناسبة مع‬
‫اللغة العربية الفصحى التي يتحدث بها أكثر العرب والمس‪##‬لمين‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على‬

‫‪47‬‬
‫ذلك عند المقارن‪##‬ة بين ورش وحفص في نط‪##‬ق الهم‪##‬زة‪ ،‬حيث نج‪##‬د ورش يمي‪##‬ل إلى‬
‫تس‪##‬هيلها في بعض اآلي‪#‬ات ‪ ،‬وح‪##‬ذفها‪ #‬في آي‪##‬ات أخ‪##‬رى‪ ،‬وأحيان‪##‬ا يقلب الي‪#‬اء هم‪##‬زة‪..‬‬
‫باإلضافة إلى تف‪##‬رده بنق‪##‬ل حرك‪##‬ة الهم‪##‬زة إلى الس‪##‬اكن قبله‪##‬ا‪ ،‬ح‪##‬تى أن ذل‪##‬ك أث‪##‬ر في‬
‫القراء الذين يقرؤون بتلك الق‪##‬راءة‪ ،‬وم‪##‬يز لغتهم عن الفص‪##‬حى ال‪##‬تي يعتم‪##‬دها س‪##‬ائر‬
‫العرب والمسلمين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك في الياء التي تأتي بع‪##‬دها هم‪##‬زة مفتوح‪##‬ة؛ حيث يقرؤه‪##‬ا‬
‫ورش بالفتح‪ ،‬أما حفص فيقرؤها بالسكون‪ ،‬كما ننطق بها في كالمنا العادي‪ ..‬فقول‪##‬ه‬
‫‪#‬ني﴾ بفتح‬ ‫تعالى ـ مثال ـ‪َ ﴿ :‬وقَا َل َربِّ أَوْ ِز ْعنِي ﴾ [النم‪##‬ل‪ ]19 :‬يقرؤه‪##‬ا ورش ﴿ربِّ أوزع‪َ #‬‬
‫الياء‪ ..‬وهكذا الي‪#‬اء ال‪#‬تي ت‪#‬أتى بع‪#‬دها هم‪#‬زة مكس‪#‬ورة‪ ،‬حيث يقرؤه‪#‬ا ورش ب‪#‬الفتح‪،‬‬
‫فيقرأ قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬م ْن بَ ْع ِد أَ ْن نَزَ َغ ال َّش ْيطَانُ بَ ْينِي َوبَ ْينَ إِ ْخ‪َ #‬وتِي إِ َّن َربِّي لَ ِطي‪ٌ #‬‬
‫‪#‬ف لِ َم‪##‬ا‬
‫يَ َشا ُء إِنَّهُ ه َُو ْال َعلِي ُم ْال َح ِكي ُم﴾ [يوسف‪ ،]100 :‬حيث يقرؤها ورش بفتح ياء ﴿ إِ ْخ َوتِ َي ﴾‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)1‬ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك عن‪##‬د المقارن‪##‬ة بين تفخيم ال‪##‬راء وترقيقه‪##‬ا بين ورش‬
‫وحفص‪ ،‬حيث نجدا حفصا يميل إلى األصل الذي يميل إليه اللسان‪ ،‬وهو أن األصل‬
‫في الراء التفخيم‪ ،‬وأن‪##‬ه ال يج‪##‬وز ال‪##‬ترقيق‪ #‬إال لعل‪##‬ة أوجبت ذل‪##‬ك‪ ،‬لكن ورش‪#‬ا‪ #‬اعتم‪##‬د‬
‫منهجا صعبا جدا‪ ،‬قل من يتقنه‪ ..‬فهو ق‪##‬د انف‪##‬رد ب‪##‬ترقيق‪ #‬ال‪##‬راء إذا ك‪##‬انت مفتوح‪##‬ة أو‬
‫مضمومة‪ ،‬وكان قبله‪##‬ا ي‪##‬اء س‪##‬اكنة أو كس‪##‬رة متص‪##‬لة به‪##‬ا‪ ،‬وعلت‪##‬ه في ترقي‪##‬ق ال‪##‬راء‬
‫المضمومة إذا أتت بعد كسر نحو ﴿الخاسرون﴾ أوبعد ياء ساكنة نحو‪﴿ :‬بشير﴾ أوقبله‬
‫ساكن وقبل الساكن كس‪##‬رة نح‪##‬و‪﴿ :‬ل‪##‬ذكرُ﴾ ع‪##‬دم االعت‪##‬داد بحرك‪##‬ة ال‪##‬راء ألج‪##‬ل ق‪##‬رب‬
‫الكسرة منها أوالياء‪ ..‬ولم يعتد كذلك بالس‪##‬اكن لض‪##‬عفه بالس‪#‬كون‪ ،‬وك‪#‬أن ال‪#‬راء قبله‪##‬ا‬
‫كسرة مباشرة‪.‬‬
‫كبْر﴾ [غافر‪ ،]56:‬و﴿عشرون﴾ [األنف‪##‬ال‪]65:‬‬ ‫قال آخر(‪ :)2‬وأما علته في تفخيم كلمة ﴿ ِ‬
‫ولم يرققها في ﴿ذك ُر﴾ [األعراف‪ ]63:‬ألن الكاف أقرب مخرجا إلى الذال منها إلى الراء‬
‫ولذلك فخمت الراء في ﴿ ِكبْر﴾ لبعد المخرجين ورققت في ﴿الذكرُ﴾ لقرب المخرجين‪،‬‬
‫وأما ﴿عشرون﴾ ففخمت لصفة التفشي التي فيها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وعلته في تفخيم الراء بعد ح‪##‬روف‪ #‬االس‪##‬تعالء لقوته‪##‬ا‪ ،‬واس‪##‬تثنى‪#‬‬
‫ح‪##‬رف الخ‪##‬اء وذل‪##‬ك لض‪##‬عفه بص‪##‬فة الهمس‪ ..‬وعلت‪##‬ه في ترقي‪##‬ق‪ #‬ال‪##‬راء إذا تك‪##‬رر‬
‫نحو﴿بشرر﴾ من أجل قوة الكس‪#‬رة في ال‪#‬راء الثاني‪#‬ة‪ ،‬ولم يرق‪#‬ق‪ #‬ال‪#‬راء في ﴿الض‪#‬رر﴾‬
‫وذلك لوجود‪ #‬حرف االستعالء الذي قبل الراء وهوالض‪##‬اد‪ ..‬وروي‪ #‬عن‪##‬ه وجه‪##‬ان في‬
‫﴿ح‪##‬يران﴾ فرققه‪##‬ا بعض أه‪##‬ل األداء على حس‪##‬ب قاعدت‪##‬ه‪ ،‬وفخمه‪##‬ا اآلخ‪##‬رون وذل‪##‬ك‬
‫ألجل الجمع بين اللغتين‪.‬‬

‫‪ )(1‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.213/‬‬


‫‪ )(2‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.214/‬‬
‫‪ )(3‬القراءات روايتا ورش وحفص دراسة تحليلية مقارنة‪.214/‬‬
‫‪48‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وغيره‪##‬ا من األحك‪##‬ام العس‪##‬يرة الص‪##‬عبة‪ ..‬وله‪##‬ذا ق‪##‬ل من يتقنه‪##‬ا‪،‬‬
‫وحتى الذي يتقنها يشعر بالفرق الكبير بينها وبين قراءته برواية حفص عن عاصم‪.‬‬
‫قال أحد المخالفين‪ :‬لكن ما تقولون بتواتر‪ #‬أداء القراءات‪ ..‬وكونها جميعا مم‪##‬ا‬
‫قرأ بها رسول هللا ‪ .. ‬ألسنا عندما نترك ما روي عن ورش من ترقيق‪ #‬ال‪##‬راءات‪،‬‬
‫وم‪#‬د الم‪#‬دود وغيره‪#‬ا‪ ،‬نك‪#‬ون ق‪#‬د ض‪#‬يعنا أو أمتن‪#‬ا س‪#‬نة من س‪#‬نن رس‪#‬ول هللا ‪ ‬في‬
‫القراءة؟‬
‫ق‪##‬ال آخر ‪ : 2‬أليس الن‪##‬بي ‪ ‬ه‪##‬و ال‪##‬ذي اق‪##‬رأ أص‪##‬حابه بتحقي‪##‬ق الهم‪##‬زات‬ ‫)‬ ‫(‬
‫وبتسهيلها‪ ،‬وكذلك بالفتح واإلمالة‪ ،‬وباإلدغام وباإلظه‪##‬ار‪ ،‬وبتطوي‪#‬ل‪ #‬زمن الغن‪##‬ة في‬
‫محلها‪ ،‬وبتطويل الصوت بحروف‪ #‬المد‪ ،‬وبقلقلة حروف (قطب جد)‪ ،‬وهوال‪##‬ذي أذن‬
‫بقراءة هذه بوجه وهذه بوجهين وهذه بثالث وهذه بأربع‪ ..‬وجرى كل وجه ج‪##‬اء ب‪##‬ه‬
‫النبي ‪ ‬في القراءة واألداء على أنه وحي معصوم‪ #،‬واألئمة رووه عنه بالتوقيف؟‬
‫قال المعلم(‪ : )3‬ليس كل ما ينتشر أو يشاع علما‪ ..‬فهل حققتم في حقيقة هذا؛ أم‬
‫أنكم تلقيتموه تقليدا؟‬
‫قال اإلمام‪ :‬ما دمنا جلسنا في مجلسنا هذا‪ ،‬ومع شخصكم‪ #‬الم‪##‬وقر؛ ف‪##‬إن الح‪##‬ق‬
‫أحق أن يتبع ويقال‪ ،‬مهما كانت نتائجه‪ ..‬وقد‪ #‬بحثت في هذا كث‪##‬يرا‪ ،‬لك‪##‬ني لم أس‪##‬تطع‬
‫التصريح بما وصلت إليه من نتائج خش‪##‬ية من ق‪##‬ومي‪ #..‬ف‪##‬إن أذنتم لي ذك‪##‬رت لكم م‪##‬ا‬
‫وصلت إليه‪ ،‬وأدلتها‪ ،‬وإال ألتزم ما أنتم عليه إلى أن يحكم هللا بيني وبينكم‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬تحدث ما بدا لك‪ ..‬فهذه الوجوه الكريمة ال يمكنها أن تص‪##‬م آذانه‪##‬ا‬
‫على أي قول ما دام يستند للبراهين والحجج‪ ..‬فاعرض ما عندك‪ ،‬ولهم أن يناقشوك‪#‬‬
‫بما تهديهم إليه الحقائق ال النفوس‪.‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)4‬ما دمت قد ذكرت ذلك‪ ..‬وسكت الجميع مؤيدين ل‪##‬ك‪ ..‬فالنتيج‪##‬ة‬
‫التي وصلت إليها بعد بحوث طويلة هي أن األدل‪##‬ة كله‪##‬ا ت‪##‬دل على أن االختالف في‬
‫ص‪###‬فات أداء التالوة إنم‪###‬ا هوناش‪###‬ئ عن اختالف الق‪###‬راء في اختي‪###‬ارهم‪ ،‬واختالف‬
‫لهجاتهم وأدائهم‪ #‬للحروف‪ ،‬وتأثرهم‪ #‬بطبيعة لهجات القبائل العربية المتن‪#‬اثرة في ك‪#‬ل‬
‫قطر‪ ،‬وليس أصله التلقي عن النبي ‪ ،‬وله‪##‬ذا‪ ،‬فق‪##‬د حص‪##‬ل لبس وخل‪##‬ط عظيم عن‪##‬د‬
‫طائفة من السابقين وكثير من الالحقين بين االختالف في القراءة الذي منشؤه الكالم‬
‫نفسه من زيادة أونقص في حروفه أوتغيير‪ #‬في إعرابه وبين االختالف ال‪##‬ذي منش‪##‬ؤه‬
‫االختالف الطبيعي‪ #‬عند قبائل الع‪##‬رب في األص‪##‬وات والنط‪##‬ق والكالم‪ ،‬بس‪##‬بب تن‪##‬وع‬
‫ق‬‫﴿و ِم ْن آيَاتِ‪ِ #‬ه خَ ْل‪ُ #‬‬
‫لهجاتهم وتنائي‪ #‬محالتهم‪ ،‬وقد أشار هللا تع‪##‬الى إلى ذل‪##‬ك في قول‪##‬ه‪َ :‬‬
‫ت لِ ْل َع‪##‬الِ ِمينَ ﴾ [ال‪##‬روم‪:‬‬
‫اختِاَل فُ أَ ْل ِسنَتِ ُك ْ‪#‬م َوأَ ْل َوانِ ُك ْم إِ َّن فِي َذلِكَ آَل يَ‪##‬ا ٍ‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬
‫ض َو ْ‬ ‫ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬

‫التمهيد‪.2/245 :‬‬ ‫‪)(4‬‬


‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.4‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تواتر القراءات بين الظن والتوهم والواقع اليقين‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ ،]22‬فقد ذك‪#‬ر هللا تع‪##‬الى أن‪#‬ه بقدرت‪#‬ه الب‪#‬اهرة جع‪##‬ل اختالف البش‪#‬ر في األلس‪##‬نة وفي‬
‫كيفية النطق؛ فظن أولئك أن كل ذل‪##‬ك االختالف بجمي‪##‬ع تفاص‪##‬يله من أن‪##‬واع الم‪##‬دود‬
‫والغنن واإلم‪###‬االت واإلدغام‪###‬ات والترقيق‪###‬ات والتفخيم‪###‬ات والتغليظ‪###‬ات وال‪###‬روم‬
‫واإلشمام‪ #‬والهمز والتسهيل والبدل وغ‪##‬ير ذل‪##‬ك من األن‪##‬واع أن‪##‬ه متلقى باإلس‪##‬ناد عن‬
‫النبي ‪ ،‬والحقيقة أن األمر ليس ك‪##‬ذلك؛ ف‪##‬إن الق‪##‬راء يتص‪##‬رفون في أدائهم للق‪##‬راءة‬
‫باعتب‪##‬ار أن ذل‪##‬ك من التغ‪##‬ني والترتي‪##‬ل الم‪##‬أمور ب‪##‬ه ليس على وج‪##‬ه واح‪##‬د أووت‪##‬يرة‬
‫واحدة‪ ،‬وهم بهذا التصرف والتنوع‪ #‬ال يخرجون عن اللسان العربي‪ ،‬والق‪##‬رآن أن‪##‬زل‬
‫باللسان العربي المبين‪.‬‬
‫قام أحد كبار القوم من المخالفين‪ ،‬وقال‪ :‬إن ما ت‪##‬ذكره خط‪##‬ير ج‪##‬دا‪ ،‬ول‪##‬و أن‪##‬ك‬
‫قلته في غير حضور المعلم‪ ،‬لكان لنا معك شأن آخر‪ ..‬لكن بما أنه هو الذي أذن ل‪##‬ك‬
‫في الكالم؛ فإنا سنرفع‪ #‬عليك دعوى عند القاضي إن لم تذكر البينة على ما تقول‪.‬‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬أج‪##‬ل‪ ..‬س‪##‬أذكر‪ #‬لكم س‪##‬بعة أدل‪##‬ة‪ ،‬ولكم أن تناقش‪##‬وني‪ #‬فيه‪##‬ا كم‪##‬ا‬
‫تشاءون‪ ،‬وأنا مستعد بعدها لما تقضون به علي‪ ،‬ال في مجلس القاضي‪ ،‬ب‪##‬ل في ه‪##‬ذا‬
‫المجلس‪.‬‬
‫الدليل األول‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬لك ذلك‪ ..‬فما الدليل األول؟‬
‫قال اإلمام(‪ :)1‬عدم ال‪##‬دليل على أن ص‪##‬فة األداء ق‪##‬د تُلقيت باإلس‪##‬ناد إلى الن‪##‬بي‬
‫‪ ،‬فال يوجد أي دليل على ذل‪##‬ك س‪##‬وى ال‪##‬دعوى‪ ،‬ذل‪##‬ك أن‪##‬ه لم ي‪##‬ذكر أي من الق‪##‬راء‬
‫الس‪##‬بعة أو رواتهم أوغ‪##‬يرهم من الق‪##‬راء واألئم‪##‬ة المتق‪##‬دمين أنهم تلق‪##‬وا أداءهم عن‬
‫رسول هللا ‪. ‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬فما تقول فيما اشتهر عنهم من أن (القراءة سنة متبعة)؟‬
‫قال اإلمام(‪ :)2‬ذلك حق ال م‪##‬راء في‪##‬ه؛ ف‪##‬القراءة س‪##‬نة متبع‪##‬ة؛ فال يُق‪##‬رأ الق‪##‬رآن‬
‫حسب الرسم كيفما اتفق‪ ،‬ال سيما والقرآن ـ حين قيل هذا القول ـ لم يكن منقوطا ً وال‬
‫مشكوالً‪ ،‬فلم يُنق‪##‬ط إال في الق‪##‬رن الث‪##‬اني الهج‪##‬ري‪ ،‬ول‪##‬ذلك ك‪##‬ان من الممكن أن تُق‪##‬رأ‬
‫اآلية الواحدة على أكثر من وجه‪ ..‬ول‪##‬ذلك ف‪#‬إن م‪##‬راد الس‪#‬لف بق‪#‬ولهم‪( :‬الق‪#‬راءة س‪#‬نة‬
‫متبعة)‪ ،‬النطق الصحيح من غير لحن أوتبديل للكلمات أوالحروف أواإلعراب‪ ،‬وما‬
‫يتغير به المعنى‪ ..‬ولذلك كان اهتمام القراء والمتلقين عنهم في عصر الس‪##‬لف األول‬
‫منصبا ً على عدم اللحن والخطأ‪ #‬في الحروف‪ #،‬والكيفية الص‪##‬حيحة لنط‪##‬ق الكلم‪##‬ة من‬
‫غير تحريف‪ #‬في حروفها‪ #‬أوحركاتها‪ ،‬ولم يكن من اهتمامهم معرفة تفاص‪##‬يل طريق‪##‬ة‬
‫أداء األلفاظ وضبطها‪#.‬‬
‫ً‬
‫قال أحدهم(‪ :)3‬صدقت‪ ..‬ولهذا نراهم يذكرون دائما أن القراءة ال يُتجاوز‪ #‬به‪##‬ا‬
‫‪ )(1‬اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ )(2‬اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ )(3‬اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪50‬‬
‫طريقة الماضين‪ ،‬وذل‪#‬ك في م‪#‬ا يتعل‪#‬ق ب‪#‬الحروف‪ #‬واإلع‪#‬راب واللغ‪#‬ة‪ ..‬وهك‪#‬ذا ن‪#‬رى‬
‫اختالف الصحابة إنما كان يدور دائما ً حول ما يتغير به اللف‪##‬ظ‪ ،‬وليس م‪##‬ا ل‪##‬ه عالق‪##‬ة‬
‫بطريقة األداء‪ ..‬وهكذا نرى أن السلف ما كانوا يح‪##‬ذرون إال من اللحن في الق‪##‬راءة‪،‬‬
‫وكانوا‪ #‬ينكرون الق‪#‬راءة بغ‪#‬ير إع‪#‬راب ويمنع‪##‬ون منه‪##‬ا‪ ،‬إلى غ‪##‬ير ذل‪##‬ك‪ ،‬أم‪#‬ا ص‪##‬فات‬
‫األداء واختالفه‪##‬ا‪ #‬وتنوعه‪##‬ا من إمال‪###‬ة وإدغ‪##‬ام وروم‪ #‬والم‪##‬دود‪ #‬ومقاديره‪##‬ا‪ #‬والغنن‬
‫والتفخيم والترقيق‪ #‬وغير ذلك فال يتأثر باختالفها‪ #‬المعنى‪.‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)1‬ويدل لهذا أنه لم يؤثر‪ #‬عن النبي ‪ ‬أو أحد من أصحابه حرف‬
‫واحد فيه ذكر اإلدغام أواإلمالة أوال‪##‬روم أواإلش‪##‬مام‪ #‬أوال‪##‬ترقيق أوالتفخيم أوالتغلي‪##‬ظ‪،‬‬
‫أوالوق ‪#‬ف‪ #‬على الس‪##‬اكن قب‪##‬ل الهم‪##‬ز‪ ،‬أوتحدي‪##‬د الم‪##‬د بح‪##‬د أوبقي‪##‬د‪ ،‬أوغيره‪##‬ا من تل‪##‬ك‬
‫القوانين الكثيرة التي تمتلئ بها كتب القراءات والتجوي‪##‬د‪ ،‬وق‪##‬د اختل‪##‬ف الص‪##‬حابة في‬
‫أشياء كثيرة من أمر الق‪##‬راءة‪ ،‬بخالف م‪#‬ا يتعل‪#‬ق بص‪##‬فات األداء كه‪##‬ذه ال‪#‬تي ذكرته‪#‬ا‪#‬‬
‫أوغيرها‪ ..‬أال يدل ذلك بوضوح‪ #‬على أن هذا كله من اجتهاد القراء بم‪#‬ا يتماش‪#‬ى م‪##‬ع‬
‫اإلذن العام الصادر من النبي ‪ ‬أن تكون القراءة س‪##‬هلة بابه‪##‬ا واس‪##‬ع‪ ،‬فق‪##‬د أخ‪##‬برهم‬
‫الن‪##‬بي ‪ ‬أن الق‪##‬رآن يق‪##‬رأ على (س‪##‬بعة أح‪##‬رف) ش‪##‬ريطة أن ال يتن‪##‬افر م‪##‬ع اللس‪##‬ان‬
‫العربي الذي أنزل به القرآن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لقد ذكرني قولك‪ #‬هذا بقول العالمة مكي بن أبي طالب (ت ‪ 437‬هـ) في‬
‫كتابه [اإلبانة]‪ ،‬حيث قال‪( :‬وأما ما اختلفت فيه القراءة من اإلدغام واإلظهار والم‪##‬د‬
‫والقصر وتشديد وتخفيف وشبه ذلك فهومن القسم األول‪ ،‬ألن القراءة بما يجوز‪ #‬من‪##‬ه‬
‫في العربية وروى عن أئمة وثقات جائزة في القرآن‪ ،‬ألن‪##‬ه كل‪##‬ه مواف‪#‬ق‪ #‬للخ‪##‬ط) (‪..)2‬‬
‫وكان قد ذكر أن القراءات ترجع إلى سبعة أوجه‪ ،‬ثم ذكره‪##‬ا وذك ‪#‬ر‪ #‬األول منه‪##‬ا‪ :‬أن‬
‫يختل‪##‬ف في إع‪##‬راب الكلم‪##‬ة‪ ،‬أوفي‪ #‬حرك‪##‬ات بنائه‪##‬ا بم‪##‬ا ال يزيله‪##‬ا عن ص‪##‬ورتها في‬
‫الكتاب‪ ،‬وال يغير معناها نحو‪ :‬الب ُْخل والبَخَ َل‪ ،‬ومي َسرة وميسُرة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪#‬ه ق‪#‬ال عب‪#‬د اله‪##‬ادي حميت‪#‬وفي كتاب‪##‬ه [ق‪#‬راءة اإلم‪##‬ام ن‪##‬افع عن‪#‬د‬
‫المغاربة] بعد أن ذكر طريقة نافع في تعليمه للق‪##‬رآن‪ ،‬وأن‪##‬ه ك‪##‬ان يس‪##‬هل الق‪##‬رآن لمن‬
‫قرأ عليه‪ ،‬ويتقبل لهجة الراوي أيا ً كانت وهكذا بقية القراء‪( :‬بمثل هذه المرونة ك‪##‬ان‬
‫يتعامل نافع مع العارضين عليه‪ ،‬والسيما فيما يرجع إلى طرق األداء ال‪##‬تي تخض‪##‬ع‬
‫كثيراً لعادة القارئ في النطق بالكلمات في لهجته‪ ،‬فيم‪##‬ا يتعل‪##‬ق ب‪##‬الهمز‪ ،‬والتخفي‪##‬ف‪،‬‬
‫والفتح‪ ،‬واإلمالة‪ ،‬واإلظهار‪ #،‬واإلدغام ونح‪#‬و ذل‪#‬ك‪ ،‬إذ ك‪#‬ان أئم‪#‬ة الق‪#‬راء ال يأخ‪#‬ذون‬
‫القارئ بما قد ال يقوى عليه وال يطوع به لسانه في األداء‪ ،‬سيراً مع م‪##‬ا ك‪##‬ان يس‪##‬لكه‬
‫أهل الفصاحة من التوسع في اللغة ووجوهها‪ ،‬واإلبقاء على قدر من المرون‪##‬ة فيه‪##‬ا‪،‬‬

‫‪ )(1‬اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪ )(2‬اإلبانة (‪)1/78‬‬
‫‪51‬‬
‫بشرط‪ #‬االبتعاد عن مظاهر التقعر والتكلف البعيد)‬
‫ثم ذكر أن هذا هو فعل سائر أئم‪##‬ة الق‪##‬راءة‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وعلى مث‪##‬ل ه‪##‬ذا الص‪##‬نيع‬
‫درج أئم‪##‬ة الق‪##‬راء‪ ،‬فك‪##‬انوا‪ #‬يفعلون‪##‬ه م‪##‬ع العارض‪##‬ين عليهم‪ ،‬فال يلزم‪##‬ون الق‪##‬ارئ في‬
‫أصول األداء بما يرونه الوجه المختار لقوته في اللغة والقياس‪ ،‬أولش‪##‬يوع اس‪##‬تعماله‬
‫في القراءة واألداء‪ ،‬ولهذا نجد الخالف يتسع أحيانا ً في بعض حروف‪ #‬القرآن اتساعا ً‬
‫كب‪##‬يراً‪ ،‬بس‪##‬بب قب‪##‬ول اللغ‪#‬ة فيه‪##‬ا للوج‪#‬وه المتع‪#‬ددة‪ ،‬ك‪##‬الوجوه في ﴿أف﴾ و﴿هيت ل‪#‬ك﴾‬
‫و﴿عبد الطاغوت﴾ونحوها‪ ..‬ويدخل في هذا المنحى من التيس‪##‬ير‪ #‬على العارض‪##‬ين م‪##‬ا‬
‫جاء عن نافع من قوله بالوجهين أوأكثر في أداء الح‪##‬رف الواح‪##‬د‪ ،‬وتخي‪##‬يره الق‪##‬ارئ‬
‫أحيانا ً في القراءة بأيها شاء‪ ،‬فق‪##‬د روى عن‪#‬ه ق‪##‬الون مثالً قول‪##‬ه‪ :‬ال تب‪##‬ال كي‪##‬ف ق‪##‬رأت‬
‫﴿بسطة﴾ و﴿يبس‪##‬ط﴾ بالص‪##‬اد أو بالس‪##‬ين‪ ..‬وإنم‪##‬ا يرج‪##‬ع ذل‪##‬ك بع‪##‬د الرواي‪##‬ة والنق‪##‬ل إلى‬
‫اختالف األص‪##‬وات وتع‪##‬دد اللغ‪##‬ات‪ ،‬فل‪##‬ذلك رس‪##‬م الص‪##‬حابة بعض‪##‬ه بالص‪##‬اد وباقي‪##‬ه‬
‫بالس‪##‬ين‪ ،‬وذل‪##‬ك م‪##‬ألوف‪ #‬في اللغ‪##‬ة واالس‪##‬تعمال‪ #‬مم‪##‬ا يس‪##‬ميه علم‪##‬اء اللس‪##‬ان بت‪##‬داخل‬
‫اللغات‪ ..‬وهذا تفسير كثير من االختالف في ح‪##‬روف الق‪##‬راءة وأص‪##‬ول‪ #‬األداء‪ ،‬مث‪##‬ل‬
‫االختالف في ﴿الصراط﴾ و﴿صراط﴾ و﴿المصيطرون﴾ و﴿يص‪##‬در الرع‪##‬اء﴾ ونحوه‪##‬ا‪،‬‬
‫ومثل االختالف في أح‪#‬وال الهم‪#‬ز وتخفيف‪#‬ه باإلب‪#‬دال أوالتس‪#‬هيل أوالنق‪#‬ل أوالح‪#‬ذف‪،‬‬
‫ومثل الفتح والتقليل واإلمالة‪ ،‬تبعا ً لما اعتاده لسان الق‪##‬ارئ ودرج علي‪##‬ه في قراءت‪##‬ه‪،‬‬
‫وفي‪ #‬القراء يومئذ من ال يستقيم لسانه البتة بالنطق بغير م‪##‬ا درب على اس‪##‬تعماله في‬
‫لسانه من الحروف‪ #‬واللغات) (‪)1‬‬
‫قال أحد المخالفين‪ :‬فما تقول فيما يروى عن حمزة أنه قال‪( :‬ما ق‪##‬رأت حرف ‪#‬ا ً‬
‫إال بأثر)‪ ،‬وقوله‪( :‬ما منها حرف قرأته إال ولوشئت رويت في‪##‬ه ح‪##‬ديثاً)‪ ،‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال‬
‫األعمش والثوري‪( :‬ما قرأ حمزة حرفا ً إال بأثر)‪ ،‬وقال شعيب بن حرب‪( :‬ل‪##‬وأردت‬
‫أن أسند قراءة حمزة حرفا ً حرفاً‪ #‬لفعلت) (‪)2‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)3‬فأين هذه األحاديث واآلثار‪ #‬ال‪##‬تي ت‪##‬دل على تفاص‪##‬يل األداء‪ ..‬ال‬
‫يمكن أن يأتي آت بأثر أوحديث واحد في‪##‬ه ذك‪##‬ر لش‪##‬يء من طريق‪##‬ة األداء‪ ،‬وفي ه‪##‬ذا‬
‫أعظم الداللة على أن مرادهم بأقوالهم تلك إنما هوما يتعل‪##‬ق ب‪##‬اإلعراب والح‪##‬روف‪،‬‬
‫وليس ما يتعلق بطريقة األداء من مد أوإدغام أوإمالة أوغيرها‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ما رأيكم أيها الجمع المبارك في هذا الدليل؟‬
‫س‪##‬كتوا‪ ،‬فق‪##‬ال المعلم‪ :‬هلم‪ ..‬اذك‪##‬ر لن‪##‬ا ال‪##‬دليل الث‪##‬اني‪ ..‬وأرج ‪#‬و‪ #‬من الحض‪##‬ور‬

‫‪ )(1‬قراءة اإلمام نافع عند المغاربة (ص ‪)400‬‬


‫‪ )(2‬جمال القراء للسخاوي (ص ‪)459‬‬
‫‪ )(3‬اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪52‬‬
‫االستماع جيدا؛ فإن كان في قوله ما ترون صوابه؛ فأيدوه‪ ،‬وإن رأيتم فيه م‪##‬ا ت‪##‬رون‬
‫خطأه؛ فنبهوه‪ ،‬وإن رأيتم إشكاال؛ فسلوه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ال‪##‬دليل الث‪##‬اني ه‪##‬و م‪##‬ا ورد من األق‪##‬ول الكث‪##‬يرة عن أئم‪##‬ة الق‪##‬راء‪،‬‬
‫والتي تدل بوضوح على أن االختالف بينهم في طريق‪##‬ة األداء ص‪##‬ادر عن االجته‪##‬اد‬
‫واالختيار من لغات العرب‪ ،‬والتأثر بطبيع‪##‬ة األداء بح‪##‬روف‪ #‬القبائ‪##‬ل العربي‪##‬ة ونح‪#‬و‪#‬‬
‫ذلك‪ ..‬ومن تلك األقوال قول ابن مجاهد بع‪##‬د ذك‪##‬ره لل‪##‬ذين رووا الق‪##‬راءة عن حم‪##‬زة‪:‬‬
‫(وكل هؤالء متقاربون ال يكادون يختلفون في أصل من أصول قراءة حم‪##‬زة‪ ،‬غ‪##‬ير‬
‫أنهم ك‪##‬انوا يتفاض‪##‬لون في األلف‪##‬اظ ورق‪##‬ة األلس‪##‬ن‪ ،‬ويختلف‪##‬ون في اإلف‪##‬راط‪ #‬في الم‪##‬د‬
‫والتوسط فيه‪ ،‬وفي شيء من اإلدغام أيضا ً اختلفوا وقد‪ #‬بينت ذلك في كتابي هذا)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال أحم‪##‬د بن نص‪##‬ر أب‪##‬وبكر الش‪##‬ذائي (ت ‪ 373‬هـ)‪( :‬فأم‪##‬ا‬
‫صفة قراءة من انتحل ابن كثير فحسنة‪ ،‬مجه‪##‬ورة بتمكين بين‪ ..‬وأم‪##‬ا وص‪#‬ف‪ #‬ق‪##‬راءة‬
‫من ينتح‪##‬ل نافع ‪#‬ا ً فسلس‪##‬لة له‪##‬ا أدنى تمدي‪##‬د‪ ..‬وأم‪##‬ا ص‪##‬فة ق‪##‬راءة من ينتح‪##‬ل عاص‪##‬ما ً‬
‫فمترسلة جريشة‪ ،‬ذات ترتيل وكان عاصم نفسه موص‪##‬وفا ً بحس‪##‬ن الص‪##‬وت وتجوي‪##‬د‬
‫القراءة‪ ..‬وأما صفة من ينتحل قراءة حمزة فأكثر من رأينا منهم م‪##‬ا ينبغي أن تحكى‬
‫قراءته لفسادها‪ ،‬وألنه‪#‬ا‪ #‬مص‪##‬نوعة من تلق‪##‬اء أنفس‪##‬هم‪ ،‬وأم‪##‬ا من ك‪##‬ان منهم يع‪##‬دل في‬
‫قراءته حدراً أوتحقيقا ً فصفتها المد العدل والقصر والهمز‪ #‬المقوم والتش‪##‬ديد المج‪##‬ود‪،‬‬
‫بال تمطيط وال تشديق وال تعلية صوت وال ترعيد‪ ،‬فهذه صفة التحقيق‪ ..‬وأما الحدر‬
‫فسهل التكلف في أدنى ترتيل وأيسر‪ #‬تقطيع‪ ..‬وأم‪##‬ا وص‪#‬ف‪ #‬ق‪##‬راءة من ينتح‪##‬ل ق‪##‬راءة‬
‫الكسائي فبين الوصفين في اعتدال‪ ..‬وأما أصحاب قراءة ابن عامر فيض‪##‬طربون في‬
‫التقويم‪ ،‬ويخرجون عن االعتدال‪ ..‬وأما صفة من ينتح‪##‬ل ق‪##‬راءة أبي عمروفالتوس‪##‬ط‬
‫والتدوير وهمزها‪ #‬س‪##‬ليم من اللك‪##‬ز‪ ،‬وتش‪##‬ديدها‪ #‬خ‪##‬ارج عن التمض‪##‬يغ‪ ،‬بترس‪##‬ل ج‪##‬زل‬
‫وحدر‪ #‬بين سهل يتلوبعضها‪ #‬بعض‪#‬اً) (‪ ..)2‬ثم عقب على ه‪##‬ذا بقول‪##‬ه‪( :‬وإلى ه‪##‬ذا ك‪##‬ان‬
‫يذهب ابن مجاهد في هذه القراءة وغيرها‪ ،‬وبه قرأنا عليه‪ ،‬وبه كان يخت‪#‬ار‪ ،‬وبمثل‪##‬ه‬
‫كان يأخذ ابن المنادي رحمة هللا عليهما‪ ،‬وهللا الهادي)‬
‫ً‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله روي عن أبي عمر قال‪ :‬سمعت سليما يق‪##‬ول‪ :‬وق‪#‬ف‪ #‬الث‪##‬وري‪#‬‬
‫على حمزة فقال‪ :‬يا أبا عمارة ما هذا الهمز والمد والقطع الشديد؟ فق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا أب‪##‬ا عب‪##‬د‬
‫هللا ه‪##‬ذه رياض‪##‬ة للمتعلم‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬ثم عقب أبوعمروال‪##‬داني على ه‪##‬ذا بقول‪##‬ه‪:‬‬
‫(ولهذا المعنى الذي ذكره حمزة ي‪##‬رخص في المبالغ‪##‬ة في التحقي‪##‬ق من ي‪##‬رخص من‬
‫الشيوخ المتقدمين والقراء السالفين لترتاض ب‪##‬ه ألس‪##‬نة المبت‪##‬دئين وتتحكم‪ #‬في‪##‬ه طب‪##‬اع‬
‫المتعلمين‪ ،‬ثم يعرفون بعد حقيقته ويوقف‪##‬ون على الم‪##‬راد من كيفيت‪##‬ه‪ ،‬فأم‪##‬ا اس‪##‬تعماله‬
‫على غير ذلك فال سبيل إليه البتة‪ ،‬للمتقدم من األخبار عن األئمة بكراهت‪##‬ه والع‪##‬دول‪#‬‬
‫عنه‪ ..‬وقد حدثني الحسين بن علي بن شاكر البصري‪ ،‬حدثنا أحمد بن نصر المقرئ‬
‫‪ )(1‬السبعة في القراءات‪( ،‬ص ‪)77‬‬
‫‪ )(2‬الداني في التحديد (ص ‪)92‬‬
‫‪53‬‬
‫قال‪ :‬فأما اإلسراف في التحقيق الخ‪##‬ارج عن التجوي‪#‬د‪ #‬فمعيب م‪##‬ذموم‪ ..‬وس‪##‬معت ابن‬
‫مجاهد وقد سئل عن وقف حم‪##‬زة على الس‪##‬اكن قب‪##‬ل الهم‪##‬زة‪ ،‬وإفراط‪##‬ه في الم‪##‬د إلى‬
‫غير ذلك‪ ،‬قال‪ :‬كان حم‪#‬زة يأخ‪#‬ذ ب‪#‬ذلك على المتعلم‪ ،‬وم‪#‬راده أن يص‪#‬ل إلى م‪#‬ا نحن‬
‫عليه من إعطاء الحروف‪ #‬حقوقها) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬بل قد روي هذا عن حم‪##‬زة منصوص‪#‬اً‪ ،‬فق‪##‬د ح‪##‬دث خل‪##‬ف بن هش‪##‬ام‬
‫قال‪ :‬سألت سليم بن عيسى عن التحقيق‪ ،‬فقال‪ :‬س‪#‬معت حم‪#‬زة يق‪#‬ول‪ :‬إن‪#‬ا جعلن‪#‬ا ه‪#‬ذا‬
‫التحقيق ليستمر عليه المتعلم‪ ..‬وعن سليم قال‪ :‬سمعت حم‪##‬زة يق‪##‬ول‪ :‬إنم‪##‬ا أزي‪##‬د على‬
‫الغالم في المد ليأتي بالمعنى‪ ..‬ويروى عن حمزة أنه قال‪ :‬إنما الهم‪#‬ز رياض‪#‬ة‪ ،‬ف‪#‬إذا‬
‫أحسنها الرجل سهلها(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال أبوعمروال‪##‬داني‪( :‬وق‪##‬رأت على أبي الحس‪##‬ن بن غلب‪##‬ون‬
‫بغير زيادة تمكين لحرف الم‪##‬د فيم‪##‬ا تق‪##‬دم‪ ،‬وس‪##‬ألته عن زي‪##‬ادة التمكين وإش‪##‬باع الم‪##‬د‬
‫فأنكره وبعَّد جوازه‪ ،‬وإلى ذلك ك‪#‬ان ي‪#‬ذهب ش‪#‬يخنا علي بن محم‪#‬د بن بش‪#‬ر‪ ،‬وس‪#‬ائر‬
‫أه‪##‬ل األداء من البغ‪##‬داديين والش‪##‬اميين‪ ،‬وق‪##‬ال بعض ش‪##‬يوخنا‪ :‬هواختي‪##‬ار‪ #‬من ورش‬
‫خالف فيه نافعاً‪ ،‬يعني الزيادة في المد‪ ،‬قال‪ :‬وأهل العراق ينكرون ذلك وال يأخ‪##‬ذون‬
‫به‪ ،‬وأه‪##‬ل مص‪##‬ر يروون‪##‬ه ويتركون‪##‬ه‪ ،‬وحكى لي الخاق‪##‬اني أن أص‪##‬حابه المص‪##‬ريين‬
‫الذين قرأ عليهم اختلفوا في ذلك‪ ،‬فمن قائل منهم به‪ ،‬ومن منكر ل‪#‬ه‪ ..‬وق‪##‬ال آخ‪#‬رون‪:‬‬
‫إنما كان المشيخة من المصريين يأخذون بالتحقيق واإلفراط‪ #‬في المد على المبت‪##‬دئين‬
‫على وجه الرياضة لهم‪ ،‬وهذا يدل على أن البالغ اإلشباع الزائد في هذا الفصل ليس‬
‫من مذهب نافع وال اختياره‪ ،‬وال من رواية ورش وال أدائه‪ ،‬وأنه استحسان واختيار‬
‫من أه‪##‬ل األداء عن أص‪##‬حابه‪ ..‬فينبغي أن ال يف‪##‬رط في‪##‬ه في م‪##‬ذهب ورش‪ ،‬وك‪##‬ذلك‬
‫ق‪##‬رأت على الخاق‪##‬اني وأبي الفتح عن قراءتهم‪##‬ا‪ ،‬وهوال‪##‬ذي‪ #‬يوجب‪##‬ه القي‪##‬اس ويحقق‪##‬ه‬
‫النظر وتدل عليه اآلثار وتشهد‪ #‬بصحته النصوص‪ ،‬وهوالذي أتواله وآخذ به) (‪)3‬‬
‫ثم عقب على هذا بقوله‪( :‬وقد وقعت في هذه الرواية التي قرأن‪#‬ا‪ #‬به‪##‬ا على ابن‬
‫خاق‪##‬ان وف‪##‬ارس بن أحم‪##‬د إلى جماع‪##‬ة لم تتحق‪##‬ق مع‪##‬رفتهم‪ #‬وال اس‪##‬تكملت درايتهم‪#،‬‬
‫ف‪##‬أفرطوا في إش‪##‬باع التمكين إفراط‪#‬اً‪ #‬أخرج‪##‬وه ب‪##‬ذلك عن ح‪##‬ده ووزن‪##‬ه‪ ،‬ق‪##‬ال إلبع‪##‬اد‬
‫جوازه وتخطئة ناقله وتجهيل منتحله واآلخذ به) ) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم ق‪##‬ال أب‪##‬و الخ‪##‬ير بن الج‪##‬زري‪( :‬وذهب إلى القص‪##‬ر في‪##‬ه أب‪##‬و‬
‫الحس‪##‬ن ط‪##‬اهر بن غلب‪##‬ون‪ ،‬ورد في تذكرت‪##‬ه على من روى الم‪##‬د وأخ‪##‬ذ ب‪##‬ه وغل‪##‬ط‬
‫أصحابه‪ ،‬وبذلك‪ #‬قرأ الداني عليه‪ ،‬وذكره أيضا ً ابن بليم‪##‬ة في تلخيص‪##‬ه‪ ،‬وهواختي‪##‬ار‬
‫الشاطبي‪ #‬حسب ما نقله أبوشامة عن أبي الحسن السخاوي‪ #‬عنه‪ ..‬قال أبوش‪##‬امة‪ :‬وم‪##‬ا‬

‫التحديد في اإلتقان والتجويد (ص ‪)88‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫السبعة في القراءات‪ ،‬البن مجاهد (ص ‪)76‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الطبري (‪)1/355‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الطبري (‪)1/355‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪54‬‬
‫هوالحق) (‪)1‬‬ ‫قال به ابن غلبون‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلهم ق‪##‬ال ابن مجاه‪##‬د‪( :‬ك‪##‬ان أب‪##‬و عمروحس‪##‬ن االختي‪##‬ار س‪##‬هل‬
‫القراءة‪ ،‬غير متكلف‪ ،‬يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل) (‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال أبوعمرو الداني بع‪##‬د أن ذك‪##‬ر م‪##‬راتب الق‪##‬راء في ط‪##‬ول‬
‫الم‪##‬د‪( :‬وه‪##‬ذا كل‪##‬ه ج‪##‬ار على طب‪##‬اعهم وم‪##‬ذاهبهم‪ #‬في تفكي‪##‬ك الح‪##‬روف وتخليص‬
‫السواكن‪ ،‬وتحقيق القراءة وحدرها‪ ،‬وليس لواحد منهم مذهب يسرف فيه على غيره‬
‫إسرافاً‪ #‬يخرج عن المتعارف‪ #‬في اللغة والمتعالم‪ #‬في القراءة) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال ابن الجزري بعد أن ذكر م‪##‬راتب الق‪##‬راء في الم‪##‬د‪( :‬وال‬
‫يخفى ما فيها من االختالف الشديد في تفاوت المراتب‪ ،‬وأن‪##‬ه م‪##‬ا من مرتب‪##‬ة ذك‪##‬رت‬
‫لشخص من القراء إال وذكر‪ #‬له ما يليها‪ ،‬وكل ذلك ي‪##‬دل على ش‪##‬دة ق‪##‬رب ك‪##‬ل مرتب‪##‬ة‬
‫مما يليها‪ ،‬وإن مثل هذا التفاوت ال يكاد ينضبط) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم روي إسحاق‪ #‬بن أحمد الخزاعي (ت ‪ 308‬هـ) عن أصحابه‬
‫أن المد كله مد يسير وسطاً‪ #‬مبيناً‪ ..‬وقال‪ :‬وكذلك ك‪#‬ل مم‪##‬دود في الق‪#‬رآن ال يس‪##‬رفون‬
‫في مده‪ ،‬ولكن يمده مداً حسنا ً(‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم روي عن أبي عمرو أنه ق‪##‬ال‪( :‬اإلدغ‪##‬ام كالم الع‪##‬رب ال‪##‬ذي‬
‫يج‪##‬ري على ألس‪##‬نتها ال يحس‪##‬نون غ‪##‬يره‪ ..‬وتص‪##‬ديق ذل‪##‬ك في كت‪##‬اب هللا‪﴿ :‬ه‪##‬ل من‬
‫مدكر﴾‪ ،‬و﴿اطيرنا بك﴾‪ ،‬و﴿اثاقلتم﴾‪ ،‬و﴿اضطر﴾‪ ،‬وك‪##‬ل ش‪##‬يء نح‪##‬و ﴿بس‪##‬م هللا ال‪##‬رحمن‬
‫ال‪##‬رحيم﴾ م‪##‬ا أذهب الالم؟ أليس إلدغامه‪##‬ا في ال‪##‬راء‪ ..‬واإلدغ‪##‬ام ال ينقص من الكالم‬
‫شيئاً‪ ،‬إال أنك إذا أدغمت شددت الحرف فلم تنقص شيئاً)(‪ .. )6‬وقال‪( :‬والع‪##‬رب إنم‪##‬ا‬
‫تدغم ليكون أخف‪ ،‬إذا ك‪#‬ان اإلدغ‪#‬ام أثق‪#‬ل من التم‪#‬ام أتم‪#‬وا) (‪ ،)7‬وه‪#‬ذا ي‪#‬دل على أن‬
‫اإلدغ‪##‬ام من أبي عمرواجته‪##‬اد‪ #‬واختي‪##‬ار‪ ،‬وليس باإلس‪##‬ناد إلى الن‪##‬بي ‪ ،‬ولوك‪##‬ان‬
‫أب‪##‬وعمرو يق‪##‬رأ باإلدغ‪##‬ام نقالً عن الن‪##‬بي ‪ ‬ل‪##‬ذكره‪ ،‬ورد ب‪##‬ه على من ينتقدون‪##‬ه‪ ..‬ثم‬
‫لماذا ينفرد به أبوعمرو من بين سائر القراء إذا كان اإلدغام منقوالً بالسند إلى النبي‬
‫‪.)8(‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)9‬وما ذكروه في اإلدغام الكبير قالوه في اإلمالة‪ ،‬فاألدلة الكث‪##‬يرة‬
‫تدل على أنها اختيار من بعض القراء باعتب‪##‬ار أنه‪##‬ا من لهج‪##‬ات الع‪##‬رب المعروف‪##‬ة‪،‬‬
‫وبعضها‪ #‬من عادة بعض الكوفيين في كالمهم وألفاظهم‪ ،‬وقد روي‪ #‬عن ابن أبي حاتم‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/339‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫السبعة في القراءات (ص ‪)84‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الطبري (‪)1/342‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫النشر (‪)1/333‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ذكره الداني في تفسير الطبري (‪)1/344‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الداني في اإلدغام الكبير (ص ‪)39‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫جمال القراء (ص ‪)481‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪55‬‬
‫أنه قال‪( :‬احتج الكوفيون في اإلمالة بأنهم وجدوا‪ #‬في المصحف‪ #‬الي‪##‬اءات في موض‪#‬ع‪#‬‬
‫األلفات‪ ،‬فاتبعوا‪ #‬الخط وأمالوا ليقربوا من الياءات) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه قيل للكس‪##‬ائي‪ :‬إن‪##‬ك تُمي‪##‬ل م‪##‬ا قب‪##‬ل ه‪##‬اء الت‪##‬أنيث‪،‬‬
‫فقال‪( :‬هذا طباع العربية)‪ ،‬وقد علق عليه أب‪##‬وعمرو ال‪##‬داني بقول‪##‬ه‪ (:‬يع‪##‬ني ب‪##‬ذلك أن‬
‫اإلمالة هنا لغة أهل الكوفة وهي باقية فيهم إلى اآلن)(‪)2‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ومثله ابن الجزري؛ فقد قال يذكر لهجات أهل زمان‪##‬ه‪( :‬واإلمال‪##‬ة‬
‫في هاء التأنيث وم‪##‬ا ش‪##‬ابهها‪ #‬من نح‪##‬و(هم‪##‬زة‪ ،‬ولم‪##‬زة‪ ،‬وخليف‪##‬ة‪ ،‬وبص‪##‬يرة) هي لغ‪#‬ة‬
‫الناس اليوم والجارية على ألسنتهم‪ #‬في أكثر البالد شرقا ً وغرب‪#‬ا ً وش‪##‬اما ً ومص‪##‬راً‪ ،‬ال‬
‫يحس‪##‬نون غيره‪##‬ا وال ينطق‪##‬ون بس‪##‬واها‪ ،‬ي‪##‬رون ذل‪##‬ك أخ‪##‬ف على لس‪##‬انهم وأس‪##‬هل في‬
‫طباعهم‪ ،‬وقد حكاها سيبويه عن العرب)‬
‫قال اإلمام‪ :‬وهكذا نجد الروايات الكثيرة عنهم‪ ،‬تدل على أن أداءهم استحسان‬
‫استحسنوه‪ ،‬ال رواية عن رسول هللا ‪ ،‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا ذك‪##‬ره األزرق ـ‬
‫صاحب ورش ـ عن أستاذه‪ ،‬فقد قال‪( :‬لما جئت ألقرأ عليه قلت له‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬إني‬
‫أحب أن تقرئني مقرأ نافع خالصاً‪ ،‬وتدعني مما استحسنت لنفسك‪ ،‬قال‪ :‬فقلدته مق‪##‬رأ‬
‫نافع) (‪ ..)4‬وقال ابن مجاهد عند ذكر اإلدغام‪( :‬ك‪##‬ان ن‪#‬افع ال يك‪##‬اد ي‪##‬دغم إال م‪##‬ا ك‪##‬ان‬
‫إظه‪##‬اره خروج‪#‬ا ً من كالم الع‪##‬رب‪ ،‬إال حروف‪#‬اً‪ #‬يس‪##‬يرة) (‪ .. )5‬وق‪##‬ال اليزي‪##‬دي‪( :‬ك‪##‬ان‬
‫أبوعمرو‪ #‬قد عرف القراءات فقرأ من كل قراءة بأحسنها‪ #‬وبما يخت‪##‬ار الع‪##‬رب‪ ،‬وبم‪##‬ا‬
‫بلغه من لغة النبي ‪)6()‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ذكر بعض المتأخرين طريقة نافع في تعليم‪##‬ه للق‪##‬رآن‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(بمثل هذه المرونة كان يتعامل نافع مع العارضين علي‪##‬ه‪ ،‬والس‪##‬يما‪ #‬فيم‪##‬ا يرج‪##‬ع إلى‬
‫طرق‪ #‬األداء التي تخضع كثيراً لع‪#‬ادة الق‪#‬ارئ في النط‪#‬ق بالكلم‪#‬ات في لهجت‪#‬ه‪ ،‬فيم‪#‬ا‬
‫يتعلق بالهمز والتخفيف والفتح واإلمالة واإلظهار‪ #‬واإلدغام ونحوذلك‪ ،‬إذ ك‪##‬ان أئم‪##‬ة‬
‫القراء ال يأخذون القارئ بما قد ال يقوى عليه وال يطوع ب‪#‬ه لس‪#‬انه في األداء‪ ،‬س‪#‬يراً‬
‫مع ما كان يسلكه أهل الفصاحة من التوسع في اللغة ووجوهه‪##‬ا‪ ،‬واإلبق‪##‬اء على ق‪##‬در‬
‫من المرونة فيه‪#‬ا‪ ..‬وعلى مث‪#‬ل ه‪#‬ذا الص‪#‬نيع درج أئم‪#‬ة الق‪#‬راء‪ ،‬فك‪#‬انوا‪ #‬يفعلون‪#‬ه م‪#‬ع‬
‫العارضين عليهم‪ ،‬فال يلزمون القارئ في أصول األداء بم‪##‬ا يرون‪##‬ه الوج‪##‬ه المخت‪##‬ار‬
‫لقوته في اللغة والقياس‪ ،‬أولشيوع‪ #‬استعماله في القراءة واألداء‪ ،‬وله‪##‬ذا نج‪##‬د الخالف‬
‫يتسع أحيانا ً في بعض حروف القرآن اتساعا ً كبيراً‪ ،‬بسبب قبول‪ #‬اللغ‪##‬ة فيه‪##‬ا للوج‪##‬وه‬
‫اإلتقان (‪)1/314‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)2/82‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)2/82‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫معرفة القراء للذهبي (‪)1/373‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫السبعة في القراءات (ص ‪)113‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫معرفة القراء الكبار للذهبي (‪)1/229‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪56‬‬
‫المتعددة) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهما ذكر بعض المتأخرين ذلك عن س‪##‬ائر الق‪##‬راء‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬لك‪##‬ل‬
‫مدرسة خصائص معينة نتيج‪##‬ة الختالف الرواي‪##‬ات المق‪##‬روءة في الرس‪##‬م العثم‪##‬اني‪،‬‬
‫أوبسبب التأثر بطبيعة األداء بحروف‪ #‬القبائل العربية القاطنة في كل قطر) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال عاصم‪ :‬قرأت يوما ً على أبي عبد الرحمن السلمي ح‪##‬تى‬
‫تحول من مجلس القرآن إلى حلقة فيها نفر من الصحابة‪ ،‬وك‪##‬ان إذا ف‪##‬رغ من مجلس‬
‫اإلق‪##‬راء يجلس إليهم‪ ،‬وفيهم‪ #:‬زر بن ح‪##‬بيش‪ ،‬وش‪##‬قيق بن س‪##‬لمة‪ ،‬والمس‪##‬يب‪ ،‬وك‪##‬ان‬
‫يجالس‪##‬هم يزي‪##‬د بن الحكم الثقفي‪ ،‬فقلت‪ :‬إن أه‪##‬ل المجلس ي‪##‬دغمون حروف‪##‬ا ً كث‪##‬يرة‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬ذل‪#‬ك ج‪#‬ائز في الكالم‪ ..‬ف‪#‬ذكرت‪﴿ :‬ه‪#‬ل ت‪#‬رى﴾‪ ،‬وقلت‪ :‬يقول‪#‬ون‪( :‬ه‪#‬ترى)‪،‬‬
‫و﴿لبثت﴾‪ ،‬فقلت‪ :‬يقولون‪( :‬لبت)‪ ،‬وأشباه ذلك‪ ،‬فأعظموا ذلك جميع‪#‬اً‪ ،‬ثم ق‪##‬ال أبوعب‪##‬د‬
‫الرحمن السلمي‪ :‬قاتلهم‪ #‬هللا أخذوا هذا من ق‪##‬ول الش‪##‬عر‪ ،‬ف‪##‬إن الش‪##‬اعر ي‪##‬دغم وينقص‬
‫من الحروف‪ #‬لئال ينكسر عليه البيت(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال أبوشامة‪( :‬ال يكلف أحد إال ق‪##‬در اس‪##‬تطاعته‪ ،‬فمن ك‪##‬انت‬
‫لغته اإلمالة‪ ،‬أوتخفيف الهمز‪ ،‬أواإلدغام‪ ،‬أوض‪##‬م ميم الجم‪##‬ع‪ ،‬أوص‪##‬لة ه‪##‬اء الكناي‪##‬ة‪،‬‬
‫أونحوذلك فكيف يكلف غ‪##‬يره؟ وك‪##‬ذا ك‪##‬ل من ك‪##‬ان من لغت‪##‬ه أن ينط‪#‬ق‪ #‬بالش‪##‬ين ال‪##‬تي‬
‫كالجيم في نح‪##‬و (أش‪##‬دق) والص‪##‬اد‪ #‬ال‪##‬تي ك‪##‬الزاي في نح‪##‬و (مص‪##‬در)‪ ،‬والك‪##‬اف ال‪##‬تي‬
‫كالجيم والجيم التي كالكاف ونحوذلك‪ ،‬فهم في ذلك بمنزلة األلثغ واألرت‪ ،‬ال يكل‪##‬ف‬
‫ما ليس في وسعه) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال ابن تيمية‪( :‬وأما كيفيات األداء مثل تليين الهمزة‪ ،‬ومثل‬
‫اإلمالة واإلدغ‪##‬ام‪ ،‬فه‪##‬ذه مم‪##‬ا يس‪##‬وغ للص‪##‬حابة أن يق‪##‬رؤوا فيه‪##‬ا بلغ‪##‬اتهم‪ ،‬ال يجب أن‬
‫يكون النبي ‪ ‬تلفظ بهذه الوج‪##‬وه المتنوع‪##‬ة كله‪##‬ا‪ ،‬ب‪##‬ل القط‪##‬ع بانتف‪##‬اء ه‪##‬ذا أولى من‬
‫القطع بثبوته) (‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم ق‪##‬ال بعض المت‪##‬أخرين‪ ،‬وه‪##‬و محم‪##‬د حس‪##‬ن حس‪##‬ن‪( :‬الق‪##‬رآن‬
‫نزل على النبي ‪ ‬عربي‪#‬ا ً بلغ‪##‬ة ق‪##‬ريش‪ ،‬وق‪##‬رأه الص‪##‬حابة بلهج‪##‬اتهم‪ ،‬ف‪##‬أدوا‪ #‬األلف‪##‬اظ‬
‫بأعيانه‪##‬ا‪ ،‬والعب‪##‬ارات والجم‪##‬ل واآلي‪##‬ات بأعيانه‪##‬ا‪ ،‬لكن نطقهم لأللف‪##‬اظ والعب‪##‬ارات‬
‫والجمل واآليات كان بحس‪##‬ب نط‪##‬ق قب‪##‬ائلهم‪ ،‬أي‪ :‬بهيئ‪##‬ة النط‪##‬ق ال‪##‬تي اعتادوه‪##‬ا من‪##‬ذ‬
‫ول‪##‬دوا‪ #‬في قب‪##‬ائلهم‪ #..‬وتلقى أئم‪##‬ة الق‪##‬راءات الس‪##‬بعة والعش‪##‬رة عن الت‪##‬ابعين أوأتب‪##‬اع‬
‫التابعين القرآن الكريم‪ #‬بأعيان ألفاظه وعباراته وآياته وسوره ال‪##‬تي تلقاه‪##‬ا الص‪##‬حابة‬
‫عن النبي ‪ ،‬لكن بهيئات النطق التي اعتادها التابعون وأتباع‪ #‬التابعين‪ ،‬فاختار كل‬

‫قراءة اإلمام نافع عند المغاربة (‪)1/400‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تاريخ القراءات (ص ‪)12‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫جمال القراء للسخاوي (ص ‪)476‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المرشد الوجيز (ص ‪)97‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫جامع المسائل (‪)1/113‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪57‬‬
‫من األئمة العشرة من هيئات نطق القرآن م‪##‬ا يس‪##‬ره هللا ل‪##‬ه) (‪ ،)1‬وعل‪##‬ل ذل‪##‬ك بقول‪##‬ه‪:‬‬
‫(القراءات داخلة تحت اإلذن العام من المولى لرسوله ‪ ‬أن يق‪##‬رأ ك‪##‬ل ق‪##‬وم‪ #‬بلغتهم‪،‬‬
‫أما اإلدعاء بأن كل جزئي‪##‬ة من تل‪##‬ك الق‪##‬راءات هي متلق‪##‬اة بعينه‪##‬ا من رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فهوكالم سنده الحماس‪ ،‬ألن العربي يدغم أويفك ويميل أوينص‪##‬ب الخ حس‪##‬ب لهجت‪##‬ه‬
‫دون احتياج إلى توقيف) (‪)2‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)3‬ويضاف‪ #‬إلى هذا الدليل‪ ،‬أو هو ق‪##‬ريب من‪##‬ه أن الق‪##‬راء وعلم‪##‬اء‬
‫القراءات والمؤلفين في القراءات يستعملون القواع‪##‬د والتعليالت والقي‪##‬اس كث‪##‬يراً في‬
‫أنواع كثيرة من األداء‪ ..‬ولهذا نرى أداء الرواة في أحي‪##‬ان كث‪##‬يرة مب‪##‬نى على قواع‪##‬د‬
‫لغوية وتعليالت‪ ،‬وهذا أمر مشهور معمول به عند القراء وعند العلماء‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬وقد ذكر ابن الج‪##‬زري‪ #‬ذل‪##‬ك‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬أم‪##‬ا إذا ك‪##‬ان القي‪##‬اس‬
‫على إجماع انعقد أوعن أصل يعتمد فيص‪##‬ير‪ #‬إلي‪##‬ه عن‪##‬د ع‪##‬دم النص وغم‪##‬وض وج‪##‬ه‬
‫األداء فإن‪##‬ه مم‪##‬ا يس‪##‬وغ قبول‪##‬ه وال ينبغي رده‪ ..‬كمث‪##‬ل م‪##‬ا اخت‪##‬ير في تخفي‪##‬ف بعض‬
‫الهم‪##‬زات أله‪##‬ل األداء‪ ،‬وفي إثب‪##‬ات البس‪##‬ملة وع‪##‬دمها لبعض الق‪##‬راء‪ ،‬ونق‪##‬ل ﴿كتابي‪##‬ه‬
‫إني﴾‪ ،‬وإدغام ﴿ماليه هلك﴾ قياساً‪ #‬عليه‪ ،‬وكذلك قياس (قال رجالن‪ .‬وقال رجل) على‬
‫(قال رب) في اإلدغام) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله أشار مكي بن أبي طالب‪ ،‬حيث قال‪( :‬فجمي‪##‬ع م‪##‬ا ذكرن‪##‬اه في‬
‫ه‪##‬ذا الكت‪##‬اب ينقس‪##‬م ثالث‪##‬ة أقس‪##‬ام‪ :‬قس‪##‬م ق‪##‬رأت ب‪##‬ه ونقلت‪##‬ه وهومنص‪##‬وص‪ #‬في الكتب‬
‫موجود‪ #..‬وقسم‪ #‬قرأت به وأخذته لفظا ً أوسماعا ً وهوغ‪##‬ير موج‪##‬ود‪ #‬في الكتب‪ ..‬وقس‪##‬م‬
‫لم أقرأ به وال وجدت‪##‬ه في الكتب ولكن قس‪##‬ته على م‪##‬ا ق‪##‬رأت ب‪##‬ه‪ ،‬إذ ال يمكن في‪##‬ه إال‬
‫ذلك عند عدم الرواية في النقل والنص) ) (‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك ما ذك‪##‬ره ابن الج‪##‬زري من أن أب‪##‬ا عمروق‪##‬ال‬
‫في ﴿آل لوط﴾‪ :‬ال أدغمها لقلة حروفها)‪ ..‬وقال‪ :‬ورد‪ #‬الداني ه‪##‬ذا الم‪##‬انع بإدغ‪##‬ام (ل‪##‬ك‬
‫كيداً) إجماعا ً إذ هوأقل حروفاً‪ #‬من آل‪ ،‬فإن هذه الكلمة على وزن قال لفظاً‪ ،‬وإن كان‬
‫رسمها‪ #‬بحرفين اختصاراً(‪.)6‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومن األمثل‪#‬ة على ذل‪##‬ك م‪#‬ا ذك‪#‬ره ابن مجاه‪##‬د في مس‪##‬ألة الهم‪##‬زتين‬
‫المتالصقتين في كلمتين‪ ،‬حيث قال‪( :‬ورأيت بعضهم يلينها فيلفظ بها كالمختلسة من‬
‫غ‪##‬ير ض‪##‬مة تت‪##‬بين على ال‪##‬واووال كس‪##‬رة على الي‪##‬اء‪ ،‬وه‪##‬ذا أج‪##‬ود ال‪##‬وجهين‪ ،‬ألن‬

‫القضايا الكبرى في القراءات القرآنية (ص ‪)75‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫القضايا الكبرى في القراءات القرآنية (ص ‪)68‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.49‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/17‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/17‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/282‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪58‬‬
‫الهمزتين إنما يكتفي بإحداهما عن األخرى طلبا ً للتخفيف‪ ،‬فإذا خلفت المكسورة بياء‬
‫مكسورة كانت أثقل من الهمزة‪ ،‬ولم يكون‪##‬وا‪ #‬ليف‪##‬روا من ثقي‪##‬ل إلى م‪##‬ا هوأثق‪##‬ل من‪##‬ه‪..‬‬
‫وكذلك الضمة على الواوأثقل من اجتماع همزتين‪ ،‬وإن امتحنت ذلك وجدته ك‪##‬ذلك)‬
‫(‪)1‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ما رأيكم أيها الجمع المبارك في هذا الدليل؟‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬هلم‪ ..‬اذكر لنا الدليل الثالث‪.‬‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام(‪ :)2‬ال‪##‬دليل الث‪##‬الث ه‪##‬و م‪##‬ا ورد في انف‪##‬راد بعض الق‪##‬راء أوبعض‬
‫رواتهم‪ #‬بأنواع من األداء ال يشاركهم‪ #‬أحد‪ ..‬ولو أن ه‪##‬ذا ك‪##‬ان مروي‪##‬ا عن الن‪##‬بي ‪،‬‬
‫لما زهد جميع القراء بهذا األداء إال فرداً واحداً من الق‪##‬راء‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك‬
‫انفراد أبي عمروالبصري باإلدغام الكبير‪ . .‬ومنهم‪ #‬من خص به السوسي وحده(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله انفراد خلف عن حمزة بإشمام الص‪##‬اد ال‪##‬زاي في ﴿الص‪##‬راط﴾‬
‫في جميع القرآن(‪ ..)4‬ومنها انفراد ابن كثير بوصل هاء الكناي‪##‬ة بالي‪##‬اء أوب‪##‬الواو(‪..)5‬‬
‫وانفراد ابن كثير وأبي جعف‪#‬ر بوص‪#‬ل ميم الجم‪#‬ع ب‪#‬واو‪ ،‬كمث‪#‬ل قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬غي ِ‬
‫ْ‪#‬ر‬
‫ْال َم ْغضُو ِ‬
‫ب َعلَ ْي ِه ْم َواَل الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة‪ ..]7 :‬وانفراد ورش بمد حرف المد بعد الهم‪##‬ز‬
‫نحو ﴿آمنوا﴾ و﴿اآلخرة﴾‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلهم انف‪##‬راد ورش بتغلي‪##‬ظ الالم‪##‬ات‪ ،‬وق‪##‬د ق‪##‬ال ابن الج‪##‬زري‪ #‬في‬
‫ذل‪##‬ك‪( :‬وق‪##‬د اختص المص‪##‬ريون بم‪##‬ذهب عن ورش في الالم‪ ،‬ولم يش‪##‬اركهم‪ #‬فيه‪##‬ا‬
‫سواهم‪ ،‬ورووا من طريق األزرق‪ #‬وغيره عن ورش تغليظ الالم) (‪)6‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلهم‪ #‬انف‪##‬راد األزرق عن ورش ب‪##‬ترقيق‪ #‬ال‪##‬راءات‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ق‪##‬ال ابن‬
‫الجزري‪ #‬في ذلك‪( :‬فإن األزرق له فيه‪#‬ا م‪#‬ذهب خ‪#‬الف س‪#‬ائر الق‪#‬راء‪ ،‬وهوال‪#‬ترقيق)‬
‫(‪ ..)7‬كما انفرد عن ورش بمد حرف المد بعد الهمز مثل ﴿آمنوا﴾ و﴿جاء آل فرعون﴾‬
‫(‪)8‬‬

‫السبعة في القراءات (ص ‪)138‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/276‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫النشر (‪)1/272‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/305‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)2/111‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)2/93‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)2/93‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪59‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما روي‪ #‬عن ابن الجزري‪ ،‬فقد قال‪( :‬وقد انفرد أب‪##‬و عب‪##‬د‬
‫هللا بن شريح في الكافي‪ #‬بمد ما كان على حرفين في فواتح السور‪ ،‬فحكى عن رواية‬
‫أهل المغرب عن ورش أنه ك‪##‬ان يم‪##‬د ذل‪##‬ك كل‪##‬ه‪ ،‬واس‪##‬تثنى‪ #‬ال‪##‬راء من (ال‪##‬ر‪ ،‬والم‪##‬ر)‬
‫والط‪##‬اء واله‪##‬اء من (ط‪##‬ه) قلت‪ :‬وك‪##‬أنهم نظ‪##‬روا إلى وج‪##‬ود‪ #‬الهم‪##‬ز مق‪##‬دراً بحس‪##‬ب‬
‫األصل) (‪)1‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومثل ذلك انفراد يعقوب بضم اله‪##‬اء من ض‪##‬مير التثني‪##‬ة والجم‪##‬ع‬
‫إذا وقعت بع‪##‬د ي‪##‬اء س‪##‬اكنة نح‪##‬و‪ :‬عليهم وإليهم ول‪##‬ديهم‪ ،‬وعليهم‪##‬ا وإليهم‪##‬ا وفيهم‪##‬ا‪،‬‬
‫وعليهن وإليهن وفيهن‪ ،‬وأبيهم‪ #‬وصياص‪##‬يهم وبجن‪##‬تيهم‪ #‬وت‪##‬رميهم‪ #‬وم‪##‬ا ن‪##‬ريهم وبين‬
‫أيديهن وشبه ذلك‪ .‬قرأ يعقوب جميع ذلك بضم الهاء‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ومثل ذلك انفراد أبي عمروبكس‪##‬ر الميم واله‪##‬اء في نح‪##‬و﴿قل‪##‬وبهم‪#‬‬
‫العجل‪ ،‬وبهم األسباب‪ ،‬ويغنيهم هللا‪ ،‬ويريهم‪ #‬هللا‪ ،‬وعليهم القتال‪ ،‬ومن يومهم الذي﴾‬
‫انفراد أبي عمروبإسقاط‪ #‬الهمزة األولى من كل همزتين في كلمتين‪ .‬النشر في‬
‫القراءات العشر (‪)1/382‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك انف‪#‬راد ورش بنق‪##‬ل حرك‪#‬ة الهم‪##‬زة إلى الس‪##‬اكن قبلها ‪.. 4‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫وانفراد حمزة بالسكت على الساكن قبل الهمز(‪ ..)5‬وانفراد أبي جعفر بالس‪##‬كت على‬
‫حروف‪ #‬الهجاء الواردة في فواتح السور‪.)6(#‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذل‪##‬ك انف‪##‬راد حم‪##‬زة بتس‪##‬هيل الهم‪##‬ز في الوق‪##‬ف‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ق‪##‬ال ابن‬
‫الجزري‪ #‬في ذلك‪( :‬وقد اختص حمزة بذلك من حيث إن قراءت‪##‬ه اش‪##‬تملت على ش‪##‬دة‬
‫التحقيق والترتيل والمد والسكت فناسب التسهيل في الوقف) (‪)7‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ما رأيكم أيها الجمع المبارك في هذا الدليل؟‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬هلم‪ ..‬اذكر لنا الدليل الرابع‪.‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)8‬الدليل الرابع هو كثرة االختالف والروايات والطرق واألوج‪##‬ه‬
‫بال حد وال عد‪ ..‬ذل‪##‬ك أن‪##‬ه من المعل‪##‬وم أن الق‪##‬راء المش‪##‬هورين عش‪##‬رة‪ ،‬ولك‪##‬ل ق‪##‬ارئ‪#‬‬
‫راويان‪ ،‬ولكل راو طريقان‪ ،‬ولكل طريق طريقان أيضاً‪ ،‬فالمجموع ثمانون طريقاً‪..‬‬
‫ويستحيل‪ #‬أن يكون كل ذلك مرويا‪ #‬عن رسول هللا ‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬فعاص‪#‬م‪ #‬بن أبي النج‪##‬ود ـ مثال ـ راوي‪##‬اه حفص وش‪##‬عبة‪..‬‬

‫النشر في القراءات العشر (‪)1/345‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫النشر في القراءات العشر (‪)1/272‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/274‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/408‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/420‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/424‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/430‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.35‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪60‬‬
‫وحفص راوي‪#‬اه عبي‪#‬د بن الص‪#‬باح وعم‪#‬روبن الص‪#‬باح‪ ..‬وعبي‪#‬د بن الص‪#‬باح راوي‪#‬اه‬
‫أبوالحس‪##‬ن الهاش‪##‬مي وأبوط‪##‬اهر‪ #..‬والط‪##‬رق المتش‪##‬عبة عنه‪##‬ا بالمئ‪##‬ات‪ ،‬فق‪##‬د ج‪##‬اء من‬
‫طريق‪ #‬أبي الحس‪##‬ن الهاش‪#‬مي من عش‪##‬رة ط‪#‬رق‪ ،‬ومن طري‪##‬ق أبي ط‪#‬اهر من أربع‪#‬ة‬
‫عشر طريقاً‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد ذكر ابن الجزري‪ #‬ذلك عن‪#‬دما ف‪##‬رغ من ذك‪##‬ر أس‪#‬انيده ال‪#‬تي تلقى‬
‫به‪##‬ا الق‪##‬راءات في كتاب‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬فه‪##‬ذا م‪##‬ا تيس‪##‬ر من أس‪##‬انيدنا‪ #‬للق‪##‬راءات العش‪##‬ر من‬
‫الطرق‪ #‬المذكورة ال‪##‬تي أش‪##‬رنا إليه‪##‬ا‪ ،‬وجمل‪##‬ة م‪##‬ا تح‪##‬رر عنهم من الط‪##‬رق ب‪##‬التقريب‬
‫نحوألف‪ #‬طريق) (‪ ..)1‬مع العلم أنه لم يضمن النشر وطيبته كل القراءات والرواي‪##‬ات‬
‫والطرق الصحيحة‪ ،‬بل قد يكون ما ترك من بعض الطرق‪ #‬أمثل مما ذكر‪.‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬وق‪##‬ال في موض‪##‬ع آخ‪##‬ر‪( :‬من نظ‪##‬ر أس‪##‬انيد كتب الق‪##‬راءات وأح‪##‬اط‬
‫بتراجم‪ #‬الرواة عرف ق‪##‬در م‪##‬ا س‪##‬برنا‪ #‬ونقحن‪##‬ا واعتبرن‪##‬ا وص‪##‬ححنا‪ #،‬وه‪##‬ذا علم أهم‪##‬ل‬
‫وباب أغلق‪ ،‬وهو السبب األعظم في ترك كثير من الق‪##‬راءات وهللا تع‪##‬الى يحف‪##‬ظ م‪##‬ا‬
‫بقي) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال أبوحي‪##‬ان‪( :‬التيس‪##‬ير ألبي عمروال‪##‬داني‪ #،‬والش‪##‬اطبية البن‬
‫فيره لم يحويا جميع القراءات السبع‪ ،‬وإنما هي نزر يسير من القراءات السبع) (‪..)3‬‬
‫وقال‪( :‬وتلخص من هذا كل‪##‬ه اتس‪##‬اع رواي‪##‬ات غ‪##‬ير أه‪##‬ل بالدن‪##‬ا‪ ،‬وأن ال‪##‬ذي تض‪##‬منه‬
‫التيسير‪ #‬والتبصرة والكافي وغيرها من تأليف أهل بالدنا إنما هو قل من كثر ون‪##‬زر‬
‫من بحر‪ ،‬وبيان ذلك أن في ه‪##‬ذه الكتب مثالً ق‪##‬راءة ن‪##‬افع من رواي‪##‬ة ورش وق‪##‬الون‪،‬‬
‫وق‪#‬د‪ #‬روى الن‪#‬اس عن ن‪#‬افع غ‪#‬ير ورش وق‪#‬الون‪ ،‬منهم إس‪#‬ماعيل بن جعف‪#‬ر الم‪#‬دني‪،‬‬
‫وأبوخليد‪ ،‬وابن جماز‪ ،‬واألص‪##‬معي‪ #،‬والمس‪##‬يبي‪ ،‬وغ‪##‬يرهم وفي ه‪##‬ؤالء من ه‪##‬وأعلم‬
‫وأوث‪##‬ق من ورش وق‪##‬الون‪ ،‬ثم روى أص‪##‬حابنا رواي‪##‬ة ورش عن أبي يعق‪##‬وب‪ ،‬عن‬
‫األزرق‪ ،‬ولم يتس‪##‬ع لهم أن يض‪##‬منوا كتبهم رواي‪##‬ة ي‪##‬ونس بن عب‪##‬د األعلى‪ ،‬وداود بن‬
‫أبي طيبة‪ ،‬وأبي األزهر‪ ،‬قرؤوا على ورش‪ ،‬وفيهم من ه‪##‬وأعلى وأوث‪##‬ق من ورش‪،‬‬
‫وهذا أنموذج مما روى‪ #‬أصحابنا في كتبهم‪ ،‬وكذا العمل في كل قارئ ق‪##‬رأ وك‪##‬ل راو‬
‫روى‪ #‬من األربعة عشر راويا ً الذين ضمنهم‪ #‬أصحابنا كتبهم) (‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال الزركش‪##‬ي‪( #:‬ك‪##‬ان بمص ‪#‬ر‪ #‬أب‪##‬وعلي الم‪##‬الكي مؤل‪##‬ف‬
‫الروضة‪ ،‬وكان قد قرأ بالعراق وأق‪##‬رأ بمص‪##‬ر‪ ،‬وبع‪#‬دهم‪ #‬الت‪#‬اج الكن‪##‬دي ف‪#‬أقرأ‪ #‬الن‪#‬اس‬
‫بروايات‪ #‬كثيرة لم تصل إلى بالدنا‪ ،‬وك‪#‬ان أيض‪#‬ا ً ابن ماموي‪#‬ه بدمش‪#‬ق‪ #‬يق‪#‬رئ الق‪#‬رآن‬
‫ب‪##‬القراءات العش‪##‬ر‪ ،‬وبمص‪#‬ر‪ #‬النظ‪##‬ام الك‪##‬وفي يق‪##‬رئ بالعش‪##‬ر وبغيره‪##‬ا‪ ،‬كق‪##‬راءة ابن‬
‫محيصن والحسن‪ ،‬وكان بمكة أيضا ً زاهر بن رس‪##‬تم وأب‪##‬وبكر الزنج‪##‬اني‪ ،‬وكان‪##‬ا ق‪##‬د‬

‫النشر في القراءات العشر (‪)1/192‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫النشر في القراءات العشر (‪)1/193‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫منجد المقرئين (ص ‪)103‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫منجد المقرئين (ص ‪)106‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪61‬‬
‫أخ‪##‬ذا عن أبي الك‪##‬رم الش‪##‬هرزوري كت‪##‬اب المص‪##‬باح الزاه‪##‬ر في الق‪##‬راءات العش‪##‬ر‬
‫البواهر‪ ،‬وأقرأه الزنجاني لبعض شيوخنا‪ #..‬وكان عز الدين الفاروثي‪ #‬بدمش‪#‬ق‪ #‬يق‪##‬رئ‬
‫القرآن بروايات كث‪##‬يرة‪ ،‬ح‪##‬تى قي‪##‬ل إن‪##‬ه أق‪##‬رأ بق‪##‬راءة أبي حنيف‪##‬ة‪ ..‬والحاص‪##‬ل اتس‪##‬اع‬
‫رواي‪##‬ات غ‪##‬ير بالدن‪##‬ا‪ ،‬وأن ال‪##‬ذي تض‪##‬منه التيس‪##‬ير والتبص‪##‬رة والك‪##‬افي وغيره‪##‬ا من‬
‫تآليفهم إنما هو ق‪##‬ل من ك‪#‬ثر ون‪#‬زر‪ #‬من بح‪#‬ر‪ ..‬وبيان‪#‬ه أن في ه‪#‬ذه الكتب مثالً ق‪##‬راءة‬
‫نافع من رواية ورش وقالون‪ ،‬وقد روى الناس عن نافع غيرهما‪ ،‬منهم إسماعيل بن‬
‫أبي جعفر المدني وأبوخلف‪ #‬وابن حبان واألصمعي والسبتي‪ #‬وغ‪##‬يرهم‪ ،‬ومن ه‪##‬ؤالء‬
‫من هوأعلم وأوثق من ورش وقالون‪ ،‬وكذا العمل في كل راووقارئ)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال بعض المتأخرين‪( :‬تضخمت أوج‪##‬ه األداء حس‪##‬ب قواع‪##‬د‬
‫ال‪##‬رواة وأص‪##‬ولهم‪ #‬إلى أع‪##‬داد يص‪##‬عب التأك‪##‬د أنه‪##‬ا رويت كله‪##‬ا مش‪##‬افهة عن األئم‪##‬ة‪،‬‬
‫وأمثلتها‪ #‬كثيرة‪ ،‬إذ يكفي أن نطالع كتاب [غيث النفع] للشيخ النوري السفاقسي‪ #‬ل‪##‬نراه‬
‫يسرد لنا مثالً أن أوج‪#‬ه األم‪##‬داد وال‪#‬روم واإلش‪##‬مام في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪( :‬فانص‪##‬رنا على‬
‫القوم الكافرين) يبلغ ثالثة آالف وخمسمائة وثمانية وتسعين وجهاً‪ ،‬وذكر أن لورش‬
‫وحده خمسمائة وستين وجهاً) (‪)2‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)3‬وكل ذلك يعود لكثرة االختالف عن الق‪##‬راء أو عن رواتهم؛‪ #‬فال‬
‫يكاد يوجد نوع أداء عن قارئ‪ #‬أوراو إال ويختلف‪ #‬عنه اآلخ‪#‬ذون عن‪#‬ه‪ ..‬ومن األمثل‪#‬ة‬
‫على ذلك ما أورده ابن الجزري‪ #‬في كتاب النشر في القراءات العشر‪ ،‬من كثرة ه‪##‬ذا‬
‫االختالف‪ ،‬وهو يدل على أن جميع صفات األداء ليست منقولة عن النبي ‪ ،‬وإنما‬
‫هي من اختالف القراء أنفسهم ومن رووا‪ #‬عنهم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ق‪##‬ول ابن الج‪##‬زري‪( :‬س‪##‬كت حم‪##‬زة‬
‫على الس‪##‬اكن قب‪##‬ل الهم‪##‬ز وق‪##‬ال‪ :‬واختلفت الط‪##‬رق في‪##‬ه عن‪##‬ه وعن أص‪##‬حابه اختالف‪#‬ا ً‬
‫كثيراً) (‪)4‬‬
‫ت َذا ْالقُ‪##‬رْ بَى﴾‬
‫﴿وآ ِ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال وق‪##‬ال ابن الج‪##‬زري في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫[اإلسراء‪( :]26 :‬كان ابن مجاهد وأصحابه وابن المنادي وكثير من البغداديين يأخذون‪##‬ه‬
‫باإلظه‪##‬ار‪ #‬من أج‪##‬ل النقص وقل‪##‬ة الح‪##‬روف‪ ..‬وك‪##‬ان ابن ش‪##‬نبوذ وأص‪##‬حابه وأب‪##‬وبكر‪#‬‬
‫الداجوني‪ #‬ومن تبعهم يأخذونه باإلدغام للتقارب وقوة الكسر) (‪)5‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)6‬ويدل لهذا‪ ،‬ويؤكده ظهور ما يسمى بعلم التحريرات‪ ،‬وهوالذي‬
‫فتح أنواع‪##‬ا ً ال تنتهي من االختالف‪##‬ات بين الق‪##‬راء وأتب‪##‬اعهم في األداء‪ ،‬واع‪##‬تراض‬
‫بعض القراء على ذلك‪ ،‬مم‪##‬ا ي‪##‬دل على أن االختالف بين الق‪##‬راء في األداء مص‪##‬دره‬
‫البرهان (‪)1/325‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫هو محمد المختار في تاريخ القراءات (ص ‪)24‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.81‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/420‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/288‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.88‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪62‬‬
‫االجتهاد واالختيار‪ ،‬وليس اإلسناد‪#.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬صدقت‪ ..‬فهذا العلم لم يظهر إال في أواخر الق‪#‬رن الح‪##‬ادي عش‪##‬ر‬
‫الهجري‪ ..‬وهو حادث متأخر‪ ،‬حيث ظهر ما نعرفه الي‪##‬وم [التحري‪##‬رات] على طيب‪##‬ة‬
‫النشر‪ ،‬والتي صنفت فيها التصانيف‪ #‬الكثيرة‪ ،‬مما أدى إلى عزوف الكث‪##‬ير من طلب‪##‬ة‬
‫العلم عن القراءة من طريق‪ #‬طيبة النش‪##‬ر على الش‪##‬يوخ‪ ،‬لك‪##‬ثرة مس‪##‬ائل التحري‪##‬رات‪،‬‬
‫وتباينها‪ #‬من شيخ إلى آخر‪ ،‬ومن كتاب إلى آخر‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪ ،‬وه‪##‬و الش‪##‬يخ األزم‪##‬يري فيم‪##‬ا‬
‫الحظه من كتاب النشر البن الجزري‪( #:‬ه‪##‬ذا بي‪##‬ان م‪##‬ا طغى ب‪##‬ه القلم وم‪##‬ا أهمل‪##‬ه في‬
‫كتابه المسمى بالنشر‪ #‬وما أجمله‪ ..‬فإن اإلم‪##‬ام ابن الج‪##‬زري‪ #‬ذك‪##‬ر في نش‪##‬ره ع‪##‬دة من‬
‫كتب الق‪##‬راءات‪ ،‬ثم ع‪##‬زا في بعض المواض‪##‬ع من‪##‬ه بعض األوج‪##‬ه إلى بعض تل‪##‬ك‬
‫الكتب‪ ،‬وأمسك عن ذكر بعضها‪ ،‬فلبس بإبهامه على الن‪##‬اظر في‪##‬ه‪ ،‬فلم ي‪##‬در م‪##‬ا ال‪##‬ذي‬
‫من ذلك في المسكوت عنه منه‪#‬ا‪ ..‬وذك‪#‬ر‪ #‬أيض‪#‬ا ً في النش‪#‬ر أش‪#‬ياء ونس‪#‬بها إلى بعض‬
‫تلك الكتب بخالف ما فيه‪ ..‬فتجشمت تحرير‪ #‬ذلك)(‪)2‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬لقد تتبعت تلك التحريرات‪ ،‬فوج‪#‬دتها على قس‪#‬مين‪ :‬أوله‪#‬ا متعل‪#‬ق‬
‫بالرواي‪###‬ة وتنقيح الرواي‪###‬ات في كتب ابن الج‪###‬زري‪ #‬من أي ت‪###‬ركيب أو ت‪###‬داخل في‬
‫الطرق‪ #..‬والثاني‪ ،‬يمثل الجانب الذي خرجت فيه التحري‪##‬رات عن مس‪##‬ارها الس‪##‬ابق‪،‬‬
‫وخضعت فيه مرويات ابن الجزري‪ ،‬ونصوصه وأحكامه على الرواي‪##‬ات لالجته‪##‬اد‬
‫وأفهام‪ #‬عقول المحررين‪ ،‬في خطوة جريئة ونقل‪##‬ة نوعي‪##‬ة ق‪##‬امت عليه‪##‬ا التحري‪##‬رات‪،‬‬
‫وفتحت بابا ً عظيما ً لن يوصد‪ ،‬ماجت فيه اآلراء واضطربت في‪##‬ه األق‪##‬وال‪ ،‬وك‪##‬ثرت‬
‫فيه التساؤالت‪ #‬حتى يومنا هذا)‬
‫الدليل الخامس‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ما رأيكم أيها الجمع المبارك في هذا الدليل؟‬

‫‪ )(1‬التحريرات على طيبة النشر بين الرواية واالجتهاد (ص ‪)13‬‬


‫‪ )(2‬التحريرات على طيبة النشر بين الرواية واالجتهاد (ص ‪)89‬‬
‫‪ )(3‬التحريرات على طيبة النشر بين الرواية واالجتهاد (ص ‪)89‬‬
‫‪63‬‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬هلم‪ ..‬اذكر لنا الدليل الخامس‪.‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)1‬الدليل الخامس أن منشأ االختالف في الق‪#‬راءات القرآني‪#‬ة اإلذن‬
‫العام بأن يقرأ كل إنسان بلهجته‪ ،‬واالختالف‪ #‬في األداء كذلك‪ ..‬ذلك أن‪##‬ه من المعل‪##‬وم‬
‫أن في القراءات القرآنية كلمات كثيرة مخالفة للهجة ق‪##‬ريش ال‪##‬تي ن‪##‬زل به‪##‬ا الق‪##‬رآن‪،‬‬
‫ومنشأ‪ #‬هذه الكلمات المختلفة هواإلذن العام بأن يق‪##‬رأ ك‪##‬ل إنس‪##‬ان بلهجت‪##‬ه وم‪##‬ا اعت‪##‬اد‬
‫عليه‪ ،‬فهي رخصة من هللا لهم تسهيالً وتهويناً‪ ،‬وذلك أن النبي ‪ ‬طلب من ربه أن‬
‫يأذن أن يقرأ الناس بلهجاتهم ولغاتهم‪ ،‬فكان يقول‪( :‬اللهم هون على أمتي)‪ ،‬ويق‪##‬ول‪:‬‬
‫(إن أمتي ال تطيق ذلك) أي‪ :‬القراءة على حرف واحد وطريق‪##‬ة واح‪##‬دة م‪##‬ع اختالف‬
‫ألسنتهم ولهج‪##‬اتهم‪ ،‬فاس‪##‬تجاب هللا لنبي‪##‬ه ‪ ،‬فحكم‪ #‬وأراد أن اللف‪##‬ظ ال‪##‬ذي ي‪##‬نزل على‬
‫محمد ال يقرأ بطريقة واحدة‪ ،‬بل يقرؤه الناس ك‪##‬ل حس‪##‬ب لهجت‪##‬ه وقدرت‪##‬ه‪ ،‬ال يكل‪##‬ف‬
‫الناس أن يقرؤوا‪ #‬كلهم بلفظ واحد‪ ،‬بل ال يمكنهم‪ #‬ذل‪#‬ك‪ ،‬وه‪#‬ذا ي‪#‬دل على أن االختالف‬
‫في األداء بين القراء إنما هوناشئ أيضا ً عن اختالف أولئ‪##‬ك ال‪##‬ذين أذن لهم أن يق‪##‬رأ‬
‫كل منهم حسب طريقته ولهجته‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أجل‪ ..‬وقد قرأت في ذلك كالما البن قتيبة يقول فيه‪( :‬إن المتق‪##‬دمين‬
‫من الصحابة والتابعين قرؤوا بلغاتهم‪ ،‬وج‪#‬روا‪ #‬على ع‪#‬ادتهم‪ ،‬وخل‪#‬وا أنفس‪#‬هم وس‪#‬وم‪#‬‬
‫طبائعهم‪ #،‬فكان ذلك جائزاً لهم) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الطحاوي‪( :‬السبعة األح‪##‬رف هي مم‪##‬ا ال يختل‪##‬ف معاني‪##‬ه‬
‫وإن اختلفت األلفاظ التي يتلفظ بها‪ ،‬وأن ذلك كان توس‪##‬عة من هللا عليهم لض‪##‬رورتهم‪#‬‬
‫إلى ذلك وحاجتهم‪ #‬إليه‪ ،‬وإن كان الذي نزل على النبي إنما نزل بألفاظ واحدة) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهما ق‪##‬ال أبوش‪##‬امة‪( :‬ق‪##‬ال بعض الش‪##‬يوخ‪ :‬الواض‪##‬ح من ذل‪##‬ك أن‬
‫يكون هللا تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ومن جاورهم‪ #‬من فصحاء الع‪##‬رب‪ ،‬ثم أب‪##‬اح‬
‫للع‪##‬رب المخ‪##‬اطبين ب‪##‬ه الم‪##‬نزل عليهم أن يق‪##‬رؤوه بلغ‪##‬اتهم ال‪##‬تي ج‪##‬رت ع‪##‬ادتهم‬
‫باستعمالها‪ #‬على اختالفهم في األلفاظ واإلعراب‪ ،‬ولم يكلف بعضهم‪ #‬االنتقال من لغ‪##‬ة‬
‫إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم ق‪##‬ال ابن تيمي‪##‬ة‪( :‬الس‪##‬بب ال‪##‬ذي أوجب االختالف بين الق‪##‬راء‬
‫فيما احتمله خط المصحف مرجع‪#‬ه إلى النق‪#‬ل واللغ‪#‬ة العربي‪#‬ة‪ ،‬لتس‪#‬ويغ الش‪#‬ارع لهم‬
‫القراءة بذلك كله) (‪)5‬‬
‫الدليل السادس‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ما رأيكم أيها الجمع المبارك في هذا الدليل؟‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬هلم‪ ..‬اذكر لنا الدليل السادس‪.‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.45‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫تأويل مشكل القرآن (ص ‪)97‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح مشكل اآلثار (‪)8/124‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المرشد الوجيز (ص ‪)95‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الفتاوى (‪)13/399‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪64‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)1‬الدليل السادس كراهية بعض األئمة والعلماء ألنواع من األداء‬
‫عند بعض القراء‪ ،‬ولو كان ذلك مرويا‪ #‬عن رسول هللا ‪ ‬ما جاز لهم ذلك‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك إنكار بعض العلم‪##‬اء واألئم‪##‬ة على‬
‫حمزة طريقته في األداء‪ ،‬وكذلك الكسائي‪ ..‬وقد قال بعضهم في ذل‪##‬ك‪( :‬ولق‪##‬د عوم‪##‬ل‬
‫حمزة مع جاللته باإلنكار عليه في قراءته من جماعة من الكبار) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الش‪##‬يخ أبومحم‪##‬د عب‪##‬د هللا بن أحم‪##‬د الخش‪##‬اب‪( :‬وق‪##‬د ك‪##‬ره‬
‫بعض األئمة ممن ال يختلف في ورعه وعلمه قراءة حم‪#‬زة بن ح‪#‬بيب إلف‪#‬راط‪ #‬م‪#‬ده‪،‬‬
‫وكأنه رأى أن تكلف ذلك شاق بعض المشقة‪ ،‬والقرآن قد يسره منزله سبحانه) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال ابن النجار‪( :‬ولهذا كره اإلمام أحمد وجماعة من الس‪##‬لف‬
‫قراءة حمزة لم‪#‬ا فيه‪#‬ا من ط‪#‬ول الم‪##‬د والكس‪##‬ر واإلدغ‪#‬ام ونح‪##‬و ذل‪##‬ك‪ ،‬ألن األم‪#‬ة إذا‬
‫أجمعت على فعل شيء لم يكره فعله‪ ،‬وهل يظن عاقل أن الص‪##‬فة ال‪##‬تي فعله‪##‬ا الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬وتواترت إلينا يكرهها أحد من المسلمين)(‪)4‬‬

‫قال اإلمام‪ :‬ومثل ذلك كره اإلمام أحمد اإلدغام الكبير ألبي عمرو(‪ ..)5‬وهكذا‬
‫وقف‪ #‬نفس الموقف قوم‪ #‬من العلماء‪ ،‬كما عبر عن ذل‪##‬ك الس‪##‬خاوي‪ #‬بقول‪##‬ه‪( :‬وق‪##‬د ك‪##‬ره‬
‫إدغام أبي عمروقوم وعابوه‪ ،‬وق‪##‬الوا‪ #:‬إن ذل‪##‬ك تغي‪##‬ير لح‪##‬روف الق‪##‬رآن‪ ،‬وي‪##‬ؤدي‪ #‬إلى‬
‫زوال مع‪##‬اني كلمات‪##‬ه‪ ،‬وأن‪##‬ه ال أص‪##‬ل ل‪##‬ه وال أث‪##‬ر يؤي‪##‬ده‪ ،‬إنم‪##‬ا هوش‪##‬يء تف‪##‬رد ب‪##‬ه‬
‫أبوعمرو) (‪)6‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال ابن العربي‪( :‬ما كنت ألمد مد حمزة‪ ،‬وال أق‪##‬ف على‬
‫الساكن وقفته‪ ،‬وال أقرأ باإلدغام الكبير ألبي عمروولورواه في تسعين أل‪##‬ف ق‪##‬راءة‪،‬‬
‫فكيف‪ #‬في رواي‪#‬ة بح‪#‬رف من س‪#‬بعة أح‪#‬رف؟ وال أم‪#‬د ميم ابن كث‪#‬ير‪ ،‬وال أض‪#‬م ه‪#‬اء‬
‫﴿عليهم﴾ و﴿إليهم﴾ وذلك أخف‪ ،‬وهذه كلها أوأكثرها‪ #‬عندي لغات ال قراءات‪ ،‬ألنه‪##‬ا لم‬
‫يثبت منه‪##‬ا عن الن‪##‬بي ‪ ‬ش‪##‬يء‪ ،‬وإذا تأملته‪##‬ا رأيته‪##‬ا اختي‪##‬ارات مبني‪##‬ة على مع‪##‬ان‬
‫ولغات) (‪)7‬‬
‫ق‪#‬ال اإلم‪#‬ام(‪ :)8‬ومم‪#‬ا يؤك‪#‬د ه‪#‬ذا م‪#‬ا ورد من النص‪#‬وص والرواي‪#‬ات من كالم‬
‫القراء وغيرهم‪ ،‬والتي تدل داللة واضحة على عدم وجود قواع‪##‬د مح‪##‬ددة للم‪##‬دود‪ #‬أو‬
‫غيرها من أنواع األداء‪ ،‬ألن‪##‬ه ال تت‪##‬وفر‪ #‬ال‪##‬دواعي إلى نق‪##‬ل جمي‪##‬ع ص‪##‬فات الح‪##‬روف‪#‬‬
‫ومخارجها في الكالم‪ ،‬وال يمكن ذلك‪ ،‬إذ هي صفات للفظ ال يضبطها‪ #‬السماع عادة‪،‬‬

‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.71‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫السير (‪)10/170‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫جمال القراء (ص ‪)514‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫شرح الكوكب المنير (‪)2/131‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الفروع (‪)1/422‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫جمال القراء (ص ‪)476‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫العواصم (ص ‪)602‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪65‬‬
‫وتقب‪##‬ل الزي‪##‬ادة والنقص‪##‬ان‪ ،‬وتختل‪##‬ف اللهج‪##‬ات في النط‪##‬ق به‪##‬ا‪ ،‬بخالف نق‪##‬ل ج‪##‬وهر‬
‫الحرف وأصله‪ ،‬ومما يؤكد‪ #‬ذلك أن أه‪##‬ل التجوي‪#‬د‪ #‬ق‪##‬د اختلف‪##‬وا في ص‪##‬فات الح‪##‬روف‪#‬‬
‫ومخارجها اختالفا ً ظاهراً‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول مكي بن أبي ط‪##‬الب‪( :‬فص‪##‬ل‬
‫في أن المد ال يحصر‪ #‬وأن تقديره باأللفات للتقريب على المبت‪##‬دئين‪ ..‬والتق‪##‬دير عن‪##‬دنا‬
‫للمد باأللفات إنما هوتقريب على المبتدئين وليس على الحقيقة ألن المد إنم‪##‬ا ه‪##‬وفتح‬
‫الفم بخروج النفس مع امتداد الصوت‪ ،‬وذل‪#‬ك ق‪##‬در ال يعلم‪##‬ه إال هللا‪ ،‬وال ي‪##‬دري ق‪#‬در‬
‫الزمان الذي كان فيه المد للحرف وال قدر‪ #‬النفس الذي يخرج مع امتداد الصوت في‬
‫حيز المد إال هللا تعالى‪ ،‬فمن ادعى قدراً للمد حقيقة فهو‪ #‬مدعي علم الغيب‪ ،‬وقد وق‪##‬ع‬
‫في كتب القراء التقدير ب‪##‬األلف واأللفين والثالث‪##‬ة على التق‪##‬ريب للمتعلمين‪ ..‬ولم يق‪##‬ل‬
‫أحد من القراء والنحويين‪ :‬إن المد يحصر في ق‪##‬در أل‪##‬ف وق‪##‬در‪ #‬ألفين وأن‪##‬ه ال يك‪##‬ون‬
‫أكثر وال أقل هذا لم يقله أحد‪ ..‬أال ترى أن أبا إسحاق الزجاج قال‪ :‬لوم‪#‬ددت ص‪#‬وتك‬
‫يوما ً وليلة لم يكن إال ألفا ً واحدة) (‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومم‪##‬ا ي‪##‬دل على ك‪##‬ون مق‪##‬ادير الم‪##‬دود اجته‪##‬اد من األئم‪##‬ة الق‪##‬راء‬
‫ومشايخهم‪ ،‬وأما السابقون فلم ي‪##‬رد عنهم ش‪##‬يء من ذل‪##‬ك ق‪##‬ول ابن الج‪##‬زري بع‪##‬د أن‬
‫ذكر مراتب المد عند القراء‪( :‬فهذا ما حض‪##‬رني من نصوص‪##‬هم‪ ،‬وال يخفى م‪##‬ا فيه‪##‬ا‬
‫من االختالف الشديد في تفاوت الم‪##‬راتب‪ ،‬وأن‪##‬ه م‪##‬ا من مرتب‪##‬ة ذك‪##‬رت لش‪##‬خص من‬
‫القراء إال وذكر‪ #‬له ما يليها‪ ،‬وكل ذلك يدل على شدة قرب كل مرتبة مما يليه‪##‬ا‪ ،‬وإن‬
‫مثل هذا التف‪##‬اوت ال يك‪##‬اد ينض‪##‬بط‪ ،‬والمنض‪##‬بط من ذل‪##‬ك غالب‪#‬ا ً هوالقص‪##‬ر المحض‪،‬‬
‫والمد المشبع من غير إفراط عرفاً‪ ،‬والتوسط بين ذلك)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله عندما ذكر اختالفهم‪ #‬في مراتب المد‪ ،‬حيث نقل عن‬
‫أبي عمروالداني قوله‪( :‬وهذا كله جار على طباعهم وم‪##‬ذاهبهم‪ #‬في تفكي‪##‬ك الح‪##‬روف‬
‫وتخليص السواكن وتحقيق القراءة وحدرها‪ ،‬وليس لواحد منهم م‪##‬ذهب يس‪##‬رف في‪##‬ه‬
‫على غيره إسرافا ً يخرج عن المتعارف‪ #‬في اللغة والمتعالم‪ #‬في القراءة)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذل‪##‬ك ق‪##‬ول أبي عمروال‪##‬داني‪( :‬وأط‪##‬ولهم م‪##‬داً ورش وحم‪##‬زة‪،‬‬
‫ودونهما عاصم‪ ،‬ودون‪##‬ه ابن ع‪##‬امر والكس‪##‬ائي‪ ،‬ودونهم‪#‬ا‪ #‬أب‪##‬وعمرومن طري‪##‬ق أه‪##‬ل‬
‫العراق‪ ،‬وقالون من طريق أبي نشيط بخالف عنه‪ ،‬وهذا كله على التقريب من غ‪##‬ير‬
‫إفراط‪ ،‬وإنما هوعلى مقدار مذاهبهم في التحقيق والحدر‪ ،‬وباهلل التوفيق) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك أن ابن مجاه‪#‬د س‪#‬ئل عن وق‪#‬ف حم‪#‬زة على الس‪#‬اكن قب‪#‬ل‬
‫الهمزة‪ ،‬واإلفراط في المد فقال‪( :‬كان يأخذ ب‪##‬ذلك المتعلم‪ ،‬وم‪##‬راده أن يص‪##‬ل المتعلم‬

‫تمكين المد (ص ‪)36‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫النشر في القراءات العشر (‪)1/333‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)1/327‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التيسير (ص ‪)30‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪66‬‬
‫حقها) (‪)1‬‬ ‫إلى ما نحن عليه من إعطاء الحروف‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومثله قال الداني‪( :‬وعلماؤنا مختلفون في أي هذه األوج‪##‬ه أوج‪##‬ه‬
‫وأولى‪ ،‬وأختار‪ #‬اإلمالة الوسطى التي هي بين بين‪ ،‬ألن الغرض من اإلمال‪##‬ة حاص‪#‬ل‬
‫بها‪ ،‬وهو اإلعالم بأن أصل األلف الياء‪ ،‬أوالتنبيه على انقالبها إلى الياء في موض‪##‬ع‬
‫أومش‪##‬اكلتها للكس‪##‬ر المج‪##‬اور له‪##‬ا أوالي‪##‬اء) (‪ ..)3‬وه‪##‬ذا ي‪##‬دل على أن اإلمال‪##‬ة اختي‪##‬ار‬
‫لغ‪##‬رض معين‪ ،‬وأن الغ‪##‬رض منه‪##‬ا اإلعالم ب‪##‬أن أص‪##‬ل األل‪##‬ف الي‪##‬اء أوالتنبي‪##‬ه على‬
‫انقالبها إلى الياء في موضع أومشاكلتها للكسر المجاور لها أوالياء‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ق‪#‬ال ابن الج‪#‬زري‪( :‬لم يت‪#‬واتر عن الن‪#‬بي ‪ ‬أن‪#‬ه وق‪#‬ف‪ #‬على‬
‫موض‪##‬ع بخمس‪##‬ين وجه‪#‬اً‪ ،‬وال بعش‪##‬رين‪ ،‬وال بنحوذل‪##‬ك‪ ،‬وإنم‪##‬ا إن ص‪##‬ح ش‪##‬يء منه‪##‬ا‬
‫فوجه‪ ،‬والباقي الشك أنه من قبيل األداء) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الزركشي‪( :‬والحق‪ :‬أن الم‪##‬د واإلمال‪##‬ة ال ش‪##‬ك في ت‪##‬واتر‬
‫المشترك‪ #‬منها وهوالمد‪ #‬من حيث هومد‪ ،‬واإلمالة من حيث هي إمال‪##‬ة‪ ،‬ولكن اختلفت‬
‫القراء في تقدير المد في اختي‪##‬اراتهم‪ ،‬فمنهم من رآه ط‪#‬ويال‪ ،‬ومنهم‪ #‬من رآه قص‪##‬يرا‪،‬‬
‫ومنهم‪ #‬من ب‪##‬الغ في القص‪##‬ر‪ ،‬ومنهم من تزاي‪##‬د كحم‪##‬زة وورش‪ #‬بمق‪##‬دار س‪##‬ت ألف‪##‬ات‪،‬‬
‫وقي‪##‬ل خمس‪ ،‬وقي‪##‬ل‪ :‬أرب‪##‬ع‪ ،‬وعن عاص‪##‬م‪ :‬ثالث‪ ،‬وعن الكس‪##‬ائي‪ :‬ألفين ونص‪##‬ف‪،‬‬
‫وق‪###‬الون‪ :‬ألفين‪ ،‬والسوس‪###‬ي‪ #:‬أل‪###‬ف ونص‪###‬ف‪ #..‬فعلم به‪###‬ذا أن أص‪###‬ل الم‪###‬د مت‪###‬واتر‪،‬‬
‫واالختالف‪ #‬والطرق‪ #‬إنما هوفي كيفية التلفظ) (‪ ..)5‬وقال‪( :‬وأما األلفاظ المختلفة فيها‬
‫بين القراء فهي ألفاظ قراءة واحدة‪ ،‬والم‪##‬راد‪ #‬تن‪##‬وع الق‪##‬راء في أدائه‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬إن منهم من‬
‫يرى المبالغة في تشديد الحرف المشدد‪ ،‬فكأن‪##‬ه زاد حرف‪#‬اً‪ ،‬ومنهم من ال ي‪##‬رى ذل‪##‬ك‪،‬‬
‫ومنهم‪ #‬من يرى الحالة الوسطى) (‪)6‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال ابن خلدون‪( :‬وهذه الق‪##‬راءات الس‪##‬بع معروف‪##‬ة في كتبه‪##‬ا‪،‬‬
‫وق‪##‬د خ‪##‬الف بعض الن‪##‬اس في ت‪##‬واتر طرقه‪#‬ا‪ #‬ألنه‪#‬ا عن‪#‬دهم كيفي‪#‬ات لألداء‪ ،‬وهوغ‪##‬ير‬
‫منضبط‪ ،‬وليس كذلك عندهم بقادح في تواتر القرآن‪ ،‬وأباه األكثر وق‪##‬الوا‪ #‬بتواتره‪##‬ا‪،‬‬
‫وقال آخرون بتواتر غ‪##‬ير األداء منه‪##‬ا كالم‪##‬د والتس‪##‬هيل‪ ،‬لع‪##‬دم الوق‪##‬وف‪ #‬على كيفيت‪##‬ه‬
‫بالسمع وهوالصحيح) (‪)7‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال ابن قتيبة‪( :‬فكان من تيسيره أن أمره بأن يق‪#‬رئ ك‪##‬ل ق‪#‬وم‪#‬‬
‫بلغتهم وما جرت عليه عادتهم‪ :‬فالهذلي يقرأ ﴿عتى حين﴾ يريد حتى حين‪ ،‬ألنه هكذا‬
‫يلفظ بها ويستعملها‪ #..‬واألسدي‪ #‬يقرأ ﴿تعلم‪##‬ون﴾ و﴿تعلم﴾ و﴿تس‪##‬ود‪ #‬وج‪##‬وه﴾ و﴿ألم أعه‪##‬د‬

‫جمال القراء للسخاوي (ص ‪)516‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.101‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫النشر في القراءات العشر (‪)2/30‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫منجد المقرئين (ص ‪)196‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه (‪)2/213‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫البحر المحيط في أصول الفقه (‪)2/214‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫المقدمة (ص ‪)552‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪67‬‬
‫إليكم﴾‪ ..‬والتميمي يهمز‪ ،‬والقرشي ال يهمز‪ ..‬واآلخ‪##‬ر يق‪##‬رأ ﴿وإذا قي‪##‬ل لهم﴾ و﴿غيض‬
‫الماء﴾ بإشمام الضم مع الكسر‪ ،‬و﴿هذه بضاعتنا ردت إلينا﴾ بإشمام‪ #‬الكسر مع الض‪##‬م‬
‫و﴿ما لك ال تأمنا﴾ بإشمام الضم مع اإلدغام‪ ،‬وهذا ما ال يطوع‪ #‬به كل لس‪##‬ان‪ ..‬ول‪##‬وأن‬
‫كل فريق‪ #‬من هؤالء أمر أن يزول عن لغت‪##‬ه وم‪##‬ا ج‪##‬رى علي‪##‬ه اعتي‪##‬اده طفالً وناش‪##‬ئاً‪#‬‬
‫وكهالً الش‪##‬تد ذل‪##‬ك علي‪##‬ه‪ ،‬وعظمت المحن‪##‬ة في‪##‬ه‪ ،‬ولم يمكن‪##‬ه إال بع‪##‬د رياض‪##‬ة للنفس‬
‫طويلة‪ ،‬وتذليل للسان وقطع‪ #‬للعادة‪ ،‬فأراد‪ #‬هللا برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعا ً في‬
‫اللغات ومتصرفاً‪ #‬في الحركات) (‪)1‬‬
‫الدليل السابع‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ما رأيكم أيها الجمع المبارك في هذا الدليل؟‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬هلم‪ ..‬اذكر لنا الدليل السابع‪.‬‬
‫قال اإلمام(‪ :)2‬ال‪##‬دليل الس‪##‬ابع ه‪##‬و م‪##‬ا ورد عن بعض الس‪##‬لف من الس‪##‬رعة في‬
‫ق‪#‬راءة الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم‪ ،‬فم‪#‬ع أن ذل‪#‬ك ليس دي‪#‬دنهم وع‪#‬ادتهم‪ ،‬لكن‪#‬ه ي‪#‬دل على أن أداء‬
‫التالوة اجتهاد مبني على السعة والتسهيل‪ ..‬ألنه ال يمكن تط‪##‬بيق م‪##‬ا ورد من أحك‪##‬ام‬
‫األداء بحسب ما روي‪ #‬عنهم من السرعة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬فقد قال طلح‪##‬ة بن مص‪##‬رف‪( :‬س‪##‬ألت إب‪##‬راهيم عن س‪##‬رعة‬
‫القرآن فقال‪ :‬إن عامة قراءتنا السرعة) (‪ ..)3‬وقال الولي‪##‬د بن جمي‪##‬ع‪( :‬ص‪##‬ليت خل‪##‬ف‬
‫إبراهيم فكان يقرأ في الصبح يس وأشباهها‪ #،‬وكان سريع القراءة) (‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال الس‪##‬خاوي‪( #:‬واعلم ب‪##‬أن الق‪##‬رآن العزي‪##‬ز يُق‪##‬رأ للتعلم‬
‫فالواجب التقليل والتكرير‪ ،‬ويقرأ للتدبر فالواجب الترتيل والتوقف‪ #،‬ويقرأ لتحص‪##‬يل‬
‫األجر بكثرة القراءة فله أن يقرأ ما استطاع وال يؤنب إذا أراد اإلسراع‪ ..‬وق‪##‬د روي‬
‫عن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬خفف هللا على داود القراءة‪ ،‬فك‪##‬ان ي‪##‬أمر بدابت‪##‬ه تس‪##‬رج‬
‫فيقرأ كتابه من قبل أن تسرج دابته‪ ،‬وكان ال يأكل إال من عمل يديه) (‪)5‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا ورد في األخب‪##‬ار عن ال‪##‬ذين ختم‪##‬وا الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم في‬
‫ركعة‪ ،‬قال النووي‪( :‬وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فال يحصون لك‪##‬ثرتهم) (‪..)6‬‬
‫وذك‪##‬ر أن كث‪##‬يرين من الس‪##‬لف ك‪##‬انوا يختم‪##‬ون في ك‪##‬ل ثالث‪ ،‬وعن بعض‪##‬هم في ك‪##‬ل‬
‫ليلتين‪ ،‬وختم بعضهم‪ #‬في كل يوم وليلة ختمة‪ ،‬ومنهم‪ #‬من كان يختم في كل يوم وليل‪##‬ة‬
‫ختمتين‪ ،‬ومنهم‪ #‬من كان يختم ثالثا ً(‪.)7‬‬

‫تأويل مشكل القرآن (ص ‪)94‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المصنف (‪)7/186‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫ابن الضريس في فضائل القرآن (ص ‪)40‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫جمال القراء (ص ‪ ، )531‬والحديث رواه البخاري (‪)3235‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫األذكار (ص ‪)182‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التبيان (ص ‪)70‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪68‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم من حدث عنه الربيع بن سليمان بقوله‪( :‬ك‪##‬ان الش‪##‬افعي يختم‬
‫في كل ليلة ختمة‪ ،‬فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة من‪##‬ه ختم‪##‬ة وفي‪ #‬ك‪##‬ل ي‪##‬وم‬
‫ختمة‪ ،‬فكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬بورك فيكم‪ ..‬إن هذا الذي ذكرتموه هو ال‪##‬ذي يش‪##‬جع حفظ‪##‬ة الق‪##‬رآن‬
‫الكريم على حفظه ومراجعته والصالة به بكل سهولة ويس‪##‬ر بعي‪##‬دا عن تل‪##‬ك الم‪##‬دود‬
‫الطويلة والغنات الكثيرة التي تجعل من الصعب عليهم أن يحققوا ذلك‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬أج‪##‬ل‪ ..‬فمن برك‪##‬ات ذل‪##‬ك أن المص‪##‬لي ق‪##‬د يس‪##‬تثقل أن يص‪##‬لي‬
‫ركعتين ببضع آيات‪ ،‬فإذا جرب أن يقتدي بأولئك خ‪##‬ف علي‪##‬ه م‪##‬ا ك‪##‬ان يس‪##‬تثقله‪ ،‬فق‪##‬د‬
‫يصلي ركعتين بسورة طه أو األنبي‪##‬اء أوالن‪##‬ور أوالحج أوغيره‪##‬ا دون اس‪##‬تثقال ومن‬
‫غير ملل مع حضور القلب والتدبر‪ ،‬وهذا يدل على أن تقييد القراءة بالقوانين الدقيقة‬
‫في النطق واألداء من أعظم ما يعوق المسلم عن هذا األمر العظيم‪ ،‬وهوالتدبر الذي‬
‫ك لِيَ‪َّ #‬دبَّرُوا آيَاتِ‪ِ #‬ه َولِيَتَ‪َ #‬ذ َّك َ‪#‬ر أُولُ‪#‬و‬
‫ما أنزل القرآن إال ألجل‪#‬ه ﴿ ِكتَ‪##‬ابٌ أَ ْنزَ ْلنَ‪#‬اهُ إِلَ ْي‪#‬كَ ُمبَ‪#‬ا َر ٌ‬
‫ب﴾ [ص‪]29 :‬‬ ‫اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫قال آخر‪ :‬أجل‪ ..‬فالتدبر‪ #‬ليس مرتبطا بتلك األحكام‪ ،‬وال بسرعة الق‪##‬راءة‪ ..‬ب‪##‬ل‬
‫قد يحجب المتدبر‪ #‬عن تدبر إن صارت له وسوس‪#‬ة بمراع‪##‬اة األحك‪#‬ام‪ ،‬كم‪##‬ا ن‪##‬راه في‬
‫واقعنا‪ #‬لألسف‪.‬‬
‫نتيجة األدلة‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بناء على ما ذكرتم‪ #‬أريد من الذين يقرؤون برواية ورش أو غيره‬
‫أن يخبروني‪ #‬عن الفضل الخاص بها‪ ..‬وهل ورد في األحاديث ما يدل على فضلها‪#.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬كل ما ورد‪ #‬في فضل ق‪##‬راءة الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ينطب‪#‬ق‪ #‬عليه‪##‬ا‪ ..‬ذل‪##‬ك‬
‫أنها من قراءاته‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فلماذا تجنحون إلى األصعب‪ ،‬وقد‪ #‬وجد األيسر‪ ،‬ألم تس‪##‬معوا‪ #‬قول‪##‬ه‬
‫ر﴾ [القمر‪]17 :‬‬ ‫﴿ولَقَ ْد يَسَّرْ نَا‪ْ #‬القُرْ آنَ لِل ِّذ ْك ِر فَهَلْ ِم ْن ُم َّد ِك ٍ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬هي قراءة وجدنا عليها آباءنا وأجدادنا‪ #..‬فلذلك نلتزمها‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬أخبرني أيهما أكثر جهدا في تعليم أبنائه القرآن الك‪##‬ريم ذاك ال‪##‬ذي‬
‫يعلمهم وفق‪ #‬رواية حفص‪ ،‬أم ذاك الذي يعلمهم وفق رواية ورش؟‬

‫‪ )(1‬تاريخ بغداد (‪)2/63‬‬


‫‪ )(2‬اختالف القراء في صفات أداء التالوة‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫‪69‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬الشك أن ال‪##‬ذي يعلمهم برواي‪##‬ة حفص أس‪##‬هل‪ ..‬وبكث‪##‬ير‪ ..‬ذل‪##‬ك أن‬
‫أحكامها قليلة‪ ،‬وأداءها يسير‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فلم العدول عنها إذن؟‪ ..‬أليس العاقل هو ال‪##‬ذي يبحث عن األس‪##‬هل‬
‫واأليسر‪ #،‬ما دام ال يوجد أجر إضافي‪ #‬خاص باألصعب واألعسر؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬ولكنا وجدنا آباءنا على ذلك‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل من الحكمة أن تنقلوا العنت الذي أص‪##‬ابكم‪ #‬ج‪##‬راء م‪##‬ا تعلتم‪##‬وه‬
‫من آبائكم إلى أبنائكم‪ ،‬أم أنها تقتضي أن تجنبوهم ما أصابكم؟‪#‬‬
‫سكتوا‪ ،‬فقال المعلم‪ :‬أخبروني‪ ..‬هل يص‪##‬عب من تعلم برواي‪##‬ة ورش أن ينتق‪##‬ل‬
‫إلى رواية حفص؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬ال‪ ..‬ب‪##‬العكس‪ ..‬ه‪##‬و يس‪##‬ير ج‪##‬دا‪ ..‬فيكفي أن يتخلص الق‪##‬ارئ من‬
‫العسر الموج‪#‬ود‪ #‬في رواي‪#‬ة ورش ليج‪#‬د نفس‪#‬ه في رواي‪#‬ة حفص‪ ..‬م‪#‬ع إتق‪#‬ان كلم‪#‬ات‬
‫محدودة وقع الخالف فيها بين الروايتين‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القراءات والوحدة‪:‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬ليس عليكم اآلن أن تجيب‪##‬وني؛‪ #‬فاألدل‪##‬ة لم تكتم‪##‬ل بع‪##‬د‪،‬‬
‫ونحن بحاجة بعد أن اكتشفنا جميع‪##‬ا أيس‪##‬ر الق‪##‬راءات وأس‪##‬هلها‪ #‬أن نبحث في أكثره‪##‬ا‬
‫انتشارا‪ #‬حتى ينتقل األقل إلى األكثر‪ ..‬تحقيقا لوحدة المسلمين‪ ،‬وجمعا لشملهم‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬وهذا الشرط أيضا ينطبق‪ #‬على رواية حفص؛ فقد كانت وال تزال‬
‫الق‪##‬راءة الدارج‪##‬ة بين المس‪##‬لمين‪ ،‬من‪##‬ذ العه‪##‬د االول ح‪##‬تى عص‪##‬رنا الحاض‪##‬ر‪ ،‬وذل‪##‬ك‬
‫لكونه‪##‬ا ق‪##‬راءة عام‪##‬ة المس‪##‬لمين‪ ،‬حيث ك‪##‬ان حفص وش‪##‬يخه عاص‪##‬م حريص‪##‬ين على‬
‫االلتزام بما وافق قراءة العامة والرواية الصحيحة المتواترة بين المسلمين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وفي عصر المتأخرين زاد انتشار قراءة حفص واشتهارها؛ بس‪##‬بب‬
‫أرض‪##‬ا إال وغ‪##‬الب المص‪##‬احف‬ ‫ً‬ ‫طباع‪##‬ة المص‪##‬احف‪ #‬برس‪##‬م قراءت‪##‬ه؛ فال تك‪##‬اد تج‪##‬د‬
‫المطبوعة فيها برواية حفص عن عاص‪##‬م‪ ،‬اللهم إال ال‪##‬نزر اليس‪##‬ير من بالد المغ‪##‬رب‬

‫‪70‬‬
‫وإفريقيا؛‪ #‬ومع هذا فق‪##‬د ب‪##‬دأ االنتش‪##‬ار الواس‪##‬ع لمطبوع‪##‬ات المص‪##‬احف الجدي‪##‬دة ي‪##‬دبُّ‬
‫إليها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى أن وس‪##‬ائل‪ #‬اإلعالم ال‪##‬تي يس‪##‬تعملها‪ #‬المت‪##‬أخرون‪ ،‬تبث‬
‫الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم في معظمه‪##‬ا برواي‪##‬ة حفص‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ك‪##‬ان أول تس‪##‬جيل ص‪##‬وتي للق‪##‬رآن‬
‫الكريم في العالم اإلسالمي بصوت الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬باإلض‪##‬افة إلى أن ت‪##‬دريس الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم في معظم الم‪##‬دارس‬
‫والمعاه‪##‬د والجامع‪##‬ات والكت‪##‬اتيب في أغلب األقط‪##‬ار‪ #‬اإلس‪##‬المية؛ ح‪##‬تى في معاه‪##‬د‬
‫القراءات برواية حفص؛ تالوة وحفظًا وتجويدًا‪ ،‬ثم يُب‪##‬نى عليه‪##‬ا بقي‪##‬ة الق‪##‬راءات لمن‬
‫رغب في ذلك‪.‬‬
‫قال آخر ‪ : 1‬وليس ذلك فقط في عصور المتأخرين‪ ..‬فق‪##‬د اعتم‪#‬دها المس‪##‬لمون‬ ‫)‬ ‫(‬
‫فى عامة أدوارهم‪ ،‬نظرا الى هذا التوافق‪ #‬والوئ‪##‬ام‪ ،‬وك‪##‬انت نس‪##‬بتها الى حفص نس‪##‬بة‬
‫رمزية‪ ،‬تعيينا له‪##‬ذه الق‪##‬راءة‪ ،‬فمع‪##‬نى اختي‪##‬ار ق‪##‬راءة حفص‪ :‬اختي‪##‬ار ق‪##‬راءة اختاره‪##‬ا‬
‫حفص‪ ،‬ألنها قراءة متواترة بين المسلمين منذ االول‪.‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬وهك‪##‬ذا فى جمي‪#‬ع أدوار الت‪#‬اريخ ك‪#‬انت ق‪#‬راءة عاص‪#‬م هى الق‪##‬راءة‬
‫المفضلة التى راجت بين عامة المسلمين وخاصتهم‪ #..،‬فهذا القاسم بن أحم‪##‬د الخي‪##‬اط‬
‫الحاذق الثقة كان إماما فى قراءة عاص‪##‬م‪ ،‬ومن ثم ك‪##‬ان اجم‪##‬اع الن‪##‬اس على تفض‪##‬يله‬
‫فى قراءته(‪ ..)2‬وكان فى حلقة ابن مجاهد ـ مقرئ بغداد على رأس المائ‪##‬ة الرابع‪##‬ة ـ‬
‫خمسة عشر رجال متخصصا بقراءة عاصم‪ ،‬فكان الشيخ يقرئهم بهذه الق‪##‬راءة فق‪##‬ط‪،‬‬
‫دون غيره‪##‬ا من ق‪##‬راءات(‪ ..)3‬وك‪##‬ان نفطوي‪##‬ه إب‪##‬راهيم بن محم‪##‬د إذا جلس لإلق‪##‬راء ـ‬
‫وكان قد جلس أكثر من خمسين عاما ـ يبتدئ بشي ء من القرآن المجي‪##‬د على ق‪##‬راءة‬
‫عاصم فحسب‪ ،‬ثم يقرئ بغيرها(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا اختار اإلمام أحمد بن حنبل قراءة عاصم على قراءة غ‪##‬يره‪،‬‬
‫ألن أهل الكوفة ـ وهم أه‪##‬ل علم وفض‪##‬يلة ـ اخت‪##‬اروا‪ #‬قراءته(‪ ..)5‬وقد‪ #‬ق‪##‬ال احم‪##‬د بن‬
‫حنبل في ذلك‪ :‬كان عاصم ثقة‪ ،‬وأنا اختار قراءته(‪.)6‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال شمس الدين ال‪##‬ذهبى‪ :‬وأعلى م‪##‬ا يق‪##‬ع لن‪##‬ا الق‪##‬رآن العظيم‪،‬‬
‫فهو من جهة عاصم(‪ ..)7‬ثم ذكر اسناده متصال الى حفص عن عاص‪##‬م عن أبى عب‪##‬د‬
‫الرحمن السلمى عن على وعن زر عن عبد هّللا ‪ ،‬كالهما عن النبى ‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال ابوعمروالدانى‪ #:‬حفص هوالذى‪ #‬أخ‪##‬ذ ق‪##‬راءة عاص‪##‬م على‬

‫التمهيد‪.2/245 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الطبقات البن الجزرى‪.2/17 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫معرفة القراء الكبار للذهبى‪.1/217 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫لسان الميزان البن حجر‪.1/109 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تهذيب التهذيب البن حجر‪.5/39 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫ميزان االعتدال للذهبى‪.2/358 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫معرفة القراء الكبار‪.1/77 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪71‬‬
‫الناس تالوة‪ ،‬ونزل بغداد فأقرأ‪ #‬بها‪ ،‬وجاور‪ #‬بمكة ف‪##‬اقرأ بها(‪ ..)1‬وق‪##‬ال ابن المن‪##‬ادى‪:‬‬
‫كان األولون يعدون حفصا فى الحفظ فوق‪ #‬ابن عي‪##‬اش‪ ،‬ويص‪#‬فونه بض‪##‬بط الح‪#‬روف‪#‬‬
‫التى قرأها على عاصم(‪ ..)2‬وقال الشاطبى‪ #:‬وحفص وباالتقان كان مفضال(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا اتفق أهل النقد والتمحيص على أن رواية حفص عن عاص‪#‬م‬
‫هى الرواية الصحيحة الثابتة‪ ،‬وقد قال ابن معين‪ :‬الرواية الصحيحة التى رويت من‬
‫قراءة عاصم هى رواية حفص بن سليمان(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬واألجمل من ذلك كله ه‪##‬و كونه‪##‬ا الق‪##‬راءة ال‪##‬تي تتواف‪#‬ق‪ #‬م‪##‬ع المتف‪##‬ق‬
‫عليه لدى عامة المس‪#‬لمين‪ ،‬ألن‪#‬ه ك‪##‬ان في قراءت‪#‬ه يخت‪#‬ار م‪##‬ا اتف‪#‬ق علي‪##‬ه المس‪#‬لمون‪،‬‬
‫ويبتعد‪ #‬عن كل ما شذ عنه‪#‬ا‪ ،‬بن‪#‬اء على م‪#‬ا ورد في ذل‪#‬ك من الرواي‪#‬ات‪ ..‬وق‪#‬د‪ #‬ح‪#‬دث‬
‫محم‪##‬د بن س‪##‬يرين (ت ‪ )110‬عن عبي‪##‬دة الس‪##‬لمانى (ت ‪ )73‬ق‪##‬ال‪( :‬الق‪##‬راءة ال‪##‬تى‬
‫عرضت على النبى ‪ ‬فى العام الذى قبض في‪##‬ه‪ ،‬هى الق‪##‬راءة ال‪##‬تى يقرؤه‪##‬ا الن‪##‬اس‬
‫اليوم) (‪ ..)5‬روي عن االمام الصادق أنه ق‪##‬ال‪( :‬الق‪##‬رآن واح‪##‬د ن‪##‬زل من عن‪##‬د واح‪##‬د‪،‬‬
‫ولكن االختالف يجيء من قبل الرواة) (‪)6‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا كان الق‪##‬راء الكب‪##‬ار المش‪##‬هورين يجعل‪##‬ون المقي‪##‬اس في ص‪##‬حة‬
‫القراءة ما قرأ به العامة‪ ،‬وقد‪ #‬قال خالد بن يزيد الب‪##‬اهلى (ت ‪ :)220‬قلت ليح‪##‬يى بن‬
‫عبد هّللا بن أبي مليكة (ت ‪ :)173‬إن نافعا حدثنى عن أبيك عن عائش‪##‬ة‪ ،‬أنه‪##‬ا ك‪##‬انت‬
‫تقرأ‪﴿ :‬إِ ْذ تَلَقَّوْ نَه ُ﴾ [النور‪ ﴾]15 :‬بكسر‪ #‬الالم وضم القاف‪ ،‬ال بفتح الالم و القاف المش‪##‬ددة‪،‬‬
‫وتق‪##‬ول‪ :‬إنه‪##‬ا من (ول‪##‬ق الك‪##‬ذب)‪ ،‬فق‪##‬ال يحي‪ :‬م‪##‬ا يض‪##‬رك أن ال تك‪##‬ون س‪##‬معته عن‬
‫عائشة‪ ،‬وما يسرنى أنى قرأتها‪ #‬هكذا‪ ،‬ولي كذا وكذا‪ ..‬قلت‪ :‬ولم؟ وأنت تزعم أنها قد‬
‫قرأت‪ ،‬قال‪ :‬ألنه غير قراءة الناس‪ ..‬ونحن لووجدنا‪ #‬رجال يقرأ بما ليس بين اللوحين‬
‫ما كان بيننا وبينه إال التوب‪##‬ة‪ ..‬نجيء ب‪#‬ه نحن عن األم‪#‬ة عن الن‪##‬بى ‪ ‬عن جبرئي‪##‬ل‬
‫عن هّللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل‪ ،‬وتقول‪##‬ون أنتم‪ :‬ح‪##‬دثنا فالن األع‪##‬رج عن فالن األعمى أن ابن‬
‫مسعود‪ #‬يقرأ ما بين اللوحين‪ ،‬ما أدرى ماذا؟)(‪ ..)7‬انظروا إلى هذا الوص ‪#‬ف‪ #‬الجمي‪##‬ل‬
‫عن ت‪##‬واتر النص وأص‪##‬الته‪ :‬يروي‪##‬ه أم‪##‬ة عن أم‪##‬ة عن رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬ال فالن عن‬
‫فالن‪ ..‬وانظ‪##‬روا إلي‪##‬ه كي‪##‬ف يجع‪##‬ل المعي‪##‬ار لمعرف‪##‬ة الق‪##‬راءة الص‪##‬حيحة هى (ق‪##‬راءة‬
‫الناس)‪ ،‬ويجعل غيرها شاذة ال تجوز قراءتها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ق‪##‬ال ه‪##‬ارون بن موس‪##‬ى األزدى‪ #‬ص‪##‬احب الق‪##‬راءات (ت‬
‫‪( :)200‬ذكرت ذلك ألبي عمروبن العالء (ت ‪ )154‬الق‪##‬راءة المع‪##‬زوة إلى عائش‪##‬ة‪،‬‬

‫الطبقات البن الجزرى‪.1/254 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫النشر فى القراءات العشر‪.1/156 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح الشاطبية (سراج القارى) ‪.14 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫النشر فى القراءات العشر‪.1/156 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫االتقان‪.1/50 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الكافي‪.2/631 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫المرشد الوجيز‪.180/‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪72‬‬
‫فقال‪ :‬قد سمعت هذا قبل أن تول‪##‬د ـ خطاب‪##‬ا إلى ه‪##‬ارون ـ ولكن‪##‬ا ال نأخ‪##‬ذ ب‪##‬ه)‪ ..‬وفى‪#‬‬
‫رواية أخرى قال أبو عمرو‪( :‬إنى أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خالف م‪##‬ا ج‪##‬اءت‬
‫ب‪##‬ه العام‪##‬ة) (‪ ..)1‬انظ‪##‬روا كي‪##‬ف جع‪##‬ل من (رواي‪##‬ة العام‪##‬ة) مقياس‪##‬ا لمعرف‪##‬ة الق‪##‬راءة‬
‫الصحيحة الجائزة‪ ،‬وأما غيرها فمردود وغير جائز االخذ اطالقا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال محم‪##‬د بن ص‪##‬الح (ت ‪ :)168‬س‪##‬معت رجال يق‪##‬ول ألبي‬
‫ق َوثَاقَ‪#‬هُ أَ َح‪ٌ #‬د﴾‬
‫عمرو بن العالء‪ :‬كيف تق‪##‬رأ‪﴿ :‬فَيَوْ َمئِ‪ٍ #‬ذ اَل يُ َع‪ِّ #‬ذبُ َع َذابَ‪#‬هُ أَ َح‪ٌ #‬د َواَل يُوثِ‪#ُ #‬‬
‫[الفجر‪]26-25 :‬؟ فقال‪ ﴿ :‬اَل يُ َع ِّذبُ ﴾ بالكسر‪ ،‬فقال له الرجل‪ :‬كيف؟ وقد جاء عن الن‪##‬بى‬
‫‪﴿ ‬اَل يُ َع ِّذبُ ﴾ بالفتح‪ ،‬فقال له أبوعمرو‪( :‬لوسمعت الرجل الذى قال‪ :‬س‪##‬معت الن‪##‬بى‬
‫‪ ‬ما أخذت عنه‪ ،‬أو تدرى ما ذاك؟‪ ..‬ألنى أتهم الواح‪##‬د الش‪##‬اذ إذا ك‪##‬ان على خالف‬
‫ما جاءت به العامة) (‪ ..)2‬انظروا كيف جعل (ما جاءت ب‪##‬ه العام‪##‬ة) معي‪##‬ارا لمعرف‪##‬ة‬
‫القراءة الصحيحة عن الشاذة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلهم قال ابن قتيبة (ت ‪( :)276‬كل ما كان من الق‪##‬راءات موافق‪##‬ا‬
‫لمصحفنا‪ ،‬غير خ‪##‬ارج من رس‪##‬م كتاب‪##‬ه‪ ،‬ج‪##‬از لن‪##‬ا ان نق‪##‬رأ ب‪##‬ه‪ ،‬وليس لن‪##‬ا ذل‪##‬ك فيم‪##‬ا‬
‫خالفه‪ ،‬ألن المتقدمين من الصحابة والتابعين قرؤوا‪ #‬بلغ‪##‬اتهم‪ ،‬وج‪##‬روا على ع‪##‬ادتهم‪،‬‬
‫وخل‪##‬وا أنفس‪##‬هم وس‪##‬وم طب‪##‬ائعهم‪ ،‬فك‪##‬ان ذل‪##‬ك ج‪##‬ائزا لهم‪ ،‬ولق‪##‬وم من الق‪##‬راء بع‪##‬دهم‬
‫مأمونين على التنزيل‪ ،‬عارفين بالتأويل‪ ،‬فأما نحن ـ معشر المتكلفين ـ فقد جمعنا هّللا‬
‫بحسن اختي‪##‬ار الس‪##‬لف لن‪##‬ا على مص‪##‬حف ه‪##‬و آخ‪##‬ر الع‪##‬رض‪ ،‬وليس لن‪##‬ا أن نع‪##‬دوه‪..‬‬
‫ولوجاز لنا أن نقرأه بخالف ما ثبت فى مصحفنا‪ ،‬لجاز لنا أن نكتب‪##‬ه على االختالف‬
‫والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير‪ ،‬وهن‪##‬اك يق‪##‬ع م‪##‬ا كره‪##‬ه لن‪##‬ا االئم‪##‬ة الموفق‪##‬ون)‬
‫(‪ ..)3‬انظروا‪ #‬إلى هذا العالم المحقق‪ ،‬كي‪##‬ف يجع‪##‬ل من (مص‪#‬حفنا معش‪##‬ر المس‪#‬لمين )‬
‫مقياسا لمعرفة القراءة الصحيحة‪ ،‬وينبه على أن اختي‪##‬ار الس‪#‬لف (ه‪#‬وآخر الع‪##‬رض)‬
‫الذى ال يمكن تغييره بتاتا‪( :‬وليس لنا أن نعدوه)‬
‫قال آخ‪#‬ر‪ :‬وله‪#‬ذا ق‪#‬ال الحج‪#‬ة البالغى‪( :‬ومن أج‪#‬ل ت‪#‬واتر الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم بين‬
‫عامة المسلمين جيال بعد جيل‪ ،‬استمرت مادت‪##‬ه وص‪##‬ورته وقراءت‪##‬ه المتداول‪##‬ة‪ ،‬على‬
‫نحوواح‪##‬د‪ ،‬فلم ي‪##‬ؤثر ش‪##‬يئا على مادت‪##‬ه وص‪##‬ورته م‪##‬ا ي‪##‬روى عن بعض الن‪##‬اس من‬
‫الخالف فى قراءته من القراء السبعة المعروفين وغيرهم؛ فلم تسيطر‪ #‬على صورته‬
‫قراءة أحدهم اتباعا ل‪##‬ه ول‪##‬وفى‪ #‬بعض النس‪##‬خ‪ ،‬ولم يس‪##‬يطر‪ #‬علي‪##‬ه أيض‪##‬ا م‪##‬ا روى من‬
‫ك‪##‬ثرة الق‪##‬راءات المخالف‪##‬ة ل‪##‬ه مم‪##‬ا انتش‪##‬رت روايت‪##‬ه فى الكتب كج‪##‬امع البخ‪##‬ارى‪#‬‬
‫ومستدرك الحاكم‪ ..‬وإن القراءات السبع فضال عن العشر إنما هى فى صورة بعض‬
‫الكلمات‪ ،‬ال بزيادة كلمة أونقصها‪ ،‬ومع ذل‪##‬ك م‪##‬ا هى إال رواي‪##‬ات آح‪##‬اد عن آح‪##‬اد ال‬
‫توجب اطمئنانا وال وثوقا‪ #،‬فضال عن وهنها بالتعارض ومخالفته‪##‬ا للرس‪##‬م المت‪##‬داول‬
‫‪ )(1‬المرشد الوجيز‪.181/‬‬
‫‪ )(2‬مناهل العرفان‪ 1/452 :‬نقال عن منجد المقرئين البن الجزرى‪.‬‬
‫‪ )(3‬تأويل مشكل القرآن‪.42/‬‬
‫‪73‬‬
‫المت‪##‬واتر‪ #‬بين عام‪##‬ة المس‪##‬لمين فى الس‪##‬نين المتطاول‪##‬ة‪ ..‬إذن فال يحس‪##‬ن أن يع‪##‬دل فى‬
‫القراءة عما هوالمتداول فى الرسم‪ ،‬والمعمول عليه بين عامة المسلمين فى أجيالهم‪،‬‬
‫إلى خصوصيات هذه القراءات‪ ،‬مضافا إلى أنا قد أمرنا بأن نق‪##‬رأ كم‪##‬ا يق‪##‬رأ الن‪##‬اس‪،‬‬
‫أى نوع المسلمين وعامتهم) (‪)1‬‬
‫‪ 3‬ـ القراءات والتواتر‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ ..‬واآلن ننتقل إلى ش‪##‬رط الت‪##‬واتر‪ #..‬فه‪##‬ل رواي‪##‬ة حفص‬
‫عن عاصم رواية شاذة‪ ،‬أم أنها متواترة؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬لقد قمت ببحث مفصل في ه‪##‬ذا؛ فوج‪##‬دت ص‪##‬دق‪ #‬م‪##‬ا ذك‪##‬ره بعض‬
‫أن العقي‪##‬دة الص‪##‬حيحة الثابت‪##‬ة من محققي‬ ‫العلم‪##‬اء المتخصص‪##‬ين حين ق‪##‬ال‪( :‬ع‪##‬رفت ّ‬
‫علمي األص‪##‬ول والق‪##‬راءات‪ ،‬س‪##‬واء من أه‪##‬ل الس‪##‬نة أواإلمامي‪##‬ة‪ ،‬أن الق‪##‬راءات غ‪##‬ير‬
‫مت‪##‬واترة ال عن الن‪##‬بي ‪ ،‬وال عن الص‪##‬حابة األولين‪ ،‬س‪##‬وى ق‪##‬راءة واح‪##‬دة‪ ،‬وهي‬
‫قراءة حفص المتوافقة مع قراءة جمهور المسلمين التي توارثوها يدًا عن يد‪ ،‬وكابرًا‬
‫عن كابر) (‪)2‬‬
‫قام أحد المخالفين‪ ،‬وقال‪ :‬ويلك‪ ..‬كيف تزعم ه‪##‬ذا‪ ،‬أال تع‪##‬رف أن الق‪##‬ول بع‪##‬دم‬
‫تواتر‪ #‬القراءت األخرى يعني عدم تواتر‪ #‬القرآن نفسه‪ ..‬وهو الكفر بعينه؟‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ألم تس‪##‬مع م‪##‬ا قال‪##‬ه ت‪##‬اج ال‪##‬دين عب‪##‬د الوه‪##‬اب الس‪##‬بكي في فت‪##‬اواه‪:‬‬
‫(القراءات السبع التي اقتصر عليها الش‪##‬اطبي‪ ،‬والثالث‪##‬ة ال‪##‬تي هي ق‪##‬راءة أبي جعف‪##‬ر‬
‫وقراءة يعقوب وقراءة خلف‪ ،‬متواترة معلوم من ال‪##‬دين بالض‪##‬رورة أن‪##‬ه م‪##‬نزل على‬
‫رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬ال يك‪##‬ابر في ش‪##‬يء من ذل‪##‬ك إال جاه‪##‬ل‪ ،‬وليس ت‪##‬واتر‪ #‬ش‪##‬يء منه‪##‬ا‬
‫مقصورا‪ #‬على من قرأ بالروايات‪ ،‬بل هي متواترة عند ك‪##‬ل مس‪##‬لم يق‪##‬ول أش‪##‬هد أن ال‬
‫إله إال هللا وأشهد أن محمدا رس‪##‬ول هللا‪ ،‬ولوك‪##‬ان م‪##‬ع ذل‪##‬ك عامي‪##‬ا جلف‪##‬ا ال يحف‪##‬ظ من‬
‫القرآن حرفا)‪ ،‬ثم قال‪( :‬ولهذا تقرير طويل وبرهان ع‪#‬ريض ال تس‪#‬عه ه‪#‬ذه الورق‪#‬ة‪،‬‬
‫وحظ كل مسلم وحقه أن يدين هلل تعالى وتجزم‪ #‬نفسه ب‪##‬أن م‪##‬ا ذكرن‪##‬اه مت‪##‬واتر‪ #‬معل‪##‬وم‬
‫ب‪##‬اليقين‪ ،‬ال تتط‪##‬رق‪ #‬الظن‪##‬ون وال االرتي‪##‬اب إلى ش‪##‬يء من‪##‬ه)‪ ..‬ثم ختم مقال‪##‬ه عن ه‪##‬ذا‬
‫بقوله‪( :‬والحاصل‪ :‬أن السبع متواترة اتفاقا‪ ،‬وكذا الثالثة‪ :‬أبوجعفر ويعقوب وخلف‪،‬‬
‫على األصح‪ ،‬بل الصحيح المختار وهوال‪##‬ذي تلقين‪##‬اه عن عام‪##‬ة ش‪##‬يوخنا وأخ‪##‬ذنا‪ #‬ب‪##‬ه‬
‫عنهم‪ ،‬وب‪#‬ه نأخ‪#‬ذ‪ :‬أن األربع‪#‬ة بع‪#‬دها‪ :‬ابن محيص‪#‬ن واليزي‪#‬دي‪ #‬والحس‪#‬ن واألعمش‪،‬‬
‫شاذة اتفاقا) (‪)3‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال الن‪##‬ووي‪( :‬ق‪##‬ال أص‪##‬حابنا‪ #‬وغ‪##‬يرهم‪ :‬تج‪##‬وز الق‪##‬راءة في‬
‫الصالة وغيرها بكل واحدة من القراءات السبع‪ ،‬وال تجوز الق‪##‬راءة في الص‪##‬الة وال‬
‫غيرها بالقراءة الشاذة‪ ،‬ألنها ليس‪#‬ت قرآن‪#‬ا‪ #‬؛ ف‪#‬إن الق‪#‬رآن ال يثبت إال ب‪#‬التواتر‪ ،‬وك‪#‬ل‬
‫‪ )(1‬آالء الرحمن‪.1/30 :‬‬
‫‪ )(2‬التمهيد في علوم القرآن‪،‬ج‪ 2‬ص‪.51‬‬
‫‪ )(3‬إتحاف فضالء البشر في القراءات األربعة عشر (ص ‪)9‬‬
‫‪74‬‬
‫واحدة من السبع مت‪##‬واترة‪ ،‬وه‪##‬ذا هوالص‪##‬واب‪ #‬ال‪##‬ذي ال يع‪##‬دل عن‪#‬ه‪ ،‬ومن ق‪##‬ال غ‪#‬يره‬
‫فغالط‪ #‬أوجاهل) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ق‪##‬ال ابن النج‪##‬ار الفت‪##‬وحي‪( :‬والق‪##‬راءات الس‪##‬بع مت‪##‬واترةٌ عن‪##‬د‬
‫األئمة األربعة وغيرهم من األئمة من علماء السنة) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الزرقاني‪ ( #:‬والتحقيق الذي يؤيده الدليل هوأن القراءات‬
‫العشر كلها متواترة‪ ،‬وهو رأي المحققين من األصوليين والقراء كابن الس‪##‬بكي وابن‬
‫الجزري‪ #‬والنويري) (‪)3‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬أم‪##‬ا ك‪##‬ون أس‪##‬انيد أئم‪##‬ة الق‪##‬راءات الم‪##‬ذكورة في كتبهم معروف‪##‬ة‬
‫محصورة‪ ،‬وهي أسانيد آحاد ؛ فقد أجاب عن هذا شرف‪ #‬الدين الدمياطي بقول‪##‬ه‪( :‬إن‬
‫انحصار‪ #‬األسانيد المذكورة في طائفة ال يمن‪##‬ع مجيء الق‪##‬راءات عن غ‪##‬يرهم‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫نسبت القراءات إليهم لتصديهم‪ #‬لضبط الحروف وحفظ شيوخهم‪ #‬فيها‪ ،‬ومع كل واحد‬
‫منهم في طبقته ما يبلغها عدد التواتر)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪#‬ه ق‪#‬ال ابن النج‪#‬ار الفت‪#‬وحي‪( :‬انحص‪#‬ار‪ #‬األس‪#‬انيد‪ #‬في طائف‪##‬ة ال‬
‫يمنع مجيء القراءات عن غيرهم؛ فقد كان يتلقى القراءة من كل بلد بق‪##‬راءة إم‪##‬امهم‬
‫ال‪##‬ذي من الص‪##‬حابة أومن غ‪##‬يرهم‪ :‬الجم الغف‪##‬ير عن مثلهم‪ ،‬وك‪##‬ذلك دائم‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬التواتر‬
‫حاص ٌل لهم‪ ،‬ولكن األئمة الذين قصدوا ضبط الحروف‪ #‬وحفظوا ش‪##‬يوخهم‪ #‬فيه‪##‬ا ج‪##‬اء‬
‫السند من قبلهم‪ ،‬وهذا كاألخبار‪ #‬الواردة في حج‪##‬ة ال‪##‬وداع هي آح‪##‬ا ٌد‪ ،‬ولم ت‪##‬زل حج‪##‬ة‬
‫الوداع منقولة عمن يحصل بهم التواتر عن مثلهم في ك‪##‬ل عص‪##‬ر‪ ،‬فينبغي‪ #‬أن يتفطن‬
‫لذلك‪ ،‬وال يغتر بقول من قال‪ :‬إن أسانيد القراء تشهد بأنها آحا ٌد) (‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬أما الشبهة التي يثيرها بعضهم من أن تواتر القراءات لم يظهر قبل‬
‫ابن مجاهد الذي سبع الس‪##‬بعة؛ ف‪##‬الجواب عن‪##‬ه‪ :‬أن الت‪##‬واتر معن‪##‬اه إف‪##‬ادة العلم اليقي‪##‬ني‬
‫المقطوع به دون الظني‪ ،‬وقد حصل العلم اليقي‪##‬ني بص‪##‬حة الق‪##‬راءات الس‪##‬بع‪ ،‬ونقله‪##‬ا‬
‫على صفة التواتر ال‪##‬ذي يفي‪##‬د العلم اليقي‪##‬ني بمض‪##‬مونها ؛ وه‪##‬ذا هوالمطل‪##‬وب‪ ،‬بغض‬
‫النظر عما إذا كان االسم معروفا في ه‪##‬ذا الزم‪##‬ان‪ ،‬أولم يكن معروف‪##‬ا ؛ فه‪##‬ذه مس‪##‬ألة‬

‫المجموع (‪)392/ 3‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫شرح الكوكب المنير (‪)127/ 2‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)441/ 1‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫إتحاف فضالء البشر في القراءات األربعة عشر (ص ‪)9‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫شرح الكوكب المنير (‪ 127/ 2‬ـ ‪)128‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪75‬‬
‫فنية اصطالحية‪ ،‬تتعلق بالتصنيف‪ #‬في العلوم ومدارس‪##‬تها‪ ،‬فم‪##‬ا زالت الع‪##‬رب تنط‪##‬ق‬
‫المبتدأ مرفوعا‪ ،‬والمفعول به منصوبا‪ ،‬والمضاف‪ #‬إليه مجرورا‪ ،‬وهك‪##‬ذا ؛ ول‪##‬وبعث‪#‬‬
‫أهل الجاهلية اآلن ما عرف واحد منهم‪ :‬ما المبتدأ‪ ،‬وما الخ‪##‬بر‪ ،‬ب‪##‬ل م‪##‬ا ع‪##‬رف منهم‬
‫أحد م‪#‬ا علم النحوال‪#‬ذي يتح‪#‬دث عن‪#‬ه‪ ،‬وب‪#‬ه‪ ،‬الن‪#‬اس‪ ..‬وهك‪#‬ذا في علم الح‪#‬ديث‪ ،‬وعلم‬
‫أصول الفقه‪ ،‬وغيرها من العلوم ؛ فتأخر‪ #‬ظه‪##‬ور المص‪##‬طلح الخ‪##‬اص بعلم معين‪ ،‬ال‬
‫يعني أن مضمونه لم يكن معروفا‪ #‬من قبل عند أهل هذا الشأن‪ ،‬وأما أن مض‪##‬مونه لم‬
‫يكن معروفا عند غير أهل الفن‪ ،‬أولم يكن ش‪#‬ائعا بص‪#‬ورة عام‪#‬ة ؛ فه‪#‬ذا ال يق‪#‬دح في‬
‫وجود‪ #‬المضمون‪ ،‬وال ثبوت المسألة العلمية‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد عبر شمس الدين الذهبي عن هذا بقوله‪( :‬ليس من شرط التواتر‬
‫أن يص‪##‬ل إلى ك‪##‬ل األم‪##‬ة‪ ،‬فعن‪##‬د الق‪##‬راء أش‪##‬ياء مت‪##‬واترة دون غ‪##‬يرهم‪ ،‬وعن‪##‬د الفقه‪##‬اء‬
‫مسائل متواترة عن أئمتهم ال يدريها‪ #‬القراء‪ ،‬وعند المحدثين أح‪##‬اديث مت‪##‬واترة ق‪##‬د ال‬
‫يك‪##‬ون س‪##‬معها الفقه‪##‬اء‪ ،‬أوأف‪##‬ادتهم ظن‪##‬ا فق‪##‬ط‪ ،‬وعن‪##‬د النح‪##‬اة مس‪##‬ائل قطعي‪##‬ة‪ ،‬وك‪##‬ذلك‬
‫اللغويون) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ ..‬واآلن أجيبوني هل يمكن أن يكون النبي ‪ ‬ق‪##‬د ق‪##‬رأ‬
‫بجميع تلك القراءات‪ ،‬وكيف يتحقق ذلك مع التعارض بينها‪ ..‬أم أنه ك‪##‬ان يجم‪##‬ع بين‬
‫الجميع‪ ..‬وكيف كان يقرأ الكلمات المختلف فيها؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فما تقولون فيما ينفرد ب‪##‬ه ك‪##‬ل ق‪##‬ارئ عن س‪##‬ائر الق‪##‬راء؟‪ ..‬فكي‪#‬ف‪#‬‬
‫يقال بأن هذا متواتر؟‪ #..‬كيف يقال عما انفرد به رويس مثالً من قراءة ﴿نورث﴾ بفتح‬
‫الواووتشديد‪ #‬الراء‪ ..‬أو انفرد به ابن كثير بقراءة ﴿خير مقاماً﴾ بض‪##‬م الميم‪ ..‬أو انف‪##‬رد‬
‫به أبوعمرو بقراءة ﴿ق‪##‬الوا إن ه‪##‬ذين﴾ بالي‪##‬اء‪ ..‬أو انف‪##‬رد ب‪##‬ه حم‪##‬زة بق‪##‬راءة ﴿ال تخ‪##‬ف‬
‫درك‪#‬اً﴾ ب‪#‬الجزم‪ ..‬أو انف‪#‬رد ب‪#‬ه أب‪#‬وجعفر بق‪#‬راءة ﴿لنحرقن‪#‬ه﴾ بإس‪#‬كان الح‪#‬اء وتخفي‪#‬ف‬
‫الراء‪ ..‬أو انفرد به يعقوب بقراءة ﴿زهرة الحياة﴾ بفتح اله‪#‬اء‪ ..‬أو انف‪#‬رد ب‪#‬ه الكس‪#‬ائي‪#‬‬
‫بقراءة ﴿جذاذاً﴾ بالكسر‪ ..‬وغير ذلك كثير‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولكن كي‪##‬ف تجيب على م‪##‬ا اس‪##‬تدل ب‪##‬ه ابن الح‪##‬اجب ـ فى مختص‪##‬ر‬
‫أصوله ـ إلثبات تواتر‪ #‬الق‪##‬راءات الس‪##‬بع‪ ،‬حيث ق‪##‬ال‪ ..( :‬وإال فيل‪##‬زم‪ #‬أن يك‪##‬ون بعض‬
‫الق‪##‬رآن غ‪##‬ير مت‪##‬واتر‪ ،‬إذ لواختل‪##‬ف الق‪##‬راء فى كلم‪##‬ة‪ ،‬كم‪##‬ا فى مث‪##‬ل (غياب‪##‬ة) أو‬
‫(غيابات)‪ ،‬ومثل (آية) أو (آيات)‪ ،‬و(ملك) أو (مالك) ونحو‪ #‬ذلك مما ق‪##‬رئ ب‪##‬وجهين‬
‫أو باكثر‪ ،‬فإن التزمنا بتواتر القراءات جميعا فهو‪ ،‬وإال فأي الق‪##‬راءتين تك‪##‬ون قرآن‪##‬ا‬
‫لتك‪##‬ون األخ‪##‬رى غ‪##‬ير ق‪##‬رآن‪ ،‬وإذا ترددن‪##‬ا فى ذل‪##‬ك ف‪##‬إن معن‪##‬اه التردي‪##‬د فى النص‬
‫األصلى‪ ،‬وهذا ال يلتئم والقول بتواتر‪ #‬القرآن) (‪)2‬‬
‫أش‪##‬ار إلي المعلم‪ ،‬فقلت(‪ :)3‬الج‪##‬واب على ذل‪##‬ك س‪##‬هل ج‪##‬دا؛ ف‪##‬النص األص‪##‬لى‬
‫‪ )(1‬سير أعالم النبالء (‪)171/ 10‬‬
‫‪ )(2‬الكشف فى القراءات السبع‪ 1/25 :‬ـ ‪.26‬‬
‫‪ )(3‬التمهيد‪.2/83 :‬‬
‫‪76‬‬
‫للقرآن الكريم هو ما ثبت فى المصحف الك‪##‬ريم‪ ،‬وال‪##‬ذى أجمعت األم‪##‬ة علي‪#‬ه‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫جاء االختالف فى كيفية قراءته‪ ،‬وفى أسلوب تعبيره‪ ،‬األمر الذى ال يتن‪##‬افى‪ #‬وثب‪##‬وت‬
‫ت‪##‬واتر األص‪##‬ل‪ ،‬كم‪##‬ا فى كث‪##‬ير من أش‪##‬عار الش‪##‬عراء الق‪##‬دامى‪ ،‬حيث أص‪##‬ل ال‪##‬بيت‬
‫أوالقص‪###‬يدة ثابت‪###‬ة ل‪###‬ه ب‪###‬التواتر وإن ك‪###‬ان ال‪###‬رواة مختلفين فى بعض الكلم‪###‬ات أو‬
‫الحركات‪.‬‬
‫قال آخ‪#‬ر‪ :‬وق‪#‬د ع‪#‬بر عن ه‪#‬ذا الزركش‪#‬ي بقول‪#‬ه‪( :‬اعلم أن الق‪#‬رآن والق‪#‬راءات‬
‫حقيقتان متغايرت‪##‬ان‪ ،‬ف‪##‬القرآن هوال‪##‬وحي‪ #‬الم‪##‬نزل على محم‪##‬د ‪ ‬للبي‪##‬ان واإلعج‪##‬از‪،‬‬
‫والق‪##‬راءات هي اختالف ألف‪##‬اظ ال‪##‬وحي الم‪##‬ذكور‪ #‬في كتب‪##‬ة الح‪##‬روف‪ #‬أوكيفيته‪##‬ا من‬
‫تخفيف وتثقيل وغيرهما)(‪ ..)1‬أي‪ :‬أن القرآن هوالوحي‪ #‬المنزل‪ ،‬والقراءات اختالف‬
‫ألفاظ هذا الوحي‪ ،‬فطريقة اللفظ بهذا الوحي مختلفة لكن حقيقت‪##‬ه ق‪##‬رآن ووحي واح‪##‬د‬
‫منزل على محمد ‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وعبر عنه أحمد البنا بقوله‪( :‬القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان‪،‬‬
‫ف‪##‬القرآن هوال‪##‬وحي الم‪##‬نزل لإلعج‪##‬از والبي‪##‬ان‪ ،‬والق‪##‬راءات اختالف ألف‪##‬اظ ال‪##‬وحي‬
‫المذكور‪ #‬في الحروف‪ ،‬أوكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وعبر عنه أحد المتأخرين وهو عبد الصبور‪ #‬شاهين بقول‪##‬ه‪( :‬وليس‬
‫صحيحا ً أن القراءات تعتبر من النص القرآني‪ ،‬فهناك فرق بين الق‪##‬رآن والق‪##‬راءات‪،‬‬
‫وهما في الواقع يمثالن حقيقتين متغايرتين‪ ،‬فالقرآن هوذل‪##‬ك النص الم‪##‬نزل بوس‪#‬اطة‬
‫ال‪##‬وحي على قلب الرس‪##‬ول ‪ ،‬والث‪##‬ابت ب‪##‬التواتر‪ #‬ثبوت ‪#‬ا ً قطعي ‪#‬ا ً ال ريب في‪##‬ه‪ ،‬وأم‪##‬ا‬
‫الق‪##‬راءات فهي رواي‪##‬ات ووج‪##‬وه أدائي‪##‬ة‪ ،‬منه‪##‬ا المت‪##‬واتر‪ ،‬ومنه‪##‬ا الص‪##‬حيح‪ ،‬ومنه‪##‬ا‬
‫الضعيف‪ ،‬ومنها الموضوع‪ ،‬وهي ب‪##‬ذلك تغ‪##‬اير الق‪##‬رآن تغ‪##‬ايراً كب‪##‬يراً‪ ،‬ألنه‪##‬ا تتعل‪##‬ق‬
‫باللفظ ال بالتركيب) (‪)3‬‬
‫ُ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال صبري األشوح‪ ،‬وهو أحد المتأخرين‪( :‬أ َر ِّجح القول بأن‬
‫القرآن والقراءات العشر المشهورة حقيقتان متغايرتان) (‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ذك‪##‬ر ش‪##‬عبان إس‪##‬ماعيل في كتاب‪##‬ه الق‪##‬راءات وأحكامه‪##‬ا‬
‫ومصدرها أن القول ب‪##‬أن الق‪##‬رآن والق‪##‬راءات حقيقت‪##‬ان متح‪##‬دتان (ق‪##‬ول م‪##‬ردود غ‪##‬ير‬
‫مقبول‪ ،‬لم يقل به أحد من العلماء السابقين) (‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومما يوضح أن القول بعدم تواتر‪ #‬القراءات ال يتعارض م‪##‬ع الق‪##‬ول‬
‫بتواتر‪ #‬القرآن نفسه وأنهما حقيقتان متغايرتان أن االختالف في طريقة أداء اللف‪##‬ظ ال‬
‫يع‪##‬نى االختالف في اللف‪##‬ظ نفس‪##‬ه‪ ،‬فل‪##‬و أخ‪##‬بر جماع‪##‬ة أن فالن‪#‬ا ً ق‪##‬ال‪ :‬هللا أك‪##‬بر‪ ،‬فق‪##‬ال‬
‫بعضهم‪ #:‬إنه قالها متصلة‪ ،‬وق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪ #:‬ب‪##‬ل فص‪##‬ل بين الكلم‪##‬تين‪ ،‬وق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪:‬‬
‫البرهان (‪)1/318‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلتحاف (‪)1/69‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تاريخ القرآن (ص ‪)40‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫إعجاز القراءات (ص ‪)105‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫إعجاز القراءات (ص ‪)14‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪77‬‬
‫قالها ومد لفظ الجاللة‪ ،‬وق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪ :‬لم يم‪##‬دها‪ ،‬وق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪ :‬قاله‪##‬ا متغني‪#‬ا ً به‪##‬ا‪،‬‬
‫وقال بعضهم‪ #:‬قالها من دون تغني‪ ..‬فالمتواتر‪ #‬أنه ق‪##‬ال‪ :‬هللا أك‪##‬بر‪ ،‬وأم‪##‬ا ص‪##‬فة قوله‪##‬ا‬
‫وأدائها‪ #‬فليس بمتواتر‪#.‬‬
‫قال أحد المخالفين‪ :‬ولكن المحققين من العلماء يذكرون غير هذا‪.‬‬
‫أش‪##‬ار إلي المعلم‪ ،‬فقلت‪ :‬ال‪ ..‬الكث‪##‬ير من العلم‪##‬اء يقول‪##‬ون ب‪##‬ذلك‪ ..‬وال ي‪##‬رون‬
‫تناقضا‪ #‬بين كون القرآن الكريم متواترا‪ ،‬وبين عدم ت‪##‬واتر الق‪##‬راءات القرآني‪##‬ة‪ ..‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك العالمة سليمان بن عبد القوي الطوفي‪ #‬الصرصري‪( ،‬ت ‪716‬هـ)‬
‫‪ ،‬فقد قال‪( :‬والتحقيق أن القراءات متواترة عن األئمة السبعة‪ ،‬أما تواترها عن النبي‬
‫‪ ‬إلى األئمة السبعة‪ ،‬فهو‪ #‬محل نظر‪ ،‬ف‪##‬إن أس‪##‬انيد األئم‪##‬ة الس‪##‬بعة‪ ،‬به‪##‬ذه الق‪##‬راءات‬
‫السبعة‪ ،‬إلى النبي ‪ ‬موجودة في كتب القراءات‪ ،‬وهي نقل الواح‪##‬د عن الواح‪##‬د‪ ،‬لم‬
‫تستكمل شروط‪ #‬التواتر‪ ،‬ولوال اإلطالة والخروج‪ #‬عم‪##‬ا نحن في‪##‬ه‪ ،‬ل‪##‬ذكرت طرف‪##‬ا من‬
‫طرقهم ولكن هي موجودة في كتب العراقيين‪ ،‬والحجازيين‪ ،‬والش‪##‬اميين‪ ،‬وغ‪##‬يرهم‪،‬‬
‫فإن عاودتها‪ #‬من مظانها‪ #‬وجدتها كما وصف‪ #‬لك‪ ..‬وأبلغ من هذا أنه‪##‬ا في زمن الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬لم تتواتر بين الصحابة‪ ،‬بدليل حديث عمر لما خاصم هش‪##‬ام بن حكيم بن ح‪##‬زام‪،‬‬
‫حيث خالفه في ق‪#‬راءة س‪#‬ورة الفرق‪#‬ان إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ول‪#‬و ك‪##‬انت مت‪##‬واترة بينهم‬
‫لحصل العلم لكل منهم بها عن النبي ‪ ‬ثم لم يكن عمر ليخاصم فيم‪##‬ا ت‪##‬واتر عن‪##‬ده)‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم أشار إلى النفور النفسي الذي يج‪##‬ده غ‪##‬ير المحققين‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬اعلم أن بعض‬
‫من ال تحقيق عنده ينفر من القول بعدم ت‪##‬واتر الق‪##‬راءات‪ ،‬ظن‪##‬ا من‪##‬ه أن ذل‪##‬ك يس‪##‬تلزم‬
‫عدم تواتر‪ #‬القرآن‪ ،‬وليس ذلك بالزم‪ ،‬لما ذكرناه أول المسألة‪ ،‬من الفرق بين ماهي‪##‬ة‬
‫القرآن والقراءات‪ ،‬واإلجماع على تواتر القرآن) (‪)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أج‪#‬ل‪ ..‬ومنهم العالم‪#‬ة أب‪#‬و عب‪#‬د هللا ب‪#‬در ال‪#‬دين الزركش‪#‬ي‪ #‬الش‪#‬افعي (ت‬
‫‪ 794‬هـ)‪ ،‬فقد قال‪( :‬التحقيق أنها متواترة عن األئمة السبعة‪ ،‬أما تواترها عن الن‪##‬بي‬
‫ففي‪##‬ه نظ‪##‬ر‪ ،‬ف‪##‬إن إس‪##‬ناد األئم‪##‬ة الس‪##‬بعة به‪##‬ذه الق‪##‬راءات الس‪##‬بعة موج‪##‬ود‪ #‬في كتب‬
‫القراءات‪ ،‬وهي نقل الواحد عن الواحد)(‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فمنهم العالمة أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني (المت‪##‬وفى‪:‬‬
‫‪437‬هـ)‪ ،‬فقد قال‪( :‬جمي‪##‬ع م‪##‬ا روي من الق‪##‬راءات على ثالث‪##‬ة أقس‪##‬ام‪ :‬قس‪##‬م يق‪##‬رأ ب‪##‬ه‬
‫اليوم‪ ،‬وذلك م‪#‬ا اجتم‪#‬ع في‪#‬ه ثالث خالل‪ ،‬وهي‪ :‬أن ينق‪#‬ل عن الثق‪##‬ات إلى الن‪##‬بي ‪،‬‬
‫ويك‪##‬ون وجه‪##‬ه في العربي‪##‬ة ال‪##‬تي ن‪##‬زل به‪##‬ا الق‪##‬رآن ش‪##‬ائعاً‪ ،‬ويك‪##‬ون موافق‪##‬ا ً لخ‪##‬ط‬

‫‪ )(1‬شرح مختصر الروضة (‪)2/23‬‬


‫‪ )(2‬شرح مختصر الروضة (‪)2/24‬‬
‫‪ )(3‬البرهان (‪)1/318‬‬
‫‪78‬‬
‫المصحف؛ فإذا اجتمعت فيه هذه الخالل الثالث قرئ‪ #‬به‪ ،‬وقطع على مغيبه وصحته‬
‫وصدقه‪ ،‬ألنه أخذ عن إجماع من جهة موافقته لخ‪##‬ط المص‪##‬حف‪ ،‬وكف‪##‬ر من جح‪##‬ده‪..‬‬
‫والقسم الثاني‪ :‬ما صح نقله في اآلحاد‪ ،‬وصح وجهه في العربية‪ ،‬وخالف لفظه خ‪##‬ط‬
‫المصحف‪ #..‬والقسم الثالث‪ :‬ما نقله غير ثقة‪ ،‬أونقله ثقة وال وجه له في العربية) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فمنهم العالمة أبو القاسم شهاب الدين عبد ال‪##‬رحمن بن إس‪##‬ماعيل‬
‫الدمشقي المعروف‪ #‬بأبي شامة (المت‪##‬وفى‪665 : #‬هـ)‪ ،‬فق‪##‬د نق‪##‬ل ق‪##‬ول البغ‪##‬وي‪( :‬فأم‪##‬ا‬
‫القراءة باللغات المختلفة مم‪#‬ا يواف‪##‬ق الخ‪#‬ط والكت‪#‬اب فالفس‪#‬حة في‪#‬ه باقي‪#‬ة‪ ،‬والتوس‪#‬عة‬
‫قائمة بعد ثبوتها‪ #‬وصحتها‪ ،‬بنقل العدول عن رسول هللا ‪ ،)2()‬وعقب عليه بقول‪##‬ه‪:‬‬
‫(وال يلزم في ذلك تواتر‪ ،‬بل تكفي اآلح‪##‬اد الص‪##‬حيحة من االستفاض‪##‬ة وموافق‪##‬ة خ‪##‬ط‬
‫المصحف‪ #‬وعدم المنكرين لها نقال وتوجيها من حيث اللغة) (‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أج‪###‬ل‪ ..‬فمنهم العالم‪###‬ة محم‪###‬د بن علي الش‪###‬وكاني اليم‪###‬ني (المت‪###‬وفى‪:‬‬
‫‪1250‬هـ)‪ ،‬فقد قال‪( :‬وقد ادعي تواتر كل واحدة من القراءات السبع‪ ،‬وادعي أيض ‪#‬ا ً‬
‫تواتر‪ #‬القراءات العشر‪ ،‬وليس على ذلك أثارة من علم‪ ،‬فإن هذه القراءات كل وح‪##‬دة‬
‫منها منقولة نقال أحادياً‪ ،‬كما يعرف ذلك من يعرف‪ #‬أسانيد هؤالء الق‪##‬راء لق‪##‬راءاتهم‪،‬‬
‫وقد‪ #‬نقل جماعة من القراء اإلجماع على أن في هذه القراءات م‪##‬ا هومت‪##‬واتر‪ ،‬وفيه‪##‬ا‬
‫ما هوآحاد‪ ،‬ولم يقل أحد منهم بتواتر‪ #‬كل واحدة من السبع فض ‪#‬الً عن العش‪##‬ر‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫هوقول‪ #‬قاله بعض أهل األصول‪ ،‬وأهل الفن أخ‪##‬بر بفنهم‪ ..‬والحاص‪##‬ل أن م‪##‬ا اش‪##‬تمل‬
‫عليه المصحف الشريف واتفق عليه القراء المشهورون فهوقرآن‪ ،‬وم‪##‬ا اختلف‪##‬وا في‪#‬ه‬
‫ف‪##‬إن احتم‪##‬ل رس‪#‬م‪ #‬المص‪##‬حف ق‪##‬راءة ك‪##‬ل واح‪##‬د من المختلفين م‪##‬ع مطابقته‪##‬ا للوج‪##‬ه‬
‫اإلعرابي والمعنى‪ #‬العربي فهي قرآن كلها‪ ،‬وإن احتمل بعضها دون بعض فإن صح‬
‫إسناد ما لم يحتمله وكانت موافق‪##‬ة للوج‪##‬ه اإلع‪##‬رابي والمع‪##‬نى الع‪##‬ربي‪ #‬فهي الش‪##‬اذة‪،‬‬
‫ولها حكم أخبار اآلحاد في الداللة على مدلولها‪ ،‬وس‪#‬واء ك‪#‬انت من الق‪#‬راءات الس‪#‬بع‬
‫أو من غيرها)(‪)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أج‪##‬ل‪ ..‬فمنهم العالم‪##‬ة أحم‪##‬د بن محم‪##‬د ‌القس‪##‬طالني القتي‪##‬بي المص‪##‬ري‪#‬‬
‫(المتوفى‪٩٢٣ :‬هـ)‪ ،‬فقد ق‪##‬ال‪( :‬الت‪##‬واتر ب‪##‬النظر‪ #‬لمجم‪##‬وع الق‪##‬رآن‪ ،‬وإال فلواش‪##‬ترطنا‪#‬‬
‫التواتر‪ #‬في ك‪##‬ل ف‪##‬رد‪ #‬ف‪##‬رد من أح‪##‬رف الخالف انتفى كث‪##‬ير من الق‪##‬راءات الثابت‪##‬ة عن‬
‫اإلبانة عن معاني القراءات (ص ‪)51‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫شرح السنة ص‪.141‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (‪)1/145‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول (‪)1/87‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪79‬‬
‫وغيرهم) (‪)1‬‬ ‫هؤالء األئمة السبعة‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فمنهم شمس الدين الذهبي (المتوفى‪٧٤٨ #:‬هـ) ‪ ،‬فقد ق‪##‬ال‪( :‬فكث‪##‬ير‬
‫من القراءات ت‪##‬دعون تواتره‪##‬ا‪ ،‬وبالجه‪##‬د أن تق‪##‬دروا على غ‪##‬ير اآلح‪##‬اد فيه‪##‬ا‪ ،‬ونحن‬
‫نقول‪ :‬نتلو بها وإن كانت ال تعرف‪ #‬إال عن واحد لكونها تلقيت بالقبول فأفادت‪ #‬العلم‪،‬‬
‫وهذا واقع في حروف كثيرة وقراءات عديدة‪ ،‬ومن ادعى تواترها فقد ك‪##‬ابر الحس‪،‬‬
‫أما القرآن العظيم سوره وآياته فمتواتر وهلل الحمد‪ ،‬محفوظ من هللا تعالى ال يستطيع‬
‫أحد أن يبدله وال يزيد فيه آية وال جملة مستقلة) (‪)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فمنهم أبو عبد هللا القيج‪##‬اطي‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪( :‬والق‪##‬رآن المت‪##‬واتر‪ #‬عن‪##‬د‬
‫علماء اإلسالم غير القراءات‪ ،‬ومن وق‪#‬ف ت‪#‬واتر الق‪#‬رآن على ت‪#‬واتر الق‪#‬راءات فه‪#‬و‬
‫جاهل بالقرآن وبالقراءات‪ ،‬وبم‪##‬ا أجم‪##‬ع علي‪##‬ه العلم‪##‬اء‪ ،‬ويلزم‪##‬ه ع‪##‬دم ت‪##‬واتر الق‪##‬رآن‬
‫لزوماً‪ #‬ال انفكاك له عنه‪ ،‬إلجماع أئمة المس‪##‬لمين على أن ط‪##‬رق نق‪##‬ل الق‪##‬راءات إنم‪##‬ا‬
‫هي األسانيد الصحيحة من طرق اآلحاد الثقات العلماء المتصلة أس‪##‬انيدهم بالرس‪##‬ول‪#‬‬
‫‪ ،‬مع موافقة مصحف من المصاحف التي وجهها‪ #‬عثمان إلى البلدان‪ ،‬ومن ادعى‬
‫زيادة على هذا وزعم أن الق‪##‬راءات ال تقب‪##‬ل إال إذا ت‪##‬واتر نقله‪##‬ا فق‪##‬د اف‪##‬ترى على هللا‬
‫وعلى رسوله ‪ ‬وعلى أئمة المسلمين وخالف إجماعهم)(‪)3‬‬
‫ثم نقل عن ابن العربي قوله في كتابه المسمى بالرحلة الص‪##‬غرى‪( :‬وق‪##‬د نق‪##‬ل‬
‫القرآن نقل تواتر يوجب العلم ويقطع العذر‪ ،‬وقراءاته نقلت نقل آحاد‪ ،‬وقد‪ #‬بين‪##‬ا ذل‪##‬ك‬
‫في تفسير قوله ‪( :‬أنزل القرآن على سبعة أحرف)‪ ..‬ونقل عن أبي علي الزبي‪##‬دي‬
‫قوله‪( :‬وقد ثبت أن القرآن منقول تواتراً‪ ،‬وأن الق‪##‬راءات منقول‪##‬ة آح‪##‬اداً‪ ،‬وال ارتب‪##‬اط‪#‬‬
‫بينهما في حكم النقل‪ ،‬والقراءات فروع تتعلق بالقرآن‪ ،‬فلم يلزم في القرآن أن يك‪##‬ون‬
‫منقوالً نقل آحاد‪ ،‬وإن كانت القراءات المتعلقة منقولة نقل آحادا) (‪)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فهل هناك غيره ممن شهد بهذا؟‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ..‬فمنهم شمس الدين أبو الخ‪#‬ير ابن الج‪#‬زري (المت‪##‬وفى‪833 :‬هـ)‪،‬‬
‫فقد قال‪( :‬المقروء به عن الق‪#‬راء العش‪#‬رة على قس‪#‬مين‪ :‬مت‪#‬واتر‪ #‬وص‪#‬حيح مس‪#‬تفاض‬
‫متلقى بالقبول والقطع حاصل بهما) (‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬أجل‪ ..‬وقد قرأت له كالم‪##‬ا ي‪##‬بين في‪##‬ه تراجع‪##‬ه عم‪##‬ا ك‪##‬ان يعتق‪##‬ده من‬

‫لطائف اإلشارات (‪)1/128‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫سير أعالم النبالء (‪)10/171‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المعيار المعرب (‪)12/148‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المعيار المعرب (‪)12/148‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص ‪)21‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪80‬‬
‫تواتر‪ #‬القراءات‪ ،‬فقد قال‪( :‬وقد ش‪##‬رط بعض المت‪##‬أخرين الت‪##‬واتر‪ #‬في ه‪##‬ذا ال‪##‬ركن ولم‬
‫يكتف فيه بصحة السند‪ ،‬وزعم أن القرآن ال يثبت إال ب‪##‬التواتر‪ ،‬وأن م‪##‬ا ج‪##‬اء مجيء‬
‫اآلحاد ال يثبت به قرآن‪ ،‬وهذا مما ال يخفى ما فيه‪ ،‬فإن التواتر إذا ثبت ال يحتاج فيه‬
‫إلى الركنين األخيرين من الرسم وغيره‪ ،‬إذ ما ثبت من أحرف الخالف متواتراً عن‬
‫النبي ‪ ‬وجب قبوله وقطع بكونه قرآنا ً سواء وافق الرسم أم خالف‪##‬ه‪ ،‬وإذا اش‪##‬ترطنا‬
‫التواتر‪ #‬في ك‪#‬ل ح‪#‬رف من ح‪#‬روف‪ #‬الخالف انتفى كث‪#‬ير من أح‪#‬رف الخالف الث‪#‬ابت‬
‫عن هؤالء األئمة السبعة وغيرهم‪ ،‬وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده‬
‫وموافقة أئمة السلف والخلف) (‪ ..)1‬ثم ذكر كالم أبي شامة منتص‪##‬راً‪ #‬ل‪##‬ه محتج ‪#‬ا ً ب‪##‬ه‪،‬‬
‫وقد‪ #‬وصفه باإلمام الكبير‪ ،‬ثم ذكر كالم الجع‪##‬بري‪ ،‬ومكي‪ #‬بن أبي ط‪##‬الب تأيي‪##‬داً له‪##‬ذا‬
‫القول‪..‬‬
‫التفت إلى أص‪##‬حابه‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬انظ‪##‬روا‪ #‬إلى إنص‪##‬اف العلم‪##‬اء‪ ،‬ورج‪##‬وعهم‪ #‬إلى‬
‫الحق‪ ..‬فابن الجزري‪ #‬ـ مع علمه بالقراءات وتخصصه فيه‪##‬ا ـ ص‪##‬رح بتراجع‪##‬ه عن‬
‫القول الذي ظهر له عدم صحته‪ ،‬وعدم ال‪##‬دليل علي‪##‬ه‪ ،‬حيث ع‪##‬دل عن الق‪##‬ول بت‪##‬واتر‪#‬‬
‫القراءات‪ ،‬واكتفى بالقول بصحة السند مع شهرة القراءة عند أئمة القراءات‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬وابن الجزري‪ #‬أعلم من غيره في هذه المس‪##‬ألة‪ ،‬فهواإلم‪##‬ام‬
‫المقَلَّد المعتَ َمد عليه في هذا الشأن لكل من جاء بعده إلى اليوم‪ ،‬وإلى األبد‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله بعض المتأخرين‪ ..‬وهو عبد الهادي حميتو‪ ،‬فقد ذكر تراجعه‬
‫عن القول بتواتر القراءات‪ ،‬فقد نقل ق‪##‬ول ابن الج‪##‬زري‪ #‬ال‪##‬ذي ذك‪##‬ر في‪##‬ه تراجع‪##‬ه‪ ،‬ثم‬
‫عقب علي‪##‬ه بقول‪##‬ه‪( :‬وفي نظ‪##‬ري أن الص‪##‬واب فيم‪##‬ا قال‪##‬ه‪ ،‬إذ لوك‪##‬انت ك‪##‬ل ح‪##‬روف‬
‫القراءات محتاج‪##‬ة إلى الت‪##‬واتر م‪##‬ا قبلت من أح‪##‬د من رواته‪##‬ا إال إذا ك‪##‬ان مع‪##‬ه ع‪##‬دد‬
‫التواتر‪ ،‬وهذا لم يقل به أحد‪ ،‬ب‪##‬ل اش‪##‬ترطوا‪ #‬فق‪##‬ط عدال‪##‬ة ال‪##‬راوي‪ #‬وص‪##‬حة الس‪##‬ند بم‪##‬ا‬
‫ي‪#‬روي‪ ،‬ولم يلزم‪#‬وه أن يك‪#‬ون م‪#‬ا رواه من ح‪#‬روف‪ #‬الق‪#‬راءة مت‪#‬واتراً‪ ،‬وه‪#‬ذا كم‪#‬ا ال‬
‫يخفى ال دخل له في تواتر النص المق‪##‬روء‪ ،‬إذ االختالف في بعض جزئيات‪##‬ه وكيفي‪##‬ة‬
‫أدائه ال ينافي‪ #‬تواتر أصله)‬
‫ثم استدل على ذلك بقوله‪( :‬ومما يدل ويؤكد‪ #‬على أن القراءات غ‪##‬ير مت‪##‬واترة‬
‫أن كثيراً من العلماء والق‪##‬راء والمفس‪##‬رين والنح‪##‬ويين وغ‪##‬يرهم ق‪##‬د خط‪##‬أوا ق‪##‬راءات‬
‫كثيرة قد اشتهر‪ #‬عند كثير من المتأخرين أنها متواترة‪ ،‬وهذا يدل بك‪##‬ل وض‪##‬وح‪ #‬على‬
‫أن أولئك العلماء كلهم كانوا ال يرون أنها متواترة‪ ،‬إذ لوكانوا يرونها‪ #‬كذلك لما فك‪##‬ر‬
‫واحد منهم أن يخطئها أويضعفها) (‪)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ب‪##‬ل إنن‪##‬ا إذا رجعن‪##‬ا إلى المتق‪##‬دمين‪ ،‬وفي عص‪##‬ر الق‪##‬راء نج‪##‬د ه‪##‬ذا‬
‫واضحا‪ #‬جليا‪ ..‬فقد روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال‪( :‬كنا نقرأ على أبي جعفر‬
‫القارئ‪ ،‬وكان نافع يأتيه فيقول‪ :‬يا أبا جعفر ممن أخذت حرف كذا وكذا؟ فيقول‪ :‬من‬
‫‪ )(1‬النشر (‪)1/13‬‬
‫‪ )(2‬اختالف القراءات (ص ‪)336‬‬
‫‪81‬‬
‫رجل قارئ من مروان بن الحكم‪ ،‬ثم يقول له‪ :‬ممن أخذت حرف كذا وك‪##‬ذا؟ فيق‪##‬ول‪:‬‬
‫من رجل قارئ من الحجاج‪ ،‬فلما رأى ذلك نافع تتبع القراءة يطلبها‪ #..‬وق‪##‬ال إس‪##‬حاق‬
‫المس‪##‬يبي‪ :‬ق‪##‬ال ن‪##‬افع‪ :‬ق‪##‬رأت على ه‪##‬ؤالء فنظ‪##‬رت إلى م‪##‬ا اجتم‪##‬ع علي‪##‬ه اثن‪##‬ان منهم‬
‫فأخذته) (‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬أج‪##‬ل‪ ..‬وي‪##‬دل ل‪##‬ذلك أن ورش‪##‬ا ق‪##‬رأ على ن‪##‬افع ونق‪##‬ل قراءت‪##‬ه إلى‬
‫مصر‪ ،‬ومن ثم انتقلت غرباً‪ ،‬م‪##‬ع أن ورش‪#‬اً‪ #‬لم يوافق‪##‬ه أح‪##‬د من ال‪##‬رواة عن ن‪##‬افع في‬
‫قراءته‪ ،‬وال نقلها أحد عن ن‪##‬افع غ‪##‬ير ورش‪ ..‬وه‪##‬ذا ابن كث‪##‬ير ق‪##‬رأ على عب‪##‬د هللا بن‬
‫السائب ومجاهد‪ ،‬وقرأ عليه البزي وقنبل‪ #‬بواسطة‪ ،‬فق‪##‬د أخ‪##‬ذ ال‪##‬بزي عن عكرم‪##‬ة بن‬
‫سليمان‪ ،‬عن شبل بن عباد وإسماعيل بن عبد هلل القسط‪ ،‬عن ابن كثير‪ ..‬وأخ‪##‬ذ قنب‪##‬ل‬
‫عن أبي الحسن القواس‪ ،‬عن وهب بن واضح‪ ،‬عن إسماعيل بن عبد هللا بن القس‪##‬ط‪،‬‬
‫عن شبل بن عباد ومعروف‪ #‬بن مشكان‪ ،‬عن ابن كثير‪ ..‬فأين التواتر؟!‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ابن ع‪##‬امر إنم‪##‬ا أخ‪##‬ذ الق‪##‬راءة عن المغ‪##‬يرة بن أبي ش‪##‬هاب‪،‬‬
‫والمغيرة قرأ على عثمان كما قيل‪ ..‬فأين التواتر؟!‬
‫قال آخر‪ :‬وقد قال ابن الجزري‪ :‬وقد ورد‪ #‬في إسناده تسعة أقوال‪ ،‬أصحها أنه‬
‫قرأ على المغيرة بن أبي شهاب‪ ..‬وقيل‪ :‬قرأ على أبي الدرداء‪ ،‬وقيل‪ #‬غير ذلك‪ ..‬وقد‬
‫قرأ عليه هشام وابن ذكوان بواس‪##‬طة‪ ،‬فق‪##‬د أخ‪##‬ذ ابن ذك‪##‬وان عن أي‪##‬وب بن تميم‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن الحارث الذماري‪ ،‬عن ابن عامر‪ ..‬وأخ‪##‬ذ هش‪##‬ام عن ع‪##‬راك بن خال‪##‬د‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن الحارث الذماري‪ ،‬عن ابن عامر(‪ ..)3‬فأين التواتر؟!‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله أبوعمرو‪ #‬البصري‪ ،‬أخ‪##‬ذ عن‪##‬ه ال‪##‬دوري والسوس‪#‬ي‪ #‬بواس‪##‬طة‪،‬‬
‫فقد أخذا عن يحيى اليزيدي‪ ،‬عن أبي عمر البصري‪ ..‬فأين التواتر؟!‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله حمزة أخذ عنه خلف وخالد بواسطة‪ ،‬فقد أخ‪##‬ذا عن س‪##‬ليم بن‬
‫عيسى الكوفي‪ ،‬عن حمزة‪ ..‬فأين التواتر؟!‬
‫‪ 4‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫م‪##‬ا إن وص‪##‬ل الح‪##‬ديث ب‪##‬الجمع إلى ه‪##‬ذا المح‪##‬ل‪ ،‬ح‪##‬تى أذن الم‪##‬ؤذن لص‪##‬الة‬
‫العش‪##‬اء؛ وبع‪##‬دها‪ #‬ق‪##‬ام كب‪##‬ير الق‪##‬وم‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ب‪##‬ورك فيكم‪ ..‬وفي‪ #‬المعلم ال‪##‬ذي أت‪##‬اح لن‪##‬ا‬
‫االس‪##‬تماع إليكم‪ ..‬وق‪##‬د ق‪##‬ررت‪ #‬بن‪##‬اء على م‪##‬ا ذكرتم‪##‬وه أن أتراج‪##‬ع عن ك‪##‬ل م‪##‬واقفي‬
‫المتشددة السابقة‪ ،‬وأنا اآلن سأرجع إلى الق‪##‬راءة ال‪##‬تي يت‪##‬وفر فيه‪##‬ا اليس‪##‬ر والوح‪##‬دة‪..‬‬
‫وسأكلف‪ #‬معلمي مدرستي القرآنية بذلك‪ ..‬م‪#‬ع العلم أنهم ق‪#‬د طلب‪#‬وا م‪#‬ني ذل‪#‬ك س‪#‬ابقا‪،‬‬

‫‪ )(1‬معرفة القراء (‪)1/244‬‬


‫‪ )( 2‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬تواتر القراءات بين الظن والتوهم والواقع اليقين‪ ،‬صالح بن سليمان الراجحي‪.‬‬
‫‪ )(3‬غاية النهاية (‪)1/591‬‬
‫‪82‬‬
‫لكونهم‪ #‬رأوا ص‪##‬عوبة تعليم التالمي‪##‬ذ مقارن‪##‬ة ب‪##‬زمالئهم‪ #‬من المعلمين ال‪##‬ذين يدرس‪##‬ون‬
‫بحسب رواية حفص عن عاصم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وأنا مثلك في ذلك‪ ..‬فسأكلف األئمة ب‪##‬القراءة بتل‪##‬ك الق‪##‬راءة اليس‪##‬يرة‬
‫الس‪##‬هلة المتف‪##‬ق عليه‪##‬ا بين أك‪##‬ثر المس‪##‬لمين‪ ..‬ح‪##‬تى نتجنب الفتن ال‪##‬تي تحص‪##‬ل في‬
‫المساجد بسبب تلك الخالفات‪.‬‬
‫وهكذا قال آخرون ذلك‪ ..‬وكان من بينهم أولئك النف‪##‬ر ال‪##‬ذين اجتمعت بهم بع‪#‬د‬
‫الصالة؛ فقد رأيتهم يذهبون إلى اإلمام يقبلون يده‪ ،‬ويعتذرون له بشدة‪.‬‬
‫أما معلمي معلم القصد واالعتدال؛ فقد رأيته يتح‪##‬دث م‪##‬ع أعي‪##‬ان الق‪##‬وم‪ ..‬وهم‬
‫يستمعون له بكل حرص ومودة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ثالثا ـ القرآن‪ ..‬وأسباب النزول‬
‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬وجدت نفس‪##‬ي في ش‪##‬ارع آخ‪##‬ر‪ ،‬ك‪##‬ان أعجب وأغ‪##‬رب‬
‫من الشارع الذي كنت فيه‪ ،‬ذل‪##‬ك أن اآلي‪##‬ات الكريم‪##‬ة ال‪##‬تي عُلقت في‪##‬ه‪ ،‬وفي المح‪##‬ال‬
‫المختلف‪##‬ة‪ ،‬ك‪##‬انت مص‪##‬حوبة بعن‪##‬اوين وتفاس‪##‬ير‪ ،‬ال لتزي‪##‬د في توض‪##‬يحها‪ #،‬وإنم‪##‬ا في‬
‫إبعادها عن أغراضها ومحتواها‪#.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪ ،‬أني وجدت ص‪##‬ورة كب‪##‬يرة لقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ذرْ نِي َو َم ْن‬
‫ت َو ِحيدًا﴾ [المدثر‪ ،]11 :‬واآليات التالية له‪##‬ا‪ ،‬وبجنبه‪##‬ا كتب بخ‪##‬ط كب‪##‬ير‪ :‬ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‬ ‫خَ لَ ْق ُ‬
‫نزلت في الوليد بن مغيرة‪ ..‬وأمامها ترجمة مفصلة عنه وعن نسبه‪ ،‬وكل ما يرتب‪##‬ط‬
‫به‪ ،‬حتى يخيل للقارئ أن هذه اآلية ال يمكن أبدا أن تنطبق على غيره‪.‬‬
‫وهكذا فعلوا في الفتة خاص‪##‬ة بس‪##‬ورة الفاتح‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬د كتب‪##‬وا تحت قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫الض‪##‬الِّينَ ﴾ [الفاتح‪###‬ة‪ :]7 :‬المغض‪##‬وب عليهم هم اليه‪##‬ود‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ب َعلَ ْي ِه ْم َواَل‬ ‫ْ‪##‬ر ْال َم ْغ ُ‬
‫ض‪##‬و ِ‬ ‫﴿ َغي ِ‬
‫والضالون‪ :‬النصارى‪ ..‬وكأن هللا تعالى لم يغضب إال على اليهود والنصارى‪#.‬‬
‫واألخط ‪#‬ر‪ #‬من ذل‪##‬ك أني وج‪##‬دت الفت‪##‬ة كتب عليه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَفَ ِم ْن هَ ‪َ #‬ذا‬
‫عبُ ‪#‬دُوا ﴾ [النجم‪:‬‬ ‫ْجبُونَ َوتَضْ َح ُكونَ َواَل تَ ْب ُكونَ َوأَ ْنتُ ْم َسا ِم ُدونَ فَ ْ‬
‫اس ‪ُ #‬جدُوا‪ #‬هَّلِل ِ َوا ْ‬ ‫ث تَع َ‬ ‫ْال َح ِدي ِ‬
‫‪ ،]62-59‬ووجدت بجنبها‪ :‬روي أنه لما نزلت سجد النبي ‪ ،‬وس‪##‬جد‪ #‬مع‪##‬ه جمي‪##‬ع من‬
‫حض‪##‬ر من المس‪##‬لمين والمش‪##‬ركين‪ ،‬إال رجلين اث‪##‬نين‪ :‬أمي‪##‬ة بن خل‪##‬ف‪ ،‬والمطلب بن‬
‫وداع‪##‬ة‪ ..‬وعن ابن عب‪##‬اس‪( :‬أن الن‪##‬بي ‪ ‬س‪##‬جد ب‪##‬النجم‪ ،‬وس‪##‬جد مع‪##‬ه المس‪##‬لمون‬
‫والمشركون والجن واإلنس) (‪ .. )1‬وعن ابن مسعود‪ #‬ق‪##‬ال‪( :‬أول س‪##‬ورة أن‪##‬زلت فيه‪##‬ا‬
‫سجدة (والنجم) قال‪ :‬فسجد‪ #‬رسول هللا ‪ ،‬وسجد‪ #‬من خلفه‪ ،‬إال رجال رأيته أخذ كف‪##‬ا‬
‫من تراب فسجد‪ #‬عليه‪ ،‬فرأيته بعد ذلك قتل كافرا‪ ،‬وهوأمية بن خلف) (‪)2‬‬
‫وتحت ه‪###‬ذه الرواي‪###‬ات كتبت ه‪###‬ذه العب‪###‬ارة الخط‪###‬يرة‪ :‬وق‪###‬د‪ #‬ورد في بعض‬
‫الروايات تفسير سبب سجود المش‪##‬ركين م‪##‬ع الن‪##‬بي ‪ ‬وحاص‪##‬لها‪ #‬أن الش‪##‬يطان ألقى‬
‫في أثناء قراءته كلمات على لسان النبي ‪ ‬فيها الثناء على آلهتهم‪ ،‬وإثبات الشفاعة‬
‫لها عند هللا‪ ،‬وهذه الكلمات هي‪( :‬تلك الغرانيق العلى‪ ،‬وإن شفاعتهن لترتجى)‪ ،‬ولما‬
‫سمع المشركون ذلك فرحوا‪ #‬واطمأنوا‪ #‬وسجدوا‪ #‬مع النبي ‪.‬‬
‫ولم يقتصر األمر على الالفتات‪ ،‬بل تعداه إلى جمهور‪ #‬ذلك الشارع الغ‪##‬ريب‪،‬‬
‫ذلك أني عندما قرأت لبعضهم‪ #‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولَ‪##‬وْ أَنَّهُ ْم أَقَ‪##‬ا ُموا التَّوْ َراةَ َواإْل ِ ْن ِجي‪َ #‬ل َو َم‪##‬ا‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري (‪)1071‬‬


‫‪ )(2‬البخاري (‪ )3972‬مسلم (‪)576‬‬
‫‪84‬‬
‫ت أَرْ ُجلِ ِه ْم﴾ [المائ‪##‬دة‪ ]66 :‬ألص‪##‬حح ل‪##‬ه‬ ‫‪#‬ز َل إِلَ ْي ِه ْم ِم ْن َربِّ ِه ْم أَل َ َكلُ‪##‬وا ِم ْن فَ‪##‬وْ قِ ِه ْم َو ِم ْن تَحْ ِ‬ ‫ُ‬
‫أ ْن‪ِ #‬‬
‫مفهوم‪##‬ه ل‪##‬دور الق‪##‬رآن الك‪#‬ريم‪ #‬في الحي‪##‬اة‪ ،‬ق‪#‬ال لي ب‪#‬برودة مختلط‪##‬ة بعص‪##‬بية‪ :‬اآلي‪##‬ة‬
‫الكريمة خاصة بأهل الكتاب‪ ..‬ألم تقرأ فيها التوراة واإلنجيل‪ ..‬فكيف تريد أن تطبقها‬
‫على أهل القرآن؟‬
‫قلت‪ :‬ولكن هللا أم‪###‬ر بالتعق‪###‬ل والعق‪###‬ل‪ ..‬ألم تس‪###‬مع ذم هللا تع‪###‬الى لل‪###‬ذين ال‬
‫‪#‬ل الَّ ِذي يَ ْن ِع‪ُ #‬‬
‫ق بِ َم‪##‬ا‬ ‫﴿و َمثَ ُل الَّ ِذينَ َكفَرُوا َك َمثَ‪ِ #‬‬
‫يستعملون عقولهم‪ ..‬ألم تسمع قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫ي فَهُ ْم اَل يَ ْعقِلونَ ﴾ [البقرة‪]171 :‬؟‬ ‫ص ٌّم بُ ْك ٌم ُع ْم ٌ‬
‫اَل يَ ْس َم ُع إِاَّل ُدعَا ًء َونِدَا ًء ُ‬
‫َّ‬
‫﴿و َمثَ ُل ال ِذينَ َكفَرُوا﴾‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ويلك ولتحريفك للقرآن الكريم‪ ..‬ألم تقرأ أول اآلية َ‬
‫فهي تتحدث عن الذين كفروا‪ ..‬ال عن المؤمنين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬
‫قلت‪ :‬فقد قال هللا تعالى‪﴿ :‬إِ َّن َش َّر ال َّد َوابِّ ِع ْن َد ِ الصُّ ُّم البُ ْك ُم ال ِذينَ اَل يَ ْعقِلُ‪##‬ونَ ﴾‬
‫[األنفال‪]22 :‬‬
‫قال‪ :‬ويلك ولتحريفك للقرآن الكريم‪ ..‬ألم تقرأ اآلية التي قبله‪##‬ا وال‪##‬تي بع‪##‬دها‪..‬‬
‫لقد قال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬واَل تَ ُكونُوا‪َ #‬كالَّ ِذينَ قَالُوا َس‪ِ #‬م ْعنَا َوهُ ْم اَل يَ ْس‪َ #‬معُونَ إِ َّن َش‪َّ #‬ر ال‪َّ #‬د َوابِّ‬
‫ِع ْن َد هَّللا ِ الصُّ ُّم ْالبُ ْك ُم الَّ ِذينَ اَل يَ ْعقِلُونَ َولَوْ َعلِ َم هَّللا ُ فِي ِه ْم خَ ْي‪#‬رًا أَل َ ْس ‪َ #‬م َعهُ ْم َولَ‪##‬وْ أَ ْس ‪َ #‬م َعهُ ْم‬
‫ْرضُونَ ﴾ [األنفال‪ .. ]23-21 :‬فهي تتحدث عن الكفار‪ ..‬ال عن المؤم‪##‬نين‪..‬‬ ‫لَتَ َولَّوْ ا َوهُ ْم ُمع ِ‬
‫فكيف‪ #‬تجيز لنفسك تعميم ما خصه القرآن‪ ،‬أو إطالق ما قيده؟‬
‫ت‬
‫ُ‪###‬را ِ‬‫قلت‪ :‬ال ب‪###‬أس‪ ..‬لكن قول‪###‬ه تع‪###‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يُنَادُونَ‪###‬كَ ِم ْن َو َرا ِء ْال ُحج َ‬
‫أَ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعقِلُونَ ﴾ [الحجرات‪ ]4 :‬ليس خاصا بالكفار‪.‬‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬ويل‪##‬ك ولتحريف‪##‬ك للق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ..‬ألم تق‪##‬رأ علم [مبهم الق‪##‬رآن] و[علم‬
‫أسباب النزول] لتعلم أن هذه اآلية الكريمة نزلت في ذلك الرجل ال‪##‬ذي ق‪##‬ال لرس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا إن حم‪##‬دي‪ ،‬زين وإن ذمي ش‪##‬ين‪ ،‬فق‪##‬ال ل‪##‬ه رس‪##‬ول هللا ‪: ‬‬
‫جلَّ) (‪)1‬‬ ‫(ذاك هللا َع َّز َو َ‬
‫قاله له صاحبه‪ ،‬يؤيده‪ :‬وذكر المفسرون أن هذه اآلية والتي بع‪##‬دها ن‪##‬زلت في‬
‫قوم‪ #‬من األعراب جاؤوا‪ #‬ينادون رسول هللا ‪ ‬من وراء حجراته‪ :‬ي‪#‬ا محم‪#‬د اخ‪#‬رج‬
‫إلينا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وروي‪ #‬أنها ن‪##‬زلت في األق‪##‬رع‪ #‬بن ح‪##‬ابس التميمي فيم‪##‬ا أورده غ‪##‬ير‬
‫واحد‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وروي‪ #‬أنها ن‪##‬زلت في وف‪#‬د‪ #‬ب‪##‬ني تميم حيث ك‪##‬ان األق‪##‬رع بن ح‪##‬ابس‬
‫والزبرقان بن بدر وعمرو بن األهتم وغيرهم‪ ،‬وذلك أنهم وفدوا‪ #‬على رسول هللا ‪‬‬
‫ف‪##‬دخلوا‪ #‬المس‪##‬جد ودن‪##‬وا من حج‪##‬ر أزواج الن‪##‬بي ‪ ‬وهي تس‪##‬عة فن‪##‬ادوا بجملتهم‪ #‬ولم‬
‫ينتظروا‪ :‬يا محمد اخرج إلينا فكان في فعلهم ذلك جفاء وبداوة وقلة توقير‪.)2(#‬‬
‫قلت‪ :‬ب‪##‬ورك فيكم وفي حفظكم ألس‪##‬باب ال‪##‬نزول‪ ..‬ولكن خص‪##‬وص الس‪##‬بب ال‬
‫‪ )(1‬المحرر في أسباب نزول القرآن من خالل الكتب التسعة (‪)2/915‬‬
‫‪ )(2‬المحرر في أسباب نزول القرآن من خالل الكتب التسعة (‪)2/915‬‬
‫‪85‬‬
‫يلغي عم‪##‬وم التوجي‪##‬ه‪ ..‬فاهلل تع‪##‬الى يوج‪##‬ه خلق‪##‬ه جميع‪##‬ا من خالل تل‪##‬ك النم‪##‬اذج ال‪##‬تي‬
‫ذكرتها‪#.‬‬
‫قالوا جميعا‪ :‬ويلك ولتحريفك للقرآن الكريم‪ ..‬ألم تسمع م‪##‬ا ورد في األح‪##‬اديث‬
‫الكثيرة من النهي عن تفسير القرآن بالرأي؟‬
‫لم أدر ما أقول‪ ،‬وال كيف أخاطبهم‪ ،‬ذل‪##‬ك أني كلم‪##‬ا اس‪##‬تدللت بآي‪##‬ة من اآلي‪##‬ات‬
‫راحوا يضربونها‪ #‬بأسباب نزولها‪ #..‬فقلت لهم‪ :‬إنكم بهذا تعطلون القرآن الك‪##‬ريم؛ فاهلل‬
‫أنزل كتابه لكل البشر‪ ،‬ال لجيل منهم‪ ..‬وأنتم تختصرونه في الجيل الذي نزل فيه‪.‬‬
‫غضب أحدهم‪ ،‬وهم بضربي‪ ،‬لكن معلمي فجأة‪ ،‬حضر‪ ،‬وراح يخاطب ال‪##‬ذي‬
‫﴿وإِ ْن‬‫يريد أن يضربني‪ #‬بقوله‪ :‬اعذره؛ واعتبره من أولئك الذين قال هللا تع‪##‬الى فيهم‪َ :‬‬
‫ك فَأ َ ِجرْ هُ َحتَّى يَ ْس َم َع كَاَل َم هَّللا ِ ثُ َّم أَ ْبلِ ْغ‪ #‬هُ َمأْ َمنَ‪#‬هُ َذلِ‪##‬كَ بِ‪##‬أَنَّهُ ْم‬ ‫أَ َح ٌد ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ ا ْست ََج َ‬
‫ار َ‪#‬‬
‫قَوْ ٌ‪#‬م اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [التوبة‪]6 :‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬لكن المفسرين ذكروا‪ #‬في تفسيرهم‪ #‬لآلية‪ ،‬أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ك‪##‬ان‬
‫يعطي األمان لمن جاءه‪ ،‬مسترشدا أو في رسالة‪ ،‬كما جاءه يوم الحديبية جماع‪##‬ة من‬
‫الرسل من قريش‪ ،‬منهم‪ :‬عروة بن مسعود‪ ،‬ومكرز‪ #‬بن حفص‪ ،‬وس‪##‬هيل بن عم‪##‬رو‪،‬‬
‫وغيرهم واحدا بعد واحد‪ ،‬يترددون في القضية بين‪##‬ه وبين المش‪##‬ركين‪ ،‬فرجع‪##‬وا إلى‬
‫قومهم‪ #‬فأخبروهم بذلك‪ ،‬وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬ونحن نتأس‪#‬ى‪ #‬برس‪##‬ول هللا ‪ ‬في ذل‪##‬ك في معامل‪##‬ة ه‪##‬ذا‬
‫الجاهل‪ ،‬فإن تعلم وصلح حاله‪ ،‬قبلناه‪ ،‬وإال نال منا ما يستحق‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬فأين تريد أن تذهب به لتعلمه؟‬
‫قوله تعالى‪ :‬بل سنس‪##‬ير‪ #‬جميع‪##‬ا فهن‪##‬اك‪ #‬مس‪##‬ابقة في س‪##‬احة الحي ح‪##‬ول أس‪##‬باب‬
‫نزول القرآن الكريم‪ ،‬ولعلكم تكونون من الفائزين فيها‪.‬‬
‫ك‪##‬ان للمعلم هيب‪##‬ة خاص‪##‬ة؛ فل‪##‬ذلك بمج‪##‬رد أن نط‪##‬ق به‪##‬ذا‪ ،‬ص‪##‬احوا جميع‪##‬ا‪:‬‬
‫بوركت‪ ..‬فهيا سر بنا حيث شئت‪.‬‬
‫بعد أن سرنا مع المعلم مسافة قص‪##‬يرة إلى س‪##‬احة ق‪##‬د اجتم‪##‬ع فيه‪##‬ا الكث‪##‬ير من‬
‫الناس‪ ،‬بمن فيهم أولئك الذين يلبسون لباس العلماء‪ ،‬وك‪##‬ان من المتص‪##‬درين في تل‪##‬ك‬
‫الساحة بعض أولئك الذين اختلى بهم معلم القص‪##‬د واالعت‪##‬دال‪ ،‬واس‪##‬تطاع أن يجعلهم‬
‫من جنده وأعوانه‪.‬‬

‫‪ )(1‬تفسير ابن كثير (‪)4/113‬‬


‫‪86‬‬
‫عن‪##‬د وص‪##‬ولنا‪ #‬إليه‪##‬ا‪ ،‬ارتقى أح‪##‬دهم ـ وك‪##‬ان من األعي‪##‬ان ال‪##‬ذي انف‪##‬رد المعلم‬
‫بالجلوس إليهم‪ ،‬وظهر تأثيره فيهم ـ المنص‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬مرحب‪##‬ا بك‪##‬ل ال‪##‬ذين اس‪##‬تجابوا‪#‬‬
‫لدعوتنا إلى هذه المسابقة الخاصة بالتعرف على أس‪##‬باب ن‪##‬زول الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬من‬
‫خالل الروايات‪ #‬واألحاديث الواردة‪ ،‬وقد دعانا إليها ما رأيناه من اهتم‪##‬ام أه‪##‬ل حيكم‬
‫بها‪ ،‬ويبدو أنكم ورثتم ذلك كابرا عن كابر‪.‬‬
‫ق‪##‬ام أح‪##‬دهم‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬أج‪##‬ل‪ ..‬فأن‪##‬ا من أحف‪##‬اد علي بن أحم‪##‬د بن محم‪##‬د بن علي‬
‫الواحدي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي‪ ،‬المتوفى‪ #‬في ‪ 468‬هـ‪ ..‬ذاك الذي ألف أشهر كتاب‬
‫في أسباب نزول القرآن‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وأنا من أحفاد عبد الرحمن بن أبي بكر بن محم‪##‬د بن س‪##‬ابق ال‪##‬دين‬
‫الجاَل ل ال ُّسيُوطي المتوفى‪ #‬في ‪ 911‬هـ ‪..‬‬ ‫الخضيري‪ #‬السيوطي‪ ،‬الملقب بجالل الدين َ‬
‫وصاحب كتاب‪ :‬لباب النقول في أسباب النزول‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وأنا من أحفاد صاحب كتاب [العجاب في بي‪##‬ان األس‪##‬باب]‪ ،‬أقص‪##‬د‪:‬‬
‫أبا الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقالني المتوفى‪ 852 #‬هـ‬
‫وبع‪##‬د أن تكلم ه‪##‬ؤالء وغ‪##‬يرهم مع‪##‬رفين بأنفس‪##‬هم‪ ،‬ق‪##‬ال المعلم‪ :‬بن‪##‬اء على أن‬
‫القرآن الكريم ـ كما تعرفون جميعا ـ كتاب هداية وتربية وإصالح شامل؛ فق‪##‬د توج‪##‬ه‬
‫خطابه للجميع‪ ،‬ليشملهم بتوجيهاته وتزكيته وإصالحه‪ ..‬سواء أولئك الذين جح‪##‬دوه‪،‬‬
‫أو أولئك الذين آمنوا به‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬صدقت‪ ..‬ولهذا عند التأمل في أسباب النزول‪ ،‬نجد أن ك‪##‬ل س‪##‬بب‬
‫منها مرتبط بشخص أو جماعة من الذين آمنوا بالقرآن أو من الذين جحدوه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬لقد رأيت من خالل حص‪##‬ري‪ #‬لألش‪##‬خاص أو الجه‪##‬ات ال‪##‬تي ت‪##‬نزل‬
‫الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم لتربيته ‪#‬ا‪ #‬وه‪##‬دايتها ودعوته‪##‬ا أو لتوبيخه‪##‬ا وتأنيبه ‪#‬ا‪ #‬أو اإلجاب‪##‬ة عن‬
‫إشكاالتها‪ #‬وشبهاتها جهتين‪ ..‬أولهما المؤمنون الذين يحتاجون إلى الت‪##‬أديب والتربي‪##‬ة‬
‫وبي‪##‬ان أحك‪##‬ام ال‪##‬دين‪ ..‬وثانيهم‪##‬ا الجاح‪##‬دون ال‪##‬ذين ي‪##‬وردون الش‪##‬بهات واإلش‪##‬كاالت؛‬
‫فيجيب القرآن الكريم عنها‪ ،‬أو يبين أسبابها الداعية لها‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ما دمت قد ذكرت هذا؛ فستكون األسئلة عن هذين الصنفين‪ ..‬وإن‬
‫قبل الجمع الكريم؛ فستكون أنت من يذكر األسئلة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ..‬ونحن مستعدون لإلجابة‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ .1‬أسباب النزول والمؤمنون‪:‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬فلنبدأ بالصنف‪ #‬األول‪ ..‬وهم المؤمنون‪ ..‬فمن ي‪##‬ذكر لي منكم س‪##‬بب‬
‫َي هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َواتَّقُوا هَّللا َ إِ َّن‬ ‫نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تُقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَد ِ‬
‫ت النَّبِ ِّي َواَل تَجْ هَ ‪#‬رُوا‬ ‫صوْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫هَّللا َ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَرْ فَعُوا‪ #‬أَصْ َواتَ ُك ْم فَوْ َ‪#‬‬
‫ُون إِ َّن الَّ ِذينَ‬‫ْض أَ ْن تَحْ بَ‪##‬طَ أَ ْع َم‪##‬الُ ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل ت َْش‪ُ ##‬عر َ‪#‬‬ ‫ْض‪ُ ##‬ك ْ‪#‬م لِبَع ٍ‬‫ْ‪##‬ر بَع ِ‬ ‫‪##‬القَوْ ِل َك َجه ِ‬ ‫لَ‪##‬هُ بِ ْ‬
‫‪#‬وى لَهُ ْم َم ْغفِ ‪َ #‬رةٌ‬ ‫ُول هَّللا ِ أُولَئِكَ الَّ ِذينَ ا ْمتَ َحنَ هَّللا ُ قُلُوبَهُْ‪#‬م لِلتَّ ْق‪َ #‬‬
‫يَ ُغضُّ ونَ أَصْ َواتَهُْ‪#‬م ِع ْن َد َرس ِ‬
‫ت أَ ْكثَ‪ُ ##‬رهُ ْم اَل يَ ْعقِلُ‪##‬ونَ َولَ‪##‬وْ أَنَّهُ ْم‬ ‫ك ِم ْن َو َرا ِء ْال ُحج َ‬
‫ُ‪##‬را ِ‬ ‫َوأَجْ‪ٌ ##‬ر ع ِ‬
‫َظي ٌم إِ َّن الَّ ِذينَ يُنَادُونَ‪َ ##‬‬
‫ُج إِلَ ْي ِه ْم لَ َكانَ َخ ْيرًا لَهُ ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [الحجرات‪]5-1 :‬؟‬ ‫صبَرُوا‪َ #‬حتَّى ت َْخر َ‬ ‫َ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن‪##‬ه ق‪##‬دم ركب من ب‪##‬ني تميم على رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬ال‬
‫أبوبكر‪ #:‬أمر القعقاع بن معبد‪ ،‬وقال عمر‪ :‬بل أمر األقرع بن ح‪##‬ابس‪ ،‬فق‪##‬ال أب‪##‬وبكر‪#:‬‬
‫ما أردت إال خالفي‪ ،‬وقال عمر‪ :‬ما أردت خالفك‪ ،‬فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما‪،‬‬
‫فنزلت اآليات في ذلك(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن ابن أبي مليك‪##‬ة ق‪##‬ال‪ :‬ك‪##‬اد الخ‪##‬يران أن يهلك‪##‬ا‪:‬‬
‫أبوبكر‪ #‬وعم‪##‬ر رف‪##‬ع أص‪##‬واتهما‪ #‬عن‪##‬د الن‪##‬بي ‪ ‬حين ق‪##‬دم علي‪##‬ه ركب من ب‪##‬ني تميم‪،‬‬
‫فأشار‪ #‬أحدهما باألقرع بن حابس وأشار‪ #‬اآلخر برجل آخر‪ ،‬فقال أبو بك‪##‬ر لعم‪##‬ر‪ :‬م‪##‬ا‬
‫أردت إال خالفي‪ ،‬وقال عمر‪ :‬ما أردت خالفك وارتفعت أصواتهما في ذلك‪ ،‬ف‪##‬أنزل‬
‫هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وهي ش‪##‬املة لك‪##‬ل من تج‪##‬رأ؛ فق‪##‬دم رأي‪##‬ه أو نفس‪##‬ه أو ه‪##‬واه على‬
‫رسول هللا ‪ ‬أو على ربه‪ ..‬أو أساء األدب معهما كائنا من كان؛ فقيم‪##‬ة ك‪##‬ل ام‪##‬رئ‬
‫باتباعه وأدبه‪.‬‬
‫ض‪##‬ونَ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ُغ ُّ‬
‫‪#‬رةٌ َوأَجْ‪ٌ #‬ر‬ ‫أَصْ َواتَهُْ‪#‬م ِع ْن َد َر ُس‪#‬و ِل هَّللا ِ أُولَئِ‪##‬كَ الَّ ِذينَ ا ْمتَ َحنَ هَّللا ُ قُلُ‪##‬وبَهُْ‪#‬م لِلتَّ ْق‪َ #‬وى لَهُ ْم َم ْغفِ‪َ #‬‬
‫َع ِظي ٌم﴾ [الحجرات‪]3 :‬؟‬
‫َ‬ ‫َرْ‬ ‫اَل‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لم‪##‬ا ن‪##‬زل قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أيُّهَ‪##‬ا ال ِذينَ آ َمن‪##‬وا ت ف ُع‪##‬وا‪#‬‬
‫ْض أَ ْن تَحْ بَ‪#‬طَ‬ ‫ْض‪ُ #‬ك ْ‪#‬م لِبَع ٍ‬ ‫‪#‬ر بَع ِ‬ ‫‪#‬القَوْ ِل َك َج ْه‪ِ #‬‬‫ت النَّبِ ِّي َواَل تَجْ هَرُوا لَهُ بِ‪ْ #‬‬ ‫صوْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫أَصْ َواتَ ُك ْ‪#‬م فَوْ َ‬
‫أَ ْع َم‪##‬الُ ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل ت َْش‪ُ #‬عرُونَ ﴾ [الحج‪##‬رات‪ ]2 :‬ت‪##‬ألى أب‪##‬وبكر أن ال يكلم رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إال‬
‫كأخي السرار‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي ش‪#‬املة لآلداب م‪#‬ع رس‪##‬ول هللا ‪ ‬في ك‪#‬ل األزمن‪##‬ة‪ ،‬ومثله‪#‬ا‬
‫األدب مع من أمرنا باألدب معهم من الصالحين والعلماء وغيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لقد ذكرتني‪ #‬بما روي عن مالك أنه أنك‪##‬ر على أبي جعف‪##‬ر رفع‪##‬ه ص‪##‬وته‬
‫عند قبر رسول هللا ‪ ‬قائال‪( :‬ال ترفع صوتك في هذا المسجد‪ ،‬ف‪##‬إن هللا تع‪##‬الى أدب‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.383/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.385/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.385/‬‬
‫‪88‬‬
‫ت النَّبِ ِّي َوالَ تَجْ هَرُوا لَهُ‬ ‫صوْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫قوما فقال‪ :‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا الَ تَرْ فَعُوا أَصْ َواتَ ُك ْم فَوْ َ‬
‫ْض أَن تَحْ بَ ‪#‬طَ أَ ْع َم‪##‬الُ ُك ْم َوأَنتُ ْم الَ ت َْش‪ُ #‬عرُون‪[ ‬الحج‪##‬رات‪،]2:‬‬ ‫ْض ‪ُ #‬ك ْم لِبَع ٍ‬ ‫‪#‬ر بَع ِ‬ ‫‪#‬القَوْ ِل َك َج ْه‪ِ #‬‬‫بِ‪ْ #‬‬
‫ول هَّللا ِ أُولَئِ‪##‬كَ الَّ ِذينَ ا ْمت ََحنَ‬
‫ومدح قوما فقال‪ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ُغضُّ ونَ أَصْ َواتَهُ ْم ِع ْن‪َ #‬د َر ُس ‪ِ #‬‬
‫َظي ٌم‪[ ‬الحجرات‪ ،]3 :‬وذم قوما فق‪##‬ال‪  :‬إِ َّن الَّ ِذينَ‬ ‫هَّللا ُ قُلُوبَهُ ْم لِلتَّ ْق َوى لَهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َوأَجْ ٌر ع ِ‬
‫ت أَ ْكثَ ‪ُ #‬رهُ ْم اَل يَ ْعقِلُ‪##‬ونَ ‪[ ‬الحج‪##‬رات‪ ،]4 :‬وإن حرمت‪##‬ه ميت‪##‬ا‬ ‫يُنَادُونَ‪##‬كَ ِم ْن َو َرا ِء ْال ُح ُج‪َ #‬را ِ‬
‫كحرمته حيا) (‪)1‬‬
‫ك ِم ْن‬ ‫َّ‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن ال ِذينَ يُنَادُونَ‪#َ #‬‬
‫صبَرُوا َحتَّى ت َْخ ُر َج إِلَ ْي ِه ْم لَ َكانَ خَ ْيرًا لَهُ ْم‬ ‫ت أَ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعقِلُونَ َولَوْ أَنَّهُ ْم َ‬
‫َو َرا ِء ْال ُح ُج َرا ِ‬
‫َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [الحجرات‪]5-4 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ناس أتوا الن‪##‬بي ‪ ‬وس‪##‬لموا فجعل‪##‬وا‪ #‬ينادون‪##‬ه‬
‫وهو في الحجرة‪ :‬يا محمد‪ ،‬يا محمد‪ ..‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في جف‪##‬اة ب‪##‬ني تميم‪ ،‬ق‪##‬دم وف‪#‬د‪ #‬منهم على‬
‫الن‪##‬بي ‪ ‬ف‪##‬دخلوا المس‪##‬جد‪ ،‬فن‪##‬ادوا الن‪##‬بي ‪ ‬من وراء حجرت‪##‬ه‪ :‬أن اخ‪##‬رج إلين‪##‬ا ي‪##‬ا‬
‫محمد‪ ،‬فإن م‪##‬دحنا زين وإن ذمن‪##‬ا ش‪##‬ين‪ ،‬ف‪##‬آذى ذل‪##‬ك من ص‪##‬ياحهم‪ #‬الن‪##‬بي ‪ ‬فخ‪##‬رج‬
‫إليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنا جئناك يا محمد نفاخرك‪ ،‬ونزل فيهم(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وهي ت‪##‬دل على أن من عالم‪##‬ات العق‪##‬ل حس‪##‬ن األدب‪ ،‬وحس‪##‬ن‬
‫الخلق‪ ،‬فالعقل هو الذي يعقل صاحبه عن ال‪##‬دنايا والسفاس‪##‬فه‪ ،‬ويوجه‪##‬ه إلى المع‪##‬الي‬
‫والمكارم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِ ْن‬
‫ص‪#‬بِحُوا َعلَى َم‪##‬ا فَ َع ْلتُ ْم نَ‪##‬ا ِد ِمينَ ﴾‬ ‫ق بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا‪ #‬أَ ْن تُ ِ‬
‫ص‪#‬يبُوا قَوْ ًم‪##‬ا بِ َجهَالَ‪ٍ #‬ة فَتُ ْ‬ ‫َجا َء ُك ْم فَا ِس ٌ‬
‫[الحجرات‪]6 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬إلى بني المصطلق‪ #‬مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية‪ ،‬فلما سمع القوم‬
‫به تلقوه تعظيما هلل تعالى ولرسوله فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فه‪##‬ابهم‪ ،‬فرج‪##‬ع‬
‫من الطريق إلى رسول هللا ‪ ‬وقال‪ :‬إن بني المصطلق‪ #‬قد منعوا ص‪##‬دقاتهم وأرادوا‬
‫قتلي‪ ،‬فغضب رسول هللا ‪ ‬وهم أن يغزوهم‪ ،‬فبلغ القوم رجوعه‪ ،‬ف‪##‬أتوا رس‪##‬ول‪ #‬هللا‬
‫‪ ‬وقالوا‪ #:‬سمعنا برسولك‪ ،‬فخرجنا‪ #‬نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه م‪#‬ا قبلن‪#‬ا من ح‪#‬ق هللا‬
‫تعالى‪ ،‬فبدا له في الرجوع‪ ،‬فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب ج‪##‬اءه من‪##‬ك‬
‫بغضب غضبته علينا‪ ،‬وإنا نعوذ‪ #‬باهلل من غضبه وغضب رسوله‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن الحارث بن ضرار‪ #‬قال‪ :‬ق‪#‬دمت على رس‪#‬ول هللا‬
‫شفاء السقام‪،‬السبكي‪.69 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.386/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.386/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.386/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ ‬فدعاني إلى اإلسالم‪ ،‬فدخلت في اإلسالم وأقررت فدعاني إلى الزكاة‪ ،‬ف‪##‬أقررت‬
‫بها‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا أرجع إلى ق‪##‬ومي‪ #‬ف‪##‬أدعوهم‪ #‬إلى اإلس‪##‬الم وأداء الزك‪##‬اة‪ ،‬فمن‬
‫استجاب لي جمعت زكاته‪ ،‬فترسل إلبان كذا وكذا آلتيك بما جمعت من الزكاة‪ ،‬فلما‬
‫جم‪##‬ع الح‪##‬ارث بن ض‪##‬رار‪ #‬ممن اس‪##‬تجاب ل‪##‬ه وبل‪##‬غ اإلب‪##‬ان ال‪##‬ذي أراد أن يبعث إلي‪##‬ه‬
‫رسول هللا ‪ ‬احتبس عليه الرسول‪ ،‬فلم يأته‪ ،‬فظن الحارث أن قد حدث فيه س‪##‬خطة‬
‫من هللا ورسوله‪ ،‬فدعا سروات‪ #‬قومه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ق‪##‬د ك‪##‬ان وقت لي‬
‫وقتا‪ #‬ليرسل إلي ليقبض ما كان عندي من الزكاة‪ ،‬وليس من رس‪##‬ول هللا ‪ ‬الخل‪##‬ف‪،‬‬
‫وال أرى حبس رسوله إال من سخطة‪ ،‬فانطلقوا فنأتي‪ #‬رس‪##‬ول هللا‪ ،‬وبعث رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مم‪##‬ا جم‪##‬ع من الزك‪##‬اة‪ ،‬فلم‪##‬ا أن‬
‫سار الوليد حتى بل‪#‬غ بعض الطري‪#‬ق‪ ،‬ف‪#‬رق فرج‪#‬ع‪ #‬فق‪#‬ال‪ :‬ي‪#‬ا رس‪#‬ول هللا إن الح‪#‬ارث‬
‫منع‪##‬ني الزك‪##‬اة‪ ،‬وأراد قتلي‪ ،‬فض‪##‬رب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬البعث إلى الح‪##‬ارث‪ ،‬وأقب‪##‬ل‬
‫الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة‪ ،‬فلقيهم الحارث فق‪##‬الوا‪ :‬ه‪##‬ذا‬
‫الح‪##‬ارث‪ ،‬فلم‪##‬ا غش‪##‬يهم ق‪##‬ال لهم إلى‪ :‬من بعثتم؟ ق‪##‬الوا‪ #:‬إلي‪##‬ك‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ولم؟ ق‪##‬الوا‪ :‬إن‬
‫رسول هللا ‪ ‬كان بعث إليك الوليد بن عقبة‪ ،‬فرجع إلي‪#‬ه‪ ،‬ف‪#‬زعم أن‪#‬ك منعت‪#‬ه الزك‪#‬اة‬
‫وأردت قتله‪ ،‬قال‪ :‬ال والذي بعث محمدا ب‪##‬الحق م‪##‬ا رأيت‪##‬ه وال أت‪##‬اني‪ ،‬فلم‪##‬ا أن دخ‪##‬ل‬
‫الح‪##‬ارث على رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ق‪##‬ال‪( :‬منعت الزك‪##‬اة وأردت قت‪##‬ل رس‪##‬ولي؟) ق‪##‬ال‪ :‬ال‬
‫وال‪##‬ذي بعث‪##‬ك ب‪##‬الحق م‪##‬ا رأيت رس‪##‬ولك‪ ،‬وال أت‪##‬اني وال أقبلت إال حين احتبس علي‬
‫رسولك‪ #‬خشية أن تكون سخطة من هللا ورسوله! قال‪ :‬فنزلت في الحجرات‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا‬
‫ص ‪#‬بِحُوا َعلَى َم‪##‬ا‬ ‫صيبُوا قَوْ ًم‪##‬ا بِ َجهَالَ ‪ٍ #‬ة فَتُ ْ‬ ‫ق بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَ ْن تُ ِ‬
‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا إِ ْن َجا َء ُك ْم فَا ِس ٌ‪#‬‬
‫‪#‬ير ِمنَ اأْل َ ْم ِ‬
‫‪#‬ر لَ َعنِتُّ ْم َولَ ِك َّن‬ ‫فَ َع ْلتُ ْم نَا ِد ِمينَ َوا ْعلَ ُموا أَ َّن فِي ُك ْم َرسُو َ‪#‬ل هَّللا ِ لَوْ يُ ِطي ُع ُك ْ‪#‬م فِي َكثِ ٍ‬
‫ص ‪#‬يَانَ‬‫ق َو ْال ِع ْ‬ ‫‪#‬ر َو ْالفُ ُس ‪#‬و َ‪#‬‬
‫َّب إِلَ ْي ُك ُم اإْل ِ ي َم‪##‬انَ َو َزيَّنَ ‪#‬هُ فِي قُلُ‪##‬وبِ ُك ْم َو َك‪َّ #‬رهَ إِلَ ْي ُك ُم ْال ُك ْف‪َ #‬‬
‫هَّللا َ َحب َ‬
‫كي ٌم﴾ [الحجرات‪)1(]8-6 :‬‬ ‫ُون فَضْ اًل ِمنَ هَّللا ِ َونِ ْع َمةً َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َح ِ‬ ‫ك هُ ُم الرَّا ِشد َ‪#‬‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إرشاد‪ #‬للمؤمنين في كل األزمنة ب‪##‬التحري‪ #‬واالحتي‪##‬اط‪ #‬ح‪##‬تى‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.391/‬‬


‫‪90‬‬
‫ال يقعوا ضحايا للمخادعين والماكرين؛ فليس كل من أظهر إسالمه متحقق‪##‬ا بمعاني‪##‬ه‬
‫وقيمه‪.‬‬
‫﴿وإِ ْن طَائِفَتَ‪##‬ا ِن ِمنَ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َت إِحْ دَاهُ َما َعلَى اأْل ُ ْخ َرى فَقَ‪##‬اتِلوا التِي تَب ِْغي‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ا ْقتَتَلُوا فَأَصْ لِحُوا بَ ْينَهُ َما فَإِ ْن بَغ ْ‬
‫ص‪#‬لِحُوا بَ ْينَهُ َم‪##‬ا بِ ْال َع‪ْ #‬د ِل َوأَ ْق ِس‪#‬طُوا‪ #‬إِ َّن هَّللا َ يُ ِحبُّ‬ ‫ت فَأ َ ْ‬‫َحتَّى تَفِي َء إِلَى أَ ْم ِر هَّللا ِ فَإِ ْن فَ‪##‬ا َء ْ‬
‫طينَ ﴾ [الحجرات‪]9 :‬؟‬ ‫ْال ُم ْق ِس ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن أنس ق‪##‬ال‪ :‬قلت‪ :‬ي‪##‬ا ن‪##‬بي هللا ل‪##‬و أتيت عب‪##‬د هللا بن أبي‬
‫فانطلق‪ #‬إليه النبي ‪ ‬فركب حمارا وانطلق‪ #‬المس‪##‬لمون يمش‪##‬ون‪ ،‬وهي أرض س‪##‬بخة‬
‫فلما أت‪##‬اه الن‪##‬بي ‪ ‬ق‪##‬ال‪ :‬إلي‪##‬ك ع‪##‬ني‪ ،‬فوهللا لق‪##‬د آذاني نتن حم‪##‬ارك‪ ،‬فق‪##‬ال رج‪##‬ل من‬
‫األنصار‪ #:‬وهللا لحمار رسول هللا ‪ ‬أطيب ريح‪#‬ا من‪##‬ك‪ ،‬فغض‪#‬ب لعب‪##‬د هللا رج‪##‬ل من‬
‫قومه‪ ،‬وغضب لك‪##‬ل واح‪##‬د منهم‪##‬ا أص‪##‬حابه‪ ،‬وك‪##‬ان بينهم ض‪##‬رب بالجري‪##‬د واألي‪##‬دي‬
‫والنعال‪ ،‬فبلغنا أنه أنزلت فيهم(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للمؤمنين في جمي‪##‬ع العص‪##‬ور‪ #‬ب‪##‬أن يقف‪##‬وا م‪##‬ع الطائف‪##‬ة‬
‫العادلة الص‪##‬الحة في وج‪##‬ه ك‪##‬ل البغ‪##‬اة الظلم‪##‬ة المح‪##‬رفين وإال ك‪##‬انوا ش‪##‬ركاء لهم في‬
‫بغيهم‪ ..‬وأن يستعملوا‪ #‬كل الوسائل لذلك سلمية ك‪#‬انت أو حربي‪#‬ة إن اض‪##‬طروا‪ #‬إليه‪#‬ا؛‬
‫فالفتنة أشد من القتل‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫َس‪#‬ى أَ ْن يَ ُك َّن‬ ‫َس‪#‬ى أَ ْن يَ ُكونُ‪##‬وا َخ ْي‪#‬رًا ِم ْنهُ ْم َواَل نِ َس‪#‬ا ٌء ِم ْن نِ َس‪#‬ا ٍء ع َ‬ ‫يَسْخَرْ قَوْ ٌ‪#‬م ِم ْن قَوْ ٍ‪#‬م ع َ‬
‫ان‬ ‫ق بَ ْع َد اإْل ِ ي َم ِ‬ ‫س ااِل ْس ُم ْالفُسُو ُ‬ ‫ب بِ ْئ َ‬ ‫خَ ْيرًا ِم ْنه َُّن َواَل ت َْل ِم ُزوا أَ ْنفُ َس ُك ْم َواَل تَنَابَ ُزوا‪ #‬بِاأْل َ ْلقَا ِ‬
‫ك هُ ُم الظَّالِ ُمونَ ﴾ [الحجرات‪]11 :‬؟‬ ‫َو َم ْن لَ ْم يَتُبْ فَأُولَئِ َ‪#‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس‪ ،‬وذلك أن‪##‬ه ك‪##‬ان في‬
‫أذنيه وقر‪ #‬فكان إذا أتى رسول هللا ‪ ‬أوسعوا‪ #‬له ح‪##‬تى يجلس إلى جنب‪##‬ه‪ ،‬فيس‪##‬مع م‪##‬ا‬
‫يقول‪ ،‬فج‪##‬اء يوم‪##‬ا وق‪##‬د أخ‪##‬ذ الن‪##‬اس مجالس‪##‬هم فجع‪##‬ل يتخطى رق‪##‬اب الن‪##‬اس ويق‪##‬ول‪:‬‬
‫تفسحوا‪ ،‬تفسحوا فقال ل‪#‬ه رج‪#‬ل‪ :‬ق‪#‬د أص‪#‬بت مجلس‪#‬ا ف‪#‬اجلس‪ ،‬فجلس ث‪#‬ابت مغض‪#‬با‪،‬‬
‫فغمز‪ #‬الرجل فقال‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬أنا فالن؟ فقال ثابت‪ :‬ابن فالنة؟ وذك‪##‬ر أم‪##‬ا ك‪##‬انت‬
‫ل‪##‬ه يع‪##‬ير به‪##‬ا في الجاهلي‪##‬ة‪ ،‬فنكس الرج‪##‬ل رأس‪##‬ه اس‪##‬تحياء‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي شاملة لكل أصناف اإلساءات‪ ،‬ولكل ش‪##‬خص ح‪##‬تى ل‪##‬و ك‪##‬ان‬
‫غير مسلم؛ فاألخالق واآلداب ال ترتبط‪ #‬بالجه‪##‬ة ال‪##‬تي نتعام‪##‬ل معه‪##‬ا‪ ..‬وال‪##‬دين حس‪##‬ن‬
‫الخلق‪.‬‬
‫َس‪##‬ى‬ ‫ْ‬
‫﴿و نِ َسا ٌء ِمن نِ َسا ٍء ع َ‬ ‫اَل‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُن ﴾ [الحجرات‪]11 :‬‬ ‫أَ ْن يَ ُك َّن َخ ْيرًا ِم ْنه َّ‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.391/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.392/‬‬
‫‪91‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ام‪##‬رأتين من أزواج الن‪##‬بي ‪ ‬س‪##‬خرتا‪ #‬من أم‬
‫سلمة‪ ،‬وذلك أنها ربطت حقويها بسبنية ـ وهي ثوب أبيض ـ وس‪##‬دلت طرفه‪#‬ا‪ #‬خلفه‪##‬ا‬
‫فكانت تجره‪ ،‬فقالت عائشة لحفصة انظري إلى ما تجر خلفها كأنه لسان كلب‪ ،‬فه‪##‬ذا‬
‫كان سخريتها‪ ،‬وقال‪ #‬أنس‪ :‬نزلت في نساء النبي ‪ ‬عيرن أم سلمة بالقصر(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن ص‪##‬فية بنت ح‪##‬يي بن أخطب أتت رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول هللا إن النساء يعيرنني‪ #‬ويقلن‪ :‬يا يهودية بنت يهوديين‪ ،‬فقال رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪( :‬هال قلت‪ :‬إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي‪ #‬محمد)‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي دالة على أن السخرية ال تتناسب مع المؤمن العارف برب‪##‬ه‪،‬‬
‫والذي ال يعرف محله من كرامته؛ فلعل الذي يسخر منه أفضل منه عند هللا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫﴿واَل تَنَ‪##‬ابَ ُزوا بِاأْل لقَ‪##‬ا ِ‬
‫ب‬ ‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ك هُ ُم الظَّالِ ُمونَ ﴾ [الحجرات‪]11 :‬؟‬ ‫ق بَ ْع َد اإْل ِ ي َما ِن َو َم ْن لَ ْم يَتُبْ فَأُولَئِ َ‪#‬‬‫س ااِل ْس ُم ْالفُسُو ُ‬ ‫بِ ْئ َ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن بعض‪##‬هم ق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬دم علين‪##‬ا الن‪##‬بي ‪ ،‬فجع‪##‬ل الرج‪##‬ل‬
‫يدعوالرجل ينبزه‪ ،‬فيقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إنه يكرهه‪ ،‬فنزلت(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تحض المؤم‪#‬نين على مراع‪#‬اة األدب في اس‪#‬تعمال الكلم‪#‬ات‬
‫المناسبة مع كل أصناف الناس سواء تعلقت بأسمائهم‪ #‬أو ألقابهم أو غيرها‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَ‪##‬ا النَّاسُ إِنَّا خَ لَ ْقنَ‪##‬ا ُك ْم‬
‫‪#‬ر َم ُك ْ‪#‬م ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ أَ ْتقَ‪##‬ا ُك ْم إِ َّن هَّللا َ‬
‫ارفُوا إِ َّن أَ ْك‪َ #‬‬ ‫ِم ْن َذ َك ٍر َوأُ ْنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْ‪#‬م ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َع َ‬
‫خبِيرٌ﴾ [الحجرات‪]13 :‬؟‬ ‫َعلِي ٌم َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬نزلت في ثابت بن قيس‪ ،‬وقوله في الرجل ال‪##‬ذي لم يفس‪##‬ح ل‪##‬ه ابن‬
‫فالنة؟ فقال رسول هللا ‪( :‬من الذاكر فالنة؟) فق‪#‬ام ث‪#‬ابت فق‪#‬ال‪ :‬أن‪##‬ا ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‪.‬‬
‫فقال‪( :‬انظر في وجوه القوم)‪ ،‬فنظر‪ #‬فقال‪( :‬ما رأيت ي‪##‬ا ث‪##‬ابت؟) فق‪##‬ال‪ :‬رأيت أبيض‬
‫وأحمر‪ #‬وأسود‪ ،‬قال‪( :‬فإنك ال تفضلهم إال في الدين والتقوى)‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه‬
‫اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه لما ك‪#‬ان ي‪#‬وم فتح مك‪#‬ة أم‪#‬ر رس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬بالال‬
‫حتى أذن على ظه‪##‬ر الكعب‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال عت‪##‬اب بن أس‪##‬يد بن أبي العيص‪ :‬الحم‪##‬د هلل ال‪##‬ذي‬
‫قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم‪ .‬وقال الحارث بن هشام‪ :‬أم‪##‬ا وج‪##‬د محم‪##‬د غ‪##‬ير ه‪##‬ذا‬
‫الغ‪##‬راب األس‪##‬ود مؤذن‪##‬ا؟! وق‪##‬ال س‪##‬هيل بن عم‪##‬رو‪ :‬إن ي‪##‬رد هللا ش‪##‬يئا يغ‪##‬يره‪ ،‬وق‪##‬ال‬
‫أبوس‪##‬فيان‪ :‬إني ال أق‪##‬ول ش‪##‬يئا أخ‪#‬اف أن يخ‪#‬بر ب‪#‬ه رب الس‪##‬ماء‪ ،‬ف‪##‬أتى جبري‪#‬ل علي‪#‬ه‬
‫السالم النبي ‪ ‬وأخبره بما ق‪##‬الوا‪ ،‬ف‪##‬دعاهم وس‪#‬ألهم‪ #‬عم‪##‬ا ق‪##‬الوا‪ ،‬ف‪##‬أقروا‪ ،‬ف‪#‬أنزل هللا‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.392/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.392/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.393/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.393/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪92‬‬
‫تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬ومثل‪#‬ه م‪#‬ا روي أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬م‪##‬ر ذات ي‪##‬وم ببعض األس‪##‬واق‬
‫بالمدينة وإذا غالم أسود قائم ين‪#‬ادي علي‪#‬ه بي‪#‬اع فيمن يزي‪#‬د‪ ،‬وك‪#‬ان الغالم يق‪#‬ول‪ :‬من‬
‫اش‪##‬تراني فعلى ش‪##‬رط‪ ،‬قي‪##‬ل‪ :‬م‪##‬ا ه‪##‬و؟ ق‪##‬ال‪ :‬ال يمنع‪##‬ني من الص‪##‬لوات الخمس خل‪##‬ف‬
‫رسول هللا ‪ .‬فاشتراه رجل على هذا الشرط‪ ،‬وكان ي‪##‬راه رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬عن‪##‬د ك‪##‬ل‬
‫صالة مكتوبة ففقده ذات يوم‪ ،‬فقال لصاحبه‪( :‬أين الغالم؟) فقال‪ :‬محم‪##‬وم ي‪##‬ا رس‪##‬ول‬
‫هللا‪ ،‬فقال ألصحابه‪( :‬قوموا بنا نعوده)‪ ،‬فقاموا‪ #‬معه فعادوه‪ ،‬فلم‪##‬ا ك‪##‬ان بع‪##‬د أي‪##‬ام ق‪##‬ال‬
‫لصاحبه‪( :‬ما حال الغالم؟) فقال‪ :‬يا رسول هللا إن الغالم لم‪##‬ا ب‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ام ودخ‪##‬ل علي‪##‬ه‬
‫وه‪##‬و في برحائ‪##‬ه‪ ،‬فقبض على تل‪##‬ك الح‪##‬ال‪ ،‬فت‪##‬ولى‪ #‬رس‪##‬ول هللا ‪ ‬غس‪##‬له وتكفين‪##‬ه‬
‫ودفنه‪ ،‬فدخل على أصحابه من ذل‪##‬ك أم‪##‬ر عظيم‪ ،‬فق‪##‬ال المه‪##‬اجرون‪ :‬هجرن‪##‬ا ديارن‪#‬ا‪#‬‬
‫وأموالنا‪ #‬وأهلينا فلم ير أحد منا في حياته ومرضه وموته ما لقي ه‪##‬ذا الغالم‪ ،‬وق‪##‬الت‬
‫األنصار‪ #:‬آويناه ونصرناه وواسيناه بأموالنا فآثر علينا عبدا حبشيا‪ ،‬فأنزل هللا تبارك‬
‫‪##‬ارفُوا‬‫وتعالى‪ ﴿ #:‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأُ ْنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْ‪#‬م ُشعُوبًا َوقَبَائِ َ‪#‬ل لِتَ َع َ‬
‫﴾ يعني أنكم بنوأب واحد وام‪##‬رأة واح‪##‬دة‪ ،‬وأراهم فض‪##‬ل التق‪##‬وى بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ ﴿ :‬إِ َّن‬
‫ك ْم ﴾(‪)2‬‬‫أَ ْك َر َم ُك ْ‪#‬م ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُ‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وهي تحض المؤم‪##‬نين في ك‪##‬ل العص‪##‬ور على االبتع‪##‬اد عن ك‪##‬ل‬
‫أشكال التكبر والعنصرية التي ال تتناسب مع العبودية؛ فعبد هللا هو الذي ال يتج‪##‬اوز‬
‫قدره‪ ..‬وعبد هللا هو الذي يسعى ليتحقق بالتقوى التي تجعله كريما عند ربه‪.‬‬
‫ت اأْل َ ْع‪َ #‬رابُ آ َمنَّا قُ‪##‬لْ‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬قَ‪##‬الَ ِ‬
‫لَ ْم تُ ْؤ ِمنُوا‪َ #‬ولَ ِك ْن قُولُوا أَ ْسلَ ْمنَا َولَ َّما يَ ْد ُخ ِل اإْل ِ ي َمانُ فِي قُلُوبِ ُك ْم َوإِ ْن تُ ِطيعُوا هَّللا َ َو َرسُولَهُ‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.393/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.393/‬‬
‫‪93‬‬
‫حي ٌم﴾ [الحجرات‪]14 :‬؟‬
‫َر ِ‬ ‫اَل يَلِ ْت ُك ْم ِم ْن أَ ْع َمالِ ُك ْم َش ْيئًا إِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أعراب من بني أس‪##‬د بن خزيم‪##‬ة ق‪##‬دموا على‬
‫رسول هللا ‪ ‬المدين‪##‬ة في س‪##‬نة جدب‪##‬ة ف‪##‬أظهروا‪ #‬الش‪##‬هادتين ولم يكون‪##‬وا‪ #‬مؤم‪##‬نين في‬
‫السر‪ ،‬وأفسدوا‪ #‬طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها‪ ،‬وكانوا يقولون لرس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬أتين‪##‬اك باألثق‪#‬ال والعي‪#‬ال ولم نقاتل‪#‬ك كم‪#‬ا قاتل‪#‬ك بن‪##‬وفالن‪ ،‬فأعطن‪##‬ا من الص‪#‬دقة‪،‬‬
‫وجعلوا‪ #‬يمنون عليه‪ ،‬فأنزل هللا تعالى فيهم هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تنبه ك‪#‬ل م‪##‬ؤمن إلى االبتع‪#‬اد عن ال‪##‬دعاوى؛ فاهلل تع‪##‬الى ه‪#‬و‬
‫الذي يصنف عب‪#‬اده‪ ،‬ول‪#‬ذلك نهين‪#‬ا عن التزكي‪#‬ة‪ ،‬وأخطره‪##‬ا ادع‪#‬اء التحق‪#‬ق باإليم‪#‬ان‬
‫‪#‬ل هَّللا ُ يُ‪##‬زَ ِّكي َم ْن يَ َش‪#‬ا ُء َواَل‬ ‫والتقوى‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬أَلَ ْم تَ َر إِلَى الَّ ِذينَ يُزَ ُّكونَ أَ ْنفُ َس‪#‬هُ ْم بَ‪ِ #‬‬
‫ُظلَ ُمونَ فَتِياًل ﴾ [النساء‪]49 :‬‬ ‫ي ْ‬
‫‪#‬ربُ‬ ‫ق َو ْال َم ْغ‪ِ #‬‬
‫﴿وهَّلِل ِ ْال َم ْش‪ِ #‬ر ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫فَأ َ ْينَ َما‪ #‬تُ َولُّوا فَثَ َّم َوجْ هُ هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ َوا ِس ٌع َعلِي ٌم﴾ [البقرة‪]115 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن جابر بن عبد هللا قال‪ :‬بعث رس‪##‬ول هللا ‪ ‬س‪##‬رية كنت‬
‫فيها فأصابتنا ظلمةٌ فلم نعرف القبلة‪ ،‬فقالت طائف‪#‬ةٌ من‪##‬ا‪ :‬ق‪##‬د عرفن‪##‬ا القبل‪##‬ة هي هاهن‪##‬ا‬
‫قبل الشمال‪ ،‬فصلوا‪ #‬وخطوا خطوطا‪ #‬وقال بعضنا‪ :‬القبلة هاهنا قبل الجن‪##‬وب فص‪##‬لوا‪#‬‬
‫وخطوا‪ #‬خطوطا‪ #‬فلما أصبحوا‪ #‬وطلعت الش‪##‬مس أص‪##‬بحت تل‪##‬ك الخط‪##‬وط‪ #‬لغ‪##‬ير القبل‪##‬ة‬
‫فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي ‪ ‬عن ذلك‪ ،‬فسكت فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عامر بن ربيعة‪ ،‬قال‪ :‬كنا نص‪##‬لي م‪#‬ع الن‪##‬بي ‪‬‬
‫في السفر في ليلة مظلمة‪ ،‬فلم ندر كيف القبلة‪ ،‬فصلى كل رجل منا على حال‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫أصبحنا ذكرنا‪ #‬ذلك للنبي ‪ ‬فنزلت اآلية (‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.395/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.36/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.37/‬‬
‫‪94‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن ابن عب‪##‬اس ق‪##‬ال‪ :‬إن النجاش‪##‬ي لم‪##‬ا ت‪##‬وفي‪ #‬ق‪##‬ال‬
‫جبريل للنبي ‪ ‬إن النجاشي‪ #‬توفي‪ ،‬فصل عليه‪ ،‬ف‪##‬أمر رس‪##‬ول هللا ‪ ‬أن يحض‪##‬روا‪#‬‬
‫وصفهم‪ #‬ثم تق‪#‬دم رس‪#‬ول هللا ‪ ‬وق‪#‬ال لهم‪( :‬إن هللا أم‪#‬رني‪ #‬أن أص‪#‬لي على النجاش‪#‬ي‬
‫وقد‪ #‬توفي فصلوا‪ #‬عليه) فصلى‪ #‬رسول هللا ‪ ‬وهم علي‪#‬ه‪ ،‬فق‪#‬ال أص‪#‬حاب رس‪#‬ول هللا‬
‫‪ ‬في أنفسهم‪ :‬كيف نصلي على رجل مات‪ ،‬وه‪##‬و يص‪##‬لي على غ‪#‬ير قبلتن‪##‬ا؟ وك‪##‬ان‬
‫النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وق‪#‬د‪ #‬ص‪#‬رفت القبل‪#‬ة إلى الكعب‪#‬ة‪ ،‬ف‪#‬أنزل‪#‬‬
‫هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن عباس قال‪ :‬إن رسول هللا ‪ ‬لما هاجر إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وكان أكثر أهلها اليهود‪ ،‬أمره هللا أن يستقبل بيت المقدس‪ ،‬ففرحت اليه‪##‬ود؛‬
‫فاستقبلها‪ #‬بضعة عشر شهرا وكان رسول هللا ‪ ‬يحب قبلة إبراهيم‪ ،‬فلما ص‪#‬رفه هللا‬
‫تعالى إليها ارتاب من ذل‪##‬ك اليه‪##‬ود وق‪##‬الوا‪ #:‬م‪##‬ا والهم عن قبلتهم ال‪##‬تي ك‪##‬انوا عليه‪##‬ا‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تعريف‪ #‬باهلل وأنه غني عن الجهات والحدود‪ #..‬وفيها تعريف‪#‬‬
‫بالحكم الشرعي المتعلق بالقبلة‪ ،‬وهو غير محصور في زمان دون زمان‪.‬‬
‫ُض‪#‬ي َع‬ ‫﴿و َم‪##‬ا َك‪##‬انَ هَّللا ُ لِي ِ‬ ‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫وف َر ِحي ٌم﴾ [البقرة‪]143 :‬؟‬ ‫اس لَ َر ُء ٌ‬ ‫إِي َمانَ ُك ْم إِ َّن هَّللا َ بِالنَّ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن ابن عباس قال‪ :‬كان رجا ٌل من أصحاب رسول هللا ‪‬‬
‫ق‪##‬د م‪##‬اتوا على القبل‪##‬ة األولى‪ ،‬منهم أس‪##‬عد بن زرارة وأبوأمام‪##‬ة أح‪##‬د ب‪##‬ني النج‪##‬ار‪،‬‬
‫والبراء بن معرور‪ #‬أح‪##‬د ب‪##‬ني س‪##‬لمة‪ ،‬وأن‪##‬اسٌ آخ‪##‬رون‪ ،‬ج‪##‬اءت عش‪##‬ائرهم فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫رسول هللا توفي‪ #‬إخواننا وهم يصلون إلى القبلة األولى‪ ،‬وق‪##‬د ص‪##‬رفك‪ #‬هللا تع‪##‬الى إلى‬
‫قبلة إبراهيم‪ ،‬فكيف بإخواننا؟‪ #‬فأنزل هللا اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تدل على رحمة هللا الواسعة بعباده‪ ،‬وأن‪##‬ه ال يع‪##‬املهم بم‪##‬ا ال‬
‫طاق‪##‬ة لهم ب‪##‬ه‪ ،‬وأن الش‪##‬ريعة مبني‪##‬ة على الس‪##‬عة ال على الض‪##‬يق‪ ،‬وعلى المقاص‪##‬د ال‬
‫على الحرفية‪.‬‬
‫ب َوجْ ِه‪##‬كَ فِي‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪#‬رى تقل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬قد ن‪َ #‬‬
‫‪#‬ر ِام َو َحي ُ‬
‫ْث َم‪##‬ا ُك ْنت ْمُ‬ ‫ط َر ْال َم ْس‪ِ #‬ج ِد ْال َح‪َ #‬‬‫ضاهَا فَ َو ِّل َوجْ هَ‪##‬كَ َش‪ْ #‬‬ ‫ال َّس َما ِء فَلَنُ َولِّيَنَّكَ قِ ْبلَةً تَرْ َ‬
‫ق ِم ْن َربِّ ِه ْم َو َم‪##‬ا هَّللا ُ‬ ‫ط َرهُ َوإِ َّن الَّ ِذينَ أُوتُوا ْال ِكت َ‬
‫َاب لَيَ ْعلَ ُمونَ أَنَّهُ ْال َح ُّ‬ ‫فَ َولُّوا‪ُ #‬وجُوهَ ُك ْم َش ْ‬
‫بِغَافِ ٍل َع َّما يَ ْع َملُونَ ﴾ [البقرة‪]144 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن البراء قال‪ :‬صلينا مع رسول‪ #‬هللا ‪ ‬بعد قدومه المدينة‬
‫ستة عشر شهرا نحوبيت المقدس‪ ،‬ثم علم هللا عز وجل هوى نبيه ‪ ‬فنزلت (‪.)4‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.37/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.37/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.42/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.43/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪95‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تدل على كرامة رسول هللا ‪ ‬عند ربه‪ ،‬وتدل على حكمت‪##‬ه‬
‫وعلمه وعصمته واختياره الموفق؛ فما كان هللا ليقره على ما خال منها‪.‬‬
‫﴿واَل تَقُولُ‪##‬وا لِ َم ْن يُقتَ ‪ُ #‬ل فِي‬
‫ْ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ات بَلْ أَحْ يَا ٌء َولَ ِك ْن اَل تَ ْش ُعرُونَ ﴾ [البقرة‪]154 :‬؟‬ ‫َسبِي ِل هَّللا ِ أَ ْم َو ٌ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في قتلى بدر من المسلمين‪ ،‬وكانوا بضعة عش‪##‬ر‬
‫رجال‪ ،‬ثماني‪##‬ة من األنص‪##‬ار وس‪##‬تة من المه‪##‬اجرين‪ ،‬وذل‪##‬ك أن الن‪##‬اس ك‪##‬انوا يقول‪##‬ون‬
‫فالن وذهب عنه نعيم ال‪##‬دنيا ول‪##‬ذاتها‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا ه‪##‬ذه‬ ‫ٌ‬ ‫للرجل يقتل في سبيل هللا مات‬
‫اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تشمل الشهداء في كل األزمنة واألمكنة؛ فاهلل أك‪##‬رم وأع‪##‬دل‬
‫من أن يفرق بين عباده‪.‬‬
‫ْ‬
‫الص‪#‬فَا َوال َم‪##‬رْ َوةَ ِم ْن‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫‪#‬اح َعلَ ْي‪ِ #‬ه أَ ْن يَطَّ َّو َ‪#‬‬
‫ف بِ ِه َم‪##‬ا َو َم ْن تَطَ‪َّ #‬و َع‬ ‫َش‪َ #‬عائِ ِ‪#‬ر هَّللا ِ فَ َم ْن َح َّج ْالبَيْتَ أَ ِو ا ْعتَ َم‪َ #‬‬
‫‪#‬ر فَاَل ُجنَ‪َ #‬‬
‫خَ ْيرًا فَإِ َّن هَّللا َ َشا ِك ٌر َعلِي ٌم﴾ [البقرة‪]158 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في األنص‪##‬ار‪ ،‬ك‪#‬انوا يهل‪##‬ون لمن‪##‬اة‪ ،‬وك‪##‬انت من‪#‬اة‬
‫حذو قديد‪ ،‬وكانوا‪ #‬يتحرجون أن يطوفوا‪ #‬بين الصفا والمروة‪ ،‬فلما جاء اإلسالم سألوا‬
‫رسول هللا ‪ ‬عن ذلك‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى اآلية(‪ ..)2‬وق‪##‬ال أنس بن مال‪##‬ك‪ :‬كن‪##‬ا نك‪##‬ره‬
‫الطواف‪ #‬بين الصفا والمروة ألنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلي‪##‬ة فتركن‪##‬اه في‬
‫اإلسالم فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عمرو بن حبشي‪ ،‬قال‪ :‬سألت ابن عمر عن هذه‬
‫اآلية فقال‪ :‬انطلق إلى ابن عباس فس‪##‬له فإن‪##‬ه أعلم من بقي بم‪##‬ا أن‪##‬زل هللا على محم‪##‬د‬
‫‪#‬اف‪،‬‬‫‪ ‬فأتيته فسألته‪ ،‬فقال‪ :‬كان على الصفا صن ٌم على ص‪##‬ورة رج‪##‬ل يق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬إس‪ٌ #‬‬
‫وعلى المروة صن ٌم على صورة امرأة تدعى نائلة‪ ،‬زعم أهل الكتاب أنهم‪##‬ا زني‪##‬ا في‬
‫الكعبة فمسخهما‪ #‬هللا تعالى حجرين‪ ،‬ووض‪##‬عهما على الص‪##‬فا والم‪##‬روة ليعت‪##‬بر بهم‪##‬ا‪،‬‬
‫فلم‪##‬ا ط‪##‬الت الم‪##‬دة عب‪##‬دا من دون هللا تع‪##‬الى‪ ،‬فك‪##‬ان أه‪##‬ل الجاهلي‪##‬ة إذا ط‪##‬افوا‪ #‬بينهم‪##‬ا‬
‫مسحوا على الوثنين‪ ،‬فلما جاء اإلسالم وكس‪##‬رت األص‪##‬نام ك‪##‬ره المس‪#‬لمون الط‪#‬واف‪#‬‬
‫ألجل الصنمين‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن السدي قال‪ :‬كان في الجاهلية تع‪##‬زف الش‪##‬ياطين‬
‫بالليل بين الصفا والمروة وكانت بينهما آلهةٌ‪ ،‬فلما ظهر اإلسالم ق‪##‬ال المس‪##‬لمون‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫ك كنا نصنعه في الجاهلي‪##‬ة؛ ف‪##‬أنزل‬ ‫رسول هللا ال نطوف بين الصفا والمروة فإنه شر ٌ‬
‫هللا تعالى اآلية(‪.)5‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.44/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.44/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.44/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.45/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.46/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪96‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تشريع شامل لكل األزمنة؛ فالسعي بين الصفا والم‪##‬روة من‬
‫شعائر‪ #‬هللا التي ينبغي تعظيمها‪ ،‬وال تصح المناسك من دونها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ْس البِ ‪َّ #‬ر أ ْن تُ َولوا‬ ‫ْ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫ْ‬
‫‪#‬ر َوال َماَل ئِ َك‪ِ #‬ة‬ ‫ب َولَ ِك َّن ْالبِ‪َّ #‬ر َم ْن آ َمنَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ‪##‬وْ ِم اآْل ِخ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ر ِ‬ ‫ق َو ْال َم ْغ‪ِ #‬‬
‫ُوجُوهَ ُك ْ‪#‬م قِبَ َل ْال َم ْش‪ِ #‬ر ِ‬
‫‪###‬ال َعلَى ُحبِّ ِه َذ ِوي ْالقُ‪##‬رْ بَى َو ْاليَتَ‪###‬ا َمى َو ْال َم َس‪###‬ا ِكينَ َوا ْبنَ‬ ‫ب َوالنَّبِيِّينَ َوآتَى ْال َم َ‬ ‫َو ْال ِكتَ‪###‬ا ِ‬
‫الص‪#‬اَل ةَ َوآتَى ال َّز َك‪##‬اةَ َو ْال ُموفُ‪##‬ونَ بِ َع ْه‪ِ #‬د ِه ْم إِ َذا‬ ‫ب َوأَقَ‪##‬ا َ‪#‬م َّ‬ ‫الس ‪#‬ائِلِينَ َوفِي ال ِّرقَ‪##‬ا ِ‬ ‫الس ‪#‬بِي ِل َو َّ‬ ‫َّ‬
‫ص‪َ ##‬دقُوا‪#‬‬ ‫َّ‬
‫س أولَئِ‪##‬كَ ال ِذينَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الص‪##‬ابِ ِرينَ فِي البَأ َس‪##‬ا ِء َو َّ‬ ‫عَاهَ‪##‬دُوا َو َّ‬
‫الض‪##‬رَّا ِء َو ِحينَ البَ‪##‬أ ِ‬
‫ك هُ ُم ْال ُمتَّقُونَ ﴾ [البقرة‪]177 :‬؟‬ ‫َوأُولَئِ َ‪#‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن قتادة قال‪ُ :‬ذكر لنا أن رجال سأل نبي هللا ‪ ‬عن ال‪##‬بر‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية‪ ..‬وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن ال إل‪##‬ه إال هللا‪ ،‬وأن‬
‫محمدا عبده ورسوله‪ ،‬ثم مات على ذلك‪ ،‬وجبت له الجنة‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها داللة على أن البر والخير‪ #‬وك‪##‬ل المع‪##‬اني النبيل‪##‬ة ال تقتص‪##‬ر‬
‫على الشرائع والرسوم والطقوس فقط‪ ،‬بل تشمل جميع مناحي الحياة‪.‬‬
‫ب‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا ُكتِ َ‬
‫صاصُ فِي ْالقَ ْتلَى ْالحُرُّ بِ ْالحُرِّ َو ْال َع ْب ُد بِ ْال َع ْب ِد َواأْل ُ ْنثَى‪ #‬بِ ‪#‬اأْل ُ ْنثَى فَ َم ْن ُعفِ َي لَ ‪#‬هُ‬ ‫َعلَ ْي ُك ُم ْالقِ َ‬
‫‪#‬ف ِم ْن َربِّ ُك ْم َو َرحْ َم‪ #‬ةٌ‬ ‫ك ت َْخفِي‪ٌ #‬‬ ‫ُوف َوأَدَا ٌء إِلَ ْي ِه بِإِحْ َسا ٍن َذلِ َ‬
‫ع بِ ْال َم ْعر ِ‪#‬‬ ‫ِم ْن أَ ِخي ِه َش ْي ٌء فَاتِّبَا ٌ‪#‬‬
‫ك فَلَهُ َع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [البقرة‪]178 :‬؟‬ ‫فَ َم ِن ا ْعتَدَى بَ ْع َد َذلِ َ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن‪##‬ه ك‪##‬ان بين ح‪##‬يين من أحي‪##‬اء الع‪##‬رب قت‪##‬الٌ‪ ،‬وك‪##‬ان ألح‪##‬د‬
‫الح‪##‬يين ط‪##‬و ٌل على اآلخ‪##‬ر‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬نقت‪##‬ل بالعب‪##‬د من‪##‬ا الح‪##‬ر منكم‪ ،‬وب‪##‬المرأة الرج‪##‬ل‪،‬‬
‫فنزلت هذه اآلية(‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.49/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.49/‬‬
‫‪97‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها داللة على وجوب المساواة والعدالة‪ ..‬ال في القصاص فقط‪،‬‬
‫بل في كل الشؤون‪ ..‬وال فيما ُذكر فقط‪ ،‬بل فيما ذكر وما لم يذكر‪.‬‬
‫الص‪#‬يَ ِام‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أُ ِح‪َّ #‬ل لَ ُك ْم لَ ْيلَ‪#‬ةَ ِّ‬
‫ث إِلَى نِ َسائِ ُك ْ‪#‬م ه َُّن لِبَاسٌ لَ ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم لِبَاسٌ لَه َُّن َعلِ َم هَّللا ُ أَنَّ ُك ْم ُك ْنتُ ْم ت َْختَانُونَ أَ ْنفُ َس ‪ُ #‬ك ْم‬ ‫ال َّرفَ ُ‬
‫اش‪َ #‬ربُوا‪#‬‬ ‫َب هَّللا ُ لَ ُك ْم َو ُكلُ‪##‬وا َو ْ‬ ‫اش‪#‬رُوه َُّن َوا ْبتَ ُغ‪##‬وا‪َ #‬م‪##‬ا َكت َ‬ ‫َاب َعلَ ْي ُك ْم َو َعفَا َع ْن ُك ْم فَاآْل نَ بَ ِ‬ ‫فَت َ‬
‫الص ‪#‬يَا َم إِلَى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪#‬ط اأْل ْس ‪َ #‬و ِد ِمنَ الفَجْ ‪ِ #‬ر ث َّم أتِ ُّموا ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َحتَّى يَتَبَيَّنَ لَ ُك ُم ال َخ ْي ‪#‬ط اأْل ْبيَضُ ِمنَ الخَ ْي‪ِ #‬‬
‫ْ‬ ‫هَّللا‬
‫اج ِد تِلكَ ُح‪ #‬دُو ُد ِ فَاَل تَق َربُوهَ‪##‬ا َك‪َ #‬ذلِكَ‬ ‫ْ‬ ‫اللَّي ِْل َواَل تُبَا ِشرُوه َُّن َوأَ ْنتُْ‪#‬م عَا ِكفُونَ فِي ْال َم َس ِ‬
‫اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة‪]187 :‬؟‬ ‫يُبَيِّنُ هَّللا ُ آيَاتِ ِه لِلنَّ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم‬
‫عليهم النس‪#‬اء والطع‪##‬ام‪ #‬إلى مثله‪#‬ا من القابل‪#‬ة‪ ،‬ثم إن ناس‪#‬ا من المس‪#‬لمين أص‪#‬ابوا من‬
‫الطعام والنساء في شهر رمضان بعد العشاء‪ ،‬منهم عمر بن الخط‪##‬اب‪ ،‬فش‪##‬كوا ذل‪##‬ك‬
‫لرسول هللا ‪ ‬فأنزل هللا هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فيها بيان تفصيلي ألحكام الصوم‪ ،‬وهو عام شامل ال يقتصر على‬
‫زمان دون زمان‪.‬‬
‫‪#‬والَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم‬ ‫ْ‬
‫﴿واَل تَ‪##‬أ ُكلُوا أَ ْم‪َ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫اس بِ‪#‬اإْل ِ ْث ِم َوأَ ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ﴾‬ ‫ْ‬
‫اط ِل َوتُ ْدلُوا‪ #‬بِهَا إِلَى ْال ُح َّك ِام لِتَ‪##‬أ ُكلُوا فَ ِريقً‪##‬ا ِم ْن أَ ْم‪َ #‬وا ِل النَّ ِ‬ ‫بِ ْالبَ ِ‬
‫[البقرة‪]188 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في امرئ القيس بن عابس الكن‪##‬دي‪ ،‬وفي عب‪##‬دان‬
‫بن أشوع الحض‪##‬رمي‪ ،‬وذل‪##‬ك أنهم‪##‬ا اختص‪##‬ما إلى الن‪##‬بي ‪ ‬في أرض وك‪##‬ان ام‪##‬رؤ‬
‫القيس المطل‪##‬وب وعب‪##‬دان الط‪##‬الب‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬فحكم عب‪##‬دان في‬
‫أرضه‪ ،‬ولم يخاصمه(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحريم‪ #‬لكل أسباب الرزق‪ #‬المحرمة‪ ،‬وخاصة الرشوة منه‪##‬ا‪،‬‬
‫وفي‪ #‬كل األزمنة واألمكنة‪.‬‬
‫ك ع َِن اأْل َ ِهلَّ ِة قُ‪##‬لْ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ ْس‪#‬أَلُون ََ‬
‫اس َو ْال َحجِّ ﴾ [البقرة‪]189 :‬؟‬ ‫يت لِلنَّ ِ‬ ‫ِه َي َم َواقِ ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول‪ #‬هللا ‪ :‬ي‪#‬ا رس‪#‬ول هللا إن‬
‫اليهود تغشانا‪ #‬ويكثرون مسألتنا عن األهلة ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى اآلية(‪ . .)3‬وق‪##‬ال قت‪##‬ادة‪:‬‬
‫ذكر لنا أنهم سألوا نبي هللا ‪ ‬لم خلقت هذه األهل‪##‬ة؟ ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى اآلي‪##‬ة‪ ..‬وق‪##‬ال‬
‫الكلبي‪ :‬نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة وهما رجالن من األنص‪##‬ار‪ #‬ق‪##‬اال‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫رسول هللا ما بال الهالل يبدوفيطلع دقيقا مث‪##‬ل الخي‪##‬ط ثم يزي‪##‬د ح‪##‬تى يعظم ويس‪##‬توي‬
‫ويستدير‪ ،‬ثم ال يزال ينقص ويدق حتى يكون كما كان‪ ،‬ال يكون على حال واح‪##‬دة؟!‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.49/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.53/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.53/‬‬
‫‪98‬‬
‫فنزلت هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فيها بيان لحكمة من حكمة األهلة‪ ،‬وبيان ألدب الجواب مع من ال‬
‫يطيق التفاصيل التي ال يقدر عقله على فهمها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْس البِ‪##‬رُّ بِ‪##‬أ ْن تَ‪##‬أتُوا‬ ‫ْ‬ ‫﴿ولَي َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُورهَا َولَ ِك َّن ْالبِ َّر َم ِن اتَّقَى َو ْأتُوا ْالبُيُوتَ ِم ْن أَ ْب َوابِهَ‪##‬ا َواتَّقُ‪##‬وا َ لَ َعل ُك ْم‬
‫َّ‬ ‫هَّللا‬ ‫ْالبُيُوتَ ِم ْن ظُه ِ‬
‫تُ ْفلِحُونَ ﴾ [البقرة‪]189 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن ال‪##‬براء بن ع‪##‬ازب ق‪##‬ال‪ :‬ك‪##‬انت األنص‪##‬ار إذا حج‪##‬وا‬
‫فجاءوا ال يدخلون من أبواب بيوتهم‪ #،‬ولكن من ظهورها‪ ،‬فجاء رج ٌل فدخل من قب‪##‬ل‬
‫باب‪ ،‬فكأنه عير بذلك‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فيها داللة على فضل التقوى‪ ،‬وأنها المعيار الذي يُعرف به ال‪##‬بر‪،‬‬
‫ال الظ‪##‬واهر‪ #‬والرس‪##‬وم‪ #،‬وخاص‪##‬ة تل‪##‬ك ال‪##‬تي تع‪##‬ارف‪ #‬عليه‪##‬ا الن‪##‬اس‪ ،‬ولم ي‪##‬رد عن هللا‬
‫تعالى تشريعها‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وقَاتِلُوا‪ #‬فِي َسبِي ِل هَّللا ِ الَّ ِذينَ‬
‫يُقَاتِلُونَ ُك ْ‪#‬م َواَل تَ ْعتَدُوا‪ #‬إِ َّن هَّللا َ اَل يُ ِحبُّ ْال ُم ْعتَ ِدينَ ﴾ [البقرة‪]190 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت هذه اآليات في صلح الحديبية‪ ،‬وذل‪##‬ك أن رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ ‬لم‪###‬ا ص‪###‬د عن ال‪###‬بيت هووأص‪###‬حابه‪ ،‬نح‪###‬ر اله‪###‬دي بالحديبي‪###‬ة‪ ،‬ثم ص‪###‬الحه‬
‫المشركون على أن يرجع عامه‪ ،‬ثم يأتي القاب‪##‬ل على أن يخل‪##‬وا ل‪##‬ه مك‪##‬ة ثالث‪##‬ة أي‪##‬ام‪،‬‬
‫فيطوف بالبيت ويفعل م‪##‬ا ش‪##‬اء‪ ،‬وص‪##‬الحهم رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪‬؛ فلم‪##‬ا ك‪##‬ان الع‪##‬ام المقب‪##‬ل‬
‫تجهز رسول هللا ‪ ‬وأصحابه لعمرة القضاء‪ ،‬وخ‪##‬افوا‪ #‬أن ال تفي لهم ق‪##‬ريشٌ ب‪##‬ذلك‪،‬‬
‫وأن يص‪##‬دوهم‪ #‬عن المس‪##‬جد الح‪##‬رام ويق‪##‬اتلوهم‪ ،‬وك‪##‬ره أص‪##‬حابه قت‪##‬الهم في الش‪##‬هر‬
‫الحرام‪ ،‬في الحرام فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فيها دليل على أن شريعة هللا شريعة سالم ورحمة‪ ،‬ولذلك ال تبيح‬
‫العنف إال في محاله التي ال يجدي معها غيره‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت ف َمن ك‪##‬انَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أيَّا ًما َمعدُودَا ٍ‬
‫خَ‪##‬ر َو َعلَى الَّ ِذينَ ي ُِطيقُونَ‪##‬هُ فِديَ‪##‬ة ط َع‪##‬ا ُم‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫يض‪##‬ا أَوْ َعلَى َس‪##‬فَ ٍر فَ ِع‪َّ ##‬دةٌ ِم ْن أَي ٍَّام أُ َ‬ ‫ِم ْن ُك ْم َم ِر ً‬
‫ين فَ َم ْن تَطَ َّو َع َخ ْي‪#‬رًا فَهُ‪َ #‬و َخ ْي‪ٌ #‬ر لَ‪#‬هُ َوأَ ْن ت ُ‬
‫َص‪#‬و ُموا‪ #‬خَ يْ‪ٌ #‬ر لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُم‪#‬ونَ ﴾‬ ‫ِم ْس ِك ٍ‬
‫[البقرة‪]184 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن كعب بن عجرة قال‪ :‬في نزلت هذه اآلي‪##‬ة‪ ..‬وق‪##‬ع القم‪##‬ل‬
‫في رأسي فذكرت ذلك للن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬ال‪( :‬احل‪##‬ق واف‪##‬ده ص‪##‬يام‪ #‬ثالث‪##‬ة أي‪##‬ام‪ ،‬أوالنس‪##‬ك‪،‬‬
‫ع) (‪)4‬‬ ‫أوأطعم‪ #‬ستة مساكين لكل مسكين صا ٌ‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.53/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.53/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.54/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.58/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪99‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن كعب بن عج‪##‬رة‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬ر ب‪##‬ه رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫وهو يوقد‪ #‬تحت ق‪#‬در‪ #‬ل‪#‬ه بالحديبي‪#‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬أيؤذي‪#‬ك‪ #‬ه‪#‬وام رأس‪#‬ك؟) ق‪#‬ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫ق بين س‪##‬تة‬ ‫(احل‪##‬ق) ف‪##‬أنزلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬فالص‪##‬يام ثالث‪##‬ة أي‪##‬ام‪ ،‬والص‪##‬دقة ف‪##‬ر ٌ‬
‫مساكين‪ ،‬والنسك شاةٌ) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لرحمة هللا بعباده‪ ،‬وأن‪##‬ه ال يكلفهم م‪##‬ا ال يطيق‪##‬ون‪ ،‬وأن‬
‫الشريعة مبنية على اليسر ال على العسر‪ ،‬وعلى المقاصدية ال الحرفية‪.‬‬
‫‪#‬ر ال‪َّ #‬زا ِد‬ ‫﴿وتَزَ َّودُوا فَ‪#‬إِ َّن خَ ْي‪َ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ب﴾ [البقرة‪]197 :‬؟‬ ‫التَّ ْق َوى َواتَّقُو ِن يَا أُولِي اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في أه‪##‬ل اليمن ك‪##‬انوا يحج‪##‬ون وال ي‪##‬تزودون‬
‫يقولون‪ :‬نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل هللا عز وجل اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بي‪##‬ان ألدب التعام‪##‬ل م‪##‬ع س‪##‬نن هللا وحكمت‪##‬ه‪ ،‬وأن التوك‪##‬ل ال‬
‫ينافي‪ #‬استعمال األسباب‪ ،‬وأن أفضل األسباب للتقرب إلى هللا التقوى‪.‬‬
‫ْس َعلَ ْي ُك ْم ُجنَ‪##‬ا ٌح أَ ْن‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫‪#‬اذ ُكرُوا‪ #‬هَّللا َ ِع ْن‪َ #‬د ْال َم ْش‪َ #‬ع ِر ْال َح‪َ #‬ر ِام‬
‫ت فَ‪ْ #‬‬ ‫ض‪#‬اًل ِم ْن َربِّ ُك ْم فَ‪#‬إِ َذا أَفَ ْ‬
‫ض‪#‬تُ ْم ِم ْن ع ََرفَ‪#‬ا ٍ‬ ‫تَ ْبتَ ُغوا فَ ْ‬
‫َو ْاذ ُكرُوهُ َك َما هَدَا ُك ْم َوإِ ْن ُك ْنتُ ْم ِم ْن قَ ْبلِ ِه لَ ِمنَ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة‪]198 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن أبي أمامة التيمي قال‪ :‬س‪##‬ألت ابن عم‪##‬ر فقلت‪ :‬إن‪##‬ا ق‪##‬و ٌم‬
‫نكرى في هذا الوجه‪ ،‬وإن قوما‪ #‬يزعم‪##‬ون أن‪##‬ه ال حج لن‪##‬ا ق‪##‬ال‪ :‬ألس‪##‬تم تلب‪##‬ون؟ ألس‪##‬تم‬
‫تطوفون؟ ألستم تسعون بين الصفا والم‪##‬روة؟ ألس‪##‬تم ألس‪##‬تم؟ ق‪##‬ال‪ :‬قلت‪ :‬بلى ق‪##‬ال‪ :‬إن‬
‫رجال سأل النبي ‪ ‬عما سألت عنه فلم يدر ما يرد عليه ح‪#‬تى ن‪#‬زلت اآلي‪#‬ة‪ ..‬ف‪#‬دعاه‬
‫فتال عليه حين نزلت‪ ،‬فقال‪( :‬أنتم الحجاج) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن عباس قال‪ :‬ك‪##‬ان ذوالمج‪#‬از‪ #‬وعك‪#‬اظ متج‪##‬را‬
‫للناس في الجاهلية‪ ،‬فلم‪##‬ا ج‪##‬اء اإلس‪##‬الم ك‪##‬أنهم كره‪##‬وا ذل‪##‬ك ح‪##‬تى ن‪##‬زلت في مواس‪#‬م‪#‬‬
‫الحج‪ ..‬وروي‪ #‬أنه قال‪ :‬كانوا يتقون البيوع والتج‪##‬ارة في الحج يقول‪##‬ون أي‪##‬ام ذك‪##‬ر هللا‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية‪ ،‬فاتجروا‪.)4(#‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لعدم التعارض بين ممارسة العبادة‪ ،‬واالهتمام بشؤون‬
‫الحياة‪ ،‬وفي كل المجاالت‪.‬‬
‫يض‪#‬وا‪ِ #‬م ْن َحيْثُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ث َّم أفِ ُ‬
‫اض النَّاسُ َوا ْستَ ْغفِرُوا‪ #‬هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [البقرة‪]199 :‬؟‬ ‫أَفَ َ‬
‫‪#‬ريش ومن دان‬ ‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن الع‪##‬رب ك‪##‬انت تفيض من عرف‪##‬ات‪ ،‬وق‪#ٌ #‬‬
‫بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)5‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.60/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.62/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.62/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.62/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.63/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪100‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان ودعوة للمساواة‪ ،‬وفي‪ #‬كل شؤون الحياة‪.‬‬
‫َاس‪َ #‬ك ُك ْ‪#‬م‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ‪#‬إِ َذا قَ َ‬
‫ض‪ْ #‬يتُ ْم َمن ِ‬
‫اس َم ْن يَقُو ُل َربَّنَا آتِنَا فِي ال ُّد ْنيَا َو َما‬ ‫فَ ْاذ ُكرُوا هَّللا َ َك ِذ ْك ِر ُك ْ‪#‬م آبَا َء ُك ْم أَوْ أَ َش َّد ِذ ْكرًا فَ ِمنَ النَّ ِ‬
‫ق﴾ [البقرة‪]200 :‬؟‬ ‫لَهُ فِي اآْل ِخ َر ِة ِم ْن خَ اَل ٍ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن أه‪#‬ل الجاهلي‪#‬ة ك‪#‬انوا إذا اجتمع‪#‬وا بالموس‪#‬م‪ #‬ذك‪#‬روا فع‪#‬ل‬
‫آبائهم في الجاهلية وأيامهم‪ #‬وأنسابهم فتفاخروا فأنزل هللا تعالى اآلية‪ ..‬وقال الحس‪##‬ن‪:‬‬
‫كانت األعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون‪ :‬وأبي‪##‬ك إنهم لفعل‪##‬وا ك‪##‬ذا وك‪##‬ذا‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى االهتمام بالمقصد األكبر للحج وكل عب‪##‬ادة‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫ذكر هللا‪ ..‬وفيها‪ #‬دعوة إلى رفع الهمة حتى ال تك‪##‬ون مط‪##‬الب اإلنس‪##‬ان محص‪##‬ورة في‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَسْأَلُونَكَ َما َذا يُ ْنفِقُونَ قُ‪##‬لْ‬
‫ين َواب ِْن ال َّسبِي ِل َو َم‪##‬ا تَ ْف َعلُ‪##‬وا‬ ‫َما أَ ْنفَ ْقتُ ْم ِم ْن خَ ي ٍْر فَلِ ْل َوالِ َدي ِْن َواأْل َ ْق َربِينَ َو ْاليَتَا َمى َو ْال َم َسا ِك ِ‬
‫علِي ٌم﴾ [البقرة‪]215 :‬‬ ‫ِم ْن َخي ٍْر فَإِ َّن هَّللا َ بِ ِه َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في عم‪##‬روبن الجم‪##‬وح األنص‪##‬اري‪ #‬وك‪##‬ان ش‪##‬يخا‬
‫كب‪##‬يرا ذا م‪#‬ال كث‪#‬ير‪ ،‬فق‪#‬ال‪ :‬ي‪#‬ا رس‪##‬ول هللا بم‪##‬اذا نتص‪##‬دق؟ وعلى من ننف‪##‬ق؟ ف‪##‬نزلت‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عنه قال‪ :‬نزلت اآلية في رجل أتى الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫إن لي دينارا فقال‪( :‬أنفق‪##‬ه على نفس‪##‬ك) فق‪##‬ال‪ :‬إن لي دين‪##‬ارين‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬أنفقهم‪##‬ا على‬
‫أهل‪##‬ك) فق‪#‬ال‪ :‬إن لي ثالث‪##‬ة فق‪#‬ال‪( :‬أنفقه‪#‬ا على خادم‪##‬ك) فق‪##‬ال‪ :‬إن لي أربع‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(أنققها على والديك) فقال‪ :‬إن لي خمسة‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬أنفقه‪##‬ا على قرابت‪##‬ك) فق‪##‬ال‪ :‬إن لي‬
‫ستة فقال‪( :‬أنفقها في سبيل هللا‪ ،‬وهوأحسنها) (‪)3‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬ه‪##‬ذا الس‪##‬ؤال أعظم من أن ينحص‪##‬ر في ال‪##‬ذين س‪##‬ألوه‪ ،‬واإلجاب‪##‬ة‬
‫عليه‪ ،‬سواء تلك التي وردت في القرآن الكريم أو في الحديث الشريف إجاب‪##‬ة للبش‪##‬ر‬
‫جميعا‪.‬‬
‫َّ‬
‫ك ع َِن الش‪#‬ه ِْر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ق‪#‬ال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ ْس‪#‬ألون َ‬
‫‪#‬ر ِام‬ ‫ص ٌّد ع َْن َس‪#‬بِي ِل هَّللا ِ َو ُك ْف‪ٌ #‬ر بِ‪ِ #‬ه َو ْال َم ْس‪ِ #‬ج ِد ال َح‪َ #‬‬
‫ْ‬ ‫ْال َح َر ِام قِتَا ٍل فِي ِه قُلْ قِتَا ٌل فِي ِه َكبِي ٌر َو َ‬
‫‪#‬ل َواَل يَزَ الُ‪##‬ونَ يُقَ‪##‬اتِلُونَ ُك ْم َحتَّى‬ ‫َوإِ ْخ َرا ُج أَ ْهلِ ِه ِم ْنهُ أَ ْكبَ ُر ِع ْن َد هَّللا ِ َو ْالفِ ْتنَةُ أَ ْكبَ ‪ُ #‬ر ِمنَ ْالقَ ْت‪ِ #‬‬
‫ت َوهُ َو َكافِ ٌ‪#‬ر فَأُولَئِ‪##‬كَ‬ ‫يَ ُر ُّدو ُك ْم ع َْن ِدينِ ُك ْم إِ ِن ا ْستَطَاعُوا َو َم ْن يَرْ تَ ِد ْ‪#‬د ِم ْن ُك ْم ع َْن ِدينِ ِه فَيَ ُم ْ‬
‫ُ‬
‫ار ه ُ ْم فِيهَ‪##‬ا خَالِ ‪ُ #‬دونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ت أَ ْع َمالُهُ ْم فِي ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِة َوأولَئِكَ أَصْ َحابُ النَّ ِ‬ ‫َحبِطَ ْ‬
‫‪]217‬؟‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.64/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.66/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.67/‬‬
‫‪101‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬بعث س‪##‬رية من المس‪##‬لمين لمواجه‪##‬ة‬
‫المعت‪##‬دين على المس‪##‬لمين‪ ،‬وأم‪##‬ر عليهم عب‪##‬د هللا بن جحش األس‪##‬دي‪ ،‬ف‪##‬انطلقوا ح‪##‬تى‬
‫هبطوا نخلة‪ ،‬ووجدوا‪ #‬بها عمروبن الحضرمي في عير تج‪##‬ارة لق‪##‬ريش في ي‪##‬وم بقي‬
‫في الش‪##‬هر الح‪##‬رام‪ ،‬فاختص‪#‬م‪ #‬المس‪##‬لمون فق‪##‬ال قائ‪ٌ #‬ل منهم‪ :‬ال نعلم ه‪##‬ذا الي‪##‬وم إال من‬
‫الشهر الحرام‪ ،‬وال ن‪##‬رى أن تس‪##‬تحلوا لطم‪##‬ع أش‪##‬فيتم علي‪##‬ه‪ ،‬فغلب على األم‪##‬ر ال‪##‬ذين‬
‫يريدون عرض الدنيا‪ ،‬فشدوا على ابن الحض‪##‬رمي‪ #‬فقتل‪##‬وه وغنم‪##‬وا ع‪##‬يره فبل‪##‬غ ذل‪##‬ك‬
‫كفار قريش‪ ،‬وك‪##‬ان ابن الحض‪##‬رمي أول قتي‪##‬ل قت‪##‬ل بين المس‪##‬لمين وبين المش‪##‬ركين‪،‬‬
‫فركب وف ٌد من كفار قريش حتى قدموا‪ #‬على النبي ‪ ‬فقالوا‪ :‬أتحل القتال في الش‪##‬هر‬
‫الحرام؟ فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخ‪#‬ر‪ :‬ومثل‪#‬ه م‪#‬ا روي أن رس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬بعث عب‪#‬د هللا بن جحش‪ ،‬ومع‪#‬ه‬
‫نفر من المهاجرين‪ ،‬فقتل عبد هللا بن واقد الليثي عمروبن الحض‪##‬رمي‪ #‬في آخ‪##‬ر ي‪##‬وم‬
‫من رجب‪ ،‬وأسروا‪ #‬رجلين واس‪##‬تاقوا الع‪##‬ير‪ ،‬فوق‪#‬ف‪ #‬على ذل‪##‬ك الن‪##‬بي ‪ ‬وق‪##‬ال‪( :‬لم‬
‫آمركم بالقتال في الشهر الحرام)‪ ،‬فقالت قريش‪ :‬استحل محمد الشهر الحرام فنزلت‪:‬‬
‫يل هَّللا ِ َو ُك ْف‪ٌ #‬ر‬‫ص‪ٌّ #‬د ع َْن َس‪#‬بِ ِ‬ ‫َال فِي ِه قُلْ قِتَا ٌل فِي ِه َكبِي ٌر َو َ‬ ‫﴿يَسْأَلُونَكَ َع ِن ال َّشه ِْر ْال َح َر ِام قِت ٍ‬
‫ل﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫بِ ِه َو ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام َوإِ ْخ َرا ُج أَ ْهلِ ِه ِم ْنهُ أَ ْكبَ ُر ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ َو ْالفِ ْتنَ‪#‬ةُ أَ ْكبَ‪ُ #‬ر ِمنَ ْالقَ ْت‪ِ #‬‬
‫‪]217‬؟‪ ،‬أي قد كانوا يفتنونكم‪ #‬وأنتم في حرم هللا بعد إيم‪##‬انكم‪ ،‬وه‪#‬ذا أك‪#‬بر عن‪#‬د هللا من‬
‫أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كف‪##‬رهم باهلل‪ ..‬ولم‪##‬ا ن‪##‬زل ه‪##‬ذا قبض رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫العير‪ ،‬ونادى األسيرين ولما فرج هللا تعالى عن أهل تلك الس‪##‬رية م‪##‬ا ك‪##‬انوا في‪##‬ه من‬
‫غم طمعوا فيما عن‪##‬د هللا من ثواب‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا ن‪##‬بي هللا أنطم‪##‬ع أن تك‪##‬ون غ‪##‬زوة وال‬
‫نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل هللا؟ ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َوالَّ ِذينَ‬
‫حي ٌم﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ك يَرْ ُج‪##‬ونَ َرحْ َمتَ هَّللا ِ َوهَّللا ُ َغفُ‪##‬و ٌر َر ِ‬ ‫يل هَّللا ِ أُولَئِ َ‬‫َاجرُوا‪َ #‬و َجاهَدُوا فِي َسبِ ِ‬ ‫ه َ‬
‫‪]218‬؟ (‪)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬هي بيان للمعايير‪ #‬الخاطئة التي تمارس‪##‬ها العق‪##‬ول الجاهلي‪##‬ة‪ ،‬حيث‬
‫تقوم بكل الجرائم ثم تدعي بعدها الورع عن بعض الحرمات‪ ،‬م‪##‬ع أن الج‪##‬رائم‪ #‬ال‪##‬تي‬
‫ترتكبها‪ #‬أكبر بكثير‪ #..‬وبذلك فهي تدعو الجميع إلى ض‪##‬بط ك‪##‬ل المع‪##‬ايير لتس‪##‬تقيم م‪##‬ع‬
‫العدالة والقيم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك ع َِن اليَت‪##‬ا َمى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ويَ ْس‪#‬ألون َ‬
‫َ‬
‫ح َول‪##‬وْ‬ ‫ص‪#‬لِ ِ‬‫قُلْ إِصْ اَل ٌح لَهُ ْم َخ ْي ٌر َوإِ ْن تُخَالِطُوهُ ْم فَ‪#‬إِ ْخ َوانُ ُك ْ‪#‬م َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم ْال ُم ْف ِس‪َ #‬د ِمنَ ال ُم ْ‬
‫ْ‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم﴾ [البقرة‪]220 :‬؟‬ ‫َشا َء هَّللا ُ أَل َ ْعنَتَ ُك ْم إِ َّن هَّللا َ ع ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها لما نزل قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ‪##‬أْ ُكلُونَ أَ ْم‪َ #‬وا َل ْاليَتَ‪##‬ا َمى‬
‫ظُ ْل ًما إِنَّ َما يَأْ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْ‪#‬م نَارًا َو َسيَصْ لَوْ نَ َس ِعيرًا﴾ [النساء‪ ]10 :‬عزلوا أم‪##‬والهم عن‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.67/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.68/‬‬
‫‪102‬‬
‫أموالهم‪ ،‬فنزلت اآلية‪ ،‬فخلطوا أموالهم بأموالهم‪.)1(#‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫﴿واَل تَق َربُ‪#‬وا َم َ‬
‫‪#‬ال اليَتِ ِيم‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه لما أن‪#‬زل هللا ع‪#‬ز وج‪#‬ل‪َ :‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال اليَتَ‪##‬ا َمى ظل ًم‪##‬ا إِنَّ َم‪##‬ا‬ ‫‪#‬و َ‬ ‫إِاَّل بِ‪##‬الَّتِي ِه َي أَحْ َس ‪#‬نُ ﴾ [األنع‪##‬ام‪ ،]152 :‬و﴿إِ َّن الَّ ِذينَ يَ‪##‬أْ ُكلُونَ أَ ْم‪َ #‬‬
‫يَأْ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْم نَارًا َو َسيَصْ لَوْ نَ َس ِعيرًا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]10 :‬انطل‪##‬ق من ك‪##‬ان عن‪##‬ده م‪##‬ال‬
‫يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه‪ ،‬وجعل يفض‪##‬ل الش‪##‬يء من طعام‪##‬ه‬
‫فيحبس له حتى يأكله أويفسد‪ ،‬واشتد ذلك عليهم‪ ،‬فذكروا‪ #‬ذلك لرسول هللا ‪ ‬ف‪##‬أنزل‬
‫ر َوإِ ْن تُخَ‪##‬الِطُوهُ ْم﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ك ع َِن ْاليَتَا َمى قُلْ إِصْ اَل ٌح لَهُ ْم خَ يْ‪ٌ #‬‬ ‫هللا عز وجل ﴿ َويَسْأَلُونَ َ‬
‫‪ ]220‬فتخلطوا‪ #‬طعامكم بطعامهم‪ #‬وشرابكم بشرابهم(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إشارة إلى مراع‪##‬اة المقاص‪##‬د واإلص‪##‬الح في تط‪##‬بيق أحك‪##‬ام‬
‫الشريعة؛ فالذي يعزل طعامه عن طعام اليتيم قد يكون ورعا في الظ‪##‬اهر عن مال‪##‬ه‪،‬‬
‫لكنه في الحقيقة أساء معاملته النفس‪#‬ية‪ ،‬والعم‪#‬ل الص‪##‬الح ه‪#‬و ال‪#‬ذي ال ترتب‪##‬ط ب‪#‬ه أي‬
‫إساءة‪ ،‬ومن أي جهة‪.‬‬
‫﴿واَل تَ ْن ِك ُح‪##‬وا ْال ُم ْش‪ِ #‬ر َكا ِ‬
‫ت‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َحتَّى ي ُْؤ ِم َّن َوأَل َ َم‪ #‬ةٌ ُم ْؤ ِمنَ‪#‬ةٌ َخ ْي‪ٌ #‬ر ِم ْن ُم ْش‪ِ #‬ر َك ٍة َولَ‪##‬وْ أَ ْع َجبَ ْت ُك ْم َواَل تُ ْن ِك ُح‪##‬وا ْال ُم ْش‪ِ #‬ر ِكينَ‬
‫ُ‬
‫ك َولَ‪##‬وْ أَ ْع َجبَ ُك ْم أولَئِ‪##‬كَ يَ‪ْ #‬د ُعونَ إِلَى النَّ ِ‬
‫ار‬ ‫‪#‬ؤ ِم ٌن َخ ْي‪ٌ #‬ر ِم ْن ُم ْش‪ِ #‬ر ٍ‪#‬‬
‫َحتَّى ي ُْؤ ِمنُوا َولَ َع ْب‪ٌ #‬د ُم‪ْ #‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.71/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.71/‬‬
‫‪103‬‬
‫َوهَّللا ُ يَ ْدعُو إِلَى ْال َجنَّ ِة َو ْال َم ْغفِ َر ِة بِإِ ْذنِ ِه َويُبَيِّنُ آيَاتِ ِه لِلنَّ ِ‬
‫اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَ َذ َّكرُونَ ﴾ [البقرة‪]221 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في أبي مرث‪##‬د الغن‪##‬وي‪ ،‬حيث اس‪##‬تأذن الن‪##‬بي ‪‬‬
‫في أن يتزوج امرأة من قريش‪ ،‬كانت ذات ح‪##‬ظ من جم‪##‬ال وهي مش‪##‬ركة وأبومرث‪##‬د‬
‫مسلم‪ ،‬فقال‪ :‬يا نبي هللا إنها لتعجبني‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا عز وجل اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها ن‪##‬زلت في عب‪##‬د هللا بن رواح‪##‬ة‪ ،‬وك‪##‬انت ل‪##‬ه أم‪##‬ة‬
‫سوداء وإنه غضب عليها فلطمها‪ ،‬ثم إنه فزع‪ ،‬فأتى النبي ‪ ‬فأخبره خبره‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬ال‬
‫له النبي ‪( :‬ما هي يا عبد هللا؟) فقال‪ :‬يا رس‪##‬ول‪ #‬هللا هي تص‪##‬وم‪ #‬وتص‪##‬لي‪ #‬وتحس‪##‬ن‬
‫الوضوء‪ ،‬وتشهد‪ #‬أن ال إله إال هللا وأنك رسوله‪ ،‬فقال‪( :‬يا عب‪##‬د هللا ه‪#‬ذه مؤمن‪##‬ة) ق‪#‬ال‬
‫عبد هللا‪ :‬فوالذي‪ #‬بعثك بالحق نبيا ألعتقنها وألتزوجنها‪ ،‬ففع‪##‬ل فطعن علي‪##‬ه ن‪##‬اس من‬
‫المس‪##‬لمين فق‪##‬الوا‪ :‬نكح أم‪##‬ة‪ ،‬وك‪##‬انوا يري‪##‬دون أن ينكح‪##‬وا إلى المش‪##‬ركين وينكح‪##‬وهم‬
‫رغبة في أحسابهم فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬بعث رجال يق‪##‬ال ل‪##‬ه مرث‪##‬د بن أبي‬
‫مرثد ليخرج ناسا من المسلمين بها أسراء؛ فلما ق‪##‬دمها س‪##‬معت ب‪##‬ه ام‪##‬رأة يق‪##‬ال له‪##‬ا‪:‬‬
‫عناق‪ ،‬وكانت خليلة له في الجاهلية‪ ،‬فلما أسلم أعرض عنها‪ ،‬فأتته فقالت‪ :‬ويحك ي‪##‬ا‬
‫مرثد أال تخلو؟ فقال لها‪ :‬إن اإلسالم ق‪##‬د ح‪##‬ال بي‪##‬ني وبين‪##‬ك وحرم‪##‬ه علين‪##‬ا‪ ،‬ولكن إن‬
‫شئت تزوجتك‪ ،‬إذا رجعت إلى رسول هللا ‪ ‬استأذنته في ذل‪#‬ك ثم تزوجت‪#‬ك‪ ،‬فق‪#‬الت‬
‫له‪ :‬أبي تتبرم؟ ثم استغاثت عليه فضربوه ضربا ش‪##‬ديدا ثم خل‪##‬وا س‪##‬بيله‪ ،‬فلم‪##‬ا قض‪##‬ى‬
‫حاجته بمكة انصرف‪ #‬إلى رسول هللا ‪ ‬راجعا وأعلم‪##‬ه ال‪##‬ذي ك‪##‬ان من أم‪##‬ره وأم‪##‬ر‬
‫عناق وما لقي في سببها‪ ،‬فقال‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا‪ ،‬أتح‪##‬ل أن أتزوجه‪##‬ا؟‪ #‬ف‪##‬أنزل هللا ينه‪##‬اه‬
‫عن ذلك(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى التعالي عن التح‪##‬اكم إلى المع‪##‬ايير الجاهلي‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫تنظر إلى البشر بحسب أموالهم وأشكالهم‪ ،‬ال إلى إيمانهم وأخالقهم‪.‬‬
‫ك ع َِن ْال َم ِح ِ‬
‫يض‬ ‫﴿ويَ ْس ‪#‬أَلُونَ َ‪#‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫يض َواَل تَ ْق َربُوه َُّن َحتَّى يَطهُ‪ #‬نَ ف ‪#‬إِذا تطه نَ‬
‫َّرْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪#‬رْ‬ ‫قُلْ ه َُو أَ ًذى فَا ْعت َِزلُوا النِّ َسا َء فِي ْال َم ِح ِ‬
‫ْث أَ َم َر ُك ُم هَّللا ُ إِ َّن هَّللا َ ي ُِحبُّ التَّ َّوابِينَ َويُ ِحبُّ ْال ُمتَطَه ِِّرينَ ﴾ [البقرة‪]222 :‬؟‬ ‫فَأْتُوه َُّن ِم ْن َحي ُ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن اليه‪##‬ود ك‪##‬انت إذا حاض‪##‬ت منهم ام‪##‬رأةٌ أخرجوه‪##‬ا من‬
‫البيت‪ ،‬فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها‪ #‬في ال‪##‬بيوت‪ ،‬فس‪##‬ئل رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫عن ذلك فأنزل هللا عز وجل اآلية(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى مراع‪##‬اة المقاص‪##‬د في األحك‪##‬ام الش‪##‬رعية‪ ،‬وأن‬
‫الهدف منها الرحمة المجردة‪ ،‬وبجميع األطراف‪ ،‬والزيادة عليها تكلف ممقوت‪ ،‬ب‪##‬ل‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.71/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.71/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.73/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.73/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪104‬‬
‫قد يجر إلى الحرام والجريمة‪.‬‬
‫ض ‪#‬ة ً‬ ‫هَّللا‬ ‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬واَل تَجْ َعل‪##‬وا َ عُرْ َ‬
‫أِل َ ْي َمانِ ُك ْ‪#‬م أَ ْن تَبَرُّ وا َوتَتَّقُوا‪َ #‬وتُصْ لِحُوا بَ ْينَ النَّ ِ‬
‫اس َوهَّللا ُ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم﴾ [البقرة‪]224 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في عب‪##‬د هللا بن رواح‪##‬ة تنه‪##‬اه عن قطيع‪##‬ة ختن‪##‬ه‬
‫بشير بن النعمان‪ ،‬وذلك أن ابن رواحة حلف أن ال يدخل عليه أب‪##‬دا‪ ،‬وال يكلم‪##‬ه‪ ،‬وال‬
‫يصلح بينه وبين امرأته ويق‪#‬ول‪ :‬ق‪#‬د حلفت باهلل أن ال أفع‪#‬ل‪ ،‬وال يح‪#‬ل لي إال أن أب‪#‬ر‬
‫في يميني‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى مراعاة مراتب األعمال‪ ،‬وعدم االحتجاج بتطبيق‪#‬‬
‫الشعائر‪ #‬والشرائع على ترك البر والصلح واإلصالح‪ ،‬ألنها أفضل وأجل وأكمل‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬لِلَّ ِذينَ ي ُْؤلُ‪##‬ونَ ِم ْن نِ َس ‪#‬ائِ ِه ْم‬
‫ت ََربُّصُ أَرْ بَ َع ِة أَ ْشه ٍُر فَإِ ْن فَا ُءوا فَإِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [البقرة‪]226 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن إيالء أه‪##‬ل الجاهلي‪##‬ة الس‪##‬نة والس‪##‬نتين وأك‪##‬ثر من ذل‪##‬ك‪،‬‬
‫فوقت‪ #‬هللا أربعة أشهر‪ ،‬فمن كان إيالؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيالء(‪.)2‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬لق‪##‬د ك‪##‬ان اإليالء من ض‪##‬رار أه‪##‬ل الجاهلي‪##‬ة‪ ،‬ك‪##‬ان الرج‪##‬ل ال يري‪##‬د‬
‫المرأة وال يحب أن يتزوجها‪ #‬غيره فيحلف أن ال يقربها أبدا‪ ،‬وكان يتركه‪##‬ا ك‪##‬ذلك ال‬
‫أيما وال ذات بعل‪ ،‬فجعل هللا تعالى األجل ال‪##‬ذي يعلم ب‪##‬ه م‪##‬ا عن‪##‬د الرج‪##‬ل في الم‪##‬رأة‬
‫أربعة أشهر وأنزل اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تح‪##‬ريم لإلض‪##‬رار مطلق‪##‬ا‪ ،‬واإلض‪##‬رار ب‪##‬المرأة خصوص‪##‬ا‪#..‬‬
‫وفيها‪ #‬نهي عن التعس‪##‬ف في اس‪##‬تعمال الح‪##‬ق‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬إعط‪##‬اء فرص‪##‬ة للمخطئ ح‪##‬تى‬
‫يصحح خطأه‪ ،‬وإال عوقب بما يستحق‪.‬‬
‫ك‬ ‫ق َم َّرتَ‪##‬ا ِن فَإِ ْم َس‪#‬ا ٌ‪#‬‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬الطَّاَل ُ‬
‫ْري ٌح بِإِحْ َسا ٍن﴾ [البقرة‪]229 :‬؟‬ ‫ُوف أَوْ تَس ِ‬ ‫بِ َم ْعر ٍ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قب‪##‬ل أن تنقض‪##‬ي‬
‫عدتها‪ ،‬كان ذلك له‪ ،‬وإن طلقها ألف مرة‪ ،‬فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها‪ ،‬ثم أمهلها‬
‫ح‪##‬تى إذا ش‪##‬ارفت انقض‪##‬اء ع‪##‬دتها ارتجعه‪##‬ا‪ ،‬ثم طلقه‪##‬ا وق‪##‬ال‪ :‬وهللا ال آوي‪##‬ك إلي وال‬
‫تحلين أبدا‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا عز وجل اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عائشة أنه‪##‬ا أتته‪##‬ا ام‪##‬رأة فس‪##‬ألتها عن ش‪##‬يء من‬
‫الطالق‪ ،‬فذكرت ذلك لرسول‪ #‬هللا ‪ ‬فنزلت(‪.)5‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لما في ح‪##‬د الح‪##‬دود ووض‪##‬ع الض‪##‬وابط والتوقيت‪##‬ات من‬
‫الرحمة والعدالة‪ ،‬حتى ال يستغل الجاهلون المعتدون األحكام المطلقة‪ ،‬ليضربوا‪ #‬به‪##‬ا‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.78/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.78/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.78/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.79/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.79/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪105‬‬
‫المقاصد التي شرعت من أجلها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫﴿وإِ َذا طَلقتُ ُم النِّ َس‪#‬ا َء فَبَلَ ْغنَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُوف َذلِكَ يُو َع‪ #‬ظُ‬ ‫ْ‬
‫اضوْ ا بَ ْينَهُ ْم بِال َم ْعر ِ‬ ‫اجه َُّن إِ َذا تَ َر َ‬ ‫ضلُوه َُّن أَ ْن يَ ْن ِكحْ نَ أَ ْز َو َ‬ ‫أَ َجلَه َُّن فَاَل تَ ْع ُ‬
‫طهَ ‪#ُ #‬ر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َوأَ ْنتُ ْم اَل‬ ‫بِ ِه َم ْن َكانَ ِم ْن ُك ْم ي ُْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِ‪#‬م اآْل ِخ ِر َذلِ ُك ْم أَ ْز َكى لَ ُك ْم َوأَ ْ‬
‫تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪]232 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن معقل بن يس‪#‬ار أنه‪#‬ا ن‪#‬زلت في‪#‬ه‪ ،‬وق‪#‬د ق‪#‬ال ي‪#‬ذكر ذل‪#‬ك‪:‬‬
‫كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقض‪##‬ت ع‪##‬دتها ج‪##‬اء يخطبه‪##‬ا‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬زوجت‪#‬ك‪ #‬وأكرمت‪#‬ك‪ #‬فطلقته‪##‬ا‪ ،‬ثم جئت تخطبه‪##‬ا؟ ال وهللا ال تع‪##‬ود إليه‪##‬ا أب‪##‬دا ق‪##‬ال‪:‬‬
‫وكان رجال ال بأس به‪ ،‬وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه‪ ،‬فأنزل هللا عز وج‪##‬ل ه‪##‬ذه‬
‫اآلية‪ ،‬فقلت‪ :‬اآلن أفعل يا رسول‪ #‬هللا‪ ،‬فزوجتها إياه(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان ألصل ال‪##‬زواج وكون‪##‬ه مبني‪##‬ا على تراض‪#‬ي‪ #‬الط‪##‬رفين؛‬
‫فإذا تحقق ال يحق ألي جه‪#‬ة أخ‪#‬رى الت‪#‬دخل‪ ..‬وه‪#‬و ش‪#‬امل لك‪#‬ل أن‪#‬واع العق‪#‬ود ال‪#‬تي‬
‫تراعي القيم المرتبطة بها‪.‬‬
‫‪#‬راهَ فِي ال‪#‬دِّي ِن قَ‪ْ #‬د‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬اَل إِ ْك‪َ #‬‬
‫ت َوي ُْؤ ِم ْن بِاهَّلل ِ فَقَ ِد ا ْستَ ْم َسكَ بِ ْالعُرْ َو ِة ْال ‪ُ #‬و ْثقَى‬ ‫تَبَيَّنَ الرُّ ْش ُد ِمنَ ْال َغ ِّي فَ َم ْن يَ ْكفُرْ بِالطَّا ُغو ِ‬
‫صا َم لَهَا َوهَّللا ُ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم﴾ [البقرة‪]256 :‬؟‬ ‫اَل ا ْنفِ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن المرأة من األنصار إذا ك‪##‬انت ال يعيش له‪##‬ا ول‪##‬د فتحل‪#‬ف‪#‬‬
‫لئن عاش لها ولد لتهودنه فلما أجليت بنوالنض‪##‬ير إذا فيهم‪ #‬أن‪##‬اس من أبن‪##‬اء األنص‪##‬ار‪#‬‬
‫فقالت األنصار‪ :‬يا رسول هللا أبناؤنا‪ #‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في رجل من األنصار كان له غالم أسود‬
‫يقال له‪ :‬صبيح وكان يكرهه على اإلسالم(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في رجل من األنصار يكنى أبا الحصين‪،‬‬
‫وكان له ابنان‪ ،‬فقدم تجار الشام إلى المدينة يحملون الزيت‪ ،‬فلما أرادوا الرجوع من‬
‫المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النص‪##‬رانية فتنص‪##‬را‪ #‬وخرج‪##‬ا إلى الش‪##‬ام‬
‫فأخبر‪ #‬أبو الحصين رسول هللا ‪ ‬فقال‪( :‬اطلبهما) فأنزل هللا عز وجل اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه كان لرج‪#‬ل من األنص‪#‬ار ابن‪#‬ان فتنص‪#‬را‪ #‬قب‪#‬ل أن‬
‫يبعث النبي ‪ ‬ثم قدما المدينة في نفر من النصارى‪ #‬يحملون الطعام فأتاهما‪ #‬أبوهم‪##‬ا‬
‫فلزمهما‪ #‬وقال‪ :‬وهللا ال أدعكما حتى تس‪#‬لما فأبي‪#‬ا‪ #‬أن يس‪#‬لما فاختص‪#‬موا إلى الن‪#‬بي ‪‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول هللا أيدخل بعض النار وأنا أنظر؟ ف‪##‬أنزل هللا ع‪#‬ز وج‪##‬ل اآلي‪##‬ة‪ ،‬فخلى‬
‫سبيلهما(‪.)5‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.80/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.82/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.83/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.83/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.84/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪106‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن ناسا مسترضعين في اليه‪##‬ود‪ :‬قريظ‪##‬ة والنض‪##‬ير‪،‬‬
‫فلم‪##‬ا أم‪##‬ر الن‪##‬بي ‪ ‬ب‪##‬إجالء ب‪##‬ني النض‪##‬ير‪ #‬ق‪##‬ال أبن‪##‬اؤهم من األوس ال‪##‬ذين ك‪##‬انوا‬
‫مسترضعين فيهم‪ ،‬لنذهبن معهم ولندينن بدينهم‪ ،‬فمنعهم‪ #‬أهلهم وأرادوا أن يكره‪##‬وهم‬
‫على اإلسالم‪ ،‬فنزلت اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تص‪##‬حيح للمف‪##‬اهيم الخاطئ‪##‬ة ح‪##‬ول ال‪##‬دين‪ ،‬فه‪##‬و يحت‪##‬اج إلى‬
‫فالمكره قد يصبح منافقا‪ ،‬ال متدينا‪ ..‬وفيها‪ #‬دع‪##‬وة‬ ‫َ‬ ‫القناعة‪ ،‬وال يصح مع اإلكراه أبدا؛‬
‫إلى البحث عن كل ما يقنع اآلخرين برشد الدين‪ ،‬وبغيهم‪ ،‬حتى يتبينوا ويقتنعوا‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا أَ ْنفِقُ‪##‬وا‬
‫ض َواَل تَيَ َّم ُم‪#‬وا ْالخَ بِ َ‬
‫يث ِم ْن‪#‬هُ تُ ْنفِقُ‪#‬ونَ‬ ‫ت َما َك َس ْبتُ ْم َو ِم َّما أَ ْخ َرجْ نَا لَ ُك ْم ِمنَ اأْل َرْ ِ‬
‫ِم ْن طَيِّبَا ِ‬
‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َولَ ْستُْ‪#‬م بِآ ِخ ِذي ِه إِاَّل أ ْن تُ ْغ ِمضُوا فِي ِه َوا ْعلَ ُموا أ َّن َ َغنِ ٌّي َح ِمي ٌد﴾ [البقرة‪]267 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن النبي ‪ ‬أمر بزكاة الفطر بصاع من تمر‪ ،‬فج‪##‬اء رج‪##‬ل‬
‫بتمر رديء‪ ،‬فنزلت(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن البراء قال‪ :‬نزلت هذه اآلية في األنصار‪ ،‬كانت‬
‫تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر والبسر‪ ،‬فيعلقونها‪ #‬على حب‪##‬ل‬
‫بين أسطوانتين‪ #‬في مسجد رسول هللا ‪ ‬فيأكل منه فقراء المهاجرين‪ ،‬وكان الرج‪##‬ل‬
‫يعمد فيخرج قنو الحشف وهو يظن أنه ج‪##‬ائز عن‪##‬ه في ك‪##‬ثرة م‪##‬ا يوض‪##‬ع من األقن‪##‬اء‬
‫فنزلت(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى مراعاة المقاصد الشرعية في اإلنفاق ال‪##‬واجب أو‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.84/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.87/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.88/‬‬
‫‪107‬‬
‫التطوعي‪ ،‬وأن ال يحتال عليها بإعطاء الخبيث الذي تنفر منه النفوس‪ ..‬وفيها دع‪##‬وة‬
‫إلى استفتاء القلب في كل عمل‪ ،‬فما ال يرض‪##‬اه اإلنس‪##‬ان لنفس‪##‬ه‪ ،‬ال يص‪##‬ح أن يعطي‪##‬ه‬
‫لغيره‪.‬‬
‫ت فَنِ ِع َّما‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ ْن تُ ْب‪#‬دُوا َّ‬
‫الص‪َ #‬دقَا ِ‬
‫ِه َي َوإِ ْن تُ ْخفُوهَا َوتُ ْؤتُوهَا ْالفُقَ َرا َء فَهُ َو َخ ْي ٌر لَ ُك ْم َويُ َكفِّ ُر َع ْن ُك ْم ِم ْن َس ‪#‬يِّئَاتِ ُك ْ‪#‬م َو ُ بِ َم‪##‬ا‬
‫هَّللا‬
‫تَ ْع َملُونَ خَ بِيرٌ﴾ [البقرة‪]271 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها لما نزل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما أَ ْنفَ ْقتُ ْم ِم ْن نَفَقَ ‪ٍ #‬ة أَوْ نَ ‪َ #‬ذرْ تُ ْم ِم ْن‬
‫ار﴾ [البقرة‪ ،]270 :‬قالوا‪ :‬يا رسول‪ #‬هللا ص‪##‬دقة‬ ‫ص ٍ‬ ‫ن َْذ ٍر فَإِ َّن هَّللا َ يَ ْعلَ ُمهُ َو َما لِلظَّالِ ِمينَ ِم ْن أَ ْن َ‬
‫السر أفضل أم صدقة العالنية؟ فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى مراع‪##‬اة المقاص‪##‬د في اإلعالن بالص‪##‬دقة‪ ،‬أو‬
‫إخفائه‪##‬ا؛ فحيثم‪##‬ا تحققت المص‪##‬لحة الش‪##‬رعية ك‪##‬انت األفض‪##‬لية‪ ..‬وفيه ‪#‬ا‪ #‬إش‪##‬ارة إلى‬
‫مراع‪##‬اة ع‪##‬دم إح‪##‬راج المتص‪ّ ##‬دق عليهم ح‪##‬تى ال يص‪##‬بح اإلعالن بالص‪##‬دقة وس‪##‬يلة‬
‫إليذائهم‪#.‬‬
‫ْس َعلَ ْي‪##‬كَ هُ ‪#‬دَاهُ ْم َولَ ِك َّن‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫‪#‬ر فَأِل َ ْنفُ ِس‪ُ #‬ك ْم َو َم‪##‬ا تُ ْنفِقُ‪##‬ونَ إِاَّل ا ْبتِ َغ‪##‬ا َء َوجْ‪ِ #‬ه هَّللا ِ‬
‫هَّللا َ يَ ْه ِدي َم ْن يَ َشا ُء َو َما تُ ْنفِقُوا ِم ْن َخ ْي‪ٍ #‬‬
‫ظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪]272 :‬؟‬ ‫ف إِلَ ْي ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل تُ ْ‬
‫َو َما تُ ْنفِقُوا ِم ْن خَ ي ٍْر ي َُو َّ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ق‪##‬ال‪( :‬ال تص‪##‬دقوا‪ #‬إال على أه‪##‬ل دينكم)‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬تصدقوا‪ #‬على أهل األديان)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله م‪##‬ا روي عن ابن الحنفي‪#‬ة ق‪##‬ال‪ :‬ك‪##‬ان المس‪##‬لمون يكره‪##‬ون أن‬
‫يتص‪##‬دقوا على الفق‪##‬راء المش‪##‬ركين ح‪##‬تى ن‪##‬زلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬أمروا‪ #‬أن يتص‪##‬دقوا‪#‬‬
‫عليهم(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬اعتمر عمرة القضاء وكانت مع‪##‬ه‬
‫في تلك العمرة أس‪##‬ماء بنت أبي بك‪##‬ر‪ ،‬فجاءته‪##‬ا أمه‪##‬ا قتيل‪##‬ة وج‪##‬دتها‪ #‬يس‪##‬أالنها‪ ،‬وهم‪##‬ا‬
‫مشركتان‪ ،‬فقالت‪ :‬ال أعطيكم ش‪##‬يئا ح‪##‬تى أس‪##‬تأمر رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فإنكم‪#‬ا‪ #‬لس‪##‬تما على‬
‫ديني؛ فاستأمرته في ذلك‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬فأمره‪##‬ا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬بع‪##‬د‬
‫نزول هذه اآلية‪ ،‬أن تصدق عليهما‪ ،‬فأعطتهما‪ #‬ووصلتهما‪.)4(#‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن ناس‪#‬ا من المس‪#‬لمين ك‪#‬انت لهم قراب‪##‬ة وأص‪##‬هار‪#‬‬
‫ورضاع في اليهود‪ ،‬وكانوا ينفعونهم‪ #‬قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن ينفع‪##‬وهم‬
‫وأرادوهم على أن يسلموا فاستأمروا رسول‪ #‬هللا ‪ ‬فنزلت هذه اآلية ف‪##‬أعطوهم‪ #‬بع‪##‬د‬
‫نزولها‪.)5(#‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.88/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.88/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.88/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.89/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.89/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪108‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى التعامل بالرحم‪##‬ة م‪##‬ع جمي‪##‬ع البش‪##‬ر بغض النظ‪##‬ر‬
‫عن أديانهم؛ فاهلل تعالى هو الهادي والديان‪.‬‬
‫‪#‬والَهُْ‪#‬م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ال ِذينَ يُ ْنفِق‪##‬ونَ أ ْم‪َ #‬‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َواَل هُ ْم‬ ‫‪###‬ار ِس‪ًّ ###‬را َو َعاَل نِيَ‪###‬ةً فَلَهُ ْم أَجْ‪ُ ##‬رهُ ْم ِع ْن‪َ ##‬د َربِّ ِه ْم َواَل خَ‪##‬وْ ٌ‬
‫بِاللَّيْ‪ِ ###‬ل َوالنَّهَ ِ‬
‫يَحْ َزنُونَ ﴾ [البقرة‪]274 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في اإلمام علي لم يكن يملك غ‪##‬ير أربع‪##‬ة دراهم‪،‬‬
‫فتصدق بدرهم ليال‪ ،‬وبدرهم‪ #‬نهارا‪ ،‬وبدرهم سرا‪ ،‬وبدرهم عالنية‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا‬
‫‪( :‬ما حملك على هذا؟) قال‪ :‬حملني أن أستوجب على هللا الذي وعدني‪ ،‬فق‪##‬ال ل‪##‬ه‬
‫رسول هللا ‪( :‬أال إن ذلك لك) فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها ذكر للصالحين وإنفاقهم‪ #‬الكثير‪ ،‬وفي كل األوقات‪ ،‬وفي‪ #‬كل‬
‫األحوال‪ ،‬وبكل ما يطيقون‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا اتَّقُ‪##‬وا‬
‫هَّللا َ َو َذرُوا‪َ #‬ما بَقِ َي ِمنَ الرِّ بَا إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [البقرة‪]278 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ب‪##‬ني عم‪##‬رو بن عم‪##‬ير بن ع‪##‬وف من ثقي‪##‬ف‪،‬‬
‫وفي‪ #‬بني المغيرة من بني مخزوم‪ ،‬وكانت بنوالمغيرة يربون لثقيف‪ ،‬فلم‪##‬ا أظه‪##‬ر هللا‬
‫تعالى رسوله على مكة‪ ،‬وضع يومئ‪##‬ذ الرب‪##‬ا كل‪#‬ه‪ ،‬ف‪##‬أتى بن‪#‬و عم‪#‬رو بن عم‪#‬ير وبن‪#‬و‪#‬‬
‫المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة‪ ،‬فقال بنو المغيرة‪ :‬ما جعلنا أش‪##‬قى الن‪##‬اس‬
‫بالربا وضع عن الناس غيرنا‪ ،‬فقال بنوعمرو‪ #‬بن عمير‪ :‬صولحنا‪ #‬على أن لنا ربانا‪،‬‬
‫فكتب عت‪##‬اب في ذل‪##‬ك إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ف‪##‬نزلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة وال‪##‬تي بع‪##‬دها‪﴿ :‬فَ‪#‬إِ ْن لَ ْم‬
‫َظلِ ُم‪##‬ونَ َواَل‬‫‪#‬والِ ُك ْم اَل ت ْ‬‫ب ِمنَ هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َوإِ ْن تُ ْبتُ ْم فَلَ ُك ْم ُر ُءوسُ أَ ْم‪َ #‬‬ ‫تَ ْف َعلُوا فَأْ َذنُوا بِ َحرْ ٍ‬
‫ظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪ ،]279 :‬فعرف بنو عمرو أن ال يدان لهم بحرب من هللا ورسوله يقول‬ ‫تُ ْ‬
‫ب ِمنَ هَّللا ِ َو َر ُس‪##‬ولِ ِه َوإِ ْن تُ ْبتُ ْم فَلَ ُك ْم ُر ُءوسُ‬ ‫ْ‬
‫هللا تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ‪##‬إِ ْن لَ ْم تَ ْف َعلُ‪##‬وا فَ‪##‬أ َذنُوا‪ #‬بِ َح‪##‬رْ ٍ‬
‫َظلِ ُم‪#‬ونَ ﴾ فتأخ‪#‬ذون أك‪#‬ثر ﴿ َواَل‬ ‫ظلَ ُم‪##‬ونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ﴿ #،]279 :‬اَل ت ْ‬ ‫َظلِ ُم‪##‬ونَ َواَل تُ ْ‬ ‫أَ ْم‪َ #‬والِ ُك ْم اَل ت ْ‬
‫ظلَ ُمونَ ﴾ فتبخسون منه(‪.)2‬‬ ‫تُ ْ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن بني عمروبن عم‪##‬ير ق‪##‬الوا لب‪##‬ني المغ‪##‬يرة‪ :‬ه‪##‬اتوا‬
‫رؤوس‪ #‬أموالن‪##‬ا ولكن الرب‪##‬ا ندع‪##‬ه لكم‪ ،‬فق‪##‬الت بنوالمغ‪##‬يرة‪ :‬نحن الي‪##‬وم أه‪##‬ل عس‪##‬رة‬
‫فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة‪ ،‬فأبوا‪ #‬أن ي‪##‬ؤخروهم‪ #‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َك‪##‬انَ ُذو‬
‫َص َّدقُوا َخ ْي ٌر لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪]280 :‬؟(‪.)3‬‬ ‫ُع ْس َر ٍة فَنَ ِظ َرةٌ إِلَى َم ْي َس َر ٍة َوأَ ْن ت َ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى المس‪#‬ارعة في تط‪#‬بيق أحك‪#‬ام الش‪#‬ريعة وح‪#‬دودها‬
‫كاملة‪ ،‬ألن ذلك هو عالمة اإليمان واليقين‪.‬‬
‫ت‬
‫الس‪َ #‬ما َوا ِ‬ ‫‪#‬ق َّ‬ ‫ْ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن فِي َخل‪ِ #‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.90/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.90/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.93/‬‬
‫‪109‬‬
‫اس َو َم‪##‬ا‬ ‫ك الَّتِي تَجْ ِري فِي ْالبَحْ ِر بِ َم‪##‬ا يَ ْنفَ ‪ُ #‬ع النَّ َ‬ ‫ار َو ْالفُ ْل ِ‬
‫ف اللَّي ِْل َوالنَّهَ ِ‬
‫اختِاَل ِ‬ ‫ض َو ْ‬‫َواأْل َرْ ِ‬
‫ث فِيهَ‪#‬ا ِم ْن ُك‪#‬لِّ دَابَّ ٍة‬ ‫ض بَ ْع‪َ #‬د َموْ تِهَ‪#‬ا َوبَ َّ‬ ‫الس‪َ #‬ما ِء ِم ْن َم‪#‬ا ٍء فَأَحْ يَ‪##‬ا بِ‪ِ #‬ه اأْل َرْ َ‬
‫أَ ْن‪َ #‬ز َل هَّللا ُ ِمنَ َّ‬
‫ت لِقَ‪##‬وْ ٍم يَ ْعقِلُ‪##‬ونَ ﴾‬ ‫ض آَل يَ‪##‬ا ٍ‬ ‫الس‪َ #‬ما ِء َواأْل َرْ ِ‬ ‫ب ْال ُم َس‪َّ #‬خ ِر بَ ْينَ َّ‬ ‫‪#‬اح َو َّ‬
‫الس‪َ #‬حا ِ‬ ‫يف ال ِّريَ‪ِ #‬‬
‫َص‪ِ #‬ر ِ‪#‬‬‫َوت ْ‬
‫[البقرة‪]164 :‬؟‬
‫﴿وإِلَهُ ُك ْم إِلَ‪#‬هٌ َوا ِح‪ٌ #‬د اَل‬‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها عندما نزل بالمدينة قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َّحي ُم﴾ [البقرة‪ ،]163 :‬قالت كفار قريش‪ #‬بمكة‪ :‬كيف يسع الناس إل‪##‬هٌ‬ ‫إِلَهَ إِاَّل هُوالرَّحْ َمنُ الر ِ‬
‫واح ٌد؟ فأنزل هللا تعالى اآلية‪ ..‬وروي‪ #‬أن المشركين قالوا‪ :‬إلهٌ واح ٌد؟ إن كان ص‪##‬ادقا‬
‫فليأتنا‪ #‬بآية‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة للنظ‪##‬ر في ب‪##‬دائع ص‪##‬نع هللا تع‪##‬الى‪ ،‬وإعم‪##‬ال العق‪##‬ول‬
‫فيها؛ فهي تختزن كل الدالئل على وحدانية هللا وأسمائه الحسنى‪ ..‬ففي كل شيء آي‪##‬ة‬
‫تدل على هللا‪ ..‬وفيها بيان بأن العقل الحقيقي هو الذي يع‪##‬بر من الك‪##‬ون إلى المك‪##‬ون‪،‬‬
‫ال الذي يبقى مسجونا‪ #‬في سجون المظاهر‪ #‬من غير أن يعبر إلى الذي أظهرها‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ ُكلُوا ِم َّما فِي‬
‫ين﴾ [البقرة‪]168 :‬؟‬ ‫ت ال َّش ْيطَ ِ‬
‫ان إِنَّهُ لَ ُك ْم َعدُو ُمبِ ٌ‬ ‫ض َحاَل اًل طَيِّبًا َواَل تَتَّبِعُوا ُخطُ َوا ِ‬ ‫اأْل َرْ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعص‪##‬عة حرم‪#‬وا‬
‫على أنفسهم من الحرث واألنعام‪ #‬وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا إخب‪##‬ار ب‪##‬أن اإلع‪##‬راض عن الحالل الطيب إع‪##‬راض عن‬
‫الضيافة اإللهية‪ ،‬واتباع للشيطان الذي يحرم ما أحل هللا‪ ،‬ويحل ما حرم‪.‬‬
‫اس‬‫ض‪َ #‬ع لِلنَّ ِ‬ ‫ت ُو ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن أَ َّو َل بَ ْي ٍ‬
‫لَلَّ ِذي بِبَ َّكةَ ُمبَا َر ًكا َوهُدًى لِ ْل َعالَ ِمينَ ﴾ [آل عمران‪]96 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن اليهود قالوا‪ #:‬بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة ألنه‬
‫مهاجر األنبياء وفي األرض المقدسة‪ ،‬وقال المسلمون‪ :‬بل الكعبة أفضل‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى تعظيم الكعب‪##‬ة المش‪##‬رفة‪ ،‬لم‪##‬ا فيه‪##‬ا من البرك‪##‬ة‬
‫والهدى‪ ،‬وهو ال يعني احتقار غيرها من المحال التي يعبد فيها هللا أو استنقاصها‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِنْ‬
‫َاب يَ ُر ُّدو ُك ْ‪#‬م بَ ْع َد إِي َمانِ ُك ْ‪#‬م َكافِ ِرينَ ﴾ [آل عمران‪]100 :‬؟‬ ‫تُ ِطيعُوا‪ #‬فَ ِريقًا ِمنَ الَّ ِذينَ أُوتُوا‪ْ #‬ال ِكت َ‬
‫ق‪###‬ال أح‪###‬دهم‪ :‬روي أن‪###‬ه ك‪###‬ان بين الح‪###‬يين من األوس والخ‪###‬زرج‪ #‬قت‪###‬ال في‬
‫الجاهلي‪##‬ة‪ ،‬فلم‪##‬ا ج‪##‬اء اإلس‪##‬الم اص‪##‬طلحوا‪ #‬وأل‪##‬ف هللا بين قل‪##‬وبهم‪ ،‬وجلس يه‪##‬ودي‪ #‬في‬
‫مجلس في‪#‬ه نف‪#‬ر من األوس والخ‪#‬زرج‪ ،‬فأنش‪#‬د ش‪#‬عرا قال‪#‬ه أح‪#‬د الح‪#‬يين في ح‪#‬ربهم‪،‬‬
‫فكأنهم‪ #‬دخلهم من ذل‪##‬ك‪ ،‬فق‪##‬ال الحي اآلخ‪##‬رون‪ :‬وق‪##‬د ق‪##‬ال ش‪##‬اعرنا في ي‪##‬وم ك‪##‬ذا‪ :‬ك‪##‬ذا‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.47/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.47/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.114/‬‬
‫‪110‬‬
‫وكذا‪ ،‬فقال اآلخرون‪ :‬وقد قال شاعرنا في يوم ك‪#‬ذا‪ :‬ك‪#‬ذا وك‪#‬ذا‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬فق‪#‬الوا‪ :‬تع‪#‬الوا‬
‫ن‪##‬رد الح‪##‬رب ج‪##‬ذعا كم‪##‬ا ك‪##‬انت‪ ،‬فن‪##‬ادى‪ #‬ه‪##‬ؤالء‪ :‬ي‪##‬ا آل أوس‪ ،‬ون‪##‬ادى‪ #‬ه‪##‬ؤالء ي‪##‬ا آل‬
‫خزرج؛ فاجتمعوا‪ #‬وأخذوا السالح واصطفوا‪ #‬للقتال‪ ،‬فنزلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬فج‪##‬اء الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬ح‪##‬تى ق‪##‬ام بين الص‪##‬فين فقرأه‪##‬ا ورف‪##‬ع ص‪##‬وته‪ ،‬فلم‪##‬ا س‪##‬معوا ص‪##‬وته أنص‪##‬توا ل‪##‬ه‬
‫وجعل‪##‬وا يس‪##‬تمعون إلي‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا ف‪##‬رغ ألق‪##‬وا الس‪##‬الح وع‪##‬انق بعض‪##‬هم بعض‪##‬ا وجث‪##‬وا‬
‫يبكون(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن شاس بن قيس اليهودي‪ #‬وكان ش‪##‬يخا ق‪##‬د عس‪##‬ا في‬
‫الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم‪ ،‬مر على نفر من‬
‫أصحاب رس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬من األوس والخ‪##‬زرج في مجلس ق‪##‬د جمعهم يتح‪##‬دثون في‪#‬ه‪،‬‬
‫فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصالح ذات بينهم في اإلس‪##‬الم بع‪##‬د ال‪##‬ذي ك‪##‬ان‬
‫بينهم في الجاهلية من العداوة‪ ،‬فقال‪ :‬قد اجتمع مأل بني قيل‪##‬ة به‪##‬ذه البالد‪ ،‬ال وهللا م‪##‬ا‬
‫لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار‪ ،‬فأمر شابا من اليهود كان معه‪ ،‬فقال‪ :‬اعم‪##‬د إليهم‬
‫فاجلس معهم‪ ،‬ثم ذكرهم بيوم بعاث وما كان فيه‪ ،‬وأنش‪##‬دهم بعض م‪##‬ا ك‪##‬انوا تق‪##‬اولوا‬
‫فيه من األشعار‪ ،‬وكان بعاث يوما اقتتلت فيه األوس والخ‪##‬زرج‪ ،‬وك‪##‬ان الظ‪##‬افر‪ #‬في‪##‬ه‬
‫لألوس على الخزرج‪ ،‬ففعل فتكلم القوم عند ذلك‪ ،‬فتن‪#‬ازعوا‪ #‬وتف‪#‬اخروا‪ #‬ح‪#‬تى ت‪#‬واثب‬
‫رجالن من الح‪##‬يين أوس بن قيظي‪ #‬أح‪##‬د ب‪##‬ني حارث‪##‬ة من األوس‪ ،‬وجب‪##‬ار‪ #‬بن ص‪##‬خر‬
‫أحد بني سلمة من الخ‪##‬زرج فتق‪##‬اوال وق‪##‬ال أح‪##‬دهما لص‪##‬احبه‪ :‬إن ش‪##‬ئت وهللا رددته‪##‬ا‬
‫اآلن جذعة‪ ،‬وغضب الفريق‪##‬ان جميع‪##‬ا وق‪##‬اال‪ #:‬ق‪##‬د فعلن‪##‬ا‪ ،‬الس‪##‬الح الس‪##‬الح‪ ،‬موع‪##‬دكم‬
‫الظاهرة وهي حرة‪ ،‬فخرج‪##‬وا إليه‪##‬ا فانض‪##‬مت األوس والخ‪##‬زرخ بعض‪##‬ها إلى بعض‬
‫على دعواهم التي كانوا عليه‪#‬ا في الجاهلي‪#‬ة‪ ،‬فبل‪#‬غ ذل‪##‬ك رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فخ‪#‬رج إليهم‬
‫فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال‪( :‬يا معشر المس‪##‬لمين‪ ،‬ب‪##‬دعوى الجاهلي‪##‬ة‬
‫وأنا بين أظهركم‪ #‬بعد أن أكرمكم هللا باإلس‪##‬الم وقط‪#‬ع‪ #‬ب‪##‬ه عنكم أم‪##‬ر الجاهلي‪##‬ة وأل‪##‬ف‬
‫بينكم‪ ،‬ف‪##‬ترجعون إلى م‪##‬ا كنتم علي‪##‬ه كف‪##‬ارا؟ هللا هللا) فع‪##‬رف الق‪##‬وم أنه‪##‬ا نزغ‪##‬ة من‬
‫الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السالح من أيديهم وكبوا‪ ،‬وعانق بعضهم‪ #‬بعضا‪ ،‬ثم‬
‫انصرفوا مع رسول هللا ‪ ‬سامعين مطيعين‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل اآلي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال ج‪#‬ابر‬
‫بن عبد هللا‪ :‬ما كان من طالع أكره إلين‪##‬ا من رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فأوم‪##‬أ إلين‪##‬ا بي‪##‬ده‪ ،‬فكففن‪##‬ا‬
‫وأصلح هللا تعالى ما بيننا‪ ،‬فما كان ش‪#‬خص أحب إلين‪#‬ا من رس‪#‬ول هللا ‪ ‬فم‪#‬ا رأيت‬
‫قط يوما أقبح وال أوحش أوال وأحسن آخرا من ذلك اليوم(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪#‬ا‪ #‬تح‪##‬ذير‪ #‬من اإلع‪##‬راض عن النب‪##‬وة والقيم ال‪##‬تي دعت إليه‪##‬ا‪،‬‬
‫والس‪#‬ماع‪ #‬للمنح‪#‬رفين عنه‪#‬ا‪ ،‬س‪#‬واء ك‪#‬انوا من المس‪#‬لمين وغ‪#‬يرهم‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬تنبي‪#‬ه إلى‬
‫خطر الشقاق وكل من يدعو إلى تصديع وحدة المسلمين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيها‪ #‬دعوة إلى الوعي حتى ال يقع المس‪##‬لمون ض‪##‬حية للح‪##‬رب الناعم‪##‬ة‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.115/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.116/‬‬
‫‪111‬‬
‫التي تستغل الفوارق‪ #‬العرقية وغيرها لبث الصراع بينها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫﴿و َك ْيفَ تَكفرُونَ َوأ ْنتُ ْم تُ ْتلَى‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫يم﴾ [آل‬ ‫ص‪َ #‬را ٍط ُم ْس‪#‬تَقِ ٍ‬ ‫ي إِلَى ِ‬ ‫َص‪#ْ #‬م بِاهَّلل ِ فَقَ‪ْ #‬د هُ‪ِ #‬د َ‬
‫‪#‬ات هَّللا ِ َوفِي ُك ْم َر ُس‪#‬ولُهُ َو َم ْن يَ ْعت ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم آيَ‪ُ #‬‬
‫عمران‪]101 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه كان بين األوس والخزرج‪ #‬شر في الجاهلية‪ ،‬فذكروا‪ #‬م‪##‬ا‬
‫بينهم‪ ،‬فثار بعضهم‪ #‬إلى بعض بالسيوف‪ #‬فأتي النبي ‪ ‬فذ كر ذلك له‪ ،‬ف‪##‬ذهب إليهم‪،‬‬
‫َص ُموا بِ َحب ِْل هَّللا ِ َج ِميعًا َواَل تَفَ َّرقُ‪##‬وا‪َ #‬و ْاذ ُك‪ #‬رُوا‪ #‬نِ ْع َمتَ‬ ‫﴿وا ْعت ِ‬ ‫فنزلت هذه اآلية إلى قوله‪َ :‬‬
‫ص‪#‬بَحْ تُ ْم بِنِ ْع َمتِ‪ِ #‬ه إِ ْخ َوانً‪##‬ا َو ُك ْنتُ ْم َعلَى َش‪#‬فَا‬ ‫هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم إِ ْذ ُك ْنتُ ْم أَ ْعدَا ًء فَ‪##‬أَلَّفَ بَ ْينَ قُل‪##‬وبِ ُك ْ‪#‬م فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ْم آيَاتِ‪ِ #‬ه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْهتَ‪ُ #‬دونَ ﴾ [آل عم‪##‬ران‪]103 :‬؟‬ ‫ار فَأ َ ْنقَ َذ ُك ْم ِم ْنهَا َك‪َ #‬ذلِ َ‬ ‫ُح ْف َر ٍة ِمنَ النَّ ِ‬
‫(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن األوس والخزرج كانوا يتحدثون‪ ،‬فغضبوا‪ #،‬حتى‬
‫كاد يكون بينهم حرب‪ ،‬فأخذوا‪ #‬السالح ومشى‪ #‬بعض‪##‬هم إلى بعض‪ ،‬ف‪##‬نزلت‪َ ﴿ :‬و َك ْي‪##‬فَ‬
‫ي إِلَى‬ ‫َص ‪ْ #‬م بِاهَّلل ِ فَقَ ‪ْ #‬د هُ ‪ِ #‬د َ‬
‫‪#‬ات هَّللا ِ َوفِي ُك ْ‪#‬م َر ُس ‪#‬ولُهُ َو َم ْن يَ ْعت ِ‬ ‫تَ ْكفُ ‪#‬رُونَ َوأَ ْنتُ ْم تُ ْتلَى َعلَ ْي ُك ْم آيَ‪ُ #‬‬
‫ق تُقَاتِ ‪ِ #‬ه َواَل تَ ُم‪##‬وتُ َّن إِاَّل َوأَ ْنتُ ْم ُم ْس ‪#‬لِ ُمونَ‬ ‫ص َرا ٍ‪#‬ط ُم ْستَقِ ٍيم يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َح‪َّ #‬‬ ‫ِ‬
‫ص ُموا‪ #‬بِ َح ْب ِل هَّللا ِ َج ِميعًا َواَل تَفَ َّرقُوا َو ْاذ ُكرُوا‪ #‬نِ ْع َمتَ هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم إِ ْذ ُك ْنتُ ْم أَ ْعدَا ًء فَأَلَّفَ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ع‬‫ْ‬ ‫َوا‬
‫ار فَأ َ ْنقَ‪َ #‬ذ ُك ْم ِم ْنهَ‪##‬ا‬
‫ص‪#‬بَحْ تُْ‪#‬م بِنِ ْع َمتِ‪ِ #‬ه إِ ْخ َوانً‪##‬ا َو ُك ْنتُْ‪#‬م َعلَى َش‪#‬فَا ُح ْف‪َ #‬ر ٍة ِمنَ النَّ ِ‬ ‫بَ ْينَ قُلُ‪##‬وبِ ُك ْ‪#‬م فَأ َ ْ‬
‫هتَ ُدونَ ﴾ [آل عمران‪ 101 :‬ـ ‪]103‬؟ (‪)2‬‬ ‫ك يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ْم آيَاتِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْ‬
‫َك َذلِ َ‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.117/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.117/‬‬
‫‪112‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪#‬ا‪ #‬دع‪##‬وة للوح‪##‬دة بين المس‪##‬لمين‪ ،‬وأنه‪##‬ا ال تتم إال ب‪##‬العودة إلى‬
‫كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬وتحكيمهما‪ #‬واالعتصام بهما في كل الشؤون‪.‬‬
‫ت‬ ‫‪#‬ر أُ َّم ٍة أ ْخ‪ِ #‬ر َج ْ‬
‫ُ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ُ ﴿ :‬ك ْنتُ ْم خَ ْي‪َ #‬‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُوف َوتَ ْنهَ‪#‬وْ نَ ع َِن ْال ُم ْن َك ِ‬
‫‪#‬ر َوتُ ْؤ ِمنُ‪#‬ونَ بِاهَّلل ِ َولَ‪#‬وآ َمنَ أ ْه‪ُ #‬ل ال ِكتَ‪#‬ا ِ‬ ‫اس تَأْ ُمرُونَ بِ ْال َم ْعر ِ‪#‬‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫اسقُونَ ﴾ [آل عمران‪]110 :‬؟‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫لَ َكانَ خَ ْيرًا لَهُ ْم ِم ْنهُ ُم ال ُم ْؤ ِمنُونَ َوأ ْكثَ ُرهُ ُ‪#‬م الفَ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ابن مس‪##‬عود وأبي بن كعب ومع‪##‬اذ بن جب‪##‬ل‬
‫وسالم‪ #‬مولى أبي حذيفة‪ ،‬وذلك أن مالك بن الضيف‪ ،‬ووهب بن يهوذا اليهوديين قاال‬
‫لهم‪ :‬إن ديننا خير مما تدعونا إليه‪ ،‬ونحن خير وأفضل منكم‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه‬
‫اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لشروط خيرية األمة التي ال تتم إال به‪##‬ا‪ ..‬فمن ت‪##‬وفرت‬
‫فيه تلك الشروط كان انتماؤه لألمة حقيقيا‪ ،‬ومن لم تتوفر‪ #‬فيه كان مشوها لها‪ ،‬وعبئا‬
‫عليها‪ ..‬وقد‪ #‬تمثلت تل‪#‬ك الش‪#‬روط‪ #‬في رس‪#‬ول هللا ‪ ‬وورثت‪#‬ه اله‪#‬ادين؛ فهم خ‪#‬ير من‬
‫ينطبق‪ #‬عليهم هذا الوصف‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬لَ ْن يَضُرُّ و ُك ْم إِاَّل أَ ًذى َوإِ ْن‬
‫صرُونَ ﴾ [آل عمران‪]111 :‬؟‬ ‫يُقَاتِلُو ُك ْ‪#‬م ي َُولُّو ُك ُم اأْل َ ْدبَ َ‬
‫ار ثُ َّم اَل يُ ْن َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في رؤوس اليه‪##‬ود‪ #‬عم‪##‬دوا إلى مؤم‪##‬نيهم ف‪##‬آذوهم‪#‬‬
‫إلسالمهم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.117/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.117/‬‬
‫‪113‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي دعوة للمؤمنين في كل العصور‪ #‬إلى الصبر والتحمل وع‪##‬دم‬
‫االنجرار‪ #‬وراء أي فتنة قد تشوه الدين الذي يحملونه‪ ،‬والقيم التي يدعون إليها‪.‬‬
‫َ‬
‫ْس‪#‬وا َس‪َ #‬وا ًء ِم ْن أ ْه‪ِ #‬ل‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي ُ‬
‫ت هَّللا ِ آنَا َء اللَّي ِْل َوهُ ْم يَ ْس ُج ُدونَ ﴾ [آل عمران‪]113 :‬؟‬ ‫ب أُ َّمةٌ قَائِ َمةٌ يَ ْتلُونَ آيَا ِ‬
‫ْال ِكتَا ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما أس‪##‬لم عب‪##‬د هللا بن س‪##‬الم وثعلب‪##‬ة بن س‪##‬عية وأس‪##‬يد بن‬
‫سعية وأسد‪ #‬بن عبيد ومن أسلم من اليه‪##‬ود‪ ،‬ق‪##‬الت أحب‪##‬ار اليه‪##‬ود‪ :‬م‪##‬ا آمن لمحم‪##‬د إال‬
‫شرارنا‪ ،‬ولو كانوا من أخيارنا لما تركوا دين آب‪##‬ائهم‪ ،‬وق‪##‬الوا لهم‪ :‬لق‪##‬د خس‪##‬رتم حين‬
‫استبدلتم‪ #‬بدينكم دينا غيره‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن مسعود قال‪ :‬أخر رسول هللا ‪ ‬ليلة ص‪##‬الة‬
‫العشاء‪ ،‬تم خرج إلى المسجد‪ ،‬فإذا الناس ينتظرون الصالة فقال‪( :‬إنه ليس من أه‪##‬ل‬
‫األديان أحد يذكر هللا في هذه الساعة غيركم)‪ ،‬فأنزلت هذه اآليات‪﴿ :‬لَ ْيسُوا َس َوا ًء ِم ْن‬
‫ب أُ َّمةٌ قَائِ َمةٌ يَ ْتلُونَ آيَا ِ‬
‫ت هَّللا ِ آنَ‪##‬ا َء اللَّ ْي‪ِ #‬ل َوهُ ْم يَ ْس‪ُ #‬ج ُدونَ ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ‪##‬وْ ِم‬ ‫أَ ْه ِل ْال ِكتَا ِ‬
‫ُ‬
‫ت َوأولَئِ‪##‬كَ‬ ‫‪#‬را ِ‬ ‫ار ُعونَ فِي ْال َخ ْي‪َ #‬‬ ‫‪#‬ر َوي َُس‪ِ #‬‬ ‫ُوف َويَ ْنهَ‪##‬وْ نَ ع َِن ْال ُم ْن َك‪ِ #‬‬
‫ُون بِ ْال َم ْعر ِ‪#‬‬‫اآْل ِخ ِر َويَأْ ُمر َ‪#‬‬
‫‪#‬ال ُمتَّقِينَ ﴾ [آل عم‪##‬ران‪ 113 :‬ـ‬ ‫‪#‬ر فَلَ ْن يُ ْكفَ‪#‬رُوهُ َوهَّللا ُ َعلِي ٌم بِ‪ْ #‬‬‫ِمنَ الصَّالِ ِحينَ َو َما يَ ْف َعلُ‪##‬وا ِم ْن خَ ْي‪ٍ #‬‬
‫‪]115‬؟‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للعدل‪ ،‬ومع كل أهل األديان والمذاهب‪ ،‬وعدم التعميم‬
‫في األحكام؛ وترك األحكام هلل تع‪##‬الى؛ فه‪##‬و ال‪##‬ذي يقض‪##‬ي بين عب‪##‬اده‪ ..‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة‬
‫للبحث عن صالحي األمم ومعتدليها واالستفادة منهم والتعامل معهم‪.‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.117/‬‬


‫‪114‬‬
‫ضا ُء ِم ْن أَ ْف ‪َ #‬وا ِه ِه ْم‬ ‫ت ْالبَ ْغ َ‬‫تَتَّ ِخ ُذوا‪ #‬بِطَانَةً ِم ْن دُونِ ُك ْم اَل يَأْلُونَ ُك ْ‪#‬م َخبَااًل َو ُّدوا‪َ #‬ما َعنِتُّ ْم قَ ْد بَ َد ِ‬
‫ت إِ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعقِلُونَ ﴾ [آل عمران‪]118 :‬؟‬ ‫صدُو ُرهُْ‪#‬م أَ ْكبَ ُر قَ ْد بَيَّنَّا لَ ُك ُم اآْل يَا ِ‬ ‫َو َما تُ ْخفِي ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ق‪#‬وم من المؤم‪#‬نين ك‪#‬انوا يص‪#‬افون المن‪#‬افقين‬
‫ويواصلون رجاال من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحل‪##‬ف والج‪##‬وار‪#‬‬
‫والرضاع‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية ينهاهم عن مباطنتهم خوف‪ #‬الفتنة منهم عليهم(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى اعتب‪##‬ار ال‪##‬والء هلل تع‪##‬الى أص‪##‬ال تق‪##‬ام علي‪##‬ه س‪##‬ائر‬
‫الوالءات؛ فكل ما عدا الدين زائل‪.‬‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫﴿وإِذ غَ‪ #‬دَوْ تَ ِم ْن أ ْهلِ‪َ #‬‬ ‫ْ‬ ‫قال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪#‬ذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫اع َد لِ ْلقِتَا ِل َوهَّللا ُ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم﴾ [آل عمران‪ ]121 :‬وما بعدها؟‬ ‫ئ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َمقَ ِ‬ ‫تُبَ ِّو ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه قيل لعب‪##‬د ال‪##‬رحمن بن ع‪##‬وف‪ :‬أخبرن‪##‬ا عن قص‪##‬تكم ي‪##‬وم‬
‫ئ‬ ‫‪#‬و ُ‬ ‫ك تُبَ‪ِّ #‬‬‫﴿وإِ ْذ َغ‪ #‬دَوْ تَ ِم ْن أَ ْهلِ‪َ #‬‬ ‫أحد‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ العش‪##‬رين ومائ‪##‬ة من آل عم‪##‬ران تج‪##‬د َ‬
‫اع َد لِ ْلقِتَا ِل َوهَّللا ُ َس‪ِ #‬مي ٌع َعلِي ٌم﴾ [آل عم‪##‬ران‪]121 :‬؟ إلى قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ثُ َّم أَ ْن‪#‬زَ َل‬ ‫ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َمقَ ِ‬
‫َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ْال َغ ِّم أَ َمنَةً نُ َعاسًا يَ ْغ َشى طَائِفَ‪#‬ةً ِم ْن ُك ْم َوطَائِفَ‪#‬ةٌ قَ‪ْ #‬د أَهَ َّم ْتهُ ْم أَ ْنفُ ُس‪#‬هُ ْم يَظُنُّونَ‬
‫‪#‬ر ُكلَّهُ هَّلِل ِ‬ ‫ق ظَ َّن ْال َجا ِهلِيَّ ِة يَقُولُونَ هَلْ لَنَا ِمنَ اأْل َ ْم ِر ِم ْن َش ْي ٍء قُ‪#‬لْ إِ َّن اأْل َ ْم َ‬ ‫بِاهَّلل ِ َغ ْي َر ْال َح ِّ‬
‫ي ُْخفُونَ فِي أَ ْنفُ ِس ِه ْم َما اَل يُ ْب ُدونَ لَكَ يَقُولُونَ لَو َكانَ لَنَا ِمنَ اأْل َ ْم ِر َش‪ْ #‬ي ٌء َم‪##‬ا قُتِ ْلنَ‪##‬ا هَاهُنَ‪##‬ا‬
‫اج ِع ِه ْم َولِيَ ْبتَلِ َي هَّللا ُ َم‪##‬ا فِي‬ ‫ض‪ِ #‬‬ ‫ب َعلَ ْي ِه ُم ْالقَ ْت ُل إِلَى َم َ‬ ‫قُلْ لَو ُك ْنتُ ْم فِي بُيُوتِ ُك ْم لَبَ َر َز الَّ ِذينَ ُكتِ َ‬
‫ُور﴾ [آل عمران‪]154 :‬؟ (‪)2‬‬ ‫ت الصُّ د ِ‬ ‫ص َما فِي قُلُوبِ ُك ْم َوهَّللا ُ َعلِي ٌم بِ َذا ِ‬ ‫ُور ُك ْم َولِيُ َمحِّ َ‬
‫صد ِ‬ ‫ُ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لتدبر م‪##‬ا حص‪##‬ل من أح‪##‬داث في عه‪##‬د رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫من خالل القرآن الكريم‪ ،‬ألنه يمثل الحقيقة والعبرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة بي‪##‬ان لوظيف‪##‬ة من وظ‪##‬ائف‪ #‬رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬وهي‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.119/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.119/‬‬
‫‪115‬‬
‫مواجهة الظلمة المعتدين من خالل توفير اإلعداد العسكري‪ #‬المناسب‪.‬‬
‫‪#‬ر َش ‪ْ #‬ي ٌء‬ ‫َ‬ ‫أْل‬
‫ك ِمنَ ا ْم‪ِ #‬‬ ‫ْس لَ َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫وب َعلَ ْي ِه ْم أَويُ َع ِّذبَهُ ْم فَإِنَّهُْ‪#‬م ظَالِ ُمونَ ﴾ [آل عمران‪]128 :‬؟‬ ‫أَويَتُ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت بع‪##‬دما كس‪#‬رت رباعي‪#‬ة رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ي‪#‬وم أح‪##‬د‬
‫ودمي‪ #‬وجهه‪ ،‬فجعل الدم يسيل على وجه‪##‬ه ويق‪##‬ول‪( :‬كي‪##‬ف يفلح ق‪##‬وم‪ #‬خض‪##‬بوا وج‪##‬ه‬
‫نبيهم بالدم وهويدعوهم إلى ربهم؟)‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن أنس أن رسول هللا ‪ ‬كسرت رباعيته يوم أحد‬
‫وشج في رأسه وجعل يسيل الدم عنه ويقول‪( :‬كيف يفلح قوم ش‪##‬جوا ن‪##‬بيهم وكس‪##‬روا‬
‫رباعيته وهو يدعوهم إلى ربهم)‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلحالة كل ما يرتبط بالجزاء والعقاب هلل تع‪##‬الى‪ ،‬وفي‬
‫حديث رسول هللا ‪ ‬بيان للعقاب العظيم الذي سيناله من حارب رسول هللا ‪.‬‬
‫﴿والَّ ِذينَ إِ َذا فَ َعلُ‪##‬وا فَ ِ‬
‫اح َش‪#‬ةً‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫وب إِاَّل هَّللا ُ َولَ ْم ي ِ‬
‫ُص‪##‬رُّ وا‬ ‫الذنُ َ‬‫أَوظَلَ ُموا‪ #‬أَ ْنفُ َسهُ ْم َذ َكرُوا هَّللا َ فَا ْستَ ْغفَرُوا‪ #‬لِ ُذنُوبِ ِه ْ‪#‬م َو َم ْن يَ ْغفِ ُر ُّ‬
‫َعلَى َما فَ َعلُوا َوهُ ْم يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [آل عمران‪]135 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن المسلمين ق‪##‬الوا للن‪##‬بي ‪ ‬أبن‪##‬وا إس‪##‬رائيل أك‪##‬رم على هللا‬
‫منا؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة باب‪##‬ه‪ :‬اج‪##‬دع أذن‪##‬ك‪،‬‬
‫اجدع أنفك‪ ،‬افعل كذا‪ ،‬فسكت النبي ‪ ‬فنزلت اآلي‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال الن‪##‬بي ‪( :‬أال أخ‪##‬بركم‪#‬‬
‫بخير من ذلك؟) فقرأ هذه اآليات‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬هذا الحديث يخالف ما ورد في القرآن الكريم من ك‪##‬ون هللا تع‪##‬الى‬
‫غفارا لكل من استغفر‪ ،‬ومن جميع األمم‪ ..‬لكن للمغفرة شروط ال تتحقق من دونه‪##‬ا‪،‬‬
‫وقد‪ #‬نصت اآلية الكريمة على أعظمها‪ ،‬وهو عدم العودة واإلصرار‪#.‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.120/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.121/‬‬
‫‪116‬‬
‫﴿واَل تَ ِهنُ‪##‬وا َواَل تَحْ زَ نُ‪##‬وا‪#‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َوأَ ْنتُ ُم اأْل َ ْعلَوْ نَ إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [آل عمران‪]139 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت بعدما انهزم أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ي‪##‬وم أح‪##‬د‪،‬‬
‫فبينما‪ #‬هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخي‪##‬ل المش‪##‬ركين يري‪##‬د أن يعل‪##‬وعليهم‪ #‬الجب‪##‬ل‪،‬‬
‫فقال النبي ‪( :‬اللهم ال يعلون علينا‪ ،‬اللهم ال قوة لنا إال بك‪ ،‬اللهم ليس يعبدك به‪##‬ذه‬
‫البلدة غير ه‪##‬ؤالء النف‪##‬ر)‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات‪ ،‬وث‪##‬اب نف‪##‬ر من المس‪##‬لمين‬
‫رماة‪ ،‬فصعدوا الجبل ورموا‪ #‬خيل المشركين حتى هزموهم(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى االستعالء اإليماني‪ ،‬والذي يعني الثب‪##‬ات والع‪##‬زة‪،‬‬
‫وال التجبر والتكبر‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ ْن يَ ْم َس ْس ُك ْم قَرْ ٌح فَقَ ْد َمسَّ‬
‫اس َولِيَ ْعلَ َم هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َويَتَّ ِخ‪َ #‬ذ ِم ْن ُك ْم‬‫َاولُهَا بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫ك اأْل َيَّا ُم نُ‪#‬د ِ‬
‫ْالقَ‪##‬وْ َم قَ‪##‬رْ ٌح ِم ْثلُ‪#‬هُ َوتِ ْل‪َ #‬‬
‫ُشهَدَا َء َوهَّللا ُ اَل ي ُِحبُّ الظَّالِ ِمينَ ﴾ [آل عمران‪]140 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما انص‪##‬رف‪ #‬رس‪##‬ول هللا كئيب‪##‬ا حزين‪##‬ا ي‪##‬وم أح‪##‬د‪ ،‬جعلت‬
‫المرأة تجيء بزوجها وابنها‪ #‬مقتولين وهي تلتدم‪ ،‬فقال رس‪##‬ول هللا ‪( :‬أهك‪##‬ذا يفع‪##‬ل‬
‫برسولك؟) فأنزل‪ #‬هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تسلية للمؤمنين في كل األزمنة واألمكنة ب‪#‬أن ص‪#‬برهم‪ #‬على‬
‫البالء الذي يصيبهم جراء نص‪#‬رة الح‪#‬ق لن يض‪##‬يع‪ ..‬ب‪#‬ل س‪##‬ينالون من‪#‬ه أعظم أن‪##‬واع‬
‫الثواب‪.‬‬
‫﴿و َم‪##‬ا ُم َح َّم ٌد إِاَّل َر ُس‪#‬و ٌل قَ‪ْ #‬د‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬ل ا ْنقَلَ ْبتُ ْم َعلَى أَ ْعقَ‪##‬ابِ ُك ْم َو َم ْن يَ ْنقَلِبْ َعلَى َعقِبَ ْي‪ِ #‬ه‬ ‫ت ِم ْن قَ ْبلِ ِه الرُّ ُس ُل أَفَ‪#‬إِ ْن َم‪##‬اتَ أَوقُتِ‪َ #‬‬ ‫خَ لَ ْ‬
‫ض َّر هَّللا َ َش ْيئًا َو َسيَجْ ِزي هَّللا ُ ال َّشا ِك ِرينَ ﴾ [آل عمران‪]144 :‬؟‬ ‫فَلَ ْن يَ ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما كان يوم أحد انه‪##‬زم الن‪##‬اس‪ ،‬فق‪##‬ال بعض الن‪##‬اس‪ :‬ق‪##‬د‬
‫أصيب محمد فأعطوهم بأي‪##‬ديكم‪ ،‬فإنم‪#‬ا هم إخ‪#‬وانكم‪ ،‬وق‪##‬ال بعض‪#‬هم‪ :‬إن ك‪##‬ان محم‪##‬د‬
‫أصيب أال ما تمضون على ما مضى عليه نبيكم ح‪#‬تى تلحق‪#‬وا ب‪#‬ه‪ ،‬ف‪#‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫ت ِم ْن قَ ْبلِ ِه الرُّ ُس ُل أَفَإِ ْن َماتَ أَوقُتِ َل ا ْنقَلَ ْبتُ ْم‬ ‫اآلية في ذلك‪َ ﴿ :‬و َما ُم َح َّم ٌد إِاَّل َرسُو ٌل قَ ْد خَ لَ ْ‬
‫ض َّر هَّللا َ َش ْيئًا َو َسيَجْ ِزي‪ #‬هَّللا ُ ال َّشا ِك ِرينَ َو َم‪##‬ا‬ ‫َعلَى أَ ْعقَابِ ُك ْم َو َم ْن يَ ْنقَلِبْ َعلَى َعقِبَ ْي ِه فَلَ ْن يَ ُ‬
‫اب ال ‪ُّ #‬د ْنيَا نُ ْؤتِ ‪ِ #‬ه ِم ْنهَ‪##‬ا َو َم ْن‬‫س أَ ْن تَ ُموتَ إِاَّل بِإِ ْذ ِن هَّللا ِ ِكتَابًا ُمؤَ َّجاًل َو َم ْن ي ُِر ْد ثَ َو َ‬ ‫َكانَ لِنَ ْف ٍ‬
‫الش‪#‬ا ِك ِرينَ َو َك‪##‬أَي ِّْن ِم ْن نَبِ ٍّي قَاتَ‪َ #‬ل َم َع‪ #‬هُ ِربِّيُّونَ‬ ‫اب اآْل ِخ َر ِة نُ ْؤتِ ِه ِم ْنهَا َو َس‪#‬نَجْ ِزي‪َّ #‬‬ ‫ي ُِر ْد ثَ َو َ‬
‫اس‪#‬تَ َكانُوا َوهَّللا ُ ي ُِحبُّ‬
‫ض‪ُ #‬عفُوا َو َم‪##‬ا ْ‬ ‫يل هَّللا ِ َو َم‪##‬ا َ‬ ‫ص‪#‬ابَهُ ْم فِي َس‪#‬بِ ِ‬ ‫َكثِ‪##‬ي ٌر فَ َم‪##‬ا َوهَنُ‪##‬وا لِ َم‪##‬ا أَ َ‬
‫ِّت‬ ‫الصَّابِ ِرينَ َو َما َكانَ قَوْ لَهُْ‪#‬م إِاَّل أَ ْن قَالُوا َربَّنَا ا ْغفِرْ لَنَا ُذنُوبَنَا‪َ #‬وإِس َْرافَنَا‪ #‬فِي أَ ْم ِرنَ‪##‬ا َوثَب ْ‬
‫ب اآْل ِخ‪َ #‬ر ِة‬ ‫ُس‪#‬نَ ثَ‪َ #‬وا ِ‬‫اب ال‪ُّ #‬د ْنيَا َوح ْ‬ ‫‪#‬و َ‬ ‫أَ ْقدَا َمنَا‪َ #‬وا ْنصُرْ نَا َعلَى ْالقَوْ ِم ْال َكافِ ِرينَ فَآتَ‪##‬اهُ ُ‪#‬م هَّللا ُ ثَ‪َ #‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.121/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.124/‬‬
‫‪117‬‬
‫ْال ُمحْ ِ‬
‫سنِينَ ﴾ [آل عمران‪ 144 :‬ـ ‪]148‬؟ (‪)1‬‬ ‫َوهَّللا ُ يُ ِحبُّ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان ألصناف أتباع رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وأتب‪##‬اع الرس‪##‬ل جميع‪##‬ا‪،‬‬
‫وأن منهم األقوي‪##‬اء الث‪##‬ابتون ال‪##‬ذين لم يغ‪##‬يروا ولم يب‪##‬دلوا‪ ،‬وفيهم‪ #‬الض‪##‬عفاء ال‪##‬ذين ق‪##‬د‬
‫يغيروا‪ #‬ويبدلوا ألوهى سبب‪ ،‬وقد‪ #‬حصل ما ورد‪ #‬في اآلية الكريمة من النب‪##‬وءة‪ ،‬كم‪##‬ا‬
‫حذر رسول هللا ‪ ‬وأخبر‪#.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيها‪ #‬إشارة إلى أن االبتالء الحقيقي لألمة سيبدأ بعد وفاة نبيها ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ب ال ِذينَ‬ ‫﴿س‪#‬نُ ْلقِي فِي قُلُ‪##‬و ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪#‬وى‬ ‫ْ‬
‫س َمث‪َ #‬‬ ‫‪#‬زلْ بِ‪ِ #‬ه ُس‪ْ #‬لطَانًا‪َ #‬و َم‪##‬أْ َواهُ ُ‪#‬م النَّا ُر َوبِ ْئ َ‬ ‫ب بِ َما أَ ْش َر ُكوا‪ #‬بِاهَّلل ِ َم‪##‬ا لَ ْم يُنَ‪ِّ #‬‬ ‫َكفَرُوا الرُّ ْع َ‬
‫الظَّالِ ِمينَ ﴾ [آل عمران‪]151 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما ارتحل أبوسفيان والمشركين يوم أحد مت‪##‬وجهين إلى‬
‫مكة‪ ،‬انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق‪ #‬ثم إنهم ندموا وقالوا‪ :‬بئس ما صنعنا قتلن‪##‬اهم‬
‫حتى إذا لم يبق منهم إال الشريد تركناهم‪ #،‬ارجع‪##‬وا فاستأص‪##‬لوهم‪ ،‬فلم‪##‬ا عزم‪##‬وا على‬
‫ذلك ألقى هللا تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجع‪##‬وا عم‪##‬ا عزم‪##‬وا‪ ،‬وأن‪##‬زل هللا تع‪##‬الى‬
‫هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لعناية هللا تعالى بعب‪##‬اده الص‪##‬الحين وحمايت‪##‬ه لهم‪ ..‬وأن‬
‫الرعب جند من جنود‪ #‬هللا يحمي به الصادقين من عباده‪ ،‬ليردع به المعتدين عليهم‪.‬‬
‫ص َدقَ ُك ُم هَّللا ُ َو ْع‪َ ##‬دهُ إِ ْذ‬ ‫﴿ولَقَ ْد َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َص‪ْ #‬يتُ ْم ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د َم‪##‬ا أَ َرا ُك ْم َم‪##‬ا‬ ‫‪#‬ر َوع َ‬ ‫تَ ُحسُّونَهُ ْم بِإِ ْذنِ ِه َحتَّى إِ َذا فَ ِش‪ْ #‬لتُ ْم َوتَنَ‪##‬ازَ ْعتُ ْم فِي اأْل َ ْم‪ِ #‬‬
‫‪#‬رةَ ثُ َّم َ‬
‫ص‪َ #‬رفَ ُك ْ‪#‬م َع ْنهُ ْم لِيَ ْبتَلِيَ ُك ْم َولَقَ‪ْ #‬د‬ ‫تُ ِحبُّونَ ِم ْن ُك ْم َم ْن ي ُِري ُد ال‪ُّ #‬د ْنيَا َو ِم ْن ُك ْ‪#‬م َم ْن ي ُِري‪ُ #‬د اآْل ِخ‪َ #‬‬
‫َعفَا َع ْن ُك ْم َوهَّللا ُ ُذوفَضْ ٍل َعلَى ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [آل عمران‪]152 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لم‪#‬ا رج‪#‬ع رس‪#‬ول هللا ‪ ‬إلى المدين‪#‬ة وق‪#‬د أص‪#‬يبوا بم‪#‬ا‬
‫أصيبوا‪ #‬يوم أحد‪ ،‬قال ناس من أصحابه‪ :‬من أين أصابنا هذا وقد وع‪##‬دنا هللا النص‪##‬ر؟‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دع‪##‬وة للبحث عن أس‪##‬باب اله‪##‬زائم واالنتكاس‪##‬ات؛ فاهلل أك‪##‬رم‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.124/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.124/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.125/‬‬
‫‪118‬‬
‫من أن يتخلى عن عباده إال إذا تخلوا هم عنه أو عما أمرهم به‪.‬‬
‫َ‬
‫﴿و َم‪##‬ا َك‪##‬انَ لِنَبِ ٍّي أ ْن يَ ُغ‪َّ #‬ل‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫ت َوهُ ْم اَل يُظلَ ُم‪##‬ونَ ﴾ [آل‬ ‫َو َم ْن يَ ْغلُلْ يَأْ ِ‬
‫ت بِ َما َغ َّل يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة ثُ َّم تُ َوفَّى‪ُ #‬كلُّ نَ ْف ٍ‬
‫س َما َك َس‪##‬بَ ْ‬
‫عمران‪]161 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين‪،‬‬
‫فقال أناس‪ :‬لعل النبي ‪ ‬أخذها‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬بعث طالئع‪ ،‬فغنم النبي ‪ ‬غنيمة‬
‫وقسمها بين الناس ولم يقسم للطالئع شيئا‪ ،‬فلما قدمت الطالئع قالوا‪ :‬قس‪##‬م الفيء ولم‬
‫يقسم لنا‪ ،‬فنزلت(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت حين ترك الرماة المرك‪##‬ز ي‪##‬وم أح‪##‬د طلب‪##‬ا‬
‫للغنيمة‪ ،‬وقالوا‪ #:‬نخشى أن يقول رسول هللا ‪( :‬من أخذ شيئا فهوله)‪ ،‬وأن ال يقس‪##‬م‬
‫الغنائم كما لم يقسم يوم بدر‪ ،‬فقال النبي ‪( :‬ظننتم أن‪##‬ا نغ‪##‬ل وال نقس‪##‬م لكم)‪ ،‬ف‪##‬أنزل‬
‫هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن أش‪##‬راف الن‪##‬اس اس‪##‬تدعوا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬أن‬
‫يخصصهم بشيء من الغنائم‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى الثق‪#‬ة المطلق‪#‬ة برس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬وعص‪#‬مته وأن‪#‬ه ال‬
‫يقول وال يفعل إال ما أمر به‪ ..‬وفيها‪ #‬بيان لعظم عناء رسول هللا ‪ ‬من كل أص‪##‬ناف‬
‫الناس حتى من أتباعه‪.‬‬
‫﴿واَل تَحْ َس‪#‬بَ َّن الَّ ِذينَ قُتِلُ‪##‬وا‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫فِي َسبِي ِل هَّللا ِ أَ ْم َواتًا بَلْ أَحْ يَا ٌء ِع ْن َد َربِّ ِه ْم يُرْ زَ قُونَ ﴾ [آل عمران‪]169 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت فيما أخبر عنه رسول هللا ‪ ‬بقوله‪( :‬لما أصيب‬
‫إخوانكم‪ #‬بأحد جعل هللا أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجن‪##‬ة وتأك‪##‬ل من‬
‫ثمارها وتأوي إلى قناديل‪ #‬من ذهب معلقة في ظل العرش‪ ،‬فلما وجدوا‪ #‬طيب م‪##‬أكلهم‬
‫ومشربهم ومقيلهم قالوا‪ #:‬من يبلغ إخواننا عنا أن‪##‬ا في الجن‪##‬ة ن‪##‬رزق‪ ،‬لئال يزه‪##‬دوا في‬
‫الجهاد وال ينكل‪##‬وا في الح‪##‬رب)‪ ،‬فق‪##‬ال هللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل‪( :‬أن‪##‬ا أبلغهم عنكم)‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى اآلية(‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله م‪##‬ا روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في أولي‪##‬اء الش‪##‬هداء ك‪##‬انوا إذا أص‪##‬ابتهم‬
‫نعمة أوسرور‪ #‬تحسروا وقالوا‪ :‬نحن في نعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا‪ #‬وإخواننا‪ #‬في‬
‫القبور‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية تنفيسا عنهم وإخبارا عن حال قتالهم‪.)6(#‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.125/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.126/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.126/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.126/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.128/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.129/‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪119‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا ت‪##‬رغيب في الش‪##‬هادة في س‪##‬بيل هللا لنص‪##‬رة الح‪##‬ق وال‪##‬دفاع‬
‫عنه‪ ،‬وإخبار‪ #‬بأن من انتصر‪ #‬للحق أعظم من أن يستطيع األعداء قتل‪##‬ه أو قت‪##‬ل الح‪##‬ق‬
‫الذي حماه ودافع عنه ودعا إليه‪.‬‬
‫هَّلِل‬
‫اس‪##‬تَ َجابُوا‪ِ #‬‬ ‫َّ‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ال ِذينَ ْ‬
‫َظي ٌم﴾ [آل عم‪###‬ران‪:‬‬ ‫صابَهُ ُم ْالقَرْ ُح لِلَّ ِذينَ أَحْ َسنُوا ِم ْنهُ ْم َواتَّقَوْ ا أَجْ ٌر ع ِ‬ ‫ُول ِم ْن بَ ْع ِد َما أَ َ‬ ‫َوال َّرس ِ‬
‫‪]172‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬اس‪##‬تنفر الن‪##‬اس بع‪##‬د أح‪##‬د حين انص‪##‬رف‪#‬‬
‫المشركون‪ ،‬فاستجاب ل‪##‬ه س‪##‬بعون رجال‪ ،‬فطلبهم‪ #‬فلقي أبوس‪##‬فيان ع‪##‬يرا من خزاع‪##‬ة‪،‬‬
‫فق‪##‬ال لهم‪ :‬إن لقيتم محم‪##‬دا يطلب‪##‬ني ف‪##‬أخبروه أني في جم‪##‬ع كث‪##‬ير‪ ،‬فلقيهم الن‪##‬بي ‪‬‬
‫فسألهم‪ #‬عن أبي سفيان فقالوا‪ :‬لقيناه في جمع كثير ون‪##‬راك في قل‪##‬ة وال نأمن‪##‬ه علي‪##‬ك‪،‬‬
‫فأبى رسول‪ #‬هللا ‪ ‬إال أن يطلب‪##‬ه‪ ،‬فس‪##‬بقه أبوس‪##‬فيان‪ ،‬ف‪##‬دخل مك‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى‬
‫ون إِ ْن ُك ْنتُ ْم‬ ‫ُخَوفُ أَوْ لِيَا َءهُ فَاَل تَخَافُوهُْ‪#‬م َو َخ‪##‬افُ ِ‬ ‫اآلية فيهم حتى بلغ ﴿إِنَّ َما َذلِ ُك ُم ال َّش ْيطَانُ ي ِّ‬
‫ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [آل عمران‪]175 :‬؟(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا وص‪##‬ف للص‪##‬ادقين من المؤم‪##‬نين‪ ،‬وأن عالمتهم الك‪##‬برى‬
‫الثبات في وقت الشدائد‪ ،‬ألنه عالمة اليقين‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬الَّ ِذينَ قَ‪##‬ا َل لَهُ ُم النَّاسُ إِ َّن‬
‫كيلُ﴾ [آل عمران‪:‬‬ ‫اخ َشوْ هُْ‪#‬م فَزَا َدهُ ْم إِي َمانًا َوقَالُوا‪َ #‬ح ْسبُنَا هَّللا ُ َونِ ْع َم ْال َو ِ‬
‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَ ْ‬ ‫النَّ َ‬
‫‪]173‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت يوم أحد بعد القت‪##‬ل والجراح‪##‬ة‪ ،‬فبع‪##‬دما انص‪##‬رف‬
‫المشركون أبوسفيان وأصحابه قال نبي هللا ‪ ‬ألص‪#‬حابه‪( :‬أال عص‪#‬ابة تش‪#‬دد ألم‪#‬ر‬
‫هللا فتطلب عدوها فإنه أنكى للعدووأبع‪##‬د للس‪##‬مع)‪ ،‬ف‪##‬انطلق‪ #‬عص‪##‬ابة على م‪##‬ا يعلم هللا‬
‫من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل األعراب والن‪##‬اس ي‪##‬أتون عليهم‪ ،‬يقول‪##‬ون‬
‫هذا أبوسفيان مائل بالناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬حسبنا هللا ونعم الوكيل‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى‪﴿ :‬الَّ ِذينَ‬
‫اخ َشوْ هُْ‪#‬م فَزَا َدهُ ْم إِي َمانًا َوقَالُوا‪َ #‬ح ْسبُنَا هَّللا ُ َونِ ْع َم‬ ‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَ ْ‬ ‫قَا َل لَهُ ُم النَّاسُ إِ َّن النَّ َ‬
‫ض‪َ #‬وانَ هَّللا ِ َوهَّللا ُ‬ ‫ض‪#ٍ #‬ل لَ ْم يَ ْم َس ْس‪#‬هُْ‪#‬م ُس‪#‬و ٌء َواتَّبَ ُع‪##‬وا ِر ْ‬ ‫ْال َو ِكي‪ُ #‬ل فَ‪##‬ا ْنقَلَبُوا بِنِ ْع َم‪ٍ #‬ة ِمنَ هَّللا ِ َوفَ ْ‬
‫يم﴾ [آل عمران‪ 173 :‬ـ ‪]174‬؟ (‪)2‬‬ ‫ُذوفَضْ ٍل َع ِظ ٍ‬
‫ق‪###‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪###‬ا وص‪###‬ف‪ #‬للص‪###‬ادقين الموق‪###‬نين بنص‪###‬ر هللا‪ ،‬وال‪###‬ذين ال‬
‫يتزعزعون مهما كانت قوة عدوهم‪ ،‬ألن أملهم في هللا ال في قوتهم‪.‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.130/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.131/‬‬
‫‪120‬‬
‫َولَ ِك َّن هَّللا َ يَجْ تَبِي ِم ْن ُر ُسلِ ِه َم ْن يَ َشا ُء فَآ ِمنُوا بِاهَّلل ِ َو ُر ُسلِ ِه َوإِ ْن تُ ْؤ ِمنُوا َوتَتَّقُ‪##‬وا فَلَ ُك ْم أَجْ‪ٌ #‬ر‬
‫َع ِظي ٌم﴾ [آل عمران‪]179 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما قالت قريش‪ :‬تزعم يا محمد أن من خالفك‬
‫فهوفي النار وهللا عليه غضبان‪ ،‬وأن من اتبعك على دين‪##‬ك فه‪##‬ومن أه‪##‬ل الجن‪##‬ة وهللا‬
‫عنه راض‪ ،‬فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن ال يؤمن بك؟ فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪#‬ا‪ #‬بي‪#‬ان لس‪#‬نة هللا في اختب‪#‬ار من يزعم‪##‬ون ألنفس‪##‬هم اإليم‪#‬ان‪،‬‬
‫ليميز الصادقين منهم عن غيرهم‪ ،‬وأن ذلك سار في كل األجيال وجميع األمم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما أَرْ َس ْلنَا ِم ْن َرسُو ٍل إِاَّل‬
‫لِيُطَ‪##‬ا َع بِ ‪#‬إِ ْذ ِن هَّللا ِ َولَ‪##‬وْ أَنَّهُ ْم إِ ْذ ظَلَ ُم‪##‬وا أَ ْنفُ َس ‪#‬هُ ْم َج‪ #‬اءُوكَ فَ ْ‬
‫اس ‪#‬تَ ْغفَرُوا هَّللا َ َو ْ‬
‫اس ‪#‬تَ ْغفَ َر لَهُ ُم‬
‫حي ًما﴾ [النساء‪]64 :‬‬ ‫ال َّرسُو ُل لَ َو َجدُوا هَّللا َ تَ َّوابًا َر ِ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬ن‪##‬زلت في الرج‪##‬ل اليه‪##‬ودي والرج‪##‬ل المس‪##‬لم الل‪##‬ذين تحاكم‪##‬ا إلى‬
‫كعب بن األشرف‪.)2(#‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للطاعة المطلق‪##‬ة لرس‪##‬ول هللا ‪ ‬واالستش‪##‬فاع‪ #‬ب‪##‬ه إلى‬
‫هللا‪ ،‬وبيان لدور التواصل معه في غفران هللا تعالى للعبد‪ ،‬وهو ليس مرتبط ‪#‬ا‪ #‬ب‪##‬زمن‬
‫دون زمن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أجل ‪ ..‬والروايات الكثيرة حول االستدالل باآلية من لدن السلف األول‪،‬‬
‫ت‪##‬دل على ذل‪##‬ك‪ ،‬واعتب‪##‬اره؛ فق‪##‬د روى العت‪##‬بي (ت‪##‬وفى ‪ 228‬هـ) ـ وه‪##‬ومن مش‪##‬ايخ‬
‫الشافعي‪ ،‬وح ّدث عن سفيان بن عيينة وغيره ـ عن محم‪##‬د بن ح‪##‬رب الهاللي‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫دخلت المدينة‪ ،‬فأتيت قبر النبي ‪ ‬فزرته وجلست بحذائه‪ ،‬فجاء أعرابي فزاره‪ ،‬ث َّم‬
‫﴿و َم‪#‬ا أَرْ َس‪ْ #‬لنَا ِم ْن‬ ‫إن هللا أن‪#‬زل علي‪#‬ك كتاب‪#‬ا ً ص‪#‬ادقا ً ق‪#‬ال في‪#‬ه‪َ :‬‬ ‫قال‪( :‬يا خ‪#‬ير الرس‪#‬ل‪ّ ،‬‬
‫اس‪##‬تَ ْغفَرُوا هَّللا َ‬‫ك فَ ْ‬ ‫ول إِاَّل لِيُطَ‪##‬ا َع بِ‪##‬إِ ْذ ِن هَّللا ِ َولَ‪##‬وْ أَنَّهُ ْم إِ ْذ ظَلَ ُم‪##‬وا أَ ْنفُ َس‪##‬هُ ْم َج‪ ##‬ا ُءو َ‬
‫َر ُس‪ٍ ##‬‬
‫َوا ْستَ ْغفَ َر لَهُ ُم ال َّرسُو ُل لَ َو َجدُوا هَّللا َ تَ َّوابًا َر ِحي ًما﴾ [النساء‪ ]64 :‬وإنّي جئتك مس‪##‬تغفراً ربّ‪##‬ك‬
‫من ذنوبي مستشفعا ً فيها بك‪ .‬ث َّم بكى وأنشأ يقول‪:‬‬
‫طيبهن الق‪#####‬اع‬ ‫ّ‬ ‫فط‪#####‬اب من‬ ‫ي‪###‬ا خ‪###‬ير من دفنت بالق‪###‬اع‬
‫واألك ُم‬ ‫أعظمه‬
‫في‪###‬ه العف‪###‬اف وفي‪###‬ه الج‪###‬ود‬ ‫لقبر أنت س‪##‬اكنه‬ ‫نفسي الفداء ٍ‬
‫والك‪###################################‬ر ُم‬
‫ث َّم استغفر وانصرف(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَتُ ْبلَ ‪ُ #‬و َّن فِي أَ ْم‪َ #‬والِ ُك ْم‬
‫‪#‬اب ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْ‪#‬م َو ِمنَ الَّ ِذينَ أَ ْش‪َ #‬ر ُكوا أَ ًذى َكثِ‪##‬يرًا‬ ‫َوأَ ْنفُ ِس ُك ْ‪#‬م َولَتَ ْس َمع َُّن ِمنَ الَّ ِذينَ أُوتُ‪##‬وا ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫ُ‬
‫ور﴾ [آل عمران‪]186 :‬؟‬ ‫ك ِم ْن ع َْز ِم اأْل ُم ِ‬ ‫َوإِ ْن تَصْ بِرُوا َوتَتَّقُوا فَإِ َّن َذلِ َ‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.131/‬‬


‫‪ )(2‬الدر المنثور في التفسير بالماثور (‪)4/520‬‬
‫‪ )(3‬أخرج هذه الرواية ابن الجوزي في (مثير العزم الساكن إلىٰ أش‪##‬رف األم‪##‬اكن) وابن عس‪##‬اكر في (ت‪##‬اريخ دمش‪##‬ق) والقس‪##‬طالني بأس‪##‬انيدهم‪،‬‬
‫انظر‪ :‬شفاء السقام‪ 62 :‬ـ ‪ ،63‬مختصر تاريخ دمشق ‪ ،408 :2‬والمواهب اللدنية ‪.583 :4‬‬
‫‪121‬‬
‫ق‪###‬ال أح‪###‬دهم‪ :‬روي أن كعب بن األش‪###‬رف‪ #‬اليه‪###‬ودي‪ #‬ك‪###‬ان ش‪###‬اعرا‪ ،‬وك‪###‬ان‬
‫يهجوالنبي‪  #‬ويحرض عليه كفار قريش في ش‪##‬عره‪ ،‬وك‪##‬ان الن‪##‬بي ‪ ‬ق‪##‬دم المدين‪##‬ة‬
‫وأهلها أخالط‪ ،‬منهم المسلمون ومنهم المشركون‪ #‬ومنهم اليهود‪ ،‬ف‪##‬أراد الن‪##‬بي ‪ ‬أن‬
‫يستصلحهم كلهم‪ ،‬فكان المش‪#‬ركون واليه‪#‬ود‪ #‬يؤذون‪#‬ه وي‪#‬ؤذون أص‪#‬حابه أش‪#‬د األذى‪،‬‬
‫فأمر‪ #‬هللا تعالى نبيه ‪ ‬بالصبر‪ #‬على ذلك(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬ركب على حم‪#‬ار‪ ،‬وأردف أس‪#‬امة‬
‫بن زيد وراءه وسار يعود‪ #‬سعد بن عب‪##‬ادة في ب‪##‬ني الح‪##‬ارث بن الخ‪##‬زرج قب‪##‬ل وقع‪##‬ة‬
‫بدر‪ ،‬حتى مر بمجلس فيه عبد هللا بن أبي‪ ،‬وذلك قب‪##‬ل أن يس‪##‬لم عب‪##‬د هللا بن أبي ف‪##‬إذا‬
‫في المجلس أخالط من المسلمين والمش‪##‬ركين عب‪#‬دة األوث‪##‬ان واليه‪##‬ود‪ ،‬وفي المجلس‬
‫عبد هللا بن رواح‪##‬ة فلم‪##‬ا غش‪##‬يت المجلس عجاج‪#‬ة الداب‪##‬ة خم‪#‬ر عب‪#‬د هللا بن أبي أنف‪#‬ه‬
‫بردائه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال تغبروا علينا‪ ،‬فس‪##‬لم رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ثم وق‪##‬ف‪ ،‬ف‪##‬نزل ودع‪##‬اهم إلى‬
‫هللا‪ ،‬وقرأ عليهم القرآن‪ ،‬فقال عبد هللا بن أبي‪ :‬أيها المرء إنه ال أحسن مم‪##‬ا تق‪##‬ول إن‬
‫كان حقا فال تؤذنا به في مجالسنا؟ ارج‪##‬ع إلى رحل‪##‬ك‪ ،‬فمن ج‪##‬اءك فاقص‪##‬ص علي‪##‬ه‪،‬‬
‫فقال عبد هللا بن رواحة‪ :‬بلى يا رسول هللا‪ ،‬فاغش‪##‬نا ب‪##‬ه في مجلس‪##‬نا فإن‪##‬ا نحب ذل‪##‬ك‪،‬‬
‫واستب المسلمون والمشركون‪ #‬واليهود ح‪##‬تى ك‪##‬ادوا يتس‪#‬اورون‪ ،‬فلم ي‪#‬زل الن‪#‬بي ‪‬‬
‫يخفض‪##‬هم ح‪##‬تى س‪##‬كتوا‪ ،‬ثم ركب الن‪##‬بي ‪ ‬دابت‪##‬ه وس‪##‬ار‪ #‬ح‪##‬تى دخ‪##‬ل على س‪##‬عد بن‬
‫عبادة‪ ،‬فقال له‪( :‬يا سعد ألم تسمع ما قال أبوحباب؟) ـ يريد عبد هللا بن أبي قال‪ :‬كذا‬
‫وكذا ـ فقال سعد بن عبادة‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا اع‪##‬ف عن‪##‬ه واص‪##‬فح فوال‪##‬ذي أن‪##‬زل علي‪##‬ك‬
‫الكتاب‪ ،‬لقد جاء هللا بالحق الذي نزل عليك‪ ،‬وقد اصطلح أهل ه‪##‬ذه البح‪##‬يرة على أن‬
‫يتوجوه ويعصبوه بالعصابة‪ ،‬فلما رد هللا ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك‪ ،‬ف‪##‬ذلك‬
‫فعل به ما رأيت‪ ،‬فعفا عنه رسول هللا ‪ ‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للمؤمنين‪ ،‬وخاصة الدعاة منهم‪ ،‬إلى الصبر والتحم‪##‬ل‬
‫وعدم معاملة المخالفين بما يتناسب مع سلوكهم‪ ،‬حتى ال يكون ذلك سببا في نفورهم‬
‫من الحق‪.‬‬
‫ت‬ ‫‪#‬ق َّ‬
‫الس‪َ #‬ما َوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِن فِي خل‪ِ #‬‬
‫ت أِل ُولِي اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫ب﴾ [آل عمران‪]190 :‬؟‬ ‫ف اللَّي ِْل َوالنَّهَ ِ‬
‫ار آَل يَا ٍ‬ ‫ض َو ْ‬
‫اختِاَل ِ‬ ‫َواأْل َرْ ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن قريش‪##‬ا أتت اليه‪##‬ود‪ #‬فق‪##‬الوا‪ :‬م‪##‬ا ج‪##‬اءكم ب‪##‬ه موس‪##‬ى من‬
‫اآليات؟ قالوا‪ :‬عصاه‪ ،‬ويده بيض‪##‬اء للن‪##‬اظرين‪ ،‬وأت‪##‬وا النص‪##‬ارى‪ #‬فق‪##‬الوا‪ :‬كي‪##‬ف ك‪##‬ان‬
‫عيسى فيكم؟ فقالوا‪ :‬يبرئ األكمه واألبرص‪ ،‬ويحيي‪ #‬الموتى؛ فأتوا النبي ‪ ‬فقالوا‪:‬‬
‫ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فأنزل هللا اآلية (‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة للنظ‪##‬ر في الك‪##‬ون للعب‪##‬ور‪ #‬من‪##‬ه إلى هللا‪ ،‬ثم بع‪##‬ده إلى‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.134/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.135/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.138/‬‬
‫‪122‬‬
‫رسله وشرائعه‪ ،‬وفيها‪ #‬بيان أن ذلك ال يكون إال ألصحاب العقول الراجحة التي تهتم‬
‫باللباب‪ ،‬ال بالقشور‪.‬‬
‫َ‬
‫اب لَهُ ْم َربُّهُ ْم أنِّي‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫اس ‪#‬ت ََج َ‬
‫َ‪###‬اجرُوا‬ ‫ْض فَال ِذينَ ه َ‬ ‫َّ‬ ‫ْض‪ُ ###‬ك ْ‪#‬م ِم ْن بَع ٍ‬ ‫‪###‬ر أَوأُ ْنثَى بَع ُ‬‫‪###‬ل عَا ِم‪ٍ ###‬ل ِم ْن ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍ‬ ‫ض‪###‬ي ُع َع َم َ‬ ‫اَل أُ ِ‬
‫‪###‬ار ِه ْم َوأُو ُذوا‪ #‬فِي َس‪###‬بِيلِي َوقَ‪###‬اتَلُوا‪َ #‬وقُتِلُ‪###‬وا‪ #‬أَل ُ َكفِّ َر َّن َع ْنهُ ْم َس‪###‬يِّئَاتِ ِه ْم‬ ‫َوأ ْخ ِرجُ‪###‬وا‪ِ #‬م ْن ِديَ ِ‬
‫ُ‬
‫ب﴾‬ ‫ت تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِهَا اأْل َ ْنهَا ُر ثَ َوابًا ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ َوهَّللا ُ ِع ْن َدهُ ُحسْنُ الثَّ َوا ِ‬ ‫َوأَل ُ ْد ِخلَنَّهُ ْم َجنَّا ٍ‬
‫[آل عمران‪]195 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن أم سلمة قالت‪ :‬يا رسول هللا ال أسمع هللا ذكر النس‪##‬اء في‬
‫الهجرة بشيء‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان بأن كل ما في القرآن الكريم‪ #‬خطاب للرج‪##‬ال والنس‪##‬اء‪،‬‬
‫وأن عدل هللا ورحمته تأبي‪##‬ان التفري‪##‬ق بينهم‪##‬ا‪ ،‬وأن ورود‪ #‬الخط‪##‬اب بص‪##‬يغة الم‪##‬ذكر‬
‫مراعاة لألس‪#‬اليب اللغوي‪#‬ة‪ ،‬وال‪#‬تي تجع‪#‬ل الم‪#‬ذكر ش‪#‬امال لل‪#‬ذكور واإلن‪#‬اث‪ ،‬وتخص‬
‫اإلناث بضمائر خاصة بهن‪.‬‬
‫ب لَ َم ْن‬ ‫﴿وإِ َّن ِم ْن أَ ْه ِل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ت هَّللا ِ ثَ َمنًا قَلِياًل‬‫َاش ِعينَ هَّلِل ِ اَل يَ ْشتَرُونَ بِآيَا ِ‬ ‫ي ُْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َو َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ْم خ ِ‬
‫ب﴾ [آل عمران‪]199 :‬؟‬ ‫ك لَهُ ْم أَجْ ُرهُ ْم ِع ْن َد َربِّ ِه ْم إِ َّن هَّللا َ َس ِري ُع ْال ِح َسا ِ‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في النجاش‪#‬ي‪ ،‬وذل‪#‬ك أن‪#‬ه لم‪#‬ا م‪#‬ات نع‪#‬اه جبري‪#‬ل‬
‫عليه السالم لرسول هللا ‪ ‬في اليوم الذي مات فيه‪ ،‬فقال رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ألص‪##‬حابه‪:‬‬
‫(اخرج‪##‬وا‪ #‬فص‪##‬لوا‪ #‬على أخ لكم م‪##‬ات بغ‪##‬ير أرض‪##‬كم)‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬ومن ه‪##‬و؟ فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(النجاش‪##‬ي)‪ ،‬فخ‪##‬رج رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إلى البقي‪##‬ع وكش‪##‬ف‪ #‬ل‪##‬ه من المدين‪##‬ة إلى أرض‬
‫الحبشة‪ ،‬فأبصر‪ #‬سرير النجاشي وصلى‪ #‬عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وق‪##‬ال‬
‫ألصحابه‪( :‬استغفروا‪ #‬له)‪ ،‬فقال المنافقون‪ :‬انظروا إلى هذا يصلي على علج حبش‪##‬ي‬
‫نصراني‪ #‬لم يره قط وليس على دينه‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتعامل برفق مع أهل األدي‪#‬ان المختلف‪#‬ة‪ ،‬ليك‪#‬ون ذل‪#‬ك‬
‫سببا في تأليف قلوبهم للحق‪ ،‬وخضوعهم واتباعهم له‪ ..‬وفيما‪ #‬دعوة لعدم الحكم على‬
‫مصير‪ #‬المخالفين‪ ،‬فاهلل أعلم بعباده‪ ،‬وهو الديان الذي يحكم بينهم فيما يختلفون فيه‪.‬‬
‫﴿وآتُوا ْاليَتَا َمى أَ ْم َوالَهُ ْم َواَل‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ك ْم إِنَّه ُ َك‪#‬انَ حُوبً‪#‬ا كبِ‪#‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪:‬‬
‫َ‬ ‫ب َواَل تَأْ ُكلُوا أَ ْم َوالَهُ ْم إِلَى أَ ْم َ‬
‫‪#‬والِ ُ‬ ‫يث بِالطَّيِّ ِ‬ ‫تَتَبَ َّدلُوا‪ْ #‬ال َخبِ َ‬
‫‪]2‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في رجل من غطفان ك‪##‬ان عن‪##‬ده م‪##‬ال كث‪##‬ير البن‬
‫أخ له يتيم‪ ،‬فلما بلغ اليتيم طلب المال‪ ،‬فمنعه عمه‪ ،‬فترافعا إلى النبي ‪ ‬فنزلت هذه‬
‫اآلية‪ ،‬فلما سمعها العم قال‪ :‬أطعنا هللا وأطعنا الرسول‪ ،‬نعوذ باهلل من الحوب الكبير‪،‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.138/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.139/‬‬
‫‪123‬‬
‫فدفع‪ #‬إليه ماله‪ ،‬فقال النبي ‪( :‬من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإن‪##‬ه يح‪##‬ل داره)‪،‬‬
‫يعني جنته‪ ،‬فلما قبض الفتى ماله أنفق‪##‬ه في س‪##‬بيل هللا تع‪##‬الى‪ ،‬فق‪##‬ال الن‪##‬بي ‪( :‬ثبت‬
‫األجر وبقي ال‪##‬وزر) فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‪ ،‬ق‪##‬د عرفن‪##‬ا أن‪##‬ه ثبت األج‪##‬ر‪ ،‬فكي‪##‬ف بقي‬
‫الوزر‪ #‬وهو ينفق في سبيل هللا؟ فق‪##‬ال‪( :‬ثبت األج‪##‬ر للغالم وبقي ال‪##‬وزر على وال‪##‬ده)‬
‫(‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دع‪##‬وة لل‪##‬ورع‪ ،‬وخاص‪##‬ة عن أم‪##‬وال المستض‪##‬عفين ال‪##‬ذين ال‬
‫يطيقون الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬وشموله لكل النواحي‪ ،‬سواء الكمية منها أو النوعية‪.‬‬
‫﴿وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْق ِس‪##‬طُوا فِي‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ع فَ‪#‬إِ ْن ِخفتُ ْم أاَّل تَ ْع‪ِ #‬دلوا‬ ‫ث َو ُربَ‪#‬ا َ‪#‬‬ ‫‪#‬اب لَ ُك ْم ِمنَ النِّ َس‪#‬ا ِء َم ْثنَى َوثُاَل َ‬ ‫ْاليَتَا َمى فَ‪##‬ا ْن ِكحُوا َم‪##‬ا طَ‪َ #‬‬
‫ك أَ ْدنَى أَاَّل تَعُولُوا﴾ [النساء‪]3 :‬؟‬ ‫ت أَ ْي َمانُ ُك ْم َذلِ َ‬
‫فَ َوا ِح َدةً أَو َما َملَ َك ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في الرجل يكون له اليتيمة وهووليه ‪#‬ا‪ #‬وله‪##‬ا م‪##‬ال‬
‫وليس لها أحد يخاصم دونها‪ ،‬فال ينكحها حب‪#‬ا لماله‪#‬ا‪ ،‬ويض‪##‬ربها‪ #‬ويس‪#‬يء‪ #‬ص‪#‬حبتها‪،‬‬
‫‪#‬اب لَ ُك ْم ِمنَ النِّ َس ‪#‬ا ِء﴾‬ ‫فقال هللا تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا فِي ْاليَتَا َمى فَا ْن ِكحُوا َما طَ‪َ #‬‬
‫[النساء‪]3 :‬؟ يقول‪ :‬ما أحللت لكم ودع هذه(‪.)2‬‬
‫ق‪###‬ال آخ‪###‬ر‪ :‬ومثل‪###‬ه م‪###‬ا روي أنهم ك‪###‬انوا يتحرج‪###‬ون عن أم‪###‬وال اليت‪###‬امى‬
‫ويترخصون في النساء‪ ،‬ويتزوجون ما شاءوا‪ ،‬فربما ع‪##‬دلوا وربم‪##‬ا لم يع‪##‬دلوا‪ ،‬فلم‪#‬ا‬
‫يث‬‫﴿وآتُ‪##‬وا ْاليَتَ‪##‬ا َمى أَ ْم‪َ #‬والَهُ ْم َواَل تَتَبَ‪َّ #‬دلُوا‪ْ #‬الخَ بِ َ‬ ‫سألوا عن اليتامى‪ ،‬فنزلت آية اليت‪##‬امى‪َ :‬‬
‫‪#‬والِ ُك ْم إِنَّهُ َك‪##‬انَ حُوبً‪##‬ا َكبِ‪##‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]2 :‬وأن‪##‬زل هللا‬ ‫ب َواَل تَأْ ُكلُوا أَ ْم َوالَهُ ْم إِلَى أَ ْم‪َ #‬‬‫بِالطَّيِّ ِ‬
‫‪#‬اب لَ ُك ْم ِمنَ النِّ َس‪#‬ا ِء‬ ‫﴿وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْق ِس‪#‬طُوا فِي ْاليَتَ‪#‬ا َمى فَ‪#‬ا ْن ِكحُوا َم‪#‬ا طَ َ‬ ‫تع‪#‬الى أيض‪#‬ا‪َ :‬‬
‫ك أَ ْدنَى أَاَّل‬‫ت أَ ْي َم‪##‬انُ ُك ْم َذلِ‪َ #‬‬ ‫اح‪َ #‬دةً أَو َم‪##‬ا َملَ َك ْ‬
‫ث َو ُربَا َع فَ‪#‬إِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تَ ْع‪ِ #‬دلُوا فَ َو ِ‬ ‫َم ْثنَى َوثُاَل َ‬
‫تَعُولُوا﴾ [النساء‪ ،]3 :‬يقول‪ :‬كما خفتم أال تقسطوا في اليتامى‪ ،‬فكذلك‪ #‬فخ‪##‬افوا‪ #‬في النس‪##‬اء‬
‫أن ال تعدلوا فيهن‪ ،‬فال تزوجوا‪ #‬أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن‪ ،‬ألن النس‪##‬اء كاليت‪##‬امى‬
‫في الضعف والعجز(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى مراعاة الرحمة والعدل في كل الشؤون‪ ،‬وخاصة‬
‫فيما يتعلق بحقوق المستض‪##‬عفين ال‪##‬ذين ال يطيق‪##‬ون ص‪##‬د من يظلمهم‪ ،‬ألن هللا تع‪##‬الى‬
‫سيكون معهم وينصرهم‪ #‬على من ظلمهم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وا ْبتَلُ‪##‬وا ْاليَتَ‪##‬ا َمى َحتَّى إِ َذا‬
‫بَلَ ُغوا النِّ َكا َح فَإِ ْن آنَ ْستُ ْم ِم ْنهُ ْم ُر ْشدًا فَا ْدفَعُوا‪ #‬إِلَ ْي ِه ْم أَ ْم َوالَهُ ْم َواَل تَأْ ُكلُوهَ‪##‬ا إِ ْس ‪َ #‬رافًا‪َ #‬وبِ ‪#‬دَا ًرا‪#‬‬
‫ُوف فَ‪#‬إِ َذا َدفَ ْعتُ ْم‬
‫‪#‬ال َم ْعر ِ‬ ‫ف َو َم ْن َك‪##‬انَ فَقِ‪##‬يرًا فَ ْليَأْ ُك‪##‬لْ بِ‪ْ #‬‬ ‫أَ ْن يَ ْكبَرُوا َو َم ْن َكانَ َغنِيًّا فَ ْليَ ْس‪#‬تَ ْعفِ ْ‪#‬‬
‫إِلَ ْي ِه ْم أَ ْم َوالَهُ ْم فَأ َ ْش ِهدُوا َعلَ ْي ِه ْم َو َكفَى بِاهَّلل ِ َح ِسيبًا﴾ [النساء‪]6 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ثابت بن رفاعة وفي‪ #‬عمه‪ ،‬وذل‪##‬ك أن رفاع‪##‬ة‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.140/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.142/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.142/‬‬
‫‪124‬‬
‫توفي‪ #‬وترك ابنه ثابتا وهوص‪#‬غير‪ #،‬ف‪#‬أتى عم ث‪#‬ابت إلى الن‪#‬بي ‪ ‬فق‪#‬ال‪ :‬إن ابن أخي‬
‫يتيم في حجري‪ ،‬فما يحل لي من ماله‪ ،‬ومتى‪ #‬أدفع إليه مال‪##‬ه؟ ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه‬
‫اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى عدم إعطاء األموال لمس‪##‬تحقيها ممن للم‪##‬رء ح‪##‬ق‬
‫كفالتهم إال بعد االطمئنان على قدرتهم‪ #‬على إدارتها‪ ..‬فالمال حق األمة قبل أن يكون‬
‫حقا ألفرادها‪#.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيها‪ #‬ترخيص لتناول ما يضطر‪ #‬إليه المؤمن من تلك األموال‪ ،‬وبحسب‬
‫الضرورة‪.‬‬
‫َص‪#‬يبٌ ِم َّما تَ‪َ #‬ركَ‬ ‫ال ن ِ‬ ‫ِّج ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬لِلر َ‬
‫‪##‬ر‬‫َان َواأْل َ ْق َربُونَ ِم َّما قَ َّل ِم ْنهُ أو َكثُ َ‬
‫َ‬ ‫صيبٌ ِم َّما ت ََركَ ْال َوالِد ِ‬‫ْال َوالِدَا ِن َواأْل َ ْق َربُونَ َولِلنِّ َسا ِء نَ ِ‬
‫َصيبًا َم ْفرُوضًا﴾‪[ #‬النساء‪]7 :‬؟‬ ‫ن ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أوس بن ثابت األنصاري توفي‪ #‬وترك ام‪##‬رأة‬
‫وثالث بنات له منها‪ ،‬فقام رجالن‪ :‬هم‪##‬ا ابن‪##‬ا عم الميت ووص‪##‬ياه‪ ،‬يق‪##‬ال لهم‪##‬ا‪ :‬س‪##‬ويد‪#‬‬
‫وعرفج‪##‬ة‪ ،‬فأخ‪##‬ذا مال‪##‬ه ولم يعطي‪##‬ا امرأت‪##‬ه ش‪##‬يئا وال بنات‪##‬ه‪ ،‬وك‪##‬انوا‪ #‬في الجاهلي‪##‬ة ال‬
‫يورثون النساء وال الصغير وإن كان ذك‪##‬را‪ ،‬إنم‪##‬ا يورث‪##‬ون الرج‪##‬ال الكب‪##‬ار‪ ،‬وك‪##‬انوا‬
‫يقولون‪ :‬ال يعطى إال من قاتل على ظهور الخيل وحاز‪ #‬الغنيمة‪ ،‬فج‪##‬اءت الم‪##‬رأة إلى‬
‫رسول هللا ‪ ‬فقالت‪ :‬يا رسول هللا‪ :‬إن أوس بن ث‪##‬ابت م‪##‬ات وت‪##‬رك علي بن‪##‬ات وأن‪##‬ا‬
‫امرأته وليس عندي م‪##‬ا أنف‪##‬ق عليهن‪ ،‬وق‪##‬د ت‪##‬رك أب‪##‬وهن م‪##‬اال حس‪##‬نا وهوعن‪##‬د س‪##‬ويد‪#‬‬
‫وعرفجة لم يعطياني‪ #‬وال بناته من الم‪##‬ال ش‪##‬يئا وهن في حج‪##‬ري‪ ،‬وال يطعم‪##‬اني وال‬
‫يسقياني وال يرفعان لهن رأسا‪ ،‬فدعاهما رسول هللا ‪ ‬فقاال‪ :‬يا رسول هللا ول‪##‬دها ال‬
‫يركب فرسا وال يحمل كال وال ينكي ع‪##‬دوا‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪( :‬انص‪##‬رفوا ح‪##‬تى‬
‫أنظر ما يحدث هللا لي فيهن)‪ ،‬فانصرفوا‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لعدالة هللا ورحمته بعباده‪ ،‬وأنه‪#‬ا ال تف‪#‬رق بين الرج‪#‬ال‬
‫والنساء في كل الشؤون‪ ،‬بم‪#‬ا فيه‪#‬ا الش‪#‬ؤون المالي‪#‬ة من الوص‪#‬ية واإلرث وغيره‪#‬ا‪..‬‬
‫وفي‪ #‬سبب النزول إشارة إلى أن من يخالف ذلك يكون حاله كحال أهل الجاهلية‪.‬‬
‫ال‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ‪##‬أْ ُكلُونَ أَ ْم‪َ #‬‬
‫‪#‬و َ‬
‫ْاليَتَا َمى ظُ ْل ًما إِنَّ َما يَأْ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْ‪#‬م نَارًا َو َسيَصْ لَوْ نَ َس ِعيرًا﴾ [النساء‪]10 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في رج‪##‬ل ولي م‪##‬ال ابن أخي‪##‬ه وهوي‪##‬تيم ص‪##‬غير‪،‬‬
‫فأكله‪ ،‬فأنزل هللا فيه هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من أكل أموال المستضعفين‪ ،‬وبيان لم‪##‬ا تتح‪##‬ول إلي‪##‬ه‬
‫يوم القيامة عندما تتجسد كل األعمال الصالحة والسيئة‪.‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.142/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.143/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.143/‬‬
‫‪125‬‬
‫ُوص ‪#‬ي ُك ُ‪#‬م هَّللا ُ فِي أَوْ اَل ِد ُك ْم‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬ي ِ‬
‫اح‪َ #‬دةً‬ ‫َت َو ِ‬ ‫ك َوإِ ْن َكان ْ‬ ‫لِل َّذ َك ِر ِم ْث ُل َحظِّ اأْل ُ ْنثَيَ ْي ِن فَإِ ْن ُك َّن نِ َسا ًء فَوْ َ‬
‫ق ْاثنَتَي ِْن فَلَه َُّن ثُلُثَا َما ت ََر َ‬
‫فَلَهَا النِّصْ فُ وَأِل َبَ َو ْي ِه لِ ُك ِّل َوا ِح ٍد ِم ْنهُ َما ال ُّس ُدسُ ِم َّما تَ َركَ إِ ْن َكانَ لَهُ َولَ ٌد فَإِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَهُ‬
‫ُوص‪#‬ي‪#‬‬ ‫ص‪#‬يَّ ٍة ي ِ‬ ‫ث فَإِ ْن َكانَ لَهُ إِ ْخ َوةٌ فَأِل ُ ِّم ِه ال ُّس ُدسُ ِم ْن بَ ْع ِد َو ِ‬ ‫َولَ ٌد َو َو ِرثَهُ أَبَ َواهُ فَأِل ُ ِّم ِه الثُّلُ ُ‬
‫يض‪#‬ةً ِمنَ هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ َك‪##‬انَ‬ ‫بِهَا أَو َد ْي ٍن آبَا ُؤ ُك ْ‪#‬م َوأَ ْبنَا ُؤ ُك ْ‪#‬م اَل تَ ْدرُونَ أَيُّهُ ْم أَ ْق َربُ لَ ُك ْم نَ ْفعًا فَ ِر َ‬
‫َعلِي ًما َح ِكي ًما﴾ [النساء‪]11 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن جابر قال‪ :‬عادني رسول‪ #‬هللا ‪ ‬وأبوبكر في بني سلمة‬
‫يمشيان‪ ،‬فوجدني ال أعقل‪ ،‬فدعا بماء فتوضأ‪ ،‬ثم رش علي من‪##‬ه ف‪##‬أفقت فقلت‪ :‬كي‪##‬ف‬
‫أصنع في مالي يا رسول هللا؟ فنزلت اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن ج‪##‬ابر ق‪##‬ال‪ :‬ج‪##‬اءت ام‪##‬رأة إلى رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫بابنتين لها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول‪ #‬هللا هاتان بنتا ثابت بن قيس‪ ،‬أوق‪##‬الت س‪##‬عد بن الربي‪##‬ع‪،‬‬
‫قتل معك يوم أحد‪ ،‬وقد‪ #‬استفاء عمهما مالهما وميراثهما‪ #،‬فلم يدع لهما ماال إال أخذه‪،‬‬
‫فما ترى يا رسول‪ #‬هللا؟ فوهللا ما ينكحان أب‪##‬دا إال ولهم‪##‬ا م‪##‬ال‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬يقض‪##‬ي هللا في‬
‫ذلك)‪ ،‬فنزلت اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان ألحكام هللا المتعلق‪#‬ة ب‪#‬أموال الم‪#‬وتى‪ ،‬وقس‪#‬متها بالع‪#‬دل‬
‫بين الورثة‪ ،‬ودعوة لتنفيذ الوصايا‪ ،‬ورد‪ #‬الحقوق‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل يَ ِحلُّ‬
‫ْض َم‪##‬ا آتَ ْيتُ ُم‪##‬وه َُّن إِاَّل أَ ْن يَ‪##‬أْتِينَ‬
‫ضلُوه َُّن لِتَ‪#ْ #‬ذهَبُوا بِبَع ِ‬ ‫لَ ُك ْم أَ ْن ت َِرثُوا‪ #‬النِّ َسا َء كَرْ هًا َواَل تَ ْع ُ‬
‫ُوف فَ ‪#‬إِ ْن َك ِر ْهتُ ُم‪##‬وه َُّن فَ َع َس ‪#‬ى‪ #‬أَ ْن تَ ْك َرهُ‪##‬وا َش ‪ْ #‬يئًا‬ ‫‪#‬ال َم ْعر ِ‪#‬‬ ‫َاش ‪#‬رُوه َُّن بِ‪ْ #‬‬ ‫اح َش ‪ٍ #‬ة ُمبَيِّنَ ‪ٍ #‬ة َوع ِ‬ ‫بِفَ ِ‬
‫َويَجْ َع َل هَّللا ُ فِي ِه خَ ْيرًا َكثِيرًا﴾ [النساء‪]19 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن أهل الجاهلية ك‪#‬انوا إذا م‪#‬ات الرج‪#‬ل ك‪#‬ان أولي‪#‬اؤه أح‪#‬ق‬
‫بامرأته إن شاء بعضهم تزوجه‪##‬ا‪ ،‬وإن ش‪##‬اءوا زوجوه‪##‬ا‪ #،‬وإن ش‪##‬اءوا لم يزوجوه‪##‬ا‪،‬‬
‫وهم أحق بها من أهلها‪ ،‬فنزلت هذه اآلية في ذلك(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى مراعاة حق‪##‬وق النس‪##‬اء‪ ،‬وع‪##‬دم ظلمهن‪ ،‬ووج‪##‬وب‪#‬‬
‫عش‪##‬رتهن ب‪##‬المعروف‪ ،‬وفي‪ #‬ح‪##‬ال وق‪##‬وعهن في أي تج‪##‬اوزات‪ #‬يع‪##‬اقبن مثلم‪##‬ا يع‪##‬اقب‬
‫الرجال بحسب ما تقتضيه العدالة‪.‬‬
‫﴿واَل تَ ْن ِكحُوا َما نَ َك َح آبَا ُؤك ْمُ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫اح َشةً َو َم ْقتًا َو َسا َء َسبِياًل ﴾ [النساء‪]22 :‬؟‬ ‫ِمنَ النِّ َسا ِء إِاَّل َما قَ ْد َسلَفَ إِنَّهُ َكانَ فَ ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت عن‪##‬دما ت‪##‬وفي أب‪##‬وقيس وك‪##‬ان من ص‪##‬الحي‬
‫األنصار‪ ،‬فخطب ابنه قيس امرأة أبيه‪ ،‬فقالت‪ :‬إني أع‪##‬دك ول‪##‬دا‪ ،‬ولك‪##‬ني آتي رس‪##‬ول‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.144/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.145/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.146/‬‬
‫‪126‬‬
‫هللا ‪ ‬أستأمره‪ ،‬فأتته فأخبرته‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان للمحرمات من النس‪##‬اء‪ ،‬وتعظيم‪ #‬لخط‪##‬ر تجاوزه‪##‬ا‪ ،‬ألن‬
‫تعديها من الجاهلية التي لم تكن تراعي العالقات االجتماعية وما يرتبط بها‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَلَ ْم ت ََر إِلَى الَّ ِذينَ يَ ْز ُع ُمونَ‬
‫ت َوقَ‪ْ #‬د‬ ‫أَنَّهُ ْم آ َمنُوا بِ َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْيكَ َو َما أُ ْن ِز َل ِم ْن قَ ْبلِكَ ي ُِري ُدونَ أَ ْن يَت ََحا َك ُموا إِلَى الطَّا ُغو ِ‬
‫ضاَل اًل بَ ِعيدًا﴾ [النساء‪]60 :‬؟‬ ‫ضلَّهُْ‪#‬م َ‬ ‫أُ ِمرُوا أَ ْن يَ ْكفُرُوا بِ ِه َوي ُِري ُد ال َّش ْيطَانُ أَ ْن يُ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في أبي ب‪##‬ردة األس‪##‬لمي ك‪##‬ان كاهن‪##‬ا يقض‪##‬ي بين‬
‫اليهود فيما يتنافرون إليه‪ ،‬فتنافر إليه أناس من أسلم فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في رج‪##‬ل من األنص‪##‬ار يق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬قيس‪،‬‬
‫وفي‪ #‬رجل من اليهود في مدارأة كانت بينهما في حق تدارءا فيه‪ ،‬فتن‪##‬افرا‪ #‬إلى ك‪##‬اهن‬
‫بالمدين‪##‬ة ليحكم بينهم‪##‬ا‪ ،‬وترك‪##‬ا ن‪##‬بي هللا ‪ ‬فع‪##‬اب هللا تع‪##‬الى ذل‪##‬ك عليهم‪##‬ا‪ ،‬وك‪##‬ان‬
‫اليهودي‪ #‬يدعوه إلى نبي هللا‪ ،‬وقد‪ #‬علم أنه لن يج‪##‬ور علي‪##‬ه‪ ،‬وجع‪##‬ل األنص‪##‬اري ي‪##‬أبى‬
‫عليه وهويزعم أنه مسلم ويدعوه إلى الك‪##‬اهن‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى اآلي‪##‬ة‪ ،‬وع‪##‬اب على‬
‫‪#‬ر إِلَى‬ ‫الذي يزعم أنه مسلم‪ ،‬وعلى اليهودي ال‪##‬ذي ه‪##‬ومن أه‪##‬ل الكت‪#‬اب‪ ،‬فق‪##‬ال‪﴿ :‬أَلَ ْم تَ‪َ #‬‬
‫ُون أَ ْن يَتَ َحا َك ُموا‪ #‬إِلَى‬ ‫الَّ ِذينَ يَ ْز ُع ُمونَ أَنَّهُ ْم آ َمنُوا بِ َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْيكَ َو َما أُ ْن ِز َل ِم ْن قَ ْبلِكَ ي ُِريد َ‪#‬‬
‫ضاَل اًل بَ ِعيدًا َوإِ َذا قِي‪َ ##‬ل‬ ‫ت َوقَ ْد أُ ِمرُوا أَ ْن يَ ْكفُرُوا بِ ِه َوي ُِري ُ‪#‬د ال َّش ْيطَانُ أَ ْن ي ِ‬
‫ُضلَّهُ ْم َ‬ ‫الطَّا ُغو ِ‬
‫ص‪#‬دُودًا﴾‬ ‫ك ُ‬ ‫ص‪ُّ #‬دونَ َع ْن‪َ #‬‬ ‫ول َرأَيْتَ ْال ُمنَ‪##‬افِقِينَ يَ ُ‬ ‫لَهُ ْم تَ َعالَوْ ا إِلَى َم‪##‬ا أَ ْن‪َ #‬ز َل هَّللا ُ َوإِلَى الر ُ‬
‫َّس‪ِ #‬‬
‫[النساء‪ 60 :‬ـ ‪]61‬؟ (‪)3‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير من التح‪##‬اكم إلى األه‪##‬واء والط‪##‬واغيت‪ ،‬وت‪##‬رك‪#‬‬
‫االحتكام هلل ورسوله‪ ..‬وفيها إشارة إلى العدالة اإللهية التي جعلت اليهود يقبلون به‪##‬ا‬
‫في نفس الوقت الذي ينفر منها المنحرفون من المسلمين‪.‬‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَاَل َو َربِّكَ اَل ي ُْؤ ِمنُ‪#َ #‬‬
‫‪#‬ون‬
‫ض‪#‬يْتَ َوي َُس‪#‬لِّ ُموا‪#‬‬ ‫ك فِي َما َش َج َر بَ ْينَهُ ْم ثُ َّم اَل يَ ِجدُوا فِي أَ ْنفُ ِس‪ِ #‬ه ْم َح َر ًج‪##‬ا ِم َّما قَ َ‬ ‫َحتَّى ي َُح ِّك ُمو َ‬
‫تَ ْسلِي ًما﴾ [النساء‪]65 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن الزبير‪ #‬بن العوام‪ ،‬أنه كان يحدث أن‪##‬ه خاص‪##‬م رجال من‬
‫األنصار‪ #‬قد شهد بدرا إلى النبي ‪ ‬في شراج الحرة كانا يسقيان به‪##‬ا كالهم‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬ال‬
‫النبي ‪ ‬للزبير‪( :‬اسق ثم أرسل إلى جارك)‪ ،‬فغضب األنصاري‪ #‬وق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول‬
‫هللا‪ ،‬أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ثم ق‪##‬ال للزب‪##‬ير‪( :‬اس‪##‬ق ثم احبس‬
‫الماء حتى يرجع إلى الجدر)‪ ،‬فاستوفى‪ #‬رسول هللا ‪ ‬للزبير حقه‪ ،‬وك‪##‬ان قب‪##‬ل ذل‪##‬ك‬
‫أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة لألنصاري‪ #‬وله‪ ،‬فلما أحفظ األنصاري رس‪##‬ول‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.147/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.160/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.160/‬‬
‫‪127‬‬
‫هللا استوفى للزبير حقه في صريح الحكم(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتسليم التام هلل ورسوله ‪ ‬والرضى التام بما تقضي‬
‫به الشريعة‪ ،‬وعدم الحرج منها‪ ،‬ألنها تمثل العدالة المطلقة‪.‬‬
‫َّس ‪#‬و َل‬ ‫هَّللا‬
‫﴿و َم ْن ي ُِط‪ِ #‬ع َ َوالر ُ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫صدِّيقِينَ َوال ُّشهَدَا ِء َوالصَّالِ ِحينَ َو َح ُس‪#‬نَ‬ ‫فَأُولَئِ َ‪#‬‬
‫ك َم َع الَّ ِذينَ أَ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النَّبِيِّينَ َوال ِّ‬
‫ك َرفِيقًا﴾ [النساء‪]69 :‬؟‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ثوبان مولى رسول هللا ‪ ‬وكان شديد الحب‬
‫له قليل الصبر عنه‪ ،‬فأتاه ذات يوم وقد تغ‪##‬ير لون‪##‬ه ونح‪##‬ل جس‪##‬مه يع‪##‬رف في وجه‪##‬ه‬
‫الحزن‪ ،‬فقال له رسول هللا‪( :‬يا ثوبان ما غير لونك؟) فقال‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا م‪##‬ا بي من‬
‫ضر وال وج‪#‬ع غ‪#‬ير أني إذا لم أرك اش‪##‬تقت إلي‪#‬ك واستوحش‪##‬ت وحش‪##‬ة ش‪##‬ديدة ح‪##‬تى‬
‫ألق‪##‬اك‪ ،‬ثم ذك‪##‬رت اآلخ‪##‬رة وأخ‪##‬اف‪ #‬أن ال أراك هن‪##‬اك‪ ،‬ألني أع‪##‬رف أن‪##‬ك ترف‪##‬ع م‪##‬ع‬
‫النبيين‪ ،‬وأني وإن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك‪ ،‬وإن لم أدخل الجنة‬
‫فذاك أحرى أن ال أرك أبدا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن أصحاب رسول هللا ‪ ‬المجتبين قالوا‪ :‬ما ينبغي‬
‫لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رجال جاء إلى رسول‪ #‬هللا ‪ ‬فقال‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا‬
‫إنك ألحب إلي من نفسي وأهلي وولدي‪ #،‬وإني ألكون في البيت فأذكرك‪ #‬فم‪##‬ا أص‪##‬بر‪#‬‬
‫حتى آتي‪##‬ك‪ ،‬ف‪##‬أنظر‪ #‬إلي‪##‬ك‪ ،‬وإذا ذك‪##‬رت م‪##‬وتي وموت‪#‬ك‪ #‬ع‪##‬رفت أن‪##‬ك إذا دخلت الجن‪##‬ة‬
‫رفعت مع النبيين‪ ،‬وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن ال أراك‪ ،‬فلم يرد رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫شيئا حتى نزل جبريل عليه السالم بهذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تبشير‪ #‬للمؤمنين الصادقين بأن محبتهم للص‪##‬الحين س‪##‬تلحقهم‬
‫بهم؛ فالعبرة في اآلخرة بالوالء والمحبة‪ ،‬ال بالمعاصرة والمشاهدة؛ ولذلك فإن اآلية‬
‫الك‪##‬ريم ت‪##‬دعو األم‪##‬ة جميع‪##‬ا إلى ص‪##‬حبة رس‪##‬ول هللا ‪ ‬مهم‪##‬ا تباع‪##‬دت األزمن‪##‬ة‬
‫واألمكنة‪ ..‬فمعية رسول‪ #‬هللا ‪ ‬أكبر من أن يحجبها شيء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫‪#‬ر إِلى ال ِذينَ قِي ‪َ #‬ل لهُ ْم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أل ْم ت‪َ #‬‬
‫ْ‬
‫ق ِمنهُ ْم‬ ‫ب َعلَ ْي ِه ُم ْالقِت‪##‬ا ُل إِذا ف ِري ‪# #‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُكفُّوا أَ ْي ‪ِ #‬ديَ ُك ْم َوأَقِي ُم‪##‬وا‪َّ #‬‬
‫الص ‪#‬اَل ةَ َوآتُ‪##‬وا ال َّز َك‪##‬اةَ فَلَ َّما ُكتِ َ‬
‫َال لَ‪##‬وْ اَل أَ َّخرْ تَنَ‪##‬ا‬ ‫اس َك َخ ْشيَ ِة هَّللا ِ أَوأَ َش َّد خَ ْشيَةً َوقَالُوا‪َ #‬ربَّنَا لِ َم َكتَبْتَ َعلَ ْينَا ْالقِت َ‬ ‫يَ ْخ َشوْ نَ النَّ َ‬
‫ظلَ ُمونَ فَتِياًل ﴾ [النساء‪:‬‬ ‫ع ال ُّد ْنيَا قَلِي ٌل َواآْل ِخ َرةُ خَ ْي ٌر لِ َم ِن اتَّقَى َواَل تُ ْ‬‫ب قُلْ َمتَا ُ‬ ‫إِلَى أَ َج ٍل قَ ِري ٍ‬
‫‪]77‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في نفر من أصحاب رسول هللا ‪ ‬ك‪##‬انوا يلق‪##‬ون‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.163/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.164/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.164/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.165/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪128‬‬
‫من المشركين أذى كثيرا ويقولون‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا ائ‪##‬ذن لن‪##‬ا في قت‪##‬ال ه‪##‬ؤالء‪ ،‬فيق‪##‬ول‬
‫لهم‪( :‬كف‪##‬وا أي‪##‬ديكم عنهم ف‪##‬إني لم أؤم‪##‬ر بقت‪##‬الهم)‪ ،‬فلم‪##‬ا ه‪##‬اجر رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إلى‬
‫المدينة‪ ،‬وأمرهم‪ #‬هللا تعالى بقتال المشركين كره‪##‬ه بعض‪##‬هم وش‪#‬ق‪ #‬عليهم‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابه أت‪##‬وا إلى الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬بمكة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا نبي هللا كنا في عز ونحن مشركون‪ ،‬فلما آمنا صرنا أذلة! فقال‪:‬‬
‫(إني أم‪##‬رت ب‪##‬العفو‪ ،‬فال تق‪##‬اتلوا والق‪##‬وم)‪ ،‬فلم‪##‬ا حول‪##‬ه هللا إلى المدين‪##‬ة أم‪##‬ره بالقت‪##‬ال‬
‫فكفوا(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى الصدق التام مع هللا‪ ،‬والوفاء‪ #‬بكل العهود‪ ..‬وفيه‪##‬ا‬
‫نهي شديد عن االعتراض على أحكام هللا الكونية والتشريعية‪.‬‬
‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أ ْينَ َم‪##‬ا تَ ُكونُ‪##‬وا يُ‪ْ #‬د ِر ْك ُك ُم‬
‫ص‪ْ #‬بهُ ْم َح َس‪#‬نَةٌ يَقُولُ‪##‬وا هَ‪ِ #‬ذ ِه ِم ْن ِع ْن‪ِ #‬د هَّللا ِ َوإِ ْن‬ ‫ت َولَ‪##‬و ُك ْنتُ ْم فِي بُ‪#‬ر ٍ‬
‫ُوج ُم َش‪#‬يَّ َد ٍة َوإِ ْن تُ ِ‬ ‫ْال َموْ ُ‬
‫ال هَ ‪#‬ؤُاَل ِء ْالقَ‪##‬وْ ِم اَل يَ َك‪##‬ا ُدونَ‬ ‫ص ْبهُْ‪#‬م َسيِّئَةٌ يَقُولُوا هَ ِذ ِه ِم ْن ِع ْن ِدكَ قُلْ ُكلٌّ ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ فَ َم ِ‬ ‫تُ ِ‬
‫يَ ْفقَهُونَ َح ِديثًا﴾ [النساء‪]78 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت لما استشهد من المسلمين من استشهد ي‪##‬وم أح‪##‬د‪،‬‬
‫حيث قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجه‪#‬اد‪ :‬لوك‪#‬ان إخوانن‪#‬ا ال‪##‬ذين قتل‪#‬وا‪ #‬عن‪##‬دنا م‪##‬ا‬
‫ماتوا وما قتلوا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لتفعي‪##‬ل اإليم‪##‬ان في الحي‪##‬اة؛ فال خ‪##‬ير في إيم‪##‬ان يظ‪##‬ل‬
‫محبوس ‪#‬ا‪ #‬في ال‪##‬ذهن؛ وأول آث‪##‬ار اإليم‪##‬ان باألج‪##‬ل المحتم ب‪##‬ذل النفس في س‪##‬بيل هللا‪،‬‬
‫وعدم الخوف من الموت عند ذلك‪.‬‬
‫‪#‬ؤ ِم ٍن أَ ْن يَ ْقتُ ‪َ #‬ل‬ ‫﴿و َما َكانَ لِ ُم‪ْ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُم ْؤ ِمنًا إِاَّل خَ طَأ ً َو َم ْن قَت ََل ُم ْؤ ِمنًا َخطَأ ً فَتَحْ ِري ُ‪#‬ر َرقَبَ ٍة ُم ْؤ ِمنَ‪ٍ #‬ة َو ِديَ‪#‬ةٌ ُم َس‪#‬لَّ َمةٌ إِلَى أَ ْهلِ‪ِ #‬ه إِاَّل‬
‫ص َّدقُوا‪ #‬فَإِ ْن َكانَ ِم ْن قَوْ ٍم َعدُولَ ُك ْم َوهُو ُم ْؤ ِم ٌن فَتَحْ ِري‪ُ #‬ر َرقَبَ‪ٍ #‬ة ُم ْؤ ِمنَ‪ٍ #‬ة َوإِ ْن َك‪##‬انَ ِم ْن‬ ‫أَ ْن يَ َّ‬
‫ق فَ ِديَ‪#‬ةٌ ُم َس‪#‬لَّ َمةٌ إِلَى أَ ْهلِ‪ِ #‬ه َوتَحْ ِري‪ُ #‬ر َرقَبَ‪ٍ #‬ة ُم ْؤ ِمنَ‪ٍ #‬ة فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج‪ْ #‬د‬ ‫قَ‪##‬وْ ٍم بَ ْينَ ُك ْم َوبَ ْينَهُْ‪#‬م ِميثَ‪##‬ا ٌ‬
‫صيَا ُ‪#‬م َشه َْر ْي ِن ُمتَتَابِ َع ْي ِن تَوْ بَةً ِمنَ هَّللا ِ َو َكانَ هَّللا ُ َعلِي ًما َح ِكي ًما﴾ [النساء‪]92 :‬؟‬ ‫فَ ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن الح‪##‬ارث بن يزي‪##‬د ك‪##‬ان ش‪##‬ديدا على الن‪##‬بي ‪ ‬فج‪##‬اء‬
‫وهويريد اإلسالم‪ ،‬فلقي‪##‬ه عي‪##‬اش بن أبي ربيع‪##‬ة والح‪##‬ارث يري‪##‬د اإلس‪##‬الم وعي‪##‬اش ال‬
‫يشعر فقتله‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫ق‪#‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪#‬ا تح‪#‬ذير‪ #‬من س‪#‬فك ال‪#‬دماء مطلق‪#‬ا‪ ،‬وخاص‪#‬ة دم‪#‬اء المؤم‪#‬نين‬
‫المسالمين‪ ،‬وبيان لألحكام المرتبطة بحال وقوع‪ #‬خطأ في ذلك‪.‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.166/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.166/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.166/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.167/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪129‬‬
‫﴿و َم ْن يَ ْقتُ‪##‬لْ ُم ْؤ ِمنً‪##‬ا ُمتَ َع ِّمدًا‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َظي ًما﴾ [النساء‪]93 :‬؟‬ ‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه َولَ َعنَهُ َوأَ َع َّد لَهُ َع َذابًا ع ِ‬‫ض َ‬ ‫فَ َجزَا ُؤهُ َجهَنَّ ُم خَالِدًا فِيهَا َو َغ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن مقيس بن صبابة وج‪##‬د أخ‪##‬اه هش‪##‬ام بن ص‪##‬بابة ق‪##‬تيال في‬
‫بني النجار وكان مسلما‪ ،‬فأتى رسول هللا ‪ ‬فذكر‪ #‬ل‪##‬ه ذل‪##‬ك‪ ،‬فأرس‪#‬ل‪ #‬رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫مع‪##‬ه رس‪##‬وال من ب‪##‬ني فه‪##‬ر؛ فق‪##‬ال‪( :‬ائت ب‪##‬ني النج‪##‬ار ف‪##‬أقرئهم الس‪##‬الم وق‪##‬ل لهم‪ :‬إن‬
‫رسول هللا ‪ ‬يأمركم‪ #‬إن علمتم قاتل هش‪##‬ام بن ض‪##‬بابة أن ت‪##‬دفعوه إلى أخي‪##‬ه فيقتص‬
‫منه‪ ،‬وإن لم تعلموا له قاتال أن تدفعوا‪ #‬إليه ديته)‪ ،‬فأبلغهم الفهري ذلك عن الن‪##‬بي ‪‬‬
‫فقالوا‪ :‬س‪##‬معا وطاع‪##‬ة هلل ولرس‪##‬وله‪ ،‬وهللا م‪##‬ا نعلم ل‪#‬ه ق‪#‬اتال‪ ،‬ولكن ن‪##‬ؤدي إلي‪#‬ه ديت‪##‬ه‪،‬‬
‫فأعطوه مائة من اإلبل ثم انصرفا‪ #‬راجعين نحوالمدينة‪ ،‬وبينهما‪ #‬وبين المدينة قريب‪،‬‬
‫فأتى الشيطان مقيسا فوسوس‪ #‬إليه فقال‪ :‬أي شيء صنعت؟ تقب‪##‬ل دي‪##‬ة‪ ،‬فيك‪##‬ون علي‪##‬ك‬
‫سبة؟ اقتل الذي معك فيكون نفس مكان نفس وفضل الدية‪ ،‬ففعل مقيس ذلك‪ ،‬ف‪##‬رمى‬
‫الفهري بصخرة فش‪##‬دخ رأس‪##‬ه‪ ،‬ثم ركب بع‪##‬يرا منه‪##‬ا وس‪##‬اق بقيته‪##‬ا راجع‪##‬ا إلى مك‪##‬ة‬
‫كافرا‪ ،‬فنزلت هذه اآلية‪ ،‬ثم أهدر النبي ‪ ‬دمه يوم فتح مكة‪ ،‬فأدركه الناس بالسوق‬
‫فقتلوه(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من القتل‪ ،‬ووعيد شديد عليه بالخلود في جهنم‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫شامل لكل نفس‪ ،‬وفي أي زمن‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِ َذا‬
‫الس‪#‬اَل َم لَ ْس‪#‬تَ ُم ْؤ ِمنً‪##‬ا تَ ْبتَ ُغ‪##‬ونَ‬ ‫ض َر ْبتُْ‪#‬م فِي َسبِي ِل هَّللا ِ فَتَبَيَّنُوا‪َ #‬واَل تَقُولُ‪##‬وا لِ َم ْن أَ ْلقَى إِلَ ْي ُك ُم َّ‬
‫َ‬
‫ك ُك ْنتُ ْم ِم ْن قَ ْب‪ُ #‬ل فَ َم َّن هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم فَتَبَيَّنُ‪##‬وا‬
‫ِ َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫‪#‬‬‫ك‬‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫‪#‬ير‬
‫‪#‬‬ ‫ث‬‫ك‬‫َ‬ ‫م‬‫ن‬ ‫َا‬
‫غ‬ ‫م‬
‫َ ِ َ ِ َ ُِ ِ َ‬ ‫هَّللا‬ ‫د‬‫ن‬‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ُّ‬
‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ْ‬
‫عَ َ ََ ِ‬
‫ا‬ ‫ي‬‫ح‬‫ال‬ ‫ض‬ ‫َر‬
‫إِ َّن هَّللا َ َكانَ بِ َما تَ ْع َملُونَ َخبِيرًا﴾ [النساء‪]94 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت حين لحق المسلمون رجال في غنيم‪##‬ة ل‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫السالم عليكم‪ ،‬فقتلوه وأخذوا‪ #‬غنيمته‪ ،‬فنزلت هذه اآلية (‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن أص‪##‬حاب الن‪##‬بي ‪ ‬خرج‪##‬وا يطوف‪##‬ون‪ ،‬فلق‪##‬وا‬
‫المشركين فهزموهم‪ ،‬فشد منهم رجل فتبعه رج‪##‬ل من المس‪##‬لمين وأراد‪ #‬متاع‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫غشيه بالسنان قال‪ :‬إني مسلم‪ ،‬إني مسلم‪ ،‬فكذبه ثم أوجره السنان فقتله‪ ،‬وأخذ متاع‪#‬ه‬
‫وكان قليال‪ ،‬فرفع‪ #‬ذلك إلى رسول هللا فقال‪( :‬قتلته بع‪##‬دما زعم أن‪##‬ه مس‪##‬لم؟) فق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫رسول هللا إنما قالها متع‪##‬وذا‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬فهال ش‪##‬ققت عن قلب‪##‬ه)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬لم ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا؟‬
‫قال‪( :‬لتنظر‪ #‬أصادق هوأم كاذب؟) قال‪ :‬وكنت أعلم ذلك يا رسول‪ #‬هللا؟ ق‪##‬ال‪( :‬ويل‪##‬ك‬
‫إنك إن لم تكن تعلم ذلك‪ ،‬إنما كان يبين عنه لسانه) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬بعث أس‪#‬امة بن زي‪#‬د على س‪#‬رية‪،‬‬
‫فلقي مرداس بن نهيك الضمري‪ #‬فقتله‪ ،‬وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره‪،‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.170/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.170/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.172/‬‬
‫‪130‬‬
‫وكان يقول‪ :‬ال إله إال هللا محمد رس‪##‬ول هللا‪ ،‬ويس‪##‬لم‪ #‬عليهم‪ ،‬ق‪##‬ال أس‪##‬امة‪ :‬فلم‪##‬ا ق‪##‬دمت‬
‫على رسول هللا ‪ ‬أخبرته فقال‪( :‬قتلت رجال يقول‪ :‬ال إله إال هللا؟) فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫هللا إنما تعوذ من القتل‪ ،‬فقال‪( :‬كي‪#‬ف أنت إذا خاص‪#‬مك ي‪#‬وم القيام‪#‬ة بال إل‪#‬ه إال هللا؟)‬
‫قال‪ :‬فم‪##‬ا زال يردده‪##‬ا علي‪( :‬أقتلت رجال يق‪##‬ول ال إل‪##‬ه إال هللا؟) ح‪##‬تى تم‪##‬نيت ل‪##‬وأن‬
‫إسالمي كان يومئذ‪ ،‬فنزلت اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تح‪##‬ذير ش‪##‬ديد للمؤم‪##‬نين من التكف‪##‬ير وإه‪##‬دار دم المخ‪##‬الفين‪،‬‬
‫وبيان أسباب ذلك‪ ،‬وهو الركون للحياة الدنيا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن ال ِذينَ تَ َوفَّاهُ ُم ال َماَل ئِ َك‪ ##‬ةُ‬
‫ض قَ‪##‬الُوا أَلَ ْم تَ ُك ْن أَرْ ضُ‬ ‫َض ‪َ #‬عفِينَ فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ظَالِ ِمي أَ ْنفُ ِس ِه ْم قَالُوا فِي َم ُك ْنتُ ْم قَ‪##‬الُوا ُكنَّا ُم ْست ْ‬
‫صيرًا﴾ [النساء‪]97 :‬؟‬ ‫ت َم ِ‬ ‫اس َعةً فَتُهَا ِجرُوا‪ #‬فِيهَا فَأُولَئِكَ َمأْ َواهُْ‪#‬م َجهَنَّ ُم َو َسا َء ْ‬ ‫هَّللا ِ َو ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ن‪##‬اس من أه‪##‬ل مك‪##‬ة تكلم‪##‬وا باإلس‪##‬الم‪ #‬ولم‬
‫يهاجروا‪ #‬وأظهروا‪ #‬اإليمان وأسروا‪ #‬النفاق‪ ،‬فلما كان يوم بدر خرجوا م‪##‬ع المش‪##‬ركين‬
‫إلى حرب المسلمين فقتلوا‪ ،‬فضربت المالئكة وجوههم وأدبارهم‪ ،‬وقالوا لهم ما ذكر‬
‫هللا سبحانه(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها أمر باتخاذ أسباب القوة‪ ،‬وعدم الرك‪##‬ون ألس‪##‬باب الض‪##‬عف؛‬
‫فاهلل يؤيد من استعان به‪ ،‬ويخذل من قعد عن بذل الجهد والعمل‪.‬‬
‫اجرْ فِي َس‪##‬بِي ِل هَّللا ِ‬ ‫﴿و َم ْن يُهَ ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬اجرًا إِلَى هَّللا ِ َو َر ُس ‪#‬ولِ ِه‬ ‫ض ُم َرا َغ ًما َكثِيرًا َو َس َعةً َو َم ْن يَ ْخرُجْ ِم ْن بَ ْيتِ ِه ُمهَ‪ِ #‬‬ ‫يَ ِج ْد فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ت فَقَ ْد َوقَ َع أَجْ ُرهُ َعلَى هَّللا ِ َو َكانَ هَّللا ُ َغفُورًا َر ِحي ًما﴾ [النساء‪]100 :‬؟‬ ‫ثُ َّم يُ ْد ِر ْكهُ ْال َموْ ُ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن‪##‬ه لم‪##‬ا س‪##‬مع مس‪##‬لمو مك‪##‬ة قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ تَ َوفَّاهُ ُم‬
‫ض قَالُوا‪ #‬أَلَ ْم تَ ُك ْن‬ ‫ْال َماَل ئِ َكةُ ظَالِ ِمي أَ ْنفُ ِس ِه ْم قَالُوا فِي َم ُك ْنتُ ْم قَالُوا ُكنَّا ُم ْستَضْ َعفِينَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ص‪#‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪،]97 :‬‬ ‫ت َم ِ‬ ‫ك َم‪##‬أْ َواهُ ْم َجهَنَّ ُم َو َس‪#‬ا َء ْ‬
‫أَرْ ضُ هَّللا ِ َوا ِس َعةً فَتُهَا ِجرُوا فِيهَا فَأُولَئِ َ‪#‬‬
‫ق‪##‬ال ح‪##‬بيب بن ض‪##‬مرة اللي‪##‬ثي لبني‪##‬ه وك‪##‬ان ش‪##‬يخا كب‪##‬يرا‪ :‬احمل‪##‬وني ف‪##‬إني لس‪##‬ت من‬
‫المستض‪##‬عفين وإني ال أهت‪##‬دي إلى الطري‪##‬ق‪ ،‬فحمل‪##‬ه بن‪##‬وه على س‪##‬رير متوجه ‪#‬ا‪ #‬إلى‬
‫المدينة‪ ،‬فلما وصل التنعيم أشرف على الموت‪ ،‬فصفق يمينه على شماله وقال‪ :‬اللهم‬
‫هذه لك وهذه لرسولك‪ #‬أبايعك على ما بايعتك يد رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬وم‪##‬ات حمي‪##‬دا‪ ،‬فبل‪##‬غ‬
‫خ‪##‬بره أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪#‬الوا‪ :‬ل‪##‬و وافى المدين‪##‬ة لك‪##‬ان أتم أج‪##‬را‪ ،‬ف‪#‬أنزل‪ #‬هللا‬
‫تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لشرف الني‪##‬ة ال‪##‬تي تس‪##‬تحث العزيم‪##‬ة‪ ،‬وأن هللا يج‪##‬ازي‬
‫عباده بحسبها‪ ،‬في أي شأن من الشؤون‪ ،‬أو زمن من األزمنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫﴿وإِ َذا كنتَ فِي ِه ْ‪#‬م فأق ْمتَ لهُ ُم‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.172/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.176/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.176/‬‬
‫‪131‬‬
‫ك َو ْليَأْ ُخ‪ُ #‬ذوا أَ ْس‪#‬لِ َحتَهُ ْم فَ‪#‬إِ َذا َس‪َ #‬جدُوا‪ #‬فَ ْليَ ُكونُ‪##‬وا‪ِ #‬م ْن َو َرائِ ُك ْ‪#‬م‬ ‫صاَل ةَ فَ ْلتَقُ ْم طَائِفَةٌ ِم ْنهُ ْم َم َع َ‬ ‫ال َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ُصلوا َم َع‪##‬كَ َوليَأ ُخ‪ #‬ذوا ِح‪##‬ذ َرهُ ْم َوأ ْس‪#‬لِ َحتَهُ ْم َو َّد ال ِذينَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫ُصلوا فَلي َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ت طَائِفَة أ ْخ َرى لَ ْم ي َ‬ ‫َو ْلتَأْ ِ‬
‫اح‪َ #‬دةً َواَل ُجنَ‪##‬ا َح َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َكفَرُوا لَوتَ ْغفُلُونَ ع َْن أَ ْسلِ َحتِ ُك ْم َوأَ ْمتِ َعتِ ُك ْ‪#‬م فَيَ ِميلُونَ َعلَ ْي ُك ْم َم ْيلَ‪#‬ةً َو ِ‬
‫‪##‬ذ َر ُك ْم إِ َّن هَّللا َ‬ ‫َضعُوا أَ ْسلِ َحتَ ُك ْ‪#‬م َو ُخ ُذوا ِح ْ‬ ‫ضى‪ #‬أَ ْن ت َ‬ ‫إِ ْن َكانَ بِ ُك ْم أَ ًذى ِم ْن َمطَ ٍر أَو ُك ْنتُ ْم َمرْ َ‬
‫أَ َع َّد لِ ْل َكافِ ِرينَ َع َذابًا ُم ِهينًا﴾ [النساء‪]102 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن أبي عي‪##‬اش ال‪##‬زرقي‪ #‬ق‪##‬ال‪ :‬ص‪##‬لينا م‪##‬ع رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫الظهر‪ ،‬فقال المشركون‪ :‬قد ك‪##‬انوا على ح‪##‬ال لوكن‪##‬ا أص‪##‬بنا منهم غ‪##‬رة‪ ،‬ق‪##‬الوا‪ :‬ت‪##‬أتي‬
‫عليهم ص‪#‬الة هي أحب إليهم من آب‪#‬ائهم‪ ،‬وهي العص‪#‬ر‪ ،‬ف‪#‬نزل جبري‪#‬ل علي‪#‬ه الس‪#‬الم‬
‫الص‪##‬اَل ةَ ﴾ وهم‬ ‫﴿وإِ َذا ُك ْنتَ فِي ِه ْم فَ‪##‬أَقَ ْمتَ لَهُ ُم َّ‬ ‫به‪##‬ؤالء اآلي‪##‬ات بين األولى والعص‪##‬ر‪َ :‬‬
‫بعسفان‪ ،‬وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة‪ ،‬وذكر صالة الخوف‬
‫(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها حث على االهتمام بالصالة‪ ،‬وخاصة صالة الجماع‪##‬ة‪ ،‬وفي‬
‫كل األوقات‪ ،‬وفي‪ #‬أحلك الظروف‪#.‬‬
‫َ‪#‬اب‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِنَّا أَ ْنزَ ْلنَ‪##‬ا إِلَ ْي‪#‬كَ ْال ِكت َ‬
‫اس‪#‬تَ ْغفِ ِر هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ‬ ‫َص‪#‬ي ًما‪َ #‬و ْ‬ ‫اس بِ َما أَ َراكَ هَّللا ُ َواَل تَ ُك ْن لِ ْلخَ‪##‬ائِنِينَ خ ِ‬ ‫ق لِتَحْ ُك َم بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫بِ ْال َح ِّ‬
‫َك‪#‬انَ َغفُ‪#‬ورًا َر ِحي ًم‪ #‬ا‪َ #‬واَل تُ َج‪#‬ا ِدلْ َع ِن الَّ ِذينَ يَ ْختَ‪#‬انُونَ أَ ْنفُ َس‪#‬هُ ْم إِ َّن هَّللا َ اَل يُ ِحبُّ َم ْن َك‪#‬انَ‬
‫اس َواَل يَ ْس ‪#‬ت َْخفُونَ ِمنَ هَّللا ِ َوهُ‪##‬و َم َعهُْ‪#‬م إِ ْذ يُبَيِّتُ‪##‬ونَ َم‪##‬ا اَل‬ ‫خَ َّوانً‪##‬ا أَثِي ًم‪##‬ا يَ ْس ‪#‬ت َْخفُونَ ِمنَ النَّ ِ‬
‫ضى‪ِ #‬منَ ْالقَوْ ِل َو َكانَ هَّللا ُ بِ َما يَ ْع َملُونَ ُم ِحيطًا هَا أَ ْنتُ ْم هَؤُاَل ِء َجاد َْلتُ ْم َع ْنهُ ْم فِي ْال َحيَا ِة‬ ‫يَرْ َ‬
‫ال ُّد ْنيَا فَ َم ْن يُ َجا ِد ُل هَّللا َ َع ْنهُ ْم يَ‪##‬وْ َم ْالقِيَا َم‪ِ #‬ة أَ ْم َم ْن يَ ُك‪##‬ونُ َعلَ ْي ِه ْم َو ِكياًل َو َم ْن يَ ْع َم‪##‬لْ ُس‪#‬و ًءا‬
‫ظلِ ْ‪#‬م نَ ْف َسهُ ثُ َّم يَ ْستَ ْغفِ ِر هَّللا َ يَ ِج ِد هَّللا َ َغفُورًا َر ِحي ًما َو َم ْن يَ ْك ِسبْ إِ ْث ًما فَإِنَّ َما يَ ْك ِس‪##‬بُهُ َعلَى‬ ‫أَويَ ْ‬
‫نَ ْف ِس ِه َو َكانَ هَّللا ُ َعلِي ًما َح ِكي ًما َو َم ْن يَ ْك ِسبْ خَ ِطيئَةً أَوإِ ْث ًم‪#‬ا ثُ َّم يَ‪#‬رْ ِم بِ‪ِ #‬ه بَ ِريئً‪##‬ا فَقَ‪ِ #‬د احْ تَ َم‪َ #‬ل‬
‫ُض‪#‬لُّوكَ َو َم‪##‬ا‬ ‫ت طَائِفَ‪#‬ةٌ ِم ْنهُ ْم أَ ْن ي ِ‬ ‫ك َو َرحْ َمتُهُ لَهَ َّم ْ‬ ‫بُ ْهتَانًا َوإِ ْث ًما ُمبِينًا َولَوْ اَل فَضْ ُل هَّللا ِ َعلَ ْي َ‬
‫ك‬ ‫َاب َو ْال ِح ْك َمةَ َوعَلَّ َم َ‬ ‫ك ْال ِكت َ‬ ‫َك ِم ْن َش ْي ٍء َوأَ ْنزَ َل هَّللا ُ َعلَ ْي َ‬ ‫ُضلُّونَ إِاَّل أَ ْنفُ َسهُ ْم َو َما يَضُرُّ ون َ‪#‬‬ ‫ي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اَّل‬
‫ير ِمن ن َواه ْم إِ َمن أ َم َر‬ ‫ُ‬ ‫َجْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي َْر فِي كثِ ٍ‬ ‫خَ‬ ‫اَل‬ ‫َظي ًما‬
‫كع ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ضْ‬ ‫َ‬
‫َما ل ْم تكن تعل ُم َوكانَ ف ُل ِ َعلي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ت ِ ف َس‪#‬وْ َ‪#‬‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ض ‪#‬ا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس َو َمن يَف َعلْ ذلِكَ ا ْبتِغ‪##‬ا َء َمرْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫ُوف أَوإِصْ اَل ٍ‬ ‫ص َدقَ ٍة أَو َم ْعر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫يل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق ال َّرسُو َل ِمن بَ ْع ِد َما تبَيَّنَ لهُ الهُدَى َويَتبِ ‪ْ #‬ع غ ْي‪َ #‬ر َس ‪#‬بِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫نُ ْؤتِي ِه أجْ رًا َع ِظي ًما َو َمن يُشاقِ ِ‪#‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك بِ‪ِ #‬ه‬ ‫ص‪#‬يرًا إِ َّن هَّللا َ اَل يَ ْغفِ‪ُ #‬ر أَ ْن ي ُْش‪َ #‬ر َ‬ ‫ت َم ِ‬ ‫ْال ُم ْؤ ِمنِينَ نُ َولِّ ِه َما ت ََولَّى َونُصْ لِ ِه َجهَنَّ َم َو َس‪#‬ا َء ْ‬
‫ض‪#‬اَل اًل بَ ِعي‪#‬دًا﴾ [النس‪##‬اء‪ 105 :‬ـ‬ ‫ض‪َّ #‬ل َ‬ ‫َويَ ْغفِ ُر َما ُدونَ َذلِكَ لِ َم ْن يَ َشا ُء َو َم ْن يُ ْش ِر ْك بِاهَّلل ِ فَقَ‪ْ #‬د َ‬
‫‪]116‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت كله‪##‬ا في قص‪##‬ة واح‪##‬دة‪ ،‬وذل‪##‬ك أن رجال من‬
‫األنصار‪ #‬يقال له‪ :‬طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر بن الحارث سرق درعا من جار له‬
‫يقال له‪ :‬قتادة بن النعمان‪ ،‬وكانت الدرع في جراب في‪##‬ه دقي‪##‬ق‪ ،‬فجع‪##‬ل ال‪##‬دقيق ينت‪##‬ثر‬
‫من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أث‪##‬ر ال‪##‬دقيق‪ ،‬ثم خبأه‪##‬ا عن‪##‬د رج‪##‬ل‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.179/‬‬
‫‪132‬‬
‫من اليهود يقال ل‪##‬ه‪ :‬زي‪##‬د بن الس‪##‬مين‪ ،‬فالتمس‪##‬ت ال‪##‬درع عن‪##‬د طعم‪##‬ة فلم توج‪##‬د عن‪##‬ده‬
‫وحلف لهم‪ :‬وهللا ما أخذها وم‪##‬ا ل‪##‬ه ب‪##‬ه من علم‪ ،‬فق‪##‬ال أص‪##‬حاب ال‪##‬درع‪ :‬بلى وهللا ق‪##‬د‬
‫أدلج علينا فأخذها وطلبنا‪ #‬أث‪#‬ره ح‪#‬تى دخ‪#‬ل داره‪ ،‬فرأين‪#‬ا أث‪#‬ر ال‪#‬دقيق‪ ،‬فلم‪#‬ا أن حل‪#‬ف‬
‫تركوه واتبعوا‪ #‬أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي‪ #‬فأخ‪##‬ذوه‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬دفعه‪##‬ا إلي‬
‫طعمة بن أبيرق‪ ،‬وشهد ل‪##‬ه أن‪##‬اس من اليه‪##‬ود على ذل‪##‬ك‪ ،‬فق‪##‬الت بن‪##‬و ظف‪##‬ر وهم ق‪##‬وم‬
‫طعم‪##‬ة‪ :‬انطلق‪##‬وا بن‪##‬ا إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬فكلم‪##‬وه في ذل‪##‬ك‪ ،‬فس‪##‬ألوه أن يج‪##‬ادل عن‬
‫صاحبهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي‪ ،‬فهم رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬أن يفعل‪ ،‬وكان هواه معهم وأن يعاقب اليه‪##‬ودي‪ ،‬ح‪##‬تى أن‪##‬زل هللا تع‪##‬الى اآلي‪##‬ات‬
‫كلها(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لتحكيم شريعة هللا تعالى وقيم العدال‪##‬ة ال‪##‬تي ش‪##‬رعها‪،‬‬
‫ومع جميع الخلق‪ ،‬وفي جميع األوقات؛ فالعدالة ال تنقسم وال تتجزأ وال تتوقت‪.‬‬
‫ْس بِأ َ َم‪##‬انِيِّ ُك ْ‪#‬م َواَل أَ َم‪##‬انِ ِّي‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫َص‪#‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪:‬‬ ‫ُون هَّللا ِ َولِيًّا َواَل ن ِ‬ ‫ب َم ْن يَ ْع َملْ سُو ًءا يُجْ زَ بِ ِه َواَل يَ ِج ْد لَهُ ِم ْن د ِ‬ ‫أَ ْه ِل ْال ِكتَا ِ‬
‫‪]123‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أهل الكتاب ـ أه‪##‬ل الت‪##‬وارة وأه‪##‬ل اإلنجي‪##‬ل ـ‬
‫وأهل األديان جلس كل صنف يقول لصاحبه‪ :‬نحن خير منكم‪ ،‬فنزلت(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن أه‪##‬ل الكت‪##‬اب ق‪##‬الوا للمس‪##‬لمين‪ :‬نحن أه‪##‬دى منكم‪،‬‬
‫نبينا قبل ن‪##‬بيكم‪ ،‬وكتابن‪#‬ا‪ #‬قب‪##‬ل كت‪##‬ابكم‪ ،‬ونحن أولى باهلل منكم؛ وق‪##‬ال المس‪##‬لمون‪ :‬نحن‬
‫أهدى منكم وأولى باهلل‪ ،‬نبينا خ‪##‬اتم األنبي‪##‬اء‪ ،‬وكتابن‪#‬ا‪ #‬يقض‪##‬ي على الكتب ال‪##‬تي قبل‪##‬ه‪،‬‬
‫ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬ثم أفلج هللا حج‪##‬ة المس‪##‬لمين على من ن‪##‬اوأهم من أه‪##‬ل‬
‫‪#‬ؤ ِم ٌن فَأُولَئِ‪##‬كَ‬‫‪#‬ر أَوأُ ْنثَى َوهُو ُم‪ْ #‬‬ ‫ت ِم ْن َذ َك ٍ‬ ‫﴿و َم ْن يَ ْع َملْ ِمنَ الصَّالِ َحا ِ‬ ‫األديان بقوله تعالى‪َ :‬‬
‫﴿و َم ْن أَحْ َسنُ ِدينً‪##‬ا ِم َّم ْن‬ ‫ُظلَ ُمونَ نَقِيرًا﴾ [النساء‪]124 :‬؟ وبقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫يَ ْد ُخلُونَ ْال َجنَّةَ َواَل ي ْ‬
‫خلِياًل ﴾ [النس‪##‬اء‪:‬‬ ‫‪#‬را ِهي َم َ‬ ‫أَ ْسلَ َم َوجْ هَهُ هَّلِل ِ َوهُو ُمحْ ِس ٌن َواتَّبَ َع ِملَّةَ إِ ْب َرا ِهي َم َحنِيفً‪##‬ا َواتَّخَ‪َ #‬ذ هَّللا ُ إِ ْب‪َ #‬‬
‫‪]125‬؟ (‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لس‪##‬نن هللا في الج‪##‬زاء‪ ،‬وأنه‪##‬ا ال تح‪##‬ابي أم‪##‬ة من األمم؛‬
‫فكل مجزي بما عمل‪ ،‬ال بما يرغب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫َك فِي الن َسا ِء ق ‪ِ #‬ل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫﴿ويَ ْستفتون َ‪#‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اَّل‬
‫ب فِي يَتَ‪##‬ا َمى النِّ َس‪#‬ا ِء ال تِي تؤت‪##‬ونَهُن َم‪##‬ا‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫اَل‬ ‫هَّللا ُ يُ ْفتِي ُك ْم فِي ِه َّن َو َما يُ ْتلَى َعلَ ْي ُك ْم فِي ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫َض‪َ #‬عفِينَ ِمنَ ْال ِو ْل‪#‬دَا ِن َوأَ ْن تَقُو ُم‪##‬وا‪ #‬لِ ْليَتَ‪##‬ا َمى‬ ‫ب لَه َُّن َوتَرْ َغبُ‪##‬ونَ أَ ْن تَ ْن ِك ُح‪##‬وه َُّن َو ْال ُم ْست ْ‬ ‫ُكتِ َ‬
‫ْط َو َما تَ ْف َعلُوا ِم ْن َخي ٍْر فَإِ َّن هَّللا َ َكانَ بِ ِه َعلِي ًما﴾ [النساء‪]127 :‬؟‬ ‫بِ ْالقِس ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن الناس استفتوا رسول هللا ‪ ‬بعد هذه اآلية فيهن‪ ،‬فأنزل‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.179/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.181/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.181/‬‬
‫‪133‬‬
‫﴿وإِ ْن‬‫هللا تعالى هذه اآلية‪ ،‬والذي يتلى عليهم في الكتاب اآلية األولى التي ق‪##‬ال فيه‪##‬ا‪َ :‬‬
‫ث َو ُربَ‪##‬ا َع‬ ‫‪#‬اب لَ ُك ْم ِمنَ النِّ َس‪#‬ا ِء َم ْثنَى َوثُاَل َ‬ ‫ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا فِي ْاليَتَا َمى فَ‪##‬ا ْن ِكحُوا َم‪##‬ا طَ‪َ #‬‬
‫ت أَ ْي َمانُ ُك ْم َذلِكَ أَ ْدنَى أَاَّل تَعُولُوا﴾ [النس‪###‬اء‪ ،]3 :‬وقال‬ ‫فَإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تَ ْع ِدلُوا فَ َوا ِح َدةً أَو َما َملَ َك ْ‬
‫هللا تعالى في اآلية األخرى‪َ ﴿ :‬وتَرْ َغبُونَ أَ ْن تَ ْن ِكحُوه َُّن﴾ [النس‪##‬اء‪ ]127 :‬رغبة أح‪##‬دكم عن‬
‫يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليل‪##‬ة الم‪##‬ال والجم‪##‬ال‪ ،‬فنه‪##‬وا أن ينكح‪##‬وا‪ #‬م‪##‬ا‬
‫رغبوا في مالها وجمالها‪ #‬من يتامى النساء إال بالقسط من أجل رغبتهم عنهن(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للرحمة والقسط مع الجميع‪ ،‬وخصوصا المستضعفين‬
‫الذين ال يستطيعون الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬ألن هللا تعالى يتولى ذلك عنهم‪.‬‬
‫ت ِم ْن‬ ‫َ‬
‫‪#‬رأةٌ خَ‪##‬افَ ْ‬ ‫﴿وإِ ِن ا ْم‪َ #‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫الص‪#‬ل ُح خَ ْي‪ٌ #‬ر‬ ‫ص‪#‬لحًا َو ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ضا‪ #‬فَاَل ُجنَ‪##‬ا َح َعلَ ْي ِه َم‪##‬ا أَ ْن ي ْ‬
‫ُص‪#‬لِ َحا بَ ْينَهُ َم‪##‬ا ُ‬ ‫بَ ْعلِهَا نُ ُشو ًزا أَوإِ ْع َرا ً‬
‫ن هَّللا َ َكانَ بِ َما تَ ْع َملُ‪##‬ونَ خَ بِ‪##‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪:‬‬ ‫ت اأْل َ ْنفُسُ ال ُّش َّح َوإِ ْن تُحْ ِسنُوا َوتَتَّقُوا فَإِ َّ‬ ‫ض َر ِ‪#‬‬ ‫َوأُحْ ِ‬
‫‪]128‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في الم‪##‬رأة تك‪##‬ون عن‪##‬د الرج‪##‬ل فال يس‪##‬تكثر منه‪##‬ا‬
‫ويريد‪ #‬فراقها‪ ،‬ولعلها أن تكون لها صحبة ويكون لها ولد فيكره فراقه‪##‬ا‪ #،‬وتق‪##‬ول ل‪##‬ه‪:‬‬
‫ال تطلقني وأمسكني‪ #‬وأنت في حل من شأني‪ ،‬فأنزلت هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن بنت محمد بن مسلمة كانت عن‪##‬د راف‪##‬ع بن خ‪##‬ديج‬
‫فكره منها أمرا‪ ،‬إما كبرا وإما غ‪##‬يره‪ ،‬ف‪##‬أراد طالقه‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬الت‪ :‬ال تطلق‪##‬ني وأمس‪##‬كني‬
‫واقسم‪ #‬لي ما بدا لك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للبحث عن الحلول التي تتناسب مع الرحمة والعدالة‪،‬‬
‫وعدم المسارعة إلى المباحات؛ فهي قد تتنافى مع ما تقتضيه المروءة‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا ُكونُ‪##‬وا‬
‫وال َوالِ َدي ِْن َواأْل َ ْق َربِينَ إِ ْن يَ ُك ْن َغنِيًّا أَوفَقِ‪##‬يرًا‬
‫ْط ُشهَدَا َء هَّلِل ِ َولَو َعلَى أَ ْنفُ ِس ُك ْم أَ ْ‬‫قَ َّوا ِمينَ بِ ْالقِس ِ‬
‫ض‪#‬وا‪ #‬فَ‪#‬إِ َّن هَّللا َ َك‪##‬انَ بِ َم‪##‬ا‬ ‫فَاهَّلل ُ أَوْ لَى بِ ِه َما فَاَل تَتَّبِعُوا ْالهَ َوى أَ ْن تَ ْع ِدلُوا َوإِ ْن ت َْل‪ُ #‬ووا أَوتُع ِ‬
‫ْر ُ‬
‫تَ ْع َملُونَ خَ بِيرًا﴾ [النساء‪]135 :‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في الن‪##‬بي ‪ ‬حين اختص‪##‬م إلي‪##‬ه غ‪##‬ني وفق‪##‬ير‪،‬‬
‫وكان ضلعه مع الفقير‪ ،‬ورأى أن الفق‪##‬ير ال يظلم الغ‪##‬ني ف‪##‬أبى هللا تع‪##‬الى إال أن يق‪##‬وم‬
‫بالقسط في الغني والفقير(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة للعدال‪##‬ة الش‪##‬املة‪ ،‬وك‪##‬ل م‪##‬ا تقتض‪##‬يه من التحقي‪##‬ق‬
‫والتح‪##‬ري‪ ..‬وأن تم‪##‬ارس م‪##‬ع الجمي‪##‬ع‪ ،‬وفي‪ #‬جمي‪##‬ع الظ‪##‬روف‪ ،‬بعي‪##‬دا عن العواط‪#‬ف‪#‬‬
‫واألهواء‪.‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.184/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.184/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.185/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.185/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪134‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا آ ِمنُ‪##‬وا‬
‫ب الَّ ِذي أَ ْنزَ َل ِم ْن قَ ْب ُل َو َم ْن يَ ْكفُرْ‬‫ب الَّ ِذي نَ َّز َل َعلَى َرسُولِ ِه َو ْال ِكتَا ِ‬ ‫بِاهَّلل ِ َو َرسُولِ ِه َو ْال ِكتَا ِ‬
‫ضاَل اًل بَ ِعيدًا﴾ [النساء‪]136 :‬؟‬ ‫ض َّل َ‬ ‫بِاهَّلل ِ َو َماَل ئِ َكتِ ِه َو ُكتُبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه َو ْاليَوْ ِم اآْل ِخ ِر فَقَ ْد َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في عب‪##‬د هللا بن س‪##‬الم وأس‪##‬د وأس‪##‬يد اب‪##‬ني كعب‬
‫وثعلبة بن قيس وجماعة من مؤمني أهل الكتاب‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا إن‪##‬ا ن‪##‬ؤمن ب‪##‬ك‬
‫وبكتابك‪ #‬وبموسى‪ #‬والتوراة وعزير‪ ،‬ونكفر بما سواه من الكتب والرس‪##‬ل‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لإليمان بجمي‪##‬ع األنبي‪##‬اء والرس‪##‬ل والكتب واله‪##‬داة م‪##‬ا‬
‫علمن‪#‬ا منهم وم‪#‬ا لم نعلم‪ ..‬ألن ذل‪#‬ك من مقتض‪#‬يات اإليم‪#‬ان بهداي‪#‬ة هللا الش‪#‬املة؛ فاهلل‬
‫أعظم وأكرم من أن يحصر‪ #‬هدايته في قوم دون قوم‪#.‬‬
‫ْ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬اَل يُ ِحبُّ هَّللا ُ ال َج ْه َر بِالسُّو ِء‬
‫ِمنَ ْالقَوْ ِل إِاَّل َم ْن ظُلِ َم َو َكانَ هَّللا ُ َس ِميعًا َعلِي ًما﴾ [النساء‪]148 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ضيف تضيف قوما‪ #‬فأساءوا قراه فاش‪##‬تكاهم‪،‬‬
‫فنزلت هذه اآلية رخصة في أن يشكوا(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها رفع للحرج عن المظلوم الذي قد يضطر لبث شكواه‪ ،‬وفيها‪#‬‬
‫نهي عن إلجائه إلى ذلك االضطرار‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَ ِك ِن هَّللا ُ يَ ْش ‪#‬هَ ُد بِ َم‪##‬ا أَ ْن‪##‬زَ َل‬
‫ك أَ ْن َزلَهُ بِ ِع ْل ِم ِه َو ْال َماَل ئِ َكةُ يَ ْشهَ ُدونَ َو َكفَى بِاهَّلل ِ َش ِهيدًا﴾ [النساء‪]166 :‬؟‬ ‫إِلَ ْي َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رؤساء أهل مكة أتوا رسول‪ #‬هللا ‪ ‬فق‪##‬الوا‪ :‬س‪##‬ألنا عن‪##‬ك‬
‫اليه‪##‬ود فزعم‪##‬وا‪ #‬أنهم ال يعرفون‪##‬ك‪ ،‬فأتن‪##‬ا بمن يش‪##‬هد ل‪##‬ك أن هللا بعث‪##‬ك إلين‪##‬ا رس‪##‬وال‪،‬‬
‫فنزلت هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪#‬ا‪ #‬دع‪##‬وة للبحث في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم للبحث عن دالئ‪##‬ل علم هللا‬
‫الذي يتيقن به الشاكون في صدق الشهادة‪.‬‬
‫ك قُ‪ِ #‬ل هَّللا ُ يُ ْفتِيك ْمُ‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ ْس‪#‬تَ ْفتُون ََ‬
‫‪#‬ركَ َوهُويَ ِرثُهَ‪##‬ا إِ ْن لَ ْم‬ ‫ت فَلَهَا نِصْ فُ َما تَ‪َ #‬‬ ‫ْس لَهُ َولَ ٌد َولَهُ أُ ْخ ٌ‬ ‫ك لَي َ‬ ‫فِي ْالكَاَل لَ ِة إِ ِن ا ْم ُر ٌ‪#‬ؤ هَلَ َ‬
‫‪#‬ركَ َوإِ ْن َك‪##‬انُوا إِ ْخ‪َ #‬وةً ِر َج‪ #‬ااًل َونِ َس‪#‬ا ًء‬ ‫يَ ُك ْن لَهَا َولَ ٌد فَإِ ْن َكانَتَا ْاثنَتَ ْي ِن فَلَهُ َما الثُّلُثَ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ان ِم َّما تَ‪َ #‬‬
‫َضلُّوا َوهَّللا ُ بِ ُكلِّ َش ْي ٍء َعلِي ٌم﴾ [النساء‪]176 :‬؟‬ ‫لذ َك ِ‪#‬ر ِم ْث ُل َحظِّ اأْل ُ ْنثَيَي ِْن يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ْم أَ ْن ت ِ‬
‫فَلِ َّ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن جابر قال‪ :‬اشتكيت فدخل علي رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وعن‪##‬دي‬
‫سبع أخوات‪ ،‬فنفخ في وجهي فأفقت‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا أوصي ألخ‪##‬واتي ب‪##‬الثلثين‪،‬‬
‫قال‪( :‬احبس)‪ ،‬فقلت الشطر‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬احبس)‪ ،‬ثم خ‪##‬رج فترك‪##‬ني‪ .‬ق‪##‬ال‪ :‬ثم دخ‪##‬ل علي‬
‫وقال‪( :‬ي‪##‬ا ج‪##‬ابر إني ال أراك تم‪##‬وت في وجع‪##‬ك ه‪##‬ذا‪ ،‬إن هللا ق‪##‬د أن‪##‬زل‪ ،‬ف‪##‬بين ال‪##‬ذي‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.185/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.185/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.185/‬‬
‫‪135‬‬
‫الثلثين) (‪)1‬‬ ‫ألخواتك‪ ،‬جعل ألخواتك‪#‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان ألحك‪##‬ام اإلرث ودع‪##‬وة لالل‪##‬تزام به‪##‬ا وتح‪##‬ذير من‬
‫مخالفتها أو إعمال األهواء فيها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أيُّهَ‪##‬ا ال ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫‪#‬را َم‬ ‫ي َواَل ْالقَاَل ئِ‪َ #‬د َواَل آ ِّمينَ ْالبَيْتَ ْال َح‪َ #‬‬ ‫الش‪ْ #‬ه َر ْال َح‪َ #‬را َم َواَل ْالهَ ‪ْ #‬د َ‬ ‫تُ ِحلُّوا َش ‪َ #‬عائِ َر هَّللا ِ َواَل َّ‬
‫يَ ْبتَ ُغونَ فَضْ اًل ِم ْن َربِّ ِه ْم َو ِرضْ َوانًا َوإِ َذا َحلَ ْلتُ ْم فَاصْ طَادُوا َواَل يَجْ ِر َمنَّ ُك ْم َش ‪#‬نَآنُ قَ‪##‬وْ ٍم أَ ْن‬
‫اونُوا‪َ #‬علَى‬ ‫اونُوا َعلَى ْالبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى َواَل تَ َع َ‬ ‫ص ُّدو ُك ْم َع ِن ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام أَ ْن تَ ْعتَدُوا َوتَ َع َ‬ ‫َ‬
‫ب﴾ [المائدة‪]2 :‬؟‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬
‫اإْل ِ ث ِم َوال ُع ْد َوا ِن َواتَّقُوا َ إِ َّن َ َش ِدي ُد ال ِعقَا ِ‬ ‫ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في الحطم ـ اس‪##‬مه ش‪##‬ريح بن ض‪##‬بيعة الكن‪##‬دي ـ‬
‫أتى النبي ‪ ‬من اليمامة إلى المدينة‪ ،‬فخلف‪ #‬خيله خارج المدين‪#‬ة ودخ‪#‬ل وح‪##‬ده على‬
‫النبي ‪ ،‬فقال‪ :‬إالم تدعوالناس؟ قال‪( :‬إلى ش‪##‬هادة أن ال إل‪##‬ه إال هللا‪ ،‬وإق‪##‬ام الص‪##‬الة‬
‫وإيتاء الزكاة)‪ ،‬فقال‪ :‬حسن‪ ،‬إال أن لي أمراء ال أقطع أمرا دونهم‪ ،‬ولعلي أسلم وآتي‬
‫بهم‪ ،‬وقد كان النبي ‪ ‬قال ألصحابه‪( :‬يدخل عليكم رجل يتكلم بلس‪#‬ان ش‪#‬يطان)‪ ،‬ثم‬
‫خرج من عنده‪ ،‬فلما خرج قال رسول‪ #‬هللا ‪( :‬لقد دخل بوجه ك‪##‬افر‪ #‬وخ‪##‬رج بعق‪##‬بي‬
‫غادر‪ ،‬وما الرجل بمسلم)‪ ،‬فمر بسرح المدينه فاستاقه‪ ،‬فطلب‪##‬وه فعج‪##‬زوا‪ #‬عن‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫خرج رسول هللا ‪ ‬عام القضية سمع تلبي‪##‬ة حج‪##‬اج اليمام‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال ألص‪##‬حابه‪( :‬ه‪##‬ذا‬
‫الحطم وأص‪#‬حابه)‪ ،‬وك‪#‬ان ق‪#‬د قل‪#‬د ه‪#‬ديا من س‪#‬رح المدين‪#‬ة وأه‪#‬داه إلى الكعب‪#‬ة‪ ،‬فلم‪#‬ا‬
‫توجهوا‪ #‬في طلبه أنزل هللا تعالى‪ ﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تُ ِحلُّوا َش َعائِ َ‪#‬ر هَّللا ِ ﴾ يريد‪ :‬ما‬
‫أشعر هللا‪ ،‬وإن كان على غير دين اإلسالم(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة للس‪##‬ماحة ول‪##‬و م‪##‬ع المخ‪##‬الفين المعت‪##‬دين‪ ،‬ونهي عن‬
‫االعتداء مطلقا مهما كانت الظروف‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَسْأَلُونَكَ َما َذا أ ِح َّل لَهُ ْم قُلْ‬
‫ح ُم َكلِّبِينَ تُ َعلِّ ُمونَه َُّن ِم َّما عَلَّ َم ُك ُم هَّللا ُ فَ ُكلُوا ِم َّما‬ ‫ار ِ‬‫ات َو َما عَلَّ ْمتُ ْم ِمنَ ْال َج َو ِ‬ ‫أُ ِح َّل لَ ُك ُم الطَّيِّبَ ُ‬
‫ب﴾ [المائدة‪]4 :‬؟‬ ‫أَ ْم َس ْكنَ َعلَ ْي ُك ْم َو ْاذ ُكرُوا‪ #‬ا ْس َم هَّللا ِ َعلَ ْي ِه َواتَّقُوا هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ َس ِري ُع ْال ِح َسا ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن أبي راف‪##‬ع ق‪##‬ال‪ :‬أم‪##‬رني رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬بقت‪##‬ل الكالب‪،‬‬
‫فقال الناس‪ :‬يا رسول هللا ما أحل لن‪##‬ا من ه‪##‬ذه األم‪##‬ة ال‪##‬تي أم‪##‬رت بقتله‪##‬ا؟ ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن سعيد بن جبير قال‪ :‬ن‪##‬زلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة في ع‪##‬دي‬
‫بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهوزيد‪ #‬الخيل الذي س‪#‬ماه رس‪#‬ول هللا ‪( :‬زي‪#‬د‬
‫الخير)‪ ،‬وذل‪##‬ك أنهم‪##‬ا ج‪##‬اءا إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬اال‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا إن‪##‬ا ق‪##‬وم نص‪##‬يد‬
‫بالكالب والبزاة‪ ،‬وإن كالب آل ذريح وآل أبي جويرية تأخذ البقر والحم ‪#‬ر‪ #‬والظب‪##‬اء‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.187/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.187/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.187/‬‬
‫‪136‬‬
‫والضب‪ ،‬فمنه ما يدرك ذكاته ومن‪#‬ه م‪#‬ا يقت‪##‬ل فال ي‪##‬درك ذكات‪#‬ه وق‪#‬د ح‪##‬رم هللا الميت‪#‬ة‬
‫‪#‬ات ﴾ يع‪##‬ني‬ ‫فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت‪﴿ :‬يَسْأَلُونَكَ َم‪##‬ا َذا أُ ِح‪َّ #‬ل لَهُ ْم قُ‪##‬لْ أُ ِح‪َّ #‬ل لَ ُك ُم الطَّيِّبَ‪ُ #‬‬
‫ح ﴾ يع‪##‬ني‪ :‬وص‪##‬يد‪ #‬م‪##‬ا علمتم من الج‪##‬وارح‪ ،‬وهي‬ ‫ار ِ‬‫ال‪##‬ذبائح ﴿ َو َم‪##‬ا عَلَّ ْمتُ ْم ِمنَ ْال َج‪َ #‬و ِ‬
‫الكواسب من الكالب وسباع الطير(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لفضل هللا تعالى على عب‪##‬اده بإباح‪##‬ة الطيب‪##‬ات‪ ،‬وأن‪##‬ه لم‬
‫يحرم عليهم إال ما يضرهم‪ #‬سواء علموه‪ ،‬أو لم يعلموه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أيُّهَا ال ِذينَ آ َمنُوا اذ ُكرُوا‬
‫‪#‬ف أَ ْي ‪ِ #‬ديَهُ ْم َع ْن ُك ْم َواتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ‬
‫ْس ‪#‬طُوا‪ #‬إِلَ ْي ُك ْم أَ ْي ‪ِ #‬ديَهُ ْم فَ َك‪َّ #‬‬
‫نِ ْع َمتَ هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم إِ ْذ هَ َّم قَ‪##‬وْ ٌ‪#‬م أَ ْن يَب ُ‬
‫َو َعلَى هَّللا ِ فَ ْليَتَ َو َّك ِل ْال ُم ْؤ ِمنُونَ ﴾ [المائدة‪]11 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن رجال من مح‪##‬ارب يق‪##‬ال ل‪##‬ه غ‪##‬ورث بن الح‪##‬ارث ق‪##‬ال‬
‫لقومه من غطفان ومحارب‪ :‬أال أقتل لكم محمدا؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬وكيف تقتله؟ قال‪ :‬أفتك‬
‫به‪ ..‬فأقبل‪ #‬إلى رسول هللا ‪ ‬وهو جالس وسيفه في حجره‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد أنظر إلى‬
‫سيفك هذا؟ قال‪( :‬نعم)‪ ،‬فأخذه فاستله‪ ،‬ثم جعل يهزه ويهم به‪ ،‬فكبته هللا عز وج‪##‬ل ثم‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د م‪##‬ا تخ‪##‬افني؟ ق‪##‬ال‪( :‬ال)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬أال تخ‪##‬افني وفي‪ #‬ي‪##‬دي الس‪##‬يف؟ ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(يمنعني هللا منك)‪ ،‬ثم أغمد السيف ورده إلى رسول هللا ‪ ‬فأنزل هللا تعالى اآلي‪##‬ة‪:.‬‬
‫﴿اذكروا نعمة هللا عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا‪ #‬إليكم أيديهم﴾(‪)2‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ن‪##‬زل م‪##‬نزال وتف‪##‬رق الن‪##‬اس في‬
‫العضاه يستظلون تحته‪##‬ا‪ ،‬فعل‪##‬ق الن‪##‬بي ‪ ‬س‪##‬الحه على ش‪##‬جرة‪ ،‬فج‪##‬اء أع‪##‬رابي إلى‬
‫س‪##‬يف رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ثم أقب‪##‬ل علي‪##‬ه فق‪##‬ال‪ :‬من يمنع‪##‬ك م‪##‬ني؟ ق‪##‬ال‪( :‬هللا)‪ ،‬ق‪##‬ال ذل‪##‬ك‬
‫األعرابي مرتين أوثالثا‪ #‬والنبي ‪ ‬يقول‪ :‬هللا‪ ،‬فشام األع‪##‬رابي الس‪##‬يف‪ ،‬ف‪##‬دعا الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬أصحابه فأخبرهم‪ #‬خبر األعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تذكير‪ #‬للمؤمنين بفضل هللا تعالى عليهم‪ ،‬وحفظه لهم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َما َجزَ ا ُء الَّ ِذينَ ي َُح ِ‬
‫اربُونَ‬
‫ُصلَّبُوا أَوتُقَطَّ َع أَ ْي ‪ِ #‬دي ِه ْم َوأَرْ ُجلُهُ ْم‬‫ض فَ َسادًا أَ ْن يُقَتَّلُوا أَوي َ‬ ‫هَّللا َ َو َرسُولَهُ َويَ ْس َعوْ نَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫‪#‬ر ِة َع‪َ #‬ذابٌ‬ ‫ي فِي ال‪ُّ ##‬د ْنيَا َولَهُ ْم فِي اآْل ِخ‪َ #‬‬ ‫‪##‬ز ٌ‬ ‫ض َذلِ‪##‬كَ لَهُ ْم ِخ ْ‬ ‫ف أَويُ ْنفَ‪##‬وْ ا ِمنَ اأْل َرْ ِ‬ ‫ِم ْن ِخاَل ٍ‬
‫َع ِظي ٌم﴾ [المائدة‪]33 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رهطا من عكل وعرين‪##‬ة أت‪##‬وا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫رس‪##‬ول هللا إن‪##‬ا كن‪##‬ا أه‪##‬ل ض‪##‬رع ولم نكن أه‪##‬ل ري‪##‬ف فاس‪##‬توخمنا المدين‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬أمر لهم‬
‫رسول هللا ‪ ‬بذود راع وأمرهم أن يخرجوا فيها فليشربوا‪ #‬من ألبانها‪ ،‬فلم‪##‬ا ص‪##‬حوا‬
‫وكانوا‪ #‬بناحية الحرة قتل‪##‬وا راعي رس‪##‬ول هللا ‪ ‬واس‪##‬تاقوا‪ #‬ال‪##‬ذود‪ ،‬فبعث رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬في آثارهم‪ ،‬فأتي‪ #‬بهم فقطع أيديهم وأرجلهم‪ #‬وسمل أعينهم فتركوا في الحرة التي‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.191/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.192/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.192/‬‬
‫‪137‬‬
‫ماتوا على حالهم(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لوجوب التشدد م‪##‬ع المج‪##‬رمين ال‪##‬ذين يروع‪##‬ون حي‪##‬اة‬
‫المؤمنين؛ فالرحمة بهم قسوة على المستضعفين المسالمين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أيُّهَ‪##‬ا ال ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫‪#‬ولَّهُ ْم ِم ْن ُك ْم فَإِنَّهُ ِم ْنهُ ْم‬ ‫ْض‪#‬هُْ‪#‬م أَوْ لِيَ‪##‬ا ُء بَع ٍ‬
‫ْض َو َم ْن يَتَ‪َ #‬‬ ‫صا َرى‪ #‬أَوْ لِيَ‪##‬ا َء بَع ُ‬‫تَتَّ ِخ ُذوا‪ْ #‬اليَهُو َد َوالنَّ َ‬
‫إِ َّن هَّللا َ اَل يَ ْه ِدي ْالقَوْ َم الظَّالِ ِمينَ ﴾ [المائدة‪]51 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن عبادة بن الصامت قال لرسول هللا ‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا إن‬
‫لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نص‪##‬رهم‪ ،‬وإني أب‪##‬رأ إلى هللا ورس‪##‬وله من‬
‫والية اليهود‪ ،‬وآوي‪ #‬إلى هللا ورسوله‪ ،‬فقال عبد هللا بن أبي‪ :‬إني رجل أخاف الدوائر‪#‬‬
‫وال أبرأ من والية اليهود‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬يا أبا الحباب ما بخلت به من والي‪##‬ة‬
‫اليهود على عبادة بن الصامت فهو‪ #‬لك دونه)‪ ،‬فقال‪ :‬قد قبلت‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلي‪##‬ة‬
‫فيهما(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من مواالة أعداء اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وأن من ت‪##‬ولى‬
‫قوما‪ #‬أصبح معهم ومنهم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬إِنَّ َم‪#‬ا َولِيُّ ُك ُم هَّللا ُ َو َر ُس‪#‬ولُهُ‬
‫صاَل ةَ َوي ُْؤتُونَ ال َّز َكاةَ َوهُ ْم َرا ِكعُونَ ﴾ [المائدة‪]55 :‬؟‬ ‫َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا الَّ ِذينَ يُقِي ُمونَ ال َّ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن عبد هللا بن سالم جاء إلى النبي ‪ ‬فقال‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‬
‫إن قوما من قريظة والنض‪#‬ير‪ #‬ق‪#‬د هاجرون‪##‬ا وفارقون‪#‬ا‪ #‬وأقس‪#‬موا‪ #‬أن ال يجالس‪#‬ونا‪ ،‬وال‬
‫نستطيع‪ #‬مجالسة أص‪#‬حابك‪ #‬لبع‪#‬د المن‪#‬ازل‪ ،‬وش‪#‬كى م‪##‬ا يلقى من اليه‪##‬ود‪ ،‬ف‪#‬نزلت ه‪#‬ذه‬
‫اآلية‪ ،‬فقرأها عليه رسول هللا ‪ ‬فقال‪ :‬رض‪##‬ينا باهلل وبرس‪##‬وله وب‪##‬المؤمنين‪ #‬أولي‪##‬اء‪..‬‬
‫وإن آخر اآلية نزل في علي بن أبي طالب‪ ،‬ألنه أعطى خاتم‪##‬ه س‪##‬ائال وهوراك‪##‬ع في‬
‫الصالة(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن الن‪##‬بي ‪ ‬خ‪##‬رج إلى المس‪##‬جد والن‪##‬اس بين ق‪##‬ائم‬
‫وراكع‪ ،‬فنظر‪ #‬سائال فقال‪( :‬هل أعطاك أحد ش‪##‬يئا؟) ق‪##‬ال‪ :‬نعم خ‪##‬اتم من ذهب‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(من أعطاكه؟) قال‪ :‬ذلك القائم‪ ،‬وأومأ بي‪##‬ده إلى علي بن أبي ط‪##‬الب فق‪##‬ال‪( :‬على أي‬
‫حال أعطاك؟) قال‪ :‬أعطاني‪ #‬وهوراكع‪ ،‬فكبر النبي ‪ ‬ثم قرأ اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للبحث عن الصالحين الصادقين وواليتهم‪ ،‬فالوالية ال‬
‫تكون إال للبررة دون الفجرة‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫‪#‬اب ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم َو ْال ُكفَّا َر‬ ‫تَتَّ ِخ‪ُ #‬ذوا‪ #‬الَّ ِذينَ اتَّ َخ‪ُ #‬ذوا ِدينَ ُك ْم هُ ‪ُ #‬ز ًوا َولَ ِعبً‪##‬ا ِمنَ الَّ ِذينَ أُوتُ‪##‬وا‪ْ #‬ال ِكتَ‪َ #‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.194/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.198/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.198/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.199/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪138‬‬
‫أَوْ لِيَا َء َواتَّقُوا هَّللا َ إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [المائدة‪]57 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في رفاعة بن زيد وسويد‪ #‬بن الحارث ق‪##‬د أظه‪##‬را‬
‫اإلسالم ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تشمل كل الذين اتخذوا‪ #‬دين هللا هزوا ولعبا وفي كل األمكنة‬
‫والعصور‪ ،‬فليس ذلك خاصا بأشخاص أو بأزمنة بعينها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫َّس‪#‬و ُل بَل ْغ َم‪##‬ا‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أيُّهَ‪##‬ا الر ُ‬
‫هَّللا‬
‫اس إِ َّن َ اَل‬ ‫ْص‪ُ ##‬مكَ ِمنَ النَّ ِ‬ ‫أُ ْن ِز َل إِلَ ْيكَ ِم ْن َربِّكَ َوإِ ْن لَ ْم تَ ْف َعلْ فَ َما بَلَّ ْغتَ ِر َسالَتَهُ َوهَّللا ُ يَع ِ‬
‫يَ ْه ِدي ْالقَوْ َم ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [المائدة‪]67 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت يوم غدير خم‪ ،‬في علي بن أبي طالب(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وروي‪ #‬عن عائش‪##‬ة ق‪##‬الت‪ :‬س‪##‬هر رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ذات ليل‪##‬ة فقلت‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫رسول هللا ما شأنك؟ قال‪( :‬أال رجل ص‪##‬الح يحرس‪##‬نا الليل‪##‬ة)؟ فق‪##‬الت‪ :‬بينم‪##‬ا نحن في‬
‫ذلك سمعت صوت السالح‪ ،‬فقال‪( :‬من هذا؟) قال‪ :‬سعد وحذيفة‪ ،‬جئنا نحرسك‪ ،‬فنام‬
‫رسول هللا ‪ ‬حتى سمعت غطيطه‪ ،‬ونزلت هذه اآلية‪ ،‬فأنزل‪ #‬رس‪##‬ول هللا ‪ ‬رأس‪##‬ه‬
‫من قبة أدم وقال‪( :‬انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني هللا) (‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لتبليغ الدين وبكل جرأة‪ ،‬وهللا تع‪##‬الى يت‪##‬ولى حف‪##‬ظ من‬
‫يفعل ذلك‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫ت َما أَ َح َّل هَّللا ُ لَ ُك ْم َواَل تَ ْعتَدُوا إِ َّن هَّللا َ اَل ي ُِحبُّ ْال ُم ْعتَ ِدينَ ﴾ [المائدة‪]87 :‬؟‬
‫تُ َح ِّر ُموا‪ #‬طَيِّبَا ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رسول هللا ‪ ‬جلس يوما فذكر‪ #‬الن‪##‬اس ووص‪##‬ف القيام‪##‬ة‬
‫ولم يزدهم على التخويف؛ فرق‪ #‬الناس وبكوا‪ ،‬فاجتمع عش‪##‬رة من الص‪##‬حابة في بيت‬
‫عثمان بن مظعون الجمحي‪ ..‬واتفقوا على أن يصوموا النه‪##‬ار‪ ،‬ويقوم‪##‬وا‪ #‬اللي‪##‬ل‪ ،‬وال‬
‫يناموا على الفرش‪ ،‬وال يأكلوا اللحم وال الودك وال يقربوا النساء والطيب‪ ،‬ويلبس‪##‬وا‬
‫المسوح ويرفضوا‪ #‬الدنيا ويسيحوا في األرض وي‪##‬ترهبوا؛‪ #‬فبل‪##‬غ ذل‪##‬ك رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فجمعهم‪ #‬فقال‪( :‬ألم أنبأ أنكم اتفقتم على ك‪##‬ذا وك‪##‬ذا؟) فق‪##‬الوا‪ :‬بلى ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‪ ،‬وم‪##‬ا‬
‫أردنا إال الخ‪##‬ير‪ ،‬فق‪##‬ال لهم‪( :‬إني لم أوم‪##‬ر ب‪##‬ذلك‪ ،‬إن ألنفس‪##‬كم عليكم حق‪##‬ا‪ ،‬فص‪##‬وموا‬
‫وأفطروا‪ #‬وقوموا‪ #‬وناموا‪ ،‬فإني أقوم وأنام‪ #‬وأصوم وأفطر وآك‪##‬ل اللحم والدس‪##‬م‪ ،‬ومن‬
‫رغب عن س‪##‬نتي فليس م‪##‬ني)‪ ،‬ثم خ‪##‬رج إلى الن‪##‬اس وخطبهم فق‪##‬ال‪( :‬م‪##‬ا ب‪##‬ال أق‪##‬وام‬
‫حرموا‪ #‬النس‪##‬اء والطع‪##‬ام‪ #‬والطيب والن‪##‬وم‪ #‬وش‪##‬هوات ال‪##‬دنيا‪ ،‬أم‪##‬ا إني لس‪##‬ت آم‪##‬ركم أن‬
‫تكون‪##‬وا قسيس‪##‬ين وال رهبان‪##‬ا‪ ،‬فإن‪##‬ه ليس في دي‪##‬ني ت‪##‬رك اللحم والنس‪##‬اء وال اتخ‪##‬اذ‬
‫الصوامع‪ ،‬وإن سياحة أمتي الصوم‪ #‬ورهبانيتها‪ #‬الجهاد‪ ،‬واعبدوا هللا وال تش‪##‬ركوا‪ #‬ب‪##‬ه‬
‫شيئا‪ ،‬وحجوا واعتمروا‪ ،‬وأقيموا‪ #‬الصالة‪ ،‬وآتوا الزك‪##‬اة‪ ،‬وص‪##‬وموا‪ #‬رمض‪##‬ان‪ ،‬فإنم‪#‬ا‪#‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.199/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.201/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.201/‬‬
‫‪139‬‬
‫هلك من كان قبلكم بالتشديد‪ ،‬شددوا‪ #‬على أنفسهم فشدد‪ #‬هللا عليهم‪ ،‬فأولئك بقاي‪##‬اهم في‬
‫الديارات والصوامع)‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول‪ #‬هللا كي‪##‬ف نص‪##‬نع‬
‫بأيماننا‪ #‬التي حلفنا عليها‪ ،‬وكانوا‪ #‬حلفوا على ما عليه اتفقوا‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى اآلي‪##‬ة‪:.‬‬
‫ط َع‪##‬ا ُم‬‫ارتُ‪#‬هُ إِ ْ‬ ‫ُؤَاخ‪ُ #‬ذ ُك ْم بِ َم‪##‬ا َعقَّ ْدتُ ُم اأْل َ ْي َم‪##‬انَ فَ َكفَّ َ‬
‫﴿اَل يُؤَا ِخ ُذ ُك ُ‪#‬م هَّللا ُ بِاللَّ ْغوفِي‪ #‬أَ ْي َمانِ ُك ْم َولَ ِك ْن ي ِ‬
‫ط ِع ُمونَ أَ ْهلِي ُك ْم أَو ِك ْس َوتُهُْ‪#‬م أَوتَحْ ِري‪ُ #‬ر َرقَبَ‪ٍ #‬ة فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج‪ْ #‬د‬ ‫َع َش َر ِة َم َسا ِكينَ ِم ْن أَوْ َس ِ‪#‬ط َما تُ ْ‬
‫ارةُ أَ ْي َم‪#‬انِ ُك ْ‪#‬م إِ َذا َحلَ ْفتُ ْم َواحْ فَظُ‪##‬وا أَ ْي َم‪##‬انَ ُك ْم َك‪َ #‬ذلِكَ يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ْم‬
‫ك َكفَّ َ‬‫صيَا ُ‪#‬م ثَاَل ثَ‪ِ #‬ة أَي ٍَّام َذلِ‪َ #‬‬
‫فَ ِ‬
‫آيَاتِ ِه لَ َعل ُك ْم تَ ْش ُكرُونَ ﴾ [المائدة‪]89 :‬؟(‪.)1‬‬‫َّ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بي‪##‬ان لحقيق‪##‬ة العبودي‪##‬ة والعب‪##‬ادة وأنه‪##‬ا ال تتن‪##‬افى م‪##‬ع تن‪##‬اول‬
‫الطيبات التي أباحها هللا‪ ،‬وفي حدود‪ #‬االعتدال‪ ،‬وع‪##‬دم االعت‪##‬داء‪ ،‬وأن م‪##‬ا حص‪##‬ل من‬
‫ذلك في األديان السابقة تحريف وانحراف‪ #‬واعتداء‪.‬‬
‫ْس َعلَى الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫ت ثُ َّم اتَّقَ‪##‬وْ ا‬
‫ت ُجنَا ٌح فِي َما طَ ِع ُموا إِ َذا َما اتَّقَوْ ا َوآ َمنُوا‪َ #‬و َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬ ‫َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫َوآ َمنُوا‪ #‬ثُ َّم اتَّقَوْ ا َوأَحْ َسنُوا َوهَّللا ُ يُ ِحبُّ ْال ُمحْ ِسنِينَ ﴾ [المائدة‪]93 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن أنس قال‪ :‬كنت ساقي‪ #‬القوم يوم حرمت الخم‪##‬ر في بيت‬
‫أبي طلحة‪ ،‬وما شرابهم‪ #‬إال الفضيخ والبسر والتمر‪ ،‬وإذا من‪##‬اد ين‪##‬ادي‪ :‬أال إن الخم‪##‬ر‬
‫قد ح‪##‬رمت‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬فح‪##‬رت في س‪##‬كك المدين‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال أبوطلح‪##‬ة‪ :‬اخ‪##‬رج فأرقه‪##‬ا‪ #،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫فأرقتها‪ ،‬فقال بعضهم‪ #:‬قتل فالن وقتل فالن وهي في بطونهم‪ ،‬قال‪ :‬فأنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان بأن أحكام الش‪##‬ريعة مرتبط‪##‬ة بت‪##‬وفر العلم به‪##‬ا والق‪##‬درة‬
‫على ذلك؛ فمن حُجب عن العلم من غير تقصير منه ارتفع عنه التكليف‪.‬‬
‫يث‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬قُ‪#‬لْ اَل يَ ْس‪#‬ت َِوي‪ْ #‬الخَ بِ ُ‬
‫ح‪##‬ونَ ﴾ [المائ‪##‬دة‪:‬‬ ‫ث فَ‪##‬اتَّقُوا هَّللا َ يَ‪##‬ا أُولِي اأْل َ ْلبَ‪##‬ا ِ‬
‫ب لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُ‬ ‫ك َك ْث َرةُ ْالخَ بِي ِ‬‫َوالطَّيِّبُ َولَوأَ ْع َجبَ َ‬
‫‪]100‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن‪#‬ه عن‪#‬دما ق‪#‬ال الن‪#‬بي ‪( :‬إن هللا ع‪##‬ز وج‪#‬ل ح‪#‬رم عليكم‬
‫عب‪##‬ادة األوث‪##‬ان وش‪##‬رب الخم‪##‬ر والطعن في األنس‪##‬اب‪ ،‬أال إن الخم‪##‬ر لعن ش‪##‬اربها‬
‫وعاصرها‪ #‬وساقيها‪ #‬وبائعها وآكل ثمنها)‪ ،‬ق‪##‬ام إلي‪##‬ه أع‪##‬رابي فق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا إن‬
‫كنت رجال كانت هذه تجارتي‪ ،‬فاعتقبت من بيع الخمر ماال فهل ينفع‪##‬ني ذل‪##‬ك الم‪##‬ال‬
‫إن عملت فيه بطاعة هللا؟ فقال له النبي ‪( :‬إن أنفقت‪##‬ه في حج أوجه‪##‬اد أوص‪##‬دقة لم‬
‫يع‪##‬دل عن‪##‬د هللا جن‪##‬اح بعوض‪##‬ة‪ ،‬إن هللا ال يقب‪##‬ل إال الطيب)‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى اآلي‪##‬ة‬
‫تصديقا لقوله ‪ ،‬فالخبيث‪ :‬الحرام(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير من الخبيث‪ ،‬وأنه يبقى خبيثا أبدا‪ ،‬وأن هللا ال يقبل إال‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.204/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.209/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.209/‬‬
‫‪140‬‬
‫الطيب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أيُّهَ‪##‬ا ال ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫تَسْأَلُوا ع َْن أَ ْشيَا َء إِ ْن تُ ْب َد لَ ُك ْم تَس ُْؤ ُك ْم َوإِ ْن تَسْأَلُوا َع ْنهَا ِحينَ يُنَ َّز ُل ْالقُ‪##‬رْ آنُ تُ ْب‪َ #‬د لَ ُك ْم َعفَ‪##‬ا‬
‫هَّللا ُ َع ْنهَا َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َحلِي ٌم﴾ [المائدة‪]101 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن قوما كانوا يسألون الن‪##‬بي ‪ ‬اس‪##‬تهزاء‪ ،‬فيق‪##‬ول الرج‪##‬ل‪:‬‬
‫من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته‪ :‬أين ناقتي؟ فأنزل هللا تعالى فيهم هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫هَّلِل‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله م‪##‬ا روي عن اإلم‪##‬ام علي ق‪##‬ال‪ :‬لم‪##‬ا ن‪##‬زلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪َ ﴿ :‬و ِ‬
‫‪#‬ر فَ ‪#‬إِ َّن هَّللا َ َغنِ ٌّي َع ِن ْال َع‪##‬الَ ِمينَ ﴾‬ ‫ت َم ِن ا ْستَطَا َع إِلَ ْي ِه َسبِياًل َو َم ْن َكفَ‪َ #‬‬ ‫اس ِحجُّ ْالبَ ْي ِ‬‫َعلَى النَّ ِ‬
‫[آل عم‪##‬ران‪ ،]97 :‬قالوا‪ #:‬يا رسول هللا‪ ،‬أفي ك‪##‬ل ع‪##‬ام؟ فس‪##‬كت‪ ،‬ثم ق‪##‬الوا‪ :‬أفي ك‪##‬ل ع‪##‬ام؟‬
‫فسكت‪ ،‬ثم قال في الرابعة‪( :‬ال‪ ،‬ولوقلت‪ #:‬نعم لوجبت)‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من التكلف‪ ،‬والبحث عما لم نؤمر بالبحث عنه وفيه‪،‬‬
‫ولو أن المسلمين التزموا‪ #‬هذه اآلية الكريم‪##‬ة لتعلم‪##‬وا العل‪##‬وم الحقيقي‪##‬ة‪ ،‬وابتع‪##‬دوا عن‬
‫الكثير من التكلف الذي اختلط بالدين وشوهه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا َش‪##‬هَا َدةُ‬
‫ان ِم ْن‬ ‫َ‪##‬ان َذ َوا عَ‪ْ ##‬د ٍل ِم ْن ُك ْم أَوآخَ‪َ ##‬ر ِ‬
‫ص‪##‬يَّ ِة ْاثن ِ‬ ‫ت ِحينَ ْال َو ِ‬ ‫ض‪َ ##‬ر أَ َح‪َ ##‬د ُك ُم ْال َم‪##‬وْ ُ‬‫بَ ْينِ ُك ْم إِ َذا َح َ‬
‫ت تَحْ بِ ُس‪#‬ونَهُ َما ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د‬ ‫ص‪#‬يبَةُ ْال َم‪##‬وْ ِ‬ ‫ض فَأ َ َ‬
‫ص‪#‬ابَ ْت ُك ْم ُم ِ‬ ‫ض‪َ #‬ر ْبتُْ‪#‬م فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫‪#‬ر ُك ْم إِ ْن أَ ْنتُ ْم َ‬
‫َغ ْي‪ِ #‬‬
‫صاَل ِة فَيُ ْق ِس َما ِن بِاهَّلل ِ إِ ِن ارْ تَ ْبتُ ْم اَل نَ ْشت َِري بِ ِه ثَ َمنً‪##‬ا َولَو َك‪##‬انَ َذا قُ‪##‬رْ بَى َواَل نَ ْكتُ ُم َش‪#‬هَا َدةَ‬ ‫ال َّ‬
‫هَّللا ِ إِنَّا إِ ًذا لَ ِمنَ اآْل ثِ ِمينَ ﴾ [المائدة‪]106 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن تميم ال‪##‬داري وع‪##‬دي بن ب‪##‬داء كان‪##‬ا يختلف‪##‬ان إلى مك‪##‬ة‪،‬‬
‫فصحبهما رجل من قريش من بني سهم‪ ،‬فمات بأرض ليس بها أح‪##‬د من المس‪##‬لمين‪،‬‬
‫فأوصى إليهما بتركته‪ ،‬فلما قدما دفعاها إلى أهله وكتما جاما كان معه من فضة كان‬
‫مخوصا‪ #‬بالذهب فقاال‪ :‬لم نره فأتي بهما إلى النبي ‪ ‬فاس‪##‬تحلفهما‪ #‬باهلل م‪##‬ا كتم‪##‬ا وال‬
‫اطلعا وخلى سبيلهما؛ ثم إن الجام وجد عن‪##‬د ق‪##‬وم من أه‪##‬ل مك‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬ابتعن‪##‬اه من‬
‫تميم الداري وعدي بن بداء‪ ،‬فقام أولياء السهمي فأخ‪##‬ذوا الج‪##‬ام وحل‪##‬ف رجالن منهم‬
‫باهلل إن هذا الجام جام صاحبنا‪ ،‬وش‪##‬هادتنا أح‪##‬ق من ش‪##‬هادتهما وم‪##‬ا اعت‪##‬دينا‪ ،‬ف‪##‬نزلت‬
‫هاتان اآليتان(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة الح‪##‬ترام الوص‪##‬ايا وتنفي‪##‬ذها بدق‪##‬ة وفي ك‪##‬ل األح‪##‬وال‪،‬‬
‫وفيها‪ #‬تحذير من كتمانها أو التالعب بها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫﴿ول‪#‬هُ َم‪#‬ا َس‪#‬كنَ فِي الليْ‪ِ #‬ل‬ ‫َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫ار َوهُوال َّس ِمي ُع ْال َعلِي ُم﴾ [األنعام‪]13 :‬؟‬ ‫َوالنَّهَ ِ‪#‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن كفار مك‪##‬ة أت‪##‬وا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د إن‪##‬ا ق‪##‬د‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.209/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.209/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.212/‬‬
‫‪141‬‬
‫علمنا أنه إنما يحملك على ما تدعوإليه الحاج‪##‬ة‪ ،‬فنحن نجع‪##‬ل ل‪##‬ك نص‪##‬يبا في أموالن‪##‬ا‬
‫حتى تكون أغنانا رجال وترجع‪ #‬عما أنت عليه‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لقدرة هللا تعالى وغناه المطلق‪ ،‬وفيه‪#‬ا‪ #‬دع‪##‬وة للمؤم‪##‬نين‬
‫لالعتزاز بذلك واالستغناء به‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫﴿واَل تَط‪ُ #‬ر ِد ال ِذينَ يَ ‪ْ #‬د ُعونَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َربَّهُ ْم بِ ْال َغدَا ِة َو ْال َع ِش ِّي ي ُِري ُدونَ َوجْ هَهُ َما َعلَ ْيكَ ِم ْن ِح َسابِ ِه ْ‪#‬م ِم ْن َش ْي ٍء َو َما ِم ْن ِح َس‪##‬ابِكَ‬
‫َط ُر َدهُْ‪#‬م فَتَ ُكونَ ِمنَ الظَّالِ ِمينَ ﴾ [األنعام‪]52 :‬؟‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء فَت ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن المأل من قريش مروا على رسول هللا ‪ ‬وعنده خب‪##‬اب‬
‫بن األرت وصهيب‪ #‬وبالل وعمار‪ ،‬قالوا‪ :‬يا محمد رضيت بهؤالء؟ أتري‪##‬د أن نك‪##‬ون‬
‫تبعا لهؤالء؟ فأنزل‪ #‬هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دع‪##‬وة لألم‪#‬ة لالهتم‪##‬ام بالمستض‪##‬عفين‪ ،‬وخاص‪#‬ة الص‪##‬الحين‬
‫منهم‪ ،‬والتحذير من التفريط فيهم أو التعالي عليهم‪.‬‬
‫﴿وإِ َذا َجا َءكَ الَّ ِذينَ ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِه الرَّحْ َمةَ أَنَّهُ َم ْن َع ِم َل ِم ْن ُك ْم سُو ًءا بِ َجهَالَ ٍة‬‫بِآيَاتِنَا فَقُلْ َساَل ٌم َعلَ ْي ُك ْم َكت َ‬
‫َاب ِم ْن بَ ْع ِد ِه َوأَصْ لَ َح فَأَنَّهُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [األنعام‪]54 :‬؟‬ ‫ثُ َّم ت َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ال‪##‬ذين نهى هللا تع‪##‬الى نبي‪##‬ه ‪ ‬عن ط‪##‬ردهم‪،‬‬
‫فكان إذا رآهم الن‪#‬بي ‪ ‬ب‪#‬دأهم بالس‪##‬الم وق‪#‬ال‪( :‬الحم‪#‬د هلل ال‪##‬ذي جع‪##‬ل في أم‪#‬تي من‬
‫أمرني أن أبدأهم بالسالم) (‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دع‪##‬وة الح‪##‬ترام‪ #‬الص‪##‬ادقين من المؤم‪##‬نين وإن‪##‬زالهم من‪##‬ازلهم‬
‫التي يستحقونها‪ ،‬ومغفرة ما قد يصدر منهم من أخطاء قد ال يقصدونها‪#.‬‬
‫﴿واَل تَ‪#‬أْ ُكلُوا ِم َّما لَ ْم ي ُْ‪#‬ذ َك ِر‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫اطينَ لَيُوحُ‪##‬ونَ إِلَى أَوْ لِيَ‪##‬ائِ ِه ْ‪#‬م لِيُ َج‪##‬ا ِدلُو ُك ْم َوإِ ْن‬ ‫ق َوإِ َّن َّ‬
‫الش‪##‬يَ ِ‬ ‫اس‪ُ ##‬م هَّللا ِ َعلَيْ‪ِ ##‬ه َوإِنَّهُ لَفِ ْس‪ٌ ##‬‬
‫ْ‬
‫أَطَ ْعتُ ُموهُ ْم إِنَّ ُك ْم لَ ُم ْش ِر ُكونَ ﴾ [األنعام‪]121 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت حين قال المشركون‪ :‬يا محمد أخبرن‪##‬ا عن الش‪##‬اة‬
‫إذا ماتت من قتلها‪ ،‬قال‪( :‬هللا قتلها)‪ ،‬قالوا‪ :‬فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك‪ #‬حالل‪،‬‬
‫وما قتل الكالب والصقر حالل‪ ،‬وما قتله هللا حرام‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن المج‪##‬وس من أه‪##‬ل ف‪##‬ارس لم‪##‬ا أن‪##‬زل هللا تع‪##‬الى‬
‫تحريم‪ #‬الميتة كتبوا إلى مشركي قريش‪ ،‬وكانوا‪ #‬أولياءهم في الجاهلي‪##‬ة‪ ،‬وك‪##‬انت بينهم‬
‫مكاتبة‪ :‬إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر هللا ثم يزعمون أن ما ذبح‪##‬وا‬
‫فهوحالل‪ ،‬وما ذبح هللا فهوحرام‪ ،‬فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذل‪##‬ك ش‪##‬يء‪،‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.212/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.217/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.218/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.222/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪142‬‬
‫فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى تس‪##‬مية هللا تع‪##‬الى في ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬ألن من‪##‬ه ك‪##‬ل‬
‫شيء‪ ..‬وفيها نهي عن طاعة أصحاب األهواء أو االستماع لهم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَ َو َم ْن َك‪##‬انَ َم ْيتً‪##‬ا فَأحْ يَ ْينَ‪##‬اهُ‬
‫َ‬
‫ج ِم ْنهَ‪#‬ا َك‪َ #‬ذلِكَ‬ ‫خَ‪#‬ار ٍ‬
‫ْس بِ ِ‬ ‫ت لَي َ‬ ‫اس َك َم ْن َمثَلُهُ فِي ُّ‬
‫الظلُ َم‪##‬ا ِ‬ ‫َو َج َع ْلنَا لَهُ نُورًا يَ ْم ِشي بِ ِه فِي النَّ ِ‬
‫ُزيِّنَ لِ ْل َكافِ ِرينَ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ ﴾ [األنعام‪]122 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‬
‫أبا جهل رمى رسول هللا ‪ ‬بف‪##‬رث وحم‪##‬زة لم ي‪##‬ؤمن بع‪##‬د‪ ،‬ف‪##‬أخبر حم‪##‬زة بم‪##‬ا فع‪##‬ل‬
‫أبوجهل وهوراجع‪ #‬من قنصه وبيده قوس‪ ،‬فأقبل‪ #‬غضبان حتى عال أبا جهل ب‪##‬القوس‬
‫وهويتضرع‪ #‬إليه ويقول‪ :‬يا أب‪##‬ا يعلى‪ ،‬أم‪##‬ا ت‪##‬رى م‪##‬ا ج‪##‬اء ب‪##‬ه؟! س‪##‬فه عقولن‪##‬ا‪ ،‬وس‪##‬ب‬
‫آلهتنا‪ ،‬وخالف آباءنا؟ قال حمزة‪ :‬ومن أس‪##‬فه منكم؟! تعب‪#‬دون الحج‪#‬ارة من دون هللا‪،‬‬
‫أش‪##‬هد أن ال إل‪#‬ه إال هللا وح‪##‬ده ال ش‪#‬ريك ل‪#‬ه‪ ،‬وأن محم‪#‬دا عب‪#‬ده ورس‪##‬وله‪ ،‬ف‪#‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إشارة إلى أن الحي‪##‬اة الحقيقي‪##‬ة ال تتحق‪##‬ق إال ب‪##‬روح اإليم‪##‬ان‬
‫ونوره‪ ،‬وأن من فقدها سيعيش في ظلمات الموت والجهالة‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا بَنِي آ َد َم ُخ‪ُ #‬ذوا ِزينَتَ ُك ْم‬
‫ْرفِينَ ﴾ [األعراف‪]31 :‬؟‬ ‫ْرفُوا‪ #‬إِنَّهُ اَل يُ ِحبُّ ْال ُمس ِ‬
‫ْج ٍد َو ُكلُوا َوا ْش َربُوا َواَل تُس ِ‬‫ِع ْن َد ُك ِّل َمس ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ن‪##‬اس من األع‪##‬راب ك‪##‬انوا يطوف‪##‬ون ب‪##‬البيت‬
‫عراة‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى اآلية‪ ،‬فأمروا‪ #‬بلبس الثياب(‪.)3‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن أه‪#‬ل الجاهلي‪##‬ة ك‪#‬انوا ال ي‪##‬أكلون من الطع‪##‬ام إال‬
‫قوتا‪ ،‬وال يأكلون دسما في أي‪##‬ام حجهم‪ ،‬يعظم‪##‬ون ب‪##‬ذلك حجهم‪ ،‬فق‪##‬ال المس‪##‬لمون‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫رسول هللا نحن أحق بذلك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا إباح‪##‬ة للطيب‪##‬ات‪ ،‬وأم‪##‬ر ب‪##‬التزين وخاص‪##‬ة عن‪##‬د ممارس‪##‬ة‬
‫الشعائر‪ ،‬وفيها‪ #‬نهي عن اإلسراف والمبالغة في ذلك‪.‬‬
‫ئ ْالقُ‪##‬رْ آنُ‬ ‫‪##‬ر َ‬ ‫ُ‬
‫﴿وإِذا ق ِ‬‫َ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫فَا ْستَ ِمعُوا لَهُ َوأَ ْن ِ‬
‫صتُوا‪ #‬لَ َعلَّ ُك ْم تُرْ َح ُمونَ ﴾ [األعراف‪]204 :‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت فيمن ك‪##‬انوا يتكلم‪##‬ون في ص‪##‬التهم في أول م‪##‬ا‬
‫فرضت‪ ،‬حيث كان الرجل يجيء فيقول لصاحبه‪ :‬كم صليتم؟ فيقول‪ :‬كذا وكذا(‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في فتى من األنصار‪ #‬ك‪##‬ان رس‪##‬ول هللا ‪‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.223/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.223/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.224/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.224/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.227/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪143‬‬
‫كلما قرأ شيئا قرأ هو (‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ق‪##‬رأ في الص‪##‬الة المكتوب‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬رأ‪#‬‬
‫أصحابه وراءه رافعين أصواتهم‪ ،‬فخلطوا‪ #‬عليه‪ ،‬فنزلت(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى تعظيم الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم واألدب مع‪##‬ه‪ ،‬وفي ك‪##‬ل‬
‫األحوال‪ ،‬ومنها االستماع إليه إذا قرئ‪.‬‬
‫‪#‬ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَ ْس‪#‬ألونَكَ َع ِن اأْل ْنفَ‪##‬ا ِل قُ‪ِ #‬‬
‫ص‪#‬لِحُوا‪َ #‬ذاتَ بَ ْينِ ُك ْم َوأَ ِطي ُع‪##‬وا‪ #‬هَّللا َ َو َر ُس‪#‬ولَهُ إِ ْن ُك ْنتُ ْم‬ ‫ول فَ‪##‬اتَّقُوا هَّللا َ َوأَ ْ‬ ‫اأْل َ ْنفَا ُل هَّلِل ِ َوالر ُ‬
‫َّس‪#ِ #‬‬
‫ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [األنفال‪]1 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن سعد بن أبي وقاص ق‪##‬ال‪ :‬لم‪##‬ا ك‪##‬ان ي‪##‬وم ب‪##‬در قت‪##‬ل أخي‬
‫عمير وقتلت سعيد بن العاص فأخذت سيفه‪ ،‬وكان يسمى ذا الكيفة‪ ،‬ف‪##‬أتيت ب‪##‬ه الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬قال‪( :‬اذهب فاطرحه في القبض)‪ ،‬فرجعت وبي ما ال يعلمه إال هللا من قتل أخي‬
‫وأخذ سلبي‪ ،‬فما جاوزت إال قريبا ح‪##‬تى ن‪##‬زلت س‪##‬ورة األنف‪##‬ال‪ ،‬فق‪##‬ال لي رس‪##‬ول هللا‬
‫‪( :‬فخذ سيفك) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن عباس قال‪ :‬لما كان يوم بدر‪ ،‬وق‪##‬ال رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪( :‬من فعل كذا وكذا فعله ك‪##‬ذا وك‪##‬ذا)‪ ،‬ف‪##‬ذهب ش‪##‬باب الرج‪##‬ال وجلس الش‪##‬يوخ‬
‫تحت الراي‪##‬ات‪ ،‬فلم‪##‬ا ك‪##‬انت الغنيم‪##‬ة ج‪##‬اء الش‪##‬باب يطلب‪##‬ون نفلهم‪ ،‬فق‪##‬ال الش‪##‬يوخ‪ :‬ال‬
‫تستأثروا علينا فإنا كن‪##‬ا تحت الراي‪##‬ات ول‪##‬وانهزمتم لكن‪##‬ا لكم ردءا‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية‪ ،‬فقسمها بينهما بالسوية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬لما هزم العدو يوم ب‪##‬در‬
‫واتبعتهم‪ #‬طائف‪##‬ة يقتل‪##‬ونهم وأح‪##‬دقت طائف‪##‬ة برس‪##‬ول هللا ‪ ،‬واس‪##‬تولت‪ #‬طائف‪##‬ة على‬
‫العسكر والنهب‪ ،‬فلما نفى هللا العدو‪ ،‬ورج‪##‬ع ال‪##‬ذين طلب‪##‬وهم‪ ،‬ق‪##‬الوا‪ :‬لن‪##‬ا النف‪##‬ل؛ نحن‬
‫طلبنا العدووبنا نفاهم هللا وهزمهم‪ ،‬وقال ال‪##‬ذين أح‪##‬دقوا برس‪##‬ول هللا ‪ ‬وهللا م‪##‬ا أنتم‬
‫بأحق به منا؛ نحن أحدقنا برسول‪ #‬هللا ‪ ‬ال ينال العدومنه غرة فهولن‪##‬ا‪ ،‬وق‪##‬ال ال‪##‬ذين‬
‫استولوا‪ #‬على العسكر والنهب‪ :‬وهللا ما أنتم ب‪##‬أحق من‪##‬ا؛ نحن أخ‪##‬ذناه واس‪##‬تولينا علي‪##‬ه‬
‫فهولنا‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى اآلية(‪.)5‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى الرضى بأحك‪##‬ام هللا ورس‪##‬وله في ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬بم‪##‬ا‬
‫فيها تقسيم الغنائم‪ ..‬وفيها‪ #‬نهي عن الصراع على الدنيا والمغانم‪#.‬‬
‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‪#‬ال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬فل ْم تَقتل‪##‬وهُ ْم َول ِكن َ‬
‫‪##‬ؤ ِمنِينَ ِم ْن‪##‬هُ بَاَل ًء َح َس‪##‬نًا إِ َّن هَّللا َ‬‫قَتَلَهُ ْم َو َم‪##‬ا َر َميْتَ إِ ْذ َر َميْتَ َولَ ِك َّن هَّللا َ َر َمى َولِيُ ْبلِ َي ْال ُم ْ‬
‫َس ِمي ٌع َعلِي ٌم﴾ [األنفال‪]17 :‬؟‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.227/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.229/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.230/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.231/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.231/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪144‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما أقبل أبي بن خلف يوم أح‪##‬د إلى الن‪##‬بي ‪‬‬
‫يري‪##‬ده‪ ،‬ف‪##‬اعترض ل‪##‬ه رج‪##‬ال من المؤم‪##‬نين‪ ،‬ف‪##‬أمرهم‪ #‬رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فخل‪##‬وا س‪##‬بيله‪،‬‬
‫فاستقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار‪ ،‬ورأى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ترق‪##‬وة أبي من‬
‫فرجة بين سابغة البيضة والدرع‪ ،‬فطعن‪##‬ه بحربت‪#‬ه فس‪#‬قط أبي عن فرس‪#‬ه ولم يخ‪##‬رج‬
‫من طعنته دم‪ ،‬وكسر ضلعا من أض‪##‬العه‪ ،‬فأت‪##‬اه أص‪##‬حابه وهويخ‪##‬ور خ‪##‬وار الث‪##‬ور‪،‬‬
‫فقالوا له‪ :‬ما أعجزك؟ إنما هوخدش! فقال‪ :‬والذي‪ #‬نفس‪##‬ي بي‪##‬ده لوك‪##‬ان ه‪##‬ذا ال‪##‬ذي بي‬
‫بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين‪ ،‬فمات أبي إلى النار‪ ،‬فسحقا ألصحاب الس‪#‬عير قب‪##‬ل‬
‫أن يقدم مكة (‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬يوم خيبر دعا بقوس‪ ،‬فأتي بق‪##‬وس‬
‫طويلة‪ ،‬فقال‪ :‬جيئوني بقوس غيره‪##‬ا‪ ،‬فج‪##‬اءوه بق‪##‬وس كب‪##‬داء‪ ،‬ف‪##‬رمى رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫على الحصن‪ ،‬فأقبل السهم يهوي حتى قتل كنان‪##‬ة بن أبي الحقي‪##‬ق وه‪##‬وعلى فراش‪##‬ه‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن اآلي‪##‬ة ن‪##‬زلت في رمي الن‪##‬بي ‪ ‬القبض‪##‬ة من‬
‫حصباء الوادي يوم بدر حين قال للمشركين‪ :‬شاهت الوجوه ورماهم‪ #‬بتل‪##‬ك القبض‪##‬ة‪،‬‬
‫فلم يبق عين مشرك إال دخلها منه شيء(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى التوكل على هللا والثقة في‪##‬ه‪ ،‬ألن‪##‬ه الفاع‪##‬ل الحقيقي‬
‫لكل شيء‪ ..‬وفيها نهي عن الغرور‪ #‬والعجب‪ ،‬والذي ال يتناسب مع توحيد هللا‪.‬‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَ َج َع ْلتُ ْم ِس‪#‬قَايَةَ ْال َح‪ #‬ا ِّج‬
‫يل هَّللا ِ اَل يَ ْس ‪#‬تَوُونَ‬ ‫ارةَ ْال َم ْس ِج ِد ْال َح َر ِام َك َم ْن آ َمنَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِم اآْل ِخ ِر َو َجاهَ َد فِي َسبِ ِ‬ ‫َو ِع َم َ‬
‫ِع ْن َد هَّللا ِ َوهَّللا ُ اَل يَ ْه ِدي ْالقَوْ َم الظَّالِ ِمينَ ﴾ [التوبة‪]19 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في قول بعضهم‪ :‬ما أبالي أن ال أعمل عمال بع‪##‬د‬
‫أن أس‪##‬قي الح‪##‬اج‪ ،‬وق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬م‪##‬ا أب‪##‬الي أن ال أعم‪##‬ل عمال بع‪##‬د أن أعم‪##‬ر المس‪##‬جد‬
‫الحرام‪ ،‬وقال آخر‪ :‬الجهاد في سبيل أفضل مما قلتم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بي‪##‬ان لم‪##‬راتب األعم‪##‬ال‪ ،‬ودع‪##‬وة إلى مراعاته‪##‬ا‪ ،‬واالهتم‪##‬ام‬
‫بأشرفها‪ ..‬وفيها‪ #‬تحذير من إدخال األهواء واألعراف في ذلك‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫‪#‬ولَّهُ ْم ِم ْن ُك ْم‬
‫‪#‬ان َو َم ْن يَتَ‪َ #‬‬ ‫اس‪#‬ت ََحبُّوا ْال ُك ْف‪َ #‬‬
‫‪#‬ر َعلَى اإْل ِ ي َم‪ِ #‬‬ ‫تَتَّ ِخ ُذوا‪ #‬آبَ‪##‬ا َء ُك ْم َوإِ ْخ‪َ #‬وانَ ُك ْ‪#‬م أَوْ لِيَ‪##‬ا َء إِ ِن ْ‬
‫ك هُ ُم الظَّالِ ُمونَ ﴾ [التوبة‪]23 :‬؟‬ ‫فَأُولَئِ َ‪#‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما أمر رسول هللا ‪ ‬بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل‬
‫يقول ألبيه وأخيه وامرأته‪ :‬إنا قد أمرنا بالهجرة‪ ،‬فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجب‪#‬ه‪،‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.232/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.233/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.233/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.243/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪145‬‬
‫ومنهم‪ #‬من يتعلق به زوجته وعياله وولده‪ ،‬فيقولون‪ :‬ناشدناك هللا أن ت‪##‬دعنا إلى غ‪##‬ير‬
‫ش‪##‬يء فنض‪##‬يع‪ ،‬ف‪#‬يرق‪ #‬فيجلس معهم وي‪##‬دع الهج‪#‬رة‪ ،‬ف‪##‬نزلت اآلي‪#‬ة‪ ،‬ون‪#‬زل في ال‪##‬ذين‬
‫تخلف‪##‬وا بمك‪##‬ة ولم يه‪##‬اجروا‪ #‬قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ إِ ْن َك‪##‬انَ آبَ‪##‬ا ُؤ ُك ْم َوأَ ْبنَ‪##‬ا ُؤ ُك ْ‪#‬م َوإِ ْخ‪َ #‬وانُ ُك ْم‬
‫‪##‬ارةٌ ت َْخ َش‪##‬وْ نَ َك َس‪##‬ا َدهَا َو َم َس‪##‬ا ِكنُ‬ ‫‪##‬وا ٌل ا ْقتَ َر ْفتُ ُموهَ‪##‬ا َوتِ َج َ‬ ‫َوأَ ْز َوا ُج ُك ْم َوع َِش‪##‬ي َرتُ ُك ْ‪#‬م َوأَ ْم َ‬
‫َّص‪##‬وا َحتَّى يَ‪##‬أْتِ َي هَّللا ُ‬ ‫ض‪##‬وْ نَهَا‪ #‬أَ َحبَّ إِلَ ْي ُك ْم ِمنَ هَّللا ِ َو َر ُس‪##‬ولِ ِه َو ِجهَ‪##‬ا ٍد فِي َس‪##‬بِيلِ ِه فَتَ َرب ُ‬ ‫تَرْ َ‬
‫بِأ َ ْم ِر ِه﴾ [التوبة‪]24 :‬؟ يعني‪ :‬القتال وفتح مكة(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من حيلولة العالقات االجتماعية بين الم‪##‬ؤمن وتأدي‪##‬ة‬
‫واجباته الشرعية؛ فحق هللا ودينه أولى من كل شيء‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أيُّهَا ال ِذينَ آ َمنُوا َم‪##‬ا لَ ُك ْم‬
‫ضيتُ ْم بِ ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا ِمنَ اآْل ِخ‪َ #‬ر ِة‬ ‫ض أَ َر ِ‬‫إِ َذا قِي َل لَ ُك ُم ا ْنفِرُوا فِي َسبِي ِل هَّللا ِ اثَّاقَ ْلتُ ْم إِلَى اأْل َرْ ِ‬
‫ع ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا فِي اآْل ِخ َر ِة إِاَّل قَلِيلٌ﴾ [التوبة‪]38 :‬؟‬ ‫فَ َما َمتَا ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في الحث على غزوة تبوك‪ ،‬وذلك أن رسول هللا‬
‫‪ ‬لما رجع من الطائف وغزوة حنين أمر بالجه‪##‬اد لغ‪##‬زو ال‪##‬روم‪ ،‬وذل‪##‬ك في زم‪##‬ان‬
‫عس‪##‬رة من الن‪##‬اس وج‪##‬دب من البالد وش‪##‬دة من الح‪##‬ر‪ ،‬حين أخ‪##‬رفت النخ‪##‬ل وط‪##‬ابت‬
‫الثمار‪ ،‬فعظم على الناس غزوة الروم وأحبوا الظالل والمقام في المس‪##‬اكن والم‪##‬ال‪،‬‬
‫وشق‪ #‬عليهم الخروج إلى القتال‪ ،‬فلما علم هللا تثاقل الناس أنزل هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا أم‪##‬ر بالطاع‪##‬ة المطلق‪##‬ة هلل ورس‪##‬وله‪ ،‬وفي ك‪##‬ل األح‪##‬وال‪،‬‬
‫وخاصة عند النفير لمواجهة الظالمين والمستبدين والمتسلطين‪.‬‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ا ْنفِ‪#‬رُوا ِخفَافً‪##‬ا َوثِقَ‪#‬ااًل‬
‫َو َجا ِهدُوا‪ #‬بِأ َ ْم َوالِ ُك ْم َوأَ ْنفُ ِس ُك ْ‪#‬م فِي َسبِ ِ‬
‫يل هَّللا ِ َذلِ ُك ْم خَ ْي ٌر لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [التوبة‪]41 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في ال‪##‬ذين اعت‪##‬ذروا بالض‪##‬يعة والش‪##‬غل وانتش‪##‬ار‬
‫األمر‪ ،‬فأبى هللا تعالى أن يعذرهم‪ #‬دون أن ينفروا على ما كان منهم(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لالستجابة للنفير وفي‪ #‬كل األحوال والظ‪##‬روف‪ #‬م‪##‬ا دام‬
‫المستنفر ق‪##‬ادرا‪ #‬على ذل‪##‬ك‪ ..‬وفيه‪##‬ا نهي عن االعت‪##‬ذار والت‪##‬برير‪ #‬ال‪##‬ذي يس‪##‬تند لله‪##‬وى‬
‫والكسل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫﴿و َعلى ال ِذينَ إِذا َم‪##‬ا‬ ‫َ‬ ‫اَل‬ ‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫أَتَوْ كَ لِتَحْ ِملَهُ ْم قُ ْلتَ اَل أَ ِج ُد َما أَحْ ِملُ ُك ْم َعلَ ْي‪ِ #‬ه ت ََولَّوْ ا‪َ #‬وأَ ْعيُنُهُ ْم تَفِيضُ ِمنَ ال‪َّ #‬د ْم ِع َح َزنً‪##‬ا أَاَّل‬
‫يَ ِجدُوا َما يُ ْنفِقُونَ ﴾ [التوبة‪]92 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في البكائين من أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وك‪##‬انوا‪#‬‬
‫سبعة‪ ،‬أتوا رسول هللا ‪ ‬فقالوا‪ :‬يا نبي هللا إن هللا عز وجل قد ندبنا للخروج مع‪##‬ك‪،‬‬
‫فاحملنا‪ #‬على الخفاف المرقوع‪#‬ة والنع‪#‬ال المخص‪#‬وفة نغزومع‪#‬ك‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬ال أج‪#‬د م‪#‬ا‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.244/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.244/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.244/‬‬
‫‪146‬‬
‫أحملكم عليه)‪ ،‬فتولوا وهم يبكون(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تص‪##‬وير‪ #‬لمش‪##‬اعر المستض‪##‬عفين الص‪##‬ادقين من أص‪##‬حاب‬
‫رسول هللا ‪ ، ‬وهم أعظم من أن ينحصروا في زمان‪ ،‬وأول عالماتهم بذل كل م‪##‬ا‬
‫يملكون في سبيل هللا‪.‬‬
‫ُ‬
‫﴿وآخَ رُونَ ا ْعتَ َرفُوا‪ #‬بِذنُوبِ ِه ْ‪#‬م‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫حي ٌم﴾ [التوبة‪:‬‬ ‫هَّللا‬
‫وب َعلَ ْي ِه ْم إِ َّن َ َغفُو ٌر َر ِ‬ ‫آخَر َسيِّئًا َع َسى هَّللا ُ أَ ْن يَتُ َ‬ ‫صالِحًا َو َ‬ ‫خَ لَطُوا َع َماًل َ‬
‫‪]102‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في قوم ك‪##‬انوا ق‪##‬د تخلف‪##‬وا عن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬في‬
‫غزوة تبوك ثم ندموا على ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬نكون في الكن والظالل مع النساء ورس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ ‬وأصحابه في الجهاد‪ ،‬وهللا لنوثقن أنفس‪##‬نا بالس‪##‬واري‪ #‬فال نطلقه‪##‬ا ح‪##‬تى يك‪##‬ون‬
‫الرس‪##‬ول هوال‪##‬ذي‪ #‬يطلقن‪##‬ا ويع‪##‬ذرنا‪ ،‬وأوثق‪##‬وا‪ #‬أنفس‪##‬هم بس‪##‬واري المس‪##‬جد‪ ،‬فلم‪##‬ا رج‪##‬ع‬
‫رس‪##‬ول هللا ‪ ‬م‪##‬ر بهم ف‪##‬رآهم‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬من ه‪##‬ؤالء؟) ق‪##‬الوا‪ :‬ه‪##‬ؤالء تخلف‪##‬وا عن‪##‬ك‪،‬‬
‫فعاهدوا‪ #‬هللا أن ال يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم وترض‪##‬ى عنهم‪ ،‬فق‪##‬ال‬
‫النبي ‪( :‬وأنا أقسم باهلل ال أطلقهم وال أعذرهم حتى أومر بإطالقهم‪ ،‬رغب‪##‬وا ع‪##‬ني‬
‫وتخلفوا عن الغزومع المسلمين)‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية‪ ،‬فلما نزلت أرسل إليهم‬
‫النبي ‪ ‬وأطلقهم وعذرهم‪ ،‬فلما أطلقهم قالوا‪ :‬يا رسول هللا هذه أموالنا ال‪##‬تي خلفتن‪##‬ا‬
‫عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واس‪#‬تغفر‪ #‬لن‪#‬ا‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬م‪#‬ا أم‪#‬رت أن آخ‪#‬ذ من أم‪#‬والكم‬
‫ص‪#‬لِّ‬ ‫ص‪َ #‬دقَةً تُطَهِّ ُرهُْ‪#‬م َوتُ‪َ #‬ز ِّكي ِه ْم بِهَ‪#‬ا َو َ‬ ‫‪#‬ذ ِم ْن أَ ْم َ‬
‫‪#‬والِ ِه ْم َ‬ ‫شيئا)‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا ع‪#‬ز وج‪#‬ل ﴿ ُخ ْ‬
‫صاَل تَكَ َس َك ٌن لَهُ ْم َوهَّللا ُ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم﴾ [التوبة‪ ،]103 :‬وكانوا عشرة رهط(‪.)2‬‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم إِ َّن َ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للمسارعة للتوبة‪ ،‬وإبدال السيئة بالحسنة‪ ،‬وفيه‪##‬ا ذك‪##‬ر‬
‫لبعض الطرق‪ #‬في ذلك‪.‬‬
‫﴿وآخَ‪ #‬رُونَ ُمرْ َج‪##‬وْ نَ أِل َ ْم‪ِ #‬‬
‫‪#‬ر‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫هَّللا ِ إِ َّما يُ َع ِّذبُهُ ْم َوإِ َّما يَتُوبُ َعلَ ْي ِه ْم َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم﴾ [التوبة‪]106 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في كعب بن مالك وم‪##‬رارة بن الربي‪##‬ع أح‪##‬د ب‪##‬ني‬
‫عمروبن عوف وهالل بن أمية من بني واقف تخلفوا عن غ‪##‬زوة تب‪##‬وك‪ ،‬وهم ال‪##‬ذين‬
‫ت َعلَ ْي ِه ُم اأْل َرْ ضُ‬ ‫ض‪#‬اقَ ْ‬ ‫ذكروا‪ #‬في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َعلَى الثَّاَل ثَ‪ِ #‬ة الَّ ِذينَ ُخلِّفُ‪##‬وا َحتَّى إِ َذا َ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم أَ ْنفُ ُس‪#‬هُ ْم َوظَنُّوا أَ ْن اَل َم ْل َج‪##‬أ َ ِمنَ هَّللا ِ إِاَّل إِلَيْ‪ِ #‬ه ثُ َّم تَ‪َ #‬‬
‫‪#‬اب َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫ض‪ #‬ا ق َ ْ‬
‫ت َو َ‬‫بِ َما َر ُحبَ ْ‬
‫لِيَتُوبُوا‪ #‬إِ َّن هَّللا َ هُوالتَّوَّابُ ال َّر ِحي ُم﴾ [التوبة‪]118 :‬؟ (‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لعظم التوبة وكثرة ش‪##‬روطها‪ ،‬وأن‪##‬ه ليس ك‪##‬ل من ت‪##‬اب‬
‫تيب عليه‪ ،‬بل هلل األمر من قبل ومن بعد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيها‪ #‬رد قوي‪ #‬صريح على كل األحاديث التي ينشرها‪ #‬المرجئة‪ ،‬وال‪##‬تي‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.255/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.255/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.255/‬‬
‫‪147‬‬
‫يتوهمون فيها أن بعض الكلمات أو األفعال البسيطة يمكنه‪#‬ا أن تمح‪#‬و ذن‪#‬وب العم‪#‬ر‬
‫كلها‪ ،‬بل تبدلها حسنات‪.‬‬
‫اش ‪#‬ت ََرى ِمنَ‬ ‫هَّللا‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن َ ْ‬
‫يل هَّللا ِ فَيَ ْقتُلُونَ َويُ ْقتَلونَ َو ْع‪ #‬دًا‬
‫ُ‬ ‫ْال ُم ْؤ ِمنِينَ أَ ْنفُ َسهُ ْم َوأَ ْم َوالَهُ ْم بِأ َ َّن لَهُ ُم ْال َجنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي َسبِ ِ‬
‫َعلَ ْي ِه َحقًّا فِي التَّوْ َرا ِة َواإْل ِ ْن ِجي ِل َو ْالقُ‪##‬رْ ِ‬
‫آن َو َم ْن أَوْ فَى بِ َع ْه‪ِ #‬د ِه ِمنَ هَّللا ِ فَا ْستَب ِْش ‪#‬رُوا‪ #‬بِبَي ِْع ُك ُم‬
‫ُوالفَوْ ُز ْال َع ِظي ُم﴾ [التوبة‪]111 :‬؟‬ ‫الَّ ِذي بَايَ ْعتُ ْم بِ ِه َو َذلِكَ ه ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما بايعت األنصار رسول هللا ‪ ‬ليلة العقبة بمك‪##‬ة وهم‬
‫سبعون نفسا‪ ،‬قال عبد هللا بن رواحة‪ :‬يا رسول هللا اشترط‪ #‬لربك ولنفسك م‪##‬ا ش‪##‬ئت‪،‬‬
‫فقال‪( :‬أشترط لربي أن تعبدوه وال تشركوا‪ #‬ب‪##‬ه ش‪##‬يئا‪ ،‬وأش‪##‬ترط لنفس‪##‬ي أن تمنع‪##‬وني‬
‫مما تمنعون منه أنفسكم)‪ ،‬قالوا‪ :‬فإذا فعلنا ذلك فم‪##‬اذا لن‪##‬ا؟ ق‪##‬ال‪( :‬الجن‪##‬ة) ق‪##‬الوا‪ :‬ربح‬
‫البيع ال نقيل وال نستقيل‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي شاملة لك‪##‬ل المؤم‪##‬نين الص‪##‬ادقين في ك‪##‬ل العص‪##‬ور‪ #،‬وال‪##‬ذين‬
‫يبذلون كل ما يملكون في سبيل هللا س‪##‬واء أم‪##‬والهم أو أنفس‪#‬هم‪ ..‬وه‪#‬ؤالء وح‪##‬دهم من‬
‫يستحقون البشارات والفوز العظيم‪.‬‬
‫﴿و َم‪##‬ا َك‪##‬انَ ْال ُم ْؤ ِمنُ‪##‬ونَ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ِّين َولِيُ ْن‪ِ #‬ذرُوا‪ #‬قَ‪##‬وْ َمهُْ‪#‬م‬ ‫لِيَ ْنفِرُوا َكافَّةً فَلَوْ اَل نَفَ َر ِم ْن ُكلِّ فِرْ قَ ٍة ِم ْنهُ ْم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُ‪##‬وا فِي ال‪#‬د ِ‬
‫إِ َذا َر َجعُوا إِلَ ْي ِه ْم لَ َعلَّهُ ْم يَحْ َذرُونَ ﴾ [التوبة‪]122 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما أنزل هللا تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجه‪##‬اد‬
‫قال المؤمنون‪ :‬وهللا ال نتخلف عن غزوة يغزوها‪ #‬رسول هللا ‪ ‬وال سرية أبدا‪ ،‬فلما‬
‫أمر رسول هللا ‪ ‬بالسرايا‪ #‬إلى العدو نفر المسلمون جميع‪##‬ا وترك‪##‬وا‪ #‬رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫وحده بالمدينة‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لكل من يحت‪##‬اج المس‪##‬لمون إلى خدمات‪##‬ه في المج‪##‬االت‬
‫المختلفة إلى اإلبقاء على نفسه‪ ،‬وعدم المشاركة في الجه‪##‬اد العس‪##‬كري‪ ،‬والمش‪##‬اركة‬
‫في سائر مجاالت الجهاد‪ ،‬وأولها الجهاد العلمي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬نَحْ نقصُّ َعل ْي‪##‬كَ أحْ َس‪#‬نَ‬
‫ص بِ َما أَوْ َح ْينَا إِلَ ْيكَ هَ َذا ْالقُرْ آنَ َوإِ ْن ُك ْنتَ ِم ْن قَ ْبلِ ِه لَ ِمنَ ْالغَافِلِينَ ﴾ [يوسف‪]3 :‬؟‬ ‫ص ِ‬ ‫ْالقَ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن هللا تعالى أن‪##‬زل الق‪##‬رآن على رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬فتاله عليهم‬
‫زمانا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول هللا لوقصصت‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلي‪##‬ة‪ ..‬فتاله عليهم زمان‪##‬ا‪،‬‬
‫ث ِكتَابً‪#‬ا‬ ‫فقالوا‪ :‬يا رسول‪ #‬هللا لوحدثتنا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية‪﴿ :‬هَّللا ُ نَ َّز َل أَحْ َس‪#‬نَ ْال َح‪ِ #‬دي ِ‬
‫ُمتَ َشابِهًا‪َ #‬مثَانِ َي تَ ْق َش‪ِ #‬عرُّ ِم ْن‪#‬هُ ُجلُ‪##‬و ُد الَّ ِذينَ يَ ْخ َش‪#‬وْ نَ َربَّهُ ْم ثُ َّم تَلِينُ ُجلُ‪##‬و ُدهُْ‪#‬م َوقُلُ‪##‬وبُهُْ‪#‬م إِلَى‬
‫ِذ ْك ِر هَّللا ِ َذلِكَ هُدَى هَّللا ِ يَ ْه ِدي بِ ِه َم ْن يَ َشا ُء َو َم ْن يُضْ لِ ِل هَّللا ُ فَ َما لَ‪#‬هُ ِم ْن هَ‪#‬ا ٍد﴾ [الزم‪##‬ر‪،]23 :‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.259/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.259/‬‬
‫‪148‬‬
‫قال‪ :‬كل ذلك تؤمرون بالقرآن(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‬
‫ث ِكتَابً‪##‬ا ُمت ََش‪#‬ابِهًا‪َ #‬مثَ‪##‬انِ َي تَ ْق َش‪ِ #‬عرُّ ِم ْن‪#‬هُ‬‫حدثنا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى‪﴿ :‬هَّللا ُ نَ َّز َل أَحْ َسنَ ْال َح‪ِ #‬دي ِ‬
‫ُجلُو ُد الَّ ِذينَ يَ ْخ َشوْ نَ َربَّهُ ْم ثُ َّم تَلِينُ ُجلُو ُدهُْ‪#‬م َوقُلُوبُهُْ‪#‬م إِلَى ِذ ْك ِر هَّللا ِ َذلِ‪##‬كَ هُ‪#‬دَى هَّللا ِ يَ ْه‪ِ #‬دي‬
‫بِ ِه َم ْن يَ َشا ُء َو َم ْن يُضْ لِ ِل هَّللا ُ فَ َما لَهُ ِم ْن هَا ٍد﴾ [الزم‪##‬ر‪ ،]23 :‬ثم إنهم ق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‬
‫فوق‪ #‬الحديث ودون القرآن‪ ،‬يعن‪##‬ون القص‪##‬ص‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‪﴿ :‬نَحْ نُ نَقُصُّ َعلَ ْي‪##‬كَ‬
‫ال َغ‪##‬افِلِينَ ﴾ [يوس‪##‬ف‪:‬‬ ‫ك هَ َذا ْالقُرْ آنَ َوإِ ْن ُك ْنتَ ِم ْن قَ ْبلِ‪ِ #‬ه لَ ِمنَ ْ‬ ‫ص بِ َما أَوْ َح ْينَا إِلَ ْي َ‬
‫ص ِ‬ ‫أَحْ َسنَ ْالقَ َ‬
‫‪ ،]3‬فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث‪ ،‬وأرادوا‪ #‬القصص ف‪##‬دلهم على أحس‪##‬ن‬
‫القصص(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة الستعمال كل أساليب ووسائل‪ #‬الهداية‪ ،‬تأس‪##‬يا ب‪##‬القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وإقامة لحجة هللا البالغة‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذينَ هَ‪##‬ا َجرُوا‪ #‬فِي هَّللا ِ‬
‫‪#‬ر ِة أَ ْكبَ‪ُ #‬ر لَو َك‪##‬انُوا يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ﴾‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِد َما ظُلِ ُموا لَنُبَ ِّوئَنَّهُْ‪#‬م فِي ال‪ُّ #‬د ْنيَا َح َس‪#‬نَةً َوأَل َجْ‪ُ #‬ر اآْل ِخ‪َ #‬‬
‫[النحل‪]41 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في أص‪##‬حاب الن‪##‬بي ‪ ‬بمك‪##‬ة بالل وص‪##‬هيب‬
‫وخب‪##‬اب وعم‪#‬ار وأبي جن‪#‬دل بن س‪#‬هيل أخ‪#‬ذهم المش‪##‬ركون بمك‪#‬ة فع‪##‬ذبوهم‪ #‬وآذوهم‪،‬‬
‫فبوأهم‪ #‬هللا تعالى بعد ذلك المدينة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لشمول الج‪##‬زاء اإللهي ال‪##‬دنيا واآلخ‪##‬رة‪ ،‬فاهلل أك‪##‬رم من‬
‫أن يؤجل ثواب المؤمنين الصادقين إلى اآلخرة‪ ،‬مع أن ج‪##‬زاء اآلخ‪##‬رة أعظم وأك‪##‬بر‪#‬‬
‫تفضيال‪.‬‬
‫‪#‬ر بِاهَّلل ِ ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬م ْن َكفَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ان َولَ ِك ْن َم ْن َش ‪َ #‬ر َح بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال ُك ْف ِر َ‬ ‫ط َمئِ ٌّن بِاإْل ِ ي َم‪ِ #‬‬‫‪#‬رهَ َوقَ ْلبُ ‪#‬هُ ُم ْ‬ ‫ُ‬
‫ص ‪ْ #‬درًا فَ َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫إِي َمانِ ‪ِ #‬ه إِاَّل َم ْن أ ْك‪ِ #‬‬
‫َضبٌ ِمنَ هَّللا ِ َولَهُ ْم َع َذابٌ َع ِظي ٌم﴾ [النحل‪]106 :‬؟‬ ‫غ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في عمار بن ياسر‪ ،‬وذل‪##‬ك أن المش‪##‬ركين أخ‪##‬ذوه‬
‫وأباه ياسرا وأمه سمية وص‪##‬هيبا‪ #‬وبالال وخباب‪##‬ا وس‪##‬الما فع‪##‬ذبوهم‪ ،‬فأم‪##‬ا س‪##‬مية فإنه‪##‬ا‬
‫ربطت بين بعيرين ووجئت بحربة‪ ،‬وقيل لها‪ :‬إن‪##‬ك أس‪##‬لمت من أج‪##‬ل الرج‪##‬ال فقتلت‬
‫وقتل زوجها‪ #‬ياسر وهما أول قتيلين قتال في اإلسالم‪ ،‬وأم‪##‬ا عم‪##‬ار فإن‪##‬ه أعط‪##‬اهم م‪##‬ا‬
‫أرادوا بلسانه مكرها‪ ،‬فأخبر‪ #‬النبي ‪ ‬بأن عمارا كف‪##‬ر‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬كال‪ ،‬إن عم‪#‬ارا ملئ‬
‫إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط اإليمان بلحمه ودم‪##‬ه)‪ ،‬ف‪##‬أتى‪ #‬عم‪##‬ار رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫وهويبكي‪ ،‬فجعل رسول هللا ‪ ‬يمسح عينيه‪ ،‬وقال‪( :‬إن عادوا لك فعد لهم بما قلت)‬
‫(‪.)3‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.268/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.268/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.281/‬‬
‫‪149‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان لمفه‪##‬وم الكف‪##‬ر‪ ،‬وأن‪##‬ه ذاك ال‪##‬ذي يك‪##‬ون عن انش‪##‬راح‬
‫صدر‪ ،‬أما ما قد يضطر إليه المؤمن حفظ‪##‬ا على نفس‪##‬ه‪ ،‬فليس كف‪##‬را‪ ،‬وهللا أك‪##‬رم من‬
‫أن يعاقب عليه‪ ..‬ومثل ذلك ما عدا الكفر‪ ،‬ألنه أيسر وأولى‪.‬‬
‫‪#‬اجرُوا‬ ‫ك لِل ِذينَ هَ‪َ #‬‬ ‫َّ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬ثُ َّم إِ َّن َربَّ َ‬
‫صبَرُوا‪ #‬إِ َّن َربَّكَ ِم ْن بَ ْع ِدهَا لَ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [النحل‪]110 :‬؟‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِد َما فُتِنُوا ثُ َّم َجاهَدُوا َو َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما أنزل هللا تعالى قبل هذه اآلي‪##‬ة أن أه‪##‬ل مك‪##‬ة ال يقب‪##‬ل‬
‫منهم إسالمهم حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مك‪##‬ة‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫ب النَّاسُ أَ ْن يُ ْت َر ُك‪##‬وا‬ ‫جاءهم ذلك خرجوا فلحقهم المشركون فردوهم‪ ،‬ف‪##‬نزلت‪﴿ :‬أَ َح ِس ‪َ #‬‬
‫أَ ْن يَقُولُ‪##‬وا آ َمنَّا َوهُ ْم اَل يُ ْفتَنُ‪##‬ونَ ﴾ [العنكب‪##‬وت‪ ]2 :‬كتب‪##‬وا به‪##‬ا إليهم فتب‪##‬ايعوا‪ #‬بينهم على أن‬
‫يخرجوا‪ ،‬ف‪##‬إن لحقهم المش‪##‬ركون من أه‪##‬ل مك‪##‬ة ق‪##‬اتلوهم ح‪##‬تى ينج‪##‬وا ويلحق‪##‬وا باهلل‪،‬‬
‫فأدركهم المشركون فقاتلوهم‪ #،‬فمنهم من قت‪#‬ل ومنهم من نج‪#‬ا‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا ع‪##‬ز وج‪#‬ل‪:‬‬
‫ك ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬دهَا‬ ‫ص ‪#‬بَرُوا‪ #‬إِ َّن َربَّ َ‬ ‫ك لِلَّ ِذينَ هَا َجرُوا ِم ْن بَ ْع ِد َما فُتِنُوا ثُ َّم َجاهَ ‪#‬دُوا َو َ‬‫﴿ثُ َّم إِ َّن َربَّ َ‬
‫لَ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [النحل‪.)1(]110 :‬‬
‫ق‪#‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة الس‪#‬تعمال ك‪##‬ل الوس‪#‬ائل‪ #‬لت‪#‬دارك التقص‪#‬ير؛ وأن هللا‬
‫تع‪##‬الى يغف‪##‬ر لمن فع‪##‬ل ذل‪##‬ك‪ ..‬وفيه ‪#‬ا‪ #‬تص‪##‬وير‪ #‬لبعض معان‪##‬اة المؤم‪##‬نين للثب‪##‬ات على‬
‫إيمانهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬أ ِذنَ لِلَّ ِذينَ يُقَ‪##‬اتَلُونَ بِ‪##‬أَنَّهُ ْم‬
‫ظُلِ ُموا َوإِ َّن هَّللا َ َعلَى نَصْ ِر ِه ْ‪#‬م لَقَ ِديرٌ﴾ [الحج‪]39 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن مشركي أهل مكة كانوا يؤذون أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فال يزالون يجيئون من بين مضروب ومجشوج‪ ،‬وعندما كانوا يشكونهم‪ #‬إلى رسول‬
‫هللا ‪ ‬كان يقول لهم‪( :‬اصبروا فإني لم أؤم‪##‬ر بالقت‪##‬ال) ح‪##‬تى ه‪##‬اجر رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن عب‪##‬اس ق‪##‬ال‪ :‬لم‪##‬ا أخ‪##‬رج رس‪##‬ول هللا ‪ ‬من‬
‫مكة قال أبوبكر‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬لنهلكن‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إذن للمؤمين وفي‪ #‬كل العصور باستعمال الوسائل التي تتيح‬
‫لهم حماية أنفسهم من المعتدين عليهم‪ ،‬حتى لو اضطروا‪ #‬إلى قتالهم‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬قَ‪ْ #‬د أَ ْفلَ َح ال ُمؤ ِمن‪#‬ونَ ال ِذينَ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪#‬اعلُونَ‬ ‫ض ‪#‬ونَ َوالَّ ِذينَ هُ ْم لِل َّز َك‪##‬ا ِة فَ‪ِ #‬‬ ‫ْر ُ‬ ‫صاَل تِ ِه ْ‪#‬م خَا ِشعُونَ َوالَّ ِذينَ هُ ْم ع َِن اللَّ ْغو ُمع ِ‬‫هُ ْم فِي َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اج ِه ْم أو َم‪##‬ا َملكت أ ْي َم‪##‬انهُْ‪#‬م ف‪##‬إِنهُ ْم َغيْ‪ُ ##‬ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اَّل‬ ‫ُ‬
‫ُوج ِه ْ‪#‬م َح‪##‬افِظونَ إِ َعلى أز َو ِ‬ ‫َوالَّ ِذينَ هُ ْم لِف‪##‬ر ِ‬
‫ُ‬
‫َملُ‪##‬و ِمينَ فَ َم ِن ا ْبتَغَى َو َرا َء َذلِ‪##‬كَ فَأُولَئِ‪##‬كَ هُ ُم ْال َع‪##‬ا ُدونَ َوالَّ ِذينَ هُ ْم أِل َ َمانَ‪##‬اتِ ِه ْم َو َعهْ‪ِ ##‬د ِه ْم‬
‫ُ‬
‫ارثُ‪###‬ونَ الَّ ِذينَ يَ ِرثُ‪##‬ونَ‬ ‫ص‪##‬لَ َواتِ ِه ْ‪#‬م يُ َح‪##‬افِظُونَ أولَئِ‪##‬كَ هُ ُم ْال َو ِ‬ ‫َرا ُع‪##‬ونَ َوالَّ ِذينَ هُ ْم َعلَى َ‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.281/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.308/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.308/‬‬
‫‪150‬‬
‫س هُ ْم فِيهَا خَالِ ُدونَ ﴾ [المؤمنون‪ 1 :‬ـ ‪]11‬؟‬ ‫ْالفِرْ دَوْ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رسول هللا ‪ ‬استقبل القبلة ورفع يديه فقال‪( :‬اللهم زدنا‬
‫وال تنقصنا‪ ،‬وأكرمنا وال تهنا‪ ،‬وأعطنا وال تحرمنا‪ ،‬وآثرنا وال تؤثر علينا‪ ،‬وأرضنا‬
‫وارض عن‪##‬ا)‪ ،‬ثم ق‪##‬ال‪( :‬لق‪##‬د أن‪##‬زلت علين‪##‬ا عش‪##‬ر آي‪##‬ات من أق‪##‬امهن دخ‪##‬ل الجن‪##‬ة) ثم‬
‫قرأها(‪.)1‬‬
‫ق‪###‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪###‬ا بي‪###‬ان لش‪###‬روط الفالح‪ ،‬وارتباطه‪###‬ا‪ #‬بك‪###‬ل القيم الروحي‪###‬ة‬
‫واألخالقية وليس بما وضعته الطوائف‪ #‬لنفسها من شروط‪#.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وال ِذينَ يَرْ ُم‪##‬ونَ أ ْز َوا َجهُْ‪#‬م‬
‫َّ‬
‫الص ‪#‬ا ِدقِينَ‬ ‫َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ْم ُشهَدَا ُء إِاَّل أَ ْنفُ ُسهُ ْم فَ َشهَا َدةُ أَ َح ِد ِه ْم أَرْ بَ ‪ُ #‬ع َش ‪#‬هَادَا ٍ‬
‫ت بِاهَّلل ِ إِنَّهُ لَ ِمنَ‬
‫اب أَ ْن ت َْش ‪#‬هَ َد أَرْ بَ‪َ #‬ع‬ ‫َو ْالخَا ِم َسةُ أَ َّن لَ ْعنَتَ هَّللا ِ َعلَ ْي ِه إِ ْن َكانَ ِمنَ ْال َكا ِذبِينَ َويَ ْد َرأُ َع ْنهَا ْال َع َذ َ‬
‫ب هَّللا ِ َعلَ ْيهَا إِ ْن َكانَ ِمنَ الصَّا ِدقِينَ ﴾‬ ‫َض َ‬‫ت بِاهَّلل ِ إِنَّهُ لَ ِمنَ ْال َكا ِذبِينَ َو ْالخَا ِم َسةَ أَ َّن غ َ‬ ‫َشهَادَا ٍ‬
‫[النور‪ 6 :‬ـ ‪]9‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن ابن عباس قال‪ :‬لما نزلت قال س‪##‬عد بن عب‪##‬ادة وهوس‪##‬يد‬
‫األنصار‪ #:‬أهكذا أنزلت يا رسول هللا؟ فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪( :‬أال تس‪##‬معون ي‪##‬ا معش‪##‬ر‬
‫األنصار‪ #‬إلى ما يقول سيدكم؟) قالوا‪ #:‬يا رسول هللا إنه رج‪##‬ل غي‪##‬ور‪ ،‬وهللا م‪##‬ا ت‪##‬زوج‬
‫امرأة قط إال بكرا وما طلق امرأة قط ف‪##‬اجترأ رج‪##‬ل من‪##‬ا على أن يتزوجه‪#‬ا‪ #‬من ش‪##‬دة‬
‫غيرته‪ ،‬فقال سعد‪ :‬وهللا يا رسول هللا إني ألعلم أنها حق وأنها من عند هللا‪ ،‬ولكن ق‪##‬د‬
‫تعجبت‪ ..‬فما لبثوا إال يسيرا حتى ج‪##‬اء هالل بن أمي‪##‬ة من أرض‪##‬ه عش‪##‬يا فوج‪#‬د‪ #‬عن‪##‬د‬
‫أهله رجال فرأى‪ #‬بعينه وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغدا على رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول‪ #‬هللا‪ ،‬إني جئت أهلي عش‪##‬يا فوج‪##‬دت‪ #‬عن‪##‬دها رجال ف‪##‬رأيت بعي‪##‬ني‬
‫وسمعت بأذني‪ ،‬فكره رسول هللا ‪ ‬ما جاء ب‪#‬ه واش‪##‬تد علي‪#‬ه‪ ،‬فق‪#‬ال س‪##‬عد بن عب‪##‬ادة‪:‬‬
‫اآلن يضرب رسول هللا ‪ ‬هالل بن أمية ويبطل شهادته في المسلمين‪ ،‬فقال هالل‪:‬‬
‫وهللا إني ألرجوأن يجعل هللا لي منها مخرجا‪ ،‬فقال هالل‪ :‬يا رسول هللا إني ق‪##‬د أرى‬
‫ما قد اشتد عليك مما جئتك به‪ ،‬وهللا يعلم إني لصادق‪ ،‬فوهللا إن رس‪#‬ول هللا ‪ ‬يري‪##‬د‬
‫أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي‪ ،‬وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده‪،‬‬
‫فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي‪ ،‬فنزلت‪ ،‬فسري‪ #‬عن رسول هللا ‪ ‬فقال‪( :‬أبش‪##‬ر‬
‫ي‪##‬ا هالل‪ ،‬فق‪##‬د جع‪##‬ل هللا ل‪##‬ك فرج‪##‬ا ومخرج‪##‬ا)‪ ،‬فق‪##‬ال هالل‪ :‬ق‪##‬د كنت أرج‪#‬و‪ #‬ذاك من‬
‫ربي(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عبد هللا قال‪ :‬إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل‬
‫رجل من األنصار فقال‪ :‬لوأن رجال وجد مع امرأت‪##‬ه رجال ف‪##‬إن تكلم جل‪##‬دتموه‪ ،‬وإن‬
‫قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ‪ ،‬وهللا ألسألن عن‪##‬ه رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬فلم‪##‬ا ك‪##‬ان‬
‫من الغد أتى رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬فس‪##‬أله فق‪##‬ال‪ :‬ل‪##‬و أن رجال وج‪##‬د م‪##‬ع امرأت‪##‬ه رجال فتكلم‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.308/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.316/‬‬
‫‪151‬‬
‫جلدتموه أوقتل قتلتموه‪ ،‬أوسكت سكت على غيظ فق‪##‬ال‪( :‬اللهم افتح)‪ ،‬وجع‪##‬ل ي‪##‬دعو‪،‬‬
‫فنزلت آية اللعان‪ ،‬فابتلي‪ #‬به الرجل من بين الناس فجاء هو وامرأت‪##‬ه إلى رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬فتالعنا‪ ،‬فشهد الرجل أربع شهادات باهلل إنه لمن الصادقين‪ ،‬ثم لعن الخامس‪##‬ة أن‬
‫لعن‪##‬ة هللا علي‪##‬ه إن ك‪##‬ان من الك‪##‬اذبين‪ ،‬ف‪##‬ذهبت لتلتعن‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪( :‬م‪##‬ه)‬
‫فلعنت‪ ،‬فلما أدبرت قال‪( :‬لعلها أن تجيء به أسود جعدا)‪ ،‬فجاءت به أسود جعدا(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها ردع من هللا تعالى لعباده عن الوقوع‪ #‬في الف‪##‬واحش ح‪##‬تى ال‬
‫يتعرضوا للفضيحة والغضب واللعنة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أيُّهَ‪##‬ا ال ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫تَ ْد ُخلُوا بُيُوتً‪#‬ا‪َ #‬غ ْي‪َ #‬ر بُيُ‪##‬وتِ ُك ْم َحتَّى تَ ْستَأْنِ ُس‪#‬وا‪َ #‬وتُ َس‪#‬لِّ ُموا َعلَى أَ ْهلِهَ‪##‬ا َذلِ ُك ْم خَ ْي‪ٌ #‬ر لَ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫تَ َذ َّكرُونَ ﴾ [النور‪]27 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن امرأة من األنص‪##‬ار‪ #‬ق‪##‬الت‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا إني أك‪##‬ون في‬
‫بيتي على حال ال أحب أن ي‪##‬راني عليه‪##‬ا أح‪##‬د ال وال‪##‬د وال ول‪##‬د‪ ،‬في‪##‬أتي األب في‪##‬دخل‬
‫علي‪ ،‬وإنه ال يزال يدخل علي رجل من أهلي وأن‪##‬ا على تل‪##‬ك الح‪##‬ال فكي‪##‬ف أص‪##‬نع؟‬
‫فنزلت (‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها لما نزلت هذه اآلية قيل‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول‪ #‬هللا أف‪##‬رأيت‬
‫ْس َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها س‪##‬اكن؟ ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫ع لَ ُك ْم َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َما تُ ْب‪ُ #‬دونَ َو َم‪##‬ا تَ ْكتُ ُم‪##‬ونَ ﴾‬ ‫ُجنَا ٌح أَ ْن تَ ْد ُخلُوا بُيُوتًا َغي َْر َم ْس ُكونَ ٍة فِيهَا َمتَا ٌ‬
‫[النور‪]29 :‬؟(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تعليم للمؤمنين لرعاية خصوصيات‪ #‬الغ‪#‬ير‪ ،‬وع‪#‬دم االقتح‪#‬ام‬
‫عليهم من دون استئذان‪ ،‬وهي تشمل كل الجوانب المرتبطة بهذا‪.‬‬
‫ْس َعلَى اأْل َ ْع َمى َح‪َ #‬ر ٌج‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫يض َح َر ٌج ﴾ [النور‪]61 :‬؟‬ ‫ج َح َر ٌج َواَل َعلَى ْال َم ِر ِ‬ ‫َواَل َعلَى اأْل َ ْع َر ِ‬
‫‪#‬والَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم‬ ‫ْ‬
‫﴿واَل تَ‪##‬أ ُكلُوا أَ ْم‪َ #‬‬ ‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما أنزل هللا تب‪##‬ارك وتع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اس بِ‪#‬ا ِ ث ِم َوأنت ْم تعل ُم‪##‬ونَ ﴾‬ ‫إْل‬ ‫اط ِل َوتُ ْدلُوا‪ #‬بِهَا إِلَى ْال ُح َّك ِام لِتَ‪##‬أ ُكلُوا فَ ِريقً‪##‬ا ِم ْن أَ ْم‪َ #‬وا ِل النَّ ِ‬
‫بِ ْالبَ ِ‬
‫[البق‪###‬رة‪ ]188 :‬تح‪##‬رج المس‪##‬لمون عن مؤاكل‪##‬ة المرض‪##‬ى‪ #‬والزم‪##‬نى والعمي والع‪##‬رج‪،‬‬
‫وقالوا‪ #:‬الطعام أفضل األموال‪ ،‬وقد‪ #‬نهى هللا تعالى عن أكل المال بالباطل‪ ،‬واألعمى‬
‫ال يبص‪##‬ر موض‪##‬ع الطع‪##‬ام الطيب‪ ،‬واألع‪##‬رج ال يس‪##‬تطيع المزاحم‪##‬ة على الطع‪##‬ام‪،‬‬
‫والمريض ال يستوفي الطعام‪ ،‬فأنزل هللا هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتآلف االجتماعي م‪##‬ع الجمي‪##‬ع‪ ،‬وخصوص‪##‬ا من ذوي‬
‫العاهات والحاجات‪ ،‬والذين يحتاجون إلى التواصل والتآلف أكثر من غيرهم‪.‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.316/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.323/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.323/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.323/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪152‬‬
‫ْس َعلَ ْي ُك ْم ُجنَ‪##‬ا ٌح أَ ْن‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ ﴿ :‬لَي َ‬
‫تَأْ ُكلُوا َج ِميعًا أَوأَ ْشتَاتًا﴾ [النور‪]61 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في حي من كنانة يق‪##‬ال لهم بن‪##‬و ليث بن عم‪##‬رو‪،‬‬
‫وكانوا‪ #‬يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام‪ #‬وحده‪ ،‬فربما قعد الرجل والطعام بين يدي‪##‬ه‬
‫من الصباح إلى الرواح‪ ،‬والشول‪ #‬حفل واألحوال منتظمة تحرجا من أن يأكل وحده‪،‬‬
‫فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في قوم من األنصار ك‪##‬انوا ال ي‪##‬أكلون إذا‬
‫ن‪##‬زل بهم ض‪##‬يف‪ #‬إال م‪##‬ع ض‪##‬يفهم‪ ،‬ف‪##‬رخص هللا لهم أن ي‪##‬أكلوا كي‪##‬ف ش‪##‬اءوا جميع‪##‬ا‬
‫متحلقين أوأشتاتا‪ #‬متفرقين(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لرفع هللا تعالى الح‪##‬رج في الش‪##‬ؤون الشخص‪##‬ية مم‪##‬ا ال‬
‫يتعلق به أي أذى لآلخرين‪.‬‬
‫﴿والَّ ِذينَ اَل يَ ‪ْ #‬د ُعونَ َم‪َ #‬ع هَّللا ِ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ق َواَل يَ ْزنُ‪##‬ونَ َو َم ْن يَ ْف َع‪##‬لْ َذلِ‪##‬كَ يَ ْل‪َ #‬‬
‫ق‬ ‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ إِاَّل بِ ْال َح ِّ‬‫آخَر َواَل يَ ْقتُلُونَ النَّ ْف َ‬ ‫إِلَهًا َ‬
‫‪##‬ل َع َماًل‬‫َاب َوآ َمنَ َو َع ِم َ‬ ‫َف لَهُ ْال َع َذابُ يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة َويَ ْخلُ ْد فِي ِه ُمهَانًا إِاَّل َم ْن ت َ‬ ‫ضا ع ْ‬ ‫أَثَا ًما يُ َ‬
‫‪#‬ل‬
‫‪#‬اب َو َع ِم‪َ #‬‬‫ت َو َك‪##‬انَ هَّللا ُ َغفُ‪##‬ورًا َر ِحي ًم‪##‬ا َو َم ْن تَ‪َ #‬‬ ‫ك يُبَ ِّد ُل هَّللا ُ َسيِّئَاتِ ِه ْ‪#‬م َح َسنَا ٍ‬ ‫ُ‬
‫صالِحًا فَأولَئِ َ‪#‬‬‫َ‬
‫صالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى هَّللا ِ َمتَابًا﴾ [الفرقان‪ 68 :‬ـ ‪]71‬؟‬ ‫َ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن ناس‪##‬ا من أه‪##‬ل الش‪##‬رك أك‪##‬ثروا‪ #‬من المعاص‪##‬ي‪ ،‬ثم أت‪##‬وا‬
‫رسول هللا ‪ ‬فقالوا‪ :‬إن الذي تقول وتدعوإليه لحسن لوتخبرنا أن لما عملنا كف‪##‬ارة‪،‬‬
‫فنزلت(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عبد هللا بن مس‪##‬عود ق‪##‬ال‪ :‬س‪##‬ألت رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫أي ال‪##‬ذنب أعظم؟ ق‪##‬ال‪( :‬أن تجع‪##‬ل هلل ن‪##‬دا وهوخلق‪##‬ك)‪ ،‬قلت ثم أي؟ ق‪##‬ال‪( :‬أن تقت‪##‬ل‬
‫ولدك مخافة أن يطعم معك)‪ ،‬قلت ثم أي قال‪( :‬أن تزاني حليل‪##‬ة ج‪##‬ارك)‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير‪ #‬من ك‪##‬ل المعاص‪#‬ي‪ #‬المبع‪##‬دة عن هللا‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬تبش‪##‬ير‬
‫بتوبة هللا على من يصدق‪ #‬في التوبة إليه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَفَ َم ْن َو َع ْدنَاهُ َو ْع‪ #‬دًا َح َس ‪#‬ناً‬
‫رينَ ﴾ [القص‪##‬ص‪:‬‬ ‫ض‪ِ #‬‬ ‫فَهُواَل قِي ِه َك َم ْن َمتَّ ْعنَاهُ َمتَا َع ْال َحيَا ِة ال‪ُّ #‬د ْنيَا ثُ َّم هُويَ‪##‬وْ َم ْالقِيَا َم‪ِ #‬ة ِمنَ ْال ُمحْ َ‬
‫‪]61‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في علي وحم‪##‬زة وأبي جه‪##‬ل‪ ،‬وقي‪##‬ل‪ :‬ن‪##‬زلت في‬
‫عمار والوليد بن المغيرة‪ ،‬وقيل‪ :‬نزلت في النبي ‪ ‬وأبي جهل‪.‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.323/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.323/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.334/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.334/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪153‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تسلية للمؤمنين وبيان للف‪##‬رق العظيم بينهم وبين غ‪##‬يرهم من‬
‫المعاندين الجاحدين الذين يحاربونهم‪ ،‬وفي‪ #‬ذلك دعوة لهم لعدم النزول لمستواهم‪#.‬‬
‫ص ْينَا‪ #‬اإْل ِ ْن َس‪#‬انَ بِ َوالِ َد ْي‪ِ #‬ه‬ ‫﴿و َو َّ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫ي َم‪##‬رْ ِج ُع ُك ْ‪#‬م فَ‪##‬أنَبِّئُ ُك ْم‬‫ك بِ‪ِ #‬ه ِع ْل ٌم فَاَل تُ ِط ْعهُ َم‪ #‬ا‪ #‬إِلَ َّ‬ ‫ُح ْسنًا َوإِ ْن َجاهَدَاكَ لِتُ ْش ِركَ بِي َما لَي َ‬
‫ْس لَ َ‬
‫بِ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َملُونَ ﴾ [العنكبوت‪]8 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص وذلك أنه لما أس‪##‬لم ق‪##‬الت‬
‫ل‪##‬ه أم‪##‬ه حمن‪##‬ة‪ :‬ي‪##‬ا س‪##‬عد بلغ‪##‬ني أن‪##‬ك ص‪##‬بوت فوهللا ال يظل‪##‬ني س‪##‬قف بيت من الض‪##‬ح‬
‫والريح وال آكل وال أشرب حتى تكفر بمحمد ‪ ‬وترجع‪ #‬إلى م‪##‬ا كنت علي‪##‬ه‪ ،‬وك‪##‬ان‬
‫أحب ولدها إليها‪ ،‬فأبى سعد‪ ،‬فصبرت هي ثالثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل‬
‫بظل حتى غشي عليها‪ ،‬فأتى‪ #‬سعد النبي ‪ ‬وشكا ذلك إلي‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى اآلي‪##‬ة‬
‫والتي في لقمان واألحقاف(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لإلحسان للوالدين وال‪##‬بر بهم‪##‬ا‪ ،‬ولكن ال على حس‪##‬اب‬
‫اإليمان ومقتضياته‪.‬‬
‫ت ال‪##‬رُّ و ُ‪#‬م فِي أَ ْدنَى‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬الم ُغلِبَ ِ‬
‫ض‪ِ #‬ع ِس‪#‬نِينَ هَّلِل ِ اأْل َ ْم‪ُ #‬ر ِم ْن قَ ْب‪ُ #‬ل َو ِم ْن بَ ْع‪ُ #‬د‬ ‫ض َوهُ ْم ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د َغلَبِ ِه ْم َس‪#‬يَ ْغلِبُونَ فِي بِ ْ‬ ‫اأْل َرْ ِ‬
‫ُوال َع ِزي ُز ال َّر ِحي ُم﴾ [الروم‪ 1 :‬ـ ‪]5‬؟‬ ‫ص ُر َم ْن يَ َشا ُء َوه ْ‬ ‫َويَوْ َمئِ ٍذ يَ ْف َر ُح ْال ُم ْؤ ِمنُونَ بِنَصْ ِ‪#‬ر هَّللا ِ يَ ْن ُ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن كس‪##‬رى‪ #‬بعث جيش‪##‬ا إلى ال‪##‬روم واس‪##‬تعمل عليهم رجال‬
‫يسمى شهريراز‪ ،‬فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر‪ #‬عليهم‪ ،‬فقتلهم وخرب م‪##‬دائنهم‬
‫وقط‪##‬ع زيت‪##‬ونهم‪ ،‬وق‪##‬د ك‪##‬ان قيص‪#‬ر‪ #‬بعث رجال ي‪##‬دعى يحنس ف‪##‬التقى م‪##‬ع ش‪##‬هريراز‬
‫بأذرعات وبصرى‪ #‬وهي أدنى الشام إلى أرض الع‪##‬رب‪ ،‬فغلب ف‪##‬ارس ال‪##‬روم‪ ،‬وبل‪##‬غ‬
‫ذل‪##‬ك الن‪##‬بي ‪ ‬وأص‪##‬حابه بمك‪##‬ة‪ ،‬فش‪##‬ق ذل‪##‬ك عليهم‪ ،‬وف‪##‬رح الكف‪##‬ار وش‪##‬تموا‪ #،‬فلق‪##‬وا‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬فقالوا‪ :‬إنكم أهل كتاب والنصارى‪ #‬أهل كت‪#‬اب ونحن أمي‪#‬ون‪ ،‬وق‪##‬د‬
‫ظهر إخواننا من أهل فارس على إخ‪##‬وانكم من ال‪##‬روم‪ ،‬وإنكم إن قاتلتمون‪##‬ا لنظه‪##‬رن‬
‫عليكم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن أبي س‪##‬عيد الخ‪##‬دري‪ #‬ق‪##‬ال‪ :‬لم‪##‬ا ك‪##‬ان ي‪##‬وم ب‪##‬در‬
‫ظهرت الروم على فارس‪ ،‬فأعجب المؤمنون بذلك(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إخبار بسرعة تقلب األح‪##‬وال‪ ،‬وأن المنه‪##‬زم ق‪##‬د يتح‪##‬ول إلى‬
‫منتصر‪ ،‬وفي‪ #‬فترة قصيرة‪ ،‬وهو ما يدعو إلى العمل والجد‪ ،‬وعدم الخض‪##‬وع للي‪##‬أس‬
‫واإلحباط‪ #،‬خاصة مع التأييد الغيبي الذي يحظى به المؤمنون‪.‬‬
‫الس‪#‬ا َع ِة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن َ ِعن‪َ #‬دهُ ِعل ُم َّ‬
‫ْث َويَ ْعلَ ُم َما فِي اأْل َرْ َح ِام َو َما تَ ْد ِري نَ ْفسٌ َما َذا تَ ْك ِسبُ َغدًا َو َما تَ‪ْ ##‬د ِري‪ #‬نَ ْفسٌ‬ ‫َويُنَ ِّز ُل ْال َغي َ‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.338/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.342/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.342/‬‬
‫‪154‬‬
‫وت إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم َخبِيرٌ﴾ [لقمان‪]34 :‬؟‬ ‫ض تَ ُم ُ‬ ‫ي أَرْ ٍ‬ ‫بِأ َ ِّ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في بعض أهل البادية‪ ،‬أتى الن‪##‬بي ‪ ‬فس‪##‬أله عن‬
‫الساعة ووقتها‪ #،‬وقال‪ :‬إن أرضنا أجدبت‪ ،‬فمتى‪ #‬ي‪##‬نزل الغيث وت‪##‬ركت‪ #‬ام‪##‬رأتي حبلى‬
‫فماذا تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رجال جاء بفرس له يقوده‪##‬ا عق‪##‬وق ومعه‪##‬ا مه‪##‬ر‬
‫لها يتبعها‪ ،‬فقال له‪ :‬من أنت؟ قال‪( :‬أنا نبي هللا)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ومن ن‪##‬بي هللا؟ ق‪##‬ال‪( :‬رس‪##‬ول‬
‫هللا)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬تى تق‪##‬وم الس‪##‬اعة‪ ،‬ق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪( :‬غيب وال يعلم الغيب إال هللا)‪،‬‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬تى تمط‪##‬ر الس‪##‬ماء؟ ق‪##‬ال‪( :‬غيب وال يعلم الغيب إال هللا)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬ا في بطن‬
‫فرسي‪ #‬هذه؟ ق‪##‬ال‪( :‬غيب وال يعلم الغيب إال هللا)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬أرني س‪##‬يفك‪ ،‬فأعط‪##‬اه الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬سيفه فهزه الرجل ثم رده إليه فق‪##‬ال الن‪##‬بي ‪( :‬أم‪##‬ا إن‪##‬ك لم تكن لتس‪##‬تطيع ال‪##‬ذي‬
‫أردت)‪ ،‬قال‪ :‬وقد كان الرجل قال‪ :‬أذهب إليه فأسأله عن هذه الخص‪##‬ال‪ ،‬ثم أض‪##‬رب‬
‫عنقه(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة لإليم‪##‬ان بعلم هللا المطل‪##‬ق بك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬وتح‪##‬ذير من‬
‫الوقوع‪ #‬في فخاخ أدعياء العلم بالغيب‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَفَ َم ْن َكانَ ُم ْؤ ِمنًا َك َم ْن َكانَ‬
‫فَا ِسقًا اَل يَ ْستَوُونَ ﴾ [السجدة‪]18 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة‪ ،‬فقد ق‪#‬ال‬
‫الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب‪ :‬أنا أح‪##‬د من‪##‬ك س‪##‬نانا‪ ،‬وأبس‪#‬ط‪ #‬من‪##‬ك‬
‫لسانا‪ ،‬وأمأل للكتيب‪##‬ة من‪##‬ك؛ فق‪##‬ال ل‪##‬ه علي‪ :‬اس‪##‬كت فإنم‪##‬ا أنت فاس‪##‬ق‪ ،‬ف‪##‬نزلت‪ ،‬يع‪##‬ني‬
‫بالمؤمن عليا‪ ،‬وبالفاسق الوليد بن عقبة(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان للفروق‪ #‬الشاس‪##‬عة بين المؤم‪##‬نين المل‪##‬تزمين بطاع‪##‬ة هللا‬
‫والفاس‪##‬قين المنح‪##‬رفين عنه‪##‬ا‪ ،‬ويتجلى‪ #‬الف‪##‬رق عن‪##‬دما يك‪##‬ون الم‪##‬ؤمن علي‪##‬ا‪ ،‬والفاس‪##‬ق‬
‫الوليد‪.‬‬
‫ق‪#‬ال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬و َم‪#‬ا َج َع‪َ #‬ل أَ ْد ِعيَ‪##‬ا َءك ْمُ‬
‫يل﴾ [األحزاب‪]4 :‬؟‬ ‫أَ ْبنَا َء ُك ْم َذلِ ُك ْم قَوْ لُ ُك ْم بِأ َ ْف َوا ِه ُك ْم َوهَّللا ُ يَقُو ُل ْال َح َّ‬
‫ق َوهُويَ ْه ِدي ال َّسبِ َ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في زي‪##‬د بن حارث‪##‬ة ك‪##‬ان عب‪##‬دا لرس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فأعتقه وتبناه قبل الوحي‪ ،‬فلما تزوج النبي ‪ ‬زينب بنت جحش‪ ،‬وكانت تحت زي‪##‬د‬
‫بن حارثة‪ ،‬قالت اليهود والمنافقون‪ :‬تزوج محمد ام‪##‬رأة ابن‪##‬ه وه‪##‬وينهى‪ #‬الن‪##‬اس عنها‬
‫(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دع‪##‬وة إلى تق‪##‬ديم الش‪##‬ريعة على األع‪##‬راف والتقالي‪##‬د في ك‪##‬ل‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.346/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.346/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.348/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.351/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪155‬‬
‫شيء؛ فالحالل ما أحله هللا ال ما أحلته األعراف والتقاليد‪ ،‬والحرام كذلك‪.‬‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ ِر َج‪ #‬ا ٌل‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ِ ﴿ :‬منَ ْال ُم‪ْ #‬‬
‫ضى‪ #‬نَحْ بَهُ َو ِم ْنهُ ْم َم ْن يَ ْنتَ ِظ ُر َو َما بَ َّدلُوا تَ ْب ِدياًل ﴾‬‫ص َدقُوا َما عَاهَدُوا هَّللا َ َعلَ ْي ِه فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن قَ َ‬ ‫َ‬
‫[األحزاب‪]23 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن أنس ق‪#‬ال‪ :‬غ‪#‬اب عمي أنس بن النض‪#‬ر عن قت‪##‬ال ب‪#‬در‪،‬‬
‫فشق‪ #‬عليه لما قدم وقال‪ :‬غبت عن أول مشهد شهده رسول هللا ‪ ‬وهللا لئن أش‪##‬هدني‬
‫هللا سبحانه قتاال ليرين هللا ما أصنع‪ ،‬فلما كان يوم أحد انكشف‪ #‬المسلمون فقال‪ :‬اللهم‬
‫إني أبرأ إليك مما جاء به هؤالء المشركون‪ #‬وأعتذر إلي‪##‬ك مم‪##‬ا ص‪##‬نع ه‪##‬ؤالء‪ ،‬يع‪##‬ني‬
‫المسلمين‪ ،‬ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال‪ :‬أي سعد‪ ،‬وال‪##‬ذي نفس‪##‬ي بي‪##‬ده إني‬
‫ألجد ريح الجنة دون أحد‪ ،‬فقاتلهم حتى قتل‪ ،‬قال أنس‪ :‬فوجدناه بين القتلى ب‪##‬ه بض‪##‬ع‬
‫وثمانون‪ #‬جراحة من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمي‪##‬ة بالس‪##‬هم‪ ،‬وق‪##‬د مثل‪##‬وا‬
‫به‪ ،‬وما عرفناه ح‪#‬تى عرفت‪#‬ه أخت‪#‬ه ببنان‪#‬ه‪ ،‬وكن‪#‬ا نق‪#‬ول‪ :‬أن‪#‬زلت ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ة في‪#‬ه وفي‬
‫أصحابه(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة لاللتح‪##‬اق بزم‪##‬ر المؤم‪##‬نين الص‪##‬ادقين الم‪##‬وفين‬
‫بعه‪##‬ودهم‪ #،‬وأول عالم‪##‬اتهم الثب‪##‬ات وع‪##‬دم التب‪##‬ديل‪ ،‬وفيه ‪#‬ا‪ #‬إش‪##‬ارة إلى أن هن‪##‬اك من‬
‫سيبدل ويغير‪ #‬من أصحاب رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬فل‪##‬ذلك يجب الح‪##‬ذر منهم ومن تب‪##‬ديالتهم‬
‫وتغييراتهم‪#.‬‬
‫ب‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ ﴿ :‬إِنَّ َم‪##‬ا ي ُِري‪ُ #‬د هَّللا ُ لِيُ‪#ْ #‬ذ ِه َ‬
‫َط ِهيرًا﴾ [األحزاب‪]33 :‬؟‬ ‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫َع ْن ُك ُم الرِّجْ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن أبي سعيد قال‪ :‬ن‪##‬زلت في خمس‪##‬ة‪ :‬في الن‪##‬بي ‪ ‬وعلي‬
‫وفاطمة والحسن والحسين عليهم السالم(‪.)2‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬ومثل‪#‬ه م‪#‬ا روي عن أم س‪##‬لمة‪ :‬أن الن‪##‬بي ‪ ‬ك‪##‬ان في بيته‪#‬ا‪ ،‬فأتت‪#‬ه‬
‫فاطمة ببرمة فيها خزيرة‪ ،‬فدخلت بها عليه‪ ،‬فق‪#‬ال له‪#‬ا‪( :‬ادعي لي زوج‪#‬ك وابني‪#‬ك)‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فجاء علي وحسن وحسين‪ ،‬فدخلوا‪ #‬فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وه‪##‬وعلى‬
‫منامة له‪ ،‬وكان تحته كساء خيبري‪ ،‬قالت‪ :‬وأنا في الحجرة أصلي‪ ،‬فأنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫هذه اآلية‪ ،‬فأخذ فضل الكساء فغشاهم به‪ ،‬ثم أخرج يديه فألوى بهم‪##‬ا إلى الس‪##‬ماء‪ ،‬ثم‬
‫ق‪##‬ال‪( :‬اللهم ه‪##‬ؤالء أه‪##‬ل بيت وخاص‪##‬تي وح‪##‬اميتي‪ #‬ف‪##‬أذهب عنهم ال‪##‬رجس وطه‪##‬رهم‬
‫تطهيرا)‪ ،‬قالت‪ :‬فأدخلت رأسي البيت فقلت‪ :‬وأنا معكم يا رسول‪ #‬هللا‪ ،‬قال‪( :‬إن‪##‬ك إلى‬
‫خير‪ ،‬إنك إلى خير) (‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان الصطفاء هللا تعالى الخ‪##‬اص أله‪##‬ل بيت النب‪##‬وة‪ ،‬مثلم‪##‬ا‬
‫اصطفى آل غيره من األنبياء عليهم السالم‪ ..‬وفيه إشادة بهم وبطهارتهم ودعوة إلى‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.352/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.353/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.354/‬‬
‫‪156‬‬
‫التمسك بهم لذلك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن ال ُم ْس‪#‬لِ ِمينَ َوال ُم ْس‪#‬لِ َما ِ‬
‫ت‬
‫الص ‪#‬ابِ ِرينَ‬‫ت َو َّ‬ ‫الص ‪#‬ا ِدقَا ِ‬
‫الص ‪#‬ا ِدقِينَ َو َّ‬ ‫ت َو َّ‬ ‫ت َو ْالقَ‪##‬انِتِينَ َو ْالقَانِتَ‪##‬ا ِ‬‫ين َو ْال ُم ْؤ ِمنَ‪##‬ا ِ‬ ‫َو ْال ُم‪ْ #‬‬
‫‪#‬ؤ ِمنِ َ‪#‬‬
‫الص‪###‬ائِ ِمينَ‬ ‫ت َو َّ‬ ‫َص‪ِّ ###‬دقَا ِ‬‫َص‪ِّ ###‬دقِينَ َو ْال ُمت َ‬ ‫ت َو ْال ُمت َ‬
‫َاش‪َ ###‬عا ِ‬ ‫َاش‪ِ ###‬عينَ َو ْالخ ِ‬ ‫ت َو ْالخ ِ‬ ‫الص‪###‬ابِ َرا ِ‬ ‫َو َّ‬
‫هَّللا‬
‫ت أ َع َّد ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫ت َوالذا ِك ِرينَ َ َكثِيرًا َوالذا ِك َرا ِ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ت َوال َحافِ ِظينَ فُرُو َجهُ ْم َوال َحافِظَا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َوالصَّائِ َما ِ‪#‬‬
‫َظي ًما﴾ [األحزاب‪]35 :‬؟‬ ‫َ‬
‫لَهُ ْم َم ْغفِ َرةً َوأجْ رًا ع ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في أس‪##‬ماء بنت عميس لم‪##‬ا رجعت من الحبش‪##‬ة‬
‫معها زوجها‪ #‬جعفر بن أبي طالب‪ ،‬حيث دخلت على نساء النبي ‪ ‬فقالت‪ :‬هل نزل‬
‫فينا شيء من القرآن؟ قلن‪ :‬ال‪ ،‬فأتت الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬الت‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا إن النس‪##‬اء لفي‬
‫خيبة وخسار‪ #،‬قال‪( :‬ومم ذلك؟) قالت‪ :‬ألنهن ال يذكرن ب‪##‬الخير كم‪##‬ا ي‪##‬ذكر الرج‪##‬ال‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان بأن النساء شقائق الرج‪##‬ال‪ ،‬وك‪##‬ل التك‪##‬اليف ال‪##‬تي كل‪##‬ف‬
‫بها الرجال كلف بها النساء‪ ،‬إال ما ورد فيه التخصيص‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬تُ‪##‬رْ ِجي َم ْن ت ََش‪#‬ا ُء ِم ْنه َُّن‬
‫ك أَ ْدنَى أَ ْن تَقَ‪َّ #‬ر‬ ‫ك َم ْن تَ َشا ُء َو َم ِن ا ْبتَ َغيْتَ ِم َّم ْن َع‪##‬زَ ْلتَ فَاَل ُجنَ‪##‬ا َح َعلَ ْي‪##‬كَ َذلِ‪َ #‬‬ ‫َوتُ ْؤ ِوي إِلَ ْي َ‬
‫ض ْينَ بِ َما آتَ ْيتَه َُّن ُكلُّه َُّن َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َما فِي قُلُوبِ ُك ْ‪#‬م َو َكانَ هَّللا ُ َعلِي ًما‬ ‫أَ ْعيُنُه َُّن َواَل يَحْ َز َّن َويَرْ َ‬
‫َحلِي ًما﴾ [األحزاب‪]51 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت حين غار بعض نس‪#‬اء الن‪#‬بي ‪ ‬وآذين‪#‬ه ب‪#‬الغيرة‬
‫فطلبن زيادة النفقة‪ ،‬فهجرهن رسول هللا ش‪##‬هرا ح‪##‬تى ن‪##‬زلت آي‪##‬ة التخي‪##‬ير‪ ،‬وأم‪##‬ر هللا‬
‫تعالى أن يخيرهن بين الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأن يخلي س‪##‬بيل من اخت‪##‬ارت ال‪##‬دنيا ويمس‪##‬ك‬
‫منهن من اختارت هللا سبحانه ورسوله على أنهن أمهات المؤم‪##‬نين وال ينكحن أب‪##‬دا‪،‬‬
‫وعلى أن يؤوي‪ #‬إليه من يش‪##‬اء وي‪##‬رجي منهن إلي‪#‬ه من يش‪##‬اء‪ ،‬فرض‪#‬ين ب‪##‬ه قس‪#‬م لهن‬
‫أولم يقسم‪ ،‬أوفضل‪ #‬بعضهم على بعض بالنفقة والقسمة والعشرة‪ ،‬ويك‪##‬ون األم‪##‬ر في‬
‫ذلك إليه يفعل ما يشاء‪ ،‬فرض‪##‬ين ب‪##‬ذلك كل‪##‬ه‪ ،‬فك‪##‬ان رس‪##‬ول هللا ‪ ‬م‪##‬ع م‪##‬ا جع‪##‬ل هللا‬
‫تعالى له من التوسعة يسوي بينهن في القسمة(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لفضل هللا تعالى على رسوله ‪ ‬بإباحة ما أبيح ل‪##‬ه في‬
‫شأن النساء‪ ،‬ليكون ذلك فتن‪##‬ة لل‪##‬ذين يجهلون‪##‬ه‪ ،‬ألن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ظ‪##‬ل أك‪##‬ثر ش‪##‬بابه‬
‫وعم‪##‬ره م‪##‬ع زوج‪##‬ة واح‪##‬دة‪ ،‬وم‪##‬ا أبيح ل‪##‬ه ذل‪##‬ك في آخ‪##‬ر عم‪##‬ره إال ليت‪##‬بين المخلص‬
‫الصادق‪ #‬من الذي تحجبه أمثال هذه األمور‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫‪#‬اظ ِرينَ إِنَ‪##‬اهُ َولَ ِك ْن إِ َذا ُد ِعيتُ ْم‬ ‫‪#‬ر نَ‪ِ #‬‬ ‫‪#‬ام َغ ْي‪َ #‬‬ ‫تَ ‪ْ #‬د ُخلُوا بُيُ‪##‬وتَ النَّبِ ِّي إِاَّل أَ ْن يُ‪#ْ #‬ؤ َذنَ لَ ُك ْم إِلَى طَ َع‪ٍ #‬‬
‫ي‬ ‫ُ‪##‬ؤ ِذي النَّبِ َّ‬ ‫ث إِ َّن َذلِ ُك ْم َك‪##‬انَ ي ْ‬ ‫فَ‪##‬ا ْد ُخلُوا‪ #‬فَ‪##‬إِ َذا طَ ِع ْمتُ ْم فَا ْنت َِش‪##‬رُوا َواَل ُم ْستَأْنِ ِس‪##‬ينَ لِ َح‪ِ ##‬دي ٍ‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.355/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.356/‬‬
‫‪157‬‬
‫اس ‪#‬أَلُوه َُّن ِم ْن َو َرا ِء‬ ‫ق َوإِ َذا َسأ َ ْلتُ ُموه َُّن َمتَا ًع‪##‬ا فَ ْ‬ ‫فَيَ ْستَحْ يِي ِم ْن ُك ْم َوهَّللا ُ اَل يَ ْستَحْ يِي ِمنَ ْال َح ِّ‬
‫طهَ ُر لِقُلُوبِ ُك ْم َوقُلُوبِ ِه َّن َو َما َكانَ لَ ُك ْم أَ ْن تُ ْؤ ُذوا َرسُو َل هَّللا ِ َواَل أَ ْن تَ ْن ِك ُح‪##‬وا‬ ‫ب َذلِ ُك ْم أَ ْ‬
‫ِح َجا ٍ‬
‫َظي ًما﴾ [األحزاب‪]53 :‬؟‬ ‫أَ ْز َوا َجهُ ِم ْن بَ ْع ِد ِه أبَدًا إِ َّن َذلِ ُك ْم َكانَ ِع ْن َد ِ ع ِ‬
‫هَّللا‬ ‫َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما تزوج رسول هللا ‪ ‬ب‪##‬زينب بنت جحش أولم عليه‪##‬ا‬
‫بتم‪##‬ر وس‪##‬ويق وذبح ش‪##‬اة‪ ،‬ق‪##‬ال أنس‪ :‬وبعثت إلي‪##‬ه أمي أم س‪##‬ليم بحيس في ت‪##‬ور‪ #‬من‬
‫حج‪##‬ارة‪ ،‬ف‪##‬أمرني الن‪##‬بي ‪ ‬أن أدعوأص‪##‬حابه إلى الطع‪##‬ام ف‪##‬دعوتهم‪ ،‬فجع‪##‬ل الق‪##‬وم‬
‫يجيئون فيأكلون فيخرجون‪ ،‬ثم يجيء القوم فيأكلون ويخرجون‪ ،‬فقلت‪ :‬يا نبي هللا قد‬
‫دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه‪ ،‬فقال‪( :‬ارفعوا طعامكم) فرفعوا فخ‪##‬رج الق‪##‬وم وبقي‬
‫ثالثة أنفار يتحدثون في ال‪##‬بيت‪ ،‬فأط‪##‬الوا المكث‪ ،‬وت‪##‬أذى منهم رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وك‪##‬ان‬
‫شديد الحياء‪ ،‬فنزلت هذه اآلية‪ ،‬وضرب‪ #‬رسول هللا ‪ ‬بيني وبينه سترا(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة اللتزام آداب الضيافة‪ ،‬وخاصة إن ك‪##‬ان ال‪##‬داعي ممن‬
‫وكلت بهم الوظائف الكبرى التي تحتاج إلى تفرغه‪.‬‬
‫﴿ولَوبَ َسطَ هَّللا ُ الر ِّْز َ‪#‬‬
‫ق لِ ِعبَا ِد ِه‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫صيرٌ﴾ [الشورى‪]27 :‬؟‬ ‫َر َما يَ َشا ُء إِنَّهُ بِ ِعبَا ِد ِه خَ بِي ٌر بَ ِ‬‫ض َولَ ِك ْن يُنَ ِّز ُل بِقَد ٍ‬ ‫لَبَ َغوْ ا فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ق‪##‬وم من أه‪##‬ل الص‪##‬فة تمن‪##‬وا س‪##‬عة ال‪##‬دنيا‬
‫والغنى‪ ..‬وقال‪ #‬خباب بن األرت‪ :‬فينا نزلت هذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‪##‬ا نظرن‪##‬ا إلى أم‪##‬وال‬
‫قريظة والنضير فتمنيناها‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تبارك وتعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتأمل في حكمة هللا تع‪##‬الى في توزي‪##‬ع األرزاق‪ #،‬وفي‬
‫كل شيء؛ فاهلل ال يصدر منه إال العدل والرحمة والحكمة‪.‬‬
‫ت بِ‪ْ #‬دعًا ِمنَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ َم‪##‬ا ُك ْن ُ‬
‫ي َو َم‪##‬ا أَنَ‪##‬ا إِاَّل نَ‪ِ #‬ذي ٌر‬ ‫الرُّ ُس ِل َو َما أَ ْد ِري َم‪##‬ا يُ ْف َع‪ُ #‬ل بِي َواَل بِ ُك ْم إِ ْن أَتَّبِ‪ُ #‬ع إِاَّل َم‪##‬ا يُ‪َ #‬‬
‫‪#‬وحى‪ #‬إِلَ َّ‬
‫ين﴾ [األحقاف‪]9 :‬؟‬ ‫ُمبِ ٌ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما اشتد البالء بأصحاب رسول هللا ‪ ‬رأى في المن‪##‬ام‬
‫أنه يه‪##‬اجر إلى أرض ذات نخ‪##‬ل وش‪##‬جر وم‪##‬اء‪ ،‬فقص‪##‬ها على أص‪##‬حابه‪ ،‬فاستبش‪##‬روا‬
‫بذلك ورأوا فيها فرجا‪ #‬مما هم فيه من أذى المشركين‪ ،‬ثم إنهم مكثوا بره‪##‬ة ال ي‪##‬رون‬
‫ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول هللا م‪##‬تى نه‪##‬اجر إلى األرض ال‪##‬تي رأيت؟ فس‪##‬كت رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬فأنزل هللا تعالى اآلية‪ ..‬يعني ال أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي‬
‫أوال؟ ثم قال‪( :‬إنما هوشيء رأيته في منامي ما أتبع إال ما يوحى إلي) (‪)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لعبودي‪#‬ة رس‪#‬ول هللا ‪ ‬وأن دعوت‪##‬ه مث‪#‬ل دع‪##‬وة س‪#‬ائر‪#‬‬
‫األنبياء عليهم السالم‪ ،‬وأن وظيفته ترتبط بتبليغ دين هللا وهداية عباده‪ ،‬وليس إطالع‬
‫الن‪##‬اس بش‪##‬ؤون الغيب ال‪##‬تي ق‪##‬د ال تفي‪##‬دهم في آخ‪##‬رتهم‪ ،‬إال م‪##‬ا ك‪##‬انت المص‪##‬لحة في‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.357/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.374/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.377/‬‬
‫‪158‬‬
‫إطالعهم عليه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِنَّا فَتَحْ نَ‪##‬ا لَ‪##‬كَ فَ ْت ًح‪##‬ا ُمبِينً‪##‬ا‬
‫ص ‪َ #‬راطًا‪ُ #‬م ْس ‪#‬تَقِي ًما‬ ‫ك ِ‬ ‫لِيَ ْغفِ َر لَكَ هَّللا ُ َما تَقَ َّد َم ِم ْن َذ ْنبِكَ َو َما تَأ َ َّخ َر َويُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ َعلَ ْيكَ َويَ ْه ِديَ َ‪#‬‬
‫َزي ًزا﴾ [الفتح‪ 1 :‬ـ ‪]3‬؟‬ ‫ص َركَ هَّللا ُ نَصْ رًا ع ِ‬ ‫َويَ ْن ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن أنس قال‪ :‬لما رجعنا‪ #‬من غزوة الحديبية وقد حي‪##‬ل بينن‪##‬ا‬
‫وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة‪ ،‬أنزل هللا عز وجل ﴿إِنَّا فَتَحْ نَا لَكَ فَ ْت ًح‪##‬ا ُمبِينً‪##‬ا ﴾‬
‫فقال رسول هللا ‪( :‬لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها كلها) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إخب‪##‬ار ب‪#‬أن هللا تع‪##‬الى ه‪#‬و ال‪#‬ذي يفتح م‪##‬ا يش‪##‬اء لمن يش‪#‬اء‪..‬‬
‫وفيها‪ #‬دعوة لتوفير القابلية واالستعداد‪ #‬لتحقق الفتح اإللهي الشامل لكل الشؤون‪.‬‬
‫‪#‬ف أَ ْي‪ِ #‬ديَهُ ْم‬ ‫﴿وهُوالَّ ِذي َك‪َّ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪##‬ر ُك ْ‪#‬م َعلَ ْي ِه ْم َو َك‪##‬انَ هَّللا ُ بِ َم‪##‬ا تَ ْع َملُ‪##‬ونَ‬
‫ظف َ َ‬ ‫ط ِن َم َّكةَ ِم ْن بَعْ‪ِ ##‬د أَ ْن أَ ْ‬ ‫َع ْن ُك ْم َوأَيْ‪ِ ##‬ديَ ُك ْم َع ْنهُ ْم بِبَ ْ‬
‫صيرًا﴾ [الفتح‪]24 :‬؟‬ ‫بَ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن أنس أن ثمانين رجال من أهل مكة هبطوا على رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ ‬من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي ‪ ‬وأص‪##‬حابه‪ ،‬فأخ‪##‬ذهم أس‪##‬راء‬
‫فاستحياهم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عبد هللا بن مغفل المزني قال‪ :‬كنا مع رسول هللا‬
‫‪ ‬بالحديبية في أصل الشجرة التي قال هللا في القرآن‪ ،‬فبينما نحن ك‪##‬ذلك‪ ،‬إذ خ‪##‬رج‬
‫علينا ثالثون شابا عليهم السالح فثاروا‪ #‬في وجوهنا‪ ،‬فدعا عليهم الن‪##‬بي ‪ ‬فأخ‪##‬ذ هللا‬
‫تعالى بأبصارهم وقمنا‪ #‬إليهم فأخذناهم‪ #،‬فقال لهم رسول‪ #‬هللا ‪( :‬ه‪##‬ل جئتم في عه‪##‬د‬
‫أحد؟ وه‪#‬ل جع‪#‬ل لكم أح‪#‬د أمان‪#‬ا؟) فق‪##‬الوا‪ :‬اللهم ال‪ ،‬فخلى س‪##‬بيلهم‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تذكير‪ #‬بحفظ هللا تعالى عباده‪ ،‬وخصوصا‪ #‬لمن ينصر‪ #‬دين‪##‬ه‪..‬‬
‫وفيها‪ #‬دعوة لإلقدام وعدم الخوف‪ ،‬والثقة في فضل هللا وحفظه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬قَ‪#‬د َس‪ِ #‬م َع ُ ق‪##‬وْ َل التِي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ص ‪#‬ي ٌر الَّ ِذينَ‬ ‫ك فِي زَ وْ ِجهَا َوتَ ْشتَ ِكي إِلَى هَّللا ِ َوهَّللا ُ يَ ْس َم ُع ت ََحا ُو َر ُك َما‪ #‬إِ َّن هَّللا َ َس ‪ِ #‬مي ٌع بَ ِ‬ ‫تُ َجا ِدلُ َ‬
‫ُون ِم ْن ُك ْم ِم ْن نِ َس‪##‬ائِ ِه ْم َم‪##‬ا ه َُّن أُ َّمهَ‪##‬اتِ ِه ْ‪#‬م إِ ْن أُ َّمهَ‪##‬اتُهُ ْم إِاَّل الاَّل ئِي َولَ‪ْ ##‬دنَهُ ْم َوإِنَّهُْ‪#‬م‬ ‫يُظَ‪##‬ا ِهر َ‪#‬‬
‫لَيَقُولُونَ ُم ْن َكرًا ِمنَ ْالقَوْ ِل َو ُزورًا َوإِ َّن هَّللا َ لَ َعفُو َغفُو ٌر َوالَّ ِذينَ يُظَا ِهرُونَ ِم ْن نِ َس‪##‬ائِ ِه ْ‪#‬م ثُ َّم‬
‫يَعُو ُدونَ لِ َما قَالُوا فَتَحْ ِري ُر َرقَبَ ٍة ِم ْن قَب ِْل أَ ْن يَتَ َماسَّا َذلِ ُك ْم تُو َعظُونَ بِ ِه َوهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُونَ‬
‫ط َع‪##‬ا ُ‪#‬م‬ ‫صيَا ُم َش ْه َري ِْن ُمتَتَابِ َعي ِْن ِم ْن قَ ْب ِل أَ ْن يَتَ َما َّسا‪ #‬فَ َم ْن لَ ْم يَ ْس‪#‬تَ ِط ْع فَإِ ْ‬ ‫خَ بِي ٌر فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَ ِ‬
‫ِس‪#‬تِّينَ ِم ْس‪ِ #‬كينًا َذلِ‪##‬كَ لِتُ ْؤ ِمنُ‪##‬وا‪ #‬بِاهَّلل ِ َو َر ُس‪#‬ولِ ِه َوتِ ْل‪##‬كَ ُح‪ #‬دُو ُد هَّللا ِ َولِ ْل َك‪##‬افِ ِرينَ َع‪َ #‬ذابٌ أَلِي ٌم﴾‬
‫[المجادلة‪ 1 :‬ـ ‪]4‬؟‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.380/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.383/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.383/‬‬
‫‪159‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن عائشة قالت‪ :‬تبارك الذي وس‪##‬ع س‪##‬معه ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬إني‬
‫ألسمع كالم خولة بنت ثعلبة‪ ،‬ويخفى علي بعضه وهي تش‪##‬تكي زوجه‪##‬ا إلى رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ ‬وهي تقول‪ :‬يا رسول هللا أبلى شبابي‪ #‬ون‪##‬ثرت ل‪##‬ه بط‪##‬ني ح‪##‬تى إذا ك‪##‬بر س‪##‬ني‬
‫وانقطع ولدي ظاهر مني‪ ،‬اللهم إني أشكوإليك‪ ،‬فما برحت ح‪##‬تى ن‪##‬زل جبري‪##‬ل علي‪##‬ه‬
‫السالم بهذه اآليات(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان للطف هللا تعالى بعب‪##‬اده‪ ،‬وس‪##‬ماعه لش‪##‬كواهم‪ ،‬ورحمت‪##‬ه‬
‫بهم‪ ..‬وفيها تحذير‪ #‬من الكذب والتعسف والظلم‪ ،‬وخصوصا المرتبط‪ #‬بالنساء‪ ،‬وبي‪##‬ان‬
‫لبعض أحكام الكفارات المرتبطة بذلك‪.‬‬
‫﴿وال ِذينَ يُظَ‪#‬ا ِهرُونَ ِم ْن‬ ‫َّ‬ ‫قال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪#‬ذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫هَّللا‬
‫اس‪#‬ا َذلِ ُك ْم تُو َعظُ‪##‬ونَ بِ‪ِ #‬ه َو ُ‬ ‫نِ َسائِ ِه ْ‪#‬م ثُ َّم يَعُو ُدونَ لِ َما قَالُوا فَتَحْ ِري ُ‪#‬ر َرقَبَ ٍة ِم ْن قَب ِْل أَ ْن يَتَ َم َّ‬
‫بِ َما تَ ْع َملُونَ َخبِيرٌ﴾ [المجادلة‪]3 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأت‪##‬ه خويل‪##‬ة بنت ثعلب‪##‬ة‪،‬‬
‫فشكت ذلك إلى النبي ‪ ‬فقالت‪ :‬ظاهر مني حين كبر سني ورق عظمي‪ ،‬فأنزل هللا‬
‫تعالى آية الظهار‪ ،‬فقال رسول هللا ‪ ‬ألوس‪( :‬أعتق رقبة)‪ ،‬فقال‪ :‬مالي بذلك ي‪#‬دان‪،‬‬
‫قال‪( :‬فصم شهرين متتابعين)‪ ،‬قال‪ :‬أما إني إذا أخطأني أن ال آكل في الي‪##‬وم م‪##‬رتين‬
‫كل بص‪##‬ري‪ ،‬ق‪#‬ال‪( :‬ف‪#‬أطعم‪ #‬س‪#‬تين مس‪##‬كينا)‪ ،‬ق‪##‬ال ال أج‪#‬د إال أن تعين‪##‬ني من‪#‬ك بع‪#‬ون‬
‫وصلة‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬فأعان‪##‬ه رس‪##‬ول هللا ‪ ‬بخمس‪##‬ة عش‪##‬ر ص‪##‬اعا ح‪##‬تى جم‪##‬ع هللا ل‪##‬ه‪ ،‬وهللا‬
‫رحيم‪ ،‬وكانوا‪ #‬يرون أن عنده مثلها؛ وذلك لستين مسكينا(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى االهتمام بتحرير الرقيق‪ ،‬واعتباره من الكف‪##‬ارات‬
‫عن الخطايا‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا إِ َذا قِي َل‬
‫‪#‬ع هَّللا ُ‬ ‫ح هَّللا ُ لَ ُك ْم َوإِ َذا قِي َل ا ْن ُش ‪ُ #‬زوا فَا ْن ُش ‪ُ #‬زوا يَرْ فَ‪ِ #‬‬ ‫لَ ُك ْم تَفَ َّسحُوا فِي ْال َم َجالِ ِ‬
‫س فَا ْف َسحُوا يَ ْف َس ِ‬
‫ت َوهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُونَ خَ بِيرٌ﴾ [المجادلة‪]11 :‬؟‬ ‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِم ْن ُك ْم َوالَّ ِذينَ أُوتُوا‪ْ #‬ال ِع ْل َم د ََر َجا ٍ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ك‪##‬ان يك‪##‬رم أه‪##‬ل ب‪##‬در من المه‪##‬اجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬فجاء ناس من أهل بدر وقد‪ #‬سبقوا إلى المجلس‪ ،‬فق‪##‬اموا حي‪##‬ال الن‪##‬بي ‪‬‬
‫على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم‪ ،‬وشق ذلك على رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فقال لمن حوله من غ‪##‬ير أه‪##‬ل ب‪##‬در‪( :‬قم ي‪##‬ا فالن وأنت ي‪##‬ا فالن)‪ ،‬فأق‪##‬ام‪ #‬من المجلس‬
‫بقدر النفر الذي ق‪#‬اموا‪ #‬بين يدي‪#‬ه من أه‪#‬ل ب‪##‬در‪ ،‬فش‪##‬ق ذل‪##‬ك على من أقيم من مجلس‪##‬ه‬
‫وعرف النبي ‪ ‬الكراهية في وجوههم‪ ،‬فقال المنافقون للمس‪##‬لمين‪ :‬ألس‪##‬تم تزعم‪##‬ون‬
‫أن صاحبكم‪ #‬يعدل بين الناس؟ فوهللا ما عدل بين هؤالء‪ :‬قوم‪ #‬أخذوا مجالسهم وأحبوا‪#‬‬
‫القرب من نبيهم أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.407/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.408/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.410/‬‬
‫‪160‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى ال‪##‬تزام آداب المج‪##‬الس‪ ،‬واح‪##‬ترام المح‪##‬ال فيه‪##‬ا‪،‬‬
‫بإنزال كل شخص منزلته التي أنزله هللا فيها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أيُّهَ‪#‬ا ال ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِ َذا‬
‫طهَ ‪#ُ #‬ر فَ ‪#‬إِ ْن لَ ْم ت َِج‪ #‬دُوا‬ ‫ص َدقَةً َذلِكَ َخ ْي‪ٌ #‬ر لَ ُك ْم َوأَ ْ‬ ‫ُول فَقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَ َديْ نَجْ َوا ُك ْ‪#‬م َ‬
‫نَا َج ْيتُ ُم ال َّرس َ‪#‬‬
‫فَإِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المجادلة‪]12 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في األغنياء‪ ،‬وذل‪##‬ك أنهم ك‪##‬انوا ي‪##‬أتون الن‪##‬بي ‪‬‬
‫فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى ك‪##‬ره رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ذل‪##‬ك من‬
‫طول جلوسهم‪ #‬ومناجاتهم‪.)1(#‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دع‪##‬وة لالهتم‪##‬ام بالص‪##‬دقات في ك‪##‬ل المح‪##‬ال‪ ،‬ومنه‪##‬ا زي‪##‬ارة‬
‫الصالحين والجلوس إليهم‪ ،‬ألنها من أعظم الشعائر‪.‬‬
‫ار‬ ‫﴿والَّ ِذينَ تَبَ‪َّ #‬و ُءوا ال‪َّ #‬د َ‬ ‫ق‪#‬ال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫اجةً ِم َّما أوتُوا‪#‬‬ ‫ُور ِه ْ‪#‬م َح َ‬ ‫َاج َر إِلَ ْي ِه ْم َواَل يَ ِج ُدونَ فِي ُ‬ ‫َواإْل ِ ي َمانَ ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم ي ُِحبُّونَ َم ْن ه َ‬
‫صد ِ‬
‫ك هُ ُم‬ ‫ُ‬
‫ق ُش‪َّ ##‬ح نَ ْف ِس‪ِ ##‬ه فَأولَئِ‪#َ ##‬‬ ‫اص‪##‬ةٌ َو َم ْن يُ‪##‬و َ‪#‬‬ ‫ص َ‬ ‫ُ‪##‬ؤثِرُونَ َعلَى أَ ْنفُ ِس‪ِ ##‬ه ْم َولَو َك‪##‬انَ بِ ِه ْم خَ َ‬ ‫َوي ْ‬
‫ْال ُم ْفلِحُونَ ﴾ [الحشر‪]9 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن األنصار قالوا‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‪ ،‬اقس‪##‬م بينن‪##‬ا وبين إخوانن‪##‬ا‬
‫من المه‪##‬اجرين األرض نص‪##‬فين‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ال‪ ،‬ولكنهم يكف‪##‬ونكم‪ #‬المؤون‪##‬ة وتقاس‪##‬مونهم‪#‬‬
‫الثمرة واألرض أرضكم)‪ ،‬قالوا‪ :‬رضينا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتحم‪##‬ل وس‪##‬عة الص‪##‬در واإليث‪#‬ار‪ #‬وك‪#‬ل م‪##‬ا يؤل‪#‬ف بين‬
‫قلوب المؤمنين‪ ،‬واعتبار كل ذلك من وسائل الفالح‪.‬‬
‫﴿ويُ‪#ْ #‬ؤثِرُونَ َعلَى أَ ْنفُ ِس‪ِ #‬ه ْم‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ق ُش َّح نَ ْف ِس ِه فَأُولَئِكَ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ ﴾ [الحشر‪]9 :‬؟‬ ‫صةٌ َو َم ْن يُو َ‬ ‫صا َ‬ ‫َولَو َكانَ بِ ِه ْم خَ َ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬دف‪##‬ع إلى رج‪##‬ل من األنص‪##‬ار رجال من‬
‫أهل الصفة‪ ،‬فذهب به األنصاري‪ #‬إلى أهله‪ ،‬فقال للمرأة‪ :‬هل من شيء؟ ق‪#‬الت‪ :‬ال إال‬
‫قوت الصبية‪ ،‬قال‪ :‬فنوميهم‪ #‬فإذا ناموا فأتيني به‪ ،‬فإذا وضعت فأطفئ السراج‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫ففعلت وجعل األنصاري يقدم إلى ضيفه ما بين يديه‪ ،‬ثم غ‪##‬دا ب‪##‬ه إلى رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فقال‪( :‬لقد عجب من فعالكما‪ #‬أهل السماء) ونزلت(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه أه‪##‬دي لرج‪##‬ل من أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬رأس‬
‫شاة‪ ،‬فقال‪ :‬إن أخي فالنا وعياله أحوج إلى هذا منا‪ ،‬فبعث به إليه‪ ،‬فلم يزل يبعث ب‪##‬ه‬
‫واح‪##‬دا إلى آخ‪##‬ر ح‪##‬تى تداول‪##‬ه س‪##‬بعة أه‪##‬ل أبي‪##‬ات ح‪##‬تى رجعت إلى األول‪ ،‬ف‪##‬نزلت‪:‬‬
‫ق ُش ‪َّ #‬ح نَ ْف ِس ‪ِ #‬ه فَأُولَئِ‪##‬كَ هُ ُم‬ ‫اص ‪#‬ةٌ َو َم ْن يُ‪##‬و َ‬ ‫خَص َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َويُ‪#ْ #‬ؤثِرُونَ َعلَى أَ ْنفُ ِس ‪ِ #‬ه ْم َولَو َك‪##‬انَ بِ ِه ْم‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.412/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.418/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.418/‬‬
‫‪161‬‬
‫ْ‬
‫ال ُم ْفلِحُونَ ﴾ [الحشر‪]9 :‬؟(‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لإليثار والتأسي‪ #‬بالمؤمنين الصالحين في ذلك‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫تَتَّ ِخ ُذوا‪َ #‬ع ُد ِّوي َو َع ُد َّو ُك ْ‪#‬م أَوْ لِيَا َء تُ ْلقُونَ إِلَ ْي ِه ْم بِ ْال َم َو َّد ِة َوقَ ْد َكفَ‪#‬رُوا بِ َم‪##‬ا َج‪ #‬ا َء ُك ْم ِمنَ ْال َح‪ِّ #‬‬
‫ق‬
‫‪#‬رجْ تُ ْم ِجهَ‪##‬ادًا فِي َس ‪#‬بِيلِي‬ ‫َّس ‪#‬و َل َوإِيَّا ُك ْ‪#‬م أَ ْن تُ ْؤ ِمنُ‪##‬وا بِاهَّلل ِ َربِّ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم خَ‪َ #‬‬‫ي ُْخ ِر ُج‪##‬ونَ الر ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ضاتِي‪ #‬تُ ِسرُّ ونَ إِلَ ْي ِه ْم بِال َم َو َّد ِة َوأنَ‪##‬ا أ ْعلَ ُم بِ َم‪##‬ا أ ْخفَ ْيتُ ْم َو َم‪##‬ا أ ْعلَ ْنتُ ْم َو َم ْن يَف َعل‪#‬هُ‬ ‫َوا ْبتِغَا َء َمرْ َ‬
‫ض َّل َس َوا َء ال َّسبِي ِل﴾ [الممتحنة‪]1 :‬؟‬ ‫ِم ْن ُك ْم فَقَ ْد َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتع‪##‬ة وذل‪##‬ك أن س‪##‬ارة م‪##‬والة‬
‫أبي عم‪##‬رو بن ص‪##‬يفي بن هاش‪##‬م بن عب‪##‬د من‪##‬اف أتت رس‪##‬ول هللا ‪ ‬من مك‪##‬ة إلى‬
‫المدينة ورسول هللا ‪ ‬يتجهز لفتح مكة فقال لها‪( :‬أمس‪##‬لمة جئت؟) ق‪##‬الت‪ :‬ال‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(فما جاء بك؟) قالت‪ :‬أنتم كنتم األهل والعشيرة والموالي‪ ،‬وقد احتجت حاجة ش‪##‬ديدة‬
‫فقدمت عليكم لتعطوني‪ #‬وتكسوني‪ #،‬قال لها‪( :‬فأين أنت من شباب أهل مكة)‪ ،‬وك‪##‬انت‬
‫مغني‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬الت‪ :‬م‪##‬ا طلب م‪##‬ني ش‪##‬يء بع‪##‬د وقع‪##‬ة ب‪##‬در فحث رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ب‪##‬ني عب‪##‬د‬
‫المطلب فكسوها وحملوها‪ #‬وأعطوها‪ ،‬فأتاه‪##‬ا ح‪##‬اطب بن أبي بلتع‪##‬ة وكتب معه‪##‬ا إلى‬
‫أهل مكة وأعطاها عشرة دن‪##‬انير‪ #‬على أن توص‪##‬ل الكت‪##‬اب إلى أه‪##‬ل مك‪##‬ة‪ ،‬وكتب في‬
‫الكت‪##‬اب‪ :‬من ح‪##‬اطب إلى أه‪##‬ل مك‪##‬ة‪ ،‬إن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬يري‪##‬دكم فخ‪##‬ذوا‪ #‬ح‪##‬ذركم‪،‬‬
‫فخرجت سارة ونزل جبريل عليه السالم‪ ،‬فأخبر‪ #‬النبي ‪ ‬بم‪##‬ا فع‪##‬ل ح‪##‬اطب‪ ،‬فبعث‬
‫رسول هللا ‪ ‬عليا وعمارا والزبير‪ #‬وطلحة والمقداد بن األس‪##‬ود وأب‪##‬ا مرث‪##‬د وك‪##‬انوا‪#‬‬
‫كلهم فرسانا‪ ،‬وقال لهم‪( :‬انطلقوا ح‪##‬تى ت‪##‬أتوا روض‪#‬ة خ‪##‬اخ‪ ،‬ف‪#‬إن فيه‪##‬ا ظعين‪#‬ة معه‪#‬ا‬
‫كتاب من ح‪##‬اطب إلى المش‪##‬ركين‪ ،‬فخ‪##‬ذوه منه‪##‬ا وخل‪##‬وا‪ #‬س‪##‬بيلها‪ ،‬ف‪##‬إن لم تدفع‪##‬ه إليكم‬
‫فاضربوا‪ #‬عنقها)‪ ،‬فخرجوا حتى أدركوها‪ #‬في ذلك المك‪##‬ان‪ ،‬فق‪##‬الوا له‪##‬ا‪ :‬أين الكت‪##‬اب؟‬
‫فحلفت باهلل ما معها من كتاب‪ ،‬ففتشوا متاعها فلم يجدوا معا كتابا‪ ،‬فهموا‪ #‬ب‪##‬الرجوع‪،‬‬
‫فقال علي‪ :‬وهللا ما ك‪##‬ذبنا وال ك‪##‬ذبنا‪ ،‬وس‪##‬ل س‪##‬يفه‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬أخ‪##‬رجي الكت‪##‬اب وإال وهللا‬
‫ألضربن عنقك‪ ،‬فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابته‪##‬ا وك‪##‬انت ق‪##‬د خبأت‪#‬ه في ش‪##‬عرها‪،‬‬
‫فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول هللا ‪ ‬فأرسل‪ #‬رسول هللا ‪ ‬إلى ح‪##‬اطب‬
‫فأتاه‪ ،‬فقال له‪( :‬هل تعرف الكتاب؟) قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪( :‬فم‪##‬ا حمل‪##‬ك على م‪##‬ا ص‪##‬نعت؟)‬
‫فقال‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا‪ ،‬وهللا م‪##‬ا كف‪##‬رت من‪##‬ذ أس‪##‬لمت‪ ،‬وال غشش‪##‬تك من‪##‬ذ نص‪##‬حتك‪ ،‬وال‬
‫أحببتهم من‪##‬ذ ف‪##‬ارقتهم‪ ،‬ولكن لم يكن أح‪##‬د من المه‪##‬اجرين إال ول‪##‬ه بمك‪##‬ة من يمن‪##‬ع‬
‫عشيرته‪ ،‬وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظه‪##‬رانيهم‪ ،‬فخش‪##‬يت على أهلي ف‪##‬أردت‪#‬‬
‫أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن هللا ينزل بهم بأسه وأن كتابي ال يغني عنهم ش‪##‬يئا‪،‬‬
‫فصدقه رسول هللا ‪ ‬وعذره(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من الخيان‪#‬ة‪ ،‬ومن ت‪#‬ولي األع‪#‬داء‪ ،‬واعتب‪#‬ار ذل‪#‬ك من‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.419/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.420/‬‬
‫‪162‬‬
‫الضالل العظيم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أيُّهَ‪#‬ا ال ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِ َذا‬
‫ت فَا ْمتَ ِحنُوه َُّن هَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِإِي َم‪##‬انِ ِه َّن فَ‪#‬إِ ْن َعلِ ْمتُ ُم‪##‬وه َُّن ُم ْؤ ِمنَ‪##‬ا ٍ‬
‫ت‬ ‫َات ُمهَا ِج َرا ٍ‬ ‫َجا َء ُك ُم ْال ُم ْؤ ِمن ُ‬
‫ار اَل ه َُّن ِح‪ #‬لٌّ لَهُ ْم َواَل هُ ْم يَ ِحلُّونَ لَه َُّن َوآتُ‪##‬وهُ ْم َم‪##‬ا أَ ْنفَقُ‪##‬وا َواَل‬ ‫فَاَل تَرْ ِج ُع‪##‬وه َُّن إِلَى ْال ُكفَّ ِ‬
‫ص ِم ْال َك َوافِ ِ‪#‬ر َواسْأَلُوا‬ ‫َاح َعلَ ْي ُك ْم أَ ْن تَ ْن ِكحُوه َُّن إِ َذا آتَ ْيتُ ُموه َُّن أُجُو َره َُّن َواَل تُ ْم ِس ُكوا بِ ِع َ‬ ‫ُجن َ‬
‫َما أَ ْنفَقتُ ْم َوليَسْألوا َما أ ْنفَقُوا َذلِ ُك ْم ُح ْك ُم ِ يَحْ ُك ُم بَ ْينَ ُك ْم َو ُ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم﴾ [الممتحنة‪]10 :‬؟‬
‫هَّللا‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رسول هللا ‪ ‬صالح قريش‪#‬ا ي‪#‬وم الحديبي‪#‬ة على أن ي‪#‬رد‬
‫عليهم من ج‪##‬اء بغ‪##‬ير إذن ولي‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا ه‪##‬اجرن النس‪##‬اء أبى هللا تع‪##‬الى أن ي‪##‬رددن إلى‬
‫المشركين إذا هن امتحن‪ ،‬فعرفوا‪ #‬أنهن إنما جئن رغب‪##‬ة في اإلس‪##‬الم ب‪##‬رد ص‪##‬دقاتهن‬
‫إليهم إذا احتبس‪##‬ن عنهم إن هم ردوا على المس‪##‬لمين ص‪##‬دقة من حبس‪##‬ن من نس‪##‬ائهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬وذلكم حكم هللا يحكم بينكم‪ ،‬فأمسك‪ #‬رسول هللا ‪ ‬النساء ورد الرجال(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة لمراع‪##‬اة أح‪##‬وال النس‪##‬اء وض‪##‬عفهن‪ ،‬ح‪##‬تى ال يتس‪##‬لط‬
‫المستكبرون الظالمون عليهن‪ ..‬وهو شامل لكل العصور‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫ب‬‫ص‪َ #‬حا ِ‬ ‫س ْال ُكفَّا ُر ِم ْن أَ ْ‬ ‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم قَ‪ْ #‬د يَئِ ُس‪#‬وا ِمنَ اآْل ِخ‪َ #‬‬
‫‪#‬ر ِة َك َم‪##‬ا يَئِ َ‬ ‫تَتَ َولَّوْ ا‪ #‬قَوْ ًم‪##‬ا غ ِ‬
‫َض‪َ #‬‬
‫ُور﴾ [الممتحنة‪]13 :‬؟‬ ‫ْالقُب ِ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ن‪##‬اس من فق‪##‬راء المس‪##‬لمين ك‪##‬انوا يخ‪##‬برون‬
‫اليهود بأخبار‪ #‬المسلمين ويواصلونهم‪ #‬فيصيبون بذلك من ثمارهم‪ ،‬فنه‪##‬اهم‪ #‬هللا تب‪##‬ارك‬
‫وتعالى‪ #‬عن ذلك(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من الخيانة والوالء ألعداء هللا‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا لِ َم‬
‫تَقُولُونَ َما اَل تَ ْف َعلُونَ ﴾ [الصف‪]2 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما كان المسلمون يقولون‪ :‬لونعلم‪ #‬أحب األعمال إلى هللا‬
‫تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا‪ ،‬فدلهم هللا على أحب األعمال إلي‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬ابتلوا‪ #‬ي‪##‬وم أح‪##‬د‬
‫بذلك فولوا مدبرين‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة اللتزام الصدق‪ #‬في كل األحوال واألقوال‪ #‬واألفعال‪.‬‬
‫‪#‬ارةً أَولَهْ‪ً #‬وا‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َرأَوْ ا تِ َج َ‬
‫‪#‬ار ِة َوهَّللا ُ خَ ْي‪ُ #‬ر‬
‫‪#‬وو ِمنَ التِّ َج‪َ #‬‬ ‫وك قَائِ ًم‪##‬ا قُ‪##‬لْ َم‪##‬ا ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ خَ ْي‪ٌ #‬ر ِمنَ اللَّ ْه‪َ #‬‬ ‫ا ْنفَضُّ وا إِلَ ْيهَا َوتَ َر ُك َ‪#‬‬
‫َّازقِينَ ﴾ [الجمعة‪]11 :‬؟‬ ‫الر ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رسول هللا ‪ ‬كان يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير ق‪##‬د‬
‫قدمت من الشام‪ ،‬فخرج‪##‬وا إليه‪##‬ا ح‪##‬تى لم يب‪##‬ق مع‪##‬ه إال اثن‪##‬ا عش‪##‬ر رجال‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.424/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.424/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.426/‬‬
‫‪163‬‬
‫تبارك وتعالى‪ #‬اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لالهتمام بما أع‪##‬د هللا للمؤم‪##‬نين في اآلخ‪##‬رة‪ ،‬وفي ك‪##‬ل‬
‫الشؤون‪ ،‬فما ذكرت اآلخرة في كثير إال قل‪ ،‬وال في قليل إال كثر‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا ال ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا إِ َّن ِم ْن‬
‫َّ‬
‫أَ ْز َوا ِج ُك ْ‪#‬م َوأَوْ اَل ِد ُك ْم َع ُد ًّوا لَ ُك ْم فَاحْ َذرُوهُْ‪#‬م َوإِ ْن تَ ْعفُوا َوتَصْ فَحُوا‪َ #‬وتَ ْغفِرُوا‪ #‬فَإِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر‬
‫َر ِحي ٌم﴾ [التغابن‪]14 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن الرجل كان يسلم فإذا أراد أن يه‪##‬اجر منع‪##‬ه أهل‪##‬ه وول‪##‬ده‬
‫وقالوا‪ #:‬ننشدك هللا أن تذهب فتدع أهلك وعشيرتك وتص‪#‬ير إلى المدين‪#‬ة بال أه‪#‬ل وال‬
‫مال‪ ،‬فمنهم‪ #‬من يرق لهم ويقيم وال يهاجر‪ ،‬فأنزل هللا هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن ه‪##‬ؤالء ال‪##‬ذين منعهم أهلهم عن الهج‪##‬رة لم‪##‬ا‬
‫هاجروا‪ #‬ورأوا الن‪##‬اس ق‪##‬د فقه‪##‬وا في ال‪##‬دين هم‪##‬وا أن يع‪##‬اقبوا‪ #‬أهليهم ال‪##‬ذين منع‪##‬وهم‪،‬‬
‫حي ٌم﴾(‪)3‬‬ ‫فأنزل هللا تعالى اآلية‪َ ﴿ :‬وإِ ْن تَ ْعفُوا َوتَصْ فَحُوا َوتَ ْغفِرُوا‪ #‬فَإِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى اعتبار الوالء هلل‪ ،‬أعظم والء‪ ،‬وأنه يجب الت‪##‬بري‬
‫من كل ما يحول بينه وبينه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا النَّبِ ُّي إِ َذا طَلَّ ْقتُ ُم‬
‫ص‪#‬وا‪ْ #‬ال ِع‪َّ #‬دةَ َواتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ َربَّ ُك ْم اَل تُ ْخ ِر ُج‪##‬وه َُّن ِم ْن بُيُ‪##‬وتِ ِه َّن‬ ‫النِّ َسا َء فَطَلِّقُوه َُّن لِ ِع َّدتِ ِه َّن َوأَحْ ُ‬
‫َواَل يَ ْخرُجْ نَ إِاَّل أَ ْن يَأْتِينَ بِفَ ِ‬
‫اح َش ٍة ُمبَيِّنَ ٍة َوتِ ْلكَ ُحدُو ُد هَّللا ِ َو َم ْن يَتَ َع‪َّ #‬د ُح‪ #‬دُو َد هَّللا ِ فَقَ‪ْ #‬د ظَلَ َم‬
‫ث بَ ْع َد َذلِكَ أَ ْمرًا﴾ [الطالق‪]1 :‬؟‬ ‫نَ ْف َسهُ اَل تَ ْد ِري لَ َع َّل هَّللا َ يُحْ ِد ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في عب‪##‬د هللا بن عم‪##‬ر‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‪#‬ه طل‪##‬ق امرأت‪##‬ه‬
‫حائضا‪ ،‬فأمره رسول هللا ‪ ‬أن يراجعها ويمس‪##‬كها‪ #‬ح‪##‬تى تطه‪#‬ر‪ #‬ثم تحيض حيض‪##‬ة‬
‫أخرى‪ ،‬فإذا طهرت طلقها إن شاء قبل أن يجامعها‪ ،‬فإنها العدة التي أمر هللا بها(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان ألحكام الطالق ودعوة لمراعاتها وتح‪##‬ذير‪ #‬من التع‪##‬دي‬
‫فيها‪ ..‬وفيها‪ #‬دعوة لمراعاة حقوق المرأة المطلقة‪ ،‬وعدم إذيتها‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪#‬لْ‬
‫ق َ يَ َع‪ #‬ل‪#‬هُ‬ ‫جْ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫﴿و َمن يَت ِ‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬
‫ُوح ْسبُهُ إِن َ بَالِغ أ ْم ِر ِه‬ ‫ْث اَل يَحْ تَ ِسبُ َو َم ْن يَتَ َو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ فَه َ‬ ‫َم ْخ َرجًا َويَرْ ُز ْقهُ ِم ْن َحي ُ‬
‫قَ ْد َج َع َل هَّللا ُ لِ ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ْدرًا﴾ [الطالق‪ 2 :‬ـ ‪]3‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ع‪##‬وف بن مال‪##‬ك األش‪##‬جعي‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‬
‫المشركين أسروا ابنا له‪ ،‬فأتى رسول هللا ‪ ‬وشكا إليه الفاقة‪ ،‬وقال‪ :‬إن العدو أس‪##‬ر‬
‫بني وجزعت األم فما تأمرني؟ فقال النبي ‪( :‬اتق هللا واصبر‪ #،‬وآم‪##‬رك وإياه‪##‬ا أن‬
‫تستكثرا‪ #‬من قول‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل)‪ ،‬فعاد إلى بيته وقال المرأته‪ :‬إن رس‪##‬ول‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.426/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.433/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.433/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.434/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪164‬‬
‫هللا ‪ ‬أمرني وإياك أن نس‪##‬تكثر من ق‪##‬ول ال ح‪##‬ول وال ق‪##‬وة إال باهلل‪ ،‬فق‪##‬الت‪ :‬نعم م‪##‬ا‬
‫أمرنا به‪ ،‬فجعال يقوالن‪ ،‬فغفل العدو عن ابنه‪ ،‬فساق‪ #‬غنمهم وجاء بها إلى أبي‪##‬ه وهي‬
‫أربعة آالف شاة‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للثقة في هللا والتوكل عليه‪ ..‬وفيها‪ #‬دعوة للتقوى وأنه‪##‬ا‬
‫حبل نجاة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أيُّهَ‪##‬ا النَّبِ ُّي لِ َم تُ َح‪ِّ #‬ر ُم َم‪##‬ا‬
‫ضاتَ أَ ْز َوا ِجكَ َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [التحريم‪]1 :‬؟‬ ‫أَ َح َّل هَّللا ُ لَ َ‬
‫ك تَ ْبتَ ِغي َمرْ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن سودة بنت زمعة كانت لها خؤولة ب‪##‬اليمن‪ ،‬وك‪##‬ان يه‪##‬دى‬
‫إليها العسل‪ ،‬وك‪##‬ان رس‪##‬ول هللا ‪ ‬يأتيه‪##‬ا في غ‪#‬ير يومه‪##‬ا يص‪##‬يب من ذل‪##‬ك العس‪##‬ل‪،‬‬
‫وك‪##‬انت حفص‪##‬ة وعائش‪##‬ة متواخي‪##‬تين على س‪##‬ائر أزواج الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬الت إح‪##‬داهما‬
‫لألخرى‪ :‬أما ترين إلى هذا؟ ق‪##‬د اعت‪##‬اد ه‪##‬ذه يأتيه‪##‬ا في غ‪##‬ير يومه‪##‬ا يص‪##‬يب من ذل‪##‬ك‬
‫العسل‪ ،‬فإذا دخل عليك فخذي بأنفك‪ ،‬فإذا قال‪ :‬مالك؟ قولي‪ :‬أجد منك ريحا ال أدري‬
‫ما هي‪ ،‬فإنه إذا دخل علي قلت مثل ذلك‪ ،‬فدخل رسول هللا ‪ ‬فأخ‪##‬ذت بأنفه‪##‬ا فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(مالك؟) قالت‪ :‬ريحا أجد منك وما أراه إال مغافير‪ ،‬وك‪##‬ان رس‪##‬ول هللا ‪ ‬يعجب‪##‬ه أن‬
‫يأخذ من الريح الطيبة إذا وجدها‪ ،‬ثم إذ دخل على األخرى قالت له مثل ذلك‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(لقد قالت لي هذا فالنة‪ ،‬وما هذا إال من شيء أصبته في بيت سودة‪ ،‬ووهللا ال أذوق‪##‬ه‬
‫أبدا) قال ابن أبي مليكة‪ :‬قال ابن عباس‪ :‬نزلت هذه اآلية في هذا(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها وص‪#‬ف‪ #‬للين رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ورحمت‪##‬ه م‪##‬ع الجمي‪##‬ع‪ ،‬ودع‪##‬وة‬
‫للتأس‪##‬ي ب‪##‬ه في ذل‪##‬ك‪ ..‬وفيه ‪#‬ا‪ #‬تص‪##‬وير‪ #‬لبعض معانات‪##‬ه ‪ ‬ال‪##‬تي ال ترتب‪##‬ط بأعدائ‪##‬ه‬
‫الخارجيين فقط‪.‬‬
‫ق َع ِظ ٍيم﴾‬ ‫﴿وإِنَّكَ لَ َعلَى ُخلُ ‪ٍ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫[القلم‪]4 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن عائشة قالت‪ :‬ما كان أحد أحسن خلقا من رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫ما دعاه أحد من الصحابة وال من أهل بيته إال قال‪( :‬لبيك) ولذلك أنزل هللا عز وجل‬
‫اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان ألهمية األخالق الحسنة في الدين‪ ،‬وأخبار بأن رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ ‬هو أعظم قدوة فيها‪ ،‬ودعوة للتأسي به في ذلك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬لِنَجْ َعلهَا لك ْم تَذ ِك َرة َوت َِعيَهَا‬
‫أُ ُذ ٌن َوا ِعيَةٌ﴾ [الحاقة‪]12 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ق‪##‬ال لعلي‪( :‬إن هللا أم‪##‬رني أن أدني‪##‬ك وال‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.434/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.439/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.440/‬‬
‫‪165‬‬
‫أقصيك‪ ،‬وأن أعلمك وتعي وحق‪ #‬على هللا أن تعي)‪ ،‬ف‪##‬نزلت‪َ ﴿ :‬وتَ ِعيَهَ‪#‬ا‪ #‬أُ ُذ ٌن َو ِ‬
‫اعيَ‪#‬ةٌ ﴾‬
‫(‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لالهتم‪#‬ام بتحص‪#‬يل ال‪#‬وعي والبص‪#‬يرة‪ ..‬وفيه‪#‬ا إش‪#‬ادة‬
‫باإلمام علي‪ ،‬وكونه متحققا بالوعي والبصيرة‪ ،‬وهو ما يقدمه على غيره‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا ْال ُم‪َّ #‬دثِّ ُر ق ْم فَأن‪ِ #‬ذ ْ‪#‬ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر‪ 1 :‬ـ ‪]4‬؟‬ ‫ك فَ َكبِّرْ َوثِيَابَ َ‬ ‫َو َربَّ َ‪#‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن جابر قال‪ :‬حدثنا رسول هللا ‪ ‬فقال‪( :‬جاورت بح‪##‬راء‬
‫شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت‪ #‬بطن ال‪##‬وادي‪ ،‬فن‪##‬وديت فنظ‪##‬رت أم‪##‬امي‬
‫وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا‪ ،‬ثم نوديت‪ ،‬فرفعت رأسي فإذا ه‪##‬وعلى‬
‫العرش في الهواء ـ يعني جبريل عليه السالم ـ فقلت‪ :‬دثروني‪ #‬دثروني‪ #،‬فصبوا‪ #‬علي‬
‫ماء‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل اآليات)(‪)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للعبودية وتحقيقها في النفس والمجتمع‪.‬‬
‫َّ‬
‫ُط ِع ُم‪##‬ونَ الط َع‪##‬ا َم َعلَى‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وي ْ‬
‫ط ِع ُم ُك ْم لِ َوجْ ِه هَّللا ِ اَل نُ ِري ُد ِم ْن ُك ْم َجزَ ا ًء َواَل ُش‪ُ ##‬كورًا إِنَّا‬ ‫ُحبِّ ِه ِم ْس ِكينًا َويَتِي ًما‪َ #‬وأَ ِسيرًا إِنَّ َما نُ ْ‬
‫َض‪َ #‬رةً‬ ‫ُوس‪#‬ا‪ #‬قَ ْمطَ ِري‪ً #‬را‪ #‬فَ َوقَ‪##‬اهُ ُ‪#‬م هَّللا ُ َش‪َّ #‬ر َذلِ‪##‬كَ ْاليَ‪##‬وْ ِم َولَقَّاهُ ْم ن ْ‬
‫نَ َخ‪##‬افُ ِم ْن َربِّنَ‪##‬ا يَوْ ًم‪##‬ا َعب ً‬
‫صبَرُوا‪َ #‬جنَّةً َو َح ِريرًا﴾ [اإلنسان‪ 8 :‬ـ ‪]12‬؟‬ ‫َو ُسرُورًا َو َج َزاهُْ‪#‬م بِ َما َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن ابن عباس قال‪ :‬ذلك أن علي بن أبي ط‪##‬الب نوب‪##‬ة أج‪##‬ر‬
‫نفسه يسقي نخال بش‪##‬يء من ش‪#‬عير ليل‪##‬ة ح‪#‬تى أص‪#‬بح‪ ،‬وقبض الش‪##‬عير وطحن ثلث‪##‬ه‪،‬‬
‫فجعلوا‪ #‬منه شيئا ليأكلوه‪ ،‬يقال له‪ :‬الخزيرة‪ ،‬فلما تم إنضاجه‪ ،‬أتى مس‪##‬كين ف‪##‬أخرجوا‪#‬‬
‫إليه الطعام‪ ،‬ثم عمل الثلث الثاني‪ ،‬فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه‪ ،‬ثم عم‪##‬ل‬
‫الثلث الب‪#‬اقي‪ ،‬فلم‪#‬ا تم إنض‪#‬اجه أتى أس‪#‬ير من المش‪#‬ركين ف‪#‬أطعموه‪ ،‬وط‪#‬ووا‪ #‬ي‪#‬ومهم‬
‫ذلك‪ ،‬فأنزلت فيه هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بي‪##‬ان ألهمي‪##‬ة اإليث‪##‬ار‪ ،‬وأن‪##‬ه خل‪##‬ق الص‪##‬الحين من عب‪##‬اد هللا‪،‬‬
‫ودعوة للتأسي بهم في ذلك‪.‬‬
‫ئ ِم ْنهُ ْم يَوْ َمئِ‪#ٍ #‬ذ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لِ ُك‪##‬لِّ ا ْم‪ِ #‬‬
‫‪#‬ر ٍ‬
‫َشأْ ٌن يُ ْغنِي ِه﴾ [عبس‪]37 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما قالت عائشة للنبي ‪ ‬أنحشر عراة؟ ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(نعم)‪ ،‬قالت‪ :‬واسوأتاه‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان لعظم األه‪##‬وال في اآلخ‪##‬رة‪ ،‬وال‪##‬تي تجع‪##‬ل اإلنس‪##‬ان‬
‫مشغوال بنفسه عن غيره‪ ،‬وفيها‪ #‬دعوة لالهتمام بذلك في الحي‪##‬اة ال‪##‬دنيا‪ ،‬ح‪##‬تى يتف‪##‬رغ‬
‫المؤمن لإلعداد لآلخرة عن كل شيء‪.‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.440/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.444/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪166‬‬
‫‪#‬ل إِ َذا‬ ‫الض‪َ #‬حى َواللَّ ْي‪ِ #‬‬ ‫﴿و ُّ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ك َو َما قَلَى﴾ [الضحى‪ 1 :‬ـ ‪]3‬؟‬ ‫ك َربُّ َ‬ ‫َس َجى َما َو َّد َع َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما قالت قريش للنبي ‪ ‬ما أرى شيطانك‪ #‬إال‬
‫قد ودعك‪ ،‬فنزلت(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تبشير‪ #‬بعناية هللا تعالى بعباده الصالحين‪ ،‬وتقريبه لهم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا أَ ْن َز ْلنَ‪##‬اهُ فِي لَ ْيلَ ‪ِ #‬ة القَ ‪ْ #‬د ِر‬
‫ْ‬
‫ف َش‪#‬ه ٍْر تَنَ‪َّ #‬ز ُل ْال َماَل ئِ َك‪ #‬ةُ َوال‪##‬رُّ و ُح فِيهَ‪##‬ا‬
‫ك َما لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِر لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِر خَ ْي ٌر ِم ْن أَ ْل ِ‬ ‫َو َما أَ ْد َرا َ‬
‫طلَ ِع ْالفَجْ ِر﴾ [القدر‪ 1 :‬ـ ‪]5‬؟‬ ‫بِإِ ْذ ِن َربِّ ِه ْ‪#‬م ِم ْن ُكلِّ أَ ْم ٍر َساَل ٌم ِه َي َحتَّى َم ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن النبي ‪ ‬ذكر رجال من ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل لبس الس‪##‬الح في‬
‫سبيل هللا ألف شهر‪ ،‬فتعجب المسلمون من ذلك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآليات(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪#‬ا‪ #‬دع‪##‬وة للبحث عن نفح‪##‬ات هللا تع‪##‬الى في األزمن‪##‬ة واألمكن‪##‬ة‬
‫وغيرها والتعرض لها‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ َم ْن يَ ْع َم‪##‬لْ ِم ْثقَ‪##‬ا َل َذ َّر ٍة‬
‫ال َذ َّر ٍة َش ًّرا يَ َرهُ﴾ [الزلزلة‪ 7 :‬ـ ‪]8‬؟‬ ‫خَ ْيرًا يَ َرهُ َو َم ْن يَ ْع َملْ ِم ْثقَ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في رجلين كان أحدهما يأتي‪##‬ه الس‪##‬ائل فيس‪##‬تقل أن‬
‫يعطيه الثمرة والكسرة والجوزة‪ ،‬ويقول‪ :‬ما هذا بشيء‪ ،‬وإنما نؤجر على م‪##‬ا نعطي‬
‫ونحن نحبه‪ ،‬وكان اآلخر يتهاون بالذنب اليسير الكذبة والغيبة والنظرة ويقول‪ :‬ليس‬
‫علي من هذا شيء‪ ،‬إنما أوعد هللا بالنار على الكبائر‪ ،‬ف‪#‬أنزل‪ #‬هللا ع‪#‬ز وج‪##‬ل ي‪##‬رغبهم‬
‫في القليل من الخير فإنه يوشك أن يكثر‪ ،‬ويحذرهم‪ #‬اليسير من الذنب فإنه يوش‪##‬ك‪ #‬أن‬
‫يكثر(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لالهتم‪##‬ام بالص‪##‬غار‪ #‬والكب‪##‬ار من الطاع‪##‬ات وال‪##‬ذنوب؛‬
‫فاهلل يحصي كل شيء‪ ،‬والنفس تنصبغ بكل شيء صغيرا كان أو كبيرا‪.‬‬
‫ص ِّل‬‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا أَ ْعطَ ْينَاكَ ْال َكوْ ثَ َر فَ َ‬
‫ك هُواأْل َ ْبتَرُ﴾ [الكوثر‪ 1 :‬ـ ‪]3‬؟‬ ‫ك َوا ْن َحرْ إِ َّن َشانِئَ َ‬ ‫لِ َربِّ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في قريش كانوا عندما ي‪##‬ذكرون‪ #‬رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫قال‪ :‬دعوه فإنما هورج‪#‬ل أب‪#‬تر ال عقب ل‪#‬ه‪ ،‬ل‪#‬و هل‪#‬ك انقط‪#‬ع ذك‪#‬ره واس‪#‬ترحتم من‪#‬ه‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن ابن عب‪##‬اس ق‪##‬ال‪ :‬ك‪##‬ان الع‪##‬اص بن وائ‪##‬ل يم‪##‬ر‬
‫بمحمد ‪ ‬ويقول‪ :‬إني ألشنؤك وإنك ألبتر من الرجال‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)5‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بشارة لرسول هللا ‪ ‬ولكل المؤمنين بأن هللا س‪##‬يعطيهم من‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.456/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.460/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.462/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.463/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.463/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪167‬‬
‫فضله أكثر مما يتصورون‪ ،‬وفيها دعوة لشكر ذلك باألعمال الصالحة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫هَّللا‬
‫َص ‪ُ #‬ر ِ َوالفَ ْت ُح‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َذا َج‪ #‬ا َء ن ْ‬
‫اس يَ ْد ُخلُونَ فِي ِدي ِن هَّللا ِ أَ ْف َواجًا فَ َسبِّحْ بِ َح ْم ِد َربِّكَ َوا ْستَ ْغفِرْ هُ إِنَّهُ َك‪##‬انَ تَ َّوابً‪##‬ا﴾‬
‫َو َرأَيْتَ النَّ َ‬
‫[النصر‪ 1 :‬ـ ‪]3‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن‪##‬ه لم‪##‬ا أقب‪##‬ل رس‪##‬ول هللا ‪ ‬من غ‪##‬زوة ح‪##‬نين وأن‪##‬زل هللا‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬إِ َذا َجا َء نَصْ ُر هَّللا ِ ﴾ قال‪( :‬يا علي بن أبي طالب ويا فاطمة قد جاء نصر هللا‬
‫والفتح‪ ،‬ورأيت الناس يدخلون في دين هللا أفواجا‪ ،‬فس‪##‬بحان ربي وبحم‪##‬ده وأس‪##‬تغفره‬
‫إنه كان توابا) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تبشير‪ #‬بنصر هللا‪ ،‬ودعوة للعبودية عند تحققه‪ ..‬وه‪##‬و ش‪##‬امل‬
‫لكل العصور‪#.‬‬
‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ هُوهَّللا ُ أ َح‪ٌ #‬د هَّللا ُ َّ‬
‫الص‪َ #‬م ُد‬
‫لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَ ْد َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ُكفُ ًوا أَ َح ٌد﴾ [اإلخالص‪ 1 :‬ـ ‪]4‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما جاء ناس من اليهود إلى النبي ‪ ‬فق‪##‬الوا‪:‬‬
‫صف لنا ربك‪ ،‬فإن هللا أنزل نعته في الت‪##‬وراة‪ ،‬فأخبرن‪#‬ا‪ #‬من أي ش‪##‬يء ه‪##‬و؟ ومن أي‬
‫جنس هو؟ من ذهب هوأم نحاس أم فضة؟ وهل يأك‪##‬ل ويش‪##‬رب؟ وممن ورث ال‪##‬دنيا‬
‫ومن يورثها؟ فأنزل هللا تبارك وتعالى‪ #‬هذه السورة وهي نسبة هللا خاصة(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لتنزيه هللا وتوحي‪##‬ده وتعظيم‪##‬ه‪ ..‬وأن ك‪##‬ل من ال يفع‪##‬ل‬
‫ذلك جاهل بربه‪.‬‬
‫‪ .2‬أسباب النزول والجاحدون‪:‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬بع‪##‬د انتهائن‪##‬ا من الص‪##‬نف األول‪ ..‬وهم المؤمن‪##‬ون‪ ..‬سأس‪##‬ألكم‪ #‬اآلن‬
‫عن الصنف‪ #‬الث‪#‬اني‪ ،‬وهم الجاح‪#‬دون‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬رأيت من خالل البحث عن أص‪#‬نافهم في‬
‫القرآن الكريم أنهم يشملون أصنافا مختلفة‪ ..‬فمنهم المشركون ال‪##‬ذين ول‪##‬د رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬بينهم‪ ،‬والذين أعرضوا عن النبوة‪ ،‬واستعملوا كل الوسائل لحربها‪ ..‬ومنهم أه‪##‬ل‬
‫الكتاب الذين كتموا الحق بعد أن علموه‪ ،‬وراحوا يصطفون مع المش‪##‬ركين في وج‪##‬ه‬
‫النبي الذي انتظروه طويال‪ ..‬ومنهم المنافقون الذين أظهروا‪ #‬اإليمان وأبطنوا‪ #‬الكف‪##‬ر‪،‬‬
‫فكانوا‪ #‬وسيلة للمعاندين لض‪##‬رب اإلس‪##‬الم أو الس‪##‬خرية من‪##‬ه‪ ..‬ومنهم المنحرف‪##‬ون عن‬
‫اإليمان‪ ،‬من تلك األصناف‪ #‬السابقة‪ ،‬من غير تحديد‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فهلم اسألنا عما تش‪##‬اء من ه‪##‬ذه األص‪##‬ناف‪ ،‬وأس‪##‬باب ال‪##‬نزول المرتبط‪##‬ة‬
‫بهم‪.‬‬
‫أسباب النزول والمشركون‪:‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬فلنبدأ بالمشركين؛ فقد ك‪##‬انوا أول من ع‪##‬ادى رس‪##‬ول هللا ‪ ..‬فمن‬
‫س فَلَ َم ُس‪#‬وهُ‬ ‫﴿ولَونَ َّز ْلنَ‪##‬ا َعلَ ْي‪##‬كَ ِكتَابً‪##‬ا فِي قِرْ طَ‪##‬ا ٍ‪#‬‬ ‫يذكر لي منكم سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.466/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.469/‬‬
‫‪168‬‬
‫ين﴾ [األنعام‪]7 :‬؟‬ ‫بِأ َ ْي ِدي ِه ْ‪#‬م لَقَا َل الَّ ِذينَ َكفَرُوا إِ ْن هَ َذا إِاَّل ِسحْ ٌر ُمبِ ٌ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في مشركي مكة قالوا‪ :‬يا محمد وهللا ال نؤمن لك‬
‫حتى تأتينا بكت‪#‬اب من عن‪#‬د هللا ومع‪#‬ه أربع‪#‬ة من المالئك‪#‬ة يش‪#‬هدون أن‪#‬ه من عن‪#‬د هللا‬
‫وأنك رسوله فنزلت هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لتعنت المشركين وجحودهم‪ #‬على الرغم من كل اآليات‬
‫والدالئل التي تدل على صدق رسول هللا ‪. ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ أيُّ َش ْي ٍء أ ْكبَ‪ُ #‬ر َش‪#‬هَا َدةً‬
‫ي هَ َذا ْالقُرْ آنُ أِل ُ ْن ِذ َر ُك ْم بِ ِه َو َم ْن بَلَ َغ أَئِنَّ ُك ْم لَتَ ْشهَ ُدونَ‬ ‫قُ ِل هَّللا ُ َش ِهي ٌد بَ ْينِي َوبَ ْينَ ُك ْ‪#‬م َوأُ ِ‬
‫وح َي إِلَ َّ‬
‫‪#‬ري ٌء ِم َّما تُ ْش‪ِ #‬ر ُكونَ ﴾‬ ‫اح‪ٌ #‬د َوإِنَّنِي بَ‪ِ #‬‬ ‫أَ َّن َم َع هَّللا ِ آلِهَةً أُ ْخ َرى قُلْ اَل أَ ْشهَ ُد قُلْ إِنَّ َما هُوإِلَ‪#‬هٌ َو ِ‬
‫[األنعام‪]19 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رؤساء مكة قالوا‪ :‬يا محمد م‪##‬ا ن‪##‬رى أح‪##‬دا يص‪##‬دقك بم‪##‬ا‬
‫تقول من أم‪##‬ر الرس‪##‬الة‪ ،‬ولق‪##‬د س‪##‬ألنا عن‪##‬ك اليه‪##‬ود والنص‪##‬ارى فزعم‪##‬وا‪ #‬أن ليس ل‪##‬ك‬
‫عندهم ذكر وال صفة‪ ،‬فأرنا من يشهد لك أنك رس‪##‬ول كم‪##‬ا ت‪##‬زعم‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتأمل في شهادة هللا تعالى الدال‪##‬ة على ص‪##‬دق‪ #‬رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ ‬والمبثوثة في الكتاب والسنة والسيرة وكل ما يرتبط به ‪.‬‬
‫﴿و ِم ْنهُ ْم َم ْن يَ ْس‪#‬تَ ِم ُع إِلَ ْي‪##‬كَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َو َج َع ْلنَا َعلَى قُلُوبِ ِه ْم أَ ِكنَّةً أَ ْن يَ ْفقَهُوهُ َوفِي‪ #‬آ َذانِ ِه ْم َو ْقرًا َوإِ ْن يَ َروْ ا ُك َّل آيَ ٍة اَل ي ُْؤ ِمنُ‪##‬وا بِهَ‪##‬ا‬
‫ر اأْل َ َّولِينَ ﴾ [األنع‪##‬ام‪:‬‬ ‫اطي ُ‬ ‫ك يَقُ‪#‬و ُل الَّ ِذينَ َكفَ‪#‬رُوا إِ ْن هَ‪َ #‬ذا إِاَّل أَ َس‪ِ #‬‬ ‫َحتَّى إِ َذا َج‪ #‬اءُوكَ يُ َجا ِدلُونَ‪#َ #‬‬
‫‪]25‬؟‬
‫ق‪#‬ال أح‪#‬دهم‪ :‬روي أن أب‪#‬ا س‪#‬فيان بن ح‪#‬رب والولي‪#‬د‪ #‬بن المغ‪#‬يرة والنض‪#‬ر‪ #‬بن‬
‫الحارث‪ ،‬وعتبة وشيبة ابني ربيعة‪ ،‬وأمية وأبيا ابني خلف‪ ،‬استمعوا إلى رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬فقالوا للنضر‪ :‬يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ ق‪##‬ال‪ :‬وال‪##‬ذي جعله‪##‬ا بيت‪##‬ه م‪##‬ا أدري م‪##‬ا‬
‫يقول‪ ،‬إال أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشيء وما يقول إال أس‪##‬اطير األولين مث‪##‬ل م‪##‬ا‬
‫كنت أحدثكم‪ #‬عن القرون الماضية‪ ،‬وكان النضر كثير الح‪##‬ديث عن الق‪##‬رون األولى‪،‬‬
‫وكان يحدث قريشا‪ #‬فيستملحون حديثه‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لسبب الكفر والجحود‪ #‬األك‪##‬بر وه‪##‬و الحق‪##‬د واألم‪##‬راض‬
‫النفسية التي تحول بين القلب والعقل ووعي الحقائق‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫﴿وهُ ْم يَنهَ‪##‬وْ نَ َعن‪#‬هُ َويَن‪##‬أوْ نَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َع ْنهُ َوإِ ْن يُ ْهلِ ُكونَ إِاَّل أَ ْنفُ َسهُ ْم َو َما يَ ْش ُعرُونَ ﴾ [األنعام‪]26 :‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في كف‪##‬ار مك‪#‬ة ك‪##‬انوا ينه‪##‬ون الن‪##‬اس عن اتب‪##‬اع‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.212/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.212/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.213/‬‬
‫‪169‬‬
‫محمد ‪ ‬ويتباعدون بأنفسهم عنه(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬قَ‪ْ #‬د نَ ْعلَ ُم إِنَّهُ لَيَحْ ُزنُ‪#‬كَ ال ِذي‬
‫ح ُدونَ ﴾ [األنعام‪]33 :‬‬ ‫ك َولَ ِك َّن الظَّالِ ِمينَ بِآيَا ِ‬
‫ت هَّللا ِ يَجْ َ‬ ‫يَقُولُونَ فَإِنَّهُ ْم اَل يُ َك ِّذبُونَ َ‪#‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي‪ #‬أن األخنس بن شريق‪ #‬قال ألبي جهل‪ :‬يا أب‪##‬ا الحكم أخ‪##‬برني‪#‬‬
‫عن محم‪##‬د أص‪##‬ادق‪ #‬ه‪##‬و أم ك‪##‬اذب؟ فإن‪##‬ه ليس هن‪##‬ا من يس‪##‬مع كالم‪##‬ك غ‪##‬يري‪ ،‬فق‪##‬ال‬
‫أبوجهل‪ :‬وهللا إن محمدا لصادق‪ ،‬وم‪##‬ا ك‪##‬ذب محم‪##‬د ق‪##‬ط‪ ،‬ولكن إذا ذهب بن‪##‬و قص‪##‬ي‬
‫باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل هللا تعالى‬
‫هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا‪ :‬يا‬
‫محمد إنا وهللا ما نكذبك‪ ،‬وإنك عندنا لصادق‪ ،‬ولكن نكذب ما جئت به‪ ،‬فنزلت(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لسبب جح‪##‬ود الجاح‪##‬دين وأن‪##‬ه ال يرج‪##‬ع لع‪##‬دم االقتن‪##‬اع‪#‬‬
‫بالحجج فقط‪ ،‬وإنما للكبر والعناد والحقد واألمراض النفسية‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ إِنِّي َعلَى بَيِّنَ‪ٍ #‬ة ِم ْن‬
‫ق َوهُ‪##‬و َخ ْي ُ‪#‬ر‬ ‫ون بِ‪ِ #‬ه إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِاَّل هَّلِل ِ يَقُصُّ ْال َح‪َّ #‬‬ ‫ْجلُ َ‪#‬‬‫َربِّي َو َك َّذ ْبتُْ‪#‬م بِ‪ِ #‬ه َم‪##‬ا ِع ْن‪ِ #‬دي َم‪##‬ا ت َْس‪#‬تَع ِ‬
‫صلِينَ ﴾ [األنعام‪]57 :‬؟‬ ‫ْالفَا ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في النضر بن الح‪##‬ارث ورؤس‪##‬اء ق‪##‬ريش‪ ،‬ك‪##‬انوا‬
‫يقولون‪ :‬يا محمد ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به‪ .‬استهزاء منهم‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتواضع ولزوم العبودية‪ ،‬وأن على المؤمن أن يؤدي‬
‫دوره في الدعوة والهداية‪ ،‬ثم يدعهم بعد ذلك لربهم ليحكم بينهم‪.‬‬
‫﴿واَل ت َُس ‪#‬بُّوا الَّ ِذينَ يَ ‪ْ #‬د ُعونَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫ْ‪###‬ر ِع ْل ٍم َك‪َ ###‬ذلِكَ َزيَّنَّا لِ ُك‪###‬لِّ أ َّم ٍة َع َملَهُ ْم ثُ َّم إِلَى َربِّ ِه ْم‬
‫ِم ْن دُو ِن هَّللا ِ فَيَ ُس‪###‬بُّوا هَّللا َ عَ‪ْ ###‬د ًوا بِ َغي ِ‬
‫َمرْ ِج ُعهُْ‪#‬م فَيُنَبِّئُهُ ْم بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ ﴾ [األنعام‪]108 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت‪ ،‬عن‪##‬دما ق‪##‬ال المش‪##‬ركون‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د لتنتهين عن‬
‫سبك آلهتنا أولنهجون ربك‪ ،‬فنهى هللا أن يسبوا أوثانهم‪ #‬فيسبوا هللا عدوا بغيرعلم(‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن المسلمين كانوا يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك‬
‫عليهم‪ ،‬فنهاهم‪ #‬هللا تعالى أن يستسبوا‪ #‬لربهم قوما جهلة ال علم لهم باهلل(‪.)6‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها نهي عن استعمال الس‪##‬ب والفحش في ال‪##‬رد على المخ‪##‬الف‪،‬‬
‫واستعمال‪ #‬الدعوة بأساليبها الحسنة بدلها‪ ،‬وتب‪#‬يين لمخ‪#‬اطر‪ #‬الس‪#‬ب وأن‪##‬ه ال ي‪##‬ؤدي إال‬
‫إلى المزيد من الصراع‪.‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.213/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.216/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.216/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.218/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.220/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.220/‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪170‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأَ ْق َس ُموا‪ #‬بِاهَّلل ِ َج ْه َد أَ ْي َمانِ ِه ْم‬
‫‪#‬ات ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ َو َم‪##‬ا ي ُْش‪ِ #‬ع ُر ُك ْم أَنَّهَ‪##‬ا إِ َذا َج‪ #‬ا َء ْ‬
‫ت اَل‬ ‫لَئِ ْن َجا َء ْتهُ ْم آيَةٌ لَي ُْؤ ِمنُ َّن بِهَا قُلْ إِنَّ َما اآْل يَ‪ُ #‬‬
‫ارهُ ْم َك َما لَ ْم ي ُْؤ ِمنُوا‪ #‬بِ‪ِ #‬ه أَ َّو َل َم‪َّ #‬ر ٍة َونَ‪َ #‬ذ ُرهُ ْم فِي طُ ْغيَ‪##‬انِ ِه ْ‪#‬م‬ ‫ْص َ‬ ‫ي ُْؤ ِمنُونَ َونُقَلِّبُ أَ ْفئِ َدتَهُ ْم َوأَب َ‬
‫يَ ْع َمهُونَ َولَوأَنَّنَا نَ َّز ْلنَا إِلَ ْي ِه ُم ْال َماَل ئِ َكةَ َو َكلَّ َمهُ ُم ْال َموْ تَى َو َحشَرْ نَا‪َ #‬علَ ْي ِه ْم ُك َّل َش ْي ٍء قُبُاًل َما‬
‫َكانُوا لِي ُْؤ ِمنُوا‪ #‬إِاَّل أَ ْن يَ َشا َء هَّللا ُ َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم يَجْ هَلُونَ ﴾ [األنعام‪ 109 :‬ـ ‪]111‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت عن‪##‬دما كلمت ق‪##‬ريش رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫محم‪##‬د إن‪##‬ك تخبرن‪#‬ا‪ #‬أن موس‪#‬ى‪ #‬علي‪##‬ه الس‪##‬الم ك‪##‬انت مع‪##‬ه عص‪##‬ا ض‪##‬رب به‪##‬ا الحج‪##‬ر‬
‫فانفجرت منه اثنتا عشرة عين‪#‬ا‪ ،‬وأن عيس‪#‬ى علي‪#‬ه الس‪#‬الم ك‪#‬ان يح‪#‬يي الم‪#‬وتى‪ ،‬وأن‬
‫ثمود كانت لهم ناقة‪ ،‬فأتنا ببعض تل‪##‬ك اآلي‪##‬ات ح‪##‬تى نص‪##‬دقك‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪:‬‬
‫(أي ش‪##‬يء تحب‪##‬ون أن آتيكم ب‪##‬ه؟) فق‪##‬الوا‪ :‬تجع‪##‬ل لن‪##‬ا الص‪##‬فا ذهب‪##‬ا‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ف‪##‬إن فعلت‬
‫تصدقوني)‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم وهللا لئن فعلت لنتبعن‪##‬ك أجمعين‪ ،‬فق‪##‬ام رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ي‪##‬دعو‪،‬‬
‫فجاءه جبريل عليه السالم وقال‪ :‬إن شئت أصبح الص‪##‬فا ذهب‪##‬ا‪ ،‬ولك‪##‬ني لم أرس‪##‬ل آي‪#‬ة‬
‫فلم يصدق بها إال أنزلت العذاب‪ ،‬وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم‪ ،‬فقال رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪( :‬اتركهم حتى يتوب تائبهم) فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لتعنت الجاحدين الذي ال يقتنعون بما ي‪##‬روا من اآلي‪##‬ات‬
‫الواضحة‪ ،‬ويطالبون باآليات الغريبة‪ ،‬والتي تتناسب مع أهوائهم‪ #‬ومصالحهم‪ ،‬وفيها‪#‬‬
‫بي‪##‬ان ب‪##‬أن الهداي‪##‬ة من هللا‪ ،‬وللمتواض‪##‬عين‪ #‬الم‪##‬ؤدبين ب‪##‬آداب العبودي‪##‬ة‪ ،‬وأم‪##‬ا غ‪##‬يرهم‬
‫فكبرهم‪ #‬يحول بينهم وبينها‪.‬‬
‫ك لِنَ ْف ِس‪#‬ي نَ ْف ًع‪##‬ا‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ اَل أَ ْملِ‪ُ #‬‬
‫ت ِمنَ ْالخَ ي ِْر َو َما َم َّسنِ َي السُّو ُء‬ ‫ْب اَل ْستَ ْكثَرْ ُ‬ ‫ت أَ ْعلَ ُم ْال َغي َ‬
‫ض ًّرا إِاَّل َما َشا َء هَّللا ُ َولَو ُك ْن ُ‬ ‫َواَل َ‬
‫إِ ْن أَنَا إِاَّل نَ ِذي ٌر َوبَ ِشي ٌ‪#‬ر لِقَوْ ٍم ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [األعراف‪]188 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما قال أهل مكة‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د أال يخ‪##‬برك رب‪##‬ك‬
‫بالسعر‪ #‬الرخيص قبل أن يغلوفتشري‪ #‬فتربح؟ وباألرض التي يريد أن تجدب فترحل‬
‫عنها إلى ما قد أخصب (‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إعالم بأن هللا وحده من يعلم الغيب‪ ،‬وإنما يطلع عب‪##‬اده على‬
‫بعض تفاصيله في حال الحاجة إليه‪ ..‬وفيها‪ #‬تصحيح لمفهوم النبوة ووظائفها‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ ْن ت َْس ‪#‬تَ ْفتِحُوا فَقَ ‪ْ #‬د َج‪ #‬ا َءك ُمُ‬
‫ت‬ ‫ْالفَ ْت ُح َوإِ ْن تَ ْنتَهُوا فَهُوخَ ْي ٌ‪#‬ر لَ ُك ْم َوإِ ْن تَعُودُوا نَ ُع ْد َولَ ْن تُ ْغنِ َي َع ْن ُك ْم فِئَتُ ُك ْم َش‪ْ #‬يئًا َولَ‪##‬و َكثُ َر ْ‪#‬‬
‫َوأَ َّن هَّللا َ َم َع ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [األنفال‪]19 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن المس‪##‬تفتح ك‪##‬ان أب‪##‬ا جه‪##‬ل‪ ،‬وإن‪##‬ه ق‪##‬ال حين التقى ب‪##‬القوم‪:‬‬
‫اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لم نعرف فأحن‪##‬ه الغ‪##‬داة‪ ،‬وك‪##‬ان ذل‪##‬ك اس‪##‬تفتاحه‪،‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.222/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.227/‬‬
‫‪171‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن المش‪##‬ركين حين خرج‪##‬وا إلى الن‪##‬بي ‪ ‬من مك‪##‬ة‬
‫أخ‪##‬ذوا بأس‪##‬تار‪ #‬الكعب‪##‬ة وق‪##‬الوا‪ :‬اللهم انص‪##‬ر أعلى الجن‪##‬دين وأه‪##‬دى الفئ‪##‬تين وأك‪##‬رم‪#‬‬
‫الحزبين وأفضل الدينين‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن المشركين قالوا‪ :‬اللهم ال نعرف ما جاء به محم‪##‬د‬
‫‪ ‬فافتح بيننا وبينه بالحق‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إعالم بأن الفتح من هللا‪ ،‬وأنه أعلم بعباده ال‪##‬ذين يس‪##‬تحقونه‪،‬‬
‫وأن الدعاء بالباطل ال يغير الحق؛ فاهلل أكرم وأعز من أن يستجيب ألهل الباطل‪.‬‬
‫﴿وإِ ْذ قَ‪##‬الُوا اللَّهُ َّم إِ ْن َك‪##‬انَ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫يم﴾ [األنف‪##‬ال‪:‬‬ ‫َ‬
‫ب أل ِ ٍ‬‫الس‪َ #‬ما ِء أَوا ْئتِنَ‪#‬ا‪ #‬بِ َع‪َ #‬ذا ٍ‬
‫‪#‬ارةً ِمنَ َّ‬ ‫ق ِم ْن ِع ْن ِدكَ فَأ َ ْم ِطرْ َعلَ ْينَا ِح َج‪َ #‬‬ ‫هَ َذا ه ْ‬
‫ُوال َح َّ‬
‫‪]32‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪#‬ا ن‪#‬زلت في المش‪#‬ركين ال‪#‬ذين ق‪##‬الوا‪ :‬إن ك‪#‬ان م‪#‬ا يقول‪#‬ه‬
‫محمد حقا فأمطر‪ #‬علينا حجارة من السماء(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دليل على م‪#‬دى حق‪#‬د الجاح‪#‬دين المتعن‪#‬تين‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬تص‪#‬وير‪#‬‬
‫للمعاناة العظيمة التي كان يجدها رسول هللا ‪ ‬في التعامل معهم‪.‬‬
‫ص‪#‬اَل تُهُ ْم ِع ْن‪َ #‬د‬ ‫﴿و َم‪##‬ا َك‪##‬انَ َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫اب بِ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْكفُرُونَ ﴾ [األنفال‪]35 :‬؟‬ ‫ت إِاَّل ُم َكا ًء َوتَصْ ِديَةً فَ ُذوقُوا ْال َع َذ َ‬ ‫ْالبَ ْي ِ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ال‪##‬ذين ك‪##‬انوا يطوف‪##‬ون ب‪##‬البيت ويص‪##‬فقون‪،‬‬
‫ويصفرون‪ ،‬ويضعون خدودهم باألرض‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)5‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تص‪##‬وير للطق‪##‬وس ال‪##‬تي يت‪##‬وهم‪ #‬الوث‪##‬نيون أنه‪##‬ا من دين هللا‪،‬‬
‫وفيها‪ #‬تحذير من الوقوع فيما وقعوا فيه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَ ‪#‬رُوا يُ ْنفِقُ‪##‬ونَ‬
‫يل هَّللا ِ فَ َس‪#‬يُ ْنفِقُونَهَا ثُ َّم تَ ُك‪##‬ونُ َعلَ ْي ِه ْم َح ْس‪َ #‬رةً ثُ َّم يُ ْغلَبُ‪##‬ونَ َوالَّ ِذينَ‬ ‫أَ ْم َوالَهُ ْم لِيَ ُ‬
‫ص ُّدوا‪ #‬ع َْن َس‪#‬بِ ِ‬
‫َكفَرُوا إِلَى َجهَنَّ َم يُحْ َشرُونَ ﴾ [األنفال‪]36 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في المطعمين ي‪##‬وم ب‪##‬در‪ ،‬وك‪##‬ان يطعم ك‪##‬ل واح‪##‬د‬
‫منهم كل يوم عشر جرائر(‪.)6‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها ن‪##‬زلت في أبي س‪##‬فيان بن ح‪##‬رب‪ ،‬حين اس‪##‬تأجر‬
‫يوم أحد ألفين من األحابيش يقاتل بهم النبي ‪ ‬سوى من استجاب له من العرب(‪.)7‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.234/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.234/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.234/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.234/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.234/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.234/‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.236/‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪172‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما أنه لما أصيبت قريش يوم بدر‪ ،‬ورجع أبوسفيان بع‪##‬يرهم‪،‬‬
‫مشى عبد هللا بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمي‪##‬ة في رج‪##‬ال من‬
‫قريش أصيب آب‪#‬اؤهم وأبن‪#‬اؤهم‪ #‬وإخ‪#‬وانهم‪ #‬بب‪#‬در‪ ،‬فكلم‪#‬وا‪ #‬أب‪#‬ا س‪#‬فيان بن ح‪#‬رب ومن‬
‫كانت له في تلك العير تجارة‪ ،‬فقالوا‪ :‬ي‪##‬ا معش‪##‬ر ق‪##‬ريش إن محم‪##‬دا ق‪##‬د وت‪##‬ركم وقت‪##‬ل‬
‫خياركم‪ ،‬فأعينونا‪ #‬بهذا المال الذي أفلت على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أص‪##‬يب‬
‫منا‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية‪ .‬فيهم هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من صرف‪ #‬األموال في الباط‪##‬ل‪ ،‬ألنه‪##‬ا س‪##‬تتحول‪ #‬إلى‬
‫وبال على أصحابها في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫َ‬
‫﴿وإِ ْن نَ َكثُوا أ ْي َمانَهُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬ر إِنَّه ُ ْم اَل أَ ْي َم‪##‬انَ لَهُ ْم لَ َعله ُ ْم يَ ْنتَهُ‪##‬ونَ ﴾ [التوب‪##‬ة‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َع ْه ِد ِه ْم َوطَ َعنُوا فِي ِدينِ ُك ْم فَقَاتِلُوا أَئِ َّمةَ ْال ُك ْف‪ِ #‬‬
‫‪]12‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في أبي س‪##‬فيان بن ح‪##‬رب والح‪##‬ارث بن هش‪##‬ام‬
‫وسهيل بن عمرووعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش ال‪##‬ذين نقض‪##‬وا العه‪##‬د‪،‬‬
‫وهم الذين هموا بإخراج الرسول(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من الوثوق‪ #‬بأئمة الضاللة والكفر‪ ،‬وبيان بأن الحرب‬
‫الحقيقية متوجهة لهم‪ ،‬ال لعامة الناس ودهمائهم‪#.‬‬
‫اس ع ََجبً‪#‬ا أَ ْن‬ ‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪#‬ذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَ َك‪##‬انَ لِلنَّ ِ‬
‫ق ِع ْن‪َ #‬د َربِّ ِه ْ‪#‬م‬ ‫ص‪ْ #‬د ٍ‬ ‫اس َوبَ ِّش ِر الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ َّن لَهُ ْم قَ َد َم ِ‬ ‫أَوْ َح ْينَا إِلَى َر ُج ٍل ِم ْنهُ ْم أَ ْن أَ ْن ِذ ِر النَّ َ‬
‫ين﴾ [يونس‪]2 :‬؟‬ ‫اح ٌر ُمبِ ٌ‬ ‫قَا َل ْال َكافِرُونَ إِ َّن هَ َذا لَ َس ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت لما أنكر الكفار بعثة رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬وق‪##‬الوا‪ :‬هللا‬
‫أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لضعف عقول الذين ي‪##‬رون آي‪#‬ات هللا المعج‪##‬زة في ك‪#‬ل‬
‫شيء‪ ،‬ثم يستغربون قدرته على إرسال رسول أو إنزال كتاب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫﴿وإِذا تتلى َعلي ِه ْم آيَاتنَ‪#‬ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪#‬ذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫‪#‬ر هَ‪َ #‬ذا أَوبَد ِّْل‪#‬هُ قُ‪##‬لْ َم‪##‬ا يَ ُك‪##‬ونُ لِي أَنْ‬ ‫ت بِقُ‪##‬رْ آ ٍن َغ ْي‪ِ #‬‬ ‫ت قَا َل الَّ ِذينَ اَل يَرْ جُونَ لِقَا َءنَا ا ْئ ِ‬ ‫بَيِّنَا ٍ‬
‫اب يَوْ ٍم‬ ‫َ‬
‫َصيْت َربِّي َعذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫إِن ع َ‬ ‫خَافُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ي إِني أ‬ ‫َ‬
‫ُوحى إِل َّ‬ ‫أُبَ ِّدلَهُ ِمن تِلقا ِء نف ِسي إِن أتبِ ُع إِ َما ي َ‬
‫اَّل‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َع ِظ ٍيم﴾ [يونس‪]15 #:‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في مشركي مكة حين قالوا للنبي ‪ ‬ائت بق‪##‬رآن‬
‫ليس فيه ترك عبادة الالت والعزى‪ ..‬ونزلت في المس‪##‬تهزئين‪ ،‬ق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د ائت‬
‫بقرآن غير هذا فيه ما نسألك(‪.)4‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.236/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.241/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.259/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.259/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪173‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للحفاظ على كل تعاليم القرآن الك‪##‬ريم كم‪##‬ا وردت من‬
‫غير تحريف‪ #‬وال تبديل‪ ،‬ألنه ﴿اَل يَأْتِي ِه ْالبَ ِ‬
‫اط ُل ِم ْن بَي ِْن يَ َد ْي ِه َواَل ِم ْن خَ ْلفِ ‪ِ #‬ه تَ ْن ِزي ‪ٌ #‬ل ِم ْن‬
‫ح ِمي ٍد﴾ [فصلت‪]42 :‬‬ ‫َح ِك ٍيم َ‬
‫ُورهُ ْم‬
‫ص‪#‬د َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أاَل إِنَّهُ ْم يَثنُ‪##‬ونَ ُ‬
‫ت‬ ‫لِيَ ْست َْخفُوا ِم ْنهُ أَاَل ِحينَ يَ ْستَ ْغ ُش َ‪#‬‬
‫ون ثِيَابَهُ ْم يَ ْعلَ ُم َما ي ُِس ‪#‬رُّ ونَ َو َم‪##‬ا يُ ْعلِنُ‪##‬ونَ إِنَّهُ َعلِي ٌم بِ ‪َ #‬ذا ِ‬
‫ُور﴾‪[ #‬هود‪]5 :‬؟‬ ‫الصُّ د ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في األخنس بن ش‪##‬ريق‪ ،‬وك‪##‬ان رجال حل‪##‬والكالم‪#‬‬
‫حلوالمنظر‪ ،‬يلقى رسول هللا ‪ ‬بم‪##‬ا يحب ويط‪##‬وي‪ #‬بقبل‪##‬ه م‪##‬ا يك‪##‬ره‪ ..‬وك‪##‬ان يج‪##‬الس‬
‫النبي ‪ ‬يظهر له أمرا يسره ويضمر في قلب‪##‬ه خالف م‪##‬ا يظه‪##‬ر‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تصوير لنفوس المعاندين الذين وض‪##‬عوا الحجب بينهم وبين‬
‫اإليمان‪ ،‬فمنعوا‪ #‬هداية هللا أن تتسلل إلى نفوسهم‪.‬‬
‫﴿وي َُس‪#‬بِّ ُح ال َّر ْع‪ُ #‬د بِ َح ْم‪ِ #‬د ِه‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُصيبُ بِهَ‪##‬ا َم ْن يَ َش ‪#‬ا ُء َوهُ ْم ي َُج‪##‬ا ِدلُونَ فِي هَّللا ِ‬ ‫ق فَي ِ‬ ‫ص َوا ِع َ‬ ‫َو ْال َماَل ئِ َكةُ ِم ْن ِخيفَتِ ِه َويُرْ ِس ُ‪#‬ل ال َّ‬
‫ال﴾ [الرعد‪]13 :‬؟‬ ‫َوهُو َش ِدي ُد ْال ِم َح ِ‬
‫ق‪#‬ال أح‪#‬دهم‪ :‬روي أن رس‪#‬ول هللا ‪ ‬بعث رجال م‪#‬رة إلى رج‪#‬ل من فراعن‪#‬ة‬
‫الع‪##‬رب‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬اذهب فادع‪##‬ه لي)‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول‪ #‬هللا إن‪##‬ه أع‪##‬تى من ذل‪##‬ك‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(اذهب فادعه لي)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ف‪##‬ذهب إلي‪##‬ه فق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬دعوك رس‪##‬ول هللا‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬وم‪##‬ا هللا أمن‬
‫ذهب هوأومن فضة أومن نحاس؟ قال فرجع إلى رسول هللا ‪ ‬ف‪##‬أخبره‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬د‬
‫أخبرتك أنه أعتى من ذل‪#‬ك‪ ،‬ق‪#‬ال لي ك‪#‬ذا وك‪#‬ذا‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬ارج‪#‬ع إلي‪#‬ه الثاني‪#‬ة فادع‪#‬ه)‪،‬‬
‫فرجع إليه‪ ،‬فعاد عليه مثل الكالم األول‪ ،‬فرجع إلى النبي ‪ ‬فأخبره‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬ارج‪##‬ع‬
‫إليه)‪ ،‬فرجع الثالث‪##‬ة فأع‪##‬اد علي‪##‬ه ذل‪##‬ك الكالم‪ ،‬فبين‪#‬ا‪ #‬هويكلم‪##‬ني‪ #‬إذ بعثت إلي‪##‬ه س‪##‬حابة‬
‫حيال رأسه فرعدت فوقعت منه‪##‬ا ص‪##‬اعقة ف‪##‬ذهبت بقح‪##‬ف رأس‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت والتي قبله‪##‬ا في ع‪##‬امر بن الطفي‪##‬ل وأرب‪##‬د‬
‫بن ربيعة وذلك أنهما أقبال يريدان رسول‪ #‬هللا ‪ ‬فقال رجل من أصحابه‪ :‬يا رس‪##‬ول‬
‫هللا هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬دع‪#‬ه ف‪#‬إن ي‪#‬رد هللا ب‪#‬ه خ‪#‬يرا يه‪#‬ده)‪،‬‬
‫فأقبل‪ #‬حتى قام عليه‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد مالي إن أسلمت؟ قال‪( :‬لك ما للمس‪##‬لمين وعلي‪##‬ك‬
‫ما عليهم)‪ ،‬قال‪ :‬تجعل لي األمر من بعدك؟ قال‪( :‬ال‪ ،‬ليس ذلك إلي إنما ذلك إلى هللا‬
‫يجعله حيث يشاء)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬فتجعل‪##‬ني على ال‪##‬وبر وأنت على الم‪##‬در‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ال)‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫فماذا تجعل لي؟ ق‪##‬ال‪( :‬أجع‪##‬ل ل‪##‬ك أعن‪##‬ة الخي‪##‬ل تغزوعليه‪##‬ا)‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬أوليس ذل‪##‬ك إلي‬
‫اليوم؟ وكان أوصى إلى أرب‪##‬د بن ربيع‪##‬ة إذا رأيت‪##‬ني أكلم‪##‬ه ف‪##‬در من خلف‪##‬ه واض‪##‬ربه‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.264/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.270/‬‬
‫‪174‬‬
‫بالس‪##‬يف‪ ،‬فجع‪##‬ل يخاص‪##‬م رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ويراجع‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬دار أرب‪##‬د خل‪##‬ف الن‪##‬بي ‪‬‬
‫ليضربه‪ ،‬ف‪##‬اخترط‪ #‬من س‪##‬يفه ش‪##‬برا ثم حبس‪##‬ه هللا تع‪##‬الى فلم يق‪##‬در على س‪##‬له‪ ،‬وجع‪##‬ل‬
‫عامر يومئ إليه‪ ،‬فالتفت رسول هللا ‪ ‬فرأى أربد وم‪##‬ا يص‪##‬نع بس‪##‬يفه‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬اللهم‬
‫اكفنيهم‪#‬ا بم‪#‬ا ش‪#‬ئت)‪ ،‬فأرس‪#‬ل هللا تع‪#‬الى على أرب‪#‬د ص‪#‬اعقة في ي‪#‬وم ص‪#‬ائف‪ #‬ص‪#‬اح‬
‫فأحرقته‪ ،‬وولى‪ #‬عامر هاربا وقال‪ :‬يا محمد دعوت رب‪##‬ك فقت‪##‬ل أرب‪##‬د‪ ،‬وهللا ألمألنه‪##‬ا‬
‫علي‪##‬ك خيال ج‪##‬ردا وفتيان‪##‬ا م‪##‬ردا‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪( :‬يمنع‪##‬ك هللا تع‪##‬الى من ذل‪##‬ك‬
‫وأبناء قيلة) ـ يريد األوس والخزرج‪ #‬ـ فنزل ع‪##‬امر بيت ام‪##‬رأة س‪##‬لولية‪ ،‬فلم‪##‬ا أص‪##‬بح‬
‫ض‪##‬م علي‪##‬ه س‪##‬الحه‪ ،‬فخ‪##‬رج وهويق‪##‬ول‪ :‬والالت والع‪##‬زى لئن أص‪##‬حر محم‪##‬د إلي‬
‫وصاحبه ـ يعني ملك الموت ـ ألنفذنهما برمحي‪ ،‬فلم‪##‬ا رأى تع‪##‬الى ذل‪##‬ك من‪##‬ه أرس‪##‬ل‬
‫ملكا فلطمه بجناحيه فأذراه في التراب‪ ،‬وخرجت على ركبته غدة في الوقت عظيمة‬
‫كغدة البعير‪ ،‬فع‪##‬اد إلى بيت الس‪##‬لولية وهويق‪##‬ول‪ :‬غ‪##‬دة كغ‪##‬دة البع‪##‬ير وم‪##‬وت في بيت‬
‫﴿س‪َ #‬وا ٌء ِم ْن ُك ْم‬
‫السلولية‪ ،‬ثم مات على ظهر فرسه‪ ،‬وأنزل هللا تعالى في‪##‬ه ه‪##‬ذه القص‪##‬ة‪َ :‬‬
‫‪##‬ات ِم ْن‬ ‫ار لَهُ ُم َعقِّبَ ٌ‬ ‫اربٌ بِالنَّهَ ِ‪#‬‬ ‫ف بِاللَّي ِْل َو َس ِ‬ ‫َم ْن أَ َس َّر ْالقَوْ َل َو َم ْن َجهَ َر بِ ِه َو َم ْن هُو ُم ْست َْخ ٍ‪#‬‬
‫بَي ِْن يَ َد ْي‪ِ #‬ه َو ِم ْن َخ ْلفِ‪ِ #‬ه يَحْ فَظُونَ‪#‬هُ ِم ْن أَ ْم‪ِ #‬‬
‫‪#‬ر هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ اَل يُ َغيِّ ُر َم‪##‬ا بِقَ‪##‬وْ ٍم َحتَّى يُ َغيِّرُوا‪َ #‬م‪##‬ا‬
‫ال هُوالَّ ِذي‬ ‫‪#‬ر َّد لَ ‪#‬هُ َو َم‪##‬ا لَهُ ْم ِم ْن دُونِ ‪ِ #‬ه ِم ْن َو ٍ‬ ‫بِأ َ ْنفُ ِس ‪ِ #‬ه ْم َوإِ َذا أَ َرا َد هَّللا ُ بِقَ‪##‬وْ ٍم ُس ‪#‬و ًءا فَاَل َم‪َ #‬‬
‫ال َويُ َسبِّ ُح ال َّر ْع ُد بِ َح ْم ِد ِه َو ْال َماَل ئِ َك‪ #‬ةُ ِم ْن‬
‫اب الثِّقَ َ‬ ‫ئ الس ََّح َ‬ ‫ق َخوْ فًا َوطَ َمعًا َويُ ْن ِش ُ‪#‬‬ ‫ي ُِري ُك ُ‪#‬م ْالبَرْ َ‬
‫يب بِهَ‪##‬ا َم ْن يَ َش ‪#‬ا ُء َوهُ ْم ي َُج‪##‬ا ِدلُونَ فِي هَّللا ِ َوه َ‬
‫ُوش ‪ِ #‬دي ُ‪#‬د‬ ‫ُص ‪#ُ #‬‬ ‫ق فَي ِ‬ ‫ِخيفَتِ ‪ِ #‬ه َويُرْ ِس ‪ُ #‬ل َّ‬
‫الص ‪َ #‬وا ِع َ‬
‫اس ‪ِ #‬ط‬ ‫ق َوالَّ ِذينَ يَ ْد ُعونَ ِم ْن دُونِ ‪ِ #‬ه اَل يَ ْس ‪#‬ت َِجيبُونَ لَهُ ْم بِ َش ‪ْ #‬ي ٍء إِاَّل َكبَ ِ‬ ‫ْال ِم َحا ِل لَهُ َد ْع َوةُ ْال َح ِّ‬
‫ل﴾ [الرع‪##‬د‪ 10 :‬ـ‬ ‫ض ‪#‬اَل ٍ‬ ‫َكفَّ ْي ِه إِلَى ْال َما ِء لِيَ ْبلُ َغ فَاهُ َو َما هُوبِبَالِ ِغ ِه َو َما ُدعَا ُء ْال َك‪##‬افِ ِرينَ إِاَّل فِي َ‬
‫‪]14‬؟(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تذكير‪ #‬للمؤمنين بهيمنة هللا تع‪##‬الى على ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬وأن ك‪##‬ل‬
‫شيء جند من جنوده‪ ،‬وفي‪ #‬ذلك تطمين وبشارة وعزة لهم‪ ،‬حتى ال ي‪##‬ذلوا أنفس‪##‬هم أو‬
‫ينهزموا‪#.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ك َذلِكَ أَرْ َس ْلنَاكَ فِي أُ َّم ٍة قَ ‪#‬دْ‬
‫ت ِم ْن قَ ْبلِهَا أُ َم ٌم لِتَ ْتلُو َعلَ ْي ِه ُم الَّ ِذي أَوْ َح ْينَا إِلَ ْيكَ َوهُ ْم يَ ْكفُرُونَ بِالرَّحْ َم ِن قُلْ ه َ‬
‫ُوربِّي‪ #‬اَل‬ ‫خَ لَ ْ‬
‫ب﴾ [الرعد‪]30 :‬؟‬ ‫ت َوإِلَ ْي ِه َمتَا ِ‬ ‫إِلَهَ إِاَّل هُو َعلَ ْي ِه تَ َو َّك ْل ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪#‬ا ن‪#‬زلت في ص‪#‬لح الحديبي‪#‬ة حين أرادوا‪ #‬كت‪#‬اب الص‪#‬لح‪،‬‬
‫فقال رسول هللا ‪ ‬لعلي‪( :‬اكتب بسم هللا ال‪##‬رحمن ال‪##‬رحيم)‪ ،‬فق‪##‬ال س‪##‬هيل بن عم‪##‬رو‬
‫والمشركون‪ :‬ما نعرف الرحمن إال صاحب اليمامة‪ ،‬يعن‪##‬ون مس‪##‬يلمة الك‪##‬ذاب‪ ،‬اكتب‬
‫باسمك اللهم‪ ،‬وهكذا كانت أهل الجاهلية يكتبون فأنزل‪ #‬هللا تعالى اآلية (‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها وصف‪ #‬لتعنت المشركين وجهلهم وعنادهم‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬تص‪#‬وير‪#‬‬
‫لمدى معاناة رسول‪ #‬هللا ‪ ‬وصبره معهم‪ ،‬ومدى‪ #‬استعماله لكل أساليب هدايتهم‪.‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.271/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.272/‬‬
‫‪175‬‬
‫ت بِ‪ِ #‬ه‬ ‫﴿ولَ‪##‬وأَ َّن قُرْ آنً‪##‬ا ُس‪#‬ي َِّر ْ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫س ال ِذينَ‬ ‫ت بِ‪ِ #‬ه اأْل َرْ ضُ أَو ُكلِّ َم بِ‪ِ #‬ه ْال َم‪#‬وْ تَى بَ‪##‬لْ هَّلِل ِ اأْل َ ْم‪ُ #‬ر َج ِميعً‪#‬ا أفَلَ ْم يَيْ‪#‬أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْال ِجبَا ُل أَوقُطِّ َع ْ‬
‫ص‪#‬نَعُوا‬ ‫ص‪#‬يبُهُ ْم بِ َم‪##‬ا َ‬ ‫اس َج ِميعًا َواَل يَزَ ا ُل الَّ ِذينَ َكفَ‪#‬رُوا تُ ِ‬ ‫آ َمنُوا أَ ْن لَويَ َشا ُء هَّللا ُ لَهَدَى النَّ َ‬
‫ال ِمي َع‪#‬ادَ﴾ [الرع‪##‬د‪:‬‬ ‫َار ِه ْم َحتَّى يَ‪#‬أْتِ َي َو ْع‪ُ #‬د هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ اَل ي ُْخلِ‪##‬فُ ْ‬
‫ار َعةٌ أَوتَحُلُّ قَ ِريبً‪##‬ا ِم ْن د ِ‬ ‫قَ ِ‬
‫‪]31‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما ق‪#‬الت ق‪#‬ريش للن‪#‬بي ‪ : ‬ت‪#‬زعم أن‪#‬ك ن‪#‬بي‬
‫يوحى إليك‪ ،‬وأن سليمان سخر له الريح والجبال‪ ،‬وأن موسى‪ #‬سخر ل‪##‬ه البح‪##‬ر‪ ،‬وأن‬
‫عيسى كان يحيي الموتى فادع هللا تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا األرض‬
‫أنهارا فنتخذها‪ #‬محارث ف‪##‬نزرع ونأك‪##‬ل‪ ،‬وإال ف‪##‬ادع هللا أن يح‪##‬يي لن‪##‬ا موتان‪##‬ا فنكلمهم‪#‬‬
‫ويكلمونا‪ ،‬وإال فادع‪ #‬هللا تعالى أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهب‪##‬ا فننحت منه‪##‬ا‬
‫وتغنينا‪ #‬عن رحلة الشتاء والصيف‪ ،‬فإنك تزعم أنك كهيئتهم‪ ،‬فبينا كان كذلك إذ ن‪##‬زل‬
‫عليه الوحي‪ ،‬فلما سري عنه قال‪( :‬والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما س‪##‬ألتم ولوش‪##‬ئت‪#‬‬
‫لكان‪ ،‬ولكنه خيرني بين أن تدخلوا من باب الرحمة في‪##‬ؤمن م‪##‬ؤمنكم‪ ،‬وبين أن يكلكم‬
‫إلى ما اخترتم ألنفسكم فتضلوا‪ #‬عن ب‪##‬اب الرحم‪##‬ة وال ي‪##‬ؤمن م‪##‬ؤمنكم‪ #‬ف‪##‬اخترت ب‪##‬اب‬
‫الرحمة وأن يؤمن مؤمنكم‪ ،‬وأخبرني‪ #‬إن أعطاكم ذلك‪ ،‬ثم كفرتم أنه معذبكم عذابا ال‬
‫ب بِهَ‪#‬ا‬ ‫ت إِاَّل أَ ْن َك‪َّ #‬ذ َ‬ ‫﴿و َم‪#‬ا َمنَ َعنَ‪#‬ا أَ ْن نُرْ ِس‪َ #‬ل بِاآْل يَ‪#‬ا ِ‬ ‫يعذبه أحدا من الع‪#‬المين)‪ ،‬ف‪#‬نزلت‪َ :‬‬
‫ويفًا﴾ [اإلسراء‪:‬‬ ‫ت إِاَّل ت َْخ ِ‬ ‫ص َرةً فَظَلَ ُموا‪ #‬بِهَا َو َما نُرْ ِس ُل بِاآْل يَا ِ‬ ‫اأْل َ َّولُونَ َوآتَ ْينَا ثَ ُمو َد النَّاقَةَ ُم ْب ِ‬
‫ت بِ‪ِ #‬ه ْال ِجبَ‪##‬الُ﴾ [الرع‪##‬د‪]31 :‬؟‬ ‫﴿ولَ‪##‬وأَ َّن قُرْ آنً‪##‬ا ُس‪#‬ي َِّر ْ‬
‫‪]59‬؟ ح‪##‬تى ق‪##‬رأ ثالث آي‪##‬ات ون‪##‬زلت‪َ :‬‬
‫اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لكون القرآن الكريم كتاب هداي‪##‬ة وموعظ‪##‬ة وإص‪##‬الح‪،‬‬
‫وأن وظيف‪##‬ة رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ترتب ‪#‬ط‪ #‬ب‪##‬ذلك‪ ،‬ال بم‪##‬ا يتوهم‪##‬ه أو يتص‪##‬وره الجاح‪##‬دون‬
‫الجاهلون عنه‪ ..‬وفيها دعوة للدعاة إلى هللا إلى ع‪##‬دم التن‪##‬ازل عن مب‪##‬ادئهم‪ #‬في س‪##‬بيل‬
‫إرضاء خصوم‪ #‬الحق‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ق ا ِ ن َس ‪#‬انَ ِمن نطف ‪ٍ #‬ة‬ ‫ْ‬ ‫إْل‬ ‫َ‬ ‫﴿خَ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪ :‬ل ‪َ #‬‬
‫ين﴾ [النحل‪]4 :‬؟‬ ‫صي ٌ‪#‬م ُمبِ ٌ‬ ‫فَإِ َذا هُو َخ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت‪ ،‬فقد روي‪ #‬أنها ن‪##‬زلت في أبي بن خل‪##‬ف الجمحي‬
‫حين جاء بعظم رميم إلى رسول هللا ‪ ‬فقال‪ :‬يا محمد أترى هللا يحيي هذا بعدما ق‪##‬د‬
‫رم(‪)2‬؟‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلعمال العقول في اآليات المبثوثة في الكون‪ ،‬والدالة‬
‫على قدرة هللا المطلقة على كل شيء‪ ،‬ومنها ما يرتبط بدالئل المعاد وكل ما يحصل‬
‫فيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫هَّلل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأق َس ُموا‪ #‬بِا ِ َج ْه َد أ ْي َمانِ ِه ْم‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.273/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.278/‬‬
‫‪176‬‬
‫ً‬
‫اس اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [النحل‪]38 :‬؟‬ ‫وت بَلَى َو ْعدًا َعلَ ْي ِه َحقّا َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬ ‫ث هَّللا ُ َم ْن يَ ُم ُ‬ ‫اَل يَ ْب َع ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين‪،‬‬
‫فأتاه يتقاضاه‪ ،‬فكان فيما تكلم به قول‪##‬ه‪ :‬وال‪##‬ذي أرج‪##‬وه بع‪##‬د الم‪##‬وت‪ ،‬فق‪##‬ال المش‪##‬رك‪:‬‬
‫وإنك لتزعم أن‪#‬ك لتبعث بع‪#‬د الم‪#‬وت‪ ،‬فأقس‪#‬م‪ #‬باهلل ال يبعث هللا من يم‪#‬وت‪ ،‬ف‪#‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تصوير لتعنت الجاحدين وجهلهم ومس‪##‬ارعتهم‪ #‬إلى األيم‪##‬ان‬
‫الكاذبة‪ ،‬وتوهمهم أن أيمانهم يمكن أن تفعل شيئا‪.‬‬
‫َ‬
‫﴿و َم‪##‬ا َمنَ َعنَ‪##‬ا أ ْن نُرْ ِس‪َ #‬ل‬‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ْص‪َ #‬رةً فَظَلَ ُم‪##‬وا بِهَ‪##‬ا َو َم‪##‬ا نُرْ ِس‪ُ #‬ل‬ ‫ب بِهَا اأْل َ َّولُونَ َوآتَ ْينَا ثَ ُمو َد النَّاقَةَ ُمب ِ‬ ‫ت إِاَّل أَ ْن َك َّذ َ‬ ‫بِاآْل يَا ِ‬
‫ت إِاَّل ت َْخ ِويفًا﴾ [اإلسراء‪]59 :‬؟‬ ‫بِاآْل يَا ِ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن أه‪##‬ل مك‪#‬ة س‪##‬ألوا الن‪#‬بي ‪ ‬أن يجع‪#‬ل الص‪#‬فا ذهب‪#‬ا وأن‬
‫ينحي عنهم الجبال فيزرعون‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن شئت أن تس‪##‬تأني‪ #‬بهم لعلن‪##‬ا نجت‪##‬بي منهم‪،‬‬
‫وإن شئت أن تؤتيهم‪ #‬الذي سألوا‪ ،‬فإن كفروا أهلك‪##‬وا كم‪##‬ا أهل‪##‬ك من قبلهم‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ال‪،‬‬
‫بل أستأني‪ #‬بهم)‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا عز وجل اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لس‪##‬ر ع‪##‬دم اس‪##‬تجابة هللا تع‪##‬الى القتراح‪##‬ات‪ #‬الجاح‪##‬دين‪،‬‬
‫وهو م‪#‬ا ي‪#‬ترتب عليه‪#‬ا من العقوب‪#‬ة في ح‪#‬ال ع‪#‬دم إيم‪#‬انهم به‪#‬ا‪ ..‬وه‪#‬و س‪#‬ار في ك‪#‬ل‬
‫األزمنة‪.‬‬
‫ك إِ َّن َربَّكَ أَ َحاطَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ قُ ْلنَا لَ َ‬
‫الش‪َ #‬ج َرةَ ْال َم ْلعُونَ‪#‬ةَ فِي ْالقُ‪##‬رْ آ ِن‬ ‫اس َو َّ‬‫ك إِاَّل فِ ْتنَ‪#‬ةً لِلنَّ ِ‬ ‫اس َو َما َج َع ْلنَا الرُّ ْؤيَا‪ #‬الَّتِي أَ َر ْينَا َ‬ ‫بِالنَّ ِ‬
‫زي ُده ُ ْ‪#‬م إِاَّل طُ ْغيَانًا َكبِيرًا﴾ [اإلسراء‪]60 :‬‬ ‫َونُ َخ ِّوفُهُْ‪#‬م فَ َما يَ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما ذكر هللا تعالى الزقوم‪ #‬في الق‪##‬رآن‪ ،‬وخ‪##‬وف‪ #‬ب‪##‬ه ه‪##‬ذا‬
‫الحي من قريش‪ ،‬قال أبوجهل‪ :‬هل تدرون ما هذا الزق‪##‬وم ال‪##‬ذي يخ‪##‬وفكم‪ #‬ب‪##‬ه محم‪##‬د؟‬
‫قالوا‪ :‬ال‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬الثري‪#‬د بالزب‪#‬د‪ ،‬أم‪#‬ا وهللا لئن أمكنن‪#‬ا من‪#‬ه لنتزقمن‪#‬ه تزقم‪#‬ا‪ ،‬ف‪#‬أنزل هللا‬
‫آن﴾ [اإلسراء‪]60 :‬؟ يقول‪ :‬المذمومة(‪.)3‬‬ ‫تبارك وتعالى‪َ ﴿ #:‬وال َّش َج َرةَ ْال َم ْلعُونَةَ فِي ْالقُرْ ِ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لق‪##‬درة هللا تع‪#‬الى على تض‪##‬ليل عب‪##‬اده الجاح‪#‬دين ج‪#‬زاء‬
‫وفاقا لما في نفوسهم‪ #‬من الكبر والبغي‪ ،‬بحيث ال يبصرون الحق مع وضوحه‪.‬‬
‫ُ‬
‫وح ق‪ِ ##‬ل‬‫ك ع َِن الرُّ ِ‬ ‫﴿ويَسْأَلُونَ َ‪#‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫الرُّ و ُح ِم ْن أَ ْم ِر َربِّي َو َما أُوتِيتُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم إِاَّل قَلِياًل ﴾ [اإلسراء‪]85 :‬؟‬
‫قال أح‪#‬دهم‪ :‬روي أن اليه‪#‬ود اجتمع‪#‬وا فق‪#‬الوا لق‪#‬ريش حين س‪#‬ألوهم‪ #‬عن ش‪#‬أن‬
‫رسول هللا ‪ ‬وحاله‪ :‬س‪##‬لوا محم‪##‬دا عن ال‪##‬روح‪ ،‬وعن فتي‪##‬ة فق‪##‬دوا في أول الزم‪##‬ان‪،‬‬
‫وعن رجل بلغ شرق األرض وغربها‪ ،‬فإن أجاب في ذل‪##‬ك كل‪##‬ه فليس بن‪##‬بي‪ ،‬وإن لم‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.278/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.287/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.288/‬‬
‫‪177‬‬
‫يجب في ذلك كله فليس بنبي‪ ،‬وإن أجاب في بعض ذلك وأمسك عن بعضه فهون‪##‬بي‬
‫‪#‬ف‬‫اب ْال َك ْه‪ِ #‬‬
‫ص ‪َ #‬ح َ‬ ‫فسألوه عنها‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية في شأن الفتية‪﴿ :‬أَ ْم َح ِس ‪#‬بْتَ أَ َّن أَ ْ‬
‫َوال َّرقِ ِيم َكانُوا ِم ْن آيَاتِنَا ع ََجبًا﴾ [الكهف‪ ]9 :‬إلى آخر القصة‪ ،‬وأنزل في الرجل الذي بل‪##‬غ‬
‫ك ع َْن ِذي ْالقَ‪##‬رْ نَي ِْن قُ‪##‬لْ َس ‪#‬أ َ ْتلُو َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن‪#‬هُ ِذ ْك‪ #‬رًا﴾‬
‫﴿ويَ ْس ‪#‬أَلُونَ َ‬
‫ش‪##‬رق األرض وغربه‪##‬ا‪َ :‬‬
‫وح قُ ِل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫﴿ويَسْألونَكَ َع ِن الرُّ ِ‬ ‫[الكهف‪ ]83 :‬إلى آخر القصة‪ ،‬وأنزل في الروح قوله تعالى‪َ :‬‬
‫الرُّ و ُح ِم ْن أَ ْم ِر َربِّي َو َما أُوتِيتُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم إِاَّل قَلِياًل ﴾ [اإلسراء‪.)1(]85 :‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بي‪##‬ان لحقيق‪##‬ة ال‪##‬روح‪ ،‬وأنه‪##‬ا من ع‪##‬الم األم‪##‬ر‪ ،‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة‬
‫للتواضع وعدم السؤال عما ال طاقة للعقول بعلمه‪.‬‬
‫ك َحتَّى‬ ‫﴿وقَالُوا‪ #‬لَ ْن نُ‪#ْ #‬ؤ ِمنَ لَ‪َ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ض يَ ْنبُوعًا﴾ [اإلسراء‪]90 :‬؟‬ ‫تَ ْف ُج َر لَنَا ِمنَ اأْل َرْ ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن عتب‪##‬ة وش‪##‬يبة وأب‪##‬ا س‪##‬فيان والنض ‪#‬ر‪ #‬بن الح‪##‬ارث وأب‪##‬ا‬
‫البخ‪##‬تري‪ #‬والولي‪##‬د بن المغ‪##‬يرة وأب‪##‬ا جه‪##‬ل وعب‪##‬د هللا بن أبي أمي‪##‬ة وأمي‪##‬ة بن خل‪##‬ف‬
‫ورؤساء قريش قالوا لرسول هللا ‪ :‬يا محم‪##‬د إن كنت غ‪##‬ير قاب‪##‬ل من‪##‬ا م‪##‬ا عرض‪##‬نا‬
‫عليك علمت أنه ليس أحد أضيق بالدا وال أقل ماال وال أشد عيشا منا‪ ،‬سل لن‪##‬ا رب‪##‬ك‬
‫الذي بعثك بما بعثك فليسير عنا هذه الجب‪#‬ال ال‪#‬تي ض‪#‬يقت علين‪#‬ا‪ ،‬ويبس‪#‬ط لن‪#‬ا بالدن‪#‬ا‬
‫ويج‪##‬ري فيه‪##‬ا أنه‪##‬ارا كأنه‪##‬ار الش‪##‬ام والع‪##‬راق‪ ،‬وأن يبعث لن‪##‬ا من مض‪##‬ى من آبائن‪##‬ا‪،‬‬
‫وليكن ممن يبعث لنا منهم قص‪##‬ي بن كالب فإن‪##‬ه ك‪##‬ان ش‪##‬يخا ص‪##‬دوقا‪ ،‬فنس‪##‬ألهم‪ #‬عم‪##‬ا‬
‫تقول أحق هوأم باطل‪ ،‬فإن صنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا‪ #‬ب‪##‬ه منزلت‪##‬ك عن‪##‬د هللا‬
‫وأنه بعثك رسوال كما تقول‪ ،‬فقال رسول‪ #‬هللا ‪( :‬ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عن‪##‬د‬
‫هللا سبحانه‪ ،‬بما بعثني به‪ ،‬فقد بلغتكم ما أرسلت ب‪#‬ه إليكم‪ ،‬ف‪##‬إن تقبل‪#‬وا فه‪##‬وحظكم‪ #‬في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإن تردوه أصبر ألمر هللا)‪ ،‬قالوا‪ #:‬فإن لم تفع‪##‬ل ه‪##‬ذا فس‪##‬ل رب‪##‬ك أن‬
‫يبعث لنا ملكا يصدقك‪ ،‬وسله فيجع‪#‬ل ل‪#‬ك جنان‪#‬ا وكن‪#‬وزا‪ #‬وقص‪#‬ورا من ذهب وفض‪#‬ة‬
‫ويغنيك‪ #‬بها عما نراك تبتغي‪ ،‬فإنك تقوم في األسواق كما نقوم وتلتمس المع‪##‬اش كم‪##‬ا‬
‫نلتمسه‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يس‪##‬أل رب‪##‬ه ه‪##‬ذا وم‪##‬ا بعثت‬
‫بهذا إليكم‪ ،‬ولكن هللا تعالى بعثني بشيرا ونذيرا) قالوا‪ #:‬فأسقط علينا كسفا من السماء‬
‫كما زعمت أن ربك إن شاء فعل‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬ذلك إلى هللا إن ش‪##‬اء فع‪##‬ل)‪،‬‬
‫فقال قائل منهم‪ :‬لن نؤمن لك حتى تأتي باهلل والمالئكة قبيال‪ ،‬وق‪##‬ال عب‪##‬د هللا بن أمي‪##‬ة‬
‫المخزومي‪ ،‬وهوابن عاتكة بنت عب‪##‬د المطلب ابن عم‪##‬ة الن‪##‬بي ‪ ‬ال أؤمن ب‪##‬ك أب‪##‬دا‬
‫حتى تتخذ إلى السماء سلما وترقى‪ #‬فيه وأنا أنظر حتى تأتيها‪ ،‬وتأتي بنسخة منشورة‬
‫معك ونفر من المالئكة يشهدون ل‪##‬ك أن‪##‬ك كم‪#‬ا تق‪#‬ول‪ ،‬فانص‪##‬رف رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إلى‬
‫أهله حزينا بما فاته من متابعة قومه‪ ،‬ولما رأى من مباعدتهم منه؛ ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآليات(‪.)2‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.291/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.291/‬‬
‫‪178‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لتعنت الجاحدين والجاهلين‪ ،‬وتص‪#‬وير‪ #‬لمعان‪#‬اة رس‪#‬ول‬
‫هللا ‪ ‬معهم‪ ..‬وفيها أيضا تصوير‪ #‬للنفوس التي ال تريد من الدين إال مصالحها؛ فإن‬
‫وافقها قبلته وإال رفضته‪.‬‬
‫َ‬ ‫هَّللا‬
‫‪#‬ل ا ْد ُع‪##‬وا َ أوا ْد ُع‪##‬وا‬ ‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ق‪ِ #‬‬
‫الرَّحْ َمنَ أَيًّا َما تَ ْدعُوا فَلَهُ اأْل َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى ﴾ [اإلسراء‪]110 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬تهج‪##‬د ذات ليل‪##‬ة بمك‪##‬ة‪ ،‬فجع‪##‬ل يق‪##‬ول في‬
‫سجوده‪ :‬يا رحمن يا رحيم‪ ،‬فقال المشركون‪ :‬ك‪##‬ان محم‪##‬د ي‪##‬دعوإلها واح‪##‬دا فه‪##‬واآلن‬
‫ي‪##‬دعوإلهين اث‪##‬نين‪ :‬هللا وال‪##‬رحمن‪ ،‬م‪##‬ا نع‪##‬رف ال‪##‬رحمن إال رحمن اليمام‪##‬ة‪ ،‬يعن‪##‬ون‬
‫مسيلمة الكذاب‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬كان يكتب في أول ما يوحى إلي‪##‬ه‪:‬‬
‫باسمك اللهم حتى نزلت هذه اآلية‪﴿ :‬إِنَّهُ ِم ْن ُس‪#‬لَ ْي َمانَ َوإِنَّهُ بِ ْس‪ِ #‬م هَّللا ِ ال‪#‬رَّحْ َم ِن ال‪َّ #‬ر ِح ِيم﴾‬
‫[النمل‪ ،]30 :‬فكتب‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬فقال مشركوالعرب‪ :‬هذا ال‪##‬رحيم‪ #‬نعرف‪##‬ه‪،‬‬
‫فما الرحمن؟ فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى تعظيم أسماء هللا الحسنى‪ ،‬والتع‪##‬رف‪ #‬على هللا من‬
‫خاللها‪.‬‬
‫ص‪#‬اَل تِكَ َواَل‬
‫﴿واَل تَجْ هَ‪##‬رْ بِ َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ت بِهَا َوا ْبت َِغ بَ ْينَ َذلِكَ َسبِياًل ﴾ [اإلسراء‪]110 :‬؟‬‫تُخَافِ ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت ورسول‪ #‬هللا ‪ ‬مختف بمك‪##‬ة وك‪##‬انوا إذا س‪##‬معوا‬
‫القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به‪ ،‬فقال هللا عز وجل لنبيه ‪َ ﴿ ‬واَل تَجْ هَرْ‬
‫ت بِهَ‪##‬ا ﴾ عن‬ ‫صاَل تِكَ ﴾ أي بقراءتكم فيس‪##‬مع المش‪##‬ركون فيس‪##‬بوا‪ #‬الق‪##‬رآن ﴿ َواَل تُ َخ‪##‬افِ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫سبِياًل ﴾(‪)3‬‬ ‫أصحابك فال يسمعون ﴿ َوا ْبت َِغ بَ ْينَ َذلِكَ َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في التشهد‪ ،‬كان األعرابي يجه‪##‬ر فيق‪##‬ول‪:‬‬
‫التحيات هلل والصلوات والطيبات‪ #‬يرف‪##‬ع به‪##‬ا ص‪##‬وته‪ ..‬وق‪##‬ال عب‪##‬د هللا بن ش‪##‬داد‪ :‬ك‪##‬ان‬
‫أعراب من بني تميم إذا س‪##‬لم الن‪##‬بي ‪ ‬من ص‪##‬الته ق‪##‬الوا‪ :‬اللهم ارزقن‪#‬ا‪ #‬م‪##‬اال وول‪##‬دا‬
‫ويجهرون‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى االعتدال في الشعائر التعبدية‪ ،‬والبعد عن التكلف‬
‫سواء في الجهر واإلسرار أو غير ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪ ﴿ :‬ف َمن ك‪##‬انَ يَرْ جُولِق‪##‬ا َء َربِّ ِه‬
‫صالِحًا َواَل يُ ْش ِر ْك بِ ِعبَا َد ِة َربِّ ِه أَ َحدًا﴾ [الكهف‪]110 :‬؟‬
‫فَ ْليَ ْع َملْ َع َماًل َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في جندب بن زه‪##‬ير الع‪##‬امري‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪:‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.291/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.291/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.291/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.291/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪179‬‬
‫إني أعمل العمل هلل فإذا اطلع عليه سرني‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬إن هللا تع‪##‬الى طيب‬
‫ال يقبل إال طيبا‪ ،‬وال يقبل ما شورك‪ #‬فيه)‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن رجال ج‪##‬اء إلى الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬ال‪ :‬إني أتص‪##‬دق‬
‫وأصل الرحم وال أصنع ذلك إال هلل سبحانه وتعالى في‪##‬ذكر ذل‪##‬ك م‪##‬ني وأحم‪##‬د علي‪##‬ه‪،‬‬
‫فيس‪##‬رني‪ #‬ذل‪#‬ك‪ ،‬وأعجب ب‪##‬ه‪ ،‬فس‪##‬كت رس‪#‬ول هللا ‪ ‬ولم يق‪#‬ل ش‪#‬يئا ف‪##‬أنزل هللا تع‪#‬الى‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى اإلخالص والتج‪##‬رد‪ ،‬ونهي عن ك‪##‬ل م‪##‬ا يش‪##‬وبهما‬
‫مما يحبط األعمال‪.‬‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫﴿و َما نَتَنَ ‪َّ #‬ز ُل إِاَّل بِ‪##‬أ ْم ِر َربِّ َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫لَهُ َما بَ ْينَ أَ ْي ِدينَا َو َما خَ ْلفَنَا َو َما بَ ْينَ َذلِكَ َو َما َكانَ َربُّكَ ن َِسيًّا﴾ [مريم‪]64 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ق‪#‬ال‪( :‬ي‪#‬ا جبري‪##‬ل م‪#‬ا يمنع‪##‬ك أن تزورن‪#‬ا‪#‬‬
‫أكثر مما تزورنا؟) فنزلت اآلية كلها‪ ،‬وكان هذا الجواب لمحمد رسول هللا ‪.)3(‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن جبري‪##‬ل علي‪##‬ه الس‪##‬الم احتبس عن الن‪##‬بي ‪ ‬حين‬
‫سأله قومه عن قصة أص‪##‬حاب الكه‪##‬ف‪ ،‬وذي الق‪##‬رنين‪ ،‬وال‪##‬روح فلم ي‪##‬در م‪##‬ا يجيبهم‬
‫ورجا‪ #‬أن يأتيه جبريل عليه السالم بجواب ما سألوه فأبطأ عليه فشق‪ #‬على رسول‪ #‬هللا‬
‫‪ ‬مشقة شديدة فلما نزل جبريل عليه السالم‪ ،‬قال له‪( :‬أبطأت علي حتى ساء ظ‪##‬ني‬
‫واشتقت إليك‪ ،‬فقال جبريل عليه السالم‪( :‬إني كنت إليك أش‪##‬وق ولك‪##‬ني عب‪##‬د م‪##‬أمور‬
‫إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست)‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تص‪##‬وير‪ #‬لعص‪##‬مة المالئك‪##‬ة عليهم الس‪##‬الم وأدبهم م‪##‬ع ربهم‪،‬‬
‫وأنهم ال يفعلون إال ما يؤمرون به‪ ،‬ودعوة للتأسي بهم في ذلك‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬طه َما أَ ْن َز ْلنَا َعلَ ْيكَ ْالقُرْ آنَ‬
‫لِتَ ْشقَى﴾ [طه‪ 1 :‬ـ ‪]2‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن المش‪##‬ركين ق‪##‬الوا للن‪##‬بي ‪( :‬إن‪##‬ك لش‪##‬قي ب‪##‬ترك دينن‪##‬ا)‪،‬‬
‫وذلك لما رأياه من طول عبادته وشدة اجتهاده‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)5‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لمقصد الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وه‪##‬و ال‪##‬دعوة لس‪##‬عادة ال‪##‬دارين‬
‫والتبشير بها‪.‬‬
‫ك إِلى َم‪##‬ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫﴿و ت ُم‪ #‬دن َع ْين ْي‪َ #‬‬‫َ‬ ‫اَل‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ر َوأ ْبقى﴾ [ط‪##‬ه‪:‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق َربِّكَ خَ ْي‪ٌ #‬‬ ‫َمتَّ ْعنَا بِ ِه أَ ْز َواجًا ِم ْنهُ ْم َز ْه َرةَ ْال َحيَ‪##‬ا ِة ال‪ُّ #‬د ْنيَا لِنَ ْفتِنَهُ ْم فِي‪ِ #‬ه َو ِر ْز ُ‪#‬‬
‫‪]131‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن أبي راف‪##‬ع م‪##‬ولى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ق‪##‬ال‪ :‬ن‪##‬زل ض‪##‬يف‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.298/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.298/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.299/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.300/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.302/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪180‬‬
‫برسول‪ #‬هللا ‪ ‬فدعاني فأرسلني‪ #‬إلى رجل من اليهود يبيع طعام‪##‬ا‪ ،‬يق‪##‬ول ل‪##‬ك محم‪##‬د‬
‫رسول هللا ‪ ‬إنه نزل بنا ض‪##‬يف‪ #‬ولم يل‪##‬ق عن‪##‬دنا بعض ال‪##‬ذي نص‪##‬لحه‪ ،‬فبع‪##‬ني‪ #‬ك‪##‬ذا‬
‫وكذا من ال‪##‬دقيق‪ #‬أوأس‪##‬لفني إلى هالل رجب‪ ،‬فق‪##‬ال اليه‪##‬ودي‪ :‬ال أبيع‪##‬ه وال أس‪##‬لفه إال‬
‫ب‪##‬رهن‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ف‪##‬رجعت إلي‪##‬ه فأخبرت‪##‬ه‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬وهللا إني ألمين في الس‪##‬ماء أمين في‬
‫األض‪ ،‬ولوأسلفني أو باعني ألديت إليه‪ ،‬اذهب بدرعي)‪ ،‬ون‪#‬زلت ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ة تعزي‪#‬ة‬
‫له عن الدنيا(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تسلية للمؤمنين ب‪##‬أن م‪##‬ا ف‪##‬اتهم من ال‪##‬دنيا س‪##‬يعوض أض‪##‬عافا‪#‬‬
‫مضاعفة في اآلخرة‪ ..‬وفيها‪ #‬نهي لهم عن التطلع لما عن‪##‬د غ‪##‬يرهم؛ ألن ذل‪##‬ك اختب‪##‬ار‬
‫وليس نعيما محضا‪ ،‬بخالف نعيم اآلخرة‪.‬‬
‫ت لَهُ ْم ِمنَّا‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن ال ِذينَ َس‪#‬بَقَ ْ‬
‫ْال ُح ْسنَى أُولَئِكَ َع ْنهَا ُم ْب َع ُدونَ ﴾ [األنبياء‪]101 :‬؟‬
‫ُون هَّللا ِ‬‫قال أحدهم‪ :‬روي أن‪##‬ه لم‪##‬ا ن‪##‬زل قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِنَّ ُك ْم َو َم‪##‬ا تَ ْعبُ‪ُ #‬دونَ ِم ْن د ِ‬
‫ار ُدونَ ﴾ [األنبي‪##‬اء‪ ]98 :‬ش‪#‬ق على ق‪#‬ريش‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬أيش‪#‬تم آلهتن‪##‬ا؟‬ ‫صبُ َجهَنَّ َم أَ ْنتُ ْم لَهَ‪##‬ا َو ِ‬ ‫َح َ‬
‫فجاء ابن الزبعرى فقال‪ :‬ما لكم؟ قالوا يشتم آلهتنا‪ ،‬قال‪ :‬فما ق‪##‬ال؟ ق‪##‬الوا‪ #:‬ق‪##‬ال‪﴿ :‬إِنَّ ُك ْم‬
‫ار ُدونَ ﴾ [األنبياء‪ ]98 :‬ق‪##‬ال‪ :‬ادع‪##‬وه لي‪،‬‬ ‫صبُ َجهَنَّ َم أَ ْنتُ ْم لَهَا َو ِ‬‫َو َما تَ ْعبُ ُدونَ ِم ْن دُو ِن هَّللا ِ َح َ‬
‫فلما دعي النبي ‪ ‬قال‪ :‬يا محمد هذا شيء آللهتن‪#‬ا خاص‪#‬ة أولك‪#‬ل من عب‪#‬د من دون‬
‫هللا؟ قال‪( :‬ال‪ ،‬بل لكل من عبد من دون هللا)‪ ،‬فقال ابن الزبعرى‪ #:‬خصمت ورب هذه‬
‫البنية ـ يعني الكعبة ـ ألست تزعم أن المالئكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح‬
‫وأن عزيرا عبد ص‪#‬الح‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬بلى)‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬فه‪#‬ذه بن‪#‬ومليح يعب‪#‬دون المالئك‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬ذه‬
‫النصارى‪ #‬يعبدون عيسى عليه الس‪##‬الم‪ ،‬وه‪##‬ذه اليه‪##‬ود يعب‪##‬دون عزي‪##‬را‪ ،‬فص‪##‬اح أه‪##‬ل‬
‫مكة‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لفضل هللا على عباده الص‪##‬الحين‪ ،‬ورد على المتعن‪##‬تين‬
‫الجاحدين الذين يتعاملون مع األلفاظ ال مع المعاني الواضحة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬تَبَا َركَ ال ِذي إِن شا َء َج َع َل‬
‫ت تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِهَا اأْل َ ْنهَا ُر َويَجْ َعلْ لَكَ قُصُورًا﴾ [الفرقان‪]10 :‬؟‬ ‫ك َجنَّا ٍ‬ ‫ك خَ ْيرًا ِم ْن َذلِ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن‪##‬ه لم‪##‬ا ع‪##‬ير المش‪##‬ركون رس‪##‬ول هللا ‪ ‬بالفاق‪##‬ة وق‪##‬الوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫‪#‬ز َل إِلَ ْي‪ِ #‬ه َملَ‪ٌ #‬‬ ‫َّس‪#‬و ِل يَأ ُك‪ُ #‬ل الطَّ َع‪##‬ا َم َويَ ْم ِش‪#‬ي فِي اأْل َ ْس‪َ #‬و ِ‬
‫اق لَ‪##‬وْ اَل أ ْن‪ِ #‬‬ ‫ال هَ َذا الر ُ‬ ‫﴿ َوقَالُوا‪َ #‬م ِ‬
‫فَيَ ُكونَ َم َعهُ نَ ِذيرًا﴾ [الفرقان‪ ]7 :‬حزن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬فنزل جبري‪##‬ل علي‪##‬ه الس‪##‬الم معزي‪##‬ا‬
‫له‪ ،‬فقال‪( :‬السالم عليك يا رس‪##‬ول هللا‪ ،‬رب الع‪#‬زة يقرئ‪##‬ك الس‪#‬الم ويق‪#‬ول ل‪##‬ك‪َ ﴿ :‬و َم‪#‬ا‬
‫ْ‬
‫اق﴾ [الفرق‪##‬ان‪:‬‬ ‫ك ِمنَ ْال ُمرْ َس‪#‬لِينَ إِاَّل إِنَّهُ ْم لَيَ‪##‬أ ُكلُونَ الطَّ َع‪##‬ا َم َويَ ْم ُش‪#‬ونَ فِي اأْل َ ْس‪َ #‬و ِ‬ ‫أَرْ َس ْلنَا قَ ْبلَ َ‬
‫‪]20‬؟ أي‪ :‬يبتغون المعاش في الدنيا(‪.)3‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.303/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.303/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.332/‬‬
‫‪181‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تسلية للمؤمنين وفي‪ #‬كل العصور بقدرة هللا المطلقة‪ ،‬وال‪##‬تي‬
‫يمكنها أن توفر لهم كل ما يحتاجون في الدنيا واآلخرة‪ ..‬وفيها تنبيه لهم بأن ما فاتهم‬
‫من الدنيا ليس مهما‪ ،‬ألن العبرة باآلخرة‪.‬‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫ك يَوْ َمئِ ‪ٍ #‬ذ ال َح‪ُّ #‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ال ُمل‪ُ #‬‬
‫لِلرَّحْ َم ِن َو َكانَ يَوْ ًما َعلَى ْال َكافِ ِرينَ ع َِسيرًا َويَوْ َ‪#‬م يَ َعضُّ الظَّالِ ُم َعلَى يَ َد ْي ِه يَقُو ُل يَا لَ ْيتَنِي‬
‫ض‪#‬لَّنِي ع َِن ال‪ِّ #‬ذ ْك ِر‬ ‫ُول َسبِياًل يَا َو ْيلَتَى لَ ْيتَنِي لَ ْم أَتَّ ِخ ْذ فُاَل نً‪##‬ا خَ لِياًل لَقَ‪ْ #‬د أَ َ‬ ‫ت َم َع ال َّرس ِ‬ ‫اتَّ ْ‬
‫خَذ ُ‬
‫ان خَ ُذواًل ﴾ [الفرقان‪ 26 :‬ـ ‪]29‬؟‬ ‫بَ ْع َد إِ ْذ َجا َءنِي َو َكانَ ال َّش ْيطَانُ لِإْل ِ ْن َس ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن أبي بن خل‪##‬ف ك‪##‬ان يحض‪##‬ر عن‪##‬د الن‪##‬بي ‪ ‬ويجالس‪##‬ه‬
‫ويس‪##‬تمع إلى كالم‪##‬ه من غ‪##‬ير أن ي‪##‬ؤمن ب‪##‬ه‪ ،‬فزج‪##‬ره عقب‪##‬ة بن أبي معي‪##‬ط عن ذل‪##‬ك‪،‬‬
‫فنزلت هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من أصحاب السوء‪ ،‬وبي‪##‬ان لعاقب‪##‬ة ص‪##‬حبتهم‪ #،‬وفيه‪##‬ا‬
‫دعوة التخاذ األصحاب الصالحين الذي يُنتفع بصحبتهم‪ #‬في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫‪#‬ع ْالهُ‪#‬دَى‬ ‫﴿وقَ‪##‬الُوا إِ ْن نَتَّبِ‪ِ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ات ُكلِّ َش ْي ٍء ِر ْزقًا‬ ‫ضنَا أَ َولَ ْم نُ َم ِّك ْن لَهُ ْم َح َر ًما آ ِمنًا يُجْ بَى إِلَ ْي ِه ثَ َم َر ُ‬
‫ف ِم ْن أَرْ ِ‬ ‫َم َعكَ نُتَخَطَّ ْ‬
‫ِم ْن لَ ُدنَّا َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [القصص‪]57 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في الحارث بن عثمان بن نوف‪#‬ل بن عب‪#‬د من‪#‬اف‪،‬‬
‫وذلك أنه قال للن‪##‬بي ‪ : ‬إن‪##‬ا لنعلم أن ال‪##‬ذي تق‪##‬ول ح‪##‬ق‪ ،‬لكن يمنعن‪##‬ا من اتباع‪##‬ك أن‬
‫العرب تخطفنا من أرضنا‪ #‬إلجماعهم على خالفنا وال طاقة لنا بهم‪ ،‬فأنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من ك‪##‬ل ال‪##‬ذرائع الص‪##‬ارفة عن اإليم‪##‬ان؛ واعتباره‪##‬ا‬
‫واهية‪ ،‬وال قيمة لها؛ فاإليمان أقوى وأهم من كل شيء‪.‬‬
‫ق َم‪#‬ا يَ َش‪#‬ا ُء‬ ‫﴿و َربُّكَ يَ ْخلُ‪ُ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪#‬ذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫َويَ ْختَا ُ‪#‬ر َما َكانَ لَهُ ُم ْال ِخيَ َرةُ ُس ْب َحانَ هَّللا ِ َوتَ َعالَى‪َ #‬ع َّما يُ ْش ِر ُكونَ ﴾ [القصص‪]68 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت جوابا للوليد بن المغيرة حين ق‪##‬ال فيم‪##‬ا أخ‪##‬بر هللا‬
‫يم﴾ [الزخ‪##‬رف‪:‬‬ ‫‪#‬ل ِمنَ ْالقَ‪##‬رْ يَتَ ْي ِن ع ِ‬
‫َظ ٍ‬ ‫‪#‬ز َل هَ‪َ #‬ذا ْالقُ‪##‬رْ آنُ َعلَى َر ُج‪ٍ #‬‬ ‫﴿وقَالُوا‪ #‬لَوْ اَل نُ‪ِّ #‬‬
‫تعالى عنه‪َ :‬‬
‫‪ ،]31‬فأخبر‪ #‬هللا تعالى أنه ال يبعث الرسل باختيارهم(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للعبودية والتواضع‪ #‬والثقة في هللا وفي‪ #‬اختياره وع‪##‬دم‬
‫الجدل وإدخال األهواء فيها‪.‬‬
‫ْ‬
‫اس َمن يَش‪#‬ت َِري‪#‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫﴿و ِمنَ الن ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ين﴾‬ ‫‪#‬ر ِع ْل ٍم َويَتَّ ِخ‪َ #‬ذهَا هُ‪ُ #‬ز ًوا أُولئِ‪##‬كَ لهُ ْم َع‪ #‬ذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُض َّل ع َْن َسبِي ِل هَّللا ِ بِ َغ ْي‪ِ #‬‬ ‫ث لِي ِ‬ ‫لَه ْ‬
‫ْوال َح ِدي ِ‬
‫[لقمان‪]6 :‬؟‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.332/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.338/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.338/‬‬
‫‪182‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في النضر بن الح‪##‬ارث‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‪##‬ه ك‪##‬ان يخ‪##‬رج‬
‫تاجرا إلى فارس فيشتري‪ #‬أخبار األعاجم فيرويها‪ #‬ويحدث بها قريشا‪ #‬ويق‪##‬ول لهم‪ :‬إن‬
‫محمدا ‪ ‬يحدثكم‪ #‬بحديث عاد وثمود‪ ،‬وأنا أحدثكم بحديث رستم وإس‪##‬فنديار وأخب‪##‬ار‬
‫األكاسرة‪ ،‬فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن‪ ،‬فنزلت فيه هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من كل حديث يصرف عن سبيل هللا‪ ،‬أو يحرف‪##‬ه‪ ،‬أو‬
‫يشوهه‪ ،‬وقد‪ #‬وقع ما حذر منه رسول هللا ‪ ‬حين انصرف الناس عن حقائق الق‪##‬رآن‬
‫الكريم إلى القصص التي رواها اليهود وتالميذهم‪.‬‬
‫ي‬ ‫ب لَنَ‪##‬ا َمثَاًل َون َِس ‪#َ #‬‬ ‫ض ‪َ #‬ر َ‬ ‫﴿و َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬ال َم ْن يُحْ يِي ْال ِعظَ‪##‬ا َم َو ِه َي َر ِمي ٌم قُ‪##‬لْ يُحْ يِيهَ‪##‬ا الَّ ِذي أَ ْن َش‪#‬أهَا أ َّو َل َم‪َّ #‬ر ٍة َوهُوبِ ُك‪ِّ #‬ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫خَ ْلقَهُ قَ‪َ #‬‬
‫ْس الَّ ِذي‬ ‫ض ِر نَارًا فَإِ َذا أَ ْنتُ ْم ِم ْنهُ تُوقِ ُدونَ أَ َولَي َ‬ ‫ق َعلِي ٌم الَّ ِذي َج َع َل لَ ُك ْم ِمنَ ال َّش َج ِر اأْل َ ْخ َ‬ ‫خَ ْل ٍ‬
‫ق ْال َعلِي ُم إِنَّ َما أَ ْم ُرهُ‬ ‫ق ِم ْثلَهُ ْم بَلَى َوه ْ‬
‫ُوال َخاَّل ُ‪#‬‬ ‫ض بِقَا ِد ٍر َعلَى أَ ْن يَ ْخلُ َ‬ ‫ت َواأْل َرْ َ‬ ‫اوا ِ‬‫ق ال َّس َم َ‬ ‫خَ لَ َ‬
‫‪#‬وت ُك‪##‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء َوإِلَ ْي‪ِ #‬ه‬ ‫‪#‬ول لَ‪#‬هُ ُك ْن فَيَ ُك‪##‬ونُ فَ ُس‪#‬ب َْحانَ الَّ ِذي بِيَ‪ِ #‬د ِه َملَ ُك‪ُ #‬‬ ‫إِ َذا أَ َرا َد َش‪ْ #‬يئًا أَ ْن يَقُ‪َ #‬‬
‫تُرْ َجعُونَ ﴾ [يس‪ 78 :‬ـ ‪]83‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أبي بن خلف‪ ،‬أتى الن‪##‬بي ‪ ‬بعظم حائ‪##‬ل ق‪##‬د‬
‫بلي‪ ،‬ففته بين يديه‪ ،‬وقال‪ :‬يا محمد يبعث هللا ه‪##‬ذا بع‪##‬دما أرم؟ فق‪##‬ال‪( :‬نعم‪ ،‬يبعث هللا‬
‫هذا ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم)‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان لكيفي‪##‬ة محاج‪##‬ة المج‪##‬ادلين الجاح‪##‬دين للبعث‪ ،‬وبي‪##‬ان‬
‫لضعف عقولهم‪.‬‬
‫﴿و َم‪##‬ا ُك ْنتُ ْم ت َْس‪#‬تَتِرُونَ أَ ْن‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫صا ُر ُك ْم َواَل ُجلُ‪##‬و ُد ُك ْ‪#‬م َولَ ِك ْن ظَنَ ْنتُ ْم أَ َّن هَّللا َ اَل يَ ْعلَ ُم َكثِ‪##‬يرًا ِم َّما‬‫يَ ْشهَ َد َعلَ ْي ُك ْم َس ْم ُع ُك ْ‪#‬م َواَل أَ ْب َ‬
‫تَ ْع َملُونَ ﴾ [فصلت‪]22 :‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه كان رجالن من ثقي‪##‬ف وختن لهم‪##‬ا من ق‪##‬ريش‪ ،‬في بيت‬
‫فقال بعضهم‪ :‬أترون هللا يسمع نجوانا أوحديثنا؟‪ #‬فقال بعض‪##‬هم‪ :‬ق‪##‬د س‪##‬مع بعض‪##‬ه ولم‬
‫يسمع بعضه‪ ،‬قالوا‪ :‬لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لعظم‪#‬ة هللا المطلق‪##‬ة‪ ،‬ووص‪#‬ف‪ #‬لخف‪#‬ة عق‪##‬ول الجاح‪#‬دين‬
‫الذي ال يقدرونه حق قدره‪.‬‬
‫َ‬
‫وم ط َع‪##‬ا ُم‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫تَ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِن ش ‪َ #‬ج َر الزق ِ‬
‫‪##‬ون َكغ َْل ِي ْال َح ِم ِيم ُخ‪ُ ##‬ذوهُ فَ‪##‬ا ْعتِلُوهُ إِلَى َس‪َ ##‬وا ِء ْال َج ِح ِيم ث َّمُ‬ ‫ْ‪##‬ل يَ ْغلِي فِي ْالبُطُ ِ‬ ‫اأْل َثِ ِيم َك ْال ُمه ِ‬
‫ب ْال َح ِم ِيم ُذ ْق إِنَّكَ أَ ْنتَ ْال َع ِزي ُ‪#‬ز ْال َك ِري ُم﴾ [الدخان‪ 43 :‬ـ ‪]49‬؟‬ ‫ق َر ْأ ِس ِه ِم ْن َع َذا ِ‬ ‫صبُّوا فَوْ َ‪#‬‬ ‫ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أبي جه‪##‬ل‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪ :‬أيوع‪##‬دني محم‪##‬د‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.344/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.364/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.374/‬‬
‫‪183‬‬
‫وهللا إني ألنا أعز من بين جبليها(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن عكرم‪##‬ة ق‪##‬ال‪ :‬لقي الن‪##‬بي ‪ ‬أب‪##‬ا جه‪##‬ل فق‪##‬ال‬
‫أبوجهل‪ :‬لقد علمت أني أمنع أهل البطحاء‪ ،‬وأنا العزيز الك‪#‬ريم‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬فقتل‪#‬ه هللا ي‪#‬وم‬
‫بدر وأذله وعيره بكلمته(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها وصف‪ #‬لبعض الع‪##‬ذاب ال‪##‬ذي يلق‪##‬اه المعان‪##‬دون ي‪##‬وم القيام‪##‬ة‪،‬‬
‫جزاء وفاقا مع أعمالهم‪ ،‬وفيها تحذير ش‪##‬ديد من الوق‪##‬وع‪ #‬في تل‪##‬ك األعم‪##‬ال‪ ،‬ومن أي‬
‫محادة هلل ورسوله‪.‬‬
‫‪#‬ولى‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أفَ ‪َ #‬رأيْتَ ال ِذي تَ‪َ #‬‬
‫وس ‪#‬ى‬ ‫ُف ُم َ‬‫ص ‪#‬ح ِ‬ ‫ب فَهُ‪##‬ويَ َرى أَ ْم لَ ْم يُنَبَّأْ بِ َم‪##‬ا فِي ُ‬ ‫َوأَ ْعطَى قَلِياًل َوأَ ْك‪َ #‬دى‪ #‬أَ ِع ْن ‪َ #‬دهُ ِع ْل ُم ْال َغ ْي ِ‬
‫ان إِاَّل َم‪##‬ا َس ‪َ #‬عى َوأَ َّن‬ ‫از َرةٌ ِو ْز َر أُ ْخ َرى َوأَ ْن لَي َ‬
‫ْس لِإْل ِ ْن َس ِ‬ ‫َوإِ ْب َرا ِهي َ‪#‬م الَّ ِذي َوفَّى‪ #‬أَاَّل ت َِز ُر َو ِ‬
‫ف ي َُرى ثُ َّم يُجْ َزاهُ ْال َج َزا َء اأْل َوْ فَى﴾ [النجم‪ 33 :‬ـ ‪]41‬؟‬ ‫َس ْعيَهُ َسوْ َ‪#‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في الوليد بن المغيرة‪ ،‬وكان ق‪##‬د اتب‪##‬ع رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬على دينه فعيره بعض المش‪##‬ركين‪ ،‬وق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬لم ت‪##‬ركت دين األش‪##‬ياخ وض‪##‬للتهم‬
‫وزعمت أنهم في النار؟ قال‪ :‬إني خشيت عذاب هللا‪ ،‬فضمن له إن هوأعطاه شيئا من‬
‫ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب هللا سبحانه وتع‪##‬الى‪ ،‬فأعط‪##‬اه بعض م‪##‬ا‬
‫كان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في عثمان بن عفان ك‪##‬ان يتص‪##‬دق وينف‪##‬ق‬
‫في الخير‪ ،‬فقال له أخوه من الرضاعة عبد هللا بن أبي سرح‪ :‬م‪##‬ا ه‪##‬ذا ال‪##‬ذي تص‪##‬نع؟‬
‫يوش‪##‬ك أن ال يبقى ل‪##‬ك ش‪#‬يء‪ ،‬فق‪##‬ال عثم‪#‬ان‪ :‬إن لي ذنوب‪##‬ا وخطاي‪##‬ا‪ ،‬وإني أطلب بم‪#‬ا‬
‫أصنع رضا هللا سبحانه وتعالى علي وأرجو عفوه‪ ،‬فقال له عب‪##‬د هللا‪ :‬أعط‪##‬ني ناقت‪##‬ك‬
‫برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها‪ ،‬فأعطاه وأشهد‪ #‬عليه وأمسك عن بعض ما كان‬
‫يصنع من الصدقة‪ ،‬فأنزل هللا تب‪##‬ارك وتع‪##‬الى اآلي‪##‬ات فع‪##‬اد عثم‪##‬ان إلى أحس‪##‬ن ذل‪##‬ك‬
‫وأجمله(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إخبار عن عدالة هللا تع‪##‬الى في الج‪##‬زاء؛ فه‪##‬و ال يج‪##‬ازي إال‬
‫بما كسبت األيدي‪.‬‬
‫الس ‪#‬ا َعةُ َوا ْن َش ‪#‬قَّ‬ ‫ت َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬اقت ‪َ #‬ربَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪#‬وا َءه ْم َوك‪##‬لُّ‬ ‫َ‬
‫‪#‬ذبُوا َواتَّبَ ُع‪##‬وا أه‪َ #‬‬
‫ْ‬ ‫ْرضُوا َويَقُولُوا‪ِ #‬سحْ ٌر ُم ْس‪#‬تَ ِمرٌّ َو َك‪َّ #‬‬ ‫ْالقَ َم ُر َوإِ ْن يَ َروْ ا آيَةً يُع ِ‬
‫ن النُّ ُذرُ﴾ [القمر‪1 :‬‬ ‫أَ ْم ٍر ُم ْستَقِ ٌّر َولَقَ ْد َجا َءهُ ْم ِمنَ اأْل َ ْنبَا ِء َما فِي ِه ُم ْزد ََج ٌ‪#‬ر ِح ْك َمةٌ بَالِ َغةٌ فَ َما تُ ْغ ِ‬
‫ـ ‪]5‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت عن‪##‬دما انش‪##‬ق القم‪##‬ر على عه‪##‬د رس‪##‬ول هللا ‪‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.374/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.374/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.398/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.398/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪184‬‬
‫فقالت قريش‪ :‬هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم‪ ،‬فاسألوا‪ #‬السفار فس‪##‬ألوهم‪ #‬فق‪##‬الوا‪ :‬نعم‬
‫قد رأينا‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل اآليات(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لتعنت الجاحدين‪ ،‬حتى لو رأوا كل اآلي‪##‬ات المعج‪##‬زات‬
‫الواضحات‪ ،‬ألنهم ال يستعملون عقولهم‪ ،‬وإنما أهواءهم‪.‬‬
‫َ‬
‫﴿وأ ِسرُّ وا‪ #‬قَوْ لَ ُك ْم أواجْ هَ‪##‬رُوا‬ ‫َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُور﴾ [الملك‪]13 :‬؟‬ ‫ت الصُّ د ِ‬ ‫بِ ِه إِنَّهُ َعلِي ٌم بِ َذا ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪#‬زلت في المش‪#‬ركين ك‪#‬انوا ين‪#‬الون من رس‪#‬ول هللا ‪‬‬
‫فخبره جبريل عليه السالم بما قالوا‪ #‬فيه ون‪##‬الوا‪ #‬من‪##‬ه‪ ،‬فيق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪ #‬لبعض‪ :‬أس‪##‬روا‬
‫قولكم‪ #‬لئال يسمع إله محمد(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى استشعار رقابة هللا تعالى في كل األحوال‪.‬‬
‫‪#‬ع﴾‬ ‫ب َواقِ‪ٍ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬سأ َ َل َس‪#‬ائِ ٌل بِ َع‪َ #‬ذا ٍ‬
‫[المعارج‪]1 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في النضر بن الحارث حين قال‪ ﴿ :‬اللَّهُ َّم إِ ْن َك‪##‬انَ‬
‫يم﴾ [األنف‪##‬ال‪:‬‬ ‫ب أَلِ ٍ‬‫الس‪َ #‬ما ِء أَوا ْئتِنَ‪#‬ا‪ #‬بِ َع‪َ #‬ذا ٍ‬
‫‪#‬ارةً ِمنَ َّ‬ ‫ق ِم ْن ِع ْن ِدكَ فَأ َ ْم ِطرْ َعلَ ْينَا ِح َج‪َ #‬‬ ‫هَ َذا ه ْ‬
‫ُوال َح َّ‬
‫‪ ،]32‬فدعا على نفسه وسأل العذاب‪ ،‬فنزل به ما سأل يوم بدر فقت‪##‬ل ص‪##‬برا‪ ،‬ون‪##‬زلت‬
‫فيه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تصوير‪ #‬لالنتكاسة التي يقع فيها الجاحدون‪ ،‬والذين قد يصل‬
‫بهم الجحود والتكبر إلى طلب العذاب‪.‬‬
‫ئ ِم ْنهُ ْم أَ ْن‬ ‫ط َم ُع ُكلُّ ا ْم ِر ٍ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَيَ ْ‬
‫يُ ْد َخ َل َجنَّةَ ن َِع ٍيم﴾ [المعارج‪]38 :‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن المش‪##‬ركين ك‪#‬انوا يجتمع‪##‬ون ح‪#‬ول الن‪#‬بي ‪ ‬يس‪#‬تمعون‬
‫كالمه وال ينتفعون به‪ ،‬بل يكذبون به ويستهزءون ويقولون‪ :‬لئن دخل ه‪##‬ؤالء الجن‪##‬ة‬
‫لندخلنها قبلهم‪ ،‬وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا نهي عن الغ‪##‬رور‪ #‬ال‪##‬ذي يجع‪##‬ل اإلنس‪##‬ان يطم‪##‬ع فيم‪##‬ا ال‬
‫يستحقه‪ ..‬وفيها‪ #‬إخبار بأن الجنة دار الضيافة اإللهية ال يدخلها إال من تحلوا باألهلية‬
‫لها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬على الكافِ ِرينَ غ ْي ُر يَ ِس‪ٍ ##‬‬
‫ير‬
‫ت لَ‪#‬هُ تَ ْم ِهي‪#‬دًا ثُ َّم‬ ‫ت لَهُ َمااًل َم ْمدُو ًدا‪َ #‬وبَنِينَ ُش‪#‬هُودًا َو َمهَّ ْد ُ‬ ‫ت َو ِحي ًدا‪َ #‬و َج َع ْل ُ‬ ‫َذرْ نِي َو َم ْن َخلَ ْق ُ‬
‫ص‪#‬عُودًا إِنَّهُ فَ َّك َر َوقَ‪َّ #‬د َ‪#‬ر فَقُتِ‪َ #‬‬
‫‪#‬ل َك ْي‪##‬فَ‬ ‫ط َم ُع أَ ْن أَ ِزي َد َكاَّل إِنَّهُ َكانَ آِل يَاتِنَا َعنِيدًا َس‪#‬أُرْ ِهقُهُ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ال إِ ْن هَ َذا إِاَّل ِس‪##‬حْ ٌر‬ ‫س َوبَ َس َ‪#‬ر ثُ َّم أَ ْدبَ َر َوا ْستَ ْكبَ َ‪#‬ر فَقَ َ‬ ‫قَ َّد َر ثُ َّم قُتِ َل َك ْيفَ قَ َّد َر ثُ َّم نَظَ َر ثُ َّم َعبَ َ‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.399/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.440/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.444/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.444/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪185‬‬
‫ي ُْؤثَ ُ‪#‬ر إِ ْن هَ َذا إِاَّل قَوْ ُل ْالبَ َش ِر َسأُصْ لِي ِه َسقَ َر﴾ [المدثر‪ 10 :‬ـ ‪]26‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن الوليد بن المغيرة جاء إلى الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬رأ علي‪##‬ه الق‪##‬رآن‬
‫وكأنه رق له‪ ،‬فبلغ ذلك أبا جهل‪ ،‬فقال له‪ :‬ي‪#‬ا عم إن قوم‪#‬ك يري‪#‬دون أن يجمع‪#‬وا ل‪#‬ك‬
‫ماال ليعطوكه‪ ،‬فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبل‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬د علمت ق‪##‬ريش أني من‬
‫أكثرها ماال‪ ،‬قال‪ :‬فقل فيه قوال يبلغ قومك أنك منكر ل‪##‬ه وك‪##‬اره‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬وم‪##‬اذا أق‪##‬ول؟‬
‫فوهللا ما فيكم رجل أعلم باألشعار‪ #‬مني‪ ،‬وال أعلم برجزها وبقصيدها‪ #‬م‪##‬ني‪ ،‬وهللا م‪##‬ا‬
‫يشبه الذي يقول شيئا من هذا‪ ،‬وهللا إن لقوله ال‪##‬ذي يق‪##‬ول حالوة‪ ،‬وإن علي‪##‬ه لطالوة‪،‬‬
‫وإنه لمثمر أعاله مغدق أسفله وإنه ليعلووال يعلى‪ ،‬قال‪ :‬ال يرضى عنك قومك ح‪##‬تى‬
‫تقول فيه‪ ،‬قال‪ :‬فدعني حتى أفكر فيه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره‪ ،‬فنزلت‬
‫اآليات كلها(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن الوليد بن المغيرة كان يغشى النبي ‪ ‬وأب‪##‬ا بك‪##‬ر‬
‫حتى حسبت قريش‪ #‬أنه يسلم‪ ،‬فقال له أبوجهل‪ :‬إن قريشا‪ #‬تزعم أنك إنما تأتي محم‪##‬دا‬
‫وابن أبي قحاف‪###‬ة تص‪###‬يب من طعامهم‪###‬ا‪ ،‬فق‪###‬ال الولي‪###‬د لق‪###‬ريش‪ :‬إنكم ذووأحس‪###‬اب‪#‬‬
‫وذووأحالم‪ ،‬وإنكم تزعمون أن محمدا مجنون‪ ،‬وهل رأيتموه يجن ق‪##‬ط؟ ق‪##‬الوا‪ :‬اللهم‬
‫ال‪ ،‬قال‪ :‬تزعمون أنه كاهن وهل رأيتموه يتكهن قط؟ قالوا‪ :‬اللهم ال‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬تزعم‪##‬ون‬
‫أنه شاعر هل رأيتموه ينطق بشعر‪ #‬ق‪#‬ط؟ ق‪#‬الوا‪ :‬ال ق‪#‬ال‪ :‬ف‪#‬تزعمون أن‪#‬ه ك‪#‬ذاب‪ ،‬فه‪#‬ل‬
‫جربتم‪ #‬عليه شيئا من الكذب؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قالت قريش للوليد‪ :‬فما هو؟ فتفك‪##‬ر في نفس‪##‬ه‬
‫ثم نظر وعبس فقال‪ :‬ما هوإال ساحر‪ ،‬وما يقوله سحر(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تصوير‪ #‬لالنتكاسة التي يقع فيها من يخلد إلى األرض ويتبع‬
‫هواه‪ ،‬ودعوة للترفع والشهادة بالحق مهما كانت نتائجها‪.‬‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَيَحْ َس‪#‬بُ اإْل ِ ْن َس‪#‬انُ أَلَّ ْن‬
‫نَجْ َم َع ِعظَا َمهُ﴾ [القيامة‪]3 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في ع‪##‬دي بن ربيع‪##‬ة‪ ،‬وذل‪##‬ك أن‪##‬ه أتى الن‪##‬بي ‪‬‬
‫فقال‪ :‬حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف يكون أمره‪##‬ا وحاله‪##‬ا؟ ف‪##‬أخبره الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬لوعاينت ذلك اليوم لم أصدقك ي‪##‬ا محم‪##‬د ولم أؤمن ب‪##‬ه‪ ،‬أويجم‪##‬ع هللا‬
‫هذه العظام‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لتعنت الجاحدين‪ ،‬ومعاناة رسول هللا ‪ ‬معهم‪.‬‬
‫ع‬ ‫ْ‬
‫ع نَا ِديَ ‪#‬هُ َس ‪#‬نَد ُ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ ْليَ ‪ْ #‬د ُ‬
‫ال َّزبَانِيَةَ﴾ [العلق‪ 17 :‬ـ ‪]18‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن النبي ‪ ‬كان يصلي‪ ،‬فجاء أبوجهل فقال‪ :‬ألم أنه‪##‬ك عن‬
‫هذا؟! فانصرف إليه النبي ‪ ‬فزبره‪ ،‬فقال أبوجهل‪ :‬وهللا إنك لتعلم ما بها ن‪##‬اد أك‪##‬ثر‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬
‫‪186‬‬
‫مني‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا ت‪##‬ذكير‪ #‬ب‪##‬اآلخرة‪ ،‬ودع‪##‬وة إلى ت‪##‬ذكرها في ك‪##‬ل األح‪##‬وال‪،‬‬
‫وخاصة عند طغيان النفس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬ألهَا ُك ُم التَّ َك‪##‬اث ُر َحتَّى ُزرْ تُ ُم‬
‫ْال َمقَابِ َر﴾ [التكاثر‪ 1 :‬ـ ‪]2‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في حيين من قريش‪ :‬بني عبد مناف وب‪##‬ني س‪##‬هم‬
‫كان بينهم لحاء فتعاند‪ #‬السادة واألشراف‪ #‬أيهم أكثر‪ ،‬فقال بنو عبد من‪##‬اف‪ :‬نحن أك‪##‬ثر‬
‫سيدا وأعز عزيزا وأعظم نفرا‪ ،‬وقال بنو سهم مثل ذلك‪ ،‬فكثرهم‪ #‬بنو عبد من‪##‬اف‪ ،‬ثم‬
‫قالوا‪ :‬نعد موتانا حتى زاروا القبور‪ ،‬فعدوا موت‪##‬اهم‪ #‬فك‪##‬ثرهم بن‪##‬و س‪##‬هم‪ ،‬ألنهم ك‪##‬انوا‬
‫أكثر عددا في الجاهلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في اليهود‪ ،‬قالوا‪ :‬نحن أكثر من بني فالن‬
‫وبنو‪ #‬فالن أكثر من بني فالن‪ ،‬ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضالال(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها نهي عن الحرص الزائد على ال‪##‬دنيا والتك‪##‬اثر‪ #‬فيه‪##‬ا وإهم‪##‬ال‬
‫اآلخرة والحياة الحقيقية‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَ َرأَيْتَ الَّ ِذي يُ َك ِّذبُ بِال ‪#‬دِّي ِن‬
‫فَ َذلِكَ الَّ ِذي يَ ُد ُّع ْاليَتِي َم َواَل يَحُضُّ َعلَى طَ َع ِام ْال ِم ْس ِكي ِن﴾ [الماعون‪ 1 :‬ـ ‪]3‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أبي سفيان كان ينحر ك‪##‬ل أس‪##‬بوع‪ #‬ج‪##‬زورين‪،‬‬
‫فأتاهم‪ #‬يتيم فسأله شيئا فقرعه بعصا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى التكافل االجتماعي‪ ،‬وبيان أنه عالمة على الت‪##‬دين‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫ب َوتَبَّ َما‬ ‫َّت يَدَا أَبِي لَهَ ٍ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬تَب ْ‬
‫ب فِي ِجي‪ِ ##‬دهَا‬ ‫ب َوا ْم َرأَتُهُ َح َّمالَةَ ْال َحطَ ِ‬
‫ب َسيَصْ لَى نَارًا َذاتَ لَهَ ٍ‬ ‫أَ ْغنَى َع ْنهُ َمالُهُ َو َما َك َس َ‬
‫َح ْب ٌل ِم ْن َم َس ٍد﴾ [المسد‪ 1 :‬ـ ‪]5‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ص‪##‬عد ذات ي‪##‬وم الص‪##‬فا فق‪##‬ال‪( :‬ي‪##‬ا‬
‫صباحاه)‪ ،‬فاجتمعت إليه قريش فقالوا له‪ :‬مالك؟ فق‪##‬ال‪( :‬أرأيتم لوأخ‪##‬برتكم‪ #‬أن الع‪##‬دو‬
‫مصبحكم‪ #‬أو ممسيكم‪ #‬أما كنتم تصدقوني؟) قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪( :‬فإني نذير لكم بين ي‪##‬دي‬
‫عذاب شديد)‪ ،‬فقال أب‪##‬ولهب‪ :‬تب‪##‬ا ل‪##‬ك‪ ،‬أله‪##‬ذا دعوتن‪##‬ا جمعي‪##‬ا؟! ف‪##‬أنزل هللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل‬
‫السورة(‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن عباس قال‪ :‬قام رسول هللا ‪ ‬فق‪##‬ال‪( :‬ي‪##‬ا آل‬
‫غالب‪ ،‬يا آل لؤي‪ ،‬يا آل م‪#‬رة‪ ،‬ي‪#‬ا آل كالب‪ ،‬ي‪#‬ا آل عب‪#‬د من‪#‬اف‪ ،‬ي‪#‬ا آل قص‪#‬ي‪ #‬إني ال‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.460/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.463/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.463/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.463/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.466/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪187‬‬
‫أملك لكم من هللا شيئا وال من الدنيا نصيبا إال أن تقولوا ال إله إال هللا)‪ ،‬فقال أبولهب‪:‬‬
‫تبا لك لهذا دعوتنا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى السورة(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله م‪##‬ا روي عن ابن عب‪##‬اس ق‪##‬ال‪ :‬لم‪##‬ا أن‪##‬زل هللا تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وأ ْن‪ِ #‬ذرْ‬
‫ك اأْل َ ْق َربِينَ ﴾ [الشعراء‪]214 :‬؟ أتى رسول هللا ‪ ‬الصفا فصعد‪ #‬عليه ثم نادى‪( :‬يا‬ ‫َع ِشي َرتَ َ‬
‫صباحاه)‪ ،‬فاجتمع إليه الناس من بين رجل يجيء ورج‪##‬ل يبعث رس‪##‬وله‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬ي‪##‬ا‬
‫بني عبد المطلب‪ ،‬يا بني فهر يا بني لؤي لوأخبرتكم‪ #‬أن خيال بسفح هذا الجب‪##‬ل تري‪##‬د‬
‫أن تغ‪##‬ير عليكم ص‪##‬دقتموني؟) ق‪##‬الوا‪ :‬نعم‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ف‪##‬إني ن‪##‬ذير لكم بين ي‪##‬دي ع‪##‬ذاب‬
‫شديد)‪ ،‬فقال أبولهب‪ :‬تبا لك سائر اليوم ما دعوتنا إال لهذا‪ ،‬فأنزل هللا تبارك وتع‪##‬الى‬
‫السورة(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من محادة هللا‪ ،‬وأن المحاد والمعاند‪ #‬سيحل به الهالك‬
‫والخسارة‪ ،‬مهما كان نسبه وحسبه وماله‪.‬‬
‫أسباب النزول وأهل الكتاب‪:‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬بعد انتهائنا من المشركين‪ ..‬سأسألكم‪ #‬اآلن عن أه‪##‬ل الكت‪##‬اب‪ ..‬فمن‬
‫يذكر لي منكم سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَتَأْ ُمرُونَ النَّ َ‬
‫اس بِ ْالبِرِّ َوتَ ْن َس ‪#‬وْ نَ أَ ْنفُ َس ‪ُ #‬ك ْم َوأَ ْنتُ ْم‬
‫َاب أَفَاَل تَ ْعقِلُونَ ﴾ [البقرة‪]44 :‬‬ ‫تَ ْتلُونَ ْال ِكت َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في يهود المدينة‪ ،‬كان الرجل منهم يقول لصهره‬
‫ع من المس‪##‬لمين‪ :‬اثبت على ال‪##‬دين ال‪##‬ذي أنت‬ ‫ولذوي‪ #‬قرابته ولمن بينهم وبين‪##‬ه رض‪##‬ا ٌ‪#‬‬
‫ق‪ ،‬فكانوا‪ #‬ي‪##‬أمرون‬ ‫عليه وما يأمرك به وهذا الرجل ـ يعنون محمدا ‪ ‬ـ فإن أمره ح ٌ‬
‫الناس بذلك وال يفعلونه(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير‪ #‬من ع‪##‬دم العم‪##‬ل ب‪##‬العلم‪ ،‬ال ع‪##‬دم ال‪##‬دعوة إلي‪##‬ه؛ فاهلل‬
‫تعالى عاتبهم على عدم قيامهم بما يأمرون به من البر‪ ،‬ال بأمرهم به‪.‬‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ َو ْي‪ٌ #‬ل لِلَّ ِذينَ يَ ْكتُبُ‪##‬ونَ‬
‫ت‬ ‫َاب بِأ َ ْي ِدي ِه ْم ثُ َّم يَقُولُونَ هَ َذا ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ لِيَ ْشتَرُوا‪ #‬بِ‪ِ #‬ه ثَ َمنً‪##‬ا قَلِياًل فَ َو ْي‪ٌ #‬ل لَهُ ْم ِم َّما َكتَبَ ْ‬
‫ْال ِكت َ‬
‫أَ ْي ِدي ِه ْم َو َو ْي ٌل لَهُ ْم ِم َّما يَ ْك ِسبُونَ ﴾ [البقرة‪]79 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ال‪##‬ذين غ‪#‬يروا ص‪#‬فة الن‪#‬بي ‪ ‬وب‪#‬دلوا‪ #‬نعت‪#‬ه؛‬
‫فجعلوه آدم سبطا طويال‪ ،‬وكان ربعة أس‪##‬مر‪ ،‬وق‪##‬الوا‪ #‬ألص‪##‬حابهم وأتب‪##‬اعهم‪ :‬انظ‪##‬روا‪#‬‬
‫إلى صفة النبي‪ ،‬الذي يبعث في آخر الزمان‪ ،‬ليس يشبه نعت ه‪##‬ذا‪ ،‬وك‪##‬انت لألحب‪##‬ار‬
‫والعلماء مأكلةٌ من سائر اليهود‪ ،‬فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بين‪##‬وا الص‪##‬فة‪ ،‬فمن ثم‬
‫غيروا(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تشمل كل من غيروا وبدلوا وحرفوا الدين بإدخ‪##‬ال أه‪##‬وائهم‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.469/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.469/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.24/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.26/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪188‬‬
‫ورغب‪##‬اتهم‪ #‬وم‪##‬ا نش‪##‬أوا علي‪##‬ه‪ ..‬ف‪##‬دين هللا المق‪##‬دس يقتض‪##‬ي ال‪##‬ورع والزه‪##‬د عن ك‪##‬ل‬
‫الرغبات التي قد تلجئ أصحابها‪ #‬إلى استعمال الدين وسيلة لها‪.‬‬
‫﴿وقَ‪##‬الُوا لَ ْن تَ َم َّس‪#‬نَا النَّا ُر إِاَّل‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫أَيَّا ًما َم ْعدُو َدةً قُلْ أَتَّخ َْذتُ ْم ِع ْن َد هَّللا ِ َع ْهدًا فَلَ ْن ي ُْخلِفَ هَّللا ُ َع ْه‪َ #‬دهُ أَ ْم تَقول‪##‬ونَ َعلَى ِ َم‪##‬ا اَل‬
‫هَّللا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪]80 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه نزلت في قول اليهود‪ :‬إنما هذه الدنيا س‪##‬بعة آالف س‪##‬نة‪،‬‬
‫وإنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واح‪##‬د في الن‪#‬ار من أي‪#‬ام‬
‫اآلخرة‪ ،‬وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب (‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن أه‪##‬ل الكت‪##‬اب ذك‪##‬روا أن م‪##‬ا بين ط‪##‬رفي جهنم‬
‫مسيرة أربعين عاما فقالوا‪ :‬لن نعذب في النار إال ما وجدنا‪ #‬في التوراة‪ ،‬فإذا كان يوم‬
‫القيامة اقتحموا‪ #‬في الن‪##‬ار‪ ،‬فس‪##‬اروا‪ #‬في الع‪##‬ذاب ح‪##‬تى انته‪##‬وا إلى س‪##‬قر وفيه‪##‬ا ش‪##‬جرة‬
‫الزقوم‪ ،‬إلى آخر يوم من األيام المعدودة‪ ،‬فقال لهم خزنة النار‪ :‬ي‪##‬ا أع‪##‬داء هللا زعمتم‬
‫أنكم لن تعذبوا في النار إال أياما معدودة‪ ،‬فقد انقضى العدد وبقي األبد(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها نهي عن األماني والتفكير الرغبوي‪ ،‬ألن هللا تعالى يحاسب‬
‫عباده ويجازيهم‪ #‬بحسب قوانين العدالة التي وضعها‪ ،‬ال بحسب األهواء والرغبات‪..‬‬
‫وهي شاملة لكل الخلق ال بأهل دين بعينه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ولَ َّما َج‪ #‬ا َءهُ ْم ِكتَ‪##‬ابٌ ِم ْن‬
‫ق لِ َما َم َعهُ ْم َو َكانُوا ِم ْن قَ ْب ُل يَ ْستَ ْفتِحُونَ َعلَى الَّ ِذينَ َكفَرُوا فَلَ َّما َجا َءهُ ْم َم‪##‬ا‬ ‫ِع ْن ِد هَّللا ِ ُم َ‬
‫ص ِّد ٌ‪#‬‬
‫ع ََرفُوا َكفَرُوا بِ ِه فَلَ ْعنَةُ هَّللا ِ َعلَى ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [البقرة‪]89 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن يهود خي‪##‬بر ك‪##‬انت تقات‪##‬ل غطف‪##‬ان‪ ،‬فكلم‪##‬ا التق‪##‬وا ه‪##‬زمت‬
‫يهود خيبر‪ ،‬فعاذت اليهود بهذا الدعاء وقالت‪ :‬اللهم إنا نسألك بحق النبي األمي الذي‬
‫وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إال نصرتنا‪ #‬عليهم‪ ،‬فكانوا إذا التقوا دعوا به‪##‬ذا‬
‫الدعاء‪ ،‬فهزموا غطفان‪ ،‬فلما بعث النبي ‪ ‬كفروا ب‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َك‪##‬انُوا‪#‬‬
‫ِم ْن قَ ْب ُل يَ ْستَ ْفتِحُونَ َعلَى الَّ ِذينَ َكفَرُوا ﴾ أي بك يا محمد(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وروي‪ #‬أن العرب كانت تمر بيهود فيلقون منهم أذى‪ ،‬وكانت اليهود‬
‫تجد نعت محمد ‪ ‬في التوراة‪ ،‬ويسألون هللا أن يبعث‪##‬ه فيق‪##‬اتلون مع‪##‬ه الع‪##‬رب‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫جاءهم محم ٌد ‪ ‬كفروا به حسدا‪ ،‬وقالوا‪ #:‬إنما كانت الرس‪##‬ل من ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬فم‪##‬ا‬
‫بال هذا من بني إسماعيل(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير من كل ما يصرف‪ #‬عن الحق من االنتماءات العرقية‬
‫واألرضية واللغوية وغيرها‪ ..‬فاهلل تع‪##‬الى يبتلي عب‪##‬اده بمث‪##‬ل م‪##‬ا ابتلى ب‪##‬ه إبليس من‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.26/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.26/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.27/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.27/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪189‬‬
‫السجود‪ #‬لما كان يحتقره‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬قلْ َم ْن َكانَ َع ُد ًّوا لِ ِجب ِْري َل‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ ﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ص ِّدقًا لِ َما بَ ْينَ يَ َديْ‪ِ #‬ه َوهُ‪#‬دًى َوب ُْش‪َ #‬رى لِ ْل ُم ْ‬ ‫ك بِإِ ْذ ِن هَّللا ِ ُم َ‬‫فَإِنَّهُ نَ َّزلَهُ َعلَى قَ ْلبِ َ‬
‫‪]97‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن اليهود أقبلوا إلى النبي ‪ ‬فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا أب‪##‬ا القاس‪##‬م نس‪##‬ألك‬
‫عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك‪ ،‬أخبرن‪##‬ا من ال‪##‬ذي يأتي‪##‬ك من المالئك‪##‬ة؟ فإن‪##‬ه ليس‬
‫ك من عند ربه ـ ع‪##‬ز وج‪##‬ل ـ بالرس‪##‬الة ب‪##‬الوحي فمن ص‪##‬احبك؟‬ ‫من نبي إال يأتيه مل ٌ‬
‫قال‪( :‬جبريل) قالوا‪ :‬ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقت‪##‬ال‪ ،‬ذاك ع‪##‬دونا ل‪##‬وقلت ميكائي‪##‬ل‬
‫الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ َم ْن َك‪#‬انَ عَ‪ُ #‬د ًّوا لِ ِجب ِْري‪َ #‬ل‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ َم ْن َك‪##‬انَ‬ ‫ص ِّدقًا لِ َما بَ ْينَ يَ َد ْي ِه َوهُدًى َوبُ ْش َرى لِ ْل ُم‪ْ #‬‬ ‫ك بِإِ ْذ ِن هَّللا ِ ُم َ‬‫فَإِنَّهُ نَ َّزلَهُ َعلَى قَ ْلبِ َ‬
‫رينَ ﴾ [البقرة‪ 97 :‬ـ ‪]98‬؟)(‪)1‬‬ ‫ال فَإِ َّن هَّللا َ َعدُولِ ْل َكافِ ِ‬
‫َع ُد ًّوا هَّلِل ِ َو َماَل ئِ َكتِ ِه َو ُر ُسلِ ِه َو ِجب ِْري َ‪#‬ل َو ِمي َك َ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها نهي عن التدخل في الشؤون اإللهية؛ فالعبد يل‪##‬تزم‪ #‬م‪##‬ا كل‪##‬ف‬
‫به‪ ،‬ويعظم‪ #‬ربه من أن يتدخل فيما ال يعنيه‪ ..‬وفيها‪ #‬أمر بالوالء لمن والى هللا والعداء‬
‫لمن عادى‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د أَ ْنزَ ْلنَ‪#‬ا إِلَ ْي‪#‬كَ آيَ‪#‬ا ٍ‬
‫ت‬
‫ت َو َما يَ ْكفُ ُر بِهَا إِاَّل ْالفَا ِسقُونَ ﴾ [البقرة‪]99 :‬؟‬ ‫بَيِّنَا ٍ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها جوابٌ ليهودي‪ #‬يقال له ابن صوريا‪ ،‬حيث قال لرس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ : ‬يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه‪ ،‬م‪##‬ا أن‪##‬زل علي‪##‬ك من آي‪##‬ة بين‪##‬ة فنتبع‪##‬ك‪ ،‬به‪##‬ا‬
‫فأنزل هللا هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلعم‪##‬ال العق‪##‬ل والبص‪##‬يرة بعي‪##‬دا عن اله‪##‬وى؛ ألن‬
‫صاحب الهوى محجوب عن رؤية الحق‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل‬
‫تَقُولُوا َرا ِعنَا َوقُولُوا‪ #‬ا ْنظُرْ نَا َوا ْس َمعُوا‪َ #‬ولِ ْل َكافِ ِرينَ َع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [البقرة‪]104 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن العرب كانوا يتكلمون بها‪ ،‬فلما سمعتهم اليهود يقولونه‪##‬ا‬
‫للنبي ‪ ‬أعجبهم ذلك وكان ﴿ َرا ِعنَا ﴾ في كالم اليهود سبا قبيحا فقالوا‪ :‬إنا كنا نسب‬
‫محمدا سرا فاآلن أعلنوا الس‪##‬ب لمحم‪##‬د ألن‪##‬ه من كالمهم‪ ،‬فك‪##‬انوا ي‪##‬أتون ن‪##‬بي هللا ‪‬‬
‫اعنَا ﴾ ويضحكون‪ #‬ففطن بها رج ٌل من األنص‪##‬ار وك‪##‬ان عارف‪##‬ا‬ ‫فيقولون‪ :‬يا محمد ﴿ َر ِ‬
‫بلغة اليهود وقال‪ :‬يا أعداء هللا عليكم لعنة هللا والذي نفس محمد بيده لئن س‪#‬معتها‪ #‬من‬
‫رجل منكم ألضربن عنقه فقالوا‪ :‬ألستم تقولونها‪ #‬له؟ فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة النتقاء األلفاظ في التعام‪##‬ل‪ ،‬ومراع‪##‬اة اختالف الن‪##‬اس‬
‫في ذل‪##‬ك‪ ،‬ح‪##‬تى ال يس‪##‬تغل المتع‪##‬ارف علي‪##‬ه من الح‪##‬ق في الباط‪##‬ل؛ فيلتبس الح‪##‬ق‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.28/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.31/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.34/‬‬
‫‪190‬‬
‫بالباطل‪.‬‬
‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا يَ‪َ #‬و ُّد ال ِذينَ َكفَ‪#‬رُوا ِم ْن‬
‫‪#‬ر ِم ْن َربِّ ُك ْم َوهَّللا ُ يَ ْختَصُّ بِ َرحْ َمتِ‪ِ #‬ه‬ ‫ب َواَل ْال ُم ْش‪ِ #‬ر ِكينَ أَ ْن يُنَ‪َّ #‬ز َل َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن َخ ْي‪ٍ #‬‬ ‫أَ ْه ِل ْال ِكتَا ِ‬
‫والفَضْ ِل ْال َع ِظ ِيم﴾ [البقرة‪]105 :‬؟‬ ‫َم ْن يَ َشا ُء َوهَّللا ُ ُذ ْ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن المس‪##‬لمين ك‪##‬انوا إذا ق‪##‬الوا لحلف‪##‬ائهم من اليه‪##‬ود‪ :‬آمن‪##‬وا‬
‫بمحمد ‪ ‬قالوا‪ :‬هذا الذي ت‪##‬دعوننا إلي‪##‬ه ليس بخ‪##‬ير مم‪##‬ا نحن علي‪##‬ه ولوددن‪##‬ا لوك‪##‬ان‬
‫خيرا فأنزل هللا تعالى تكذيبا لهم هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دع‪##‬وة للح‪##‬ذر من المع‪##‬ادين والحس‪##‬دة‪ ،‬وع‪##‬دم االس‪##‬تماع‪ #‬لهم‬
‫خاصة في شؤون الدين‪ ..‬ول‪##‬و أن المس‪##‬لمين طبق‪##‬وا ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ة واكتف‪##‬وا بم‪#‬ا ورد في‬
‫الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم والس‪##‬نة المطه‪##‬رة‪ ،‬ولم يس‪##‬تمعوا تفس‪##‬ير الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم من اليه‪##‬ود‬
‫وغيرهم‪ ،‬لما وقع التحريف‪ #‬في الدين‪.‬‬
‫ب‬‫﴿و َّد َكثِي ٌر ِم ْن أَ ْه ‪ِ #‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ق‬ ‫لَويَ ُر ُّدونَ ُك ْ‪#‬م ِم ْن بَ ْع ِد إِي َمانِ ُك ْم ُكفَّارًا َح َس‪#‬دًا ِم ْن ِع ْن‪ِ #‬د أَ ْنفُ ِس‪ِ #‬ه ْم ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د َم‪##‬ا تَبَيَّنَ لَهُ ُم ْال َح‪ُّ #‬‬
‫فَا ْعفُوا َواصْ فَحُوا َحتَّى يَأْتِ َي هَّللا ُ بِأ َ ْم ِر ِه إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِديرٌ﴾ [البقرة‪]109 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقع‪##‬ة ب‪##‬در‬
‫ألم تروا إلى ما أصابكم‪ #‬ولوكنتم‪ #‬على الحق ما ه‪##‬زمتم‪ ،‬ف‪##‬ارجعوا إلى دينن‪##‬ا فهوخ‪##‬ي ٌر‬
‫لكم(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن كعب بن األشرف‪ #‬اليه‪##‬ودي‪ ،‬ك‪##‬ان ش‪##‬اعرا وك‪##‬ان‬
‫يهجوالنبي‪  #‬ويحرض عليه كفار قريش في شعره‪ ،‬وكان المشركون واليه‪##‬ود‪ #‬من‬
‫أهل المدينة حين قدمها‪ #‬رسول هللا ‪ ‬يؤذون النبي ‪ ‬وأصحابه أش‪##‬د األذى‪ ،‬ف‪##‬أمر‪#‬‬
‫هللا تعالى نبيه ‪ ‬بالصبر‪ #‬على ذلك والعفوعنهم(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها نهي عن االستماع ألي جهة ق‪##‬د تش‪##‬وش على الم‪##‬ؤمن دين‪##‬ه‬
‫ويقينه في ربه ونصره ل‪#‬ه‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬دع‪##‬وة للتس‪##‬امح م‪##‬ع المخ‪##‬الف م‪##‬ا دام لم يس‪##‬تعمل‬
‫العنف في مخالفته ومواجهته‪.‬‬
‫ض‪َ #‬ر‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬أ ْم كنت ْم ش‪#‬هَدَا َء إِذ َح َ‬
‫ت إِ ْذ قَا َل لِبَنِي ِه َما تَ ْعبُ ُدونَ ِم ْن بَ ْع ِدي قَالُوا نَ ْعبُ ُد إِلَهَكَ َوإِلَ ‪#‬هَ آبَائِ‪##‬كَ إِ ْب‪َ #‬‬
‫‪#‬را ِهي َم‬ ‫وب ْال َموْ ُ‬ ‫يَ ْعقُ َ‬
‫ق إِلَهًا َوا ِحدًا َونَحْ نُ لَهُ ُم ْسلِ ُمونَ ﴾ [البقرة‪]133 :‬؟‬ ‫ْحا َ‪#‬‬‫يل َوإِس َ‬ ‫اع َ‬ ‫َوإِ ْس َم ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في اليه‪##‬ود حين ق‪##‬الوا للن‪##‬بي ‪ ‬ألس‪##‬ت تعلم أن‬
‫يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان أن دين األنبي‪##‬اء عليهم الس‪##‬الم جميع‪##‬ا واح‪##‬د‪ ،‬وه‪##‬و‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.34/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.35/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.35/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.40/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪191‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأن ما حصل بعدهم من أتباعهم من الطائفية تحريف للدين‪ ..‬وم‪##‬ا يص‪##‬دق‪#‬‬
‫على أه‪##‬ل الكت‪##‬اب يص‪##‬دق‪ #‬على الط‪##‬ائفيين من ه‪##‬ذه األم‪##‬ة ال‪##‬ذين اس‪##‬تغنوا‪ #‬عن اس‪##‬م‬
‫اإلسالم بغيره‪.‬‬
‫اس‬ ‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬سيَقو ُل ال ُّسفَهَا ُء ِمنَ النَّ ِ‬
‫‪#‬ربُ يَ ْه‪ِ #‬دي َم ْن يَ َش ‪#‬ا ُء إِلَى‬ ‫ق َو ْال َم ْغ‪ِ #‬‬ ‫َما َواَّل هُ ْم ع َْن قِ ْبلَتِ ِه ُم الَّتِي َكانُوا َعلَ ْيهَا قُلْ هَّلِل ِ ْال َم ْش ِر ُ‪#‬‬
‫ص َرا ٍ‪#‬ط ُم ْستَقِ ٍيم﴾ [البقرة‪]142 :‬؟‬ ‫ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لم‪##‬ا ق‪##‬دم رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فص‪##‬لى نح‪##‬وبيت المق‪##‬دس س‪##‬تة‬
‫عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وك‪##‬ان رس‪##‬ول هللا ‪ ‬يحب أن يتوج‪##‬ه نحوالكعب‪##‬ة‪،‬‬
‫ض‪#‬اهَا‪ #‬فَ‪َ #‬ولِّ‬ ‫الس‪َ #‬ما ِء فَلَنُ َولِّيَنَّكَ قِ ْبلَ‪#‬ةً تَرْ َ‬
‫ك فِي َّ‬ ‫ب َوجْ ِه‪َ #‬‬ ‫ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‪﴿ :‬قَ‪ْ #‬د نَ‪َ #‬رى تَقَلُّ َ‬
‫ط َرهُ َوإِ َّن الَّ ِذينَ أُوتُ‪##‬وا‬ ‫ْث َما ُك ْنتُ ْم فَ َولُّوا‪ُ #‬وجُوهَ ُك ْم َش‪ْ ##‬‬ ‫ْج ِد ْال َح َر ِام َو َحي ُ‬ ‫ط َر ْال َمس ِ‬ ‫ك َش ْ‬ ‫َوجْ هَ َ‬
‫ق ِم ْن َربِّ ِه ْم َو َم‪##‬ا هَّللا ُ بِغَافِ‪ٍ #‬ل َع َّما يَ ْع َملُ‪##‬ونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ،]144 :‬فق‪##‬ال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َاب لَيَ ْعلَ ُمونَ أنَّهُ ال َح‪ُّ #‬‬‫ْال ِكت َ‬
‫السفهاء من الناس ـ وهم اليهود ـ ما والهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟‪ ..‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لألدب م‪##‬ع هللا‪ ،‬وع‪##‬دم الس‪##‬ؤال عن أس‪##‬رار تش‪##‬ريعاته‬
‫مما لم يُتح للعقول معرفته‪ ،‬فاهلل الخالق المبدع أعلم بخلقه‪ ،‬وأعلم بأس‪##‬رار‪ #‬تش‪##‬ريعه‪،‬‬
‫والمؤمن يكتفي بثقته بربه عن البحث فيما ال يعنيه‪.‬‬
‫‪#‬اب‬ ‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬الَّ ِذينَ آتَ ْينَ‪##‬اهُ ُم ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫ق َوه ُ ْم يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ون أَ ْبنَ‪##‬ا َءهُ ْم َوإِ َّن فَ ِريقً‪##‬ا ِم ْنهُ ْم لَيَ ْكتُ ُم‪##‬ونَ ْال َح‪َّ #‬‬ ‫ْرفُ َ‪#‬‬‫ْرفُونَهُ َك َما يَع ِ‬ ‫يَع ِ‬
‫‪]146‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في مؤم‪##‬ني أه‪##‬ل الكت‪##‬اب عب‪##‬د هللا بن س‪##‬الم‬
‫وأصحابه كانوا يعرفون رسول هللا ‪ ‬بنعته وصفته وبعث‪##‬ه في كت‪##‬ابهم كم‪##‬ا يع‪##‬رف‪#‬‬
‫أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان؛ قال عبد هللا بن سالم‪ :‬ألن‪##‬ا أش‪##‬د معرف‪##‬ة برس‪##‬ول‪ #‬هللا‬
‫‪ ‬مني بابني‪ ،‬قيل له‪ :‬وكيف ذاك؟ قال‪ :‬ألني أشهد أن محمدا رسول‪ #‬هللا حقا يقين‪##‬ا‪،‬‬
‫وأنا ال أشهد بذلك على ابني‪ ،‬ألني ال أدري ما أحدث النساء(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لوضوح الحق لمن أعمل عقله‪ ،‬وتخلى‪ #‬عن هواه‪ ،‬وأن‬
‫الجحود ليس سوى هوى مركب من طباع النفس‪ ،‬ال من حجج العقول‪.‬‬
‫زَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ْكت ُمونَ َما أن َل‬
‫ُ‬
‫ار َواَل‬ ‫ك َم‪#‬ا يَ‪#‬أْ ُكلُونَ فِي بُطُ‪#‬ونِ ِه ْم إِاَّل النَّ َ‬ ‫ب َويَ ْش‪#‬تَرُونَ بِ‪ِ #‬ه ثَ َمنً‪#‬ا قَلِياًل أُولَئِ‪َ #‬‬ ‫هَّللا ُ ِمنَ ْال ِكتَ‪#‬ا ِ‬
‫يُ َكلِّ ُمهُ ُم هَّللا ُ يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة َواَل يُزَ ِّكي ِه ْم َولَهُ ْم َع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [البقرة‪]174 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم‪ ،‬كانوا يص‪##‬يبون من‬
‫سفلتهم الهدايا والفضول‪ ،‬وكانوا يرجون أن يك‪##‬ون الن‪##‬بي المبع‪##‬وث منهم‪ ،‬فلم‪##‬ا بعث‬
‫من غ‪##‬يرهم خ‪##‬افوا ذه‪##‬اب م‪##‬أكلتهم وزوال‪ #‬رياس‪##‬تهم‪ #،‬فعم‪##‬دوا‪ #‬إلى ص‪##‬فة محم‪##‬د ‪‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.41/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.44/‬‬
‫‪192‬‬
‫فغيروها ثم أخرجوها إليهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزم‪##‬ان‪ ،‬ال‬
‫يشبه نعت هذا النبي الذي بمكة فإذا نظرت السفلة إلى النعت المتغير وجدوه مخالف‪##‬ا‬
‫لصفة محمد ‪ ‬فال يتبعونه(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من كتم الحق مطلقا‪ ،‬أو لغاية من الغايات واألهواء‪..‬‬
‫وأن من يفعل ذلك‪ ،‬ويكون سببا في تضليل الخلق‪ ،‬سيتحمل أوزارهم جميعا‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ لِلَّ ِذينَ َكفَرُوا َس‪##‬تُ ْغلَبُونَ‬
‫س ْال ِمهَادُ﴾ [آل عمران‪]12 :‬؟‬ ‫َوتُحْ َشرُونَ إِلَى َجهَنَّ َم َوبِ ْئ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪#‬زلت في يه‪#‬ود المدين‪##‬ة‪ ،‬ذل‪#‬ك أنهم ق‪##‬الوا لم‪#‬ا ه‪#‬زم هللا‬
‫المشركين يوم بدر‪ :‬هذا وهللا النبي األمي الذي بشرنا ب‪##‬ه موس‪##‬ى‪ ،‬ونج‪##‬ده في كتابن‪##‬ا‬
‫بنعت‪##‬ه وص‪##‬فته‪ ،‬وإن‪##‬ه ال ت‪##‬رد ل‪##‬ه راي‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬أرادوا‪ #‬تص‪##‬ديقه واتباع‪##‬ه‪ ،‬ثم ق‪##‬ال بعض‪##‬هم‬
‫لبعض‪ :‬ال تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أح‪##‬د ونكب أص‪##‬حاب‬
‫رسول هللا ‪ ‬شكوا‪ ،‬وق‪##‬الوا‪ #:‬ال وهللا م‪##‬ا ه‪##‬و ب‪##‬ه‪ ،‬وغلب عليهم الش‪##‬قاء فلم يس‪##‬لموا‪،‬‬
‫وكان بينهم وبين رسول هللا ‪ ‬عهد إلى مدة‪ ،‬فنقضوا‪ #‬ذلك العهد‪ ،‬وانطل‪##‬ق كعب بن‬
‫األشرف‪ #‬في س‪##‬تين راكب‪##‬ا إلى أه‪##‬ل مك‪##‬ة أبي س‪##‬فيان وأص‪##‬حابه فوافق‪##‬وهم‪ #‬وأجمع‪##‬وا‪#‬‬
‫أم‪##‬رهم‪ ،‬وق‪##‬الوا‪ :‬لتك‪##‬ونن كلمتن‪##‬ا واح‪##‬دة‪ ،‬ثم رجع‪##‬وا‪ #‬إلى المدين‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله م‪##‬ا روي أن‪##‬ه لم‪##‬ا أص‪##‬اب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬قريش‪##‬ا بب‪##‬در‪ ،‬فق‪##‬دم‬
‫المدينة جمع اليهود وقال‪ :‬يا معشر اليهود احذروا‪ #‬من هللا مثل ما ن‪##‬زل بق‪##‬ريش ي‪##‬وم‬
‫بدر‪ ،‬وأسلموا‪ #‬قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم‪ ،‬فقد عرفتم أني نبي مرسل‪ ،‬تجدون ذلك‬
‫في كتابكم وعهد هللا إليكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا محمد‪ ،‬ال يغرنك أنك لقيت قوما أغم‪##‬ارا ال علم‬
‫لهم بالحرب‪ ،‬فأصبت فيهم‪ #‬فرصة‪ ،‬أما وهللا لوقاتلناك‪ #‬لعرفت أنا نحن الناس‪ ،‬ف‪##‬أنزل‬
‫هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تبشير‪ #‬للمؤمنين بأن النصر حليفهم‪ ،‬ألن هللا معهم‪ ،‬حتى ل‪##‬و‬
‫ك‪##‬ان ذل‪##‬ك النص‪##‬ر دخ‪##‬ولهم الجن‪##‬ة‪ ،‬وتح‪##‬ذير للجاح‪##‬دين ال‪##‬ذين يهتم‪##‬ون بالمكاس‪##‬ب‬
‫المحدودة أن مصيرهم الهزيمة والخذالن في النهاية‪ ،‬فجهنم تنتظرهم‪.‬‬
‫﴿ش‪ِ #‬ه َد هَّللا ُ أَنَّهُ اَل إِلَ‪#‬هَ إِاَّل‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُوال َع ِزي ُ‪#‬ز ْال َح ِكي ُم﴾ [آل عمران‪]18 :‬؟‬ ‫هُو َو ْال َماَل ئِ َكةُ َوأُولُ ْ‬
‫وال ِع ْل ِم قَائِ ًما‪ #‬بِ ْالقِ ْس ِط اَل إِلَهَ إِاَّل ه ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما ظهر رس‪##‬ول هللا ‪ ‬بالمدين‪##‬ة ق‪##‬دم علي‪#‬ه ح‪##‬بران من‬
‫أحبار أهل الشام‪ ،‬فلما أبصرا‪ #‬المدينة‪ ،‬قال أح‪##‬دهما لص‪##‬احبه‪ :‬م‪##‬ا أش‪##‬به ه‪##‬ذه المدين‪##‬ة‬
‫بصفة مدينة النبي ال‪##‬ذي يخ‪##‬رج في آخ‪##‬ر الزم‪##‬ان‪ ،‬فلم‪##‬ا دخال على الن‪##‬بي ‪ ‬عرف‪##‬اه‬
‫بالصفة والنعت‪ ،‬فقاال له‪ :‬أنت محم‪##‬د؟ ق‪##‬ال‪( :‬نعم)‪ ،‬ق‪##‬اال‪ :‬وأنت أحم‪##‬د؟ ق‪##‬ال‪( :‬نعم)‪،‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.48/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.97/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.98/‬‬
‫‪193‬‬
‫قاال‪ :‬إنا نس‪##‬ألك عن ش‪##‬هادة‪ ،‬ف‪##‬إن أنت أخبرتن‪##‬ا به‪##‬ا آمن‪##‬ا ب‪##‬ك وص‪##‬دقناك‪ ،‬فق‪##‬ال لهم‪##‬ا‬
‫رسول هللا ‪( :‬س‪##‬الني)‪ ،‬فق‪##‬اال‪ :‬أخبرن‪#‬ا‪ #‬عن أعظم ش‪##‬هادة في كت‪##‬اب هللا ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى اآلية‪ ،‬فأسلم الرجالن وصدقا برسول هللا ‪.)1( ‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان بأن البراهين والشواهد كلها تدل على هللا‪ ،‬وعلى عدله‬
‫وجميع أسمائه الحسنى‪ ..‬وال عبرة بأدعياء العلم الجاحدين ل‪##‬ذلك؛ ف‪##‬العلم ال‪##‬ذي يبع‪##‬د‬
‫صاحبه عن هللا جهل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬ألَ ْم تَ‪َ #‬ر إِلَى ال ِذينَ أوتُ‪#‬وا‬
‫ق ِم ْنهُ ْم َوهُ ْم‬ ‫َ‪##‬ولَّى فَ ِري‪ٌ ##‬‬
‫ب هَّللا ِ لِيَحْ ُك َم بَ ْينَهُ ْم ثُ َّم يَت َ‬ ‫َص‪##‬يبًا ِمنَ ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫ب يُ‪ْ ##‬دعَوْ نَ إِلَى ِكتَ‪##‬ا ِ‬ ‫ن ِ‬
‫ْرضُونَ ﴾ [آل عمران‪]23 :‬؟‬ ‫ُمع ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن النبي ‪ ‬عندما دعا اليهود إلى اإلسالم قال ل‪##‬ه النعم‪##‬ان‬
‫بن أوفى‪ :‬هلم يا محمد نخاصمك إلى األحبار‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪( :‬ب‪##‬ل إلى كت‪##‬اب‬
‫هللا)‪ ،‬فقال‪ :‬بل إلى األحبار‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬دخ‪##‬ل بيت الم‪##‬دراس على جماع‪##‬ة‬
‫من اليهود‪ ،‬فدعاهم إلى هللا‪ ،‬فقال ل‪#‬ه نعيم بن عمرووالح‪##‬ارث‪ #‬بن زي‪#‬د‪ :‬على أي دين‬
‫أنت يا محمد؟ فقال‪( :‬على ملة إبراهيم)‪ ،‬قاال‪ :‬إن إبراهيم كان يهودي‪#‬ا‪ ،‬فق‪#‬ال رس‪#‬ول‬
‫هللا ‪( :‬فهلم‪##‬وا إلى الت‪##‬وراة فهي بينن‪##‬ا وبينكم فأبي‪#‬ا‪ #‬علي‪##‬ه)‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه‬
‫اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دليل على أن المرجعية العظمى في ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬وألي دين‪،‬‬
‫لكتاب هللا وكلماته المقدسة‪ ،‬ومن أعرض عنها‪ ،‬وقع في االنحراف والضاللة‪.‬‬
‫اس بِ‪#‬إِ ْب َرا ِهي َ‪#‬م‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن أَوْ لَى النَّ ِ‬
‫لَلَّ ِذينَ اتَّبَعُوهُ َوهَ َذا النَّبِ ُّي َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َوهَّللا ُ َولِ ُّي ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [آل عمران‪]68 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رؤساء اليهود قالوا‪ :‬وهللا ي‪##‬ا محم‪##‬د لق‪##‬د علمت أن‪##‬ا أولى‬
‫بدين إبراهيم‪ #‬من‪#‬ك ومن غ‪#‬يرك‪ ،‬وأن‪##‬ه ك‪#‬ان يهودي‪##‬ا‪ ،‬وم‪#‬ا ب‪##‬ك إال الحس‪##‬د‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تح‪##‬ذير‪ #‬من ال‪##‬دعاوى الكاذب‪##‬ة‪ ،‬وتزكي‪##‬ة النفس بالباط‪##‬ل؛ فال‬
‫يمثل أهل الحق إال من التزم بالحق‪.‬‬
‫‪#‬ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫﴿وق‪##‬الت طائِف‪#‬ة ِمن أه‪ِ #‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫َ‬
‫‪##‬رهُ ل َعلهُ ْم‬ ‫آخ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪##‬ار َواكف‪##‬رُوا‪ِ #‬‬ ‫‪##‬ز َل َعلَى الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َوجْ‪ ##‬هَ النَّهَ ِ‬ ‫ب آ ِمنُ‪##‬وا بِالَّ ِذي أ ْن ِ‬
‫يَرْ ِجعُونَ ﴾ [آل عمران‪]72 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه تواطأ اثنا عش‪##‬ر ح‪##‬برا من يه‪##‬ود خي‪##‬بر وق‪##‬رى‪ #‬عرين‪##‬ة‪،‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.98/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.98/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.98/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.105/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪194‬‬
‫وق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪ #‬لبعض‪ :‬ادخل‪##‬وا في دين محم‪##‬د أول النه‪##‬ار باللس‪##‬ان دون االعتق‪##‬اد‪،‬‬
‫واكفروا‪ #‬به في آخر النه‪#‬ار وقول‪#‬وا‪ #:‬إن‪#‬ا نظرن‪#‬ا في كتبن‪#‬ا وش‪#‬اورنا علماءن‪#‬ا فوج‪#‬دنا‪#‬‬
‫محمدا ليس بذلك وظه‪#‬ر‪ #‬لن‪#‬ا كذب‪#‬ه وبطالن دين‪#‬ه‪ ،‬ف‪##‬إذا فعلتم ذل‪#‬ك ش‪#‬ك أص‪#‬حابه في‬
‫دينهم‪ ،‬وق‪##‬الوا‪ :‬إنهم أه‪##‬ل كت‪##‬اب وهم أعلم ب‪##‬ه من‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬يرجعون عن دينهم إلى دينكم‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى هذه اآلية‪ ،‬وأخبر به نبيه محمدا ‪ ‬والمؤمنين‪.)1(#‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير من الكيد والمكر والمؤامرات‪ ،‬ودعوة إلعمال العقل‬
‫والوعي والبصيرة‪ ..‬وفيها‪ #‬دعوة لالجتهاد في الوصول إلى الحق‪ ،‬ال إلى التقليد فيه‪.‬‬
‫ت‬‫ت ْاليَهُ‪##‬و ُد لَي َْس‪ِ #‬‬ ‫﴿وقَ‪##‬الَ ِ‬‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪#‬اب‬ ‫ت ْاليَهُ‪##‬و ُد َعلَى َش‪ْ #‬ي ٍء َوهُ ْم يَ ْتلُ‪##‬ونَ ال ِكتَ‪َ #‬‬
‫ْ‬ ‫ارى‪ #‬لَ ْي َس ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ت النَّ َ‬
‫صا َرى‪َ #‬علَى َش ْي ٍء َوقَالَ ِ‬ ‫النَّ َ‬
‫ْ‬ ‫هَّلل‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ك قَا َل ال ِذينَ اَل يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ِمث‪َ #‬ل قَ‪##‬وْ لِ ِه ْ‪#‬م فَا ُ يَحْ ُك ُم بَ ْينَهُ ْم يَ‪##‬وْ َم القِيَا َم‪ِ #‬ة فِي َم‪##‬ا َك‪##‬انُوا فِي‪ِ #‬ه‬ ‫َك َذلِ َ‬
‫يَ ْختَلِفُونَ ﴾ [البقرة‪]113 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في يهود المدينة ونصارى نجران‪ ،‬ذل‪##‬ك أن وف‪#‬د‪#‬‬
‫نجران لما ق‪##‬دموا‪ #‬على رس‪##‬ول هللا ‪ ‬أت‪##‬اهم أحب‪##‬ار اليه‪##‬ود فتن‪##‬اظروا ح‪##‬تى ارتفعت‬
‫أصواتهم‪ #،‬فق‪#‬الت اليه‪#‬ود‪ :‬م‪#‬ا أنتم على ش‪#‬يء من ال‪#‬دين وكف‪#‬روا بعيس‪#‬ى واإلنجي‪#‬ل‪،‬‬
‫وقالت لهم النصارى‪ :‬ما أنتم على شيء من الدين‪ ،‬فكفروا بموسى‪ #‬والتوراة‪ ،‬ف‪##‬أنزل‬
‫هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير من ال‪##‬دعاوى وتزكي‪##‬ة النفس وتص‪##‬نيف‪ #‬الخل‪##‬ق‬
‫بالباطل؛ فاهلل هو الذي يصنف عباده‪ ،‬وينزلهم من‪##‬ازلهم‪ ،‬والعاق‪#‬ل‪ #‬ه‪##‬و ال‪##‬ذي يش‪##‬تغل‬
‫بنفسه‪ ،‬ال بغيره‪.‬‬
‫ك ْاليَهُ‪##‬و ُد‬ ‫ضى َع ْن‪َ #‬‬ ‫﴿ولَ ْن تَرْ َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬وا َءهُ ْم بَعْ‪َ #‬د‬ ‫ُوالهُ‪#‬دَى َولَئِ ِن اتَّبَعْتَ أَ ْه‪َ #‬‬
‫ارى‪َ #‬حتَّى تَتَّبِ َع ِملَّتَهُ ْم قُ‪#‬لْ إِ َّن هُ‪#‬دَى هَّللا ِ ه ْ‬ ‫ص َ‬ ‫َواَل النَّ َ‬
‫ير﴾ [البقرة‪]120 :‬؟‬ ‫َص ٍ‬‫ك ِمنَ ْال ِع ْل ِم َما لَكَ ِمنَ هَّللا ِ ِم ْن َولِ ٍّي َواَل ن ِ‬ ‫الَّ ِذي َجا َء َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في شأن القبلة‪ ،‬ذلك أن يه‪##‬ود المدين‪##‬ة ونص‪##‬ارى‬
‫نج‪##‬ران ك‪##‬انوا يرج‪##‬ون أن يص‪##‬لي الن‪##‬بي ‪ ‬إلى قبلتهم فلم‪##‬ا ص‪##‬رف‪ #‬هللا القبل‪##‬ة إلى‬
‫الكعبة شق ذلك عليهم‪ ،‬فيئسوا منه أن يوافقهم‪ #‬على دينهم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من ت‪#‬رك الح‪#‬ق والمهادن‪#‬ة في‪#‬ه طلب‪#‬ا لك‪#‬ثرة األتب‪#‬اع؛‬
‫فالحق‪ #‬عزيز وكريم‪ ،‬وصاحب‪ #‬الحق ال يهمه كثرة الموالين أو المعادين‪.‬‬
‫﴿وقَالُوا‪ #‬لَ ْن يَ ‪ْ #‬د ُخ َل ْال َجنَّةَ إِاَّل‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫صا ِدقِينَ ﴾ [البقرة‪]111 :‬‬ ‫صا َرى‪ #‬تِ ْلكَ أَ َمانِيُّهُ ْم قُلْ هَاتُوا بُرْ هَانَ ُك ْم إِ ْن كنت ْم َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َم ْن َكانَ هُودًا أَونَ َ‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪#‬ا ن‪#‬زلت في رؤوس يه‪#‬ود‪ #‬المدين‪#‬ة‪ ،‬وفي نص‪##‬ارى أه‪##‬ل‬
‫نجران؛ ذلك أنهم خاصموا‪ #‬المسلمين في الدين‪ ،‬كل فرقة ت‪##‬زعم أنه‪##‬ا أح‪##‬ق ب‪##‬دين هللا‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.108/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.36/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.39/‬‬
‫‪195‬‬
‫تعالى من غيرها‪ ،‬فقالت اليهود‪ :‬نبينا موسى أفضل األنبياء‪ ،‬وكتابن‪#‬ا‪ #‬الت‪#‬وراة أفض‪#‬ل‬
‫الكتب‪ ،‬وديننا‪ #‬أفض‪##‬ل األدي‪##‬ان‪ ،‬وكف‪##‬رت بعيس‪##‬ى واإلنجي‪##‬ل ومحم‪#‬د‪ #‬والق‪##‬رآن وق‪##‬الت‬
‫النصارى‪ #:‬نبينا عيسى أفضل األنبياء وكتابن‪##‬ا اإلنجي‪##‬ل أفض‪##‬ل الكتب ودينن‪##‬ا أفض‪##‬ل‬
‫األديان وكفرت بمحمد والقرآن‪ ،‬وقال كل واحد من الفريقين للمؤم‪##‬نين‪ :‬كون‪##‬وا‪ #‬على‬
‫ديننا فال دين إال ذلك ودعوهم‪ #‬إلى دينهم(‪.)1‬‬
‫ق‪###‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪###‬ا تح‪###‬ذير من األم‪###‬اني وال‪###‬دعاوى الخالي‪###‬ة من الحجج‬
‫والبراهين‪ ..‬فاهلل هو صاحب الجن‪##‬ة والن‪##‬ار‪ ،‬وال يح‪##‬ق ألح‪##‬د أن ي‪##‬دعي أن‪##‬ه من أه‪##‬ل‬
‫أحدهما‪ ،‬بل هللا هو الذي يحكم له بذلك‪.‬‬
‫هَّللا‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما َكانَ لِبَ َش ٍر أ ْن ي ُْؤتِيَهُ ُ‬
‫ُون هَّللا ِ َولَ ِك ْن ُكونُ‪##‬وا‬
‫اس ُكونُ‪##‬وا ِعبَ‪##‬ادًا لِي ِم ْن د ِ‬ ‫‪##‬ول لِلنَّ ِ‬ ‫َ‪##‬اب َو ْال ُح ْك َم َوالنُّبُ‪َّ ##‬وةَ ثُ َّم يَقُ َ‬
‫ْال ِكت َ‬
‫َربَّانِيِّينَ بِ َما ُك ْنتُ ْم تُ َعلِّ ُمونَ ْال ِكت َ‬
‫َاب َوبِ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْد ُرسُونَ ﴾ [آل عمران‪]79 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن بعض أه‪##‬ل الكت‪##‬اب ق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د أتري‪##‬د أن نعب‪##‬دك‬
‫ونتخذك‪ #‬ربا؟ فقال رسول هللا ‪( :‬معاذ باهلل أن يعب‪##‬د غ‪##‬ير هللا أون‪##‬أمر بعب‪##‬ادة غ‪##‬ير‬
‫هللا‪ ،‬ما بذلك بعثني‪ ،‬وال بذلك أمرني)‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رجال قال‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا نس‪##‬لم علي‪##‬ك كم‪##‬ا يس‪##‬لم‬
‫بعض‪##‬نا على بعض‪ ،‬أفال نس‪##‬جد ل‪##‬ك؟ ق‪##‬ال‪( :‬ال ينبغي أن يس‪##‬جد ألح‪##‬د من دون هللا‪،‬‬
‫ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق ألهله)‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من الغلو والغالة ال‪##‬ذين يس‪##‬اوون‪ #‬بين هللا وعب‪##‬اده‪ ،‬أو‬
‫يزعمون أن هللا أعطى لبعض عباده بعض وظائف الربوبي‪##‬ة؛ فتك‪##‬ريم الص‪##‬الحين ال‬
‫يتناقض مع توحيد‪ #‬هللا‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَفَ َغي َْر ِد ِ‬
‫ين هَّللا ِ يَ ْب ُغونَ َولَ‪##‬هُ‬
‫ض طَوْ عًا َوكَرْ هًا َوإِلَ ْي ِه يُرْ َجعُونَ ﴾ [آل عمران‪]83 :‬؟‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫أَ ْسلَ َم َم ْن فِي ال َّس َما َوا ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه اختص‪#‬م أه‪#‬ل الكت‪#‬ابين إلى رس‪#‬ول هللا ‪ ‬فيم‪#‬ا اختلف‪#‬وا‬
‫بينهم من دين إب‪##‬راهيم‪ ،‬ك‪##‬ل فرق‪##‬ة زعمت أنه‪##‬ا أولى بدين‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال الن‪##‬بي ‪( :‬كال‬
‫الفريقين بريء من دين إبراهيم) فغضبوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬وهللا ما نرضى‪ #‬بقضائك وال نأخذ‬
‫بدينك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة إلى البحث عن دين هللا الخالص الذي لم يتأثر بأهواء‬
‫البشر‪ ،‬واستعمال ك‪##‬ل وس‪#‬ائل التح‪##‬ري في ذل‪#‬ك‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬إخب‪#‬ار ب‪##‬أن ه‪#‬ذا ال‪##‬دين ه‪#‬و‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأنه دين الكون جميعا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ال ِذينَ آتَ ْينَ‪##‬اهُ ُم ال ِكتَ‪َ #‬‬
‫‪#‬اب‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.40/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.112/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.112/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.112/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪196‬‬
‫ْالخ ِ‬
‫َاس‪#‬رُونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ك ي ُْؤ ِمنُ‪#‬ونَ بِ‪ِ #‬ه َو َم ْن يَ ْكفُ‪#‬رْ بِ‪ِ #‬ه فَأُولَئِ‪#‬كَ هُ ُم‬ ‫ق تِاَل َوتِ‪ِ #‬ه أُولَئِ‪َ #‬‬ ‫يَ ْتلُونَهُ َح َّ‬
‫‪]121‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أصحاب الس‪#‬فينة ال‪##‬ذين أقبل‪#‬وا م‪##‬ع جعف‪#‬ر بن‬
‫أبي طالب من أرض الحبشة كانوا أربعين رجال من الحبشة وأهل الشام(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى التالوة الحقيقي‪##‬ة الفاعل‪##‬ة الم‪##‬ؤثرة لكت‪##‬اب هللا‪،‬‬
‫فاإليمان الحقيقي مقترن بها‪ ،‬وليس بالتالوة المجردة عن التحقيق‪ ،‬والتي قد يس‪##‬توي‬
‫فيها الجميع‪.‬‬
‫َ‬ ‫هَّللا‬
‫﴿ص ْب َغةَ ِ َو َم ْن أحْ َسنُ ِمنَ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪ِ :‬‬
‫ص ْب َغةً َونَحْ نُ لَهُ عَابِ ُدونَ ﴾ [البقرة‪]138 :‬؟‬ ‫هَّللا ِ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن النصارى كان إذا ولد ألحدهم ول ٌد فأتى عليه سبعة أيام‪،‬‬
‫صبغوه في ماء لهم يقال له‪ :‬المعمودي‪ #‬ليظهروه بذلك‪ ،‬ويقولون‪ :‬هذا طه‪##‬و ٌ‪#‬ر مك‪##‬ان‬
‫الختان‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك قالوا‪ :‬اآلن صار نصرانيا حقا‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة لالن‪##‬دماج الت‪##‬ام م‪##‬ع دين هللا‪ ،‬بحيث تنص‪##‬بغ الحي‪##‬اة‬
‫جميعا بصبغته‪ ،‬وأن ذلك هو العبودية الحقيقية‪.‬‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬الم هَّللا ُ اَل إِلَ‪#‬هَ إِاَّل هُ‪َ #‬‬
‫‪#‬و‬
‫ص ِّدقًا‪ #‬لِ َما بَ ْينَ يَ َد ْي‪ِ #‬ه َوأَ ْن‪##‬زَ َل التَّوْ َراةَ َواإْل ِ ْن ِجي‪َ #‬‬
‫‪#‬ل‬ ‫َاب بِ ْال َح ِّ‬
‫ق ُم َ‬ ‫ك ْال ِكت َ‬
‫ْال َح ُّي ْالقَيُّو ُم نَ َّز َل َعلَ ْي َ‬
‫ت هَّللا ِ لَهُ ْم َع َذابٌ َش ‪ِ #‬دي ٌد َوهَّللا ُ‬ ‫اس َوأَ ْنزَ َل ْالفُرْ قَانَ إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا بِآيَا ِ‬ ‫ِم ْن قَ ْب ُل هُدًى لِلنَّ ِ‬
‫ام﴾ [آل عمران‪]4-1 :‬‬ ‫َزي ٌز ُذو ا ْنتِقَ ٍ‬ ‫ع ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في وفد نجران‪ ،‬وكانوا‪ #‬ستين راكبا‪ ،‬وف‪##‬دوا على‬
‫رسول هللا ‪ ،‬ودخل‪#‬وا‪ #‬مس‪#‬جده حين ص‪#‬لى العص‪##‬ر‪ ،‬وق‪##‬د ح‪##‬انت ص‪#‬التهم‪ ،‬فق‪##‬اموا‬
‫فصلوا‪ #‬في مسجد رسول هللا ‪ ‬فقال رسول هللا ‪( :‬دعوهم) فصلوا إلى المشرق‪،‬‬
‫فكلم الس‪##‬يد والع‪##‬اقب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬ال لهم‪##‬ا رس‪##‬ول هللا ‪( :‬أس‪##‬لما)‪ ،‬فق‪##‬اال‪ :‬ق‪##‬د‬
‫أسلمنا قبلك‪ ،‬قال‪( :‬كذبتما منعكما من اإلسالم دعاؤكما هلل ولدا‪ ،‬وعبادتكما الصليب‪،‬‬
‫وأكلكما الخنزير)‪ ،‬قاال‪ :‬إن لم يكن عيسى ول‪##‬د هللا فمن أب‪#‬وه؟ وخاص‪##‬موه جميع‪##‬ا في‬
‫عيسى‪ ،‬فقال لهما النبي ‪( :‬ألس‪##‬تم تعلم‪##‬ون أن‪##‬ه ال يك‪##‬ون ول‪##‬د إال وهويش‪##‬به أب‪##‬اه؟)‬
‫قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪( :‬ألستم تعلمون أن ربنا حي ال يموت‪ ،‬وأن عيسى أتى عليه الفناء؟)‬
‫قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪( :‬ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظ‪#‬ه ويرزق‪#‬ه؟) ق‪#‬الوا‪:‬‬
‫بلى‪ ،‬قال‪( :‬فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟) قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪( :‬فإن ربنا صور عيس‪##‬ى‬
‫في الرحم كيف شاء‪ ،‬وربنا ال يأكل وال يشرب وال يحدث) قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ألس‪##‬تم‬
‫تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة‪ ،‬ثم وضعته كما تضع الم‪##‬رأة ول‪##‬دها‪،‬‬
‫ثم غذي كما يغذى الصبي‪ ،‬ثم كان يطعم‪ #‬ويشرب ويحدث؟) قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪( :‬فكيف‬
‫يكون هذا كما زعمتم؟) فسكتوا‪ ،‬فأنزل هللا عز وج‪##‬ل فيهم ص‪##‬در س‪##‬ورة آل عم‪##‬ران‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.40/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.41/‬‬
‫‪197‬‬
‫إلى بضعة وثمانية آية منها(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى الح‪##‬وار ب‪##‬التي هي أحس‪##‬ن م‪##‬ع أه‪##‬ل الكت‪##‬اب‬
‫وغ‪##‬يرهم‪ ،‬إلقام‪##‬ة الحج‪##‬ة عليهم‪ ،‬وأن ذل‪##‬ك ال يك‪##‬ون إال ب‪##‬االعتراف‪ #‬والتص‪##‬ديق‪#‬‬
‫برس‪##‬االت هللا ال‪##‬تي أنزله‪##‬ا على رس‪##‬له‪ ،‬واالع‪##‬تراف ك‪##‬ذلك بك‪##‬ل ح‪##‬ق يص‪##‬در منهم‪،‬‬
‫ليكون التزامهم ببعض الحق وسيلة اللتزامهم‪ #‬به جميعا‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫يس‪#‬ى ِع ْن‪َ #‬د ِ‬ ‫‪#‬ل ِع َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن َمثَ‪َ #‬‬
‫ب ثُ َّم قَا َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُكونُ ﴾ [آل عمران‪]59 :‬؟‬ ‫َك َمثَ ِل آ َد َم َخلَقَهُ ِم ْن تُ َرا ٍ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في وفد نجران‪ ،‬قالوا لرسول‪ #‬هللا ‪ ‬ما لك تشتم‬
‫صاحبنا؟‪ #‬قال‪( :‬وما أقول؟) قالوا‪ :‬تقول‪ :‬إنه عبد‪ ،‬قال‪( :‬أج‪##‬ل إن‪##‬ه عب‪##‬د هللا ورس‪##‬وله‬
‫وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول)‪ ،‬فغضبوا‪ #‬وق‪##‬الوا‪ #:‬ه‪##‬ل رأيت إنس‪##‬انا ق‪##‬ط من غ‪##‬ير‬
‫أب؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل هذه اآلية (‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للعقول إلى النظر في دالئل قدرة هللا المطلقة؛ فالقادر‪#‬‬
‫الذي خلق الكون جميعا‪ ،‬ال يعجز عن أمثالها‪ ،‬أو ما يستغربه الخلق منها‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ َم ْن َحا َّجكَ فِي‪ِ #‬ه ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د‬
‫ع أَ ْبنَا َءنَ‪##‬ا َوأَ ْبنَ‪##‬ا َء ُك ْ‪#‬م َونِ َس ‪#‬ا َءنَا َونِ َس ‪#‬ا َء ُك ْم َوأَ ْنفُ َس ‪#‬نَا‬
‫ك ِمنَ ْال ِع ْل ِم فَقُ‪##‬لْ تَ َع‪##‬الَوْ ا نَ ‪ْ #‬د ُ‬ ‫َم‪##‬ا َج‪ #‬ا َء َ‬
‫َوأَ ْنفُ َس ُك ْ‪#‬م ثُ َّم نَ ْبتَ ِهلْ فَنَجْ َعلْ لَ ْعنَتَ هَّللا ِ َعلَى ْال َكا ِذبِينَ ﴾ [آل عمران‪]61 :‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن راهب‪##‬ا نج‪##‬ران ج‪##‬اءا إلى الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬ال لهم‪##‬ا‪( :‬أس‪##‬لما‬
‫تسلما)‪ ،‬فقاال‪ :‬قد أسلمنا قبلك‪ ،‬فقال‪( :‬كذبتما‪ ،‬يمنعكما من اإلس‪##‬الم ثالث‪ :‬س‪##‬جودكما‬
‫للصليب‪ ،‬وقولكما‪ #‬اتخذ هللا ولدا وشربكما الخمر)‪ ،‬فقاال‪ :‬ما تقول في عيسى؟ فسكت‬
‫ت َوال ‪ِّ #‬ذ ْك ِ‪#‬ر ْال َح ِك ِيم﴾ [آل عم‪###‬ران‪]58 :‬؟‬ ‫النبي ‪ ‬ونزل القرآن‪َ ﴿ :‬ذلِكَ نَ ْتلُوهُ َعلَ ْيكَ ِمنَ اآْل يَا ِ‬
‫ع أَ ْبنَا َءنَ‪##‬ا‬‫ك فِي‪ِ ##‬ه ِم ْن بَعْ‪ِ ##‬د َم‪##‬ا َج‪ ##‬ا َءكَ ِمنَ ْال ِع ْل ِم فَقُ‪##‬لْ تَ َع‪##‬الَوْ ا نَ ‪ْ #‬د ُ‬ ‫إلى قول‪##‬ه‪﴿ :‬فَ َم ْن َحا َّج َ‬
‫َوأَ ْبنَا َء ُك ْ‪#‬م َونِ َسا َءنَا َونِ َسا َء ُك ْم َوأَ ْنفُ َسنَا َوأَ ْنفُ َس ُك ْ‪#‬م ثُ َّم نَ ْبتَ ِهلْ فَنَجْ َعلْ لَ ْعنَتَ هَّللا ِ َعلَى ْال َكا ِذبِينَ ﴾‬
‫[آل عم‪###‬ران‪ ،]61 :‬ف‪##‬دعاهما رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إلى المالعن‪##‬ة‪ ،‬وج‪##‬اء بالحس‪##‬ن والحس‪##‬ين‬
‫وفاطمة وأهله وولده عليهم السالم‪ ،‬فقاال‪ :‬ال نالعنك(‪.)3‬‬
‫ق‪###‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪###‬ا تك‪###‬ريم آلل بيت النب‪###‬وة وإش‪###‬ادة بهم وتعري‪###‬ف‪ #‬بال‪###‬دور‪#‬‬
‫المستقبلي لهم في الدين‪ ،‬وهو ما دلت عليه كل الدالئل األخرى‪ #..‬وليس فيها ما ي‪##‬دل‬
‫على كون المباهلة أسلوبا‪ #‬من أساليب ال‪##‬دعوة‪ ،‬فال‪##‬دعوة قاص‪##‬رة على م‪##‬ا نص علي‪##‬ه‬
‫ك بِ ْال ِح ْك َم‪ِ #‬ة َو ْال َموْ ِعظَ‪ِ #‬ة ْال َح َس‪#‬نَ ِة َو َج‪##‬ا ِد ْلهُ ْم بِ‪##‬الَّتِي ِه َي‬ ‫ع إِلَى َسبِي ِل َربِّ َ‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬ا ْد ُ‬
‫هتَ ِدينَ ﴾ [النحل‪]125 :‬‬ ‫ض َّل ع َْن َسبِيلِ ِه َوه َُو أَ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْ‬ ‫ك ه َُو أَ ْعلَ ُم بِ َم ْن َ‬ ‫أَحْ َسنُ إِ َّن َربَّ َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬كلُّ الطَّ َع ِام َك‪##‬انَ ِحاًّل لِبَنِي‬
‫يل إِاَّل َما َح َّر َم إِس َْرائِي ُل َعلَى نَ ْف ِس ِه ِم ْن قَب ِْل أَ ْن تُنَ َّز َل التَّوْ َراةُ قُ‪##‬لْ فَ‪##‬أْتُوا بِ‪##‬التَّوْ َرا ِة‬ ‫إِ ْس َرائِ َ‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.97/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.103/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.104/‬‬
‫‪198‬‬
‫صا ِدقِينَ ﴾ [آل عمران‪]93 :‬؟‬ ‫فَا ْتلُوهَا‪ #‬إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت حين قال النبي ‪ ‬إنه على ملة إب‪##‬راهيم‪ ،‬فق‪##‬الت‬
‫اليهود‪ :‬كي‪##‬ف وأنت تأك‪##‬ل لح‪##‬وم اإلب‪##‬ل وألبانه‪##‬ا؟ فق‪##‬ال الن‪##‬بي ‪( :‬ك‪##‬ان ذل‪##‬ك حالال‬
‫إلبراهيم‪ ،‬فنحن نحله)‪ ،‬فقالت اليهود‪ :‬كل شي‪ ،‬أصبحنا‪ #‬اليوم نحرمه فإن‪##‬ه ك‪##‬ان على‬
‫نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل تكذيبا لهم اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة لألدب م‪##‬ع هللا وتش‪##‬ريعاته‪ ،‬فه‪#‬و‪ #‬يح‪##‬ل م‪##‬ا يش‪##‬اء م‪##‬تى‬
‫يشاء لمن شاء‪ ،‬ويحرم‪ #‬ما شاء متى شاء لمن شاء‪ ..‬وكل ذلك بحكمة قد نعلمه‪##‬ا وق‪##‬د‬
‫ال نعلمها‪ ،‬مثلما يفعل الطبيب عندما يطلب من بعضهم أن يأكل طعاما‪ ،‬ويحرم على‬
‫غيره أكله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيها‪ #‬دعوة للحوار مع الغير من خالل مصادره ال‪##‬تي يعتم‪##‬دها‪ ،‬إلقام‪##‬ة‬
‫الحجة البالغة عليه‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَقَ‪ْ #‬د َس‪ِ #‬م َع هَّللا ُ قَ‪#‬وْ َل الَّ ِذينَ‬
‫ق َونَقُ‪##‬و ُل‬ ‫‪#‬ر َح‪ٍّ #‬‬ ‫قَالُوا إِ َّن هَّللا َ فَقِ‪##‬ي ٌر َونَحْ نُ أَ ْغنِيَ‪##‬ا ُء َس‪#‬نَ ْكتُبُ َم‪##‬ا قَ‪##‬الُوا َوقَ ْتلَهُ ُ‪#‬م اأْل َ ْنبِيَ‪##‬ا َء بِ َغ ْي‪ِ #‬‬
‫يق﴾ [آل عمران‪]181 :‬؟‬ ‫اب ْال َح ِر ِ‬ ‫ُذوقُوا َع َذ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن أبا بكر دخل ذات يوم بيت مدراس اليه‪##‬ود‪ ،‬فوج ‪#‬د‪ #‬ناس‪##‬ا‬
‫من اليهود قد اجتمع‪##‬وا إلى رج‪##‬ل منهم يق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬فنح‪##‬اص بن ع‪##‬ازوراء‪ ،‬وك‪##‬ان من‬
‫علمائهم‪ ،‬فقال أبوبكر لفنحاص‪ :‬اتق هللا وأسلم‪ ،‬فوهللا إنك لتعلم أن محمدا رسول هللا‬
‫ق‪##‬د ج‪##‬اءكم ب‪##‬الحق من عن‪##‬د هللا تجدون‪##‬ه مكتوب‪##‬ا عن‪##‬دكم في الت‪##‬وراة‪ ،‬ف‪##‬آمن وص‪##‬دق‬
‫وأقرض هللا قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف‪ #‬لك الثواب‪ ،‬فق‪##‬ال فنح‪##‬اص‪ :‬ي‪##‬ا أب‪##‬ا‬
‫بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا‪ #‬أموالنا وما يستقرض إال الفقير من الغني فإن ك‪##‬ان م‪##‬ا‬
‫تق‪##‬ول حق‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬إن هللا إذا لفق‪##‬ير ونحن أغني‪##‬اء‪ ،‬ولوك‪##‬ان غني‪##‬ا م‪##‬ا استقرض‪##‬نا أموالن‪##‬ا‪،‬‬
‫فغضب أبوبكر‪ #‬وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وق‪#‬ال‪ :‬وال‪#‬ذي نفس‪#‬ي بي‪#‬ده ل‪#‬وال‬
‫العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدوهللا‪ ،‬فذهب فنحاص إلى رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬انظر إلى ما صنع بي صاحبك‪ ،‬فقال رسول هللا ‪ ‬ألبي بك‪##‬ر‪( :‬م‪##‬ا‬
‫الذي حملك على ما صنعت؟) فقال‪ :‬يا رسول‪ #‬هللا إن عدوهللا قال قوال عظيم‪##‬ا‪ ،‬زعم‬
‫أن هللا فقير وأنهم عنه أغنياء‪ ،‬فغض‪#‬بت هلل وض‪#‬ربت وجه‪##‬ه‪ ،‬فجح‪#‬د‪ #‬ذل‪#‬ك فنح‪##‬اص‪،‬‬
‫فأنزل هللا عز وجل ردا على فنحاص اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان لبعض مق‪##‬والت المنح‪##‬رفين عن دين هللا‪ ،‬وأن س‪##‬بب‬
‫ذل‪##‬ك س‪##‬وء فهمهم‪ #‬للبي‪##‬ان اإللهي‪ ،‬واتب‪##‬اع المتش‪##‬ابهات‪ ،‬وع‪##‬دم التعم‪##‬ق في المع‪##‬اني‪،‬‬
‫واالقتصار‪ #‬على الحروف‪ ،‬وهو ما حصل في كل األمم‪ ،‬بما فيها أمة المسلمين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيها‪ #‬تحذير شديد من الوقوع فيما وقع فيه اليه‪##‬ود من قتلهم األنبي‪##‬اء أو‬
‫تأييدهم‪ #‬لقتلتهم‪ ،‬وعلماء هذه األمة وصالحيها كأنبياء بني إسرائيل‪.‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.114/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.132/‬‬
‫‪199‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬الَّ ِذينَ قَ‪##‬الُوا‪ #‬إِ َّن هَّللا َ َع ِه‪َ #‬د‬
‫ُس‪ٌ #‬ل ِم ْن قَ ْبلِي‬ ‫‪#‬ان تَأْ ُكلُ‪#‬هُ النَّا ُر قُ‪##‬لْ قَ‪ْ #‬د َج‪ #‬ا َء ُك ْم ر ُ‬
‫ُول َحتَّى يَأْتِيَنَ‪##‬ا بِقُرْ بَ‪ٍ #‬‬ ‫إِلَ ْينَا أَاَّل نُ ْؤ ِمنَ لِ َرس ٍ‪#‬‬
‫صا ِدقِينَ ﴾ [آل عمران‪]183 :‬؟‬ ‫ت َوبِالَّ ِذي‪ #‬قُ ْلتُ ْم فَلِ َم قَت َْلتُ ُموهُ ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫بِ ْالبَيِّنَا ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في كعب بن األشرف ومالك بن الض‪##‬يف ووهب‬
‫بن يهوذا وزيد بن تابوة وفي فنحاص بن ع‪#‬ازوراء وح‪#‬يي‪ #‬بن أخطب‪ ،‬أت‪#‬وا رس‪#‬ول‬
‫هللا ‪ ‬فقالوا‪ :‬تزعم أن هللا بعثك إلينا رسوال‪ ،‬وأنزل علي‪##‬ك كتاب‪##‬ا‪ ،‬وأن هللا ق‪##‬د عه‪##‬د‬
‫إلينا في التوراة أن ال نؤمن لرسول‪ #‬يزعم أنه من عند هللا ح‪##‬تى يأتين‪##‬ا بقرب‪##‬ان تأكل‪##‬ه‬
‫النار‪ ،‬فإن جئتنا به صدقناك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من إساءة األدب مع هللا‪ ،‬وع‪##‬دم التس‪##‬ليم ل‪#‬ه‪ ،‬ووض‪#‬ع‪#‬‬
‫شروط‪ #‬ال يدل عليها العقل‪ ،‬وال الوحي‪ ،‬بل مصدرها‪ #‬الهوى المجرد‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَلَ ْم تَ‪َ #‬ر إِلَى الَّ ِذينَ يُ َز ُّكونَ‬
‫ُظلَ ُمونَ فَتِياًل ﴾ [النساء‪]49 :‬؟‬ ‫أَ ْنفُ َسهُ ْم بَ ِل هَّللا ُ يُ َز ِّكي َم ْن يَ َشا ُء َواَل ي ْ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في رج‪##‬ال من اليه‪##‬ود‪ #‬أت‪##‬وا رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫بأطفالهم وقالوا‪ :‬يا محمد‪ ،‬هل على أوالدنا هؤالء من ذنب؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬وال‪##‬ذي‬
‫نحلف به ما نحن إال كهيئتهم‪ ،‬ما من ذنب نعمله بالنهار‪ #‬إال كفر عنا بالليل‪ ،‬وم‪##‬ا من‬
‫ذنب نعمله بالليل إال كفر عنا بالنهار‪ ،‬فهذا الذين زكوا به أنفسهم(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا نهي عن تزكي‪##‬ة النفس‪ ،‬وأنه‪##‬ا من فع‪##‬ل الج‪##‬اهلين‪ ،‬وأن‬
‫المؤمن الحقيقي هو المتواضع‪ #‬الممتلئ بالعبودية‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬أَلَ ْم تَ‪َ #‬ر إِلَى الَّ ِذينَ أوتُ‪#‬وا‬
‫ت َويَقُولُ‪#‬ونَ لِلَّ ِذينَ َكفَ‪#‬رُوا هَ‪#‬ؤُاَل ِء أَ ْه‪#‬دَى‬ ‫ت َوالطَّا ُغو ِ‬ ‫ب ي ُْؤ ِمنُونَ بِ ْ‬
‫‪#‬ال ِج ْب ِ‬ ‫َصيبًا ِمنَ ْال ِكتَا ِ‬ ‫ن ِ‬
‫ِمنَ الَّ ِذينَ آ َمنُوا َسبِياًل ﴾ [النساء‪]51 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن كعب بن األشرف خرج في سبعين راكبا من اليهود‪ #‬إلى‬
‫مكة بعد وقعة أحد ليح‪##‬الفوا قريش‪##‬ا على رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وينقض‪##‬وا العه‪##‬د ال‪##‬ذي ك‪##‬ان‬
‫بينهم وبين رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ف‪##‬نزل كعب على أبي س‪##‬فيان‪ ،‬ون‪##‬زلت اليه‪##‬ود‪ #‬في دور‪#‬‬
‫قريش‪ ،‬فقال أهل مكة‪ :‬إنكم أهل كتاب‪ ،‬ومحمد ص‪#‬احب كت‪#‬اب‪ ،‬وال ن‪#‬أمن أن يك‪#‬ون‬
‫هذا مكرا منكم‪ ،‬فإن أردت أن نخرج معك فاسجد‪ #‬لهذين الص‪##‬نمين وآمن بهم‪##‬ا ف‪##‬ذلك‬
‫ت ﴾ ثم قال كعب أله‪##‬ل مك‪##‬ة‪ :‬ليجيء منكم ثالث‪##‬ون‬ ‫ت َوالطَّا ُغو ِ‬ ‫قوله‪ ﴿ :‬ي ُْؤ ِمنُونَ بِ ْال ِج ْب ِ‬
‫ومنا ثالثون فنل‪#‬زق أكبادن‪#‬ا بالكعب‪#‬ة‪ ،‬فنعاه‪#‬د‪ #‬رب ال‪#‬بيت لنجه‪#‬دن على قت‪#‬ال محم‪#‬د‪،‬‬
‫ففعلوا ذلك‪ ،‬فلما فرغوا‪ ،‬قال أبوسفيان لكعب‪ :‬إن‪##‬ك ام‪##‬رؤ‪ #‬تق‪##‬رأ الكت‪##‬اب وتعلم ونحن‬
‫أميون ال نعلم‪ ،‬فأين‪##‬ا أه‪##‬دى طريق‪##‬ا وأق‪##‬رب إلى الح‪##‬ق؟ أنحن أم محم‪##‬د؟ فق‪##‬ال كعب‪:‬‬
‫اعرضوا علي دينكم‪ ،‬فقال أبوسفيان‪ :‬نحن ننح‪##‬ر للحجيج الكوم‪##‬اء‪ ،‬ونس‪##‬قيهم‪ #‬الم‪##‬اء‪،‬‬
‫ونقري الضيف‪ ،‬ونفك العاني‪ ،‬ونصل الرحم‪ ،‬ونعمر بيت ربنا‪ ،‬ونطوف ب‪##‬ه‪ ،‬ونحن‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.133/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.154/‬‬
‫‪200‬‬
‫أهل الحرم‪ ،‬ومحمد ف‪##‬ارق دين آبائ‪##‬ه‪ ،‬وقط‪##‬ع ال‪##‬رحم‪ ،‬وف‪##‬ارق‪ #‬الح‪##‬رم‪ ،‬ودينن‪#‬ا‪ #‬الق‪##‬ديم‬
‫ودين محم‪##‬د الح‪##‬ديث؛ فق‪##‬ال كعب‪ :‬أنتم وهللا أه‪##‬دى س‪##‬بيال مم‪##‬ا هوعلي‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا‬
‫تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من الوقوع فيما وقع فيه المنحرفون عن األدي‪##‬ان من‬
‫عب‪##‬ادة الجبت والط‪##‬اغوت‪ ،‬وال‪##‬تي ال تقتص‪##‬ر على األص‪##‬نام المعروف‪##‬ة؛ فاألص‪##‬نام‬
‫البشرية أخطر من أصنام الحجارة‪ ..‬وفيها‪ #‬نهي عن الش‪##‬هادة الكاذب‪##‬ة وبي‪##‬ان لس‪##‬ببها‪،‬‬
‫وهو عدم التسليم الكلي للكتاب‪.‬‬
‫ب أ ْن‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك أ ْه‪ُ #‬ل ال ِكتَ‪##‬ا ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ ْس‪#‬أل َ‬
‫هَّللا‬ ‫َ‬
‫‪#‬ر ِم ْن َذلِ‪##‬كَ فَقَ‪##‬الُوا أ ِرنَ‪##‬ا َ َج ْه‪َ #‬رةً‬ ‫وس‪#‬ى‪ #‬أَ ْكبَ‪َ #‬‬ ‫تُنَ ِّز َل َعلَ ْي ِه ْم ِكتَابًا ِمنَ ال َّس َما ِء فَقَ ْد َسأَلُوا ُم َ‬
‫‪#‬ات فَ َعفَوْ نَ‪##‬ا ع َْن‬ ‫فَأ َ َخ َذ ْتهُ ُم الصَّا ِعقَةُ بِظُ ْل ِم ِه ْم ثُ َّم اتَّ َخ ُذوا ْال ِعجْ َل ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د َم‪##‬ا َج‪ #‬ا َء ْتهُ ُم ْالبَيِّنَ‪ُ #‬‬
‫ك َوآتَ ْينَا ُمو َسى س ُْلطَانًا ُمبِينًا﴾ [النساء‪]153 :‬؟‬ ‫َذلِ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في اليهود حين قالوا للنبي ‪ ‬إن كنت نبيا فأتن‪##‬ا‬
‫بالكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تح‪##‬ذير من مش‪##‬ابهة ال‪##‬ذين لم يل‪##‬تزموا‪ #‬ح‪##‬دود عب‪##‬وديتهم هلل؛‬
‫فراحوا‪ #‬يقترحون على هللا ما يفعل‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَ ْن يَ ْس‪#‬تَ ْن ِكفَ ْال َم ِس ‪#‬ي ُح أَ ْن‬
‫ف ع َْن ِعبَا َدتِ ِه َويَ ْستَ ْكبِ ْ‪#‬ر فَ َسيَحْ ُش ُرهُ ْم‬ ‫يَ ُكونَ َع ْبدًا هَّلِل ِ َواَل ْال َماَل ئِ َكةُ ْال ُمقَ َّربُونَ َو َم ْن يَ ْستَ ْن ِك ْ‬
‫إِلَ ْي ِه َج ِميعًا﴾ [النساء‪]172 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في وف‪##‬د نج‪##‬ران حين ق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د تعيب‬
‫صاحبنا؟‪ #‬قال‪( :‬ومن صاحبكم؟) قالوا‪ :‬عيسى‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬وأي ش‪##‬يء أق‪##‬ول في‪##‬ه؟) ق‪##‬الوا‪#‬‬
‫تقول إنه عب‪##‬د هللا ورس‪##‬وله‪ ،‬فق‪##‬ال لهم‪( :‬إن‪##‬ه ليس بع‪##‬ار لعيس‪##‬ى أن يك‪##‬ون عب‪##‬د هللا)‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬فنزلت(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لشرف العبودية هلل‪ ،‬وأنه ال يتحق‪##‬ق به‪##‬ا إال الص‪##‬ادقون‬
‫المخلصون المقربون‪ ..‬وأما المستكبرون المنحرف‪##‬ون عنه‪##‬ا‪ ،‬فلن يج‪##‬دوا في اآلخ‪##‬رة‬
‫إال ما أفرزته نفوسهم من كبر وانحراف‪.‬‬
‫ب هَ‪##‬لْ‬ ‫َ‬
‫‪#‬ل ال ِكت‪##‬ا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬ق‪##‬لْ يَ‪##‬ا أه‪َ #‬‬
‫‪#‬ز َل ِم ْن قَ ْب‪ُ #‬ل َوأَ َّن أَ ْكثَ‪َ #‬رك ْم ف ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اس‪#‬قونَ ﴾‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫تَ ْنقِ ُمونَ ِمنَّا إِاَّل أَ ْن آ َمنَّا بِاهَّلل ِ َو َما أ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َو َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬
‫[المائدة‪]59 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن نف‪##‬را من اليه‪##‬ود أت‪##‬وا إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فس‪##‬ألوه عمن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪#‬را ِهي َم‬ ‫‪#‬ز َل إِلَى إِ ْب‪َ #‬‬ ‫ي‪##‬ؤمن ب‪##‬ه من الرس‪##‬ل‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬أؤمن ﴿ بِاهَّلل ِ َو َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬
‫‪#‬ز َل إِلَ ْينَ‪##‬ا َو َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬
‫يس ‪#‬ى َو َم‪##‬ا أُوتِ َي النَّبِيُّونَ‬ ‫اط َو َما أُوتِ َي ُمو َسى‪َ #‬و ِع َ‬ ‫وب َواأْل َ ْسبَ ِ‬ ‫ق َويَ ْعقُ َ‬ ‫ْحا َ‪#‬‬
‫يل َوإِس َ‬ ‫اع َ‬‫َوإِ ْس َم ِ‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.155/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.185/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.185/‬‬
‫‪201‬‬
‫ق بَ ْينَ أَ َح ٍد ِم ْنهُ ْم َونَحْ نُ لَ‪#‬هُ ُم ْس‪#‬لِ ُمونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ،]136 :‬فلم‪##‬ا ذك‪##‬ر عيس‪##‬ى‬ ‫ِم ْن َربِّ ِه ْم اَل نُفَرِّ ُ‬
‫جحدوا نبوته وقالوا‪ :‬وهللا ما نعلم أه‪##‬ل دين أق‪##‬ل حظ‪##‬ا في ال‪##‬دنيا واآلخ‪##‬رة منكم‪ ،‬وال‬
‫دينا شرا من دينكم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان لس‪##‬بب الحق‪##‬د على اإلس‪##‬الم وه‪##‬و اش‪##‬تماله على ك‪##‬ل‬
‫حسنات األدي‪##‬ان‪ ،‬ودعوت‪##‬ه إلى اإليم‪##‬ان به‪##‬ا وبأنبيائه‪#‬ا‪ #‬جميع‪##‬ا‪ ،‬وأن‪##‬ه المهيمن عليه‪##‬ا‬
‫المصحح لها‪.‬‬
‫اس َع‪ #‬دَا َوةً‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬لَت َِجد ََّن أ َش ‪َّ #‬د النَّ ِ‬
‫‪#‬و َّدةً لِلَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا الَّ ِذينَ قَ‪##‬الوا إِنَّا‬
‫ُ‬ ‫لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا ْاليَهُو َد َوالَّ ِذينَ أَ ْش َر ُكوا َولَتَ ِج‪ #‬د ََّن أَ ْق‪َ #‬ربَهُ ْم َم‪َ #‬‬
‫ُ‬ ‫ِّيس‪#‬ينَ َو ُر ْهبَانً‪#‬ا‪َ #‬وأَنَّهُ ْم اَل يَ ْس‪#‬تَ ْكبِر َ‪#‬‬ ‫ك بِأ َ َّن ِم ْنهُ ْم قِس ِ‬
‫‪#‬ز َل‬ ‫ُون َوإِ َذا َس‪ِ #‬معُوا َم‪#‬ا أ ْن ِ‬ ‫ارى‪َ #‬ذلِ َ‬ ‫َص َ‬‫ن َ‬
‫ق يَقُولُ‪#‬ونَ َربَّنَ‪#‬ا آ َمنَّا‬ ‫ْ‬
‫ُول تَ‪َ #‬رى أ ْعيُنَهُ ْم تَفِيضُ ِمنَ ال‪َّ #‬د ْم ِع ِم َّما ع ََرفُ‪##‬وا ِمنَ ال َح‪ِّ #‬‬ ‫َ‬ ‫إِلَى ال َّرس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق َونَط َم ُ‪#‬ع أ ْن يُ ْد ِخلَنَا َربُّنَا‬ ‫ْ‬
‫فَا ْكتُ ْبنَا‪َ #‬م َع ال َّشا ِه ِدينَ َو َما لَنَا اَل نُ ْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو َما َجا َءنَا ِمنَ ال َح ِّ‬
‫ت تَجْ ِري ِم ْن تَحْ تِهَا اأْل َ ْنهَا ُر خَالِ ِدينَ فِيهَ‪##‬ا‬ ‫َم َع ْالقَوْ ِم الصَّالِ ِحينَ فَأَثَابَهُ ُم هَّللا ُ بِ َما قَالُوا َجنَّا ٍ‬
‫يم﴾ [المائدة‪82 :‬‬ ‫ُ‬
‫ك َجزَ ا ُء ْال ُمحْ ِسنِينَ َوالَّ ِذينَ َكفَرُوا َو َك َّذبُوا‪ #‬بِآيَاتِنَا أولَئِكَ أَصْ َحابُ ْال َج ِح ِ‬ ‫َو َذلِ َ‬
‫ـ ‪]86‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في النجاش‪##‬ي وأص‪##‬حابه‪ ،‬ق‪##‬ال ابن عب‪##‬اس‪ :‬ك‪##‬ان‬
‫رسول هللا ‪ ‬وهو بمكة يخاف على أص‪##‬حابه من المش‪##‬ركين‪ ،‬فبعث جعف‪##‬ر بن أبي‬
‫طالب وابن مسعود في ره‪##‬ط من أص‪##‬حابه إلى النجاش‪##‬ي وق‪##‬ال‪ :‬إن‪#‬ه مل‪##‬ك ص‪##‬الح ال‬
‫يظلم وال يظلم عنده أحد‪ ،‬فاخرجوا إليه حتى يجعل هللا للمسلمين فرج‪##‬ا‪ ،‬فلم‪##‬ا وردوا‪#‬‬
‫عليه أكرمهم وقال لهم‪ :‬تعرف‪##‬ون ش‪#‬يئا مم‪#‬ا أن‪#‬زل عليكم؟ ق‪#‬الوا‪ :‬نعم‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬اق‪#‬رؤوا؛‬
‫فقرؤوا‪ #‬وحوله القسيسون والرهبان‪ ،‬فكلما قرؤوا‪ #‬آية انحدرت دم‪##‬وعهم مم‪##‬ا عرف‪##‬وا‬
‫من الحق(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للمس‪##‬لمين إلى الح‪##‬ذر من أع‪##‬دائهم‪ ،‬وفي نفس ال‪##‬وقت‬
‫دعوتهم إلى التحري عن رؤوسهم‪ ،‬وعدم تعميم أحكامهم‪ #‬على الجميع‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫﴿و َما قَ‪َ #‬درُوا‪َ َ #‬ح‪ #‬ق ق‪#‬د ِر ِه‬
‫َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وس‪#‬ى‬ ‫‪#‬اب ال ِذي َج‪ #‬ا َء بِ‪ِ #‬ه ُم َ‬ ‫َّ‬ ‫إِ ْذ قَالُوا َما أَ ْن َز َل هَّللا ُ َعلَى بَ َش ٍر ِم ْن َش ْي ٍء قُ‪##‬لْ َم ْن أَ ْن‪َ #‬ز َل ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫يس تُ ْب‪#‬دُونَهَا‪َ #‬وتُ ْخفُ‪##‬ونَ َكثِ‪##‬يرًا َو ُعلِّ ْمتُ ْم َم‪##‬ا لَ ْم تَ ْعلَ ُم‪##‬وا‬ ‫اس تَجْ َعلُونَهُ قَ‪َ #‬را ِط َ‬ ‫نُورًا َوهُدًى لِلنَّ ِ‬
‫ض ِه ْم يَ ْل َعبُونَ ﴾ [األنعام‪]91 :‬؟‬ ‫أَ ْنتُ ْم َواَل آبَا ُؤ ُك ْم قُ ِل هَّللا ُ ثُ َّم َذرْ هُ ْم فِي َخوْ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في اليهود حين قالوا لرس‪##‬ول هللا ‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د‪،‬‬
‫أنزل هللا عليك كتابا؟ قال‪( :‬نعم) قالوا‪ :‬وهللا ما أنزل هللا من الس‪##‬ماء كتاب‪##‬ا ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى اآلية‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن محمد بن كعب القرظي قال‪ :‬أمر هللا محمدا ‪‬‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.200/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.201/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.218/‬‬
‫‪202‬‬
‫أن يسأل أه‪##‬ل الكت‪##‬اب عن أم‪##‬ره وكي‪##‬ف يجدون‪##‬ه في كتبهم‪ ،‬فحملهم‪ #‬حس‪##‬د محم‪##‬د أن‬
‫كفروا بكتاب هللا ورسوله‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما أنزل هللا على بشر من شيء‪ ،‬فأنزل هللا تعالى‬
‫هذه اآلية‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن رجال من اليه‪##‬ود يق‪##‬ال ل‪##‬ه مال‪##‬ك بن الص‪##‬يف‪،‬‬
‫خاصم النبي ‪ ‬فقال له النبي ‪( :‬أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تج‪##‬د‬
‫في التوراة أن هللا يبغض الحبر السمين؟)‪ ،‬وكان حبرا سمينا‪ ،‬فغضب وقال‪ :‬وهللا ما‬
‫أن‪##‬زل هللا على بش‪##‬ر من ش‪##‬يء‪ ،‬فق‪##‬ال ل‪##‬ه أص‪##‬حابه ال‪##‬ذين مع‪##‬ه‪ :‬ويح‪##‬ك‪ ،‬وال على‬
‫موسى؟! فقال‪ :‬وهللا ما أنزل هللا على بشر من شيء‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وهي تشير إلى أن منكر النبوات‪ ،‬واآلي‪##‬ات المرتبط‪##‬ة به‪##‬ا‪ ،‬منك‪##‬ر‬
‫لقدرة هللا المطلقة التي ال يعجزها شيء‪ ،‬وعنايته التي شملت كل ش‪##‬يء‪ ،‬وأن‪##‬ه ب‪##‬ذلك‬
‫لم يقدر هللا حق قدره‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِ َّن‬
‫اس بِ ْالبَ ِ‬ ‫ْ‬
‫يل هَّللا ِ‬ ‫ص‪ُّ #‬دونَ ع َْن َس‪#‬بِ ِ‬ ‫اط‪ِ #‬ل َويَ ُ‬ ‫ار َوالرُّ ْهبَا ِن لَيَأ ُكلُونَ أَ ْم‪َ #‬وا َل النَّ ِ‬ ‫َكثِيرًا ِمنَ اأْل َحْ بَ ِ‬
‫يم﴾ [التوب‪##‬ة‪:‬‬ ‫ب أَلِ ٍ‬ ‫يل هَّللا ِ فَبَ ِّشرْ هُْ‪#‬م بِ َع َذا ٍ‬
‫ضةَ َواَل يُ ْنفِقُونَهَا فِي َسبِ ِ‬ ‫َب َو ْالفِ َّ‬ ‫الذه َ‬ ‫َوالَّ ِذينَ يَ ْكنِ ُزونَ َّ‬
‫‪]34‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن زي‪##‬د بن وهب ق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬ررت بالرب‪##‬ذة ف‪##‬إذا أن‪##‬ا ب‪##‬أبي ذر‬
‫فقلت له‪ :‬ما أنزلك منزلك هذا؟ قال‪ :‬كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه اآلي‪##‬ة‪:‬‬
‫ب أَلِ ٍيم﴾‬ ‫ض‪#‬ةَ َواَل يُ ْنفِقُونَهَ‪##‬ا فِي َس‪#‬بِي ِل هَّللا ِ فَبَ ِّش‪#‬رْ هُ ْم بِ َع‪َ #‬ذا ٍ‬ ‫َب َو ْالفِ َّ‬ ‫‪#‬ذه َ‬ ‫﴿ َوالَّ ِذينَ يَ ْكنِ‪ُ #‬زونَ ال‪َّ #‬‬
‫[التوبة‪]34 :‬؟ فقال معاوية‪ :‬نزلت في أهل الكتاب‪ ،‬فقلت‪ :‬نزلت فينا وفيهم‪ #،‬وكان بي‪##‬ني‬
‫وبينه كالم في ذلك‪ ،‬وكتب إلى عثمان يش‪#‬كوني‪ ،‬وكتب إلي عثم‪#‬ان أن أق‪#‬دم المدين‪##‬ة‬
‫فقدمتها‪ ،‬وكثر الناس علي حتى كأنهم لم يروني‪ #‬قبل ذلك‪ ،‬فذكرت ذلك لعثمان فقال‪:‬‬
‫إن شئت تنحيت وكنت قريبا‪ ،‬فذلك الذي أنزلني ه‪##‬ذا الم‪#‬نزل ول‪#‬وأمروا‪ #‬علي حبش‪##‬يا‬
‫لسمعت وأطعت(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير‪ #‬من الوق‪##‬وع فيم‪##‬ا وق‪##‬ع في‪##‬ه أه‪##‬ل الكت‪##‬اب من تح‪##‬ول‬
‫العلماء إلى تجار بالدين‪ ،‬وفيها تحذير من كنز األموال‪ ،‬وعدم إنفاقه‪##‬ا فيم‪##‬ا تقتض‪##‬يه‬
‫المصالح؛ فالمؤمن يج‪##‬وز‪ #‬ل‪##‬ه أن يمل‪##‬ك الم‪##‬ال‪ ،‬لكن ال يج‪##‬وز ل‪##‬ه ك‪##‬نزه أو حبس‪##‬ه أو‬
‫احتكاره‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ق‪#‬ال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬هُوال ِذي أخ‪َ #‬ر َج ال ِذينَ‬
‫‪#‬ار ِه ْ‪#‬م أِل َ َّو ِل ْال َح ْش‪ِ #‬ر َم‪#‬ا ظَنَ ْنتُ ْم أَ ْن يَ ْخ ُر ُج‪##‬وا َوظَنُّوا‪ #‬أَنَّهُ ْم‬
‫ب ِم ْن ِديَ ِ‬ ‫َكفَرُوا ِم ْن أَ ْه‪ِ #‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫ب‬ ‫ف فِي قُلُ‪##‬وبِ ِه ُم ال‪##‬رُّ ْع َ‬ ‫َمانِ َعتُهُْ‪#‬م ُحصُونُهُ ْم ِمنَ هَّللا ِ فَأَتَاهُ ُ‪#‬م هَّللا ُ ِم ْن َحي ُ‬
‫ْث لَ ْم يَحْ ت َِسبُوا َوقَ‪َ #‬ذ َ‪#‬‬
‫ار﴾ [الحشر‪]2 :‬؟‬ ‫ْص ِ‬ ‫ي ُْخ ِربُونَ بُيُوتَهُْ‪#‬م بِأ َ ْي ِدي ِه ْم َوأَ ْي ِدي ْال ُم ْؤ ِمنِينَ فَا ْعتَبِرُوا‪ #‬يَا أُولِي اأْل َب َ‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.218/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.219/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.244/‬‬
‫‪203‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪#‬ا ن‪#‬زلت في ب‪#‬ني النض‪#‬ير‪ ،‬وذل‪#‬ك أن الن‪#‬بي ‪ ‬لم‪#‬ا ق‪#‬دم‬
‫المدينة صالحه بنو النضير على أن ال يقاتلوه وال يقاتلوا معه‪ ،‬وقبل رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫وذلك منهم‪ ،‬فلما غزا رسول هللا ‪ ‬بدرا وظهر‪ #‬على المشركين قالت بنو النضير‪:‬‬
‫وهللا إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوارة ال ت‪##‬رد ل‪##‬ه راي‪##‬ة‪ ،‬فلم‪##‬ا غ‪##‬زا أح‪##‬دا وه‪##‬زم‪#‬‬
‫المسلمون نقضوا العه‪##‬د وأظه‪##‬روا‪ #‬الع‪##‬داوة لرس‪##‬ول هللا ‪ ‬والمؤم‪##‬نين‪ ،‬فحاص‪##‬رهم‬
‫رسول هللا ‪ ‬ثم صالحهم عن الجالء من المدينة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود‪ :‬إنكم‬
‫أهل الحلقة والحصون‪ ،‬وإنكم لتق‪##‬اتلن ص‪##‬احبنا أولنفعلن ك‪##‬ذا‪ ،‬وال يح‪##‬ول بينن‪##‬ا وبين‬
‫خدم نسائكم ـ وهي الخالخل ـ ش‪##‬يء‪ ،‬فلم‪##‬ا بل‪##‬غ كت‪##‬ابهم اليه‪##‬ود أجمعت بن‪##‬و النض‪##‬ير‬
‫على الغ‪##‬در‪ ،‬وأرس‪##‬لوا إلى الن‪##‬بي ‪ ‬أن اخ‪##‬رج إلين‪##‬ا في ثالثين رجال من أص‪##‬حابك‬
‫وليخرج منا ثالثون حبرا حتى نلتقي بمكان نصف‪ #‬بيننا وبين‪##‬ك ليس‪##‬معوا من‪##‬ك‪ ،‬ف‪##‬إن‬
‫صدقوك وآمنوا‪ #‬بك آمن‪#‬ا ب‪#‬ك كلن‪#‬ا‪ ،‬فخ‪#‬رج الن‪#‬بي ‪ ‬في ثالثين رجال من أص‪#‬حابه‪،‬‬
‫وخ‪##‬رح إلي‪##‬ه ثالث‪##‬ون ح‪##‬برا من اليه‪##‬ود‪ ،‬ح‪##‬تى إذا ب‪##‬رزوا‪ #‬في ب‪##‬راز من األرض ق‪##‬ال‬
‫بعض اليه‪##‬ود لبعض‪ :‬كي‪##‬ف تخلص‪##‬ون إلي‪##‬ه ومع‪##‬ه ثالث‪##‬ون رجال من أص‪##‬حابه كلهم‬
‫يحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا‪ #‬إلي‪#‬ه كي‪#‬ف نفهم ونحن س‪#‬تون رجال؟ اخ‪#‬رج في ثالث‪#‬ة‬
‫من أصحابك ونخرج إليك ثالثة من علمائنا إن آمنوا ب‪##‬ك آمن‪##‬ا ب‪##‬ك كلن‪##‬ا وص‪##‬دقناك‪،‬‬
‫فخ‪##‬رح الن‪##‬بي ‪ ‬في ثالث‪##‬ة من أص‪##‬حابه وخ‪##‬رج ثالث‪##‬ة من اليه‪##‬ود واش‪##‬تملوا‪ #‬على‬
‫الخناجر وأرادوا الفتك برسول هللا ‪ ‬فأرسلت‪ #‬امرأة ناص‪##‬حة من ب‪##‬ني النض‪##‬ير إلى‬
‫أخيها وهورجل مسلم من األنص‪##‬ار فأخبرت‪##‬ه خ‪##‬بر م‪##‬ا أراد بن‪##‬و النض‪##‬ير من الغ‪##‬در‬
‫برسول‪ #‬هللا ‪ ‬فأقبل أخوه‪##‬ا س‪##‬ريعا ح‪##‬تى أدرك الن‪##‬بي ‪ ‬فس‪##‬اره بخ‪##‬برهم‪ ،‬فرج‪##‬ع‬
‫النبي ‪‬؛ فلما كان من الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حتى نزل‪##‬وا على‬
‫الجالء على أن لهم ما أقلت اإلبل إال الحلقة وهي الس‪##‬الح‪ ،‬وك‪##‬انوا يخرب‪##‬ون بي‪##‬وتهم‪#‬‬
‫فيأخذون ما وافقهم من خشبها‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآليات(‪.)1‬‬
‫ق‪#‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير من الخيان‪#‬ة‪ ،‬وتبش‪##‬ير للمؤم‪##‬نين بنص‪#‬ر هللا تع‪##‬الى‪،‬‬
‫وبيان بأن قدرة هللا تعالى ال يحدها شيء‪.‬‬
‫أسباب النزول والمنافقون‪:‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬بعد انتهائنا من أه‪##‬ل الكت‪##‬اب‪ ..‬سأس‪##‬ألكم اآلن عن المن‪##‬افقين‪ ..‬فمن‬
‫يذكر لي منكم سبب نزول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا لَقُ‪#‬وا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا قَ‪#‬الُوا آ َمنَّا َوإِ َذا َخلَ‪#‬وْ ا‬
‫اطينِ ِه ْ‪#‬م قَالُوا إِنَّا َم َع ُك ْم إِنَّ َما نَحْ نُ ُم ْستَه ِْزئُونَ ﴾ [البقرة‪]14 :‬؟‬
‫إِلَى َشيَ ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في عب‪##‬د هللا بن أبي وأص‪##‬حابه‪ ،‬وذل‪##‬ك أنهم‬
‫خرجوا‪ #‬ذات يوم فاستقبلهم نف ٌر من أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪‬؛ ف‪##‬راح يث‪##‬ني عليهم‪ ،‬ثم‬
‫قال عب‪#‬د هللا ألص‪##‬حابه‪ :‬كي‪##‬ف رأيتم‪#‬وني فعلت؟ ف‪#‬إذا رأيتم‪#‬وهم ف‪##‬افعلوا‪ #‬كم‪#‬ا فعلت‪،‬‬
‫فأثنوا‪ #‬عليه خيرا‪ ،‬فرجع‪ #‬المسلمون إلى رسول هللا ‪ ‬وأخبروه بذلك‪ ،‬فأنزل هللا هذه‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.416/‬‬
‫‪204‬‬
‫اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير‪ #‬من ه‪##‬ذه الخص‪##‬لة واعتباره‪##‬ا من عالم‪##‬ات النف‪##‬اق؛‬
‫فالصادق صادق‪ #‬مع الجميع‪ ،‬وال يعبر إال عن الحقيقة التي يؤمن به‪##‬ا‪ ،‬والمن‪##‬افق م‪##‬ا‬
‫خالف ظاهره باطنه‪ ،‬وهو أعم من أن ينحصر في ابن أبي وأصحابه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬اَل تَحْ َسبَ َّن ال ِذينَ يَف َرحُ‪##‬ونَ‬
‫ب َولَهُ ْم‬ ‫ُّون أَ ْن يُحْ َم‪ #‬دُوا بِ َم‪##‬ا لَ ْم يَ ْف َعلُ‪##‬وا فَاَل تَحْ َس ‪#‬بَنَّهُْ‪#‬م بِ َمفَ‪##‬ا َز ٍة ِمنَ ْال َع‪َ #‬ذا ِ‬
‫بِ َم‪##‬ا أَتَ‪##‬وْ ا َوي ُِحب َ‪#‬‬
‫َع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [آل عمران‪]188 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في رجال من المنافقين على عهد رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫كان إذا خرج رسول هللا ‪ ‬إلى الغزوتخلفوا عن‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬إذا ق‪##‬دم اعت‪##‬ذروا إلي‪##‬ه وحلف‪##‬وا‬
‫وأحبوا‪ #‬أن يحمدوا بما لم يفعلوا‪ ،‬فنزلت اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من هذه الصفات‪ ،‬واعتباره‪##‬ا من ص‪##‬فات المن‪##‬افقين‪،‬‬
‫أم‪##‬ا المؤمن‪##‬ون فهم لعب‪##‬وديتهم هلل تع‪##‬الى متواض‪##‬عون‪ ،‬يس‪##‬تغفرون هللا تع‪##‬الى من‬
‫التقصير في كل أحوالهم‪.‬‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ َم‪##‬ا لَ ُك ْم فِي ْال ُمنَ‪##‬افِقِينَ‬
‫ُض ‪#‬لِ ِل هَّللا ُ فَلَ ْن‬
‫ض ‪َّ #‬ل هَّللا ُ َو َم ْن ي ْ‬‫فِئَتَ ْي ِن َوهَّللا ُ أَرْ َك َسهُْ‪#‬م بِ َما َك َسبُوا أَتُ ِري ‪ُ #‬دونَ أَ ْن تَ ْه‪#‬دُوا َم ْن أَ َ‬
‫تَ ِج َد لَهُ َسبِياًل ﴾ [النساء‪]88 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أن قوم ‪#‬ا‪ #‬خرج‪##‬وا م‪##‬ع رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إلى أح‪##‬د فرجع‪##‬وا‪،‬‬
‫فاختلف‪ #‬فيهم المسلمون‪ ،‬فق‪##‬الت فرق‪##‬ة‪ :‬نقتلهم‪ ،‬وق‪##‬الت فرق‪##‬ة‪ :‬ال نقتلهم‪ ،‬ف‪##‬نزلت ه‪##‬ذه‬
‫اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن قوم‪#‬ا‪ #‬من الع‪##‬رب أت‪##‬وا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فأس‪##‬لموا‬
‫وأصابوا وب‪##‬اء المدين‪##‬ة وحماه‪##‬ا فأركس‪##‬وا‪ ،‬فخرج‪##‬وا‪ #‬من المدين‪##‬ة فاس‪##‬تقبلهم نف‪##‬ر من‬
‫أص‪###‬حاب رس‪###‬ول هللا ‪ ‬فق‪###‬الوا‪ :‬م‪###‬ا لكم رجعتم؟‪ #‬فق‪###‬الوا‪ :‬أص‪###‬ابنا‪ #‬وب‪###‬اء المدين‪###‬ة‬
‫فاجتويناها‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما لكم في رسول هللا أسوة حس‪##‬نة؟ فق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪ :‬ن‪##‬افقوا‪ ،‬وق‪##‬ال‬
‫بعضهم‪ #:‬لم ينافقوا هم مسلمون‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها توجيه للمؤمنين باالعتن‪##‬اء بإص‪##‬الح نفس‪##‬هم‪ ،‬وت‪##‬رك ش‪##‬ؤون‬
‫غيرهم هلل تعالى بعد أن يؤدوا واجباتهم نحوهم بالنصيحة والدعوة؛ فالهداية من هللا‪،‬‬
‫وبقابلية المهتدين‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫﴿و ِمنهُ ْم َمن يَق‪##‬و ُل ائ‪#‬ذن لِي‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َواَل تَ ْفتِنِّي أَاَل فِي ْالفِ ْتنَ ِة َسقَطُوا َوإِ َّن َجهَنَّ َم لَ ُم ِحيطَةٌ بِ ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [التوبة‪]49 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في جد بن قيس المنافق‪ ،‬وذلك أن رسول‪ #‬هللا ‪‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.22/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.135/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.167/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.167/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪205‬‬
‫لما تجهز لغزوة تبوك قال‪ :‬يا رسول هللا لقد عرف قومي أني رج‪#‬ل مغ‪#‬رم بالنس‪#‬اء‪،‬‬
‫وإني أخشى إن رأيت بنات بني األصفر أن ال أصبر عنهم فال تفت‪##‬ني بهم وائ‪##‬ذن لي‬
‫في القعود عنك وأعينك بمالي‪ ،‬فأعرض عنه النبي ‪ ‬وقال‪( :‬قد أذنت لك)‪ ،‬ف‪##‬أنزل‬
‫هللا هذه اآلية‪ ،‬فلما نزلت هذه اآلية قال رسول هللا ‪ ‬لبني سلمة ـ وك‪##‬ان الج‪##‬د منهم‬
‫ـ‪( :‬من سيدكم يا بني سلمة؟) قالوا‪ :‬الجد بن قيس غير أن‪#‬ه بخي‪#‬ل جب‪#‬ان‪ ،‬فق‪#‬ال الن‪#‬بي‬
‫‪( :‬وأي داء أدوى من البخل‪ ،‬بل سيدكم‪ #‬األبيض الفتى الجعد‪ :‬بش‪##‬ر بن ال‪##‬براء بن‬
‫معرور) (‪)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها توبيخ شديد للذين يلتمسون ألنفسهم األعذار ح‪##‬تى ال ي‪##‬ؤدوا‪#‬‬
‫ما وجب عليهم؛ فرب عذر أقبح من ذنب‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و ِم ْنهُ ْم َم ْن يَل ِم‪ُ #‬زكَ فِي‬
‫ت فَإِ ْن أُ ْعطُوا ِم ْنهَا َرضُوا َوإِ ْن لَ ْم يُ ْعطَوْ ا ِم ْنهَا إِ َذا هُ ْم يَسْخَ طُونَ ﴾ [التوبة‪]58 :‬؟‬ ‫ص َدقَا ِ‪#‬‬
‫ال َّ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما كان رسول‪ #‬هللا ‪ ‬يقسم قسما إذ جاءه ابن‬
‫ذي الخويصرة التميمي ـ وهوحرقوص بن زهير أصل الخوارج ـ فقال‪ :‬اع‪##‬دل فين‪##‬ا‬
‫يا رسول هللا‪ ،‬فقال‪( :‬ويلك‪ ،‬ومن يعدل إذا لم أعدل؟)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها ن‪##‬زلت في المؤلف‪##‬ة قل‪##‬وبهم وهم المن‪##‬افقون‪ ،‬ق‪##‬ال‬
‫رجل منهم يقال له أبوالجواظ‪ #‬للنبي ‪ ‬لم تقسم بالسوية‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪#‬ا‪ #‬تح‪##‬ذير‪ #‬من ال‪##‬ذين يتع‪##‬املون م‪##‬ع الغ‪##‬ير بحس‪##‬ب م‪##‬ا تقض‪##‬يه‬
‫مصالحهم‪ ،‬ال ما تقتضيه العدالة والحقيقة‪.‬‬
‫﴿و ِم ْنهُ ُم الَّ ِذينَ ي ُْؤ ُذونَ النَّبِ َّ‬
‫ي‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ َو َرحْ َم‪ #‬ةٌ لِلَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا‬‫َويَقُولُونَ هُوأُ ُذ ٌن قُلْ أُ ُذنُ َخي ٍْر لَ ُك ْم يُ‪#ْ #‬ؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َويُ‪#ْ #‬ؤ ِمنُ لِ ْل ُم‪ْ #‬‬
‫ِم ْن ُك ْم َوالَّ ِذينَ ي ُْؤ ُذونَ َرسُو َل هَّللا ِ لَهُ ْم َع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [التوبة‪]61 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في جماعة من المن‪##‬افقين ك‪##‬انوا ي‪##‬ؤذون الرس‪##‬ول‬
‫‪ ‬ويقولون فيه ما ال ينبغي‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬ال تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه م‪##‬ا تقول‪##‬ون‬
‫فيقع بنا‪ :‬فقال الجالس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا‪ #‬بما نقول‪ ،‬فإنما محمد‬
‫أذن سامعة‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في رج‪#‬ل من المن‪#‬افقين يق‪#‬ال ل‪#‬ه نبت‪#‬ل بن‬
‫الحارث‪ ،‬وكان رجال أدلم أحمر العينين أسفع الخدين مش‪##‬وه الخلق‪##‬ة‪ ،‬وهوال‪##‬ذي ق‪##‬ال‬
‫فيه النبي ‪( :‬من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الح‪##‬ارث)‪ ،‬وك‪##‬ان ينم‬
‫حديث النبي ‪ ‬إلى المنافقين‪ ،‬فقيل له‪ :‬ال تفع‪##‬ل‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬إنم‪##‬ا محم‪##‬د أذن‪ ،‬من حدث‪##‬ه‬
‫ش‪##‬يئا ص‪#‬دقه‪ ،‬نق‪##‬ول م‪##‬ا ش‪##‬ئنا‪ ،‬ثم نأتي‪#‬ه فنحل‪##‬ف ل‪#‬ه فيص‪##‬دقنا‪ #،‬ف‪#‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪#‬ذه‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.247/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.248/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.248/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.248/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪206‬‬
‫اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه اجتمع ن‪##‬اس من المن‪##‬افقين فيهم جالس بن س‪##‬ويد‬
‫بن الص‪##‬امت ووديع‪##‬ة بن ث‪##‬ابت ف‪##‬أرادوا‪ #‬أن يقع‪##‬وا في الن‪##‬بي ‪ ‬وعن‪##‬دهم غالم من‬
‫األنص‪##‬ار ي‪##‬دعى‪ :‬ع‪#‬امر بن قيس فحق‪##‬روه‪ ،‬فتكلم‪##‬وا وق‪##‬الوا‪ :‬وهللا لئن ك‪#‬ان م‪#‬ا يق‪#‬ول‬
‫محمد حقا لنحن شر من الحمير‪ ،‬فغضب الغالم وقال‪ :‬وهللا إن م‪#‬ا يق‪#‬ول محم‪##‬د ح‪#‬ق‬
‫وإنكم لشر من الحمير‪ ،‬ثم أتى النبي ‪ ‬فأخبره‪ ،‬فدعاهم فسألهم‪ ،‬فحلف‪##‬وا أن ع‪##‬امرا‬
‫كاذب وحلف عامر أنهم كذبة‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم ال تفرق بيننا حتى ت‪##‬بين ص‪##‬دق الص‪##‬ادق‬
‫ض‪#‬و ُك ْم َوهَّللا ُ‬ ‫من كذب الكاذب‪ ،‬فنزلت فيهم اآلية‪ ،‬ونزل قول‪##‬ه‪﴿ :‬يَحْ لِفُ‪##‬ونَ بِاهَّلل ِ لَ ُك ْم لِيُرْ ُ‬
‫ق أَ ْن يُرْ ضُوه ُ إِ ْن َكانُوا ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [التوبة‪]62 :‬؟(‪)2‬‬ ‫َو َرسُولُهُ أَ َح ُّ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا إش‪##‬ارة إلى األذى العظيم ال‪##‬ذي ك‪##‬ان يعاني‪##‬ه رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫ومن كل أصناف الناس‪ ..‬وفيها‪ #‬إش‪##‬ارة إلى خل‪##‬ق من أخالق‪##‬ه العظيم‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬و حس‪##‬ن‬
‫ظنه بكل من يحدثه‪ ،‬ما دام ذلك ال يتعلق به أي ضرر‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَحْ َذ ُر ْال ُمنَافِقُونَ أَ ْن تُنَ‪َّ ##‬ز َل‬
‫ج َم‪##‬ا تَحْ ‪َ #‬ذرُونَ ﴾ [التوب‪##‬ة‪:‬‬ ‫اس‪#‬تَه ِْزئُوا إِ َّن هَّللا َ ُم ْخ‪ِ #‬ر ٌ‬
‫ُورةٌ تُنَبِّئُهُ ْم بِ َما فِي قُلُوبِ ِه ْم قُ ِل ْ‬
‫َعلَ ْي ِه ْم س َ‬
‫‪]64‬؟‬
‫قال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت عن‪##‬دما ق‪##‬ال بعض المن‪##‬افقين‪ :‬وهللا ل‪##‬وددت أني‬
‫ق‪##‬دمت فجل‪#‬دت مائ‪#‬ة وال ي‪#‬نزل فين‪##‬ا ش‪#‬يء يفض‪##‬حنا‪ ،‬ف‪#‬أنزل هللا ه‪##‬ذه اآلي‪#‬ة‪ ..‬وك‪#‬انوا‪#‬‬
‫يقولون القول بينهم ثم يقولون‪ :‬عسى هللا أن ال يفشي علينا سرنا(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إشارة إلى دور من أدوار القرآن الك‪##‬ريم وه‪##‬و تب‪##‬يين أن‪##‬واع‬
‫االنح‪##‬راف‪ #‬وعالماته‪##‬ا وأس‪##‬بابها ليح‪##‬ذر المؤمن‪##‬ون من الوق‪##‬وع‪ #‬فيه‪##‬ا‪ ..‬فالنف‪##‬اق ليس‬
‫محصورا في عصر النبوة‪.‬‬
‫﴿ولَئِ ْن َس‪#‬أ َ ْلتَهُ ْم لَيَقُ‪##‬ولُ َّن إِنَّ َم‪##‬ا‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُكنَّا نَ ُخوضُ َون َْل َعبُ قُلْ أَبِاهَّلل ِ َوآيَاتِ ِه َو َرسُولِ ِه ُك ْنتُ ْم تَ ْستَه ِْزئُونَ ﴾ [التوبة‪]65 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت بينما ك‪##‬ان رس‪##‬ول هللا ‪ ‬في غ‪##‬زوة تب‪##‬وك وبين‬
‫يديه ناس من المنافقين إذ قالوا‪ :‬يرجوهذا‪ #‬الرجل أن يفتح قصور الش‪##‬ام وحص‪##‬ونها‪،‬‬
‫هيه‪##‬ات ل‪##‬ه ذل‪##‬ك‪ ،‬ف‪##‬أطلع هللا نبي‪##‬ه ‪ ‬على ذل‪##‬ك‪ ،‬فق‪##‬ال ن‪##‬بي هللا ‪( :‬احبس‪##‬وا علي‬
‫الركب) فأتاهم‪ #‬فقال‪( :‬قلتم كذا وكذا؟) فقالوا‪ :‬يا رسول‪ #‬هللا إنما كنا نخ‪##‬وض ونلعب‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)4‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬ومثل‪#‬ه م‪#‬ا روي أن رجال من المن‪#‬افقين ق‪#‬ال في غ‪#‬زوة تب‪##‬وك‪ :‬م‪#‬ا‬
‫رأيت مثل قرائنا هؤالء أرغب بطونا وال أك‪##‬ذب ألس‪##‬نا وال أجبن عن‪##‬د اللق‪##‬اء‪ ،‬يع‪##‬ني‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.248/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.249/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.249/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.249/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪207‬‬
‫رسول هللا ‪ ‬وأصحابه‪ ،‬فقال عوف بن مالك‪ :‬كذبت ولكنك منافق‪ #‬ألخبرن رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪ ،‬فذهب عوف ليخبره‪ ،‬فوجد‪ #‬القرآن قد سبقه‪ ،‬فج‪##‬اء ذل‪##‬ك الرج‪##‬ل إلى رس‪##‬ول‬
‫‪ ‬وقد‪ #‬ارتحل وركب ناقته‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا إنم‪##‬ا كن‪##‬ا نخ‪##‬وض ونلعب ونتح‪##‬دث‬
‫بحديث الركب نقطع به عنا الطريق‪.)1(#‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله م‪##‬ا روي أن عب‪##‬د هللا بن أبي س‪##‬ار ق‪##‬دام الن‪##‬بي ‪ ‬والحج‪##‬ارة‬
‫تنكبه وهو يقول‪ :‬يا رس‪##‬ول هللا إنم‪##‬ا كن‪##‬ا نخ‪##‬وض ونلعب‪ ،‬والن‪##‬بي ‪ ‬يق‪##‬ول‪ ﴿ :‬أَبِاهَّلل ِ‬
‫َوآيَاتِ ِه َو َرسُولِ ِه ُك ْنتُ ْم تَ ْستَه ِْزئُونَ ﴾ [التوبة‪]65 :‬؟(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا إش‪##‬ارة إلى خل‪##‬ق من أخالق المن‪##‬افقين وه‪##‬و الس‪##‬خرية‬
‫واالستهزاء وسوء األدب مع هللا ورسوله‪ ..‬بل مع الجميع‪.‬‬
‫هَّلل‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَحْ لِفُونَ بِا ِ َما قَالُوا َولَقَ‪ْ #‬د‬
‫قَالُوا َكلِ َمةَ ْال ُك ْف ِر َو َكفَرُوا بَ ْع َد إِ ْساَل ِم ِه ْم َوهَ ُّموا بِ َما لَ ْم يَنَ‪##‬الُوا َو َم‪##‬ا نَقَ ُم‪##‬وا إِاَّل أَ ْن أَ ْغنَ‪##‬اهُ ُم‬
‫ك خَ ْيرًا لَهُ ْم َوإِ ْن يَت ََولَّوْ ا‪ #‬يُ َع ِّذ ْبهُ ُم هَّللا ُ َع َذابًا أَلِي ًم‪##‬ا فِي‬
‫هَّللا ُ َو َرسُولُهُ ِم ْن فَضْ لِ ِه فَإِ ْن يَتُوبُوا‪ #‬يَ ُ‬
‫ير﴾ [التوبة‪]74 :‬؟‬ ‫َص ٍ‬ ‫ض ِم ْن َولِ ٍّي َواَل ن ِ‬ ‫ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِة َو َما لَهُ ْم فِي اأْل َرْ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في الذين هموا أن يدفعوا‪ #‬النبي ‪ ‬ليلة‬
‫العقبة وك‪##‬انوا قوم‪#‬ا‪ #‬ق‪##‬د أجمع‪##‬وا على أن يقتل‪##‬وا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وهم مع‪##‬ه‪ ،‬يلتمس‪##‬ون‬
‫غرته حتى أخذ في عقبة‪ ،‬فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم‪ #‬وذلك كان ليال قالوا‪ :‬إذا أخذ‬
‫في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي‪ ،‬وكان قائ‪#‬ده في تل‪#‬ك الليل‪#‬ة عم‪#‬ار بن ياس‪#‬ر‬
‫وسائقه حذيفة فسمع حذيفة وقع أخفاف اإلب‪##‬ل‪ ،‬ف‪##‬التفت ف‪##‬إذا هوبق‪##‬وم متلثمين‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫إليكم إليكم يا أعداء هللا؛ فأمسكوا‪ ،‬ومض‪#‬ى‪ #‬الن‪##‬بي ‪ ‬ح‪##‬تى ن‪##‬زل منزل‪##‬ه ال‪##‬ذي أراد‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت حين خرج المن‪##‬افقون م‪##‬ع رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫إلى تبوك‪ ،‬وكانوا‪ #‬إذا خال بعضهم ببعض سبوا رسول هللا ‪ ‬وأصحابه وطعنوا‪ #‬في‬
‫الدين‪ ،‬فنق‪##‬ل م‪##‬ا ق‪##‬الوا حذيف‪##‬ة إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬ال لهم رس‪##‬ول هللا ‪( :‬ي‪##‬ا أه‪##‬ل‬
‫النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم)؟ فحلف‪##‬وا م‪##‬ا ق‪##‬الوا ش‪##‬يئا من ذل‪##‬ك‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية إكذابا لهم(‪.)4‬‬
‫ق‪###‬ال آخ‪###‬ر‪ :‬ومثل‪###‬ه م‪###‬ا روي أن رجلين اقتتال‪ ،‬رجال من جهين‪###‬ة ورجال من‬
‫غفار‪ ،‬فظهر الغفاري على الجهيني‪ ،‬فنادى عبد هللا بن أبي‪ :‬يا بني األوس انص‪##‬روا‬
‫أخاكم‪ ،‬فوهللا ما مثلنا ومثل محمد إال كما ق‪##‬ال القائ‪##‬ل‪ :‬س‪##‬من كلب‪##‬ك يأكل‪##‬ك‪ ،‬فوهللا لئن‬
‫رجعنا إلى المدينة ليخرجن األعز منها األذل‪ ،‬فسمع بها رجل من المس‪##‬لمين‪ ،‬فج‪##‬اء‬
‫إلى رسول هللا ‪ ‬فأخبره‪ ،‬فأرسل‪ #‬إليه‪ ،‬فجعل يحلف باهلل ما قال‪ ،‬وأن‪##‬زل هللا تع‪##‬الى‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.250/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.250/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.250/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.250/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪208‬‬
‫هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إشارة إلى خصلة من خصال المنافقين وهي المسارعة إلى‬
‫األيمان الكاذبة‪ ،‬وجحودهم للنعم وكفرهم بها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيها‪ #‬إشارة إلى استمرار‪ #‬عداوة ق‪##‬ريش لرس‪##‬ول هللا ‪ ‬بع‪##‬د فتح مك‪##‬ة‪،‬‬
‫وهمها بقتله‪ ،‬وأن الذي فعل ذلك كبارهم من الذين تولوا أمور المس‪##‬لمين‪ ،‬وس‪##‬اهموا‬
‫بعد ذلك في تشويه الدين وتحريفه‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫﴿و ِم ْنهُ ْم َم ْن عَاهَ‪َ #‬د َ لَئِ ْن‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ص َّدقَ َّن َولَنَ ُكون ََّن ِمنَ الصَّالِ ِحينَ فَلَ َّما آتَاهُ ْم ِم ْن فَضْ لِ ِه بَ ِخلوا بِ ِه َوت ََولوْ ا‬
‫آتَانَا ِم ْن فَضْ لِ ِه لَنَ َّ‬
‫ْرضُونَ فَأ َ ْعقَبَهُ ْم نِفَاقًا فِي قُلُوبِ ِه ْ‪#‬م إِلَى يَوْ ِم يَلقَوْ نَهُ بِ َما أ ْخلَفُوا َ َما َو َعدُوهُ َوبِ َما‬
‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َوهُ ْم ُمع ِ‬
‫ب﴾ [التوب‪##‬ة‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َكانُوا يَ ْك ِذبُونَ ألَ ْم يَ ْعلَ ُم‪##‬وا أ َّن َ يَ ْعلَ ُم ِس‪َّ #‬رهُ ْم َونَجْ‪َ #‬واهُ ْم َوأ َّن َ َعاَّل ُم ال ُغيُ‪##‬و ِ‬
‫‪]78-75‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ثعلبة بن ح‪##‬اطب األنص‪##‬اري أتى رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬فقال‪ :‬يا رس‪##‬ول‪ #‬هللا ادع هللا أن يرزق‪##‬ني م‪##‬اال‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪( :‬ويح‪##‬ك ي‪##‬ا‬
‫ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير ال تطيقه)‪ ،‬ثم قال مرة أخرى‪( :‬أما ترضى‪ #‬أن‬
‫تكون مثل نبي هللا‪ ،‬فوالذي‪ #‬نفس‪#‬ي بي‪#‬ده لوش‪#‬ئت أن تس‪##‬يل معي الجب‪##‬ال فض‪##‬ة وذهب‪##‬ا‬
‫لسالت) فقال‪ :‬والذي‪ #‬بعثك بالحق نبيا لئن دعوت هللا أن يرزقني ماال ألوتين كل ذي‬
‫ح‪##‬ق حق‪#‬ه‪ ،‬فق‪#‬ال رس‪#‬ول هللا ‪( :‬اللهم ارزق‪ #‬ثعلب‪#‬ة م‪##‬اال)‪ ،‬فاتخ‪##‬ذ غنم‪#‬ا فنمت كم‪##‬ا‬
‫ينموالدود‪ ،‬فضاقت عليه المدينة فتنحى عنه‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬نزل وادي‪##‬ا من أوديته‪##‬ا ح‪##‬تى جع‪##‬ل‬
‫يصلي الظهر والعصر‪ #‬في جماعة ويترك‪ #‬ما س‪##‬واهما‪ ،‬ثم نمت وك‪##‬ثرت ح‪##‬تى ت‪##‬رك‬
‫الصالة إلى الجمعة‪ ،‬وهي تنموكما‪ #‬ينموالدود‪ #‬حتى ت‪##‬رك الجمع‪##‬ة‪ ،‬فس‪##‬أل رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬فقال‪( :‬ما فعل ثعلبة؟) فقالوا‪ :‬اتخذ غنما وضاقت‪ #‬عليه المدينة وأخبروه بخ‪##‬بره‪،‬‬
‫فقال‪( :‬يا ويح ثعلبة) ثالثا‪ ،‬وأنزل هللا عز وجل ف‪##‬رائض الص‪##‬دقة‪ ،‬فبعث رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬رجلين على الصدقة رجال من جهين‪##‬ة ورجال من ب‪##‬ني س‪##‬ليم‪ ،‬وكتب لهم‪##‬ا كي‪##‬ف‬
‫يأخذان الصدقة‪ ،‬وقال لهما‪ :‬مرا بثعلبة وبفالن رجل من بني سليم‪ ،‬فخذا صدقاتهما‪،‬‬
‫فخرجا‪ #‬حتى أتيا ثعلبة فسأاله الصدقة وأقرآه كتاب رسول هللا ‪ ،‬فقال‪ :‬م‪##‬ا ه‪##‬ذه إال‬
‫جزية‪ ،‬ما هذه إال أخت الجزية‪ ،‬ما أدري ما هذا؟ انطلقا ح‪##‬تى تفرغ‪##‬ا ثم تع‪##‬ودا إلي‪،‬‬
‫فانطلقا وأخبرا‪ #‬السلمي‪ ،‬فنظر‪ #‬إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم اس‪##‬تقبلهم به‪##‬ا‪،‬‬
‫فلما رأوها قالوا‪ :‬ما يجب هذا عليك وما نريد أن نأخ‪##‬ذه من‪##‬ك‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬بلى خ‪##‬ذوه ف‪##‬إن‬
‫نفسي بذلك طيبة‪ ،‬وإنما هي إبلي‪ ،‬فأخذوها‪ #‬منه‪ ،‬فلما فرغا من صدقتها رجع‪##‬ا ح‪##‬تى‬
‫مرا بثعلبة‪ ،‬فقال‪ :‬أروني كتابكم‪#‬ا‪ #‬ح‪##‬تى أنظ‪##‬ر في‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬ا ه‪##‬ذه إال أخت الجزي‪##‬ة‬
‫انطلقا حتى أرى رأيي‪ ،‬فانطلقا حتى أتيا النبي ‪ ،‬فلما رآهما قال‪( :‬ي‪##‬ا ويح ثعلب‪##‬ة)‬
‫قبل أن يكلمهما‪ ،‬ودعا للسلمي بالبرك‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬أخبروه بال‪##‬ذي ص‪##‬نع ثعلب‪##‬ة وال‪##‬ذي ص‪##‬نع‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.250/‬‬


‫‪209‬‬
‫السلمي‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل اآليات(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من الخلف بالعهود والوعود‪ #‬مطلق‪##‬ا‪ ،‬وبي‪##‬ان أنه‪##‬ا من‬
‫خصال المنافقين‪ ..‬وفيها تحذير من البطر الذي تس‪#‬ببه النعم‪ ،‬وأن الفق‪##‬ر حينه‪##‬ا خ‪#‬ير‬
‫منها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬ال ِذينَ يَل ِم‪ُ ##‬زونَ ال ُمط ِّو ِعينَ‬
‫ت َوالَّ ِذينَ اَل يَ ِج‪ُ #‬دونَ إِاَّل ُج ْه‪َ #‬دهُ ْم فَيَ ْس ‪#‬خَ رُونَ ِم ْنهُ ْم َس ‪ِ #‬خ َر هَّللا ُ‬ ‫ص َدقَا ِ‬ ‫ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ فِي ال َّ‬
‫ع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [التوبة‪]79 :‬‬ ‫ِم ْنهُ ْم َولَهُ ْم َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما نزلت آية الصدقة ج‪##‬اء رج‪##‬ل فتص‪##‬دق‪ #‬بش‪##‬يء كث‪##‬ير‬
‫فقالوا‪ :‬مرائي‪ ،‬وج‪##‬اء رج‪##‬ل فتص‪##‬دق‪ #‬بص‪##‬اع‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬إن هللا لغ‪##‬ني عن ص‪##‬اع ه‪##‬ذا‪،‬‬
‫فنزلت(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لخصلة من خصال المنافقين وهي سوء الظن بغ‪##‬يرهم‬
‫والسخرية منهم واللمز والهمز‪ #‬والعيب لهم‪.‬‬
‫ص ِّل َعلَى أَ َح‪ٍ ##‬د ِم ْنهُ ْم‬ ‫﴿واَل تُ َ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫اس‪#‬قُونَ ﴾ [التوب‪##‬ة‪:‬‬ ‫‪#‬ر ِه إِنَّهُ ْم َكفَ‪#‬رُوا بِاهَّلل ِ َو َر ُس‪#‬ولِ ِه َو َم‪##‬اتُوا َوهُ ْم فَ ِ‬ ‫َماتَ أَبَ‪#‬دًا َواَل تَقُ ْم َعلَى قَ ْب‪ِ #‬‬
‫‪]84‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه عندما توفي عبد هللا بن أبي جاء ابنه إلى رسول هللا ‪‬‬
‫وقال‪ :‬أعطني قميصك حتى أكفنه فيه وأصلي عليه واستغفر‪ #‬له‪ ،‬فأعط‪##‬اه قميص‪##‬ه ثم‬
‫قال‪( :‬آذني حتى أصلي عليه)‪ ،‬فآذنه‪ ،‬فلما أراد أن يص‪##‬لي علي‪##‬ه جذب‪##‬ه عم‪##‬ر وق‪##‬ال‪:‬‬
‫أليس قد نهاك هللا أن تصلي على المنافقين؟ فقال‪( :‬أنا بين خيرتين‪ :‬أس‪##‬تغفر لهم أوال‬
‫صلِّ َعلَى أَ َح‪ٍ #‬د ِم ْنهُ ْم َم‪##‬اتَ أَبَ‪#‬دًا َواَل تَقُ ْم َعلَى‬ ‫﴿واَل تُ َ‬ ‫أستغفر) ثم نزلت عليه هذه اآلية‪َ :‬‬
‫اسقُونَ ﴾ [التوبة‪]84 :‬؟(‪.)3‬‬ ‫قَب ِْر ِه إِنَّهُ ْم َكفَرُوا بِاهَّلل ِ َو َرسُولِ ِه َو َماتُوا‪َ #‬وهُ ْم فَ ِ‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا إش‪##‬ارة إلى رحم‪##‬ة رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ب‪##‬الجميع ح‪##‬تى ال‪##‬ذين‬
‫يؤذون‪##‬ه‪ ،‬وفيه ‪#‬ا‪ #‬نهي عن ممارس‪##‬ة أي عم‪##‬ل ق‪##‬د يجع‪##‬ل للمن‪##‬افقين محال ص‪##‬الحا في‬
‫المجتمع‪ ،‬لما في ذلك من الخطر عليه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫خَ‬ ‫َّ‬
‫﴿وال ِذينَ ات ‪ #‬ذوا َم ْس‪ِ #‬جدًا‬ ‫َّ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب َ َو َر ُس‪#‬ولهُ ِمن ق ْب‪ُ #‬ل‬ ‫هَّللا‬ ‫‪#‬ار َ‬ ‫ص‪#‬ا ًدا‪ #‬لِ َم ْن َح‪َ #‬‬ ‫‪#‬ؤ ِمنِينَ َوإِرْ َ‬‫ض‪َ #‬را ًرا‪َ #‬و ُك ْف‪#‬رًا َوتَ ْف ِريقً‪##‬ا بَ ْينَ ْال ُم‪ْ #‬‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬
‫َولَيَحْ لِفن إِن أ َردنَا إِ ال ُح ْسنَى َو ُ يَشهَد إِنهُ ْم لكا ِذبُونَ ﴾ [التوبة‪]107 :‬؟‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اَّل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه حين اتخذ بنو عمرو بن عوف مس‪##‬جد قب‪##‬اء وبعث‪##‬وا إلى‬
‫رسول هللا ‪ ‬أن يأتيهم‪ ،‬فأتاهم فص‪##‬لى في‪##‬ه‪ ،‬فحس‪##‬دهم‪ #‬إخ‪##‬وتهم بن‪##‬و غنم بن ع‪##‬وف‪،‬‬
‫وقالوا‪ #:‬نبني مسجدا ونرس‪##‬ل إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ليص‪##‬لي في‪##‬ه كم‪##‬ا ص‪##‬لى في مس‪##‬جد‬
‫إخواننا‪ ،‬وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام‪ ،‬وكان أبو عامر ق‪##‬د ت‪##‬رهب‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.252/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.252/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.255/‬‬
‫‪210‬‬
‫في الجاهلي‪##‬ة وتنص‪#‬ر‪ #‬ولبس المس‪##‬وح‪ ،‬وأنك‪##‬ر دين الحنيفي‪##‬ة لم‪##‬ا ق‪##‬دم رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫المدينة وعاداه‪ ،‬وسماه النبي ‪ :‬أبا ع‪##‬امر الفاس‪##‬ق‪ ،‬وخ‪##‬رج إلى الش‪##‬ام وأرس‪##‬ل إلى‬
‫المنافقين أن استعدوا‪ #‬بما استطعتم‪ #‬من قوة وسالح‪ ،‬وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى‬
‫قيصر‪ #‬فآتي بجند الروم‪ ،‬فأخرج محمدا وأصحابه‪ ،‬فبنوا‪ #‬له مس‪##‬جدا إلى جنب مس‪#‬جد‬
‫قباء‪ ،‬فلم‪##‬ا فرغ‪##‬وا من‪##‬ه أت‪##‬وا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬فق‪##‬الوا‪ :‬إن‪##‬ا ق‪##‬د بنين‪##‬ا مس‪##‬جدا ل‪##‬ذي العل‪##‬ة‬
‫والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشانية‪ ،‬وإنا نحب أن تأتين‪##‬ا فتص‪##‬لي‪ #‬لن‪##‬ا في‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬دعا‬
‫بقميصه ليلبسه فيأتيهم‪ ،‬فنزل عليه القرآن وأخبره هللا عز وجل خبر مسجد الضرار‬
‫وم‪##‬ا هم‪##‬وا ب‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬دعا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬بعض أص‪##‬حابه‪ ،‬وق‪##‬ال لهم‪ :‬انطلق‪##‬وا إلى ه‪##‬ذا‬
‫المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه‪ ،‬فخرجوا‪ #‬وانطلق مالك وأخذ سعفا من النخ‪##‬ل‬
‫فأشعل فيه نارا‪ ،‬ثم دخلوا المس‪##‬جد وفي‪#‬ه أهل‪#‬ه فحرق‪##‬وه وه‪##‬دموه وتف‪##‬رق عن‪#‬ه أهل‪#‬ه‪،‬‬
‫وأم‪##‬ر الن‪##‬بي ‪ ‬أن يتخ‪##‬ذ ذل‪##‬ك كناس‪##‬ة تلقى فيه‪##‬ا الجي‪##‬ف والنتن والقمام‪##‬ة‪ ،‬وم‪##‬ات‬
‫أبوعامر بالشام وحيدا‪ #‬غريبا(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من مساجد الضرار‪ #‬في كل األزمن‪##‬ة‪ ،‬وأول وظائفه‪##‬ا‬
‫وصفاتها‪ #‬استخدامها للتفريق بين المسلمين ونشر‪ #‬الفتن بينهم وتش‪##‬جيع األع‪##‬داء على‬
‫محاربتهم‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَلَ ْم ت ََر إِلَى الَّ ِذينَ نُهُوا َع ِن‬
‫َّس‪#‬و ِل﴾‬ ‫ت الر ُ‬ ‫ْص‪#‬يَ ِ‬‫ان َو َمع ِ‬ ‫َ‪#‬اجوْ نَ بِ‪#‬اإْل ِ ْث ِم َو ْالعُ‪ْ #‬د َو ِ‬
‫النَّجْ َوى ثُ َّم يَعُو ُدونَ لِ َما نُهُ‪#‬وا َع ْن‪#‬هُ َويَتَن َ‬
‫[المجادلة‪]8 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في اليهود والمنافقين؛ وذلك أنهم كانوا يتن‪##‬اجون‬
‫فيما بينهم دون المؤمنين‪ ،‬وينظ‪##‬رون إلى المؤم‪##‬نين ويتغ‪##‬امزون ب‪##‬أعينهم‪ ،‬ف‪##‬إذا رأى‬
‫المؤمنون نجواهم‪ #‬قالوا‪ :‬ما نراهم إال وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا‪ #‬ال‪##‬ذين خرج‪##‬وا‬
‫في السرايا قت‪##‬ل أوم‪##‬وت أومص‪##‬يبة أوهزيم‪##‬ة‪ ،‬فيق‪##‬ع ذل‪##‬ك في قل‪##‬وبهم‪ #‬ويح‪##‬زنهم‪ ،‬فال‬
‫يزالون ك‪##‬ذلك ح‪##‬تى يق‪##‬دم أص‪##‬حابهم وأقرب‪##‬اؤهم‪ ،‬فلم‪##‬ا ط‪##‬ال ذل‪##‬ك وك‪##‬ثر‪ ،‬ش‪##‬كوا إلى‬
‫رسول هللا ‪ ‬فأمرهم‪ #‬أن ال يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذل‪##‬ك وع‪##‬ادوا إلى‬
‫مناجاتهم‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة الجتن‪##‬اب ك‪##‬ل م‪##‬ا ق‪##‬د يس‪##‬يء اآلخ‪##‬رين‪ ،‬ول‪##‬و ك‪##‬ان في‬
‫أصله مباحا‪ ،‬فاألذى محرم مطلقا‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َجاءُوكَ َحيَّوْ كَ بِ َما ل ْمَ‬
‫ص‪#‬لَوْ نَهَا‪#‬‬‫ك بِ ِه هَّللا ُ َويَقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِس‪ِ #‬ه ْم لَ‪##‬وْ اَل يُ َع‪ِّ #‬ذبُنَا هَّللا ُ بِ َم‪##‬ا نَقُ‪##‬و ُل َح ْس‪#‬بُهُ ْم َجهَنَّ ُم يَ ْ‬
‫يُ َحيِّ َ‬
‫صيرُ﴾ [المجادلة‪]8 :‬؟‬ ‫س ال َم ِ‬ ‫ْ‬ ‫فَبِ ْئ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن عائشة قالت‪ :‬جاء ناس من اليهود إلى النبي ‪ ‬فقالوا‪:‬‬
‫السام عليك يا أبا القاسم‪ ،‬فقلت‪ :‬السام عليكم وفعل هللا بكم‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬م‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.258/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.410/‬‬
‫‪211‬‬
‫يا عائش‪##‬ة ف‪##‬إن هللا تع‪##‬الى ال يحب الفحش وال التفحش)‪ ،‬فقلت‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا ألس‪##‬ت‬
‫ترى ما يقولون؟ قال‪( :‬ألست ترين أرد عليهم ما يقول‪##‬ون؟ أق‪##‬ول‪ :‬وعليكم)‪ ،‬ون‪##‬زلت‬
‫هذه اآلية في ذلك(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان ل‪##‬دور االنح‪##‬راف اإليم‪##‬اني في االنح‪##‬راف الس‪##‬لوكي؛‬
‫فكالهما يغذي اآلخر‪ ،‬ويرسخه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪#‬ذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬ألَ ْم تَ‪َ #‬ر إِلَى ال ِذينَ ت ََولوْ ا‬
‫ب َوهُ ْم يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ أَ َع‪َّ #‬د‬
‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم َما هُ ْم ِم ْن ُك ْم َواَل ِم ْنهُ ْم َويَحْ لِفُونَ َعلَى ْال َك ِذ ِ‬‫َض َ‬‫قَوْ ًما‪ #‬غ ِ‬
‫ص ُّدوا‪ #‬ع َْن َس‪##‬بِي ِل‬ ‫َ‬
‫هَّللا ُ لَهُ ْم َع َذابًا َش ِديدًا إِنَّهُ ْم َسا َء َما َكانُوا يَ ْع َملونَ اتَّخَ ذوا أ ْي َمانَهُ ْم ُجنَّةً فَ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين لَ ْن تُ ْغنِ َي َع ْنهُ ْم أَ ْم َوالُهُ ْم َواَل أَوْ اَل ُدهُ ْم ِمنَ هَّللا ِ َش ْيئًا أُولَئِكَ أَصْ َحابُ‬ ‫هَّللا ِ فَلَهُ ْم َع َذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫ار هُ ْم فِيهَا خَالِ ُدونَ يَوْ َم يَ ْب َعثُهُ ُم هَّللا ُ َج ِميعًا فَيَحْ لِفُونَ لَ‪#‬هُ َك َم‪##‬ا يَحْ لِفُ‪##‬ونَ لَ ُك ْم َويَحْ َس‪#‬بُونَ‬
‫النَّ ِ‬
‫أَنَّهُ ْم َعلَى َش ْي ٍء أاَل إِنَّهُ ْم هُ ُم ال َكا ِذبُونَ ﴾ [المجادلة‪ 14 :‬ـ ‪]18‬؟‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في عبد هللا بن نبت‪##‬ل المن‪##‬افق‪ #‬ك‪##‬ان يج‪##‬الس الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬ثم يرفع حديثه إلى اليه‪#‬ود‪ ،‬فبين‪#‬ا رس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬في حج‪#‬رة من حج‪#‬ره‪ ،‬إذ ق‪#‬ال‪:‬‬
‫يدخل عليكم اآلن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان‪ ،‬فدخل عبد هللا بن نبت‪##‬ل‬
‫وكان أزرق‪ ،‬فقال له رسول‪ #‬هللا ‪( :‬عالم تشتمني‪ #‬أنت وأصحابك؟) فحلف باهلل ما‬
‫فعل ذلك‪ ،‬فقال له النبي ‪( :‬فعلت)‪ ،‬فانطلق فجاء بأصحابه فحلف‪##‬وا باهلل م‪##‬ا س‪##‬بوه‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى هذه اآليات(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها وعيد شديد للمنافقين‪ ،‬وبيان لتوليهم ألعداء هللا‪ ،‬وه‪##‬و أك‪##‬بر‬
‫من أن ينحصر في زمن دون زمن‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬هُ ُم الَّ ِذينَ يَقُولُونَ اَل تُ ْنفِقُوا‬
‫ض َولَ ِك َّن‬‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫ض‪###‬وا َوهَّلِل ِ خَ‪###‬زَ ائِنُ َّ‬
‫الس‪َ ###‬ما َوا ِ‬ ‫َعلَى َم ْن ِع ْن‪َ ###‬د َر ُس‪###‬و ِل هَّللا ِ َحتَّى يَ ْنفَ ُّ‬
‫ْال ُمنَافِقِينَ اَل يَ ْفقَهُونَ ﴾ [المنافقون‪]7 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن زيد بن أرقم قال‪ :‬غزونا مع النبي ‪ ‬وكان معنا ن‪##‬اس‬
‫من األعراب وكنا نبتدر الماء‪ ،‬وكان األعراب يسبقونا‪ ،‬فيس‪##‬بق األع‪##‬رابي أص‪##‬حابه‬
‫فيمأل الحوض ويجعل حوله الحجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه‪ ،‬فأتى‬
‫رجل من األنصار ف‪##‬أرخى‪ #‬زم‪##‬ام ناقت‪##‬ه لتش‪##‬رب‪ ،‬ف‪##‬أبى أن يدع‪##‬ه األع‪##‬رابي ف‪##‬انتزع‬
‫حجرا ففاض الماء‪ ،‬فرف‪##‬ع األع‪##‬رابي خش‪##‬بة فض‪##‬رب به‪##‬ا رأس األنص‪##‬اري فش‪##‬جه‪،‬‬
‫فأتى األنصاري‪ #‬عبد هللا بن أبي رأس المنافقين‪ ،‬فأخبره وكان من أصحابه‪ ،‬فغضب‬
‫عبد هللا بن أبي ثم قال‪ :‬ال تنفقوا على من عن‪##‬د رس‪##‬ول هللا ح‪##‬تى ينفض‪##‬وا من حول‪##‬ه‪،‬‬
‫يعني األعراب‪ ،‬ثم قال ألصحابه‪ :‬إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج األعز منه‪##‬ا األذل‪،‬‬
‫قال زيد بن أرقم‪ #‬وأنا ردف عمي‪ :‬فسمعت عبد هللا‪ ،‬ف‪##‬أخبرت‪ #‬عمي‪ ،‬ف‪##‬انطلق‪ #‬ف‪##‬أخبر‬
‫رسول هللا ‪ ‬فأرسل‪ #‬إليه رسول هللا ‪ ‬فحلف وجحد واعت‪#‬ذر‪ ،‬فص‪#‬دقه رس‪#‬ول هللا‬
‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.410/‬‬
‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.412/‬‬
‫‪212‬‬
‫‪ ‬وك‪##‬ذبني‪ #،‬فج‪##‬اء إلي عمي فق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬ا أردت إال أن مقت‪##‬ك رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وك‪##‬ذبك‪#‬‬
‫المسلمون‪ ،‬فوقع علي من الغم ما لم يقع على أحد قط‪ ،‬فبينا أنا أس‪##‬ير م‪##‬ع رس‪##‬ول‪ #‬هللا‬
‫‪ ‬إذ أتاني فعرك‪ #‬أذني وضحك‪ #‬في وجهي‪ ،‬فما كان يسرني‪ #‬أن لي بها ال‪##‬دنيا‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫أصبحنا قرأ رسول‪ #‬هللا ‪ ‬سورة المنافقين حتى بلغ ﴿هُ ُم الَّ ِذينَ يَقُولُونَ اَل تُ ْنفِقُوا َعلَى‬
‫ض َولَ ِك َّن ْال ُمنَ‪##‬افِقِينَ اَل‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ُول هَّللا ِ َحتَّى يَ ْنفَضُّ وا َوهَّلِل ِ خَزَ ائِنُ َّ‬
‫الس ‪َ #‬م َ‬ ‫َم ْن ِع ْن َد َرس ِ‬
‫ْ‬ ‫هَّلِل‬ ‫َ‬
‫َ‪##‬ز ِم ْنهَ‪##‬ا اأْل َذ َّل َو ِ ال ِع‪َّ ##‬زةُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يَ ْفقَهُ‪##‬ونَ يَقُولُ‪##‬ونَ لَئِ ْن َر َج ْعنَ‪##‬ا إِلَى ال َم ِدينَ‪ِ ##‬ة لَي ُْخ‪ِ ##‬ر َج َّن اأْل ع ُّ‬
‫ال ُمنَافِقِينَ اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [المنافقون‪ 7 :‬ـ ‪]8‬؟ (‪)1‬‬ ‫َولِ َرسُولِ ِه َولِ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َولَ ِك َّن ْ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تصوير لبعض معاناة رسول هللا ‪ ‬م‪##‬ع المن‪##‬افقين‪ ،‬ومثله‪##‬ا‬
‫معاناته مع غيرهم‪ ،‬وفيه‪##‬ا دع‪#‬وة لتأس‪##‬ي الص‪#‬الحين ب‪#‬ه في الص‪##‬بر والتحم‪#‬ل وال‪##‬رد‬
‫الجميل‪.‬‬
‫أسباب النزول والمنحرفون مطلقا‪:‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬بعد انتهائنا من المنافقين‪ ..‬سأسألكم‪ #‬اآلن عن المنحرفين مطلقا من‬
‫غ‪##‬ير تحدي‪##‬د‪ ..‬فمن ي‪##‬ذكر لي منكم س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ اَل يَ ْس‪#‬تَحْ يِي أَ ْن‬
‫ق ِم ْن َربِّ ِه ْم َوأَ َّما‬ ‫ُوضةً فَ َما فَوْ قَهَا فَأ َ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُوا فَيَ ْعلَ ُمونَ أَنَّهُ ْال َح‪ُّ #‬‬‫ب َمثَاًل َما بَع َ‬ ‫يَضْ ِر َ‬
‫ُض‪#‬لُّ بِ‪ِ #‬ه َكثِ‪#‬يرًا َويَهْ‪ِ #‬دي بِ‪ِ #‬ه َكثِ‪#‬يرًا َو َم‪#‬ا‬ ‫الَّ ِذينَ َكفَرُوا فَيَقُولُونَ َما َذا أَ َرا َد هَّللا ُ بِهَ َذا َمثَاًل ي ِ‬
‫ُضلُّ بِ ِه إِاَّل ْالفَا ِسقِينَ ﴾ [البقرة‪]26 :‬؟‬ ‫ي ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما ض‪##‬رب هللا س‪##‬بحانه األمث‪##‬ال عن المن‪##‬افقين‪ ،‬كقول‪##‬ه‪:‬‬
‫‪#‬ر َكهُ ْم فِي‬ ‫‪#‬ور ِه ْ‪#‬م َوتَ‪َ #‬‬‫َب هَّللا ُ بِنُ‪ِ #‬‬ ‫ت َما َحوْ لَ ‪#‬هُ َذه َ‬ ‫﴿ َمثَلُهُ ْم َك َمثَ ِل الَّ ِذي ا ْستَوْ قَ َ‪#‬د نَارًا فَلَ َّما أَ َ‬
‫ضا َء ْ‬
‫‪#‬ات َو َر ْع‪ٌ #‬د‬ ‫الس‪َ #‬ما ِء فِي‪ِ #‬ه ظُلُ َم‪ٌ #‬‬ ‫ب ِمنَ َّ‬ ‫ص‪#‬يِّ ٍ‬ ‫صرُونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ]17 :‬وقوله‪﴿ :‬أَوْ َك َ‬ ‫ت اَل يُ ْب ِ‬ ‫ظُلُ َما ٍ‬
‫ت َوهَّللا ُ ُم ِحي‪###‬طٌ‬ ‫ق َح‪َ ###‬ذ َر ْال َم‪###‬وْ ِ‬ ‫اع ِ‬‫الص‪َ ###‬و ِ‬ ‫َّ‬ ‫ص‪###‬ابِ َعهُ ْم فِي آ َذانِ ِه ْم ِمنَ‬ ‫ق يَجْ َعلُ‪###‬ونَ أَ َ‬ ‫َوبَ‪###‬رْ ٌ‬
‫بِ ْال َك‪##‬افِ ِرينَ ﴾ [البق‪###‬رة‪ ]19 :‬ق‪##‬الوا‪ :‬هللا أج‪##‬ل وأعلى من أن يض‪##‬رب األمث‪##‬ال‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي أن‪##‬ه لم‪##‬ا ذك‪##‬ر هللا ال‪##‬ذباب والعنكب‪##‬وت في كت‪##‬اب‬
‫وضرب‪ #‬للمشركين به المثل ضحكت اليهود‪ #‬وقالوا‪ #:‬ما يشبه هذا كالم هللا‪ ،‬فأنزل هللا‬
‫اآلية(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن هللا عندما ذك‪##‬ر آله‪##‬ة المش‪##‬ركين‪ ،‬فق‪##‬ال‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أيُّهَ‪##‬ا‬
‫ُون هَّللا ِ لَ ْن يَ ْخلُقُ‪##‬وا ُذبَابً‪##‬ا‬ ‫اس‪##‬تَ ِمعُوا‪ #‬لَ‪##‬هُ إِ َّن الَّ ِذينَ تَ‪ْ ##‬د ُعونَ ِم ْن د ِ‬ ‫ب َمثَ‪ٌ ##‬ل فَ ْ‬ ‫ض‪ِ ##‬ر َ‬ ‫النَّاسُ ُ‬
‫طلُ‪##‬وبُ ﴾‬ ‫ضعُفَ الطَّالِبُ َو ْال َم ْ‬ ‫الذبَابُ َش ْيئًا اَل يَ ْستَ ْنقِ ُذوهُ ِم ْنهُ َ‬ ‫َولَواجْ تَ َمعُوا لَهُ َوإِ ْن يَ ْسلُ ْبهُ ُم ُّ‬
‫[الحج‪ ،]73 :‬وذكر‪ #‬كي‪##‬د اآلله‪##‬ة فجعل‪##‬ه ك‪##‬بيت العنكب‪##‬وت‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬أرأيت حيث ذك‪##‬ر هللا‬
‫الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد‪ ،‬أي ش‪##‬يء يص‪##‬نع به‪##‬ذا؟ ف‪##‬أنزل‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.430/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.23/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.23/‬‬
‫‪213‬‬
‫هللا هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لخص‪##‬لة من خص‪##‬ال الكف‪##‬ر والنف‪##‬اق‪ ،‬وهي مطالب‪##‬ة هللا‬
‫بمراعاة أهوائهم‪ ،‬وأن يكون كالمه ودينه موافقا لعق‪##‬ولهم‪ ،‬ال لم‪##‬ا تقتض‪##‬يه الحق‪##‬ائق‪،‬‬
‫وبيان لخلو المؤمنين من هذه الصفة‪ ،‬وانسجامهم التام مع كل م‪##‬ا يقول‪##‬ه هللا أو ي‪##‬أمر‬
‫به‪ ..‬وذلك هو عالمة التسليم واإلسالم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أ ْم تُ ِري‪ُ #‬دونَ أ ْن ت َْس‪#‬ألوا‪#‬‬
‫الس ‪#‬بِي ِل﴾‬ ‫ض َّل َس ‪َ #‬وا َء َّ‬ ‫ان فَقَ ْد َ‬ ‫َرسُولَ ُك ْم َك َما ُسئِ َل ُمو َسى ِم ْن قَ ْب ُل َو َم ْن يَتَبَ َّد ِل ْال ُك ْف َر بِاإْل ِ ي َم ِ‬
‫[البقرة‪]108 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في عب‪##‬د هللا بن أبي أمي‪##‬ة وره‪##‬ط من ق‪##‬ريش‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا محمد اجعل لنا الصفا ذهبا‪ ،‬ووسع لن‪##‬ا أرض مك‪##‬ة‪ ،‬وفج‪#‬ر‪ #‬األنه‪##‬ار خالله‪##‬ا‬
‫تفجيرا نؤمن بك‪ ،‬فأنزل‪ #‬هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقيل‪ :‬إن اليهود‪ #‬وغيرهم من المشركين تمنعوا على رسول هللا ‪‬‬
‫فمن قائل يقول‪ :‬يأتينا بكتاب من السماء جملة كم‪##‬ا أتى موس‪##‬ى ب‪##‬التوراة‪ ،‬ومن قائ‪##‬ل‬
‫يقول ـ وهوعبد هللا بن أبي أمية المخزومي ـ إئتني بكت‪##‬اب من الس‪##‬ماء في‪##‬ه‪ :‬من رب‬
‫العالمين‪ ،‬إلى ابن أبي أمية‪ ،‬اعلم أني قد أرسلت محمدا إلى الناس؛ ومن قائل يق‪##‬ول‪:‬‬
‫لن نؤمن لك أوتأتي‪ #‬باهلل والمالئكة قبيال فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا بي‪##‬ان لتعنت الجاح‪##‬دين في ك‪##‬ل العص‪##‬ور‪ #،‬وأن المطالب‪##‬ة‬
‫باآليات ليس إال كذبا على النفس‪ ،‬وهربا من الحقيقة‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ْش‪#‬تَرُونَ بِ َع ْه‪ِ #‬د‬
‫ق لَهُ ْم فِي اآْل ِخ َر ِة َواَل يُ َكلِّ ُمهُ ُم هَّللا ُ َواَل يَ ْنظُ‪#ُ ##‬ر إِلَ ْي ِه ْم‬ ‫ك اَل خَاَل َ‬ ‫هَّللا ِ َوأَ ْي َمانِ ِه ْ‪#‬م ثَ َمنًا قَلِياًل أُولَئِ َ‬
‫يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة َواَل يُ َز ِّكي ِه ْم َولَهُ ْم َع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [آل عمران‪]77 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في األش‪#‬عث بن قيس‪ ،‬فق‪#‬د ق‪#‬ال‪ :‬في وهللا ن‪#‬زلت‬
‫كان بيني وبين رجل من اليهود أرض‪ ،‬فجحدني‪ ،‬فقدمت‪##‬ه إلى الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬ال‪( :‬ل‪##‬ك‬
‫بين‪##‬ة؟) قلت‪ :‬ال‪ ،‬فق‪##‬ال لليه‪##‬ودي‪( #:‬أتحل‪##‬ف)‪ ،‬قلت ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‪ :‬إذن يحل‪##‬ف في‪##‬ذهب‬
‫بمالي‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل اآلية (‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن ناسا من علماء اليه‪##‬ود أولي فاق‪##‬ة أص‪##‬ابتهم س‪##‬نة‬
‫فاقتحموا إلى كعب بن األشرف بالمدينة‪ ،‬فسألهم‪ #‬كعب‪ :‬هل تعلم‪##‬ون أن ه‪##‬ذا الرج‪##‬ل‬
‫رسول هللا في كتابكم؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬وما تعلمه أنت؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬فقالوا‪ :‬فإنا نشهد أنه عب‪##‬د‬
‫هللا ورسوله‪ ،‬قال كعب‪ :‬لقد ح‪##‬رمكم هللا خ‪##‬يرا كث‪##‬يرا‪ ،‬لق‪##‬د ق‪##‬دمتم‪ #‬علي وأن‪##‬ا أري‪##‬د أن‬
‫أبركم وأكسوا‪ #‬عيالكم‪ ،‬فحرمكم‪ #‬هللا وحرم عيالكم‪ ،‬قالوا‪ :‬فإنه شبه لن‪##‬ا‪ ،‬فروي‪##‬دا ح‪##‬تى‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.23/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.34/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.34/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.109/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪214‬‬
‫نلقاه‪ ،‬فانطلقوه فكتبوا صفة سوى صفته‪ ،‬ثم انته‪##‬وا إلى ن‪##‬بي هللا فكلم‪##‬وه وس‪##‬ألوه‪ ،‬ثم‬
‫رجعوا‪ #‬إلى كعب وقالوا‪ #:‬لقد كنا نرى أنه رسول هللا‪ ،‬فلما أتين‪##‬اه إذا ه‪##‬وليس ب‪##‬النعت‬
‫الذي نعت لنا‪ ،‬ووجدنا‪ #‬نعته مخالف‪#‬ا لل‪#‬ذي عن‪#‬دنا‪ ،‬وأخرج‪#‬وا‪ #‬ال‪#‬ذي كتب‪#‬وا فنظ‪#‬ر‪ #‬إلي‪#‬ه‬
‫كعب‪ ،‬ففرح ومارهم وأنقق عليهم‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في أبي رافع كنانة بن أبي الحقيق وح‪##‬يي‬
‫بن أخطب وغيرهم من رؤوساء اليهود‪ ،‬كتموا ما عهد هللا إليهم في التوراة من شأن‬
‫محمد ‪ ‬وبدلوه وكتبوا‪ #‬بأيديهم غ‪##‬يره‪ ،‬وحلف‪##‬وا أن‪##‬ه من عن‪##‬د هللا لئال يف‪##‬وتهم الرش‪##‬ا‬
‫والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لكون الوفاء بالعهود عالمة اإليمان واألخالق؛ فمن لم‬
‫يف بها‪ ،‬ال حظ له منهم‪#‬ا‪ ..‬ومن لم يكن ل‪#‬ه ح‪#‬ظ منهم‪#‬ا ليس ل‪#‬ه ح‪#‬ظ في الق‪#‬رب من‬
‫ربه‪ ،‬أو في فضله العظيم المعد لألوفياء من عب‪##‬اده‪ ..‬ب‪##‬ل إن خيانت‪##‬ه ستتجس‪#‬د‪ #‬ل‪#‬ه في‬
‫اآلخرة في صورة عذاب أليم‪.‬‬
‫قال اإلم‪#‬ام‪ :‬ومن ي‪#‬ذكر لي س‪#‬بب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬ك ْي‪#‬فَ يَهْ‪ِ #‬دي هَّللا ُ قَوْ ًم‪#‬ا‬
‫‪#‬ات َوهَّللا ُ اَل يَ ْه‪ِ #‬دي ْالقَ‪##‬وْ َم‬ ‫ق َو َج‪ #‬ا َءهُ ُم ْالبَيِّنَ‪ُ #‬‬
‫ول َح‪ٌّ #‬‬
‫َّس‪َ #‬‬ ‫َكفَرُوا بَ ْع َد إِي َم‪#‬انِ ِه ْم َو َش‪ِ #‬هدُوا‪ #‬أَ َّن الر ُ‬
‫الظَّالِ ِمينَ ﴾ [آل عمران‪]86 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن رجال ارتد فلحق بالمشركين‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلي‪##‬ة إلى‬
‫ص‪#‬لَحُوا فَ‪#‬إِ َّن هَّللا َ َغفُ‪##‬و ٌر َر ِحي ٌم﴾ [آل عم‪##‬ران‪،]89 :‬‬ ‫ك َوأَ ْ‬ ‫قوله‪﴿ :‬إِاَّل الَّ ِذينَ تَ‪#‬ابُوا ِم ْن بَعْ‪ِ #‬د َذلِ‪َ #‬‬
‫فبعث بها قومه إليه‪ ،‬فلما قرئت عليه قال‪ :‬وهللا ما كذبني ق‪##‬ومي على رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫وال كذب رسول هللا على هللا‪ ،‬وهللا عز وجل أصدق الثالثة‪ ،‬فرجع تائب‪##‬ا‪ ،‬فقب‪##‬ل من‪##‬ه‬
‫رسول هللا ‪ ‬وتركه(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أن رجال ارت‪##‬د عن اإلس‪##‬الم ولح‪#‬ق‪ #‬بالش‪##‬رك‪ ،‬فن‪##‬دم‪،‬‬
‫فأرسل‪ #‬إلى قومه أن يسألوا رسول‪ #‬هللا ‪ ‬هل لي من توب‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬إني ق‪##‬د ن‪##‬دمت‪ ،‬ف‪##‬نزل‬
‫ق‬ ‫ول َح‪ٌّ #‬‬ ‫َّس‪#َ #‬‬‫قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ك ْي‪#‬فَ يَهْ‪ِ #‬دي هَّللا ُ قَوْ ًم‪##‬ا َكفَ‪#‬رُوا بَ ْع‪َ #‬د إِي َم‪##‬انِ ِه ْم َو َش‪ِ #‬هدُوا أَ َّن الر ُ‬
‫ك َج‪##‬زَا ُؤهُْ‪#‬م أَ َّن َعلَ ْي ِه ْم لَ ْعنَ ‪#‬ةَ هَّللا ِ‬ ‫‪#‬ات َوهَّللا ُ اَل يَ ْه ‪ِ #‬دي ْالقَ‪##‬وْ َم الظَّالِ ِمينَ أُولَئِ ‪َ #‬‬
‫َو َج‪ #‬ا َءهُ ُم ْالبَيِّنَ‪ُ #‬‬
‫اس أَجْ َم ِعينَ خَالِ‪ِ #‬دينَ فِيهَ‪##‬ا اَل يُ َخفَّفُ َع ْنهُ ُم ْال َع‪َ #‬ذابُ َواَل هُ ْم يُ ْنظَ‪#‬رُونَ إِاَّل‬ ‫َو ْال َماَل ئِ َك ِة َوالنَّ ِ‬
‫الَّ ِذينَ تَابُوا ِم ْن بَ ْع ِد َذلِكَ َوأَصْ لَحُوا‪ #‬فَإِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [آل عم‪###‬ران‪ 86 :‬ـ ‪ ،]89‬فكتب بها‬
‫قومه إليه‪ ،‬فرجع فأسلم‪.)4(#‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان ب‪##‬أن الظلم الحقيقي ه‪##‬و ال‪##‬ذي يتج‪##‬اوز في‪##‬ه العاق‪##‬ل ك‪##‬ل‬
‫البينات والحجج التي تدل على اإليمان باهلل ورسوله‪ ،‬ليقع في أوه‪##‬ام الض‪##‬اللة ال‪##‬تي‬
‫تزينها‪ #‬له نفسه وشيطانه‪ ،‬وهو بذلك ليس جديرا‪ ،‬بل ليس قابال لتنزل الهداي‪##‬ة علي‪##‬ه‪،‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.111/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.111/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.112/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.113/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪215‬‬
‫وهللا أعدل من أن يظلمه‪ ،‬بل هو الظالم لنفسه‪.‬‬
‫ك‬ ‫ْجبُ ‪َ #‬‬ ‫﴿و ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس َم ْن يُع ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ام﴾ [البقرة‪]204 :‬‬ ‫ص ِ‬ ‫قَوْ لُهُ فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َويُ ْش ِه ُ‪#‬د هَّللا َ َعلَى َما فِي قَ ْلبِ ِه َوهُوأَلَ ُّد ْال ِخ َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في األخنس بن ش‪##‬ريق‪ #‬الثقفي‪ ،‬وهوحلي‪##‬ف ب‪##‬ني‬
‫زهرة أقبل إلى النبي ‪ ‬إلى المدينة‪ ،‬فأظهر له اإلسالم وأعجب النبي ‪ ‬ذلك منه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إنما جئت أريد اإلسالم‪ ،‬وهللا يعلم إني صادق‪ ،‬وذلك قول‪##‬ه‪َ ﴿ :‬وي ُْش‪ِ #‬ه ُ‪#‬د هَّللا َ َعلَى‬
‫َما فِي قَ ْلبِ ِه ﴾ ثم خرج من عند رسول هللا ‪ ‬فمر ب‪##‬زرع لق‪##‬وم من المس‪##‬لمين وحم‪#‬ر‪#‬‬
‫ض‬ ‫‪#‬ولَّى َس‪َ #‬عى فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫فأحرق‪ #‬ال‪##‬زرع وعق‪##‬ر الحم‪##‬ر ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى في‪##‬ه‪َ ﴿ :‬وإِ َذا تَ‪َ #‬‬
‫سادَ﴾ [البقرة‪]205 :‬؟ (‪)1‬‬ ‫ث َوالنَّ ْس َل َوهَّللا ُ اَل يُ ِحبُّ ْالفَ َ‬ ‫ك ْال َحرْ َ‬ ‫لِيُ ْف ِس َد فِيهَا َويُ ْهلِ َ‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى الح‪##‬ذر وع‪##‬دم االغ‪##‬ترار ب‪##‬الظواهر‪ ،‬س‪##‬واء في‬
‫قضايا‪ #‬الدين أو مصالح الدنيا‪ ،‬ولذلك كان االغ‪##‬ترار بمن يطل‪##‬ق عليهم ثق‪##‬اة س‪##‬ببا في‬
‫التحريف‪ #‬الذي حصل في الدين‪ ..‬فما أسهل لمن يريد أن يكتسب تزكية من أي جه‪##‬ة‬
‫أن يظهر ما يوجب حسن ظنها به‪.‬‬
‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬اَل يَ ُغ َّرنَّكَ تَقَلُّبُ الَّ ِذينَ‬
‫س ْال ِمهَادُ﴾ [آل عمران‪ 196 :‬ـ ‪]197‬؟‬ ‫ع قَلِي ٌل ثُ َّم َمأْ َواهُ ْم َجهَنَّ ُم َوبِ ْئ َ‬
‫َكفَرُوا فِي ْالبِاَل ِد َمتَا ٌ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في مش‪##‬ركي مك‪##‬ة‪ ،‬وذل‪##‬ك أنهم ك‪##‬انوا في رخ‪##‬اء‬
‫ولين من العيش‪ ،‬وك‪##‬انوا يتج‪##‬رون ويتنعم‪##‬ون‪ ،‬فق‪##‬ال بعض المؤم‪##‬نين‪ :‬إن أع‪##‬داء هللا‬
‫فيما نرى من الخير‪ ،‬وقد‪ #‬هلكنا من الجوع والجهد‪ ،‬فنزلت هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتعالي عن النظر القاصر إلى زخرف‪ #‬الحي‪##‬اة ال‪##‬دنيا؛‬
‫فالحي‪##‬اة الحقيقي‪##‬ة في دار الخل‪##‬د‪ ،‬وم‪##‬ا أع‪##‬د هللا فيه‪##‬ا من النعيم للمؤم‪##‬نين‪ ،‬والخ‪##‬زي‬
‫والعذاب للمنحرفين عن صراط‪ #‬هللا المستقيم‪ ..‬وفيها دعوة للمؤم‪#‬نين بع‪#‬دم الت‪#‬ذلل أو‬
‫االنكسار‪ #‬بسبب فاقتهم وحاجتهم‪#.‬‬
‫الص‪#‬اَل ِة‬ ‫﴿وإِ َذا نَ‪#‬ا َد ْيتُ ْم إِلَى َّ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪#‬زول قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫اتَّخَ ُذوهَا‪ #‬هُ ُز ًوا َولَ ِعبًا َذلِكَ بِأَنَّهُ ْم قَوْ ٌم اَل يَ ْعقِلُونَ ﴾ [المائدة‪]58 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أن منادي رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ك‪##‬ان إذا ن‪##‬ادى إلى الص‪##‬الة‪ ،‬فق‪##‬ام‬
‫المسلمون إليها‪ ،‬قالت اليه‪#‬ود‪ :‬ق‪##‬اموا ال ق‪##‬اموا‪ ،‬ص‪#‬لوا ال ص‪##‬لوا‪ ،‬ركع‪#‬وا ال ركع‪##‬وا‪،‬‬
‫على طريق‪ #‬االستهزاء والضحك فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في رج‪##‬ل من نص‪##‬ارى المدين‪##‬ة ك‪##‬ان إذا‬
‫سمع المؤذن يقول‪ :‬أشهد أن محمدا رسول هللا قال‪ :‬حرق الكاذب‪ ،‬فدخل خادمه بنار‬
‫ذات ليلة وهونائم‪ #‬وأهله نيام‪ ،‬فطارت‪ #‬منها شرارة في البيت فاحترق‪ #‬هووأهله(‪.)4‬‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.65/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.138/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.199/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.200/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪216‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن الكفار لما سمعوا اآلذان حس‪##‬دوا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬والمس‪##‬لمين‬
‫على ذلك‪ ،‬فدخلوا‪ #‬على رسول هللا وقالوا‪ :‬يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع ب‪##‬ه فيم‪##‬ا‬
‫مضى من األمم الخالي‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬إن كنت ت‪##‬دعي النب‪##‬وة فق‪##‬د خ‪##‬الفت فيم‪##‬ا أح‪##‬دثت من ه‪##‬ذا‬
‫اآلذان األنبياء من قبلك‪ ،‬ولوكان في ه‪##‬ذا األم‪##‬ر خ‪##‬ير ك‪##‬ان أولى الن‪##‬اس ب‪##‬ه األنبي‪##‬اء‬
‫والرسل من قبلك‪ ،‬فمن أين لك صياح كصياح العير؟ فما أقبح من صوت وال أسمج‬
‫﴿و َم ْن أَحْ َس‪#‬نُ قَ‪##‬وْ اًل ِم َّم ْن َد َع‪##‬ا إِلَى هَّللا ِ‬ ‫من كفر! ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة وأن‪##‬زل‪َ :‬‬
‫صالِحًا َوقَا َ‪#‬ل إِنَّنِي ِمنَ ْال ُم ْسلِ ِمينَ ﴾ [فصلت‪]33 :‬؟(‪.)1‬‬ ‫َو َع ِم َل َ‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لبعض أوص‪##‬اف الجاح‪##‬دين المن‪##‬اوئين الحاق‪##‬دين ال‪##‬ذين‬
‫نهينا عن واليتهم‪ ،‬وهي سوء األدب مع هللا وعدم تعظيم شعائره وشرائعه‪.‬‬
‫‪#‬رى‪#‬‬ ‫﴿و َم ْن أَ ْ‬
‫ظلَ ُم ِم َّم ِن ا ْفتَ‪َ #‬‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ال َسأ ُ ْن ِز ُل ِمث َل َم‪##‬ا أ ْن‪َ #‬ز َل هَّللا ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُوح إِلَ ْي ِه َش ْي ٌء َو َم ْن قَ َ‬‫ي َولَ ْم ي َ‬ ‫ال أُو ِح َي إِلَ َّ‬‫َعلَى هَّللا ِ َك ِذبًا أَوقَ َ‬
‫اس‪#‬طُوأَ ْي ِدي ِه ْ‪#‬م أَ ْخ ِر ُج‪##‬وا أَ ْنفُ َس‪ُ #‬ك ُم‬ ‫ت َو ْال َماَل ئِ َك‪ #‬ةُ بَ ِ‬ ‫ت ْال َم‪##‬وْ ِ‬
‫َولَوتَ َرى إِ ِذ الظَّالِ ُمونَ فِي َغ َم َرا ِ‬
‫ق َو ُك ْنتُ ْم ع َْن آيَاتِ‪ِ #‬ه‬ ‫‪#‬ر ْال َح‪ِّ #‬‬ ‫اب ْالهُ‪##‬و ِن بِ َم‪##‬ا ُك ْنتُ ْم تَقُولُ‪##‬ونَ َعلَى هَّللا ِ َغ ْي‪َ #‬‬ ‫ْاليَوْ َم تُجْ‪ #‬زَ وْ نَ َع‪َ #‬ذ َ‬
‫تَ ْستَ ْكبِرُونَ ﴾ [األنعام‪]93 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في مس‪##‬يلمة الك‪##‬ذاب الحنفي ك‪##‬ان يس‪##‬جع ويتكهن‬
‫ويدعي النبوة‪ ،‬ويزعم أن هللا أوحى إليه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنها نزلت في عبد هللا بن سعد بن س‪##‬رح ال‪##‬ذي ق‪##‬ال‪:‬‬
‫سأنزل مثل ما أنزل هللا‪ ،‬وارتد عن اإلسالم‪ ،‬فلما دخ‪##‬ل رس‪##‬ول هللا ‪ ‬مك‪##‬ة ف‪##‬ر إلى‬
‫عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عنده‪ ،‬حتى إذا اطمأن أهل مكة أتى به عثمان‬
‫رسول هللا ‪ ‬فاستأمن له(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تحذير‪ #‬من الكذب في الدين واالف‪##‬تراء على هللا‪ ،‬وأن‪##‬ه أعظم‬
‫الظلم والكذب‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬يَسْأَلُونَكَ َع ِن السَّا َع ِة أَيَّانَ‬
‫ت‬
‫اوا ِ‬ ‫ت فِي َّ‬
‫الس‪َ #‬م َ‬ ‫‪#‬و ثَقُلَ ْ‬ ‫ُمرْ َس‪#‬اهَا‪ #‬قُ‪##‬لْ إِنَّ َم‪##‬ا ِع ْل ُمهَ‪##‬ا ِع ْن‪َ #‬د َربِّي اَل ي َُجلِّيهَ‪##‬ا لِ َو ْقتِهَ‪#‬ا‪ #‬إِاَّل هُ‪َ #‬‬
‫ض اَل تَأْتِي ُك ْم إِاَّل بَ ْغتَةً يَسْأَلُونَكَ َكأَنَّكَ َحفِ ٌّي َع ْنهَا قُلْ إِنَّ َما ِع ْل ُمهَا ِع ْن ‪َ #‬د هَّللا ِ َولَ ِك َّن‬ ‫َواأْل َرْ ِ‬
‫اس اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [األعراف‪]187 :‬‬ ‫أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت عندما قال جب‪##‬ل بن أبي قش‪##‬ير وش‪##‬موال بن زي‪##‬د‬
‫من اليهود‪ :‬يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا‪ ،‬فإنا نعلم م‪##‬تى هي؟ ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وروي‪ #‬أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت عن‪##‬دما ق‪##‬الت ق‪##‬ريش لرس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ :‬إن بينن‪##‬ا‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.200/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.220/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.227/‬‬
‫‪217‬‬
‫وبينك قرابة فأسر إلينا متى تكون الساعة؟ فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى االهتم‪##‬ام بالتحض‪##‬ير للس‪##‬اعة‪ ،‬ال البحث عن‬
‫ميعادها؛ فهو آت ال محالة‪ ،‬والشأن ليس فيها‪ ،‬وإنما فيما بعدها‪.‬‬
‫‪#‬ر بِآيَاتِنَ‪##‬ا‬ ‫‪#‬رأَيْتَ ال ِذي َكفَ‪َ #‬‬
‫َّ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬أَفَ‪َ #‬‬
‫ْب أَ ِم اتَّ َخ َذ ِع ْن َد الرَّحْ َم ِن َع ْهدًا َكاَّل َسنَ ْكتُبُ َم‪##‬ا يَقُ‪##‬و ُل‬ ‫َوقَا َل أَل ُوتَيَ َّن َمااًل َو َولَ ًدا‪ #‬أَطَّلَ َع ْال َغي َ‬
‫ب َم ًّدا﴾ [مريم‪ 77 :‬ـ ‪]79‬؟‬ ‫َونَ ُم ُّد لَهُ ِمنَ ْال َع َذا ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن خب‪##‬اب بن األرت ق‪##‬ال‪ :‬ك‪##‬ان لي دين على الع‪##‬اص بن‬
‫وائل فأتيته أتقاضاه فق‪#‬ال‪ :‬ال وهللا ح‪#‬تى تكف‪#‬ر بمحم‪#‬د‪ ،‬قلت‪ :‬ال وهللا ال أكف‪#‬ر بمحم‪#‬د‬
‫حتى تموت ثم تبعث‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬إني إذا مت ثم بعثت‪ ،‬جئ‪##‬ني وس‪##‬يكون لي ثم م‪##‬ال وول‪##‬د‬
‫فأعطيك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى هذه اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها تصوير لغرور‪ #‬الجاحدين المانعين‪ ،‬وتوهمهم أن النعم ال‪##‬تي‬
‫حصلوا عليها في الدنيا ستبقى لهم مطلقا‪.‬‬
‫اس َم ْن يَ ْعبُ ‪ُ #‬د هَّللا َ‬
‫﴿و ِمنَ النَّ ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َس‪َ #‬ر‬ ‫ب َعلَى َوجْ ِه‪ِ #‬ه خ ِ‬ ‫ص‪#‬ابَ ْتهُ فِ ْتنَ‪#‬ةٌ ا ْنقَلَ َ‬ ‫صابَهُ خَ ْي‪ٌ #‬ر ْ‬
‫اط َم‪##‬أ َ َّن بِ‪ِ #‬ه َوإِ ْن أَ َ‬ ‫ف فَإِ ْن أَ َ‬ ‫َعلَى َحرْ ٍ‬
‫ُوال ُخ ْس َرانُ ْال ُمبِينُ ﴾ [الحج‪]11 :‬؟‬ ‫ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َرةَ َذلِكَ ه ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها ن‪##‬زلت في أع‪##‬راب ك‪##‬انوا يق‪##‬دمون على رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫المدينة مهاجرين من ب‪##‬اديتهم‪ ،‬وك‪##‬ان أح‪##‬دهم إذا ق‪##‬دم المدين‪##‬ة ف‪##‬إن ص‪##‬ح به‪##‬ا جس‪##‬مه‬
‫ونتجت فرسه مهرا حسنا وول‪##‬دت امرأت‪##‬ه غالم‪##‬ا وك‪##‬ثر مال‪#‬ه وماش‪##‬يته رض‪#‬ي‪ #‬عن‪#‬ه‬
‫واطمأن‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬ا أص‪##‬بت من‪##‬ذ دخلت في دي‪##‬ني ه‪##‬ذا إال خ‪##‬يرا‪ ،‬وإن أص‪##‬ابه وج‪##‬ع‬
‫المدينة وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرت‪ #‬عن‪##‬ه الص‪##‬دقة‪،‬‬
‫أتاه الشيطان فقال‪ :‬وهللا م‪##‬ا أص‪##‬بت من‪##‬ذ كنت على دين‪##‬ك ه‪##‬ذا إال ش‪##‬را‪ ،‬فينقلب على‬
‫دينه‪ ،‬فأنزل هللا تعالى اآلية(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وول‪##‬ده‬
‫وتشاءم‪ #‬باإلسالم‪ ،‬فأتى‪ #‬النبي ‪ ‬فقال‪ :‬أقلني‪ ،‬فقال‪( :‬إن اإلسالم ال يقال)‪ ،‬فقال‪ :‬إني‬
‫لم أصب في ديني هذا خ‪#‬يرا‪ ،‬أذهب بص‪#‬ري‪ #‬وم‪#‬الي‪ #‬وول‪#‬دي‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬ي‪#‬ا يه‪##‬ودي إن‬
‫اإلسالم يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب)‪ ،‬ونزلت(‪.)4‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها دعوة للتج‪##‬رد واإلخالص‪ ،‬وأن اإلس‪##‬الم الحقيقي ال يتحق‪##‬ق‬
‫به إال من خال من األغراض واألهواء‪.‬‬
‫َص‪ُ ##‬موا‬ ‫ان اخت َ‬ ‫ْ‬ ‫ان خَصْ َم ِ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪﴿ :‬هَذ ِ‬
‫ْ‬
‫وس‪ِ #‬ه ُ‪#‬م ال َح ِمي ُم﴾‬ ‫ق ُر ُء ِ‬ ‫ُص‪#‬بُّ ِم ْن فَ‪##‬وْ ِ‪#‬‬ ‫‪#‬ار ي َ‬ ‫ت لَهُ ْم ثِيَ‪##‬ابٌ ِم ْن نَ‪ٍ #‬‬ ‫فِي َربِّ ِه ْم فَالَّ ِذينَ َكفَرُوا قُطِّ َع ْ‬

‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.227/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.300/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.303/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.303/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪218‬‬
‫[الحج‪]19 :‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي عن أبي ذر قال‪ :‬أقسم باهلل لنزلت في ه‪##‬ؤالء الس‪##‬تة‪ :‬حم‪##‬زة‬
‫وعبيدة وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة والوليد‪ #‬بن عتبة(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن عباس قال‪ :‬هم أهل الكتاب قالوا للمؤم‪##‬نين‪:‬‬
‫نحن أولى باهلل معكم وأقدم منكم كتبا ونبينا قب‪##‬ل ن‪##‬بيكم‪ ،‬وق‪##‬ال المؤمن‪##‬ون‪ :‬نحن أح‪##‬ق‬
‫باهلل‪ ،‬آمنا بمحمد ‪ ‬وآمنا بن‪##‬بيكم وبم‪##‬ا أن‪##‬زل هللا من كت‪##‬اب‪ ،‬ف‪##‬أنتم‪ #‬تعرف‪##‬ون نبين‪##‬ا ثم‬
‫تركتم‪##‬وه وكف‪##‬رتم‪ #‬ب‪##‬ه حس‪##‬دا‪ ،‬وك‪##‬انت ه‪##‬ذه خص‪##‬ومتهم‪ #‬في ربهم‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى‬
‫اآلية(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها إشارة إلى الفرق بين خصومة المؤمنين وغيرهم في ربهم؛‬
‫ف‪##‬المؤمنون‪ #‬يلق‪##‬ون رض‪##‬ا هللا‪ ،‬وغ‪##‬يرهم يلق‪##‬ون س‪##‬خطه‪ ..‬وه‪##‬ذا م‪##‬ا يس‪##‬لي المؤم‪##‬نين‬
‫ويدعوهم‪ #‬إلى استعمال كل وسائل الهداية التي يطيقون‪.‬‬
‫ب فَ َما‬ ‫خَذنَاهُْ‪#‬م بِ ْال َع َذا ِ‬
‫﴿ولَقَ ْد أَ ْ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َض َّر ُعونَ ﴾ [المؤمنون‪]76 :‬؟‬ ‫ا ْستَ َكانُوا‪ #‬لِ َربِّ ِه ْم َو َما يَت َ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي عن ابن عب‪##‬اس ق‪##‬ال‪ :‬لم‪##‬ا أتى ثمام‪##‬ة بن أث‪##‬ال الحنفي إلى‬
‫رسول هللا ‪ ‬فأسلم‪ #‬وهوأسير‪ #‬فخلى سبيله‪ ،‬فلحق باليمامة فحال بين أهل مك‪##‬ة وبين‬
‫الميرة من يمام‪##‬ة وأخ‪##‬ذ هللا تع‪##‬الى قريش‪#‬ا‪ #‬بس‪##‬ني الج‪##‬دب ح‪##‬تى أكل‪##‬وا العله‪##‬ز‪ ،‬فج‪##‬اء‬
‫أبوس‪##‬فيان إلى الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬ال‪ :‬أنش‪##‬دك هللا وال‪##‬رحم أليس ت‪##‬زعم أن‪##‬ك بعثت رحم‪##‬ة‬
‫للعالمين؟ ق‪##‬ال‪( :‬بلى)‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬د قتلت اآلب‪##‬اء بالس‪##‬يف واألبن‪##‬اء ب‪##‬الجوع‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا‬
‫تعالى هذه اآلية(‪.)3‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها بيان لبعض س‪##‬نن هللا تع‪##‬الى في تربي‪##‬ة عب‪##‬اده وإيق‪##‬اظهم من‬
‫غفلتهم‪ ،‬وهو ابتالؤهم بأنواع العذاب‪ ،‬لعلهم يعودوا‪ #‬إلى ربهم‪ ،‬ويثوبوا‪ #‬إلى رشدهم‪.‬‬
‫اس َم ْن يَقُ‪##‬و ُل آ َمنَّا‬ ‫﴿و ِمنَ النَّ ِ‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ك لَيَقُ‪##‬ولُ َّن‬ ‫ب هَّللا ِ َولَئِ ْن َج‪ #‬ا َء ن ْ‬
‫َص ‪ٌ #‬ر ِم ْن َربِّ َ‬ ‫اس َك َع َذا ِ‬ ‫ي فِي هَّللا ِ َج َع َل فِ ْتنَةَ النَّ ِ‬ ‫بِاهَّلل ِ فَإِ َذا أُو ِذ َ‬
‫ُور ْال َعالَ ِمينَ ﴾ [العنكبوت‪]10 :‬؟‬ ‫صد ِ‪#‬‬ ‫ْس هَّللا ُ بِأ َ ْعلَ َم بِ َما فِي ُ‬‫إِنَّا ُكنَّا َم َع ُك ْم أَ َولَي َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في أناس كانوا يؤمن‪##‬ون بألس‪##‬نتهم‪ #،‬ف‪##‬إذا أص‪##‬ابهم‬
‫بالء من هللا ومصيبة في أنفسهم افتتنوا‪ ..‬وقي‪#‬ل ن‪#‬زلت في أن‪#‬اس من المن‪#‬افقين بمك‪#‬ة‬
‫ك‪#‬انوا يؤمن‪#‬ون‪ ،‬ف‪#‬إذا أوذوا رجع‪#‬وا إلى الش‪#‬رك‪ ..‬وقي‪#‬ل‪ :‬ن‪#‬زلت في المؤم‪#‬نين ال‪#‬ذين‬
‫أخ‪##‬رجهم المش‪##‬ركون إلى ب‪##‬در فارت‪##‬دوا‪ #‬وهم ال‪##‬ذين ن‪##‬زلت فيهم‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ تَ َوفَّاهُ ُم‬
‫ض قَالُوا‪ #‬أَلَ ْم تَ ُك ْن‬ ‫ْال َماَل ئِ َكةُ ظَالِ ِمي أَ ْنفُ ِس ِه ْم قَالُوا فِي َم ُك ْنتُ ْم قَالُوا ُكنَّا ُم ْستَضْ َعفِينَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ص‪#‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪]97 :‬؟‬ ‫ت َم ِ‬ ‫ك َم‪##‬أْ َواهُ ْم َجهَنَّ ُم َو َس‪#‬ا َء ْ‬‫أَرْ ضُ هَّللا ِ َوا ِس َعةً فَتُهَا ِجرُوا فِيهَا فَأُولَئِ َ‪#‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.307/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.308/‬‬
‫‪ )(3‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.308/‬‬
‫‪219‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا تح‪##‬ذير‪ #‬من الس‪##‬قوط في االختب‪##‬ارات ال‪##‬تي يبتلي هللا تع‪##‬الى‬
‫المؤم‪#‬نين ليمحص‪#‬هم‪ #‬ويم‪#‬يزهم به‪#‬ا عن غ‪#‬يرهم‪ ،‬وهي تش‪#‬مل ك‪#‬ل الن‪#‬اس‪ ،‬وفي ك‪#‬ل‬
‫األزمنة‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫ق َ َواَل‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أيُّهَ‪##‬ا النَّبِ ُّي اتَّ ِ‬
‫تُ ِط ِع ْال َكافِ ِرينَ َو ْال ُمنَافِقِينَ إِ َّن هَّللا َ َكانَ َعلِي ًما َح ِكي ًما﴾ [األحزاب‪]1 :‬؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في أبي س‪##‬فيان وعكرم‪##‬ة بن أبي جه‪##‬ل وأبي‬
‫األعور عمروبن سفيان السلمي قدموا‪ #‬المدينة بعد قتال أحد‪ ،‬فنزلوا‪ #‬على عب‪##‬د هللا بن‬
‫أبي‪ ،‬وقد‪ #‬أعطاهم النبي ‪ ‬األمان على أن يكلم‪##‬وه‪ ،‬فق‪##‬ام معهم عب‪##‬د هللا بن س‪##‬عد بن‬
‫أبي سرح وطعم‪##‬ة بن أب‪##‬يرق‪ ،‬فق‪#‬الوا للن‪##‬بي ‪ :‬ارفض ذك‪#‬ر آلهتن‪##‬ا الالت والع‪##‬زى‬
‫ومناة‪ ،‬وقل إن لها شفاعة ومنفعة لمن عب‪##‬دها ون‪##‬دعك ورب‪##‬ك‪ ،‬فش‪#‬ق‪ #‬على الن‪##‬بي ‪‬‬
‫قولهم‪.)2(#‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيها نهي للمؤمنين عن اإلذع‪##‬ان لم‪##‬ا يطلب‪##‬ه ك‪##‬ل المنح‪##‬رفين عن‬
‫الدين األصيل‪ ..‬وفيها‪ #‬دعوة لالهتمام بأصالة الدين قبل االهتمام بتكثير‪ #‬سواد أتباعه‪.‬‬
‫﴿و ْي‪ٌ #‬ل لِ ْل ُمطَفِّفِينَ الَّ ِذينَ إِ َذا‬ ‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ك أَنَّهُ ْم‬ ‫ُ‬
‫اس يَ ْستَوْ فُونَ َوإِ َذا َك‪##‬الُوهُ ْم أَو َوزَ نُ‪##‬وهُْ‪#‬م ي ُْخ ِس‪#‬رُونَ أَاَل يَظُ ُّن أولَئِ‪َ #‬‬ ‫ا ْكتَالُوا َعلَى النَّ ِ‬
‫َظ ٍيم يَوْ َم يَقُو ُم النَّاسُ لِ َربِّ ْال َعالَ ِمينَ ﴾ [المطففين‪ 1 :‬ـ ‪]6‬؟‬ ‫َم ْبعُوثُ َ‪#‬‬
‫ون لِيَوْ ٍم ع ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه لما قدم الن‪##‬بي ‪ ‬المدين‪##‬ة ك‪##‬انوا من أخبث الن‪##‬اس كيال‪،‬‬
‫فأنزل هللا تعالى اآلية‪ ،‬فأحسنوا‪ #‬الكيل بعد ذلك(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه ك‪##‬ان بالمدين‪##‬ة تج‪##‬ار يطفف‪##‬ون‪ ،‬وك‪##‬انت بياع‪##‬اتهم‬
‫كشبه القمار‪ :‬المنابذة والمالمس‪##‬ة والمخ‪#‬اطرة‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪#‬الى ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬فخ‪##‬رج‬
‫رسول هللا ‪ ‬إلى السوق وقرأها(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه لما قدم رس‪##‬ول هللا ‪ ‬المدين‪##‬ة وبه‪##‬ا رج‪##‬ل يق‪##‬ال‬
‫له‪( :‬أبوجهينة) ومعه صاعان يكيل بأحدهما‪ #‬ويكتال ب‪##‬اآلخر‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪ #‬هللا تع‪##‬الى ه‪##‬ذه‬
‫اآلية(‪.)5‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا نهي عن األث‪##‬رة‪ ،‬ودع‪##‬وة للع‪##‬دل واإلنص‪##‬اف‪ ،‬وفي‪ #‬ك‪##‬ل‬
‫الشؤون الحسية والمعنوية‪.‬‬
‫ض ‪ْ #‬بحًا‬ ‫ت َ‬ ‫ْ‬
‫﴿وال َعا ِديَ‪##‬ا ِ‬ ‫ق‪##‬ال اإلم‪##‬ام‪ :‬ومن ي‪##‬ذكر لي س‪##‬بب ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ْ‬ ‫إْل‬ ‫َّ‬
‫طنَ بِ ِه َج ْم ًع‪##‬ا إِن ا ِ ن َس‪#‬انَ لِ َربِّ ِه‬ ‫ص ْبحًا فَأَثَرْ نَ بِ ِه نَ ْقعًا فَ َو َس ْ‬
‫ت ُ‬ ‫ت قَ ْدحًا فَ ْال ُم ِغي َرا ِ‪#‬‬
‫وريَا ِ‬ ‫فَ ْال ُم ِ‬
‫لَ َكنُو ٌد َوإِنَّهُ َعلَى َذلِكَ لَ َش ِهي ٌد َوإِنَّهُ لِحُبِّ ْالخَ ي ِْر لَ َش ِدي ٌد أَفَاَل يَ ْعلَ ُم إِ َذا بُ ْعثِ ‪َ #‬ر َم‪##‬ا فِي ْالقُبُ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ور‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.341/‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.349/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.446/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪220‬‬
‫ُور إِ َّن َربَّهُ ْم بِ ِه ْم يَوْ َمئِ ٍذ لَ َخبِيرٌ﴾ [العاديات‪ 1 :‬ـ ‪]11‬؟‬
‫َوحُصِّ َل َما فِي الصُّ د ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت عن‪##‬دما بعث رس‪##‬ول هللا ‪ ‬س‪##‬رية إلى حي من‬
‫كنانة واستعمل‪ #‬عليهم المنذر بن عمرواألنصاري‪ ،‬فتأخر خ‪##‬برهم‪ ،‬فق‪##‬ال المن‪##‬افقون‪:‬‬
‫ض‪ْ #‬بحًا ﴾‬‫ت َ‬ ‫قتلوا جميعا‪ ،‬فأخبر هللا تعالى عنه‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى اآلي‪##‬ة‪َ ﴿ ،‬و ْال َعا ِديَ‪##‬ا ِ‪#‬‬
‫يعني‪ :‬تلك الخيل(‪.)1‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفي السورة تصوير‪ #‬لنفس اإلنسان‪ ،‬ودعوة لتزكيته‪##‬ا‪ ،‬واس‪##‬تعمال‪#‬‬
‫الوسائل المختلفة لذلك‪ ،‬بما فيها ذكر اآلخرة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام‪ :‬ومن يذكر لي سبب نزول قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ يَ‪##‬ا أيُّهَ‪##‬ا ال َك‪##‬افِر َ‪#‬‬
‫ُون اَل‬
‫أَ ْعبُ ُد َما تَ ْعبُ ُدونَ َواَل أَ ْنتُ ْم عَابِ ُدونَ َما أَ ْعبُ ُد َواَل أَنَا عَابِ ٌد َما َعبَ ‪ْ #‬دتُ ْم َواَل أَ ْنتُ ْم عَابِ‪ُ #‬دونَ َم‪##‬ا‬
‫أَ ْعبُ ُد لَ ُك ْم ِدينُ ُك ْم َولِ َي ِدي ِن﴾ [الكافرون‪ 1 :‬ـ ‪]6‬؟‬
‫قال أحدهم‪ :‬روي أنها نزلت في ره‪##‬ط من ق‪##‬ريش ق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د هلم ف‪##‬اتبع‬
‫ديننا ونتبع دينك‪ ،‬تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة‪ ،‬فإن كان الذي جئت به خيرا مم‪##‬ا‬
‫بأيدينا‪ #‬كنا قد شركناك فيه وأخذنا‪ #‬بحظنا من‪#‬ه‪ ،‬وإن ك‪#‬ان ال‪##‬ذي بأي‪##‬دينا خ‪##‬يرا مم‪##‬ا في‬
‫يدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك‪ ،‬فقال‪( :‬معاذ هللا أن أشرك به غ‪##‬يره)‪،‬‬
‫ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى الس‪##‬ورة‪ ،‬فغ‪##‬دا رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إلى المس‪##‬جد الح‪##‬رام وفي‪##‬ه المأل من‬
‫قريش‪ ،‬فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة‪ ،‬فأيسوا‪ #‬منه عند ذلك(‪.)2‬‬
‫قال المعلم‪ :‬وفيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى ال‪##‬براءة التام‪##‬ة من ك‪##‬ل دين غ‪##‬ير دين اإلس‪##‬الم‪،‬‬
‫وفيها‪ #‬تحذير من خلط اإلسالم بغيره‪ ،‬أو عبودية هللا بغيرها‪.‬‬

‫‪ )(1‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.462/‬‬


‫‪ )(2‬أسباب نزول القرآن‪ ،‬الواحدي‪.466/‬‬
‫‪221‬‬
‫رابعا ـ القرآن‪ ..‬ومحال النزول‬
‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬وجدت نفسي في ش‪##‬ارع آخ‪##‬ر‪ ،‬لم يكن يختل‪##‬ف كث‪##‬يرا‬
‫عن الشارع‪ #‬السابق‪ ،‬إال أني الحظت بدل االهتمام بأس‪##‬باب ال‪##‬نزول‪ ،‬اهتمام‪##‬ا مبالغ‪##‬ا‬
‫في‪##‬ه بمح‪##‬ال ال‪##‬نزول‪ ،‬وأماكنه‪##‬ا‪ ،‬وخصوص ‪#‬ا‪ #‬بم‪##‬ا يطل‪##‬ق علي‪##‬ه [المكي والم‪##‬دني]‪،‬‬
‫والخالف الوارد‪ #‬في بعض السور واآليات إلى حد الج‪##‬دل والص‪##‬راع الص‪##‬ارف عن‬
‫التدبر والتأثر‪ #‬واالنفعال‪.‬‬
‫‪ .1‬تصنيفات وتحقيقات‪:‬‬
‫لكن ـ مع ذلك ـ س‪##‬معت الكث‪##‬ير من الح‪##‬وارات العلمي‪##‬ة الطيب‪##‬ة ال‪##‬تي يمكن أن‬
‫يستفاد منها في تدبر القرآن الكريم والتعرف على الظروف‪ #‬ال‪##‬تي ن‪##‬زل فيه‪##‬ا‪ ،‬وال‪##‬تي‬
‫قد ال تختلف عن ظروف أخرى يمر بها المتدبر للقرآن الكريم‪ ،‬ويستعين بذلك على‬
‫فهمه وتطبيقه الجيد لظروف‪ #‬النزول على ظروف واقعه‪.‬‬
‫المفهوم والحدود‪:‬‬
‫ومن تلك الحوارات الجميلة النافع‪##‬ة‪ ،‬أني التقيت في بعض ح‪##‬دائق ذل‪##‬ك الحي‬
‫صبيان‪ ،‬يقول أحدهما لصاحبه‪ :‬ما الذي تراه في تحديد مفهوم المكي والمدني‪ #..‬ه‪##‬ل‬
‫ترى اعتبار الزمان أم المكان؟‬
‫قال الثاني‪ :‬أنا أرى اعتبار الزمان‪ ..‬فالمكي هو ما نزل قبل الهجرة‪ ،‬والمدني‪#‬‬
‫هو ما نزل بعدها‪ ،‬سواء نزل بمكة أم بالمدينة‪ ،‬عام الفتح أو ع‪##‬ام حج‪##‬ة ال‪##‬وداع‪ ،‬في‬
‫س‪##‬فر أو في حضر(‪ ..)1‬وق‪##‬د‪ #‬روي ه‪##‬ذا التعري‪##‬ف عن يح‪##‬يى بن س‪##‬الم البص‪##‬ري‪#‬‬
‫المفسر‪ ،‬حيث قال‪( :‬ما نزل بمكة وما نزل بطري‪#‬ق‪ #‬المدين‪#‬ة قب‪#‬ل أن يبل‪#‬غ الن‪#‬بي ‪‬‬
‫المدينة‪ ،‬فهو من المكي‪ ،‬وما نزل على النبي ‪ ‬في أسفاره بعد ما قدم المدين‪##‬ة فه‪##‬و‬
‫من المدني) (‪)2‬‬
‫قال األول‪ :‬أما أنا؛ فأرى‪ #‬أن التعريف‪ #‬المناس‪##‬ب ه‪##‬و تعريف‪##‬ه بحس‪##‬ب المك‪##‬ان؛‬
‫فالمكي‪ #‬ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة‪ ،‬والمدني‪ #‬ما نزل بالمدينة(‪ ..)3‬وقد قسّم هبة هللا‬
‫بن سالمة المفسر البغدادي المكي إلى قسمين‪ ،‬هما‪ :‬المكي األول‪ ،‬وهو م‪##‬ا ن‪##‬زل في‬
‫مكة قبل الهجرة‪ ،‬والمكي األخير‪ :‬وهو ما نزل فيها بعد الفتح(‪.)4‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن التعريف األول أكثر فائدة‪ ،‬وأكثر ارتباط‪##‬ا ب‪##‬الواقع‪ ..‬ذل‪##‬ك أن‬
‫المس‪##‬لمين ك‪##‬انوا في تل‪##‬ك الف‪##‬ترة مستض‪##‬عفين مظل‪##‬ومين‪ ،‬بخالف ح‪##‬الهم في الف‪##‬ترة‬
‫الثانية‪ ،‬والتي شملت وجودهم في مكة أو المدينة‪.‬‬
‫قال األول‪ :‬من هذه الناحية لك الحق في ذلك‪ ..‬فالمكي يمثل ف‪##‬ترة استض‪##‬عاف‪#‬‬
‫البرهان ‪.1/178‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الداني‪ :‬كتاب البيان‪.132/‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البرهان ‪.1/178‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الناسخ والمنسوخ‪.322/‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪222‬‬
‫المسلمين‪ ،‬والمدني‪ #‬يمثل فترة خروجهم‪ #‬من ذلك االستضعاف‪ #..‬ثم تح‪##‬ولهم ت‪##‬دريجيا‪#‬‬
‫إلى قوة معتبرة يحسب لها ألف حساب‪.‬‬
‫قال الثاني(‪ :)1‬نسيت أن أذكر لك أن هناك تعريفا آخر للمكي والم‪##‬دني‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫أن المكي ما وقع خطابا ألهل مكة‪ ،‬والمدني ما وقع خطابا أله‪##‬ل المدين‪##‬ة‪ ..‬وي‪##‬روى‬
‫عن عبد هللا بن مسعود‪ ،‬فقد روي عنه قوله‪( :‬كل ش‪##‬يء ن‪##‬زل في‪##‬ه‪﴿ :‬ي‪#‬ا أيه‪##‬ا الن‪##‬اس﴾‬
‫فهو بمكة‪ ،‬وكل شيء نزل فيه ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فهو بالمدينة) (‪)2‬‬
‫قال األول(‪ :)3‬لكن هذا األث‪#‬ر ليس ص‪##‬الحا لالس‪#‬تدالل له‪##‬ذا الم‪#‬ذهب‪ ،‬ألن ابن‬
‫مسعود‪ #‬لم يقصد وضع ضابط وتعريف‪ #‬للمكي والم‪##‬دني‪ ،‬إنم‪##‬ا أراد بي‪##‬ان عالم‪##‬ة من‬
‫عالمات القرآن المكي والمدني‪ ،‬أو تفس‪#‬يرا لبي‪#‬ان الم‪#‬راد به‪#‬ذا الخط‪#‬اب‪ ،‬وه‪#‬و أم‪#‬ر‬
‫أغلبي ليس مضطردا دائما‪.‬‬
‫قال الثاني(‪ :)4‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن هذا المذهب في تفسير المكي والم‪##‬دني‬
‫أضيق من غيره‪ ،‬ألنه قد تقيد باألشخاص المعينين في أمكنة معينة‪ ،‬وتقيد بموضوع‬
‫معين هو ما كان فيه خطاب من آيات القرآن‪ ،‬فبقي القسم األك‪##‬بر من الق‪##‬رآن خ‪##‬ارج‬
‫هذا المنهج في تعريف‪ #‬المكي والمدني‪#.‬‬
‫قال األول(‪ :)5‬نسيت أن أذكر لك أيضا أنه ين‪##‬درج في ض‪##‬من المكي والم‪##‬دني‬
‫أن‪##‬واع كث‪##‬يرة من البح‪##‬وث المتص‪##‬لة ب‪##‬الظروف‪ #‬المحيط‪##‬ة ب‪##‬نزول الق‪##‬رآن كالس‪##‬فري‬
‫والحضري‪ ،‬والليلي والنهاري‪ ،‬وما حمل من مكة إلى المدينة‪ ،‬وما حمل من المدينة‬
‫إلى مكة‪ ،‬وما نزل بالمدينة وحكمه مكي‪ ،‬وما نزل بمكة وحكمه مدني‪ ،‬وغيرها من‬
‫البح‪##‬وث ال‪##‬تي ت‪##‬دل على االعتن‪##‬اء العجيب ال‪##‬ذي أحي‪##‬ط ب‪##‬ه الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وتوف‪##‬ير‪#‬‬
‫وسائل دراسته من جميع الجهات‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬هيا بنا نراجع ترتيب سور‪ #‬الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ #‬بحس‪##‬ب ت‪##‬اريخ نزوله‪##‬ا‬
‫ومحله‪ ..‬فالشك أن األستاذ سيمتحننا‪ #‬عنها اليوم‪.‬‬
‫قال األول‪ :‬هيا‪ ..‬فلنبدأ بالسور‪ #‬المكية؛ فأنا أحفظها جيدا‪ ..‬فقد قال مج‪##‬د ال‪##‬دين‬
‫الفيروز‪ #‬آبادي في ترتيبها‪( #:‬اتفقوا على أن أول السور‪ #‬المكية اقرأ باس‪##‬م رب‪##‬ك ال‪##‬ذي‬
‫خلق‪ ،‬ثم ن والقلم وما يسطرون‪ ،‬ثم سورة المزمل‪ ،‬ثم سورة المدثر‪ ،‬ثم سورة تبت‪،‬‬
‫ثم إذا الشمس كورت‪ ،‬ثم سبح اسم ربك األعلى‪ ،‬ثم والليل إذا يغشى‪ ،‬ثم والفج‪##‬ر‪ ،‬ثم‬
‫والض‪##‬حى‪ ،‬ثم ألم نش‪##‬رح‪ ،‬ثم والعص‪##‬ر‪ ،‬ثم والعادي‪##‬ات‪ ،‬ثم الك‪##‬وثر‪ ،‬ثم أله‪##‬اكم‪ ،‬ثم‬
‫أرأيت‪ ،‬ثم الكافرون‪ ،‬ثم ألم تر كيف فعل‪ ،‬ثم الفلق‪ ،‬ثم الناس‪ ،‬ثم قل هو هللا أح‪##‬د‪ ،‬ثم‬
‫والنجم‪ ،‬ثم عبس‪ ،‬ثم الق‪###‬در‪ ،‬ثم والش‪###‬مس وض‪###‬حاها‪ ،‬ثم ال‪###‬بروج‪ ،‬ثم وال‪###‬تين‪ ،‬ثم‬
‫إليالف‪ ،‬ثم القارع‪###‬ة‪ ،‬ثم ال أقس‪###‬م بي‪###‬وم القيام‪###‬ة‪ ،‬ثم وي‪###‬ل لك‪###‬ل هم‪###‬زة لم‪###‬زة‪ ،‬ثم‬
‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫البرهان‪ 1/189 :‬ـ ‪.190‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪223‬‬
‫والمرسالت‪ ،‬ثم ق والقرآن المجيد‪ ،‬ثم ال أقسم بهذا البل‪##‬د‪ ،‬ثم والس‪##‬ماء والط‪##‬ارق‪ ،‬ثم‬
‫اقتربت الساعة‪ ،‬ثم ص‪ ،‬ثم األعراف‪ ،‬ثم قل أوحى‪ ،‬ثم يس‪ ،‬ثم الفرقان‪ ،‬ثم المالئكة‬
‫(فاطر)‪ ،‬ثم مريم‪ ،‬ثم طه‪ ،‬ثم الواقع‪##‬ة‪ ،‬ثم الش‪##‬عراء‪ ،‬ثم النم‪##‬ل‪ ،‬ثم القص‪##‬ص‪ ،‬ثم ب‪##‬ني‬
‫إس‪##‬رائيل‪ ،‬ثم ي‪##‬ونس‪ ،‬ثم ه‪##‬ود‪ ،‬ثم يوس‪##‬ف‪ ،‬ثم الحج‪##‬ر‪ ،‬ثم األنع‪##‬ام‪ ،‬ثم الص‪##‬افات‪ ،‬ثم‬
‫لقمان‪ ،‬ثم سبأ‪ ،‬ثم الزمر‪ ،‬ثم المؤمن‪ ،‬ثم حم السجدة‪ ،‬ثم حم عس‪##‬ق‪ ،‬ثم الزخ‪##‬رف‪ ،‬ثم‬
‫الدخان‪ ،‬ثم الجاثية‪ ،‬ثم األحقاف‪ ،‬ثم الذاريات‪ ،‬ثم الغاش‪#‬ية‪ ،‬ثم الكه‪#‬ف‪ ،‬ثم النح‪##‬ل‪ ،‬ثم‬
‫س‪##‬ورة ن‪##‬وح‪ ،‬ثم س‪##‬ورة إب‪##‬راهيم‪ ،‬ثم س‪##‬ورة األنبي‪##‬اء‪ ،‬ثم ق‪##‬د أفلح المؤمن‪##‬ون‪ ،‬ثم الم‬
‫السجدة‪ ،‬ثم الطور‪ ،‬ثم تبارك الملك‪ ،‬ثم الحاقة‪ ،‬ثم س‪##‬أل س‪##‬ائل‪ ،‬ثم عم يتس‪##‬آءلون‪ ،‬ثم‬
‫النازعات‪ ،‬ثم إذا السماء انفطرت‪ ،‬ثم إذا السماء انشقت‪ ،‬ثم الروم‪ ،‬ثم العنكب‪##‬وت‪ ،‬ثم‬
‫المطففين‪ ..‬فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة‪ ،‬وبهذا الترتيب(‪.)1‬‬
‫قال الثاني‪ :‬وال تنس ما ذكره الزركشي بعد ذكر هذا الترتيب‪ ،‬فقد قال ـ بع‪##‬د‬
‫ذكر سورة الروم ـ‪( :‬واختلفوا في آخر ما نزل بمكة‪ ،‬فق‪##‬ال ابن عب‪##‬اس‪ :‬العنكب‪##‬وت‪..‬‬
‫وقال الضحاك وعطاء‪ :‬المؤمنون‪ ..‬وقال مجاه‪##‬د‪ :‬وي‪##‬ل للمطففين‪ ..‬فه‪##‬ذا ت‪##‬رتيب م‪##‬ا‬
‫نزل من الق‪##‬رآن بمك‪##‬ة‪ ،‬وعلي‪##‬ه اس‪##‬تقرت الرواي‪##‬ة من الثق‪##‬ات‪ ،‬وهي خمس وثم‪##‬انون‪#‬‬
‫سورة) (‪)2‬‬
‫قال األول‪ :‬لقد سردت عليك ما حفظته من ترتيب السور‪ #‬المكية؛ فاس‪##‬رد‪ #‬علي‬
‫ما تحفظه من ترتيب السور المدنية‪.‬‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬روا أن أول م‪##‬ا ن‪##‬زل بالمدين‪##‬ة‪ :‬س‪##‬ورة البق‪##‬رة‪ ،‬ثم س‪##‬ورة‬
‫األنفال‪ ،‬ثم سورة آل عمران‪ ،‬ثم األح‪##‬زاب‪ ،‬ثم الممتحن‪##‬ة‪ ،‬ثم النس‪##‬اء‪ ،‬ثم زل‪##‬زلت‪ ،‬ثم‬
‫الحدي‪##‬د‪ ،‬ثم س‪##‬ورة محم‪##‬د‪ ،‬ثم الرع‪##‬د‪ ،‬ثم ال‪##‬رحمن‪ ،‬ثم ه‪##‬ل أتى على اإلنس‪##‬ان‪ ،‬ثم‬
‫الطالق‪ ،‬ثم لم يكن‪ ،‬ثم الحش‪####‬ر‪ ،‬ثم إذا ج‪####‬اء نص‪####‬ر هللا‪ ،‬ثم الن‪####‬ور‪ ،‬ثم الحج‪ ،‬ثم‬
‫المن‪###‬افقون‪ ،‬ثم المجادل‪###‬ة‪ ،‬ثم الحج‪###‬رات‪ ،‬ثم التح‪###‬ريم‪ ،‬ثم الجمع‪###‬ة‪ ،‬ثم التغ‪###‬ابن‪ ،‬ثم‬
‫الصف‪ ،‬ثم الفتح‪ ،‬ثم التوبة‪ ،‬ثم المائدة‪ ..‬وقد قال الفيروز‪ #‬آبادي بعد ذكره لها‪( :‬فه‪##‬ذه‬
‫جملة ما نزل بالمدينة‪ .‬ولم نذكر الفاتحة ألنه مختلف فيها‪ :‬قي‪##‬ل أن‪##‬زلت بمك‪##‬ة‪ ،‬وقي‪#‬ل‪#‬‬
‫بالمدينة ؛ وقيل بكل مرة) (‪ ..)3‬وقد رجح لنا األستاذ أنها نزلت بمكة المكرم‪##‬ة‪ ،‬ورد‬
‫ردا شديدا على من زعم أنها نزلت بالمدينة‪ ،‬أو نزلت مرتين‪.‬‬
‫قال األول‪ :‬كما أنه رد بشدة(‪ )4‬على ما رواه النحاس في [الناسخ والمنس‪##‬وخ]‬
‫عن أبي عمرو بن العالء‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬س‪##‬ألت مجاه‪##‬دا عن تلخيص آي الق‪##‬رآن الم‪##‬دني من‬
‫المكي فق‪##‬ال‪ :‬س‪##‬ألت ابن عب‪##‬اس عن ذل‪##‬ك فق‪##‬ال‪( :‬س‪##‬ورة األنع‪##‬ام ن‪##‬زلت بمك‪##‬ة جمل‪##‬ة‬
‫واحدة‪ ،‬فهي مكية إال ثالث آيات منها نزلن بالمدينة‪ :‬قل تعالوا أتل إلى تم‪##‬ام اآلي‪##‬ات‬

‫بصائر ذوي التمييز (‪ 1/98‬ـ ‪)99‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫البرهان في علوم القرآن (‪ 1/193‬ـ ‪)194‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫بصائر ذوي التمييز (‪)1/99‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫سنعرض للردود المرتبطة باالستثناءات المتعلقة باآليات في محله من هذا الفصل‪.‬‬ ‫‪)( 4‬‬
‫‪224‬‬
‫الثالث‪ ..‬وما تقدم من السور‪ #‬مدنيات‪ ..‬ونزلت بمكة‪ :‬سورة األعراف ويونس وه‪##‬ود‬
‫ويوسف والرعد وإبراهيم‪ #‬والحج‪##‬ر والنح‪##‬ل ـ س‪##‬وى ثالث آي‪##‬ات من آخره‪##‬ا ف‪##‬إنهن‬
‫نزلن بين مكة والمدينة في منصرفه من أحد ـ وسورة بني إسرائيل والكهف وم‪##‬ريم‬
‫وطه واألنبياء والحج ـ س‪##‬وى ثالث آي‪##‬ات‪ :‬ه‪##‬ذان خص‪##‬مان إلى تم‪##‬ام اآلي‪##‬ات الثالث‬
‫فإنهن نزلن بالمدينة ـ وسورة المؤم‪##‬نين والفرق‪##‬ان وس‪##‬ورة الش‪##‬عراء ـ س‪##‬وى‪ #‬خمس‬
‫آيات من أخراه‪##‬ا ن‪##‬زلن بالمدين‪##‬ة‪ :‬والش‪##‬عراء يتبعهم الغ‪##‬اوون إلى آخره‪##‬ا ـ وس‪##‬ورة‬
‫النمل والقصص والعنكبوت‪ #‬والروم ولقمان ـ سوى‪ #‬ثالث آيات منها ن‪##‬زلن بالمدين‪##‬ة‪:‬‬
‫ولو أنما في األرض من شجرة أقالم إلى تمام اآليات ـ وسورة السجدة ـ سوى ثالث‬
‫آيات‪ :‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا إلى تمام اآليات الثالث ـ وسورة س‪##‬بأ وف‪##‬اطر‪#‬‬
‫ويس والصافات وص والزمر‪ #‬ـ سوى ثالث آيات نزلن بالمدينة‪ :‬قل يا عبادي الذين‬
‫أس‪##‬رفوا‪ #‬إلى تم‪#‬ام الثالث آي‪##‬ات ـ والح‪##‬واميم‪ #‬الس‪#‬بع وق وال‪#‬ذاريات‪ #‬والط‪#‬ور‪ #‬والنجم‬
‫والقمر والرحمن والواقعة والصف‪ #‬والتغابن ـ إال آي‪##‬ات من آخره‪##‬ا ن‪##‬زلن بالمدين‪##‬ة ـ‬
‫والملك ون والحاقة وسأل وس‪#‬ورة ن‪#‬وح والجن والمزم‪#‬ل‪ #‬ـ إال آي‪##‬تين‪ :‬إن رب‪##‬ك يعلم‬
‫أنك تقوم ـ والمدثر‪ #‬إلى آخر القرآن‪ ،‬إال إذا زلزلت وإذا ج‪#‬اء نص‪#‬ر هللا وق‪#‬ل ه‪#‬و هللا‬
‫أحد وقل أعوذ برب الفلق وق‪##‬ل أع‪##‬وذ ب‪##‬رب الن‪##‬اس ف‪##‬إنهن م‪##‬دنيات‪ .‬ون‪##‬زل بالمدين‪##‬ة‬
‫سورة األنفال وبراءة والنور واألحزاب وس‪##‬ورة محم‪#‬د والفتح والحج‪##‬رات والحدي‪#‬د‪#‬‬
‫وما بعدها إلى التحريم) (‪)1‬‬
‫الميزات والخصائص‪:‬‬
‫ومنه‪##‬ا أني م‪##‬ررت على فت‪##‬اتين تتح‪##‬دثان‪ ،‬ق‪##‬الت إح‪##‬داهما‪ :‬أن‪##‬ا لم أتعجب من‬
‫شيء في المصاحف‪ ،‬كتعجبي لوضع محل نزول السور القرآنية‪ ..‬فكيف‪ #‬تس‪##‬نى لهم‬
‫معرفة ذلك‪ ،‬مع أنه لم ي‪##‬رد عن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬أي ح‪##‬ديث ي‪##‬بين مكي‪##‬ة أي س‪##‬ورة أو‬
‫مدنيتها؟‬
‫ق‪##‬الت الثاني‪##‬ة‪ :‬ص‪##‬دقت فيم‪##‬ا ذك‪##‬رت عن رس‪##‬ول هللا ‪ ..‬وه‪##‬و ي‪##‬دل على أن‬
‫االهتمام ب‪##‬المكي والم‪##‬دني‪ #‬ليس من أص‪##‬ول المع‪##‬ارف القرآني‪##‬ة‪ ..‬وإنم‪##‬ا ه‪##‬و اجته‪##‬اد‪،‬‬
‫ودليل على الحرص على التعرف على الظروف التي نزل فيها القرآن الكريم‪.‬‬
‫قالت األولى‪ :‬فكيف تسنى لهم معرفة ذلك؟‬
‫قالت الثانية‪ :‬ذلك بسيط جدا‪ ..‬وقد‪ #‬شرحه القاضي أب‪#‬و بك‪#‬ر الب‪##‬اقالني بقول‪#‬ه‪:‬‬
‫(إنما يرج‪##‬ع في معرف‪##‬ة المكي والم‪##‬دني إلى حف‪##‬ظ الص‪##‬حابة الت‪##‬ابعين‪ ،‬ولم ي‪##‬رد عن‬
‫النبي ‪ ‬في ذلك قول‪ ،‬ألنه لم يؤمر به‪ ،‬ولم يجعل هللا علم ذلك من ف‪##‬رائض األم‪##‬ة‪،‬‬
‫وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرف‪#‬ة ت‪#‬اريخ الناس‪#‬خ والمنس‪#‬وخ‪ ،‬فق‪#‬د يع‪#‬رف‬
‫ذلك بغير نص الرسول ‪)2()‬‬
‫قالت األولى‪ :‬فالطريق لمعرفة المكي والم‪##‬دني‪ #‬من س‪##‬ور الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم إذن‬
‫‪ )(1‬اإلتقان في علوم القرآن (‪ 1/39‬ـ ‪)40‬‬
‫‪ )(2‬نقال عن السيوطي‪ :‬االتقان ‪.1/23‬‬
‫‪225‬‬
‫محصور في ما ورد في الروايات؟‬
‫قالت الثانية‪ :‬أكثره كذلك‪ ..‬فق‪##‬د روي عن عب‪##‬د هللا بن عب‪##‬اس أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪( :‬كنت‬
‫ألزم األك‪##‬ابر من أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ‬من المه‪##‬اجرين واألنص‪##‬ار‪ ،‬فأس‪##‬ألهم‪ #‬عن‬
‫مغازي‪ #‬رسول هللا ‪ ‬وما نزل من القرآن في ذلك‪ ،‬وكنت ال آتي أحدا منهم إال س ‪ّ #‬ر‬
‫بإتي‪##‬اني‪ #‬لق‪##‬ربي من رس‪##‬ول هللا ‪ .‬فجعلت أس‪##‬أل أب ّي بن كعب يوم‪##‬ا‪ ،‬وك‪##‬ان من‬
‫الراسخين في العلم‪ ،‬عما نزل من القرآن بالمدين‪#‬ة‪ ،‬فق‪#‬ال‪ :‬ن‪##‬زل به‪##‬ا س‪##‬بع وعش‪##‬رون‬
‫سورة‪ ،‬وسائرها بمكة) (‪)1‬‬
‫ومنها ما روي‪ #‬عن ابن مس‪##‬عود‪ #‬ق‪##‬ال‪( :‬وال‪##‬ذي ال إل‪##‬ه غ‪##‬يره م‪##‬ا من كت‪##‬اب هللا‬
‫سورة إال أنا أعلم حيث نزلت وما من آية إال أنا أعلم فيما أنزلت) (‪)2‬‬
‫ق‪##‬الت األولى‪ :‬كي‪##‬ف ت‪##‬ذكرين أن أك‪##‬ثره ك‪##‬ذلك‪ ..‬فه‪##‬ل يمكن معرف‪##‬ة مث‪##‬ل ه‪##‬ذا‬
‫باالجتهاد؟‪#‬‬
‫قالت الثانية‪ :‬هو ليس اجتهادا بمعنى االجتهاد الذي تستنبط به األحكام‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫هو نوع من القياس الذي يعتمد على جملة من الضوابط التي استخلصها العلماء من‬
‫الروايات المنقولة عن عدد من الصحابة والتابعين في بيان خصائص السور المكي‪##‬ة‬
‫والسور المدنية‪.‬‬
‫قالت األولى‪ :‬فهال ذكرت لي طرفا منها‪.‬‬
‫ق‪##‬الت الثاني‪##‬ة‪ :‬منه‪##‬ا م‪##‬ا روي‪ #‬عن عب‪##‬د هللا بن مس‪##‬عود‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ك‪##‬ل ش‪##‬يء في‬
‫القرآن ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ أنزل بمكة‪ ،‬وكل شيء في القرآن ﴿يا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا﴾ أن‪##‬زل‬
‫بالمدينة) (‪ ..)3‬وقد‪ #‬الحظ العلماء بن‪##‬اء على ه‪##‬ذا أن ﴿ي‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا النَّاسُ ﴾ من‪##‬ه مكي ومن‪##‬ه‬
‫مدني‪ ،‬لكن أكثره مكي(‪.)4‬‬
‫قالت األولى‪ :‬أجل‪ ..‬فمع أن سورة البقرة مدني‪##‬ة إال أن فيه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا‬
‫أَيُّهَا النَّاسُ ا ْعبُدُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم َوالَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة‪ ،]21 :‬وقوله‪:‬‬
‫ت ال َّش ْيطَا ِن إِنَّهُ لَ ُك ْم‬‫ض َحاَل اًل طَيِّبًا َواَل تَتَّبِعُوا‪ُ #‬خطُ َوا ِ‬ ‫﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ُكلُوا ِم َّما فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ين﴾ [البقرة‪]168 :‬‬ ‫َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫قالت الثانية‪ :‬ومثلها سورة النساء‪ ،‬ففيها قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا َربَّ ُك ُم‬
‫ث ِم ْنهُ َم‪##‬ا ِر َج‪ #‬ااًل َكثِ‪##‬يرًا َونِ َس‪#‬ا ًء‬ ‫ق ِم ْنهَ‪##‬ا زَ وْ َجهَ‪#‬ا‪َ #‬وبَ َّ‬ ‫س َوا ِح‪َ #‬د ٍة َو َخلَ‪َ #‬‬‫الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍ‬
‫َواتَّقُوا هَّللا َ الَّ ِذي تَ َسا َءلُونَ بِ ِه َواأْل َرْ َحا َ‪#‬م إِ َّن هَّللا َ َكانَ َعلَ ْي ُك ْم َرقِيبًا﴾‪[ #‬النساء‪ ،]1 :‬وقوله‪﴿ :‬يَا‬
‫أَيُّهَا النَّاسُ قَ ْد َجا َء ُك ُم ال َّرسُو ُ‪#‬ل بِ ْال َح ِّ‬
‫ق ِم ْن َربِّ ُك ْم فَآ ِمنُوا‪ #‬خَ ْي‪#‬رًا لَ ُك ْم َوإِ ْن تَ ْكفُ‪#‬رُوا فَ‪#‬إِ َّن هَّلِل ِ‬
‫ض َو َك‪##‬انَ هَّللا ُ َعلِي ًم‪##‬ا َح ِكي ًم‪##‬ا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]170 :‬وقول‪##‬ه‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫َما فِي َّ‬
‫الس‪َ #‬ما َوا ِ‬
‫الطبقات الكبرى ‪.2/371‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫البخاري‪ 6/186 :‬ـ ‪ 187‬ومسلم‪.7/148 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الحاكم‪ :‬المستدرك ‪ ،3/18‬والبيهقي‪ :‬دالئل النبوة ‪.7/144‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الزركشي‪ :‬البرهان ‪.1/188‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪226‬‬
‫ُمبِينًا﴾ [النساء‪]174 :‬‬ ‫َان ِم ْن َربِّ ُك ْم َوأَ ْنزَ ْلنَا‪ #‬إِلَ ْي ُك ْم نُورًا‬
‫النَّاسُ قَ ْد َجا َء ُك ْم بُرْ ه ٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قالت األولى‪ :‬ومثلها سورة الحج‪ ،‬ففيها قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا َربَّ ُك ْم‬
‫ث فَإِنَّا‬ ‫ب ِمنَ ْالبَ ْع ِ‬ ‫إِ َّن َز ْل َزلَةَ السَّا َع ِة َش ْي ٌء َع ِظي ٌم﴾ [الحج‪﴿]1 :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِ ْن ُك ْنتُ ْم فِي َر ْي ٍ‬
‫‪#‬ر ُمخَ لَّقَ ‪ٍ #‬ة لِنُبَيِّنَ‬ ‫طفَ ٍة ثُ َّم ِم ْن َعلَقَ ٍة ثُ َّم ِم ْن ُمضْ َغ ٍة ُمخَ لَّقَ ‪ٍ #‬ة َو َغ ْي‪ِ #‬‬ ‫ب ثُ َّم ِم ْن نُ ْ‬ ‫خَ لَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن تُ َرا ٍ‬
‫لَ ُك ْم َونُقِرُّ فِي اأْل َرْ َح ِ‪#‬ام َما نَ َشا ُء إِلَى أَ َج ٍل ُم َس‪ّ #‬مًى ثُ َّم نُ ْخ‪ِ #‬ر ُج ُك ْ‪#‬م ِط ْفاًل ثُ َّم لِتَ ْبلُ ُغ‪##‬وا أَ ُش‪َّ #‬د ُك ْم‬
‫َو ِم ْن ُك ْ‪#‬م َم ْن يُتَ َوفَّى َو ِم ْن ُك ْم َم ْن يُ َر ُّد إِلَى أَرْ َذ ِل ْال ُع ُم ِر لِ َك ْياَل يَ ْعلَ َم ِم ْن بَ ْع ِد ِع ْل ٍم َش ْيئًا َوت ََرى‬
‫يج﴾‬ ‫ج بَ ِه ٍ‬ ‫َت ِم ْن ُك‪ِّ #‬ل زَ وْ ٍ‬ ‫ت َوأَ ْنبَت ْ‬ ‫ت َو َربَ ْ‬ ‫ض هَا ِم‪َ #‬دةً فَ‪#‬إِ َذا أَ ْن َز ْلنَ‪##‬ا َعلَ ْيهَ‪##‬ا ْال َم‪##‬ا َء ا ْهتَ‪َّ #‬ز ْ‬‫اأْل َرْ َ‬
‫ب َمثَ‪ٌ ##‬ل‬ ‫ُر َ‬ ‫ين﴾ [الحج‪﴿]49 :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ ض ِ‬ ‫[الحج‪﴿]5 :‬قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ َما أَنَا لَ ُك ْم نَ ِذي ٌر ُمبِ ٌ‬
‫‪#‬و اجْ تَ َم ُع‪##‬وا لَ‪#‬هُ َوإِ ْن‬ ‫ُون هَّللا ِ لَ ْن يَ ْخلُقُ‪##‬وا ُذبَابً‪##‬ا َولَ‪ِ #‬‬‫فَا ْستَ ِمعُوا لَ‪#‬هُ إِ َّن الَّ ِذينَ تَ‪ْ #‬د ُعونَ ِم ْن د ِ‬
‫طلُوبُ ﴾ [الحج‪]73 :‬‬ ‫ضعُفَ الطَّالِبُ َو ْال َم ْ‬ ‫الذبَابُ َش ْيئًا اَل يَ ْستَ ْنقِ ُذوهُ ِم ْنهُ َ‬ ‫يَ ْسلُ ْبهُ ُم ُّ‬
‫قالت الثانية‪ :‬ومثلها سورة الحج‪##‬رات‪ ،‬ففيه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا النَّاسُ إِنَّا‬
‫ارفُوا إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ أَ ْتقَ‪##‬ا ُك ْم‬ ‫خَ لَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأُ ْنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوبًا‪َ #‬وقَبَائِ َل لِتَ َع َ‬
‫علِي ٌم خَ بِيرٌ﴾ [الحجرات‪]13 :‬‬ ‫إِ َّن هَّللا َ َ‬
‫قالت األولى‪ :‬وعيت هذا‪ ..‬فهل هناك ضوابط أخرى غير هذه؟‬
‫قالت الثانية(‪ :)1‬أجل‪ ..‬لكنها ليست منضبطة دائما‪.‬‬
‫ق‪##‬الت األولى‪ :‬فهال ذك‪##‬رت لي طرف ‪#‬ا‪ #‬منه‪##‬ا‪ ..‬ف‪##‬إني أرى الكث‪##‬ير من زميالتي‬
‫يسخرن مني بسبب جهلي بهذه األمور‪.‬‬
‫ق‪##‬الت الثانية(‪ :)2‬ال ح‪##‬رج علي‪##‬ك‪ ..‬فت‪##‬دبر الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ال يس‪##‬تلزم‪ #‬ك‪##‬ل ه‪##‬ذه‬
‫التفاصيل‪ ..‬لكن مع ذلك سأذكر‪ #‬لك طرفا منها‪ ..‬وأولها أن كل سورة فيها االس‪##‬تفتاح‬
‫بالحروف المقطعة مكية سوى الزهراوين‪ :‬البق‪#‬رة وآل عم‪#‬ران‪ ..‬و ك‪#‬ل س‪#‬ورة فيه‪#‬ا‬
‫﴿كال﴾ مكية‪ ..‬وكل سورة فيها ذكر آدم وإبليس مكية سوى سورة البقرة‪ ..‬وكل سورة‬
‫فيه‪##‬ا فريض‪##‬ة أو ح‪##‬د فهي مدني‪##‬ة‪ ،‬لكن ليس على عموم‪##‬ه‪ ..‬وك‪##‬ل س‪##‬ورة فيه‪##‬ا ذك‪##‬ر‬
‫المنافقين فهي مدنية سوى العنكبوت‪.‬‬
‫قالت األولى‪ :‬فهل هناك غيرها؟‬
‫قالت الثانية(‪ :)3‬أجل‪ ..‬فمن سمات أسلوب القرآن المكي الغالبة عليه أنه يغلب‬
‫علي‪##‬ه قص‪##‬ر اآلي‪##‬ات والس‪##‬ور‪ ..‬وك‪##‬ثرة الفواص‪##‬ل القرآني‪##‬ة وقص‪##‬رها‪ ،‬وتنوعه‪##‬ا بم‪##‬ا‬
‫يتناسب مع المعاني والمواقف والصور‪ ..‬وكثرة أسلوب التأكيد‪ ،‬واالعتن‪##‬اء بوس‪##‬ائل‬
‫التقرير وترسيخ المعاني وتثبيتها‪ ،‬ول‪#‬ذلك ك‪#‬ثر في المكي القس‪#‬م‪ ،‬وض‪#‬رب األمث‪#‬ال‪،‬‬
‫والتشبيه وتكرار‪ #‬بعض الجمل أو الكلمات‪.‬‬
‫قالت األولى‪ :‬فما الحكمة من اختيار هذا األسلوب في السور المكية؟‬

‫‪ )(1‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.58‬‬


‫‪ )(2‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ )(3‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪227‬‬
‫قالت الثانية(‪ :)4‬ألن بداية التعريف باإلسالم‪ #‬كانت تقتضي ذلك‪ ،‬وخاص‪##‬ة بين‬
‫قوم‪ #‬أصحاب عنجهية‪ ،‬وحمية جاهلية‪ ،‬فكان المناسب لهم النذر القارعة‪ ،‬والعبارات‪#‬‬
‫الشديدة الرادعة ليزدجروا عن غيّهم‪ ،‬ويسلسلوا قيادهم‪ #‬أم‪##‬ام التأكي‪##‬دات والتخ‪##‬ييالت‬
‫الحسية‪ ،‬كما أن مضمون خطابات القرآن في مكة ال يختص ب‪##‬المؤمنين‪ ،‬ب‪##‬ل يتوج‪##‬ه‬
‫للناس أجمعين‪ ،‬يحمل الدعوة إلى أصول اإليم‪##‬ان‪ ،‬فك‪##‬ان من المناس‪##‬ب أن ي‪##‬برز‪ #‬في‬
‫إعجازه‪##‬ا عنص‪##‬ر الج‪##‬انب الص‪##‬وتي‪ ،‬والج‪##‬رس‪ #‬الموس‪##‬يقى‪ ،‬فتص‪##‬خ آيات‪##‬ه اآلذان‪،‬‬
‫وتستولي على المش‪##‬اعر وت‪##‬دعهم في ح‪##‬يرة ودهش‪##‬ة مم‪##‬ا يس‪##‬معون‪ ،‬فال يلبث البلي‪##‬غ‬
‫منهم أن يلقي عصا العجز‪ ،‬بل يرسلها قولة صريحة تعلن إعجاز القرآن‪.‬‬
‫قالت األولى‪ :‬ذكرت لي خصائص أسلوب السور المكي‪#‬ة الغالب‪#‬ة عليه‪#‬ا‪ ..‬فم‪#‬ا‬
‫أسلوب السور المدنية الغالبة عليها؟‬
‫قالت الثانية(‪ :)2‬من س‪##‬مات أس‪##‬لوب الق‪##‬رآن الم‪##‬دني الغالب‪##‬ة علي‪##‬ه ط‪##‬ول أك‪##‬ثر‬
‫السور‪ #‬واآليات‪ ،‬كما هو واضح ظ‪#‬اهر من س‪#‬ورة البق‪##‬رة وآل عم‪#‬ران مثال‪ ..‬ومنه‪#‬ا‬
‫أنها غالبا ما تسلك سبيل الهدوء‪ ،‬واللين في أسلوبها‪ ،‬واسترسال‪ #‬فواصلها‪#.‬‬
‫قالت األولى‪ :‬فما الحكمة من اختيار هذا األسلوب في السور المدنية؟‬
‫قالت الثانية(‪:)3‬الحكمة في اختيار هذا األس‪##‬لوب اش‪##‬تمال الق‪##‬رآن الم‪##‬دني على‬
‫الموضوعات‪ #‬المرتبطة بأحكام‪ #‬الشريعة وغيرها‪ ،‬وهي تقتض‪##‬ي البس‪##‬ط واإلس‪##‬هاب‪،‬‬
‫كما أن الخطاب في المدينة تو ّجه في أكثره للمؤمنين وذلك يناسب الهدوء واللين‪.‬‬
‫الموضوعات والمقاصد‪:‬‬
‫ومنها أني مررت على كهلين يتحدثان‪ ،‬قال أحدهما لصاحبه‪ :‬هلم بنا نتح‪##‬دث‬
‫عن موضوعات ومقاصد السور المكية والمدنية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لقد قمت أنا ببحث مفصل حول السور المدنية‪ ..‬فهل قمت أنت بما‬
‫اتفقنا عليه من البحث في السور‪ #‬المكية‪.‬‬
‫السور المكية‪:‬‬
‫قال األول‪ :‬أجل‪ ..‬لقد قمت بالبحث في الموضوعات ال‪##‬تي اهتمت به‪##‬ا الس‪##‬ور‬
‫المكية؛ فوجدت أنه يمكن تصنيفها إلى خمسة مواضيع كبرى‪ ..‬وطبعا ه‪##‬ذا ال يع‪##‬ني‬
‫انحصارها‪ #‬فيها‪ ،‬بل إن السور المكية تناولتها‪ #،‬ولكن بصورة أقل مما تناولته الس‪##‬ور‬
‫المدنية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما أولها؟‬
‫قال األول(‪ :)4‬أولها تقرير أصول العقائد اإليمانية‪ ،‬ب‪##‬دعوة الخل‪##‬ق إلى توحي ‪#‬د‪#‬‬
‫هللا تعالى وإفراده بالعبادة‪ ..‬واإليمان باليوم اآلخر وما يتبع ذلك من الج‪##‬زاء والجن‪##‬ة‬

‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.66‬‬ ‫‪)(4‬‬


‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.67‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.67‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.59‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪228‬‬
‫والنار‪ #..‬وتقرير رسالة النبي ‪ ‬والرسل من قبله‪ ،‬واإليمان بالمالئكة عليهم السالم‪.‬‬
‫وإن شئت دليال على ذلك يمكنك أن تق‪##‬رأ س‪##‬ورة القص‪##‬ص المكي‪##‬ة‪ ،‬ودعوته‪##‬ا‬
‫لهذه األصول؛ ففيها هذه اآليات التي تدعو إلى اإليمان باهلل تعالى وتوحي‪##‬ده‪َ ﴿ :‬و َربُّكَ‬
‫‪#‬و لَ‪#‬هُ ْال َح ْم‪ُ #‬د فِي اأْل ُولَى‬ ‫‪#‬و هَّللا ُ اَل إِلَ‪#‬هَ إِاَّل هُ‪َ #‬‬ ‫ص‪#‬دُو ُرهُ ْم َو َم‪##‬ا يُ ْعلِنُ‪##‬ونَ َوهُ‪َ #‬‬ ‫يَ ْعلَ ُم َم‪##‬ا تُ ِك ُّن ُ‬
‫َّ‬
‫‪#‬ل ُ َعلَ ْي ُك ُم الل ْي‪َ #‬ل َس‪#‬رْ َمدًا إِلَى‬ ‫هَّللا‬ ‫َواآْل ِخ َر ِة َولَهُ ْال ُح ْك ُم َوإِلَ ْي ِه تُرْ َج ُع‪##‬ونَ قُ‪##‬لْ أ َرأ ْيتُ ْم إِ ْن َج َع‪َ #‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضيَا ٍء أَفَاَل تَ ْس َمعُونَ قُلْ أَ َرأَ ْيتُ ْم إِ ْن َج َع َل هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ُم‬ ‫يَوْ ِم ْالقِيَا َم ِة َم ْن إِلَهٌ َغ ْي ُر هَّللا ِ يَأْتِي ُك ْ‪#‬م بِ ِ‬
‫ْصرُونَ‬ ‫ار َسرْ َمدًا إِلَى يَوْ ِم ْالقِيَا َم ِة َم ْن إِلَهٌ َغ ْي ُر هَّللا ِ يَأْتِي ُك ْم بِلَي ٍْل تَ ْس ُكنُونَ فِي ِه أَفَاَل تُب ِ‬ ‫النَّهَ َ‬
‫َّ‬
‫ض‪##‬لِ ِه َولَ َعل ُك ْم‬ ‫‪##‬ار لِت َْس‪ُ ##‬كنُوا‪ #‬فِي‪ِ ##‬ه َولِتَ ْبتَ ُغ‪##‬وا ِم ْن فَ ْ‬ ‫َّ‬
‫‪##‬ل لَ ُك ُم الليْ‪َ ##‬ل َوالنَّهَ َ‬ ‫َو ِم ْن َرحْ َمتِ‪ِ ##‬ه َج َع َ‬
‫كرُونَ ﴾ [القصص‪]73-69 :‬‬ ‫تَ ْش ُ‬
‫ومثل ما ورد في اآليات الخاتمة من سورة إبراهيم‪ ،‬والتي تعرض بعضا من‬
‫َزي‪ٌ #‬ز ُذو‬ ‫ُس‪#‬لَهُ إِ َّن هَّللا َ ع ِ‬ ‫مشاهد القيامة‪ ،‬ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَاَل تَحْ َس‪#‬بَ َّن هَّللا َ ُم ْخلِ‪##‬فَ َو ْع‪ِ #‬د ِه ر ُ‬
‫‪#‬رى‪#‬‬ ‫اح‪ِ #‬د ْالقَه ِ‬
‫َّار َوتَ‪َ #‬‬ ‫‪#‬ر ُزوا‪ #‬هَّلِل ِ ْال َو ِ‬ ‫ات َوبَ‪َ #‬‬ ‫او ُ‪#‬‬ ‫ض َوال َّس َم َ‬ ‫ا ْنتِقَ ٍام يَوْ َم تُبَ َّد ُل اأْل َرْ ضُ َغ ْي َر اأْل َرْ ِ‬
‫ان َوتَ ْغ َش‪#‬ى‪ُ #‬و ُج‪##‬وهَهُ ُ‪#‬م النَّا ُر‬ ‫‪#‬ر ٍ‬ ‫ْال ُمجْ ِر ِمينَ يَوْ َمئِ ٍذ ُمقَ َّرنِينَ فِي اأْل َصْ فَا ِد َس‪َ #‬رابِيلُهُْ‪#‬م ِم ْن قَ ِط‪َ #‬‬
‫اس َولِيُ ْن‪َ #‬ذرُوا‪ #‬بِ‪ِ #‬ه‬ ‫غ لِلنَّ ِ‬ ‫ب هَ‪َ #‬ذا بَاَل ٌ‬ ‫ت إِ َّن هَّللا َ َس ِري ُع ْال ِح َس‪#‬ا ِ‬ ‫س َما َك َسبَ ْ‬ ‫ي هَّللا ُ ُك َّل نَ ْف ٍ‬‫لِيَجْ ِز َ‬
‫ب﴾ [إبراهيم‪]52-47 :‬‬ ‫ُ‬
‫َولِيَ ْعلَ ُموا‪ #‬أَنَّ َما هُ َو إِلَهٌ َوا ِح ٌد َولِيَ َّذ َّك َ‪#‬ر أولُو اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك م‪##‬ا ورد في ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات من س‪##‬ورة ق المكي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَفَلَ ْم‬
‫ض َم‪َ #‬د ْدنَاهَا‬ ‫ُوج َواأْل َرْ َ‬ ‫يَ ْنظُرُوا‪ #‬إِلَى ال َّس َما ِء فَوْ قَهُْ‪#‬م َك ْيفَ بَنَ ْينَاهَا َوزَ يَّنَّاهَا َو َما لَهَا ِم ْن فُر ٍ‬
‫ب‬ ‫ْص‪َ #‬رةً َو ِذ ْك‪َ #‬رى لِ ُك‪##‬لِّ َع ْب‪ٍ #‬د ُمنِي ٍ‬ ‫يج تَب ِ‬ ‫ج بَ ِه ٍ‬ ‫ي َوأَ ْنبَ ْتنَا فِيهَا ِم ْن ُكلِّ زَ وْ ٍ‬ ‫َوأَ ْلقَ ْينَا فِيهَا َر َوا ِس َ‪#‬‬
‫ت لَهَ‪##‬ا‬ ‫اس‪#‬قَا ٍ‬ ‫ص‪#‬ي ِد َوالنَّ ْخ‪َ #‬ل بَ ِ‬ ‫ت َو َحبَّ ْال َح ِ‬ ‫ار ًكا فَأ َ ْنبَ ْتنَ‪#‬ا‪ #‬بِ‪ِ #‬ه َجنَّا ٍ‬ ‫َونَ َّز ْلنَا‪ِ #‬منَ ال َّس َما ِء َما ًء ُمبَ َ‬
‫خرُوجُ﴾ [ق‪]11-6 :‬‬ ‫ضي ٌد ِر ْزقًا لِ ْل ِعبَا ِد َوأَحْ يَ ْينَا بِ ِه بَ ْل َدةً َم ْيتًا َك َذلِكَ ْال ُ‬ ‫طَ ْل ٌع نَ ِ‬
‫ومثل ذلك ما ورد من الحجة البالغة في هذه اآليات الخاتمة من سورة القيامة‬
‫طفَ‪#‬ةً ِم ْن َمنِ ٍّي يُ ْمنَى ثُ َّم‬ ‫ك نُ ْ‬ ‫‪#‬ركَ ُس‪#‬دًى أَلَ ْم يَ‪ُ #‬‬ ‫المكية‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬أَيَحْ َسبُ اإْل ِ ْن َسانُ أَ ْن يُ ْت‪َ #‬‬
‫ك بِقَ‪#‬ا ِد ٍر َعلَى أَ ْن‬ ‫ْس َذلِ‪َ #‬‬ ‫ال‪#‬ذ َك َر َواأْل ُ ْنثَى أَلَي َ‬ ‫ق فَ َس َّوى‪ #‬فَ َج َع َل ِم ْنهُ ال َّزوْ َجي ِْن َّ‬ ‫َكانَ َعلَقَةً فَخَ لَ َ‬
‫طفَ‪#‬ةً ِم ْن َمنِ ٍّي‬ ‫ك نُ ْ‬ ‫ك ُس‪#‬دًى أَلَ ْم يَ‪ُ #‬‬ ‫‪#‬ر َ‬‫يُحْ يِ َي ْال َموْ تَى﴾ [القيامة‪﴿]40-36 :‬أَيَحْ َسبُ اإْل ِ ْن َسانُ أَ ْن يُ ْت‪َ #‬‬
‫ْس َذلِ‪#‬كَ بِقَ‪#‬ا ِد ٍر‬ ‫ال‪#‬ذ َك َر َواأْل ُ ْنثَى‪ #‬أَلَي َ‬ ‫ق فَ َس َّوى فَ َج َع َل ِم ْنهُ ال َّزوْ َجي ِْن َّ‬ ‫يُ ْمنَى ثُ َّم َكانَ َعلَقَةً فَ َخلَ َ‬
‫ال َموْ تَى﴾ [القيامة‪]40-36 :‬‬ ‫َعلَى أَ ْن يُحْ يِ َي ْ‬
‫قال الثاني‪ :‬بورك في‪##‬ك‪ ،‬واألمثل‪##‬ة أك‪##‬ثر من أن يس‪##‬توعبها‪ #‬ه‪##‬ذا المجلس‪ ..‬فم‪##‬ا‬
‫الثاني؟‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)1‬الحمل‪##‬ة على ك‪##‬ل ال‪##‬ديانات واألفك‪##‬ار المنحرف‪##‬ة‪ ..‬مث‪##‬ل الش‪##‬رك‬
‫والوثنية‪ ،‬واإللحاد‪ #‬والدهرية‪ ،‬وإقامة الحجج والبراهين الدامغة على بطالن عقائدهم‬
‫الزائغة‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك هذه اآليات من سورة العنكبوت المكية‪ ،‬قال تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ت بَ ْيتً‪##‬ا َوإِ َّن أَوْ هَنَ‬ ‫ت اتَّخَ‪َ ##‬ذ ْ‬ ‫‪##‬ل ْال َع ْن َكبُ‪##‬و ِ‬ ‫﴿ َمثَ‪ُ ##‬ل الَّ ِذينَ اتَّخَ‪ُ ##‬ذوا ِم ْن دُو ِن هَّللا ِ أَوْ لِيَ‪##‬ا َء َك َمثَ ِ‬
‫ت لَوْ َكانُوا يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [العنكبوت‪]41 :‬‬ ‫ْت ْال َع ْن َكبُو ِ‬‫ت لَبَي ُ‬ ‫ْالبُيُو ِ‬
‫‪ )(1‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪229‬‬
‫وبما أن التقليد كان منبعا خطيرا‪ #‬من من‪##‬ابع الض‪##‬الل‪ ،‬واحتج المش‪##‬ركون بم‪##‬ا‬
‫وجدوا‪ #‬عليه آباءهم‪ ،‬فقد عني القرآن الكريم بتوسيع‪ #‬آفاق العقل والفكر وأمر ب‪##‬التفكر‬
‫وحض على النظ‪##‬ر والتعق‪##‬ل‪ ،‬وس‪##‬فّه أحالمهم وأحالم آب‪##‬ائهم‪ ،‬ح‪##‬تى جع‪##‬ل التقلي‪##‬د‬
‫األعمى لآلب‪##‬اء ع‪##‬ارا وش‪##‬نارا‪ #،‬يعت‪##‬بر ب‪##‬ه المعت‪##‬بر‪ ،‬فض‪##‬ال عن تقلي‪##‬د األع‪##‬داء فيم‪##‬ا‬
‫﴿وإِ َذا قِي َل لَهُ ُم اتَّبِ ُع‪##‬وا َم‪##‬ا أَ ْن‪َ #‬ز َل هَّللا ُ قَ‪##‬الُوا‬ ‫يبتكرونه في الفكر من األزياء‪ ..‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ير﴾ [لقم‪###‬ان‪:‬‬ ‫الس ‪ِ #‬ع ِ‬‫ب َّ‬ ‫بَلْ نَتَّبِ ُع َما َو َج ْدنَا َعلَ ْي ِه آبَا َءنَا أَ َولَوْ َكانَ ال َّش ْيطَانُ يَ ْدعُوهُ ْم إِلَى َع َذا ِ‬
‫ُ‬
‫ك َم‪#‬ا‬ ‫ار ِه ْم ُم ْهتَ‪ُ #‬دونَ َو َك‪َ #‬ذلِ َ‬ ‫‪ ..]21‬وقال‪﴿ :‬بَلْ قَالُوا إِنَّا َو َج ْدنَا آبَا َءنَا َعلَى أ َّم ٍة َوإِنَّا َعلَى آثَ ِ‬
‫ير إِاَّل قَ‪##‬ا َل ُم ْت َرفُوهَ‪#‬ا‪ #‬إِنَّا َو َج‪ْ #‬دنَا آبَا َءنَ‪##‬ا َعلَى أُ َّم ٍة َوإِنَّا‬ ‫ك فِي قَرْ يَ‪ٍ #‬ة ِم ْن نَ‪ِ #‬ذ ٍ‬ ‫أَرْ َس ْلنَا ِم ْن قَ ْبلِ َ‬
‫ال أَ َولَ‪##‬وْ ِج ْئتُ ُك ْم بِأ َ ْه‪#‬دَى ِم َّما َو َج‪ْ #‬دتُْ‪#‬م َعلَيْ‪ِ #‬ه آبَ‪##‬ا َء ُك ْم قَ‪##‬الُوا إِنَّا بِ َم‪##‬ا‬ ‫ار ِه ْم ُم ْقتَ ُدونَ قَ َ‬ ‫َعلَى آثَ ِ‬
‫ْ‬
‫ُون فَا ْنتَقَ ْمنَا ِم ْنهُ ْم فَا ْنظُرْ َك ْيفَ َكانَ عَاقِبَةُ ال ُم َك ِّذبِينَ ﴾ [الزخرف‪]25-22 :‬‬ ‫أُرْ ِس ْلتُْ‪#‬م بِ ِه َكافِر َ‪#‬‬
‫قال الثاني‪ :‬بورك فيك‪ ..‬فما الثالث؟‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)1‬االس‪##‬تدالل ب‪##‬دالئل األنفس واألك‪##‬وان على عظم‪##‬ة هللا تع‪##‬الى‬
‫وسلطانه‪ ،‬ووجوب‪ #‬طاعته واالنقياد‪ #‬ل‪##‬ه‪ ،‬وتوحي‪##‬ده في ألوهيت‪##‬ه وربوبيت‪##‬ه‪ ،‬واإليم‪##‬ان‬
‫بالقيامة والبعث بعد الم‪##‬وت‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة لقم‪##‬ان‬
‫ض َوأَ ْس‪#‬بَ َغ َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫ت َو َم‪##‬ا فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫الس‪َ #‬م َ‬‫المكية‪﴿ :‬أَلَ ْم تَ َروْ ا أَ َّن هَّللا َ َس‪َّ #‬خ َر لَ ُك ْم َم‪#‬ا فِي َّ‬
‫ب‬‫‪#‬ر ِع ْل ٍم َواَل هُ‪#‬دًى َواَل ِكتَ‪##‬ا ٍ‬ ‫اس َم ْن ي َُج‪##‬ا ِد ُل فِي هَّللا ِ بِ َغ ْي‪ِ #‬‬ ‫اطنَ‪#‬ةً َو ِمنَ النَّ ِ‬ ‫نِ َع َمهُ ظَا ِه َرةً َوبَ ِ‬
‫ض لَيَقُ‪##‬ولُ َّن هَّللا ُ قُ‪ِ #‬ل‬ ‫ت َواأْل َرْ َ‬ ‫الس‪َ #‬ما َوا ِ‬ ‫ق َّ‬ ‫ير﴾ [لقمان‪ ..]20 :‬وقال‪َ ﴿ :‬ولَئِ ْن َسأ َ ْلتَهُ ْم َم ْن خَ لَ َ‬ ‫ُمنِ ٍ‬
‫‪#‬و ْال َغنِ ُّي‬ ‫ض إِ َّن هَّللا َ هُ‪َ #‬‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫الس‪َ #‬م َ‬ ‫ْال َح ْم‪ُ #‬د هَّلِل ِ بَ‪##‬لْ أَ ْكثَ‪ُ #‬رهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ هَّلِل ِ َم‪##‬ا فِي َّ‬
‫ُ‪#‬ر َم‪#‬ا‬ ‫ض ِم ْن َش َج َر ٍة أَ ْقاَل ٌم َو ْالبَحْ‪ُ #‬ر يَ ُم‪ُّ #‬دهُ ِم ْن بَعْ‪ِ #‬د ِه َس‪ْ #‬ب َعةُ أَ ْبح ٍ‬ ‫ْال َح ِمي ُد َولَوْ أَنَّ َما فِي اأْل َرْ ِ‬
‫اح‪َ #‬د ٍة إِ َّن هَّللا َ‬ ‫س َو ِ‬ ‫َزي ‪ٌ #‬ز َح ِكي ٌم َم‪##‬ا خَ ْلقُ ُك ْم َواَل بَ ْعثُ ُك ْم إِاَّل َكنَ ْف ٍ‬ ‫‪#‬ات هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ ع ِ‬
‫َت َكلِ َم‪ُ #‬‬ ‫نَفِ ‪#‬د ْ‬
‫صيرٌ﴾ [لقمان‪]28-25 :‬‬ ‫َس ِمي ٌع بَ ِ‬
‫ق‬ ‫ومثل ذلك ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات من س‪##‬ورة األنع‪##‬ام المكي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ فَ‪##‬الِ ُ‬
‫ت ِمنَ ْال َح ِّي َذلِ ُك ُم هَّللا ُ فَ‪###‬أَنَّى‬ ‫ت َو ُم ْخ‪ِ ###‬ر ُج ْال َميِّ ِ‬ ‫ي ِمنَ ْال َميِّ ِ‬ ‫ْال َحبِّ َوالنَّ َوى‪ #‬ي ُْخ‪ِ ###‬ر ُج ْال َح َّ‬
‫ك تَ ْق ِدي ُر ْال َع ِز ِ‪#‬‬
‫يز‬ ‫س َو ْالقَ َم َر ُح ْسبَانًا َذلِ َ‬ ‫اح َو َج َع َل اللَّي َْل َس َكنًا َوال َّش ْم َ‬ ‫ق اإْل ِ صْ بَ ِ‬ ‫تُ ْؤفَ ُكونَ فَالِ ُ‬
‫ص‪ْ #‬لنَا‪#‬‬ ‫ت ْالبَ‪#‬رِّ َو ْالبَحْ‪ِ #‬ر قَ‪ْ #‬د فَ َّ‬ ‫ْال َعلِ ِيم َوه َُو الَّ ِذي َج َع َل لَ ُك ُم النُّجُ‪#‬و َم لِتَ ْهتَ‪#‬دُوا‪ #‬بِهَ‪#‬ا فِي ظُلُ َم‪#‬ا ِ‬
‫ص ‪ْ #‬لنَا‬ ‫ع قَ ‪ْ #‬د فَ َّ‬ ‫اح َد ٍة فَ ُم ْستَقَرٌّ َو ُم ْستَوْ َد ٌ‬ ‫س َو ِ‬ ‫ت لِقَوْ ٍم يَ ْعلَ ُمونَ َوهُ َو الَّ ِذي أَ ْن َشأ َ ُك ْ‪#‬م ِم ْن نَ ْف ٍ‬ ‫اآْل يَا ِ‬
‫الس‪َ #‬ما ِء َم‪##‬ا ًء فَأ َ ْخ َرجْ نَ‪##‬ا بِ‪ِ #‬ه نَبَ‪##‬اتَ ُك‪##‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء‬ ‫ت لِقَوْ ٍم يَ ْفقَهُونَ َوهُ َو الَّ ِذي أَ ْن‪َ #‬ز َل ِمنَ َّ‬ ‫اآْل يَا ِ‬
‫ان دَانِيَ‪#‬ةٌ‬ ‫خَضرًا نُ ْخ‪ِ #‬ر ُج ِم ْن‪#‬هُ َحبًّ‪##‬ا ُمتَ َرا ِكبً‪##‬ا َو ِمنَ النَّ ْخ‪ِ #‬ل ِم ْن طَ ْل ِعهَ‪##‬ا قِ ْن‪َ #‬و ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فَأ َ ْخ َرجْ نَا ِم ْنهُ‬
‫‪#‬ر ِه إِ َذا‬ ‫‪#‬ر ُمت ََش ‪#‬ابِ ٍه ا ْنظُ ‪#‬رُوا إِلَى ثَ َم‪ِ #‬‬ ‫ب َوال َّز ْيتُونَ َوالرُّ َّمانَ ُم ْشتَبِهًا َو َغ ْي‪َ #‬‬ ‫ت ِم ْن أَ ْعنَا ٍ‬ ‫َو َجنَّا ٍ‬
‫ت لِقَوْ ٍم ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [األنعام‪]99-95 :‬‬ ‫أَ ْث َم َر َويَ ْن ِع ِه إِ َّن فِي َذلِ ُك ْم آَل يَا ٍ‬
‫قال الثاني‪ :‬بورك فيك‪ ..‬فما الرابع؟‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)2‬اعتن‪##‬اء الق‪##‬رآن المكي بقص‪##‬ص األنبي‪##‬اء عليهم الس‪##‬الم م‪##‬ع‬
‫‪ )(1‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ )(2‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪230‬‬
‫أقوامهم‪ #،‬حتى كاد ذلك أن يكون عالم‪##‬ة تم‪##‬يزه‪ ،‬إذ لم يوج‪##‬د قص‪##‬ص األنبي‪##‬اء عليهم‬
‫السالم في القرآن المدني إال في سور قليلة‪ ،‬كقصة موس‪##‬ى علي‪##‬ه الس‪##‬الم وقوم‪##‬ه في‬
‫سورة البقرة والمائدة وهما مدنيتان‪ ،‬وقصة عيسى وموسى عليهما السالم في سورة‬
‫آل عمران والصف وهما مدنيتان أيضا‪ ..‬والحكم‪##‬ة في ذل‪##‬ك ظ‪##‬اهرة ج‪##‬دا‪ ،‬وهي من‬
‫‪#‬ال الَّ ِذينَ َكفَ‪#‬رُوا لَ‪##‬وْ اَل نُ‪ِّ #‬ز َل‬ ‫﴿وقَ‪َ #‬‬ ‫أسباب نزول القرآن الكريم منجما‪ ،‬كما ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪#‬ل إِاَّل‬ ‫ْ‬
‫َك َو َرتَّ ْلنَاهُ تَرْ تِياًل َواَل يَأتُونَكَ بِ َمثَ‪ٍ #‬‬ ‫اح َدةً َك َذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِ ِه فُؤَاد َ‪#‬‬ ‫َعلَ ْي ِه ْالقُرْ آنُ ُج ْملَةً َو ِ‬
‫ق َوأَحْ َسنَ تَ ْف ِسيرًا﴾ [الفرق‪##‬ان‪ ..]33-32 :‬وقد ك‪##‬ان ل‪##‬ذلك أث‪##‬ر عظيم في تث‪##‬بيت‬ ‫ك بِ ْال َح ِّ‬ ‫ِج ْئنَا َ‬
‫النبي ‪ ‬والمسلمين‪ ،‬ومواساتهم‪ #‬فيما كان يصيبهم‪ ،‬وإنذار أع‪#‬دائهم‪ ،‬وإث‪#‬ارة الع‪#‬برة‬
‫والعظة بقصص من سبقهم‪.‬‬
‫وإن ش‪##‬ئت أمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬اقرأ‪ #‬القص‪##‬ص ال‪##‬واردة في س‪##‬ور األع‪##‬راف‪،‬‬
‫ويونس‪ ،‬وهود‪ #‬وغيرها تجد فيها أبلغ المواعظ وأنفع الع‪##‬بر لتقري‪##‬ر س‪##‬ننه تع‪##‬الى في‬
‫إهالك أهل الكفر والطغيان وانتصار‪ #‬أهل اإليمان واإلحسان‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى في آخر قصة موسى مع فرعون في سورة‬
‫ب النَّا ُر‬ ‫‪#‬آل فِرْ َع‪##‬وْ نَ ُس‪#‬و ُء ْال َع‪َ #‬ذا ِ‬ ‫ق بِ‪ِ #‬‬ ‫ت َم‪##‬ا َم َك‪ #‬رُوا َو َح‪##‬ا َ‪#‬‬ ‫غافر المكية‪﴿ :‬فَ َوقَاهُ هَّللا ُ َسيِّئَا ِ‬
‫ب َوإِ ْذ‬ ‫آل فِرْ عَوْ نَ أَ َش َّد ْال َع‪َ #‬ذا ِ‬ ‫يُع َْرضُونَ َعلَ ْيهَا ُغ ُد ًّوا َو َع ِشيًّا َويَوْ َم تَقُو ُم السَّا َعةُ أَ ْد ِخلُوا َ‬
‫ار فَيَقُو ُل الضُّ َعفَا ُء لِلَّ ِذينَ ا ْستَ ْكبَرُوا‪ #‬إِنَّا ُكنَّا لَ ُك ْم تَبَ ًع‪##‬ا فَهَ‪##‬لْ أَ ْنتُ ْم ُم ْغنُ‪##‬ونَ‬ ‫يَت ََحاجُّ ونَ فِي النَّ ِ‬
‫ار قَا َل الَّ ِذينَ ا ْستَ ْكبَرُوا إِنَّا ُكلٌّ فِيهَا إِ َّن هَّللا َ قَ ‪ْ #‬د َح َك َم بَ ْينَ ْال ِعبَ‪##‬ا ِد َوقَ‪##‬ا َل‬ ‫َصيبًا ِمنَ النَّ ِ‬ ‫َعنَّا ن ِ‬
‫ك‬ ‫ب قَ‪##‬الُوا أَ َولَ ْم تَ‪ُ #‬‬ ‫ف َعنَّا يَوْ ًم‪##‬ا ِمنَ ْال َع‪َ #‬ذا ِ‬ ‫ار لِخَزَ نَ ِة َجهَنَّ َم ا ْد ُع‪##‬وا َربَّ ُك ْم يُخَ فِّ ْ‬ ‫الَّ ِذينَ فِي النَّ ِ‬
‫ض‪#‬اَل ٍل إِنَّا‬ ‫ت قَالُوا بَلَى قَالُوا فَا ْدعُوا َو َما ُدعَا ُء ْال َكافِ ِرينَ إِاَّل فِي َ‬ ‫تَأْتِي ُك ْم ُر ُسلُ ُك ْ‪#‬م بِ ْالبَيِّنَا ِ‬
‫ص ُ‪#‬ر ُر ُسلَنَا َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َويَوْ َم يَقُو ُم اأْل َ ْشهَا ُد يَ‪##‬وْ َم اَل يَ ْنفَ ‪ُ #‬ع الظَّالِ ِمينَ‬ ‫لَنَ ْن ُ‬
‫ار﴾ [غافر‪]52-45 :‬‬ ‫َم ْع ِذ َرتُهُْ‪#‬م َولَهُ ُم اللَّ ْعنَةُ َولَهُ ْم سُو ُء ال َّد ِ‬
‫قال الثاني‪ :‬بورك فيك‪ ..‬فما الخامس؟‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)1‬إن الق‪##‬رآن المكي ش‪##‬رح أص‪##‬ول األخالق‪ ،‬وقواع ‪#‬د‪ #‬عام‪##‬ة في‬
‫االجتماع مما ال يختلف فيه حال وال عقل‪ ،‬لكونها من البدهيات الظاهرة والمقوّمات‬
‫األساسية إلنسانية اإلنسان‪ ،‬واطمئنان‪##‬ه باإليم‪##‬ان‪ ،‬كالص‪##‬دق‪ ،‬وال‪##‬برّ‪ ،‬والص‪##‬لة‪ ،‬وب‪ّ #‬ر‬
‫الوالدين‪ ،‬وإكرام‪ #‬الجار‪ ،‬وطهارة القلب واللسان‪ ،‬وغير ذلك‪ ..‬وقد‪ #‬شرح القرآن تل‪##‬ك‬
‫القيم ببيانه المعجز شرحا غرسها في قلوبهم‪ ،‬وك‪#‬رّه إليهم الكف‪##‬ر والفس‪##‬وق‪ ،‬والظلم‪،‬‬
‫ووأد‪ #‬البنات‪ ،‬والقتل والفواحش وغيرها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذل‪##‬ك ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات في الوص‪##‬ايا‪ #‬األخالقي‪##‬ة واالجتماعي‪##‬ة في‬
‫ض ‪#‬ى َربُّكَ أَاَّل تَ ْعبُ ‪#‬دُوا إِاَّل إِيَّاهُ َوبِ ْال َوالِ ‪َ #‬د ْي ِن‬ ‫﴿وقَ َ‬ ‫س‪##‬ورة اإلس‪##‬راء المكي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اَل‬ ‫ُ‬
‫إِحْ َسانًا إِ َّما يَ ْبلُغ ََّن ِع ْندَكَ ْال ِكبَ َر أَ َح ُدهُ َما أَوْ ِك هُ َما ف تَقلْ لهُ َما أفٍّ َو تَنهَرْ هُ َما‪َ #‬وق‪##‬لْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اَل‬ ‫َ‬ ‫اَل‬
‫اخفِضْ لَهُ َما َجنَا َح ال ُّذلِّ ِمنَ الرَّحْ َم ِة َوقُلْ َربِّ ارْ َح ْمهُ َما‪َ #‬ك َما َربَّيَانِي‪#‬‬ ‫لَهُ َما قَوْ اًل َك ِري ًما َو ْ‬
‫ص‪#‬الِ ِحينَ فَإِنَّهُ َك‪##‬انَ لِأْل َ َّوابِينَ َغفُ‪##‬ورًا‬ ‫وس‪ُ #‬ك ْم إِ ْن تَ ُكونُ‪##‬وا َ‬ ‫ص ِغي ًرا‪َ #‬ربُّ ُك ْم أَ ْعلَ ُم بِ َم‪##‬ا فِي نُفُ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ )(1‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪231‬‬
‫يل َواَل تُبَ ‪ِّ #‬ذرْ تَ ْب ‪ِ #‬ذيرًا إِ َّن ْال ُمبَ ‪ِّ #‬ذ ِرينَ َك‪##‬انُوا‬ ‫ت َذا ْالقُ‪##‬رْ بَى َحقَّهُ َو ْال ِم ْس ‪ِ #‬كينَ َوا ْبنَ َّ‬
‫الس ‪#‬بِ ِ‬ ‫َوآ ِ‬
‫ض ‪َّ #‬ن َع ْنهُ ُم ا ْبتِ َغ‪##‬ا َء َرحْ َم‪ٍ #‬ة ِم ْن‬ ‫ْر َ‬ ‫ُ‬
‫ين َو َكانَ ال َّش ْيطَانُ لِ َربِّ ِه َكفورًا َوإِ َّما تُع ِ‬ ‫إِ ْخ َوانَ ال َّشيَا ِط ِ‬
‫ْ‬
‫ك َواَل تَ ْبسُطهَا ُك َّل‬ ‫ً‬
‫ك َم ْغلولَة إِلَى ُعنُقِ َ‬‫ُ‬ ‫ك تَرْ جُوهَا فَقُلْ لَهُ ْم قَوْ اًل َم ْيسُو ًرا‪َ #‬واَل تَجْ َعلْ يَ َد َ‬ ‫َربِّ َ‬
‫ْ‬
‫ق لِ َم ْن يَ َشا ُء َويَق‪ِ #‬د ُر إِنَّهُ َك‪##‬انَ بِ ِعبَ‪##‬ا ِد ِه‬ ‫ْ‬
‫الرِّز َ‬ ‫ُ‬ ‫ك يَ ْب ُسط‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ْط فَتَق ُع َد َملو ًما َمحْ سُو ًرا‪ #‬إِ َّن َربَّ َ‬ ‫ْالبَس ِ‬
‫ق نَحْ نُ نَ‪##‬رْ ُزقُهُْ‪#‬م َوإِيَّا ُك ْم إِ َّن قَ ْتلَهُ ْم َك‪##‬انَ‬ ‫ص‪#‬يرًا َواَل تَ ْقتُلُ‪##‬وا أَوْ اَل َد ُك ْم ْ‬
‫خَش‪#‬يَةَ إِ ْماَل ٍ‬ ‫خَ بِيرًا بَ ِ‬
‫س التِي َح َّر َم‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫طئًا َكبِيرًا َواَل تَق َربُوا ال ِّزنَا إِنَّهُ َكانَ فَا ِح َشةً َو َسا َء َسبِياًل َواَل تَقتُلوا النَّف َ‬ ‫ْ‬ ‫ِخ ْ‬
‫‪#‬ل إِنَّهُ‬ ‫ف فِي ْالقَ ْت‪ِ #‬‬ ‫ظلُو ًم‪##‬ا فَقَ‪ْ #‬د َج َع ْلنَ‪##‬ا لِ َولِيِّ ِه ُس‪ْ #‬لطَانًا فَاَل ي ُْس‪ِ #‬ر ْ‪#‬‬ ‫ق َو َم ْن قُتِ َل َم ْ‬ ‫هَّللا ُ إِاَّل بِ ْال َح ِّ‬
‫ص‪#‬ورًا َواَل تَ ْق َربُ‪##‬وا َم‪#‬ا َل ْاليَتِ ِيم إِاَّل بِ‪##‬الَّتِي ِه َي أَحْ َس‪#‬نُ َحتَّى يَ ْبلُ‪َ #‬غ أَ ُش‪َّ #‬دهُ َوأَوْ فُ‪##‬وا‬ ‫َكانَ َم ْن ُ‬
‫اس ال ُم ْس ‪#‬تَقِ ِيم َذلِ‪##‬كَ‬ ‫ْ‬ ‫بِ ْال َع ْه ِد إِ َّن ال َع ْه َد َكانَ َم ْسئُواًل َوأوْ فُوا‪ #‬ال َك ْي َل إِ َذا ِكلتُ ْم َو ِزنُوا بِالقِ ْسطَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ص‪#َ #‬ر َو ْالفُ‪##‬ؤَا َد ُك‪##‬لُّ‬ ‫الس‪ْ #‬م َع َو ْالبَ َ‬‫ْس لَ‪##‬كَ بِ‪ِ #‬ه ِع ْل ٌم إِ َّن َّ‬ ‫خَ ْي ٌر َوأَحْ َسنُ تَأْ ِوياًل َواَل تَ ْق‪##‬فُ َم‪##‬ا لَي َ‬
‫ض َولَ ْن‬ ‫ق اأْل َرْ َ‬ ‫ض َم َر ًح‪##‬ا إِنَّكَ لَ ْن ت َْخ‪ِ #‬ر َ‬ ‫ش فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ك َك‪##‬انَ َع ْن‪#‬هُ َم ْس‪#‬ئُواًل َواَل تَ ْم ِ‬ ‫أُولَئِ‪َ #‬‬
‫ك َكانَ َسيِّئُهُ ِع ْن َد َربِّكَ َم ْكرُوهًا َذلِكَ ِم َّما أَوْ َحى إِلَ ْيكَ َربُّكَ ِمنَ‬ ‫تَ ْبلُ َغ ْال ِجبَا َل طُواًل ُكلُّ َذلِ َ‬
‫جهَنَّ َم َملُو ًما َم ْدحُورًا﴾ [اإلسراء‪]39-23 :‬‬ ‫آخَر فَتُ ْلقَى فِي َ‬ ‫ْال ِح ْك َم ِة َواَل تَجْ َعلْ َم َع هَّللا ِ إِلَهًا َ‬
‫قال الثاني‪ :‬بورك فيك‪ ،‬وج‪##‬زاك‪ #‬هللا خ‪##‬يرا على ه‪##‬ذه المعلوم‪##‬ات القيم‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫أفدتنيها‪#.‬‬
‫السور المدنية‪:‬‬
‫ق‪##‬ال األول‪ :‬واآلن ج‪##‬اء دورك‪ #..‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك م‪##‬ا رأيت‪##‬ه في غ‪##‬الب الس‪##‬ور‪#‬‬
‫المكية‪ ..‬فاذكر‪ #‬لي أنت ما رأيته في غالب السور المدنية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لقد رأيت الغالب على السور المدنية االهتمام بأربعة موض‪##‬وعات‬
‫كبرى‪.‬‬
‫قال األول‪ :‬فما أولها؟‬
‫قال الثاني(‪ :)1‬أوله‪##‬ا بي‪##‬ان جزئي‪##‬ات التش‪##‬ريع وتفاص‪##‬يل األحك‪##‬ام العملي‪##‬ة‪ ،‬في‬
‫العب‪###‬ادات كأحك‪###‬ام الص‪###‬الة‪ ،‬والزك‪###‬اة‪ ،‬والص‪###‬وم‪ ،‬والحج‪ ،‬والمع‪###‬امالت ك‪###‬البيوع‬
‫واألم‪###‬وال‪ ،‬واالجتماعي‪###‬ات ك‪###‬الزواج والطالق والرض‪###‬اع‪ ،‬والعقوب‪###‬ات كالح‪###‬دود‪#‬‬
‫والقصاص كما هو مالحظ في سورة البقرة والنساء والمائدة والنور‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى في ذكر التشريعات‪ #‬المرتبط‪##‬ة ب‪##‬الطالق‪ #‬في‬
‫ُوف أَوْ‬
‫س‪##‬ورة البق‪##‬رة المدني‪##‬ة‪َ ﴿ :‬وإِ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َس‪##‬ا َء فَبَلَ ْغنَ أَ َجلَه َُّن فَأ َ ْم ِس‪ُ ##‬كوه َُّن بِ َمعْ‪ ##‬ر ٍ‪#‬‬
‫ض َرارًا لِتَ ْعتَدُوا َو َم ْن يَ ْف َعلْ َذلِ‪##‬كَ فَقَ ‪ْ #‬د ظَلَ َم نَ ْف َس ‪#‬هُ‬ ‫ُوف َواَل تُ ْم ِس ُكوه َُّن ِ‬ ‫َسرِّ حُوه َُّن بِ َم ْعر ٍ‬
‫ب‬ ‫ت هَّللا ِ هُ‪ُ #‬ز ًوا َو ْاذ ُك‪ #‬رُوا نِ ْع َمتَ هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم َو َم‪#‬ا أَ ْن‪#‬زَ َل َعلَ ْي ُك ْم ِمنَ ْال ِكتَ‪#‬ا ِ‬ ‫َواَل تَتَّ ِخ ُذوا آيَ‪#‬ا ِ‬
‫َو ْال ِح ْك َم‪ِ #‬ة يَ ِعظُ ُك ْم بِ‪ِ #‬ه َواتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ َوا ْعلَ ُم‪##‬وا أَ َّن هَّللا َ بِ ُك‪##‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء َعلِي ٌم َوإِ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َس‪#‬ا َء‬
‫ك‬ ‫ُوف َذلِ‪َ #‬‬ ‫‪#‬ال َم ْعر ِ‬ ‫اضوْ ا‪ #‬بَ ْينَهُ ْم بِ‪ْ #‬‬‫اجه َُّن إِ َذا ت ََر َ‬ ‫ضلُوه َُّن أَ ْن يَ ْن ِكحْ نَ أَ ْز َو َ‬ ‫فَبَلَ ْغنَ أَ َجلَه َُّن فَاَل تَ ْع ُ‬
‫طهَ ‪ُ #‬ر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم‬ ‫‪#‬ر َذلِ ُك ْم أَ ْز َكى لَ ُك ْم َوأَ ْ‬ ‫يُو َعظُ بِ ِه َم ْن َكانَ ِم ْن ُك ْم ي ُْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ‪##‬وْ ِ‪#‬م اآْل ِخ‪ِ #‬‬
‫َوأَ ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪]232-231 :‬‬
‫‪ )(1‬علوم القرآن الكريم‪ ،‬عتر‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫‪232‬‬
‫َات‬‫﴿و ْال َوالِ‪##‬د ُ‬ ‫ومثله‪##‬ا قول‪##‬ه في التش‪##‬ريعات المرتبط‪##‬ة بالرض‪##‬اعة واألوالد‪َ #:‬‬
‫َّض ‪#‬ا َعةَ َو َعلَى ْال َموْ ل‪##‬و ِد لَ ‪#‬هُ‬
‫ُ‬ ‫ض ‪ْ #‬عنَ أَوْ اَل َده َُّن َح‪##‬وْ لَ ْي ِن َك‪##‬ا ِملَ ْي ِن لِ َم ْن أَ َرا َد أَ ْن يُتِ َّم الر َ‬ ‫يُرْ ِ‬
‫ضا َّر َوالِ ‪َ #‬دةٌ بِ َولَ ‪ِ #‬دهَا َواَل‬ ‫اَّل‬ ‫ْ‬
‫ُوف اَل تُ َكلفُ نَفسٌ إِ ُو ْس َعهَا اَل تُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ِر ْزقُه َُّن َو ِكس َْوتُه َُّن بِال َم ْعر ِ‪#‬‬
‫اض ِم ْنهُ َم‪##‬ا‬ ‫‪#‬ر ٍ‬ ‫ص ‪#‬ااًل ع َْن تَ‪َ #‬‬ ‫ث ِم ْث‪ُ #‬ل َذلِ‪##‬كَ فَ ‪#‬إِ ْن أَ َرادَا فِ َ‬ ‫َموْ لُ‪##‬و ٌ‪#‬د لَ ‪#‬هُ بِ َولَ ‪ِ #‬د ِه َو َعلَى ْال‪َ #‬و ِ‬
‫ار ِ‬
‫‪#‬اح َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا‬ ‫ض ‪#‬عُوا‪ #‬أَوْ اَل َد ُك ْم فَاَل ُجنَ‪َ #‬‬ ‫‪#‬اح َعلَ ْي ِه َم‪##‬ا َوإِ ْن أَ َر ْدتُ ْم أَ ْن تَ ْستَرْ ِ‬ ‫َوت ََش ‪#‬ا ُو ٍر فَاَل ُجنَ‪َ #‬‬
‫صيرٌ﴾ [البقرة‪]233 :‬‬ ‫ُ‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬
‫ُوف َواتَّقُوا َ َوا ْعلَ ُموا أ َّن َ بِ َما تَ ْع َملونَ بَ ِ‬ ‫هَّللا‬ ‫َسلَّ ْمتُ ْم َما آتَ ْيتُ ْم بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫﴿والَّ ِذينَ يُت ََوفَّوْ نَ ِم ْن ُك ْم‬ ‫ومثلها قوله في التش‪##‬ريعات‪ #‬المرتبط‪##‬ة بالع‪##‬دة ونحوه‪##‬ا‪َ :‬‬
‫َويَ َذرُونَ أَ ْز َواجًا يَت ََربَّصْ نَ بِأ َ ْنفُ ِس ِه َّن أَرْ بَ َعةَ أَ ْشه ٍُر َو َع ْشرًا فَ ‪#‬إِ َذا بَلَ ْغنَ أ َجلَه َُّن فَاَل ُجنَ‪##‬ا َح‬
‫َ‬
‫ُوف َوهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُونَ خَ بِي ٌر َواَل ُجنَا َح َعلَ ْي ُك ْم فِي َما‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم فِي َما فَ َع ْلنَ فِي أَ ْنفُ ِس ِه َّن بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫طبَ ِة النِّ َسا ِء أَوْ أَ ْكنَ ْنتُ ْم فِي أَ ْنفُ ِس ُك ْم َعلِ َم هَّللا ُ أَنَّ ُك ْم َست َْذ ُكرُونَه َُّن َولَ ِك ْن اَل‬ ‫َعرَّضْ تُ ْم بِ ِه ِم ْن ِخ ْ‬
‫‪#‬اح َحتَّى يَ ْبلُ‪َ #‬غ‬ ‫ْز ُم‪##‬وا ُع ْق‪َ #‬دةَ النِّ َك‪ِ #‬‬ ‫اع‪ #‬دُوه َُّن ِس‪ًّ #‬را إِاَّل أَ ْن تَقُولُ‪##‬وا قَ‪##‬وْ اًل َم ْعرُوفً‪##‬ا َواَل تَع ِ‬ ‫تُ َو ِ‬
‫ْال ِكتَابُ أَ َجلَ‪#‬هُ َوا ْعلَ ُم‪##‬وا أَ َّن هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َم‪##‬ا فِي أَ ْنفُ ِس‪ُ #‬ك ْم فَاحْ‪َ #‬ذرُوهُ َوا ْعلَ ُم‪##‬وا أَ َّن هَّللا َ َغفُ‪##‬و ٌر‬
‫حلِي ٌم﴾ [البقرة‪]235-234 :‬‬ ‫َ‬
‫ومثله‪##‬ا قول‪##‬ه في التش‪##‬ريعات‪ #‬المرتبط‪##‬ة ب‪##‬اإلرث في س‪##‬ورة النس‪##‬اء المدني‪##‬ة‪:‬‬
‫ق ْاثنَتَ ْي ِن فَلَه َُّن‬ ‫لذ َك ِر ِم ْث ُل َح‪ #‬ظِّ اأْل ُ ْنثَيَي ِْن فَ‪#‬إِ ْن ُك َّن نِ َس ‪#‬ا ًء فَ‪##‬وْ َ‬ ‫ُوصي ُك ُ‪#‬م هَّللا ُ فِي أَوْ اَل ِد ُك ْم لِ َّ‬ ‫﴿ي ِ‬
‫الس‪ُ #‬دسُ ِم َّما‬ ‫اح‪ٍ #‬د ِم ْنهُ َم‪##‬ا ُّ‬ ‫َت َوا ِح َدةً فَلَهَا النِّصْ فُ وَأِل َبَ َو ْي‪ِ #‬ه لِ ُك‪ِّ #‬ل َو ِ‬ ‫ك َوإِ ْن َكان ْ‬ ‫ثُلُثَا َما ت ََر َ‬
‫ث فَإِ ْن َك‪##‬انَ لَ‪#‬هُ إِ ْخ‪َ #‬وةٌ‬ ‫ُ‬
‫ك إِ ْن َكانَ لَهُ َولَ ٌد فَإِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَهُ َولَ ٌد َو َو ِرثَهُ أَبَ َواهُ فَأِل ِّم ِه الثُّلُ ُ‬ ‫ت ََر َ‬
‫ُوص‪#‬ي‪ #‬بِهَ‪##‬ا أَوْ َد ْي ٍن آبَ‪##‬ا ُؤ ُك ْم َوأَ ْبنَ‪##‬ا ُؤ ُك ْ‪#‬م اَل تَ‪ْ #‬درُونَ أَيُّهُ ْم‬ ‫صيَّ ٍة ي ِ‬ ‫فَأِل ُ ِّم ِه ال ُّس ُدسُ ِم ْن بَ ْع ِد َو ِ‬
‫يض‪##‬ةً ِمنَ هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ َك‪##‬انَ َعلِي ًم‪##‬ا َح ِكي ًم‪##‬ا﴾ [النس‪###‬اء‪ ،]11 :‬وقول‪##‬ه‪:‬‬ ‫أَ ْق‪َ ##‬ربُ لَ ُك ْم نَ ْفعً‪##‬ا فَ ِر َ‬
‫ص ‪#‬فُ‬ ‫ت فَلَهَا نِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ْس لَهُ َولَ ٌد َولَهُ أ ْخ ٌ‬ ‫ك قُ ِل هَّللا ُ يُ ْفتِي ُك ْم فِي ْالكَاَل لَ ِة إِ ِن ا ْم ُر ٌؤ هَلَكَ لَي َ‬ ‫﴿يَ ْستَ ْفتُونَ َ‬
‫‪#‬ركَ َوإِ ْن‬ ‫َما تَ َركَ َوه َُو يَ ِرثُهَا إِ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَهَا َولَ ٌد فَإِ ْن َكانَتَا ْاثنَتَي ِْن فَلَهُ َما الثُّلُثَ‪##‬ا ِن ِم َّما تَ‪َ #‬‬
‫َضلُّوا َوهَّللا ُ بِ ُك‪ِّ #‬ل‬ ‫لذ َك ِ‪#‬ر ِم ْث ُل َحظِّ اأْل ُ ْنثَيَي ِْن يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ْم أَ ْن ت ِ‬ ‫َكانُوا إِ ْخ َوةً ِر َجااًل َونِ َسا ًء فَلِ َّ‬
‫علِي ٌم﴾ [النساء‪]176 :‬‬ ‫َش ْي ٍء َ‬
‫ومثلها قوله في التشريعات‪ #‬المرتبطة بالطهارة في سورة المائ‪##‬دة المدني‪##‬ة‪﴿ :‬يَ‪##‬ا‬
‫الص‪##‬اَل ِة فَا ْغ ِس‪##‬لُوا‪ُ #‬وجُ‪##‬وهَ ُك ْم َوأَيْ‪ِ ##‬ديَ ُك ْ‪#‬م إِلَى ْال َم َرافِ ِ‪#‬‬
‫‪##‬ق‬ ‫أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا إِ َذا قُ ْمتُ ْم إِلَى َّ‬
‫وس‪ُ ###‬ك ْ‪#‬م َوأَرْ ُجلَ ُك ْم إِلَى ْال َك ْعبَي ِْن َوإِ ْن ُك ْنتُ ْم ُجنُبً‪###‬ا فَ‪###‬اطَّهَّرُوا‪َ #‬وإِ ْن ُك ْنتُ ْم‬ ‫َوا ْم َس‪###‬حُوا بِ ُر ُء ِ‬
‫ضى‪ #‬أَوْ َعلَى َسف ٍر أوْ َجا َء أ َحد ِمنك ْم ِمنَ الغَائِ ِط أوْ َم ْس‪#‬ت ُم الن َس‪#‬ا َء فل ْم ت َِج‪ #‬دُوا َم‪##‬ا ًء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫اَل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َمرْ َ‬
‫‪#‬ل َعلَ ْي ُك ْم ِمنْ‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص ِعيدًا طيِّبًا فا ْم َسحُوا‪ #‬بِ ُوجُو ِهك ْ‪#‬م َوأ ْي ِديك ْم ِمنهُ َم‪##‬ا ي ُِري‪ُ #‬د ُ لِيَجْ َع‪َ #‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَتَيَ َّم ُموا‪َ #‬‬
‫ج َولَ ِك ْن ي ُِري‪ُ #‬د لِيُطَهِّ َر ُك ْ‪#‬م َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَ‪#‬هُ َعلَ ْي ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم ت َْش‪ُ #‬كرُونَ ﴾ [المائ‪##‬دة‪ ..]6 :‬وغيره‪##‬ا‬ ‫َح َر ٍ‬
‫من األمثلة الكثيرة‪.‬‬
‫قال األول‪ :‬وعيت هذا‪ ..‬فما الثاني؟‬
‫قال الثاني‪ :‬الثاني االهتم‪##‬ام ب‪##‬دعوة أه‪##‬ل الكت‪##‬اب وهم اليه‪##‬ود والنص‪##‬ارى إلى‬
‫اإلس‪##‬الم‪ ،‬وإقام‪##‬ة الحجج عليهم‪ ،‬مثلم‪##‬ا أقيمت الحجج على المش‪##‬ركين والوثن‪##‬يين في‬
‫السور‪ #‬المكية‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في محاج‪##‬ة أه‪##‬ل الكت‪##‬اب في س‪##‬ورة آل‬
‫ب تَ َعالَوْ ا إِلَى َكلِ َم ٍة َس َوا ٍء بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ْم أَاَّل نَ ْعبُ َد إِاَّل هَّللا َ‬ ‫عمران المدنية‪﴿ :‬قُلْ يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫ُون هَّللا ِ فَ‪#‬إِ ْن تَ َولَّوْ ا فَقُولُ‪#‬وا‬ ‫ْض‪#‬ا أَرْ بَابً‪##‬ا ِم ْن د ِ‬ ‫ْض‪#‬نَا‪ #‬بَع ً‬ ‫ك بِ‪ِ #‬ه َش‪ْ #‬يئًا َواَل يَتَّ ِخ‪َ #‬ذ بَع ُ‬ ‫َواَل نُ ْش‪ِ #‬ر َ‪#‬‬
‫ُ‬ ‫اش‪#‬هَدُوا‪ #‬بِأَنَّا ُم ْس‪#‬لِ ُمونَ يَ‪##‬ا أ ْه‪َ #‬ل ال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت التَّوْ َراةُ‬ ‫‪#‬زلَ ِ‬ ‫‪#‬را ِهي َ‪#‬م َو َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬ ‫ب لِ َم تُ َح‪ #‬اجُّ ونَ فِي إِ ْب‪َ #‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َوا ِ ْن ِجي ‪ُ #‬ل إِاَّل ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د ِه أفَاَل تَ ْعقِل‪##‬ونَ هَ‪##‬ا أ ْنتُ ْم هَ ‪#‬ؤُاَل ِء َح‪##‬ا َججْ تُْ‪#‬م فِي َم‪##‬ا لَ ُك ْم بِ ‪ِ #‬ه ِعل ٌم فَلِ َم‬ ‫إْل‬
‫ْس لَ ُك ْم بِ ِه ِع ْل ٌم َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َوأَ ْنتُْ‪#‬م اَل تَ ْعلَ ُمونَ َما َكانَ إِب َْرا ِهي ُم يَهُو ِديًّ‪##‬ا‪َ #‬واَل‬ ‫تُ َحاجُّ ونَ فِي َما لَي َ‬
‫اس بِ‪#‬إِ ْب َرا ِهي َ‪#‬م‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫نَصْ َرانِيًّا‪َ #‬ولَ ِك ْن َكانَ َحنِيفً‪##‬ا ُم ْس‪#‬لِ ًما َو َم‪##‬ا َك‪##‬انَ ِمنَ ال ُم ْش‪ِ #‬ر ِكينَ إِ َّن أوْ لَى النَّ ِ‬
‫‪##‬ل‬ ‫َ‬
‫ت طَائِفَ‪##‬ةٌ ِم ْن أ ْه ِ‬ ‫‪##‬ؤ ِمنِينَ َو َّد ْ‬ ‫لَلَّ ِذينَ اتَّبَعُ‪##‬وهُ َوهَ‪َ ##‬ذا النَّبِ ُّي َوالَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َوهَّللا ُ َولِ ُّي ْال ُم ْ‬
‫ب لِ َم تَ ْكفُ ‪#‬رُونَ‬ ‫ضلُّونَ إِاَّل أَ ْنفُ َسهُ ْم َو َما يَ ْش ُعرُونَ يَا أَ ْه َل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬ ‫ضلُّونَ ُك ْ‪#‬م َو َما يُ ِ‬ ‫ب لَوْ يُ ِ‬ ‫ْال ِكتَا ِ‬
‫ق‬ ‫اط‪ِ #‬ل َوتَ ْكتُ ُم‪#‬ونَ ْال َح‪َّ #‬‬ ‫ق بِ ْالبَ ِ‬ ‫ب لِ َم ت َْلبِ ُس‪#‬ونَ ْال َح‪َّ #‬‬ ‫‪#‬ل ْال ِكتَ‪#‬ا ِ‬ ‫ت هَّللا ِ َوأَ ْنتُ ْم تَ ْشهَ ُدونَ يَ‪#‬ا أَ ْه َ‬ ‫بِآيَا ِ‬
‫َوأَ ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [آل عمران‪]71-64 :‬‬
‫﴿وقَالُوا لَ ْن يَ ْد ُخ َل ْال َجنَّةَ‬ ‫ومثل ذلك قوله في محاجتهم‪ #‬في سورة البقرة المدنية‪َ :‬‬
‫ص‪#‬ا ِدقِينَ بَلَى‬ ‫صا َرى‪ #‬تِ ْلكَ أَ َمانِيُّهُ ْم قُلْ هَ‪##‬اتُوا بُرْ هَ‪##‬انَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬ ‫إِاَّل َم ْن َكانَ هُودًا أَوْ نَ َ‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َواَل هُ ْم يَحْ زَ نُ‪##‬ونَ‬ ‫َم ْن أَ ْسلَ َم َوجْ هَهُ هَّلِل ِ َوهُ َو ُمحْ ِس ٌن فَلَهُ أَجْ ُرهُ ِع ْن َد َربِّ ِه َواَل خَ‪##‬وْ ٌ‬
‫ت ْاليَهُ‪#‬و ُد َعلَى َش‪ْ #‬ي ٍء‬ ‫ارى لَ ْي َس ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ت النَّ َ‬ ‫ارى َعلَى َش ْي ٍء َوقَالَ ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ت النَّ َ‬ ‫ت ْاليَهُو ُد لَ ْي َس ِ‬ ‫َوقَالَ ِ‬
‫‪#‬ل قَ‪##‬وْ لِ ِه ْ‪#‬م فَاهَّلل ُ يَحْ ُك ُم بَ ْينَهُ ْم يَ‪##‬وْ َم‬ ‫‪#‬ال الَّ ِذينَ اَل يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ِم ْث‪َ #‬‬ ‫‪#‬اب َك‪َ #‬ذلِكَ قَ‪َ #‬‬ ‫َوهُ ْم يَ ْتلُ‪##‬ونَ ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫ختَلِفُونَ ﴾ [البقرة‪]113-111 :‬‬ ‫ْالقِيَا َم ِة فِي َما َكانُوا فِي ِه يَ ْ‬
‫ت ْاليَهُ‪##‬و ُد‬ ‫ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك قول‪##‬ه في مح‪##‬اجتهم‪ #‬في س‪##‬ورة المائ‪##‬دة المدني‪##‬ة‪َ ﴿ :‬وقَ‪##‬الَ ِ‬
‫ق‬ ‫صا َرى نَحْ نُ أَ ْبنَا ُء هَّللا ِ َوأَ ِحبَّا ُؤهُ قُلْ فَلِ َم يُ َع‪ِّ #‬ذبُ ُك ْ‪#‬م بِ‪ُ #‬ذنُوبِ ُك ْ‪#‬م بَ‪#‬لْ أَ ْنتُ ْم بَ َش‪ٌ #‬ر ِم َّم ْن خَ لَ‪َ #‬‬ ‫َوالنَّ َ‬
‫ض َو َم‪#‬ا بَ ْينَهُ َم‪#‬ا َوإِلَيْ‪ِ #‬ه‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫الس‪َ #‬ما َوا ِ‬ ‫ك َّ‬ ‫يَ ْغفِ ُر لِ َم ْن يَ َشا ُء َويُ َع ِّذبُ َم ْن يَ َش‪#‬ا ُء َوهَّلِل ِ ُم ْل‪ُ #‬‬
‫ب قَ ْد َجا َء ُك ْم َرسُولُنَا يُبَيِّنُ لَ ُك ْم َعلَى فَ ْت َر ٍة ِمنَ الرُّ س ُِل أَ ْن تَقُولُوا َما‬ ‫صي ُ‪#‬ر يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬ ‫ْال َم ِ‬
‫ي ٍء قَ ‪ِ #‬ديرٌ﴾ [المائ‪##‬دة‪:‬‬ ‫ير فَقَ ْد َجا َء ُك ْم بَ ِشي ٌر َونَ ِذي ٌ‪#‬ر َوهَّللا ُ َعلَى ُكلِّ َش ْ‬ ‫ير َواَل نَ ِذ ٍ‬ ‫َجا َءنَا ِم ْن بَ ِش ٍ‪#‬‬
‫ت أَ ْي ِدي ِه ْم َولُ ِعنُوا بِ َما قَ‪##‬الُوا بَ‪##‬لْ يَ ‪#‬دَاهُ‬ ‫ت ْاليَهُو ُد يَ ُد هَّللا ِ َم ْغلُولَةٌ ُغلَّ ْ‬ ‫‪ ،]19-18‬وقوله‪َ ﴿ :‬وقَالَ ِ‬
‫ك ِم ْن َربِّكَ طُ ْغيَانً‪##‬ا‬ ‫ُ‬
‫‪#‬ز َل إِلَ ْي‪َ #‬‬‫ق َك ْي‪##‬فَ يَ َش‪#‬ا ُء َولَيَ ِزي‪#‬د ََّن َكثِ‪##‬يرًا ِم ْنهُ ْم َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬ ‫َم ْبسُوطَتَا ِن يُ ْنفِ ُ‬
‫ب‬ ‫ض‪#‬ا َء إِلَى يَ‪##‬وْ ِم ْالقِيَا َم‪ِ #‬ة ُكلَّ َم‪##‬ا أَوْ قَ‪#‬دُوا نَ‪##‬ارًا لِ ْل َح‪##‬رْ ِ‬ ‫َو ُك ْفرًا َوأَ ْلقَ ْينَا بَ ْينَهُ ُم ْال َعدَا َوةَ َو ْالبَ ْغ َ‬
‫‪#‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬ ‫ض فَ َسادًا َوهَّللا ُ اَل ي ُِحبُّ ْال ُم ْف ِس ِدينَ َولَوْ أَ َّن أَ ْه‪َ #‬‬ ‫أَ ْ‬
‫ب‬ ‫طفَأَهَا هَّللا ُ َويَ ْس َعوْ نَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ت النَّ ِع ِيم َولَ‪#‬وْ أَنَّهُ ْم أَقَ‪#‬ا ُموا التَّوْ َراةَ‬ ‫آ َمنُوا َواتَّقَوْ ا لَ َكفَّرْ نَ‪#‬ا َع ْنهُ ْم َس‪#‬يِّئَاتِ ِه ْم َوأَل َ ْد َخ ْلنَ‪#‬اهُ ْم َجنَّا ِ‬
‫ت أَرْ ُجلِ ِه ْم ِم ْنهُ ْم أُ َّمةٌ‬ ‫‪#‬ز َل إِلَ ْي ِه ْم ِم ْن َربِّ ِه ْم أَل َ َكلُ‪##‬وا ِم ْن فَ‪##‬وْ قِ ِه ْم َو ِم ْن تَحْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َواإْل ِ ْن ِجي‪َ #‬ل َو َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬
‫سا َء َما يَ ْع َملُونَ ﴾ [المائدة‪]66-64 :‬‬ ‫َص َدةٌ َو َكثِي ٌر ِم ْنهُ ْم َ‬ ‫ُم ْقت ِ‬
‫ت ْاليَهُ‪##‬و ُ‪#‬د عُزَ ْي‪ٌ #‬ر‬ ‫﴿وقَ‪##‬الَ ِ‬ ‫ومثل ذلك قوله في محاجتهم‪ #‬في سورة التوبة المدنية‪َ :‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُض‪#‬ا ِهئونَ ق‪#‬وْ َل ال ِذينَ‬ ‫ُ‬ ‫ارى‪ْ #‬ال َم ِسي ُح ابْنُ هَّللا ِ َذلِكَ قَوْ لُهُْ‪#‬م بِأ َ ْف َوا ِه ِه ْم ي َ‬ ‫ص َ‬ ‫ت النَّ َ‬ ‫ابْنُ هَّللا ِ َوقَالَ ِ‬
‫ُون هَّللا ِ‬ ‫ارهُ ْم َو ُر ْهبَانَهُْ‪#‬م أَرْ بَابًا ِم ْن د ِ‬ ‫َكفَرُوا ِم ْن قَ ْب ُل قَاتَلَهُ ُ‪#‬م هَّللا ُ أَنَّى ي ُْؤفَ ُكونَ اتَّخَ ُذوا أَحْ بَ َ‬
‫اح‪ #‬دًا اَل إِلَ‪#‬هَ إِاَّل هُ‪َ #‬و ُس‪#‬ب َْحانَهُ َع َّما‬ ‫َو ْال َم ِسي َح ا ْبنَ َمرْ يَ َم َو َم‪##‬ا أُ ِم‪ #‬رُوا إِاَّل لِيَ ْعبُ‪#‬دُوا‪ #‬إِلَهً‪##‬ا َو ِ‬
‫يُ ْش ِر ُكونَ ﴾ [التوب‪##‬ة‪ ..]31-30 :‬وغيرها من اآليات الكث‪#‬يرة‪ ..‬م‪#‬ع العلم أن‪#‬ه ق‪#‬د ي‪#‬ذكر أه‪#‬ل‬
‫‪234‬‬
‫الكتاب في السور‪ #‬المكية‪ ،‬لكن بقدر محدود جدا‪ ،‬مقارنة بذكرهم‪ #‬في السور‪ #‬المدنية‪.‬‬
‫قال األول‪ :‬وعيت هذا‪ ..‬فما الثالث؟‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني‪ :‬الث‪##‬الث وص‪##‬ف المن‪##‬افقين‪ ،‬وكش‪##‬ف‪ #‬فض‪##‬ائحهم والتح‪##‬ذير من‬
‫أساليبهم‪ ،‬ألن النفاق أخطر ما تبتلى به أي دعوة‪ ،‬حتى أنزلت س‪##‬ورة خاص‪#‬ة تحم‪##‬ل‬
‫اسمهم‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة النس‪##‬اء المدني‪##‬ة‪َ ﴿ :‬وإِ َذا قِي‪َ #‬ل لَهُ ْم‬
‫صدُودًا فَ َك ْيفَ إِ َذا‬ ‫ك ُ‬ ‫ص ُّدونَ َع ْن َ‬ ‫تَ َعالَوْ ا إِلَى َما أَ ْن َز َل هَّللا ُ َوإِلَى ال َّرسُو ِل َرأَيْتَ ْال ُمنَافِقِينَ يَ ُ‬
‫ت أَ ْي ‪ِ #‬دي ِه ْم ثُ َّم َج‪ #‬اءُوكَ يَحْ لِفُ‪##‬ونَ بِاهَّلل ِ إِ ْن أَ َر ْدنَ‪##‬ا إِاَّل إِحْ َس ‪#‬انًا‬ ‫ص ‪#‬يبَةٌ بِ َم‪##‬ا قَ ‪َّ #‬د َم ْ‬ ‫أَ َ‬
‫ص ‪#‬ابَ ْتهُْ‪#‬م ُم ِ‬
‫َوتَوْ فِيقًا﴾ [النساء‪ ،]62-61 :‬وقوله‪﴿ :‬فَ َما لَ ُك ْم فِي ْال ُمنَافِقِينَ فِئَتَي ِْن َوهَّللا ُ أَرْ َك َس‪#‬هُْ‪#‬م بِ َم‪##‬ا َك َس‪#‬بُوا‬
‫ض َّل هَّللا ُ َو َم ْن يُضْ لِ ِل هَّللا ُ فَلَ ْن ت َِج َد لَهُ َسبِياًل َو ُّدوا لَ‪##‬وْ تَ ْكفُ ‪#‬رُونَ‬ ‫أَتُ ِري ُدونَ أَ ْن تَ ْهدُوا َم ْن أَ َ‬
‫يل هَّللا ِ فَ ‪#‬إِ ْن‬ ‫اجرُوا فِي َس ‪#‬بِ ِ‬ ‫َك َما َكفَرُوا فَتَ ُكونُونَ َس َوا ًء فَاَل تَتَّ ِخ ُذوا‪ِ #‬م ْنهُ ْم أَوْ لِيَا َء َحتَّى يُهَ ِ‬
‫َص ‪#‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪:‬‬ ‫ْث َو َج ْدتُ ُموهُ ْم َواَل تَتَّ ِخ ُذوا ِم ْنهُ ْم َولِيًّ‪##‬ا َواَل ن ِ‬ ‫ت ََولَّوْ ا فَ ُخ ُذوهُ ْم َوا ْقتُلُوهُ ْم َحي ُ‬
‫ازدَادُوا‪ُ #‬ك ْف‪##‬رًا لَ ْم يَ ُك ِن‬ ‫‪ ، ]89-88‬وقوله‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا ثُ َّم َكفَرُوا ثُ َّم آ َمنُوا ثُ َّم َكفَرُوا ثُ َّم ْ‬
‫هَّللا ُ لِيَ ْغفِ َر لَهُ ْم َواَل لِيَ ْه ِديَهُ ْم َس‪#‬بِياًل بَ ِّش‪ِ #‬ر ْال ُمنَ‪##‬افِقِينَ بِ‪##‬أ َ َّن لَهُ ْم َع‪َ #‬ذابًا أَلِي ًم‪##‬ا الَّ ِذينَ يَتَّ ِخ‪ُ #‬ذونَ‬
‫ج ِميعًا﴾ [النساء‪:‬‬ ‫ْال َكافِ ِرينَ أَوْ لِيَا َء ِم ْن دُو ِن ْال ُم ْؤ ِمنِينَ أَيَ ْبتَ ُغونَ ِع ْن َدهُ ُم ْال ِع َّزةَ فَإِ َّن ْال ِع َّزةَ هَّلِل ِ َ‬
‫الص‪#‬اَل ِة‬ ‫‪ ، ]139-137‬وقوله‪﴿ :‬إِ َّن ْال ُمنَافِقِينَ يُخَا ِد ُعونَ هَّللا َ َوه َُو خَ‪#‬ا ِد ُعهُ ْم َوإِ َذا قَ‪#‬ا ُموا‪ #‬إِلَى َّ‬
‫اس َواَل يَ ْذ ُكرُونَ هَّللا َ إِاَّل قَلِياًل ُم َذ ْب َذبِينَ بَ ْينَ َذلِكَ اَل إِلَى هَؤُاَل ِء‬ ‫قَا ُموا‪ُ #‬ك َسالَى يُ َراءُونَ النَّ َ‬
‫ُض‪#‬لِ ِل هَّللا ُ فَلَ ْن ت َِج‪َ #‬د لَ‪#‬هُ َس‪#‬بِياًل ﴾ [النس‪##‬اء‪ ، ]143-142 :‬وقول‪##‬ه‪﴿ :‬إِ َّن‬ ‫َواَل إِلَى هَ‪#‬ؤُاَل ِء َو َم ْن ي ْ‬
‫ص‪#‬لَحُوا‪#‬‬ ‫َص‪#‬يرًا إِاَّل الَّ ِذينَ تَ‪##‬ابُوا َوأَ ْ‬ ‫ار َولَ ْن ت َِج َد لَهُ ْم ن ِ‬ ‫ك اأْل َ ْسفَ ِل ِمنَ النَّ ِ‬ ‫ْال ُمنَافِقِينَ فِي ال َّدرْ ِ‬
‫ت هَّللا ُ ْال ُم‪ْ #‬‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ‬ ‫ك َم َع ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َو َسوْ فَ يُ‪#ْ #‬ؤ ِ‬ ‫ُ‬
‫ص ُموا‪ #‬بِاهَّلل ِ َوأَ ْخلَصُوا‪ِ #‬دينَهُ ْم هَّلِل ِ فَأولَئِ َ‪#‬‬ ‫َوا ْعتَ َ‬
‫ظي ًما﴾ [النساء‪]146-145 :‬‬ ‫أَجْ رًا َع ِ‬
‫‪#‬ات‬‫﴿ال ُمنَ‪#‬افِقُونَ َو ْال ُمنَافِقَ‪ُ #‬‬ ‫ومثل ذلك قوله تعالى عنهم في سورة التوب‪##‬ة المدني‪#‬ة‪ْ :‬‬
‫ُوف َويَ ْقبِضُونَ أَ ْي ‪ِ #‬ديَهُ ْم ن َُس ‪#‬وا‬ ‫ْض يَأْ ُمرُونَ بِ ْال ُم ْن َك ِ‪#‬ر َويَ ْنهَوْ نَ ع َِن ْال َم ْعر ِ‪#‬‬ ‫ضهُْ‪#‬م ِم ْن بَع ٍ‬ ‫بَ ْع ُ‬
‫ار نَ‪##‬ا َر‬ ‫ت َو ْال ُكفَّ َ‬ ‫اس ‪#‬قُونَ َو َع‪َ #‬د هَّللا ُ ْال ُمنَ‪##‬افِقِينَ َو ْال ُمنَافِقَ‪##‬ا ِ‪#‬‬ ‫هَّللا َ فَن َِس ‪#‬يَهُْ‪#‬م إِ َّن ْال ُمنَ‪##‬افِقِينَ هُ ُم ْالفَ ِ‬
‫ع َذابٌ ُمقِي ٌم﴾ [التوبة‪]68-67 :‬‬ ‫َجهَنَّ َم خَالِ ِدينَ فِيهَا ِه َي َح ْسبُهُ ْم َولَ َعنَهُ ُم هَّللا ُ َولَهُ ْم َ‬
‫لكن ذلك ليس عاما؛ فقد يرد ذك‪##‬رهم في الس‪##‬ور المكي‪##‬ة‪ ،‬ولكن‪##‬ه ذك‪##‬ر مح‪##‬دود‪#‬‬
‫جدا‪ ،‬مقارنة بالسور المدنية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة العنكب‪##‬وت‬
‫ال ُمنَافِقِينَ ﴾ [العنكبوت‪]11 :‬‬ ‫﴿ولَيَ ْعلَ َم َّن هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُوا َولَيَ ْعلَ َم َّن ْ‬
‫المكية‪َ :‬‬
‫قال األول‪ :‬وعيت هذا‪ ..‬فما الرابع؟‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني‪ :‬الراب‪##‬ع بي‪##‬ان األحك‪##‬ام الخاص‪##‬ة بالعالق‪##‬ات بين األم‪##‬ة اإلس‪##‬المية‬
‫وغيره‪##‬ا‪ ..‬كاألحك‪##‬ام المتعلق‪##‬ة ب‪##‬الحرب‪ ،‬والس‪##‬لم والص‪##‬لح‪ ،‬والمعاه‪##‬دات‪ ،‬والغن‪##‬ائم‬
‫واألسرى‪ ،‬وقد ورد ذل‪##‬ك بص‪##‬فة خاص‪##‬ة في س‪##‬ور البق‪##‬رة واألنف‪##‬ال وب‪##‬راءة والقت‪##‬ال‬
‫والفتح والحشر‪#.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة األنفال المدني‪##‬ة‪َ ﴿ :‬وأ ِع‪ُّ #‬دوا لهُ ْم َم‪##‬ا‬
‫‪235‬‬
‫آخَ‪##‬رينَ ِم ْن دُونِ ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ا ْستَطَ ْعتُْ‪#‬م ِم ْن قُ َّو ٍة َو ِم ْن ِربَا ِ‪#‬ط ْال َخ ْي ِل تُرْ ِهبُونَ بِ ِه َع ُد َّو هَّللا ِ َو َع ُد َّو ُك ْم َو‬
‫ف إِلَ ْي ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل‬ ‫يل هَّللا ِ ي َ‬
‫ُ‪##‬و َّ‬ ‫اَل تَ ْعلَ ُم‪##‬ونَهُ ُم هَّللا ُ يَ ْعلَ ُمهُ ْم َو َم‪##‬ا تُ ْنفِقُ‪##‬وا ِم ْن َش‪ْ ##‬ي ٍء فِي َس‪##‬بِ ِ‬
‫الس‪ِ #‬مي ُع ْال َعلِي ُم َوإِ ْن‬ ‫‪#‬و َّ‬ ‫لس‪ْ #‬ل ِم فَ‪##‬اجْ نَحْ لَهَ‪##‬ا َوت ََو َّك ْ‪#‬ل َعلَى هَّللا ِ إِنَّهُ هُ‪َ #‬‬ ‫ظلَ ُم‪##‬ونَ َوإِ ْن َجنَ ُح‪##‬وا لِ َّ‬ ‫تُ ْ‬
‫‪#‬ال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [األنف‪##‬ال‪-60 :‬‬ ‫َص‪ِ #‬ر ِه َوبِ‪ْ #‬‬ ‫‪#‬و الَّ ِذي أَيَّدَكَ بِن ْ‬ ‫ي ُِريدُوا‪ #‬أَ ْن يَ ْخ َد ُعوكَ فَإِ َّن َح ْسبَكَ هَّللا ُ هُ‪َ #‬‬
‫‪]62‬‬
‫ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك قول‪##‬ه في س‪##‬ورة الممتحن‪##‬ة المدني‪##‬ة‪﴿ :‬اَل يَ ْنهَ‪##‬ا ُك ُم هَّللا ُ ع َِن الَّ ِذينَ لَ ْم‬
‫ار ُك ْم أَ ْن تَبَرُّ وهُْ‪#‬م َوتُ ْق ِسطُوا‪ #‬إِلَ ْي ِه ْم إِ َّن هَّللا َ ي ُِحبُّ‬
‫يُقَاتِلُو ُك ْ‪#‬م فِي الدِّي ِن َولَ ْم ي ُْخ ِرجُو ُك ْم ِم ْن ِديَ ِ‬
‫ِّين َوأَ ْخ َرجُ‪##‬و ُك ْم ِم ْن ِديَ ِ‬
‫‪##‬ار ُك ْم‬ ‫ْال ُم ْق ِس‪ِ ##‬طينَ إِنَّ َم‪##‬ا يَ ْنهَ‪##‬ا ُك ُم هَّللا ُ ع َِن الَّ ِذينَ قَ‪##‬اتَلُو ُك ْم فِي ال‪##‬د ِ‬
‫‪#‬ولَّه ُ ْم فَأُولَئِ‪##‬كَ هُ ُم الظَّالِ ُمونَ ﴾ [الممتحن‪##‬ة‪-8 :‬‬ ‫َوظَاهَرُوا َعلَى إِ ْخ‪َ #‬را ِج ُك ْم أَ ْن تَ َولَّوْ هُ ْم َو َم ْن يَتَ‪َ #‬‬
‫‪ ..]9‬وغيرها من األمثلة الكثيرة‪.‬‬
‫‪ . 2‬اختالفات وخالفات‪:‬‬
‫بعد أن سمعت كل تلك الحوارات النافعة المؤدبة‪ ..‬انتقلت إلى مح‪##‬ل آخ‪##‬ر في‬
‫الحي‪ ،‬وقد‪ #‬تعجبت من كثرة الالفتات التي علقت في محاله المختلف‪##‬ة‪ ..‬وكله‪##‬ا ك‪##‬انت‬
‫الفتات حول القرآن الكريم‪ ،‬لكنها كانت تكتفي من‪#‬ه بمح‪#‬ال ال‪#‬نزول دون غيره‪#‬ا من‬
‫المعاني‪ ..‬فقد كان أمام كل آية أو سورة ذك‪##‬ر كونه‪#‬ا مكي‪##‬ة أو مدني‪##‬ة‪ ،‬واالكتف‪#‬اء ب‪#‬ه‪،‬‬
‫وكأنه هو الغاية الكبرى من اآلية والسورة‪ ..‬بل كنت أرى ذك‪##‬ر الخالف ال‪##‬وارد في‬
‫ذلك‪ ،‬وبالخطوط‪ #‬العريضة المزخرفة التي تزاحم السور نفسها‪.‬‬
‫سور مختلف فيها‪:‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أني مررت على محل كتب عليه سورة الفاتحة‪ ،‬وكتب‬
‫أمامه(‪ :)1‬هذه سورة مكية‪ ..‬وقال مجاهد‪ :‬إنّها مدنيّة(‪ ..)2‬وق‪##‬ال الحس‪##‬ين بن الفض‪##‬ل‪:‬‬
‫ألن العلماء على خالف قوله(‪ .. )3‬ولق‪#‬ول اإلم‪#‬ام عل ّي‪ :‬ن‪#‬زلت‬ ‫هذه هفوة من مجاهد‪ّ ،‬‬
‫ك َس ‪ْ #‬بعًا ِمنَ‬ ‫﴿ولَقَ ْد آتَ ْينَ‪##‬ا َ‬
‫فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش(‪ ..)4‬و لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ْال َمثَانِي َو ْالقُرْ آنَ ْال َع ِظي َم﴾ [الحج‪##‬ر‪ ،]87 :‬وسورة الحجر مكيّ‪##‬ة باتّف‪##‬اق‪ ،‬وه‪##‬ذا إخب‪##‬ار عن‬
‫ماض سبق‪ ..‬و ألنّها أوّل سورة كاملة نزلت على رسول هّللا ‪ ‬علّمه إيّاها جبري‪##‬ل‬
‫عليه الس‪#‬الم‪ ،‬ومن ثم س‪#‬ميّت بفاتح‪#‬ة الكت‪#‬اب‪ ،‬فك‪#‬ان ‪ ‬يص‪#‬لّي به‪#‬ا‪ ،‬وال ص‪#‬الة إاّل‬
‫بفاتحة الكتاب‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر كتب عليه بالبنط العريض اسم [سورة النساء]‪ ،‬وكتب‬
‫أسفلها بخطوط مزخرفة مزينة(‪ :)5‬زعم النحّاس أنّها مكيّ‪##‬ة‪ ،‬نظ‪##‬را الى قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫اس أَ ْن تَحْ ُك ُم‪##‬وا‪#‬‬ ‫ت إِلَى أَ ْهلِهَ‪##‬ا َوإِ َذا َح َك ْمتُ ْم بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫﴿إِ َّن هَّللا َ يَ‪##‬أْ ُم ُر ُك ْم أَ ْن تُ‪##‬ؤَ ُّدوا اأْل َ َمانَ‪##‬ا ِ‬
‫ص‪#‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪]58 :‬؛ فق‪##‬د ق‪##‬ال ابن‬ ‫بِ ْال َع ْد ِل إِ َّن هَّللا َ نِ ِع َّما يَ ِعظُ ُك ْم بِ ِه إِ َّن هَّللا َ َك‪##‬انَ َس‪ِ #‬ميعًا بَ ِ‬
‫التمهيد‪.1/147 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مجمع البيان‪.1/17 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.1/12 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلتقان‪.1/12 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/148 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪236‬‬
‫جريح‪ :‬إنّها ن‪##‬زلت بمك‪##‬ة ع‪##‬ام الفتح بش‪##‬أن مفت‪##‬اح ال‪##‬بيت الح‪##‬رام‪ ،‬أراد الن‪##‬ب ّي ‪ ‬أن‬
‫يدفعه الى العباس بن عبد المطلب ف‪##‬أمره هّللا أن يدفع‪##‬ه الى عثم‪##‬ان بن طلح‪##‬ة‪ ،‬حيث‬
‫كان ‪ ‬قد أخذه منه(‪ ..)1‬لكن المفسّرين اتفقوا على أنّها مدنيّة‪ ،‬نظرا لض‪##‬عف‪ #‬إس‪##‬ناد‬
‫أن ن‪#‬زول آي‪#‬ة أو س‪#‬ورة بمك‪#‬ة ع‪#‬ام الفتح ال يجعله‪#‬ا مكيّ‪#‬ة‪ ،‬على‬ ‫هذا الح‪#‬ديث‪ ..‬على ّ‬
‫االص‪##‬طالح المش‪##‬هور‪ #:‬م‪##‬ا ن‪##‬زل بع‪##‬د الهج‪##‬رة فه‪##‬و م‪##‬دن ّي ول‪##‬و ك‪##‬ان نزول‪##‬ه بمك‪##‬ة‪..‬‬
‫باإلضافة إلى أن السورة بكاملها ال تتّسم بس‪##‬مة آي‪##‬ة واح‪##‬دة فيه‪##‬ا‪ ،‬ك‪##‬ان نزوله‪#‬ا‪ #‬على‬
‫غير نزول السورة‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر كتب عليه بالبنط العريض اسم [سورة ي‪##‬ونس]‪ ،‬وكتب‬
‫أسفلها بخطوط مزخرفة مزينة(‪ :)2‬في رواي‪##‬ة ش‪##‬اذة عن ابن عب‪##‬اس‪ :‬أنّه‪##‬ا مدنية(‪..)3‬‬
‫ولم تثبت هذه الرواية‪ ،‬فضال عن مخالفتها لما روي عن ابن عباس نفسه في ترتيب‬
‫نزول السور‪#.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة الرع‪##‬د]‪ ،‬وكتب أس‪##‬فلها‬
‫بخطوط‪ #‬مزخرفة مزينة(‪ :)4‬قال محمد بن السائب الكلبي ومقاتل وعطاء إنّها مكية‪..‬‬
‫وكذا في رواية رواها مجاهد عن ابن عباس‪ ..‬ورجّح س‪#‬يّد قطب ه‪##‬ذا الق‪##‬ول‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(مكيّة هذه السورة شديدة الوضوح‪ ،‬سواء في طبيعة موضوعها أو طريقة أدائه‪##‬ا أو‬
‫تنس ‪#‬مه من يعيش في ظالل ه‪##‬ذا الق‪##‬رآن) (‪ ..)5‬لكن‬ ‫في جوّه‪##‬ا الع‪##‬ام ال‪##‬ذي ال يخطئ ّ‬
‫روايات الترتيب اتفقت على أنّها مدنيّة نزلت بعد سورة محمد‪ ،‬كما ج‪##‬اء في رواي‪##‬ة‬
‫عكرم‪##‬ة والحس‪##‬ين بن أبي الحس‪##‬ن‪ ،‬ورواي‪##‬ة خص‪##‬يف عن مجاه‪##‬د عن ابن عب‪##‬اس‬
‫نفسه(‪ ..)6‬وأ ّما سياق السورة فإنّه توجيه عام للبشريّة الى آيات التوحيد‪ ،‬األمر ال‪##‬ذي‬
‫تشترك‪ #‬فيها السور المكيّة والمدنيّة‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة الحج]‪ ،‬وكتب أمامها(‪:)7‬‬
‫األصح أنها مدنية‪ ،‬وقال أبو محم‪##‬د مكي بن أبي ط‪##‬الب‪ :‬إنّه‪##‬ا مكيّة(‪ ..)8‬وروى ذل‪##‬ك‬
‫عن مجاهد بسند فيه ضعف‪ ،‬قال‪ :‬سألت ابن عباس عن ن‪##‬زول الس‪##‬ور‪ ،‬ح‪##‬تى انتهى‬
‫الى س‪##‬ورة الحج‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬أن‪##‬زلت بمك‪##‬ة س‪##‬وى‪ #‬اآلي‪##‬ات الثالث (‪ 19‬و‪ 20‬و‪ )21‬ن‪##‬زلن‬
‫فإن لهجتها الشديدة تناسب نزولها‪ #‬بمكة‪ ..‬ورواية مجاه‪##‬د ـ م‪##‬ع‬ ‫بالمدينة(‪ ..)9‬وأيضا ّ‬
‫ضعف سندها ـ معارضة بروايات الترتيب المتفق عليها‪ ..‬وأ ّم‪##‬ا اللهج‪##‬ة فهي غالبيّ‪##‬ة‬
‫وليست دائميّة‪ ،‬ومن ثم ال تصلح مستندا للحكم عليها‪.‬‬
‫مجمع البيان‪.3/63 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التمهيد‪.1/148 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.1/12 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.1/148 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫في ظالل القرآن‪.13/63 :.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلتقان‪.1/10 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التمهيد‪.1/149 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫الدر المنثور‪.4/42 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫اإلتقان‪.1/9 :‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪237‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة الفرق‪##‬ان]‪ ،‬وكتب أمامه‪##‬ا‪:‬‬
‫سورة مكية‪ ،‬وزعم الض‪#‬حّاك أنّه‪##‬ا مدني‪##‬ة‪ ،‬نظ‪##‬را آلي‪##‬ات في آخره‪##‬ا قي‪##‬ل فيه‪##‬ا‪ :‬انّه‪##‬ا‬
‫مدنية(‪ ..)1‬وهذا لوحده ال يصلح دليال على مدنيّتها بعد اتفاق رواي‪##‬ات ال‪##‬ترتيب على‬
‫كونها مكية‪.‬‬
‫ورأيت أمام مح‪##‬ل آخ‪##‬ر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة يس]‪ ،‬وكتب أمامها ‪: 2‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫سورة مكية‪ ،‬وقيل‪ :‬إنّها مدنيّة‪ ..‬ولم يعرف ه‪##‬ذا القائ‪##‬ل وال دليل‪##‬ه ال‪##‬ذي اس‪##‬تند إلي‪##‬ه‪..‬‬
‫واإلجماع‪ #‬منعقد على أنّها مكيّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ورأيت أمام محل آخر [ سورة ص] مكية‪ ..‬وقيل‪ :‬مدنيّة‪ ،‬وه‪##‬و ش‪##‬اذ مخ‪##‬الف‬
‫لإلجماع‪ ..‬و[سورة محمد] مدني‪##‬ة‪ ،‬وفيه‪#‬ا‪ #‬ق‪##‬ول ض‪##‬عيف‪ :‬أنّه‪##‬ا مكيّ‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬و غ‪##‬ريب‬
‫جدا‪ ..‬و[سورة الحجرات]‪ ،‬قيل‪ :‬إنّها مكية‪ ،‬وهي مدنيّة باإلجماع قوال واحدا(‪.)3‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة ال‪##‬رحمن]‪ ،‬وكتب أمامه‪##‬ا‪:‬‬
‫مكيّ‪##‬ة‪ ،‬لم‪##‬ا رواه الترم‪##‬ذي‪ #‬والح‪##‬اكم عن ج‪##‬ابر ق‪##‬ال‪ :‬لم‪##‬ا ق‪##‬رأ رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬س‪##‬ورة‬
‫للجن كانوا أحس‪##‬ن منكم‬ ‫ّ‬ ‫الرحمن على أصحابه حتى فرغ‪ ،‬قال‪ :‬ما لي أراكم سكوتا؟‬
‫ر ّدا! ما قرأت من مرّة ﴿فَبِأَيِّ آاَل ِء َربِّ ُك َم‪##‬ا تُ َك‪ِّ #‬ذبَا ِن﴾ [ال‪##‬رحمن‪ ]13 :‬إاّل ق‪##‬الوا‪ :‬وال بش‪##‬يء‬
‫الجن كانت بمكة‪ ..‬وأصرح من ذلك م‪##‬ا‬ ‫ّ‬ ‫نكذب‪ ،‬فلك الحمد(‪ ،)4‬وقصة‬ ‫من نعمك ربّنا ّ‬
‫رواه أحمد عن أسماء بنت أبي بكر‪ ،‬قالت‪ :‬سمعت رسول هّللا ‪ ‬وهو يص‪##‬لّي نح‪##‬و‬
‫الركن قبل أن يصدع بما ي‪##‬ؤمر والمش‪##‬ركون يس‪##‬معون‪﴿ :‬فَبِ‪##‬أ َ ِّ‬
‫ي آاَل ِء َربِّ ُك َم‪##‬ا تُ َك‪ِّ #‬ذبَا ِن﴾‬
‫[الرحمن‪ )5( ]13 :‬وهذا دليل على أنّها نزلت قبل سورة الحج‪##‬ر‪ ..‬لكن ك‪##‬ل ه‪##‬ذا ال ي‪##‬دل‬
‫على كونها مكية‪ ،‬بل هي مدنية‪ ،‬وكل التعليالت المذكورة ضعيفة ال تق‪##‬اوم رواي‪##‬ات‬
‫الترتيب المتفق عليها‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة الحدي‪##‬د]‪ ،‬وأمامها(‪ :)6‬ق‪##‬ال‬
‫قوم‪ #:‬إنّها مكيّة استنادا الى حديث إسالم عمر‪ ،‬دخل على أخته فوجد عندها ص‪##‬حيفة‬
‫فيه‪##‬ا س‪##‬ورة الحديد(‪ ،)7‬و ه‪##‬ذا الح‪##‬ديث مع‪##‬ارض بح‪##‬ديث ابن إس‪##‬حاق‪ :‬ك‪##‬انت في‬
‫إن الصحيفة كان فيها مع سورة طه س‪##‬ورة التك‪##‬وير‪..)8(#‬‬ ‫الصحيفة سورة طه‪ ..‬وقيل ّ‬
‫ومعارض أيضا بحديث شريح بن عبيد‪ ،‬قال‪ :‬قال عمر‪ :‬خرجت أتعرّض رسول هّللا‬
‫‪ ‬قبل أن أسلم فوجدت‪##‬ه س‪##‬بقني الى المس‪##‬جد‪ ،‬فقمت خلف‪##‬ه‪ ،‬فاس‪##‬تفتح س‪##‬ورة الحاقّ‪##‬ة‬
‫فجعلت أعجب من ت‪###‬أليف الق‪###‬رآن‪ ،‬فل ّم‪###‬ا أت ّمه‪###‬ا وق‪###‬ع اإلس‪###‬الم في قل‪###‬بي ك‪ّ ###‬ل‬

‫اإلتقان‪.1/13 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/150 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.1/13 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الترمذي‪)3291( ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مسند أحمد‪.6/349 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/152 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫أسد الغابة‪.4/54 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫سيرة ابن هشام‪.1/370 #:‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪238‬‬
‫موقع(‪..)1‬والحديث مرسل‪ ،‬أرسله من ال يوثق ب‪##‬ه‪ ..‬ق‪##‬ال ابن حج‪##‬ر‪ :‬والح‪##‬ديث بس‪##‬ند‬
‫ألن ابن أبي‬ ‫فيه إسحاق‪ #‬بن عبد هّللا بن أبي فروة‪ ،‬وأشار‪ #‬ب‪#‬ذلك الى غم‪#‬ز في الس‪#‬ند‪ّ ،‬‬
‫تمس‪#‬ك بعض‪##‬هم بح‪##‬ديث ابن مس‪##‬عود‪:‬‬ ‫فروة هذا مطعون فيه م‪##‬تروك الح‪##‬ديث(‪ ..)2‬و ّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬ما كان بين إسالمنا وبين أن عوتبنا بقوله تعالى‪﴿ :‬ألَ ْم يَأ ِن لِل ِذينَ آ َمنُوا أ ْن ت َْخ َش َع‬
‫ق َواَل يَ ُكونُ‪##‬وا َكالَّ ِذينَ أُوتُ‪##‬وا ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫‪#‬اب ِم ْن قَ ْب‪ُ #‬ل فَطَ‪##‬ا َل‬ ‫قُلُوبُهُْ‪#‬م لِ ِذ ْك ِر هَّللا ِ َو َما نَ َز َل ِمنَ ْال َح ِّ‬
‫اس‪#‬قُونَ ﴾ [الحدي‪##‬د‪ ]16 :‬إاّل أرب‪##‬ع س‪##‬نين‪ ،‬فجع‪##‬ل‬ ‫ت قُلُوبُهُ ْم َو َكثِي ٌ‪#‬ر ِم ْنهُ ْم فَ ِ‬ ‫َعلَ ْي ِه ُم اأْل َ َم ُد فَقَ َس ْ‬
‫المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا(‪..)3‬وهذا الحديث معارض بأحاديث تنصّ على أنّه‪##‬ا‬
‫نزلت بعد الهجرة بسنة‪ ،‬بشأن المن‪##‬افقين أو بع‪##‬د م‪##‬ا أت‪##‬رف المؤمن‪##‬ون فك‪##‬ادت تقس‪##‬و‬
‫قلوبهم‪.)4(#‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة الصف]‪ ،‬وأمامها‪ #:‬ق‪##‬ال ابن‬
‫حزم‪ :‬مكيّة(‪ ..)5‬لكن الجمهور وروايات الترتيب على خالف قول‪##‬ه‪ ،‬فالص‪##‬حيح أنّه‪##‬ا‬
‫مدنيّة‪ ،‬ونسب ابن الغرس ذلك الى الجمهور‪.)6(#‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [س‪##‬ورة الجمع‪##‬ة]‪ ،‬وأمامه‪##‬ا‪ :‬مدنيّ‪##‬ة‬
‫باإلجماع‪ ،‬والمخ‪##‬الف غ‪##‬ير مع‪##‬روف‪ #..‬لكن ثبت في نص‪##‬وص ص‪##‬حيحة أنّه‪##‬ا مدني‪##‬ة‬
‫كلّها(‪.)7‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة التغ‪##‬ابن]‪ ،‬وأمامه‪##‬ا‪ #:‬قي‪##‬ل‪:‬‬
‫‪#‬و َو َعلَى هَّللا ِ فَ ْليَت ََو َّك ِ‪#‬ل ْال ُم ْؤ ِمنُ‪##‬ونَ ﴾ [التغ‪##‬ابن‪،]13 :‬‬‫مكيّة إلى قوله تعالى‪﴿ :‬هَّللا ُ اَل إِلَ‪#‬هَ إِاَّل هُ‪َ #‬‬
‫أن روايات الترتيب مطبقة على أنّها مدنيّة كلّها‪.‬‬ ‫نسب ذلك الى ابن عباس(‪،)8‬غير ّ‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة الملك]‪ ،‬وأمامها‪ :‬فيه‪##‬ا ق‪##‬ول‬
‫غريب أنّها مدنيّة(‪ ،)9‬والصحيح أنّها مكيّة قوال واحدا‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة اإلنس‪##‬ان ]‪ ،‬وأمامها(‪:)10‬‬
‫قال عبد هّللا بن الزبير‪ :‬نزلت بمكة‪ ،‬وتبعه على ذلك جماعة م ّمن ي‪##‬روقهم‪ #‬إنك‪##‬ار أي‬
‫فضيلة أله‪##‬ل ال‪##‬بيت‪ ..‬وهك‪##‬ذا أص‪ّ #‬ر س‪#‬يّد قطب على أنّه‪##‬ا مكيّ‪##‬ة‪ ،‬مستش‪##‬هدا بالس‪##‬ياق‬
‫أن هذه السورة مدنيّة ـ في نظرنا ـ احتمال ضعيف‪ #‬ج‪##‬دا‪ ،‬يمكن ع‪##‬دم‬ ‫وقال‪ :‬واحتمال ّ‬
‫‪#‬أن ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة‬ ‫اعتباره(‪ ..)11‬وقال الحافظ‪ #‬الحسكاني‪ :‬اع‪##‬ترض بعض النواص‪##‬ب ب‪ّ #‬‬

‫‪ )(1‬االصابة‪.2/519 :‬‬
‫‪ )(2‬ميزان االعتدال‪.1/193 :‬‬
‫‪ )(3‬االتقان‪.1/13 :‬‬
‫‪ )(4‬أسباب النزول بهامش الجاللين‪.2/94 :‬‬
‫‪ )(5‬رسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجاللين‪.2/199 :‬‬
‫‪ )(6‬اإلتقان‪.1/13 :‬‬
‫‪ )(7‬اإلتقان‪.1/13 :‬‬
‫‪ )(8‬مجمع البيان‪.10/296 :‬‬
‫‪ )(9‬اإلتقان‪ .1/13 :‬وتفسير شبر‪ ،‬ص‪.542‬‬
‫‪ )(10‬التمهيد‪.1/155 :‬‬
‫‪ )(11‬في ظالل القرآن‪.29/215 :‬‬
‫‪239‬‬
‫مكيّة باتفاق المفسّرين‪ ،‬وهذه القص‪##‬ة ـ إن ك‪#‬انت ـ فهي مدنيّ‪##‬ة‪ ،‬فكي‪#‬ف ك‪##‬انت س‪##‬بب‬
‫نزول السورة؟ فقال ـ ر ّدا على هذا القائل ـ‪ :‬كي‪##‬ف يس‪##‬وغ ل‪##‬ه دع‪##‬وى اإلجم‪##‬اع‪ ،‬م‪##‬ع‬
‫قول األكثر‪ :‬أنّها مدنيّة‪ ..‬ثم ذكر نصوص األئمة على ترتيب السور مص ‪#‬رّحة بأنّه‪##‬ا‬
‫نزلت في المدينة بعد سورة الرحمن وقبل‪ #‬س‪##‬ورة الطالق(‪ ..)1‬وهك‪##‬ذا حقّ‪##‬ق العاّل م‪##‬ة‬
‫المفس‪##‬رين‪ ..‬والعم‪##‬دة‪ :‬إطب‪##‬اق رواي‪##‬ات‬ ‫ّ‬ ‫الطبرس‪##‬ي في تفس‪##‬يره وغ‪##‬يره من محقّقي‬
‫تشذ منها في ذلك وال رواية واحدة‪ ،‬وعليه فاالعتماد على الس‪##‬ياق غ‪##‬ير‬ ‫الترتيب‪ ،‬ال ّ‬
‫كاف‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [س‪##‬ورة المطففين ]‪ ،‬وأمامه‪##‬ا‪ #:‬أوّل‬
‫سورة نزلت بالمدينة‪ ..‬وقيل‪ :‬نزلت عليه ‪ ‬وه‪#‬و مه‪#‬اجر في طريق‪#‬ه الى المدين‪#‬ة‪..‬‬
‫وعن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬ل ّما قدم النب ّي ‪ ‬المدينة كانوا من أخبث الن‪##‬اس كيال‪ ،‬ف‪##‬أنزل‪#‬‬
‫هّللا هذه السورة‪ ،‬فأحسنوا الكيل(‪ ..)2‬لكن هذا يناقض رواي‪##‬ات ال‪##‬ترتيب المتّفق‪##‬ة على‬
‫أنّها آخر السور‪ #‬المكيّة‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة األعلى ]‪ ،‬وأمامها ‪ : 3‬قيل‪:‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫ص‪#‬لَّى﴾‬ ‫إنّه‪#‬ا مدنيّ‪#‬ة‪ ،‬اس‪#‬تنادا الى قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬قَ‪ْ #‬د أَ ْفلَ َح َم ْن تَ‪#‬زَ َّكى َو َذ َك‪َ #‬ر ْ‬
‫اس‪َ #‬م َربِّ ِه فَ َ‬
‫[األعلى‪ ]15-14 :‬إشارة الى صالة العيد وزكاة الفطرة‪ ..‬لكن اآلية عا ّمة‪ ،‬والرواية ـ إن‬
‫صحت ـ جاءت لتطبّق هذا العموم على مصداق‪ #‬من مصاديقه‪ ،‬ال أنّه ه‪##‬و المقص‪##‬ود‬
‫أن‬‫أن هاتين اآلي‪##‬تين نزلت‪##‬ا بالمدين‪##‬ة‪ ،‬فال ي‪##‬د ّل ذل‪##‬ك على ّ‬ ‫الذاتي ال غير‪ ..‬ثم لو سلّمنا ّ‬
‫أن السورة مكيّة حتى ولو كانت بعض آيه‪##‬ا‬ ‫جميع السورة بكاملها مدنيّة‪ ..‬فالصحيح ّ‬
‫مدنيّة‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة الفج‪##‬ر]‪ ،‬وأمامه‪##‬ا‪ :‬مكيّ‪##‬ة‬
‫باتفاق‪ ،‬والقائ‪#‬ل ب‪#‬الخالف غ‪##‬ير مع‪#‬روف(‪ ..)4‬وأمامه‪##‬ا الفت‪##‬ة مكتوب‪#‬ا‪ #‬عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة‬
‫ألن البلد هي مكة المكرّم‪##‬ة باالتف‪##‬اق‪ ،‬فكي‪##‬ف يق‪##‬ال‪:‬‬ ‫البلد]‪ ،‬وأمامها‪ :‬مكيّة باإلجماع‪ّ ،‬‬
‫إنّها مدنيّة(‪)5‬؟!‪.‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة اللي‪##‬ل ]‪ ،‬وأمامها(‪ :)6‬قي‪##‬ل‪:‬‬
‫انّها مدنيّة‪ ،‬نظرا لما روي في سبب نزولها‪ #:‬كانت نخلة متدلّية في دار رج‪##‬ل فق‪##‬ير‪،‬‬
‫ي ـ فكان يجفوهم‪.‬‬ ‫وكان صبيانه يتناولون تمرها‪ ،‬أ ّما صاحب النخلة ـ وهو رجل ثر ّ‬
‫ي على أربعين‬ ‫فساومه الن‪##‬ب ّي ‪ ‬على نخل‪##‬ة في الجن‪##‬ة ف‪##‬أبى‪ ،‬ح‪##‬تى س‪##‬اومه أنص‪##‬ار ّ‬
‫نخلة‪ ،‬فاشتراها‪ #‬من‪##‬ه ووهبه‪#‬ا‪ #‬للن‪##‬ب ّي ‪ ‬فوهبه‪##‬ا الن‪##‬ب ّي ‪ ‬الى الرج‪##‬ل الفق‪##‬ير‪ .‬قي‪##‬ل‪:‬‬
‫ب بِ ْال ُح ْسنَى‪ #‬فَ َسنُيَ ِّس ُرهُ لِ ْل ُعس َْرى﴾ [الليل‪ ]10-8 :‬غير‬ ‫فنزلت‪َ ﴿ :‬وأَ َّما َم ْن بَ ِخ َل َوا ْستَ ْغنَى َو َك َّذ َ‬
‫شواهد التنزيل‪ ،‬ص‪ 310‬و‪.315‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلتقان‪.1/13 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/156 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلتقان‪.1/14 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلتقان‪.1/14 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/157 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪240‬‬
‫أن السند مقطوع غير موصول(‪ ..)1‬إضافة إلى أن اآلية ال تنطبق تماما على فح‪##‬وى‬ ‫ّ‬
‫ق سبحانه فال يخشى عقابه‪.‬‬ ‫هّللا‬ ‫أن اآلية عا ّمة في ك ّل بخيل بح ّ‬ ‫القصّة؛ والصحيح‪ّ :‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة القدر]‪ ،‬وأمامها‪ : 2 #‬قال ابن‬
‫)‬ ‫(‬
‫حزم وأبو محمد‪ :‬إنّها مدنيّة(‪ )3‬لما رواه الحاكم عن اإلم‪##‬ام الحس‪##‬ن ق‪##‬ال‪ :‬رأى الن‪##‬ب ّي‬
‫‪ ‬بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة‪ ،‬فساءه ذل‪##‬ك ف‪##‬نزلت تس‪##‬لية لخ‪##‬اطره(‪..)4‬‬
‫ألن الحاكم رواه‪##‬ا بس‪##‬ند‬ ‫وقال المزي‪ :‬وهو حديث منكر(‪ ..)5‬لكنّه تعصّب مفضوح‪ّ ،‬‬
‫صحيح‪ ،‬وقال‪ :‬هذا إسناد صحيح‪ .‬وقرّره على ذلك‪ ،‬الحاف‪##‬ظ ال‪##‬ذهبي في التلخيص‪..‬‬
‫وأض‪##‬اف إلي‪##‬ه طريق‪##‬ا آخ‪##‬ر ووثق‪##‬ه أيض‪##‬ا‪ ،‬ثم ق‪##‬ال‪ :‬و م‪##‬ا أدري آفت‪##‬ه من أين(‪)6‬؟!‪..‬‬
‫فإن داللة هذا الحديث على مدنيّة السورة‪ ،‬جاءت من قبل لفظ (المنبر) إذ لم‬ ‫ولذلك؛ ّ‬
‫يكن للنب ّي ‪ ‬وهو بمكة منبر‪ ..‬لكن هذا وح‪##‬ده ال يص‪##‬لح دليال على ذل‪##‬ك‪ ،‬إذ يج‪##‬وز‪#‬‬
‫أنّه ‪ ‬أري ذلك بمكة قب‪##‬ل هجرت‪##‬ه لتك‪##‬ون بش‪##‬ارة ل‪##‬ه ب‪##‬اعتالء ذك‪##‬ره‪ ،‬وإلماح‪##‬ه الى‬
‫االغتصاب الذي يرتكبه شرار أ ّمته‪ ،‬فال تتنافى‪ #‬ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ة م‪##‬ع رواي‪##‬ات ال‪##‬ترتيب‬
‫أصال‪ ..‬ويدل لذلك أيضا م‪##‬ا ورد في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا َج َع ْلنَ‪##‬ا الرُّ ْؤيَ‪##‬ا الَّتِي‬
‫آن َونُ َخ ِّوفُهُْ‪#‬م فَ َما يَ ِزي ُدهُْ‪#‬م إِاَّل طُ ْغيَانً‪##‬ا‬ ‫اس َوال َّش َج َرةَ ْال َم ْلعُونَةَ فِي ْالقُرْ ِ‬ ‫أَ َر ْينَا َ‬
‫ك إِاَّل فِ ْتنَةً لِلنَّ ِ‬
‫َكبِيرًا﴾ [اإلسراء‪ ،]60 :‬فهي تشير الى نفس الرؤيا‪ #‬المذكورة‪ ،‬واآلية من سورة اإلس‪##‬راء‬
‫المكيّة باالتفاق‪ ،‬ولم يستثن أحد هذه اآلية‪ ،‬وإن استثنوا غيره‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬د أخ‪##‬رج ابن أبي‬
‫أن النب ّي ‪ ‬قال‪( :‬رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر‬ ‫حاتم عن ابن عمر‪ّ :‬‬
‫كأنّهم القردة‪ ،‬وأن‪##‬زل هّللا في ذل‪##‬ك‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا َج َع ْلنَ‪##‬ا الرُّ ْؤيَ‪##‬ا الَّتِي أَ َر ْينَ‪##‬اكَ إِاَّل فِ ْتنَ‪#‬ةً لِلنَّ ِ‬
‫اس‬
‫َوال َّش َج َرةَ ْال َم ْلعُونَةَ فِي ْالقُرْ آ ِن َونُ َخ ِّوفُهُْ‪#‬م فَ َما يَ ِزي‪ُ #‬دهُْ‪#‬م إِاَّل طُ ْغيَانً‪##‬ا َكبِ‪##‬يرًا﴾ [اإلس‪##‬راء‪،]60 :‬‬
‫قال‪( :‬والشجرة الملعونة‪ ،‬يعني الحكم وولده)‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة البيّن‪##‬ة]‪ ،‬وأمامها(‪ :)7‬ق‪##‬ال‬
‫مك ّي بن أبي طالب‪ :‬مكيّة‪ ..‬لكن اتفاق روايات الترتيب ونصوصه على أنّه‪##‬ا مدنيّ‪##‬ة‪،‬‬
‫ويؤيّده ما ورد‪ :‬أنّها ل ّما نزلت على النب ّي ‪ ‬دعا أبي بن كعب فقرأها علي‪##‬ه‪ ،‬وأبي‪،‬‬
‫ي‪ #،‬أسلم على يدي رسول هّللا ‪ ‬بالمدينة(‪.)8‬‬ ‫أنصار ّ‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة الزلزل‪##‬ة]‪ ،‬وأمامه‪##‬ا‪ :‬ق‪##‬ال‬
‫ضحّاك وعطاء‪ :‬مكيّة‪ ..‬وهكذا ق‪##‬ال مك ّي بن أبي ط‪##‬الب‪ ..‬لكن اتفقت الرواي‪##‬ات على‬
‫أنّها مدنيّة(‪ ..)9‬وقد‪ #‬أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬ل ّما نزلت ﴿فَ َم ْن‬
‫اإلتقان‪.1/14 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التمهيد‪.1/158 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الكشف عن القراءات السبع‪.1/385 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مستدرك الحاكم‪.3/171 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلتقان‪.1/14 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫تلخيص المستدرك بالهامش‪.3/170 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التمهيد‪.1/160 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫الدر المنثور‪.6/378 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫الدر المنثور‪.6/379 :‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪241‬‬
‫‪#‬رهُ﴾ [الزلزل‪##‬ة‪ ]8-7 :‬قلت‪ :‬ي‪##‬ا‬ ‫‪#‬ال َذ َّر ٍة َخ ْي‪#‬رًا يَ‪َ #‬رهُ َو َم ْن يَ ْع َم‪##‬لْ ِم ْثقَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ال َذ َّر ٍة َش‪ًّ #‬را يَ‪َ #‬‬ ‫يَ ْع َملْ ِم ْثقَ‪َ #‬‬
‫رس‪##‬ول هّللا إنّي ل‪##‬راء عملي؟ ق‪##‬ال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬تل‪##‬ك الكب‪##‬ار الكب‪##‬ار؟ ق‪##‬ال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ي لم يبل‪##‬غ إاّل‬ ‫الصغار‪ #‬الصغار؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬واثكل أمي(‪ ..)1‬وأب‪##‬و س‪##‬عيد أنص‪##‬ار ّ‬
‫بعد وقعة أحد(‪.)2‬‬
‫ورأيت أمام محل آخ‪#‬ر الفت‪#‬ة مكتوب‪#‬ا عليه‪#‬ا [س‪#‬ورة العادي‪#‬ات ]‪ ،‬وأمامها‪: 3 #‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫عن قتادة‪ :‬أنّها مدنيّة‪ ،‬لرواي‪##‬ة منس‪##‬وبة الى ابن عب‪##‬اس‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ن‪##‬زلت في خي‪##‬ل بعثه‪##‬ا‬
‫ق ذل‪##‬ك علي‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أخبره هّللا بم‪##‬ا ك‪##‬ان من‬ ‫رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬في س‪##‬ريّة فأبط‪##‬أت‪ ،‬فش‪#ّ ##‬‬
‫أمرهم(‪ ..)4‬لكن الرواية فيها تهافت ظاهر‪ ،‬وفي نفس الوقت معارضة بم‪##‬ا رواه ابن‬
‫جرير وابن أبي حاتم وابن األنباري‪ #‬والح‪#‬اكم‪ #‬ـ وص‪#‬حّحه ـ وابن مردوي‪##‬ه‪ ،‬عن ابن‬
‫أن عليا نهره عن تفسير العاديات بالخي‪##‬ل تغ‪##‬ير في س‪##‬بيل هّللا ‪ ،‬وأوض‪##‬ح ل‪##‬ه‪:‬‬ ‫عباس‪ّ :‬‬
‫أنّها اإلفاضة من عرفات الى المزدلفة‪ ..‬قال ابن عباس‪ :‬فنزعت عن ق‪##‬ولي ورجعت‬
‫الى قول عل ّي(‪.)5‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة التك‪##‬اثر]‪ ،‬وأمامه‪##‬ا‪ :‬قي‪##‬ل‪:‬‬
‫إنها مدنيّة‪ ،‬لحديث ابن بريدة‪ :‬أنّها ن‪##‬زلت في قبيل‪##‬تين من األنص‪##‬ار تف‪##‬اخروا‪ ..‬وق‪##‬ال‬
‫أن (لو‬ ‫ي ـ‪ :‬كنّا نزعم ّ‬ ‫قتادة‪ :‬إنّها نزلت في اليهود‪ ..‬وعن أبي بن كعب ـ وهو أنصار ّ‬
‫كان البن آدم واديان من ذهب لتمنّى ثالثا‪ )..‬آية قرآنيّة‪ ،‬حتى نزلت ﴿أَ ْلهَا ُك ُم التَّ َك‪##‬اثُرُ﴾‬
‫[التكاثر‪ ..]1 :‬وعن عل ّي‪ :‬كنّا نشك في عذاب القبر‪ ،‬حتى نزلت‪ ..‬وعذاب القبر لم يذكر‬
‫إاّل بالمدينة(‪ ..)6‬وكل ما ذك‪##‬روه من ه‪##‬ذه األدل‪##‬ة باطل(‪ :)7‬ألن ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة ال تمسّ‬
‫ك من آي‪##‬ة‬ ‫مسألة التفاخر‪ ،‬وإنّما تعرّضت للتكاثر‪ ..‬ثم كيف يبقى أبي بن كعب في ش ‪ّ #‬‬
‫قرآنية‪ ،‬وال يسأل رسول هّللا ‪ ‬وهو كاتبه األوّل‪ ،‬الى أن يذهب ش ّكه بنزول س‪##‬ورة‬
‫الش ‪#‬ك‬ ‫ال شأن لها ونفي قرآنيّة غيرها‪ ..‬ثم كيف نجيز ألنفسنا تصديق رواي‪##‬ة تنس‪##‬ب ّ‬
‫إلى مثل اإلمام عل ّي في مسألة من مسائل اآلخ‪##‬رة‪ ،‬وه‪##‬و ب‪##‬اب علم الن‪##‬ب ّي ‪ ..‬وأ ّم‪##‬ا‬
‫اختصاص نزولها ب‪##‬اليهود‪ ،‬فض‪##‬يق في فح‪##‬وى‪ #‬الس‪##‬ورة الع‪##‬ام‪ ،‬إذ هي تع‪##‬الج مس‪##‬ألة‬
‫عا ّمة تمسّ حياة البشريّة جميعا‪ ..‬والصحيح ـ كما جاء في روايات ال‪##‬ترتيب المتّفق‪##‬ة‬
‫ـ‪ :‬أنّها من أوّليات السور المكيّة‪ ،‬وق‪##‬د رواه عن ابن عب‪##‬اس(‪ ..)8‬ه‪##‬ذا مض‪##‬افا‪ #‬الى م‪##‬ا‬
‫نلمسه من لهجة السورة العنيفة‪ ،‬ال‪##‬تي تناس‪##‬ب أج‪##‬واء مك‪##‬ة المس‪##‬يطر‪ #‬عليه‪##‬ا النزع‪##‬ة‬
‫الماديّة بش ّدة‪ ،‬ويزيد‪ #‬العنف استعمال لفظة (كال) الخاصة بأهل مكة‪.‬‬

‫الدر المنثور‪.6/381 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مستدرك الحاكم‪.3/563 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/161 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدر المنثور‪.6/383 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدر المنثور‪ .6/383 :‬وتفسير الطبري‪.30/177 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلتقان‪.1/14 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التمهيد‪.1/162 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫الدر المنثور‪.6/386 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪242‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة الماعون]‪ ،‬وأمامها(‪ :)1‬ق‪##‬ال‬
‫الضحّاك‪ :‬إنّها مدنيّة(‪ ..)2‬لكن روايات الترتيب ونصوصه المتّفق علي‪#‬ه ت‪#‬رفض ه‪#‬ذا‬
‫أن لهج‪##‬ة الس‪##‬ورة تقري‪##‬ع ع‪##‬نيف بأولئ‪#‬ك‪ #‬المك‪#ّ #‬ذبين بال‪##‬دين‪ ،‬فهي‬
‫الق‪##‬ول‪ ،‬مض‪##‬افا‪ #‬الى ّ‬
‫بأوّليّات السور‪ #‬المكيّة أشبه‪ ،‬فقد كانت السابعة عشرة في الترتيب‪ ،‬نزلت بعد س‪##‬ورة‬
‫التكاثر(‪.)3‬‬
‫ورأيت أمام محل آخر الفتة مكتوبا عليها [سورة الكوثر]‪ ،‬وأمامها ‪ : 4‬سورة‬
‫)‬ ‫(‬
‫مكية‪ ..‬وعن عكرمة والض‪#‬حّاك‪ #:‬أنّه‪##‬ا مدنيّة(‪ ..)5‬ورجّح‪##‬ه الس‪##‬يوطي‪ ،‬والن‪##‬ووي لم‪##‬ا‬
‫رواه مسلم عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬بين‪##‬ا رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬بين أظهرن‪##‬ا‪ ،‬إذ أغفى إغف‪##‬اءة‪ ،‬فرف‪##‬ع‬
‫لكن م‪##‬ا ذك‪##‬روه غ‪##‬ير ص‪##‬حيح‪ ،‬ويؤيّ‪#‬د‪#‬‬‫رأسه وقال‪ :‬انزلت عل ّي آنفا سورة‪ ،‬فقرأه‪##‬ا‪ّ ..‬‬
‫أن مسلم نفسه روى هذا الحديث بسند آخ‪#‬ر ليس في‪#‬ه (أن‪#‬زلت عل ّي)‪ ،‬ب‪#‬ل ق‪#‬ال‪:‬‬ ‫ذلك‪ّ ،‬‬
‫أغفى الن‪##‬ب ّي ‪ ‬إغف‪##‬اءة‪ ،‬ثم رف‪##‬ع رأس‪##‬ه فقرأها(‪ ..)6‬باإلض‪##‬افة إلى أن المفس‪##‬رين‬
‫أجمعوا على أنّها مكيّة‪ ،‬نزلت تسلية لخاطر رسول هّللا ‪ ‬عند ما ش‪##‬نأه ذل‪##‬ك األب‪##‬تر‬
‫اللعين‪ ..‬هذا مضافا‪ #‬التفاق روايات الترتيب‪ :‬أنّها نزلت بمكة‪.‬‬
‫ورأيت أم‪##‬ام مح‪##‬ل آخ‪##‬ر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [س‪##‬ورة اإلخالص]‪ ،‬وأمامه‪##‬ا‪:‬‬
‫سورة مكية‪ ..‬لكن رجّح السيوطي‪ #‬كونها مدنيّة‪ ،‬ألحاديث رواها بشأن نزولها‪ ،‬حيث‬
‫قال‪ :‬نزلت في طائف‪##‬ة من يه‪##‬ود المدين‪##‬ة س‪##‬ألوا رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬أن يص‪##‬ف لهم ربّ‪##‬ه‪،‬‬
‫فنزل جبريل بسورة التوحيد(‪ ..)7‬وفي‪ #‬مقابل هذه الروايات روايات أخ‪##‬رى ت‪##‬ذكر أن‬
‫هذا السؤال كان للمشركين‪ ،‬حيث قالوا‪ :‬انس‪##‬ب لن‪##‬ا ربّ‪##‬ك ي‪##‬ا مح ّم‪##‬د ‪ ‬ف‪##‬نزلت(‪..)8‬‬
‫مضافا‪ #‬الى اتفاق روايات الترتيب على ذلك‪ ..‬وقد ذكر بعض الب‪##‬احثين‪ :‬أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت‬
‫م ّرتين‪ ..‬وهو قول مستغرب جدا؛ فكيف تنزل السورة مرتين(‪.)9‬‬
‫ورأيت أم‪##‬ام مح‪##‬ل آخ‪##‬ر الفت‪##‬ة مكتوب‪##‬ا عليه‪##‬ا [المعوذت‪##‬ان ]‪ ،‬وأمامها(‪:)10‬‬
‫سورتان مكيتان‪ ،‬وق‪#‬ال الس‪##‬يوطي‪ :‬المخت‪##‬ار أنّهم‪#‬ا م‪##‬دنيّتان‪ ،‬ألنّهم‪#‬ا نزلت‪##‬ا في قص‪##‬ة‬

‫‪ )(1‬التمهيد‪.1/162 :‬‬
‫‪ )(2‬مجمع البيان‪.10/546 :‬‬
‫‪ )(3‬مجمع البيان‪ .10/405 :‬واإلتقان‪.1/11 :‬‬
‫‪ )(4‬التمهيد‪.1/163 :‬‬
‫‪ )(5‬مجمع البيان‪.10/548 :‬‬
‫‪ )(6‬الدر المنثور‪.6/401 :‬‬
‫‪ )(7‬لباب النقول بهامش الجاللين‪ .2/147 :‬واإلتقان‪.1/14 :‬‬
‫‪ )(8‬الدر المنثور‪.6/410 :‬‬
‫‪ )( 9‬رجح هذا القول الشيخ محمد مهدي معرفت‪ ،‬حيث قال‪ :‬ال يبعد ذلك‪ ،‬ولكن معنى ن‪##‬زول الس‪##‬ورة م‪##‬رّتين‪ :‬أنّ الثاني‪##‬ة ك‪##‬انت ت‪##‬ذكيرا للن‪##‬ب ّي ‪‬‬
‫بمناسبتها الحاضرة‪ ،‬فمن المحتمل ـ على هذا الفرض ـ‪ :‬أنّ اليهود سألوا النب ّي ‪ ‬سؤاال‪ ،‬كان المشركون قد سبقوهم الى مثله‪ ،‬فتردّد النب ّي ‪ ‬في‬
‫أن يقرأ عليهم السورة التي كانت إجابة على سؤال المشركين من ذي قبل‪ ،‬وذلك نظرا للفرق بين مستوى اليه‪#‬ود ومس‪#‬توى المش‪##‬ركين‪ ،‬فعن‪##‬د ذل‪##‬ك‬
‫خاص‪#‬ة بق‪#‬وم دون ق‪#‬وم‪ ،‬وبمس‪#‬توى دون مس‪#‬توى إذ الن‪#‬اس على مختل‪#‬ف‬ ‫ّ‬ ‫نزل جبريل بكفاي‪#‬ة نفس اإلجاب‪#‬ة األولى‪ ،‬بع‪#‬د أن لم تكن الس‪#‬ور القرآني‪#‬ة‬
‫مستوياتهم يستفيدون من جميع آي القرآن‪ ،‬وإن كانت نوعيّة االستفادة تختلف حسب مراتب الثقافات‪ ،‬وعلى ذلك فالسورة مكيّة وإن تك ‪ّ #‬رر نزوله‪##‬ا‬
‫بالمدينة أيضا‪[ .‬التمهيد‪ .]1/164 :‬وهو ترجيح غريب جدا‪ ،‬وذرائعه أغرب منه‪.‬‬
‫‪ )(10‬التمهيد‪.1/164 :‬‬
‫‪243‬‬
‫سحر لبيد بن األعصم (‪ ..)1‬والتي حدثت فيها عائش‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬الت‪( :‬س‪##‬حر رس‪##‬ول هّللا ‪‬‬
‫رجل من يهود بني زري‪##‬ق‪ ،‬يق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬لبي‪##‬د بن األعص‪##‬م‪ ..‬ح‪##‬تى ك‪##‬ان رس‪##‬ول هّللا ‪‬‬
‫القص‪#‬ة ـ باإلض‪##‬افة لمخالفته‪##‬ا‬ ‫ّ‬ ‫يخيّل إليه إنّه يفع‪##‬ل الش‪##‬يء وم‪##‬ا يفعل‪##‬ه‪ ..)2( )..‬وه‪##‬ذه‬
‫القرآن الكريم في عدم إمكانية سحر النبي ‪ ‬ـ ليس فيه‪##‬ا ش‪##‬اهد ب‪##‬نزول الس‪##‬ورتين‪،‬‬
‫وقد‪ #‬تنبّه السيوطي لذلك‪ ،‬ومن ثم استدرك بما ورد من طرق لم يص ّح إسنادها‪.‬‬
‫آيات مختلف فيها‪:‬‬
‫لم تكن الالفتات الكثيرة المعلقة في تلك المح‪#‬ال وح‪#‬دها م‪##‬ا أث‪##‬ار انتب‪#‬اهي إلى‬
‫مبالغ‪##‬ة أه‪##‬ل ذل‪##‬ك الحي في التعام‪##‬ل م‪##‬ع [المكي والم‪##‬دني]‪ ،‬ب‪##‬ل رأيت الكث‪##‬ير من‬
‫المظاهر التي تدل على أن االختالف لم يكن مجرد اختالف علمي‪ ،‬وإنما تحول إلى‬
‫ج‪#‬دل وص‪#‬راع ص‪#‬رف‪ #‬أه‪#‬ل ذل‪#‬ك الحي عن التأم‪#‬ل في الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم‪ ،‬واالنش‪#‬غال‪#‬‬
‫بمحال نزوله‪.‬‬
‫ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك أني وج‪##‬دت ش‪##‬حناء وقعت في الحي‪ ،‬وعن‪##‬دما رحت‬
‫أبحث عن أس‪##‬بابها‪ ،‬وج‪##‬دت خالف‪##‬ا ج‪##‬رى بين اث‪##‬نين ح‪##‬ول مكي‪##‬ة بعض اآلي‪##‬ات أو‬
‫مدنيتها‪#.‬‬
‫لكن ذلك ليس عاما؛ فقد مررت في ذلك الشارع‪ #‬بمن يتح‪##‬اور‪ #‬بطريق‪#‬ة علمي‪#‬ة‬
‫مهذبة مثل تلك الحوارات التي ذكرت لكم طرفا منه‪##‬ا عن‪##‬د الح‪##‬ديث عن التص‪##‬نيفات‬
‫والتحقيقات‪.‬‬
‫سورة البقرة‪:‬‬
‫ومن تلك الحوارات العلمي‪##‬ة اللطيف‪##‬ة‪ ،‬أني م‪##‬ررت على رجلين‪ ،‬ق‪##‬ال أح‪##‬دهما‬
‫لصاحبه‪ :‬لقد ذكرت لك سابقا أن سورة البقرة مدنية‪.‬‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني‪ :‬لكن اس‪##‬تثني منه‪##‬ا ثالث آي‪##‬ات‪ ..‬األولى‪ ،‬قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ‪##‬ا ْعفُوا‬
‫َواصْ فَحُوا‪َ #‬حتَّى يَأْتِ َي هَّللا ُ بِأ َ ْم ِر ِه إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‪##‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء قَ‪ِ #‬ديرٌ﴾ [البق‪##‬رة‪ ،]109 :‬فق‪##‬د روي‬
‫أنها نزلت بشأن المشركين أيام كان المسلمون بمكة ضعفاء‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ب ل‪##‬وْ يَ‪ُ #‬ردونك ْ‪#‬م ِمن بَع‪ِ #‬د‬ ‫َ‬ ‫‪#‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫﴿و َّد َكثِي ٌر ِم ْن أَ ْه‪ِ #‬‬ ‫قال األول‪ :‬لكن صدر اآلية‪َ :‬‬
‫اص‪#‬فحُوا‬ ‫َ‬ ‫إِي َمانِ ُك ْم ُكفَّارًا َح َسدًا ِم ْن ِع ْن‪ِ #‬د أَ ْنفُ ِس‪ِ #‬ه ْم ِمن بَ ْع‪ِ #‬د َم‪##‬ا تبَيَّنَ لهُ ُم ال َح‪ #‬ق ف‪##‬اعفوا َو ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َحتَّى يَأْتِ َي هَّللا ُ بِأ َ ْم ِر ِه إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِديرٌ﴾ [البقرة‪ ]109 :‬شاهد نزولها بشأن أهل‬
‫الكتاب‪ ،‬أوائل هجرة الرسول ‪ ‬إلى المدينة‪ ،‬ولم تقو شوكة اإلسالم بعد‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫ْس َعلَ ْي‪#‬كَ هُ‪#‬دَاهُ ْم َول ِكن َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫قال الثاني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫يَ ْه ِدي َم ْن يَ َشا ُء َو َما تُ ْنفِقُوا ِم ْن َخي ٍْر فَأِل َ ْنفُ ِس ُك ْم َو َما تُ ْنفِقُ‪##‬ونَ إِاَّل ا ْبتِ َغ‪##‬ا َء َوجْ‪ِ #‬ه هَّللا ِ َو َم‪##‬ا‬
‫ظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪ ،]272 :‬فقد روي أنها ن‪##‬زلت بش‪##‬أن‬ ‫ف إِلَ ْي ُك ْم َوأَ ْنتُ ْم اَل تُ ْ‬
‫تُ ْنفِقُوا ِم ْن خَ ي ٍْر يُ َو َّ‬
‫ق‪.‬‬‫تعنت المشركين تجاه الح ّ‬

‫‪ )(1‬اإلتقان‪.1/14 :‬‬
‫‪ )(2‬صحيح البخاري‪.7/177 :‬‬
‫‪244‬‬
‫قال األول(‪ :)1‬لكن روي‪ #‬أن اآلية ن‪##‬زلت بش‪##‬أن إنف‪##‬اق المس‪##‬لمين على الكفّ‪##‬ار‪،‬‬
‫حيث امتنعوا‪ #‬من ذلك زعما أنّها محرّمة عليهم وهم على غير دينهم‪ ،‬فنزلت(‪.)2‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ ﴿ :‬واتَّقُ‪##‬وا يَوْ ًم‪##‬ا تُرْ َج ُع‪##‬ونَ فِي‪ِ #‬ه إِلَى‬
‫ُظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪ ،]281 :‬فقد قيل‪ :‬هي آخ‪##‬ر آي‪##‬ة‬ ‫ت َوهُ ْم اَل ي ْ‬ ‫س َما َك َسبَ ْ‬ ‫هَّللا ِ ثُ َّم تُ َوفَّى ُكلُّ نَ ْف ٍ‬
‫نزلت على رسول هّللا ‪ ‬وهو بمنى في حجّة الوداع(‪.)3‬‬
‫قال األول‪ :‬حتى لو صح ذلك‪ ..‬فالعبرة بالمكي والم‪##‬دني ليس بمح‪#‬ل ال‪##‬نزول‪،‬‬
‫وإنما بزمنه‪ ،‬فما نزل قبل الهجرة مكي‪ ،‬واآلخر مدني‪.‬‬
‫سورة األنعام‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة األنعام مكيّة‪ ،‬وأنها (نزلت بمكة جملة واحدة‪ ،‬وشيّعها سبعون ألف مل‪##‬ك‪ ،‬لهم‬
‫زجل بالتسبيح والتحميد‪ ،‬وقد طبقوا م‪##‬ا بين الس‪##‬ماء واألرض‪ ،‬وك‪##‬انت ليل‪##‬ة جمع‪##‬ة‪،‬‬
‫وكان لنزولهم‪ #‬هيبة وعظمة‪ ،‬فجعل رسول هّللا ‪ ‬يقول‪ :‬سبحان هّللا العظيم‪ ،‬سبحان‬
‫هّللا العظيم‪ ،‬وخ‪ّ ##‬ر س‪##‬اجدا‪ ..‬ثم دع‪##‬ا الكتّ‪##‬اب فكتبوه‪##‬ا‪ #‬من ليلتهم)‪ ..‬وه‪##‬ذا الح‪##‬ديث‬
‫مستفيض رواه الفريقان بطرق يعضد بعضها‪ #‬بعضا(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني(‪ :)5‬أن‪##‬ا مع‪##‬ك في مجم‪##‬ل الس‪##‬ورة‪ ،‬ال في جمي‪##‬ع آياته‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د قي‪##‬ل‬
‫ْرفُ‪##‬ونَ‬ ‫ْرفُونَ‪#‬هُ َك َم‪##‬ا يَع ِ‬ ‫‪#‬اب يَع ِ‬ ‫باستثناء تسع آيات‪ ،‬منها قوله تعالى‪﴿ :‬الَّ ِذينَ آتَ ْينَ‪##‬اهُ ُم ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫َسرُوا أَ ْنفُ َسهُ ْم فَهُ ْم اَل ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [األنع‪##‬ام‪ ..]20 :‬وقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ثُ َّم لَ ْم تَ ُك ْن‬ ‫أَ ْبنَا َءهُ ُم الَّ ِذينَ خ ِ‬
‫فِ ْتنَتُهُْ‪#‬م إِاَّل أَ ْن قَالُوا َوهَّللا ِ َربِّنَا َما ُكنَّا ُم ْش ِر ِكينَ ﴾ [األنعام‪.]23 :‬‬
‫قال األول(‪ :)6‬ال شاهد لالستثناء في ه‪##‬اتين اآلي‪##‬تين إطالق‪##‬ا‪ ،‬وال دلي‪##‬ل علي‪##‬ه‪..‬‬
‫ولع ّل السبب في هذا القول الضعيف‪ #‬المستهجن ما ورد من ذكر أهل الكت‪##‬اب فيهم‪##‬ا‪،‬‬
‫وهو استدالل ضعيف؛ فقد ورد ذكر أه‪##‬ل الكت‪##‬اب في كث‪##‬ير من س‪##‬ور‪ #‬مكيّ‪##‬ة‪ ،‬كقول‪##‬ه‬
‫ب إِاَّل بِالَّتِي ِه َي أَحْ َس‪#‬نُ إِاَّل الَّ ِذينَ ظَلَ ُم‪##‬وا ِم ْنهُ ْم َوقُولُ‪##‬وا‪#‬‬ ‫﴿واَل تُ َجا ِدلُوا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫س‪#‬لِ ُمونَ ﴾ [العنكب‪##‬وت‪:‬‬ ‫اح‪ٌ #‬د َونَحْ نُ لَ‪#‬هُ ُم ْ‬ ‫آ َمنَّا بِالَّ ِذي أُ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َوأُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َوإِلَهُنَ‪##‬ا َوإِلَهُ ُك ْ‪#‬م َو ِ‬
‫‪#‬اب فَالَّ ِذينَ‬ ‫ك ْال ِكتَ‪َ #‬‬ ‫﴿و َك‪َ #‬ذلِكَ أَ ْنزَ ْلنَ‪##‬ا إِلَ ْي‪َ #‬‬
‫‪ ،]46‬ولم يس‪##‬تثنها‪ #‬أح‪##‬د‪ ..‬وك‪##‬ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ْ‬ ‫اَّل‬
‫َاب ي ُْؤ ِمنُونَ بِ ِه َو ِم ْن هَؤُاَل ِء َم ْن ي ُْؤ ِمنُ بِ ِه َو َما يَجْ َحد بِآيَاتِنا‪ #‬إِ الك‪##‬افِرُونَ ﴾‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫آتَ ْينَاهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫[العنكبوت‪ ..]47 :‬وأمثال ذلك كثير‪.‬‬
‫ق قَ‪ْ #‬د ِر ِه إِذْ‬ ‫﴿و َم‪##‬ا قَ‪َ #‬درُوا‪ #‬هَّللا َ َح‪َّ #‬‬ ‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫َاب ال ِذي َجا َء بِ ِه ُمو َسى نو ًرا‪#‬‬ ‫َّ‬ ‫قَالُوا َما أَ ْن َز َل هَّللا ُ َعلَى بَ َش ٍر ِم ْن َش ْي ٍء قُلْ َم ْن أَ ْنزَ َل ْال ِكت َ‬
‫يس تُ ْب‪#‬دُونَهَا َوتُ ْخفُ‪##‬ونَ َكثِ‪##‬يرًا َو ُعلِّ ْمتُ ْم َم‪##‬ا لَ ْم تَ ْعلَ ُم‪##‬وا أَ ْنتُ ْم‬ ‫اط َ‪#‬‬ ‫اس تَجْ َعلُونَهُ قَ َر ِ‬ ‫َوهُدًى لِلنَّ ِ‬
‫التمهيد‪.1/225 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مجمع البيان‪ .2/385 :‬والدر المنثور‪.1/357 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدر المنثور‪.1/370 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪ 4/271 :‬والدر المنثور‪.3/2 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلتقان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/173 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪245‬‬
‫ض ِه ْ‪#‬م يَ ْل َعبُونَ ﴾ [األنعام‪ ،]91 :‬فقد قيل‪ :‬إنها نزلت في‬ ‫َواَل آبَا ُؤ ُك ْم قُ ِل هَّللا ُ ثُ َّم َذرْ هُ ْم فِي َخوْ ِ‬
‫جماعة من اليهود‪ ،‬قالوا‪ :‬يا محم‪##‬د أن‪##‬زل هّللا علي‪##‬ك كتاب‪##‬ا؟ ق‪##‬ال‪ :‬نعم‪ .‬ق‪##‬الوا‪ :‬وهّللا م‪##‬ا‬
‫أنزل هّللا من السماء كتابا‪ ..‬وقيل‪ :‬نزلت في مالك بن الصيف‪ ،‬وكان حبرا من أحبار‬
‫يهود قريظة‪ ،‬وك‪##‬ان س‪#‬مينا‪ ،‬فق‪##‬ال ل‪#‬ه الن‪#‬ب ّي ‪ : ‬أنش‪##‬دك بال‪#‬ذي أن‪##‬زل الت‪##‬وراة على‬
‫(إن هّللا يبغض الحبر السمين؟)‪ ،‬فغضب وقال‪ :‬ما أنزل‬ ‫موسى‪ ،‬أما تجد في التوراة‪ّ :‬‬
‫هّللا على بشر من شيء‪ ..‬وقيل‪ :‬الذي خاصم النب ّي ‪ ‬في ه‪##‬ذا المق‪##‬ال ه‪##‬و فنح‪##‬اص‬
‫بن عازوراء اليه‪##‬ودي‪ ..‬و قي‪##‬ل‪ :‬ن‪##‬زلت في مش‪##‬ركي ق‪##‬ريش‪ ،‬حيث أنك‪##‬روا النب‪#‬وّات‬
‫رأسا(‪.)1‬‬
‫قال األول ‪ : 2‬لقد رد أبو جعف‪##‬ر الط‪##‬بري على ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات بقول‪##‬ه‪( :‬وأولى‬ ‫)‬ ‫(‬
‫هذه األقوال بالصواب‪ ،‬هو القول األخ‪#‬ير‪ ،‬إذ لم يج‪#‬ر لليه‪#‬ود ذك‪#‬ر قب‪#‬ل ذل‪#‬ك‪ ،‬وليس‬
‫إنكار نزول الوحي على بشر م ّما تدين به اليه‪#‬ود‪ ،‬ب‪#‬ل المع‪#‬روف‪ #‬من دينهم اإلق‪#‬رار‬
‫بصحف‪ #‬إبراهيم وموسى وزبور داود‪ ..‬ولم يكن الخبر بأنّها نزلت في اليه‪##‬ود خ‪##‬برا‬
‫المفس‪#‬رون على ذل‪##‬ك‪ ..‬وك‪##‬ان س‪##‬ياق الس‪##‬ورة من‬ ‫ّ‬ ‫صحيحا متصل الس‪##‬ند‪ ،‬وال أجم‪##‬ع‬
‫أوّلها الى هنا جاريا في المشركين‪ ،‬فناسب أن تكون هذه اآلي‪##‬ة أيض‪##‬ا موص‪##‬ولة بم‪##‬ا‬
‫قبلها ال مفصولة من‪#‬ه؛ فلم يج‪#‬ز لن‪#‬ا أن ن‪ّ #‬دعي فص‪#‬لها‪ #‬إاّل بحجّ‪#‬ة قاطع‪#‬ة من خ‪#‬بر أو‬
‫عقل‪ ..‬ولع ّل ال‪##‬ذي أوق‪##‬ع ه‪##‬ذا القائ‪##‬ل في ال‪##‬وهم الم‪##‬ذكور م‪##‬ا وج‪##‬ده في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫﴿تَجْ َعلُونَهُ﴾ على وجه الخطاب (‪ ..)3‬أ ّما القراءة المشهورة بتاء الخطاب في الجمي‪##‬ع‪،‬‬
‫فال تستدعي اختصاص الخطاب بأه‪#‬ل الكت‪#‬اب‪ ،‬ب‪#‬ل ه‪#‬و موج‪#‬ه إلى البش‪#‬رية جميع‪#‬ا‬
‫باعتبار فعل بعضهم م ّمن نزل عليهم الكت‪##‬اب‪ ،‬وله‪##‬ذا ج‪##‬اء الكالم عن ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‬
‫﴿و َم‪##‬ا‬ ‫في سور مكيّة كث‪##‬يرة‪ ،‬كم‪#‬ا في س‪#‬ورة األع‪#‬راف‪ ..‬ويش‪##‬هد ب‪##‬ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ك ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ﴾ [األنبي‪##‬اء‪:‬‬ ‫اس‪#‬أَلُوا أَ ْه‪َ #‬‬
‫‪#‬ل ال‪ِّ #‬ذ ْك ِر إِ ْن ُ‬ ‫ك إِاَّل ِر َجااًل نُو ِحي إِلَ ْي ِه ْم فَ ْ‬ ‫أَرْ َس ْلنَا قَ ْبلَ َ‬
‫‪ ،]7‬فهي خطاب ألهل مكة‪ ،‬وسورة األنبياء مكية‪ ..‬وقد‪ #‬كان للعرب صلة وثيقة وثقة‬
‫بأهل الكتاب‪ ،‬ويعرفونهم أهل علم‪ ،‬وكثيرا ما يس‪##‬ألونهم عن ت‪##‬اريخ األمم واألنبي‪##‬اء‪،‬‬
‫ويعتم‪##‬دون كالمهم‪ ،‬فج‪##‬از‪ #‬أن يخ‪##‬اطبوا‪ #‬بخط‪##‬اب اليه‪##‬ود المج‪##‬اورين لهم المخ‪##‬الطين‬
‫معهم الموثوق‪ #‬بهم عندهم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪#‬رى‪َ #‬على‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قال األول(‪ :)4‬فما تقول في استثناء قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َمن أظل ُم ِم َّم ِن افت‪َ #‬‬
‫ال َسأ ُ ْن ِز ُل ِم ْث َل َما أَ ْن َز َل هَّللا ُ َولَوْ‬
‫ُوح إِلَ ْي ِه َش ْي ٌء َو َم ْن قَ َ‬‫ي َولَ ْم ي َ‬ ‫ال أُ ِ‬
‫وح َي إِلَ َّ‬ ‫هَّللا ِ َك ِذبًا أَوْ قَ َ‬
‫اسطُو‪ #‬أَ ْي ِدي ِه ْم أَ ْخ ِرجُوا أَ ْنفُ َس ُك ُم ْاليَوْ َم‬ ‫ت َو ْال َماَل ئِ َكةُ بَ ِ‬‫ت ْال َموْ ِ‬ ‫ت ََرى إِ ِذ الظَّالِ ُمونَ فِي َغ َم َرا ِ‬
‫ق َو ُك ْنتُ ْم ع َْن آيَاتِ‪ِ ###‬ه‬ ‫ْ‪###‬ر ْال َح‪ِّ ###‬‬
‫اب ْالهُ‪###‬و ِن بِ َم‪###‬ا ُك ْنتُ ْم تَقُولُ‪###‬ونَ َعلَى هَّللا ِ َغي َ‬ ‫تُجْ‪َ ###‬زوْ نَ عَ‪َ ###‬ذ َ‬
‫تَ ْستَ ْكبِرُونَ ﴾ [األنعام‪ ،]93 :‬فقد روي‪ #‬أنها نزلت في عبد هّللا بن سعد بن أبي س‪##‬رح أخي‬

‫تفسير الطبري‪ ،7/177 :‬ومجمع البيان‪.4/333 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/174 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الطبري‪.7/178 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.1/175 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪246‬‬
‫عثمان من الرضاعة‪ ،‬وكان أسلم وكتب ال‪#‬وحي لرس‪#‬ول هّللا ‪ ‬ول ّم‪#‬ا ن‪#‬زلت‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د‬
‫طفَ‪#‬ةَ‬ ‫ين ثُ َّم خَ لَ ْقنَ‪#‬ا النُّ ْ‬‫ار َم ِك ٍ‬ ‫طفَ‪#‬ةً فِي قَ‪َ #‬ر ٍ‬ ‫خَ لَ ْقنَا اإْل ِ ْن َس‪#‬انَ ِم ْن ُس‪#‬اَل لَ ٍة ِم ْن ِطي ٍن ثُ َّم َج َع ْلنَ‪#‬اهُ نُ ْ‬
‫َعلَقَةً فَ َخلَ ْقنَا ْال َعلَقَةَ ُمضْ َغةً فَ َخلَ ْقنَا ْال ُمضْ َغةَ ِعظَا ًما فَ َك َسوْ نَا ْال ِعظَا َم لَحْ ًما ثُ َّم أَ ْن َشأْنَاهُ خَ ْلقً‪##‬ا‬
‫ك هَّللا ُ أَحْ َسنُ ْالخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون‪ ]14-12 :‬دعاه النب ّي ‪ ‬فأمالها علي‪##‬ه‪ ،‬فل ّم‪##‬ا‬ ‫آ َخ َر فَتَبَ َ‬
‫ار َ‬
‫هّللا‬
‫انتهى الى قول‪##‬ه‪﴿ :‬ث َّم أ ْن َش‪#‬أناهُ خَ لق‪#‬ا آخَ‪َ #‬ر﴾ عجب عب‪##‬د في تفص‪#‬يل خل‪#‬ق اإلنس‪#‬ان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فقال‪ :‬تبارك هّللا أحسن الخالقين‪ ،‬فقال رسول هّللا ‪ : ‬هكذا أنزلت عل ّي‪ ،‬فش‪##‬ك عب‪##‬د‬
‫هّللا حينئذ‪ ،‬وق‪#‬ال‪ :‬لئن ك‪#‬ان محم‪#‬د ‪ ‬ص‪#‬ادقا‪ #‬لق‪#‬د أوحي إل ّي كم‪#‬ا أوحي إلي‪#‬ه‪ ،‬ولئن‬
‫كان كاذبا لقد قلت كما قال؛ فارت ّ‪#‬د عن اإلسالم‪ ،‬ولحق‪ #‬أهل مكة‪ ،‬فجعلوا يقولون ل‪##‬ه‪:‬‬
‫كيف كنت تكتب البن أبي كبشة القرآن؟ قال‪ :‬كنت أكتب كيف شئت‪ ..‬وذلك أنّه كان‬
‫رسول هّللا ‪ ‬يملي عليه (عليما حكيما) فأكتب (غفورا رحيما)(‪ ..)1‬ومثل ذل‪##‬ك م‪##‬ا‬
‫روي‪ #‬أنها ن‪##‬زلت في مس‪#‬يلمة واألس‪#‬ود‪ #‬العنس‪#‬ي‪ ،‬الل‪##‬ذان ادعي‪##‬ا النب‪##‬وة في آخ‪#‬ر حي‪#‬اة‬
‫رسول هللا ‪.)2(‬‬
‫ألن س‪##‬ورة (المؤمن‪##‬ون)‬ ‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني ‪: 3‬الح‪##‬ديث األول مك‪##‬ذوب من أص‪##‬له‪ّ ..‬‬ ‫)‬ ‫(‬
‫مكيّة‪ ،‬ولم يستثن أحد تلك اآلية؛ فكيف‪ #‬يكتبه‪##‬ا ابن أبي س‪##‬رح بالمدين‪##‬ة‪ ،‬ثم يرت‪ّ #‬د الى‬
‫مكة!؟‪ ..‬ثم أنّى لبشر أن يتقوّل على هّللا ك‪##‬ذبا وينتحل‪##‬ه وحي‪##‬ا‪ ،‬وق‪##‬د ض‪##‬من هّللا لكتاب‪##‬ه‬
‫الكريم الحفظ!؟‪ ..‬ثم كيف ال يش‪##‬عر رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ب‪##‬دسّ ك‪##‬اذب مف‪##‬تر على هّللا فيم‪##‬ا‬
‫أنزله هّللا عليه!؟‪ ..‬نعم هناك ثالث آيات من ثالث س‪##‬ور‪ ،‬قي‪##‬ل في ك‪ّ #‬ل واح‪##‬دة منه‪##‬ا‪:‬‬
‫إنّها نزلت بشأن ابن أبي سرح‪ ،‬ه‪#‬ذه إح‪##‬داها‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ذك‪#‬رت ض‪#‬عفها‪ ..‬والثاني‪##‬ة قول‪##‬ه‪:‬‬
‫‪#‬رهَ َوقَ ْلبُ‪#‬هُ ُم ْ‬ ‫ُ‬
‫‪#‬ان َولَ ِك ْن َم ْن‬ ‫ط َمئِ ٌّن بِاإْل ِ ي َم ِ‬ ‫‪#‬ر بِاهَّلل ِ ِم ْن بَعْ‪ِ #‬د إِي َمانِ‪ِ #‬ه إِاَّل َم ْن أ ْك ِ‬‫تعالى‪َ ﴿ :‬م ْن َكفَ َ‬
‫َظي ٌم﴾ [النح‪##‬ل‪ ..]106 :‬والثالث‪##‬ة‪:‬‬ ‫ضبٌ ِمنَ هَّللا ِ َولَهُ ْم َع َذابٌ ع ِ‬ ‫َش َر َح بِ ْال ُك ْف ِر َ‬
‫ص ْدرًا فَ َعلَ ْي ِه ْم َغ َ‬
‫ازدَادُوا ُك ْفرًا لَ ْم يَ ُك ِن هَّللا ُ لِيَ ْغفِ َر لَهُ ْم َواَل‬ ‫﴿إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا ثُ َّم َكفَرُوا ثُ َّم آ َمنُوا ثُ َّم َكفَرُوا ثُ َّم ْ‬
‫لِيَ ْه ِديَهُْ‪#‬م َسبِياًل ﴾ [النساء‪ ..]137 :‬وهذه األخيرة أنسب وأولى‪ #‬بالقبول‪ ،‬كما روي‪ #‬ذل‪##‬ك عن‬
‫اإلمام الباقر‪ ،‬واإلمام الصادق‪.)4(#‬‬
‫قال األول‪ :‬فما تقول في معنى اآلية الذي ال ينطبق‪ #‬إال على مدعي النبوة؟‬
‫قال الثاني(‪ :)5‬أقول‪ :‬إنها عا ّمة‪ ،‬تصف موقف اإلنسان عموما تج‪##‬اه رس‪##‬االت‬
‫األنبياء عليهم السالم؛ فمن منكر معاند ال يص‪ّ #‬دق ب‪##‬أي رس‪##‬الة ج‪##‬اءت من قب‪##‬ل هّللا ‪..‬‬
‫وآخر مسترسل‪ #‬ضعيف يؤمن بك ّل دعوى رساليّة‪ ،‬حتى ولو كانت نزغ‪##‬ة ش‪##‬يطانيّة‪،‬‬
‫من غير تدبّر وال تفك‪##‬ير ص‪##‬حيح‪ ..‬ومن ثم وبّخت اآلي‪##‬ة ه‪##‬ذا النم‪##‬ط من االسترس‪##‬ال‬
‫الهابط‪ ،‬وتلك الجرأة الظالمة تجاه ربّ العالمين‪ ،‬فيفترى‪ #‬عليه تعالى ظلما وعدوانا‪#.‬‬
‫‪#‬ر هَّللا ِ أَ ْبتَ ِغي َح َك ًم‪##‬ا َوهُ‪َ #‬و‬ ‫قال األول‪ :‬فما تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَفَ َغ ْي‪#َ #‬‬
‫مجمع البيان‪ .4/335 :‬والدر المنثور‪.3/30 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مجمع البيان‪ .4/335 :‬والدر المنثور‪.3/30 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/175 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير العياشي‪ 1/281 :‬ح ‪.288‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/176 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪247‬‬
‫ك‬ ‫‪#‬اب يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ أَنَّهُ ُمنَ‪َّ #‬ز ٌل ِم ْن َربِّ َ‬ ‫صاًل َوالَّ ِذينَ آتَ ْينَ‪##‬اهُ ُم ْال ِكتَ‪َ #‬‬ ‫َاب ُمفَ َّ‬ ‫الَّ ِذي أَ ْن َز َل إِلَ ْي ُك ُم ْال ِكت َ‬
‫ق فَاَل تَ ُكون ََّن ِمنَ ْال ُم ْمت َِرينَ ﴾ [األنعام‪]114 :‬؟‬ ‫بِ ْال َح ِّ‬
‫الظن بأنّه‪##‬ا مدنيّ‪##‬ة إاّل ذك‪##‬ر أه‪##‬ل‬ ‫ّ‬ ‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني(‪ :)1‬ليس في اآلي‪##‬ة م‪##‬ا ي‪##‬دعو الى‬
‫الكتاب فيها‪ ،‬وه‪##‬ذا وح‪##‬ده ليس دليال‪ ،‬فق‪##‬د ورد مثله‪##‬ا في آي‪##‬ات مكيّ‪##‬ة كث‪##‬يرا‪ ..‬فقول‪##‬ه‬
‫اس ‪#‬أَلُوا أَ ْه‪َ #‬‬
‫‪#‬ل ال ‪ِّ #‬ذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل‬ ‫‪#‬وحي إِلَ ْي ِه ْم فَ ْ‬‫ك إِاَّل ِر َجااًل نُ‪ِ #‬‬ ‫﴿و َما أَرْ َس ْلنَا ِم ْن قَ ْبلِ َ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [النحل‪ ]43 :‬يعني أهل الكتاب‪ ،‬وال سيّما اليهود‪ ،‬وهذه اآلية مكيّ‪##‬ة باإلجم‪##‬اع‪،‬‬
‫ما خال ما نسب الى جابر بن زيد‪.‬‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‪##‬و ال ِذي أ ْن َش‪##‬أ َجنَّا ٍ‬ ‫َّ‬ ‫﴿وه َ‬ ‫ق‪##‬ال األول‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ع ُم ْختَلِفً‪##‬ا أُ ُكلُ‪##‬هُ َوال َّز ْيتُ‪##‬ونَ َوالرُّ َّمانَ‬ ‫ت َوالنَّ ْخ‪َ ##‬ل َوال‪َّ ##‬زرْ َ‪#‬‬ ‫ُوش‪##‬ا ٍ‪#‬‬‫ْ‪##‬ر َم ْعر َ‬ ‫ت َو َغي َ‬ ‫ُوش‪##‬ا ٍ‬ ‫َم ْعر َ‬
‫ص‪#‬ا ِد ِه َواَل تُ ْس‪ِ #‬رفُوا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُمتَ َشابِهًا‪َ #‬و َغي َْر ُمتَ َشابِ ٍه ُكلُوا ِم ْن ثَ َم ِر ِه إِ َذا أث َم َر َوآتُ‪##‬وا‪َ #‬حقَّهُ يَ‪##‬وْ َم َح َ‬
‫يفس‪##‬ر‬ ‫صا ِد ِه ﴾ ال ّ‬ ‫ْرفِينَ ﴾ [األنعام‪ ،]141 :‬فقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وآتُوا َحقَّهُ يَوْ َم َح َ‬ ‫إِنَّهُ اَل يُ ِحبُّ ْال ُمس ِ‬
‫ق الواجب بالزكاة‪ ،‬والزكاة لم تقرّر بأنصبتها‪ #‬المح‪##‬ددة في ال‪##‬زروع والثم‪##‬ار‬ ‫إال بالح ّ‬
‫إاّل في المدينة‪.‬‬
‫فس‪#‬رت بمطل‪##‬ق‬ ‫قال الثاني ‪ : 2‬لكن ه‪##‬ذا المع‪##‬نى ليس متعيّن‪##‬ا في اآلي‪##‬ة‪ ،‬ألنّه‪##‬ا ّ‬ ‫)‬ ‫(‬
‫الص‪##‬دقة من غ‪##‬ير تحدي‪##‬د‪ ،‬وهي به‪##‬ذا اإلطالق ك‪##‬انت واجب‪##‬ة في مك‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬د ج‪##‬اءت‬
‫ُوم﴾ [ال‪##‬ذاريات‪،]19 :‬‬ ‫لس‪#‬ائِ ِل َو ْال َمحْ‪ #‬ر ِ‬ ‫ق لِ َّ‬ ‫اإلشارة إليها في قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وفِي أَ ْم‪َ #‬‬
‫‪#‬والِ ِه ْم َح‪ٌّ #‬‬
‫وهي من س‪##‬ورة ال‪##‬ذاريات المكيّ‪##‬ة بإجم‪##‬اع‪ ..‬باإلض‪##‬افة إلى أن‪##‬ه ج‪##‬اء ذك‪##‬ر اإلنف‪##‬اق‬
‫ق‬ ‫بأن الح‪ّ ##‬‬ ‫والصدقة في كثير من اآليات المكيّة‪ ..‬باإلضافة إلى ما جاء في الروايات ّ‬
‫في هذه اآلية يعني اإلنفاق وإعطاء اليتامى والمساكين(‪.)3‬‬
‫قال األول‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ تَ َع‪##‬الَوْ ا أَ ْت‪ُ #‬ل َم‪##‬ا َح‪َّ #‬ر َم َربُّ ُك ْم‬
‫ق نَحْ نُ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم أَاَّل تُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َش‪ْ #‬يئًا َوبِ ْال َوالِ‪َ #‬د ْي ِن إِحْ َس‪#‬انًا َواَل تَ ْقتُلُ‪##‬وا أَوْ اَل َد ُك ْ‪#‬م ِم ْن إِ ْماَل ٍ‬
‫س الَّتِي‬ ‫ش َما ظَهَ َر ِم ْنهَ‪#‬ا َو َم‪#‬ا بَطَنَ َواَل تَ ْقتُلُ‪#‬وا النَّ ْف َ‬ ‫نَرْ ُزقُ ُك ْم َوإِيَّاهُ ْم َواَل تَ ْق َربُوا ْالفَ َوا ِح َ‬
‫ق َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْ‪#‬م بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُونَ ﴾ [األنعام‪ ..]151 :‬وقوله‪َ ﴿ :‬واَل تَ ْق َربُ‪##‬وا‬ ‫َح َّر َم هَّللا ُ إِاَّل بِ ْال َح ِّ‬
‫‪#‬ل َو ْال ِم‪##‬ي َزانَ بِ ْالقِ ْس‪ِ #‬ط اَل‬ ‫َما َل ْاليَتِ ِيم إِاَّل بِالَّتِي ِه َي أَحْ َسنُ َحتَّى يَ ْبلُ َغ أَ ُش‪َّ #‬دهُ َوأَوْ فُ‪##‬وا‪ْ #‬ال َك ْي‪َ #‬‬
‫نُ َكلِّفُ نَ ْفسًا إِاَّل ُو ْس َعهَا َوإِ َذا قُ ْلتُ ْم فَا ْع‪ِ #‬دلُوا َولَ‪#‬وْ َك‪#‬انَ َذا قُ‪#‬رْ بَى َوبِ َعهْ‪#ِ #‬د هَّللا ِ أَوْ فُ‪#‬وا َذلِ ُك ْم‬
‫اطي‪ُ #‬م ْستَقِي ًما فَ‪##‬اتَّبِعُوهُ‬ ‫ص َر ِ‬ ‫﴿وأَ َّن هَ َذا ِ‬ ‫َوصَّا ُك ْ‪#‬م بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّكرُونَ ﴾ [األنعام‪ ..]152 :‬وقوله‪َ :‬‬
‫ق بِ ُك ْم ع َْن َسبِيلِ ِه َذلِ ُك ْم َوصَّا ُك ْم بِ‪ِ #‬ه لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ‪##‬ونَ ﴾ [األنع‪##‬ام‪..]153 :‬‬ ‫َواَل تَتَّبِعُوا ال ُّسبُ َل فَتَفَ َّر َ‬
‫فقد قال السيوطي‪ :‬وقد ص ّح النقل عن ابن عباس باستثناء هذه اآلي‪##‬ات الثالث‪ ،‬وهي‬
‫ما أخرجه أبو جعفر النحّاس في كتاب‪##‬ه (الناس‪##‬خ والمنس‪##‬وخ) عن طري‪##‬ق أبي عبي‪##‬دة‬
‫مع ّمر بن المثنى(‪.)4‬‬

‫التمهيد‪.1/177 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/178 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجمع البيان‪.4/375 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلتقان‪.1/9 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪248‬‬
‫قال الثاني(‪ :)1‬أبو عبيدة هذا كان رجال به شذوذ‪ ،‬وكان يرى رأي الخ‪##‬وارج‪،‬‬
‫وكان بذي اللسان متهتّكا قليل العناية ب‪##‬القرآن‪ ،‬وإذا ق‪##‬رأه ق‪##‬رأه نظ‪##‬را(‪ ..)2‬ومن ثم ال‬
‫يعتم‪##‬د على نقل‪##‬ه فيم‪##‬ا يخصّ الكت‪##‬اب والس ‪#‬نّة‪ ،‬الله ّم إاّل في رواي‪##‬ة الش‪##‬عر واألدب‪..‬‬
‫باإلضافة إلى هذا؛ فقد روى أبو نعيم والبيهقي كالهم‪##‬ا في ال‪##‬دالئل عن علي بن أبي‬
‫طالب قال‪ :‬ل ّما أمر هّللا نبيّه ‪ ‬أن يعرض نفسه على القبائ‪##‬ل‪ ،‬خ‪##‬رج الى م‪##‬نى وأن‪##‬ا‬
‫معه وأبو بكر‪ ،‬وكان رجال نسّابة‪ ،‬فوقف‪ #‬على مض‪#‬اربهم بم‪##‬نى وس‪##‬لّم عليهم ف‪##‬ر ّدوا‬
‫عليه السالم‪ ،‬فتكلم معه القوم‪ ،‬حتى سألوه‪ :‬الى ما تدعو يا أخ‪##‬ا ق‪##‬ريش؟ فتال رس‪##‬ول‪#‬‬
‫هّللا ‪﴿ ‬قُلْ تَ َعالَوْ ا أَ ْت ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم﴾ [األنعام‪ ]151 :‬إلى تمام اآليات الثالث‪ ،‬ف‪##‬أعجبهم‬
‫كالم هّللا ‪ ،‬وقالوا‪ :‬فو هّللا ما هذا من كالم أهل األرض‪ ،‬ولو كان لعرفن‪##‬اه(‪..)3‬فاآلي‪##‬ات‬
‫كانت نازلة حينذاك بمكة‪.‬‬
‫أن سورة االنعام كلها مكيّة‪ ،‬ليست منه‪##‬ا‬ ‫ّ‬ ‫قال األول‪ :‬بورك فيك‪ ..‬اآلن اقتنعت ّ‬
‫آية مدنية إطالقا‪ ،‬ولم يثبت شيء مما قيل باستثنائه أصال‪ ،‬ال نقال وال عقال‪.‬‬
‫سورة األعراف‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫س‪##‬ورة األع‪##‬راف مكيّ‪##‬ة؛ فق‪##‬د أخ‪##‬رج ابن ض‪##‬ريس والن ّح‪##‬اس وابن مردوي‪##‬ه من ع‪ّ #‬دة‬
‫طرق‪ #‬عن ابن عباس‪ :‬أنّها نزلت بمكة(‪.)4‬‬
‫اس‪#‬أ َ ْلهُ ْم ع َِن‬
‫﴿و ْ‬ ‫قال الث‪##‬اني‪ :‬لكن قت‪##‬ادة اس‪##‬تثنى آي‪#‬ة واح‪##‬دة‪ ،‬وهي قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫ت إِ ْذ تَ‪##‬أْتِي ِه ْم ِحيتَ‪##‬انُهُ ْم يَ‪##‬وْ َم َس‪ْ #‬بتِ ِه ْم‬
‫ض َرةَ ْالبَحْ ِر إِ ْذ يَ ْع ُدونَ فِي ال َّس ْب ِ‬‫َت َحا ِ‬‫ْالقَرْ يَ ِة الَّتِي َكان ْ‬
‫ْ‬
‫ُش َّرعًا َويَوْ َم اَل يَ ْسبِتُونَ اَل تَأتِي ِه ْم َك‪َ #‬ذلِكَ نَ ْبلُ‪##‬وهُ ْم بِ َم‪##‬ا َك‪##‬انُوا يَ ْف ُس‪#‬قُونَ ﴾ [األع‪##‬راف‪،]163 :‬‬
‫فقال‪ :‬نزلت بالمدينة(‪ ..)5‬و قال غيره‪ :‬بل المستثنى هذه اآلي‪#‬ة إلى قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ‬
‫نَتَ ْقنَا ْال َجبَ َل فَوْ قَهُْ‪#‬م َكأَنَّهُ ظُلَّةٌ َوظَنُّوا أَنَّهُ َواقِ ٌع بِ ِه ْم ُخ ُذوا َما آتَ ْينَا ُك ْم بِقُ َّو ٍة َو ْاذ ُكرُوا‪َ #‬ما فِي‪ِ #‬ه‬
‫لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ ﴾ [األعراف‪ ..]171 :‬ودليل قتادة هو األمر بسؤال اليهود‪ ،‬وه‪##‬و يناس‪##‬ب أيّ‪##‬ام‬
‫كونه ‪ ‬بالمدينة‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال األول(‪ : 6‬ه‪##‬ذا ليس دليال‪ ،‬إذ ال مس‪##‬تند لع‪##‬ود الض‪##‬مير الى اليه‪##‬ود‪ ،‬فلعل‪##‬ه‬ ‫)‬
‫صة أصحاب السبت‪ ،‬والقرية ـ وهي‬ ‫يعود الى المشركين أنفسهم‪ ،‬لمكان معرفتهم‪ #‬بق ّ‬
‫أيلة ـ ك‪##‬انت على س‪##‬احل البح‪##‬ر األحم‪##‬ر‪ ،‬مم‪##‬ا يلي الش‪##‬ام‪ .‬وهي آخ‪##‬ر الحج‪##‬از وأوّل‬
‫الشام‪ ،‬وهي مدينة يهوديّة صغيرة ك‪##‬انت ع‪##‬امرة(‪ ،)7‬وك‪##‬انت ق‪##‬ريش تم‪ّ #‬ر عليه‪##‬ا في‬
‫رحلتها الصيفيّة التجاريّة‪ ،‬وك‪#‬انت تتّص‪##‬ل بهم أخباره‪#‬ا‪ ،‬ومن ث ّم ك‪#‬انوا على معرف‪##‬ة‬

‫التمهيد‪.1/179 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫ميزان االعتدال‪.4/155 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدر المنثور‪.3/54 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدر المنثور‪.3/67 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الكشف عن القراءات السبع‪.1/460 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/180 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫معجم البلدان‪.1/292 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪249‬‬
‫من أهلها اليهود الذين عتوا عن أمر ربّهم‪ #..‬وأ ّما قول غ‪##‬يره فال مس‪##‬تند ل‪##‬ه إطالق‪##‬ا‪..‬‬
‫أن هذه اآليات متناسقة مع غيره‪##‬ا من قص‪##‬ص أمم األنبي‪##‬اء عليهم الس‪##‬الم‬ ‫فالصحيح ّ‬
‫نزلت على قريش ليعتبروا‪.‬‬
‫سورة االنفال‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة االنفال مدنية‪.‬‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫﴿وإِذ يَ ْم ُك ُر بِكَ ال ِذينَ َكفَ‪#‬رُوا لِيُثبِتُ‪##‬و َ‪#‬‬ ‫ْ‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫ُوك َويَ ْم ُكرُونَ َويَ ْم ُك ُ‪#‬ر هَّللا ُ َوهَّللا ُ خَ ْي ُر ال َم‪##‬ا ِك ِرينَ ﴾ [األنف‪##‬ال‪ ،]30 :‬فق‪##‬د‬ ‫ك أَوْ ي ُْخ ِرج َ‪#‬‬ ‫أَوْ يَ ْقتُلُو َ‬
‫روي‪ #‬أنها نزلت في قصة دار الندوة حين اجتمعت فيه‪##‬ا ق‪##‬ريش للت‪##‬آمر على رس‪##‬ول‬
‫هّللا ‪ ‬وفشلت مؤامرتهم بهجرة رسول هللا ‪.)1(‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬لكن ن‪#‬زول اآلي‪#‬ة بش‪#‬أن ذل‪#‬ك ال يس‪#‬تدعي نزوله‪#‬ا حين‪#‬ذاك‪ ،‬وال‬
‫سيّما بعد مالحظة أداة ظرف الماضي (إذ) في صدر‪ #‬اآلية‪ ،‬ألن فيها حكاية عن أمر‬
‫سابق‪.‬‬
‫﴿و َما َكانَ هَّللا ُ لِيُ َع ِّذبَهُ ْم َوأَ ْنتَ فِي ِه ْ‪#‬م‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َو َما َكانَ هَّللا ُ ُم َع ِّذبَهُ ْم َوهُ ْم يَ ْستَ ْغفِرُونَ ﴾ [األنفال‪]33 :‬؟‬
‫يعذبهم هّللا‬
‫قال األول(‪ :)3‬فيها أيضا حكاية عن ماض وإخبار عن حال‪ ،‬أي لم ّ‬
‫يع‪#‬ذبهم اآلن ـ بع‪#‬د خروج‪#‬ك ـ لوج‪#‬ود‪#‬‬ ‫فيما قبل‪ ،‬بسبب وج‪#‬ودك‪ #‬بين أظه‪#‬رهم‪ ،‬وال ّ‬
‫جماعة من المؤمنين لم يستطيعوا‪ #‬الخروج وهم على عزم الهجرة‪ ،‬فرفع هّللا العذاب‬
‫عن مشركي‪ #‬مكة لحرمة استغفار هؤالء المؤمنين الباقين بين أظهرهم(‪.)4‬‬
‫ك هَّللا ُ َو َم ِن‬‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا النَّبِ ُّي َح ْس‪#‬بُ َ‬
‫ك ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [األنف‪##‬ال‪ ،]64 :‬وقد صحّح ه‪##‬ذا االس‪##‬تثناء ابن الع‪##‬ربي وغ‪##‬يره لم‪##‬ا‬ ‫اتَّبَ َع َ‬
‫روي‪ #‬عن عمر‪ ،‬قال‪ :‬أسلمت رابع أربعين فنزلت(‪.)5‬‬
‫قال األول(‪ :)6‬لكن يعارضه ما روي أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت بالبي‪##‬داء في غ‪##‬زوة ب‪##‬در(‪،)7‬‬
‫وقال الواقدي‪ #:‬نزلت بالمدينة في ب‪##‬ني قريظ‪##‬ة وب‪##‬ني‪ #‬النض‪##‬ير(‪ ..)8‬باإلض‪##‬افة إلى أن‬
‫سياق اآلية يشهد بمدنيّتها‪ ،‬حيث نزلت إبان تشريع القت‪##‬ال‪ ،‬س‪##‬واء م‪##‬ع المش‪##‬ركين أم‬
‫مع أهل الكتاب‪ ..‬باإلضافة إلى أنه ال معنى لكفاي‪##‬ة أربعين رجال أس‪##‬لموا بمك‪##‬ة وهم‬
‫على ضعف ما داموا فيها‪ ..‬األمر الذي يؤ ّك‪##‬د نزوله‪##‬ا بالمدين‪##‬ة حيث ازدادت ش‪##‬وكة‬

‫مجمع البيان‪.4/537 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/228 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/227 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪.4/539 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدر المنثور‪.3/200 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/228 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫مجمع البيان‪.4/557 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫تفسير التبيان‪.5/152 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪250‬‬
‫المؤمنين وتقوى جانبهم‪ ،‬فكانت فيهم الكفاية والكفاءة‪ ،‬وهكذا فسّرها‪ #‬الطبري‪ ،‬حيث‬
‫فإن هّللا كافيكم‪ #‬أم‪##‬رهم وال يه‪#‬وّلنّكم‪ #‬ك‪##‬ثرة‬ ‫قال‪( :‬يقول لهم ج ّل ثناؤه‪ :‬ناهضوا عدوّكم ّ‬
‫‪#‬إن هّللا مؤيّ‪##‬دكم بنص‪##‬ره)‪ ،‬وذك‪##‬ر له‪##‬ذا المع‪##‬نى رواي‪##‬ات‪ ،‬ولم‬ ‫ع‪##‬ددهم وقلّ‪##‬ة ع‪##‬ددكم ف‪ّ #‬‬
‫يتعرّض لشيء من روايات نزولها‪ #‬بشأن إسالم عمر(‪.)1‬‬
‫سورة براءة‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة براءة مدنية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها أربع آي‪#‬ات‪ ..‬أم‪#‬ا األولى والثاني‪#‬ة‪ ،‬فقول‪#‬ه تع‪#‬الى‪:‬‬
‫﴿ َما َكانَ لِلنَّبِ ِّي َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ْن يَ ْستَ ْغفِرُوا لِ ْل ُم ْش ِر ِكينَ َولَوْ َكانُوا أُولِي قُرْ بَى ِم ْن بَ ْع ِد َما‬
‫تَبَيَّنَ لَهُ ْم أَنَّهُ ْم أَصْ َحابُ ْال َج ِح ِيم َو َما َكانَ ا ْستِ ْغفَا ُر إِب َْرا ِهي َم أِل َبِي ِه إِاَّل ع َْن َموْ ِع َد ٍة َو َع‪َ #‬دهَا‬
‫‪#‬را ِهي َ‪#‬م أَل َ َّواهٌ َحلِي ٌم﴾ [التوب‪##‬ة‪ ،]114-113 :‬فق‪##‬د‬ ‫إِيَّاهُ فَلَ َّما تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ َع ُد ٌّو هَّلِل ِ تَبَ‪#‬رَّأَ ِم ْن‪#‬هُ إِ َّن إِ ْب‪َ #‬‬
‫روي‪ #‬أنها نزلت بشأن أبي طالب عندما حضرته الوفاة‪ ،‬حيث دخ‪##‬ل علي‪##‬ه الن‪##‬ب ّي ‪‬‬
‫وعنده أبو جهل وعبد هّللا بن أبي أميّ‪##‬ة‪ .‬فق‪##‬ال الن‪##‬ب ّي ‪ :‬أي عم‪ ،‬ق‪##‬ل‪ :‬ال إل‪##‬ه إاّل هّللا ‪،‬‬
‫أحا ّج لك بها عند هّللا ؛ فقال القرشيان‪ :‬يا أبا طالب‪ ،‬أترغب عن ملّة عبد المطلب!؟‪..‬‬
‫فكانا كلّما عرض عليه النب ّي ‪ ‬كلمة الشهادة أعادا كالمهما‪ ..‬فكان آخ‪##‬ر كالم أبي‬
‫طالب‪ :‬أنّه على ملّة عبد المطلب‪ ،‬وأبى أن يقول‪ :‬ال إله إال هّللا ؛ فقال النب ّي ‪ ‬عن‪##‬د‬
‫ألستغفرن لك ما لم أنه عنك‪ .‬فنزلت اآلية‪ ..‬ومثلها‪ #‬ي‪##‬روى ن‪##‬زول قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ذلك‪:‬‬
‫هتَ ‪ِ #‬دينَ ﴾ [القص‪##‬ص‪:‬‬ ‫‪#‬و أَ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْ‬
‫﴿إِنَّكَ اَل تَ ْه ِدي َم ْن أَحْ بَبْتَ َولَ ِك َّن هَّللا َ يَ ْه‪ِ #‬دي َم ْن يَ َش‪#‬ا ُء َوهُ‪َ #‬‬
‫‪ ..]56‬ويروى‪ #‬أيضا‪ :‬أنّها نزلت بشأن وال‪##‬دي رس‪##‬ول هّللا ‪ ..‬حيث أراد أن يس‪##‬تغفر‬
‫لهما‪ ،‬فقد روي أنه استجاز ربّه في زيارة قبر أ ّمه فأج‪##‬ازه‪ ،‬فب‪##‬دا ل‪##‬ه أن يس‪##‬تغفر له‪##‬ا‬
‫فنزلت اآلية تنهاه؛ فما رئي رسول هّللا ‪ ‬أكثر باكيا من يومه ذاك‪.‬‬
‫ق‪###‬ال األول(‪ :)2‬واض‪###‬ح ج‪###‬دا الك‪###‬ذب واالختالق في الرواي‪###‬تين‪ ،‬وأن ال‪###‬ذي‬
‫وضعهما‪ #‬صاحب عص‪##‬بيّة جاهليّ‪##‬ة‪ ،‬أو نزع‪##‬ة أمويّ‪##‬ة ممقوت‪##‬ة عم‪##‬دت إلى الح‪##‬طّ من‬
‫كرامة بني هاشم‪ ،‬وإلى تش‪##‬ويه أق‪##‬ارب الن‪##‬ب ّي ‪ ‬لتجع‪##‬ل من أبي‪##‬ه وأ ّم‪##‬ه مش‪##‬ركين‪،‬‬
‫ولتعتبر‪ #‬أبا طالب كافرا‪ ،‬وهو المحامي األوّل والمدافع‪ #‬الوحيد في وقت‪##‬ه عن رس‪##‬ول‬
‫َصرُوا أُولَئِكَ هُ ُم ْال ُم ْؤ ِمنُونَ َحقًّ‪##‬ا لَهُ ْم َم ْغفِ ‪َ #‬رةٌ‬ ‫آووْ ا َون َ‬ ‫هّللا ‪ ‬وقد‪ #‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذينَ َ‬
‫أن أب‪#‬ا ط‪#‬الب ك‪##‬ان أوّل من آواه ونص‪##‬ره ووق‪##‬ف‬ ‫ك ّ‬ ‫ق َك ِري ٌم﴾ [األنف‪##‬ال‪ ،]74 :‬وال ش ّ‬ ‫َو ِر ْز ٌ‬
‫دونه بنفسه ونفيسه‪ ،‬واآلية الكريمة شهادة عا ّمة تشمله قطعا‪.)3(#‬‬
‫و يكفي دليال على إيمان‪##‬ه الص‪##‬ادق‪ ،‬قول‪##‬ه في قص‪##‬يدته ال‪##‬تي يحمي به‪##‬ا عن‬
‫رسول هّللا ‪ ‬مه ّددا قريش أجمع(‪:)4‬‬

‫‪ )(1‬تفسير الطبري‪.10/26 :‬‬


‫‪ )(2‬التمهيد‪.1/230 :‬‬
‫‪ )(3‬حق اليقين للسيد عبد هّللا شبر‪.1/100 :‬‬
‫‪ )(4‬سيرة ابن هشام‪.1/299 #:‬‬
‫‪251‬‬
‫لدينا وال يعني بقول األباطل‬ ‫لق‪####‬د علم‪####‬وا ّ‬
‫أن ابنن‪####‬ا ال‬
‫ّ‬
‫مك‪###############################‬ذب‬
‫تقصر عنه سورة المتط‪##‬اول‬ ‫فأص‪####‬بح فين‪####‬ا أحم‪####‬د في‬
‫أرومة‬
‫ودافعت‪ #‬عن‪#######‬ه بال‪#######‬ذرا‬ ‫ح‪#####‬دبت بنفس‪#####‬ي دون‪#####‬ه‬
‫والكالكل‬ ‫وحميته‬
‫وأظهر‪ #‬دينا حقّه غ‪##‬ير باطل‬ ‫فأيّ‪##‬ده ربّ العب‪##‬اد بنص‪##‬ره‬

‫ومثل ذل‪#‬ك أب‪#‬وي رس‪#‬ول هللا ‪‬؛ ف‪#‬إن ك‪#‬ل األدل‪#‬ة ت‪#‬دل على أن جمي‪#‬ع أج‪#‬داد‬
‫رسول هللا ‪ ‬لم يتل ّوثوا بدنس شرك قط؛ وقد روي في الحديث عن رسول هللا ‪:‬‬
‫مهذبا) (‪)1‬‬ ‫(لم يزل هّللا ينقلني من األصالب الطيّبة إلى األرحام الطاهرة مصفى ّ‬
‫َّاج ِدينَ ﴾ [الشعراء‪ ،]219 :‬أي‬ ‫وبهذا المعنى جاء تأويل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وتَقَلُّبَكَ فِي الس ِ‬
‫لم ت‪##‬زل تنتق‪##‬ل من ص‪##‬لب م‪##‬ؤمن مو ّح‪##‬د إلى ص‪##‬لب م‪##‬ؤمن مو ّح‪##‬د‪ ،‬ق‪##‬ال الطبرس‪##‬ي‪#:‬‬
‫(وقيل‪ :‬معناه‪ :‬وتقلّبك في أصالب الموحّدين ح‪##‬تى أخرج‪##‬ك نبيّ‪##‬ا‪ ..‬وه‪##‬و م‪##‬روي عن‬
‫ابن عباس وعن اإلمام الباقر‪ ،‬واإلمام‪ #‬الصادق) (‪)2‬‬
‫ّ‬
‫والصحيح في سبب نزول اآلية‪ ،‬ما ذكره الطبرسي‪ #:‬أن المسلمين ج‪##‬اؤوا إلى‬
‫النب ّي ‪ ‬يطلبون إليه االستغفار لموتاهم‪ #‬الذين مضوا على الكفر أو النفاق‪ ،‬وق‪##‬الوا‪:‬‬
‫أال تستغفر آلبائنا الذين ماتوا في الجاهلية‪ ،‬فنزلت اآلية(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫و م ّما يد ّل على ص ّحة هذه الرواية وبطالن الرواية األولى‪ ،‬أن اآلية الكريمة‬
‫جاءت بلفظ ﴿ما كانَ لِلنَّبِ ِّي والَّ ِذينَ آ َمنُوا﴾‪ ،‬فل‪##‬و ص‪#‬حّت تل‪##‬ك الرواي‪##‬ة لم‪##‬ا ك‪##‬ان هن‪##‬اك‬
‫سبب معقول إلرداف غيره ‪ ‬من المؤمنين معه في هذا اإلنكار الصارم(‪.)4‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪﴿ :‬لَقَ ْد َج‪ #‬ا َء ُك ْم َر ُس‪#‬و ٌل ِم ْن أَ ْنفُ ِس‪#‬ك ْمُ‬
‫وف َر ِحي ٌم فَإِ ْن ت ََولَّوْ ا فَقُلْ َح ْسبِ َي هَّللا ُ‬
‫ين َر ُء ٌ‬ ‫َزي ٌز َعلَ ْي ِه َما َعنِتُّ ْم َح ِريصٌ َعلَ ْي ُك ْم بِ ْال ُم ْؤ ِمنِ َ‪#‬‬‫ع ِ‬
‫ش ال َع ِظ ِيم﴾ [التوب‪##‬ة‪ ،]129-128 :‬فق‪##‬د ق‪##‬ال ابن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اَل إِلهَ إِ هُ َو َعل ْي ِه ت ََوكلت َوه َُو َربُّ ال َعرْ ِ‬ ‫اَّل‬ ‫َ‬
‫الغرس‪ :‬إنّهما مكيّتان(‪.)5‬‬
‫قال األول‪ :‬وقد قال السيوطي‪( :‬وهذا غريب‪ ،‬كي‪##‬ف وق‪##‬د ورد‪ #‬أنّهم‪##‬ا آخ‪##‬ر م‪##‬ا‬
‫نزل) (‪ ..)6‬باإلضافة إلى ما روي في سبب نزولهما‪ ،‬وهو أن جهين‪##‬ة ج‪##‬اءت تس‪##‬أل‬
‫رسول هّللا ‪ ‬ـ أوّل قدومه المدينة ـ عهدا يأتمنون اليه‪ ،‬فنزلت اآليتان(‪.)7‬‬
‫سورة يونس‪:‬‬

‫الدر المنثور‪.3/294 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجمع البيان‪.7/207 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجمع البيان‪.5/76 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪ 5/54 :‬و‪ ،56‬والدر المنثور‪ 3/64 :‬و‪.66‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلتقان‪ .1/15 :‬والدر المنثور‪.3/296 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلتقان‪ .1/15 :‬والدر المنثور‪.3/296 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫الدر المنثور‪.3/297 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪252‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة يونس مكيّة‪.‬‬
‫قال الثاني(‪ : 1‬استثنى بعضهم‪ #‬منها أربع آي‪##‬ات‪ ،‬ذك‪##‬ر بعض‪##‬هم أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت في‬ ‫)‬
‫ك أَ ْعلَ ُم‬ ‫﴿و ِم ْنهُ ْم َم ْن ي ُْؤ ِمنُ بِ ِه َو ِم ْنهُ ْم َم ْن اَل ي ُْؤ ِمنُ بِ‪ِ ##‬ه َو َربُّ َ‬ ‫اليهود‪ ..‬أوالها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫بِ ْال ُم ْف ِس ِدينَ ﴾ [ي‪##‬ونس‪ ..]40 #:‬والثاني‪##‬ة‪ ،‬قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ‪#‬إِ ْن ُك ْنتَ فِي َش‪#‬كٍّ ِم َّما أ ْنزَ لنَ‪##‬ا إِلَ ْي‪##‬كَ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك فَاَل تَ ُك‪##‬ون ََّن ِمنَ‬ ‫ق ِم ْن َربِّ َ‬ ‫ك لَقَ ‪ْ #‬د َج‪ #‬ا َءكَ ْال َح‪ُّ #‬‬ ‫‪#‬اب ِم ْن قَ ْبلِ ‪َ #‬‬ ‫اس ‪#‬أ َ ِل الَّ ِذينَ يَ ْق‪َ #‬رءُونَ ْال ِكتَ‪َ #‬‬‫فَ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫﴿واَل تَ ُك‪##‬ون ََّن ِمنَ ال ِذينَ َك‪ #‬ذبُوا بِآيَ‪##‬ا ِ‬ ‫ْال ُم ْمت َِرينَ ﴾ [يونس‪ ..]94 #:‬والثالثة‪ ،‬قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫خَاس ‪ِ #‬رينَ ﴾ [ي‪##‬ونس‪ ..]95 #:‬والرابع‪##‬ة‪ ،‬قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َحقَّ ْ‬ ‫فَتَ ُك‪##‬ونَ ِمنَ ْال ِ‬
‫ك اَل ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [يونس‪]96 :‬‬ ‫ت َربِّ َ‬ ‫َكلِ َم ُ‬
‫قال األول ‪ : 2‬ال دليل لهم في ذلك؛ فالس‪#‬ياق فيه‪#‬ا واح‪#‬د متّص‪#‬ل‪ ..‬ولع‪ّ #‬ل ذك‪#‬ر‬ ‫)‬ ‫(‬
‫بأن هذه اآليات ليست بأصرح‬ ‫أهل الكتاب هو الذي أوقعهم في هذا الزعم‪ ،‬مع العلم ّ‬
‫وحي إِلَ ْي ِه ْم فَاسْأَلُوا‪ #‬أَ ْه َل ال ِّذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم اَل‬ ‫من قوله‪َ ﴿ :‬و َما أَرْ َس ْلنَا ِم ْن قَ ْبلِكَ إِاَّل ِر َجااًل نُ ِ‬
‫تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [النحل‪ ،]43 :‬اآلية مكيّة بإجماع‪.‬‬
‫سورة هود‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة هود مكيّة‪.‬‬
‫قال الث‪##‬اني(‪ :)3‬لكن بعض‪##‬هم اس‪##‬تثنى منه‪##‬ا ثالث آي‪##‬ات‪ ..‬أواله‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪#‬ز َل َعلَ ْي‪ِ #‬ه‬ ‫ص‪ْ #‬درُكَ أَ ْن يَقُولُ‪##‬وا لَ‪##‬وْ اَل أ ْن‪ِ #‬‬ ‫ق بِ‪ِ #‬ه َ‬ ‫ضائِ ٌ‬‫ك َو َ‬ ‫ُوحى إِلَ ْي َ‬‫ْض َما ي َ‬ ‫ك بَع َ‬ ‫َار ٌ‬‫﴿فَلَ َعلَّكَ ت ِ‬
‫ل﴾ [هود‪]12 :‬‬ ‫ك إِنَّ َما أَ ْنتَ نَ ِذي ٌر َوهَّللا ُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َو ِكي ٌ‬ ‫َك ْن ٌز أَوْ َجا َء َم َعهُ َملَ ٌ‬
‫ق‪##‬ال األول‪ :‬لكن الس‪##‬ياق يش‪##‬هد بأنّه‪##‬ا مكيّ‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬د روي‪ #‬في س‪##‬بب نزوله‪##‬ا م‪##‬ا‬
‫يجعلها أيضا مكيّة قطعيّا(‪.)4‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في اس‪##‬تثناء الثاني‪##‬ة‪ ،‬وهي قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬أَفَ َم ْن َك‪##‬انَ َعلَى‬
‫ك ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ‬ ‫بَيِّنَ ٍة ِم ْن َربِّ ِه َويَ ْتلُوهُ َشا ِه ٌد ِم ْنهُ َو ِم ْن قَ ْبلِ ِه ِكتَابُ ُمو َسى‪ #‬إِ َما ًما َو َرحْ َم‪ #‬ةً أُولَئِ‪َ #‬‬
‫ق ِم ْن‬ ‫ك فِي ِمرْ يَ‪ٍ #‬ة ِم ْن‪#‬هُ إِنَّهُ ْال َح‪ُّ #‬‬ ‫ب فَالنَّا ُ‪#‬ر َموْ ِع‪ُ #‬دهُ فَاَل تَ‪ُ #‬‬ ‫بِ ِه َو َم ْن يَ ْكفُرْ بِ ِه ِمنَ اأْل َحْ‪ #‬زَ ا ِ‬
‫اس اَل ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ ﴾ [ه‪##‬ود‪ ،]17 :‬فق‪##‬د استش‪##‬هد من ق‪##‬ال بم‪##‬دنيتها بقول‪##‬ه‬ ‫ك َولَ ِك َّن أَ ْكثَ‪َ #‬ر النَّ ِ‬ ‫َربِّ َ‬
‫ب﴾‬ ‫زَ‬ ‫َ‬ ‫أْل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫تعالى‪ِ ﴿ :‬كتابُ ُمو َسى﴾‪ ،‬وقوله‪َ ﴿ :‬و َمن يَكفرْ بِ ِه ِمنَ ا حْ ا ِ‬ ‫َ‬
‫قال األول(‪ :)5‬ال شاهد فيهما‪ ،‬فقد جرى ذكر موسى عليه السالم في كث‪##‬ير من‬
‫آيات السور‪ #‬المكيّة‪ ..‬أما األحزاب؛ ففيها إشارة الى قبائل عربيّة كانت متح ّزبة ض‪ّ ##‬د‬
‫الرسول ‪ ،‬وقد ك‪##‬انت تح‪ّ #‬زبت من‪##‬ذ أن ش‪##‬عر المش‪##‬ركون بس‪##‬رعة انتش‪##‬ار ال‪##‬دعوة‬
‫اإلسالمية‪ ..‬وال شاهد فيها على إرادة وقعة األحزاب‪.‬‬
‫التمهيد‪.1/180 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التمهيد‪.1/180 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/181 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪.5/146 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تفسير التبيان‪.5/461 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪253‬‬
‫الص‪#‬اَل ةَ‬ ‫قال الث‪##‬اني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء الثالث‪##‬ة‪ ،‬وهي قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وأَقِ ِم َّ‬
‫‪#‬رى لِل‪َّ #‬ذا ِك ِرينَ ﴾‬ ‫ت َذلِ‪##‬كَ ِذ ْك‪َ #‬‬ ‫ت ي ُْذ ِه ْبنَ َّ‬
‫الس‪#‬يِّئَا ِ‬ ‫ار َو ُزلَفًا ِمنَ اللَّ ْي ِل إِ َّن ْال َح َسنَا ِ‬
‫طَ َرفَ ِ‪#‬ي النَّهَ ِ‬
‫[هود‪ ،]114 :‬فقد روي عن أبي ميس‪##‬رة‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ذك‪##‬رت للن‪##‬ب ّي ‪ ‬أني وقعت في بعض‬
‫المعاصي‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬ه‪##‬ل جهّ‪##‬زت غازي‪##‬ا؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬ه‪##‬ل خلفت غازي‪##‬ا في أهل‪##‬ه؟‬
‫قلت‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬استغفر ربّك وص ّل أربع ركعات‪ ..‬ثم تال اآلية‪ ..‬ثم ق‪##‬ال‪ :‬إنّه‪##‬ا للن‪##‬اس‬
‫عا ّمة‪ ،‬وفي‪ #‬رواية‪ :‬نزل بها جبرئيل لساعته(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬الكذب واضح في هذه الرواي‪##‬ة‪ ،‬ألنّه‪##‬ا تج‪##‬رئ على المعاص‪##‬ي‪،‬‬
‫وهي بذلك تخالف القرآن الكريم‪ ،‬ذلك أنه‪##‬ا ت‪##‬بيح لك‪##‬ل إنس‪##‬ان أن يفع‪##‬ل م‪##‬ا يري‪##‬د‪ ،‬ثم‬
‫يعمد الى صالة يصليها‪ #‬لتكون كفّارة عن ك ّل ذنب يقترفه‪ ..‬ه‪##‬ذا فض‪##‬ال عن الته‪##‬افت‬
‫في نفس الرواية وعدم انسجامها‪ #‬مع اآلية‪ ،‬وهو دلي‪##‬ل آخ‪##‬ر على وهنه‪##‬ا‪ ..‬باإلض‪##‬افة‬
‫إلى أنه في بعض رواياتها‪ #‬أنه تال عليه اآلية‪ ،‬وليس فيها أنّها نزلت حينذاك‪.‬‬
‫سورة يوسف‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة يوسف مكيّة‪.‬‬
‫قال الثاني(‪ :)3‬لكن بعض‪##‬هم اس‪##‬تثنى منه‪##‬ا أرب‪##‬ع آي‪##‬ات‪ ،‬ثالث منه‪##‬ا وردت في‬
‫ين إِنَّا أَ ْنزَ ْلنَاهُ قُرْ آنً‪##‬ا ع ََربِيًّ‪##‬ا لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ب ْال ُمبِ ِ‬
‫ات ْال ِكتَا ِ‬
‫ك آيَ ُ‬ ‫أولها‪ ،‬وهي قوله تعالى‪﴿ :‬الر تِ ْل َ‬
‫ص بِ َما أَوْ َح ْينَا إِلَ ْي‪##‬كَ هَ ‪َ #‬ذا ْالقُ‪##‬رْ آنَ َوإِ ْن ُك ْنتَ ِم ْن‬ ‫ص ِ‬ ‫تَ ْعقِلُونَ نَحْ نُ نَقُصُّ َعلَ ْيكَ أَحْ َسنَ ْالقَ َ‬
‫ف َوإِ ْخ َوتِ‪ِ #‬ه‬ ‫قَ ْبلِ ِه لَ ِمنَ ْالغَافِلِينَ ﴾ [يوسف‪ ،]3-1 :‬والرابعة‪ ،‬قوله تعالى‪﴿ :‬لَقَ‪ْ #‬د َك‪##‬انَ فِي ي ُ‬
‫ُوس‪#َ #‬‬
‫ات لِلسَّائِلِينَ ﴾ [يوسف‪]7 :‬‬ ‫آيَ ٌ‬
‫قال األول‪ :‬لقد قال السيوطي في ذلك‪ :‬وهو واه جدا‪ ،‬ال يلتفت إليه(‪.)4‬‬
‫سورة إبراهيم‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة إبراهيم مكية‪.‬‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني(‪ :)5‬لكن بعض‪##‬هم‪ #‬اس‪##‬تثنى منه‪##‬ا آي‪##‬تين نزلت‪##‬ا في قتلى ب‪##‬در من‬
‫المشركين وهما قوله تعالى‪﴿ :‬أَلَ ْم تَ‪َ #‬ر إِلَى الَّ ِذينَ بَ‪َّ #‬دلُوا نِ ْع َمتَ هَّللا ِ ُك ْف‪#‬رًا َوأَ َحلُّوا قَ‪##‬وْ َمهُْ‪#‬م‬
‫ار﴾ [إبراهيم‪ ،]28 :‬وذلك لما روي عن عمر ق‪#‬ال‪ :‬ال‪#‬ذين ب‪ّ #‬دلوا نعم‪#‬ة هّللا كف‪##‬را‪،‬‬ ‫َار ْالبَ َو ِ‬‫د َ‬
‫هما‪ :‬األفجران من قريش‪ :‬بنو المغيرة وبنو‪ #‬أميّة‪ ،‬أ ّم‪##‬ا بن‪##‬و المغ‪##‬يرة فكفيتم‪##‬وهم‪ #‬ي‪##‬وم‬
‫بدر‪ ..‬وأ ّما بنو أميّة؛ فمتّعوا‪ #‬الى حين(‪ .. )6‬وهكذا روي عن اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق‪ ،‬وزاد‪،‬‬

‫تفسير الطبري‪ 12/82 :‬ـ ‪.83‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/182 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/181 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلتقان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫إبراهيم‪ 28 :‬ـ ‪ .29‬البرهان‪.1/200 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫تفسير الطبري‪.13/146 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪254‬‬
‫بلى هي قريش قاطبة(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬لكن ال داللة في ذلك على أنّهما نزلتا يوم ب‪##‬در أو بع‪##‬ده‪ ..‬وإنّم‪##‬ا‬
‫كانت وقعة بدر مصداقا‪ #‬من مصاديق البوار الذي أنذروا به‪ ..‬أ ّم‪##‬ا المص‪##‬داق األوفى‪#‬‬
‫فهي جهنم يصلونها‪ #‬وبئس القرار‪.‬‬
‫سورة الحجر‪:‬‬
‫ومنها أني مررت بآخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الحجر مكية‪.‬‬
‫ْ‬
‫﴿ولَقَ‪ْ #‬د َعلِ ْمنَ‪##‬ا ال ُم ْس‪#‬تَ ْق ِد ِمينَ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن بعضهم استثنى منه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ِم ْن ُك ْم َولَقَ‪ْ #‬د َعلِ ْمنَ‪##‬ا ْال ُم ْس‪#‬تَأْ ِخ ِرينَ ﴾ [الحج‪##‬ر‪ ،]24 :‬لم‪##‬ا أخرج‪##‬ه الترم‪##‬ذي‪ :‬أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت في‬
‫ص‪##‬فوف الص‪##‬الة(‪ ..)3‬واس‪##‬تثنى‪ #‬آخ‪##‬ر قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د آتَ ْينَ‪##‬اكَ َس‪ْ #‬بعًا ِمنَ ْال َمثَ‪##‬انِي‬
‫َو ْالقُرْ آنَ ْال َع ِظي َم﴾ [الحجر‪ ]87 :‬وقوله‪َ ﴿ :‬ك َما أَ ْنزَ ْلنَ‪##‬ا َعلَى ْال ُم ْقت َِس‪ِ #‬مينَ الَّ ِذينَ َج َعلُ‪#‬وا ْالقُ‪#‬رْ آنَ‬
‫ضينَ ﴾ [الحجر‪)4( ]91-90 :‬‬ ‫ِع ِ‬
‫قال األول(‪ : :)5‬س‪#‬ياق اآلي‪#‬ة األولى ي‪#‬أبى حمله‪#‬ا على ص‪#‬الة الجماع‪#‬ة ب‪#‬دليل‬
‫ارثُ‪##‬ونَ ﴾ [الحج‪##‬ر‪ ،]23 :‬وك‪##‬ذا اآلي‪##‬ة‬ ‫يت َونَحْ نُ ْال َو ِ‬ ‫﴿وإِنَّا لَنَحْ نُ نُحْ يِي َونُ ِم ُ‬
‫قوله تع‪##‬الى قبلها َ‬
‫بعدها‪َ ﴿ :‬وإِ َّن َربَّكَ ه َُو يَحْ ُش ُرهُ ْم إِنَّهُ َح ِكي ٌم َعلِي ٌم﴾ [الحجر‪ ،]25 :‬وإنّما المعنى‪ :‬ولقد علمنا‬
‫باألموات الماضين وباألحياء الباقين(‪ ..)6‬أ ّم‪##‬ا رواي‪##‬ة الترم‪##‬ذي‪ #‬فهي مقطوع‪##‬ة‪ ،‬وفي‬
‫اسنادها ضعف‪ ،‬مضافا‪ #‬الى عدم انسجامها مع اآلية‪.‬‬
‫(إن س‪##‬ورة الفاتح‪##‬ة ن‪##‬زلت‬ ‫وأ ّم‪##‬ا اس‪##‬تثناء الثاني‪##‬ة؛ فمس‪##‬تند‪ #‬الى ق‪##‬ول مجاه‪##‬د‪ّ :‬‬
‫بالمدينة)‪ ،‬وهي هفوة منه‪ ،‬واإلجماع‪ #‬على خالف قوله(‪.)7‬‬
‫و أ ّما آية المقتسمين‪ ،‬فزعم‪##‬وا أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في اليه‪##‬ود والنص‪##‬ارى‪ #‬م ّمن آمن‪##‬وا‬
‫ألن اليه‪##‬ود لم يؤمن‪##‬وا‪ #‬ب‪##‬القرآن‬ ‫ببعض القرآن وكفروا‪ #‬ببعض(‪ ،)8‬لكنّ‪##‬ه زعم باط‪##‬ل‪ّ ،‬‬
‫إطالقا‪ ،‬ولم يكونوا هم المنزل عليهم‪ ..‬نعم كان إيمانهم ب‪##‬الكتب النازل‪##‬ة عليهم ك‪##‬ذلك‬
‫أن اآلي‪##‬ة الم‪##‬ذكورة ن‪##‬زلت في‬ ‫يؤمن‪##‬ون ب‪##‬البعض ويكف‪##‬رون ب‪##‬البعض‪ ..‬والص‪##‬حيح ّ‬
‫المشركين الذين جعلوا من القرآن بعض‪##‬ه س‪##‬حرا وبعض‪##‬ه أس‪##‬اطير األوّلين وبعض‪##‬ه‬
‫مفترى وغير ذل‪#‬ك‪ ،‬وك‪##‬انوا يتفرّق‪##‬ون على أب‪#‬واب م ّك‪#‬ة يص‪ّ #‬دون الن‪#‬اس عن الق‪##‬رآن‬
‫ويقولون على هّللا الكذب(‪ ..)9‬باإلضافة إلى ذلك كله‪ ،‬فق‪##‬د روي عن اإلم‪##‬امين الب‪##‬اقر‬

‫تفسير العياشي‪ 2/229 :‬ح ‪ .22‬وتفسير الصافي‪.1/888 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/183 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪.6/326 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫البرهان‪.1/200 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫تفسير الطبري‪ 14/16 :‬و‪.18‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫اإلتقان‪.1/12 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫تفسير الطبري‪.14/42 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫الميزان‪.12/205 :‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫‪255‬‬
‫والصادق‪ :‬أنّها نزلت في قريش(‪.)1‬‬
‫سورة النحل‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة النحل مكية‬
‫هَّللا‬
‫‪#‬اجرُوا فِي ِ ِم ْن‬ ‫َّ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن قتادة اس‪##‬تثنى‪ #‬منه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وال ِذينَ هَ‪َ #‬‬
‫ر لَوْ َكانُوا يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [النح‪##‬ل‪:‬‬ ‫بَ ْع ِد َما ظُلِ ُموا لَنُبَ ِّوئَنَّهُْ‪#‬م فِي ال ُّد ْنيَا َح َسنَةً َوأَل َجْ ُر اآْل ِخ َر ِة أَ ْكبَ ُ‬
‫‪ ، ]41‬وقي‪##‬ل‪ :‬إلى آخ‪##‬ر الس‪##‬ورة‪ ،‬وأنهن ن‪##‬زلن بالمدينة(‪ ..)2‬وعن عط‪##‬اء بن يس‪##‬ار‬
‫‪#‬و خَ ْي‪ٌ #‬ر‬ ‫ص‪#‬بَرْ تُْ‪#‬م لَهُ‪َ #‬‬ ‫‪#‬ل َم‪##‬ا ُع‪##‬وقِ ْبتُ ْم بِ‪ِ #‬ه َولَئِ ْن َ‬ ‫اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َع‪##‬اقَ ْبتُ ْم فَ َع‪##‬اقِبُوا بِ ِم ْث‪ِ #‬‬
‫ق ِم َّما‬ ‫ض‪ْ #‬ي ٍ‬ ‫ك فِي َ‬ ‫ك إِاَّل بِاهَّلل ِ َواَل تَحْ ‪ #‬زَ ْن َعلَ ْي ِه ْم َواَل تَ ‪ُ #‬‬ ‫ص ‪ْ #‬ب ُر َ‬
‫اص‪#‬بِ ْ‪#‬ر َو َم‪##‬ا َ‬ ‫لص ‪#‬ابِ ِرينَ َو ْ‬ ‫لِ َّ‬
‫َّ‬
‫يَ ْم ُك ‪ #‬رُونَ إِ َّن َ َم‪َ #‬ع ال ِذينَ اتَّقَ‪##‬وْ ا َوال ِذينَ هُ ْم ُمحْ ِس ‪#‬نُونَ ﴾ [النح‪###‬ل‪ ،]128-126 :‬وهن ثالث‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫آيات نزلن في أحد‪ ،‬بعد مقتل حمزة(‪ ..)3‬وروي عن ابن عباس استثناء قوله تع‪##‬الى‪:‬‬
‫﴿ َواَل تَ ْشتَرُوا بِ َع ْه ِد هَّللا ِ ثَ َمنًا قَلِياًل إِنَّ َما ِع ْن َد هَّللا ِ ه َُو خَ ْي ٌر لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ َما ِع ْن‪َ ##‬د ُك ْم‬
‫ص‪#‬بَرُوا‪ #‬أَجْ‪َ #‬رهُ ْم بِأَحْ َس‪ِ #‬ن َم‪##‬ا َك‪##‬انُوا يَ ْع َملُ‪##‬ونَ ﴾‬ ‫ق َولَنَجْ‪ِ #‬زيَ َّن الَّ ِذينَ َ‬ ‫يَ ْنفَ ُد َو َما ِع ْن َد هَّللا ِ بَا ٍ‬
‫[النحل‪ ،]96-95 :‬وأنهما‪ #‬نزلتا بالمدينة‪ ..‬وأنها نزلت بشأن امرئ القيس الكندي‪ ،‬كان قد‬
‫غصب أرضا من عبدان األشرع الحض‪##‬رموتي؛ فش‪##‬كاه إلى الن‪##‬بي ‪ ‬ف‪##‬أنكر‪ #‬ام‪##‬رؤ‬
‫القيس‪ ،‬فاستحلفه فاستعظم‪ #‬أن يحلف كاذبا‪ ،‬فنزلت اآلية(‪.)4‬‬
‫أن الم‪##‬راد هي الهج‪##‬رة‬ ‫قال األول(‪ : :)5‬أ ّما اآلية األولى؛ فال دالل‪##‬ة فيه‪##‬ا على ّ‬
‫الثانية إلى المدينة‪ ،‬بل الظاهر منها أنّها‪ :‬الهجرة األولى إلى الحبشة‪ ،‬كما روي ذل‪##‬ك‬
‫﴿واَل ت َْش‪#‬تَرُوا بِ َعهْ‪ِ #‬د هَّللا ِ ثَ َمنً‪#‬ا قَلِياًل ﴾ والقص‪#‬ة‬ ‫عن قت‪#‬ادة أيضا(‪ ..)6‬وأ ّم‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫ال‪##‬واردة بش‪##‬أنها؛ فق‪##‬د وقعت بالمدين‪##‬ة‪ ..‬لكن القص‪##‬ة لم تثبت‪ ،‬ولهج‪##‬ة اآلي‪##‬ة عا ّم‪##‬ة‪،‬‬
‫﴿وإِ ْن َع‪##‬اقَ ْبتُ ْم‬ ‫وسياقها يشهد بانس‪##‬جامها‪ #‬الوثي‪##‬ق م‪##‬ع آي‪##‬ات قبله‪##‬ا‪ ..‬وأ ّم‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫المفس‪#‬رون فيه‪##‬ا على ثالث‪##‬ة أق‪##‬وال‪ :‬األوّل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫فَ َعاقِبُوا بِ ِم ْث ِل َما عُوقِ ْبتُ ْم بِ ِه﴾‪ ،‬فق‪##‬د اختل‪##‬ف‬
‫أنّها نزلت يوم أحد‪ ،‬عند ما وقف النب ّي ‪ ‬على حمزة وقد مثّل به‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬أم‪##‬ا وهّللا‬
‫لن بسبعين‪ ،‬أو قال‪ :‬بثالثين منهم مكانك‪ ..‬وهكذا ل ّما سمع المسلمون ذلك‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫المثّ ّ‬
‫لن‬‫لن باألحياء منهم فضال عن األموات‪ ،‬وق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪ :‬لنمثّ ّ‬ ‫لئن أمكننا هّللا منهم لنمثّ ّ‬
‫بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب‪ ..‬فنزل جبريل باآلية‪ ،‬فكفّ‪##‬ر الن‪##‬ب ّي ‪ ‬عن يمين‪##‬ه‬
‫وأمسك عن ال‪#‬ذي أراد‪ ،‬وه‪#‬ذا مس‪#‬تبعد‪ #‬ج‪#‬دا من أخالق رس‪#‬ول‪ #‬هللا ‪ ،‬وال‪#‬تي ت‪#‬أبى‬
‫علي‪##‬ه أن يأخ‪##‬ذ ال‪##‬بريء ب‪##‬ذنب المج‪##‬رم‪ ..‬والث‪##‬اني‪ :‬أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت ي‪##‬وم الفتح‪ ،‬حين ه ّم‬
‫المسلمون أن يقعوا في المشركين‪ ،‬ويقتلوهم ش ّر قتلة‪ ،‬تشفّيا بما كانوا فعلوا بهم ي‪##‬وم‬
‫تفسير العياشي‪ 2/151 :‬ـ ‪ ،252‬ح ‪ 43‬و‪.44‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلتقان‪ .1/15 :‬وفي مجمع البيان‪.6/347 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدر المنثور‪.4/135 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪.6/347 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/185 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الدر المنثور‪.4/118 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪256‬‬
‫أحد؛ فقد أصيب من األنص‪##‬ار يوم‪##‬ذاك أربع‪##‬ة وس‪##‬تون‪ ،‬ومن المه‪##‬اجرين س‪##‬تة منهم‬
‫حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وقد‪ #‬مثّل بهم المش‪#‬ركون؛ فق‪#‬الت األنص‪#‬ار‪ :‬لئن أص‪##‬بنا منهم‬
‫‪#‬نربين عليهم‪ ،‬فل ّم‪##‬ا ك‪##‬ان ي‪##‬وم فتح مك‪##‬ة‪ ،‬وأمكن هّللا المس‪##‬لمين من‬ ‫ّ‬ ‫يوم‪##‬ا مث‪##‬ل ه‪##‬ذا ل‪#‬‬
‫المشركين‪ ،‬نزلت اآلية لألخذ من ح ّدة المسلمين‪ ،‬وأن ال يتج‪##‬اوزوا‪ #‬ح‪##‬دود م‪##‬ا أن‪##‬زل‬
‫هّللا ‪ ..‬والثالث‪ :‬أنّها عا ّمة في ك‪ّ #‬ل ظلم‪ ،‬يح‪##‬اول المظل‪##‬وم االنتق‪##‬ام من الظ‪##‬الم‪ ،‬بع‪##‬د م‪##‬ا‬
‫يم ّكنه هّللا منه‪ ..‬و هذه اآلية جاءت مزيجا بين إباحة االنتقام العادل والصفح الجميل‪،‬‬
‫األمر الذي يتناسب مع حالة المسلمين ي‪#‬وم ك‪##‬انوا بمك‪#‬ة‪ ..‬و ه‪#‬ذا ال‪#‬رأي األخ‪#‬ير ه‪##‬و‬
‫الصحيح‪ ،‬نظرا إلى سياق اآلية نفسها‪ ،‬ومناسبتها‪ #‬الوثيقة مع آيات قبلها وبعدها‪#.‬‬
‫سورة اإلسراء‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة اإلسراء مكية‪.‬‬
‫قال الثاني(‪ :)1‬لكن روي أن فيها سبع عشرة آية نزلن بالمدين‪##‬ة‪ ،‬وأوله ‪#‬ا‪ #‬قول‪##‬ه‬
‫يل َواَل تُبَ‪ِّ #‬ذرْ تَ ْب‪ِ #‬ذيرًا﴾ [اإلس‪##‬راء‪،]26 :‬‬ ‫الس‪#‬بِ ِ‬‫ت َذا ْالقُرْ بَى َحقَّهُ َو ْال ِم ْس‪ِ #‬كينَ َوا ْبنَ َّ‬ ‫﴿وآ ِ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫فقد قيل‪ :‬إنها نزلت بالمدينة بعد ما فتح هّللا خيبر على رسول هّللا ‪ ‬فأعطى فاطمة‬
‫فدكا(‪.)2‬‬
‫قال األول ‪ : 3‬لكن ظ‪#‬اهر اآلي‪#‬ة ي‪#‬دل على كونه‪#‬ا ش‪#‬ريعة عا ّم‪#‬ة‪ ،‬لك‪ّ #‬ل مس‪#‬لم‪،‬‬ ‫)‬ ‫(‬
‫وج‪##‬اءت مجمل‪##‬ة بوج‪##‬وب اإلنف‪##‬اق على ذوي‪ #‬الق‪##‬ربى والمس‪##‬اكين‪ ،‬كم‪##‬ا ه‪##‬و ط‪##‬ابع‬
‫التشريعات‪ #‬المكيّة‪ ،‬ثم فصّلت حدودها بعد الهجرة بالمدينة‪ ..‬و اآلية بعمومها ش‪##‬املة‬
‫للنب ّي ‪ ‬فه‪##‬و أيض‪##‬ا م‪##‬أمور بص‪##‬لة األرح‪##‬ام‪ #‬واإلنف‪##‬اق عليهم وعلى الفق‪##‬راء‪ ،‬كأح‪##‬د‬
‫المس‪##‬لمين‪ ..‬ل‪##‬ذلك‪ ،‬بع‪##‬د فتح خي‪##‬بر‪ ،‬وبع‪##‬د م‪##‬ا أف‪##‬اء هّللا على رس‪##‬وله والمؤم‪##‬نين دع‪##‬ا‬
‫أن اآلية نزلت حين‪##‬ذاك‪ ..‬وي‪##‬دل‬ ‫رسول هللا ‪ ‬فاطمة وأعطاها فدكا‪ ،‬وال دليل على ّ‬
‫لذلك أيضا أن اآلية التي نزلت بخيبر‪ ،‬بشأن صلة الق‪##‬ربى‪ ،‬ك‪##‬انت قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا‬
‫ول َولِ‪ِ ###‬ذي ْالقُ‪###‬رْ بَى َو ْاليَتَ‪###‬ا َمى‬ ‫َّس‪ِ ###‬‬‫أَفَ‪###‬ا َء هَّللا ُ َعلَى َر ُس‪###‬ولِ ِه ِم ْن أَ ْه‪ِ ###‬ل ْالقُ‪َ ###‬رى فَلِلَّ ِه َولِلر ُ‬
‫َّس‪#‬و ُ‪#‬ل‬ ‫الس‪#‬بِي ِل َك ْي اَل يَ ُك‪##‬ونَ دُولَ‪#‬ةً بَ ْينَ اأْل َ ْغنِيَ‪#‬ا ِء ِم ْن ُك ْم َو َم‪##‬ا آتَ‪#‬ا ُك ُم الر ُ‬ ‫ين َوا ْب ِن َّ‬ ‫َو ْال َم َسا ِك ِ‬
‫ب﴾ [الحش‪##‬ر‪ ..]7 :‬و أه‪##‬ل‬ ‫فَ ُخ ُذوهُ َو َما نَهَا ُك ْم َع ْنهُ فَ‪##‬ا ْنتَهُوا َواتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ َش‪ِ #‬دي ُد ْال ِعقَ‪##‬ا ِ‬
‫القرى‪ :‬هم بنو قريظة وبنو النضير‪ ..‬والقرى‪ ،‬هي فدك وخيبر‪ #‬وعرينة وينب‪##‬ع‪ ،‬وق‪##‬د‬
‫نزلت اآلية بشأنها حينذاك(‪.)4‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫﴿و تَق َربُ‪##‬وا الزنَ‪##‬ا إِنهُ ك‪##‬انَ‬ ‫اَل‬ ‫قال الث‪##‬اني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ظلُو ًم‪##‬ا فَقَ‪#‬دْ‬‫‪#‬ل َم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ق َو َمن قتِ‪َ #‬‬ ‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ إِاَّل بِ ْال َح ِّ‬
‫فَا ِح َشةً َو َسا َء َسبِياًل َواَل تَ ْقتُلُوا النَّ ْف َ‬
‫ف فِي ْالقَ ْت ِل إِنَّهُ َكانَ َم ْنصُورًا﴾ [اإلسراء‪ ]33-32 :‬لما فيهم‪##‬ا‬ ‫َج َع ْلنَا لِ َولِيِّ ِه س ُْلطَانًا فَاَل يُس ِ‬
‫ْر ْ‬

‫التمهيد‪.1/186 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الدر المنثور‪ .4/177 :‬ومجمع البيان‪.6/411 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/188 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪ 9/260 :‬ـ ‪ .161‬و الدر المنثور‪.6/189 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪257‬‬
‫من األحكام؟‬
‫نعم ك‪##‬ان تش‪##‬ريع أك‪##‬ثر األحك‪##‬ام بالمدين‪##‬ة‪ ،‬أ ّم‪##‬ا أس‪##‬س الش‪##‬ريعة‬ ‫األول(‪:)1‬‬ ‫ق‪##‬ال‬
‫وكليّات األحكام في صورها‪ #‬اإلجمالية فقد جاءت في س‪##‬ور مكيّ‪##‬ة كث‪##‬يرة‪ ..‬وق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫الزنى﴾ نزلت يوم لم تكن حدود‪ ،‬وقال الضحّاك في‬ ‫﴿وال تَ ْق َربُوا ِّ‬ ‫الس ّدي‪ :‬قوله تعالى‪َ :‬‬
‫آية القتل‪ :‬كان هذا بمكة‪ ،‬والنب ّي ‪ ‬بها‪ ،‬وهو أوّل شيء ن‪##‬زل من الق‪##‬رآن في ش‪##‬أن‬
‫القتل‪ ،‬كان المش‪##‬ركون يغت‪##‬الون أص‪##‬حاب الن‪##‬ب ّي ‪ ‬يوم‪##‬ذاك‪ ،‬فه ّم أص‪##‬حابه ‪ ‬أن‬
‫يفعلوا بهم مثل ذلك‪ ،‬فقال ج ّل ثناؤه‪ :‬من قتلكم‪ #‬فال يحملنّكم عمله على أن تقتل‪##‬وا أب‪##‬اه‬
‫أو أخاه أو أح‪##‬دا من المش‪##‬ركين‪ ،‬كم‪##‬ا ك‪##‬انت الع‪##‬ادة الجاهليّ‪##‬ة جاري‪##‬ة على قت‪##‬ل األخ‬
‫يقتلن أحدكم إاّل القاتل نفسه(‪.)2‬‬ ‫ّ‬ ‫بأخيه أو آخرين من أفراد قبيلته‪ ،‬فال‬
‫َّ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن َك‪##‬ادُوا لَيَ ْفتِنُونَ‪##‬كَ َع ِن ال ِذي‬
‫ي َعلَ ْينَا َغ ْي َرهُ َوإِ ًذا اَل تَّخَ ُذوكَ خَ لِياًل َولَوْ اَل أَ ْن ثَبَّ ْتنَاكَ لَقَ ْد ِكدْتَ تَرْ كَنُ‬ ‫أَوْ َح ْينَا إِلَ ْي َ‬
‫ك لِتَ ْفت َِر َ‬
‫ت ثُ َّم اَل تَ ِج‪ُ #‬د لَ‪##‬كَ َعلَ ْينَ‪##‬ا‬ ‫ض ‪ْ #‬عفَ ْال َم َم‪##‬ا ِ‬‫ض ‪ْ #‬عفَ ْال َحيَ‪##‬ا ِة َو ِ‬
‫ك ِ‬ ‫إِلَ ْي ِه ْم َش ‪ْ #‬يئًا قَلِياًل إِ ًذا أَل َ َذ ْقنَ‪##‬ا َ‬
‫َصيرًا﴾ [اإلسراء‪]75-73 :‬؟‬ ‫ن ِ‬
‫أن اآلي‪##‬ات مكيّ‪##‬ات‪ ،‬ن‪##‬زلن بش‪##‬أن مش‪##‬ركي ق‪##‬ريش حين‬ ‫قال األول(‪ :)3‬ال ش‪##‬ك ّ‬
‫عرضوا على النبي ‪ ‬مس‪##‬المته م‪##‬ع آلهتهم‪ ،‬فنه‪##‬رهم‪ #‬نه‪##‬را ش‪##‬ديدا‪ ،‬ون‪##‬زلت اآلي‪##‬ات‬
‫تثبيتا لموقف‪ #‬النب ّي ‪ ،‬وتيئيسا للمشركين نهائيا‪ ،‬لئال يطمعوا في رسول هّللا ‪.‬‬
‫َك ِمنَ‬ ‫﴿وإِ ْن َك‪##‬ادُوا لَيَ ْس‪#‬تَفِ ُّزون َ‪#‬‬
‫قال الث‪##‬اني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ك ِم ْنهَا َوإِ ًذا اَل يَ ْلبَثُونَ ِخاَل فَكَ إِاَّل قَلِياًل ُسنَّةَ َم ْن قَ ْد أَرْ َس‪ْ #‬لنَا قَ ْبلَ‪##‬كَ ِم ْن‬ ‫ض لِي ُْخ ِرجُو َ‬ ‫اأْل َرْ ِ‬
‫ُر ُسلِنَا َواَل تَ ِج ُد لِ ُسنَّتِنَا تَحْ ِوياًل ﴾ [اإلسراء‪ ،]77-76 :‬فقد قي‪#‬ل في وج‪#‬ه االس‪#‬تثناء م‪#‬ا روي‪#‬‬
‫أن اليهود أتوا النب ّي ‪ ‬وقالوا له‪ :‬إن كنت نبيّ‪##‬ا ف‪##‬أت الش‪##‬ام‬ ‫في سبب نزولهما‪ ،‬وهو ّ‬
‫أرض األنبياء‪ ،‬فص ّدقهم‪ #‬على ذلك‪ ..‬وغزا غزوة تبوك‪ ،‬ال يري‪##‬د إاّل اللح‪##‬اق بالش‪##‬ام‪،‬‬
‫فل ّما بلغ تبوك أنزل هّللا عليه هاتين اآليتين‪ ،‬فأمره بالرجوع‪ #‬إلى المدينة‪ ،‬ففيها محياه‬
‫ومماته ومبعثه يوم القيامة(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫قال األول(‪ :)5‬ه‪##‬ذا مع‪##‬ارض بم‪##‬ا ورد أنهم‪##‬ا نزلت‪##‬ا بش‪##‬أن مش‪##‬ركي‪ #‬مك‪##‬ة حين‬
‫ه ّموا بإخراج الرسول من مكة بنفس األسلوب‪ ،‬وق‪##‬الوا ل‪##‬ه‪ :‬ك‪##‬انت األنبي‪##‬اء يس‪##‬كنون‬
‫ألن االس‪##‬تفزاز ه‪##‬و‬ ‫الش‪##‬ام فم‪##‬ا ل‪##‬ك وس‪##‬كنى‪ #‬ه‪##‬ذه البل‪##‬دة‪ ..‬أو ه ّم‪##‬وا بإخراج‪##‬ه عنف‪##‬ا‪ّ ،‬‬
‫أن المشركين ل ّما فعلوا ذلك‬ ‫اإلزعاج بعنف‪ ،‬وظاهر‪ #‬اآلية ير ّجح المعنى الثاني‪ ،‬كما ّ‬
‫بعدئ‪##‬ذ طبّقت عليهم س ‪#‬نّة هّللا في الخل‪##‬ق‪ ،‬حيث ب‪##‬دأت بقتلى ب‪##‬در‪ ،‬وانتهت بفتح مك‪##‬ة‬
‫وإخراج المشركين منها نهائيا(‪.)6‬‬
‫التمهيد‪.1/189 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الدر المنثور‪.4/181 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجمع البيان‪ .6/431 :‬والدر المنثور‪.4/194 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪ .6/432 :‬والدر المنثور‪.4/195 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/191 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مجمع البيان‪ .6/432 :‬والدر المنثور‪.4/195 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪258‬‬
‫س إِلَى‬ ‫الش ‪ْ #‬م ِ‬ ‫وك َّ‬ ‫صاَل ةَ لِ ‪ُ #‬دلُ ِ‬ ‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪﴿ :‬أَقِ ِم ال َّ‬
‫ك‬‫ق اللَّي ِْل َوقُرْ آنَ ْالفَجْ ِر إِ َّن قُرْ آنَ ْالفَجْ ِر َكانَ َم ْشهُو ًدا‪َ #‬و ِمنَ اللَّي ِْل فَتَهَ َّج ْد بِ ِه نَافِلَةً لَ‪َ ##‬‬ ‫َغ َس ِ‬
‫ق َوأ ْخ ِرجْ نِي‪ُ #‬م ْخ َر َج‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك َمقَا ًما َمحْ ُمودًا َوقلْ َربِّ أ ْد ِخلنِي ُم ْد َخ َل ِ‬
‫ص ْد ٍ‬ ‫َ‬
‫َع َسى أ ْن يَ ْب َعثَكَ َربُّ َ‬
‫َصيرًا﴾ [اإلس‪##‬راء‪ ،]80-78 :‬فق‪##‬د قي‪##‬ل‪ :‬إنّه‪##‬ا من تت ّم‪##‬ة‬ ‫ْ‬
‫ك سُلطَانًا ن ِ‬ ‫ق َواجْ َعلْ لِي ِم ْن لَ ُد ْن َ‬ ‫ص ْد ٍ‬‫ِ‬
‫اآليتين السابقتين نزوال بالمدينة(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬بعد أن لم يثبت األصل لن يثبت الف‪##‬رع‪ ..‬وق‪#‬د‪ #‬ورد في الح‪##‬ديث‬
‫أن اآلي‪##‬ات في‬ ‫عن ابن عباس أنها نزلت بمكة قبي‪##‬ل هجرت‪##‬ه ‪ ..)3( ‬باإلض‪##‬افة إلى ّ‬
‫سياقها‪ #‬المتّصل‪ ،‬سبقا ولحوقا‪ ،‬بنفس‪##‬ها تش‪##‬هد بنزوله‪##‬ا بمك‪##‬ة‪ ،‬وال تنس‪##‬جم م‪##‬ع الق‪##‬ول‬
‫بنزولها‪ #‬في المدينة‪.‬‬
‫َ‬
‫وح قُ‪ِ #‬ل‬ ‫﴿ويَ ْس‪#‬ألُونَكَ ع َِن ال‪##‬رُّ ِ‬ ‫قال الثاني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫أن ه‪##‬ذا‬ ‫‪#‬ر َربِّي َو َم‪##‬ا أُوتِيتُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم إِاَّل قَلِياًل ﴾ [اإلس‪##‬راء‪ ..]85 :‬فق‪##‬د روي ّ‬ ‫ال‪##‬رُّ و ُح ِم ْن أَ ْم‪ِ #‬‬
‫السؤال كان من يهود المدينة‪ ،‬بعد الهجرة(‪.)4‬‬
‫أن هذا السؤال وقع من مشركي‪ #‬قريش‪،‬‬ ‫قال األول(‪ :)5‬وهو معارض بما ورد ّ‬
‫أن اليهود أوعزوا إلى المش‪##‬ركين‬ ‫سألوه عن الروح الذي جاء ذكره في القرآن‪ ..‬أو ّ‬
‫توجيه هذا السؤال إلى رسول هللا ‪ ،‬وقالوا‪ #:‬إن أج‪##‬ابكم فليس بن‪##‬ب ّي‪ ،‬وإن لم يجبكم‬
‫أن ذيل اآلية يش‪##‬هد بأنّه‪##‬ا خط‪##‬اب م‪##‬ع المش‪##‬ركين‪ ..‬وعن‬ ‫فهو نب ّي(‪ ..)6‬باإلضافة إلى ّ‬
‫ُ‬
‫أن قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا أوتِيتُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم إِاَّل قَلِياًل ﴾ [اإلس‪##‬راء‪ ]85 :‬ن‪##‬زل‬ ‫عط‪##‬اء بن يس‪##‬ار‪ّ :‬‬
‫بمكة(‪.)7‬‬
‫ت اإْل ِ ْنسُ َو ْال ِج ُّن‬ ‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ لَئِ ِن اجْ تَ َم َع ِ‬
‫ْض ظَ ِه‪##‬يرًا﴾‬ ‫ْض‪#‬هُ ْم لِبَع ٍ‬ ‫َعلَى أَ ْن يَ‪##‬أْتُوا بِ ِم ْث‪ِ #‬ل هَ‪َ #‬ذا ْالقُ‪##‬رْ آ ِن اَل يَ‪##‬أْتُونَ بِ ِم ْثلِ‪ِ #‬ه َولَ‪##‬وْ َك‪##‬انَ بَع ُ‬
‫أن اآلية نزلت على رسول‪ #‬هّللا ‪ ‬بالمدينة‪ ،‬بس‪##‬بب‬ ‫[اإلسراء‪ ،]88 :‬فقد أخرج الطبري‪ّ #:‬‬
‫أن التوراة أفضل منه(‪.)8‬‬ ‫قوم‪ #‬من اليهود جادلوه في القرآن‪ ،‬وزعموا ّ‬
‫قال األول‪ :‬وهي نفس المعاني التي كان يطلبه‪##‬ا مش‪##‬ركو‪ #‬ق‪##‬ريش‪ ،‬حين س‪##‬ألوه‬
‫﴿وقَ‪##‬الُوا‪ #‬لَ ْن نُ‪#ْ #‬ؤ ِمنَ لَ‪##‬كَ‬ ‫عن اآليات والخوارق‪ #..‬وهي تتناسب مع قول‪##‬ه تع‪##‬الى بع‪##‬دها َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أْل‬
‫ب فتفجِّ َر ا نهَ‪#‬ا َر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‪#‬ل َو ِعن ٍ‬ ‫ض يَ ْنبُوعًا أَوْ تَ ُكونَ لَ‪#‬كَ َجنَّةٌ ِم ْن ن َِخ ٍ‬ ‫َحتَّى تَ ْفج َُر لَنَا ِمنَ اأْل َرْ ِ‬
‫ِخاَل لَهَا تَ ْف ِجيرًا أَوْ تُ ْسقِطَ ال َّس َما َء َك َما زَ َع ْمتَ َعلَ ْينَا ِك َس‪#‬فًا أَوْ تَ‪##‬أْتِ َي بِاهَّلل ِ َو ْال َماَل ئِ َك‪ِ #‬ة قَبِياًل‬
‫ِّك َحتَّى تُن َِّز َل َعلَ ْينَا‬ ‫ُف أَوْ تَرْ قَى فِي ال َّس َما ِء َولَ ْن نُ ْؤ ِمنَ لِ ُرقِي َ‪#‬‬ ‫ْت ِم ْن ُز ْخر ٍ‬ ‫أَوْ يَ ُكونَ لَكَ بَي ٌ‬

‫اإلتقان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/192 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدر المنثور‪ .4/198 :‬وتفسير الطبري‪.15/100 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدر المنثور‪ .4/199 :‬وتفسير الطبري‪.15/105 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/193 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مجمع البيان‪ 6/437 :‬والدر المنثور‪.4/199 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫تفسير الطبري‪.15/106 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫اإلتقان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪259‬‬
‫﴾ [اإلسراء‪]93-90 :‬‬ ‫ت إِاَّل بَ َشرًا َر ُسواًل‬ ‫ِكتَابًا نَ ْق َر ُؤهُ قُلْ ُس ْب َحانَ َربِّي هَلْ ُك ْن ُ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ آ ِمنُ‪##‬وا بِ‪ِ #‬ه أَوْ اَل تُ ْؤ ِمنُ‪##‬وا إِ َّن‬
‫ان ُس َّجدًا َويَقُولُونَ ُسب َْحانَ َربِّنَا‬ ‫الَّ ِذينَ أُوتُوا ْال ِع ْل َم ِم ْن قَ ْبلِ ِه إِ َذا يُ ْتلَى َعلَ ْي ِه ْم يَ ِخرُّ ونَ لِأْل َ ْذقَ ِ‬
‫ش‪#‬وعًا ﴾ [اإلس‪##‬راء‪-107 :‬‬ ‫ان يَ ْب ُكونَ َويَ ِزي‪ُ #‬دهُ ْم ُخ ُ‬ ‫إِ ْن َكانَ َو ْع ُد َربِّنَا لَ َم ْف ُعواًل َويَ ِخرُّ ونَ لِأْل َ ْذقَ ِ‬
‫‪]109‬؟‬
‫قال األول ‪ : 1‬اآلية بسياقها‪ #‬تشهد بأنّها مكيّة‪ ،‬نزلت توبيخا لصمود المشركين‬ ‫)‬ ‫(‬
‫ب‪#‬أن ه‪#‬ذا العن‪#‬اد ه‪#‬و أث‪#‬ر الجه‪#‬ل‬ ‫تجاه نزول القرآن وإباءهم عن اإليمان به‪ ،‬وتلميحا ّ‬
‫األعمى والتوحّش الفادح الذي تم ّكن من نفوسهم‪ #‬القاسيّة‪ ،‬أ ّم‪##‬ا أه‪##‬ل المدني‪##‬ة والثقاف‪##‬ة‬
‫فإنّهم‪ #‬إذا لمسوا من حقيقة القرآن الواضحة يؤمنون به فورا‪ #‬بال ارتياب‪.‬‬
‫سورة الكهف‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الكهف مكية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن روي أن فيها اثنتين وثالثين آية‪ ،‬نزلن بالمدين‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬ذا يع‪##‬ني‬
‫أن ثلث السورة‪ ،‬وال سيّما ثماني آيات من أوّلها مدنيّة‪ ..‬ق‪##‬ال الس‪##‬يوطي‪ :‬اس‪##‬تثنى من‬ ‫ّ‬
‫زا﴾ [الكهف‪)2( ]8 :‬‬ ‫ص ِعيدًا ُج ُر ً‬ ‫﴿وإِنَّا لَ َجا ِعلُونَ َما َعلَ ْيهَا َ‬ ‫أوّلها إلى قوله‪َ :‬‬
‫قال األول(‪: 3‬ال دليل لهذا االس‪##‬تثناء إطالق‪##‬ا‪ ،‬مض‪##‬افا‪ #‬إلى اس‪##‬تلزامه أن تك‪##‬ون‬ ‫)‬
‫ألن االعتب‪##‬ار في المكيّ‪##‬ة والمدنيّ‪##‬ة إنم‪##‬ا ه‪##‬و بمفتتح الس‪##‬ورة‪،‬‬ ‫السورة مدنيّة ال مكيّة! ّ‬
‫أن سورة الكه‪##‬ف مكيّ‪##‬ة ال اختالف‬ ‫وشيء من آيات من أوّلها‪ ،‬واإلجماع‪ #‬منعقد على ّ‬
‫﴿ويُ ْن‪ِ #‬ذ َر الَّ ِذينَ قَ‪##‬الُوا اتَّخَ‪َ #‬ذ هَّللا ُ َولَ‪#‬دًا﴾‬‫فيها(‪ ..)4‬ولع ّل المستثني نظ‪##‬ر إلى قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫[الكهف‪ ،]4 :‬لكن ذلك ال يستدعي نزولها بالمدينة لمناسبة وجود‪ #‬اليه‪##‬ود فيه‪##‬ا‪ ،‬ب‪##‬ل هي‬
‫قص‪#‬ة يهوديّ‪##‬ة ال‬ ‫أن نزول آي‪##‬ة بش‪##‬أن ّ‬ ‫عا ّمة تشمل النصارى‪ #‬والمشركين أيضا‪ ،‬على ّ‬
‫تستوجب مقارنة نزولها يوم كانوا ينابذون اإلسالم‪ ،‬واآلي‪##‬ات به‪##‬ذا النم‪##‬ط كث‪##‬يرة في‬
‫سور‪ #‬مكيّة‪ ،‬وذلك لوجود‪ #‬الصلة القريبة بين اليهود‪ #‬والمش‪##‬ركين قب‪##‬ل مه‪##‬اجرة الن‪##‬ب ّي‬
‫‪ ‬إلى المدينة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ك َم َع ال ِذينَ يَدعونَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫﴿واصْ بِ ْ‪#‬ر نف َس َ‬ ‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َربَّهُ ْم بِ ْال َغدَا ِة َو ْال َع ِش ِّي ي ُِري ُدونَ َوجْ هَهُ َواَل تَعْ‪ُ #‬د َع ْينَ‪#‬اكَ َع ْنهُ ْم تُ ِري‪ُ #‬د ِزينَ‪#‬ةَ ْال َحيَ‪#‬ا ِة ال‪ُّ #‬دنيَاْ‬
‫‪#‬واهُ َو َك‪##‬انَ أَ ْم‪ُ #‬رهُ فُ ُرطً‪##‬ا﴾ [الكه‪##‬ف‪ ،]28 :‬فق‪##‬د‬ ‫َواَل تُ ِط ْع َم ْن أَ ْغفَ ْلنَا قَ ْلبَهُ ع َْن ِذ ْك ِرنَا َواتَّبَ‪َ #‬ع هَ‪َ #‬‬
‫روي‪ #‬أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في عيين‪##‬ة بن حص‪##‬ن‪ ،‬ع‪##‬رض على رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬وه‪##‬و آن‪##‬ذاك‬
‫بالمدينة‪ ،‬أن يبعد مجلس فقراء المؤمنين(‪.)5‬‬
‫قال األول‪ :‬ال‪ ..‬بل الصحيح أنها نزلت في أميّة بن خل‪##‬ف‪ ،‬حين ع‪##‬رض على‬
‫التمهيد‪.1/194 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الدر المنثور‪.4/208 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/195 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدر المنثور‪.4/208 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدر المنثور‪.4/220 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪260‬‬
‫رسول هللا ‪ ‬ذلك وهو بمكة‪ ،‬فدعا الن‪##‬بي ‪ ‬إلى ط‪##‬رد الفق‪##‬راء وتق‪##‬ريب ص‪##‬ناديد‪#‬‬
‫قريش(‪ ..)1‬وأسلوب اآلية وسياقها يدل على بذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َك ع َْن ِذي القَرْ نَي ِْن ق‪##‬لْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ويَسْألون َ‪#‬‬
‫َت‬ ‫َسأ َ ْتلُو َعلَ ْي ُك ْم ِم ْنهُ ِذ ْكرًا﴾ [الكه‪##‬ف‪ ]83 :‬إلى آخر قصته‪ ،‬وهو قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ال ِذينَ َك‪##‬ان ْ‬
‫َّ‬
‫أن‬ ‫أَ ْعيُنُهُ ْم فِي ِغطَا ٍء ع َْن ِذ ْك ِري َو َكانُوا اَل يَ ْست َِطيعُونَ َس ْمعًا﴾ [الكه‪##‬ف‪ ،]101 :‬فق‪##‬د روي ّ‬
‫الذين وجّهوا‪ #‬هذا السؤال إلى النب ّي ‪ ‬كانوا هم اليهود أنفسهم‪ ،‬ومن ثم كان ن‪##‬زول‬
‫اآليات ـ بصدد اإلجابة ـ في المدينة(‪.)2‬‬
‫أن المشركين هم الذين سألوا هذا الس‪##‬ؤال‪ ،‬لكن بتعليم‬ ‫قال األول(‪ :)3‬الصحيح ّ‬
‫من اليهود‪ ،‬حيث كان المشركون قد بعثوا من يسأل اليهود عن أوص‪##‬اف‪ #‬رس‪##‬ول هّللا‬
‫‪ ،‬فأجابوهم‪ #‬بأسئلة يوجّهونها إلى رسول هّللا ‪ ‬فإن أج‪##‬اب فه‪##‬و ن‪##‬ب ّي حق‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د‬
‫أن قريشا‪ #‬بعثت النضر بن الح‪##‬رث وعقب‪##‬ة بن أبي معي‪##‬ط إلى أحب‪##‬ار‬ ‫روى‪ #‬الطبري‪ّ :‬‬
‫اليهود بالمدينة‪ ،‬فقالوا لهم‪ :‬سلوهم عن محمد‪ ،‬وصفوا لهم صفته‪ ،‬وأخبروهم بقول‪##‬ه‪،‬‬
‫فإنّهم‪ #‬أهل الكتاب األوّل ـ الت‪##‬وراة ـ وعن‪##‬دهم علم م‪##‬ا ليس عن‪##‬دنا‪ ،‬من علم األنبي‪##‬اء؛‬
‫فخرجا‪ #‬حتى ق‪#‬دما المدين‪#‬ة‪ ،‬فس‪#‬ألوا‪ #‬أحب‪#‬ار اليه‪#‬ود عن رس‪#‬ول هّللا ‪ ‬ووص‪#‬فوا لهم‬
‫أمره وبعض قوله‪ ،‬وقاال‪ :‬إنّكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرون ‪#‬ا‪ #‬عن ص‪##‬احبنا ه‪##‬ذا‪.‬‬
‫فقالت لهم أحبار اليه‪##‬ود‪ :‬س‪##‬لوه عن ثالث ن‪##‬أمركم بهن‪ ،‬ف‪##‬إن أخ‪##‬بركم بهن فه‪##‬و ن‪##‬ب ّي‬
‫مرسل‪ ،‬وإن لم يفعل فالرجل متقوّل سلوه عن فتية ذهبوا في ال‪##‬دهر األوّل‪ ،‬م‪##‬ا ك‪##‬ان‬
‫من أم‪##‬رهم‪ ،‬فإنّ‪##‬ه ق‪##‬د ك‪##‬ان لهم ح‪##‬ديث عجيب س‪##‬لوه عن رج‪##‬ل ط‪#‬وّاف‪ #‬بل‪##‬غ مش‪##‬ارق‬
‫األرض ومغاربها‪ ،‬ما كان نبؤه؟‪ ..‬وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم‪ #‬بذلك فإنّ‪##‬ه‬
‫نب ّي فاتّبعوه‪ ..‬إلى آخر الحديث(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َو َع ِملُ‪##‬وا‬
‫‪#‬واًل قُ‪##‬لْ لَ‪##‬وْ‬ ‫س نُزُاًل خَالِ ِدينَ فِيهَا اَل يَ ْب ُغونَ َع ْنهَا ِح‪َ #‬‬ ‫ات ْالفِرْ دَوْ ِ‬ ‫َت لَهُ ْم َجنَّ ُ‬ ‫ت َكان ْ‬ ‫الصَّالِ َحا ِ‬
‫‪#‬ات َربِّي َولَ‪#‬وْ ِج ْئنَ‪##‬ا بِ ِم ْثلِ‪ِ #‬ه‬‫‪#‬ل أَ ْن تَ ْنفَ‪َ #‬د َكلِ َم ُ‬ ‫ت َربِّي لَنَفِ َد ْالبَحْ‪ُ #‬ر قَ ْب‪َ #‬‬‫َكانَ ْالبَحْ ُر ِمدَادًا لِ َكلِ َما ِ‬
‫اح ٌد فَ َم ْن َكانَ يَرْ ُج‪##‬و لِقَ‪##‬ا َء َربِّ ِه‬ ‫ي أَنَّ َما إِلَهُ ُك ْم إِلَهٌ َو ِ‬ ‫َم َددًا قُلْ إِنَّ َما أَنَا بَ َش ٌر ِم ْثلُ ُك ْم ي َ‬
‫ُوحى إِلَ َّ‬
‫صالِحًا َواَل يُ ْش ِر ْك بِ ِعبَا َد ِة َربِّ ِه أَ َحدًا﴾ [الكهف‪ ،]110-107 :‬فعن مجاهد ق‪##‬ال‪:‬‬ ‫فَ ْليَ ْع َملْ َع َماًل َ‬
‫كان من المسلمين من يقاتل وهو يحبّ أن يرى مكانه‪ ،‬فأنزل هّللا ‪ ﴿ :‬فَ َم ْن َكانَ يَرْ جُ‪##‬و‬
‫حدًا﴾ [الكهف‪)5(]110 :‬‬ ‫صالِحًا َواَل يُ ْش ِر ْ‪#‬ك بِ ِعبَا َد ِة َربِّ ِه أَ َ‬ ‫لِقَا َء َربِّ ِه فَ ْليَ ْع َملْ َع َماًل َ‬
‫قال األول(‪ :)6‬لكن لحن اآلية وفحواه‪##‬ا ال ي‪##‬دل على ذل‪##‬ك‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬روي عن ابن‬
‫عباس أنه لم‪#‬ا ن‪#‬زل قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ ﴿ :‬و َم‪#‬ا أُوتِيتُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم إِاَّل قَلِياًل ﴾ [اإلس‪##‬راء‪ )]85 :‬ق‪##‬الت‬
‫أسباب النزول بهامش الجاللين‪ .1/230 :‬والدر المنثور‪.4/220 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الدر المنثور‪.4/340 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/196 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الطبري‪ 215/127 :‬و‪ .16/7 :‬والدر المنثور‪.4/210 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدر المنثور‪.4/255 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/197 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪261‬‬
‫ت‬ ‫اليهود‪ ،‬أوتينا التوراة وفيها علم كثير‪ ..‬فأنزل هّللا ﴿قُلْ لَ‪##‬وْ َك‪##‬انَ ْالبَحْ‪ُ #‬ر ِم‪ #‬دَادًا لِ َكلِ َم‪##‬ا ِ‬
‫ات َربِّي َولَوْ ِج ْئنَ‪##‬ا بِ ِم ْثلِ‪ِ #‬ه َم‪َ #‬ددًا﴾ [الكه‪##‬ف‪ ،]109 :‬ول‪##‬ذلك‬ ‫َربِّي لَنَفِ َد ْالبَحْ ُر قَب َْل أَ ْن تَ ْنفَ َد َكلِ َم ُ‬
‫قال الحسن‪ :‬أراد بالكلمات العلم(‪ ..)1‬لكن هذا ال يد ّل على كونها نزلت بالمدينة‪.‬‬
‫سورة مريم‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة مريم مكية‪.‬‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن روي أن فيها آيتان مكيت‪##‬ان(‪ ..)2‬أولهم‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أولَئِ‪َ #‬‬
‫‪####‬وح َو ِم ْن ُذ ِّريَّ ِة‬ ‫ٍ‬ ‫الَّ ِذينَ أَ ْن َع َم هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم ِمنَ النَّبِيِّينَ ِم ْن ُذرِّ يَّ ِة آ َد َم َو ِم َّم ْن َح َم ْلنَ‪####‬ا َم‪َ ####‬ع نُ‬
‫‪#‬ات ال‪#‬رَّحْ َم ِن خَ‪##‬رُّ وا ُس‪َّ #‬جدًا‬ ‫يل َو ِم َّم ْن هَ َد ْينَا َواجْ تَبَ ْينَا‪ #‬إِ َذا تُ ْتلَى َعلَ ْي ِه ْم آيَ‪ُ #‬‬ ‫إِ ْب َرا ِهي َم َوإِ ْس َرائِ َ‪#‬‬
‫كيًّا ﴾ [مريم‪]58 :‬‬ ‫َوبُ ِ‬
‫قال األول ‪ : 3‬وذلك غير صحيح‪ ..‬فقد نزلت تعقيبا على اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي س‪##‬بقتها‬ ‫)‬ ‫(‬
‫من أ ّول السورة‪ ،‬حيث ذكرت أحوال األنبياء عليهم السالم وأممهم بتفصيل‪ ،‬ثم جاء‬
‫مدحهم جميعا بصورة إجماليّة في هذه اآلية‪ ،‬وكأنّها تلخيص لم‪##‬ا س‪##‬بق‪ ..‬ول‪##‬ذلك إم‪##‬ا‬
‫أن نقول بأن جميعها من أوّل السورة إلى هذه اآلية مدنيّ‪##‬ة أو كلّه‪##‬ا مكيّ‪##‬ة‪ ،‬وال مح‪##‬ل‬
‫لهذا االستثناء الغريب‪ ،‬والذي لم يبيّن المستثنى‪ #‬سنده في ذلك‪.‬‬
‫ار ُدهَا َكانَ َعلَى‬ ‫﴿وإِ ْن ِم ْن ُك ْم إِاَّل َو ِ‬‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ضيًّا﴾ [مريم‪]71 :‬؟‬ ‫ك َح ْت ًما َم ْق ِ‬ ‫َربِّ َ‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)4‬هي كس‪##‬ابقتها مرتبط‪##‬ة تم‪##‬ام االرتب‪##‬اط‪ #‬بآي‪##‬ات اكتنفته‪##‬ا س‪##‬بقا‬
‫ولحوقا‪ ،‬بما ال يدع مجاال الستثنائها وح‪##‬دها‪ ،‬فق‪##‬د وردت في ه‪##‬ذا الس‪##‬ياق‪﴿ :‬ثُ َّم لَنَحْ نُ‬
‫ض‪#‬يًّا ثُ َّم‬ ‫ك َح ْت ًم‪##‬ا َم ْق ِ‬ ‫ار ُدهَا َكانَ َعلَى َربِّ َ‬ ‫أَ ْعلَ ُم بِالَّ ِذينَ هُ ْم أَوْ لَى بِهَا ِ‬
‫صلِيًّا َوإِ ْن ِم ْن ُك ْم إِاَّل َو ِ‬
‫جثِيًّا﴾ [مريم‪]72-70 :‬‬ ‫نُنَجِّي الَّ ِذينَ اتَّقَوْ ا َونَ َذ ُر الظَّالِ ِمينَ فِيهَا ِ‬
‫سورة طه‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة طه مكية‪.‬‬
‫اص‪#‬بِرْ َعلى َم‪##‬ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال الثاني ‪ : 5‬لكن استثني منها آيتان‪ ،‬أوالهما قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬ف ْ‬ ‫)‬ ‫(‬
‫َ‬
‫‪#‬ل ف َس‪#‬بِّحْ‬ ‫َّ‬
‫‪#‬ل ُغرُوبِهَ‪##‬ا َو ِم ْن آنَ‪##‬ا ِء الل ْي‪ِ #‬‬ ‫س َوقَ ْب‪َ #‬‬‫الش‪ْ #‬م ِ‬‫وع‪َّ #‬‬ ‫يَقُولُونَ َو َسبِّحْ بِ َح ْم ِد َربِّكَ قَب َْل طُلُ ِ‬
‫ضى‪[ ﴾#‬طه‪]130 :‬‬ ‫ار لَ َعلَّكَ تَرْ َ‬ ‫ط َرافَ النَّهَ ِ‬ ‫َوأَ ْ‬
‫قال األول‪ :‬لكن السياق الذي وردت فيه ال يسمح ب‪##‬ذلك‪ ..‬فق‪##‬د وردت في ه‪##‬ذا‬
‫اص‪#‬بِ ْ‪#‬ر َعلَى َم‪##‬ا‬ ‫ت ِم ْن َربِّكَ لَ َك‪##‬انَ لِزَ ا ًم‪##‬ا َوأَ َج‪ٌ #‬ل ُم َس‪ّ #‬مًى فَ ْ‬ ‫الس‪##‬ياق‪َ ﴿ :‬ولَ‪##‬وْ اَل َكلِ َم‪ #‬ةٌ َس‪#‬بَقَ ْ‬
‫‪#‬ل فَ َس‪#‬بِّحْ‬ ‫‪#‬ل ُغرُوبِهَ‪##‬ا َو ِم ْن آنَ‪##‬ا ِء اللَّ ْي‪ِ #‬‬ ‫س َوقَ ْب‪َ #‬‬‫الش‪ْ #‬م ِ‬ ‫وع‪َّ #‬‬ ‫يَقُولُونَ َو َسبِّحْ بِ َح ْم ِد َربِّكَ قَب َْل طُلُ ِ‬
‫مجمع البيان‪.6/499 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلتقان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/197 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.1/197 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/198 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪262‬‬
‫‪#‬رةَ‬ ‫ضى‪َ #‬واَل تَ ُم َّد َّن َع ْينَ ْيكَ إِلَى َما َمتَّ ْعنَا بِ ‪ِ #‬ه أَ ْز َوا ًج‪##‬ا ِم ْنهُ ْم َز ْه‪َ #‬‬ ‫ار لَ َعلَّكَ تَرْ َ‬
‫ط َرافَ النَّهَ ِ‬ ‫َوأَ ْ‬
‫ر َوأَ ْبقَى﴾ [طه‪]131-129 :‬‬ ‫ق َربِّكَ َخ ْي ٌ‬ ‫ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا لِنَ ْفتِنَهُ ْم فِي ِه َو ِر ْز ُ‪#‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ ﴿ :‬واَل تَ ُم َّد َّن َع ْينَ ْي‪##‬كَ إِلَى َم‪##‬ا َمتَّ ْعنَ‪##‬ا‬
‫ق َربِّكَ خَ ْي ‪ٌ #‬ر َوأَ ْبقَى﴾ [ط‪##‬ه‪،]131 :‬‬ ‫بِ ِه أَ ْز َواجًا ِم ْنهُ ْم َز ْه َرةَ ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا لِنَ ْفتِنَهُ ْم فِي ‪ِ #‬ه َو ِر ْز ُ‬
‫فقد روي عن أبي رافع‪ ،‬أن رسول هللا ‪ ‬بعثه ليق‪##‬ترض من يه‪##‬ودي‪ #‬طعام‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬أبى‪#‬‬
‫إاّل برهن‪ ،‬فحزن رسول هّللا ‪ ‬على ذلك‪ ،‬فنزلت اآلية(‪.)1‬‬
‫قال األول‪ :‬الرواية ـ على فرض صحّتها ـ ال تصلح داعية ل‪##‬نزول ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‬
‫بشأنها‪ ،‬فالكثير‪ #‬من اآليات المكية والمدنية تحوي هذا المعنى‪.‬‬
‫سورة الشعراء‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الشعراء مكية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن ورد استثناء خمس آيات منها‪ ..‬أولها قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَ َولَ ْم يَ ُك ْن‬
‫يل﴾ [الش‪##‬عراء‪ ..]197 :‬فق‪##‬د حكى ابن غ‪##‬رس‪ :‬أنّه‪##‬ا‬ ‫لَهُ ْم آيَ‪#‬ةً أَ ْن يَ ْعلَ َم‪ #‬هُ ُعلَ َم‪##‬ا ُء بَنِي إِ ْس ‪َ #‬رائِ َ‬
‫أن الم‪##‬راد من علم‪##‬اء ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل ـ‬ ‫مدنيّة(‪ ..)2‬ويدل لذلك ما ورد‪ #‬في تفسيرها من ّ‬
‫هنا ـ هم أسد واسيد وابن يامين وثعلبة وعبد هّللا بن سالم(‪.)3‬‬
‫ك ع‪##‬ام يش‪##‬كل مش‪##‬ركي‪ #‬ق‪##‬ريش وغ‪##‬يرهم‪،‬‬ ‫قال األول(‪ :)4‬لكن وجه اآلية بال ش ّ‬
‫وهو توبيخ الذع لهم‪ ..‬أ ّما التفسير ال‪##‬وارد فال يع‪##‬ني ن‪##‬زول اآلي‪##‬ة بع‪##‬د إيم‪##‬ان ه‪##‬ؤالء‬
‫اليهود‪ ،‬وإنّما هو بيان مصداق من المصاديق تحقّقت فيما بعد‪ ..‬وق‪##‬د تتحق‪##‬ق في ك‪##‬ل‬
‫األجيال‪ ..‬باإلضافة إلى ذلك فقد ورد في كتب السيرة والتاريخ ما ي‪##‬دل على رج‪##‬وع‪#‬‬
‫المش‪#‬ركين لليه‪#‬ود فيم‪#‬ا يخصّ معرف‪#‬ة رس‪#‬ول هّللا ‪ ‬فك‪#‬انوا‪ #‬يعرّف‪#‬ونهم خص‪#‬ائص‬
‫وسمات كانت موجودة فيه ‪ ‬واآلية إنّما تعني ذلك‪ ،‬فه‪##‬ذا ش‪##‬يء ك‪##‬ان يعرف‪##‬ه أه‪##‬ل‬
‫الكتاب‪ ،‬كما اعترفوا‪ #‬به قبل هجرته‪ ،‬وإنّما أنكروه بعد ذلك طمع‪##‬ا في حط‪##‬ام ال‪##‬دنيا‪،‬‬
‫ولم تعن اآلية إيمانهم وإنما عنت معرفتهم‪ #..‬وبذلك ال يصلح التفس‪##‬ير ال‪##‬وارد لتع‪##‬يين‬
‫نزول اآلية بالمدينة‪.‬‬
‫الش ‪َ #‬ع َرا ُء يَتَّبِ ُعهُ ُم ْال َغ‪##‬اوُونَ أَل ْمَ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و ُّ‬
‫‪#‬ر أَنَّهُ ْم فِي ُك‪##‬لِّ َوا ٍد يَ ِهي ُم‪##‬ونَ َوأَنَّهُ ْم يَقُولُ‪##‬ونَ َم‪##‬ا اَل يَ ْف َعلُ‪##‬ونَ إِاَّل الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َو َع ِملُ‪##‬وا‬ ‫تَ‪َ #‬‬
‫ي‬‫َصرُوا ِم ْن بَ ْع ِد َما ظُلِ ُموا َو َس‪#‬يَ ْعلَ ُ‪#‬م الَّ ِذينَ ظَلَ ُم‪##‬وا أَ َّ‬ ‫ت َو َذ َكرُوا‪ #‬هَّللا َ َكثِيرًا َوا ْنت َ‬ ‫الصَّالِ َحا ِ‬
‫ب يَ ْنقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء‪ ،]227-224 :‬فقد حكي استثناء ذل‪##‬ك عن ابن عب‪##‬اس‪ ،‬فق‪##‬د روي‪#‬‬ ‫ُم ْنقَلَ ٍ‬
‫عنه أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت في رجلين تهاجي‪##‬ا على عه‪##‬د رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬أح‪##‬دهما من األنص‪##‬ار‬
‫واآلخر‪ #‬من المهاجرين(‪.)5‬‬
‫اإلتقان‪ .1/16 :‬وتفسير الطبري‪.16/169 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الطبري‪ .19/69 :‬والدر المنثور‪.5/95 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.1/200 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدر المنثور‪ .5/99 :‬وتفسير الطبري‪.19/78 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪263‬‬
‫قال األول‪ :‬لكن ذلك معارض بما ه‪#‬و أق‪#‬وى س‪#‬ندا وأك‪#‬ثر ع‪#‬ددا‪ ،‬وال‪#‬ذي ي‪#‬دل‬
‫على أنّها ن‪##‬زلت في مش‪##‬ركي ق‪##‬ريش‪ ،‬حيث ك‪##‬ان ش‪##‬عراؤهم يهج‪##‬ون رس‪##‬ول هّللا ‪‬‬
‫ويقرؤه‪#‬ا‪ #‬س‪#‬فلتهم على مأل من الن‪#‬اس امتهان‪#‬ا لرس‪#‬ول هّللا ‪ ‬ف‪#‬نزلت اآلي‪#‬ة تقريع‪#‬ا‬
‫وتنديدا‪ #‬بسلوكهم(‪.)1‬‬
‫سورة القصص‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة القصص مكية‪.‬‬
‫َاب ِم ْن قَ ْبلِ ِه هُ ْم بِ ِه‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن ورد استثناء قوله تعالى‪﴿ :‬ال ِذينَ آتَ ْينَاهُ ُم ال ِكت َ‬
‫ق ِم ْن َربِّنَ‪##‬ا إِنَّا ُكنَّا ِم ْن قَ ْبلِ ‪ِ #‬ه ُم ْس ‪#‬لِ ِمينَ‬ ‫ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ َوإِ َذا يُ ْتلَى َعلَ ْي ِه ْم قَ‪##‬الُوا آ َمنَّا بِ ‪ِ #‬ه إِنَّهُ ْال َح‪ُّ #‬‬
‫الس‪#‬يِّئَةَ َو ِم َّما َر َز ْقنَ‪##‬اهُ ْم‬‫ص‪#‬بَرُوا‪َ #‬ويَ‪ْ #‬د َرءُونَ بِ ْال َح َس‪#‬نَ ِة َّ‬ ‫ك ي ُْؤتَوْ نَ أَجْ َرهُ ْم َم َّرتَي ِْن بِ َم‪##‬ا َ‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫يُ ْنفِقُونَ َوإِ َذا َس ِمعُوا اللَّ ْغ َو أَ ْع َرضُوا‪َ #‬ع ْنهُ َوقَالُوا‪ #‬لَنَا أَ ْع َمالُنَا َولَ ُك ْم أَ ْع َم‪##‬الُ ُك ْم َس ‪#‬اَل ٌم َعلَ ْي ُك ْم‬
‫اَل نَ ْبتَ ِغي ْال َجا ِهلِينَ ﴾ [القصص‪ ،]55-52 :‬فقد قيل‪ :‬إنها نزلت في جماع‪#‬ة من أه‪#‬ل الكت‪#‬اب‬
‫كانوا قد أسلموا‪ ،‬منهم‪ :‬عبد هّللا بن س‪##‬الم وتميم‪ #‬ال‪##‬داري والج‪##‬ارود‪ #‬العب‪##‬دي وس‪##‬لمان‬
‫الفارسي(‪ ..)2‬وقيل‪ :‬نزلت في أصحاب النجاشي قدموا‪ #‬المدينة وشهدوا‪ #‬وقعة أحد(‪.)3‬‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)4‬ل‪##‬و ص‪ّ #‬ح تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ة بالم‪##‬ذكورين‪ #‬فإنّم‪##‬ا عنت اإلخب‪##‬ار ع ّم‪##‬ا‬
‫سيكون ال ع ّما هو واقع‪ ،‬فض‪##‬ال عن معارض‪##‬ة ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير بتفس‪##‬يرها بجماع‪##‬ة من‬
‫أهل الكتاب كانوا مؤمنين بالنب ّي ‪ ‬قبل مبعثه‪ ،‬وهم أربعون رجال على ما جاء في‬
‫ب إِاَّل بِ‪##‬الَّتِي ِه َي‬ ‫‪#‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬‫﴿واَل تُ َج‪##‬ا ِدلُوا أَ ْه‪َ #‬‬ ‫كتب التفسير(‪ ..)5‬ويؤكد‪ #‬ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أَحْ َسنُ إِاَّل الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا ِم ْنهُ ْم َوقُولُوا آ َمنَّا بِالَّ ِذي أ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َوأ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َوإِلَهُنَ‪##‬ا َوإِلَهُ ُك ْم‬
‫َوا ِح ٌد َونَحْ نُ لَهُ ُم ْسلِ ُمونَ ﴾ [العنكبوت‪ ،]46 :‬فهذه اآلية مكيّ‪##‬ة‪ ،‬وردت بش‪##‬أن مجادل‪##‬ة أه‪##‬ل‬
‫َ‪#‬اب‬‫َ‪#‬اب فَالَّ ِذينَ آتَ ْينَ‪#‬اهُ ُم ْال ِكت َ‬ ‫﴿و َك‪َ #‬ذلِكَ أَ ْنزَ ْلنَ‪#‬ا إِلَ ْي‪#‬كَ ْال ِكت َ‬ ‫الكت‪#‬اب‪ ..‬ومثله‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫ي ُْؤ ِمنُونَ بِ ِه َو ِم ْن هَؤُاَل ِء َم ْن ي ُْؤ ِمنُ بِ ِه َو َما يَجْ َح ُد بِآيَاتِنَا إِاَّل ْال َك‪##‬افِرُونَ ﴾ [العنكب‪##‬وت‪،]47 :‬‬
‫وهي مكية أيضا باالتفاق‪.‬‬
‫سورة العنكبوت‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة العنكبوت مكية‪.‬‬
‫قال الث‪#‬اني‪ :‬لكن اس‪#‬تثني من أوّله‪#‬ا إلى اآلي‪#‬ة الحادي‪#‬ة عش‪#‬رة‪ ،‬فق‪#‬د قي‪#‬ل‪ :‬أنه‪#‬ا‬
‫نزلت بالمدينة(‪ ،)6‬وأنها نزلت في ن‪##‬اس من المس‪##‬لمين تخلّف‪##‬وا عن الهج‪##‬رة‪ ،‬ثم كتب‬
‫إليهم أصحاب رسول هّللا ‪ ‬في ذلك‪ ،‬فعمدوا إلى المه‪#‬اجرة‪ ،‬ف‪##‬ردتهم‪ #‬ق‪#‬ريش ووق‪##‬ع‬
‫مجمع البيان‪ ،7/208 :‬تفسير الطبري‪.19/78 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مجمع البيان‪.7/258 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.1/201 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مجمع البيان‪ .7/358 :‬والدر المنثور‪.5/133 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪264‬‬
‫بينهم قتال وعنف(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬لكن اآلية عا ّم‪##‬ة‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ورد أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في مؤم‪##‬ني مك‪##‬ة ال‪##‬ذين‬
‫وقع‪##‬وا تحت البالء والش ‪ّ #‬دة‪ ،‬وك‪##‬انت ابتالء لهم ليعلم الص‪##‬ادق من الك‪##‬اذب‪ ..‬وهك‪##‬ذا‬
‫أن‬ ‫فسّرها‪ #‬الطبري(‪ ،)3‬وجاءت بذلك الرواية عن اإلمام الص‪##‬ادق(‪ ..)4‬باإلض‪##‬افة إلى ّ‬
‫مفتتح السورة هو المراعى في تحدي‪#‬د مكي‪#‬ة الس‪#‬ورة أو م‪#‬دنيتها‪ ،‬ول‪#‬و ص‪ّ #‬ح نزوله‪#‬ا‬
‫بالمدينة ألصبحت السورة مدنيّة‪ ،‬مع أنه لم يخالف أحد في مكيّتها‪.‬‬
‫﴿و َك‪##‬أَي ِّْن ِم ْن دَابَّ ٍة اَل تَحْ ِم‪ُ #‬ل‬ ‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ِر ْزقَهَا‪ #‬هَّللا ُ يَرْ ُزقُهَا‪َ #‬وإِيَّا ُك ْم َوهُ َو ال َّس ِمي ُع ْال َعلِي ُم﴾ [العنكبوت‪ ،]60 :‬فقد اس‪##‬تثناها الس‪##‬يوطي‪،‬‬
‫لما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عم‪##‬ر ق‪##‬ال‪ :‬خ‪##‬رجت م‪##‬ع رس‪##‬ول‪ #‬هّللا ‪ ‬ح‪##‬تى دخ‪##‬ل‬
‫بعض حيطان المدينة‪ ،‬فجعل يلتقط من التمر ويأكل‪ ،‬ثم ق‪##‬ال ‪ ‬ه‪##‬ذه ص‪##‬بح رابع‪##‬ة‬
‫منذ لم أذق طعاما ولم أجده‪ ..‬قال ابن عمر‪ :‬فو هّللا م‪##‬ا برحن‪#‬ا‪ #‬وال رمن‪##‬ا ح‪##‬تى ن‪##‬زلت‬
‫اآلية(‪.)5‬‬
‫قال األول ‪ : 6‬الرواية مطعون في سندها‪ ،‬فضال عن اضطراب متنه‪##‬ا وع‪##‬دم‬ ‫)‬ ‫(‬
‫معقوليّة فحواها‪ ..‬باإلضافة إلى هذا‪ ،‬فق‪##‬د روي عن مقات‪##‬ل والكل‪##‬بي‪ :‬أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت في‬
‫جماعة من المؤمنين المستضعفين‪ ،‬ضاق بهم المق‪#‬ام بمك‪#‬ة قب‪#‬ل هج‪#‬رة الرس‪#‬ول ‪‬‬
‫ووقعوا في عسر وش ّدة‪ ،‬فأمروا‪ #‬بالهجرة إلى المدين‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬الوا‪ :‬كي‪##‬ف نخ‪##‬رج إلى بل‪##‬د‬
‫ي الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِ َّن‬ ‫ليس لنا به دار وال عقار وال معيشة؛ فنزل قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا ِعبَ‪#‬ا ِد َ‬
‫ت ثُ َّم إِلَ ْينَا تُرْ َج ُع‪##‬ونَ َوالَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا‬ ‫س َذائِقَةُ ْال َموْ ِ‬‫َّاي فَا ْعبُدُو ِن ُكلُّ نَ ْف ٍ‬ ‫اس َعةٌ فَإِي َ‬ ‫ضي‪َ #‬و ِ‬ ‫أَرْ ِ‬
‫ت لَنُبَ ِّوئَنَّهُْ‪#‬م ِمنَ ْال َجنَّ ِة ُغ َرفًا تَجْ‪ِ #‬ري ِم ْن تَحْ تِهَ‪##‬ا اأْل َ ْنهَ‪##‬ا ُ‪#‬ر خَالِ‪ِ #‬دينَ فِيهَ‪##‬ا‬ ‫َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫صبَرُوا َو َعلَى َربِّ ِه ْم يَتَ َو َّكلُونَ َو َكأَي ِّْن ِم ْن دَابَّ ٍة اَل تَحْ ِم ُل ِر ْزقَهَا‬ ‫نِ ْع َم أَجْ ُر ْال َعا ِملِينَ الَّ ِذينَ َ‬
‫هَّللا ُ يَرْ ُزقُهَا َوإِيَّا ُك ْم َوهُ َو ال َّس ِمي ُع ْال َعلِي ُم﴾ [العنكب‪###‬وت‪ ..]60-56 :‬و هذه الرواية أوف‪##‬ق بنصّ‬
‫الكتاب وأولى باالعتبار‪ ،‬ومن ث ّم فهي الصحيحة المقبولة‪.‬‬
‫سورة لقمان‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة لقمان مكية‪.‬‬
‫َ‬
‫ض ِمن ش‪َ #‬ج َر ٍة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أْل‬
‫﴿ول‪#‬وْ أن َم‪#‬ا فِي ا رْ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منه‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫َزي‪#‬ز َح ِكي ٌم َم‪#‬ا‬ ‫ٌ‬ ‫هَّللا‬ ‫َّ‬
‫َت َكلِ َم‪#‬ات ِ إِن َ ع ِ‬ ‫هَّللا‬ ‫ُ‬ ‫ُر َم‪##‬ا نَفِ‪#‬د ْ‬‫أَ ْقاَل ٌم َو ْالبَحْ ُر يَ ُم ُّدهُ ِم ْن بَ ْع ِد ِه َس ْب َعةُ أَ ْبح ٍ‬
‫‪#‬ل فِي‬ ‫‪#‬ر أَ َّن هَّللا َ يُ‪##‬ولِ ُج اللَّ ْي‪َ #‬‬
‫ص‪#‬ي ٌ‪#‬ر أَلَ ْم تَ‪َ #‬‬‫س َوا ِح َد ٍة إِ َّن هَّللا َ َس ِمي ٌع بَ ِ‬‫خَ ْلقُ ُك ْم َواَل بَ ْعثُ ُك ْم إِاَّل َكنَ ْف ٍ‬
‫س َو ْالقَ َم َر ُكلٌّ يَجْ ِري إِلَى أَ َج ٍل ُم َس‪ّ #‬مًى َوأَ َّن‬ ‫ار َويُولِ ُج النَّهَا َر فِي اللَّ ْي ِل َو َس َّخ َر ال َّش ْم َ‬ ‫النَّهَ ِ‬
‫أسباب النزول بهامش الجاللين‪.2/32 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التمهيد‪.1/202 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الطبري‪.20/83 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪.7/272 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلتقان‪ .1/16 :‬والدر المنثور‪.5/149 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/203 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪265‬‬
‫أن‬ ‫هَّللا َ بِ َما تَ ْع َملُونَ خَ بِيرٌ﴾ [لقم‪##‬ان‪ ،]29-27 :‬فقد روي عن ابن عب‪##‬اس في س‪##‬بب نزوله‪##‬ا‪ّ #:‬‬
‫أحبار يهود قالوا لرسول‪ #‬هّللا ‪ ‬بالمدينة‪ :‬إنّ‪##‬ا ق‪##‬د أوتين‪#‬ا‪ #‬الت‪##‬وراة‪ ،‬وفيه‪##‬ا علم كث‪##‬ير‪،‬‬
‫فقال ‪ : ‬إنّها في جنب علم هّللا قليل‪ ،‬فنزلت اآليات(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)2‬لكن ه‪##‬ذا التعلي‪##‬ل إن ك‪##‬ان يتناس‪##‬ب م‪##‬ع اآلي‪##‬ة األولى من ب‪##‬اب‬
‫أن اآليات الثالث‪ ،‬هي‬ ‫التسليم الجدلي‪ ،‬فإنّه ال يتناسب مع اآليتين بعدها‪ ..‬والصحيح ّ‬
‫كس‪##‬وابقها‪ #‬ولواحقه‪##‬ا منس‪##‬جمة بعض‪##‬ها م‪##‬ع بعض‪ ،‬وهي جميع‪##‬ا بي‪##‬ان لعظم‪##‬ة ربّ‬
‫العالمين‪ ،‬فال سبب يفصلها عن قريناتها‪ #،‬ومن ثم ال وج‪##‬ه الس‪##‬تثنائها‪ ..‬ول‪##‬و ص‪#‬حّت‬
‫الرواي‪##‬ة الم‪##‬ذكورة عن ابن عب‪##‬اس‪ ،‬ف‪##‬إن ذل‪##‬ك يع‪##‬ني أنّ‪##‬ه ‪ ‬قرأه‪##‬ا عليهم حينم‪##‬ا‬
‫عرضوا عليه ذلك التح ّدي الغريب‪ ،‬ال أنّها نزلت حينذاك‪.‬‬
‫سورة السجدة‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة السجدة مكية‪.‬‬
‫ض‪#‬ا ِج ِع‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن اس‪##‬تثني‪ #‬منه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬تَت ََج‪##‬افَى ُجنُ‪##‬وبُهُْ‪#‬م ع َِن ْال َم َ‬
‫يَ ْد ُعونَ َربَّهُ ْم َخوْ فًا‪َ #‬وطَ َمعً‪ #‬ا‪َ #‬و ِم َّما َر َز ْقنَ‪#‬اهُ ْم يُ ْنفِقُ‪##‬ونَ ﴾ [الس‪##‬جدة‪ ،]16 :‬لم‪##‬ا أخرج‪##‬ه ال‪##‬ب ّزار‬
‫وابن مردويه عن بالل‪ ،‬قال‪ :‬كنّا جلوسا وناس من أصحاب رسول هّللا ‪ ‬يص‪##‬لّون‬
‫بعد المغرب إلى العشاء فنزلت(‪.)3‬‬
‫قال األول(‪ :)4‬اآلية عا ّمة‪ ،‬وانسجامها مع قريناتها‪ #‬من آي‪##‬ات بادي‪##‬ة الوض‪##‬وح‪،‬‬
‫فضال عن عدم التئامها مع فحوى الرواية في شيء‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪﴿ :‬فَاَل تَ ْعلَ ُم نَ ْفسٌ َم‪##‬ا أ ْخفِ َي لَهُ ْم ِم ْن‬
‫قُ َّر ِة أَ ْعيُ ٍن َج َزا ًء بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ ﴾ [السجدة‪]17 :‬؟‬
‫قال األول‪ :‬هي كسابقتها عا ّمة‪ ..‬وال دليل يستثنيها‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَفَ َم ْن َك‪##‬انَ ُم ْؤ ِمنً‪##‬ا َك َم ْن َك‪##‬انَ‬
‫ات ْال َم‪#‬أْ َوى نُ‪#‬زُاًل بِ َم‪#‬ا‬ ‫ت فَلَهُ ْم َجنَّ ُ‬ ‫فَا ِسقًا اَل يَ ْستَوُونَ أَ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا َو َع ِملُ‪#‬وا َّ‬
‫الص‪#‬الِ َحا ِ‬
‫َكانُوا يَ ْع َملُونَ ﴾ [السجدة‪ ،]19-18 :‬فقد روي‪ #‬بطرق وأسانيد‪ #‬كث‪##‬يرة ومعت‪##‬برة‪ :‬أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت‬
‫في علي بن أبي طالب والوليد‪ #‬بن عقبة بن أبي معيط‪ ،‬في مشاجرة جرت بينهما يوم‬
‫بدر‪ ،‬حيث قال له الوليد‪ :‬اسكت فإنّك صب ّي وأنا أبسط منك لس‪##‬انا وأح ‪ّ #‬د من‪##‬ك س‪##‬نانا‬
‫وأر ّد منك للكتيبة‪ ،‬فقال له علي‪ :‬على رسلك فإنّك فاسق‪ ،‬وليس كما تقول(‪.)5‬‬
‫قال األول(‪ :)6‬س‪##‬ياق اآلي‪##‬ة ع‪##‬ام‪ ،‬وهي مرتبط‪##‬ة م‪##‬ع بقيّ‪##‬ة اآلي‪##‬ات‪ ،‬س‪##‬ابقة وال‬
‫أن المحاورة المذكورة بلغت الن‪##‬ب ّي ‪ ‬فق‪#‬رأ اآلي‪#‬ة الكريم‪##‬ة‪ ،‬تطبيق‪#‬ا‬ ‫حقة‪ ..‬ويُحتمل ّ‬
‫الدر المنثور‪ .5/167 :‬واإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التمهيد‪.1/204 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪ .1/16 :‬والدر المنثور‪.5/175 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.1/205 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الدر المنثور‪ .5/178 :‬ومجمع البيان‪.8/332 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.1/206 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪266‬‬
‫مع المورد‪ ،‬فقد فسق الوليد ه‪##‬ذا في آي‪##‬ات اخ‪##‬رى‪ ،‬ون‪##‬زلت في حق‪##‬ه‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ‬
‫ص‪#‬بِحُوا‪َ #‬علَى َم‪##‬ا فَ َع ْلتُْ‪#‬م‬ ‫ص‪#‬يبُوا‪ #‬قَوْ ًم‪##‬ا بِ َجهَالَ‪ٍ #‬ة فَتُ ْ‬ ‫ق بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَ ْن تُ ِ‬ ‫آ َمنُوا إِ ْن َجا َء ُك ْم فَا ِس ٌ‪#‬‬
‫نَا ِد ِمينَ ﴾ [الحجرات‪ ]6 :‬بشأنه(‪.)1‬‬
‫سورة سبأ‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة سبأ مكية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪#‬ز َل‬ ‫﴿ويَ َرى ال ِذينَ أوتُوا ال ِعل َم ال ِذي أ ْن‪ِ #‬‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫يز ال َح ِمي ِد﴾ [س‪##‬بأ‪ ،]6 :‬فأه‪##‬ل العلم هن‪##‬ا‬ ‫ْ‬ ‫اط ْال َع ِز ِ‬
‫ص َر ِ‬ ‫ق َويَ ْه ِدي‪ #‬إِلَى ِ‬ ‫ك هُ َو ْال َح َّ‬ ‫ك ِم ْن َربِّ َ‬ ‫إِلَ ْي َ‬
‫هم أهل الكتاب‪.‬‬
‫أن أه‪#‬ل العلم الحقيقي يؤمن‪#‬ون‪#‬‬ ‫ق‪#‬ال األول‪ :‬ال‪ ..‬ب‪#‬ل في ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ة إش‪#‬ارة إلى ّ‬
‫أن األم‪##‬ر ك‪##‬ذلك‪ ،‬فالن‪##‬ابهون‬ ‫ك ّ‬ ‫بالقرآن الك‪##‬ريم إيمان‪##‬ا ص‪##‬ادقا‪ #‬عن علم ويقين‪ ،‬وال ش‪ّ #‬‬
‫العقالء وأرباب الفضيلة والكمال‪ ،‬ال يتر ّددون في اإليم‪##‬ان ف‪##‬ور‪ #‬مع‪##‬رفتهم‪ #‬ب‪##‬ه‪ ..‬وق‪##‬د‬
‫رجّح هذا المعنى العاّل مة الطبرس‪##‬ي‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬وه‪#‬ذا أولى‪ ،‬لعموم‪#‬ه‪ ..‬ألنّهم يتدبّرون‪#‬ه‬
‫ويتف ّكرون‪ #‬فيه‪ ،‬فيعلمون بالنظر‪ #‬واالستدالل أنّه ليس من قبل البشر) (‪)2‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪﴿ :‬لَقَ ْد َكانَ لِ َس ‪#‬بَإٍ فِي َم ْس ‪َ #‬كنِ ِه ْ‪#‬م آيَ ‪#‬ةٌ‬
‫ق َربِّ ُك ْم َوا ْش ُكرُوا‪ #‬لَ‪#‬هُ بَ ْل‪َ #‬دةٌ طَيِّبَ‪#‬ةٌ َو َربٌّ َغفُ‪##‬و ٌر‬ ‫َجنَّتَا ِن ع َْن يَ ِمي ٍن َو ِش َما ٍل ُكلُوا ِم ْن ِر ْز ِ‪#‬‬
‫ُ‬
‫فَأ َ ْع َرضُوا‪ #‬فَأَرْ َس ْلنَا‪َ #‬علَ ْي ِه ْم َس ْي َل ْال َع ِر ِم َوبَ َّد ْلنَاهُْ‪#‬م بِ َجنَّتَ ْي ِه ْم َجنَّتَي ِْن َذ َوات ْ‪َ#‬ي أ ُك ٍل َخ ْم‪ٍ #‬ط َوأَ ْث‪ٍ #‬ل‬
‫ور َو َج َع ْلنَ‪##‬ا بَ ْينَهُ ْم‬ ‫ازي إِاَّل ْال َكفُ َ‬ ‫ك َج َز ْينَاهُ ْم بِ َما َكفَرُوا َوهَلْ نُ َج ِ‬ ‫َو َش ْي ٍء ِم ْن ِس ْد ٍر قَلِي ٍل َذلِ َ‬
‫الس‪#‬ي َْر ِس‪#‬يرُوا‪ #‬فِيهَ‪#‬ا لَيَ‪##‬الِ َي‬ ‫ار ْكنَا فِيهَ‪#‬ا قُ‪#‬رًى ظَ‪##‬ا ِه َرةً َوقَ‪َّ #‬درْ نَا‪ #‬فِيهَ‪#‬ا َّ‬ ‫َوبَ ْينَ ْالقُ َرى الَّتِي بَ َ‬
‫يث‬ ‫ارنَا َوظَلَ ُم‪##‬وا أَ ْنفُ َس‪##‬هُ ْم فَ َج َع ْلنَ‪##‬اهُ ْم أَ َح‪##‬ا ِد َ‬ ‫َوأَيَّا ًم‪##‬ا آ ِمنِينَ فَقَ‪##‬الُوا َربَّنَ‪##‬ا بَا ِع‪ْ ##‬د بَ ْينَ أَ ْس‪##‬فَ ِ‬
‫ق َعلَ ْي ِه ْم إِ ْبلِيسُ‬ ‫ص ‪َّ #‬د َ‬ ‫َّار َش ُك ٍ‪#‬‬
‫ور َولَقَ ‪ْ #‬د َ‬ ‫صب ٍ‬ ‫ت لِ ُكلِّ َ‬ ‫ق إِ َّن فِي َذلِكَ آَل يَا ٍ‬ ‫َو َم َّز ْقنَاهُْ‪#‬م ُك َّل ُم َم َّز ٍ‬
‫ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِاَّل فَ ِريقًا ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َو َما َكانَ لَهُ َعلَ ْي ِه ْم ِم ْن س ُْلطَا ٍن إِاَّل لِنَ ْعلَ َم َم ْن ي ْ‬
‫ُ‪##‬ؤ ِمنُ‬
‫ك َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء َحفِي‪##‬ظٌ﴾ [س‪##‬بأ‪ ،]21-15 :‬فق‪##‬د روي‪#‬‬ ‫بِاآْل ِخ َر ِة ِم َّم ْن ه َُو ِم ْنهَا فِي شَكٍّ َو َربُّ َ‪#‬‬
‫عن ف‪##‬روة بن مس‪##‬يك‪ ،‬أنّ‪##‬ه س‪##‬أل رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬عن س‪##‬بأ‪ :‬جب‪##‬ل أم أرض‪ ،‬رج‪##‬ل أم‬
‫امرأة؟‪ ..‬فنزلت اآليات‪ ،‬وكان هذا السؤال بعد مرجعه من غزو قبائ‪##‬ل س‪##‬بأ‪ ،‬أرجع‪##‬ه‬
‫رسول هّللا ‪ ‬ألنّه لم يؤمر‪ #‬بذلك(‪ ..)3‬وبناء على هذا قال ابن الحص‪##‬ار‪( :‬وه‪##‬ذا ي‪##‬د ّل‬
‫ألن مهاجرة فروة كانت بع‪##‬د إس‪##‬الم ثقي‪##‬ف س‪##‬نة‬ ‫أن نزول اآليات كان بالمدينة‪ّ ،‬‬ ‫على ّ‬
‫تسع من الهجرة) (‪)4‬‬
‫قال األول(‪ :)5‬لكنه قال بعد ذلك‪( :‬ويحتمل أن يكون قوله‪( :‬وأنزل في سبأ م‪##‬ا‬

‫لباب النقول بهامش الجاللين‪ 2/80 :‬ـ ‪.82‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجمع البيان‪ 8/378 :‬ـ ‪.379‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجمع البيان‪ .8/386 :‬والدر المنثور‪.5/231 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫االتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/207 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪267‬‬
‫أنزل) حكاية ع ّما تق ّدم نزوله قبل الهج‪##‬رة بمك‪##‬ة‪ ،‬ال نزول‪##‬ه حين‪##‬ذاك) (‪ ..)1‬باإلض‪##‬افة‬
‫أن اله‪##‬دف منه‪##‬ا ع‪##‬ا ّم كس‪##‬ائر‬ ‫إلى أن مالحظة القص‪##‬د من القص‪##‬ة تكفي للدالل‪##‬ة على ّ‬
‫القصص الواردة في القرآن الكريم‪ ..‬والصحيح في قصة فروة بن مس‪##‬يك‪ :‬أنّ‪##‬ه س‪##‬أل‬
‫النب ّي ‪ ‬عن قصة سبأ بعد أن قرأها في القرآن‪ ،‬فسأله ‪ ‬عن س‪##‬بأ أرج‪##‬ل ه‪##‬و أم‬
‫امراة‪ ،‬أم هو اسم أرض أم جبل؟ فشرح له النب ّي ‪ ‬أنّه رج‪#‬ل من الع‪#‬رب ك‪#‬ان ل‪#‬ه‬
‫من األوالد كذا وكذا(‪ ..)2‬وهذا يد ّل على تأ ّخر السؤال عن نزول اآليات‪ ..‬باإلض‪##‬افة‬
‫فإن الرواية به‪#‬ذا الش‪#‬أن عن ف‪##‬روة مض‪#‬طربة ومتناقض‪##‬ة بعض‪#‬ها م‪##‬ع‬ ‫إلى كل ذلك؛ ّ‬
‫بعض‪ ،‬بما يجعل االستناد إليها في الحكم بنزول اآليات بشأنها مستحيال‪ ،‬فقد أخ‪##‬رج‬
‫أن فروة بن مسيك الغطف‪##‬اني ق‪##‬دم‬ ‫ابن أبي حاتم عن علي بن رباح قال‪ :‬ح ّدثني فالن ّ‬
‫إن س‪#‬بأ ق‪#‬وم ك‪#‬ان لهم في الجاهلي‪#‬ة غ‪#‬زو‪ ،‬وإنّي‬ ‫على رسول هّللا ‪ ‬فقال‪ :‬يا نب ّي هّللا ّ‬
‫أخشى أن يرت ّدوا عن اإلسالم‪ ،‬أفأقاتلهم؟‪ #‬فقال‪ :‬م‪#‬ا أم‪#‬رت فيهم بش‪#‬يء بع‪#‬د‪ ،‬ف‪#‬انزلت‬
‫ين َو ِش‪َ #‬ما ٍل ُكلُ‪##‬وا ِم ْن ِر ْز ِ‬
‫ق‬ ‫هذه اآلية‪﴿ :‬لَقَ ْد َكانَ لِ َسبَإٍ فِي َم ْس‪َ #‬كنِ ِه ْم آيَ‪#‬ةٌ َجنَّتَ‪##‬ا ِن ع َْن يَ ِم ٍ‬
‫َربِّ ُك ْم َوا ْش ُكرُوا لَهُ بَ ْل َدةٌ طَيِّبَةٌ َو َربٌّ َغفُورٌ﴾ [سبأ‪ ..]15 :‬وهي رواية مف ّككة س‪##‬ندا ومتن‪##‬ا‬
‫ي مناسبة بينها وبين مضمونها‪ #..‬وهكذا سائر الروايات الواردة‬ ‫وأسلوبا‪ #،‬وال يوجد أ ّ‬
‫بهذا الشأن‪.‬‬
‫سورة فاطر‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة فاطر‪ #‬مكية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن اس‪#‬تثني منه‪#‬ا آي‪#‬تين‪ ..‬أوالهم‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ْتلُ‪#‬ونَ‬
‫‪#‬ارةً لَ ْن‬‫الص‪#‬اَل ةَ َوأَ ْنفَقُ‪##‬وا ِم َّما َرزَ ْقنَ‪##‬اهُْ‪#‬م ِس‪ًّ #‬را َو َعاَل نِيَ‪#‬ةً يَرْ ُج‪##‬ونَ تِ َج‪َ #‬‬ ‫‪#‬اب هَّللا ِ َوأَقَ‪##‬ا ُموا َّ‬ ‫ِكتَ‪َ #‬‬
‫اص‪#‬طَفَ ْينَا ِم ْن ِعبَا ِدنَ‪##‬ا‬ ‫‪#‬اب الَّ ِذينَ ْ‬ ‫تَبُو َر﴾ [فاطر‪ ..]29 :‬والثانية قوله تعالى‪﴿ :‬ثُ َّم أَوْ َر ْثنَا ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫ض‪ُ #‬ل‬ ‫‪#‬و ْالفَ ْ‬ ‫ك هُ‪َ #‬‬ ‫ت بِ‪#‬إِ ْذ ِن هَّللا ِ َذلِ‪َ #‬‬ ‫ق بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬الخَ ي َْرا ِ‬ ‫ص ٌد َو ِم ْنهُْ‪#‬م َسابِ ٌ‬‫فَ ِم ْنهُْ‪#‬م ظَالِ ٌم لِنَ ْف ِس ِه َو ِم ْنهُْ‪#‬م ُم ْقتَ ِ‬
‫ْال َكبِيرُ﴾ [فاطر‪ ..]32 :‬ولع ّل األولى لذكر الصالة فيها‪ ..‬والثانية من أجل تعقيبه‪##‬ا بقول‪##‬ه‪:‬‬
‫َاب الَّ ِذينَ اصْ طَفَ ْينَا ِم ْن ِعبَا ِدنَا فَ ِم ْنهُ ْم ظَالِ ٌم لِنَ ْف ِس ِه َو ِم ْنهُ ْم ُم ْقت ِ‬
‫َص ٌد َو ِم ْنهُْ‪#‬م‬ ‫﴿ثُ َّم أَوْ َر ْثنَا ْال ِكت َ‬
‫ك هُ َو ْالفَضْ ُل ْال َكبِيرُ﴾ [ف‪##‬اطر‪ ،]32 :‬فق‪##‬د روى عكرم‪##‬ة عن‬ ‫ت بِإِ ْذ ِن هَّللا ِ َذلِ َ‬
‫ق بِ ْال َخ ْي َرا ِ‬ ‫َسابِ ٌ‬
‫أن الظالم هو المنافق(‪.)3‬‬ ‫ابن عباس‪ّ :‬‬
‫قال األول(‪ :)4‬لكن هذا يتعارض مع كون الصالة فرضت بم ّك‪##‬ة‪ ..‬أم‪##‬ا تط‪##‬بيق‬
‫الظالم على المنافق؛ فإنه ال يستدعي نزول اآلية بالمدينة حيث وجد المنافقون‪ ،‬ألنّ‪##‬ه‬
‫تطبيق‪ #‬وبيان مصداق‪ #‬من المصاديق‪ #،‬واللّفظ عا ّم ال يتقيّد بموارد‪ #‬تطبيقه‪.‬‬
‫سورة يس‪:‬‬

‫االتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجمع البيان‪.8/386 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجمع البيان‪ 8/399 :‬و‪.409‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.1/209 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪268‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة يس مكية‪.‬‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني‪ :‬لكن اس‪##‬تثني‪ #‬منه‪##‬ا آيت‪##‬ان‪ ..‬أوالهم‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِنَّا نَحْ نُ نُحْ يِي‬
‫ين﴾ [يس‪]12 :‬؛ فق‪##‬د‬ ‫‪#‬ام ُمبِ ٍ‬ ‫ص‪ْ #‬ينَاهُ فِي إِ َم‪ٍ #‬‬ ‫ارهُْ‪#‬م َو ُك َّل َش ْي ٍء أَحْ َ‬ ‫ْال َموْ تَى َونَ ْكتُبُ َما قَ َّد ُموا َوآثَ َ‬
‫أخرج الحاكم والترمذي عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬كانت بنو س‪##‬لمة في ناحي‪#‬ة من‬
‫المدينة‪ ،‬فشكوا‪ #‬إلى رسول هّللا ‪ ‬بعد من‪##‬ازلهم من المس‪##‬جد والص‪##‬الة مع‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬نزلت‬
‫إن آثاركم‪ #‬تكتب‪ ،‬فلم ينتقلوا(‪.)1‬‬ ‫اآلية‪ ،‬فقال لهم رسول هّللا ‪ّ : ‬‬
‫صة ال تصلح سببا لنزول جميع ما ورد في اآلية‪ ،‬لع‪##‬دم‬ ‫قال األول(‪ :)2‬لكن الق ّ‬
‫المناسبة‪ ،‬ولع ّل رسول هّللا ‪ ‬استشهد‪ #‬بجزء منها بعد ما ش‪##‬كوا إلي‪##‬ه بع‪##‬د من‪##‬ازلهم‪،‬‬
‫حيث ذكر أن أفضل األعمال أحمزها‪.‬‬
‫َ‬
‫‪#‬ل لَهُ ْم أ ْنفِقُ‪##‬وا ِم َّما َرزَ قَ ُك ُم‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا قِي‪َ #‬‬
‫ض‪##‬اَل ٍل‬ ‫ط َع َمهُ إِ ْن أَ ْنتُ ْم إِاَّل فِي َ‬ ‫ط ِع ُم َم ْن لَوْ يَ َشا ُء هَّللا ُ أَ ْ‬
‫هَّللا ُ قَا َل الَّ ِذينَ َكفَرُوا لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا أَنُ ْ‬
‫ين﴾ [يس‪ ،]47 :‬فقد قال ابن عباس‪ :‬نزلت بالمدينة بشأن المنافقين(‪.)3‬‬ ‫ُمبِ ٍ‬
‫قال األول‪ :‬لكنّها صريحة في خطابها مع الذين كف‪##‬روا‪ ،‬وق‪##‬د نصّ ابن جري‪#‬ر‪#‬‬
‫على أن نزولها بشأن المشركين(‪ ..)4‬وهذا ما يدل عليه سياق اآلية ذاتها‪.‬‬
‫سورة الزمر‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الزمر مكية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ يَا ِعبَ‪##‬ا ِد الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اتَّقُ‪##‬وا َربَّ ُك ْم‬
‫اس َعةٌ إِنَّ َما ي َُوفَّى الصَّابِرُونَ أَجْ‪َ ##‬رهُ ْم‬ ‫لِلَّ ِذينَ أَحْ َسنُوا فِي هَ ِذ ِه ال ُّد ْنيَا َح َسنَةٌ َوأَرْ ضُ هَّللا ِ َو ِ‬
‫ب﴾ [الزمر‪ ،]10 :‬وقد روي أنّها نزلت بالمدينة(‪.)5‬‬ ‫بِ َغي ِْر ِح َسا ٍ‬
‫قال األول‪ :‬لكن سياق اآلية يدل على أنّها مكيّة‪ ..‬باإلضافة إلى م‪##‬ا روي أنه‪##‬ا‬
‫نزلت تحرّض المؤمنين المستضعفين على الهجرة(‪.)6‬‬
‫ث ِكتَابً‪##‬ا‬ ‫ْ‬ ‫حْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪ ُ ﴿ :‬نز َل أ َس ‪#‬نَ ال َح‪ِ #‬دي ِ‬
‫ُمتَ َشابِهًا‪َ #‬مثَانِ َي تَ ْق َش‪ِ #‬عرُّ ِم ْن‪#‬هُ ُجلُ‪##‬و ُد الَّ ِذينَ يَ ْخ َش‪#‬وْ نَ َربَّهُ ْم ثُ َّم تَلِينُ ُجلُ‪##‬و ُدهُْ‪#‬م َوقُلُ‪##‬وبُهُْ‪#‬م إِلى‬
‫َ‬
‫ِذ ْك ِر هَّللا ِ َذلِكَ هُدَى هَّللا ِ يَ ْه ِدي بِ ِه َم ْن يَ َشا ُء َو َم ْن يُضْ لِ ِل هَّللا ُ فَ َما لَهُ ِم ْن هَا ٍد﴾ [الزمر‪،]23 :‬‬
‫فقد حكى ابن الجزري‪ #‬عن بعضهم أنّها نزلت بالمدينة(‪.)7‬‬
‫قال األول‪ :‬لكن سياق اآلي‪#‬ة ش‪##‬اهد على أنّه‪##‬ا مكيّ‪##‬ة‪ ،‬وال وج‪##‬ه له‪#‬ذا االس‪#‬تثناء‬

‫مجمع البيان‪ .8/418 :‬واإلتقان‪ .1/16 :‬وتفسير الطبري‪.22/100 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/209 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪ .1/16 :‬ومجمع البيان‪.8/413 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الطبري‪.23/9 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مجمع البيان‪.8/492 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫اإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪269‬‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ي ال ِذينَ أ ْس‪َ #‬رفوا‪#‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ق‪##‬لْ يَ‪##‬ا ِعبَ‪##‬ا ِد َ‬
‫‪#‬و ال َغف‪##‬و ُر‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫وب َج ِمي ًع‪##‬ا إِنَّهُ هُ‪َ #‬‬ ‫َعلَى أَ ْنفُ ِس ِه ْم اَل تَ ْقنَطُ‪##‬وا ِم ْن َرحْ َم‪ِ #‬ة هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ يَ ْغفِ‪ُ #‬ر ال‪#ُّ #‬ذنُ َ‬
‫ص ‪#‬رُونَ‬ ‫‪#‬ل أَ ْن يَ‪##‬أْتِيَ ُك ُم ْال َع‪َ #‬ذابُ ثُ َّم اَل تُ ْن َ‬ ‫َّحي ُم َوأَنِيبُ‪##‬وا‪ #‬إِلَى َربِّ ُك ْم َوأَ ْس ‪#‬لِ ُموا‪ #‬لَ ‪#‬هُ ِم ْن قَ ْب‪ِ #‬‬ ‫ال ‪#‬ر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪#‬ل أ ْن يَ‪##‬أتِيَ ُك ُم ال َع‪َ #‬ذابُ بَ ْغتَ ‪#‬ةً َوأ ْنتُ ْم اَل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َواتَّبِ ُع‪##‬وا أحْ َس ‪#‬نَ َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬
‫‪#‬ز َل إِلَ ْي ُك ْم ِم ْن َربِّ ُك ْم ِم ْن قَ ْب‪ِ #‬‬
‫تَ ْش ُعرُونَ ﴾ [الزمر‪ ،]55-53 :‬فقد قيل‪ :‬إنها نزلت في وحشي‪ #‬قاتل حمزة(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬سند الرواية المذكورة ضعيف‪ ،‬وقد أخرج ابن أبي حاتم بس‪##‬ند‬
‫فس‪#‬رها‬ ‫صحيح عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬نزلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة في مش‪##‬ركي مكة(‪ ..)3‬وهك‪##‬ذا ّ‬
‫ألن اآلية‬ ‫الطبري‪ #‬بع ّدة طرق(‪ ..)4‬وقال الطبرسي‪( :‬ال يص ّح نزولها بشأن (وحشي) ّ‬
‫نزلت بمكة‪ ،‬ووحشي أسلم بعدها بسنين كثيرة‪ ،‬ولكن يحتم‪##‬ل أن يك‪##‬ون ق‪##‬رئت علي‪##‬ه‬
‫اآلية فكانت سبب إسالمه) (‪)5‬‬
‫سورة غافر‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة المؤمن (غافر) مكية‪.‬‬
‫اص‪#‬بِرْ إِ َّن‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن اس‪#‬تثني منه‪#‬ا ثالث آي‪#‬ات‪ ..‬أواله‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫‪#‬ار﴾ [غ‪##‬افر‪ ،]55 :‬فق‪##‬د‬ ‫اس‪#‬تَ ْغفِ ْ‪#‬ر لِ‪َ #‬ذ ْنبِكَ َو َس‪#‬بِّحْ بِ َح ْم‪ِ #‬د َربِّكَ بِ ْال َع ِش‪ِّ #‬ي َواإْل ِ ْب َك‪ِ #‬‬ ‫َو ْع َد هَّللا ِ َح ٌّ‬
‫ق َو ْ‬
‫أن فرض الصالة نزل‬ ‫روي‪ #‬أنّها تعني بذلك صالة المغرب وصالة الفجر‪ ،‬وقد ثبت ّ‬
‫بالمدينة (‪.)6‬‬
‫ألن الصالة أ ّول ما فرضت فرضت بمكة‪ ،‬وكان‬ ‫قال األول(‪ :)7‬هذا غريب‪ّ ..‬‬
‫المس‪##‬لمون يص‪##‬لّون به‪##‬ا جماع‪##‬ة وف‪##‬رادى‪ #،‬وهي أوّل ش‪##‬يء ن‪##‬زل ب‪##‬ه جبري‪##‬ل علي‪##‬ه‬
‫السالم‪ ،‬وعلّم رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬الوض‪#‬وء‪ #‬والص‪#‬الة في ب‪##‬دء بعثت‪##‬ه‪ ..‬باإلض‪#‬افة إلى أن‬
‫ق وا ْستَ ْغفِرْ لِ َذ ْنبِكَ ﴾ دليل على مكيّتها‪ ،‬فض‪##‬ال عن‬ ‫صدر اآلية‪﴿ :‬فَاصْ بِ ْ‪#‬ر إِ َّن َو ْع َد هَّللا ِ َح ٌّ‬
‫السياق المتناسب‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫قال الثاني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى في الثاني‪#‬ة والثالث‪##‬ة‪﴿ :‬إِن ال ِذينَ‬
‫ُور ِه ْ‪#‬م إِاَّل ِك ْب‪ٌ #‬ر َم‪##‬ا هُ ْم بِبَالِ ِغي‪ِ #‬ه‬ ‫ص‪#‬د ِ‬ ‫ت هَّللا ِ بِ َغي ِْر ُس‪ْ #‬لطَا ٍن أَتَ‪##‬اهُ ْم إِ ْن فِي ُ‬ ‫يُ َجا ِدلُونَ فِي آيَا ِ‬
‫‪#‬ق النَّ ِ‬
‫اس‬ ‫ض أَ ْكبَ ‪ُ #‬ر ِم ْن خَ ْل‪ِ #‬‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫ق ال َّس َما َوا ِ‬ ‫صي ُ‪#‬ر لَخَ ْل ُ‬‫فَا ْست َِع ْ‪#‬ذ بِاهَّلل ِ إِنَّهُ ه َُو ال َّس ِمي ُع ْالبَ ِ‬
‫اس اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [غافر‪ ،]57-56 :‬فقد أخرج ابن حمي‪##‬د وابن أبي ح‪##‬اتم عن‬ ‫َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫إن اليه‪##‬ود أت‪##‬وا الن‪##‬ب ّي ‪ ‬فق‪##‬الوا‪ :‬ال‪##‬دجّال منّ‪##‬ا يخ‪##‬رج في آخ‪##‬ر‬ ‫أبي العالي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال‪ّ :‬‬

‫لباب النقول بهامش الجاللين‪.2/63 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/211 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫لباب النقول بهامش الجاللين‪.2/63 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الطبري‪.24/10 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مجمع البيان‪.8/503 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مجمع البيان‪.8/512 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التمهيد‪.1/211 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪270‬‬
‫الزمان‪ ..‬وجعلوا يعظّمون من شأنه‪ ،‬فأنزل هّللا هاتين اآليتين(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬معنى اآلية عام؛ فقد قارنت بين خلق السماوات وخل‪##‬ق الن‪##‬اس‪،‬‬
‫وجعلت األولى أكبر‪ ،‬وهو ما يتنافى مع تلك المزاعم‪.‬‬
‫سورة الشورى‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الشورى‪ #‬مكية‪.‬‬
‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن اس‪##‬تثني‪ #‬منه‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أ ْم يَقُول‪##‬ونَ افتَ‪َ #‬رى َعلَى ِ َك‪ِ #‬ذبًا‬
‫ت‬ ‫ق بِ َكلِ َماتِ‪ِ #‬ه إِنَّهُ َعلِي ٌم بِ‪َ #‬ذا ِ‬ ‫ق ْال َح‪َّ #‬‬ ‫فَإِ ْن يَ َشإِ هَّللا ُ يَ ْختِ ْم َعلَى قَ ْلبِكَ َويَ ْم ُح هَّللا ُ ْالبَ ِ‬
‫اط‪َ #‬ل َوي ُِح‪ُّ #‬‬
‫ت َويَ ْعلَ ُم َم‪##‬ا تَ ْف َعلُ‪##‬ونَ‬ ‫ُور َوهُ‪َ #‬و الَّ ِذي يَ ْقبَ‪ُ #‬ل التَّوْ بَ‪#‬ةَ ع َْن ِعبَ‪##‬ا ِد ِه َويَ ْعفُ‪##‬و ع َِن َّ‬
‫الس‪#‬يِّئَا ِ‬ ‫الص‪#‬د ِ‪#‬‬
‫ُّ‬
‫ْ‬
‫ت َويَ ِزي ُدهُْ‪#‬م ِم ْن فَضْ لِ ِه َوال َكافِرُونَ لَهُ ْم َع َذابٌ‬ ‫يب ال ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬ ‫َّ‬ ‫َويَ ْستَ ِج ُ‪#‬‬
‫َش ِدي ٌد﴾ [الشورى‪ ،]26-24 :‬فقد قيل‪ :‬إنها نزلت في األنصار(‪ ..)3‬ومثل ذل‪##‬ك قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫َر َم‪##‬ا يَ َش‪#‬ا ُء إِنَّهُ بِ ِعبَ‪##‬ا ِد ِه‬ ‫ض َولَ ِك ْن يُن َِّز ُل بِقَد ٍ‬‫ق لِ ِعبَا ِد ِه لَبَ َغوْ ا فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫﴿ َولَوْ بَ َسطَ هَّللا ُ ْ‬
‫الرِّز َ‬
‫صيرٌ﴾ [الشورى‪ ،]27 :‬فقد قيل‪ :‬نزلت في أصحاب الصفّة(‪.)4‬‬ ‫خَ بِي ٌر بَ ِ‬
‫قال األول ‪ : 5‬من المستبعد‪ #‬جدا‪ ،‬بل من المستحيل‪ ،‬ن‪##‬زول اآلي‪##‬ات األولى في‬ ‫)‬ ‫(‬
‫األنص‪##‬ار‪ ،‬إذ كي‪##‬ف يعق‪##‬ل نس‪##‬بة ه‪##‬ذا الكالم إليهم‪ ﴿ :‬ا ْفتَ‪َ ##‬رى َعلَى هَّللا ِ َك‪ِ ##‬ذبًا﴾‪ ،‬ثم إن‬
‫الظن برسول هّللا ‪ ‬فحسبوه يقاتل دون أهل بيته‬ ‫ّ‬ ‫أن األنصار أساءوا‬ ‫الرواية تذكر ّ‬
‫خاصّة!؟‪ ..‬أ ّما اآلية األخيرة فهي عا ّمة‪ ،‬ولو صحّت الرواية عن اإلم‪##‬ام علي‪ ،‬فإنّم‪#‬ا‪#‬‬
‫تعني شمولها لهم بعمومها‪ #،‬ال أنّها نزلت بشأنهم الخاص‪ ،‬إذ ذلك ـ على هذا الفرض‬
‫ـ قدح الذع بأهل الصفّة‪ ،‬وحاشا القرآن أن يجرح من عاطف‪##‬ة جماع‪##‬ة من المؤم‪##‬نين‬
‫لفقرهم‪.‬‬
‫ي هُ ْم‬ ‫ص ‪#‬ابَهُ ُم ْالبَ ْغ ُ‬ ‫﴿والَّ ِذينَ إِ َذا أَ َ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ص‪#‬لَ َح فَ‪#‬أَجْ ُرهُ َعلَى هَّللا ِ إِنَّهُ اَل يُ ِحبُّ‬ ‫صرُونَ َو َج َزا ُء َسيِّئَ ٍة َس‪#‬يِّئَةٌ ِم ْثلُهَ‪##‬ا فَ َم ْن َعفَ‪##‬ا َوأَ ْ‬ ‫يَ ْنتَ ِ‬
‫يل﴾ [الش‪##‬ورى‪ ،]41-39 :‬فق‪##‬د‬ ‫َص َر بَ ْع َد ظُ ْل ِم‪ِ #‬ه فَأُولَئِ‪##‬كَ َم‪##‬ا َعلَ ْي ِه ْم ِم ْن َس‪#‬بِ ٍ‬ ‫الظَّالِ ِمينَ َولَ َم ِن ا ْنت َ‬
‫هن نزلن بالمدينة(‪.)6‬‬ ‫حكى أبو غرس عن بعضهم‪ :‬أنّ ّ‬
‫أن الس‪##‬ياق يمن‪##‬ع ذل‪##‬ك‪ ،‬وه‪##‬و ي‪##‬دل على أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت بش‪##‬أن‬ ‫قال األول(‪ :)7‬غير ّ‬
‫المؤمنين في مكة أيام كانوا مستضعفين‪.‬‬
‫سورة الزخرف‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬

‫الدر المنثور‪ .5/353 :‬وأسباب النزول بهامش الجاللين‪.2/65 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/212 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫لباب النقول بهامش الجاللين‪.2/68 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫لباب النقول بهامش الجاللين‪.2/68 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/213 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلتقان‪ ،1/16 :‬مجمع البيان‪.9/20 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التمهيد‪.1/214 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪271‬‬
‫سورة الزخرف مكية‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اس‪#‬ألْ َم ْن أرْ َس‪#‬لنَا ِم ْن قَ ْبلِ‪#‬كَ ِم ْن‬ ‫َ‬ ‫﴿و ْ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن اس‪#‬تثني منه‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫ُون ال‪#‬رَّحْ َم ِن آلِهَ‪#‬ةً يُ ْعبَ‪ُ #‬دونَ ﴾ [الزخ‪##‬رف‪ ،]45 :‬فق‪#‬د ق‪#‬ال مقات‪#‬ل‪ :‬ن‪#‬زلت‬ ‫ُر ُسلِنَا أَ َج َع ْلنَا ِم ْن د ِ‬
‫ببيت المقدس ليلة المعراج‪ ،‬وقيل‪ :‬نزلت بالمدينة(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬لكن اآلية مرتبطة بقريناته‪##‬ا المكتنف‪##‬ة به‪##‬ا ارتباط‪##‬ا وثيق‪##‬ا‪ ،‬وق‪##‬د‬
‫نزلت بشأن المشركين‪ ،‬أ ّما نزولها في السماء(‪ )3‬أو ببيت المقدس فال يجعلها مدنيّ‪##‬ة‪،‬‬
‫وإنّما هي مكيّة باعتبار نزولها‪ #‬قبل الهجرة‪.‬‬
‫سورة الجاثية‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الجاثية مكية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن اس‪#‬تثني‪ #‬منه‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬قُ‪#‬لْ لِلَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا يَ ْغفِ‪#‬رُوا لِلَّ ِذينَ اَل‬
‫ي قَوْ ًما بِ َما َكانُوا يَ ْك ِس‪#‬بُونَ ﴾ [الجاثي‪##‬ة‪ ،]14 :‬فق‪##‬د ق‪##‬ال قت‪##‬ادة‪ :‬ن‪##‬زلت‬ ‫يَرْ جُونَ أَيَّا َم هَّللا ِ لِيَجْ ِز َ‬
‫بالمدينة(‪.)4‬‬
‫قال األول(‪ :)5‬الصحيح أنّها من آيات الدعوة إلى الصفح‪ ،‬والتي ن‪##‬زلت بمك‪##‬ة‬
‫أيام كان المؤمنون مستضعفين‪.‬‬
‫سورة االحقاف‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة االحقاف مكية‪.‬‬
‫ق‪#‬ال الث‪#‬اني‪ :‬لكن اس‪#‬تثني‪ #‬منه‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ أَ َرأَ ْيتُ ْم إِ ْن َك‪#‬انَ ِم ْن ِع ْن‪ِ #‬د هَّللا ِ‬
‫يل َعلَى ِم ْثلِ ِه فَآ َمنَ َوا ْستَ ْكبَرْ تُ ْم إِ َّن هَّللا َ اَل يَهْ‪ِ ##‬دي‬
‫َو َكفَرْ تُْ‪#‬م بِ ِه َو َش ِه َ‪#‬د َشا ِه ٌد ِم ْن بَنِي إِس َْرائِ َ‬
‫ْالقَوْ َم الظَّالِ ِمينَ ﴾ [األحقاف‪ ،]10 :‬فقد أخرج الطبراني أنّها نزلت بالمدينة في قصة إسالم‬
‫عبد هّللا بن سالم(‪.)6‬‬
‫ق‪#‬ال األول(‪ :)7‬ال‪ ..‬ب‪##‬ل هي عام‪#‬ة‪ ،‬وإنّم‪#‬ا خصّ بن‪##‬و إس‪#‬رائيل بال‪##‬ذكر ـ هن‪##‬ا ـ‬
‫لمزيد عناية العرب آنذاك بهم وثقتهم بعلمهم‪ ..‬وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مسروق‪#‬‬
‫قال‪ :‬نزلت هذه اآلية بمكة بشأن المشركين‪ ،‬وهكذا أخرج بعدة أسانيد(‪.)8‬‬
‫ص‪ْ #‬ينَا‪ #‬اإْل ِ ْن َس‪#‬انَ بِ َوالِ َد ْي‪ِ #‬ه‬‫قال الث‪##‬اني‪ :‬فم‪##‬ا تق‪##‬ول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َو َّ‬
‫صالُهُ ثَاَل ثُونَ َش ْهرًا َحتَّى إِ َذا بَلَغَ‬ ‫إِحْ َسانًا َح َملَ ْتهُ أُ ُّمهُ ُكرْ هًا َو َو َ‬
‫ض َع ْتهُ ُكرْ هًا َو َح ْملُهُ َوفِ َ‬

‫مجمع البيان‪ .9/38 :‬والدر المنثور‪.6/19 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/214 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪ .9/70 :‬واإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تفسير الطبري‪.25/87 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫لباب النقول بهامش الجاللين‪ .2/72 :‬وتفسير الطبري‪ .26/8 :‬واإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التمهيد‪.1/215 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫تفسير الطبري‪ .26/7 :‬والدر المنثور‪.6/39 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪272‬‬
‫ي َو َعلَى‬ ‫‪#‬ال َربِّ أَوْ ِز ْعنِي أَ ْن أَ ْش‪ُ #‬ك َر نِ ْع َمتَ‪##‬كَ الَّتِي أَ ْن َع ْمتَ َعلَ َّ‬ ‫أَ ُش َّدهُ َوبَلَ َغ أَرْ بَ ِعينَ َس‪#‬نَةً قَ‪َ #‬‬
‫ك َوإِنِّي ِمنَ‬ ‫ْت إِلَ ْي‪َ #‬‬‫ص‪#‬لِحْ لِي فِي ُذرِّ يَّتِي إِنِّي تُب ُ‬ ‫ض‪#‬اهُ َوأَ ْ‬ ‫ص‪#‬الِحًا تَرْ َ‬ ‫‪#‬ل َ‬ ‫ي َوأَ ْن أَ ْع َم‪َ #‬‬ ‫َوالِ‪َ #‬د َّ‬
‫‪##‬او ُ‪#‬ز ع َْن َس‪##‬يِّئَاتِ ِه ْم فِي‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ْال ُم ْس‪##‬لِ ِمينَ أولَئِ‪##‬كَ ال ِذينَ نَتَقَبَّ ُل َع ْنهُ ْم أحْ َس‪##‬نَ َم‪##‬ا َع ِمل‪##‬وا َونَتَ َج َ‬
‫َ‬
‫‪#‬ال لِ َوالِ َد ْي ‪ِ #‬ه أُفٍّ لَ ُك َم‪##‬ا‬ ‫ق الَّ ِذي َك‪##‬انُوا يُو َع‪ُ #‬دونَ َوالَّ ِذي‪ #‬قَ‪َ #‬‬ ‫ب ْال َجنَّ ِة َو ْع‪َ #‬د ِّ‬
‫الص ‪ْ #‬د ِ‬ ‫ص ‪َ #‬حا ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫ك آ ِم ْن إِ َّن َو ْع‪َ ##‬د‬ ‫ت ْالقُ ُرونُ ِم ْن قَ ْبلِي َوهُ َما يَ ْست َِغيثَا ِن هَّللا َ َو ْيلَ َ‬ ‫أَتَ ِعدَانِنِي‪ #‬أَ ْن أُ ْخ َر َج َوقَ ْد َخلَ ِ‬
‫ق َعلَ ْي ِه ُم ْالقَ‪##‬وْ ُل فِي أُ َم ٍم قَ‪ْ #‬د‬ ‫اطي ُ‪#‬ر اأْل َ َّولِينَ أُولَئِ‪##‬كَ الَّ ِذينَ َح‪َّ #‬‬
‫ق فَيَقُو ُل َما هَ َذا إِاَّل أَ َس‪ِ #‬‬ ‫هَّللا ِ َح ٌّ‬
‫ات ِم َّما َع ِملُ‪##‬وا‬ ‫خَاس‪ِ ##‬رينَ َولِ ُك‪##‬لٍّ د ََر َج‪ٌ ##‬‬ ‫س إِنَّهُ ْم َك‪##‬انُوا ِ‬ ‫ت ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم ِمنَ ْال ِجنِّ َواإْل ِ ْن ِ‬ ‫خَ لَ ْ‬
‫ْ‬
‫َولِيُ َوفِّيَهُْ‪#‬م أ ْع َمالَهُ ْم َوهُ ْم اَل يُظلَ ُمونَ ﴾ [األحق‪##‬اف‪ ،]19-15 :‬فقد قي‪##‬ل‪ :‬ن‪##‬زلت اآلي‪##‬ات في أبي‬ ‫َ‬
‫ق والدي‪##‬ه‪ ،‬وهم‪##‬ا يح‪##‬اوالن‬ ‫بكر حيث ب ّر والدي‪##‬ه وفي ابن‪##‬ه عب‪##‬د ال‪##‬رحمن عن‪##‬د م‪##‬ا ع‪ّ #‬‬
‫إسالمه(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال األول ‪ : 2‬لكن اآلي‪##‬ات في كال الموض‪##‬عين عا ّم‪#‬ة‪ ،‬ب‪##‬دليل ص‪##‬يغة الجم‪##‬ع‪،‬‬ ‫)‬ ‫(‬
‫فاآليات تصوير تفص‪##‬يلي عن ال‪##‬ذي ي‪##‬ب ّر بوالدي‪##‬ه وال‪##‬ذي يعقّهم‪##‬ا بص‪##‬ورة عا ّمة(‪..)3‬‬
‫وعلى تقدير نزولها‪ #‬بشأن أبي بكر وابنه عبد الرحمن فال م‪##‬وجب لع‪ّ #‬دها مدنيّ‪##‬ة بع‪##‬د‬
‫أن كانت تلك القصة بشأنهما‪ #‬ـ على فرض الصحّة ـ بمكة‪.‬‬
‫سورة ق‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة ق مكية‪.‬‬
‫ض َو َما‬ ‫ت َواأْل َرْ َ‬ ‫اوا ِ‬ ‫﴿ولَقَ ْد َخلَ ْقنَا ال َّس َم َ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ب﴾ [ق‪ ،]38 :‬فقد روي‪ #‬أنها ن‪##‬زلت بالمدين‪##‬ة‪ ،‬ر ّدا‬ ‫بَ ْينَهُ َما فِي ِستَّ ِة أَي ٍَّام َو َما َم َّسنَا ِم ْن لُ ُغو ٍ‬
‫إن هّللا استراح ي‪##‬وم الس‪##‬بت بع‪##‬د أن خل‪##‬ق الس‪##‬ماوات واألرض في‬ ‫على قول اليهود‪ّ :‬‬
‫ستة أيام‪ ،‬من يوم األحد إلى يوم الجمعة(‪.)4‬‬
‫قال األول(‪ :)5‬نزولها ر ّدا على تلك الخراف‪##‬ات الباطل‪##‬ة ال ينفي كونه‪#‬ا‪ #‬مدني‪##‬ة؛‬
‫ألن العرب كانوا على اتص‪##‬ال دائم بأه‪##‬ل الكت‪##‬اب‪ ،‬وربّم‪##‬ا ك‪##‬انوا يأخ‪##‬ذون منهم‬ ‫ذلك ّ‬
‫مع‪###‬ارف‪ #‬م ّم‪###‬ا يخصّ خل‪###‬ق الس‪###‬ماوات واألرض‪ ،‬فك‪###‬انت مش‪###‬هورة بين الع‪###‬رب‬
‫المشركين‪ ،‬فهذا الر ّد ـ لو ص ّح أنّه ر ّد ـ ال يد ّل على أنّه نزل بالمدينة؛ فلع ّل الرواي‪##‬ة‬
‫القائل‪##‬ة بأنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت في اليه‪##‬ود‪ ،‬إنّم‪##‬ا تع‪##‬ني أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في تع‪##‬اليم ك‪##‬انوا بثّوه‪##‬ا بين‬
‫أن اآلي‪##‬ة مكيّ‪##‬ة م‪##‬ا ج‪##‬اء تفريع‪##‬ا عليه‪##‬ا‪ ،‬وه‪##‬و قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬ ‫الع‪##‬رب‪ ،‬والش‪##‬اهد‪ #‬على ّ‬
‫ب﴾ [ق‪:‬‬ ‫س َوقَ ْب‪َ #‬ل ْال ُغ‪ #‬رُو ِ‬ ‫الش‪ْ #‬م ِ‬ ‫‪#‬وع َّ‬‫ك قَ ْب‪َ #‬ل طُلُ‪ِ #‬‬ ‫﴿فَاصْ بِ ْ‪#‬ر َعلَى َما يَقُولُونَ َو َسبِّحْ بِ َح ْم‪ِ #‬د َربِّ َ‬
‫‪ ،]39‬والتي هي من آيات الصفح المكيّة‪.‬‬
‫سورة النجم‪:‬‬
‫الدر المنثور‪ .6/41 :‬وتفسير الطبري‪.26/13 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التمهيد‪.1/216 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجمع البيان‪.9/87 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدر المنثور‪ .6/110 :‬واإلتقان‪.1/16 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/217 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪273‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة النجم مكية‪.‬‬
‫ش إِاَّل‬ ‫اح َ‬ ‫‪#‬و ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫إْل‬ ‫َّ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله‪﴿ :‬ال ِذينَ يَجْ تَنِبُونَ َكبَ‪##‬ائِ َر ا ِ ث ِم َوالفَ‪َ #‬‬
‫ض َوإِ ْذ أَ ْنتُ ْم أ ِجنَّة فِي‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫اس ُع ْال َم ْغفِ‪َ #‬ر ِة هُ‪َ #‬و أَ ْعلَ ُم بِ ُك ْم إِ ْذ أَ ْن َش‪#‬أ َ ُك ْم ِمنَ اأْل َرْ ِ‬
‫ك َو ِ‬ ‫اللَّ َم َم إِ َّن َربَّ َ‬
‫ون أُ َّمهَاتِ ُك ْم فَاَل تُزَ ُّكوا أَ ْنفُ َس ُك ْم ه َُو أَ ْعلَ ُم بِ َم ِن اتَّقَى﴾ [النجم‪ ،]32 :‬فقد روي عن ث‪##‬ابت‬ ‫بُطُ ِ‬
‫بن الح‪#‬رث األنص‪#‬اري‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬ك‪#‬انت اليه‪#‬ود تق‪#‬ول ـ اذا هل‪#‬ك لهم ص‪#‬ب ّي ص‪#‬غير ـ‪:‬‬
‫ص ّديق‪ #..‬فبلغ ذلك رسول هّللا ‪ ‬فقال‪ :‬كذبوا‪ ،‬ما من نس‪##‬مة يخلقه‪##‬ا هّللا في بطن أ ّم‪##‬ه‬
‫إال أنّه شق ّي أو سعيد‪ ،‬فأنزل هّللا عند ذلك اآلية(‪.)1‬‬
‫قال األول‪ :‬الحديث ظاهر المخالفة للقرآن؛ فاهلل ال يميز الش‪##‬قي من عب‪##‬اده من‬
‫السعيد إال بما كسبت يداه‪ ،‬ال بعلمه فيه‪ ،‬وإال ارتف‪##‬ع التكلي‪##‬ف‪ ،‬وتوق‪##‬ف الج‪##‬زاء على‬
‫علم هللا فقط‪ ..‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن الرواية المذكورة ال عالق‪##‬ة له‪##‬ا باآلي‪##‬ة رأس‪##‬ا‪،‬‬
‫إن ه‪##‬ذا‬ ‫ألن قوله تعالى‪﴿ :‬أَ ْعلَ ُم بِ ُك ْم﴾ تعليل لقوله‪﴿ :‬واس‪##‬ع المغف‪##‬رة﴾‪ ..‬وه‪##‬و يع‪##‬ني(‪ّ :)2‬‬ ‫ّ‬
‫اإلنسان مفطور على اقتراف مطاليب أرضيّة سافلة وفقا لفطرته البش‪##‬ريّة المتر ّكب‪##‬ة‬
‫من نزعات ورغبات‪ ،‬وهّللا أعلم بذلك‪.‬‬
‫‪#‬رأَيْتَ الَّ ِذي تَ‪َ #‬ولَّى َوأَ ْعطَى‬ ‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَفَ‪َ #‬‬
‫‪#‬را ِهي َم‬ ‫وس‪#‬ى َوإِ ْب‪َ #‬‬ ‫ُف ُم َ‬ ‫ص‪#‬ح ِ‬ ‫ب فَه َُو يَ‪َ #‬رى أَ ْم لَ ْم يُنَبَّأْ بِ َم‪##‬ا فِي ُ‬ ‫قَلِياًل َوأَ ْكدَى أَ ِع ْن َدهُ ِع ْل ُم ْال َغ ْي ِ‬
‫ان إِاَّل َم‪##‬ا َس ‪َ #‬عى َوأَ َّن َس ‪ْ #‬عيَهُ‬ ‫ُ‬
‫از َرةٌ ِو ْز َ‪#‬ر أ ْخ‪َ #‬رى َوأَ ْن لَي َ‬
‫ْس لِإْل ِ ْن َس ‪ِ #‬‬ ‫‪#‬ز ُر َو ِ‬‫الَّ ِذي َوفَّى أَاَّل تَ‪ِ #‬‬
‫ف يُ َرى ثُ َّم يُجْ َزاهُ ْال َجزَ ا َء اأْل َوْ فَى﴾ [النجم‪ ،]41-33 :‬فقد قيل‪ :‬إنها نزلت في رجل أتى‬ ‫َسوْ َ‪#‬‬
‫النبي ‪ ‬عند خروجه إلى غ‪#‬زاة‪ ،‬يطلب مركب‪#‬ا‪ #‬وس‪#‬الحا فلم يج‪#‬د‪ ،‬فلقي ص‪#‬ديقا ل‪#‬ه‬
‫فقال‪ :‬أعطني شيئا‪ ،‬فق‪#‬ال‪ :‬أعطي‪#‬ك بك‪##‬ري ه‪#‬ذا على أن تتح ّم‪#‬ل ب‪##‬ذنوبي‪ ،‬فق‪#‬ال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فنزلت اآليات(‪.)3‬‬
‫قال األول‪ :‬لكن اآليات ال تنطبق على فحوى‪ #‬القص‪##‬ة في ش‪##‬يء‪ ،‬وإنّم‪##‬ا ن‪##‬زلت‬
‫في صنديد من صناديد‪ #‬قريش كما ذكر ذلك أبو جعفر الطبري(‪.)4‬‬
‫سورة القمر‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة القمر مكية‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْزَ‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها ثالث آيات‪ ..‬األولى‪ ،‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬سيُه ُم ال َج ْم ُع‬
‫ون ال ُّدبُ َر﴾ [القمر‪ ،]45 :‬فقد روي أنها نزلت يوم بدر(‪.)5‬‬ ‫َوي َُولُّ َ‪#‬‬
‫قال األول‪ :‬وهو غير صحيح‪ ..‬واآلي‪##‬ة ت‪##‬دل على ذل‪##‬ك‪ ،‬ألن فيه‪##‬ا وع‪##‬د بظف‪##‬ر‬

‫لباب النقول بهامش الجاللين‪ .2/89 :‬والدر المنثور‪.6/128 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/218 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدر المنثور‪.6/128 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الطبري‪ 27/41 :‬ـ ‪.42‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫لباب النقول بهامش الجاللين‪.2/90 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪274‬‬
‫المسلمين فيما يأتي‪ ،‬فتحقّق يوم بدر(‪.)1‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى في الثاني‪##‬ة والثالث‪##‬ة‪﴿ :‬إِ َّن ْال ُمتَّقِينَ‬
‫ر﴾ [القمر‪]55-54 :‬‬ ‫يك ُم ْقتَ ِد ٍ‬
‫ق ِع ْن َد َملِ ٍ‬‫ص ْد ٍ‬‫ت َونَهَ ٍ‪#‬ر فِي َم ْق َع ِد ِ‬ ‫فِي َجنَّا ٍ‬
‫قال األول‪ :‬فما دليل اسثنائها؟‬
‫قال الثاني‪ :‬ال أعرف‪ ..‬لكن هذا ما وجدته في المصاحف‪ #‬المستندة للمص‪##‬حف‬
‫األميري‪#.‬‬
‫قال األول‪ :‬ليس كل ما أثبت في ذلك صحيح‪ ..‬والسياق‪ #‬وحده كاف في إثب‪##‬ات‬
‫ارتباطها‪ #‬بما قبلها وما بعدها‪.‬‬
‫سورة الواقعة‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الواقعة مكية‪.‬‬
‫‪##‬رينَ ﴾‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪﴿ :‬ثُلَّةٌ ِمنَ اأْل َ َّولِينَ َوثُلَّةٌ ِمنَ اآْل ِخ ِ‬
‫فقص ‪#‬ها على‬ ‫ّ‬ ‫[الواقع‪##‬ة‪ ]40-39 :‬لم‪##‬ا رواه ابن مس‪##‬عود‪ #‬من رؤي‪##‬ا رآه‪##‬ا رس‪##‬ول هّللا ‪‬‬
‫أصحابه‪ ،‬ثم قرأ عليهم اآليتين‪ ،‬وهذه القصة كانت بالمدينة(‪.)2‬‬
‫قال األول(‪ :)3‬لكن قراءته ‪ ‬ال تد ّل على نزولهما‪ #‬حينذاك‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪#‬وم َوإِنَّهُ‬
‫‪#‬ع‪ #‬النُّ ُج‪ِ #‬‬ ‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَاَل أ ْق ِس ‪ُ #‬م بِ َم َواقِ‪ِ #‬‬
‫ب َم ْكنُ‪##‬و ٍن اَل يَ َم ُّس‪#‬هُ إِاَّل ْال ُمطَهَّرُونَ‬ ‫‪#‬ري ٌم فِي ِكتَ‪##‬ا ٍ‬ ‫آن َك‪ِ #‬‬ ‫َظي ٌم إِنَّهُ لَقُ‪##‬رْ ٌ‬
‫لَقَ َس‪ٌ #‬م لَ‪##‬وْ تَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ع ِ‬
‫ث أَ ْنتُ ْم ُم ْد ِهنُونَ َوتَجْ َعلُ‪##‬ونَ ِر ْزقَ ُك ْم أَنَّ ُك ْم تُ َك‪ِّ #‬ذبُونَ ﴾‬‫تَ ْن ِزي ٌل ِم ْن َربِّ ْال َعالَ ِمينَ أَفَبِهَ َذا ْال َح ِدي ِ‬
‫أن أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هّللا ‪‬‬ ‫[الواقع‪###‬ة‪ ،]82-75 :‬فق‪##‬د روى‪ #‬مس‪##‬لم والح‪##‬اكم وغيرهم‪##‬ا‪ّ :‬‬
‫أصيبوا‪ #‬بجدب‪ ،‬أو نفدت مياههم في سفر من األس‪##‬فار‪ ،‬أو في غ‪##‬زوة تب‪##‬وك‪ ،‬فش‪##‬كوا‬
‫إليه‪ ،‬فقام ‪ ‬وصلّى ركعتين ثم دعا هّللا ‪ ،‬فأرسل هّللا سحابة فأمطرت عليهم‪ ،‬فجعل‬
‫بعض المنافقين يس ّر إلى بعضهم‪ :‬إنّما مطرنا بنوء كذا‪ ،‬فنزلت اآليات(‪.)4‬‬
‫قال األول(‪ :)5‬لكن اآليات تأبى االنطب‪##‬اق‪ #‬على ه‪##‬ذه القص‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل هي ر ّد على‬
‫أن انسجام اآليات مع بعضها يجعل من قبول الرواية المذكورة‬ ‫منكري‪ #‬الوحي‪ ..‬كما ّ‬
‫مستحيال‪.‬‬
‫سورة الملك‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الملك مكية‪.‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن ما تقول فيما روي عن ابن عب‪##‬اس‪ :‬أن‪##‬زلت تب‪##‬ارك‪ #‬المل‪##‬ك في‬

‫مجمع البيان‪ .9/194 :‬واإلتقان‪ 1/17 :‬و‪.36‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجمع البيان‪.9/219 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/219 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اسباب النزول بهامش الجاللين‪ 2/92 :‬ـ ‪93‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/220 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪275‬‬
‫أهل مكة إاّل ثالث آيات(‪.)1‬‬
‫قال األول(‪ :)2‬ليس معنى هذا الكالم أنّها ن‪##‬زلت بمك‪##‬ة غ‪##‬ير ثالث آي‪##‬ات ن‪##‬زلن‬
‫أن‬ ‫بغيرها‪ ،‬وذلك ألنّه قال‪( :‬في أهل م ّكة)‪ ،‬ولم يقل‪ :‬في مكة أو بمكة‪ ..‬بل المع‪##‬نى‪ّ :‬‬
‫هذه السورة نزلت تقريعا وتشنيعا‪ #‬بأهل مكة أي المشركين‪ ،‬فك ّل آياتها تهديد وتوعيد‬
‫بشأنهم‪ ،‬غير ثالث آي‪##‬ات تخصّ المؤم‪##‬نين‪..‬أواله‪#‬ا‪ #‬قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ْخ َش‪#‬وْ نَ‬
‫‪#‬ل لَ ُك ُم‬ ‫‪#‬و الَّ ِذي َج َع‪َ #‬‬ ‫ب لَهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َوأَجْ ٌر َكبِيرٌ﴾ [المل‪##‬ك‪ ..]12 :‬والثانية قول‪##‬ه‪﴿ :‬هُ‪َ #‬‬ ‫َربَّهُ ْم بِ ْال َغ ْي ِ‬
‫ض َذلُواًل فَا ْم ُشوا فِي َمنَا ِكبِهَا َو ُكلُوا ِم ْن ِر ْزقِ ِه َوإِلَ ْي ِه النُّ ُشورُ﴾ [الملك‪ ..]15 :‬والثالثة‬ ‫اأْل َرْ َ‬
‫ض‪#‬اَل ٍل ُمبِي ٍن﴾‬ ‫‪#‬و فِي َ‬ ‫قوله‪﴿ :‬قُلْ ه َُو الرَّحْ َمنُ آ َمنَّا بِ‪ِ #‬ه َو َعلَ ْي‪ِ #‬ه تَ َو َّك ْلنَ‪##‬ا فَ َس‪#‬تَ ْعلَ ُمونَ َم ْن هُ‪َ #‬‬
‫[الملك‪ ..]29 :‬والصحيح ـ كما في حديث ابن خديج ـ‪ :‬أنّها نزلت جملة واحدة بمكة(‪.)3‬‬
‫سورة القلم‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة القلم مكية‪.‬‬
‫اب ْال َجنَّ ِة‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا بَلَوْ نَاهُْ‪#‬م َك َما بَلَوْ نَا أَصْ َح َ‬
‫ف ِم ْن َربِّكَ َوهُ ْم‬ ‫‪#‬اف َعلَ ْيهَ‪##‬ا طَ‪##‬ائِ ٌ‬ ‫ص ‪#‬بِ ِحينَ َواَل يَ ْس ‪#‬ت َْثنُونَ فَطَ‪#َ #‬‬ ‫ص ‪ِ #‬ر ُمنَّهَا‪ُ #‬م ْ‬ ‫إِ ْذ أَ ْق َس ‪ُ #‬موا لَيَ ْ‬
‫ص‪##‬بِ ِحينَ أَ ِن ا ْغ‪ ##‬دُوا َعلَى َح‪##‬رْ ثِ ُك ْ‪#‬م إِ ْن ُك ْنتُ ْم‬ ‫الص‪ِ ##‬ر ِيم فَتَنَ‪##‬ادَوْ ا‪ُ #‬م ْ‬ ‫ت َك َّ‬ ‫ص‪##‬بَ َح ْ‬ ‫نَ‪##‬ائِ ُمونَ فَأ َ ْ‬
‫ين َو َغ‪ #‬دَوْ ا َعلَى‬ ‫ار ِمينَ فَ‪##‬ا ْنطَلَقُوا‪َ #‬وهُ ْم يَتَ َخ‪##‬افَتُونَ أَ ْن اَل يَ‪ْ #‬د ُخلَنَّهَا ْاليَ‪##‬وْ َم َعلَ ْي ُك ْم ِم ْس‪ِ #‬ك ٌ‬ ‫ص‪ِ #‬‬ ‫َ‬
‫‪#‬ال أَوْ َس ‪#‬طُهُ ْم أَلَ ْم أَقُ‪##‬لْ‬‫َ‬ ‫‪#‬‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ونَ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُو‬ ‫ر‬ ‫حْ‬‫م‬‫َ‬ ‫نُ‬ ‫َحْ‬ ‫ن‬ ‫لْ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ونَ‬‫ُّ‬ ‫ال‬‫ض‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫َّ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وا‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َا‬ ‫ه‬ ‫وْ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ا‬
‫َّ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ينَ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫َح ٍ ِ ِ‬
‫د‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫رْ‬
‫ْض‬‫ْض‪##‬هُْ‪#‬م َعلَى بَع ٍ‬ ‫‪##‬ل بَع ُ‬ ‫لَ ُك ْم لَ‪##‬وْ اَل تُ َس‪##‬بِّحُونَ قَ‪##‬الُوا ُس‪##‬ب َْحانَ َربِّنَ‪##‬ا إِنَّا ُكنَّا ظَ‪##‬الِ ِمينَ فَأ َ ْقبَ َ‬
‫يَتَاَل َو ُمونَ قَالُوا‪ #‬يَا َو ْيلَنَا إِنَّا ُكنَّا طَا ِغينَ َع َسى َربُّنَ‪##‬ا أَ ْن يُ ْب‪ِ #‬دلَنَا خَ ْي‪#‬رًا ِم ْنهَ‪##‬ا إِنَّا إِلَى َربِّنَ‪##‬ا‬
‫ك ْال َع َذابُ َولَ َع َذابُ اآْل ِخ َر ِة أَ ْكبَ ُر لَوْ َكانُوا يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [القلم‪ ،]33-17 :‬وقول‪##‬ه‪:‬‬ ‫َرا ِغبُونَ َك َذلِ َ‬
‫ت إِ ْذ نَادَى َوه َُو َم ْكظُو ٌ‪#‬م لَ‪##‬وْ اَل أَ ْن تَدَا َر َك‪ #‬هُ‬ ‫ب ْالحُو ِ‬ ‫اح ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫﴿فَاصْ بِ ْ‪#‬ر لِ ُح ْك ِم َربِّكَ َواَل تَ ُك ْن َك َ‬
‫حينَ ﴾ [القلم‪-48 :‬‬ ‫َّ‬
‫الص‪#‬الِ ِ‬ ‫‪#‬ذ ُمو ٌم فَاجْ تَبَ‪##‬اهُ َربُّهُ فَ َج َعلَ‪#‬هُ ِمنَ‬ ‫نِ ْع َمةٌ ِم ْن َربِّ ِه لَنُبِ َذ بِ ْال َع َرا ِء َوه َُو َم‪ْ #‬‬
‫‪ ..]50‬فه‪##‬ذه عش‪##‬رون آي‪##‬ة ذك‪##‬ر أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت بالمدين‪##‬ة‪ ..‬وق‪##‬د روى ابن أبي ح‪##‬اتم وابن‬
‫أن أبا جهل قال يوم بدر‪ :‬خذوهم أخذا‪ ،‬فاربطوهم في الحبال‪ ،‬وال تقتلوا منهم‬ ‫جريح ّ‬
‫أحدا‪ ،‬فنزلت‪﴿ :‬إِنَّا بَلَوْ ناهُ ْم﴾(‪.)4‬‬
‫ق‪##‬ال الث‪##‬اني(‪ :)5‬ال توج‪##‬د مناس‪##‬بة ظ‪##‬اهرة بين كالم أبي جه‪##‬ل‪ ،‬وم‪##‬ا ورد في‬
‫اآليات المذكورة‪ ،‬ليكون الداعي لنزولها‪ ..‬والصحيح‪ :‬أنّه‪##‬ا ن‪##‬زلت بش‪##‬أن المش‪##‬ركين‬
‫اص ‪#‬بِرْ لِ ُح ْك ِم َربِّكَ ﴾ فهي من‬ ‫عموما‪ ،‬انسجاما مع بقية آيات السورة(‪ ..)6‬وأ ّما قوله‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫آيات الصفح المكيّة بال ريب‪.‬‬
‫الدر المنثور‪.6/246 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التمهيد‪.1/220 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدر المنثور‪.6/246 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدر المنثور‪.6/253 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التمهيد‪.1/221 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مجمع البيان‪ .10/336 :‬وتفسير الطبري‪.29/19 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪276‬‬
‫سورة الم ّزمل‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة الم ّزمل مكية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫﴿واصْ بِرْ َعلَى َما يَقولونَ َوا ْهجُ‪##‬رْ هُ ْم‬ ‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫هَجْ رًا َج ِمياًل َو َذرْ نِي َو ْال ُم َك ِّذبِينَ أُولِي النَّ ْع َم ِة َو َمه ِّْلهُ ْم قَلِياًل ﴾ [المزم‪##‬ل‪ ،]11-10 :‬كما حك‪##‬اه‬
‫األصبهاني‪.)1(#‬‬
‫قال األول‪ :‬اآليتان واضحتان في كونهما دع‪##‬وة للن‪##‬ب ّي ‪ ‬للص‪##‬بر تج‪##‬اه أذى‬
‫المشركين‪ ،‬فهما من آيات الصفح المكيّة‪ ،‬وال وجه لعدهما مدنيّتين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في اس‪##‬تثناء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن َربَّكَ يَ ْعلَ ُم أنَّكَ تَقُ‪##‬و ُم أ ْدنَى‬
‫ِم ْن ثُلُثَ ِي اللَّي ِْل َونِصْ فَهُ َوثُلُثَهُ َوطَائِفَةٌ ِمنَ الَّ ِذينَ َم َعكَ َوهَّللا ُ يُقَ ِّد ُر اللَّي َْل َوالنَّهَا َر َعلِ َم أَ ْن‬
‫ض‪#‬ى‪#‬‬ ‫َاب َعلَ ْي ُك ْم فَا ْق َر ُءوا َما تَيَ َّس َر ِمنَ ْالقُرْ آ ِن َعلِ َم أَ ْن َس‪#‬يَ ُكونُ ِم ْن ُك ْم َمرْ َ‬ ‫لَ ْن تُحْ صُوهُ فَت َ‬
‫يل هَّللا ِ‬‫ُون يُقَاتِلُونَ فِي َسبِ ِ‬ ‫ض يَ ْبتَ ُغونَ ِم ْن فَضْ ِل هَّللا ِ َوآ َخر َ‪#‬‬ ‫َوآ َخرُونَ يَضْ ِربُونَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ض‪#‬ا‪َ #‬ح َس‪#‬نًا َو َم‪#‬ا‬ ‫صاَل ةَ َوآتُوا ال َّز َكاةَ َوأَ ْق ِرضُوا هَّللا َ قَرْ ً‬ ‫فَا ْق َر ُءوا َما تَيَ َّس َ‪#‬ر ِم ْنهُ َوأَقِي ُموا ال َّ‬
‫اس‪#‬تَ ْغفِرُوا‪ #‬هَّللا َ إِ َّن‬ ‫تُقَ ِّد ُموا أِل َ ْنفُ ِس ُك ْم ِم ْن َخي ٍْر تَ ِجدُوهُ ِع ْن َد هَّللا ِ هُ‪َ #‬و خَ ْي‪#‬رًا َوأَ ْعظَ َم أَجْ‪ #‬رًا َو ْ‬
‫هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المزمل‪]20 :‬؟‬
‫قال األول(‪ :)2‬ير ّده م‪##‬ا أخرج‪##‬ه الح‪##‬اكم‪ :‬أنّ‪##‬ه ن‪##‬زل بع‪##‬د ن‪##‬زول ص‪##‬در الس‪##‬ورة‬
‫بسنة‪ ،‬وذلك حين فرض قيام الليل في أ ّول اإلسالم قبل فرض الصلوات الخمس(‪..)3‬‬
‫ومثله ما روى عبد بن حميد عن عكرمة‪ ،‬قال‪ :‬لبث المس‪##‬لمون بع‪##‬د ن‪##‬زول ﴿ي‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا‬
‫ق عليهم وتورّمت‪ #‬أق‪##‬دامهم‪ ،‬ح‪##‬تى ن‪##‬زل آخ‪##‬ر الس‪##‬ورة‪﴿ :‬فَ‪##‬ا ْق َر ُؤا‪ #‬م‪##‬ا‬ ‫ْال ُم َّز ِّملُ﴾ سنة فش ّ‬
‫تَيَ َّس َر ِم ْنهُ﴾(‪.)4‬‬
‫الص ‪#‬اَل ةَ َوآتُ‪##‬وا ال َّز َك‪##‬اةَ‬ ‫قال الثاني‪ :‬فما تقول في استثناء قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأَقِي ُموا‪َّ #‬‬
‫‪#‬و خَ ْي‪#‬رًا‬ ‫َوأَ ْق ِرضُوا‪ #‬هَّللا َ قَرْ ضًا َح َسنًا َو َما تُقَ ِّد ُموا أِل َ ْنفُ ِس‪ُ #‬ك ْم ِم ْن َخ ْي‪ٍ #‬‬
‫‪#‬ر تَ ِج‪ #‬دُوهُ ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ هُ‪َ #‬‬
‫ألن الصالة والزك‪##‬اة‬ ‫َوأَ ْعظَ َم أَجْ رًا َوا ْستَ ْغفِرُوا‪ #‬هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المزم‪##‬ل‪ّ ،]20 :‬‬
‫لم تفرضا بمكة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال األول‪ :‬ه‪##‬ذا اس‪##‬تدالل غ‪##‬ريب‪ ،‬ألن الص‪##‬الة هي أولى فريض‪##‬ة فرض‪##‬ت‬ ‫ّ‬
‫بمكة‪ ،‬وأ ّما الزكاة فليست هي الزكاة المفروضة بحدود‪ #‬وأنص‪##‬بة مق‪##‬ررة‪ ،‬وإنّم‪##‬ا هي‬
‫مطلق التص ّدق‪ #‬الذي ك‪##‬ان واجب‪##‬ا حين‪##‬ذاك‪ ،‬كم‪##‬ا في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذينَ هُ ْم لِل َّز َك‪##‬ا ِة‬
‫ر ِة ه ُ ْم َكافِرُونَ ﴾ [فصلت‪:‬‬ ‫فَا ِعلُونَ ﴾ [المؤمنون‪ ]4 :‬وقوله‪﴿ :‬الَّ ِذينَ اَل ي ُْؤتُونَ ال َّز َكاةَ َوهُ ْم بِاآْل ِخ َ‬
‫‪ ..]7‬نعم جاءت تفاصيل حدودها وأحكامها‪ #‬بالمدينة‪ ،‬أ ّما أصلها فك‪##‬انت واجب‪##‬ة بمك‪##‬ة‬
‫بال شك‪.‬‬

‫اإلتقان‪.1/17 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التمهيد‪.1/222 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.1/17 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الدر المنثور‪.6/280 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪277‬‬
‫قال الثاني‪ :‬فما تق‪##‬ول في االس‪##‬تدالل على االس‪##‬تثناء بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وآخَ‪ #‬رُونَ‬
‫يُقَاتِلُونَ فِي َسبِي ِل هَّللا ِ﴾‪ ،‬والقتال لم يشرّع أصال إاّل بالمدينة؟‬
‫ق‪##‬ال األول(‪ :)1‬في ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة ي‪##‬ذكر هللا تع‪##‬الى أس‪##‬باب تخفي‪##‬ف ذل‪##‬ك‬
‫التكليف الشديد‪ ،‬ومنها تشريع القتال بعدئ‪##‬ذ‪ ،‬من غ‪#‬ير أن يك‪##‬ون هن‪##‬اك دلي‪##‬ل ص‪##‬ريح‬
‫على إرادة فعليّته حينذاك‪.‬‬
‫سورة المرسالت‪:‬‬
‫ومنها أني مررت ب‪##‬آخرين‪ ،‬ق‪##‬ال أولهم‪##‬ا لص‪##‬احبه‪ :‬لق‪##‬د ذك‪##‬رت ل‪##‬ك س‪##‬ابقا أن‬
‫سورة المرسالت مكية‪.‬‬
‫‪#‬ل لَهُ ُم ارْ َك ُع‪##‬وا‪ #‬اَل يَرْ َك ُع‪##‬ونَ ﴾‬
‫﴿وإِ َذا قِي‪َ #‬‬
‫قال الثاني‪ :‬لكن استثني منها قوله تعالى‪َ :‬‬
‫هّللا‬
‫[المرسالت‪ ،]48 :‬فقد روي‪ #‬أنها نزلت في ثقيف حين أم‪##‬رهم رس‪##‬ول ‪ ‬بالص‪##‬الة‪،‬‬
‫فإن ذلك سبّة علينا(‪ ،)2‬وثقي‪##‬ف أس‪##‬لمت بع‪##‬د هج‪##‬رة رس‪##‬ول هللا ‪‬‬ ‫فقالوا‪ :‬ال ننحني‪ّ ،‬‬
‫إلى المدينة‪.‬‬
‫ق‪###‬ال األول ‪ : 3‬باإلض‪###‬افة إلى عم‪###‬وم اآلي‪###‬ة‪ ،‬إال أن س‪###‬ياقها‪ ،‬ي‪###‬دل على أن‬ ‫)‬ ‫(‬
‫المكذبين‪ ،‬هم مشركو العرب‪ ،‬وال معنى ألن يكون ه‪##‬ذا الموض‪#‬ع‪ #‬من الس‪##‬ورة خل‪##‬وا‬ ‫ّ‬
‫من هذه اآلية إلى أواخر س‪##‬ني الهج‪##‬رة ثم تكتم‪##‬ل‪ ،‬ألن ذل‪##‬ك يخ‪ّ #‬ل بفص‪##‬احة الس‪##‬ورة‬
‫أن الرك‪##‬وع هن‪##‬ا بمع‪##‬نى‪ :‬الخض‪##‬وع‪ #‬هّلل واالنقي‪##‬اد‬ ‫ويخلخل من نظمها المنسجم‪ ..‬على ّ‬
‫التا ّم ألوامره ونواهيه‪ ،‬ال الركوع‪ #‬المصطلح عليه كج‪##‬زء من الص‪##‬الة(‪ ،)4‬وق‪##‬د ج‪##‬اء‬
‫بهذا المعنى في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأَقِي ُموا ال َّ‬
‫صاَل ةَ َوآتُوا‪ #‬ال َّز َك‪##‬اةَ َوارْ َك ُع‪##‬وا‪َ #‬م‪َ #‬ع ال‪#‬رَّا ِك ِعينَ ﴾‬
‫ق‪ ،‬وحينها يك‪##‬ون المع‪##‬نى‪ :‬إذا قي‪##‬ل‬ ‫[البقرة‪ ..)5( ]43 :‬أو أريد به الخضوع واالنقياد للح ّ‬
‫لهم سلّموا واخشعوا أو انقادوا‪ ..‬وبذلك ال عالقة لآلية بإس‪##‬الم ثقي‪##‬ف‪ ،‬ب‪##‬ل هي عا ّم‪##‬ة‬
‫ق الصراح‪.‬‬ ‫حكاية عن صمود المشركين أمام الح ّ‬
‫‪ .3‬شبهات وردود‪:‬‬
‫بينم‪###‬ا كنت أتج‪###‬ول في تل‪###‬ك الش‪###‬وارع‪ ،‬ال أس‪###‬مع إال األح‪###‬اديث عن المكي‬
‫والم‪##‬دني‪ ،‬ط‪##‬رق‪ #‬س‪##‬معي ص‪##‬وت ع‪##‬ال‪ ،‬ي‪##‬دعو أه‪##‬ل الحي لالجتم‪##‬اع في س‪##‬احة من‬
‫ساحاته‪ ،‬وكان يردد‪ :‬لقد حضر أخ‪##‬يرا المتكلم‪##‬ون ال‪##‬ذين س‪##‬يردون على الش‪##‬به ال‪##‬تي‬
‫أثاره‪##‬ا أولئ‪##‬ك ال‪##‬ذين أس‪##‬اءوا فهم المكي والم‪##‬دني؛ فتص‪##‬وروا أن للق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪#‬‬
‫إصدارين مختلفين متناقضين‪ ..‬أحدهما مكي‪ ،‬والثاني مدني‪.‬‬
‫وما هي إال لحظات حتى رأيت الكثير من سكان ذلك الحي نسائهم ورجالهم‪،‬‬
‫وكهولهم وشبابهم‪ #،‬يسرعون إلى الس‪##‬احة ال‪##‬تي ذكره‪##‬ا‪ ،‬وك‪##‬أنهم على موع‪##‬د بح‪##‬دث‬
‫مهم انتظروه كثيرا‪.‬‬
‫التمهيد‪.1/222 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مجمع البيان‪.10/419 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التمهيد‪.1/223 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الطبري‪.29/150 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تفسير شبر‪ ،‬ص‪ 46‬و‪.545‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪278‬‬
‫سرت معهم إليها‪ ..‬وعندما وصلنا ف‪##‬وجئت‪ #‬بمعلمي يق‪##‬ف في المنص‪##‬ة‪ ،‬ومع‪##‬ه‬
‫بعض الشيوخ الذين يبدو عليهم الوقار‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬ه‪##‬ا ق‪##‬د ج‪##‬اء من انتظرتم‪##‬وهم ط‪##‬ويال‪ ..‬وهم س‪##‬يجيبونكم على ك‪##‬ل‬
‫األسئلة والشبه التي تطرحونها‪ #..‬فسلوا ما بدا لكم‪.‬‬
‫قام بعض الحض‪##‬ور‪ ،‬وق‪##‬ال(‪ :)1‬لع‪##‬ل أول الش‪##‬به وأكثره‪#‬ا‪ #‬انتش‪##‬ارا بين أولئ‪##‬ك‬
‫الذين يدعون االستنارة بيننا هي ذك‪##‬رهم‪ #‬أن للق‪##‬رآن الك‪##‬ريم أس‪##‬لوبين متعارض‪##‬ين ال‬
‫تربط األول بالثاني ص‪##‬لة وال عالق‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬و م‪##‬ا جعلهم يتوهم‪##‬ون أن الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫خضع لظروف‪ #‬مختلفة‪ ،‬وتأثر‪ #‬ببيئات متباينة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬فهم يذكرون مثال أن القسم المكي من القرآن الك‪##‬ريم يمت‪##‬از‪ #‬بك‪##‬ل‬
‫مميزات األوساط‪ #‬المنحطة‪ ،‬بخالف القسم المدني من‪##‬ه‪ ،‬وال‪##‬ذي تل‪##‬وح علي‪##‬ه أم‪##‬ارات‬
‫الثقافة واالستنارة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬وهم يس‪##‬تدلون ل‪##‬ذلك‪ ،‬ب‪##‬أن القس‪##‬م المكي يتف‪##‬رد ب‪##‬العنف والش‪##‬دة‬
‫والقسوة والحدة والغضب والسباب والوعيد والتهدي‪##‬د‪ ..‬ويض‪##‬ربون المث‪#‬ل على ذل‪##‬ك‬
‫﴿و ْال َعصْ ِ‪#‬ر إِ َّن اأْل ِ ْن َس ‪#‬انَ لَفِي ُخ ْس ‪ٍ #‬ر﴾ وس‪##‬ورة‬‫ب َوتَبَّ ﴾ وسورة َ‬‫َّت يَدَا أَبِي لَهَ ٍ‬
‫بسورة ﴿تَب ْ‬
‫ب إِ َّن َربَّ َ‬
‫ك‬ ‫﴿أَ ْلهَ‪##‬ا ُك ُم التَّ َك‪##‬اثُرُ﴾ وبمث‪##‬ل قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ َ‬
‫ص‪##‬بَّ َعلَ ْي ِه ْم َربُّكَ َس‪##‬وْ طَ عَ‪َ ##‬ذا ٍ‬
‫صا ِد﴾‪ ..‬إلى غير ذلك من اآليات الكثيرة‪.‬‬ ‫لَبِ ْال ِمرْ َ‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)4‬وطبع‪##‬ا هم اس‪##‬تثمروا في ه‪##‬ذه الش‪##‬بهة م‪##‬ا ذك‪##‬ره علماؤن‪##‬ا من‬
‫خص‪##‬ائص المكي والم‪##‬دني‪ ،‬واالختالف‪##‬ات بينهم‪##‬ا‪ ..‬ومبالغ‪##‬ة البعض في ذل‪##‬ك إلى‬
‫الدرجة التي مكنت من هذه الشبهة‪ ،‬وسهلت انتشارها‪.‬‬
‫قام كبير المتكلمين‪ ،‬وقال(‪ :)5‬لقد سمعنا هذه الشبهة؛ فائ‪##‬ذنوا لن‪##‬ا في جوابه‪##‬ا‪..‬‬
‫وبحسب ما يقضته المنهج العلمي الذي يشخص القضايا قبل الحكم عليه‪##‬ا‪ ..‬وعن‪##‬دما‬
‫تأملنا فيما طرحتموه‪ ،‬نجد أن الشبهة تتألف من ثالث عل‪#‬ل نحت‪##‬اج إلى اإلجاب‪#‬ة على‬
‫ك‪##‬ل واح‪##‬دة منه‪##‬ا‪ ..‬وهي أن القس‪##‬م المكي تف‪##‬رد ب‪##‬العنف والش‪##‬دة‪ ..‬وأن في‪##‬ه س‪##‬بابا‬
‫وإق‪##‬ذاعا‪ ..‬وأن‪##‬ه يمت‪##‬از بك‪##‬ل م‪##‬يزات األوس‪##‬اط‪ #‬المنحط‪##‬ة‪ ..‬والغ‪##‬رض من ك‪##‬ل ه‪##‬ذا‬
‫الوصول‪ #‬إلى أن القرآن الكريم مفكك األجزاء‪ ،‬غير متص‪##‬ل الحلق‪##‬ات‪ ،‬وأن‪##‬ه خاض‪##‬ع‬
‫للظروف متأثر بالبيئة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬وغرضهم األكبر من هذا مع‪##‬روف‪ #‬طبع‪##‬ا‪ ،‬وه‪##‬و اس‪##‬تخدام‪ #‬المكي‬
‫والمدني‪ #‬وسيلة إلثبات أن القرآن الكريم ليس كالم هللا‪ ،‬وليس معجزا‪ ،‬وإنما هوكالم‬
‫محمد الذي تأثر أوال بأهل مكة فكان كالمه خش‪#‬نا بعي‪#‬دا عن المع‪##‬ارف العالي‪##‬ة ال‪#‬تي‬
‫مناهل العرفان (‪)1/205‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/205‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/205‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/205‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/205‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/205‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪279‬‬
‫اكتسبها من أهل الكتاب في المدينة‪.‬‬
‫العنف والشدة‪:‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬فأما اعتبارهم القسم المكي متفردا بالعنف والشدة؛ فغير صحيح‪،‬‬
‫ذلك أن في القس‪##‬م الم‪##‬دني ش‪##‬دة وعنف‪##‬ا‪ ..‬ألن ض‪##‬رورة التربي‪##‬ة الرش‪##‬يدة في إص‪##‬الح‬
‫األفراد‪ #‬والشعوب وسياسة األمم والدول تقضي أن يمزج المصلح في ق‪##‬انون هدايت‪##‬ه‬
‫بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد والشدة واللين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثل‪#‬ة على ذل‪#‬ك قول‪#‬ه تع‪#‬الى في س‪#‬ورة البق‪#‬رة وهي مدني‪#‬ة‪:‬‬
‫ت‬ ‫ار الَّتِي َوقُو ُدهَ‪###‬ا النَّاسُ َو ْال ِح َج‪###‬ا َرةُ أُ ِع‪َّ ###‬د ْ‬ ‫﴿فَ‪###‬إِ ْن لَ ْم تَ ْف َعلُ‪###‬وا َولَ ْن تَ ْف َعلُ‪###‬وا فَ‪###‬اتَّقُوا النَّ َ‬
‫لِ ْل َكافِ ِرينَ ﴾ [البقرة‪ ..]24 :‬وفيها‪ #‬في التحذير من الربا‪﴿ :‬الَّ ِذينَ يَأْ ُكلُونَ ال ِّربَا اَل يَقُو ُمونَ إِاَّل‬
‫الش‪ْ #‬يطَانُ ِمنَ ْال َمسِّ َذلِ‪##‬كَ بِ‪##‬أَنَّهُ ْم قَ‪##‬الُوا إِنَّ َم‪##‬ا ْالبَ ْي‪ُ #‬ع ِم ْث‪ُ #‬ل الرِّ بَ‪##‬ا‬ ‫َك َما يَقُو ُم الَّ ِذي يَتَ َخبَّطُ‪#‬هُ َّ‬
‫َوأَ َح َّل هَّللا ُ ْالبَ ْي َع َو َح َّر َ‪#‬م الرِّ بَا فَ َم ْن َجا َءهُ َموْ ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ِه فَا ْنتَهَى‪ #‬فَلَ‪#‬هُ َم‪#‬ا َس‪#‬لَفَ َوأَ ْم‪ُ #‬رهُ‬
‫ار هُ ْم فِيهَا خَالِ ُدونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ..]275 :‬وفيه ‪#‬ا‪ #‬قول‪##‬ه‬ ‫ك أَصْ َحابُ النَّ ِ‬ ‫إِلَى هَّللا ِ َو َم ْن عَا َد فَأُولَئِ َ‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ فَ‪#‬إِ ْن لَ ْم‬ ‫تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َو َذرُوا‪َ #‬ما بَقِ َي ِمنَ الرِّ بَ‪##‬ا إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم‪ْ #‬‬
‫َظلِ ُم‪##‬ونَ َواَل‬ ‫‪#‬والِ ُك ْم اَل ت ْ‬ ‫ب ِمنَ هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َوإِ ْن تُ ْبتُ ْم فَلَ ُك ْم ُر ُءوسُ أَ ْم‪َ #‬‬ ‫تَ ْف َعلُوا فَأْ َذنُوا بِ َحرْ ٍ‬
‫ظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪]279-278 :‬‬ ‫تُ ْ‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران وهي مدني‪##‬ة‬
‫ك هُ ْم‬ ‫كذلك‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا لَ ْن تُ ْغنِ َي َع ْنهُ ْم أَ ْم َوالُهُ ْم َواَل أَوْ اَل ُدهُْ‪#‬م ِمنَ هَّللا ِ َش ْيئًا َوأُولَئِ‪َ ##‬‬
‫ب آ ِل فِرْ عَوْ نَ َوالَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم َك َّذبُوا‪ #‬بِآيَاتِنَا فَأَخَ َذهُ ُم هَّللا ُ بِ ُذنُوبِ ِه ْ‪#‬م َوهَّللا ُ‬ ‫ار َكد َْأ ِ‬ ‫َوقُو ُد النَّ ِ‬
‫ال ِمهَادُ﴾ [آل عمران‪:‬‬ ‫س ْ‬ ‫ب قُلْ لِلَّ ِذينَ َكفَرُوا َستُ ْغلَبُونَ َوتُحْ َشرُونَ إِلَى َجهَنَّ َم َوبِ ْئ َ‬ ‫َش ِدي ُد ْال ِعقَا ِ‬
‫‪#‬والُهُ ْم َواَل أَوْ اَل ُدهُ ْم ِمنَ‬ ‫‪ ..]12-10‬وفيها‪ #‬قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَ‪#‬رُوا لَ ْن تُ ْغنِ َي َع ْنهُ ْم أَ ْم‪َ #‬‬
‫ُ‬
‫ار ه ُ ْم فِيهَا خَالِ ُدونَ ﴾ [آل عمران‪]116 :‬‬ ‫هَّللا ِ َش ْيئًا َوأولَئِكَ أَصْ َحابُ النَّ ِ‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬ثم إن دع‪##‬واهم انف‪##‬راد المكي ب‪##‬العنف والش‪##‬دة يفهم من‪##‬ه دع‪##‬وى‬
‫انفراد المدني باللين والص‪##‬فح‪ ،‬ودع‪##‬وى خل‪##‬و المكي من ذل‪##‬ك اللين والص‪##‬فح‪ ،‬وه‪##‬ذا‬
‫المفهوم باطل كمنطوقه أيضا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬واألمثلة على ذلك أكثر من أن نحصرها هنا‪ ..‬ف‪##‬بين الس‪##‬ور المكي‪##‬ة‬
‫آيات كريمة كثيرة تفيض لينا وصفحا‪ ،‬كما في قوله تعالى في سورة فصلت المكية‪:‬‬
‫‪#‬ال إِنَّنِي ِمنَ ْال ُم ْس ‪#‬لِ ِمينَ َواَل‬ ‫ص ‪#‬الِحًا َوقَ‪َ #‬‬ ‫‪#‬ل َ‬ ‫﴿ َو َم ْن أَحْ َس ‪#‬نُ قَ‪##‬وْ اًل ِم َّم ْن َد َع‪##‬ا إِلَى هَّللا ِ َو َع ِم‪َ #‬‬
‫تَ ْست َِوي‪ْ #‬ال َح َسنَةُ َواَل ال َّسيِّئَةُ ا ْدفَ ْع بِالَّتِي ِه َي أَحْ َسنُ فَ‪#‬إِ َذا الَّ ِذي بَ ْينَ‪##‬كَ َوبَ ْينَ‪#‬هُ َع‪ #‬دَا َوةٌ َكأَنَّهُ‬
‫يم﴾ [فصلت‪]35-33 :‬‬ ‫َظ ٍ‬‫ظع ِ‬ ‫صبَرُوا‪َ #‬و َما يُلَقَّاهَا إِاَّل ُذو َح ٍّ‬ ‫َولِ ٌّي َح ِمي ٌم َو َما يُلَقَّاهَا إِاَّل الَّ ِذينَ َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله تع‪##‬الى في س‪##‬ورة الش‪##‬ورى‪ #‬المكي‪##‬ة‪﴿ :‬فَ َم‪##‬ا أُوتِيتُ ْم ِم ْن‬
‫ع ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َو َما ِع ْن َد هَّللا ِ خَ ْي ‪ٌ #‬ر َوأَ ْبقَى لِلَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َو َعلَى َربِّ ِه ْم يَت ََو َّكلُ‪##‬ونَ‬ ‫َش ْي ٍء فَ َمتَا ُ‬
‫اس‪##‬ت ََجابُوا‬ ‫ضبُوا هُ ْم يَ ْغفِرُونَ َوالَّ ِذينَ ْ‬ ‫ش َوإِ َذا َما َغ ِ‬ ‫اح َ‬ ‫َوالَّ ِذينَ يَجْ تَنِبُونَ َكبَائِ َر اإْل ِ ْث ِم َو ْالفَ َو ِ‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/206‬‬
‫‪ )(2‬مناهل العرفان (‪)1/207‬‬
‫‪280‬‬
‫ورى‪ #‬بَ ْينَهُ ْم َو ِم َّما َرزَ ْقنَ‪##‬اهُ ْم يُ ْنفِقُ‪##‬ونَ َوالَّ ِذينَ إِ َذا‬ ‫الص‪##‬اَل ةَ َوأَ ْم‪ُ ##‬رهُْ‪#‬م ُش‪َ ##‬‬ ‫‪##‬ربِّ ِه ْم َوأَقَ‪##‬ا ُموا َّ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ص‪#‬لَ َح فَ‪##‬أجْ ُرهُ َعلَى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫َصرُونَ َو َجزَ ا ُء َسيِّئَ ٍة َسيِّئَة ِمثلهَا فَ َم ْن َعفَا َوأ ْ‬ ‫ي هُ ْم يَ ْنت ِ‬ ‫ْ‬
‫صابَهُ ُ‪#‬م البَ ْغ ُ‬ ‫أَ َ‬
‫يل إِنَّ َم‪##‬ا‬ ‫‪#‬ك َم‪##‬ا َعلَ ْي ِه ْم ِم ْن َس‪#‬بِ ٍ‬ ‫ص َر بَ ْع‪َ #‬د ظُ ْل ِم‪ِ #‬ه فَأُولَئِ‪#َ #‬‬ ‫هَّللا ِ إِنَّهُ اَل يُ ِحبُّ الظَّالِ ِمينَ َولَ َم ِن ا ْنتَ َ‬
‫ق أُولَئِ‪#‬كَ لَهُ ْم َع‪َ #‬ذابٌ‬ ‫ض بِ َغي ِْر ْال َح ِّ‬ ‫اس َويَ ْب ُغونَ فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ظلِ ُمونَ النَّ َ‬ ‫ال َّسبِي ُل َعلَى الَّ ِذينَ يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫أَلِي ٌم َولَ َم ْن َ‬
‫ور﴾ [الشورى‪]43-36 :‬‬ ‫ك لَ ِم ْن ع َْز ِم اأْل ُم ِ‬ ‫صبَ َر َو َغفَ َر إِ َّن َذلِ َ‬
‫ك َس ‪ْ #‬بعًا‬ ‫﴿ولَقَ ‪ْ #‬د آتَ ْينَ‪##‬ا َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله تعالى في سورة الحجر المكية‪َ :‬‬
‫ك إِلَى َما َمتَّ ْعنَا بِ ِه أَ ْز َواجً‪##‬ا ِم ْنهُ ْم َواَل تَحْ ‪ #‬زَ ْن‬ ‫ِمنَ ْال َمثَانِي َو ْالقُرْ آنَ ْال َع ِظي َم اَل تَ ُم َّد َّن َع ْينَ ْي َ‬
‫‪###‬ؤ ِمنِينَ َوقُ‪###‬لْ إِنِّي أَنَ‪###‬ا النَّ ِذي ُر ْال ُمبِينُ َك َم‪###‬ا أَ ْنزَ ْلنَ‪###‬ا َعلَى‬ ‫اخفِضْ َجنَا َح‪###‬كَ لِ ْل ُم ْ‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم َو ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّك لَن َْس‪#‬ألَنَّهُ ْم أجْ َم ِعينَ َع َّما َك‪##‬انُوا يَ ْع َملُ‪##‬ونَ‬ ‫ض‪#‬ينَ فَ َو َرب َ‪#‬‬ ‫ْال ُم ْقتَ ِس ِمينَ ال ِذينَ َج َعلُوا القُرْ آنَ ِع ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫فَاصْ َد ْ‪#‬ع بِ َما تُ ْؤ َم ُ‪#‬ر َوأَ ْع ِرضْ ع َِن ْال ُم ْش ِر ِكينَ إِنَّا َكفَ ْينَاكَ ْال ُم ْستَه ِْزئِينَ الَّ ِذينَ يَجْ َعلُونَ َم‪َ #‬ع‬
‫ُك بِ َم‪##‬ا يَقُولُ‪##‬ونَ فَ َس‪#‬بِّحْ بِ َح ْم‪ِ #‬د‬ ‫ص ْدر َ‪#‬‬‫ق َ‬ ‫ضي ُ‬ ‫ف يَ ْعلَ ُمونَ َولَقَ ْد نَ ْعلَ ُم أَنَّكَ يَ ِ‬ ‫هَّللا ِ إِلَهًا آ َخ َر فَ َسوْ َ‪#‬‬
‫اليَقِينُ ﴾ [الحجر‪]99-87 :‬‬ ‫ْ‬
‫ك َو ُك ْن ِمنَ السَّا ِج ِدينَ َوا ْعبُ ْد َربَّكَ َحتَّى يَأتِيَكَ ْ‬ ‫َربِّ َ‬
‫ي الَّ ِذينَ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله تعالى في سورة الزمر المكية‪﴿ :‬قُلْ يَا ِعبَ‪##‬ا ِد َ‬
‫‪#‬و‬ ‫وب َج ِمي ًع‪##‬ا إِنَّهُ هُ‪َ #‬‬ ‫أَ ْس َرفُوا َعلَى أَ ْنفُ ِس ِه ْم اَل تَ ْقنَطُ‪##‬وا ِم ْن َرحْ َم‪ِ #‬ة هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ يَ ْغفِ‪ُ #‬ر ال‪#ُّ #‬ذنُ َ‬
‫َّحي ُم﴾ [الزمر‪]53 :‬‬ ‫ْال َغفُو ُر الر ِ‬
‫التقريع والتوبيخ‪:‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬أما ادعاؤهم أن في القسم المكي من القرآن الكريم سبابا وفحشا‪#..‬‬
‫‪#‬وا ِه ِه ْ‪#‬م إِ ْن يَقُولُ‪##‬ونَ إِاَّل‬ ‫ت َكلِ َم‪ #‬ةً ت َْخ‪ُ #‬ر ُج ِم ْن أَ ْف َ‬ ‫‪#‬ر ْ‬ ‫فهو من جهلهم بالقرآن الك‪##‬ريم‪َ ﴿ ..‬كبُ‪َ #‬‬
‫َك ِذبًا﴾ [الكهف‪ ،]5 :‬ونحن نتحداهم أن يأتوا بمثال واح‪##‬د في الق‪##‬رآن كل‪##‬ه مكي‪##‬ه ومدني‪##‬ه‬
‫يحوي ما ذكروه من البذاءة والفحش‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬هل يعقل أن يحوي‪ #‬الكتاب المق‪##‬دس ال‪##‬ذي ج‪##‬اء يعلم الن‪##‬اس أص‪##‬ول‬
‫اآلداب أن يخرج هوعن تلك األصول‪ ..‬إنه بذلك يصبح غرض‪##‬ا لك‪##‬ل منتقدي‪##‬ه ال‪##‬ذين‬
‫يذكرون تناقضه بين ما يدعو إليه‪ ،‬وبين ما يحويه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬كيف يحوي القرآن الكريم السباب والشتائم‪ ،‬وه‪##‬و ال‪##‬ذي ح‪##‬رم على‬
‫﴿واَل ت َُس‪#‬بُّوا الَّ ِذينَ يَ‪ْ #‬د ُعونَ‬ ‫المؤمنين به أن يسبوا أعداءه المشركين‪ ،‬كما ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫ْ‪##‬ر ِع ْل ٍم َك‪َ ##‬ذلِكَ زَ يَّنَّا لِ ُك‪##‬لِّ أ َّم ٍة َع َملهُ ْم ث َّم إِلى َربِّ ِه ْم‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِم ْن دُو ِن هَّللا ِ فَيَ ُس‪##‬بُّوا هَّللا َ عَ‪ْ ##‬د ًوا بِ َغي ِ‬
‫ج ُعهُ ْ‪#‬م فَيُنَبِّئُه ُ ْم بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ ﴾ [األنعام‪]108 :‬‬ ‫َمرْ ِ‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬إن م‪#‬ا ي‪#‬ذكره ه‪#‬ؤالء ال يختل‪#‬ف عن ق‪#‬ول المش‪#‬ركين ال‪#‬ذين ك‪#‬انوا‬
‫يعتبرون نقد القرآن الكريم الشديد للعقائ‪##‬د والس‪##‬لوكات الجاهلي‪##‬ة س‪##‬با وش‪##‬تائم‪ #..‬فمن‪##‬ذ‬
‫متى كان النهي عن المنكر والدعوة لتغييره سبابا وشتائم؟‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ولذلك؛ إن أرادوا بالس‪##‬ب والش‪##‬تائم ال‪##‬دعوة للتغي‪##‬ير واإلص‪##‬الح؛‬
‫فإن القرآن كله ـ ال في القسم المكي وحده ـ تسفيها ألحالم المتنطعين الذين يص‪##‬مون‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/208‬‬
‫‪ )(2‬مناهل العرفان (‪)1/208‬‬
‫‪281‬‬
‫آذانهم‪ ،‬ويغمضون أعينهم عن الحق‪ ،‬ويهملون الحجج والبراهين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وهوفي‪ #‬ذلك شديد عنيف‪ ..‬بيد أنه في شدته وعنفه لم يخ‪##‬رج عن‬
‫جادة األدب ولم يعدل عن سنن الحق‪ ،‬ولم يصدف‪ #‬عن س‪##‬بيل الحكم‪##‬ة‪ ..‬ب‪##‬ل الحكم‪##‬ة‬
‫تتقاضاه أن يشتد مع هؤالء ألنهم يستحقون الشدة‪ ..‬ومن مصلحتهم هم ومن الرحم‪#‬ة‬
‫بهم والخ‪##‬ير لهم أن يش‪##‬تد عليهم ل‪##‬يرعووا‪ #‬عن ب‪##‬اطلهم ويص‪##‬يخوا إلى ص‪##‬وت الح‪##‬ق‬
‫والرشد‪ #‬ويسيروا‪ #‬على هدى الدليل والحجة على حد قول القائل‪:‬‬
‫فليقس أحيان‪########‬ا على من‬ ‫قس‪###‬ا ل‪###‬يزدجروا ومن ي‪###‬ك‬
‫ي‪################################‬رحم‬ ‫حازما‬
‫قال آخر(‪ :)2‬أضف إلى ذلك أن ه‪##‬ذا التفري‪##‬ع الحكيم تج‪##‬ده في الس‪##‬ور‪ #‬المدني‪##‬ة‬
‫كما تجده في السور المكية‪ ..‬وإن كان في المكي أكثر من المدني ألن أهل مكة كانوا‬
‫أشداء العارضة‪ ،‬صعاب الم‪#‬راس‪ ،‬مس‪##‬رفين في العن‪#‬اد واإلب‪##‬اء‪ ،‬لم ي‪##‬تركوا باب‪##‬ا من‬
‫الشر إال دخلوه على رسول هللا ‪ ‬وأص‪#‬حابه‪ ،‬ولم يكفهم أن يخ‪#‬رج من بل‪#‬ده وأهل‪#‬ه‬
‫بليل‪ ،‬بل وجهوا‪ #‬إليه األذى في مهاجره‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬ومن األمثل‪##‬ة على م‪##‬ا في الس‪##‬ور المدني‪##‬ة من التقري‪##‬ع والت‪##‬وبيخ‬
‫ال‪#‬ذي تقتض‪#‬يه ال‪#‬دعوة واإلص‪#‬الح‪ ،‬قول‪#‬ه تع‪#‬الى من س‪#‬ورة البق‪#‬رة المدني‪#‬ة في ش‪#‬أن‬
‫المشركين‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا َس َوا ٌء َعلَ ْي ِه ْم أَأَ ْن‪َ #‬ذرْ تَهُْ‪#‬م أَ ْم لَ ْم تُ ْن‪ِ #‬ذرْ هُْ‪#‬م اَل ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ َختَ َم هَّللا ُ‬
‫َظي ٌم﴾ [البقرة‪]7-6 :‬‬ ‫اوةٌ َولَهُ ْم َع َذابٌ ع ِ‬ ‫ار ِه ْم ِغ َش َ‬ ‫ص ِ‬ ‫َعلَى قُلُوبِ ِه ْ‪#‬م َو َعلَى َس ْم ِع ِه ْم َو َعلَى أَ ْب َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى في س‪##‬ورة البق‪##‬رة أيض‪##‬ا في ش‪##‬أن‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ يُخَ‪##‬ا ِد ُعونَ‬ ‫اس َم ْن يَقُو ُل آ َمنَّا بِاهَّلل ِ َوبِ ْاليَوْ ِم اآْل ِخ ِر َو َما هُ ْم بِ ُم‪ْ #‬‬ ‫المنافقين‪َ ﴿ :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫هَّللا َ َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َما يَ ْخ َد ُعونَ إِاَّل أَ ْنفُ َسهُ ْم َو َما يَ ْش ُعرُونَ فِي قُلُوبِ ِه ْم َم َرضٌ فَزَا َدهُ ُ‪#‬م هَّللا ُ‬
‫ض قَ‪##‬الُوا‬ ‫‪#‬ل لَهُ ْم اَل تُ ْف ِس‪#‬دُوا فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ضا‪َ #‬ولَهُ ْم َع َذابٌ أَلِي ٌم بِ َما َكانُوا يَ ْك ِذبُونَ َوإِ َذا قِي‪َ #‬‬ ‫َم َر ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫إِنَّ َما نَحْ نُ ُمصْ لِحُونَ أاَل إِنهُ ْم هُ ُم ال ُمف ِس ُدونَ َول ِك ْن اَل يَش ُعرُونَ َوإِذا قِي َل لهُ ْم آ ِمن‪##‬وا َك َم‪##‬ا‬
‫الس ‪#‬فَهَا ُء َولَ ِك ْن اَل يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ َوإِ َذا‬ ‫الس ‪#‬فَهَا ُء أَاَل إِنَّهُ ْم هُ ُم ُّ‬ ‫آ َمنَ النَّاسُ قَالُوا‪ #‬أَنُ ْؤ ِمنُ َك َما آ َمنَ ُّ‬
‫اطينِ ِه ْم قَ‪###‬الُوا إِنَّا َم َع ُك ْم إِنَّ َم‪###‬ا نَحْ نُ‬ ‫لَقُ‪###‬وا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪###‬وا قَ‪###‬الُوا آ َمنَّا َوإِ َذا َخلَ‪###‬وْ ا إِلَى َش‪###‬يَ ِ‬
‫ئ بِ ِه ْم َويَ ُم ُّدهُ ْم فِي طُ ْغيَ‪##‬انِ ِه ْم يَ ْع َمهُ‪##‬ونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ..]15-8 :‬فك‪#‬ل ه‪#‬ذه‬ ‫ُم ْستَه ِْزئُونَ هَّللا ُ يَ ْستَه ِْز ُ‬
‫اآليات الكريمة مليئة بالتوبيخ والتعنيف‪ #‬ألولئ‪#‬ك المخ‪##‬ادعين ال‪#‬ذين ينفث‪##‬ون س‪#‬مومهم‬
‫ويفسدون المجتمع بسالح خطير‪ #‬ذي حدين هوسالح النفاق والذبذبة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك نقرأ في هذه السورة المدنية نفسها في شأن اليه‪##‬ود‪ #‬آي‪##‬ات‬
‫كثيرة من هذا الطراز‪ ،‬تنقدهم وتنعي‪ #‬جرائمهم‪ ،‬وتحمل عليهم حملة ش‪##‬عواء‪ ،‬تقبيح‪##‬ا‬
‫ت‬ ‫ض‪ِ #‬ربَ ْ‬ ‫﴿و ُ‬ ‫لجناياتهم‪ #‬وجنايات آبائهم من قبلهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ت ِ‬ ‫هَّللا‬ ‫ب ِمنَ هَّللا ِ َذلِ‪##‬كَ بِ‪##‬أَنَّهُ ْم َك‪##‬انُوا يَ ْكفُ‪#‬رُونَ بِآيَ‪##‬ا ِ‬ ‫َض‪ٍ #‬‬ ‫َعلَ ْي ِه ُم ال ِّذلَّةُ َو ْال َم ْس َكنَةُ َوبَ‪##‬ا ُءوا بِغ َ‬

‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/208‬‬


‫‪ )(2‬مناهل العرفان (‪)1/208‬‬
‫‪ )(3‬مناهل العرفان (‪)1/209‬‬
‫‪282‬‬
‫َص‪#‬وْ ا َو َك‪##‬انُوا‪ #‬يَ ْعتَ‪ُ #‬دونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ .. ]61 :‬وقول‪##‬ه‪:‬‬ ‫ق َذلِ‪##‬كَ بِ َم‪##‬ا ع َ‬ ‫َويَ ْقتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِ َغي ِْر ْال َح ِّ‬
‫ض ‪#‬لِ ِه َعلَى‬ ‫‪#‬ز َل هَّللا ُ ِم ْن فَ ْ‬ ‫﴿بِ ْئ َس َما ا ْشتَ َروْ ا بِ ِه أَ ْنفُ َسهُ ْم أَ ْن يَ ْكفُرُوا بِ َما أَ ْن‪##‬زَ َل هَّللا ُ بَ ْغيً‪##‬ا أَ ْن يُنَ‪ِّ #‬‬
‫ين﴾ [البقرة‪]90 :‬‬ ‫ب َولِ ْل َكافِ ِرينَ َع َذابٌ ُم ِه ٌ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ب َعلَى َغ َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫َم ْن يَ َشا ُء ِم ْن ِعبَا ِد ِه فَبَا ُءوا بِ َغ َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك نقرأ في سورة آل عم‪##‬ران المدني‪##‬ة قول‪##‬ه تع‪##‬الى في ش‪##‬أن‬
‫اس َوبَ‪##‬ا ُءوا‬ ‫‪#‬ل ِمنَ النَّ ِ‬ ‫‪#‬ل ِمنَ هَّللا ِ َو َح ْب‪ٍ #‬‬ ‫ت َعلَ ْي ِه ُم ال ِّذلَّةُ أَ ْينَ َما ثُقِفُوا إِاَّل بِ َح ْب‪ٍ #‬‬ ‫ُربَ ْ‬
‫اليهود‪﴿ :‬ض ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ِ َويَقتُلونَ‬ ‫هَّللا‬ ‫َ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ُم ال َم ْس َكنَةُ َذلِكَ بِأنَّهُ ْم َكانُوا يَ ْكفُرُونَ بِآيَا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُربَ ْ‬
‫ب ِمنَ ِ َوض ِ‬‫هَّللا‬ ‫َض ٍ‬ ‫بِغ َ‬
‫َصوْ ا َو َكانُوا يَ ْعتَ ُدونَ ﴾ [آل عمران‪]112 :‬‬ ‫ك بِ َما ع َ‬ ‫ق َذلِ َ‬ ‫اأْل َ ْنبِيَا َء بِ َغي ِْر َح ٍّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك نقرأ في سورة آل عم‪##‬ران المدني‪##‬ة قول‪##‬ه تع‪##‬الى في ش‪##‬أن‬
‫ك ِمنَ الَّ ِذينَ َكفَرُوا‬ ‫ي َو ُمطَهِّ ُر َ‬ ‫ُك إِلَ َّ‬
‫ك َو َرافِع َ‪#‬‬ ‫ال هَّللا ُ يَا ِعي َسى إِنِّي ُمتَ َوفِّي َ‪#‬‬ ‫النصارى‪﴿ #:‬إِ ْذ قَ َ‬
‫ي َمرْ ِج ُع ُك ْم فَأَحْ ُك ُم بَ ْينَ ُك ْم‬ ‫ق الَّ ِذينَ َكفَرُوا إِلَى يَوْ ِم ْالقِيَا َم ِة ثُ َّم إِلَ َّ‬ ‫َو َجا ِع ُل الَّ ِذينَ اتَّبَعُوكَ فَوْ َ‪#‬‬
‫فِي َما ُك ْنتُ ْم فِي ِه ت َْختَلِفُونَ فَأ َ َّما الَّ ِذينَ َكفَرُوا فَأ ُ َع ِّذبُهُْ‪#‬م َع َذابًا َش ِديدًا فِي ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ‪َ #‬ر ِة َو َم‪##‬ا‬
‫رينَ ﴾ [آل عمران‪]56-55 :‬‬ ‫ص ِ‬ ‫لَهُ ْم ِم ْن نَا ِ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك نقرأ في سورة آل عم‪##‬ران المدني‪##‬ة قول‪##‬ه تع‪##‬الى في ش‪##‬أن‬
‫ازدَادُوا‪ُ #‬ك ْف‪#‬رًا لَ ْن تُ ْقبَ‪َ #‬ل تَ‪#‬وْ بَتُهُْ‪#‬م َوأُولَئِ‪#‬كَ هُ ُم‬ ‫المرتدين‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا بَ ْع َد إِي َمانِ ِه ْ‪#‬م ثُ َّم ْ‬
‫ض َذهَبً‪##‬ا‬ ‫‪#‬ل ِم ْن أَ َح‪ِ #‬د ِه ْم ِملْ ُء اأْل َرْ ِ‬ ‫الضَّالُّونَ إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا َو َم‪##‬اتُوا َوهُ ْم ُكفَّا ٌر فَلَ ْن يُ ْقبَ‪َ #‬‬
‫رينَ ﴾ [آل عمران‪]91-90 :‬‬ ‫َاص ِ‬‫ك لَهُ ْم َع َذابٌ أَلِي ٌم َو َما لَهُ ْم ِم ْن ن ِ‬ ‫َولَ ِو ا ْفتَ َدى‪ #‬بِ ِه أُولَئِ َ‬
‫قال آخر(‪ :)1‬أما السور واآلي‪##‬ات ال‪##‬تي اعتم‪##‬د عليه‪##‬ا مث‪##‬يرو‪ #‬الش‪##‬بهة؛ فال ت‪##‬دل‬
‫َّت يَ‪#‬دَا أَبِي‬ ‫على ذلك السباب الذي زعموه ووصموا به القرآن الك‪##‬ريم ألن س‪##‬ورة ﴿تَب ْ‬
‫ب َوتَبَّ ﴾ غاية ما اشتملت عليه أنه‪##‬ا إن‪##‬ذار ووعي‪##‬د ألبي لهب وامرأت‪##‬ه‪ ،‬ج‪##‬زاء م‪##‬ا‬ ‫لَهَ ٍ‬
‫أساءا إلى الرسول ‪ ‬كما ي‪##‬دل على ذل‪##‬ك س‪##‬بب نزوله‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬د روي‪ #‬عن ابن عب‪##‬اس‬
‫ك اأْل َ ْق َربِينَ ﴾ [الش‪##‬عراء‪ ]214 :‬صعد الن‪#‬بي ‪ ‬على الص‪#‬فا‬ ‫﴿وأَ ْن ِذرْ َع ِشي َرتَ َ‪#‬‬ ‫قال‪ :‬لما نزلت َ‬
‫فجعل ينادي‪( :‬يا بني فهر يا بني عدي) لبطون قريش حتى اجتمعوا؛ فجع‪##‬ل الرج‪##‬ل‬
‫إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسوال لينظر ما هو؟ فجاء أبولهب وقريش‪ #‬فقال ‪:‬‬
‫(أرأيتكم لوأخبرتكم أن خيال بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مص‪##‬دقي) ق‪##‬الوا‪ :‬نعم‬
‫ما جربنا عليك إال صدقا قال‪( :‬فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)‪ ،‬فقال أب‪##‬ولهب‪:‬‬
‫تبا ل‪#‬ك أله‪#‬ذا جمعتن‪#‬ا؟ ف‪#‬نزلت(‪ ..)2‬ومث‪#‬ل ذل‪#‬ك زوجت‪#‬ه؛ فق‪#‬د ك‪#‬انت تش‪#‬اركه في ك‪#‬ل‬
‫جرائمه إن لم تتفوق عليه فيها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬فهذه األسباب مجتمعة تفيد أن السورة نزلت لمقابلة أبي لهب بما‬
‫يستحق‪ #‬من إنذاره ب‪##‬الهالك والقطيع‪##‬ة‪ ،‬وأن مال‪##‬ه ال ينفع‪##‬ه‪ ،‬وال كس‪##‬به‪ ،‬وأن‪##‬ه خاس‪##‬ر‬
‫هووامرأت‪##‬ه وأن مص‪##‬يرهما إلى الن‪##‬ار وبئس الق‪##‬رار‪ ..‬وال ريب أن في ه‪##‬ذا الوعي‪##‬د‬
‫العنيف ردعا له‪ ،‬وألمثاله وتس‪##‬لية لمن أص‪##‬يب ب‪##‬أذاهم من الرس‪##‬ول ‪ ‬وأص‪##‬حابه‪،‬‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/210‬‬
‫‪ )(2‬البخاري برقم (‪)4801،3525 ،1394‬‬
‫‪ )(3‬مناهل العرفان (‪)1/210‬‬
‫‪283‬‬
‫وذلك هوالالئق بالعدالة اإللهية والتربية الحكيمة الربانية‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وأما سورة العصر؛ فكل ما عرضت له هو تقسيم الناس قسمين‪:‬‬
‫قسما غريقا في الخسران‪ ،‬وقسما ف‪##‬از ونج‪##‬ا من ه‪##‬ذا الخس‪##‬ران‪ ،‬وهم ال‪##‬ذين جمع‪##‬وا‬
‫ص‪ِ #‬ر إِ َّن اإْل ِ ْن َس‪#‬انَ لَفِي ُخ ْس‪ٍ #‬ر إِاَّل‬ ‫﴿و ْال َع ْ‬
‫عناصر السعادة األربعة‪ ..‬تأملوا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫الص ‪#‬ب ِْر﴾ [العص‪##‬ر‪..]3-1 :‬‬ ‫اص‪#‬وْ ا بِ َّ‬ ‫ق َوت ََو َ‬ ‫اص‪#‬وْ ا بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال َح ِّ‬ ‫ت َوت ََو َ‬ ‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫فهل فيها إال الحكمة والنصح‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وأما سورة التكاثر؛ فمبلغ م‪##‬ا تش‪##‬ير إلي‪##‬ه أن المخ‪##‬اطبين ش‪##‬غلتهم‬
‫الدنيا عن الدين‪ ،‬وألهتهم األموال عن رب األموال‪ ،‬حتى انتهت أعم‪##‬ارهم وهم على‬
‫ه‪##‬ذه الح‪##‬ال‪ ،‬وغ‪##‬دا يس‪##‬ألون عن ه‪##‬ذا النعيم‪ ،‬ويع‪##‬اقبون على إهم‪##‬ال ش‪##‬كره بع‪##‬ذاب‬
‫الجحيم‪.‬‬
‫ب﴾ [الفجر‪ ]13 :‬فهو‬ ‫صبَّ َعلَ ْي ِه ْم َربُّكَ َسوْ طَ َع َذا ٍ‬ ‫قال آخر(‪ :)3‬وأما قوله تعالى‪﴿ :‬فَ َ‬
‫حكاية لما حل باألمم السابقة كثمود وعاد حين طغوا‪ #‬في البالد‪ ،‬فأكثروا فيها الفساد‪،‬‬
‫ليكون من هذا القصص والخبر عبرة ألولئك الكفار ومزدج‪##‬ر‪ ،‬فال يقع‪#‬وا فيم‪#‬ا وق‪##‬ع‬
‫فيه أسالفهم‪ #،‬ألن سنة هللا واحدة في األمم وميزان عدالته ق‪#‬ائم في ك‪#‬ل جي‪#‬ل وقبي‪#‬ل‪،‬‬
‫ُر﴾ [القمر‪]43 :‬‬ ‫الزب ِ‬‫قال تعالى‪﴿ :‬أَ ُكفَّا ُر ُك ْم خَ ْي ٌر ِم ْن أُولَئِ ُك ْم أَ ْم لَ ُك ْم بَ َرا َءةٌ فِي ُّ‬
‫ق‪###‬ال آخر(‪ :)4‬والخالص‪###‬ة أن الق‪###‬رآن الك‪###‬ريم كل‪###‬ه ق‪###‬ام على رعاي‪###‬ة ح‪###‬ال‬
‫المخ‪##‬اطبين‪ ،‬فت‪##‬ارة يش‪##‬تد‪ ،‬وت‪##‬ارة يلين تبع‪##‬ا لم‪##‬ا يقتض‪##‬يه ح‪##‬الهم‪ ،‬س‪##‬واء منهم مكيهم‬
‫ومدنيهم‪ ،‬بدليل أننا نجد بين ثنايا السور المكية والمدنية ما هو وعد ووعيد‪ ،‬وتسامح‬
‫وتشديد‪ #،‬وأخذ ورد‪ ،‬وجذب وشد‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬وإذا لوحظ‪ #‬أن أهل مكة كثر خطابهم بالش‪##‬دة والعن‪##‬ف‪ ،‬ف‪##‬ذلك لم‪##‬ا‬
‫م‪##‬ردوا‪ #‬علي‪##‬ه من أذى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وأص‪##‬حابه‪ ،‬والكي‪##‬د لهم ح‪##‬تى أخرج‪##‬وهم‪ #‬من‬
‫أوطانهم‪ ،‬ولم يكتفوا بذلك بل أرسلوا إليهم األذى في مهاجرهم‪#.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬وكان القرآن الكريم في حملته عليهم وعلى أمثالهم ب‪##‬القول بعي‪##‬دا‬
‫عن ك‪##‬ل مع‪##‬اني الس‪##‬باب واإلق‪##‬ذاع‪ ،‬مت‪##‬ذرعا بالحكم‪##‬ة واألدب الكام‪##‬ل في اإلرش‪##‬اد‪#‬‬
‫واإلقناع‪ #،‬حاثا على الص‪##‬بر والعفوواإلحس‪##‬ان ح‪##‬تى ليخ‪##‬اطب هللا رس‪##‬وله في س‪##‬ورة‬
‫صبَرُوا‪َ #‬علَى َما ُك ِّذبُوا َوأُو ُذوا‪َ #‬حتَّى‬ ‫ت ُر ُس ٌل ِم ْن قَ ْبلِكَ فَ َ‬ ‫األنعام المكية بقوله‪َ ﴿ :‬ولَقَ ْد ُك ِّذبَ ْ‬
‫‪#‬ر‬‫ت هَّللا ِ َولَقَ‪ْ #‬د َج‪ #‬ا َءكَ ِم ْن نَبَ‪#‬إِ ْال ُمرْ َس‪#‬لِينَ َوإِ ْن َك‪##‬انَ َكبُ‪َ #‬‬ ‫أَتَاهُ ْم نَصْ ُرنَا َواَل ُمبَ‪ِّ #‬د َل لِ َكلِ َم‪##‬ا ِ‬
‫ض أَوْ سُلَّ ًما فِي ال َّس َما ِء فَتَ‪##‬أْتِيَهُ ْم‬ ‫ضهُ ْم فَإِ ِن ا ْستَطَعْتَ أَ ْن تَ ْبت َِغ َي نَفَقًا فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫َعلَ ْي َ‬
‫ك إِ ْع َرا ُ‬
‫بِآيَ ٍة َولَوْ َشا َء هَّللا ُ لَ َج َم َعهُ ْم َعلَى ْالهُدَى فَاَل تَ ُكون ََّن ِمنَ ْال َج‪##‬ا ِهلِينَ إِنَّ َم‪##‬ا يَ ْس ‪#‬ت َِجيبُ الَّ ِذينَ‬
‫مناهل العرفان (‪)1/211‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/211‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/211‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/211‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/211‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/212‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪284‬‬
‫يَ ْس َمعُونَ َو ْال َموْ تَى‪ #‬يَ ْب َعثُهُ ُم هَّللا ُ ثُ َّم إِلَ ْي ِه‬
‫يُرْ َ‬
‫جعُونَ ﴾ [األنعام‪]36-34 :‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإننا نالح‪##‬ظ أن القس‪##‬م المكي خال خل‪##‬وا تام‪##‬ا‬
‫من تشريع القتال والجهاد‪ ،‬كما خلت أيامه في مكة على طولها من مقاتلة القوم بمثل‬
‫م‪#‬ا ي‪#‬أتون من التنكي‪#‬ل والمص‪#‬اولة‪ ،‬فلم يس‪#‬مع للمس‪#‬لمين فيه‪#‬ا صلص‪#‬لة لس‪#‬يف‪ ،‬وال‬
‫قعقعة لسالح‪ ،‬وال زح‪#‬ف على ع‪##‬دو‪ ..‬إنم‪##‬ا هوالص‪##‬بر والعفووالمجامل‪#‬ة والمحاس‪##‬نة‬
‫بالرغم من إيغال األعداء في أذاهم‪ ،‬ولجاجهم في عتوهم‪.‬‬
‫االنحطاط والتعارض‪:‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬أم‪##‬ا ادع‪##‬اؤهم أن القس‪##‬م المكي يمت‪##‬از بك‪##‬ل م‪##‬يزات األوس‪##‬اط‬
‫المنحط‪##‬ة؛ فه‪##‬ومردود عليهم‪ ،‬ب‪##‬ل ه‪##‬و باط‪##‬ل من ك‪##‬ل وج‪##‬ه أرادوه‪ ،‬ألنهم إن أرادوا‬
‫بذلك ما توهموه من انفراده بالشدة والعنف‪ ،‬أوالسباب واإلقذاع‪ ،‬فهو‪ #‬ك‪##‬ذب واف‪##‬تراء‬
‫وجهالة بما جاء في الق‪##‬رآن من ت‪##‬رغيب وت‪##‬رهيب في ش‪##‬طريه المكي والم‪##‬دني‪ #‬على‬
‫السواء‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وإن أرادوا بانحطاطه أن أهل مكة ك‪##‬انوا منحطين في الفص‪##‬احة‬
‫والبيان والذكاء واأللمعية؛ فالتاريخ شاهد عدل بأن قريشا كانت في مركز‪ #‬الزعام‪##‬ة‬
‫من جمي‪#‬ع قبائ‪#‬ل الع‪#‬رب‪ ،‬يص‪#‬درون عن رأيه‪#‬ا‪ ،‬ويرجع‪#‬ون إلى حكمه‪#‬ا‪ ،‬ويأخ‪#‬ذون‬
‫عنه‪##‬ا‪ ،‬وي‪#‬نزلون على قوله‪##‬ا فيم‪##‬ا يعل‪#‬و وي‪#‬نزل‪ #‬من منظ‪##‬وم ومنث‪##‬ور‪ #،‬وي‪#‬ذعنون له‪#‬ا‬
‫بالسبق‪ #‬في مضمار‪ #‬الفصاحة والبالغة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)4‬ثم إن وص‪##‬ف القس‪##‬م المكي بم‪##‬يزات األوس‪##‬اط‪ #‬المنحط‪##‬ة تهم‪##‬ة‬
‫جريئة‪ ،‬ما رضيها أعداء اإلسالم في فجر‪ #‬دعوته من مشركين وأهل كت‪##‬اب وع‪##‬رب‬
‫وعجم وأميين ومثقفين‪ ،‬على حين أن أولئك العرب كانوا على أميتهم أعرف الن‪##‬اس‬
‫بانحطاط‪ #‬الكالم ورقيه وعلوه ونزوله‪ ،‬كما كانوا أحرص الناس على إحراج رسول‬
‫هللا ‪ ‬ودحض حجته ونقض دينه والقضاء على اإلسالم في مهده‪ ،‬لكن س‪##‬جيتهم لم‬
‫تسمح بهذا الهراء الذي يهرف به هؤالء‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)5‬ب‪##‬ل نعلم بج‪##‬انب ه‪##‬ذا أن الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ك‪##‬ان ل‪##‬ه س‪##‬لطان على‬
‫نفوسهم‪ #‬إلى حد خارق مدهش‪ ،‬فقد كان يق‪##‬ودهم بقوت‪##‬ه إلى اإلس‪##‬الم‪ ،‬وي‪##‬دفع المعان‪##‬د‬
‫منهم إذا استمع إليه أن يسجد لبالغته‪ ،‬ويهتز‪ #‬لفصاحته‪ ،‬ويأخذ نفسه بالتش‪##‬اغل عن‪##‬ه‬
‫مخافة أن يؤمن عن طريق تأثره بسماعه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬وأما زعمهم انقطاع الصلة بين القسم المكي والمدني والتعارض‬
‫بين أس‪##‬لوبيهما فه‪##‬وزعم مب‪##‬ني على اعتب‪##‬ارات خاطئ‪##‬ة‪ ..‬وأدل دلي‪##‬ل على ذل‪##‬ك أن‬
‫مناهل العرفان (‪)1/212‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/213‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/213‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/213‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/213‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/214‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪285‬‬
‫أس‪##‬اطين البالغ‪##‬ة من أع‪##‬داء اإلس‪##‬الم في مك‪##‬ة نفس‪##‬ها أي‪##‬ام ن‪##‬زول الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم لم‬
‫يستطيعوا أن يتهموا أساليب التنزي‪#‬ل بمث‪#‬ل ه‪#‬ذا االته‪#‬ام‪ ،‬ألنهم ك‪#‬انوا ي‪#‬رون أن ه‪#‬ذا‬
‫االتهام سيكون كذبا مكشوفا‪ #‬وافتراء مفضوحا‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ولعلكم سمعتم بالوليد بن المغ‪##‬يرة‪ ،‬وه‪##‬و يق‪##‬ول للمأل من ق‪##‬ريش‪:‬‬
‫(وهللا لقد سمعت من محمد آنفا كالم‪##‬ا م‪##‬ا ه‪##‬ومن كالم اإلنس وال من كالم الجن‪ ،‬إن‬
‫ل‪##‬ه لحالوة وإن علي‪##‬ه لطالوة وإن أعاله لمثم‪##‬ر وإن أس‪##‬فله لمغ‪##‬دق وإن‪##‬ه يعلووم‪##‬ا‬
‫يعلى)‪ ،‬ولما قالت قريش عندئذ‪ :‬صبأ وهللا الوليد واحتالوا‪ #‬عليه أن يطعن في الق‪##‬رآن‬
‫لم يجد حيلة إال أن يقول‪﴿ :‬فَقَا َل إِ ْن هَ‪َ #‬ذا إِاَّل ِس‪#‬حْ ٌر يُ‪#ْ #‬ؤثَرُ﴾ [الم‪##‬دثر‪ ،]24 :‬ولم يس‪##‬تطع أن‬
‫يرمي القرآن بالتهافت والتخ‪##‬اذل وانقط‪##‬اع‪ #‬الص‪##‬لة بين أجزائ‪##‬ه وانحط‪##‬اط ش‪##‬يء من‬
‫أساليبه على نحوما يرجفون‪.‬‬
‫القصار والطوال‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :)2(#‬ومن الشبه التي ال نزال نسمعها م‪##‬ا يذكرون‪##‬ه في‬
‫سر الفرق في الطول والقصر بين السور‪ #‬المكية والمدنية‪ ..‬حيث ي‪##‬ذكرون إن قص‪#‬ر‪#‬‬
‫السور‪ #‬واآليات المكية مع طول السور‪ #‬واآليات المدنية يدل على انقطاع الص‪##‬لة بين‬
‫القسم المكي والقسم الم‪##‬دني‪ ،‬وي‪##‬دل على أن القس‪#‬م المكي يمت‪#‬از بمم‪##‬يزات األوس‪#‬اط‪#‬‬
‫المنحطة‪ ،‬ويدل على أن القرآن في نمط‪##‬ه ه‪##‬ذا نتيج‪##‬ة لت‪##‬أثر رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬بالوس‪#‬ط‪#‬‬
‫والبيئة‪ ،‬فلما كان في مكة أميا بين األميين جاءت سور‪ #‬المكي وآيات‪##‬ه قص‪##‬يرة‪ ،‬ولم‪##‬ا‬
‫وجد في المدينة بين مثقفين مستنيرين جاءت السور المدنية وآياتها‪ #‬طويلة‪.‬‬
‫قال أحد المتكلمين(‪ :)3‬وهذا ناتج عن جهلهم بالقرآن الكريم‪ ،‬ذلك أن في القسم‬
‫المكي سورا طويلة مثل سورة األنعام‪ ،‬وفي‪ #‬القسم المدني سورا قصيرة مثل س‪##‬ورة‬
‫النصر‪ ..‬وبذلك؛ فإن كالهما ال يسلم على عمومه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬إذا أرادوا‪ #‬الكثرة الغالبة ال الكلية الشاملة فهذا نسلمه لهم‪ ،‬لكنه ال‬
‫يدل على ما افتروه ورتب‪##‬وه علي‪##‬ه‪ ،‬ألن قص‪##‬ر معظم الس‪##‬ور‪ #‬المكي‪##‬ة وآياته‪##‬ا وط‪##‬ول‬
‫معظم السور‪ #‬المدنية وآياتها ال يقطع الص‪##‬لة بين قس‪##‬مي الق‪##‬رآن‪ :‬مكي‪##‬ه ومدني‪##‬ه‪ ،‬وال‬
‫بين سور القرآن وآياته جميعا‪ ،‬بل الصلة كما يحسها ك‪##‬ل ص‪##‬احب ذوق في البالغ‪##‬ة‬
‫محكمة وشائعة بين كافة أجزاء التنزيل‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ق‪##‬د تح‪##‬دى الن‪##‬اس جميع‪##‬ا‬
‫مكيهم ومدنيهم‪ ،‬وعربيهم وعجميهم‪ ،‬أن يأتوا ولوبمثل‪ #‬أقصر سورة من تلك الس‪##‬ور‬
‫القصيرة فعجزوا أجمعين‪ ،‬وأسلم المنصفون منهم هلل رب العالمين‪ ..‬فلوكان القص‪##‬ر‬
‫أثرا لالنحطاط كما يقول أولئك المرجفون لكان في مقدور الممتاز غ‪##‬ير المنح‪##‬ط أن‬
‫مناهل العرفان (‪)1/214‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/215‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/215‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/215‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/217‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪286‬‬
‫يأتي بمثل ذلك المنحط‪ ،‬بل بأرقى منه‪.‬‬
‫تشريعات وأحكام‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :)1(#‬ومن الشبه التي ال نزال نسمعها ما يذكرون‪##‬ه من‬
‫أن القسم المكي خال من التشريع واألحك‪#‬ام‪ ،‬بينم‪#‬ا القس‪#‬م الم‪#‬دني مش‪#‬حون بتفاص‪#‬يل‬
‫التشريع واألحكام‪ #..‬وهم يستدلون بذلك على أن القرآن الكريم من وض‪#‬ع رس‪#‬ول‪ #‬هللا‬
‫‪ ‬وتأليفه تبعا لتأثره بالوسط الذي يعيش فيه‪ ،‬فهوحين كان بمكة بين األم‪##‬يين ج‪##‬اء‬
‫قرآنه المكي خاليا من العلوم والمعارف‪ #‬العالية‪ ،‬ولما حل بالمدين‪##‬ة بين أه‪##‬ل الكت‪##‬اب‬
‫المثقفين جاء قرآنه المدني مليئا بتلك العلوم والمعارف العالية‪.‬‬
‫قال أحد المتكلمين(‪ :)2‬وهذا من دالئل عدم معرفتهم ب‪##‬القرآن الك‪##‬ريم‪ ..‬فالقس‪##‬م‬
‫المكي لم يخلو جملة من التشريع واألحكام‪ ،‬بل عرض لها‪ ،‬ولكن بطريقة إجمالي‪##‬ة‪..‬‬
‫ولذلك نجد جميع مقاصد الدين مذكورة فيه‪ ..‬ابتداء من اإليمان باهلل ومالئكته وكتب‪##‬ه‬
‫ورسله واليوم‪ #‬اآلخر والقدر خيره وشره‪ ..‬وانتهاء بالدعوة إلى حفظ النفس‪ ..‬وحف‪##‬ظ‬
‫العقل‪ ..‬وحفظ النسل‪ ..‬وحفظ المال‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى من سورة األنعام المكي‪##‬ة‪﴿ :‬قُ‪#‬لْ‬
‫تَ َعالَوْ ا أَ ْت ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم أَاَّل تُ ْش ِر ُكوا‪ #‬بِ ِه َش ‪ْ #‬يئًا َوبِ ْال َوالِ‪َ #‬دي ِ‪ْ#‬ن إِحْ َس‪#‬انًا َواَل تَ ْقتُلُ‪##‬وا‬
‫‪#‬ر ِم ْنهَ‪##‬ا َو َم‪##‬ا‬ ‫ش َم‪##‬ا ظَهَ‪َ #‬‬ ‫اح َ‬ ‫ق نَحْ نُ نَ‪##‬رْ ُزقُ ُك ْم َوإِيَّاهُ ْم َواَل تَ ْق َربُ‪##‬وا ْالفَ‪َ #‬و ِ‬ ‫أَوْ اَل َد ُك ْ‪#‬م ِم ْن إِ ْماَل ٍ‬
‫ص ‪#‬ا ُك ْ‪#‬م بِ ‪ِ #‬ه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُ‪##‬ونَ َواَل‬
‫ق َذلِ ُك ْم َو َّ‬ ‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ إِاَّل بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال َح ِّ‬ ‫بَطَنَ َواَل تَ ْقتُلُوا النَّ ْف َ‬
‫ال ْاليَتِ ِيم إِاَّل بِالَّتِي ِه َي أَحْ َسنُ َحتَّى يَ ْبلُ َغ أَ ُش َّدهُ َوأَوْ فُوا ْال َكي َْل َو ْال ِميزَ انَ بِ ْالقِ ْس ِط‬ ‫تَ ْق َربُوا َم َ‬
‫اَل نُ َكلِّفُ نَ ْفسًا إِاَّل ُو ْس َعهَا َوإِ َذا قُ ْلتُ ْم فَا ْع ِدلُوا َولَوْ َكانَ َذا قُرْ بَى َوبِ َع ْه‪#ِ #‬د هَّللا ِ أَوْ فُ‪##‬وا َذلِ ُك ْم‬
‫الس‪#‬بُ َل‬ ‫ص‪َ #‬را ِطي ُم ْس‪#‬تَقِي ًما فَ‪##‬اتَّبِعُوهُ َواَل تَتَّبِ ُع‪##‬وا ُّ‬ ‫َوصَّا ُك ْ‪#‬م بِ‪ِ #‬ه لَ َعلَّ ُك ْم تَ‪َ #‬ذ َّكرُونَ َوأَ َّن هَ‪َ #‬ذا ِ‬
‫ص‪#‬ا ُك ْم بِ‪ِ #‬ه لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ‪##‬ونَ ﴾ [األنع‪##‬ام‪ ..]153-151 :‬فق‪##‬د جمعت‬ ‫ق بِ ُك ْم ع َْن َسبِيلِ ِه َذلِ ُك ْم َو َّ‬ ‫فَتَفَ َّر َ‪#‬‬
‫هذه اآليات الكريمة جمعت الوصايا‪ #‬العشر‪ ،‬والتي تحوي المقاصد الكبرى للدين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن آي‪##‬ات العقائ‪##‬د في القس‪##‬م المكي ظ‪##‬اهرة‬
‫واض‪##‬حة وكث‪##‬يرة ش‪##‬ائعة‪ ،‬وال يختل‪##‬ف اثن‪##‬ان في أنه‪##‬ا أك‪##‬ثر من مثيالته‪##‬ا في الس‪##‬ور‬
‫المدنية بأضعاف‪ ..‬وذلك لقيام الدين على اإليمان قبل التشريعات‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)5‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن ك‪##‬ثرة التفاص‪##‬يل في تش‪##‬ريع األحك‪##‬ام‬
‫بالمدينة ليس نتيج‪##‬ة لم‪##‬ا زعم‪##‬وه‪ ..‬إنم‪##‬ا ه‪##‬وأمر ال ب‪##‬د من‪##‬ه في سياس‪##‬ة األمم وتربي‪##‬ة‬
‫الش‪##‬عوب وهداي‪##‬ة الخل‪##‬ق‪ ..‬وله‪##‬ذا ب‪##‬دأ هللا عب‪##‬اده في مك‪##‬ة بال‪##‬دعوة إلص‪##‬الح القل‪##‬وب‬
‫وتطهيرها من الشرك والوثنية وتقويمها‪ #‬بعقائد اإليمان الصحيح والتوحيد‪ #‬الواض‪##‬ح‪،‬‬
‫ح‪##‬تى إذا اس‪##‬تقاموا على ه‪##‬ذا المب‪##‬دأ الق‪##‬ويم‪ ،‬وش‪##‬عروا بمس‪##‬ؤولية البعث والج‪##‬زاء‪،‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/218‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/218‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/218‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/218‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/218‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪287‬‬
‫وتق‪###‬ررت فيهم ه‪###‬ذه العقائ‪###‬د الراش‪###‬دة‪ ،‬فطمهم‪ #‬عن أقبح الع‪###‬ادات وأرذل األخالق‪،‬‬
‫وق‪##‬ادهم إلى أص‪##‬ول اآلداب وفض‪##‬ائل الع‪##‬ادات‪ ،‬ثم كلفهم م‪##‬ا ال ب‪##‬د من‪##‬ه من أمه‪##‬ات‬
‫العبادات‪ ..‬وهذا ما حصل في مكة‪ ..‬ولما مرنوا على ذل‪##‬ك وتهي‪##‬أت نفوس‪##‬هم لل‪##‬ترقي‬
‫والكم‪##‬ال بتط‪##‬اول‪ #‬األي‪##‬ام والس‪##‬نين‪ ،‬وك‪##‬انوا وقتئ‪#‬ذ‪ #‬ق‪##‬د ه‪##‬اجروا إلى المدين‪##‬ة‪ ،‬ج‪##‬اءهم‬
‫بتفاصيل التشريع واألحكام‪ ،‬وأتم عليهم نعمته ببيان دقائق‪ #‬الدين وقوانين اإلسالم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ونظ‪##‬ير ذل‪##‬ك م‪##‬ا تواض‪##‬ع علي‪##‬ه الن‪##‬اس ق‪##‬ديما وح‪##‬ديثا‪ #‬في سياس‪##‬ة‬
‫التعليم‪ ،‬من أنهم يلقنون البادئين في مراحل التعليم األولى أخ‪##‬ف المس‪##‬ائل وأوجزه‪##‬ا‬
‫فيما يش‪##‬به قص‪##‬ار الس‪##‬ور ومختص‪##‬ر القص‪##‬ص‪ ،‬ح‪##‬تى إذا تق‪##‬دمت بهم الس‪##‬ن‪ ،‬وعظم‬
‫االستعداد‪ ،‬تالطم بحر التعليم وزاد‪ ،‬على حد قولهم‪ :‬اإلمداد على قدر االستعداد‪#.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬أما م‪##‬ا زعم‪##‬وه من أن ذل‪##‬ك ك‪##‬ان نتيج‪##‬ة الختالط رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪‬‬
‫بأهل المدينة المستنيرين‪ ،‬فينقضه أن القرآن الكريم جاء يص‪##‬لح عقائ‪##‬د أه‪##‬ل الكت‪##‬اب‬
‫وأخطاءهم‪ #‬في التشريع‪ #‬وفي التحليل والتحريم وفي األخبار والتواريخ‪ ،‬فكي‪##‬ف يأخ‪##‬ذ‬
‫المصيب من المخطئ؟‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة آل عم‪##‬ران المدني‪##‬ة‪:‬‬
‫ب تَ َعالَوْ ا إِلَى َكلِ َم ٍة َس َوا ٍء بَ ْينَنَ‪##‬ا َوبَ ْينَ ُك ْم أَاَّل نَ ْعبُ‪َ #‬د إِاَّل هَّللا َ َواَل نُ ْش‪ِ #‬ركَ بِ‪ِ #‬ه‬ ‫﴿قُلْ يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫اش‪##‬هَدُوا بِأَنَّا‬ ‫ْض‪##‬ا أَرْ بَابً‪##‬ا ِم ْن دُو ِن هَّللا ِ فَ‪##‬إِ ْن ت ََولَّوْ ا فَقُولُ‪##‬وا ْ‬ ‫ْض‪##‬نَا بَع ً‬ ‫َش‪ْ ##‬يئًا َواَل يَتَّ ِخ‪َ ##‬ذ بَع ُ‬
‫ُ‬ ‫ُم ْسلِ ُمونَ ﴾ [آل عمران‪ ..]64 :‬وقوله‪﴿ :‬يَا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫ت‬ ‫‪#‬زلَ ِ‬ ‫ب لِ َم تُ َحاجُّ ونَ فِي إِبْ‪َ #‬را ِهي َ‪#‬م َو َم‪#‬ا أ ْن ِ‬
‫‪#‬اججْ تُ ْم فِي َم‪#‬ا لَ ُك ْم بِ‪ِ #‬ه ِع ْل ٌم‬‫التَّوْ َراةُ َواإْل ِ ْن ِجي ُل إِاَّل ِم ْن بَ ْع ِد ِه أَفَاَل تَ ْعقِلُونَ هَ‪#‬ا أَ ْنتُ ْم هَ‪#‬ؤُاَل ِء َح َ‬
‫‪#‬را ِهي ُم يَهُو ِديًّ‪##‬ا‬ ‫ْس لَ ُك ْم بِ ِه ِع ْل ٌم َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َوأَ ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُمونَ َما َكانَ إِ ْب‪َ #‬‬ ‫فَلِ َم تُ َحاجُّ ونَ فِي َما لَي َ‬
‫َواَل نَصْ َرانِيًّا َولَ ِك ْن َكانَ َحنِيفًا ُم ْسلِ ًما َو َما َكانَ ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ إِ َّن أَوْ لَى النَّ ِ‬
‫اس بِإِب َْرا ِهي َم‬
‫لَلَّ ِذينَ اتَّبَعُوهُ َوهَ َذا النَّبِ ُّي َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َوهَّللا ُ َولِ ُّي ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [آل عم‪##‬ران‪ ..]68-65 :‬وقول‪##‬ه‬
‫﴿ ُكلُّ الطَّ َع ِام َكانَ ِحاًّل لِبَنِي إِ ْس َرائِي َل إِاَّل َما َح َّر َم إِس َْرائِي ُل َعلَى نَ ْف ِس ِه ِم ْن قَب ِْل أَ ْن تُنَ‪َّ ##‬ز َل‬
‫ص ‪#‬ا ِدقِينَ ﴾ [آل عم‪##‬ران‪ ..]93 :‬وغيره‪##‬ا من‬ ‫التَّوْ َراةُ قُ‪##‬لْ فَ‪##‬أْتُوا‪ #‬بِ‪##‬التَّوْ َرا ِة فَا ْتلُوهَ‪##‬ا إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫اآليات الكريمة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة المائ‪##‬دة المدني‪##‬ة‪:‬‬
‫ف َواأْل ُ ُذنَ بِ‪#‬اأْل ُ ُذ ِن‬ ‫‪#‬ال َعي ِْن َواأْل َ ْن‪##‬فَ بِ‪#‬اأْل َ ْن ِ‬
‫س َو ْال َع ْينَ بِ‪ْ #‬‬ ‫﴿ َو َكتَ ْبنَا َعلَ ْي ِه ْم فِيهَا أَ َّن النَّ ْف َ‬
‫س بِ‪##‬النَّ ْف ِ‬
‫ارةٌ لَ‪#‬هُ َو َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َم‪#‬ا‬ ‫ُ‪#‬و َكفَّ َ‬
‫ق بِ‪ِ #‬ه فَه َ‬ ‫ص‪#‬اصٌ فَ َم ْن ت َ‬
‫َص‪َّ #‬د َ‬ ‫ُوح قِ َ‬‫َوالس َِّّن بِال ِّسنِّ َو ْال ُجر َ‬
‫ك ه ُ ُم الظَّالِ ُمونَ ﴾ [المائدة‪]45 :‬‬ ‫أَ ْن َز َل هَّللا ُ فَأُولَئِ َ‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬أم‪##‬ا م‪##‬ا زعم‪##‬وه من اس‪##‬تفادة رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬من أه‪##‬ل الكت‪##‬اب‪..‬‬
‫فلوكان صحيحا لظهر أثر أهل الكتاب الم‪##‬دنيين فيمن معهم من ع‪##‬رب أه‪##‬ل المدين‪##‬ة‬
‫وفيمن ح‪##‬ولهم من أه‪##‬ل مك‪##‬ة وآف‪##‬اق الجزي‪##‬رة‪ ،‬ولك‪##‬انوا هم األحري‪##‬اء به‪##‬ذه النب‪##‬وة‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/218‬‬
‫‪ )(2‬مناهل العرفان (‪)1/218‬‬
‫‪ )(3‬مناهل العرفان (‪)1/219‬‬
‫‪288‬‬
‫والرسالة‪ ،‬ولسبق رسول هللا ‪ ‬إليها كثير غيره من فصحاء العرب وتج‪##‬ار ق‪##‬ريش‬
‫الذين كانوا يختلطون بأهل الكتاب في المدينة والشام أيما اختالط‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬باإلضافة إلى هذا؛ فإن الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم تح‪##‬دى الكاف‪##‬ة من مك‪##‬يين‬
‫ومدنيين‪ ،‬بل من جن وإنس‪ ،‬فهال كان أساتذته أولئك يستطيعون أن يج‪##‬اروه ول‪##‬وفي‪#‬‬
‫مقدار سورة قصيرة واحدة؟‬
‫براهين وأدلة‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :)2(#‬ومن الشبه التي ال نزال نسمعها ما يذكرون‪##‬ه من‬
‫أن القسم المكي خال من األدلة والبراهين‪ ،‬بخالف قس‪##‬مه الم‪##‬دني فإن‪##‬ه مليء باألدل‪##‬ة‬
‫مدعم بالحجة‪ ..‬ويذكرون أن هذا برهان جديد على تأثر الق‪##‬رآن بالوس‪#‬ط‪ #‬ال‪##‬ذي ك‪##‬ان‬
‫فيه‪.‬‬
‫قال أحد المتكلمين(‪ :)3‬أول ما يرد به على ه‪##‬ذه الش‪##‬بهة أن رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ل‪##‬و‬
‫تأثر بالوسط‪ #‬الذي يعيش فيه لك‪##‬ان الوس‪##‬ط أولى بتوجي‪##‬ه ه‪##‬ذا المطعن علي‪##‬ه‪ ،‬ولك‪##‬ان‬
‫أع‪##‬رف به‪##‬ذا النقض في‪##‬ه‪ ،‬فيظف‪##‬ر علي‪##‬ه وي‪##‬دخل إلى إبط‪##‬ال دعوت‪##‬ه من ه‪##‬ذا الب‪##‬اب‬
‫الواس‪##‬ع‪ ،‬ال س‪##‬يما أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬في مك‪##‬ة والمدين‪##‬ة ك‪##‬ان ل‪##‬ه أع‪##‬داء أل‪##‬داء ليس‬
‫لعداوتهم‪ #‬دواء‪ ..‬ولوصح هذا لبطلت نبوته‪ ،‬ولصح أن تكون النبوة لهم باعتب‪##‬ار أنهم‬
‫مصدرها‪ ،‬وأنهم‪ #‬أساتذته فيها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن كذبهم في هذه الشبهة ص‪##‬ريح مكش‪##‬وف‪،‬‬
‫ألن القسم المكي حافل بأقوى‪ #‬األدلة وأعظم الحجج على عقيدة اإلسالم في اإللهي‪##‬ات‬
‫والنبوات والسمعيات‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك قوله تع‪##‬الى في س‪##‬ورة المؤمن‪##‬ون المكي‪##‬ة في‬
‫َب ُك‪##‬لُّ إِلَ‪ٍ #‬ه‬ ‫البرهنة على التوحيد‪َ ﴿ #:‬ما اتَّ َخ َذ هَّللا ُ ِم ْن َولَ ٍد َو َما َكانَ َم َعهُ ِم ْن إِلَ‪ٍ #‬ه إِ ًذا لَ‪َ #‬ذه َ‬
‫صفُونَ ﴾ [المؤمنون‪]91 :‬‬ ‫ْض ُسب َْحانَ هَّللا ِ َع َّما يَ ِ‬ ‫ضهُ ْم َعلَى بَع ٍ‬ ‫ق َولَ َعاَل بَ ْع ُ‬ ‫بِ َما َخلَ َ‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬ومث‪#‬ل ذل‪##‬ك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة األنبي‪##‬اء المكي‪#‬ة في االس‪#‬تدالل‬
‫ص‪#‬فُونَ اَل‬ ‫ش َع َّما يَ ِ‬ ‫للتوحيد‪﴿ :‬لَوْ َكانَ فِي ِه َما‪ #‬آلِهَةٌ إِاَّل هَّللا ُ لَفَ َس َدتَا فَ ُسب َْحانَ هَّللا ِ َربِّ ْال َع‪##‬رْ ِ‬
‫يُسْأ َ ُل َع َّما يَ ْف َع ُل َوهُ ْم يُسْأَلُونَ أَ ِم اتَّ َخ ُذوا ِم ْن دُونِ ِه آلِهَةً قُلْ هَ‪##‬اتُوا بُرْ هَ‪##‬انَ ُك ْم هَ‪َ #‬ذا ِذ ْك‪ُ #‬ر‬
‫ْرضُونَ ﴾ [األنبياء‪]24-22 :‬‬ ‫ق فَهُ ْم ُمع ِ‬ ‫َم ْن َم ِع َي َو ِذ ْك ُر َم ْن قَ ْبلِي بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُمونَ ْال َح َّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت المكي‪##‬ة في البرهن‪##‬ة على‬
‫‪#‬اب‬ ‫طهُ بِيَ ِمينِ‪##‬كَ إِ ًذا اَل رْ تَ‪َ #‬‬ ‫ب َواَل تَ ُخ ُّ‬ ‫نبوة محم‪##‬د ‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا ُك ْنتَ تَ ْتلُ‪##‬و ِم ْن قَ ْبلِ‪ِ #‬ه ِم ْن ِكتَ‪##‬ا ٍ‬
‫ُور الَّ ِذينَ أُوتُ‪##‬وا ْال ِع ْل َم َو َم‪#‬ا يَجْ َح‪ُ #‬د بِآيَاتِنَ‪##‬ا إِاَّل‬ ‫ص‪#‬د ِ‬ ‫‪#‬ات فِي ُ‬ ‫‪#‬ات بَيِّنَ‪ٌ #‬‬
‫ُ‪#‬و آيَ ٌ‬ ‫ْال ُم ْب ِطلُونَ بَ‪##‬لْ ه َ‬
‫ات ِع ْن َد هَّللا ِ َوإِنَّ َما أَنَا نَ ِذي ٌر‬ ‫ات ِم ْن َربِّ ِه قُلْ إِنَّ َما اآْل يَ ُ‬ ‫الظَّالِ ُمونَ َوقَالُوا‪ #‬لَوْ اَل أُ ْن ِز َل َعلَ ْي ِه آيَ ٌ‬

‫مناهل العرفان (‪)1/219‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مناهل العرفان (‪)1/236‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/236‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/236‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪289‬‬
‫َاب يُ ْتلَى َعلَ ْي ِه ْم إِ َّن فِي َذلِكَ لَ َرحْ َمةً َو ِذ ْك َرى‪ #‬لِقَ‪##‬وْ ٍم‬ ‫ك ْال ِكت َ‬ ‫ين أَ َولَ ْم يَ ْكفِ ِه ْم أَنَّا أَ ْن َز ْلنَا َعلَ ْي َ‬‫ُمبِ ٌ‬
‫ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [العنكبوت‪]51-48 :‬‬
‫الس ‪َ #‬ما ِء َم‪##‬ا ًء‬ ‫ْ‬
‫﴿ونَ َّزلنَا ِمنَ َّ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله تعالى في سورة ق المكية‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫َض‪#‬ي ٌد ِر ْزقً‪##‬ا لِل ِعبَ‪##‬ا ِد‬ ‫ت لَهَ‪##‬ا طَ ْل‪ٌ #‬ع ن ِ‬ ‫اسقَا ٍ‬‫صي ِد َوالنَّ ْخ َل بَ ِ‬ ‫ت َو َحبَّ ْال َح ِ‬ ‫ار ًكا‪ #‬فَأ َ ْنبَ ْتنَا بِ ِه َجنَّا ٍ‬ ‫ُمبَ َ‬
‫ص‪َ #‬حابُ ال‪#‬رَّسِّ َوثَ ُم‪#‬و ُ‪#‬د‬ ‫َ‬
‫‪#‬وح َوأ ْ‬ ‫ت قَ ْبلَهُ ْم قَ‪##‬وْ ُم نُ‪ٍ #‬‬ ‫َّ‬
‫ك ال ُخرُو ُج َك‪ #‬ذبَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َوأَحْ يَ ْينَا‪ #‬بِ ِه بَل َدةً َم ْيتًا َك َذلِ َ‬
‫ْ‬
‫ق‬ ‫ب الرُّ ُس‪َ #‬ل فَ َح‪َّ #‬‬ ‫ص‪َ #‬حابُ اأْل َ ْي َك‪ِ #‬ة َوقَ‪##‬وْ ُ‪#‬م تُب ٍَّع ُك‪##‬لٌّ َك‪َّ #‬ذ َ‬ ‫َوعَا ٌد َوفِرْ عَوْ نُ َوإِ ْخ َوانُ لُ‪##‬و ٍط َوأَ ْ‬
‫ق َج ِدي‪ٍ #‬د﴾ [ق‪ ..]15-9 :‬وقول‪##‬ه فيه‪##‬ا‪:‬‬ ‫س ِم ْن خَ ْل‪ٍ #‬‬ ‫ق اأْل َ َّو ِل بَلْ هُ ْم فِي لَ ْب ٍ‬ ‫َو ِعي ِد أَفَ َعيِينَا بِ ْال َخ ْل ِ‬
‫ج ِدي ٍد﴾ [ق‪]15 :‬‬ ‫ق َ‬ ‫س ِم ْن خَ ْل ٍ‬ ‫ق اأْل َ َّو ِل بَلْ هُ ْم فِي لَ ْب ٍ‬ ‫﴿أَفَ َعيِينَا بِ ْال َخ ْل ِ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة المؤمن‪##‬ون المكي‪##‬ة في االس‪##‬تدالل‬
‫على البعث والجزاء‪﴿ :‬أَفَ َح ِس ْبتُْ‪#‬م أَنَّ َما خَ لَ ْقنَا ُك ْم َعبَثًا َوأَنَّ ُك ْم إِلَ ْينَ‪##‬ا اَل تُرْ َج ُع‪##‬ونَ فَتَ َع‪#‬الَى‪ #‬هَّللا ُ‬
‫آخَر اَل بُرْ هَانَ لَهُ‬ ‫ع َم َع هَّللا ِ إِلَهًا َ‬ ‫ش ْال َك ِر ِيم َو َم ْن يَ ْد ُ‬ ‫ق اَل إِلَهَ إِاَّل هُ َو َربُّ ْال َعرْ ِ‬ ‫ك ْال َح ُّ‬ ‫ْال َملِ ُ‬
‫ال َكافِرُونَ ﴾ [المؤمنون‪]117-115 :‬‬ ‫بِ ِه فَإِنَّ َما ِح َسابُهُ ِع ْن َد َربِّ ِه إِنَّهُ اَل يُ ْفلِ ُح ْ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله تعالى في سورة السجدة المكي‪##‬ة‪﴿ :‬أَفَ َم ْن َك‪##‬انَ ُم ْؤ ِمنً‪##‬ا‬
‫ات ْال َم‪##‬أْ َوى‬ ‫ت فَلَهُ ْم َجنَّ ُ‬ ‫الص‪#‬الِ َحا ِ‬ ‫َك َم ْن َكانَ فَا ِسقًا اَل يَ ْستَوُونَ أَ َّما الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َو َع ِملُ‪##‬وا َّ‬
‫نُزُاًل بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ َوأَ َّما الَّ ِذينَ فَ َسقُوا فَ َمأْ َواهُ ُ‪#‬م النَّا ُر ُكلَّ َما أَ َرادُوا أَ ْن يَ ْخ ُرجُوا ِم ْنهَ‪##‬ا‬
‫ك ْنت ُ ْم بِ ِه ت ُ َك ِّذب ُونَ ﴾ [السجدة‪]20-18 :‬‬ ‫ار الَّ ِذي ُ‬ ‫اب النَّ ِ‬ ‫أُ ِعيدُوا فِيهَا َوقِي َل لَهُ ْم ُذوقُوا َع َذ َ‬
‫ب الَّ ِذينَ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة الجاثي‪##‬ة المكي‪##‬ة‪﴿ :‬أَ ْم َح ِس‪َ #‬‬
‫ت َس‪َ ##‬وا ًء َمحْ يَ‪##‬اهُ ْم‬ ‫الص‪##‬الِ َحا ِ‬ ‫ت أَ ْن نَجْ َعلَهُ ْم َكالَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َو َع ِملُ‪##‬وا َّ‬ ‫الس‪##‬يِّئَا ِ‬ ‫اجْ تَ َرحُ‪##‬وا‪َّ #‬‬
‫ق َولِتُجْ ‪ #‬زَ ى‪ُ #‬ك‪##‬لُّ نَ ْف ٍ‬
‫س‬ ‫ض بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال َح ِّ‬ ‫ت َواأْل َرْ َ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ق هَّللا ُ ال َّس َم َ‬ ‫َو َم َماتُهُْ‪#‬م َسا َء َما يَحْ ُك ُمونَ َو َخلَ َ‬
‫ُظلَ ُمونَ ﴾ [الجاثية‪]22-21 :‬‬ ‫ت َوهُ ْم اَل ي ْ‬ ‫بِ َما َك َسبَ ْ‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك قول‪##‬ه تع‪##‬الى س‪##‬ورة األنع‪##‬ام المكي‪##‬ة في نقض أوه‪##‬ام‬
‫المشركين في احتجاجهم ألباطيلهم‪ #‬بالمشيئة اإللهية‪َ ﴿ :‬سيَقُو ُل الَّ ِذينَ أَ ْش َر ُكوا لَ‪##‬وْ َش ‪#‬ا َء‬
‫ب الَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم َحتَّى َذاقُ‪##‬وا‬ ‫هَّللا ُ َما أَ ْش َر ْكنَا َواَل آبَا ُؤنَا َواَل َح َّر ْمنَا ِم ْن َش ْي ٍء َك َذلِكَ َك َّذ َ‬
‫بَأْ َس‪##‬نَا قُ‪##‬لْ هَ‪##‬لْ ِع ْن‪َ ##‬د ُك ْم ِم ْن ِع ْل ٍم فَتُ ْخ ِرجُ‪##‬وهُ لَنَ‪##‬ا إِ ْن تَتَّبِعُ‪##‬ونَ إِاَّل الظَّ َّن َوإِ ْن أَ ْنتُ ْم إِاَّل‬
‫ك ْم أَجْ َم ِعينَ ﴾ [األنعام‪]149-148 :‬‬ ‫ت َْخ ُرصُونَ قُلْ فَلِلَّ ِه ْال ُح َّجةُ ْالبَالِ َغةُ فَلَوْ َشا َء لَهَدَا ُ‬
‫الحس والمعنى‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :)1(#‬ومن الشبه التي ال نزال نسمعها ما يذكرون‪##‬ه من‬
‫أن الق‪#‬رآن الك‪##‬ريم أقس‪#‬م كث‪##‬يرا بالض‪#‬حى‪ #‬واللي‪#‬ل وال‪#‬تين والزيت‪#‬ون وط‪##‬ور‪ #‬س‪#‬ينين‪..‬‬
‫وغيرها من المخلوقات‪ ..‬وال ريب أن القسم باألشياء الحسية يدل على ت‪##‬أثر الق‪##‬رآن‬
‫بالبيئة في مكة ألن القوم فيها كانوا أميين‪ ،‬ال تع‪#‬دو م‪##‬داركهم ح‪##‬دود الحس‪#‬يات‪ ..‬أم‪#‬ا‬
‫بعد الهجرة واتصال رسول‪ #‬هللا ‪ ‬بأهل المدينة وهم ق‪##‬وم مثقف‪##‬ون مس‪##‬تنيرون‪ ،‬فق‪##‬د‬
‫تأثر القرآن بهذا الوسط ال‪##‬راقي الجدي‪##‬د‪ ،‬وخال من تل‪##‬ك األيم‪##‬ان الحس‪##‬ية الدال‪##‬ة على‬
‫البساطة والسذاجة‪.‬‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/220‬‬
‫‪290‬‬
‫قال أحد المتكلمين(‪ :)1‬وهذه الشبهة دالة على الجهل بالقرآن الكريم وباألقسام‪#‬‬
‫نفسها وبأهل مكة والمدينة‪ ..‬وهي دالة على أن الغرض منه‪##‬ا اإلش‪##‬كال فق‪##‬ط‪ ..‬فأه‪##‬ل‬
‫مكة وأهل المدينة سواء في إدراك جمال األلفاظ والمعاني‪ ..‬وكانوا‪ #‬سواء في البحث‬
‫عن أي ثغرة يمكن أن يعارضوا‪ #‬بها القرآن الكريم‪ ..‬ولو وجدوا لفعلوا‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬أما القسم باألمور الحسية في القرآن؛ فليس منشؤه انحطاط القوم‬
‫كما يزعمون‪ ،‬وإنما رعاية مقتضى الحل فيم‪#‬ا س‪##‬يق القس‪##‬م ألجل‪#‬ه‪ ..‬ذل‪#‬ك أن الق‪##‬رآن‬
‫الك‪##‬ريم ك‪##‬ان بص‪##‬دد عالج أفحش العقائ‪##‬د فيهم‪ ،‬وهي عقي‪##‬دة الش‪##‬رك‪ ،‬وال س‪##‬بيل إلى‬
‫استئصال‪ #‬هذه العقيدة وإقامة صرح التوحيد على أنقاض‪##‬ها إال بلفت عق‪##‬ولهم إلى م‪##‬ا‬
‫في الكون من دالئل عظمة هللا‪ ،‬وإال بفتح عيونهم على طائف‪##‬ة كب‪##‬يرة من نعم الخل‪##‬ق‬
‫المحيط‪##‬ة بهم ليص‪##‬لوا‪ #‬من وراء ذل‪##‬ك إلى أن يؤمن‪##‬وا‪ #‬باهلل وح‪##‬ده م‪##‬ا دام هوالخ‪##‬الق‬
‫وحده‪ ،‬ألنه ال يستحق‪ #‬العبادة عقال إال من كان له أثر الخلق في العالم فعال‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬فعرض بعض المخلوق‪##‬ات على أنظ‪##‬ار الجاح‪##‬دين بالتوحي‪##‬د بع‪##‬د‬
‫إقرارهم‪ #‬أن ليس لها خالق إال هللا إل‪##‬زام لهم بط‪##‬رح الش‪##‬رك وتوحي‪#‬د‪ #‬الخ‪##‬الق‪ ..‬وه‪##‬ذا‬
‫مطمح نبيل أجاد القرآن الكريم في أس‪##‬اليب ع‪##‬رض نعم هللا عليهم من أجل‪##‬ه‪ ،‬وك‪##‬ان‬
‫في إجادته هذه موفيا‪ #‬على الغاية‪ ..‬فم‪##‬رة يح‪##‬دث عن خل‪##‬ق الس‪##‬ماء‪ ،‬وم‪##‬رة عن خل‪##‬ق‬
‫األرض‪ ،‬وثالثة عن أنفسهم‪ ،‬ورابعة عن أنواع الحيوان والنبات والجماد‪ #‬وهلم جرا‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وتارة يختار‪ #‬القرآن في عرضه طريقة الس‪##‬رد والش‪##‬رح‪ ..‬وت‪##‬ارة‬
‫يختار طريقة الحلف والقسم‪ ،‬ألن في الحلف والقسم معنى العظم‪#‬ة ال‪#‬تي أودعه‪#‬ا هللا‬
‫في هذه النعم‪ ،‬وهي دالة على توحيده وعظمته حتى صح أن يدور القسم عليه‪##‬ا وأن‬
‫يجيء الحلف بها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن القرآن الك‪##‬ريم لم يكت‪##‬ف بالقس‪##‬م ب‪##‬األمور‪#‬‬
‫الحسية‪ ،‬ب‪#‬ل أقس‪#‬م أيض‪#‬ا ب‪#‬األمور‪ #‬المعنوية(‪ ..)6‬وك‪#‬ل ذل‪#‬ك لينبههم إلى م‪#‬دى إنعام‪#‬ه‬
‫عليهم بتلك األقسام‪ #‬كلها حسيها ومعنويها‪ ،‬فيرعووا عن عب‪##‬ادة تل‪##‬ك اآلله‪##‬ة المزيف‪##‬ة‬
‫التي ال تملك ضرا وال نفعا‪ ،‬وليس لها أي شأن في هذا الخلق‪.‬‬
‫ق‪#‬ال آخر(‪ :)7‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪#‬إن في مض‪##‬امين تل‪#‬ك األقس‪##‬ام بالحس‪##‬يات‬
‫أس‪#‬رارا تن‪#‬أى به‪#‬ا عن الس‪#‬ذاجة والبس‪#‬اطة‪ ..‬ومن األمثل‪#‬ة على ذل‪#‬ك قس‪#‬م هللا تع‪#‬الى‬
‫ك َربُّكَ َو َم‪##‬ا قَلَى‬ ‫الض‪َ #‬حى َواللَّ ْي‪ِ #‬‬
‫‪#‬ل إِ َذا َس‪َ #‬جى َم‪##‬ا َو َّد َع‪َ #‬‬ ‫بالض‪##‬حى‪ #‬واللي‪##‬ل في قول‪##‬ه‪َ ﴿ :‬و ُّ‬
‫ض‪#‬ى﴾ [الض‪##‬حى‪ ،]5-1 :‬وس‪##‬بب‬ ‫َ‬
‫ْطي‪##‬كَ َربُّكَ فتَرْ َ‬ ‫ك ِمنَ اأْل ُولَى َولَ َس‪#‬وْ فَ يُع ِ‬‫َولَآْل ِخ َرةُ َخ ْي ٌر لَ َ‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/220‬‬
‫‪ )(2‬مناهل العرفان (‪)1/220‬‬
‫‪ )(3‬مناهل العرفان (‪)1/220‬‬
‫‪ )(4‬مناهل العرفان (‪)1/221‬‬
‫‪ )(5‬مناهل العرفان (‪)1/221‬‬
‫ي‪#‬ز‬
‫ِ ِ‬ ‫ز‬‫ع‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ي‪#‬‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫يم‬
‫ٍ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫س‪#‬‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ط‬
‫ٍ‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ص‪#‬‬
‫ِ‬ ‫ى‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫ِينَ‬ ‫ل‬ ‫س‪#‬‬
‫َ‬ ‫رْ‬‫م‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫م‬
‫ِنَ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫كَ‬‫َّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ ِ‬‫يم‬‫ك‬‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫آ‬ ‫‪#‬رْ‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬
‫ال‬‫و‬‫َ‬ ‫﴿يس‬ ‫تع‪#‬الى‪:‬‬ ‫قول‪#‬ه‬ ‫في‬ ‫الك‪#‬ريم‬ ‫ب‪#‬القرآن‬ ‫القس‪#‬م‬ ‫‪ )(6‬ومن األمثلة على ذلك‬
‫ال َّر ِح ِيم﴾ [يس‪1 :‬ـ‪]5‬‬
‫‪ )(7‬مناهل العرفان (‪)1/222‬‬
‫‪291‬‬
‫نزول هذه اآليات‪ :‬أن النبي ‪ ‬فتر عنه الوحي م‪#‬رة ال ي‪#‬نزل بق‪#‬رآن فرم‪#‬اه أع‪#‬داؤه‬
‫بأن ربه ودعه وقاله‪ ،‬أي تركه وأبغضه‪ ،‬فنزلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات مص‪##‬درة به‪##‬ذا القس‪##‬م‪،‬‬
‫مشيرة إلى أن ما كان من سطوع الوحي على قلبه ‪ ‬بمنزلة الض‪##‬حى ال‪##‬ذي تق‪##‬وى‬
‫به الحياة‪ ،‬وما عرض بعد ذلك من فترة الوحي بمنزلة الليل إذا سجى‪ ،‬لتستريح في‪##‬ه‬
‫القوى‪ ،‬وتستعد فيه النفوس لما يستقبلها من العمل‪ ..‬وب‪#‬ذلك ف‪#‬إن ف‪#‬ترة ال‪#‬وحي ك‪#‬انت‬
‫لتثبيته ‪ ‬وتقوية نفسه على احتمال ما يتوالى عليه من‪##‬ه ح‪##‬تى تتم ب‪##‬ه حكم‪##‬ة هللا في‬
‫إرساله إلى الخلق‪ ..‬ولهذا قال له‪َ ﴿ :‬ولَآْل ِخ َرةُ خَ ْي ٌر لَ‪##‬كَ ِمنَ اأْل ُولَى﴾ [الض‪##‬حى‪ ،]4 :‬أي إن‬
‫كرة الوحي ثانيا سيكمل بها الدين وتتم‪ #‬بها نعم‪##‬ة هللا على أهل‪##‬ه‪ ..‬وأين بداي‪##‬ة ال‪##‬وحي‬
‫من نهايته؟‪ ..‬وأين إجمال الدين الذي جاء في قوله ﴿ا ْق َر ْأ بِاس ِْم َ‬
‫ربِّكَ الَّ ِذي خَ لَقَ﴾ [العلق‪:‬‬
‫‪ ]1‬من تفصيل العقائد واألحك‪##‬ام ال‪##‬ذي ج‪##‬اء في مث‪##‬اني الق‪##‬رآن‪ ..‬ثم زاد األم‪##‬ر تأكي‪##‬دا‬
‫ضى﴾ [الضحى‪ ..]5 :‬فمن هذا نعلم أن الحلف بالضحى‬ ‫ك فَتَرْ َ‬ ‫﴿ولَ َسوْ فَ يُ ْع ِطي َ‬
‫ك َربُّ َ‬ ‫بقوله َ‬
‫والليل في هذا المقام ليس مجرد تذكير بآياته ونعمه فحسب‪ ،‬بل هوأيضا إقامة دلي‪##‬ل‬
‫على أن تنزل الوحي أشبه بضحوة النهار‪ ،‬وأن فترة الوحي أش‪#‬به به‪##‬دأة اللي‪#‬ل‪ ،‬ف‪#‬إذا‬
‫كانوا يتقبلون الضحى والليل بالرضا‪ #‬والتس‪##‬ليم لم‪##‬ا فيهم‪#‬ا‪ #‬من نف‪##‬ع اإلنس‪##‬ان بالس‪##‬عي‬
‫والحركة والحياة بالنهار والنوم واالستجمام بالليل‪ ،‬يجب أن يتقبلوا أيضا ما يج‪##‬ري‬
‫على محمد ‪ ‬من نزول الوحي وفترته للمعنى الذي سلف‪.‬‬
‫لغو وغموض‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :)1(#‬ومن الشبه التي ال نزال نسمعها ما يذكرون‪##‬ه من‬
‫أن القس‪##‬م المكي من الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ #‬اش‪##‬تمل على لغ‪##‬ومن الكالم في كث‪##‬ير من ف‪##‬واتح‬
‫السور‪ ،‬مثل الحروف‪ #‬المقطعة‪ ..‬وذلك يبطل دعوى المسلمين أن القرآن بيان للن‪##‬اس‬
‫وهدى وأنه كالم هللا‪ ..‬وأي بيان وأي هدى في قوله‪﴿ :‬الم﴾ وقوله‪﴿ :‬كهيعص﴾؟‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ويقولون‪ :‬إن هذه األحرف وأمثالها في غاي‪##‬ة البع‪##‬د عن اله‪##‬دى‪،‬‬
‫بدليل أنه لم يهتد أحد منهم‪ ،‬وال الراسخون في العلم إلدراك معناه‪##‬ا‪ ،‬فالخط‪##‬اب به‪##‬ا‬
‫كالخطاب بالمهمل‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ويقولون‪ :‬إن الحروف‪ #‬المقطعة المفتتح به‪##‬ا أوائ‪##‬ل بعض الس‪##‬ور‬
‫إما أن يكون قصد منها التعمية أوالتهويل‪ ،‬أوإظهار القرآن في مظهر عميق مخيف‪،‬‬
‫أوهي رم‪##‬ز للتمي‪##‬يز بين المص‪##‬احف‪ #‬المختلف‪##‬ة‪ ،‬ثم ألحقه‪##‬ا م‪##‬رور ال‪##‬زمن ب‪##‬القرآن‬
‫فصارت‪ #‬قرآنا‪ ..‬أو هي أثر من آثار اليهود فيه بسبب كونهم من كتبته‪.‬‬
‫قال أحد المتكلمين(‪ :)4‬وهذه الشبهة أيضا دلي‪##‬ل على الجه‪##‬ل ب‪##‬القرآن الك‪##‬ريم‪،‬‬
‫وعدم التعمق في أسراره‪ ،‬ب‪##‬ل ح‪##‬تى في أبس‪##‬ط المع‪##‬ارف المرتبط‪##‬ة ب‪##‬ه‪ ..‬وأوله‪##‬ا أن‬

‫مناهل العرفان (‪)1/225‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مناهل العرفان (‪)1/225‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/225‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/225‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪292‬‬
‫رسول ‪ ‬لم يكن له كتبة من اليهود أبدا‪ ..‬وها هوالتاريخ ح‪##‬اكم ع‪##‬دل ال ي‪##‬رحم وال‬
‫يحابي فليسألوه إن كانوا صادقين؟‬
‫قال آخر(‪ :)1‬باإلضافة إلى ذلك‪ ..‬فإن اليهود لم يعرف عنهم الطعن في القرآن‬
‫الكريم بمثل هذا‪ ..‬ولوكان هذا مطعنا عندهم لكانوا أول الناس جهرا به وتوجيها‪ #‬له‪،‬‬
‫ألنهم ك‪#‬انوا أش‪#‬د الن‪#‬اس ع‪#‬داوة للن‪#‬بي ‪ ‬والمس‪#‬لمين يتمن‪#‬ون أن يج‪#‬دوا في الق‪#‬رآن‬
‫مغمزا من أي نوع يكون ليهدموا به دعوة اإلسالم‪ ..‬كيف وهم يكفرون به حسدا من‬
‫عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق؟‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى ذلك‪..‬فإن اشتمال القرآن الك‪##‬ريم على كلم‪##‬ات غ‪##‬ير‬
‫ظاهرة المعنى ال ينافي وصفه بأنه بيان للناس وهدى ورحمة‪ ،‬ف‪##‬إن ه‪##‬ذه األوص‪##‬اف‬
‫يكفي في تحققه‪##‬ا ثبوته‪##‬ا للق‪##‬رآن باعتب‪##‬ار جملت‪##‬ه ومجموع‪##‬ه‪ ،‬ال باعتب‪##‬ار تفص‪##‬يله‬
‫وعمومه الشامل لكل لف‪##‬ظ في‪##‬ه‪ ..‬وال ريب أن الك‪##‬ثرة الغ‪##‬امرة في الق‪##‬رآن كله‪##‬ا بي‪##‬ان‬
‫للتعاليم اإللهية‪ ،‬وهداي‪##‬ة للخل‪##‬ق إلى الح‪##‬ق‪ ،‬ورحم‪##‬ة للع‪##‬الم من وراء تقري‪##‬ر أص‪##‬ول‬
‫السعادة في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهذا الجواب مبني على التسليم الج‪#‬دلي ب‪#‬أن ف‪##‬واتح تل‪#‬ك الس‪##‬ور‬
‫من األسرار التي استأثر هللا بعلمها‪ ،‬ولم يطلع عليها أحد من خلقه‪ ،‬وذلك لحكمة من‬
‫حكم‪##‬ة الس‪##‬امية‪ ،‬وهي ابتالؤه وتمحيص‪##‬ه لعب‪##‬اده ح‪##‬تى يم‪##‬يز الخ‪##‬بيث من الطيب‪،‬‬
‫وصادق اإليمان من المنافق‪ ،‬بعد أن أقام لهم أعالم بيانه‪ ،‬ودالئ‪##‬ل هدايت‪##‬ه‪ ،‬وش‪##‬واهد‪#‬‬
‫رحمته في غير تلك الفواتح من كتابه بين آيات وسور‪ #‬كث‪##‬يرة ال تعت‪##‬بر تل‪##‬ك الف‪##‬واتح‬
‫في جانبها إال قطرة من بحر أوغيضا من فيض‪.‬‬
‫ق‪#‬ال آخر(‪ :)4‬أم‪##‬ا ال‪##‬ذين آمن‪#‬وا فيعلم‪#‬ون أن ه‪##‬ذه الف‪##‬واتح ح‪#‬ق من عن‪##‬د ربهم‪،‬‬
‫ولولم‪ #‬يفهموا معناها‪ ،‬أو لم ي‪#‬دركوا مغزاه‪#‬ا‪ ،‬ثق‪#‬ة منهم بأنه‪#‬ا ص‪#‬ادرة من ل‪#‬دن حكيم‬
‫عليم‪ ،‬عمت حكمته ما خفي وما ظهر من معاني كتابه‪ ،‬ووسع علمه كل شيء عرفه‬
‫﴿واَل ي ُِحيطُونَ بِ َش ْي ٍء ِم ْن ِع ْل ِم ِه إِاَّل بِ َم‪##‬ا َش ‪#‬ا َء﴾‬
‫الخلق أو لم يعرفوه من أسرار تنزيله‪َ ..‬‬
‫[البقرة‪﴿ # ..]255 :‬فَأ َ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِه ْ‪#‬م زَ ْي ٌغ فَيَتبِعُونَ َما تشابَهَ ِمنهُ ابتِغَا َء الفِتن ‪ِ #‬ة َوابتِغ‪##‬ا َء‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ويلَه ُ إِاَّل هَّللا ُ﴾ [آل عمران‪]7 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫تَأ ِويلِ ِه َو َما يَ ْعلَ ُم تَأ ِ‬
‫قال آخر(‪ :)5‬ونظير ذلك أن يكون لك أصدقاء تريد أن تعرفهم أوتع‪##‬رف‪ #‬منهم‬
‫مدى صداقتهم‪ #‬لك‪ ،‬فتبتليهم بأمور‪ #‬ي‪#‬زل عن‪#‬دها المزيف‪#‬ون ويظه‪#‬ر‪ #‬الص‪#‬ادقون‪ ..‬كم‪#‬ا‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫وتوس‪###‬من‪ #‬فع‪###‬الهم وتفقد‬ ‫اب‪######‬ل الرج‪######‬ال إذا أردت‬
‫إخ‪#################################‬اءهم‬
‫مناهل العرفان (‪)1/225‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/225‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/225‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/226‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/226‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪293‬‬
‫فب‪###‬ه الي‪###‬دين قري‪###‬ر‪ #‬عين‬ ‫ف‪###‬إذا ظف‪###‬رت ب‪###‬ذي اللبان‪###‬ة‬
‫فاش‪##############################‬دد‬ ‫والتقى‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ونظير ذلك أن تك‪##‬ون أس‪##‬تاذا معلم‪##‬ا‪ ،‬وتري‪#‬د‪ #‬أن تق‪##‬ف على م‪##‬دى‬
‫انتباه تالميذك‪ ،‬ومبلغ ثقتهم فيك وفي‪ #‬علمك بع‪##‬د أن زودتهم من‪##‬ك بدراس‪##‬ات واس‪##‬عة‬
‫وتعاليم‪ #‬واضحة‪ ،‬فإنك تختبرهم‪ #‬في بعض األوق‪##‬ات بكلم‪##‬ات فيه‪##‬ا ش‪##‬يء من اإللغ‪##‬از‬
‫والخفاء‪ ،‬ليظهر الذكي من الغبي‪ ،‬والواثق‪ #‬بك الوامق لك من المتشكك فيك الم‪##‬تردد‬
‫في علمك وفضلك‪ #..‬فأما الواثق فيك فيعرف أن تلك األلغاز والمعميات صدرت عن‬
‫علم منك بها‪ ،‬وإن لم يعلم هو تفسيرها‪ ،‬ويعرف‪ #‬أن لك حكمة في إيراده‪##‬ا على ه‪##‬ذه‬
‫الصورة من الخلفاء‪ ،‬وهي االختبار‪ #‬واالبتالء‪ ..‬وأما المتشكك فيك فيقول‪ :‬م‪##‬اذا أراد‬
‫بهذا؟ وكيف ساغ له أن يورده؟ وما مبل‪##‬غ العلم ال‪##‬ذي في‪##‬ه؟ ثم ينس‪##‬ى تل‪##‬ك المع‪##‬ارف‬
‫الواس‪##‬عة الواض‪##‬حة ال‪##‬تي زودت‪##‬ه به‪##‬ا من قب‪##‬ل ذل‪##‬ك‪ ،‬وكله‪##‬ا من أعالم العلم وآي‪##‬ات‬
‫الفضل‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى هذا‪ ..‬فإن إبتالء هللا لعباده ليس المراد من‪#‬ه أن يعلم‬
‫تعالى ما كان جاهال منهم‪ ،‬حاشاه‪ ..‬فقد وس‪##‬ع ك‪##‬ل ش‪##‬يء علم‪##‬ا‪ ..‬إنم‪##‬ا المقص‪##‬ود من‪##‬ه‬
‫إظهار مكنونات‪ #‬الخلق‪ ،‬وإقامة الحجج عليهم من أنفس‪##‬هم‪ ،‬فال يتهم‪##‬ون هللا في عدل‪##‬ه‬
‫وجزائه إذا جعل من الناس أهال لثوابه وآخرين لعقابه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬هذا على التسليم الجدلي بع‪##‬دم العلم به‪##‬ا‪ ..‬أم‪##‬ا على الث‪##‬اني‪ ..‬ف‪##‬إن‬
‫لهذه الفواتح معاني ال تعرف‪ #‬إال بالتدبر والتأمل‪ ..‬فالقرآن كتاب هداي‪##‬ة‪ ،‬والهداي‪##‬ة ال‬
‫تتحقق إال بتدبره واالستنباط‪ #‬منه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬ومن األمثلة على الفهوم المرتبطة به‪##‬ا أن المقص‪##‬ود‪ #‬منه‪##‬ا إفه‪##‬ام‪#‬‬
‫المخاطبين أن الذي س‪##‬يتلى عليهم من الكالم ال‪##‬ذي عج‪##‬زوا عن معارض‪##‬ته واإلتي‪##‬ان‬
‫بمثل‪##‬ه إنم‪##‬ا ي‪##‬تركب من مث‪##‬ل ه‪##‬ذه الح‪##‬روف‪ #‬ال‪##‬تي في الف‪##‬واتح‪ ،‬وهي معروف‪##‬ة لهم‬
‫يتخ‪##‬اطبون بم‪##‬ا ي‪##‬دور عليه‪##‬ا وال يخ‪##‬رج عنه‪##‬ا‪ ..‬ومنهم من ق‪##‬ال‪ :‬إن المقص‪##‬ود منه‪##‬ا‬
‫هوالداللة على انتهاء سورة والشروع‪ #‬في أخرى‪ ..‬ومنهم‪ #‬من قال‪ :‬إن المقصود منها‬
‫القسم بها إلظهار‪ #‬شرفها وفضلها‪ #‬إذ هي مبنى كتبه المنزلة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬ومنهم من قال‪ :‬إن المقصود منها تنبيه السامعين وإيقاظهم‪ #..‬ذلك‬
‫أن قرع السمع في أول الكالم بما يعيي النفوس فهمه أو باألمر الغريب داف‪##‬ع له‪##‬ا أن‬

‫مناهل العرفان (‪)1/226‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مناهل العرفان (‪)1/227‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/227‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/227‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مناهل العرفان (‪)1/227‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪294‬‬
‫تصغي وتتيقظ‪ #‬وتتأمل وتزداد إقباال‪ :‬فهي كوسائل التشويق التي تع‪##‬رض في مقدم‪##‬ة‬
‫الدرس على منهج التربية الحديثة في التعليم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومنهم من قال‪ :‬إن المقصود منها سياسة النف‪##‬وس المعرض‪##‬ة عن‬
‫القرآن واس‪##‬تدراجها إلى االس‪##‬تماع إلي‪##‬ه‪ ..‬والمع‪##‬روف‪ #‬أن أع‪##‬داء اإلس‪##‬الم في ص‪##‬در‪#‬‬
‫الدعوة كان يقول بعضهم‪ #‬لبعض‪﴿ :‬اَل تَ ْس َمعُوا لِهَ َذا ْالقُرْ آ ِن َو ْال َغوْ ا فِي ‪ِ #‬ه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْغلِبُ‪##‬ونَ ﴾‬
‫[فصلت‪]26 :‬‬

‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)1/228‬‬


‫‪295‬‬
‫خامسا ـ القرآن‪ ..‬ومصاديق التنزيل‬
‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬نهضت على أصوات ضجة تمأل الش‪##‬ارع ال‪##‬ذي كنت‬
‫أقيم فيه؛ فأسرعت أنظر ما يحصل؛ فوجدت جمعا من الكه‪##‬ول والش‪##‬باب‪ ،‬يس‪##‬يرون‬
‫بس‪##‬رعة‪ ،‬وهم ي‪##‬رددون‪ :‬هي‪##‬ا إلى المحكم‪##‬ة؛ ف‪##‬اليوم س‪##‬يحا َكم الب‪##‬اطنيون‪ #‬الض‪##‬الون‬
‫المحرفون للقرآن‪ ،‬وسنرى‪ #‬القاضي كيف يطبق عليهم أحكام الردة والمحاربة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬كم انتظرن‪#‬ا‪ #‬ذل‪##‬ك الي‪##‬وم ال‪##‬ذي ن‪##‬رى في‪##‬ه تل‪##‬ك ال‪##‬رؤوس‪ #‬معلق‪##‬ة على‬
‫الرماح‪ ،‬واألجساد معلقة على الصلبان‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬سيكون ذلك أعظم انتقام للقرآن الكريم‪ ،‬ولعله يص‪##‬بح برك‪##‬ة علين‪##‬ا؛‬
‫فنخرج من هذا الضيق الذي نعيشه؛ فلعل سببه أولئ‪##‬ك المح‪##‬رفين ال‪##‬ذين قص‪##‬رنا في‬
‫عقوبتهم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أجل‪ ..‬ولن نكتفي بأولئك الضالين المبت‪##‬دعين‪ ،‬ب‪##‬ل س‪##‬نفتش عن ك‪##‬ل‬
‫من يفكر بنفس تفكيرهم‪ ،‬ويح‪##‬رف الق‪##‬رآن بنفس تح‪##‬ريفهم‪ ،‬لنمتحن‪##‬ه‪ ،‬ونعاقب‪##‬ه بنفس‬
‫عقوبتهم‪.‬‬
‫مع أن كل ما ذكروه كان مهما بالنسبة لي‪ ،‬لك‪##‬ني لف‪##‬رط نعاس‪##‬ي‪ ،‬لم أب‪##‬ال ب‪##‬ه‪،‬‬
‫إلى أن مر بي رجالن قال أحدهما لصاحبه‪ :‬لست أدري كي‪##‬ف بقي أولئ‪#‬ك الض‪##‬الون‬
‫الب‪##‬اطنيون ك‪##‬ل تل‪##‬ك الس‪##‬نين س‪##‬جناء ال يلتفت لهم أح‪##‬د إلى أن ق‪##‬رر القاض‪##‬ي الي‪##‬وم‬
‫إحضارهم‪ #،‬ودعوة الجميع لحضور‪ #‬جلسة محاكمتهم؟‬
‫قال الثاني‪ :‬لقد سمعت أن شخصا فاضال زار بل‪#‬دتنا‪ ،‬يق‪#‬ال ل‪#‬ه [المعلم]‪ ،‬وأن‪#‬ه‬
‫هو من استطاع إقن‪##‬اع القاض‪##‬ي ب‪##‬ذلك‪ ..‬وق‪##‬د س‪##‬معت أيض‪##‬ا أن ه‪##‬ذا المعلم سيحض‪#‬ر‪#‬‬
‫الجلسة‪ ،‬وهو ما دفعني‪ #‬إلى الحضور؛ فالكل يث‪##‬ني علي‪##‬ه‪ ،‬وعلى األن‪##‬وار ال‪##‬تي تش‪##‬ع‬
‫منه‪ ،‬والتي ال يملك أحد من الناس أن يقاومها‪#.‬‬
‫ما نطق الرجل بذلك‪ ،‬حتى وجدتني أسرع إلى حيث يس‪##‬رعون‪ ،‬وأن‪##‬ا أتعجب‬
‫من أن يدعو معلم االعتدال إلى تلك المحاكمة الشديدة القاسية‪.‬‬
‫لكني‪ ..‬ما إن وصلت ح‪##‬تى تغ‪##‬ير م‪##‬وقفي‪ #‬تمام‪##‬ا‪ ،‬كم‪##‬ا تغ‪##‬ير موق‪##‬ف الجمي‪##‬ع‪..‬‬
‫وس‪##‬أحكي‪ #‬لكم ك‪##‬ل م‪##‬ا ذك‪##‬روه في الجلس‪##‬ة‪ ،‬وال‪##‬تي تش‪##‬كلت من القاض‪##‬ي والم‪##‬دعي‬
‫والمتَّهمين والمعلم طبعا‪ ..‬والذي جعله القاضي معه في منصة المحكمة‪.‬‬
‫‪ .1‬المصاديق والتأويل الصحيح‪:‬‬

‫‪296‬‬
‫قال القاضي‪ :‬ها نحن نجتمع أخيرا في البت في هذه القضية التي طال تأجيلنا‬
‫له‪##‬ا‪ ،‬خوف ‪#‬ا‪ #‬من الفتن‪##‬ة ال‪##‬تي زعم البعض أن م‪##‬دينتنا‪ #‬ق‪##‬د تق‪##‬ع فيه‪##‬ا‪ ..‬لكن ه‪##‬ذا المعلم‬
‫الفاضل أقنعني بأن العدل لن يجر إلى الفتنة‪ ،‬والحقيق‪##‬ة هي وح‪##‬دها من يقض‪##‬ي على‬
‫كل صراع‪ ..‬ولذلك طلبت من المدعي أن يجمع كل الش‪##‬هادات والوث‪##‬ائق‪ #‬ال‪##‬تي ت‪##‬دين‬
‫هؤالء المتهمين‪ ،‬ومعها كل الشهود‪ ،‬وسنسمح للمتهمين طبعا بأن يجيب‪##‬وا عليه‪##‬ا‪ ،‬ثم‬
‫بعد ذلك نقرر ما يقتضيه العدل ال‪##‬ذي ن‪##‬راه‪ ،‬وال‪##‬ذي ترون‪##‬ه معن‪##‬ا معش‪##‬ر الحض‪##‬ور‪#،‬‬
‫وخاصة أهل العلم منكم‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬وقد فعلت ذلك‪ ..‬وسأبدأ بأول ما قد نكتفي به إلدانتهم‪#.‬‬
‫ثم التفت للمتهمين‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬إن التهم‪##‬ة الك‪##‬برى الموجه‪##‬ة لكم هي تحري‪##‬ف فهم‬
‫الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم‪ ،‬وأنتم ب‪#‬ذلك تش‪#‬بهون ب‪#‬ني إس‪#‬رائيل ال‪#‬ذين ك‪#‬انوا يحرف‪#‬ون الكلم عن‬
‫مواضعه‪ ،‬ويستبدلون بمعانيه ما يريدون هم ال ما تريده كتبهم المقدسة‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬كيف ذلك؟‬
‫قال المدعي‪ :‬ألستم تقولون بأن للقرآن الكريم ظاهرا وباطن‪##‬ا‪ #..‬وأنكم تأخ‪##‬ذون‬
‫بباطن القرآن؟‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬وبظاهره‪ ..‬فنحن نؤمن بكليهما‪ ،‬ونحاول أن نفهم كليهما‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬وذلك هو التحريف بعينه‪ ..‬فظاهر القرآن الكريم هو المقص‪##‬ود‪..‬‬
‫وكل من يرى أن هناك باطنا له فهو من زنادقة الباطنية‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬فأنت تتهم نفسك بذلك إذن؟‬
‫قال المدعي‪ :‬كيف ذلك؟‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬ألم تشبهنا‪ #‬ببني إسرائيل وتحريفهم لكتبهم؟‬
‫قال المدعي‪ :‬وال أزال أصر على ذلك‪ ..‬ف‪##‬أنتم معش‪##‬ر الباطني‪##‬ة هم يه‪##‬ود ه‪##‬ذه‬
‫األمة‪ ..‬بل منافقوها‪#.‬‬
‫ق‪#‬ال أح‪#‬د المتهمين‪ :‬وه‪#‬ذا ه‪#‬و مع‪#‬نى الب‪#‬اطن ال‪#‬ذي نري‪#‬ده‪ ..‬فنحن ن‪#‬ؤمن ب‪#‬أن‬
‫اليهود والمنافقين المذكورين في القرآن الكريم لم ي‪##‬ذكروا‪ #‬ل‪##‬ذواتهم‪ ،‬وإنم‪##‬ا لص‪##‬فاتهم‬
‫وأفعالهم المشينة‪ ،‬ولذلك فإن كل من تشبه بهم يجري ويطبق‪ #‬عليه حكمهم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد ق‪##‬ال إمامن‪##‬ا الب‪##‬اقر‪ #‬ي‪##‬ذكر ذلك‪( :‬ظه‪##‬ر الق‪##‬رآن ال‪##‬ذين ن‪##‬زل فيهم‪،‬‬
‫وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم) (‪)1‬‬

‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عنه قول‪##‬ه في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِنَّ َم‪##‬ا أَ ْنتَ ُم ْن‪ِ #‬ذ ٌر‬
‫علي اله‪##‬ادي‪ ،‬ومنَّا اله‪##‬ادي)‪ ،‬فقي‪##‬ل له‪ :‬ف‪##‬أنتَ‬ ‫َولِ ُك ِّل قَ‪##‬وْ ٍ‪#‬م هَ‪##‬ا ٍد﴾ [الرع‪##‬د‪ ،]7 :‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪ٌّ ( :‬‬

‫‪ )(1‬تفسير العيّاشي‪.1/11 ،‬‬


‫‪297‬‬
‫حي ال يموت‪ ،‬واآلية حيَّةٌ ال تم‪##‬وت‪،‬‬ ‫إن القرآن ٌّ‬ ‫جعلت فداك الهادي؟‪ ،‬قال‪( :‬صدقت َّ‬ ‫ُ‬
‫فلو كانت اآلي‪##‬ة إذا ن‪##‬زلت في األق‪##‬وام‪ #‬وم‪##‬اتوا‪ #‬م‪##‬اتت اآلي‪##‬ة لم‪##‬ات الق‪##‬رآن‪ ،‬ولكن هي‬
‫جارية في الباقين كما جرت في الماضيين) (‪)1‬‬
‫قوم ثم م‪##‬ات‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عنه قوله‪( :‬ولو أ َّن اآلية إذا نزلت في ٍ‪#‬‬
‫ولكن القرآن يجري‪ #‬أولُه على آخ‪##‬ره م‪##‬ا‬ ‫َّ‬ ‫أولئك ماتت اآلية لما بقي من القرآن شيء‪،‬‬
‫ل قوم يتلوها هم منها من خير أو شر) (‪)2‬‬ ‫دامت السماوات واألرض‪ ،‬ولك ِّ‬
‫ٍ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عنه قوله في تفسير ما ورد في الحديث من أنه ( ما‬
‫من القرآن آية إال ولها ظهر وبطن)‪( :‬ظهره تنزيلُه وبطنه تأويلُه‪ ،‬منه ما ق‪##‬د مض‪##‬ى‬
‫ومنه ما لم يكن‪ ،‬يجري كما يجري‪ #‬الشمس والقمر كلَّما جاء تأوي ُل شيء من‪##‬ه يك‪##‬ون‬
‫على األم‪##‬وات كم‪##‬ا يك‪##‬ون على األحي‪##‬اء‪ ،‬ق‪##‬ال هللا تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَ ‪#‬هُ إِاَّل هَّللا ُ‬
‫ب﴾‬‫َّاس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم يَقُولُونَ آ َمنَّا بِ ِه ُكلٌّ ِم ْن ِع ْن ِد َربِّنَا َو َم‪##‬ا يَ‪َّ #‬ذ َّك ُر إِاَّل أُولُ‪##‬و اأْل َ ْلبَ‪##‬ا ِ‬
‫َوالر ِ‬
‫[آل عمران‪ ]7 :‬نحن نعمله) (‪)3‬‬
‫حي لم‬ ‫إن الق‪##‬رآن ٌّ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن اإلمام الص‪##‬ادق‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪َّ ( :‬‬
‫يمت‪ ،‬وانَّه يجري كما يجري الليل والنهار وكم‪##‬ا تج‪##‬ري‪ #‬الش‪##‬مس والقم‪##‬ر‪ ،‬ويج‪##‬ري‬
‫على آخرنا كما يجري على أولنا) (‪)4‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬نحن نعبر عن هذه المعاني التي ذكرها هؤالء األئمة بـ [الج‪##‬ري‬
‫واالنطباق]‪ ..‬فهذه الروايات ت‪##‬دل على أ َّن فاعليَّة الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم وحيويَّت‪##‬ه تكمنُ في‬
‫التعاطي‪ #‬معه على أساس الجري واالنطباق‪ ..#‬فـ [الج‪##‬ري] يس‪##‬تبطن مع‪##‬نى الحرك‪##‬ة‬
‫والتجد ُّد والديمومة‪ ،‬فكما أ َّن الليل والنهار‪ #‬والشمس والقمر في تج ُّد ٍد دائم فك‪##‬ذلك هو‬
‫القرآن ال يختص به زمان‪ ،‬وكما أ َّن الليل والنه‪##‬ار يتعاقب‪##‬ان على ك‪##‬لِّ بق‪##‬اع األرض‬
‫فك‪##‬ذلك هو الق‪##‬رآن ال يختصُّ ب‪#‬ه مك‪##‬ان دون مك‪##‬ان‪ ،‬ف‪##‬المراد من الج‪##‬ري هو إج‪#‬راء‬
‫أحكام القرآن وتوصيفاته على ك ِّل من ك‪##‬ان واج‪##‬داً لخصوص‪##‬ياتها‪ #‬بقط‪##‬ع النظ‪##‬ر عن‬
‫الزم‪##‬ان والمك‪##‬ان‪ ..‬وه‪##‬ذا هو مع‪##‬نى االنطب‪##‬اق‪ #‬وال‪##‬ذي هو تط‪##‬بيق‪ #‬أحك‪##‬ام الق‪##‬رآن‬
‫وتوصيفاته على ك ِّل َمن كان منطَبقا ً لخصوصيات أحكامه وتوصيفاته‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وذلك هو عين ما ي‪##‬دعو إلي‪##‬ه الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم فاهلل تع‪##‬الى عن‪##‬د بيان‪##‬ه‬

‫تفسير العياشي‪ :‬ج‪.2/203‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تفسير العياشي‪ :‬ج‪.1/10‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير العياشي‪ :‬ج‪.1/11‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير نور الثقلين‪ :‬ج‪.3/484‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الجري واالنطباق‪ :‬معناه وضوابطه‪ ،‬الشيخ محمد صنقور‪ ،‬موقع الهدي القرآني‪.‬‬ ‫‪)( 5‬‬
‫‪298‬‬
‫ص‪ِ #‬ه ْ‪#‬م‬ ‫ص ِ‬ ‫سبب ذكر قصص األنبي‪#‬اء عليهم الس‪#‬الم م‪#‬ع أممهم‪ ،‬فق‪#‬ال‪﴿ :‬لَقَ‪ْ #‬د َك‪#‬انَ فِي قَ َ‬
‫يل ُك‪ِّ #‬ل‬ ‫ص َ‬ ‫ق الَّ ِذي بَ ْينَ يَ َد ْي ِه َوتَ ْف ِ‬
‫ب َما َكانَ َح ِديثًا يُ ْفت ََرى َولَ ِك ْن تَصْ ِدي َ‬ ‫ِع ْب َرةٌ أِل ُولِي اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫رحْ َمةً لِقَوْ ٍم ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [يوسف‪]111 :‬‬ ‫َش ْي ٍء َوهُدًى َو َ‬
‫َّ‬
‫ق ال ِذي بَ ْينَ‬ ‫﴿ولَ ِك ْن ت ْ‬
‫َص ‪ِ #‬دي َ‪#‬‬ ‫قال آخر‪ :‬انظروا كيف عقب هللا تعالى اآلية بقوله ‪َ :‬‬
‫يل ُكلِّ َش ْي ٍء َوهُدًى َو َرحْ َم‪ #‬ةً لِقَ‪##‬وْ ٍم ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ ﴾ [يوس‪##‬ف‪ ..]111 :‬فل‪##‬و أن‪##‬ا أخ‪##‬ذنا‬ ‫ص َ‬‫يَ َد ْي ِه َوتَ ْف ِ‬
‫بظاهر القرآن الكريم فقط‪ ،‬لما كان فيه تفصيل كل شيء‪ ..‬بل نحتاج إلى التعم‪##‬ق في‬
‫معانيه‪ ،‬وتطبيقها‪ #‬على الواقع لنبحث عن حكم هللا فيها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ولذلك يذكر أئمتن‪#‬ا وعلماؤن‪#‬ا‪ #‬أن‪#‬ه يمكن أن يظه‪#‬ر في ك‪ّ #‬ل زم‪#‬ان‬
‫موسى‪ #‬وفرعون‪ ،‬وإبراهيم‪ #‬والنمرود‪ ،‬وعاد وثمود‪ ،‬في مظهر وصورة ما‪ ،‬ويتجسّد‬
‫ق والباطل مرّة أخرى‪ ،‬فال ب ّد من التمييز بين أهل الهداية والض‪##‬اللة في ك‪ّ #‬ل‬ ‫فيه الح ّ‬
‫عص‪##‬ر على ض‪##‬وء النم‪##‬اذج والعيّن‪##‬ات ال‪##‬تي طرحه‪##‬ا الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وال‪##‬تي ينبغي‬
‫تطبيقها عليهم‪.‬‬
‫ض‪ِ #‬عفُوا‬ ‫﴿ونُ ِري ُد أَ ْن نَ ُم َّن َعلَى الَّ ِذينَ ا ْستُ ْ‬ ‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسر أئمتنا قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ارثِينَ ﴾ [القص‪####‬ص‪ ،]5 :‬بم‪###‬ا ورد‪ #‬في األخب‪###‬ار‪#‬‬ ‫ض َونَجْ َعلَهُْ‪#‬م أَئِ َّمةً َونَجْ َعلَهُ ُم ْال‪َ ###‬و ِ‬ ‫فِي اأْل َرْ ِ‬
‫الكث‪##‬يرة المت‪##‬واترة عن اإلم‪##‬ام المه‪##‬دي‪ ،‬ودوره اإلص‪##‬الحي‪ #‬في األم‪##‬ة‪ ،‬وخ‪##‬روج‬
‫المستضعفين في عصره من ضعفهم‪ ،‬مع أن س‪##‬ياق اآلي‪##‬تين ك‪##‬ان ح‪##‬ديثا عن موس‪##‬ى‬
‫وفرعون وهامان والمستض‪##‬عفين من ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬وم‪##‬ع أنه‪##‬ا اش‪##‬تملت على وع‪##‬د‬
‫إلهي بهالك فرعون وهامان وجنودهما والتمكين للمستضعفين من بني إس‪##‬رائيل في‬
‫األرض وجعلهم الوارثين لها واص‪##‬طفاء أئم‪##‬ة لهم يكون‪##‬ون منهم‪ ..‬فظ‪##‬اهر اآلي‪##‬ة أن‬
‫الوع‪###‬د اإللهي ال يختص بأم‪###‬ة دون أخ‪###‬رى‪ ،‬وأن إرادة هللا ق‪###‬د تعلقت ب‪###‬التمكين‬
‫للمستضعفين في األرض واصطفاء أئمة منهم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬من تلك الروايات م‪##‬ا رواه اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق عن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬أن‪##‬ه‬
‫نظ‪##‬ر إلى علي والحس‪##‬ن والحس‪##‬ين‪ ،‬وبكى وق‪##‬ال‪( :‬أنتم المستض‪##‬عفون بع‪##‬دي)‪ ،‬قي‪#‬ل‬
‫لإلمام الصادق‪ :‬ما معنى ذلك يا ابن رسول هللا؟‪ ،‬قال‪( :‬معن‪##‬اه إنكم األئم‪##‬ة بع‪##‬دي إن‬
‫ض َونَجْ َعلَهُْ‪#‬م أَئِ َّمةً‬ ‫﴿ونُ ِري ُد أَ ْن نَ ُم َّن َعلَى الَّ ِذينَ ا ْستُضْ ِعفُوا‪ #‬فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫هللا عز وجل يقول‪َ :‬‬
‫ارثِينَ ﴾ [القصص‪ ،]5 :‬فهذه اآلية جارية فينا إلى يوم القيامة)‬ ‫َونَجْ َعلَهُ ُ‪#‬م ْال َو ِ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن اإلمام علي‪ ،‬فقد قال في اآلية الكريمة‪( :‬هم آل‬
‫محمد يبعث هللا مهديهم‪ #‬بعد جهدهم فيعزهم‪ #‬ويذل عدوهم)‬

‫‪ )(1‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/244‬‬


‫‪299‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على تلك التطبيقات التي ال حرج في قبوله‪##‬ا م‪##‬ا ذك‪##‬ره‬
‫اإلمام الباقر في قوله تعالى‪﴿ :‬فَ ْليَ ْنظُ ِ‪#‬ر اإْل ِ ْن َسانُ إِلَى طَ َعا ِم ِه﴾ [عبس‪ ،]24 :‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪( :‬إلى‬
‫ك أن العلم غ‪##‬ذاء ال‪##‬روح كم‪##‬ا أن‬ ‫علمه الذي يأخذه ع ّمن يأخذه)(‪ ..)1‬ذل‪##‬ك أن‪##‬ه (ال ش‪ّ #‬‬
‫أن الطع‪#‬ام الص‪#‬الح والغ‪#‬ذاء‬ ‫الطعام غذاء الجسد؛ فكما يجب على اإلنسان أن يعرف‪ّ #‬‬
‫هّللا‬
‫النافع الكافل لسالمة الجسد وصحّة البدن‪ ،‬هو الذي يأتيه من جانب ‪ ،‬وأن‪##‬ه تع‪##‬الى‬
‫هو الذي هيّأه له ترفيها لمعيشته‪ ،‬ك‪##‬ذلك يجب علي‪##‬ه أن يعلم أن العلم الن‪##‬افع والغ‪##‬ذاء‬
‫الصالح لتنمية روحه وتزكية نفسه هو ال‪##‬ذي يأتي‪##‬ه من ج‪##‬انب هّللا ‪ ،‬وعلى ي‪##‬د أوليائ‪##‬ه‬
‫المخلص‪##‬ين ال‪##‬ذين هم أئم‪##‬ة اله‪##‬دى ومص‪##‬ابيح ال‪##‬دجى‪ ،‬فال يس‪##‬تطرق‪ #‬أب‪##‬واب البع‪##‬داء‬
‫األجانب عن مهابط وحي هّللا ‪ ،‬ومج‪##‬اري‪ #‬فيض‪##‬ه المس‪##‬تدام‪ ..‬ذل‪##‬ك ألن الطع‪##‬ام يش‪##‬مل‬
‫أن اإلنس‪##‬ان يش‪##‬مل الب‪##‬دن وال‪##‬روح؛ فكم‪##‬ا أن‪##‬ه‬ ‫طعام البدن وطعام‪ #‬الروح جميعا كم‪##‬ا ّ‬
‫هّللا‬
‫مأمور‪ #‬بأن ينظ‪##‬ر إلى غذائ‪##‬ه الجس‪##‬ماني ليعلم أن‪##‬ه ن‪##‬زل من عن‪##‬د ‪ ،‬فك‪##‬ذلك غ‪##‬ذاؤه‬
‫الروحاني الذي هو العلم‪ ،‬ليعلم أنه نزل من عنده تعالى بأن صبّ أمطار‪ #‬الوحي إلى‬
‫أرض النب ّوة وشجرة الرسالة‪ ،‬وينبوع الحكمة‪ ،‬فأخرج منها حبوب الحقائق وفواك‪##‬ه‬
‫المع‪##‬ارف‪ ،‬ليغت‪##‬ذي به‪##‬ا أرواح الق‪##‬ابلين للتربي‪##‬ة‪ ..‬فقول‪##‬ه‪( :‬علم‪##‬ه ال‪##‬ذي يأخ‪##‬ذه عمن‬
‫يأخذه)‪ ،‬أي ينبغي له أن يأخ‪##‬ذ علم‪##‬ه من مهاب‪##‬ط ال‪##‬وحي ومن‪##‬ابع الحكم‪##‬ة‪ ،‬أه‪##‬ل بيت‬
‫رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬ال‪##‬ذين أخ‪##‬ذوا عل‪##‬ومهم من مص‪##‬در ال‪##‬وحي األمين‪ ،‬خالص‪##‬ة ص‪##‬افية‬
‫ضافية‪ ..‬فهذا تأويل اآلية‪ ،‬الذي هو باطن اآلية‪ ،‬مرادا إلى جنب ظاهرها) (‪)2‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ولكن ذلك سيجعل القرآن الكريم لعبة بيد العابثين يجرون آياته‪#‬ا‬
‫ويطبقونها على حسب م‪#‬ا تقتض‪#‬يه أه‪#‬واؤهم‪ ..‬وب‪#‬ذلك‪ #‬ف‪#‬إن س‪#‬د ه‪#‬ذا الب‪#‬اب خ‪#‬ير من‬
‫فتحه‪ ،‬ألن فتحه شر مطلق‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬ما ذكرته من فتح الباب للتأويل الباطن مطلقا صحيح جدا‪،‬‬
‫ونحن نوافقك عليه‪ ..‬فإجراء آيات القرآن الكريم وتطبيقه‪##‬ا على ف‪##‬رد أو فئ‪##‬ة أو أم‪##‬ة‬
‫من األمم ال يك‪#‬ون جزاف‪#‬ا‪ #‬وال يتيس‪##‬ر لك‪#‬ل أح‪#‬د م‪##‬ا لم تكن ل‪#‬ه إحاط‪#‬ة بمع‪##‬اني آي‪#‬ات‬
‫القرآن ومراداته؛ فقد يكون مقتضى الظهور بادئ ال‪##‬رأي انطب‪##‬اق آي‪##‬ة على أم‪##‬ة من‬
‫األمم إال أن ذل‪##‬ك ال يص‪##‬حح إج‪##‬راء اآلي‪##‬ة وتطبيقه‪##‬ا على تل‪##‬ك األم‪##‬ة‪ ،‬وذل‪##‬ك لأن‬
‫المصحح للجري واالنطب‪##‬اق‪ #‬إنم‪##‬ا هو الظه‪##‬و ر الج‪##‬دي‪ ،‬إذ هو الكاش‪##‬ف عن الم‪##‬راد‬
‫ال‪##‬واقعي للمتكلم‪ ،‬وهو ال يتيس ‪#‬ر‪ #‬إال بع‪##‬د المالحظ‪##‬ة لتم‪##‬ام الق‪##‬رائن والخصوص‪##‬يات‬
‫المكتنفة باآلية الكريمة أو المستفادة من مجموع‪ #‬اآليات ذات الصلة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولذلك نحن نرى أن هذا النوع من التدبر القرآني ليس معص‪##‬وما‪،‬‬
‫ذلك أنه لم يُعتمد على أنه كاشف قطعي‪ #‬عن المرادات الواقعية للمتكلم‪.‬‬

‫‪ )(1‬رجال الك ّشي‪.10/‬‬


‫‪ )(2‬التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/476 :‬‬
‫‪300‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ما دام األمر كذلك؛ فكيف تشوهون المعاني القرآني‪##‬ة بم‪##‬ا ت‪##‬رون‬
‫أنه ليس معصوما‪ #‬وال قطعيا‪ #..‬فهل يمكن تفسير القطعي بالظني؟‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬لو أنا طبقن‪##‬ا م‪##‬ا ت‪##‬ذكر س‪##‬يدنا لم‪##‬ا بقي هن‪##‬اك تفس‪##‬ير واح‪##‬د‬
‫للق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ..‬فك‪##‬ل المفس‪##‬رين ي‪##‬ذكرون أن م‪##‬ا فهم‪##‬وه من الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ #‬اجته‪##‬اد‬
‫اجتهدوه‪ ،‬وليس معصوما‪ ..‬بل حتى الروايات واألحاديث التي يوردونها‪ #‬أكثره‪##‬ا إن‬
‫لم نقل كلها ظني‪ ،‬لم يرد عن طرق قطعية ثابتة‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فأنتم تؤمنون إذن بأن ما تذكرون‪##‬ه من الج‪##‬ري واالنطب‪##‬اق غ‪##‬ير‬
‫صحيح وال جازم‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬ال‪ ..‬بل نحن نؤمن بكون‪##‬ه جازم‪##‬ا وص‪##‬حيحا‪ ..‬وأنت ك‪##‬ذلك‬
‫سيدنا‪ ..‬بل القاضي‪ ..‬بل الجميع‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬كيف تتهمنا بهذه التهمة؟‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬الش‪##‬ك أنكم تعلم‪##‬ون األح‪##‬اديث الكث‪##‬يرة ال‪##‬واردة في فض‪##‬ل‬
‫اإلمام علي وتقواه وصالحه‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال أحد يشك في ذلك‪ ،‬وقد كتب علماؤنا الكتب في فضله ومناقبه‬
‫وكونه إماما للمتقين الصالحين‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬فما المانع أن نطبق آيات التق‪##‬وى علي‪#‬ه‪ ..‬ونعت‪##‬بره نموذج‪#‬ا‪#‬‬
‫لها‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬وأين غيره من باقي الصحابة والتابعين وغيرهم؟‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬يمكنك أن تطبق اآليات على من تراه أهال له‪#‬ا‪ ..‬ال يمنع‪#‬ك‬
‫أحد من ذلك‪ ..‬لكن لو عرفت الواقع الذي عاشه أئمتنا لعرفت سر االهتمام بهذا‪ ..‬لقد‬
‫ظل الطلق‪##‬اء وأبن‪##‬اؤهم‪ #‬وتالم‪##‬ذتهم يس‪##‬بون اإلم‪##‬ام علي وبقي‪##‬ة الع‪##‬ترة الط‪##‬اهرة ف‪##‬ترة‬
‫طويلة من الزمن‪ ،‬ويشوهونهم ويحاربونهم‪ #..‬فل‪##‬ذلك ك‪##‬انوا ي‪##‬دعون الن‪##‬اس إلى ت‪##‬دبر‬
‫الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم والبحث في‪##‬ه عن الص‪##‬الحين وأوص‪##‬افهم‪ #‬لتطبيقه‪##‬ا عليهم‪ ..‬فهم أولى‬
‫الناس بها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وعلى هذا يفسر قول اإلمام الباقر لبعض أصحابه‪( :‬إذا س‪##‬معت هللا‬
‫ذكر أحداً من هذه األ ّمة بخير فنحن هم‪ ،‬وإذا سمعت هللا ذكر قوماً‪ #‬بسوء م ّمن مضى‬
‫فهم عدوّنا)(‪)1‬‬

‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬وه‪##‬ذا الق‪##‬ول ليس منك‪##‬را ال عقال وال ش‪##‬رعا‪ ..‬ف‪##‬القرآن الك‪##‬ريم‬

‫‪ )(1‬تفسير العيّاشي‪.1/13 ،‬‬


‫‪ )(2‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/244‬‬
‫‪301‬‬
‫عندما يعبّر عن بعض الناس بـ (الص‪##‬الحين‪ ،‬الص‪##‬ادقين‪ ،‬المحس‪##‬نين‪ ،‬المتّقين)‪ ،‬ف‪ّ #‬‬
‫‪#‬إن‬
‫الع‪##‬ترة الط‪##‬اهرة بال ش‪##‬ك‪ ،‬أول من تنطب‪##‬ق عليهم ه‪##‬ذه األوص‪##‬اف‪ #‬قطع‪##‬اً‪ ،‬ب‪##‬ل هم‬
‫المصداق‪ #‬األكمل واألفضل‪ #‬لذلك‪ ..‬وفي مقابل ذلك‪ ،‬فإنّه كلّما ورد في القرآن وصف‬
‫(الفاسقين‪ ،‬المتكبّرين‪ ،‬الظالمين) فإنّه ينطبق‪ #‬جزما ً على كل من استبدل المو ّدة ألهل‬
‫البيت ال‪##‬تي هي أم‪##‬ر هللا تع‪##‬الى به‪##‬ا‪ ،‬ب‪##‬البغض والع‪##‬داوة لهم‪ ،‬واالتّب‪##‬اع لهم ب‪##‬التخلّف‬
‫عنهم‪ ،‬والتعظيم‪ #‬والتكريم‪ #‬لهم بق ْتلهم وسفك دمائهم‪.‬‬
‫‪ .2‬المصاديق والتأويل المنحرف‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬ق‪##‬د أوافقكم في ك‪##‬ل م‪##‬ا ذك‪##‬رتم‪ #..‬ولكن أال ت‪##‬رون من‬
‫المبالغة أن يفس‪#‬ر الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم‪ #‬جميع‪#‬ا ب‪#‬ذلك؛ ففي تفاس‪#‬يركم‪ #‬الم‪#‬أثورة نج‪#‬د معظم‬
‫القرآن الكريم يفسر على هذا األساس‪ ،‬بحيث يلغى الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم جميع‪##‬ا بمقتض‪##‬ى‬
‫ذلك التفسير‪.‬‬
‫نماذج للتفسير المنحرف‪:‬‬
‫أخ‪##‬رج بعض األوراق‪ ،‬ثم راح يق‪##‬ول‪ :‬من األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك الح‪##‬ديث ال‪##‬ذي‬
‫تروونه عن اإلمام الباقر‪ ،‬أن‪#‬ه ق‪##‬ال‪( :‬ي‪##‬ا خيثم‪##‬ة‪ ،‬الق‪##‬رآن ن‪##‬زل أثالث‪#‬ا ً‪ :‬ثلث فين‪##‬ا وفي‬
‫أحبّائنا‪ ،‬وثلث في أعدائنا وعدومن كان قبلنا‪ ،‬وثلث سنّة ومثل) (‪ .. )1‬وعنه أنه ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(نزل القرآن أربعة أرباع‪ :‬ربع فينا‪ ،‬ورب‪##‬ع في ع‪#‬دوّنا‪ ،‬ورب‪#‬ع س‪##‬نن وأمث‪#‬ال‪ ،‬ورب‪#‬ع‬
‫فرائض وأحكام)(‪)2‬‬

‫قال أحد المتهمين(‪ :)3‬إن هذه الروايات سيدنا غير ص‪#‬حيحة‪ ،‬ب‪#‬ل هي ض‪#‬عيفة‬
‫سنداً‪ ،‬مضطربة متنا ً‪ ،‬وهي في أغلبها‪ ،‬بل كلها من وضع الغالة الذين نص‪##‬بهم‪ #‬أئم‪##‬ة‬
‫السوء لتشويه أئمة الهدى‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬والدليل على ذلك ما روي‪ #‬عن اإلمام الص‪#‬ادق أن‪#‬ه ق‪#‬ال‪( :‬ال تقول‪#‬وا‬
‫في ك ّل آية هذا رجل وهذا رجل‪ ،‬من القرآن حالل ومن‪##‬ه ح‪##‬رام‪ ،‬ومن‪##‬ه نب‪##‬أ م‪##‬ا قبلكم‬
‫(إن القرآن نزل أربعة أرب‪##‬اع‪:‬‬ ‫وحكم ما بينكم وخبر ما بعدكم وهكذا هو) (‪..)4‬وقال‪ّ :‬‬
‫ربع حالل‪ ،‬وربع حرام‪ ،‬وربع سنن‪ ،‬وربع أحكام‪ ،‬وربع خبر ما كان قبلكم ونب‪##‬أ م‪##‬ا‬
‫يكون بعدكم وفصل بينكم)(‪)5‬‬

‫أن اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق كتب ألبي الخطّ‪##‬اب(‪ )6‬ـ وه‪##‬و‬ ‫قال آخر‪ :‬وفي حديث آخر ّ‬

‫تفسير العيّاشي‪.1/10 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الكافي‪.2/628 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/242‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.1/23 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.1/23 ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مح ّمد بن مقالص األسدي الكوفي (أبوزينب) غال‪( ،‬رجال الطوسي‪)345/‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪302‬‬
‫أن الخم‪##‬ر رج‪##‬ل‪،‬‬ ‫من الغالة الذين حذر منهم أئمة الهدى ـ يقول‪( :‬بلغني أنّ‪##‬ك ت‪##‬زعم ّ‬
‫وأن الصوم رجل‪ ،‬وليس كما تقول) (‪)1‬‬ ‫وأن الصالة رجل‪ّ ،‬‬ ‫وأن الزنا رجل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أن الخم‪##‬ر والميس‪#‬ر‪#‬‬ ‫قال آخر‪ :‬وفي حديث آخر عنه أنّه قي‪##‬ل ل‪##‬ه‪( :‬روي عنكم ّ‬
‫واألنصاب‪ #‬واألزالم رجال (‪ ،)2‬فقال‪( :‬ما كان هللا ليخاطب خلقه بما ال يعلمون) (‪)3‬‬

‫ق‪###‬ال آخ‪###‬ر‪ :‬وله‪###‬ذا وردت التح‪###‬ذيرات الش‪###‬ديدة من أئمتن‪###‬ا من الغالة‪ ،‬ومن‬


‫األحاديث ال‪##‬تي ك‪##‬ذبوا به‪##‬ا عليهم‪ ..‬ب‪##‬ل ق‪##‬د ورد ذل‪##‬ك عن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬نفس‪##‬ه‪ ،‬ففي‬
‫الحديث عنه ـ مخاطبا اإلمام علي ـ‪( :‬يا علي مثلك‪ ،‬في هذه األ ّمة‪ ،‬كمثل عيس‪##‬ى بن‬
‫مريم أحبّ‪##‬ه ق‪#‬وم‪ #‬ف‪#‬أفرطوا‪ #‬في‪#‬ه‪ ،‬وأبغض‪#‬ه ق‪##‬وم ف‪##‬أفرطوا في‪##‬ه) (‪ ..)4‬وق‪##‬ال‪ّ :‬‬
‫(إن أ ّم‪#‬تي‬
‫ستفترق‪ #‬فيك ثالث فرق‪ #:‬ففرقة شيعتك وهم المؤمنون‪ ،‬وفرقة عدوّك وهم الشا ّكون‪،‬‬
‫وفرقة تغلو فيك وهم الجاحدون‪ ..‬وعدوّك والغالي في النار) (‪)5‬‬

‫قال آخر‪ :‬وعلى هذا النهج نرى أئمة الهدى يحذرون من الغالة‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة‬
‫على ذلك قول اإلمام الص‪#‬ادق‪( :‬إن‪#‬ا أه‪#‬ل بيت ص‪ّ #‬ديقون‪ ،‬ال نخل‪##‬و من ك‪#ّ #‬ذاب يك‪##‬ذب‬
‫علينا ويُسقط‪ #‬صدقنا بكذبه علينا عند الناس‪ ..‬كان رسول هللا ‪ ‬أصدق الناس لهج‪#‬ةً‬
‫وأصدق‪ #‬البرية كلها‪ ،‬وكان مسيلمة يكذب عليه‪ ،‬وكان اإلمام علي أصدق َمن برأ هللا‬
‫بعد رسول هللا‪ ،‬وكان الذي يكذب عليه ويعم‪##‬ل في تك‪##‬ذيب ص‪##‬دقه ويف‪##‬تري‪ #‬على هللا‬
‫الكذب عب ُد هللا بن سبأ)(‪)6‬‬
‫إن بنان‪##‬ا يت‪##‬أول ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪َ ﴿ :‬وهُ‪َ #‬و الَّ ِذي فِي‬
‫قال آخر‪ :‬وقي‪##‬ل لإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق‪ّ :‬‬
‫ض إِلَ‪#‬هٌ﴾ [الزخ‪##‬رف‪ ،]84 :‬أن ال‪##‬ذي في األرض غ‪##‬ير إل‪##‬ه الس‪##‬ماء‪،‬‬ ‫ال َّس َما ِء إِلَهٌ َوفِي‪ #‬اأْل َرْ ِ‬
‫وأن إل‪##‬ه الس‪##‬ماء أعظم من إل‪##‬ه األرض‪ّ ،‬‬
‫وأن أه‪##‬ل‬ ‫وإل‪##‬ه الس‪##‬ماء غ‪##‬ير إل‪##‬ه األرض‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫األرض يعرفون فضل إله الس‪##‬ماء ويعظمون‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وهللا م‪##‬ا ه‪##‬و إال هللا وح‪##‬ده ال‬
‫شريك له‪ ،‬إلهٌ في السماوات وإلهٌ في األرضين‪ ،‬كذب بنان ـ عليه لعن‪##‬ة هللا ـ ص ‪ّ #‬غر‬
‫ل جالله‪ ،‬وص ّغر عظمته)(‪)7‬‬ ‫هللا ج ّ‬
‫قال آخر‪ :‬وقيل لإلمام الصادق‪ :‬إنهم يقولون‪ :‬يعلم قطر المطر وع‪##‬دد النج‪##‬وم‬

‫‪ )(1‬البرهان في تفسير القرآن‪.1/23 ،‬‬


‫‪ )(2‬إشارة إلى قوله تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّذِينَ آ َمنُ‪#‬وا إِنَّ َم‪##‬ا ْالخَ ْم‪ُ #‬ر َو ْال َمي ِْس‪ُ #‬ر َواأْل َ ْن َ‬
‫ص‪#‬ابُ َواأْل َ ْزاَل ُم ِرجْ سٌ ِمنْ َع َم‪ِ #‬ل َّ‬
‫الش‪ْ #‬يطَا ِن فَ‪##‬اجْ تَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِحُ‪#‬ونَ ﴾‬
‫[المائدة‪]90 :‬‬
‫‪ )(3‬وسائل الشيعة‪.12/121 ،‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪( 25/284 ،‬نقاًل عن مسند أحمد)‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ 25/246 ،‬و‪.365‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،25/287 :‬والكشي ص‪.71‬‬
‫‪ )(7‬بحار األنوار‪ ،25/296 :‬والكشي ص‪.196‬‬
‫‪303‬‬
‫وورق الش‪##‬جر ووزن م‪##‬ا في البح‪##‬ر وع‪##‬دد ال‪##‬تراب‪ ،‬فرف‪##‬ع ي‪##‬ده إلى الس‪##‬ماء وق‪##‬ال‪:‬‬
‫(سبحان هللا سبحان هللا ال وهللا ما يعلم هذا إال هللا) (‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وذك‪##‬ر اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق أص‪##‬حاب أبي الخط‪##‬اب والغالة فق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫مفض‪####‬ل‪ ،‬ال تقاع‪####‬دوهم‪ ،‬وال تؤاكل‪####‬وهم‪ ،‬وال تش‪####‬اربوهم‪ ،‬وال تص‪####‬افحوهم‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬
‫أن الش‪#‬يطان ليحت‪#‬اج إلى كذب‪##‬ه)‬ ‫(إن فيهم َمن يكذب حتى ّ‬ ‫توارثوهم) ‪ .. 2‬وقال فيهم‪ّ :‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫(‪)3‬‬
‫إن المفضّل بن عم‪##‬ر يق‪##‬ول إنكم‬ ‫قال آخر‪ :‬وقيل لإلمام الصادق‪ :‬جُعلنا فداك‪ّ ،‬‬
‫تق ّدرون أرزاق العباد‪ ،‬فقال‪( :‬وهللا ما يق ّدر أرزاقن ‪#‬ا‪ #‬إال هللا‪ ،‬ولق‪##‬د احتجت إلى طع‪ٍ #‬‬
‫‪#‬ام‬
‫لعيالي فضاق‪ #‬صدري‪ ،‬وأبلغت إل ّي الفك‪##‬رة في ذل‪##‬ك ح‪##‬تى أح‪##‬رزت ق‪##‬وتهم‪ ،‬فعن‪##‬دها‬
‫طابت نفسي)(‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وروي‪ #‬أن اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق خ‪##‬رج وه‪##‬و مغض‪##‬ب‪ ،‬ثم ق‪##‬ال‪( :‬إني‬
‫خرجت آنفا ً في حاجة فتعرّض لي بعض سودان المدينة فهت‪##‬ف بي‪ :‬لبي‪##‬ك جعف‪##‬ر بن‬
‫محمد لبيك‪ ،‬ف‪##‬رجعت َع‪##‬ودي على ب‪##‬دئي إلى م‪##‬نزلي‪ ،‬خائف‪#‬ا ً ذع‪##‬راً مم‪##‬ا ق‪##‬ال‪ ،‬ح‪##‬تى‬
‫سجدت في مسجدي لربي‪ ،‬وعفّرت ل‪#‬ه وجهي‪ ،‬وذلّلت ل‪#‬ه نفس‪#‬ي‪ ،‬وب‪#‬رئت إلي‪#‬ه مم‪#‬ا‬
‫هتف بي‪ ،،‬ولو أن عيسى بن مريم‪ #‬عليه السالم جاوز ما قال هللا فيه لص‪#‬م ص‪##‬مما ال‬
‫يسمع بعده أبدا وعمي عمى ال يبصر‪ #‬بعده أبدا‪ ،‬وخرس خرسا ال يتكلم بعده أبدا)(‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬وس‪##‬ئل اإلم‪##‬ام الرض‪##‬ا عن الغالة والمفوض‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬الغالة كف‪##‬ار‪،‬‬
‫والمفوض‪##‬ة مش‪##‬ركون‪ ،‬من جالس‪##‬هم أو خ‪##‬الطهم‪ #‬أو واكلهم أو ش‪##‬اربهم أو واص‪##‬لهم‬
‫أوزوجهم أو تزوج إليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق ح‪##‬ديثهم أو أع‪##‬انهم‬
‫بشطر‪ #‬كلمة خرج من والية هللا عزوجل ووالية الرسول‪  #‬وواليتنا‪ #‬أهل البيت)(‪)6‬‬
‫قال آخر‪ :‬وروي‪ #‬أنه قيل لإلمام الرض‪#‬ا‪ :‬ي‪#‬ا ابن رس‪#‬ول هللا‪ ،‬م‪#‬ا ش‪#‬يء يحكي‪#‬ه‬
‫أن الن‪##‬اس لكم عبي‪##‬د‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬ ‫عنكم الناس؟‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟‪ ،‬قيل‪ :‬يقولون‪ :‬إنكم ت ّدعون ّ‬
‫(اللهم فاطر‪ #‬السماوات واألرض عالم الغيب والشهادة‪ ،‬أنت شاه ٌد ب‪##‬أني لم أق‪##‬ل ذل‪##‬ك‬
‫قطّ‪ ،‬وال سمعت أحداً من آبائي قال ق‪##‬طّ‪ ،‬وأنت الع‪##‬الم بم‪##‬ا لن‪##‬ا من المظ‪##‬الم عن‪##‬د ه‪##‬ذه‬
‫األمة‪ّ ،‬‬
‫وإن هذه منها)(‪)7‬‬

‫بحار األنوار (‪ ، )25/294‬رجال الكشى‪.193 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫بحار األنوار‪ ،25/296 :‬والكشي‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫بحار األنوار‪ ،25/296 :‬والكشي ص‪.191‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫بحار األنوار‪ ،25/301 :‬والكشي ص‪.207‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫بحار األنوار‪ ،25/321 :‬وروضة الكافي ص‪.225‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫بحار األنوار (‪ ، )25/273‬عيون االخبار‪.326 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫بحار األنوار‪ ،25/268 :‬والعيون ص‪.311‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪304‬‬
‫قال آخر‪ :‬وكان اإلمام الرضا يقول في دعائ‪##‬ه‪( :‬اللهم إني ب‪##‬ري ٌء من الح‪##‬ول‬
‫والقوة‪ ،‬وال حول وال قوة إال بك‪ ..‬اللهم‪ ،‬إني أعوذ بك‪ ،‬وأبرأ إليك من ال‪##‬ذين ا ّدع‪##‬وا‬
‫لنا ما ليس لنا بحق‪ ..‬اللهم‪ ،‬إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا م‪##‬ا لم نقل‪##‬ه في أنفس‪##‬نا‪..‬‬
‫اللهم‪ ،‬لك الخلق ومنك الرزق‪ ،‬وإياك نعبد وإياك نستعين‪ ..‬اللهم‪ ،‬أنت خالقنا وخ‪##‬الق‬
‫آبائنا األولين وآبائنا اآلخرين‪ ..‬اللهم‪ ،‬ال تليق الربوبية إال بك وال تص‪##‬لح اإللهي‪##‬ة إال‬
‫لك‪ ..‬اللهم‪ ،‬إنا عبيدك وأبناء عبي‪#‬دك‪ ،‬ال نمل‪#‬ك ألنفس‪#‬نا نفع‪#‬ا ً وال ض‪#‬راً وال موت‪#‬ا ً وال‬
‫أن إلين‪##‬ا‬ ‫حي‪##‬اةً وال نش‪##‬وراً‪ ..‬اللهم‪َ ،‬من زعم أنّ‪##‬ا أرب‪##‬اب فنحن من‪##‬ه ب‪##‬را ٌء‪ ،‬و َمن زعم ّ‬
‫الخل‪##‬ق وعلين‪##‬ا ال‪##‬رزق‪ #‬فنحن ب‪##‬را ٌء من‪##‬ه‪ ،‬ك‪##‬براءة عيس‪##‬ى بن م‪##‬ريم علي‪##‬ه الس‪##‬الم من‬
‫النصارى‪ #..‬اللهم‪ ،‬إنّا لم ند ُعهُم إلى ما يزعمون‪ ،‬فال تؤاخذنا بما يقولون‪ ،‬واغف‪##‬ر لن‪##‬ا‬
‫م‪#‬ا ي‪ّ #‬دعون‪ ،‬وال ت‪#‬دع على األرض منهم دي‪#‬ارا‪ ،‬إن‪#‬ك إن ت‪#‬ذرهم يض‪#‬لّوا‪ #‬عب‪#‬ادك وال‬
‫يلدوا إال فاجرا‪ #‬كفّاراً)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وفي حديث طويل لإلمام الرضا مع بعض أصحابه ردا على الغل‪##‬و‬
‫والمغالين‪ ،‬قال‪( :‬ومن تجاوز باإلمام‪ #‬علي العبودية‪ ،‬فهو من المغضوب عليهم ومن‬
‫الضالين)(‪)2‬‬
‫إن عندنا أخباراً في فض‪##‬ائل‬ ‫قال آخر‪ :‬وقيل لإلمام الرضا‪ :‬يا ابن رسول هللا‪ّ ،‬‬
‫اإلمام علي‪ ،‬وفضلكم‪ #‬أهل البيت‪ ،‬وهي من رواية مخالفيكم وال نع‪##‬رف مثله‪##‬ا عنكم‪،‬‬
‫أن رس‪##‬ول‬ ‫أفندين بها؟‪ ،‬فقال‪( :‬يا ابن أبي محمود‪ ،‬لقد أخبرني‪ #‬أبي عن أبيه عن جده ّ‬
‫هللا ‪ ‬قال‪ :‬من أصغى إلى ناطق فقد عبده‪ ،‬فإن كان الناطق عن هللا ع‪ّ #‬ز وج‪ّ #‬ل فق‪##‬د‬
‫عب َد هللا‪ ،‬وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس)‪ ،‬ثم ق‪##‬ال‪( :‬ي‪##‬ا ابن أبي محم‪##‬ود‪،‬‬
‫إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا‪ #‬وجعلوه‪##‬ا على أقس‪##‬ام ثالث‪##‬ة‪ :‬أح‪##‬دها‪ :‬الغل‪##‬و‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وثانيها‪ #:‬التقصير في أمرنا‪ ،‬وثالثها‪ :‬التصريح بمثالب أعدائنا‪ ،‬فإذا سمع الناس الغلو‬
‫فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا‪ #،‬وإذا سمعوا التقصير اعتق‪##‬دوه فين‪##‬ا‪،‬‬
‫وإذا سمعوا مثالب أع‪#‬دائنا بأس‪#‬مائهم‪ #‬ثلبون‪#‬ا بأس‪#‬مائنا‪ ،‬وق‪#‬د ق‪#‬ال هللا ع‪ّ #‬ز وج‪#‬لّ‪َ ﴿ :‬واَل‬
‫ع ْل ٍم﴾ [األنعام‪)3()]108 :‬‬
‫ُون هَّللا ِ فَيَ ُسبُّوا هَّللا َ َع ْد ًوا بِ َغي ِْر ِ‬
‫تَ ُسبُّوا الَّ ِذينَ يَ ْد ُعونَ ِم ْن د ِ‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن أئمتنا وضعوا لنا المعيار ال‪##‬ذي نكتش‪##‬ف ب‪##‬ه‬
‫كل حديث مدسوس عليهم‪ ..‬وهو عرضه على القرآن الكريم والقيم النبيلة التي ج‪##‬اء‬
‫بها؛ فما انحرف عنها كذبناه ورميناه ونزهنا أئمتنا عنه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وفي إمكانكم ـ س‪##‬يدي ـ أن ت‪##‬ذكروا‪ #‬لن‪##‬ا أي ح‪##‬ديث ش‪##‬ئتم لن‪##‬ذكر لكم‬
‫وجه رده أو قبوله‪ ،‬وسترون أننا نتفق جميعا‪ ،‬وأن الخالف الجاري بيننا ليس له من‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/343 :‬واعتقادات الصدوق ص‪.109‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/278 :‬واالحتجاج ص‪.242‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،25/278 :‬واالحتجاج ص‪.242‬‬
‫‪305‬‬
‫سبب إال عدم توفر‪ #‬فرصة للحوار‪ #‬بيننا‪ ..‬والحمد هلل‪ ،‬فقد أتيحت لنا هذه الفرصة‪.‬‬
‫مثال البعوضة‪:‬‬
‫أخرج الم‪#‬دعي بعض األوراق‪ ،‬وق‪#‬ال‪ :‬من األمثل‪#‬ة على ذل‪#‬ك م‪#‬ا تروون‪#‬ه في‬
‫ُوض‪#‬ةً فَ َم‪##‬ا فَوْ قَهَا فَأ َ َّما‬‫ب َمثَاًل َم‪##‬ا بَع َ‬ ‫ض‪ِ #‬ر َ‬ ‫تفسير قوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ اَل يَ ْس‪#‬تَحْ يِي‪ #‬أَ ْن يَ ْ‬
‫ق ِم ْن َربِّ ِه ْم َوأَ َّما الَّ ِذينَ َكفَرُوا فَيَقُولُونَ َما َذا أَ َرا َد هَّللا ُ بِهَ ‪َ #‬ذا‬‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا فَيَ ْعلَ ُمونَ أَنَّهُ ْال َح ُّ‬
‫اس‪#‬قِينَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ]26 :‬م‪##‬ا روي‬ ‫ضلُّ بِ‪ِ #‬ه إِاَّل ْالفَ ِ‬
‫ضلُّ بِ ِه َكثِيرًا َويَ ْه ِدي بِ ِه َكثِيرًا َو َما يُ ِ‬ ‫َمثَاًل يُ ِ‬
‫عن اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق‪ ،‬أن‪#‬ه ق‪##‬ال‪( :‬إن ه‪##‬ذا المث‪##‬ل‪ ،‬ض‪##‬ربه هللا ألم‪##‬ير المؤم‪##‬نين علي‪..‬‬
‫فالبعوضة أمير المؤمنين‪ ،‬وما فوقها‪ ،‬رسول هللا ‪ ‬وال‪##‬دليل على ذل‪##‬ك قول‪##‬ه‪﴿ :‬فَأ َ َّما‬
‫ق ِم ْن َربِّ ِه ْم﴾‪ ،‬يعني‪ :‬أمير المؤمنين كم‪##‬ا أخ‪##‬ذ رس‪##‬ول هللا‬ ‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا فَيَ ْعلَ ُمونَ أَنَّهُ ْال َح ُّ‬
‫‪ ‬الميثاق عليهم أخذ له) (‪)1‬‬
‫ثم التفت للجم‪##‬ع‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ه‪##‬ل رأيتم ه‪##‬ذا التهكم والس‪##‬خرية برس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪‬‬
‫وبأخيه اإلمام علي‪ ،‬وتشبيههما بالبعوض؟‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬ليس كل ما يوجد في كتبن‪##‬ا ص‪##‬حيح‪ ،‬مثلم‪##‬ا ه‪##‬و الح‪##‬ال في‬
‫كتب األمة جميعا‪ ،‬والتي أخبر رسول هللا ‪ ‬أن الخير فيها سيختلط بالدخن‪ ..‬وه‪##‬ذا‬
‫الحديث منها‪ ،‬ولو رجعت ـ سيدي ـ إلى ما كتبه علماءنا عنه‪ ،‬لوج‪##‬دت تك‪##‬ذيبهم ل‪##‬ه‪،‬‬
‫وبيان علة ذلك‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬الرواية فيها علتان في السند وهما‪ :‬القاسم بن س‪##‬ليمان‪ ،‬والمعلى بن‬
‫خ‪##‬نيس‪ ..‬ف‪#‬الأول مجه‪##‬ول كم‪##‬ا يق‪##‬ول المحق‪##‬ق األردبيلي(‪ ..)2‬ومن األمثل‪##‬ة على ع‪##‬دم‬
‫قبوله االستدالل بحديثه قوله ـ في رواية لبس الديباج‪( :‬ويكره لبس الحرير) مع أن‪##‬ه‬
‫حرام كما مر‪ ،‬على أن السند ليس بصحيح‪ ،‬لوجود‪ #‬قاسم بن سليمان المجهول)‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وأم‪##‬ا المعلى بن خ‪##‬نيس فه‪##‬و في غاي‪##‬ة الض‪##‬عف كم‪##‬ا يق‪##‬ول الس‪##‬يد‬
‫الخوئي(‪ ..)3‬وقال النجاشي‪ :#‬معلي بن خنيس‪ ،‬أب‪##‬و عب‪##‬د هللا‪ :‬م‪##‬ولى اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق‪،‬‬
‫ومن قبله كان مولى بني أسد‪ ،‬كوفي‪ ،#‬بزاز‪ ،‬ضعيف جداً‪ ،‬ال يع‪##‬ول عليه‪ ،‬ل‪##‬ه كت‪##‬اب‬
‫يرويه جماعة(‪ ..)4‬وقال ابن الغض‪##‬ائري‪ #‬عن‪##‬ه‪ :‬الغالة يض‪##‬يفون إلي‪##‬ه كث‪##‬يرا وال أرى‬
‫اعتمادا على شيء من حديثه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن اآلية الكريمة وردت في مقام التحقير‪ ،‬وق‪##‬د‬

‫تفسير القمي ‪.1/34‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجمع الفائدة‪.2/86 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫معجم رجال الحديث‪.9/258 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫النجاشي في رجاله‪ 417 :‬رقم ‪.1114‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪306‬‬
‫ذكر جمع من المفسرين عن ابن عباس أن سبب نزولها‪ #‬اعتراض المنافقين على م‪##‬ا‬
‫ورد من أمثل‪##‬ة في اآلي‪##‬ات الس‪##‬ابقة‪ ،‬وق‪##‬الوا إن هللا أس‪##‬مى من أن يض‪##‬رب مث‪##‬ل ه‪##‬ذه‬
‫األمثال‪ ،‬وبذلك راحوا يشككون في الرسالة وفي القرآن‪ ..‬وفي هذه الظ‪##‬روف ن‪##‬زلت‬
‫اآلية الكريمة المذكورة‪ ..‬وق‪#‬ال آخ‪#‬رون‪ :‬عن‪#‬د ن‪#‬زول اآلي‪#‬ات ال‪#‬تي تض‪#‬رب األمث‪#‬ال‬
‫بالذباب والعنكبوت‪ ،‬بدأ المشركون ينتقدون ويسخرون(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ول‪#‬و رجعت إلى علمائن‪#‬ا المحققين ـ س‪##‬يدي الك‪#‬ريم ـ لوج‪#‬دت أنهم‬
‫يعرض‪##‬ون عن‪##‬د تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ة م‪##‬ا ي‪##‬ذكره عام‪##‬ة المفس‪##‬رين من الم‪##‬دارس اإلس‪##‬المية‬
‫المختلفة‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قول بعض أكبر مفسرينا المتأخرين‪( :‬لماذا التمثي‪##‬ل‬
‫بالبعوض‪##‬ة؟‪ ..‬المعان‪##‬دون اتخ‪##‬ذوا من ص‪##‬غر البعوض‪##‬ة والذباب‪##‬ة ذريع‪##‬ة لإلس‪##‬تهزاء‬
‫باألمثلة القرآنية‪ ،‬لكنهم لو أنصفوا وأمعنوا النظر في هذا الجسم الصغير‪ ،‬لرأوا في‪##‬ه‬
‫من عجائب الخلقة وعظيم الصنع والدقة ما يحير العقول واأللباب)(‪)2‬‬
‫ثم ساق حديثا لإلمام الص‪#‬ادق بش‪#‬أن خلق‪#‬ة ه‪#‬ذا الحي‪#‬وان الص‪#‬غير يق‪#‬ول في‪#‬ه‪:‬‬
‫(إنما ضرب هللا المثل بالبعوض‪##‬ة ألن البعوض‪##‬ة على ص‪##‬غر حجمه‪##‬ا خل‪##‬ق هللا فيه‪##‬ا‬
‫جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخ‪##‬رين ف‪#‬أراد‪ #‬هللا س‪#‬بحانه أن ينب‪##‬ه‬
‫بذلك المؤمنين على لطيف خلقه وعجيب صنعته) (‪ .. )3‬ثم علق علي‪##‬ه بقول‪##‬ه‪( :‬يري‪##‬د‬
‫هللا سبحانه بهذا المث‪##‬ال أن ي‪##‬بين للمؤم‪##‬نين دق‪##‬ة الص‪##‬نع في الخل‪##‬ق‪ ،‬التفك‪##‬ير في ه‪##‬ذا‬
‫الموجود‪ #‬الضعيف على الظ‪##‬اهر‪ ،‬والش‪##‬بيه بالفي‪##‬ل في الواق‪#‬ع‪ ،‬ي‪##‬بين لإلنس‪#‬ان عظم‪##‬ة‬
‫الخالق‪ ..‬خرطوم‪ #‬هذا الحيوان الصغير يشبه خرطوم‪ #‬الفيل‪ ،‬أجوف‪ ،‬ذو فتح‪##‬ة دقيق‪##‬ة‬
‫جدا‪ ،‬وله قوة ماصة تسحب الدم‪ ..‬ومنح هللا هذا الحيوان ق‪##‬وة هض‪##‬م وتمثي‪##‬ل ودف‪##‬ع‪،‬‬
‫كما منحه أطرافا وأذنا وأجنحة تتناسب تماما مع وضع معيشته‪ ..‬هذه الحشرة تتمتع‬
‫بحساسية تشعر فيها بالخطر‪ #‬بسرعة فائقة وتفر عندما يداهمها عدو بمهارة عجيب‪##‬ة‪،‬‬
‫وهي مع صغرها‪ #‬وضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات) (‪)4‬‬

‫األمثل‪)1/134( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫األمثل‪)1/137( ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير البرهان‪.1/72 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪)1/138( ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪307‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك س‪##‬اق ح‪##‬ديثا لإلم‪##‬ام علي يق‪##‬ول في‪##‬ه‪( :‬كي‪##‬ف ول‪##‬و اجتم‪##‬ع‬
‫جميع حيوانها‪ #‬من طيرها‪ #‬وبهائمها‪ #‬وما كان من مرحها وسائمها‪ ،‬وأصناف أسناخها‬
‫وأجناسها‪ #،‬ومتبلدة أممها وأكياسها‪ ،‬على إح‪##‬داث بعوض‪##‬ة م‪##‬ا ق‪##‬درت على إح‪##‬داثها‪،‬‬
‫وال ع‪##‬رفت كي‪##‬ف الس‪##‬بيل إلى إيجاده‪##‬ا‪ ،‬ولتح‪##‬يرت عقوله‪##‬ا في علم ذل‪##‬ك وت‪##‬اهت‪،‬‬
‫وعج‪##‬زت قواه‪##‬ا وتن‪##‬اهت‪ ،‬ورجعت‪ #‬خاس‪##‬ئة حس‪##‬يرة‪ ،‬عارف‪##‬ة بأنه‪##‬ا مقه‪##‬ورة‪ ،‬مق‪##‬رة‬
‫بالعجز عن إنشائها‪ ،‬مذعنة بالضعف عن إفنائها) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬هذا مجرد مثال‪ ..‬وهكذا يمكنكم‪ #‬الرجوع إلى كتب تفسيرنا‪ ،‬فس‪##‬تجد‬
‫نفس هذه التعابير والمعاني‪#.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬لكني وجدت خالف ذلك أيضا‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك وج‪##‬دت‬
‫بعضهم‪ #‬يدافع عن الحديث‪ ،‬ويسوق‪ #‬في ذلك رواية عن اإلمام العسكري‪ ،‬وفيه‪#‬ا‪ #‬أن‪##‬ه‬
‫قي‪##‬ل للإم‪##‬ام الب‪##‬اقر‪ :#‬إن بعض من ينتح‪##‬ل م‪##‬واالتكم‪ ،‬ي‪##‬زعم أن البعوض‪##‬ة‪ ،‬عل ّي‪ ،‬وم‪##‬ا‬
‫فوقها ـ وهو الذباب ـ محمد رسول هللا ‪ ‬فقال اإلمام الباقر‪ :‬س‪##‬مع ه‪##‬ؤالء ش‪##‬يئا‪ ،‬لم‬
‫يضعوه على وجهه‪ ..‬إنما كان رسول هللا ‪ ‬قاعدا‪ ،‬ذات يوم‪ ،‬وعلي‪ ،‬إذ سمع ق‪##‬ائال‬
‫يقول‪ :‬ما ش‪##‬اء هللا وش‪##‬اء محمد‪ ،‬وس‪##‬مع آخ‪##‬ر يق‪##‬ول‪ :‬م‪##‬ا ش‪##‬اء هللا وش‪##‬اء علي‪ ..‬فق‪##‬ال‬
‫رسول هللا ‪( :‬ال تقرنوا محمدا وعليا‪ ،‬باهلل عز وجل‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬ما ش‪##‬اء هللا‪ ،‬ثم‬
‫م‪##‬ا ش‪##‬اء محمد‪ ..‬م‪##‬ا ش‪##‬اء هللا‪ ،‬ثم م‪##‬ا ش‪##‬اء علي‪ ..‬إن مش‪##‬يئة هللا هي الق‪##‬اهرة ال‪##‬تي ال‬
‫تساوي‪ #‬وال تكافأ‪ #‬وال تداني‪ ..‬وما محمد رس‪##‬ول هللا‪ ،‬في هللا وفي قدرت‪##‬ه‪ ،‬إال كذبابة‪..‬‬
‫وما علي في هللا وفي قدرته إال كبعوضة‪ ،‬في جملة هذه الممالك)(‪)2‬‬
‫ق‪#‬ال أح‪#‬د المتهمين‪ :‬بغض النظ‪#‬ر عن ص‪#‬حة الرواي‪#‬ة أو ع‪#‬دم ص‪#‬حتها‪ ..‬ه‪#‬ل‬
‫ترى معناه‪##‬ا ص‪##‬حيحا‪ ،‬ومتوافق‪##‬ا م‪##‬ع م‪##‬ا ورد في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم وم‪##‬ا تعتق‪##‬ده األم‪##‬ة‬
‫جميعا؟‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬شرح محمد عبده‪ ،‬الخطبة ‪.186/275‬‬


‫‪ )(2‬التفسير المنسوب لإلمام العسكري ‪ 101/‬ـ ‪.102‬‬
‫‪308‬‬
‫سكت المدعي‪ ،‬فقال أحد المتهمين‪ :‬بل فيها رد شديد على الذين يتهموننا‪ #‬بأنن‪##‬ا‬
‫ـ معاذ هللا ـ نصف أئمتنا بالربوبية؛ فهم عبيد هللا الذين ال يساوون شيئا أمام عظمته‪.‬‬
‫السماء والطارق‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬دعنا من تلك الرواية‪ ..‬فما تقول‪##‬ون في تل‪##‬ك الرواي‪##‬ات المخالف‪##‬ة‬
‫والس‪#‬ياق القرآن‪##‬يين‪ ،‬ومن األمثل‪#‬ة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا ورد في تفس‪#‬ير قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫للنصّ‬
‫َّ‬
‫ق النَّجْ ُم الثاقِبُ ﴾ [الط‪###‬ارق‪ 1 :‬ـ ‪ ،]3‬حيث فسرت‬
‫ار ُ‬‫َّ‬ ‫َ‬
‫ق َو َما أ ْد َرا َ‬
‫ك َما الط ِ‬ ‫َّ‬
‫﴿ َوال َّس َما ِء َوالط ِ‬
‫ار ِ‪#‬‬
‫(السماء)بعل ّي‪ ،‬و(الطارق) بالروح‪ ،‬و(النجم الثاقب) بالنب ّي ‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)1‬تلك الرواي‪#‬ة رواه‪#‬ا أب‪##‬و مح ّم‪##‬د الحس‪#‬ن بن علي بن أبي‬
‫حمزة البطائني‪ ،‬وهو واقفي ضعيف‪ ،‬وقال علي بن الحسن بن فضّال في‪##‬ه‪( :‬ملع‪##‬ون‬
‫كذاب‪ ،‬وقد كتب عنه تفسيره‪ ،‬وال أرى جواز روايت‪#‬ه)‪ ..‬ومثل‪#‬ه علي بن أبي حم‪#‬زة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فكالهما ضعيف‪#.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وله‪##‬ذا ن‪##‬رى ك‪##‬ل علمائن‪##‬ا يفس‪##‬رون اآلي‪##‬ات بحس‪##‬ب م‪##‬ا ي‪##‬دل علي‪##‬ه‬
‫ظاهرها‪ ،‬فقد قال بعضهم‪ #‬في معنى الطارق‪( #:‬اختلفوا في تأويل هذه الكلمة‪ ..‬وال‪##‬ذي‬
‫أن الطارق‪ #‬هي األقدار ال‪##‬تي تتواص‪##‬ل في اللي‪##‬ل والنه‪##‬ار بخيره‪#‬ا‪ #‬وش‪#‬رّها‪،‬‬ ‫يبدو لي ّ‬
‫ولذلك نستعيذ باهلل من طارق السوء حسب النص المأثور عن النبي ‪( :‬أع‪##‬وذ ب‪##‬ك‬
‫من ش ّر طوارق‪ #‬الليل والنهار إاّل طارقا‪ #‬يطرق بخير يا رحمن)‪ ..‬وفي‪ #‬ال‪#‬دعاء‪( :‬ب‪#‬ك‬
‫أس‪##‬تجير‪ #‬ي‪##‬ا ذا العف‪##‬و والرض‪##‬وان من الظلم والع‪##‬دوان‪ ،‬ومن غ‪##‬ير الزم‪##‬ان‪ ،‬وت‪##‬واتر‬
‫األحزان‪ ،‬وطوارق‪ #‬الحدثان‪ ،‬ومن انقضاء الم ّدة قبل التأهب والع‪ّ #‬دة)‪ ..‬وحس‪##‬ب ه‪##‬ذا‬
‫فإن النجم الثاقب ه‪#‬و بي‪#‬ان له‪#‬ذا الط‪#‬ارق ال‪#‬ذي يش‪#‬به النجم الث‪#‬اقب‪ ،‬كم‪#‬ا ق‪#‬ال‬ ‫الرأي ّ‬

‫‪ )(1‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/255‬‬


‫‪309‬‬
‫َطفَةَ فَأ َ ْتبَ َعهُ ِشهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [الص‪##‬افات‪ # ..]10 :‬ويك‪##‬ون القس‪##‬م ـ‬ ‫سبحانه‪﴿ :‬إِاَّل َم ْن خَ ِطفَ ْالخ ْ‬
‫إذا ـ بتلك الشهب التي يحفظ هللا بها الس‪##‬ماء من الش‪##‬ياطين ال‪##‬ذين يس‪##‬ترقون‪ #‬الس‪##‬مع‪،‬‬
‫إن ك‪ّ #‬ل‬ ‫ويكون السياق متناسبا‪ #‬مع الحديث عن حفظه سبحانه ألهل األرض‪ ..‬وقي‪##‬ل‪ّ :‬‬
‫ف‪#‬إن القس‪##‬م بك‪ّ #‬ل نج‪##‬وم الس‪#‬ماء أو‬ ‫نجم يس ّمى طارق‪##‬ا باعتب‪##‬اره يطل‪#‬ع باللي‪##‬ل‪ ،‬وعلي‪#‬ه ّ‬
‫النجوم الاّل معة‪ ..‬وقال البعض‪ :‬بل النجم هنا ه‪##‬و زح‪##‬ل‪ ،‬وق‪##‬د روي ذل‪##‬ك عن اإلم‪##‬ام‬
‫الصادق‪ ،‬وقال بعضهم‪ #:‬بل هو الثريا‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬بل هو الزهرة)(‪)1‬‬
‫ثم علق على ذلك بقوله‪( :‬وقد تتسع العبارات لك‪ّ #‬ل تل‪##‬ك التطبيق‪##‬ات‪ ،‬ذل‪##‬ك ّ‬
‫ألن‬
‫أن مص‪##‬ابيح الس‪#‬ماء هي رج‪#‬وم‪ #‬الش‪#‬ياطين أو‬ ‫آية نتلوها في سورة الملك يظهر منها ّ‬
‫ْ‬ ‫الس‪َ #‬ما َء ال‪ُّ #‬د ْنيَا بِ َم َ‬
‫ص‪#‬ابِي َح َو َج َعلنَاهَ‪#‬ا‪#‬‬ ‫﴿ولَقَ‪ْ #‬د زَ يَّنَّا َّ‬
‫مراكز ل‪##‬رجمهم‪ ،‬ق‪##‬ال ربن‪##‬ا س‪##‬بحانه‪َ :‬‬
‫ير﴾ [المل‪##‬ك‪ ..]5 :‬فمن المحتم‪##‬ل أن تك‪##‬ون‬ ‫الس‪ِ #‬ع ِ‬ ‫اب َّ‬ ‫ين َوأَ ْعتَ‪ْ #‬دنَا لَهُ ْم َع‪َ #‬ذ َ‬ ‫ُرجُو ًما‪ #‬لِ َّ‬
‫لش‪#‬يَا ِط ِ‬
‫إن الم‪##‬راد‬ ‫النجوم هي ذات الشهب الطارقة أو أنّها مصادر‪ #‬للش‪##‬هب‪ ،‬يبقى أن نق‪##‬ول‪ّ :‬‬
‫من النجم يمكن أن يكون جنس النجم فيشمل سائر األنجم وليس واحدا منها) (‪)2‬‬
‫وبعد كل هذه التطبيقات التي ال يوجد من يع‪#‬ارض فيه‪#‬ا‪ ،‬ق‪#‬ال‪( :‬حينم‪#‬ا ينظ‪#‬ر‬
‫اإلنسان إلى متانة بناء السماء‪ ،‬وكيف جعلها هللا سقفا محفوظ‪##‬ا‪ ،‬وزرع في أرجائه‪##‬ا‬
‫يطمئن إلى تلك اليد العظيمة‬ ‫ّ‬ ‫مراجم للقوى الشيطانية التي تسعى إلفساد‪ #‬النظام فيها‪،‬‬

‫‪ )(1‬من هدي القرآن‪ ،‬المدرسي (‪)18/11‬‬


‫‪ )(2‬من هدي القرآن‪ ،‬المدرسي (‪)18/11‬‬
‫‪310‬‬
‫التي تمسك السموات واألرض أن تزوال‪ ،‬ويعرف أنّه في كن‪##‬ف ربّ عظيم‪ ،‬يحفظ‪##‬ه‬
‫حافِظٌ﴾ [الطارق‪)1( )]4 :‬‬
‫من طوارق‪ #‬السوء ﴿إِ ْن ُكلُّ نَ ْف ٍ‬
‫س لَ َّما َعلَ ْيهَا َ‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا لو ذهبت إلى ك‪##‬ل التفاس‪##‬ير ال‪##‬تي فس‪##‬رت‪ #‬به‪##‬ا اآلي‪##‬ة وج‪##‬دتهم‬
‫يذكرون أمثال هذه المعاني‪ ..‬ولذلك ال يصح أن نرميها‪ #‬جميعا بس‪##‬بب انح‪##‬راف وق‪##‬ع‬
‫فيه بعضهم‪ ،‬وقد‪ #‬نجد أمثاله في تفاسير كل الطوائف‪#.‬‬
‫ليلة القدر‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير س‪##‬ورة الق‪##‬در‪،‬‬
‫‪#‬ر َس‪#‬اَل ٌم ِه َي َحتَّى‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬تَنَ َّز ُل ْال َماَل ئِ َكةُ َوالرُّ و ُح فِيهَ‪##‬ا بِ‪#‬إِ ْذ ِن َربِّ ِه ْم ِم ْن ُك‪##‬لِّ أَ ْم‪ٍ #‬‬
‫طلَ ِع ْالفَجْ ِر﴾ [القدر‪ 4 :‬ـ ‪ # ،]5‬فعن محمد بن جمهور‪ ،‬عن موسى‪ #‬بن بك‪##‬ر‪ ،‬عن زرارة‪،‬‬ ‫َم ْ‬
‫عن حمران‪ ،‬قال‪ :‬س‪#‬ألت أب‪#‬ا عب‪##‬د هللا عم‪#‬ا يف‪##‬رق في ليل‪#‬ة الق‪#‬در‪ ،‬ه‪##‬ل ه‪#‬و م‪#‬ا يق‪#‬در‬
‫ق ُك‪##‬لُّ‬ ‫سبحانه وتعالى فيها؟ قال‪( :‬ال توصف‪ #‬قدرة هللا تعالى‪ ،‬إال أنه قال‪﴿ :‬فِيهَ‪##‬ا يُ ْف‪َ #‬‬
‫‪#‬ر ُ‬
‫أَ ْم ٍر َح ِك ٍيم﴾ [الدخان‪ ]4 :‬فكيف‪ #‬يكون حكيما إال ما فرق‪ ،‬وال توصف‪ #‬ق‪##‬درة هللا س‪##‬بحانه‪،‬‬
‫‪#‬ف َش‪#‬ه ٍْر يع‪#‬ني‬ ‫ألنه يح‪#‬دث م‪#‬ا يش‪#‬اء‪ ..‬و أم‪#‬ا قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬لَ ْيلَ‪#‬ةُ ْالقَ‪ْ #‬د ِر﴾ خَ يْ‪ٌ #‬ر ِم ْن أَ ْل ِ‬

‫‪ )(1‬من هدي القرآن‪ ،‬المدرسي (‪)18/12‬‬


‫‪311‬‬
‫فاطمة‪ ..‬وقوله‪﴿ :‬تَنَ َّز ُل ْال َمالئِ َكةُ والرُّ و ُ‪#‬ح فِيها﴾ والمالئكة في هذا الموضع المؤمن‪##‬ون‬
‫الذين يملك‪##‬ون علم آل محم‪##‬د ‪ ،‬وال‪##‬روح روح الق‪#‬دس وهي فاطم‪##‬ة ﴿ ِم ْن ُك‪ِّ #‬ل أَ ْم ٍ‬
‫‪#‬ر‬
‫الفَجْ ر﴾ يعني حتى يقوم القائم) (‪)1‬‬ ‫﴿حتَّى َم ْ‬
‫طلَ ِع ْ ِ‬ ‫َسال ٌم﴾ يقول‪ :‬من كل أمر سلمه َ‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)2‬يكفي في رد هذه الرواية أن يكون في س‪##‬ندها مح ّم‪##‬د بن‬
‫جمهور‪ ،‬وهومن ال ُغالة المعروفين الذين ال يصح االس‪##‬تدالل بأح‪##‬اديثهم‪ ..‬باإلض‪##‬افة‬
‫إلى أ ّن التفسير المذكور‪ #‬للمالئكة وال‪##‬روح‪ #‬مخ‪##‬الف لظ‪##‬اهر جمي‪##‬ع اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي ورد‬
‫فيها هذا اللفظان‪ ..‬باإلضافة إلى أ ّن فاطمة الزهراء بنت رس‪##‬ول هللا ‪ ‬عن‪##‬د ن‪##‬زول‬
‫هذه اآليات كانت في األرض‪ ،‬فال معنى لنزولها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( #:‬محتوى السورة كم‪##‬ا ه‪##‬و واض‪##‬ح من‬

‫‪ )(1‬البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/932‬‬


‫‪ )(2‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/256‬‬
‫‪312‬‬
‫وبركاته‪##‬ا) (‪)1‬‬ ‫اسمها بيان نزول القرآن الكريم في ليلة القدر‪ ،‬وبيان أهمية هذه الليلة‬
‫ثم قال ـ عند بيانه لمفهوم ليلة القدر ـ‪( :‬في سبب تس‪##‬مية ه‪##‬ذه الليل‪##‬ة بليل‪##‬ة الق‪##‬در قي‪##‬ل‬
‫الكثير من ذلك‪ :‬ألنها الليلة التي تعين فيها مق‪##‬درات العب‪##‬اد لس‪##‬نة كامل‪##‬ة‪ ،‬يش‪##‬هد على‬
‫ق ُكلُّ أَ ْم ٍر َح ِك ٍيم‬ ‫ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا أَ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ٍة ُمبَ َ‬
‫ار َك ٍة إِنَّا ُكنَّا ُم ْن ِذ ِرينَ فِيهَا يُ ْف َر ُ‬
‫أَ ْمرًا ِم ْن ِع ْن ِدنَا إِنَّا ُكنَّا ُمرْ ِسلِينَ ﴾ [الدخان‪ ..]5-3 :‬فهذه اآلية الكريمة تنسجم مع م‪##‬ا ج‪##‬اء‬
‫من الروايات تقول‪ :‬في هذه الليلة تعين مقدرات الناس لسنة كاملة‪ ،‬وهك‪##‬ذا أرزاقهم‪،‬‬
‫ونهاية أعمارهم‪ ،‬وأمور‪ #‬أخرى تفرق وتبين في تلك الليلة المباركة‪ ..‬وه‪##‬ذه المس‪##‬ألة‬
‫طبعا ال تتنافى‪ #‬مع حري‪##‬ة إرادة اإلنس‪##‬ان ومس‪##‬ألة االختي‪##‬ار‪ ،‬ألن التق‪##‬دير اإللهي عن‬
‫طريق‪ #‬المالئكة إنما يتم حسب لياقة األف‪##‬راد وم‪##‬يزان إيم‪##‬انهم وتق‪##‬واهم وطه‪##‬ر نيتهم‬
‫وأعمالهم‪ ،‬أي يقدر كل فرد ما يلي‪##‬ق ل‪##‬ه‪ ،‬وبعب‪##‬ارة اخ‪##‬رى‪ ،‬أرض‪##‬ية التق‪##‬دير يوفره‪#‬ا‪#‬‬
‫اإلنسان نفسه‪ ،‬وهذا ال يتنافى‪ #‬مع االختيار بل يؤكده‪ ..‬وقال بعض إنها سميت بالقدر‬
‫﴿و َما قَ َدرُوا‪ #‬هَّللا َ َح َّ‬
‫ق‬ ‫لما لها من قدر عظيم وشرف كبير في القرآن جاء قوله سبحانه‪َ :‬‬
‫قَ ْد ِر ِه﴾ [الزمر‪ ..]67 :‬وقيل ألن القرآن بكل ق‪##‬دره ومنزلت‪##‬ه ن‪##‬زل على الرس‪##‬ول األك‪##‬رم‬
‫‪ ‬بواسطة الملك العظيم في ه‪##‬ذه الليل‪#‬ة‪ ..‬وقي‪#‬ل ألنه‪##‬ا الليل‪#‬ة ال‪#‬تي ق‪#‬در فيه‪##‬ا ن‪#‬زول‬
‫القرآن‪ ..‬وقيل ألنها الليلة التي من أحياها نال قدرا ومنزلة‪ ..‬وقي‪#‬ل ألنه‪##‬ا الليل‪#‬ة ال‪##‬تي‬
‫تنزل فيها المالئكة حتى تضيق بهم األرض لكثرتهم‪ ،‬ألن القدر جاء بمعنى الض‪##‬يق‬
‫﴿و َم ْن قُ ِد َر َعلَ ْي ِه ِر ْزقُ‪#‬هُ فَ ْليُ ْنفِ‪ْ #‬ق ِم َّما آتَ‪##‬اهُ هَّللا ُ﴾ [الطالق‪ ..)]7 :‬ثم عل‪##‬ق‬ ‫أيضا كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫على هذه التطبيقات بقوله‪( :‬كل هذه التفاسير يستوعبها المفه‪##‬وم الواس‪##‬ع لليل‪##‬ة الق‪##‬در‬
‫مع أن التفسير األول أنسب وأشهر) (‪ ..)2‬وهكذا ترى سيدي الكريم أنه مع اس‪##‬تيعابه‬
‫لكل هذه التطبيقات لم يذكر ما ورد‪ #‬في تلك الرواية‪.‬‬
‫النبأ العظيم‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير س‪##‬ورة النب‪##‬أ‪،‬‬
‫وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ع َّم يَتَ َسا َءلُونَ َع ِن النَّبَإِ ْال َع ِظ ِيم الَّ ِذي هُ ْم فِي ِه ُم ْختَلِفُ‪##‬ونَ ﴾ [النب‪##‬أ‪ ،]3-1 :‬وأن‬
‫المراد بـ (النبأ) هو اإلمام عل ّي وواليته (‪.)3‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)4‬في إسناد الروايات المفسّرة لهذه اآلية مح ّمد بن فض‪##‬يل‬
‫األزدي‪ ،‬وهو ممن روى عن اإلمامين الكاظم والرضا‪ ،‬وهو من الضعفاء وال ُغالة‪..‬‬
‫وفيها‪ #‬عبد الرحمن بن كثير الهاشمي‪ ،‬وقد روى عن اإلمام الب‪##‬اقر والص‪##‬ادق‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫ضعيف‪ #‬غال‪ ..‬وفيها‪ #‬أبوإس‪#‬حاق‪ ،‬إب‪#‬راهيم بن إس‪#‬حاق النهاون‪#‬دي‪ ،‬وه‪#‬و ض‪#‬عيف‪ #‬في‬
‫الحديث‪ ،‬متّهم في دينه بالغلوّ‪ ،‬ال يعتمد على شيء من حديثه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬باإلض‪#‬افة إلى ذل‪#‬ك‪ ،‬ف‪##‬إن قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬الَّ ِذي هُ ْم فِي‪ِ #‬ه ُم ْختَلِفُ‪#‬ونَ ﴾‬
‫األمثل‪)20/339( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫األمثل‪)20/346( ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الكافي‪ 3/207 ،‬و‪ ،418‬وتهذيب األحكام‪.3/146 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/256‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/256‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪313‬‬
‫أن مس‪##‬ألة‬‫يخبر عن خالف حاصل بين المش‪##‬ركين في (النب‪##‬أ العظيم)‪ .‬ومن المعل‪##‬وم ّ‬
‫والية اإلمام علي لم تكن مثارةً في ذلك الوقت‪ ..‬باإلضافة إلى أن اآليات التي بعدها‬
‫أن المراد بالنبأ (القيامة)‬‫تتح ّدث عن الخلق وعود الحياة لألموات‪ ،‬ما يد ّل على ّ‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬وله‪##‬ذا فس‪##‬رها‪ #‬جمي‪##‬ع مفس‪##‬رينا المعتم‪##‬دين به‪##‬ذا المع‪##‬نى‪ ..‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫بعضهم‪( #:‬أورد المفس‪##‬رون آراء متباين‪#‬ة في المقص‪##‬ود من (النب‪#‬أ العظيم)‪ ،‬فمنهم من‬
‫اعتبره إشارة إلى يوم القيامة‪ ،‬ومنهم‪ #‬من قال بأنه إش‪#‬ارة إلى الق‪#‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬ومنهم‬
‫من اعتبره إش‪#‬ارة إلى أص‪##‬ول ال‪#‬دين من التوحي‪#‬د‪ #‬ح‪#‬تى المع‪#‬اد‪ ..‬وبنظ‪##‬رة دقيق‪#‬ة إلى‬
‫مجموع آيات السورة وسياق‪ #‬طرحها‪ ،‬وما ذكرته اآليات الالحق‪##‬ة من مالمح الق‪##‬درة‬
‫اإللهي‪##‬ة بع‪##‬رض بعض مص‪##‬اديقها‪ #‬في الس‪##‬ماء واألرض‪ ،‬وبع‪#‬د‪ #‬ه‪##‬ذا الع‪##‬رض تؤك‪##‬د‬
‫إحدى اآليات‪﴿ ،‬إِ َّن يَوْ َم ْالفَصْ ِل َكانَ ِميقَاتًا﴾ [النبأ‪ ،]17 :‬ثم مخالفة وعدم تقبل المشركين‬
‫لمبدأ (المعاد)‪ ،‬كل ذلك يدعم التفسير األول القائل‪ :‬بأن النب‪#‬أ العظيم هوي‪#‬وم‪ #‬القيام‪##‬ة)‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم قال‪( :‬فوصف (النبأ) بـ (العظيم) للتأكيد على أهميته‪ ،‬وللبت ب‪##‬أن م‪##‬ا يش‪##‬ك‬
‫فيه البعض إنما هو‪ :‬أمر واقع‪ ،‬بالغ األهمية‪ ،‬خطير‪ ..‬وكما قلنا فهذا المع‪##‬نى يناس‪##‬ب‬
‫كونه يوم القيامة أكثر مما يناسب بقية التفاسير‪ ..‬وربم ‪#‬ا‪ #‬ك‪##‬انت جمل‪##‬ة ﴿ يَت ََس ‪#‬ا َءلُونَ ﴾‬
‫إشارة إلى الكفار دون غيرهم‪ ،‬ألنهم كثيرا ما كانوا يتسائلون فيم‪##‬ا بينهم بخص‪##‬وص‬
‫(المع‪##‬اد)‪ ،‬وم‪##‬ا ك‪##‬ان تس‪##‬اؤلهم ألج‪##‬ل الفحص والتحقي‪##‬ق وص‪##‬وال للحقيق‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل ك‪##‬ان‬
‫لغرض التشكيك ال أكثر) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولكن ذلك ال يمنع ـ بعيدا عن اآلي‪#‬ة ـ من إطالق لف‪#‬ظ [النب‪#‬أ العظيم‬
‫المختلف فيه] بكل ما تحقق فيه هذا الوصف‪ #..‬وفي هذا قال بعض المفسرين‪( :‬النب‪##‬أ‬
‫العظيم‪ :‬كمفهوم قرآني‪ #‬ـ مثل سائر المفاهيم القرآنية ـ له من السعة ما يش‪##‬مل ك‪##‬ل م‪##‬ا‬
‫ذكر من معان‪ ،‬وإذا كانت قرائن السورة تدل على أن المقصود من‪#‬ه (المع‪##‬اد)‪ ،‬فه‪#‬ذا‬
‫ال يمنع من أن تكون له مص‪##‬اديق‪ #‬أخ‪##‬رى‪ ،‬كم‪##‬ا هومعل‪##‬وم‪ #‬أن للق‪##‬رآن بطون‪##‬ا مختلف‪##‬ة‬
‫وظ‪##‬واهرا متع‪##‬ددة‪ ،‬وأدل‪##‬ة وق‪##‬رائن االس‪##‬تخراج مختلف‪##‬ة أيض‪##‬ا‪ ،‬وبعب‪##‬ارة أخ‪##‬رى‪ :‬أن‬
‫لمع‪##‬اني آي‪##‬ات الق‪##‬رآن دالالت التزامي‪##‬ة ال يعرفه‪##‬ا إال من غ‪##‬اص في بح‪##‬ر علمه‪##‬ا‬
‫ومعرفتها‪ ،‬وال يكون ذلك إال للخاصة من الناس‪ ..‬وليست اآلية المذكورة منفردة في‬
‫أن لها ظاهر وباطن دون بقية آيات القرآن‪ ،‬حيث أن األحاديث والرواي‪##‬ات الش‪##‬ريفة‬
‫فسرت كثير من اآليات بمعان مختلفة‪ ،‬بعضها ما ينسجم مع ظ‪##‬اهر اآلي‪##‬ة‪ ،‬والبعض‬
‫اآلخر يشير إلى المعنى الباطن لها) (‪)3‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬وق‪##‬د ق‪##‬ال آخ‪##‬ر يش‪##‬ير إلى المص‪##‬اديق ال‪##‬تي يمكنه‪##‬ا أن تنطب‪##‬ق على‬
‫﴿ النَّبَإِ ْال َع ِظ ِيم﴾ [النب‪##‬أ‪( #:]2 :‬النب‪#‬أ خ‪#‬بر ذوفائ‪#‬دة عظيم‪#‬ة يحص‪#‬ل ب‪#‬ه علم أوغ‪#‬الب ظن‪،‬‬

‫‪ )(1‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.19/318 ،‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.19/318 ،‬‬
‫‪ )(3‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.19/322 ،‬‬
‫‪314‬‬
‫والخ‪##‬بر‪ #‬الح‪##‬ق ال‪##‬ذي يتع‪##‬رى عن الك‪##‬ذب‪ ،‬والن‪##‬بيء هوالم‪##‬وحى‪ #‬إلي‪##‬ه بأخب‪##‬ار‪ #‬الح‪##‬ق‬
‫والصدق‪ #،‬حاملة كافة البراهين المصدقة لهما ثم إذا ك‪#‬ان النب‪#‬أ عظيم‪#‬ا ك‪#‬انت الفائ‪#‬دة‬
‫والعلم فيه أعظم‪ ،‬دون أن يتطرق‪ #‬إليه أية شائبة وريبة اللهم إال جهال وعنادا ممن ال‬
‫يهوى إال هواه‪ ،‬وال يهدف هداه‪ ..‬وأول األنباء العظيمة ـ منذ بزوغ اإلسالم ـ هونب‪##‬أ‬
‫الرسالة اإلسالمية التي حملها الرس‪##‬ول األق‪##‬دس محم‪##‬د ‪ ،‬فنب‪##‬أ الرس‪##‬الة المحمدي‪##‬ة‬
‫هوأعظم األنب‪##‬اء الرس‪##‬الية في ت‪##‬اريخ الرس‪##‬االت‪ ،‬وألنه‪##‬ا تش‪##‬ملها كله‪##‬ا وفيه‪##‬ا مزي‪##‬د‬
‫هورمز‪ #‬الخلود‪ ،‬فلما بعث الن‪##‬بي ‪ ‬جعل‪##‬وا يتس‪##‬اءلون بينهم ف‪##‬نزلت ﴿ َع َّم يَت ََس‪#‬ا َءلُونَ‬
‫ع َِن النَّبَإِ ْال َع ِظ ِيم﴾ [النب‪##‬أ‪﴿ #،]2-1 :‬بَلْ ع َِجبُوا أَ ْن َج‪ #‬ا َءهُ ْم ُم ْن‪ِ #‬ذ ٌر ِم ْنهُ ْم فَقَ‪##‬ا َل ْال َك‪##‬افِرُونَ هَ‪َ #‬ذا‬
‫َش ْي ٌء ع َِجيبٌ ﴾ [ق‪ ..]2 :‬فه‪##‬ذه الرس‪##‬الة الس‪##‬امية ك‪#‬انت نب‪#‬أ عظيم‪#‬ا تحم‪#‬ل كاف‪#‬ة األنب‪#‬اء‬
‫العظيمة)(‪)1‬‬
‫ومن المصاديق‪ #‬التي ذكرها (إنذار النبي وإنبائه نبأ التوحيد‪ ،‬هم‪##‬ا من األنب‪##‬اء‬
‫العظيمة‪ ،‬وقد‪ #‬بدأ بنبإ التوحيد‪﴿ :‬قُلْ إِنَّ َما أَنَا ُم ْن‪ِ #‬ذ ٌر َو َم‪##‬ا ِم ْن إِلَ ‪ٍ #‬ه إِاَّل هَّللا ُ ْال َوا ِح‪ُ #‬د ْالقَهَّا ُر‬
‫َظي ٌم أَ ْنتُ ْم َع ْن‪##‬هُ‬‫ض َو َم‪##‬ا بَ ْينَهُ َم‪##‬ا ْال َع ِزي‪ُ ##‬ز ْال َغفَّا ُر قُ‪##‬لْ هُ‪َ ##‬و نَبَ‪##‬أ ٌ ع ِ‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫َربُّ َّ‬
‫الس‪َ ##‬م َ‬
‫ي إِاَّل أَنَّ َما أَنَ‪##‬ا‬ ‫ُوحى إِلَ َّ‬‫َص ُمونَ إِ ْن ي َ‬ ‫ْرضُونَ َما َكانَ لِ َي ِم ْن ِع ْل ٍم بِ ْال َمإَل ِ اأْل َ ْعلَى إِ ْذ يَ ْخت ِ‬ ‫ُمع ِ‬
‫ين﴾ [ص‪)2( )]70-65 :‬‬ ‫نَ ِذي ٌر ُمبِ ٌ‬
‫ومن المصاديق‪ #‬التي ذكرها (الق‪##‬رآن‪ ..‬فه‪##‬و نب‪##‬أ عظيم ألن‪##‬ه المعج‪##‬زة الخال‪##‬دة‬
‫وحيهَا إِلَ ْي‪##‬كَ‬
‫ب نُ ِ‬ ‫لهذه الرسالة السامية‪ ،‬وأنه يحمل كافة أنباء الغيب﴿تِ ْلكَ ِم ْن أَ ْنبَا ِء ْال َغ ْي ِ‬
‫اص‪#‬بِ ْ‪#‬ر إِ َّن ْال َعاقِبَ‪#‬ةَ لِ ْل ُمتَّقِينَ ﴾ [ه‪##‬ود‪..]49 :‬‬ ‫ك ِم ْن قَب ِْل هَ‪َ #‬ذا فَ ْ‬ ‫َما ُك ْنتَ تَ ْعلَ ُمهَا أَ ْنتَ َواَل قَوْ ُم َ‪#‬‬
‫ق‬‫َك َو َج‪ #‬ا َءكَ فِي هَ ‪ِ #‬ذ ِه ْال َح‪ُّ #‬‬ ‫ِّت بِ ‪ِ #‬ه فُ‪##‬ؤَاد َ‪#‬‬‫ك ِم ْن أَ ْنبَ‪##‬ا ِء الرُّ ُس ‪ِ #‬ل َم‪##‬ا نُثَب ُ‬ ‫﴿ َو ُكاًّل نَقُصُّ َعلَ ْي ‪َ #‬‬
‫رى‪ #‬لِ ْل ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [هود‪)3( )]120 :‬‬ ‫َو َموْ ِعظَةٌ َو ِذ ْك َ‬
‫﴿وقَ‪##‬ا َل‬ ‫ومن المصاديق‪ #‬التي ذكرها (نبأ المعاد‪ ..‬وهو نبأ عظيم بعد التوحي‪##‬د‪َ ..‬‬
‫ق َج ِدي‪ٍ #‬د﴾‬ ‫ق إِنَّ ُك ْم لَفِي َخ ْل‪ٍ #‬‬ ‫الَّ ِذينَ َكفَرُوا هَلْ نَدُلُّ ُك ْم َعلَى َر ُج ٍل يُنَبِّئُ ُك ْ‪#‬م إِ َذا ُم ِّز ْقتُ ْم ُك‪َّ #‬ل ُم َم‪َّ #‬ز ٍ‪#‬‬
‫‪#‬زينَ ﴾ [ي‪##‬ونس‪:‬‬ ‫ق َو َم‪##‬ا أَ ْنتُ ْم بِ ُم ْع ِج‪ِ #‬‬ ‫ق هُ َو قُلْ إِي َو َربِّي‪ #‬إِنَّهُ لَ َح‪ٌّ #‬‬ ‫﴿ويَ ْستَ ْنبِئُونَكَ أَ َح ٌّ‬‫[سبأ‪َ #..]7 :‬‬
‫‪)4( )]53‬‬
‫ثم عل‪##‬ق على ه‪##‬ذه المص‪##‬اديق‪ #‬بقول‪##‬ه‪( :‬ه‪##‬ذه هي ال‪##‬دعائم األرب‪##‬ع من األنب‪##‬اء‬
‫العظيمة‪ ،‬تشملها‪﴿ :‬النَّبَإِ ْال َع ِظ ِيم﴾‪ ..‬ومن األنب‪##‬اء العظيم‪##‬ة اس‪##‬تمرارية الوالي‪##‬ة والحكم‬
‫المحمدي المتمثل في أخيه ونفسه ووليه وخليفته علي أمير المؤمنين) (‪)5‬‬
‫الخنّس‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَاَل‬
‫س إِنَّهُ لَقَ‪##‬وْ ُل َر ُس‪#‬و ٍ‪#‬ل‬ ‫ْح إِ َذا تَنَفَّ َ‬ ‫الص‪#‬ب ِ‬
‫س َو ُّ‬ ‫َس‪َ #‬ع َ‬ ‫س َواللَّي ِْل إِ َذا ع ْ‬ ‫ار ْال ُكنَّ ِ‬
‫س ْال َج َو ِ‬ ‫أُ ْق ِس ُم بِ ْال ُخنَّ ِ‬
‫الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه‪.30/10 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه‪.30/10 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه‪.30/11 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه‪.30/11 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن والسنه‪.30/11 ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪315‬‬
‫‪##‬ر ٍيم﴾ [التك‪###‬وير‪ ،]19-15 :‬حيث ورد في تفس‪##‬يرها أن ﴿الخنّس﴾ هوق‪##‬ائم‪ #‬آل مح ّم‪##‬د ‪‬‬ ‫َك ِ‬
‫)‬ ‫(‬
‫الغائب عن األنظار ‪. 1‬‬
‫المفس‪#‬رة لآلي‪##‬ة‬ ‫ِّ‬ ‫قال أحد المتهمين ‪ : 2‬وقد‪ #‬وق‪##‬ع في س‪##‬ند بعض ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات‬
‫)‬ ‫(‬
‫الشريفة‪ ،‬جعفر بن مح ّمد بن مالك‪ ،‬وقد ذكروا‪ #‬فيه‪ :‬إنّه ضعيف‪ ،‬غال‪ ،‬وضّاع‪ ،‬وق‪##‬د‬
‫أن الكث‪##‬ير من رواة ه‪##‬ذه األخب‪##‬ار‬ ‫جم‪##‬ع إلي‪##‬ه جمي‪##‬ع عي‪##‬وب ال‪##‬رواة الض‪##‬عاف‪ .#.‬كم‪##‬ا ّ‬
‫مجاهيل‪ ..‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن القسم الوارد‪ ،‬في هذه الس‪##‬ورة‪ ،‬هو لتأكي‪##‬د حقّاني‪##‬ة‬
‫النب ‪#‬وّة والق‪##‬رآن‪ ،‬وعلي‪##‬ه فكي ‪#‬ف‪ #‬يت ّم القس‪##‬م بغيب‪##‬ة اإلم‪##‬ام ال‪##‬تي هي ف‪##‬رع النب ‪#‬وّة؟!‪..‬‬
‫باإلض‪##‬افة إلى أن الش‪##‬يء ال‪##‬ذي يق‪##‬ع القس‪##‬م ب‪##‬ه ال ب‪ّ ##‬د من أن يك‪##‬ون معلوم‪##‬ا ً عن‪##‬د‬
‫المخاطبين في ذلك الزمان‪ ،‬ولم تكن مسألة الغيبة بهذه المثابة‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في حديث آخر حول نفس اآلي‪#‬ة الكريم‪#‬ة‪ ،‬رووا‪ #‬في‪#‬ه‬
‫عن أ ّم ه‪#‬اني أنه‪#‬ا ق‪#‬الت لإلم‪#‬ام الص‪#‬ادق‪ :‬م‪#‬ا مع‪#‬نى ق‪#‬ول هللا ع‪ّ #‬ز وج‪#‬لّ‪﴿ :‬فَاَل أ ْق ِس‪ُ #‬م‬
‫س﴾؟ فقال‪ :‬ي‪##‬ا أ ّم ه‪##‬اني‪ ،‬إم‪##‬ام يخنَّس نفس‪##‬ه حتّى ينقط‪##‬ع عن الن‪##‬اس علم‪##‬ه س‪##‬نة‬ ‫بِ ْال ُخنَّ ِ‬
‫ستّين ومائتين‪ ،‬ث ّم يبدوكالشهاب‪ #‬الواقد في الليلة الظلم‪##‬اء‪ ،‬ف‪##‬إن أدركت ذل‪##‬ك الزم‪##‬ان‬
‫قرّت عينك (‪.)3‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)4‬ال شك في ك‪#‬ون ه‪#‬ذه الرواي‪#‬ة مكذوب‪#‬ة موض‪#‬وعة؛ ففي‬
‫وض ‪#‬اع‪ #‬للح‪##‬ديث‪ ..‬وق ‪#‬د‪ #‬ذك‪##‬روا‬ ‫سندها جعفر بن مح ّمد بن مالك‪ ،‬وهوضعيف‪ ،‬غال‪ّ ،‬‬
‫فيه‪ :‬إنّه جمع عيوب الرواة الضعاف جميعاً‪ ..‬باإلضفاة إلى ذل‪##‬ك؛ فإن‪##‬ا لوفرض‪##‬نا‪ #‬أنّ‬
‫وأن سماعها الحديث كان‬ ‫راوية الحديث كان عمرها عند سماع الحديث (‪ )15‬سنة‪ّ ،‬‬
‫فإن عمر أ ّم‬ ‫أن وفاته كانت سنة ‪ّ ،114‬‬ ‫في أخريات حياة اإلمام الباقر‪ ،‬فمع مالحظة ّ‬
‫هاني كان آنذاك في سنة ‪ 260‬هو(‪ )161‬سنة‪ ،‬وحينئ‪##‬ذ فمن المس‪##‬تبعد أن يق‪##‬ول له‪##‬ا‬
‫اإلمام‪ :‬إذا أدركت زمانه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا نرى كل علمائنا يفسرون اآليات الكريمة بحسب ما يدل عليه‬
‫ظاهره‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال بعض‪##‬هم‪ #‬بع‪##‬د أن أورد المع‪##‬اني اللغوي‪##‬ة له‪##‬ا‪( :‬يعتق‪##‬د كث‪##‬ير من‬
‫المفسرين‪ ،‬إنها الكواكب الخمسة السيارة التي في منظومتن‪##‬ا الشمس‪##‬ية‪ ،‬وال‪##‬تي يمكن‬
‫رؤيتها‪ #‬بالعين المجردة (عط‪##‬ارد‪ ،‬الزه‪##‬رة‪ ،‬الم‪##‬ريخ‪ ،‬المش‪##‬تري وزح‪##‬ل)‪ ..‬فلوتأملن‪#‬ا‪#‬‬
‫الس‪##‬ماء ع‪##‬دة لي‪##‬ال‪ ،‬لرأين‪##‬ا أن نج‪##‬وم‪ #‬الس‪##‬ماء أوالقب‪##‬ة الس‪##‬ماوية تظه‪##‬ر وتغيب بش‪##‬كل‬
‫جماعي من دون أن تتغير الفواصل والمسافات‪ #‬فيما بينها‪ ،‬وكأنها آللئ خيطت على‬
‫قطعة قماش داكن اللوان‪ ،‬وهذه القطعة تتحرك من المشرق‪ #‬إلى المغرب‪ ،‬إال خمسة‬
‫كواكب قد خرجت عن هذه القاع‪#‬دة‪ ،‬فنراه‪#‬ا تتح‪##‬رك وليس بينه‪#‬ا وبين بقي‪#‬ة النج‪##‬وم‬
‫فواصل‪ #‬ثابتة‪ ،‬وكأنها لئالئ قد وضعت على تلك القطعة وض‪##‬عا‪ ،‬من دون أن تخي‪##‬ط‬

‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/433 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/257‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.1/47 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/264‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪316‬‬
‫بها‪ ..‬وهذه الكواكب الخمس هي المقصود في هذا التفسير‪ ،‬وما نالحظه من حركتها‬
‫إنما تكون لقربها منا ال نتمكن من تمييز حركات بقية النجوم لعظم المسافة فيما بيننا‬
‫وبينه‪##‬ا‪ ..‬ومن جه‪##‬ة أخ‪##‬رى‪ :‬ينبغي التنوي‪##‬ه إلى أن علم‪##‬اء الفل‪##‬ك يطلق‪##‬ون على ه‪##‬ذه‬
‫الكواكب اسم (الكواكب المتحيرة)‪ ،‬ألنها ال تتحرك على خط مس‪##‬تقيم ث‪##‬ابت‪ ،‬فتراه‪##‬ا‬
‫تس‪##‬ير باتج‪##‬اه معين من ال‪##‬زمن ثم تع‪##‬ود قليال ومن ثم تت‪##‬ابع مس‪##‬يرها‪ #‬األول وهك‪##‬ذا‪..‬‬
‫ولهؤالء العلماء من البحوث العلمية في تحليل هذه الظاهرة) (‪)1‬‬
‫ثم عقب على ه‪##‬ذا بقول‪##‬ه‪( :‬علي‪##‬ه يمكن حم‪##‬ل إش‪##‬ارة اآلي‪##‬ات إلى الك‪##‬واكب‬
‫السيارة (الجوار)‪ ،‬التي في سيرها لها رجوع (الخنس)‪ ،‬ثم تختفي عند طلوع الفجر‬
‫وشروق الشمس‪ ..‬فهي تشبه غزاال يتصيد‪ #‬طعامه في الليل وما أن يحل النهار ح‪##‬تى‬
‫يختفي عن أنظ‪##‬ار الص‪##‬يادين والحيوان‪##‬ات المفترس‪##‬ة في‪##‬ذهب إلى (كناس‪##‬ه)‪ ،‬ول‪##‬ذا‬
‫وصفت الكواكب بـ (الكنس)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر احتماالت أخرى يمكن أن تنطبق‪ #‬عليها اآليات‪ ،‬فقال‪( :‬وثم‪##‬ة احتم‪##‬ال‬
‫آخر لـ ﴿الكنس﴾‪ :‬اختف‪##‬اء الك‪##‬واكب في ض‪##‬وء الش‪##‬مس‪ ..‬أي إنه‪##‬ا حينم‪##‬ا ت‪##‬دور‪ #‬ح‪##‬ول‬
‫الشمس‪ ،‬تصل في بعض الوقت إلى نقطة مجاورة للشمس فيختفي نورها‪ #‬تمام‪##‬ا عن‬
‫األبصار‪ ،‬وهوما‪ #‬يعبر عنه علماء الفلك بـ (االح‪##‬تراق)‪ ..‬و(الكنس) في نظ‪##‬ر بعض‬
‫آخر‪ :‬إشارة إلى دخول الكواكب في البروج السماوية‪ ،‬وذل‪##‬ك ال‪##‬دخول يش‪##‬به اختف‪##‬اء‬
‫الغزالن في أماكن أمنه‪##‬ا‪ ..‬وكم‪##‬ا ه‪##‬و مع‪##‬روف‪ ،‬إن ك‪##‬واكب مجموعتن‪##‬ا الشمس‪##‬ية ال‬
‫تنحصر‪ #‬بهذه الكواكب الخمس‪ ،‬بل ثم‪##‬ة ثالث‪##‬ة ك‪##‬واكب أخ‪##‬رى(أوران‪##‬وس‪ ،‬بلوت‪##‬ون‪،‬‬
‫نبتون) ولكنها‪ #‬ال ترى بالعين المجردة لبعدها عنا‪ ،‬وللكثير من ه‪#‬ذه الس‪##‬يارات قم‪#‬را‬
‫أوأقمارا‪ ،‬فعدد كواكب هذه المجموعة باإلضافة إلى األرض هو تسعة كواكب) (‪)3‬‬
‫وبعد أن ذكر ه‪##‬ذا وغ‪##‬يره بين مغ‪##‬زى القس‪##‬م‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وعلى أي‪##‬ة ح‪##‬ال‪ ،‬فك‪##‬أن‬
‫القرآن الكريم يريد به‪##‬ذا القس‪##‬م المليء بالمع‪##‬اني‪ #‬الممتزج‪##‬ة بن‪##‬وع من اإلبه‪##‬ام‪ ،‬كأن‪##‬ه‬
‫يريد إثارة الفكر اإلنساني‪ ،‬وتوجيهه صوب الكواكب السيارة ذات الوض‪##‬ع الخ‪##‬اص‬
‫على القبة السماوية‪ ،‬ليتأم‪##‬ل أمره‪##‬ا وق‪##‬درة وعظم‪##‬ة خالقه‪##‬ا س‪##‬بحانه وتع‪##‬الى‪ ،‬وثم‪##‬ة‬
‫احتماالت أخرى في هذا الموضوع‪ #‬أهملناها لضعفها) (‪)4‬‬
‫فها أنتم ت‪##‬رون كي‪##‬ف فس‪##‬رها‪ #‬بم‪##‬ا يقتض‪##‬يه العلم والواق‪##‬ع‪ #،‬وذك‪##‬ر االحتم‪##‬االت‬
‫المختلفة لكنه لم يعرج أبدا إلى ذلك الفهم الذي وردت به الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي ذك‪##‬رتم‪ ..‬ب‪##‬ل‬
‫إنه ذكر ما يخالفها‪ ،‬فقد روى عن اإلمام علي أنه سئل‪ :‬م‪##‬ا الخنس‪ ،‬الج‪##‬وار الكنس؟‬
‫فقال‪( :‬هي الكواكب‪ ،‬تخنِس بالنهار‪ #‬فال ترى‪ ،‬وتكنس باللي‪##‬ل فت‪##‬أوي‪ #‬إلى مجاريه‪##‬ا‪..‬‬
‫هرة‪ ،‬والمشتري) (‪)5‬‬ ‫وهن‪ :‬بَهْرام‪ ،‬و ُز َحل‪ ،‬و ُعطَارد‪ُّ ،‬‬
‫والز ْ‬
‫الشيرازي‪.19/460 ،‬‬‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الشيرازي‪.19/460 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الشيرازي‪.19/460 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الشيرازي‪.19/461 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثورللسيوطي ‪ ،6/528‬ومجمع البيان‪ :‬ج‪ ،10‬ص‪.446‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪317‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر في تفسيرها‪( :‬قسما بالنجوم‪ #‬التي تختفي وتظهر‪ ،‬وبالليل‬
‫حيث يخيم ظالمه‪ ،‬وبالصبح حين يبسط نوره على األفق‪ ..‬إن القرآن وحي هّللا الذي‬
‫أنزله جبرئيل على الرسول الك‪##‬ريم‪ #..‬ه‪##‬ذه الحق‪##‬ائق تتواص‪##‬ل في ج‪##‬و تل‪##‬ك الص‪##‬ورة‬
‫المؤثرة لتكون أبلغ أثرا‪ ،‬وأعظم وقعا‪﴿ ..‬فَال أُ ْق ِس ُم بِ ْال ُخنَّ ِ‬
‫س﴾ يبدو أن الالم هن‪##‬ا زائ‪##‬دة‬
‫لتأكيد معنى القسم‪ ..‬أليس معناه التهويل؟ فإذا نفي القسم دل على عظمة ذلك الش‪##‬يء‬
‫الذي يتحرز المتح‪##‬دث عن القس‪##‬م ب‪##‬ه‪ ،‬وه‪##‬ذا أش‪##‬د وقع‪#‬ا في النفس‪ ،‬فم‪#‬ا ه‪##‬و الخنّس؟‬
‫وار‬ ‫قالوا‪ :‬خنس بالضم خنوسا‪ :‬تأ ّخر‪ ،‬وأخنسه‪ ،‬غيره‪ :‬إذا خلفه ومضى‪ #‬عنه‪ْ ..‬‬
‫و﴿ال َج ِ‬
‫س﴾ والج‪##‬وار جم‪##‬ع جاري‪##‬ة‪ ،‬بينم‪##‬ا الكنس جم‪##‬ع الكن‪##‬اس اي الغيّب‪ ..‬وروي‪ #‬عن‬ ‫ْال ُكنَّ ِ‬
‫االمام علي‪( :‬هي النج‪##‬وم‪ #‬تخنس بالنه‪##‬ار وتظه‪#‬ر‪ #‬اللي‪##‬ل‪ ،‬وتكنس في وقت غروبه‪##‬ا)‬
‫وروي عنه‪( :‬هي الكواكب الخمسة الدراري‪ :‬زح‪##‬ل والمش‪##‬تري‪ #‬وعط‪##‬ارد والم‪##‬ريخ‬
‫والزهرة) وقيل‪ :‬المراد من (الخنس) البقر ال‪##‬وحش‪ ،‬و(الكنس) الظب‪##‬اء‪ ..‬وروي‪ #‬عن‬
‫علي وعطاء ومقاتل وقتادة‪ :‬أنها هي جميع الكواكب‪ ،‬وخنوسها‪ #‬عبارة عن غيبوبتها‪#‬‬
‫عن البصر في النهار‪ ،‬وكنوسها‪ #‬عبارة عن ظهورها للبصر في الليل‪ ،‬أي تظهر في‬
‫أماكنها كالوحش في كنسها‪ ..‬ويب‪#‬دو‪ #‬لي أن الف‪#‬رق‪ :‬أن هن‪#‬اك نجوم‪#‬ا وك‪#‬واكب‪ #‬ثابت‪#‬ة‬
‫على مدار السنة‪ ،‬وهناك نجوما وكواكب فص‪##‬لية ربم‪##‬ا تبقى ليل‪##‬ة أو ح‪##‬تى ج‪##‬زء من‬
‫ليلة أو فص‪##‬ل كام‪##‬ل‪ ..‬و لكن من ظ‪##‬اهر اآلي‪##‬تين‪ :‬أن قول‪##‬ه‪( :‬الج‪##‬وار الكنس) تفس‪##‬ير‬
‫للخنس‪ ،‬فعلى هذا التفسير نستطيع‪ #‬أن نفهم لما ذا كلمة (الخنس) تشابه كلم‪##‬ة الكنس)‬
‫(‪)1‬‬
‫ثم عل‪#‬ق على ه‪#‬ذه التطبيق‪#‬ات المختلف‪#‬ة بقول‪##‬ه‪( :‬أال ت‪##‬رى كي‪#‬ف تهجم جحاف‪#‬ل‬
‫الظالم جند النور فتهزمه دون أن يكون لنا س‪##‬لطان ب‪##‬ه نمن‪##‬ع ورود اللي‪##‬ل أو نحاف‪##‬ظ‬
‫على بقية ضياء من نهار‪ ،‬أفال نتذكر آنئذ أننا مربوبون‪ ،‬وأن لهذا العالم ربّ‪##‬ا حكيم‪##‬ا‬
‫يدبّر أمره وأمرنا‪ ،‬وأنه ال بد أن قد خلقنا ألمر عظيم‪ ،‬وأن‪##‬ه ب‪##‬اعث إلين‪##‬ا رس‪##‬وال من‬
‫عنده ينبئنا بذلك األمر؟!)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬يؤيد كون المراد بالخنس الجوار الكنس الكواكب كله‪##‬ا‬
‫أوبعضها‪ #‬لكن صفات حركة بعضها أشد مناسبة وأوض‪#‬ح‪ #‬انطباق‪##‬ا على م‪##‬ا ذك‪##‬ر من‬
‫الصفات المقسم بها‪ :‬الخنوس والجري‪ #‬والكنوس وهي الس‪##‬يارات الخمس المتح‪##‬يرة‪:‬‬
‫زحل والمشتري‪ #‬والمريخ والزهرة وعط‪##‬ارد‪ #‬ف‪##‬إن له‪##‬ا في حركاته‪#‬ا‪ #‬على م‪##‬ا تش‪##‬اهد‬
‫استقامة ورجعة وإقامة فهي تس‪##‬ير‪ #‬وتج‪##‬ري‪ #‬حرك‪##‬ة متش‪##‬ابهة زمان‪##‬ا وهي االس‪##‬تقامة‬
‫وتنقبض وتتأخر وتخنس زمانا وهي الرجع‪##‬ة وتق‪##‬ف عن الحرك‪##‬ة اس‪##‬تقامة ورجع‪##‬ة‬
‫زمان‪##‬ا كأنه‪##‬ا ال‪##‬وحش تكنس في كناس‪##‬ها وهي اإلقام‪##‬ة‪ ..‬وقي‪##‬ل‪ :‬الم‪##‬راد به‪##‬ا مطل‪##‬ق‬
‫الكواكب وخنوسها استتارها في النهار تحت ضوء الشمس وجريها سيرها المشهود‪#‬‬
‫في الليل وكنوسها غروبها في مغربه‪##‬ا وتواريه‪##‬ا‪ ..‬وقي‪##‬ل‪ :‬الم‪##‬راد به‪##‬ا بق‪##‬ر ال‪##‬وحش‬
‫‪ )(1‬من هدي القرآن‪.17/367‬‬
‫‪ )(2‬من هدي القرآن‪.17/367‬‬
‫‪318‬‬
‫أوالظبي‪ #‬وال يبعد أن يكون ذكر بقر الوحش أوالظبي من باب المثال والمراد مطل‪##‬ق‬
‫الوحوش‪ ..‬وكيف‪ #‬كان فأقرب األقوال أولها والثاني بعيد والثالث أبعد) (‪)1‬‬
‫فهل تالحظون أن هذا التفسير وما سبقه‪ ،‬يختل‪##‬ف عن أي تفس‪##‬ير آخ‪##‬ر ي‪#‬ورده‬
‫عامة المفسرين من المدارس المختلفة‪.‬‬
‫سنفرغ لكم أيها الثقالن‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫غ لَ ُك ْم أَيُّهَ الثَّقَاَل ِن﴾ [ال‪##‬رحمن‪ ،]31 :‬فقد روي في تفس‪##‬يرها‪ #‬عن محم‪##‬د بن عيس‪##‬ى‪،‬‬ ‫﴿ َسنَ ْف ُر ُ‬
‫عن يونس‪ ،‬عن هارون ابن خارجة‪ ،‬عن يعقوب بن شعيب‪ ،‬عن اإلمام الصادق أن‪##‬ه‬
‫قال فيها‪( :‬الثقالن‪ :‬نحن والقرآن)(‪ ..)2‬وفي رواية‪( :‬كتاب هللا ونحن)‬
‫المفس‪##‬رة مح ّم‪##‬د بن عيس‪##‬ى‬ ‫ّ‬ ‫ق‪##‬ال أح‪##‬د المتهمين(‪ :)3‬في س‪##‬ند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات‬
‫اليقطيني‪ ،‬وهو من أصحاب اإلمام الهادي‪ ،‬وهو ضعيف يرى مذهب الغل‪##‬و‪ ..‬وفيه‪##‬ا‬
‫أبان بن عثم‪##‬ان البجلي‪ ،‬روى عن اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق والك‪##‬اظم‪ ،‬وك‪##‬ان ناووس‪##‬ياً‪ ،‬وفي‬
‫قبول روايته خالف‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن المالحظ بشكل عابر لس‪##‬ورة (ال‪##‬رحمن)‬
‫الس‪#‬ابقتين على ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪،‬‬ ‫والجن مث‪##‬ل اآلي‪##‬تين َّ‬ ‫ّ‬ ‫وآياتها‪ #‬يج‪##‬د أنّه‪##‬ا تخ‪##‬اطب اإلنس‪##‬ان‬
‫َار﴾ [الرحمن‪ ،]15 :‬كم‪##‬ا‬ ‫ج ِم ْن ن ٍ‬ ‫ان ِم ْن َم ِ‬
‫ار ٍ‬ ‫ق ْال َج َّ‬ ‫ق اإْل ِ ْن َسانَ ﴾ [الرحمن‪ ]3 :‬و َ‬
‫﴿و َخلَ َ‬ ‫وهما‪﴿ :‬خَ لَ َ‬
‫ْش ‪َ #‬ر ْال ِجنِّ َواإْل ِ ْن ِ‬
‫س إِ ِن‬ ‫أن اآلي‪##‬ة ال‪##‬تي بع‪##‬دها ص‪##‬ريحة في ذل‪##‬ك‪ ،‬وهي قول‪##‬ه‪﴿ :‬يَ‪##‬ا َمع َ‬ ‫ّ‬
‫ض فَا ْنفُ‪ُ #‬ذوا‪ #‬اَل تَ ْنفُ‪ُ #‬ذونَ إِاَّل بِ ُس‪ْ #‬لطَا ٍن﴾‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ا ْستَطَ ْعتُْ‪#‬م أَ ْن تَ ْنفُ ُذوا ِم ْن أَ ْقطَ ِ‪#‬‬
‫ار َّ‬
‫الس‪َ #‬م َ‬
‫[الرحمن‪ ..]33 :‬باإلضافة إلى أنّه لوكان المراد بـ ﴿الثقالن﴾ الكتاب والعترة‪ ،‬فال ب ‪ّ #‬د من‬
‫ن﴾ [ال‪###‬رحمن‪:‬‬ ‫أن يكون المخاطب فيها بعد ذلك في قوله تعالى‪﴿ :‬فَبِأَيِّ آاَل ِء َربِّ ُك َما تُ َك ‪ِّ #‬ذبَا ِ‬
‫‪ ]34‬هوالقرآن والعترة أيضاً‪ ،‬فهل يمكن أن يكونا مك ِّذبين بنعمته سبحانه؟!‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا نرى كل علمائنا يفسرون اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة بحس‪##‬ب م‪##‬ا يقتض‪##‬يه‬
‫سياقها‪ ،‬وقد‪ #‬قال بعضهم‪ #‬في ذلك‪( :‬نعم‪ ،‬إن هللا العالم القادر سيحاسب في ذلك الي‪##‬وم‬
‫اإلنس والجن حسابا دقيق‪##‬ا على جمي‪##‬ع أعم‪##‬الهم وأق‪##‬والهم‪ #‬وني‪##‬اتهم‪ ،‬ويعين لك‪##‬ل منهم‬
‫الجزاء والعقاب‪ ..‬ومع علمنا بأن هللا سبحانه ال يشغله عمل عن عمل‪ ،‬وعلمه محيط‬
‫بالجميع في آن واحد‪ ،‬وال يشغله شيء عن شيء‪ ،‬وال يشغله شأن عن ش‪##‬أن‪ ،‬ولكنن ‪#‬ا‪#‬‬
‫نواج‪##‬ه التعب‪##‬ير في ﴿س‪##‬نفرغ﴾ وال‪##‬تي تس‪##‬تعمل غالب‪##‬ا بالتوج‪##‬ه الج‪##‬اد لعم‪##‬ل م‪##‬ا‪،‬‬
‫واالنصراف الكلي له‪ ،‬وهذا من شأن المخلوقات بحكم محدوديتها‪ #..‬إال أن‪##‬ه إس‪##‬تعمل‬
‫هنا هلل سبحانه‪ ،‬تأكيدا على مس‪##‬ألة حس‪##‬اب هللا تع‪##‬الى لعب‪##‬اده بص‪##‬ورة ال يغ‪##‬ادر فيه‪##‬ا‬
‫صغيرة وال كبيرة إال أحصاها‪ ،‬وال يغفل عن مثق‪##‬ال ذرة من أعم‪##‬ال اإلنس‪##‬ان خ‪##‬يرا‬

‫الميزان في تفسير القرآن‪.20/217‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/322‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/258‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/258‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪319‬‬
‫أوش‪##‬را‪ ،‬واألظ‪##‬رف من ذل‪##‬ك أن هللا الكب‪##‬ير المتع‪##‬ال هوال‪##‬ذي يحاس‪##‬ب بنفس‪##‬ه عب‪##‬ده‬
‫الصغير‪ ،‬وعلينا أن نتصور كم هي مرعبة ومخيفة تلك المحاسبة) (‪)1‬‬
‫ثم فسر‪ #‬الم‪#‬راد ب‪#‬الثقلين في اآلي‪#‬ة الكريم‪#‬ة‪ ،‬فق‪#‬ال‪﴿( :‬الثقالن﴾ من م‪#‬ادة (ثق‪#‬ل)‬
‫على وزن (كبر) بمعنى الحمل الثقي‪##‬ل وج‪##‬اءت بمع‪##‬نى ال‪##‬وزن أيض‪##‬ا‪ ،‬إال أن (ثق‪##‬ل)‬
‫على وزن (خبر) تقال عادة لمت‪##‬اع وحم‪##‬ل المس‪##‬افرين‪ ،‬وتطل‪##‬ق على جماع‪##‬ة اإلنس‬
‫والجن وذل‪##‬ك لثقلهم المعن‪##‬وي‪ ،‬ألن هللا تب‪##‬ارك وتع‪##‬الى ق‪##‬د أعط‪##‬اهم عقال وش‪##‬عورا‪#‬‬
‫وعلما ووعيا له وزن وقيمة بالرغم من أن الثقل الجسدي لهم ملحوظ أيضا كما ق‪##‬ال‬
‫ت اأْل َرْ ضُ أَ ْثقَالَهَا﴾ [الزلزلة‪ ،]2 :‬حيث ورد أن أحد معانيها هو خ‪##‬روج‬ ‫﴿وأَ ْخ َر َج ِ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫الناس من القبور في يوم القيامة‪ ،‬إال أن التعبير في اآلية مورد البحث ج‪##‬اء باللح‪##‬اظ‬
‫المعن‪##‬وي‪ ،‬خاص‪##‬ة وأن الجن ليس لهم ثق‪##‬ل م‪##‬ادي‪ ،‬والتأكي‪##‬د على ه‪##‬اتين الط‪##‬ائفتين‬
‫بالخصوص‪ #‬ألن التكاليف اإللهية مختصة بهما في الغالب) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪﴿( :‬الثقالن﴾‪ :‬أصله من الثقل‪ ،‬وك‪ّ #‬ل ش‪##‬يء ل‪#‬ه وزن وق‪#‬در‪#‬‬
‫فهو ثقل‪ ،‬وإنّما س ّميت اإلنس والجن ثقلين لعظم خطرهما وجاللة شأنهما) (‪)3‬‬
‫غ لَ ُك ْم أَيُّهَ الثَّقَاَل ِن﴾ [الرحمن‪ ]31 :‬ال تعني أن ربنا ك‪##‬ان مش‪##‬غوال‬ ‫ثم قال‪( :‬و﴿ َسنَ ْف ُر ُ‬
‫عنهم بحيث لم يتسع لهم وقته‪ ،‬ولم تحتمل قدرته بما عنده من الشؤون كاّل ‪ ..‬س‪##‬بحانه‬
‫ال يشغله شأن عن شأن‪ ،‬إنما الغاية من الفراغ تمام التدبير والق‪##‬درة والج‪##‬زاء‪ ،‬ومن‪##‬ه‬
‫قولنا‪( #‬تفرغ فالن للعمل أي انصب عليه بكامل قدرته ووعيه وإرادته)‪ ،‬واآلية تشير‬
‫إلى أن أهّلل أعطى الثقلين حرية نسبية في الدنيا‪ ،‬أما في اآلخرة فاألمر هّلل وحده ﴿يَوْ َم‬
‫اح‪ِ #‬د ْالقَه ِ‬
‫َّار﴾ [غ‪##‬افر‪:‬‬ ‫ك ْاليَوْ َم هَّلِل ِ ْال َو ِ‬
‫ار ُزونَ اَل يَ ْخفَى َعلَى هَّللا ِ ِم ْنهُ ْم َش ْي ٌء لِ َم ِن ْال ُم ْل ُ‬ ‫هُ ْم بَ ِ‬
‫‪ ..]16‬و لك أن تتصور‪ #‬شيئا من الرهبة التي تحملها إلينا كلمة سنفرغ‪ ،‬إذا علمت أنه‬
‫تهديد من رب العزة والقدرة المطلقة‪ ،‬الى مخلوق ض‪##‬عيف‪ #‬مح‪##‬دود كاإلنس‪##‬ان ال‪##‬ذي‬
‫تؤلمه البق‪#‬ة وتقتل‪#‬ه الش‪##‬رقة وتنتن‪##‬ه العرق‪#‬ة‪ ،‬كم‪##‬ا يص‪##‬فه االم‪#‬ام علي بن أبي ط‪##‬الب‪،‬‬
‫ويكفي هذا الوعيد العاقل الذي يلقي سمعه شهيدا أن يتورع‪ #‬عن التكذيب بآي‪##‬ات رب‪##‬ه‬
‫ونعمه) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهذا ال يتنافى م‪##‬ع إطالق اص‪##‬طالح [الثقلين] على الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫والع‪##‬ترة الط‪##‬اهرة في غ‪##‬ير ه‪##‬ذا المح‪##‬ل‪ ،‬كم‪##‬ا ص‪##‬رحت ب‪##‬ذلك األح‪##‬اديث الص‪##‬حيحة‬
‫المتفق عليها في المصادر اإلسالمية جميعا‪ ،‬ومنها قوله ‪( :‬إني قد تركت فيكم ما‬
‫إن أخذتم به‪ ،‬لن تض‪##‬لوا بع‪##‬دي‪ :‬الثقلين‪ ،‬أح‪##‬دهما أك‪##‬بر من اآلخ‪##‬ر‪ ،‬كت‪##‬اب هللا‪ ،‬حب‪##‬ل‬
‫ممدود‪ #‬من السماء إلى األرض‪ ،‬وعترتي أهل بيتي‪ ،‬أال وإنهما لن يفترقا ح‪##‬تى ي‪##‬ردا‬

‫الشيرازي‪.17/406 ،‬‬
‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الشيرازي‪.17/406 ،‬‬
‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫من هدي القرآن‪.14/303‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫من هدي القرآن‪.14/320‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪320‬‬
‫الحوض)(‪)1‬‬ ‫علي‬
‫وق‪#‬د‪ #‬ق‪#‬ال القاض‪##‬ي عي‪#‬اض في تفس‪#‬يرها‪( :‬قِي‪##‬ل ُس‪ِّ #‬ميَا ب‪##‬ذلك؛ ِلعظم أق‪#‬دارهما‪#،‬‬
‫األخذ بهما)(‪ ،)2‬وقال النوويُّ ‪( :‬س ِّميَا ثَقلين؛ لعظمهما‪ ،‬وكبير‪ #‬شأنهما)(‪)3‬‬ ‫وقيل‪ :‬لش َّدة ْ‬
‫هذا الذي كنتم به تكذبون‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ث َّمُ‬
‫صالُو ْال َج ِح ِيم ثُ َّم يُقَا ُل هَ َذا الَّ ِذي ُك ْنتُ ْم بِ ِه تُ َك‪ِّ #‬ذبُونَ ﴾ [المطففين‪ 16 :‬ـ ‪ ،]17‬فق‪##‬د ورد في‬ ‫إِنَّهُ ْم لَ َ‬
‫َّار لَفِي‬ ‫ْ‬
‫‪#‬اب الفُج ِ‬ ‫تفس‪##‬يرها عن محم‪##‬د بن الفض‪##‬يل‪ ،‬عن أبي الحس‪##‬ن قلت‪َ ﴿ :‬كاَّل إِ َّن ِكتَ‪َ #‬‬
‫ِسجِّي ٍن﴾ [المطففين‪ ،]7 :‬قال‪( :‬هم الذين فجروا‪ #‬في حق األئمة واعتدوا عليهم)‪ ،‬قلت‪﴿ :‬ث َّمُ‬
‫يُقَ‪##‬ا ُل هَ ‪َ #‬ذا الَّ ِذي ُك ْنتُ ْم بِ ‪ِ #‬ه تُ َك‪ِّ #‬ذبُونَ ﴾ [المطففين‪ ]17 :‬ق‪##‬ال‪( :‬يع‪##‬ني أم‪##‬ير المؤم‪##‬نين)‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫تنزيل؟ قال‪( :‬نعم) (‪)4‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)5‬يكفي في رد هذه الرواية أن يكون في س‪##‬ندها مح ّم‪##‬د بن‬
‫الفضيل‪ ،‬وه‪##‬و من الغالة المع‪##‬روفين‪ ..‬باإلض‪##‬افة إلى أن اآلي‪##‬ات الس‪##‬ابقة على ه‪##‬ذه‬
‫أن األم‪#‬ر ال‪#‬ذي وق‪#‬ع م‪#‬ورد التك‪#‬ذيب هوي‪#‬وم القيامة‪ ،‬ق‪#‬ال تع‪#‬الى‪:‬‬ ‫اآلية صريحة في ّ‬
‫ِّين َو َم‪##‬ا يُ َك‪ِّ #‬ذبُ بِ‪ِ #‬ه إِاَّل ُك‪##‬لُّ ُم ْعتَ‪ٍ #‬د أَثِ ٍيم إِ َذا‬
‫﴿ َو ْي ٌل يَوْ َمئِ ٍذ لِ ْل ُم َك ِّذبِينَ الَّ ِذينَ يُ َك ِّذبُونَ بِيَ‪##‬وْ ِم ال‪#‬د ِ‬
‫ر اأْل َ َّولِينَ ﴾ [المطففين‪]13-10 :‬‬ ‫تُ ْتلَى َعلَ ْي ِه آيَاتُنَا قَا َل أَ َس ِ‬
‫اطي ُ‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( #:‬بع‪##‬دما ذك‪##‬رت آخ‪##‬ر آي‪##‬ة من اآلي‪##‬ات‬
‫السابقة مصير المكذبين‪ ،‬تأتي اآليات أعاله لتش‪##‬رح ح‪##‬الهم‪ ،‬فتق‪##‬ول‪﴿ :‬الَّ ِذينَ يُ َك‪ِّ #‬ذبُونَ‬
‫﴿و َما يُ َك ِّذبُ بِ ِه إِاَّل ُكلُّ ُم ْعتَ‪ٍ ##‬د‬ ‫ِّين﴾ [المطففين‪ ،]11 :‬وهويوم‪ #‬القيامة‪ ..‬وتقول أيضا‪َ :‬‬ ‫بِيَوْ ِم الد ِ‬
‫أَثِ ٍيم﴾ [المطففين‪ ..]12 :‬فإنك‪#‬ار‪ #‬القيام‪#‬ة ال يس‪##‬تند على المنط‪#‬ق الس‪##‬ليم والتفك‪#‬ير الص‪##‬ائب‬
‫واالس‪##‬تدالل العقلي‪ ،‬ب‪##‬ل هون‪##‬ابع من حب االعت‪##‬داء وارتك‪##‬اب ال‪##‬ذنوب واآلث‪##‬ام‪ ..‬فهم‬
‫يريدون اإلستمرار بالذنوب واإليغال باإلعتداءات وبكامل اختي‪##‬ارهم‪ ،‬ومن دون أي‬
‫رادع يردعهم من ضمير أوقانون‪ ،‬وهذا الحال شبيه ما أشارت إليه اآلية من س‪##‬ورة‬
‫القيامة‪﴿ :‬بَلْ ي ُِري ُد اإْل ِ ْن َسانُ لِيَ ْفج َُر أَ َما َمهُ يَسْأ َ ُل أَيَّانَ يَ‪##‬وْ ُم ْالقِيَا َم‪ِ #‬ة﴾ [القيام‪##‬ة‪ ،]6-5 :‬وعلي‪##‬ه‪،‬‬
‫فهو يكذب بيوم الدين‪ ..‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن للممارسات‪ #‬الس‪##‬يئة أث‪##‬ر س‪##‬لبي على‬
‫عقيدة اإلنسان‪ ،‬مثلما للعقيدة من أثر على سلوكية وتوجيهات‪ #‬اإلنسان)(‪)6‬‬
‫دين القيمة‪:‬‬
‫﴿و َم‪##‬ا‬‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬

‫(‬ ‫‪ )(1‬رواه أحم‪##‬د (‪ ، )11578‬وابن أبي عاص‪##‬م في (الس‪##‬نة) (‪ ، )1553‬وأب‪##‬و يعلى (‪ ، )1140‬والط‪##‬براني في (المعجم الكب‪##‬ير) (‪#)3/65‬‬
‫‪ ، )2678‬والبغوي في (شرح السنة) (‪)3914‬‬
‫‪ )(2‬مشارق األنوار على صحاح اآلثار (‪)1/134‬‬
‫‪ )(3‬شرح صحيح مسلم (‪)15/180‬‬
‫‪ )(4‬البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/799‬‬
‫‪ )(5‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/258‬‬
‫‪ )(6‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.20/25 ،‬‬
‫‪321‬‬
‫صاَل ةَ َوي ُْؤتُ‪##‬وا ال َّز َك‪##‬اةَ َو َذلِ‪##‬كَ‬
‫صينَ لَهُ ال ِّدينَ ُحنَفَا َء َويُقِي ُموا ال َّ‬‫أُ ِمرُوا إِاَّل لِيَ ْعبُدُوا هَّللا َ ُم ْخلِ ِ‬
‫ِدينُ ْالقَيِّ َم ِة﴾ [البينة‪ ..]5 :‬فقد ورد في تفسيرها عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر بن يزي‪#‬د‪،‬‬
‫عن اإلمام الباقر‪ #..‬أن ﴿ ِدينُ ْالقَيِّ َم ِة﴾ هي فاطمة بنت رسول هللا ‪.)1( ‬‬
‫المفس‪#‬رة أب‪##‬و عب‪##‬د هللا‪ ،‬عم‪##‬روبن‬ ‫ّ‬ ‫قال أحد المتهمين(‪ :)2‬في سند هذه الروايات‬
‫ووض‪#‬اع‬ ‫ّ‬ ‫الشمر بن يزيد الجعفي‪ ،‬روى عن اإلمام الصادق‪ ،‬وق‪##‬د ُع‪ّ #‬د في الض‪##‬عاف‬
‫الحديث‪ ..‬باإلضافة إلى أن (ذل‪#‬ك) اس‪#‬م إش‪#‬ارة لألم‪#‬ر الس‪#‬ابق ال‪#‬وارد في ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ة‬
‫وهو‪ :‬عبادة هللا سبحانه بإخالص‪ ،‬وإقامة الصالة‪ ،‬وإيتاء الزك‪##‬اة‪ ،‬فه‪##‬ذه هي ال‪##‬دعائم‬
‫التي أقام سبحانه عليها دينه وأمر‪ #‬الناس بها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫القَيِّ َم‪ِ #‬ة﴾ [البين‪##‬ة‪]5 :‬‬‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( #:‬جمل‪##‬ة ﴿ َو َذلِ‪##‬كَ ِدينُ ْ‬
‫إش‪##‬ارة إلى أن األص‪##‬ول الم‪##‬ذكورة في اآلي‪##‬ة وهي‪ :‬التوحي‪##‬د الخ‪##‬الص‪ ،‬والص‪##‬الة‬
‫(االرتباط باهلل)‪ ،‬والزكاة (االرتباط بالن‪##‬اس) من األص‪##‬ول الثابت‪##‬ة الخال‪##‬دة في جمي‪##‬ع‬
‫األديان‪ ،‬بل إنها قائمة في أعماق فط‪##‬رة اإلنس‪##‬ان‪ ،‬ذل‪##‬ك ألن مص‪##‬ير اإلنس‪##‬ان يرتب‪#‬ط‪#‬‬
‫بالتوحي‪##‬د‪ #،‬وفطرت‪##‬ه ت‪##‬دعوه إلى معرف‪##‬ة المنعم وش‪##‬كره‪ ،‬ثم إن ال‪##‬روح االجتماعي‪##‬ة‬
‫المدنية لإلنسان تدعوه إلى مساعدة المحرومين‪ ..‬من هنا‪ ،‬هذه التعاليم لها جذور في‬
‫أعماق الفطرة‪ ،‬وهي لذلك كانت في تعاليم كل األنبياء السابقين وتعاليم خاتم النب‪##‬يين‬
‫‪)3()‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬وهذه درج‪##‬ة الحنيفي‪##‬ة‪ ..‬ومن أبعاده‪##‬ا االل‪##‬تزام بش‪##‬رائع‬
‫هّللا ‪ :‬من إقامة الصالة على وجهها‪ ،‬إلى الخضوع‪ #‬فيها وتعاهدها دائما‪ ،‬وكذلك إيت‪##‬اء‬
‫الزكاة‪ ..‬بداللة قوله‪﴿ :‬فِيهَ‪##‬ا ُكتُبٌ قَيِّ َم‪ #‬ةٌ﴾ [البين‪##‬ة‪ ..]3 :‬بلى‪ ،‬إنه‪##‬ا كتب ال ع‪##‬وج فيه‪##‬ا وال‬
‫تعقيد‪ ،‬وال تفاوت وال اختالف‪ ،‬وال نش‪##‬وز عن فط‪##‬رة البش‪#‬ر أو حق‪#‬ائق الخل‪#‬ق‪ ..‬وال‬
‫يج‪##‬وز‪ #‬االختالف بين أتب‪##‬اع دين واح‪##‬د‪ ،‬كم‪##‬ا ال يمكن توحي‪##‬د‪ #‬دين الح‪##‬ق وم‪##‬ذهب‬
‫الباطل‪ ،‬بل ال بد أن يبقى الخالف ماثال بين الحق والباط‪##‬ل وه‪#‬و أس‪##‬اس توحي‪##‬د هّللا ‪،‬‬
‫وحينما‪ #‬ينماث الخالف بينهما هنالك يغلب الباطل ويهزم‪ #‬أهل الح‪##‬ق‪ ،‬وهك‪##‬ذا ي‪##‬ذكرنا‬
‫ر البرية) (‪)4‬‬ ‫السياق هنا بأن الكفار هم ش ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ينُ‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪َ ﴿( :‬وذلِ‪##‬كَ ِد القيِّ َم‪ِ #‬ة﴾ أي الكتب القيّم‪##‬ة أو الش‪##‬ريعة‬
‫القيّم‪#‬ة‪ ..‬والم‪#‬راد‪ :‬وذل‪#‬ك دين الق‪#‬ائمين هلل بالتوحي‪#‬د‪ #،‬وإذا تح‪#‬دثنا عن التوحي‪#‬د‪ ،‬فإنن‪#‬ا‪#‬‬
‫نتحدث عن العقيدة التي تربط‪ #‬اإلنسان بكل أحواله الخاصة أو العام‪##‬ة باهلل‪ ،‬بحيث ال‬
‫يتح‪##‬رك إال من خالل‪##‬ه‪ ،‬وال يس‪##‬كن إال ب‪##‬أمره‪ ،‬وه‪##‬و ال‪##‬ذي يختص ‪#‬ر‪ #‬العقي‪##‬دة كله‪##‬ا‪،‬‬
‫والشريعة كلها في كلمة واحدة هي كلمة‪( :‬ربن‪##‬ا هللا) ثم االس‪##‬تقامة على ه‪##‬ذا الخ‪##‬ط‪..‬‬

‫البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/937‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/258‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الشيرازي‪.20/361 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫من هدي القرآن‪.18/265‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪322‬‬
‫وبذلك يفترق الناس في الموق‪#‬ف‪ #‬والمص‪#‬ير‪ #‬على أس‪#‬اس ال‪#‬تزامهم بالخ‪##‬ط وابتع‪#‬ادهم‬
‫عنه‪ ،‬وهذا هو أساس التقييم القرآني لهم‪ ،‬في من ه‪#‬و الش‪#‬رّير‪ ،‬وفي‪ #‬من ه‪#‬و الخيّ‪#‬ر‪،‬‬
‫وفي‪ #‬من هو في النار‪ ،‬أو هو في الجنة) (‪)1‬‬
‫نارا تلظى‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫‪#‬ولَّى َو َس‪#‬ي َُجنَّبُهَا‪ #‬اأْل َ ْتقَى﴾‬
‫ب َوتَ‪َ #‬‬‫ص‪#‬اَل هَا إِاَّل اأْل َ ْش‪#‬قَى الَّ ِذي َك‪َّ #‬ذ َ‬
‫﴿فَأ َ ْن َذرْ تُ ُك ْم نَ‪##‬ارًا تَلَظَّى اَل يَ ْ‬
‫[الليل‪ ]17-14 :‬فقد ورد أن المراد من قول‪##‬ه ﴿ن‪##‬اراً تلظّى﴾ اإلم‪##‬ام المه‪##‬دي‪ ،‬وأن‪##‬ه عن‪##‬دما‬
‫يخرج وينتفض غاض‪##‬باً‪ ،‬يقت‪##‬ل من ك‪ّ #‬ل أل‪##‬ف تس‪##‬عمائة وتس‪##‬عة وتس‪##‬عين‪ ،‬والم‪##‬راد‪ #‬بـ‬
‫(األشقى) عدو آل مح ّمد ‪ ‬و(األتقى) هواإلمام علي(‪.)2‬‬
‫المفس‪##‬رة عم‪##‬روبن ش‪##‬مر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ق‪##‬ال أح‪##‬د المتهمين(‪ :)3‬في س‪##‬ند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات‬
‫وهوضعيف‪ #‬غال‪ ..‬باإلضافة إلى أن هذا الحديث يخالف م‪##‬ا ورد في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫واألح‪##‬اديث الص‪##‬حيحة من أن حرك‪##‬ة اإلم‪##‬ام المه‪##‬دي كب‪#‬اقي‪ #‬بعث‪#‬ات األنبي‪#‬اء رحم‪#‬ةً‬
‫أن ع‪#‬دد س‪ّ #‬كان‬ ‫وهداية‪ ،‬وهو يتناقض مع هذا الوصف الذي وصفت ب‪#‬ه‪ ،‬فلوفرض‪#‬نا‪ّ #‬‬
‫األرض وقتئذ عشرة مليارات إنسان‪ ،‬فإنّه سيبقى منهم عش‪##‬رة ماليين ش‪##‬خص فقط‪،‬‬
‫والباقي‪ #‬سيقتلون على يديه‪ ،‬فهل ث ّمة تشويه من هذا بحقّه؟!‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( #:‬اإلن‪##‬ذار والتح‪##‬ذير‪ #‬من س‪##‬بل الهداي‪##‬ة‪،‬‬
‫ولذلك قال تعالى‪﴿ :‬فَأ َ ْن َذرْ تُ ُك ْم نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل‪ ..]14 :‬و﴿تلظى﴾ من اللظى‪ ،‬وهوالشعلة‬
‫المتوهجة الخالصة والشعلة الخالصة من الدخان ذات حرارة أك‪##‬بر‪ ،‬وتطل‪##‬ق ﴿لظى﴾‬
‫أحيان‪##‬ا على جهنم‪ ..‬ثم تش‪##‬ير اآلي‪##‬ة إلى المجموع‪##‬ة ال‪##‬تي ت‪##‬رد ه‪##‬ذه الن‪##‬ار المتلظي‪##‬ة‬
‫الحارقة وتقول‪﴿ :‬اَل يَصْ اَل هَا إِاَّل اأْل َ ْشقَى﴾ [الليل‪ ..]15 :‬وفي وصف‪ #‬األشقى تقول اآلية‪:‬‬
‫ب َوتَ َولَّى﴾ [الليل‪ ،]16 :‬فمعيار‪ #‬الشقاء والسعادة ـ إذن ـ هوالكفر واإليمان وما‬ ‫﴿الَّ ِذي َك َّذ َ‬
‫ينبثق عنهما من موقف‪ #‬عملي‪ ،‬إنه لشقي حقا هذا الذي يعرض عن كل معالم الهداية‬
‫وعن كل اإلمكانات المتاحة لإليمان والتقوى‪ ..‬بل إنه أش‪##‬قى الن‪##‬اس‪ ..‬وعب‪##‬ارة ﴿الَّ ِذي‬
‫ب َوت ََولَّى﴾ [الليل‪ ]16 :‬قد يكون التكذيب إشارة إلى الكفر‪ ،‬والت‪#‬ولي‪ #‬إش‪#‬ارة إلى ت‪##‬رك‬ ‫َك َّذ َ‬
‫األعمال الصالحة‪ ،‬إذ هومالزم للكفر‪ ،‬وقد يشير الفعالن إلى ترك اإليم‪##‬ان‪ ،‬ويك‪##‬ون‬
‫التكذيب بنبي االسالم‪ ،‬والتولي‪ #‬اإلعراض عنه) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬وق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪﴿( :‬فَأ َ ْن‪َ #‬ذرْ تُ ُك ْ‪#‬م ن‪##‬اراً تَلَظَّى﴾ وتش‪##‬تعل بلهيبه‪##‬ا المح‪##‬رق﴿ ال‬
‫ص ‪#‬الها إِاَّل اأْل َ ْش ‪#‬قَى﴾ ال‪##‬ذي بل‪##‬غ ال‪##‬ذروة في ش‪##‬قوته من خالل عم‪##‬ق التنك‪##‬ر لرب‪##‬ه‪،‬‬ ‫يَ ْ‬
‫ب وت ََولى﴾ ألنه يعيش أجواء الرفض للرسالة قب‪##‬ل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والتمرد‪ #‬على رسله‪ ،‬هذا ﴿ال ِذي َكذ َ‬

‫من وحي القرآن‪.24/362‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/471 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/259‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الشيرازي‪.20/260 ،‬‬‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪323‬‬
‫أن يستوعب فكرها‪ #‬ومنهجها وش‪##‬ريعتها‪ ،‬من خالل رفض‪##‬ه لالل‪##‬تزام باالس‪##‬تقامة في‬
‫الخط‪ ،‬ألنه يريد أن يأخذ حريته في السير وفق هواه‪ ،‬مما يجعل من تكذيبه للرس‪##‬ول‬
‫وإعراض‪##‬ه عن الرس‪##‬الة مع‪##‬نى في العق‪##‬دة الذاتي‪##‬ة المس‪##‬تحكمة‪ ،‬ال خطّ‪##‬ا في الفك‪##‬ر‬
‫المض‪##‬ا ّد‪ ،‬ألن المفك‪##‬ر ال يع‪##‬رض عن أيّ‪##‬ة فك‪##‬رة‪ ،‬ب‪##‬ل يقب‪##‬ل على ال‪##‬دخول في نق‪##‬اش‬
‫حولها‪ ،‬ليكون قبوله عن وعي‪ ،‬ورفضه عن موق‪##‬ف للفك‪##‬ر في نت‪##‬ائج الح‪##‬وار‪ ..‬وإذا‬
‫ك‪#‬انت العق‪#‬دة الخبيث‪#‬ة تتح‪#‬ول إلى حال‪#‬ة عدواني‪#‬ة في الس‪#‬لوك‪ ،‬ف‪#‬إن من الط‪#‬بيعي أن‬
‫يكون مصيره صورة لعمله‪ ،‬فإن الذي يهيّئ النار الحاقدة في الش‪##‬عور ض‪##‬د اإليم‪##‬ان‬
‫والمؤمنين‪ ،‬ال بد من أن يلتقي في اآلخرة بالنار التي أعدها هَّللا للكافرين) (‪)1‬‬
‫ف ّك رقبة‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿:‬فَاَل‬
‫س ‪َ #‬غبَ ٍة﴾ [البل‪##‬د‪ 11 :‬ـ‬ ‫ا ْقت ََح َم ْال َعقَبَةَ َو َما أَ ْد َراكَ َما ْال َعقَبَةُ فَ ُّك َرقَبَ‪ٍ #‬ة أَوْ إِ ْ‬
‫ط َع‪##‬ا ٌم فِي يَ‪##‬وْ ٍم ِذي َم ْ‬
‫‪ ،]14‬فعن محمد بن جمهور‪ ،‬عن يونس‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني‪ #‬من رفعه إلى اإلمام الصادق‪:‬‬
‫رقَبَ ٍة﴾ والية أمير المؤمنين‪ ،‬فإن ذلك فك رقبة) (‪)2‬‬ ‫(يعني بقوله‪﴿ :‬فَ ُّك َ‬
‫قال أحد المتهمين ‪ : 3‬في سند هذه الرواية المفسّرة مح ّمد بن جمه‪##‬ور‪ #‬الع ّمي‪،‬‬ ‫)‬ ‫(‬
‫وهومن ال ُغالة‪ ..‬باإلضافة إلى أنه قد ورد في اآلية أمران على نحوالتخيير‪ #‬بعن‪##‬وان‪:‬‬
‫ك رقب‪##‬ة) و(اإلطع‪##‬ام)‪ ،‬فه‪##‬ل والي‪##‬ة اإلم‪##‬ام علي تق ‪ّ #‬در بإطع‪##‬ام‬ ‫(العقب‪##‬ة)‪ ،‬وهم‪##‬ا (ف ‪ّ #‬‬
‫مسكين؟!‪ ..‬وهل يمكن بناء على هذا التأويل يصبح الناس مخيّرين بين والية اإلم‪##‬ام‬
‫علي وبين إطعام المسكين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غ‪##‬يرهم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( #:‬المقص‪##‬ود من (ف‪##‬ك رقب‪##‬ة) على‬
‫الظاهر هوتحرير العبد والرقيق‪ ،‬وقد‪ #‬روي أن أعرابي‪##‬ا ج‪##‬اء إلى الن‪##‬بي‪ ‬فق‪#‬ال‪ :‬ي‪#‬ا‬
‫رسول هللا علم‪##‬ني عمال ي‪##‬دخلني الجن‪##‬ة‪ ،‬فأجاب‪##‬ه رس‪##‬ول هللا ‪( :‬إن كنت أقص‪##‬رت‬
‫الخطبة لقد عرضت المسألة‪ :‬اعت‪#‬ق النس‪#‬مة وف‪#‬ك الرقب‪#‬ة)‪ ،‬فق‪#‬ال األع‪#‬رابي‪ :‬أوليس‪#‬ا‬
‫واحدا؟!‪ ..‬قال‪( :‬ال‪ ،‬عتق النسمة أن تنفرد بعتقها‪ ،‬وف‪##‬ك الرقب‪##‬ة أن تعين في ثمنه‪##‬ا)‪،‬‬
‫ثم ق‪##‬ال‪( :‬والفيء على ذي ال‪##‬رحم الظ‪##‬الم‪ ،‬ف‪##‬إن لم يكن ذل‪##‬ك ف‪##‬أطعم‪ #‬الج‪##‬ائع واس‪##‬ق‬
‫الظمآن وأمر بالمعروف‪ #‬وانه عن المنك‪##‬ر‪ ،‬ف‪##‬إن لم تط‪##‬ق ذل‪##‬ك‪ ،‬فك‪##‬ف لس‪##‬انك إال من‬
‫الخير) (‪)5())4‬‬
‫ثم ذكر بعض مصاديق‪ #‬ذل‪##‬ك‪ ،‬فق‪##‬ال نقال عن بعض المفس‪##‬رين أن مع‪##‬نى (ف‪##‬ك‬
‫رقبة) (تحرير الفرد رقبته من ال‪##‬ذنوب بالتوب‪##‬ة‪ ،‬أوتحري‪##‬ر نفس‪##‬ه من الع‪##‬ذاب اإللهي‬
‫بتحمل الطاع‪##‬ات)‪ ،‬ثم عقب عليه‪##‬ا بقول‪##‬ه‪( :‬غ‪##‬ير أن م‪##‬ا ج‪##‬اء في اآلي‪##‬ات التالي‪##‬ة من‬
‫من وحي القرآن‪.24/299‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/868‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/260‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫نور الثقلين‪.5/583‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الشيرازي‪.20/221 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪324‬‬
‫العبد) (‪)1‬‬ ‫توصية باليتيم والمسكين يؤيد أن المقصود هو تحرير رقبة‬
‫قال آخر‪ :‬قال آخر‪﴿( :‬فَ ُّك َرقَبَ ٍة﴾ أي تحريرها‪ #‬وعتقها لتعود إنسانا ح ‪#‬رّا يمل‪##‬ك‬
‫إرادت‪##‬ه وحركت‪##‬ه وك‪##‬ل ش‪##‬ؤون حيات‪##‬ه‪ ،‬مم‪##‬ا ي‪##‬وحي ب‪##‬أن مس‪##‬ألة حري‪##‬ة اإلنس‪##‬ان من‬
‫العبودية في إعتاقه من الرق‪ ،‬تمث‪##‬ل م‪##‬دخال لرض‪##‬ى هَّللا ‪ ،‬ألن مس‪##‬ألة االس‪##‬ترقاق‪ #‬في‬
‫ي يؤك‪##‬د على‬ ‫اإلس‪##‬الم لم تكن مس‪##‬ألة اختاره‪##‬ا اإلس‪##‬الم في ش‪##‬ريعته كواق‪##‬ع تش‪##‬ريع ّ‪#‬‬
‫استجابة الناس له‪ ،‬في ما يريد لهم أن يأخذوا به ويسعوا إليه كأمر محبوب لديه‪ ،‬ب‪#‬ل‬
‫هي مسألة الواق‪##‬ع ال‪##‬ذي ع‪##‬اش اإلس‪##‬الم في داخل‪##‬ه من خالل الت‪##‬اريخ الس‪##‬حيق ال‪##‬ذي‬
‫ي وأيّة عاطفة روحيّة‪ ،‬بحيث أسقط‬ ‫ي خلق إنسان ّ‪#‬‬ ‫ق نظاما وحشيا ال يتقيّد بأ ّ‬ ‫أوجد للر ّ‬
‫كل إنس‪#‬انية اإلنس‪#‬ان من حس‪#‬اباته التش‪#‬ريعية‪ ،‬فعم‪#‬ل اإلس‪#‬الم على تجفي‪#‬ف منابع‪#‬ه‪،‬‬
‫وأبقى بعضها من خالل ما قد تفرضه الضرورات العامة في حرك‪##‬ة العالق‪##‬ات بين‪##‬ه‬
‫وبين معسكر الكفر في بعض دوائر‪ #‬الحرب والسلم‪ ،‬وجعل ل‪##‬ول ّي األم‪##‬ر الكث‪##‬ير من‬
‫المن والفداء في أسرى الحرب‪ ،‬ووجّه كل التشريع االجتماعي نحو‬ ‫الصالحيات في ّ‬
‫تحرير‪ #‬الرقيق‪ ،‬كعبادة ش‪##‬رعية ترف‪##‬ع مس‪##‬توى‪ #‬اإلنس‪##‬ان في درج‪##‬ة الق‪##‬رب عن‪##‬د هَّللا ‪،‬‬
‫ولذلك‪ ،‬رأينا الواقع اإلسالمي خالي‪##‬ا من العبي‪##‬د‪ ،‬بفض‪##‬ل الطريق‪##‬ة الواقعي‪##‬ة للتحري‪##‬ر‬
‫التي درج عليها المؤمنون في مختلف مواقع التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ح‪##‬تى في العص‪##‬ور‪#‬‬
‫المظلمة منه من دون حاجة إلى أيّة ثورة للتحرير‪ ،‬كما حدث في أنح‪##‬اء متفرق‪##‬ة من‬
‫العالم) (‪)2‬‬
‫هل رأيتم ـ س‪##‬يدي ـ ه‪##‬ذه المع‪##‬اني الس‪##‬امية ال‪##‬تي ذكره‪##‬ا ه‪##‬ذا المفس‪##‬ر؟ وه‪##‬ل‬
‫ترونها‪ #‬متنافي‪#‬ة م‪#‬ع م‪#‬ا ذك‪#‬ره س‪#‬ائر المفس‪#‬رين؟ أو ترونه‪##‬ا متنافي‪#‬ة م‪#‬ع م‪#‬ا ج‪#‬اء ب‪#‬ه‬
‫اإلسالم من القيم اإلنسانية؟‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه‬
‫ت َعلَى َم‪##‬ا َر َزقَهُ ْم ِم ْن‬ ‫اس‪َ #‬م هَّللا ِ فِي أَي ٍَّام َم ْعلُو َم‪##‬ا ٍ‬
‫تعالى‪﴿ :‬لِيَ ْشهَدُوا َمنَ‪##‬افِ َع لَهُ ْم َويَ‪#ْ #‬ذ ُكرُوا‪ْ #‬‬
‫ض‪#‬وا تَفَثَهُ ْم َو ْليُوفُ‪##‬وا‪ #‬نُ‪ُ #‬ذ َ‬
‫ورهُ ْم‬ ‫‪#‬ير ثُ َّم ْليَ ْق ُ‬
‫س ْالفَقِ‪َ #‬‬ ‫بَ ِهي َم ِة اأْل َ ْن َع ِام فَ ُكلُوا‪ِ #‬م ْنهَا َوأَ ْ‬
‫ط ِع ُموا ْالبَائِ َ‬
‫‪#‬ق﴾ [الحج‪ ،]29-28 :‬وأن الم‪##‬راد بقول‪##‬ه ﴿وليقض‪##‬وا تفثهم﴾ هولق‪##‬اء‬ ‫ت ْال َعتِي‪ِ #‬‬‫َو ْليَطَّ َّوفُوا‪ #‬بِ ْالبَ ْي ِ‬
‫اإلمام عل ّي(‪.)3‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)4‬في سند تلك الرواي‪##‬ة أبوس‪##‬عيد‪ ،‬س‪##‬هل بن زي‪##‬اد اآلدمي‪،‬‬
‫وهو من أصحاب اإلمام اله‪#‬ادي والعس‪#‬كري‪ ،‬وه‪#‬و ض‪#‬عيف في نق‪#‬ل الح‪#‬ديث‪ ،‬وق‪#‬د‬
‫أخرجه أحمد بن مح ّمد بن عيسى من قم لغلوّه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا اتفق جميع المفسرين على المعنى الظاهر من اآلية الكريم‪##‬ة‪،‬‬
‫وق‪#‬د‪ #‬ق‪##‬ال بعض‪##‬هم مع‪##‬برا عن ذل‪##‬ك‪( :‬كلم‪#‬ة (تفث) تع‪##‬ني ـ كم‪##‬ا ق‪##‬ال كب‪##‬ار اللغ‪##‬ويين‬

‫الشيرازي‪.20/221 ،‬‬
‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫من وحي القرآن‪.24/270‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الكافي‪ ،6/549 ،‬من ال يحضره الفقيه‪ 2/484 ،‬و‪.485‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/260‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪325‬‬
‫والمفس‪##‬رين ـ الق‪##‬ذارة وم‪##‬ا يلتص‪##‬ق بالجس‪##‬م وزوائ‪##‬ده كاألظ‪##‬افر‪ #‬والش‪##‬عر‪ ..‬ويق‪##‬ول‬
‫البعض‪ :‬إن أص‪##‬لها يع‪##‬ني الق‪##‬ذارة ال‪##‬تي تحت األظ‪##‬افر وأمثاله‪##‬ا‪ ..‬وق‪##‬د فس‪##‬رت في‬
‫األحاديث اإلسالمية بتقليم األظافر‪ #‬وتطه‪##‬ير الب‪##‬دن ون‪##‬زع اإلح‪##‬رام‪ ..‬وبتعب‪##‬ير آخ‪##‬ر‪:‬‬
‫تش‪##‬ير ه‪#‬ذه العب‪##‬ارة إلى برن‪##‬امج (التقص‪##‬ير) ال‪##‬ذي يع‪##‬د من مناس‪##‬ك الحج‪ ،‬وج‪##‬اء في‬
‫أحاديث إسالمية أخرى بمعنى حالقة ال‪#‬رأس ال‪#‬تي تعت‪#‬بر أح‪#‬د أس‪#‬اليب (التقص‪#‬ير)‪،‬‬
‫كما جاء في (كنز العرفان) ح‪##‬ديث رواه ابن عب‪##‬اس في تفس‪##‬ير ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪( :‬القص‪##‬د‬
‫إنجاز مشاعر الحج كلها) إال أنه ال سند لدينا لحديث ابن عباس هذا) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬لكنه لم يمنع من احتم‪##‬ال أن ي‪##‬راد ب‪##‬ه مع‪##‬نى آخ‪##‬ر من حيث الب‪##‬اطن‬
‫والمصداق‪ ،‬فقال‪( :‬والذي يلفت النظر في حديث عن اإلمام الصادق أنه فسر عبارة‬
‫(ليقضوا تفثهم) بلقاء اإلمام‪ ،‬وعندما سأله الراوي عبدهللا بن سنان عن توضيح لهذه‬
‫المس‪##‬ألة ق‪##‬ال‪( :‬إن للق‪##‬رآن ظ‪##‬اهرا وباطن‪##‬ا)‪ ..‬وه‪##‬ذا الح‪##‬ديث ربم‪##‬ا ك‪##‬ان إش‪##‬ارة إلى‬
‫مالحظة تستحق االهتمام‪ ،‬وهي أن حجاج بيت هللا الح‪##‬رام يتطه‪##‬رون عقب مناس‪##‬ك‬
‫الحج ليزيلوا األوساخ عن أبدانهم‪ ،‬فعليهم‪ #‬أن يطهروا‪ #‬أرواحهم أيض‪##‬ا بلق‪##‬اء اإلم‪##‬ام‪،‬‬
‫خاصة وأن الخلف‪##‬اء الجب‪##‬ابرة ك‪##‬انوا يمنع‪##‬ون لق‪##‬اء المس‪##‬لمين إلم‪##‬امهم‪ #‬في الظ‪##‬روف‪#‬‬
‫العادية‪ ،‬لهذا تكون أيام الحج خ‪##‬ير فرص‪##‬ة للق‪##‬اء اإلم‪##‬ام‪ ،‬وبه‪##‬ذا المع‪##‬نى نق‪##‬رأ ح‪##‬ديثا‬
‫لإلمام الباقر قال فيه‪( :‬تم‪##‬ام الحج لق‪##‬اء اإلم‪##‬ام)‪ ..‬وكالهم‪##‬ا ـ في الحقيق‪##‬ة ـ تطه‪##‬ير‪،‬‬
‫أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة واألوساخ‪ ،‬واآلخر تطهير‪ #‬باطني من الجهل‬
‫والمفاسد األخالقية) (‪)2‬‬
‫وأنت ترى ـ س‪##‬يدي ـ أن ه‪##‬ذا المع‪##‬نى ال يتن‪##‬اقض م‪##‬ع المع‪##‬نى الظ‪##‬اهر‪ ،‬وال‬
‫يتن‪##‬افى‪ #‬مع‪##‬ه‪ ،‬ب‪##‬ل ه‪##‬و فهم من الفه‪##‬وم المكمل‪##‬ة ل‪##‬ه‪ ..‬ف‪##‬الحج مناس‪##‬بة عظيم‪##‬ة للق‪##‬اء‬
‫الصالحين واالستفادة منهم‪ ،‬وليس مجرد قيام بالمناسك الظاهرية‪.‬‬
‫والتين والزيتون‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ون﴾ [ال‪##‬تين‪ ،]1 :‬فقد روي‪ #‬في تفسيرها‪ #‬أن ال‪##‬تين والزيت‪##‬ون هم‪##‬ا الحس‪##‬ن‬ ‫﴿ َوالتِّي ِن َوال َّز ْيتُ ِ‬
‫والحسين‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين ‪ : 3‬في سند هذه الروايات المفسّرة مح ّم‪##‬د بن القاس‪##‬م‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫)‬ ‫(‬
‫كذاب‪ ..‬وعبد هللا بن عبد ال‪##‬رحمن األص‪ّ #‬م‪ ،‬وه‪##‬و ض‪##‬عيف غ‪##‬ال ك‪#ّ #‬ذاب‪ ،‬من‬ ‫ضعيف‪ّ #‬‬
‫البصرة‪ ..‬ومح ّمد بن الفض‪##‬يل‪ ،‬وه‪##‬و غ‪##‬ال‪ ..‬ومح ّم‪##‬د بن عيس‪##‬ى بن عُبي‪##‬د اليقطي‪##‬ني‪،‬‬
‫وهو غال‪ ..‬وبدر بن الوليد وأبوالربيع‪ #‬الش‪##‬امي‪ ،‬وكالهم‪##‬ا مجه‪##‬ول‪ ..‬ول‪##‬ذلك ف‪##‬إن م‪##‬ا‬
‫نعتقده‪ ،‬في شأن هذه األحاديث‪ ،‬هوأنّها من صنع ال ُغالة بهدف الحطّ من مقام األئ ّمة‪،‬‬
‫ولع ّل وضّاعها كانوا يرمون إلى ذلك أيضاً‪.‬‬

‫‪ )(1‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.10/333 ،‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.10/334 ،‬‬
‫‪ )(3‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/261‬‬
‫‪326‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( #:‬التين والزيتون‪ :‬ثمرت‪##‬ان معروفت‪##‬ان‪،‬‬
‫واختلف‪ #‬المفسرون في المقصود بالتين وبالزيتون‪ ،‬هل هما الفاكهتان المعروفتان أم‬
‫شيء آخر‪ ..‬بعضهم‪ #‬ذهب إلى أنهما الفاكهتان بما لهما من خواص عذائية وعالجي‪##‬ة‬
‫كبيرة‪ ..‬وبعض آخر قال‪ :‬المقصود‪ #‬منهما جبالن واقعان في مدينتي (دمشق) و(بيت‬
‫المق‪##‬دس) ألن المك‪##‬انين منبث‪##‬ق كث‪##‬ير من الرس‪##‬ل واألنبي‪##‬اء‪ ..‬وب‪##‬ذلك ينس‪##‬جم ه‪##‬ذان‬
‫القسمان مع ما يليهما من قسمين بأراض مقدسة‪ ..‬وق‪##‬ال آخ‪##‬رون‪ :‬إن تس‪##‬مية الجبلين‬
‫بالتين والزيتون يعود إلى وجود‪ #‬أشجار التين على أح‪##‬دهما والزيت‪##‬ون على اآلخ‪##‬ر‪..‬‬
‫وقال بعض‪##‬هم‪ #:‬إن ال‪##‬تين إش‪##‬ارة إلى عه‪##‬د آدم علي‪##‬ه الس‪##‬الم‪ ،‬إذ أن آدم وح‪##‬واء طفق‪##‬ا‬
‫يضعان على عوراتهما من ورق ال‪##‬تين في الجن‪##‬ة‪ ،‬والزيت‪##‬ون إش‪##‬ارة إلى عه‪##‬د ن‪#‬وح‬
‫ألنه أطلق في آخر مراحل الطوفان حمامة فعادت وهي تحمل غصن الزيتون‪ ،‬ففهم‬
‫نوح عليه السالم أن األرض بدأت تبتلع ماءها وظهرت اليابسة‪ ،‬ل‪##‬ذلك اتخ‪##‬ذ غص‪##‬ن‬
‫الزيتون رمزا للسالم‪ ..‬وقيل‪ :‬إن التين إشارة إلى مسجد نوح عليه السالم الذي ب‪##‬ني‬
‫فوق‪ #‬جبل الجودي‪ ،‬والزيتون إشارة إلى بيت المقدس)(‪)1‬‬
‫ثم عقب على كل ه‪##‬ذه المع‪##‬اني بقول‪##‬ه‪( :‬ظ‪##‬اهر اآلي‪##‬ة ي‪##‬دل على أن المقص‪##‬ود‬
‫هوالفاكهت‪##‬ان المعروفت‪##‬ان‪ ،‬ولكن القس‪##‬مين الت‪##‬اليين يجعالن تفس‪##‬ير ال‪##‬تين والزيت‪##‬ون‬
‫بالجبلين أوالمركزين المقدسين أنسب) (‪)2‬‬
‫ون﴾ الظ‪##‬اهر من ه‪##‬اتين الكلم‪##‬تين الل‪##‬تين‬ ‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪﴿( :‬والتِّي ِن وال َّز ْيتُ ِ‬
‫أقسم هَّللا بهما‪ ،‬أن المراد بهما‪ ،‬الفاكهتان المعروفتان المتميزتان بخص‪##‬ائص غذائي‪##‬ة‬
‫ومذاقية معينة‪ ،‬تجعلهما في موق‪##‬ع اإلب‪##‬داع من خل‪##‬ق هَّللا ‪ ،‬وفي‪ #‬موق‪##‬ع النعم‪##‬ة من نعم‬
‫هَّللا ‪ ،‬وقد جاء في بعض التفاس‪##‬ير‪ ،‬أن الم‪##‬راد بهم‪##‬ا ش‪##‬جرتا ال‪##‬تين والزيت‪##‬ون‪ ،‬وقي‪##‬ل‪:‬‬
‫المراد بالتين الجبل الذي عليه دمشق‪ ،‬وب‪##‬الزيتون الجب‪##‬ل ال‪##‬ذي علي‪##‬ه بيت المق‪##‬دس‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إن المناسبة في إطالق الفاكهتين على الجبلين باعتبار أنهم‪##‬ا منبتاهم‪##‬ا‪ ،‬ولع‪ّ #‬ل‬
‫القسم بهما لكونهما‪ #‬مبعثي ج ّم غفير من األنبياء‪ ..‬و ربما كان هذا التوجيه ناش‪##‬ئا من‬
‫محاولة إيجاد نوع من التناس‪##‬ب بين ه‪##‬اتين الكلم‪##‬تين وبين الكلم‪##‬تين الت‪##‬اليتين‪ ،‬ولكن‬
‫ي ابتع‪##‬اد عن‬ ‫ذلك خالف الظاهر في طبيعة م‪##‬دلول الكلم‪##‬تين‪ ،‬وق‪##‬د ال يك‪##‬ون هن‪##‬اك أ ّ‬
‫التناسب في الجمع بين هاتين الفاكهتين اللتين تمثالن موضع‪ #‬نعمة هَّللا المادي‪##‬ة‪ ،‬كم‪##‬ا‬
‫هما الكلمتان التاليتان اللتان تمثالن منطلق‪ #‬نعمة هَّللا الروحية) (‪)3‬‬
‫وطور سينين‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ور ِسينِينَ ﴾ [التين‪ ،]2 :‬فقد روي‪ #‬في تفسيرها‪ #‬أنه اإلمام علي‪ ،‬وفي خ‪##‬بر آخ‪##‬ر أن‪##‬ه‬ ‫﴿ َوطُ ِ‪#‬‬

‫‪ )(1‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.20/306 ،‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.20/306 ،‬‬
‫‪ )(3‬من وحي القرآن‪.24/323‬‬
‫‪327‬‬
‫الحسن والحسين(‪.)1‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)2‬في سند أحد هذه الروايات المفسّرة مح ّم‪##‬د بن الفض‪##‬يل‪،‬‬
‫وفي‪ #‬اآلخر مح ّمد بن عيسى بن عبيد‪ ،‬وكالهما غال‪ ،‬وأما قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وهَ ‪َ #‬ذا ْالبَلَ ‪ِ #‬د‬
‫اأْل َ ِمي ِن﴾ [التين‪ ،]3 :‬فالرواية في تأويله مرسلة (‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫ور ِسينِينَ ﴾ قيل هو‪ :‬طور‪ #‬س‪##‬يناء‪،‬‬ ‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪﴿( #:‬طُ ِ‬
‫وه‪#‬و الجب‪#‬ل المع‪#‬روف في ص‪#‬حراء س‪#‬يناء حيث أش‪#‬جار الزيت‪#‬ون المثم‪#‬رة‪ ،‬وحيث‬
‫ذهب موسى‪ #‬عليه السالم لمناجاة ربّه‪ ،‬و(سيناء) تعني المبارك‪ ،‬أو كث‪##‬ير األش‪##‬جار‪،‬‬
‫إن س‪##‬ينين‬ ‫أو الجمي‪##‬ل‪ ..‬و قي‪##‬ل‪ :‬إنّ‪##‬ه جب‪##‬ل ق‪##‬رب الكوف‪##‬ة في أرض النج‪##‬ف‪ ..‬و قي‪##‬ل‪ّ :‬‬
‫وسيناء بمعنى واحد وه‪##‬و كث‪#‬ير البرك‪##‬ة‪ ..‬و﴿ه‪َ #‬ذا ْالبَلَ‪ِ #‬د اأْل َ ِمي ِن﴾‪ ،‬م ّك‪##‬ة‪ ،‬األرض ال‪#‬تي‬
‫ك‪##‬انت في عص‪##‬ر الجاهلي‪##‬ة أيض‪##‬ا بل‪##‬دا آمن‪##‬ا وحرم‪#‬ا‪ #‬إليه‪##‬ا‪ ،‬وال يح‪##‬ق ألح‪##‬د فيه‪##‬ا أن‬
‫يتعرض ألح‪#‬د‪ ،‬المجرم‪#‬ون والقتل‪##‬ة ك‪#‬انوا في أم‪#‬ان إن وص‪#‬لوا‪ #‬إليه‪#‬ا أيض‪#‬ا‪ ..‬وه‪##‬ذه‬
‫األرض لها في اإلسالم أهمية عظمى‪ ،‬الحيوانات والنباتات والطيور‪ #‬فيه‪##‬ا آمن‪##‬ة فم‪##‬ا‬
‫بالك باإلنسان)(‪)4‬‬
‫ور ِسينِينَ ﴾ وقيل في معنى (س‪##‬ينين) الحس‪##‬ن باللغ‪##‬ة‬ ‫ُ‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪﴿( :‬ط ِ‬
‫الس‪##‬ريانية‪ ،‬وقي‪##‬ل‪ :‬إن ك‪##‬ل جب‪##‬ل ذا أش‪##‬جار مثم‪##‬رة يس‪##‬مى بس‪##‬ينين‪ ..‬وأنى ك‪##‬ان ف‪##‬إن‬
‫الصورة تنسجم مع القسم بالتين والزيتون‪ #‬من جهة وبالبل‪##‬د األمين من جه‪##‬ة أخ‪##‬رى‪،‬‬
‫ين﴾ ذلك أن أصول مدنيّ‪##‬ة اإلنس‪##‬ان‪ :‬الطع‪##‬ام‪،‬‬ ‫حيث قال ربنا سبحانه‪﴿ :‬وه َذا ْالبَلَ ِد اأْل َ ِم ِ‬
‫واألرض‪ ،‬والس‪##‬الم؛ ف‪##‬إذا ك‪##‬ان ال‪##‬تين والزيت‪##‬ون مثال ألرقى‪ #‬أن‪##‬واع الطع‪##‬ام‪ ،‬وط‪##‬ور‬
‫سينين ألحسن األراضي وأكثرها‪ #‬بركة‪ ،‬ف‪##‬إن البل‪##‬د األمين مث‪##‬ل ألفض‪##‬ل البالد وهي‬
‫بالد األمن‪ ،‬ويتناس‪##‬ب ه‪##‬ذا اإلط‪##‬ار‪ #‬م‪##‬ع مح‪##‬ور الس‪##‬ورة المتمث‪##‬ل في خل‪##‬ق اإلنس‪##‬ان‬
‫بأحسن تقويم‪ ،‬ذلك ألن تسخير‪ #‬الحياة ل‪#‬ه‪ ،‬وإع‪##‬داد طعام‪##‬ه وأرض‪##‬ه‪ ،‬وتوف‪#‬ير األمن‪،‬‬
‫وبالتالي‪ #‬توفير‪ #‬وسائل المدنيّة له بعض جوانب حسن صنعه إليه وجميل عطائ‪#‬ه ل‪#‬ه)‬
‫(‪)5‬‬
‫يا ليتني كنت ترابا‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِناَّ‬
‫ت‬‫ت يَ‪#‬دَاهُ َويَقُ‪##‬و ُل ْال َك‪##‬افِ ُر يَ‪##‬ا لَ ْيتَنِي ُك ْن ُ‬
‫أَ ْن َذرْ نَا ُك ْ‪#‬م َع َذابًا قَ ِريبًا‪ #‬يَ‪#‬وْ َم يَ ْنظُ‪ُ #‬ر ْال َم‪#‬رْ ُء َم‪#‬ا قَ‪َّ #‬د َم ْ‬
‫إن الكفّار يقولون ي‪##‬وم القيام‪##‬ة‪( :‬ي‪##‬ا ليتن‪##‬ا كنّ‪##‬ا‬ ‫تُ َرابًا﴾ [النبأ‪ ،]40 :‬فقد روي‪ #‬في تفسيرها‪ّ :‬‬
‫في زمرة شيعة أبي تراب)(‪)6‬‬

‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/457 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/267‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/477 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪.20/308‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫من هدي القرآن‪.18/206‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/423 ،‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪328‬‬
‫المفس‪#‬رة مح ّم‪##‬د بن عيس‪##‬ى بن‬ ‫ّ‬ ‫قال أح‪##‬د المتهمين(‪ :)1‬في س‪##‬ند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات‬
‫عُبي‪##‬د وبك‪##‬ر‪ #‬بن عب‪##‬د هللا بن ح‪##‬بيب‪ ،‬واألوّل من ال ُغالة‪ ،‬والث‪##‬اني ال يتحاش‪##‬ى نق‪##‬ل‬
‫األحاديث المنكرة(‪ ..)2‬باإلضافة إلى أن تأويل (يا ليتني كنت تراباً) بـ (يا ليتني كنت‬
‫من ش‪##‬يعة أبي ت‪##‬راب) بعي‪##‬د ج‪##‬دا‪ ،‬وال ينس‪##‬جم م‪##‬ع بالغ‪##‬ة الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ..‬ف‪##‬الجري‬
‫والتطبيق ال ينبغي أن يتجاوز بالغته‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( #:‬حينما ي‪##‬رى الكف‪##‬ار أعم‪##‬الهم مجس‪##‬مة‬
‫أمامهم سيهالهم‪ #‬الموقف وتصيبهم الحسرة والندامة‪ ،‬حتى يقولون‪ :‬يا ليتنا لم نتجاوز‪#‬‬
‫منذ البداية مرحلة التراب في خلقن‪##‬ا‪ ،‬وعن‪##‬دما خلقن‪##‬ا في ال‪##‬دنيا‪ ،‬ثم متن‪##‬ا وتحولن‪#‬ا‪ #‬إلى‬
‫التراب‪ ،‬فيا ليتنا بقينا على تلك الحال ولم نبعث من جديد!‪ ..‬فهم يعلمون بأن ال‪#‬تراب‬
‫بات خيرا منهم‪ ،‬ألنه‪ :‬تغرس به حبة واحدة فيعطي‪ #‬سنابل‪ ،‬وهو مصدر غني للمواد‬
‫الغذائية والمعدنية والبركات‪ #‬األخرى‪ ،‬مهد لحياة اإلنسان‪ ،‬ومع ما له من فوائد‪ #‬جم‪##‬ة‬
‫فهو ال يضر قط‪ ،‬بعكس م‪#‬ا ك‪#‬انوا علي‪#‬ه في حي‪#‬اتهم‪ ،‬ف‪#‬رغم ع‪#‬دم ص‪#‬دور‪ #‬أي‪#‬ة فائ‪#‬دة‬
‫منهم‪ ،‬فليس فيهم‪ #‬إال الضرر واألذى!‪ ..‬نعم‪ ،‬فقد يصل األمر باإلنسان‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫من كونه أشرف‪ #‬المخلوقات‪ ،‬ألن يتمنى أن يكون والجمادات بدرجة واحدة‪ ،‬لما بدر‬
‫منه كفر وذنوب)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬حين يرى المؤمن عمله يفرح كث‪##‬يرا‪ ،‬ولكن حين ي‪##‬رى‬
‫الكافر‪ #‬عمله يتمنّى لو كان ترابا ولم يرتكب ذلك العم‪##‬ل الس‪#‬يء‪﴿ ..‬ويَقُ‪#‬و ُل ْالك‪#‬افِ ُ‪#‬ر ي‪#‬ا‬
‫ت تُراباً﴾ ما أشد هذا اإلنسان ندما أن يصل إلى هذه الدرجة فيتمنّى ل‪##‬و ك‪##‬ان‬ ‫لَ ْيتَنِي ُك ْن ُ‬
‫ترابا‪ ،‬ولم يقترف تلك الجرائم‪ ..‬ه‪##‬ذا اإلنس‪#‬ان ال‪#‬ذي خلق‪#‬ه هّللا س‪#‬بحانه ليك‪#‬ون ض‪#‬يفا‬
‫عنده في جنات الخلد بلغ به الحال أن يكون أرذل من التراب؛ فكيف والتراب ينتف‪##‬ع‬
‫به وهو ال ينتفع به؟! بل يستحق المزيد من الهوان واألذى) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬يوم ينظر المرء ما قدمت يداه من خ‪##‬ير أو ش‪##‬ر في م‪##‬ا‬
‫كان يأخذ به من قضايا‪ #‬العقيدة والعمل‪ ،‬ويتطلع إلى النت‪##‬ائج من خالل ذل‪##‬ك‪ ،‬فيرت‪##‬اح‪#‬‬
‫المتقون ألعمالهم ويؤكدون الثقة بمستقبلهم‪ ،‬ويطمئنون لثواب هللا‪ ..‬أما الكافر‪ ،‬فإن‪##‬ه‬
‫ينادي بالويل والثبور وعظائم األمور‪ ،‬ويعيش التمنيات اليائس‪##‬ة‪ ،‬ويق‪##‬ول الك‪##‬افر‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫ليتني كنت ترابا ال مجال فيه للحس وال للوعي وال للحركة‪ ،‬بل ه‪##‬و الم‪##‬وت الجام‪##‬د‬
‫الذي ال ينتهي إلى حياة‪ ،‬لئال يواجه المس‪##‬ؤولية به‪##‬ذا المس‪##‬توى الكب‪##‬ير في مث‪##‬ل ه‪##‬ذا‬
‫اليوم العظيم) (‪)5‬‬

‫‪ )(1‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/262‬‬


‫‪ )( 2‬الحديث المعروف هوالحديث الذي يكون مضمونه أشهر عند الرواة من الحديث المعارض له وبعكسه الحديث المنك‪#‬ر‪ ،‬فهوال‪#‬ذي ينقل‪#‬ه غ‪#‬ير‬
‫الثقة ويكون مخالفا ً للمعروف‪( .‬انظر‪ :‬دراية الحديث‪ ،‬كاظم مدير شانه چي‪)69/‬‬
‫الشيرازي‪.19/363 ،‬‬ ‫‪ )(3‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫‪ )(4‬من هدي القرآن‪.17/276‬‬
‫‪ )(5‬من وحي القرآن‪.24/24‬‬
‫‪329‬‬
‫أهل الكتاب‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية ال‪#‬تي وردت في تفس‪#‬ير قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬لَ ْم‬
‫ب َو ْال ُم ْش‪ِ #‬ر ِكينَ ُم ْنفَ ِّكينَ َحتَّى تَ‪##‬أْتِيَهُ ُم ْالبَيِّنَ‪#‬ةُ﴾ [البين‪##‬ة‪،]1 :‬‬
‫يَ ُك ِن الَّ ِذينَ َكفَرُوا ِم ْن أَ ْه ِل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫فقد روي في تفسيرها أن (أهل الكت‪#‬اب) هم الش‪#‬يعة‪ ،‬و(ال‪##‬ذين كف‪#‬روا) هم المك‪ِّ #‬ذبون‬
‫بهم و(المشركون) المرجئة(‪.)1‬‬
‫المفس‪###‬رة عم‪###‬رو بن ش‪###‬مر‬ ‫ّ‬ ‫ق‪###‬ال أح‪###‬د المتهمين(‪ :)2‬في س‪###‬ند ه‪###‬ذه الرواي‪###‬ة‬
‫أن ﴿من﴾ في اآلي‪##‬ة بيانيّ‪##‬ة‪،‬‬ ‫وض‪##‬اع‪ ..‬باإلض‪##‬افة إلى أن‪##‬ه من الواض‪##‬ح ّ‬ ‫وهوض‪##‬عيف ّ‬
‫أن ﴿المش‪##‬ركين﴾‬ ‫أن المراد من ﴿الذين كفروا﴾ أهل الكتاب والمش‪##‬ركين‪ ،‬كم‪##‬ا ّ‬ ‫توضّح ّ‬
‫‪#‬إن لف‪##‬ظ ﴿المش‪##‬ركين﴾‬ ‫عطف على ﴿أهل الكتاب﴾‪ ،‬ولكن بنا ًء على التأويل المذكور‪ ،‬ف‪ّ #‬‬
‫عط‪##‬ف على ﴿ال‪##‬ذين كف‪##‬روا﴾ ال على ﴿أه‪##‬ل الكت‪##‬اب﴾‪ ،‬وعلي‪##‬ه فال ب‪ّ ##‬د من أن يك‪##‬ون‬
‫﴿المشركون﴾ بالرفع ال بالج ّر (‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( #:‬في بداية الس‪##‬ورة ذك‪##‬ر أله‪#‬ل الكت‪##‬اب‬
‫(اليهود والنصارى) ومشركي‪ #‬العرب قب‪##‬ل ظه‪##‬ور اإلس‪##‬الم‪ ،‬فه‪##‬ؤالء ك‪##‬انوا ي‪##‬دعون‬
‫أنهم غير منفكين عن دينهم إال بدليل واضح قاطع‪ ..‬و(البينة) التي أرادوه‪##‬ا‪ :‬رس‪##‬ول‬
‫من هللا يتلوعليهم كتابا مطهرا من رب العالمين‪ ..‬وهذه الصحف فيها من الكتاب‪##‬ة م‪##‬ا‬
‫هوصحيح وثابت وذوقيمة‪ ..‬كان هذا ادع‪##‬اؤهم قب‪##‬ل ظه‪##‬ور اإلس‪##‬الم‪ ،‬وحينم‪##‬ا ظه‪##‬ر‬
‫ونزلت آياته تغير هؤالء‪ ،‬واختلفوا وتفرقوا‪ ..‬وما تفرق‪##‬وا‪ #‬إال بع‪##‬د أن ج‪##‬اءهم ال‪##‬دليل‬
‫الواضح والنبي الصادح بالحق‪ ..‬فاآليات األولى لهذه السورة المبارك‪##‬ة تتح‪##‬دث عن‬
‫أهل الكتاب والمشركين الذين كانوا يدعون أنهم سوف يقبلون الدعوة إن جاءهم نبي‬
‫بال‪###‬دالئل الس‪###‬اطعة‪ ،‬لكنهم أعرض‪###‬وا‪ #‬حين ظه‪###‬ر‪ ،‬وج‪###‬ابهوه‪ ،‬إال فري‪###‬ق منهم آمن‬
‫واهتدى) (‪)4‬‬
‫ثم ذكر تفسيرا آخر لآلية‪ ،‬فقال‪( :‬جمع من المفسرين لهم رأي آخر في تفسير‬
‫اآلية‪ ،‬يقولون‪ :‬مقصود اآلية ه‪##‬وأن أه‪##‬ل الكت‪##‬اب والمش‪##‬ركين لم يكون‪##‬وا‪ #‬منفكين عن‬
‫دينهم حقيقة ـ ال إدع‪##‬اء ـ ح‪##‬تى ت‪##‬أتيهم البين‪##‬ة‪ ..‬وه‪##‬ذا يع‪##‬ني أن ه‪##‬ؤالء آمن‪##‬وا بع‪##‬دما‬
‫جاءتهم البينة‪ ،‬لكن اآليات التالية تدل على غير ذل‪##‬ك‪ ،‬اللهم إال إذا قي‪#‬ل أن المقص‪##‬ود‬
‫إيمان مجموعة منهم وإن كانت قليلة وتكون المسألة من قبيل ما يس‪##‬مى في المنط‪##‬ق‬
‫(موجبة جزئية)‪ ..‬ولكن على أي حال نستبعد هذا التفسير‪ ،‬ويب‪##‬دوأن الفخ‪##‬ر ال‪##‬رازي‬
‫لهذا السبب وصف اآلية االولى من هذه السورة بأنها أعقد آية في القرآن لتعارضها‬
‫مع اآليات التالية‪ ،‬ولحل هذا التعارض ذكر طرق‪#‬ا‪ #‬متع‪#‬ددة أفض‪#‬لها‪ #‬هوال‪#‬ذي ذكرن‪##‬اه‬

‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/489 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/262‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫استعمال مصطلح (أهل الكتاب) في اليهود والنصارى هوالمشهور والمعروف‪ ،‬ولذا فالتأويل المذكور مخالف للنصّ والسياق القرآنيَّين‪.‬‬ ‫‪)( 3‬‬
‫الشيرازي‪.20/357 ،‬‬‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪330‬‬
‫أعاله) (‪)1‬‬
‫ثم ذكر تفس‪##‬يرا آخ‪##‬ر لآلي‪#‬ة‪ ،‬وه‪##‬و (أن هللا ال ي‪##‬ترك أه‪##‬ل الكت‪##‬اب والمش‪##‬ركين‬
‫لحالهم حتى يتم الحجة عليهم ويرسل إليهم البينة ويبين لهم الطري‪##‬ق‪ ،‬ول‪##‬ذلك أرس‪##‬ل‬
‫إليهم نبي اإلسالم له‪##‬دايتهم‪ ..‬وبن‪##‬اء على ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير‪ ،‬ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة تش‪##‬ير إلى قاع‪##‬دة‬
‫اللطف التي يتناولها علم الكالم وتقرر أن هللا يبعث إلى كل قوم‪ #‬دالئ‪##‬ل واض‪##‬حة ليتم‬
‫الحجة عليهم) (‪)2‬‬
‫واكتفى بهذه األقوال الثالثة‪ ،‬ولم يذكر ما ذكرته تلك الرواية‪ ..‬فهل ت‪##‬رون في‬
‫المعاني التي ذكرها أي حرج؟‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬لم يكن الذين كفروا من أه‪##‬ل الكت‪##‬اب والمش‪##‬ركين ممن‬
‫رفض دعوة الرسل وأنكر‪ #‬نبوّتهم‪ ،‬فك‪##‬ان ك‪##‬افرا‪ #‬بالرس‪##‬ول‪ #‬وبالرس‪##‬الة منفص‪##‬لين عن‬
‫موقفهم‪ #‬الك‪#‬افر َحتَّى ﴿تَ‪#‬أْتِيَهُ ُم ْالبَيِّنَ‪#‬ةُ﴾ وهي الحج‪#‬ة القائم‪#‬ة على إثب‪#‬ات حقيّ‪#‬ة الرس‪#‬الة‬
‫والرسول‪ ..‬وربما كان الج ّو الذي يعيش‪##‬ه ه‪##‬ؤالء ه‪##‬و ج‪ّ #‬و الت‪##‬برير إلص‪##‬رارهم‪ #‬على‬
‫الدين القويم في ص‪##‬ورته ال‪##‬تي يتمثلونه‪#‬ا‪ #‬في ط‪##‬ريقتهم الخاص‪##‬ة ووض‪##‬عهم‪ #‬المعقّ‪##‬د‪..‬‬
‫ولكن كيف يسألون ذلك‪ ،‬في الوقت الذي تتمثل البيّنة أمامهم مجسدة في النبي محمد‬
‫‪ ،‬وفي الص‪#‬حف المطه‪#‬رة ال‪#‬تي يحمله‪#‬ا‪ ،‬ليق‪#‬دم للن‪#‬اس م‪#‬ا تش‪#‬تمل علي‪#‬ه من كتب‬
‫صحُفا ً ُمطَه ََّرةً﴾ وهي الصحف القرآنية‬ ‫قيّمة؟ ﴿ َرسُو ٌل ِمنَ هَّللا ِ﴾ وهو محمد ‪﴿ ‬يَ ْتلُوا ُ‬
‫التي تتضمن أصول العقيدة‪ ،‬وأحك‪##‬ام الش‪##‬ريعة‪ ،‬ومن‪##‬اهج الحي‪##‬اة ال‪##‬تي يرض‪##‬اها‪ #‬هَّللا ‪،‬‬
‫وحجج الفكر التي تؤكد حقائق اإلسالم وأباطيل‪ #‬خصومه) (‪)3‬‬
‫لحب الخير لشديد‪:‬‬ ‫ّ‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفس‪#‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن‬
‫ك لَ َش ِهي ٌد َوإِنَّهُ لِحُبِّ ْالخَ ي ِْر لَ َش ِدي ٌد﴾ [العادي‪###‬ات‪ ، ]8-6 :‬فقد‬
‫اإْل ِ ْن َسانَ لِ َربِّ ِه لَ َكنُو ٌد َوإِنَّهُ َعلَى َذلِ َ‬
‫روي‪ #‬في تفسيرها أن ﴿اإلنسان﴾ هوالخليف‪##‬ة األوّل‪ ،‬ومرج‪##‬ع الض‪##‬مير في ﴿إنّ‪##‬ه لحبّ‬
‫الخير لشديد﴾ اإلمام عل ّي(‪.)4‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)5‬في سند هذه الرواية الكث‪##‬ير من الك‪##‬ذابين والغالة‪ ..‬منهم‬
‫علي بن حسّان الهاشمي‪ ،‬وه‪##‬و من ال ُغالة‪ ،‬فاس‪##‬د العقي‪##‬دة‪ ،‬ض‪##‬عيف‪ ،‬ل‪##‬ه كت‪##‬اب باس‪##‬م‬
‫(تفسير الباطن) نقله بتمامه عن ع ّمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي‪ ،‬وهومن الغالة‬
‫حس ‪#‬ان الهاش‪##‬مي‪ #..‬ومنهم‬ ‫أيض ‪#‬اً‪ ..‬ومنهم‪ #‬إب‪##‬راهيم بن إس‪##‬حاق‪ #‬النهاون‪##‬دي‪ ،‬وعلي بن ّ‬
‫أن الضمير في ﴿إنّه لحبّ الخير‬ ‫عمروبن شمر‪ ،‬وهوضعيف‪ #‬وضّاع‪ ..‬باإلضافة إلى ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لشديد﴾ راجع لإلنسان‪ ،‬وعليه فاإلنسان هوالمراد‪ #‬أيضا أيّا كان المقصود به في قوله‬
‫﴿إنّه لحبّ الخير لشديد﴾‪ ،‬وحينئذ فكيف يمكن تص‪#‬وّر أن ي‪#‬راد بـ (اإلنس‪#‬ان) الخليف‪#‬ة‬
‫الشيرازي‪.20/358 ،‬‬‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الشيرازي‪.20/358 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫من وحي القرآن‪.24/360‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/498 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/262‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪331‬‬
‫األوّل‪ ،‬ومرجع الضمير في (إنّه) اإلمام عل ّي ؟!‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غ‪##‬يرهم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( #:‬كلم‪##‬ة ﴿اإلنس‪##‬ان﴾ في مث‪##‬ل ه‪##‬ذه‬
‫اإلس‪##‬تعماالت القرآني‪##‬ة تع‪##‬ني األف‪##‬راد‪ #‬المتطبعين على الش‪##‬ر والش‪##‬هوات الجامح‪##‬ة‬
‫والطغيان‪ ،‬وقي‪#‬ل‪ :‬إن‪##‬ه اإلنس‪#‬ان الك‪#‬افر‪ ..‬فه‪##‬ذه الص‪##‬فة ال يمكن إطالقه‪#‬ا‪ #‬على مطل‪##‬ق‬
‫اإلنسان؛ فثمة أف‪##‬راد ليس‪##‬وا بقليلين من ام‪##‬تزج الش‪##‬كر والعط‪##‬اء ب‪##‬دمائهم‪ ،‬ورفض‪##‬وا‪#‬‬
‫البخل والكفران‪ ،‬واستطاعوا بفضل اإليمان باهلل أن يتح‪##‬رروا‪ #‬من الذاتي‪##‬ة واأله‪##‬واء‬
‫الدنيئة ويحلقوا في أج‪##‬واء معرف‪##‬ة أس‪##‬ماء هللا وص‪##‬فاته والتخل‪##‬ق ب‪##‬األخالق اإللهي‪##‬ة‪..‬‬
‫﴿وإنه لحب الخير لشديد﴾ أي إنه شديد الحب للمال والمتاع‪ ..‬وهذا االنش‪##‬داد المف‪##‬رط‬
‫بالمال والثروة هو سبب هذا البخل والكفران‪ ..‬وكلمة ﴿الخير﴾ لها معنى واسع يشمل‬
‫ك‪##‬ل نعم‪##‬ة‪ ،‬فكث‪##‬ير من النعم مث‪##‬ل العلم والمعرف‪##‬ة والتق‪##‬وى والجن‪##‬ة والس‪##‬عادة ليس‪##‬ت‬
‫مذمومة‪ ،‬وال ينكر عليها القرآن‪ ..‬لذلك فسر الخير في اآلية بأنه (الم‪##‬ال)‪ ،‬ي‪##‬دل على‬
‫ض‪َ #‬ر‬ ‫ب َعلَ ْي ُك ْم إِ َذا َح َ‬
‫ذلك قرينة المقام واآلية السابقة‪ ،‬وآيات أخرى كقوله تع‪##‬الى‪ُ ﴿ :‬كتِ َ‬
‫ً‬
‫ُوف َحقّ‪##‬ا َعلَى‬ ‫‪#‬ال َم ْعر ِ‬ ‫‪#‬ربِينَ بِ‪ْ #‬‬
‫ص‪#‬يَّةُ لِ ْل َوالِ‪َ #‬دي ِْن َواأْل َ ْق‪َ #‬‬
‫ك َخ ْي‪#‬رًا ْال َو ِ‬ ‫‪#‬ر َ‬ ‫أَ َح‪َ #‬د ُك ُم ْال َم‪##‬وْ ُ‬
‫ت إِ ْن تَ‪َ #‬‬
‫ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ..]180 :‬وإطالق‪( #‬الخير) على المال في اآلي‪##‬ة يع‪##‬ود‪ #‬إلى أن الم‪##‬ال في‬
‫حد ذات‪##‬ه ش‪##‬يء حس‪##‬ن‪ ،‬ويس‪##‬تطيع‪ #‬أن يك‪##‬ون وس‪##‬يلة ألن‪##‬واع الخ‪##‬يرات‪ ،‬لكن اإلنس‪##‬ان‬
‫الكنود يصرفه عن هدفه األصلي‪ ،‬وينفقه في طريق‪ #‬ذاتياته وأهوائه) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬كلم‪#‬ا ذك‪#‬رت كلم‪#‬ة (اإلنس‪#‬ان) أري‪#‬د به‪#‬ا ـ فيم‪#‬ا يب‪#‬دو ـ‬
‫طبيعة اإلنسان األولية قبل التزكية والتعليم‪﴿ #..‬وإِنَّهُ لِحُبِّ ْالخَ ي ِْر لَ َش‪ِ #‬دي ٌد﴾ وحب الخ‪##‬ير‬
‫بذات‪##‬ه فض‪##‬يلة‪ ،‬ولكن‪##‬ه يص‪##‬بح رذيل‪##‬ة إذا اش‪##‬تد في اإلنس‪##‬ان‪ ،‬وطغى على حب‪##‬ه هّلل‬
‫وللرسالة‪ ،‬وفضّله اإلنسان على اآلخرة التي هي الخير حقّا) (‪)2‬‬
‫لقد خلقنا اإلنسان في أحسن تقويم‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تع‪##‬الي‪﴿ :‬لَقَ ‪ْ #‬د‬
‫‪#‬و ٍيم ثُ َّم َر َد ْدنَ‪##‬اهُ أَ ْس ‪#‬فَ َل َس ‪#‬افِلِينَ إِاَّل الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َو َع ِملُ‪##‬وا‬‫خَ لَ ْقنَ‪##‬ا اإْل ِ ْن َس ‪#‬انَ فِي أَحْ َس ‪ِ #‬ن تَ ْق‪ِ #‬‬
‫‪#‬ون﴾ [ال‪##‬تين‪ ،]6-4 :‬فق‪##‬د روي في تفس‪##‬يرها أن الم‪##‬راد‬ ‫ت فَلَهُ ْم أَجْ ‪ٌ #‬ر َغ ْي‪ُ #‬ر َم ْمنُ‪ٍ #‬‬ ‫الص ‪#‬الِ َحا ِ‬ ‫َّ‬
‫)‬ ‫(‬
‫ت ﴾ هو اإلمام علي ‪. 3‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫باإلنسان هوالخليفة األوّل‪ ،‬و﴿ ال ِذينَ آ َمنوا َو َع ِملوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د المتهمين(‪ :)4‬ه‪##‬ذا الح‪##‬ديث ورد‪ #‬في تفس‪##‬ير علي بن إب‪##‬راهيم الق ّمي‬
‫مرساًل ‪ ..‬باإلضافة إلى أنه كيف يمكن أن يكون المراد باإلنسان‪ ،‬في هذه اآلية‪ ،‬فرداً‬
‫فإن المس‪##‬تثنى ال ب ‪ّ #‬د من أن يك‪##‬ون داخاًل‬ ‫معيّناً‪ ،‬ومع ذلك يستثنى منه (الذين آمنوا)‪ّ ،‬‬
‫في المستثنى منه حتّى في االستثناء المنقطع‪ ،‬وإن كان يشترك مع المستثنى‪ #‬من‪#‬ه في‬

‫الشيرازي‪.20/395 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫من هدي القرآن‪.18/294‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫انظر‪ :‬البرهان في تفسير القرآن‪.4/478 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/262‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪332‬‬
‫الحكم فقط‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫‪#‬و ٍيم﴾‬ ‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪﴿( #:‬لَقَ ْد خَ لَ ْقنَا اإْل ِ ْن َسانَ فِي أَحْ َس ‪ِ #‬ن تَ ْق‪ِ #‬‬
‫[التين‪ ]4 :‬وسعة مفهوم اآلي‪#‬ة يش‪#‬ير إلى أن هللا س‪#‬بحانه خل‪#‬ق اإلنس‪#‬ان بش‪#‬كل مت‪#‬وازن‬
‫الئق من كل الجهات‪ ،‬الجسمية والروحي‪##‬ة والعقلي‪##‬ة‪ ،‬إذ جع‪##‬ل في‪##‬ه أل‪##‬وان الكف‪##‬اءات‪،‬‬
‫وأعده لتسلق سلم السمو‪ ،‬وهوـ وإن كان جرما صغيرا‪ #‬ـ وض‪##‬ع في‪##‬ه الع‪##‬الم األك‪##‬بر‪،‬‬
‫﴿ولَقَ ْد َك َّر ْمنَ‪#‬ا‪ #‬بَنِي آ َد َم َو َح َم ْلنَ‪#‬اهُ ْم‬ ‫ومنحه من الكفاءات والطاقات‪ #‬ما جعله الئقا لوسام‪َ :‬‬
‫ض‪#‬ياًل ﴾‬ ‫‪#‬ير ِم َّم ْن َخلَ ْقنَ‪##‬ا تَ ْف ِ‬ ‫ض‪ْ #‬لنَاهُ ْم َعلَى َكثِ‪ٍ #‬‬ ‫ت َوفَ َّ‬ ‫فِي ْالبَ ِّر َو ْالبَحْ ِر َو َرزَ ْقنَاهُ ْم ِمنَ الطَّيِّبَ‪##‬ا ِ‬
‫[اإلس‪##‬راء‪ ،]70 :‬وهذا اإلنسان هوال‪##‬ذي يق‪##‬ول في‪##‬ه هللا س‪##‬بحانه بع‪##‬د ذك‪##‬ر انته‪##‬اء خلقت‪##‬ه‪:‬‬
‫ك هَّللا ُ أَحْ َسنُ ْالخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون‪ ..]14 :‬وهذا اإلنسان بك‪##‬ل مافي‪##‬ه من امتي‪##‬ازات‪،‬‬ ‫﴿فَتَبَا َر َ‪#‬‬
‫يهبط حين ينحرف عن مسيرة هللا إلى أسفل سافلين) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪﴿( :‬لَقَ ْد َخلَ ْقنَا اإْل ِ ْنسانَ فِي أَحْ َس ِن تَ ْق ِو ٍيم﴾ في بنيانه الجس‪##‬دي‬
‫الذي تقوم ب‪#‬ه حيات‪#‬ه‪ ،‬ويثبت ب‪#‬ه وج‪#‬وده‪ ،‬وإذا ك‪#‬ان هَّللا يتح‪#‬دث عن الج‪#‬انب الم‪#‬ادي‬
‫الذي يتمثل به الكيان الجسدي‪ ،‬في ما يرتفع به إلى المس‪##‬توى‪ #‬األحس‪##‬ن ال‪##‬ذي ي‪##‬وحي‬
‫بالمستوى األفضل واألرفع‪ ،‬فال ب‪##‬د من أن يك‪##‬ون الح‪##‬ديث عن ذل‪##‬ك م‪##‬دخال إيحائي‪##‬ا‬
‫لالس‪##‬تعداد اإلنس‪##‬اني ال‪##‬ذي يملك‪##‬ه اإلنس‪##‬ان في عقل‪##‬ه وروح‪##‬ه وش‪##‬عوره وحركت‪##‬ه‬
‫لالرتفاع بعمله للوصول إلى المستوى األرفع في الس‪##‬م ّو ال‪##‬روحي‪ ،‬ليك‪##‬ون األحس‪##‬ن‬
‫في التقويم الروحي‪ ،‬وهذا ما نستفيده ـ إيحائيا ـ من الحديث عن الجزاء‪ ،‬أو عن يوم‬
‫الجزاء الذي يمثل مستوى التفاضل في المصير)(‪)2‬‬
‫لعلي حكيم‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِنَّهُ‬
‫ب لَ‪َ #‬د ْينَا لَ َعلِ ٌّي َح ِكي ٌم﴾ [الزخ‪##‬رف‪ ،]4 :‬فق‪##‬د روي في تفس‪##‬يرها أن الم‪##‬راد من‪##‬ه‬ ‫فِي أُ ِّم ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫اإلمام علي‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين ‪ : 3‬باإلضافة إلى ك‪##‬ون الح‪##‬ديث مجه‪##‬وال من جه‪##‬ة الس‪##‬ند‪..‬‬ ‫)‬ ‫(‬
‫أن مرج‪##‬ع الض‪##‬مير في (إنّ‪##‬ه) الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪،‬‬ ‫فإنه يعلم من مالحظة اآليات السابقة ّ‬
‫ب ْال ُمبِي ِن إِنَّا َج َع ْلنَاهُ قُرْ آنًا‪َ #‬ع َربِيًّا لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْعقِلُونَ‬
‫حيث ورد فيها قوله تعالى‪﴿ :‬حم َو ْال ِكتَا ِ‬
‫‪#‬إن أدنى التف‪##‬ات له‪##‬ذه‬ ‫ب لَ َد ْينَا لَ َعلِ ٌّي َح ِكي ٌم﴾ [الزخ‪##‬رف‪ ..]4-1 :‬ومن هنا ف‪ّ #‬‬ ‫َوإِنَّهُ فِي أُ ِّم ْال ِكتَا ِ‬
‫اآليات يثبت خواء هذا اال ّدعاء وزيفه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( #:‬ثم يتط‪##‬رق الق‪##‬رآن إلى بي‪##‬ان ثالث‬
‫ب لَ‪َ #‬د ْينَا لَ َعلِ ٌّي َح ِكي ٌم﴾‬ ‫﴿وإِنَّهُ فِي أُ ِّم ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫صفات أخرى لهذا الكتاب الس‪##‬ماوي‪ ،‬فيق‪##‬ول‪َ :‬‬
‫‪ )(1‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.20/309 ،‬‬
‫‪ )(2‬من وحي القرآن‪.24/324‬‬
‫‪ )(3‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/263‬‬
‫‪333‬‬
‫[الزخ‪##‬رف‪ ،]4 :‬ويشير في الصفة األولى إلى أن الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ق‪##‬د حف‪##‬ظ وأثبت في أم‬
‫آن َم ِجي‪ٌ ##‬د فِي‬ ‫الكتاب لدى هللا سبحانه‪ ،‬كما نقرأ ذلك أيضا في قوله تعالى‪﴿ :‬بَلْ ه َُو قُرْ ٌ‬
‫ح َمحْ فُو ٍظ﴾ [ال‪##‬بروج‪ ..]22-21 :‬واآلن‪ ،‬ل‪##‬نر م‪##‬ا ه‪##‬والمراد من (أم الكت‪##‬اب)‪ ،‬أو(الل‪##‬وح‬ ‫لَوْ ٍ‬
‫المحفوظ)؟‪( ..‬األم ) في اللغة تعني أصل كل شيء وأساسه‪ ،‬وإنما يقول العرب لألم‬
‫أما ألنها أساس العائل‪##‬ة وم‪##‬أوى األوالد‪ ،‬وعلى ه‪##‬ذا ف‪##‬إن ﴿أم الكت‪##‬اب﴾ يع‪##‬ني الكت‪##‬اب‬
‫الذي يكون أساسا لكل الكتب السماوية‪ ،‬وهوذلك الل‪##‬وح المحف‪##‬وظ ل‪##‬دى هللا س‪##‬بحانه‪،‬‬
‫والمصون‪ #‬من كل تغيير وتبديل‪ #‬وتحريف‪ ..‬إنه كتاب علم هللا المحفوظ لدي‪##‬ه‪ ،‬وال‪##‬ذي‬
‫أدرجت في‪##‬ه ك‪##‬ل حق‪##‬ائق الع‪##‬الم‪ ،‬وك‪##‬ل ح‪##‬وادث الماض‪##‬ي والمس‪##‬تقبل‪ ،‬وك‪##‬ل الكتب‬
‫السماوية‪ ،‬وال يستطيع‪ #‬أي أحد أن يصل إلي‪##‬ه ويعلم م‪##‬ا في‪##‬ه‪ ،‬إال إذا أراد هللا س‪##‬بحانه‬
‫أن يعلم أحدا بالمقدار الذي يريده عز وجل‪ ،‬وه‪##‬ذا وص‪##‬ف عظيم للق‪##‬رآن ال‪##‬ذي ينب‪##‬ع‬
‫من علم هللا الالمتناهي‪ ،‬وأصله وأساسه لديه سبحانه‪ ،‬ولهذا يقول في الصفة الثاني‪##‬ة‪:‬‬
‫(لعلي) وفي الثالثة (حكيم)‪ ..‬إن الشيء الذي ينبعث من علم هللا الالمتن‪##‬اهي يجب أن‬
‫يكون بهذه الصفات‪ ..‬واعتقد البعض أن سمو القرآن وعلو مقام‪##‬ه ن‪##‬ابع من أن‪##‬ه ف‪##‬اق‬
‫ك‪##‬ل الكتب الس‪##‬ماوية‪ ،‬ونس‪##‬خها‪ #‬جميع‪##‬ا‪ ،‬وه‪##‬وفي‪ #‬أرف‪##‬ع م‪##‬راتب اإلعج‪##‬از‪ ..‬واعت‪##‬بر‬
‫البعض اآلخر علو القرآن الحتوائه على حقائق ال تدركها‪ #‬أفكار البشر‪ ،‬وهي بعي‪##‬دة‬
‫عن مدى ما تستوعبه عقولهم ـ إضافة إلى الحق‪#‬ائق ال‪#‬تي يفهمه‪#‬ا الجمي‪#‬ع من ظ‪#‬اهر‬
‫القرآن‪ .‬وال تتضارب هذه المعاني فيما بينه‪##‬ا حيث تجتم‪##‬ع كله‪##‬ا في مفه‪##‬وم ﴿علي﴾‪..‬‬
‫وهنا مسألة تستحق‪ #‬اإلنتباه‪ ،‬وهي أن ﴿الحكيم﴾ صفة للشخص عادة‪ ،‬ال الكت‪##‬اب‪ ،‬لكن‬
‫لما كان هذا الكتاب السماوي‪ #‬بنفسه معلما عظيم‪##‬ا وناطق‪##‬ا بالحكم‪#‬ة ناش‪#‬را له‪##‬ا‪ ،‬ف‪#‬إن‬
‫هذا التعبير في محله تماما‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬وردت كلم‪##‬ة (الحكيم) بمع‪##‬نى المس‪##‬تحكم الحص‪##‬ين‬
‫أيضا‪ ،‬وكل هذه المعاني جمعت في اللفظة المذكورة‪ ،‬وهي صادقة في ش‪##‬أن الق‪##‬رآن‬
‫الكريم‪ ،‬ألنه حكيم بكل هذه المعاني) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬الظاهر أن المراد بأ ّم الكتاب ـ في ما يذكره المفس‪##‬رون‬
‫ـ اللوح المحفوظ‪ ،‬وأن علوّه في عل ّو المنزلة التي يمكن أن يص‪##‬ل إليه‪##‬ا اإلنس‪##‬ان من‬
‫خالله‪ ،‬أو في عل ّو الفكر الذي يرتفع بالتصور اإلنساني‪ #‬لحقائق العقي‪##‬دة والحي‪##‬اة إلى‬
‫المرتب‪##‬ة العلي‪##‬ا‪ ،‬أو في عل‪ّ ##‬و البالغ‪##‬ة‪ ،‬كم‪##‬ا ي‪##‬ذكره البعض‪ ..‬و ق‪##‬د اعت‪##‬بر ص‪##‬احب‬
‫الميزان‪ ،‬العلو بمعنى (أنه رفيع القدر والمنزلة من أن تنال‪##‬ه العق‪##‬ول) ولكن الظ‪##‬اهر‬
‫أن الحديث عنه‪ ،‬بلحاظ جانب السم ّو في معناه وفي‪ #‬أسلوبه للداللة على أن هَّللا يري‪##‬د‬
‫لإلنسان العلو من خالله‪ ،‬ألنه ال مع‪##‬نى ألن ي‪#‬نزل هَّللا كتاب‪#‬ا ال يتعق‪##‬ل الن‪#‬اس حقيقت‪#‬ه‬
‫ومعناه‪( ،‬بحيث يمكن أن تكون النسبة بين ما عن‪##‬دنا وم‪##‬ا في أ ّم الكت‪##‬اب نس‪##‬بة المث‪##‬ل‬
‫والممثّل‪ ،‬فالمثل هو الممثّل بعينه لكن الممثّل له ال يفقه إال المثل) (‪ ،)2‬إذ ليس هنالك‬
‫حكمة من ذلك بالنسبة إلى طبيع‪##‬ة الكت‪##‬اب‪ ..‬وربم‪##‬ا ك‪##‬ان مع‪##‬نى ﴿وإِنَّهُ فِي أُ ِّم ْال ِكت‪##‬ا ِ‬
‫ب‬
‫‪ )(1‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.16/11 ،‬‬
‫‪ )(2‬تفسير الميزان‪.18/86 :‬‬
‫‪334‬‬
‫لَ َديْنا لَ َعلِ ٌّي َح ِكي ٌم﴾ هو وصف القرآن هناك بهاتين الصفتين‪ ،‬أ ّما الحكمة فيه‪ ،‬فاشتماله‬
‫على المضمون الذي يحقق للناس التوازن في حياتهم ويساعدهم‪ #‬على وضع األشياء‬
‫في مواضعها‪ ،‬فيتصورون القضايا في موازينها‪ ،‬ليملكوا بذلك البصيرة الكامل‪##‬ة في‬
‫األمور‪ #‬المتعلقة بقضايا الفكر والحياة) (‪)1‬‬
‫فإذا فرغت فانصب‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ات ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ك فَ‪##‬ارْ غَبْ ﴾ [الش‪##‬رح‪ ،]8-7 :‬فق‪##‬د روي‪ #‬في تفس‪##‬يرها‪ :‬إذا‬ ‫‪#‬ر ْغتَ فَا ْن َ‬
‫ص‪#‬بْ َوإِلَى َربِّ َ‬ ‫﴿فَإِ َذا فَ‪َ #‬‬
‫فرغت من النب ّوة فانصب عليّا ً للخالفة ‪. 2‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫ّ‬
‫المفس‪#‬رة عب‪##‬د ال‪##‬رحمن بن كث‪##‬ير‪،‬‬ ‫قال أحد المتهمين(‪ :)3‬في سند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ة‬
‫أن هذه الس‪#‬ورة ن‪#‬زلت في أوّل البعث‪#‬ة‪ ،‬فمن المس‪#‬تبعد‬ ‫وهومن ال ُغالة‪ ..‬باإلضافة إلى ّ‬
‫أن يتعرّض لذلك في بدء النبوّة‪ ..‬باإلض‪#‬افة إلى أن نب‪#‬وّة الن‪#‬ب ّي ‪ ‬ق‪#‬د اس‪#‬تمرّت إلى‬
‫آخر حياته‪ ،‬فمن الممكن أن يفرغ النب ّي ‪ ‬من ك ّل عم‪##‬ل‪ ،‬ولكنّ‪##‬ه ال يمكن أن يف‪##‬رغ‬
‫من النبوّة‪.‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬وله‪#‬ذا فس‪#‬رها جمي‪#‬ع مفس‪#‬رينا المعت‪#‬برين بمعناه‪#‬ا الظ‪#‬اهر‪ ..‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( :‬اآليتان ـ حسب ما ذكرناه ـ لهم‪#‬ا مفه‪#‬وم واس‪#‬ع ع‪#‬ام‬
‫يقض‪##‬ي بالب‪##‬دء بمهم‪##‬ة جدي‪##‬دة بع‪##‬د الف‪##‬راغ من ك‪##‬ل مهم‪##‬ة‪ ،‬وبالتوج‪##‬ه نحوهللا في ك‪##‬ل‬
‫المساعي والجهود‪ ،‬لكن أغلب المفسرين ذكروا معاني مح‪##‬ددة لهم‪##‬ا يمكن أن يك‪##‬ون‬
‫ك‪##‬ل واح‪#‬د منه‪##‬ا مص‪##‬داقا‪ #‬لآلي‪#‬تين‪ ..‬ق‪##‬ال جم‪##‬ع منهم‪ :‬المقص‪#‬ود‪ ،‬إن‪##‬ك إذا ف‪##‬رغت من‬
‫فريضة الصالة فادع‪ #‬هللا واطلب منه ما تريد‪ ..‬أو عند فراغ‪##‬ك من الف‪##‬رائض انهض‬
‫لنافلة الليل‪ ..‬أو عند فراغ‪##‬ك من أم‪##‬ور ال‪##‬دنيا اب‪##‬دأ ب‪##‬أمور‪ #‬اآلخ‪##‬رة والص‪##‬الة وعب‪##‬ادة‬
‫الرب‪ ..‬أو عند فراغك من الواجبات توجه إلى المستحبات ال‪##‬تي حث عليه‪##‬ا هللا‪ ..‬أو‬
‫عند فراغك من جهاد األعداء انهض إلى العبادة‪ ..‬أو عند فراغك من جهاد األع‪##‬داء‬
‫ابدأ بجهاد النفس‪ ..‬أو عند انتهائك من أداء الرسالة انهض لطلب الشفاعة) (‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ثم بين اتس‪##‬اع مع‪##‬نى اآلي‪##‬ة ليش‪##‬مل المع‪##‬اني الكث‪##‬يرة ج‪##‬دا‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(موض‪##‬وع (الف‪##‬راغ) في اآلي‪##‬ة لم ي‪##‬ذكر‪ ،‬وكلم‪##‬ة (فانص‪##‬ب) من النص‪##‬ب أي التعب‬
‫والمشقة‪ ،‬ولذلك فاآلية تبين أصال عاما شامال‪ ،‬وهدفها‪ #‬أن تحث النبي ‪ ‬ـ باعتباره‬
‫القدوة ـ على عدم الخلود إلى الراحة بعد انتهائه من أم‪##‬ر ه‪##‬ام‪ ،‬وت‪##‬دعوه إلى الس‪##‬عي‬
‫المستمر‪ #..‬انطالقا من هذا المعنى يتضح أن التفاسير المذكورة لآلية كلها ص‪##‬حيحة‪،‬‬
‫ولكن كل واحد منها يقتصر على مصداق معين من هذا المعنى العام) (‪)5‬‬
‫ثم بين اآلث‪##‬ار التربوي‪##‬ة لتل‪##‬ك المص‪##‬اديق جميع‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬م‪##‬ا أعظم العط‪##‬اء‬
‫من وحي القرآن‪.20/213‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/898‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/264‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الشيرازي‪.20/299 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الشيرازي‪.20/299 ،‬‬ ‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪335‬‬
‫التربوي‪ #‬لهذا الحث‪ ،‬وكم فيه من معاني التكام‪##‬ل واإلنتص‪##‬ار‪ #..‬البطال‪##‬ة والف‪##‬راغ من‬
‫عوامل الملل والخمول والتقاعس واالضمحالل‪ ،‬بل من عوامل الفساد والسقوط‪ #‬في‬
‫أنواع الذنوب غالبا‪ ..‬وحسب اإلحصائيات‪ ،‬مستوى الفس‪##‬اد عن‪##‬د عطل‪##‬ة المؤسس‪##‬ات‪#‬‬
‫التعليمية يرتفع إلى سبعة أضعاف أحيانا)(‪)1‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬وبن‪#‬اء على ه‪##‬ذه المص‪##‬اديق جميع‪##‬ا لم يس‪##‬تبعد أن يك‪##‬ون من بينه‪##‬ا‬
‫تنصيب المستحقق للخالفة بعده‪ ،‬وخاصة م‪##‬ع ك‪##‬ثرة الرواي‪##‬ات ال‪##‬واردة في ذل‪##‬ك من‬
‫مصادر‪ #‬الفريقين‪ ،‬وهي تعني باطن اآلية‪ ،‬ال ظاهرها‪ ،‬يقول في ذلك‪( :‬اآلية الكريمة‬
‫صبْ ﴾ [الشرح‪ ]7 :‬تعني ـ كم‪#‬ا ج‪#‬اء في رواي‪#‬ات عدي‪#‬دة ـ نص‪#‬ب أم‪#‬ير‬ ‫﴿فَإِ َذا فَ َر ْغتَ فَا ْن َ‬
‫المؤمنين علي بالخالفة بعد اإلنته‪##‬اء من أم‪##‬ر الرس‪##‬الة كمص‪##‬داق‪ #‬من المفه‪##‬وم الع‪##‬ام‬
‫لآلية) (‪)2‬‬
‫ثم بين وجه داللتها على ذلك‪ ،‬فقال‪( :‬ألنها تق‪##‬ول‪ :‬إذا ف‪##‬رغت من مهم‪##‬ة مث‪##‬ل‬
‫مهم‪##‬ة الرس‪##‬الة فاب‪##‬دأ بمهم‪##‬ة آخ‪##‬رى كمهم‪##‬ة الوالي‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬ذا مقب‪##‬ول باعتب‪##‬اره أح‪##‬د‬
‫المص‪##‬اديق‪ ..‬ونعلم‪ #‬أن رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ـ حس‪##‬ب ح‪##‬ديث الغ‪##‬دير المع‪##‬روف‪ #‬وأح‪##‬اديث‬
‫أخرى منتشرة في الصحاح والمسانيد ـ كان في سعي مستمر في هذا المجال) (‪)3‬‬
‫الذي يكذب بالدين‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫﴿أَ َرأَيْتَ الَّ ِذي يُ َك‪ِّ #‬ذبُ بِال‪#‬دِّي ِن﴾ [الم‪##‬اعون‪ ،]1 :‬فق‪##‬د روي في تفس‪##‬يرها‪ #‬أن ال‪ّ #‬دين هووالي‪##‬ة‬
‫اإلمام عل ّي‪.‬‬
‫المفس‪#‬رة مح ّم‪##‬د بن جمه‪##‬ور‪ ،‬وعب‪##‬د‬ ‫ّ‬ ‫قال أحد المتهمين‪ :‬في س‪##‬ند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ة‬
‫الرحمن بن كثير الهاشمي‪ ،‬وهما من ال ُغالة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( #:‬ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة المبارك‪##‬ة تب‪##‬دأ بس‪##‬ؤال‬
‫موجه للن‪##‬بي ‪ ‬عن اآلث‪##‬ار المش‪##‬ؤومة إلنك‪##‬ار المع‪##‬اد وتق‪##‬ول‪﴿ :‬أَ َرأَيْتَ الَّ ِذي يُ َك‪ِّ #‬ذبُ‬
‫بِال‪##‬دِّي ِن﴾ [الم‪###‬اعون‪ ،]1 :‬وتجيب عن الس‪##‬ؤال‪﴿ :‬فَ‪َ ##‬ذلِكَ الَّ ِذي يَ‪ُ ##‬د ُّع ْاليَتِي َم َواَل يَحُضُّ َعلَى‬
‫ين﴾ [الم‪##‬اعون‪( ..]3-2 :‬ال‪#‬دين) هن‪#‬ا (الج‪#‬زاء) أوي‪#‬وم‪ #‬الج‪#‬زاء‪ ،‬وإنك‪#‬ار ي‪#‬وم‬ ‫طَ َع ِام ْال ِم ْس‪ِ #‬ك ِ‬
‫الج‪##‬زاء ل‪#‬ه عواقب‪##‬ه الوخيم‪##‬ة وانعكاس‪##‬ات على أعم‪##‬ال اإلنس‪##‬ان‪ ..‬وفي ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة‬
‫ذك‪##‬رت خمس‪##‬ة آث‪##‬ار له‪##‬ذا اإلنك‪##‬ار منه‪##‬ا‪( :‬ط‪##‬رد الي‪##‬تيم‪ ،‬وع‪##‬دم الحث على إطع‪##‬ام‬
‫المسكين)‪ ،‬أي إن الشخص المنكر للمعاد ال يطعم المساكين‪ ،‬وال ي‪##‬دعواآلخرين إلى‬
‫إطعامهم) (‪)4‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪﴿( :‬أ َرأيْتَ ال ِذي يُ َكذبُ بِالدِّي ِن﴾ من هؤالء المن‪##‬افقين ال‪##‬ذين‬

‫الشيرازي‪.20/299 ،‬‬
‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الشيرازي‪.20/300 ،‬‬
‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الشيرازي‪.20/300 ،‬‬
‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الشيرازي‪.20/484 ،‬‬‫األمثل‪ِ ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪336‬‬
‫ال يؤمن‪##‬ون‪ #‬ب‪##‬الجزاء في ي‪##‬وم القيام‪##‬ة‪ ،‬أو ال يؤمن‪##‬ون بال‪##‬دين كل‪##‬ه في عقيدت‪##‬ه وفي‪#‬‬
‫شريعته ال‪##‬تي ت‪##‬دعو إلى أن يحم‪##‬ل اإلنس‪##‬ان مس‪##‬ئوليّة الفئ‪##‬ات المحروم‪##‬ة في األم‪##‬ة‪،‬‬
‫ليمنحهم من جه‪##‬ده‪ ،‬ومن مال‪##‬ه‪ ،‬ومن جاه‪##‬ه‪ ،‬اإلمكان‪##‬ات المادي‪##‬ة والمعنوي‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫يستطيعون من خاللها الحصول على العيش الكريم‪ ،‬فال يستجيبون لهذه الدعوة‪ ،‬ب‪##‬ل‬
‫يتم‪##‬ردون عليه‪##‬ا في م‪##‬ا يأخ‪##‬ذون ب‪##‬ه من أس‪##‬باب النف‪##‬اق ال‪##‬تي ترتك‪##‬ز على االرتب‪##‬اط‬
‫بالشكليات الدينية‪ ،‬التي ال تكلّفهم الكثير من جهدهم المالي أو المعنوي‪ #‬الذي قد يثق‪##‬ل‬
‫عليهم بنتائجه‪ ،‬ولو كانوا قد استجابوا‪ #‬لتلك الدعوة‪ ،‬البتع‪##‬دوا عن النف‪##‬اق‪ ..‬أرأيت ي‪##‬ا‬
‫محمد‪ ،‬ويا ك ّل من يتحرك في الحياة على خط محمد ‪ ،‬هذا اإلنسان كيف يتح‪##‬رك‬
‫يك‪#‬ذب عمل‪#‬ه م‪##‬ا ي ّدعي‪#‬ه من‬ ‫في المجتمع‪ ،‬وكي‪##‬ف يعبّ‪##‬ر عن واقع‪#‬ه ال‪#‬داخلي‪ ،‬وكي‪#‬ف‪ّ #‬‬
‫اإليمان في الصورة الخارجية من حياته؟)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬تلك الصفات التي تس‪##‬وقها‪ #‬س‪##‬ورة الم‪##‬اعون ه‪##‬ل تؤخ‪##‬ذ‬
‫مفردة أم جميعا؟ نقل عن بعضهم‪ #‬الثاني‪ ،‬فالمكذب بالدين ه‪##‬و ال‪##‬ذي يجم‪##‬ع الص‪##‬فات‬
‫الثالث‪ ،‬وهذا هو الظاهر؛ ألن ص‪##‬فات الش‪##‬ر تت‪##‬داعى كم‪##‬ا تت‪##‬داعى ص‪##‬فات الخ‪##‬ير‪،‬‬
‫وهكذا تعرفنا السورة الكريمة بالذين يكذبون بالدين من هم‪ ،‬حتى نتقي تلك الصفات‬
‫وما يؤول إليها من التكذيب بالدين‪ ..‬والدين هو الجزاء‪ ،‬وقيل‪ :‬بل اإلسالم والق‪##‬رآن‪،‬‬
‫ي دين ه‪##‬و االيم‪##‬ان ب‪##‬الجزاء‪ ،‬ال‪##‬ذي ينعكس على النفس باإلحس‪##‬اس‬ ‫ولكن مح‪##‬ور أ ّ‬
‫بالمسؤولية‪ ،‬وهو معنى الدين بمعناه الشامل‪ ..‬االيم‪#‬ان بال‪#‬دين ي‪#‬زكي نفس اإلنس‪#‬ان‪،‬‬
‫ويخرجها من شحّها وضيقها وجهلها‪ ،‬ويستثير‪ #‬فيها فط‪##‬رة الحب‪ ،‬وب‪##‬واعث الخ‪##‬ير‪،‬‬
‫وحوافز المعروف‪ ،‬ويجليها بالعواطف‪ #‬الجيّاشة تجاه المستضعف‪ #‬والمح‪##‬روم‪ ،‬بينم‪##‬ا‬
‫ع الي‪##‬تيم‪ ،‬ذل‪##‬ك الطف‪##‬ل ال‪##‬بريء ال‪##‬ذي ح‪##‬رم حب وال‪##‬ده (أو‬ ‫الذي يكذب بالدين تراه يد ّ‬
‫والدته) وحنانه وعواطفه‪)2( )..‬‬
‫عاملة ناصبة‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬هَ‪##‬لْ‬
‫َاصبَةٌ تَصْ لَى نَارًا َ‬
‫حا ِميَةً﴾ [الغاش‪###‬ية‪-1 :‬‬ ‫َاش َعةٌ عَا ِملَةٌ ن ِ‬ ‫يث ْالغ ِ‬
‫َاشيَ ِة ُوجُوهٌ يَوْ َمئِ ٍذ خ ِ‬ ‫أَتَاكَ َح ِد ُ‬
‫‪ ،]4‬فق‪##‬د روي‪ #‬في تفس‪##‬يرها أنه‪##‬ا ن‪##‬زلت في النواص‪##‬ب‪ ،‬فق‪##‬د ك‪##‬انوا من أه‪##‬ل الص‪##‬الة‬
‫والصوم‪ ،‬ولكنّهم يعادون اإلمام عليّا ً(‪.)3‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)4‬في سند هذه الرواية المفسّرة سهل بن زي‪##‬اد ومح ّم‪ #‬د‪ #‬بن‬
‫أن سياق اآلي‪##‬ات يتح‪ّ #‬دث عن عاقب‪##‬ة ط‪##‬ائفتين‬ ‫الفضيل‪ ،‬وهما غاليان‪ ..‬باإلضافة إلى ّ‬
‫ف‪#‬إن تخص‪#‬يص‬ ‫في ي‪#‬وم القيام‪#‬ة‪ ،‬إح‪#‬داهما آمنت ب‪#‬النبوّة‪ ،‬واألخ‪#‬رى كف‪#‬رت‪ ،‬وعلي‪#‬ه ّ‬
‫خاص‪#‬ة ج‪##‬اءت بع‪##‬د ن‪##‬زول‬ ‫ّ‬ ‫اآليات ـ الواردة في عا ّم‪##‬ة من أنك‪##‬ر النب‪#‬وّة ـ بمجموع‪##‬ة‬

‫من وحي القرآن‪.24/440‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫من هدي القرآن‪.18/380‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/841‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/265‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪337‬‬
‫اآليات بسنوات م ّما ال ينسجم والسياق القرآني‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غاش‪#‬يَ ِة﴾ وهي‬ ‫يث ْال ِ‬‫ك َح‪ِ #‬د ُ‬ ‫غ‪##‬يرهم‪ ..‬ومن األمثل‪#‬ة على ذل‪#‬ك ق‪#‬ول بعض‪##‬هم‪﴿( :‬هَ‪##‬لْ أَت‪#‬ا َ‬
‫القيامة التي تفنّن التعبير القرآني عنها‪ ،‬لإليحاء باألجواء ال‪##‬تي تنطل ‪#‬ق‪ #‬في مش‪##‬اهدها‬
‫وأهواله‪#‬ا‪ #‬وص‪#‬دماتها‪ #‬الواقعي‪#‬ة‪ ،‬ليواجهه‪#‬ا‪ #‬القلب البش‪#‬ري‪ ،‬من خالل ذل‪#‬ك‪ ،‬ب‪#‬الخوف‬
‫الش‪##‬عوري‪ #‬ال‪##‬ذي ي‪##‬دفع إلى المزي‪##‬د من التفك‪##‬ير ومن الترك‪##‬يز‪ ،‬للوص‪##‬ول إلى مس‪##‬ألة‬
‫اإليمان واالنتماء إليه بكل قوّة‪ ،‬ولعل التعبير عنه‪##‬ا بالغاش‪##‬ية من خالل أنه‪##‬ا تف‪##‬رض‬
‫نفسها على واقع الناس هناك‪ ،‬فتغشاهم‪ #‬وتحيط بهم‪ ،‬كما يحيط الغشاء ب‪##‬الموقع‪ #‬كل‪##‬ه‪،‬‬
‫ألن أهوالها الشديدة تغش‪##‬اهم‪ #‬فتح‪##‬ول بينهم وبين الرؤي‪##‬ة في ش‪ّ #‬دة تأثيره‪##‬ا عليهم‪،‬‬ ‫أو ّ‬
‫فتبدو‪ #‬للعيون كالدخان ال‪##‬ذي يحجب األف‪##‬ق بكثافت‪##‬ه‪ ..‬و إذا ك‪##‬ان الخط‪##‬اب للن‪##‬بي ‪،‬‬
‫فإنه ليس مختصا به بالمضمون‪ ،‬بل هو شامل لكل الن‪#‬اس ال‪#‬ذين يبلّغهم الن‪#‬بي ذل‪#‬ك‪،‬‬
‫فيأتيهم‪ #‬كل ما يأتيه‪ ،‬ويخاطبهم بك‪##‬ل م‪##‬ا يخاطب‪##‬ه ب‪##‬ه‪ ،‬ألن المض‪##‬مون ال يتوج‪##‬ه إلي‪##‬ه‬
‫كرسول‪ ،‬بل كإنسان مسئول‪ ،‬ال بد من أن يتحم‪##‬ل مس‪##‬ئولية نفس‪##‬ه من خالل القناع‪##‬ة‬
‫خاش ‪َ #‬عةٌ﴾ وتل‪##‬ك هي وج‪##‬وه‬ ‫الفكري‪##‬ة الباحث‪##‬ة عن الح‪##‬ق أينم‪##‬ا ك‪##‬ان‪ُ ﴿ ..‬و ُج‪##‬وهٌ يَوْ َمئِ ‪ٍ #‬ذ ِ‬
‫األش‪##‬قياء ال‪##‬ذين رفض‪##‬وا مواق‪##‬ف الخش‪##‬وع هَّلل في ال‪##‬دنيا‪ ،‬فلم يس‪##‬تغرقوا في مواق‪##‬ع‬
‫عظمته‪ ،‬ولم يعيشوا روحية العبودية في االبتهال إليه‪ ،‬والصالة بين يديه‪ ،‬واالنفتاح‬
‫على آفاق رحمته في مواقف رضاه‪ ،‬ب‪#‬ل اس‪#‬تكبروا وعان‪#‬دوا وتم‪#‬ردوا على رس‪#‬وله‬
‫وكتابه‪ ،‬فجاءت الغاشية‪ ،‬التي أطبقت عليهم من كل جانب‪ ،‬فال يجدون‪ ،‬اآلن‪ ،‬مجاال‬
‫للفرار وال للخالص‪ ،‬ليعيشوا‪ #‬الخشوع في أجواء الذ ّل واالنكسار عند م‪##‬ا يواجه‪##‬ون‬
‫المص‪##‬ير‪ #‬المظلم في حاض‪##‬رهم‪ #‬ال‪##‬ذي تنتظ‪##‬ره جهنم لتحت‪##‬ويهم‪ #‬في داخله‪##‬ا‪﴿ ..‬عا ِملَ ‪#‬ةٌ‬
‫ناصبَةٌ﴾ في ما توحي به كلمة العاملة من الجهد القاسي المرهق لألجساد ال‪##‬ذي بذل‪##‬ه‬ ‫ِ‬
‫هؤالء في الدنيا‪ ،‬وكلمة الناصبة التي تدل على التعب واإلرهاق‪ ،‬فقد عمل‪##‬وا وتعب‪##‬وا‬
‫وعاشوا اإلرهاق‪ #‬الجسدي‪ ،‬فلم ينالوا من نتائج‪#‬ه المرض‪#‬ية‪ ،‬ألنهم لم يعمل‪#‬وا هَّلل ‪ ،‬ب‪#‬ل‬
‫عملوا لغيره‪ ،‬ولهذا‪ ،‬فإن مالمح وج‪##‬وههم‪ #‬في ي‪##‬وم القيام‪##‬ة هي مالمح الوج‪##‬وه ال‪##‬تي‬
‫ي إشراق) (‪)1‬‬ ‫أرهقها العمل وأذواها النصب‪ ،‬فال تنبض بأيّة حيويّة‪ ،‬وال توحي بأ ّ‬
‫ناص‪#‬بَةٌ﴾ ق‪##‬الوا‪ :‬ه‪##‬ذا في ال‪##‬دنيا‪ ،‬إذ ال عم‪##‬ل في‬ ‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪﴿( :‬عا ِملَ‪#‬ةٌ ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬وفسّروا العمل بالدأب في السير والنص‪##‬ب ب‪##‬التعب‪ ،‬ولكن من ق‪##‬ال ال عم‪##‬ل‬
‫في اآلخ‪##‬رة وال نص‪##‬ب؟ بلى‪ .‬وتح‪##‬ركهم‪ #‬في ص‪##‬حراء المحش‪##‬ر وس‪##‬ط ظالم دامس‬
‫تسوقهم مالئكة الع‪##‬ذاب‪ ،‬ويش‪##‬هد‪ #‬عليهم مالئك‪##‬ة الحس‪##‬اب‪ ..‬إنّ‪##‬ه عم‪##‬ل ناص‪##‬ب‪ ..‬إنّم‪##‬ا‬
‫عملهم ث ّمة بال فائدة ترجى لهم‪ ،‬ونصبهم بال ربح ومكسب‪ ،‬ولو أنّهم أجهدوا أنفسهم‬
‫في الدنيا قليال ألعقبتهم راحة طويلة في العقبى‪ ،‬كما قال اإلم‪##‬ام أم‪##‬ير المؤم‪##‬نين في‬
‫صفة المتقين‪( :‬صبروا أيّاما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة) (‪)2‬‬

‫‪ )(1‬من وحي القرآن‪.24/220‬‬


‫‪ )(2‬من هدي القرآن‪.18/63‬‬
‫‪338‬‬
‫ثم بين اتس‪##‬اع مع‪##‬نى اآلي‪##‬ات ليش‪##‬مل طوائ‪#‬ف‪ #‬كث‪##‬يرة‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وفي طائف‪##‬ة من‬
‫النصوص المأثورة تفسير هذه اآلية بأولئك الذين يعملون في الدنيا وينص‪##‬بون ولكن‬
‫في طريق خاطئ فال يكسبون من عملهم نقيرا‪ ،‬ألنّهم يوالون الطواغيت‪ ،‬وينصبون‬
‫أن ه‪##‬ؤالء هم أه‪##‬ل ح‪##‬روراء‪ ،‬يع‪##‬ني‬ ‫ألئمة الهدى‪ ،‬وتابعيهم‪ ،‬وروي‪ #‬عن اإلمام علي ّ‬
‫الخ‪##‬وارج ال‪##‬ذين ذك‪##‬رهم رس‪##‬ول‪ #‬هّللا ‪ ‬فق‪##‬ال‪( :‬تحق‪##‬رون ص‪##‬التكم م‪##‬ع ص‪##‬التهم‪،‬‬
‫وصيامكم مع صيامهم‪ #،‬وأعمالكم مع أعمالهم‪ ،‬يمرقون من ال ّدين كم‪##‬ا يم‪##‬رق‪ #‬الس‪##‬هم‬
‫أن تفسيرها ـ فيما يبدو من الس‪##‬ياق ـ أعم‬ ‫من الرميّة)‪ ..‬و هذا تأويل حسن لآلية‪ ،‬بيد ّ‬
‫وأشمل) (‪)1‬‬
‫اثنا عشر شهرا‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ليس ذلك فقط‪ ..‬بل نرى في الروايات التفس‪##‬يريّة‪ ،‬تط‪##‬بيق جمل‪##‬ة‬
‫من األلف‪##‬اظ القرآني‪##‬ة كالش‪##‬مس‪ ،‬والقم‪##‬ر‪ ،‬واألرض‪ ،‬والس‪##‬ماء‪ ،‬والنج‪##‬وم‪ ،‬والس ‪#‬نَّة‪،‬‬
‫والشهر‪ ،‬والليل‪ ،‬والمش‪##‬رق‪ #،‬والمغ‪##‬رب وغيره‪##‬ا على الن‪##‬ب ّي ‪ ‬واألئ ّم‪##‬ة وأع‪##‬دائهم‬
‫بشكل غير معقول وخال من الترابط‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما ورد في تفسير قوله‬
‫ت‬
‫اوا ِ‬ ‫الس‪َ #‬م َ‬‫ق َّ‬ ‫ُور ِع ْن َد هَّللا ِ ْاثنَا َع َش َر َش ْهرًا فِي ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫ب هَّللا ِ يَ‪##‬وْ َم خَ لَ‪َ #‬‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إِ َّن ِع َّدةَ ال ُّشه ِ‬
‫َظلِ ُم‪##‬وا فِي ِه َّن أَ ْنفُ َس‪ُ #‬ك ْم﴾ [التوب‪##‬ة‪ ]36 :‬أن‬ ‫ض ِم ْنهَا أَرْ بَ َعةٌ ُح ُر ٌم َذلِكَ الدِّينُ ْالقَيِّ ُم فَاَل ت ْ‬ ‫َواأْل َرْ َ‬
‫السنة هي رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬واالثن‪#‬ا‪ #‬عش‪##‬ر ش‪##‬هراً هم األئ ّم‪##‬ة من أه‪##‬ل بيت‪##‬ه‪ ،‬واألش‪##‬هر‬
‫األربعة الحرم األئ ّمة األربعة المس ‪ّ #‬مون بعلي (‪( )2‬وهم‪ :‬علي بن أبي ط‪##‬الب‪ ،‬وعلي‬
‫بن الحسين‪ ،‬وعلي بن موسى الرضا‪ ،‬وعلي بن مح ّمد الهادي)‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)3‬الحديث مرسل من جهة اإلس‪##‬ناد‪ ..‬باإلض‪##‬افة إلى أن‪##‬ه ال‬
‫يوجد ارتباط‪ #‬بين األئ ّمة االثني عشر واألشهر االثني عشر سوى التشابه في العدد‪..‬‬
‫وأبعد منه الترابط بين األئ ّمة األربعة المس ّمون بعل ّي وبين األشهر األربعة الحرم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( #:‬لما كانت هذه الس‪##‬ورة تتن‪##‬اول أبحاث‪##‬ا‬
‫مفصلة حول قتال المشركين‪ ،‬فاآليتان تش‪##‬يران الى أح‪##‬د مق‪##‬ررات الح‪##‬رب والجه‪##‬اد‬
‫ُور ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ‬ ‫في اإلسالم‪ ،‬وهو احترام األشهر الحرم‪ ..‬فتق‪#‬ول األولى‪﴿ :‬إِ َّن ِع‪َّ #‬دةَ ُّ‬
‫الش‪#‬ه ِ‬
‫ض﴾ [التوب‪##‬ة‪ ]36 :‬والتعب‪#‬ير‪ #‬بـ‬ ‫ت َواأْل َرْ َ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ق َّ‬
‫الس‪َ #‬م َ‬ ‫ْاثنَا َع َش َر َش ْهرًا فِي ِكتَا ِ‬
‫ب هَّللا ِ يَ‪##‬وْ َم َخلَ‪َ #‬‬
‫﴿كتاب هللا﴾ يمكن أن يكون إشارة الى القرآن المجيد أوسائر‪ #‬الكتب السماوية‪ ،‬إال أنه‬
‫بمالحظ‪##‬ة جمل‪##‬ة ﴿ي‪##‬وم خل‪##‬ق الس‪##‬ماوات واألرض﴾ يب‪##‬دوأن المع‪##‬نى األك‪##‬ثر مناس‪##‬بة‬
‫هوكتاب الخلق وعالم الوجود‪ #..‬وعلى كل حال‪ ،‬فمنذ ذلك اليوم الذي اس‪##‬تقرت علي‪##‬ه‬
‫المجموعة الشمسية بنظامه‪#‬ا‪ #‬الخ‪##‬اص ح‪##‬دثت الس‪##‬نين واألش‪##‬هر‪ ،‬فالس‪##‬نة عب‪##‬ارة عن‬
‫دوران األرض حول الشمس دورة كاملة والشهر‪ #‬دوران القمر ح‪##‬ول األرض دورة‬
‫‪ )(1‬من هدي القرآن‪.18/63‬‬
‫‪ )(2‬البرهان في تفسير القرآن‪.4/454 ،‬‬
‫‪ )(3‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/265‬‬
‫‪339‬‬
‫كاملة‪ ..‬وهذا في الحقيقة تقويم طبيعي قيم غير قابل للتغي‪##‬ير حيث يمنح حي‪##‬اة الن‪##‬اس‬
‫جميعا نظاما طبيعيا‪ ،‬وينظم‪ #‬على وجه الدقة حسابهم الت‪##‬أريخي‪ ،‬وتل‪##‬ك نعم‪##‬ة عظمى‬
‫من نعم هللا للبشر‪ ..‬ثم تضيف اآلية معقبة‪﴿ :‬منها أربعة حرم﴾ يرى بعض المفس‪##‬رين‬
‫أن تحريم القتال في هذه األشهر األربعة كان من عهد إبراهيم الخليل علي‪##‬ه الس‪##‬الم‪،‬‬
‫وكان نافذا حتى في زمان الجاهلية على أنه سنة متبعة إال أن عرب الجاهلي‪##‬ة ك‪##‬انوا‬
‫يغيرون هذه األشهر أحيانا تبعا لميولهم وأهوائهم‪ ،‬إال أن اإلسالم أق‪##‬ر حرمته‪##‬ا على‬
‫حاله‪##‬ا ولم يغيره‪##‬ا‪ ،‬وثالث‪##‬ة من األش‪##‬هر متوالي‪##‬ة وتس‪##‬مى‪ #‬باألش‪##‬هر الس‪##‬رد وهي‪:‬‬
‫ذوالقع‪##‬دة‪ ،‬وذوالحج‪##‬ة‪ ،‬والمح‪##‬رم‪ ،‬وش‪##‬هر‪ #‬منه‪##‬ا منفص‪##‬ل عنه‪##‬ا‪ ،‬وه‪##‬ورجب ويس‪##‬مى‪#‬‬
‫بالشهر‪ #‬الفرد‪ ..‬وينبغي التنويه على أن تحريم‪ #‬هذه األشهر‪ #‬إنم‪##‬ا يك‪##‬ون ناف‪#‬ذ‪ #‬المفع‪##‬ول‬
‫إذا لم يب‪##‬دأ الع‪##‬دوبقتال‪ #‬المس‪##‬لمين فيه‪##‬ا‪ ،‬أم‪##‬ا لوفع‪##‬ل فال ش‪##‬ك في وج‪##‬وب قتال‪##‬ه على‬
‫المسلمين ألن احترام‪ #‬الشهر الحرام لم ينتقض من قبلهم‪ ،‬بل انتقض من قب‪##‬ل الع‪##‬دو)‬
‫(‪)1‬‬
‫رب المشرقين ورب المغربين‪:‬‬
‫﴿ربُّ‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪###‬ربَي ِْن﴾ [ال‪####‬رحمن‪ ،]17 :‬فق‪###‬د روي‪ #‬في تفس‪###‬يرها أن الم‪###‬راد بـ‬ ‫ْال َم ْش‪ِ ###‬رقَ ْي ِن َو َربُّ ْال َم ْغ ِ‬
‫﴿المشرقين﴾ هما رسول هللا ‪ ‬واإلمام‪ #‬علي‪ ،‬و﴿المغربين﴾ الحسن والحسين(‪.)2‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)3‬الحديث الوارد في هذا مرسل سنداً‪ ،‬إض‪##‬افةً إلى وج‪##‬ود‪#‬‬
‫سيف بن عميرة فيه‪ ،‬وقد ضعّفه بعض‪##‬هم‪ #..‬باإلض‪##‬افة إلى أن المع‪##‬نى الموض‪##‬وع‪ #‬ل‪##‬ه‬
‫لفظ المشرق والمغرب معلوم‪ #‬لغة‪ ،‬فإذا كان الحديث يشير إلى المعنى المجازي‪ #‬لهما‬
‫كان ذلك محتاجا ً إلى القرينة‪ ،‬وهي مفقودة في اآليات السابقة عليها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ق‪#‬ول بعض‪#‬هم‪( #:‬ق‪#‬د ي‪#‬أتي تعب‪#‬ير المش‪#‬رق والمغ‪#‬رب‬
‫‪#‬ربُ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ،]115 :‬وأحيان‪#‬ا‪#‬‬ ‫ق َو ْال َم ْغ ِ‬‫﴿وهَّلِل ِ ْال َم ْش‪ِ #‬ر ُ‪#‬‬
‫أحيانا بصيغة المفرد‪ ،‬كقوله تع‪#‬الى‪َ :‬‬
‫﴿ربُّ ْال َمش ِرقي ِْن َو َربُّ ال َمغ ِربَي ِْن﴾ [ال‪##‬رحمن‪ ،]17 :‬وأحيان‪##‬ا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫بصيغة المثنى‪ ،‬كما في قوله‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ب إِنا لق‪##‬ا ِدرُونَ ﴾‬
‫‪#‬ار ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫اَل‬‫َ‬
‫ق َوال َمغ‪ِ #‬‬‫ار ِ‪#‬‬
‫‪#‬ربِّ ال َمش‪ِ #‬‬ ‫بصيغة الجم‪##‬ع‪ ،‬كم‪##‬ا في قول‪##‬ه‪﴿ :‬ف أق ِس‪ُ #‬م بِ‪َ #‬‬
‫[المع‪##‬ارج‪ ..]40 :‬البعض من ذوي النظ‪##‬رات الض‪##‬يقة يظن‪##‬ون تض‪##‬اد ه‪##‬ذه التع‪##‬ابير‪ ،‬في‬
‫حين أنها مترابطة‪ ،‬وكل منها يشير‪ #‬إلى بيان خاص‪ ،‬فالشمس في كل ي‪##‬وم تطل‪##‬ع من‬
‫نقطة جديدة‪ ،‬وتغرب من نقطة جدي‪##‬دة أخ‪##‬رى‪ ،‬وعلى ه‪##‬ذا األس‪##‬اس ل‪##‬دينا بع‪##‬دد أي‪##‬ام‬
‫السنة مشارق‪ #‬ومغارب‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن من بين كل هذه المش‪##‬ارق والمغ‪##‬ارب‬
‫هناك مشرقان ومغرب‪##‬ان ممت‪#‬ازان‪ ،‬إذ أن أح‪##‬دهما يظه‪#‬ر في ب‪##‬دء الص‪#‬يف أي الح‪#‬د‬
‫األعلى لبلوغ ذروة ارتفاع الشمس في المدار الش‪#‬مالي‪ ،‬واآلخ‪#‬ر‪ #‬في ب‪##‬دء الش‪##‬تاء أي‬

‫‪ )(1‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫الشيرازي‪.6/44 ،‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪.24/240 ،‬‬
‫‪ )(3‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/266‬‬
‫‪340‬‬
‫الحد األدنى لنزول الشمس في المدار الجنوبي‪ ،‬ويعبرون عن أحدهما بم‪##‬دار (رأس‬
‫السرطان)‪ ،‬وعن اآلخر بمدار (رأس الجدي)‪ ،‬وقد اعتمد على ذلك ألنهما واضحان‬
‫تمام‪#‬ا‪ ،‬باإلض‪#‬افة إلى ه‪#‬ذين المش‪#‬رقين والمغ‪#‬ربين اآلخ‪#‬رين ال‪#‬ذين س‪#‬ميا بالمش‪#‬رق‪#‬‬
‫والمغرب واإلعتداليان‪ ،‬وهوأول الربيع وأول الخريف‪ ،‬عند تس‪##‬اوي س‪##‬اعات اللي‪##‬ل‬
‫والنهار‪ #‬في جميع الدنيا‪ ،‬ولذا ذهب البعض إلى ه‪##‬ذا المع‪##‬نى في تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ة‪َ ﴿ :‬ربُّ‬
‫‪#‬ربَ ْي ِن﴾ [ال‪##‬رحمن‪ ،]17 :‬وهومع‪##‬نى‪ #‬مقب‪##‬ول أيض‪##‬ا‪ ..‬وأم‪##‬ا م‪##‬ا ج‪##‬اء‬ ‫ْال َم ْش ‪ِ #‬رقَي ِْن َو َربُّ ْال َم ْغ‪ِ #‬‬
‫بصيغة المفرد فإن المراد ب‪##‬ه ماهيت‪##‬ه‪ ،‬ألن المالح‪##‬ظ في‪##‬ه أص‪##‬ل المش‪##‬رق والمغ‪##‬رب‬
‫بدون اإللتفات إلى األفراد‪ ،‬وبهذا ال‪##‬ترتيب ف‪##‬إن لك‪##‬ل من العب‪##‬ارات المختلف‪##‬ة مس‪##‬ألة‬
‫تلفت نظ‪##‬ر اإلنس‪##‬ان إلى التغي‪##‬يرات المختلف‪##‬ة لطل‪##‬وع وغ‪##‬روب الش‪##‬مس‪ ،‬والتغي‪##‬ير‬
‫المنتظم‪ #‬لمدارات الشمس) (‪)1‬‬
‫والفجر وليال عشر‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ال َع ْش ٍر َوال َّش ْف ِع َو ْال َو ْت ِر﴾ [الفجر‪ ،]3-1 :‬فقد روي‪ #‬في تفس‪##‬يرها أن ﴿الفج‪##‬ر﴾‬ ‫﴿ َو ْالفَجْ ِر َولَيَ ٍ‬
‫هو اإلمام المهدي‪ ،‬و(ليال عشر) األئ ّمة بدءاً باإلمام الحسن المجتبى وانتها ًء باإلمام‬
‫الحسن العسكري‪ ،‬و(الشفع) علي وفاطمة‪ ،‬و(الوتر) هللا تعالى(‪.)2‬‬
‫المفس‪#‬رة عم‪##‬رو بن ش‪##‬مر‪ ،‬وه‪##‬و‬ ‫ّ‬ ‫قال أحد المتهمين(‪ :)3‬في س‪##‬ند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ة‬
‫الوض‪#‬اعين ق‪##‬د عق‪##‬دوا الع‪##‬زم‬ ‫ّ‬ ‫ضعيف‪ #‬وضّاع‪ ..‬والحديث ظ‪##‬اهر التكل‪##‬ف‪ ،‬ويب‪##‬دو‪ّ #‬‬
‫أن‬
‫ي نحو اتّف‪##‬ق‪ ،‬ف‪##‬إذا ك‪##‬ان في‪##‬ه إش‪##‬ارة إلى الع‪##‬دد‬ ‫على تأويل اللفظ القرآني في األئ ّمة بأ ّ‬
‫إن المراد به هم األئ ّمة اإلثنا عشر‪ ،‬وإذا ك‪##‬ان في‪##‬ه الع‪##‬دد (أربع‪##‬ة)‬ ‫(اثنا عشر) قالوا‪ّ :‬‬
‫قيل‪ :‬هم األئ ّمة األربعة الذين س ّموا بعل ّي‪ ،‬وإذا كان فيه العدد (اثنان) فإ ّما يقال‪ :‬هم‪##‬ا‬
‫النب ّي ‪ ‬وعل ّي‪ ،‬أويقال‪ :‬هما علي وفاطمة‪ ،‬أويق‪##‬ال‪ :‬هم‪##‬ا الحس‪##‬ن والحس‪##‬ين‪ ..‬وهن‪##‬ا‬
‫إن المراد به األئ ّمة من اإلمام الحسن السبط‬ ‫حيث كان العدد مح ّدداً بعشرة فقد قالوا‪َّ :‬‬
‫أن بعض من جمع مث‪##‬ل ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات‬ ‫إلى اإلمام الحسن العسكري‪ ..‬ومن الطريف‪ّ #‬‬
‫أن تفسير (ليال عشر) هنا باألئ ّمة العشرة يطلق ي‪##‬دنا‬ ‫التفسيرية قد ذكر‪ ،‬في تفسيره‪ّ ،‬‬
‫في عملية تطبيق مثل هذه األعداد على األئ ّمة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫(فس ‪#‬ر (الفج‪##‬ر) في اآلي‪##‬ة بمعن‪##‬اه‬‫غ‪##‬يرهم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪ّ #:‬‬
‫هّللا‬
‫المطلق‪ ،‬أي‪ :‬بياض الص‪##‬بح‪ ..‬وال ش‪##‬ك فه‪#‬و‪ #‬من آي‪##‬ات عظم‪##‬ة س‪##‬بحانه وتع‪##‬الى‪،‬‬
‫ويمثل انعطافا‪ #‬في حرك‪##‬ة حي‪##‬اة الموج‪##‬ودات‪ #‬الموج‪##‬ودة على س‪##‬طح األرض‪ ،‬ومنه‪##‬ا‬
‫اإلنسان‪ ،‬ويمثل كذلك حاكمية النور على الظالم‪ ،‬وعند مجيئه تشرع الكائنات الحية‬
‫بالحركة والعمل‪ ،‬ويعلن انتهاء فترة النوم والسكون‪ ،‬وقد‪ #‬أقسم هّللا تعالى ببداية حي‪##‬اة‬
‫الشيرازي‪.19/34 ،‬‬ ‫‪ )(1‬األمثل‪ِ ،‬‬
‫‪ )(2‬البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/848‬‬
‫‪ )(3‬مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/266‬‬
‫‪341‬‬
‫وفس‪#‬ره بعض‪##‬هم‪ #‬بفج‪##‬ر أوّل ي‪##‬وم من مح‪##‬رم وبداي‪##‬ة الس‪##‬نة الجدي‪##‬دة‪..‬‬ ‫الي‪##‬وم الجدي‪##‬د‪ّ ..‬‬
‫وفسّره آخرون بفجر يوم عيد األضحى‪ ،‬لما فيه من مراسم الحج المه ّم‪##‬ة والتص‪##‬اله‬
‫بالليالي العشرة األولى من ذي الحجّة‪ ..‬و قيل أيض‪##‬ا‪ :‬إنّ‪##‬ه فج‪##‬ر أوّل ش‪##‬هر رمض‪##‬ان‬
‫المبارك‪ ،‬أو فجر يوم الجمعة)(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫(لكن مفه‪##‬وم اآلي‪##‬ة‬ ‫ثم بين اتساع مفهوم اآلية لكل المصاديق‪ #‬المناس‪##‬بة‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫ل ما ذكر) (‪)2‬‬ ‫أوسع من أن تحدد بمصداق‪ #‬من مصاديقها‪ ،‬فهي تضم ك ّ‬
‫ثم ذكر من تلك المصاديق‪ #‬ال‪##‬تي يمكن اعتباره‪##‬ا فهوم‪##‬ا لآلي‪##‬ة‪ ،‬لكنه‪##‬ا ال تلغي‬
‫ظاهرها‪ ،‬فقال‪( :‬وذهب البعض إلى أوسع م ّما ذكر حينما ق‪##‬الوا‪ #:‬ه‪##‬و ك‪ّ #‬ل ن‪##‬ور يش‪##‬ع‬
‫وس‪#‬ط‪ #‬ظالم‪ ..‬وعلي‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬بزوغ‪ #‬ن‪##‬ور اإلس‪##‬الم ون‪##‬ور المص‪##‬طفى ‪ ‬في ظالم عص‪##‬ر‬
‫الجاهلية ه‪##‬و من مص‪##‬اديق الفج‪##‬ر‪ ،‬وك‪##‬ذا ب‪##‬زوغ ن‪##‬ور قي‪##‬ام‪ #‬المه‪##‬دي في وس‪#‬ط‪ #‬ظالم‬
‫العالم‪ ..‬و من مصاديقه أيضا‪ ،‬ثورة اإلمام الحسين في كربالء الدامية‪ ،‬لش‪##‬قها ظلم‪##‬ة‬
‫ظالم بني أميّة‪ ،‬وتعرية نظ‪##‬امهم الح‪##‬اكم بوجه‪##‬ه الحقيقي أم‪##‬ام النّ‪##‬اس‪ ..‬و يك‪##‬ون من‬
‫مصاديقه‪ ،‬ك ّل ث‪##‬ورة ق‪##‬امت أو تق‪##‬وم على الكف‪##‬ر والجه‪##‬ل والظلم على م‪ّ #‬ر الت‪##‬اريخ‪..‬‬
‫وحتى انقداح أ ّول شرارة يقظة في قلوب المذنبين المظلمة تدعوهم إلى التوبة‪ ،‬فه‪##‬و‬
‫أن المعاني هي توس‪##‬عة لمفه‪##‬وم اآلي‪##‬ة‪ ،‬أ ّم‪##‬ا ظاهره‪##‬ا في‪##‬دل‬ ‫(فجر)‪ ..‬وم ّما ال شك فيه ّ‬
‫على (الفجر) المعهود) (‪)3‬‬
‫والسماء ذات البروج‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ُوج﴾ [ال‪##‬بروج‪ ،]1 :‬فق‪##‬د روي في تفس‪##‬يرها‪ #‬أن (الس‪##‬ماء) هي الن‪##‬ب ّي‬ ‫ت ْالبُ‪#‬ر ِ‬ ‫الس‪َ #‬ما ِء َذا ِ‬
‫﴿ َو َّ‬
‫‪ ،‬و(البروج) هم األئ ّمة(‪.)4‬‬
‫المفس‪#‬رة س‪##‬عد بن طري‪##‬ف‪ ،‬وق‪#‬د‪#‬‬ ‫ّ‬ ‫ق‪##‬ال أح‪##‬د المتهمين‪ :‬في س‪##‬ند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات‪#‬‬
‫ضعّفه بعضهم‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫ت‬ ‫َّ‬
‫﴿والس‪#‬ما ِء ذا ِ‬ ‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪#‬هم‪( #:‬ابت‪##‬دأت ّ‬
‫الس‪#‬ورة بـ‬
‫ُوج﴾ و(البروج)‪ :‬جمع (برج) وهو القصر‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الشيء الظ‪##‬اهر‪ ،‬وتس‪##‬مية‬ ‫ْالبُر ِ‬
‫القصور واألبنية العالية بالبروج لظهورها ووضوحها‪ ،‬وقيل للمحالت الخاص‪##‬ة من‬
‫الس‪##‬ور‪ #‬المحي‪##‬ط بالبل‪##‬د وال‪##‬تي يجتم‪##‬ع فيه‪##‬ا الح‪##‬راس والجن‪##‬ود (ال‪##‬بروج) لظهوره ‪#‬ا‪#‬‬
‫الخاص‪ ،‬ويقال للمرأة ال‪#‬تي تظه‪#‬ر زينته‪##‬ا (ت‪#‬برجت)‪ ..‬واألب‪##‬راج الس‪##‬ماوية‪ :‬إ ّم‪##‬ا أن‬
‫يكون المراد منها النجوم الزاهرة والكواكب المنيرة في السماء‪ ،‬أو المجموعات من‬
‫النج‪##‬وم تتخ‪##‬ذ م‪##‬ع بعض‪##‬ها‪ #‬ش‪##‬كل ش‪##‬يء مع‪##‬روف‪ #‬في األرض‪ ،‬وتس‪##‬مى ب (الص‪##‬ور‪#‬‬

‫األمثل‪.20/172‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫األمثل‪.20/172‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األمثل‪.20/172‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/478 ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪342‬‬
‫الفلكية)‪ ،‬وهي إثنا عشر برج‪##‬ا‪ ،‬وفي‪ #‬ك‪ّ #‬ل ش‪##‬هر تح‪##‬اذي الش‪##‬مس أح‪##‬د ه‪##‬ذه ال‪##‬بروج‪،‬‬
‫طبيعي‪ #‬أن الشمس ال تتحرك تلك الحركة‪ ،‬وإنّما األرض‪ ،‬تدور حول الشمس فيب‪##‬دو‬
‫لنا تغيّر موضع الشمس بالنسبة إلى الصور الفلكية أو األبراج‪ ..‬والقسم بهذه البروج‬
‫يشير إلى عظمة أمرها‪ ،‬ال‪##‬تي لم تكن معلوم‪##‬ة للع‪##‬رب الج‪##‬اهليين وقت ن‪##‬زول اآلي‪##‬ة‬
‫أن الم‪##‬راد منه‪##‬ا ه‪#‬و النج‪#‬وم‬ ‫بينما أصبحت معلومة تمام‪##‬ا في ه‪##‬ذا الزم‪##‬ان واألق‪##‬وى‪ّ #‬‬
‫المتأللئة ليال في القبة الس‪##‬ماوية‪ ،‬و ل‪##‬ذا نق‪##‬رأ فيم‪##‬ا روي‪ #‬عن النّ‪##‬بي األك‪##‬رم ‪ ،‬أنّ‪##‬ه‬
‫حينما سئل عن تفسير اآلية قال‪( :‬الكواكب) (‪)1‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬وق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪( :‬القس‪#‬م بالس‪#‬ماء ذات ال‪#‬بروج‪ ..‬ربم‪#‬ا ك‪#‬ان كناي‪#‬ة عن‬
‫مواضع الكواكب في السماء‪ ،‬وذلك ما يوحي به قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولَقَ ْد َج َع ْلنَا فِي ال َّس َما ِء‬
‫ان َر ِج ٍيم﴾ [الحج‪##‬ر‪ ،]17-16 :‬مما ي‪##‬راد‬ ‫اظ ِرينَ َو َحفِ ْ‬
‫ظنَاهَا‪ِ #‬م ْن ُكلِّ َش ْيطَ ٍ‬ ‫بُرُو ًجا‪َ #‬و َزيَّنَّاهَا لِلنَّ ِ‬
‫فيه اإليحاء بأنها تشبه البروج المع ّدة للدفاع‪ ..‬و على ضوء ذلك‪ ،‬يظهر أن تفس‪##‬يرها‬
‫بالبروج‪ #‬االثني عشر ال يرجع إلى دليل‪ ،‬بل الدليل القرآني على خالفه) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪﴿( :‬البروج‪ ..‬يبدو أنّها طبقات السماء المتمثلة في مجاميع‬
‫المجرات‪ ،‬كل مجرة فيها أعداد هائلة من الشموس‪ ..‬وأصل معنى البروج الظه‪##‬ور‪،‬‬
‫وألن البناء العالي ظاهر س ّمي القص‪#‬ر برج‪#‬ا‪ ،‬كم‪#‬ا س‪ّ #‬مي موق‪#‬ع ال‪#‬دفاع عن المدين‪#‬ة‬ ‫ّ‬
‫ألن في الس‪##‬ماء حرس‪##‬ا اتخ‪##‬ذوا مواق‪##‬ع‬ ‫بالبرج‪ ،‬ولع ّل انتخ‪##‬اب ه‪##‬ذه الكلم‪##‬ة هن‪##‬ا ك‪##‬ان ّ‬
‫لرصد حركات اإلنس والجن والشياطين‪ ،‬م ّما ينسجم م‪##‬ع الس‪##‬ياق ال‪##‬ذي يج‪##‬ري في‪##‬ه‬
‫تحص ‪#‬ن الطغ‪##‬اة‬ ‫ّ‬ ‫ق المؤم‪##‬نين‪ ،‬ف‪##‬إذا‬ ‫الح‪##‬ديث عن ج‪##‬زاء الطغ‪##‬اة على ج‪##‬رائمهم‪ #‬بح ‪ّ #‬‬
‫‪#‬إن للس‪##‬ماء بروج‪##‬ا ال يس‪##‬تطيعون مقاوم‪##‬ة جنوده‪##‬ا‪ ..‬و ق‪##‬ال‬ ‫ب‪##‬بروجهم األرض‪##‬ية ف‪ّ #‬‬
‫بعضهم‪ #:‬البروج هي من‪##‬ازل الش‪##‬مس والقم‪##‬ر والك‪##‬واكب وأفالكه‪##‬ا ال‪##‬تي ال تس‪##‬تطيع‬
‫أجرام السماء على عظمتها تجاوزها‪ #‬قيد أنملة‪ ،‬م ّما يشهد على أنّها كائن‪##‬ات مخلوق‪##‬ة‬
‫مدبّرة) (‪)3‬‬
‫والشمس وضحاها والقمر إذا تالها‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫‪##‬ر إِ َذا تَاَل هَ‪##‬ا﴾ [الش‪###‬مس‪ ،]2-1 :‬فق‪##‬د روي‪ #‬في تفس‪##‬يرها أن‬ ‫ض‪َ ##‬حاهَا َو ْالقَ َم ِ‬ ‫س َو ُ‬ ‫﴿ َو َّ‬
‫الش‪ْ ##‬م ِ‬
‫(الشمس) هي رسول هللا ‪ ،‬و(القمر) هو اإلم‪##‬ام عل ّي‪ ،‬و(اللي‪##‬ل) هم أئ ّم‪##‬ة الج‪##‬ور‪،‬‬
‫و(النهار) هم أئ ّمة الهدى‪.‬‬
‫ّ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د المتهمين‪ :‬الح‪##‬ديث عالوة على إرس‪##‬اله‪ ،‬ف‪##‬إن في‪##‬ه س‪##‬هل بن زي‪##‬اد‬
‫الغالي‪ ..‬ولهذا فسرها جميع مفسرينا بظاهرها‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪:‬‬
‫(القسم عادة يكون بالمهم من األمور من هنا تعمل ه‪##‬ذه األقس‪##‬ام‪ #‬على تحري‪##‬ك الفك‪##‬ر‬
‫في اإلنسان كي يمعن النظر في هذه الموضوعات الها ّمة من ع‪#‬الم الخليق‪#‬ة‪ ،‬وليتخ‪##‬ذ‬
‫‪ )(1‬األمثل‪.20/78‬‬
‫‪ )(2‬من وحي القرآن‪.24/166‬‬
‫‪ )(3‬من هدي القرآن‪.17/469‬‬
‫‪343‬‬
‫منه‪##‬ا س‪##‬بيال إلى هّللا س‪##‬بحانه وتع‪##‬الى‪ ..‬و﴿الش‪##‬مس﴾ ذات دور ه‪##‬ام وبنّ‪##‬اء ج‪ّ ##‬دا في‬
‫الموج‪##‬ودات الحي‪##‬ة على ظه‪##‬ر البس‪##‬يطة فهي إض‪##‬افة إلى كونه‪##‬ا مص‪##‬درا للن‪##‬ور‬
‫والحرارة ـ وهما عامالن أساسيان في حياة اإلنس‪##‬ان ـ تعت‪##‬بر مص‪##‬درا لغيرهم‪##‬ا من‬
‫المظاهر الحياتية‪ ،‬حركة الرياح‪ ،‬وهطول األمطار‪ ،‬ونمو‪ #‬النباتات‪ ،‬وجريان األنه‪##‬ر‬
‫والشالالت‪ ،‬بل حتى نشوء مصادر‪ #‬الطاقة مثل النف‪##‬ط والفحم الحج‪##‬ري‪ ..‬ك‪##‬ل واح‪##‬د‬
‫منها يرتبط ـ بنظرة دقيق‪##‬ة ـ بن‪##‬ور الش‪##‬مس‪ ..‬و ل‪##‬و ق‪##‬در له‪##‬ذا المص‪##‬باح الحي‪##‬اتي أن‬
‫ينطفئ يوما لساد الظالم والسكوت والموت في كل مكان‪ ..‬و﴿الض‪##‬حى﴾ في األص‪##‬ل‬
‫انتشار‪ #‬نور الشمس‪ ،‬وهذا ما يح‪#‬دث حين يرتف‪#‬ع ق‪#‬رص الش‪#‬مس عن األف‪##‬ق ويغم‪#‬ر‪#‬‬
‫الن‪##‬ور ك‪##‬ل مك‪##‬ان‪ ،‬ث ّم يطل‪##‬ق على تل‪##‬ك البره‪##‬ة من الي‪##‬وم اس‪##‬م (الض‪##‬حى)‪ ،‬والقس‪##‬م‬
‫بالض‪##‬حى‪ #‬ألهميت‪##‬ه‪ ،‬ألنّ‪##‬ه وقت هيمن‪##‬ة ن‪##‬ور الش‪##‬مس على األرض‪ ..‬و القس‪##‬م الثّ‪##‬الث‬
‫المفس‪#‬رين ـ إش‪##‬ارة إلى القم‪##‬ر‬ ‫ّ‬ ‫بالقمر‪ ..‬وهذا التعبير ـ كم‪##‬ا ذهب إلى ذل‪##‬ك جم‪##‬ع من‬
‫حين يكتمل ويكون بدرا كامال في ليلة الراب‪##‬ع عش‪##‬ر من ك‪ّ #‬ل ش‪##‬هر‪ ،‬ففي ه‪##‬ذه الليل‪##‬ة‬
‫يط‪#‬ل القم‪#‬ر من أف‪#‬ق المش‪#‬رق متزامن‪#‬ا م‪#‬ع غ‪#‬روب الش‪#‬مس‪ .‬فيس‪#‬طع‪ #‬بجمال‪#‬ه النّ‪#‬ير‬
‫ويهيمن على ج ّو السماء‪ ،‬ولجماله وبهائه في هذه الليلة أكثر من أيّة ليلة أخرى جاء‬
‫القسم به في اآلية الكريم‪#‬ة‪ ..‬واحتم‪#‬ل بعض‪#‬هم‪ #‬أن يك‪#‬ون في تعب‪#‬ير اآلي‪#‬ة إش‪#‬ارة إلى‬
‫تبعية القمر بشكل دائم للشمس‪ ،‬واكتساب النور‪ #‬من ذل‪##‬ك المص‪##‬در المش ‪#‬عّ‪ ،‬غ‪##‬ير أن‬
‫﴿والقَ َم ِر إِذا تَاله‪##‬ا﴾ تك‪##‬ون في ه‪##‬ذه الحال‪##‬ة قي‪##‬دا توض‪##‬يحيا‪ #..‬و ث ّم‪##‬ة احتم‪##‬االت‬ ‫عبارة ْ‬
‫أخرى ذكرت في تفسير اآلية ال تستحق الذكر) (‪)1‬‬
‫وض‪#‬حاها﴾ ه‪##‬ذا القس‪#‬م بالش‪##‬مس ال‪##‬تي تمنح‬ ‫س ُ‬ ‫الش‪ْ #‬م ِ‬ ‫قال آخر‪ :‬وقال آخ‪#‬ر‪َ ﴿( :‬و َّ‬
‫الكون الشروق الذي ينفذ إلى السماء ليعطيها الرونق‪ #‬والصفاء‪ ،‬وإلى األرض ليهبها‬
‫الحيوية والجمال‪ ،‬وإلى المخلوقات‪ #‬الحيّة المتحركة فيها‪ ،‬ليمنحها ال‪##‬دفء والح‪##‬رارة‬
‫وحيويّة الحياة‪ ،‬وجعل الضحى رديفا للشمس‪ ،‬ألنه ال‪#‬زمن ال‪#‬ذي ترتف‪#‬ع في‪#‬ه وتتجلّى‬
‫في كبد السماء‪ ،‬لتكون في أكثر أوقاتها رونقا وصفاء‪ ،‬فهي في الشتاء تعطي الدفء‬
‫﴿و ْالقَ َم‪ِ #‬‬
‫‪#‬ر إِذا‬ ‫المنعش‪ ،‬وفي‪ #‬الصيف تعطي اإلشراق الرائع قبل اشتداد حرارة القيظ‪َ ..‬‬
‫تَالها﴾ عند ما يطلع في الليل ليكون نوره تابعا للشمس في م‪##‬ا يس‪##‬تم ّده من إش‪##‬راقها‪،‬‬
‫ليعطي اللي‪##‬ل بعض نوره‪##‬ا‪ ،‬من خالل الن‪##‬ور المنبعث من‪##‬ه‪ ،‬حيث يم‪##‬تزج امتزاج‪##‬ا‬
‫هادئا بحبّات الظالم‪ ،‬فيزيد‪ #‬الكون سحرا وصفاء ووداعة توحي ب‪##‬الكثير‪ #‬من األحالم‬
‫الغامض‪##‬ة ال‪##‬تي تش‪##‬يع في القلب همس‪##‬ات الس‪##‬عادة‪ ،‬وفي النفس تس‪##‬بيحات الرحم‪##‬ة‬
‫المنبعثة من روح هّللا ) (‪)2‬‬
‫والنور الذي أنزلنا‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ور الَّ ِذي أَ ْن َز ْلنَ‪##‬ا َوهَّللا ُ بِ َم‪##‬ا تَ ْع َملُ‪##‬ونَ خَ بِ‪##‬يرٌ﴾ [التغ‪##‬ابن‪ ،]8 :‬فق‪##‬د‬
‫﴿فَ‪##‬آ ِمنُوا بِاهَّلل ِ َو َر ُس‪#‬ولِ ِه َوالنُّ ِ‪#‬‬
‫‪ )(1‬األمثل‪.20/231‬‬
‫‪ )(2‬من وحي القرآن‪.24/281‬‬
‫‪344‬‬
‫روي‪ #‬في تفسيرها أن النور هواألئ ّمة (‪.)1‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)2‬في سند هذه الروايات المفسّرة مح ّمد بن الفضيل‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫غال‪ ..‬وأحم‪#‬د‪ #‬بن أبي عب‪##‬د هللا ال‪##‬برقي‪ ..‬وأحم‪##‬د بن مه‪##‬ران‪ ..‬والمعلّى‪ #‬بن الخ‪##‬نيس‪..‬‬
‫وكلهم من الضعاف‪.‬‬
‫‪#‬إن تش‪##‬بيه الن‪##‬ب ّي ‪ ‬وأه‪##‬ل بيت‪##‬ه الك‪##‬رام‬ ‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪ّ #‬‬
‫بالشمس والقمر والنور‪ #‬وما شابه‪ ،‬وإن كان ص‪##‬حيحا ً في نفس‪##‬ه‪ ،‬وكم‪##‬ا ه‪##‬و وارد في‬
‫القرآن الكريم في شأن النب ّي ‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا النَّبِ ُّي إِنَّا أَرْ َس‪ْ #‬لنَاكَ َش‪#‬ا ِهدًا َو ُمبَ ِّش‪#‬رًا َونَ‪ِ #‬ذيرًا‬
‫أن حم‪##‬ل ه‪##‬ذه األلف‪##‬اظ على‬ ‫َودَا ِعيًا إِلَى هَّللا ِ بِإِ ْذنِ ِه َو ِس َراجًا ُمنِ‪##‬يرًا﴾ [األح‪##‬زاب‪ ]46-45 :‬إاّل ّ‬
‫النب ّي وعل ّي وفاطمة وأهل البيت من دون نصب قرين‪##‬ة على ذل‪##‬ك م ّم‪##‬ا ال وج‪##‬ه ل‪##‬ه‪،‬‬
‫فإن استعمال مثل هذه األلفاظ فيهم‪ ،‬استعمال مجازي يحتاج إلى القرينة‪ ،‬وحينئذ فال‬ ‫ّ‬
‫ب ّد من حملها على معانيها الحقيقيّة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فس‪#‬رها‪ #‬جمي‪#‬ع مفس‪#‬رينا بمعناه‪##‬ا الظ‪#‬اهر‪ ..‬ومن األمثل‪#‬ة على‬
‫المفس‪#‬رون في المع‪##‬نى الم‪##‬راد من كلم‪##‬ة (النّ‪##‬ور)‬ ‫ّ‬ ‫ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( :‬لق‪##‬د اختل‪##‬ف‬
‫الواردة في اآلية‪ ،‬فذهب البعض منهم إلى أنّها تعني شخص النّبي مح ّم‪##‬د ‪ ،‬وق‪##‬ال‬
‫إن المعنى بالنور هو القرآن المجيد‪ ..‬و حين نالحظ آي‪##‬ات قرآني‪##‬ة‬ ‫مفسّرون آخرون‪ّ :‬‬
‫أن كلم‪#‬ة (الن‪#‬ور) ال‪#‬واردة في اآلي‪#‬ة إنّم‪#‬ا تع‪#‬ني‬ ‫عديدة تشبه القرآن بالنور‪ ،‬يتبيّن لن‪#‬ا ّ‬
‫فإن عطف عبارة (كتاب مبين) على كلمة (النور) يعتبر‬ ‫القرآن‪ ،‬وعلى هذا األساس ّ‬
‫من قبي‪#‬ل عط‪#‬ف التوض‪#‬يح‪ ،‬كم‪#‬ا نق‪#‬رأ في قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬فَالَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا بِ‪ِ #‬ه َوعَ‪َّ #‬زرُوهُ‬
‫ور الَّ ِذي أُ ْن ِز َل َم َعهُ أُولَئِكَ هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ ﴾ [األع‪###‬راف‪ ..]157 :‬وآيات‬ ‫َصرُوهُ َواتَّبَعُوا النُّ َ‬
‫َون َ‬
‫عديدة أخرى تشير إلى نفس المعنى‪ ،‬بينما ال نجد في الق‪##‬رآن آي‪##‬ة أطلقت فيه‪##‬ا كلم‪##‬ة‬
‫فإن الضمير المف‪##‬رد ال‪##‬وارد في‬ ‫النور على شخص النّبي ‪ ..‬و إضافة إلى ما ذكر ّ‬
‫عبارة (به) ال‪#‬واردة في اآلي‪#‬ة الثاني‪##‬ة من اآلي‪#‬تين األخ‪##‬يرتين‪ ،‬يؤ ّك‪##‬د ه‪##‬ذا الموض‪#‬وع‬
‫أيضا‪ ،‬وهو أن النور والكتاب المبين هما إشارتان لحقيقة واحدة) (‪)4‬‬
‫ّ‬
‫ثم تحدث عن المصاديق‪ #‬التي وردت في تفسير اآلي‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وم‪##‬ع إنن‪##‬ا نج‪##‬د‬
‫روايات عديدة تفسّر كلمة (النّور) على أنّها إشارة إلى اإلمام علي بن أبي ط‪##‬الب أو‬
‫أن ه‪##‬ذا التّفس‪##‬ير يعت‪##‬بر من ب‪##‬اب بي‪##‬ان ب‪##‬واطن‬ ‫األئ ّمة اإلثني عشر‪ ،‬لكن الواضح هو ّ‬
‫أن لآليات القرآنية ـ باإلضافة إلى معانيها‪ #‬الظاهري‪##‬ة ـ مع‪##‬ان‬ ‫اآليات‪ ،‬ألنّنا كما نعلم ّ‬
‫أن األئ ّم‪##‬ة‬ ‫باطنية يعبّر عنها ب (بواطن القرآن) أو (بطون القرآن)‪ ،‬ودليل قولنا هذا ّ‬
‫لم يكن لهم وجود في زمن النّبي ‪ ‬لكي يدعو القرآن أهل الكتاب لإليمان بهم) (‪)5‬‬
‫واآلخرة خير وأبقى‪:‬‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪ 4/341 ،‬و‪.342‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/268‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/268‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪.3/647‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫األمثل‪.3/647‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪345‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬قد نسلم لكم بك‪#‬ل م‪#‬ا ذك‪#‬رتم‪ ..‬لكن م‪#‬ا تقول‪#‬ون في تل‪#‬ك‬
‫الت‪##‬أويالت الخط‪##‬يرة ال‪##‬تي ال ه‪##‬دف له‪##‬ا إال إنك‪##‬ار أص‪##‬ول الش‪##‬ريعة وفروعه‪##‬ا‪ ..‬ب‪##‬ل‬
‫القضاء على اإلسالم تماما‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬كل ذلك من الغل‪##‬و‪ ..‬وكله‪##‬ا من األك‪##‬اذيب ال‪##‬تي ح‪##‬ذر منه‪##‬ا‬
‫أئمتنا‪ ،‬وفي إمكانك أن تذكر لنا ما تش‪##‬اء منه‪##‬ا لن‪##‬بين ل‪##‬ك وج‪##‬ه رده‪ ،‬وكي‪##‬ف لم يع‪##‬ر‬
‫علماؤنا تلك التفاسير أي اعتبار‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬من األمثلة على ذلك تأويل أكثر اآليات ال‪#‬وارد فيه‪##‬ا أمث‪#‬ال لف‪#‬ظ‬
‫القيامة‪ ،‬والحش‪#‬ر‪ ،‬والنش‪#‬ر‪ ،‬والبعث‪ ،‬وغيره‪#‬ا بالرجع‪#‬ة أوأه‪#‬ل ال‪#‬بيت‪ ،‬ومنه‪#‬ا قول‪#‬ه‬
‫تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬واآْل ِخ‪َ ##‬رةُ َخيْ‪ٌ ##‬ر َوأَ ْبقَى﴾ [األعلى‪ ،]17 :‬حيث فس‪##‬رت (اآلخ‪##‬رة) بأنه‪##‬ا اإلم‪##‬ام‬
‫عل ّي(‪.)1‬‬
‫المفض‪#‬ل بن عم‪#‬ر‪ ،‬وه‪#‬و من ال ُغالة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫قال أحد المتهمين(‪ :)2‬في س‪#‬ند الرواي‪#‬ة‬
‫وفيه‪##‬ا مح ّم‪##‬د بن س‪##‬نان‪ ،‬والمعلّى بن مح ّم‪##‬د‪ ،‬وكالهم‪##‬ا ض‪##‬عيف‪ ،‬وأوّلهم‪#‬ا‪ #‬من ال ُغالة‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غ‪##‬يرهم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( #:‬يش‪##‬ير البي‪##‬ان الق‪##‬رآني إلى العام‪##‬ل‬
‫األساس في عملية االنحراف‪ #‬عن جادة الفالح‪﴿ :‬بَلْ تُ‪#ْ #‬ؤثِرُونَ ْال َحيَ‪##‬اةَ ال ‪ُّ #‬د ْنيَا َواآْل ِخ‪َ #‬رةُ‬
‫خَ ْي ٌر َوأَ ْبقَى﴾ [األعلى‪ ،]17-16 :‬ونقل الحديث النّب‪##‬وي الش‪##‬ريف‪ #‬ه‪##‬ذا المع‪##‬نى‪ ،‬بقول‪##‬ه ‪:‬‬
‫(حبّ الدنيا رأس ك ّل خطيئة)‪ ..‬فاإلنسان العاقل ال يجيز لنفسه أن ي‪#‬بيع ال‪#‬دار الباقي‪#‬ة‬
‫بأمتعة فانية‪ ،‬وال أن يستبدل اللذائذ المحدودة والمحفوفة بألوان اآلالم ب‪##‬النعم الخال‪##‬دة‬
‫والنقية الخالصة) (‪)3‬‬
‫ّ‬
‫‪#‬رة ْي‪ٌ #‬ر وأبْقى﴾ إنه‪##‬ا األكم‪##‬ل‪ ،‬وق‪##‬درة اإلنس‪##‬ان‬ ‫َ‬ ‫خَ‬ ‫ُ‬ ‫آْل‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪َ ﴿( :‬وا ِخ‪َ #‬‬
‫اّل‬
‫يومئ‪##‬ذ كامل‪##‬ة‪ ،‬إنّ‪##‬ك ال تس‪##‬تطيع أن تس‪##‬تم ّر في األك‪##‬ل إ ريثم‪##‬ا يمتلئ بطن‪##‬ك‪ ،‬وإذا‬
‫ولكن أهل الجن‪#‬ة يجلس‪#‬ون على ك‪ّ #‬ل مائ‪#‬دة‬ ‫ّ‬ ‫أسرفت فسوف تصاب بالتخمة والغثيان‪،‬‬
‫أربعمائ‪##‬ة ع‪##‬ام ال يملّ‪##‬ون وال يس‪##‬أمون‪ ..‬و إن الم‪##‬رض واله‪##‬رم والكس‪##‬ل والض‪##‬جر‪#‬‬
‫ّ‬
‫والموت يه ّدد أهل الدنيا‪ ،‬بينما اآلخرة باقية مع األبد) (‪)4‬‬
‫(إن أهل الجنّة يحي‪##‬ون‬ ‫ثم استدل لهذا بحديث رواه عن اإلمام الباقر‪ #‬يقول فيه‪ّ :‬‬
‫فال يموت‪##‬ون أب‪##‬دا‪ ،‬ويس‪##‬تيقظون فال ين‪##‬امون أب‪##‬دا‪ ،‬ويس‪##‬تغنون فال يفتق‪##‬رون أب‪##‬دا‪،‬‬
‫ويفرحون فال يحزنون أبدا‪ ،‬ويضحكون فال يبكون أبدا‪ ،‬ويكرمون فال يه‪#‬انون أب‪##‬دا‪،‬‬
‫ويفكهون وال يقطبون أبدا‪ ،‬ويح‪##‬برون ويس‪#‬رّون أب‪##‬دا‪ ،‬وي‪##‬أكلون فال يجوع‪##‬ون أب‪##‬دا‪،‬‬
‫ويروون فال يظمؤون أبدا‪ ،‬ويكس‪##‬ون فال يع‪##‬رون أب‪##‬دا‪ ،‬ويركب‪##‬ون وي‪##‬تزاورون أب‪##‬دا‬

‫تفسير البرهان‪.4/451 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/269‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األمثل‪.20/140‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫من هدي القرآن‪.18/52‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪346‬‬
‫ويسلّم‪ #‬عليهم الولدان المخلدون أبدا‪ ،‬بأيديهم‪ #‬أباريق‪ #‬الفضة وآنية الذهب أبدا‪ ،‬متّكئين‬
‫على سرر أبدا‪ ،‬على األرائك ينظرون‪ #‬أبدا‪ ،‬تأتيهم التحيّة والتسليم من هّللا أبدا‪ ،‬نسأل‬
‫هّللا الجنّة برحمته إنّه على كل شيء قدير) (‪)1‬‬
‫ثم علق عليه بقوله‪( :‬وهذه الحقائق وبالذات حقيق‪##‬ة ال‪##‬دنيا‪ ،‬وأنّه‪##‬ا ليس‪##‬ت ب‪##‬دار‬
‫وأن اآلخرة خير منها وأبقى‪ ،‬إنّها ال تخصّ رس‪##‬الة الن‪##‬بي ب‪##‬ل هي في ص‪##‬حف‬ ‫بقاء‪ّ ،‬‬
‫األنبياء جميعا‪ ،‬وال سيما ص‪##‬حف إب‪##‬راهيم علي‪#‬ه الس‪##‬الم ال‪##‬ذي يحترم‪##‬ه الع‪##‬رب كم‪##‬ا‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬وموسى‪ #‬عليه السالم ـ الذي ي‪#‬زعم اليه‪#‬ود أنّهم أنص‪#‬اره ثم ت‪#‬رى‬
‫ُف‬
‫الص‪#‬ح ِ‬ ‫أن ذلك من دين هّللا ﴿إِ َّن ه‪##‬ذا لَفِي ُّ‬ ‫العرب واليهود يعبدون الدنيا‪ ،‬ويزعمون ّ‬
‫اأْل ُولى﴾ فلم يكن الرسول بدعا بين إخوانه) (‪)2‬‬
‫‪#‬رةُ خَ يْ‪ٌ #‬ر وأَبْقى﴾ ألنه‪#‬ا تمنح اإلنس‪#‬ان الس‪#‬عادة‬ ‫(﴿واآْل ِخ َ‬
‫قال آخ‪#‬ر‪ :‬وق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪َ :‬‬
‫الدائمة التي ال ش‪##‬قاء فيه‪##‬ا وال م‪##‬وت في طبيعته‪##‬ا‪ ،‬فهي الخ‪##‬ير كل‪##‬ه‪ ،‬والخل‪##‬ود‪ #‬كل‪#‬ه‪..‬‬
‫فكيف‪ #‬تفضلون الشقاء على السعادة‪ ،‬والفناء على البقاء؟)(‪)3‬‬
‫وقال اإلنسان ما لها‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َذا‬
‫ت اأْل َرْ ضُ أَ ْثقَالَهَا َوقَ َ‬
‫ال اإْل ِ ْن َسانُ َما لَهَا﴾ [الزلزلة‪،]3-1 :‬‬ ‫ت اأْل َرْ ضُ ِز ْلزَ الَهَا َوأَ ْخ َر َج ِ‪#‬‬ ‫ُز ْل ِزلَ ِ‬
‫فقد روي في تفسيرها تأويل اإلنسان باإلم‪##‬ام عل ّي‪ ..‬وأرجعت بعض ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات‬
‫موضوع اآليات إلى الزلزلة ال‪##‬تي ح‪##‬دثت في زمان‪##‬ه‪ ،‬وأن‪##‬ه ض‪##‬رب األرض برجل‪##‬ه‬
‫مالك)؟ حتّى هدأت!؟(‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫(مالك‬
‫ِ‬ ‫مخاطباً‪ #‬لها‪:‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د المتهمين(‪ :)5‬في س‪##‬ند ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات ض‪##‬عاف أمث‪##‬ال أبي عب‪##‬د هللا‬
‫الرازي‪ ،‬ومح ّمد بن سنان‪ ،‬وإبراهيم‪ #‬بن إس‪##‬حاق النهاون‪##‬دي‪ ،‬والحس‪##‬ن بن مح ّم‪##‬د بن‬
‫جمهور‪ ،‬مع عدد آخر من المجهولين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫أن األرض‬ ‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ق‪##‬ول بعض‪#‬هم‪( #:‬عب‪#‬ارة ﴿زلزاله‪##‬ا﴾ تع‪##‬ني ّ‬
‫بأجمعها تهتز في ذلك اليوم خالفا للزالزل العادية الموضعية ع‪##‬ادة‪ ،‬أو أنّه‪##‬ا إش‪##‬ارة‬
‫إلى الزلزلة المعهودة‪ ،‬أي زلزلة يوم القيامة‪ ..‬و﴿األثقال﴾ ذكر لها المفسّرون مع‪##‬اني‬
‫متعددة‪ ..‬قيل إنّها البشر الذين يخرجون من أجداثهم على أثر الزلزال‪ ،‬كم‪##‬ا ج‪##‬اء في‬
‫ت﴾ [االنشقاق‪ ..]4 :‬وقيل إنّها الكنوز المخب‪##‬وءة ال‪##‬تي‬ ‫ت َما فِيهَا َوتَخَ لَّ ْ‬ ‫قوله سبحانه‪َ ﴿ :‬وأَ ْلقَ ْ‬
‫ترتمي‪ #‬إلى الخارج‪ ،‬وتبعث الحسرة في قلوب عبّاد الدنيا‪ ..‬ويحتمل أيض‪##‬ا أن يك‪##‬ون‬
‫المقص‪##‬ود إخ‪##‬راج الم‪##‬واد الثقيل‪##‬ة الذائب‪##‬ة في ب‪##‬اطن األرض‪ ،‬وه‪##‬و م‪##‬ا يح‪##‬دث أثن‪##‬اء‬
‫فإن األرض في نهاية عمرها تدفع ما في أعماقه‪##‬ا إلى الخ‪##‬ارج‬ ‫البراكين والزالزل‪ّ ،‬‬
‫بحار األنوار‪.8/220 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫من هدي القرآن‪.18/52‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫من وحي القرآن‪.24/214‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير البرهان‪ 4/493 ،‬و‪.494‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/270‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪347‬‬
‫التفاسير) (‪)1‬‬ ‫على أثر ذلك الزلزال العظيم‪ ..‬ويمكن الجمع بين هذه‬
‫ثم تحدث عن المراد باإلنسان في اآلية الكريمة‪ ،‬فقال‪( :‬في ذلك الج‪##‬و المليء‬
‫بالرهبة والفزع‪ ،‬تصيب اإلنسان دهشة م‪##‬ا بع‪##‬دها دهش‪##‬ة فيق‪##‬ول في ذع‪##‬ر‪ :‬م‪##‬ا له‪##‬ذه‬
‫أن اإلنسان في‬ ‫األرض تتزلزل وتلقي ما في باطنها؟‪ ..‬و ذهب بعض المفسّرين إلى ّ‬
‫أن اإلنسان هن‪##‬ا ل‪##‬ه‬ ‫اآلية هو الكافر الذي كان شاكا في المعاد والبعث‪ ،‬ولكن الظاهر ّ‬
‫معنى ع‪##‬ام يش‪##‬مل ك‪##‬ل أف‪##‬راد البش‪##‬ر؛ فالدهش‪##‬ة من وض‪##‬ع األرض في ذل‪##‬ك الي‪##‬وم ال‬
‫يختص بالكافرين) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقال آخر‪( :‬نحن في الدنيا نشهد أهواال تفزعنا وتكاد‪ #‬تقتل‪#‬ع أفئ‪#‬دتنا‪،‬‬
‫ومنها الزالزل العظيمة التي قد تبتلع في لحظ‪##‬ات مدين‪##‬ة كب‪##‬يرة بناه‪##‬ا اإلنس‪##‬ان ع‪#‬بر‬
‫قرون متمادية‪ ،‬وانها ـ على ذلك ـ ليس‪##‬ت س‪##‬وى زل‪##‬زال مح‪##‬دود يض‪##‬رب ناحي‪##‬ة من‬
‫ي ف‪##‬زع عظيم‪،‬‬ ‫ي منظر رهيب‪ ،‬أم أ ّ‬ ‫األرض‪ ،‬فيكف‪ #‬إذا كان شامال لألرض كلّها؟! أ ّ‬
‫ت اأْل َرْ ضُ ِز ْلزالَها﴾‪ ،‬ولعل ض‪##‬مير‬ ‫أم أي داهية كبري يكون ذلك الزلزال! ﴿إِذا ُز ْل ِزلَ ِ‬
‫بأن الزلزال ال يخص منطق‪##‬ة‪ ،‬وأن‪##‬ه يك‪##‬ون كأش‪##‬د م‪##‬ا‬ ‫(ها) العائد إلى األرض يوحي ّ‬
‫يقع في األرض من زلزال‪ ..‬ماذا يح‪##‬دث عندئ‪##‬ذ؟ ه‪##‬ل تف‪##‬ور الن‪##‬واة المركزي‪##‬ة للك‪##‬رة‬
‫األرضية بعوامل غير معروف‪##‬ة ل‪##‬دينا فته‪##‬تز القش‪##‬رة الفوقي‪##‬ة لألرض ه‪ّ #‬زات عنيف‪##‬ة‬
‫ومتتالية‪ ،‬ثم تقذف فوقها المواد التي احتسبت فيها منذ ماليين السنين؟ هكذا يبدو من‬
‫اآليات التي تصرح بأن األرض تلقي أثقالها) (‪)3‬‬
‫ثم فسر‪ #‬المراد من اإلنسان في اآلية‪ ،‬فقال‪( :‬ويبقى اإلنس‪##‬ان ح‪##‬ائرا مدهوش‪##‬ا!‬
‫م‪##‬اذا ح‪##‬دث لألرض ح‪##‬تى تزل‪##‬زلت‪ ،‬وأخ‪##‬رجت م‪##‬ا في أحش‪##‬ائها‪ ،‬ولم‪##‬اذا وم‪##‬ا هي‬
‫قال اإْل ِ ْنسانُ ما لَها﴾‪ ..‬قال بعضهم‪ #:‬هذا هو الك‪##‬افر‪ #‬ال‪##‬ذي جح‪##‬د ب‪##‬اآلخرة‪،‬‬ ‫﴿و َ‬ ‫الغاية؟‪َ ..‬‬
‫فتساءل مع بروز‪ #‬أشراطها عنه‪##‬ا وق‪##‬ال‪ :‬م‪##‬اذا ح‪##‬دث؟ ولكن يب‪##‬دو أن تل‪##‬ك الح‪##‬وادث‬
‫ل إنسان على التساؤل) (‪)4‬‬ ‫المروعة تحمل ك ّ‬
‫فاستبقوا الخيرات‪:‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في الرواي‪##‬ة ال‪##‬تي وردت في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ت أَ ْينَ َما تَ ُكونُوا‪ #‬يَأْ ِ‬
‫ت بِ ُك ُم هَّللا ُ َج ِميعًا إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‪##‬لِّ َش ‪ْ #‬ي ٍء قَ ‪ِ #‬ديرٌ﴾‬ ‫﴿فَا ْستَبِقُوا‪ْ #‬ال َخ ْي َرا ِ‬
‫[البقرة‪ ،]148 :‬فقد روي‪ #‬في تفسيرها‪ #‬أنّها في أصحاب اإلمام المهدي‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬في سند هذه الروايات‪ #‬المفسّرة ض‪#‬عاف ومجهول‪##‬ون‪ ،‬مث‪##‬ل‬
‫ضل بن عمر‪ ،‬وسهل بن زياد‪ ،‬وبعض منهم مهمل ومجهول‪#..‬‬ ‫مح ّمد بن سنان‪ ،‬والمف ّ‬
‫باإلضافة إلى أن هذه اآلية وردت في سياق اآليات التي تشير إلى تعيين الكعبة قبل‪#‬ةً‬
‫هو(أن ك ّل ق‪##‬وم لهم قبل‪##‬ة مش‪#‬رّعة‬ ‫ّ‬ ‫للمسلمين‪ ،‬وحاصل‪ #‬الكالم‪ ،‬على ضوء هذه اآلية‪،‬‬

‫األمثل‪.20/376‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫األمثل‪.20/376‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫من هدي القرآن‪.18/276‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫من هدي القرآن‪.18/278‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪348‬‬
‫على حس‪##‬ب م‪##‬ا تقتض‪##‬يه مص‪##‬الحهم‪ #‬وليس حكم‪##‬ا ً تكوينيّ‪##‬ا ً ذاتي‪##‬ا ً ال يقب‪##‬ل التغي‪##‬ير‬
‫والتحوي‪##‬ل‪ ،‬فال يهم لكم البحث والمش‪##‬اجرة في‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬اتركوا ذل‪##‬ك واس‪##‬تبقوا الخ‪##‬يرات‬
‫فإن هللا سيجمعكم إلى يوم ال ريب في‪##‬ه) (‪ ..)1‬ول‪##‬ذلك فإن‪##‬ه‬ ‫وسارعوا‪ #‬إليها باالستباق‪ّ ،‬‬
‫يمكن قبولها‪ #‬من ب‪##‬اب الج‪##‬ري والتط‪##‬بيق‪ #‬المتس‪##‬امح في‪##‬ه‪ ..‬ال من ب‪##‬اب التفس‪##‬ير ال‪##‬ذي‬
‫يحرم فيه القول بالرأي المجرد عن الدليل(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسرها جميع مفس‪##‬رينا المعت‪##‬برين المعتم‪##‬دين بم‪##‬ا فس‪##‬رها ب‪##‬ه‬
‫غيرهم‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك قول بعضهم‪( #:‬هذه اآلية الكريم‪##‬ة ت‪##‬رد على الض‪##‬جة‬
‫التي أثارها اليهود حول تغيير القبلة وتقول‪﴿ :‬ولِ ُك ٍّل ِوجْ هَةٌ هُ َو ُم َولِّيه‪##‬ا﴾ ك‪##‬ان لألنبي‪##‬اء‬
‫عليهم السالم على م ّر التاريخ وجهات عديدة يولونها‪ ،‬وليست القبلة كأص‪##‬ول‪ #‬ال‪##‬دين‬
‫ال تقب‪##‬ل التغي‪##‬ير‪ ،‬وال أم‪##‬را تكويني ‪#‬ا‪ #‬ال يمكن مخالفت‪##‬ه‪ ،‬فال تطيل‪##‬وا‪ #‬الح‪##‬ديث في أم‪##‬ر‬
‫ت﴾‪ ،‬ألن معي‪##‬ار القيم‪##‬ة الوجودي‪##‬ة لإلنس‪##‬ان هي‬ ‫﴿اس‪#‬تَبِقُوا ْالخَ ْي‪##‬را ِ‬
‫القبل‪##‬ة‪ ،‬وب‪##‬دل ذل‪##‬ك ْ‬
‫أعمال الب ّ‬
‫ر والخير) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬قال آخر‪( :‬لكل قوم وجهة يتجهون إليه‪##‬ا من خالل القاع‪##‬دة الفكري‪##‬ة‬
‫اإليمانية التي يرتكزون عليه‪##‬ا في م‪##‬ا يأخ‪##‬ذون ب‪#‬ه أو يتركون‪##‬ه‪ ،‬أو ينطلق‪##‬ون ب‪#‬ه من‬
‫مواقع ومواقف‪ #‬وعالقات بالحياة وباإلنسان‪ ،‬سواء في ذلك األنبياء الذين ينطلق ك‪##‬ل‬
‫واحد منهم بملّته ووجهته التي تختلف في خصوصياتها‪ #‬فتتعدد جهاتها‪ ،‬ولكنها تلتقي‬
‫في اإلسالم الذي يجمع الرساالت كلها عند االنقي‪##‬اد هّلل في ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬وه‪##‬ذا ه‪##‬و م‪##‬ا‬
‫ينبغي للمس‪##‬لمين أن يتحرك‪##‬وا‪ #‬في‪##‬ه في انفت‪##‬احهم على الكعب‪##‬ة ال‪##‬تي أراد هّللا لهم أن‬
‫يتوجهوا‪ #‬إليها‪ ،‬بعيدا عن كل عناصر الشك التي يثيرها اليهود والمنافقون في عملية‬
‫تحويل القبلة التي ش ّرعها األنبياء من قبلهم‪ ،‬ألنه من الممكن أن يختلف اتج‪##‬اه القبل‪##‬ة‬
‫ت﴾ فهذا هو الوجه ال‪##‬ذي أراد‬ ‫بين رسالة وأخرى‪ ،‬وبين نبي وآخر‪﴿ ،‬فَا ْستَبِقُوا ْالخَ يْرا ِ‬
‫هّللا لكم أن تستقبلوه في كل مواقع حياتكم في رسالتكم التي ح ّملكم هّللا إياها من خالل‬
‫رسوله بالمس‪##‬ارعة إلى الخ‪##‬يرات ال‪##‬تي تمث‪##‬ل حرك‪##‬ة الحي‪##‬اة في إيجابياته‪##‬ا الروحي‪##‬ة‬
‫واألخالقية في اإلنسان بعالقته باإلنسان اآلخر‪ ،‬وبالكون من حوله‪ ،‬عند ما يقدم من‬
‫عقله وقلبه وروحه وجهده الكثير من األفكار‪ #‬والمشاعر والعواطف‪ #‬واألعم‪##‬ال ال‪##‬تي‬
‫تفتح آفاته على عوالم جديدة كما توجّه خطوات‪##‬ه إلى دروب جدي‪##‬دة‪ ،‬وترتف‪##‬ع بحيات‪##‬ه‬
‫إلى الدرجات العليا على مستوى تطوير طاقاته وتنميتها‪ #‬وتحويلها إلى عناصر حيّ‪##‬ة‬
‫في كل اتجاه من اتجاهات الحركة في الحياة) (‪)4‬‬
‫إقامة الصالة‪:‬‬
‫﴿و َم‪##‬ا‬
‫قال المدعي‪ :‬فما تقولون في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬

‫المصدر نفسهد‪.327/‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الميزان في تفسير القرآن‪ 1/334 ،‬و‪.335‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األمثل‪.1/422‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫من وحي القرآن‪.3/92‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪349‬‬
‫صاَل ةَ َوي ُْؤتُوا ال َّز َك‪##‬اةَ َو َذلِ‪##‬كَ‬ ‫صينَ لَهُ ال ِّدينَ ُحنَفَا َء َويُقِي ُموا ال َّ‬ ‫أُ ِمرُوا إِاَّل لِيَ ْعبُدُوا هَّللا َ ُم ْخلِ ِ‬
‫ِدينُ ْالقَيِّ َم ِة﴾ [البينة‪ ،]5 :‬فقد روي‪ #‬في تفسيرها‪ #‬أن ﴿الصالة﴾ هي اإلم‪##‬ام عل ّي(‪ ..)1‬ومث‪##‬ل‬
‫وح َي إِلَ ْي‪##‬كَ ِمنَ ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫ب‬ ‫ذلك أو قريب منه ما ورد في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ا ْت‪ُ #‬ل َم‪##‬ا أُ ِ‬
‫صاَل ةَ تَ ْنهَى َع ِن ْالفَحْ َشا ِء َو ْال ُم ْن َك ِر َولَ ‪ِ #‬ذ ْك ُ‪#‬ر هَّللا ِ أَ ْكبَ ‪ُ #‬ر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َم‪##‬ا‬
‫صاَل ةَ إِ َّن ال َّ‬ ‫َوأَقِِ‪#‬م ال َّ‬
‫تَصْ نَعُونَ ﴾ [العنكبوت‪ ،]45 :‬حيث ورد في الرواية أن سعد الخفّ‪##‬اف س‪##‬أل اإلم‪##‬ام الب‪##‬اقر‪:‬‬
‫وهل يتكلّم القرآن؟ فتب ّسم‪ #‬ث ّم ق‪#‬ال‪ :‬نعم ي‪#‬ا س‪#‬عد‪ ،‬والص‪#‬الة تتكلّم وله‪#‬ا ص‪#‬ورة وخل‪#‬ق‬
‫إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنك‪##‬ر ول‪##‬ذكر هللا أك‪##‬بر‪ ،‬ف‪##‬النهي كالم‬ ‫تأمر وتنهى‪ّ #..‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫والفحشاء والمنكر رجال‪ ،‬ونحن ذكر هللا ونحن أكبر ‪. 2‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)3‬في س‪##‬ند الرواي‪##‬ة األولى عم‪##‬روبن ش‪##‬مر‪ ،‬وهوض‪##‬عيف‬
‫أن فيه‪##‬ا‬ ‫غال‪ ..‬وأما الثانية؛ فضعيفة بسعد بن طريف الحنظلي راوي‪ #‬الحديث‪ ..‬كم‪##‬ا ّ‬
‫علي بن العبّاس الخراذيني‪ #‬الرازي‪ ،‬وهوضعيف‪ #‬غ‪##‬ال‪ ..‬وفيه‪#‬ا‪ #‬س‪##‬فيان الحري‪##‬ري أو‬
‫(صفوان الحريري) والحسين بن عبد الرحمن‪ ،‬وهم مهملون‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬والدليل على أن تلك الروايات من وضع المغالين الذين ك‪##‬ذبوا على‬
‫أئمة الهدى‪ ،‬ما روي عن اإلم‪#‬ام الص‪#‬ادق أن‪#‬ه ق‪#‬ال‪( :‬اح‪#‬ذروا‪ #‬على ش‪#‬بابكم‪ #‬الغالة ال‬
‫يفسدوهم‪ ،‬فإن الغالة ش ّر خلق هللا) إلى أن قال‪( :‬إلين‪##‬ا يرج‪##‬ع الغ‪##‬الي فال نقبل‪#‬ه‪ ،‬وبن‪#‬ا‬
‫صر فنقبله)‪ ،‬فقيل له‪ :‬كيف ذلك يا ابن رسول هَّللا ؟ قال‪( :‬الغ‪##‬الي ق‪##‬د اعت‪##‬اد‬ ‫يلحق المق ّ‬
‫ترك الصالة والزكاة والصَّيام والحجِّ ‪ ،‬فال يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى‬ ‫َّ‬
‫ز وجل أبداً‪ ،‬وإن المقصّر إذا عرف عمل وأطاع) (‪)4‬‬ ‫طاعة هللا ع ّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي أنه قيل لإلمام العسكري‪( :‬إن علي بن حسكة ي ‪َّ #‬دعي‬
‫أنه من أوليائك وأنك أنت األول الق‪##‬ديم وأن‪##‬ه باب‪##‬ك ونبي‪##‬ك أمرت‪##‬ه أن ي‪##‬دعو الى ذل‪##‬ك‬
‫ويزعم أن الصالة والزكاة والحج والصوم‪ #‬كل ذلك معرفت‪##‬ك‪ #،‬ومعرف‪##‬ة من ك‪##‬ان في‬
‫مث‪#‬ل ح‪#‬ال ابن حس‪#‬كة فيم‪#‬ا ي‪#‬دعي من النياب‪#‬ة والنب‪#‬وة فه‪#‬و م‪#‬ؤمن كام‪#‬ل س‪#‬قط عن‪#‬ه‬
‫االستعباد‪ #‬بالصوم والصالة والحج‪ ،‬وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذل‪##‬ك كل‪##‬ه م‪##‬ا‬
‫ثبت ل‪##‬ك‪ ،‬وم‪##‬ال إلي‪##‬ه ن‪##‬اس كث‪##‬ير ف‪##‬إن رأيت أن تمن على موالي‪##‬ك بج‪##‬واب في ذل‪##‬ك‬
‫تنجيهم من الهلك‪##‬ة)‪ ،‬فكتب اإلم‪##‬ام العس‪##‬كري‪( #:‬ك‪##‬ذب ابن حس‪##‬كة علي‪##‬ه لعن‪##‬ة هللا‬
‫وبحسبك‪ #‬أني ال أعرفه في موالي ماله لعن‪##‬ه هللا‪ ،‬فوهللا م‪##‬ا بعث هللا محم‪##‬دا واألنبي‪##‬اء‬
‫من قبله إال بالحنيفية والصالة والزكاة والحج والصيام‪ #‬والوالية‪ ،‬وما دعا محم‪##‬د ‪‬‬
‫إال إلى هللا وحده ال شريك له) (‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا ورد من األح‪##‬اديث الدال‪##‬ة على معارض‪##‬ة األئ ّم‪##‬ة لتأوي‪##‬ل‬
‫اآليات والموضوعات الشرعية فيهم‪ ،‬فق‪##‬د كتب بعض‪##‬هم إلى اإلم‪##‬ام الك‪##‬اظم في ق‪##‬وم‬
‫البرهان في تفسير القرآن‪.4/489 ،‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الكافي‪.2/598 ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجلة المنهاج‪ ،‬ع‪.32/271‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أمالي الطوسي‪.٢٦٤ ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫بحار االنوار‪.٢٦٥/ ٢٥ :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪350‬‬
‫إن ق‪##‬ول هللا‬‫يتكلّمون ويقرأون أحاديث وينسبونها‪ #‬إليك‪ ،‬ومن أق‪##‬اويلهم أنّهم يقول‪##‬ون‪ّ :‬‬
‫‪#‬ر﴾ [العنكب‪##‬وت‪ ]45 :‬معناه‪##‬ا رج‪##‬ل‪ ،‬ال‬‫صاَل ةَ تَ ْنهَى َع ِن ْالفَحْ َش‪#‬ا ِء َو ْال ُم ْن َك‪ِ #‬‬
‫ع ّز وجلّ‪﴿ :‬إِ َّن ال َّ‬
‫ركوع‪ #‬وال سجود‪ ،‬وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل ال عدد درهم وال إخ‪##‬راج م‪##‬ال‪،‬‬
‫وأش‪##‬ياء من الف‪##‬رائض والس‪##‬نن والمعاص‪##‬ي تأوّلوه‪##‬ا‪ ..‬فكتب إلي‪##‬ه‪ :‬ليس ه‪##‬ذا دينن‪##‬ا‬
‫فاعتزله (‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسر جميع مفسرينا‪ #‬المعت‪#‬برين المعتم‪##‬دين إقام‪##‬ة الص‪##‬الة بم‪#‬ا‬
‫فسرها‪ #‬به غيرهم‪ ،‬وفي جمي‪##‬ع المواض‪#‬ع‪ #‬ال‪##‬واردة في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة‬
‫على ذلك قول بعضهم‪( :‬طبيعة الصالة ـ حيث أنّها تذكر ب‪##‬أقوى‪ #‬رادع للنفس‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫االعتقاد بالمبدأ والمعاد‪ #‬ـ تردع عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬فاإلنسان الذي يق‪##‬ف للص‪##‬الة‪،‬‬
‫ويكبّر‪ ،‬يرى هّللا أعلى من كل ش‪##‬يء وأس‪##‬مى‪ #‬من ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬ويت‪##‬ذكر نعم‪##‬ه فيحم‪##‬ده‬
‫ويشكره‪ ،‬ويثني عليه وينعته بأنّ‪##‬ه رحم‪##‬ان رحيم‪ ،‬وي‪##‬ذكر‪ #‬ي‪##‬وم الج‪##‬زاء (ي‪##‬وم ال‪##‬دين)‬
‫ويعترف بالعبودية له‪ ،‬ويطلب منه العون‪ ،‬ويستهديه الصراط‪ #‬المستقيم‪ ،‬ويتع‪##‬وذ‪ #‬ب‪##‬ه‬
‫من طريق المغض‪##‬وب‪ #‬عليهم‪ ،‬ويلتجئ إلي‪##‬ه (مض‪##‬مون س‪##‬ورة الحم‪##‬د)‪ ..‬فال ش‪##‬ك ّ‬
‫أن‬
‫ق‪ ،‬وان‪##‬دفاع نح‪##‬و‬ ‫قلب مثل هذا اإلنسان وروح‪##‬ه س‪##‬وف ت‪##‬دبّ فيه‪##‬ا حرك‪##‬ة نح‪##‬و الح‪ّ #‬‬
‫الطه‪##‬ارة‪ ،‬ونه‪##‬وض نح‪##‬و التق‪##‬وى‪ ..‬يرك‪##‬ع هّلل ‪ ..‬ويض‪##‬ع جبهت‪##‬ه على األرض س‪##‬اجدا‬
‫لحضرته‪ ،‬ويغرق في عظمته‪ ،‬وينس‪#‬ى‪ #‬أنانيت‪##‬ه وذاتيّات‪##‬ه جميع‪##‬ا‪ ،‬و يش‪##‬هد بوحدانيت‪##‬ه‬
‫وبرسالة النّبي ‪ ،‬و يصلي ويسلم‪ #‬على نبيّه‪ ،‬ويرفع‪ #‬يديه متضرعا بالدعاء ليجعل‪##‬ه‬
‫في زمرة عباده الص‪##‬الحين‪ ..‬جمي‪##‬ع ه‪##‬ذه األم‪#‬ور تمنح وج‪##‬وده موج‪#‬ا من المعنوي‪##‬ة‪،‬‬
‫وتكون سدا منيعا بوجه الذنوب‪ ،‬و يتكرر هذا العمل ع‪##‬دة م‪#‬رّات (لي‪##‬ل نه‪##‬ار) فحين‬
‫ينهض صباحا يقف بين يدي ربّه وخالقه ليناجيه‪ ..‬وعند منتصف النهار وبينم‪##‬ا ه‪##‬و‬
‫غارق في حيات‪##‬ه المادي‪##‬ة يفاج‪##‬أ بص‪##‬وت تكب‪##‬ير الم‪##‬ؤذن‪ ،‬فيقط‪##‬ع عمل‪##‬ه ويس‪##‬رع إلى‬
‫حضرته‪ ،‬ب‪##‬ل في آخ‪##‬ر النه‪##‬ار بداي‪##‬ة اللي‪##‬ل أيض‪##‬ا وقب‪##‬ل أن ي‪##‬دلف إلى ف‪##‬راش الدع‪##‬ة‬
‫والراحة‪ ،‬يدعوه ويطلب منه حاجته‪ ،‬ويجعل قلبه مركز أنواره‪ ..‬وبغض النظ‪##‬ر عن‬
‫فإن اإلنسان حين يتهيأ لمقدمات الصالة‪ ،‬يطهّر بدنه ويبع ‪#‬د‪ #‬عن‪##‬ه مس‪##‬ائل‬ ‫كل ما تقدم ّ‬
‫الحرام والغص‪##‬ب‪ ،‬ويتج‪##‬ه إلى الح‪##‬بيب‪ ،‬فك‪ّ #‬ل ه‪##‬ذه األم‪##‬ور له‪##‬ا ت‪##‬أثير رادع لن‪##‬وازع‬
‫أن كل صالة ـ بحس‪##‬ب ش‪##‬روط‪ #‬الكم‪##‬ال وروح‬ ‫الفحشاء والمنكر‪ #..‬غاية ما في األمر ّ‬
‫العبادة لها ـ أثر رادع ناه عن الفحشاء والمنكر‪ #،‬فتارة تنهى نهيا كليّا وأخرى‪ #‬جزئي‪##‬ا‬
‫ومحدودا‪ ..‬وال يمكن ألحد أن يصلي وال تدع الصالة فيه أثرا حتى لو كانت الصالة‬
‫صورية‪ ،‬وحتى لو كان ملوّثا بالذنب! وبالطبع ف‪ّ #‬‬
‫‪#‬إن مث‪##‬ل ه‪##‬ذه الص‪##‬الة قليل‪##‬ة الفائ‪##‬دة‬
‫ومثل هؤالء األفراد‪ #‬لو لم يصلّوا صالة كهذه لكانوا أسوأ م ّما هم عليه) (‪)2‬‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪:‬‬
‫ق‪###‬ال الم‪###‬دعي‪ :‬فم‪###‬ا تقول‪###‬ون في الرواي‪###‬ة ال‪###‬تي وردت في تفس‪###‬ير (األم‪###‬ر‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪( 25/315 ،‬نقاًل عن رجال الكشي‪ 321/‬و‪)322‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪.12/400‬‬
‫‪351‬‬
‫بالمعروف) باإلمام عل ّي‪ ،‬و(النهي عن المنك‪##‬ر) بمن ظلم‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬د روي في تفس‪##‬يرها‬
‫أنه لما قدم اإلمام الصادق‪ #‬العراق نزل الح‪##‬يرة‪ ،‬ف‪##‬دخل علي‪##‬ه أب‪##‬و حنيف‪##‬ة وس‪##‬أله عن‬
‫مس‪##‬ائل‪ ،‬وك‪##‬ان مم‪##‬ا س‪##‬أله أن ق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬جعلت ف‪##‬داك‪ ،‬م‪##‬ا األم‪##‬ر ب‪##‬المعروف؟ فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(المعروف‪ #‬ـ يا أبا حنيفة ـ المعروف‪ #‬في أهل الس‪##‬ماء‪ ،‬المع‪##‬روف في أه‪##‬ل األرض‪،‬‬
‫وذاك أم‪##‬ير المؤم‪##‬نين علي بن أبي ط‪##‬الب)‪ ..‬ق‪##‬ال‪ :‬جعلت ف‪##‬داك‪ ،‬فم‪##‬ا المنك‪##‬ر؟ ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(اللذان ظلماه حقه‪ ،‬وابتزاه أمره‪ ،‬وحمال الناس على كتفه)‪ ..‬قال‪ :‬أال ما هو أن ترى‬
‫الرجل على معاصي هللا فتنه‪#‬اه عنه‪#‬ا؟ فق‪#‬ال‪( :‬ليس ذاك أم‪#‬را ب‪#‬المعروف‪ ،‬وال نهي‪#‬ا‬
‫عن المنكر إنما ذاك خير قدمه) (‪)1‬‬
‫المفس‪###‬رة مح ّم‪###‬د بن ع‪###‬ائر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ق‪###‬ال أح‪###‬د المتهمين‪ :‬في س‪###‬ند ه‪###‬ذه الرواي‪###‬ات‪#‬‬
‫وهومهمل‪ #..‬ويمكنك الرجوع لكتب الفق‪#‬ه عن‪#‬دنا ل‪#‬ترى م‪##‬ا يقول‪#‬ه فقهاؤن‪##‬ا في أب‪##‬واب‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وستجد أنها نفس ما يقوله جميع المسلمين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا فسر جميع مفسرينا‪ #‬هذا بما فسرها‪ #‬به غ‪##‬يرهم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة‬
‫‪#‬ال َم ْعر ِ‬
‫ُوف‬ ‫الص‪#‬اَل ةَ َو ْأ ُم‪#‬رْ بِ ْ‬
‫ي أَقِ ِم َّ‬ ‫على ذلك قول بعضهم في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا بُنَ َّ‬
‫ور﴾ [لقمان‪( :]17 :‬وبعد‬ ‫ُ‬
‫صابَكَ إِ َّن َذلِكَ ِم ْن ع َْز ِم اأْل ُم ِ‪#‬‬ ‫َوا ْنهَ ع َِن ْال ُم ْن َك ِر َواصْ بِ ْ‪#‬ر َعلَى َما أَ َ‬
‫الصالة يتط ّرق‪ #‬لقمان عليه السالم إلى أه ّم دستور‪ #‬اجتم‪##‬اعي‪ ،‬أي األم‪##‬ر ب‪##‬المعروف‪#‬‬
‫ُوف َوا ْنهَ ع َِن ْال ُم ْن َك ِر﴾ [لقمان‪ ]17 :‬و بعد ه‪##‬ذه‬ ‫والنهي عن المنكر‪ ،‬فيقول‪َ ﴿ :‬و ْأ ُمرْ بِ ْال َم ْعر ِ‪#‬‬
‫األوامر‪ #‬العمليّة المه ّمة الثالثة‪ ،‬ينتقل إلى مسألة الص‪##‬بر واالس‪##‬تقامة‪ ،‬وال‪##‬تي هي من‬
‫ص‪#‬ابَكَ إِ َّن َذلِ‪##‬كَ ِم ْن‬ ‫اص‪#‬بِ ْ‪#‬ر َعلَى َم‪##‬ا أَ َ‬ ‫﴿و ْ‬ ‫اإليمان بمنزلة ال‪##‬رأس من الجس‪##‬د‪ ،‬فيق‪##‬ول‪َ :‬‬
‫‪#‬ور﴾ [لقم‪##‬ان‪ ]17 :‬من المس‪##‬لّم أنّ‪##‬ه توج‪##‬د مش‪##‬اكل وعقب‪##‬ات كث‪##‬يرة في س‪##‬ائر‬ ‫َع‪ُ ْ #‬‬
‫‪#‬ز ِم اأْل ُم‪ِ #‬‬
‫األعمال االجتماعية‪ ،‬وخاصّة في مسألة األمر بالمعروف‪ #‬والنهي عن المنك‪##‬ر‪ ،‬ومن‬
‫أن أص‪###‬حاب المص‪###‬الح والمتس‪###‬لّطين‪ ،‬والمج‪###‬رمين واألن‪###‬انيّين ال‬ ‫المس‪###‬لّم أيض‪###‬ا ّ‬
‫يستسلمون‪ #‬بهذه السهولة‪ ،‬بل يسعون إلى إيذاء واتّهام اآلمرين ب‪##‬المعروف‪ #‬والن‪##‬اهين‬
‫عن المنك‪##‬ر‪ ،‬وال يمكن اإلنتص‪##‬ار على ه‪##‬ذه المص‪##‬اعب والعقب‪##‬ات ب‪##‬دون الص‪##‬بر‬
‫والتح ّمل واالستقامة أبدا) (‪)2‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ويقول في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أيُّهَ‪##‬ا ال ِذينَ آ َمن‪##‬وا ق‪##‬وا أنف َس‪#‬ك ْم َوأهلِيك ْ‪#‬م ن‪##‬ارًا‬
‫ارةُ َعلَ ْيهَا َماَل ئِ َكةٌ ِغاَل ظٌ ِشدَا ٌد اَل يَ ْعصُونَ هَّللا َ َما أَ َم َرهُ ْم َويَ ْف َعلُونَ‬‫َوقُو ُدهَا النَّاسُ َو ْال ِح َج َ‬
‫أن األم‪##‬ر ب‪##‬المعروف‪ #‬والنهي عن المنك‪##‬ر‬ ‫َم‪##‬ا يُ‪#ْ #‬ؤ َمرُونَ ﴾ [التح‪##‬ريم‪( :]6 :‬من الواض‪##‬ح ّ‬
‫أن مس‪##‬ئولية‬ ‫فريض‪##‬ة عا ّم‪##‬ة على جمي‪##‬ع الن‪##‬اس وال تخصّ بعض‪##‬ا دون آخ‪##‬ر‪ ،‬غ‪##‬ير ّ‬
‫اإلنسان تجاه زوجته وأبنائ‪##‬ه أك‪##‬د من غيره‪##‬ا وأش‪ّ #‬د إلزام‪##‬ا‪ ،‬كم‪##‬ا يتجلّى ذل‪##‬ك بش‪##‬كل‬
‫واضح من الروايات الواردة في مصادر‪ #‬عديدة‪ ،‬وكذلك اآليات الس‪##‬ابقة ال‪##‬تي ت‪##‬دعو‬
‫اإلنسان ألن يبذل أقصى جهده لتربي‪##‬ة أهل‪##‬ه وتعليمهم‪ #،‬ونهيهم عن ارتك‪##‬اب ال‪##‬ذنوب‬
‫وحثّهم‪ #‬على اكتس‪##‬اب الخ‪##‬يرات‪ ،‬وال ينبغي علي‪##‬ه أن يقن‪##‬ع ويكتفي بتوف‪##‬ير الغ‪##‬ذاء‬
‫‪ )(1‬البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬البحراني (‪)5/977‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪.13/47‬‬
‫‪352‬‬
‫أن المجتمع عب‪##‬ارة عن ع‪##‬دد معيّن من وح‪##‬دات ص‪##‬غيرة ت‪##‬دعى‬ ‫الجسمي لهم‪ ..‬و بما ّ‬
‫فإن االهتمام بالعائلة وتربيتها‪ #‬تربية إسالمية صحيحة سيجعل أمر إص‪##‬الح‬ ‫(العائلة) ّ‬
‫ّ‬
‫خاص‪#‬ة في‬ ‫المجتمع أس‪##‬هل وأيس‪##‬ر‪ ،‬و ت‪##‬برز ه‪##‬ذه المس‪##‬ؤولية أك‪##‬ثر وتكتس‪##‬ب أهميّ‪##‬ة‬
‫العص‪##‬ر ال‪##‬راهن‪ ،‬حيث تجت‪##‬اح المجتم‪##‬ع موج‪##‬ات من الفس‪##‬اد والض‪##‬الل الخط‪##‬رة‪،‬‬
‫وتحتاج إلى وضع برنامج دقيق‪ #‬وم‪##‬دروس لتربي‪##‬ة العائل‪##‬ة لمواجه‪##‬ة ه‪##‬ذه الموج‪##‬ات‬
‫دون التأثّر بها واالنجراف‪ #‬مع تيارها) (‪)1‬‬
‫مصادر التفسير المنحرف‪:‬‬
‫ق‪###‬ال الم‪###‬دعي‪ :‬ال ب‪###‬أس‪ ..‬دعن‪###‬ا من ك‪###‬ل ه‪###‬ذه النم‪###‬اذج‪ ..‬ولنهتم‪ #‬باألص‪###‬ول‬
‫والمصادر‪ ..‬فكل ما ذكرناه من األحاديث والروايات مقتبس منه‪##‬ا‪ ..‬ألس‪##‬تم تعتم‪##‬دون‬
‫تفسير الحسن العسكرى‪ ،‬وهو أحد أئمتكم‪ ..‬ومثله تفسير محمد بن مسعود‪ #‬بن محم‪##‬د‬
‫بن عي‪##‬اش الس‪##‬لمى الك‪##‬وفى‪ #‬المع‪##‬روف‪ #‬بتفس‪##‬ير العياش‪##‬ى من علم‪##‬اء الق‪##‬رن الث‪##‬الث‬
‫تعولون كثيراً‪ ..‬ومثله تفس‪##‬ير‬ ‫الهجرى‪ ،‬وهو من أُمهات كتب التفسير عندكم‪ ..‬وعليه ِّ‬
‫عل ّى بن إب‪##‬راهيم‪ #‬القُ ِّمى فى أواخ‪##‬ر الق‪##‬رن الث‪##‬الث وأوائ‪##‬ل الق‪##‬رن الراب‪##‬ع الهج‪##‬رى‪..‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وكلها مملوءة بالضالالت والتحريفات‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬نحن ـ سيدي ـ مع احترامنا‪ #‬لجميع كتب التفس‪##‬ير والح‪##‬ديث‬
‫إال أننا ال نعتبر أحدا منها معصوما‪ #،‬بل نعرض ما في‪##‬ه على كت‪##‬اب هللا تع‪##‬الى؛ ف‪##‬إن‬
‫وافقه قبلناه‪ ،‬وإال رفضناه‪ ،‬ولهذا؛ فإنه ال يوجد عندنا ما يمكن اعتباره كتاب‪##‬ا معتم‪##‬دا‬
‫أو صحيحا مجردا‪ ،‬وكيف يكون ذلك‪ ،‬وكل من ألفوها غ‪#‬ير معص‪#‬ومين‪ ،‬وح‪##‬تى ل‪#‬و‬
‫كانوا كذلك فالرواة عنهم غير معصومين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬نحن نعمل في ذلك بم‪##‬ا أوص‪##‬انا ب‪##‬ه رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ال‪##‬ذي ق‪##‬ال‪( :‬إذا‬
‫ج‪##‬اءكم ح‪##‬ديث فاعرض‪##‬وه على كت‪##‬اب هللا‪ ،‬فم‪##‬ا واف‪#‬ق‪ #‬كت‪##‬اب هللا فخ‪##‬ذوه وم‪##‬ا خالف‪##‬ه‬
‫فاطرحوه‪ ،‬أو ردوه علينا)(‪)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه م‪##‬ا روي عن جمي‪##‬ع أئمتن‪##‬ا‪ ،‬ومنهم اإلم‪##‬ام علي ال‪##‬ذي ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(الوقوف‪ #‬عند الشبهة خي ٌر من االقتحام‪ #‬في الهلكة‪ ،‬وترك‪##‬ك ح‪##‬ديثا لم ت‪##‬روه خ‪##‬ي ٌر من‬
‫ق حقيقة‪ ،‬وعلى كل صواب نورا‪ ،‬فما وافق‬ ‫إن على كل ح ّ‬ ‫روايتك‪ #‬حديثا لم تحصه‪ّ ،‬‬
‫كتاب هللا فخذوا به‪ ،‬وما خالف كتاب هللا فدعوه)(‪ ،)3‬وقال‪( :‬ما جاءتك رواية من بر‬
‫أو فاجر توافق‪ #‬القرآن فخذ بها‪ ،‬وما جاءتك من رواية من بر أو فاجر تخالف القرآن‬
‫فال تأخذ بها)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن اإلمام الصادق أنه قال‪( :‬ك‪##‬ل ش‪##‬يء م‪##‬ردود إلى‬
‫كتاب هللا والسنة‪ ،‬فكل حديث ال يوافق‪ #‬كتاب هللا فهو زخرف)(‪)5‬‬

‫األمثل‪.18/456‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫تهذيب األحكام ‪.7/225‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫بحار األنوار‪ ،2/165 :‬وتفسير العياشي‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫صحيح الكافي ‪ 1‬ص‪.11‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫وسائل الشيعة ‪.78/ 18‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪353‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا اعتبر علماؤنا كل كتبهم الحديثية محال للمناقش‪##‬ة والنق‪##‬د ألي‬
‫رج‪##‬ل بل‪##‬غ درج‪#‬ة االجته‪#‬اد من غ‪#‬ير نك‪#‬ير علي‪#‬ه‪ ،‬وق‪#‬د ق‪##‬ال الش‪##‬يخ المفي‪#‬د في كتاب‪#‬ه‬
‫[تص‪##‬حيح االعتق‪##‬اد]‪( :‬وكت‪##‬اب هللا تع‪##‬الى مق ‪َّ #‬دم على األح‪##‬اديث والرواي‪##‬ات‪ ،‬وإلي‪##‬ه‬
‫ق دون سواه)(‪)1‬‬ ‫يتقاضى في صحيح األخبار وسقيمها‪ ،‬فما قضى‪ #‬به فهو‪ #‬الح ّ‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ولهذا؛ فإن الجوامع الحديثية التي حوت على أمثال تلك التفاسير‬
‫المأثورة نقال عن األئ ّمة لم يك‪##‬د يص‪##‬ح منه‪##‬ا إاّل القلي‪##‬ل الن‪##‬ادر‪ ..‬فتفس‪##‬ير‪ #‬أبي النض‪##‬ر‬
‫محمد بن مس‪##‬عود‪ #‬العياش‪##‬ي (ت‪##‬وفّي ‪ )320‬ال‪##‬ذي ك‪##‬ان من أجم‪##‬ع التفاس‪##‬ير الم‪##‬أثورة‪،‬‬
‫أصبح مقطوع‪ #‬اإلسناد‪ ،‬حين حذف أسانيده بعض الناسخين لعذر غير وجيه‪ ،‬وب‪##‬ذلك‬
‫أسقط مثل هذا التفسير الثمين عن الحجّية واالعتبار‪#.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬ومثل‪##‬ه تفس‪##‬ير ف‪##‬رات بن إب‪##‬راهيم الك‪##‬وفي‪( #‬ت‪##‬وفّي ‪ ،)300‬وق‪##‬د‬
‫أسقطت أسانيده أيض‪##‬ا‪ ..‬ومثلهم‪#‬ا تفس‪##‬ير محم‪#‬د بن العب‪#‬اس ماهي‪#‬ار المع‪##‬روف ب‪##‬ابن‬
‫الحجّام (توفّي ‪ ،)330‬حيث لم يوجد منه سوى روايات مقطوعة اإلسناد‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬فهذه تفاس‪##‬ير ك‪#‬انت برواي‪##‬ات مس‪##‬ندة إلى أئم‪##‬ة أه‪#‬ل ال‪##‬بيت‪ ،‬وق‪#‬د‬
‫أصبحت مقطوعة اإلسناد فاقدة االعتبار‪ ،‬ال يجوز‪ #‬االستناد إليها في معرفة م‪##‬ا قال‪##‬ه‬
‫األئ ّمة في التفسير‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ : 5‬وهك‪##‬ذا؛ ف‪##‬إن تفس‪##‬ير أبي الج‪##‬ارود‪ ،‬زي‪##‬اد بن المن‪##‬ذر الهم‪##‬داني‬
‫)‬
‫الخارفي‪ #‬الملقّب بسرحوب (توفّي‪ )150 #‬الذي يرويه عن اإلمام الباقر‪ ،‬فإنه ضعيف‬
‫ال اعتبار له‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬ومثله تفسيرأحمد بن محمد السياري (ت‪##‬وفّي ‪ ،)268‬فه‪##‬و تفس‪##‬ير‬
‫متقطع مختصر اعتمد المأثور‪ #‬عن األئ ّمة‪ ،‬غير أنه ضعيف‪ #‬الحديث‪ ،‬فاسد المذهب‪،‬‬
‫مجف ّو الرواية‪ ،‬كث‪##‬ير المراس‪##‬يل‪ ،‬حس‪##‬بما وص‪##‬فه أرب‪##‬اب ال‪##‬تراجم‪ ..‬وك‪##‬ان الق ّمي‪##‬ون ـ‬
‫المحتاطون في نقل الحديث ـ يحذفون من كتب الحديث ما كان برواية السيّاري(‪.)7‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)8‬ومثله تفس‪##‬ير النعم‪##‬اني‪ ،‬المنس‪##‬وب إلى أبي عب‪##‬د هّللا محم‪##‬د بن‬
‫إب‪##‬راهيم النعم‪##‬اني‪ #‬من أعالم الق‪##‬رن الراب‪##‬ع (ت‪##‬وفّي‪ ،)360 #‬فه‪##‬و تفس‪##‬ير مجه‪##‬ول‪ ،‬لم‬
‫يعرف واضعه‪ ،‬وإنما نس‪##‬ب إلى النعم‪##‬اني‪ #‬عف‪##‬وا ولم يثبت؛ فق‪##‬د ع‪##‬زي ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير‬
‫المش‪##‬تمل على توجي‪##‬ه اآلي‪##‬ات المتعارض‪##‬ة ـ فيم‪##‬ا زعم‪##‬ه واض‪##‬عه ـ إلى ثالث‪##‬ة من‬
‫شخصيات المعة في تاريخ اإلسالم‪ ،‬هم‪ :‬السيد المرتضى علم الهدى‪ ،‬وسعد‪ #‬بن عبد‬

‫تصحيح االعتقاد‪.44 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/477 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/477 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/477 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/477 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/477 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫الذريعة‪.17/52 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/479 :‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪354‬‬
‫هّللا األشعري‪ #‬الق ّمي‪ ،‬والنعماني هذا‪ ،‬والجميع مكذوب عليهم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومثله التفسير المنسوب إلى علي بن إب‪##‬راهيم الق ّمي (ت‪##‬وفّي‪329 #‬‬
‫هـ) فه‪##‬و من ص‪##‬نع أح‪##‬د تالمي‪##‬ذه المجه‪##‬ولين‪ ،‬وه‪##‬و‪ :‬أب‪##‬و الفض‪##‬ل العب‪##‬اس بن محم‪##‬د‬
‫العلوي‪ ،‬الذي أخذ شيئا من التفسير بإمالء شيخه علي بن إب‪##‬راهيم‪ ،‬ومزج‪##‬ه بتفس‪##‬ير‬
‫أبي الجارود‪ ،‬وأضاف‪ #‬إليه شيئا م ّما رواه هو عن غير طريق شيخه بسائر‪ #‬الطرق‪،‬‬
‫فهو تفس‪##‬ير م‪##‬زيج ثالثي األس‪##‬انيد‪ ،‬ولم يع‪##‬رف لح‪ّ #‬د اآلن من ه‪##‬ذا العب‪##‬اس العل‪##‬ويّ‪،‬‬
‫واضع هذا التفسير‪ ..‬كما أن الراوي‪ #‬عن أبي الفضل ه‪##‬ذا أيض‪##‬ا مجه‪##‬ول‪ ،‬فلم يص‪##‬ح‬
‫الطريق‪ #‬إلى هذا التفسير‪ ،‬كم‪##‬ا لم يعتم‪##‬ده أرب‪##‬اب الجوام‪##‬ع الحديثي‪##‬ة‪ ،‬فلم ي‪##‬رووا‪ #‬عن‬
‫الكتاب‪ ،‬وإنما كانت رواياتهم‪ #‬عن علي بن إبراهيم بإسنادهم إلي‪##‬ه ال إلى كتاب‪##‬ه‪ ،‬فه‪##‬و‬
‫تفسير مجهول االنتساب(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫قال آخر(‪ :)3‬و في القرن الحادي عشر قام مؤلفان كبيران‪ ،‬هما‪ :‬الس‪##‬يد هاش‪##‬م‬
‫بن س‪###‬ليمان البح‪###‬راني‪ #‬المت‪###‬وفّى س‪###‬نة (‪ 1107‬أو ‪ )1109‬وعب‪###‬د علي بن جمع‪###‬ة‬
‫الح‪##‬ويزي المت‪##‬وفّى‪ ،)1091( #‬فجمع‪##‬ا الم‪##‬أثور من أح‪##‬اديث أه‪##‬ل ال‪##‬بيت ال‪##‬واردة في‬
‫التفسير‪ ،‬من الكتب اآلنفة‪ ،‬وما جاء عرضا في سائر الكتب الحديثيّة‪ ،‬أمث‪##‬ال الك‪##‬افي‬
‫وكتب الص‪##‬دوق وكتب الش‪##‬يخ‪ ،‬ونحوه‪##‬ا‪ ،‬فج‪##‬اء م‪##‬ا جمع‪##‬ه الس‪##‬يد البح‪##‬راني باس‪##‬م‬
‫(البرهان)‪ ،‬والشيخ الحويزي‪ #‬باسم (نور الثقلين)‪ ،‬وقد اشتمال على تفس‪##‬ير كث‪##‬ير من‬
‫اآليات القرآنية‪ ،‬بصورة متقطّعة‪ ،‬ولكن حسب ترتيب السور‪ ،‬من كل س‪##‬ورة آي‪##‬ات‪،‬‬
‫ومن غ‪##‬ير وف‪##‬اء بتفس‪##‬ير كام‪##‬ل اآلي‪##‬ة‪ ،‬س‪##‬وى الموض‪##‬ع ال‪##‬ذي تع‪##‬رض ل‪##‬ه الح‪##‬ديث‬
‫أن غالبيّ‪##‬ة ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات م ّم‪##‬ا ال ي‪##‬وزن باالعتب‪##‬ار؛ حيث ض‪##‬عف‬ ‫الم‪##‬أثور‪ #..‬غ‪##‬ير ّ‬
‫إسنادها‪ ،‬أو إرسالها‪ ،‬أو مخالفة مض‪##‬امينها‪ #‬م‪##‬ع أص‪##‬ول العقي‪##‬دة أو مب‪##‬اني الش‪##‬ريعة‪،‬‬
‫فضال عن مخالفة العلم أو العقل الرشيد‪ ،‬األمر الذي ي‪##‬وهن ص‪##‬دور مثله‪##‬ا عن أئم‪##‬ة‬
‫أهل البيت؛ إذ يجب تنزيه ساحتهم عن صدور مثل هذه األخبار الضعاف‪.‬‬
‫تفسير العسكري‪:‬‬
‫قال المدعي(‪ :)4‬مع احترامي لكل ما ذكرتم‪##‬وه؛ ف‪##‬إن ذل‪##‬ك ال يكفي‪ ..‬وخاص‪##‬ة‬
‫م‪##‬ع التفاس‪##‬ير الخط‪##‬يرة ال‪##‬تي تح‪##‬وي الكث‪##‬ير من المفاس‪##‬د العقدي‪##‬ة‪ ..‬وأوله‪##‬ا التفس‪##‬ير‬
‫المنس‪##‬وب للحس‪##‬ن العس‪##‬كري‪ #..‬والكت‪##‬اب ممل‪##‬وء ب‪##‬االفتراء‪ #‬على هللا تع‪##‬الى‪ ،‬وعلى‬
‫رسوله ‪ ‬وعلى أهل البيت األطهار‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬إن هذا التفس‪##‬ير‪ ،‬س‪##‬يدي‪ ،‬ليس من الكتب المعت‪##‬برة عن‪##‬دنا‪،‬‬
‫وقد‪ #‬صرح أكثر علمائنا ومحدثينا بذلك‪ ..‬ومنهم العالمة أحمد بن الحسين المع‪##‬روف‬
‫المفس‪#‬ر االس‪##‬ترابادي‪ ،‬روى عن‪##‬ه‬ ‫ّ‬ ‫بابن الغضائري‪ ،‬فقد قال عنه‪( :‬محم‪##‬د بن القاس‪##‬م‬

‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/479 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الذريعة‪ 4/302 :‬ـ ‪ .303‬والصيانة‪ 229/‬ـ ‪.231‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.1/480 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مع الشيعة االثني عشرية في األصول والفروع لعلي السالوس‪ ،‬ص‪.478‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪355‬‬
‫كذاب‪ ،‬روي عنه تفسيرا يروي‪##‬ه عن رجلين مجه‪##‬ولين‬ ‫أبو جعفر بن بابويه‪ ،‬ضعيف ّ‬
‫أحدهما‪ :‬يعرف بيوسف‪ #‬بن محمد بن زي‪#‬اد‪ ،‬واآلخ‪#‬ر‪ :‬علي بن محم‪#‬د بن يس‪#‬ار‪ ،‬عن‬
‫أبيهما‪ ،‬عن أبي الحسن الثالث (العسكري)‪ ،‬والتفسير موض‪##‬وع‪ #‬عن س‪##‬هل ال‪##‬ديباجي‬
‫عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير)(‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه العالم‪##‬ة أب‪##‬و القاس‪##‬م الخ‪##‬وئي‪ ،‬وه‪##‬و من كب‪##‬ار المراج‪##‬ع‬
‫المتأخرين‪ ،‬فقد قال عنه‪( :‬هذا التفس‪#‬ير المنس‪#‬وب إلى اإلم‪#‬ام العس‪#‬كري إنم‪#‬ا يروي‪#‬ه‬
‫هذا الرجل علي بن محمد بن يس‪##‬ار‪ ،‬وزميل‪##‬ه يوس‪#‬ف‪ #‬بن محم‪##‬د بن زي‪##‬اد‪ ،‬وكالهم‪##‬ا‬
‫مجهول الحال‪ ..‬هذا مع أن الناظر‪ #‬في هذا التفسير ال يشك في أن‪##‬ه موض‪##‬وع‪ ،‬وج ‪ّ #‬ل‬
‫مقام عالم محقق أن يكتب مثل هذا التفسير‪ ،‬فكيف باإلمام)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله العالمة البالغي‪ ،‬فقد قال في‪##‬ه‪( :‬وأم‪##‬ا التفس‪##‬ير المنس‪##‬وب إلى‬
‫اإلم‪##‬ام الحس‪##‬ن العس‪##‬كري‪ ،‬فق‪##‬د أوض‪##‬حنا في رس‪##‬الة منف‪##‬ردة في ش‪##‬أنه أن‪##‬ه مك‪##‬ذوب‬
‫موضوع‪ ،‬ومما يدل على ذلك نفس ما في التفس‪##‬ير من التن‪##‬اقض والته‪##‬افت في كالم‬
‫ال‪##‬راويين وم‪##‬ا يزعم‪##‬ان أن‪##‬ه رواي‪##‬ة‪ ،‬وم‪##‬ا في‪##‬ه من مخالف‪##‬ة الكت‪##‬اب المجي‪##‬د‪ ،‬ومعل‪##‬وم‪#‬‬
‫التاريخ كما أشار إليه العالمة في الخالصة وغيره)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله العالمة الحلي‪ ،‬فقد قال فيه‪( :‬محمد بن القاسم‪ ،‬وقيل ابن أبي‬
‫القاسم المفسر األسترآبادي‪ #‬روى عنه أبو جعف‪##‬ر ابن بابوي‪##‬ه‪ ،‬ض‪##‬عيف‪ #‬ك‪##‬ذاب‪ ،‬روى‪#‬‬
‫عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين‪ :‬أحدهما يعرف بيوسف‪ #‬بن محمد بن زي‪##‬اد‪،‬‬
‫واآلخ‪##‬ر‪ :‬علي بن محم‪##‬د بن يس‪##‬ار‪ ،‬عن أبيهم‪##‬ا‪ ،‬عن أبي الحس‪##‬ن الث‪##‬الث‪ ،‬والتفس‪##‬ير‬
‫موضوع عن سهل الديباجي‪ ،‬عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله العالمة مصطفى بن الحسين التفرشي‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪( :‬محم‪##‬د بن‬
‫القاسم‪ :‬وقيل‪ :‬ابن أبي القاسم المفسر االسترآبادي‪ ،‬روى‪ #‬عنه‪ :‬أبو جعفر ابن بابويه‪،‬‬
‫ض‪##‬عيف‪ #‬ك‪##‬ذاب‪ ،‬روى‪ #‬عن‪##‬ه تفس‪##‬يرا ي‪##‬روي عن رجلين مجه‪##‬ولين أح‪##‬دهما يع‪##‬رف‬
‫بيوس ‪#‬ف‪ #‬بن محم‪##‬د بن زي‪##‬اد واآلخ‪##‬ر علي بن محم‪##‬د بن يس‪##‬ار عن أبيهم‪##‬ا عن أبي‬
‫الحسن الثالث ‪ ،‬والتفسير‪ #‬موض‪#‬وع عن س‪#‬هل ال‪#‬ديباجي عن أبي‪#‬ه بأح‪#‬اديث من ه‪#‬ذه‬
‫المناكير)(‪ ..)5‬وليكن في علمكم ـ س‪##‬يدي ـ أن قائ‪##‬ل ه‪##‬ذا الكالم من المحققين الكب‪##‬ار‬
‫الذي تتملذ عليهم وعلى كتبهم كبار علماء الش‪##‬يعة‪ ،‬وق‪##‬د ق‪##‬ال عن‪##‬ه مح ّم‪##‬د األردبيلي‪:‬‬
‫(السيّد األجل‪ ،‬جليل القدر‪ ،‬رفيع الشأن‪ ،‬عظيم المنزلة‪ ،‬فاضل كامل متبحّر‪ ،‬وأم‪##‬ره‬
‫في جاللة قدره ورفعة شأنه وعظم منزلت‪##‬ه وتب ّح‪##‬ره أش‪##‬هر من أن يُ‪##‬ذكر‪ ،‬وف‪##‬وق‪ #‬م‪##‬ا‬
‫تحوم حوله العبارة‪ ،‬وكفاك في ذلك تأليف‪##‬ه كت‪##‬اب الرج‪##‬ال في كم‪##‬ال النفاس‪##‬ة ونهاي‪##‬ة‬
‫الدقّ‪#‬ة‪ ،‬وك‪#‬ثرة الفائ‪#‬دة‪ ،‬ج‪#‬زاه هللا تع‪#‬الى عن‪#‬ه خ‪#‬ير ج‪#‬زاء المحس‪#‬نين‪ ،‬ورض‪#‬ي‪ #‬عن‪#‬ه‬
‫معجم رجال الحديث‪.18/162 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫معجم رجال الحديث‪.13/155 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫آالء الرحمن‪.49/ 1 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫خالصة األقوال‪.256 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫نقد الرجال‪.303/ 4 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪356‬‬
‫وأرضاه)‪ ..‬وقال عبد هللا اإلصفهاني‪( :‬عالم محقّق ثقة فاضل)‪ ..‬وقال‪ #‬الخونس‪##‬اري‪:‬‬
‫(الناقد البصير‪ ،‬والفاقد النظير‪ ،‬والمحقّق النحرير‪ ،‬والموثّق‪ #‬التحرير‪ ..‬والمق ّدم قول‪##‬ه‬
‫في األقوال‪ ..‬وكذلك كمال وثاقته وعدالت‪#‬ه ونهاي‪##‬ة ض‪##‬بطه وجاللت‪##‬ه)‪ ..‬وق‪#‬ال‪ #‬عب‪##‬اس‬
‫الق ّمي‪( :‬سيّد جليل ماهر عالم محقّق ثقة فاضل أمين) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله العالمة المحقق الداماد‪( :‬وأما تفسير محمد بن القاسم المفسر‬
‫األسترآبادي‪ ،‬من مشايخ أبي جعف‪##‬ر بن بابوي‪##‬ه وع‪##‬ده رج‪##‬ال الح‪##‬ديث ض‪##‬عيفا‪ ،‬فه‪##‬و‬
‫تفسير مروي‪ #‬عن رجلين مجهولي الح‪##‬ال‪ ،‬وأس‪##‬نداه إلى أبي الحس‪##‬ن الث‪##‬الث اله‪##‬ادي‬
‫العسكري‪ ،‬وعد القاصرون‪ ،‬ال المتبحرون هذا اإلسناد معت‪##‬برا‪ ،‬ولكن حقيق‪##‬ة الح‪##‬ال‬
‫أن هذا التفسير موضوع‪ ،‬ويسند‪ #‬إلى أبي محمد س‪##‬هل بن أحم‪##‬د ال‪##‬ديباجي‪ ،‬ويحت‪##‬وي‪#‬‬
‫على أحاديث منكرة‪ ،‬وأخبار كاذبة‪ .‬وإسناده إلى اإلمام المعصوم اختالق‪ ،‬واف‪##‬تراء‪،‬‬
‫وما يتوهمه المتوهم في عصرنا هذا من أنه‪ :‬يجوز أن يك‪##‬ون تفس‪##‬ير العس‪##‬كري ه‪##‬و‬
‫تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم القمي‪ ،‬ه‪#‬و أيض‪#‬ا وهم ك‪#‬اذب‪ ،‬وخي‪#‬ال باط‪#‬ل س‪#‬ببه‬
‫ضعف الخبرة‪ :‬ونقصان المهارة‪ ،‬وقلة اإلطالع على كتب الرجال)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله العالمة االسترآبادي ‪ ،‬فقد قال عنه‪( :‬محمد بن القاسم‪ ،‬وقي‪##‬ل‬
‫ابن أبي القاس‪##‬م‪ ،‬المفس‪##‬ر االس‪##‬ترآبادي‪ ،‬روى عن‪##‬ه أب‪##‬و جعف‪##‬ر ابن بابوي‪##‬ه‪ ،‬ض‪##‬عيف‬
‫كذاب‪ ،‬روى عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين‪ ،‬أح‪##‬دهما‪ :‬يع‪##‬رف بيوس‪#‬ف‪ #‬بن‬
‫محم‪##‬د بن زي‪##‬اد واآلخ‪##‬ر‪ :‬علي بن محم‪##‬د بن يس‪##‬ار‪ ،‬عن أبيهم‪##‬ا‪ ،‬عن أبي الحس‪##‬ن‬
‫الثالث‪ ،‬والتفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بأح‪##‬اديث من ه‪##‬ذه المن‪##‬اكير)‬
‫(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله العالمة االردبيلي‪ ،‬فقد قال عنه‪( :‬محمد بن القاسم‪ ،‬وقيل ابن‬
‫أبي القاسم‪ ،‬المفسر االسترآبادي‪ ،‬روى‪ #‬عنه أبو جعفر ابن بابوي‪##‬ه‪ ،‬ض‪##‬عيف ك‪##‬ذاب‪،‬‬
‫روى‪ #‬عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجه‪#‬ولين‪ ،‬أح‪#‬دهما‪ :‬يع‪#‬رف بيوس‪#‬ف‪ #‬بن محم‪#‬د‬
‫بن زي‪##‬اد واآلخ‪##‬ر‪ :‬علي بن محم‪##‬د بن يس‪##‬ار‪ ،‬عن أبيهم‪##‬ا‪ ،‬عن أبي الحس‪##‬ن الث‪##‬الث‪،‬‬
‫والتفسير‪ #‬موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير)(‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه المحق‪##‬ق التس‪##‬تري‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪( :‬الب‪##‬اب الث‪##‬اني في األح‪##‬اديث‬
‫الموض‪##‬وعة‪ ،‬وفي‪##‬ه فص‪##‬ول‪ #..‬الفص‪##‬ل الث‪##‬اني في أخب‪##‬ار التفس‪##‬ير ال‪##‬ذي نس‪##‬بوه إلى‬
‫العس‪#‬كري‪ #‬بهتان‪#‬ا‪ ،‬يش‪#‬هد الفترائه‪##‬ا علي‪#‬ه الس‪#‬الم وبطالن نس‪#‬بتها إلي‪#‬ه‪ ،‬أوال‪ :‬ش‪#‬هادة‬
‫خريت الصناعة ونقاد اآلثار أحمد بن الحسين الغضائري‪ #‬أستاذ النجاش‪#‬ي أح‪##‬د أئم‪##‬ة‬
‫الرجال‪ ،‬فقال‪ :‬إن محمد بن أبي القاسم الذي يروي عنه ابن بابوي‪##‬ه ض‪##‬عيف ك‪##‬ذاب‪،‬‬
‫روي‪ #‬عنه تفسيرا يرويه عن رجلين مجهولين‪ :‬أحدهما يعرف بيوسف بن محم‪##‬د بن‬
‫زي‪##‬اد‪ ،‬واآلخ‪##‬ر بعلي بن محم‪##‬د بن يس‪##‬ار‪ ،‬عن أبويهم‪##‬ا‪ ،‬عن أبي الحس‪##‬ن الث‪##‬الث‪،‬‬
‫نقد الرجال ‪.7/ 1‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫معالم العلماء‪.29 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫منهج المقال‪.315 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫جامع الرواة‪.2/184 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪357‬‬
‫والتفسير‪ #‬موضوع عن س‪##‬هل ال‪##‬ديباجي عن أبي‪##‬ه بأح‪##‬اديث من ه‪##‬ذه المن‪##‬اكير وثاني‪##‬ا‬
‫بسبر أخب‪##‬اره‪ ،‬فنراه‪#‬ا‪ #‬واض‪##‬حة البطالن مختلق‪#‬ة بالعي‪##‬ان‪ ،‬ثم ذك‪##‬ر نح‪##‬وا من أربعين‬
‫موردا‪ #‬من الموارد‪ #‬التي زعم‪ ،‬أنها تش‪##‬هد بك‪##‬ذب ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير وكون‪##‬ه موض‪##‬وعا‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ما نقلت من هذه الكتاب نموذج منه‪ ،‬ول‪##‬و أردت االستقص‪##‬اء الحتجت إلى نق‪##‬ل‬
‫جل الكتاب لوال كله‪ ،‬فإن الصحيح فيه في غاي‪##‬ة الن‪##‬درة‪ ،‬ثم ق‪##‬ال‪ :‬وأيض‪##‬ا ل‪##‬و لم يكن‬
‫ه‪##‬ذا الكت‪##‬اب جعال لنق‪##‬ل ه‪##‬ذه المعج‪##‬زات العجيب‪##‬ة ال‪##‬تي نقله‪##‬ا عن الن‪##‬بي ‪ ‬وأم‪##‬ير‪#‬‬
‫المؤم‪##‬نين وب‪##‬اقي‪ #‬األئم‪##‬ة‪ ،‬ولرواه ‪#‬ا‪ #‬علم‪##‬اء اإلمامي‪##‬ة‪ ،‬وأيض‪##‬ا ل‪##‬و ك‪##‬ان الكت‪##‬اب من‬
‫العسكري‪ #‬لنقل شيئا منه علي بن إبراهيم القمي‪ ،‬ومحمد بن مس‪##‬عود العياش‪##‬ي الل‪##‬ذان‬
‫كان‪##‬ا في عص‪##‬ره ومحم‪##‬د بن العب‪##‬اس بن م‪##‬روان ال‪##‬ذي ك‪##‬ان مقارب‪##‬ا لعص‪##‬ره في‬
‫تفاسيرهم‪ ،‬والكل موجود ليس في شئ منها أثر من‪##‬ه‪ ،‬ثم ق‪##‬ال‪ :‬وبالجمل‪##‬ة ه‪##‬ذا تفس‪##‬ير‬
‫وإن كان مشتمال على ذكر معجزات كثيرة ألمير المؤمنين كالنبي ‪ ‬وه‪##‬و بمنزل‪##‬ة‬
‫نفس النبي ‪ ‬بشهادة القرآن‪ ،‬إال أنه ليس ك‪##‬ل م‪##‬ا نس‪##‬ب إليهم ص‪##‬حيحا‪ ،‬فق‪##‬د وض‪##‬ع‬
‫جمع من الغالة أخبارا في معجزاتهم‪ #‬وفضائلهم‪ #‬وغير ذلك‪ ..‬كما أنه وضع جمع من‬
‫النصاب والمعاندين أخبارا منكرة في فض‪##‬ائلهم‪ #‬ومعج‪##‬زاتهم بقص‪##‬د تخ‪##‬ريب ال‪##‬دين‪،‬‬
‫وألن يرى الناس الباطل منه فيكفروا‪ #‬بالحق منه قال الباقر‪( :‬ورووا‪ #‬عنا ما لم نقل‪##‬ه‪،‬‬
‫ولم نفعله‪ ،‬ليبغضونا إلى الناس)(‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه الم‪##‬يرزا أب‪##‬و الحس‪##‬ن الش‪##‬عراني‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال عن‪##‬ه‪( :‬لم ينق‪##‬ل‬
‫المصنف‪( #‬الشيخ الطبرسي) عن التفسير المنسوب إلى العسكري‪ ..‬وقال العالمة في‬
‫محم‪##‬د بن القاس‪##‬م األس‪##‬ترآبادي‪ #:‬إن‪##‬ه موض‪##‬وع‪ ،‬وض‪##‬عه س‪##‬هل بن أحم‪##‬د ال‪##‬ديباجي‪،‬‬
‫وأحاديثه منا كير) (‪)2‬‬
‫ثم استدل ببعض ما في‪##‬ه من أخط‪##‬اء‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬ومن أغالط‪##‬ه أن الحج‪##‬اج حبس‬
‫المختار بن أبي عبيدة وهم بقتله ولم يمكنه هللا منه حتى نجاه وانتقم من قتلة الحس‪#‬ين‬
‫عليه السالم‪ ،‬مع أن إمارة الحجاج كان من سنة ‪ 75‬وقتل المختار قبل ذل‪##‬ك بس‪##‬نين‪،‬‬
‫وكان ظهوره على قتل‪#‬ة الحس‪#‬ين س‪#‬نة ‪ ،64‬وإنم‪#‬ا قت‪#‬ل المخت‪#‬ار مص‪#‬عب بن الزب‪#‬ير‬
‫وقتل مصعبا‪ #‬عبد الملك‪ ،‬وفي ذلك قال ل‪##‬ه رج‪##‬ل‪ :‬ه‪##‬ذا رأس مص‪##‬عب ل‪##‬دى‪ ،‬ورأيت‬
‫رأس المختار هنا لدى مصعب‪ ،‬ورأس ابن زياد لدى المختار‪ ،‬ورأس الحسين ل‪##‬دى‬
‫ابن زياد‪ ،‬فقال عبد الملك‪ :‬ال أراك هللا الخامس‪ ،‬في قصة خرب بس‪##‬ببها عب‪##‬د المل‪##‬ك‬
‫قصر‪ #‬اإلمارة بالكوفة‪..‬ومن أغالطه أيضا أنه توهم أن سعد بن أبي وقاص ك‪##‬ان في‬
‫ب ِم َّما نَ َّز ْلنَا َعلَى َع ْب‪ِ #‬دنَا فَ‪##‬أْتُوا‪ #‬بِ ُس‪#‬و َر ٍة‬
‫﴿وإِ ْن ُك ْنتُ ْم فِي َر ْي ٍ‬
‫فتح نهاوند‪ .‬وذكر في تفسير َ‬
‫ِم ْن ِم ْثلِ ِه﴾ [البق‪##‬رة‪ ]23 :‬ما يستحيى من نقل‪##‬ه ويش‪##‬مئز الطب‪##‬ع من قرائت‪##‬ه‪ ،‬نع‪##‬وذ باهلل من‬
‫الضالل‪ ،‬ونسأله الهداية والصواب)‬
‫ثم قال‪( :‬ولم يكن واضع هذا التفسير عارفا بالتاريخ‪ ،‬والعجب أن ما نقلنا عن‬
‫‪ )(1‬األخبار الدخيلة‪.228 – 152/ 1 :‬‬
‫‪ )(2‬مجمع البيان‪ ،580/ 10 :‬والتفسير المنسوب لإلمام العسكري‪.200 :‬‬
‫‪358‬‬
‫التفسير موجود‪ #‬في البحار ولم يتعرض المجلسي لرده)‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله العالمة الخوانساري الذي قال‪(:‬إن احتمال الواض‪##‬ع في‪##‬ه (أي‬
‫فقه الرضا) بعيد لما يلوح عليه من حقيقة الصدق والحق؛ وألن ما استعمل عليه من‬
‫األصول والفروع‪ #‬واألخالق أكثرها مطابق لمذهب االمامية‪ ،‬وما صح عن األئم‪##‬ة‪،‬‬
‫وال يخفى أنه ال داعي للوضع في مثل ذلك‪ ،‬فان غرض الواض‪##‬عين تزيي ‪#‬ف‪ #‬الح‪##‬ق‪،‬‬
‫وترويج الباطل‪ ،‬والغالب وقوعه عن الغالة والمفوضة والكتاب خال عما يوهم ذلك‬
‫بخالف غ‪##‬يره مم‪##‬ا نس‪##‬ب إلى األئم‪##‬ة‪ ..‬كمص‪##‬باح الش‪##‬ريعة المنس‪##‬وب إلى موالن‪##‬ا‬
‫الصادق‪ #..‬وتفسير اإلمام المنس‪##‬وب إلى س‪##‬يدنا أبي محم‪##‬د العس‪##‬كري‪ #،‬ف‪##‬إن من أمعن‬
‫النظر في تضاعيفهما اطلع على أمور عظيم‪##‬ة مخالف‪##‬ة ألص‪##‬ول ال‪##‬دين أو الم‪##‬ذهب‪،‬‬
‫مغيرة لطريقة األئمة وسياق‪ #‬كلماتهم)(‪)1‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ولكن مع ذلك‪ ،‬نرى أن هناك من قبل روايات‪##‬ه‪ ،‬ونش‪##‬رها‪ #..‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك الشيخ الصدوق؛ فقد نق‪##‬ل في كتب‪##‬ه بعض رواي‪##‬ات ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير أو‬
‫غيرها‪ ،‬إما بعين سند التفسير‪ ،‬وإما مع اختالف يسير‪ ،‬م‪##‬ع العلم أن‪##‬ه ص‪##‬رح بأن‪##‬ه ال‬
‫ينقل في كتابه [من ال يحضره الفقيه] إال رواية تكون حج‪##‬ة بين‪##‬ه وبين هللا كم‪##‬ا قال‪##‬ه‬
‫في مقدمت‪##‬ه‪ ،‬وم‪##‬ا نق‪##‬ل في الفقي‪##‬ه بس‪##‬ند ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير موج‪##‬ود بعين‪##‬ه في تفس‪##‬ير‬
‫العسكري‪.)2(#‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬الشك أن في روايته له من باب التساهل في نقل األخب‪##‬ار‪،‬‬
‫وهو نهج وقع فيه لألسف في بعض كتبه‪ ،‬ومنها ـ مثال ـ ما ذك‪##‬ره في آخ‪##‬ر المجلس‬
‫الرابع واألربعين من أماليه في ش‪##‬أن إطع‪##‬ام اإلم‪##‬ام علي للمس‪##‬كين والي‪##‬تيم‪ #‬واألس‪##‬ير‪#‬‬
‫شعرا ألمير المؤمنين والزهراء ال يرتاب العارف بشأنهما في كذب نسبته لهم‪##‬ا لم‪##‬ا‬
‫فيه من الركاكة واأللحان واختالل الوزن(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وله‪##‬ذا؛ فإن‪##‬ا ل‪##‬و طبقن‪##‬ا م‪##‬ا يطل‪##‬ق علي‪##‬ه [نق‪##‬د المتن]‪ ،‬فس‪##‬نجد األدل‪##‬ة‬
‫الكثيرة على الكذب الموج‪##‬ود في‪##‬ه‪ ،‬وأن اإلم‪##‬ام العس‪##‬كري‪ #‬م‪##‬نزه عن‪#‬ه‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة‬
‫على ذلك(‪ )4‬ما ذكره في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَ‪##‬ا النَّاسُ ا ْعبُ‪#‬دُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم‬
‫َوالَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُ‪##‬ونَ ﴾ [البق‪###‬رة‪ ،]21 :‬فق‪##‬د نق‪##‬ل عن زين العاب‪##‬دين قول‪##‬ه‪( :‬أي‬
‫أطيعوا‪ #‬ربكم من حيث ي‪##‬أمركم أن تعتق‪##‬دوا أن‪#‬ه ال إل‪##‬ه إال ه‪##‬و وح‪##‬ده ال ش‪##‬ريك ل‪##‬ه)‪،‬‬
‫وذكر‪ #‬جملة من صفات هللا فيما يجب اعتق‪#‬اده‪ ،‬وأن محم‪#‬دا ‪ ‬عب‪#‬ده ورس‪##‬وله‪ ،‬وأن‬
‫آل محم‪##‬د أفض‪##‬ل آل النب‪#‬يين وأن علي‪##‬ا أفض‪##‬ل آل محم‪##‬د وأن أم‪#‬ة محم‪#‬د أفض‪##‬ل أمم‬
‫النب‪##‬يين وان أص‪##‬حاب محم‪##‬د أفض‪#‬ل أص‪#‬حاب النب‪##‬يين‪ ،‬ثم ق‪##‬ال بع‪##‬د ه‪##‬ذا بمق‪#‬دار من‬
‫الكالم‪ :‬ف‪##‬ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى ﴿ا ْعبُ‪##‬دُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم﴾ اعب‪##‬دوه بتعظيم محم‪##‬د ‪‬‬

‫رسالة في تحقيق فقه اإلمام الرضا‪.7 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الفقيه‪ ،2/327 :‬التفسير المنسوب لإلمام العسكري‪.13 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫االمالي ـ الصدوق (ص ‪)330‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اقتبسنا األمثلة التالية والتعقيب عليها من رسالة في التفسير المنسوب لإلمام العسكري للشيخ البالغي‪.‬‬ ‫‪)( 4‬‬
‫‪359‬‬
‫وعلي)(‪)1‬‬
‫لق‪##‬د عقب العالم‪##‬ة الش‪##‬يخ البالغي على ه‪##‬ذا بقول‪##‬ه‪( :‬أفال ت‪##‬رى االض‪##‬طراب‬
‫والتهافت‪ #‬في ذكر ه‪##‬ذين التفس‪##‬يرين‪ ،‬كي‪##‬ف يص‪ّ #‬ح االقتص‪##‬ار‪ #‬على عب‪##‬ادة هللا بتعظيم‬
‫محم‪##‬د وعلي؟‪ ..‬أت‪##‬رى الك‪##‬اتب يري‪##‬د أن االعتق‪##‬اد بم‪##‬ا ذك‪##‬ر أوال من وحداني‪##‬ة هللا‬
‫وصفاته الكريم‪#‬ة ج‪ّ #‬ل ش‪#‬أنه كل‪#‬ه يرج‪#‬ع في الحقيق‪#‬ة إلى تعظيم‪ #‬محم‪#‬د وعلي‪ ،‬أو أن‬
‫الكاتب ذكر رأي زين العابدين أوال ثم ذكر ما يراه هو تأويال‪ ،‬أو إغماضا عن النق‪#‬د‬
‫وهل يكون هذا من إمام أو عالم مستقيم من أصحابه؟)‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك هذه الخرافات التي وصف فيه‪##‬ا كيفي‪##‬ة خل‪##‬ق‬
‫الس‪##‬موات واألرض‪ ،‬وال‪##‬تي ال تختل‪##‬ف عن الخراف‪##‬ات اإلس‪##‬رائيلية‪ ،‬فق‪##‬د ورد في‪##‬ه‪:‬‬
‫(فخلق من دخانه السماوات السبع‪ ،‬وخلق من زبده األرض‪##‬ين الس‪##‬بع فبس‪##‬ط األرض‬
‫على الماء‪ ،‬وجعل الماء على الص‪##‬فا‪ ،‬والص‪##‬فا على الح‪##‬وت‪ ،‬والح‪##‬وت على الث‪##‬ور‪،‬‬
‫‪#‬ال َحبَّ ٍة‬‫ك ِم ْثقَ‪َ #‬‬ ‫ي إِنَّهَ‪##‬ا إِ ْن تَ‪ُ #‬‬
‫والثور‪ #‬على الصخرة التي ذكرها لقمان البنه فقال‪﴿ :‬يَ‪##‬ا بُنَ َّ‬
‫ْ‬
‫ت بِهَ‪##‬ا هَّللا ُ إِ َّن هَّللا َ‬
‫ض يَ‪##‬أ ِ‬ ‫ت أَوْ فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ص ‪ْ #‬خ َر ٍة أَوْ فِي َّ‬
‫الس ‪َ #‬م َ‬ ‫ِم ْن َخ‪##‬رْ َد ٍل فَتَ ُك ْن فِي َ‬
‫يف خَ بِيرٌ﴾ [لقمان‪ ،]16 :‬والصخرة على الثرى‪ ،‬وال يعلم ما تحت الثرى إال هللا‪ ،‬فلما‬ ‫لَ ِط ٌ‬
‫خلق هللا تعالى األرض دحاها من تحت الكعبة‪ ،‬ثم بسطها على الماء‪ ،‬فأحاطت بك‪##‬ل‬
‫شئ‪ ،‬ففخرت األرض‪ ،‬وقالت‪ :‬أحطت بكل شئ فمن يغلبني؟ وك‪##‬ان في ك‪##‬ل أذن من‬
‫آذان الحوت سلسلة من ذهب مقرون‪##‬ة الط‪##‬رف ب‪##‬العرش‪ ،‬ف‪##‬أمر هللا الح‪##‬وت فتح‪##‬رك‬
‫فتكفأت األرض بأهلها كما تتكف‪##‬أ الس‪##‬فينة على وج‪##‬ه الم‪##‬اء و ق‪##‬د اش‪##‬تدت أمواج‪##‬ه لم‬
‫تس‪##‬تطع األرض االمتن‪##‬اع‪ ،‬ففخ‪##‬ر الح‪##‬وت وق‪##‬ال‪ :‬غلبت األرض ال‪##‬تي أح‪##‬اطت بك‪##‬ل‬
‫ش‪##‬ئ‪ ،‬فمن يغلب‪##‬ني؟ فخل‪##‬ق هللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل الجب‪##‬ال فأرس‪##‬اها‪ ،‬وثق‪##‬ل األرض به‪##‬ا‪ ،‬فلم‬
‫يس‪##‬تطع الح‪##‬وت أن يتح‪##‬رك‪ ،‬ففخ‪##‬رت الجب‪##‬ال وق‪##‬الت‪ :‬غلبت الح‪##‬وت ال‪##‬ذي غلب‬
‫األرض‪ ،‬فمن يغلب‪##‬ني؟ فخل ‪#‬ق‪ #‬هللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل الحدي‪##‬د‪ ،‬فقطعت ب‪##‬ه الجب‪##‬ال‪ ،‬ولم يكن‬
‫عندها دفاع‪ #‬وال امتناع ففخ‪##‬ر الحدي‪##‬د وق‪##‬ال‪ :‬غلبت الجب‪##‬ال ال‪##‬تي غلبت الح‪##‬وت فمن‬
‫يغلب‪##‬ني؟ فخل‪##‬ق هللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل الن‪##‬ار‪ ،‬ف‪##‬أالنت الحدي‪##‬د وف‪##‬رقت‪ #‬أج‪##‬زاءه ولم يكن عن‪##‬د‬
‫الحديد دفاع وال امتناع)(‪)2‬‬
‫لقد عقب العالمة الشيخ البالغي على هذا بقول‪##‬ه‪( :‬ومقتض‪##‬ى ه‪##‬ذا أن األرض‬
‫قبل خلق الجبال فيها كانت آهلة محيطة بكل شيء فليلحظ ذل‪##‬ك م‪##‬ع قول‪##‬ه تع‪##‬الى في‬
‫ض فِي يَوْ َمي ِْن َوتَجْ َعلُونَ لَهُ أَ ْن ‪#‬دَادًا‬ ‫ق اأْل َرْ َ‬‫سورة فصّلت‪﴿ :‬قُلْ أَئِنَّ ُك ْم لَتَ ْكفُرُونَ بِالَّ ِذي خَ لَ َ‬
‫ك فِيهَ‪##‬ا َوقَ‪َّ #‬د َر فِيهَ‪##‬ا أَ ْق َواتَهَ‪#‬ا‪ #‬فِي‬ ‫ار َ‪#‬‬‫ي ِم ْن فَوْ قِهَا َوبَ َ‬ ‫ك َربُّ ْال َعالَ ِمينَ َو َج َع َل فِيهَا َر َو ِ‬
‫اس َ‪#‬‬ ‫َذلِ َ‬
‫أَرْ بَ َع ِة أَي ٍَّام َس َوا ًء لِلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت‪ ،]10-9 :‬فإن خلق الجبال‪ ،‬فأما يكون في يومي خل‪##‬ق‬
‫األرض فهو قبل البركة فيه‪#‬ا‪ ،‬وتق‪#‬دير‪ #‬أقواته‪#‬ا‪ ،‬فال تك‪#‬ون حينئ‪ٍ #‬ذ آهل‪#‬ة محيط‪#‬ة بك‪#‬ل‬
‫شيء‪ ،‬وأما أن يكون في يومي البركة في األرض فيبع‪##‬د في ع‪##‬ادة هللا تع‪##‬الى‪ ،‬س‪##‬يما‬
‫‪ )(1‬التفسير المنسوب لإلمام العسكري‪.139 :‬‬
‫‪ )(2‬التفسير المنسوب لإلمام العسكري‪.145 – 144 :‬‬

‫‪360‬‬
‫في خلق األرض والسموات والعالم‪ ،‬أن يجعل األرض آهلة محيط‪##‬ة بك‪##‬ل ش‪##‬يء في‬
‫يوم ونحوه قبل خلق السموات‪ ..‬مضافا‪ #‬إلى مقتضى الحديث أن األرض ك‪##‬انت على‬
‫الماء ال على الحوت‪ ،‬والحال إن الجبال جزء من األرض ومن طبيعتها مهم‪##‬ا بلغت‬
‫من العظم فال تقتضي رسوب‪ #‬األرض على الصفا على خالف طبيعة األرض ال‪##‬تي‬
‫طبعها هللا عليها‪ ،‬على أن الجبال بالنسبة إلى جرم ش‪##‬يء يس‪##‬ير فل‪##‬و ك‪##‬انت من غ‪##‬ير‬
‫طبيعة األرض لما اقتضت ثقال ترسب ب‪##‬ه األرض إذا ك‪##‬انت طافي‪##‬ة على الم‪##‬اء‪ ،‬أو‬
‫تضعف‪ #‬به الحوت إذا كانت تقوى على األرض)‬
‫﴿ولَقَ‪ْ #‬د َج‪ #‬ا َء ُك ْم‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك قول‪##‬ه في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ت ثُ َّم اتَّخ َْذتُ ُم ْال ِعجْ َل ِم ْن بَ ْع ِد ِه َوأَ ْنتُ ْم ظَالِ ُمونَ ﴾ [البقرة‪ ]92 :‬ما مل ّخص‪##‬ه‪( :‬إن‬ ‫ُمو َسى‪ #‬بِ ْالبَيِّنَا ِ‬
‫بني إسرائيل قالوا للسامري‪ #‬كيف يكون العجل إلها ً ؟ فق‪##‬ال‪ :‬إنم‪##‬ا ه‪##‬ذا العج‪##‬ل يكلمكم‬
‫منه ربكم‪ ،‬وقال‪ :‬إن السامري‪ #‬نص‪##‬ب عجال م‪##‬ؤخره إلى الحائ‪##‬ط وحف‪##‬ر في الج‪##‬انب‬
‫اآلخر في األرض‪ ،‬وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه في دبره وتكلم بما‬
‫تكلم لما قال ه‪##‬ذا إلهكم وال‪##‬ه موس‪##‬ى)(‪ ..)1‬وحاص‪##‬ل ه‪##‬ذا أن كلم‪##‬ات الض‪##‬الل ك‪##‬انت‬
‫تخرج من ناحية فم العج‪##‬ل بدسيس‪##‬ة تكلم الم‪##‬ارد من وراء الحائ‪##‬ط في دب‪##‬ر العج‪##‬ل‪،‬‬
‫فض ّل بنو إسرائيل وحسبوا‪ #‬أن العجل يكلمهم على أن هللا يكلمهم على لسانه‪ ..‬وك‪##‬أن‬
‫المفس‪#‬ر لم يفطن إلى قول‪##‬ه تع‪##‬الى في وص‪##‬ف العج‪##‬ل وت‪##‬وبيخ الض‪##‬الين بعبادت‪##‬ه‬ ‫ّ‬ ‫هذا‬
‫واالحتجاج واإلنكار عليهم‪َ ﴿ :‬واتَّ َخ َذ قَوْ ُم ُمو َسى‪ِ #‬م ْن بَ ْع‪ِ #‬د ِه ِم ْن ُحلِيِّ ِه ْم ِعجْ اًل َج َس ‪#‬دًا لَ ‪#‬هُ‬
‫خ‪ُ #‬ذوه ُ َو َك‪##‬انُوا ظَ‪##‬الِ ِمينَ ﴾ [األع‪##‬راف‪:‬‬ ‫ُخ َوا ٌر أَلَ ْم يَ َروْ ا أَنَّهُ اَل يُ َكلِّ ُمهُ ْم َواَل يَ ْه‪ِ #‬دي ِه ْ‪#‬م َس‪#‬بِياًل اتَّ َ‬
‫‪]148‬‬
‫﴿وظَلَّ ْلنَ‪##‬ا َعلَ ْي ُك ُم‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك قوله في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ْال َغ َما َم﴾ [البقرة‪( :]57 :‬لما كنتم في التيه يقيكم حر الشمس وب‪##‬رد القم‪##‬ر)(‪ ..)2‬وق ‪#‬د‪ #‬عل‪##‬ق‬
‫عليه الشيخ البالغي بقوله‪( :‬وال يخفى أنه ال يوجد للقمر برد يحتاج إلى الوقاي‪##‬ة‪ ،‬أال‬
‫ترى يبدو في الصيف كامال والناس تض‪##‬جر من الح‪##‬ر‪ ،‬وينقص في الش‪##‬تاء ويمح‪#‬ق‪#‬‬
‫وتتضور‪ #‬من البرد‪ ،‬فمن أين جاء برد القمر في اآلية الكريمة أيكون هذا من إمام؟)‬
‫تفسير القمي‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬يمكننا أن نقبل م‪##‬ا ذكرتم‪##‬وه من األدل‪##‬ة والتص‪##‬ريحات‪#‬‬
‫على ع‪##‬دم اعتب‪##‬ار ذل‪##‬ك التفس‪##‬ير‪ ..‬لكن م‪##‬ا تقول‪##‬ون في تفس‪##‬ير أبي الحس‪##‬ن علي بن‬
‫إبراهيم بن هاشم القمي‪ ،‬وهو تفسير يش‪##‬مل الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم كل‪##‬ه‪ ..‬وص‪##‬احب الكت‪##‬اب‬
‫كان في عصر اإلمام العسكري‪ ،‬وعاش إلى سنة (‪ 307‬هـ)‪ ..‬وه‪##‬و ف‪##‬وق ذل‪##‬ك ثق‪##‬ة‬
‫عندكم ‪ ،‬بل يعتبر من أجل الرواة‪ ،‬وقد أكثر من النقل عنه تلمي‪##‬ذه محم‪##‬د بن يعق‪##‬وب‬
‫الكليني في كتابه (الكافي)‪ ،‬الكتاب األول في الحديث عن‪##‬دكم‪ ..‬وم‪##‬ع ذل‪##‬ك كل‪##‬ه نج‪##‬ده‬

‫‪ )(1‬التفسير المنسوب لإلمام العسكري‪.252 – 251 :‬‬


‫‪ )(2‬التفسير المنسوب لإلمام العسكري‪.258 :‬‬
‫‪361‬‬
‫ممل‪#‬وءا بك‪#‬ل أن‪#‬وع الغل‪#‬و والتحري‪#‬ف والض‪#‬اللة(‪ ..)1‬وإن ش‪#‬ئتم ذك‪#‬رتم‪ #‬لكم من ذل‪#‬ك‬
‫الكثير‪ ..‬فكيف تبرؤون أنفسكم من هذا الكتاب الذي توثقون مؤلفه؟‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)2‬ما ذكرته من ق‪##‬دم ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير‪ ،‬وكون‪##‬ه مص‪##‬درا مهم‪##‬ا‬
‫لكثير من التفاسير التي تعتمد على الروايات في تفسير اآليات‪ ،‬كالبرهان والص‪##‬افي‬
‫ومجمع البيان وغيرها صحيح‪ ..‬ومثل ذلك م‪##‬ا ذكرت‪##‬ه من توثي ‪#‬ق‪ #‬شخص‪##‬ية علي بن‬
‫إبراهيم القمي؛ فقد أجمع الرج‪#‬اليون على ذك‪#‬ره بألف‪#‬اظ الم‪#‬دح والتع‪#‬ديل‪ ،‬حيث ق‪#‬ال‬
‫عنه النجاشي‪( :‬علي بن إبراهيم بن هاشم القمي‪ ،‬أبو الحسن القمي‪ ،‬ثقة في الحديث‪،‬‬
‫ثبت‪ ،‬معتمد‪ ،‬صحيح المذهب‪ ،‬سمع فأكثر‪ ،‬وص‪##‬نف‪ #‬كتب‪##‬ا وأض‪#‬ر‪ #‬في وس‪##‬ط عم‪##‬ره‪،‬‬
‫وله كتاب التفسير‪ ،‬كتاب الناسخ والمنسوخ‪ ،‬كت‪##‬اب ق‪##‬رب اإلس‪##‬ناد)(‪ ..)3‬وق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪:‬‬
‫(إن‪#‬ه من أج‪#‬ل رواة أص‪#‬حابنا‪ ،‬ك‪#‬ان في عص‪#‬ر اإلم‪#‬ام العس‪#‬كري‪ ،‬وع‪#‬اش إلى س‪#‬نة‬
‫‪307‬هـ‪ ،‬وقد أكثر ثقة اإلسالم محمد بن يعقوب الكليني الرواية عنه في الكافي) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬لكن المشكلة ليس‪##‬ت في‪##‬ه‪ ،‬وإنم‪##‬ا في ص‪##‬حة نس‪##‬بة التفس‪##‬ير الموج‪##‬ود‪#‬‬
‫إليه‪ ..‬وذلك ال يعني أننا ننكر أو نشك بأن لعلي بن إبراهيم كتابا باسم التفسير‪ ،‬فه‪##‬ذا‬
‫مما ال شك فيه؛ إذ إن النجاشي والطوسي قد نصا على وجود التفس‪##‬ير الم‪##‬ذكور‪،)5(#‬‬
‫وذكرا‪ #‬إليه طريقا صحيحا‪ ..‬لكن ما يدعو للشك هو التفسير المتداول اليوم‪ ..‬ف‪##‬راوي‬
‫التفس‪##‬ير ه‪##‬و أب‪##‬و الفض‪##‬ل العب‪##‬اس بن محم‪##‬د بن القاس‪##‬م بن حم‪##‬زة بن اإلم‪##‬ام موس‪#‬ى‪#‬‬
‫الكاظم‪ ،‬وهو الذي صدر التفسير بقول‪##‬ه‪( :‬ح‪##‬دثنا أب‪##‬و الفض‪##‬ل‪ ..‬ق‪##‬ال‪ :‬ح‪##‬دثنا علي بن‬
‫إبراهيم‪ ..)6( )..‬وهذا الراوي مجهول الحال‪ ،‬غ‪#‬ير م‪##‬ذكور في كتب الرج‪##‬ال‪ ..‬وه‪##‬ذا‬
‫وحده كاف إلسقاط الكتاب عن االعتبار‪ ،‬وبالتالي‪ #‬ال نج‪#‬زم بص‪#‬حة نس‪#‬بة م‪#‬ا بأي‪#‬دينا‬
‫إلى علي بن إبراهيم؛ لجهالة الراوي‪ ،‬بل جهالة من أملى عليه أبو الفض‪##‬ل‪ ،‬بقرين‪##‬ة‪:‬‬
‫(حدثنا أبو الفضل‪)..‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ولكن أال تعلم أن السيد طيب الجزائري‪ #‬رفع الجهالة عنه بقوله‪:‬‬
‫(إال أن ما يدل على علو شأنه وسمو‪ #‬مكانه‪ ،‬كونه من أوالد اإلمام موس‪##‬ى بن جعف‪##‬ر‬
‫ومنتهيا‪ #‬إليه بثالث وسائط فقط‪ ..‬ومما يرفع غبار الريب عن اعتبار ال‪##‬راوي رك‪##‬ون‬
‫األصحاب إلى هذا الكتاب وعملهم به بال ارتياب‪ ،‬فل‪##‬و ك‪#‬ان في‪##‬ه ض‪#‬عف لم‪##‬ا ركن‪##‬وا‬
‫إليه)‬
‫قال أحد المتهمين ‪ : 7‬هذا التبرير‪ #‬غير ك‪##‬اف‪ ،‬وال معت‪##‬بر‪ ..‬فانتس‪##‬اب ال‪##‬راوي‪#‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫إلى اإلمام حتى م‪##‬ع ع‪##‬دم الواس‪##‬طة ليس دليال على الوثاق‪##‬ة‪ ،‬فه‪##‬ذا جعف‪##‬ر ابن اإلم‪##‬ام‬

‫مع الشيعة االثني عشرية في األصول والفروع لعلي السالوس ـ ص‪.489‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫رجعنا في هذا المبحث إلى دراسة بعنوان‪ :‬تفسير الق ّمي‪ ،‬دراسة علمية على ضوء علم الرجال والحديث‪ ،‬الشيخ محمود هيدوسفى‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫رجال النجاشي‪.183 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير القمي‪.8 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الفهرست‪209 :‬؛ ورجال النجاشي‪.183 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫تفسير القمي ‪.27 :1‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫تفسير الق ّمي‪ ،‬دراسة علمية على ضوء علم الرجال والحديث‪ ،‬الشيخ محمود هيدوسفى‪.‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪362‬‬
‫الهادي قد لقب بجعفر الكذاب‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أما ركون األصحاب إلى الكتاب‪ ،‬مع أنه ال يمكن اعتب‪##‬اره دليال إال‬
‫أنه قد يكون لتفسيره الموجود آنذاك‪ ،‬ال لهذا التفسير الذي بين أيدينا‪ ..‬باإلض‪##‬افة إلى‬
‫أن الركون من األصحاب قد يكون للوث‪##‬وق‪ #‬بكث‪##‬ير مم‪##‬ا تض‪##‬منه من رواي‪##‬ات تواف‪##‬ق‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ذلك أنه ليس كل ما فيه مرفوض مردود‪#.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬لكني رأيت أن مش‪##‬كلة جهال‪##‬ة ال‪##‬راوي للكت‪##‬اب‪ ،‬طرحه‪#‬ا‪ #‬الش‪##‬يخ‬
‫المعاص ‪#‬ر‪ #‬ب‪##‬اقر اإلي‪##‬رواني‪ ،‬وأج‪##‬اب عنه‪##‬ا بقول‪##‬ه‪( :‬وفي‪##‬ه‪ :‬أن الش‪##‬يخ الطوس‪##‬ي في‬
‫فهرسته يذكر طريقا صحيحا إلى جميع كتب علي بن إبراهيم‪ ،‬والتي منه‪##‬ا تفس‪##‬يره‪،‬‬
‫وينص في ذل‪##‬ك الطري‪#‬ق‪ #‬إلى القمي نفس‪##‬ه‪ ،‬وم‪##‬ع اف‪##‬تراض أن القمي نفس‪##‬ه ق‪##‬د أج‪##‬از‬
‫الشيخ الطوسي‪ #‬بالوسائط‪ #‬في نقل تفسيره‪ ،‬فال تضر بعدها جهالة أبي الفضل) (‪.)1‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)2‬إن هذا االفتراض يتم لو كان القمي قد أعطى الواس‪##‬طة‬
‫األولى كتابه‪ ،‬وقال له‪ :‬أجيزك أن تنقل هذا الكتاب‪ ،‬وهكذا نكون قد حصلنا على م‪##‬ا‬
‫في النسخة األصلية‪ ،‬أو يكون قد قرأ عليه التفسير فأجازه بنقله؛ وه‪##‬ذا بعي‪##‬د؛ لك‪##‬ثرة‬
‫مؤلفات علي بن إبراهيم‪ ،‬واإلجازة لم تكن للتفسير‪ ،‬بل لجميع كتبه بما فيها التفس‪##‬ير‬
‫كما ذكر الشيخ الطوسي‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن قوله‪( :‬ال تضر بع‪##‬دها جهال‪##‬ة أبي الفض‪##‬ل)‬
‫غير مقبول وال صحيح‪ ،‬ذلك أن أبا الفضل ما زال طرف‪##‬ا من خالل وج‪##‬وده في ك‪##‬ل‬
‫النسخ التي بأيدينا‪ ،‬فهو الذي يقول‪( :‬حدثنا علي بن إبراهيم‪ ،)..‬مما يبعد من احتمال‬
‫أن يكون الكتاب ق‪##‬د وص‪##‬لنا‪ #‬من طري‪#‬ق‪ #‬آخ‪##‬ر‪ ،‬ب‪##‬ل هن‪##‬اك ق‪##‬رائن كث‪##‬يرة موج‪##‬ودة في‬
‫الوسائل والبحار‪ #‬تدل على أن النسخة الموجودة ل‪##‬ديهما هي نفس النس‪##‬خة الموج‪##‬ودة‬
‫لدينا بتوسط‪ #‬أبي الفضل‪ ،‬فكثيرا ما يرد في الوسائل‪( :‬علي بن إب‪##‬راهيم في تفس‪##‬يره‪،‬‬
‫عن أبي الجارود) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا يذكر علماء الرجال كالشيخ محم‪##‬د س‪##‬ند(‪ )4‬الش‪##‬واهد الكث‪##‬يرة‬
‫من الوسائل والبحار‪ #‬وغيرها‪ ،‬والتي تفيد أن نسخة صاحب الوس‪##‬ائل لتفس‪##‬ير القمي‪،‬‬
‫وكذلك النسخة التي عند العالمة المجلسي‪ ،‬وأيضا النسخة التي عند ص‪##‬احب تفس‪##‬ير‬
‫البرهان‪ ،‬هي النسخة عينها التي بأيدينا بتوسط أبي الفضل‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن الفحص والتأم‪##‬ل في تفس‪##‬ير القمي يفض‪##‬يان‬
‫إلى القول بأنه عبارة عن خليط من تفسيرين أو أكثر‪ ،‬فبعضه للقمي وبعضه اآلخ‪##‬ر‬
‫لغ‪##‬يره‪ ،‬ب‪##‬ل عب‪##‬ارة اآلغ‪##‬ا ب‪##‬زرك الطه‪##‬راني‪ #‬ت‪##‬وحي بأن‪##‬ه مقتن‪##‬ع به‪##‬ذا التص‪##‬رف‪ #‬من‬
‫الراوي؛ فقد قال‪( :‬ولخلو تفسيره (القمي) هذا عن رواي‪##‬ات س‪##‬ائر األئم‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬د عم‪##‬د‬

‫الشيخ اإليرواني‪ ،‬دروس تمهيدية في القواعد الرجالية‪.173 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تفسير الق ّمي‪ ،‬دراسة علمية على ضوء علم الرجال‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الوسائل‪.22‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫محمد سند‪ ،‬بحوث في مباني علم الرجال‪ 212 :‬ـ ‪.216‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪363‬‬
‫تلميذه اآلتي ذكره (يقصد أبا الفضل)‪ ،‬والراوي لهذا التفسير عن‪##‬ه إلى إدخ‪##‬ال بعض‬
‫روايات اإلمام الباقر التي أمالها على أبي الج‪##‬ارود في أثن‪##‬اء ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير‪ ،‬وبعض‬
‫روايات أخر عن سائر مش‪#‬ايخه مم‪#‬ا يتعل‪#‬ق بتفس‪#‬ير اآلي‪#‬ة ويناس‪#‬ب ذكره‪#‬ا في ذي‪#‬ل‬
‫تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ة‪ ،‬ولم يكن موج‪##‬ودا في تفس‪##‬ير علي بن إب‪##‬راهيم؛ فأدرجه‪##‬ا‪ #‬في أثن‪##‬اء‬
‫روايات هذا التفسير؛ تتميما له تكثيرا لنفعه‪ ،‬وذل‪##‬ك التص‪##‬رف‪ ،‬وق‪##‬ع من‪##‬ه من أوائ‪##‬ل‬
‫سورة آل عمران إلى آخر القرآن)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد ذكر السيد جعفر مرتضى‪ #‬ذلك ــ وهو في مع‪##‬رض ال‪##‬رد على‬
‫األحاديث التي صرحت أو يفهم منها تحريف بعض اآليات القرآنية ــ بقول‪##‬ه‪( :‬وأم‪##‬ا‬
‫بالنسبة ألحاديث تفسير القمي‪ ،‬فهو وإن حاول بعض األعالم أن يستدل لوثاقة جميع‬
‫رواته‪ ،‬إال أن كث‪##‬يرين من العلم‪##‬اء لم يقبل‪##‬وا ذل‪##‬ك من‪##‬ه‪ ،‬وناقش‪##‬وا‪ #‬أدلت‪#‬ه وردوه‪#‬ا‪ #..‬ال‬
‫س‪##‬يما‪ ..‬وأن ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير ق‪##‬د خل‪##‬ط م‪##‬ا روي عن القمي بم‪##‬ا روي عن أبي الج‪##‬ارود‪#‬‬
‫الضعيف‪ #‬الرواية‪ ،‬باإلضافة إلى علل أخرى موجودة فيه) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد رد الشيخ اإلي‪##‬رواني‪ #‬أيض‪##‬ا اس‪##‬تفادة التوثي‪##‬ق الع‪##‬ام من المقدم‪##‬ة‬
‫بقوله‪( :‬إن النسخة األصلية للكتاب الم‪##‬ذكور ليس‪##‬ت بأي‪##‬دينا‪ ،‬والمطب‪##‬وع‪ #‬المت‪##‬داول ال‬
‫نجزم بكونه بكامله تفسير القمي وغيره ـ وبعد أن ذكر القرائن قال ـ‪ :‬ومعه فيحصل‬
‫علم إجمالي بكونه خليطا من تفسير القمي وغ‪##‬يره‪ ،‬وحيث ال يمكن التمي‪##‬يز؛ فيس‪##‬قط‬
‫جميعه عن االعتبار) (‪ ..)3‬وقال في موضع آخر‪( :‬إن القمي وإن كان له كتاب باس‪##‬م‬
‫التفسير وال يمكن التشكيك في ذلك؛ باعتب‪##‬ار أن النجاش‪##‬ي والطوس‪##‬ي ق‪##‬د نص‪##‬ا على‬
‫وجود‪ #‬التفسير المذكور وذكروا‪ #‬إليه طريقا صحيحا‪ #..‬ولكنا نشكك في ك‪##‬ون التفس‪##‬ير‬
‫المت‪##‬داول الي‪##‬وم ه‪##‬و نفس تفس‪##‬ير القمي‪ ،‬ونحتم‪#‬ل‪ #‬ع‪##‬دم كون‪##‬ه للقمي رأس‪##‬ا‪ ،‬وال أق‪##‬ل‬
‫بعضه للقمي والبعض اآلخر قد دس فيه) ثم ذكر ما يؤكد ذلك من القرائن(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬من الشواهد والقرائن الدالة على كون التفسير الموج‪##‬ود خليط‪##‬ا من‬
‫تفس‪##‬يرين أح‪##‬دهما للقمي م‪##‬ا ورد في التفس‪##‬ير من التع‪##‬ابير‪ #‬ال‪##‬تي ال تتناس‪##‬ب وك‪##‬ون‬
‫المفسر واحدا‪ ،‬بل تدل على الخروج من تفسير إلى آخر‪ ،‬فكثيرا ما يرد هذا التعبير‪:‬‬
‫(رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم) أو (رجع إلى رواية علي بن إب‪#‬راهيم) أو (رج‪#‬ع‬
‫الحديث إلى علي بن إبراهيم) أو (في رواية علي بن إبراهيم) (‪ ..)5‬فلو كان التفس‪##‬ير‬
‫لعلي بن إبراهيم‪ ،‬فهل خرج عنه حتى يعود إليه‪ ..‬بل كما هو الظ‪#‬اهر هن‪#‬اك خ‪#‬روج‬
‫عن تفسير القمي ودخول في تفسير آخر‪ ،‬كتفسير أبي الجارود‪ ،‬ومما يدل على ذل‪##‬ك‬
‫أن هذه التعابير لم ترد بعد كالم ليس له عالقة بتفسير اآليات؛ ليقال‪ :‬إنه ربما خرج‬
‫علي بن إبراهيم بنحو االستطراد‪ #‬إلى موضوع‪ #‬آخ‪##‬ر ال يتعل‪##‬ق بالتفس‪##‬ير ثم ع‪##‬اد إلى‬
‫الذريعة إلى تصانيف الشيعة ‪.302 :4‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫جعفر مرتضى‪ ،‬حقائق ها ّمة حول القرآن الكريم‪.33 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإليرواني‪ ،‬دروس تمهيدية في القواعد الرجالية‪ 34 :‬ــ ‪.35‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫دروس تمهيدية في القواعد الرجالية‪ 174 :‬ــ ‪.175‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫يمكن مراجعة هذه التعابير في تفسير القمي ‪.389 ،313 ،299 ،294 ،292 ،272 ،271 :1‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪364‬‬
‫التفسير‪ ،‬بل كانت ترد بعد تفسير آية‪ ،‬وفي (رواية أبي الجارود) ونحو ذلك‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومن تلك القرائن كثرة النقل عن أحمد بن محمد‪ ،‬وهو المعروف‪#‬‬
‫ـ بحسب الظاهر ـ بابن عقدة الراوي عن الكليني‪ ،‬مع أن الكلي‪##‬ني في الك‪##‬افي ي‪##‬روي‬
‫عن علي بن إبراهيم كثيرا‪ ،‬فكيف يمكن أن يروي علي بن إبراهيم عن تلميذه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومن تلك القرائن وجود‪ #‬الواسطة بين علي بن إبراهيم وبين أبيه‪،‬‬
‫فقد ذكر في أحد الطرق شخصان إلى إبراهيم بن هاش‪##‬م؛ فل‪##‬و ك‪##‬ان لعلي بن إب‪##‬راهيم‬
‫فال حاجة إلى الواسطة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬باإلضافة إلى تضعيف‪ #‬علمائنا لبعض الرواة ال‪##‬واقعين في إس‪##‬ناد‬
‫التفسير‪ ،‬وهو يدل على أن القمي ال يقصد توثيق جمي‪##‬ع من ورد في تفس‪##‬يره‪ ..‬فبع‪##‬د‬
‫دراسة طويلة ومفصلة لكل األسانيد الواقعة في تفس‪##‬ير القمي‪ ،‬وم‪##‬ا قي‪##‬ل في ترجم‪##‬ة‬
‫الرجال الواقعين في إسناده تبين أنه يوجد راويا تقريبا ـ بعد حذف المش‪##‬ترك ـ منهم‬
‫راويا‪ #‬من مجهولي‪ #‬الحال‪ ،‬ولم يرد ألكثرهم ذك‪##‬ر في المج‪##‬اميع الرجالي‪##‬ة‪ ،‬والب‪##‬اقون‬
‫ذكروا‪ #‬ولكن بال توثيق‪ #‬أو تضعيف‪ ،‬ومنهم من الثقات بحس‪##‬ب الظ‪##‬اهر‪ ،‬وهن‪##‬اك ‪20‬‬
‫راويا‪ #‬ممن ضعفوا من قبل النجاش‪#‬ي أو الش‪#‬يخ وغيرهم‪##‬ا‪ ..‬فتك‪#‬ون النس‪##‬بة التقريبي‪#‬ة‬
‫هي ‪ 42‬بالمائ‪##‬ة من الثق‪##‬ات تقريب‪##‬ا‪ ،‬و ‪ 8‬بالمائ‪##‬ة من المض‪##‬عفين‪ ،‬و‪ 50‬بالمائ‪##‬ة من‬
‫المجهولين‪ ..‬وهذه النسب هي من مجموع الرواة بمن فيهم المجه‪##‬ولي‪ #‬الح‪##‬ال‪ ،‬وبم‪##‬ا‬
‫أنه في الواقع يوج‪#‬د بين المجه‪#‬ولين الثق‪#‬ات والض‪#‬عاف بنس‪#‬ب متفاوت‪#‬ه تبع‪#‬ا للنس‪#‬بة‬
‫االحتمالية التي نحصل عليها من مجموع الموثقين والمض‪##‬عفين‪ ،‬فال ب‪##‬د من معرف‪##‬ة‬
‫هذه النسبة‪ ،‬لنطبقها على عدد المجهولين لنرى ما ه‪#‬و الع‪#‬دد المحتم‪#‬ل للثق‪#‬ات‪ ،‬وم‪#‬ا‬
‫هو العدد المحتمل للضعاف‪ ..‬وعندما قمن‪##‬ا ب‪##‬ذلك وج‪##‬دنا أن مجم‪##‬وع ع‪##‬دد الم‪##‬وثقين‬
‫والمضعفين هو (‪ )20 #+ 104‬أي ‪ ،124‬منهم ثق‪##‬ات و‪ 20‬ض‪##‬عاف‪ ،‬وعلي‪##‬ه تك‪##‬ون‬
‫النس‪##‬بة اإلحتمالي‪##‬ة تقريب‪##‬ا ‪ 84‬بالمائ‪##‬ة من الثق‪##‬ات و‪ 16‬بالمائ‪##‬ة من الض‪##‬عاف‪ #..‬ثم ال‬
‫يخفى أن هذه النسبة ق‪##‬د دخلت فيه‪##‬ا ك‪##‬ل العوام‪##‬ل الكيفي‪##‬ة‪ ،‬س‪##‬واء من ج‪##‬انب الثق‪##‬ات‬
‫كأمثال زرارة ومحمد بن مسلم‪ ،‬أو من ج‪##‬انب المض‪##‬عفين كالمفض‪##‬ل بن ص‪##‬الح أبي‬
‫جميلة‪ ،‬وذلك لتشخص كل الرواة الذين أخذت النسبة منهم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وه‪#‬ذه النس‪#‬بة و‪ 16‬بالمائ‪#‬ة من الض‪#‬عاف نس‪#‬بة ال يهمله‪#‬ا ال‪#‬ذهن‬
‫البشري‪ #‬ويطرحها‪ ،‬بل يأخذ بها‪ ،‬وإن كانت قليلة نسبة إلى عدد الثقات‪ ،‬إذ تبعا له‪##‬ذه‬
‫النسبة‪ ،‬من المحتمل أن يكون هناك (‪ )19‬راوياً‪ #‬من الضّعاف‪ ،‬م‪##‬ر ّددين بين (‪)119‬‬
‫من المجاهيل‪ ،‬ومع هذا العلم اإلجمالي بوجود ه‪##‬ذا الع‪##‬دد المعت‪ّ #‬د ب‪##‬ه عقالئي‪#‬اً‪ ،‬كي‪##‬ف‬
‫نطمئن إلى وثاقة ك ّل الرواة الواقعين في األسانيد المذكورة‪.‬‬

‫أصول علم الرجال‪.164 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أصول علم الرجال‪.164 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الق ّمي‪ ،‬دراسة علمية على ضوء علم الرجال‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الق ّمي‪ ،‬دراسة علمية على ضوء علم الرجال‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪365‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك كله ما ورد فيه من الروايات التي تخالف القرآن‬
‫الكريم والسنة الصحيحة وما ذكره أئمة الهدى‪ ..‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا ورد في‪##‬ه‬
‫من الروايات الدال‪#‬ة على ع‪#‬دم عص‪#‬مة المالئك‪#‬ة‪ ،‬كم‪#‬ا في قص‪#‬ة ه‪#‬اروت وم‪#‬اروت‪#‬‬
‫يس إِنَّهُ‬ ‫ب إِ ْد ِر َ‬ ‫﴿و ْاذ ُك‪##‬رْ فِي ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬‫المعروفة ‪ ..‬ومثلها ما ورد في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫صدِّيقًا نَبِيًّا َو َرفَ ْعنَاهُ َم َكانً‪##‬ا َعلِيًّ‪##‬ا﴾ [م‪##‬ريم‪ ،]57-56 :‬فق‪##‬د أورد‪ #‬في‪##‬ه عن بعض األئم‪##‬ة‬ ‫َكانَ ِ‬
‫قوله‪( :‬إن هللا تبارك وتعالى غضب على ملك من المالئكة‪ ،‬فقطع جناح‪##‬ه وألق‪##‬اه في‬
‫جزيرة من جزائر البحر)‪ ،‬وساق القصة في كيفية لقائه بإدريس عليه السالم وكي‪##‬ف‬
‫رض‪##‬ي هللا عن‪##‬ه بدعائ‪##‬ه ل‪##‬ه ف‪##‬رد جناح‪##‬ه‪ ،‬ثم طلب إدريس من المل‪##‬ك أن يرفع‪##‬ه إلى‬
‫السماء لينظر إلى ملك الموت‪ ،‬فرفعه حيث التقى به في السماء الرابعة فحرك‪ #‬مل‪##‬ك‬
‫الموت رأسه تعجبا إذ كان مأمورا بقبض روحه في هذا المكان)(‪ ..)1‬وهذا معارض‬
‫﴿وقَ‪##‬الُوا‪ #‬اتَّخَ‪َ #‬ذ ال‪#‬رَّحْ َمنُ َولَ‪#‬دًا ُس‪#‬ب َْحانَهُ بَ‪##‬لْ ِعبَ‪##‬ا ٌد ُم ْك َر ُم‪##‬ونَ اَل يَ ْس‪#‬بِقُونَهُ‬ ‫لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫ت َو َم‪##‬ا‬ ‫اوا ِ‬ ‫الس‪َ #‬م َ‬ ‫بِ ْالقَوْ ِل َوهُ ْم بِأ َ ْم ِر ِه يَ ْع َملُونَ ﴾ [األنبياء‪ ،]27-26 :‬وقوله َ‬
‫﴿وهَّلِل ِ يَ ْس‪ُ #‬ج ُد َم‪##‬ا فِي َّ‬
‫ض ِم ْن دَابَّ ٍة َو ْال َماَل ئِ َكةُ َوهُ ْم اَل يَ ْستَ ْكبِرُونَ يَخَافُونَ َربَّهُ ْم ِم ْن فَ‪##‬وْ قِ ِه ْم َويَ ْف َعلُ‪##‬ونَ‬
‫فِي اأْل َرْ ِ‬
‫َما ي ُْؤ َمرُونَ ﴾ [النحل‪ ،]50-49 :‬وغيرها من اآليات واألح‪##‬اديث‪ #..‬باإلض‪##‬افة إلى إجم‪##‬اع‬
‫علمائنا على ذلك‪ ،‬فقد ذكر العالمة المجلسي في بح‪##‬ار األن‪##‬وار (‪ )2‬باب‪##‬ا مفص‪##‬ال عن‬
‫عصمة المالئك‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬ال أيض‪##‬ا في موض‪##‬ع آخ‪##‬ر‪( :‬اعلم أن‪##‬ه أجمعت الفرق‪##‬ة المحق‪##‬ة‬
‫وأك‪##‬ثر‪ #‬المخ‪##‬الفين على عص‪##‬مة المالئك‪##‬ة ص‪##‬لوات هللا عليهم أجمعين من ص‪##‬غائر‪#‬‬
‫الذنوب وكبائرها) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك ما ورد فيه من الروايات الدالة على عدم عصمة‬
‫األنبياء عليهم السالم‪ ،‬والمخالف لم‪##‬ا علي‪##‬ه أئمتن‪##‬ا من عص‪##‬متهم؛ ومن األمثل‪##‬ة على‬
‫ذلك ما ورد فيه من ذكر قصة داوود‪ #‬وكيف افتتن بامرأة أوريا حين نظر إليها وهي‬
‫تغتسل‪ ،‬وكيف قدم أوريا بين يدي التابوت ليقتله‪ ،‬فقتله وت‪##‬زوج بامرأت‪##‬ه وول‪##‬دت ل‪##‬ه‬
‫سليمان(‪.)4‬‬
‫وهي رواية تتنافى‪ #‬مع ما ذكره أئمتنا عن عصمة األنبياء عليهم الس‪##‬الم‪ ،‬وق‪##‬د‬
‫ورد في (عيون أخبار الرضا) عن أبي الصلت‪ :‬أن اإلم‪##‬ام الرض‪##‬ا عن‪##‬د س‪##‬ؤاله عن‬
‫هذه القصة‪ ،‬ضرب على جبهته وقال‪( :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬لق‪##‬د نس‪##‬بتم‪ #‬نبي‪##‬ا من‬
‫أنبياء هللا إلى التهاون بصالته حين خرج في أثر الطير‪ ،‬ثم بالفاحشة‪ ،‬ثم بالقتل!)‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك ما روي في التفسير منسوبا لإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق‬
‫من قصة ملك سليمان عليهم السالم وخاتمه(‪ ..)5‬وهي قصة تس‪##‬يء إلى قداس‪##‬ة نبين‪##‬ا‬
‫س‪##‬ليمان علي‪##‬ه الس‪##‬الم‪ ،‬وال تكل‪##‬ف الق‪##‬ارئ الك‪##‬ريم‪ #‬كث‪##‬ير عن‪##‬اء في إثب‪##‬ات كونه‪##‬ا‬
‫تفسير القمي ‪.51 :2‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫بحار األنوار ‪.265 :59‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫بحار األنوار ‪.124 :11‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير القمي ‪.229 :2‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تفسير القمي‪ 236 :‬ـ ‪.237‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪366‬‬
‫موضوعة‪ ،‬وقد اعتبرها السيد الطباطبائي وأمثالها‪ #‬في ميزانه (مما لعبت به‪##‬ا أي‪##‬دي‬
‫الوضع) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا نجد موارد‪ #‬في التفسير تتعارض وما اكتشفه العلم من حقائق‬
‫علمية عن أسرار الطبيعة والكون‪ ،‬كحقيقة البرق والرعد‪ ،‬وكيفية حصول الكسوف‪#‬‬
‫والخسوف‪ ،‬وحجم الكواكب بالنسبة إلى األرض وغير ذلك‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك‬
‫ما جاء في التفسير من رواية طويلة‪ ،‬عن علي بن الحسين أنه قال‪( :‬إن من األوقات‬
‫التي قدرها هللا للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلق‪##‬ه هللا بين الس‪##‬ماء واألرض‪،‬‬
‫وإن هللا قدر‪ #‬فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم‪ #‬والك‪##‬واكب‪ ،‬ثم ق‪##‬در ذل‪##‬ك كل‪##‬ه على‬
‫الفلك‪ ،‬ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون ألف ملك‪ ،‬يديرون الفلك‪ ،‬فإذا دارت الش‪##‬مس‬
‫والقم‪##‬ر والنج‪##‬وم‪ #‬والك‪##‬واكب مع‪##‬ه ن‪##‬زلت في منازله‪##‬ا ال‪##‬تي ق‪##‬درها هللا فيه‪##‬ا ليومه‪##‬ا‬
‫وليلتها‪ ،‬وإذا كثرت ذنوب العب‪##‬اد وأراد هللا أن يس‪##‬تعتبهم بآي‪##‬ة من آيات‪##‬ه‪ ،‬أم‪##‬ر المل‪##‬ك‬
‫الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري‪ #‬الشمس والقمر والنجوم‪ #‬والكواكب‪،‬‬
‫فيأمر‪ #‬الملك أولئك السبعين ألف مل‪##‬ك أن يزيل‪##‬وا الفل‪##‬ك عن مجاري‪##‬ه‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ف‪##‬يزيلون‬
‫فتصير الشمس في البحر الذي يجري فيه الفلك‪ ،‬فيطمس حره‪##‬ا ويغ‪##‬ير لونه‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬إذا‬
‫أراد هللا أن يعظم اآلية طمست الشمس في البحر على م‪##‬ا يحب هللا أن يخ‪##‬وف‪ #‬خلق‪##‬ه‬
‫باآلي‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬ذلك عن‪##‬د ش‪##‬دة انكس‪##‬اف الش‪##‬مس‪ ،‬وك‪##‬ذلك يفع‪##‬ل ب‪##‬القمر‪ ،‬ف‪##‬إذا أراد هللا أن‬
‫يخرجهما‪ #‬ويردهما إلى مجراهم‪##‬ا‪ ،‬أم‪##‬ر المل‪##‬ك الموك‪##‬ل بالفل‪##‬ك أن ي‪##‬رد الش‪##‬مس إلى‬
‫مجراها‪ ،‬فيرد الملك الفلك إلى مجراه؛ فتخ‪##‬رج من الم‪##‬اء وهي ك‪##‬درة‪ ،‬والقم‪##‬ر مث‪##‬ل‬
‫ذلك) (‪)2‬‬
‫فالظاهر من الرواية أن سبب الكسوف‪ #‬والخسوف هو طمس الشمس أو القمر‬
‫في البح‪##‬ر الموج‪##‬ود بين الس‪##‬ماء واألرض‪ ،‬وه‪##‬ذا الكالم ليس ص‪##‬حيحا‪ ،‬وال مع‪##‬نى‬
‫لتأويله‪ ..‬بل علينا أن نطبق عليها وعلى أمثالها ما أوصانا‪ #‬ب‪##‬ه أئمتن‪##‬ا من ع‪##‬رض م‪##‬ا‬
‫ي‪##‬رد عنهم على الق‪##‬رآن والعق‪##‬ل القطعي‪ ،‬وإال لم يكن لم‪##‬ا أوص‪##‬وا‪ #‬ب‪##‬ه من الرواي‪##‬ات‬
‫الصحيحة مصداقا في الخارج؛ إذ يمكننا ـ حتى في البديهيات إذا ورد‪ #‬م‪##‬ا يعارض‪##‬ها‪#‬‬
‫ـ أن نؤوله‪ ..‬وعليه نرجح عدم صدور مثل هذه الرواية‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما رواه الراوي بعد ذلك عن اإلمام علي في حديث ج‪##‬اء‬
‫فيه‪( :‬األرض مسيرة خمسمائة عام‪ ،‬الخراب منها مسيرة أربعمائة ع‪##‬ام‪ ،‬والعم‪##‬ران‬
‫منها مسيرة مائة عام‪ ،‬والشمس س‪##‬تون فرس‪##‬خا في س‪##‬تين فرس‪##‬خا‪ ،‬والقم‪##‬ر أربع‪##‬ون‬
‫فرسخا‪ #‬في أربعين فرسخا‪ ،‬بطونهم‪##‬ا يض‪##‬يئان أله‪##‬ل الس‪##‬ماء‪ ،‬وظهورهم‪##‬ا يض‪##‬يئان‬
‫ألهل األرض‪ ،‬والكواكب‪ #‬كأعظم جبل على األرض)(‪ ..)3‬فهي مخالفة لكل ما يذكره‬
‫العلم القطعي‪.‬‬
‫‪ )(1‬الطباطبائي‪ ،‬الميزان ‪.207 :17‬‬
‫‪ )(2‬تفسير القمي ‪ 14 :2‬ـ ‪.15‬‬
‫‪ )(3‬تفسير القمي ‪.17 :2‬‬
‫‪367‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولذلك‪ ،‬فنحن بين أن نذكر بأن أمثال هذه الروايات‪ #‬إما قد دست في‬
‫التفسير وهذا بعي‪#‬د؛ إذ ليس هن‪#‬اك م‪#‬بررات موض‪#‬وعية لل‪#‬دس م‪#‬ا دامت هي مس‪#‬ألة‬
‫علمية ال عالقة لها بعقيدة أو خصوصيات مذهب وغير ذلك‪ ..‬وإما أن نق‪##‬ول بك‪##‬ذب‬
‫بعض رواته‪##‬ا‪ ،‬وه‪##‬ذا ي‪##‬دل على ع‪##‬دم إمكاني‪##‬ة إطالق التوثيق‪##‬ات العام‪##‬ة لك‪##‬ل ال‪##‬رواة‬
‫الموجودين في الكتاب‪.‬‬
‫تفسير العياشي‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬يمكننا أن نقبل م‪##‬ا ذكرتم‪##‬وه من األدل‪##‬ة والتص‪##‬ريحات‪#‬‬
‫على عدم اعتبار ذلك التفسير اعتبارا مطلق‪##‬ا‪ ..‬لكن م‪##‬ا تقول‪##‬ون في تفس‪##‬ير محم‪##‬د بن‬
‫مسعود‪ #‬العياشي (توفي ‪ 320‬هـ)‪ ،‬والذي يعد من الثقات عندكم‪ ..‬وقد تلق‪##‬اه علم‪##‬اؤكم‪#‬‬
‫بالقبول من غير أن يُذكر بق‪##‬دح أو يغمض في‪##‬ه بط‪##‬رف‪ #..‬م‪##‬ع العلم أنكم ت‪##‬ذكرون أن‬
‫مؤلفه محمد بن مسعود بن العياش التميمي الكوفي‪ #‬السمرقندي‪ ،‬من أعيان علمائكم‪،‬‬
‫وأنه من أساطين الحديث والتفسير‪ #‬بالرواية‪ ..‬وبذلك؛ فأنتم‪ #‬تتحملون كل م‪##‬ا ورد في‬
‫الروايات المغالية والمحرفة للمعاني القرآنية‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)1‬مع كل ما ذكرناه لك س‪##‬ابقا س‪##‬يدنا من أنن‪##‬ا ال نعت‪##‬بر أي‬
‫كتاب مهما جل قدره اعتب‪#‬ارا مطلق‪##‬ا؛ ب‪#‬ل نأخ‪##‬ذ من‪#‬ه ون‪#‬رد‪ ،‬إال أن ه‪##‬ذا التفس‪#‬ير م‪##‬ع‬
‫احترامنا‪ #‬لصاحبه‪ ،‬وثقتنا فيه‪ ،‬ألنه جمع فيه المأثور من أئمة أه‪##‬ل ال‪##‬بيت في تفس‪##‬ير‬
‫أن ه‪##‬ذا‬‫القرآن‪ ،‬وقد أجاد وأفاد‪ ،‬وذكر الرواي‪##‬ات بأس‪##‬انيدها‪ #‬في دقّ‪##‬ة واعتب‪##‬ار‪ ،‬غ‪##‬ير ّ‬
‫التفسير لم يصل إلينا إاّل مبتورا‪ ..‬فقد ب‪#‬تره ناس‪##‬خه؛ حيث أس‪##‬قط األس‪##‬انيد‪ ،‬واقتص‪##‬ر‬
‫على متون األحاديث‪ ،‬معتذرا بأنّه لم يجد في دياره من يكون عنده س‪##‬ماع أو إج‪##‬ازة‬
‫من المؤلف؛ فلذلك حذف األسانيد واكتفى بالباقي‪ ..‬ومن ثم قال المجلسي بشأنه‪ّ :‬‬
‫(إن‬
‫اعتذاره هذا أشنع من فعلته بحذف األسانيد)‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى ذل‪##‬ك؛ فه‪##‬و يسترس‪##‬ل في ذك‪##‬ر اآلي‪##‬ات‪ ،‬في ض‪##‬من‬
‫أحاديث مأثورة‪ ،‬عن أهل البيت تفسيرا وتأويال لآليات الكريمة‪ ،‬وال يتعرّض لنقدها‬
‫جرحا أو تعديال‪ ،‬تاركا ذلك إلى عهدة اإلسناد الّ‪##‬تي ح‪##‬ذفت م‪##‬ع األس‪##‬ف‪ ..‬باإلض‪##‬افة‬
‫الشاذة المنسوبة إلى أئمة أه‪#‬ل ال‪#‬بيت‪ ،‬مم‪#‬ا ج‪#‬اءت في‬ ‫ّ‬ ‫إلى تعرضه لبعض القراءات‬
‫سائر الكتب بأسانيد ضعاف‪ ،‬أو مرسلة ال حجيّة فيها‪ ،‬والقرآن ال يثبت بغير التواتر‪#‬‬
‫باتّفاق األ ّمة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬وهك‪##‬ذا ن‪##‬راه ال ي‪##‬راعي ض‪##‬وابط الج‪##‬ري والتط‪##‬بيق ال‪##‬تي ال‬
‫تتعارض مع بالغة القرآن الكريم أو معانيه‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قول‪##‬ه في تفس‪##‬ير‬
‫(السبع المثاني) بسورة الحمد‪ ،‬بأن ظاهرها‪ :‬الحمد‪ ،‬و باطنه‪##‬ا‪ #:‬ول‪##‬د الول‪##‬د‪ ،‬والس‪##‬ابع‬
‫منها اإلمام المهدي‪ ..‬ومن ثم فإنه عند ما يرد في التأويل‪ ،‬نراه غير م‪##‬راع لض‪##‬وابط‪#‬‬
‫‪ )(1‬التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/323 :‬‬
‫‪ )(2‬التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/324 :‬‬
‫‪ )(3‬التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/325 :‬‬
‫‪368‬‬
‫التأويل الصحيح‪ ،‬من كونه مفهوما عاما منتزعا من اآلية بع‪##‬د إلغ‪##‬اء الخصوص‪##‬يات‬
‫ليكون متناسبا مع ظاهر اللفظ‪ ،‬وإن كانت داللته عليه غير بيّنة‪.‬‬
‫تفسير الحويزي‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬يمكننا أن نقبل ما ذكرتموه من األدلة على عدم اعتبار‬
‫ذلك التفسير اعتبارا مطلقا‪ ..‬لكن ما تقولون في تفسير عبد علي بن جمعة العروسي‪#‬‬
‫الحويزي‪( #،‬توفي‪ 1112 #‬هـ)‪ ،‬والمسمى‪[ #‬تفسير الثقلين]؛ فه‪##‬و ق‪##‬د ح‪##‬وى الكث‪##‬ير من‬
‫الخرافات والدجل والغلو‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ : 1‬إن صاحب هذا التفس‪##‬ير‪ ،‬س‪##‬يدي من اإلخب‪##‬اريين ال‪##‬ذين‬ ‫)‬
‫يهتمون بجمع الروايات دون تمحيص‪#‬ها‪ ..‬ول‪#‬ذلك جم‪#‬ع في كتاب‪#‬ه م‪#‬ا ع‪#‬ثر علي‪#‬ه من‬
‫روايات معز ّوة إلى أئمة أهل البيت مما يرتبط نحو ارتباط ب‪##‬القرآن الك‪##‬ريم‪ ،‬تفس‪##‬يرا‬
‫أو ت‪##‬أويال‪ ،‬أو استش‪##‬هادا أو تأيي‪##‬دا‪ ،‬وفي األغلب ال عالق‪##‬ة لألح‪##‬اديث ال‪##‬تي يورده‪##‬ا‬
‫باآليات الكريمة في صلب مفهومها‪ #‬أو داللتها‪ ،‬وإنما تعرّض لها ب‪##‬العرض لغ‪##‬رض‬
‫االستشهاد‪ #،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى ضعف أسانيد األحاديث ال‪##‬تي يورده‪##‬ا أو إرس‪##‬الها‬
‫إاّل القليل المنقول من المجامع الحديثية المعتبرة‪..‬‬
‫ق‪####‬ال آخر(‪ :)3‬باإلض‪####‬افة إلى ع‪####‬دم تعرض‪####‬ه لنق‪####‬د الرواي‪####‬ات و ال عالج‬
‫معارضاتها‪ ،‬وقد قال في مقدمة تفسيره يذكر ذلك‪ ،‬ويبرئ‪ #‬ذمت‪##‬ه من تحمل‪##‬ه‪( :‬و أم‪##‬ا‬
‫ما نقلت مما ظاهره يخ‪##‬الف إلجم‪##‬اع الطائف‪##‬ة فلم أقص‪##‬د ب‪##‬ه بي‪##‬ان اعتق‪##‬اد وال عم‪##‬ل‪،‬‬
‫وإنما أوردته ليعلم الناظر المطّلع كيف نق‪##‬ل وع ّمن نق‪##‬ل‪ ،‬ليطلب ل‪##‬ه من التوجي‪##‬ه م‪##‬ا‬
‫يخرجه من ذلك‪ ،‬م‪#‬ع أني لم أخ‪##‬ل موض‪#‬عا‪ #‬من تل‪##‬ك المواض‪##‬ع عن نق‪#‬ل م‪##‬ا يض‪##‬اده‪،‬‬
‫ويكون عليه المعوّل في الكشف واإلبداء) (‪ ..)4‬وب‪##‬ذلك ت‪##‬وهم أن‪##‬ه تخلّص عن م‪##‬أزق‬
‫تبعات ما أورده في كتابه من مناقضات ومخالفات صريحة‪ ،‬مع أسس قواعد الدين‪،‬‬
‫موكال النظر والتحقيق في ذلك إلى عاتق القارئ‪.‬‬
‫صر‪ #‬في ذلك؛ إذ كان من وظيفته اإلعالم والبيان‬ ‫قال آخر(‪ :)5‬لذلك نرى أنه ق ّ‬
‫لمواض‪##‬ع اإلبه‪##‬ام واإلجم‪##‬ال‪ ،‬كم‪##‬ا فعل‪##‬ه المجلس‪##‬ي في بح‪##‬ار أن‪##‬واره؛ إذ ربّ رواي‪##‬ة‬
‫أوهنت من شأن الدين فال ينبغي السكوت عليها والمرور عليها م‪##‬رور الك‪##‬رام‪ ،‬مم‪##‬ا‬
‫فيه إغراء الجاهلين أحيانا‪ ،‬أو ضعضعة عقيدة؛ فلم يكن ينبغي نقل الرواي‪##‬ة وتركه‪#‬ا‪#‬‬
‫على عواهنها‪ ،‬األمر الّذي أوجب مشاكل في عقائد المسلمين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة على ذلك م‪##‬ا ذك‪##‬ره في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ اَل‬
‫ضةً فَ َما فَوْ قَهَ‪##‬ا ﴾ [البق‪##‬رة‪ ]26 :‬حيث ذك‪##‬ر تل‪##‬ك الرواي‪##‬ة‬ ‫يَ ْستَحْ يِي‪ #‬أَ ْن يَضْ ِر َ‬
‫ب َمثَاًل َما بَعُو َ‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/328 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/328 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/328 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫نور الثقلين‪.1/2 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/328 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪369‬‬
‫المشوّهة‪ ،‬والتي نسبها لإلمام الص‪##‬ادق‪ ،‬وال‪##‬تي تعت‪##‬بر ﴿البعوض‪##‬ة﴾ أم‪##‬ير المؤم‪##‬نين‪،‬‬
‫و﴿ما فوقها﴾ رسول هّللا (‪ ..)1‬والتي سبق ورددنا‪ #‬عليها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومثل ذلك يذكر أخبارا مشتملة على الغل ّو والوهن بشأن األئ ّم‪##‬ة‪،‬‬
‫قص‪#‬ة ه‪##‬اروت‬ ‫ومثلها من االسترسال‪ #‬في نقل اإلسرائيليات‪ #‬والموض‪##‬وعات‪ #‬كم‪##‬ا في ّ‬
‫وم‪###‬اروت‪ ،‬وأن الزه‪###‬رة ك‪###‬انت ام‪###‬رأة فمس‪###‬خت(‪ ..)3‬ونح‪###‬و ذل‪###‬ك من األس‪###‬اطير‪#‬‬
‫اإلسرائيلية واألكاذيب الفاضحة التي مأل بها كتابه‪ ،‬وشحنه شحنا بال هوادة‪.‬‬
‫تفسير البحراني‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬يمكننا أن نقبل ما ذكرتموه من األدلة على عدم اعتبار‬
‫ذلك التفسير اعتبارا مطلقا‪ ..‬لكن ما تقول‪##‬ون في تفس‪##‬ير الس‪#‬يّد هاش‪##‬م بن س‪##‬ليمان بن‬
‫إسماعيل الحس‪##‬ينى البح‪##‬راني الكتك‪##‬اني (ت‪##‬وفّي ‪ 1107‬هـ) والمس‪##‬مى [البره‪##‬ان في‬
‫تفسير القرآن] ؛ فهو قد حوى الكثير من الخرافات والدجل والغلو‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين(‪ :)4‬إن صاحب هذا التفس‪##‬ير ـ س‪##‬يدي ـ ك‪##‬ان من المح‪##‬دثين‬
‫الذين يهتمون بجمع األخبار‪ ،‬من غير أن يتكلّموا فيها بجرح أو تعديل‪ ،‬أو تأويل م‪##‬ا‬
‫يخالف العقل أو النقل الصريح‪ ،‬كما هو دأب أكثر األخباريين المتطرّفين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬باإلضافة إلى أنه في تفسيره هذا يعتمد كتبا ال اعتب‪#‬ار له‪#‬ا أمث‪#‬ال‬
‫التفسير المنسوب إلى اإلمام العسكري‪ #‬ـ الّذي هو من ص‪##‬نع أبي يعق‪##‬وب يوس‪##‬ف بن‬
‫محمد بن زياد‪ ،‬وأبي الحسن على بن محمد بن س‪##‬يار‪ ،‬األس‪##‬ترآباديين ولم يعلم وج‪##‬ه‬
‫انتسابه إلى اإلمام الحسن العسكري ـ ومثله التفس‪#‬ير المنس‪##‬وب إلى علي بن إب‪#‬راهيم‬
‫بن هاشم القمي وهو من ص‪##‬نع أبي الفض‪##‬ل العب‪##‬اس بن محم‪##‬د العل‪##‬وي‪ ،‬ونس‪##‬ب إلى‬
‫القمي من غير وجه وجيه‪ ..‬ومثلهما‪ #‬كتاب (االحتجاج) المنسوب إلى الطبرسي‪ ،‬ولم‬
‫يع‪##‬رف لح ‪ّ #‬د اآلن‪ ،‬وكت‪##‬اب (س‪##‬ليم بن قيس الهاللي)‪ ،‬المدس‪##‬وس‪ #‬في‪##‬ه‪ ،‬وغيره‪##‬ا من‬
‫الكتب التي ال اعتبار لها‪ ،‬فضال عن ضعف اإلسناد أو اإلرسال في أكثر األح‪##‬اديث‬
‫التي ينقلها من هذه الكتب‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬باإلضافة إلى أنه يسند القول في التفسير إلى أئمة اله‪##‬دى‪ ،‬وبك‪##‬ل‬
‫تأكيد وثقة‪ ،‬ومن غير رعاية لالحتياط‪ ..‬فضال عن ضعف‪ #‬األسانيد وإرسالها‪#.‬‬
‫قال آخر(‪ :)7‬وهذا ال يعني طرح الكتاب جميع‪##‬ا؛ فالحكم‪##‬ة ض‪#‬الة الم‪##‬ؤمن أين‬
‫وجدها‪ ،‬فهو أحق بها‪..‬بل إن في‪##‬ه من األح‪##‬اديث الجميل‪##‬ة الص‪##‬ادرة عن أئم‪##‬ة اله‪##‬دى‬
‫والتي ال يمكن رفضها‪ ..‬وهو بذلك مثل جميع تراثنا‪ ،‬وفي‪ #‬جميع المج‪#‬االت‪ ،‬بحاج‪#‬ة‬

‫نور الثقلين‪ 1/37 :‬ـ ‪.38‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/329 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫نور الثقلين‪.1/91 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/331 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/331 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/331 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب‪.2/332 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪370‬‬
‫إلى تمحيص ونق‪##‬د وتحقي‪##‬ق‪ ،‬ليمت‪##‬از س‪##‬ليمه عن الس‪##‬قيم‪ ،‬والص‪##‬حيح المقب‪##‬ول عن‬
‫الضعيف‪ #‬الموهون‪.‬‬
‫‪ .3‬الغالة وتحريف التنزيل‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬قد أوافقكم في ك‪##‬ل م‪##‬ا ذك‪##‬رتم‪ #..‬ولكن م‪##‬ا تقول‪##‬ون فيم‪##‬ا‬
‫ينسب لكم من القول بتحريف‪ #‬القرآن الكريم؛ فق‪##‬د اش‪##‬تهر ه‪##‬ذا عنكم‪ ،‬بحيث ص‪##‬ار ال‬
‫يحت‪##‬اج إلى دلي‪#‬ل أو بين‪#‬ة ت‪##‬دل عليه‪ ..‬فبمج‪#‬رد‪ #‬أن ت‪#‬ذكروا‪ #‬ل‪#‬دى أي ع‪#‬امي‪ ،‬أو ح‪#‬تى‬
‫صبي إال ويذكر‪ #‬ذلك عنكم‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬ما تقول سيدي في األح‪##‬اديث المش‪##‬تهرة ال‪##‬تي تج‪##‬ري على‬
‫كثير من ألسنة عامة الناس‪ ..‬شيوخهم وصبيانهم‪ #..‬هل تقر بص‪##‬حتها عن رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬بسبب شهرتها؟‬
‫قال المدعي‪ :‬طبعا ال‪ ..‬فحديث رسول هللا ‪ ‬أعظم من أن نتساهل في‪##‬ه به‪##‬ذه‬
‫الطريقة؛ ولهذا قام العلماء بالتحقيق في تلك األحاديث‪ ،‬وألف‪##‬وا فيه‪##‬ا الكتب‪ ،‬وم‪##‬يزوا‬
‫الص‪##‬حيح من الض‪##‬عيف‪ #‬من الموض‪###‬وع‪ ،‬ومن تل‪##‬ك الكتب [المقاص‪##‬د الحس‪##‬نة في‬
‫األح‪##‬اديث المش‪##‬تهرة على األلس‪##‬نة] للحاف ‪#‬ظ‪ #‬ش‪##‬مس ال‪##‬دين محم‪##‬د بن عب‪##‬د ال‪##‬رحمن‬
‫السخاوي‪ ،‬وهو كتاب جامع لكثير من األحاديث المش‪##‬تهرة على األلس‪##‬نة ‪ ،‬مم‪##‬ا ليس‬
‫في غيره ‪ ،‬وتبلغ عدة أحاديثه (‪ )1356‬حديثـًا ‪ ..‬وق‪##‬د اختص‪##‬ره تلمي‪##‬ذه أب‪##‬و الض‪##‬ياء‬
‫عبد الرحمن بن الديبع الشيباني‪ ،‬وس‪#‬مى مختص‪#‬ره [تمي‪#‬يز الطيب من الخ‪#‬بيث فيم‪#‬ا‬
‫يدور‪ #‬على األلس‪##‬نة من الح‪##‬ديث]‪ ..‬ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك أل‪##‬ف الحاف‪##‬ظ جالل ال‪##‬دين الس‪##‬يوطي‬
‫كتاب [الدرر المنتثرة في األحاديث المشتهرة]‪ ،‬وقد‪ #‬لخص‪##‬ه من كت‪##‬اب [الت‪##‬ذكرة في‬
‫األحاديث المشتهرة] لب‪##‬در ال‪##‬دين الزركش‪##‬ي وزاد‪ #‬علي‪##‬ه ‪ ..‬ومثل‪##‬ه الش‪##‬يخ ع‪##‬ز ال‪##‬دين‬
‫محمد بن أحمد الخليلي صاحب كتاب [تسهيل الس‪##‬بل إلى كش‪##‬ف االلتب‪##‬اس عم‪##‬ا دار‬
‫من األحاديث بين الناس]‪ ..‬ومثلهم الحافظ إس‪##‬ماعيل بن محم‪##‬د العجل‪##‬وني‪ ،‬ص‪##‬احب‬
‫كتاب [كشف الخفاء ومزيل األلباس عما اشتهر من األح‪##‬اديث على ألس‪##‬نة الن‪##‬اس]‪،‬‬
‫وهو كتاب كثير الفوائد ‪ ،‬جمع فيه مؤلفه أحاديث كتاب السخاوي‪ #‬مع تلخيص كالمه‬
‫حديثـا‪ ..‬ومثلهم‪#‬‬
‫ً‬ ‫‪ ،‬وزاد أح‪##‬اديث كث‪##‬يرة ج‪#‬دًا ح‪##‬تى زاد ع‪##‬دد أحاديث‪##‬ه على (‪)3250‬‬
‫الش‪##‬يخ أب‪##‬و عب‪##‬د هللا محم‪##‬د بن درويش الح‪##‬وت الب‪##‬يروتي‪ ،‬ص‪##‬احب كت‪##‬اب [أس‪##‬نى‬
‫المطالب في أحاديث مختلفة المراتب]‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
‫قال المتهم‪ :‬فلم ألفوا كل هذه الكتب؟‬
‫قال المدعي‪ :‬طبعا للنصيحة والتحذير‪ #‬من الخط‪##‬أ في الرواي‪##‬ة عن رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ،‬وقد‪ #‬قال أحدهم‪ ،‬وهو بدر الدين الزركشي معبرا عن ذلك في مقدمة كتابه الذي‬
‫ألفه لهذا الغرض‪( :‬إن من النص‪##‬يحة الواجب‪##‬ة في ال‪##‬دين التنبي‪##‬ه على م‪##‬ا يش‪##‬تهر بين‬
‫الناس مما ألفه الطب‪##‬ع‪ ،‬وليس ل‪##‬ه أص‪##‬ل في الش‪##‬رع‪ ..‬وق‪#‬د‪ #‬ص‪##‬نف اإلم‪##‬ام ت‪##‬اج ال‪##‬دين‬
‫الغزاري‪ #‬كتابا في فقه العوام وإنكار أمور‪ #‬قد اشتهرت بينهم ال أصل لها‪ ،‬أج‪##‬اد فيه‪##‬ا‬

‫‪371‬‬
‫اإلنتقاد‪ ،‬وصان الشريعة أن يدخل فيها ما خ‪##‬ل باإلعتق‪##‬اد‪ ،‬ش‪##‬كر هللا ص‪##‬نعه‪ ،‬وأث‪##‬اب‬
‫جمعه‪ ..‬وقد‪ #‬رأيت ما هو أهم من ذلك‪ ،‬وه‪##‬و تب‪##‬يين األح‪##‬اديث المش‪##‬تهرة على ألس‪##‬نة‬
‫العوام‪ ،‬وكث‪##‬ير من الفقه‪##‬اء ال‪##‬ذين ال معرف‪##‬ة لهم بالح‪##‬ديث‪ ،‬وهي‪ :‬إم‪##‬ا أن يك‪##‬ون له‪##‬ا‬
‫أصل يتعذر الوقوف‪ #‬علي‪##‬ه‪ ،‬لغراب‪##‬ة موض‪#‬عه‪ ،‬ول‪#‬ذكره في غ‪#‬ير مظن‪#‬ه‪ ،‬وربم‪##‬ا نف‪##‬اه‬
‫بعض أهل الحديث لعدم إطاعته عليه‪ ،‬والنافي‪ #‬له كمن نفى أصال من ال‪##‬دين‪ ،‬وض‪##‬ل‬
‫عن طريقه المبين‪ ،‬وإما ال أصل له‪#‬ا البت‪#‬ة‪ ،‬فالناق‪#‬ل‪ #‬له‪#‬ا ي‪##‬دخل تحت قول‪#‬ه ‪( :‬من‬
‫يقل عني ما لم أقل‪ ،‬فليتبوأ مقعده من النار) (‪)1‬‬
‫قال المتهم‪ :‬فه‪##‬ل ت‪##‬رى ج‪##‬واز التس‪##‬اهل في أع‪##‬راض المس‪##‬لمين‪ ،‬ب‪##‬ل اته‪##‬امهم‬
‫بالكفر والبدعة والضاللة‪ ،‬مستساغا ما دام قد اشتهر عن األلسنة؟‬
‫قال المدعي‪ :‬ال يمكنني طبعا أن أقول ذلك‪ ..‬ولذلك سألتك عن موقفكم‪.‬‬
‫شهادات وتصريحات‪:‬‬
‫قال المتهم‪ :‬قبل أن أجيبك عن موقفنا‪ ..‬أعود بك إلى تلك األحاديث المش‪##‬تهرة‬
‫بين الن‪##‬اس‪ ،‬وال‪##‬تي ذك‪##‬رت لي أن‪##‬ه ألفت فيه‪##‬ا المؤلف‪##‬ات ال‪##‬تي تح‪##‬ذر المس‪##‬لمين من‬
‫األحاديث المكذوبة المنتشرة بينهم‪ ..‬ما هي أدلتهم على ذلك؟‬
‫قال المدعي‪ :‬طبع‪##‬ا‪ ..‬هم يس‪##‬تدلون ل‪##‬ذلك ب‪##‬أقوال‪ #‬العلم‪##‬اء في بي‪##‬ان ض‪##‬عفها أو‬
‫كذبها‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ‌الحديث المش‪##‬تهر المنس‪##‬وب لرس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪( ‬م‪##‬ا أفلح‬
‫صاحب عيال قط)‪ ،‬فقد استدل الزركشي‪ #‬على كذبه بقوله‪( :‬ق‪##‬ال ابن ع‪##‬دي‪ :‬ه‪##‬و من‬
‫كالم ابن عيينة وهو منكر عن النبي ‪ ..)2()‬فقد اعتبر شهادة ابن عيين‪##‬ة كافي‪##‬ة في‬
‫الداللة على كذب الحديث‪.‬‬
‫قال المتهم‪ :‬بما أننا أمرنا بالعدالة‪ ..‬فهل تقب‪##‬ل من‪##‬ا ش‪##‬هادات كب‪##‬ار علمائن‪##‬ا في‬
‫تبرئتنا‪ #‬من القول بتحري‪#‬ف‪ #‬الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ..‬أم أن ذل‪##‬ك قاص‪##‬ر فق‪##‬ط على األح‪##‬اديث‬
‫المشتهرة؟‬
‫ق‪#‬ال الم‪#‬دعي‪ :‬ب‪#‬ل أقب‪##‬ل ش‪##‬هادات علم‪##‬ائكم‪ ..‬لكن بش‪##‬رط أن يك‪#‬ون لهم س‪##‬معة‬
‫واحترام‪ #‬ومتبوعية عندكم‪ ..‬حتى ال تأتيني بالشواذ‪ #‬الذين ال يعرفهم وال يتبعهم أحد‪.‬‬
‫ق‪#‬ال المتهم‪ :‬ال ب‪#‬أس‪ ..‬فكب‪#‬ار‪ #‬علمائن‪##‬ا من ال‪##‬ذين نرج‪#‬ع إلى كتبهم وتص‪##‬انيفهم‪#‬‬
‫كلهم صرحوا‪ #‬بذلك‪ ..‬وق‪##‬د ع‪##‬بر عن ذل‪##‬ك بعض كب‪##‬ار متأخرين‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬ال ـ في مقدم‪##‬ة‬
‫ذكره لتصريحاتهم‪ #‬في ذلك ـ‪( :‬وإليك اآلن تصريحات‪ #‬من ألمع وجوه الطائف‪##‬ة‪ ،‬م ّمن‬
‫دارت عليهم رحى االعتبار‪ ،‬وكانوا‪ #‬قدوة التحقي‪##‬ق وأس‪##‬وة النق‪##‬د واالختي‪##‬ار‪ #،‬فك‪##‬انت‬
‫أقوالهم‪ #‬بالذات ح ّجة وآراؤهم بالخصوص سند القبول‪ ..‬وقد أجمعوا بال استثناء على‬
‫رفض احتم‪##‬ال التحري‪##‬ف في كت‪##‬اب هّللا المجي‪##‬د‪ ،‬حتّى جعل‪##‬ه مث‪##‬ل الص‪##‬دوق ـ وه‪##‬و‬
‫المضطلع بآثار اآلئمة ـ من أصول معتقدات الشيعة اإلمامية‪ ..‬وص‪ّ #‬رح‪ #‬الم‪##‬ولى أب‪##‬و‬
‫‪#‬أن جمه‪##‬ور‪ #‬المجته‪##‬دين على‬ ‫القاسم الجيالني (ت ‪ )1231‬صاحب قوانين األصول‪ #‬ب‪ّ #‬‬
‫‪ )(1‬الآللئ المنثورة في األحاديث المشهورة (ص‪)25‬‬
‫‪ )(2‬الآللئ المنثورة في األحاديث المشهورة (ص‪)124‬‬
‫‪372‬‬
‫عدم التحريف‪ #..‬وهكذا اإلمام كاشف الغطاء (ت ‪ )1373‬قال‪ :‬علي‪##‬ه إجم‪##‬اع الش‪##‬يعة‬
‫اإلماميّة) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬فمن أعالمنا العدول الصادقين الذين ش‪##‬هدوا ب‪##‬ذلك ش‪##‬يخ المح‪ّ #‬دثين‪،‬‬
‫أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق (ت ‪ ،)381‬فقد قال ـ في رسالته التي‬
‫وضعها‪ #‬لبيان معتقدات الشيعة اإلمامية حسب ما وصل إليه من النظ‪##‬ر والتمحيص ـ‬
‫أن القرآن الذي أنزله هّللا تعالى على نبيّه مح ّمد ‪ ‬ه‪##‬و م‪##‬ا بين ال‪##‬دفّتين‪،‬‬ ‫‪( :‬اعتقادنا ّ‬
‫وهو ما في أيدي الناس ليس ب‪##‬أكثر من ذل‪##‬ك‪ ،‬وع‪##‬دد س‪##‬وره على المع‪##‬روف‪)114( #‬‬
‫سورة‪ ،‬وعندنا تع ّد (و الضحى) و(ألم نشرح) سورة واحد‪ ،‬وكذا (إليالف) و(ألم تر‬
‫كيف)‪ ..‬ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم عميد الطائفة‪ ،‬محمد بن محمد بن النعمان المفيد (ت ‪،)413‬‬
‫بأن ال‪##‬ذي بين‬ ‫فقد قال في أجوبة المسائل السروية‪( :‬فإن قال قائل‪ :‬كيف يص ّح القول ّ‬
‫الدفّتين هو كالم هّللا تعالى على الحقيقة من غير زيادة وال نقصان وأنتم‪ #‬ت‪##‬روون عن‬
‫األئ ّم‪##‬ة أنّهم ق‪##‬رأوا‪( :‬كنتم خ‪##‬ير أئ ّم‪##‬ة أخ‪##‬رجت للن‪##‬اس)‪( ..‬وك‪##‬ذلك جعلن‪##‬اكم‪ #‬أئم‪##‬ة‬
‫وسطا)‪ ..‬وهذا بخالف ما في المصحف الذي في أي‪##‬دي الن‪##‬اس؟ قي‪##‬ل ل‪##‬ه‪ :‬ق‪##‬د مض‪##‬ى‬
‫أن األخبار التي جاءت ب‪##‬ذلك أخب‪##‬ار آح‪##‬اد ال يقط‪##‬ع على هّللا‬ ‫الجواب عن هذا‪ ،‬وهو‪ّ :‬‬
‫تعالى بصحّتها‪ ،‬فل‪##‬ذلك وقفن‪##‬ا فيه‪##‬ا ولم نع‪##‬دل ع ّم‪##‬ا في المص‪##‬حف الظ‪##‬اهر‪ ،‬على م‪##‬ا‬
‫أمرنا به حسب ما بيّناه) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم الشريف‪ #‬المرتضى‪ ،‬علي بن الحسين علم الهدى (ت ‪،)436‬‬
‫(إن العلم بص ‪#‬حّة‬ ‫فقد قال ـ في رسالته الجوابية االولى عن المسائل الطرابلسيات‪ #‬ـ ‪ّ :‬‬
‫نقل الق‪##‬رآن ك‪##‬العلم بالبل‪##‬دان والح‪##‬وادث الكب‪##‬ار والوق‪##‬ائع العظ‪##‬ام والكتب المش‪##‬هورة‬
‫ف‪##‬إن العناي‪##‬ة اش‪##‬ت ّدت وال‪##‬دواعي ت‪##‬وفّرت على نقل‪##‬ه‬
‫وأش‪##‬عار الع‪##‬رب المس‪##‬طورة‪ّ ،‬‬
‫ألن الق‪##‬رآن معج‪##‬زة النب‪#‬وّة ومأخ‪#‬ذ‪#‬‬ ‫وحراسته‪ ،‬وبلغت إلى ح ّد لم يبلغه فيم‪##‬ا ذكرن‪##‬اه‪ّ ،‬‬
‫العلوم الشرعيّة واألحكام‪ #‬الدينيّ‪##‬ة‪ ،‬وعلم‪##‬اء المس‪##‬لمين ق‪##‬د بلغ‪##‬وا في حفظ‪##‬ه وحمايت‪##‬ه‬
‫الغاية‪ ،‬حتّى عرفوا ك ّل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته‪ ،‬فكيف‬
‫يجوز‪ #‬أن يكون مغيّرا ومنقوصا‪ ،‬مع العناية الصادقة والضبط‪ #‬الشديد!) (‪)4‬‬
‫(إن العلم بتفص‪#‬يل الق‪#‬رآن وأبعاض‪##‬ه في ص‪#‬حّة نقل‪#‬ه ك‪##‬العلم بجملت‪#‬ه‪،‬‬ ‫و ق‪##‬ال‪ّ :‬‬
‫وجرى‪ #‬ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة‪ ،‬ككتاب س‪##‬يبويه والم‪##‬زني‪،‬‬
‫فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمون‪#‬ه من جملتهم‪#‬ا‪ ،‬حتّى ل‪#‬و‬ ‫ّ‬
‫أن مدخال أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لع‪##‬رف وميّ ‪#‬ز‪ #‬وعلم‬ ‫ّ‬
‫أنّ‪##‬ه ملح‪##‬ق وليس من أص‪##‬ل الكت‪##‬اب‪ ،‬وك‪##‬ذلك الق‪##‬ول في كت‪##‬اب الم‪##‬زني‪ ،‬ومعل‪##‬وم ّ‬
‫أن‬

‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.55‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫اعتقادات اإلمامية ‪ 93‬ـ ‪.94‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الرسالة مطبوعة ضمن رسائل نشرتها مكتبة المفيد بقم‪ .‬راجع‪ ،‬ص‪226‬؛ والبحار‪.89/75 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪373‬‬
‫العناي‪##‬ة بنق‪##‬ل الق‪##‬رآن وض‪##‬بطه أص‪##‬دق من العناي‪##‬ة بض‪##‬بط كت‪##‬اب س‪##‬يبويه ودواوين‬
‫الشعراء) (‪)1‬‬
‫وق‪##‬ال‪( :‬من خ‪##‬الف في ذل‪##‬ك من اإلمامي‪##‬ة والحش‪##‬وية ال يعت ‪ّ #‬د بخالفهم‪ ،‬ف‪ّ #‬‬
‫‪#‬إن‬
‫الخالف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الح‪##‬ديث نقل‪##‬وا أخب‪##‬ارا ض‪##‬عيفة ظنّ‪##‬وا‬
‫صحّتها‪ ،‬ال يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته) (‪)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم ش‪##‬يخ الطائف‪##‬ة‪ ،‬أب‪##‬و جعف‪##‬ر مح ّم‪##‬د بن الحس‪##‬ن الطوس‪#‬ي‪( #‬ت‬
‫‪ ،)460‬فقد قال في مق ّدمة تفسيره (التبيان)‪( :‬وأ ّما الكالم في زيادت‪##‬ه ونقص‪##‬انه فم ّم‪##‬ا‬
‫ألن الزيادة من‪##‬ه مجم‪##‬ع على‬ ‫ال يليق بهذا الكتاب المقصود منه العلم بمعاني القرآن‪ّ ،‬‬
‫بطالنها والنقصان منه‪ ،‬فالظ‪##‬اهر‪ #‬أيض‪##‬ا من م‪##‬ذهب المس‪##‬لمين خالف‪##‬ه‪ ،‬وه‪##‬و األلي‪##‬ق‬
‫بالصحيح من مذهبنا‪ ،‬وهو الذي نصره المرتضى‪ ،‬وهو الظاهر في الروايات‪ ،‬غير‬
‫الخاص‪#‬ة والعا ّم‪#‬ة بنقص‪#‬ان كث‪#‬ير من آي الق‪#‬رآن‬ ‫ّ‬ ‫أنّه رويت روايات كث‪#‬يرة من جه‪#‬ة‬
‫ونقل شيء منه من موض‪##‬ع إلى موض‪##‬ع‪ ،‬طريقه‪#‬ا‪ #‬اآلح‪##‬اد ال‪##‬تي ال ت‪##‬وجب علم‪##‬ا وال‬
‫عمال‪ ،‬واألولى اإلعراض عنها‪ ،‬وترك التشاغل بها‪ ،‬ألنّه يمكن تأويلها) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم أبو علي الفض‪##‬ل بن الحس‪##‬ن الطبرس‪#‬ي‪( #‬ت ‪ ،)548‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫في مق ّدمة تفسيره‪( :‬والكالم في زيادة القرآن ونقص‪##‬انه‪ ،‬م ّم‪##‬ا ال يلي‪##‬ق بالتفس‪##‬ير‪ ،‬أ ّم‪##‬ا‬
‫الزيادة فيه فمجمع على بطالنه وأ ّم‪##‬ا النقص‪##‬ان من‪##‬ه فق‪##‬د روى جماع‪##‬ة من أص‪##‬حابنا‬
‫أن في الق‪##‬رآن تغي‪##‬يرا ونقص‪##‬انا‪ ،‬والص‪##‬حيح من م‪##‬ذهب‬ ‫وق‪##‬وم‪ #‬من حش‪##‬وية العام‪##‬ة ّ‬
‫أصحابنا‪ #‬خالفه‪ ،‬وهو الذي نصره المرتضى واس‪##‬توفى الكالم في‪##‬ه غاي‪##‬ة االس‪##‬تيفاء)‬
‫(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم جم‪##‬ال ال‪##‬دين‪ ،‬أب‪##‬و منص‪##‬ور‪ #‬الحس‪#‬ن بن يوس‪##‬ف ابن المطهّ‪#‬ر‬
‫الحلّي (ت ‪ ،)726‬فقد قال في أجوبة المسائل المهناوية‪ ،‬عند ما س‪##‬أله الس‪##‬يد المهن‪##‬ا‪:‬‬
‫(ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يص ّح عن‪##‬د أص‪##‬حابنا أنّ‪##‬ه نقص من‪##‬ه ش‪##‬يء أو‬
‫زي‪##‬د في‪##‬ه أو غيّ‪##‬ر ترتيب‪##‬ه أم لم يص ‪ّ #‬ح عن‪##‬دهم ش‪##‬يء من ذل‪##‬ك؟)‪ ،‬فق‪##‬ال العاّل م‪##‬ة في‬
‫ق أنّه ال تبديل وال تأخير وال تقديم فيه‪ ،‬وأنّه لم يزد ولم ينقص‪ ،‬ونعوذ‪#‬‬ ‫الجواب‪( :‬الح ّ‬
‫باهّلل تعالى من أن يعتق‪##‬د مث‪##‬ل ذل‪##‬ك وأمث‪##‬ال ذل‪##‬ك‪ ،‬فإنّ‪##‬ه ي‪##‬وجب التط‪ّ #‬رق‪ #‬إلى معج‪##‬زة‬
‫الرسول ‪ ‬المنقولة بالتواتر)‪)5( #‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم الم‪##‬ولى المحقّ‪##‬ق األردبيلي (ت ‪ ، )993‬فق‪##‬د ق‪##‬ال بوج‪##‬وب‬
‫(العلم بما يقرأ قرآنا أنّ‪##‬ه ق‪##‬رآن‪ ،‬فينبغي‪ #‬تحص‪##‬يله من الت‪##‬واتر الم‪##‬وجب للعلم‪ ،‬وع‪##‬دم‬
‫ج‪##‬واز االكتف‪##‬اء بالس‪##‬ماع حتّى من ع‪##‬دل واح‪##‬د‪ ،،‬وإذ ثبت ت‪##‬واتره فه‪##‬و م‪##‬أمون من‬
‫االختالل‪ ..‬مع أنّه مضبوط في الكتب‪ ،‬حتّى أنّه معدود‪ #‬حرفا حرف‪#‬ا‪ #‬وحرك‪##‬ة حرك‪##‬ة‪،‬‬
‫مجمع البيان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مجمع البيان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التبيان‪.1/3 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجمع البيان‪.1/15 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫المسائل المهناوية‪.121/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪374‬‬
‫الظن الغ‪##‬الب‪ ،‬ب‪##‬ل العلم بع‪##‬دم الزي‪##‬ادة على ذل‪##‬ك‬ ‫ّ‬ ‫وك‪##‬ذا الكتاب‪##‬ة وغيره‪##‬ا‪ ،‬م ّم‪##‬ا يفي‪##‬د‬
‫والنقص) (‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم ش‪##‬يخ الفقه‪##‬اء‪ ،‬الش‪##‬يخ جعف‪##‬ر الكب‪##‬ير كاش‪##‬ف الغط‪##‬اء (ت‬
‫‪ ،)1228‬فقد قال في (كشف الغط‪##‬اء)‪( :‬ال زي‪##‬ادة في‪##‬ه من س‪##‬ورة وال آي‪##‬ة من بس‪##‬ملة‬
‫وغيره‪##‬ا ال كلم‪##‬ة وال حرف‪##‬ا‪ ،‬وجمي‪##‬ع م‪##‬ا بين ال‪##‬دفّتين م ّم‪##‬ا يتلى كالم هّللا تع‪##‬الى‪،‬‬
‫بالض‪##‬رورة من الم‪##‬ذهب ب‪##‬ل ال‪##‬دين وإجم‪##‬اع المس‪##‬لمين وأخب‪##‬ار‪ #‬الن‪##‬بي ‪ ‬واألئ ّم‪##‬ة‬
‫الط‪##‬اهرين وإن خ‪##‬الف بعض من ال يعت‪ّ ##‬د ب‪##‬ه‪ ..‬وك‪##‬ذا ال ريب في أنّ‪##‬ه محف‪##‬وظ من‬
‫النقصان بحفظ الملك الديّان كما د ّل عليه صريح القرآن وإجم‪##‬اع العلم‪##‬اء في جمي‪##‬ع‬
‫األزمان‪ ،‬وال عبرة بالنادر‪ ،‬وم‪##‬ا ورد من أخب‪##‬ار النقيص‪##‬ة تمن‪##‬ع البديهي‪##‬ة من العم‪##‬ل‬
‫بظاهرها‪ ،‬وال سيّما ما في‪##‬ه من نقص ثلث الق‪##‬رآن أو كث‪##‬ير من‪##‬ه‪ ،‬فإنّ‪##‬ه ل‪##‬و ك‪##‬ان ذل‪##‬ك‬
‫لتواتر‪ #‬نقله لتوفّر‪ #‬الدواعي عليه‪ ،‬والتّخذه غير أهل اإلسالم من أعظم المطاعن على‬
‫اإلس‪##‬الم وأهل‪##‬ه‪ ،‬ث ّم كي‪##‬ف يك‪##‬ون ذل‪##‬ك وك‪##‬انوا ش‪##‬ديدي المحافظ‪##‬ة على ض‪##‬بط آيات‪##‬ه‬
‫وحروفه‪ ،‬وخصوصا‪ #‬ما ورد أنّه ص‪#‬رّح في‪##‬ه بأس‪##‬ماء كث‪##‬ير من المن‪##‬افقين في بعض‬
‫السور‪ #‬ومنهم فالن وفالن‪ ،‬وكي‪##‬ف يمكن ذل‪##‬ك وك‪##‬ان من حكم الن‪##‬بي ‪ ‬الس‪##‬تر على‬
‫المنافقين ومعاملتهم‪ #‬بمعاملة أهل الدين) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم حفيده الفقيه المحقّق‪ ،‬الش‪##‬يخ محم‪##‬د الحس‪##‬ين كاش‪#‬ف‪ #‬الغط‪##‬اء‬
‫ّ‬
‫(وإن‬ ‫(ت ‪ ،)1373‬فقد قال في رسالته ال‪##‬تي وض‪##‬عها‪ #‬في أص‪##‬ول معتق‪##‬دات الش‪##‬يعة‪:‬‬
‫الكتاب الموجود في أي‪##‬دي المس‪##‬لمين ه‪##‬و الكت‪##‬اب ال‪##‬ذي أنزل‪##‬ه هّللا إلي‪#‬ه ‪ ‬لإلعج‪##‬از‬
‫والتح ّدي‪ #‬ولتعلّم األحكام وتمييز الحالل من الحرام‪ ،‬وأنّ‪##‬ه ال نقص في‪##‬ه وال تحري‪##‬ف‬
‫وال زيادة‪ ،‬وعلى ه‪##‬ذا إجم‪##‬اعهم (أي إجم‪##‬اع الش‪##‬يعة اإلمامي‪##‬ة)‪ ،‬ومن ذهب منهم أو‬
‫من غ‪#‬يرهم من ف‪#‬رق‪ #‬المس‪#‬لمين إلى وج‪#‬ود‪ #‬نقص في‪##‬ه أو تحري‪#‬ف فه‪##‬و مخطئ نصّ‬
‫الكتاب العظيم ﴿إِنَّا نَحْ نُ نَ َّز ْلنَا ال ِّذ ْك َر َوإِنَّا لَهُ لَ َحافِظُونَ ﴾ [الحج‪###‬ر‪ ..]9 :‬واألخبار‪ #‬ال‪##‬واردة‬
‫من طرقنا‪ #‬أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريف‪#‬ه ض‪#‬عيفة ش‪#‬اذة‪ ،‬وأخب‪#‬ار آح‪#‬اد ال‬
‫تفيد علما وال عمال‪ ،‬فإ ّما أن تؤوّل بنحو من االعتبار أو يضرب بها الجدار) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم بهاء الملّة والدين‪ ،‬محم‪##‬د بن الحس‪##‬ين الح‪##‬ارثي الع‪##‬املي (ت‬
‫أن القرآن العظيم محفوظ من التحريف‪ ،‬زي‪##‬ادة ك‪##‬انت‬ ‫‪ ،)1031‬فقد قال‪( :‬والصحيح ّ‬
‫أو النقصان بنصّ آية الحفظ من الذكر الحكيم‪ ،‬وما اشتهر من اإلس‪##‬قاط في مواض ‪#‬ع‪#‬‬
‫من الكتاب فهو‪ #‬غير معتبر عند العلماء) (‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم المح‪ّ ##‬دث الكب‪##‬ير محم‪##‬د بن المرتض‪##‬ى‪ #‬المش‪##‬تهر ب‪##‬الفيض‬
‫الكاشاني‪( #‬ت ‪ ،)1090‬فقد قال في المق ّدمة السادسة التي وضعها‪ #‬قبل التفسير ـ بع‪##‬د‬

‫مجمع الفائدة‪.2/218 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫عن كتابه (الح ّ‬
‫ق المبين) ‪ .11/‬ونقله القاضي الطباطبائي في هامش األنوار النعمانية‪.2/359 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أصل الشيعة وأصولها‪.133 ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫آالء الرحمان‪.1/26 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪375‬‬
‫نقل رواي‪##‬ات ت‪#‬وهّم وق‪##‬وع التحري‪##‬ف في كت‪##‬اب هّللا ـ‪( :‬على ه‪#‬ذا لم يب‪#‬ق لن‪##‬ا اعتم‪#‬اد‬
‫َزي‪ٌ #‬ز اَل يَأْتِي‪ِ #‬ه ْالبَا ِط‪ُ #‬ل ِم ْن بَي ِْن يَ َد ْي‪ِ #‬ه‬ ‫بالنصّ الموجود‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِنَّهُ لَ ِكتَ‪##‬ابٌ ع ِ‬
‫َواَل ِم ْن َخ ْلفِ‪ِ #‬ه تَ ْن ِزي‪ٌ #‬ل ِم ْن َح ِك ٍيم َح ِمي‪ٍ #‬د﴾ [فص‪##‬لت‪ ،]42-41 :‬وأيض‪##‬ا يتن‪##‬افى‪ #‬م‪##‬ع رواي‪##‬ات‬
‫العرض على القرآن‪ ،‬فما د ّل على وقوع‪ #‬التحريف مخ‪##‬الف لكت‪##‬اب هّللا وتك‪##‬ذيب ل‪##‬ه‪،‬‬
‫فيجب ر ّده والحكم بفساده أو تأويله) (‪)1‬‬
‫و قال في كتابه الذي وضعه في بيان أصول ال‪##‬دين ـ عن‪##‬د الكالم عن إعج‪##‬از‬
‫القرآن‪ ،‬واستعراض جملة من روايات تسند التحريف إلى كت‪##‬اب هّللا ـ‪( :‬وي‪##‬رد على‬
‫هذا كلّه إشكال‪ ،‬وهو‪ :‬أنّه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من الق‪##‬رآن‪،‬‬
‫إذ على هذا يحتمل ك ّل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة وتكون على خالف ما أنزله‬
‫هّللا ‪ ،‬فلم يبق في القرآن لنا ح ّجة أصال‪ ،‬فتنتفي فائدته وفائدة األمر باتّباع‪##‬ه والوص‪#‬يّة‬
‫اط‪ُ #‬ل ِم ْن بَي ِْن يَ َد ْي‪ِ #‬ه َواَل‬ ‫َزي ٌز اَل يَأْتِي ِه ْالبَ ِ‬
‫به‪ ،‬و أيضا‪ ،‬قال هّللا ع ّز وجلّ‪َ ﴿ :‬وإِنَّهُ لَ ِكتَابٌ ع ِ‬
‫ِم ْن َخ ْلفِ‪ِ ##‬ه تَ ْن ِزي‪ٌ ##‬ل ِم ْن َح ِك ٍيم َح ِمي‪ٍ ##‬د﴾ [فص‪###‬لت‪ ،]42-41 :‬فكي‪##‬ف تط‪##‬رّق إلي‪##‬ه التحري‪##‬ف‬
‫والنقص‪##‬ان والتغي‪##‬ير!؟ وأيض‪##‬ا‪ ،‬ق‪##‬ال هّللا ع ‪ّ #‬ز وج ‪#‬لّ‪﴿ :‬إِنَّا نَحْ نُ نَ َّز ْلنَ‪##‬ا ال ‪ِّ #‬ذ ْك َر َوإِنَّا لَ ‪#‬هُ‬
‫لَ َحافِظُونَ ﴾ [الحجر‪ ..]9 :‬وأيضا‪ #‬قد استفاض عن النبي ‪ ‬وعن األئ ّم‪##‬ة ع‪##‬رض الخ‪##‬بر‬
‫ي عنهم على كتاب هّللا ‪ ،‬ليعلم صحّته بموافقته له وفس‪##‬اده بمخالفت‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬إذا ك‪##‬ان‬ ‫المرو ّ‪#‬‬
‫أن خ‪##‬بر التحري‪##‬ف مخ‪##‬الف‬ ‫القرآن الذي بأيدينا محرّفا مغيّرا فما فائدة العرض‪ ،‬م‪##‬ع ّ‬
‫مكذب له‪ ،‬فيجب ر ّده والحكم بفساده أو تأويله) (‪)2‬‬ ‫ّ‬ ‫لكتاب هّللا‬
‫أن م‪##‬رادهم ب‪##‬التحريف والتغي‪##‬ير‪#‬‬ ‫وق‪##‬ال‪( :‬ويخط‪##‬ر بالب‪##‬ال في دف‪##‬ع اإلش‪##‬كال ّ‬
‫والح‪##‬ذف‪ #‬إنّم‪##‬ا ه‪##‬و من حيث المع‪##‬نى دون اللف‪##‬ظ‪ ،‬أي حرّف‪##‬وه وغيّ‪##‬روه في تفس‪##‬يره‬
‫وتأويل‪##‬ه‪ ،‬أي حمل‪##‬وه على خالف م‪##‬ا ه‪##‬و علي‪##‬ه في نفس األم‪##‬ر‪ ،‬فمع‪##‬نى ق‪##‬ولهم‪ :‬ك‪##‬ذا‬
‫أن المراد به ذلك‪ ،‬ال ما يفهم‪#‬ه الن‪#‬اس من ظ‪#‬اهره‪ ،‬وليس الم‪#‬راد أنّه‪#‬ا ن‪#‬زلت‬ ‫أنزلت ّ‬
‫ق وإطفاء لنور هّللا ‪ ،‬و م ّم‪##‬ا ي‪##‬د ّل على ذل‪##‬ك م‪##‬ا‬ ‫كذلك في اللفظ‪ ،‬فحذف ذلك إخفاء للح ّ‬
‫رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنّه كتب في رسالته إلى سعد الخ‪##‬ير‪( :‬وك‪##‬ان‬
‫من نب‪##‬ذهم الكت‪##‬اب أن أق‪##‬اموا‪ #‬حروف‪##‬ه وحرّف‪##‬وا‪ #‬ح‪##‬دوده‪ ،‬فهم يروون‪##‬ه وال يرعون‪##‬ه‪،‬‬
‫والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية‪ ،‬والعلماء يحزنهم‪ #‬تركهم للرعاية) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم محمد بن الحسن بن علي المشتهر‪ #‬ب‪##‬الح ّر الع‪##‬املي‪ ،‬ص‪##‬احب‬
‫(وسائل الشيعة) (ت ‪ ،)1104‬فقد قال في رسالة كتبها بالفارس‪#‬ية‪ ،‬دحض‪#‬ا لسفاس‪#‬ف‬
‫(إن من تتبّ‪#‬ع أح‪#‬اديث أه‪#‬ل ال‪##‬بيت وتص‪#‬فّح الت‪#‬اريخ‬ ‫بعض معاصريه م‪##‬ا تعريب‪##‬ه ـ‪ّ :‬‬
‫أن القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر‪ ،‬قد حفظه األلوف من‬ ‫واآلثار‪ #‬علم علما يقينيّا ّ‬
‫الصحابة ونقلته األلوف‪ ،‬وكان منذ عهده ‪ ‬مجموعا مؤلّفا) (‪)4‬‬

‫الصافي في تفسير القرآن‪ 1/33 :‬ـ ‪ ،34‬والوافي‪ 2/273 :‬ـ ‪.274‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫كتاب علم اليقين في اصول الدين للفيض الكاشاني‪.1/565 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫كتاب علم اليقين في اصول الدين‪.1/565 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫نقال عن‪ :‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.64‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪376‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم المحقّ‪##‬ق الت‪##‬بريزي (ت ‪ ،)1307‬فق‪##‬د ق‪##‬ال في تعليقت‪##‬ه على‬
‫رس‪##‬ائل أس‪##‬تاذه المحقّ‪##‬ق األنص‪##‬اري‪( #:‬الق‪##‬ول ب‪##‬التحريف ه‪##‬و م‪##‬ذهب األخب‪##‬اريين‬
‫والحشوية‪ ،‬خالفا ألص‪#‬حاب األص‪#‬ول ال‪#‬ذين رفض‪#‬وا‪ #‬احتم‪#‬ال التحري‪#‬ف‪ #‬في الق‪#‬رآن‬
‫ق‪ ،‬للوجوه التالية‪ :‬أوّال‪ :‬إجماع الطائفة‪ ،‬على ما حكاه الش‪##‬يخ‬ ‫رفضا‪ #‬قاطعا‪ ،‬وهو الح ّ‬
‫الطوس‪##‬ي والطبرس‪##‬ي والمرتض‪##‬ى‪ #‬علم اله‪##‬دى والص‪##‬دوق وغ‪##‬يرهم من أقط‪##‬اب‬
‫اإلمامية‪ ..‬ثانيا‪ :‬صراحة القرآن بعدم إمكان التغيير في‪#‬ه‪ ،‬كآي‪##‬ة الت‪#‬دبّر (النس‪#‬اء‪)82 :‬‬
‫(فص‪#‬لت‪ ،)42 :‬وك‪##‬ذا الرواي‪##‬ات‬ ‫ّ‬ ‫وآية الحفظ (الحج‪##‬ر‪ )9 :‬وآي‪##‬ة ع‪##‬دم إتيان‪##‬ه الباط‪##‬ل‬
‫الكثيرة الدالّ‪##‬ة على وج‪##‬وب الرج‪##‬وع إلى الق‪##‬رآن‪ ..‬ثالث‪##‬ا‪ :‬دلي‪##‬ل العق‪##‬ل‪ ،‬حيث الق‪##‬رآن‬
‫عماد الدين وأس‪##‬اس الش‪##‬رع الم‪##‬بين‪ ،‬لكون‪##‬ه معج‪##‬زا ومص‪ّ #‬دقا لمق‪##‬ام النب‪#‬وّة إلى قي‪##‬ام‬
‫القيامة‪ ،‬ويؤيّد ذلك عناية األ ّمة بحفظه وحراسته على ما كان علي‪##‬ه في العه‪##‬د األوّل‬
‫في رسم الخطّ ونحوه‪ ،‬فال ب ّد من تأويل ما ورد بخالف ذلك أو طرحه) (‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم الس‪#‬يّد محس‪##‬ن األع‪##‬رجي (ت ‪ ،)1227‬فق‪##‬د ق‪##‬ال في ش‪##‬رح‬
‫الوافية‪( :‬اتّف‪##‬ق الك‪#‬لّ‪ ،‬ال تم‪#‬انع بينهم‪ ،‬على ع‪##‬دم الزي‪##‬ادة‪ ،‬ونطقت ب‪##‬ه األخب‪#‬ار‪ ،‬وق‪#‬د‪#‬‬
‫حكى اإلجم‪##‬اع على ذل‪##‬ك جماع‪##‬ة من أئ ّم‪##‬ة التفس‪##‬ير والح‪##‬ديث‪ ،‬كش‪##‬يخ الطائف‪##‬ة في‬
‫التبي‪##‬ان‪ ،‬وش‪##‬يخنا‪ #‬أبي علي في مجم‪##‬ع البي‪##‬ان‪ ،‬وإنّم‪##‬ا وق‪##‬ع الخالف في النقيص‪##‬ة‪،‬‬
‫والمعروف ـ بين أصحابنا‪ #‬حتّى حكى عليه اإلجماع ـ عدم النقيصة أيضا)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم قاضي‪ #‬القض‪##‬اة المحقّ‪##‬ق الك‪##‬ركي‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال الس‪#‬يّد األع‪##‬رجي‬
‫عنه‪( :‬ث ّم إنّي رأيت للفاضل المحقّق قاضي‪ #‬القض‪##‬اة علي بن عب‪##‬د الع‪##‬الي (ت ‪)940‬‬
‫رسالة في نفي النقيصة‪ ،‬ص ّدرها بكالم الصدوق‪ ،‬ث ّم اع‪##‬ترض ب‪##‬ورود م‪##‬ا ي‪##‬د ّل على‬
‫بأن الحديث إذا جاء على خالف الدليل القاطع من الكتاب أو السنّة‬ ‫النقيصة‪ ،‬وأجاب ّ‬
‫المتواترة أو اإلجماع ولم يمكن تأويله وال حمل‪##‬ه على بعض الوج‪##‬وه وجب طرح‪##‬ه‪،‬‬
‫ث ّم حكى اإلجماع على هذه الضابطة واستفاضة النقل عنهم وروى قطع‪#‬ة من أخب‪#‬ار‬
‫العرض‪ ،‬ث ّم ق‪#‬ال‪ :‬وال يج‪#‬وز أن يك‪#‬ون الم‪#‬راد بالكت‪#‬اب المع‪#‬روض علي‪#‬ه غ‪#‬ير ه‪#‬ذا‬
‫المتواتر‪ #‬الذي بأيدينا‪ #‬وأيدي الناس‪ ،‬وإاّل لزم التكليف بما ال يطاق‪ ،‬فقد وجب عرض‬
‫األخب‪#‬ار على ه‪#‬ذا الكت‪#‬اب‪ ،‬وأخب‪#‬ار النقيص‪#‬ة إذا عرض‪#‬ت علي‪#‬ه ك‪#‬انت مخالف‪#‬ة ل‪#‬ه‪،‬‬
‫ي تكذيب يكون أش ّد من هذا!)(‪)3‬‬ ‫لداللتها على أنّه ليس هو‪ ،‬وأ ّ‬
‫أن التأويل الذي يتخلّص من معارضة الحكم ويتحقّق الر ّد إليه ه‪##‬و أن‬ ‫ث ّم ذكر ّ‬
‫(إن القوم غيّروه وب ّدلوه ونقصوا من‪##‬ه) (التغي‪##‬ير‪ #‬في تفس‪##‬يره‬ ‫أن المراد بقولهم‪ّ :‬‬‫ننزل ّ‬
‫وأن الم‪#‬راد من الكت‪##‬اب‬ ‫فس‪#‬روه بخالف م‪##‬ا ه‪##‬و علي‪#‬ه في نفس األم‪#‬ر‪ّ ..‬‬ ‫وتأويله ب‪##‬أن ّ‬
‫ّ‬
‫الذي نزل به جبريل وهو عند أهل البيت أو عند القائم من آل مح ّم‪##‬د ‪ ‬أن التفس‪##‬ير‬
‫ق ه‪##‬و الّ‪##‬ذي عن‪##‬دهم‪ ،‬ث ّم و ّج‪##‬ه س‪##‬ؤاال‪ :‬لم‪##‬اذا لم يط‪##‬رح األص‪##‬حاب تل‪##‬ك‬ ‫والتأويل‪ #‬الح ّ‬

‫‪ )(1‬أوثق الوسائل بشرح الرسائل‪.91/‬‬


‫‪ )(2‬نقال عن‪ :‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪ )(3‬نقال عن‪ :‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪377‬‬
‫األخبار المخالفة للكتاب؟ وأجاب بأنّها م ّم‪##‬ا ص‪ّ #‬ح طريقه‪##‬ا عن‪##‬دهم ومن ث ّم أودعوه‪##‬ا‬
‫في كتبهم مع عدم العمل بظواهرها‪ ،‬وإمكان تأويلها) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم السيد شرف ال‪##‬دين الع‪##‬املي (ت ‪ ،)1381‬فق‪##‬د ق‪##‬ال ر ّدا على‬
‫من حاول إلصاق تهمة القول بالتحريف‪ #‬إلى جماع‪##‬ة الش‪##‬يعة‪( :‬وك‪ّ #‬ل من نس‪##‬ب إليهم‬
‫ألن قداسة القرآن الحكيم من ض‪##‬روريات‬ ‫تحريف‪ #‬القرآن فإنّه مفتر عليهم ظالم لهم‪ّ ،‬‬
‫ك فيها من المس‪##‬لمين فه‪##‬و مرت‪ّ #‬د بإجم‪##‬اع‬ ‫دينهم اإلسالمي ومذهبهم اإلمامي‪ ،‬ومن ش ّ‬
‫هّللا‬
‫اإلمامية‪ ،‬وظواهر القرآن ـ فضال عن نصوصه ـ من أبلغ حجج تع‪##‬الى‪ ،‬وأق‪##‬وى‬
‫ق بحكم البداهة األوّلي‪##‬ة من م‪##‬ذهب اإلمامي‪##‬ة‪ ،‬ول‪##‬ذلك ت‪##‬راهم يض‪##‬ربون‬ ‫أدلّة أهل الح ّ‬
‫بظ‪##‬واهر األح‪##‬اديث المخالف‪##‬ة للق‪##‬رآن ع‪##‬رض الج‪##‬دار‪ ،‬وال ي‪##‬أبهون به‪##‬ا وإن ك‪##‬انت‬
‫صحيحة‪ ،‬وتل‪#‬ك كتبهم في الح‪#‬ديث والفق‪#‬ه واألص‪#‬ول‪ #‬ص‪#‬ريحة بم‪#‬ا نق‪#‬ول‪ ،‬والق‪#‬رآن‬
‫الحكيم الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه إنّما ه‪#‬و م‪#‬ا بين ال‪#‬دفّتين وه‪#‬و‬
‫ما في أيدي النّاس‪ ،‬ال يزيد حرف‪##‬ا وال ينقص حرف‪##‬ا وال تب‪##‬ديل في‪##‬ه لكلم‪##‬ة بكلم‪##‬ة وال‬
‫لحرف بحرف‪ ،‬وك ّل حرف من حروفه متواتر في ك ّل جيل ت‪##‬واترا قطعيّ‪#‬ا‪ #‬إلى عه‪##‬د‬
‫الوحي والنبوّة) (‪)2‬‬
‫و قال في أجوبته لمسائل جار هّللا ‪( :‬نع‪##‬وذ باهّلل من ه‪##‬ذا الق‪##‬ول‪ ،‬ون‪##‬برأ إلى هّللا‬
‫تعالى من هذا الجهل وك ّل من نسب هذا الرأي إلين‪##‬ا جاه‪##‬ل بم‪##‬ذهبنا أو مف‪##‬تر علين‪##‬ا‪،‬‬
‫فإن القرآن العظيم وال‪##‬ذكر الحكيم مت‪##‬واتر من طرقن‪#‬ا‪ #‬بجمي‪##‬ع آيات‪##‬ه وكلمات‪##‬ه وس‪##‬ائر‪#‬‬ ‫ّ‬
‫حروفه وحركاته وسكناته تواترا‪ #‬قطعيّا عن أئ ّم‪#‬ة اله‪#‬دى من أه‪#‬ل ال‪#‬بيت‪ ،‬ال يرت‪#‬اب‬
‫في ذلك إاّل معتوه‪ ،‬وأئ ّمة أهل ال‪##‬بيت كلّهم أجمع‪##‬ون رفع‪##‬وه إلى ج‪ّ #‬دهم الرس‪##‬ول ‪‬‬
‫عن هّللا تعالى‪ ،‬وهذا أيضا م ّما ال ريب فيه) (‪)3‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم الس‪#‬يّد محس‪##‬ن األمين الع‪##‬املي (ت ‪ ،)1371‬فق‪##‬د ق‪##‬ال ـ ر ّدا‬
‫على متهمي الشيعة بالقول بتحريف القرآن الكريم كابن حزم والرافعي وأمث‪##‬الهم ـ‪:‬‬
‫أن الق‪#‬رآن مزي‪##‬د في‪#‬ه قلي‪#‬ل أو كث‪##‬ير‪،‬‬ ‫(ال يقول أحد من اإلمامية‪ ،‬ال ق‪#‬ديما وال ح‪##‬ديثا ّ‬
‫فضال عن كلّهم‪ ،‬بل كلّهم متّفق‪##‬ون على ع‪##‬دم الزي‪##‬ادة‪ ،‬ومن يعت‪ّ #‬د بقول‪##‬ه من محقّقيهم‬
‫متّفق‪##‬ون على أنّ‪##‬ه لم ينقص من‪##‬ه‪ ..‬ومن نس‪##‬ب إليهم خالف ذل‪##‬ك فه‪##‬و ك‪##‬اذب مف‪##‬تر‬
‫مجترئ‪ #‬على هّللا ورسوله) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم العاّل مة األميني‪ ،‬فقد ق‪##‬ال ـ ر ّدا على متهمي الش‪##‬يعة ب‪##‬القول‬
‫بتحريف‪ #‬القرآن الكريم ـ‪( :‬لكن القارئ إذا فحص ونقّب ال يج‪##‬د في طليع‪##‬ة اإلمامي‪##‬ة‬
‫إاّل نف‪##‬اة ه‪##‬ذه الفري‪##‬ة‪ ..‬ه‪##‬ؤالء أعالم اإلمامي‪##‬ة وحمل‪##‬ة عل‪##‬ومهم الك‪##‬الئين لنواميس‪##‬هم‬
‫وعقائدهم قديما وحديثا‪ #‬يوقفونك على مين الرجل فيما يقول‪ ،‬وهذه فرق الشيعة وفي‬

‫نقال عن‪ :‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.67‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الفصول المه ّمة ‪.165‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أجوبة مسائل جار هّللا ‪.28/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أعيان الشيعة‪.1/41 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪378‬‬
‫أن ما بين الدفّتين هو ذل‪##‬ك الكت‪##‬اب ال‪##‬ذي ال ريب في‪##‬ه‪،‬‬ ‫مق ّدمهم اإلمامية مجمعة على ّ‬
‫اّل‬
‫وه‪##‬و المحك‪##‬وم‪ #‬بإحكام‪##‬ه ليس إ ‪ ،‬وإن دارت بين ش‪##‬دقي أح‪##‬د من الش‪##‬يعة كلم‪##‬ة‬
‫التحري‪##‬ف‪ #‬فه‪##‬و يري‪##‬د التأوي‪##‬ل بالباط‪##‬ل بتحري‪##‬ف الكلم عن مواض‪##‬عه‪ ،‬ال الزي‪##‬ادة‬
‫والنقيصة‪ ،‬وال تبديل حرف بحرف‪ ،‬كم‪##‬ا يق‪##‬ول التحري‪##‬ف به‪##‬ذا المع‪##‬نى ه‪##‬و وقوم‪##‬ه‬
‫ويرمون به الشيعة) (‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومنهم العالم‪##‬ة الطباطب‪##‬ائي (ت ‪ )1402‬؛ فل‪##‬ه بحث واف بإثب‪##‬ات‬
‫صيانة القرآن عن التحريف في جميع أشكاله وصوره‪ ،‬ذكره في سبعة فص‪##‬ول‪ #،‬في‬
‫ي وبرهان حكيم‪ ،‬ال يستغني‪ #‬الباحث عن مراجعته‪ ،‬ومن أقواله في ذلك‪:‬‬ ‫استدالل قو ّ‬
‫(إن للق‪#‬رآن في آي‪#‬ه وس‪#‬وره أوص‪#‬افا‪ #‬خاص‪#‬ة ونعوت‪#‬ا‪ #‬ق‪#‬د تح‪ّ #‬دى به‪#‬ا من أوّل يوم‪#‬ه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ونج‪##‬دها‪ #‬كم‪##‬ا هي محفوظ‪##‬ة حتّى الي‪##‬وم‪ ،‬كاإلعج‪##‬از‪ ،‬وع‪##‬دم االختالف‪ ،‬والهداي‪##‬ة‪،‬‬
‫والنورية‪ ،‬والذكرية‪ ،‬والهيمنة‪ ،‬وما شاكل ذلك‪ ،‬فلو كان وقع فيه تحريف لزالت منه‬
‫بعض تلك الس‪##‬مات‪ ..‬وي‪##‬د ّل على ع‪##‬دم التحري‪##‬ف رواي‪##‬ات‪ #‬الع‪##‬رض على كت‪##‬اب هّللا ‪،‬‬
‫والرجوع إليه عند مشتبكات األمور‪ ،‬وح‪##‬ديث الثقلين‪ ،‬ونح‪##‬و ذل‪##‬ك‪ ..‬والوج‪##‬وه ال‪##‬تي‬
‫تمسّك بها القائل بالتحريف كلّها مخدوشة غير وافية بإثبات مقصوده)‬
‫وقد تعرّض لمسألة الجمع األوّل على عهد أبي بكر‪ ،‬ت ّم جمع‪##‬ه وتوحي‪##‬ده على‬
‫عهد عثمان‪ ،‬وقال‪( :‬ما ورد بشأن الجمع األوّل والثاني يفيد القطع بأنّهم إنّما جمع‪#‬وا‬
‫ما كمل في حياته ‪ ‬من آيات وسور‪ ،‬جمعوها بين الدفّتين من غير أن يمسّوها‪ #‬بي‪##‬د‬
‫في المتن زيادة أو نقصانا‪ ،‬وهو الباقي إلى اليوم بسالم) (‪)2‬‬
‫(إن الواق‪##‬ف على‬ ‫قال آخر‪ :‬ومنهم االستاذ اإلمام الخميني‪ ،‬فقد ق‪##‬ال في ذل‪##‬ك‪ّ :‬‬
‫عناية المسلمين بجمع الكتاب وحفظه وضبطه‪ ،‬قراءة وكتابة‪ ،‬يقف على بطالن تلك‬
‫المزاعم‪ ،‬وما ورد فيه من أخبار ـ حسبما تمسّكوا‪ #‬ـ إ ّما ضعيف ال يصلح لالس‪##‬تدالل‬
‫به‪ ،‬أو مجعول تلوح عليه أمارات الجعل‪ ،‬أو غريب يقضي ب‪##‬العجب‪ ،‬أ ّم‪##‬ا الص‪##‬حيح‬
‫وأن التحري‪##‬ف إنّم‪##‬ا حص‪##‬ل في ذل‪##‬ك ال في‬‫منها فيرمي‪ #‬إلى مسألة التأويل والتفسير‪ّ ،‬‬
‫لفظه وعباراته‪ ،‬وتفصيل ذل‪##‬ك يحت‪##‬اج إلى ت‪##‬أليف كت‪#‬اب حاف‪#‬ل ببي‪#‬ان ت‪#‬اريخ الق‪##‬رآن‬
‫أن الكتاب العزيز هو عين ما بين‬ ‫والمراحل التي قضاها طيلة قرون‪ ،‬ويتل ّخص في ّ‬
‫وأن االختالف في الق‪##‬راءات أم‪##‬ر ح‪##‬ادث‪ ،‬ناش‪##‬ئ‬ ‫الدفّتين‪ ،‬ال زيادة فيه وال نقص‪##‬ان‪ّ ،‬‬
‫عن اختالف في االجتهادات‪ ،‬من غير أن يمسّ جانب الوحي ال‪##‬ذي ن‪##‬زل ب‪##‬ه ال‪##‬روح‬
‫األمين على قلب سيّد المرسلين) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم العالمة الخوئي‪ ،‬فقد كتب بحثا تفصيليا بإثبات صيانة القرآن‬
‫من احتمال ك ّل زيادة أو نقصان(‪.)4‬‬

‫الغدير‪.3/101 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الميزان‪ 12/106 :‬ـ ‪.137‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تهذيب االصول‪ ،‬تقريرا بقلم العاّل مة سبحاني‪.2/165 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البيان في تفسير القرآن‪ 215/‬ـ ‪.254‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪379‬‬
‫الحشوية واإلخباريون‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬قد أوافقكم في كل ما ذك‪##‬رتم‪ #..‬لكن عن‪##‬د تأمل‪##‬ه نج‪##‬د أن‬
‫هناك من الشيعة من يقول بالتحريف‪ ..‬أليس ه‪#‬ذا دليال كافي‪#‬ا‪ #‬على ص‪##‬دق من اتهمهم‬
‫به؟‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬العدالة تقتضي أن تنسب األقوال ألص‪##‬حابها‪ ،‬ال لغ‪##‬يرهم‪#..‬‬
‫وما ذكرته من اتهام طائفة كبير من المسلمين بسبب بعض أفرادها مناف للعدالة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬أنت وأص‪##‬حابك ال تزال‪##‬ون موض‪##‬ع تهم‪##‬ة‪ ..‬فل‪##‬ذلك نرج‪##‬و أال‬
‫تتجاوزوا أقداركم بتحديد معنى العدالة‪.‬‬
‫قال المتهم‪ :‬ال بأس‪ ..‬فإن طبقن‪##‬ا م‪##‬ا ذكرت‪##‬ه على مدرس‪##‬تكم؛ فاتهمناه‪##‬ا جميع‪##‬ا‬
‫بالقول بتحريف القرآن الكريم نتيجة ما قاله بعض أتباعها‪ ..‬هل تقبل ذلك؟‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬يس‪##‬تحيل ذل‪##‬ك‪ ..‬إال إذا ذك‪##‬رت لي كالم الح‪##‬داثيين والتغريب‪##‬يين‬
‫الجاهلين بالقرآن الكريم‪ #‬والمعادين له‪.‬‬
‫ق‪##‬ال المتهم‪ :‬ال‪ ..‬ب‪##‬ل كالم الص‪##‬حابة والت‪##‬ابعين‪ ..‬وال‪##‬ذين تعت‪##‬برونهم مص‪##‬ادر‪#‬‬
‫للدين‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ذلك مستحيل‪ ..‬إال إذا كذب الرواة عنهم‪.‬‬
‫قال المتهم‪ :‬بل الروايات في ذلك مستفيضة عنهم‪ ،‬وفي المص‪##‬ادر‪ #‬الص‪##‬حيحة‬
‫التي تعتمدونها‪#.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬فهات بينتك‪ ،‬وإال أضفنا لكم جريم‪##‬ة جدي‪##‬دة غ‪##‬ير الج‪##‬رائم‪ #‬ال‪##‬تي‬
‫تتهمون بها‪.‬‬
‫قال المتهم‪ :‬مع أنن‪#‬ا ال ن‪#‬ؤمن به‪#‬ذه الرواي‪#‬ات‪ #‬ال‪#‬تي س‪#‬نوردها‪ #‬لكم‪ ،‬ب‪#‬ل نرده‪#‬ا‬
‫بشدة‪ ،‬وقد قام علماؤنا بذلك‪ ..‬لكن الضرورة اقتضت منا ذكره‪##‬ا‪ ،‬ال لن‪##‬برئ أنفس‪##‬نا‪،‬‬
‫وإنما لنضع تهم‪##‬ة التحري‪##‬ف عن‪##‬دنا وعن‪##‬دكم في فئ‪##‬ة مح‪##‬دودة توج‪#‬د‪ #‬عن‪##‬دنا‪ ،‬وتوج‪##‬د‬
‫عندكم‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال آخر‪ :‬من تلك األحاديث ما يروى عن عمر أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪( :‬الق‪##‬رآن أل‪##‬ف أل‪##‬ف‬
‫حرف وسبعة وعشرون ألف حرف‪ ،‬فمن قرأه صابرا محتسبا ك‪##‬ان ل‪##‬ه بك ‪ّ #‬ل ح‪##‬رف‬
‫زوجة من الحور العين)(‪ ..)1‬فهذا الحديث يش‪##‬ير إلى أن‪##‬ه ق‪##‬د ذهب من الق‪##‬رآن أك‪##‬ثر‬
‫من ثلثيه‪ ،‬فحروف‪ #‬القرآن ـ كما يروى عن ابن عباس وكما هو متوافق م‪##‬ع الواق‪##‬ع ـ‬
‫ثالثمائة ألف حرف وثالثة وعشرون ألف حرف وستمائة وواحد وسبعون‪ #‬حرفا(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫يق‪#‬ولن‬ ‫قال آخ‪#‬ر‪ :‬ومث‪#‬ل ذل‪#‬ك م‪#‬ا ي‪#‬روى‪ #‬عن عب‪#‬د هّللا بن عم‪#‬ر‪ ،‬أن‪#‬ه ق‪#‬ال‪( :‬ال‬
‫أحدكم‪ :‬قد أخذت القرآن كلّه‪ ،‬ما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير‪ ،‬ولكن ليق‪##‬ل‪:‬‬
‫قد أخذت منه ما ظهر!) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬اإلتقان‪ ،1/198 :‬قال الذهبي‪ :‬تف ّرد محمد بن عبيد بهذا الخبر الباطل‪.‬‬
‫‪ )(2‬اإلتقان‪.1/198 :‬‬
‫‪ )(3‬اإلتقان‪ .3/72 :‬عن كتاب فضائل القرآن ألبي عبيد القاسم بن سالم‪.190 ،‬‬
‫‪380‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما يروى عن ابن شهاب‪ ،‬قال‪( :‬بلغنا أنّه كان أنزل قرآن‬
‫كثير‪ ،‬فقتل علماؤه يوم اليمامة‪ ،‬الذين كانوا قد وعوه‪ ،‬ولم يعلم بعدهم ولم يكتب) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما يروى‪ #‬عن عائشة أنها عهدت إلى أبي ي‪##‬ونس مواله‪##‬ا‬
‫أن يكتب لها مصحفا ـ أي يستنسخ على أحد المصاحف المعروفة حين‪##‬ذاك ـ وق‪##‬الت‬
‫الص‪#‬اَل ِة ْال ُو ْس‪#‬طَى َوقُو ُم‪##‬وا هَّلِل ِ قَ‪##‬انِتِينَ ﴾‬‫ت َو َّ‬ ‫﴿ح‪##‬افِظُوا َعلَى َّ‬
‫الص‪#‬لَ َوا ِ‬ ‫له‪ :‬إذا بلغت اآلية َ‬
‫[البق‪##‬رة‪ ]238 :‬فآذنّي‪ ،‬قال أب‪##‬و ي‪##‬ونس‪ :‬فل ّم‪##‬ا بلغته‪##‬ا آذنته‪##‬ا‪ ،‬ف‪##‬أملت عل ّي (ح‪##‬افظوا‪ #‬على‬
‫صلوات والصالة الوسطى وصالة العصر)‪ ،‬قالت‪ :‬سمعتها من رسول هّللا ‪)2()‬‬ ‫ال ّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما يروى‪ #‬عن عمرو بن ن‪##‬افع م‪##‬ولى عم‪##‬ر بن الخط‪##‬اب‪،‬‬
‫فق‪##‬د ق‪##‬ال‪ :‬كنت أكتب مص‪##‬حفا لحفص‪##‬ة زوج الن‪##‬بي ‪ ‬فق‪##‬الت‪ :‬إذا بلغت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‬
‫الص‪#‬اَل ِة ْال ُو ْس‪#‬طَى‪َ #‬وقُو ُم‪##‬وا‪ #‬هَّلِل ِ قَ‪##‬انِتِينَ ﴾ [البق‪##‬رة‪ ]238 :‬ف‪##‬آذنّي‪،‬‬ ‫﴿حافِظُوا‪َ #‬علَى ال َّ‬
‫صلَ َوا ِ‬
‫ت َو َّ‬ ‫َ‬
‫فل ّما بلغتها آذنتها‪ ،‬فأملت عل ّي (حافظوا على الص‪##‬لوات والص‪##‬الة الوس‪##‬طى وص‪##‬الة‬
‫العصر) قالت‪ :‬أشهد أنّي سمعتها من رسول هّللا ‪)3()‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك م‪##‬ا ي‪##‬روى‪ #‬عن حمي‪##‬دة بنت أبي ي‪##‬ونس‪ ،‬ق‪##‬الت‪ :‬ق‪##‬رأ عل ّي‬
‫ُص‪#‬لُّونَ َعلَى‬ ‫أبي ـ وهو ابن ثمانين س‪##‬نة ـ في مص‪##‬حف‪ #‬عائش‪##‬ة‪( :‬إِ َّن هَّللا َ و َمالئِ َكتَ‪#‬هُ ي َ‬
‫صلُّوا َعلَ ْي ِه و َسلِّ ُموا تَ ْسلِيماً‪ ،‬وعلى الّذين يصلون الص‪##‬فوف‬ ‫النَّبِ ِّي‪ ،‬يا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا َ‬
‫األ ّول)‪ ،‬قالت حميدة‪( :‬قبل أن يغيّر عثم‪#‬ان المص‪#‬احف) (‪ ،)4‬أي ك‪#‬انت ه‪#‬ذه الزي‪#‬ادة‬
‫موجودة إلى ذاك الحين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك م‪##‬ا ي‪##‬روى‪ #‬عن عم‪##‬رة بنت عب‪##‬د الرحم‪##‬ان عن عائش‪##‬ة‪،‬‬
‫قالت‪( :‬كانت فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرّمن) ث ّم نس‪##‬خن ب‬
‫وهن فيما يقرأ من القرآن) (‪)5‬‬ ‫ّ‬ ‫(خمس معلومات) فتوفّي‪ #‬رسول هّللا ‪‬‬
‫ألن‬‫و قال الزيعلي ـ تعليق‪#‬ا على ه‪#‬ذه الرواي‪#‬ة ـ‪( :‬ال حجّ‪#‬ة في ه‪#‬ذا الح‪#‬ديث‪ّ ،‬‬
‫عائشة أحالتها على أنّه ق‪##‬رآن‪ ،‬وق‪##‬الت‪ :‬ولق‪##‬د ك‪##‬ان في ص‪##‬حيفة تحت س‪##‬ريري‪ ،‬فل ّم‪##‬ا‬
‫مات رسول‪ #‬هّللا ‪ ‬وتشاغلنا بموته دخل داجن البيت فأكلها‪ ..‬وقد ثبت أنّ‪##‬ه ليس من‬
‫القرآن لعدم التواتر‪ ،‬وال تح ّل الق‪##‬راءة ب‪##‬ه وال إثبات‪##‬ه في المص‪##‬حف‪ ،‬وألنّ‪##‬ه ل‪##‬و ك‪##‬ان‬
‫قرآنا‪ #‬لكان متلوّا اليوم‪ ،‬إذ ال نسخ بعد النبي ‪)6()‬‬
‫ّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذل‪##‬ك م‪##‬ا ي‪##‬روى‪ #‬عن مس‪##‬لمة بن مخل‪##‬د األنص‪##‬اري ـ وك‪##‬ان لم‬
‫يتجاوز‪ #‬العاشرة عند وفاة النبي ‪ ‬ـ أنّه ق‪##‬ال يوم‪##‬ا‪ :‬أخ‪##‬بروني ب‪##‬آيتين في الق‪##‬رآن لم‬
‫يكتبا في المصحف فلم يخبروه‪ ،‬وعندهم أبو الكنّود سعد بن مالك‪ ،‬فقال مس‪#‬لمة‪ّ :‬‬
‫(إن‬
‫الّ‪##‬ذين آمن‪##‬وا وه‪##‬اجروا وجاه‪##‬دوا في س‪##‬بيل هّللا ب‪##‬أموالهم وأنفس‪##‬هم‪ ،‬أال أبش‪##‬روا‪ #‬أنتم‬
‫منتخب كنز العمال‪.2/50 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الدرّ المنثور‪.1/302 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الدرّ المنثور‪.1/302 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فضائل القرآن ألبي عبيد القاسم بن ساّل م‪ ،193 ،‬واإلتقان‪.3/73 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تنوير الحوالك‪.2/118 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫بهامش مسلم‪.4/167 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪381‬‬
‫المفلحون‪ ،‬والّذين آووهم ونصروهم وج‪##‬ادلوا عنهم الق‪##‬وم الّ‪##‬ذين غض‪##‬ب هّللا عليهم‪،‬‬
‫أولئك ال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعلمون) (‪)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك م‪##‬ا ي‪##‬روى‪ #‬عن أبي األس‪##‬ود‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬بعث أب‪##‬و موس‪##‬ى‬
‫األشعري‪ #‬إلى ق ّراء أهل البصرة‪ ،‬فدخل عليه ثالثمائة رجل قد قرأوا الق‪##‬رآن‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫يطولن عليكم األم‪##‬د فتقس‪#‬و‪ #‬قل‪##‬وبكم كم‪##‬ا‬ ‫ّ‬ ‫أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم‪ ،‬فاتلوه وال‬
‫قست قلوب من كان قبلكم‪ #..‬وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول والش ّدة ببراءة‬
‫فأنسيتها‪ ،‬غير أنّي قد حفظت منها‪( :‬لو كان البن آدم وادي‪##‬ان من م‪##‬ال البتغى وادي‪##‬ا‬
‫ثالث‪##‬ا‪ ،‬وال يمأل ج‪##‬وف ابن آدم إاّل ال‪##‬تراب)‪ ،‬وكنّ‪##‬ا نق‪##‬رأ س‪##‬ورة كنّ‪##‬ا نش ‪#‬بّهها بإح‪##‬دى‬
‫المسبّحات فأنسيتها‪ #،‬غ‪#‬ير أنّي حفظت منه‪##‬ا‪( :‬ي‪##‬ا أيّه‪##‬ا ال‪##‬ذين آمن‪##‬وا لم تقول‪##‬ون م‪##‬ا ال‬
‫تفعلون‪ ،‬فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما يروى‪ #‬عن ز ّر بن حبيش عن أب ّي بن كعب‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬كم‬
‫تقرأون (أو كأيّن تع ّدون) سورة األحزاب؟ قلت‪ :‬ثالثا وس‪##‬بعين آي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬ط! لق‪##‬د‬
‫رأيتها وإنّه‪##‬ا لتع‪##‬ادل س‪##‬ورة البق‪##‬رة (أي م‪##‬ا يق‪##‬رب من م‪##‬ائتين وثم‪##‬انين آي‪##‬ة‪ ،‬أربع‪##‬ة‬
‫أضعاف‪ #‬الموجود!) وفيها‪ #‬آية الرجم‪ ..‬قال زرّ‪ :‬قلت وم‪##‬ا آي‪##‬ة ال‪##‬رجم؟ ق‪##‬ال‪( :‬الش‪##‬يخ‬
‫والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكاال من هّللا وهّللا عزيز حكيم) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما ي‪##‬روى‪ #‬عن ع‪##‬روة عن خالت‪##‬ه عائش‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬الت‪( :‬ك‪##‬انت‬
‫سورة األحزاب تق‪##‬رأ زمن الن‪##‬بي ‪ ‬م‪##‬ائتي آي‪##‬ة‪ ،‬فل ّم‪##‬ا كتب عثم‪##‬ان المص‪##‬احف‪ ،‬لم‬
‫نقدر منها إاّل على ما هو اآلن) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك م‪##‬ا ي‪##‬روى‪ #‬عن ابن س‪##‬يرين‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬كتب أب ّي بن كعب في‬
‫ّ‬
‫‪#‬ركهن‬ ‫مصحفه فاتحة الكتاب والمعوّذتين واللّه ّم إنّ‪##‬ا نس‪##‬تعينك واللّه ّم إيّ‪##‬اك نعب‪##‬د‪ ..‬وت‪#‬‬
‫منهن فاتحة الكتاب والمعوّذتين) (‪)5‬‬ ‫ّ‬ ‫ابن مسعود‪ ،‬وكتب عثمان‬
‫أن سورة براءة ك‪##‬انت تع‪##‬دل‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما يروى‪ #‬عن مالك بن أنس ّ‬
‫سورة البقرة‪ ،‬وقد أسقط من أوّلها‪ ،‬فاس‪##‬قطت البس‪##‬ملة فيم‪##‬ا اس‪##‬قط‪ ،‬ق‪##‬ال جالل ال‪##‬دين‬
‫إن أوّلها ل ّما سقط سقط معه البسملة‪ ،‬فقد ثبت أنّها كانت تعدل‬ ‫السيوطي‪( :‬قال مالك‪ّ :‬‬
‫البقرة لطولها) (‪)6‬‬
‫ّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما ي‪##‬روى‪ #‬عن حذيف‪##‬ة بن اليم‪##‬ان‪ ،‬أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪( :‬م‪##‬ا تق‪##‬رأون‬
‫ربعها‪ ،‬يعني ربع براءة‪ ،‬وأنّكم تس ّمونها‪ #‬س‪#‬ورة التوب‪#‬ة وهي س‪#‬ورة الع‪#‬ذاب) (‪ ..)7‬و‬
‫في رواية‪( :‬التي تس ّمون سورة التوبة هي س‪##‬ورة الع‪##‬ذاب‪ ،‬وهّللا م‪##‬ا ت‪##‬ركت أح‪##‬دا إاّل‬

‫اإلتقان‪.3/74 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫صحيح مسلم‪.3/100 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلتقان‪.3/72 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلتقان‪.3/72 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلتقان‪.1/184 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلتقان‪.1/184 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫المستدرك على الصحيحين‪ 2/330 :‬ـ ‪.331‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪382‬‬
‫ربعها) (‪)1‬‬‫نالت منه‪ ،‬وال تقرأون إاّل‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬يكفي ما ذكرتم‪ ..‬وعلماؤنا قد وقفوا بش‪##‬دة ض‪##‬د ه‪##‬ؤالء‬
‫الحشوية الذين يروون مثل هذه األحاديث‪ ..‬ولعلكم تعلمون أن الكث‪##‬ير من المح‪##‬دثين‬
‫كان همهم الجمع ال التحقيق‪ ..‬لذلك ال عبرة برواياتهم‪.‬‬
‫قال المتهم‪ :‬ومثل ذلك علماؤنا‪ ..‬وكم‪##‬ا يوج‪##‬د ل‪##‬ديكم حش‪##‬وية‪ ،‬يجمع‪##‬ون م‪##‬ا ال‬
‫يعون؛ فكذلك يوجد‪ #‬عندنا‪ ..‬وكما رفض علماؤكم حش‪##‬ويتكم رفض علماؤن‪##‬ا ك‪##‬ذلك‪..‬‬
‫ول‪##‬ذلك ك‪##‬ان عليكم أن ال تتهمون‪##‬ا بم‪##‬ا قال‪##‬ه حش‪##‬ويتنا‪ #‬م‪##‬ا دمن‪##‬ا ال نتهمكم بم‪##‬ا ق‪##‬ال‬
‫حشويتكم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد قال العالمة كاشف الغطاء في الرد على حشويتنا‪ ،‬والذين نطلق‬
‫عليهم لقب [األخب‪##‬اريين]‪( :‬وص‪##‬درت منهم أحك‪##‬ام غريب‪##‬ة وأق‪##‬وال‪ #‬منك‪##‬رة عجيب‪##‬ة‪،‬‬
‫منها‪ :‬قولهم بنقص القرآن‪ ،‬مستندين إلى روايات تقضي البديهة بتأويله ‪#‬ا‪ #‬وطرحه‪##‬ا‪،‬‬
‫وفي‪ #‬بعضها‪ :‬نقص ثلث القرآن أو ربعه ونقص أربعين اسما في سورة (تبّت) منه‪##‬ا‬
‫أسماء جماعة من المنافقين‪ ،‬وفي‪ #‬ذلك منافاة لبديه‪##‬ة العق‪##‬ل‪ ،‬ألنّ‪##‬ه ل‪##‬و ك‪##‬ان ذل‪##‬ك م ّم‪##‬ا‬
‫أبرزه النبي ‪ ‬وقرأه على المسلمين وكتبوه الفتضح المنافقون‪ ،‬ولم يكن الن‪##‬بي ‪‬‬
‫مأمورا‪ #‬إاّل بالستر عليهم‪ ،‬ولقامت الحرب على س‪##‬اق‪ ،‬وك‪##‬ان في ابت‪##‬داء اإلس‪##‬الم من‬
‫الفتن ما كان في الختام‪ ،‬ث ّم لو كان حقّا لتواتر‪ #‬نقله وعرفه جميع الخلق‪ ،‬ألنّهم ك‪##‬انوا‬
‫يضبطون آياته وحروفه وكلماته تمام الضبط‪ ،‬فكيف‪ #‬يغفلون عن مثل ذلك‪ ،‬ولع‪##‬رف‬
‫بين الكفّار‪ ،‬وع ّدوه من أعظم مصائب اإلسالم والمسلمين‪ ،‬ولكان القارئ لسورة من‬
‫الس‪##‬ور الناقص‪##‬ة مبعّض‪##‬ا في الحقيق‪##‬ة‪ ،‬ولك‪##‬ان الق‪##‬رآن غ‪##‬ير محف‪##‬وظ‪ ،‬وق‪##‬د أخ‪##‬بر هّللا‬
‫بحفظ‪##‬ه‪ ،‬ولع‪##‬رف بين الش‪##‬يعة‪ ،‬وع‪ّ ##‬دوه من أعظم األدلّ‪##‬ة على خ‪##‬روج األوّلين من‬
‫ألن النقص ـ على تقدير ثبوته ـ إنّما هو منهم‪ ..‬ويا للعجب من ق‪##‬وم يزعم‪##‬ون‬ ‫الدين‪ّ ،‬‬
‫سالمة األحاديث وبقائها محفوظة وهي دائ‪##‬رة على األلس‪##‬ن ومنقول‪##‬ة في الكتب‪ ،‬في‬
‫م ّدة ألف وم‪##‬ائتي‪ #‬س‪##‬نة‪ ،‬وأنّه‪##‬ا ل‪##‬و ح‪##‬دث فيه‪##‬ا نقص لظه‪##‬ر واس‪##‬تبان وش‪##‬اع!! لكنّهم‬
‫يحكمون بنقص القرآن‪ ،‬وخفي ذلك في جميع األزمان) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومث‪#‬ل ذل‪#‬ك ق‪#‬ال الحجّ‪#‬ة البالغي (ت ‪ ،)1352‬فق‪#‬د ق‪#‬ال ـ بع‪#‬د نق‪#‬ل‬
‫كلم‪###‬ات األعالم كالص‪###‬دوق‪ #‬والمرتض‪###‬ى والطوس‪###‬ي‪ #‬وكاش‪###‬ف الغط‪###‬اء والبه‪###‬ائي‬
‫وأضرابهم ـ‪( :‬وق‪#‬د جه‪#‬د المح‪ّ #‬دث المعاص‪#‬ر‪ #‬في كتاب‪#‬ه (فص‪#‬ل الخط‪#‬اب) في جم‪#‬ع‬
‫الروايات التي استد ّل بها على النقيصة‪ ،‬وكثّر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل‪ ،‬م‪#‬ع‬
‫بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد‪ ..‬وفي جملة م‪##‬ا‬ ‫أن المتتبّع المحقّق يجزم ّ‬ ‫ّ‬
‫أورده من الروايات ما ال يتي ّسر‪ #‬احتمال صدقها‪ ،‬ومنها‪ #‬ما هو مختلف بما يؤول إلى‬
‫أن القسم الوافر منها ترجع أسانيدها‪ #‬إلى بض‪##‬عة أنف‪##‬ار‪ ،‬وق‪##‬د‬ ‫التنافي‪ #‬والتعارض‪ ،‬مع ّ‬
‫ّ‬ ‫اّل‬
‫وص‪##‬ف علم‪##‬اء الرج‪##‬ال ك منهم إ ّم‪##‬ا بأن‪##‬ه ض‪##‬عيف‪ #‬الح‪##‬ديث فاس‪##‬د الم‪##‬ذهب مجف ‪ّ #‬و‬
‫‪ )(1‬الدرّ المنثور‪.3/208 :‬‬
‫‪ )(2‬عن كتابه (الح ّ‬
‫ق المبين)‪ ،‬ص ‪ .11‬ونقله القاضي الطباطبائي في هامش األنوار النعمانية‪.2/359 :‬‬
‫‪383‬‬
‫الرواية‪ ،‬وإ ّما بأنّه ك‪#ّ #‬ذاب متّهم ال أس‪##‬تح ّل أن أروي من تفس‪##‬يره ح‪##‬ديثا واح‪##‬دا‪ ،‬وأنّ‪##‬ه‬
‫الس‪#‬الم‪ ،‬وإ ّم‪##‬ا بأنّ‪##‬ه فاس‪##‬د الرواي‪##‬ة ي‪##‬رمى‬
‫معروف‪ #‬بالوقف‪ #‬وأش ّد عداوة للرضا علي‪##‬ه ّ‬
‫أن أمث‪##‬ال ه‪##‬ؤالء ال تج‪##‬دي ك‪##‬ثرتهم ش‪##‬يئا‪ ..‬ول‪##‬و تس‪##‬امحنا‪#‬‬ ‫ب‪##‬الغلوّ‪ ..‬ومن الواض‪##‬ح ّ‬
‫باالعتناء برواياتهم‪ #‬في مثل هذا المقام الخطير‪ #‬لوجب من داللة الرواي‪##‬ات المتع‪ّ #‬ددة‪،‬‬
‫أن مضامينها تفسير لآليات أو تأوي‪##‬ل أو بي‪##‬ان لم‪##‬ا يعلم يقين‪##‬ا ش‪##‬مول‬ ‫أن ننزلها على ّ‬
‫ّ‬
‫عمومها له ألنّه أظهر األفراد‪ #‬وأحقها بحكم العام‪ ،‬أو ما كان مرادا بخصوص‪##‬ه عن‪##‬د‬
‫التنزيل‪ ،‬أو هو مورد النزول‪ ،‬أو ما ك‪##‬ان ه‪##‬و الم‪##‬راد من اللف‪##‬ظ المبهم‪ ..‬وعلى أح‪##‬د‬
‫هذه الوجوه الثالثة األخيرة يحمل ما ورد أنّه تنزيل وأنّه نزل به جبريل كم‪##‬ا يحم‪##‬ل‬
‫التحريف‪ #‬الوارد في الروايات على تحريف المعنى‪ ،‬كما يشهد بذلك مكاتبة سعد إلى‬
‫أبي جعفر عليه السّالم (و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده)‪،‬‬
‫وكما يحم‪#‬ل م‪#‬ا ورد بش‪#‬أن مص‪#‬حف‪ #‬أم‪#‬ير المؤم‪#‬نين وابن مس‪#‬عود‪ #‬أنّ‪#‬ه من التفس‪#‬ير‬
‫والتأويل‪ ،‬لقوله‪( :‬و لقد جئتهم بالكتاب كمال مشتمال على التنزيل والتأويل) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال العالمة محمد هادي معرفت‪ ،‬فقد أرخ لكيفية تس‪##‬للهم‬
‫لمذهبنا‪ ،‬فقال‪( :‬كان علماؤنا األعالم منذ عهد الحضور إلى طول عصر الغيبة على‬
‫طريق‪##‬تين في االتّج‪##‬اه األص‪##‬ولي‪ #‬وفي اس‪##‬تنباط مب‪##‬اني ش‪##‬ريعة اإلس‪##‬الم‪ :‬أه‪##‬ل نظ‪##‬ر‬
‫وتحقيق‪ ،‬وهم‪ :‬المجتهدون‪ ..‬وأهل نقل وتحديث‪ ،‬وهم‪ :‬المح ّدثون)(‪)2‬‬
‫ثم بين وجوه االختالف بين األصوليين والمحدثين‪ ،‬فقال‪( :‬يختلف المح‪ّ ##‬دثون‬
‫عن المجتهدين باالعتماد على النقل أكثر من العقل‪ ،‬وال سيّما في مس‪##‬ائل األص‪##‬ول‪،‬‬
‫حيث ال حجّية ألخبار اآلحاد هناك عند المجتهدين) (‪)3‬‬
‫ثم ذكر الفرق بين المحدثين المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬وكيف‪ #‬تسلل اإلخب‪##‬اريون‬
‫الذين ال يختلفون عن الحشوية إليهم‪ ،‬فقال‪( :‬وقد كان ألهل الحديث أساليب معروف‪##‬ة‬
‫باإلتقان واإلحك‪##‬ام في األخ‪##‬ذ والتلقّي والتح‪##‬ديث‪ ،‬في أس‪##‬انيد الرواي‪##‬ات وفي‪ #‬متونه‪#‬ا‪#‬‬
‫عرضا ومقابلة مع االص‪##‬ول المعتم‪##‬دة‪ ،‬وعلى ه‪##‬ذا األس‪##‬لوب ال‪##‬روائي المتقن دوّنت‬
‫األصول األربعة الجامعة ألحاديث أهل البيت‪ ،‬مأخوذة من مشايخ أجاّل ء وعن كتب‬
‫ذوات اعتب‪##‬ار‪ ..‬وق‪#‬د‪ #‬س‪##‬ادت طريق‪##‬ة اإلتق‪##‬ان في النق‪##‬ل والتح‪##‬ديث حقب‪##‬ا من الزم‪##‬ان‪،‬‬
‫وانتهت ب‪##‬دور خاتم‪##‬ة المح ‪ّ #‬دثين الش‪##‬يخ الح ‪ّ #‬ر الع‪##‬املي (‪ 1033‬ـ ‪ )1104‬ص‪##‬احب‬
‫الموسوعة الحديثية الكبرى (وسائل الشيعة) وفيها ما يس ّد حاج‪##‬ة الفقي‪##‬ه في اس‪##‬تنباط‬
‫مختلف أحكام الشريعة‪( ،‬جزاه هّللا خيرا) وفرغ‪ #‬من تأليفه عام ‪ ،1082‬و س‪##‬ار على‬
‫منهاج‪##‬ه المح‪ّ #‬دث الفقي‪##‬ه الم‪##‬ولى محس‪##‬ن الفيض (‪ 1007‬ـ ‪ )1091‬في تأليف‪##‬ه كت‪##‬اب‬
‫(الوافي) الجامع ألحاديث الكتب األربعة م‪##‬ع الش‪##‬رح والبي‪##‬ان‪ ،‬وق‪##‬د ف‪##‬رغ من تأليف‪##‬ه‬

‫‪ )(1‬من مقدمة تفسيره (آالء الرحمان) ‪ 1/25 :‬ـ ‪.27‬‬


‫‪ )(2‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ )(3‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪384‬‬
‫‪)1( )1068‬‬ ‫عام‬
‫ثم ذكر كيف بدأ التساهل في رواي‪##‬ة األح‪##‬اديث‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬أ ّم‪##‬ا بع‪##‬د ه‪##‬ذا ال‪##‬دور‪،‬‬
‫فيأتي‪ #‬دور االنحطاط واالسترس‪##‬ال في نق‪##‬ل الح‪##‬ديث وفي‪ #‬رواي‪##‬ة األخب‪##‬ار‪ ،‬وأص‪##‬بح‬
‫أه‪##‬ل الح‪##‬ديث مج‪#‬رّد نقل‪##‬ة آث‪##‬ار وحفظ‪##‬ة أخب‪##‬ار‪ ،‬من غ‪##‬ير اك‪##‬تراث ال باألس‪##‬انيد‪ #‬وال‬
‫بص ّحة المتون‪ ،‬فقد زالت الثقة بأحاديث ينقله‪#‬ا ه‪#‬ؤالء (األخب‪##‬اريون) المسترس‪#‬لون‪،‬‬
‫بعد انتهاء دور (المح ّدثين) المتقنين‪ ..‬إنّهم اهت ّموا بتض ّخم الحجم أك‪##‬ثر من الدقّ‪##‬ة في‬
‫ي مص‪##‬در يعتم‪##‬دون‪ ،‬إنّم‪##‬ا المه ّم‬ ‫المحت‪##‬وى‪ ،‬ومن ث ّم لم ي‪##‬أبهوا‪ #‬م ّمن يأخ‪##‬ذون وعلى أ ّ‬
‫حش‪##‬د الحق‪##‬ائب وملء ال‪##‬دفاتر‪ #‬بنق‪##‬ول وحكاي‪##‬ات‪ #‬هي أش‪##‬به بقص‪##‬ص القصّاص‪##‬ين‬
‫وأساطير بني إسرائيل) (‪)2‬‬
‫ثم ذك‪##‬ر م‪##‬دى التش‪##‬ابه بينهم وبين حش‪##‬وية المدرس‪##‬ة الس‪##‬نية‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬ومن ث ّم‬
‫واكبوا‪ #‬إخوانهم الحشوية الذين سبقوهم في هذا المضمار‪ ،‬وس‪##‬اروا على منهجهم في‬
‫االبتذال واالسترسال؛ فإن كانت محنة أهل السنّة قد جاءتهم من قبل أهل الحش‪##‬و في‬
‫الحديث‪ ،‬فكذلك جاءتنا البليّة من قبل هؤالء المسترسلين في نقل الحديث) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ذكر كيف تسرب من هؤالء اإلخباريين الق‪##‬ول بتحري ‪#‬ف‪ #‬الق‪##‬رآن‬
‫أن‬ ‫الك‪##‬ريم مثلم‪##‬ا تس‪##‬رب إلى المدرس‪##‬ة الس‪##‬نية من حش‪##‬ويتهم‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬وق‪##‬د ع‪##‬رفت ّ‬
‫علماءن‪##‬ا المحقّقين أطبق‪##‬وا على رفض احتم‪##‬ال التحري‪##‬ف في كت‪##‬اب هّللا ‪ ..‬وك‪##‬ذلك‬
‫مح ّدثونا‪ #‬القدامى من لدن شيخهم ورئيسهم الص‪##‬دوق‪ ،‬ح‪##‬تى عص‪##‬ر العلمين خ‪##‬اتمتي‬
‫المح ّدثين الح ّر العاملي والفيض الكاشاني‪ ،‬نعم‪ ،‬جاءت فكرة التحري‪#‬ف‪ #‬ـ قص‪##‬دا إلى‬
‫رفض حجّية الكتاب ـ من قبل هذه الفئة المتطرّفة ال‪##‬تي نبعت على حاش‪##‬ية البالد في‬
‫ج ّو مظلم بغياهب الجهل والعا ّمية‪ ،‬مضافا إليه بعض السذاجة وسرعة االسترس‪##‬ال‪،‬‬
‫وكان من طابع هذه الفئة السذاجة في التفكير‪ ،‬الناجمة عن حياتها البدائية‪ ،‬بعيدة عن‬
‫معالم الحضارة العلمية التي ك‪##‬ان عليه‪##‬ا علماؤن‪#‬ا‪ #‬في مراك‪##‬ز العلم المعروف‪#‬ة‪ ،‬وه‪##‬ذا‬
‫م ّما جعل من كتبهم ال تشبه شيئا من كتب أقطاب الش‪##‬يعة اإلمامي‪##‬ة المليئ‪##‬ة ب‪##‬التحقيق‬
‫والتدقيق في أصول الشريعة وفروعها) (‪)4‬‬
‫هّللا‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ذكر نماذج عن أعالمهم‪ ،‬فقال‪( :‬هذا السيّد نعمة الجزائ‪##‬ري ـ‬
‫غفر هّللا له ـ (‪ 1050‬ـ ‪ )1112‬علم ه‪##‬ذه الفئ‪##‬ة الش‪##‬اخص والمب‪##‬دع‪ #‬لفك‪##‬رة التحري‪#‬ف‪#‬‬
‫‪#‬واذ في كتب‪##‬ه‬‫على أس‪##‬اس جم‪##‬ع الش‪##‬وارد من األخب‪##‬ار‪ ،‬ن‪##‬راه يعتم‪##‬د الغ‪##‬رائب والش‪ّ #‬‬
‫ويشحنها‪ #‬بأقاصيص أسطوريّة‪ ،‬ال سابقة لها في كتب علمائنا األعالم) (‪)5‬‬
‫ثم قارن بين منهجه ومنهج المتق‪##‬دمين من المح‪##‬دثين‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬بينم‪##‬ا الص‪##‬دوق‪#‬‬
‫عليه الرحمة يقول في مق ّدمة كتاب‪##‬ه (من ال يحض‪##‬ره الفقي‪##‬ه)‪( :‬ولم أقص‪#‬د‪ #‬في‪##‬ه قص‪##‬د‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.99‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.100‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪385‬‬
‫المصنّفين في إيراد جميع ما رووه‪ ،‬بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بص ‪#‬حّته‬
‫وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تق ّدس ذكره وتعالت قدرته وجمي‪##‬ع م‪##‬ا في‪##‬ه‬
‫مستخرج من كتب مشهورة عليها المع ّول وإليها المرجع)‪ ،‬نرى المح ّدث الجزائري‬
‫يقول‪( :‬نحن نروي جمي‪##‬ع أح‪##‬اديث الكتب األربع‪##‬ة عن المح ّم‪##‬دين الثالث‪##‬ة‪ ،‬بواس‪##‬طة‬
‫رجل مجهول الحال‪ ،‬مجهول الحسب والنسب‪ ،‬مع بع‪#‬د الطري‪#‬ق‪ #‬بق‪#‬رون‪ ،‬يحكي من‬
‫أوثق مشايخه (السيّد البحراني) أنّه نقل عن شيخه (الحرفوش‪##‬ي) إنّ‪##‬ه القى رجال في‬
‫مسجد مهجور‪ #‬من مس‪##‬اجد دمش‪##‬ق‪ ،‬ا ّدعى أنّ‪##‬ه (المع ّم‪##‬ر أب‪##‬و ال‪##‬دنيا) ك‪##‬ان يق‪##‬ول‪ :‬إنّ‪#‬ه‬
‫صحب عليا واألئ ّمة وسمع حديثهم واح‪##‬دا واح‪##‬دا‪ ،‬وس‪##‬مع مش‪##‬ايخ الح‪##‬ديث وأرب‪##‬اب‬
‫الكتب وسمع حديثهم‪ ،‬فاستجازه الحرفوش‪##‬ي في اإلس‪##‬ناد إلي‪##‬ه فأج‪##‬ازه! فك‪##‬ان ش‪##‬يخه‬
‫يقول‪ :‬إنّا نروي عن أصحاب الكتب منذ ذلك الوقت به‪##‬ذا اإلس‪##‬ناد القص‪##‬ير‪ ..‬وهك‪##‬ذا‬
‫ابتهج السيّد الجزائري‪ #‬بهذه المفاجئة الس‪#‬انحة فجع‪#‬ل يق‪#‬ول‪ :‬وه‪#‬ا نحن أيض‪#‬ا ن‪#‬روي‪#‬‬
‫الكتب األربعة للمح ّمدين الثالثة بنفس هذا اإلسناد) (‪)2( ))1‬‬
‫قال آخ‪#‬ر‪ :‬ثم ذك‪#‬ر نم‪#‬اذج عن بعض كتب اإلخب‪#‬اريين‪ ،‬وال‪#‬تي ال تختل‪#‬ف عن‬
‫كتب إخوانهم‪ #‬من الحشوية‪ ،‬وكيف تسلل القول بالتحريف منه‪##‬ا إليهم‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬كت‪##‬اب‬
‫السيّد نعمة هّللا الجزائري‪ #‬الذي أسماه (األنوار النعماني‪#‬ة) ـ من أش‪#‬هر تآليف‪#‬ه‪ ،‬وع‪ّ #‬ده‬
‫القوم من جالئل كتبهم ـ مليء بأخبار وقصص‪ #‬خرافية غريبة‪ ،‬م ّما ال نظ‪##‬ير له‪##‬ا في‬
‫كتب أصحابنا‪ #‬اإلماميّة‪ ،‬وهذا الكتاب هو المنبع األصل للقول ب‪##‬التحريف(‪ ،)3‬وال‪##‬ذي‬
‫اعتمده النوري صاحب (فصل الخطاب)‪ ،‬وكان قدوته في هذا االختيار(‪)5())4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ثم ذك‪##‬ر اإلخب‪##‬اري‪ #‬الن‪##‬وري‪( #‬ت‪1320‬هـ)‪ ،‬وت‪##‬أثره بنعم‪##‬ة هللا‬
‫الجزائري‪ #‬في كتابه (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب األرباب)‪ ،‬وكيف تعامل‬
‫معه كل علماء الش‪#‬يعة وع‪#‬وامهم‪ ،‬بس‪#‬بب رأي‪#‬ه الش‪#‬اذ المنح‪#‬رف‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬ق‪#‬د أس‪#‬لفنا‬
‫تواجد الشيخ النوري‪ #‬نفسه في وحشة العزلة من‪##‬ذ أن س‪##‬لك ه‪##‬ذا الطري‪##‬ق الش‪##‬ائك‪ ،‬إذ‬
‫وجد من أقطاب الطائفة متّفقة على خالف رأي‪##‬ه‪ ،‬وكم ح‪##‬اول العث‪##‬ور‪ #‬على رفق‪##‬ة من‬
‫مشاهير‪ #‬العلم‪##‬اء ولكن من غ‪##‬ير ج‪##‬دوى‪ ،‬وق‪##‬د أحسّ الرج‪##‬ل من أوّل يوم‪##‬ه بش‪##‬نعات‬
‫ومسبّات سوف‪ #‬تنهال علي‪##‬ه من ك‪ّ #‬ل ص‪##‬وب ومك‪##‬ان‪ ،‬وبالفع‪##‬ل ق‪##‬د حص‪##‬ل ووق‪#‬ع‪ #‬في‬
‫الورطة التي كان يخافها) (‪)6‬‬
‫ّ‬
‫ثم ذك‪##‬ر بعض الح‪##‬وادث الدال‪##‬ة على ذل‪##‬ك‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬يح ‪#‬دثنا الس ‪#‬يّد هب‪##‬ة ال‪##‬دين‬
‫الشهرس‪##‬تاني ـ وه‪##‬و ش‪##‬ابّ من طلب‪##‬ة الح‪##‬وزة العلميّ‪##‬ة بس‪##‬امراء على عه‪##‬د اإلم‪##‬ام‬
‫الشيرازي‪ #‬الكبير ـ عن ض ّجة ونعرات ثارت حول الكتاب ومؤلّفه وناشره يوم‪##‬ذاك‪،‬‬
‫األنوار النعمانية‪.2/7 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.100‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األنوار النعمانية‪.2/357 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فصل الخطاب‪.250،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.101‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪386‬‬
‫يق‪##‬ول في رس‪##‬الة بعثه‪##‬ا تقريظ‪##‬ا على رس‪##‬الة البره‪##‬ان ال‪##‬تي كتبه‪##‬ا الم‪##‬يرزا مه‪##‬دي‬
‫ال‪##‬بروجردي بقم المق ّدس‪##‬ة ‪ 1373‬هـ‪ ،‬يق‪##‬ول فيه‪##‬ا‪( :‬كم أنت ش‪##‬اكر م‪##‬والك إذ أوالك‬
‫بنعمة هذا التأليف المنيف‪ ،‬لعصمة المصحف الش‪#‬ريف عن وص‪#‬مة التحري‪#‬ف‪ ،‬تل‪#‬ك‬
‫العقيدة الصحيحة التي آنست بها منذ الصغر أيّام مكوثي‪ #‬في سامراء‪ ،‬مسقط رأسي‪،‬‬
‫حيث تمركز‪ #‬العلم والدين تحت ل‪##‬واء اإلم‪##‬ام الش‪##‬يرازي الكب‪##‬ير‪ ،‬فكنت أراه‪##‬ا تم‪##‬وج‬
‫ثائرة على نزيلها المح ّدث النورى‪ ،‬بشأن تأليف‪##‬ه كت‪##‬اب (فص‪##‬ل الخط‪##‬اب) فال ن‪##‬دخل‬
‫مجلسا في الحوزة العلمية إاّل ونسمع الضجّة والع ّج‪##‬ة ض‪ّ #‬د الكت‪##‬اب ومؤلّف‪##‬ه وناش‪##‬ره‬
‫يسلقونه بألسنة حداد) (‪ ..)1‬وهكذا هبّ أرباب القلم يس‪##‬ارعون في ال‪##‬ر ّد علي‪#‬ه ونقض‬
‫كتابه بأقسى‪ #‬كلمات وأعنف تعابير الذعة‪ ،‬لم يدعوا ّ‬
‫لبث آرائه ونش‪##‬ر عقائ‪##‬ده مج‪##‬اال‬
‫وال قيد شعرة) (‪)2‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ثم ذكر نماذج عن بعض العلماء المعاصرين ال‪##‬ذين ردوا علي‪##‬ه‪،‬‬
‫ومنهم‪ #‬الفقيه المحقّق الشيخ محمود‪ #‬بن أبي القاس‪##‬م الش‪##‬هير‪ #‬ب‪##‬المعرّب الطه‪##‬راني‪( #‬ت‬
‫‪ )1313‬في رسالة قيّمة أسماها (كشف االرتياب في عدم تحريف الكتاب) ألفها سنة‬
‫‪ 1302‬هـ‪ ،‬وهي تق‪####‬رب من أربع‪####‬ة آالف بيت في ‪ 300‬ص‪####‬فحة‪ ،‬وفيه‪####‬ا‪ #‬من‬
‫االستدالالت المتينة وال‪##‬براهين القاطع‪##‬ة‪ ،‬م‪##‬ا ألج‪##‬أ الش‪##‬يخ الن‪##‬وري إلى ال‪##‬تراجع عن‬
‫رأيه‪ ،‬وتأثّر كثيرا بهذا الكتاب‪ ،‬فق‪#‬ام بت‪##‬أليف رس‪#‬الة اخ‪#‬رى فارس‪##‬ية بص‪#‬دد اإلجاب‪##‬ة‬
‫وتوجي‪##‬ه م‪##‬ا قص‪##‬ده من التحري‪##‬ف‪ ،‬بأنّ‪##‬ه م‪##‬ا أراد من الكت‪##‬اب المح‪#‬رّف ه‪##‬ذا الق‪##‬رآن‬
‫الموجود‪ #‬بين الدفّتين‪ ،‬فإنّه باق على حالت‪##‬ه األولى من‪##‬ذ أن تو ّح‪##‬دت المص‪##‬احف‪ #‬على‬
‫عهد عثمان‪ ،‬لم يتغيّر ولم يلحقه زي‪##‬ادة وال نقص‪##‬ان من‪##‬ذ ذل‪##‬ك الزم‪##‬ان إلى اآلن‪ ،‬ب‪##‬ل‬
‫المراد الكتاب اإللهي الم‪##‬نزل‪ ،‬فق‪##‬د س‪##‬قط من‪##‬ه عن‪##‬د الجم‪##‬ع األوّل م‪##‬ا ذهب ببعض‪##‬ه‪،‬‬
‫وذلك في غير األحكام‪ ،‬وأ ّما الزيادة فاإلجماع‪ #‬ق‪##‬ائم من جمي‪##‬ع ف‪##‬رق المس‪##‬لمين كافّ‪##‬ة‬
‫على أنّه لم يزد في القرآن ول‪##‬و بمق‪##‬دار أقص‪#‬ر‪ #‬من آي‪##‬ة‪ ،‬وال كلم‪##‬ة واح‪##‬دة في جمي‪##‬ع‬
‫القرآن‪ ،‬وكان يقول ـ دفاعا عن نفسه‪ ،‬بعد أن وصلته رسالة الر ّد ـ‪( :‬ال أرض‪##‬ى عن‬
‫ال‪##‬ذي يط‪##‬الع فص‪##‬ل الخط‪##‬اب أن ي‪##‬ترك النظ‪##‬ر في الرس‪##‬الة الجوابي‪##‬ة على كش‪##‬ف‬
‫االرتياب‪ ،‬وكان يوصي‪ #‬ك ّل من كانت عنده نسخة من فصل الخط‪##‬اب أن يض‪ّ #‬م إلي‪##‬ه‬
‫تلك الرسالة‪ ،‬فإنّها بمنزلة المت ّمم لذلك الكتاب والكاشف عن مقصود مؤلّفه)‬
‫قال آخر(‪ :)4‬ومثل ذلك شهد صاحب الذريعة‪ ،‬فقد قال‪ :‬سمعت شيخي النوري‬
‫أن هذا الموجود‪ #‬بين الدفّتين كذلك ب‪##‬اق على‬ ‫يقول‪ :‬إنّي حاولت في هذا الكتاب إثبات ّ‬
‫ما كان عليه في أوّل جمعه كذلك في عصر عثم‪#‬ان‪ ،‬ولم يط‪#‬رأ علي‪#‬ه تغي‪#‬ير وتب‪##‬ديل‬
‫كما وقع في سائر الكتب(‪ ،)5‬فكان حريّا بأن يس ّمى (فصل الخطاب في عدم تحريف‬
‫البرهان للبروجردي‪ 143/‬ـ ‪.144‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.103‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.104‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫وقد رد عليه في دعواه هذه الشيخ محمد مهدي معرفت‪ ،‬فقال‪( :‬قد سمعت الشيخ النوري تراجعه عن رأي‪##‬ه في التحري‪##‬ف‪ ،‬زاعم‪##‬ا أنّ‪##‬ه ح‪##‬اول‬ ‫‪)( 5‬‬
‫‪387‬‬
‫الكت‪##‬اب)؛ فتس‪##‬ميته به‪##‬ذا االس‪##‬م ال‪##‬ذى يحمل‪##‬ه الن‪##‬اس على خالف م‪##‬رادي‪ ،‬خط‪##‬أ في‬
‫التسمية‪ ،‬لكنّي لم أرد م‪##‬ا يحملون‪##‬ه علي‪#‬ه‪ ،‬ب‪##‬ل م‪##‬رادي إس‪##‬قاط بعض ال‪##‬وحي الم‪##‬نزل‬
‫اإللهي‪ ،‬وإن شئت فس ّمه (القول الفاصل في إسقاط بعض الوحي النازل)(‪)1‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومن العلماء الذين كتبوا في الر ّد علي‪##‬ه معاص‪##‬ره العاّل م‪##‬ة الس‪##‬يد‬
‫محمد حسين الشهرستاني (ت ‪ )1315‬في رسالة أسماها (حفظ الكتاب الشريف عن‬
‫ش‪##‬بهة الق‪##‬ول ب‪##‬التحريف)‪ ،‬وق‪##‬د أحس‪##‬ن الكالم في الدالل‪##‬ة على ص‪##‬يانة الق‪##‬رآن عن‬
‫التحريف‪ #‬ور ّد شبهات المخالف ببيان واف شاف(‪.)3‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وهكذا كتب في الر ّد علي‪##‬ه ك‪ّ #‬ل من كتب في عل‪##‬وم الق‪##‬رآن أو في‬
‫التفسير‪ ،‬كالحجّة البالغي (ت ‪ )1352‬في مق ّدمة تفس‪##‬يره (آالء ال‪##‬رحمن)‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫(إن صاحب فصل الخطاب من المح ّدثين المكثرين المج ّدين في التتبّ‪##‬ع‬ ‫تشنيعا عليه‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫للشواذ وإنّه ليع ّد هذا المنقول من (دبستان المذاهب) ضالته المنش‪##‬ودة‪ ،‬م‪##‬ع اعتراف‪##‬ه‬‫ّ‬
‫بأنّه لم يجد لهذا المنقول أثرا في كتب الشيعة)(‪ ..)5‬ث ّم ذكر طرفا من رواي‪##‬ات ت‪##‬ذرّع‬
‫وأن له‪##‬ا محام‪##‬ل غ‪##‬ير‬ ‫بها أهل القول ب‪##‬التحريف‪ ،‬وحكم عليه‪##‬ا بالض‪##‬عف‪ #‬والش‪##‬ذوذ‪ّ ،‬‬
‫ظاهرها المريب‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وق‪##‬د رد علي‪##‬ه الكث‪##‬يرون‪ ،‬وبرس‪##‬ائل وكتب كث‪##‬يرة‪ ،‬منه‪##‬ا (كش‪##‬ف‬
‫االرتياب في عدم تحريف‪ #‬كتاب رب األرباب) للطه‪##‬راني (ت ‪1313‬هـ)‪ ..‬و(حف‪##‬ظ‬
‫الكتاب الش‪##‬ريف على ش‪##‬بهة الق‪##‬ول ب‪##‬التحريف) للس‪##‬يد هب‪##‬ة ال‪##‬دين الشهرس‪##‬تاني‪( #‬ت‬
‫‪1315‬هـ) ‪ ..‬و(الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحري ‪#‬ف‪ #‬الكت‪##‬اب) لعب‪##‬د‬
‫ال‪##‬رحمن الهي‪##‬دجي (‪1372‬هـ) ‪ ..‬و(البره‪##‬ان على ع‪##‬دم تحري ‪#‬ف‪ #‬الق‪##‬رآن) للم‪##‬يرزا‬
‫البروجردي‪1374( #‬هـ ـ ‪1954‬م) ‪ ..‬و(آالء الرحمن في الرد على تحريف الق‪##‬رآن)‬
‫للم‪##‬يرزا عب‪#‬د ال‪##‬رحيم الم‪##‬درس الخياب‪##‬اني (‪1318‬هـ) ‪ ..‬و (بح‪#‬ر الفوائ‪##‬د في ش‪#‬رح‬
‫الفرائد)‪ ،‬للميرزا األشتياني‪( #‬ت ‪1319‬هـ)‪ ..‬وغيرها كثير‪.‬‬
‫تدليس وتزوير‪:‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال بأس‪ ..‬قد أوافقكم في كل ما ذكرتم‪ #..‬لكنا م‪#‬ع ذل‪#‬ك ال نس‪#‬تطيع‬
‫أن نغض الط‪##‬رف على تل‪##‬ك المص‪##‬ادر‪ #‬واألس‪##‬انيد‪ #‬الكث‪##‬يرة ال‪##‬تي ذكره‪##‬ا الن‪##‬وري في‬
‫كتابه الذي صار أشهر من نار على علم‪ ..‬فكيف‪ #‬تجيبون على ذلك؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د المتهمين‪ :‬أنتم تعلم‪##‬ون س‪##‬يدي ب‪##‬أن ال‪##‬دس والت‪##‬دليس وال‪##‬تزوير‪ #‬ق‪##‬د‬

‫في كتابه (فصل الخطاب) إثبات عدم تحريف الكتاب المودع بأيدي المسلمين منذ الجمع األوّ ل فإلى اآلن‪ .‬ي‪#‬ا هّلل والتس‪#‬اهل بش‪#‬أن الكت‪#‬اب العزي‪#‬ز‪،‬‬
‫وليته اعترف بخطئه صريحا واستغفر ربّه وأناب‪ ،‬وترك هذا االلتواء المفضوح‪ .‬إنّه ح ّشد كتابه بأباطيل القول بالتحريف وق‪##‬اس الق‪##‬رآن بالعه‪##‬دين‬
‫فى التالعب به ـ والعياذ باهّلل ـ ث ّم يقول‪ :‬إنّي أردت في هذا الكتاب إثبات عدم تحريف القرآن‪ ،‬وأنّه لم يطرأ علي‪##‬ه تغي‪#‬ير وتب‪#‬ديل كم‪##‬ا وق‪##‬ع في كتب‬
‫العهدين‪ .‬إن هذا إاّل تناقض صريح‪ ،‬والتواء في التعبير‪ ،‬وخداع مكشوف) صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫‪ )(1‬الذريعة‪ 10/220 :‬ـ ‪ :221‬وج ‪ 16/231‬ـ ‪232‬؛ وج ‪.18/9‬‬
‫‪ )(2‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪ )(3‬البرهان للبروجردي‪ 138/‬ـ ‪.142‬‬
‫‪ )(4‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪ )(5‬آالء الرحمان‪.1/25 :‬‬
‫‪388‬‬
‫أص‪##‬اب جمي‪##‬ع ال‪##‬تراث اإلس‪##‬المي‪ ،‬وفي‪ #‬جمي‪##‬ع الم‪##‬دارس اإلس‪##‬المية‪ ..‬ودورن ‪#‬ا‪ #‬ه‪##‬و‬
‫التحذير منه‪ ،‬ورده‪ ،‬ال اتهام أي طائفة من المسلمين بسببه‪ ..‬وإن شئت أن أذك‪##‬ر ل‪##‬ك‬
‫ما دس من الكتب في مدرستكم‪ ،‬ألبين لكم التشابه بيننا وبينكم فعلت‪.‬‬
‫قال المدعي‪ :‬ال‪ ..‬يكفي أن تذكر لي ما دُس في مدرستكم‪ ..‬فأن‪##‬ا أعلم بم‪##‬ا دس‬
‫في مدرستي‪#.‬‬
‫قال المتهم‪ :‬لقد ذكر الح ّجة البالغي ما اعتمده اإلخباريون في القول بتحريف‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فقال‪( :‬قد جهد المح ّدث النوري‪ #‬في جمع روايات التحري‪##‬ف ـ حس‪##‬ب‬
‫زعمه ـ في حجم كبير‪ ،‬بتكثير أعداد المسانيد‪ #‬بض ّم المراس‪##‬يل الم‪##‬أخوذة في األص‪##‬ل‬
‫أن القس‪#‬ط ال‪#‬وافر‪ #‬من‬ ‫من تلك المسانيد‪ ،‬كمراس‪##‬يل العياش‪#‬ي‪ #‬وف‪#‬رات وغيرهم‪##‬ا‪ ،‬م‪#‬ع ّ‬
‫ّ‬
‫أسانيدها‪ #‬ترجع إلى بضعة أنفار متّهمين في ت‪##‬راجم الرج‪##‬ال‪ ،‬فمنهم الك‪##‬ذاب الخ‪##‬بيث‬
‫أو المجف ّو المنب‪#‬وذ‪ #‬ال يس‪#‬تح ّل الرواي‪#‬ة عن‪#‬ه أو ش‪#‬ديد الع‪#‬داء لس‪#‬اللة آل الرس‪#‬ول ‪‬‬
‫أن‬ ‫وأمثال ذلك من تعابير‪ #‬تنبئ عن س‪##‬وء الس‪##‬ريرة أو س‪##‬وء القص‪##‬د‪ ..‬ومن الواض‪##‬ح ّ‬
‫أمثال هؤالء ال تجدي كثرتهم‪ #‬شيئا) (‪)1‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومن األمثلة على تلك المصادر‪ #‬ال‪##‬تي نق‪##‬ل عنه‪##‬ا تل‪##‬ك الرواي‪##‬ات‪،‬‬
‫رسالة مجهولة االنتساب‪ ،‬اعتم‪##‬دها أص‪#‬حاب الق‪##‬ول ب‪##‬التحريف‪ ،‬نس‪##‬بت إلى ك‪ّ #‬ل من‬
‫سعد بن عبد هّللا األشعري (ت ‪ )301‬ومحمد بن إبراهيم النعماني‪( #‬ت ‪ )360‬والسيّد‪#‬‬
‫المرتضى‪( #‬ت ‪ )436‬لكن مع اختالف في العنوان؛ فق‪##‬د نس‪##‬بت إلى األش‪##‬عري باس‪##‬م‬
‫[رسالة الناسخ والمنسوخ]‪ ،‬وإلى النعماني باسم [ما ورد في صنوف‪ #‬آيات القرآن]‪،‬‬
‫وإلى المرتضى‪ #‬باسم‪[ :‬رسالة المحكم والمتش‪#‬ابه]‪ ..‬فرس‪#‬الة ه‪#‬ذا ش‪#‬أنها ـ ال يع‪#‬رف‪#‬‬
‫واضعها‪ #‬وال ناسخها‪ ،‬وال ص‪ّ #‬ح س‪#‬ندها‪ ،‬وال حظيت بتوثي‪#‬ق أح‪#‬د من رج‪#‬االت العلم‬
‫والح‪##‬ديث‪ ،‬وال نصّ على اعتباره‪##‬ا وإس‪##‬نادها أح‪##‬د من أئ ّم‪##‬ة النق‪##‬د والتمحيص ـ ال‬
‫تصلح مستندا الختي‪##‬ار وال مص‪##‬درا يرج‪##‬ع إلي‪##‬ه‪ ،‬نعم تص‪##‬لح مرجع‪##‬ا لمث‪##‬ل الن‪##‬وري‪#‬‬
‫الغريق الذي يتشبّث بك ّل حشيش‪ ،‬وقد‪ #‬شحن حقيبته الجوفاء (رسالة فصل الخطاب)‬
‫تجتث من ف‪##‬وق األرض م‪##‬ا له‪##‬ا من‬ ‫ّ‬ ‫بمثل ه‪##‬ذه الحش‪##‬ائش الهزيل‪##‬ة ال‪##‬تي س‪##‬رعان م‪##‬ا‬
‫قرار‪ ،‬و هكذا سائر الكتب التي استند إليها القوم في مسألة التحري‪##‬ف‪ ،‬لم يكن ش‪##‬أنها‬
‫بأفضل‪ #‬من شأن هذه الرسالة المجهولة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ومن األمثلة عنها كتاب السقيفة المنسوب لس‪##‬ليم بن قيس الهاللي‬
‫(ت ‪ ،)90‬فقد تم استغالل لكونه من خواصّ أصحاب اإلم‪##‬ام علي‪ ..‬وق‪##‬د ش‪ّ #‬كك فيه‪##‬ا‬
‫ج ّل أهل التحقيق‪ ،‬فقد قال الش‪##‬يخ المفي‪##‬د‪( :‬ه‪##‬ذا الكت‪##‬اب غ‪##‬ير موث‪##‬وق ب‪##‬ه وال يج‪##‬وز‪#‬‬
‫العمل على أكثره‪ ،‬وقد‪ #‬حصل فيه تخليط وتدليس‪ ،‬فينبغي‪ #‬للمت‪##‬ديّن أن يتجنّب العم‪##‬ل‬
‫بك ّل ما فيه وال يعوّل على جملته والتقليد لروايته‪ ،‬وذلك أنّه ل ّما طلبه الحجّاج ليه‪##‬در‬
‫‪ )(1‬آالء الرحمان‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ )(2‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫‪ )(3‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪389‬‬
‫دمه هرب وآوى‪ #‬إلى أبان بن أبي عياش (فيروز) فل ّما حض‪##‬رته الوف‪##‬اة س‪##‬لّم الكت‪##‬اب‬
‫إلى أبان مكافأة لجزيل فضله‪ ..‬فلم يرو عن سليم كتابه هذا سوى أبان وعن طريق‪##‬ه‪،‬‬
‫و أبان ه‪#‬ذا ك‪#‬ان تابعي‪#‬ا ص‪#‬حب اإلم‪#‬امين الب‪#‬اقر والص‪#‬ادق‪ #،‬وق‪#‬د ض‪#‬عّفه الش‪#‬يخ في‬
‫رجاله)‪ ،‬وقال ابن الغضائري‪( :‬ضعيف ال يلتفت إليه‪ ،‬وقد اتّهم األصحاب أبانا بأنّه‬
‫دسّ في كت‪##‬اب س‪##‬ليم‪ ،‬ومن ث ّم ه‪##‬ذا التخلي‪##‬ط‪ ،‬ح‪##‬تى أنّهم نس‪##‬بوا الكت‪##‬اب إلي‪##‬ه رأس‪##‬ا‪..‬‬
‫وينسب أصحابنا‪ #‬وضع كتاب سليم بن قيس الهاللي إليه)‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وللشيخ إلى كتاب سليم طريق‪##‬ان‪ ،‬أح‪##‬دهما‪ :‬عن طري‪##‬ق ح ّم‪##‬اد بن‬
‫عيسى وعثمان بن عيسى عن أب‪##‬ان عن س‪##‬ليم‪ ،‬واآلخ‪##‬ر‪ :‬عن حم‪##‬اد عن إب‪##‬راهيم بن‬
‫عمر اليماني عن أب‪##‬ان عن س‪##‬ليم‪ ،‬على م‪##‬ا ذك‪##‬ره الطه‪##‬راني‪ #‬في الذريع‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫العالمة الخوئي في بيان ضعف هذا اإلسناد‪( :‬وكيفما كان فطريق‪ #‬الش‪##‬يخ إلى كت‪##‬اب‬
‫س‪##‬ليم بكال س‪##‬نديه ض‪##‬عيف‪ #..‬والص‪##‬حيح أنّ‪##‬ه ال طري‪##‬ق لن‪##‬ا إلى كت‪##‬اب س‪##‬ليم بن قيس‬
‫‪#‬إن في الطري‪#‬ق‪( #‬محم‪##‬د بن علي‬ ‫الهاللي المروي بطريق‪ #‬حم‪##‬اد بن عيس‪##‬ى‪ ،‬وذل‪##‬ك ف‪ّ #‬‬
‫الصيرفي أبا سمينة) وهو ضعيف‪ّ #‬‬
‫كذاب) (‪)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬ق‪##‬د اش‪##‬تهر ه‪##‬ذا الكت‪##‬اب ب‪##‬اختالف النس‪##‬خ‪ ،‬ولع‪ّ #‬ل ط‪##‬ول الزم‪##‬ان‬
‫وتداول‪ #‬أيدي الكتّاب جعله عرضة للدسّ فيه مع مختلف اآلراء واألنظار‪ ،‬ش‪##‬أن ك‪ّ #‬ل‬
‫كتاب لم يوفّق‪ #‬المصنّف لنشره بنفسه بل على أي‪##‬دي اآلخ‪##‬رين بع‪##‬د وفات‪##‬ه‪ ،‬وق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫المحقّق الطهراني عنه‪( :‬رأيت منه نسخا متفاوتة من ثالث جهات‪ :‬أوالها‪ :‬التف‪##‬اوت‬
‫في السند في مفتتح النسخ‪ ،‬ثانيتها‪ :‬التفاوت في كيفيّة الترتيب ونظم‪ #‬أحاديثه‪ ،‬ثالثتها‪:‬‬
‫التفاوت في كمية األحاديث‪ ،‬وجهة رابعة ذكرها بعض المحقّقين في مق ّدمة الكت‪##‬اب‪،‬‬
‫قال‪ :‬وهناك أحاديث كثيرة أوردها العاّل مة المجلسي في أجزاء البحار المتع ّددة وكذا‬
‫غ‪##‬يره من األعالم في كتبهم (ك‪##‬الكليني‪ ،‬والص‪##‬دوق‪ ،‬والحلّي في مختص‪##‬ر بص‪##‬ائر‬
‫الدرجات‪ ،‬وابن عبد الوهّاب في عيون المعجزات‪ ،‬والصفّار في البصائر وغيرهم)‬
‫مرويّة عن سليم‪ ،‬ال توجد فيما بأيدينا من نسخ الكت‪##‬اب‪ ،‬وكث‪##‬يرة منه‪##‬ا مرفوع‪##‬ة إلي‪##‬ه‬
‫من غير طريق‪ #‬أبان‪ ،‬األمر الذي يؤ ّكد مسألة تصرّف أبان في كتاب سليم‪ ،‬وأخ‪##‬يرا‪،‬‬
‫‪#‬إن الكت‪##‬اب وض‪##‬ع على أس‪##‬لوب التقطي‪##‬ع‪ ،‬فيتك ‪#‬رّر في أثنائ‪##‬ه‪( :‬وعن أب‪##‬ان بن أبي‬ ‫ف‪ّ #‬‬
‫عياش عن سليم بن قيس الهاللي‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‪ ،)..‬وعليه فاحتمال ك‪##‬ون الكت‪##‬اب من‬
‫صنع أبان وأنّه هو الذي وضعه على هذا األس‪##‬لوب ف‪##‬زاد في‪##‬ه ونقص ورتّب حس‪##‬ب‬
‫تصرّفه الخاص‪ ،‬احتمال قويّ‪ ،‬فاستناد الكت‪##‬اب في وض‪##‬عه الحاض‪##‬ر إلى أب‪##‬ان أولى‬
‫من استناده إلى س‪##‬ليم‪ ،‬وإن ك‪##‬ان ه‪##‬و األص‪##‬ل‪ ،‬فم‪##‬ا يوج‪##‬د في‪##‬ه من من‪##‬اكير أو خالف‬
‫معروف‪ #‬لم يثبت كونه من سليم‪ ،‬فقد ص ّح ما قال‪##‬ه ق‪##‬دوة أه‪##‬ل التحقي‪##‬ق الش‪##‬يخ المفي‪##‬د‬
‫بشأن الكتاب‪ :‬هذا الكتاب غير موثوق به‪ ..‬وال يجوز العمل على أكثره‪ ..‬فيه تخلي‪##‬ط‬
‫‪ )(1‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪ )(2‬تصحيح االعتقاد‪ ،‬ص‪ 149‬ـ ‪.150‬‬
‫‪ )(3‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪390‬‬
‫وت‪##‬دليس‪ ..‬فينغ‪##‬بي‪ #‬للمت‪##‬ديّن أن يجتنب العم‪##‬ل بك‪ّ #‬ل م‪##‬ا في‪##‬ه‪ ..‬و ال يع‪#‬وّل على جملت‪##‬ه‬
‫والتقليد لروايته) (‪)1‬‬
‫الس‪##‬ياري‪( #‬ت‬‫قال آخر(‪ :)2‬ومن األمثلة عنها كتاب القراءات ألحمد بن محمد ّ‬
‫‪ ،)268‬وقد قال محدثونا‪ #‬عنه‪ :‬ضعيف الحديث‪ ،‬فاسد‪ #‬المذهب‪ ،‬مجف ّو الرواية‪ ،‬كث‪##‬ير‬
‫المراسيل‪ ..‬وقال ابن الغضائري‪ #:‬ضعيف متهالك‪ ،‬غ‪##‬ال مح ‪#‬رّف‪ ،‬وحكى محم‪##‬د بن‬
‫علي بن محبوب في كتاب النوادر المصنّفة‪ :‬إنّه قال بالتناسخ(‪ ،)3‬وكتابه هذا يع‪##‬رف‬
‫بكت‪##‬اب (التنزي‪##‬ل والتحري‪##‬ف) على م‪##‬ا عبّ‪##‬ر ب‪##‬ه الش‪##‬يخ حس‪##‬ن بن س‪##‬ليمان الحلّي في‬
‫مختصر‪ #‬البصائر‪ ،‬وهذا العنوان أق‪##‬رب إلى محت‪##‬وى الكت‪##‬اب من عن‪##‬وان الق‪##‬راءات‪،‬‬
‫وكانت عند المح ّدث النوري منه نسخة‪ ،‬ونقل عنها في مستدرك الوسائل(‪.)4‬‬
‫ق‪###‬ال آخ‪###‬ر (‪ :)5‬ومن األمثل‪###‬ة عنه‪###‬ا تفس‪###‬ير أبي الج‪###‬ارود‪ #‬زي‪###‬اد بن المن‪###‬ذر‬
‫السرحوب‪( #‬ت ‪ ،)150‬قال الكشي‪ :‬وكان مكفوف ‪#‬ا‪ #‬أعمى القلب‪ ،‬وق ‪#‬د‪ #‬ورد لعن‪##‬ه عن‬
‫لسان اإلمام الصادق‪ ،‬قال‪ :‬لعنه هّللا فإنّه أعمى القلب أعمى البصر‪ ،‬وقال في‪#‬ه مح ّم‪#‬د‬
‫بن سنان‪ :‬أبو الجارود‪ ،‬لم يمت حتى شرب المسكر وتولّى الكافرين(‪ ..)6‬أما تفس‪#‬يره‬
‫هذا فالذي يرويه عن‪##‬ه ه‪##‬و أب‪##‬و س‪##‬هل كث‪##‬ير بن عي‪##‬اش القط‪##‬ان‪ ،‬وإلي‪##‬ه ينتهي طري‪##‬ق‬
‫الشيخ والنجاشي إلى تفسيره‪ ،‬قال الشيخ‪ :‬وكان ضعيفا‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر (‪ :)7‬ومن األمثل‪##‬ة عنه‪##‬ا تفس‪##‬ير علي بن إب‪##‬راهيم القمي (ت ‪،)329‬‬
‫والذي سبق لنا الحديث عنه‪ ،‬وذكرنا‪ #‬أنه منسوب إليه من غير أن يكون من ص‪##‬نعه‪،‬‬
‫وإنّم‪##‬ا ه‪##‬و تلفي‪##‬ق من إمالءات‪##‬ه على تلمي‪##‬ذه أبي الفض‪##‬ل العب‪##‬اس بن محم‪##‬د العل‪##‬وي‪،‬‬
‫وقسط وافر من تفسير أبي الجارود‪ ،‬ض‪ّ #‬مه إليه‪##‬ا أب‪##‬و الفض‪##‬ل وأكمل‪##‬ه برواي‪##‬ات من‬
‫عنده‪ ،‬كما وضع له مق ّدمة وأورد‪ #‬فيها مختصرا من روايات منسوبة إلى اإلمام علي‬
‫فص‪##‬لها وش‪##‬رحها‪ #‬ص‪##‬احب التفس‪##‬ير المنس‪##‬وب إلى‬ ‫في ص‪##‬نوف‪ #‬آي الق‪##‬رآن‪ ،‬وق‪##‬د‪ّ #‬‬
‫النعماني‪ ..‬فقد أخذ أبو الفضل العلوي عن ش‪##‬يخه القمي م‪##‬ا رواه بإس‪##‬ناده إلى اإلم‪##‬ام‬
‫الصادق‪ #‬من تفسير القرآن‪ ،‬وض ّم إلي‪##‬ه من تفس‪##‬ير أبي الج‪##‬ارود‪ #‬م‪##‬ا رواه عن اإلم‪##‬ام‬
‫الباقر‪ #‬وأكمله بما رواه هو عن سائر‪ #‬مشايخه تتميما للفائدة‪ ،‬فجاء هذا التفسير مزيجا‬
‫من روايات القمي وروايات أبي الجارود‪ #‬ورواي‪##‬ات غيرهم‪#‬ا م ّم‪##‬ا رواه أب‪##‬و الفض‪##‬ل‬
‫نفسه‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال آخر (‪ :)8‬وهذا التفسير بهذا الشكل‪ ،‬هو صنيع أبي الفضل العلوي‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬

‫الذريعة‪ 2/152 :‬ـ ‪159‬؛ ومقدمة كتاب سليم‪ 19/‬ـ ‪.39‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.196‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫معجم رجال الحديث‪ 2/282 :‬ـ ‪.284‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الذريعة‪.17/52 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.197‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫فهرست ابن النديم‪.267/‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.197‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.197‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪391‬‬
‫نسبه إلى شيخه القمي ألنّه األصل واألكثر حظّا من روايات هذا التفس‪##‬ير‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ق‪##‬ال‬
‫المحقّق الطهراني‪ :‬وهذا التصرّف وقع منه من أوائل سورة آل عم‪##‬ران ح‪#‬تى نهاي‪#‬ة‬
‫القرآن(‪ ،)1‬ويبتدئ‪ #‬التفسير بقوله‪( :‬ح ّدثني أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن‬
‫حمزة بن موسى‪ #‬بن جعفر قال ح ّدثنا أبو الحس‪##‬ن علي بن إب‪##‬راهيم‪ ،)..‬فمن ذا يك‪##‬ون‬
‫القائل في قوله‪( :‬ح ّدثني‪)..‬؟‪ ..‬ومن هو أبو الفضل العباس العلوي‪ ،‬الذي يح‪ّ ##‬دث عن‬
‫ش‪##‬يخه القمي؟‪ ..‬فهن‪##‬ا مجه‪##‬والن‪ ،‬األوّل‪ :‬ال‪##‬ذي يح ‪ّ #‬دث عن أبي الفض‪##‬ل العل‪##‬وي‪ ،‬ال‬
‫يعرف شخصه‪ ،‬ال اسمه وال وصفه‪ ..‬والثاني‪ :‬نفس أبي الفضل‪ ،‬وهذا غير معروف‪#‬‬
‫عند أصحاب الحديث‪ ،‬وال ذكره أحد من أصحاب التراجم‪ ،‬ال بم‪##‬دح وال بق‪##‬دح‪ ،‬نعم‬
‫إنّما يعرف بأنّه من أعقاب حمزة بن اإلم‪##‬ام الك‪##‬اظم‪ ،‬ال ش‪#‬يء س‪#‬واه‪ ،‬فال‪##‬ذي يع‪#‬رف‪#‬‬
‫عنه أنّه من العلويين‪ ،‬وربّما‪ #‬ك‪##‬ان من تالم‪##‬ذة عل ّي بن إب‪##‬راهيم القمي ه‪##‬ذا ال غ‪##‬ير‪،‬‬
‫أن األوّل مجهول شخصا‪ #‬ونسبا‪ ،‬فهذا يع ّد من المهملين في علم الرجال‪ ،‬وعليه‬ ‫فكما ّ‬
‫فاإلسناد إلى هذا التفسير مقطوع أو مجهول اصطالحا‪ ،‬ومثل هذا تأليف س‪##‬اقط عن‬
‫درجة االعتبار عند أرباب الحديث‪.‬‬
‫قال آخر (‪ :)2‬ومن األمثلة عنه‪##‬ا كت‪##‬اب االس‪##‬تغاثة لعل ّي بن أحم‪##‬د الك‪##‬وفي‪( #‬ت‬
‫‪ ،)352‬فقد ق‪##‬ال النجاش‪##‬ي عن‪##‬ه‪( :‬ك‪##‬ان يق‪##‬ول إنّ‪##‬ه من آل أبي ط‪##‬الب‪ ،‬وغال في آخ‪##‬ر‬
‫عمره وفسد‪ #‬مذهبه‪ ،‬وص‪#‬نّف‪ #‬كتب‪##‬ا كث‪##‬يرة أكثره‪##‬ا على الفس‪##‬اد‪ ،‬منه‪##‬ا ه‪##‬ذا الكت‪##‬اب)‪،‬‬
‫وقال‪( :‬كان إماميا مستقيما‪ ،‬وصنّف‪ #‬كتبا سديدة منها كت‪#‬اب األوص‪#‬ياء وكت‪#‬اب الفق‪#‬ه‬
‫على ترتيب كتاب المزني‪ ،‬ثم خلط وأظهر‪ #‬مذهب الخمسة(‪ ،)3‬وصنّف‪ #‬كتبا في الغل ّو‬
‫والتخليط‪ #‬وله مقالة تنسب إليه)‪ ،‬وقال ابن الغض‪#‬ائري‪( #:‬ك‪#ّ #‬ذاب غ‪#‬ال ص‪##‬احب بدع‪#‬ة‬
‫ومقالة‪ ،‬رأيت له كتبا كثيرة‪ ،‬ال يلتفت إليه)‪،‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)4‬ومن األمثل‪##‬ة عنه‪##‬ا كت‪##‬اب االحتج‪##‬اج للطبرس‪##‬ي‪ ،‬وه‪##‬و كت‪##‬اب‬
‫مجهول‪ ،‬وقد ذكر الس‪#‬يّد مح ّم‪#‬د بح‪#‬ر العل‪#‬وم في مق ّدم‪#‬ة الكت‪#‬اب س‪#‬تّة من المع‪#‬اريف‬
‫يحتم‪##‬ل انتس‪##‬اب الكت‪##‬اب إليهم‪ ،‬أولهم أب‪##‬و منص‪##‬ور‪ ،‬أحم‪##‬د بن علي بن أبي ط‪##‬الب‬
‫الطبرسي‪( #‬ت ‪ )620‬والمعروف انتساب الكتاب إليه‪ ،‬نسبه إليه الس ‪#‬يّد ابن ط‪##‬اووس‬
‫في كت‪###‬اب (كش‪###‬ف المحجّ‪###‬ة)‪ ..‬ومنهم أب‪###‬و عل ّي‪ ،‬الفض‪###‬ل بن الحس‪###‬ن بن الفض‪###‬ل‬
‫الطبرس ‪#‬ي‪( #‬ت ‪ )548‬ص‪##‬احب تفس‪##‬ير (مجم‪##‬ع البي‪##‬ان)‪ ،‬نس‪##‬به إلي‪##‬ه ص‪##‬احب كت‪##‬اب‬
‫(الغوالي) والمح ّدث االسترابادي‪ ،‬وابن أبي جمهور‪ #‬االحسائي‪ #‬في كتاب (المجلّى)‪..‬‬
‫ومنهم‪ #‬أبو نصر‪ ،‬الحسن بن الفضل بن الحسن صاحب كتاب (مكارم األخالق) نجل‬
‫الطبرسي‪ #‬أمين اإلس‪#‬الم ص‪##‬احب التفس‪##‬ير‪ ..‬ومنهم أب‪##‬و الفض‪##‬ل‪ ،‬عل ّي بن الحس‪##‬ن بن‬
‫الفضل‪ ،‬حفيد صاحب التفسير‪ ،‬له كتاب (نثر اللئالي) وكتاب (مشكاة األن‪##‬وار) كتب‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬الذريعة‪ 4/302 :‬ـ ‪.303‬‬
‫‪ )(2‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫‪ )(3‬معنى التخميس عند الغالة أنّ سلمان الفارسي والمقداد وع ّمارا وأب‪#‬ا ذر وعم‪#‬رو بن أميّ‪#‬ة الض‪#‬مري هم المو ّكل‪#‬ون بمص‪#‬الح الع‪#‬الم‪ ،‬ص‪#‬يانة‬
‫القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫‪ )(4‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪392‬‬
‫تتميم‪###‬ا لكت‪###‬اب وال‪###‬ده (مك‪###‬ارم األخالق) ‪ ..‬ومنهم أب‪###‬و عل ّي‪ ،‬محم‪###‬د بن الفض‪###‬ل‬
‫الطبرسي‪ #،‬من تالمذة الشيخ الطوسي ‪ ..‬ومنهم‪ #‬أبو علي‪ ،‬الحس‪##‬ن بن عل ّي بن مح ّم‪##‬د‬
‫الطبرسي‪ #،‬المعاصر للخواجا نصير الدين الطوسي‪#.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬والكتاب ال يعدو كونه مراس‪##‬يل ال إس‪##‬ناد له‪##‬ا‪ ،‬وأكثره‪#‬ا‪ #‬تلفيق‪##‬ات‬
‫من روايات نقلية واحتجاجات عقلية ك‪#‬انت الع‪#‬برة ب‪#‬ذاتها ال باألس‪#‬انيد‪ ،‬ومن ث ّم ّ‬
‫ف‪#‬إن‬
‫العلماء يرفضون األخ‪##‬ذ به‪##‬ا كرواي‪##‬ات‪ #‬متعبّ‪##‬د به‪##‬ا‪ ،‬وإنّم‪##‬ا ه‪##‬و كالم عقالني وإاّل فال‬
‫اعتبار بكونه منقوال‪ ،‬األمر الذي يحطّ من شأن الكتاب باعتبار كونه س‪##‬ندا لح‪##‬وادث‬
‫تاريخية سالفة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ولعلّه ألجل ذلك أخفى المؤلّف اسمه في صدر الكتاب‪ ،‬وقد‪ #‬عللّ‬
‫تأليف‪##‬ه ل‪##‬ه ب‪##‬ترغيب أبن‪##‬اء الطائف‪##‬ة في س‪##‬لوك طري‪#‬ق‪ #‬الحج‪##‬اج والمجادل‪##‬ة ب‪##‬التي هي‬
‫أحسن‪ ،‬فأتى فيه بأنواع‪ #‬الجدل في مختلف شؤون الدين‪ ،‬ناسبا لها إلى عظماء األ ّم‪##‬ة‬
‫كاّل أو بعضا ترويجا‪ #‬لهذه الطريقة الحسنة‪ ،‬وقد قال‪( :‬وال نأتي في أك‪##‬ثر م‪##‬ا ن‪##‬ورده‬
‫من األخبار بإسناده‪ ،‬إ ّما لوجود اإلجماع علي‪#‬ه أو موافقت‪#‬ه لم‪#‬ا دلّت العق‪#‬ول إلي‪#‬ه‪ ،‬أو‬
‫الش‪##‬تهاره في الس‪##‬ير والكتب)‪ ،‬ول‪##‬ذلك فه‪##‬و أش‪##‬به بكت‪##‬اب كالمي من كون‪##‬ه مص‪##‬درا‪#‬‬
‫حديثيا أو تاريخيا‪ ،‬والعمدة هي االستدالل بطريقة العقل ال مجرّد النقل‪.‬‬
‫أن‬ ‫قال آخر(‪ :)3‬ومن األمثلة عنها تفاس‪##‬ير جليل‪##‬ة ص‪#‬نّفها علم‪##‬اء أجاّل ء‪ ،‬غ‪##‬ير ّ‬
‫النسخ األصل ضاعت‪ ،‬وبقيت منها مختصرات محذوفة اإلسناد‪ ،‬وربّم‪#‬ا‪ #‬تم اخ‪##‬تزال‬
‫أو تحوير في األحاديث وفي ترتيبها‪ ،‬بما زالت الثقة بأصالة أكثرها‪ ..‬ومنه‪##‬ا تفس‪##‬ير‬
‫أبي النضر مح ّمد بن مسعود‪ ،‬ابن عياش الس‪##‬لمي الس‪##‬مرقندي (ت ‪ )320‬المع‪##‬روف‪#‬‬
‫بتفس‪##‬ير العياش‪##‬ي‪ ،‬فق‪##‬د ح‪##‬ذف من‪##‬ه بعض الناس‪##‬خين أس‪##‬انيد الرواي‪##‬ات لغ‪##‬رض‬
‫االختصار‪ #،‬وقد قال العاّل مة المجلسي عنه‪( :‬ذكر الحاذف لذلك ع‪#‬ذرا ه‪#‬و أش‪#‬نع من‬
‫جريمت‪##‬ه)‪ ،‬وق‪##‬ال‪( :‬نظ‪##‬رت في التفس‪##‬ير بإس‪##‬ناده ورغبت إلى ه‪##‬ذا وطلبت من عن‪##‬ده‬
‫سماع من المصنّف أو غيره فلم أجد في ديارن‪#‬ا‪ #‬من ك‪##‬ان عن‪##‬ده س‪##‬ماع أو إج‪##‬ازة من‬
‫المصنّف‪ ،‬ولذلك حذفت من‪#‬ه اإلس‪##‬ناد وكتبت الب‪#‬اقي على وجه‪##‬ه ليك‪##‬ون أس‪#‬هل على‬
‫الكاتب والناظر فيه‪ ،‬فإن وجدت بع‪##‬د ذل‪##‬ك من عن‪##‬ده س‪##‬ماع أو إج‪##‬ازة من المص‪#‬نّف‬
‫اتّبعت األس‪##‬انيد وكتبته‪##‬ا على م‪##‬ا ذك‪##‬ره المص‪#‬نّف‪ ،‬وم‪##‬ع ذل‪##‬ك فإنّ‪##‬ه لم يب‪##‬ق من ه‪##‬ذا‬
‫التفسير الموتور‪ #‬سوى نصفه إلى آخر سورة الكهف) (‪)4‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬ومن األمثل‪##‬ة عنه‪##‬ا تفس‪##‬ير ف‪##‬رات بن إب‪##‬راهيم بن ف‪##‬رات الك‪##‬وفي‪#‬‬
‫(توفي حدود‪ )300 #‬المقصور على الروايات المأثورة عن األئ ّمة‪ ،‬وقد أكثر الرواية‬
‫عن الحس‪##‬ين بن س‪##‬عيد الك‪##‬وفي األه‪##‬وازي نزي‪##‬ل قم والمت‪##‬وفّى‪ #‬به‪##‬ا‪ ،‬ال‪##‬ذي ك‪##‬ان من‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.200‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.200‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الذريعة‪.4/295 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪393‬‬
‫أصحاب األئ ّمة‪ :‬الرضا والجواد والهادي‪ ،‬وكذلك‪ #‬يروي كثيرا عن جعفر بن مح ّم‪##‬د‬
‫الفزاري وعبيد بن كثير العامري وعن سائر‪ #‬مشايخه البالغين إلى نيف ومائة ش‪##‬يخ‪،‬‬
‫كلّهم من رواة أحاديثن‪###‬ا‪ ،‬غ‪###‬ير أنّ‪###‬ه ليس ألك‪###‬ثرهم ذك‪###‬ر وال ترجم‪###‬ة في أص‪###‬ولنا‬
‫أن فرات أيضا لم يذكر بمدح وال قدح‪ ،‬قال المحقّق الطهراني‪( :‬ولكن‬ ‫الرجالية‪ ،‬كما ّ‬
‫من األسف أنّه عمد بعض إلى إسقاط أكثر تل‪##‬ك األس‪##‬انيد واكتفى مثال بقول‪##‬ه‪ :‬ف‪##‬رات‬
‫عن حس‪##‬ين بن س‪##‬عيد معنعن‪##‬ا عن فالن‪ ،‬وهك‪##‬ذا في غ‪##‬الب األس‪##‬انيد‪ ،‬فأش‪##‬ار‪ #‬بقول‪##‬ه‪:‬‬
‫أن الرواية كانت مسندة معنعنة وإنّما تركها لالختصار) (‪)1‬‬ ‫(معنعنا) إلى ّ‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومن األمثلة عنها تفس‪##‬ير مح ّم‪##‬د بن العب‪##‬اس الماهي‪##‬ار المع‪##‬روف‬
‫بابن الحجام (ت‪##‬وفي‪ #‬ح‪##‬دود ‪ ،)330‬وه‪##‬و ثق‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال النجاش‪##‬ي عن‪##‬ه‪ :‬ق‪##‬ال جماع‪##‬ة من‬
‫أصحابنا‪( #:‬إنّه كتاب لم يصنّف‪ #‬في معناه مثله‪ ،‬وقيل أنّ‪##‬ه أل‪##‬ف ورق‪##‬ة) (‪ ،)3‬وطري‪##‬ق‬
‫الشيخ إلي‪##‬ه ص‪##‬حيح‪ ،‬ولكن ه‪##‬ذا التفس‪##‬ير لم يوج‪##‬د ولم ي‪##‬ره أح‪##‬د من أرب‪##‬اب التحقي‪##‬ق‬
‫المتأ ّخرين‪ ،‬وظاهر عبارة النجاشي أنّه لم يش‪#‬اهده‪ ،‬وإنّم‪#‬ا نق‪#‬ل عن غ‪#‬يره في مق‪#‬دار‬
‫حجمه‪ ..‬وقد‪ #‬قال الطهراني‪ #‬عنه‪ :‬وينق‪##‬ل عن‪##‬ه الس‪#‬يّد ش‪##‬رف ال‪##‬دين في كتاب‪##‬ه (تأوي‪##‬ل‬
‫اآليات الظاهرة) وهو تلميذ المحقّق الكركي المتوفى‪ #‬سنة ‪ 940‬فيظهر بق‪##‬اء الكت‪##‬اب‬
‫إلى هذا الزمان‪ ،‬وهّللا العالم بما بعده‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫بعد أن انتهى المتهمون من الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬التفت المدعي للقاضي‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ليس لدي ما أضيفه‪ ..‬وأصدقك القول أني ـ مع كوني كنت أكثر الن‪##‬اس حرص‪#‬ا‪ #‬على‬
‫إقامة أشد العقوبات على ه‪##‬ؤالء الفتي‪##‬ة ـ إال أني بع‪##‬د س‪##‬ماعي لحججهم أتن‪##‬ازل عن‬
‫ذلك‪ ،‬وأستغفر‪ #‬هللا من موقفي‪ #‬المتش‪##‬دد ال‪##‬ذي لم يكن ولي‪##‬د البحث والعلم‪ ،‬وإنم‪##‬ا ك‪##‬ان‬
‫وليد التعصب والطائفية المقيتة‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬ش‪##‬كرا ج‪##‬زيال س‪##‬يادة الم‪##‬دعي على م‪##‬ا ذكرت‪##‬ه‪ ..‬وأن‪##‬ا أش‪##‬اطرك‪#‬‬
‫القول فيه؛ فقد خرجت من بي‪##‬تي ه‪##‬ذا الي‪##‬وم‪ ،‬وأن‪##‬ا أحم‪##‬ل معي حكم اإلع‪##‬دام له‪##‬ؤالء‬
‫الفتية‪ ،‬ألني كنت ال أعرفهم‪ #‬إال من خالل تلك الكتب والمنشورات التحريضية ال‪##‬تي‬
‫تسيء إليهم‪ ..‬والحمد هلل لقد أتاح هللا لن‪##‬ا أن نس‪##‬تمع إليهم‪ ،‬ونع‪##‬رف حقيق‪#‬ة األم‪##‬ر من‬
‫أفواههم‪#.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬نشكركم‪ #‬س‪##‬يادة القاض‪##‬ي على ه‪##‬ذا الموق‪#‬ف‪ #‬الطيب‪ ،‬ويعلم‬
‫هللا أننا ـ مع األذى الذي كنا نتحمل‪#‬ه في الس‪#‬جن ـ لم نكن نق‪#‬وم س‪#‬وى بم‪#‬ا أمرن‪#‬ا ب‪#‬ه‬
‫أئمتنا من الدعوة إلى توحد صف األمة‪ ،‬وعودتها إلى رشدها‪.‬‬
‫ق‪##‬ال الم‪##‬دعي‪ :‬ص‪##‬دقت في ذل‪##‬ك‪ ..‬لق‪##‬د أخ‪##‬برني الس‪##‬جناء عنكم‪ ،‬وعن دينكم‬
‫وورعكم‪ #‬وأدعيتكم الجميلة التي كنتم تترنمون بها كل حين‪ ..‬لكني كنت أحذرهم من‬
‫‪ )(1‬الذريعة‪.298/‬‬
‫‪ )(2‬صيانة القرآن من التحريف‪ ،‬ص‪.203‬‬
‫‪ )(3‬معجم رجال الحديث‪.16/198 :‬‬
‫‪394‬‬
‫االستماع لكم‪ ،‬لما كنت أحمله عنكم من األحكام الجائرة الخاطئة‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬ونحن نعتذر‪ #‬لكم بشدة‪ ،‬ونعدكم‪ #‬أن نع‪##‬وض ك‪##‬ل م‪##‬ا أص‪##‬ابكم‪ #‬من‬
‫أذى بسببنا‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬ال نحتاج أي تع‪##‬ويض‪ ،‬يكفين‪##‬ا فق‪##‬ط أن نهتم جميع‪##‬ا بإع‪##‬ادة‬
‫الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم إلى وض‪##‬عه الحقيقي الط‪##‬بيعي‪ #..‬فنحتكم إلي‪##‬ه في ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬وحينه‪##‬ا‬
‫ستندثر‪ #‬الطوائف‪ ،‬ولن يبقى إال اإلسالم الواحد‪.‬‬
‫قال القاضي‪ :‬أجل‪ ..‬أنا أعلم أنه ال يمكن تعويضكم‪ ..‬لكني أع‪##‬دكم ب‪##‬أن أس‪##‬عى‬
‫ل‪##‬دى ك‪##‬ل المس‪##‬ؤولين لتش‪##‬كيل لجن‪##‬ة تهتم بتنقيح ال‪##‬تراث التفس‪##‬يري‪ ،‬لتطه‪##‬ر الق‪##‬رآن‬
‫الكريم من كل ما يسيء إليه‪ ..‬فنحن نعلم أن في تراثنا من الخرافات واألباطيل‪ #‬ما ال‬
‫يقل عما في تراثكم‪ ..‬وستكونون أنتم أول أعضاء هذه اللجنة؛ فقد أثبتم فهمكم للقرآن‬
‫الكريم ووعيكم‪ #‬لمقاصده‪.‬‬
‫التفت القاضي إلى الحاضرين‪ ،‬وقال‪ :‬من ك‪##‬ان لدي‪##‬ه اع‪##‬تراض منكم على م‪##‬ا‬
‫ورد في الجلسة؛ فيمكنه الحديث‪.‬‬
‫قام أحد الحاضرين‪ ،‬وق‪#‬ال‪ :‬ش‪##‬كرا ج‪#‬زيال لكم على ه‪#‬ذه الجلس‪#‬ة ال‪##‬تي لم نكن‬
‫نحلم بأن نجلس فيها‪ ..‬وشكرا‪ #‬لمعلم القصد واالعتدال ال‪#‬ذي اس‪#‬تطاع بن‪#‬وره وإيمان‪#‬ه‬
‫أن يزيح عن هؤالء الفتية التهم التي اتهموا بها زورا وبهتانا‪ #..‬وأنا ـ باعتباري ـ من‬
‫الذين كانوا يحرضون عليهم‪ ،‬أعتذر بشدة لهم‪ ،‬وأطلب منهم أن ي‪##‬برئوا ذم‪##‬تي‪ ،‬وأن‬
‫يقبلوني أخا لهم‪.‬‬
‫قال أحد المتهمين‪ :‬أنت أخ لنا‪ ،‬ولو لم تطلب ذلك‪ ..‬فاهلل تعالى أخبر عن أخوة‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقال‪﴿ :‬إِنَّ َما ْال ُم ْؤ ِمنُونَ إِ ْخ َوةٌ﴾ [الحجرات‪ ..]10 :‬ولذلك ال حاجة ل‪##‬ك لالعت‪##‬ذار؛‬
‫فنحن نعلم ما قام به شياطين اإلنس والجن للتفريق بيننا‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬لقد ذكرتم‪ #‬أثن‪##‬اء ردكم للتهم الموجه‪##‬ة إليكم تفاس‪##‬ير جميل‪##‬ة‬
‫للقرآن الكريم‪ ،‬ونحن نود أن تعرفونا‪ #‬بها‪ ،‬وت‪#‬دلونا عليه‪#‬ا؛ فنحن نرج‪#‬ع في تفس‪#‬يرنا‪#‬‬
‫للقرآن الكريم لما كتبه سلفنا‪ ،‬وهم ال يتناولون القضايا بمث‪##‬ل م‪##‬ا ذكرتم‪##‬وه من الدق‪##‬ة‬
‫والجمال واالستيعاب‪#.‬‬
‫قال القاض‪##‬ي‪ :‬أج‪##‬ل‪ ..‬س‪##‬نعمل على ذل‪##‬ك‪ ..‬ونخ‪##‬رج تفاس‪##‬ير موح‪##‬دة تع‪##‬بر عن‬
‫القرآن الكريم بعيدا عن كل تلك الرؤى‪ #‬الطائفية التي مزقت األمة‪.‬‬
‫بعد أن قال القاضي هذا‪ ..‬أذن المؤذن‪ ..‬فرفع القاضي الجلسة‪ ..‬ثم ق‪##‬ام أولئ‪##‬ك‬
‫الفتية مع الحاضرين يص‪##‬افح بعض‪##‬هم بعض‪##‬ا بك‪##‬ل ح‪##‬رارة‪ ..‬وك‪##‬ان من بينهم أولئ‪##‬ك‬
‫الذين سرت خلفهم للحضور‪ #‬لقاعة المحكمة‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫سادسا ـ القرآن‪ ..‬وتعطيل التنزيل‬
‫في صباح اليوم التالي‪ ،‬سمعت ص‪##‬وتا عالي‪##‬ا ي‪##‬ردد‪ :‬ه‪##‬ل تري‪##‬دون أن تس‪##‬معوا‬
‫أكبر مراجعة في التاريخ‪ ..‬أحفاد قتادة بن دعامة السدوسى‪ ،‬صاحب أق‪##‬دم كت‪##‬اب في‬
‫[الناسخ والمنسوخ] ينتقدون جدهم‪ ،‬وفي‪ #‬كل الرواي‪##‬ات والتفاص‪##‬يل ال‪##‬تي أورده‪##‬ا؟‪#..‬‬
‫من أراد منكم االس‪##‬تماع أو المناقش‪##‬ة؛ فعلي‪##‬ه بال‪##‬ذهاب إلى س‪##‬احة التفعي‪##‬ل والتعطي‪##‬ل‬
‫الموجودة في شارع التنزيل والتأويل‪#.‬‬
‫وم‪##‬ا هي إال لحظ‪##‬ات ح‪##‬تى اجتم‪##‬ع الكث‪##‬ير من الن‪##‬اس‪ ،‬وراح‪##‬وا‪ #‬يس‪##‬يرون إلى‬
‫الشارع والساحة التي ذكرها‪ ..‬وقد كان من الكلمات التي س‪#‬معتها‪ ،‬وأن‪#‬ا في ط‪#‬ريقي‬
‫سائرا معهم‪ :‬عجبا ألحفاد قتادة‪ ..‬لقد صدعوا رؤوسنا‪ #‬فخرا بجدهم‪ ..‬بل كتبوا الكتب‬
‫في الثناء عليه‪ ،‬وفي‪ #‬ريادته لعلم الناسخ والمنسوخ‪ #..‬ثم ها هم أخيرا ي‪##‬تراجعون عن‬
‫كل ذلك‪ ..‬ما الذي حصل لهم؟‬
‫قال آخر‪ :‬ال أظن إال أن السبب في ذلك هو المعلم الجديد‪ ..‬لقد رأيته البارح‪##‬ة‬
‫معهم في تل‪##‬ك الس‪##‬احة‪ ،‬وأظن أن‪##‬ه أقنعهم‪ #‬بالع‪##‬دول عن فخ‪##‬رهم بآب‪##‬ائهم‪ #‬وأج‪##‬دادهم‪،‬‬
‫وتبنيهم‪ #‬ألقوالهم‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لست أدري ما أقول لكم‪ ..‬لكني كنت أش‪##‬عر أن‪#‬ه س‪##‬يأتي الي‪##‬وم ال‪##‬ذي‬
‫سيقرر فيه حفدة قتادة هذا القرار الخطير‪ ..‬لق‪##‬د درس‪##‬ت عن‪##‬د بعض‪##‬هم‪ ،‬وكنت أش‪##‬عر‬
‫بحرجهم‪ #‬كلما ذك‪##‬ر لن‪##‬ا عن نس‪##‬خ آي‪#‬ة من الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ..‬ك‪##‬انوا ي‪##‬ذكرون ذل‪##‬ك‪ ..‬ثم‬
‫يرددون بعدها‪ :‬وهللا أعلم‪ ..‬مرات كثيرة‪ ..‬ثم يستغفرون بعدها‪ ،‬وكأنهم‪ #‬ق‪##‬اموا‪ #‬ب‪##‬ذنب‬
‫أو جريمة‪.‬‬
‫ما إن وصلنا إلى ساحة التفعي‪#‬ل والتعطي‪#‬ل‪ ،‬ح‪#‬تى وج‪#‬دنا‪ #‬منص‪#‬ة جلس عليه‪#‬ا‬
‫بعض الشيوخ والكه‪##‬ول‪ ،‬ممن ك‪##‬ان يطل‪##‬ق عليهم أحف‪##‬اد قت‪##‬ادة‪ ،‬وك‪##‬ان بج‪##‬انبهم معلم‬
‫القصد واالعتدال‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬هؤالء الشيوخ األفاضل الذين ترونهم أم‪##‬امكم مث‪##‬ال على اإليم‪##‬ان‬
‫والتق‪##‬وى‪ #‬والص‪##‬الح‪ ..‬فهم على ال‪##‬رغم من ش‪##‬هرتهم بم‪##‬ا يُطل‪##‬ق علي‪##‬ه علم الناس‪##‬خ‬
‫والمنسوخ‪ ،‬بل مرجعيتهم في ذلك‪ ..‬إال أنهم‪ ،‬وبعد اكتش‪##‬افهم للح‪##‬ق‪ ،‬راح‪##‬وا يميل‪##‬ون‬
‫إليه‪ ،‬ويدورون‪ #‬معه حيث دار‪ ..‬وقد طلبوا‪ #‬م‪##‬ني أن يجتمع‪##‬وا بكم لتس‪##‬ألوهم عن ك‪##‬ل‬
‫اآليات التي ذكروا لكم أنها منسوخة‪ ،‬ليذكروا لكم ما استجد لهم من رأي حولها‪.‬‬
‫قال أحد األحفاد‪ :‬ونحن نعتذر لكم بسبب اس‪##‬تعجالنا في تل‪##‬ك التقري‪##‬رات ال‪##‬تي‬
‫كنا نبثها لكم‪ ..‬لقد كان ديننا الذي ورثناه طاغيا علينا‪ ،‬وخاصة بس‪##‬بب م‪##‬ا أتاح‪##‬ه لن‪##‬ا‬
‫من ج‪##‬اه ومناص‪##‬ب‪ ..‬ول‪##‬ذلك نرج‪##‬و منكم أن ت‪##‬ذكروا‪ #‬لن‪##‬ا م‪##‬ا ذكرن‪##‬اه لكم لنص‪##‬ححه؛‬
‫فعالمة التوبة الصحيحة البيان‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِاَّل الَّ ِذينَ تَ‪##‬ابُوا َوأَ ْ‬
‫ص‪#‬لَحُوا‪َ #‬وبَيَّنُ‪##‬وا‬
‫حي ُم﴾ [البقرة‪]160 :‬‬ ‫فَأُولَئِ َ‪#‬‬
‫ك أَتُوبُ َعلَ ْي ِه ْم َوأَنَا التَّوَّابُ ال َّر ِ‬
‫قال المعلم‪ :‬بما أنكم رضيتم‪ #‬بي حكما؛ فإني أري‪##‬د ـ أوال ـ من ك‪##‬ل من ي‪##‬ؤمن‬
‫‪396‬‬
‫بالنس‪##‬خ‪ ،‬وخاص‪##‬ة من التالمي‪##‬ذ ال‪##‬ذين درس‪##‬وا‪ #‬على حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ ،‬أن يطرح‪##‬وا م‪##‬ا‬
‫يعرفونه‪ ،‬أو درسوه عليهم‪ ،‬حتى يتسنى‪ #‬لهم بعد ذلك بيان ما ثبتوا علي‪##‬ه‪ ،‬أو رجع‪##‬وا‬
‫فيه‪.‬‬
‫ق‪##‬ام أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬نش‪##‬كر أس‪##‬اتذتنا األفاض‪##‬ل من آل قت‪##‬ادة على ه‪##‬ذه‬
‫الفرصة التي وفروها لنا‪ ،‬لنناقشهم‪ #‬فيما كنا نود أن نناقشهم‪ #‬في‪##‬ه أثن‪##‬اء تدريس‪##‬هم لن‪##‬ا‪،‬‬
‫لكن تشددهم في ذلك الحين‪ ،‬لم يسمح لنا بطرح ما لدينا من إشكاالت تتعل‪##‬ق بالنس‪##‬خ‬
‫وعالقته بالتعطيل‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬بم‪##‬ا أنكم ذك‪##‬رتم لن‪##‬ا أنكم س‪##‬تجيبونا عن ك‪##‬ل إش‪##‬كاالتنا‪ #‬من خالل‬
‫مراجع‪##‬اتكم‪ #‬لم‪##‬واقفكم؛ فس‪##‬نذكر لكم م‪##‬ا ذكرتم‪##‬وه لن‪##‬ا من أن‪##‬واع النس‪##‬خ‪ ،‬وأمثلته‪##‬ا‪،‬‬
‫وأدلته‪##‬ا‪ ..‬وق‪##‬د ذك‪##‬رتم‪ #‬لن‪##‬ا أنه‪##‬ا يمكن أن تجتم‪##‬ع في قس‪##‬مين‪ :‬نس‪##‬خ التالوة‪ ..‬ونس‪##‬خ‬
‫األحكام‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نسخ التالوة‪:‬‬
‫قال آخر‪ :‬فلنبدأ بـ [نس‪##‬خ التالوة]‪ ،‬وال‪##‬ذي كنتم تعتبرون‪##‬ه نوع‪##‬ا ص‪##‬حيحا من‬
‫أنواع النسخ‪،‬‬
‫شواهد وإشكاالت‪:‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد ضربتم‪ #‬لنا عنه المثل بما روي عن عمر أنه خطب الناس على‬
‫المنبر‪ ،‬فقال‪( :‬إن هللا بعث محمدا ‪ ‬بالحق‪ ،‬وأنزل عليه الكت‪##‬اب‪ ،‬فك‪##‬ان مم‪##‬ا أن‪##‬زل‬
‫هللا آي‪##‬ة ال‪##‬رجم‪ ،‬فقرأناه‪##‬ا وعقلناه‪##‬ا ووعيناه‪##‬ا‪ ،‬رجم رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ورجمن‪#‬ا‪ #‬بع‪##‬ده‪،‬‬
‫فأخشى‪ #‬إن طال بالناس زمان أن يقول قائل‪ :‬وهللا ما نج‪##‬د آي‪##‬ة ال‪##‬رجم فى كت‪##‬اب هللا؛‬
‫فيض‪##‬لوا‪ #‬ب‪##‬ترك فريض‪##‬ة أنزله‪##‬ا هللا‪ ،‬وال‪##‬رجم فى كت‪##‬اب هللا ح‪##‬ق على من زنى إذا‬
‫أحصن من الرجال والنساء‪ ،‬إذا قامت البينة أو كان الحبل أو االعتراف) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد ذكرتم لنا في شرح هذا الحديث م‪##‬ا قال‪##‬ه أب‪##‬و العب‪##‬اس أحم‪##‬د بن‬
‫عمر القرطبي‪( :‬هذا نص من عمر على أن هذا كان قرآنا يتلى‪ ،‬وفي‪ #‬آخره م‪##‬ا ي‪##‬دل‬
‫على أنه نسخ كونها من القرآن‪ ،‬وبقي حكمها معم‪#‬وال ب‪#‬ه‪ ،‬وه‪##‬و ال‪#‬رجم‪ ،‬وق‪#‬ال‪ #‬ذل‪#‬ك‬
‫عمر بمحضر‪ #‬الصحابة‪ ،‬وفي معدن ال‪##‬وحي‪ ،‬وش‪##‬اعت ه‪##‬ذه الخطب‪##‬ة في المس‪##‬لمين‪،‬‬
‫وتناقلها الركبان‪ ،‬ولم يسمع في الص‪##‬حابة وال فيمن بع‪##‬دهم من أنك‪##‬ر ش‪##‬يئا مم‪##‬ا قال‪##‬ه‬
‫عمر‪ ،‬وال راجعه في حياته وال بعد موته‪ ،‬فكان ذل‪#‬ك إجماع‪#‬ا منهم على ص‪#‬حة ه‪#‬ذا‬
‫الن‪##‬وع من النس‪##‬خ‪ ،‬وه‪##‬و نس‪##‬خ التالوة م‪##‬ع بق‪##‬اء الحكم‪ ،‬وال يلتفت لخالف من ت‪##‬أخر‬
‫زمانه) (‪)2‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري (‪ )6830‬ومسلم (‪)1691‬‬


‫‪ )(2‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (‪)5/85‬‬
‫‪397‬‬
‫قال آخر‪ :‬وذكرتم‪ #‬لنا كذلك ما ورد في الح‪##‬ديث عن عم‪##‬ر أن‪##‬ه ق‪##‬ال في تكمل‪##‬ة‬
‫الحديث السابق‪( :‬ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كت‪##‬اب هللا‪( :‬أن ال ترغب‪##‬وا عن آب‪##‬ائكم‪،‬‬
‫فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم‪ ،‬أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) (‪ ..)1‬وق‪##‬د‬
‫كنتم تذكرون لنا تأكيد العلماء لها‪ ،‬ومنهم الحافظ ابن حجر الذي قال‪( :‬قوله‪( :‬ثم إن‪##‬ا‬
‫كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب هللا) أي‪ :‬مما نسخت تالوته) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما كنتم تروونه لنا بسندكم إلى قت‪##‬ادة عن أنس‪ ،‬أن الن‪##‬بى‬
‫‪ ‬أتاه رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان‪ ،‬فزعموا أنهم قد أسلموا‪ ،‬واستمدوه على‬
‫ق‪##‬ومهم‪ #،‬فأم‪##‬دهم الن‪##‬بى ‪ ‬بس‪##‬بعين من األنص‪##‬ار‪ #..‬ق‪##‬ال أنس‪ :‬كن‪##‬ا نس‪##‬ميهم الق‪##‬راء‪،‬‬
‫يحطبون بالنهار‪ ،‬ويصلون بالليل‪ ،‬فانطلقوا بهم حتى بلغ‪##‬وا ب‪##‬ئر معون‪##‬ة غ‪##‬دروا بهم‬
‫وقتلوهم‪ ،‬فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبنى لحيان‪ ..‬قال قتادة‪ :‬وحدثنا‪ #‬أنس‬
‫أنهم قرؤوا‪ #‬بهم قرآنا‪( :‬أال بلغوا عنا قومنا‪ #‬بأنا قد لقينا ربنا فرضى عن‪##‬ا وأرض‪##‬انا)‪،‬‬
‫ثم رفع ذلك بعد(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما كنتم تذكرونه لن‪##‬ا من نس‪##‬خ تالوة س‪##‬ورة طويل‪##‬ة‪ ،‬وأن‬
‫من آياتها‪( :‬لو كان البن آدم واديان من مال البتغى واديا ثالثا)‪ ،‬وتستدلون على ذلك‬
‫بما روي عن أبي األسود قال‪( :‬بعث أبو موسى األشعري‪ #‬إلى ق‪##‬راء أه‪##‬ل البص‪##‬رة‪،‬‬
‫ف‪##‬دخل علي‪##‬ه ثالث مائ‪##‬ة رج‪##‬ل ق‪##‬د ق‪##‬رؤوا‪ #‬الق‪##‬رآن‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬أنتم خي‪##‬ار أه‪##‬ل البص‪##‬رة‬
‫وقراؤهم‪ ،‬فاتلوه‪ ،‬وال يطولن عليكم األم‪#‬د فتقس‪#‬و قل‪#‬وبكم‪ #‬كم‪#‬ا قس‪#‬ت قل‪#‬وب من ك‪#‬ان‬
‫قبلكم‪ ،‬وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والش‪#‬دة ب‪#‬براءة فأنس‪#‬يتها‪ ،‬غ‪#‬ير أني‬
‫قد حفظت منها‪( :‬لو كان البن آدم واديان من مال البتغى واديا‪ #‬ثالثا‪ ،‬وال يمأل جوف‬
‫ابن آدم إال التراب)‪ ،‬وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإح‪##‬دى المس‪##‬بحات فأنس‪##‬يتها‪ ،‬غ‪##‬ير‬
‫أني حفظت منه‪##‬ا‪( :‬ي‪##‬ا أيه‪##‬ا ال‪##‬ذين آمن‪##‬وا لم تقول‪##‬ون م‪##‬ا ال تفعل‪##‬ون فتكتب ش‪##‬هادة في‬
‫أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) (‪ .. )4‬ثم تؤكدون ذلك بما ذكره الحافظ ابن حج‪##‬ر‬
‫في معرض الحديث عن إحدى الروايات ال‪##‬تي ت‪##‬ذكر ه‪##‬ذا‪( :‬وه‪##‬ذا يحتم‪##‬ل أن يك‪##‬ون‬
‫الن‪##‬بي ‪ ‬أخ‪##‬بر ب‪##‬ه عن هللا تع‪##‬الى على أن‪##‬ه من الق‪##‬رآن‪ ،‬ويحتم‪##‬ل‪ #‬أن يك‪##‬ون من‬
‫األحاديث القدسية‪ ،‬وهللا أعلم‪ ،‬وعلى األول فهو مما نسخت تالوته جزم‪##‬ا‪ ،‬وإن ك‪##‬ان‬
‫حكمه مستمرا‪ ،‬ويؤيد‪ #‬هذا االحتمال ما أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن من ح‪##‬ديث‬
‫أبي موسى ق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬رأت س‪##‬ورة نح‪##‬و ب‪##‬راءة فغبت وحفظت منه‪##‬ا‪( :‬ول‪##‬و أن البن آدم‬
‫واديين من مال لتمنى واديا ثالثا) الحديث‪ ،‬ومن حديث جابر‪( :‬كنا نق‪##‬رأ ل‪##‬و أن البن‬
‫آدم ملء واد ماال ألحب إليه مثله)(‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا ذكرتم لنا عن أبي العباس القرط‪#‬بي‪ #‬قول‪#‬ه‪( :‬كن‪#‬ا نق‪#‬رأ س‪#‬ورة‬
‫رواه البخاري (‪ )6830‬ومسلم (‪)1691‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫فتح الباري (‪)12/148‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫رواه البخاري (‪)3064‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫رواه مسلم (‪)1050‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫فتح الباري (‪)11/258‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪398‬‬
‫نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها)‪ ،‬وهذا ضرب من النسخ‪ ،‬فإن النسخ على‬
‫مانقل‪##‬ه علماؤن‪##‬ا على ثالث‪##‬ة أض‪##‬رب‪ :‬أح‪##‬دها‪ :‬نس‪##‬خ الحكم وبق‪##‬اء التالوة‪ ،‬والث‪##‬اني‪:‬‬
‫عكسه‪ ،‬وهو نسخ التالوة وبق‪##‬اء الحكم‪ ،‬والث‪##‬الث‪ :‬نس‪##‬خ الحكم والتالوة‪ ،‬وه‪##‬و كرف‪##‬ع‬
‫هاتين السورتين‪ #‬اللتين ذكرهما‪ #‬أبو موسى‪ ،‬فإنهما‪ #‬رف‪##‬ع حكمهم‪##‬ا وتالوتهم‪##‬ا‪ #..‬وه‪##‬ذا‬
‫‪#‬ر ِم ْنهَ‪#‬ا‬
‫ت بِخَ ْي‪ٍ #‬‬‫النسخ هو الذي ذكر هللا تعالى حيث قال‪َ ﴿ :‬ما نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة أَوْ نُ ْن ِسهَا نَأْ ِ‬
‫أَوْ ِم ْثلِهَ‪##‬ا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‪##‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء قَ‪ِ #‬ديرٌ﴾ [البق‪##‬رة‪ ،]106 :‬على ق‪##‬راءة من قرأه‪##‬ا‬
‫﴿س‪#‬نُ ْق ِرئُكَ فَاَل تَ ْن َس‪#‬ى﴾ [األعلى‪..]6 :‬‬ ‫بضم الن‪##‬ون‪ ،‬وكس‪#‬ر‪ #‬الس‪##‬ين‪ ،‬وك‪##‬ذلك قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫وهاتان السورتان مما شاء هللا تع‪##‬الى أن ينس‪##‬يه بع‪##‬د أن أنزل‪##‬ه‪ ،‬وه‪##‬ذا ألن هللا تع‪##‬الى‬
‫فعال لما يريد‪ ،‬قادر على ما يشاء ؛ إذ ك‪##‬ل ذل‪##‬ك ممكن‪ ..‬وال يت‪##‬وهم مت‪##‬وهم‪ #‬من ه‪##‬ذا‬
‫وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء‪ ،‬فإن ذلك باطل ؛ ب‪##‬دليل قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِنَّا نَحْ نُ‬
‫نَ َّز ْلنَا ال ِّذ ْك َر َوإِنَّا لَهُ لَ َحافِظُونَ ﴾ [الحج‪##‬ر‪ ،]9 :‬وب‪##‬أن إجم‪##‬اع الص‪##‬حابة ومن بع‪##‬دهم انعق‪##‬د‬
‫على أن القرآن الذي تعبدنا بتالوته وبأحكامه هو م‪##‬ا ثبت بين دف‪##‬تي المص‪##‬حف‪ ،‬من‬
‫غير زيادة وال نقصان) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله نقلتم لنا عن السيوطي‪ #‬قول‪##‬ه‪( :‬ه‪##‬ذا من المنس‪##‬وخ تالوة ال‪##‬ذي‬
‫‪#‬ر ِم ْنهَ‪##‬ا أَوْ ِم ْثلِهَ‪##‬ا﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬
‫ت بِخَ ْي‪ٍ #‬‬‫أشير إليه بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة أَوْ نُ ْن ِسهَا نَ‪##‬أْ ِ‬
‫‪ ،]106‬فكان هللا ينس‪##‬يه الن‪##‬اس بع‪##‬د أن حفظ‪##‬وه‪ ،‬ويمح‪##‬وه من قل‪##‬وبهم‪ ،‬وذل‪##‬ك في زمن‬
‫النبي ‪ ‬خاصة‪ ،‬إذ ال نسخ بعده)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله نقلتم لنا عن الحاف‪##‬ظ ابن حج‪##‬ر قول‪##‬ه‪ ( :‬ثبت عن جماع‪##‬ة من‬
‫الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تالوته‪##‬ا وبقي حكمه‪##‬ا أو لم يب‪##‬ق‪،‬‬
‫مثل حديث عمر‪ :‬الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة‪ ،‬وح‪##‬ديث أنس في قص‪##‬ة‬
‫القراء الذين قتلوا في بئر معونة‪ ،‬قال‪ :‬فأنزل هللا فيهم قرآنا بلغوا عن‪##‬ا قومن‪##‬ا أن‪##‬ا لق‪##‬د‬
‫لقينا ربنا‪ ،‬وحديث أبي بن كعب‪( :‬كانت األحزاب قدر البقرة)‪ ،‬وحديث حذيف‪##‬ة‪( :‬م‪##‬ا‬
‫يقرؤون ربعها) يعني براءة‪ ،‬وكلها أحاديث صحيحة‪ ..‬وقد‪ #‬أخرج ابن الضريس من‬
‫حديث ابن عمر أنه كان يكره أن يقول‪ :‬الرجل ق‪##‬رأت الق‪##‬رآن كل‪##‬ه‪ ،‬ويق‪##‬ول‪ :‬إن من‪##‬ه‬
‫قرآنا‪ #‬قد رفع‪ ..‬وليس في شيء من ذلك ما يع‪#‬ارض ح‪#‬ديث الب‪#‬اب ؛ ألن جمي‪#‬ع ذل‪#‬ك‬
‫مما نسخت تالوته في حياة النبي ‪)3( ) ‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)4‬ونرج‪##‬و أال تك‪##‬رروا علين‪##‬ا ال‪##‬ردود‪ #‬على المخ‪##‬الفين ال‪##‬تي كنتم‬
‫تذكرونها لنا‪ ،‬ثم تردون عليها‪ ..‬ومن أمثلتها الرد على من يقول بأن اآلية دليل على‬
‫الحكم فلونسخت دونه‪ ،‬ألشعر نسخها بارتفاع الحكم‪ ،‬وفي ذل‪##‬ك م‪##‬ا في‪##‬ه من التل‪##‬بيس‬
‫على المكلف والتوريط ل‪##‬ه في اعتق‪##‬اد فاس‪##‬د‪ ..‬فق‪##‬د أجبتم على ه‪##‬ذه الش‪##‬بهة ب‪##‬أن تل‪##‬ك‬

‫المفهم (‪ 3/93‬ـ ‪)94‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج (‪)3/129‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫فتح الباري (‪)9/65‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مناهل العرفان (‪)2/217‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪399‬‬
‫اللوازم‪ #‬الباطل‪##‬ة تحص‪##‬ل ل‪##‬و لم ينص‪##‬ب الش‪##‬ارع دليال على نس‪##‬خ التالوة وعلى إبق‪##‬اء‬
‫الحكم‪ ،‬أما وق‪#‬د نص‪#‬ب ال‪#‬دليل على نس‪#‬خ التالوة وح‪#‬دها وعلى إبق‪#‬اء الحكم وتقري‪#‬ر‪#‬‬
‫استمراره فال تلبيس من الشارع على عبده وال توريط‪#.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومثل ذل‪##‬ك ج‪##‬وابكم لمن يق‪##‬ول ب‪##‬أن نس‪##‬خ التالوة م‪##‬ع بق‪##‬اء الحكم‬
‫عبث ال يليق بالشارع الحكيم ألنه من التصرفات التي ال تعقل لها فائ‪##‬دة‪ ..‬فق‪##‬د أجبتم‬
‫على ذلك بأن نسخ اآلية مع بقاء الحكم ليس مجردا من الحكمة وال خاليا من الفائ‪##‬دة‬
‫حتى يكون عبثا‪ ،‬بل فيه فائدة أي فائدة وهي حصر القرآن في دائ‪##‬رة مح‪##‬دودة تيس‪#‬ر‬
‫على األمة حفظه واستظهاره‪ ،‬وتسهل على سواد األمة التحقق فيه وعرفان‪##‬ه‪ ،‬وذل‪##‬ك‬
‫سور‪ #‬محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أي‪#‬دي المتالع‪#‬بين في‪#‬ه بالزي‪#‬ادة أوالنقص‪،‬‬
‫ألن الكالم إذا شاع وذاع ومأل البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان م‪##‬ا يع‪##‬رف وش‪##‬د‬
‫ما يقابل باإلنكار وبذلك يبقى األصل سليما من التغيير والتبديل‪ ..‬وبذلك؛ فإن حكم‪##‬ة‬
‫هللا قضت أن تنزل بعض اآليات في أحك‪##‬ام ش‪##‬رعية عملي‪##‬ة ح‪##‬تى إذا اش‪##‬تهرت تل‪##‬ك‬
‫األحكام نس‪#‬خ تع‪#‬الى ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ات في تالوته‪#‬ا فق‪#‬ط رجوع‪#‬ا ب‪#‬القرآن إلى س‪#‬يرته من‬
‫اإلجمال وطردا لعادته في عرض فروع‪ #‬األحكام من اإلقالل تيسيرا‪ #‬لحفظه وضمانا‬
‫لصونه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومثل ذلك أجبتم بأنه على فرض عدم علمنا بحكمة وال فائ‪##‬دة في‬
‫هذا الن‪#‬وع من النس‪#‬خ ف‪#‬إن ع‪#‬دم العلم بالش‪#‬يء ال يص‪#‬لح حج‪#‬ة على العلم بع‪#‬دم ذل‪#‬ك‬
‫الشيء وإال فمتى‪ #‬كان الجهل طريقا من طرق‪ #‬العلم‪ ،‬ثم إن الشأن في كل م‪##‬ا يص‪##‬در‪#‬‬
‫عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يص‪##‬در لحكم‪##‬ة أولفائ‪##‬دة ن‪##‬ؤمن به‪##‬ا وإن كن‪##‬ا ال‬
‫نعلمها على التعيين وكم في اإلسالم من أمور تعبدية استأثر‪ #‬هللا بعلم حكمتها أوأطلع‬
‫ق ُك‪ِّ #‬ل ِذي ِع ْل ٍم َعلِي ٌم﴾‬
‫﴿وفَ‪#‬وْ َ‬
‫عليها بعض خاصته من المقربين من‪#‬ه والمحب‪#‬وبين لدي‪#‬ه َ‬
‫[يوسف‪ .. ]76 :‬وال بدع في هذا فرب البيت قد يأمر أطفاله بما ال يدركون فائدته لنقص‬
‫عقولهم على حين أن‪##‬ه في الواق‪##‬ع مفي‪##‬د وهم ي‪##‬أتمرون ب‪##‬أمره وإن ك‪##‬انوا ال ي‪##‬دركون‪#‬‬
‫فائدته والرئيس قد يأمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك س‪##‬ره وحكمت‪##‬ه على حين‬
‫أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره وإن كانوا ال يفهمون سره وحكمت‪##‬ه‪..‬‬
‫كذلك شأن هللا م‪##‬ع خلق‪##‬ه فيم‪##‬ا خفي عليهم من أس‪##‬رار تش‪##‬ريعه وفيم‪##‬ا لم ي‪##‬دركوا‪ #‬من‬
‫فائدة نسخ التالوة دون الحكم‪.‬‬
‫ردود وإجابات‪:‬‬
‫بعد أن انتهى تالمذة حفدة قتادة من طرح كل م‪#‬ا درس‪#‬وه ح‪#‬ول نس‪#‬خ التالوة‪،‬‬
‫قام كبير الحفدة‪ ،‬وقال‪ :‬بورك فيكم‪ ..‬وفي حفظكم‪ ..‬واآلن اسمحوا‪ #‬لنا أن نجيبكم‪ #‬بم‪##‬ا‬
‫استقر عليه رأينا بعد مراجعات وأبحاث كثيرة‪ ..‬فقد رأينا أنه ال يوجد هذا النوع من‬
‫النسخ في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ )(1‬مناهل العرفان (‪)2/217‬‬
‫‪ )(2‬مناهل العرفان (‪)2/218‬‬
‫‪400‬‬
‫ق‪###‬امت ض‪###‬جة كب‪###‬يرة بين الحض‪###‬ور‪ ،‬أوقفه‪###‬ا المعلم بقول‪###‬ه‪ :‬يح‪###‬ق لكم أن‬
‫تعترضوا‪ ،‬ولكن ال يحق لكم أن تعترضوا قبل أن تسمعوا‪ #..‬فاهلل تعالى س‪##‬مع إلبليس‬
‫قبل أن يلعنه‪ ..‬فاح‪##‬ذروا أن تحكم‪##‬وا قب‪##‬ل أن ت‪##‬تيقنوا وتس‪##‬تمعوا الحجج وال‪##‬براهين‪،‬‬
‫حتى ال تطففوا في الموازين‪.‬‬
‫قام بعض حفدة قتادة‪ ،‬وقال‪ :‬ال نلومكم على إنكاركم‪ #‬علينا‪ ،‬ألنا عن‪##‬د تدريس‪##‬نا‪#‬‬
‫لكم لهذه المعاني‪ ،‬اكتفينا بما اقتنعنا‪ #‬به من آراء‪ ،‬ولم نذكر لكم اآلراء ال‪##‬تي تتن‪##‬اقض‬
‫مع ما ذهبنا إليه‪ ،‬وال أدلتها‪ ،‬بل كنا نكتفي بشجبها واحتقارها‪ #‬والتنف‪##‬ير منه‪##‬ا‪ ..‬واآلن‬
‫ـ ومراعاة للعدالة والشهادة هلل ـ اس‪#‬محوا لن‪#‬ا أن ن‪#‬ذكر لكم تل‪#‬ك اآلراء ال‪#‬تي كتمناه‪#‬ا‬
‫واحتقرناها‪ ،‬ثم لكم بعد ذل‪##‬ك أن تقتنع‪##‬وا به‪##‬ا‪ ،‬أو ترفض‪##‬وها؛‪ #‬فليس من العلم أن ن‪##‬رد‬
‫شيئا لم نسمع كل تفاصيله وأدلته‪.‬‬
‫من المدرسة السنية‪:‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولنبدأ بعلماء مدرس‪##‬تنا‪ ،‬وق‪##‬د أش‪##‬ار إلى المتق‪##‬دمين منهم الجص‪##‬اص‬
‫بقوله‪( :‬وقالت طائفة‪ :‬ال يجوز نس‪#‬خ الق‪#‬رآن وتالوت‪#‬ه‪ ،‬ولكن يج‪#‬وز نس‪#‬خ الحكم م‪#‬ع‬
‫بقاء التالوة)(‪ ..)1‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال أبوإس‪##‬حاق‪ #‬الش‪##‬يرازي‪( :‬وق‪##‬الت طائف‪##‬ة ال يج‪##‬وز‪ #‬نس‪##‬خ‬
‫التالوة م‪##‬ع بق‪##‬اء الحكم‪ ،‬ألن الحكم ت‪##‬ابع التالوة فال يج‪##‬وز أن يرتف‪##‬ع األص‪##‬ل ويبقى‬
‫التابع)(‪ ..)2‬ومثله قال صاحب شرحه‪( :‬وذهبت طائفة إلی أنه ال يجوز نس‪##‬خ الرس‪##‬م‬
‫مع بقاء الحكم‪ ،‬واحتجوا ب‪##‬أن الحكم ت‪##‬ابع للرس‪##‬م فال يج‪##‬وز أن يرتف‪##‬ع الرس‪##‬م ويبقی‬
‫الحكم ال يتبعه)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الزركشي‪( :‬وجزم شمس األئمة السّرخسي بامتناع‪ #‬نس‪##‬خ‬
‫التالوة م‪##‬ع بق‪##‬اء الحكم‪ ،‬ألن الحكم ال يثبت ب‪##‬دون تالوة‪ ،‬وق‪##‬د أورد‪ #‬علی أث‪##‬ر عم‪##‬ر‬
‫السابق كونه مما نس‪##‬خ رس‪#‬مه ألن الق‪##‬رآن ال يثبت بمث‪##‬ل ه‪##‬ذا ف‪#‬إن من أنك‪##‬ر آي‪#‬ة من‬
‫القرآن كفر‪ ،‬وبمثل هذا ال يكف‪##‬ر ف‪##‬إذا لم يثبت كون‪##‬ه قرآن‪##‬ا‪ ،‬فكي‪##‬ف يُ‪ّ #‬دعی نس‪##‬خه؟ ‪..‬‬
‫وكذلك حديث عائشة فإن القرآن ال يثبت بخبر الواح‪##‬د فال تثبت ب‪##‬ه تالوة م‪##‬ا ه‪##‬ومن‬
‫القرآن وحكمه معا‪ ،‬فإنا ال نعقل كون‪##‬ه منس‪##‬وخا‪ #‬ح‪##‬تی نعق‪##‬ل كون‪##‬ه قرآن‪#‬ا ً وكون‪##‬ه من‬
‫القرآن ال يثبت بخبر الواحد‪ ..‬ولهذا قال صاحب المص‪##‬ادر‪ :‬وأم‪##‬ا نس‪##‬خ التالوة دون‬
‫الحكم فوج‪##‬وده غ‪##‬ير مقط‪##‬وع ب‪##‬ه‪ ،‬ألن‪##‬ه منق‪##‬ول من طري‪#‬ق‪ #‬اآلح‪##‬اد‪ ،‬ك‪##‬ذلك نس‪##‬خهما‪#‬‬
‫جميعاً) (‪..)4‬ومثله قال الشوكاني‪( :‬منع قوم‪ #‬من نسخ اللفظ مع بقاء حكمه‪ ،‬وبه ج‪##‬زم‬
‫شمس الدين السرخسي‪ ،‬ألن الحكم ال يثبت بدون دليله) (‪)5‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال الش‪##‬يخ الجزي‪##‬ري‪( :‬إن المس‪##‬لمين ق‪##‬د أجمع‪##‬وا علی أن‬
‫القرآن هو ما تواتر نقله عن رسول هللا ‪ ‬عن ربّ العزة‪ ،‬فكيف‪ #‬يمكن الحكم بكون‬
‫الفصول في األُصول ‪.253 :2‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اللمع في أُصول الفقه ‪.58 :1‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫شرح اللمع ‪.497 :1‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البحر المحيط في أُصول الفقه للزركشي ‪.104 :4‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫إرشاد الفحول‪.190 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪401‬‬
‫هذا قرآنا‪ ،‬خصوصا ً وقد‪ #‬صرّح بعض أئمة المسلمين بأن ال يجوز الحكم علی كتاب‬
‫هللا المتواتر‪ #‬بما ليس بمتواتر‪ #،‬وعلی هذا فمن المشكل الواضح ما ي‪##‬ذكره المح‪##‬دثون‬
‫من روايات اآلحاد المشتملة علی أن آية كذا كانت قرآنا ً ونسخت‪ ،‬علی أن مثل ه‪##‬ذه‬
‫الروايات قد مهّدت ألعداء اإلسالم إدخال ما ي‪##‬وجب الش‪##‬ك في كت‪##‬اب هللا‪ ،‬فمن ذل‪##‬ك‬
‫ما روي عن ابن مسعود من أن المع ّوذتين ليستا من كتاب هللا من الروايات الفاسدة‪،‬‬
‫فإن معنی هذا التشكيك في كتاب هللا المتواتر كلمة كلمة وحرف‪#‬اً‪ #‬حرف‪##‬ا‪ ،‬وله‪##‬ذا ج‪##‬زم‬
‫الفخر الرازي بكذب هذه الرواية‪ ،‬ومن ذلك ما قيل‪ :‬إن آي‪##‬ة القن‪##‬وت ك‪##‬انت موج‪##‬ودة‬
‫في مصحف أُب ّي ثم سقطت‪ ..‬فهذا وأمثاله من الروايات التي فيها الحكم علی الق‪##‬رآن‬
‫المتواتر‪ #‬بأخبار اآلحاد‪ ،‬فضالً عن كونه ضاراً بالدين فيه تناقض ظاهر)(‪)1‬‬
‫ثم قال‪( :‬أما رفع اللفظ مع بقاء معن‪##‬اه ف‪##‬إن دل علی ش‪##‬يء فإنم‪##‬ا ي‪##‬دل علی أن‬
‫هذا اللفظ ال يناسب وضعه في هذه الجملة‪ ،‬فلما وض‪##‬ع وظه‪#‬ر‪ #‬فس‪##‬اده ُح‪##‬ذف‪ ،‬وه‪##‬ذا‬
‫مستحيل علی هللا تعالی العليم الخبير‪ ،‬وم‪##‬ع ه‪##‬ذا فق‪##‬د يق‪##‬ال‪ :‬إن الحكم ال ب‪##‬دل ل‪##‬ه من‬
‫لفظ يدل عليه‪ ،‬فإذا رفع اللفظ فما هوالدليل الذي يدل عليه ؟ ف‪##‬إن قلتم‪ :‬إن‪##‬ه دل علي‪##‬ه‬
‫قبل رفعه‪،.‬قلنا‪ :‬وقد انتفت الداللة بعد رفعه فلم يب‪##‬ق للحكم دلي‪##‬ل؛ ف‪##‬إن قلتم‪ :‬إن دلي‪##‬ل‬
‫الحكم اللفظ الذي يبينه به الرسول‪ ،‬قلنا‪ :‬إن الحكم في هذه الحالة يكون ثابتا بالحديث‬
‫ال بالقرآن المنسوخ‪ ،‬فالحق أن القول بجواز نسخ اللف‪##‬ظ م‪##‬ع بق‪##‬اء المع‪##‬نی واه‪ ،‬وم‪##‬ع‬
‫ذلك كله ف‪##‬أي دلي‪##‬ل ي‪##‬دل علی أن اللف‪##‬ظ نس‪##‬خ وبقي معن‪##‬اه ؟ إن‪##‬ه ال دلي‪##‬ل ال في ق‪##‬ول‬
‫عائشة ـ آية الرضاع ـ وال في غيره) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الشيخ محمد رش‪##‬يد رض‪##‬ا‪( :‬وق‪##‬الوا‪ :‬إن الم‪##‬راد باإلنس‪##‬اء‬
‫إزالة اآلية من ذاكرة النبي ‪ ،‬وقد اختلف في هذا أيكون بعد التبليغ أم قبله ؟ فقيل‪:‬‬
‫بعده‪ ،‬كم‪#‬ا ورد في أص‪#‬حاب ب‪#‬ئر معون‪#‬ة‪ ،‬وقي‪#‬ل قبل‪#‬ه‪ ،‬حيث إن الس‪#‬يوطي‪ #‬روی في‬
‫أسباب النزول أن اآلية كانت تنزل علی الن‪##‬بي ‪ ‬ليال فينس‪##‬اها‪ #‬نه‪##‬اراً فح‪##‬زن ل‪##‬ذلك‬
‫فنزلت اآلية‪ ..‬قال األُستاذ اإلمام (الشيخ محمد عب‪##‬ده)‪ :‬وال ش‪##‬ك عن‪##‬دي في أن ه‪##‬ذه‬
‫الرواي‪##‬ة مكذوب‪##‬ة وإن مث‪##‬ل ه‪##‬ذا النس‪##‬يان مح‪##‬ال علی األنبي‪##‬اء عليهم الس‪##‬الم ألنهم‬
‫معصومون في التبليغ واآليات الكريمة ناطقة بذلك كقول‪##‬ه تع‪##‬الی‪﴿ :‬إِ َّن َعلَ ْينَ‪##‬ا َج ْم َع‪ #‬هُ‬
‫َوقُرْ آنَهُ﴾ [القيامة‪ ،]17 :‬وقوله‪﴿ :‬إِنَّا نَحْ نُ نَ َّز ْلنَا ال ِّذ ْك َر َوإِنَّا لَ ‪#‬هُ لَ َح‪##‬افِظُونَ ﴾ [الحج‪##‬ر‪ ،]9 :‬وق‪##‬د‬
‫قال المحدثون واألُصوليون‪ :‬إن من عالم‪##‬ة وض‪##‬ع الح‪##‬ديث مخالفت‪##‬ه لل‪##‬دليل الق‪##‬اطع‬
‫عقلي‪#‬ا ك‪#‬ان أو نقلي‪#‬ا كأُص‪#‬ول االعتق‪#‬اد وه‪#‬ذه المس‪#‬ألة منه‪#‬ا ف‪#‬إن ه‪#‬ذا النس‪#‬يان ين‪#‬افي‬
‫العصمة المجمع عليها)‬
‫ثم علّق الشيخ رشيد‪ #‬رضا علی ما زعم أنه نزل في بئر معونة بقوله‪( :‬وليس‬
‫ُ‬
‫كل وحي قرآناً‪ #‬فإن للقرآن أحكاما ً ومزايا‪ #‬مخصوصة‪ ،‬وقد ورد في الس‪##‬نة كث‪##‬ير من‬
‫األحكام مستندة إلی الوحي ولم يكن النبي ‪ ‬وال أصحابه يعدونها‪ #‬قرآنا‪ ،‬ب‪##‬ل جمي‪##‬ع‬
‫‪ )(1‬الفقه علی المذاهب األربعة ‪ 257 :4‬ـ ‪.259‬‬
‫‪ )(2‬الفقه علی المذاهب األربعة ‪ 257 :4‬ـ ‪.259‬‬
‫‪402‬‬
‫ما قاله ‪ ‬علی أنه دين هو وحي عند الجمهور واستدلوا علي‪##‬ه بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫﴿و َم‪##‬ا‬
‫‪#‬وحى﴾ [النجم‪ ،]4-3 :‬وأظه‪##‬ره األح‪##‬اديث القدس‪##‬ية‪،‬‬ ‫ي يُ‪َ #‬‬ ‫ق ع َِن ْالهَ َوى إِ ْن هُ‪َ #‬‬
‫‪#‬و إِاَّل َوحْ ٌ‬ ‫يَ ْن ِط ُ‬
‫ومن لم يفقه ه‪##‬ذه التفرق‪##‬ة من العلم‪##‬اء وقعت لهم أوه‪##‬ام في بعض األح‪##‬اديث رواي‪##‬ة‬
‫ودراية وزعموا أنها كانت قرآنا ً ونسخت) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الشيخ محمد الخض‪##‬ري‪ #‬ب‪##‬ك‪( :‬أم‪##‬ا نس‪##‬خ التالوة م‪##‬ع بق‪##‬اء‬
‫الحكم فقد خالف فيه بعض المعتزلة وأجازه الجمهور محتجين بأخب‪##‬ار آح‪##‬اد وردت‬
‫في ذلك ال يمكن أن تقوم برهان‪#‬ا ً علی حص‪##‬وله‪ ،‬وأن‪##‬ا ال أفهم مع‪##‬نی آلي‪##‬ة أنزله‪##‬ا هللا‬
‫لتفيد حكما ً ثم يرفعها‪ #‬مع بقاء حكمها‪ ،‬ألن القرآن يقصد منه إفادته الحكم بنظمه؛ فما‬
‫هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها؟ إن ذل‪##‬ك غ‪##‬ير مفه‪##‬وم وفي رأيي أن‪##‬ه‬
‫ليس هناك ما يلجئني إلی القول به‪ ،‬وحكی القاضي أبوبكر في (االنتصار) عن ق‪##‬وم‬
‫ألن األخبار في‪##‬ه أخب‪##‬ار آح‪##‬اد وال يج‪##‬وز القط‪##‬ع علی إن‪##‬زال الق‪##‬رآن‬ ‫إنكار هذا القسم ّ‬
‫ونسخه بأخبار آحاد ال حجة فيها) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال الشيخ علي حسن الع‪##‬ريض‪( :‬وذهبت طائف‪##‬ة من العلم‪##‬اء‬
‫إلی إنكار هذا النوع من النسخ [نسخ التالوة]‪ ،‬وعدم وقوعه في كتاب هللا عز وجل‪،‬‬
‫ألنّه عيب ال يليق بالشارع الحكيم‪ ،‬ألنه من التصرّفات‪ #‬التي ال تعق‪##‬ل له‪##‬ا فائ‪##‬دة‪ ،‬وال‬
‫حاجة إليها وتنافي‪ #‬حكمة الحكيم‪ ..‬والح‪#‬ق‪ #‬يق‪#‬ال‪ :‬إن ه‪#‬ذا الن‪#‬وع من النس‪#‬خ وإن ك‪#‬ان‬
‫ألن هذه الروايات آح‪#‬اد‪ ،‬والق‪#‬رآن‬ ‫جائزاً عقال‪ ،‬ولكنّه لم يقع في كتاب هللا ع ّز وجل‪ّ ،‬‬
‫الكريم ال يثبت بروايات اآلحاد مهما كانت مكانة قائلها‪ ،‬والبد فيه من الت‪##‬واتر‪ ،‬كم‪##‬ا‬
‫أجمع عليه العلماء قديما وحديثا‪ #..‬ولوأنّه صح ما قالوه الشتهر بين الصحابة جميع‪##‬ا ً‬
‫ولحفظ‪##‬ه كث‪##‬ير منهم أوكتب‪##‬وه في مص‪##‬احفهم‪ ،‬ولكن لم ي‪##‬رد ش‪##‬يء عن غ‪##‬ير ه‪##‬ؤالء‬
‫بأن هذه اآليات التي ذكروها كانت مسطورة في عهد الن‪##‬بي‬ ‫الرواة؛ فال يمكن القطع ّ‬
‫‪ ‬وفي‪ #‬صحف كتّاب الوحي‪ ،‬ث ّم نسخت بعد ذلك ورفعت من المصحف ـ كما رواه‬
‫بعض الصحابة ـ وبقي حكمها للعمل به‪ ..‬وأيض ‪#‬ا ً ف‪##‬إن الحكم ال يثبت إاّل من طري‪##‬ق‬
‫ألن الحكم م‪##‬ا زال‬ ‫النصّ ‪ ،‬ولم يظه‪##‬ر ل‪##‬زوال النص وح‪##‬ده حكم‪##‬ة من عم‪##‬ل الحكيم ّ‬
‫قائما ً لم ينسخ‪ ،‬فأي فائدة في نسخ تالوته؟)(‪)3‬‬
‫ثم علل ما ورد عن عمر وقوله‪( :‬إن‪##‬ا كنّ‪##‬ا نق‪##‬رأ في كت‪##‬اب هللا) بقول‪##‬ه‪( :‬الكتب‬
‫التي كان يحفظها هو وغيره من باب المبالغة في تشبيه األحكام التي قاله‪##‬ا الرس‪##‬ول‬
‫ألن كالً من السنّة الص‪##‬حيحة والق‪##‬رآن الك‪##‬ريم واجب الطاع‪#‬ة‪،‬‬ ‫‪ ‬باآليات القرآنية‪ّ ،‬‬
‫‪#‬أن ه‪##‬ذه‬‫وقد‪ #‬كان من الصحابة من يكتب الحديث ليحفظه‪ ..‬وهنا نس‪##‬تطيع أن نق‪##‬ول ب‪ّ #‬‬
‫اآلية التي قالها عمر كانت أحكاما حفظها عن الرسول بألفاظ الرسول ‪ ،‬والتعبير‪#‬‬

‫‪ )(1‬تفسير المنار ‪ 414 :1‬ـ ‪.415‬‬


‫‪ )(2‬أُصول الفقه‪.257 :‬‬
‫‪ )(3‬فتح المنان في نسخ القرآن‪.224 :‬‬
‫‪403‬‬
‫بأنّها آية من كتاب هللا‬
‫مجاز) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ق‪##‬ال ص‪##‬بحي الص‪##‬الح‪( :‬والول‪##‬وع باكتش‪##‬اف النس‪##‬خ في آي‪##‬ات‬
‫الكت‪##‬اب أوق‪##‬ع الق‪##‬وم في أخط‪##‬اء منهجيّ‪##‬ة ك‪##‬ان خليق ‪#‬ا ً بهم أن يتجنّبوه ‪#‬ا‪ #‬لئاّل يحمله‪##‬ا‬
‫الج‪##‬اهلون حمالً علی كت‪##‬اب هللا‪ ،‬ولم يكن يخفی علی أح‪##‬د منهم أن القرآني‪##‬ة ال تثبت‬
‫إاّل بالتواتر وأن أخبار اآلحاد ظنّية ال قطعيّة‪ ،‬وجعلوا النسخ في القرآن ـ م‪##‬ع ذل‪##‬ك ـ‬
‫علی ثالث‪##‬ة أض‪##‬رب‪ :‬نس‪##‬خ الحكم دون التالوة‪ ،‬ونس‪##‬خ التالوة دون الحكم‪ ،‬ونس‪##‬خ‬
‫التالوة والحكم جميعاً‪ ،‬وليكثروا إن شاءوا من شواهد الض‪##‬رب األول‪ ،‬ف‪##‬إنهم‪ #‬في‪##‬ه ال‬
‫يمسّون النص القرآني من قريب وال بعيد‪ ،‬إذ اآلية لم تنسخ تالوتها بل رف‪##‬ع حكمه‪##‬ا‬
‫ألس‪##‬رار تربويّ‪##‬ة وتش‪##‬ريعيّة يعلمه‪##‬ا هللا‪ ،‬أم‪##‬ا الج‪##‬رأة العجيب‪##‬ة في الض‪##‬ربين الث‪##‬اني‬
‫والثالث اللذين نسخت فيهما‪ #‬بزعمهم تالوة آيات معينة إم‪##‬ا م‪##‬ع نس‪##‬خ أحكامه‪##‬ا وإم‪##‬ا‬
‫دون نسخ أحكامها‪ ،‬والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتش‪##‬ف في‪##‬ه خط‪##‬أ ً مر ّكب‪##‬ا‪:‬‬
‫ب ش‪##‬واهد كث‪##‬يرة أوكافي‪##‬ة علی األق‪##‬ل‬ ‫فتقسيم‪ #‬المسائل إلی أضرب إذا كان لكل ض‪##‬ر ٍ‬
‫ليتي ّسر‪ #‬استنباط قاعدة منها‪ ،‬وما لع ّشاق النسخ إاّل شاهد أواثن‪##‬ان علی ك‪##‬ل من ه‪##‬ذين‬
‫الض‪##‬ربين(‪ ،)2‬وجمي‪##‬ع م‪##‬ا ذك‪##‬روه منه‪##‬ا أخب‪##‬ار أح‪##‬اد‪ ،‬وال يج‪##‬وز القط‪##‬ع علی إن‪##‬زال‬
‫القرآن ونسخه بأخبار آحاد ال ح ّجة فيها‪ ،‬وبهذا الرأي السديد أخذ ابن ظفر في كتابه‬
‫الينبوع إذ أنكر ع ّد هذا مما نسخت تالوته‪ ،‬وقال‪ :‬ألن خبر الواح‪##‬د ال يثبت الق‪##‬رآن)‬
‫(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال مصطفی صادق ال‪##‬رافعي‪( :‬ونحس‪##‬ب أن أك‪##‬ثر ذل‪##‬ك مم‪##‬ا‬
‫افترته ال ُم ْل ِحدة وتزيّدت به الفئة الغالي‪##‬ة‪ ،‬وهم فِ‪##‬ر ٌ‬
‫ق كث‪##‬يرة يختلف‪##‬ون في‪##‬ه بغي‪#‬ا ً بينهم‪،‬‬
‫وكلهم يرجع إلی القرآن بزعمه ويری‪ #‬فيه حجّته علی مذهبه وبَيّنته علی دع‪##‬واه‪ ،‬ثم‬
‫أهل الزيغ والعصبية آلرائهم في الحق والباطل‪ ،‬ثم ضعاف ال‪##‬رواة ممن ال يميّ‪##‬زون‬
‫أوممن تُعارضهم‪ #‬الغفلة في التمي‪#‬يز وذل‪##‬ك س‪#‬واء كل‪#‬ه ظلم‪##‬ات بعض‪##‬ها ف‪#‬وق‪ #‬بعض‪،‬‬
‫ومن لم يجع‪##‬ل هللا ل‪##‬ه ن‪##‬ورا فم‪##‬ا ل‪##‬ه من ن‪##‬ور‪ ،‬وق‪##‬د وردت رواي‪##‬ات قليل‪##‬ة في أش‪##‬ياء‬
‫زعموا أنها كانت قرآنا ورفع‪ ،‬علی أن رسول هللا ‪ ‬ك‪##‬ان يق‪##‬رر األحك‪##‬ام عن ربّ‪##‬ه‬
‫إذا لم ينزل بها قرآن‪ ،‬ألن السنة كانت ت‪##‬أتي مأت‪##‬اه وك‪##‬ذلك ق‪##‬ال ‪( :‬أوتيت الكت‪##‬اب‬
‫ومثله معه يعني السنن)‪ ،‬وليس كل وحي بقرآن‪ ،‬علی أن ما ورد من ذلك ورد مع‪##‬ه‬
‫اضطرابهم فيه وضعف وزن‪##‬ه في الرواي‪##‬ة‪ ،‬وأك‪##‬بر ظنن‪##‬ا أنه‪##‬ا رواي‪##‬ات مت‪##‬أخرة من‬
‫ُمحْ دثات األُمور‪ ،‬وأن في هذه المحدثات لما هو أشد منه‪#‬ا وأج‪#‬دی‪ #‬بش‪#‬ؤمه‪ ،‬ولوك‪#‬ان‬
‫من ذلك شيء في العهد األول لرُويت معها أقوال أخری لألئمة األثب‪##‬ات ال‪##‬ذين ك‪##‬ان‬
‫‪ )(1‬فتح المنان في نسخ القرآن‪.224 :‬‬
‫‪ )(2‬فسر في الهامش ذلك بقوله‪ :‬وأما الضرب الذي نسخت تالوته دون حكمه فش‪##‬اهده المش‪#‬هور م‪#‬ا قي‪#‬ل من أن‪#‬ه ك‪#‬ان في س‪#‬ورة الن‪#‬ور‪( :‬الش‪##‬يخ‬
‫والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكاالً من هللا) ‪ ،‬ومما يدل علی اضطراب الرواية أنه جاء في صحيح ابن حبّان ما يفيد أن هذه اآلية التي زعموا‬
‫نسخ تالوتها ليست من آيات سورة النور‪ ،‬وأما الضرب الذي نسخت تالوته وحكمه معا ً فشاهد المش‪##‬هور في كتب الناس‪##‬خ والمنس‪##‬وخ م‪##‬ا ورد عن‬
‫عائشة أنها قالت‪ :‬كان فيما أنزل من القرآن‪ :‬عشر رضعات معلومات يحرمن‪ ،‬ثم نسخن بخمس معلومات‪ ،‬وت‪##‬وفي رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وهي فيم‪##‬ا يق‪##‬رأ‬
‫من القرآن‪.‬‬
‫‪ )(3‬مباحث في علوم القرآن‪.265 :‬‬
‫‪404‬‬
‫‪#‬رن‬ ‫ع من أصحاب رسول هللا ‪ ‬وهم كانوا يومئ‪##‬ذ مت‪##‬وافرين‪ ،‬وكلهم ُم ْق‪ِ #‬‬ ‫إليهم المفز ُ‬
‫ور ّدة‪ ،‬وأن إنك‪##‬ار بعض‪##‬ه‬ ‫ي عليه‪ ،‬وكانوا يعلمون أن ال ِمراء في القرآن كفر ِ‬ ‫لذلك قو ّ‬
‫ْ‬
‫كإنكاره جملة‪ ،‬وقد أجمعوا علی م‪##‬ا في مص‪##‬حف عثم‪##‬ان وأعط‪##‬وا بَ‪##‬ذ َل ألس‪##‬نتهم في‬
‫الشهادة ـ أي قوّتها‪ #‬ـ وما استطاعت من تصديق‪ ،‬ونحن من جهتن‪##‬ا نمن‪##‬ع ك‪##‬ل المن‪##‬ع‪،‬‬
‫وال نعبأ أن يقال إنه ذهب من القرآن ش‪##‬يء‪ ،‬وإن ت‪##‬أوّلوا ذل‪##‬ك وتمحل‪##‬وا‪ #‬وإن أس‪##‬ندوا‬
‫الرواية إلی جبريل وميكائيل‪ ،‬ونع ّد ذلك من ال َّسوْ ءة الص‪#ْ #‬لعاء ال‪##‬تي ال يرحض‪##‬ها‪ #‬من‬
‫جاء بها‪ ،‬وال يغسلها عن رأسه بعد ق‪##‬ول هللا‪﴿ :‬اَل يَأْتِي‪ِ #‬ه ْالبَ ِ‬
‫اط‪ُ #‬ل ِم ْن بَي ِْن يَ َد ْي‪ِ #‬ه َواَل ِم ْن‬
‫خَ ْلفِ ِه تَ ْن ِزي‪ٌ #‬ل ِم ْن َح ِك ٍيم َح ِمي‪ٍ #‬د﴾ [فص‪##‬لت‪ ،]42 :‬أفتُ‪##‬ری ب‪##‬اطلهم ج‪##‬اءه من فوق‪##‬ه إذن؟ وال‬
‫يتوهم أحد أن نسبة بعض القول إلی الصحابة نصٌ في أن ذلك المقول ص‪#‬حيح البت‪#‬ة‬
‫فإن الصحابة غير معصومين‪ ،‬وقد جاءت روايات صحيحة بم‪#‬ا أخط‪#‬أ في‪#‬ه بعض‪#‬هم‪#‬‬
‫من فهم أشياء من القرآن علی عهد رسول هللا ‪ ‬وذلك العهد هوما هو‪ ،‬ثم بما َو ِه َل‬
‫عنه بعضهم مما تحدثوا‪ #‬في أحاديثه الشريفة‪ ،‬فأخطأوا‪ #‬في فهم ما سمعوا) (‪)1‬‬
‫أن بعض‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثله ق‪##‬ال ابن الخطيب‪( :‬ومن أعجب العج‪##‬اب ا ّدع‪##‬اؤهم ّ‬
‫اآليات قد نسخت تالوتها وبقي حكمها‪ ،‬وهو قول ال يق‪##‬ول ب‪##‬ه عاق‪##‬ل إطالق‪#‬اً‪ ،‬وذل‪##‬ك‬
‫إن بعض‬ ‫ألن نسخ أحكام بعض اآليات مع بقاء تالوته‪##‬ا أم‪##‬ر معق‪##‬ول مقب‪##‬ول‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ّ‬
‫األحكام لم تنزل دفعةً واحدةً‪ ،‬بل نزل تدريجيّاً‪ #..‬أ ّما ما ي ّدعونه من نسخ تالوة بعض‬
‫اآليات مع بقاء حكمها فأمر‪ #‬ال يقبله إنسان يحترم نفسه ويق ّدر ما وهبه هللا تعالی من‬
‫نعمة العقل‪ ،‬إذن ما هي الحكمة في نسخ تالوة آية مع بق‪##‬اء حكمه‪##‬ا؟ م‪##‬ا الحكم‪##‬ة من‬
‫صدور‪ #‬قانون واجب التنفيذ‪ ،‬ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال مصطفی زيد‪( :‬والبد من وقف‪##‬ة هن‪##‬ا‪ ،‬عن‪##‬د الن‪##‬وع الث‪##‬الث‬
‫للنسخ ذكره األُصوليون‪ ،‬واعتمدوا فيه علی آثار ال تنهض دليالً له‪ ،‬م‪##‬ع أن اآلي‪##‬تين‬
‫اللتين تتحدثان عن النسخ في القرآن الكريم ال تسمحان بوجوده إاّل علی تكلّ‪##‬ف وم‪##‬ع‬
‫أنه يخالف المعقول والمنطق‪ ،‬ومن أن مدلول النسخ وشروطه ال تتوافر في‪##‬ه‪ ،‬وه‪##‬ذا‬
‫النوع هو منسوخ التالوة باقي الحكم‪ ،‬كما يع‪##‬بر عن‪#‬ه األُص‪##‬وليون‪ ،‬أم‪##‬ا اآلث‪##‬ار ال‪##‬تي‬
‫يحتج‪##‬ون ل‪##‬ه به‪##‬ا‪ ،‬وهي تنحص‪##‬ر في آي‪##‬تي رجم الش‪##‬يخ والش‪##‬يخة إذا زني‪##‬ا وتح‪##‬ريم‪#‬‬
‫الرضعات الخمس‪ ،‬فمعظمها مروي‪ #‬عن عمر وعائشة‪ ،‬ونحن نستبعد ص‪##‬دور‪ #‬مث‪##‬ل‬
‫هذه اآلثار عنهما‪ ،‬بالرغم من وردها‪ #‬في الكتب الصحاح‪ ،‬فإن صحة الس‪##‬ند ال تع‪##‬ني‬
‫في كل األحوال سالمة المتن‪ ..‬علی أنه قد ورد في الرواية عن عمر قوله بشأن آي‪##‬ة‬
‫حد الرجم فيما زعموا (ولوال أن يق‪##‬ال زاد عم‪##‬ر في المص‪##‬حف‪ #‬لكتبته‪##‬ا)‪ ،‬وه‪##‬وكالم‬
‫يوهم أن‪#‬ه لم ينس‪#‬خ لفظ‪#‬ا أيض‪#‬ا‪ ،‬م‪#‬ع أنهم يقول‪#‬ون إنه‪#‬ا منس‪#‬وخة اللف‪#‬ظ باقي‪#‬ة الحكم‪،‬‬
‫وكذلك ورد‪ #‬نص اآلية في الروايات ال‪#‬تي أوردت‪#‬ه‪ ،‬بعب‪#‬ارات مختلف‪#‬ة‪ ،‬فواح‪#‬دة منه‪#‬ا‬
‫تذكر قيد الزنا بعد ذكر الشيخ والشيخة‪ ،‬وواحدة ال تذكره‪ ،‬وثالثة تذكر عبارة (نكاال‬
‫‪ )(1‬إعجاز القرآن‪.43 :‬‬
‫‪ )(2‬الفرقان البن الخطيب‪.156 :‬‬
‫‪405‬‬
‫من هللا)‪ ،‬ورابع‪##‬ة ال ت‪#‬ذكرها‪ ،‬وم‪##‬ا هك‪##‬ذا تك‪##‬ون نص‪##‬وص اآلي‪#‬ات القرآني‪##‬ة ولونس‪#‬خ‪#‬‬
‫لفظها‪ ،‬وفي‪ #‬بعض هذه الروايات جاءت بعض العبارات التي ال تتفق ومكان‪##‬ة عم‪##‬ر‬
‫وال عائشة‪ ،‬مما يجعلنا نطمئن إلی اختالقها ودسها علی المس‪##‬لمين‪ ..‬وفي الرواي‪##‬ات‬
‫التي تذكر أنه قال قد نسخ لفظ التحريم بخمس رض‪##‬عات وبقي حكمه‪##‬ا معم‪##‬والً‪ #‬ب‪##‬ه ـ‬
‫وهي مروية عن عائشة ـ فيها كثير من االضطراب‪ ،‬يحملنا علی رفض‪##‬ها من حيث‬
‫متنها‪ ،‬ومن ثم يبقی منسوخ التالوة باقي الحكم مج‪##‬رد ف‪##‬رض‪ ،‬لم يتحق‪##‬ق في واقع‪##‬ة‬
‫واحدة ولهذا نرفضه‪ ،‬ونری‪ #‬أنه غير معقول وال مقبول) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال أحمد شلبي ـ بع‪##‬د أن نق‪##‬ل موق‪##‬ف األس‪##‬تاذ الخض‪##‬ري‪ #‬من‬
‫نسخ التالوة ـ‪( :‬وأزيد علی ما قال‪#‬ه األس‪#‬تاذ الخض‪##‬ري أن‪#‬ه ب‪##‬النظر في ه‪#‬ذه العب‪##‬ارة‬
‫التي زعموا أنها كانت آية من القرآن ال أحس بأن بها نس‪##‬ج الق‪##‬رآن وال روعت‪##‬ه فق‪##‬د‬
‫وردت بها كلمة (البتّة) وال أری أن هذه الكلمة قرآنية‪ ،‬وهي لم ترد في الق‪##‬رآن أب‪##‬داً‬
‫وليس لها جمال ألفاظ القرآن واس‪##‬تعملت فيه‪##‬ا كلم‪##‬ة الش‪##‬يخ والش‪##‬يخة بقص‪##‬د الرج‪##‬ل‬
‫والمرأة المتزوجة‪ ،‬وهواستعمال فيه تكلّف‪ ،‬فالشيخ في اللغة هوالطاعن في الس‪##‬ن ال‬
‫يلزم أن يكون المتزوج شيخا ً ب‪#‬ل كث‪#‬يراً م‪#‬ا يك‪#‬ون ش‪#‬اباً‪ ،‬وللق‪#‬رآن تعب‪#‬ير جمي‪#‬ل عن‬
‫الرج‪##‬ل الم‪##‬تزوج أوالم‪##‬رأة المتزوج‪##‬ة وهوالمحص‪##‬ن والمحص‪##‬نة‪ ،‬أم‪##‬ا كلم‪##‬ة ش‪##‬يخ‬
‫فاستعمالها في القرآن محدود بكبر الس‪##‬ن وق‪##‬د وردت في الق‪##‬رآن في ثالث‪##‬ة مواض‪##‬ع‬
‫نعرضها‪ #‬لنبيّن اتجاه القرآن في استعمال هذه الكلمة اتجاه‪#‬ا ً لم يختل‪##‬ف‪ ،‬وه‪##‬وال ش‪##‬ك‬
‫ت‬ ‫متفق مع ذوق اللغة أو هو قدوة لالستعمال العربي السليم‪ ،‬وهذه اآليات هي‪﴿ :‬قَ‪##‬الَ ْ‬
‫يَا َو ْيلَتَى أَأَلِ ُد َوأَنَا َعجُو ٌ‪#‬ز َوهَ َذا بَ ْعلِي َش ْي ًخا إِ َّن هَ َذا لَ َش ْي ٌء ع َِجيبٌ ﴾ [هود‪﴿ ..]72 :‬قَالُوا يَا‬
‫س‪#‬نِينَ ﴾ [يوس‪##‬ف‪:‬‬ ‫ك ِمنَ ْال ُمحْ ِ‬ ‫أَيُّهَا ْال َع ِزي ُز إِ َّن لَهُ أَبًا َش ْي ًخا َكبِيرًا فَ ُخ ْذ أَ َح َدنَا َم َكانَ‪#‬هُ إِنَّا نَ‪َ #‬‬
‫‪#‬را َ‬
‫اس يَ ْسقُونَ َو َو َج َد ِم ْن دُونِ ِه ُ‪#‬م ا ْم َرأَتَ ْي ِن‬ ‫‪َ ﴿ ..]78‬ولَ َّما َو َر َد َما َء َم ْديَنَ َو َج َد َعلَ ْي ِه أُ َّمةً ِمنَ النَّ ِ‬
‫ُص‪ِ #‬د َر الرِّ عَ‪#‬ا ُء َوأَبُونَ‪#‬ا َش‪ْ #‬ي ٌخ َكبِ‪#‬ي ٌر﴾‬ ‫َطبُ ُك َم‪#‬ا قَالَتَ‪#‬ا اَل ن َْس‪#‬قِي َحتَّى ي ْ‬ ‫تَ ُذودَا ِن قَ‪#‬ا َل َم‪#‬ا خ ْ‬
‫[القصص‪ ..]23 :‬ومن هذا التحليل نميل إلی أنه لم يوجد‪ #‬نسخ للتالوة مع بقاء الحكم)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال عبد الكريم الخطيب‪( :‬وقيل ال يق‪##‬ع النس‪##‬خ بمع‪##‬نی الرف‪##‬ع‬
‫في قرآن نُ ّزل وتُلي‪ ،‬ذلك أن القول بأن من القرآن ما ن ّزل وتلي ثم رف‪##‬ع بالنس‪##‬خ في‪##‬ه‬
‫تعسّف شديد ومدخل إلی الفتنة والتخ‪#‬رّص؛ ف‪##‬إذا س‪##‬اغ أن ي‪##‬نزل الق‪##‬رآن ويتلی علی‬
‫المسلمين‪ ،‬ثم يُرفع‪ ،‬ساغ لكل ُمبطل أن يقول أي قول‪ ،‬ثم ي ّدعي له أنه كان قرآن‪##‬ا‪ #‬ثم‬
‫نسخ‪ ..‬وهكذا تتداعی علی القرآن المفتريات والتلبيسات‪ ،‬ويكون لذلك م‪##‬ا يك‪##‬ون من‬
‫فتنة وابتالء‪ .‬ثم من جهة أخری‪ ،‬ما حكمة هذا القرآن الذي ينزل أليام أولش‪##‬هور‪ ،‬ثم‬
‫يرفع‪ ،‬فال يتلی وال يعرف له وجه بعد هذا؟‪ ..‬أيكون ذلك الرفع بقرآن يق‪##‬ول للن‪##‬اس‪:‬‬
‫إن آية كذا رفعت تالوتها‪ ،‬فال تجعلوها‪ #‬قرآنا ً يتلی؟‪ ..‬أم أن هذا النوع من النسخ يق‪##‬ع‬
‫بمعجزة ترفع من صدور الناس ما قد حفظوا من هذا الق‪##‬رآن المنس‪##‬وخ؟‪ ..‬وإذا رف‪##‬ع‬
‫‪ )(1‬النسخ في القرآن الكريم د‪ .‬مصطفی زيد ‪.283 :1‬‬
‫‪ )(2‬القرآن نظرة عصرية جديدة‪.154 :‬‬
‫‪406‬‬
‫بتلك المعجزة‪ ،‬فهل تكون معجزة أُخری يرفع بها ما كتب بأي‪##‬دي كت‪##‬اب ال‪##‬وحي بين‬
‫ي‪###‬دي النّ‪###‬بي؟‪ ..‬وإذا رف‪###‬ع من الص‪###‬دور‪ #‬أومن الص‪###‬حف‪ #‬المكتوب‪###‬ة بمعج‪###‬زة من‬
‫المعجزات‪ ،‬فما الذي يد ّل علی أن قرآن‪##‬ا ك‪##‬ان ثم رف‪##‬ع؟‪ ..‬إن ه‪##‬ذا الق‪##‬ول مس‪##‬رف‪ #‬في‬
‫البعد عن مجال المنطق‪ #‬والعقل!) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال محمد مصطفی شلبي‪( :‬وقد حاولوا التمثيل ل‪##‬ه بم‪##‬ا روي‪#‬‬
‫أنه كان فيما نزل من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) ويريدون بالشيخ‬
‫المحصن وبالش‪##‬يخة المحص‪##‬نة‪ ،‬وبم‪##‬ا روي‪ #‬عن عائش‪##‬ة (خمس رض‪##‬عات‪ #‬يح‪##‬رمن)‬
‫وكون ذلك مما نزل من القرآن أوالً في مجال النظ‪##‬ر‪ ،‬ألن س‪##‬ند األول م‪##‬ا روي عن‬
‫ألثبت في حاشيته الشيخ‬ ‫ّ‬ ‫عمر أنه قال‪( :‬لوال أن يقول الناس زاد عمر في المصحف‬
‫والشيخة إذا زنيا)‪ ،‬وهوكما‪ #‬يقول أبوالحسين البصري‪( :‬لوكان ذلك قرآنا في الح‪##‬ال‬
‫أو كان قد نسخ لم يكن ليقول ذلك) (‪ ،)2‬فعلمنا أن ذلك سنة من النبي ‪ ‬وأراد عم‪##‬ر‬
‫إن يخبر بتأكيده‪ ،‬والثاني طريقه مضطرب أيضا ً ألنه جاء في بعض روايات‪##‬ه (ك‪##‬ان‬
‫فيما ن‪##‬زل من الق‪##‬رآن عش‪##‬ر رض‪##‬عات يح‪##‬رمن ثم نس‪##‬خن بخمس رض‪##‬عات‪ #‬يح‪##‬رمن‬
‫وتوفي رسول هللا ‪ ‬وهن فيما يقرأ من القرآن)‪ ،‬فقب‪##‬ول ذل‪##‬ك ي‪##‬ؤدي إلی الطعن في‬
‫القرآن بأنه ضاع من‪#‬ه ش‪#‬يء‪ ،‬وي‪#‬رد ه‪#‬ذا كفال‪#‬ة هللا بحفظ‪#‬ه‪ ،‬وإجم‪#‬اع األُم‪#‬ة علی أن‬
‫القرآن الذي ت‪##‬وفي رس‪##‬ول هللا ‪ ‬عن‪#‬ه لم يض‪##‬ع من‪##‬ه ح‪##‬رف واح‪##‬د‪ ،‬وأبع‪#‬د‪ #‬من ه‪##‬ذا‬
‫محاولة بعض األُصوليين التمثيل لهذا النوع بالقراءة غير المتواترة‪ ،‬كقراءة عبد هللا‬
‫بن مس‪##‬عود في كف‪##‬ارة اليمين (فص‪##‬يام‪ #‬ثالث‪##‬ة أي‪##‬ام متتابع‪##‬ات) وق‪##‬راءة س‪##‬عد بن أبي‬
‫وقاص (وله أخ أوأُخت من أُم)‪ ،‬ألن القراءة غ‪##‬ير المت‪##‬واترة لم تثبت قرآنيته‪#‬ا‪ #‬ح‪##‬تی‬
‫يقال‪ :‬نسخت تالوتها‪ ،‬ألن التالوة فرع قرآنيتها وهوغير‪ #‬ثابت باالتفاق‪ ..‬وإذا ك‪##‬انت‬
‫الحكم‪##‬ة واض‪##‬حة في نس‪##‬خ الحكم دون التالوة؛ ف‪##‬أي حكم‪##‬ة في نس‪##‬خ التالوة دون‬
‫الحكم؟ وإذا كانت التالوة نسخت فأين دليل الحكم بعد نسخ التالوة؟ فإن قيل إنه سنة‬
‫رسول هللا ‪ ،‬قلن‪##‬ا‪ :‬ولِ َم ال يك‪##‬ون ال‪##‬دليل من األول هوالس‪##‬نة‪ ،‬وأي فائ‪##‬دة في تكل‪##‬ف‬
‫القول بأنه نزل قرآن ثم نسخت تالوت‪##‬ه وبقي حكم‪##‬ه؟ وإذا ك‪##‬انت اآلي‪##‬ة ن‪##‬زلت لبي‪##‬ان‬
‫الحكم ولإلعجاز بلفظها فليس من المعقول نسخ التالوة وبقاء الحكم!) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال محمد ع‪##‬زة دروزة‪( :‬أم‪##‬ا المنس‪##‬وخ تالوة والب‪##‬اقي‪ #‬حكم‪#‬ا ً‬
‫فال يورد الذين يقولون به إال اآلية المسماة بآية الرجم وقد روي له‪##‬ا نص‪##‬ان‪ ..‬ونحن‬
‫نتوقف في التسليم بهذا النوع)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال محمد سعاد‪( :‬ال نستطيع االقتناع‪ #‬بصحة وجود المنسوخ‬
‫تالوة الثابت حكما ألن صفة القرآنية ال تثبت لنصّ إال ب‪##‬دليل قطعي والنس‪##‬خ ال‪##‬وارد‬

‫التفسير القرآني للقرآن ‪.122 :1‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫المعتمد ‪.429 :1‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أُصول الفقه اإلسالمي‪.554 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫القرآن والملحدون‪.340 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪407‬‬
‫علی القطعي ال بد أن يكون قطعياً؛‪ #‬فالب‪##‬د إلثب‪##‬ات ك‪##‬ون النص‪##‬وص الم‪##‬ذكورة قرآن‪##‬ا‬
‫منسوخا‪ #‬من دليلين قطعيين‪ ،‬أحدهما‪ :‬دا ّل علی ثبوت القرآني‪##‬ة للنّص‪ ،‬وثانيهم‪##‬ا‪ :‬دال‬
‫علی زوال هذه الصفة‪ ..‬وواحد من الدليلين لم يقم لواحد من تلك النص‪##‬وص‪ ،‬فال يتم‬
‫كونه قرآنا منسوخا فال يصح عندنا في موضع‪ #‬الخالف إال الق‪##‬ول بثب‪##‬وت النس‪##‬خ في‬
‫الحكم دون التالوة)(‪)1‬‬
‫من المدرسة الشيعية‪:‬‬
‫قال آخر‪ :‬وعلى نفس الموقف‪ #‬نج‪##‬د العلم‪##‬اء من إخوانن‪##‬ا اإلمامي‪##‬ة‪ ،‬حيث نج‪##‬د‬
‫أك‪##‬ثرهم ـ إن لم نق‪##‬ل كلهم ـ ينفي ه‪##‬ذا الن‪##‬وع من النس‪##‬خ‪ ..‬ومنهم الش‪##‬يخ علي أك‪##‬بر‬
‫النهاوندي الخراساني‪ ،‬فقد قال فيه‪( :‬قد ع ّد جمع من العامة ـ أي من علماء المدرسة‬
‫السنية ـ من أقسام‪ #‬النسخ نسخ التالوة‪ ،‬وذكروا ل‪##‬ذلك أمثل‪##‬ة من عب‪##‬ارات مرويّ‪##‬ة من‬
‫عمر وابنه عب‪##‬د هللا وعائش‪##‬ة وغ‪##‬يرهم من الص‪##‬حابة‪ ،‬وه‪##‬ذا من األغالط المش‪##‬هورة‬
‫بينهم والعب‪##‬ارات‪ #‬المنقول‪##‬ة ال‪##‬تي ق‪##‬الوا‪ :‬إنه‪##‬ا من اآلي‪##‬ات المنس‪##‬وخة التالوة ال تش‪##‬به‬
‫كلمات فصحاء العرب فضال عن آي‪##‬ات الق‪##‬رآن المجي‪##‬د‪ ..‬والمتأم‪##‬ل المنص‪##‬ف يقط‪##‬ع‬
‫بأنها مما اختلقه المنافقون لتخريب أساس الدين وتوهين الكتاب المبين‪ ،‬ويؤي ‪#‬د‪ #‬ذل‪##‬ك‬
‫بل يشهد عليه أنّه لم ينقل عن أمير المؤمنين وابن عب‪##‬اس والمعتم‪##‬دين‪ #‬من أص‪##‬حاب‬
‫الرسول ‪ ‬أمثال هذه الروايات‪ #‬مع كونهم أعرف بآيات القرآن من غيرهم)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر اتف‪##‬اقهم في ذل‪##‬ك م‪##‬ع بعض علم‪##‬اء س‪##‬ائر الم‪##‬ذاهب اإلس‪##‬المية‪ ،‬ال‪##‬ذين‬
‫(أنك‪##‬روا‪ #‬ه‪##‬ذا القس‪##‬م من النس‪##‬خ‪ ،‬ونف‪##‬وا ك‪##‬ون ه‪##‬ذه العب‪##‬ارات المنقول‪##‬ة من الق‪##‬رآن‪،‬‬
‫مس‪##‬تدلين ب‪##‬أن األخب‪##‬ار ال‪##‬واردة أخب‪##‬ار آح‪##‬اد‪ ،‬وال يج‪##‬وز‪ #‬القط‪##‬ع علی إن‪##‬زال الق‪##‬رآن‬
‫ونسخه بأخبار آحاد ال حج‪#‬ة فيه‪##‬ا‪ ،‬م‪##‬ع أن العب‪#‬ارات الب‪#‬اردة المنقول‪#‬ة ال‪#‬تي أكثره‪#‬ا‬
‫رواية ما سموه آية الرجم من قولهم‪( :‬الشيخ والشيخة إذا زني‪##‬ا فاجل‪##‬دوهما‪ #‬البت‪##‬ة بم‪##‬ا‬
‫قضيا‪ #‬من اللذة نكاال من هللا وهللا عزي‪#‬ز حكيم) م ّم‪#‬ا ين‪#‬ادي عن‪#‬د ك‪#‬ل ذي مس‪#‬كة بأن‪#‬ه‬
‫ليس من كالم هللا المنزل لإلعجاز) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال الشيخ المظف‪##‬ر‪( :‬إن نس‪##‬خ التالوة في الحقيق‪##‬ة يرج‪##‬ع‬
‫إلی القول بالتحريف لعدم ثبوت نسخ التالوة بالدليل القطعي سواء كان نسخا ألصل‬
‫التالوة أونسخا لها ولما تضمنته من حكم معا‪ ،‬وان كان في القرآن الكريم م‪##‬ا يش‪##‬عر‬
‫بوقوع نسخ التالوة كقوله تعالی‪َ ﴿ :‬وإِ َذا بَ َّد ْلنَا آيَةً َم َكانَ آيَ ٍة َوهَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما يُنَ ‪ِّ #‬ز ُل قَ‪##‬الُوا‪#‬‬
‫إِنَّ َما أَ ْنتَ ُم ْفت ٍَر بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [النحل‪ ،]101 :‬وقوله تعالی‪َ ﴿ :‬ما نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة أَوْ‬
‫ْ‪#‬ر ِم ْنهَ‪#‬ا أَوْ ِم ْثلِهَ‪#‬ا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‪#‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء قَ‪ِ #‬دي ٌ‪#‬ر ﴾ [البق‪##‬رة‪..]106 :‬‬ ‫نُ ْن ِسهَا نَأْ ِ‬
‫ت بِخَ ي ٍ‬
‫ولكن ليستا صريحتين‪ #‬بوقوع ذلك‪ ،‬وال ظاهرتين‪ ،‬وإنما أك‪##‬ثر م‪##‬ا ت‪##‬دل اآليت‪##‬ان علی‬

‫‪ )(1‬صيانة القرآن من التحريف‪.30 :‬‬


‫‪ )(2‬نفحات الرحمان ‪ 1/27‬ـ ‪.28‬‬
‫‪ )(3‬نفحات الرحمان ‪ 1/27‬ـ ‪.28‬‬
‫‪408‬‬
‫وقوعه) (‪)1‬‬ ‫إمكان‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال العالمة الطباطبائي‪ #‬في تفسير الميزان‪( :‬وكيف ك‪##‬ان‬
‫فالنسخ ال يوجب زوال نفس اآلية من الوجود‪ #‬وبطالن تحققها‪ ،‬بل الحكم حيث عل‪##‬ق‬
‫بالوصف وهواآلية والعالمة مع ما يلحق بها من التعليل في اآلية بقوله تع‪##‬الی‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا‬
‫نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة أَوْ نُ ْن ِسهَا نَأْ ِ‬
‫ت بِ َخي ٍْر ِم ْنهَا أَوْ ِم ْثلِهَا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ‪ْ #‬ي ٍء قَ ‪ِ #‬دي ٌ‪#‬ر﴾‬
‫[البقرة‪ ]106 :‬أفاد ذلك أن المراد بالنسخ هوإذهاب أثر اآلي‪##‬ة من حيث إنه‪##‬ا آي‪##‬ة‪ ،‬أع‪##‬ني‬
‫إذهاب كون الش‪##‬يء آي‪##‬ة وعالم‪##‬ة م‪##‬ع حف‪##‬ظ أص‪##‬له فبالنس‪##‬خ ي‪##‬زول آث‪##‬ره من تكلي‪##‬ف‬
‫نسهَا﴾ بقوله‪َ ﴿ :‬ما نَن َس ْخ﴾)‬ ‫أوغيره مع بقاء أصله وهذا هوالمستفاد من اقتران قوله‪﴿ :‬نُ ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقال في محل آخر‪( :‬أو أن هذه اآليات ـ وقد دلت هذه الروايات علی بلوغها‬
‫في الكثرة ـ ك‪##‬انت منس‪##‬وخة التالوة كم‪##‬ا ذك‪##‬ره جم‪##‬ع من المفس‪##‬رين من أه‪##‬ل الس‪##‬نة‬
‫حفظا ً لم‪#‬ا ورد في بعض رواي‪#‬اتهم أن من الق‪##‬رآن م‪#‬ا أنس‪#‬اه هللا ونس‪##‬خ تالوت‪##‬ه‪ ،‬فم‪#‬ا‬
‫معنی إنساء اآلية ونسخ تالوتها؟ أكان ذلك لنسخ العمل به‪##‬ا؟‪ ..‬فم‪##‬ا هي ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات‬
‫المنسوخة الواقعة في القرآن‪ ،‬كآية الصدقة وآي‪##‬ة نك‪##‬اح الزاني‪##‬ة وال‪##‬زاني وآي‪##‬ة الع‪##‬دة‬
‫وغيرها؟‪ ..‬وهم مع ذلك يقسمون منس‪##‬وخ التالوة إلی منس‪##‬وخ التالوة والعم‪##‬ل مع ‪#‬اً‪،‬‬
‫ومنسوخ‪ #‬التالوة دون العم‪##‬ل كآي‪##‬ة ال‪##‬رجم‪ ،‬أم ك‪##‬ان ذل‪##‬ك لكونه‪##‬ا غ‪##‬ير واج‪##‬دة لبعض‬
‫صفات كالم هللا حتی أبطلها هللا بإمحاء ذكرها وإذه‪##‬اب أثره‪##‬ا‪ ،‬فلم يكن من الكت‪##‬اب‬
‫العزي‪###‬ز ال‪###‬ذي ال يأتي‪###‬ه الباط‪###‬ل من بين يدي‪###‬ه وال من خلف‪###‬ه؟‪ ..‬وال منزه‪###‬ا ً من‬
‫االختالف؟‪ ..‬وال قوالً فصالً وال هاديا ً إلی الحق وإلی طريق‪ #‬مس‪#‬تقيم؟‪ ..‬وال معج‪#‬زاً‬
‫يتحدی به؟‪ ..‬وال؟‪ ..‬وال؟‪ ..‬فما معنی اآليات الكثيرة التي تصف القرآن بأنه في ل‪##‬وح‬
‫محفوظ‪ ،‬وأنه كت‪##‬اب عزي‪##‬ز ال يأتي‪##‬ه الباط‪##‬ل من بين يدي‪##‬ه وال من خلف‪##‬ه‪ ،‬وأن‪##‬ه ق‪##‬ول‬
‫فصل‪ ،‬وأنه هدی‪ ،‬وأنه نور‪ ،‬وأنه فرقان‪ #‬بين الحق والباطل‪ ،‬وأنه آية معجزة‪ ،‬وأنه‪،‬‬
‫وأنه؟‪ ..‬فهل يسعنا أن نقول‪ :‬إن هذه اآلي‪##‬ات علی كثرته‪#‬ا‪ #‬وإب‪##‬اء س‪##‬ياقها‪ #‬عن التقيي‪##‬د‬
‫مقي‪##‬دةٌ ب‪##‬البعض؟‪ ..‬فبعض الكت‪##‬اب فق‪##‬ط وهوغ‪##‬ير المنس‪##‬ي ومنس‪##‬وخ‪ #‬التالوة ال يأتي‪##‬ه‬
‫الباط‪##‬ل وق‪##‬ول فص‪##‬ل وه‪#‬دی ون‪##‬ور وفرق‪##‬ان ومعج‪#‬زة خال‪##‬دة؟‪ ،..‬وه‪##‬ل جع‪ُ #‬ل الكالم‬
‫منسوخ التالوة ونس‪##‬يا ً منس‪##‬يا ً غ‪##‬ير إبطال‪##‬ه وإماتت‪##‬ه؟‪ ..‬وه‪##‬ل ص‪##‬يرورة الق‪##‬ول الن‪##‬افع‬
‫بحيث ال ينفع لألبد وال يصلح شأنا ً مما فسد غير إلغائه وطرح‪##‬ه وإهمال‪##‬ه؟‪ ..‬وكي‪##‬ف‬
‫يجامع ذلك كون القرآن ذك‪##‬راً؟‪ ،..‬ف‪##‬الحق أن رواي‪#‬ات التحري‪##‬ف المروي‪##‬ة من ط‪##‬رق‬
‫الفريقين وكذا الروايات المروية في نسخ تالوة بعض اآليات القرآنية مخالفة للكتاب‬
‫مخالفة قطعية) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال الشيخ محمد ج‪##‬واد ُم ْغني‪##‬ة‪( :‬وأم‪##‬ا النس‪##‬خ في الق‪##‬رآن‬

‫‪ )(1‬أُصول الفقه ‪.48 :2‬‬


‫‪ )(2‬الميزان في تفسير القرآن ‪.250 :1‬‬
‫‪ )(3‬الميزان في تفسير القرآن ‪.117 :12‬‬
‫‪409‬‬
‫فيمكن تقس‪##‬يمه إلی أوج‪##‬ه ثالث‪##‬ة‪ :‬األول‪ :‬أن تنس‪##‬خ اآلي‪##‬ة تالوة وحكم‪##‬ا بحيث يرتف‪##‬ع‬
‫لفظها وحكمه‪#‬ا‪ ..‬الث‪#‬اني‪ :‬أن تنس‪#‬خ تالوة ال حكم‪#‬ا أي يرتف‪#‬ع لفظه‪#‬ا ويبقی حكمه‪#‬ا‪..‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تنسخ حكما ال تالوة أي تتلی ولكن ال يؤخذ بظاهرها بعد النس‪##‬خ والعم‪##‬ل‬
‫بعض ال‪##‬وقت‪ ..‬والقس‪##‬م األول والث‪##‬اني ال وج‪##‬ود‪ #‬لهم‪##‬ا ألنهم‪##‬ا يس‪##‬تلزمان النقص‪##‬ان‬
‫وتحريف القرآن الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال السيد محمد ب‪##‬اقر الحكيم‪( :‬نس‪##‬خ التالوة دون الحكم‪:‬‬
‫ويقصد بهذا النسخ أن تكون هن‪##‬اك آي‪##‬ة قرآني‪##‬ة ن‪##‬زلت علی الرس‪##‬ول‪ ، #‬ثم نس‪##‬خت‬
‫تالوتها‪ #‬ونصها‪ #‬اللفظي مع االحتفاظ بما تضمنه من أحكام‪ ،‬وقد‪ #‬مثّلوا لهذا القسم بآية‬
‫الرجم التي رويت عن عمر بن الخطاب نصها‪( :‬إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما‪#‬‬
‫البت‪##‬ة نك‪##‬اال من هللا وهللا عزي‪##‬ز حكيم) حيث قي‪##‬ل إنه‪##‬ا ك‪##‬انت آي‪##‬ة في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫نسخت تالوتها مع االحتفاظ بحكمها‪ ..‬وهذا القسم وإن كاد يعترف به أكثر الب‪##‬احثين‬
‫من علماء الجمهور في علوم القرآن‪ ،‬إال أن‪##‬ه ال يك‪##‬اد يعترين‪##‬ا الش‪##‬ك ببطالن‪##‬ه وع‪##‬دم‬
‫ثبوته في القرآن الكريم عندما ندرسه بشكل موضوعي‪ ،‬وذل‪##‬ك ألن االع‪##‬تراف به‪##‬ذا‬
‫اللون من النصوص والروايات‪ #‬التي أوردتها‪ #‬بعض الكتب الص‪##‬حيحة الس‪##‬نية ي‪##‬ؤدي‬
‫بنا إلی االلتزام بالتحريف‪ #‬ألن منطوق ه‪##‬ذه الرواي‪##‬ات يص‪##‬ر علی ثب‪##‬وت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‬
‫وغيرها في القرآن الكريم ح‪##‬تی وف‪##‬اة رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬وأنه‪##‬ا س‪##‬قطت من‪##‬ه في الم‪##‬دة‬
‫المتأخرة من حياته‪ ..‬كذلك نجد أن هذه الروايات لم تص‪##‬ل إلين‪##‬ا إال بطري‪#‬ق‪ #‬اآلح‪##‬اد‪،‬‬
‫وال يجوز لنا أن نلتزم بالنسخ علی أساس رواية اآلحاد إلجماع المسلمين علی ذلك‪،‬‬
‫مضافا‪ #‬إلی طبيعة األش‪##‬ياء ال‪##‬تي تحكم بض‪##‬رورة ش‪##‬يوع األُم‪##‬ور المهم‪##‬ة بين الن‪##‬اس‬
‫ومن هذه األُمور‪ #‬المهمة نسخ آية من القرآن الك‪##‬ريم‪ ،‬فكي‪##‬ف يقتص‪##‬ر النق‪##‬ل في‪##‬ه علی‬
‫خبر اآلحاد ؟)(‪)2‬‬
‫وقال موض‪##‬ع آخ‪##‬ر‪( :‬لع‪##‬ل من أب‪##‬رز مظ‪##‬اهر ع‪##‬دم الض‪##‬بط وأبع‪##‬دها‪ #‬أث‪##‬را في‬
‫القرآن الكريم هوم‪#‬ا يق‪#‬ال عن نس‪#‬خ التالوة‪ ،‬حيث ال يمكن تفس‪#‬ير بعض النص‪#‬وص‬
‫التی تتحدث عن هذا النسخ ـ إذا أردنا أن نحس‪#‬ن الظن في الص‪##‬حابي ال‪##‬ذي رواه‪##‬ا ـ‬
‫إال علی أس‪##‬اس أن‪##‬ه ك‪##‬ان يس‪##‬مع من الن‪##‬بي ‪ ‬الح‪##‬ديث أوال‪##‬دعاء فيتص‪##‬وره قرآن‪##‬ا‬
‫أويختلط‪ #‬عليه األمر بعد ذل‪##‬ك‪ ،‬وإال فكي‪#‬ف نفس‪##‬ر ادع‪##‬اء عم‪##‬ر آي‪##‬ة ال‪#‬رجم‪ ،‬أوادع‪#‬اء‬
‫عائشة آية الرضاع‪ ،‬م‪#‬ع أنه‪##‬ا تص‪##‬رح أنه‪#‬ا مم‪#‬ا م‪#‬ات عن‪#‬ه الرس‪##‬ول وه‪#‬و يق‪##‬رأ من‬
‫القرآن ؟‪ ..‬وهل معنی ذلك إال القول بتحريف القرآن أواالل‪##‬تزام بع‪##‬دم ض‪##‬بط ه‪##‬ؤالء‬
‫الصحابة للنص القرآني بشكل كامل) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ق‪##‬ال العالم‪##‬ة محم‪##‬د حس‪##‬ين فض‪##‬ل هللا‪( :‬ونحن ال نواف‪##‬ق‬
‫علی نس‪##‬خ التالوة م‪##‬ع نس‪##‬خ الحكم أوبدون‪##‬ه‪ ،‬ألن ذل‪##‬ك ي‪##‬ؤدي‪ #‬إلی االل‪##‬تزام بتحري‪#‬ف‪#‬‬
‫‪ )(1‬التفسير الكاشف ‪.169 :1‬‬
‫‪ )(2‬علوم القرآن‪.204 :‬‬
‫‪ )(3‬علوم القرآن‪.291 :‬‬
‫‪410‬‬
‫القرآن ونقصانه‪ ،‬كما أنه لم يثبت إال بخبر الواح‪##‬د ال‪##‬ذي ال يثبت النس‪##‬خ ب‪##‬ه علی م‪##‬ا‬
‫هورأي‪ #‬جمهور المحققين مما هومذكور في محله) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال السيد الخوئي‪( :‬إن القول بنسخ التالوة هونفس القول‬
‫بالتحريف‪ #..‬ومستند‪ #‬هذا القول أخبار آحاد‪ ..‬وهي ال أث‪##‬ر له‪##‬ا في أمث‪##‬ال ه‪##‬ذا المق‪##‬ام‪،‬‬
‫فقد أجمع المسلمون علی أن النسخ ال يثبت بخبر الواحد‪ ،‬كما أن القرآن ال يثبت به‪،‬‬
‫والوج‪##‬ه في ذل‪##‬ك ـ مض‪##‬افا‪ #‬إلی اإلجم‪##‬اع ـ أن األُم‪##‬ور المهم‪##‬ة ال‪##‬تي ج‪##‬رت الع‪##‬ادة‬
‫بش‪##‬يوعها بين الن‪##‬اس‪ ،‬وانتش‪##‬ار‪ #‬الخ‪##‬بر عنه‪##‬ا علی ف‪##‬رض وجوده‪##‬ا‪ #‬ال تثبت بخ‪##‬بر‬
‫الواح‪##‬د‪ ،‬ف‪##‬إن اختص‪##‬اص نقله‪##‬ا ببعض دون بعض بنفس‪##‬ه دلي‪##‬ل علی ك‪##‬ذب ال‪##‬راوي‬
‫أوخطئه‪ ،‬وعلی هذا فكيف‪ #‬يثبت بخ‪##‬بر الواح‪##‬د أن آي‪##‬ة ال‪##‬رجم من الق‪##‬رآن‪ ،‬وأنه‪##‬ا ق‪##‬د‬
‫نسخت تالوتها وبقي حكمها) (‪)2‬‬
‫وق‪##‬ال في مح‪##‬ل آخ‪##‬ر‪( :‬وغ‪##‬ير خفي أن الق‪##‬ول بنس‪##‬خ التالوة بعين‪##‬ه الق‪##‬ول‬
‫ب‪##‬التحريف واالس‪##‬قاط‪ ،‬وبي‪#‬ان ذل‪##‬ك‪ :‬إن نس‪##‬خ التالوة ه‪##‬ذا إم‪##‬ا أن يك‪##‬ون ق‪##‬د وق‪#‬ع من‬
‫رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وإم‪##‬ا أن يك‪##‬ون ممن تص‪##‬دی للزعام‪##‬ة من بع‪##‬ده‪ ،‬ف‪##‬إن أراد الق‪##‬ائلون‬
‫بالنس‪#‬خ وقوع‪#‬ه من رس‪#‬ول هللا ‪ ‬فه‪#‬وأمر يحت‪#‬اج إلی اإلثب‪#‬ات‪ ،‬وق‪#‬د اتف‪#‬ق العلم‪#‬اء‬
‫أجمع علی عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد‪ ،‬وقد ص‪##‬رح ب‪##‬ذلك جماع‪##‬ة في كتب‬
‫األُصول وغيرها‪ ،‬بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ‬
‫الكتاب بالسنة المتواترة‪ ،‬وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدی الروايتين عنه‪ ،‬بل إن‬
‫جماعة ممن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه وعلی ذلك فكي‪##‬ف‬
‫تصح نسبة النسخ إلی النبي ‪ ‬بأخبار هؤالء الرواة‪ ،‬مع أن نسبة النس‪##‬خ إلی الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن االسقاط قد وقع بعده‪ ..‬وإن أرادوا‪ #‬أن‬
‫النسخ قد وقع من الذين تصدوا للزعامة بعد الن‪##‬بي ‪ ‬فه‪##‬و عين الق‪##‬ول ب‪##‬التحريف‪،‬‬
‫وعلی ذلك فيمكن أن يُ ّدعی أن القول بالتحريف هومذهب أك‪##‬ثر علم‪##‬اء أه‪##‬ل الس‪##‬نة‪،‬‬
‫ألنهم يقولون بجواز نسخ التالوة‪ ،‬سواء أنسخ الحكم أم لم ينسخ) (‪)3‬‬
‫‪ 2‬ـ نسخ األحكام‪:‬‬
‫بعد أن انتهى حفدة قتادة من ذك‪##‬ر مق‪##‬والت المنك‪##‬رين لنس‪##‬خ التالوة‪ ،‬وأدلتهم‪،‬‬
‫ق‪##‬ام أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ب‪##‬ورك فيكم‪ ..‬وفيم‪#‬ا‪ #‬ذكرتم‪##‬وه من أق‪##‬وال العلم‪##‬اء‪ ،‬وهي‬
‫تتوافق مع قدسية القرآن الكريم وحفظ هللا له‪ ،‬وأن‪##‬ا شخص‪##‬يا اقتنعت به‪##‬ا تمام‪##‬ا‪ ،‬ألن‬
‫القول السابق‪ #‬كان سببا إلشكاالت كثيرة‪ ،‬ال يمكن اإلجابة عنها إال بتعسف شديد‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬ومن أهمه‪##‬ا أن ذل‪##‬ك الق‪##‬ول ك‪##‬ان مطي‪##‬ة لك‪##‬ل من ي‪##‬زعم‬
‫تحريف‪ #‬القرآن الكريم‪ ،‬وخاصة مع وجود‪ #‬الروايات ال‪##‬تي اتخ‪##‬ذت مطي‪##‬ة ل‪##‬ذلك‪ ،‬من‬
‫أمثال‬
‫‪ )(1‬من وحي القرآن ‪.141 :2‬‬
‫‪ )(2‬البيان‪.304 :‬‬
‫‪ )(3‬البيان في تفسير القرآن‪.205 :‬‬
‫‪411‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬ومن أهمه‪##‬ا أن ذل‪##‬ك الق‪##‬ول ك‪##‬ان مطي‪##‬ة لك‪##‬ل من ي‪##‬زعم‬
‫تحريف‪ #‬القرآن الكريم‪ ،‬وخاصة مع وجود‪ #‬الروايات ال‪##‬تي اتخ‪##‬ذت مطي‪##‬ة ل‪##‬ذلك‪ ،‬من‬
‫أمثال ما يذكر عن جمع القرآن األول في زمن أبي بك‪##‬ر‪ ،‬حيث ت‪##‬ذكر أن م‪##‬ا دع‪##‬اهم‬
‫لذلك هو قتل كثير من قرّاء القرآن في يوم اليمام‪##‬ة أثن‪##‬اء محارب‪##‬ة مس‪##‬يلمة الك‪##‬ذاب؛‬
‫فعن ابن شهاب الزهري قال‪( :‬بلغنا أنه كان قرآن كثير‪ ،‬فقتل علم‪##‬اؤه ي‪##‬وم اليمام‪##‬ة‪،‬‬
‫الذين كانوا قد وعوه‪ ،‬ولم يعلم بعدهم ولم يكتب‪ ،‬فلما جمع أبو بك‪##‬ر وعم‪##‬ر وعثم‪##‬ان‬
‫القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن مجاهد قال‪( :‬كانت األحزاب مثل س‪##‬ورة البق‪##‬رة‬
‫أوأطول‪ #‬ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآن كثير‪ ،‬ولم يذهب منه حالل وال حرام) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما قال سفيان الث‪##‬وري‪( :‬وبلغن‪#‬ا أن أُناس‪#‬ا من أص‪#‬حاب الن‪##‬بي‬
‫‪ ‬كانوا يقرأون القرآن أصيبوا‪ #‬يوم مسيلمة فذهبت حروف من القرآن) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن عمر أنه قال ـ نقال عن رسول هللا ‪ ‬ـ أنه قال‪:‬‬
‫(القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف‪ ،‬فمن قرأه صابرا محتسبا فله‬
‫بكل حرف زوجة من الحور العين) (‪ ،)4‬وهو ي‪##‬ؤدي‪ #‬إلى الق‪##‬ول ب‪##‬أن أك‪##‬ثر من ثل‪##‬ثي‬
‫القرآن الكريم ضاع‪ ،‬ألن عدد أحرف القرآن الموجود‪ #‬بين أيدي المسلمين الي‪##‬وم ه‪##‬و‬
‫ثالثمائة ألف وثالثة وعشرون حرفا‪ #‬وستمائة وواحد وسبعون حرفا‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ما روي عن ابن عمر قال‪( :‬ال يقولن أحدكم قد أخذت القرآن‬
‫كلّه‪ ،‬وما يدريه ما كلّه! قد ذهب منه قرآن كثير‪ ،‬ولكن ليقل قد أخذت منه م‪##‬ا ظه‪##‬ر)‬
‫(‪)5‬‬
‫بعد أن انتهى الحضور من ذكر اقتناعهم بما أورده أحفاد قتادة من أدلة ح‪##‬ول‬
‫عدم صحة القول بنسخ التالوة‪ ،‬قام المعلم‪ ،‬وقال‪ :‬واآلن ننتقل إلى الن‪##‬وع الث‪##‬اني من‬
‫أنواع النسخ‪ ،‬وهو نسخ األحكام لنرى ما استجد لحفدة قتادة من القول بشأنه‪.‬‬
‫المنكرون للنسخ‪:‬‬
‫قام كبير الحفدة‪ ،‬وقال‪ :‬كما ذكرنا لكم أقوال وأدلة المنكرين للنوع األول من‬
‫النسخ؛ فإن العدل والشهادة هلل‪ ،‬تقتضي منا أن نذكر لكم أقوال وأدلة المنكرين للنوع‬
‫الثاني‪ ،‬وهو نسخ األحك‪##‬ام‪ ،‬وأنتم بع‪##‬دها في ح‪##‬ل من أم‪##‬ركم؛ إن ش‪##‬ئتم اتبعتم أولئ‪##‬ك‬
‫الذين ذكرن‪##‬اهم‪ #‬لكم أثن‪##‬اء تدريس‪##‬نا لكم‪ ،‬وإن ش‪##‬ئتم أن تتبع‪##‬وا ه‪##‬ؤالء ال‪##‬ذين كن‪##‬ا نكتم‬
‫أقوالهم‪ ،‬أو نشنع عليها من غير ذكرها أو ذكر أدلتها(‪.)6‬‬

‫‪ )(1‬المصاحف ألبي بكر بن أبي داود‪.31 :‬‬


‫‪ )(2‬التمهيد في شرح الموطأ ‪.275 :4‬‬
‫‪ )(3‬المصنف للصنعاني ‪.330 :7‬‬
‫‪ )(4‬الدر المنثور ‪.422 :6‬‬
‫‪ )(5‬الدر المنثور ‪.298 :2‬‬
‫‪ )(6‬انظر مقاال في هذا بعنوان‪ :‬إنكار النسخ في القرآن الكريم نظرةٌ تاريخيّة‪ ،‬د‪ .‬محمد تقي دياري بيدگلي‪ ،‬ود‪ .‬عزت هللا موالئي ني‪##‬ا‪ ،‬وأ‪ .‬محم‪##‬د‬
‫معظمي گودرزي‪ ،‬مجلة نصوص معاصرة‪.‬‬
‫‪412‬‬
‫من المدرسة الشيعية‪:‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولنبدأ بإخواننا‪ #‬من علماء اإلمامية‪ ..‬وأولهم أبو علي محمد بن أحمد‬
‫بن جني‪##‬د البغ‪##‬دادي ـ وه‪##‬و من كب‪##‬ار فقه‪##‬اء اإلمامي‪##‬ة‪ ،‬ومن مش‪##‬ايخ الش‪##‬يخ المفي‪##‬د‬
‫والنجاش‪#‬ي‪ #‬والطوس‪##‬ي ـ وه‪##‬و ص‪##‬احب كت‪##‬اب (الفس‪##‬خ على من أج‪##‬از النس‪##‬خ) (‪..)1‬‬
‫وواضح من عنوانه إنكاره للنسخ‪ ،‬لكن ال يوجد لألسف أث‪##‬ر لكتاب‪##‬ه‪ ..‬ومثل‪##‬ه ش‪##‬ريف‬
‫العلماء محمد شريف‪ #‬بن حسن علي المازندراني الحائري‪ ،‬ص‪##‬احب كت‪#‬اب (النس‪#‬خ‪،‬‬
‫وهل هو جائز عقال أم ال؟)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ولي هللا سرابي‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬أنك‪##‬ر وق‪##‬وع النس‪##‬خ بالكلي‪##‬ة؛ وذل‪##‬ك في‬
‫كتابه (إثبات اآليات‪ ،‬أو نسخ النس‪#‬خ عن كرام‪#‬ة الق‪#‬رآن)‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬اعت‪#‬بر آي‪#‬ات الناس‪#‬خ‬
‫والمنسوخ‪ #‬نوعا من التقييد والتخصيص‪ #‬وأمثال ذلك(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الس‪##‬يد هب‪##‬ة ال‪#‬دين الشهرس‪##‬تاني؛ وه‪##‬و ص‪#‬احب كت‪##‬اب(تنزي‪##‬ه‬
‫التنزيل)‪ ،‬والذي يدور‪ #‬حول النسخ والتحري‪##‬ف‪ ،‬وق‪#‬د اس‪#‬تدل في‪#‬ه على أن آي‪#‬ة النس‪#‬خ‬
‫متحدة مع آية المحو واإلثبات موضوعا؛ وذلك باالستناد‪ #‬إلى نفس سياق هذه اآليات‬
‫وآي‪##‬ات أخ‪##‬رى‪ ،‬واعت‪##‬بر أنه‪##‬ا دال‪##‬ة على نس‪##‬خ أحك‪##‬ام الت‪##‬وراة واإلنجي‪##‬ل والش‪##‬رائع‪#‬‬
‫السابقة‪ ،‬والنسخ ـ كم‪##‬ا يعتق‪##‬د ـ ه‪##‬و نس‪##‬خ الرحم‪##‬ة والنعم‪##‬ة الرباني‪##‬ة‪ ،‬أو المعج‪##‬زات‬
‫اإللهية‪.‬‬
‫وقد قال في كتابه ذل‪##‬ك‪( :‬ذك‪##‬ر أك‪##‬ثر المفس‪##‬رين ـ كالس‪##‬يوطي‪ #‬في (اإلتق‪##‬ان) ـ‬
‫مبحث التحريف في القرآن في ذيل مبحث النسخ‪ ،‬ويحتمل أن يك‪##‬ون ذل‪##‬ك ألج‪##‬ل أن‬
‫النسخ والتحريف يؤثران على جوهر الوحي والوث‪##‬وق ب‪##‬القرآن في حجيت‪##‬ه عموم‪##‬ا‪،‬‬
‫أي كل من يقول بوج‪##‬ود آي‪##‬ات منس‪##‬وخة في الق‪##‬رآن فإن‪##‬ه يق‪##‬ول أيض‪##‬ا بوج‪##‬ود آي‪##‬ات‬
‫محرفة‪ ..‬وإذا فتحنا الباب في إمكان النسخ والنسيان والتحريف نكون ق‪##‬د ش‪##‬ككنا في‬
‫حجية القرآن الكريم)(‪)4‬‬
‫وقال في رد النسخ في آية العدة‪( :‬نحن نوافق‪ #‬قول أستاذ المفسرين أبي مس‪##‬لم‬
‫محمد بن بحر‪ ،‬الذي صححه اإلمام الفخر الرازي‪ ،‬ومال إلي‪##‬ه الش‪##‬يخ محم‪##‬د عب‪##‬ده‪،‬‬
‫مف‪##‬تي ال‪##‬ديار المص‪##‬رية‪ ،‬وص‪##‬ححه تلمي‪##‬ذه محم‪##‬د رش‪##‬يد‪ #‬رض‪##‬ا الحس‪##‬يني‪ ،‬ص‪##‬احب‬
‫(المنار) (‪)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الس‪##‬يد عب‪##‬د الحج‪##‬ة بالغي‪ ،‬وه‪##‬و من مفس‪##‬ري الق‪##‬رن الراب‪##‬ع‬
‫عشر؛ فقد أنك‪##‬ر وج‪##‬ود الناس‪##‬خ والمنس‪##‬وخ‪ #‬في الق‪##‬رآن وش‪##‬رائع‪ #‬اإلس‪##‬الم‪ ،‬وذل‪##‬ك في‬
‫مقدمة تفسيره (حجة التفاسير وبالغ اإلكسير)‪ ،‬مقتديا بذلك بأبي مس‪##‬لم والس‪##‬يد هب‪##‬ة‬

‫معجم رجال الحديث ‪.335 :15‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الذريعة إلى تصانيف الشيعة ‪ 146 :24‬ـ ‪.147‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫انظر‪ :‬ولي هللا سرابي‪ ،‬إثبات اآليات‪ 39 :‬ـ ‪.40‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تنـزيه التنـزيل‪.12 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تنـزيه التنـزيل‪.38 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪413‬‬
‫ال‪##‬دين الشهرس‪##‬تاني(‪ ،)1‬وق ‪#‬د‪ #‬ق‪##‬ال في ذل‪##‬ك‪( :‬من العجب أن أب‪##‬ا مس‪##‬لم اإلص‪##‬فهاني‪،‬‬
‫المتوفى‪ #‬في عام ‪ 322‬للهج‪##‬رة‪ ،‬ينك‪##‬ر في كتاب‪##‬ه وق‪##‬وع النس‪##‬خ الك‪##‬ريم في حين ك‪##‬ان‬
‫اإلسالم آنذاك من جهة ت‪##‬وفر المبلغين المه‪##‬رة في نهاي‪##‬ة المق‪##‬درة والتس‪##‬لط؛ والي‪##‬وم‪،‬‬
‫واإلسالم‪ #‬بحاجة إلى المبلغين في جميع النواحي‪ ،‬يطبع كتاب (الناس‪##‬خ والمنس‪##‬وخ)‪،‬‬
‫البن المتوج‪ ،‬ويوضع في متناول األيدي‪ ،‬في الوقت الذي ق‪##‬دمنا في‪##‬ه األدل‪##‬ة على أن‬
‫ال ناسخ وال منسوخ في القرآن‪ ،‬حتى من باب التمثيل)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الشيخ محمد هادي معرفت‪ ،‬صاحب كتاب (التمهيد في علوم‬
‫القرآن)‪ ،‬الذي خصص قسما منه لمبحث النسخ‪ ،‬وخالل استعراضه لسبع آيات وق‪##‬ع‬
‫فيها النسخ‪ ،‬وبعد مناقشته آلراء المؤيدين والمعارضين‪ ،‬أقر بوق‪##‬وع‪ #‬النس‪##‬خ في تل‪##‬ك‬
‫اآليات‪ ،‬وهي‪( :‬آية النج‪##‬وى)‪ ،‬و(آي‪##‬ة ع‪##‬دد المق‪##‬اتلين)‪ ،‬و(آي‪##‬ة اإلمت‪##‬اع إلى الح‪##‬ول)‪،‬‬
‫و(آية التوارث باإليمان)‪ ،‬و(آي‪##‬ة الص‪##‬فح)‪ ،‬و(آي‪##‬ات المعاه‪##‬دة)‪ ،‬و(تدريجي‪##‬ة تش‪##‬ريع‬
‫القتال) ولكنّه في السنوات األخيرة من حياته كان ـ في كلماته الشفهية‪ ،‬وفي مقاالت‪##‬ه‬
‫الجديدة ـ يش ِّكك حتّى في هذه الموارد‪ ،‬ويحمل الروايات التي تصرح بوجود الناسخ‬
‫والمنسوخ‪ #‬على تخصيص العمومات وتقييد المطلقات في الكت‪##‬اب والس‪##‬نة‪ ..‬ثم بحث‬
‫وناقش‪ #‬اآليات الواردة في النسخ‪ ،‬وأوضح عدم التنافي‪ #‬بينها‪ ،‬وكان يستدل في أك‪##‬ثر‬
‫الموارد‪ #‬بكالم أستاذه السيد الخوئي‪ ،‬وقد‪ #‬قال في نهاي‪##‬ة حديث‪#‬ه‪( :‬من هن‪#‬ا فنحن ننك‪#‬ر‬
‫النسخ؛ إذ ال شاهد على وجوده‪ ،‬وكل ما استدل به فهو قابل للخدش‪ ،‬بل قابل للحم‪##‬ل‬
‫على معنى ثابت ومحكم‪ #‬ال يطاله النسخ أبدا)(‪)3‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه العالم‪##‬ة مرتض‪#‬ى‪ #‬العس‪#‬كري‪ ،‬حيث بحث مس‪#‬ألة النس‪##‬خ في‬
‫كتابه (القرآن الكريم وروايات المدرستين) بتفصيل‪ ،‬وقد‪ #‬ق‪##‬ال في مقدم‪##‬ة بحث‪##‬ه له‪##‬ا‪:‬‬
‫(ونحن نرى ّ‬
‫أن هللا لم ينزل على نبيّ‪##‬ه س‪##‬ورا وآي‪##‬ات قرآني‪##‬ة ث ّم نس‪##‬خ تالوته‪##‬ا بتات‪##‬ا‪،‬‬
‫سواء ما قيل عنه بمنسوخ الحكم والتالوة مع‪##‬ا أو م‪##‬ا قي‪##‬ل عن‪##‬ه منس‪##‬وخ التالوة دون‬
‫أن هللا سبحانه كان ينزل على‬ ‫الحكم‪ ..‬أ ّما نسخ الحكم المذكور‪ #‬في القرآن‪ ،‬فنرى فيه ّ‬
‫رسوله حكما مؤقتا بوحي غير قرآني يعمل به المس‪##‬لمون‪ ،‬وبع‪#‬د‪ #‬انته‪##‬اء أم‪##‬ده‪ ،‬ك‪##‬ان‬
‫ينسخه هللا ـ أيضا ـ ب‪#‬وحي‪ #‬غ‪#‬ير ق‪##‬رآني‪ ،‬أي‪ :‬يعلمهم انته‪##‬اء أم‪##‬د الحكم ث ّم ي‪##‬نزل هللا‬
‫وحيا قرآنيا‪ #‬يقصّ فيه خبر الحكم ونسخه‪ ،‬ومن الجائز أن نق‪##‬ول في م‪##‬ورد‪ #‬واح‪##‬د أو‬
‫أن الحكم المؤقت بعد أن نزل بوحي غير قرآني‪ #‬وعمل به المسلمون‪ ،‬ن‪##‬زل في‬ ‫أكثر ّ‬
‫أن ذلك الحكم المؤقت قد نسخ‪ ..‬وبناء على هذا‪ ،‬فليس في الق‪##‬رآن‬ ‫الذكر الحكيم بيان ّ‬
‫آية واحدة منسوخة)(‪)4‬‬
‫من المدرسة السنية‪:‬‬

‫حجّ ة التفاسير وبالغ اإلكسير ‪.53 :1‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫حجّ ة التفاسير وبالغ اإلكسير ‪.96 :7‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫نقال عن‪ :‬إنكار النسخ في القرآن الكريم نظرةٌ تاريخيّة‪ ،‬د‪ .‬محمد تقي دياري بيدگلي‪ ،‬وغيره‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫انظر‪ :‬مرتضى العسكري‪ ،‬القرآن الكريم وروايات المدرستين ‪.277 :2‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪414‬‬
‫قال آخر‪ :‬وعلى نفس الموقف‪ #‬نجد الكثير من علم‪#‬اء مدرس‪#‬تنا‪ ،‬ولع‪#‬ل أق‪#‬دمهم‬
‫ذاك الذي ضاع كتاب‪##‬ه في إنك‪##‬ار النس‪##‬خ‪ ،‬وه‪##‬و محم‪##‬د بن بح‪##‬ر اإلص‪##‬فهاني‪ ،‬المتكلم‬
‫والمفس‪##‬ر والمح‪##‬دث والنح‪##‬وي والش‪##‬اعر‪ ،‬وص‪##‬احب تفس‪##‬ير (ج‪##‬امع التأوي‪##‬ل لمحكم‬
‫التنزيل)‪ ،‬وكتاب (الناسخ والمنسوخ)؛ وقد أنكر وقوع النسخ الك‪##‬ريم‪ ..‬لكن ال يوج‪##‬د‬
‫لألسف أثر لكتابيه‪ :‬الناسخ والمنسوخ؛ والتفسير‪ ،‬سوى‪ #‬ما نقله منتقدو أفكاره(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله السيد أحمد خان الهندي‪ ،‬صاحب تفسير (تفسير القرآن وه‪##‬و‬
‫الهدى والفرقان) باللغة األردية؛ فقد كتب في بداية تفسيره ـ عند ذكر األصول‪ #‬ال‪##‬تي‬
‫اعتمدها ـ يقول‪( :‬ال يوجد ناسخ ومنسوخ في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬بمع‪##‬نى ع‪##‬دم نس‪##‬خ أي‬
‫من اآليات آلي‪#‬ات أخ‪#‬رى‪ ..‬والظ‪#‬اهر أن النس‪#‬خ الم‪#‬ذكور في اآلي‪#‬ة يتعل‪#‬ق بالش‪#‬رائع‬
‫السابقة على اإلسالم‪ ،‬وال يتعلق بآيات القرآن) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الشيخ محمد عبده‪ ،‬وهو مع كونه لم يصرح في كتب‪##‬ه بإنك‪##‬ار‬
‫النسخ‪ ،‬لكنه قام بتأويل اآليات واألدل‪##‬ة ال‪##‬تي ت‪##‬دل علي‪##‬ه‪ ،‬وص‪##‬رفها‪ #‬عن ظاهرها(‪..)3‬‬
‫وق‪#‬د‪ #‬فس‪##‬ر الناس‪##‬خ في ش‪##‬رحه لنهج البالغ‪##‬ة بأن‪##‬ه اآلي‪##‬ات المعني‪##‬ة برف‪##‬ع االعتق‪##‬ادات‬
‫الباطل‪##‬ة‪ ،‬وأحك‪##‬ام‪ #‬الش‪##‬رائع الس‪##‬ابقة‪ ،‬والمنس‪##‬وخ‪ #‬ه‪##‬و اآلي‪##‬ات الحاكي‪##‬ة عن الناس‪##‬خ‬
‫والمنسوخ‪ #‬في األديان السماوية الماضية(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الشيخ محمد رشيد رضا‪ ،‬وصاحب‪ #‬تفسير (المنار)؛ فقد أنكر‬
‫النس‪##‬خ تبع‪##‬ا ألس‪##‬تاذه‪ ،‬وق‪##‬ام‪ #‬بتأوي‪##‬ل اآلي‪##‬ات الثالث‪##‬ة الدال‪##‬ة على النس‪##‬خ‪ ،‬وفس‪##‬رها‬
‫بمعجزات وشرائع‪ #‬األنبياء السالفين (‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله األستاذ علي حسب هللا‪ ،‬وهو تلميذ الش‪##‬يخ محم‪##‬د الخض‪##‬ري‪،‬‬
‫وأستاذ‪ #‬الدكتور عبد المتعال الجبري‪ ،‬وهو مثل أستاذه وتلميذه قد حمل آي‪##‬ات النس‪##‬خ‬
‫الثالث على نسخ الكتب السماوية السابقة‪ ،‬أو نس‪##‬خ معج‪##‬زات الرس‪##‬ل‪ ،‬وأق‪##‬ام األدل‪##‬ة‬
‫على ذلك(‪ ..)6‬وخالل إشارته إلى رؤية أبي مسلم‪ ،‬وأس‪#‬تاذه محم‪#‬د الخض‪#‬ري‪ ،‬بحث‬
‫خمسة موارد‪ #‬قرآنية أقر ال‪##‬دكتور مص‪##‬طفى زي‪##‬د في كتاب‪##‬ه (النس‪##‬خ الك‪##‬ريم) بكونه‪##‬ا‬
‫منسوخة‪ ،‬واستدل حسب هللا على بطالن النسخ فيها(‪.)7‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل‪#‬ه ال‪#‬دكتور‪ #‬أحم‪#‬د حج‪#‬ازي‪ #‬الس‪#‬قا‪ ،‬وه‪#‬و من األس‪##‬اتذة والكت‪##‬اب‬
‫المشهورين في جامعة مصر واألردن‪ ،‬وقد‪ #‬كتب كتابه (ال نسخ في القرآن) في ه‪##‬ذا‬
‫المجال‪ ،‬وكان يعتقد أن النسخ باآليات واألحك‪##‬ام‪ #‬العملي‪##‬ة للت‪##‬وراة‪ ،‬وأن الغ‪##‬رض من‬

‫مناهل العرفان ‪.82 :2‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تفسير القرآن وهو الهدى والفرقان ‪.18 :1‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫علي حسن العريض‪ ،‬فتح المنان في نسخ القرآن‪ 208 :‬ـ ‪.212‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫شرح نهج البالغه‪.25 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) ‪.345 :1‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫أصول التشريع اإلسالمي‪ 306 :‬ـ ‪.312‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫أصول التشريع اإلسالمي‪ 303 :‬ـ ‪.304‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪415‬‬
‫ن‪##‬زول الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم ه‪##‬و التخفي‪##‬ف على الن‪##‬اس(‪ ..)1‬وق‪##‬د أش‪##‬ار إلى ع‪##‬واقب الق‪##‬ول‬
‫بالنسخ‪ ،‬وخطورته‪ ،‬فقال‪( :‬أنا أدعو العلماء والفالسفة وك‪##‬ل من يع‪##‬رف دين هللا إلى‬
‫أن يعيروا اهتماما لهذه المس‪##‬ألة الخط‪##‬يرة‪ ،‬ويجب عليهم إنك‪##‬ار النس‪##‬خ بال‪##‬دليل‪ ،‬وأن‬
‫يكتبوا كثيرا حول هذه المسألة) (‪)2‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬ومثل‪#‬ه ال‪#‬دكتور‪ #‬عب‪#‬د المتع‪#‬ال الج‪#‬بري‪ ،‬وه‪#‬و من المط‪#‬رودين من‬
‫جامع‪##‬ة األزه‪#‬ر‪ ،‬ومن تالم‪##‬ذة أحم‪##‬د حج‪##‬ازي الس‪#‬قا وعلي حس‪##‬ب هللا؛ فق‪#‬د كتب في‬
‫بداي‪##‬ة كتاب‪##‬ه (النس‪##‬خ في الش‪##‬ريعة اإلس‪##‬المية كم‪##‬ا أفهم‪##‬ه) موض‪##‬وعا تحت عن‪##‬وان‬
‫(الناسخ والمنسوخ‪ #‬بين اإلثبات والنفي)‪ ،‬ونفى فيه وقوع‪ #‬النسخ في الشريعة مطلق‪##‬ا‪،‬‬
‫وقد‪ #‬أحدث الكتاب ض‪##‬جة كب‪##‬يرة‪ ،‬ألفت إثره‪##‬ا الكتب والمق‪##‬االت في نق‪##‬د أفك‪##‬اره‪ ..‬ثم‬
‫كتب كتابا آخر تحت عنوان (ال نسخ في القرآن‪ ،‬لماذا؟‪ ،)..‬وه‪##‬و تتم‪##‬ة لكتاب‪##‬ه األول‬
‫في الدفاع عن آرائه وأفكاره؛ فه‪##‬و يعتق‪##‬د أن وج‪##‬ود‪ #‬النس‪##‬خ بمثاب‪##‬ة نس‪##‬بة الجه‪##‬ل إلى‬
‫هللا(‪ ،)3‬وشاهد على التناقض واالختالف في النصوص‪ ،‬ويل‪#‬زم من‪#‬ه الح‪#‬ط من قيم‪#‬ة‬
‫القرآن؛ ألنه يكشف عن اختالط أفكار صاحبه وتشويشها‪ ،‬ودليل على عدم ص‪##‬دوره‬
‫من شخص واحد‪ ،‬بل مقطوعات مبعثرة من هنا وهناك‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله جواد موسى محمد عفانه‪ ،‬فقد ق‪##‬ال مبين‪##‬ا ع‪##‬واقب الق‪##‬ول ب‪##‬ه‪:‬‬
‫(بالغ الكثير من مدعي النسخ في كثرة وجود‪ #‬النسخ‪ ،‬حتى وصلت دعوى النسخ إلى‬
‫مئات اآليات‪ ،‬مما ينذر بخطر ذلك‪ ،‬والضرر المترتب على الشريعة والق‪##‬رآن من‪##‬ه)‬
‫(‪ ..)4‬وقال مثنيا على أبي مسلم‪ ،‬وإنكاره للنسخ‪( :‬فقد نجح في تعليل رأيه‪ ،‬واإلجاب‪##‬ة‬
‫على دعاوى النسخ المشهورة‪ ،‬بشكل صحيح ومقنع)(‪)5‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ال‪##‬دكتور‪ #‬محم‪##‬د ص‪##‬الح علي مص‪##‬طفى‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال في كتاب‪##‬ه‬
‫(النسخ في القرآن الكريم‪ ،‬مفهومه وتاريخه ودعاواه) ـ خالل إشارته إلى المنكرين‪،‬‬
‫أمثال أبي مسلم ومحمد الغزالي ومحمد الخضري‪ #‬وعبد المتعال الجبري وأبو زهرة‬
‫ـ‪( :‬إن االختالف بين المؤي‪##‬دين والمعارض‪##‬ين في مس‪##‬ألة النس‪##‬خ اختالف ص‪##‬وري‪،‬‬
‫وليس ل‪##‬ه عالق‪###‬ة بج‪###‬وهر وحقيق‪###‬ة النس‪###‬خ‪ ،‬ب‪###‬ل االختالف في االس‪###‬م والمس‪###‬مى‪،‬‬
‫واالختالف‪ #‬الحقيقي وق‪##‬ع بين بعض أه‪##‬ل اإلف‪##‬راط والتفري‪##‬ط) (‪ ،)6‬لكن‪##‬ه ختم كالم‪##‬ه‬
‫بقوله‪( :‬أنا أقول بالنسخ في خطبي ومحاضراتي‪ #‬في ثالثة موارد فقط‪ ،‬ولكني عندما‬
‫أريد نقل ذلك إلى الكتابة فإنني ال أقول بالنسخ‪ ،‬حتى في تلك الموارد‪ #‬الثالثة) (‪)7‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله عبد الرحمن الوكيل‪ ،‬فقد ق‪##‬ال في تعليق‪##‬ه على كت‪##‬اب (روض‬

‫أحمد الحجازي السقّا‪ ،‬ال نسخ في القرآن‪.224 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫ال نسخ في القرآن‪.233 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫عبد المتعال الجبري‪ ،‬الناسخ والمنسوخ بين اإلثبات والنفي‪.202 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الرأي الصواب في منسوخ الكتاب‪.12 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الرأي الصواب في منسوخ الكتاب‪.67 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫النسخ في القرآن الكريم‪ 17 :‬ـ ‪.62‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫النسخ في القرآن الكريم‪.42 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪416‬‬
‫األنف)‪( :‬ال بد لنا من الحذر من قبول نظرية النسخ‪ ،‬وأن ننكرها إنكارا ج‪##‬ديا؛ ألن‪##‬ه‬
‫يحتمل في فرض قبول هذه النظرية أن نحكم ـ جهال بالواقع ـ ببطالن آي‪##‬ة‪ ،‬ونك‪##‬ون‬
‫بهذا قد حكمنا ببطالن ما كان حقا)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله محمد أبو زهرة‪ ،‬فقد ذكر من قال بإنكار‪ #‬النسخ‪ ،‬وعلق علي‪##‬ه‬
‫بقول‪##‬ه‪( :‬اس‪##‬تطعنا بس‪##‬هولة الجم‪##‬ع بين جمي‪##‬ع اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي ادعي النس‪##‬خ فيه‪##‬ا‪ ،‬ع‪##‬بر‬
‫التأويل القريب أو التخصيص‪ ،‬بل لم تكن هناك حاجة إلى التأوي‪#‬ل والتخص‪#‬يص‪ #‬في‬
‫بعض األحيان)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الشيخ محمد محمود ن‪##‬دا؛ فق‪##‬د أنك‪##‬ر النس‪##‬خ في كتاب‪##‬ه (النس‪##‬خ‬
‫بين المؤيدين والمعارضين)‪ ،‬حيث قال تحت عنوان (ليس في القرآن آيات معطلة)‪:‬‬
‫(ال نجد نصا صريحا‪ #‬من القرآن‪ ،‬أو نصا متواترا‪ ،‬يقول‪ :‬إن هذا الحكم ناس‪#‬خ للحكم‬
‫الفالني) (‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله إيهاب حس‪##‬ن عب‪##‬ده؛ فق‪##‬د أنك‪##‬ر بش‪##‬دة وج‪##‬ود‪ #‬النس‪##‬خ‪ ،‬واعت‪##‬بر‬
‫منشأه اليهود؛ إذ يقول‪( :‬والحق هو أن يد الن‪##‬اس ق‪##‬ديما‪ #‬عن‪##‬دما ط‪##‬الت الكتب اإللهي‪##‬ة‬
‫حذفا وإضافة على طبق هواها ظهر التناقض واالختالف‪ #‬في تلك الكتب‪ ،‬وهو نفس‬
‫السبب الذي دعا المعاصرين إلى القول بالنسخ)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الشيخ محمد الغزالي؛ وق‪##‬د خص‪##‬ص فص‪##‬ال للنس‪##‬خ في كتاب‪##‬ه‬
‫(نظرات في القرآن)‪ ،‬استهله بقوله‪( :‬هل في القرآن آيات معطلة األحك‪##‬ام‪ ،‬بقيت في‬
‫المصحف‪ #‬للذكرى والتاريخ كما يقولون‪ ،‬تقرأ التماسًا ألجر التالوة فحس‪##‬ب‪ ،‬وينظ‪#‬ر‪#‬‬
‫إليها كما ينظ‪#‬ر إلى التح‪#‬ف الثمين‪#‬ة في دور اآلث‪#‬ار‪ ،‬غاي‪#‬ة م‪#‬ا ي‪#‬رجى من المحافظ‪#‬ة‬
‫عليها إثبات المرحلة التي أدتها في الماضي‪ ،‬أم‪#‬ا الحاض‪#‬ر والمس‪#‬تقبل فال ش‪#‬أن له‪#‬ا‬
‫بهما؟‪ ..‬من المسلمين من ي‪##‬رون ه‪##‬ذا ال‪##‬رأي حين يقول‪##‬ون بالناس‪##‬خ والمنس‪##‬وخ على‬
‫أساس أن الناسخ األخير أبطل ما صدر‪ #‬قبله من أحك‪##‬ام‪ ،‬وهم يلج‪##‬أون إلى ه‪##‬ذا الفهم‬
‫إعماالً للنص األخير‪ ،‬ودفعًا لما يتوهم من تناقض بين ظواهر‪ #‬اآلي)(‪)5‬‬
‫ثم رد على هذا وبين أن جمي‪##‬ع آي‪##‬ات الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم يمكن تفعيله‪##‬ا في الحي‪##‬اة‬
‫مثل األدوية المختلفة‪ ،‬والتي تتناسب مع كل حالة؛ فقال‪( :‬ونحن ال نميل إلى المسير‬
‫مع هذا االتجاه‪ ،‬بل ال نرى ضرورة لألخذ به‪ ،‬وس‪##‬نرى‪ #‬عن‪##‬د تحقي‪##‬ق الموض‪##‬وع أن‬
‫التناقض المتوهم ال محل له‪ ،‬وأن التشريعات النازلة في أمر ما مرتب‪##‬ة ترتيبً‪##‬ا دقيقً‪##‬ا‬
‫بحيث تنفرد كل آية بالعمل في المجال المهيأ لها؛ فإذا ذهب هذا المجال وجاء غ‪##‬يره‬
‫تلقفته آية أخرى بتوجيه يناسبه وهكذا‪ ،‬فهل هذا التدرج في التشريع يسمى نس‪ً ##‬خا؟‪..‬‬
‫إن األدوية تبقى ما بقيت األدواء المرصدة لها‪ ،‬وال‪##‬دواء ال‪##‬ذي ينجح في عالج حال‪##‬ة‬
‫الروض األنف في شرح السيرة النبوية ‪ 12 :3‬ـ ‪.13‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أصول الفقه‪.194 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫محمد محمود ندا‪ ،‬قرؤو بين المؤيِّدين والمعارضين‪.67 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫إيهاب حسن عبده‪ ،‬استحالة وجود النسخ بالقرآن‪.272 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.194‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪417‬‬
‫ضا من قيمته‪ ..‬ب‪##‬ل إن‬ ‫ما ربما ال يذكر في عالج حالة أخرى مخالفة‪ ،‬وهذا ال يعد غ ًّ‬
‫المرض الواحد قد يحتاج إلى سلسلة متعاقبة من األشفية‪ ،‬تستقيم مع مراح‪##‬ل س‪##‬يره‪،‬‬
‫وض‪##‬روب‪ #‬مض‪##‬اعفاته‪ ،‬وأعق‪##‬اب الخالص من‪##‬ه! وارتب‪##‬اط ك‪##‬ل دور من أدوار العل‪##‬ة‬
‫بدواء معين ش‪##‬يء ط‪##‬بيعي‪ ،‬وال مع‪##‬نى لت‪##‬وهين دواء بع‪##‬دت الحاج‪##‬ة عن‪##‬ه اآلن‪ ،‬فق‪##‬د‬
‫يحتاج إليه آخرون‪ ،‬ونصوص القرآن الكريم ال تخرج عن حدود هذا الشبه!) (‪)1‬‬
‫ثم ذكر الغلو الذي وقع فيه المفس‪##‬رون وغ‪##‬يرهم في ادع‪##‬اء النس‪##‬خ في الكث‪##‬ير‬
‫من اآليات الواضحة المحكمة‪ ،‬فقال‪( :‬وقد عجبن‪##‬ا من استش‪##‬راء الق‪##‬ول بالنس‪##‬خ عن‪##‬د‬
‫بعض المفسرين حتى رأينا من يجعل المستثنى ناس‪ً #‬خا للمس‪##‬تثنى من‪##‬ه؛ ف‪##‬إذا ق‪##‬ال هللا‬
‫اس فِي‬ ‫ت َو ْالهُ‪#‬دَى ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬د َم‪##‬ا بَيَّنَّاهُ لِلنَّ ِ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَ ْكتُ ُمونَ َم‪##‬ا أَ ْن َز ْلنَ‪##‬ا ِمنَ ْالبَيِّنَ‪##‬ا ِ‬
‫ك يَ ْل َعنُهُ ُم هَّللا ُ َويَ ْل َعنُهُ ُ‪#‬م الاَّل ِعنُونَ ﴾ [البقرة‪ ]159 :‬قالوا‪ :‬إن هذه اآلية منس‪##‬وخة‬ ‫ب أُولَئِ َ‬ ‫ْال ِكتَا ِ‬
‫ك أَتُ‪##‬وبُ‬ ‫بما جاء بعدها‪ ،‬وهو قوله عز وجل‪﴿ :‬إِاَّل الَّ ِذينَ تَابُوا َوأَصْ لَحُوا‪َ #‬وبَيَّنُوا فَأُولَئِ ‪#َ #‬‬
‫َّحي ُم﴾ [البقرة‪ ،]160 :‬وهذا شطط مث‪##‬ير في إبط‪##‬ال اآلي‪##‬ات ألوهى‬ ‫َعلَ ْي ِه ْم َوأَنَا التَّوَّابُ الر ِ‬
‫شبهة تعلق بالذهن‪ ،‬والذهاب مع هذا الفهم الخطأ ه‪##‬و ال‪##‬ذي س‪##‬وغ لبعض المفس‪##‬رين‬
‫إبطال جميع اآليات النازلة في معاملة الكف‪#‬ار باآلي‪##‬ة ال‪#‬تي ن‪#‬زلت في س‪##‬ورة التوب‪#‬ة‪،‬‬
‫والتي تسمى آية السيف‪َ ﴿ :‬وقَاتِلُوا‪ْ #‬ال ُم ْش ِر ِكينَ َكافَّةً َك َما يُقَاتِلُونَ ُك ْ‪#‬م َكافَّةً َوا ْعلَ ُموا أَ َّن هَّللا َ‬
‫َم َع ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [التوبة‪ ،]36 :‬وال ريب أن تحكيم هدى هذه اآلية في كل معاملة مع الكفار‪،‬‬
‫وإلغاء ما سبقها من آيات بينات يعتبر جرأة غريبة على الوحي‪ ،‬وهذا التفسير ـ إلى‬
‫جانب أنه خطأ ـ ه‪##‬و ظلم للق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وحي‪##‬ف على أس‪##‬لوبه المحكم‪ ،‬في معامل‪##‬ة‬
‫صنوف‪ #‬البشر)(‪)2‬‬
‫ثم ذكر الفرق بين التفصيل والتخصيص والتقييد والنسخ‪ ،‬فقال‪( :‬نعم‪ ،‬قد يقع‬
‫في القرآن تفصيل بعد إجمال‪ ،‬أو تقييد بعد إطالق‪ ،‬أو تخصيص بع‪##‬د تعميم‪ ،‬بي‪##‬د أن‬
‫ذلك شيء غير الزعم بأن هناك آيات بط‪##‬ل حكمه‪##‬ا‪ ،‬أو وق‪#‬ف‪ #‬تنفي‪##‬ذها‪ ..‬وإذا فس‪##‬روا‪#‬‬
‫وقوع‪ #‬النسخ في القرآن بالمعنى األول فال بأس من قبوله‪ ،‬أما إذا فهم النسخ على أنه‬
‫إبطال لحكم سبق نزول‪##‬ه واإلتي‪##‬ان بحكم جدي‪##‬د أص‪##‬لح من‪##‬ه للن‪##‬اس‪ ،‬أو أدنى من‪##‬ه إلى‬
‫الحق‪ ،‬فذلك ما ننفيه نفيًا باتًّا) (‪)3‬‬
‫ثم ذكر بعض العواقب الخطيرة جراء القول بذلك‪ ،‬فقال‪( :‬وتط‪##‬رق ه‪##‬ذا الفهم‬
‫إلى األذهان هو الذي سول لألستاذ أحم‪##‬د أمين أن يطلب إلى المس‪##‬لمين ت‪##‬رك بعض‬
‫األحكام الواردة في كتابهم‪ ،‬وحجته أن الزمان تغير‪ ،‬وأحوال الناس ط‪##‬رأ عليه‪##‬ا م‪##‬ا‬
‫لم يكن في القرون األولى‪ ،‬وإذا كانت أحكام تبدلت في أقل من ربع قرن ـ كما يزعم‬
‫ـ فإن حكمة التبديل أظهر بعد مرور أربع‪#‬ة عش‪#‬ر قرنً‪#‬ا‪ ،‬وه‪#‬ذا كالم مته‪#‬افت س‪#‬قيم‪،‬‬

‫‪ )(1‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.194‬‬


‫‪ )(2‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ )(3‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪418‬‬
‫القرآن؟!)(‪)1‬‬ ‫أظنه كتب في ساعة غيبوبة! وأين هي األحكام التي تبدلت في‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله الشيخ محمد خضري بك‪ ،‬فقد ذكر في كتابه (تاريخ التش‪##‬ريع‬
‫اإلس‪##‬المي)‪ ،‬وفي ذي‪##‬ل بحث (حجي‪##‬ة الق‪##‬رآن)‪ ،‬أن العم‪##‬ل بجمي‪##‬ع نص‪##‬وص الق‪##‬رآن‬
‫الكريم واجب‪ ،‬وقال‪( :‬هنا مسألة يجب التنبي‪##‬ه له‪##‬ا‪ ،‬وإرخ‪##‬اء العن‪##‬ان للقلم ح‪##‬تى يبل‪##‬غ‬
‫الغاية من بيانها‪ ،‬وهي هل من آيات القرآن ما بطل التكليف ب‪##‬ه لحل‪##‬ول تكلي‪##‬ف آخ‪##‬ر‬
‫محله؟! أو بعبارة أخرى هل من آيات القرآن ما هو منسوخ فال يجب العمل به؟! إن‬
‫ه‪##‬ذه مس‪##‬ألة خط‪##‬يرة‪ ،‬وعلى المتكلم فيه‪##‬ا أن يق‪##‬دم الحج‪##‬ة القاطع‪##‬ة أم‪##‬ام م‪##‬ا يري‪##‬د أن‬
‫يقوله‪ ،‬بعد أن ثبت أن القرآن حجة قاطعة يجب االستمساك‪ #‬بنصوصه كله‪##‬ا والعم‪##‬ل‬
‫بها) (‪)2‬‬
‫ثم شرع بطريق‪ #‬اإلحصاء الواقعي‪ ،‬ال بطريق الجدل النظ‪##‬ري‪ #‬يثبت أن آي‪##‬ات‬
‫القرآن جميعًا محكمة‪ ،‬وأنه ما من آية قيل بنس‪##‬خها إال ك‪##‬ان الق‪##‬ول بإعماله‪##‬ا أبين في‬
‫العين وأرجح لدى الموازنة‪ ،‬واالستقراء دليل ال يتحم‪##‬ل لجاج‪##‬ة؛ فليجته‪#‬د‪ #‬من يش‪##‬اء‬
‫إثبات إمكان النسخ؛ فاإلمكان شيء ووقوعه في الكتاب العزيز ش‪##‬يء آخ‪##‬ر يح‪##‬دث؛‬
‫ألن كل آية ظن نسخها يستبين لدى التأمل أنها ناف‪##‬ذة الحكم‪ ..‬وص‪##‬دق‪ #‬هللا العظيم ﴿اَل‬
‫ح ِمي ٍد﴾ [فصلت‪]42 :‬‬ ‫اط ُل ِم ْن بَ ْي ِن يَ َد ْي ِه َواَل ِم ْن خَ ْلفِ ِه تَ ْن ِزي ٌل ِم ْن َح ِك ٍيم َ‬‫يَأْتِي ِه ْالبَ ِ‬
‫وقال‪( :‬النسخ في اصطالح الفقهاء يطل‪##‬ق على معن‪##‬يين‪ :‬األول‪ :‬إبط‪##‬ال الحكم‬
‫المستفاد من نص سابق بنص الح‪##‬ق‪ ،‬ومثال‪##‬ه م‪##‬ا ورد في ح‪##‬ديث‪( :‬كنت نهيتكم عن‬
‫زي‪##‬ارة القب‪##‬ور‪ ،‬أال فزوروه‪##‬ا)‪ ،‬ف‪##‬النص األول‪ :‬يطلب الك‪##‬ف عن الزي‪##‬ارة‪ ،‬والنص‬
‫الثاني‪ :‬يرفع ذل‪##‬ك النهي ويح‪#‬ل محل‪#‬ه اإلباح‪##‬ة أو الطلب‪ ..‬الث‪#‬اني‪ :‬رف‪#‬ع عم‪##‬وم نص‬
‫َّص‪#‬نَ‬‫‪#‬ات يَت ََرب ْ‬ ‫﴿و ْال ُمطَلَّقَ‪ُ #‬‬ ‫سابق أو تقييد مطلقه‪ ،‬ومثاله قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة البق‪##‬رة‪َ :‬‬
‫بِأ َ ْنفُ ِس ِه َّن ثَاَل ثَةَ قُرُو ٍء﴾ [البقرة‪ ،]228 :‬ثم قال في سورة األحزاب‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا إِ َذا‬
‫ت ثُ َّم طَلَّ ْقتُ ُموه َُّن ِم ْن قَب ِْل أَ ْن تَ َمسُّوه َُّن فَ َما لَ ُك ْم َعلَ ْي ِه َّن ِم ْن ِع َّد ٍة تَ ْعتَ ‪ُّ #‬دونَهَا‬
‫نَكَحْ تُ ُم ْال ُم ْؤ ِمنَا ِ‬
‫فَ َمتِّعُ‪##‬وه َُّن َو َس‪ِّ ##‬رحُوه َُّن َس‪َ ##‬راحًا َج ِمياًل ﴾ [األح‪###‬زاب‪ ،]49 :‬ف‪##‬إن النص األول ع‪##‬ام ينتظم‬
‫خاص‪#‬ا به‪##‬ا‪..‬‬ ‫ًّ‬ ‫المدخول بها وغيرها‪ ،‬والنص الثاني يعطى غير الم‪##‬دخول به‪##‬ا حك ًم‪##‬ا‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت ثُ َّم لَ ْم يَ‪##‬أتوا بِأرْ بَ َع‪ِ #‬ة‬
‫ُ‬ ‫ص ‪#‬نَا ِ‬ ‫﴿والَّ ِذينَ يَرْ ُمونَ ْال ُمحْ َ‬ ‫وكذلك قوله تعالى في سورة النور‪َ :‬‬
‫اس ‪#‬قونَ ﴾ [الن‪##‬ور‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُشهَدَا َء فَاجْ لِدُوهُْ‪#‬م ثَ َمانِينَ َج ْل َدةً َواَل تَ ْقبَلُوا لهُ ْم شهَا َدة أبَدًا َوأولئِكَ ه ُم الف ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اجهُ ْم َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ْم ُش ‪#‬هَدَا ُء إِاَّل أَ ْنفُ ُس ‪#‬هُ ْم فَ َش ‪#‬هَا َدةُ‬‫﴿والَّ ِذينَ يَرْ ُم‪##‬ونَ أَ ْز َو َ‬ ‫‪ ]4‬ثم عقب ذل‪##‬ك‪َ :‬‬
‫ين﴾ [النور‪]6 :‬؛ فإن النص األول ع‪##‬ام ينتظم‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫هَّلل‬
‫ت بِا ِ إِنهُ ل ِمنَ الصَّا ِدقِ َ‪#‬‬ ‫أَ َح ِد ِه ْم أَرْ بَ ُع َشهَادَا ٍ‬
‫جمي‪##‬ع الق‪##‬اذفين أزوا ًج‪##‬ا ك‪##‬انوا أم غ‪##‬ير أزواج‪ ،‬والنص الث‪##‬اني جع‪##‬ل لألزواج حك ًم‪##‬ا‬
‫صا بهم حيث جعل أيمانهم‪ #‬الخمس قائمة مقام الشهداء األربعة‪ ،‬وجعل للمرأة حق‬ ‫خا ًّ‬
‫الخالص من حد الزنا بأيمانها‪ #‬الخمس‪ ..‬ومثال تقييد المطلق قول‪##‬ه تع‪##‬الى فى س‪##‬ورة‬
‫ت َعلَ ْي ُك ُم ْال َم ْيتَ ‪#‬ةُ َوال ‪َّ #‬د ُم﴾ [المائ‪##‬دة‪ ،]3 :‬وق‪##‬ال في آي‪##‬ة أخ‪##‬رى في س‪##‬ورة‬ ‫المائ‪##‬دة‪ُ ﴿ :‬ح‪##‬رِّ َم ْ‬
‫‪ )(1‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ )(2‬محمد خضري بك‪ ،‬تاريخ التشريع اإلسالمي‪.19 :‬‬
‫‪419‬‬
‫ي ُم َح َّر ًما‪َ #‬علَى طَا ِع ٍم يَ ْ‬
‫ط َع ُمهُ إِاَّل أَ ْن يَ ُكونَ َم ْيتَةً أَوْ‬ ‫األنعام‪﴿ :‬قُلْ اَل أَ ِج ُد فِي َما أُ ِ‬
‫وح َي إِلَ َّ‬
‫َد ًما َم ْسفُوحًا﴾ [األنعام‪ ،]145 :‬فالنص األول مطلق للدم المحرم‪ ،‬والث‪##‬اني مقي‪##‬د ل‪##‬ه بال‪##‬دم‬
‫المسفوح‪ ،‬وه‪#‬ذا الن‪#‬وع الث‪##‬اني موج‪##‬ود‪ #‬في الق‪##‬رآن ب‪#‬دون ن‪#‬زاع‪ ،‬س‪#‬واء كن‪#‬ا نعلم من‬
‫ت‪##‬اريخ التنزي‪##‬ل أن الع‪##‬ام والمطل‪##‬ق س‪##‬ابقان في التنزي‪##‬ل على الخ‪##‬اص‪ ،‬والمقي‪##‬دان‬
‫متأخران عنه‪ ،‬وس‪#‬واء ك‪##‬ان المت‪#‬أخر متص‪#‬الً أم متراخيً‪##‬ا‪ ،‬وس‪#‬واء س‪##‬رنا م‪#‬ع بعض‬
‫الفقهاء الذين يطلقون على المتراخي من الخاص والمقيد أنه ناس‪##‬خ للع‪##‬ام والمطل‪##‬ق‪،‬‬
‫تخصيص‪#‬ا وتقيي‪#‬دًا ألن األس‪##‬ماء ال تهمن‪##‬ا بع‪##‬د االتف‪##‬اق على‬ ‫ً‬ ‫أم سرنا م‪##‬ع من يس‪##‬ميه‬
‫وجود‪ #‬المسميات‪ ،‬ويكفي أن نقول إن العام والمطلق‪ #‬لم ينلهما اإلبطال‪ ،‬ف‪##‬إن الع‪##‬ام ال‬
‫يزال فيما عدا ما دل على خروجه من دائرة الحكم السابق‪ ،‬ويرجع‪ #‬ذلك إلى األصل‬
‫الذي قررناه في التشريع اإلسالمي‪ .‬وه‪##‬و الت‪##‬درج في التش‪##‬ريع والتنزي‪##‬ل‪ ،‬بحيث إذا‬
‫أكم‪##‬ل ال‪##‬دين يؤخ‪##‬ذ الع‪##‬ام وم‪##‬ا خصص‪##‬ه كأنهم‪##‬ا نص واح‪##‬د‪ ،‬عام‪##‬ة كالمس‪##‬تثنى من‪##‬ه‬
‫وخاصة كالمستثنى) (‪)1‬‬
‫ثم بين أن النسخ الحقيقي‪ ،‬بمفهومه الذي ذكره الفقهاء‪ ،‬وهو إبطال حكم اآلي‪##‬ة‬
‫إبطاال تاما‪ ،‬غير صحيح‪ ،‬وغير موجود في القرآن الكريم‪ ،‬فقال‪( :‬أما الن‪##‬وع األول‪:‬‬
‫وهو وجود‪ #‬نص من القرآن أبطل حكمه‪ ،‬أو بتس‪##‬اهل في العب‪##‬ارة‪ :‬انتهى أم‪##‬د حكم‪##‬ه‬
‫ولم يعد بقاؤه إال بصفة أنه ذكر يتلى‪ ،‬فهو محل نظ‪##‬ر‪ ..‬إن إبط‪##‬ال نص الح‪##‬ق لنص‬
‫سابق موقوف على أحد أمرين‪ :‬أولهم‪##‬ا‪ :‬أن ينص الالح‪##‬ق على أن‪##‬ه ناس‪##‬خ للس‪##‬ابق‪..‬‬
‫ثانيهم‪##‬ا‪ :‬أن يك‪##‬ون بين النص‪##‬ين تن‪##‬اقض بحيث ال يمكن الجم‪##‬ع بينهم‪##‬ا‪ ..‬فه‪##‬ل في‬
‫نصوص القرآن شيء من ذلك؟‪ ..‬أما األمر األول فليس في القرآن ش‪##‬يء من‪##‬ه‪ ،‬اللهم‬
‫إال في ثالثة مواضع يمكن أن تؤيد ـ قبي‪##‬ل بحثه‪##‬ا ـ رأي الجمه‪##‬ور‪ #‬الق‪##‬ائلين ب‪##‬أن في‬
‫القرآن منسو ًخا) (‪ ،)2‬ثم ذكر المواض‪##‬ع الثالث‪##‬ة‪ ،‬وس‪##‬نتحدث عنه‪##‬ا عن‪##‬د الح‪##‬ديث عن‬
‫اآليات التي يتوهم نسخها مع كونها‪ #‬ليست كذلك‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه الش‪##‬يخ عب‪##‬د الك‪##‬ريم الخطيب‪ ،‬وه‪##‬و من كب‪##‬ار المفس‪##‬رين‬
‫المعاصرين‪ ،‬وهو ص‪##‬احب (التفس‪##‬ير الق‪##‬رآني للق‪##‬رآن)‪ ،‬وق‪##‬د ق‪##‬ال في ذل‪##‬ك‪( :‬مس‪##‬ألة‬
‫النسخ فى القرآن الكريم من األم‪##‬ور ال‪##‬تي ك‪##‬انت وال ت‪##‬زال مث‪##‬ار ج‪##‬دل وخالف بين‬
‫علماء المسلمين‪ ،‬كما أنها ك‪##‬انت وال ت‪##‬زال داعي‪##‬ة تخ‪##‬رص وتق‪##‬ول على الق‪##‬رآن من‬
‫أعداء اإلسالم‪ ،‬وبكلم‪##‬ة واح‪##‬دة نخ‪##‬رس أولئ‪##‬ك ال‪##‬ذين يتربص‪##‬ون ب‪##‬القرآن وأهل‪##‬ه‪ ،‬ثم‬
‫ن‪##‬تركهم فى غيظهم وكي‪##‬دهم‪ ،‬لننظ‪##‬ر فى ه‪##‬ذا الخالف ال‪##‬ذي بين المس‪##‬لمين فى أم‪##‬ر‬
‫النسخ‪ ..‬والكلمة التي نقولها ألعداء هذا الدين هى قوله تعالى فى كتاب‪##‬ه الك‪##‬ريم‪﴿ :‬إِنَّا‬
‫نَحْ نُ نَ َّز ْلنَا ال ِّذ ْك َر َوإِنَّا لَهُ لَ َح‪##‬افِظُونَ ﴾ [الحج‪##‬ر‪]9 :‬؛ فه‪##‬ذا التح‪##‬دى الق‪##‬ائم عليهم بحف‪##‬ظ هللا‬
‫تعالى للق‪#‬رآن‪ ،‬هومقط‪##‬ع الق‪##‬ول فيم‪##‬ا بينهم وبين الق‪#‬رآن‪ ..‬ف‪##‬إذا اس‪#‬تطاعوا أن يب‪#‬دلوا‬
‫حرفا‪ #‬أويغيروا كلمة‪ ،‬أويزيلوا‪ #‬آية من كتاب هللا كان لهم أن يقولوا فى هذا الكتاب ما‬
‫‪ )(1‬نقال عن‪ :‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪ )(2‬نقال عن‪ :‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪420‬‬
‫يحلو لهم‪ ،‬من تشنيع عليه‪ ،‬واستهزاء به‪ ..‬وهيهات هيهات‪ ..‬فقد ذهبت س‪##‬دى جمي‪##‬ع‬
‫المحاوالت التي بذلها أعداء اإلسالم‪ ،‬منذ قام اإلسالم إلى اليوم‪ ،‬ليشوهوا‪ #‬وج‪##‬ه ه‪##‬ذا‬
‫ال‪##‬دين‪ ،‬بالتش‪##‬ويش على كتاب‪##‬ه‪ ،‬والتش‪##‬كيك‪ #‬فى ص‪##‬حته!‪ ..‬أم‪##‬ا الخالف ال‪##‬ذي بين‬
‫المسلمين فى أمر النسخ فقد وقع نتيجة لالختالف فى فهم اآلية الكريم‪##‬ة‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا نَ ْن َس ‪ْ #‬خ‬
‫ي ٍء قَ ِديرٌ﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ت بِ َخي ٍْر ِم ْنهَا أَوْ ِم ْثلِهَا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْ‬ ‫ِم ْن آيَ ٍة أَوْ نُ ْن ِسهَا نَأْ ِ‬
‫‪]106‬؛ فال‪##‬ذين ق‪##‬الوا بوج‪##‬ود‪ #‬النس‪##‬خ فى الق‪##‬رآن‪ ،‬وأخ‪##‬ذوا‪ #‬بمنط‪##‬وق ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬دارت‬
‫أعينهم فى كتاب هللا‪ ،‬يلتمسون مصداق‪ #‬هذه اآلية‪ ،‬ويستخرجون لها الش‪##‬واهد آلي‪##‬ات‬
‫منسوخة بآيات ناسخة‪ ،‬وق‪##‬د وقعت أنظ‪##‬ارهم على آي‪##‬ات يمكن أن تفس‪##‬ر عليه‪##‬ا تل‪##‬ك‬
‫اآلية الكريمة؛ فكان النسخ عندهم أمرا ال بد من وقوعه فى القرآن‪ ،‬إذ نطقت به آي‪##‬ة‬
‫كريمة من آياته‪ ..‬والذين لم يفهموا اآلية على هذا الوجه‪ ،‬فلم يروا فى القرآن ناس‪##‬خا‬
‫وال منسوخا‪ ،‬جعلوا لآليات التي قيل إنها منس‪##‬وخة‪ ،‬وجه‪##‬ا من التأوي‪##‬ل‪ ،‬بحيث يبقى‬
‫حكمها كما بقيت تالوتها) (‪)1‬‬
‫ثم فس‪###‬ر‪ #‬م‪###‬راده من قول‪###‬ه ه‪###‬ذا‪ ،‬وأدلت‪###‬ه‪ ،‬فق‪###‬ال‪( :‬يجىء النس‪###‬خ بمع‪###‬نى‬
‫ول َواَل نَبِ ٍّي‬ ‫ك ِم ْن َر ُس‪ٍ ##‬‬ ‫﴿و َما أَرْ َس ْلنَا ِم ْن قَ ْبلِ َ‬‫المحوواإلزالة‪ ،‬وذلك كما فى قوله تعالى‪َ :‬‬
‫إِاَّل إِ َذا تَ َمنَّى أَ ْلقَى ال َّش ْيطَانُ فِي أُ ْمنِيَّتِ ِه فَيَ ْن َس ‪ُ #‬خ هَّللا ُ َم‪##‬ا ي ُْلقِي َّ‬
‫الش ‪ْ #‬يطَانُ ثُ َّم يُحْ ِك ُم هَّللا ُ آيَاتِ ‪ِ #‬ه‬
‫َوهَّللا ُ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم﴾ [الحج‪ ،]52 :‬ويأتي‪ #‬بمعنى النقل من موضع‪ #‬إلى موضع‪ ،‬ومنه نسخت‬
‫الكتاب أي نقلت ما فيه إلى كت‪#‬اب آخ‪#‬ر‪ ..‬ق‪#‬الوا‪ #:‬وال يق‪#‬ع ه‪#‬ذا المع‪#‬نى من النس‪#‬خ فى‬
‫القرآن‪ ..‬إذ نقل اآلية أواآليات من كتاب إلى كتاب ال يسمى نسخا بالمعنى الذي يفهم‬
‫﴿وإِ َذا‬
‫منه إزالة حكم اآلية أوتالوتها‪ ..‬ويأتى‪ #‬بمعنى التب‪##‬ديل‪ ،‬كم‪##‬ا فى قول‪##‬ه س‪##‬بحانه‪َ :‬‬
‫‪#‬ر بَ‪##‬لْ أَ ْكثَ‪ُ #‬رهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ﴾‬ ‫بَ َّد ْلنَا آيَةً َم َكانَ آيَ ٍة َوهَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما يُن َِّز ُل قَالُوا إِنَّ َما أَ ْنتَ ُم ْفتَ‪ٍ #‬‬
‫[النحل‪ ..]101 :‬هذا هوالنسخ فى لسان الش‪##‬رع‪ ،‬وه‪##‬وفى اللغ‪##‬ة ق‪##‬ريب من ه‪##‬ذا‪ ،‬فيق‪##‬ال‪:‬‬
‫تناس‪##‬خ الش‪##‬يئان‪ :‬إذا ح‪##‬ل أح‪#‬دهما مح‪##‬ل اآلخ‪#‬ر‪ ،‬كم‪#‬ا يتناس‪#‬خ اللي‪#‬ل والنه‪##‬ار‪ ،‬ويق‪##‬ال‬
‫تناسخت األزمنة‪ :‬أي تبع بعضها بعضا‪ ،‬ومنه تناسخ األرواح‪ ،‬بمعنى انتقال الروح‬
‫من بدن إلى بدن‪ ،‬عند من يعتقد هذا المذهب‪)2( ).‬‬
‫وبعد أن رد على القائلين بنسخ التالوة‪ ،‬كما ذكرنا ذل‪##‬ك س‪##‬ابقا‪ ،‬راح يتس‪##‬اءل‪:‬‬
‫(هل فى القرآن نس‪##‬خ؟)‪ ،‬ثم أج‪##‬اب علي‪##‬ه بقول‪##‬ه‪( :‬ك‪##‬ثر علم‪##‬اء المس‪##‬لمين على أن فى‬
‫الق‪##‬رآن نس‪##‬خا‪ ،‬وأن هن‪##‬اك آي‪##‬ات ناس‪##‬خة وأخ‪##‬رى منس‪##‬وخة به‪##‬ا‪ ..‬ومعرف‪##‬ة الناس‪##‬خ‬
‫والمنسوخ‪ #‬ودراس‪##‬تهما‪ ،‬مم‪##‬ا اهتم ل‪##‬ه العلم‪##‬اء والفقه‪##‬اء‪ ،‬وجعل‪##‬وه أص‪##‬ال من أص‪##‬ول‬
‫الدراسات القرآنية‪ ،‬ومجازا من المجازات التي يدخل بها العالم أوالفقي‪##‬ه فى جماع‪##‬ة‬
‫العلم‪##‬اء والفقه‪##‬اء؛ فمن لم يع‪##‬رف ناس‪##‬خ الق‪##‬رآن ومنس‪##‬وخه‪ ،‬فال م‪##‬دخل ل‪##‬ه فى ب‪##‬اب‬
‫العلماء والفقهاء‪ ،‬وقد‪ #‬استند القائلون بالنسخ فى الق‪##‬رآن إلى قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا نَ ْن َس‪ْ #‬خ‬
‫ي ٍء قَ ِديرٌ﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ت بِ َخي ٍْر ِم ْنهَا أَوْ ِم ْثلِهَا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْ‬ ‫ِم ْن آيَ ٍة أَوْ نُ ْن ِسهَا نَأْ ِ‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/120‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/121‬‬
‫‪421‬‬
‫‪ ،]106‬وقد‪ #‬أسعفهم النظ‪#‬ر فى آي‪#‬ات الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم بش‪#‬واهد‪ #‬تؤي‪#‬د م‪#‬ا ذهب‪#‬وا إلي‪#‬ه من‬
‫القول بالنسخ‪ ..‬وهكذا يعدون اآليات المنسوخة والناسخة فى إح‪##‬دى وس‪##‬بعين س‪##‬ورة‬
‫من القرآن الكريم‪ ..‬أما الذين يقولون ب‪##‬أال نس‪##‬خ فى الق‪##‬رآن‪ ،‬فيت‪##‬أولون ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ات‪،‬‬
‫ويعطونها‪ #‬الحكم الذي تضمنته‪ ..‬كما سنرى ذلك بعد قليل) (‪)1‬‬
‫ثم ذكر رأيه في المسألة‪ ،‬فقال‪( :‬يرى عدد غير قليل من العلماء أن النسخ فى‬
‫القرآن ليس نسخا بمعنى إزالة الحكم‪ ،‬كما ذهب إلى ذلك القائلون بالنسخ‪ ..‬وإنما هو‬
‫نسأ وتأخير‪ ،‬أو مجمل أخر بيانه‪ ،‬أوخطاب قد حال بين‪##‬ه وبين أول‪##‬ه خط‪##‬اب غ‪##‬يره‪،‬‬
‫أومخصوص من عموم‪ ،‬أوحكم ع‪##‬ام لخ‪##‬اص‪ ،‬أولمداخل‪##‬ة مع‪##‬نى فى مع‪##‬نى‪ .‬وأن‪##‬واع‬
‫الخطاب كثيرة‪ ،‬فظنوا‪ #‬ـ أي القائلون بالنسخ ـ أن ه‪##‬ذا نس‪##‬خا‪ ،‬وليس ب‪##‬ه‪ ،‬وإن‪##‬ه ـ أي‬
‫الق‪##‬رآن ـ الكت‪##‬اب المهيمن على غ‪##‬يره‪ ،‬وهونفس‪##‬ه متعاض‪##‬د‪ ..‬وبه‪##‬ذا التحقي‪##‬ق يت‪##‬بين‬
‫ضعف ما لهج به كثير من المفسرين فى اآليات اآلمرة بالتخفيف من أنه‪##‬ا منس‪##‬وخة‬
‫بآية السيف‪ ،‬والواقع أنها ليست كذلك‪ ،‬ب‪##‬ل هي من النس‪##‬أ‪ ،‬بمع‪##‬نى أن ك‪##‬ل أم‪##‬ر يجب‬
‫امتثاله فى وقت م‪##‬ا‪ ،‬لعل‪##‬ة ت‪##‬وجب ذل‪##‬ك الحكم‪ ،‬ثم ينتق‪##‬ل بانتق‪##‬ال تل‪##‬ك العل‪##‬ة إلى حكم‬
‫آخر‪ ،‬وليس بنسخ‪ ،‬إذ النسخ معناه اإلزالة‪ ..‬وتطبيقا لهذا ال‪##‬رأى‪ ،‬نج‪##‬د أال تع‪##‬ارض‪،‬‬
‫وال تناسخ بين اآليات التي تختلف أحكامها فى األمر الواحد‪ ،‬إذ أن كل حكم محك‪##‬وم‬
‫بحال خاصة به‪ ،‬مقدرة له‪ ،‬وعلة ت‪##‬دور‪ #‬مع‪#‬ه وج‪##‬ودا‪ #‬وع‪##‬دما) (‪ )2‬ثم طب‪##‬ق ه‪##‬ذا على‬
‫اآليات التي قيل بنسخها كما سنرى‪ #‬عند إجابتكم على ما ذكر من اآليات المنسوخة‪.‬‬
‫الدليل القرآني للنسخ‪:‬‬
‫قال أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ :‬م‪##‬ا دمتم تزعم‪##‬ون ألنفس‪##‬كم ذل‪##‬ك؛ فكي‪##‬ف تؤي‪##‬دون أق‪##‬وال‬
‫أولئك المبتدعة الذين خالفوا صريح القرآن الكريم‪ ..‬ألم تق‪##‬رؤوا‪ #‬م‪##‬ا قال‪##‬ه العلم‪##‬اء في‬
‫ذلك‪ ..‬ومنهم‪ #‬ابن الجوزي‪ ،‬الذي قال في (باب إثبات أن في القرآن منسوخا)‪( :‬انعقد‬
‫إجماع العلماء على هذا إال أنه قد شذ من ال يلتفت إليه‪ ،‬فحكى أبو جعفر النحاس أن‬
‫قوما‪ #‬قالوا‪ :‬ليس في القرآن ناسخ وال منسوخ‪ ،‬وهؤالء خالفوا نص الكتاب‪ ،‬وإجم‪##‬اع‬
‫ت بِخَ ي ٍْر ِم ْنهَ‪##‬ا أَوْ ِم ْثلِهَ‪##‬ا أَلَ ْم‬ ‫األمة‪ ،‬فقد قال هللا عزوجل‪َ ﴿ :‬ما نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة أَوْ نُ ْن ِسهَا نَأْ ِ‬
‫ي ٍء قَ ِديرٌ﴾ [البقرة‪)3( )]106 :‬‬ ‫تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُك ِّل َش ْ‬
‫فاآلية األولى ظاهرة في كون الم‪##‬راد بالنس‪##‬خ اآلي‪##‬ات القرآني‪##‬ة ‪ ،‬بدالل‪##‬ة قول‪##‬ه‬
‫ق لِيُثَبِّتَ الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َوهُ ‪#‬دًى‬ ‫ك بِ ْ‬
‫‪##‬ال َح ِّ‬ ‫ُس ِم ْن َربِّ َ‬ ‫تع‪##‬الى بع‪##‬دها‪﴿ :‬قُ‪##‬لْ نَ َّزلَ‪##‬هُ رُو ُح ْالقُ‪##‬د ِ‬
‫سلِ ِمينَ ﴾ [النحل‪]102 :‬‬‫َوبُ ْش َرى لِ ْل ُم ْ‬
‫﴿وإِ َذا بَ َّد ْلنَا آيَةً َم َكانَ آيَ ٍة َوهَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما يُنَ ِّز ُل‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قَالوا إِنَّ َما أ ْنتَ ُمفت ٍَر بَلْ أ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ ﴾ [النح‪##‬ل‪ ،]101 :‬فق‪##‬د ق‪##‬ال قت‪##‬ادة عنه‪##‬ا‪( :‬هي‬

‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/123‬‬


‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/124‬‬
‫‪ )(3‬نواسخ القرآن‪.15/‬‬
‫‪422‬‬
‫ْ‪#‬ر ِم ْنهَ‪#‬ا أَوْ ِم ْثلِهَ‪#‬ا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ‬ ‫كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ما نَ ْن َس‪ْ #‬خ ِم ْن آيَ‪ٍ #‬ة أَوْ نُ ْن ِس‪#‬هَا نَ‪#‬أْ ِ‬
‫ت بِخَ ي ٍ‬
‫ي ٍء قَ ِديرٌ﴾ [البقرة‪)1( )]106 :‬‬ ‫َعلَى ُك ِّل َش ْ‬
‫وقد قيل في سبب نزولها‪ :‬إن المشركين من أه‪##‬ل مك‪##‬ة زعم‪##‬وا أن رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬يسخر من أصحابه‪ ،‬يأمرهم‪ #‬اليوم بأمر وينهاهم‪ #‬عنه غدا‪ ،‬ما هو إال مفتر يتقول‪#‬ه‬
‫من تلق‪##‬اء نفس‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا ه‪##‬ذه اآلية(‪ ..)2‬والمع‪##‬نى‪( :‬وإذا نس‪##‬خنا حكم آي‪##‬ة‪ ،‬فأب‪##‬دلنا‪#‬‬
‫مكانه حكما آخر‪ ،‬وهللا أعلم بما ينزل‪ ،‬اعتراض دخل في الكالم‪ ،‬أي‪ :‬وهللا أعلم بم‪##‬ا‬
‫ينزل من الناسخ‪ ،‬ربما هو أصلح لخلقه‪ ،‬وبما يغير ويبدل من أحكام‪##‬ه‪ ،‬أي ه‪##‬و أعلم‬
‫بجمي‪##‬ع ذل‪##‬ك من مص‪##‬الح عب‪#‬اده‪ ،‬ففي الكالم ن‪##‬وع من الت‪##‬وبيخ والتقري‪##‬ع على ق‪#‬ولهم‪#‬‬
‫للن‪##‬بي ‪﴿ :‬إنم‪#‬ا أنت مف‪#‬تر ﴾ أي تختلق‪#‬ه من عن‪#‬دك‪ ،‬ثم يس‪#‬أل هللا المش‪#‬ركين‪ :‬لم‪##‬اذا‬
‫يختلقه‪ ،‬أو ينسب إلى االفتراء من أجل التبديل والنسخ‪ ،‬وه‪##‬و ليس إال مبل‪##‬غ عن هللا‪،‬‬
‫وإنما فائدة ذلك التبديل ترجع إلى مصالح العباد(‪.)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وبهذا فسر اآليتين جماهير‪ #‬العلم‪##‬اء‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال ابن جري‪##‬ر الط‪##‬بري‪:‬‬
‫(يعني جل ثناؤه بقوله‪َ ﴿ :‬ما نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة﴾‪ :‬ما ننق‪##‬ل من حكم آي‪##‬ة ‪ ،‬إلى غ‪##‬يره فنبدل‪##‬ه‬
‫ونغ‪###‬يره ‪ ،‬وذل‪###‬ك أن يح‪###‬ول الحالل حرام‪###‬ا‪ ،‬والح‪###‬رام حالال والمب‪###‬اح محظ‪###‬ورا‪،‬‬
‫والمحظور مباحا‪ .‬وال يكون ذلك إال في األمر والنهي‪ ،‬والحظ‪#‬ر‪ #‬واإلطالق‪ ،‬والمن‪##‬ع‬
‫واإلباحة؛ فأما األخبار‪ ،‬فال يكون فيها ناسخ وال منسوخ)(‪)4‬‬
‫قام أحد حفدة قتادة‪ ،‬وقال(‪ :)5‬لقد كنا نقول ما تقولون‪ ،‬وننتصر ل‪##‬ه‪ ..‬لكن عن‪##‬د‬
‫تأملنا في اآليات الكريمة التي كنا نزعم أنها ت‪##‬دل على النس‪##‬خ‪ ،‬وج‪##‬دنا أن المقص‪##‬ود‪#‬‬
‫منها غير ذلك‪ ..‬فعند أقل تأمل يرى المنصف‪ #‬أن م‪##‬ا ينس‪##‬ب إلى المش‪##‬ركين من كالم‬
‫حول النسخ إنما هو مفتعل‪ ،‬وال يصلح جعله سببًا لنزول هذه اآلية الكريمة؛ فس‪##‬ورة‬
‫النحل مكية وليس فيما نزل قبلها من الوحي اإللهي حكم نسخ بأشق من‪##‬ه أو ب‪##‬أهون‪،‬‬
‫حتى يكون ذلك مثار لغط بين المشركين‪ ،‬أو اعتراض على القرآن بما يق‪##‬ع في‪##‬ه من‬
‫تناقض‪ ..‬فأين الحالل الذي حرم‪ ،‬أو الحرام الذي أحل قبل سورة النح‪##‬ل؟‪ ..‬إن ش‪##‬يئًا‬
‫من ذل‪##‬ك لم يح‪##‬دث‪ ،‬فض‪#‬الً عن أن يس‪##‬تفيض‪ ،‬فض‪#‬الً عن أن يتن‪##‬در ب‪##‬ه المش‪##‬ركون‪،‬‬
‫وينسبوا به محمدًا ‪ ‬إلى االفتراء‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬بل نحن نجزم بأن مش‪##‬ركي‪ #‬مك‪##‬ة لم ي‪##‬در بخل‪##‬دهم ش‪##‬يء من ه‪##‬ذا‬
‫الذي جعله بعض المفسرين سببًا ل‪##‬نزول اآلي‪##‬ة‪ ،‬وإنم‪##‬ا ه‪##‬و تنزي‪##‬ل اآلي‪##‬ات على آراء‬
‫الفقهاء والمتكلمين وتحميل القرآن ماال تتحمله آياته وال ألفاظه من معان وم‪##‬ذاهب‪..‬‬
‫والتفسير‪ #‬الصحيح لآلية هو‪ :‬أن المشركين لم يقنع‪##‬وا باعتب‪##‬ار الق‪##‬رآن معج‪##‬زة تش‪##‬هد‬
‫تفسير ابن كثير (‪)4/603‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسباب النزول ت الحميدان (ص‪)34‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير الطبري (‪)472/ 2‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.203‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪423‬‬
‫لمحمد ‪ ‬بصحة النبوة‪ ،‬وتطلعوا إلى خارق كوني من النوع الذي كان يص‪##‬در عن‬
‫األنبياء قدي ًما فهو في نظرهم اآلية التي تخض‪#‬ع له‪##‬ا األعن‪#‬اق‪ ،‬أم‪#‬ا ه‪##‬ذا الق‪#‬رآن فه‪##‬و‬
‫كالم ربما كان محمد ‪ ‬يجيء به من عند نفسه‪ ،‬وربما كان يتعلمه من بعض أه‪##‬ل‬
‫الكتاب الذين لهم ب‪##‬التوراة واإلنجي‪##‬ل دراي‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬د رد هللا س‪##‬بحانه وتع‪##‬الى على ه‪##‬ذه‬
‫الطعون‪ ،‬بأنه أدرى من المشركين بنوع اإلعجاز الذي يصلح للعالم حاض‪##‬ره وغ‪##‬ده‬
‫وأن هذه اآلية أجدى على البشر وأخلد في إنشاء اإليمان وتثبيته من أي آية أخ‪##‬رى‪،‬‬
‫وأن ال‪##‬زعم ب‪##‬أن محم‪#‬دًا ‪ ‬انتف‪##‬ع بعل‪##‬وم اليه‪##‬ود أو النص‪##‬ارى‪ ،‬ثم أل‪##‬ف ه‪##‬ذا الكالم‬
‫العربي بعد االتص‪#‬ال بفالن أو فالن من األع‪#‬اجم المتنص‪#‬رين ليس إال س‪#‬خفًا ي‪#‬ترفع‬
‫العقالء العدول عن الخوض فيه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬اقرؤوا‪ #‬اآلية مرة أخرى في تجرد وبساطة‪ ،‬تج‪##‬دونها ال تتحم‪##‬ل إال‬
‫﴿وإِ َذا‬ ‫هذا الشرح القريب‪ ،‬وهو الشرح الذي يربط بها ما بع‪##‬دها في اتس‪##‬اق وإحك‪##‬ام‪َ #:‬‬
‫بَ َّد ْلنَا آيَةً َم َكانَ آيَ ٍة َوهَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما يُنَ ِّز ُل قَالُوا إِنَّ َما أَ ْنتَ ُم ْفت ٍَر بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُمونَ قُلْ‬
‫ق لِيُثَبِّتَ الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوهُ‪#‬دًى َوب ُْش‪َ #‬رى‪ #‬لِ ْل ُم ْس‪#‬لِ ِمينَ َولَقَ‪ْ #‬د‬ ‫ُس ِم ْن َربِّكَ بِ ْال َح ِّ‬
‫نَ َّزلَهُ رُو ُح ْالقُد ِ‬
‫ان َع َربِ ٌّي‬ ‫نَ ْعلَ ُم أَنَّهُ ْم يَقُولُونَ إِنَّ َما يُ َعلِّ ُمهُ بَ َش ٌر لِ َسانُ الَّ ِذي ي ُْل ِح ُدونَ إِلَ ْي ِه أَ ْع َج ِم ٌّي َوهَ َذا لِ َس ٌ‬
‫ع َذابٌ أَلِي ٌم﴾ [النحل‪]104-101 :‬‬ ‫ت هَّللا ِ اَل يَ ْه ِدي ِه ُم هَّللا ُ َولَهُ ْم َ‬‫ين إِ َّن الَّ ِذينَ اَل ي ُْؤ ِمنُونَ بِآيَا ِ‬
‫ُمبِ ٌ‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومثل هذا يقال فيما ورد بشأن النسخ في س‪##‬ورة البق‪##‬رة‪ ..‬ت‪##‬دبروا‬
‫‪#‬و ُّد الَّ ِذينَ‬
‫جيدا سياق اآليات المعنية‪ ،‬وستفهمون جيدا المراد منها‪ ،‬قال تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا يَ‪َ #‬‬
‫ْ‪##‬ر ِم ْن َربِّ ُك ْم َوهَّللا ُ‬ ‫ب َواَل ْال ُم ْش‪ِ ##‬ر ِكينَ أَ ْن يُنَ‪َّ ##‬ز َل َعلَ ْي ُك ْم ِم ْن خَ ي ٍ‬ ‫َكفَ‪##‬رُوا ِم ْن أَ ْه‪ِ ##‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫ت‬ ‫ْ‬
‫ض‪ِ #‬ل ْال َع ِظ ِيم َم‪##‬ا نَ ْن َس‪ْ #‬خ ِم ْن آيَ‪ٍ #‬ة أَوْ نُ ْن ِس‪#‬هَا نَ‪##‬أ ِ‬ ‫يَ ْختَصُّ بِ َرحْ َمتِ ِه َم ْن يَ َش‪#‬ا ُء َوهَّللا ُ ُذو ْالفَ ْ‬
‫ك‬ ‫‪#‬ر ِم ْنهَ‪##‬ا أَوْ ِم ْثلِهَ‪##‬ا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‪##‬لِّ َش ‪ْ #‬ي ٍء قَ ‪ِ #‬دي ٌر أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ لَ ‪#‬هُ ُم ْل ‪ُ #‬‬‫بِ َخ ْي‪ٍ #‬‬
‫ير أَ ْم تُ ِري ‪ُ #‬دونَ أَ ْن ت َْس ‪#‬أَلُوا‬ ‫َص ٍ‬‫ُون هَّللا ِ ِم ْن َولِ ٍّي َواَل ن ِ‬ ‫ض َو َما لَ ُك ْم ِم ْن د ِ‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬
‫الس ‪#‬بِي ِل﴾‬ ‫ض َّل َس َوا َء َّ‬ ‫ان فَقَ ْد َ‬ ‫َرسُولَ ُك ْم َك َما ُسئِ َل ُمو َسى ِم ْن قَ ْب ُل َو َم ْن يَتَبَ َّد ِل ْال ُك ْف َر بِاإْل ِ ي َم ِ‬
‫[البق‪##‬رة‪]108-105 :‬؛ فالجملة المكون‪#‬ة من فع‪#‬ل الش‪#‬رط وجزائ‪#‬ه هي ال‪#‬تي اعتم‪#‬د عليه‪#‬ا‬
‫القائلون بجواز النسخ بعدما شرحوها على النحو التالي‪﴿ :‬ما ننسخ من آية ﴾ ما نغير‬
‫من حكمها مع بقاء لفظها‪﴿ ،‬أو ننسها﴾ نذهب باللفظ والحكم جميعًا ونحوه من أذه‪##‬ان‬
‫الحفظة بعدما استوعبوه قراءة وفه ًما وعمالً‪﴿ ،‬نأت بخير منها أو مثله‪##‬ا﴾ في تحقي‪##‬ق‬
‫مصالح العباد‪ ،‬وذلك بالنس‪#‬بة لم‪#‬ا ذهب حكم‪#‬ه وبقيت تالوت‪#‬ه‪ ،‬ولم‪#‬ا نقض‪#‬ت تالوت‪#‬ه‬
‫وأحكامه جميعًا‪ ..‬وهذا التفسير في الحقيقة يب‪##‬تر الجمل‪##‬ة الش‪##‬رطية عم‪##‬ا قبله‪##‬ا وعم‪##‬ا‬
‫بعدها‪ ،‬ويعزلها عزالً ال يغني فيه تمحل وال تكلف‪ ،‬ثم إن الق‪#‬ول بآي‪#‬ات نس‪#‬خ لفظه‪##‬ا‬
‫وحكمه‪#‬ا‪ #‬م ًع‪##‬ا‪ ،‬وأنس‪##‬يها الرس‪##‬ول وص‪##‬حابته جمي ًع‪##‬ا‪ ،‬كالم ال وزن ل‪##‬ه‪ ،‬ثم م‪##‬ا مع‪##‬نى‬
‫التطويح بهذا المنسوخ واإلتيان بناسخ مسا ٍ‪#‬و له‪ ..‬وكان تذييل اآلية ـ ليستقيم صدرها‪#‬‬
‫وختمه‪##‬ا على ه‪##‬ذا المع‪##‬نى ـ أن يق‪##‬ال‪ :‬إن هللا عليم حكيم‪ ،‬ال أن ي‪##‬ذكر اس‪##‬م الجالل‪##‬ة‬
‫موصوفًا‪ #‬بالقدرة على كل شيء‪.‬‬
‫‪ )(1‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.203‬‬
‫‪424‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وهكذا تمضي اآليات في تخويف المعترض‪##‬ين وتهدي‪##‬دهم ليقبل‪##‬وا‬
‫ض َو َم‪##‬ا‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ك َّ‬
‫الس ‪َ #‬م َ‬ ‫القول بالنسخ‪ ،‬أو ليقبلوا وقوعه‪﴿ ،‬أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ لَهُ ُم ْل ‪ُ #‬‬
‫ير﴾ [البقرة‪ ،]107 :‬وعند النظر في سيرة الرس‪##‬ول ‪‬‬ ‫َص ٍ‬ ‫ُون هَّللا ِ ِم ْن َولِ ٍّي َواَل ن ِ‬
‫لَ ُك ْم ِم ْن د ِ‬
‫ال نج‪##‬د أي معارض‪##‬ة من المش‪##‬ركين‪ ،‬أو تس‪##‬اؤل من المؤم‪##‬نين ح‪##‬ول أم‪##‬ر النس‪##‬خ؛‬
‫فالمجتمع‪ #‬اإلسالمي األول لم تنزل فيه آية بتحليل ثم أتت بع‪##‬دها آي‪##‬ة بتح‪##‬ريم‪ ،‬ال في‬
‫مكة وال في المدينة‪ ،‬وأنه تبعً‪#‬ا ل‪#‬ذلك لم ت‪##‬نزل آي‪#‬ة بتخوي‪#‬ف‪ #‬أح‪#‬د كي يق‪#‬ول بالنس‪#‬خ‪،‬‬
‫والتفسير‪ #‬الذي ذكرناه ـ مع تفكيكه واضطرابه ـ يقطع أواص‪#‬ر‪ #‬اآلي‪##‬ة بم‪##‬ا قبله‪##‬ا وم‪##‬ا‬
‫بعدها‪ ،‬بل بجو السورة التي ب‪#‬دأ الس‪#‬ياق فيه‪##‬ا ين‪#‬اقش أه‪##‬ل الكت‪#‬اب وين‪#‬دد بم‪##‬واقفهم‪،‬‬
‫ويشير‪ #‬إلى تعنتهم في تكذيب رسول هللا ‪ ،‬واقتراح خ‪##‬وارق‪ #‬مم‪##‬ا ألف‪##‬وا م‪##‬ع أنبي‪##‬اء‬
‫بني إسرائيل‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬فالنسخ هنا ليس تبديالً جزئيًّا في أحك‪#‬ام ش‪#‬ريعة واح‪#‬دة‪ ،‬ب‪#‬ل ه‪#‬و‬
‫تغيير الدالئل التي تحتف بدين ما كي تركزه في النف‪##‬وس‪ ،‬وق‪##‬د ب‪##‬دأ الكالم ب‪##‬أن أه‪##‬ل‬
‫الكت‪##‬اب ال ي‪##‬ودون لإلس‪##‬الم خ‪##‬يرًا‪ ،‬وال ألهل‪##‬ه فض ‪#‬الً‪ ..‬ثم أعقب‪##‬ه تس‪##‬اؤل ل‪##‬ه مغ‪##‬زاه‬
‫يخاطب اليهود‪﴿ :‬أَ ْم تُ ِري ُدونَ أَ ْن تَسْأَلُوا َرسُولَ ُك ْم َك َما ُسئِ َل ُمو َسى ِم ْن قَ ْب ُل َو َم ْن يَتَبَ َّد ِل‬
‫ل﴾ [البقرة‪]108 :‬‬ ‫ْال ُك ْف َر بِاإْل ِ ي َما ِن فَقَ ْد َ‬
‫ض َّل َس َوا َء ال َّسبِي ِ‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬لق‪##‬د ع‪##‬بر الش‪##‬يخ محم‪##‬د عب‪##‬ده عن ذل‪##‬ك ـ بع‪##‬د استعراض‪##‬ه ألق‪##‬وال‬
‫المفسرين لها ـ فقال‪( :‬والمعنى الصحيح الذي يل‪##‬تئم م‪##‬ع الس‪##‬ياق إلى آخ‪##‬ره أن اآلي‪##‬ة‬
‫هنا هي ما يؤيد هللا تعالى به األنبياء من الدالئل على نبوتهم‪ ،‬أي ﴿ما ننسخ من آي‪##‬ة﴾‬
‫نقيمها دليالً على نبوة نبي من األنبياء‪ ،‬أي نزيلها‪ ،‬ونترك‪ #‬تأييد نبي آخ‪##‬ر‪ ،‬أو ننس‪##‬ها‬
‫الناس لطول العهد بمن جاء بها‪ ،‬فإننا بما لنا من القدرة الكاملة والتصرف‪ #‬في الملك‬
‫نأتي بخير منها في قوة اإلقناع وإثبات النبوة أو مثلها في ذلك‪ ،‬ومن ك‪##‬ان ه‪##‬ذا ش‪##‬أنه‬
‫في قدرته وسعة ملكه‪ ،‬فال يتقيد بآية مخصوص‪##‬ة يمنحه‪##‬ا جمي‪##‬ع أنبيائ‪##‬ه‪ ،‬واآلي‪##‬ة في‬
‫أصل اللغة هي‪ :‬الدليل والحجة والعالمة على صحة الشيء‪ ،‬وس‪##‬ميت جم‪##‬ل الق‪##‬رآن‬
‫آيات؛ ألنها بإعجازها حجج على صدق‪ #‬النبي‪ ،‬ودالئل على أنه مؤي‪##‬د فيه‪##‬ا ب‪##‬الوحي‬
‫من هللا عز وجل‪ ،‬ومن قبيل تسمية الخاص باسم العام) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ذكر كيف كان اليهود يشككون في رسالته ‪ ‬بزعمهم أن النب‪#‬وة‬
‫محتكرة لشعب إسرائيل‪ ،‬ولهذا تق‪##‬دمت اآلي‪##‬ات في تفني‪##‬د زعمهم ه‪##‬ذا‪ ،‬وق‪##‬الوا‪﴿ :‬فَلَ َّما‬
‫وس‪#‬ى﴾ [القص‪##‬ص‪ ،]48 :‬أي من‬ ‫‪#‬ل َم‪##‬ا أُوتِ َي ُم َ‬ ‫ق ِم ْن ِع ْن ِدنَا قَالُوا‪ #‬لَ‪##‬وْ اَل أُوتِ َي ِم ْث‪َ #‬‬ ‫َجا َءهُ ُم ْال َح ُّ‬
‫اآليات‪ ،‬فرد هللا تعالى عليهم في مواضع‪ #‬منها قوله عز وجل بعد حكاية ق‪##‬ولهم ه‪##‬ذا‪:‬‬
‫ان تَظَ‪##‬اه ََرا َوقَ‪##‬الُوا إِنَّا بِ ُك‪ٍّ ##‬ل‬‫وس‪##‬ى ِم ْن قَبْ‪ُ ##‬ل قَ‪##‬الُوا ِس‪##‬حْ َر ِ‬ ‫﴿أَ َولَ ْم يَ ْكفُ‪##‬رُوا بِ َم‪##‬ا أُوتِ َي ُم َ‬
‫َكافِرُونَ ﴾ [القصص‪ ،]48 :‬ومنها‪ #‬هذه اآليات‪ ،‬والخطاب فيها للمؤمنين الذين كان اليه‪##‬ود‬
‫‪ )(1‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.204‬‬
‫‪ )(2‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.204‬‬
‫‪ )(3‬تفسير المنار (‪)1/343‬‬
‫‪425‬‬
‫يري‪#‬دون تش‪#‬كيكهم‪ #‬كأن‪#‬ه يق‪#‬ول‪ :‬إن ق‪#‬درة هللا تع‪#‬الى ليس‪#‬ت مح‪#‬دودة وال مقي‪#‬دة بن‪#‬وع‬
‫مخصوص من اآليات أو بآحاد منها ال تتناول غيرها‪ ،‬وليست الحجة محصورة في‬
‫اآليات السابقة ال تتعداها‪ ،‬بل هللا قادر‪ #‬على أن يأتي بخير من اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي أعطاه‪##‬ا‬
‫موسى‪ #‬عليه السالم وبمثلها‪ ،‬فإنه ال يعجز قدرته شيء‪ ،‬وال يخرج عن ملك‪##‬ه ش‪##‬يء‪،‬‬
‫كما أن رحمته ليست محصورة في شعب واحد فيخصه بالنبوة ويحص‪##‬ر في‪##‬ه هداي‪##‬ة‬
‫الرسالة‪ ،‬كال إن رحمته وسعت كل ش‪##‬يء‪ ،‬كم‪##‬ا أن قدرت‪##‬ه تتص‪##‬رف بك‪##‬ل ش‪##‬يء من‬
‫مل‪##‬ك الس‪##‬ماوات واألرض ال‪##‬ذي ال يش‪#‬اركه في‪#‬ه مش‪#‬ارك‪ ،‬وال ينازع‪#‬ه في‪##‬ه من‪#‬ازع‪،‬‬
‫فيكون وليا ونصيرا‪ #‬لمن كفر بنعمه وانحرف‪ #‬عن سننه(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم علق على هذا بقوله‪( :‬انظ‪##‬ر كي‪##‬ف أس‪##‬فرت البالغ‪##‬ة عن وجهه‪##‬ا‬
‫في هذا المقام‪ ،‬فظهر‪ #‬أن ذكر القدرة وسعة الملك إنما يناسب اآليات بمع‪##‬نى ال‪##‬دالئل‬
‫دون معنى األحكام الشرعية واألقوال الدالة عليه‪##‬ا‪ ،‬من حيث هي دال‪##‬ة عليه‪##‬ا ال من‬
‫حيث هي دالة على النبوة‪ ،‬ويزيد‪ #‬هذا سفورا ووضوحا‪ #‬قول‪##‬ه عقب‪##‬ه‪﴿ :‬أَ ْم تُ ِري ‪ُ #‬دونَ أَ ْن‬
‫تَسْأَلُوا َرسُولَ ُك ْم َك َما ُسئِ َل ُمو َسى ِم ْن قَ ْبلُ﴾ [البقرة‪ ]108 :‬فقد كان بنو إس‪##‬رائيل لم يكتف‪##‬وا‬
‫بما أعطى موسى عليه السالم من اآليات وتج‪##‬رؤوا‪ #‬على طلب غيره‪##‬ا وق‪##‬الوا‪ ﴿ #:‬لَ ْن‬
‫ك َحتَّى ن ََرى هَّللا َ َج ْه َرةً ﴾ [البقرة‪ ،]55 :‬وكذلك‪ #‬كان فرعون وقومه كلما رأوا آية‬ ‫نُ ْؤ ِمنَ لَ َ‬
‫طلبوا غيرها حتى رأوا تسع آيات بينات ولم يؤمنوا‪ ،‬وقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أَ ْم تُ ِري‪ُ #‬دونَ أَ ْن‬
‫سى ِم ْن قَ ْبلُ﴾ [البقرة‪ ]108 :‬يشمل كل ذلك) (‪)2‬‬ ‫تَسْأَلُوا َرسُولَ ُك ْم َك َما ُسئِ َل ُمو َ‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬وله‪##‬ذا أرش‪##‬دنا هللا تع‪##‬الى به‪##‬ذا إلى أن التفنن في طلب اآلي‪##‬ات‪،‬‬
‫وعدم اإلذعان لما يجيء به النبي منها واالكتفاء ب‪#‬ه بع‪##‬د العج‪##‬ز عن معارض‪#‬ته ه‪##‬و‬
‫دأب المطبوعين على الكفر‪ ،‬الجامدين على المعاندة والمجاحدة‪ ،‬فإنه قال بعد إنك‪##‬ار‬
‫يل﴾ [البق‪###‬رة‪،]108 :‬‬ ‫ض‪َّ ##‬ل َس‪َ ##‬وا َء َّ‬
‫الس‪##‬بِ ِ‬ ‫‪##‬ان فَقَ‪ْ ##‬د َ‬ ‫ه‪##‬ذا الطلب‪َ ﴿ :‬و َم ْن يَتَبَ‪َّ ##‬د ِل ْال ُك ْف َ‬
‫‪##‬ر بِاإْل ِ ي َم ِ‬
‫ب‬‫‪#‬ذ َ‬‫ت إِاَّل أَ ْن َك‪َّ #‬‬
‫﴿و َم‪##‬ا َمنَ َعنَ‪##‬ا أَ ْن نُرْ ِس‪َ #‬ل بِاآْل يَ‪##‬ا ِ‬
‫ويوضح‪ #‬هذا قوله تعالى في آية أخرى‪َ :‬‬
‫ت إِاَّل ت َْخ ِويفً‪#‬ا﴾‬ ‫ص َرةً فَظَلَ ُموا بِهَا َو َم‪#‬ا نُرْ ِس‪ُ #‬ل بِاآْل يَ‪#‬ا ِ‬ ‫بِهَا اأْل َ َّولُونَ َوآتَ ْينَا ثَ ُمو َد النَّاقَةَ ُم ْب ِ‬
‫[اإلسراء‪]59 :‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬باإلضافة إلى هذا؛ فإن قوله تعالى‪َ ﴿ :‬م‪##‬ا نَ ْن َس‪ْ #‬خ ِم ْن آيَ‪ٍ #‬ة أَوْ نُ ْن ِس‪#‬هَا‬
‫نَأْ ِ‬
‫ت بِخَ ي ٍْر ِم ْنهَا أَوْ ِم ْثلِهَا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‪##‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء قَ‪ِ #‬ديرٌ﴾ [البق‪##‬رة‪ ]106 :‬ج‪##‬اء م‪##‬ع‬
‫آيات كثيرة غيرها‪ ،‬دفاعا عن أمر أراده هللا للمسلمين‪ ،‬وهوتحويل قبلتهم‪ #‬التي ك‪##‬انوا‬
‫عليها‪ ،‬من بيت المقدس إلى البيت الحرام‪ ..‬وهذا التحول كان حدثا كبيرا من أحداث‬
‫اإلسالم فى حينه‪ ،‬كما كان فتنة وابتالء لكثير من المس‪##‬لمين‪ ،‬وم‪##‬دخال كب‪##‬يرا للطعن‬
‫فى الدين‪ ،‬والتشويش على المسلمين‪ ،‬وكان من تدبير هللا تعالى له‪#‬ذا األم‪#‬ر‪ ،‬أن ق‪#‬دم‬
‫له هذه اآليات الكريمة‪ ،‬قبل أن يقع‪ ،‬لتكون إرهاصا به من جه‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬وة يس‪##‬تند إليه‪##‬ا‬
‫تفسير المنار (‪)1/344‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫تفسير المنار (‪)1/344‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير المنار (‪)1/344‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/128‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪426‬‬
‫المسلمون فى دفع كيد اليهود‪ ،‬ووسوسة الشيطان من جهة أخرى‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ويدل لهذا السياق ال‪##‬ذي وردت في‪##‬ه تل‪#‬ك اآلي‪#‬ات الكريم‪##‬ات‪ ،‬فق‪#‬د‬
‫وس‪#‬ى‪ِ #‬م ْن قَ ْب‪ُ #‬ل َو َم ْن يَتَبَ‪َّ #‬د ِل‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬أَ ْم تُ ِري‪ُ #‬دونَ أَ ْن ت َْس‪#‬أَلُوا‪َ #‬ر ُس‪#‬ولَ ُك ْ‪#‬م َك َم‪#‬ا ُس‪#‬ئِ َل ُم َ‬
‫ض َّل َس َوا َء ال َّسبِي ِل﴾ [البقرة‪ ،]108 :‬فهذا االستفهام اإلنك‪##‬ارى‪ ،‬وال‪##‬ذي‬ ‫ْال ُك ْف َر بِاإْل ِ ي َما ِن فَقَ ْد َ‬
‫يتوجه به هللا تعالى إلى المسلمين فيه تح‪##‬ذير لهم من أن يكون‪##‬وا‪ #‬م‪##‬ع الن‪##‬بى ‪ ،‬كم‪##‬ا‬
‫كان اليهود مع موسى‪ #‬عليه السالم‪ ،‬كلما جاء بأمر لم يتلقوه باالمتثال والطاع‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل‬
‫قابلوه بالحذر وال‪##‬ريب‪ ،‬وواجه‪##‬وه باألس‪##‬ئلة الكث‪##‬يرة‪ ،‬ال‪##‬تي تن‪##‬بىء عن خبث طوي‪##‬ة‪،‬‬
‫وفساد سريرة‪ ..‬وتحوي‪#‬ل‪ #‬القبل‪#‬ة إذا ك‪#‬ان أم‪##‬را وش‪##‬يك الوق‪##‬وع‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ك‪#‬ان المس‪##‬لمون‬
‫يصلون إلى بيت المقدس منذ سبعة عشر شهرا‪ ،‬فإذا وقع هذا التحوي‪##‬ل‪ ،‬ن‪##‬زعت بهم‬
‫ن‪##‬وازع‪ #‬كث‪##‬يرة ت‪##‬دعوهم إلى التس‪##‬اؤل‪ :‬فيم كن‪##‬ا؟ ولم ه‪##‬ذا؟ وه‪##‬ل س‪##‬نتحول عن القبل‪##‬ة‬
‫الجديدة فيما بعد أم سنظل عليها؟‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫ب لَ‪##‬وْ يَ‪ُ #‬ر ُّدونَ ُك ْم ِم ْن‬‫‪#‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬‫﴿و َّد َكثِي ٌر ِم ْن أَ ْه‪ِ #‬‬‫قال آخر(‪ :)2‬ثم قال تعالى بعدها‪َ :‬‬
‫اص ‪#‬فَحُوا‬ ‫ق فَا ْعفُوا َو ْ‬ ‫بَ ْع ِد إِي َمانِ ُك ْم ُكفَّارًا َح َسدًا ِم ْن ِع ْن ِد أَ ْنفُ ِس ِه ْم ِم ْن بَ ْع ِد َما تَبَيَّنَ لَهُ ُم ْال َح ُّ‬
‫َحتَّى يَ‪#‬أْتِ َي هَّللا ُ بِ‪##‬أ َ ْم ِر ِه إِ َّن هَّللا َ َعلَى ُك‪#‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء قَ‪ِ #‬ديرٌ﴾ [البق‪##‬رة‪ ،]109 :‬وهي تش‪##‬ير إلى أن‬
‫اليهود‪ ،‬كانوا يلقون إلى المسلمين بما يفتح للشيطان طرقا كثيرة إلى قلوب لم يتوث‪##‬ق‬
‫فيها اإليمان بعد‪ ..‬فكان هذا التح‪##‬ذير من قب‪##‬ل أن يق‪##‬ع ه‪##‬ذا األم‪##‬ر ال‪##‬ذي من ش‪##‬أنه أن‬
‫يثير شكا وتساؤال‪ ،‬وكان تدبيرا حكيما من حكيم‪ ،‬ووقاي‪##‬ة للمس‪##‬لمين من داء أص‪##‬يب‬
‫به اليهود من قبل‪ ،‬فعز شفاؤهم منه‪ ،‬وطال شقاؤهم به‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وعلى هذا المنهج من عدم تفسيرها بالنسخ ـ ال‪##‬ذي يع‪##‬ني تعطي‪##‬ل‬
‫القرآن تنزيال أو أحكاما ـ ق‪#‬ال الع‪#‬دول من علم‪#‬اء إخوانن‪#‬ا اإلمامي‪#‬ة‪ ،‬ومنهم‪ #‬العالم‪#‬ة‬
‫الكبير مرتض‪#‬ى‪ #‬العس‪##‬كري‪ ،‬حيث ذك‪##‬ر في تفس‪##‬يرها أن م‪##‬ا ّدة (اآلي‪##‬ة) مش‪##‬تركة بين‬
‫معناها اللّغوي وع ّدة معان اصطالحية‪ ،‬واللفظ المشترك بين ع ّدة مع‪##‬ان ال يس‪##‬تعمل‬
‫في الكالم دونما وجود قرينة تش ّخص المعنى المقصود‪ #‬من بين تلك المعاني‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬ثم ذكر أن التعرف على القرينة على المعنى المقص‪#‬ود‪ #‬من اآلي‪#‬ة‬
‫يتحقق من خالل مجموعة اآليات المكتن‪##‬ة به‪##‬ا‪ ،‬وال‪##‬تي يع‪##‬اتب هللا فيه‪##‬ا اليه‪##‬ود إن لم‬
‫يؤمنوا‪ #‬بهذا القرآن وبشريعة خاتم األنبياء ‪ ‬وال باإلنجي‪##‬ل وش‪##‬ريعة المس‪##‬يح علي‪##‬ه‬
‫فإن مع‪##‬نى ﴿م‪##‬ا نَ ْن َس‪ْ #‬خ ِم ْن آيَ‪ٍ #‬ة﴾‪ :‬م‪##‬ا ننس‪##‬خ من حكم ـ مث‪##‬ل حكم‬ ‫السالم‪ ..‬وعلى هذا‪ّ ،‬‬
‫القبلة والعيد في ي‪#‬وم الس‪#‬بت ـ من كت‪#‬اب موس‪#‬ى علي‪#‬ه الس‪#‬الم [الت‪#‬وراة]‪ ،‬أو كت‪#‬اب‬
‫عيسى عليه الس‪##‬الم [اإلنجي‪##‬ل]‪ ،‬ن‪##‬أت بخ‪##‬ير من‪##‬ه‪ ،‬كحكم اس‪##‬تقبال الكعب‪##‬ة في الق‪##‬رآن‬
‫الكريم والعيد في يوم الجمعة‪ ،‬في الكتاب وسنّة الرسول ‪.‬‬

‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/128‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/129‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/298 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/299 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪427‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ثم ذكر أن معنى ﴿نُ ْن ِسها﴾ إ ّما أن يكون من ما ّدة أنساها ينس‪##‬يها أو‬
‫أن هللا‬‫من أنسأها ينسئها‪ ..‬وإذا كان من ما ّدة (أنساها) يتضح معناها بع‪##‬د التنبّ‪##‬ه على ّ‬
‫سبحانه أرسل عشرات األل‪##‬وف من األنبي‪##‬اء في أمم أبي‪##‬دت وانقرض‪##‬ت م ّمن لم ت‪##‬رد‬
‫أسماؤهم‪ #‬في القرآن‪ ،‬ولم ي‪#‬ذكر هللا أخب‪##‬ارهم في‪##‬ه‪ ،‬وإنّم‪##‬ا ذك‪#‬ر هللا في الق‪#‬رآن أس‪##‬ماء‬
‫بعض أنبياء بني إسرائيل والعرب الّذين عاشوا في المنطقة ـ الجزيرة العربية ـ وما‬
‫حولها‪ ،‬وذكر بعض قصصهم وأنسى‪ #‬قصص سائر‪ #‬األنبياء أمثال هب‪##‬ة هللا ش‪##‬يث بن‬
‫آدم وعزير الّذي قال اليهود‪ :‬إنّه ابن هللا‪ ..‬أنسى هللا سبحانه قصص بعضهم‪ ،‬وأنسى‬
‫كتب البعض اآلخر وذكر‪ #‬أسماءهم‪ ،‬وبعضهم‪ #‬أنس‪##‬ى أس‪##‬ماءهم م‪##‬ع إنس‪##‬اء قصص‪##‬هم‪#‬‬
‫وكتبهم‪ #..‬وعلى هذا يك‪##‬ون مع‪##‬نى ﴿أَوْ نُ ْن ِس‪#‬ها﴾ م‪##‬ا ننس م ّم‪##‬ا في كتب الس‪##‬ابقين‪ ،‬مث‪##‬ل‬
‫كت‪#‬اب ش‪#‬يث وغ‪#‬يره‪ ،‬ن‪#‬أت بخ‪#‬ير منه‪#‬ا وأكم‪#‬ل‪ ،‬مث‪#‬ل م‪#‬ا في الق‪#‬رآن وش‪#‬ريعة خ‪#‬اتم‬
‫األنبياء‪ ..‬وإذا كان من ما ّدة (ينسئها) وأنسأه ينسئه‪ ،‬أي‪ :‬أجّله وأ ّخره؛ وحينها يك‪##‬ون‬
‫المعنى‪ :‬والحكم نؤ ّخر تبليغه بما فيه خير للناس في ذل‪##‬ك الزم‪##‬ان مث‪##‬ل ت‪##‬أخير تبلي‪##‬غ‬
‫نسخ حكم استقبال بيت المقدس إلى هج‪##‬رة الرس‪##‬ول ‪ ‬إلى المدين‪##‬ة‪ ..‬وه‪##‬ذا المع‪##‬نى‬
‫هو المراد من (ننسها) وليس المعنى األوّل‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬ثم انتق‪##‬د م‪##‬ا ورد في كتب التفس‪##‬ير حوله‪##‬ا؛ ف‪##‬ذكر أن المفس‪##‬رين‬
‫يقتطعون اآلية من مكانها في المجموع‪##‬ة الواح‪##‬دة من اآلي‪##‬ات ذات الس‪##‬ياق الواح‪##‬د‪..‬‬
‫المفس‪#‬رين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويجرون على اآلية الكريمة أنواع التبديل والتح‪##‬وير‪ #‬بحس‪##‬ب اجته‪##‬ادات‬
‫مفسرين وقرّاء بعنوان اختالف الق‪##‬راءات‪ ..‬ويعتم‪##‬دون‪ #‬لفهم مع‪##‬نى اآلي‪##‬ة األح‪##‬اديث‬
‫المروية في باب نسخ التالوة‪ ،‬والتي ال تتناسب مع إحكام القرآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وحف‪##‬ظ هللا‬
‫له‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهكذا ناقش استدالل القائلين بالنسخ بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا بَ َّد ْلنَا آيَ ‪#‬ةً‬
‫رهُ ْم اَل يَ ْعلَ ُم‪#‬ونَ ﴾ [النح‪##‬ل‪:‬‬‫َ‪#‬ر بَ‪#‬لْ أَ ْكثَ‪ُ #‬‬
‫َم َكانَ آيَ ٍة َوهَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما يُنَ‪ِّ #‬ز ُل قَ‪#‬الُوا إِنَّ َم‪#‬ا أَ ْنتَ ُم ْفت ٍ‬
‫‪]101‬؛ فقد ذكر أن هذه اآلية ـ أيضا ـ ن‪##‬زلت ض‪##‬من مجموع‪##‬ة آي‪##‬ات يتح‪ّ #‬دث فيه‪##‬ا هللا‬
‫تع‪##‬الى عن الق‪##‬رآن وأدب قراءت‪##‬ه‪ ،‬وتش‪##‬كيك المش‪##‬ركين من أه‪##‬ل م ّك‪##‬ة‪ ،‬وإدح‪##‬اض‬
‫افترائهم‪ ..‬وبذلك فإن مع‪##‬نى تب‪##‬ديل اآلي‪##‬ة‪ :‬تب‪##‬ديل بعض أحك‪##‬ام الق‪##‬رآن الم‪##‬ذكورة في‬
‫فص‪##‬ل أو فص‪##‬ول من‪##‬ه‪َ ﴿ ،‬مك‪##‬انَ آيَ ‪ٍ #‬ة﴾ أي‪ :‬مك‪##‬ان بعض أحك‪##‬ام الت‪##‬وراة أو اإلنجي‪##‬ل‬
‫المذكورة في فصل أو فصول من أحدهما‪ ،‬وهللا أعلم بما ين ّزل‪ ،‬وحكمته‪ ،‬قالوا‪ :‬أنت‬
‫مفتر في ما أتيت به من الكتاب المجي‪##‬د‪ ،‬ق‪##‬ل ن ّزل‪##‬ه روح الق‪##‬دس من ربّ‪##‬ك‪ ،‬ليثبت ب‪##‬ه‬
‫الّذين آمنوا وهدى وبشرى‪ #‬للمسلمين‪ ،‬ولقد نعلم أنّهم يقولون‪ :‬إنّما يعلّمه بش‪##‬ر ـ قي‪##‬ل‬
‫نصراني‪ #‬كان بم ّكة ـ لسان الّذي يلحدون إلي‪##‬ه ـ يطعن‪##‬ون ب‪##‬ه على الق‪##‬رآن ـ أعجم ّي‬
‫وهذا لسان عرب ّي مبين‪.‬‬
‫‪ )(1‬القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/299 :‬‬
‫‪ )(2‬القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/300 :‬‬
‫‪ )(3‬القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/300 :‬‬
‫‪428‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ثم ذكر أن هذا التفسير يتأكد بأمور‪ ..‬أولها بدء المجموع‪##‬ة ب‪##‬ذكر‬
‫القرآن‪ ..‬وثانيها‪ #‬إيراد الضمير‪ #‬المذكور في ﴿نَ َّزلَهُ﴾‪ ،‬فإنّه لو كان القص‪##‬د من ﴿نَ َّزلَ ‪#‬هُ﴾‪:‬‬
‫اآلية من السورة لك‪##‬ان ينبغي أن يق‪##‬ول‪﴿ :‬ن ّزله‪##‬ا﴾‪ ،‬أي ن‪ّ #‬زل اآلي‪##‬ة من الس‪##‬ورة‪ ،‬ولم‪##‬ا‬
‫أن المقص‪##‬ود من اآلي‪##‬ة ه‪##‬و الق‪##‬رآن أو‬ ‫أعاد هللا سبحانه الض‪##‬مير‪ #‬إلى الم‪##‬ذ ّكر‪ ،‬ظه‪##‬ر ّ‬
‫حكم في الق‪##‬رآن‪ ،‬وله‪##‬ذا أع‪##‬اد الض‪##‬مير إلى مع‪##‬نى (اآلي‪##‬ة) وه‪##‬و الق‪##‬رآن أو الحكم‬
‫المذ ّكر‪ ..‬وثالثه‪##‬ا حكايت‪##‬ه ق‪#‬ولهم‪ #‬بأنّ‪#‬ه علّم‪#‬ه بش‪##‬ر‪ ،‬وك‪##‬ان قص‪##‬د المش‪#‬ركين من تعليم‬
‫البشر تعليم البشر إيّاه القرآن أو بعض أحكام القرآن ـ معاذ هللا ـ ولم يقصدوا تعليم‪##‬ه‬
‫آية واحدة من القرآن‪ ..‬ورابعها أمره الرسول ‪ ‬باتب‪##‬اع مل‪##‬ة إب‪##‬راهيم علي‪##‬ه الس‪##‬الم‬
‫اختَلَفُ‪##‬وا فِي‪ِ #‬ه َوإِ َّن َربَّكَ لَيَحْ ُك ُم‬ ‫ْت َعلَى الَّ ِذينَ ْ‬ ‫الس‪#‬ب ُ‬ ‫وقوله تعالى بعد ذل‪##‬ك‪﴿ :‬إِنَّ َم‪##‬ا ُج ِع‪َ #‬ل َّ‬
‫بَ ْينَهُ ْم يَوْ َم ْالقِيَا َم‪ِ #‬ة فِي َم‪##‬ا َك‪##‬انُوا فِي‪ِ #‬ه يَ ْختَلِفُ‪##‬ونَ ﴾ [النح‪##‬ل‪ ،]124 :‬وهم بن‪##‬و إس‪##‬رائيل‪ ،‬ث ّم ختم‬
‫ص‪#‬نَا‪َ #‬علَ ْي‪##‬كَ ِم ْن قَ ْب‪ُ #‬ل َو َم‪##‬ا‬ ‫ص ْ‬ ‫اآليات بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َعلَى الَّ ِذينَ هَ‪##‬ادُوا َح َّر ْمنَ‪##‬ا َم‪##‬ا قَ َ‬
‫ظلِ ُمونَ ﴾ [النحل‪ ..]118 :‬باإلضافة إلى ذلك كله لم نجد في‬ ‫ظَلَ ْمنَاهُْ‪#‬م َولَ ِك ْن َكانُوا أَ ْنفُ َسهُ ْم يَ ْ‬
‫فس‪#‬ر‪ #‬لف‪##‬ظ (آي‪##‬ة) في الم‪##‬وردين‬ ‫ما ذكروا من التفاسير رواية عن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬أنّ‪##‬ه ّ‬
‫هنا باآلية الّتي هي جزء من السورة كما قالوا به‪ ،‬وإنّما نقلوا ذلك من المفسّرين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى هذا كله؛ ومن باب التس‪##‬ليم الج‪##‬دلي؛ فإن‪##‬ه ليس من‬
‫الحتم الالزم إذا ورد فى الق‪##‬رآن أس‪##‬لوب ش‪##‬رطى‪ #‬أن يق‪##‬ع ه‪##‬ذا الش‪##‬رط‪ ،‬وإنم‪##‬ا الحتم‬
‫الالزم هو‪ ،‬أنه إذا وقع الشرط فال بد أن يقع ويتحقق الجواب المعلق على وقوع‪ #‬هذا‬
‫الشرط؛ فما أكثر ما وردت أساليب شرطية فى القرآن غير مراد وقوعه‪##‬ا‪ ،‬وتحقي‪##‬ق‬
‫ك‬ ‫ُض‪#‬لُّو َ‬ ‫ضي ِ‬ ‫‪#‬ر َم ْن فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫جوابها‪ ،‬ومن ذلك قوله تع‪##‬الى لنبي‪##‬ه ‪َ ﴿ :‬وإِ ْن تُ ِط‪ْ #‬ع أَ ْكثَ‪َ #‬‬
‫﴿ولَ‪##‬وْ‬‫ع َْن َسبِي ِل هَّللا ِ إِ ْن يَتَّبِعُونَ إِاَّل الظَّ َّن َوإِ ْن هُ ْم إِاَّل يَ ْخ ُرصُونَ ﴾ [األنعام‪ ،]116 :‬وقوله‪َ :‬‬
‫اوي ِل أَل َخ َْذنَا ِم ْنهُ بِ ْاليَ ِمي ِن ثُ َّم لَقَطَ ْعنَا ِم ْنهُ ْال َوتِينَ فَ َما ِم ْن ُك ْم ِم ْن أَ َح ٍد‬‫ْض اأْل َقَ ِ‬
‫تَقَ َّو َل َعلَ ْينَا بَع َ‬
‫ك‬ ‫وح َي إِلَ ْيكَ َوإِلَى الَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ َ‬ ‫ُ‬
‫﴿ولَقَ ْد أ ِ‬ ‫َع ْنهُ َحا ِج ِزينَ ﴾ [الحاقة‪ ،]47-44 :‬وقوله خطابا له‪َ :‬‬
‫خَاس ِرينَ ﴾ [الزمر‪ ،]65 :‬فلم يقع شرط أي آية‬ ‫ك َولَتَ ُكون ََّن ِمنَ ْال ِ‬ ‫لَئِ ْن أَ ْش َر ْكتَ لَيَحْ بَطَ َّن َع َملُ َ‬
‫من هذه اآليات‪ ،‬ولم يقع جوابه‪##‬ا ك‪##‬ذلك‪ ..‬وعلى ه‪##‬ذا‪ ،‬يج‪##‬وز فى اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة ﴿ َم‪##‬ا‬
‫ت بِ َخي ٍْر ِم ْنهَا أَوْ ِم ْثلِهَا أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أَ َّن هَّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ‪ِ ##‬ديرٌ﴾‬ ‫نَ ْن َس ْخ ِم ْن آيَ ٍة أَوْ نُ ْن ِسهَا نَأْ ِ‬
‫[البقرة‪ ]106 :‬أال يقع شرطها‪ #‬وجوابها‪ ،‬وتكون من قبيل القضايا الفرض‪##‬ية‪ ،‬ال‪##‬تي ي‪##‬راد‬
‫بها العبرة والعظة‪ ..‬وهذا في حال صحة ما ذك‪##‬ره المخ‪##‬الفون في تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ة ي‪##‬دل‬
‫على أن النسخ الذي أشارت إليه اآلي‪#‬ة الكريم‪##‬ة‪ ،‬ليس الزم‪#‬ا أن يق‪#‬ع‪ ،‬وإنم‪##‬ا وقوع‪#‬ه‬
‫أمر احتمالي‪ ،‬يشهد له الواق‪##‬ع أوال يش‪##‬هد‪ ،‬ف‪##‬إن ش‪##‬هد ل‪##‬ه اعت‪##‬بر‪ ،‬وإال فال‪ ..‬وله‪##‬ذا ال‬
‫يصح أن نستصحب معنا هذا الحكم‪ ،‬الذي تقضى به اآلية لو وقع شرطها وجوابها‪#..‬‬
‫ال نستصحب‪ #‬هذا الحكم‪ ،‬ونحن ننظر فى اآليات التي يقال إنها ناس‪##‬خة أومنس‪##‬وخة‪..‬‬
‫بل ننظر‪ #‬فى تلك اآليات نظرا منقطعا عن كل تأثير لهذا المفه‪##‬وم ال‪##‬ذي فهمت اآلي‪##‬ة‬
‫‪ )(1‬القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/301 :‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/127‬‬
‫‪429‬‬
‫الكريمة عليه‪.‬‬
‫آيات النسخ وتوجيهها‬
‫بعد أن انتهى حفدة قتادة من ذكر مقوالت المنكرين لنسخ األحك‪##‬ام‪ ،‬أو للنس‪##‬خ‬
‫عموما‪ ،‬وأدلتهم‪ ،‬ق‪#‬ام أح‪#‬د الحض‪#‬ور‪ ،‬وق‪#‬ال‪ :‬ب‪#‬ورك‪ #‬فيكم‪ ..‬لكن ك‪#‬ل م‪#‬ا ذكرتم‪#‬وه ال‬
‫يكفي لرد اآليات المحكمة المصرحة بوجود النس‪##‬خ في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬ب‪##‬ل وقوع‪##‬ه‬
‫فيه‪ ..‬فهل يمكن أن نترك كالم ربنا ألي رجل مهما بلغ من العلم؟‬
‫قال أحد حفدة قت‪##‬ادة‪ :‬ب‪##‬ورك في‪##‬ك وفي حرص‪#‬ك‪ #‬على كالم رب‪##‬ك‪ ،‬ونحن ـ إن‬
‫شاء هللا ـ ال نقل عنك حرصا‪ ،‬وما كان لنا أن نتبع قول أي أحد‪ ،‬ونخالف كالم ربنا‪،‬‬
‫وقد‪ #‬قال تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تُقَ ‪ِّ #‬د ُموا بَ ْينَ يَ ‪#‬د ِ‬
‫َي هَّللا ِ َو َر ُس ‪#‬ولِ ِه َواتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ إِ َّن‬
‫علِي ٌم﴾ [الحجرات‪]1 :‬‬ ‫هَّللا َ َس ِمي ٌع َ‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬ال بأس‪ ..‬قد نسلم لكم بأن س‪##‬ياق اآلي‪##‬ة ال يس‪##‬مح بم‪##‬ا‬
‫ذكره المفسرون‪ ،‬لكن الواقع أثبت وجود النسخ‪ ..‬فهناك‪ #‬آي‪##‬ات كث‪##‬يرة ال يمكن فهمه‪#‬ا‪#‬‬
‫مع أخواتها‪ #‬من دون أن يكون أحدهما منسوخا‪#.‬‬
‫قال كبير حفدة قتادة‪ :‬ولهذا اجتمعنا بكم‪ ..‬لت‪##‬ذكروا لن‪##‬ا تل‪##‬ك اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي قي‪##‬ل‬
‫بنسخها‪ ،‬ثم نجيبكم بشأنها‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ :‬هي كث‪##‬يرة ج‪##‬دا‪ ،‬وال يمكنن‪##‬ا في ه‪##‬ذا المجلس عرض‪##‬ها‬
‫جميعا لكثرتها‪ ..‬فقد ذكر ابن العربي المعافري أن عددها مائة آية‪ ..‬وذهب ابن حزم‬
‫في كتابه معرفة الناسخ والمنسوخ‪ #‬أن آيات النس‪##‬خ تبل‪##‬غ م‪##‬ائتين وأرب‪##‬ع عش‪##‬رة آي‪##‬ة‪..‬‬
‫وذهب أبو جعف‪#‬ر النح‪#‬اس في كتاب‪#‬ه الناس‪#‬خ والمنس‪#‬وخ إلى أنه‪#‬ا تبل‪#‬غ مائ‪#‬ة وأربع‪#‬ا‪#‬‬
‫وثالثين آية‪ ..‬وأوصلها ابن سالمة الضرير‪ #‬إلى مائتين وثالث عش‪##‬رة آي‪##‬ة‪ ..‬في حين‬
‫أوصلها‪ #‬ابن الجوزي‪ #‬إلى مائتين وسبعة وأربعين آية(‪.)1‬‬
‫قال كبير حف‪#‬دة قت‪#‬ادة‪ :‬مهم‪#‬ا ك‪#‬ان ع‪#‬ددها‪ ،‬ومهم‪#‬ا ط‪#‬ال ه‪#‬ذا المجلس؛ فال‪#‬ذي‬
‫يبحث عن الح‪##‬ق يحت‪##‬اج إلى الص‪##‬بر‪ ،‬وع‪##‬دم االهتم‪##‬ام ب‪##‬الوقت ال‪##‬ذي يوص‪##‬له إلى‬
‫الحقيقة‪ ،‬حتى ال يلقى هللا‪ ،‬وهو يجهل ما أُمر بعلمه‪.‬‬
‫آيات الرحمة والشدة‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬فلنبدأ‪ #‬بآية السيف والقت‪##‬ال‪ ،‬وهي قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ‪#‬إِذاَ‬
‫ص‪#‬رُوهُ ْم‬ ‫ْث َو َج‪ْ #‬دتُ ُموهُ ْم َو ُخ‪ُ #‬ذوهُْ‪#‬م َواحْ ُ‬ ‫ا ْن َس ‪#‬لَخَ اأْل َ ْش‪#‬هُ ُر ْال ُح‪ُ #‬ر ُم فَ‪##‬ا ْقتُلُوا ْال ُم ْش ‪ِ #‬ر ِكينَ َحي ُ‬
‫صاَل ةَ َوآتَ ُوا ال َّز َكاةَ فَخَ لُّوا َس‪#‬بِيلَهُْ‪#‬م إِ َّن هَّللا َ‬‫ص ٍد فَإِ ْن تَابُوا َوأَقَا ُموا ال َّ‬ ‫َوا ْق ُعدُوا لَهُ ْم ُك َّل َمرْ َ‬
‫َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [التوبة‪ #،]5 :‬فقد قال الحسن بن فضل في فضلها‪( #:‬نسخت هذه اآلي‪##‬ة ك‪##‬ل‬
‫آية في القرآن فيها ذكر اإلعراض والصبر‪ #‬على أذى األع‪##‬داء)‪ ،‬وق‪#‬ال ابن ح‪##‬زم في‬
‫كتابه الناسخ والمنسوخ‪( :‬في القرآن مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين س‪##‬ورة‬
‫ْث َو َج‪ْ #‬دتُ ُموهُ ْم﴾‬ ‫نسخت الكل بقوله‪﴿ :‬فَإِ َذا ا ْن َسلَ َخ اأْل َ ْشهُ ُ‪#‬ر ْال ُح‪ُ #‬ر ُم فَ‪##‬ا ْقتُلُوا ْال ُم ْش‪ِ #‬ر ِكينَ َحي ُ‬

‫‪ )(1‬مصطفى زيد‪ ،‬النسخ في القرآن‪.1/405 :‬‬


‫‪430‬‬
‫[التوبة‪)1()]5 :‬‬
‫َ‬ ‫هّللا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَا ْعفوا َواصْ فَحُوا َحتَّى يَأتِ َي ُ بِأ ْم ِر ِه إِ َّن‬
‫هّللا َ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدير ﴾ [البق‪##‬رة‪ ،]109:‬فه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة منس‪##‬وخة‪ ..‬وق‪##‬د ق‪##‬ال النيس‪##‬ابوري‪#:‬‬
‫‪#‬اليَوْ ِم‬ ‫وا الَّ ِذينَ الَ ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ بِاهّلل ِ َوالَ بِ‪ْ #‬‬ ‫(نسخ ما فيها من عفو وصفح بقوله تعالى‪ ﴿ :‬قَاتِلُ ْ‪#‬‬
‫اآلخ ِر َوالَ يُ َح ِّر ُمونَ َما َح َّر َم هّللا ُ َو َر ُس‪#‬ولُهُ ﴾ [التوب‪##‬ة‪ ..]29:‬لق‪##‬د أم‪##‬ر المس‪##‬لمون به‪##‬ذا في‬ ‫ِ‬
‫بداية اإلسالم عندما كانوا مستضعفين‪ ..‬أما عندما قووا فلم يبق هناك مجال للعفو أو‬
‫الصفح‪.‬‬
‫هّللا‬ ‫َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪ ﴿:‬قُ‪##‬لْ أتُ َحاجُّ ونَنَ‪##‬ا فِي ِ َوهُ‪َ #‬و َربُّنَ‪#‬ا َو َربُّ ُك ْ‪#‬م‬
‫ص ‪#‬ون ﴾ [البق‪##‬رة‪ ..]139:‬فه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة أيض‪##‬ا‬ ‫َولَنَ‪##‬ا أَ ْع َمالُنَ‪##‬ا َولَ ُك ْم أَ ْع َم‪##‬الُ ُك ْم َونَحْ نُ لَ ‪#‬هُ ُم ْخلِ ُ‬
‫منس‪##‬وخة‪ ،‬نس‪##‬ختها آي‪##‬ة الس‪##‬يف(‪ ..)2‬فم‪##‬ا حاج‪##‬ة المس‪##‬لمين إلى محاج‪##‬ة خص‪##‬ومهم‪#‬‬
‫ومجادلتهم وح‪##‬وارهم‪ #‬بع‪##‬د أن أم‪##‬دهم هللا بق‪##‬وة الس‪##‬يف؟ فكفى بالس‪##‬يف ش‪##‬افيا‪ ،‬وكفى‬
‫بالسيف‪ #‬محاورا‪.‬‬
‫يل هّللا ِ الَّ ِذينَ يُقَ‪##‬اتِلُونَ ُك ْم َوالَ‬ ‫وا فِي َس‪#‬بِ ِ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿:‬وقَ‪##‬اتِلُ ْ‪#‬‬
‫ُوا إِ َّن هّللا َ الَ يُ ِحبُّ ْال ُم ْعتَ‪ِ ##‬دين ﴾ [البق‪###‬رة‪ ..]190:‬فهي مث‪##‬ل أخواته‪##‬ا منس‪##‬وخة بآي‪##‬ة‬ ‫تَ ْعتَ‪##‬د ْ‪#‬‬
‫السيف(‪ ،)3‬وقد قال النيسابوري فيها‪( :‬قول‪##‬ه ﴿ وال تعت‪##‬دوا‪ ،﴾ #‬ه‪##‬ذا ك‪##‬ان في االبت‪##‬داء‪،‬‬
‫عندما كان اإلسالم ضعيفا)‬
‫ِّين قَد تَّبَيَّنَ الرُّ ْش ُد ِمنَ ْال َغ ِّي‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿:‬الَ إِ ْك َراهَ فِي الد ِ‬
‫﴾ [البقرة‪ ،]256:‬فهي مثل سابقاتها‪ ..‬نسختها آية السيف(‪.)4‬‬
‫ت َوجْ ِه َي هّلِل ِ َو َم ِن‬ ‫فإن َح‪##‬اجُّ وكَ فَقُ‪##‬لْ أَ ْس‪#‬لَ ْم ُ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ْ ﴿:‬‬
‫َوا َّوإِن ت ََولَّوْ ْا‬ ‫وا فَقَ‪ِ #‬د ا ْهتَ‪#‬د ْ‬ ‫‪#‬اب َواألُ ِّميِّينَ أَأَ ْس‪#‬لَ ْمتُ ْم فَ‪#‬إِ ْن أَ ْس‪#‬لَ ُم ْ‬ ‫اتَّبَ َع ِن َوقُل لِّلَّ ِذينَ أُوْ تُ ْ‬
‫وا ْال ِكتَ‪َ #‬‬
‫ص ‪#‬ي ٌر بِ ْال ِعبَ‪##‬اد ﴾ [آل عم‪##‬ران‪ ،]20:‬فه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة مث‪##‬ل س‪##‬ابقاتها‬ ‫غ َوهّللا ُ بَ ِ‬‫ك ْالبَالَ ُ‬ ‫فَإِنَّ َم‪##‬ا َعلَ ْي ‪َ #‬‬
‫منسوخة آية السيف(‪ ..)5‬فال منطق‪ #‬أفضل من السيف‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومن أمثلته‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ ﴿:‬أولَـئِكَ الَّ ِذينَ يَ ْعلَ ُم هّللا ُ َم‪##‬ا فِي قُلُ‪##‬وبِ ِه ْ‪#‬م‬
‫ظهُ ْم َوقُل لَّهُ ْم فِي أَنفُ ِس ِه ْم قَوْ الً بَلِي ًغا ﴾ [النساء‪ ،]63:‬فقد ذك‪##‬ر علماؤن ‪#‬ا‪#‬‬ ‫فَأ َ ْع ِرضْ َع ْنهُ ْم َو ِع ْ‬
‫أن هذا (كان في بدء اإلسالم‪ ،‬ثم صار الوعظ واإلعراض منسوخا ً بآية السيف)(‪)6‬‬
‫اص‪##‬فَحْ إِ َّن هّللا َ ي ُِحبُّ‬ ‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومن أمثلته‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ ﴿:‬فَ‪##‬اعْفُ َع ْنهُ ْم َو ْ‬
‫ْال ُمحْ ِس‪#‬نِين ﴾ [المائ‪##‬دة‪ ،]13:‬فق‪##‬د ذك‪##‬ر علماؤن‪##‬ا أنه‪##‬ا (ن‪##‬زلت في اليه‪##‬ود‪ ،‬ثم نس‪##‬خ العف‪##‬و‬
‫والصفح بآية السيف)(‪)7‬‬

‫الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص ‪)12‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الناسخ والمنسوخ للنيسابوري ص‪44‬ـ‪.45‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الناسخ والمنسوخ للنيسابوري‪ ،‬ص‪65‬ـ‪.66‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الناسخ والمنسوخ للنيسابوري‪ ،‬ص‪ 96‬ـ‪.97‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الناسخ والمنسوخ للنيسابوري‪ ،‬ص‪ 102‬ـ‪.103‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الناسخ والمنسوخ للنيسابوري‪ ،‬ص‪.135‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫الناسخ والمنسوخ للنيسابوري‪ ،‬ص‪.150‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪431‬‬
‫غ َوهّللا ُ يَ ْعلَ ُم َم‪##‬ا‬ ‫ول إِالَّ ْالبَالَ ُ‬ ‫َّس‪ِ #‬‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪َّ ﴿:‬ما َعلَى الر ُ‬
‫تُ ْب ُدونَ َو َما تَ ْكتُ ُمون ﴾ [المائدة‪ ،]99:‬فهي مثل سابقاتها منسوخة آية السيف(‪.)1‬‬
‫ُوا لِلس َّْل ِم فَ‪#‬اجْ نَحْ لَهَ‪#‬ا َوت ََو َّك ْ‪#‬ل َعلَى‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪َ ﴿:‬وإِن َجنَح ْ‬
‫الس‪ِ #‬مي ُع ْال َعلِيم ﴾ [األنف‪##‬ال‪ ،]61:‬فهي منس‪##‬وخة بآي‪##‬ة الس‪##‬يف (‪ ..)2‬فم‪##‬ا حاج‪##‬ة‬ ‫‪#‬و َّ‬ ‫هّللا ِ إِنَّهُ هُ‪َ #‬‬
‫المسلمين للسالم‪ ،‬وقد أعطاهم هللا القوة التي يقهرون بها أعداءهم؟‬
‫ع إِلِى َس ‪#‬بِي ِل َربِّكَ بِ ْال ِح ْك َم‪ِ #‬ة َوال َموْ ِعظَ ‪ِ #‬ة‬
‫ْ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿:‬ا ْد ُ‬
‫َ‬
‫ض‪َّ #‬ل عَن َس‪#‬بِيلِ ِه َوهُ‪َ #‬و أ ْعلَ ُم‬ ‫‪#‬و أ ْعلَ ُم بِ َمن َ‬ ‫َ‬ ‫ْال َح َسنَ ِة َو َجا ِد ْلهُم بِالَّتِي ِه َي أَحْ َسنُ إِ َّن َربَّكَ هُ‪َ #‬‬
‫بِ ْال ُم ْهتَ‪ِ #‬دين ﴾ [النح‪##‬ل‪ ،]125:‬فالش‪#‬ك‪ #‬أنه‪#‬ا منس‪#‬وخة نس‪#‬ختها آي‪#‬ة الس‪#‬يف(‪ ..)3‬فم‪#‬ا حاج‪#‬ة‬
‫المسلمين للحكمة والموعظة وقد‪ #‬من هللا عليهم بنعمة القوة والعزة والتسلط؟‬
‫َ‬
‫الس ‪#‬يِّئَةَ نَحْ نُ أ ْعلَ ُم‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿:‬ا ْدفَ ‪ْ #‬ع بِ‪##‬الَّتِي ِه َي أَحْ َس ‪#‬نُ َّ‬
‫صفُون ﴾ [المؤمنون‪ ،]96:‬فقد نسختها آية السيف(‪ ..)4‬وذلك واضح لكل عاقل‪ ..‬فمن‬ ‫بِ َما يَ ِ‬
‫أعطاه هللا القوة التي يقهر بها أعداءه ال يحتاج إلى أن يدفع بالتي هي أحسن‪.‬‬
‫ق ِمن َّربِّ ُك ْم‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿:‬قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَ ْد َجاء ُك ُم ْال َح ُّ‬
‫ض‪#‬لُّ َعلَ ْيهَ‪##‬ا َو َم‪##‬ا أَنَ‪##‬اْ َعلَ ْي ُكم بِ َو ِكي‪##‬ل ﴾‬ ‫فَ َم ِن ا ْهتَدَى فَإِنَّ َما يَ ْهتَ ِدي‪ #‬لِنَ ْف ِس ِه َو َمن َ‬
‫ض َّل فَإِنَّ َما يَ ِ‬
‫[يونس‪ ،]108#:‬فقد نسخ معناها ال لفظها بآية السيف(‪.)5‬‬
‫ض ‪#‬وا َع ْن‪#‬هُ َوقَ‪##‬الُوا‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪َ ﴿:‬وإِ َذا َس ِمعُوا اللَّ ْغ َو أَ ْع َر ُ‬
‫لَنَا أَ ْع َمالُنَا َولَ ُك ْم أَ ْع َمالُ ُك ْم َسالَ ٌم َعلَ ْي ُك ْم الَ نَ ْبت َِغي ْال َجا ِهلِين ﴾ [القص‪##‬ص‪ ،]55:‬فهي األخ‪#‬رى‪#‬‬
‫نس‪##‬خت بآي‪##‬ة الس‪##‬يف(‪ ..)6‬وه‪##‬و واض‪##‬ح لمن تأمل‪##‬ه‪ ..‬أليس اإلع‪##‬راض نوع‪##‬ا من‬
‫الضعف‪ ..‬والمسلم‪ #‬قوي عزيز ال يحتاج أن يذل نفسه؟‬
‫ك َش‪#‬ا ِهدًا َو ُمبَ ِّش‪#‬رًا‬ ‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿:‬يَاأَيُّهَ‪##‬ا النَّبِ ُّي إِنَّا أَرْ َس‪ْ #‬لنَا َ‬
‫َونَ ِذي ًرا‪[ ﴾#‬األحزاب‪ ،]45:‬فهي مثل سابقاتها منس‪##‬وخة بآي‪##‬ة الس‪##‬يف(‪ ..)7‬وهي واض‪##‬حة ال‬
‫تحتاج إلى شرح يبين نسخها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪َ ﴿:‬والَ تَ ْست َِوي‪ْ #‬ال َح َسنَةُ َوالَ ال َّسيِّئَةُ ا ْدفَ ْع بِ‪##‬الَّتِي‬
‫ك َوبَ ْينَ‪#‬هُ عَ‪ #‬دَا َوةٌ َكأَنَّهُ َولِ ٌّي َح ِميم ﴾ [فص‪##‬لت‪ ،]34:‬فهي منس‪#‬وخة‬ ‫ِه َي أَحْ َسنُ فَإِ َذا الَّ ِذي بَ ْينَ‪َ #‬‬
‫بآية السيف(‪.)8‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تَ‬ ‫ُ‬
‫اس ‪#‬تقِ ْم ك َم‪##‬ا أ ِم‪##‬رْ َوال تتبِ ‪ْ #‬ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومن أمثلتها قوله تعالى‪ ﴿:‬فلِذلِكَ فادع َو ْ‬
‫ت ألَ ْع‪ِ #‬د َل بَ ْينَ ُك ُم هَّللا ُ َربُّنَ‪##‬ا َو َربُّ ُك ْم لَن‪##‬اَ‬ ‫ب َوأُ ِمرْ ُ‬ ‫نت بِ َما أَنزَ َل هَّللا ُ ِمن ِكتَا ٍ‬
‫أَ ْه َواءهُ ْم َوقُلْ آ َم ُ‬

‫الناسخ والمنسوخ للنيسابوري‪ ،‬ص‪.152‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫قالئد المرجان‪ ،‬ص‪176‬ـ‪.177‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫قالئد المرجان‪ ،‬ص‪.210‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫قالئد المرجان‪ ،‬ص‪.235‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫قالئد المرجان‪ ،‬ص‪.252‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫قالئد المرجان‪.253 ،‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫قالئد المرجان‪.258 ،‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫قالئد المرجان‪.268 ،‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫‪432‬‬
‫صير‪[ ﴾ #‬الشورى‪،]15:‬‬ ‫أَ ْع َمالُنَا َولَ ُك ْم أَ ْع َمالُ ُك ْم الَ ُح َّجةَ بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ُم هَّللا ُ يَجْ َم ُع بَ ْينَنَا َوإِلَ ْي ِه ْال َم ِ‬
‫فهي منسوخة بآية السيف (‪.)1‬‬
‫بعد أن انتهى الحضور من ذكر ما ذكره العلماء من اآليات المنس‪##‬وخة باآلي‪##‬ة‬
‫التي يسمونها [آية السيف]‪ ،‬قام كبير حفدة قتادة‪ ،‬وقال‪ :‬الش‪##‬ك أنكم مع‪##‬ذورون فيم‪##‬ا‬
‫ذكرتموه؛ فنحن الذين لقناكم ذلك‪ ،‬وعطلنا بسببه كل م‪##‬ا ورد في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم من‬
‫الدعوة للسلم والصفح والعفو والرحمة‪ ..‬لكنكم ال تعذرون إن لم تسمعوا لنا‪ ،‬لنش‪##‬رح‬
‫لكم ما وصلنا إليه بعد البحث الطويل‪ ..‬حتى ال تخاصمونا‪ #‬عند هللا يوم القيامة‪ ،‬بأنن‪##‬ا‬
‫سبب ما وقع لكم من خطأ وضالل‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ :‬طبع‪##‬ا لكم ذل‪##‬ك‪ ..‬ونحن مس‪##‬تعدون لل‪##‬تراجع عن ك‪##‬ل م‪##‬ا‬
‫ذكرناه إن تبين لنا الحق في غيره‪ ..‬ف‪##‬المؤمن ه‪##‬و ال‪##‬ذي ي‪##‬دور‪ #‬م‪##‬ع الح‪##‬ق حيث دار‪،‬‬
‫وهو الذي يسير مع الدليل والحجة حيث توجها‪.‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬ما دمتم ذكرتم‪ #‬أن اآلية التي تسمى [آية الس‪##‬يف والقت‪##‬ال]‬
‫هي الناسخة لكل تلك اآليات الكريمة؛ فإن العقل يدعونا إلى فهمها وتدبرها‪ ،‬لنعرف‬
‫المقصود منها‪ ،‬وهل يتناقض مع ما ُذكر أن‪##‬ه نس‪##‬خ به‪##‬ا أم ال يتن‪##‬اقض‪ ..‬ذل‪##‬ك أن‪#‬ه إذا‬
‫أمكن الجم‪##‬ع بين اآلي‪##‬ات ك‪##‬ان الق‪##‬ول بالنس‪##‬خ تعطيال لآلي‪##‬ات ال‪##‬تي قي‪##‬ل بنس‪##‬خها‪..‬‬
‫واألصل في القرآن التحكيم والتفعيل‪ ،‬ال التعطيل‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ولنبدأ بالسياق ال‪##‬ذي وردت في‪##‬ه تل‪##‬ك اآلي‪##‬ات الكريم‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫ت‬‫اوا ِ‬ ‫ق َّ‬
‫الس‪َ #‬م َ‬ ‫ُور ِع ْن َد هَّللا ِ ْاثنَا َع َش َر َش ْهرًا فِي ِكتَ‪##‬ا ِ‬
‫ب هَّللا ِ يَ‪##‬وْ َم خَ لَ‪َ #‬‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إِ َّن ِع َّدةَ ال ُّشه ِ‬
‫َظلِ ُم‪##‬وا فِي ِه َّن أَ ْنفُ َس ‪ُ #‬ك ْم َوقَ‪##‬اتِلُوا‬ ‫ض ِم ْنهَ‪##‬ا أَرْ بَ َع‪ ##‬ةٌ حُ‪ُ ##‬ر ٌم َذلِ‪##‬كَ ال‪##‬دِّينُ ْالقَيِّ ُم فَاَل ت ْ‬ ‫َواأْل َرْ َ‬
‫ْال ُم ْش ِر ِكينَ َكافَّةً َك َم‪##‬ا يُقَ‪##‬اتِلُونَ ُك ْم َكافَّةً َوا ْعلَ ُم‪##‬وا أَ َّن هَّللا َ َم‪َ #‬ع ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [التوب‪##‬ة‪ ،]36 :‬أي أن‬
‫الغاية من هذه اآلية الكريمة ال‪##‬دعوة إلى الس‪##‬الم وتجنب القت‪##‬ال فى األش‪##‬هر الح‪##‬رم‪،‬‬
‫وإن كان حتما على المسلمين أن يمتثلوها‪ ،‬ويحققوها من ج‪##‬انبهم‪ ،‬إال أنه‪##‬ا ال تحم‪##‬ل‬
‫المسلمين على التهاون فى قتال المشركين‪ ،‬وترك‪ #‬اإلعداد لح‪##‬ربهم‪ #..‬ألن المش‪##‬ركين‬
‫ال يح‪##‬ترمون ه‪##‬ذه ال‪##‬دعوة‪ ،‬وال يس‪##‬تقيمون عليه‪##‬ا‪ ،‬وال ي‪##‬دعون المس‪##‬لمين فى أمن‬
‫وسالم‪ ،‬إذا هم قدروا على قتالهم‪ ،‬ووجدوا الفرصة السانحة لهم فيهم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهذا هوالسر‪ #‬فى عط‪##‬ف ه‪##‬ذا األم‪##‬ر‪َ ﴿ :‬وقَ‪##‬اتِلُوا‪ْ #‬ال ُم ْش‪ِ #‬ر ِكينَ َكافَّةً‬
‫َظلِ ُموا فِي ِه َّن أَ ْنفُ َس‪ُ ##‬ك ْم﴾‬‫َك َما يُقَاتِلُونَ ُك ْم َكافَّةً﴾ على النهى السابق فى قوله سبحانه‪ ﴿ :‬فَاَل ت ْ‬
‫إذ أن ه‪##‬ذا النهى يقتض‪##‬ى الك‪##‬ف عن القت‪##‬ال فى ه‪##‬ذه األش‪##‬هر الح‪##‬رم‪ ،‬خاص‪##‬ة‪ ،‬وفى‬
‫غيرها‪ ،‬عامة‪ ،‬إذا لم يكن من المش‪##‬ركين ع‪##‬دوان على المؤم‪##‬نين‪ ..‬وه‪##‬ذا من ش‪##‬أنه ـ‬
‫لوأطل‪#‬ق‪ #‬ـ أن يحم‪##‬ل المس‪##‬لمين على طلب المس‪##‬المة والموادع‪##‬ة‪ ،‬وت‪##‬رك االس‪##‬تعداد‬
‫للح‪##‬رب‪ ،‬واالنخالع عن مش‪##‬اعر القت‪##‬ال‪ ،‬فى حين أن المش‪##‬ركين على غ‪##‬ير ه‪##‬ذا‬
‫‪ )(1‬قالئد المرجان‪.270 ،‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/761‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/761‬‬
‫‪433‬‬
‫الموق‪##‬ف‪ ،‬ألنهم أب‪##‬دا على ع‪##‬داوة مض‪##‬مرة أوظ‪##‬اهرة للمؤم‪##‬نين‪ ،‬وأنهم إذا وج‪##‬دوا‬
‫فرصة للنيل منهم فلن يمسكهم‪ #‬عن ذلك عهد أوقرابة‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪﴿ :‬اَل يَرْ قُبُ‪##‬ونَ‬
‫ك هُ ُم ْال ُم ْعتَ ُدونَ ﴾ [التوبة‪ ،]10 :‬فكان إتباع ه‪##‬ذا النهى ب‪##‬ذلك‬ ‫فِي ُم ْؤ ِم ٍن إِاًّل َواَل ِذ َّمةً َوأُولَئِ َ‪#‬‬
‫األمر‪َ ﴿ :‬وقَ‪##‬اتِلُوا ْال ُم ْش‪ِ #‬ر ِكينَ َكافَّةً َك َم‪##‬ا يُقَ‪##‬اتِلُونَ ُك ْ‪#‬م َكافَّةً﴾ ك‪##‬ان وض‪##‬عا للنهى بموض‪##‬عه‬
‫الصحيح‪ ،‬فيكون دعوة للس‪##‬لم‪ ،‬م‪##‬ع الح‪##‬ذر من خط‪##‬ر الح‪##‬رب‪ ،‬وم‪##‬ع مراقب‪##‬ة الع‪##‬دو‪،‬‬
‫واإلعداد لدفع عدوانه إن حدثته نفسه بعدوان‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن قول‪##‬ه تع‪##‬الى ﴿كاف‪##‬ة﴾ أي جميع‪##‬ا‪ ،‬وأص‪##‬له‬
‫من الكف عن الشيء‪ ..‬بمعنى كف نفسه عن األمر أي دفعها عنه‪ ،‬وكف الع‪##‬دو‪ ،‬أي‬
‫دفعه ورده‪ ..‬وهذا ال يكون من اإلنسان‪ ،‬إال بنفس مجتمعة‪ ،‬وعزيمة غ‪##‬ير موزع‪##‬ة‪،‬‬
‫كما ال يكون من الجماعة المقاتلة إال باجتماعهما جميعا‪ ،‬واستحض‪##‬ار ك‪##‬ل م‪##‬ا ل‪##‬ديها‬
‫من قوى مادية ومعنوية‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وبذلك؛ فإن اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة تدعوالمس‪##‬لمين إلى القت‪##‬ال حين تق‪##‬وم‬
‫دواعي‪##‬ه‪ ،‬وهى رد ع‪##‬دوان المعت‪##‬دين‪ ،‬أوال‪##‬ذين يقف‪##‬ون فى وج‪##‬ه ال‪##‬دعوة اإلس‪##‬المية‪،‬‬
‫ويصدون الناس عنه‪##‬ا‪ ،‬أويفتن‪##‬ونهم‪ #‬فيه‪##‬ا‪ ..‬أم‪##‬ا فى غ‪##‬ير ه‪##‬ذا‪ ،‬فال قت‪##‬ال وال ع‪##‬دوان‪،‬‬
‫ويدل لذلك اآليات الكثيرة التي ترب‪#‬ط القت‪#‬ال بالع‪#‬دوان‪ ،‬كم‪#‬ا ق‪#‬ال تع‪#‬الى‪﴿ :‬أُ ِذنَ لِلَّ ِذينَ‬
‫ُ‬ ‫يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُ ْم ظُلِ ُموا َوإِ َّن هَّللا َ َعلَى ن ْ‬
‫‪#‬ار ِه ْم بِ َغ ْي‪ِ #‬‬
‫‪#‬ر‬ ‫َص‪ِ #‬ر ِه ْ‪#‬م لَقَ‪ِ #‬دي ٌر الَّ ِذينَ أ ْخ ِر ُج‪##‬وا ِم ْن ِديَ‪ِ #‬‬
‫ص َوا ِم ُع َوبِيَ ٌع‬ ‫ت َ‬ ‫ْض لَهُ ِّد َم ْ‬
‫ْضهُْ‪#‬م بِبَع ٍ‬ ‫اس بَع َ‬ ‫ق إِاَّل أَ ْن يَقُولُوا َربُّنَا هَّللا ُ َولَوْ اَل َد ْف ُع هَّللا ِ النَّ َ‬‫َح ٍّ‬
‫ي‬ ‫‪##‬و ٌّ‬ ‫ص ُرهُ إِ َّن هَّللا َ لَقَ ِ‬ ‫ات َو َم َسا ِج ُد ي ُْذ َك ُر فِيهَا ا ْس ُم هَّللا ِ َكثِيرًا َولَيَ ْنص َُر َّن هَّللا ُ َم ْن يَ ْن ُ‬ ‫صلَ َو ٌ‪#‬‬‫َو َ‬
‫صاصٌ فَ َم ِن‬ ‫ات قِ َ‬ ‫َزي ٌز﴾ [الحج‪ ،]40-39 :‬وقال‪﴿ :‬ال َّش ْه ُر ْال َح َرا ُم بِال َّشه ِْر ْال َح َر ِام َو ْال ُح ُر َم ُ‬ ‫ع ِ‬
‫ا ْعتَدَى َعلَ ْي ُك ْم فَا ْعتَدُوا َعلَ ْي‪ِ #‬ه بِ ِم ْث‪ِ #‬ل َم‪##‬ا ا ْعتَ‪#‬دَى َعلَ ْي ُك ْم َواتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ َوا ْعلَ ُم‪##‬وا أَ َّن هَّللا َ َم‪َ #‬ع‬
‫ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [البقرة‪ ،]194 :‬وقال‪َ ﴿ :‬وقَاتِلُوهُ ْم َحتَّى اَل تَ ُكونَ فِ ْتنَةٌ َويَ ُكونَ الدِّينُ هَّلِل ِ فَإِ ِن ا ْنتَهَوْ ا‬
‫﴿وقَ‪###‬اتِلُوا فِي َس‪###‬بِي ِل هَّللا ِ الَّ ِذينَ‬ ‫فَاَل عُ‪ْ ###‬د َوانَ إِاَّل َعلَى الظَّالِ ِمينَ ﴾ [البق‪####‬رة‪ ،]193 :‬وق‪###‬ال‪َ :‬‬
‫يُقَ‪##‬اتِلُونَ ُك ْ‪#‬م َواَل تَ ْعتَ‪##‬دُوا‪ #‬إِ َّن هَّللا َ اَل ي ُِحبُّ ْال ُم ْعتَ‪ِ ##‬دينَ ﴾ [البق‪###‬رة‪ ،]190 :‬وغيره‪##‬ا من اآلي‪##‬ات‬
‫الكريمة التي تربط اإلذن بالقتل أو األمر به برد اعتداء المعتدين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهي كذلك دعوة للمؤم‪#‬نين إلى جم‪#‬ع جم‪#‬اعتهم على أم‪#‬ر واح‪#‬د‬
‫مع المشركين المعتدين‪ ،‬وهوأن يعدوهم جميع‪##‬ا جبه‪##‬ة معادي‪##‬ة‪ ،‬ال ف‪##‬رق بين مش‪##‬رك‬
‫ومشرك‪ #،‬فكما أن كل مشرك هو حرب على اإلسالم والمؤمنين به‪ ،‬سواء كان ذل‪##‬ك‬
‫بقلبه‪ ،‬أولسانه‪ ،‬أوي‪##‬ده‪ ،‬وس‪##‬واء أك‪##‬ان فى جماع‪##‬ة أومنف‪##‬ردا‪ ،‬فك‪##‬ذلك ينبغى أن يك‪##‬ون‬
‫المؤمنون على تلك المش‪##‬اعر‪ ،‬وه‪##‬ذه المواق‪##‬ف إزاء المش‪##‬ركين‪ ..‬إن ال‪##‬ذي ينبغى أن‬
‫يكون من المؤمنين هو أن يكونوا‪ #‬قلبا واحدا‪ ،‬ولسانا‪ #‬واحدا‪ ،‬ويدا واح‪##‬دة‪ ..‬وه‪##‬ذا من‬
‫شأنه أن يدعوالمس‪##‬لمين إلى جم‪#‬ع كلمتهم‪ ،‬ووح‪##‬دة ص‪#‬فهم‪ ،‬ف‪#‬وق‪ #‬أن ذل‪##‬ك ه‪##‬وواجب‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/762‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/762‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/762‬‬
‫‪434‬‬
‫المسلمين فى السلم‪ ،‬فكيف وهم فى مواجهة العدوالمتربص بهم‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫﴿وا ْعلَ ُم‪#‬وا أ َّن َ َم‪َ #‬ع‬ ‫َ‬ ‫قال آخر(‪ :)1‬ولهذا ختمت اآلية الكريمة ب‪#‬األمر ب‪#‬التقوى َ‬
‫ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [التوب‪##‬ة‪ ،]36 :‬ففيه‪##‬ا دع‪##‬وة إلى التق‪##‬وى‪ ،‬وجعله‪##‬ا الم‪##‬يزان ال‪##‬ذي يض‪##‬بط‪ #‬علي‪##‬ه‬
‫المسلمون م‪##‬وقفهم من المش‪##‬ركين‪ ..‬فال بغى وال ع‪##‬دوان وال ظلم‪ ..‬ألن ذل‪##‬ك يخ‪##‬رج‬
‫المسلمين عن صفة التقوى‪ ،‬ويقيمهم هم والمشركون على مقام واح‪##‬د‪ ..‬األم‪##‬ر ال‪##‬ذي‬
‫من ش‪##‬أنه أن يف‪##‬وت عليهم أن يك‪##‬ون هللا س‪##‬بحانه معهم‪ ،‬يؤي‪##‬دهم وينص‪##‬رهم‪ #‬على‬
‫عدوهم‪ ..‬ألنه سبحانه ال يكون إال مع المتقين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وبناء على هذا؛ فإن موقف المسلمين مع غير المسلمين‪ ،‬ه‪##‬و أن‬
‫يكونوا‪ #‬سلما لمن سالمهم‪ ،‬وحربا مع من اعتدى عليهم‪ ،‬وح‪##‬اربهم‪ #..‬وت‪##‬اريخ ال‪##‬دعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وأسلوبها ال‪##‬ذي ق‪##‬امت علي‪##‬ه من‪##‬ذ الي‪##‬وم األول على ي‪##‬د رس‪##‬ول هللا ‪ ‬لم‬
‫ع إِلَى َس ‪#‬بِي ِل َربِّكَ‬ ‫يخرج عن هذا الخط الذي حدد مسيرته قوله تع‪##‬الى لنبي‪##‬ه ‪﴿ :‬ا ْد ُ‬
‫ض‪َّ #‬ل‬ ‫‪#‬و أَ ْعلَ ُم بِ َم ْن َ‬ ‫بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َموْ ِعظَ ِة ْال َح َسنَ ِة َو َجا ِد ْلهُ ْم بِالَّتِي ِه َي أَحْ َس‪#‬نُ إِ َّن َربَّكَ هُ‪َ #‬‬
‫﴿وإِ ْن‬ ‫ع َْن َس‪#‬بِيلِ ِه َوهُ‪َ #‬و أَ ْعلَ ُم بِ ْال ُم ْهتَ‪ِ #‬دينَ ﴾ [النح‪##‬ل‪ ،]125 :‬وق‪#‬د‪ #‬ج‪##‬اء بع‪##‬دها قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫لص‪#‬ابِ ِرينَ ﴾ [النح‪##‬ل‪]126 :‬؛‬ ‫‪#‬و خَ ْي‪ٌ #‬ر لِ َّ‬ ‫عَاقَ ْبتُ ْم فَ َعاقِبُوا بِ ِم ْث ِل َما عُوقِ ْبتُ ْم بِ ِه َولَئِ ْن َ‬
‫ص‪#‬بَرْ تُْ‪#‬م لَهُ‪َ #‬‬
‫فهي تدعو في حال العدوان إلى المعاقبة بالمثل‪ ،‬وعدم تجاوزه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك كل اآليات الكريمة ال‪##‬تي ت‪##‬دعو إلى الح‪##‬وار م‪##‬ع اآلخ‪##‬ر‪،‬‬
‫ب إِاَّل بِالَّتِي ِه َي أَحْ َس ‪#‬نُ‬ ‫والتعامل الحسن معه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬واَل تُ َجا ِدلُوا أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫إِاَّل الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا‪ِ #‬م ْنهُ ْم َوقُولُوا آ َمنَّا بِالَّ ِذي أُ ْن ِز َل إِلَ ْينَا َوأُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َوإِلَهُنَ‪##‬ا َوإِلَهُ ُك ْم َوا ِح‪ٌ #‬د‬
‫ب تَ َع‪##‬الَوْ ا إِلَى َكلِ َم‪ٍ #‬ة َس‪َ #‬وا ٍء‬ ‫‪#‬ل ْال ِكتَ‪##‬ا ِ‬‫َونَحْ نُ لَهُ ُم ْسلِ ُمونَ ﴾ [العنكب‪##‬وت‪ ]46 :‬وقوله‪﴿ :‬قُلْ يَا أَ ْه‪َ #‬‬
‫ضنَا‪ #‬بَ ْعضًا أَرْ بَابًا ِم ْن دُو ِن‬ ‫بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ْ‪#‬م أَاَّل نَ ْعبُ َد إِاَّل هَّللا َ َواَل نُ ْش ِركَ بِ ِه َش ْيئًا َواَل يَتَّ ِخ َذ بَ ْع ُ‬
‫ْ‬
‫‪#‬و َوأ ُم‪##‬رْ‬ ‫هَّللا ِ فَإِ ْن ت ََولَّوْ ا فَقُولُوا ا ْشهَدُوا بِأَنَّا ُم ْسلِ ُمونَ ﴾ [آل عم‪##‬ران‪ ،]64 :‬وقول‪##‬ه‪ُ ﴿ :‬خ‪ِ #‬ذ ْال َع ْف‪َ #‬‬
‫ف َوأَ ْع ِرضْ ع َِن ْال َجا ِهلِينَ ﴾ [األعراف‪ ..]199 :‬وغيرها من اآليات الكريمة‪.‬‬ ‫بِ ْالعُرْ ِ‪#‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهذه اآلي‪#‬ات‪ ،‬وأمثاله‪#‬ا من اآلي‪#‬ات المحكم‪#‬ات‪ ،‬هي ال‪#‬تي ق‪#‬امت‬
‫على أساسها صالت المسلمين فيما بينهم وبين المجتمع‪##‬ات اإلنس‪##‬انية ال‪##‬تي لم ت‪##‬دخل‬
‫فى اإلسالم‪ ،‬سواء ما كان منها فى ذمة المسلمين‪ ،‬أوكان فى دار الح‪##‬رب‪ ،‬أوخ‪##‬ارج‬
‫هذه الدار‪ ..‬وكيف يكون من مفاهيم اإلسالم أن يكون حربا على الن‪##‬اس من غ‪##‬ير أن‬
‫يبدؤوا‪ #‬أتباعه بحرب؟‪ ..‬أال يكون هذا عدوانا مما نهى هللا عنه‪ ،‬فى أكثر من آي‪##‬ة من‬
‫آيات الكتاب الكريم؟‪ ..‬وب‪##‬أى تأوي‪##‬ل يت‪##‬أول الق‪##‬ائلون ب‪##‬الحرب العام‪##‬ة على المجتم‪##‬ع‬
‫يل هَّللا ِ الَّ ِذينَ يُقَ‪##‬اتِلُونَ ُك ْم َواَل تَ ْعتَ‪#‬دُوا إِ َّن هَّللا َ اَل‬ ‫اإلنسانى‪ ،‬قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وقَ‪##‬اتِلُوا فِي َس‪#‬بِ ِ‬
‫ال ُم ْعتَ ِدينَ ﴾ [البقرة‪]190 :‬‬ ‫يُ ِحبُّ ْ‬

‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/762‬‬


‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/764‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/764‬‬
‫‪435‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬ثم‪ ،‬أي دين هذا الدين الذي يدخل فيه الن‪##‬اس قه‪##‬را وقس‪##‬را‪ ،‬تحت‬
‫حكم السيف؟‪ ..‬وهل مثل هذا الدين يعم‪##‬ر قلب‪##‬ا أويمس وج‪##‬دانا؟‪ ..‬وإذا س‪##‬اغ أن يقب‪##‬ل‬
‫مث‪##‬ل ه‪##‬ذا فى دع‪##‬وة سياس‪##‬ية أواجتماعي‪##‬ة‪ ،‬فلن يقب‪##‬ل فى دين ي‪##‬دعو إلي‪##‬ه هللا رب‬
‫العالمين‪ ،‬ورسوله الذي هو رحمة للعالمين‪ ..‬وإذا قب‪##‬ل ه‪##‬ذا في دين خ‪##‬اص بمجتم‪##‬ع‬
‫من المجتمعات لفترة محدودة‪ ،‬ولمجتمع محدود‪ ،‬فلن يقب‪##‬ل فى اإلس‪##‬الم‪ ،‬دين الحي‪##‬اة‬
‫اإلنسانية كلها‪ ،‬فى امتداد أزمانها‪ ،‬وفى اختالف أممها وشعوبها‪ ،‬ولذلك قال تع‪##‬الى‪:‬‬
‫﴿اَل إِ ْك َراهَ فِي الدِّي ِن قَ ْد تَبَيَّنَ الرُّ ْش ُد ِمنَ ْال َغ ِّ‬
‫ي﴾ [البقرة‪]256 :‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وبعد كل هذا‪ ،‬أين هى التقوى التي يدعوإليها هللا سبحانه وتع‪##‬الى‬
‫فى قول‪##‬ه‪َ ﴿ :‬وا ْعلَ ُم‪##‬وا أَ َّن هَّللا َ َم‪َ #‬ع ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [التوب‪##‬ة‪ ،]36 :‬إذا ك‪##‬ان المس‪##‬لمون حرب‪##‬ا على‬
‫الناس من غير أن يؤذنهم‪ #‬أحد بحرب؟‬

‫‪ )(4‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/765‬‬


‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/765‬‬
‫‪436‬‬
‫آيات الرخصة والعزيمة‪:‬‬
‫ق‪##‬ام أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬فلنس‪##‬لم لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في‬
‫التع‪##‬ارض الموج‪##‬ود‪ #‬بين قول‪##‬ه تع‪##‬الى في س‪##‬ورة األنف‪##‬ال‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا النَّبِ ُّي َح‪##‬رِّ ِ‬
‫ض‬
‫صابِرُونَ يَ ْغلِبُوا ِم‪##‬ائَتَي ِْن َوإِ ْن يَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم‬ ‫ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َعلَى ْالقِتَا ِل إِ ْن يَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم ِع ْشرُونَ َ‬
‫ِمائَةٌ يَ ْغلِبُوا أَ ْلفًا ِمنَ الَّ ِذينَ َكفَرُوا بِأَنَّهُ ْم قَوْ ٌ‪#‬م اَل يَ ْفقَهُونَ ﴾ [األنفال‪،]65 :‬وقوله في اآلية التي‬
‫ص‪#‬ابِ َرةٌ يَ ْغلِبُ‪##‬وا‬ ‫تليها‪﴿ :‬اآْل نَ َخفَّفَ هَّللا ُ َع ْن ُك ْم َو َعلِ َم أَ َّن فِي ُك ْم َ‬
‫ض ْعفًا فَإِ ْن يَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم ِمائَ‪#‬ةٌ َ‬
‫الص‪#‬ابِ ِرينَ ﴾ [األنف‪##‬ال‪..]66 :‬‬ ‫ف يَ ْغلِبُوا أَ ْلفَي ِْن بِ‪#‬إِ ْذ ِن هَّللا ِ َوهَّللا ُ َم‪َ #‬ع َّ‬
‫ِمائَتَ ْي ِن َوإِ ْن يَ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أَ ْل ٌ‬

‫‪437‬‬
‫فهاتان اآليتان ال يمكن الجمع بينهما إال ب‪##‬القول ب‪##‬أن إح‪##‬داهما منس‪##‬وخة‪ ،‬وطبع‪#‬ا‪ #‬هي‬
‫اآلية الثانية التي ورد فيها التخفيف‪.‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)1‬ال تعارض بين هذه اآلي‪#‬ات الكريم‪#‬ة ح‪##‬تى نحت‪#‬اج إلى‬
‫القول بنسخها‪ ،‬ذلك أن كل حكم محكوم بحال خاصة به‪ ،‬مقدرة له‪ ،‬وعلة تدور‪ #‬مع‪##‬ه‬
‫وجودا‪ #‬وعدما‪ ..‬فاآلية األولى ـ والتي قيل بنسخها‪ #‬ـ تفرض على المؤمنين حكم‪##‬ا في‬
‫حال كانوا أهال للوفاء به ‪ ،‬لما فيهم من قوة إيمان وثب‪##‬ات يقين‪ ..‬ف‪##‬إذا ك‪##‬انوا في تل‪##‬ك‬
‫الحالة كان واجبا عليهم إذا التقوا في ميدان الحرب بأعدائهم من الكافرين ـ أن يثبت‬
‫العشرون منهم لمئتين من أعدائهم‪ ،‬وأن تثبت المائة لأللف‪ ..‬فلم‪##‬ا وق‪##‬ع الض‪##‬عف في‬
‫المسلمين‪ ،‬حين كثر عددهم‪ ،‬ودخل فيهم من دخ‪##‬ل‪ ،‬وليس فيهم م‪##‬ا في ه‪##‬ؤالء النف‪##‬ر‬
‫القلي‪##‬ل الك‪##‬رام‪ ،‬ال‪##‬ذين س‪##‬بقوا إلى اإلس‪##‬الم‪ ،‬من ك‪##‬رم المع‪##‬دن‪ ،‬وص‪##‬فاء الج‪##‬وهر‪،‬‬
‫والتعرف‪ #‬على الحق‪ ،‬والبدار إلي‪##‬ه‪ ،‬خف‪##‬ف هللا عنهم‪ ،‬وجع‪##‬ل أم‪##‬رهم يس‪##‬را‪ ،‬فف‪##‬رض‬
‫عليهم أال تفر المائة من المائتين‪ ،‬وال األلف من األلفين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وانظروا‪ #‬كيف كانت أع‪##‬داد المس‪##‬لمين في اآلي‪##‬ة األولى (عش‪##‬رون)‬
‫و(مئة) ثم أصبحت في اآلية الثاني‪##‬ة (مئ‪##‬ة) و(ألف‪##‬ا)‪ ..‬ف‪##‬ذلك يكش‪##‬ف عن أن الض‪##‬عف‬
‫ال‪##‬ذي ع‪##‬رض للمس‪##‬لمين في ه‪##‬ذا ال‪##‬وقت المبك‪##‬ر من ال‪##‬دعوة اإلس‪##‬المية‪ ،‬وفى عه‪##‬د‬
‫النب‪##‬وة‪ ،‬لم يكن من جه‪##‬ة المس‪##‬لمين الص‪##‬ادقين الس‪##‬ابقين إلى اإلس‪##‬الم‪ ،‬لكن الض‪##‬عف‬
‫الذي وقع‪ ،‬كان على مجموع‪ #‬المس‪##‬لمين‪ ،‬حين ك‪##‬ثر ع‪##‬دد ال‪##‬داخلين في اإلس‪##‬الم‪ ،‬وال‬
‫شك أن هذه األعداد الكثيرة التي دخلت في دين هللا أفواج‪##‬ا‪ ،‬لم يكن له‪##‬ا جميعه‪##‬ا من‬
‫وثاقة اإليمان‪ ،‬وقوة اليقين ما كان في هذه الصفوة التي سبقت إلى اإلسالم‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬ول‪##‬ذلك ف‪##‬إن اآلي‪##‬ة األولى ليس‪##‬ت معطل‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل إذا ع‪##‬ادت ح‪##‬ال‬
‫المسلمين إلى الحال األولى التي كانوا عليه‪##‬ا قب‪##‬ل ه‪##‬ذا الض‪##‬عف‪ ،‬ع‪##‬اد الحكم األول‪،‬‬
‫فإذا ضعفوا لزمهم حكم اآلية الثانية‪ ،‬والذي ال ينبغى أن ينزلوا‪ #‬عن‪##‬ه أب‪##‬دا‪ ،‬ح‪##‬تى في‬
‫أضعف أحوالهم‪ #..‬المائة تغلب المائتين‪ ،‬واأللف تغلب األلفين‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ومثل ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا ْال ُم َّز ِّم ُل قُ ِم اللَّي َْل إِاَّل قَلِياًل نِصْ فَهُ أ ِوَ‬
‫ك قَوْ اًل ثَقِياًل إِ َّن ن ِ‬
‫َاشئَةَ‬ ‫ا ْنقُصْ ِم ْنهُ قَلِياًل أَوْ ِز ْد َعلَ ْي ِه َو َرتِّ ِل ْالقُرْ آنَ تَرْ تِياًل إِنَّا َسنُ ْلقِي َعلَ ْي َ‬
‫ار َس ْبحًا طَ ِوياًل ﴾ [المزم‪###‬ل‪ ]7-1 :‬وقوله في‬ ‫ك فِي النَّهَ ِ‬ ‫طئًا‪َ #‬وأَ ْق َو ُم قِياًل إِ َّن لَ َ‬‫اللَّي ِْل ِه َي أَ َش ُّد َو ْ‬
‫ص‪#‬فَهُ َوثُلُثَ‪#‬هُ َوطَائِفَ‪#‬ةٌ ِمنَ‬ ‫آخر السورة‪﴿ :‬إِ َّن َربَّكَ يَ ْعلَ ُم أَنَّكَ تَقُو ُم أَ ْدنَى ِم ْن ثُلُثَ ِي اللَّي ِْل َونِ ْ‬
‫‪#‬اب َعلَ ْي ُك ْم فَ‪##‬ا ْق َر ُءوا‪َ #‬م‪##‬ا‬‫ص‪#‬وهُ فَتَ‪َ #‬‬ ‫الَّ ِذينَ َم َعكَ َوهَّللا ُ يُقَ ِّد ُر اللَّ ْي‪َ #‬ل َوالنَّهَ‪##‬ا َر َعلِ َم أَ ْن لَ ْن تُحْ ُ‬
‫ض‬‫ض ‪ِ #‬ربُونَ فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ض ‪#‬ى َوآخَ ‪ #‬رُونَ يَ ْ‬ ‫آن َعلِ َم أَ ْن َس ‪#‬يَ ُكونُ ِم ْن ُك ْم َمرْ َ‬ ‫تَيَ َّس ‪َ #‬ر ِمنَ ْالقُ‪##‬رْ ِ‬
‫يَ ْبتَ ُغونَ ِم ْن فَضْ ِل هَّللا ِ َوآخَ رُونَ يُقَاتِلُونَ فِي َسبِي ِل هَّللا ِ فَا ْق َر ُءوا َما تَيَس ََّر ِم ْنهُ َوأَقِي ُم‪##‬وا‬
‫ضا‪َ #‬ح َسنًا َو َما تُقَ ِّد ُموا أِل َ ْنفُ ِس ُك ْم ِم ْن خَ ي ٍْر ت َِج‪ #‬دُوهُ‬ ‫صاَل ةَ َوآتُوا‪ #‬ال َّز َكاةَ َوأَ ْق ِرضُوا هَّللا َ قَرْ ً‬ ‫ال َّ‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/125‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/126‬‬
‫‪ )(3‬نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.211‬‬
‫‪438‬‬
‫اس‪#‬تَ ْغفِرُوا‪ #‬هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ َغفُ‪##‬و ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المزم‪##‬ل‪]20 :‬؛‬ ‫ظ َم أَجْ‪ #‬رًا َو ْ‬‫‪#‬و خَ ْي‪#‬رًا َوأَ ْع َ‬ ‫ِع ْن‪َ #‬د هَّللا ِ هُ‪َ #‬‬
‫فاآلية األولى نص ص‪##‬ريح في طلب قي‪##‬ام‪ #‬ج‪##‬زء من اللي‪##‬ل ق‪##‬ريب من نص‪##‬فه‪ ،‬وبينت‬
‫السبب في هذا اإليجاب‪ ،‬والخطاب فيها موجه إلى الن‪##‬بي ‪ ،‬والثاني‪##‬ة دال‪##‬ة على أن‬
‫الرسول ‪ ‬كان يقوم بهذا التكليف‪ ،‬وطائفة من ال‪##‬ذين مع‪##‬ه‪ ،‬ثم ذك‪##‬ر هللا تع‪##‬الى أن‬
‫هن‪##‬اك س‪##‬ببًا يقتض‪##‬ي التخفي‪##‬ف عن األص‪##‬حاب‪ ،‬وه‪##‬و علم هللا ب‪##‬أن س‪##‬يكون منهم‬
‫األصناف‪ #‬الثالثة الذين ذكرهم‪ ،‬ومن أجل ذلك كان التكليف مقصورًا على قراءة م‪##‬ا‬
‫تيسر من القرآن‪ ،‬ف‪##‬إذا ك‪##‬ان النص األول قاص‪#‬رًا على الن‪##‬بي ‪ ‬واألص‪##‬حاب‪ ،‬إنم‪##‬ا‬
‫ق‪##‬اموا بقي‪##‬ام اللي‪##‬ل اقت‪##‬داء ب‪##‬ه‪ ،‬والتخفي‪##‬ف قاص‪#‬ر‪ #‬عليهم لألس‪##‬باب الم‪##‬ذكورة‪ ،‬لم يكن‬
‫النص األول منسو ًخا‪ ،‬بل حكمه باق بالنسبة إلى النبي ‪ ،‬وهذا رأي ابن عباس‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وبذلك ف‪##‬إن اآلي‪##‬ة األولى ت‪##‬ذكر أن ف‪##‬رض قي‪##‬ام اللي‪##‬ل ک‪##‬ان في ح‪##‬ق‬
‫رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬وليس في ح‪##‬ق أمت‪##‬ه ‪ ،‬وه‪##‬و حكم بقي مس‪##‬تمرا لم ينس‪##‬خ‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال‬
‫ربُّكَ َمقَا ًم‪##‬ا َمحْ ُم‪##‬ودًا﴾ [اإلس‪##‬راء‪:‬‬ ‫ك َ‬ ‫﴿و ِمنَ اللَّ ْي ِل فَتَهَ َّج ْ‪#‬د بِ ِه نَافِلَةً لَكَ َع َسى أَ ْن يَ ْب َعثَ‪َ #‬‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫‪ ،]79‬فقد روي عن ابن عباس قوله‪﴿( :‬نافِلَةً لَ‪##‬ك﴾ ‪ ،‬أي خاص‪##‬ة للن‪##‬بي ‪ ،‬أم‪##‬ر بقي‪##‬ام‬
‫الليل‪ ،‬وکتب عليه(‪..)1‬‬
‫َّس‪#‬و َل‬ ‫قال آخر(‪ :)2‬ومثل ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا إِ َذا نَ‪##‬ا َج ْيتُ ُم الر ُ‬
‫طهَ ُر فَ‪#‬إِ ْن لَ ْم ت َِج‪ #‬دُوا فَ‪#‬إِ َّن هَّللا َ َغفُ‪##‬و ٌر‬ ‫ك خَ ْي ٌر لَ ُك ْم َوأَ ْ‬ ‫ص َدقَةً َذلِ َ‬
‫فَقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَ َديْ نَجْ َوا ُك ْم َ‬
‫َر ِحي ٌم﴾ [المجادلة‪ ، ]12 :‬ثم قال في السورة نفسها‪﴿:‬أَأَ ْش‪#‬فَ ْقتُ ْم أَ ْن تُقَ‪ِّ #‬د ُموا بَ ْينَ يَ‪َ #‬ديْ نَجْ‪َ #‬وا ُك ْ‪#‬م‬
‫الص‪#‬اَل ةَ َوآتُ‪#‬وا‪ #‬ال َّز َك‪#‬اةَ َوأَ ِطيعُ‪#‬وا‪ #‬هَّللا َ‬ ‫َ‪#‬اب هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم فَ‪#‬أَقِي ُموا َّ‬‫ت فَ‪#‬إِ ْذ لَ ْم تَ ْف َعلُ‪#‬وا َوت َ‬ ‫ص َدقَا ٍ‪#‬‬ ‫َ‬
‫َو َرسُولَهُ َوهَّللا ُ َخبِي ٌر بِ َم‪##‬ا تَ ْع َملُ‪##‬ونَ ﴾ [المجادل‪##‬ة‪ ..]13 :‬ف‪##‬األمر‪ #‬في اآلي‪#‬ة األولى للن‪##‬دب‪ ،‬ال‬
‫للوجوب بقرينة قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَإِ ْن لَ ْم ت َِجدُوا فَإِ َّن هَّللا َ َغفُ‪##‬و ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المجادل‪##‬ة‪ ..]12 :‬أم‪##‬ا‬
‫اآلية الثانية؛ ففيها تخيير بين التصدق وعدم التصدق‪ ..‬وبذلك ال يكون بينهم‪##‬ا ناس‪##‬خ‬
‫وال منسوخ‪.‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬لم نفهم‪ ..‬كيف يكون األمر كذلك‪ ،‬واآلية الثانية تدل‬
‫على رفع الحكم السابق‪ ،‬وهو يعني أنه منسوخ؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د حف‪##‬دة قت‪##‬ادة(‪ :)3‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬سنوض‪##‬ح لكم األم‪##‬ر أك‪##‬ثر لتعرف‪##‬وا‪ #‬م‪##‬راد‬
‫اآليتين‪ ،‬ومن خالل معرفة المراد جيدا يتضح لكم ما ذكرن‪##‬ا من ع‪##‬دم النس‪##‬خ‪ ..‬وأول‬
‫ذلك أن تعرفوا أنه ليس المراد بتقديم الص‪##‬دقة هن‪##‬ا‪ ،‬أن توض‪##‬ع بين ي‪##‬دى الن‪##‬بي ‪،‬‬
‫وإنما المراد أن توضع في يد من يستحقها من الفقراء والمساكين وابن السبيل‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وهذه الصدقة التي يقدمها المؤمن الذي يغشى مجلس رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ،‬مطهرة لهذا المؤمن‪ ،‬وإعداد له كى يلتقي ب‪##‬النبي الك‪##‬ريم‪ ،‬وينتف‪##‬ع بهدي‪##‬ه‪ ،‬حيث‬

‫ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه‪ ،‬الدر المنثور ‪.4/196‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫نظرات في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪.211‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/834‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/834‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪439‬‬
‫يك‪##‬ون في تل‪##‬ك الح‪##‬ال على ق‪##‬رب نفس‪##‬ى وروحى‪ #‬من‪##‬ه‪ ..‬ف‪##‬ذلك أش‪##‬به بالطه‪##‬ارة قب‪##‬ل‬
‫الصالة‪ ..‬فالصالة مناجاة هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬ودخول‪ #‬إلى ساحة مغفرته ورض‪##‬وانه‪،‬‬
‫والطهارة قبل الدخول في الصالة‪ ،‬هي التي تهيء المؤمن نفس‪#‬يا وروحي‪#‬ا‪ #‬لالتص‪#‬ال‬
‫باهلل سبحانه‪ ،‬والقرب منه جل وعال‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬إنها أشبه باالستئذان قبل الدخول‪ ..‬فكما أنه ال يج‪##‬وز للم‪##‬ؤمن أن‬
‫يدخل بيتا غير بيته قب‪##‬ل أن يس‪##‬تأذن‪ ،‬رعاي‪##‬ة لحرم‪##‬ة المس‪##‬كن وأهل‪##‬ه؛ فك‪##‬ذلك ينبغى‬
‫على المؤمن أال يقتحم مقام الرسول ‪ ،‬ويغشى‪ #‬حم‪##‬اه الطه‪##‬ور‪ ،‬من غ‪##‬ير أن يق‪##‬ف‬
‫بين يدى هذا الحمى‪ ،‬وأن يقدم ص‪##‬دقة‪ ،‬ي‪##‬دخل منه‪##‬ا على مش‪##‬اعره أن‪##‬ه لن ي‪##‬ؤذن ل‪##‬ه‬
‫طهَ‪#‬رُ﴾‬ ‫بالدخول إلى هذا الحمى‪ ،‬من غير استئذان‪ ،‬وقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ذلِ‪##‬كَ خَ ْي‪ٌ #‬ر لَ ُك ْم َوأَ ْ‬
‫[المجادلة‪ ،]12 :‬أي هذا الفعل الذي تفعلون‪##‬ه بتق‪##‬ديم الص‪##‬دقة قب‪##‬ل مناج‪##‬اتكم ‪ ‬هوخ‪##‬ير‪#‬‬
‫لكم‪ ،‬وأطهر‪ #،‬حيث يرضى هللا سبحانه وتعالى عنكم‪ ،‬ويطهركم من ذن‪#‬وبكم‪ ،‬فيك‪#‬ون‬
‫لق‪##‬اؤكم للرس‪##‬ول ‪ ‬على ص‪##‬فاء نفس‪ ،‬وش‪##‬فافية روح‪ ،‬فتص‪##‬يبون كث‪##‬يرا من الخ‪##‬ير‬
‫الذي بين يديه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وهي كذلك ترفع الحرج على من لم يجد‪﴿ :‬فَإِ ْن لَ ْم ت َِجدُوا فَ‪##‬إِ َّن هَّللا َ‬
‫َغفُو ٌر َر ِحي ٌم﴾ [المجادل‪##‬ة‪ ،]12 :‬إذ ال يكل‪##‬ف هللا نفس‪##‬ا إال وس‪##‬عها‪ ،‬وهللا س‪##‬بحانه يغف‪##‬ر لكم‬
‫ذنوبكم‪ #،‬ويطهركم‪ ،‬ح‪##‬تى إذا ن‪##‬اجيتم الرس‪##‬ول‪  #‬كنتم على ح‪##‬ال من الطه‪##‬ر كح‪##‬ال‬
‫الذين قدموا‪ #‬صدقات بين يدى نجواهم‪ ،‬فاهلل سبحانه غفور‪ ،‬أي كث‪##‬ير المغف‪##‬رة‪ ،‬تس‪##‬ع‬
‫مغفرته الخلق جميعا‪ ،‬وهورحيم‪ #‬بكم‪ ،‬فال يحرمكم مغفرته التي قص‪##‬رت أي‪##‬ديكم عن‬
‫أن تنالوها بالصدقة‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬وعينا كل هذا‪ ،‬وهو واضح جدا‪ ..‬اإلشكال في اآلي‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫ت فَإِ ْذ لَ ْم‬ ‫ص َدقَا ٍ‬ ‫جاءت بعدها‪ ،‬وهي قوله تعالى‪﴿ :‬أَأَ ْشفَ ْقتُ ْم أَ ْن تُقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَ َديْ نَجْ َوا ُك ْم َ‬
‫صاَل ةَ َوآتُوا ال َّز َكاةَ َوأَ ِطيعُوا هَّللا َ َو َرسُولَهُ َوهَّللا ُ َخبِي ٌر‬ ‫َاب هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم فَأَقِي ُموا‪ #‬ال َّ‬
‫تَ ْف َعلُوا َوت َ‬
‫بِ َما تَ ْع َملُونَ ﴾ [المجادلة‪ ،]13 :‬والتي ذكر أغلب المفسرين أنها ناسخة لآلي‪##‬ة ال‪##‬تي قبله‪##‬ا‪..‬‬
‫بمعنى أن تقديم الصدقة من الم‪##‬ؤمن ال‪##‬ذي ي‪##‬ود مناج‪##‬اة الرس‪##‬ول‪ ،‬قب‪##‬ل أن ي‪##‬دخل في‬
‫مناجاته‪ ،‬والذي‪ #‬دعت إليه اآلية السابقة قد جاءت هذه اآلي‪##‬ة ناس‪##‬خا ل‪##‬ه‪ ،‬تخفيف‪##‬ا على‬
‫الذين يودون مناجاة النبي ‪..‬‬
‫قال آخر‪ :‬ويدل لذلك ما روي‪ #‬أنه لما نزلت اآلية السابقة شق ذل‪##‬ك على كث‪##‬ير‬
‫من المؤمنين‪ ،‬وضن كثير من األغنياء بأموالهم أن يخرجوا منها صدقة عند مناج‪##‬اة‬
‫الرسول ‪ ،‬وبهذا قلت تلك األعداد الكثيرة التي كانت تسعى إلى مناجاة النبي ‪،‬‬
‫فنزلت اآلية الثانية؛ فنسخت اآلية ال‪##‬تي قبله‪##‬ا‪ ،‬وأبيح للمؤم‪##‬نين مناج‪##‬اة الرس‪##‬ول‪ #‬‬
‫من غير صدقة يقدمونها بين يدى نجواهم‪.‬‬

‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)14/834‬‬


‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)14/834‬‬
‫‪440‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)3‬ما ذكروه ليس نسخا‪ ..‬فالص‪##‬دقة ال‪##‬تي دعي المؤمن‪##‬ون‬
‫إلى تقديمها بين يدى نجواهم غير محددة المقدار‪ ،‬ومن هنا كانت أى ص‪##‬دقة يق‪##‬دمها‬
‫المؤمن في هذا المقام مجزية له‪ ،‬ولوكانت شق تم‪#‬رة‪ ..‬وإذن فليس في ه‪#‬ذه الص‪#‬دقة‬
‫ما يشق على المؤمنين‪ ،‬حتى يجىء األمر بنسخ تقديم هذه الصدقة‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى ذل‪##‬ك؛ فليس م‪##‬ا ج‪##‬اءت ب‪##‬ه اآلي‪##‬ة من األم‪##‬ر بتق‪##‬ديم‬
‫الصدقة أمرا ملزما‪ ،‬يقع موقع الوجوب‪ ،‬بل هوأمر للندب واالستحباب‪ ،‬ولذلك عل‪#‬ل‬
‫طهَرُ﴾ [المجادل‪##‬ة‪ ..]12 :‬ثم جاءت المج‪##‬اوزة عن‪##‬ه عن‪##‬د‬ ‫ك َخ ْي ٌر لَ ُك ْم َوأَ ْ‬
‫له بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ذلِ َ‬
‫حي ٌم﴾ [المجادلة‪]12 :‬‬ ‫هَّللا‬
‫عدم وجود‪ #‬الصدقة‪﴿ :‬فَإِ ْن لَ ْم تَ ِجدُوا فَإِ َّن َ َغفُو ٌر َر ِ‬
‫قال آخر(‪ :)3‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن قول‪##‬ه تع‪##‬الى في اآلي‪##‬ة ال‪##‬تي يق‪##‬ال إنه‪##‬ا‬
‫ت فَ‪#‬إِ ْذ لَ ْم تَ ْف َعلُ‪##‬وا َوتَ‪َ #‬‬
‫‪#‬اب هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫ناسخة‪﴿ :‬أَأَ ْشفَ ْقتُ ْم أَ ْن تُقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَ َديْ نَجْ َوا ُك ْم َ‬
‫ص َدقَا ٍ‬
‫ر بِ َم‪##‬ا تَ ْع َملُ‪##‬ونَ ﴾ [المجادل‪##‬ة‪:‬‬ ‫صاَل ةَ َوآتُوا‪ #‬ال َّز َكاةَ َوأَ ِطيعُوا‪ #‬هَّللا َ َو َرسُولَهُ َوهَّللا ُ خَ بِي ٌ‬ ‫فَأَقِي ُموا ال َّ‬
‫‪ ،]13‬ليس معنى كلمة اإلشفاق هنا الض‪##‬ن بالم‪##‬ال ال‪##‬ذي ينف‪##‬ق في ه‪##‬ذا الوج‪##‬ه‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫هوالخوف‪ #‬من أال يجد المؤمنون ما يتصدقون به في كل وقت يلقون في‪##‬ه رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ..‬وكثير‪ #‬منهم كان يلقى النبي ‪ ‬كل يوم مرات كث‪##‬يرة؛ فه‪##‬ؤالء يش‪##‬ق عليهم أن‬
‫يحجبهم عن الرس‪#‬ول ‪ ‬حج‪#‬اب في نه‪#‬ار أولي‪#‬ل‪ ،‬وكث‪#‬يرا‪ #‬م‪#‬ا تك‪#‬ون الص‪#‬دقة غ‪#‬ير‬
‫ممكنة لهم في كل حال‪ ..‬فهم ـ واألمر كذلك ـ بين حالين‪ :‬إما أال يلتقوا بالرس‪##‬ول ‪‬‬
‫حتى يقدموا بين يدى لقائهم صدقة‪ ،‬وفى‪ #‬هذا إعن‪#‬ات ش‪##‬ديد لهم‪ ،‬وخاص‪#‬ة أن لق‪#‬اءهم‬
‫للنبي ‪ ‬يتكرر مرات في اليوم‪ ،‬وقد ال يكون بين يدي أحدهم ما يقدمه من ص‪##‬دقة‪،‬‬
‫وإنه ليس بالذي يرضي نفوسهم أن يكون لق‪##‬اؤهم للن‪##‬بي ‪ ‬من غ‪##‬ير تق‪##‬ديم ص‪##‬دقة‪،‬‬
‫حي ٌم﴾ [المجادل‪##‬ة‪]12 :‬‬ ‫حيث يدخلون في حكم قوله تعالى‪﴿ :‬فَإِ ْن لَ ْم ت َِجدُوا فَ‪#‬إِ َّن هَّللا َ َغفُ‪#‬و ٌر َر ِ‬
‫فإن ذلك ـ وإن كان يبيح لهم لقاء النبي ‪ ‬ومناجاته من غير صدقة إال أن‪#‬ه يض‪#‬عهم‪#‬‬
‫في موضع ال يحبونه‪ ،‬وال يرضونه ألنفس‪##‬هم‪ ،‬إنهم يطلب‪##‬ون أن يكون‪##‬وا‪ #‬على أحس‪##‬ن‬
‫أحوالهم في لقائهم للنبي ‪ ..‬ولكي يزول هذا الحرج من صدور‪ #‬الصحابة ال‪##‬ذين ال‬
‫يجدون الص‪##‬دقة ال‪##‬تي يق‪##‬دمونها بين ي‪##‬دى مناج‪##‬اتهم الرس‪##‬ول ‪ ‬ج‪##‬اء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ت﴾ [المجادل‪##‬ة‪ ..]13 :‬وج‪##‬اء لف‪##‬ظ الص‪##‬دقات‬ ‫ص‪َ #‬دقَا ٍ‬ ‫﴿أَأَ ْشفَ ْقتُ ْم أَ ْن تُقَ ِّد ُموا بَ ْينَ يَ‪َ #‬ديْ نَجْ‪َ #‬وا ُك ْ‪#‬م َ‬
‫جمعا‪ ،‬ال مفردا‪ ،‬وفى ذلك دليل على أن المراد بهذا‪ ،‬هم الصحابة ال‪##‬ذين ك‪##‬انوا على‬
‫لقاء دائم بالنبي ‪ ،‬ذلك اللقاء الذي يدعوهم إلى تقديم صدقات ك‪##‬ل ي‪##‬وم‪ ،‬ال ص‪##‬دقة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال آخر(‪ :)4‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن قوله تعالى في هذه اآلية‪﴿ :‬ف ‪#‬إِذ ل ْم تَف َعل‪##‬وا‬
‫َاب هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم﴾ [المجادل‪##‬ة‪ ]13 :‬يش‪##‬ير إلى أن ال‪##‬ذين لم يفعل‪##‬وا‪ ،‬أي لم يس‪##‬تطيعوا تق‪##‬ديم‬ ‫َوت َ‬

‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/836‬‬ ‫‪)(3‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/836‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/836‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/837‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪441‬‬
‫الصدقة ـ ال ضنا بها‪ ،‬ولكن عج‪##‬زا عنه‪##‬ا ـ ه‪##‬ؤالء ق‪##‬د ت‪##‬اب هللا عليهم‪ ،‬أي رحمهم‪،‬‬
‫ورفع‪ #‬عنهم الحرج‪ ،‬وأفسح لهم الطريق‪ #‬إلى مناجاة النبي ‪ ‬من غير تقديم الص‪#‬دقة‬
‫التي عجزوا عنها‪ ..‬فالتوبة هنا‪ ،‬معناها الرحمة‪ ،‬والقب‪##‬ول‪ ،‬والرض‪##‬ا‪ ،‬فهى توب‪##‬ة من‬
‫هللا سبحانه وتعالى عليهم‪ ،‬أي عود عليهم منه سبحانه وتعالى‪ #‬بفضله ورحمته‪.‬‬
‫الص‪#‬اَل ةَ َوآتُ‪##‬وا‬ ‫قال آخر(‪ :)1‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ ﴿ :‬فَ‪##‬أَقِي ُموا َّ‬
‫ال َّز َكاةَ َوأَ ِطيعُوا‪ #‬هَّللا َ َو َرسُولَهُ َوهَّللا ُ خَ بِي ٌر بِ َما تَ ْع َملُونَ ﴾ [المجادلة‪ ]13 :‬هوجواب (إذ) التي‬
‫تفيد مع الظرف معنى الشرط‪ ..‬أي ف‪##‬إذ ق‪##‬د رحمكم هللا‪ ،‬وع‪##‬اد بفض‪##‬له عليكم‪ ،‬ورف‪##‬ع‬
‫عنكم الحرج في لقاء النبي من غ‪##‬ير تق‪##‬ديم ص‪##‬دقة؛ ف‪##‬أقيموا الص‪##‬الة‪ ،‬وآت‪##‬وا الزك‪##‬اة‪،‬‬
‫وأطيعوا هللا ورسوله‪ ،‬فذلك هوشكركم‪ #‬هلل سبحانه وتعالى على ما فض‪##‬ل ب‪##‬ه عليكم‪..‬‬
‫ففى إقامة الص‪##‬الة‪ ،‬وإيت‪##‬اء الزك‪##‬اة‪ ،‬وطاع‪##‬ة هللا ورس‪##‬وله‪ ،‬م‪##‬ا يق‪##‬ربكم من الرس‪##‬ول‪،‬‬
‫ويقيمكم‪ #‬أبدا على طهارة دائمة‪ ،‬أشبه بمن يمد يده بصدقات ال تنقطع أبدا‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وبناء على هذا؛ فإنه ليس بين اآلي‪##‬تين نس‪##‬خ‪ ،‬ب‪##‬ل إن كال اآلي‪##‬تين‬
‫من المحكم‪ ،‬فكالهما تتناوالن أمرا واحدا‪ ،‬وتعالج‪##‬ان قض‪##‬ية واح‪##‬دة‪ ،‬ال تتم أركانه‪##‬ا‬
‫إال بهما معا‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬وعينا كل هذا‪ ،‬وهو واضح جدا‪ ..‬لكن ما تقولون فيما قيل‬
‫ك النِّ َس‪#‬ا ُء ِم ْن بَ ْع‪ُ #‬د َواَل أَ ْن تَبَ‪َّ #‬د َل بِ ِه َّن ِم ْن أَ ْز َو ٍ‬
‫اج َولَ‪##‬وْ‬ ‫من نسخ قوله تعالى‪﴿ :‬اَل يَ ِحلُّ لَ‪َ #‬‬
‫رقِيبًا‪[ ﴾#‬األح‪##‬زاب‪]52 :‬‬ ‫ت يَ ِمينُ‪##‬كَ َو َك‪##‬انَ هَّللا ُ َعلَى ُك‪##‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء َ‬ ‫ُس‪#‬نُه َُّن إِاَّل َم‪##‬ا َملَ َك ْ‬ ‫كح ْ‬ ‫أَ ْع َجبَ َ‬
‫ت يَ ِمينُ‪##‬كَ‬ ‫‪#‬وره َُّن َو َم‪##‬ا َملَ َك ْ‬ ‫ُ‬
‫‪#‬ك الاَّل تِي آتَيْتَ أ ُج‪َ #‬‬ ‫ك أَ ْز َوا َج‪#َ #‬‬ ‫بقوله‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا النَّبِ ُّي إِنَّا أَحْ لَ ْلنَا لَ َ‬
‫ت خَ ااَل تِ‪##‬كَ الاَّل تِي‬ ‫ك َوبَنَ‪##‬ا ِ‬ ‫ت خَالِ‪َ #‬‬ ‫ك َوبَنَ‪##‬ا ِ‬ ‫ت َع َّماتِ‪َ #‬‬ ‫ك َوبَنَ‪##‬ا ِ‬ ‫ت َع ِّم َ‬ ‫ك َوبَنَا ِ‬ ‫ِم َّما أَفَا َء هَّللا ُ َعلَ ْي َ‬
‫ت نَ ْف َس‪##‬هَا لِلنَّبِ ِّي إِ ْن أَ َرا َد النَّبِ ُّي أَ ْن يَ ْس‪##‬تَ ْن ِك َحهَا‪#‬‬ ‫هَ‪##‬ا َجرْ نَ َم َع‪##‬كَ َوا ْم‪َ ##‬رأَةً ُم ْؤ ِمنَ‪##‬ةً إِ ْن َوهَبَ ْ‬
‫ت‬ ‫ض‪#‬نَا‪َ #‬علَ ْي ِه ْم فِي أَ ْز َو ِ‬
‫اج ِه ْم َو َم‪##‬ا َملَ َك ْ‬ ‫ك ِم ْن دُو ِن ْال ُم ْؤ ِمنِينَ قَ‪ْ #‬د َعلِ ْمنَ‪##‬ا َم‪##‬ا فَ َر ْ‬ ‫صة ً ل َ َ‬‫خَالِ َ‬
‫أَ ْي َمانُهُ ْم لِ َك ْياَل يَ ُكونَ َعلَ ْيكَ َح َر ٌج َو َكانَ هَّللا ُ َغفُ‪##‬ورًا َر ِحي ًما﴾ [األح‪##‬زاب‪ ..]50 :‬وبن‪##‬اء على‬
‫فإن اآلية الناسخة متق ّدمة في الذكر على اآلية المنسوخة(‪.)3‬‬ ‫ذلك ّ‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)4‬ما ذكروه ليس نس‪#‬خا‪ ..‬ب‪#‬ل في‪##‬ه دالل‪##‬ة على مقص‪##‬د من‬
‫مقاصد ذلك التعدد الخاص الذي أبيح لرسول هللا ‪ ‬دون غيره‪ ،‬ألن فيه الكث‪##‬ير من‬
‫مصالح اإلسالم التش‪##‬ريعية والسياس‪#‬يّة‪ ،‬ومص‪##‬الح المس‪##‬لمين االجتماعي‪##‬ة‪ ،‬ومص‪##‬الح‬
‫ّ‬
‫قرباهن‪.‬‬ ‫أ ّمهات األيامى الفردية‪ ،‬وكذلك مصالح ذوي‬
‫قال آخر(‪ :)5‬فقد كانت تلك المصالح الس‪##‬بب في أن يح‪ّ #‬ل هللا ل‪##‬ه‪ ،‬بع‪##‬د هجرت‪##‬ه‬
‫أنفس‪##‬هن ل‪##‬ه‪ ،‬وكي‪##‬ف انتهت تل‪##‬ك‬ ‫ّ‬ ‫إلى المدين‪##‬ة‪ ،‬تع‪##‬داد الزوج‪##‬ات وقب‪##‬ول الواهب‪##‬ات‬
‫المص‪##‬الح بع‪##‬د فتح م ّك‪##‬ة وك‪##‬انت في عص‪##‬مته عندئ‪##‬ذ تس‪##‬ع منهن فحبس‪##‬ه هللا عليهن‪،‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/838‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)14/838‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص‪)51‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/313 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/313 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪442‬‬
‫ُس ‪#‬نُه َُّن‬
‫كح ْ‬ ‫اج َولَ‪##‬وْ أَ ْع َجبَ ‪َ #‬‬
‫ك النِّ َسا ُء ِم ْن بَ ْع ُد َواَل أَ ْن تَبَ َّد َل بِ ِه َّن ِم ْن أَ ْز َو ٍ‬‫وقال‪﴿ :‬اَل يَ ِحلُّ لَ َ‬
‫ك َو َك‪##‬انَ ُ َعلَى ُك‪##‬لِّ َش ‪ْ #‬ي ٍء َرقِيبًا﴾ [األح‪##‬زاب‪ ، ]52 :‬ولم يكن ذل‪##‬ك‬ ‫هَّللا‬ ‫إِاَّل َم‪##‬ا َملَ َك ْ‬
‫ت يَ ِمينُ ‪َ #‬‬
‫‪#‬هن إذا ش‪##‬اء ويس‪##‬تبدل‬ ‫منهن) كي يح ّل له أن يطلّق بعض‪ّ #‬‬ ‫ّ‬ ‫قصرا‪ #‬له على العدد (التسع‬
‫إحداهن من الكهولة والعجز‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫غيرهن مهما بلغت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بهن‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)1‬وه‪##‬ذه حقيق‪##‬ة واض‪##‬حة لمن درس أح‪##‬وال اإلس‪##‬الم التش‪##‬ريعية‬
‫والسياسية يومذاك‪ ،‬وأحوال المسلمين االجتماعية وأحوال أ ّمهات المؤم‪##‬نين الفردي‪##‬ة‬
‫‪#‬هن الن‪##‬ب ّي ‪ ‬حين زوّجه ‪#‬ا‪#‬‬ ‫منهن‪ ،‬وم‪##‬ا عام‪##‬ل بعض‪ّ #‬‬ ‫ّ‬ ‫وأح‪##‬وال من وهبت ل‪##‬ه نفس‪##‬ها‬
‫بأحدهم بمهر قدره تعليمها ما حفظ من القرآن‪ ،‬ألنّه كان معدما‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وأمر النبي ‪ ‬بالوقوف‪ #‬عند هذا الحد من ال‪##‬تزوج بالنس‪##‬اء‪ ،‬ه‪##‬و‬
‫فى الواقع تخفيف عنه‪ ،‬ورفع للحرج الذي يج‪##‬ده من حم‪##‬ل نفس‪##‬ه على ال‪##‬تزوج ممن‬
‫يهبن أنفس‪##‬هن ل‪##‬ه‪ ،‬وهن كث‪##‬يرات‪ ،‬طامع‪##‬ات في رض‪##‬ا هللا ب‪##‬القرب من الرس‪##‬ول‪ #‬‬
‫والعمل على مرضاته‪ ..‬وكذلك الشأن فيمن هن قريبات ل‪##‬ه‪ ،‬وتع‪##‬رض لهن ظ‪##‬روف‬
‫قاسية‪ ،‬تدعو النبي ‪ ‬إلى موساتهن بضمهن إليه‪ ،‬كمن يستشهد أزواجهن فى سبيل‬
‫هللا‪ ..‬فهذا ال شك تخفيف عن النبي ‪ ،‬ودفع للحرج‪ ،‬بهذا األمر ال‪##‬ذي ال يجع‪##‬ل ل‪##‬ه‬
‫سبيال إلى التزوج بمن تهب نفسها ل‪#‬ه‪ ،‬أو بمن ت‪##‬دعو الح‪##‬ال بض‪#‬مها إلي‪##‬ه‪ ،‬وتزوج‪#‬ه‬
‫منها‪ ،‬من بنات عمه أو بنات عماته‪ ،‬أو بنات خاله أو بنات خاالته‪..‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن اآلي‪##‬ة تحتم‪##‬ل وجه‪##‬ا آخ‪##‬ر يبع‪##‬دها عن‬
‫النسخ‪ ،‬وهو أن المحذوف المض‪##‬اف إلي‪##‬ه ﴿بع‪##‬د﴾ قي‪##‬د لتل‪##‬ك األص‪##‬ناف‪ #‬األربع‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫أحله‪##‬ا هللا للن‪##‬بى ‪ ‬في قول‪##‬ه‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا النَّبِ ُّي إِنَّا أَحْ لَ ْلنَ‪##‬ا لَ‪##‬كَ أَ ْز َوا َج‪##‬كَ الاَّل تِي آتَيْتَ‬
‫أُجُو َره َُّن﴾ [األحزاب‪ ،]50 :‬وبذلك يكون المعنى (ال يحل لك التزوج من النساء بعد ه‪##‬ذه‬
‫األصناف‪ #‬األربعة)‪ ،‬ويكون المراد بالبعدية البعدية الوصفية ال الزمانية‪ ،‬أي ال يحل‬
‫لك غير هذه األصناف‪ #‬األربعة التي عرفت صفاتها‪ ،‬وه‪##‬ذا من ش‪##‬أنه أن ي‪##‬بيح للن‪##‬بى‬
‫‪ ‬أن يتزوج غير نسائه التسع الالتي كن معه‪ ،‬عن‪##‬د ن‪##‬زول ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‪ ،‬ولكن ذل‪##‬ك‬
‫التزوج محصور‪ #‬في صنفين من النس‪##‬اء‪ ،‬هم‪##‬ا بن‪##‬ات عم الن‪##‬بى ‪ ،‬وبن‪##‬ات عمات‪##‬ه‪،‬‬
‫وبنات خاله‪ ،‬وبنات خاالته‪ ،‬الالتي هاجرن معه‪ ،‬أي كن من المهاجرات‪ ،‬ال بمع‪##‬نى‬
‫أنهن صحبنه في هجرته‪ ..‬أو أي امرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبى ‪ ..‬أما غير ذلك‬
‫من النساء فال يحل له التزوج منهن‪.‬‬
‫آيات التدرج واللطف‪:‬‬
‫ق‪##‬ام أح‪##‬د الحض‪##‬ور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬فلنس‪##‬لم لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬لكن م‪##‬ا تقول‪##‬ون في‬
‫اآليات التي وردت في الخمر؛ فهي واضحة الداللة في النسخ‪ ..‬وهل يمكن ألح‪##‬د أن‬
‫ارى َحتَّى‬ ‫الص‪#‬اَل ةَ َوأَ ْنتُْ‪#‬م ُس‪َ #‬ك َ‬
‫يدعي أن قول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا اَل تَ ْق َربُ‪#‬وا َّ‬
‫‪ )(1‬القرآن الكريم وروايات المدرستين‪.2/313 :‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)11/741‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)11/740‬‬
‫‪443‬‬
‫تَ ْعلَ ُموا َما تَقُولُونَ ﴾ [النس‪##‬اء‪ ]43 :‬غير منس‪#‬وخ بقول‪#‬ه تع‪#‬الى‪﴿ :‬يَ‪#‬ا أَيُّهَ‪#‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪#‬وا إِنَّ َم‪#‬ا‬
‫ص‪##‬ابُ َواأْل َ ْزاَل ُ‪#‬م ِرجْ سٌ ِم ْن َع َم‪ِ ##‬ل َّ‬
‫الش‪ْ ##‬يطَا ِن فَ‪##‬اجْ تَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم‬ ‫ْالخَ ْم‪ُ ##‬ر َو ْال َمي ِْس‪#ُ ##‬ر َواأْل َ ْن َ‬
‫ت ُ ْفلِحُونَ ﴾ [المائدة‪]90 :‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬نحن نعتق‪##‬د أن اآلي‪##‬ة ال‪##‬تي قرأتموه‪##‬ا غ‪##‬ير منس‪##‬وخة‪ ،‬ب‪##‬ل‬
‫حكمها دائم إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫قاطعه بعض الحضور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ف‪##‬أنتم إذن تعتق‪##‬دون أن تح‪##‬ريم الخم‪##‬ر مرتب‪#‬ط‪#‬‬
‫بأوقات‪ #‬الصالة فقط؟‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬معاذ هللا أن نعتقد ذلك‪ ..‬ألننا ب‪##‬ذلك س‪##‬نعطل اآلي‪##‬ة الثاني‪##‬ة‬
‫التي تحرم الخم‪##‬ر تحريم‪##‬ا مطلق‪##‬ا‪ ،‬ومثله‪##‬ا س‪##‬نعطل األح‪##‬اديث الكث‪##‬يرة ال‪##‬تي تتوع‪##‬د‬
‫بالعقاب الشديد كل شارب للخمر‪ ،‬ولو لقطرة منها‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬فأنتم‪ #‬إذن تقولون بالنسخ‪ ..‬فاآلية الثانية نسخت األولى؟‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)1‬اصبر علينا‪ ،‬وسنجيبك؛ فال يصح أن تتهم أح‪##‬دا بق‪##‬ول‬
‫من غير أن تسمع كل تفاصيله وأدلته‪ ..‬أنتم تعلمون أنه جاء ذكر (الخمر) إش‪##‬ارة أو‬
‫تص‪##‬ريحا‪ #‬في مواض‪##‬ع متع‪##‬ددة من الق‪##‬رآن‪ ،‬وفى ك‪##‬ل آي‪##‬ة ن‪##‬رى ح‪##‬ديثا يختل‪##‬ف عم‪##‬ا‬
‫تضمنته اآليات األخرى‪ ،‬وذلك في صدد تحريمها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وأنتم تعلمون أن العلماء القائلين بالنسخ بين هذه اآليات يبررون‬
‫بذلك بأن المقصد هو التلط‪#‬ف في ال‪##‬دخول على النف‪##‬وس دخ‪##‬وال مترفق‪##‬ا‪ ،‬في تح‪##‬ريم‬
‫أمور كانت ذات ارتب‪#‬اط‪ #‬وثي‪#‬ق به‪##‬ا‪ ،‬وس‪##‬لطان ق‪#‬اهر له‪##‬ا‪ ..‬وفى انخالع النفس عنه‪#‬ا‬
‫جملة‪ ،‬ما ال يؤمن معه س‪##‬المة النفس‪ ،‬أو تقبله‪##‬ا له‪##‬ذه األوام‪##‬ر إذا هي حملت عليه‪##‬ا‬
‫دفعة واحدة‪ ،‬على هذا الوجه المف‪##‬اجئ‪ ،‬فق‪#‬د تخ‪#‬ور‪ #‬كث‪#‬ير من النف‪#‬وس‪ ،‬وق‪##‬د تتص‪##‬دع‬
‫وتنحل‪ ،‬إذا هي واجهت األمر مرة واحدة دون إعداد وتمهيد‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وهم يذكرون ل‪##‬ذلك أن أول إش‪##‬ارة إلى تح‪##‬ريم‪ #‬الخم‪##‬ر تل‪##‬ك ال‪##‬تي‬
‫تضعها وضعا‪ #‬غير كريم بين النعم ال‪##‬تي أنعم هللا به‪##‬ا على عب‪##‬اده‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ك آَل يَ‪#‬ةً‬ ‫ب تَتَّ ِخ ُذونَ ِم ْن‪#‬هُ َس‪َ #‬كرًا َو ِر ْزقً‪#‬ا َح َس‪#‬نًا إِ َّن فِي َذلِ‪َ #‬‬ ‫يل َواأْل َ ْعنَا ِ‬ ‫ت النَّ ِخ ِ‬ ‫﴿ َو ِم ْن ثَ َم َرا ِ‬
‫لِقَوْ ٍم يَ ْعقِلُونَ ﴾ [النحل‪]67 :‬؛ فالرزق الحسن ال‪##‬ذي يتخ‪#‬ذ من ثم‪#‬رات النخي‪#‬ل واألعن‪#‬اب‪،‬‬
‫ليس منه السكر الذي يتخذ من هذه الثمرات‪ ..‬وإال لكان قد وصف بأنه سكر حس‪##‬ن‪،‬‬
‫كما وصف ال‪##‬رزق بأن‪##‬ه رزق‪ #‬حس‪##‬ن‪ ..‬وفى ه‪##‬ذا م‪##‬ا يفتح للكث‪##‬ير من ذوى البص‪##‬ائر‪#‬‬
‫سبيال إلى العزوف‪ #‬عن هذا السكر وتجنبه‪ ،‬إذ كان رزقا غير حسن‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬وهم يذكرون لذلك أن اآلية الثاني‪##‬ة بع‪##‬د ه‪##‬ذا‪ ،‬وهي قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫اس َوإِ ْث ُمهُ َم‪##‬ا أَ ْكبَ‪ُ #‬ر ِم ْن‬
‫﴿يَسْأَلُونَكَ َع ِن ْال َخ ْم ِر َو ْال َمي ِْس ِ‪#‬ر قُلْ فِي ِه َم‪##‬ا إِ ْث ٌم َكبِ‪##‬ي ٌر َو َمنَ‪##‬افِ ُ‪#‬ع لِلنَّ ِ‬

‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/150‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/150‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/150‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/151‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪444‬‬
‫نَ ْف ِع ِه َم‪##‬ا﴾ [البق‪##‬رة‪ ]219 :‬فيه‪##‬ا تش‪##‬نيع على الخم‪##‬ر‪ ،‬وتق‪##‬بيح له‪##‬ا؛ فق‪##‬د ق‪##‬رنت الخم‪##‬ر إلى‬
‫الميسر‪ ،‬وجعلتهما‪ #‬في مقود واحد‪ ،‬إذ كان‪#‬ا من فص‪#‬يلة الش‪#‬ر والفس‪##‬اد على الس‪#‬واء‪..‬‬
‫ومن تدبير القرآن الكريم‪ #‬في ه‪##‬ذا أن‪#‬ه لم يغف‪##‬ل الوج‪##‬ه اآلخ‪##‬ر له‪##‬ذه المنك‪##‬رات؛ فك‪##‬ل‬
‫شىء وإن بلغ ما بل‪##‬غ من الس‪##‬وء‪ ،‬ل‪##‬ه ج‪##‬انب آخ‪##‬ر غ‪##‬ير س‪##‬يىء‪ ..‬إذ ليس هن‪##‬اك ش‪##‬ر‬
‫خالص‪ ،‬أوخ‪##‬ير محض‪ ،‬فيم‪##‬ا ي‪##‬دور في دني‪##‬ا الن‪##‬اس‪ ،‬وفيم‪##‬ا يتقلب‪##‬ون في‪##‬ه؛ فلم ينك‪##‬ر‬
‫القرآن هذه الحقيقة الواقعة‪ ،‬وهى أن للخمر والميسر منافع من بعض الوجوه‪ ،‬وعند‬
‫بعض الناس‪ ،‬ولكن هذه المن‪##‬افع ليس‪##‬ت ش‪##‬يئا إذا هي قيس‪##‬ت إلى ج‪##‬انب اإلثم والش‪#‬ر‪#‬‬
‫اللذان ينجمان منهما؛ فإذا ربح إنسان من الميسر م‪##‬رة‪ ،‬ف‪##‬إن خس‪##‬ائره المحقق‪##‬ة آخ‪##‬ر‬
‫األمر أضعاف ما ربح‪ ،‬وإذا كان للخمر عند شاربها لذة أونشوة في أول عه‪##‬ده به‪##‬ا‪،‬‬
‫فإنها تنتهى ب‪##‬ه إلى ت‪##‬دمير‪ #‬كام‪##‬ل‪ ،‬لق‪##‬واه العقلي‪##‬ة والجس‪##‬دية والنفس‪##‬ية‪ ،‬إن لم يكن في‬
‫جميع األحوال ففى غير قليل منها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وهم يذكرون لذلك أنه بعد تلك اآليات نزل قوله تعالى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا‬
‫الص‪#‬اَل ةَ َوأَ ْنتُْ‪#‬م ُس‪َ #‬كا َرى َحتَّى تَ ْعلَ ُم‪##‬وا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]43 :‬وفيه‪##‬ا إش‪##‬ارة‬ ‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَ ْق َربُوا َّ‬
‫أوضح وأصرح من س‪##‬ابقتها في التح‪##‬ذير من الخم‪##‬ر‪ ..‬فق‪##‬د ح‪##‬رمت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة على‬
‫المسلم أن يدخل في الصالة وهوفى‪ #‬ح‪##‬ال س‪##‬كر‪ ،‬ال يعلم معه‪##‬ا م‪##‬ا يق‪##‬ول‪ ..‬والص‪##‬الة‬
‫تتكرر‪ #‬في اليوم خمس مرات‪ ،‬في أوقات متفاوتة‪ ،‬تك‪##‬اد تجع‪##‬ل اللي‪##‬ل والنه‪##‬ار قس‪##‬مة‬
‫بينه‪##‬ا‪ ،‬وهيه‪##‬ات أن يش‪##‬رب ش‪##‬ارب الخم‪##‬ر عقب ص‪##‬الة من الص‪##‬لوات‪ ،‬ثم تدرك‪##‬ه‬
‫الص‪#‬الة التالي‪#‬ة‪ ،‬وق‪#‬د ص‪#‬حا من خم‪#‬اره‪ ،‬أوأف‪#‬اق‪ #‬من س‪#‬كره‪ ..‬ول‪#‬ذلك فهم الكث‪#‬ير من‬
‫المسلمين منها الدعوة إلى تجنب الخمر‪ ،‬وأال يقربوها بحال‪ ،‬على حين ظل بعضهم‪#‬‬
‫يلقاها بين الحين والحين‪ ،‬وفى‪ #‬حذر وإشفاق‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وهم يذكرون لذلك أنه بعد ك‪##‬ل ذل‪##‬ك ن‪##‬زل قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا‬
‫‪#‬ل َّ‬
‫الش ‪ْ #‬يطَا ِن‬ ‫ص ‪#‬ابُ َواأْل َ ْزاَل ُ‪#‬م ِرجْ سٌ ِم ْن َع َم‪ِ #‬‬ ‫الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا إِنَّ َم‪##‬ا ْال َخ ْم‪ُ #‬ر َو ْال َمي ِْس ‪#ُ #‬ر َواأْل َ ْن َ‬
‫ض ‪#‬ا َء فِي‬ ‫َاوةَ َو ْالبَ ْغ َ‬
‫الش ‪ْ #‬يطَانُ أَ ْن يُوقِ ‪َ #‬ع بَ ْينَ ُك ُم ْال َع‪ #‬د َ‬
‫فَ‪##‬اجْ تَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح‪##‬ونَ إِنَّ َم‪##‬ا ي ُِري ‪ُ #‬د َّ‬
‫الص‪#‬اَل ِة فَهَ‪##‬لْ أَ ْنت ُ ْم ُم ْنتَهُ‪##‬ونَ ﴾ [المائ‪##‬دة‪-90 :‬‬ ‫‪#‬ر هَّللا ِ َوع َِن َّ‬ ‫ْالخَ ْم ِر َو ْال َمي ِْس ِ‪#‬ر َويَ ُ‬
‫ص َّد ُك ْ‪#‬م ع َْن ِذ ْك‪ِ #‬‬
‫‪ ..]91‬وبهذا جاء الحكم القاطع في تحريم الخمر؛ فأصبحت‪ #‬محرمة على ك‪##‬ل مس‪##‬لم‪،‬‬
‫وفي‪ #‬كل األزمنة‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬وب‪##‬ذلك؛ ف‪##‬إن ك‪##‬ل اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي تح‪##‬دثت عن الخم‪##‬ر س‪##‬ابقا‬
‫نُسخت بهاتين اآليتين اللتين جاءتا صريحتين قاطعتين بتحريم‪ #‬الخمر‪.‬‬
‫قال أحد حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ :‬ال‪ ..‬ليس بالض‪##‬رورة‪ ،‬ألن الق‪##‬ول بالنس‪##‬خ يجع‪##‬ل جمي‪##‬ع‬
‫اآليات السابقة معطلة‪ ،‬والقرآن الكريم كله محكم ال يصح تعطيله‪..‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬فكيف‪ #‬يمكن التوفي‪#‬ق‪ #‬بين ه‪#‬ذه األحك‪##‬ام المختلف‪#‬ة‪ ،‬في أم‪##‬ر‬
‫واحد‪ ..‬فالخمر‪ #‬في آية‪ :‬رزق غير حسن‪ ..‬وفي آي‪##‬ة أخ‪##‬رى‪ :‬إثم ونف‪##‬ع‪ ،‬وإثمه‪##‬ا أك‪##‬بر‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/152‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/152‬‬
‫‪445‬‬
‫من نفعها‪ ..‬وفي‪ #‬آية أخرى‪ :‬محرمة‪ ..‬إذا دخل بها شاربها الصالة وق‪#‬د‪ #‬س‪##‬كر منه‪##‬ا‪..‬‬
‫وفي‪ #‬آية أخرى‪ :‬محرمة حرمة مطلقة من كل قيد‪ ..‬فأى هذه اآلي‪##‬ات‪ ،‬أو أحك‪##‬ام ه‪##‬ذه‬
‫اآليات يلزم المسلمين العمل‪ ،‬والوقوف عنده؟‬
‫قال أحد حفدة قت‪##‬ادة(‪ :)1‬قب‪##‬ل اإلجاب‪##‬ة على ه‪##‬ذا الس‪##‬ؤال‪ ،‬نري‪##‬د أن نس‪##‬ألكم من‬
‫خالل معرفتكم بالواقع‪ #..‬هل من شأن النهى القاطع الملزم الذي ج‪##‬اءت ب‪##‬ه آخ‪##‬ر آي‪##‬ة‬
‫في تحريم الخمر أن يحول بين المسلم وبين أن يشرب الخمر؟‪ ..‬أوبمع‪##‬نى آخ‪##‬ر ه‪##‬ل‬
‫في ه‪##‬ذا النهى من الق‪##‬وى الذاتي‪##‬ة م‪##‬ا يعص‪##‬م المس‪##‬لمين جميع‪##‬ا من ش‪##‬رب الخم‪##‬ر‬
‫أويحميهم‪ #‬جميعا ـ فردا فردا ـ من الضعف النفسي إزاءها؟‬
‫قال أحد الحضور(‪ :)2‬إن شئت الصدق‪ ..‬فالواقع‪ #‬يدل على ع‪##‬دم ال‪##‬تزام الن‪##‬اس‬
‫باألوامر‪ #‬اإللهية وفي جميع األديان‪ ،‬التزام‪##‬ا ك‪##‬امال‪ ،‬فم‪##‬ا أك‪##‬ثر ال‪##‬ذين يخرج‪##‬ون عن‬
‫تلك األوامر والنواهي‪ ،‬فال يأتون منها ما أمر هللا به‪ ،‬وال ينتهون عما نهى هللا عنه‪..‬‬
‫فاألديان تنهى عن الكذب‪ ،‬وكثير‪ #‬من أتباع هذه األديان يكذبون‪ ..‬واألديان تنهى عن‬
‫الظلم‪ ،‬وكثير من أتباع هذه األديان يظلمون‪ ..‬واألديان تنهى عن السرقة وكث‪##‬ير من‬
‫أتباع هذه األديان يسرقون‪ #..‬وهكذا الشأن في كل ما تأمر به األديان أوتنهى عنه‪ ،‬ال‬
‫يستقيم الناس أبدا على أوامره‪#‬ا ونواهيه‪#‬ا‪ #‬اس‪#‬تقامة مطلق‪#‬ة‪ ،‬تحت‪#‬وى‪ #‬الن‪#‬اس جميع‪#‬ا‪..‬‬
‫واألديان تعلم هذا مقدما‪ ،‬ولهذا تفرض عقوبات دنيوي‪##‬ة وأخروي‪##‬ة‪ ،‬للمخالف‪##‬ات ال‪##‬تي‬
‫تقع من أتباعه‪##‬ا‪ ..‬ول‪##‬ذلك رص‪##‬د الش‪##‬ارع‪ #‬العقوب‪##‬ة الرادع‪##‬ة لمن يش‪##‬رب الخم‪##‬ر‪ ،‬وال‬
‫ينتهى عما نهى هللا عنه منها‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ :‬فم‪##‬ا حكم من يش‪##‬رب الخم‪##‬ر‪ ..‬وه‪##‬ل يخرج‪##‬ه ذل‪##‬ك من‬
‫اإلسالم؟‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال‪ ..‬هو آثم‪ ،‬يستحق العقوبة الرادعة في ال‪##‬دنيا‪ ..‬لكن‪##‬ه م‪##‬ع‬
‫ذلك مسلم آثم عاق‪.‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)3‬إذن‪ ،‬فقد يشرب المسلم الخمر‪ ،‬يش‪##‬ربها وي‪##‬دمغ ب‪##‬اإلثم‬
‫والعصيان‪ ،‬ولكن على أي حال هومسلم‪ ،‬ال تس‪##‬قط عن‪##‬ه الواجب‪##‬ات المفروض‪##‬ة على‬
‫المسلم‪ ،‬ومن بينها الصالة‪ ..‬وليس من حائل يحول بينه وبين الصالة في هذه الحال‪،‬‬
‫إال أن يكون في حال سكر‪ ،‬ال يدرى معها ما يقول‪ ..‬وهنا نجد اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة‪ ،‬وهي‬
‫الص‪#‬اَل ةَ َوأَ ْنتُْ‪#‬م ُس‪َ #‬كا َرى َحتَّى تَ ْعلَ ُم‪##‬وا َم‪##‬ا‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل تَ ْق َربُ‪##‬وا َّ‬
‫تَقُولُونَ ﴾ [النساء‪ ]43 :‬عاملة غير معطلة‪ ،‬فهى تفرض حكمه‪##‬ا على من خ‪##‬الف م‪##‬ا نهى‬
‫هللا عنه من أمر الخمر فشربها حتى سكر‪ ،‬وهو أال يقرب الص‪##‬الة ح‪##‬تى يص‪##‬حومن‬
‫سكره‪ ،‬ويعلم‪ #‬ما يقول‪ ..‬وهي بذلك تشير إلى أن إثمه في حال تخلفه عن ذل‪##‬ك يك‪##‬ون‬
‫قد ارتكب جريمتين‪ ،‬األولى‪ :‬ع‪##‬دم اجتناب‪##‬ه للخم‪##‬ر مطلق‪##‬ا‪ ..‬ثم ع‪##‬دم اجتناب‪##‬ه له‪##‬ا في‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/153‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/153‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/154‬‬
‫‪446‬‬
‫الصالة خصوصا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وبذلك؛ فإن اآلية الكريمة التي تنهى عن السكر وقت الصالة عاملة‬
‫مطلقا‪ ،‬وهي تشير إلى أن إثم السكر حينها أعظم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وبذلك فإن التدرج الذي ذكره القائلون بالنس‪#‬خ غ‪#‬ير معط‪#‬ل‪ ،‬وغ‪#‬ير‬
‫مرتبط‪ #‬بزمان النزول فقط‪ ..‬بل هو شامل لكل األزمنة‪ ..‬ذلك أن ال‪##‬ذي لم يس‪##‬تطع أن‬
‫يلبي النهي عن الخمر المطلق‪ ،‬واكتفى بتلبية اجتنابها وقت الصالة‪ ،‬ق‪##‬د يؤدي‪##‬ه ذل‪##‬ك‬
‫﴿وأَقِ ِم‬
‫إلى تركها مطلقا‪ ،‬عندما تؤدي فيه الصالة دورها ال‪##‬تربوي‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪##‬ر َولَ‪ِ ##‬ذ ْك ُر هَّللا ِ أَ ْكبَ‪ُ ##‬ر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َم‪##‬ا‬
‫الص‪##‬اَل ةَ تَ ْنهَى َع ِن ْالفَحْ َش‪##‬ا ِء َو ْال ُم ْن َك ِ‪#‬‬ ‫الص‪##‬اَل ةَ إِ َّن َّ‬ ‫َّ‬
‫تَصْ نَعُونَ ﴾ [العنكبوت‪]45 :‬‬
‫قال آخر‪ :‬وبذلك؛ فإن الداعية والناصح المسلم إذا بذل جه‪##‬ده في بي‪##‬ان حرم‪##‬ة‬
‫الخم‪##‬ر؛ فلم يس‪##‬تجب ل‪##‬ه بعض‪##‬هم؛ ف‪##‬إن الحكم‪##‬ة ت‪##‬دعوه إلى اس‪##‬تعمال ه‪##‬ذا األس‪##‬لوب‬
‫القرآني؛ فيقول لمن أصر على شربها‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬ولكن إي‪##‬اك ـ وأنت تخ‪##‬الف األم‪##‬ر‬
‫اإللهي بالتحريم‪ #‬المطل‪#‬ق ـ أن تخالف‪#‬ه أيض‪#‬ا في التح‪#‬ريم المقي‪#‬د‪ ،‬والمرتب‪#‬ط‪ #‬بأوق‪#‬ات‬
‫الصالة‪ ..‬فتجمع بين اإلثمين‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬ق‪##‬د ن‪##‬وافقكم في ه‪##‬ذا‪ ..‬لكن م‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫ب تَتَّ ِخ ُذونَ ِم ْنهُ َس َكرًا َو ِر ْزقًا َح َس‪#‬نًا إِ َّن فِي َذلِ‪##‬كَ‬ ‫يل َواأْل َ ْعنَا ِ‬ ‫ت النَّ ِخ ِ‬ ‫﴿و ِم ْن ثَ َم َرا ِ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬ر َو ْال َمي ِْس‪#ِ #‬ر قُ‪##‬لْ فِي ِه َم‪ #‬ا‪ #‬إِ ْث ٌم‬‫آَل يَةً لِقَوْ ٍم يَ ْعقِلُونَ ﴾ [النح‪##‬ل‪ ]67 :‬وقول‪##‬ه‪﴿ :‬يَ ْس‪#‬أَلُونَكَ ع َِن ْالخَ ْم‪ِ #‬‬
‫ه َما﴾ [البقرة‪]219 :‬‬ ‫اس َوإِ ْث ُمهُ َما أَ ْكبَ ُر ِم ْن نَ ْف ِع ِ‬
‫َكبِي ٌر َو َمنَافِ ُ‪#‬ع لِلنَّ ِ‬
‫قال أحد حف‪##‬دة قت‪##‬ادة(‪ :)1‬هات‪##‬ان اآليت‪##‬ان تعرض‪##‬ان ب‪##‬الخمر‪ ،‬وتش‪##‬نعان عليه‪##‬ا‪،‬‬
‫وتضعانها موضعا‪ #‬غير كريم‪ ،‬وتزنانها‪ #‬بميزان يقل فيه خيره‪##‬ا ويك‪##‬ثر في‪##‬ه ش‪##‬رها‪..‬‬
‫فهى رزق‪ #..‬ولكنها رزق غير حسن‪ ..‬وهى نفع‪ ..‬ولكن إثمها أكبر من نفعه‪##‬ا‪ ..‬وهى‬
‫رجس‪ ..‬ولكن بعض الناس يلطخ نفس‪##‬ه به‪##‬ذا ال‪##‬رجس‪ ..‬فجمي‪##‬ع ه‪##‬ذه األوص‪##‬اف هي‬
‫للخمر‪ ،‬وهى أوصاف خسيس‪##‬ة كله‪##‬ا‪ ،‬ولكنه‪##‬ا درج‪##‬ات في الخس‪##‬ة من حيث النظ‪##‬رة‬
‫ال‪##‬تي ينظ‪##‬ر به‪#‬ا إليه‪#‬ا‪ ،‬وهى على جمي‪##‬ع مواق‪##‬ع النظ‪##‬ر موس‪#‬ومة بس‪##‬مة القبح واإلثم‪#‬‬
‫والرجس‪ ،‬وتلك األوصاف‪ #‬مالزمة لها‪ ،‬ال تنفصل عنها أبدا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬إذن فاآليات األربع الواردة في شأن الخمر‪ ،‬ال تع‪##‬ارض بينه‪##‬ا‪ ،‬وال‬
‫نس‪##‬خ‪ ،‬ب‪##‬ل كله‪##‬ا عامل‪##‬ة‪ ،‬تعطى الوص‪#‬ف‪ #‬المناس‪##‬ب له‪##‬ا‪ ،‬كم‪##‬ا تعطى الحكم المناس‪##‬ب‬
‫أيضا‪.‬‬
‫قال أحد الحضور(‪ :)2‬ال بأس‪ ..‬قد نوافقكم‪ #‬في هذا‪ ..‬لكن ما تقولون في اآليات‬
‫التي نزلت في شأن الربا‪ ،‬حيث ج‪#‬اءت متدرج‪##‬ة على مراح‪##‬ل‪ ،‬على نحوم‪#‬ا‪ #‬ج‪#‬اءت‬
‫‪#‬و‬ ‫﴿و َما آتَ ْيتُ ْم ِم ْن ِربًا لِيَرْ بُ‪َ #‬‬ ‫عليه آيات الخمر‪ ..‬فأول‪ #‬ما نزل في شأن الربا قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ُ‬
‫اس فَاَل يَرْ بُو ِع ْن َد هَّللا ِ َو َم‪#‬ا آتَ ْيتُ ْم ِم ْن زَ َك‪#‬ا ٍة تُ ِري‪ُ #‬دونَ َوجْ‪ #‬هَ ِ فأولئِ‪َ #‬‬
‫هَّللا‬ ‫فِي أَ ْم َو ِ‬
‫ك هُ ُم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال النَّ ِ‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/155‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/156‬‬
‫‪447‬‬
‫ْال ُمضْ ِعفُونَ ﴾ [الروم‪ ..]39 :‬وفى‪ #‬هذا تحريم للربا‪ ،‬وتشنيع عليه‪ ،‬وكشف لوجه كريه من‬
‫وجوهه‪ ..‬ثم نزل بعد هذا قوله تعالى في شأن اليهود المتع‪##‬املين بالرب‪##‬ا‪ ،‬المس‪##‬تحلين‬
‫اط‪ِ #‬ل َوأَ ْعتَ‪ْ #‬دنَا لِ ْل َك‪##‬افِ ِرينَ‬ ‫اس بِ ْالبَ ِ‬
‫ال النَّ ِ‬ ‫‪#‬و َ‬ ‫له‪َ ﴿ :‬وأَ ْخ ِذ ِه ُم الرِّ بَا َوقَ‪ْ #‬د نُهُ‪##‬وا َع ْن‪#‬هُ َوأَ ْكلِ ِه ْم أَ ْم‪َ #‬‬
‫ِم ْنهُ ْم َع َذابًا أَلِي ًما﴾ [النساء‪ ..]161 :‬وهذه اإلشارة واإلشارة التي قبلها ت‪##‬دعوان كث‪##‬يرا من‬
‫المسلمين إلى أن يحذروا هذا النوع من المعامالت‪ ،‬وأن ينفروا منه‪ ،‬وإن لم يكن ق‪##‬د‬
‫حرم عليهم بعد‪ ..‬ثم نزل بعد هذا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا أَيُّهَ‪##‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا اَل تَ‪##‬أْ ُكلُوا ال ِّربَ‪##‬ا‬
‫ضا َعفَةً َواتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُح‪##‬ونَ ﴾ [آل عم‪##‬ران‪ ..]130 :‬والنهى هن‪##‬ا ليس نهي‪##‬ا‬ ‫أَضْ َعافًا‪ُ #‬م َ‬
‫قاطعا‪ #‬في تحريم الربا تحريما مطلقا‪ ،‬وإنما وق‪#‬ع تحريم‪#‬ه في ص‪#‬ورة خاص‪#‬ة‪ ،‬وهى‬
‫أن يكون أضعافا‪ #‬مضاعفة‪ ..‬ثم بعد كل هذا جاء الحكم النهائي المرتبط بالربا‪ ،‬فنزل‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ ﴾‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ َو َذرُوا‪َ #‬م‪##‬ا بَقِ َي ِمنَ ال ِّربَ‪##‬ا إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم‪ْ #‬‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ فَ ‪#‬إِ ْن‬ ‫[البقرة‪﴿]278 :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َو َذرُوا‪َ #‬ما بَقِ َي ِمنَ ال ِّربَا إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم‪ْ #‬‬
‫‪#‬والِ ُك ْم اَل ت ْ‬
‫َظلِ ُم‪##‬ونَ‬ ‫ب ِمنَ هَّللا ِ َو َر ُس‪#‬ولِ ِه َوإِ ْن تُ ْبتُ ْم فَلَ ُك ْم ُر ُءوسُ أَ ْم‪َ #‬‬ ‫لَ ْم تَ ْف َعلُوا فَأْ َذنُوا‪ #‬بِ َح‪##‬رْ ٍ‬
‫ظلَ ُمونَ ﴾ [البقرة‪ ..]279-278 :‬وبهذا كان الحسم والقطع في تحريم الربا‪.‬‬ ‫َواَل تُ ْ‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)1‬القول فيها نفس ما قيل في تح‪##‬ريم الخم‪##‬ر‪ ،‬ألن النس‪##‬خ‬
‫هوإزالة حكم شرعي بحكم آخر شرعي‪ ..‬والخمر والربا‪ #‬لم يكن قد ج‪##‬اء فيهم‪##‬ا حكم‬
‫شرعي بحلهما‪ ،‬ثم جاء حكم ش‪#‬رعي آخ‪#‬ر بتحريمهم‪##‬ا؛ فيك‪#‬ون الحكم الث‪#‬اني ناس‪##‬خا‬
‫للحكم األول‪ ،‬وإنما هما مما كانا للعرب في الجاهلية‪ ،‬ثم جاء اإلسالم فوجدهما‪ #‬على‬
‫ما هما عليه فحرمهما‪ ..‬وقد ظلت الخمر غير محرمة إلى صلح الحديبية‪ ،‬حيث جاء‬
‫القرآن إذاك بتحريمها‪ ..‬وكذلك الرب‪##‬ا‪ ،‬لم يح‪##‬رم تحريم‪#‬ا‪ #‬قاطع‪#‬ا‪ #‬إال قبي‪#‬ل وف‪##‬اة الن‪##‬بي‬
‫‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإننا‪ #‬يمكن أن نطبق عليه‪##‬ا نفس م‪##‬ا ذكرن‪##‬اه في‬
‫آيات الخمر؛ فالذي لم يلتزم‪ #‬بالتحريم المطلق للربا‪ ،‬ي‪##‬دعى وينب‪##‬ه إلى ع‪##‬دم المبالغ‪##‬ة‬
‫في الفوائد الربوية‪ ..‬ذلك أن الذي يفعل ذلك يكون قد عطل آيتين‪ ،‬ال آية واحدة‪ ..‬آي‪#‬ة‬
‫التحريم‪ #‬المطلق للربا‪ ..‬وآية تحريم‪ #‬أك‪##‬ل الرب‪##‬ا أض‪##‬عافا مض‪##‬اعفة‪ ..‬ذل‪##‬ك أن الج‪##‬رائم‬
‫تختلف بحسب شدتها؛ فالذي‪ #‬يأكل ربا محدودا‪ ،‬يختلف جرم‪##‬ه عن ال‪##‬ذي أك‪##‬ل الرب‪##‬ا‬
‫مض‪##‬اعفا‪ ،‬مث‪##‬ل اختالف من ارتكب جريم‪##‬ة الج‪##‬رح عن ذاك ال‪##‬ذي ارتكب جريم‪##‬ة‬
‫القتل‪.‬‬
‫آيات البر والصلة‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم بذلك‪ ..‬لكن ما تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫ض َر ْالقِ ْس َمةَ أُولُو ْالقُرْ بَى َو ْاليَتَا َمى‪َ #‬و ْال َم َسا ِكينُ فَارْ ُزقُوهُْ‪#‬م ِم ْن ‪#‬هُ َوقُولُ‪##‬وا‬ ‫﴿وإِ َذا َح َ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫لَهُ ْم قَوْ اًل َم ْعرُوفا﴾‪[ #‬النساء‪ ،]8 :‬فعن قتادة عن سعيد بن المسيب‪ ،‬أنه قال‪ :‬إنه‪#‬ا منس‪#‬وخة‬ ‫ً‬
‫كانت قبل الفرائض‪ ،‬كان ما ترك الرجل من مال أعطى منه اليتيم والمسكين وذوي‬

‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/157‬‬


‫‪448‬‬
‫القربى إذا حضروا‪ #‬القسمة‪ ،‬ثم نسخ ذلك بعد ذلك بالمواريث‪.)1(#‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬أول ما يدلكم على أنه‪##‬ا غ‪##‬ير منس‪##‬وخة ق‪##‬ول ابن عب‪##‬اس‪:‬‬
‫(وهّللا ما نسخت هذه اآلية‪ ،‬ولكنه مما تهاون به الناس‪ ،‬أمر هّللا المؤمنين عن‪##‬د قس‪##‬مة‬
‫مواريثهم أن يصلوا أرحامهم وأيتامهم ومساكينهم من الوص‪##‬ية‪ ،‬ف‪##‬إن لم تكن وص‪##‬ية‬
‫وصلوا‪ #‬إليهم من مواريثهم)(‪ ..)2‬ومثله قال أبو بصير‪ #:‬سألت اإلم‪##‬ام الب‪##‬اقر عن ه‪##‬ذه‬
‫اآلية‪ :‬أ منسوخة هي؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬اذا حضروك فأعطهم‪.)3(#‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬باإلضافة إلى ذلك؛ فإن اآلية نزلت بعد قانون تقسيم اإلرث حتما‬
‫ض َر ْالقِ ْس َمةَ أُولُو ْالقُرْ بَى َو ْاليَتَا َمى َو ْال َم َسا ِكينُ فَارْ ُزقُوهُ ْم ِم ْنهُ َوقُولُوا‪#‬‬
‫﴿وإِ َذا َح َ‬
‫إذ تقول‪َ :‬‬
‫لَهُ ْم قَ‪##‬وْ اًل َم ْعرُوفً‪##‬ا﴾‪[ #‬النس‪##‬اء‪ ،]8 :‬وعلى ه‪##‬ذا األس‪##‬اس يتض‪##‬من محتواه‪#‬ا‪ #‬حكم‪##‬ا أخالقي‪##‬ا‬
‫استحبابيا‪ #‬في شأن طبقات محجوبة عن اإلرث بسبب وجود طبقات أق‪##‬رب منه‪##‬ا إلى‬
‫الم‪##‬ورث‪ ،‬فاآلي‪##‬ة تق‪##‬ول‪ :‬إذا حض‪##‬ر مجلس تقس‪##‬يم اإلرث جماع‪##‬ة من األقرب‪##‬اء من‬
‫الطبقة الثانية والثالثة‪ ،‬وكذا بعض اليتامى والمساكين‪ #‬ف‪##‬ارزقوهم‪ #‬من اإلرث‪ ،‬وبه‪##‬ذا‬
‫تكونون قد منعتم من تحرك شعور الحسد والبغض‪##‬اء ل‪##‬دى من يمكن أن يث‪##‬ور ل‪##‬ديهم‬
‫ذلك الشعور بسبب حرمانهم من اإلرث‪ ،‬وال شك أن هذا العم‪##‬ل من ش‪##‬أنه أن يق‪##‬وي‬
‫أواصر‪ #‬القرابة اإلنسانية بينكم‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)5‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن كلم‪##‬تي (اليت‪##‬امى) و(المس‪##‬اكين)‪ ،‬وإن‬
‫ذكرتا بنحو مطلق في هذه اآلية‪ ،‬غير أن الظ‪##‬اهر ه‪##‬و أن الم‪##‬راد منهم‪##‬ا هم اليت‪##‬امى‬
‫والمس‪##‬اكين من ق‪#‬ربى‪ #‬الميت‪ ،‬ألن األق‪##‬رب يحجب ـ في ق‪##‬انون اإلرث ـ األبع‪#‬د من‬
‫اإلرث‪ ،‬وعلى هذا فلو حضر أحد من ه‪##‬ذه الطبق‪##‬ات قس‪##‬مة الم‪##‬يراث فإن‪##‬ه ينبغي أن‬
‫يعطي الورثة له شيئا من الميراث هدية يتوقف مقدارها على إرادة الوراث على أن‬
‫يكون ذلك من مال الورثة الكبار دون الصغار‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬باإلض‪#‬افة إلى ذل‪#‬ك؛ ف‪##‬إن الظ‪##‬اهر من اآلي‪##‬ة أنه‪#‬ا تتض‪#‬من حكم‪#‬ا‬
‫استحبابيا‪ ،‬ألنه لو كان األمر فيها على نحو الوجوب‪ ،‬لوجب تع‪##‬يين وتحدي‪##‬د م‪##‬ايلزم‬
‫أعطاؤه لهاتين الطائفتين‪ ،‬في حين ترك األمر فيه إلى إرادة الورثة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)7‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ ف‪##‬إن اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة ختمت بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫﴿ َوقُولُوا‪ #‬لَهُ ْم قَوْ اًل َم ْعرُوفً‪##‬ا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]8 :‬أي أن‪##‬ه مض‪##‬افا‪ #‬إلى تق‪##‬ديم مس‪##‬اعدة مادي‪##‬ة إلى‬
‫هؤالء اشفعوا ذلك بموقف‪ #‬أخالقي‪ ،‬واستفيدوا من المعين اإلنساني لكس‪##‬ب م‪##‬ودتهم‪،‬‬
‫وحتى ال يبقى في قلوبهم‪ #‬أي ش‪##‬عور‪ #‬ع‪##‬دائي تج‪##‬اهكم‪ ،‬وه‪##‬ذا عالم‪##‬ة أخ‪##‬رى على أن‬

‫الناسخ والمنسوخ لقتادة (ص‪)38‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الدر المنثور‪.2/113 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير العياشى‪.1/222 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪)3/116( ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫األمثل‪)3/117( ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫األمثل‪)3/117( ،‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫األمثل‪)3/117( ،‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪449‬‬
‫األمر بإعطاء شيء من الميراث إلى اليتامى والمساكين إنما هو على نحو الن‪##‬دب ال‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫قال آخر ‪ : 1‬وبذلك كل‪##‬ه؛ فإن‪##‬ه ال م‪##‬برر أب‪##‬دا ألن يق‪##‬ال أن الحكم الم‪##‬ذكور‪ #‬في‬ ‫)‬ ‫(‬
‫ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة منس‪##‬وخ باآلي‪##‬ات ال‪##‬تي تعين الس‪##‬هام في اإلرث‪ ،‬لع‪##‬دم وج‪##‬ود أي‪##‬ة مناف‪##‬اة‬
‫وتعارض بين هذه اآلية وتلك اآليات المحددة لألسهم‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬وب‪##‬ذلك يت‪##‬بين أن الق‪##‬ول ينس‪##‬خ ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة يس‪##‬د على الفق‪##‬راء‬
‫والمساكين واليتامى‪ #‬بابا من أبواب الرحمة‪ ،‬أراد هللا س‪##‬بحانه أن يفتح‪##‬ه عليهم‪ ،‬كم‪##‬ا‬
‫أنه يقطع آصرة المودة بين ذوى القربى‪ ،‬التي أمر هللا بها أن توصل‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬كما أن القول بالنسخ يعطل هذا التدبير اإللهي الحكيم‪ ..‬فالميراث‪#‬‬
‫الذي يتركه الميت لورثت‪#‬ه هوخ‪#‬ير غ‪#‬ير م‪#‬رتقب‪ ،‬ق‪#‬د ش‪#‬مل أع‪#‬دادا من الن‪#‬اس بحكم‬
‫قرابتهم لهذا الوارث‪ ..‬وهناك عيون كثيرة تتطلع إلى هذا الخير‪ ،‬وتتبع مواقعه ال‪##‬تي‬
‫وقع فيها‪ ،‬وخاصة ذوى القربى الذين ال نص‪##‬يب لهم بين الورث‪##‬ة‪ ،‬وك‪##‬ذلك من يش‪##‬هد‬
‫قسمة هذا الميراث من فق‪##‬راء ومس‪##‬اكين‪ ،‬لهم ب‪##‬المورث ص‪##‬لة ج‪##‬وار أومعرف‪##‬ة‪ ..‬إن‬
‫هؤالء وأولئك يرون مائدة ممدودة حافلة بأنواع الطعام‪ ،‬وهم جياع يسيل لعابهم إلى‬
‫القمة مما عليه‪##‬ا‪ ..‬ه‪##‬ذا هوالموق‪##‬ف‪ ،‬كم‪##‬ا ي‪##‬راه الق‪##‬رآن‪ ،‬وكم‪##‬ا تش‪##‬هده الحي‪##‬اة‪ ..‬فم‪##‬اذا‬
‫لوذهب الورثة بكل هذا الميراث؟ ثم لم يكن لذوى قرابتهم المحرومين منه‪ ،‬نصيب؟‬
‫ولم يكن للفقراء والمساكين الذين تتلمظ شفاههم إلى نفحة منه ش‪##‬ىء؟ م‪##‬اذا يك‪##‬ون؟‪..‬‬
‫أحق‪##‬اد وأض‪##‬غان‪ ،‬وع‪##‬داوات‪ ،‬تث‪##‬ير الس‪##‬خط والنقم‪##‬ة‪ ،‬وت‪##‬ذهب باإلخ‪##‬اء والم‪##‬ودة بين‬
‫الناس‪.‬‬
‫ض‪َ #‬ر ْالقِ ْس‪َ #‬مةَ﴾ [النس‪##‬اء‪ ..]8 :‬أي إذا ك‪##‬انت‬ ‫﴿وإِ َذا َح َ‬ ‫قال آخر(‪ :)4‬ولهذا قال تعالى‪َ :‬‬
‫القسمة بمحضر منهم‪ ،‬وبمش‪##‬هد وعلم‪ ..‬فه‪##‬ذا الحض‪##‬ور‪ #‬ش‪##‬رط‪ #‬في أن ي‪##‬رزق ه‪##‬ؤالء‬
‫الحاضرون من هذا الخير الذي شهدوه‪ ،‬ورأوا‪ #‬األي‪##‬دى تمت‪##‬د إلي‪##‬ه وتن‪##‬ال من‪##‬ه‪ ..‬وفي‬
‫هذا دعوة إلى التضامن االجتماعى‪ ،‬وحراسة المجتمع اإلنسانى‪ #‬من أن ت‪##‬دخل علي‪##‬ه‬
‫آفات التباغض والتحاسد‪ ،‬التي هي أفتك األدواء في تقويض الجماعات واألمم‪#.‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم بذلك‪ ..‬لكن ما تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫ض ‪َ #‬عافًا‪َ #‬خ‪##‬افُوا َعلَ ْي ِه ْم فَ ْليَتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ‬
‫ش الَّ ِذينَ لَ‪##‬وْ تَ َر ُك‪##‬وا ِم ْن خَ ْلفِ ِه ْم ُذرِّ يَّةً ِ‬ ‫تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و ْليَ ْخ َ‬
‫َو ْليَقُولُوا‪ #‬قَوْ اًل َس ِديدًا﴾ [النساء‪ ،]9 :‬فقد قيل‪ :‬إنها منسوخة بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬فَ َم ْن خَ‪##‬افَ ِم ْن‬
‫حي ٌم﴾ [البقرة‪)5( ]182 :‬‬ ‫ص َجنَفًا أَوْ إِ ْث ًما فَأَصْ لَ َح بَ ْينَهُ ْم فَاَل إِ ْث َم َعلَ ْي ِه إِ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِ‬
‫ُمو ٍ‬
‫قال أحد حفدة قتادة ‪ : 6‬من الغريب أن يقال بنسخ هذه اآلية‪ ،‬وهي ته‪##‬دف إلى‬ ‫)‬ ‫(‬

‫األمثل‪)3/117( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/158‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/158‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/159‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ناسخ القرآن ومنسوخه (‪)2/351‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫األمثل‪)3/118( ،‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪450‬‬
‫إثارة مشاعر العطف واإلشفاق‪ #‬لدى الن‪##‬اس بالنس‪##‬بة إلى اليت‪##‬امى‪ ،‬وإلى حقيق‪##‬ة يغف‪##‬ل‬
‫عنها الناس أحيانا‪ ،‬وتل‪##‬ك الحقيق‪#‬ة هي‪ :‬إن على اإلنس‪##‬ان أن يعام‪##‬ل يت‪##‬امى اآلخ‪##‬رين‬
‫كما يحب أن يعامل الناس يتاماه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وكأن اآلية الكريمة تقول‪ :‬تصوروا‪ #‬مش‪##‬هد أطف‪##‬ال فق‪##‬دوا آب‪##‬اءهم‬
‫وأمهاتهم‪ #‬يعيشون تحت كفالة شخص قاسي القلب خائن ال يرعى مشاعرهم‪ ،‬كم‪##‬ا ال‬
‫يراعي جانب العدالة في حقهم‪ ..‬تصوروا هذا المشهد الم‪##‬ؤلم‪ ،‬كم ي‪##‬ؤلمكم ويح‪##‬زنكم‬
‫ذلك؟ هل تحبون مثل ذل‪##‬ك ألبن‪##‬ائكم الص‪##‬غار من بع‪##‬دكم؟‪ ..‬كال حتم‪##‬ا‪ ،‬فكم‪##‬ا تحب‪##‬ون‬
‫ورثتكم فأحبوا‪ #‬ورثة غيركم ويتاماهم‪ ،‬واحزنوا‪ #‬لما يحزنهم‪ ،‬وعلى هذا يكون مفهوم‬
‫اآلي‪##‬ة ه‪#‬و أن ال‪##‬ذين يخ‪#‬افون على مس‪##‬تقبل أوالدهم الص‪##‬غار عليهم أن يخ‪##‬افوا مغب‪##‬ة‬
‫الخيانة في شؤون اليتامى ويخافوا مغبة إيذائهم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وفي ذلك إشارة إلى أن القضايا االجتماعية تنتقل في ش‪##‬كل س‪##‬نة‬
‫من السنن‪ ،‬من اليوم إلى الغد‪ ،‬ومن الغد إلى المس‪##‬تقبل البعي‪##‬د؛ فال‪##‬ذين يروج‪##‬ون في‬
‫المجامع سنة ظالمة مثل إيذاء اليتامى فإن ذلك سيكون سببا لسريان هذه الس‪##‬نة على‬
‫أوالدهم‪ #‬أيض‪##‬ا‪ ،‬وعلى ه‪##‬ذا ال يك‪##‬ون مث‪##‬ل ه‪##‬ذا الش‪##‬خص ق‪##‬د آذى يت‪##‬امى اآلخ‪##‬رين‬
‫وورثتهم‪ #‬فقط‪ ،‬بل فتح ب‪#‬اب الظلم على أوالده ويتام‪#‬اه أيض‪#‬ا‪ ..‬له‪#‬ذا وجب أن يتجنب‬
‫أولياء اليتامى مخالفة األحكام اإللهية‪ ،‬ويتقوا هللا في اليتامى‪ ،‬ويقولوا لهم قوال ع‪##‬دال‬
‫موافقا للشرع والحق‪ ،‬قوال ممزوجا‪ #‬بالعواطف‪ #‬اإلنس‪##‬انية والمش‪##‬اعر األخوي‪##‬ة‪ ،‬لكي‬
‫يندمل بذلك ما في قلوب أولئك من الجراح‪ ،‬وينجبر‪ #‬ما في أفئدتهم‪ #‬من الكس‪##‬ر‪ ،‬وإلى‬
‫هذا يشير قوله سبحانه‪َ ﴿ :‬و ْليَقُولُوا قَوْ اًل َس ِديدًا﴾ [النساء‪.)]9 :‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬باإلضافة إلى هذا؛ فإن في التعليمات الواردة في اآلية الكريم‪##‬ة ـ‬
‫والتي يري‪##‬د البعض تعطيله‪#‬ا‪ #‬ـ إش‪##‬ارة إلى ناحي‪##‬ة نفس‪##‬ية في مج‪##‬ال تربي‪##‬ة التي‪##‬امى ـ‬
‫ج‪##‬ديرة باإلهتم‪##‬ام والرعاي‪##‬ة ـ وهي أن حاج‪##‬ة الطف‪##‬ل الي‪##‬تيم ال تنحص‪##‬ر في الطع‪##‬ام‬
‫والكساء‪ ،‬بل مراعاة مشاعرهم وأحاسيسهم‪ #‬القلبي‪##‬ة ه‪##‬و األهم‪ ،‬وه‪##‬و ذو ت‪##‬أثير كب‪##‬ير‬
‫جدا في بناء مستقبلهم‪ ،‬ألن الطفل اليتيم إنسان كغيره‪ ،‬يجب أن يحص‪##‬ل على غذائ‪##‬ه‬
‫الالزم من الناحية العاطفية‪ ،‬فيجب أن يحظى بالحنو والرعاية كم‪##‬ا يحظى ب‪##‬ذلك أي‬
‫طفل آخر في حضن أبيه وأمه‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ولكن مع ذلك؛ فإن ما ذكرتموه يثير إشكاالت أخ‪##‬رى‪ ..‬ال‬
‫تقل خطرا‪ ..‬فكيف يحمل هللا تعالى جزاء ش‪##‬خص على ش‪##‬خص آخ‪##‬ر؟‪ ..‬وم‪##‬اذا فع‪##‬ل‬
‫أبناء العاصي حتى يبتلوا بمن يظلمهم‪ ،‬ويتحملوا‪ #‬وزر ما جناه والدهم؟‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)4‬لقد ذكرني‪ #‬سؤالك هذا بما روي‪ #‬عن بعضهم أن‪##‬ه س‪##‬أل‬

‫األمثل‪)3/118( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫األمثل‪)3/119( ،‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األمثل‪)3/119( ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪)3/120( ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪451‬‬
‫اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق‪ ،‬عن قول‪##‬ه‪( :‬من ظلم س‪##‬لط هللا علي‪##‬ه من يظلم‪##‬ه‪ ،‬أو على عقب‪##‬ه‪ ،‬أو‬
‫ض َعافًا‬ ‫ش الَّ ِذينَ لَوْ ت ََر ُكوا ِم ْن َخ ْلفِ ِه ْم ُذرِّ يَّةً ِ‬ ‫على عقب عقبه)‪ ،‬فقرأ قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ْليَ ْخ َ‬
‫خَافُوا‪َ #‬علَ ْي ِه ْم فَ ْليَتَّقُوا هَّللا َ َو ْليَقُولُوا قَوْ اًل َس ِديدًا﴾ [النساء‪ ،]9 :‬وهو يشير‪ #‬إلى أن م‪##‬ا يرتكب‪##‬ه‬
‫األشخاص في المجتمع من أعمال تتخذ شكل السنن شيئا فشيئا‪ ،‬ثم تنتق‪##‬ل بع‪##‬دها إلى‬
‫األجي‪##‬ال الالحق‪##‬ة‪ ،‬وعلى ه‪##‬ذا األس‪##‬اس ف‪##‬إن ال‪##‬ذين يظلم‪##‬ون اليت‪##‬امى في المجتم‪##‬ع‪،‬‬
‫ويرسون قواعد هذا الس‪##‬لوك الظ‪##‬الم سيص‪##‬اب أبن‪##‬اؤهم بلهيب ه‪##‬ذه البدع‪##‬ة يوم‪##‬ا م‪##‬ا‬
‫أيضا‪ ،‬ويعد هذا في الحقيقة أحد اآلثار الوض‪##‬عية التكويني‪##‬ة لمث‪##‬ل ه‪##‬ذا العم‪##‬ل‪ ،‬وأم‪##‬ا‬
‫نسبته إلى هللا فهي ألج‪#‬ل أن جمي‪#‬ع اآلث‪#‬ار التكويني‪#‬ة وك‪#‬ل خ‪#‬واص العل‪#‬ة والمعل‪#‬ول‬
‫منسوبة إلى هللا ومستندة إليه تعالى‪ ،‬وال يظلم ربك أحدا أبدا‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬بوركتم‪ ..‬ولعل هذا ما يش‪##‬ير إلي‪##‬ه قول‪##‬ه ‪( :‬من س‪##‬ن في‬
‫اإلسالم سنة حسنة‪ ،‬كان له أجرها وأجر من عمل بها من بع‪##‬ده‪ ،‬من غ‪##‬ير أن ينقص‬
‫من أجورهم شيئا‪ ،‬ومن س‪##‬ن في اإلس‪##‬الم س‪#‬نة س‪##‬يئة‪ ،‬ك‪#‬ان علي‪#‬ه وزره‪#‬ا‪ #‬ووزر‪ #‬من‬
‫عمل بها من بعده‪ ،‬من غير أن ينقص من أوزارهم‪ #‬شيئا) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬فلنس‪##‬لم‪ #‬لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬لكن م‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن‬
‫ص ‪#‬لَوْ نَ َس ‪ِ #‬عيرًا﴾‬ ‫ال ْاليَتَا َمى ظُ ْل ًما إِنَّ َما يَأْ ُكلُونَ فِي بُطُونِ ِه ْ‪#‬م نَ‪##‬ارًا َو َسيَ ْ‬ ‫الَّ ِذينَ يَأْ ُكلُونَ أَ ْم َو َ‬
‫[النساء‪]10 :‬؛ فقد قيل‪ :‬إن هللا عز وج‪##‬ل لم‪##‬ا أوجب الن‪##‬ار آلك‪##‬ل أم‪##‬وال اليت‪##‬امى‪ ،‬أحجم‬
‫المسلمون عن كل شيء من أمرهم حتى مخالطتهم‪ #‬كراهي‪##‬ة الح‪##‬رج فيه‪##‬ا؛ فنس‪##‬خ هللا‬
‫عز وجل ذلك باإلذن في المخالط‪##‬ة واإلذن في اإلص‪##‬ابة من أم‪##‬والهم‪ #‬ب‪##‬المعروف‪ #‬إذا‬
‫كانت لوالى تلك األموال الحاجة إليها‪ ..‬وقد روي‪ #‬عن ابن عب‪##‬اس في ذل‪##‬ك قول‪##‬ه‪ :‬إن‬
‫ال ْاليَتَ‪##‬ا َمى ظُ ْل ًم‪##‬ا إِنَّ َم‪##‬ا يَ‪##‬أْ ُكلُونَ فِي بُطُ‪##‬ونِ ِه ْ‪#‬م نَ‪##‬ارًا‬ ‫هللا لما أنزل ﴿إِ َّن الَّ ِذينَ يَ‪##‬أْ ُكلُونَ أَ ْم‪َ #‬و َ‬
‫َو َسيَصْ لَوْ نَ َس ِعيرًا﴾ [النساء‪ ]10 :‬كره المسلمون أن يضموا اليت‪##‬امى إليهم وتحرج‪##‬وا‪ #‬أن‬
‫ك‬‫﴿ويَ ْس‪#‬أَلُونَ َ‪#‬‬ ‫يخالطوهم في شيء‪ ،‬وسألوا النبي ‪ ‬عن ذل‪##‬ك‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل‪َ :‬‬
‫ص‪#‬اَل ٌح لَهُ ْم خَ ْي‪ٌ #‬ر َوإِ ْن تُخَ‪##‬الِطُوهُ ْم فَ‪#‬إِ ْخ َوانُ ُك ْم َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم ْال ُم ْف ِس‪َ #‬د ِمنَ‬ ‫ع َِن ْاليَتَا َمى قُلْ إِ ْ‬
‫َزي‪ٌ ###‬ز َح ِكي ٌم﴾ [البق‪###‬رة‪ ،]220 :‬أي ل‪###‬و ش‪###‬اء‬ ‫ح َولَ‪###‬وْ َش‪###‬ا َء هَّللا ُ أَل َ ْعنَتَ ُك ْم إِ َّن هَّللا َ ع ِ‬‫ص‪###‬لِ ِ‬ ‫ْال ُم ْ‬
‫﴿و َم ْن َك‪##‬انَ َغنِيًّ‪##‬ا‬ ‫ألح‪##‬رجكم‪ #‬وض‪##‬يق عليكم‪ ،‬ولكن‪##‬ه وس‪##‬ع ويس‪##‬ر‪ ،‬فق‪##‬ال ع‪##‬ز وج‪##‬ل‪َ :‬‬
‫ُوف﴾ [النس‪##‬اء‪]6 :‬ومن ك‪##‬ان فق‪##‬يرا فليأك‪##‬ل‬ ‫‪#‬ال َم ْعر ِ‬‫ف َو َم ْن َك‪##‬انَ فَقِ‪##‬يرًا فَ ْليَأْ ُك‪##‬لْ بِ‪ْ #‬‬ ‫فَ ْليَ ْس ‪#‬تَ ْعفِ ْ‬
‫بالمعروف(‪.)2‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)3‬ال تنافي‪ #‬بين تحريم أكل مال اليتيم ظلم‪##‬ا وج‪##‬واز أكل‪##‬ه‬
‫بالمعروف إزاء ما يق‪##‬وم ب‪##‬ه من خ‪##‬دمات‪ ..‬فال م‪##‬برر للق‪##‬ول بالنس‪##‬خ هن‪##‬ا‪ ،‬ب‪##‬ل اآلي‪##‬ة‬
‫األولى باقية على أحكامها كاآلية الثانية‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم برقم (‪)1017‬‬


‫‪ )(2‬رواه الطبري‪.359 ،352/ 4 :‬‬
‫‪ )(3‬التمهيد‪.2/332 :‬‬
‫‪452‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬ولعل من ذكر النسخ‪ ،‬ونسبه إلى ابن عباس‪ ،‬اشتبهت علي‪##‬ه ه‪##‬ذه‬
‫ب َواَل تَ‪##‬أْ ُكلُوا‬ ‫يث بِ‪##‬الطَّيِّ ِ‬
‫اآلية بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وآتُوا ْاليَتَ‪##‬ا َمى أَ ْم‪َ #‬والَهُ ْم َواَل تَتَبَ‪َّ #‬دلُوا‪ْ #‬ال َخبِ َ‬
‫أَ ْم َوالَهُ ْم إِلَى أَ ْم َوالِ ُك ْم إِنَّهُ َكانَ حُوبًا َكبِ‪##‬يرًا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]2 :‬فق‪##‬د روي‪ #‬أن‪##‬ه لم‪##‬ا ن‪##‬زلت ك‪##‬ره‬
‫المس‪##‬لمون مخالط‪##‬ة اليت‪##‬امى فش‪#‬ق‪ #‬ذل‪##‬ك عليهم فش‪##‬كوا‪ #‬الى رس‪##‬ول هّللا ‪ ‬ف‪##‬أنزل هّللا‬
‫ص‪#‬اَل ٌح لَهُ ْم خَ ْي‪ٌ #‬ر َوإِ ْن تُ َخ‪##‬الِطُوهُْ‪#‬م فَ‪#‬إِ ْخ َوانُ ُك ْم‬ ‫َك َع ِن ْاليَتَ‪##‬ا َمى قُ‪##‬لْ إِ ْ‬ ‫تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ويَ ْس‪#‬أَلُون َ‪#‬‬
‫ح﴾ [البق‪##‬رة‪ ..]220 :‬و ليس هذا أيض‪##‬ا من النس‪##‬خ المص‪##‬طلح‬ ‫َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم ْال ُم ْف ِس َد ِمنَ ْال ُمصْ لِ ِ‬
‫عليه‪ ،‬والذي يعني تعطيل اآلية‪ ،‬وإنما جاءت اآلية الثانية لبيان جوانب الرخصة من‬
‫مخالط‪##‬ة اليت‪##‬امى‪ ،‬ليك‪##‬ون النهى فى األولى موجه‪##‬ا إلى أولئ‪##‬ك الط‪##‬امعين في أم‪##‬وال‬
‫الصغار‪ ،‬أما مريد اإلصالح فهو محس‪##‬ن ال مالم‪##‬ة علي‪##‬ه‪ ،‬ولم يش‪##‬مله ذل‪##‬ك التح‪##‬ريم‬
‫أصال‪ ،‬فهو ترخيص فى مقام توهم الحظر‪ ،‬ال أنها إجازة بعد تحريم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى أن القول بنسخ تلك اآلية الكريم‪##‬ة س‪##‬يعطل الكث‪##‬ير‬
‫من المعاني العظيمة الواردة فيها‪ ..‬وأولها أن هذه اآلية تشير إلى أن ألعمالنا مضافا‪#‬‬
‫إلى وجهها الظاهري وجها واقعيا‪ #‬أيضا‪ ،‬وجها مستورا‪ #‬عنا في ه‪##‬ذه ال‪##‬دنيا‪ ،‬ال ن‪##‬راه‬
‫بعيوننا‪ #‬هنا‪ ،‬ولكنه يظهر في العالم اآلخر‪ ،‬وهذا األم‪##‬ر ه‪##‬و م‪##‬ا يش‪##‬كل مس‪##‬ألة تجس‪##‬م‬
‫األعمال‪ ..‬فالقرآن الكريم يصرح في هذه اآلية بأن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما‬
‫وجورا‪ #،‬وإن كان الوجه الظاهري لفعلهم هذا هو األكل من األطعمة اللذيذة الملونة‪،‬‬
‫ولكن الوجه الواقعي لهذه األغذية هو النار المحرقة الملتهبة‪ ،‬وهذا الوجه ه‪##‬و ال‪##‬ذي‬
‫يظهر ويتجلى‪ #‬على حقيقته في ع‪##‬الم اآلخ‪##‬رة‪ ،‬وبين الوج‪##‬ه ال‪##‬واقعي للعم‪##‬ل والكيفي‪##‬ة‬
‫الظاهرية للعمل تناسبا وتشابها دائما‪ ،‬فكما أن أكل مال اليتيم وغصب حقوقه يحرق‬
‫فؤاد‪ #‬اليتيم‪ ،‬ويؤذي‪ #‬روحه‪ ،‬فكذا يكون الوجه الواقعي للعمل نارا محرقة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬واالنتباه إلى ه‪##‬ذا األم‪#‬ر‪ ..‬أي الوج‪##‬ه الحقيقي ال‪##‬واقعي لك‪##‬ل عم‪#‬ل‪..‬‬
‫خ‪##‬ير رادع لل‪##‬ذين يؤمن‪##‬ون به‪##‬ذه الحق‪##‬ائق‪ ،‬كي ال يرتكب‪##‬وا‪ #‬المعاص‪##‬ي‪ ،‬وال يق‪##‬ترفوا‪#‬‬
‫الذنوب‪ ،‬فهل يوجد ثمة من يحب أن يأخذ بيديه قبسات من الن‪##‬ار‪ ،‬ويض‪##‬عها‪ #‬في فم‪##‬ه‬
‫ويبتلعها؟‪#‬‬
‫قال آخر ‪ : 3‬باإلضافة إلى هذه اآلية وغيرها ـ وخصوصا‪ #‬من هذه الس‪##‬ورة ـ‬ ‫)‬ ‫(‬
‫نزلت لبناء مجتمع صالح وسليم‪ ،‬ولهذا تسعى كل آية منها إلى تطه‪##‬ير المجتم‪##‬ع من‬
‫الرواسب الجاهلية‪ ،‬وما تبقى في نفوس المسلمين منها ـ س‪##‬واء في عه‪##‬د رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬أو غيره من العهود؛ فالجاهلية ليست مرتبطة بزمن دون زمن ـ لتتهيأ األرضية‬
‫إلقامة ذلك المجتمع الصالح المنشود‪ #..‬وأية عادة ترى أقبح من أكل أموال اليت‪##‬امى؟‬
‫وله‪##‬ذا إبت‪##‬دأت ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة بعب‪##‬ارات ش‪##‬ديدة النك‪##‬ير على من يتص‪##‬رف‪ #‬في أم‪##‬وال‬
‫اليتامى تصرفا غير مشروع‪ ،‬وغير صحيح‪ ،‬واآلية ال‪##‬تي قي‪##‬ل بنس‪##‬خها هي أوض‪##‬ح‬
‫‪ )(4‬التمهيد‪.2/332 :‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪)3/122( ،‬‬
‫‪ )(3‬األمثل‪)3/121( ،‬‬
‫‪453‬‬
‫تلك اآلي‪#‬ات وأش‪##‬دها في النهي والزج‪#‬ر‪ #..‬والق‪#‬ول بنس‪#‬خها‪ #‬تعطي‪#‬ل للمقاص‪#‬د اإللهي‪##‬ة‬
‫المرتبطة بها‪.‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم بذلك‪ ..‬لكن ما تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫َت أَ ْي َم‪##‬انُ ُك ْم‬
‫ك ْال َوالِ‪#‬دَا ِن َواأْل َ ْق َربُ‪##‬ونَ َوالَّ ِذينَ َعقَ‪#‬د ْ‬ ‫﴿ولِ ُك‪ٍّ #‬ل َج َع ْلنَ‪##‬ا َم‪َ #‬‬
‫‪#‬والِ َي ِم َّما تَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ر َ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫َصيبَهُ ْم إِ َّن َ َك‪#‬انَ َعلَى ُك‪#‬لِّ َش‪ْ #‬ي ٍء َش‪ِ #‬هيدًا﴾ [النس‪##‬اء‪ ، ]33 :‬فعن مجاه‪#‬د ق‪#‬ال‪:‬‬ ‫هَّللا‬ ‫فَآتُوهُْ‪#‬م ن ِ‬
‫(كان حلف فى الجاهلية فأمروا‪ #‬أن يعطوهم نص‪##‬يبهم من المش‪##‬ورة والعق‪##‬ل والنص‪##‬ر‬
‫وال م‪##‬يراث) (‪ ،)1‬وق‪##‬ال عب‪##‬د هللا بن الزب‪##‬ير‪( :‬ن‪##‬زلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة في العص‪##‬بات ك‪##‬ان‬
‫ْض‪#‬هُ ْم أَوْ لَى‬ ‫﴿وأُولُ‪##‬و اأْل َرْ َح‪#ِ #‬‬
‫‪#‬ام بَع ُ‬ ‫الرجل يعاقد الرج‪##‬ل يق‪##‬ول‪ :‬ترث‪##‬ني وأرث‪##‬ك ف‪##‬نزلت‪َ :‬‬
‫ب هَّللا ِ﴾ [األحزاب‪)2()]6 :‬‬ ‫ْض فِي ِكتَا ِ‬‫بِبَع ٍ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د حف‪##‬دة قت‪##‬ادة(‪ :)3‬ليس في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ #‬م‪##‬ا يعارض‪##‬ها‪ #‬ح‪##‬تى نق‪##‬ول‬
‫بنسخها‪ ،‬وما ورد في الروايات أقل من أن يقوم بذلك‪ ،‬باإلض‪##‬افة إلى أن من الفقه‪##‬اء‬
‫من ال يزال يقول بتفعيل اآلية‪ ،‬وقد قال فيها الشيخ محمد أبو زه‪##‬رة‪( :‬وق‪#‬ال الحنفي‪#‬ة‬
‫ومعهم‪ #‬بعض الفقهاء‪ :‬إن حكمها ما زال باقي‪##‬ا لم ينس‪##‬خ‪ ،‬وه‪#‬ذا م‪#‬ا نمي‪#‬ل إلي‪#‬ه‪ ،‬ونحن‬
‫بهذا نخالف ما نسب إلى األستاذ الشيخ محم‪##‬د عب‪##‬ده (وه‪##‬و أن الم‪##‬راد األزواج؛ ألن‬
‫سبب الميراث هو عقد الزواج والقرابة)‪ ،‬ونخ‪##‬الف‪ #‬من ادع‪##‬وا النس‪##‬خ‪ ،‬ووجهتن‪#‬ا‪ #‬في‬
‫األول أن القرآن الكريم لم يعبر عن أح‪##‬د ال‪##‬زوجين بمن عق‪##‬دت أيم‪##‬انكم‪ ،‬ألن الحي‪##‬اة‬
‫الزوجية ليست العالقة فيها مجرد تعاقد بين الرجل والمرأة‪ ،‬بل هي بعد اس‪##‬تقرارها‬
‫تكون ازدواجا نفسيا‪ ..‬وأما وجهتنا في عدم نسخ الميراث بالوالء‪ ،‬فهي أنه ال يوج‪##‬د‬
‫دليل ناسخ‪ ،‬وما وجد من السنة هو ظ‪##‬ني أوال‪ ،‬والظ‪##‬ني ال ينس‪##‬خ القطعي‪ ،‬وق‪##‬د ورد‬
‫في نسخ اإلخاء‪ ،‬وقد حلت القرابة محل اإلخاء‪ ،‬والميراث ب‪##‬الوالء ال يتع‪##‬ارض م‪##‬ع‬
‫الميراث بالقرابة؛ ألنه يك‪##‬ون إذا لم يكن الش‪##‬خص أح‪##‬د من األق‪##‬ارب ق‪##‬ط‪ ،‬وب‪##‬ذلك ال‬
‫يك‪##‬ون لل‪##‬والء ق‪##‬وة القراب‪##‬ة‪ ،‬ولكن تك‪##‬ون ل‪##‬ه ق‪##‬وة الوص‪##‬ية ال‪##‬تي تت‪##‬أخر عن القراب‪##‬ة‬
‫والزوجية‪ ،‬وإن أقصى‪ #‬ما يدل عليه عقد الوالء أن يقدم على بيت المال‪ ،‬وهو مؤخر‬
‫عن الوصايا‪ #‬الصريحة إذا كانت ال تزيد على الثلث‪ ،‬وبذلك تكون النص‪##‬رة الخاص‪##‬ة‬
‫مقدم‪##‬ة على النص‪##‬رة العام‪##‬ة؛ إذ عق‪##‬د ال‪##‬والء س‪##‬بب للنص‪##‬رة الخاص‪##‬ة واألم‪##‬ة هي‬
‫النصير‪ #‬العام‪ ،‬وإن بيت المال يأخذ المال الضائع‪ ،‬وما دام قد جعل الم‪##‬ال لواح‪##‬د من‬
‫بعده فإنه ال يعد ضائعا)(‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وإلى مثل‪##‬ه ذهب الش‪##‬يخ عب‪##‬د الك‪##‬ريم الخطيب‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪( :‬بين هللا‬
‫سبحانه وتعالى في اآلية الكريمة ما للعامل من ح‪##‬ق في أن يج‪##‬نى ثم‪##‬رة عمل‪##‬ه‪ ،‬وأن‬
‫ينعم بنصيبه منها‪ ،‬بعد أن يؤدى‪ #‬ما هلل وما للعباد عليه‪##‬ا من حق‪##‬وق‪ ،‬وذل‪##‬ك ليس‪##‬تحث‬

‫رواه الطبري فى تفسير الطبري‪.278/ 8 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سالم (‪)1/225‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)3/777‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫زهرة التفاسير (‪)3/1665‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪454‬‬
‫الذين ال يعملون على العمل‪ ،‬وعلى أال ينظ‪##‬روا‪ #‬إلى م‪##‬ا في ي‪##‬د الع‪##‬املين من ثم‪##‬رات‬
‫أعمالهم‪ ..‬ولم يقف القرآن الكريم عند هذا‪ ،‬من إقرار‪ #‬حق العامل في ثمرة عمله‪ ،‬بل‬
‫جعل لقرابة هذا العامل‪ ،‬وذوى رحمه‪ ،‬متعلقا بهذه الثمرة‪ ،‬يرثونه‪##‬ا بع‪##‬د موت‪##‬ه؛ فهم‬
‫أولى الناس به‪ ،‬وهوأحرص الناس على نفعهم‪ ،‬وسوق الخير إليهم‪ ..‬ولهذا جاء قوله‬
‫ربُ‪##‬ونَ ﴾ [النس‪##‬اء‪]33 :‬‬ ‫َان َواأْل َ ْق َ‬
‫‪#‬ركَ ْال َوالِ‪#‬د ِ‬ ‫تعالى في هذه اآلية‪َ ﴿ :‬ولِ ُك ٍّل َج َع ْلنَا َم‪َ #‬‬
‫‪#‬والِ َي ِم َّما تَ‪َ #‬‬
‫مقررا هذا الحق للورثة في قريبهم الذي ت‪#‬رك خ‪#‬يرا من بع‪#‬ده‪ ،‬والمع‪##‬نى‪ :‬ولك‪#‬ل من‬
‫الرجال والنساء الذين أشار إليهم سبحانه وتعالى موالى ـ أي ورثة ـ يرث‪##‬ونهم‪ ،‬فيم‪##‬ا‬
‫خلفوا وراءهم من مال ومت‪##‬اع‪ ،‬وه‪##‬ذا م‪##‬ا أش‪##‬ار إلي‪##‬ه س‪##‬بحانه في آي‪##‬ات الم‪##‬واريث‪..‬‬
‫والم‪##‬ولى‪ #‬يطل‪##‬ق على مع‪##‬ان كث‪##‬يرة‪ ،‬منه‪##‬ا‪ :‬الق‪##‬ريب‪ ،‬والناص‪##‬ر‪ ،‬والمعين‪ ،‬والس‪##‬يد‪،‬‬
‫والعبد‪ ..‬والمراد‪ #‬به هنا أقارب المرء وعصبته الذين يرثونه)(‪)1‬‬
‫َت أَ ْي َم‪##‬انُ ُك ْم﴾ [النس‪##‬اء‪ ]33 :‬ال‪##‬تي قي‪##‬ل‬ ‫﴿والَّ ِذينَ َعقَ ‪#‬د ْ‬
‫ثم ذك‪##‬ر مع‪##‬نى قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫بنس‪##‬خها‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬فيه‪##‬ا إش‪##‬ارة إلى من ت‪##‬ربطهم ب‪##‬المرء رابط‪##‬ة غ‪##‬ير رابط‪##‬ة القراب‪##‬ة‬
‫والدم‪ ،‬ممن يتبناهم اإلنس‪##‬ان‪ ،‬أوي‪##‬دخلهم‪ #‬في حيات‪##‬ه م‪##‬دخل األه‪##‬ل واألق‪##‬ارب‪ ،‬إذ ش‪##‬د‬
‫يمينه بهم‪ ،‬واحتسبهم‪ #‬بعضا منه في خيره وشره ـ هؤالء ق‪#‬د ي‪#‬رون أن لهم حق‪##‬ا فيم‪#‬ا‬
‫ترك المورث‪ ،‬الذي كانوا منه‪ ،‬وكان منهم‪ ،‬وقد جاء صدر اآلية الكريمة قاصرا‪ #‬م‪##‬ا‬
‫﴿ولِ ُك‪##‬لٍّ َج َع ْلنَ‪##‬ا َم‪َ #‬والِ َي ِم َّما تَ‪َ #‬ركَ ْال َوالِ‪#‬دَا ِن‬
‫ت‪##‬رك الم‪##‬ورث على قرابت‪##‬ه‪ ،‬وهم موالي‪##‬ه‪َ :‬‬
‫َواأْل َ ْق َربُونَ ﴾ [النساء‪ ]33 :‬وفى هذا ما يصدم مشاعرهم‪ ،‬ويفجعهم في آمالهم‪ ،‬التي كانوا‬
‫﴿والَّ ِذينَ‬
‫يعيشون بها م‪#‬ع ه‪##‬ذا ال‪##‬ذي عق‪#‬دت أيم‪##‬انهم مع‪#‬ه‪ ..‬وله‪##‬ذا ج‪#‬اء قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َصيبَه ُ ْم﴾ [النساء‪)2( )]33 :‬‬ ‫َت أَ ْي َمانُ ُك ْم فَآتُوهُْ‪#‬م ن ِ‬
‫َعقَد ْ‬
‫ثم تساءل عن نوع نصيبهم وقد ذهب الورثة بالميراث كله؟‪ ،‬ثم أجاب بقول‪##‬ه‪:‬‬
‫(إنهم ال بد أن يكون لهم نصيب فيما ترك صاحبهم‪ #..‬وتق‪##‬دير ه‪##‬ذا النص‪##‬يب م‪##‬تروك‬
‫للورث‪##‬ة‪ ،‬يؤدون‪##‬ه لهم‪ ،‬على أي وج‪##‬ه‪ ،‬وعلى أي‪##‬ة ص‪##‬ورة! ليكن م‪##‬اال يطيب‪##‬ون ب‪##‬ه‬
‫خ‪###‬اطرهم‪ #..‬أو ليكن م‪###‬ودة‪ ،‬وحب‪###‬ا‪ ،‬ومخالط‪###‬ة‪ ..‬أو ليكن مناص‪###‬رة‪ ،‬ومعاون‪###‬ة في‬
‫الشدائد‪ ..‬أو غير ذلك مما كان الميت يعاشرهم‪ #‬عليه ويؤثرهم‪ #‬به‪ ..‬وله‪##‬ذا ج‪##‬اء قول‪##‬ه‬
‫َصيبَهُ ْم﴾‪[ #‬النساء‪ ]33 :‬خطابا للموالى‪ ،‬الذي ورثوا مال م‪##‬ورثهم‪ ،‬ب‪##‬أن‬ ‫تعالى‪ ﴿ :‬فَآتُوهُ ْم ن ِ‬
‫يعط‪##‬وا‪ #‬ه‪##‬ؤالء ال‪##‬ذين أض‪##‬افهم‪ #‬م‪##‬ورثهم إلي‪##‬ه ـ ش‪##‬يئا مم‪##‬ا ك‪##‬ان يع‪##‬ود عليهم ب‪##‬ه ه‪##‬ذا‬
‫المورث‪ ،‬من مال‪ ،‬أومودة‪ ،‬أونحوهذا) (‪)3‬‬
‫ض ‪َ #‬ر‬ ‫ثم شبه ما ورد في هذه اآلية الكريمة بم‪##‬ا ورد في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َح َ‬
‫ْالقِ ْس َمةَ أُولُو ْالقُرْ بَى َو ْاليَتَا َمى َو ْال َم َسا ِكينُ فَ‪##‬ارْ ُزقُوهُ ْم ِم ْن‪#‬هُ َوقُولُ‪##‬وا‪ #‬لَهُ ْم قَ‪##‬وْ اًل َم ْعرُوفً‪##‬ا﴾‬
‫[النس‪##‬اء‪ ،]8 :‬ففى ه‪##‬ذا تط‪##‬ييب لتل‪##‬ك النف‪##‬وس ال‪##‬تي حض‪##‬رت القس‪##‬مة‪ ..‬وه‪##‬ؤالء ال‪##‬ذين‬
‫خالطهم‪ #‬المورث واختلط‪ #‬بهم‪ ،‬هم ممن حضروا‪ #‬القسمة‪ ،‬فإن لم يحس‪##‬بوا في حس‪##‬اب‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)3/778‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)3/778‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)3/778‬‬
‫‪455‬‬
‫لهم)(‪)1‬‬ ‫الورثة‪ ،‬فليكونوا‪ #‬في حساب ذوى القربى ممن ال ميراث‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وإلى مثل‪##‬ه ذهب الش‪##‬يخ ناص‪##‬ر مك‪##‬ارم الش‪##‬يرازي‪ #،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال في‬
‫‪#‬والِ َي‬ ‫﴿ولِ ُك‪##‬لٍّ َج َع ْلنَ‪##‬ا َم‪َ #‬‬
‫تفسيرها‪( :‬يعود القرآن مرة أخرى إلى مسألة اإلرث إذ يقول‪َ :‬‬
‫هَّللا‬
‫َص‪#‬يبَهُْ‪#‬م إِ َّن َ َك‪##‬انَ‬ ‫َت أَ ْي َم‪##‬انُ ُك ْم فَ‪##‬آتُوهُ ْم ن ِ‬ ‫ِم َّما تَ َركَ ْال َوالِ‪#‬دَا ِن َواأْل َ ْق َربُ‪##‬ونَ َوالَّ ِذينَ َعقَ‪#‬د ْ‬
‫َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء َش ِهيدًا﴾ [النساء‪ ]33 :‬أي لكل رجل أو امرأة جعلنا ورثة يرثون مما ترك‬
‫الوالدان واألقربون الذي يجب أن يقسم بينهم طبق برنامج خ‪##‬اص‪ ..‬إن ه‪##‬ذه العب‪##‬ارة‬
‫هي ـ في الحقيقة ـ خالص‪##‬ة أحك‪##‬ام اإلرث ال‪##‬تي م‪##‬ر ذكره‪##‬ا في اآلي‪##‬ات الس‪##‬ابقة في‬
‫مجال األقرباء‪ ،‬وهي مقدمة لحكم سيأتي بيانه في ما بع‪##‬د‪ ..‬ثم إن هللا تع‪##‬الى يض‪##‬يف‬
‫َص‪#‬يبَهُ ْم﴾ أي ادفع‪##‬وا‪ #‬إلى ال‪##‬ذين عق‪##‬دتم معهم‬ ‫َت أَ ْي َم‪##‬انُ ُك ْم فَ‪##‬آتُوهُ ْم ن ِ‬
‫قائال‪َ ﴿ :‬والَّ ِذينَ َعقَ‪#‬د ْ‬
‫عقدا نصيبهم‪ #‬من اإلرث‪ ..‬والتعبير عن الميثاق بعقد اليمين (وهو العقد باليد اليمنى)‬
‫ألجل أن اإلنسان غالبا ما يستفيد من يده اليمنى للقيام بأعماله‪ ،‬كما أن الميثاق يش‪##‬به‬
‫نوعا من العقد (في مقابل الحل)(‪)2‬‬
‫ثم تساءل عن المراد بالذين عقد معهم الميثاق‪ ،‬والذين البد أن يعطوا‪ #‬نصيبهم‪#‬‬
‫من اإلرث‪ ،‬ثم أجاب على ذلك بقوله‪( :‬يحتمل بعض المفسرين أن المراد هو الزوج‬
‫والزوج‪##‬ة ألنهم‪##‬ا عق‪##‬دا في م‪##‬ا بينهم‪##‬ا رابط‪##‬ة الزوجي‪##‬ة‪ ،‬ولكن ه‪##‬ذا اإلحتم‪##‬ال يب‪##‬دو‬
‫مستبعدا‪ ،‬ألن التعبير عن الزواج بعقد اليمين ونظيره في الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم قلي‪#‬ل ج‪#‬دا‪،‬‬
‫هذا مضافا إلى أنه يعد تكرارا للمواضيع السابقة‪ ..‬إن ما هو أقرب إلى مفهوم اآلي‪##‬ة‬
‫هو عقد (ضمان الجريرة) الذي كان رائجا قبل اإلسالم‪ ،‬وقد عدل‪##‬ه اإلس‪##‬الم بع‪##‬د أن‬
‫أقره لما فيه من ناحية إيجابية وهو (أن يتعاقد شخصان فيما بينهم‪##‬ا على أن يتعاون ‪#‬ا‪#‬‬
‫فيما بينهما بشكل أخوي أن يعين أحدهما اآلخر عند المش‪##‬كالت‪ ،‬وإذا م‪##‬ات أح‪##‬دهما‬
‫قبل اآلخر ورثه الباقي)‪ ،‬وقد أق‪#‬ر اإلس‪##‬الم ه‪#‬ذا الن‪##‬وع من التعاق‪#‬د األخ‪##‬وي ال‪#‬ودي‪،‬‬
‫ولكنه أكد على أن التوارث بسبب هذا الميثاق إنما يمكن إذا لم يكن هن‪##‬اك ورث‪##‬ة من‬
‫طبقات األقرباء‪ ،‬يعني إذا لم يبق أحد من األقرباء ورث ضامن الجريرة ال‪##‬ذي وق‪##‬ع‬
‫بينه وبين اآلخر مثل هذا العقد) (‪)3‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬وب‪#‬ذلك؛ ف‪##‬إن ك‪#‬ل ه‪##‬ذه الفه‪##‬وم‪ ،‬ومن ه‪#‬ؤالء العلم‪#‬اء الكب‪#‬ار‪ ،‬ومن‬
‫مختل‪##‬ف الم‪##‬دارس اإلس‪##‬المية‪ ،‬ي‪##‬دل على تفعي‪##‬ل اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة‪ ،‬ويغ‪##‬ني‪ #‬عن الق‪##‬ول‬
‫بتعطيلها‪#.‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم بذلك‪ ..‬لكن ما تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫‪#‬اجرُوا َو َجاهَ‪#‬دُوا‪ #‬بِ‪##‬أ َ ْم َوالِ ِه ْم َوأَ ْنفُ ِس‪ِ #‬ه ْم فِي َس‪#‬بِي ِل هَّللا ِ َوالَّ ِذينَ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوهَ‪َ #‬‬
‫ْض﴾ [األنف‪##‬ال‪ ،]72 :‬فق‪##‬د قي‪##‬ل في تفس‪##‬يرها أن‬ ‫ْض‪#‬هُْ‪#‬م أَوْ لِيَ‪##‬ا ُء بَع ٍ‬
‫ك بَع ُ‬ ‫َص‪#‬رُوا أُولَئِ‪َ #‬‬‫آووْ ا َون َ‬ ‫َ‬
‫المسلمين كانوا يتوارث‪##‬ون ب‪##‬الهجرة‪ ،‬وك‪##‬ان الم‪##‬ؤمن ال‪##‬ذي لم يه‪##‬اجر ال ي‪##‬رث قريب‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)3/779‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪)3/214( ،‬‬
‫‪ )(3‬األمثل‪)3/214( ،‬‬
‫‪456‬‬
‫ببَعْض﴾ [األنفال‪)1( ]75 :‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫﴿وأُولُو اأْل َرْ َح ِام بَ ْع ُ‬
‫ضهُْ‪#‬م أَوْ لَى‬ ‫المهاجر‪ ،‬فنسخت بقوله تعالى‪َ :‬‬
‫قال أحد حفدة قت‪##‬ادة‪ :‬ليس في اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة م‪##‬ا يش‪##‬ير إلى ذل‪##‬ك‪ ،‬وب‪##‬ذلك ف‪##‬إن‬
‫التطبيقات المرتبطة بزمن معين‪ ،‬ال تلغي غيرها من المعاني والتطبيقات‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد قال بهذا كل من يرى تفعيل جميع القرآن الكريم‪ ،‬ومنهم‪ #‬الش‪##‬يخ‬
‫عبد الكريم الخطيب الذي قال فيها‪( :‬وق‪##‬د ذهب أك‪##‬ثر المفس‪#‬رين أن الوالي‪##‬ة هن‪##‬ا هي‬
‫التوارث بينهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن المهاجرين واألنصار كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة‪،‬‬
‫جاعلين نس‪##‬ب اإلس‪##‬الم بينهم‪ ،‬أولى من نس‪##‬ب القراب‪##‬ة‪ ..‬ثم نس‪##‬خ ذل‪##‬ك بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ْض﴾ [األنف‪##‬ال‪ ..]75 :‬وق‪##‬د ك‪##‬ان رأين‪##‬ا على غ‪##‬ير ه‪##‬ذا‪،‬‬ ‫﴿ َوأُولُو اأْل َرْ َح ِ‪#‬ام بَ ْع ُ‬
‫ضهُ ْم أَوْ لَى بِبَع ٍ‬
‫وهوأن الم‪#‬راد بالوالي‪##‬ة‪ :‬التناص‪##‬ر‪ ،‬والتع‪#‬اطف‪ ،‬وتالحم المش‪##‬اعر‪ ،‬في ظ‪#‬ل األخ‪#‬وة‬
‫اإلسالمية‪ ..‬وهذا ما يشير إليه قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َما ْال ُم ْؤ ِمنُونَ إِ ْخ‪َ #‬وةٌ﴾ [الحج‪##‬رات‪ ]10 :‬وفى‬
‫هذا يقول الرس‪#‬ول‪ #‬الك‪#‬ريم‪( :‬مث‪#‬ل في ت‪##‬وادهم وت‪#‬راحمهم وتع‪##‬اطفهم‪ #‬مث‪#‬ل الجس‪##‬د إذا‬
‫اشتكى منه عضوتداعى له سائر الجسد بالسهر‪ #‬والحمى)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنهم الشيخ ناصر‪ #‬مكارم الشيرازي‪ ،‬فقد قال في تفسيرها‪( :‬تبحث‬
‫هذه اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي تختتم به‪##‬ا س‪##‬ورة األنف‪##‬ال ـ وتع‪##‬د آخ‪##‬ر فص‪##‬ل من فص‪##‬ولها ـ عن‬
‫طوائف‪ #‬المهاجرين واألنصار‪ #‬والطوائف‪ #‬األخرى من المسلمين وبي‪##‬ان قيم‪##‬ة ه‪##‬ؤالء‬
‫جميعا‪ ،‬فتعطي كل طائفة قيمة‪ ،‬وتستكمل‪ #‬ما تناولته اآليات السابقة في ش‪##‬أن الجه‪##‬اد‬
‫والمجاهدين‪ ..‬وبتعبير آخ‪#‬ر‪ :‬إن ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ات ع‪#‬الجت نظ‪#‬ام المجتم‪#‬ع اإلس‪#‬المي من‬
‫حيث العالئق المختلفة‪ ،‬ألن خطة الحرب وخط‪##‬ة الص‪##‬لح كس‪##‬ائر الخط‪##‬ط والمن‪##‬اهج‬
‫العام‪##‬ة‪ ،‬ال يمكن أن يتم أي منه‪##‬ا دون تك‪##‬وين عالق‪##‬ة إجتماعي‪##‬ة ص‪##‬حيحة‪ ،‬وأخ‪##‬ذها‬
‫بنظر اإلعتبار‪ ..‬وقد تناولت هذه اآليات خمس طوائ‪##‬ف‪ ،‬أرب‪##‬ع منه‪##‬ا من المس‪##‬لمين‪،‬‬
‫وواح‪###‬دة من غ‪###‬ير المس‪###‬لمين‪ ،‬والطوائ‪###‬ف األرب‪###‬ع هي‪ :‬المه‪###‬اجرون الس‪###‬ابقون‪..‬‬
‫واألنص‪##‬ار في المدين‪##‬ة‪ ..‬والمؤمن‪##‬ون ال‪##‬ذين لم يه‪##‬اجروا‪ #..‬وال‪##‬ذين آمن‪##‬وا من بع‪##‬د‬
‫وهاجروا)(‪)3‬‬
‫ثم ذكر المعاني الواردة في اآلية األولى‪ ،‬والتي قيل بنسخها‪ ،‬فقال‪( :‬أشير في‬
‫ه‪##‬ذا القس‪##‬م من اآلي‪##‬ة إلى الط‪##‬ائفتين‪ ،‬األولى والثاني‪##‬ة [المه‪##‬اجرون‪ ،‬واألنص‪##‬ار] أي‬
‫الذين آمنوا في مكة ثم هاجروا‪ #‬منها إلى المدينة‪ ،‬والذين آمن‪##‬وا في المدين‪##‬ة ثم آزروا‪#‬‬
‫النبي‪ ‬ونصروه ودافعوا عنه وعن المهاجرين‪ ،‬وقد وصفتهم اآلي‪##‬ة ب‪#‬أنهم بعض‪##‬هم‬
‫أولي‪##‬اء بعض‪ ،‬وبعض‪##‬هم حم‪##‬اة بعض‪ ،‬وال‪##‬ذي يس‪##‬ترعي النظ‪##‬ر أن اآلي‪##‬ة وص‪##‬فت‬
‫الطائفة األولى بأربع صفات هي‪ :‬اإليمان‪ ،‬والهجرة والجه‪##‬اد‪ #‬الم‪##‬الي واإلقتص‪##‬ادي‪#،‬‬
‫وذلك عن طريق‪ #‬اإلعراض عن أموالهم في مك‪##‬ة‪ ،‬وم‪##‬ا ب‪##‬ذلوه من أم‪##‬وال في غ‪##‬زوة‬
‫‪ )(1‬المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ (ص‪)38‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/684‬‬
‫‪ )(3‬األمثل‪)5/503( ،‬‬
‫‪457‬‬
‫ب‪##‬در‪ ،‬والص‪##‬فة الرابع‪##‬ة جه‪##‬ادهم بأنفس‪##‬هم ودم‪##‬ائهم وأرواحهم‪ ..‬أم‪##‬ا األنص‪##‬ار فق‪##‬د‬
‫وص‪##‬فتهم اآلي‪##‬ة بص‪##‬فتين هم‪##‬ا‪ :‬اإلي‪##‬واء‪ ،‬والنص‪##‬رة‪ ..‬وق‪##‬د جعلت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة الجمي‪##‬ع‬
‫مسؤولين‪ #‬بعضهم عن بعض‪ ،‬ويتعهد كل بصاحبه بقوله‪##‬ا (بعض‪##‬هم‪ #‬أولي‪##‬اء بعض)‪..‬‬
‫فهات‪##‬ان الطائفت‪##‬ان ـ في الحقيق‪##‬ة ـ كانت‪##‬ا تمثالن مجموع‪##‬تين متالزم‪##‬تين ال يمكن‬
‫ألحدهما اإلستغناء عن األخرى‪ ،‬إذ منهم‪##‬ا يتك‪##‬ون نس‪##‬يج المجتم‪##‬ع اإلس‪##‬المي‪ ،‬فهم‪##‬ا‬
‫بمثابة المغزل والخيط) (‪)1‬‬
‫وبعد أن ذك‪##‬ر التفاص‪##‬يل المرتبط‪##‬ة بالفئ‪##‬ات المختلف‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬تش‪##‬ير اآلي‪##‬ة في‬
‫ختامه‪##‬ا إلى والي‪##‬ة األرح‪##‬ام بعض‪##‬هم‪ #‬لبعض‪ ،‬وأوليته‪#‬ا‪ #‬فيم‪##‬ا جعل‪##‬ه هللا في عب‪##‬ادة من‬
‫ب هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ بِ ُك‪ِّ #‬ل َش‪ْ #‬ي ٍء‬
‫ْض فِي ِكتَ‪##‬ا ِ‬ ‫أحكام‪ ،‬فتقول‪َ ﴿ :‬وأُولُو اأْل َرْ َح ِام بَ ْع ُ‬
‫ضهُْ‪#‬م أَوْ لَى بِبَع ٍ‬
‫َعلِي ٌم﴾ [األنف‪###‬ال‪ ..]75 :‬وفي الحقيق‪##‬ة ف‪##‬إن اآلي‪##‬ات الس‪##‬ابقة تتكلم عن والي‪##‬ة المؤم‪##‬نين‬
‫والمسلمين العامة (بعضهم إلى بعض) أما هذه اآلية فتؤكد‪ #‬هذا الموض‪##‬وع في ش‪##‬أن‬
‫األرحام‪ #‬واألقارب‪ ،‬فهم إضافة إلى والية اإليمان والهجرة يتمتعون بوالي‪##‬ة األرح‪##‬ام‬
‫أيضا‪ ،‬ومن هنا فهم يرثون ويورثون بعضهم بعضا‪ ،‬إال أنه ال إرث بين غ‪#‬يرهم من‬
‫المؤمنين الذين ال عالقة قربى بينهم‪ ..‬فبناء على ذلك فإن اآلية األخ‪#‬يرة ال تتكلم عن‬
‫اإلرث‪ ،‬بل تتكلم عن موضوع واسع من ضمنه موضوع اإلرث) (‪)2‬‬
‫ثم رد على ما ورد بشأن نسخها‪ ،‬فقال‪( :‬وإذا وجدنا في الروايات اإلس‪##‬المية‪،‬‬
‫وفي‪ #‬الكتب الفقهية‪ ،‬استدالال بهذه اآلية واآلية المشابهة لها في سورة األحزاب على‬
‫اإلرث‪ ،‬فال يع‪##‬ني ذل‪##‬ك أن اآلي ال‪##‬ذي اس‪##‬تدل ب‪##‬ه على اإلرث منحص‪##‬ر به‪##‬ذا الش‪##‬أن‬
‫فحسب‪ ،‬بل توضح قانونا كليا‪ ،‬واإلرث جزء منه‪ ،‬ولهذا نجد أنه اس‪##‬تدل به‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‬
‫محل البحث على موضوع خالفة النبي ‪ ‬مع أنها غير داخلة في موض‪##‬وع‪ #‬اإلرث‬
‫الم‪##‬الي‪ ..‬واس‪##‬تدل به‪##‬ا على أولوي‪##‬ة غس‪##‬ل الميت‪ ،‬كم‪##‬ا ص‪##‬رحت ب‪##‬ه الرواي‪##‬ات‬
‫اإلسالمية‪ ..‬وبمالحظة ما ذكرناه آنفا يتضح أنه ال دليل على ما أصر علي‪##‬ه جماع‪##‬ة‬
‫من المفسرين على انحصار‪ #‬هذه اآلية بمسألة اإلرث‪ ،‬وإذا أردنا أن نختار مث‪##‬ل ه‪##‬ذا‬
‫التفسير ف‪#‬إن الس‪#‬بيل الوحي‪#‬د ل‪#‬ه أن نع‪#‬ده مس‪#‬تثنيا‪ #‬اإلرث من الوالي‪#‬ة المطلق‪#‬ة‪ ،‬ال‪#‬تي‬
‫بينتها اآليات السابقة لعامة المهاجرين واألنصار‪ ،‬فنقول‪ :‬إن اآلية األخيرة تقول بأن‬
‫والية المسلمين العامة بعضهم لبعض ال تشمل اإلرث‪ ..‬وأما االحتم‪##‬ال ب‪##‬أن اآلي‪##‬ات‬
‫السابقة تشمل اإلرث أيضا‪ ،‬ثم نسخت اآلي‪##‬ة األخ‪##‬يرة ه‪##‬ذا الحكم منه‪##‬ا‪ ،‬فيب‪##‬دو بعي‪##‬دا‬
‫جدا‪ ،‬ألن الترابط في المفهوم بين هذه اآليات جميعا من الناحية المعنوي‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل ح‪##‬تى‬
‫التشابه اللفظي‪ ،‬كل ذل‪#‬ك ي‪#‬دل على أن اآلي‪#‬ات ن‪#‬زلت مع‪#‬ا في وقت واح‪#‬د‪ .‬وبه‪#‬ذا ال‬
‫يمكن القول بالتناسخ بين هذه اآلي‪#‬ات‪ ..‬وعلى ك‪##‬ل ح‪#‬ال ف‪#‬إن التفس‪##‬ير األك‪#‬ثر تناس‪##‬با‬
‫لهذه اآليات هو ما بيناه آنفا) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬األمثل‪)5/503( ،‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪)5/506( ،‬‬
‫‪ )(3‬األمثل‪)5/507( ،‬‬
‫‪458‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم بذلك‪ ..‬لكن ما تقولون في قوله تعالى‪:‬‬
‫اط‪ِ #‬ل﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]29 :‬فق‪##‬د روي‪ #‬أنه‪##‬ا لم‪##‬ا‬ ‫﴿يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَأْ ُكلُوا أَ ْم‪َ #‬‬
‫‪#‬والَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم بِ ْالبَ ِ‬
‫ْس َعلَى‬ ‫نزلت تحرج الرجل أن يأكل عند أحد من الناس‪ ،‬فنس‪##‬خت بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫‪#‬ر ٌج َواَل َعلَى أَ ْنفُ ِس ‪ُ #‬ك ْم أ ْن‬
‫َ‬ ‫يض َح‪َ #‬‬ ‫ج َح َر ٌج َواَل َعلَى ْال َم ِر ِ‬ ‫اأْل َ ْع َمى َح َر ٌج َواَل َعلَى اأْل َ ْع َر ِ‬
‫ت‬‫ت إِ ْخ‪َ #‬وانِ ُك ْ‪#‬م أَوْ بُيُ‪##‬و ِ‬ ‫ت أُ َّمهَ‪##‬اتِ ُك ْم أَوْ بُيُ‪##‬و ِ‬
‫ت آبَ‪##‬ائِ ُك ْم أَوْ بُيُ‪##‬و ِ‬ ‫تَ‪##‬أْ ُكلُوا ِم ْن بُيُ‪##‬وتِ ُك ْ‪#‬م أَوْ بُيُ‪##‬و ِ‬
‫ت خَ ‪ #‬ااَل تِ ُك ْم أَوْ‬ ‫ت أَ ْخ‪َ #‬والِ ُك ْم أَوْ بُيُ‪##‬و ِ‬ ‫ت َع َّماتِ ُك ْم أَوْ بُيُو ِ‬ ‫ت أَ ْع َما ِم ُك ْم أَوْ بُيُو ِ‬ ‫أَ َخ َواتِ ُك ْ‪#‬م أَوْ بُيُو ِ‬
‫ْس َعلَ ْي ُك ْم ُجنَا ٌح أَ ْن تَأْ ُكلُوا َج ِميعًا أَوْ أَ ْشتَاتًا فَ‪#‬إِ َذا َدخَ ْلتُ ْم‬ ‫ص ِديقِ ُك ْم لَي َ‬ ‫َما َملَ ْكتُ ْم َمفَاتِ َحهُ أَوْ َ‬
‫ك يُبَيِّنُ هَّللا ُ لَ ُك ُم اآْل يَ‪##‬ا ِ‬
‫ت‬ ‫ار َكةً طَيِّبَةً َك ‪َ #‬ذلِ َ‬ ‫بُيُوتًا فَ َسلِّ ُموا‪َ #‬علَى أَ ْنفُ ِس ُك ْم تَ ِحيَّةً ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ ُمبَ َ‬
‫ك ْم تَ ْعقِلُونَ ﴾ [النور‪)1( ]61 :‬‬ ‫لَ َعلَّ ُ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ :‬ليس هن‪##‬اك أي تع‪##‬ارض بين اآلي‪##‬تين ح‪##‬تى يق‪##‬ال ب‪##‬أن‬
‫إحداهما منسوخة‪ ..‬ولهذا قال ابن مسعود‪( :‬إنه‪##‬ا محكم‪##‬ة م‪##‬ا نس‪##‬خت ولن تنس‪##‬خ الى‬
‫يوم القيامة)‬
‫قال آخر ‪ : 2‬في تلك اآلية الكريمة التي يراد تعطيله‪##‬ا ب‪##‬القول بنس‪##‬خها إش‪##‬ارة‬ ‫)‬ ‫(‬
‫إلى القاعدة األساس‪##‬ية للق‪##‬وانين اإلس‪##‬المية في مج‪##‬ال المس‪##‬ائل المتعلق‪##‬ة بالمع‪##‬امالت‬
‫والمبادالت‪ #‬المالي‪#‬ة‪ ،‬وله‪#‬ذا يس‪#‬تدل به‪#‬ا فقه‪#‬اء اإلس‪#‬الم في جمي‪#‬ع أب‪#‬واب المع‪#‬امالت‬
‫والمب‪##‬ادالت المالي‪##‬ة‪ ..‬فهي تخ‪##‬اطب المؤم‪##‬نين بقوله‪##‬ا‪ ﴿ :‬اَل تَ‪##‬أْ ُكلُوا أَ ْم‪َ ##‬والَ ُك ْم بَ ْينَ ُك ْم‬
‫اط ِل﴾‪ ،‬وهذا يعني أن أي تصرف‪ #‬في أموال الغير بدون ح‪##‬ق أو ب‪##‬دون أي م‪##‬برر‬ ‫بِ ْالبَ ِ‬
‫منطقي ومعقول‪ ،‬ممنوع ومحرم من وجهة نظر اإلسالم‪ ،‬فقد أدرج اإلسالم كل هذه‬
‫األمور‪ #‬تحت عنوان (الباطل) الذي له مفهوم واسع وكبير‪ #..‬والباطل كما نعلم يقاب‪##‬ل‬
‫(الحق) وهو شامل لكل ما ليس بحق وكل ما ال هدف له وال أساس‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬وفيها إش‪##‬ارة ك‪##‬ذلك إلى أن الم‪##‬ال مائ‪##‬دة مم‪##‬دودة من هللا س‪##‬بحانه‬
‫لعباده‪ ،‬يأكلون منها‪ ،‬وأن لكل إنسان حظه من هذا المال‪ ،‬وأن من وقع إلى ي‪##‬ده ق‪##‬در‬
‫منه على حين خلت أيدى الجماعة التي حول‪##‬ه‪ ،‬أو قص‪##‬رت عن أن تن‪##‬ال ش‪##‬يئا من‪##‬ه‪،‬‬
‫كان واجبا علي‪#‬ه أن يعطى مم‪#‬ا فى ي‪##‬ده لمن حول‪#‬ه‪ ،‬إذ من غ‪#‬ير المستس‪#‬اغ أن يأك‪##‬ل‬
‫والناس المشتركون معه على المائدة‪ ،‬ال يأكلون‪ ..‬وفى كلمة ﴿أموالكم﴾ المض‪##‬افة إلى‬
‫المؤمنين جميعا‪ ،‬وكلمة ﴿بينكم﴾ ما يشير إلى وحدة الملكية للمال‪ ،‬ووح‪##‬دة االجتم‪##‬اع‬
‫فى المكان‪ ..‬وفى‪ #‬هذا وذاك ما يجعل الوحدة الشعورية بالتكاف‪##‬ل بين ه‪##‬ذه الجماع‪##‬ة‪،‬‬
‫أم‪##‬را واجب‪##‬ا‪ ،‬إن لم تقض ب‪##‬ه ش‪##‬ريعة الس‪##‬ماء‪ ،‬ولم ي‪##‬دع إلي‪##‬ه دين هللا‪ ،‬قض‪##‬ت ب‪##‬ه‬
‫المروءة‪ ،‬ودعت إليه‪ ..‬ومن تدبير‪ #‬القرآن الكريم فى هذا‪ ،‬أن‪##‬ه لم يجع‪##‬ل ه‪##‬ذه المائ‪##‬دة‬
‫المشاعة بين الن‪##‬اس قائم‪##‬ة على ق‪##‬انون م‪##‬ادى قه‪##‬رى‪ ،‬إذ ال س‪##‬بيل إلى ق‪##‬انون يحمى‬
‫بنصوصه ومواده‪ ،‬العدوان والبغي‪ ،‬وتسلط األقوياء على الضعفاء‪ ،‬وإال ك‪##‬ان علي‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص‪)33‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪)3/200( ،‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)3/769‬‬
‫‪459‬‬
‫أن يقيم وازعا من سلطانه على رأس كل إنسان‪ ..‬يمسك بيده‪ ،‬ويدفع بغيه وعدوان‪##‬ه‪،‬‬
‫وذلك أمر محال‪ ،‬وإنما جعل اإلسالم ذلك إلى مشاعر الجماعة ووجدانها‪ #،‬بم‪##‬ا أيق‪##‬ظ‬
‫فيها من نوازع الخير‪ ،‬ودوافع اإلحسان‪ ،‬وبما غذاها ب‪##‬ه من فض‪##‬له وإحس‪##‬انه‪ ،‬وبم‪##‬ا‬
‫وعدها من حسن المثوبة‪ ،‬وعظيم الجزاء‪ ،‬فى الدنيا‪ ،‬وفى اآلخرة جميعا‪.‬‬
‫آيات العفاف والتحصين‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬فلنس‪##‬لم‪ #‬لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫﴿والاَّل تِي يَأْتِينَ ْالفَا ِح َشةَ ِم ْن نِ َسائِ ُك ْم فَا ْستَ ْش ِهدُوا‪َ #‬علَ ْي ِه َّن أَرْ بَ َعةً ِم ْن ُك ْم فَإِ ْن َش‪ِ #‬هدُوا‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫ت أوْ يَجْ َع َل ُ لَه َُّن َس‪#‬بِياًل َوالل َذا ِن يَأتِيَانِهَ‪#‬ا‪#‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فَأ َ ْم ِس ُكوه َُّن فِي البُيُو ِ‬
‫ت َحتَّى يَت ََوفَّاه َُّن ال َموْ ُ‬ ‫ْ‬
‫حي ًما﴾ [النس‪##‬اء‪ 15 :‬ـ‬ ‫ِم ْن ُك ْم فَآ ُذوهُ َما‪ #‬فَإِ ْن تَابَا َوأَصْ لَ َحا فَأ َ ْع ِرضُوا‪َ #‬ع ْنهُ َما إِ َّن هَّللا َ َكانَ تَ َّوابًا َر ِ‬
‫‪]16‬؛ فاألولى‪ #‬دلت على أن حد الزانية في ابت‪##‬داء اإلس‪##‬الم الحبس إلى أن تم‪##‬وت‪ ،‬أو‬
‫يجعل هللا لها سبيال‪ ،‬وهو عام في البك‪##‬ر وال‪##‬ثيب‪ ..‬والثاني‪##‬ة أفض‪##‬ت أن ح‪##‬د الزان‪##‬يين‬
‫األذى؛ فظهر‪ #‬من اآليتين أن حد المرأة كان الحبس واألذى جميعا‪ ،‬وحد الرجل كان‬
‫األذى فقط‪ ،‬ونسخ الحكمان بقوله ﴿ال َّزانِيَ‪#‬ةُ َوال‪َّ #‬زانِي فَاجْ لِ‪#‬دُوا ُك‪َّ #‬ل َوا ِح‪ٍ #‬د ِم ْنهُ َم‪##‬ا ِمائَ‪#‬ةَ‬
‫‪#‬ر َو ْليَ ْش‪#‬هَ ْ‪#‬د‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َج ْل َد ٍة َواَل تَأ ُخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َرأفَةٌ فِي ِدي ِن هَّللا ِ إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ْؤ ِمنُ‪##‬ونَ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ‪##‬وْ ِ‪#‬م اآْل ِخ‪ِ #‬‬
‫َع َذابَهُ َما طَائِفَةٌ ِمنَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [النور‪.)1( ]2 :‬‬
‫واإلجماع يكاد يكون قائما على ذلك‪ ،‬وباتف‪##‬اق الرواي‪##‬ات المفس‪##‬رة لآلي‪##‬ة‪ ،‬ولم‬
‫يشذ فيها إال أبو مسلم بقوله‪( :‬المراد بالفاحشة فى اآلي‪##‬ة األولى هى المس‪##‬احقة‪ ،‬وفى‬
‫اآلية الثانية اللواطة)‪ ،‬وقد رد عليه الطبرسي‪ #‬بقول‪##‬ه‪( :‬و ه‪##‬ذا الق‪##‬ول ـ يع‪##‬نى م‪##‬ذهب‬
‫أبي مسلم ـ مخالف لإلجماع‪ ،‬ولما علي‪##‬ه المفس‪##‬رون‪ ،‬ف‪##‬إنهم‪ #‬أجمع‪##‬وا على أن الم‪##‬راد‬
‫بالفاحشة هنا الزنا) (‪ ..)2‬ومثله قال الجصاص‪( :‬إن األمة لم تختل‪##‬ف فى نس‪##‬خ ه‪##‬ذين‬
‫الحكمين عن الزانيين) (‪)3‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬كيف يزعمون أن اإلجماع ق‪##‬ائم على تعطيله‪##‬ا‪ ،‬وق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫بذلك كبار العلماء من المدرس‪##‬تين‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال الس‪##‬يد الخ‪##‬وئي‪ ،‬وه‪##‬و مرج‪##‬ع كب‪##‬ير من‬
‫مراجع اإلمامية بع‪##‬دم نس‪#‬خها؛ فق‪#‬د اس‪#‬تعرض األق‪##‬وال ال‪#‬واردة فيه‪##‬ا‪ ،‬وفي‪ #‬نس‪#‬خها‪،‬‬
‫فق‪##‬ال‪( :‬ذهب بعض‪##‬هم‪ ،‬ومنهم‪ #‬عكرم‪##‬ة وعب‪##‬ادة بن الص‪##‬امت في رواي‪##‬ة الحس‪##‬ن عن‬
‫الرقاش‪##‬ي عن‪##‬ه أن اآلي‪##‬ة األولى منس‪##‬وخة بالثاني‪##‬ة‪ ،‬والثاني‪##‬ة منس‪##‬وخة في البك‪##‬ر من‬
‫الرجال والنساء إذا زنى ب‪##‬أن يجل‪##‬د مائ‪##‬ة جل‪##‬دة‪ ،‬وينفى عام‪##‬ا‪ ،‬وفي ال‪##‬ثيب منهم‪##‬ا أن‬
‫يجلد مائة‪ ،‬ويرجم حتى يموت‪ ،‬وذهب بعضهم كقتادة ومحمد بن جابر إلى أن اآلي‪##‬ة‬
‫األولى مخصوصة بالثيب والثانية بالبكر‪ ،‬وقد نسخت كلتاهما بحكم الجل‪##‬د وال‪##‬رجم‪،‬‬
‫وذهب ابن عباس ومجاهد ومن تبعهم‪##‬ا‪ ،‬ك‪##‬أبي جعف‪##‬ر النح‪##‬اس إلى أن اآلي‪##‬ة األولى‬
‫مختصة بزنا النساء من ثيب أو بكر‪ ،‬واآلية الثانية مختصة بزنا الرجال ثيبا كان أو‬
‫‪ )(1‬المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ (ص‪)24‬‬
‫‪ )(2‬مجمع البيان‪ ،‬للطبرسي‪.3/20 :‬‬
‫‪ )(3‬احكام القرآن‪.2/107 :‬‬
‫‪460‬‬
‫بك‪##‬را‪ ،‬وق‪##‬د نس‪##‬خت كلتاهم‪##‬ا بحكم ال‪##‬رجم والجل‪##‬د‪ ..‬وكي‪#‬ف‪ #‬ك‪##‬ان فق‪##‬د ذك‪##‬ر أب‪##‬و بك‪##‬ر‬
‫الجصاص أن األمة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين) (‪)1‬‬
‫ثم عقب على ذلك بقوله‪( :‬والحق أنه ال نسخ في اآليتين جميع‪##‬ا‪ ،‬وبي‪##‬ان ذل‪##‬ك‪:‬‬
‫أن المراد من لفظ الفاحشة م‪##‬ا تزاي‪##‬د قبح‪##‬ه وتف‪##‬احش‪ ،‬وذل‪##‬ك ق‪##‬د يك‪##‬ون بين ام‪##‬رأتين‬
‫فيكون مساحقة‪ ،‬وقد يك‪##‬ون بين ذك‪##‬رين فيك‪##‬ون لواط‪##‬ا‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬يك‪##‬ون بين ذك‪##‬ر وأن‪##‬ثى‬
‫فيكون زنى‪ ،‬وال ظهور‪ #‬للفظ الفاحشة في خصوص الزنا ال وضعا وال انصرافا‪ ،‬ثم‬
‫إن االلتزام بالنسخ في اآلي‪##‬ة األولى يتوق‪#‬ف‪ #‬أوال‪ :‬على أن االمس‪##‬اك في ال‪##‬بيوت ح‪##‬د‬
‫الرتكاب الفاحشة‪ ..‬وثانيا‪ :‬على أن يكون المراد من جعل الس‪##‬بيل ه‪##‬و ثب‪##‬وت ال‪##‬رجم‬
‫والجلد وكال هذين األمرين ال يمكن إثباته‪ ،‬فإن الظاهر من اآلية المباركة أن إمساك‬
‫المرأة في البيت إنما هو لتعجيزها‪ #‬عن ارتكاب الفاحشة م‪##‬رة ثاني‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬ذا من قبي‪##‬ل‬
‫دفع المنكر‪ ،‬وقد ثبت وجوبه بال إشكال في األمور المهم‪##‬ة ك‪##‬األعراض‪ ،‬والنف‪##‬وس‪،‬‬
‫واألمور الخطيرة‪ ،‬ب‪##‬ل في مطل‪##‬ق المنك‪##‬رات على ق‪##‬ول بعض‪ ،‬كم‪##‬ا أن الظ‪##‬اهر من‬
‫جع‪##‬ل الس‪##‬بيل للم‪##‬رأة ال‪##‬تي ارتكبت الفاحش‪##‬ة ه‪##‬و جع‪##‬ل طري‪#‬ق‪ #‬له‪##‬ا تتخلص ب‪##‬ه من‬
‫العذاب‪ ،‬فكيف يكون منه الجلد وال‪##‬رجم‪ ،‬وه‪##‬ل ترض‪#‬ى‪ #‬الم‪##‬رأة العاقل‪##‬ة الممس‪##‬كة في‬
‫البيت مرفهة الحال أن ترجم وتجلد‪ ،‬وكيف يكون الجلد أو الرجم سبيال لها وإذا كان‬
‫ذلك سبيال لها فما هو السبيل عليها؟!)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ذك‪##‬ر نتيج‪##‬ة ه‪##‬ذا بقول‪##‬ه‪( :‬وعلى م‪##‬ا تق‪##‬دم‪ ،‬فق‪##‬د يك‪##‬ون الم‪##‬راد من‬
‫الفاحشة خصوص المساحقة‪ ،‬كما أن المراد بها في اآلية الثاني‪##‬ة خص‪##‬وص الل‪##‬واط‪،‬‬
‫وقد‪ #‬يكون المراد منها ما هو أعم من المساحقة والزنا‪ ،‬وعلى كال ه‪##‬ذين االحتم‪##‬الين‬
‫يكون الحكم وجوب إمساك المرأة ال‪##‬تي ارتكبت الفاحش‪##‬ة في ال‪##‬بيت ح‪##‬تى يف‪##‬رج هللا‬
‫عنها‪ ،‬فيجيز لها الخروج إما للتوبة الصادقة التي يؤمن معه‪##‬ا من ارتك‪##‬اب الفاحش‪##‬ة‬
‫مرة ثانية‪ ،‬وإما لسقوط المرأة عن قابلية ارتكاب الفاحشة لك‪##‬بر س‪##‬نها ونح‪##‬وه‪ ،‬وإم‪##‬ا‬
‫بميلها إلى الزواج وتزوجها برجل يتحفظ عليها‪ ،‬وإما بغير ذل‪##‬ك من األس‪##‬باب ال‪##‬تي‬
‫يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة‪ ،‬وهذا الحكم باق مستمر‪ ،‬وأما الجلد أو ال‪##‬رجم فه‪##‬و‬
‫حكم آخر شرع لتأديب مرتكبي الفاحش‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬و أجن‪##‬بي عن الحكم األول‪ ،‬فال مع‪##‬نى‬
‫لكونه ناسخا له)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ذكر الحكم الشرعية المرتبطة بتفعيل ه‪##‬اتين اآلي‪#‬تين الكريم‪##‬تين‪،‬‬
‫وعدم تعطيلهما‪ ،‬فقال‪( :‬إن الحكم األول شرع للتحفظ عن الوقوع‪ #‬في الفاحش‪##‬ة م‪##‬رة‬
‫أخرى‪ ،‬والحكم‪ #‬الثاني شرع للتأديب على الجريمة االولى‪ ،‬وصونا لباقي النساء عن‬
‫ارتكاب مثلها؛ فال تنافي بين الحكمين لينسخ األول بالثاني)(‪)4‬‬

‫البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ص‪.310‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ص‪.310‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ص‪.311‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ص‪.312‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪461‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ذكر ما في اآليتين الكريمتين مم‪##‬ا ي‪##‬دل على ع‪##‬دم النس‪##‬خ‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(إن المتأمل في معنى اآلية ال يجد فيه‪##‬ا م‪#‬ا ي‪#‬وهم النس‪##‬خ‪ ،‬س‪##‬واء في ذل‪##‬ك ت‪##‬أخر آي‪#‬ة‬
‫الجلد عنها وتقدمها عليها‪ ..‬وأما القول بالنس‪##‬خ في اآلي‪##‬ة الثاني‪##‬ة فه‪##‬و أيض‪##‬ا يتوق‪##‬ف‪:‬‬
‫أوال‪ :‬على أن يراد من الضمير في قوله تعالى ﴿يأتيانها﴾ أي الزن‪##‬ا‪ ..‬وثاني‪##‬ا‪ :‬على أن‬
‫يراد بااليذاء الشتم والسب والتعيير‪ #‬ونحو ذلك‪ ،‬وكال هذين األمرين ـ مع أنه ال دليل‬
‫عليه ـ مناف لظهور‪ #‬اآلي‪##‬ة‪ ..‬وبي‪##‬ان ذل‪##‬ك‪ :‬أن ض‪##‬مير‪ #‬الجم‪##‬ع المخ‪##‬اطب ق‪##‬د ذك‪##‬ر في‬
‫اآليتين ثالث م‪##‬رات‪ ،‬وال ريب أن الم‪##‬راد بالث‪##‬الث منه‪##‬ا ه‪##‬و الم‪##‬راد ب‪##‬األولين‪ ،‬ومن‬
‫البين أن المراد بهم‪##‬ا خص‪##‬وص الرج‪##‬ال‪ ،‬وعلى ه‪##‬ذا فيك‪##‬ون الم‪##‬راد من الموص‪##‬ول‬
‫رجلين من الرجال‪ ،‬وال يراد منه ما يعم رجال وامرأة‪ ،‬على أن تثنية الضمير ل‪##‬و لم‬
‫يرد منه الرجالن فليس لها وجه صحيح‪ ،‬وكان األولى أن يعبر عنه بصيغة الجم‪##‬ع‪،‬‬
‫كما كان التعبير في اآلي‪##‬ة الس‪##‬ابقة ك‪##‬ذلك‪ ،‬وفي ه‪##‬ذا دالل‪##‬ة قوي‪##‬ة على أن الم‪##‬راد من‬
‫الفاحشة في اآلية الثانية هو خصوص اللواط‪ ،‬الخصوص الزنا‪ ،‬وال ما هو أعم منه‬
‫ومن اللواط‪ ،‬وإذا تم ذلك كان موضوع‪ #‬اآلية أجنبيا عن موضوع آية الجلد)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم رد على الروايات التي اس‪##‬تدل به‪##‬ا الق‪##‬ائلون بالنس‪##‬خ‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬إذا‬
‫سلمنا دخول الزاني في موضوع‪ #‬الحكم في اآلي‪##‬ة‪ ،‬فال دلي‪##‬ل على إرادة ن‪##‬وع خ‪##‬اص‬
‫من اإليذاء الذي أمر به في اآلية‪ ،‬عدا ما روي عن ابن عباس أن‪#‬ه التعي‪#‬ير‪ #‬وض‪#‬رب‬
‫النعال‪ ،‬وهو ليس بحجة ليثبت به النسخ‪ ،‬فالظاهر حمل اللفظ على ظاهره‪ ،‬ثم تقييده‬
‫بآية الجلد‪ ،‬أو بحكم الرجم الذي ثبت بالسنة القطعية)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ختم هذا الشرح المستفيض بقوله‪( :‬وجملة القول‪ :‬أن‪##‬ه ال م‪##‬وجب‬
‫لاللتزام بالنسخ في اآلي‪##‬تين‪ ،‬غ‪##‬ير التقلي‪##‬د المحض‪ ،‬أو االعتم‪##‬اد على أخب‪##‬ار اآلح‪##‬اد‬
‫التي ال تفيد علما وال عمال)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك نجد الش‪##‬يخ عب‪##‬د الك‪##‬ريم الخطيب‪ ،‬من المدرس‪##‬ة الس‪##‬نية‪،‬‬
‫يدافع عن عدم نسخها‪ ،‬وبحجج ال تختلف كثيرا عما ذك‪##‬ره أخ‪##‬وه اإلم‪##‬امي‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬دم‬
‫لآلية بقوله‪( :‬يجمع المفسرون على أن ه‪##‬اتين اآلي‪##‬تين منس‪##‬وختان باآلي‪##‬ة الثاني‪##‬ة من‬
‫سورة النور‪ ..‬وأن حد الزنا كان في أول اإلسالم ـ كما يقولون ـ هواإلمس‪##‬اك للم‪##‬رأة‬
‫الزاني‪##‬ة وحبس‪##‬ها في ال‪##‬بيت‪ ،‬على حين أن الرج‪##‬ل يعن‪##‬ف وي‪##‬ؤنب باللس‪##‬ان‪ ،‬أوين‪##‬ال‬
‫باأليدى‪ #‬أوالنعال‪ ،‬حسب تقدير ولى األمر‪ ..‬ونحن ـ على رأينا بأال نسخ في القرآن ـ‬
‫نرى أن هاتين اآلي‪#‬تين محكم‪#‬تين وأنهم‪#‬ا تنش‪#‬ئان أحكام‪#‬ا لمن ي‪#‬أتون الفاحش‪#‬ة ـ من‬
‫الرجال والنساء ـ غير ما تضمنته آية النور من حكم الزانية والزاني)(‪)4‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ثم تح‪##‬دث عن الحكم ال‪##‬ذي تض‪##‬منته اآلي‪##‬ة األولى‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬إن ه‪##‬ذه‬

‫البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ص‪.312‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ص‪.312‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ص‪.313‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/717‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪462‬‬
‫اآلية خاصة بالنساء‪ ،‬إذ كان النص فيه‪##‬ا ص‪##‬ريحا بهن‪ ،‬وذل‪##‬ك باإلش‪##‬ارة إليهن باس‪##‬م‬
‫االش‪##‬ارة الم‪##‬ؤنث ﴿الالتي﴾ وبإض‪##‬افتهن إلى الرج‪##‬ال ﴿من نس‪##‬ائكم﴾ وبالح‪##‬ديث عنهن‬
‫بضمير‪ #‬النسوة ﴿فاستشهدوا عليهن﴾‪﴿ ..‬فأمسكوهن﴾‪﴿ ..‬يتوف‪##‬اهن﴾‪﴿ ..‬لهن﴾‪ ..‬وه‪##‬ذا م‪##‬ا‬
‫يقطع بأن اآلية هنا خاصة بالنساء)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم تحدث عن الحكم الذي تضمنته اآلي‪##‬ة الثاني‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬أم‪##‬ا اآلي‪##‬ة‬
‫الثانية فهى خاصة بالرجال إذ كانت اإلش‪##‬ارة فيه‪##‬ا إلى الم‪##‬ذكر‪﴿ ،‬الل‪##‬ذان﴾ والض‪##‬مير‬
‫في ﴿يأتيانها﴾ وكذلك الضمير‪ #‬في ﴿منكم﴾‪ ..‬هذا كله نص صريح في أن المشار إليهما‬
‫هما من جنس الرجال‪ ،‬الذين يوجه إليهم الخطاب في اآلية) )(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم شرع يتحدث عن أدلة عدم نسخ اآليتين‪ ،‬فقال‪( :‬واض‪##‬ح إذن أن‬
‫اآلية األولى في شأن النساء‪ ،‬كما أن اآلية الثاني‪##‬ة في ش‪#‬أن الرج‪##‬ال‪ ..‬وه‪##‬ذا م‪#‬ا يك‪##‬اد‬
‫يجمع علي‪##‬ه المفس‪##‬رون‪ ،‬إذ الخالف بينهم في ه‪##‬ذا‪ ،‬ولكنهم فرق‪##‬وا‪ #‬بين العقوب‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫تؤخذ بها المرأة الزانية‪ ،‬والعقوبة التي تجرى على الرج‪##‬ل إذا زن‪##‬ا‪ ..‬األم‪##‬ر ال‪##‬ذي لم‬
‫يقع في آية س‪##‬ورة الن‪##‬ور‪ ،‬ال‪##‬تي س‪##‬وت بين الرج‪##‬ل والم‪##‬رأة في ه‪##‬ذه الجريم‪##‬ة‪ ،‬وفى‬
‫العقوبة المفروض‪##‬ة على ك‪##‬ل منهم‪##‬ا‪ ..‬وإذ ك‪##‬ان ك‪##‬ذلك ف‪##‬إن لن‪##‬ا أن نتوق‪##‬ف عن‪##‬د ه‪##‬ذه‬
‫المفارقة بين الناسخ والمنسوخ‪ ،‬في أمر يوزن بميزانين بالنسبة للرج‪##‬ل والم‪##‬رأة‪ ،‬ثم‬
‫يعاد هذا األمر فيوزن بميزان واحد‪ ،‬تتعادل فيه كفة الرج‪##‬ل والم‪##‬رأة على الس‪##‬واء‪..‬‬
‫ففى آية النور جاء حكم الزاني والزانية مائة جلدة لكل منهما‪ ،‬أما في هاتين اآليتين؛‬
‫فق‪##‬د ك‪##‬ان للنس‪##‬اء حكم‪ ،‬وللرج‪##‬ال‪ #‬حكم‪ ،‬في العقوب‪##‬ة المفروض‪##‬ة على ال‪##‬زاني من‬
‫الرجال‪ ،‬أوالزانية من النساء) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم دعا القائلين بالنسخ إلى تحكيم القاعدة المعروفة في تق‪##‬ديم الق‪##‬ول‬
‫بالجمع بين اآليات على القول بنسخها‪ ،‬فقال‪( :‬فإذا كان هن‪##‬اك وج‪##‬ه يمكن أن تحم‪##‬ل‬
‫عليه اآليتان‪ ،‬بحيث ترتفع هذه المفارقة ال‪##‬تي تق‪##‬وم بينهم‪##‬ا وبين آي‪##‬ة الن‪##‬ور‪ ،‬وبحيث‬
‫تكون بينهما تلك العالقة التي بين المنسوخ والناس‪##‬خ ل‪##‬ه‪ ،‬إذا ك‪##‬ان هن‪##‬اك وج‪##‬ه لرف‪##‬ع‬
‫هذه المفارقة‪ ،‬أفال نلتمسه‪ ،‬ونذهب إليه‪ ،‬ونأخذ به؟ فكيف وهناك أكثر من وجه؟)(‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ثم ذك‪##‬ر أول تل‪##‬ك الوج‪##‬وه‪ ،‬فق‪##‬ال‪[( :‬الزن‪##‬ا] في ص‪##‬ورته العام‪##‬ة‬
‫الشائعة‪ ،‬التي يتعامل أهل العربية بها في لسان اللغة‪ ،‬وفى لسان الشريعة‪ ،‬ه‪##‬و تل‪##‬ك‬
‫الجريمة التي تقع بين الرجل والمرأة على غ‪##‬ير ف‪##‬راش الزوجي‪##‬ة‪ ..‬وق‪##‬د ج‪##‬اءت آي‪##‬ة‬
‫(النور) صريحة في حكم هذه الجريمة‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ال َّزانِيَ‪#‬ةُ َوال‪َّ #‬زانِي فَاجْ لِ‪#‬دُوا‪ُ #‬ك‪َّ #‬ل‬
‫َوا ِح ٍد ِم ْنهُ َما ِمائَةَ َج ْل َد ٍة﴾ [الن‪##‬ور‪ ..]2 :‬وهناك ـ باإلضافة له‪##‬ا ـ جريمت‪##‬ان هم‪##‬ا من قبي‪##‬ل‬
‫(الزنا)‪ ،‬ولكنهما ليستا بالزنا المعروف‪ #‬في لسان اللغة‪ ،‬أو لسان الشرع‪ ..‬وله‪##‬ذا فق‪##‬د‬

‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/718‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/718‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/718‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/719‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪463‬‬
‫كان لكل منهما اسم خاص به‪ ،‬في اللغة وفى الشرع أيضا‪ ،‬وهما‪( :‬الس‪##‬حاق)‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫عملية جنس‪##‬ية‪ ،‬بين الم‪##‬رأة والم‪##‬رأة‪ ..‬و(الل‪##‬واط)‪ ،‬وه‪##‬و عملي‪##‬ة جنس‪##‬ية‪ ،‬بين الرج‪##‬ل‬
‫والرج‪##‬ل‪ ..‬وفى ه‪##‬ذه الص‪##‬ور الثالث تكتم‪##‬ل العملي‪##‬ة (الجنس‪##‬ية) في أص‪##‬لها‪ ،‬وفيم ‪#‬ا‪#‬‬
‫يتفرع عنها)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وبناء على ذلك‪ ،‬قال‪( :‬إذا قيل إن اآليتين السابقتين متعلقان بأحك‪##‬ام‬
‫(الزنا) األصلى الذي يكون بين المرأة والرجل‪ ،‬وأن ذلك ك‪##‬ان في ب‪##‬دء اإلس‪##‬الم‪ ،‬ثم‬
‫نسختا بآية (النور) كان معناه أن كل م‪##‬ا ورد في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم متعلق‪##‬ا بالزن‪##‬ا ج‪##‬اء‬
‫خاص‪##‬ا به‪##‬ذا الزن‪##‬ا الص‪##‬ريح‪ ،‬دون أن يك‪##‬ون في‪##‬ه ش‪##‬ىء عن الجريم‪##‬تين األخ‪##‬ريين‪:‬‬
‫اللواط‪ ،‬والسحاق‪ ،‬وهذا أمر ما كان للقرآن أن يتركه‪ ،‬بحجة أنه عم‪##‬ل ش‪##‬اذ‪ ،‬خ‪##‬ارج‬
‫على مألوف الفطرة‪ ..‬ألن الشريعة اإلسالمية ما جاءت إال لعالج الش‪##‬ذوذ اإلنس‪##‬انى‬
‫عن الفطرة السليمة‪ ،‬وإال لتحيد به عن شروده وانحرافه عنها‪ ..‬وهذا يعنى أنه ال ب‪##‬د‬
‫ـ لكمال التشريع ـ من أن يشرع القرآن لهاتين الجريم‪#‬تين‪ ،‬ويف‪#‬رض عقوب‪#‬ة مناس‪#‬بة‬
‫لهما)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ثم ذكر كيفية تفعيل اآليتين‪ ،‬فقال‪( :‬وعلى هذا‪ ،‬فإننا ـ إذ خالفن‪##‬ا م‪##‬ا‬
‫كاد ينعقد إجماع الفقهاء والمفسرين ـ نرى أن اآلي‪##‬ة األولى لبي‪##‬ان الحكم في جريم‪##‬ة‬
‫(السحاق) التي تكون بين المرأة والم‪##‬رأة‪ ..‬وأن ه‪##‬ذا الحكم ه‪##‬و م‪##‬ا بين‪##‬ه هللا س‪##‬بحانه‬
‫ت أَوْ يَجْ َع‪َ #‬‬
‫‪#‬ل هَّللا ُ لَه َُّن‬ ‫ت َحتَّى يَت ََوفَّاه َُّن ْال َم‪##‬وْ ُ‬
‫وتعالى‪ #‬في قول‪##‬ه‪ ﴿ :‬فَأ َ ْم ِس‪ُ #‬كوه َُّن فِي ْالبُيُ‪##‬و ِ‬
‫َس‪##‬بِياًل ﴾ [النس‪###‬اء‪ ]15 :‬أي ي‪##‬ؤذين ب‪##‬الحبس في ال‪##‬بيوت‪ ،‬بع‪##‬د أن تثبت عليهن الجريم‪##‬ة‬
‫بشهادة أربعة من الرجال‪ ،‬دون النس‪##‬اء‪ ،‬كم‪##‬ا يت‪##‬بين ذل‪##‬ك في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬والاَّل تِي‬
‫اح َشةَ ِم ْن نِ َسائِ ُك ْ‪#‬م فَا ْستَ ْش ِهدُوا‪َ #‬علَ ْي ِه َّن أَرْ بَ َعةً ِم ْن ُك ْم﴾ [النس‪###‬اء‪ ،]15 :‬أي أربعة منكم‬ ‫يَأْتِينَ ْالفَ ِ‬
‫أيها الرجال‪ ..‬وأما اآلية الثانية فهي خاصة بجريم‪##‬ة الل‪##‬واط‪ ،‬بين الرج‪##‬ل والرج‪##‬ل‪..‬‬
‫والحكم هنا هوأخذهما باألذى الجسدى‪ ،‬أوالنفسي‪ ،‬وذلك بعد أن يشهد عليهم‪##‬ا أرب‪##‬ع‬
‫شهود‪ ،‬على نحوما في (السحاق) (‪)3‬‬
‫قام بعض الحضور‪ ،‬وقال‪ :‬ما دمتم تتحدثون عن العقل‪ ،‬وتفسرون به الق‪##‬رآن‬
‫الك‪##‬ريم؛ فم‪##‬ا الوج‪##‬ه في التفرق‪##‬ة في العقوب‪##‬ة بين (الس‪##‬حاق) و(الل‪##‬واط)‪ ..‬ولم‪##‬اذا لم‬
‫يسوبينهما؟ ولماذا يكون للنس‪##‬اء حكم‪ ،‬وللرج‪##‬ال‪ #‬حكم م‪##‬ع أنهم‪##‬ا أخ‪##‬ذوا جميع‪##‬ا بحكم‬
‫واحد في الزنا؟‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)4‬الجواب على ذلك يسير‪ ،‬وي‪##‬دل علي‪##‬ه الواق‪##‬ع‪ ،‬ذل‪##‬ك أن‬
‫كال من السحاق واللواط‪ ،‬وإن كان‪##‬ا من ب‪##‬اب الزن‪##‬ا‪ ،‬إال أن لك‪##‬ل منهم‪##‬ا م‪##‬وردا‪ #‬غ‪##‬ير‬
‫مورد‪ #‬صاحبه‪ ،‬فكان من الحكمة ـ وقد اختلف المورد ـ أن يختلف الحكم؛ فالمرأة ق‪##‬د‬

‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/719‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/720‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/720‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/721‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪464‬‬
‫تستطيب هذا المنكر فيحملها ذلك على أن تزهد في الرجل‪ ،‬وعلى أال تسكن إليه في‬
‫بيت‪ ،‬وأن تتحمل أثقال الحمل‪ ،‬والوالدة‪ ،‬وتبعة الرضاع والتربية‪ ،‬وه‪##‬ذا من ش‪##‬أنه ـ‬
‫إذا شاع وكثر ـ أن يح‪##‬ول النس‪##‬اء إلى رج‪##‬ال‪ ،‬وأن ينقط‪##‬ع النس‪##‬ل‪ ،‬وأال يعم‪##‬ر بيت‪،‬‬
‫أوتقوم‪ #‬أسرة‪ ..‬وله‪#‬ذا ك‪#‬انت عقوب‪#‬ة الم‪#‬رأة على ه‪#‬ذه الجريم‪#‬ة أن تحبس في ال‪#‬بيت‪،‬‬
‫الذي كان من شأنه أن يعمر بها‪ ،‬وأن تقيم فيه دعائم أسرة‪ ،‬لوأنه‪##‬ا اتص‪##‬لت بالرج‪##‬ل‬
‫اتصاال شرعيا بالزواج‪.‬‬
‫قال بعض الحضور‪ :‬وهل حبس المرأة في ال‪##‬بيت يمن‪##‬ع وق‪##‬وع‪ #‬ه‪##‬ذه الجريم‪##‬ة‬
‫منها؟‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)1‬أجل‪ ..‬فإن فرصتها في البيت‪ ،‬مع الوجوه التي تعرفها‬
‫ال ت‪##‬تيح له‪##‬ا م‪##‬ا يتيح‪##‬ه االنطالق‪ #‬إلى هن‪##‬ا وإلى هن‪##‬اك خ‪##‬ارج ال‪##‬بيت‪ ،‬حيث تلقى من‬
‫النساء من ال ترى حرجا‪ ،‬وال استحياء من أن ترتكب هذا المنكر معها‪ ،‬األمر ال‪##‬ذي‬
‫ال تجده في البيت الذي تعيش فيه مع أهلها؛ فالحبس في البيت لمرتكبة ه‪#‬ذا المنك‪##‬ر‪،‬‬
‫هوأنجح عالج يصرفها عن هذه العادة‪ ،‬بقطع وسائلها‪ #‬إليها‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)2‬ونفس األم‪##‬ر م‪##‬ع الرج‪##‬ل والرج‪##‬ل؛ ف‪##‬إن عقوبتهم‪##‬ا من جنس‬
‫فعلتهما‪ ،‬لما فيها من تحق‪##‬ير لهم‪##‬ا وإذالل لرجولتهم‪##‬ا‪ ،‬ومروءتهم‪##‬ا‪ ،‬وذل‪##‬ك بأخ‪##‬ذهما‬
‫باألذى المادي‪ ،‬أوالنفسي‪.‬‬
‫قال بعض الحضور‪ :‬فكيف يطبق في هذه الحالة قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬حتَّى يَت ََوفَّاه َُّن‬
‫ت أَوْ يَجْ َع َل هَّللا ُ لَه َُّن َسبِياًل ﴾ [النساء‪ ..]15 :‬ما هي تلك السبيل؟‪ ..‬وهل جعل هللا لهن‬
‫ْال َموْ ُ‬
‫فيها مخرجا؟‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)3‬الذين قالوا بالنس‪##‬خ في اآلي‪##‬تين‪ ،‬وهم جمه‪##‬ور‪ #‬الفقه‪##‬اء‬
‫والمفسرين‪ ،‬يقولون إن السبيل التي جعلها هللا لهن هي الخ‪##‬روج بهن من ه‪##‬ذا الحكم‬
‫الذي قضى عليهن باإلمساك في البيوت‪ ،‬وذلك بنس‪##‬خ ه‪##‬ذا الحكم وإحالت‪##‬ه إلى الحكم‬
‫الذي تضمنته آية (النور)‪ ..‬والسؤال‪ #‬هنا‪ :‬ه‪##‬ل من الس‪##‬بيل ال‪##‬تي تنتظ‪##‬ر منه‪##‬ا ه‪##‬ؤالء‬
‫المكروب‪##‬ات‪ #‬باب‪##‬ا من أب‪##‬واب الطم‪##‬ع في رحم‪##‬ة هللا أن ينقلن من الحبس إلى ال‪##‬رجم‬
‫أوالجلد؟‪ ..‬إن في قوله تعالى‪ ﴿ :‬أَوْ يَجْ َع َل هَّللا ُ لَه َُّن َسبِياًل ﴾ إشارة إلى رحم‪##‬ة تمت‪##‬د إلى‬
‫أولئك البائسات الشقيات‪ ،‬في أمل يدفىء الصدور‪ ،‬ويثلج العيون! فكيف يخلفهن هذا‬
‫الوعد الكريم من رب كريم؟ وحاش هلل أن يخل‪##‬ف وع‪##‬ده‪ ..‬ول‪##‬ذلك ف‪##‬إن الس‪##‬بيل ال‪##‬تي‬
‫جعلها هللا لهؤالء المذنبات ـ كما يراه الذين ال يقولون بالنسخ لهاتين اآليتين ـ هو أن‬
‫يفتح هللا لهن بابا للخروج من ه‪##‬ذا الس‪#‬جن‪ ،‬على ي‪#‬د من ي‪#‬تزوج بهن‪ ..‬ف‪##‬الزواج هن‪##‬ا‬
‫ينتقل بهن إلى بيت الزوجية الذي يعشن في‪##‬ه عيش‪##‬ة غ‪##‬يرهن من المتزوج‪##‬ات‪ ،‬حيث‬
‫يسقط عنهن هذا الحكم الذي وقع عليهن‪ ،‬وه‪##‬ذه الرحم‪##‬ة ال‪##‬تي يمس‪##‬ح هللا به‪##‬ا دم‪##‬وع‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)2/721‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)2/722‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)2/723‬‬
‫‪465‬‬
‫هؤالء المذنبات من عباده‪ ،‬ويرد بها إليهن اعتب‪##‬ارهن‪ ،‬بع‪##‬د ال‪##‬ذي ن‪##‬الهن من ع‪##‬ذاب‬
‫جسدى‪ ،‬ونفسى‪.‬‬
‫قال آخر(‪:)1‬وهذه الرحمة هي في مقاب‪##‬ل تل‪##‬ك الرحم‪##‬ة ال‪##‬تي أفاض‪##‬ها‪ #‬هللا على‬
‫قرن‪##‬ائهن من الرج‪##‬ال‪ ،‬ال‪##‬ذين اق‪##‬ترفوا‪ #‬جريم‪##‬ة الل‪##‬واط‪ ..‬فق‪##‬د ج‪##‬اء بع‪##‬د قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ض‪#‬وا َع ْنهُ َم‪##‬ا إِ َّن هَّللا َ‬ ‫ص‪#‬لَ َحا فَأ َ ْع ِر ُ‬ ‫ان يَأْتِيَانِهَا‪ِ #‬م ْن ُك ْم فَآ ُذوهُ َما﴾ قوله‪ ﴿ :‬فَإِ ْن تَابَ‪##‬ا َوأَ ْ‬‫﴿ َواللَّ َذ ِ‬
‫َكانَ تَ َّوابًا َر ِحي ًما﴾ [النساء‪ ،]16 :‬فهذا األمر باإلعراض عن أهل (اللواط) بع‪##‬د أن يتوب‪##‬ا‬
‫ويصلحا‪ ،‬وهذه السبيل التي جعلها هللا لمرتكبات‪( #‬السحاق) إن صلح ح‪##‬الهن ورغب‬
‫األزواج فيهن‪ ،‬هذا وتلك‪ ،‬هما رحم‪##‬ة من رحم‪##‬ة هللا‪ ،‬ولط‪#‬ف‪ #‬من ألطاف‪##‬ه‪ ،‬يص‪##‬حب‬
‫المقدور‪ ،‬ويخفف البالء‪ ،‬ويهونه‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومما يؤيد هذا‪ ،‬ما جاء بعدهما من قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َما التَّوْ بَ ‪#‬ةُ َعلَى‬
‫ك يَتُ‪##‬وبُ هَّللا ُ َعلَ ْي ِه ْم َو َك‪##‬انَ‬ ‫ب فَأُولَئِ َ‬ ‫هَّللا ِ لِلَّ ِذينَ يَ ْع َملُونَ السُّو َء بِ َجهَالَ ٍة ثُ َّم يَتُوبُونَ ِم ْن قَ ِري ٍ‬
‫هَّللا ُ َعلِي ًما َح ِكي ًما﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]17 :‬فذكر التوب‪##‬ة هن‪##‬ا‪ ،‬وأثره‪##‬ا في محوالس‪##‬يئات‪ ،‬هوتوكي‪#‬د‪#‬‬
‫حي ًم‪##‬ا﴾ [النس‪##‬اء‪:‬‬ ‫لقوله تعالى‪ ﴿ :‬فَإِ ْن تَابَا َوأَصْ لَ َحا‪ #‬فَأ َ ْع ِرضُوا َع ْنهُ َما إِ َّن هَّللا َ َك‪##‬انَ تَ َّوابً‪##‬ا َر ِ‬
‫‪ ،]16‬أي إن اللذين يأتيان الفاحشة (اللواط) من الرجال لهم‪##‬ا م‪##‬دخل إلى التوب‪##‬ة ال‪##‬تي‬
‫بها يتطهران من هذا اإلثم‪ ،‬أما الزنا فال يطهر منه مقترفه إال بإقامة الحد عليه‪.‬‬
‫آيات الزواج وأحكامه‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬فلنس‪##‬لم‪ #‬لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫اح َش‪#‬ةً َو َم ْقتً‪##‬ا‬ ‫﴿واَل تَ ْن ِكحُوا َما نَ َك َح آبَا ُؤ ُك ْم ِمنَ النِّ َسا ِء إِاَّل َما قَ ْد َسلَفَ إِنَّهُ َك‪##‬انَ فَ ِ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫َو َسا َء َسبِياًل ﴾ [النساء‪ ،]22 :‬فقد قال ابن حزم‪ :‬نسخها االستثناء‪ ﴿ :‬إِاَّل َما قَ ْد َسلَفَ ﴾ (‪.. )3‬‬
‫سلَفَ ﴾ [النساء‪]23 :‬‬ ‫﴿وأَ ْن تَجْ َمعُوا بَ ْينَ اأْل ُ ْختَي ِْن إِاَّل َما قَ ْد َ‬
‫ومثل ذلك قوله تعالى‪َ :‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)4‬ليس في ذلك أي نسخ‪ ..‬فقوله تعالى‪ ﴿ :‬إِاَّل َما قَ ْد َسلَفَ ﴾‬
‫استثناء وارد على ما وقع فى الجاهلية من رجال دخلوا فى اإلسالم‪ ،‬ووقعوا فى هذا‬
‫المنكر‪ ..‬فإنه ال إثم عليهم بعد أن صححوا وضعهم‪ ،‬وأخذوا‪ #‬بم‪##‬ا ج‪##‬اء اإلس‪##‬الم ب‪##‬ه‪..‬‬
‫وه‪##‬و ينطب ‪#‬ق‪ #‬على ك‪##‬ل من وق‪##‬ع في ذل‪##‬ك ممن لم يس‪##‬لم أو يع‪##‬رف الحكم‪ ،‬وفي‪ #‬ك‪##‬ل‬
‫العصور‪#.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬فما تقولون في قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل يَ ِحلُّ لَك ْمُ‬
‫ْض َم‪##‬ا آتَ ْيتُ ُم‪##‬وه َُّن إِاَّل أَ ْن يَ‪##‬أْتِينَ‬
‫ْض‪#‬لُوه َُّن لِتَ‪#ْ #‬ذهَبُوا بِبَع ِ‬ ‫أَ ْن ت َِرثُ‪##‬وا‪ #‬النِّ َس‪#‬ا َء كَرْ هً‪##‬ا َواَل تَع ُ‬
‫اح َش ٍة ُمبَيِّنَ ٍة﴾ [النساء‪ ،]19 :‬فقد قال ابن حزم‪ :‬نس‪##‬خها االس‪##‬تثناء بع‪##‬دها‪﴿ :‬إِاَّل أَ ْن يَ‪##‬أْتِينَ‬ ‫بِفَ ِ‬
‫اح َ‬
‫ش ٍة ُمبَيِّنَ ٍة﴾(‪)5‬‬ ‫بِفَ ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ :‬ليس في ذل‪##‬ك أي نس‪##‬خ‪ ..‬فقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِاَّل أَ ْن يَ‪##‬أْتِينَ‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/724‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/724‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص‪)33‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/733‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص‪)33‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪466‬‬
‫اح َش ٍة ُمبَيِّنَ ٍة﴾ استثناء‪ ،‬واالستثناء تخصيص فى عموم الع‪##‬ام‪ ،‬وه‪##‬و ليس نس‪##‬خا وال‬ ‫بِفَ ِ‬
‫تعطيال لآلية‪ ،‬وإال ألصبح أكثر القرآن الكريم منسوخا‪#.‬‬
‫َات ِمنَ النِّ َس ‪#‬ا ِء إِاَّل‬
‫ص ‪#‬ن ُ‬ ‫﴿وال ُمحْ َ‬‫ْ‬ ‫قال أحد الحضور‪ :‬فما تقولون في قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪#‬اب هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم َوأُ ِح‪َّ ##‬ل لَ ُك ْم َم‪##‬ا َو َرا َء َذلِ ُك ْم أ ْن تَ ْبتَ ُغ‪##‬وا بِ‪##‬أ ْم َوالِ ُك ْم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت أَ ْي َم‪##‬انُ ُك ْم ِكتَ‪َ #‬‬
‫َم‪##‬ا َملَ َك ْ‬
‫ضةً َواَل ُجن َ‬
‫َاح‬ ‫ُوره َُّن فَ ِري َ‬ ‫ُ‬
‫صنِينَ َغ ْي َر ُم َسافِ ِحينَ فَ َما ا ْستَ ْمتَ ْعتُ ْم بِ ِه ِم ْنه َُّن فَآتُوه َُّن أج َ‬ ‫ُمحْ ِ‬
‫يض ِة إِ َّن َ َكانَ َعلِي ًم‪##‬ا َح ِكي ًم‪##‬ا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]24 :‬فق‪##‬د‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم فِي َما تَ َرا َ‬
‫ض ْيتُ ْم بِ ِه ِم ْن بَ ْع ِد الفَ ِر َ‬
‫ق‪##‬ال فيه‪##‬ا ابن ح‪##‬زم‪( :‬نس‪##‬خت بقول‪##‬ه ‪( :‬إني كنت أحللت ه‪##‬ذه المتع‪##‬ة أال وإن هللا‬
‫ورسوله قد حرماها أال فليبلغ الشاهد الغائب)‪ ،‬ووقع ناسخها من القرآن موضع ذكر‬
‫ميراث الزوجة الثمن والربع فلم يكن له‪##‬ا في ذل‪#‬ك نص‪#‬يب‪ ،‬وق‪#‬ال محم‪##‬د بن إدريس‬
‫﴿والَّ ِذينَ هُ ْم‬ ‫الش‪##‬افعي‪ #:‬موض‪##‬ع تحريمه‪##‬ا في س‪##‬ورة الم‪##‬ؤمن وناس‪##‬خها‪ #‬قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ت أَ ْي َم‪##‬انُهُ ْم فَ‪##‬إِنَّهُ ْم َغيْ‪ُ ##‬ر َملُ‪##‬و ِمينَ ﴾‬ ‫اج ِه ْ‪#‬م أَوْ َم‪##‬ا َملَ َك ْ‬‫لِفُ‪##‬رُو ِج ِه ْ‪#‬م َح‪##‬افِظُونَ إِاَّل َعلَى أَ ْز َو ِ‬
‫[المؤمن‪##‬ون‪ ،]6-5 :‬وأجمع‪##‬وا على أنه‪##‬ا ليس‪##‬ت بزوج‪##‬ة وال مل‪##‬ك يمين فنس‪##‬خها هللا به‪##‬ذه‬
‫اآلية) (‪)1‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)2‬لقد بحثنا في هذه اآلية خصوصا ط‪##‬ويال‪ ..‬ووج‪##‬دنا أن‬
‫القول بنسخها‪ ،‬يعطل مقصدا من المقاصد المهمة ال‪##‬تي أراده‪##‬ا هللا تع‪##‬الى‪ ،‬وال‪##‬تي ال‬
‫يتحقق العفاف الشامل في المجتمع إال بها‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬نراك تشير إلى الزواج المؤقت‪ ..‬أو زواج المتعة‪ ..‬والذي‬
‫هو عين الزنا والفاحشة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ :‬أراك تتهم رس‪##‬ول هللا ‪ ‬ب‪##‬اإلذن بالفاحش‪##‬ة‪ ..‬وتتهم‬
‫أصحابه بالقيام بها‪ ،‬والفتوى بجوازها؟‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬لم يقل بذلك إال جهلة الش‪##‬يعة‪ ..‬وال ع‪##‬برة بخالفهم‪ ..‬ونحن‬
‫ننزه رسول هللا ‪ ‬وصحابته وفقهاء المسلمين عن ذلك‪.‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬إن ما تقوله ناتج عن التس‪##‬رع‪ ،‬وإال فإن‪##‬ك ل‪##‬و رجعت إلى‬
‫المص‪##‬ادر‪ #‬اإلس‪##‬المية‪ ،‬ومن المدرس‪##‬ة الس‪##‬نية‪ ،‬ال الش‪##‬يعية‪ ،‬لوج‪##‬دت الخالف ال‪##‬وارد‬
‫فيها‪ ،‬فقد قال الزيلعي في تبيين الحقائق‪( :‬وقال مالك‪ :‬هو جائز‪ ،‬ألنه ك‪##‬ان مش‪##‬روعا‬
‫فيبقى إلى أن يظهر ناسخه‪ ،‬واشتهر‪ #‬عن ابن عباس تحليلها‪ ،‬وتبع‪##‬ه على ذل‪##‬ك أك‪##‬ثر‬
‫أصحابه من أهل اليمن ومكة‪ ،‬وكان يستدل على ذلك بقوله تعالى‪﴿ :‬فَ َما ا ْستَ ْمتَ ْعتُْ‪#‬م بِ ‪ِ #‬ه‬
‫ضةً﴾ [النساء‪ ،]24 :‬وعن عطاء أنه قال سمعت جابرا يق‪##‬ول‬ ‫ِم ْنه َُّن فَآتُوه َُّن أُجُو َره َُّن فَ ِري َ‬
‫تمتعنا على عه‪##‬د رس‪##‬ول هللا ‪ ‬وأبي بك‪##‬ر ونص‪##‬فا من خالف‪##‬ة عم‪##‬ر ثم نهى الن‪##‬اس‬
‫عنه‪ ،‬وهو محكي عن أبي سعيد الخدري)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد نص على هذا الخالف كذلك ابن قدامة‪ ،‬فقد قال في المغني بعد‬
‫‪ )(1‬الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص‪)33‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪.3/178‬‬
‫‪ )(3‬تيين الحقائق‪.2/115:‬‬
‫‪467‬‬
‫تعريفه لزواج المتعة‪( :‬هذا نكاح باطل‪ ،‬نص عليه أحمد‪ ،‬فقال‪ :‬نكاح المتع‪##‬ة ح‪##‬رام‪،‬‬
‫وقال أبو بكر‪ :‬فيها رواية أخرى‪ ،‬أنها مكروهة غ‪#‬ير ح‪#‬رام‪ ،‬ألن ابن منص‪#‬ور س‪#‬أل‬
‫أحمد عنها‪ ،‬فقال‪ :‬يجتنبها‪ #‬أحب إلى‪ ،‬وقال‪ :‬فظاهر هذا الكراهة دون التحريم‪ ..‬وقال‪#‬‬
‫زفر‪ #:‬يصح النكاح‪ ،‬ويبطل الشرط‪ ،‬وحكي عن ابن عباس‪ ،‬أنها جائزة‪ ،‬وعليه أك‪##‬ثر‬
‫أصحاب عطاء وطاوس‪ ،‬وبه قال ابن ج‪##‬ريج وحكي‪ #‬ذل‪##‬ك عن أبي س‪##‬عيد الخ‪##‬دري‪،‬‬
‫وجابر)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ونص على هذا الخالف المرداوي‪ #‬بقول‪##‬ه‪( :‬نك‪##‬اح المتع‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬و أن‬
‫يتزوجها إلي م‪##‬دة‪ ،‬الص‪##‬حيح من الم‪##‬ذهب أن نك‪##‬اح المتع‪##‬ة ال يص‪##‬ح‪ ،‬وعلي‪##‬ه اإلم‪##‬ام‬
‫أحمد رحمه هللا واألصحاب‪ ،‬وعنه يكره ويصح‪ ،‬ذكرها أب‪##‬و بك‪##‬ر في الخالف وأب‪##‬و‬
‫الخطاب وابن عقيل‪ ،‬وقال رجع عنها اإلمام أحمد رحمه هللا‪ ،‬ق‪##‬ال الش‪##‬يخ تقي ال‪##‬دين‬
‫رحمه هللا توقف اإلم‪##‬ام أحم‪##‬د رحم‪##‬ه هللا عن لف‪##‬ظ الح‪##‬رام ولم ينف‪##‬ه‪ ،‬ق‪##‬ال المص‪##‬نف‬
‫والشارح‪ #‬وغير أبي بكر يمنع هذا ويقول المسألة رواي‪##‬ة واح‪##‬دة‪ ،‬وق‪##‬ال في المح‪##‬رر‬
‫ويتخرج‪ #‬أن يصح ويلغو‪ #‬التوقيت)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ونقل القرط‪##‬بي عن أبي بك‪##‬ر الطرطوش‪##‬ي قول‪##‬ه‪( :‬ولم ي‪##‬رخص في‬
‫نكاح المتعة إال عمران بن حص‪#‬ين وابن عب‪#‬اس وبعض الص‪#‬حابة وطائف‪#‬ة من أه‪#‬ل‬
‫البيت)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهذا الترخيص يدل على عدم صحة نقل اإلجماع في المسألة‪ ،‬ألن‬
‫الكثير من المسائل التي لم يخالف فيها إال أفراد الص‪##‬حابة ب‪##‬ل أف‪##‬راد الت‪##‬ابعين أو من‬
‫بعدهم تعد من المسائل الخالفية‪ ،‬فكيف‪ #‬بهذه المسألة التي ذك‪##‬ر فيه‪##‬ا ه‪##‬ذا الخالف؟‪..‬‬
‫قال ابن عبد ال‪#‬بر‪( :‬أم‪#‬ا الص‪#‬حابة ف‪#‬إنهم اختلف‪#‬وا في نك‪#‬اح المتع‪#‬ة ف‪#‬ذهب ابن عب‪#‬اس إلى‬
‫إجازتها فتحليلها ال خالف عنه في ذلك وعلي‪#‬ه أك‪##‬ثر أص‪#‬حابه منهم عط‪#‬اء بن أبي رب‪##‬اح‬
‫وسعيد بن جبير وطاووس وروي تحليلها أيضا وإجازتها إبراهيم)(‪)4‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وق ‪#‬د‪ #‬بقي الخالف بع‪##‬د ذل‪##‬ك في زمن الت‪##‬ابعين‪ ،‬ومن المش‪##‬هورين‬
‫بإباحتها‪ #‬في عهدهم ابن جريج فقيه مكة‪ ،‬ولهذا قال األوزاعي‪ :‬ي‪##‬ترك من ق‪##‬ول أه‪##‬ل‬
‫الحجاز خمس‪ ،‬فذكر‪ #‬منها متعة النساء من قول أهل مكة‪ ،‬وقال ابن المنذر‪ :‬جاء عن‬
‫األوائل الرخصة فيها وال أعلم اليوم أحدا يجيزها إال بعض الرافضة(‪.)5‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد بقي هذا الخالف في المدرسة السنية بعد ذلك ـ خالف‪##‬ا لم‪#‬ا ق‪#‬ال‬
‫ابن المنذر ـ وإن كان للتعصب في الخالف بين الس‪##‬نة واإلمامي‪##‬ة م‪##‬ا جع‪##‬ل من ذل‪##‬ك‬
‫الخالف ش‪##‬ذوذا في ال‪##‬رأي ق‪##‬د يح‪##‬ذر من الق‪##‬ول ب‪##‬ه‪ ،‬وق‪##‬د أش‪##‬ار إلى ه‪##‬ذا الخالف‬
‫الشوكاني‪ #‬بقوله‪( :‬وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكث‪##‬ير الكالم على ه‪##‬ذه المس‪##‬ألة‬
‫المغني‪.7/136 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلنصاف‪.8/163:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير القرطبي‪.5/133:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التمهيد‪.113 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫نيل األوطار‪.6/271:‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪468‬‬
‫كالمه)(‪)1‬‬ ‫وتقوية ما قاله المجوزون لها‪ ،‬وليس هذا المقام مقام بيان بطالن‬
‫قال آخر‪ :‬وفوق‪ #‬ذل‪##‬ك كل‪##‬ه؛ فق‪##‬د نص الفقه‪##‬اء من الم‪##‬ذاهب األربع‪##‬ة وغ‪##‬يرهم‬
‫على صحة زواج المتعة الذي يتفق عليه الطرفان‪ #‬قبل العقد‪ ،‬أو كان في نية أح‪##‬دهما‬
‫أو كالهما أنه زواج متعة بشرط واحد هو عدم التصريح بذلك في العق‪##‬د‪ ..‬وق ‪#‬د‪ #‬نق‪##‬ل‬
‫اإلمام النووي‪ #‬اإلجم‪#‬اع على أن من نكح نكاح‪#‬ا مطلق‪#‬ا‪ ،‬ونيت‪#‬ه أن ال يمكث معه‪#‬ا اال‬
‫م‪#‬دة نواه‪#‬ا فنكاح‪#‬ه ص‪#‬حيح حالل‪ ،‬وليس نك‪#‬اح متع‪#‬ة‪ ،‬وإنم‪#‬ا نك‪#‬اح المتع‪#‬ة م‪#‬ا وق‪#‬ع‬
‫بالش‪##‬رط الم‪##‬ذكور‪ ،‬ق‪##‬ال‪( :‬ولكن ق‪##‬ال مال‪##‬ك‪ :‬ليس ه‪##‬ذا من أخالق الن‪##‬اس‪ ،‬وش‪##‬ذ‬
‫األوزاعي فقال هو نكاح متعة وال خير فيه)(‪)2‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ه ق‪##‬ال الش‪##‬افعي‪( :‬ل‪##‬و أن رجال ش‪##‬ريفا نكح دني‪##‬ة أعجمي‪##‬ة‪ ،‬أو‬
‫شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد منهم‪##‬ا أن يثبت‪#‬ا‬
‫على النك‪##‬اح أك‪##‬ثر من ليل‪##‬ة‪ ،‬لم يح‪##‬رم النك‪##‬اح به‪##‬ذه الني‪##‬ة‪ ،‬ألن ظ‪##‬اهر عقدت‪##‬ه ك‪##‬انت‬
‫صحيحة‪ ،‬إن شاء الزوج حبسها‪ ،‬وإن شاء طلقها‪ ،‬فإذا دل الكتاب ثم الس‪##‬نة ثم عام‪##‬ة‬
‫حكم اإلسالم على أن العقود إنم‪##‬ا يثبت بالظ‪##‬اهر عق‪#‬دها‪ ،‬وال يفس‪#‬دها ني‪#‬ة العاق‪##‬دين‪،‬‬
‫كانت العقود إذا عقدت في الظاهر ص‪##‬حيحة‪ ،‬أولى أن ال تفس‪##‬د بت‪##‬وهم غ‪##‬ير عاق‪##‬دها‬
‫على عاقدها ثم‪ ،‬سيما إذا كان توهما ضعيفا وهللا تعالى أعلم)(‪)3‬‬
‫وقال في موضع آخر‪( :‬ولو كانت بينهما مراوضة‪ ،‬فوع‪##‬دها إن نكحه‪##‬ا أن ال‬
‫يمسكها إال أياما‪ ،‬أو إال مقامه بالبلد‪ ،‬أو إال قدر‪ #‬ما يصيبها‪ ،‬كان ذل‪##‬ك بيمين أو غ‪##‬ير‬
‫يمين فس‪##‬واء‪ ،‬وأك‪##‬ره ل‪##‬ه المراوض‪##‬ة على ه‪##‬ذا‪ ،‬ونظ‪##‬رت إلى العق‪##‬د ف‪##‬إن ك‪##‬ان العق‪##‬د‬
‫مطلق‪##‬ا‪ ،‬ال ش‪##‬رط في‪##‬ه فه‪##‬و ث‪##‬ابت‪ ،‬ألن‪##‬ه انعق‪##‬د لك‪##‬ل واح‪##‬د منهم‪##‬ا على ص‪##‬احبه م‪##‬ا‬
‫للزوجين‪ ،‬وإن انعقد على ذلك الشرط فسد‪ ،‬وكان كزواج المتعة)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال ابن تيمية مرجح‪##‬ا الق‪##‬ول بإباح‪##‬ة ه‪##‬ذا الن‪##‬وع من المتع‪##‬ة‪:‬‬
‫(وأما نكاح المتعة إذا قصد‪ #‬أن يستمتع بها إلى م‪##‬دة‪ ،‬ثم يفارقه‪##‬ا مث‪##‬ل المس‪##‬افر ال‪##‬ذي‬
‫يسافر‪ #‬إلى بلد يقيم به مدة‪ ،‬في‪#‬تزوج‪ ،‬وفي نيت‪#‬ه إذا ع‪#‬اد إلى وطن‪#‬ه أن يطلقه‪#‬ا‪ ،‬ولكن‬
‫الزواج عقده عقدا مطلقا‪ ،‬فه‪#‬ذا في‪##‬ه ثالث‪#‬ة أق‪##‬وال في م‪#‬ذهب أحم‪##‬د‪ ،‬قي‪##‬ل‪ :‬ه‪##‬و زواج‬
‫جائز‪ ،‬وهو اختيار أبي محمد المقدسي‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه زواج تحلي‪##‬ل‬
‫ال يجوز‪ ،‬وروي عن األوزاعي‪ ،‬وهو الذي نصره القاضي وأص‪##‬حابه في الخالف‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو مكروه وليس بمحرم)(‪)5‬‬
‫ثم بين الراجح الذي يراه وعلته بقوله‪( :‬والصحيح أن هذا ليس بزواج متع‪##‬ة‪،‬‬
‫وال يحرم‪ ،‬وذلك أنه قاصد‪ #‬للزواج وراغب فيه‪ ،‬بخالف المحل‪##‬ل‪ ،‬لكن ال يري‪##‬د دوام‬
‫المرأة معه‪ ،‬وهذا ليس بشرط فإن دوام المرأة معه ليس بواجب‪ ،‬ب‪##‬ل ل‪##‬ه أن يطلقه‪##‬ا‪،‬‬
‫فتح القدير‪.1/450:‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫النووي على مسلم‪.9/181 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األم‪.7/313:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األم‪.5/86:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية‪.32/147:‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪469‬‬
‫فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة‪ ،‬فقد قصد‪ #‬أمرا جائزا بخالف زواج المتع‪##‬ة‪ ،‬فإن‪##‬ه مث‪##‬ل‬
‫اإلجارة تنقضي فيه بانقضاء المدة‪ ،‬وال ملك له عليها بعد انقضاء األجل‪ ،‬وأم‪##‬ا ه‪##‬ذا‬
‫فملكه ثابت مطلق‪ ،‬وقد تتغير نيته فيمسكها‪ #‬دائما‪ ،‬وذلك جائز له‪ ،‬كما أنه ل‪##‬و ت‪##‬زوج‬
‫بنية إمساكها دائما‪ ،‬ثم بدا له طالقها‪ ،‬جاز ذلك)‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا ألزم علماء اإلمامية المنكرين من أه‪##‬ل الس‪##‬نة به‪##‬ذا‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫السبحاني‪( :#‬ونسأل المانعين الذين يتلقّون نكاح المتعة‪ ،‬مخالفا ً للحكمة الّتي من أجلها‬
‫شرّع النكاح‪ ،‬نسألهم عن الزوجين الذين يتزوّجان نكاح دوام‪ ،‬ولكن ينوي‪##‬ان الف‪##‬راق‬
‫أن فقيه ‪#‬ا ً من فقه‪##‬اء‬
‫ب‪##‬الطالق‪ #‬بع‪##‬د ش‪##‬هرين فه‪##‬ل ه‪##‬ذا نك‪##‬اح ص‪##‬حيح أو ال؟ ال أظن ّ‬
‫اإلسالم يمن‪##‬ع ذلك‪ ،‬وإالّ فق‪##‬د أف‪##‬تى بغ‪##‬ير دلي‪##‬ل وال بره‪##‬ان فيتعيّن األوّل‪ .‬ف‪##‬أي ف‪##‬رق‬
‫ان الم‪ّ #‬دة م‪##‬ذكورة في األول دون‬ ‫يكون حينئذ بين المتعة وه‪##‬ذا النك‪##‬اح ال‪##‬دائم س‪##‬وى‪ّ #‬‬
‫الثاني؟ )‬
‫قال آخر‪ :‬وله‪#‬ذا اعت‪#‬بر ص‪##‬احب المن‪##‬ار الق‪##‬ول بالمتع‪##‬ة خ‪##‬ير من غش الم‪#‬رأة‬
‫(إن تشديد‪ #‬علم‪##‬اء الس‪##‬لف والخل‪##‬ف في من‪##‬ع المتع‪##‬ة‬ ‫بتزوجها مدة بنية التطليق‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫ان عق‪##‬د النك‪##‬اح يك‪##‬ون‬ ‫يقتضي من‪##‬ع النك‪##‬اح بنيّ‪##‬ة الطالق‪ ،‬وإن ك‪##‬ان الفقه‪##‬اء يقول‪##‬ون ّ‬
‫صحيحا ً إذا نوى الزوج الت‪##‬وقيت‪ ،#‬ولم يش‪##‬ترطه في ص‪##‬يغة العقد‪ ،‬ولكن كتمان‪##‬ه إيّ‪##‬اه‬
‫شا ً وهو أجدر بالبطالن من العقد الّذي يشترط فيه التوقيت)(‪)1‬‬ ‫يع ّد خداعا ً وغ ّ‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬مع احترامنا‪ #‬للفقهاء‪ ..‬لكن‪ ..‬ألستم تفسرون الدين بالعق‪##‬ل‪..‬‬
‫فهل ترضون ألنفسكم أن تزوجوا بناتكم هذا النوع من الزواج؟‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬هذا السؤال يدل على ع‪##‬دم فهمكم‪ #‬لمقص‪##‬د ه‪##‬ذا الن‪##‬وع من‬
‫الزواج‪ ..‬ذلك أنكم تنطلقون من أنفسكم‪ ،‬وما وهبهم هللا بفض‪##‬له ورحمت‪##‬ه من هداي‪##‬ة‪،‬‬
‫فتتصورون أن الن‪##‬اس كلهم ك‪##‬ذلك‪ ،‬وأن األحك‪##‬ام ينبغي أن تطب‪##‬ق جميع‪##‬ا بص‪##‬ورتها‬
‫المثالية التي جاء بها الش‪##‬رع‪ ،‬وغ‪##‬اب عنكم أن في الش‪##‬ريعة ج‪##‬انبين‪ ..‬ج‪##‬انب مث‪##‬الي‬
‫قصده الشرع ابتداء‪ ،‬ولكنه قد ال يطيق‪##‬ه جمي‪##‬ع الن‪##‬اس‪ ..‬وج‪##‬انب واقعي‪ ،‬وه‪##‬و الح‪##‬د‬
‫األدنى الذي تطبق به الشريعة‪ ..‬ولذلك فإن الص‪#‬ورة المثالي‪#‬ة لل‪#‬زواج ـ كم‪#‬ا أرادت‪#‬ه‬
‫الشريعة ـ أن يكون دائما مستقرا تتحقق فيه القوام‪##‬ة للرج‪##‬ل باإلنف‪##‬اق على زوجت‪##‬ه‪،‬‬
‫وإن ك‪##‬ان هن‪##‬اك تع‪##‬دد‪ ،‬فيش‪##‬ترط في‪##‬ه الع‪##‬دل الت‪##‬ام بين الزوج‪##‬ات‪ ..‬وغيره‪##‬ا من‬
‫المواصفات والشروط‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لكن هذه الصورة قد ال تتحقق مع جمي‪##‬ع الن‪##‬اس‪ ،‬فق‪##‬د تك‪##‬ون الم‪##‬رأة‬
‫صاحبة مال أو وظيفة ومع ذلك لم يتقدم لها من يخطبها‪ ،‬فرض‪##‬يت ب‪##‬أن تتن‪##‬ازل عن‬
‫حقها في النفقة والعدالة لمن ي‪##‬تزوج به‪##‬ا ـ وه‪##‬و م‪##‬ا يس‪##‬مى ب‪##‬زواج المس‪##‬يار ـ فه‪##‬ل‬
‫نمنعها من ذلك بحجة أن الشرع فرض له‪##‬ا النفق‪##‬ة‪ ،‬وأعطاه‪##‬ا الح‪##‬ق في العدال‪##‬ة بين‬
‫الزوجات؟‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك زواج المتعة‪ ..‬فالشرع يتعامل مع ك‪##‬ل الن‪#‬اس‪ ،‬وم‪##‬ع ك‪#‬ل‬
‫‪ )(1‬المنار ‪.17/ 5‬‬
‫‪470‬‬
‫الظروف‪ ..‬فهناك األرملة والمطلقة والعانس‪ ..‬وهناك من يعيش في بالد تلتهب فيها‬
‫الغرائز‪ ،‬وهو يخاف على نفسه الحرام‪ ،‬ولذلك يبحث عن الحلول الشرعية لحالت‪##‬ه‪..‬‬
‫وأعظم ما يقع فيه المشاغبون من االنحرافات بسبب هذا الموقف‪ #‬هو قولهم‪ #‬بأن ه‪##‬ذا‬
‫النوع من الزواج زنا وفاحشة‪ ..‬وفي نفس ال‪##‬وقت ي‪##‬ذكرون أن رس‪##‬ول هللا ‪‬أباح‪##‬ه‬
‫ألص‪##‬حابه‪ ..‬فه‪##‬ل ك‪##‬ان رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬ي‪##‬بيح الزن‪##‬ا ألص‪##‬حابه‪ ..‬وه‪##‬ل ك‪##‬ان الص‪##‬حابة‬
‫بممارستهم لهذا النوع من الزواج يرتكبون الفاحشة؟‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال بأس‪ ..‬ق‪##‬د نس‪##‬لم لكم به‪##‬ذا‪ ..‬لكن‪##‬ا ال نس‪##‬لم لكم ب‪##‬أن اآلي‪##‬ة‬
‫ترتبط‪ #‬بهذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)1‬أدلة ذلك كثيرة‪ ،‬منها أن كلمة المتعة التي اش‪##‬تق منه‪##‬ا‬
‫لفظة ﴿استمتعتم﴾ تعني الزواج المؤقت‪ ،‬وبعبارة أخرى المتعة حقيقة شرعية في هذا‬
‫النوع من الزواج‪ ،‬ويدل على ذلك أن هذه الكلمة استعملت في هذا المع‪##‬نى نفس‪##‬ه في‬
‫روايات النّبي األكرم ‪ ‬وكلمات الصحابة مرارا وتكرارا‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬باإلضافة إلى هذا؛ فإن هذه اللفظ‪##‬ة إذا لم تكن ب‪##‬المعنى الم‪##‬ذكور‬
‫يجب أن تفسّر حتما بمعناها اللغوي وهو (االنتف‪##‬اع) فيك‪##‬ون مع‪##‬نى ه‪##‬ذا المقط‪##‬ع من‬
‫ّ‬
‫‪#‬ورهن) في حين أنن‪##‬ا نعلم‬ ‫ّ‬
‫إليهن أج‪#‬‬ ‫اآلية هكذا‪( :‬إذا انتفعتم بالنساء الدائمات ف‪##‬ادفعوا‪#‬‬
‫إن دفع الصداق والمهر غ‪##‬ير مقي‪##‬د وال مش‪##‬روط باالنتف‪##‬اع بالزوج‪##‬ات ال‪##‬دائمات ب‪##‬ل‬
‫يجب دفع تمام المهر ـ بناء على ما هو المشهور بين الفقهاء ـ أو نص‪##‬فه على األق‪##‬ل‬
‫إلى المرأة بمجرد العقد للزواج الدائم عليها‪.‬‬
‫أن كبار الصحابة والتابعين‪ ،‬مثل ابن عباس العالم‬ ‫قال آخر(‪ :)3‬باإلضافة إلى ّ‬
‫المفس‪###‬ر الكب‪###‬ير‪ ،‬وأبي بن كعب‪ ،‬وج‪###‬ابر بن عب‪###‬د هّللا األنص‪###‬اري‪ ،‬وعم‪###‬ران بن‬ ‫ّ‬
‫مفس‪#‬ري‬‫الحصين‪ ،‬وسعيد‪ #‬بن جبير‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وقتادة والس‪##‬دي‪ ،‬وجماع‪##‬ة كب‪##‬يرة من ّ‬
‫مفس‪#‬ري أه‪##‬ل ال‪##‬بيت‪ ،‬فهم‪##‬وا من اآلي‪##‬ة الحاض‪##‬رة حكم ال‪##‬زواج‬ ‫أهل الس‪##‬نة‪ ،‬وجمي‪##‬ع ّ‬
‫المؤقت إلى درجة أن الفخ‪#‬ر ال‪#‬رازي ـ رغم م‪#‬ا عه‪#‬د عن‪#‬ه من التش‪#‬كيك الكث‪#‬ير في‬
‫القضايا المرتبطة بالشيعة وعقائدهم ـ قال بعد بحث مفصل‪( :‬والذي يجب أن يعتم‪##‬د‬
‫عليه في هذا الباب أن نقول أنّها منسوخة وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه اآلية دال‪##‬ة‬
‫على أنها مش‪##‬روعة لم يكن ذل‪##‬ك قادح‪##‬ا في غرض‪##‬نا‪ ،‬وه‪##‬ذا ه‪##‬و الج‪##‬واب أيض‪##‬ا عن‬
‫تمسكهم‪ #‬بقراءة أبي وابن عباس فإن تل‪##‬ك الق‪##‬راءة بتق‪##‬دير ثبوته‪##‬ا ال ت‪##‬دل إاّل على أن‬
‫المتعة كانت مشروعة‪ ،‬ونحن ال ننازع فيه‪ ،‬إنّما الذي نقوله أن النسخ طرأ عليه)(‪)4‬‬
‫ق‪#‬ال أح‪#‬د الحض‪#‬ور‪ #:‬ال ب‪#‬أس‪ ..‬ق‪#‬د نس‪##‬لم لكم به‪#‬ذا‪ ..‬لكن م‪#‬ا الم‪#‬انع من الق‪##‬ول‬
‫بنسخها‪ ،‬وقد ذهب إلى ذلك كما تذكرون جماهير العلماء؟‬

‫األمثل‪.3/179‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫األمثل‪.3/179‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األمثل‪.3/179‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (‪)10/44‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪471‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬المانع هو تعطيلها‪ ..‬فكيف نرضى‪ #‬آلية قرآني‪##‬ة أن يعط‪##‬ل‬
‫حكمها في نفس الوقت الذي يمكن تفعيلها فيه؟‬
‫أن‬‫قال آخر(‪ :)1‬باإلض‪##‬افة إلى ذل‪##‬ك؛ فق‪##‬د اتف‪##‬ق عا ّم‪##‬ة علم‪##‬اء المس‪##‬لمين‪ ،‬على ّ‬
‫الزواج المؤقت كان أمرا مشروعا في صدر اإلسالم‪ ،‬بل كان المس‪##‬لمون في ص‪##‬در‬
‫اإلسالم يعملوا به‪##‬ذا الحكم‪ ،‬والعب‪##‬ارة المعروف‪##‬ة المروي‪##‬ة عن عم‪##‬ر‪( :‬متعت‪##‬ان كانت‪##‬ا‬
‫على عهد رسول هّللا ‪ ‬وأنا محرمهما‪ #‬ومعاقب عليهما‪ ،‬متعة النس‪##‬اء ومتع‪##‬ة الحج)‬
‫(‪ )2‬دليل واضح على وجود‪ #‬هذا الحكم في عص‪#‬ر النّ‪#‬بي ‪ ،‬غاي‪#‬ة م‪#‬ا في األم‪#‬ر أن‬
‫من خالف هذا الحكم ادعى أنّه قد نسخ في ما بعد‪ ،‬وحرم هذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫أن الروايات الناسخة لهذا الحكم التي ادعوها‬ ‫قال آخر(‪ :)3‬والملفت للنظر هو ّ‬
‫إن النّ‪#‬بي ‪ ‬نفس‪##‬ه ه‪#‬و ال‪#‬ذي نس‪#‬خ ه‪##‬ذا‬ ‫مضطربة اضطرابا كبيرا‪ ،‬فبعضها يق‪##‬ول‪ّ :‬‬
‫الحكم‪ ،‬وعلى هذا يكون الناسخ لهذا الحكم القرآني هو السنة النبوية‪ ،‬وبعضها يقول‪:‬‬
‫إن ناسخه هو آية الطالق إذ يقول سبحانه‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا النَّبِ ُّي إِ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َس ‪#‬ا َء فَطَلِّقُ‪##‬وه َُّن‬ ‫ّ‬
‫أن ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة تبحث في الطالق‪ ،‬في حين أن ال‪##‬زواج‬ ‫لِ ِع‪َّ ##‬دتِ ِه َّن﴾ [الطالق‪ ]1 :‬في حين ّ‬
‫الم‪##‬ؤقت (أو المتع‪##‬ة) ال طالق في‪##‬ه‪ ،‬واالف‪##‬تراق بين الط‪##‬رفين في ه‪##‬ذا ال‪##‬زواج يت ّم‬
‫بانتهاء الم ّدة المقررة‪.‬‬
‫إن القدر المتيقن في المقام هو أن أصل مشروعية هذا النوع من‬ ‫قال آخر(‪ّ :)4‬‬
‫ال‪##‬زواج في زمن النّ‪##‬بي ‪ ‬أم‪##‬ر قطعي‪ #‬ومف‪##‬روغ عن‪##‬ه‪ ،‬وليس ث ّم‪##‬ة أي دلي‪##‬ل يمكن‬
‫االطمئنان إليه ويثبت نسخ ه‪##‬ذا الحكم‪ ،‬وله‪##‬ذا فال ب‪ّ #‬د من أن نحكم ببق‪##‬اء ه‪##‬ذا الحكم‪،‬‬
‫بناء على ما هو مقرر وث‪##‬ابت في علم األص‪##‬ول‪ ..‬والعب‪##‬ارة المش‪##‬هورة المروي‪##‬ة عن‬
‫أن هذا الحكم لم ينس‪##‬خ في زمن رس‪##‬ول هّللا‬ ‫عمر خير شاهد على هذه الحقيقة‪ ،‬وهي ّ‬
‫‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬باإلضافة إلى هذا؛ فإن من الب‪##‬ديهي أنّ‪##‬ه ال يح‪##‬ق ألح‪##‬د إاّل النّ‪##‬بي‬
‫‪ ‬أن ينسخ األحكام‪ ،‬فهو وحده يحق له ـ وبأمر من هّللا س‪##‬بحانه وإذن‪##‬ه ـ أن ينس‪##‬خ‬
‫بعض األحكام‪ ،‬وقد سد باب نسخ األحكام بعد وف‪##‬اة النّ‪##‬بي ‪ ‬تمام‪##‬ا‪ ،‬وإاّل الس‪##‬تطاع‬
‫كل واحد أن ينسخ شيئا من األحكام اإللهية حسب اجتهاده ومزاجه‪ ،‬وحينئ‪##‬ذ‪ #‬ال يبقى‬
‫أن االجته‪##‬اد في مقاب‪##‬ل النص‬ ‫شيء من الشريعة الخال‪##‬دة األبدي‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬ذا مض‪##‬افا إلى ّ‬
‫النّبوي ال ينطوي على أية قيمة أبدا‪.‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬فلنس‪##‬لم‪ #‬لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫اج ِه ْ‪#‬م َمتَا ًع‪##‬ا إِلَى ْال َح‪##‬وْ ِل‬ ‫ص‪#‬يَّةً أِل َ ْز َو ِ‬
‫﴿والَّ ِذينَ يُتَ َوفَّوْ نَ ِم ْن ُك ْم َويَ‪َ #‬ذرُونَ أَ ْز َوا ًج‪##‬ا َو ِ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫هَّللا‬
‫ُوف َو ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اج فإِن َخ َرجْ نَ ف ُجنَا َح َعل ْيك ْم فِي َما ف َعلنَ فِي أنف ِس ِهن ِمن َم ْع‪ #‬ر ٍ‪#‬‬ ‫اَل‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َغ ْي َر إِ ْخ َر ٍ‬
‫األمثل‪.3/181‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫رواه مسلم (‪)1249‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األمثل‪.3/181‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪.3/181‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫األمثل‪.3/181‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪472‬‬
‫﴿والَّ ِذينَ يُت ََوفَّوْ نَ‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم﴾ [البقرة‪]240 :‬؛ فهي منسوخة باتفاق العلماء بقوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬ ‫ع ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُون أ ْز َواجًا يَتَ َربَّصْ نَ بِأ ْنف ِس ِه َّن أرْ بَ َعةَ أش‪#‬ه ٍُر َوعَش‪#‬رًا فَ‪#‬إِ َذا بَلَ ْغنَ أ َجلَه َُّن فَاَل‬
‫ِم ْن ُك ْم َويَ َذر َ‪#‬‬
‫ُ‬ ‫هَّللا‬
‫ُوف َو ُ بِ َما تَ ْع َمل‪##‬ونَ خَ بِ‪##‬ي ٌر﴾ [البق‪##‬رة‪..]234 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َاح َعلَ ْي ُك ْم فِي َما فَ َعلنَ فِي أ ْنف ِس ِه َّن بِال َم ْعر ِ‪#‬‬
‫ُجن َ‬
‫وقد‪ #‬روي أن عدة المتوفى عنه‪##‬ا زوجه‪#‬ا‪ #‬ك‪##‬انت في الجاهلي‪##‬ة س‪##‬نة كامل‪##‬ة‪ ،‬وك‪##‬ان اذا‬
‫مات الرجل ألقت المرأة خلف ظهره‪##‬ا ش‪##‬يئا‪ ،‬فتق‪##‬ول‪ :‬البع‪##‬ل (تري‪##‬د المتج‪##‬دد) أه‪##‬ون‬
‫علي من هذه؛ فال تكتحل وال تتمشط وال تتطيب وال ت‪##‬تزوج الى س‪##‬نة‪ ،‬وك‪##‬ان ورث‪##‬ة‬
‫الميت ال يخرجونها‪ #‬من بيتها‪ ،‬وك‪##‬انوا‪ #‬يج‪##‬رون عليه‪##‬ا من ترك‪##‬ة زوجه‪##‬ا ط‪##‬ول تل‪##‬ك‬
‫السنة‪ ،‬فكان ذلك هو إرثها من مال زوجها‪ #‬المتوفى(‪.)1‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)2‬ال نسخ في ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة‪ ،‬وال تعطي‪##‬ل لحكمه‪##‬ا‪،‬‬
‫وحكمتها‪ #..‬فلماذا يحمل القرآن الكريم آية كريمة‪ ،‬متلوة‪ ،‬متعبدا به‪##‬ا‪ ،‬وتحم‪##‬ل حكم‪##‬ا‬
‫صريحا‪ #‬مؤكدا موثقا‪ ،‬ثم تجىء آية أخرى بحكم آخر يعطل هذا الحكم‪ ،‬ويبقيه هكذا‪،‬‬
‫يعلن في وجه المرأة سلب حكم ك‪##‬ان في‪##‬ه خ‪##‬يرا له‪##‬ا وب‪##‬را به‪##‬ا؟‪ ..‬أه‪##‬ذا مم‪##‬ا تقتض‪##‬يه‬
‫حكمة الحكيم العليم‪ ،‬في حال كح‪#‬ال تل‪##‬ك الم‪##‬رأة ال‪#‬تي ذهب عنه‪#‬ا زوجه‪#‬ا‪ ،‬وتركه‪##‬ا‬
‫تعانى الوحدة والوحشة‪ ،‬وربما‪ #‬الفاقة من بع‪##‬ده؟‪ ..‬وإذا ك‪##‬ان من تق‪##‬دير هللا أال يك‪##‬ون‬
‫للمرأة مثل هذا الحق‪ ،‬أفكان من التدبير الحكيم أن يلوح لها بهذا البر وتلك المواس‪##‬اة‬
‫في آية كريمة‪ ،‬ثم تحرم منه وتذاد عنه بآية أخرى من آيات الكتاب الكريم؟‬
‫قال آخر(‪ :)3‬إذا أقمنا اآلية الكريمة على تلك الموازين التي يزن به‪#‬ا الق‪#‬ائلون‬
‫بالنس‪##‬خ ض‪##‬وابط الناس‪##‬خ والمنس‪##‬وخ‪ ،‬نج‪#‬د أن أهم االعتب‪##‬ارات ال‪#‬تي ج‪#‬اء من أجله‪##‬ا‬
‫النسخ عندهم هي التدرج في األحكام‪ ،‬رحمة بالناس‪ ،‬وتخفيفا عليهم‪ ،‬كما حدث ذلك‬
‫في تح‪##‬ريم الخم‪##‬ر والرب‪##‬ا‪ ..‬أو التخفي‪##‬ف على الن‪##‬اس‪ ،‬مراع‪##‬اة لتغ‪##‬ير الظ‪##‬روف‪ #..‬أو‬
‫تغليظ الحكم ال تخفيفه‪ ،‬وذلك لتغ‪##‬ير الظ‪##‬روف‪ #‬أيض‪##‬ا‪ ..‬فلم يكن على المس‪##‬لمين قت‪##‬ال‬
‫في أول ال‪###‬دعوة اإلس‪###‬المية‪ ،‬ثم لم‪###‬ا دخ‪###‬ل في اإلس‪###‬الم األنص‪###‬ار‪ #‬واجتم‪###‬ع إليهم‬
‫المهاجرون أذن هللا لهم في قتال من قاتلهم‪ ..‬تلك هي أهم الضوابط‪ #‬التي رآها علماء‬
‫التفسير داعية إلى نسخ ما نسخ من آيات الكتاب الكريم‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)4‬وإذا أقمن‪##‬ا اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة على تل‪##‬ك الض‪##‬وابط‪ #‬لم نج‪##‬دها تس‪##‬تقيم‬
‫عليها‪ ،‬أوتستجيب لها‪ ..‬فما جاءت الشريعة السمحاء في كتابها الكريم‪ #‬وال في الس‪##‬نة‬
‫المطه‪##‬رة‪ ،‬بمب‪##‬اح ثم حظرت‪##‬ه‪ ،‬وال حملت إلى الن‪##‬اس خ‪##‬يرا ثم ع‪##‬ادت فس‪##‬لبته‪ ،‬وال‬
‫بسطت يدها الكريمة بإحسان ثم قبضتها‪ #..‬بل العكس هوالص‪##‬حيح‪ ،‬وهوالواق‪##‬ع‪ #..‬وال‬
‫حاجة لذكر الشواهد لهذا‪ ..‬فأمر الشريعة كله قائم على اليسر والخير والرحمة‪ ..‬فما‬
‫كان على غير هذه السبيل فهو مدخول على الشريعة‪ ،‬مفترى عليها‪.‬‬

‫الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سالم (‪)1/129‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/287‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/288‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التفسير القرآني للقرآن (‪)1/289‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪473‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬وبناء على هذا؛ فإن قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذينَ يُت ََوفَّوْ نَ ِم ْن ُك ْم َويَ ‪َ #‬ذرُونَ‬
‫َاح َعلَ ْي ُك ْم‬
‫خَرجْ نَ فَاَل ُجن َ‬ ‫اج فَإِ ْن َ‬ ‫صيَّةً أِل َ ْز َوا ِج ِه ْ‪#‬م َمتَاعًا إِلَى ْال َحوْ ِل َغ ْي َر إِ ْخ َر ٍ‬
‫أَ ْز َوا ًجا‪َ #‬و ِ‬
‫َزي ‪ٌ #‬ز َح ِكي ٌم﴾ [البق‪##‬رة‪ ]240 :‬ت‪##‬تيح للم‪##‬رأة‬ ‫ُوف َوهَّللا ُ ع ِ‬‫فِي َم‪##‬ا فَ َع ْلنَ فِي أَ ْنفُ ِس ‪ِ #‬ه َّن ِم ْن َم ْع‪ #‬ر ٍ‬
‫الموصى‪ #‬لها ـ بأمر هللا ـ بهذه الوصية أن تظل في بيت الزوجية مكفولة النفقة عام‪##‬ا‬
‫كامال بعد وفاة الزوج‪ ،‬ال يعرض لها أحد بإزعاج من بيت الزوجية‪ ،‬مادامت راغبة‬
‫اج﴾‬ ‫اج ِه ْ‪#‬م َمتَاعًا إِلَى ْال َحوْ ِل َغ ْي َر إِ ْخ َر ٍ‬ ‫صيَّةً أِل َ ْز َو ِ‬
‫في السكن إليه‪ ..‬وفى‪ #‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ِ‬
‫إشارة إلى أن هذه الوصية مفروضة بأمر هللا‪ ،‬سواء أوصى بها الزوج قبل وفاته أم‬
‫لم يوص‪ ،‬وعلى هذا نصب لفظ الوصية بهذا األمر‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬وحكم‪#‬ة ذل‪#‬ك واض‪#‬حة‪ ..‬فق‪#‬د ك‪#‬ان من ت‪#‬دبير‪ #‬الش‪#‬ريعة الحكيم أن‬
‫قدمت للمرأة في هذا الحدث األليم‪ ،‬جميل العزاء‪ ،‬ووضعت‪ #‬في يدها حق القرار في‬
‫بيت الزوجية عاما كامال‪ ،‬وكفلت لها من مال زوجها‪ #‬نفق‪##‬ة ه‪##‬ذا الع‪##‬ام على نح‪##‬و م‪##‬ا‬
‫كانت تعيش فيه مع زوجها‪ #،‬إن ك‪##‬ان فيم‪##‬ا ت‪##‬رك ال‪##‬زوج م‪##‬ا يس‪##‬ع تل‪##‬ك النفق‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬ذلك‬
‫هوالذي يمسك المرأة في محنتها تلك‪ .‬وذل‪##‬ك هوال‪##‬بر من جه‪##‬ة الورث‪##‬ة بم‪##‬ورثهم‪ ،‬إذ‬
‫حفظوا أهله‪ ،‬وصانوا عرضه! وأكثر من هذا‪ ..‬فإنه إذا لم يكن فيما ترك المتوفى‪ #‬ما‬
‫يقوم بنفقة المرأة خالل هذا العام فإن ورثة الزوج‪ ،‬ورحمهم‪ #‬الماسة ب‪##‬ه ت‪##‬وجب على‬
‫الموسر‪ #‬منهم أن يكفل للزوجة حاجتها من ماله‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬وه‪##‬ذا يتواف‪##‬ق م‪##‬ع م‪##‬ا ج‪##‬اء في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم من اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي‬
‫توص‪##‬ي بالنس‪##‬اء في ك‪##‬ل دور من أدوار حي‪##‬اتهن‪ ،‬وفى ك‪##‬ل موق‪#‬ف‪ #‬من م‪##‬وقفهن في‬
‫الحياة‪ :‬أوص‪##‬ت بهن متزوج‪##‬ات‪ ،‬وأمه‪##‬ات‪ ،‬ورعتهن يتيم‪##‬ات‪ ،‬ومطلق‪##‬ات‪ ،‬وأي‪##‬امى‪،‬‬
‫﴿ولَه َُّن ِم ْث‪ُ #‬ل‬‫وأعطتهن من الحقوق مثل ما عليهن من الواجبات كما يقول هللا تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ُوف﴾ [البقرة‪ ،]228 :‬وكانت آخر وصية للرس‪##‬ول ‪ ،‬قول‪##‬ه‪( :‬اتق‪##‬وا‬ ‫الَّ ِذي َعلَ ْي ِه َّن بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫هللا في الضعيفين‪ :‬المرأة والمملوك)‪#‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد أشار إلى هذا المعنى باحتش‪##‬ام بعض علم‪##‬اء إخوانن‪##‬ا اإلمامي‪##‬ة‪،‬‬
‫فقال‪( :‬لوال إجماع العلماء والرواي‪##‬ات‪ #‬المتع‪##‬ددة في ه‪##‬ذا المج‪##‬ال ألمكن الق‪##‬ول بع‪##‬دم‬
‫وجود‪ #‬التعارض بين هذه اآليات‪ ،‬ف‪##‬إن الحكم بأربع‪##‬ة أش‪##‬هر وعش‪##‬رة أي‪##‬ام للع‪##‬دة ه‪##‬و‬
‫حكم إلهي‪ ،‬وأم‪##‬ا المحافظ‪##‬ة على الع‪##‬دة لم‪##‬دة س‪##‬نة كامل‪##‬ة والبق‪##‬اء في بيت ال‪##‬زوج‬
‫واإلستفادة من النفقة فإنه حق له‪#‬ا‪ ،‬أي أن‪#‬ه ق‪#‬د اعطي الح‪#‬ق للم‪#‬رأة أن تبقى في بيت‬
‫زوجها‪ #‬المتوفى سنة كاملة إن أرادت ذلك وتس‪##‬تفيد من النفق‪#‬ة طبق‪##‬ا لوص‪##‬ية زوجه‪#‬ا‪#‬‬
‫في جميع هذه المدة‪ ،‬وإن رفضت ذلك ولم ترغب في البقاء‪ ،‬فيجوز لها الخروج من‬
‫البيت بعد أربعة أشهر وعشرة أيام‪ ،‬ويمكنها كذلك إختيار زوج آخر‪ ،‬وحينئذ سوف‪#‬‬

‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/289‬‬


‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/290‬‬
‫‪ )(3‬التفسير القرآني للقرآن (‪)1/291‬‬
‫‪474‬‬
‫السابق) (‪)1‬‬ ‫تقطع عنها بطبيعة الحال النفقة من مال زوجها‬
‫قال آخر‪ :‬ونحن مع احترامنا‪ #‬للعلم‪##‬اء إال أن‪##‬ا ن‪##‬رى أن اح‪##‬ترام الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫وتعظيم‪##‬ه وع‪##‬دم تعطي‪##‬ل آيات‪##‬ه أو أي حكم من أحكام‪##‬ه أك‪##‬ثر وجوب‪#‬ا‪ #‬من اح‪##‬ترام أي‬
‫شخص أو جهة‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬باإلض‪##‬افة إلى م‪##‬ا ورد من األح‪##‬اديث ال‪##‬واردة عن رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫وأئمة الهدى‪ ،‬والتي تدعو إلى عرض كل شيء على القرآن الكريم‪ ..‬ولذلك ال ن‪##‬رى‬
‫صحة أي حديث يرتبط‪ #‬بهذا‪.‬‬
‫آيات العفو والتوبة‪:‬‬
‫قام أحد الحضور‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬ال ب‪##‬أس‪ ..‬فلنس‪##‬لم‪ #‬لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه‬
‫ب هَّللا ُ َعلَ ْي‪ِ #‬ه َولَ َعنَ‪#‬هُ‬ ‫﴿و َم ْن يَ ْقتُلْ ُم ْؤ ِمنًا ُمتَ َع ِّمدًا فَ َجزَا ُؤهُ َجهَنَّ ُم خَالِ‪#‬دًا فِيهَ‪##‬ا َوغ ِ‬
‫َض‪َ #‬‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫َوأَ َع َّد لَهُ َع َذابًا َع ِظي ًما﴾ [النساء‪ ،]93 :‬فقد قال ابن حزم‪ :‬هى منسوخة بقول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ َّن‬
‫ض‪َّ #‬ل‬‫ك بِ ِه َويَ ْغفِ‪ُ #‬ر َم‪#‬ا ُدونَ َذلِ‪#‬كَ لِ َم ْن يَ َش‪#‬ا ُء َو َم ْن ي ُْش‪ِ #‬ر ْك بِاهَّلل ِ فَقَ‪ْ #‬د َ‬‫هَّللا َ اَل يَ ْغفِ ُر أَ ْن يُ ْش َر َ‬
‫ضاَل اًل بَ ِعيدًا﴾ [النساء‪ ،]116 :‬وبآيات قبول‪ #‬التوبة ‪. 2‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫َ‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)3‬ليس في ذلك أي نسخ‪ ..‬فالنسخ ال يدخل األخبار‪ #‬ـ كم‪##‬ا‬
‫يذكرون ـ باإلضافة إلى أنه قد يكون المراد بقتل المؤمن ـ الوارد‪ #‬في اآلية موضوع‪#‬‬
‫البحث ـ هو القتل بسبب إيمان الشخص‪ ،‬أي استباحة دم الم‪##‬ؤمن‪ ،‬وواض‪##‬ح من ه‪##‬ذا‬
‫أن الذي يعمد إلى ارتكاب جريمة قتل كهذه إنما هو كافر‪ #‬ع‪##‬ديم اإليم‪##‬ان‪ ،‬وإال كي‪##‬ف‬
‫يمكن لمؤمن أن يستبيح دم أخيه المؤمن‪ ،‬وبناء على ه‪##‬ذا يس‪##‬تحق‪ #‬القات‪##‬ل الخل‪##‬ود في‬
‫النار‪ ،‬ويستحق العذاب والعقاب المؤبد‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)4‬باإلضافة إلى أن مرتكب جريمة القتل العم‪#‬د ق‪#‬د يم‪##‬وت مس‪##‬لوب‬
‫اإليم‪##‬ان بس‪##‬بب تعم‪##‬ده قت‪##‬ل إنس‪##‬ان م‪##‬ؤمن ب‪##‬ريء‪ ،‬فال يحظى‪ #‬بفرص‪##‬ة للتوب‪##‬ة عن‬
‫جريمته‪ ،‬فينال في اآلخرة العذاب العظيم المؤبد‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)5‬باإلضافة إلى أن المراد بـ (الخلود) قد يكون العذاب الذي يستمر‬
‫آلماد طويلة وليس العذاب المؤبد‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)6‬باإلضافة إلى أن تع ّمد قتل المؤمن يدل على نفسية خبيثة حاق‪##‬دة‪،‬‬
‫ال تح‪##‬ترم الحي‪##‬اة وال تح‪##‬ترم اإليم‪##‬ان‪ ،‬وق‪##‬د ورد في الس ‪#‬نّة م‪##‬ا ي‪##‬دل على أن حرم‪##‬ة‬
‫ب‪#‬أن قيم‪#‬ة حي‪#‬اة‬ ‫المؤمن عن‪#‬د هللا أعظم من حرم‪#‬ة الكعب‪#‬ة س‪#‬بعين م‪#‬رة‪ ،‬مم‪#‬ا ي‪#‬وحي ّ‬
‫المؤمن عند هللا في المستوى الكبير من األهمية واالحترام‪.‬‬

‫األمثل‪)2/201( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص‪)35‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫األمثل‪)3/387( ،‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪)3/387( ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫األمثل‪)3/387( ،‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫من وحي القرآن (‪)7/403‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪475‬‬
‫قال آخر(‪ :)7‬لكن هذا الوعيد الشديد ال يمنع من قبول توب‪##‬ة القات‪##‬ل إذا ت‪##‬اب هلل‬
‫وندم‪ #‬على فعله‪ ،‬مع االحتفاظ بحق أولياء الدم في القصاص أو الدي‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬إن هللا يغف‪##‬ر‬
‫الذنوب جميعا ويغفر ما دون الش‪##‬رك لمن يش‪##‬اء ويقب‪##‬ل التوب‪##‬ة عن عب‪##‬اده‪ ،‬ح‪##‬تى أن‬
‫الشرك يمكن أن يغفره هللا لمن تاب عنه ودخل في اإلسالم‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬أما الخلود في النار للقاتل‪ ،‬فإنه يتصل باالستحقاق‪ #‬كأية معص‪##‬ية‬
‫ي ذنب من ال‪##‬ذنوب ال‪##‬تي يس‪##‬تحق اإلنس‪##‬ان عليه‪##‬ا‬ ‫كب‪##‬يرة‪ ،‬وال يتص‪##‬ل بالفعلي‪##‬ة‪ ،‬ك‪##‬أ ّ‬
‫العق‪##‬اب‪ ،‬ولكن يمكن للعف‪##‬و اإللهي أن ين‪##‬ال الم‪##‬ذنبين إذا ت‪##‬ابوا وإذا انفتحت عليهم‬
‫رحمة هللا‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫﴿ َوإِ ْن تُ ْبدُوا َم‪#‬ا فِي أَ ْنفُ ِس‪ُ #‬ك ْم أَوْ تُ ْخفُ‪#‬وهُ ي َُح ِ‬
‫اس‪ْ #‬ب ُك ْم بِ‪ِ #‬ه هَّللا ُ فَيَ ْغفِ‪ُ #‬ر لِ َم ْن يَ َش‪#‬ا ُء َويُ َع‪ِّ #‬ذبُ َم ْن‬
‫يَ َشا ُء َوهَّللا ُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر﴾ [البقرة‪ ،]284 :‬فقد روي أنها لما نزلت على رسول هللا‬
‫‪ ‬اش‪##‬تد ذل‪##‬ك على أص‪##‬حاب رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬ف‪##‬أتوا رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬ثم جث‪##‬وا على‬
‫الركب‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ُ ،‬كلفنا من األعمال ما نطيق‪ #:‬الصالة والصيام والجهاد‪#‬‬
‫والصدقة‪ ،‬وقد أنزل عليك هذه اآلية وال نطيقها‪ ،‬فقال رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪( :‬أتري‪##‬دون أن‬
‫تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم‪ :‬سمعنا وعصينا؟ ب‪##‬ل قول‪##‬وا‪ :‬س‪##‬معنا وأطعن‪##‬ا‪،‬‬
‫غفرانك ربنا وإليك المصير)‪ ،‬فلما أق‪##‬ر به‪##‬ا الق‪##‬وم وذلت به‪##‬ا ألس‪##‬نتهم‪ ،‬أن‪##‬زل هللا في‬
‫‪#‬ز َل إِلَ ْي‪ِ #‬ه ِم ْن َربِّ ِه َو ْال ُم ْؤ ِمنُ‪##‬ونَ ُك‪##‬لٌّ آ َمنَ بِاهَّلل ِ َو َماَل ئِ َكتِ‪ِ #‬ه‬ ‫ُ‬
‫َّس‪#‬و ُ‪#‬ل بِ َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬‫أثره‪##‬ا‪﴿ :‬آ َمنَ الر ُ‬
‫ق بَ ْينَ أَ َح ٍد ِم ْن ُر ُسلِ ِه َوقَالُوا َس ِم ْعنَا َوأَطَ ْعنَا‪ُ #‬غ ْف َرانَكَ َربَّنَا َوإِلَ ْي‪##‬كَ‬ ‫َو ُكتُبِ ِه َو ُر ُسلِ ِه اَل نُفَرِّ ُ‬
‫صي ُ‪#‬ر﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬فلما فعلوا ذلك نسخها هللا فأنزل‪﴿ :‬اَل يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْفسًا إِاَّل ُو ْس َعهَا‬ ‫ْال َم ِ‬
‫ْ‬
‫ت َربَّنَا اَل تُؤَا ِخ ْذنَا‪ #‬إِ ْن نَ ِسينَا أَوْ أَ ْخطَأنَا َربَّنَا َواَل تَحْ ِملْ‬ ‫ت َو َعلَ ْيهَا َما ا ْكتَ َسبَ ْ‬ ‫لَهَا َما َك َسبَ ْ‬
‫ص‪#‬رًا َك َم‪##‬ا َح َم ْلتَ‪#‬هُ َعلَى الَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِنَ‪##‬ا َربَّنَ‪##‬ا َواَل تُ َح ِّم ْلنَ‪##‬ا َم‪##‬ا اَل طَاقَ‪#‬ةَ لَنَ‪##‬ا بِ‪ِ #‬ه‬ ‫َعلَ ْينَ‪##‬ا إِ ْ‬
‫رينَ ﴾ [البق‪##‬رة‪:‬‬ ‫ص‪#‬رْ نَا َعلَى ْالقَ‪##‬وْ ِم ْال َك‪##‬افِ ِ‬
‫َواعْفُ َعنَّا َوا ْغفِرْ لَنَ‪##‬ا َوارْ َح ْمنَ‪#‬ا‪ #‬أَ ْنتَ َموْ اَل نَ‪##‬ا فَا ْن ُ‬
‫‪)3( ]286‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬ليس بين اآليتين أي نسخ‪ ..‬فلكل آية محلها الخ‪##‬اص به‪##‬ا‪،‬‬
‫وقد‪ #‬قال الشيخ ناصر مكارم‪ #‬الشيرازي في بيان عدم كونه‪#‬ا‪ #‬منس‪##‬وخة‪( :‬ق‪##‬د يتص‪##‬ور‬
‫أن هذه اآلية مخالفة لألحاديث الكثيرة التي تؤكد على النية المجردة‪ ،‬ولكن الج‪##‬واب‬
‫واضح‪ ،‬حيث إن تلك األحاديث تتعلق بالذنوب التي له‪##‬ا تطبيق‪##‬ات خارجي‪##‬ة وعملي‪##‬ة‬
‫بحيث تكون النية مقدمة لها من قبيل الظلم والكذب وغصب حقوق اآلخرين وأمث‪##‬ال‬
‫ذلك‪ ،‬ال من قبيل الذنوب التي لها جنبة نفسية ذات‪##‬ا وتعت‪##‬بر‪ #‬من األعم‪##‬ال القلبي‪##‬ة مث‪##‬ل‬
‫الشرك والرياء وكتمان الشهادة)(‪)4‬‬

‫من وحي القرآن (‪)7/403‬‬ ‫‪)(7‬‬


‫من وحي القرآن (‪)7/403‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مسلم برقم (‪)125‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األمثل‪)2/362( ،‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪476‬‬
‫ثم ذكر تفسيرا آخر لآلية‪ ،‬فقال‪( :‬يمكن أن يكون لعمل واح‪##‬د ص‪##‬ور مختلف‪##‬ة‪،‬‬
‫مثال اإلنفاق تارة يكون في سبيل هللا‪ ،‬وأخرى‪ #‬يك‪##‬ون للري‪##‬اء وطلب الش‪##‬هرة‪ ،‬فاآلي‪##‬ة‬
‫تقول‪ :‬إنكم إذا أعلنتم نيتكم أو أخفيتموها فإن هللا تعالى أعلم بها وس‪##‬يجازيكم‪ #‬عليه‪##‬ا‪،‬‬
‫فهي في الحقيقة إشارة إلى مضمون الحديث الشريف (ال عمل إال بنية)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله قال عبد الكريم الخطيب‪ ،‬بعدم نسخها‪ ،‬وربطه‪##‬ا بم‪##‬ا ورد في‬
‫السياق‪ ،‬فقال‪( :‬في اآلية خطاب للش‪##‬هود‪ ،‬وتح‪##‬ذير‪ #‬لهم من أن يكتم‪##‬وا الش‪##‬هادة‪ ،‬ف‪##‬إن‬
‫أب‪##‬دوا م‪##‬ا في أنفس‪##‬هم مم‪##‬ا استش‪##‬هدوا علي‪##‬ه‪ ،‬أوأخف‪##‬وه وكتم‪##‬وه‪ ،‬ف‪##‬إن هللا بهم عليم‪،‬‬
‫وهومحاسبهم‪ #‬على خيانتهم األمانة‪ ،‬وكتمانهم‪ #‬الشهادة) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ق‪##‬ال محم‪##‬د حس‪##‬ين فض‪##‬ل هللا‪( :‬أث‪##‬ارت ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة كث‪##‬يرا من‬
‫الجدل بين المفسرين‪ ،‬وذلك من خالل داللتها على أن هّللا يحاس‪##‬ب اإلنس‪##‬ان على م‪##‬ا‬
‫في نفسه مما يبديه أو مما يخفيه‪ ،‬وهذا ما قد ال يرتض‪##‬يه الكث‪##‬يرون‪ ،‬على أس‪##‬اس أن‬
‫الج‪###‬زاء بالعق‪###‬اب على األعم‪###‬ال ال على الني‪###‬ات‪ ..‬فل‪###‬ذلك ذهب البعض إلي أنه‪###‬ا‬
‫منسوخة‪ ،‬ألن ظاهرها المحاس‪#‬بة‪ ،‬على ک‪#‬ل م‪#‬ا ي‪#‬رد في القلب‪ ،‬وه‪#‬و تكلي‪#‬ف بم‪#‬ا ال‬
‫يطاق‪ ،‬مرفوع‪ #‬بقوله تع‪##‬الى‪﴿ :‬اَل يُ َكلِّفُ هَّللا ُ نَ ْف ًس‪#‬ا إِاَّل ُو ْس‪َ #‬عهَا﴾ [البق‪##‬رة‪ ..]286 :‬ومنهم من‬
‫ذهب الي ارتباطه‪##‬ا بآي‪##‬ة كتم‪##‬ان الش‪##‬هادة‪ ،‬أو اختصاص‪##‬ها بالكف‪##‬ار‪ ،‬ومنهم من فس‪##‬ر‬
‫المحاسبة بمعني اإلخبار ال العقاب‪ ..‬و ک‪##‬ل ه‪##‬ذه الوج‪##‬وه بعي‪##‬دة‪ ،‬ألن النس‪##‬خ يتوق‪##‬ف‬
‫علي إمكانية التكليف بما ال يطاق مما ال يقدر علي‪#‬ه اإلنس‪##‬ان مطلق‪##‬ا‪ ،‬وه‪#‬و مس‪##‬تحيل‬
‫عقال‪ ،‬فكيف‪ #‬يمكن أن يشرعه هّللا ثم ينسخه‪ ،‬وألن ارتباطها‪ #‬بآي‪##‬ة كتم‪##‬ان الش‪##‬هادة أو‬
‫اختصاصها بالكفار مما ال دلي‪#‬ل علي‪#‬ه من اللف‪#‬ظ‪ ،‬أم‪##‬ا تفس‪##‬ير المحاس‪##‬بة باإلخب‪##‬ار ال‬
‫بالعقاب‪ ،‬فهو خالف الظاهر)(‪)3‬‬
‫ثم ذكر خالصة م‪#‬ا ذهب إلي‪#‬ه‪ ،‬فق‪#‬ال‪( :‬اآلي‪#‬ة تتع‪#‬رض للمحاس‪#‬بة على م‪#‬ا في‬
‫النفس كمبدإ من دون الدخول في ش‪##‬روط ذل‪##‬ك‪ ،‬فال م‪##‬انع من ورود‪ #‬دلي‪##‬ل آخ‪##‬ر ي‪##‬دل‬
‫على اشتراط‪ #‬الحس‪##‬اب بالعم‪##‬ل‪ ..‬وه‪##‬ذا ق‪##‬ريب إلى الص‪##‬واب‪ ،‬ولكن الظ‪##‬اهر أن ه‪##‬ذه‬
‫اآليات واردة في سياق الحديث عن الحساب علة العمل من خالل نوع النيّة الدافع‪##‬ة‬
‫إليه‪ ،‬بعد أن قرر القرآن الكريم في أكثر من آية ورود‪ #‬الحساب عليه تمام‪##‬ا كم‪##‬ا ه‪##‬و‬
‫الحديث المشهور‪( :‬إنّما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) (‪)4‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ْت‬‫ت قَ‪#‬ا َل إِنِّي تُب ُ‬ ‫ض‪َ #‬ر أَ َح‪َ #‬دهُ ُم ْال َم‪#‬وْ ُ‬‫ت َحتَّى إِ َذا َح َ‬ ‫ت التَّوْ بَةُ لِلَّ ِذينَ يَ ْع َملُونَ َّ‬
‫الس‪#‬يِّئَا ِ‬ ‫﴿ َولَ ْي َس ِ‬
‫اآْل نَ َواَل الَّ ِذينَ يَ ُموتُونَ َوهُ ْم ُكفَّا ٌر أُولَئِكَ أَ ْعتَ ْدنَا لَهُ ْم َع َذابًا أَلِي ًما﴾ [النساء‪ ،]18 :‬فقد روي‪#‬‬
‫ك‬‫عن ابن عباس أنه قرأ اآلية‪ ،‬ثم قال‪( :‬ثم أنزل بعد ذل‪##‬ك‪﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ اَل يَ ْغفِ ‪ُ #‬ر أَ ْن ي ُْش ‪َ #‬ر َ‬

‫األمثل‪)2/362( ،‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫التفسير القرآني للقرآن (‪)2/385‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير من وحي القرآن (‪)5/180‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير من وحي القرآن (‪)5/180‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪477‬‬
‫ك لِ َم ْن يَ َشا ُء﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]48 :‬فحرم هللا ع‪##‬ز وج‪##‬ل المغف‪##‬رة على من‬ ‫بِ ِه َويَ ْغفِ ُر َما ُدونَ َذلِ َ‬
‫مات وهو كافر‪ ،‬وأرجأ‪ #‬أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة) (‪)1‬‬
‫قال أحد حفدة قتادة‪ :‬ليس بين اآليتين أي نسخ‪ ..‬فلكل آية محلها الخ‪##‬اص به‪##‬ا‪،‬‬
‫وقد‪ #‬قال ناصر مك‪##‬ارم الش‪##‬يرازي في معناه‪##‬ا‪ ،‬وتوافق‪##‬ه م‪#‬ع ك‪##‬ل م‪#‬ا ورد في الق‪##‬رآن‬
‫الكريم‪( :‬في اآلية إشارة إلى من ال تقبل توبته‪ ،‬وعلة عدم قبول هذا النوع من التوبة‬
‫واضحة‪ ،‬ألن اإلنسان عند االحتضار في رحاب الموت تنكشف‪ #‬له األس‪##‬تار‪ ،‬ف‪##‬يرى‬
‫ما لم يكن يراه من قبل‪ ،‬فه‪##‬و ي‪##‬رى بع‪##‬د انكش‪##‬اف الغط‪##‬اء عن عيني‪##‬ه بعض الحق‪##‬ائق‬
‫المتعلقة بالعالم اآلخر‪ ،‬ويشاهد‪ #‬بعينيه نتائج أعمال‪##‬ه ال‪##‬تي ارتكبه‪##‬ا في ال‪##‬دنيا‪ ،‬وتتخ‪#‬ذ‪#‬‬
‫القضايا التي كان يسمع بها صفة محسوسة‪ ،‬وفي ه‪##‬ذه الحال‪##‬ة من الط‪##‬بيعي أن ين‪##‬دم‬
‫كل مجرم على جرمه وأفعاله الس‪##‬يئة‪ ،‬ويف‪##‬ر منه‪##‬ا ف‪##‬رار ال‪##‬ذي ي‪##‬رى إق‪##‬تراب ألس‪##‬نة‬
‫اللهب من جسمه) (‪)2‬‬
‫ثم ذكر القواع‪##‬د الش‪##‬رعية المرتطب‪##‬ة به‪##‬ذا‪ ،‬وال‪##‬تي دل عليه‪##‬ا الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪،‬‬
‫فقال‪( :‬من المسلم أن التكليف اإللهي واالختي‪##‬ار‪ #‬الرب‪##‬اني للبش‪##‬ر اليق‪##‬وم على أس‪##‬اس‬
‫ه‪##‬ذا الن‪##‬وع من المش‪##‬اهدات والمكاش‪##‬فات‪ ،‬ب‪##‬ل يق‪##‬وم على أس‪##‬اس اإليم‪##‬ان ب‪##‬الغيب‪،‬‬
‫والمشاهدة بعيني العقل والقلب‪ ،‬ولهذا نقرأ في الكتاب العزيز أن أبواب التوبة كانت‬
‫تُغلق في وجه بعض األقوام‪ #‬العاصية عن‪##‬د ظه‪##‬ور‪ #‬طالئ‪##‬ع الع‪##‬ذاب ال‪##‬دنيوي والنقم‪##‬ة‬
‫العاجلة‪ ،‬وللمثال نقرأ قول هللا سبحانه عن فرعون إذ يقول‪َ ﴿ :‬حتَّى إِ َذا أَ ْد َر َكهُ ْالغ َ‬
‫َ‪##‬ر ُ‬
‫ق‬
‫يل َوأَنَ‪##‬ا ِمنَ ْال ُم ْس ‪#‬لِ ِمينَ آآْل نَ َوقَ ‪ْ #‬د‬ ‫ت أَنَّهُ اَل إِلَ ‪#‬هَ إِاَّل الَّ ِذي آ َمن ْ‬
‫َت بِ ‪ِ #‬ه بَنُ‪##‬و إِ ْس ‪َ #‬رائِ َ‬ ‫‪#‬ال آ َم ْن ُ‬
‫قَ‪َ #‬‬
‫َص ‪#‬يْتَ قَ ْب ‪ُ #‬ل َو ُك ْنتَ ِمنَ ْال ُم ْف ِس‪ِ ##‬دينَ ﴾ [ي‪###‬ونس‪ ..]91-90 #:‬كم‪##‬ا يس‪##‬تفاد من بعض اآلي‪##‬ات‬ ‫ع َ‬
‫ْ‬
‫وس‪ِ #‬ه ْم ِعن‪َ #‬د َربِّ ِه ْم َربَّنَ‪##‬ا‬ ‫ْ‬
‫﴿ولوْ تَ َرى إِ ِذ ال ُمجْ ِر ُمونَ نَا ِكسُو ُر ُء ِ‬ ‫َ‬ ‫القرآنية‪ ،‬مثل قوله تعالى‪َ :‬‬
‫صالِحًا إِنا ُموقِن‪##‬ونَ ﴾ [الس‪##‬جدة‪ ]12 :‬أن العص‪##‬اة ين‪##‬دمون‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫صرْ نَا‪َ #‬و َس ِم ْعنَا فَارْ ِج ْعنَا‪ #‬نَ ْع َملْ َ‬ ‫أَ ْب َ‬
‫عندما يشاهدون العذاب اإللهي في اآلخرة‪ ،‬ولكن الت حين من‪##‬دم‪ ،‬فال فائ‪##‬دة لن‪##‬دمهم‬
‫في ذلك ال‪##‬وقت‪ ،‬إن ه‪##‬ؤالء أش‪##‬به م‪##‬ا يكون‪##‬ون ب‪##‬المجرمين ال‪##‬ذين إذا ش‪##‬اهدوا أع‪##‬واد‬
‫المشنقة وأحس‪##‬وا بالحب‪##‬ل على رق‪##‬ابهم ن‪##‬دموا على ج‪#‬رائمهم‪ #‬وأفع‪#‬الهم القبيح‪#‬ة‪ ،‬فمن‬
‫الواضح أن مثل هذه التوبه وهذا الندم ال يعد فضيلة‪ ،‬وال مفخرة وال تك‪##‬امال‪ ،‬وله‪##‬ذا‬
‫ال يكون أي تأثير) (‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك قال عبد الكريم الخطيب‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪( :‬في اآلي‪##‬ة رد وردع‪#‬‬
‫ألولئ‪##‬ك ال‪##‬ذين يس‪##‬تخفون بمح‪##‬ارم هللا‪ ،‬فيهجم‪##‬ون عليه‪##‬ا فى غ‪##‬ير تح‪##‬رج وال ت‪##‬أثم‪،‬‬

‫‪ )(1‬الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سالم (‪)1/262‬‬


‫‪ )(2‬األمثل‪)3/155( ،‬‬
‫‪ )(3‬األمثل‪)3/155( ،‬‬
‫‪478‬‬
‫ويبيتون‪ #‬معها‪ ،‬ويصبحون عليها‪ ،‬دون أن يكون لهم مع أنفسهم حساب أو مراجعة‪..‬‬
‫وهكذا يقطعون العمر‪ ،‬فى صحبة الفواحش‪ ،‬ظاهرها‪ #‬وباطنها‪ ،‬حتى إذا بلغ‪##‬وا آخ‪##‬ر‬
‫الشوط‪ #‬من الحياة‪ ،‬وأطل عليهم الموت‪ ،‬فزعوا وكربوا‪ #،‬وألق‪##‬وا به‪##‬ذا ال‪##‬زاد الخ‪##‬بيث‬
‫من أيديهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬تبنا إلى هللا‪ ،‬وندمنا على ما فعلنا من ركوب هذه المنكرات‪ ..‬إنها‬
‫توب‪##‬ة لم تجىء من قلب مطمئن‪ ،‬وعق‪##‬ل م‪##‬درك‪ ،‬يحاس‪##‬ب ويراج‪##‬ع‪ ،‬ويأخ‪##‬ذ وي‪##‬دع‪،‬‬
‫ولكنها توبة اليائس الذي ال يجد أمامه طريقا غير هذا الطريق‪ ..‬إنه لم ي تب وهو فى‬
‫خيرة من أمره‪ ..‬فيمسك‪ #‬المنك‪##‬ر أو يدع‪##‬ه‪ ،‬ويقيم على المعص‪##‬ية أو يهجره‪##‬ا‪ ..‬وإنم‪##‬ا‬
‫هو إذ يت‪##‬وب فى س‪##‬اعة الم‪##‬وت‪ ،‬أش‪##‬به ب‪##‬المكره على تل‪##‬ك التوب‪##‬ة‪ ،‬إذ ال وج‪##‬ه أمام‪##‬ه‬
‫للنجاة غير هذا الوجه)(‪)1‬‬
‫ثم ذكر ما يدل لهذا من القرآن الكريم‪ ،‬فقال‪( :‬وقد فعلها فرعون من قب‪##‬ل حين‬
‫أدركه الغرق‪ ،‬فرده هللا سبحانه‪ ،‬ولم يقبل منه ص‪##‬رفا وال ع‪##‬دال‪ ..‬إن إيم‪##‬ان فرع‪##‬ون‬
‫هنا لم يكن عن اختيار بين اإليمان والكفر‪ ..‬بل كان ال بد له من أن يؤمن حتى ينجو‬
‫من الغرق‪ ،‬إن الكفر باهلل هو الذي أورده هذا المورد‪ ،‬وإن اإليمان باهلل الذي كفر به‬
‫من قبل هو الذي يرده عن هذا المورد‪ #‬ويدفعه عنه‪ ..‬هكذا فكر وقدر‪ ..‬وشبيه بهؤالء‬
‫ال‪##‬ذين ال يرجع‪##‬ون إلى هللا‪ ،‬وال يذكرون‪##‬ه إال عن‪##‬د حش‪##‬رجة الم‪##‬وت‪ ،‬أولئ‪##‬ك ال‪##‬ذين‬
‫يغرقون أنفسهم فى اآلثام م‪#‬ادامت ت‪#‬واتيهم الظ‪#‬روف‪ #،‬وتس‪#‬عفهم األح‪#‬وال‪ ،‬ح‪#‬تى إذا‬
‫سدت فى وجوههم منافذ الطريق‪ #‬إلى مقارفة اإلثم‪ ،‬بسبب أو بأكثر من سبب‪ ،‬تعففوا‬
‫وت‪##‬ابوا‪ #..‬وتل‪##‬ك توب‪##‬ة الع‪##‬اجز المقه‪##‬ور‪ ،‬ورجع‪##‬ة المه‪##‬زوم‪ #‬المغل‪##‬وب على أم‪##‬ره‪ ،‬ال‬
‫يخالطها‪ #‬شىء من الندم‪ ،‬وال يقوم عليها سلطان من إرادة ومغالبة‪ ..‬إنه‪##‬ا توب‪##‬ة غ‪##‬ير‬
‫مقبولة) (‪)2‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ك‬ ‫ول إِاَّل لِيُطَ‪##‬ا َع بِ‪#‬إِ ْذ ِن هَّللا ِ َولَ‪##‬وْ أَنَّهُ ْم إِ ْذ ظَلَ ُم‪##‬وا‪ #‬أَ ْنفُ َس ‪#‬هُ ْم َج‪ #‬ا ُءو َ‬
‫﴿ َو َم‪##‬ا أَرْ َس ‪ْ #‬لنَا ِم ْن َر ُس‪ٍ #‬‬
‫فَا ْستَ ْغفَرُوا هَّللا َ َوا ْستَ ْغفَ َ‪#‬ر لَهُ ُم ال َّرسُو ُل لَ َو َجدُوا‪ #‬هَّللا َ تَ َّوابًا َر ِحي ًما﴾ [النساء‪ ،]64 :‬فقد قال ابن‬
‫﴿اس‪#‬تَ ْغفِرْ لَهُ ْم أَوْ اَل ت َْس‪#‬تَ ْغفِرْ لَهُ ْم إِ ْن ت َْس‪#‬تَ ْغفِرْ لَهُ ْم‬‫حزم‪ :‬منسوخة وناسخها‪ #‬قوله تعالى‪ْ :‬‬
‫َس ْب ِعينَ َم َّرةً فَلَ ْن يَ ْغفِ َر هَّللا ُ لَهُ ْم َذلِ‪##‬كَ بِ‪##‬أَنَّهُ ْم َكف‪#‬رُوا بِا ِ َو َر ُس‪#‬ولِ ِه َو ُ اَل يَ ْه‪ِ #‬دي الق‪##‬وْ َم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬ ‫هَّلل‬ ‫َ‬
‫سقِينَ ﴾ [التوبة‪)3( ]80 :‬‬ ‫ْالفَا ِ‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬د حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ :‬ليس في اآلي‪##‬ة أي نس‪##‬خ‪ ..‬ف‪##‬األولى تع‪##‬نى الن‪##‬ادمين‬
‫المستغفرين‪ ..‬والثانية تعنى المعاندين المصرين على االستهزاء ب‪##‬المؤمنين‪ ،‬ول‪##‬ذلك‬
‫اس‪#‬قِينَ ﴾‬ ‫عقبت بقوله تعالى‪َ :‬ذلِكَ بِ‪##‬أَنَّهُ ْم َكفَ‪#‬رُوا بِاهَّلل ِ َو َر ُس‪#‬ولِ ِه َوهَّللا ُ اَل يَ ْه‪ِ #‬دي ْالقَ‪##‬وْ َم ْالفَ ِ‬
‫[التوبة‪]80 :‬‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)2/727‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)2/728‬‬
‫‪ )(3‬الناسخ والمنسوخ البن حزم (ص‪)34‬‬
‫‪479‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)1‬ففي اآلي‪##‬ة األولى التف‪##‬ات إلى المعان‪##‬دين‪ ،‬ال‪##‬ذين ركب‪##‬وا م‪##‬ركب‬
‫الضالل‪ ،‬ليكون لهم رجع‪##‬ة إلى هللا‪ ،‬ولينته‪##‬وا عم‪##‬ا هم في‪##‬ه قب‪##‬ل أن يهلك‪##‬وا‪ ،‬إنهم إن‬
‫راجع‪##‬وا أنفس‪##‬هم‪ ،‬وأقبل‪##‬وا على هللا‪ ،‬واس‪##‬تغفروه‪ ،‬واس‪##‬تجابوا‪ #‬لرس‪##‬وله‪ ،‬لوج‪##‬دوا‪ #‬رب‪##‬ا‬
‫غفورا‪ ،‬يتقبل توبتهم‪ #،‬ويقبلهم فيمن قبل من عب‪#‬اده المؤم‪#‬نين‪ ..‬فم‪#‬ا أوس‪#‬ع رحم‪#‬ة هللا‬
‫بعباده‪ ،‬وم‪##‬ا أعظم فض‪##‬له عليهم‪ ،‬ي‪##‬دعوهم إلي‪##‬ه وهم ش‪##‬اردون‪ ،‬ويم‪##‬د إليهم ي‪##‬ده وهم‬
‫معرضون‪.‬‬
‫قال آخر ‪ : 2‬وفي اآلية الثانية تيئيس للمنافقين المكابرين من رحمة هلل‪ ،‬وقطع‬ ‫)‬ ‫(‬
‫لطريق‪ #‬النجاة من العذاب الذي أعده هللا لهم‪ ..‬فلن ينقذهم من هللا منقذ‪ ،‬ولن يشفع لهم‬
‫شفيع‪ ..‬حتى أن رسول هللا ‪ ‬ـ وهو من هو عن‪##‬د هللا ـ لن تقب‪##‬ل ش‪##‬فاعته فيهم‪ ،‬ولن‬
‫يستجاب استغفاره لهم‪ ،‬ول‪##‬و ح‪##‬رص الن‪##‬بى على ه‪##‬ذا االس‪##‬تغفار‪ #‬وب‪##‬الغ في‪##‬ه‪ ..‬وذل‪##‬ك‬
‫ألنهم كفروا باهلل ورسوله‪ ،‬وحادوا هللا ورسوله‪ ،‬ومن كان ه‪##‬ذا موقف‪##‬ه م‪##‬ع هللا وم‪##‬ع‬
‫رسول هللا‪ ،‬فلن يقبل هللا في‪##‬ه ش‪#‬فاعة‪ ،‬ولن يص‪##‬رف عن‪#‬ه الع‪##‬ذاب ال‪#‬ذي رص‪##‬ده ل‪#‬ه‪..‬‬
‫وليس حصر االستغفار بسبعين مرة‪ ،‬مرادا ب‪##‬ه أن الن‪##‬بي ‪ ‬ل‪##‬و ج‪##‬اوز‪ #‬ه‪##‬ذا الع‪##‬دد‪،‬‬
‫جاز أن يغفر هللا لهم‪ ..‬كال‪ ،‬فإن المراد بهذا العدد هو الداللة على أن اس‪##‬تغفار الن‪##‬بى‬
‫لهم‪ ،‬لن يقبل من هللا فيهم على أية حال‪ ،‬كثر العدد أو قل‪.‬‬
‫قال أحد الحضور‪ :‬ال بأس‪ ..‬فلنسلم لكم ب‪##‬ذلك‪ ..‬فم‪##‬ا تقول‪##‬ون في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫صيرًا﴾ [النس‪##‬اء‪ ،]145 :‬فقد قي‪##‬ل‬ ‫ار َولَ ْن ت َِج َد لَهُ ْم نَ ِ‬‫ك اأْل َ ْسفَ ِل ِمنَ النَّ ِ‬ ‫﴿إِ َّن ْال ُمنَافِقِينَ فِي ال َّدرْ ِ‬
‫ص‪#‬وا‪#‬‬ ‫َص‪ُ #‬موا‪ #‬بِاهَّلل ِ َوأَ ْخلَ ُ‬‫ص‪#‬لَحُوا َوا ْعت َ‬ ‫بأنها منس‪#‬وخة باآلي‪#‬ة بع‪#‬دها‪﴿ :‬إِاَّل الَّ ِذينَ تَ‪#‬ابُوا َوأَ ْ‬
‫ظي ًما﴾ [النساء‪]146 :‬‬ ‫ت هَّللا ُ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ أَجْ رًا َع ِ‬
‫ف ي ُْؤ ِ‬ ‫ك َم َع ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َو َسوْ َ‪#‬‬ ‫ِدينَهُ ْم هَّلِل ِ فَأُولَئِ َ‬
‫قال أحد حفدة قتادة(‪ :)3‬هذا اس‪##‬تثناء وليس بنس‪##‬خ‪ ..‬ومع‪##‬نى االس‪##‬تثناء هن‪##‬ا‪ :‬أن‬
‫المن‪#‬افقين بص‪#‬ورة عام‪#‬ة محكوم‪#‬ون‪ #‬باللعن‪#‬ة األبدي‪#‬ة‪ ،‬ويس‪#‬تمر عليهم ه‪#‬ذا الحكم م‪#‬ا‬
‫استمروا‪ #‬على النفاق‪ ،‬اللهم اال اذا انقطعوا وتابوا واص‪##‬لحوا‪ #‬ف‪##‬إن ه‪##‬ذا الحكم ينقط‪##‬ع‬
‫ويرتفع بطبعه‪ ،‬نظرا لتبدل الموضوع‪#.‬‬
‫‪ 3‬ـ الموقف المعتدل‪:‬‬
‫بعد أن انتهى حفدة قتادة من الرد على كل األس‪##‬ئلة ال‪##‬تي ط‪##‬رحت عليهم‪ ،‬ق‪##‬ام‬
‫أحد الحضور‪ ،‬وقد كان من أكثر القوم تشبثا بالقول بالنسخ‪ ،‬وأكثرهم لوما لمنكريه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ب‪##‬ورك‪ #‬فيكم وفي ص‪##‬دقكم‪ #‬وإخالص‪##‬كم‪ #‬وعلمكم‪ ..‬لق‪##‬د كش‪##‬فتم عن عقلي حجاب‪##‬ا‬
‫كان يجثم عليه‪ ،‬ويمنعه من تقدير كالم رب‪#‬ه‪ ..‬وه‪##‬ل يمكن تق‪##‬دير هللا ح‪#‬ق ق‪#‬دره دون‬
‫تقدير كالمه الذي ﴿اَل يَأْتِي ِه ْالبَا ِط ُل ِم ْن بَي ِْن يَ َد ْي ِه َواَل ِم ْن خَ ْلفِ ِه تَ ْن ِزي ٌل ِم ْن َح ِك ٍيم َح ِمي ٍد﴾‬
‫[فصلت‪ ]42 :‬؟‪ ..‬وهل يمكن تقدير كالم هللا‪ ،‬ونحن ننتقي ما نشاء منه؛ فنقبله‪ ،‬وما نشاء‬
‫فنرفضه ونعطله؟‬
‫‪ )(1‬التفسير القرآني للقرآن (‪)3/826‬‬
‫‪ )(2‬التفسير القرآني للقرآن (‪)5/854‬‬
‫‪ )(3‬التمهيد‪.2/339 :‬‬
‫‪480‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬فق‪##‬د ك‪##‬ان أمرن‪##‬ا غريب‪##‬ا م‪##‬ع كالم ربن‪##‬ا‪ ..‬فنحن نقب‪##‬ل من‬
‫علمائنا ما كتبوه من عشرات المجلدات‪ ،‬ال نرد حرفا واحدا‪ ،‬وال ندعي تعطيله‪ ،‬ب‪##‬ل‬
‫نستند إلي‪##‬ه‪ ،‬ونس‪##‬تدل ب‪#‬ه‪ ،‬ب‪#‬ل نجعل‪##‬ه دس‪#‬تورا لحياتن‪##‬ا‪ ..‬ثم إذا أتين‪##‬ا إلى كلم‪#‬ات ربن‪#‬ا‬
‫المقدسة‪ ،‬رحنا نقول بتعطيلها‪ ،‬واالكتفاء بالتبرك والتعبد بتالوتها‪#.‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ص‪##‬دقتم‪ #..‬لق‪##‬د كنت أحت‪##‬ار في إجاب‪##‬ة من يس‪##‬ألني عن س‪##‬ر النس‪##‬خ‪..‬‬
‫وكنت أتملص منه بكل األعذار الواهية التي جعلت من أجيبهم يش‪##‬ك في كالم رب‪##‬ه‪،‬‬
‫وفي‪ #‬مصداقية األحكام الواردة فيه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد قال لي بعضهم‪ ،‬وأنا أحاوره في بعض األحك‪#‬ام الش‪#‬رعية‪ :‬وم‪#‬ا‬
‫أدراك أنه نسخ‪ ..‬ما دمتم تذكرون أن أجمل آيات الرحمة والصفح والحلم منس‪##‬وخة؛‬
‫فكيف‪ #‬ال ينسخ هذا الحكم؟‪ ..‬وعندما طالبته باآلية الدالة على النسخ‪ ،‬قال‪ :‬ال يش‪##‬ترط‬
‫ورود‪ #‬اآلية الناسخة؛ فيكفي في رده أي حديث‪ ..‬ألستم تنسخون الق‪##‬رآن باألح‪##‬اديث‪..‬‬
‫بل بالروايات‪ #‬عن الصحابة والتابعين؟‬
‫قال آخر‪ :‬واألمر األخطر من ذلك أني حاورت بعض الحداثيين الذين راح‪##‬وا‬
‫يدعون عدم صالحية تطبيق أحكام الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم على ك‪##‬ل األزمن‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬ال لي‪ :‬إذا‬
‫كانت أحكام القرآن قد تغيرت في تل‪##‬ك الس‪##‬نين المع‪##‬دودات ال‪##‬تي ال تتج‪##‬اوز‪ #‬العش‪##‬ر؛‬
‫فكيف‪ #‬تريد منها أن تثبت كل هذه القرون الطويلة؟‬
‫قال آخر‪ :‬وقد رأيت بعضهم ينسخ آيات الميراث‪ ،‬وخصوص‪#‬ا‪ #‬الف‪##‬وارق ال‪##‬تي‬
‫جعلها هللا بين ميراث الذكر واألنثى‪ ،‬بنفس الحجج التي نستدل بها على الحكم‪##‬ة من‬
‫النسخ‪ ،‬من أن الظروف تغيرت‪ ،‬واألحوال تبدلت‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا كان القول بالنسخ ذريعة للعلمانيين ال‪##‬ذين زعم‪##‬وا أن أحك‪##‬ام‬
‫القرآن الكريم السياسية ال تتناسب مع هذا العصر‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وكان الق‪##‬ول بالنس‪##‬خ ذريع‪##‬ة للمستش‪##‬رقين والمبش‪##‬رين للتش‪##‬كيك في‬
‫القرآن الكريم وبث سمومهم للعوام والمستضعفين‪.‬‬
‫وهك‪##‬ذا تكلم آخ‪##‬رون يثن‪##‬ون على حف‪##‬دة قت‪##‬ادة‪ ،‬وكي‪##‬ف‪ #‬اس‪##‬تطاعوا بحكمتهم‪#‬‬
‫وعلمهم أن ي‪##‬ردوا على ك‪##‬ل تل‪##‬ك الش‪##‬بهات‪ ،‬ال ب‪##‬التبرير‪ #‬والتم‪##‬اس ال‪##‬ذرائع‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫باستئصال‪ #‬المشكلة من جذورها‪ ،‬وبكل جرأة‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫سابعا ـ القرآن‪ ..‬وعقبات التأويل‬
‫في ص‪##‬باح الي‪##‬وم األخ‪##‬ير من زي‪##‬ارتي‪ #‬لتل‪##‬ك المدين‪##‬ة العجيب‪##‬ة‪ ،‬نهض‪##‬ت على‬
‫أصوات ضجة تمأل الشارع الذي كنت أقيم في‪##‬ه‪ ،‬لم تكن تختل‪##‬ف كث‪##‬يرا عن الض‪##‬جة‬
‫التي كنت أسمعها صباح كل يوم‪ ،‬لكنها كانت أكثر هدوءا‪.‬‬
‫سمعت أحدهم يقول لصاحبه‪ :‬هيا بنا إلى المعهد العالي للتفس‪##‬ير؛ فق‪##‬د س‪##‬معت‬
‫أن هناك لقاء كبيرا سيحصل بين علماء هذه المدينة المتنازعين في كل شيء‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬أجل‪ ..‬وقد وصل الخالف بينهم إلى حد التنابز باأللقاب‪ ..‬بل أحيان‪##‬ا‬
‫إلى حد التكفير والتضليل والتبديع‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد سمعت أن الجميع رضي بالتحاكم إلى معلم القصد واالعت‪##‬دال‪،‬‬
‫خاصة بع‪##‬د أن رأوا آث‪##‬اره في األي‪##‬ام المبارك‪##‬ة الس‪##‬ابقة‪ ،‬وال‪##‬تي تجاوزن‪#‬ا‪ #‬فيه‪##‬ا أك‪##‬ثر‬
‫المشاكل التي كانت تعيق فهمنا للقرآن الكريم‪ ،‬وتفعيلنا‪ #‬له في الحياة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬لقد كان لقدوم معلم القصد واالعتدال برك‪##‬ات كث‪##‬يرة على‬
‫مدينتنا‪ #..‬لقد صرت أشعر بأننا كنا مغالين في أشياء كثيرة حجبتنا عن معاني القرآن‬
‫الكريم الجميلة‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬لقد قض‪##‬يت ك‪##‬ل عم‪##‬ري أفتخ‪##‬ر بإتق‪##‬اني للرس‪##‬م الق‪##‬رآني‪..‬‬
‫وكأن القرآن تنزل من عند هللا لنكتبه بتلك الصيغة‪ ،‬ال لنعيش معانيه‪.‬‬
‫ق‪#‬ال آخ‪#‬ر‪ :‬وأن‪#‬ا ك‪##‬ذلك عش‪##‬ت ط‪#‬ول عم‪#‬ري أهتم فق‪##‬ط بمخ‪#‬ارج الح‪#‬روف‪ #‬ال‬
‫أتجاوزها‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وأنا مثلكم كان كل همي التع‪##‬رف على األح‪##‬داث ال‪##‬تي ن‪##‬زل بس‪##‬ببها‬
‫القرآن الكريم ال بتفعيله في واقع كل األزمنة واألمكنة‪..‬‬
‫بعد أن ق‪##‬الوا‪ #‬ه‪##‬ذا غ‪##‬يره‪ ..‬س‪##‬رت خلفهم‪ ،‬وأن‪##‬ا متعجب من ق‪##‬درة معلم القص‪##‬د‬
‫واالعتدال على التأثير في سكان تلك المدينة المملوءة بالغلو‪ ..‬لك‪##‬ني عن‪##‬دما ت‪##‬ذكرت‬
‫الحكمة القائلة‪( :‬تسبق أنوار‪ #‬الحكماء أقوالهم؛ فحيث صار التنوير وص‪##‬ل التعب‪##‬ير)‪،‬‬
‫واألخرى‪ #‬التي تقول‪( :‬كل كالم يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز)‪ ،‬ع‪#‬رفت أن‬
‫اللسان ليس سوى ترجمان للقلب‪ ،‬ولذلك بقدر تطهر القلب وصفائه ونورانيته يكون‬
‫للكالم تأثيره‪.‬‬
‫وقد جربت ذلك مع أهل المدين‪##‬ة؛ فق‪##‬د كنت أردد بينهم نفس كالم معلم القص‪##‬د‬
‫واالعتدال‪ ،‬لكن لم يعيروني‪ #‬أي اهتمام‪ ،‬بسبب افتق‪##‬ادي لم‪##‬ا يملك‪##‬ه المعلم‪##‬ون‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫كونهم‪( #‬النقطة تحت الباء)‪ ،‬والتي تعني العبودية المحض‪##‬ة‪ ..‬فمن ص‪##‬ار نقط‪##‬ة تحت‬
‫الباء جعله هللا باء يفعل بها ما يشاء‪.‬‬
‫ما هي إال لحظات حتى وصلت إلى ذل‪##‬ك المعه‪##‬د الع‪##‬الي ال‪##‬ذي تح‪##‬دثوا‪ #‬عن‪##‬ه‪،‬‬
‫وقد‪ #‬رأيت الكثير من سكان المدينة من العامة والعلماء يدخلون من بابه العريض‪.‬‬
‫‪482‬‬
‫في منص‪#‬ة القاع‪#‬ة الكب‪#‬يرة‪ ،‬وق‪#‬ف المعلم ب‪#‬أنواره الس‪#‬اطعة‪ ،‬وه‪#‬و يق‪#‬ول‪ :‬لق‪#‬د‬
‫اتصل بي بعد انتهاء محاكمة البارحة‪ ،‬كبار علم‪##‬ائكم المح‪#‬ترمين‪ ..‬وطلب‪##‬وا م‪##‬ني أن‬
‫أكون موجها لجلسة حول العقبات التي تحول بين التأويل والتوافق مع التنزيل‪ ..‬وقد‬
‫رضيت بذلك‪ ..‬فهل أنتم معشر الحضور‪ #‬راضون أيضا؟‬
‫قالوا جميعا بصوت واح‪##‬د‪ :‬نعم‪ ..‬وكي‪#‬ف‪ #‬ال نرض‪##‬ى‪ ،‬ولم ن‪##‬ر من‪##‬ك إال الخ‪##‬ير‬
‫والبركة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬لق‪##‬د رأيت من خالل اطالعي على واق‪##‬ع م‪##‬دينتكم‪ ،‬وجمي‪##‬ع الم‪##‬دن‬
‫التي تعظم القرآن الك‪##‬ريم لكنه‪##‬ا تح‪##‬رم نفس‪##‬ها من بركات‪##‬ه س‪##‬بع عقب‪##‬ات ال يمكن فهم‬
‫القرآن الكريم إال وتأويله التأويل الصحيح إال بعد تجاوزها‪#.‬‬
‫قالوا‪ :‬فما أولها؟‬
‫قال‪ :‬الفضول والتكلف والبحث فيما ال حاجة إليه‪ ،‬كما قال تعالى محذرا‪﴿ :‬يَ‪##‬ا‬
‫أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَسْأَلُوا ع َْن أَ ْشيَا َء إِ ْن تُ ْب َد لَ ُك ْم تَس ُْؤ ُك ْ‪#‬م َوإِ ْن ت َْس ‪#‬أَلُوا َع ْنهَ‪##‬ا ِحينَ يُنَ ‪َّ #‬ز ُل‬
‫حلِي ٌم﴾ [المائدة‪]101 :‬‬ ‫ْالقُرْ آنُ تُ ْب َد لَ ُك ْم َعفَا هَّللا ُ َع ْنهَا َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َ‬
‫قالوا‪ :‬فما الثانية؟‬
‫قال‪ :‬الخرافة‪ ..‬فالتأويل ال‪##‬ذي ال يس‪##‬تند للعق‪##‬ل والحكم‪##‬ة‪ ،‬س‪##‬يجعل من الق‪##‬رآن‬
‫الك‪##‬ريم مص‪##‬درا‪ #‬من مص‪##‬ادر الخراف‪##‬ة‪ ،‬ال مص‪##‬درا للعق‪##‬ل والحكم‪##‬ة‪ ..‬وب‪##‬ذلك يش‪##‬وه‬
‫كلمات هللا أعظم تشويه‪ ..‬بل يجع‪##‬ل من‪##‬ه حجاب‪##‬ا يح‪##‬ول بين الخل‪##‬ق واإليم‪##‬ان ب‪##‬ه‪ ،‬أو‬
‫االنفعال لما فيه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فما الثالثة؟‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬ال‪##‬وهم والخي‪##‬ال‪ ..‬فمن حكم وهم‪##‬ه وخيال‪##‬ه في كالم رب‪##‬ه‪ ،‬تربص‪##‬ت ب‪##‬ه‬
‫ك‬ ‫الشياطين‪ ،‬وزخرفت‪ #‬له من القول ما يحجبه عن كالم ربه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َك‪َ ##‬ذلِ َ‬
‫ُف ْالقَ‪##‬وْ ِل‬ ‫ْض ُز ْخر َ‪#‬‬‫ضهُ ْم إِلَى بَع ٍ‬ ‫س َو ْال ِجنِّ ي ِ‬
‫ُوحي‪ #‬بَ ْع ُ‬ ‫اطينَ اإْل ِ ْن ِ‬ ‫َج َع ْلنَا لِ ُك ِّل نَبِ ٍّي َع ُد ًّوا َشيَ ِ‬
‫ك َما فَ َعلُوه ُ فَ َذرْ هُ ْ‪#‬م َو َما يَ ْفتَرُونَ ﴾ [األنعام‪]112 :‬‬ ‫ُغرُورًا َولَوْ َشا َء َربُّ َ‬
‫قالوا‪ :‬فما الرابعة؟‬
‫ق‪##‬ال‪ :‬المحدودي‪##‬ة‪ ..‬فال‪##‬ذي يت‪##‬وهم محدودي‪##‬ة الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم وانحص‪##‬اره في‬
‫تأويالت السلف والخلف‪ ،‬لم يستوعب قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ونَ َّز ْلنَا‪َ #‬علَ ْيكَ ْال ِكت َ‬
‫َاب تِ ْبيَانً‪##‬ا لِ ُك‪##‬لِّ‬
‫َش ْي ٍء َوهُدًى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى لِ ْل ُم ْسلِ ِمينَ ﴾ [النح‪##‬ل‪ ..]89 :‬ولن يستطيع‪ #‬أن يحي‪##‬ا ب‪##‬القرآن‪،‬‬
‫أو يتحول إلى قرآن ناطق‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فما الخامسة؟‬
‫قال‪ :‬الحرفية والسطحية والسذاجة؛ فال‪##‬ذي يق‪##‬رأ الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم مس‪##‬تغرقا‪ #‬في‬
‫حروفه وألفاظه‪ ،‬دون حقائقه ومعانيه‪ ،‬قد يجع‪##‬ل من المتش‪##‬ابه محكم‪##‬ا‪ ،‬ومن المحكم‬
‫متشابها؛ فيضل عن سواء السبيل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فما السادسة؟‬

‫‪483‬‬
‫أو فيما ابتدعه لنفسه لتأويل كالم ربه ال يختلف عن أولئك الذين قال هللا تعالى فيهم‪:‬‬
‫ق بِ ِه ْم َم‪##‬ا َك‪##‬انُوا بِ‪ِ #‬ه‬ ‫ت فَ ِر ُح‪##‬وا بِ َم‪##‬ا ِع ْن‪َ #‬دهُ ْم ِمنَ ْال ِع ْل ِم َو َح‪##‬ا َ‪#‬‬ ‫﴿فَلَ َّما َجا َء ْتهُ ْم ُر ُسلُهُ ْم بِ ْالبَيِّنَ‪##‬ا ِ‬
‫ْزئُونَ ﴾ [غافر‪]83 :‬‬ ‫يَ ْستَه ِ‬
‫قالوا‪ :‬فما السابعة؟‬
‫قال‪ :‬الدجل والشعوذة‪ ،‬واستخدام القرآن الكريم في غير ما أنزل ألجله‪ ..‬كم‪##‬ا‬
‫ت بِ‪ِ #‬ه اأْل َرْ ضُ أَوْ ُكلِّ َم بِ‪ِ #‬ه ْال َم‪##‬وْ تَى‬ ‫ت بِ ِه ْال ِجبَا ُل أَوْ قُطِّ َع ْ‬ ‫﴿ولَوْ أَ َّن قُرْ آنًا ُسيِّ َر ْ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬‬
‫ج ِميعًا﴾ [الرعد‪]31 :‬‬ ‫بَلْ هَّلِل ِ اأْل َ ْم ُر َ‬
‫قالوا‪ :‬وعينا هذا‪ ..‬فكيف تريد منا أن نتجاوز‪ #‬هذه العقبات؟‬
‫‪ 1‬ـ عقبة الفضول‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬فلنبدأ بأول عقبة‪ ..‬وهي عقبة الفضول‪ ،‬وهي العقبة التي تتن‪##‬اقض‬
‫مع ما ورد في القرآن الك‪##‬ريم من ال‪##‬دعوة إلى ع‪#‬دم التكل‪##‬ف في البحث فيم‪##‬ا ال فائ‪##‬دة‬
‫فيه‪ ،‬أو ال جدوى منه‪ ،‬أو ال طاقة للعقل بفهمه‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬صدقت‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬ورد النهي عن ذل‪##‬ك ص‪##‬ريحا في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬يَ‪##‬ا‬
‫أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اَل تَسْأَلُوا ع َْن أَ ْشيَا َء إِ ْن تُ ْب َد لَ ُك ْم تَس ُْؤ ُك ْ‪#‬م َوإِ ْن ت َْس ‪#‬أَلُوا َع ْنهَ‪##‬ا ِحينَ يُنَ ‪َّ #‬ز ُل‬
‫ص‪#‬بَحُوا بِهَ‪##‬ا‬ ‫ْالقُرْ آنُ تُ ْب َد لَ ُك ْم َعفَا هَّللا ُ َع ْنهَا َوهَّللا ُ َغفُو ٌر َحلِي ٌم قَ ْد َسأَلَهَا قَوْ ٌم ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم ثُ َّم أَ ْ‬
‫َكافِ ِرينَ ﴾ [المائدة‪ ..]102-101 :‬فالبحث الذي ال مبرر له‪ ،‬وال حاجة إليه‪ ،‬لن يجر إال إلى‬
‫السوء‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا ضرب هللا تعالى المثل ببني إسرائيل وتكلفهم‪ ،‬حين لم يكتفوا‬
‫بتحقيق األمر اإللهي بذبح البقرة‪ ،‬بل راحوا يتكلفون؛ فيسألون عن أشياء لم يؤمروا‬
‫وس‪#‬ى‪ #‬لِقَوْ ِم‪ِ #‬ه إِ َّن هَّللا َ يَ‪##‬أْ ُم ُر ُك ْ‪#‬م أَ ْن‬ ‫‪#‬ال ُم َ‬ ‫﴿وإِ ْذ قَ‪َ #‬‬ ‫به‪##‬ا؛ فش‪##‬دد‪ #‬هللا عليهم‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ع لَنَ‪##‬ا‬ ‫ت َْذبَحُوا‪ #‬بَقَ َرةً قَالُوا‪ #‬أَتَتَّ ِخ ُذنَا هُ ُز ًوا قَا َل أَعُو ُذ بِاهَّلل ِ أَ ْن أَ ُكونَ ِمنَ ْال َجا ِهلِينَ قَ‪##‬الُوا ا ْد ُ‬
‫ان بَ ْينَ َذلِ‪َ #‬‬
‫ك‬ ‫‪#‬و ٌ‬ ‫‪#‬ارضٌ َواَل بِ ْك‪ٌ #‬ر َع‪َ #‬‬ ‫‪#‬رةٌ اَل فَ‪ِ #‬‬ ‫ك يُبَي ِّْن لَنَا َم‪##‬ا ِه َي قَ‪##‬ا َل إِنَّهُ يَقُ‪##‬و ُل إِنَّهَ‪##‬ا بَقَ‪َ #‬‬ ‫َربَّ َ‬
‫‪#‬ال إِنَّهُ يَقُ‪#‬و ُل إِنَّهَ‪#‬ا بَقَ‪َ #‬رةٌ‬ ‫ع لَنَ‪#‬ا َربَّكَ يُبَي ِّْن لَنَ‪#‬ا َم‪#‬ا لَوْ نُهَ‪#‬ا قَ َ‬ ‫فَا ْف َعلُوا َما تُ ْ‪#‬ؤ َمرُونَ قَ‪#‬الُوا ا ْد ُ‬
‫‪#‬ر ت ََش‪#‬ابَهَ‬ ‫ك يُبَي ِّْن لَنَ‪#‬ا َم‪#‬ا ِه َي إِ َّن ْالبَقَ َ‬ ‫ع لَنَا َربَّ َ‬ ‫اظ ِرينَ قَالُوا ا ْد ُ‬ ‫ص ْف َرا ُء فَاقِ ٌع لَوْ نُهَا تَسُرُّ النَّ ِ‬ ‫َ‬
‫ض َواَل‬ ‫َ‬ ‫أْل‬ ‫ُ‬
‫‪#‬رة ذل‪##‬و ٌل تثِ‪##‬ي ُر ا رْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اَل‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬
‫َعلَ ْينَا َوإِنا إِن شا َء ُ ل ُم ْهت‪#‬دونَ ق‪##‬ا َل إِنهُ يَق‪##‬و ُل إِنهَ‪##‬ا بَق‪َ #‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ق فَ‪َ #‬ذبَحُوهَا َو َم‪##‬ا َك‪##‬ادُوا‬ ‫ث ُم َس‪#‬لَّ َمةٌ اَل ِش‪#‬يَةَ فِيهَ‪##‬ا قَ‪##‬الُوا اآْل نَ ِج ْئتَ بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال َح ِّ‬ ‫ت َْس‪#‬قِي ْال َح‪##‬رْ َ‬
‫يَ ْف َعلُونَ ﴾ [البقرة‪]71-67 :‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬وله‪##‬ذا نهى هللا تع‪##‬الى عن الخ‪##‬وض في التفاص‪##‬يل المرتبط‪##‬ة بأه‪##‬ل‬
‫الكهف‪ ،‬ألن العبرة في القصة ليست في عدد أه‪##‬ل الكه‪##‬ف‪ ،‬وال أس‪##‬مائهم‪ ،‬وإنم‪##‬ا في‬
‫﴿س‪#‬يَقُولُونَ ثَاَل ثَ‪#‬ةٌ‬ ‫دينهم وثباتهم‪ ،‬وقد قال تع‪##‬الى يش‪##‬ير إلى ذل‪##‬ك التخب‪##‬ط والفض‪##‬ول‪َ :‬‬
‫ب َويَقُولُونَ َس ‪ْ #‬ب َعة َوث‪##‬ا ِمنهُ ْم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َرابِ ُعهُْ‪#‬م َك ْلبُهُ ْم َويَقُولُونَ خَ ْم َسةٌ َسا ِد ُسهُ ْم َك ْلبُهُ ْم َرجْ ًما بِ ْال َغ ْي ِ‬
‫‪#‬را ًء ظَ‪##‬ا ِهرًا َواَل‬ ‫‪#‬ار فِي ِه ْم إِاَّل ِم‪َ #‬‬‫َك ْلبُهُ ْم قُلْ َربِّي أَ ْعلَ ُم بِ ِع َّدتِ ِه ْ‪#‬م َما يَ ْعلَ ُمهُ ْم إِاَّل قَلِي‪ٌ #‬ل فَاَل تُ َم‪ِ #‬‬
‫ث ِمائَ‪ٍ ##‬ة ِس‪##‬نِينَ‬ ‫وق‪##‬ال‪﴿:‬ولَبِثُ‪##‬وا فِي َك ْهفِ ِه ْم ثَاَل َ‬ ‫َ‬ ‫ت فِي ِه ْم ِم ْنهُ ْم أَ َح‪ ##‬دًا﴾ [الكه‪###‬ف‪،]22 :‬‬ ‫ت َْس‪##‬تَ ْف ِ‬
‫ْصرْ بِ ِه َوأَ ْس ‪ِ #‬م ْع‬ ‫ض أَب ِ‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ازدَادُوا تِ ْسعًا قُ ِل هَّللا ُ أَ ْعلَ ُم بِ َما لَبِثُوا لَهُ َغيْبُ ال َّس َم َ‬ ‫َو ْ‬
‫‪484‬‬
‫أَ َ‬
‫حدًا﴾ [الكهف‪]26-25 :‬‬ ‫ك فِي ُح ْك ِم ِه‬ ‫َما لَهُ ْم ِم ْن دُونِ ِه ِم ْن َولِ ٍّي َواَل يُ ْش ِر ُ‬
‫قال آخر‪ :‬بورك فيك معلمنا‪ ..‬لألسف قضيت ك‪##‬ل عم‪##‬ري‪ ،‬وأن‪##‬ا أخ‪##‬الف ه‪##‬ذه‬
‫األوامر‪ #‬القرآني‪#‬ة‪ ،‬فب‪#‬دل أن أهتم باللب‪#‬اب والت‪#‬دبر‪ ،‬كنت أبحث في تفاص‪#‬يل ال مع‪#‬نى‬
‫لها‪ ،‬وال جدوى منه‪##‬ا‪ ،‬وال دلي‪##‬ل عليه‪##‬ا‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك أني كنت أذك‪##‬ر في‬
‫تفسير قص‪#‬ة أص‪#‬حاب الكه‪#‬ف الكث‪#‬ير من الغ‪#‬رائب ال‪#‬تي ال دلي‪#‬ل عليه‪#‬ا س‪#‬وى‪ #‬تل‪#‬ك‬
‫الروايات التي ال أدري مصدرها‪#..‬‬
‫وكنت أتفنن في ذكر الخالف ال‪##‬وارد فيه‪##‬ا؛ ف‪##‬أذكر لهم م‪##‬ا روي عن مجاه‪##‬د‪،‬‬
‫وأنه قال‪ :‬اسم كلبهم قطمور‪ ..‬وعن الحسن قال‪ :‬اسم كلب أصحاب الكهف قطم‪##‬ير‪..‬‬
‫وعن ابن جريج ق‪##‬ال‪ :‬قلت لرج‪##‬ل من أه‪##‬ل العلم‪ :‬زعم‪##‬وا أن كلبهم ك‪##‬ان أس‪##‬دا ق‪##‬ال‪:‬‬
‫لعمر هللا ما كان أسدا ولكنه كان كلبا أحمر خرجوا‪ #‬به من بيوتهم‪ #‬يق‪##‬ال ل‪#‬ه قطم‪##‬ور‪..‬‬
‫وعن كثير النواء ق‪#‬ال‪ :‬ك‪#‬ان كلب أص‪#‬حاب الكه‪#‬ف أص‪#‬فر‪ ..‬وعن س‪#‬فيان ق‪#‬ال‪ :‬ق‪#‬ال‬
‫رجل بالكوفة يقال له‪ :‬عبيد وكان ال يتهم بكذب‪ :‬رأيت كلب أصحاب الكه‪##‬ف أحم‪##‬ر‬
‫كأنه كساء انبجاني‪ ..‬وعن عبيد الس‪#‬واق ق‪##‬ال‪ :‬رأيت كلب أص‪#‬حاب الكه‪##‬ف ص‪##‬غيرا‬
‫باسطا‪ #‬ذراعيه بفناء باب الكهف وهو يقول‪ :‬هكذا يضرب بأذني‪##‬ه‪ ..‬وعن عب‪##‬د هللا بن‬
‫صي ِد﴾ [الكه‪##‬ف‪ ]18 :‬قال‪ :‬جع‪##‬ل رزق‪##‬ه‬ ‫﴿و َك ْلبُهُ ْم بَا ِسطٌ ِذ َرا َع ْي ِه بِ ْال َو ِ‬
‫حميد المكي في قوله‪َ :‬‬
‫في لحس ذراعي‪##‬ه‪ ..‬وغيره‪##‬ا من التفاص‪##‬يل الكث‪##‬يرة ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل عليه‪##‬ا‪ ،‬وال داعي‬
‫لها(‪.)1‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت عند تفسير قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ يَرْ فَ ‪ُ #‬ع إِ ْب‪َ #‬‬
‫‪#‬را ِهي ُم‬
‫الس ‪ِ #‬مي ُع ْال َعلِي ُم﴾ [البق‪###‬رة‪..]127 :‬‬
‫ت َوإِ ْس ‪َ #‬ما ِعي ُل َربَّنَ‪##‬ا تَقَبَّلْ ِمنَّا إِنَّكَ أَ ْنتَ َّ‬
‫ْالقَ َوا ِع‪َ #‬د ِمنَ ْالبَ ْي ِ‬
‫وبدل أن أدعوهم إلى التدبر في المعاني الواردة في اآلية الكريمة أخ‪##‬وض معهم في‬
‫تفاصيل كثيرة‪ ،‬ال دليل عليها‪ ..‬كنت أنقلها لهم عن األزرقي‪ ،‬وأمثاله من الم‪##‬ؤرخين‬
‫والمفس‪##‬رين ال‪##‬ذين هم كح‪##‬اطبي لي‪##‬ل‪ ،‬وال يم‪##‬يزون بين الغث والس‪##‬مين‪ ،‬والمقب‪##‬ول‪،‬‬
‫والمردود‪ ،‬في بناء ال‪##‬بيت‪ ،‬ومن بن‪##‬اه قب‪##‬ل إب‪##‬راهيم‪ :‬أهم المالئك‪##‬ة أم آدم؟‪ ..‬والحج‪##‬ر‬
‫األس‪##‬ود‪ #‬ومن أين ج‪##‬اء؟ وم‪##‬ا ورد‪ #‬في فض‪##‬لهما‪ #..‬وق‪##‬د اس‪##‬تغرق‪ #‬في ه‪##‬ذا النق‪##‬ل ال‪##‬ذي‬
‫معظمه من اإلسرائيليات التي أخذت عن أه‪##‬ل الكت‪##‬اب بض‪##‬ع عش‪##‬رة ص‪##‬حيفة(‪ ،)3‬ال‬
‫يزيد ما صح منها أو ثبت عن عشر هذا المقدار‪.‬‬
‫ومن تلك الغرائب التي كنت أرويها لهم ما حك‪##‬اه عط‪##‬اء بن أبي رب‪##‬اح‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(لم‪#‬ا أهب‪#‬ط هللا آدم من الجن‪#‬ة‪ :‬ك‪##‬ان رجاله في األرض‪ ،‬ورأس‪#‬ه في الس‪#‬ماء‪ ..‬يس‪#‬مع‬
‫كالم أهل السماء ودع‪##‬اءهم‪ ،‬وي‪##‬أنس إليهم فهابت‪##‬ه المالئك‪##‬ة‪ ،‬ح‪##‬تى ش‪##‬كت إلى هللا في‬
‫دعائها‪ ،‬وفي‪ #‬صالتها‪ ،‬فوجه إلى مكة‪ ،‬فكان موضع‪ #‬قدمه قرية وخطوه مف‪##‬ازة ح‪##‬تى‬
‫انتهى إلى مكة وأنزل هللا ياقوتة من ياقوت الجن‪##‬ة‪ ،‬فك‪##‬انت على موض‪##‬ع ال‪##‬بيت اآلن‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)5/373‬‬
‫‪ )(2‬اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير‪.168/‬‬
‫‪ )(3‬الدر المنثور ج‪ 1‬من‪ 125/‬ـ ‪.137‬‬
‫‪485‬‬
‫فلم يزل يطوف ب‪##‬ه‪ ،‬ح‪##‬تى أن‪##‬زل هللا الطوف‪##‬ان ف‪##‬رفعت‪ #‬تل‪##‬ك الياقوت‪##‬ة‪ ،‬ح‪##‬تى بعث هللا‬
‫ت أَ ْن اَل تُ ْش ِر ْك بِي‬ ‫﴿وإِ ْذ بَ َّو ْأنَا إِل ِ ب َْرا ِهي َم َم َكانَ ْالبَ ْي ِ‬
‫إبراهيم‪ ،‬فبناه‪ ،‬فذلك قول هللا تعالى‪َ :‬‬
‫َش ْيئًا َوطَه ْ‪ِّ#‬ر بَ ْيتِ َي لِلطَّائِفِينَ َو ْالقَائِ ِمينَ َوالرُّ َّك ِع ال ُّسجُو ِد﴾ [الحج‪ .. 1 )]26 :‬إلى غير ذلك‬
‫)‬ ‫(‬
‫مما مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وخرافاتهم‪ ،‬ولم يصح في ذلك خبر عن رس‪##‬ول‬
‫هللا ‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلكم أن‪##‬ا فق‪##‬د كنت أفس‪##‬ر لهم قول‪##‬ه تع‪##‬الى ـ في قص‪##‬ة ط‪##‬الوت‪،‬‬
‫وتنصيبه ملكا على بني إسرائيل‪ ،‬واعتراض بني إسرائيل علي‪##‬ه‪ ،‬وإخب‪##‬ار‪ #‬ن‪##‬بيهم لهم‬
‫‪#‬ال لَهُ ْم نَبِيُّهُ ْم إِ َّن آيَ‪#‬ةَ ُم ْل ِك‪ِ #‬ه أَ ْن يَ‪##‬أْتِيَ ُك ُم‬
‫﴿وقَ‪َ #‬‬ ‫باآلي‪##‬ة الدال‪##‬ة على ملك‪##‬ه‪ ،‬وهي الت‪##‬ابوت ـ‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫ُوت فِي ِه َس ِكينَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َوبَقِيَّةٌ ِم َّما ت ََركَ آ ُل ُمو َسى َوآ ُل هَ‪##‬ارُونَ تَحْ ِملُ‪#‬هُ ال َماَل ئِ َك‪ #‬ةُ‬ ‫التَّاب ُ‬
‫ك آَل يَةً لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [البقرة‪ ]248 :‬من الفضول والتكلف م‪##‬ا يص‪##‬رفهم‬ ‫إِ َّن فِي َذلِ َ‬
‫عن التأمل في هذه اآلية الكريمة‪.‬‬
‫ومن األمثل‪###‬ة على ذل‪###‬ك م‪###‬ا كنت أروي‪###‬ه لهم نقال عن تفاس‪###‬ير ابن جري‪###‬ر‪،‬‬
‫والثعلبي‪ ،‬والبغوي‪ #،‬والقرط‪#‬بي‪ ،‬وابن كث‪#‬ير‪ ،‬من األخب‪##‬ار عن الص‪##‬حابة والت‪##‬ابعين‪،‬‬
‫وعن وهب بن منبه‪ ،‬وغ‪##‬يره من مس‪##‬لمة أه‪##‬ل الكت‪##‬اب في وص‪##‬ف الت‪##‬ابوت‪ ،‬وكي‪##‬ف‬
‫جاء‪ ،‬وعالم يشتمل‪ ،‬وعن السكينة وكيف صفتها‪.‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن التابوت كان من خشب الشمشاد‪ ،‬نحوا من ثالثة أذرع في‬
‫ذراعين‪ ،‬كان عن‪##‬د آدم إلى أن م‪##‬ات‪ ،‬ثم عن‪##‬د ش‪##‬يث‪ ،‬ثم توارث‪##‬ه أوالده‪ ،‬إلى إب‪##‬راهيم‬
‫عليه السالم‪ ،‬ثم كان عند إسماعيل عليه الس‪##‬الم ‪ ،‬ثم يعق‪##‬وب علي‪##‬ه الس‪##‬الم ‪ ،‬ثم ك‪##‬ان‬
‫في بني إسرائيل‪ ،‬إلى أن وص‪##‬ل إلى موس‪##‬ى علي‪##‬ه الس‪##‬الم فك‪##‬ان يض‪##‬ع في‪##‬ه الت‪##‬وراة‬
‫ومتاعا من متاعه‪ ،‬فكان عنده إلى أن مات‪ ،‬ثم تداوله أنبي‪##‬اء ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل إلى وقت‬
‫شمويل‪ ،‬وكان عندهم حتى عصوا‪ ،‬فغلبوا عليه؛ غلبهم عليه العمالقة(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر لهم أن السكينة الواردة في قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪:‬‬
‫ك ْم﴾ [البق‪##‬رة‪]248 :‬‬ ‫ُوت فِي ‪ِ #‬ه َس ‪ِ #‬كينَةٌ ِم ْن َربِّ ُ‬ ‫‪#‬ال لَهُ ْم نَبِيُّهُ ْم إِ َّن آيَ ‪#‬ةَ ُم ْل ِك‪ِ #‬ه أَ ْن يَ‪##‬أْتِيَ ُك ُم التَّاب ُ‬
‫﴿ َوقَ‪َ #‬‬
‫عبارة عن (ريح خجوج حفّافة لها رأسان ووج‪##‬ه كوج‪##‬ه اإلنس‪##‬ان)‪ ..‬وأن (له‪##‬ا رأس‬
‫ك‪##‬رأس اله ‪#‬رّة وذنب ك‪##‬ذنب اله ‪#‬رّة وجناح‪##‬ان) (‪ ..)3‬أو أنه‪##‬ا (ه ‪#‬رّة ميّت‪##‬ة ك‪##‬انت إذا‬
‫صرخت في التابوت بصراخ ه ّر أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح) (‪ ..)4‬أو أنها (طست‬
‫من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب األنبياء) ‪ ..‬أو أنها (روح من هللا ع ّز وج ّل‬
‫يتكلم‪ ،‬إذا اختلفوا في شيء تكلّم فأخبرهم ببيان ما يريدون)‬
‫مع أني ل‪#‬و رجعت إلى الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم‪ ،‬وبحثت عن مع‪#‬نى الس‪#‬كينة‪ ،‬لوج‪#‬دت‬
‫ذلك بك‪##‬ل س‪##‬هولة؛ فالس‪##‬كينة(‪ )5‬هي تل‪##‬ك الطمأنيني‪##‬ة‪ ،‬والس‪##‬كون ال‪##‬ذي يح‪##‬ل ب‪##‬القلب‪،‬‬
‫تفسير ابن جرير ج‪.429 ،1/428‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الدر المنثور في التفسير بالماثور (‪)3/131‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الثعلبي (‪)2/213‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تاريخ الطبري‪.1/327 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير‪.171/‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪486‬‬
‫وبذلك ف‪##‬إن تق‪##‬ديم الت‪##‬ابوت أم‪##‬ام الجيش‪ ،‬س‪##‬يكون من أس‪##‬باب الس‪##‬كون‪ ،‬والطمأنين‪##‬ة‪،‬‬
‫فتقوى‪ #‬نفوسهم‪ ،‬وتشتد‪ #‬معنوياتهم‪ #‬فيك‪##‬ون ذل‪##‬ك من أس‪##‬باب النص‪##‬ر‪ ،‬وه‪##‬و ب‪##‬ذلك مث‪##‬ل‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ َوأَ ْن‪##‬زَ َل ُجنُ‪##‬ودًا لَ ْم‬ ‫قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬ثُ َّم أَ ْن‪َ #‬ز َل هَّللا ُ َس ‪ِ #‬كينَتَهُ َعلَى َر ُس ‪#‬ولِ ِه َو َعلَى ْال ُم‪ْ #‬‬
‫ك َجزَ ا ُء ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [التوبة‪ ]26 :‬أي طمأنينته‪ ،‬وم‪##‬ا ثبت‬ ‫ب الَّ ِذينَ َكفَرُوا َو َذلِ َ‬ ‫ت ََروْ هَا‪َ #‬وع ََّذ َ‬
‫‪#‬زدَادُوا‬ ‫ب ْال ُم‪ْ #‬‬
‫‪#‬ؤ ِمنِينَ لِيَ‪ْ #‬‬ ‫الس‪ِ #‬كينَةَ فِي قُلُ‪##‬و ِ‬ ‫به قلبه‪ ،‬ومثل قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬هُ‪َ #‬و الَّ ِذي أَ ْن‪##‬زَ َل َّ‬
‫ض َو َكانَ هَّللا ُ َعلِي ًم‪##‬ا َح ِكي ًم‪##‬ا﴾ [الفتح‪..]4 :‬‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫إِي َمانًا َم َع إِي َمانِ ِه ْم َوهَّلِل ِ ُجنُو ُد ال َّس َم َ‬
‫‪#‬وى‬ ‫‪#‬ؤ ِمنِينَ َوأَ ْل‪##‬زَ َمهُ ْم َكلِ َم‪ #‬ةَ التَّ ْق‪َ #‬‬‫وقول‪##‬ه‪ ﴿ :‬فَ‪##‬أ َ ْنزَ َل هَّللا ُ َس ‪ِ #‬كينَتَهُ َعلَى َر ُس ‪#‬ولِ ِه َو َعلَى ْال ُم‪ْ #‬‬
‫علِي ًما﴾ [الفتح‪]26 :‬‬ ‫ق بِهَا َوأَ ْهلَهَا َو َكانَ هَّللا ُ بِ ُكلِّ َش ْي ٍء َ‬ ‫َو َكانُوا‪ #‬أَ َح َّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم‪ .‬أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر لهم في تفسير مجيئ المالئك‪##‬ة بالت‪#‬ابوت‬
‫قصصا‪ #‬كثيرة مملوءة بالغرابة‪ ،‬مع أن القرآن الكريم اكتفى بذكر ذلك‪ ..‬ومن األمثلة‬
‫على ذلك ما كنت أروي‪##‬ه لهم من أن (الت‪##‬ابوت ك‪##‬ان بأريح‪##‬اء‪ ،‬وك‪##‬ان ال‪##‬ذين اس‪##‬تولوا‬
‫علي‪##‬ه وض‪##‬عوه في بيت آلهتهم تحت ص‪##‬نمهم األك‪##‬بر‪ ،‬فأص‪##‬بح الت‪##‬ابوت على رأس‬
‫الص‪#‬نم‪ ،‬ف‪#‬أنزلوه‪ ،‬فوض‪#‬عوه تحت‪#‬ه‪ ،‬فأص‪#‬بح ك‪#‬ذلك‪ ،‬فس‪#‬مروه تحت‪#‬ه‪ ،‬فأص‪#‬بح الص‪#‬نم‬
‫مكسور‪ #‬الق‪#‬وائم‪ ،‬ملقى بعي‪#‬دا‪ ،‬فعلم‪#‬وا أن ه‪#‬ذا أم‪#‬ر من هللا ال قب‪#‬ل لهم ب‪#‬ه‪ ،‬ف‪#‬أخرجوا‪#‬‬
‫التابوت من بلدهم فوضعوه في بعض القرى‪ ،‬فأص‪##‬اب أهله‪##‬ا أم‪##‬راض في رق‪##‬ابهم‪#..‬‬
‫فتحيروا في األمر‪ ،‬فقالت لهم امرأة كانت عندهم من س‪#‬بي ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬من أوالد‬
‫األنبياء‪ :‬ال تزالون ت‪##‬رون م‪##‬ا تكره‪##‬ون م‪##‬ا دام ه‪##‬ذا الت‪##‬ابوت فيكم‪ ،‬ف‪##‬أخرجوه عنكم‪،‬‬
‫فأتوا‪ #‬بعجلة‪ ،‬بإشارة تلك الم‪##‬رأة‪ ،‬وحمل‪##‬وا عليه‪##‬ا الت‪##‬ابوت‪ ،‬ثم علقوه‪##‬ا على ث‪##‬ورين‪،‬‬
‫وض‪##‬ربوا‪ #‬جنوبهم‪##‬ا‪ #،‬فأقب‪##‬ل الث‪##‬وران يس‪##‬يران‪ ،‬ووك‪##‬ل هللا بهم‪##‬ا أربع‪##‬ة من المالئك‪##‬ة‬
‫يس‪##‬وقونهما‪ #،‬ف‪##‬أقبال ح‪##‬تى وقف‪##‬ا على أرض ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬فكس‪##‬را نيريهم‪##‬ا‪ #،‬وقطع‪##‬ا‬
‫حبالهم‪##‬ا‪ ،‬ووض‪##‬عا‪ #‬الت‪##‬ابوت في أرض فيه‪##‬ا حص‪##‬اد ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬ورجع‪##‬ا إلى‬
‫أرضهما‪ ،‬فلم يرع بني إسرائيل إال التابوت‪ ،‬فكبروا‪ ،‬وحمدوا هللا تعالى) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم‪ .‬أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر لهم التفاصيل الكث‪##‬يرة المرتبط‪##‬ة بالبقي‪##‬ة‬
‫الباقية مما ترك آل موسى وآل هارون عليهم‪##‬ا الس‪##‬الم ‪ ،‬وال‪##‬تي ك‪##‬انت محفوظ‪##‬ة في‬
‫وس‪#‬ى َوآ ُل هَ‪##‬ارُونَ ﴾ [البق‪##‬رة‪]248 :‬ومن‬ ‫‪#‬ركَ آ ُل ُم َ‬ ‫﴿وبَقِيَّةٌ ِم َّما تَ‪َ #‬‬
‫التابوت‪ ،‬كما قال تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫غير أي دليل سوى تلك الروايات الكثيرة التي ال تستند إال لخرافات ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪..‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أني كنت أذكر لهم أنها كانت عبارة عن (عصا موس‪##‬ى علي‪##‬ه‬
‫السالم ورضاض األلواح؛ ألنها انكسرت لما ألقاها موس‪#‬ى علي‪#‬ه الس‪#‬الم حين ع‪#‬اد‪،‬‬
‫فوجدهم يعبدون العجل‪ ..‬أو أنه‪##‬ا عص‪##‬ا موس‪#‬ى‪ #‬علي‪##‬ه الس‪##‬الم وعص‪##‬ا ه‪##‬ارون علي‪#‬ه‬
‫السالم‪ ،‬ولوحين من التوراة‪ ،‬وقفيز من المن الذي كان ينزل على ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل في‬
‫التي‪##‬ه‪ ..‬أو أنه‪##‬ا عص‪##‬ا موس‪##‬ى‪ ،‬ونعاله‪ ،‬وعص‪##‬ا ه‪##‬ارون وعمامت‪##‬ه‪ ،‬وثي‪##‬اب موس‪##‬ى‪،‬‬
‫وثياب هارون‪ ،‬ورضاض األلواح) (‪ ..)2‬وكنت أجتهد في الترجيح بين هذه األقوال‪،‬‬
‫‪ )(1‬تفسير الثعلبي (‪)2/214‬‬
‫‪ )(2‬تفسير الطبري (‪)5/331‬‬
‫‪487‬‬
‫وكأنها‪ #‬مسألة ترتبط بقضايا الدين الكبرى‪ ،‬التي ال يتم إال بها‪.‬‬
‫م‪##‬ع أني ل‪##‬و اكتفيت بم‪##‬ا ورد في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم لعلمت أن‪#‬ه ك‪##‬ان في الت‪##‬ابوت‬
‫مخلفات من مخلفات موسى‪ ،‬وهارون عليهما السالم‪ ،‬وأن هذا التابوت كان مص‪##‬در‬
‫سكينة‪ ،‬وطمأنينة لب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬وال س‪##‬يما عن‪##‬د قت‪##‬ال ع‪##‬دوهم‪ ،‬وأن‪##‬ه ع‪#‬اد إلى ب‪##‬ني‬
‫إس‪##‬رائيل‪ ،‬تحمل‪##‬ه المالئك‪##‬ة‪ ،‬من غ‪##‬ير بحث في الطري‪##‬ق ال‪##‬تي حملت‪##‬ه به‪##‬ا المالئك‪##‬ة‪،‬‬
‫وبذلك كان التابوت آية دالة على صدق‪ #‬طالوت في كونه ملكا عليهم‪ ،‬وما وراء ذلك‬
‫من األخبار التي سمعتها لم يقم عليها دليل‪ ،‬وال فائدة علمية وال عملية لها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬قَالُوا يَا ُمو َسى‪ #‬إِ َّن فِيهَا‬
‫َاخلُ‪##‬ونَ ﴾‬ ‫َّارينَ َوإِنَّا لَ ْن نَ‪ْ #‬د ُخلَهَا َحتَّى يَ ْخ ُر ُج‪##‬وا ِم ْنهَ‪##‬ا فَ‪#‬إِ ْن يَ ْخ ُر ُج‪##‬وا ِم ْنهَ‪##‬ا فَإِنَّا د ِ‬
‫قَوْ ًم‪##‬ا َجب ِ‬
‫[المائدة‪ ،]22 :‬وبدل الحث على التدبر فيما تحمله اآلية الكريم‪#‬ة من المع‪#‬اني المرتبط‪#‬ة‬
‫بالمجتمعات وبسنن نص‪##‬ر هللا له‪##‬ا‪ ،‬رحت أش‪##‬حن عق‪##‬ول المس‪##‬تمعين لي ب‪##‬الكثير من‬
‫التفاصيل الخرافية التي ال تختلف عن حكايات ألف ليلة وليلة‪.‬‬
‫ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك أني كنت أذك‪##‬ر األوص‪##‬اف‪ #‬الكث‪##‬يرة الغريب‪##‬ة له‪##‬ؤالء‬
‫الجبارين‪ ،‬وعظم أجسادهم‪ ،‬مما ال يدل عليه الواق‪##‬ع والعلم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك‬
‫ما كنت أرويه عن بعضهم أنه قال‪( :‬استظل سبعون رجال من قوم موس‪##‬ى في خ‪##‬ف‬
‫رج‪##‬ل من العم‪##‬اليق)‪ ..‬وعن بعض‪##‬هم أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪( :‬بلغ‪##‬ني أن‪##‬ه رؤيت ض‪##‬بع وأوالده‪#‬ا‪#‬‬
‫رابضة في فجاج عين رج‪##‬ل من العم‪##‬اليق)‪ ..‬وعن بعض‪##‬هم أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪( :‬أم‪##‬ر موس‪#‬ى‪#‬‬
‫عليه السالم أن يدخل مدينة الجبارين‪ ،‬فسار بمن معه‪ ،‬حتى نزل قريب‪#‬ا من المدين‪#‬ة‪،‬‬
‫وهي أريحاء؛ فبعث إليهم اث‪##‬ني عش‪##‬ر نقيب‪##‬ا‪ ،‬من ك‪##‬ل س‪##‬بط منهم عين؛ لي‪##‬أتوه بخ‪##‬بر‬
‫القوم‪ ،‬فدخلوا المدينة‪ ،‬فرأوا أم‪#‬را عظيم‪#‬ا من هيبتهم‪ ،‬وجس‪#‬مهم‪ ،‬وعظمهم‪ ،‬ف‪#‬دخلوا‬
‫حائطا أي‪ :‬بستانا لبعضهم فجاء ص‪##‬احب الحائ‪##‬ط ليج‪##‬ني الثم‪##‬ار‪ ،‬فنظ‪#‬ر‪ #‬إلى آث‪##‬ارهم‬
‫فتبعهم‪ ،‬فكلم‪##‬ا أص‪##‬اب واح‪##‬دا منهم أخ‪##‬ذه‪ ،‬فجعل‪##‬ه في كم‪##‬ه م‪##‬ع الفاكه‪##‬ة وذهب إلى‬
‫ملكهم‪ ،‬فن‪##‬ثرهم بين يدي‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال المل‪##‬ك‪ :‬ق‪##‬د رأيتم ش‪##‬أننا وأمرن‪##‬ا‪ #،‬اذهب‪##‬وا ف‪##‬أخبروا‬
‫صاحبكم؛ فرجعوا إلى موسى عليه الس‪#‬الم ف‪#‬أخبروه بم‪#‬ا ع‪#‬اينوه من أم‪#‬رهم‪ ،‬فق‪#‬ال‪:‬‬
‫اكتم‪##‬وا عن‪##‬ا‪ ،‬فجع‪##‬ل الرج‪##‬ل يخ‪##‬بر أخ‪##‬اه وص‪##‬ديقه‪ ،‬ويق‪##‬ول‪ :‬اكتم ع‪##‬ني‪ ،‬فأش‪##‬يع‪ #‬في‬
‫عس‪###‬كرهم‪ ،‬ولم يكتم منهم إال رجالن‪ :‬يوش‪###‬ع بن ن‪###‬ون‪ ،‬وك‪###‬الب بن يوحن‪###‬ا‪ ..‬وعن‬
‫بعض‪##‬هم‪ :‬أن عنق‪##‬ود عنبهم ال يحمل‪##‬ه إال خمس‪##‬ة أنفس‪ ،‬بينهم في خش‪##‬بة وي‪##‬دخل في‬
‫شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس وأربعة(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا؛ فقد كنت مولع‪##‬ا بم‪##‬ا ذك‪##‬ره المفس‪##‬رون والمح‪##‬دثون عن‪##‬د‬
‫َّارينَ َوإِنَّا لَ ْن‬
‫وس‪#‬ى إِ َّن فِيهَ‪##‬ا قَوْ ًم‪##‬ا َجب ِ‬ ‫ذكر الجبارين في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬قَالُوا يَا ُم َ‬
‫َاخلُونَ ﴾ [المائدة‪ ]22 :‬من قصة ع‪##‬وج‬ ‫نَ ْد ُخلَهَا َحتَّى يَ ْخ ُرجُوا ِم ْنهَا فَإِ ْن يَ ْخ ُرجُوا‪ِ #‬م ْنهَا فَإِنَّا د ِ‬
‫بن عوق‪ ،‬وأنه كان طوله ثالثة آالف ذراع‪ ،‬وأنه ك‪##‬ان يمس‪##‬ك الح‪##‬وت‪ ،‬فيش‪##‬ويه في‬
‫عين الشمس‪ ،‬وأن طوفان نوح لم يصل إلى ركبتيه‪ ،‬وأنه امتنع عن رك‪##‬وب الس‪##‬فينة‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)3/48‬‬
‫‪488‬‬
‫م‪##‬ع ن‪##‬وح‪ ،‬وأن موس‪#‬ى‪ #‬ك‪##‬ان طول‪##‬ه عش‪##‬رة أذرع وعص‪##‬اه عش‪##‬رة أذرع‪ ،‬ووثب في‬
‫الهواء عشرة أذرع‪ ،‬فأصاب كعب عوج فقتله‪ ،‬فكان جسرا ألهل النيل سنة‪.‬‬
‫وكنت أحكي للمستمعين لي ما رواه ابن جرير من أمر موسى‪ #‬وبني إسرائيل‬
‫وبعث موسى النقباء االثني عشر‪ ،‬وفيها‪ #:‬فلقيهم رجل من الجبارين يقال ل‪##‬ه‪ :‬ع‪##‬وج‪،‬‬
‫فأخذ االثني عشر فجعلهم في حجزت‪##‬ه‪ ،‬وعلى رأس‪##‬ه حمل‪##‬ة حطب‪ ،‬وانطل‪#‬ق‪ #‬بهم إلى‬
‫امرأته‪ ،‬فق‪#‬ال‪ :‬انظ‪#‬ري‪ #‬إلى ه‪#‬ؤالء الق‪#‬وم ال‪#‬ذين يزعم‪#‬ون أنهم يري‪#‬دون أن يقاتلون‪#‬ا‪،‬‬
‫فطرحهم بين يديها‪ ،‬فقال‪ :‬أال أطحنهم برجلي؟ فق‪##‬الت امرأت‪##‬ه‪ :‬ب‪##‬ل خ‪##‬ل عنهم‪ ،‬ح‪##‬تى‬
‫يخبروا‪ #‬قومهم بما رأوا‪ ،‬ففعل ذلك(‪.)1‬‬
‫وكل ذلك معارض لما صرح به لم‪#‬ا ي‪#‬دل علي‪#‬ه العلم من أط‪#‬وال البش‪#‬ر‪ ..‬ب‪#‬ل‬
‫ال َونَا َدى‪ #‬نُو ٌح ا ْبنَهُ َو َكانَ فِي‬ ‫ج َك ْال ِجبَ ِ‬‫معارض لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ِه َي تَجْ ِري بِ ِه ْم فِي َموْ ٍ‬
‫ي ارْ كَبْ َم َعنَا َواَل تَ ُك ْن َم َع ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [هود‪.]42 :‬‬
‫ْز ٍل يَا بُنَ َّ‬
‫َمع ِ‬
‫بل مع‪##‬ارض لم‪##‬ا ذك‪##‬ره العلم‪##‬اء ال‪##‬ذين كنت أتجنب ذك‪##‬ر أق‪##‬والهم‪ #‬في المس‪##‬ألة‬
‫خش‪#‬ية اإلفس‪#‬اد‪ #‬على نفس‪#‬ي أو على غ‪#‬يري نش‪#‬وة االس‪#‬تغراب والتعجب‪ ..‬ومن ذل‪#‬ك‬
‫قول بعضهم‪( :‬أما المراد من عبارة (قوما جبارين) فهم كما تدل عليه التواريخ ق‪##‬وم‬
‫(العمالقة) الذين كانوا يمتلكون أجساما ض‪##‬خمة‪ ،‬وك‪##‬انت لهم أط‪##‬وال خارق‪##‬ة‪ ،‬بحيث‬
‫ذهب الكثير إلى المبالغة في طول أجس‪##‬ام ه‪##‬ؤالء وص‪##‬نعوا األس‪##‬اطير الخرافي‪##‬ة من‬
‫ذلك‪ ،‬وكتبوا‪ #‬فيهم مواضيع تثير السخرية ال يسندها أي دليل علمي‪ ،‬وباألخص فيم‪##‬ا‬
‫كتب‪###‬وه عن الم‪###‬دعو بـ(ع‪###‬وج) في الت‪###‬واريخ المص‪###‬طنعة المش‪###‬وبة بالخراف‪###‬ات‬
‫واألس‪##‬اطير‪ #..‬ويب‪##‬دو أن مث‪##‬ل ه‪##‬ذه الخراف‪##‬ات ال‪##‬تي تس‪##‬ربت ح‪##‬تى إلى بعض الكتب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وإنما هي من صنع بني إسرائيل‪ ،‬والتي تسمى ع‪##‬ادة بـ (اإلس‪##‬رائيليات)‬
‫والدليل على هذا القول هو ما ورد نص‪##‬ا في الت‪##‬وراة المتداول‪##‬ة من أس‪##‬اطير‪ #‬خرافي‪##‬ة‬
‫تشبه أساطير‪ #‬العمالقة‪ ،‬حيث نقرأ في سفر األعداد في أواخ‪##‬ر الفص‪##‬ل الث‪##‬الث عش‪##‬ر‬
‫(إن األرض ال‪##‬تي ذهب بن‪##‬و إس‪##‬رائيل إليه‪##‬ا إلستقص‪##‬اء أخباره‪##‬ا هي أرض تبي‪##‬د‬
‫ساكنيها‪ #‬وإن جميع من فيها هم أناس طوال وفيهم‪ #‬العمالق‪#‬ة من أبن‪#‬اء (عن‪#‬اق) بش‪#‬كل‬
‫كان بنو إسرائيل الذين ذهبوا للتجسس هن‪##‬اك أش‪##‬به ب‪##‬الجراد قياس‪#‬ا‪ #‬بأحج‪##‬ام العمالق‪##‬ة‬
‫الموجودين في تلك األرض!)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت عند تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬قَ‪##‬ا َل فَإِنَّهَ‪##‬ا ُم َح َّر َم‪ #‬ةٌ‬
‫اس‪#‬قِينَ ﴾ [المائ‪##‬دة‪]26 :‬‬ ‫س َعلَى ْالقَ‪#‬وْ ِم ْالفَ ِ‬ ‫ض فَاَل تَ‪#‬أْ َ‬
‫َعلَ ْي ِه ْم أَرْ بَ ِعينَ َسنَةً يَتِيهُ‪#‬ونَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫‪ )(1‬تفسير الثعلبي (‪)4/36‬‬
‫‪ )(2‬األمثل‪)3/664( ،‬‬
‫‪489‬‬
‫أذكر الكثير من القصص الغريبة التي تحول دون تدبر اآليات الكريم‪##‬ة‪ ،‬واالس‪##‬تفادة‬
‫منها في الواقع‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ‪ 1‬ما كنت أحدث به ـ نقال عن المفسرين ـ من أنه لما‬
‫)‬ ‫(‬
‫قال قوم موسى‪ #‬عليه السالم له ما قالوا‪ ،‬ودعا موسى علي‪##‬ه الس‪##‬الم عليهم‪ ،‬أوحى هللا‬
‫إلي‪##‬ه أنه‪##‬ا محرم‪##‬ة عليهم أربعين س‪##‬نة‪ ،‬ي‪##‬تيهون في األرض‪ ،‬وأنهم‪ #‬ك‪##‬انوا هم يومئ‪##‬ذ‬
‫ستمائة ألف مقاتل فجعلهم‪ #‬فاسقين بما عصوا‪ ،‬فلبث‪##‬وا أربعين س‪##‬نة في فراس‪##‬خ س‪##‬تة‪،‬‬
‫أو دون ذلك‪ ،‬يسيرون كل يوم جادين‪ ،‬لكي يخرج‪##‬وا منه‪##‬ا‪ ،‬ح‪##‬تى يمس‪##‬وا‪ ،‬وي‪##‬نزلوا‪#،‬‬
‫فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا‪ ،‬وأنهم اشتكوا إلى موسى علي‪##‬ه الس‪##‬الم م‪##‬ا فع‪##‬ل‬
‫بهم فأنزل عليهم المن والسلوى‪ ،‬وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم‪ ،‬ينشأ الناش‪##‬ئ‬
‫فتكون معه على هيئته‪ ،‬وس‪#‬أل موس‪#‬ى رب‪#‬ه أن يس‪#‬قيهم‪ ،‬ف‪#‬أتى بحج‪#‬ر الط‪#‬ور‪ ،‬وه‪#‬و‬
‫حجر أبيض‪ ،‬إذا ما أنزل القوم ضربه بعصاه‪ ،‬فيخرج من‪##‬ه اثنت‪##‬ا عش‪##‬رة عين‪##‬ا‪ ،‬لك‪##‬ل‬
‫سبط منهم عين‪ ،‬ق‪##‬د علم ك‪##‬ل أن‪##‬اس مش‪##‬ربهم‪ #..‬وكنت أذك‪##‬ر لهم أن ثي‪##‬ابهم م‪##‬ا ك‪##‬انت‬
‫تبلى‪ ،‬وال تتسخ‪ ..‬وكل ذلك من التكلف والفض‪##‬ول ال‪##‬ذي ال دلي‪##‬ل علي‪##‬ه‪ ،‬ب‪##‬ل ه‪##‬و من‬
‫العقبات التي تحول بيننا وبين تدبر القرآن الكريم‪.‬‬
‫وقد كنت ـ مراعاة لنشوة تلك القصص والتفاصيل المرتبطة بها ـ أرغب عن‬
‫كل م‪##‬ا ي‪##‬دعوني إلى تحكيم عقلي بش‪##‬أنها‪ ،‬ول‪##‬ذلك كنت أرد بش‪##‬دة على من ي‪##‬ورد‪ #‬لي‬
‫قول بعض الم‪##‬ؤرخين في رده على ذل‪##‬ك‪( :‬كث‪##‬يرا م‪##‬ا وق‪##‬ع للم‪##‬ؤرخين‪ ،‬والمفس‪##‬رين‬
‫وأئمة النقل من المغالط في الحكايات‪ ،‬والوقائع‪ #،‬العتم‪##‬ادهم فيه‪##‬ا على مج‪##‬رد النق‪##‬ل‬
‫غثا‪ ،‬أو س‪##‬مينا‪ ،‬ولم يعرض‪##‬وها‪ #‬على أص‪##‬ولها‪ ،‬وال قاس‪##‬وها بأش‪##‬باهها‪ ،‬وال س‪##‬بروها‬
‫بمعي‪##‬ار‪ #‬الحكم‪##‬ة‪ ،‬والوق‪##‬وف‪ #‬على طب‪##‬ائع الكائن‪##‬ات وتحكيم‪ #‬النظ‪##‬ر‪ ،‬والبص‪##‬يرة في‬
‫األخب‪##‬ار فض‪##‬لوا‪ #‬عن الح‪##‬ق‪ ،‬وت‪##‬اهوا‪ #‬في بي‪##‬داء ال‪##‬وهم‪ ،‬والغل‪##‬ط‪ ،‬س‪##‬يما في إحص‪##‬اء‬
‫األع‪##‬داد من األم‪##‬وال‪ ،‬والعس‪##‬اكر إذا عرض‪##‬ت في الحكاي‪##‬ات؛ إذ هي مظن‪##‬ة الك‪##‬ذب‬
‫ومطية الهذر‪ ،‬وال بد من ردها إلى األصول‪ ،‬وعرضها‪ #‬على القواع‪##‬د‪ ،‬وه‪##‬ذا ـ كم‪##‬ا‬
‫نق‪##‬ل المس‪##‬عودي‪ #‬وكث‪##‬ير من الم‪##‬ؤرخين ـ في جي‪##‬وش ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬وأن موس‪##‬ى‬
‫أحص‪##‬اهم في التي‪##‬ه‪ ،‬بع‪##‬د أن أج‪##‬از من ك‪##‬ان يطي‪##‬ق‪ #‬حم‪##‬ل الس‪##‬الح خاص‪##‬ة من ابن‬
‫عشرين‪ ،‬فما فوقها‪ ،‬فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون‪ ،‬ويذهل في ذلك عن تقدير مصر‬
‫والشام‪ ،‬واتساعها لمثل هذا العدد من الجيوش‪ ،‬لكل مملكة حصة من الحامي‪##‬ة تتس‪##‬ع‬
‫لها‪ ،‬وتقوم‪ #‬بوظائفها‪ ،‬وتضيق عما فوقها‪ ،‬تشهد بذلك العوائ‪##‬د المعروف‪##‬ة‪ ،‬واألح‪##‬وال‬
‫المألوفة‪ ..‬ولقد كان ملك الفرس ودولتهم‪ #‬أعظم من ملك ب‪#‬ني إس‪#‬رائيل بكث‪#‬ير‪ ،‬يش‪#‬هد‬
‫ل‪##‬ذلك‪ :‬م‪##‬ا ك‪##‬ان من غلب‪##‬ة بختنص‪#‬ر‪ #‬لهم‪ ،‬والتهام‪##‬ه بالدهم‪ ،‬واس‪##‬تيالئه على أم‪##‬رهم‪،‬‬
‫وتخريب‪ #‬بيت المقدس قاعدة ملتهم‪ ،‬وسلطانهم وهو من بعض عمال مملك‪##‬ة ف‪##‬ارس‪،‬‬

‫‪ )(1‬تفسير الثعلبي (‪)4/44‬‬


‫‪490‬‬
‫وكانت ممالكهم بالعراقين‪ ،‬وخراسان‪ ،‬وما وراء النهر‪ ،‬واألبواب أوس‪##‬ع من ممال‪##‬ك‬
‫بني إسرائيل بكثير‪ ،‬ومع ذلك لم تبلغ جيوش الف‪##‬رس ق‪##‬ط مث‪##‬ل ه‪##‬ذا الع‪##‬دد وال قريب‪#‬ا‪#‬‬
‫منه‪ ،‬وأعظم ما كانت جموعهم بالقادسية مائة وعشرين ألفا‪ ،‬كلهم متب‪##‬وع‪ ..‬وأيض‪##‬ا‪:‬‬
‫فالذي‪ #‬بين موسى‪ ،‬وإسرائيل إن هو إال أربعة آب‪##‬اء‪ ،‬على م‪##‬ا ذك‪##‬ره المحقق‪##‬ون‪ ،‬ف‪##‬إن‬
‫موسى‪ #‬بن عمران بن يص‪##‬هر بن ق‪##‬اهث بفتح اله‪##‬اء وكس‪##‬رها‪ #‬بن الوي بكس‪#‬ر‪ #‬ال‪##‬واو‬
‫وفتحها‪ #‬ابن يعقوب وهو إسرائيل هللا‪ ،‬هكذا نسبه في التوراة‪ ،‬والمدة بينهم‪##‬ا على م‪##‬ا‬
‫نقله المسعودي‪ ،‬قال‪ :‬دخل إسرائيل مصر م‪##‬ع ول‪##‬ده األس‪##‬باط‪ ،‬وأوالدهم‪ ،‬حين أت‪##‬وا‬
‫إلى يوسف س‪##‬بعين نفس‪#‬ا‪ ،‬وك‪#‬ان مق‪##‬امهم بمص‪#‬ر‪ ،‬إلى أن خرج‪##‬وا م‪#‬ع موس‪##‬ى علي‪#‬ه‬
‫السالم إلى التيه مائتين وعشرين سنة‪ ،‬تتداولهم ملوك القبط من الفراعنة‪ ،‬ويبع‪##‬د‪ #‬أن‬
‫يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل هذا العدد‪ ،‬وإن زعموا أن عدد تلك الجيوش‬
‫إنما كان في زمن سليمان ومن بعده‪ ،‬فبعيد أيضا؛ إذ ليس بين سليمان‪ ،‬وإسرائيل‪ #‬إال‬
‫أح‪##‬د عش‪##‬ر أب‪##‬ا‪ ..‬وال يتش‪##‬عب النس‪##‬ل في أح‪##‬د عش‪##‬ر من الول‪##‬د إلى ه‪##‬ذا الع‪##‬دد ال‪##‬ذي‬
‫زعموه‪ ،‬اللهم إال المئين واآلالف‪ ،‬فربما يكون‪ ،‬وأما أن يتجاوز هذا إلى م‪##‬ا بع‪##‬دهما‬
‫من عقود األعداد فبعيد‪ ،‬واعتبر ذلك في الحاضر‪ #‬المشاهد‪ ،‬والقريب المعروف‪ #‬تج‪##‬د‬
‫زعمهم باطال‪ ،‬ونقلهم كاذبا‪ ..‬والذي ثبت في اإلسرائيليات‪ #:‬أن جن‪##‬ود س‪##‬ليمان ك‪##‬انت‬
‫اثني عشر ألفا خاصة‪ ،‬وأربعمائة فرس مرتبطة على أبوابه‪ ،‬ه‪##‬ذا ه‪##‬و الص‪##‬حيح من‬
‫أخبارهم‪ ،‬وال يلتفت إلى خرافات العامة منهم‪ ،‬وفي‪ #‬أيام سليمان عليه السالم‪ ،‬وملكه‬
‫كان عنفوان دولتهم‪ ،‬واتساع ملكهم)(‪)1‬‬
‫اريُّونَ يَ‪#‬ا‬ ‫‪#‬ال ْال َح َو ِ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت عند تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬إِ ْذ قَ‪َ #‬‬
‫ك أَ ْن يُن َِّز َل َعلَ ْينَا َمائِ َدةً ِمنَ ال َّس َما ِء قَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ال اتَّقُ‪##‬وا هَّللا َ إِ ْن‬ ‫ِعي َسى ا ْبنَ َمرْ يَ َ‪#‬م هَلْ يَ ْستَ ِطي ُ‪#‬ع َربُّ َ‬
‫ص‪َ #‬د ْقتَنَا َونَ ُك‪##‬ونَ‬‫َط َمئِ َّن قُلُوبُنَ‪##‬ا َونَ ْعلَ َم أَ ْن قَ‪ْ #‬د َ‬‫ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ قَالُوا نُ ِري ُد أَ ْن نَأْ ُك‪َ #‬ل ِم ْنهَ‪##‬ا َوت ْ‬
‫‪#‬زلْ َعلَ ْينَ‪##‬ا َمائِ‪َ #‬دةً ِمنَ َّ‬
‫الس‪َ #‬ما ِء‬ ‫يس‪#‬ى ابْنُ َم‪##‬رْ يَ َم اللَّهُ َّم َربَّنَ‪##‬ا أَ ْن ِ‬ ‫‪#‬ال ِع َ‬ ‫َعلَ ْيهَا ِمنَ ال َّشا ِه ِدينَ قَ َ‬
‫تَ ُكونُ لَنَا ِعيدًا أِل َ َّولِنَا َوآ ِخ ِرنَا َوآيَ‪#‬ةً ِم ْن‪##‬كَ َوارْ ُز ْقنَ‪##‬ا َوأَ ْنتَ َخ ْي‪ُ #‬ر ال‪#‬ر ِ‬
‫َّازقِينَ قَ‪##‬ا َل هَّللا ُ إِنِّي‬
‫ُمن َِّزلُهَا َعلَ ْي ُك ْم فَ َم ْن يَ ْكفُرْ بَ ْع‪ُ #‬د ِم ْن ُك ْم فَ‪#‬إِنِّي أُ َع ِّذبُ‪#‬هُ َع‪َ #‬ذابًا اَل أُ َع ِّذبُ‪#‬هُ أَ َح‪ #‬دًا ِمنَ ْال َع‪##‬الَ ِمينَ ﴾‬
‫[المائدة‪ ]115-112 :‬أذكر الكثير من التفاصيل التي ال دليل عليها‪ ،‬وال داعي لها‪ ،‬وال‪##‬تي‬
‫تحجب عن المراد من اآليات الكريمة‪ ،‬والتدبر فيها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما كنت أذكره لهم من أنه‪##‬ا خ‪##‬وان علي‪#‬ه خ‪##‬بز وس‪##‬مك‪،‬‬
‫يأكلون منه أينما نزلوا‪ ،‬إذا شاءوا‪ ..‬أو أن المائدة كانت سمكة‪ ،‬وأريغفة‪.‬‬
‫وكنت أذكر لهم أنها نزلت تط‪##‬ير به‪##‬ا المالئك‪##‬ة بين الس‪##‬ماء واألرض‪ ،‬عليه‪##‬ا‬
‫كل الطعام إال اللحم‪ ..‬وأذكر لهم أن هللا أنزلها من السماء على ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل‪ ،‬فك‪##‬ان‬
‫ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة‪ ،‬فأكلوا‪ #‬ما شاءوا من ضروب‪#‬‬
‫شتى‪ ،‬فكان يقعد عليها أربعة أالف‪ ،‬وإذا أكلوا أنزل هللا مكان ذلك لمثلهم فلبثوا‪ #‬على‬
‫ذلك ما شاء هللا عز وجل‪.‬‬
‫‪ )(1‬مقدمة ابن خلدون من‪ 7/‬ـ ‪.9‬‬
‫‪491‬‬
‫وكنت أذكر لهم أنه نزل عليهم أقرص‪##‬ة من ش‪##‬عير‪ ،‬وأح‪##‬وات‪ ،‬وحش‪##‬ا هللا بين‬
‫أضعافهن البركة‪ ،‬فك‪##‬ان ق‪##‬وم ي‪##‬أكلونن ثم يخرج‪##‬ون‪ ،‬ثم يجيء آخ‪##‬رون في‪##‬أكلون‪ ،‬ثم‬
‫يخرجون‪ ،‬حتى أكل جميعهم‪ ،‬وأفضلوا‪#..‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن الحواريين لما سألوا المسيح عليه السالم المائدة كره ذلك؛‬
‫خشية أن تنزل عليهم‪ ،‬فال يؤمنوا‪ #‬بها‪ ،‬فيك‪##‬ون فيه‪##‬ا هالكهم‪ ،‬فلم‪##‬ا أب‪##‬وا إال أن ي‪##‬دعو‬
‫لهم هللا لكي ت‪##‬نزل‪ ،‬دع‪##‬ا هللا‪ ،‬فاس‪##‬تجاب‪ #‬ل‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أنزل هللا تع‪##‬الى س‪##‬فرة حم‪##‬راء بين‬
‫غمامتين؛ غمامة فوقها وغمامة تحته‪##‬ا‪ ،‬وهم ينظ‪##‬رون إليه‪##‬ا في اله‪##‬واء منقض‪##‬ة من‬
‫السماء‪ ،‬تهوي‪ #‬إليهم‪ ،‬والمسيح عليه السالم يبكي خوفا‪ #‬من الشرط ال‪##‬ذي اتخ‪##‬ذ عليهم‬
‫فيها فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يديه‪ ،‬والحواريون حوله يجدون رائحة‬
‫طيبة‪ ،‬لم يجدوا رائحة مثلها ق‪##‬ط‪ ،‬وخ‪##‬ر المس‪##‬يح علي‪##‬ه الس‪##‬الم والحواري‪##‬ون س‪##‬جدا‪،‬‬
‫شكرا هلل تعالى وأقبل اليه‪##‬ود ينظ‪##‬رون إليهم‪ ،‬ف‪##‬رأوا م‪##‬ا يغمهم‪ ،‬ثم انص‪##‬رفوا‪ ،‬فأقب‪##‬ل‬
‫عيسى عليه السالم ومن معه ينظرونها‪ #‬فإذا هي مغطاة بمن‪##‬ديل‪ ،‬فق‪##‬ال المس‪##‬يح علي‪##‬ه‬
‫السالم‪ :‬من أجرؤنا على كشفه‪ ،‬وأوثقنا‪ #‬بنفسه‪ ،‬وأحسننا‪ #‬بالء عند ربه‪ ،‬حتى نراه‪##‬ا‪،‬‬
‫ونحم‪##‬د ربن‪##‬ا س‪##‬بحانه وتع‪##‬الى ونأك‪##‬ل من رزق‪##‬ه ال‪##‬ذي رزقن‪##‬ا؟ فق‪##‬الوا‪ :‬ي‪##‬ا روح هللا‬
‫وكلمته‪ ،‬أنت أولى بذلك‪ ،‬فق‪##‬ام واس‪##‬تأنف وض‪##‬وءا جدي‪##‬دا‪ ،‬ثم دخ‪##‬ل مص‪##‬اله‪ ،‬فص‪##‬لى‬
‫ركعات‪ ،‬ثم بكى طويال‪ ،‬ودع‪#‬ا هللا تع‪#‬الى أن ي‪#‬أن ل‪#‬ه في الكش‪#‬ف عنه‪#‬ا‪ ،‬ويجع‪#‬ل ل‪#‬ه‬
‫ولقومه فيها بركة‪ ،‬ورزقا‪ ،‬ثم انصرف‪ ،‬وجلس حول السفرة وتناول‪ #‬المنديل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫بسم هللا خير الرازقين‪ ،‬وكشف عنها‪ ،‬فإذا عليها سمكة ض‪##‬خمة مش‪##‬وية‪ ،‬ليس عليه‪##‬ا‬
‫بواسير‪ #،‬وليس في جوفها‪ #‬شوك‪ ،‬يسيل السمن منه‪#‬ا‪ ،‬ق‪#‬د نض‪#‬د حوله‪##‬ا بق‪#‬ول من ك‪##‬ل‬
‫صنف غير الكراث‪ ،‬وعند رأسها خل‪ ،‬وعند ذنبها ملح‪ ،‬وحول البقول خمسة أرغفة‬
‫على واحد منها زيتون‪ ،‬وعلى اآلخ‪##‬ر تم‪##‬رات‪ ،‬وعلى اآلخ‪##‬ر خمس رمان‪##‬ات‪ ..‬وفي‬
‫رواي‪##‬ة‪ :‬على واح‪##‬د منه‪##‬ا زيت‪##‬ون‪ ،‬وعلى الث‪##‬اني عس‪##‬ل‪ ،‬وعلى الث‪##‬الث س‪##‬من‪ ،‬وعلى‬
‫الرابع جبن‪ ،‬وعلى الخامس قديد‪ ،‬فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى‪ :‬يا روح هللا‬
‫وكلمت‪##‬ه‪ ،‬أمن طع‪##‬ام ال‪##‬دنيا ه‪##‬ذا‪ ،‬أم من طع‪##‬ام الجن‪##‬ة؟ فق‪##‬ال عيس‪##‬ى‪ :‬أم‪##‬ا آن لكم أن‬
‫تعتبروا‪ #‬بما ترون من اآلي‪##‬ات‪ ،‬وتنته‪##‬وا عن تنق‪##‬ير المس‪##‬ائل؟! م‪##‬ا أخوف‪##‬ني‪ #‬عليكم أن‬
‫تعاقبوا‪ #‬في سبب نزول هذه اآلية‪ ،‬فقال له شمعون‪ :‬ال وإل‪##‬ه إس‪##‬رائيل م‪##‬ا أردت به‪##‬ذا‬
‫سؤاال يا ابن الصديقة‪ ،‬فق‪##‬ال عيس‪##‬ى علي‪##‬ه الس‪##‬الم ليس ش‪##‬يء مم‪##‬ا ت‪##‬رون من طع‪##‬ام‪#‬‬
‫ال‪##‬دنيا‪ ،‬وال من طع‪##‬ام الجن‪##‬ة‪ ،‬إنم‪##‬ا ه‪##‬و ش‪##‬يء ابتدع‪##‬ه هللا في اله‪##‬واء بالق‪##‬درة الغالب‪##‬ة‬
‫القاهرة‪ ..‬فقالوا‪ :‬يا روح هللا وكلمته‪ ،‬إنا نحب أن يرينا هللا آي‪#‬ة في ه‪#‬ذه اآلي‪#‬ة‪ ،‬فق‪#‬ال‪:‬‬
‫سبحان هللا تعالى أم‪##‬ا اكتفيتم؟! ثم ق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا س‪##‬مكة ع‪##‬ودي ب‪##‬إذن هللا تع‪##‬الى حي‪##‬ة كم‪##‬ا‬
‫كنت‪ ،‬فأحياها هللا‪ ،‬وعادت حية طري‪##‬ة‪ ،‬ي‪#‬ا س‪#‬مكة ع‪##‬ودي ب‪#‬إذن هللا تع‪##‬الى كم‪#‬ا كنت‬
‫مشوية‪ ،‬فعادت‪ ،‬ثم دعاهم إلى األكل فامتنعوا‪ ،‬حتى يكون هو البادئ‪ ،‬فأبى‪ ،‬ثم دع‪##‬ا‬
‫لها الفقراء والزمنى‪ #،‬وقال‪ :‬كلوا من رزق ربكم‪ ،‬ودعوة نبيكم‪ ،‬واحم‪##‬دوا هللا تع‪##‬الى‬
‫الذي أنزلها لكم‪ ،‬فيكون مهنئوها لكم وعقوبتها على غيركم‪ ،‬وافتتحوا أكلكم باسم هللا‬
‫‪492‬‬
‫تع‪##‬الى‪ ،‬واختتم‪##‬وه بحم‪##‬د هللا‪ ،‬ففعل‪##‬وا‪ ،‬فأك‪##‬ل منه‪##‬ا أل‪##‬ف وثالثمائ‪##‬ة إنس‪##‬ان بين رج‪##‬ل‬
‫وامرأة‪ ،‬يصدرون عنها‪ ،‬كل واحد منهم شبعان يتجشأ‪ ،‬ونظر عيس‪##‬ى والحواري‪##‬ون‪،‬‬
‫فإذا ما عليها كهيئته‪ ،‬إذ نزلت من السماء‪ ،‬لم ينقص منه‪##‬ا ش‪##‬يء‪ ،‬ثم إنه‪##‬ا رفعت إلى‬
‫السماء وهم ينظرون‪ ،‬فاستغنى كل فقير أكل منها وبرئ ك‪##‬ل زمن أك‪##‬ل منه‪##‬ا‪ ،‬ون‪##‬دم‬
‫الحواريون وأصحابهم‪ #‬الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة سالت منه‪##‬ا أش‪##‬فارهم‪ ،‬وبقيت‬
‫حسرتها‪ #‬في قلوبهم‪ ،‬إلى يوم الممات(‪.)1‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلكم أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت عن‪##‬د تفس‪##‬ير م‪##‬ا ورد‪ #‬في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم عن‬
‫سفينة نوح عليه السالم أورد الكث‪##‬ير من التفاص‪##‬يل ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل عليه‪##‬ا‪ ،‬وال حاج‪##‬ة‬
‫لها‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما كنت أرويه ـ ك‪##‬ذبا وبهتان‪##‬ا ـ على رس‪##‬ول هللا ‪ ‬أن‪##‬ه‬
‫قال‪( :‬كانت سفينة نوح عليه السالم لها أجنحة وتحت األجنحة إيوان)‪ ..‬وكنت أذك‪##‬ر‬
‫لهم أن طول السفينة ك‪##‬ان ثالثمائ‪##‬ة ذراع‪ ،‬وعرض‪##‬ها‪ #‬خمس‪##‬ون ذراع‪##‬ا‪ ،‬وطوله‪#‬ا‪ #‬في‬
‫السماء ثالثون ذراع‪##‬ا‪ ..‬وكنت أذك‪##‬ر لهم أن نوح‪##‬ا علي‪##‬ه الس‪##‬الم لم‪##‬ا أم‪##‬ر أن يص‪##‬نع‬
‫الفلك‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا رب‪ ،‬وأين الخش‪##‬ب؟ ق‪##‬ال‪ :‬اغ‪##‬رس الش‪##‬جر‪ ،‬فغ‪##‬رس الس‪##‬اج عش‪##‬رين‬
‫سنة‪ ..‬فجعل السفينة ستمائة ذراع طولها‪ ،‬وس‪##‬تين ذراع‪##‬ا في األرض يع‪##‬ني عمقه‪##‬ا‪،‬‬
‫وعرض‪##‬ها‪ #‬ثالثمائ‪##‬ة وثالث‪##‬ة وثالث‪##‬ون وأم‪#‬ر‪ #‬أن يطليه‪##‬ا بالق‪##‬ار‪ ،‬ولم يكن في األرض‬
‫قار‪ ،‬ففجر هللا له عين القار‪ ،‬حيث تنحت الس‪##‬فينة‪ ،‬تغلي غليان‪##‬ا‪ ،‬ح‪##‬تى طاله‪##‬ا‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫فرغ منها جعل لها ثالثة أبواب‪ ،‬وأطباقها‪ ،‬وحمل فيها السباع‪ ،‬وال‪##‬دواب‪ ،‬ف‪##‬ألقى هللا‬
‫على األس‪##‬د الحمى‪ ،‬وش‪##‬غله بنفس‪##‬ه عن ال‪##‬دواب وجع‪##‬ل ال‪##‬وحش والط‪##‬ير في الب‪##‬اب‬
‫الثاني‪ ،‬ثم أطبق عليهما‪ ..‬وكنت أذكر لهم أن طول السفينة ألف ذراع ومائتي‪ #‬ذراع‪،‬‬
‫وعرضها‪ #‬ستمائة ذراع(‪.)2‬‬
‫وكنت أروي‪ #‬لهم عن ابن عباس أنه ق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬ال الحواري‪##‬ون لعيس‪##‬ى ابن م‪##‬ريم‬
‫عليهما السالم‪ :‬لو بعثت لنا رجال شهد السفينة فحدثنا عنها‪ ،‬فانطلق‪ #‬بهم‪ ،‬حتى انتهى‬
‫إلى كثيب من ت‪#‬راب فأخ‪#‬ذ كف‪#‬ا من ذل‪#‬ك ال‪#‬تراب‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬أت‪#‬درون م‪#‬ا ه‪#‬ذا؟ ق‪#‬الوا‪ #:‬هللا‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬هذا كعب حام بن نوح‪ ،‬فضرب الك‪##‬ثيب بعص‪##‬اه‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬قم ب‪##‬إذن‬
‫هللا فإذا هو قائم ينفض التراب على رأسه‪ ،‬ق‪##‬د ش‪##‬اب‪ ،‬ق‪##‬ال ل‪##‬ه عيس‪##‬ى علي‪#‬ه الس‪##‬الم‪:‬‬
‫هكذا هلكت؟! قال‪ :‬ال؛ مت وأن‪##‬ا ش‪##‬اب‪ ،‬ولكن‪##‬ني‪ #‬ظننت أنه‪##‬ا الس‪##‬اعة ق‪##‬امت‪ ،‬فمن ثم‬
‫ش‪##‬بت ق‪##‬ال‪ :‬ح‪##‬دثنا عن س‪##‬فينة ن‪##‬وح ق‪##‬ال‪ :‬ك‪##‬ان طوله‪##‬ا أل‪##‬ف ذراع وم‪##‬ائتي ذراع‪،‬‬
‫وعرضها‪ #‬ستمائة ذراع‪ ،‬كانت ثالث طبقات‪ ،‬فطبقة فيها الدواب‪ ،‬والوحش‪ ،‬وطبق‪##‬ة‬
‫فيها اإلنس‪ ،‬وطبقة فيه‪##‬ا الط‪##‬ير‪ ،‬فلم‪##‬ا ك‪##‬ثر أرواث ال‪##‬دواب‪ :‬أوحى هللا إلى ن‪##‬وح‪ :‬أن‬
‫اغمز ذنب الفيل‪ ،‬فغمزه‪ ،‬فوقع منه خنزير وخنزيرة؛ فأقبال على الروث‪ ،‬فلم‪##‬ا وق‪##‬ع‬
‫الف‪##‬أر يخ‪##‬رب الس‪##‬فينة بقرض‪##‬ه أوحى هللا إلى ن‪##‬وح‪ :‬أن اض‪##‬رب بين عي‪##‬ني األس‪##‬د‪،‬‬
‫فخرج من منخره سنور‪ ،‬وسنورة‪ ،‬فأقبال على الفأر فأكاله‪.‬‬
‫‪ )(1‬القصة في تفسير الثعلبي (‪ ، )4/127‬وغيره‪.‬‬
‫‪ )(2‬انظر هذه الروايات وغيرها‪ :‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)4/425‬‬
‫‪493‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن األسد عطس‪ ،‬فخ‪##‬رج من منخ‪##‬ره س‪##‬نوران‪ :‬ذك‪##‬ر وأن‪##‬ثى‪،‬‬
‫فأكال الفأر‪ ،‬وأن الفيل عطس‪ ،‬فخ‪#‬رج من منخ‪#‬ره خ‪#‬نزيران ذك‪##‬ر وأن‪#‬ثى ف‪##‬أكال أذى‬
‫السفينة وأنه لما أراد الحمار أن يدخل السفينة أخذ نوح ب‪##‬أذني الحم‪##‬ار‪ ،‬وأخ‪##‬ذ إبليس‬
‫بذنبه‪ ،‬فجعل نوح علي‪#‬ه الس‪##‬الم يجذب‪##‬ه‪ ،‬وجع‪#‬ل إبليس يجذب‪##‬ه‪ ،‬فق‪#‬ال ن‪#‬وح‪ :‬ادخ‪#‬ل ي‪##‬ا‬
‫شيطان‪ .‬ـ ويريد به الحمار ـ فدخل الحمار‪ ،‬ودخل معه إبليس‪ ،‬فلم‪##‬ا س‪##‬ارت الس‪##‬فينة‬
‫جلس إبليس في أذنابها يتغنى‪ ،‬فقال له ن‪##‬وح علي‪#‬ه الس‪#‬الم‪ :‬ويل‪##‬ك من أذن ل‪##‬ك؟ ق‪#‬ال‪:‬‬
‫أنت‪ .‬قال‪ :‬متى؟ قال‪ :‬أن قلت للحمار ادخل يا شيطان‪ ،‬فدخلت بإذنك(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬إِ ْذ قَ‪##‬ا َل ي ُ‬
‫ُوس ‪#‬فُ‬
‫ج ِدينَ ﴾ [يوس‪##‬ف‪:‬‬ ‫س َو ْالقَ َم َر َرأَ ْيتُهُْ‪#‬م لِي َسا ِ‬
‫ْت أَ َح َد َع َش َر َكوْ َكبًا َوال َّش ْم َ‬
‫ت إِنِّي َرأَي ُ‬‫أِل َبِي ِه يَا أَبَ ِ‬
‫‪ ]4‬الكثير من التفاصيل التي ال دليل عليها‪ ،‬وال داعي لها‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ما‬
‫كنت أرويه ـ زورا وبهتان‪##‬ا ـ على رس‪##‬ول هللا ‪ ‬أن أس‪##‬ماءها (حرث‪##‬ان‪ ،‬والط‪##‬ارق‬
‫والذيال وذو‪ #‬الكفتان‪ ،‬وق‪##‬ابس‪ ،‬ودن‪##‬ان‪ ،‬وه‪##‬ودان‪ ،‬والفيل‪##‬ق‪ ،‬والمص‪##‬بح‪ ،‬والض‪##‬روح‪،‬‬
‫والفريخ‪ ،‬والضياء‪ ،‬والنور) (‪)2‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلكم أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت أذك‪##‬ر في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا‬
‫ب﴾ [الرع‪##‬د‪ ]29 :‬الكثير من التفاص‪##‬يل ال‪##‬تي ال‬ ‫ت طُوبَى لَهُ ْم َو ُحسْنُ َمآ ٍ‬ ‫َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫دليل عليها‪ ،‬وال داعي لها‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ما كان يح‪##‬دث ب‪##‬ه وهب‪ ،‬وقول‪##‬ه‪:‬‬
‫إن في الجنة شجرة يقال لها‪ :‬طوبى‪ ،‬يسير ال‪#‬راكب في ظله‪#‬ا مائ‪#‬ة ع‪#‬ام ال يقطعه‪#‬ا‪،‬‬
‫زهرتها‪ #‬رياط‪ ،‬وورقها‪ #‬برود‪ ،‬وقضبانها عنبر‪ ،‬وبطحاؤها ياقوت‪ ،‬وترابه‪##‬ا ك‪##‬افور‪،‬‬
‫ووحلها‪ #‬مسك‪ ،‬يخرج من أصلها أنهار الخمر‪ ،‬واللبن‪ ،‬والعس‪##‬ل‪ ،‬وهي مجلس أله‪##‬ل‬
‫الجن‪##‬ة‪ ،‬فبينم‪##‬ا هم في مجلس‪##‬هم؛ إذ أتتهم مالئك‪##‬ة من ربهم‪ ،‬يق‪##‬ودون نجب‪##‬ا مزموم‪##‬ة‬
‫بسالسل من ذهب‪ ،‬وجوهها كالمصابيح حس‪##‬نا‪ ،‬ووبره‪##‬ا كخ‪##‬ز المرع‪##‬زي من لين‪##‬ه‪،‬‬
‫عليها رحال ألواحها من ياقوت‪ ،‬ودفوفها من ذهب‪ ،‬وثيابها من س‪##‬ندس‪ ،‬وإس‪##‬تبرق‪،‬‬
‫فيفتحونها‪ ،‬يقولون‪ :‬إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه‪ ،‬وتس‪##‬لموا علي‪##‬ه‪ ..‬فيركبونه‪#‬ا‪ #‬فهي‬
‫أسرع من الطائر‪ ،‬وأوطأ من الفراش‪ ،‬نجبا من غير مهن‪##‬ة‪ ،‬يس‪##‬ير الرج‪##‬ل إلى جنب‬
‫أخيه‪ ،‬وهو يكلمه‪ ،‬ويناجيه‪ ،‬ال تصيب أذن راحلة منها أذن األخرى وال برك راحلة‬
‫برك األخرى‪ ،‬حتى أن الشجرة لتتنحى عن طريقهم؛ لئال تفرق بين الرجل وأخي‪##‬ه‪..‬‬
‫فيأتون إلى الرحمن الرحيم‪ ،‬فيسفر لهم عن وجهه الك‪#‬ريم‪ ،‬ح‪#‬تى ينظ‪#‬روا إلي‪#‬ه‪ ،‬ف‪#‬إذا‬
‫رأوه ق‪##‬الوا‪ :‬اللهم أنت الس‪##‬الم‪ ،‬ومن‪##‬ك الس‪##‬الم‪ ،‬وح‪##‬ق ل‪##‬ك الجالل واإلك‪##‬رام‪ #..‬فيق‪##‬ول‬
‫تعالى عند ذلك‪ :‬أنا السالم‪ ،‬ومني السالم‪ ،‬وعليكم الس‪##‬الم‪ ،‬حقت رحم‪##‬تي ومحب‪##‬تي‪،‬‬
‫مرحبا بعبادي‪ #‬الذين خشوني بغيب‪ ،‬وأطاعوا أمري‪ ..‬فيقولون‪ :‬ربن‪##‬ا لم نعب‪##‬دك ح‪##‬ق‬
‫عبادتك‪ ،‬ولم نقدرك حق قدرك‪ ،‬فأذن لنا في السجود‪ #‬قدامك‪ ..‬فيقول هللا‪ :‬إنه‪##‬ا ليس‪##‬ت‬
‫بدار نصب‪ ،‬وال عبادة ولكنها دار مل‪##‬ك ونعيم‪ ،‬وإني ق‪##‬د رفعت عنكم نص‪#‬ب العب‪#‬ادة‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)4/425‬‬
‫‪ )(2‬الدر المنثور‪.4/4 :‬‬
‫‪494‬‬
‫فسلوني ما ش‪##‬ئتم‪ ،‬ف‪##‬إن لك‪##‬ل رج‪##‬ل منكم أمني‪##‬ة‪ ،‬فيس‪##‬ألونه‪ ،‬ح‪##‬تى أن أقص‪##‬رهم أمني‪##‬ة‬
‫ليقول‪ :‬ربي تنافس أهل الدنيا في دنياهم‪ ،‬فتضايقوا فيها‪ ،‬رب ف‪##‬آتني مث‪##‬ل ك‪#‬ل ش‪#‬يء‬
‫كانوا في‪##‬ه من ي‪##‬وم خلقته‪##‬ا إلى أن انتهت ال‪##‬دنيا‪ ،‬فيق‪##‬ول هللا تع‪##‬الى‪ :‬لق‪##‬د قص‪##‬رت ب‪##‬ك‬
‫أمنيتك‪ ..‬ولق‪##‬د س‪##‬ألت دون منزلت‪##‬ك‪ ،‬ه‪#‬ذا ل‪##‬ك م‪#‬ني؛ ألن‪#‬ه ليس في عط‪##‬ائي نك‪##‬د‪ ،‬وال‬
‫قصر‪ #‬يد‪ ..‬ثم يقول‪ :‬أعرض‪##‬وا‪ #‬على عب‪##‬ادي م‪##‬ا لم يبل‪##‬غ أم‪##‬انيهم ولم يخط‪##‬ر لهم على‬
‫ب‪##‬ال؛ فيعرض‪##‬ون عليهم ح‪##‬تى تقص‪##‬ر بهم أم‪##‬انيهم‪ #‬ال‪##‬تي في أنفس‪##‬هم‪ ،‬فيك‪##‬ون فيم‪##‬ا‬
‫يعرضون عليهم براذين مقرنة على كل أربعة منها س‪##‬رير‪ #‬من ياقوت‪##‬ة واح‪##‬دة‪ ،‬على‬
‫كل س‪##‬رير منه‪##‬ا قب‪##‬ة من ذهب‪ ،‬مفرغ‪#‬ة‪ ،‬في ك‪#‬ل قب‪#‬ة منه‪##‬ا ف‪##‬رش من ف‪#‬رش الجن‪#‬ة‪،‬‬
‫متظاهرة‪ ،‬في كل قبة منها جاريتان من الحور العين‪ ،‬على ك‪##‬ل جاري‪##‬ة منهن ثوب‪##‬ان‬
‫من ثياب الجنة‪ ،‬وليس في الجنة لون إال وهو فيهما‪ ،‬وال ريح وال طيب إال ق‪##‬د عب‪##‬ق‬
‫بهما‪ ،‬ض‪#‬وء وجوههم‪##‬ا غل‪#‬ظ القب‪#‬ة‪ ،‬ح‪##‬تى يظن من يراهم‪##‬ا أنهم‪#‬ا دون القب‪#‬ة‪ ،‬ي‪#‬رى‬
‫مخهما من فوق سوقهما كالسلك األبيض في ياقوت‪##‬ة حم‪##‬راء‪ ،‬يري‪##‬ان ل‪##‬ه من الفض‪##‬ل‬
‫على صاحبه كفضل الشمس على الحج‪##‬ارة أو أفض‪##‬ل‪ ،‬وي‪##‬رى‪ #‬ه‪##‬و لهم‪##‬ا مث‪##‬ل ذل‪##‬ك‪،‬‬
‫ويدخل إليهما فيحييانه ويقبالنه‪ ،‬ويتعلقان به‪ ،‬ويقوالن له‪ :‬وهللا ما ظننا أن هللا يخل‪##‬ق‬
‫مثلك‪ ،‬ثم يأمر هللا المالئكة فيسيرون بهم صفا في الجنة‪ ،‬حتى ينتهي كل رج‪##‬ل منهم‬
‫إلى منزلته التي أعدت له(‪.)1‬‬
‫قال آخر(‪ :)2‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذك‪##‬ر في تفس‪##‬ير قص‪##‬ة ذي الق‪##‬رنين الكث‪##‬ير‬
‫من التفاصيل ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل عليه‪##‬ا‪ ،‬وال داعي له‪##‬ا‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا كنت‬
‫أروي‪##‬ه عن وهب بن منب‪##‬ه أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪ :‬ذو الق‪##‬رنين رج‪##‬ل من ال‪##‬روم‪ ،‬ابن عج‪##‬وز من‬
‫عجائزهم‪ ،‬ليس لها ول‪#‬د غ‪#‬يره‪ ،‬وك‪#‬ان اس‪#‬مه اإلس‪#‬كندر‪ ،‬وإنم‪#‬ا س‪#‬مي ذا الق‪#‬رنين أن‬
‫صفحتي رأسه كانتا من نحاس‪ ،‬فلما بلغ وكان عبدا صالحا‪ ،‬قال هللا عز وجل له‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫ذا القرنين إني باعثك إلى أمم األرض‪ ،‬وهي أمم مختلف‪##‬ة ألس‪##‬نتهم‪ ،‬وهم جمي‪##‬ع أه‪##‬ل‬
‫األرض‪ ،‬ومنهم‪ #‬أمت‪##‬ان بينهم‪##‬ا ط‪##‬ول األرض كل‪##‬ه‪ ،‬ومنهم‪ #‬أمت‪##‬ان بينهم‪##‬ا ع‪##‬رض‬
‫األرض كل‪##‬ه‪ ،‬وأمم في وس‪##‬ط األرض منهم الجن واإلنس وي‪##‬أجوج‪ #‬وم‪##‬أجوج فأم‪##‬ا‬
‫األمتان اللتان بينهما طول األرض‪ :‬فأمة عند مغرب الشمس‪ ،‬يقال لها‪ :‬ناسك‪ ..‬وأما‬
‫األخرى‪ :‬فعند مطلعها يقال لها‪ :‬منسك‪ ..‬وأما اللتان بينهما عرض األرض‪ ،‬فأمة في‬
‫قط‪##‬ر األرض األيمن‪ ،‬يق‪##‬ال له‪##‬ا‪ :‬هاوي‪##‬ل‪ ..‬وأم‪##‬ا األخ‪##‬رى ال‪##‬تي في قط‪##‬ر األرض‬
‫األيسر‪ ،‬فأمة يقال لها‪ :‬تاويل‪ ،‬فلما قال هللا له ذلك‪ ،‬قال له ذو القرنين‪ :‬إلهي إن‪##‬ك ق‪##‬د‬
‫ندبتني‪ #‬ألمر عظيم ال يقدر قدره إال أنت‪ ،‬فأخبرني‪ #‬عن هذه األمم التي بعثتني إليه‪##‬ا‪،‬‬
‫بأي قوة أكابرهم؟‪ #‬وبأي جمع أكاثرهم؟ وبأي حيلة أكاي‪##‬دهم؟ وب‪##‬أي ص‪##‬بر أقاس‪##‬يهم؟‬
‫وبأي لسان أناطقهم؟ وكيف‪ #‬لي بأن أفقه لغاتهم؟ وبأي سمع أعي قولهم؟‪ #‬وبأي بصر‬
‫أنفذهم؟ وبأي حجة أخاصمهم؟ وب‪##‬أي قلب أعق‪##‬ل عنهم؟ وب‪##‬أي حكم‪##‬ة أدب‪##‬ر أم‪##‬رهم؟‬
‫‪ )(1‬تفسير ابن كثير والبغوي‪.415 ،4/414 :‬‬
‫‪ )(2‬تفسير الطبري (‪)15/390‬‬
‫‪495‬‬
‫وبأي قسط‪ #‬أعدل بينهم؟ وبأي‪ #‬حلم أصابرهم؟‪ #‬وبأي معرفة أفص‪##‬ل بينهم؟ وب‪##‬أي علم‬
‫أتقن أمورهم؟ وبأي يد أسطو عليهم؟ وب‪##‬أي رج‪##‬ل أط‪##‬ؤهم‪ ،‬وب‪##‬أي طاق‪##‬ة أخص‪##‬مهم‪،‬‬
‫وبأي جند أقاتلهم؟ وبأي رفق‪ #‬أستألفهم‪ ،‬فإنه ليس عن‪##‬دي ي‪##‬ا إلهي ش‪##‬يء مم‪##‬ا ذك‪##‬رت‬
‫يقوم لهم‪ ،‬وال يقوى عليهم وال يطيقهم‪ ،‬وأنت الرب ال‪##‬رحيم‪ #‬ال‪##‬ذي ال يكل‪##‬ف نفس‪##‬ا إال‬
‫وسعها‪ ،‬وال يحملها إال طاقتها‪ ،‬وال يعنته‪##‬ا وال يف‪##‬دحها‪ ،‬ب‪##‬ل أنت ترأفه‪##‬ا وترحمه‪##‬ا‪..‬‬
‫قال هللا عز وجل‪ :‬إني سأطوقك‪ #‬م‪##‬ا حملت‪##‬ك‪ ،‬أش‪##‬رح ل‪##‬ك ص‪##‬درك‪ ،‬فيس‪##‬ع ك‪##‬ل ش‪##‬يء‬
‫وأشرح لك فهمك فتفقه كل شيء‪ ،‬وأبسط‪ #‬لك لس‪##‬انك فتنط‪##‬ق بك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬وأفتح ل‪##‬ك‬
‫سمعك فتعي كل شيء‪ ،‬وأمد لك بصرك‪ ،‬فتنفذ كل شيء‪ ،‬وأدبر‪ #‬لك أمرك فتتقن ك‪##‬ل‬
‫شيء‪ ،‬وأحصي‪ #‬لك فال يفوتك شيء‪ ،‬وأحفظ عليك فال يعزب عنك شيء‪ ،‬وأش‪##‬د ل‪##‬ك‬
‫ظه‪##‬رك‪ ،‬فال يه‪##‬دك ش‪##‬يء‪ ،‬وأش‪##‬د ل‪##‬ك ركن‪##‬ك فال يغلب‪##‬ك ش‪##‬يء‪ ،‬وأش‪##‬د ل‪##‬ك قلب‪##‬ك فال‬
‫يروعك شيء‪ ،‬وأسخر‪ #‬لك النور والظلمة‪ ،‬فأجعلهما‪ #‬جندا من جنودك‪ ،‬يهديك الن‪##‬ور‬
‫أمامك‪ ،‬وتحوطك‪ #‬الظلمة من ورائك‪ ،‬وأشد لك عقلك فال يهول‪##‬ك ش‪##‬يء‪ ،‬وأبس‪#‬ط‪ #‬ل‪##‬ك‬
‫من بين يديك‪ ،‬فتسطو فوق‪ #‬كل شيء‪ ،‬وأشد ل‪##‬ك وطأت‪##‬ك‪ ،‬فته‪##‬د ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪ ،‬وألبس‪#‬ك‪#‬‬
‫الهيبة فال يرومك ش‪##‬يء‪ ..‬ولم‪##‬ا قي‪##‬ل ل‪##‬ه ذل‪##‬ك‪ ،‬انطل‪##‬ق ي‪##‬ؤم األم‪##‬ة ال‪##‬تي عن‪##‬د مغ‪##‬رب‬
‫الشمس‪ ،‬فلما بلغهم‪ ،‬وجد جمعا وعددا ال يحص‪##‬يه إال هللا‪ ،‬وق‪##‬وة وبأس‪#‬ا‪ #‬ال يطيق‪##‬ه إال‬
‫هللا‪ ،‬وألسنة مختلفة وأهواء متشتتة‪ ،‬وقلوبا‪ #‬متفرقة‪ ،‬فلما رأى ذلك ك‪##‬اثرهم بالظلم‪##‬ة‪،‬‬
‫فضرب‪ #‬حولهم ثالثة عساكر منها‪ ،‬فأحاطتهم‪ #‬من كل مكان‪ ،‬وحاشتهم ح‪##‬تى جمعتهم‬
‫في مكان واحد‪ ،‬ثم أخذ عليهم ب‪##‬النور‪ #،‬ف‪##‬دعاهم إلى هللا وإلى عبادت‪##‬ه‪ ،‬فمنهم من آمن‬
‫له‪ ،‬ومنهم‪ #‬من صد‪ ،‬فعمد إلى ال‪##‬ذين تول‪##‬وا‪ #‬عن‪##‬ه‪ ،‬فأدخ‪##‬ل عليهم الظلم‪##‬ة‪ ،‬ف‪##‬دخلت في‬
‫أف‪##‬واههم وأن‪##‬وفهم‪ #‬وآذانهم وأج‪##‬وافهم‪ ،‬ودخلت في بي‪##‬وتهم ودورهم‪ ،‬وغش‪##‬يتهم‪ #‬من‬
‫ف‪##‬وقهم‪ ،‬ومن تحتهم ومن ك‪##‬ل ج‪##‬انب منهم‪ ،‬فم‪##‬اجوا‪ #‬فيه‪##‬ا وتح‪##‬يروا‪ ،‬فلم‪##‬ا أش‪##‬فقوا أن‬
‫يهلك‪##‬وا فيه‪##‬ا عج‪##‬وا إلي‪##‬ه بص‪##‬وت واح‪##‬د‪ ،‬فكش‪##‬فها عنهم وأخ‪##‬ذهم عن‪##‬وة‪ ،‬ف‪##‬دخلوا في‬
‫دعوته‪ ،‬فجن‪#‬د‪ #‬من أه‪##‬ل المغ‪##‬رب أمم‪##‬ا عظيم‪##‬ة‪ ،‬فجعلهم جن‪##‬دا واح‪##‬دا‪ ،‬ثم انطل‪##‬ق بهم‬
‫يقودهم‪ ،‬والظلمة تسوقهم‪ #‬من خلفهم وتحرس‪##‬هم‪ #‬من ح‪##‬ولهم‪ ،‬والن‪##‬ور‪ #‬أم‪##‬امهم يق‪##‬ودهم‬
‫ويدلهم‪ ،‬وهو يسير في ناحية األرض اليمنى‪ ،‬وهو يريد األمة التي في قطر‪ #‬األرض‬
‫األيمن التي يقال لها هاويل‪ ،‬وسخر هللا له يده وقلبه ورأيه وعقله ونظ‪##‬ره وائتم‪##‬اره‪،‬‬
‫فال يخطئ إذا ائتمر‪ ،‬وإذا عمل عمال أتقنه؛ فانطلق‪ #‬يقود تلك األمم وهي تتبعه‪ ،‬ف‪##‬إذا‬
‫انتهى إلى بحر أو مخاض‪#‬ة ب‪#‬نى س‪#‬فنا من أل‪#‬واح ص‪#‬غار‪ #‬أمث‪#‬ال النع‪#‬ال‪ ،‬فنظمه‪#‬ا‪ #‬في‬
‫ساعة‪ ،‬ثم جعل فيها جميع من معه من تل‪##‬ك األمم وتل‪##‬ك الجن‪##‬ود‪ ،‬ف‪##‬إذا قط‪##‬ع األنه‪##‬ار‬
‫والبحار‪ #‬فتقه‪##‬ا‪ ،‬ثم دف‪##‬ع إلى ك‪##‬ل إنس‪##‬ان لوح‪##‬ا‪ ،‬فلم ي‪##‬زل ك‪##‬ذلك دأب‪##‬ه ح‪##‬تى انتهى إلى‬
‫هاويل‪ ،‬فعمل فيها كعمله في ناس‪##‬ك‪ ..‬فلم‪#‬ا ف‪#‬رغ‪ #‬منه‪#‬ا مض‪#‬ى على وجه‪##‬ه في ناحي‪#‬ة‬
‫األرض اليمنى حتى انتهى إلى منسك عن‪##‬د مطل‪##‬ع الش‪##‬مس‪ ،‬فعم‪##‬ل فيه‪##‬ا وجن‪##‬د منه‪##‬ا‬
‫جنودا‪ ،‬كفعله في األمتين اللتين قبلها‪ ،‬ثم كر مقبال في ناحية األرض اليسرى‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫يريد تاويل وهي األمة التي بحيال هاوي‪##‬ل‪ ،‬وهم‪##‬ا متقابلت‪##‬ان بينهم‪##‬ا ع‪##‬رض األرض‬
‫‪496‬‬
‫كله‪ ،‬فلما بلغها عمل فيها‪ ،‬وجند‪ #‬منها كفعله فيما قبلها‪ ،‬فلم‪#‬ا ف‪#‬رغ منه‪#‬ا عط‪#‬ف منه‪#‬ا‬
‫إلى األمم التي وسط األرض من الجن وسائر الناس‪ ،‬ويأجوج‪ #‬وم‪##‬أجوج‪ ،‬فلم‪##‬ا ك‪##‬ان‬
‫في بعض الطري‪##‬ق م‪##‬ا يلي منقط‪##‬ع ال‪##‬ترك نح‪##‬و المش‪##‬رق‪ ،‬ق‪##‬الت ل‪##‬ه أم‪##‬ة من اإلنس‬
‫صالحة‪ :‬يا ذا القرنين‪ ،‬إن بين هذين الجبلين خلق‪##‬ا من خل‪##‬ق هللا‪ ،‬وكث‪##‬ير منهم مش‪##‬ابه‬
‫لإلنس‪ ،‬وهم أش‪##‬باه البه‪##‬ائم‪ ،‬ي‪##‬أكلون العش‪##‬ب‪ ،‬ويفترس‪##‬ون ال‪##‬دواب والوح‪##‬وش‪ #‬كم‪##‬ا‬
‫تفترسها السباع‪ ،‬وي‪##‬أكلون خش‪##‬اش األرض كله‪##‬ا من الحي‪##‬ات والعق‪##‬ارب‪ ،‬وك‪##‬ل ذي‬
‫روح مما خل‪#‬ق هللا في األرض‪ ،‬وليس هلل خل‪#‬ق ينم‪#‬و نم‪#‬اءهم في الع‪#‬ام الواح‪#‬د‪ ،‬وال‬
‫يزداد كزيادتهم‪ ،‬وال يك‪##‬ثر كك‪##‬ثرتهم‪ ،‬ف‪##‬إن ك‪##‬انت لهم م‪##‬دة على م‪##‬ا ن‪##‬رى من نم‪##‬ائهم‬
‫وزيادتهم‪ ،‬فال ش‪#‬ك أنهم س‪#‬يملئون األرض‪ ،‬ويجل‪#‬ون أهله‪#‬ا عنه‪#‬ا ويظه‪#‬رون عليه‪#‬ا‬
‫فيفسدون فيها‪ ،‬وليست تمر بنا س‪##‬نة من‪##‬ذ جاورن‪##‬اهم إال ونحن نت‪##‬وقعهم‪ ،‬وننتظ‪##‬ر أن‬
‫ُوج َو َم‪##‬أْجُو َج‬ ‫يطلع علينا أوائلهم من بين ه‪##‬ذين الجبلين ﴿قَ‪##‬الُوا يَ‪##‬ا َذا ْالقَ‪##‬رْ نَي ِْن إِ َّن يَ‪##‬أْج َ‬
‫ك خَرْ جًا َعلَى أَ ْن تَجْ َع‪َ #‬‬
‫‪#‬ل بَ ْينَنَ‪##‬ا َوبَ ْينَهُ ْم َس‪ًّ #‬دا قَ‪##‬ا َل َم‪##‬ا‬ ‫ض فَهَلْ نَجْ َع ُل لَ َ‬‫ُم ْف ِس ُدونَ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫َم َّكنِّي فِي ِه َربِّي َخ ْي ٌر فَأ َ ِعينُونِي‪ #‬بِقُ‪َّ #‬و ٍة أَجْ َع‪##‬لْ بَ ْينَ ُك ْم َوبَ ْينَهُ ْم َر ْد ًم‪##‬ا﴾ [الكه‪##‬ف‪ ]95-94 :‬أع‪##‬دوا‬
‫إلي الص‪#‬خور‪ #‬والحدي‪#‬د‪ #‬والنح‪#‬اس ح‪##‬تى أرت‪##‬اد بالدهم‪ ،‬وأعلم علمهم‪ ،‬وأقيس م‪#‬ا بين‬
‫جبليهم‪ ،‬ثم انطلق يؤمهم‪ #‬حتى دفع إليهم وتوسط‪ #‬بالدهم‪ ،‬فوجدهم على مقدار واح‪##‬د‪،‬‬
‫ذكرهم وأنثاهم‪ ،‬مبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا‪ ،‬لهم مخالب‬
‫في موض‪##‬ع األظف‪##‬ار من أي‪##‬دينا‪ ،‬وأض‪##‬راس وأني‪##‬اب كأض‪##‬راس الس‪##‬باع وأنيابه‪##‬ا‪،‬‬
‫وأحناك كأحناك اإلبل قوة تسمع له‪##‬ا حرك‪##‬ة إذا أكل‪##‬وا كحرك‪##‬ة الج‪##‬رة من اإلب‪##‬ل‪ ،‬أو‬
‫كقضم الفحل المسن‪ ،‬أو الفرس القوي‪ ،‬وهم هلب‪ ،‬عليهم من الشعر في أجسادهم ما‬
‫يواريهم‪ ،‬وما يتقون به الحر والبرد إذا أصابهم‪ ،‬ولكل واح‪#‬د منهم أذن‪#‬ان عظيمت‪#‬ان‪:‬‬
‫إحداهما وبرة ظهرها وبطنها‪ ،‬واألخرى‪ #‬زغبة ظهرها وبطنها‪ ،‬تسعانه إذا لبس‪##‬هما‪،‬‬
‫يلتحف إح‪##‬داهما‪ ،‬ويف‪##‬ترش األخ‪##‬رى‪ ،‬ويص‪##‬يف في إح‪##‬داهما‪ ،‬ويش‪##‬تى‪ #‬في األخ‪##‬رى‪،‬‬
‫وليس منهم ذكر وال أنثى إال وقد عرف أجله الذي يموت فيه‪ ،‬ومنقطع عمره‪ ،‬وذلك‬
‫أنه ال يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من ص‪##‬لبه أل‪##‬ف ول‪##‬د‪ ،‬وال تم‪##‬وت األن‪##‬ثى‬
‫حتى يخرج من رحمها ألف ولد‪ ،‬ف‪#‬إذا ك‪#‬ان ذل‪#‬ك أيقن ب‪#‬الموت‪ ،‬وهم يرزق‪##‬ون ال‪#‬تين‬
‫أيام الربيع‪ ،‬ويستمطرونه إذا تحينوه كم‪##‬ا نس‪##‬تمطر‪ #‬الغيث لحين‪##‬ه‪ ،‬فيق‪##‬ذفون من‪##‬ه ك‪##‬ل‬
‫سنة بواحد‪ ،‬فيأكلون‪##‬ه ع‪##‬امهم كل‪##‬ه إلى مثل‪##‬ه من الع‪##‬ام القاب‪##‬ل‪ ،‬فيغ‪##‬نيهم على ك‪##‬ثرتهم‪#‬‬
‫ونمائهم‪ #،‬فإذا أمطروا وأخصبوا‪ #‬وعاشوا وسمنوا‪ ،‬ورئي‪ #‬أث‪##‬ره عليهم‪ ،‬ف‪##‬درت عليهم‬
‫اإلن‪##‬اث‪ ،‬وش‪##‬بقت منهم الرج‪##‬ال ال‪##‬ذكور‪ ،‬وإذا أخط‪##‬أهم هزل‪##‬وا وأج‪##‬دبوا‪ ،‬وجف‪##‬رت‬
‫ال‪##‬ذكور‪ ،‬وح‪##‬الت اإلن‪##‬اث‪ ،‬وت‪##‬بين أث‪##‬ر ذل‪##‬ك عليهم‪ ،‬وهم يت‪##‬داعون ت‪##‬داعي الحم‪##‬ام‪،‬‬
‫ويعوون عواء الكالب‪ ،‬ويتسافدون حيث التقوا تسافد البه‪##‬ائم‪ ،‬فلم‪##‬ا ع‪##‬اين ذل‪##‬ك منهم‬
‫ذو القرنين انصرف‪ #‬إلى ما بين الصدفين‪ ،‬فق‪##‬اس م‪##‬ا بينهم‪##‬ا وه‪##‬و في منقط‪##‬ع أرض‬
‫الترك ما يلي مشرق الشمس‪ ،‬فوجد‪ #‬بعد ما بينهما مائة فرسخ‪ ،‬فلم‪##‬ا أنش‪##‬أ في عمل‪##‬ه‪،‬‬
‫حفر ل‪#‬ه أساس‪#‬ا ح‪#‬تى بل‪#‬غ الم‪#‬اء‪ ،‬ثم جع‪#‬ل عرض‪#‬ه خمس‪#‬ين فرس‪#‬خا‪ ،‬وجع‪#‬ل حش‪#‬وه‬
‫‪497‬‬
‫الصخور‪ #،‬وطينه النحاس‪ ،‬يذاب ثم يصب عليه‪ ،‬فص‪##‬ار‪ #‬كأن‪##‬ه ع‪##‬رق من جب‪##‬ل تحت‬
‫األرض‪ ،‬ثم عاله وشرفه بزب‪##‬ر الحدي‪#‬د والنح‪##‬اس الم‪#‬ذاب‪ ،‬وجع‪##‬ل خالل‪##‬ه عرق‪#‬ا من‬
‫نحاس أصفر‪ ،‬فصار‪ #‬كأنه برد محبر من ص‪##‬فرة النح‪##‬اس وحمرت‪##‬ه وس‪##‬واد الحدي‪##‬د‪،‬‬
‫فلما فرغ منه وأحكمه‪ ،‬انطلق عامدا إلى جماعة اإلنس والجن‪ ،‬فبينا هو يسير‪ ،‬دف‪##‬ع‬
‫إلى أمة صالحة يهدون بالحق وب‪#‬ه يع‪#‬دلون‪ ،‬فوج‪#‬د أم‪#‬ة مقس‪#‬طة مقتص‪#‬دة‪ ،‬يقس‪#‬مون‬
‫بالسوية‪ ،‬ويحكمون بالعدل‪ ،‬ويتآسون ويتراحمون‪ ،‬ح‪##‬الهم واح‪##‬دة‪ ،‬وكلمتهم‪ #‬واح‪##‬دة‪،‬‬
‫وأخالقهم مشتبهة‪ ،‬وطريقتهم مستقيمة‪ ،‬وقلوبهم متألفة‪ ،‬وس‪##‬يرتهم‪ #‬حس‪##‬نة‪ ،‬وقب‪##‬ورهم‪#‬‬
‫بأبواب بيوتهم‪ ،‬وليس على بيوتهم أب‪##‬واب‪ ،‬وليس عليهم أم‪##‬راء‪ ،‬وليس بينهم قض‪##‬اة‪،‬‬
‫وليس بينهم أغني‪##‬اء‪ ،‬وال مل‪##‬وك‪ ،‬وال أش‪##‬راف‪ ،‬وال يتف‪##‬اوتون‪ ،‬وال يتفاض‪##‬لون‪ ،‬وال‬
‫يختلفون‪ ،‬وال يتن‪##‬ازعون‪ ،‬وال يس‪##‬تبون‪ ،‬وال يقتتل‪##‬ون‪ ،‬وال يقحط‪##‬ون‪ ،‬وال يح‪##‬ردون‪،‬‬
‫وال تص‪##‬يبهم اآلف‪##‬ات ال‪##‬تي تص‪##‬يب الن‪##‬اس‪ ،‬وهم أط‪##‬ول الن‪##‬اس أعم‪##‬ارا‪ ،‬وليس فيهم‬
‫مسكين‪ ،‬وال فقير‪ ،‬وال فظ‪ ،‬وال غليظ‪ ،‬فلما رأى ذلك ذو الق‪##‬رنين من أم‪##‬رهم‪ ،‬عجب‬
‫من‪##‬ه وق‪##‬ال‪ :‬أخ‪##‬بروني أيه‪##‬ا الق‪##‬وم خ‪##‬بركم‪ ،‬ف‪##‬إني‪ #‬ق‪##‬د أحص‪##‬يت األرض كله‪##‬ا بره‪##‬ا‬
‫وبحرها‪ ،‬وشرقها وغربها‪ ،‬ونوره‪#‬ا‪ #‬وظلمته‪##‬ا‪ ،‬فلم أج‪##‬د مثلكم‪ ،‬ف‪##‬أخبروني خ‪##‬بركم‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فسلنا عما تريد‪ ،‬قال‪ :‬أخبروني‪ ،‬ما بال قبور‪ #‬موتاكم على أبواب بيوتكم؟‪#‬‬
‫قالوا‪ :‬عمدا فعلنا ذلك لئال ننسى الموت‪ ،‬وال يخرج ذكره من قلوبن‪##‬ا‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬فم‪##‬ا ب‪##‬ال‬
‫بيوتكم‪ #‬ليس عليها أبواب؟ قالوا‪ #:‬ليس فينا متهم‪ ،‬وليس منا إال أمين مؤتمن‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫لكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا‪ #:‬ال نتظ‪##‬الم‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬فم‪##‬ا ب‪##‬الكم ليس فيكم حك‪##‬ام؟ ق‪##‬الوا‪ :‬ال‬
‫نختصم‪ ،‬قال‪ :‬فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟ قالوا‪ :‬ال نتكاثر‪ ،‬قال‪ :‬فم‪##‬ا ب‪##‬الكم ليس فيكم‬
‫ملوك؟ قالوا‪ :‬ال نتكابر‪ ،‬قال‪ :‬فما بالكم ال تتنازعون وال تختلفون؟ قالوا‪ :‬من قبل ألفة‬
‫قلوبنا‪ #‬وصالح ذات بيننا‪ ،‬قال‪ :‬فما بالكم ال تستبون وال تقتتل‪##‬ون؟ ق‪##‬الوا‪ #:‬من قب‪##‬ل أن‪##‬ا‬
‫غلبن‪##‬ا طبائعن ‪#‬ا‪ #‬ب‪##‬العزم‪ ،‬وسس‪##‬نا أنفس‪##‬نا ب‪##‬األحالم‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬فم‪##‬ا ب‪##‬الكم كلمتكم واح‪##‬دة‪،‬‬
‫وطريقتكم مستقيمة مستوية؟ قالوا‪ :‬من قبل أن‪#‬ا ال نتك‪#‬اذب‪ ،‬وال نتخ‪##‬ادع‪ ،‬وال يغت‪##‬اب‬
‫بعضنا بعضا‪ ،‬قال‪ :‬فأخبروني من أين تش‪##‬ابهت قل‪##‬وبكم‪ ،‬واعت‪##‬دلت س‪##‬يرتكم؟‪ #‬ق‪##‬الوا‪:‬‬
‫صحت ص‪##‬دورنا‪ ،‬ف‪##‬نزع‪ #‬ب‪##‬ذلك الغ‪##‬ل والحس‪#‬د‪ #‬من قلوبن‪##‬ا‪ #،‬ق‪##‬ال‪ :‬فم‪##‬ا ب‪##‬الكم ليس فيكم‬
‫مسكين وال فقير؟ قالوا‪ :‬من قبل أنا نقتسم بالسوية‪ ،‬قال‪ :‬فما ب‪##‬الكم ليس فيكم ف‪##‬ظ وال‬
‫غليظ؟ قالوا‪ :‬من قبل الذل والتواضع‪ ،‬قال‪ :‬فما جعلكم أطول الن‪##‬اس أعم‪##‬ارا؟ ق‪##‬الوا‪:‬‬
‫من قبل أنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل‪ ،‬قال‪ :‬فما بالكم ال تقحطون؟ ق‪##‬الوا‪ #:‬ال نغف‪##‬ل‬
‫عن االستغفار‪ ،‬قال‪ :‬فما بالكم ال تحردون؟ قالوا‪ :‬من قبل أنا وطأنا أنفسنا للبالء منذ‬
‫كنا‪ ،‬وأحببناه وحرصنا عليه‪ ،‬فعرين‪##‬ا من‪##‬ه‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬فم‪##‬ا ب‪#‬الكم ال تص‪##‬يبكم اآلف‪##‬ات كم‪##‬ا‬
‫تصيب الن‪##‬اس؟ ق‪##‬الوا‪ :‬ال نتوك‪##‬ل على غ‪##‬ير هللا‪ ،‬وال نعم‪##‬ل ب‪##‬األنواء والنج‪##‬وم‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫حدثوني‪ #‬أهكذا وجدتم‪ #‬آباءكم يفعلون؟ ق‪##‬الوا‪ :‬نعم وج‪##‬دنا آباءن‪##‬ا يرحم‪##‬ون مس‪##‬اكينهم‪،‬‬
‫ويواسون فقراءهم‪ ،‬ويعفون عمن ظلمهم‪ ،‬ويحسنون إلى من أس‪##‬اء إليهم‪ ،‬ويحلم‪##‬ون‬
‫عمن جهل عليهم‪ ،‬ويستغفرون لمن س‪##‬بهم‪ ،‬ويص‪##‬لون أرح‪##‬امهم‪ ،‬وي‪##‬ؤدون أمان‪##‬اتهم‪،‬‬
‫‪498‬‬
‫ويحفظ‪##‬ون وقتهم لص‪##‬التهم‪ ،‬ويوف‪##‬ون بعه‪##‬ودهم‪ ،‬ويص‪##‬دقون في مواعي‪##‬دهم‪ ،‬وال‬
‫يرغبون عن أكفائهم‪ ،‬وال يستنكفون عن أق‪#‬اربهم‪ ،‬ب‪#‬ذلك أم‪#‬رهم‪ ،‬وحفظهم م‪#‬ا ك‪#‬انوا‬
‫أحياء‪ ،‬وكان حقا على هللا أن يحفظهم في تركتهم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قصة يأجوج وم‪##‬أجوج الكث‪##‬ير‬
‫من التفاصيل ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل عليه‪##‬ا‪ ،‬وال داعي له‪##‬ا‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا كنت‬
‫أرفعه إلى رسول هللا ‪ ‬كذبا وبهتانا‪ #‬اعتمادا على ما جاء في تفسير ابن أبي ح‪##‬اتم‪،‬‬
‫وابن مردويه‪ ،‬وابن عدي‪ ،‬وابن عس‪##‬اكر‪ ،‬وابن النج‪##‬ار عن حذيف‪##‬ة أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪ :‬س‪##‬ألت‬
‫رسول هللا ‪ ‬عن يأجوج‪ ،‬ومأجوج‪ ،‬فقال‪ :‬يأجوج ومأجوج أمة‪ ،‬كل أم‪##‬ة أربعمائ‪##‬ة‬
‫ألف أمة‪ ،‬ال يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من ص‪#‬لبه‪ ،‬ك‪#‬ل حم‪#‬ل الس‪#‬الح‪،‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬صفهم لن‪#‬ا‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬هم ثالث‪#‬ة أص‪#‬ناف‪ :‬ص‪#‬نف منهم أمث‪#‬ال األرز‪،‬‬
‫قلت‪ :‬وما األرز؟ قال‪ :‬شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائ‪##‬ة ذراع في الس‪##‬ماء‪،‬‬
‫قال رسول هللا ‪ :‬هؤالء الذين ال يقوم لهم جبل‪ ،‬وال حديد‪ ،‬وصنف‪ #‬منهم‪ ،‬يف‪##‬ترش‬
‫إحدى أذنيه‪ ،‬ويلتحف باألخرى‪ ،‬ال يمرون بفيل‪ ،‬وال وحش‪ ،‬وال جم‪##‬ل‪ ،‬وال خ‪##‬نزير‪#‬‬
‫إال أكلوه‪ ،‬ومن مات منهم أكلوه‪ ،‬مقدمتهم بالشام‪ #‬وساقتهم‪ #‬يش‪##‬ربون أنه‪##‬ار المش‪##‬رق‪،‬‬
‫وبحيرة طبرية(‪.)1‬‬
‫وم‪##‬ع أن الكث‪##‬ير من العلم‪##‬اء نص‪##‬وا على ك‪##‬ذب الح‪##‬ديث ك‪##‬ابن الج‪##‬وزي في‬
‫موضوعاته‪ ،‬والسيوطي في الآللئ‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬إال أني لم أكن أبالي بذلك‪.‬‬
‫ولم أكن أبالي أيضا بالتناقض الذي ورد في تلك الروايات‪ ،‬فبينم‪#‬ا كنت أذك‪#‬ر‬
‫هول وعظم خلقهم رافعا ذلك ك‪##‬ذبا وزورا إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬إذا بي أروي عن ابن‬
‫عباس أنه قال‪( :‬إن يأجوج ومأجوج‪ #‬شبر‪ ،‬وشبران‪ ،‬وأطولهم‪ #‬ثالثة أشبار‪ ،‬وهم من‬
‫ولد آدم) (‪)2‬‬
‫قال آخر(‪ :)3‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير م‪##‬ا ورد‪ #‬في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫حول قصة ملكة سبأ الكثير من التفاصيل ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل عليه‪##‬ا‪ ،‬وال داعي له‪##‬ا‪ ،‬ومن‬
‫األمثلة على ذلك ما كنت أرويه في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬قِي َل لَهَا ا ْد ُخلِي الصَّرْ َح فَلَ َّما‬
‫ت َربِّ‬ ‫ير قَ‪##‬الَ ْ‬ ‫ص‪#‬رْ ٌح ُم َم‪َّ #‬ر ٌد ِم ْن قَ‪َ #‬و ِ‬
‫ار َ‬ ‫ال إِنَّهُ َ‬
‫ت ع َْن َساقَ ْيهَا‪ #‬قَ َ‬‫َرأَ ْتهُ َح ِسبَ ْتهُ لُ َّجةً َو َك َشفَ ْ‬
‫ت َم َع ُسلَ ْي َمانَ هَّلِل ِ َربِّ ْال َع‪##‬الَ ِمينَ ﴾ [النم‪##‬ل‪ ،]44 :‬نقال عن تفاس‪##‬ير‬ ‫ت نَ ْف ِسي َوأَ ْسلَ ْم ُ‬ ‫إِنِّي ظَلَ ْم ُ‬
‫ابن جرير‪ ،‬والثعلبي والبغوي‪ #،‬والخازن‪ ،‬وغيرهم‪ :‬أن سليمان عليه الس‪##‬الم أراد أن‬
‫يتزوجها‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن رجليها كحافر‪ #‬الحمار‪ ،‬وهي شعراء الساقين‪ ،‬ف‪##‬أمرهم‪ ،‬فبن‪##‬وا‪#‬‬
‫ل‪##‬ه ه‪##‬ذا القص‪##‬ر على ه‪##‬ذه الص‪##‬فة‪ ،‬فلم‪##‬ا رأت‪##‬ه حس‪##‬بته لج‪##‬ة‪ ،‬وكش‪##‬فت عن س‪##‬اقيها‪#‬‬
‫لتخوضه‪ ،‬فنظر سليمان فإذا هي أحسن الن‪##‬اس ق‪##‬دما وس‪##‬اقا‪ ،‬إال أنه‪##‬ا ك‪##‬انت ش‪##‬عراء‬
‫الساقين‪ ،‬فكره ذلك‪ ،‬فسأل اإلنس م‪#‬ا ي‪##‬ذهب ه‪##‬ذا؟ ق‪#‬الوا‪ :‬الموس‪##‬ي‪ ،‬فق‪#‬الت بلقيس‪ :‬لم‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالماثور (‪)10/366‬‬
‫‪ )(2‬الدر المنثور في التفسير بالماثور (‪)10/366‬‬
‫‪ )(3‬الدر المنثور في التفسير بالماثور (‪)11/375‬‬
‫‪499‬‬
‫تمسني حديدة قط‪ ،‬وكره سليمان ذلك‪ ،‬خشية أن تقطع ساقيها‪ ،‬فسأل الجن‪ :‬فقالوا‪ :‬ال‬
‫ن‪##‬دري‪ ،‬ثم س‪##‬أل الش‪##‬ياطين؟ فق‪##‬الوا‪ :‬إن‪##‬ا نحت‪##‬ال ل‪##‬ك ح‪##‬تى تك‪##‬ون كالفض‪##‬ة البيض‪##‬اء‪،‬‬
‫فاتخذوا لها النورة والحمام‪ ،‬فكانت النورة والحمام‪ #‬من يومئذ‪#.‬‬
‫وكنت أذكر لهم أنها سألت سليمان علي‪#‬ه الس‪#‬الم عن أم‪##‬رين‪ ،‬حيث ق‪#‬الت ل‪#‬ه‪:‬‬
‫أري‪####‬د م‪####‬اء ليس من أرض وال من س‪####‬ماء؛ فس‪####‬أل س‪####‬ليمان اإلنس‪ ،‬ثم الجن‪ ،‬ثم‬
‫الشياطين‪ ،‬فقالت الشياطين‪ :‬هذا هين‪ ،‬أجر الخيل‪ ،‬ثم خذ عرقها‪ ،‬ثم امأل منه اآلنية‪،‬‬
‫فأمر‪ #‬بالخيل فأجريت‪ ،‬ثم أخذ العرق فمأل من اآلنية‪ ..‬وأنها س‪##‬ألته عن ل‪##‬ون هللا ع‪##‬ز‬
‫وجل فوثب سليمان عن سريره‪ ،‬وفزع‪ #‬من السؤال‪ ،‬وقال‪ :‬لقد سألتني ـ يا رب ـ عن‬
‫أمر‪ ،‬إنه ليتعاظم‪ #‬في قلبي أن أذكره ل‪##‬ك‪ ،‬ولكن هللا أنس‪##‬اه‪ ،‬وأنس‪##‬اهم‪ #‬م‪##‬ا س‪##‬ألته عن‪##‬ه‪،‬‬
‫وأن الش‪##‬ياطين خ‪##‬افوا‪ #‬ل‪##‬و تزوجه‪#‬ا‪ #‬س‪##‬ليمان‪ ،‬وج‪##‬اءت بول‪##‬د‪ ،‬أن يبق‪##‬وا في عبوديت‪##‬ه‪،‬‬
‫فصنعوا له هذا الصرح الممرد‪ ،‬فظنت‪##‬ه م‪##‬اء‪ ،‬فكش‪##‬فت عن س‪##‬اقيها لتع‪##‬بره‪ ،‬ف‪##‬إذا هي‬
‫شعراء‪ ،‬فاستشارهم سليمان‪ :‬ما يذهبه؟‪ .‬فجعلت له الشياطين النورة‪.‬‬
‫وغيرها من الروايات الكث‪##‬يرة ال‪##‬تي تش‪##‬وه المع‪##‬اني القرآني‪##‬ة الجليل‪##‬ة‪ ،‬وتش‪##‬وه‬
‫معها سليمان عليه السالم‪ ،‬بل تشوه النبوة نفسها‪.‬‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وإِنِّي ُمرْ ِس‪#‬لَةٌ‬
‫َاظ َرةٌ بِ َم يَرْ ِج ُع ْال ُمرْ َسلُونَ ﴾ [النمل‪ ]35 :‬الكثير من التفاصيل ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل‬
‫إِلَ ْي ِه ْم بِهَ ِديَّ ٍة فَن ِ‬
‫عليها‪ ،‬وال داعي لها‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪ :‬أنه‪##‬ا أه‪##‬دت إلي‪##‬ه وص‪##‬فاء ووص‪##‬ائف‪..‬‬
‫ألبس‪##‬تهم لباس‪##‬ا واح‪##‬دا كي ال يع‪##‬رف ال‪##‬ذكر من األن‪##‬ثى‪ ..‬أو ألبس الغلم‪##‬ان لب‪##‬اس‬
‫الجواري‪ ،‬وألبس الجواري لبسة الغلمان‪.‬‬
‫وكنت أذكر الخالف في عددهم‪ ،‬وأن ابن عب‪##‬اس ق‪##‬ال‪ :‬مائ‪##‬ة وص‪##‬يف‪ ،‬ومائ‪##‬ة‬
‫وصيفة‪ ،‬وأن مجاهدا ومقاتل قاال‪ :‬مائتا غالم‪ ،‬ومائتا جارية‪.‬‬
‫وكنت أحكي لهم م‪#‬ا ق‪#‬ال وهب وغ‪#‬يره من أنه‪#‬ا عم‪#‬دت إلى خمس‪#‬مائة غالم‪،‬‬
‫وخمسمائة جارية‪ ،‬فألبست الغلم‪#‬ان لب‪##‬اس الج‪#‬واري‪ #،‬وجعلت في س‪##‬واعدهم أس‪#‬اور‬
‫من ذهب‪ ،‬وفي أعن‪##‬اقهم أطواق‪#‬ا‪ #‬من ذهب‪ ،‬وفي آذانهم أقراط‪##‬ا‪ #،‬وش‪##‬نوفا‪ #‬مرص‪##‬عات‬
‫ب‪##‬أنواع الج‪##‬واهر‪ ،‬وألبس‪##‬ت الج‪##‬واري لب‪##‬اس الغلم‪##‬ان‪ :‬األقبي‪##‬ة والمن‪##‬اطق‪ ،‬وحملت‬
‫الجواري‪ #‬على خمسمائة رمكة‪ ،‬والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام‬
‫من ذهب مرصع بالجواهر‪ ،‬وغواش‪##‬يها‪ #‬من ال‪##‬ديباج المل‪##‬ون‪ ،‬وبعثت إلي‪##‬ه خمس‪##‬مائة‬
‫لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة‪ ،‬وتاجا‪ #‬مكلال بالدر‪ ،‬والياقوت‪ ،‬وأرسلت إليه‬
‫المس‪##‬ك والعن‪##‬بر والع‪##‬ود وعم‪##‬دت إلى حق‪##‬ة‪ ،‬فجعلت فيه‪##‬ا درة ثمين‪##‬ة غ‪##‬ير مثقوب‪##‬ة‪،‬‬
‫وخرزة مثقوبة معوجة الثقب‪ ،‬وأرسلت‪ #‬مع الهدية رج‪##‬اال من عقالء قومه‪##‬ا‪ ،‬وكتبت‬
‫معهم كتاب‪##‬ا إلى س‪##‬ليمان بالهدي‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬الت‪ :‬إن كنت نبي‪##‬ا فم‪##‬يز لي بين الوص‪##‬ائف‪#‬‬
‫والوصفاء‪ ،‬وأخبرني‪ #‬بما في الحقة قبل أن تفتحها‪ ،‬واثقب الدر ثقبا مس‪##‬تويا‪ ،‬وأدخ‪##‬ل‬
‫خيطا في الخرزة المثقوبة من غير عالج إنس وال جن‪.‬‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالماثور (‪)11/364‬‬
‫‪500‬‬
‫وكنت أحكي لهم أن سليمان عليه السالم أمر الجن أن يضربوا لبن‪##‬ات ال‪##‬ذهب‬
‫ولبنات الفضة‪ ،‬ثم أمرهم أن يفرشوا‪ #‬الطريق من موض‪##‬عه ال‪##‬ذي ه‪##‬و في‪##‬ه إلى تس‪##‬عة‬
‫فراسخ ميدانا واح‪##‬دا بلبن‪##‬ات ال‪##‬ذهب والفض‪##‬ة‪ ،‬وأن يع‪##‬دوا في المي‪##‬دان أعجب دواب‬
‫البر والبحر‪ ،‬فأعدوها‪ ،‬ثم قع‪##‬د على س‪##‬ريره‪ ،‬وأم‪#‬ر‪ #‬الش‪##‬ياطين أن يص‪##‬طفوا ص‪##‬فوفا‪#‬‬
‫فراسخ‪ ،‬وأمر اإلنس فاصطفوا فراسخ‪ ،‬وأمر الوحوش‪ ،‬والسباع‪ #‬والهوام‪ ،‬والط‪##‬ير‪،‬‬
‫فاصطفوا فراسخ عن يمينه‪ ،‬وعن يساره‪ ،‬فلما دن‪##‬ا الق‪##‬وم من المي‪##‬دان‪ ،‬ونظ‪##‬روا إلى‬
‫مل‪##‬ك س‪##‬ليمان‪ ،‬ورأوا ال‪##‬دواب ال‪##‬تي لم ت‪##‬ر أعينهم مثله‪##‬ا ت‪##‬روث على لبن ال‪##‬ذهب‬
‫والفضة‪ ،‬تقاصرت أنفسهم‪ ،‬ورموا بما معهم من الهدايا‪.‬‬
‫‪#‬اس‬ ‫ْ‬
‫قال آخر(‪ :)1‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذك‪##‬ر في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وإِ َّن إِليَ‪َ #‬‬
‫ال لِقَوْ ِم ِه أَاَل تَتَّقُونَ أَتَ ْد ُعونَ بَ ْعاًل َوتَ َذرُونَ أَحْ َسنَ ْالخَالِقِينَ هَّللا َ َربَّ ُك ْم‬ ‫لَ ِمنَ ْال ُمرْ َسلِينَ إِ ْذ قَ َ‬
‫ص‪#‬ينَ َوتَ َر ْكنَ‪#‬ا‪َ #‬علَ ْي‪ِ #‬ه‬ ‫ضرُونَ إِاَّل ِعبَ‪##‬ا َد هَّللا ِ ْال ُم ْخلَ ِ‬ ‫َو َربَّ آبَائِ ُك ُم اأْل َ َّولِينَ فَ َك َّذبُوهُ فَإِنَّهُ ْم لَ ُمحْ َ‬
‫س ‪#‬نِينَ ﴾ [الص‪##‬افات‪]131-123 :‬‬ ‫ك نَجْ ‪ِ #‬زي ْال ُمحْ ِ‬ ‫اس ‪#‬ينَ إِنَّا َك‪َ #‬ذلِ َ‬
‫‪#‬رينَ َس ‪#‬اَل ٌم َعلَى إِلْ يَ ِ‬ ‫فِي اآْل ِخ‪ِ #‬‬
‫الكثير من التفاصيل التي ال دليل عليه‪##‬ا‪ ،‬وال داعي له‪##‬ا‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا‬
‫كنت أذك‪##‬ره لهم من أن هللا تع‪##‬الى بعث إلي‪##‬اس إلى بعلب‪##‬ك‪ ،‬وك‪##‬انوا‪ #‬قوم‪##‬ا يعب‪##‬دون‬
‫األص‪##‬نام‪ ،‬وك‪##‬انت مل‪##‬وك ب‪##‬ني إس‪##‬رائيل متفرق‪##‬ة على العام‪##‬ة‪ ،‬ك‪##‬ل مل‪##‬ك على ناحي‪##‬ة‬
‫يأكلها‪ ،‬وكان الملك الذي كان إلياس معه يق‪#‬وم ل‪#‬ه أم‪#‬ره‪ ،‬ويقت‪#‬دي برأي‪#‬ه‪ ،‬وه‪#‬و على‬
‫هدى من بين أصحابه‪ ،‬حتى وقع إليهم قوم من عبدة األصنام‪ ،‬فقالوا‪ :‬م‪#‬ا ي‪#‬دعون إال‬
‫إلى الضاللة‪ ،‬والباطل‪ ،‬وجعلوا‪ #‬يقولون له‪ :‬اعبد هذه األوثان التي تعبد الملوك‪ ،‬وهم‬
‫على ما نحن عليه‪ ،‬ي‪##‬أكلون‪ ،‬ويش‪##‬ربون وهم في ملكهم يتقلب‪##‬ون‪ ،‬وم‪##‬ا تنقص دني‪##‬اهم‪#‬‬
‫من ربهم الذي تزعم أنه باطل‪ ،‬وما لنا عليهم من فضل‪ ،‬فاسترجع إلياس‪ ،‬فقام شعر‬
‫رأسه‪ ،‬وجلده‪ ،‬فخرج عليه إلياس‪.‬‬
‫وكنت أذك‪##‬ر لهم أن ال‪##‬ذي زين ل‪##‬ذلك المل‪##‬ك امرأت‪##‬ه‪ ،‬وك‪##‬انت قبل‪##‬ه تحت مل‪##‬ك‬
‫جبار‪ ،‬وكان من الكنعانيين في طول‪ ،‬وجسم‪ ،‬وحسن‪ ،‬فمات زوجها فاتخ‪##‬ذت تمث‪##‬اال‬
‫على صورة بعلها من الذهب‪ ،‬وجعلت له حدقتين من ياقوتتين‪ ،‬وتوجت‪#‬ه بت‪#‬اج مكل‪#‬ل‬
‫بالدر والجوهر‪ #،‬ثم أقعدته على سرير‪ ،‬تدخل عليه‪ ،‬فتدخنه‪ ،‬وتطيبه‪ ،‬وتسجد ل‪##‬ه‪ ،‬ثم‬
‫تخرج عنه‪ ،‬فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي ك‪#‬ان إلي‪#‬اس مع‪#‬ه‪ ،‬وك‪#‬انت ف‪#‬اجرة ق‪#‬د‬
‫قهرت زوجها‪ ،‬ووضعت‪ #‬البعل في ذلك البيت‪ ،‬وجعلت سبعين سادنا فعب‪##‬دوا‪ #‬البع‪##‬ل‪،‬‬
‫فدعاهم إلياس إلى هللا فلم يزدهم ذلك إال بعدا‪ ،‬فقال إلياس‪ :‬اللهم إن بني إسرائيل ق‪##‬د‬
‫أبوا إال الكفر بك‪ ،‬وعبادة غيرك‪ ،‬فغير ما بهم من نعمت‪##‬ك‪ ،‬ف‪##‬أوحى‪ #‬هللا إلي‪##‬ه‪ :‬إني ق‪##‬د‬
‫جعلت أرزاقهم بيدك‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم أمسك عنهم القط‪##‬ر ثالث س‪##‬نين‪ ،‬فأمس‪##‬ك هللا عنهم‬
‫القطر‪ ،‬وأرسل إلى الملك فتاه اليسع‪ ،‬فقال‪ :‬قل له‪ :‬إن إلياس يقول لك‪ :‬إن‪##‬ك اخ‪##‬ترت‬
‫عبادة البعل على عبادة هللا‪ ،‬واتبعت هوى امرأتك؛ فاستعد للع‪##‬ذاب والبالء‪ ،‬ف‪##‬انطلق‬
‫اليسع‪ ،‬فبلغ رس‪##‬الته للمل‪##‬ك‪ ،‬فعص‪##‬مه هللا تع‪##‬الى من ش‪##‬رك المل‪##‬ك‪ ،‬وأمس‪##‬ك هللا عنهم‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور ج‪ ،281 ،5/280‬وتفسير الثعلبي (‪ )8/158‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪501‬‬
‫القطر‪ ،‬حتى هلكت الماشية والدواب‪ ،‬وجهد الن‪##‬اس جه‪##‬دا ش‪##‬ديدا وخ‪##‬رج إلي‪##‬اس إلى‬
‫ذروة جبل‪ ،‬فك‪##‬ان هللا يأتي‪##‬ه ب‪##‬رزق‪ ،‬وفج‪##‬ر ل‪##‬ه عين‪##‬ا معين‪##‬ا لش‪##‬رابه وطه‪##‬وره‪ ،‬ح‪##‬تى‬
‫أصاب الناس الجهد‪ ،‬فأرسل‪ #‬الملك إلى السبعين‪ ،‬فقال لهم‪ :‬س‪##‬لو البع‪##‬ل أن يف‪##‬رج م‪##‬ا‬
‫بنا‪ ،‬فأخرجوا أصنامهم‪ #،‬فقربوا لها الذبائح‪ ،‬وعطفوا عليها‪ ،‬وجعل‪##‬وا‪ #‬ي‪##‬دعون‪ ،‬ح‪##‬تى‬
‫طال ذلك بهم‪ ،‬فقال لهم الملك‪ :‬إن إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤالء‪ ،‬فبعث‪##‬وا في‬
‫طلب إلي‪##‬اس‪ ،‬ف‪##‬أتى‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬أتحب‪##‬ون أن يف‪##‬رج عنكم؟ ق‪##‬الوا‪ :‬نعم‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ف‪##‬أخرجوا‪#‬‬
‫أوثانكم‪ ،‬فدعا إلياس عليه السالم ربه أن يفرج عنه‪ ،‬فارتفعت س‪##‬حابة مث‪##‬ل ال‪##‬ترس‪،‬‬
‫وهم ينظرون‪ ،‬ثم أرسل هللا عليهم المطر‪ ،‬فتابوا‪ #‬ورجعوا‪.‬‬
‫وكنت أروي‪ #‬لهم أن إلياس دعا ربه‪ ،‬أن يريحه من قومه‪ ،‬فقيل له‪ :‬انظر ي‪##‬وم‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها؛ فجعل يتوقع ذلك اليوم‪ ،‬ف‪##‬إذا‬
‫هو بشيء قد أقبل على صورة فرس‪ ،‬لونه كلون النار‪ ،‬حتى وقف بين يدي‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬وثب‬
‫عليه‪ ،‬فانطلق‪ #‬به‪ ،‬فكان آخر العهد به‪ ،‬فكساه هللا الريش‪ ،‬وكساه الن‪##‬ور‪ ،‬وقط ‪#‬ع‪ #‬عن‪##‬ه‬
‫لذة المطعم والمشرب‪ ،‬فصار‪ #‬في المالئكة عليهم السالم‪.‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن إلياس عليه السالم موكل بالفيافي‪ ،‬والخضر‪ #‬علي‪##‬ه الس‪##‬الم‬
‫بالجبال‪ ،‬وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة األولى‪ ،‬وأنهم‪##‬ا يجتمع‪##‬ان ك‪##‬ل ع‪##‬ام‬
‫بالموسم‪#.‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن إلياس صاحب جبال وبرية يخلو فيها يعبد ربه ع‪##‬ز وج‪##‬ل‬
‫وكان ضخم الرأس‪ ،‬خميص البطن‪ ،‬دقيق الساقين‪ ،‬في صدره شامة حم‪##‬راء‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫رفعه هللا إلى أرض الشام‪ ،‬لم يصعد به إلى السماء‪ ،‬وهو الذي سماه هللا ذا النون‪.‬‬
‫﴿وهَ‪##‬لْ أَتَ‪##‬اكَ نَبَ‪##‬أ ُ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫َ‪##‬ف‬‫‪##‬ز َع ِم ْنهُ ْم قَ‪##‬الُوا اَل تَخ ْ‬ ‫اب إِ ْذ َدخَ لُ‪##‬وا َعلَى دَا ُوو َ‪#‬د فَفَ ِ‬ ‫خَص‪ِ ##‬م إِ ْذ ت ََس‪َّ ##‬ورُوا ْال ِمحْ‪َ ##‬ر َ‬ ‫ْال ْ‬
‫ط َوا ْه‪ِ #‬دنَا إِلَى َس‪َ #‬وا ِء‬ ‫ق َواَل تُ ْش‪ِ #‬ط ْ‪#‬‬ ‫ْض فَ‪##‬احْ ُك ْم بَ ْينَنَ‪##‬ا بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال َح ِّ‬ ‫ضنَا َعلَى بَع ٍ‬ ‫خَصْ َما ِن بَغَى بَ ْع ُ‬
‫ال أَ ْكفِ ْلنِيهَا َو َع‪َّ #‬زنِي‬‫اح َدةٌ فَقَ َ‬ ‫ْجةٌ َو ِ‬ ‫ْجةً َولِ َي نَع َ‬ ‫اط إِ َّن هَ َذا أَ ِخي لَهُ تِ ْس ٌع َوتِ ْسعُونَ نَع َ‬ ‫الص َِّر ِ‪#‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اج ِه َوإِن كثِ‪##‬يرًا ِمنَ الخلط‪##‬ا ِء ليَب ِغي‬‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ْجتِكَ إِلى نِ َع ِ‬ ‫َ‬
‫ال نع َ‬ ‫ك بِسُؤَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب قا َل لقد ظل َم َ‬ ‫َ‬ ‫فِي ْال ِخطا ِ‬
‫َ‬
‫ت َوقَلِي‪ٌ #‬ل َم‪##‬ا هُ ْم َوظَ َّن دَا ُوو ُ‪#‬د‬ ‫الص‪#‬الِ َحا ِ‬‫ْض إِاَّل الَّ ِذينَ آ َمنُ‪##‬وا َو َع ِملُ‪##‬وا َّ‬ ‫ْض‪#‬هُ ْم َعلَى بَع ٍ‬ ‫بَع ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ‪#‬اب فغفرْ نَ‪#‬ا ل‪#‬هُ ذلِ‪#‬كَ َوإِن ل‪#‬هُ ِعن‪َ #‬دنَا ل‪#‬زلفى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس‪#‬تغف َ‪#‬ر َربَّهُ َوخَ‪َّ #‬ر َرا ِكعً‪#‬ا َوأن َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أَنَّ َما فتناهُ ف ْ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب﴾ [ص‪ ]25-21 :‬الكث‪##‬ير من الخراف‪##‬ات‪ #‬ال‪##‬تي تخ‪##‬ل بمق‪##‬ام األنبي‪##‬اء‪ ،‬وتن‪##‬افي‬ ‫ُس‪#‬نَ َم‪##‬آ ٍ‬ ‫َوح ْ‬
‫عصمتهم‪ ،‬ومنه‪#‬ا‪ #‬أن داود علي‪##‬ه الس‪##‬الم ق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا رب ق‪##‬د أعطيت إب‪##‬راهيم وإس‪##‬حاق‬
‫ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله‪ ،‬ق‪##‬ال هللا‪ :‬إني ابتليتهم بم‪##‬ا لم أبتل‪##‬ك‬
‫به‪ ،‬فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به‪ ،‬وأعطيتك كما أعطيتهم‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫فاعمل ح‪#‬تى أرى بالءك؛ فك‪##‬ان م‪##‬ا ش‪##‬اء هللا أن يك‪##‬ون‪ ،‬وط‪##‬ال ذل‪#‬ك علي‪#‬ه‪ ،‬فك‪#‬اد أن‬
‫ينساه؛ فبينا هو في محرابه‪ ،‬إذ وقعت عليه حمامة من ذهب فأراد‪ #‬أن يأخذها‪ ،‬فط‪##‬ار‬
‫إلى كوة المحراب‪ ،‬فذهب ليأخذها‪ ،‬فطارت‪ ،‬فاطلع من الكوة‪ ،‬فرأى ام‪##‬رأة تغتس‪##‬ل‪،‬‬
‫فنزل نبي هللا من المحراب‪ ،‬فأرسل إليها فجاءت‪##‬ه‪ ،‬فس‪##‬ألها عن زوجه‪##‬ا وعن ش‪##‬أنها‪،‬‬
‫‪502‬‬
‫فأخبرته أن زوجها غائب‪ ،‬فكتب إلى أمير تلك السرية أن يؤمره على السرايا ليهلك‬
‫زوجها‪ ،‬ففعل‪ ،‬فكان يصاب أصحابه وينجو‪ ،‬وربما‪ #‬نصروا‪ ،‬وإن هللا عز وج‪##‬ل لم‪##‬ا‬
‫رأى ال‪##‬ذي وق‪##‬ع في‪##‬ه داود‪ ،‬أراد أن يس‪##‬تنقذه؛ فبينم‪##‬ا داود ذات ي‪##‬وم في محراب‪##‬ه‪ ،‬إذ‬
‫تسور‪ #‬عليه الخصمان من قبل وجهه؛ فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬لق‪##‬د‬
‫استضعفت في ملكي ح‪##‬تى إن الن‪##‬اس يس‪##‬تورون علي مح‪##‬رابي‪ ،‬ق‪##‬اال ل‪##‬ه‪( :‬ال تخ‪##‬ف‬
‫خص‪##‬مان بغى بعض‪##‬نا على بعض)ولم يكن لن‪##‬ا ب‪##‬د من أن نأتي‪##‬ك‪ ،‬فاس‪##‬مع من‪##‬ا؛ ق‪##‬ال‬
‫أح‪##‬دهما‪( :‬إن ه‪##‬ذا أخي ل‪##‬ه تس‪##‬ع وتس‪##‬عون نعج‪##‬ة)أن‪##‬ثى (ولي نعج‪##‬ة واح‪##‬دة فق‪##‬ال‬
‫أكفلنيها)يريد أن يتمم بها مئة‪ ،‬ويتركني‪ #‬ليس لي شيء (وع‪##‬زني في الخط‪##‬اب)ق‪##‬ال‪:‬‬
‫إن دعوت ودعا كان أكثر‪ ،‬وإن بطشت وبطش كان أشد مني‪ ،‬ف‪#‬ذلك قول‪#‬ه (وع‪#‬زني‬
‫في الخطاب)قال له داود‪ :‬أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه (لقد ظلمك بسؤال نعجتك‬
‫إلى نعاجه)‪ ..‬إلى قوله (وقليل ما هم)ونسي نفسه‪ ،‬فنظر الملكان أح‪##‬دهما إلى اآلخ‪##‬ر‬
‫حين قال ذلك‪ ،‬فتبسم أح‪##‬دهما إلى اآلخ‪##‬ر‪ ،‬ف‪##‬رآه داود وظن أنم‪##‬ا فتن (فاس‪##‬تغفر رب‪##‬ه‬
‫وخر راكعا وأناب)أربعين ليلة‪ ،‬حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه‪ ،‬ثم شدد هللا له‬
‫ملكه)(‪)1‬‬
‫بل إني كنت أرفع ذلك إلى رسول هللا ‪ ‬زورا‪ #‬وبهتان‪#‬ا‪ ،‬فق‪#‬د كنت أروي‪ #‬عن‬
‫أنس أنه قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪(:‬إن داود النبي حين نظر إلى المرأة فأهم‪،‬‬
‫قطع على بني إس‪##‬رائيل‪ ،‬فأوص‪##‬ى ص‪##‬احب البعث‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬إذا حض‪#‬ر‪ #‬الع‪##‬دو‪ ،‬فق‪##‬رب‬
‫فالنا بين يدي التابوت‪ ،‬وكان التابوت في ذل‪##‬ك الزم‪##‬ان يستنص‪##‬ر ب‪##‬ه‪ ،‬ومن ق‪##‬دم بين‬
‫يدي الت‪##‬ابوت لم يرج‪##‬ع ح‪##‬تى يقت‪##‬ل أو يه‪##‬زم عن‪#‬ه الجيش‪ ،‬فقت‪##‬ل زوج الم‪##‬رأة ون‪##‬زل‬
‫الملكان على داود يقصان عليه قصته‪ ،‬ففطن داود فسجد‪ ،‬فمكث أربعين ليلة س‪##‬اجدا‬
‫حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه)(‪)2‬‬
‫وقد كان في إمكاني أن أفسر‪ #‬اآلية الكريمة بما يدل عليه ظاهرها؛ فهي تش‪##‬ير‬
‫إلى أن داود عليه السالم بمجرد أن تسور الرجالن عليه المحراب‪ ،‬وأخ‪##‬بره أولهم‪##‬ا‬
‫بالظلم الذي لحق به‪ ،‬س‪#‬ارع فانتص‪#‬ر‪ #‬ل‪#‬ه‪ ،‬مثلم‪#‬ا فع‪#‬ل قب‪#‬ل ذل‪#‬ك أخ‪#‬وه موس‪##‬ى علي‪#‬ه‬
‫السالم حين سارع لنصرة المستضعف‪ ..‬وهن‪##‬ا عاتب‪##‬ه هللا ألن‪##‬ه لم يس‪##‬تمع للث‪##‬اني من‬
‫الخصمين‪ ..‬ولكونه أواب‪##‬ا وص‪##‬احب روحاني‪##‬ة عالي‪##‬ة‪ ،‬فق‪##‬د ت‪##‬أثر ل‪##‬ذلك العت‪##‬اب ت‪##‬أثرا‬
‫شديدا‪ ،‬وهوى ساجدا هلل بكل رقة وعبودية وخضوع‪#.‬‬
‫ق‪##‬ال آخر(‪ :)3‬ومثلكم أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت أذك‪##‬ر في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬ولَقَ‪ْ #‬د فَتَناَّ‬
‫َاب﴾ [ص‪ ]34 :‬الكثير من التفاصيل التي ال دليل‬ ‫ُسلَ ْي َمانَ َوأَ ْلقَ ْينَا َعلَى ُكرْ ِسيِّ ِه َج َسدًا ثُ َّم أَن َ‬
‫عليه‪##‬ا‪ ،‬وال داعي له‪##‬ا‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذلك أني كنت أذك‪##‬ر لهم أن الم‪##‬راد منه‪##‬ا‬
‫الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوما‪ ..‬وأذكر‪ #‬لهم أنه ك‪##‬ان‬
‫‪ )(1‬تفسير الطبري (‪)21/181‬‬
‫‪ )(2‬تفسير الطبري (‪)21/187‬‬
‫‪ )(3‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)7/178‬‬
‫‪503‬‬
‫لسليمان عليه السالم امرأة يقال لها ج‪#‬رادة‪ ،‬وك‪#‬انت أحب نس‪#‬ائه إلي‪#‬ه‪ ،‬وأن‪#‬ه أراد أن‬
‫يدخل الخالء‪ ،‬فأعطاها خاتمه‪ ،‬فجاء الشيطان في صورة س‪##‬ليمان‪ ،‬فق‪##‬ال له‪##‬ا‪ :‬ه‪##‬اتي‬
‫خاتمي‪ ،‬فأعطته‪ ،‬فلما لبسه‪ ،‬دانت له الجن‪ ،‬واإلنس‪ ،‬والشياطين‪ ،‬فلما خرج سليمان‬
‫عليه السالم من الخالء‪ ،‬قال لها‪ :‬هاتي خاتمي‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أعطيته سليمان‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬أن‪##‬ا‬
‫سليمان‪ ،‬قالت‪ :‬كذبت‪ ،‬لست سليمان‪ ،‬فجعل ال ي‪##‬أتي أح‪##‬دا يق‪##‬ول ل‪##‬ه‪ :‬أن‪##‬ا س‪##‬ليمان إال‬
‫كذبه‪ ،‬حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة‪ ،‬فلما رأى ذلك‪ :‬عرف أن‪##‬ه من أم‪##‬ر هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬وقام الشيطان يحكم بين الناس‪ ،‬فلما أراد هللا تع‪#‬الى أن ي‪#‬رد على س‪##‬ليمان‬
‫علي‪##‬ه الس‪##‬الم س‪##‬لطانه ألقى هللا في قل‪##‬وب الن‪##‬اس إنك‪##‬ار ذل‪##‬ك الش‪##‬يطان‪ ..‬فلم‪##‬ا رأى‬
‫الشيطان أنه قد فطن له‪ ،‬وظن أن أمره قد انقط‪##‬ع‪ ،‬فكتب‪##‬وا كتب‪##‬ا فيه‪##‬ا س‪##‬حر‪ ،‬ومك‪##‬ر‪،‬‬
‫ف‪#‬دفنوها تحت كرس‪#‬ي س‪#‬ليمان‪ ،‬ثم أثاروه‪#‬ا‪ ،‬وق‪#‬رأوه على الن‪#‬اس‪ ،‬ق‪#‬الوا‪ :‬به‪#‬ذا ك‪#‬ان‬
‫يظه‪##‬ر س‪##‬ليمان على الن‪##‬اس‪ ،‬ويغلبهم‪ ،‬ف‪##‬أكفر الن‪##‬اس س‪##‬ليمان‪ ،‬فلم يزال‪##‬وا يكفرون‪##‬ه‪،‬‬
‫وبعث ذلك الشيطان بالخاتم‪ ،‬فطرحه في البحر‪ ،‬فتلقته سمكة‪ ،‬فأخذته‪ ،‬وكان سليمان‬
‫عليه السالم يعمل على شط البحر ب‪##‬األجر‪ ،‬فج‪##‬اء رج‪##‬ل‪ ،‬فاش‪##‬ترى‪ #‬س‪##‬مكا؛ في‪##‬ه تل‪##‬ك‬
‫السمكة في بطنها الخاتم‪ ،‬فدعا سليمان عليه السالم‪ ،‬فقال له‪ :‬تحمل لي ه‪##‬ذا الس‪##‬مك‪،‬‬
‫ثم انطلق إلى منزله‪ ،‬فلما انتهى الرجل إلى ب‪##‬اب داره أعط‪##‬اه تل‪##‬ك الس‪##‬مكة ال‪##‬تي في‬
‫بطنها الخاتم‪ ،‬فأخ‪#‬ذها‪ #‬س‪#‬ليمان علي‪#‬ه الس‪##‬الم‪ ،‬فش‪##‬ق بطنه‪#‬ا‪ ،‬ف‪##‬إذا الخ‪#‬اتم في جوفه‪#‬ا‪،‬‬
‫فأخ‪##‬ذه‪ ،‬فلبس‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا لبس‪##‬ه دانت ل‪##‬ه اإلنس‪ ،‬والجن‪ ،‬والش‪##‬ياطين‪ ،‬وع‪##‬اد إلى حال‪##‬ه‪،‬‬
‫وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر‪ ،‬فأرسل س‪##‬ليمان علي‪##‬ه الس‪##‬الم‬
‫في طلبه‪ ،‬وكان شيطانا‪ #‬مريدا يطلبونه وال يقدرون علي‪##‬ه ح‪##‬تى وج‪##‬دوه يوم‪##‬ا نائم‪##‬ا‪،‬‬
‫فجاؤوا فبنوا عليه بناينا من رصاص‪ ،‬فاستيقظ‪ ،‬فوثب‪ ،‬فجع‪##‬ل ال يثب في مك‪##‬ان من‬
‫البيت إال أن دار معه الرص‪##‬اص‪ ،‬فأخ‪##‬ذوه وأوثق‪##‬وه‪ ،‬وج‪##‬اءوا ب‪##‬ه إلى س‪##‬ليمان علي‪##‬ه‬
‫السالم‪ ،‬فأمر به‪ ،‬فنقب له في رخام‪ ،‬ثم أدخل في جوفه‪ ،‬ثم سد بالنحاس‪ ،‬ثم أمر به‪،‬‬
‫فطرح في البحر‪.‬‬
‫وقد كنت أذكر لهم أن هذا الشيطان كان يسمى صخرا‪ ..‬أو أن اسمه آص‪##‬ف‪..‬‬
‫وأن سليمان سأله‪ :‬كيف تفتنون الناس؟! فقال الشيطان‪ :‬أرني خاتم‪##‬ك أخ‪##‬برك‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫أعطاه نبذه آصف في البحر‪ ،‬فساح سليمان‪ ،‬وذهب ملكه‪ ،‬وقعد آصف على كرسيه‪،‬‬
‫حتى كان ما كان من أمر السمكة‪ ،‬والعثور على الخاتم‪ ،‬ورجوع ملك سليمان إليه‪.‬‬
‫بل إني كنت أتجرأ فأروي في تفسير تلك اآلية الكريمة أح‪##‬اديث مكذوب‪##‬ة عن‬
‫رس‪##‬ول هللا ‪ ،‬محتج‪##‬ا في ذل‪##‬ك بأنه‪##‬ا رويت في المص‪##‬ادر الحديثي‪##‬ة‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة‬
‫على ذلك ذلك الحديث الذي كنت أرويه عن أبي هريرة مرفوعا إلى رس‪##‬ول هللا ‪‬‬
‫أنه قال‪( :‬ولد لسليمان ولد‪ ،‬فقال الشيطان تواري‪##‬ه من الم‪##‬وت‪ ،‬ق‪##‬الوا‪ :‬ن‪##‬ذهب ب‪#‬ه إلى‬
‫المشرق‪ ،‬فقال‪ :‬يصل إليه الموت‪ ،‬قالوا‪ :‬فإلى المغرب قال‪ :‬يصل إليه الموت‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫إلى البحار‪ ،‬قال‪ :‬يصل إليه الموت‪ ،‬قالوا‪ :‬نض‪##‬عه بين الس‪##‬ماء واألرض‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ونزل عليه ملك الموت‪ ،‬فقال‪ :‬إني أمرت بقبض نسمة طلبته‪##‬ا في البح‪##‬ار‪ ،‬وطلبته‪#‬ا‪#‬‬
‫‪504‬‬
‫في تخوم األرض فلم أصبها‪ ،‬فبينا أنا قاع‪##‬د أص‪##‬بتها‪ ،‬فقبض‪##‬تها‪ #‬وج‪##‬اء جس‪##‬ده‪ ،‬ح‪##‬تى‬
‫﴿ولَقَ ْد فَتَنَّا ُسلَ ْي َمانَ َوأَ ْلقَ ْينَا َعلَى ُكرْ ِسيِّ ِه َج َس‪##‬دًا‬
‫وقع على كرسي سليمان‪ ،‬فهو قول هللا‪َ :‬‬
‫َاب﴾ [ص‪)1( )]34 :‬‬ ‫ثُ َّم أَن َ‬
‫﴿و ْاذ ُك‪##‬رْ َع ْب‪َ #‬دنَا‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذك‪##‬ر في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ب﴾ [ص‪ ]41 :‬الكث‪###‬ير من‬ ‫ب َوعَ‪َ ###‬ذا ٍ‬ ‫ص‪ٍ ###‬‬ ‫ُّوب إِ ْذ نَ‪###‬ادَى َربَّهُ أَنِّي َم َّس‪###‬نِ َي َّ‬
‫الش‪ْ ###‬يطَانُ بِنُ ْ‬ ‫أَي َ‬
‫التفاصيل التي ال دليل عليها‪ ،‬وال داعي له‪##‬ا‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا كنت أذك‪##‬ر‬
‫لهم من أن الشيطان عرج إلى السماء فقال‪ :‬يا رب سلطني على أيوب‪ ،‬ق‪##‬ال هللا‪ :‬ق‪##‬د‬
‫سلطتك على ماله‪ ،‬وولده‪ ،‬ولم أسلطك على جسده‪ ،‬فنزل‪ :‬فجمع جنوده فقال لهم‪ :‬ق‪##‬د‬
‫سلطت على أي‪##‬وب؛ ف‪##‬أروني س‪##‬لطانكم فص‪##‬اروا‪ #‬نيران‪##‬ا‪ ،‬ثم ص‪##‬اروا‪ #‬م‪##‬اء‪ ،‬فينم‪##‬ا هم‬
‫بالمشرق‪ #‬إذا هم بالمغرب‪ ،‬وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق‪ #،‬فأرسل طائف‪##‬ة منهم‬
‫إلى زرعه‪ ،‬وطائفة إلى أهله‪ ،‬وطائف‪##‬ة إلى بق‪##‬ره‪ ،‬وطائف‪##‬ة إلى غنم‪##‬ه‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬إن‪##‬ه ال‬
‫يعتصم‪ #‬منكم إال ب‪##‬المعروف؛ ف‪##‬أتوه بالمص‪##‬ائب بعض‪##‬ها على بعض‪ ،‬فج‪##‬اء ص‪##‬احب‬
‫الزرع فقال‪ :‬يا أيوب‪ ،‬ألم تر إلى ربك‪ ،‬أرسل على زرعك عدوا‪ ،‬فذهب ب‪##‬ه‪ ،‬وج‪##‬اء‬
‫صاحب اإلبل‪ ،‬وقال‪ :‬ألم تر إلى ربك أرس‪##‬ل على إبل‪##‬ك ع‪##‬دوا‪ ،‬ف‪##‬ذهب به‪##‬ا‪ ،‬ثم ج‪##‬اء‬
‫صاحب البقر‪ ،‬فقال‪ :‬ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدوا‪ ،‬فذهب بها‪ ،‬وتفرد ه‪##‬و‬
‫ببني‪##‬ه جمعهم في بيت أك‪##‬برهم‪ ،‬فينم‪##‬ا هم ي‪##‬أكلون‪ ،‬ويش‪##‬ربون إذ هبت ريح فأخ‪##‬ذت‬
‫بأركان البيت‪ ،‬فألقته عليهم‪ ،‬فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غالم‪ ،‬فقال‪ :‬يا أيوب‪،‬‬
‫ألم تر إلى ربك جمع بني‪##‬ك في بيت أك‪##‬برهم‪ ،‬فينم‪##‬ا هم ي‪##‬أكلون‪ ،‬ويش‪##‬ربون؛ إذ هبت‬
‫ريح‪ ،‬فأخ‪##‬ذت بأرك‪##‬ان ال‪##‬بيت‪ ،‬فألقت‪##‬ه عليهم‪ ،‬فل‪##‬و رأيتهم حين اختلطت دم‪##‬اؤهم‪،‬‬
‫ولحومهم بطعامهم‪ ،‬وشرابهم‪ ،‬فقال ل‪##‬ه أي‪##‬وب‪ :‬أنت الش‪##‬يطان‪ ،‬ثم ق‪##‬ال ل‪#‬ه‪ :‬أن‪##‬ا الي‪##‬وم‬
‫كيوم ولدتني‪ #‬أمي‪ ،‬فقام‪ ،‬فحلق‪ #‬رأسه‪ ،‬وقام‪ #‬يصلي‪ ،‬ف‪##‬رن إبليس رن‪##‬ة س‪##‬مع به‪##‬ا أه‪##‬ل‬
‫الس‪##‬ماء وأه‪##‬ل األرض‪ ،‬ثم خ‪##‬رج إلى الس‪##‬ماء‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬أي رب‪ ،‬إن‪##‬ه ق‪##‬د اعتص‪##‬م‪،‬‬
‫فلسلطني عليه‪ ،‬ف‪##‬إني ال أس‪##‬تطيعه إال بس‪##‬لطانك‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬ق‪##‬د س‪##‬لطتك على جس‪##‬ده‪ ،‬ولم‬
‫أسلطك على قلبه‪ ،‬فنزل‪ ،‬فنفخ تحت قدمه نفخة‪ ،‬قرح ما بين قدميه إلى قرنه‪ ،‬فصار‬
‫قرحة واحدة‪ ،‬وألقي على الرماد‪ ،‬حتى بدا حجاب قلبه‪ ،‬فك‪##‬انت امرأت‪##‬ه تس‪##‬عى إلي‪##‬ه‪،‬‬
‫حتى قالت له‪ :‬أم‪##‬ا ت‪##‬رى ي‪##‬ا أي‪##‬وب‪ ،‬ق‪##‬د ن‪##‬زل بي وهللا من الجه‪##‬د والفاق‪##‬ة م‪##‬ا إن بعت‬
‫قروني برغيف‪ ،‬فأطعمك‪ ،‬فادع هللا أن يشفيك‪ ،‬ويريحك‪ #،‬قال‪ :‬ويحك؛ كنا في النعيم‬
‫سبعين عاما‪ ،‬فاصبري‪ #‬ح‪##‬تى نك‪##‬ون في الض‪##‬ر س‪##‬بعين عام‪##‬ا‪ ،‬فك‪##‬ان في البالء س‪##‬بع‬
‫سنين‪ ،‬ودعا‪ ،‬فجاء جبريل عليه السالم يوما فأخذ بيده‪ ،‬ثم قال‪ :‬قم‪ :‬فق‪##‬ام‪ ،‬فنح‪##‬اه عن‬
‫مكانه‪ ،‬وقال‪ :‬اركض برجلك‪ ،‬ه‪##‬ذا مغتس‪#‬ل ب‪##‬ارد وش‪#‬راب‪ ،‬ف‪#‬ركض برجل‪##‬ه‪ ،‬فنبعت‬
‫عين‪ ،‬فقال‪ :‬اغتسل‪ ،‬فاغتسل منها‪ ،‬ثم جاء أيضا‪ ،‬فقال‪ :‬اركض برجل‪##‬ك فنبعت عين‬
‫أخ‪##‬رى‪ ،‬فق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬اش‪##‬رب منه‪##‬ا‪ ،‬وه‪##‬و قول‪##‬ه‪﴿ :‬ارْ ُكضْ بِ ِرجْ لِ‪##‬كَ هَ‪َ #‬ذا ُم ْغت ََس ‪ٌ #‬ل بَ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ار ٌد‬
‫َو َش‪َ ##‬رابٌ ﴾ [ص‪ ،]42 :‬وألبس‪##‬ه هللا حل‪##‬ة من الجن‪##‬ة؛ فتنحى أي‪##‬وب‪ ،‬فجلس في ناحي‪##‬ة‪،‬‬
‫‪ )( 1‬رواه الطبراني في األوسط وابن مردويه‪ ،‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)7/181‬‬
‫‪505‬‬
‫وج‪#‬اءت امرأت‪#‬ه‪ ،‬فلم تعرف‪#‬ه‪ ،‬فق‪#‬الت‪ :‬ي‪#‬ا عب‪#‬د هللا‪ ،‬أين المبتلى ال‪#‬ذي ك‪#‬ان هن‪#‬ا‪ ،‬لع‪#‬ل‬
‫الكالب ذهبت به‪ ،‬أو الذئاب‪ ،‬وجعلت تكلمه ساعة‪ ،‬فقال‪ :‬ويحك‪ ،‬أن‪##‬ا أي‪##‬وب‪ ،‬ق‪##‬د رد‬
‫هللا علي جسدي‪ ،‬ورد هللا عليه ماله‪ ،‬وولده عيانا ومثلهم معهم(‪.)1‬‬
‫ومثل ذلك كنت أذكر لهم أن أيوب عليه السالم ابتلي بماله‪ ،‬وولده‪ ،‬وجس‪##‬ده‪،‬‬
‫وط‪##‬رح في المزبل‪##‬ة‪ ،‬فج‪##‬اءت امرأت‪##‬ه تخ‪##‬رج‪ ،‬فتكتس‪##‬ب علي‪##‬ه م‪##‬ا تطعم‪##‬ه‪ ،‬فحس‪##‬ده‬
‫الشيطان بذلك‪ ،‬فكان يأتي أصحاب الخير والغنى‪ ،‬فيقول‪ :‬اطردوا ه‪##‬ذه الم‪##‬رأة ال‪##‬تي‬
‫تغشاكم‪ ،‬فإنها تعالج صاحبها‪ ،‬وتلمسه بيدها‪ ،‬فالن‪##‬اس يتق‪##‬ذرون طع‪##‬امكم‪ #‬من أجله‪##‬ا‪،‬‬
‫فجعلوا‪ #‬ال يدنونها منهم‪ ،‬ويقولون تباعدي ونحن نطعمك‪ ،‬وال تقربينا(‪.)2‬‬
‫وغيره‪##‬ا من القص‪##‬ص ال‪##‬تي كنت أرف‪##‬ع بعض‪##‬ها إلى رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪ ‬زورا‪#‬‬
‫وبهتانا‪ ،‬ومنها‪ #‬أنه قال‪( :‬إن نبي هللا أيوب لبث به بالؤه ثماني عشرة س‪##‬نة‪ ،‬فرفض‪##‬ه‬
‫الق‪##‬ريب‪ ،‬والبعي‪##‬د‪ ،‬إال رجلين من إخوان‪##‬ه ل‪##‬ه‪ ،‬كان‪##‬ا يغ‪##‬دوان إلي‪##‬ه‪ ،‬ويروح‪##‬ان‪ ،‬فق‪##‬ال‬
‫أحدهما لصاحبه‪ :‬تعلم وهللا لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أح‪##‬د من الع‪##‬المين‪ ،‬فق‪##‬ال ل‪##‬ه‬
‫صاحبه‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬منذ ثماني عشرة س‪##‬نة لم يرحم‪##‬ه هللا‪ ،‬فيكش‪#‬ف‪ #‬م‪##‬ا ب‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له‪ ،‬فقال أيوب علي‪##‬ه الس‪##‬الم‪ :‬م‪##‬ا أدرى م‪##‬ا‬
‫تقول‪ ،‬غير أن هللا عز وج‪##‬ل يعلم أني كنت أم‪##‬ر على ال‪##‬رجلين يتنازع‪##‬ان‪ ،‬في‪##‬ذكران‬
‫هللا‪ ،‬فأرجع إلى بي‪##‬تي ف‪##‬أكفر عنهم‪##‬ا كراهي‪##‬ة أن ي‪##‬ذكرا هللا إال في ح‪##‬ق‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬وك‪##‬ان‬
‫يخرج في حاجته‪ ،‬فإذا قضاها‪ #‬أمسكت امرأته بيده‪ ،‬ح‪##‬تى يبل‪##‬غ‪ ،‬فلم‪##‬ا ك‪##‬ان ذات ي‪##‬وم‬
‫أبطأت عليه‪ ،‬فأوحى هللا إلى أيوب في مكانه‪ :،‬أن اركض برجلك هذا مغتس‪##‬ل ب‪##‬ارد‬
‫وشراب)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬أَلَ ْم ت ََر َك ْيفَ فَ َع َل‬
‫ت ْال ِع َم‪##‬ا ِد الَّتِي لَ ْم ي ُْخلَ‪ْ ##‬ق ِم ْثلُهَ‪##‬ا فِي ْالبِاَل ِد﴾ [الفج‪###‬ر‪ ]8-6 :‬الكث‪##‬ير من‬
‫ك بِ َع‪##‬ا ٍد إِ َر َم َذا ِ‬
‫َربُّ َ‬
‫التفاصيل التي ال دليل عليها‪ ،‬وال داعي لها‪ ،‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا كنت أروي‪##‬ه‬
‫مرفوعا‪ #‬إلى رسول هللا ‪ ‬أنه ذكر ‌إرم ‌ذات ‌العماد‪ ،‬فقال‪( :‬ك‪##‬ان الرج‪##‬ل منهم ي‪##‬أتي‬
‫إلى الصخرة فيحملها‪ #‬على كاهله فيلقيها على أي حي أرد فيهلكهم) (‪)4‬‬
‫وكنت أذكر لهم أنه كان لعاد ابنان‪ :‬شداد وشديد‪ ،‬فملكا وقهرا‪ ،‬ثم م‪##‬ات ش‪##‬ديد‬
‫وخلص األمر لشداد فملك الدنيا‪ ،‬فسمع بذكر الجنة‪ ،‬فقال‪ :‬أبني مثله‪##‬ا‪ ،‬فب‪##‬نى إرم في‬
‫بعض ص‪##‬حاري ع‪##‬دن في ثالثمائ‪##‬ة س‪##‬نة‪ ،‬وك‪##‬ان عم‪#‬ره تس‪##‬عمائة س‪#‬نة‪ ،‬وهي مدين‪#‬ة‬
‫عظيمة‪ ،‬وسورها‪ #‬من الذهب والفضة‪ ،‬وأس‪##‬اطينها‪ #‬من الزبرج‪#‬د‪ #‬والي‪##‬اقوت‪ ،‬ولم‪##‬ا تم‬
‫بناؤها سار إليها بأهب مملكته‪ ،‬فلما كان منها مسيرة يوم وليلة بعث هللا تعالى عليهم‬
‫صيحة من السماء‪ ،‬فهلكوا‪#.‬‬

‫أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر‪ .‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)7/192‬‬ ‫‪)( 1‬‬
‫أحمد في الزهد‪ .‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)7/194‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه‪ .‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)5/659‬‬ ‫‪)( 3‬‬
‫ابن أبي حاتم وابن مردويه‪ ،‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)8/505‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪506‬‬
‫وكنت أحكي لهم عن عبد هللا بن قالبة‪ :‬أنه خرج في طلب إبل له فوقع‪ #‬عليه‪##‬ا‬
‫يعني مدينة إرم‪ ،‬فحمل منها ما قدر عليه‪ ،‬وبلغ خ‪##‬بره معاوي‪##‬ة‪ ،‬فاستحض‪##‬ره‪ ،‬وقص‬
‫علي‪#‬ه فبعث إلى كعب األحب‪#‬ار‪ ،‬فس‪#‬أله عنه‪#‬ا فق‪#‬ال‪ :‬هي إرم ذات العم‪#‬اد‪ ،‬وس‪#‬يدخلها‪#‬‬
‫رجل من المسلمين في زمان‪##‬ه أحم‪##‬ر‪ ،‬أش‪##‬قر‪ ،‬قص‪##‬ير‪ ،‬على حاجب‪##‬ه خ‪##‬ال‪ ،‬ثم التفت‪،‬‬
‫فأبصر ابن قالبة‪ ،‬فقال‪ :‬هذا وهللا ذاك الرجل(‪.)1‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلكم أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت بارع‪##‬ا في ك‪##‬ل التفاص‪##‬يل المرتبط‪##‬ة بقص‪##‬ة‬
‫ُ‬
‫‪#‬ز َل َعلَى‬ ‫ه‪##‬اروت وم‪##‬اروت‪ #‬الغريب‪##‬ة‪ ،‬وال‪##‬تي كنت أفس‪##‬ر به‪##‬ا قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا أ ْن‪ِ #‬‬
‫ْال َملَ َك ْي ِن بِبَابِ َل هَا ُروتَ َو َما ُروتَ َو َما يُ َعلِّ َما ِن ِم ْن أَ َح‪ٍ #‬د َحتَّى يَقُ‪#‬واَل إِنَّ َم‪##‬ا نَحْ نُ فِ ْتنَ‪#‬ةٌ فَاَل‬
‫ضارِّينَ بِ ِه ِم ْن أَ َح ٍد‬ ‫تَ ْكفُرْ فَيَتَ َعلَّ ُمونَ ِم ْنهُ َما َما يُفَ ِّرقُونَ بِ ِه بَ ْينَ ْال َمرْ ِء َوزَ وْ ِج ِه َو َما هُ ْم بِ َ‬
‫ن هَّللا ِ َويَتَ َعل َّ ُمونَ َما يَضُرُّ ه ُ ْ‪#‬م َواَل يَ ْنفَ ُعه ُ ْم﴾ [البقرة‪]102 :‬‬ ‫إِاَّل بِإِ ْذ ِ‬
‫وقد كنت أبالغ في نقل أسانيدها المرتبطة بكبار الصحابة والتابعين من أمث‪##‬ال‬
‫ابن عم‪###‬ر‪ ،‬وابن مس‪###‬عود‪ ،‬وابن عب‪###‬اس‪ ،‬ومجاه‪###‬د‪ ،‬وكعب‪ ،‬والربي‪###‬ع‪ ،‬والس‪###‬دي‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ..‬باإلضافة إلى توثيقها من المصادر الكبرى للتفسير والحديث كابن جري‪##‬ر‬
‫الط‪###‬بري في تفس‪###‬يره‪ ،‬وابن مردوي‪###‬ه‪ ،‬والح‪###‬اكم‪ ،‬وابن المن‪###‬ذر‪ ،‬وابن أبي ال‪###‬دنيا‪،‬‬
‫والبيهقي‪ ،‬والخطيب وغيرهم(‪.)2‬‬
‫بل إني كنت أنسب لهم تلك الروايات العجيب‪##‬ة إلى رس‪##‬ول هللا ‪ ‬مس‪##‬تندا في‬
‫ذلك إلى ما رواه ابن جري‪##‬ر‪ ،‬والخطيب في الت‪##‬اريخ‪ ،‬وغيرهم‪##‬ا عن ن‪##‬افع‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر‪ ..‬وكنت ـ حرصا على التسلية والمتعة والغرابة ـ أغض الط‪##‬رف عن ك‪##‬ل من‬
‫حكم بوضعها‪ #‬من أمثال ابن الج‪##‬وزي(‪ ..)3‬والش‪##‬هاب الع‪##‬راقي‪ ،‬وال‪##‬ذي نص على أن‬
‫من اعتق‪##‬د في ه‪##‬اروت وم‪##‬اروت أنهم‪##‬ا ملك‪##‬ان يع‪##‬ذبان على خطيئتهم‪##‬ا‪ #:‬فه‪##‬و ك‪##‬افر‬
‫باهلل(‪ ..)4‬ومثلها القاضي عياض الذي قال‪ :‬وما ذكره أهل األخبار‪ ،‬ونقله المفس‪##‬رون‬
‫في قصة هاروت وماروت‪ :‬لم يرد فيه ش‪##‬يء ال س‪##‬قيم‪ ،‬وال ص‪##‬حيح عن رس‪##‬ول‪ #‬هللا‬
‫‪ ‬وليس هو شيئا يؤخذ بالقياس‪ ..‬وغيرهم‪ ..‬ومثلهم المحققون من المفسرين ال‪##‬ذين‬
‫مه‪##‬روا في معرف‪##‬ة أص‪##‬ول ال‪##‬دين‪ ،‬وأبت عق‪##‬ولهم أن تقب‪##‬ل ه‪##‬ذه الخراف‪##‬ات‪ :‬كاإلم‪##‬ام‪#‬‬
‫الرازي‪ ،‬وأبي حيان‪ ،‬وأبي السعود‪ ،‬واآللوسي‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬
‫وفوق‪ #‬ذلك كله‪ ،‬قد كنت أثناء قصي لها أغف‪##‬ل عم‪##‬ا تحمل‪##‬ه من مخالف‪##‬ات لك‪##‬ل‬
‫الحق‪##‬ائق والقيم القرآني‪##‬ة النبيل‪##‬ة‪ ،‬وأهمه‪##‬ا أن المالئك‪##‬ة عليهم الس‪##‬الم معص‪##‬ومون ال‬
‫يعصون هللا ما أمرهم‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثلكم أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت ـ ب‪##‬دل البحث في أس‪##‬باب النص‪##‬ر في قول‪##‬ه‬
‫ك َو ْال ِح ْك َم‪ #‬ةَ َوعَلَّ َم‪ #‬هُ ِم َّما‬ ‫تعالى‪﴿ :‬فَهَزَ ُموهُ ْم بِإِ ْذ ِن هَّللا ِ َوقَت ََل دَا ُوو ُ‪#‬د َجالُوتَ َوآتَاهُ هَّللا ُ ْال ُم ْل َ‬

‫تفسير القرطبي (‪)20/46‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الدر المنثور‪ 1 :‬من ص‪ 97 2‬ـ ‪ ،103‬تفسير ابن جرير ج‪ 1/362‬ـ ‪.367‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الآللئ المصنوعة في األحاديث الموضوعة ج‪.1/82‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫روح المعاني ج‪.1/341‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪507‬‬
‫ض ‪ٍ #‬ل َعلَى‬‫ت اأْل َرْ ضُ َولَ ِك َّن هَّللا َ ُذو فَ ْ‬
‫ْض لَفَ َس ‪َ #‬د ِ‬ ‫يَ َشا ُء َولَوْ اَل َد ْف ُع هَّللا ِ النَّ َ‬
‫اس بَ ْع َ‬
‫ضهُ ْم بِبَع ٍ‬
‫ْال َعالَ ِمينَ ﴾ [البقرة‪ ]251 :‬كنت أهتم بكل القصص والخرافات‪ #‬التي شينت تفاسيرنا بها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك أني كنت أذك‪##‬ر للمس‪##‬تمعين له‪#‬ا في تفس‪##‬يرها م‪#‬ا أورده‬
‫الثعلبي‪ ،‬والبغوي‪ ،‬والخازن‪ ،‬والس‪#‬يوطي‪ #،‬وغ‪#‬يرهم في تفاس‪#‬يرهم‪ )1(#‬من أن‪#‬ه (ع‪#‬بر‬
‫النهر فيمن عبر مع طالوت ملك بني إسرائيل إيشا‪ :‬أبو داود في ثالثة عشر ابن‪##‬ا ل‪##‬ه‬
‫وكان داود أصغرهم‪ ،‬وكان يرمي بالقذافة؛ فال يخطئ‪ ،‬وأنه ذك‪#‬ر ألبي‪##‬ه أم‪#‬ر قذافت‪#‬ه‬
‫تلك‪ ،‬وأن‪##‬ه دخ‪##‬ل بين الجب‪##‬ال‪ ،‬فوج‪##‬د أس‪##‬دا فأخ‪##‬ذ بأذني‪##‬ه‪ ،‬فلم يهج‪##‬ه‪ ،‬وأن‪##‬ه مش‪##‬ى بين‬
‫الجبال‪ ،‬فسبح‪ ،‬فما بقي جبل حتى س‪##‬بح مع‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال ل‪##‬ه أب‪##‬وه‪ :‬أبش‪##‬ر؛ ف‪##‬إن ه‪##‬ذا خ‪##‬ير‬
‫أعطاك هللا تعالى إياه‪ ..‬فأرسل‪ #‬جالوت إلى ط‪##‬الوت‪ :‬أن اب‪##‬رز إلي‪ ،‬أو أب‪##‬رز إلي من‬
‫يقاتلني‪ ،‬فإن قتلني فلكم ملكي‪ ،‬وإن قتلته فلي ملككم‪ ،‬فشق ذلك على طالوت‪ ،‬فن‪##‬ادى‬
‫في عسكره‪ :‬من قتل جالوت زوجته ابنتي‪ ،‬وناص‪##‬فته ملكي‪ ،‬فه‪##‬اب الن‪##‬اس ج‪##‬الوت‪،‬‬
‫فلم يجبه أحد‪ ..‬فسأل طالوت نبيهم أن يدعو هللا تعالى فدعا هللا في ذلك‪ ،‬ف‪##‬أتى بق‪##‬رن‬
‫فيه دهن القدس‪ ،‬وتنور‪ #‬من حديد‪ ،‬فقيل‪ :‬إن ص‪##‬احبكم‪ #‬ال‪##‬ذي يقت‪##‬ل ج‪##‬الوت ه‪##‬و ال‪##‬ذي‬
‫يوضع هذا القرن على رأسه‪ ،‬فيغلي الدهن ح‪##‬تى ي‪##‬دهن من‪##‬ه رأس‪##‬ه‪ ،‬وال يس‪##‬يل على‬
‫وجهه‪ ،‬بل يكون على رأسه كاإلكليل‪ ،‬ويدخل ه‪##‬ذا التن‪##‬ور فيمل‪##‬ؤه‪ ،‬وال يتقلق‪##‬ل في‪##‬ه‪..‬‬
‫فدعا طالوت بني إسرائيل‪ ،‬فجربهم‪ ،‬فلم يوافقه منهم أحد‪ ،‬ف‪##‬أوحى‪ #‬هللا إلى ن‪##‬بيهم‪ :‬إن‬
‫في ولد إيشا من يقتل هللا به ج‪##‬الوت‪ ،‬ف‪##‬دعا ط‪##‬الوت إيش‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬اع‪##‬رض ه‪##‬ذا على‬
‫بنيك‪ ،‬فأخرج له اثنى عشر رجال أمثال السواري‪ #،‬فجعل يعرضهم على الق‪##‬رن‪ ،‬فال‬
‫يرى شيئا فقال إليشا‪ :‬هل بقي لك ولد غيرهم؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬فق‪##‬ال ن‪##‬بي ه‪##‬ذا الزم‪##‬ان‪ :‬ي‪##‬ا‬
‫رب إنه زعم أن ال ولد له غ‪##‬يرهم‪ ،‬فق‪##‬ال هللا‪ :‬ك‪##‬ذب‪ ،‬فق‪##‬ال ه‪##‬ذا الن‪##‬بي إليش‪##‬ا‪ :‬إن هللا‬
‫ك‪##‬ذبك‪ ،‬فق‪##‬ال إيش‪##‬ا‪ :‬ص‪##‬دق هللا‪ ،‬ي‪##‬ا ن‪##‬بي هللا‪ ،‬إن لي ابن‪##‬ا ص‪##‬غيرا‪ ،‬يق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬داود‪،‬‬
‫استحييت أن يراه الناس لقص‪##‬ر قامت‪##‬ه وحقارت‪##‬ه فخلفت‪##‬ه في الغنم يرعاه‪##‬ا‪ ،‬وه‪##‬و في‬
‫شعب كذا وكذا‪ ،‬وكان داود رجال قصيرا‪ ،‬مس‪##‬قاما‪ ،‬مص‪##‬غارا‪ ،‬أزرق‪ #‬أمع‪##‬ر‪ ،‬ف‪##‬دعاه‬
‫طالوت‪ ،‬فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها‪ ،‬فوجده يحم‪##‬ل‬
‫شاتين يجيز بهما السيل‪ ،‬وال يخوض بهما الماء‪ ،‬فلما رآه قال‪ :‬هذا هو ال ش‪##‬ك في‪##‬ه‪،‬‬
‫هذا يرحم البهائم‪ ،‬فهو بالناس أرحم‪ ،‬فدعاه‪ ،‬ووضع‪ #‬القرن على رأسه‪ ،‬ففاض يع‪#‬ني‬
‫من غير أن يس‪##‬يل على وجه‪##‬ه فق‪##‬ال ط‪##‬الوت‪ :‬ه‪##‬ل ل‪##‬ك أن تقت‪##‬ل ج‪##‬الوت‪ ،‬وأزوج‪##‬ك‬
‫ابنتي‪ ،‬وأجري خاتمك في ملكي؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬وهل آنست من نفسك ش‪##‬يئا تتق‪##‬وى‬
‫به على قتله؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وذكر بعض ذل‪##‬ك‪ ..‬فأخ‪##‬ذ ط‪#‬الوت داود‪ ،‬ورده إلى عس‪#‬كره‪،‬‬
‫وفي‪ #‬الطريق مر داود بحجر‪ ،‬فناداه‪ :‬يا داود احملني؛ فإني حجر ه‪##‬ارون ال‪##‬ذي قت‪##‬ل‬
‫بي ملك كذا‪ ،‬فحمله في مخالته‪ ،‬ثم مر بآخر‪ ،‬فن‪##‬اداه ق‪##‬ائال‪ :‬إن‪##‬ه حج‪##‬ر موس‪##‬ى ال‪##‬ذي‬
‫قتل به ملك كذا‪ ،‬فأخذه في مخالته‪ ،‬ثم م‪##‬ر بحج‪##‬ر ث‪##‬الث‪ ،‬فن‪##‬اداه ق‪##‬ائال ل‪##‬ه‪ :‬احمل‪##‬ني؛‬
‫فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت‪ ،‬فوضعه في مخالته‪ ،‬فلما تصافوا للقتال‪ ،‬وب‪##‬رز‬
‫‪ )(1‬انظر القصة بطولها تفسير الثعلبي (‪)2/216‬‬
‫‪508‬‬
‫جالوت‪ ،‬وسال المبارزة‪ ،‬انتدب له داود‪ ،‬فأعطاه طالوت فرس‪##‬ا‪ ،‬ودرع‪##‬ا‪ ،‬وس‪##‬الحا‪،‬‬
‫فلبس السالح‪ ،‬وركب الفرس‪ ،‬وسار قريبا‪ ،‬ثم لم يلبث أن نزع ذلك‪ ،‬وقال لطالوت‪:‬‬
‫إن لم ينصرني‪ #‬هللا لم يغن عني هذا السالح ش‪#‬يئا‪ ،‬ف‪#‬دعني أقات‪#‬ل ج‪#‬الوت كم‪#‬ا أري‪#‬د‪،‬‬
‫قال‪ :‬فافعل ما شئت‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ..‬فأخذ داود مخالته‪ ،‬فتقلدها‪ ،‬وأخ‪##‬ذ المقالع‪ ،‬ومض‪##‬ى‬
‫نحو جالوت‪ ،‬وكان جالوت من أشد الرج‪##‬ال‪ ،‬وأق‪##‬واهم‪ ،‬وك‪##‬ان يه‪##‬زم الجيش وح‪##‬ده‪،‬‬
‫وكان له يبض‪##‬ة فيه‪##‬ا ثالثمائم‪##‬ة رط‪##‬ل حدي‪##‬دا؛ فلم‪##‬ا نظ‪##‬ر إلى داود ألقى هللا في قلب‪##‬ه‬
‫ال‪##‬رعب‪ ،‬وبع‪##‬د مقاوم‪##‬ة بينهم‪##‬ا‪ ،‬وتوع‪##‬د ك‪##‬ل منهم‪##‬ا اآلخ‪##‬ر‪ ،‬أخ‪##‬رج داود حج‪##‬را من‬
‫مخالته‪ ،‬ووضعه في مقالعه وقال‪ :‬باسم إله إبراهيم‪ ،‬ثم أخ‪#‬رج اآلخ‪#‬ر وق‪##‬ال‪ :‬باس‪#‬م‬
‫إله إسحاق‪ ،‬ووضعه في مقالعه‪ ،‬ثم أخرج الثالث وقال‪ :‬باسم إله يعق‪##‬وب‪ ،‬ووض‪##‬عه‬
‫في مقالعه‪ ،‬فصارت كلها حجرا واحدا‪ ،‬ودور‪ #‬داود المقالع‪ ،‬ورمى ب‪##‬ه‪ ،‬فس‪##‬خر‪ #‬ل‪##‬ه‬
‫هللا الريح‪ ،‬حتى أصاب الحجر أنف البيض‪##‬ة‪ ،‬فخلص إلى دماغ‪##‬ه‪ ،‬وخ‪##‬رج من قف‪##‬اه‪،‬‬
‫وقتل من ورائه ثالثين رجال‪ ،‬وهزم هللا تع‪##‬الى الجيش‪ ،‬وخ‪#‬ر ج‪##‬الوت ق‪#‬تيال‪ ،‬فأخ‪#‬ذه‬
‫يجره‪ ،‬حتى ألقاه بين يدي طالوت‪ ،‬ففرح جيش طالوت فرحا‪ #‬شديدا‪ ،‬وانص‪##‬رفوا‪ #‬إلى‬
‫مدينتهم‪ ،‬والناس يذكرون بالخير داود‪.‬‬
‫وليت القصة اكتفت بذلك‪ ..‬بل إني كنت من خالل تتمتها أشوه ما ورد القرآن‬
‫الكريم من بيان أسباب اختيار هللا تعالى لطالوت ليكون ملكا على بني إسرائيل‪ ..‬فقد‬
‫كنت أنتصر‪ #‬لبني إسرائيل في رفضهم لملك ط‪##‬الوت من حيث ال أش‪##‬عر ‪ ..‬فق‪##‬د كنت‬
‫أذك‪##‬ر لهم أن داود ج‪##‬اء ط‪##‬الوت‪ ،‬وق‪##‬ال ل‪##‬ه‪ :‬أنج‪##‬ز لي م‪##‬ا وع‪##‬دتني‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬وأين‬
‫الصداق؟‪ ،‬فقال له داود‪ :‬ما شرطت على صداقا غ‪#‬ير قت‪#‬ل ج‪#‬الوت‪ ،‬ثم اق‪#‬ترح علي‪#‬ه‬
‫طالوت أن يقت‪##‬ل م‪##‬ائتي رج‪##‬ل من أع‪##‬دائهم‪ ،‬ويأتي‪##‬ه بغلفهم‪ ،‬ففع‪##‬ل‪ ،‬فزوج‪##‬ه ط‪##‬الوت‬
‫ابنت‪#‬ه‪ ،‬وأج‪#‬رى خاتم‪#‬ه في ملك‪#‬ه‪ ،‬فم‪#‬ال الن‪#‬اس إلى داود‪ ،‬وأحب‪#‬وه‪ ،‬وأك‪#‬ثروه ذك‪#‬ره‪،‬‬
‫فحسده طالوت‪ ،‬وع‪##‬زم على قتل‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬أخبر ابن‪##‬ة ط‪##‬الوت رج‪##‬ل من أتباع‪##‬ه‪ ،‬فح‪##‬ذرت‬
‫داود‪ ،‬وأخبرته بما عزم أبوها عليه‪ ،‬وبع‪##‬د مغ‪##‬امرة من ط‪##‬الوت لقت‪##‬ل داود‪ ،‬ومكي‪##‬دة‬
‫وحيلة من داود‪ ،‬أنجى هللا داود منه‪ ،‬فلما أصبح الص‪##‬باح‪ ،‬وتيقن ط‪##‬الوت أن داود لم‬
‫يقت‪##‬ل‪ ،‬خ‪##‬اف من‪##‬ه‪ ،‬وت‪##‬وجس‪ #‬خيف‪##‬ة‪ ،‬واحت‪##‬اط لنفس‪##‬ه‪ ،‬ولكن هللا أمكن داود من‪##‬ه ثالث‬
‫مرات‪ ،‬ولكن لم يقتله‪ ،‬ثم كان أن فر داود من طالوت في البرية‪ ،‬ف‪##‬رآه ط‪##‬الوت ذات‬
‫يوم فيها‪ ،‬فأراد قتله‪ ،‬ولكن داود دخل غارا‪ ،‬وأمر هللا العنكب‪#‬وت‪ ،‬فنس‪#‬جت علي‪#‬ه من‬
‫خيوطه‪#‬ا‪ #،‬وب‪#‬ذلك نج‪#‬ا من ط‪#‬الوت‪ ،‬ولج‪#‬أ إلى الجب‪#‬ل‪ ،‬وتعب‪#‬د م‪#‬ع المتعب‪#‬دين؛ فطعن‬
‫الناس في طالوت بسبب داود‪ ،‬واختفائه‪ ،‬فأسرف طالوت في قتل العلماء والعباد‪ ،‬ثم‬
‫كان أن وقعت التوب‪##‬ة في قلب‪##‬ه‪ ،‬ون‪##‬دم‪ #‬على م‪##‬ا فع‪##‬ل‪ ،‬وح‪##‬زن حزن‪##‬ا ط‪##‬ويال‪ ،‬وص‪##‬ار‬
‫يطلب من يفتي‪##‬ه أن ل‪##‬ه توب‪##‬ة فلم يج‪##‬د ح‪##‬تى دل على ام‪##‬رأة عن‪##‬دها اس‪##‬م هللا األعظم‪،‬‬
‫فذهب إليها‪ ،‬وأمن روعها‪ ،‬فانطلقت به إلى ق‪##‬بر ش‪##‬مويل‪ ،‬فخ‪##‬رج من ق‪##‬بره وأرش‪##‬ده‬
‫إلى طريق التوبة‪ ،‬وهو أن يقدم ولده ونفسه في سبيل هللا حتى يقتل‪##‬وا‪ ،‬ففع‪##‬ل‪ ،‬وج‪##‬اء‬
‫قاتل طالوت إلى داود لخي‪#‬بره بقتل‪#‬ه‪ ،‬فك‪#‬انت مكافأت‪#‬ه على ذل‪#‬ك‪ :‬أن قتل‪#‬ه‪ ،‬وأتى بن‪#‬و‬
‫‪509‬‬
‫إسرائيل إلى داود‪ ،‬وأعطوه خزائن طالوت‪ ،‬وملكوه على أنفسهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬فَأ َزلهُ َما ال َّش ْيطَانُ‬
‫ض‬ ‫ْض َع‪ #‬د ٌُّو َولَ ُك ْم فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ْض‪ُ #‬ك ْم لِبَع ٍ‬ ‫َع ْنهَا فَأ َ ْخ َر َجهُ َما ِم َّما َكانَا فِي ِه َوقُ ْلنَ‪##‬ا ا ْهبِطُ‪##‬وا بَع ُ‬
‫ع إِلَى ِحي ٍن﴾ [البقرة‪ ]36 :‬الكثير من الخرافات‪ #‬والتفاصيل ال‪#‬تي ال س‪#‬ند له‪##‬ا‬ ‫ُم ْستَقَ ٌّر َو َمتَا ٌ‬
‫سوى أولئك الذين تحولوا‪ #‬بين عشية وضحاها‪ #‬من يهود منبوذين إلى علماء وأس‪##‬اتذة‬
‫يجلس بين أيدهم الصحابة والتابعون‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك م‪##‬ا كنت أروي‪##‬ه لهم نقال عن وهب بن منب‪##‬ه‪ ،‬أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(لما أسكن هللا تعالى آدم وزوجته الجنة‪ ،‬ونهاه عن الشجرة‪ ،‬وكانت شجرة غصونها‪#‬‬
‫متشعب بعضها في بعض‪ ،‬وكان لها ثمر تأكله المالئكة لخل‪##‬دهم‪ ،‬وهي الثم‪##‬رة ال‪##‬تي‬
‫نهى هللا عنه‪##‬ا آدم وزوجت‪##‬ه‪ ،‬فلم‪##‬ا أراد إبليس أن يس‪##‬تزلهما‪ #‬دخ‪##‬ل في ج‪##‬وف الحي‪##‬ة‪،‬‬
‫وكان للحية أربع قوائم‪ ،‬كأنه‪##‬ا بختي‪#‬ة من أحس‪##‬ن داب‪#‬ة خلقه‪#‬ا هللا تع‪#‬الى‪ ،‬فلم‪#‬ا دخلت‬
‫الحي‪##‬ه الجن‪##‬ة خ‪##‬رج من جوفه‪##‬ا‪ #‬إبليس‪ ،‬فأخ‪##‬ذ من الش‪##‬جرة ال‪##‬تي نهى هللا عنه‪##‬ا آدم‬
‫وزوجته‪ ،‬فجاء بها إلى حواء‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬انظ‪##‬ري إلى ه‪##‬ذه الش‪##‬جرة‪ ،‬م‪##‬ا أطيب ريحه‪##‬ا‪،‬‬
‫وأطيب طعمها‪ ،‬وأحسن لونه‪##‬ا! فأخ‪##‬ذت ح‪##‬واء ف‪##‬أكلت منه‪##‬ا‪ ،‬ثم ذهبت به‪##‬ا إلى آدم‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬أنظ‪##‬ر إلى ه‪##‬ذه الش‪#‬جرة م‪##‬ا أطيب ريحه‪#‬ا‪ ،‬وأطيب طعمه‪#‬ا‪ ،‬وأحس‪##‬ن لونه‪##‬ا!‬
‫فأكل منها آدم‪ ،‬فبدت لهما سوآتهما‪ ،‬فدخل آدم في جوف الشجرة‪ ،‬فناداه ربه‪ :‬يا آدم‪،‬‬
‫أين أنت؟ قال‪ :‬أن‪#‬ا ه‪#‬ذا ي‪#‬ا رب‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬أال تخ‪#‬رج؟ ق‪#‬ال‪ :‬أس‪#‬تحي من‪#‬ك ي‪#‬ا رب‪ ،‬ق‪#‬ال‪:‬‬
‫ملعونة األرض التي خلقت منها لعنة حتى يتحول ثماره‪#‬ا‪ #‬ش‪##‬وكا! ق‪##‬ال‪ :‬ولم يكن في‬
‫الجنة وال في األرض شجرة كانت أفضل من الطلح والسدر‪ ..‬ثم قال‪ :‬يا حواء‪ ،‬أنت‬
‫التي غررت عبدي‪ ،‬فإنك ال تحملين حمال إال حملته كرها‪ ،‬فإذا أردت أن تضعي‪ #‬ما‬
‫في بطن‪##‬ك أش‪##‬رفت على الم‪##‬وت م‪##‬رارا‪ ،‬وق‪##‬ال للحي‪##‬ة‪ :‬أنت ال‪##‬تي دخ‪##‬ل الملع‪##‬ون في‬
‫بطنك حتى غر عبدي‪ ،‬ملعونة أنت لعنة حتى تتحول قوائمك في بطنك‪ ،‬وال يكن لك‬
‫رزق‪ #‬إال ال‪##‬تراب‪ ،‬أنت ع‪##‬دوة ب‪##‬ني آدم وهم أع‪##‬داؤك‪ ،‬حيث لقيت أح‪##‬دا منهم أخ‪##‬ذت‬
‫بعقبه‪ ،‬وحيث لقيك شدخ رأسك) (‪)1‬‬
‫ه‪##‬ل رأيتم الخراف‪##‬ات والمخالف‪##‬ات العقدي‪##‬ة ال‪##‬تي كنت أنش‪##‬رها من خالل ه‪##‬ذه‬
‫القصة‪ ..‬لقد كنت أتهم هللا بالتجس‪##‬يم‪ #..‬وأص‪#‬ف‪ #‬المالئك‪##‬ة باألك‪##‬ل‪ ..‬وأتهم‪ #‬ح‪##‬واء بأنه‪##‬ا‬
‫سبب ماحصل آلدم عليه السالم؟‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قوله تع‪##‬الى‪َ ﴿ :‬وا ْت‪ُ #‬ل َعلَ ْي ِه ْم نَبَ‪##‬أ َ‬
‫‪#‬ال أَل َ ْقتُلَنَّكَ‬
‫‪#‬ر قَ‪َ #‬‬ ‫ق إِ ْذ قَ َّربَ‪##‬ا قُرْ بَانً ‪#‬ا‪ #‬فَتُقُب َِّل ِم ْن أَ َح‪ِ #‬د ِه َما َولَ ْم يُتَقَبَّلْ ِمنَ اآْل َخ‪ِ #‬‬ ‫ا ْبن َْي آ َد َم بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال َح ِّ‬
‫قَا َل إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هَّللا ُ ِمنَ ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [المائدة‪ ]27 :‬الكثير من الخرافات‪ #‬واألساطير التي تحول‬
‫دون تدبر اآلية الكريمة‪ ..‬لقد كنت أذكر لهم أن الدم الذي على جب‪##‬ل قاس‪##‬يون‪ #‬ه‪##‬و دم‬
‫ابن آدم‪ ،‬وأن األرض نش‪###‬فت دم ابن آدم فلعن ابن آدم األرض‪ ،‬فمن أج‪###‬ل ذل‪###‬ك ال‬

‫‪ )(1‬تاريخ الطبري (‪)1/108‬‬


‫‪510‬‬
‫تنشف األرض دما بعد دم هابيل إلى يوم القيامة(‪.)1‬‬
‫ص‪#‬بَ َح ِمنَ‬ ‫‪#‬ل أَ ِخي‪ِ #‬ه فَقَتَلَ‪#‬هُ فَأ َ ْ‬
‫َت لَهُ نَ ْف ُس‪#‬هُ قَ ْت‪َ #‬‬
‫وكنت في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬فَطَ َّوع ْ‬
‫َ‬
‫اري َسوْ َءةَ أ ِخي ِه قَ َ‬
‫ال يَ‪##‬ا‬ ‫ض لِي ُِريَهُ َك ْيفَ ي َُو ِ‬ ‫ث فِي اأْل َرْ ِ‬ ‫ْالخَا ِس ِرينَ فَبَ َع َ‬
‫ث هَّللا ُ ُغ َرابًا يَب َْح ُ‬
‫ص‪#‬بَ َح ِمنَ النَّا ِد ِمينَ ﴾‬ ‫ي َس‪#‬وْ َءةَ أَ ِخي فَأ َ ْ‬ ‫ت أَ ْن أَ ُكونَ ِم ْث َل هَ َذا ْال ُغ َرا ِ ُ‬ ‫َو ْيلَتَا أَع ََج ْز ُ‬
‫ب فَ‪#‬أ َو ِ‬
‫ار َ‪#‬‬
‫[المائدة‪ ]31-30 :‬أذكر لهم أن قابيل حمل هابيل س‪##‬نة في ج‪##‬راب على عنق‪##‬ه‪ ،‬ح‪##‬تى أنتن‬
‫وتغير؛ فبعث هللا الغرابين قتل أحدهما اآلخر‪ ،‬فحف‪##‬ر ل‪##‬ه‪ ،‬ودفن‪##‬ه‪ ،‬برجلي‪##‬ه ومنق‪##‬اره‪،‬‬
‫فعلم كيف يصنع بأخيه‪ ،‬مع أن القرآن عبر بالفاء‪ ،‬التي تدل على ال‪##‬ترتيب والتعقيب‬
‫من غير تراخ‪ ..‬وأذكر لهم أنه لم‪##‬ا قتل‪##‬ه اس‪##‬ود جس‪##‬ده‪ ،‬وك‪##‬ان أبيض‪ ،‬فس‪##‬أله آدم عن‬
‫أخيه‪ ،‬فقال‪ :‬ما كنت عليه وكيال‪ ،‬قال‪ :‬بل قتلته فلذلك اسود جسدك‪ ..‬وأن آدم لما قتل‬
‫أحد ابنيه اآلخر‪ ،‬مكث مائة عام ال يضحك حزنا عليه‪ ،‬فأتى‪ #‬على رأس المائة‪ ،‬فقيل‬
‫له‪ :‬حياك هللا وبياك‪ ،‬وبشر‪ #‬بغالم‪ ،‬فعند ذلك ضحك(‪.)2‬‬
‫وكنت أنشد بين أيدي المستمعين لي أشعار آدم وإبليس؛ فأذكر‪ #‬لهم أنه لما قتل‬
‫ابن آدم أخاه بكى آدم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فوج‪###‬ه األرض مغ‪###‬ير‬ ‫تغ‪########‬يرت البالد ومن‬
‫ق‪##############################‬بيح‬ ‫عليها‬
‫وق‪###‬ل بشاش‪###‬ة الوج‪###‬ه‬ ‫تغ‪####‬ير ك‪####‬ل ذي ل‪####‬ون‬
‫المليح‬ ‫وطعم‬
‫وأذكر لهم أن إبليس أجابه بقوله‪:‬‬
‫ف‪###‬بي في الخل‪###‬د ض‪###‬اق ب‪###‬ك‬ ‫تنح عن البالد وس‪####‬اكنيها‪#‬‬
‫الفس‪###################################‬يح‬
‫وقلب‪##‬ك من أذى ال‪##‬دنيا م‪##‬ريح‬ ‫وكنت به‪###‬ا وزوج‪###‬ك‪ #‬في‬
‫رخ‪################################‬اء‬
‫إلى أن فات‪###‬ك الثمن ال‪###‬ربيح‬ ‫فم‪######‬ا انفكت مكاي‪######‬دتي‬
‫ومك‪############################‬ري‪#‬‬
‫وكنت ـ حتى ال أشوش على المستمعين لي ـ نشوة االس‪##‬تماع ال أذك‪##‬ر لهم م‪##‬ا‬
‫قال المحققون من العلماء فيها‪ ،‬كقول الزمخشري‪( #:‬روي أن آدم علي‪##‬ه الس‪##‬الم مكث‬
‫بعد قتل ابنه مائة سنة ال يضحك‪ ،‬وأنه رثاه بشعر‪ ،‬وهو كذب بحت‪ ،‬وما الش‪##‬عر إال‬
‫منحول ملحون‪ ،‬وق‪##‬د ص‪##‬ح أن األنبي‪##‬اء معص‪##‬ومون من الش‪##‬عر) (‪ .. )3‬ب‪#‬ل روي‪ #‬عن‬
‫ابن عباس أنه قال‪( :‬من قال‪ :‬إن آدم عليه السالم قد قال شعرا فقد ك‪##‬ذب‪ ،‬إن محم‪##‬دا‬
‫‪ ‬واألنبياء كلهم في النهى عن الشعر سواء) (‪)4‬‬
‫وس‪#‬ى‬ ‫﴿ولَ َّما َج‪ #‬ا َء ُم َ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فق‪##‬د كنت عن‪##‬د تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪#‬رانِي َولَ ِك ِن ا ْنظُ‪##‬رْ إِلَى ْال َجبَ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ل‬ ‫لِ ِميقَاتِنَا َو َكلَّ َمهُ َربُّهُ قَا َل َربِّ أَ ِرنِي أَ ْنظُرْ إِلَ ْيكَ قَا َل لَ ْن تَ‪َ #‬‬

‫الدر المنثور ج‪.1/270‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الدر المنثور ج‪.277 ،1/276‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الكشاف ج‪.1/431‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫روح المعاني‪.6/115 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪511‬‬
‫ص ‪ِ #‬عقًا‬ ‫فَإِ ِن ا ْستَقَ َّر َم َكانَهُ فَ َسوْ فَ تَ َرانِي فَلَ َّما تَ َجلَّى َربُّهُ لِ ْل َجبَ ِل َج َعلَهُ َد ًّكا َوخَ َّر ُم َ‬
‫وس ‪#‬ى َ‬
‫ْت إِلَ ْيكَ َوأَنَا أَ َّو ُل ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [األع‪##‬راف‪ ]143 :‬أذك‪##‬ر الكث‪##‬ير من‬ ‫ال ُسب َْحانَكَ تُب ُ‬ ‫ق قَ َ‬ ‫فَلَ َّما أَفَا َ‬
‫التفاصيل ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل عليه‪##‬ا‪ ،‬وال داعي له‪##‬ا‪ ،‬وكله‪##‬ا ك‪##‬انت تحجب عن الم‪##‬راد من‬
‫اآليات الكريمة‪ ،‬والتدبر فيها‪.‬‬
‫ومن األمثل‪##‬ة على ذلك(‪ )1‬م‪#‬ا كنت أذك‪#‬ره لهم من أن‪#‬ه لم‪##‬ا س‪#‬أل موس‪#‬ى‪ #‬علي‪#‬ه‬
‫السالم رب‪##‬ه الرؤي‪##‬ة أرس‪##‬ل هللا الض‪##‬باب‪ ،‬والص‪##‬واعق‪ ،‬والظلم‪##‬ة‪ ،‬والرع‪##‬د‪ ،‬وال‪##‬برق‬
‫وأحاطت بالجبل الذي عليه موسى أربعة فراس‪##‬خ من ك‪##‬ل ج‪##‬انب‪ ،‬وأم‪##‬ر هللا مالئك‪##‬ة‬
‫السماوات أن يعترضوا‪ #‬على موسى‪ ،‬فمرت به مالئكة السماء ال‪##‬دنيا كث‪##‬يران البق‪##‬ر‪،‬‬
‫ينبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد‪ ..‬ثم أمر هللا‬
‫مالئكة السماء الثانية‪ :‬أن اهبطوا‪ #‬على موسى‪ ،‬فاعترضوا‪ #‬عليه‪ ،‬فهبطوا عليه أمثال‬
‫األسود‪ ،‬لهم لجب بالتسبيح والتقديس‪ ،‬ففزع العب‪##‬د الض‪##‬عيف‪ #‬ابن عم‪##‬ران مم‪##‬ا رأى‪،‬‬
‫وسمع‪ ،‬واقشعرت كل شعرة في رأسه وجسده‪ ،‬ثم قال‪ :‬لقد ندمت على مسألتي‪ ،‬فهل‬
‫ينجيني من مكاني الذي أنا فيه؟ فقال له حبر المالئكة ورأسهم‪ #:‬يا موسى اصبر لم‪##‬ا‬
‫سألت‪ ،‬فقلي‪#‬ل من كث‪#‬ير م‪#‬ا رأيت‪ ،‬ثم أم‪#‬ر مالئك‪#‬ة الس‪#‬ماء الثالث‪#‬ة‪ :‬أن اهبط‪#‬وا على‬
‫موسى‪ #‬فاعترضوا عليه‪ ،‬فهبطوا أمثال النسور‪ ،‬لهم قص‪##‬ف ورج‪##‬ف‪ ،‬ولجب ش‪##‬ديد‪،‬‬
‫وأفواههم تنبع بالتسبيح‪ ،‬والتقديس كجلب الجيش العظيم‪ ،‬ألوانهم كلهب النار‪ ،‬فف‪##‬زع‬
‫موسى‪ ،‬واشتد‪ #‬فزعه‪ ،‬وأيس من الحياة‪ ،‬فقال له حبر المالئكة ورأسهم‪ #:‬مكانك ح‪##‬تى‬
‫ترى ما ال تصبر عليه‪ ،‬ثم أمر هللا مالئكة السماء الرابع‪##‬ة‪ :‬أن اهبط‪##‬وا‪ ،‬فاعترض‪##‬وا‬
‫على موسى‪ #‬بن عمران‪ ،‬فهبط‪##‬وا علي‪##‬ه ال يش‪##‬بههم ش‪##‬يء من ال‪##‬ذين م‪##‬روا ب‪##‬ه قبلهم‪،‬‬
‫أل‪##‬وانهم كلهب الن‪##‬ار‪ ،‬وس‪##‬ائر‪ #‬خلقهم ك‪##‬الثلج األبيض‪ ،‬أص‪##‬واتهم‪ #‬عالي‪##‬ة بالتق‪##‬ديس‪،‬‬
‫والتسبيح‪ ،‬ال يقاربهم شيء من أصوات الذين مروا به من قبلهم‪ ،‬فاصطكت ركبتاه‪،‬‬
‫وارتعد‪ #‬قلبه‪ ،‬واشتد بكاؤه‪ ،‬فقال له حبر المالئكة ورأسهم‪ :‬يا ابن عمران‪ :‬اصبر لم‪##‬ا‬
‫سألت‪ ،‬فقليل من كثير ما رأيت‪ ..‬ثم أم‪##‬ر هللا مالئك‪##‬ة الس‪##‬ماء الخامس‪##‬ة‪ :‬أن اهبط‪##‬وا‪،‬‬
‫فاعترضوا على موسى‪ ،‬فهبطوا‪ #‬عليه لهم سبعة ألوان‪ ،‬فلم يستطع موس‪#‬ى‪ #‬أن يتبعهم‬
‫بصره‪ ،‬لم ير مثلهم‪ ،‬ولم يسمع مث‪#‬ل أص‪#‬واتهم‪ ،‬ف‪#‬امتأل جوف‪#‬ه خوف‪#‬ا‪ ،‬واش‪#‬تد حزن‪#‬ه‪،‬‬
‫وكثر‪ #‬بكاؤه‪ ،‬فقال له حبر المالئكة ورأسهم‪ :‬يا ابن عمران مكانك‪ ،‬حتى ترى بعض‬
‫م‪##‬ا ال تص‪##‬بر علي‪##‬ه‪ ..‬ثم أم‪##‬ر هللا مالئك‪##‬ة الس‪##‬ماء السادس‪##‬ة‪ :‬أن اهبط‪##‬وا على موس‪##‬ى‬
‫فاعترضوا عليه‪ ،‬فهبطوا‪ #‬عليه في يد كل مل‪##‬ك منهم مث‪##‬ل النخل‪##‬ة الطويل‪##‬ة ن‪##‬ارا أش‪##‬د‬
‫ضوءا من الشمس‪ ،‬ولباسهم‪ #‬كلهب النار‪ ،‬إذا سبحوا‪ #‬وقدس‪##‬وا‪ #‬ج‪##‬اوبهم من ك‪##‬ان قبلهم‬
‫من مالئكة السماوات كلهم‪ ،‬يقول‪##‬ون بش‪##‬دة أص‪##‬واتهم‪ #:‬س‪##‬بوح ق‪##‬دوس‪ ،‬رب المالئك‪##‬ة‬
‫والروح‪ ،‬رب العزة أبدا ال يموت‪ ،‬وفي‪ #‬رأس كل ملك منهم أربعة أوجه‪ ،‬فلم‪##‬ا رآهم‬
‫موسى‪ #‬رفع صوته‪ ،‬يسبح معهم حين س‪##‬بحوا‪ ،‬وه‪##‬و يبكي ويق‪##‬ول‪ :‬رب اذك‪##‬رني وال‬
‫تنس عبدك‪ ،‬ال أدري أأنفلت مما أنا فيه أم ال؟ إن خرجت احترقت‪ ،‬وإن مكثت مت‪،‬‬
‫‪ )(1‬تفسير الثعلبي (‪)4/276‬‬
‫‪512‬‬
‫فقال له كبير المالئكة ورأسهم‪ #:‬قد أوشكت يا ابن عم‪##‬ران أن يش‪##‬تد خوف‪##‬ك‪ ،‬وينخل‪##‬ع‬
‫قلبك‪ ،‬فاصبر‪ #‬للذي سألت‪ ..‬ثم أمر هللا أن يحمل عرشه مالئكة السماء السابعة‪ ،‬فلم‪##‬ا‬
‫ب‪##‬دا ن‪##‬ور الع‪##‬رش‪ ،‬انف‪##‬رج الجب‪##‬ل من عظم‪##‬ة ال‪##‬رب جال جالل‪##‬ه‪ ،‬ورفعت مالئك‪##‬ة‬
‫الس‪##‬ماوات أص‪##‬واتهم‪ #‬جميع‪##‬ا‪ ،‬يقول‪##‬ون‪ :‬س‪##‬بحان المل‪##‬ك الق‪##‬دوس‪ ،‬رب الع‪##‬زة أب‪##‬دا ال‬
‫يموت‪ ،‬بشدة أصواتهم‪ ،‬فارتج الجب‪#‬ل‪ ،‬وان‪#‬دكت ك‪#‬ل ش‪#‬جرة ك‪#‬انت في‪#‬ه‪ ،‬وخ‪#‬ر العب‪#‬د‬
‫الضعيف‪ #‬موسى صعقا على وجهه‪ ،‬ليس معه روح‪##‬ه‪ ،‬فأرس‪##‬ل هللا برحمت‪##‬ه ال‪##‬روح‪،‬‬
‫فتغشاه‪ ،‬وقلب عليه الحجر الذي كان عليه موسى‪ ،‬وجعله كهيئ‪#‬ة القب‪#‬ة؛ لئال يح‪##‬ترق‬
‫موسى‪ #‬فأقام موسى‪ #‬يس‪#‬بح هللا‪ ،‬ويق‪#‬ول‪ :‬آمنت ب‪#‬ك ربي‪ ،‬وص‪#‬دقت أن‪#‬ه ال ي‪#‬راك أح‪#‬د‬
‫فيحيا‪ ،‬من نظر إلى مالئكت‪##‬ك انخل‪##‬ع قلب‪##‬ه‪ ،‬فم‪##‬ا أعظم‪##‬ك وأعظم مالئكت‪##‬ك‪ ،‬أنت رب‬
‫األرباب وإله اآللهة وملك الملوك‪ ،‬وال يعدلك شيء‪ ،‬وال يق‪##‬وم ل‪##‬ك ش‪##‬يء‪ ،‬رب تبت‬
‫إليك‪ ،‬الحمد هلل ال شريك لك‪ ،‬ما أعظمك‪ ،‬وما أجلك رب العالمين‪.‬‬
‫وأمثال هذه القصص والخرافات التي تشوه العقيدة في هللا ومالئكته ورس‪##‬له‪..‬‬
‫باإلضافة إلى تشويهها للدين جميعا‪.‬‬
‫اح‬
‫‪##‬و ِ‬ ‫﴿و َكتَ ْبنَا لَهُ فِي اأْل َ ْل َ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت عند تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫‪#‬ك يَأ ُخ‪ُ #‬ذوا بِأَحْ َس ‪#‬نِهَا‬ ‫صياًل لِ ُك ِّل َش ْي ٍء فَ ُخ ْذهَا بِقُ َّو ٍة َو ْأ ُمرْ قَوْ َم‪#َ #‬‬
‫ِم ْن ُك ِّل َش ْي ٍء َموْ ِعظَةً َوتَ ْف ِ‬
‫اسقِينَ ﴾ [األعراف‪ ]145 :‬أذكر الكثير من التفاص‪#‬يل ال‪#‬تي ال دلي‪#‬ل عليه‪#‬ا‪،‬‬ ‫َسأ ُ ِري ُك ْ‪#‬م دَا َر ْالفَ ِ‬
‫وال داعي له‪###‬ا‪ ،‬ومن األمثل‪###‬ة على ذلك(‪ )1‬م‪###‬ا كنت أنقل‪###‬ه لهم من تفس‪###‬ير الثعل‪###‬بي‬
‫والبغ‪##‬وي‪ #‬والزمخش‪##‬ري والقرط‪##‬بي‪ #‬واآللوس‪#‬ي‪ #‬وغ‪##‬يرهم‪ ،‬ح‪##‬ول األل‪##‬واح‪ ،‬وتركيبه‪##‬ا‬
‫وعددها ومصدرها ونحو ذلك‪..‬فأذكر لهم أنها كانت من سدر الجن‪##‬ة‪ ،‬وط‪##‬ول الل‪##‬وح‬
‫اثنا عشر ذراعا‪ ..‬أو أنها كانت من زبرجدة خضراء‪ ..‬أو من ي‪##‬اقوت أحم‪##‬ر‪ ،‬أو من‬
‫برد‪ ..‬أو من زمد‪ ،‬أمر هللا جبريل حتى جاء بها من ع‪#‬دن‪ ،‬وكتبه‪#‬ا‪ #‬ب‪#‬القلم ال‪#‬ذي كتب‬
‫به الذكر‪ ،‬واستمد‪ #‬من نهر النور‪ ..‬أو أن هللا أمر بقطع األل‪##‬واح من ص‪##‬خرة ص‪##‬ماء‪،‬‬
‫فقطعها بيده‪ ،‬ثم شققها بيده‪ ،‬وسمع موسى صرير القلم بالكلمات العشر‪ ،‬وك‪##‬ان ذل‪##‬ك‬
‫في أول يوم من ذي القعدة‪ ،‬وكانت األلواح عشرة أذرع‪ ،‬على طول موسى‪.‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن التوراة نزلت وهي سبعون وقر بعير‪ ،‬يقرأ الجزء منه في‬
‫سنة‪ ،‬لم يقرأها إال أربعة نفر‪ :‬موسى‪ ،‬ويوشع‪ #،‬وعزير‪ ،‬وعيسى‪.‬‬
‫مع أن كل ذلك من التكلف الممقوت‪ ..‬وفهم اآلي‪##‬ة ليس متوقف‪#‬ا‪ #‬علي‪##‬ه‪( ،‬وال‪##‬ذي‬
‫يجب أن نؤمن به‪ ،‬أن هللا أنزل األلواح على موسى‪ ،‬وفيها‪ #‬التوراة‪ ،‬أما هذه األل‪##‬واح‬
‫مم صنعت؟ وما طولها وما عرضها؟ وكيف كتبت؟ فهذا ال يجب علينا اإليم‪#‬ان ب‪#‬ه‪،‬‬
‫واألولى‪ #‬عدم البحث فيه؛ ألن البحث فيه ال يؤدي إلى فائ‪##‬دة‪ ،‬وال يوص‪##‬ل إلى غاي‪##‬ة)‬
‫(‪)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ك أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت عن‪##‬د تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪ِ ﴿ :‬م ْن ُك‪ِّ #‬ل َش‪ْ #‬ي ٍء‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)3/548‬‬
‫‪ )(2‬اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير‪.202/‬‬
‫‪513‬‬
‫صياًل لِ ُكلِّ َش ْي ٍء﴾ [األعراف‪ ]145 :‬أذكر لهم أن التوراة مشتملة على ك‪##‬ل م‪##‬ا‬ ‫ظةً َوتَ ْف ِ‬
‫َموْ ِع َ‬
‫كان وكل ما يكون‪ ..‬وقد أروي لهم في ذلك ما ذكره الطبراني‪ #،‬والبيهقي عن محم‪##‬د‬
‫بن يزي‪##‬د الثقفي‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬اص‪##‬طحب قيس بن خرش‪##‬ة‪ ،‬وكعب األحب‪##‬ار ح‪##‬تى إذا بلغ‪##‬ا‬
‫صفين‪ ،‬وقف كعب‪ ،‬ثم نظر ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ليهراقن بهذه البقعة من دم‪##‬اء المس‪##‬لمين‬
‫شيء ال يراق ببقعة من األرض مثل‪##‬ه‪ ..‬فق‪##‬ال قيس‪ :‬م‪##‬ا ي‪##‬دريك؟ ف‪##‬إن ه‪##‬ذا من الغيب‬
‫الذي استأثر هللا تعالى به؟‪ ..‬فقال كعب‪ :‬ما من األرض شبر إال مكت‪##‬وب في الت‪##‬وراة‬
‫التي أنزل هللا تعالى على موسى‪ ،‬ما يكون منه‪ ،‬وما يخرج منه إلى يوم القيامة(‪.)1‬‬
‫وس ‪#‬ى‬‫﴿ولَ َّما َر َج‪َ #‬ع ُم َ‬ ‫قال آخر(‪ :)2‬ومثلك أنا‪ ..‬فقد كنت عند تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪#‬ر َربِّ ُك ْم َوأَ ْلقَى‬
‫‪#‬ال بِ ْئ َس‪َ #‬ما خَ لَ ْفتُ ُم‪##‬ونِي ِم ْن بَ ْع‪ِ #‬دي أَع َِج ْلتُ ْم أَ ْم‪َ #‬‬ ‫إِلَى قَوْ ِم ِه غَضْ بَانَ أَ ِس‪#‬فًا قَ‪َ #‬‬
‫َض‪َ #‬عفُونِي‪َ #‬و َك‪##‬ادُوا‬ ‫س أَ ِخي‪ِ #‬ه يَ ُج‪##‬رُّ هُ إِلَ ْي‪ِ #‬ه قَ‪##‬ا َل ا ْبنَ أُ َّم إِ َّن ْالقَ‪##‬وْ َم ا ْست ْ‬ ‫اأْل َ ْل‪َ #‬وا َح َوأَخَ‪َ #‬ذ بِ‪ْ َ #‬‬
‫‪#‬رأ ِ‬
‫ت بِ َي اأْل َ ْعدَا َء َواَل تَجْ َع ْلنِي َم َع ْالقَ‪##‬وْ ِم الظَّالِ ِمينَ ﴾ [األع‪##‬راف‪ ]150 :‬أذكر‬ ‫يَ ْقتُلُونَنِي‪ #‬فَاَل تُ ْش ِم ْ‬
‫لهم ما روي عن قت‪##‬ادة أن‪##‬ه ق‪##‬ال‪ :‬نظ‪##‬ر موس‪##‬ى في الت‪##‬وراة‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬رب إني أج‪##‬د في‬
‫األلواح أم‪#‬ة خ‪##‬ير أم‪##‬ة أخ‪##‬رجت للن‪##‬اس‪ ،‬ي‪##‬أمرون ب‪##‬المعروف وينه‪##‬ون‪ #‬عن المنك‪##‬ر‪،‬‬
‫اجعلهم أمتي قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬رب إني أج‪##‬د في األل‪##‬واح أم‪##‬ة هم اآلخ‪##‬رون‬
‫سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحم‪##‬د‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬رب إني أج‪##‬د‬
‫في األلواح أمة أناجيلهم في صدورهم‪ ،‬يقرؤونه‪##‬ا‪ ،‬وك‪##‬ان من قبلهم يق‪##‬رؤون كت‪##‬ابهم‬
‫نظرا‪ ،‬حتى إذا رفعوها‪ #‬لم يحفظ‪##‬وا ش‪##‬يئا‪ ،‬ولم يعرف‪##‬وه‪ ،‬وإن هللا أعط‪##‬اهم من الحف‪##‬ظ‬
‫شيئا لم يعطه أحدا من األمم‪ ،‬قال‪ :‬رب اجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬ق‪##‬ال‪ :‬رب‬
‫إني أجد في األلواح أمة يؤمنون بالكتاب األول‪ ،‬وبالكتاب اآلخر‪ ،‬ويق‪##‬اتلون فص‪##‬ول‬
‫الضاللة‪ ،‬حتى ليقاتلون األعور الكذاب‪ ،‬فاجعلهم أمتي‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬تل‪#‬ك أم‪#‬ة أحم‪#‬د‪ ،‬ق‪#‬ال‪:‬‬
‫رب إني أجد في األلواح أمة صدقاتهم‪ #‬يأكلونها في بطونهم‪ #‬ويؤجرون عليها‪ ،‬وك‪##‬ان‬
‫من قبلهم إذا تصدق‪ #‬بصدقة‪ ،‬فقبلت منه بعث هللا نارا فأكلتها‪ #‬وإن ردت علي‪#‬ه ت‪##‬ركت‬
‫فتأكلها‪ #‬السباع والطير‪ #،‬وإن هللا أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم‪ ،‬قال‪ :‬رب فاجعلهم‪#‬‬
‫أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬قال‪ :‬رب إني أجد في األلواح أمة‪ ،‬إذا هم أح‪##‬دهم بحس‪##‬نة‬
‫ثم لم يعملها كتبت له حسنة‪ ،‬ف‪##‬إن عمله‪##‬ا كتبت ل‪##‬ه عش‪##‬ر أمثاله‪##‬ا إلى س‪##‬بعمائة‪ ،‬رب‬
‫اجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ،‬قال‪ :‬رب إني أجد في األلواح أمة هم المش‪##‬فعون‪،‬‬
‫والمشفوع‪ #‬لهم‪ ،‬فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال‪ :‬تلك أمة أحمد‪ ..‬قال قتادة‪ :‬ف‪##‬ذكر‪ #‬لن‪##‬ا أن ن‪##‬بي هللا‬
‫موسى‪ #‬نبذ األلواح‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم اجعلني من أمة محمد‪.‬‬
‫لقد كنت أروي لهم هذا لنتيه بأنفسنا ونفخر‪ ،‬ولم نكن نعلم أنن‪##‬ا ب‪##‬ذلك نح‪##‬ارب‬
‫عدال‪##‬ة هللا ال‪##‬تي ش‪##‬ملت الع‪##‬المين جميع‪##‬ا‪ ،‬ولم تقتص‪##‬ر على أي طائف‪##‬ة أو أم‪##‬ة دون‬
‫غيرها‪.‬‬
‫بل إني كنت أضيف لهم إلى تل‪##‬ك الرواي‪##‬ة م‪##‬ا يزي‪##‬د الش‪##‬اكين ش‪##‬كا في رس‪##‬الة‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)3/558‬‬
‫‪ )(2‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)3/552‬‬
‫‪514‬‬
‫رس‪##‬ول هللا ‪ ‬نفس‪##‬ها‪ ..‬لق‪##‬د كنت أذك‪##‬ر لهم أن‪##‬ه لم‪##‬ا عجب موس‪#‬ى‪ #‬علي‪##‬ه الس‪##‬الم من‬
‫الخير الذي أعطى هللا محمدا ‪ ‬وأمته قال‪ :‬يا ليت‪##‬ني من أص‪##‬حاب محم‪##‬د‪ ،‬ف‪##‬أوحى‬
‫اس‬‫ك َعلَى النَّ ِ‬ ‫اص‪###‬طَفَ ْيتُ َ‬
‫وس‪###‬ى‪ #‬إِنِّي ْ‬ ‫‪###‬ال يَ‪###‬ا ُم َ‬ ‫هللا إلي‪###‬ه ثالث آي‪###‬ات يرض‪###‬يه بهن‪﴿ :‬قَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أْل‬ ‫بِ ِر َسااَل تِي َوبِكَاَل ِمي فَ ُخ ْذ َما آتَ ْيتُ َ‬
‫اح ِم ْن ُك‪##‬لِّ‬‫ك َو ُك ْن ِمنَ ال َّشا ِك ِرينَ َو َكتَ ْبنَ‪##‬ا لَ‪#‬هُ فِي ا ل‪َ #‬و ِ‬
‫صياًل لِ ُك ِّل َش ْي ٍء فَ ُخ ْذهَا بِقُ َّو ٍة َو ْأ ُمرْ قَوْ َمكَ يَأْ ُخ ُذوا بِأَحْ َسنِهَا‪َ #‬س‪##‬أ ُ ِري ُك ْم‬ ‫َش ْي ٍء َموْ ِعظَةً َوتَ ْف ِ‬
‫ق َوبِ‪ِ #‬ه‬ ‫وس‪#‬ى أُ َّمةٌ يَ ْه‪ُ #‬دونَ بِ‪ْ #‬‬
‫‪#‬ال َح ِّ‬ ‫﴿و ِم ْن قَوْ ِ‪#‬م ُم َ‬ ‫َار ْالفَا ِسقِينَ ﴾ [األع‪##‬راف‪ ،]145-144 :‬وقوله‪َ :‬‬ ‫د َ‬
‫يَ ْع ِدلونَ ﴾ [األعراف‪]159 :‬؛ فرضى‪ #‬موسى كل الرضى‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫وس‪##‬ى أ َّمةٌ‬ ‫﴿و ِم ْن قَوْ ِ‪#‬م ُم َ‬‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت عند تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ق َوبِ ِه يَ ْع‪ِ #‬دلُونَ ﴾ [األع‪##‬راف‪ ]159 :‬أذك‪##‬ر الكث‪##‬ير من التفاص‪##‬يل ال‪##‬تي ال دلي‪##‬ل‬ ‫يَ ْه ُدونَ بِ ْال َح ِّ‬
‫عليها‪ ،‬وال داعي لها‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ما كنت أذكره لهم من أن بني إسرائيل‬
‫لما قتلوا أنبياءهم‪ ،‬وكفروا‪ ،‬وكانوا‪ #‬اثني عشر سبطا‪ ،‬ت‪##‬برأ س‪##‬بط منهم مم‪##‬ا ص‪##‬نعوا‪،‬‬
‫واعت‪###‬ذروا وس‪###‬ألوا هللا ع‪###‬ز وج‪###‬ل أن يف‪###‬رق بينهم‪ ،‬وبينهم‪ ،‬ففتح هللا لهم نفق‪###‬ا في‬
‫األرض‪ ،‬فس‪##‬اروا‪ ،‬ح‪##‬تى خرج‪##‬وا من وراء الص‪##‬ين‪ ،‬فهم هنال‪##‬ك حنف‪##‬اء مس‪##‬لمون‪،‬‬
‫يستقبلون قبلتنا(‪.)1‬‬
‫وكنت أروي‪ #‬لهم ما رواه أبو الشيخ عن مقاتل أنه ق‪##‬ال‪ :‬إن مم‪##‬ا فض‪##‬ل هللا ب‪##‬ه‬
‫محمدا ‪ ‬أنه عاين ليلة المعراج قوم موسى الذين من وراء الصين‪ ،‬وذل‪##‬ك أن ب‪##‬ني‬
‫إسرائيل حين عملوا بالمعاصي وقتلوا‪ #‬الذين يأمرون بالقس‪##‬ط من الن‪##‬اس دع‪##‬وا ربهم‬
‫وهم باألرض المقدسة فقالوا‪ :‬اللهم أخرجن‪##‬ا من بين أظه‪##‬رهم؛ فاس‪##‬تجاب لهم فجع‪##‬ل‬
‫لهم سربا في األرض؛ فدخلوا فيه‪ ،‬وجعل معهم نهرا يجري وجعل لهم مصباحا من‬
‫نور بين أيديهم فساروا فيه سنة ونصفا‪ ،‬وذل‪##‬ك من بيت المق‪##‬دس إلى مجلس‪##‬هم ال‪##‬ذي‬
‫هم فيه؛ فأخرجهم هللا إلى أرض تجتمع فيها اله‪##‬وام والبه‪##‬ائم والس‪##‬باع مختلطين به‪##‬ا‬
‫ليس فيها ذنوب وال معاص؛ فأتاهم النبي ‪ ‬تلك الليل‪##‬ة‪ ،‬ومع‪##‬ه جبري‪##‬ل‪ ،‬ف‪##‬آمنوا‪ #‬ب‪##‬ه‬
‫وصدقوه وعلمهم الصالة‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن موسى قد بشرهم به(‪.)2‬‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬ومثل‪##‬ك أن‪##‬ا‪ ،‬فق‪##‬د كنت أذك‪##‬ر لهم م‪##‬ا رواه البغ‪##‬وي في تفس‪##‬يره عن‬
‫الكلبي‪ ،‬والضحاك‪ ،‬والربيع أنهم قالوا‪ :‬هم قوم خلف الصين‪ ،‬بأقص‪#‬ى‪ #‬الش‪##‬رق‪ ،‬على‬
‫نه‪##‬ر مج‪##‬رى الرم‪##‬ل‪ ،‬يس‪##‬مى‪ :‬نه‪##‬ر أرداف‪ ،‬ليس ألح‪##‬د منهم م‪##‬ال دون ص‪##‬احبه‪،‬‬
‫يمطرون‪ #‬بالليل‪ ،‬ويصحون بالنه‪##‬ار‪ ،‬ويزرع‪##‬ون ال يص‪##‬ل إليهم من‪##‬ا أح‪##‬د‪ ،‬وهم على‬
‫دين الح‪##‬ق‪ ،‬وذك‪##‬ر أن جبري‪##‬ل علي‪##‬ه الس‪##‬الم ذهب ب‪##‬النبي ‪ ‬ليل‪##‬ة أس‪##‬ري ب‪##‬ه إليهم‪،‬‬
‫فكلمهم‪ ،‬فقال لهم جبريل‪ :‬هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ه‪##‬ذا محم‪##‬د؛‬
‫النبي األمي‪ ،‬فآمنوا‪ #‬به‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رس‪#‬ول هللا‪ ،‬إن موس‪#‬ى أوص‪#‬انا‪ #‬أن من أدرك منكم‬
‫أحمد‪ ،‬فليقرأ عليه مني السالم‪ ،‬فرد النبي ‪ ‬على موسى وعليهم‪ ،‬ثم أق‪##‬رأهم عش‪##‬ر‬
‫سور‪ #‬من القرآن نزلت بمكة‪ ،‬وأمرهم‪ #‬بالصالة والزكاة‪ ،‬وأمرهم‪ #‬أن يقيم‪##‬وا مك‪##‬انهم‪،‬‬
‫‪ )(1‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)3/585‬‬
‫‪ )(2‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)3/586‬‬
‫‪515‬‬
‫وكانوا‪ #‬يسبتون‪ ،‬فأمرهم‪ #‬أن يجمعوا‪ ،‬ويتركوا السبت(‪.)3‬‬
‫ت بِ‪ِ #‬ه‬ ‫﴿ولَقَ‪ْ #‬د هَ َّم ْ‬‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫الس‪#‬و َء َو ْالفَحْ َش‪#‬ا َء إِنَّهُ ِم ْن‬ ‫َص‪ِ #‬رفَ َع ْن‪#‬هُ ُّ‬ ‫َوهَ َّم بِهَا لَ‪##‬وْ اَل أَ ْن َرأَى بُرْ هَ‪##‬انَ َربِّ ِه َك‪َ #‬ذلِكَ لِن ْ‬
‫صينَ ﴾ [يوس‪##‬ف‪]24 :‬الكث‪#‬ير من الخراف‪#‬ات المس‪#‬يئة للنب‪#‬وة‪ ،‬وليوس‪##‬ف علي‪#‬ه‬ ‫ِعبَا ِدنَا ْال ُم ْخلَ ِ‬
‫السالم‪ ،‬والتي ال يمكن ذكرها في هذا المجلس المحترم‪#.‬‬
‫‪ 2‬ـ عقبة الخرافة‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ ،‬واألمثلة التي ذكرتموها‪ #‬كافية للداللة على التحري‪##‬ف‬
‫الذي حصل للمعاني القرآنية بس‪#‬ببها‪ ،‬ونحن نحت‪#‬اج إلى التح‪#‬ذير منه‪#‬ا‪ ،‬والتنبي‪#‬ه إلى‬
‫عدم صلتها بالقرآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وأنه‪##‬ا مج‪##‬رد أس‪##‬اطير‪ #‬وخراف‪##‬ات وتفاص‪##‬يل‪ #‬دع‪##‬ا إليه‪##‬ا‬
‫الفضول‪ ،‬ال التدبر الذي أُمرنا به‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬أجل‪ ..‬فحدثنا‪ #‬عن العقبة الثانية‪.‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬العقب‪##‬ة الثاني‪##‬ة ولي‪##‬دة العقب‪##‬ة األولى‪ ..‬فالفض‪##‬ول ه‪##‬و ال‪##‬ذي يجع‪##‬ل‬
‫صاحبه يقع في الخرافة كما رأينا ذلك في األمثلة التي ذكرتموها‪ ..‬فلو أن المح‪##‬دثين‬
‫والمفسرين اقتصروا‪ #‬على ما ورد في القرآن الكريم من المعاني‪ ،‬واهتموا بأعماقها‪،‬‬
‫لما احتاجوا إلى كل تلك التفاصيل التي زجت بهم في الخرافة‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬ما دام األمر كذلك؛ فلم فصلت الخرافة عن الفضول؟‬
‫قال المعلم‪ :‬ألن خط‪#‬ر الخراف‪#‬ة أعظم؛ فهي ليس‪#‬ت مج‪#‬رد أس‪#‬اطير وقص‪#‬ص‬
‫للتسلية‪ ،‬بل لكونها تخالف العقل والعلم‪ ،‬صارت أعظم مش‪##‬وه للق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وهي‬
‫لذلك تتناقض مع كل ما ورد في القرآن الكريم من ال‪##‬دعوة إلى العلم وتحكيم‪ #‬العق‪##‬ل‪،‬‬
‫واالستفادة منه في الحكم على األشياء‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬صدقت‪ ..‬فكل القرآن الكريم‪ #‬تمجيد للعقل‪ ،‬ودعوة إليه‪ ..‬وق ‪#‬د‪ #‬ق‪##‬ال‬
‫ف‬ ‫اختِاَل ِ‬ ‫ض َو ْ‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫الس‪َ ##‬ما َوا ِ‬‫ق َّ‬ ‫تعالى يصف خالصة عباده الصالحين‪﴿ :‬إِ َّن فِي خَ ْل ِ‬
‫ب﴾ [آل عمران‪ ،]190 :‬ثم ذكر دور عقلهم وتفكيرهم‪ #‬في‬ ‫ت أِل ُولِي اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫ار آَل يَا ٍ‬‫اللَّي ِْل َوالنَّهَ ِ‪#‬‬
‫توجيههم‪ #‬إلى ربهم‪ ،‬فقال‪﴿ :‬الَّ ِذينَ يَ ْذ ُكرُونَ هَّللا َ قِيَا ًما َوقُعُودًا َو َعلَى ُجنُ‪##‬وبِ ِه ْم َويَتَفَ َّكرُونَ‬
‫ار﴾ [آل‬ ‫اب النَّ ِ‬ ‫اطاًل ُسب َْحانَكَ فَقِنَ‪##‬ا َع‪َ #‬ذ َ‬ ‫ض َربَّنَا َما خَ لَ ْقتَ هَ َذا بَ ِ‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ق ال َّس َم َ‬‫فِي خَ ْل ِ‬
‫عمران‪]191 :‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا ذكر أن آيات هللا ال ينتفع بها إال أصحاب العقول‪ ،‬فق‪##‬ال‪﴿ :‬أَلَ ْم‬
‫ض ثُ َّم ي ُْخ ِر ُج بِ‪ِ #‬ه زَرْ ًع‪##‬ا ُم ْختَلِفً‪##‬ا‬ ‫ت ََر أَ َّن هَّللا َ أَ ْنزَ َل ِمنَ ال َّس َما ِء َما ًء فَ َسلَ َكهُ يَنَابِي َع فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ب﴾‬ ‫ك لَ‪ِ #‬ذ ْك َرى أِل ُولِي اأْل َ ْلبَ‪##‬ا ِ‬ ‫أَ ْل َوانُهُ ثُ َّم يَ ِهي ُج فَت ََراهُ ُمصْ فَ ًّرا ثُ َّم يَجْ َعلُ‪#‬هُ ُحطَا ًم‪##‬ا إِ َّن فِي َذلِ‪َ #‬‬
‫‪#‬ك‬ ‫‪#‬ار َو ْالفُ ْل‪ِ #‬‬ ‫‪#‬ل َوالنَّهَ‪ِ #‬‬ ‫ف اللَّ ْي‪ِ #‬‬ ‫اختِاَل ِ‪#‬‬ ‫ض َو ْ‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬
‫اوا ِ‬ ‫ق ال َّس َم َ‬‫[الزمر‪ ،]21 :‬وقال‪﴿ :‬إِ َّن فِي خَ ْل ِ‬
‫الس‪َ #‬ما ِء ِم ْن َم‪#‬ا ٍء فَأَحْ يَ‪##‬ا بِ‪ِ #‬ه‬ ‫اس َو َم‪#‬ا أَ ْن‪##‬زَ َل هَّللا ُ ِمنَ َّ‬ ‫الَّتِي تَجْ ِري فِي ْالبَحْ‪ِ #‬ر بِ َم‪#‬ا يَ ْنفَ‪ُ #‬ع النَّ َ‬
‫ب ْال ُم َس ‪َّ #‬خ ِر بَ ْينَ‬‫الس‪َ ##‬حا ِ‬‫اح َو َّ‬ ‫يف الرِّ يَ ِ‬ ‫ث فِيهَا ِم ْن ُك ِّل دَابَّ ٍة َوتَصْ ِر ِ‪#‬‬ ‫ض بَ ْع َد َموْ تِهَا َوبَ َّ‬‫اأْل َرْ َ‬
‫ت لِقَوْ ٍم يَ ْعقِلُونَ ﴾ [البقرة‪]164 :‬‬ ‫ال َّس َما ِء َواأْل َرْ ِ‬
‫ض آَل يَا ٍ‬
‫‪ )(3‬تفسير ابن كثير‪ 3/572 :‬ـ ‪.573‬‬
‫‪516‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬ب‪##‬ورك فيكم فه‪##‬ل ت‪##‬رون في الت‪##‬أويالت ال‪##‬واردة في التفاس‪##‬ير‬
‫المصنفة من وقع فيما تأباه العقول السليمة ؟‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬إن ش‪##‬ئت الص‪##‬راحة‪ ..‬فأن‪##‬ا وأم‪##‬ام ه‪##‬ذا الجم‪##‬ع المب‪##‬ارك‪ ،‬وال‪##‬ذي‬
‫يعرفني الكثير منهم‪ ،‬بسبب دروسي‪ #‬الكثيرة التي يحرصون‪ #‬على الحضور إليها‪ ،‬ال‬
‫ألنها تدعوهم إلى تدبر القرآن الكريم وتفعيله في الحياة‪ ،‬وإنما بما كنت أحشوه فيه‪##‬ا‬
‫من العلوم الغريبة التي ال دليل عليها‪ ،‬بل إنها كانت تتناقض م‪##‬ع ك‪##‬ل م‪##‬ا ت‪##‬دل علي‪##‬ه‬
‫الحقائق العلمية‪.‬‬
‫لقد كنت أحكي لهم كل ما ورد في تلك األساطير‪ #‬التي فسر بها القرآن الك‪##‬ريم‬
‫ابتداء مما روي في بدء الخليقة‪ ،‬وأسرار الوجود‪ ،‬وتعليل بعض الظ‪##‬واهر الكوني‪##‬ة‪،‬‬
‫مث‪##‬ل‪ :‬الرع‪##‬د‪ ،‬وال‪##‬برق‪ ،‬والخس‪##‬وف والكس‪##‬وف‪ #،‬وب‪##‬رودة مي‪##‬اه اآلب‪##‬ار في الص‪##‬يف‪،‬‬
‫وحرارته‪##‬ا في الش‪##‬تاء‪ ..‬ومث‪##‬ل‪ :‬م‪##‬ا روي في تفس‪##‬ير‪﴿ :‬ق﴾ وأن‪##‬ه الجب‪##‬ل المحي‪##‬ط‬
‫ب‪##‬األرض‪ ..‬وتفس‪##‬ير ﴿ن﴾ وأن‪##‬ه الح‪##‬وت ال‪##‬ذي على ظه‪##‬ره األرض‪ ،‬وم‪##‬ا روي في‬
‫قصص األنبياء والمرسلين من إسرائيليات باطلة ال تلي‪##‬ق بمق‪##‬ام األنبي‪##‬اء‪ ،‬وعص‪##‬متم‬
‫إلى نحو ذلك‪ ،‬وما أكثره في كتب التفاسير(‪.)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت بارعا في كل التفاصيل المرتبط‪##‬ة بالخراف‪##‬ات‪#‬‬
‫المرتبطة بخلق بعض أنواع الحيوانات التي كنت أزعم لهم أنها مسخت‪ ،‬وال أنس‪##‬ب‬
‫ذلك إلى كعب األحبار وأمثاله‪ ،‬أو إلى بعض الص‪##‬حابة‪ ،‬والت‪##‬ابعين فق‪##‬ط‪ ..‬وإنم‪##‬ا إلى‬
‫رسول هللا ‪ ‬نفسه‪ ،‬ألشوهه بذلك كما أشوه كلمات ربي المقدسة‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما كنت أنقله عن الزبير‪ #‬بن بكار في الموفقي‪##‬ات‪ ،‬وابن‬
‫مردويه‪ ،‬والديلمي‪ ،‬أن النبي ‪ ‬س‪##‬ئل عن المس‪##‬وخ‪ ،‬فق‪##‬ال‪ :‬هم ثالث‪##‬ة عش‪##‬ر‪ :‬الفي‪##‬ل‪،‬‬
‫وال‪###‬دب‪ ،‬والخ‪###‬نزير‪ ،‬والق‪###‬رد‪ ،‬والج‪###‬ريث‪ ،‬والض‪###‬ب‪ ،‬والوط‪###‬واط‪ ،‬والعق‪###‬رب‪،‬‬
‫وال‪##‬دعموص‪ ،‬والعنكب‪##‬وت‪ ،‬واألرنب‪ ،‬وس‪##‬هيل‪ ،‬والزه‪##‬ر‪ ،‬فقي‪##‬ل‪ :‬ي‪##‬ا رس‪##‬ول هللا وم‪##‬ا‬
‫سبب مس‪##‬خهن؟‪ ..‬فق‪##‬ال‪( :‬أم‪##‬ا الفي‪##‬ل‪ :‬فك‪##‬ان رجال جب‪##‬ارا لوطي‪##‬ا‪ ،‬ال ي‪##‬دع رطب‪##‬ا‪ ،‬وال‬
‫يابس‪##‬ا‪ ،‬وأم‪##‬ا ال‪##‬دب‪ :‬فك‪##‬ان مؤنث‪##‬ا ي‪##‬دعو الن‪##‬اس إلى نفس‪##‬ه‪ ،‬وأم‪##‬ا الخ‪##‬نزير‪ :‬فك‪##‬ان من‬
‫النصارى‪ #‬الذين سألوا المائ‪##‬دة‪ ،‬فلم‪##‬ا ن‪##‬زلت كف‪##‬روا‪ ،‬وأم‪##‬ا الق‪##‬ردة‪ :‬فيه‪##‬ود اعت‪##‬دوا في‬
‫السبت‪ ،‬وأما الجريث‪ :‬فكان ديوث‪#‬ا‪ ،‬ي‪#‬دعو الرج‪#‬ال إلى حليلت‪#‬ه‪ ،‬وأم‪#‬ا الض‪#‬ب‪ :‬فك‪#‬ان‬
‫أعرابيا يسرق الحاج بمحجنه‪ ،‬وأما الوطواط‪ #:‬فكان رجال يسرق الثم‪##‬ار من رؤوس‬
‫النخل‪ ،‬وأما العقرب‪ :‬فك‪##‬ان رجال ال يس‪##‬لم أح‪##‬د من لس‪##‬انه‪ ،‬وأم‪##‬ا ال‪##‬دعموص‪ :‬فك‪##‬ان‬
‫نمام‪##‬ا يف‪##‬رق بين األحب‪##‬ة‪ ،‬وأم‪##‬ا العنكب‪##‬وت‪ :‬ف‪##‬امرأة س‪##‬حرت زوجه‪##‬ا‪ ،‬وأم‪##‬ا األرنب‪:‬‬
‫فامرأة كانت ال تطهر من حيضها‪ ،‬وأما سهيل‪ :‬فكان عشارا ب‪##‬اليمن‪ ،‬وأم‪##‬ا الزه‪##‬رة‪:‬‬
‫فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت‪ ،‬وماروت) (‪)2‬‬
‫لقد كانت تلك القصص سببا في انصراف‪ #‬الكثير من الطلبة الذين أعرفهم عن‬
‫‪ )(1‬اإلسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ )(2‬الدر المنثور ج‪.103 ،1/102‬‬
‫‪517‬‬
‫دراسة العلوم المرتبطة بالحيوان‪##‬ات‪ ،‬بع‪##‬د أن عافته‪##‬ا أنفس‪##‬هم بس‪##‬بب م‪##‬ا كنت أذك‪##‬ره‬
‫عنها‪.‬‬
‫‪#‬ل‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫﴿و َج َعلنَ‪##‬ا الل ْي‪َ #‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذك‪##‬ر في تفس‪##‬ير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ض‪#‬اًل ِم ْن َربِّ ُك ْم‬ ‫ْص‪َ #‬رةً لِتَ ْبتَ ُغ‪##‬وا فَ ْ‬ ‫ار آيَتَي ِْن فَ َم َحوْ نَا آيَةَ اللَّ ْي ِل َو َج َع ْلنَا آيَ‪#‬ةَ النَّهَ‪ِ #‬‬
‫‪#‬ار ُمب ِ‬ ‫َوالنَّهَ َ‪#‬‬
‫صياًل ﴾ [اإلس‪##‬راء‪ ]12 :‬الكث‪##‬ير من‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اب َو ُك َّل َش ْي ٍء فَصَّلنَاهُ تَف ِ‬ ‫ْ‬
‫َولِتَ ْعلَ ُموا‪َ #‬ع َد َد ال ِّسنِينَ َوال ِح َس َ‬
‫الخرافات التي تصطدم‪ #‬مع الحقائق العلمية‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا كنت أروي‪##‬ه‬
‫مرفوعا‪ #‬إلى رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬إن هللا لما أب‪##‬رم خلق‪##‬ه‪ ،‬فلم يب‪##‬ق من خلق‪##‬ه غ‪##‬ير‬
‫آدم عليه السالم خلق شمسا من نور عرشه‪ ،‬فأما ما كان في سابق علم هللا أن ي‪##‬دعها‬
‫شمسا‪ ،‬فإنه خلقها مثل ال‪#‬دنيا‪ ،‬م‪#‬ا بين مش‪#‬ارقها ومغاربه‪#‬ا‪ ،‬وأم‪#‬ا م‪#‬ا ك‪#‬ان في س‪#‬ابق‬
‫علمه أن يطمسها‪ #‬ويحولها قمرا‪ ،‬فإنه خلقه‪##‬ا مث‪##‬ل الش‪##‬مس في الض‪##‬وء‪ ،‬وإنم‪##‬ا ي‪##‬رى‬
‫الناس صغرهما؛ لش‪##‬دة ارتفاعهم‪##‬ا‪ ،‬ول‪##‬و تركهم‪##‬ا هللا كم‪##‬ا خلقهم‪##‬ا في ب‪##‬دء األم‪##‬ر لم‬
‫يعرف الليل من النهار‪ ،‬وال النهار من اللي‪##‬ل‪ ،‬ولك‪##‬ان األج‪##‬ير ليس ل‪##‬ه وقت يس‪##‬تريح‬
‫فيه‪ ،‬ولكان الص‪##‬ائم ال ي‪##‬دري إلى م‪##‬تى يص‪##‬وم‪ ،‬وم‪##‬تى يفط‪##‬ر‪ ،‬إلى أن ق‪##‬ال‪ :‬فأرس‪#‬ل‪#‬‬
‫جبريل‪ ،‬فأمر جناحه على وجه القم‪##‬ر ثالث م‪##‬رات‪ ،‬وه‪##‬و يومئ‪##‬ذ ش‪##‬مس فمح‪##‬ا عن‪##‬ه‬
‫ار آيَتَ ْي ِن فَ َم َحوْ نَا‪ #‬آيَ‪##‬ةَ‬‫﴿و َج َع ْلنَا اللَّي َْل َوالنَّهَ َ‬
‫الضوء‪ ،‬وبقي فيه النور‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪َ :‬‬
‫الس ‪#‬نِينَ‬‫ض ‪#‬اًل ِم ْن َربِّ ُك ْم َولِتَ ْعلَ ُم‪##‬وا َع‪َ #‬د َد ِّ‬ ‫ْص ‪َ #‬رةً لِتَ ْبتَ ُغ‪##‬وا فَ ْ‬
‫‪#‬ار ُمب ِ‬ ‫اللَّ ْي ‪ِ #‬ل َو َج َع ْلنَ ‪#‬ا‪ #‬آيَ ‪#‬ةَ النَّهَ‪ِ #‬‬
‫صياًل ﴾ [اإلس‪##‬راء‪ ﴾]12 :‬فالسواد‪ #‬ال‪##‬ذي ترون‪##‬ه في القم‪##‬ر‬ ‫اب َو ُك َّل َش ْي ٍء فَص َّْلنَاهُ تَ ْف ِ‬ ‫َو ْال ِح َس َ‬
‫هو‪ :‬أثر ذلك المحو) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت أذك‪##‬ر في تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ات الكوني‪##‬ة في الق‪##‬رآن‬
‫الكريم الكثير من الغرائب التي تتنافى‪ #‬مع ما يقوله العلم‪ ،‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك أني‬
‫كنت أروي‪ #‬لهم عن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬وك‪##‬ل بالش‪##‬مس تس‪##‬عة أمالك‪ ،‬يرمونه‪#‬ا‪#‬‬
‫بالثلج كل يوم‪ ،‬لوال ذلك ما أتت على شيء إال أحرقته) (‪)2‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن كعبا سئل فقيل ل‪##‬ه‪ :‬م‪##‬ا تحت ه‪##‬ذه األرض؟ فق‪##‬ال‪ :‬الم‪##‬اء‪..‬‬
‫قيل‪ :‬وما تحت الماء؟ قال‪ :‬األرض‪ ..‬قيل‪ :‬وما تحت األرض؟ قال‪ :‬الماء‪ ..‬قيل‪ :‬وما‬
‫تحت الماء؟ ق‪##‬ال‪ :‬األرض‪ ،‬قي‪##‬ل‪ :‬وم‪##‬ا تحت األرض؟ ق‪##‬ال‪ :‬الم‪##‬اء‪ ..‬قي‪##‬ل‪ :‬وم‪##‬ا تحت‬
‫الماء؟ قال‪ :‬األرض‪ ،‬قي‪#‬ل‪ :‬وم‪#‬ا تحت األرض؟ ق‪#‬ال الم‪#‬اء‪ ..‬قي‪##‬ل‪ :‬وم‪##‬ا تحت الم‪#‬اء؟‬
‫قال‪ :‬األرض‪ ،‬قي‪#‬ل‪ :‬وم‪#‬ا تحت األرض؟ ق‪#‬ال‪ :‬ص‪#‬خرة‪ ..‬قي‪#‬ل‪ :‬وم‪#‬ا تحت الص‪#‬خرة؟‬
‫قال‪ :‬ملك‪ ..‬قيل‪ :‬وما تحت الملك؟ قال‪ :‬حوت معلق ‌طرفاه ‌بالعرش‪ ،‬قيل‪ :‬وم‪##‬ا تحت‬
‫الحوت؟ قال‪ :‬الهواء والظلمة وانقطع العلم(‪.)3‬‬
‫بل كنت أروي لهم عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬إن األرض‪##‬ين بين ك‪##‬ل أرض‬
‫والتي تليها مسيرة خمسمائة عام‪ ،‬والعليا منها على ظهر حوت‪ ،‬قد التقى طرف‪##‬اه في‬
‫‪ )(1‬ابن أبي حاتم وابن مردويه‪ ،‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)5/247‬‬
‫‪ )(2‬تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن (‪)24/484‬‬
‫‪ )(3‬تفسير ابن كثير (‪)5/273‬‬
‫‪518‬‬
‫السماء‪ ،‬والحوت على صخرة‪ ،‬والصخرة بيد الملك‪ ،‬والثانية سجن ال‪##‬ريح‪ ،‬والثالث‪##‬ة‬
‫فيه‪##‬ا حج‪##‬ارة جهنم‪ ،‬والرابع‪##‬ة فيه‪##‬ا ك‪##‬بريت جهنم‪ ،‬والخامس‪##‬ة فيه‪##‬ا حي‪##‬ات جهنم‬
‫والسادسة فيها عقارب جهنم‪ ،‬والسابعة فيها س‪#‬قر‪ ،‬وفيه‪#‬ا إبليس مص‪#‬فد بالحدي‪#‬د‪ ،‬ي‪#‬د‬
‫أمامه ويد خلفه فإذا أراد هللا أن يطلقه لما يشاء أطلقه) (‪)1‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن سائال سأل رسول هللا ‪ ،‬فق‪#‬ال‪ :‬إني أري‪#‬د أن أس‪#‬ألك عن‬
‫خصال‪ ،‬ال يعلمهن أحد من أهل األرض إال رجل أو رجالن‪ ،‬فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪:‬‬
‫سل عما شئت‪ ،‬فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أينام النبي؟ فقال رسول هللا ‪ :‬تن‪##‬ام عين‪##‬اه وال ين‪##‬ام‬
‫قلبه‪ ،‬قال‪ :‬صدقت‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬من أين يشبه الولد أباه وأمه؟ قال‪ :‬م‪#‬اء الرج‪#‬ل‬
‫أبيض غليظ‪ ،‬وماء المرأة أصفر رقيق‪ ،‬فأي الم‪#‬اءين غلب على اآلخ‪#‬ر ن‪#‬زع الول‪#‬د‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ص‪#‬دقت‪ ،‬فق‪#‬ال‪ :‬م‪#‬ا للرج‪#‬ل من الول‪#‬د وم‪#‬ا للم‪#‬رأة من‪#‬ه؟ فق‪#‬ال‪ :‬للرج‪#‬ل العظ‪#‬ام‬
‫والعروق والعصب‪ ،‬وللمرأة اللحم والدم والشعر‪ ،‬قال‪ :‬ص‪#‬دقت‪ ،‬ثم ق‪##‬ال‪ :‬ي‪##‬ا محم‪##‬د‪،‬‬
‫ما تحت هذه‪ ،‬يع‪##‬ني األرض؟ فق‪##‬ال رس‪##‬ول هللا ‪ :‬خل‪##‬ق‪ ..‬فق‪##‬ال‪ :‬فم‪##‬ا تحتهم؟ ق‪##‬ال‪:‬‬
‫أرض‪ ..‬قال‪ :‬فما تحت األرض؟ قال الماء‪ ،‬قال‪ :‬فما تحت الماء؟ قال‪ :‬ظلم‪##‬ة‪ ..‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫فما تحت الظلمة؟ قال‪ :‬الهواء‪ ..‬قال‪ :‬فما تحت الهواء؟ قال‪ :‬ال‪#‬ثرى‪ ..‬ق‪#‬ال‪ :‬فم‪#‬ا تحت‬
‫الثرى؟ ففاضت عينا رسول هللا ‪ ‬بالبكاء‪ ،‬وق‪##‬ال‪ :‬انقط‪##‬ع علم المخل‪##‬وقين عن‪##‬د علم‬
‫الخالق‪ ،‬أيها السائل‪ ،‬ما المسئول عنها بأعلم من السائل‪ ..‬فقال‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ،‬أش‪##‬هد أن‪##‬ك‬
‫رسول هللا‪ ..‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أيها الناس‪ ،‬ه‪#‬ل ت‪##‬درون من ه‪##‬ذا؟‬
‫قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ..‬قال‪ :‬هذا جبريل(‪.)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر لهم الكث‪##‬ير من الغ‪##‬رائب المخالف‪##‬ة للعلم‪،‬‬
‫وأنسبها‪ #‬لرسول هللا ‪ ‬بن‪##‬اء على م‪##‬ا ورد في التفاس‪##‬ير‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا‬
‫أرويه أن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬سئل عن ضوء النه‪##‬ار‪ ،‬وظلم‪##‬ة اللي‪##‬ل‪ ،‬وعن ح‪##‬ر الم‪##‬اء في‬
‫الشتاء‪ ،‬وعن برده في الصيف‪ ،‬وعن البلد األمين‪ ،‬وعن منشأ السحاب وعن مخرج‬
‫الجراد‪ ،‬وعن الرعد والبرق؟ فقال‪ :‬أما ظلمة الليل‪ ،‬وضوء النهار‪ ،‬ف‪##‬إن الش‪##‬مس إذا‬
‫سقطت تحت األرض‪ ،‬فأظلم الليل ل‪##‬ذلك‪ ،‬وإذا أض‪#‬اء الص‪#‬بح ابت‪##‬درها س‪#‬بعون أل‪##‬ف‬
‫ملك‪ ،‬وهي تقاعس كراهية أن تعبد من دون هللا‪ ،‬حتى تطلع‪ ،‬فتضيء‪ ،‬فيطول اللي‪##‬ل‬
‫بطول مكثها‪ ،‬فيسخن الماء لذلك‪ ،‬وإذا كان الص‪##‬يف‪ :‬ق‪#‬ل مكثه‪#‬ا‪ ،‬ف‪#‬برد‪ #‬الم‪#‬اء ل‪##‬ذلك‪،‬‬
‫وأما الجراد‪ :‬فإنه نثرة حوت في البحر‪ ،‬يقال له‪ :‬األب‪##‬وات‪ ،‬وفي‪##‬ه يهل‪##‬ك‪ ،‬وأم‪##‬ا منش‪##‬أ‬
‫السحاب‪ :‬فإنه ينشأ من قب‪##‬ل الخ‪##‬افقين‪ ،‬ومن بين الخ‪##‬افقين تلجم‪##‬ه الص‪##‬با والجن‪##‬وب‪،‬‬
‫ويس‪##‬تدبره الش‪##‬مال وال‪##‬دبور‪ ،‬وأم‪##‬ا الرع‪#‬د‪ :‬فإن‪##‬ه مل‪##‬ك بي‪##‬ده مخ‪#‬راق ي‪##‬دني القاص‪##‬ية‪:‬‬
‫ويؤخر الدانية‪ ،‬فإذا رفع برقت‪ ،‬وإذا زجر رعدت‪ ،‬وإذا ضرب صعقت(‪.)3‬‬
‫‪#‬واقِ َح‬ ‫﴿وأَرْ َس ْلنَا الرِّ يَ َ‬
‫اح لَ‪َ #‬‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا؛ فقد كنت عند تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪ )(1‬تفسير ابن كثير (‪)5/273‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن مردويه‪ ،‬الدر المنثور (‪ )5/552‬وتفسير ابن كثير (‪)5/274‬‬
‫‪ )(3‬مجمع الزوائد لليثمي‪.8/132 :‬‬
‫‪519‬‬
‫‪#‬ازنِينَ ﴾ [الحج‪##‬ر‪ ]22 :‬وغيره‪##‬ا من‬ ‫فَأ َ ْن َز ْلنَا‪ِ #‬منَ ال َّس َما ِء َم‪##‬ا ًء فَأ َ ْس‪#‬قَ ْينَا ُك ُموهُ َو َم‪##‬ا أَ ْنتُ ْم لَ‪#‬هُ بِ َخ‪ِ #‬‬
‫اآليات التي تتحدث عن الرياح أذكر لهم م‪##‬ا أروي‪##‬ه ك‪##‬ذبا وزورا عن رس‪##‬ول‪ #‬هللا ‪‬‬
‫وأنه قال‪( :‬إن هللا تبارك وتعالى‪ #‬خلق ريحا وأسكنها‪ #‬بيتا وأغلق عليها باب‪##‬ا‪ ،‬فل‪##‬و فتح‬
‫ذلك الباب ألذرت ما بين الس‪#‬ماء واألرض‪ ،‬وم‪#‬ا ي‪#‬أتيكم فإنم‪#‬ا ي‪#‬أتيكم من خل‪#‬ل ذل‪#‬ك‬
‫الباب‪ ،‬وأنتم تسمونها‪ #‬الجنوب‪ ،‬وهي عند هللا األذيب)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا؛ فقد كنت عند تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ات الكريم‪##‬ة ال‪##‬واردة في خل‪##‬ق‬
‫الس‪#‬ماء واألرض‪ ،‬أروي لهم ك‪#‬ذبا وزورا‪ #‬عن رس‪#‬ول هللا ‪ ‬أن‪#‬ه ق‪#‬ال‪( :‬أذن لي أن‬
‫أحدث عن ملك قد مرقت رجاله األرض السابعة‪ ،‬والعرش على منكبه‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫س‪##‬بحانك أين كنت وأين تك‪##‬ون)‪ ..‬و(المج‪##‬رة ال‪##‬تي في الس‪##‬ماء هي ع‪##‬رق حي‪##‬ة تحت‬
‫العرش)‪ ..‬و(يا معاذ إني مرسلك إلى قوم أهل كت‪#‬اب‪ ،‬ف‪#‬إذا س‪#‬ئلت عن المج‪#‬رة ال‪#‬تي‬
‫في السماء‪ ،‬فقل‪ :‬هي لعاب حية تحت العرش) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا فقد كنت أرد على النظريات العلمية الحديثة التي يذكرها‬
‫لي طلبتي بما كنت أتبناه من الخرافات الواردة في كتب التفس‪##‬ير والح‪##‬ديث‪ ..‬ول‪##‬ذلك‬
‫كنت أضع خارطة للكون تختل‪##‬ف تمام‪##‬ا عن ك‪##‬ل خرائ‪##‬ط الع‪##‬الم‪ ..‬ومن األمثل‪##‬ة على‬
‫ذلك أني كنت أذكر لهم أن أعلى قمة على سطح األرض ليست قمة إفرس‪##‬ت‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫هي قمة جبل قاف‪ ،‬والذي رويت فيه الروايات الكثيرة التي توضح طول‪#‬ه وعرض‪#‬ه‬
‫ووظائفه على هذه األرض‪ ..‬ومنها ما كنت أرويه عن ابن عباس أنه قال‪( :‬خل‪##‬ق هللا‬
‫تعالى من وراء هذه األرض بحرا محيطا به‪#‬ا ثم خل‪#‬ق من وراء ذل‪#‬ك جبال يق‪#‬ال ل‪#‬ه‬
‫﴿ق﴾ الس‪#‬ماء ال‪#‬دنيا مترفرف‪#‬ة علي‪#‬ه‪ ،‬ثم خل‪#‬ق من وراء ذل‪#‬ك الجب‪#‬ل أرض‪#‬ا مث‪#‬ل تل‪#‬ك‬
‫األرض سبع مرات‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا بها‪ ،‬ثم خلق من وراء ذل‪##‬ك‬
‫جبال يقال له ق السماء الثانية مترفرفة عليه‪ ،‬حتى ع‪##‬د س‪##‬بع أرض‪##‬ين وس‪##‬بعة أبح‪##‬ر‬
‫﴿و ْالبَحْ ُر يَ ُم ُّدهُ ِم ْن بَ ْع ِد ِه َس ْب َعةُ أَ ْب ُح‪ٍ #‬‬
‫‪#‬ر﴾ [لقم‪##‬ان‪:‬‬ ‫وسبعة أجبل وسبع سموات‪ ..‬وذلك قوله‪َ :‬‬
‫‪)3()]27‬‬
‫بل كنت أذكر لهم أسباب الزالزل‪ ،‬وكيف‪ #‬حدث جب‪##‬ل ق‪##‬اف عنه‪##‬ا‪ ،‬وكنت لهم‬
‫إن ذا القرنين أتى على جبل قاف‪ ،‬ف‪##‬رأى حول‪##‬ه‬ ‫ما روي عن وهب بن منبه أنه قال‪ّ :‬‬
‫جباال صغارا‪ ،‬فقال له‪ :‬ما أنت؟ قال‪ :‬أنا قاف‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬وم‪#‬ا ه‪#‬ذه الجب‪#‬ال حول‪#‬ك؟ ق‪#‬ال‪:‬‬
‫هي عروقي‪ ،‬وليست مدينة من المدائن إاّل وفيها‪ #‬عرق منها‪ ،‬فإذا أراد هللا أن يزلزل‬
‫تلك األرض أمرني‪ ،‬فح ّركت عرقي ذلك‪ ،‬فتزلزلت تلك األرض‪ ،‬فقال له‪ :‬ي‪##‬ا ق‪##‬اف‪،‬‬
‫إن ش‪##‬أن ربّن‪##‬ا لعظيم‪ ،‬تقص‪##‬ر عن‪##‬ه الص‪##‬فات‪،‬‬ ‫فأخبرني بش‪##‬يء من عظم‪#‬ة هللا‪ ،‬ق‪##‬ال‪ّ :‬‬
‫إن ورائي‬ ‫وتنقضي‪ #‬دون‪#‬ه األوه‪#‬ام‪ ،‬ق‪#‬ال‪ :‬ف‪#‬أخبرني ب‪##‬أدنى م‪#‬ا يوص‪#‬ف‪ #‬منه‪#‬ا‪ ..‬ق‪##‬ال‪ّ :‬‬
‫ألرضا‪ #‬مسيرة خمسمائة عام في عرض خمسمائة ع‪##‬ام من جب‪##‬ال ثلج يحطم بعض‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (‪)8/135‬‬
‫‪ )(2‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (‪)8/135‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن أبي حاتم كما في‪ :‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)7/589‬‬
‫‪520‬‬
‫إن جبري‪##‬ل علي‪##‬ه‬ ‫بعضا‪ ،‬لوال ذاك الثلج الحترقت من ح ّر جهنّم‪ ..‬ق‪##‬ال‪ :‬زدني‪ ،‬ق‪##‬ال‪ّ :‬‬
‫السّالم واقف بين يدي هللا سبحانه ترعد فرائصه‪ ،‬يخلق هللا من ك ّل رعدة مائ‪##‬ة أل‪##‬ف‬
‫ملك‪ ،‬وأولئك‪ #‬المالئكة صفوف بين يدي هللا سبحانه‪ ،‬من ّكسو رؤوس‪##‬هم‪ ،‬ف‪##‬إذا أذن هللا‬
‫لهم في الكالم‪ ،‬قالوا‪ :‬ال إِلهَ إِاَّل هَّللا ُ)(‪ .. )1‬وقد‪ #‬كنت أذكر هذا كلما قرأت قوله تع‪##‬الى‪:‬‬
‫صفًّا اَل يَتَ َكلَّ ُمونَ إِاَّل َم ْن أَ ِذنَ لَهُ ال ‪#‬رَّحْ َمنُ َوقَ‪##‬ا َل َ‬
‫ص ‪َ #‬وابًا﴾‬ ‫﴿يَوْ َم يَقُو ُم الرُّ و ُح َو ْال َماَل ئِ َكةُ َ‬
‫[النبأ‪]38 :‬‬
‫قال آخر‪ :‬أما أنا‪ ،‬والكثير‪ #‬من أصحابي‪ ،‬فقد كان شأننا وتحريفنا أخط‪##‬ر‪ ،‬ذل‪##‬ك‬
‫أنا كنا نقف بشدة في وجه كل من يدعو إلى العلم وحقائق‪#‬ه وم‪#‬ا كش‪#‬ف من‪#‬ه‪ ..‬ول‪#‬ذلك‬
‫كنا ندافع بشدة عن دوران الشمس باألرض‪ ،‬ونطوع كل اآليات القرآنية ل‪#‬ذلك‪ ،‬وق‪#‬د‬
‫كنت أذكر لهم ما كان يقوله لنا شيخنا ابن العثيمين كل حين‪( :‬لكن الشيء الذي أرى‬
‫أنه ال بد منه هو أن نعتقد أن الشمس هي التي تدور على األرض‪ ،‬وهي التي يك‪##‬ون‬
‫بها اختالف الليل والنه‪##‬ار‪ ،‬ألن هللا تع‪##‬الى أض‪##‬اف الطل‪##‬وع‪ #‬والغ‪##‬روب إلى الش‪##‬مس‪،‬‬
‫ت‬‫َزَاو ُر ع َْن َك ْهفِ ِه ْم َذاتَ ْاليَ ِمي ِن َوإِ َذا غ ََربَ ْ‬
‫تت َ‬ ‫س إِ َذا طَلَ َع ْ‬ ‫﴿وتَ َرى ال َّش ْم َ‬ ‫فقال عز وجل‪َ :‬‬
‫ال﴾ [الكه‪##‬ف‪ ،]17 :‬فهذه أربعة أفع‪##‬ال أض‪##‬يفت كله‪##‬ا إلى الش‪##‬مس إذا‬ ‫تَ ْق ِر ُ‬
‫ضهُْ‪#‬م َذاتَ ال ِّش َم ِ‬
‫طلعت‪ ،‬وإذا غربت‪ ،‬تزاور‪ ،‬تقرض‪ ،‬كلها أفعال أضيفت إلى الش‪##‬مس‪ ،‬واألص‪##‬ل أن‬
‫الفعل ال يضاف‪ #‬إال إلى فاعله‪ ،‬أو من قام به‪ ،‬أي من قام به هذا الفعل فال يقال‪ :‬مات‬
‫ت﴾ ليس المع‪##‬نى أن‬ ‫س إِ َذا طَلَ َع ْ‬ ‫‪#‬رى َّ‬
‫الش‪ْ #‬م َ‬ ‫زي ٌد‪ ،‬ويراد مات عمرو‪ ..‬ف‪##‬إذا ق‪##‬ال هللا َ‬
‫﴿وتَ‪َ #‬‬
‫األرض دارت حتى رأينا الشمس ألن‪##‬ه ل‪##‬و ك‪##‬انت األرض هي ال‪##‬تي ت‪##‬دور‪ ،‬وطل‪##‬وع‪#‬‬
‫الشمس يختلف باختالف الدوران ما قي‪##‬ل‪ :‬إن الش‪##‬مس طلعت‪ ،‬ب‪##‬ل يق‪##‬ال نحن طلعن‪##‬ا‬
‫على الش‪##‬مس‪ ،‬أو األرض طلعت على الش‪##‬مس وك‪##‬ذلك ق‪##‬ال هللا تب‪##‬ارك وتع‪##‬الى في‬
‫ب ﴾ [ص‪:‬‬ ‫ت بِ ْال ِح َج‪ #‬ا ِ‬ ‫‪#‬وا َر ْ‬ ‫‪#‬ر ع َْن ِذ ْك‪ِ #‬‬
‫‪#‬ر َربِّي َحتَّى تَ‪َ #‬‬ ‫ْت حُبَّ ْالخَ ْي‪ِ #‬‬ ‫قصة س‪##‬ليمان ﴿إِنِّي أَحْ بَب ُ‬
‫‪ ]32‬أي الش‪##‬مس‪ ،‬ولم يق‪##‬ل ح‪##‬تى ت‪##‬وارى عنه‪##‬ا بالحج‪##‬اب‪ ،‬وق‪##‬ال‪ #‬الن‪##‬بي ‪ ‬ألبي ذر‪:‬‬
‫(أتدري أين تذهب هذه الشمس؟) قلت‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬ق‪#‬ال‪( :‬ت‪#‬ذهب تس‪##‬جد تحت‬
‫العرش‪ ،‬فتستأذن‪ ،‬فيؤذن لها‪ ،‬ويوشك أن تسجد فال يقب‪##‬ل منه‪##‬ا‪ ،‬وتس‪##‬تأذن فال ي‪##‬ؤذن‬
‫لها‪ ،‬فيقال لها‪ :‬ارجعي من حيث جئت‪ ،‬فتطلع من مغربها)(‪ ،)2‬فأضاف ال‪##‬ذهاب إلى‬
‫الشمس)(‪)3‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وبعد أن طوع ما ش‪##‬اء من النص‪##‬وص القرآني‪##‬ة لقوت‪##‬ه الوهمي‪##‬ة‪ ،‬ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(فظ‪##‬اهر الق‪##‬رآن والس‪##‬نة أن اختالف اللي‪##‬ل والنه‪##‬ار‪ #‬يك‪##‬ون ب‪##‬دوران الش‪##‬مس على‬
‫ي ق‪##‬اطع يس‪##‬وغ‪ #‬لن‪##‬ا أن‬ ‫األرض‪ ،‬وهذا هو الذي يجب أن نعتقده ما لم يوجد دلي ٌل حس‪ٌ #‬‬
‫نص‪##‬رف النص‪##‬وص عن ظواهره ‪#‬ا‪ #‬إلى م‪##‬ا يواف‪##‬ق ه‪##‬ذا النص الق‪##‬اطع‪ ،‬وذل‪##‬ك ألن‬
‫األصل في أخبار هللا ورسوله أن تك‪##‬ون على ظاهره‪##‬ا ح‪##‬تى يق‪##‬وم دلي‪##‬ل ق‪##‬اطع على‬

‫‪ )(1‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن (‪)9/93‬‬


‫‪ )(2‬البخاري ‪ ،416/ 8‬ومسلم رقم (‪)159‬‬
‫‪ )(3‬مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (‪)1/71‬‬
‫‪521‬‬
‫صرفها عن ظاهرها‪ ،‬ألننا يوم القيامة سنسأل عما تقتض‪#‬يه ه‪#‬ذه النص‪#‬وص بحس‪#‬ب‬
‫الظاهر‪ ،‬وال‪##‬واجب علين‪##‬ا أن نعتق‪##‬د ظاهره‪##‬ا إال إذا وج‪##‬د دلي‪ٌ #‬ل ق‪##‬اطع‪ #‬يس‪##‬وغ لن‪##‬ا أن‬
‫نصرفها عن هذا الظاهر) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك أنا؛ فقد كنت أردد ما لقننا إياه شيخنا ابن العثيمين‪ ،‬ال‪##‬ذي‬
‫ض َو َس‪َّ #‬خ َر‬‫ت َواأْل َرْ َ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ق َّ‬
‫الس‪َ #‬م َ‬ ‫قال في تفسيره لقول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬ولَئِ ْن َسأ َ ْلتَهُ ْم َم ْن خَ لَ‪َ #‬‬
‫س َو ْالقَ َم َر لَيَقُولُ َّن هَّللا ُ فَأَنَّى ي ُْؤفَ ُك‪##‬ونَ ﴾ [العنكب‪##‬وت‪ ]61 :‬عن‪##‬د ذك‪##‬ره لفوائ‪##‬د ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة‬
‫ال َّش ْم َ‬
‫س َوالقَ َم‪َ #‬ر﴾ دلي‪ٌ #‬ل على أنهم‪##‬ا هم‪##‬ا الل‪##‬ذان‬ ‫ْ‬ ‫الش‪ْ #‬م َ‬ ‫الكريمة‪( :‬وفي قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َس‪َّ #‬خ َر َّ‬
‫‪#‬يران على‬ ‫يجريان حول األرض ي ِسي َران حول األرض خالفًا لِ َمن قال‪ :‬إنَّهم‪##‬ا ال يس‪َ #‬‬
‫ك‬‫نفسها وهذا ال ش َ‬ ‫وأن هذا ـ اختالف الليل والنهار ـ بسبب د ََوران األرض ِ‬ ‫األرض َّ‬
‫عظيم ربم‪##‬ا يص‪##‬ل ب‪##‬ه‬ ‫أن الذي ال يعتقد أنهم‪##‬ا ي‪##‬دوران على األرض أنَّه على خط‪##‬ر ِ‬ ‫َّ‬
‫أن الشمس هي التي‬ ‫ألن الذي نؤمن به ونعتقِدُه ما أخب َرنا هللا عنه ِمن َّ‬ ‫ذلك إلى الكفر ّ‬
‫تدور‪ #‬على األرض وكذلك القمر) (‪)2‬‬

‫﴿وإِلَى اأْل َرْ ِ‬


‫ض‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك أنا؛ فقد كنت أردد في تفسير قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ت﴾ [الغاش‪##‬ية‪ ]20 :‬م‪##‬ا قال‪##‬ه القحط‪##‬اني في نونيت‪##‬ه وكأنه‪##‬ا وحي إلهي مفس‪##‬ر‬ ‫َك ْيفَ ُس‪ِ #‬ط َح ْ‬
‫للقرآن الكريم(‪:)3‬‬
‫فهم‪####‬ا لعلم هللا م‪####‬دعيان‬ ‫ك‪####‬ذب المهن‪####‬دس والمنجم مثله‬
‫وهما بهذا القول مقترن‪##‬ان‬ ‫األرض عن‪#####‬د كليهم‪#####‬ا كروية‬
‫ب‪####‬دليل ص‪####‬دق واض‪####‬ح‬ ‫واألرض عن‪##########‬د أولي النهى‬
‫الق‪#############################‬رآن‬ ‫لس‪#####################################‬طيحة‬
‫وب‪###‬نى الس‪###‬ماء بأحس‪###‬ن‬ ‫وهللا ص‪####‬يرها‪ #‬فراش‪####‬ا لل‪####‬ورى‬
‫البني‪#############################‬ان‬
‫وأب‪##‬ان ذل‪##‬ك أيم‪##‬ا تبي‪##‬ان‬ ‫وهللا أخ‪#####‬بر أنه‪####‬ا مس‪####‬طوحة‬
‫‪ 3‬ـ عقبة الوهم‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ ،‬واألمثلة التي ذكرتموها‪ #‬كافية للدالل‪##‬ة على ض‪##‬رورة‬
‫تطهير‪ #‬تفسير القرآن الكريم من كل ما يتناقض مع العلم والحقائق العلمية؛ ذلك أنه‪##‬ا‬
‫أكبر حجاب دون التعرف على هللا وكلماته المقدسة‪ ..‬فيستحيل‪ #‬على العاقل أن يؤمن‬
‫بأن مصمم هذا الك‪##‬ون الب‪##‬ديع يحم‪##‬ل كتاب‪##‬ه المق‪##‬دس تل‪##‬ك الخراف‪##‬ات المتناقض‪##‬ة م‪##‬ع‬
‫علمه‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬أجل‪ ..‬فحدثنا‪ #‬عن العقبة الثالثة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬العقبة الثالثة هي أيضا وليدة العقبة األولى‪ ..‬فالفض‪##‬ول ال‪##‬ذي ج‪##‬ر‬

‫‪ )(1‬مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (‪)1/71‬‬


‫‪ )(2‬مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (‪)1/72‬‬
‫‪ )(3‬نونية القحطاني (ص ‪)32‬‬
‫‪522‬‬
‫المس‪##‬لمين إلى س‪##‬ؤال اليه‪##‬ود والنص‪##‬ارى‪ #‬عن تفس‪##‬ير كت‪##‬ابهم ه‪##‬و ال‪##‬ذي ج‪##‬رهم إلى‬
‫اس‪##‬تعمال الكش‪##‬ف واإلله‪##‬ام والح‪##‬دس وغيره‪##‬ا وس‪##‬يلة للتع‪##‬رف على م‪##‬ا لم ي‪##‬أذن هللا‬
‫لعقولهم بعلمه لعدم حاجتهم إليه‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬أرى أنك تقصد تلك التفسيرات التي وردت في كتب الصوفية‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬معاذ هللا أن أعمم أحكامي‪ ..‬فقد يكون فيه‪##‬ا من اإلش‪##‬ارات النافع‪##‬ة‬
‫الص‪##‬الحة م‪##‬ا ال يمكن رده‪ ،‬ب‪##‬ل يمكن اعتب‪##‬اره من المص‪##‬اديق‪ #‬الص‪##‬حيحة‪ ،‬أو من‬
‫األعماق التي ال حرج على المتدبر أن يفهمها‪ ..‬لكني أقص‪##‬د تل‪##‬ك األوه‪##‬ام‪ #‬المتس‪##‬ربة‬
‫ع‪###‬بر الكش‪###‬ف واإلله‪###‬ام‪ ،‬وال‪###‬تي ت‪###‬وهم أص‪###‬حابهم‪ #‬أنهم أدرك‪###‬وا حق‪###‬ائق األك‪###‬وان‬
‫والموجودات‪ ،‬وهم في حقيقتها لم يزيدوا‪ #‬جهلهم بها إال رسوخا‪#.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬فم‪##‬ع أني كنت ال أؤمن بتل‪##‬ك الخراف‪##‬ات المروي‪##‬ة عن‬
‫كعب األحبار‪ #‬ووهب بن منبه وغيرهما إال أني ـ ونتيج‪##‬ة تعلقي بالس‪##‬لوك ال‪##‬روحي‪ #‬ـ‬
‫وقعت بين يدي من أدخلني في خرافات‪ #‬جديدة ال تقل عن تلك الخرافات التي ذكرها‬
‫كعب وأصحابه‪.‬‬
‫ومن األمثلة عنها ما ورد‪ #‬في تفسير قوله تعالى في شأن إدريس عليه السالم‪:‬‬
‫﴿ َو َرفَ ْعنَاهُ َم َكانًا َعلِيًّا﴾ [م‪##‬ريم‪ ،]57 :‬حيث قرأت فيه‪##‬ا ق‪##‬ول المفس‪##‬ر الص‪##‬وفي‪( #:‬إن ك‪##‬ان‬
‫بمعنى المكانة فهو‪ #‬قربه من هّللا ورتبته في مق‪##‬ام الوالي‪##‬ة من عين الجم‪##‬ع‪ ،‬وإن ك‪##‬ان‬
‫بمعنى المكان فهو‪ #‬الفلك الرابع الذي هو مق ّر عيسى عليه السالم لم‪##‬ا ذك‪##‬ر من كون‪##‬ه‬
‫مركز روحه في األصل والمبدأ‪ #‬األول لفيضانه إذا ف‪##‬اض عن مح‪##‬رك فل‪##‬ك الش‪##‬مس‬
‫ومعشوقه) (‪ .. )1‬وبذلك لم أخرج من الخرافات اإلسرائيلية إلى اليقين القرآني‪ ،‬وإنما‬
‫إلى خرافات جديدة‪ ،‬ال تقل عنها‪ ،‬بل قد تفوقها‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أنا‪ ..‬فقد كنت في تفسير اآليات الكريمة التي ورد فيه‪##‬ا ذك‪##‬ر‬
‫السماء أذكر لهم ما قاله أصحاب الكشف عنه‪##‬ا‪ ،‬ومنه‪##‬ا ق‪##‬ول بعض‪##‬هم ـ متح‪##‬دثا عن‬
‫كشوفه المرتبطة بالسماء ـ‪( :‬اعلم أن هّللا تع‪##‬الى ق‪##‬د خل‪##‬ق جمي‪##‬ع األرزاق واألق‪##‬وات‬
‫المتنوّع‪##‬ة في أربع‪##‬ة أي‪##‬ام‪ ،‬وجعله‪##‬ا بين الس‪##‬ماء واألرض مخزون‪##‬ة في قلب أربع‪##‬ة‬
‫أفالك‪ :‬الفل‪##‬ك األول فل‪##‬ك الح‪##‬رارة‪ ،‬الفل‪##‬ك الث‪##‬اني فل‪##‬ك اليبوس‪##‬ة‪ ،‬الفل‪##‬ك الث‪##‬الث فل‪##‬ك‬
‫البرودة‪ ،‬الفلك الرابع فلك الرطوبة‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وقَ َّد َ‪#‬ر فِيهَا أَ ْق َواتَهَ‪#‬ا‪ #‬فِي‬
‫أَرْ بَ َع ِة أَي ٍَّام َس َوا ًء لِلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت‪ ]10 :‬يعني بحكم التسوية على ق‪##‬در الس‪##‬ؤال ال‪##‬ذاتي‪،‬‬
‫ألن الحقائق تسأل بذاتها ما تقتضيه كلما اقتضت حقيقة من حقائق المخلوق‪##‬ات ش‪##‬يئا‬
‫﴿وإِ ْن ِم ْن َش‪ْ #‬ي ٍء‬‫نزل لها من تلك الخزائن على قدر‪ #‬سؤالها‪ ،‬وهذا معنى قوله تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫‪#‬وم﴾ [الحج‪##‬ر‪ ،]21 :‬ثم جع‪##‬ل مالئك‪##‬ة اإلن‪##‬زال‬ ‫َر َم ْعلُ‪ٍ #‬‬
‫إِاَّل ِع ْن َدنَا خَزَ ائِنُهُ َو َم‪##‬ا نُن َِّزلُ‪#‬هُ إِاَّل بِقَ‪#‬د ٍ‬
‫الموكلة بإيصال كل رزق إلى مرزوقه في السبع السموات‪ ،‬ثم جع‪##‬ل في ك‪##‬ل س‪##‬ماء‬
‫ملك‪##‬ا يحكم على من فيه‪#‬ا من مالئك‪##‬ة األرزاق يس‪##‬مى مل‪#‬ك الح‪##‬وادث‪ ،‬وجع‪##‬ل ل‪#‬ذلك‬
‫الملك روحانية الكواكب الموجودة في تل‪##‬ك الس‪##‬ماء‪ ،‬فال ي‪##‬نزل من الس‪##‬ماء مل‪##‬ك من‬
‫‪ )(1‬تفسير ابن عربى (تأويالت عبد الرزاق) ‪.2/11‬‬
‫‪523‬‬
‫مالئكة األرزاق‪ #‬إال بإذن ذل‪##‬ك المل‪##‬ك المخل‪##‬وق‪ #‬على روحاني‪##‬ة ك‪##‬وكب تل‪##‬ك الس‪##‬ماء‪،‬‬
‫فكوكب سماء الدنيا القمر‪ ،‬وكوكب السماء الثاني‪##‬ة عط‪##‬ارد‪ ،‬وك‪##‬وكب‪ #‬الس‪##‬ماء الثالث‪##‬ة‬
‫الزهرة‪ ،‬وكوكب السماء الرابعة الشمس‪ ،‬وكوكب السماء الخامسة المريخ‪ ،‬وكوكب‬
‫السماء السادسة المشتري‪ ،‬وكوكب‪ #‬السماء السابعة زحل)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا َس‪َ ##‬وا ٌء‬
‫َعلَ ْي ِه ْم أَأَ ْن َذرْ تَهُ ْم أَ ْم لَ ْم تُ ْن‪ِ #‬ذرْ هُْ‪#‬م اَل ي ُْؤ ِمنُ‪##‬ونَ خَ تَ َم هَّللا ُ َعلَى قُلُ‪##‬وبِ ِه ْم َو َعلَى َس ‪ْ #‬م ِع ِه ْم َو َعلَى‬
‫َظي ٌم﴾ [البق‪###‬رة‪ ،]7-6 :‬وال‪##‬تي ال تحت‪##‬اج أي تأوي‪##‬ل‬ ‫ار ِه ْم ِغ َش‪##‬ا َوةٌ َولَهُ ْم عَ‪َ ##‬ذابٌ ع ِ‬ ‫ْص‪ِ ##‬‬ ‫أَب َ‬
‫لوض‪##‬وحها‪ ،‬لكنهم يغرب‪##‬ون في تأويله‪##‬ا‪ ،‬حيث يق‪##‬ول أح‪##‬دهم‪( :‬ي‪##‬ا مح ّم‪##‬د ﴿إِ َّن الَّ ِذينَ‬
‫َكفَرُوا﴾ ستروا محبتهم ف ّي عنهم ﴿ َسوا ٌء َعلَ ْي ِه ْم أَ أَ ْن َذرْ تَهُ ْم﴾ بوعيدك ال‪##‬ذي أرس‪##‬لتك ب‪##‬ه‬
‫﴿أَ ْم لَ ْم تُ ْن ِذرْ هُ ْم ال ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ بكالمك فإنّهم ال يعقلون غيري‪ ،‬وأنت تنذرهم بخلقي وهم‬
‫ما عقلوه وال شاهدوه‪ ،‬وكيف يؤمنون ب‪##‬ك وق‪##‬د ختمت على قل‪##‬وبهم‪ ،‬فلم أجع‪##‬ل فيه‪##‬ا‬
‫متّس‪###‬عا لغ‪###‬يري‪ .‬وعلى س‪###‬معهم‪ ،‬فال يس‪###‬معون‪ ،‬كالم‪###‬ا في الع‪###‬الم إاّل منّي‪ ،‬وعلى‬
‫أبص‪##‬ارهم غش‪##‬اوة من به‪##‬ائي عن‪##‬د مش‪##‬اهدتي‪ ،‬فال يبص‪##‬رون س‪##‬واي‪ ،‬ولهم ع‪##‬ذاب‬
‫عندي‪ ،‬أر ّدهم بعد هذا المشهد السن ّي إلى إنذارك‪ ،‬وأحجبهم عنّي كما فعلت ب‪##‬ك بع‪##‬د‬
‫قاب قوس‪##‬ين أو أدنى قرب‪##‬ا‪ ،‬أنزلت‪##‬ك إلى من يك‪#ّ #‬ذبك وي‪##‬ر ّ‪#‬د م‪##‬ا جئت ب‪##‬ه إلي‪##‬ه منّي في‬
‫وجه‪##‬ك‪ ،‬وتس‪##‬مع في م‪##‬ا يض‪##‬يق‪ #‬ل‪##‬ه ص‪##‬درك‪ ،‬ف‪##‬أين ذل‪##‬ك الش‪##‬رح ال‪##‬ذي ش‪##‬اهدته في‬
‫إسرائك‪ ..‬فهك‪##‬ذا أمن‪##‬ائي على خلقي ال‪##‬ذين أخفيتهم رض‪##‬اي‪ #‬عنهم‪ ،‬فال أس‪##‬خط عليهم‬
‫أبدا) (‪)2‬‬
‫ثم علق على هذا بقوله‪( :‬انظر كيف أخفى سبحانه أولي‪##‬اءه في ص‪##‬فة أعدائ‪##‬ه‪،‬‬
‫وذل‪##‬ك لم‪#‬ا أب‪#‬دع األمن‪#‬اء من اس‪##‬مه اللطي‪#‬ف‪ ،‬وتجلّى لهم في اس‪##‬مه الجمي‪#‬ل ف‪#‬أخبوه‪،‬‬
‫والغيرة من صفات المحبّة في المحبوب والمحبّ ‪ ،‬فستروا‪ #‬محبّته غيرة منهم علي‪##‬ه‪..‬‬
‫و سترهم بهذه الغيرة عن أن يعرفوا‪ #،‬فقال تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَرُوا﴾ أي‪ :‬س‪##‬تروا‪ #‬م‪##‬ا‬
‫بدا لهم في مشاهدتهم من أسرار الوصلة‪ ،‬فقال‪ :‬ال ب ّد أن أحجبكم عن ذاتي بصفاتي‪،‬‬
‫فتأهّبوا‪ #‬لذلك فما استع ّدوا‪ ،‬فأن‪##‬ذرتهم‪ #‬على ألس‪##‬نة أنبي‪##‬ائي الرس‪##‬ل في ذل‪##‬ك الع‪##‬الم فم‪##‬ا‬
‫عرف‪##‬وا‪ ،‬ألنّهم في عين الجم‪##‬ع‪ ،‬وخ‪##‬اطبهم من عين التفرق‪##‬ة‪ ،‬وهم م‪##‬ا عرف‪##‬وا ع‪##‬الم‬
‫ق‬ ‫التفصيل فلم يستع ّدوا‪ ،‬وكان الحبّ قد استولى على قلوبهم‪ #‬سلطانه؛ غ‪##‬يرة من الح ‪ّ #‬‬
‫عليهم في ذلك الوقت‪ ،‬فأخبر‪ #‬نبيّه بالسبب الذي أص ّمهم على إجاب‪##‬ة م‪##‬ا دع‪##‬اهم إلي‪#‬ه‪،‬‬
‫فق‪##‬ال‪﴿ :‬خَ تَ َم هَّللا ُ عَلى قُلُ‪##‬وبِ ِه ْم﴾ فلم يس‪#‬عها غ‪##‬يره ﴿وعَلى َس‪ْ #‬م ِع ِه ْم﴾ فال يس‪#‬معون س‪##‬وى‬
‫ْصار ِه ْ‪#‬م ِغشا َوةٌ﴾ من سناه إذ هو النور‪ ،‬وبهائه إذ له الجالل والهيبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كالمه ﴿وعَلى أَب‬
‫فأبق‪##‬اهم غ‪##‬رقى في بح‪##‬ور الل‪#ّ #‬ذات بمش‪##‬اهدة ال‪##‬ذات‪ ،‬فق‪##‬ال لهم‪ :‬ال ب‪ّ #‬د لكم من ع‪##‬ذاب‬
‫عظيم‪ ،‬فما فهموا‪ #‬ما العذاب؛ التّحاد الصفة عندهم‪ ،‬فأوجد لهم عالم الكون والفس‪##‬اد‪،‬‬
‫وحينئذ‪ #‬علّمهم جميع األسماء‪ ،‬وأنزلهم على العرش الرحم‪##‬ان ّي‪ ،‬وفي‪##‬ه ع‪##‬ذابهم‪ ،‬وق‪##‬د‬
‫‪ )(1‬اإلنسان الكامل‪ ،‬ص‪.231‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪ :‬الفتوحات المكية ‪ 115 :1‬ـ ‪.117‬‬
‫‪524‬‬
‫كانوا مخبوئين عنده في خزائن غيوبه‪ ،‬فل ّما أبصرتهم المالئك‪##‬ة خ ‪#‬رّت س‪##‬جودا لهم‪،‬‬
‫فعلّموهم‪ #‬األسماء‪ ..‬فأ ّما أبو زيد فلم يستطع االستواء وال أطاق الع‪##‬ذاب‪ ،‬فص‪##‬عق من‬
‫حين‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال تع‪##‬الى‪ :‬ر ّدوا عل ّي حبي‪##‬بي‪ ،‬فإنّ‪##‬ه ال ص‪##‬بر ل‪##‬ه ع‪##‬ن ّي‪ ،‬فحجب بالش‪##‬وق‬
‫والمخاطب‪##‬ة‪ ،‬وبقي الكفّ‪##‬ار‪ ،‬ف‪##‬نزلوا‪ #‬من الع‪##‬رش إلى الكرس‪##‬ي‪ ،‬فب‪##‬دت لهم الق‪##‬دمان‪،‬‬
‫فنزلوا‪ #‬عليهما في الثلث الباقي من ليلة هذه النشأة الجسميّة إلى سماء ال‪##‬دنيا النفس‪##‬ي‪،‬‬
‫فخاطبوا أهل الثقل الذين ال يقدرون على الع‪##‬روج‪ :‬ه‪##‬ل من داع فيس‪##‬تجاب ل‪##‬ه؟ ه‪##‬ل‬
‫من تائب فيتاب عليه؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتّى ينصدع الفج‪##‬ر‪ ،‬ف‪##‬إذا انص‪##‬دع‬
‫ظهر الروح العقلي النوري‪ ،‬فرجعوا من حيث جاءوا)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أورد في تفسير ما ورد‪ #‬في القرآن الك‪##‬ريم من‬
‫قصة نوح عليه السالم ما ذكره ابن عربي في تفسيرها‪ ،‬فقد قال‪( :‬لو أن نوحا ً علي‪##‬ه‬
‫السالم جمع لقومه بين الدعوتين ألجابوه‪ :‬فدعاهم جهاراً ثم دع‪##‬اهم إس‪##‬راراً‪ ،‬ثم ق‪#‬ال‬
‫لهم‪ ﴿ :‬ا ْستَ ْغفِرُوا‪َ #‬ربَّ ُك ْم إِنَّهُ َكانَ َغفَّارًا﴾ [ن‪##‬وح‪ ،]10 :‬وقال‪َ ﴿ :‬دعَ‪#‬وْ ُ‬
‫ت قَ‪#‬وْ ِمي‪ #‬لَ ْياًل َونَهَ‪#‬ا ًرا‪#‬‬
‫فَلَ ْم يَ ِز ْدهُ ْم ُدعَائِي إِاَّل فِ َرارًا﴾ [ن‪##‬وح‪ #،]6-5 :‬وذكر‪ #‬عن قومه أنهم تص‪##‬امموا‪ #‬عن دعوت‪##‬ه‬
‫لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته؛ فعلم العلماء باهَّلل م‪##‬ا أش‪##‬ار إلي‪#‬ه ن‪#‬وح علي‪#‬ه‬
‫السالم في حق قومه من الثناء عليهم بلس‪##‬ان ال‪##‬ذم‪ ،‬وعلم أنهم إنم‪##‬ا لم يجيب‪##‬وا دعوت‪##‬ه‬
‫لما فيه‪#‬ا من الفرق‪#‬ان‪ ،‬واألم‪##‬ر ق‪##‬رآن ال فرق‪##‬ان‪ ،‬ومن أقيم في الق‪#‬رآن ال يص‪##‬غي إلى‬
‫الفرقان وإن كان فيه؛ ف‪##‬إن الق‪##‬رآن يتض‪##‬من الفرق‪##‬ان‪ ،‬والفرق‪##‬ان ال يتض‪##‬من الق‪##‬رآن‪،‬‬
‫وله‪##‬ذا م‪##‬ا اختص ب‪##‬القرآن إال محم‪##‬د ‪ ‬وه‪##‬ذه األم‪##‬ة ال‪##‬تي هي خ‪##‬ير أم‪##‬ة أخ‪##‬رجت‬
‫ْس َك ِم ْثلِ ِه َش ْي ٌء ﴾ [الشورى‪ ]11 :‬يجمع األمرين في أمرواحد؛ فلو أن نوحا ً‬ ‫للناس؛ فـ ﴿ لَي َ‬
‫يأتي بمثل هذه اآلية لفظا ً أجابوه‪ ،‬فإنه شبَّهَ ون َّزهَ في آية واحدة‪ ،‬ب‪##‬ل في نص‪##‬ف آي‪##‬ة)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهكذا أصبح ـ بحسب هذا التفسير ـ المعاتب ه‪##‬و ن‪##‬وح علي‪##‬ه الس‪##‬الم‪ ،‬ب‪##‬ل هللا‬
‫تعالى ألنه لم ينزل على نوح تلك اآلية الكريمة‪ ،‬ولو أنه أنزلها لما تعنت ق‪#‬وم‪ #‬ن‪#‬وح‪،‬‬
‫ولما نزل عليهم العذاب‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أنا‪ ..‬فقد كنت على الرغم من تعجبي مما طرحه في تفس‪##‬يره‬
‫لآليات الكريمة إال أني كنت ـ وبسبب اعتقادي لكونه ختم األولياء ولسانهم‪ #‬ـ أستقبل‬
‫كل ما يذكره مهما كان غريبا ومنفصال عن ظاهر القرآن الكريم‪ ..‬اسمعوا‪ #‬ما يقول‪##‬ه‬
‫معاتبا نوحا عليه السالم‪ ،‬ومنهجه في دعوة قومه‪( :‬ونوح دعا قومه (لَ ْياًل ) من حيث‬
‫(ونَه‪##‬اراً) دع‪##‬اهم أيض‪#‬ا ً من حيث ظ‪##‬اهر ص‪##‬ورهم‪#‬‬ ‫عقولهم وروحانيتهم فإنها‪ #‬غيب‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫و ِحسِّهم‪ ،‬وما جمع في الدعوة مثل (لَي َ‬
‫ْس َك ِمثلِ ِه شيء) فنفرت بواطنهم‪ #‬له‪##‬ذا الفرق‪##‬ان‬
‫فزادهم‪ #‬فراراً‪ ،‬ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغف‪##‬ر لهم‪ ،‬ال ليكش‪##‬ف لهم‪ ،‬وفهم‪##‬وا‪ #‬ذل‪##‬ك‬
‫‪ )(1‬انظر‪ :‬الفتوحات المكية ‪ 115 :1‬ـ ‪.117‬‬
‫‪ )(2‬فصوص الحكم‪.1/71‬‬
‫‪525‬‬
‫(ج َعلُوا أَصابِ َعهُْ‪#‬م فِي آذانِ ِه ْم وا ْستَ ْغ َشوْ ا ثِيابَهُ ْم) وهذه كلها صورة الس‪#‬تر‬ ‫منه ‪ ‬لذلك َ‬
‫ْ‬
‫ْس َك ِمثلِ‪ِ #‬ه ش‪##‬يء) إثب‪##‬ات‬ ‫التي دعاهم إليه‪##‬ا فأج‪##‬ابوا دعوت‪##‬ه بالفع‪##‬ل ال بلبي‪##‬ك؛ ففي (لَي َ‬
‫المثل ونفيه‪ ،‬وبهذا قال عن نفسه ‪ ‬إنه أوتي جوامع الكلم؛ فما دعا محمد ‪ ‬ق َومه‬
‫لياًل ونهاراً‪ ،‬بل دعاهم لياًل في نهار ونه‪##‬اراً في لي‪##‬ل‪ .‬فق‪##‬ال ن‪##‬وح في حكمت‪##‬ه لقوم‪##‬ه‪:‬‬
‫﴿يُرْ ِس ِل ال َّس َما َء َعلَ ْي ُك ْم ِم ْد َرا ًرا‪[ ﴾#‬ن‪##‬وح‪ ]11 :‬وهي المعارف العقلي‪##‬ة في المع‪##‬اني والنظ‪#‬ر‪#‬‬
‫االعتباري‪َ ﴿ ،‬ويُ ْم ِد ْد ُك ْم بِ‪##‬أ َ ْم َوا ٍل﴾ [ن‪##‬وح‪ )]12 :‬أي بم‪##‬ا يمي‪##‬ل بكم إلي‪##‬ه ف‪##‬إذا م‪##‬ال بكم إلي‪##‬ه‬
‫رأيتم صورتكم فيه؛ فمن تخيل منكم أنه رآه فما ع‪##‬رف‪ ،‬ومن ع‪##‬رف منكم أن‪##‬ه رأى‬
‫(و َولَ ُدهُ) وه‪##‬و م‪##‬ا أنتج‪##‬ه‬ ‫نفسه فهو العارف؛ فلهذا انقسم الناس إلى عالِم وغير عالِم‪َ ،‬‬
‫لهم نظرهم الفكري‪ ،‬واألمر‪ #‬موقوف‪ #‬علمه على المشاهدة بعيد عن نت‪##‬ائج الفك‪##‬ر (إِاَّل‬
‫خَساراً‪ ،‬فما ربحت تجارتهم) فزال عنهم ما كان في أيديهم مم‪##‬ا ك‪##‬انوا يتخيل‪##‬ون أن‪##‬ه‬
‫ملك لهم‪ :‬وهو في المحمديِّين ﴿ َوأَ ْنفِقُ‪##‬وا ِم َّما َج َعلَ ُك ْم ُم ْس‪#‬ت َْخلَفِينَ فِي‪ِ #‬ه ﴾ [الحدي‪##‬د‪ ،]7 :‬وفي‪#‬‬
‫نوح (﴿أَاَّل تَتَّ ِخ‪ُ #‬ذوا ِم ْن دُونِي َو ِكياًل ﴾ [اإلس‪##‬راء‪ )]2 :‬ف‪##‬أثبت ال ُم ْل‪##‬كَ لهم والوكال‪##‬ة هَّلل فيهم‪.‬‬
‫فهم مس‪##‬تخلفون في‪##‬ه؛ فالمل‪##‬ك هَّلل وه‪##‬و وكيلهم‪ ،‬فالمل‪##‬ك لهم وذل‪##‬ك مل‪##‬ك االس‪##‬تخالف‪،‬‬
‫وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أورد في تفسير ما ورد‪ #‬في القرآن الك‪##‬ريم من‬
‫قصة موسى وهارون عليهم‪##‬ا الس‪##‬الم م‪##‬ا ذك‪##‬ره ابن ع‪##‬ربي في تفس‪##‬يرها‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪:‬‬
‫(اعلم أن وجود‪ #‬هارون عليه السالم كان من حضرة الرحموت بقوله تعالى ﴿ َو َوهَ ْبنَا‬
‫لَهُ ِم ْن َرحْ َمتِنَا﴾ [مريم‪ ]53 :‬يعني لموسى (أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا)‪ ،‬فكانت نبوت‪##‬ه من حض‪##‬رة‬
‫الرحموت فإنه أكبر من موسى‪ِ #‬سنّا‪ ،‬وكان موسى‪ #‬أكبر من‪#‬ه نب‪َّ #‬وة‪ ،‬ولم‪#‬ا ك‪#‬انت نب‪َّ #‬وة‬
‫هارون من حضرة الرحمة‪ ،‬لذلك قال ألخيه موسى‪ #‬عليهما السالم (يَ‪##‬ا ْبنَ أُ َّم) فن‪##‬اداه‬
‫بأمه ال بأبيه إذ كانت الرحمة لألم دون األب أوفر‪ #‬في الحكم‪ ،‬ولوال تلك الرحم‪##‬ة م‪##‬ا‬
‫‪#‬ذ بِلِحْ يَتِي َواَل بِ َر ْأ ِس‪#‬ي﴾ [ط‪##‬ه‪ ]94 :‬و﴿اَل‬
‫صبرت على مباشرة التربي‪#‬ة‪ ،‬ثم ق‪#‬ال ﴿ اَل تَأْ ُخ‪ْ #‬‬
‫ت بِ َي اأْل َ ْعدَا َء﴾ [األع‪##‬راف‪ ،)]150 :‬فهذا كله نَفَسٌ من أنف‪##‬اس الرحم‪##‬ة‪ ،‬وس‪##‬بب ذل‪##‬ك‬ ‫تُ ْش ِم ْ‬
‫عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من األلواح ال‪#‬تي ألقاه‪#‬ا من يدي‪#‬ه‪ ،‬فل‪#‬و نظ‪#‬ر‬
‫فيها نظر تثبت لوجد فيها اله‪##‬دى والرحم‪##‬ة‪ ،‬فاله‪##‬دى‪ #‬بي‪##‬ان م‪##‬ا وق‪##‬ع من األم‪##‬ر ال‪##‬ذي‬
‫أغضبه مما هو هارون بريء منه‪ ،‬والرحمة بأخيه‪ ،‬فكان ال يأخذ بلحيته بمرأى من‬
‫قومه مع كبره وأنه أس‪#‬ن من‪##‬ه‪ ،‬فك‪##‬ان ذل‪##‬ك من ه‪##‬ارون ش‪##‬فقة على موس‪#‬ى‪ #‬ألن نب‪##‬وة‬
‫هارون من رحمة هَّللا ‪ ،‬فال يصدر‪ #‬منه إال مثل ه‪#‬ذا‪ ،‬ثم ق‪#‬ال ه‪#‬ارون لموس‪#‬ى‪ #‬عليهم‪#‬ا‬
‫ول فَ‪َّ #‬ر ْقتَ بَ ْينَ بَنِي إِ ْس‪َ #‬رائِ َ‬
‫يل َولَ ْم تَ‪##‬رْ قُبْ قَ‪##‬وْ لِي﴾ [ط‪##‬ه‪]94 :‬؛‬ ‫يت أَ ْن تَقُ َ‬
‫السالم‪ ﴿ :‬إِنِّي َخ ِش ُ‬
‫فتجعلني‪ #‬سببا ً في تفريقهم؛ فإن عبادة العجل فرقت بينهم‪ ،‬فكان منهم من عبده اتباعا ً‬
‫للسامري‪ #‬وتقليداً له‪ ،‬ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيس‪##‬ألونه‬
‫في ذلك‪ ،‬فخشي‪ #‬هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه‪ ،‬فكان موس‪##‬ى أعلم ب‪##‬األمر‬
‫‪ )(1‬فصوص الحكم‪.1/72‬‬
‫‪526‬‬
‫من هارون ألنه علم ما عبده أصحاب العجل‪ ،‬لعلم‪##‬ه ب‪##‬أن هَّللا ق‪##‬د قض‪#‬ى‪ #‬أاَّل يُ ْعبَ‪##‬د إال‬
‫إياه‪ :‬وما حكم هَّللا بشيء إال وقع‪ ،‬فكان عتب موسى أخاه هارون لِ َما وق‪##‬ع األم‪##‬ر في‬
‫إنكاره وعدم اتساعه‪ ،‬فإن العارف من يرى الحق في كل شيء‪ ،‬بل يراه ك‪##‬ل ش‪##‬يء‪،‬‬
‫فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن‪ ،‬ولذا لما قال ل‪##‬ه‬
‫خَطبُ‪##‬كَ ي‪##‬ا س‪##‬ا ِم ِريُّ ) يع‪##‬ني فيم‪##‬ا‬ ‫هارون ما قال‪ ،‬رج‪##‬ع إلى الس‪##‬امري‪ #‬فق‪##‬ال ل‪##‬ه (فَم‪##‬ا ْ‬
‫صنعت من عدولك إلى صورة العجل على االختص‪##‬اص‪ ،‬وص‪##‬نعك‪ #‬ه‪##‬ذا الش‪##‬بح من‬
‫حلي القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم‪ ،‬فإن عيسى يقول لبني إس‪##‬رائيل (ي‪##‬ا‬
‫بني إسرائيل قلب كل إنسان حيث ماله‪ ،‬فاجعلوا‪ #‬أموالكم في الس‪##‬ماء تكن قل‪##‬وبكم‪ #‬في‬
‫السماء‪ ،‬وم‪##‬ا س‪##‬مي الم‪##‬ال م‪#‬ااًل إال لكون‪##‬ه بال‪##‬ذات تمي‪##‬ل القل‪##‬وب إلي‪##‬ه بالعب‪##‬ادة‪ ،‬فه‪##‬و‬
‫المقصود األعظم المعظم في القلوب لما فيها من االفتقار إليه‪ ،‬وليس للص‪##‬ور‪ #‬بق‪##‬اء‪،‬‬
‫فال بد من ذهاب صورة العجل ل‪##‬و لم يس‪##‬تعجل موس‪##‬ى بحرق‪##‬ه‪ ،‬فغلبت علي‪##‬ه الغ‪##‬يرة‬
‫ك) فس‪#‬ماه‬ ‫فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في الي ِّم نسفاً‪ ،‬وق‪#‬ال‪ #‬ل‪#‬ه (ا ْنظُ‪#‬رْ إِلى إِل ِه‪َ #‬‬
‫إله ‪#‬ا ً بطري‪##‬ق التنبي‪##‬ه للتعليم‪ ،‬لم‪##‬ا علم أن‪##‬ه بعض المج‪##‬الي اإللهي‪##‬ة‪( :‬لَنُ َحرِّ قَنَّهُ) ف‪##‬إن‬
‫حيوانية اإلنسان لها التصرف في حيوانية الحيوان لك‪##‬ون هَّللا س‪##‬خرها لإلنس‪##‬ان‪ ،‬وال‬
‫سيما وأصله ليس من حيوان‪ ،‬فكان أعظم في التسخير ألن غير الحيوان ما له إرادة‬
‫بل هو بحكم من يتصرف فيه من غير إبائه‪ ،‬وأم‪##‬ا الحي‪##‬وان فه‪##‬و ذو إرادة وغ‪##‬رض‬
‫فقد يقع منه اإلباءة في بعض التصريف‪ #:‬فإن ك‪##‬ان في‪##‬ه ق‪##‬وة إظه‪##‬ار ذل‪##‬ك ظه‪##‬ر من‪##‬ه‬
‫غرض الحي‪##‬وان‬ ‫َ‬ ‫الجموح لما يريده منه اإلنسان وإن لم يكن له هذه القوة أو يصادف‬
‫انقاد مذلَّاًل لما يريده منه‪ ،‬كما ينقاد مثلُهُ ألمر فيما رفعه هَّللا به من أجل الم‪##‬ال ال‪##‬ذي‬
‫ْض‪#‬هُ ْم فَ‪##‬وْ َ‪#‬‬
‫ق‬ ‫(و َرفَعْن‪##‬ا بَع َ‬
‫يرجوه منه المعبَّر عنه في بعض األحوال باألجْ رة في قول‪##‬ه َ‬
‫ْض‪#‬هُ ْم بَعْض‪#‬ا ً ُس‪ْ #‬خ ِريًّا)‪ ،‬فم‪##‬ا يس‪##‬خر ل‪##‬ه من ه‪##‬و مثل‪##‬ه إال من‬ ‫ت لِيَتَّ ِخ‪َ #‬ذ بَع ُ‬
‫ْض د ََرجا ٍ‬
‫بَع ٍ‬
‫حيوانيته ال من إنسانيته‪ :‬فإن المثلين ضدان‪ ،‬فيسخره األرف‪##‬ع في المنزل‪##‬ة بالم‪##‬ال أو‬
‫بالج‪##‬اه بإنس‪##‬انيته ويتس‪##‬خر ل‪##‬ه ذل‪##‬ك اآلخ‪##‬ر إم‪##‬ا خوف‪#‬اً‪ #‬أو طمع‪#‬ا ً من حيوانيت‪##‬ه ال من‬
‫إنسانيته‪ :‬فما تس‪##‬خر ل‪##‬ه َم ْن ه‪##‬و مثل‪##‬ه أ ال ت‪##‬رى م‪##‬ا بين البه‪##‬ائم من التح‪##‬ريش ألنه‪##‬ا‬
‫أمثال؟ فالمثالن ضدان‪ ،‬ولذلك قال ورفع بعضكم‪ #‬فوق بعض درجات‪ :‬فما ه‪##‬و مع‪##‬ه‬
‫في درجته‪ ،‬فوقع التسخير من أجل الدرجات)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أنا‪ ..‬فقد كنت أذك‪#‬ر قول‪##‬ه في س‪##‬بب ع‪#‬دم قي‪#‬ام ه‪##‬ارون علي‪#‬ه‬
‫السالم بحرق عج‪##‬ل الس‪##‬امري‪( :‬فك‪##‬ان ع‪##‬دم ق‪##‬وة إرداع ه‪##‬ارون بالفع‪##‬ل أن ينف‪##‬ذ في‬
‫أصحاب العجل بالتسليط‪ #‬على العجل كم‪##‬ا ُس‪#‬لِّط موس‪##‬ى علي‪##‬ه‪ ،‬حكم‪#‬ةً من هَّللا تع‪##‬الى‬
‫ظاهرة في الوجود ليُ ْعبَد في كل صورة‪ ،‬وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك فما ذهبت‬
‫إال بعد ما تلبست عند عابدها باأللوهية‪ ،‬ولهذا ما بقي نوع من األنواع إال وعبد إم‪##‬ا‬
‫عبادة تأله وإما عبادة تسخير‪ ،‬فال بد من ذلك لمن عقل‪ ،‬وما عبد شيء من العالم إال‬
‫بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور‪ #‬بالدرج‪##‬ة في قلب‪##‬ه‪ ،‬ول‪##‬ذلك تس‪##‬مى الح‪##‬ق لن‪##‬ا‬
‫‪ )(1‬فصوص الحكم‪.1/192‬‬
‫‪527‬‬
‫برفيع‪ #‬الدرجات‪ ،‬ولم يقل رفيع الدرجة‪ ،‬فكثَّر الدرجات في عين واحدة‪ ،‬فإن‪##‬ه قض ‪#‬ى‪#‬‬
‫أاَّل يعبد إال إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت ك‪##‬ل درج‪##‬ة مجلى إلهي‪#‬ا ً ُعبِ‪َ #‬د فيه‪##‬ا‪،‬‬
‫ن اتَّخَ َذ إِلَهَهُ ه ََواهُ﴾ [الجاثي‪##‬ة‪:‬‬ ‫وأعظم مجلى ُعبِ َد فيه وأعاله (الهوى) كما قال ﴿أَفَ َرأَيْتَ َم ِ‬
‫‪ ]23‬وهو أعظم معبود‪ ،‬فإنه ال يعبد شيء إال به‪ ،‬وال يعبد هو إال بذاته)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر الت‪##‬بريرات المختلف‪##‬ة ال‪##‬تي ذكره‪##‬ا لعب‪##‬دة‬
‫العجل وغيره‪ ،‬فقد قال‪( :‬أال ترى علم هَّللا باألشياء ما أكمل‪##‬ه‪ ،‬كي‪##‬ف تمم في ح‪##‬ق من‬
‫ضلَّهُ هَّللا ُ عَلى ِع ْل ٍم﴾‪ ..‬والضاللة الحيرة‪ :‬وذلك أنه لم‪##‬ا‬ ‫﴿وأَ َ‬‫عبد هواه واتخذه إلها ً فقال‪َ :‬‬
‫رأى هذا العابِ َد ما َعبَ َد إال هواه بانقياده لطاعته فيما يأمره به من عبادة من عبده من‬
‫األشخاص‪ ،‬حتى إن عبادته هلل كانت عن ه‪##‬وى أيض‪##‬ا‪ ،‬ألن‪##‬ه ل‪##‬و لم يق‪##‬ع ل‪##‬ه في ذل‪##‬ك‬
‫الجناب المقدس هوى ـ وهو اإلرادة بمحبة ـ ما عبد هللا وال آثره على غيره‪ ،‬وك‪##‬ذلك‬
‫كل من عبد صورة ما من صور‪ #‬العالم واتخذها إلها ما اتخ‪##‬ذها إال ب‪##‬الهوى‪ ،‬فالعاب‪##‬د‬
‫ال يزال تحت سلطان هواه‪ ،‬ثم رأى المعبودات تتنوع في العابدين‪ ،‬فك‪##‬ل عاب‪ٍ #‬د أم‪##‬راً‬
‫ما يكفِّر من يعب‪##‬د س‪##‬واه‪ ،‬وال‪##‬ذي عن‪##‬ده أدنى تنب‪##‬ه يح‪##‬ار التح‪##‬اد اله‪##‬وى‪ ،‬ب‪##‬ل ألحدي‪##‬ة‬
‫ض‪#‬لَّهُ هَّللا ُ) أي حيّ‪##‬ره (عَلى ِع ْل ٍم) ب‪##‬أن ك‪##‬ل‬ ‫(وأَ َ‬
‫الهوى‪ ،‬فإنه عين واحدة في كل عاب‪##‬د‪َ ،‬‬
‫عابد م‪##‬ا عب‪##‬د إال ه‪##‬واه وال اس‪##‬تعبده إال ه‪##‬واه س‪##‬واء ص‪##‬ادف األم‪##‬ر المش‪##‬روع‪ #‬أو لم‬
‫يصادف‪ ،‬والعارف المك َّمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد في‪##‬ه‪ ،‬ول‪##‬ذلك س‪َّ #‬موه‬
‫كلهم إلها ً مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حي‪##‬وان أو إنس‪##‬ان أو ك‪##‬وكب أو مل‪##‬ك‪،‬‬
‫هذا اسم الشخصية فيه‪ ،‬واأللوهية مرتبة تخيل العاب‪##‬د ل‪##‬ه أنه‪##‬ا مرتب‪##‬ة معب‪##‬وده‪ ،‬وهي‬
‫على الحقيق‪##‬ة مجلى الح‪##‬ق لبص‪##‬ر ه‪##‬ذا العاب‪##‬د المعتك‪##‬ف على ه‪##‬ذا المعب‪##‬ود في ه‪##‬ذا‬
‫المجلى المختص‪ ،‬ولهذا قال بعض من عرف مقالة جهالة (﴿ َما نَ ْعبُ ‪ُ #‬دهُ ْم إِاَّل لِيُقَرِّ بُونَ‪##‬ا‬
‫‪#‬ل اآْل لِهَ ‪#‬ةَ إِلَهً‪##‬ا َوا ِح‪ #‬دًا‬ ‫إِلَى هَّللا ِ ُز ْلفَى﴾ [الزمر‪ ]3 :‬مع تسميتهم إياهم آلهة حتى قالوا‪﴿ #‬أَ َج َع‪َ #‬‬
‫إِ َّن هَ َذا لَ َش ْي ٌء ُع َجابٌ ﴾ [ص‪ ،]5 :‬فما أنكروه بل تعجبوا من ذلك‪ ،‬فإنهم وقفوا مع ك‪##‬ثرة‬
‫الصور‪ #‬ونسبة األلوهية لها‪ ،‬فجاء الرسول ودعاهم إلى إله واحد يع ‪َ #‬رفُ وال ي ُْش ‪#‬هَد‪،‬‬
‫بش‪##‬هادتهم أنهم أثبت‪##‬وه عن‪##‬دهم واعتق‪##‬دوه في ق‪##‬ولهم (م‪##‬ا نَ ْعبُ‪ُ #‬دهُ ْم إِاَّل لِيُقَرِّ بُون‪#‬ا‪ #‬إِلَى هَّللا ِ‬
‫ُز ْلفى) لعلمهم ب‪##‬أن تل‪##‬ك الص‪##‬ور حج‪##‬ارة‪ ،‬ول‪##‬ذلك ق‪##‬امت الحج‪##‬ة عليهم بقول‪##‬ه (قُ‪##‬لْ‬
‫َس ُّموهُ ْم)؛ فما يسمونهم‪ #‬إال بما يعلمون أن تل‪##‬ك األس‪##‬ماء لهم حقيق‪##‬ة‪ ،‬وأم‪##‬ا الع‪##‬ارفون‬
‫باألمر على ما هو عليه فيظهرون بصورة اإلنكار لما عبد من الصور‪ #‬ألن مرتبتهم‬
‫في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت لحكم الرسول‪ #‬الذي آمنوا به عليهم الذي ب‪##‬ه‬
‫سموا مؤمنين‪ ،‬فهم عبَّاد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تل‪##‬ك الص‪##‬ور أعيانه‪##‬ا‪،‬‬
‫وج ِهلَه المن ِك‪ُ #‬ر ال‪##‬ذي ال‬ ‫وإنما عبدوا هَّللا فيها لحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم‪َ ،‬‬
‫علم له بما تجلى‪ ،‬ويستره العارف المكمل من ن‪#‬بي ورس‪##‬ول ووارث‪ #‬عنهم‪ ،‬ف‪##‬أمرهم‪#‬‬
‫باالنتزاح عن تلك الصور لما انتزح عنها رس‪#‬ول ال‪#‬وقت اتباع‪#‬ا ً للرس‪#‬ول طمع‪#‬ا ً في‬
‫محب‪##‬ة هَّللا إي‪#‬اهم بقول‪#‬ه (قُ‪##‬لْ إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّونَ هَّللا َ فَ‪#‬اتَّبِعُونِي‪ #‬يُحْ بِ ْب ُك ُم هَّللا ُ)‪ ،‬ف‪#‬دعا إلى إل‪#‬ه‬
‫‪ )(1‬فصوص الحكم‪.1/194‬‬
‫‪528‬‬
‫ك‬‫يُصْ َمد إليه ويُ ْعلَم من حيث الجملة‪ ،‬وال يشهد (وال تُ ْد ِر ُكهُ اأْل َبْصارُ)‪ ،‬بل (هُ‪َ #‬و يُ‪ْ #‬د ِر ُ‬
‫اأْل َبْصا َر) لِلُطفه وسريانه في أعيان األشياء‪ ،‬فال تدركه األبصار كما أنه‪##‬ا ال ت‪##‬درك‬
‫(وه َُو اللَّ ِطيفُ ْال َخبِيرُ) والخ‪##‬برة ذوق‪،‬‬ ‫أروا َحهَا‪ #‬المدبرةَ أشبا َحهَا وصو َرها الظاهرة‪َ ،‬‬
‫والذوق‪ #‬تجل‪ ،‬والتجلي في الصور‪ ،‬فال بد منها والب‪#‬د من‪#‬ه‪ ،‬فال ب‪#‬د أن يعب‪#‬ده من رآه‬
‫بهواه إن فهمت‪ ،‬وعلى هَّللا قصد السبيل)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أورد في تفسير ما ورد‪ #‬في القرآن الك‪##‬ريم من‬
‫قصة موسى وهارون عليهما السالم ما ذكره عبد الكريم الجيلي في كتابه [اإلنس‪##‬ان‬
‫الكام‪##‬ل] في تفس‪##‬ير اآلي‪##‬ات ال‪##‬تي تح‪##‬دثت عن إبليس ورفض‪##‬ه الس‪##‬جود‪ #‬آلدم علي‪##‬ه‬
‫السالم‪ ،‬وقد قدم لذلك بقوله‪( :‬اعلم أن هّللا تعالى لما خل‪##‬ق النفس المحمدي‪##‬ة من ذات‪##‬ه‪،‬‬
‫وذات الحق جامعة للضدين‪ ،‬خلق المالئكة العالين من حيث صفات الجم‪##‬ال والن‪##‬ور‪#‬‬
‫والهدى‪ #‬من نفس محمد ‪ ‬كما سبق بيانه‪ ،‬وخل‪##‬ق إبليس وأتباع‪##‬ه من حيث ص‪##‬فات‬
‫الجالل والظلمة والض‪##‬الل من نفس محم‪##‬د ‪ ،‬وك‪##‬ان اس‪##‬مه عزازي‪##‬ل‪ ،‬ق‪##‬د عب‪##‬د هّللا‬
‫تعالى قبل أن يخلق الخلق بكذا كذا ألف سنة‪ ،‬وكان الحق قد قال ل‪##‬ه‪ :‬ي‪##‬ا عزازي‪##‬ل ال‬
‫تعبد غيري‪ ،‬فلما خلق هّللا آدم عليه السالم وأمر المالئكة بالسجود‪ #‬ل‪##‬ه‪ ،‬التبس األم‪##‬ر‬
‫على إبليس‪ ،‬فظن أنه لو سجد آلدم كان عابدا لغ‪##‬ير هّللا ‪ ،‬ولم يعلم أن من س‪##‬جد ب‪##‬أمر‬
‫فقد سجد هّلل ‪ ،‬فلهذا امتنع‪ ،‬وما سمي إبليس إال لنكتة هذا التلبيس الذي وقع فيه فافهم‪،‬‬
‫وإال فاسمه قبل ذلك عزازيل وكنيته أب‪##‬و م‪#‬رّة؛ فلم‪##‬ا ق‪##‬ال ل‪##‬ه الح‪##‬ق تع‪##‬الى‪﴿ :‬قَ‪َ #‬‬
‫‪#‬ال يَ‪##‬ا‬
‫ي أَ ْس‪#‬تَ ْكبَرْ تَ أَ ْم ُك ْنتَ ِمنَ ْال َع‪##‬الِينَ ﴾ [ص‪،]75 :‬‬ ‫إِ ْبلِيسُ َما َمنَ َعكَ أَ ْن ت َْس‪ُ #‬ج َد لِ َم‪##‬ا َخلَ ْق ُ‬
‫ت بِيَ‪َ #‬د َّ‬
‫والعالون هم المالئكة المخلوقون من النور اإللهي كالملك المس‪##‬مى ب‪##‬النون وأمثال‪##‬ه‪،‬‬
‫وباقي‪ #‬المالئكة مخلوقون من العناصر‪ ،‬وهم المأمورون بالس‪#‬جود‪ #‬آلدم‪ ،‬فق‪##‬ال‪ ﴿ :‬أَنَ‪##‬ا‬
‫ين﴾ [ص‪ ،]76 :‬وه‪##‬ذا الج‪##‬واب ي‪##‬دل على أن‬ ‫‪#‬ار َوخَ لَ ْقتَ ‪#‬هُ ِم ْن ِط ٍ‬ ‫خَ ْي‪ٌ #‬ر ِم ْن‪#‬هُ َخلَ ْقتَنِي ِم ْن نَ‪ٍ #‬‬
‫إبليس من أعلم الخلق بآداب الحضرة وأعرفهم بالس‪#‬ؤال وم‪#‬ا يقتض‪#‬يه من الج‪#‬واب‪،‬‬
‫ألن الحق لم يسأله عن سبب الم‪##‬انع‪ ،‬ول‪##‬و ك‪##‬ان ك‪##‬ذلك لك‪##‬ان ص‪##‬يغة‪ :‬لم‪##‬ا امتنعت أن‬
‫تسجد لما خلقت بي‪##‬دي‪ ،‬ولكن س‪#‬أله عن ماهي‪##‬ة الم‪#‬انع‪ ،‬فتكلم على س‪ّ #‬ر األم‪#‬ر فق‪##‬ال‪:‬‬
‫ألني خير منه‪ ،‬يعني ألن الحقيقة النارية وهي الظلم‪##‬ة الطبيعي‪##‬ة ال‪##‬تي خلقت‪##‬ني منه‪##‬ا‬
‫خير من الحقيقة الطينية التي خلقته منها‪ ،‬فلهذا الس‪##‬بب اقتض‪#‬ى‪ #‬األم‪##‬ر أن ال أس‪##‬جد‪،‬‬
‫ألن النار ال تقتض‪##‬ي بحقيقته‪##‬ا إال العل‪#‬وّ‪ ،‬والطين ال يقتض‪##‬ى بحقيقت‪##‬ه إال الس‪##‬فل؛ أال‬
‫ت‪##‬راك إذا أخ‪##‬ذت الش‪##‬معة فنكس‪##‬ت رأس‪##‬ها إلى تحت ال ترج‪##‬ع اللهب‪##‬ة إال إلى ف‪##‬وق‪،‬‬
‫بخالف الطين فإنك لو أخذت كفا من تراب ورميت به إلى فوق‪ #‬رجع هابط‪##‬ا أس‪##‬رع‬
‫من صعوده لما تقتضيه الحقائق‪ ،‬فلذلك ق‪##‬ال إبليس‪ ﴿ :‬أَنَ‪##‬ا خَ ْي‪ٌ #‬ر ِم ْن‪#‬هُ خَ لَ ْقتَنِي ِم ْن نَ‪ٍ #‬‬
‫‪#‬ار‬
‫َوخَ لَ ْقتَهُ ِم ْن ِطي ٍن﴾ [ص‪ ،]76 :‬ولم يزد على ذلك‪ ،‬لعلمه أن هّللا مطلع على سرّه‪ ،‬ولعلمه‬
‫أن المقام مقام قبض ال مقام بسط‪ ،‬فلو كان مقام بسط لقال بعد ذل‪##‬ك‪ :‬واعتم‪##‬دت على‬
‫ما أمرتني أن ال أعبد غيرك‪ ،‬ولكن لما رأى المح ّل مح ّل عتاب تأ ّدب وعلم من ذل‪#‬ك‬
‫‪ )(1‬فصوص الحكم‪.1/195‬‬
‫‪529‬‬
‫ق من‬ ‫العتاب أن األمر قد التبس عليه في األصل‪ ،‬ألن الحق دعاه بإبليس وه‪##‬و مش‪##‬ت ّ‬
‫االلتباس‪ ،‬ولم يكن يدعى قبل ذلك به‪##‬ذا االس‪##‬م‪ ،‬فتحق‪##‬ق أن األم‪##‬ر مف‪##‬روغ عن‪##‬ه‪ ،‬ولم‬
‫يجزع ولم يندم ولم يتب ولم يطلب المغفرة‪ ،‬لعلمه أن هّللا ال يفع‪##‬ل إال م‪##‬ا يري‪##‬د‪ ،‬وأن‬
‫ما يريده هّللا تعالى هو الذي تقتضيه الحقائق‪ ،‬فال سبيل إلى تغييرها وال إلى تبديلها‪،‬‬
‫ُج ِم ْنهَ‪#‬ا‬ ‫‪#‬اخر ْ‪#‬‬‫فطرده الحق من حضرة القرب إلى حضيض البعد الطبيعي‪ ،‬وق‪#‬ال‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫فَإِنَّكَ َر ِجي ٌم﴾ [ص‪ ]77 :‬أي من الحضرة العلي‪#‬ا إلى المراك‪#‬ز الس‪#‬فلى‪ ،‬إذ ال‪#‬رجم‪ :‬ط‪#‬رح‬
‫ِّين﴾ اللعن‪##‬ة‪ :‬هي اإليح‪##‬اش‬ ‫ك لَ ْعنَتِي إِلى يَ‪##‬وْ ِم ال‪#‬د ِ‬ ‫الشيء من العل ّو إلى السفل ﴿وإِ َّن َعلَ ْي َ‬
‫والط‪##‬رد‪ ،‬يع‪##‬ني الرج‪##‬ل الم‪##‬وحش‪ ،‬وه‪##‬و مث‪##‬ال ينص‪##‬بونه في ال‪##‬زرع يش‪##‬به الرج‪##‬ل‬
‫ليستوحش‪ #‬منه الوحش وينفر منه الطير فينطرد‪ #‬بذلك ويسلم‪ #‬ال‪##‬زرع والثم‪##‬ر‪ ،‬وقول‪##‬ه‬
‫ِّين﴾ [ص‪ ]78 :‬أي ال على غ‪##‬يرك‪ ،‬ألن‬ ‫تعالى إلبليس‪َ ﴿ :‬وإِ َّن َعلَ ْي‪##‬كَ لَ ْعنَتِي إِلَى يَ‪##‬وْ ِم ال ‪#‬د ِ‬
‫الحروف‪ #‬الجارة والناصبة إذا تقدمت أفادت الحصر‪ ،‬كقولهم على زي‪##‬د ال‪##‬درهم؛ أي‬
‫ال على غ‪##‬يره‪ ..‬فلم يلعن الح‪##‬ق أح‪##‬دا إال إبليس‪ ،‬وم‪##‬ا ورد من اللعن‪##‬ة على الظ‪##‬المين‬
‫والفاسقين وغ‪##‬يرهم‪ ،‬فك‪##‬ل ذل‪##‬ك بطري‪#‬ق‪ #‬االتب‪##‬اع ل‪##‬ه‪ ،‬فاللعن‪##‬ة بطري‪#‬ق‪ #‬األص‪##‬الة على‬
‫ِّين﴾ حصر‪ ،‬فإذا انقضى يوم‬ ‫إبليس وبطريق‪ #‬التفريع على غيره‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬إِلى يَوْ ِم الد ِ‬
‫الدين فال لعنة عليه‪ ،‬الرتفاع حكم الظلمة الطبيعية في يوم الدين‪ ،‬وقد‪ #‬مضى تفس‪##‬ير‬
‫يوم ال‪##‬دين في الب‪##‬اب الم‪##‬وفى‪ #‬أربعين من الكت‪##‬اب‪ ،‬فال يلعن إبليس أي ال يط‪##‬رده عن‬
‫الحضرة إال قبل يوم الدين ألجل ما يقتضيه أصله‪ ،‬وهي الموانع الطبيعية التي تمنع‬
‫الروح عن التحقيق بالحقائق اإللهية‪ .‬وأما بعد ذلك فإن الطبائع تك‪##‬ون له‪##‬ا من جمل‪##‬ة‬
‫الكماالت‪ ،‬فال لعنة بل قرب محض‪ ،‬فحينئذ‪ #‬يرجع إبليس إلى م‪##‬ا ك‪##‬ان علي‪#‬ه عن‪##‬د هّللا‬
‫من القرب اإللهي وذلك بعد زوال جهنم‪ ،‬ألن كل شيء خلقه هّللا ال بد أن يرج‪##‬ع إلى‬
‫ما كان عليه‪ ،‬هذا أصل مقطوع به ف‪##‬افهم‪ ..‬قي‪##‬ل إن إبليس لم‪##‬ا لعن ه‪##‬اج وه‪##‬ام لش‪##‬دة‬
‫الفرح حتى مأل العالم بنفسه‪ ،‬فقيل له‪ :‬أتصنع هكذا وقد‪ #‬طردت من الحضرة؟ فق‪##‬ال‪:‬‬
‫هي خلعة أفردني الحبيب بها ال يلبس‪##‬ها مل‪##‬ك مق‪#‬رّب وال ن‪##‬ب ّي مرس‪##‬ل؛ ثم إن‪##‬ه ن‪##‬ادى‬
‫ظرْ نِي‪ #‬إِلَى يَ‪##‬وْ ِم يُ ْب َعثُ‪##‬ونَ ﴾ [ص‪:‬‬ ‫ال َربِّ فَ‪##‬أ َ ْن ِ‬
‫الحق كما أخبر عنه سبحانه وتعالى قال‪﴿ :‬قَ َ‬
‫‪ ]79‬لعلمه أن ذلك ممكن‪ ،‬فإن الظلمة الطبيعية التي هي محتدة باقي‪##‬ة في الوج‪##‬ود إلى‬
‫أن يبعث هّللا تع‪##‬الى أهله‪##‬ا‪ ،‬فيتخلص‪##‬ون من الظلم‪##‬ة الطبيعي‪##‬ة إلى أن‪##‬وار الربوبي‪##‬ة‪،‬‬
‫وم﴾ [ص‪-80 :‬‬ ‫ت ْال َم ْعلُ ِ‬ ‫ك ِمنَ ْال ُم ْنظَ ِرينَ إِلَى يَوْ ِم ْال َو ْق ِ‬ ‫فأجابه الحق وأكد بأن قال له‪ ﴿ :‬فَإِنَّ َ‬
‫ك أَل ُ ْغ ِويَنَّهُْ‪#‬م‬ ‫‪ ]81‬وذلك رجوع أمر الوجود إلى حضرة الملك المعبود‪ ،‬وقال‪ ﴿ :‬فَبِ ِع َّزتِ َ‪#‬‬
‫أَجْ َم ِعينَ ﴾ [ص‪ ]82 :‬ألنه يعلم أن الكل تحت حكم الطبيع‪##‬ة وأن االقتض‪##‬اءات الظلماني‪##‬ة‬
‫ص‪#‬ينَ ﴾ [ص‪]83 :‬‬ ‫ك ِم ْنهُ ُم ْال ُم ْخلَ ِ‬ ‫تمنع من الصعود إلى الحض‪##‬رات النوراني‪##‬ة‪﴿ :‬إِاَّل ِعبَ‪##‬ا َد َ‬
‫يعني الذين خلصوا من ظلمة الطبائع إقامة الناموس اإللهي في الوجود اآلدمي‪ ،‬فإن‬
‫كان المخلص بصيغة المفعول كان األمر بالنسبة إلى الحقيقة اإللهية‪ ،‬يعني أخلصهم‬
‫هّللا بجذبهم‪ #‬إليه‪ ،‬وإن ك‪#‬ان بص‪#‬يغة الفاع‪#‬ل ك‪#‬ان بالنس‪#‬بة إلى الحقيق‪#‬ة العبدي‪#‬ة‪ ،‬يع‪#‬ني‬
‫تخلصوا‪ #‬باألعمال الزكية كالمجاهدات‪ ،‬والرياضات‪ ،‬والمخالفات‪ ،‬وأمثال ذلك‪ .‬فلما‬
‫‪530‬‬
‫ك ِم ْنهُ ْم أَجْ َم ِعينَ ﴾‬
‫تكلم به‪#‬ذا الكالم أجاب‪#‬ه الح‪#‬ق فق‪#‬ال‪﴿ :‬أَل َ ْمأَل َ َّن َجهَنَّ َم ِم ْن‪#‬كَ َو ِم َّم ْن تَبِ َع‪َ #‬‬
‫[ص‪]85-84 :‬؛ فلما تكلم إبليس عليه اللعنة من حيث ما تقتض‪##‬يه الحق‪#‬ائق أجاب‪##‬ه الح‪#‬ق‬
‫تعالى من حيث ما تكلم به إبليس حكمة إلهية‪ ،‬وذلك أن الظلمة الطبيعية ال‪##‬تي تس‪##‬لط‬
‫به‪##‬ا إبليس عليهم وأقس‪##‬م أن‪##‬ه يغ‪##‬ويهم هي عينهم القائ‪##‬دة لهم إلى الن‪##‬ار‪ ،‬ب‪##‬ل هي عين‬
‫النار‪ ،‬ألن الطبيعة المظلمة هي النار التي يسلطها هّللا تع‪##‬الى على قل‪##‬وب المفس‪##‬دين‪،‬‬
‫فال يتبع إبليس أحد إال من دخلها‪ ،‬ومن دخلها فقد دخل النار‪ ،‬فانظر إلى هذه الحكمة‬
‫اإللهية كيف أبرزها هّللا تعالى برقيق‪ #‬إشارة ودقيق‪ #‬عبارة‪ ،‬ليفهمه من يس‪##‬تمع الق‪##‬ول‬
‫فيتبع أحسنه‪ ،‬فافهم‪ #‬إن كنت ممن يفهم‪ ،‬فديت من يعقل م‪##‬ا رم‪##‬زت إلي‪##‬ه‪ ،‬وف‪##‬ديت من‬
‫يعلم)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في تفسير قوله تع‪#‬الى في قص‪#‬ة إب‪#‬راهيم‬
‫﴿ولَقَ ْد آتَ ْينَا إِ ْب َرا ِهي َم ُر ْش َدهُ ِم ْن قَ ْب ُل َو ُكنَّا بِ ِه عَالِ ِمينَ ﴾ [األنبي‪##‬اء‪ ]51 :‬ما ذك‪##‬ره‬
‫عليه السالم‪َ :‬‬
‫عب‪##‬د ال‪##‬رزاق‪ #‬الكاش‪##‬اني في التفس‪##‬ير المنس‪##‬وب البن ع‪##‬ربي‪ ،‬فق‪##‬د ق‪##‬ال‪﴿( :‬ولَقَ‪ْ #‬د آتَيْن‪##‬ا‬
‫إِبْرا ِهي َم﴾ الروح﴿ ُر ْش َدهُ﴾ المخصوص به الذي يليق بمثله وهو االهت‪##‬داء إلى التوحي ‪#‬د‪#‬‬
‫الذاتي ومقام المشاهدة والخلة ﴿ ِم ْن قَ ْبلُ﴾ أي‪ :‬قبل مرتبة القلب والعقل متق ّدما عليهم‪##‬ا‬
‫في الشرف والع ّز ﴿و ُكنَّا بِ ِه عالِ ِمينَ ﴾ أي‪ :‬ال يعلم بكماله وفضيلته غيرنا لعل ‪ّ #‬و ش‪##‬أنه)‬
‫(‪)2‬‬
‫ق‪#‬ال أِل َبِي‪ِ #‬ه﴾ النفس الكلي‪#‬ة ﴿وقَوْ ِم‪ِ #‬ه﴾ من النف‪#‬وس الناطق‪#‬ة الس‪#‬ماوية‬ ‫وقال‪﴿( :‬إِ ْذ َ‬
‫وغيره‪##‬ا ﴿م‪##‬ا ه‪ِ ##‬ذ ِه التَّماثِي‪##‬لُ﴾ أي‪ :‬الص‪##‬ور المعقول‪##‬ة من حق‪##‬ائق العق‪##‬ول واألش‪##‬ياء‬
‫وماهي‪##‬ات الموج‪##‬ودات‪ #‬المنتقش‪##‬ة فيه‪##‬ا ﴿الَّتِي أَ ْنتُ ْم لَه‪##‬ا ع‪##‬ا ِكفُونَ ﴾ مقيم‪##‬ون على تمثله‪##‬ا‬
‫وتصوّرها‪ #‬وذلك عند عروجه من مقام الروح المق ّدسة وبروزه عن الحجب النوري‪##‬ة‬
‫‪#‬ري ٌء ِم َّما تُ ْش‪ِ #‬ر ُكونَ إِنِّي‬
‫إلى فض‪##‬اء التوحي‪##‬د ال‪##‬ذاتي‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال علي‪##‬ه الس‪##‬الم‪﴿ :‬إِنِّي بَ‪ِ #‬‬
‫ض َحنِيفاً﴾‪ ،‬ومن هذا المقام قول‪##‬ه لجبري‪##‬ل‬ ‫ت واأْل َرْ َ‬
‫ْت َوجْ ِه َي لِلَّ ِذي فَطَ َر السَّماوا ِ‬
‫َو َّجه ُ‬
‫عليه السالم‪ :‬أما إليك فال‪َ ﴿ ..‬و َج ْدنا آبا َءنا﴾ عللنا من العوالم السابقة على النفوس كلها‬
‫من أهل الجبروت﴿ لَها عابِ ِدينَ ﴾ باستحضارهم إياها في ذواتهم‪ #‬ال يذهلون عنه‪##‬ا ﴿فِي‬
‫ي‪ #،‬غير واصلين إلى عين الذات عاكفين في‬ ‫ين﴾ في حجاب عن الحق نور ّ‬ ‫ضال ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫َ‬
‫ب‪##‬رازخ الص‪##‬فات ال تهت‪##‬دون إلى حقيق‪##‬ة األحدي‪##‬ة والغ‪##‬رق‪ #‬في بح‪##‬ر الهوي‪##‬ة ﴿أَ ِج ْئتَن‪##‬ا‬
‫ق﴾ أي‪ :‬أحدث مجيئك إيانا من هذا الوج‪##‬ه ب‪##‬الحق فيك‪##‬ون القائ‪##‬ل ه‪##‬و الح‪##‬ق ع‪ّ #‬ز‬ ‫بِ ْال َح ِ‬
‫سلطانه أم استمر بنفسك كما كان فتكون أنت القائل فيكون قول‪##‬ك لعب‪##‬ا ال حقيق‪##‬ة ل‪##‬ه؛‬
‫فإن كنت قائما بالحق‪ ،‬سائرا‪ #‬بسيره‪ ،‬قائال به‪ ،‬صدقت وقول‪#‬ك‪ #‬الج‪ّ #‬د وتف‪#‬وّقت علين‪##‬ا‪،‬‬
‫وتخلفنا عنك‪ ،‬وإن كنت بنفسك فبالعكس ﴿بَلْ َربُّ ُك ْم﴾ الجائي والقائل ربكم الذي يربكم‪#‬‬
‫باإليجاد‪ #‬والتقويم واإلحياء والتجريد‪ #‬واإلنب‪##‬اء والتعليم‪ #‬ربّ الك‪##‬ل ال‪##‬ذي أوج‪##‬ده و﴿أَنَ‪##‬ا‬
‫عَلى ذلِ ُك ْم﴾ الحكم بأن القائل هو الحق الموصوف‪ #‬بربوبية الكل ﴿ ِمنَ ال َّشا ِه ِدينَ ﴾ وهذا‬
‫‪ )(1‬اإلنسان الكامل(الجيلى) ‪.198/‬‬
‫‪ )(2‬تفسير ابن عربى(تأويالت عبد الرزاق) ‪.2/43‬‬
‫‪531‬‬
‫الشهود‪ #‬هو شهود الربوبية واإليجاد‪ #‬وإال لم يقل أنا وعلى إذ الشهود الذاتي هو الفناء‬
‫المحض الذي ال أنائي‪##‬ة في‪##‬ه وال اثنيني‪##‬ة‪ ،‬وتل‪##‬ك االثنيني‪##‬ة بع‪##‬د اإلفص‪##‬اح ب‪##‬أن الج‪##‬ائي‬
‫والقائل هو الحق الذي أوجد الك‪##‬ل مش‪##‬عرة بمق‪##‬ام الك‪##‬ل المتخل‪##‬ف عن مق‪##‬ام ﴿أَل َ ِكي‪#‬د ََّن‬
‫‪#‬ون ص‪##‬ور األش‪##‬ياء وأعي‪##‬ان الموج‪##‬ودات ال‪##‬تي عكفتم على إيجاده‪##‬ا‬ ‫أَصْ نا َم ُك ْم﴾ ألمح‪ّ #‬‬
‫وحفظها وت‪##‬دبيرها‪ ،‬وأقبلتم على إثباته‪##‬ا بع‪##‬د أن تعرض‪##‬وا عن عين األحدي‪##‬ة الذاتي‪##‬ة‬
‫باإلقب‪##‬ال إلى الك‪##‬ثرة الص‪##‬فاتية بن‪##‬ور‪ #‬التوحي‪##‬د فَ َج َعلَهُ ْم بف‪##‬أس القه‪##‬ر ال‪##‬ذاتي والش‪##‬هود‪#‬‬
‫العيني جُذاذاً قطعا متالش‪##‬ية فاني‪##‬ة إِاَّل َكبِ‪##‬يراً لَهُ ْم ه‪##‬و عين‪##‬ه الب‪##‬اقي‪ #‬على اليقين األول‬
‫الذي به سمى الخليل خليال لَ َعلَّهُ ْم إِلَ ْي ِه يَرْ ِجعُونَ يقبلون منه الفيض ويستفيضون من‪##‬ه‬
‫النور والعلم كما استفاض هو منه أوال) (‪)1‬‬

‫﴿و َك‪َ #‬ذلِكَ أَوْ َح ْينَ‪##‬ا إِلَ ْي‪َ #‬‬


‫ك‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫رُو ًحا‪ِ #‬م ْن أَ ْم ِرنَا َما ُك ْنتَ تَ ْد ِري َما ْال ِكتَابُ َواَل اإْل ِ ي َمانُ َولَ ِك ْن َج َع ْلنَاهُ نُورًا نَ ْه ِدي بِ ِه َم ْن‬
‫اط ُم ْستَقِ ٍيم﴾ [الشورى‪ ]52 :‬أذكر لجلسائي م‪##‬ا قال‪##‬ه‬ ‫ص َر ٍ‬ ‫ك لَتَ ْه ِدي إِلَى ِ‬ ‫نَ َشا ُء ِم ْن ِعبَا ِدنَا َوإِنَّ َ‬
‫أصحاب الكشف واإللهام‪ ،‬ومنها ق‪##‬ولهم في التعري‪#‬ف‪ #‬بـ [المل‪#‬ك المس‪#‬مى ب‪##‬الروح]‪:‬‬
‫(اعلم أن هذا الملك هو المسمى في اصطالح الصوفية بالحق المخلوق ب‪##‬ه والحقيق‪##‬ة‬
‫المحمدية نظر هّللا تعالى إلى هذا الملك بما نظر به إلى نفسه‪ ،‬فخلقه من نوره وخلق‬
‫الع‪##‬الم من‪##‬ه‪ ،‬وجعل‪##‬ه مح‪##‬ل نظ‪##‬ره من الع‪##‬الم‪ ،‬ومن أس‪##‬مائه أم‪##‬ر هّللا وه‪##‬و أش‪##‬رف‬
‫الموجودات‪ #‬وأعاله‪##‬ا مكان‪##‬ة وأس‪##‬ماها‪ #‬منزل‪##‬ة ليس فوق‪##‬ه مل‪##‬ك‪ ،‬وه‪##‬و س‪##‬يد المق‪#‬رّبين‬
‫وأفضل‪ #‬المكرّمين‪ ،‬أدار هّللا عليه رحا الموجودات وجعله قطب فلك المخلوقات‪ ،‬ل‪##‬ه‬
‫مع كل شيء خلقه هّللا تع‪##‬الى وج‪##‬ه خ‪##‬اص ب‪##‬ه يلحق‪##‬ه‪ ،‬وفي‪ #‬المرتب‪##‬ة ال‪##‬تي أوج‪##‬ده هّللا‬
‫تعالى فيها يحفظه)(‪)2‬‬
‫وال أكتفي بهذه التفاصيل التي قد تجد من يتكلف له‪##‬ا م‪##‬ا ش‪##‬اء من األدل‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل‬
‫إني أض‪##‬يف إليه‪##‬ا تفاص‪##‬يل أك‪##‬ثر‪ ،‬فأنق‪##‬ل عنهم ق‪##‬ولهم‪( #:‬ل‪##‬ه ثماني‪##‬ة ص‪##‬ور هم حمل‪##‬ة‬
‫العرش‪ ،‬منه خلق المالئك‪#‬ة جميعه‪#‬ا عليه‪#‬ا وعنص‪#‬ريها‪ ،‬فنس‪#‬بة المالئك‪#‬ة إلي‪#‬ه نس‪#‬بة‬
‫القطرات إلى البحر‪ ،‬ونسبة الثمانية الذين يحملون العرش منه نسبة الثمانية التي قام‬
‫الوج‪##‬ود‪ #‬اإلنس‪##‬اني به‪##‬ا من روح اإلنس‪##‬ان‪ ،‬وهي العق‪##‬ل وال‪##‬وهم والفك‪##‬ر والخي‪##‬ال‬
‫والمص‪##‬ورة والحافظ‪##‬ة والمدرك‪##‬ة والنفس‪ ..‬وله‪##‬ذا المل‪##‬ك في الع‪##‬الم األفقي والع‪##‬الم‬
‫الجبروتي والعالم العلى والعالم الملكوتي هيمنة إلهي‪#‬ة خلقه‪#‬ا هّللا في ه‪#‬ذا المل‪#‬ك وق‪#‬د‬
‫امتن هّللا تع‪##‬الى‬ ‫ظهر بكماله في الحقيقة المحمدية‪ ،‬ولهذا كان ‪ ‬أفضل البش‪##‬ر وب‪##‬ه ّ‬
‫ل النعم التي أسداها هّللا تعالى إليه)(‪)3‬‬ ‫عليه وأمده من أج ّ‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أذكر في كل آية ما قاله من اعتبرهم مكاشفين‬
‫عنها‪ ،‬مما ال عالقة له بظاهر األلفاظ‪ ،‬وال بأي باطن من بواطنها‪ ..‬ف‪##‬إذا م‪#‬ا ج‪##‬ادلني‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.2/43‬‬
‫‪ )(2‬اإلنسان الكامل‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫‪ )(3‬اإلنسان الكامل‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫‪532‬‬
‫أحدهم ذكرت له أقوال العلماء في تأييدها واالنتصار‪ #‬لها‪ ..‬وكنت إذا ما سألوني عن‬
‫مصدر‪ #‬هذه المعارف‪ ،‬أذكر لهم أنها الكش‪##‬ف واإلله‪##‬ام اإللهي‪ ..‬ف‪##‬إذا س‪##‬ألوني‪ #‬ع‪##‬ني‪،‬‬
‫وهل عاينت ذلك‪ ،‬أو كشف لي‪ ،‬أكتفي بأن أخفض رأسي متواضعا‪ #،‬وأقول‪ :‬أنا أق‪##‬ل‬
‫من أن أكاشف بهذه الحقائق العظمى‪ #..‬بل هي كشف لكبار األولي‪##‬اء ال‪##‬ذي فتحت لهم‬
‫خزائن الغيب‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أنا‪ ..‬وقد كنت خوف‪##‬ا من ج‪##‬دالهم‪ ،‬وزي‪##‬ادة في ت‪##‬رغيبهم فيم‪##‬ا‬
‫أذكره لهم كنت أنقل لهم عن بعضهم قوله‪( :‬إذا ثبت أن علم العق‪##‬ل قاب‪#‬ل للش‪#‬به‪ ،‬وأن‬
‫علم األح‪##‬وال ك‪##‬ذلك‪ ،‬ت‪##‬بين ل‪##‬ك أن العلم الص‪##‬حيح ال يعطي‪##‬ه الفك‪##‬ر‪ ،‬وال م‪##‬ا قررت‪##‬ه‬
‫العقالء من حيث أفكارهم‪ ،‬ولهذا اختلفت مقاالتهم‪ ،‬فإن كان العلم قد حصل عن نظر‬
‫في دليل عقلي‪ ،‬ف‪##‬إن مث‪##‬ل ذل‪##‬ك ليس عن‪##‬دنا بعلم‪ ،‬لتط‪##‬رق الش‪##‬بهة على ص‪##‬احبه وإن‬
‫وافق‪ #‬العلم‪ ،‬وإنما العلم من ال يقبل صاحبه شبهة‪ ،‬وذلك ليس إال علم األذواق‪ ،‬ف‪##‬ذلك‬
‫الذي نق‪##‬ول في‪##‬ه إن‪##‬ه علم‪ ،‬ف‪##‬إن األذواق بمنزل‪##‬ة األدل‪##‬ة ألص‪##‬حاب النظ‪##‬ر في العل‪##‬وم؛‬
‫فالعلم الصحيح إنما هو ما يقذف‪##‬ه هللا في قلب الع‪##‬الم‪ ،‬وه‪#‬و ن‪##‬ور إلهي يختص ب‪#‬ه من‬
‫يشاء من عباده‪ ،‬من ملك ورسول‪ #‬ونبي وولي ومؤمن‪ ،‬ومن ال كشف ل‪#‬ه ال علم ل‪#‬ه‪،‬‬
‫فكل علم ال يكون عن ذوق ليس بعلم أهل هللا‪ ..‬فإن أهل هللا ما علموا الذي علموه إال‬
‫ذوقا‪ ،‬ما هو عن فكر وال عن تدبر)(‪)1‬‬
‫وكنت أذكر لهم أن (صاحب الكشف يرى في المداد الذي في الدواة جميع م‪##‬ا‬
‫فيه من الحروف‪ #‬والكلمات‪ ،‬وما يتضمنه من صور‪ #‬ما يصورها‪ #‬الكاتب أو الرس‪##‬ام‪،‬‬
‫وكل ذلك كتاب‪ ،‬فيقول في هذا المداد من الصور كذا وكذا صورة‪ ،‬فإذا جاء الكاتب‬
‫والرسام‪ ،‬أو الرسام دون الكاتب‪ ،‬أو الكاتب دون الرسام‪ ،‬بحسب ما يذكره ص‪##‬احب‬
‫الكشف‪ ،‬فيكتب بذلك المداد ويرسم‪ #‬ما ذكره هذا المكاشف‪ ،‬بحيث ال يزيد على ذل‪##‬ك‬
‫وال ينقص)(‪)2‬‬
‫وكنت أذكر لهم عدم حاجة صاحب الكشف للمحدث والفقي‪##‬ه وغيرهم‪##‬ا‪ ،‬ذل‪##‬ك‬
‫أن كش‪#‬فه يغني‪##‬ه عن ك‪#‬ل العلم‪#‬اء‪ ،‬ف‪#‬أقول نقال عنهم‪( :‬وأه‪##‬ل الكش‪#‬ف‪ ،‬الن‪#‬بي عن‪#‬دهم‬
‫موجود‪ #،‬فال يأخ‪##‬ذون الحكم إال عن‪##‬ه‪ ،‬فإن‪##‬ه ال يس‪##‬وغ القي‪##‬اس في موض‪##‬ع يك‪##‬ون في‪##‬ه‬
‫الرس‪##‬ول ‪ ‬موج‪##‬ودا‪ #،‬وله‪##‬ذا الفق‪##‬ير الص‪##‬ادق ال ينتمي إلى م‪##‬ذهب‪ ،‬إنم‪##‬ا ه‪##‬و م‪##‬ع‬
‫الرسول الذي هو مشهود له)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكما أنا‪ ..‬وقد كنت إذا ما ألحوا علي في ذكر تج‪##‬اربي في ذل‪##‬ك‪،‬‬
‫وما حصل لي من الكشف واإللهام‪ ،‬أقول لهم ما قاله بعضهم حين دع‪##‬ا إلى مطالع‪##‬ة‬
‫كتب ابن عربي وغيره من الص‪##‬وفية المت‪##‬أخرين‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬ه‪##‬ذا كالمهم ـ رض‪#‬ي‪ #‬هّللا‬
‫عنهم ـ للتالمذه واإلخوان إنم‪#‬ا ه‪#‬و لتق‪#‬ريب المس‪#‬افة البعي‪#‬دة إليهم وتس‪#‬هيل الطري‪#‬ق‬
‫‪ )(1‬الفتوحات المكية (‪.3/456‬‬
‫‪ )(2‬الفتوحات المكية (‪)3/456‬‬
‫‪ )(3‬الفتوحات المكية (‪)3/335‬‬
‫‪533‬‬
‫الصعب عليهم‪ ،‬ألن المريد قد ينال بمسألة من مسائل علمنا هذا ما ال يناله بمجاه‪##‬دة‬
‫خمسين سنة‪ ،‬وذلك ألن السالك إنما ينال ثمرة سلوكه وعلمه‪ ،‬والعلوم ال‪##‬تي وص‪##‬فها‬
‫الكمل من أهل هّللا تعالى هي ثمرة سلوكهم وأعمالهم الخالصة‪ ،‬فكم بين ثم‪##‬رة عم‪##‬ل‬
‫معلول إلى ثمرة عمل مخلص‪ ،‬بل علومهم من وراء ثمرات األعمال؛ ألنها بالفيض‬
‫اإللهي الوارد عليهم على قدر وسع قوابلهم‪ #،‬فكم بين قابلية الكامل من أه‪##‬ل هّللا وبين‬
‫قابلية المريد الطالب‪ ،‬فإذا فهم المريد الطالب ما قصده من وضع المسألة في الكتاب‬
‫وعلمه‪ ،‬استوى هو ومص‪##‬نفه في معرف‪##‬ة تل‪##‬ك المس‪##‬ألة فن‪##‬ال به‪##‬ا م‪##‬ا ن‪##‬ال المص‪##‬نف‪،‬‬
‫وصارت‪ #‬ل‪##‬ه ملك‪##‬ا مث‪##‬ل م‪##‬ا ك‪##‬انت للمص‪##‬نف‪ ،‬وهك‪##‬ذا ك‪##‬ل مس‪##‬ألة من مس‪##‬ائل العل‪##‬وم‬
‫الموضوعة في الكتب فإن األخذ لها من المعدن الذي أخذ منه مصنفها)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬وقد كنت أرد بشدة على من ينه‪##‬اني عن تفس‪##‬ير الق‪##‬رآن‬
‫الكريم بتلك الكتب التي تعتمد على الكشف المجرد عن أي براهين عقلية أو علمي‪##‬ة‪،‬‬
‫بق‪##‬ول بعض‪##‬هم‪( :‬وم‪##‬ا ورد عن بعض أه‪##‬ل هّللا من من‪##‬ع بعض التالم‪##‬ذة عن مطالع‪##‬ة‬
‫كتب الحقيقة‪ ،‬ألن قاصر‪ #‬الفهم ال يخلو إما أن يتناول كالمهم على خالف م‪##‬ا أرادوه‬
‫فيستعمله فيهلك أو يضيع العمر في تصفح الكتب بال فائ‪##‬دة‪ ،‬فنهي‪ #‬الش‪##‬يخ لمث‪##‬ل ه‪##‬ذا‬
‫عن مطالعة هذه الكتب واجب ليشتغل بغيرها مما في‪#‬ه نفع‪#‬ه‪ ،‬وأم‪#‬ا من ك‪#‬ان ذا عق‪#‬ل‬
‫ذكي وفهم‪ #‬عل ّي‪ ،‬وإيمان قوي‪ ،‬يأخذ من كتبنا كل ما يأخذه وينال منه‪##‬ا ك‪##‬ل مقص‪##‬ده‪،‬‬
‫ولقد رأيت في زماننا هذا طائف‪##‬ة كث‪##‬يرة من ك‪##‬ل جنس من أجن‪##‬اس الع‪##‬رب والف‪##‬رس‬
‫والهند وال‪##‬ترك‪ ،‬وغ‪##‬ير ذل‪##‬ك من األجن‪##‬اس كلهم بلغ‪##‬وا بمطالع‪##‬ة كتب الحقيق‪##‬ة مب‪##‬الغ‬
‫الرجال‪ ،‬ونالوا منها مقاصد اآلمال؛ فمن أضاف بعد ذلك إلى علم‪##‬ه وفض‪##‬له س‪##‬لوكا‪#‬‬
‫واجتهادا‪ #‬صار من الكمل‪ ،‬ومن وقف بعد علمه كان من العارفين)(‪)2‬‬
‫ثم أذكر لهم ما قاله عن س‪##‬بب ذل‪##‬ك‪ ،‬وه‪##‬و (أن المس‪##‬ائل الموض‪##‬وعة في كتب‬
‫أهل الحقيقة إنم‪##‬ا تفي‪##‬دك بالوض‪##‬ع علم التوحي‪##‬د تص‪##‬ريحا‪ ،‬وبالعب‪##‬ارة واإلش‪##‬ارة عين‬
‫التوحيد‪ #‬كناية وتلويحا‪ ،‬وبضرب األمث‪##‬ال ح‪##‬ق التوحي‪##‬د رم‪##‬زا وتس‪##‬نيحا‪ ،‬فق‪##‬د يك‪##‬ون‬
‫بعض الكتب مسبوكا على هذه الهيئات كله‪#‬ا‪ ،‬في‪#‬دخل ب‪#‬ك إلى علم اليقين ف‪#‬إن عملت‬
‫بمقتضاه‪ ،‬والزمت مطالعة ذلك الكتاب على حكم ذلك العلم فإنه ينتق‪##‬ل ب‪##‬ك إلى عين‬
‫اليقين‪ ،‬ثم يرقي‪#‬ك‪ #‬إلى ح‪##‬ق اليقين إن أعطيت نفس‪##‬ك ل‪##‬ذلك العين على حكم م‪##‬ا ذك‪##‬ره‬
‫المؤلف‪ ،‬وإال فه‪##‬و مهل‪##‬ك وانته‪##‬اك؛ ف‪##‬إذا بلغت إلى ح‪##‬ق اليقين انقطعت فائ‪##‬دة الكتب‬
‫عنك‪ ،‬وهذا منتهى ما تبلغ بك الكتب إليه إن كنت شهما‪ ،‬وحويت تمييزا وفهما)(‪)3‬‬
‫‪ 4‬ـ عقبة المحدودية‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ ..‬واألمثل‪##‬ة ال‪##‬تي ذكرتموه‪##‬ا كافي‪##‬ة للدالل‪##‬ة على ال‪##‬وهم‬
‫الخطير الذي وقع فيه أولئك الذين لم يكتفوا بما جاءت به النبوة المعصومة؛ فراحوا‬
‫‪ )(1‬مراتب الوجود وحقيقة كل موجود(الكهف والرقيم) ‪.39 ،‬‬
‫‪ )(2‬مراتب الوجود‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ )(3‬مراتب الوجود‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪534‬‬
‫يزاحمونها وينافس‪##‬ونها بم‪##‬ا يل‪##‬وح لخ‪##‬واطرهم‪ #‬من ص‪##‬واب وخط‪##‬أ‪ ،‬وإله‪##‬ام‪ #‬المالئك‪##‬ة‬
‫وتزيين الشياطين‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬أجل‪ ..‬فحدثنا‪ #‬عن العقبة الرابعة‪.‬‬
‫َ‬
‫قال المعلم‪ :‬العقبة الرابع‪##‬ة هي تل‪##‬ك ال‪##‬تي تعط‪##‬ل قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪﴿ :‬أفَاَل يَتَ‪َ #‬دبَّرُونَ‬
‫ب أَ ْقفَالُهَا﴾ [محم‪###‬د‪ ..]24 :‬ألنه‪##‬ا تجع‪##‬ل الت‪##‬دبر محص‪##‬ورا‪ #‬في فئ‪##‬ة‬ ‫ْالقُ‪##‬رْ آنَ أَ ْم َعلَى قُلُ‪##‬و ٍ‬
‫محدودة من السلف أو الخلف‪ ،‬أما من عداهم؛ فليس له سوى‪ #‬االقتباس والنقل عنهم‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬صدقت‪ ..‬وقد ذكرني‪ #‬هذا بالطائفة التي كنت مستغرقا‪ #‬في اتباعها‬
‫وتقليدها‪ ،‬والتي كانت تعتبر كل فهم أو تدبر للقرآن الكريم تفسيرا ب‪##‬الرأي الم‪##‬ذموم‪،‬‬
‫وتعتبر‪ #‬صاحبه ضاال منحرفا‪ #..‬ولذلك كانت تعتمد تفاسير محددة منقول‪##‬ة عن رج‪##‬ال‬
‫تعت‪##‬برهم‪ #‬الممثلين الوحي‪##‬دين لإلس‪##‬الم‪ ،‬والمفس‪##‬رين الوحي‪##‬دين للق‪##‬رآن‪ ،‬وتعت‪##‬بر من‬
‫عداهم أو عاداهم من أهل الضاللة‪.‬‬
‫وقد عبر شيخهم األكبر ابن تيمية عن التفاسير ال‪##‬تي ح‪##‬وت مق‪##‬والتهم‪ ،‬فق‪##‬ال‪:‬‬
‫(من أئم‪##‬ة أه‪##‬ل التفس‪##‬ير‪ ،‬ال‪##‬ذين ينقلونه‪##‬ا باألس‪##‬انيد‪ #‬المعروف‪##‬ة‪ ،‬كتفس‪##‬ير ابن ج‪##‬ريج‪،‬‬
‫وسعيد‪ #‬بن أبي عروبة‪ ،‬وعبد ال‪##‬رزاق‪ ،‬وعب‪##‬د بن حمي‪##‬د‪ ،‬وأحم‪##‬د‪ ،‬وإس‪##‬حاق‪ #‬وتفس‪##‬ير‪#‬‬
‫بقي بن مخلد وابن جرير الطبري‪ ،‬ومحمد‪ #‬بن أسلم الطوسي‪ ،‬وابن أبي ح‪##‬اتم‪ ،‬وأبي‬
‫بكر بن المنذر‪ ،‬وغيرهم من العلم‪##‬اء األك‪#‬ابر‪ ،‬ال‪##‬ذين لهم في اإلس‪##‬الم لس‪##‬ان ص‪##‬دق‪،‬‬
‫وتفاسيرهم متضمنة للمنقوالت التي يعتمد عليها في التفسير)(‪)1‬‬
‫ب‪##‬ل إن‪##‬ه ق‪##‬ال م‪##‬دافعا عم‪##‬ا في تل‪##‬ك الكتب من أس‪##‬اطير مس‪##‬يئة لألنبي‪##‬اء عليهم‬
‫السالم‪ ،‬والتي ذكر إخواني نماذج عنها عند ذكر عقب‪##‬ة الفض‪##‬ول والخراف‪##‬ة‪( :‬وله‪##‬ذا‬
‫كان السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وغ‪##‬يرهم من أئم‪##‬ة المس‪##‬لمين متفقين‬
‫على ما دل عليه الكتاب والسنة من أحوال األنبي‪##‬اء‪ ،‬ال يع‪##‬رف عن أح‪##‬د منهم الق‪##‬ول‬
‫بما أحدثته المعتزلة والرافضة ومن تبعهم في هذا الباب‪ ،‬بل كتب التفسير والح‪##‬ديث‬
‫واآلثار‪ #‬والزهد وأخبار السلف مشحونة عن الص‪##‬حابة والت‪##‬ابعين بمث‪##‬ل م‪##‬ا دل علي‪##‬ه‬
‫الق‪##‬رآن‪ ،‬وليس فيهم‪ #‬من ح‪##‬رف اآلي‪##‬ات كتحري‪##‬ف ه‪##‬ؤالء‪ ،‬وال من ك‪##‬ذب بم‪##‬ا في‬
‫األحاديث كتكذيب هؤالء‪ ،‬وال من قال ه‪##‬ذا يمن‪##‬ع الوث‪##‬وق‪ ،‬أو ي‪##‬وجب التنف‪##‬ير ونح‪##‬و‬
‫ذلك كما قال هؤالء‪ ،‬بل أق‪##‬وال ه‪##‬ؤالء ال‪##‬ذين غل‪##‬وا بجه‪##‬ل من األق‪##‬وال المبتدع‪##‬ة في‬
‫اإلسالم)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد كان لتلك الكلمات‪ ،‬وخصوصا‪ #‬موقفه من تفس‪##‬ير الط‪##‬بري ه‪##‬و‬
‫ال‪##‬ذي جعل‪##‬ني أدرس‪##‬ه لع‪##‬وام الن‪##‬اس‪ ،‬وأنه‪##‬اهم‪ #‬أن يفك‪##‬روا في أي تأوي‪##‬ل غ‪##‬ير ذل‪##‬ك‬
‫التأويل‪ ..‬وإذا ما طالبوني بالدليل كنت أق‪#‬ول لهم‪ :‬أال يكفي أن يعت‪#‬بره ش‪#‬يخ اإلس‪#‬الم‬
‫من (أهل العلم والسنة)(‪ ..)3‬ثم أذكر لهم أنه ذكر في (مجموع الفتاوى) أنه سئل عن‬
‫‪ )(1‬منهاج السنة النبوية (‪)7/179‬‬
‫‪ )(2‬منهاج السنة النبوية (‪)2/434‬‬
‫‪ )(3‬مجموع الفتاوى (‪)3/382‬‬
‫‪535‬‬
‫أحسن التفاسير‪ ،‬فقال‪( :‬أما التفاسير التي في أيدي الناس فأص‪##‬حها تفس‪##‬ير محم‪##‬د بن‬
‫جرير الطبري‪ ،‬فإنه ي‪#‬ذكر مق‪#‬االت الس‪#‬لف باألس‪#‬انيد الثابت‪#‬ة‪ ،‬وليس في‪#‬ه بدع‪#‬ة‪ ،‬وال‬
‫ينقل عن المتهمين كمقات‪##‬ل بن بك‪##‬ير‪ ،‬والكل‪##‬بي)(‪ .. )1‬وق‪##‬ال عن‪##‬ه‪( :‬تفس‪##‬ير محم‪##‬د بن‬
‫جرير الطبري‪ ،‬وهو من أجل التفاسير المأثورة‪ ،‬وأعظمها قدراً)(‪)2‬‬
‫وقد كنت ألجل هذا أذكر كل ما ذكره الطبري في تفسيره من روايات يرويها‬
‫عن كعب األحبار أو وهب بن منب‪##‬ه أو عب‪##‬د هللا بن س‪##‬الم أو عب‪##‬د المل‪##‬ك ابن ج‪##‬ريج‬
‫وغيرهم‪ ..‬والتي أحصاها بعضهم؛ فوجدها‪ #‬قد بلغت م‪##‬ا يق‪##‬رب من ألفين وخمس‪##‬مائة‬
‫رواية في تفسيره من ا ٍإلسرائيليات والخرافات‪ #‬واألساطير‪ #‬اليهودية األولى (‪.)3‬‬
‫وأنتم تعلمون جميعا أن‪##‬ه م‪##‬ع س‪##‬رده له‪##‬ا ال يم‪##‬يز ص‪##‬حيحها أو ض‪##‬عيفها‪ ..‬ب‪##‬ل‬
‫يترك ذلك كله للقارئ ليتلقى منه كل أنواع التش‪##‬ويهات والتحريف‪##‬ات‪ #‬س‪##‬واء المتعلق‪##‬ة‬
‫باهلل وتجس‪###‬يمه وتش‪###‬بيهه‪ ،‬أو المتعلق‪###‬ة باألنبي‪###‬اء عليهم الص‪###‬الة والس‪###‬الم ورميهم‬
‫بالموبقات‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أن‪##‬ا‪ ..‬فق‪##‬د كنت متعلق‪##‬ا بتفس‪##‬ير أث‪##‬نى علي‪##‬ه ابن تيمي‪##‬ة كث‪##‬يرا‪،‬‬
‫واعتبره من تفاسير السنة‪ ،‬وهو تفسير ابن أبي حاتم‪ ،‬فقد ع‪##‬ده في مجم‪##‬وع الفت‪##‬اوى‬
‫(من أهل العلم والسنة)(‪ ،)4‬وعده في منهاج السنة من (أئمة التفسير)(‪ ،)5‬و(من أه‪##‬ل‬
‫العلم الكبار)(‪ ..)6‬وقال عنه في مجم‪##‬وع الفت‪##‬اوى‪( :‬وابن أبي ح‪##‬اتم ق‪##‬د ذك‪##‬ر في أول‬
‫كتابه في التفسير أنه طلب منه إخراج تفسير القرآن مختصراً بأصح األسانيد‪ ،‬وأن‪##‬ه‬
‫تحرى إخراجه بأصح األخبار إسناداً‪ ،‬وأشبعها متناً‪ ،‬وذكر إس‪##‬ناده عن ك‪##‬ل من نق‪##‬ل‬
‫عنه شيئاً)(‪ .. )7‬ولذلك كنت أروي كل ما في‪#‬ه‪ ،‬وبيقين ت‪##‬ام‪ ،‬وأعت‪##‬بره معص‪#‬وما مث‪##‬ل‬
‫عصمة القرآن الكريم نفسه‪ ..‬بل أحذر كل مخالف لذلك‪ ،‬بأنه مخالف للسنة‪ ،‬بل عدو‬
‫لها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أن‪#‬ا‪ ..‬فق‪#‬د كنت متعلق‪#‬ا بتفس‪#‬ير أث‪#‬نى علي‪#‬ه ابن تيمي‪#‬ة كث‪#‬يرا‪،‬‬
‫واعتبره من تفاسير السنة‪ ،‬وهو تفسير ابن عطية؛ فقد قال عنه في مجموع الفتاوى‪:‬‬
‫(وتفس‪#‬ير ابن عطي‪#‬ة وأمثال‪#‬ه‪ :‬أتب‪#‬ع للس‪#‬نة والجماع‪#‬ة‪ ،‬واس‪#‬لم من البدع‪#‬ة من تفس‪#‬ير‬
‫الزمخشري‪ ،‬ولو ذكر كالم السلف الموجود‪ #‬في التفاسير المأثورة عنهم على وجه‪##‬ه‬
‫لكان أحسن وأجمل‪ ،‬فإنه كثيراً ما ينقل تفس‪##‬ير محم‪##‬د بن جري‪##‬ر الط‪##‬بري‪ ،‬وه‪##‬و من‬
‫أجل التفاسير المأثورة‪ ،‬وأعظمها قدراً‪ ،‬ثم إنه يدع م‪##‬ا نقل‪##‬ه ابن جري‪##‬ر عن الس‪##‬لف‪،‬‬
‫وال يحكيه بحال‪ ،‬ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين‪ ،‬وإنما يعني بهم طائفة‪ ،‬من أهل‬

‫مجموع الفتاوى (‪)13/385‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجموع الفتاوى (‪)13/361‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫انظر‪ :‬مقال للباحثة هدى بنت فهد المعجل‪ ،‬بعنوان‪ :‬بال تردد اإلسرائيليات‪.‬‬ ‫‪)( 3‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪)3/382‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫منهاج السنة (‪)7/212‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫منهاج السنة (‪)7/13‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪.15/201‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪536‬‬
‫الكالم‪ ،‬الذين قرروا اصولهم‪ #‬بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أص‪##‬ولهم‪ ،‬وإن‬
‫كانوا أقرب إلى السنة من المعتزلة‪ ،‬لكن ينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬ويعرف‪#‬‬
‫أن هذا من جملة التفسير على المذهب فإن الصحابة‪ ،‬والتابعين‪ ،‬واألئمة إذا كان لهم‬
‫في تفسير اآلية قول‪ ،‬وجاء قوم فسروا اآلية بقول آخر ألجل مذهب اعتقدوه‪ ،‬وذل‪##‬ك‬
‫الم‪##‬ذهب ليس من م‪##‬ذاهب الص‪##‬حابة‪ ،‬والت‪##‬ابعين لهم بإحس‪##‬ان ص‪##‬اروا مش‪##‬اركين‬
‫للمعتزلة‪ ،‬وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا)(‪)1‬‬
‫انظروا كيف أنه ال يرد على ما فيه من إسرائيليات وخراف‪##‬ات‪ ،‬ب‪#‬ل ي‪##‬رد على‬
‫ما فيه من كالم عقلي ومنطقي استفاده من المتكلمين‪ ..‬ب‪##‬ل ه‪##‬و ي‪##‬دعوه إلى أن يك‪##‬ون‬
‫كابن جرير‪ #‬الطبري يأخذ الغث والسمين من غير تحقيق وال بيان‪.‬‬
‫وهك‪##‬ذا ق‪##‬ال في مجم‪##‬وع الفت‪##‬اوى عن‪##‬دما س‪##‬ئل عن مجموع‪##‬ة من التفاس‪##‬ير‪:‬‬
‫(وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري‪ #‬وأبع‪##‬د عن الب‪##‬دع‪ ،‬وإن اش‪##‬تمل على‬
‫بعضها‪ ،‬بل هو خير منه بكثير‪ ،‬بل لعله أرجح هذه التفاسير‪ ،‬لكن تفس‪##‬ير ابن جري‪##‬ر‬
‫أصح من هذه كلها)(‪ ..)2‬والبدع المشار إليها ليس تشويه األنبي‪#‬اء‪ ،‬وإنم‪#‬ا م‪#‬ا في‪#‬ه من‬
‫رؤى‪ #‬علمية منطقية تستند إلى أقوال المتكلمين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أن‪#‬ا‪ ..‬فق‪#‬د كنت متعلق‪#‬ا بتفس‪#‬ير أث‪#‬نى علي‪#‬ه ابن تيمي‪#‬ة كث‪#‬يرا‪،‬‬
‫واعتبره من تفاسير السنة‪ ،‬وهو تفسير البغوي‪ ،‬فقد س‪##‬ئل عن‪##‬ه في مجم‪##‬وع الفت‪##‬اوى‬
‫السؤال التالي‪ :‬أي التفاسير أق‪##‬رب إلى الكت‪##‬اب والس‪##‬نة الزمخش‪##‬ري‪ ،‬أم القرط‪##‬بي‪ #‬أم‬
‫البغوي‪ ،‬أم غير هؤالء؟ فأجاب بقوله‪( :‬أما التفاسير‪ #‬الثالثة المسؤول‪ #‬عنه‪##‬ا فأس‪##‬لمها‬
‫من البدعة‪ ،‬واألحاديث الضعيفة البغوي‪ ،‬لكنه مختصر‪ #‬من تفس‪##‬ير الثعل‪##‬بي‪ ،‬وح‪##‬دث‬
‫منه األسانيد‪ ،‬واألحاديث الموضوعة‪ ،‬والبدع التي فيه‪ ،‬وحذف أشياء غير ذلك)(‪)3‬‬
‫وقال عن‪#‬ه في (منه‪##‬اج الس‪##‬نة)‪( :‬وله‪##‬ذا لم‪##‬ا اختص‪##‬ره أب‪##‬و محم‪##‬د الحس‪##‬ين بن‬
‫مسعود‪ #‬البغوي‪ ،‬وكان أعلم بالحديث والفق‪#‬ه من‪#‬ه‪ :‬والثعل‪#‬بي أعلم ب‪#‬أقوال المفس‪#‬رين‪،‬‬
‫والنحاة‪ ،‬وقصص‪ #‬األنبياء‪ ،‬فهذه األمور‪ #‬نقلها البغ‪##‬وي‪ #‬عن الثعل‪##‬بي‪ ،‬وأم‪##‬ا األح‪##‬اديث‬
‫فلم يذكر في تفسيره شيئا ً من الموضوعات التي رواها الثعلبي‪ ،‬ب‪##‬ل ي‪##‬ذكر الص‪##‬حيح‬
‫منه‪#‬ا‪ ،‬ويع‪#‬زوه إلى البخ‪#‬اري وغ‪#‬يره‪ ،‬فإن‪#‬ه مص‪#‬نف كت‪#‬اب (ش‪#‬رح الس‪#‬نة)‪ ،‬وكت‪#‬اب‬
‫(المصابيح)‪ ،‬وذك‪##‬ر م‪##‬ا في الص‪##‬حيحين والس‪##‬نن‪ ،‬ولم ي‪##‬ذكر األح‪##‬اديث ال‪##‬تي تظه‪#‬ر‪#‬‬
‫لعلماء الحديث أنها موضوعة كم‪##‬ا يفعل‪##‬ه غ‪##‬يره من المفس‪##‬رين كالواح‪##‬دي‪ #‬ص‪##‬احب‬
‫الثعل‪##‬بي‪ ،‬وه‪##‬و أعلم بالعربي‪##‬ة من‪##‬ه‪ ،‬وكالزمخش‪##‬ري‪ #‬وغ‪##‬يرهم من المفس‪##‬رين ال‪##‬ذين‬
‫يذكرون من األحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا‪ ..‬فقد كنت أبادر كل من يذكر لي أي إشارة أو فهم فهم‪##‬ه‬

‫مجموع الفتاوى (‪)13/361‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫مجموع الفتاوى (‪)13/385‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫مجموع الفتاوى (‪)13/386‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫منهاج السنة النبوية (‪)7/91‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪537‬‬
‫من القرآن الك‪##‬ريم بق‪##‬ولي‪ :‬من ق‪##‬ال به‪##‬ذا من أه‪##‬ل العلم‪ ..‬ف‪##‬إن أج‪##‬ابني وإال اعتبرت‪##‬ه‬
‫ضاال مضال مبتدعا‪ ..‬وكنت أحذره من أن يخالف سلف األم‪##‬ة ال‪##‬ذين هم أك‪##‬ثر فهم‪##‬ا‬
‫للدين‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أنا‪ ..‬وقد كنت أذكر لكل من يطبق ما ورد في القرآن الك‪##‬ريم‬
‫من الدعوة للتدبر ما ورد في‪##‬ه من فض‪##‬ل الس‪##‬ابقين من الص‪##‬حابة‪ ،‬ثم أذك‪##‬ر لهم عل‪##‬ل‬
‫ذلك من علمهم باللغة العربية وبموارد نزول ال‪##‬وحي‪ ،‬وغيره‪##‬ا‪ ..‬وأن‪##‬ا أعلم أن كتب‬
‫التفسير التي ضمت فهوم‪ #‬السلف‪ ،‬ال تحوي سوى‪ #‬تفاسير‪ #‬محدودة لهؤالء الص‪##‬حابة‪،‬‬
‫حتى أن السيوطي قال‪( :‬ال أحف‪##‬ظ عن أبي بك‪##‬ر في التفس‪##‬ير إال آث‪##‬ارا قليل‪##‬ة ج‪##‬دا ال‬
‫تكاد تجاوز العشرة)(‪)1‬‬
‫بل إنهم يروون عنه أنه سئل عن آية‪ ،‬فقال‪( :‬أي أرض تسعني؟ أو أي سماء‬
‫تظلني؟ إذا قلت في كتاب هللا ما لم يرد هللا؟)(‪)2‬‬
‫وروي‪ #‬أن عمر قرأ على المنبر قوله تعالى‪﴿ :‬فَأ َ ْنبَ ْتنَ‪#‬ا فِيهَ‪#‬ا َحبًّ‪#‬ا َو ِعنَبً‪#‬ا َوقَ ْ‬
‫ض‪#‬بًا‬
‫ق ُغ ْلبًا َوفَا ِكهَةً َوأَبًّا﴾ [عبس‪27 :‬ـ‪ ،]31‬ثم قال‪ :‬كل ه‪##‬ذا ق‪##‬د عرفن‪##‬اه‬ ‫َو َز ْيتُونًا َون َْخاًل َو َحدَائِ َ‪#‬‬
‫فما األب؟ ثم رفع عصا كانت في يده فقال‪( :‬هذا لعمر هللا هو التكل‪##‬ف فم‪##‬ا علي‪##‬ك أن‬
‫ال تدري‪ #‬ما األب‪ ،‬اتبعوا ما بين لكم هداه من الكت‪##‬اب‪ ،‬ف‪##‬اعملوا ب‪##‬ه‪ ،‬وم‪##‬ا لم تعرف‪##‬وه‬
‫فكلوه إلى ربه)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلكم أنا ‪ ..‬فقد بحثت في التفاسير التي تدعي رجوعها للسلف فلم‬
‫أجد بالال وال عمارا وال المقداد‪ ..‬وال أكثر المه‪##‬اجرين واألنص‪##‬ار ال‪##‬ذين كنت أوهم‬
‫من يستمع لي أنهم أعرف بالقرآن الكريم من غيرهم‪ ..‬وقد كان حالي في ذل‪##‬ك ح‪##‬ال‬
‫رج‪##‬ل أش‪##‬اد بأطب‪##‬اء بل‪##‬دة وق‪##‬دراتهم وخ‪##‬براتهم‪ #..‬لكن‪##‬ه عن‪##‬دما أرس‪##‬ل مريض‪##‬ه إليه‪##‬ا‬
‫ليعالجوه‪ ،‬لم يرسله ألطبائها‪ #‬وإنما أرسله لبوابيها وكناسيها وحجاميها‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا كنا نتاجر بلقب الصحابة‪ ،‬بينم‪##‬ا نحن نقص‪##‬يهم‪ ،‬ب‪##‬ل نح‪##‬ارب‬
‫كب‪##‬ارهم والس‪##‬ابقين منهم‪ ..‬وق‪##‬د أخ‪##‬بر رس‪##‬ول هللا ‪ ‬عن ه‪##‬ذا اإلقص‪##‬اء ال‪##‬ذي ح‪##‬رم‬
‫الصحابة من أداء دورهم التبليغي‪ ،‬وق‪##‬د روي‪ #‬أن معاوي‪##‬ة لم‪##‬ا ق‪##‬دم المدين‪##‬ة لقي‪##‬ه أب‪##‬و‬
‫قتادة األنصاري‪ #‬فقال‪ :‬تلقاني الناس كلهم غ‪##‬يركم ي‪##‬ا معش‪##‬ر األنص‪##‬ار فم‪##‬ا منعكم أن‬
‫تلقوني؟ قال‪ :‬لم تكن لنا دواب‪ ،‬قال معاوية‪ :‬فأين النواضح؟ قال أبو قت‪##‬ادة‪ :‬عقرناه‪##‬ا‬
‫في طلبك وطلب أبيك يوم بدر‪ ،‬ثم قال أبو قتادة‪ :‬إن رسول‪ #‬هللا ‪ ‬قال لنا إن‪##‬ا ل‪##‬نرى‬
‫بعده أثرة‪ ،‬قال معاوية‪ :‬فما أمركم؟ قال‪ :‬أمرنا أن نصبر حتى نلقاه‪ ،‬قال‪( :‬فاص‪#‬بروا‬
‫حتى تلقوه!)(‪ ..)4‬فهذا الحديث ال يشير فقط إلى األثرة المادية التي مارسها معاوي‪##‬ة‪،‬‬
‫وإنما يشير إلى م‪##‬ا ه‪##‬و أخط‪##‬ر من ذل‪##‬ك‪ ،‬وه‪##‬و تقريب‪##‬ه ألبي هري‪##‬رة وكعب األحب‪##‬ار‬
‫‪ )(1‬اإلتقان(‪)2/493‬‬
‫‪ )(2‬ذكره القرطبي في تفسيره ‪.1/29‬‬
‫‪ )(3‬رواه سعيد بن منص‪#‬ور وابن جري‪##‬ر وابن س‪##‬عد وعب‪##‬د بن حمي‪#‬د وابن المن‪##‬ذر وابن مردوي‪##‬ه وال‪#‬بيهقي في ش‪#‬عب اإليم‪#‬ان والخطيب والح‪#‬اكم‬
‫وصححه‪ ،‬انظر‪ :‬الدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪)8/421‬‬
‫‪ )(4‬مصنف عبد الرزاق ـ (ج ‪/ 11‬ص ‪)60‬‬
‫‪538‬‬
‫وغيرهما في نفس الوقت الذي أبعد فيه خيرة المهاجرين واألنصار‪ ،‬وقد ك‪##‬ان ل‪##‬ذلك‬
‫التق‪##‬ريب دوره الكب‪##‬ير في ك‪##‬ثرة تالمي‪##‬ذ أولئ‪##‬ك اليه‪##‬ود أو المتتلم‪##‬ذين عليهم‪ ،‬وب‪##‬ذلك‬
‫صارت الرواية عنهم ال عن كبار الصحابة الذين كنا نتاجر بأس‪##‬مائهم‪ ،‬وال نج‪##‬د لهم‬
‫أي أثر في الواقع‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬ولعل أحسن مثال على ذلك اإلمام علي؛ فم‪##‬ع كون‪##‬ه أك‪##‬ثر‬
‫الصحابة صحبة لرسول هللا ‪ ،‬بل لم يفارقه طيلة حياته‪ ،‬ب‪##‬ل ك‪##‬ان يس‪##‬كن مع‪##‬ه في‬
‫بيته مذ كان رضيعا‪ ،‬إال أنا لم نكن نرى له إال رواي‪##‬ات مح‪##‬دودة مع‪##‬دودة‪ ،‬وأكثره‪#‬ا‪#‬‬
‫من روايات أعدائه‪ ..‬وقد أشار اإلم‪##‬ام علي إلى ذل‪##‬ك التهميش بقول‪##‬ه‪( :‬ه‪##‬اه إن ههن‪##‬ا‬
‫لعلما جما ـ وأشار‪ #‬بيده إلى صدره ـ لو أصبت له حمله‪ ،‬بل أصيب لَقِنا غير م‪##‬أمون‬
‫عليه مستعمال آلة الدين للدنيا‪ ،‬ومستظهرا‪ #‬بنعم هللا على عباده وبحججه على أوليائه‬
‫أو منقادا لحملة الحق ال بصيرة في أحنائه‪ ،‬ينقدح الش‪##‬ك في قلب‪##‬ه ألول ع‪##‬ارض من‬
‫شبهة‪ ،‬أال ال ذا وال ذلك‪ ،‬أو منهوما باللذة س‪##‬لس القي‪##‬ادة للش‪##‬هوة‪ ،‬أو مغرم‪##‬ا ب‪##‬الجمع‬
‫شيء شبها بهما األنعام السائمة‪ ،‬كذلك يموت العلم بموت حامليه)(‪)1‬‬
‫وروي‪ #‬عن أبي الطفيل‪ ،‬قال‪( :‬شهدت عليا يخطب وهو يقول‪( :‬سلوني؛ فوهللا‬
‫ال تسألوني عن شيء إال أخبرتكم ب‪#‬ه‪ ،‬وس‪##‬لوني عن كت‪#‬اب هللا؛ فوهللا م‪##‬ا من آي‪#‬ة إال‬
‫وأنا أعلم‪ :‬أبليل نزلت أم بنهار؟ أم في سهل أم في جبل؟)(‪)2‬‬
‫ورو ي عنه قوله‪( :‬وهللا ما نزلت آية إال وقد علمت فيم أنزلت؟ وأين ن‪##‬زلت؟‬
‫إن ربي وهب لي قلبا عقوال‪ ،‬ولسانا سئوال)‬
‫لكن‪##‬ا لألس‪##‬ف نتيج‪##‬ة األحق‪##‬اد الطائفي‪##‬ة ـ وبت‪##‬أثير‪ #‬من الس‪##‬لطة السياس‪##‬ية ال‪##‬تي‬
‫تحكمت بعد ذلك في األمور حرمنا من وصول‪ #‬علم هذا الصحابي‪ #‬الجليل إلى األمة‪،‬‬
‫والحيلة التي احتالها أسالفنا لذلك بسيطة‪ ،‬وهي أن ك‪##‬ل من يفض‪##‬ل علي‪##‬ا على غ‪##‬يره‬
‫من الصحابة يعتبر شيعيا‪ ،‬وكل شيعي مبتدع‪ ،‬وما دام ك‪##‬ذلك‪ ،‬فإن‪##‬ه ال تح‪##‬ل الرواي‪##‬ة‬
‫عنه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬فكيف تصل األم‪#‬ة إلى علم‪#‬ه‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬وض‪#‬عنا‪ #‬آالف الحجب‬
‫بيننا وبينه‪ ..‬ومنها ما عبر عن‪##‬ه ابن حج‪##‬ر العس‪##‬قالني بقول‪##‬ه‪( :‬والتش‪##‬يع محبـة علي‬
‫وتقديمه على الصحابة‪ ،‬فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو‪ #‬غال في تش‪##‬يعه ويُطل ‪#‬ق‪#‬‬
‫فإن انضاف إلى ذلك السب والتصريح ب‪##‬البغض فغـال في ال‪##‬رفض‪،‬‬ ‫عليه رافضي‪ْ ،‬‬
‫ْ‬
‫وإن اعتقـد الرجعـة إلى الدنيـا فأشـد‪ #‬في الغلو)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غالب‪##‬ا‪ ،‬وت‪##‬وهينهم الش‪##‬يعة مطلق‪##‬ا‪،‬‬
‫وال سيما أن عليا ورد في حقه‪( :‬ال يحبه إال مؤمن وال يبغضه إال من‪##‬افق)‪ ،‬ثم ظه‪##‬ر‬
‫لي في الجواب عن ذلك أن البغض ها هنا مقيد بسبب وه‪##‬و كون‪##‬ه نص‪##‬ر الن‪##‬بي ‪،‬‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة (‪)4/36‬‬
‫‪ )(2‬اإلصابة‪.2/509 :‬‬
‫‪ )(3‬هدي الساري‪.640/‬‬
‫‪539‬‬
‫ألن من الطب‪###‬ع البش‪###‬ري‪ #‬بغض من وقعت من‪###‬ه إس‪###‬اءة في ح‪###‬ق المبغض والحب‬
‫بالعكس‪ ،‬وذلك ما يرجع إلى أم‪#‬ور‪ #‬ال‪#‬دنيا غالب‪#‬ا والخ‪##‬ير في حب علي وبغض‪#‬ه ليس‬
‫على العموم‪ ،‬فقد أحبه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو إله‪ ،‬تع‪##‬الى هللا عن أفكهم‬
‫والذي ورد‪ #‬في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق األنصار‪ #‬وأجاب عنه العلم‪##‬اء‬
‫أن بغضهم ألجل النصر‪ #‬كان ذلك عالمة نف‪##‬اق وب‪##‬العكس‪ .‬فك‪##‬ذا يق‪##‬ال في ح‪##‬ق علي‪.‬‬
‫وأيضا‪ #‬فأكثر من يوصف بالنصب يكون مش‪##‬هورا‪ #‬بص‪##‬دق‪ #‬اللهج‪##‬ة والتمس‪#‬ك‪ #‬ب‪##‬أمور‪#‬‬
‫الديانة‪ ،‬بخالف من يوص‪#‬ف‪ #‬ب‪##‬الرفض ف‪##‬إن غ‪##‬البهم ك‪##‬اذب وال يت‪##‬ورع‪ #‬في األخب‪##‬ار‪،‬‬
‫واألصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا قتل عثمان أو كان علي‪##‬ه فك‪##‬ان بغض‪##‬هم‪ #‬ل‪##‬ه‬
‫ديانة بزعمهم‪ .‬ثم انضاف إلى ذلك أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي )(‪)1‬‬
‫وهكذا استطاع سلفنا وخلفن‪##‬ا أن يقص‪##‬ي اإلم‪##‬ام علي ال‪##‬ذي وردت النص‪##‬وص‬
‫الكث‪##‬يرة ت‪##‬بين مرجعيت‪##‬ه ومرجعي‪##‬ة أه‪##‬ل بيت‪##‬ه في ال‪##‬دين‪ ،‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال ‪ ‬في الح‪##‬ديث‬
‫لن تضلّوا‪ #‬بعدي ‪ :‬كتاب هّللا حب ٌل ممدو ٌد‬ ‫المتواتر‪( #:‬إنّي تركت فيكم ما ْ‬
‫إن تمسّكتم‪ #‬به ْ‬
‫ولن يفترق ‪#‬ا‪ #‬حتّى ي‪##‬ردا عل ّي الح‪##‬وض‪،‬‬
‫ِمن السماء إلى األرض‪ ،‬وعترتي أهل بيتي‪ْ ،‬‬
‫فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(‪)2‬‬
‫فذكر رسول هللا ‪ ‬للقرآن الكريم مع العترة الطاهرة يدل على ك‪##‬ون كليهم‪##‬ا‬
‫مرجعا لل‪##‬دين‪ ،‬وه‪##‬و م‪##‬ا يفس‪##‬ره قول‪##‬ه ‪ ‬في الح‪##‬ديث الص‪##‬حيح ال‪##‬ذي حرف‪##‬ه العق‪##‬ل‬
‫الس‪##‬لفي ليتناس‪##‬ب م‪##‬ع مزاج‪##‬ه‪ ،‬وه‪##‬و قول‪##‬ه ‪( :‬فإن‪##‬ه من يعش منكم بع‪##‬دي فس‪##‬يرى‬
‫اختالفا ً كثيراً‪ ،‬فعليكم بسنتي‪ ،‬وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‪ ،‬تمسكوا‪ #‬بها وعضوا‬
‫عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم‪ #‬ومحدثات األمور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ض‪##‬اللة)‬
‫(‪ .. )3‬فالخلفاء الراشدون بالمفهوم النبوي‪ ،‬يختلف عن المفهوم الذي وضعه الن‪##‬اس‪،‬‬
‫واصطلحوا عليه بعد ذلك‪ ،‬وراحوا‪ #‬يفسرون كل شيء على أساسه‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ونتيجة لهذا التحريف ألغينا ذلك الض‪##‬ابط ال‪##‬ذي اعت‪##‬بره رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬وهو ضابط‪ #‬اعتبار مبغض اإلمام علي منافقا ال تحل الرواية عنه‪ ،‬وال يحل أخذ‬
‫الدين منه‪ ..‬ولهذا نجد في رواتنا‪ #‬أمثال حريز بن عثمان الناصبي ال‪##‬ذي وثق‪##‬ه يح‪##‬يى‬
‫القطان ومعاذ بن معاذ وأحمد بن حنب‪##‬ل ويح‪##‬يى‪ #‬بن معين ودحيم‪ #‬وغ‪##‬يرهم‪ ،‬م‪##‬ع أنهم‬
‫يروون أنه سئل بعضهم عن سر ع‪##‬دم الرواي‪##‬ة عن‪##‬ه‪ ،‬فق‪##‬ال‪( :‬كي‪##‬ف أكتب عن رج‪##‬ل‬
‫صليت معه الفجر سبع سنين فكان ال يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين لعنة‬
‫كل يوم)(‪)4‬‬
‫ب‪##‬ل إن البخ‪##‬اري‪ #‬ال‪##‬ذي ت‪##‬رك الرواي‪##‬ة عن اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق يعت‪##‬بر عم‪##‬ران بن‬
‫حطّان السدوسي البصري‪( #‬ت ‪ )84‬من الثقاة الذين ي‪##‬روي‪ #‬عنهم في ص‪##‬حيحه‪ ،‬ول‪##‬ه‬
‫‪ )(1‬تهذيب التهذيب (‪)8/458‬‬
‫‪ )( 2‬الحديث متواتر‪ ،‬وقد ورد بصيغ كثيرة رواه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم‪ ،‬وقد نص األلب‪##‬اني على ص‪##‬حته انظ‪##‬ر ح‪##‬ديث رقم‪ 2458 :‬في‬
‫صحيح الجامع‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو داود (السنة ‪/5/5/13‬رقم ‪ )4607‬واللفظ له‪ ،‬والترمذي (العلم ‪/16‬رقم ‪)2676‬‬
‫‪ )(4‬تاريخ بغداد ج‪/8‬ص‪.269‬‬
‫‪540‬‬
‫باتف‪##‬اق الم‪##‬ؤرخين ل‪##‬ه ش‪##‬عر في م‪##‬دح عب‪##‬د ال‪##‬رحمن بن ملجم الم‪##‬رادي‪ #‬قات‪##‬ل أم‪##‬ير‬
‫المؤمنين علي‪ ،‬منه قوله‪:‬‬
‫كفاه مهجة شر الخلق إنس‪##‬انا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هلل در المرادي الذي س‪##‬فكت‬
‫معطى من‪##‬اه من اآلث‪##‬ام عريانا‬ ‫أمسى عشية غشاه بض‪##‬ربته‬
‫إالّ ليبل‪######‬غ من ذي الع‪######‬رش‬ ‫يا ضربة من تقي ما أراد بها‬
‫رض‪############################################‬وانا‪#‬‬
‫أوفى‪ #‬البريّة عند هللا ميزانا(‪)1‬‬ ‫إنّي ألذك‪##‬ره حين‪##‬ا ً فأحس‪##‬به‬
‫ق‪##‬ال آخ‪##‬ر‪ :‬وليس ه‪##‬ذا خاص‪##‬ا بف‪##‬رد أو ف‪##‬ردين‪ ،‬ب‪##‬ل ك‪##‬ان ه‪##‬ذا منهجهم ال‪##‬ذي‬
‫اعتمدوا عليه في الجرح والتعديل‪ ،‬وق‪##‬د كتب المح‪##‬دث المع‪##‬روف (محم‪##‬د بن عقي‪##‬ل‬
‫العلوي) كتاب‪##‬ه في (العتب الجمي‪##‬ل على أه‪##‬ل الج‪##‬رح والتع‪##‬ديل) في ال‪##‬رد على ه‪##‬ذا‬
‫المنهج الذي يضاد ما أمر ب‪##‬ه رس‪##‬ول هللا ‪ ‬من اعتب‪##‬ار م‪##‬والة اإلم‪##‬ام علي عالم‪##‬ة‬
‫لإليمان‪ ،‬وبغضه عالمة للنفاق‪.‬‬
‫وقد قال في مقدمة كتابه‪ ،‬بع‪##‬د نقل‪##‬ه لكالم ابن حج‪##‬ر الس‪##‬ابق في س‪##‬بب توثي‪#‬ق‪#‬‬
‫المحدثين للنواصب وتوهينهم‪ #‬للمحبين لإلمام علي‪( :‬وال يخفى أن معنى كالمه ه‪##‬ذا‬
‫أن جميع محبي علي المقدمين ل‪#‬ه على الش‪#‬يخين روافض‪ ،‬وأن محبي‪#‬ه المق‪#‬دمين ل‪#‬ه‬
‫على من سوى الشيخين شيعة‪ ،‬وكال الط‪##‬ائفتين مج‪##‬روح العدال‪##‬ة‪ .‬وعلى ه‪##‬ذا فجمل‪##‬ة‬
‫كبيرة من الصحابة الكرام كالمقداد وزيد بن أرقم وس‪##‬لمان وأبي ذر وخب‪##‬اب وج‪##‬ابر‪#‬‬
‫وعثمان بن حنيف وأبي الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وقيس بن س‪#‬عد وأبي ذر‬
‫وخباب وجابر‪ #‬وعثمان بن ح‪##‬نيف وأبي الهيثم بن التيه‪##‬ان وخزيم‪##‬ة بن ث‪##‬ابت وقيس‬
‫بن سعد وأبي الطفيل عامر بن واثل‪##‬ة والعب‪##‬اس بن عب‪##‬د المطلب وبني‪##‬ه وب‪##‬ني‪ #‬هاش‪##‬م‬
‫كافة وبني المطلب كافة وكثير غيرهم كلهم روافض لتفض‪##‬يلهم علي‪##‬ا على الش‪##‬يخين‬
‫ومحبتهم‪ #‬له ويلحق‪ #‬بهؤالء من الت‪##‬ابعين وت‪##‬ابعي الت‪##‬ابعين من أك‪#‬ابر األئم‪##‬ة وص‪#‬فوة‬
‫األم‪##‬ة من ال يحص‪##‬ى ع‪##‬ددهم وفيهم قرن‪##‬اء الكت‪##‬اب‪ ،‬وج‪##‬رح عدال‪##‬ة ه‪##‬ؤالء ه‪##‬و وهللا‬
‫قاصمة الظهر) (‪)2‬‬
‫وقد ضرب األمثل‪##‬ة الكث‪##‬يرة عن ج‪##‬رح المح‪##‬دثين لل‪##‬رواة بس‪##‬بب حبهم لإلم‪##‬ام‬
‫علي‪ ،‬ومن ذل‪##‬ك م‪##‬ا نقل‪##‬ه عن ابن حج‪##‬ر في (ته‪##‬ذيب الته‪##‬ذيب) في ترجم‪##‬ة مص‪##‬دع‬
‫المعرقب ما لفظه‪( :‬قلت إنم‪##‬ا قي‪##‬ل ل‪##‬ه (المع‪##‬رقب) ألن الحج‪##‬اج أو بش‪##‬ر بن م‪##‬روان‬
‫عرض عليه سب علي فأبى‪ #‬فقط‪##‬ع عرقوي‪##‬ه‪ .‬ق‪##‬ال ابن الم‪##‬ديني قلت لس‪##‬فيان‪ :‬في أي‬
‫شيء عرقب؟ قال‪ :‬في التشيع انتهى‪ .‬ثم قال ذكره الجوزجاني في الضعفاء ـ يع‪##‬ني‬
‫المع‪##‬رقب ـ فق‪##‬ال زائ‪##‬غ ج‪##‬ائر عن الطري‪#‬ق‪ ،‬يري‪##‬د ب‪#‬ذلك م‪##‬ا نس‪#‬ب إلي‪#‬ه من التش‪#‬يع‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر‪ :‬ابن حجر العسقالني‪ :‬تهذيب التهذيب ‪ 113/ 8‬ـ ‪ 114‬برقم ‪ .223‬االصابة ‪.178/ 3‬‬
‫‪ )(2‬العتب الجميل‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪541‬‬
‫والجوزج‪##‬اني مش‪##‬هور بالنص‪##‬ب واالنح‪##‬راف‪ #‬فال يق‪##‬دح في‪##‬ه قول‪##‬ه انتهى‪ .‬ومن ه‪##‬ذا‬
‫تعرف أن التشيع الذي يعرقب المتصف‪ #‬ب‪#‬ه ويك‪#‬ون زائغ‪#‬ا ج‪#‬ائزا عن الطري‪#‬ق‪ #‬عن‪#‬د‬
‫أمثال الجوزجاني‪ #‬هو االمتناع عن سب مولى المؤمنين عليه السالم)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وفي مقاب‪##‬ل ذل‪##‬ك‪ ..‬وبع‪##‬د إقص‪##‬ائنا‪ #‬للس‪##‬ابقين األولين من المه‪##‬اجرين‬
‫واألنص‪##‬ار‪ ،‬وأمث‪##‬الهم من آل بيت النب‪##‬وة‪ ،‬بأمث‪##‬ال تل‪##‬ك الحجج الواهي‪##‬ة رحن‪##‬ا نق‪##‬رب‬
‫رج‪##‬ال ال‪##‬دين من اليه‪##‬ود‪ ،‬ومن تتلم‪##‬ذ على أي‪##‬ديهم من الص‪##‬حابة والت‪##‬ابعين‪ ،‬ح‪##‬تى‬
‫أص‪##‬بحنا نج‪##‬د ه‪##‬ؤالء في ك‪##‬ل مص‪##‬در‪ #‬من مص‪##‬ادر‪ #‬التلقي ابت‪##‬داء من تفس‪##‬ير الق‪##‬رآن‬
‫الكريم‪ ،‬وانتهاء بكتب العقائد والحديث ونحوها‪ ،‬حيث ال نكاد نجد مص‪##‬درا من ه‪##‬ذه‬
‫المصادر‪ #‬ـ وخاصة كتب التفسير التي منها تؤخذ تصورات الدين وعقائ‪##‬ده المختلف‪##‬ة‬
‫ـ إال وهو مملوء بأمثال إسماعيل بن أبي كريمة السدي‪ ،‬ومحم‪##‬د بن إس‪##‬حاق‪ ،‬وعب‪##‬د‬
‫الملك بن جريج‪ ،‬وعبد هللا بن سالم وكعب األحبار‪ ،‬وابن وهب‪ ،‬وغ‪##‬يرهم من رواة‬
‫األحاديث اإلسرائيلية التي سربت إلى اإلسالم‪ ،‬وفسر‪ #‬بها القرآن‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬ولألسف ال نجد المبالغات ال‪##‬تي وج‪##‬دناها‪ #‬في علم الج‪##‬رح‬
‫والتعديل ـ والتي مست خيار األمة بس‪##‬بب م‪##‬واقفهم الطيب‪##‬ة من الس‪##‬ابقين األولين من‬
‫المهاجرين واألنصار‪ ،‬وخاصة بيت النبوة ـ هنا ‪ ..‬بل نجد تساهال كبيرا إلى الدرجة‬
‫التي يعتبر فيه‪##‬ا علم‪##‬اء الج‪##‬رح والتع‪##‬ديل رجال مث‪##‬ل كعب األحب‪##‬ار علم‪##‬ا من أعالم‬
‫األمة‪ ،‬وإماما من أئمتها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬والمشكلة ال تكمن في كعب وحده‪ ،‬فقد يمكن تالفي‪ #‬روايات‪##‬ه‪ ،‬وإنم‪##‬ا‬
‫تكمن في أولئك الذين تتلم‪##‬ذوا علي‪##‬ه‪ ،‬ثم رووا روايات‪##‬ه‪ ،‬من غ‪##‬ير أن يس‪##‬ندوها‪ #‬إلي‪##‬ه‪،‬‬
‫وبذلك اختلط األم‪##‬ر اختالط‪##‬ا ش‪##‬ديدا؛ فمن ال‪##‬ذين ذك‪##‬ر الم‪##‬زي في (ته‪##‬ذيب الكم‪##‬ال)‬
‫جلوسهم‪ #‬بين يدي كعب األحبار‪ ،‬وروايتهم‪ #‬عنه‪ ،‬سواء أس‪##‬ندوا أو لم يس‪##‬ندوا‪ #‬ـ ه‪##‬ذه‬
‫األسماء التي له‪##‬ا حض‪##‬ورها الق‪##‬وي في كتب التفس‪##‬ير والعقائ‪##‬د‪( :‬األخنس بن خليف‪##‬ة‬
‫الضبى‪ ،‬وأسلم مولى عمر بن الخطاب‪ ،‬وتبيع الحميرى‪ ( #‬ابن امرأته )‪ ،‬وجرير بن‬
‫جابر الخثعمى‪ ،‬وخالد بن معدان‪ ،‬وروح بن زنباع‪ ،‬وأب‪#‬و المخ‪#‬ارق‪ #‬زه‪#‬ير بن س‪#‬الم‬
‫الس‪##‬لولى‪ ،‬وس‪##‬عيد‪ #‬بن المس‪##‬يب‪ ،‬وش‪##‬ريح بن عُبي‪##‬د‪ ،‬وعب‪##‬د هللا بن رب‪##‬اح األنص‪##‬ارى‪،‬‬
‫وعبد هللا بن الزبير بن العوام‪ ،‬وعبد هللا بن ض‪##‬مرة الس‪##‬لولى‪ ،‬وعب‪##‬د هللا بن عب‪##‬اس‪،‬‬
‫وعب‪##‬د هللا بن عم‪##‬ر بن الخط‪##‬اب‪ ،‬وعب‪##‬د هللا بن غيالن‪ ،‬وعب‪##‬د ال‪##‬رحمن بن مغيث‪،‬‬
‫وعط‪##‬اء بن أبى رب‪##‬اح‪ ،‬ومال‪##‬ك بن أبى ع‪##‬امر األص‪##‬بحى‪ ،‬ومحم‪##‬د بن عب‪##‬د هللا بن‬
‫ص‪##‬يفى‪ ،‬ومط‪##‬رف‪ #‬بن عب‪##‬د هللا بن الش‪##‬خير‪ ،‬ومعاوي‪##‬ة بن أبى س‪##‬فيان‪ ،‬ومغيث بن‬
‫سمى‪ ،‬وممطور‪ #‬أبو سالم األسود‪ ،‬وهمام ( شيخ لعبد الغفور الواسطى )‪ ،‬ويزي‪##‬د بن‬
‫خمير اليزنى‪ ،‬ويزيد بن قوذر‪ #،‬وأبو إبراهيم الردم‪##‬انى‪ ،‬وأب‪##‬و راف‪##‬ع الص‪##‬ائغ‪ ،‬وأب‪##‬و‬
‫سعيد الحبرانى‪ ،‬وأبو مروان األسلمى ( والد عطاء بن أبى مروان )‪ ،‬وأبو‪ #‬هري‪##‬رة‪،‬‬

‫‪ )(1‬العتب الجميل‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪542‬‬
‫مواهن)(‪)1‬‬ ‫وابن‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬فلكل واح‪##‬د من ه‪##‬ذه األس‪##‬ماء الرواي‪##‬ات الكث‪##‬يرة في كتب‬
‫التفسير والحديث والعقيدة‪ ،‬بل إن الكثير منهم روى‪ #‬له البخاري ومس‪##‬لم‪ #‬وغيرهم‪##‬ا‪..‬‬
‫حتى أن بعض األحاديث صارت مختلطة ال يكاد يميز بينه‪##‬ا‪ ،‬ه‪##‬ل قاله‪##‬ا رس‪##‬ول هللا‬
‫‪ ‬أم قالها كعب األحبار؟‬
‫ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك الح‪##‬ديث المش‪##‬هور ال‪##‬ذي تج‪##‬رؤوا‪ #‬ف‪##‬ذكروا أن‪##‬ه من‬
‫روايات كعب األحبار التي رفعها‪ #‬أبو هريرة إلى رسول هللا ‪ ‬على ال‪##‬رغم من أب‪##‬ا‬
‫هريرة قال في الحديث‪( :‬أخذ رسول هللا ‪ ‬بيدي‪،‬فقال‪ :‬خلق هللا التربة ي‪##‬وم الس‪##‬بت‬
‫وخلق الجبال فيها يوم األح‪#‬د وخل‪#‬ق الش‪#‬جر فيه‪#‬ا ي‪#‬وم االث‪#‬نين وخل‪#‬ق المك‪#‬روه ي‪#‬وم‬
‫الثالثاء وخلق النور ي‪##‬وم األربع‪##‬اء وبث فيه‪##‬ا ال‪##‬دواب ي‪##‬وم الخميس‪،‬وخل‪##‬ق آدم بع‪##‬د‬
‫العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيم‪##‬ا بين العص‪##‬ر‬
‫إلى الليل) (‪ ،)2‬فمع كون الحديث مرويا في صحيح مسلم إال أن ابن كثير تجرأ فق‪##‬ال‬
‫بكذبه‪ ،‬فقد قال في تفسيره تعليق‪##‬ا علي‪##‬ه‪( :‬فق‪##‬د رواه مس‪##‬لم بن الحج‪##‬اج في ص‪##‬حيحه‪،‬‬
‫والنسائي‪ #‬من غير وجه عن حجاج وهو ابن محمد األع‪#‬ور عن ابن ج‪##‬ريج ب‪#‬ه وفي‪##‬ه‬
‫استيعاب األيام السبعة‪ ،‬وهللا تعالى قد قال في ستة أي‪##‬ام‪ ،‬وله‪##‬ذا تكلم البخ‪##‬اري وغ‪#‬ير‬
‫واحد من الحفاظ في هذا الحديث‪ ،‬وجعلوه من رواية أبي هري‪##‬رة عن كعب األحب‪##‬ار‬
‫ليس مرفوعا)(‪)3‬‬
‫ب‪##‬ل إن ابن تيمي‪##‬ة نفس‪##‬ه رد الح‪##‬ديث‪ ،‬فق‪##‬ال في (مجم‪##‬وع الفت‪##‬اوى)‪ ..( :‬خل‪##‬ق‬
‫الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة فإن هذا طعن فيه من ه‪#‬و أعلم من مس‪##‬لم‬
‫مثل يحيى بن معين ومثل البخارى وغيرهما وذكر‪ #‬البخ‪##‬ارى أن ه‪##‬ذا من كالم كعب‬
‫األحبار)(‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬فمع اعترافنا‪ #‬بأن أحاديث أبي هريرة مختلطة مع أحاديث‬
‫كعب األحبار‪ #‬إال أنا كنا ال نبالي في أخذ أكثر عقائد الدين منه‪ ،‬وق ‪#‬د‪ #‬روى ابن كث‪##‬ير‬
‫عن مسلم صاحب الصحيح بسنده عن بكير بن األشج‪ ،‬قال‪ :‬قال لن‪##‬ا بش‪##‬ر بن س‪##‬عيد‪:‬‬
‫(اتق‪##‬وا هللا وتحفظ‪##‬وا‪ #‬من الح‪##‬ديث‪ ،‬فوهللا لق‪##‬د رأيتن‪##‬ا نج‪##‬الس أب‪##‬ا هري‪##‬رة فيح‪##‬دث عن‬
‫رسول هللا ‪ ،‬ويحدثنا‪ #‬عن كعب األحبار ثم يقوم فأسمع بعض ما كان معن‪##‬ا يجع‪##‬ل‬
‫حديث رسول هللا ‪ ‬عن كعب وحديث كعب عن رسول‪ #‬هللا ‪)5()‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬ومن هذا الب‪##‬اب دخلت اليهودي‪##‬ة في اإلس‪##‬الم إلى الدرج‪##‬ة‬
‫التي تحول فيها الذبيح بدل كونه إسماعيل عليه السالم ـ كما ه‪##‬و واض‪##‬ح من الق‪#‬رآن‬
‫الكريم ـ إلى كونه إس‪##‬حق كم‪##‬ا يق‪##‬ول اليه‪##‬ود‪ ،‬وذل‪#‬ك ألن أب‪#‬ا هري‪#‬رة روى عن كعب‬
‫تهذيب الكمال في أسماء الرجال (‪)24/189‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫صحيح مسلم (‪)4/2149‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير ابن كثير ج‪ 2‬ص‪.294‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجموع فتاوى ابن تيمية ج‪18‬ص‪.18‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫البداية والنهاية ج‪ 8‬ص‪.109‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪543‬‬
‫األحبار أن الذي أمر إبراهيم بذبحه من ابنيه إسحاق‪ ،‬وأن هللا لما فرج له والبنه من‬
‫البالء العظيم الذي كان فيه‪ ،‬قال هللا إلسحاق‪ :‬إني قد أعطيتك بصبرك ألمري دعوة‬
‫أعطيك فيها ما سألت‪ ،‬فسلني‪ ،‬قال‪ :‬رب أس‪#‬ألك أن ال تع‪#‬ذب عب‪##‬دا من عب‪#‬ادك لقي‪##‬ك‬
‫وهو يؤمن بك‪ ،‬فكانت تلك مسألته التي سأل(‪.)1‬‬
‫وقد حكى الطبري وغيره هذا القول عن أعالم السلف كابن عب‪##‬اس وعب‪##‬د هللا‬
‫بن مس‪##‬عود وأبي هري‪##‬رة وغ‪##‬يرهم من الص‪##‬حابة‪ ،‬باإلض‪##‬افة ألك‪##‬ثر من عش‪##‬رة من‬
‫سادات التابعين(‪.)2‬‬
‫وبعد أن حكى األقوال المختلف‪##‬ة في ه‪##‬ذا عقب عليه‪##‬ا مرجح‪##‬ا بقول‪##‬ه‪( :‬وأولى‬
‫القولين بالصواب في المفدي من اب‪##‬ني إب‪##‬راهيم خلي‪##‬ل ال‪##‬رحمن على ظ‪##‬اهر التنزي‪##‬ل‬
‫قول من قال‪ :‬هو إسحاق)(‪)3‬‬
‫‪ 5‬ـ عقبة الحرفية‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ ،‬وفي كشفكم للخ‪#‬دع ال‪#‬تي وقعت فيه‪#‬ا األم‪#‬ة لص‪#‬رفها‪#‬‬
‫عن تدبر كتاب ربها‪ ،‬وتفعيله في واقع حياتها‪ ،‬وهي نفس الخدع التي وقع فيها أه‪##‬ل‬
‫األمم السابقة حين احتكر كتبهم من راح يفسرها ويحرفها‪ #‬كما يشاء‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫َاب بِأ َ ْي ِدي ِه ْ‪#‬م ثُ َّم يَقُولُونَ هَ َذا ِم ْن ِع ْن ِد هَّللا ِ لِيَ ْشتَرُوا بِ ‪ِ #‬ه ثَ َمنً‪##‬ا قَلِياًل‬
‫﴿فَ َو ْي ٌل لِلَّ ِذينَ يَ ْكتُبُونَ ْال ِكت َ‬
‫سبُونَ ﴾ [البقرة‪]79 :‬‬ ‫ت أَ ْي ِدي ِه ْم َو َو ْي ٌل لَهُ ْم ِم َّما يَ ْك ِ‬‫فَ َو ْي ٌل لَهُ ْم ِم َّما َكتَبَ ْ‬
‫قال أحدهم‪ :‬أجل‪ ..‬فحدثنا‪ #‬عن العقبة الخامسة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬العقبة الخامسة ناشئة عن العقبة السابقة‪ ..‬وهي االكتفاء بالظواهر‪#‬‬
‫القرآنية‪ ،‬وعدم الغوص في أعماقها‪ ،‬أو تحكيم المتشابه على المحكم‪ ،‬وبذلك يحصل‬
‫‪#‬اب ِم ْن‪#‬هُ‬ ‫ك ْال ِكتَ‪َ #‬‬ ‫‪#‬و الَّ ِذي أَ ْن‪##‬زَ َل َعلَ ْي‪َ #‬‬ ‫الزيغ الذي حذر هللا تعالى منه‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬هُ‪َ #‬‬
‫ات فَأ َ َّما الَّ ِذينَ فِي قُلُوبِ ِه ْ‪#‬م زَ ْي ٌغ فَيَتَّبِعُونَ َما‬ ‫ب َوأُ َخ ُر ُمتَ َشابِهَ ٌ‪#‬‬ ‫ات ه َُّن أُ ُّم ْال ِكتَا ِ‬‫ات ُمحْ َك َم ٌ‬ ‫آيَ ٌ‬
‫ون فِي ْال ِع ْل ِم‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫تَ َشابَهَ ِم ْنهُ ا ْبتِغَا َء ْالفِ ْتنَ ِة َوا ْبتِغَا َء تَأ ِويلِ ِه َو َما يَ ْعلَ ُم تَأ ِويلَ‪#‬هُ إِاَّل هَّللا ُ َوالر ِ‬
‫َّاس‪ُ #‬خ َ‪#‬‬
‫ب﴾ [آل عمران‪]7 :‬‬ ‫يَقُولُونَ آ َمنَّا بِ ِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َربِّنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر إِاَّل أُولُو اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫قال أحدهم‪ :‬صدقت‪ ..‬فاهلل تعالى أخ‪##‬بر في ه‪##‬ذه اآلي‪##‬ة الكريم‪##‬ة أن في الق‪##‬رآن‬
‫الك‪##‬ريم ن‪##‬وعين من اآلي‪##‬ات‪ ،‬آي‪##‬ات محكم‪##‬ات واض‪##‬حات هي األص‪##‬ل والمرج‪##‬ع وأم‬
‫الكتاب الذي يصار إليه عند التنازع‪ ،‬ومنه متشابهات‪ ،‬وهي أن يشتبه اللفظ فيه‪#‬ا في‬
‫الظاهر مع اختالف المعاني(‪.)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد ذكرت اآلية الكريمة أن من أغراض وجود‪ #‬المتشابه في القرآن‬
‫الكريم هو الفتنة واالبتالء ليميز الراس‪##‬خون في العلم من ال‪##‬ذين في قل‪##‬وبهم م‪##‬رض‪،‬‬
‫والذين يتركون المحكم‪ ،‬ويقعون في المتشابه‪ ،‬نتيج‪##‬ة إعراض‪##‬هم عن الراس‪##‬خين في‬

‫تفسير الطبري (‪)21/82‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫انظر‪ :‬تفسير الطبري (‪)21/79‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫تفسير الطبري (‪)21/86‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البرهان‪.2/69 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪544‬‬
‫العلم‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولذلك وقع المنحرفون عن أئمة الهدى في التجس‪##‬يم والتش‪##‬بيه ال‪##‬ذي‬
‫زين‪##‬ه لهم س‪##‬لفهم نتيج‪##‬ة فهمهم الح‪##‬رفي‪ #‬لم‪##‬ا ورد في الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم من المج‪##‬از‬
‫واالستعارة والكناية ونحوها‪ #،‬حيث حملوها على الحقيقة؛ فضلوا وتاهوا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقت‪ ..‬ومن األمثلة على ذلك ما ورد من النصوص القرآني‪##‬ة في‬
‫ذكر اليد مضافة هلل تعالى‪ ،‬ألن العرب عندما تضيف اليد ألي كان قد تريد بذلك اليد‬
‫التي هي الجارح‪#‬ة‪ ،‬وتري‪#‬د‪ #‬به‪#‬ا أيض‪#‬ا مع‪#‬اني أخ‪#‬رى مث‪#‬ل‪ :‬الق‪#‬وة والنعم‪#‬ة والعط‪#‬اء‬
‫والثواب والهداية والنصرة والحفظ وغيرها‪ ..‬وبما أن األمر ك‪##‬ذلك‪ ،‬فالي‪##‬د المنس‪##‬وبة‬
‫هلل‪ ،‬تعت‪##‬بر من المتش‪#‬ابهات‪ ،‬وال‪#‬تي ال يمكن القط‪##‬ع بمعناه‪##‬ا إال للراس‪#‬خين في العلم‪،‬‬
‫ولهذا أولوها بما يتناسب مع كالم العرب‪ ،‬وقد قال الزركشي عند حديثه عن المحكم‬
‫والمتشابه‪( :‬وممن نق‪##‬ل عن‪##‬ه التأوي‪##‬ل علي بن أبي ط‪##‬الب وابن مس‪##‬عود وابن عب‪##‬اس‬
‫وغيرهم‪ ،‬وهو اختيار ابن برهان من األشعرية‪ ..‬وإنما حملهم على التأوي‪##‬ل وج‪##‬وب‬
‫حم‪##‬ل الكالم على خالف المفه‪##‬وم من حقيقت‪##‬ه لقي‪##‬ام األدل‪##‬ة على اس‪##‬تحالة المتش‪##‬ابه‬
‫والجسمية في حق البارئ تعالى‪ ،‬والخوض في كل هذه األمور خطر عظيم)(‪.)1‬‬
‫اس‪#‬ت ََوى﴾‬‫ش ْ‬ ‫قال آخر‪ :‬ومثل ذلك ما ورد‪ #‬في قوله تعالى‪﴿ :‬ال‪#‬رَّحْ َمنُ َعلَى ْال َع‪##‬رْ ِ‬
‫[طه‪ ،]5 :‬فبدل أن يفسرها الحرفيون‪ #‬بما تدل عليه اللغة مما يليق بتنزيه هللا تعالى عن‬
‫الجسمية وعوارضها‪ ،‬راح‪##‬وا يخت‪##‬ارون من معانيه‪##‬ا م‪##‬ا يعم‪##‬ق التش‪##‬بيه والتجس‪##‬يم‪#..‬‬
‫حيث فسروا االستواء بالقعود والجلوس‪ ،‬وجعلوا المتش‪##‬ابه فيه‪##‬ا ه‪##‬و ع‪##‬دم مع‪##‬رفتهم‬
‫لكيفية القع‪##‬ود والجل‪##‬وس‪ ،‬ومن األمثل‪##‬ة على ذل‪##‬ك ق‪##‬ول ابن تيمي‪##‬ة ـ زعيم المجس‪##‬مة‬
‫والمجادل عنهم ـ‪( :‬المع‪#‬نى ال‪#‬ذي ي‪#‬راد ب‪#‬ه ه‪#‬ذا في ح‪#‬ق المخل‪#‬وقين ال يج‪#‬وز أن ثم‬
‫ش﴾‬ ‫اس‪#‬ت ََوى َعلَى ْال َع‪##‬رْ ِ‬ ‫يكون نظيره ثابتا هلل‪ ،‬فلهذا صار متشابها‪ ،‬وكذلك قول‪##‬ه‪ ﴿ :‬ثُ َّم ْ‬
‫اس‪#‬ت ََوى‪َ #‬علَى‬ ‫ت َعلَى ْالجُو ِديِّ ﴾ [ه‪##‬ود‪ ،]44 :‬وقال‪﴿ :‬فَ ْ‬ ‫[األعراف‪ ،]54 :‬فإنه قد قال‪َ ﴿ :‬وا ْستَ َو ْ‬
‫ك﴾ [المؤمن‪##‬ون‪،]28 :‬‬ ‫اس ‪#‬ت ََويْتَ أَ ْنتَ َو َم ْن َم َع‪##‬كَ َعلَى ْالفُ ْل‪ِ #‬‬
‫ُس ‪#‬وقِ ِه﴾ [الفتح‪ ،]29 :‬وق‪##‬ال‪﴿ :‬فَ ‪#‬إِ َذا ْ‬
‫‪#‬ور ِه﴾ [الزخ‪##‬رف‪ ،]13 :‬فه‪##‬ذا االس‪##‬تواء كل‪##‬ه يتض‪##‬من حاج‪##‬ة‬ ‫وق‪##‬ال‪﴿ :‬لِت َْس ‪#‬تَ ُووا‪َ #‬علَى ظُهُ‪ِ #‬‬
‫المستوي‪ #‬إلى المس‪##‬توى علي‪#‬ه‪ ،‬وأن‪#‬ه ل‪##‬و ع‪##‬دم من تحت‪#‬ه لخ‪##‬ر‪ ،‬وهللا تع‪##‬الى غ‪#‬ني عن‬
‫العرش وعن كل شيء‪ ،‬بل هو سبحانه بقدرته يحمل العرش وحملة العرش‪ ..‬فصار‪#‬‬
‫لفظ االستواء متشابها‪ #‬يلزم‪##‬ه في ح‪##‬ق المخل‪##‬وقين مع‪##‬اني ي‪##‬نزه هللا عنه‪##‬ا‪ ،‬فنحن نعلم‬
‫معناه وأنه العلو واالعتدال‪ ،‬لكن ال نعلم الكيفية ال‪##‬تي اختص به‪##‬ا ال‪##‬رب ال‪##‬تي يك‪##‬ون‬
‫بها مستويا من غير افتقار منه إلى العرش‪ ،‬بل مع حاجة العرش وكل شيء محت‪##‬اج‬
‫إليه من كل وجه‪ ،‬وأنا لم نعهد في الموجودات‪ #‬ما يستوي‪ #‬على غ‪##‬يره م‪##‬ع غن‪##‬اه عن‪##‬ه‬
‫وحاجة ذلك المستوى‪ #‬عليه إلى المستوي‪ ،‬فصار متش‪##‬ابها من ه‪##‬ذا الوج‪##‬ه‪ ،‬ف‪##‬إن بين‬
‫اللفظين والمعنيين قدرا مشتركا‪ ،‬وبينهما‪ #‬قدرا فارقا‪ #‬هو مراد في ك‪##‬ل منهم‪##‬ا‪ ،‬ونحن‬
‫ال نعرف‪ #‬الفارق الذي امتاز ال‪##‬رب ب‪##‬ه فص‪##‬رنا نعرف‪##‬ه من وج‪##‬ه ونجهل‪##‬ه من وج‪##‬ه‪،‬‬
‫‪ )(1‬أنظر‪ :‬الزركشيـ البرهان في علوم القرآن‪2/78 :‬ـ‪80‬‬
‫‪545‬‬
‫تفسيره) (‪)1‬‬ ‫وذلك هو تأويله‪ ،‬واألول هو‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا صار المتشابه عنده وعند أصحابه ليس كونه مجه‪##‬وال غ‪##‬ير‬
‫معلوم بسبب االحتماالت الكثيرة ال‪##‬واردة على اللف‪##‬ظ‪ ،‬وإنم‪##‬ا ه‪##‬و متش‪##‬ابه من حيثي‪##‬ة‬
‫واحدة وهي عدم معرفة الكيفية‪ ..‬مع أن لالستواء في اللغة دالالت كث‪##‬يرة ب‪##‬إقرارهم‬
‫وإقرار مفسريهم المعتبرين مثل الطبري‪ ،‬الذي قال في شرحه لالستواء‪( :‬االس‪##‬تواء‬
‫فـي كالم العرب منصرف‪ #‬علـى وجوه‪ :‬منها انتهاء شبـاب الرجل وق ّوته‪ ،‬فـيقال إذا‬
‫ص‪##‬ار ك‪##‬ذلك‪ :‬ق‪##‬د اس‪##‬توى الرج‪##‬ل‪ ،‬ومنه‪##‬ا‪ :‬اس‪##‬تقامة م‪##‬ا ك‪##‬ان فـيه أَ َو ٌد من األم‪##‬ور‬
‫واألسبـاب‪ ،‬يقال منه‪ :‬اس‪##‬توى‪ #‬لفالن أم‪##‬ره‪ :‬إذا اس‪##‬تقام ل‪##‬ه بع‪##‬د أود‪ .‬ومنه‪##‬ا‪ #:‬اإلقبـال‬
‫علـى الشيء بـالفعل‪ ،‬كما يقال‪ :‬اس‪#‬توى‪ #‬فالن علـى فالن بـما يكره‪##‬ه ويس‪##‬وءه بع‪##‬د‬
‫اإلحسان إلـيه‪ .‬ومنها‪ :‬االحتـياز‪ #‬واالستـيالء كقولهم‪ :‬اس‪##‬توى‪ #‬فالن علـى الـمـملكة‪،‬‬
‫بـمعنى احتوى علـيها وحازها‪ .‬ومنها‪ :‬العل ّو واالرتفـاع‪ ،‬كقول القائ‪#‬ل‪ :‬اس‪#‬توى فالن‬
‫علـى سريره‪ ،‬يعنـي به علوّه علـيه)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن هذا الباب أولوا كل اآليات التي تذكر استغناء هللا عن المكان‪،‬‬
‫كما ق‪##‬ال أب‪##‬و نص‪##‬ر الس‪##‬جزي‪( :‬فأئمتن‪##‬ا كس‪##‬فيان الث‪##‬وري ومال‪##‬ك وس‪##‬فيان بن عيين‪##‬ة‬
‫وحماد‪ #‬بن سلمة وحماد‪ #‬بن زيد وعبد هللا بن المبارك وفضيل بن عي‪##‬اض وأحم ‪#‬د‪ #‬بن‬
‫حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقـون على أن هللا سبحانه بذات‪##‬ه ف‪##‬وق‪ #‬الع‪##‬رش‬
‫وأن علمه بكل مكان وأنه يرى يوم القيامة باألبصار‪ #‬ف‪##‬وق الع‪##‬رش‪ ،‬وأن‪##‬ه ي‪##‬نزل إلى‬
‫سماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلم‪ #‬بما شاء فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم‬
‫بريء وهم منه براء)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا اعتبر ابن عبد البر ك‪##‬ل تل‪##‬ك اإلض‪##‬افات المتش‪##‬ابهة محكم‪##‬ة‬
‫يؤول كل القرآن ألجلها‪ ،‬فقال‪( :‬أهل السنة مجمعون على اإلقرار بالصفات ال‪##‬واردة‬
‫كلها في القرآن والسنة‪ ،‬واإليمان بها وحملها على الحقيق‪##‬ة ال على المج‪##‬از‪ ،‬إال انهم‬
‫ال يكيفون شيئا من ذلك وال يحدون فيه صفة محصورة وأم‪##‬ا أه‪##‬ل الب‪##‬دع والجهمي‪##‬ة‬
‫والمعتزل‪##‬ة كله‪##‬ا والخ‪##‬وارج فكلهم ينكره‪##‬ا وال يحم‪##‬ل ش‪##‬يئا منه‪##‬ا على الحقيق‪##‬ة‪،‬‬
‫ويزعمون أن من أقر بها مشبه‪ ،‬وهم عند من أثبتها نافون للمعبود‪ ،‬والحق فيما قال‪##‬ه‬
‫القائلون بما نطق به كتاب هللا وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد‪ #‬هلل) (‪)4‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا كان األمر مع سائر ما ورد في القرآن الك‪##‬ريم من المع‪##‬اني‪،‬‬
‫وال‪##‬تي لم ي‪##‬رد منه‪##‬ا إال الحق‪##‬ائق ال‪##‬تي انط‪##‬ويت‪ #‬عليه‪##‬ا‪ ..‬لكن الفهم القاص‪##‬ر جع‪##‬ل‬
‫أصحابها‪ #‬ال يرون منها إال ظواهرها‪ #‬وحروفها دون أعماقها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا كان األمر مع سائر ما ورد في القرآن الكريم من المع‪##‬اني‪،‬‬

‫مجموع الفتاوى (‪)17/378‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الطبري‪.1/192:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫درء التعارض ‪ 6/250‬ونقل الذهبي كالمه هذا في السير ‪.17/656‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فتح البر بترتيب التمهيد ‪.48– 2/7‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪546‬‬
‫وال‪##‬تي لم ي‪##‬رد منه‪##‬ا إال الحق‪##‬ائق ال‪##‬تي انط‪##‬ويت‪ #‬عليه‪##‬ا‪ ..‬لكن الفهم القاص‪##‬ر جع‪##‬ل‬
‫أصحابها‪ #‬ال يرون منها إال ظواهرها‪ #‬وحروفها دون أعماقها‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬ولذلك كان الصالحون الذين قضوا حي‪##‬اتهم بص‪##‬حبة الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‬
‫يشيرون إلى عظم الحقائق التي يذكرها‪ ،‬وكثرتها‪ #،‬ووفائها‪ #‬بكل الحاجات‪ ،‬وق‪##‬د ق‪##‬ال‬
‫اإلمام عل ّي‪( :‬لو شئت ألوقرت‪ #‬سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب)‬
‫قال آخر‪ :‬ولهذا ورد في األح‪##‬اديث ال‪##‬دعوة إلى ت‪##‬دبر الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ #‬والبحث‬
‫عن حقائقه‪ ،‬كما قال رسول هللا ‪( :‬اعربوا القرآن والتمسوا غرائب‪#‬ه)(‪ .. )1‬وأخ‪#‬بر‬
‫أن المعاني القرآنية ال تقتصر على الظواهر فقط‪ ،‬فق‪##‬ال في وص‪##‬ف الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪:‬‬
‫(وهو كتاب تفص‪##‬يل وبي‪##‬ان تحص‪##‬يل‪ ،‬ه‪##‬و الفص‪##‬ل ليس ب‪##‬الهزل‪ ،‬ول‪##‬ه ظه‪ٌ #‬ر وبطن‪،‬‬
‫وظاهره حكم هللا وباطن‪##‬ه علم هللا تع‪##‬الى‪ ،‬فظ‪##‬اهره وثي‪#‬ق‪ #‬وباطن‪##‬ه عمي‪##‬ق‪ ،‬ل‪##‬ه نج‪##‬وم‬
‫وعلى نجومه نجوم‪ ،‬ال تُحصى عجائبه وال تُبلى غرائبه‪ ،‬فيه مصابيح الهدى ومن‪##‬ار‬
‫الحكم‪##‬ة‪ ،‬ودلي‪##‬ل على المعرف‪##‬ة لمن ع‪##‬رف النص‪##‬فة‪ ..‬فل‪##‬يرع رج ‪ٌ #‬ل بص‪##‬ره‪ ،‬وليبل‪##‬غ‬
‫فإن التفك‪##‬ر حي‪##‬اة قلب البص‪##‬ير‪،‬‬ ‫النصفة نظره ينجو من عطب‪ ،‬ويتخلّص من نشب‪ّ ،‬‬
‫ل التربّص)(‪)2‬‬ ‫كما يمشي المستنير في الظلمات‪ ،‬والنور‪ #‬يُحسن التخلّص ويُق ّ‬
‫وقد فسر اإلمام الباقر هذا الحديث بقوله‪( :‬ظاهره تنزيله‪ ،‬وباطنه تأويله‪ ،‬منه‬
‫ما قد مضى‪ ،‬ومنه ما لم يكن‪ ،‬يجري كما يجري الشمس والقم‪##‬ر‪ ،‬كلم‪##‬ا ج‪##‬اء تأوي‪##‬ل‬
‫منه يكون على األموات كما يكون على األحياء‪ ،‬ق‪##‬ال هللا‪َ ﴿ :‬و َم‪##‬ا يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَ ‪#‬هُ إِاَّل هَّللا ُ‬
‫ال ِع ْل ِم ﴾ [آل عمران‪ ]7 :‬نحن نعلمه)(‪)3‬‬ ‫َّاس ُخونَ فِي ْ‬ ‫َوالر ِ‬
‫وقال‪( :‬ولو أن اآلية إذا نزلت في قوم‪ #‬ثم مات اولئ‪##‬ك الق‪##‬وم م‪##‬اتت االي‪##‬ة‪ ،‬لم‪##‬ا‬
‫بقي من الق‪##‬رآن ش‪##‬ئ ولكن الق‪##‬رآن يج‪##‬ري أول‪##‬ه على آخ‪##‬ره م‪##‬ا دامت الس‪##‬ماوات‬
‫واالرض‪ ،‬ولكل قوم‪ #‬آية يتلونها‪ #‬هم منها من خير أو شر)(‪)4‬‬
‫‪ 6‬ـ عقبة األهواء‪:‬‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬ب‪##‬ورك فيكم‪ ..‬ف‪##‬القرآن الك‪##‬ريم أعظم من أن يحص‪##‬ر في حروف‪##‬ه‬
‫وألفاظه‪ ،‬وإال ك‪#‬ان مح‪##‬دودا ال يفي بك‪#‬ل الحاج‪##‬ات‪ ،‬م‪##‬ع أن هللا تع‪##‬الى ق‪#‬ال‪َ ﴿ :‬ونَ َّز ْلنَ‪##‬ا‬
‫سلِ ِمينَ ﴾ [النحل‪]89 :‬‬ ‫َاب تِ ْبيَانًا لِ ُكلِّ َش ْي ٍء َوهُدًى َو َرحْ َمةً َوبُ ْش َرى‪ #‬لِ ْل ُم ْ‬ ‫ك ْال ِكت َ‬‫َعلَ ْي َ‬
‫قال أحدهم‪ :‬أجل‪ ..‬فحدثنا‪ #‬عن العقبة السادسة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬العقبة السادسة أم ك‪##‬ل العقب‪##‬ات الس‪##‬ابقة وأساس‪##‬ها ومنبعه‪##‬ا‪ #..‬فك‪##‬ل‬
‫االنحرافات‪ #‬التي وقعت في التأويل سببها اتب‪#‬اع اله‪##‬وى‪ ،‬فه‪##‬و الحج‪#‬اب ال‪#‬ذي يح‪#‬ول‬
‫﴿و ِم ْنهُ ْم َم ْن يَ ْستَ ِم ُع إِلَ ْيكَ َحتَّى‬ ‫بين القلوب والعقول وفهم كلمات ربها‪ ،‬كما قال تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ال ِذينَ طبَ ‪َ #‬ع هللا َعلى‬ ‫َّ‬ ‫ال آنِفًا أُولئِ ‪َ #‬‬
‫َ‬ ‫إِ َذا َخ َرجُوا ِم ْن ِع ْن ِدكَ قَالُوا لِلَّ ِذينَ أُوتُوا ْال ِع ْل َم َما َذا قَ َ‬

‫بحار األنوار (‪)92/106‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫نوادر الراوندي ص‪.21‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫بصائر الدرجات‪.196/‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫تفسير العياشى‪.1/10 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪547‬‬
‫‪#‬وا َءهُ ْم﴾ [محم‪##‬د‪ ،]16 :‬ول‪##‬ذلك ف‪##‬إن من تخلص من‪##‬ه‪ ،‬وجلس بين ي‪##‬دي‬ ‫قُلُوبِ ِه ْ‪#‬م َواتَّبَعُوا أَ ْه‪َ #‬‬
‫القرآن الكريم كالتلميذ بين يدي األستاذ علمه هللا‪ ،‬ولو من غير معلم‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬وق‪##‬د ق‪##‬ال بعض الص‪##‬الحين يش‪##‬ير إلى ذل‪##‬ك‪( :‬ال يك‪##‬ون‬
‫المريد مريدا حتّى يجد في القرآن ك ّل ما يري‪##‬د‪ ،‬ويع‪##‬رف‪ #‬من‪##‬ه النقص‪##‬ان من المزي‪##‬د‪،‬‬
‫ويستغني بالمولى عن العبيد)‬
‫أن الشياطين‬ ‫قال آخر‪ :‬بل ورد‪ #‬في الحديث عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬لو ال ّ‬
‫‌يحوم‪##‬ون على أعين ب‪##‬نى آدم أن ال يتفك‪##‬روا فى ملك‪##‬وت الس‪##‬موات واألرض ول‪##‬وال‬
‫ذلك لرأوا العجائب)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ول‪##‬ذلك ال يمكن ت‪##‬دبر الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم م‪##‬ا لم ت‪##‬زل تل‪##‬ك الحجب ال‪##‬تي‬
‫تحول دون فهمه‪ ،‬ومنها‪ #‬ـ كما قال بعضهم ـ أن يكون الق‪#‬ارئ (مقلّ‪#‬دا لم‪#‬ذهب س‪#‬معه‬
‫التعص‪#‬ب ل‪##‬ه بمج‪#‬رّد االتّب‪##‬اع للمس‪##‬موع من غ‪##‬ير‬ ‫ّ‬ ‫بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه‬
‫وصول‪ #‬إليه ببصيرة ومشاهدة فهذا شخص قيّده معتقده عن أن يجاوزه فال يمكنه أن‬
‫يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفا على مسموعه فإن لم‪##‬ع ب‪##‬رق على بع‪##‬د‬
‫وبدا له معنى من المع‪##‬اني الّ‪##‬تي تب‪##‬اين مس‪##‬موعه حم‪##‬ل علي‪##‬ه ش‪##‬يطان التقلي‪##‬د حمل‪##‬ة‪،‬‬
‫وقال‪ :‬كيف يخطر ه‪##‬ذا ببال‪##‬ك وه‪##‬و خالف معتق‪##‬د آبائ‪##‬ك ف‪##‬يرى أن ذل‪##‬ك غ‪##‬رور من‬
‫الشيطان فيتباعد منه ويحترز‪ #‬عن مثله‪ ..‬وهذا التقليد ق‪##‬د يك‪##‬ون ب‪##‬اطال فيك‪##‬ون مانع‪##‬ا‬
‫كمن يعتق‪##‬د من االس‪##‬تواء على الع‪##‬رش التم ّكن واالس‪##‬تقرار‪ ،‬ف‪##‬إن خط‪##‬ر ل‪##‬ه مثال في‬
‫الق ّدوس أنّه المق ّدس عن ك ّل ما يجوز على خلقه لم يم ّكن‪##‬ه تقلي‪##‬ده من أن يس‪##‬تق ّر ذل‪##‬ك‬
‫في نفسه‪ ،‬ولو استق ّر ذل‪##‬ك في نفس‪##‬ه النج‪ّ #‬ر إلى كش‪##‬ف ث‪##‬ان وث‪##‬الث ولتواص‪##‬ل ولكن‬
‫يتسارع‪ #‬إلى دفع ذلك عن خاطره لمناقضته تقلي‪##‬ده الباط‪##‬ل‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬يك‪##‬ون حقّ‪##‬ا ويك‪##‬ون‬
‫ق الّ‪##‬ذي كلّ‪##‬ف الخل‪##‬ق اعتق‪##‬اده ل‪##‬ه م‪##‬راتب‬ ‫ألن الح ‪ّ #‬‬
‫أيض‪##‬ا مانع‪##‬ا من الفهم والكش‪##‬ف ّ‬
‫ودرج‪##‬ات‪ #‬ول‪##‬ه مب‪##‬دأ ظ‪##‬اهر وغ‪##‬ور ب‪##‬اطن وجم‪##‬ود الطب‪##‬ع على الظ‪##‬اهر يمن‪##‬ع من‬
‫الوصول‪ #‬إلى الغ‪##‬ور الب‪##‬اطن كم‪##‬ا ذكرن‪##‬اه من الف‪##‬رق بين العلم الب‪##‬اطن والظ‪##‬اهر‪ #‬في‬
‫كتاب قواعد العقائد) (‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومنها أن يكون القارئ للقرآن الكريم‪( #‬مص‪#‬رّا على ذنب أو متّص‪##‬فا‬
‫فإن ذلك سبب ظلم‪##‬ة القلب وص‪##‬دئه‬ ‫بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى في ال ّدنيا مطاع ّ‬
‫ق من أن يتجلّى في‪##‬ه وه‪##‬و أعظم حج‪##‬اب‬ ‫وهو كالخبث على الم‪##‬رآة فيمن‪##‬ع جليّ‪##‬ة الح‪ّ #‬‬
‫للقلب وبه حجب األكثرون وكلّما كانت الش‪##‬هوات أش‪ّ #‬د تراكم‪#‬ا‪ #‬ك‪##‬انت مع‪##‬اني الكالم‬
‫خف عن القلب أثقال ال‪ّ #‬دنيا ق‪##‬رب تجلّى المع‪##‬نى في‪#‬ه ف‪##‬القلب مث‪##‬ل‬ ‫أش ّد احتجابا وكلّما ّ‬
‫المرآة والشهوات‪ #‬مثل الصدء ومعاني‪ #‬القرآن مثل الص‪##‬ور الّ‪##‬تي ت‪##‬تراءى في الم‪##‬رآة‬
‫والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل الجالء للمرآة)‬
‫ْص‪َ #‬رةً‬ ‫ّ‬
‫قال آخر‪ :‬ول‪##‬ذلك ش‪##‬رط هللا تع‪##‬الى اإلناب‪##‬ة في الفهم والت‪##‬ذكر‪ ،‬فق‪##‬ال‪﴿ :‬تَب ِ‬
‫‪ )(1‬أحمد (‪ ،2/353‬رقم ‪)8625‬‬
‫‪ )(2‬إحياء علوم الدين (‪)1/284‬‬
‫‪548‬‬
‫اجدًا َوقَائِ ًم‪ #‬ا‪ #‬يَحْ ‪َ #‬ذ ُر‬‫ت آنَا َء اللَّي ِْل َس ِ‬ ‫ب﴾ [ق‪ ،]8 :‬وقال‪﴿ :‬أَ َّم ْن ه َُو قَانِ ٌ‬ ‫َو ِذ ْك َرى‪ #‬لِ ُك ِّل َع ْب ٍد ُمنِي ٍ‬
‫‪#‬رةَ َويَرْ ُج‪##‬و َرحْ َم‪ #‬ةَ َربِّ ِه قُ‪##‬لْ هَ‪##‬لْ يَ ْس‪#‬ت َِوي الَّ ِذينَ يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ َوالَّ ِذينَ اَل يَ ْعلَ ُم‪##‬ونَ إِنَّ َم‪##‬ا‬ ‫اآْل ِخ‪َ #‬‬
‫ب﴾ [الزمر‪]9 :‬‬ ‫يَتَ َذ َّك ُر أُولُو اأْل َ ْلبَا ِ‬
‫قال آخر‪ :‬ومنها التعلق بتلك التفاسير التي راحت تطب‪##‬ق فهومه‪#‬ا‪ #‬على الق‪#‬رآن‬
‫الكريم وتفرضه عليها‪ ..‬ولألسف‪ #‬فقد كنت ضحية لذلك‪ ..‬لقد كنت من ق‪##‬وم‪ #‬ينظ‪##‬رون‪#‬‬
‫إلى أقوال علم‪#‬ائهم كم‪#‬ا ينظ‪#‬رون إلى الق‪#‬رآن الك‪#‬ريم‪( ،‬فوقف‪#‬وا جه‪#‬دهم العلمى على‬
‫نص‪##‬رة م‪##‬ذاهبهم وترويجه‪##‬ا‪ ،‬وب‪##‬ذلوا ك‪##‬ل م‪##‬ا فى وس‪##‬عهم إلبط‪##‬ال م‪##‬ذهب المخ‪##‬الف‬
‫وتفنيده‪ ،‬وكان من أثر ذل‪##‬ك أن نظ‪##‬ر ه‪##‬ذا البعض إلى آي‪##‬ات األحك‪##‬ام فأوله‪#‬ا‪ #‬حس‪##‬بما‬
‫يش‪##‬هد لمذهب‪##‬ه إن أمكن‪##‬ه التأوي‪##‬ل‪ ،‬وإال فال أق‪##‬ل من أن يؤوله‪#‬ا‪ #‬ت‪##‬أويال يجعله‪##‬ا ب‪##‬ه ال‬
‫تصلح أن تكون فى جانب مخالفيه‪ ،‬وأحيانا‪ #‬يلجأ إلى الق‪##‬ول بالنس‪##‬خ أو التخص‪##‬يص‪،‬‬
‫وذلك إن س‪##‬دت علي‪##‬ه ك‪##‬ل مس‪##‬الك التأوي‪##‬ل‪ ..‬كم‪##‬ا ق‪##‬ال عب‪##‬د هللا الك‪##‬رخى‪ ،‬وه‪##‬و أح‪##‬د‬
‫المتعصبين لمذهب أبى حنيف‪#‬ة‪( :‬ك‪#‬ل آي‪#‬ة أو ح‪#‬ديث يخ‪#‬الف م‪#‬ا علي‪#‬ه أص‪#‬حابنا‪ #‬فه‪#‬و‬
‫مؤول أو منسوخ)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد ك‪#‬ان له‪#‬ؤالء أث‪#‬ر ظ‪#‬اهر فى التفس‪#‬ير الفقهى‪ ،‬حيث أص‪#‬بح ك‪#‬ل‬
‫مذهب يفسر القرآن الكريم بما يتناسب مع مذهبه‪ ..‬ومن األمثلة على ذل‪##‬ك م‪##‬ا ذك‪##‬ره‬
‫الكيا الهراسى‪ ،‬الفقيه الشافعى في مقدمة تفسيره‪ ،‬فقد ق‪##‬ال‪( :‬إني لم‪##‬ا ت‪##‬أملت م‪##‬ذاهب‬
‫القدماء المعت‪##‬برين‪ ،‬والعلم‪##‬اء المتق‪##‬دمين والمت‪##‬أخرين واخت‪##‬برت م‪##‬ذاهبهم‪ #‬وآراءهم‪،‬‬
‫ولحظت مط‪##‬البهم وأبح‪##‬اثهم‪ ،‬رأيت م‪##‬ذهب الش‪##‬افعي أس‪##‬دها وأقومه‪##‬ا‪ #،‬وأرش‪##‬دها‪#‬‬
‫وأحكمه‪##‬ا‪ ،‬ح‪##‬تى ك‪##‬ان نظ‪##‬ره في ك‪##‬بر آرائ‪##‬ه‪ ،‬ومعظم أبحاث‪##‬ه‪ ،‬ي‪##‬ترقى‪ #‬عن ح‪##‬د الظن‬
‫والتخمين‪ ،‬إلى درجة الحق واليقين‪ ..‬ولم أجد لذلك سببا أقوى‪ ،‬وأوض‪#‬ح وأوفى‪ ،‬من‬
‫اط‪ُ #‬ل ِم ْن بَي ِْن يَ َد ْي‪ِ #‬ه َواَل ِم ْن‬ ‫تطبيقه مذهب‪##‬ه على كت‪##‬اب هللا تع‪##‬الى‪ ،‬ال‪##‬ذي‪﴿ :‬اَل يَأْتِي‪ِ #‬ه ْالبَ ِ‬
‫خَ ْلفِ ‪ِ #‬ه تَ ْن ِزي ‪ٌ #‬ل ِم ْن َح ِك ٍيم َح ِمي ‪ٍ #‬د﴾ [فص‪##‬لت‪ ..]42 :‬وأن‪##‬ه أتيح ل‪##‬ه درك غ‪##‬وامض معاني‪##‬ه‪،‬‬
‫والغوص على تيار بحره الس‪##‬تخراج م‪##‬ا في‪##‬ه‪ ،‬وأن هللا فتح علي‪##‬ه من أبواب‪##‬ه‪ ،‬ويس‪##‬ر‬
‫عليه من أسبابه‪ ،‬ورفع‪ #‬له من حجابه‪ ،‬ما لم يس‪##‬هل لمن س‪##‬واه‪ ،‬ولم يت‪#‬أت لمن ع‪##‬داه‪،‬‬
‫﴿وآتَ ْينَ‪##‬اهُ ِم ْن ُك‪ِّ #‬ل َش‪ْ #‬ي ٍء َس‪#‬بَبًا‬
‫فكان على ما أخبر هللا تعالى عن ذي القرنين في قوله‪َ :‬‬
‫فَ‪##‬أ َ ْتبَ َع َس‪#‬بَبًا﴾ [الكه‪##‬ف‪ ..]85-84 :‬ولم‪##‬ا رأيت األم‪##‬ر ك‪##‬ذلك‪ ،‬أردت أن أص‪##‬نف في أحك‪##‬ام‬
‫القرآن كتابا أشرح فيه ما انتزعه الشافعي‪ ،‬من أخذ ال‪##‬دالئل في غ‪##‬وامض المس‪##‬ائل‪،‬‬
‫وضممت إليه ما نس‪##‬جته على منوال‪##‬ه‪ ،‬واحت‪#‬ذيت في‪##‬ه على مثال‪#‬ه‪ ،‬على ق‪#‬در‪ #‬ط‪#‬اقتي‪#‬‬
‫وجهدي‪ ،‬ومبلغ وسعي‪ #‬وجدي‪ ،‬ورأيت بعض من عجز عن إدراك مس‪##‬تلكاته فهم‪##‬ه‪،‬‬
‫ولم يصل إلى أغراض معانيه سهمه‪ ،‬جعل عج‪##‬زه عن فهم معاني‪##‬ه‪ ،‬س‪##‬ببا للق‪##‬دح في‬
‫معاليه‪ ،‬ولم يعلم أن الدر در برغم من جهله‪ ،‬وأن آفته من قصور فهمه‪ ،‬وقلة علمه‪،‬‬
‫وما يضر الشمس قصور‪ #‬األعمى عن إدراكها‪ ،‬والحق‪##‬ائق عج‪##‬ز البلي‪##‬د عن لحاقه‪##‬ا)‬

‫‪ )(1‬التفسير والمفسرون‪ ،‬الذهبي‪.2/319 :‬‬


‫‪549‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ولهذا كان يحمل في الكتاب حملة شديدة على مخالفيه‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‬
‫قوله في بعض مخالفي مذهبه‪( :‬وكي‪##‬ف ‌يتص‪##‬دى‪‌ #‬للتص‪##‬نيف‪ #‬في ال‪##‬دين من ه‪##‬ذا مبل‪##‬غ‬
‫علمه ومقدار فهمه‪ ،‬فيرس‪#‬ل الكالم إرس‪##‬اال من غ‪##‬ير أن يتحق‪#‬ق م‪#‬ا يق‪#‬ول‪ ،‬ويحص‪##‬ل‬
‫على نفسه ما يورده‪ ،‬ثم يتع‪##‬رض للطعن فيمن ل‪##‬و عم‪#‬ر عم‪##‬ر ن‪##‬وح‪ ،‬م‪##‬ا اهت‪#‬دى إلى‬
‫مب‪##‬ادئ نظ‪##‬ره في الحق‪##‬ائق؟ فنس‪##‬أل هللا تع‪##‬الى التوفي‪##‬ق‪ #،‬ونس‪##‬أله النج‪##‬اة من عمى‬
‫البصيرة واتباع الهوى) (‪)2‬‬
‫قال آخ‪##‬ر‪ :‬ومث‪##‬ل ذل‪##‬ك م‪##‬ا حص‪##‬ل البن الع‪##‬ربي الم‪##‬الكي في تفس‪##‬يره [أحك‪##‬ام‬
‫القرآن]؛ فهو لم يكتف بأن يتناول آيات األحكام بناء على مذهب‪##‬ه الفقهي‪ ،‬وإنم‪##‬ا راح‬
‫يقف من المخالفين له موقفا متشددا جدا‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قوله في تفسير قول‪#‬ه‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬ذلِكَ أَ ْدنَى أَاَّل تَعُولُوا﴾ [النساء‪( :]3 :‬اختلف الناس فى تأويله على ثالثة أق‪##‬وال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ال يكثر عيالكم‪ ،‬قاله الشافعى‪ ..‬الثانى‪ :‬أن ال تضلوا‪ ،‬قاله مجاهد‪ ..‬الثالث‪:‬‬
‫أن ال تميلوا‪ ،‬قاله ابن عباس والناس‪ ..‬قلنا‪ :‬أعجب أص‪##‬حاب الش‪##‬افعى‪ #‬بكالم‪##‬ه ه‪##‬ذا‪،‬‬
‫وقالوا‪ #‬هو حجة‪ ،‬لمنزل‪#‬ة الش‪#‬افعى‪ #‬فى اللغ‪#‬ة‪ ،‬وش‪##‬هرته فى العربي‪#‬ة‪ ،‬واالع‪##‬تراف ل‪#‬ه‬
‫بالفص‪##‬احة‪ ،‬ح‪##‬تى ق‪##‬ال الجوي‪##‬نى‪ :‬ه‪##‬و أفص‪##‬ح من نط‪##‬ق بالض‪##‬اد‪ ،‬م‪##‬ع غوص‪##‬ه على‬
‫المعانى ومعرفته باألصول‪ ..‬واعتقدوا أن مع‪##‬نى اآلي‪#‬ة‪ :‬ف‪##‬انكحوا واح‪##‬دة إن خفتم أن‬
‫يكثر عيالكم‪ ،‬فذلك أقرب إلى أن تنتفى عنكم كثرة العيال‪ ..‬قال ابن العربى‪( :‬كل م‪##‬ا‬
‫قاله الشافعى‪ #،‬أو قيل عنه‪ ،‬أو وصف‪ #‬به‪ ،‬فهو كله جزء من مال‪##‬ك ونغب‪##‬ة من بح‪##‬ره‪،‬‬
‫ومالك أوعى سمعا‪ ،‬وأثقب فهما‪ ،‬وأفصح لسانا‪ ،‬وأبرع بيانا‪ ،‬وأبدع‪ #‬وص‪##‬فا‪ ،‬وي‪##‬دلك‬
‫على ذلك مقابلة قول بقول فى كل مسألة وفصل)(‪)3‬‬
‫وبعد أن تكلم عن معنى لفظ [عال] فى اللغة‪ ،‬قال‪( :‬والفعل فى ك‪##‬ثرة العي‪##‬ال‬
‫رباعي ال مدخل له فى اآلي‪#‬ة‪ ،‬فق‪#‬د ذهبت الفص‪#‬احة‪ ،‬ولم تنف‪##‬ع الض‪#‬اد المنط‪##‬وق به‪##‬ا‬
‫على االختصاص)(‪)4‬‬
‫﴿و َم ْن لَ ْم يَ ْس‪#‬ت َِط ْع ِم ْن ُك ْم طَ‪##‬وْ اًل أَ ْن‬
‫قال آخر‪ :‬وهكذا قال في تفسير قول‪##‬ه تع‪##‬الى‪َ :‬‬
‫ت﴾ [النساء‪( :]25 :‬قال أبو بكر الرازى إمام الحنفية فى كت‪##‬اب‬ ‫ت ْال ُم ْؤ ِمنَا ِ‬ ‫يَ ْن ِك َح ْال ُمحْ َ‬
‫صنَا ِ‬
‫أحكام القرآن‪ :‬ليس نكاح األمة ضرورة‪ ،‬ألن الضرورة ما يخ‪#‬اف من‪#‬ه تل‪#‬ف النفس‪،‬‬
‫أو تلف عضو‪ ،‬وليس فى مسألتنا ش‪#‬ىء من ذل‪#‬ك)‪ ،‬ثم عل‪#‬ق علي‪#‬ه بقول‪#‬ه‪( :‬ه‪#‬ذا كالم‬
‫جاه‪###‬ل بمنه‪###‬اج الش‪###‬رع‪ ،‬أو متهكم ال يب‪###‬الى بم‪###‬وارد‪ #‬الق‪###‬ول‪ ..‬ومن لم يف‪###‬رق بين‬
‫الضرورة والحاجة التى تكون معها الرخصة‪ ،‬فال يعنى بالكالم معه‪ ،‬فإن‪##‬ه معان‪##‬د أو‬

‫أحكام القرآن للكيا الهراسي (‪)1/2‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أحكام القرآن للكيا الهراسي (‪)2/404‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أحكام القرآن البن العربي (‪)1/410‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أحكام القرآن البن العربي (‪)1/410‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪550‬‬
‫به)(‪)1‬‬ ‫جاهل‪ ،‬وتقرير‪ #‬ذلك إتعاب للنفس عند من ال ينتفع‬
‫‪ 7‬ـ عقبة الدجل‪:‬‬
‫قال المعلم‪ :‬بورك فيكم‪ ،‬واألمثلة التي ذكرتموها‪ #‬كافية للدالل‪##‬ة على التعص‪##‬ب‬
‫ال‪##‬ذي حجب عن مع‪##‬اني الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬ب‪##‬ل جع‪##‬ل لك‪##‬ل طائف‪##‬ة قرآنه‪##‬ا‪ #‬الخ‪##‬اص‬
‫وتفاسيرها‪ #‬الخاصة‪ ،‬وحال بينها وبين الوحدة التي أمر هللا تعالى بها‪.‬‬
‫قال أحدهم‪ :‬أجل‪ ..‬فحدثنا‪ #‬عن العقبة السابعة‪.‬‬
‫قال المعلم‪ :‬العقبة السابعة وليدة العقبة السادسة‪ ..‬وهي استعمال القرآن الكريم‬
‫في غير م‪##‬ا أن‪##‬زل ألجل‪#‬ه‪ ..‬وه‪##‬و تحويل‪#‬ه إلى كت‪##‬اب للش‪##‬عوذة وال‪##‬دجل‪ ،‬ب‪##‬دل الهداي‪##‬ة‬
‫والتنوير‪.‬‬
‫ق‪##‬ال أح‪##‬دهم‪ :‬ص‪##‬دقت‪ ..‬ولألس‪##‬ف؛ ف‪##‬إن الكث‪##‬ير من أه‪##‬ل ه‪##‬ذه المدين‪##‬ة ال يق‪##‬رأ‬
‫القرآن الكريم إال ليحصن بيته أو ماله أو ولده‪ ..‬أو يستعمله حرزا أو رقية من العين‬
‫أو الشيطان أو غيرهما‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬بل هناك من يستعمله ألخطر من ذلك‪ ..‬وقد وجدت الكثير من أه‪##‬ل‬
‫هذه المدينة يرجع إلى كتاب [شمس المعارف‪ #‬الكبرى] للشيخ أحمد بن علي البوني‪،‬‬
‫والذي استعمل القرآن بسوره وآياته مثلما يستعمل المشعوذون طالسمهم‪ #‬وأوف‪##‬اقهم‪..‬‬
‫وقد‪ #‬قال في مقدمة كتابه‪( :‬وإني لما رأيت كالم األجالء ممن علت كلمتهم وانبسطت‪#‬‬
‫في اآلف‪##‬اق حكمتهم وعمت في البراي‪##‬ا ب‪##‬ركتهم ق‪##‬د ألف‪##‬وا في التص‪##‬ريف باألس‪##‬ماء‬
‫والصفات وأسرار‪ #‬الحروف واألذكار‪ #‬وال‪##‬دعوات‪ ،‬وق‪##‬د رغب إلى من تعل‪##‬ق بي وده‬
‫في توضيح ما ألّفوه وذخيرة ما كنزوه‪ ،‬فأجبته مع اإلق‪##‬رار ب‪##‬العجز عن فهم م‪##‬دارك‬
‫الس‪##‬لف الماض‪##‬ين واألئم‪##‬ة المحققين اله‪##‬ادين‪ ،‬ورج‪##‬وت‪ #‬من هّللا ب‪##‬ذل االع‪##‬تراف‬
‫واالقتراف أن يمدني من أرواح أرواحهم بلطائف‪ #‬اإلس‪##‬عاف‪ ،‬فيك‪##‬ون النط‪##‬ق موافق‪##‬ا‬
‫للتحقيق ومفصال بلسان التصديق) (‪)2‬‬
‫ثم ذكر مقصوده من الكتاب‪ ،‬فقال‪( :‬إن المقصود من فصول هذا الكتاب العلم‬
‫بش‪##‬رف‪ #‬أس‪##‬ماء هّللا تع‪##‬الى‪ ،‬وم‪##‬ا أودع هّللا تع‪##‬الى في بحره‪##‬ا من أن‪##‬واع الج‪##‬واهر‪#‬‬
‫الحكميات واللطائف‪ #‬اإللهيات‪ ،‬وكيف التص‪##‬رف‪ #‬بأس‪##‬ماء ال‪##‬دعوات‪ ،‬وم‪##‬ا تابعه‪##‬ا من‬
‫حروف‪ #‬السور واآليات‪ ..‬وجعلت هذا الكتاب فصوال ليدل كل فصل على ما اخت‪##‬اره‬
‫وأحصاه من عل‪##‬وم دقيق‪##‬ة يتوص‪##‬ل به‪##‬ا للحض‪##‬رة الرباني‪##‬ة من غ‪##‬ير تعب وال إدراك‬
‫مشقة‪ ،‬وما يتوصل منها إلى رغائب الدنيا وم‪##‬ا ي‪##‬رغب فيه‪##‬ا‪ ،‬وس‪##‬ميت ه‪##‬ذا الكت‪##‬اب‬
‫المنتخب العديم المثل الرفيع‪ #‬العلم بشمس المعارف‪ #‬ولطائف‪ #‬العوارف‪ #‬لما في ضمنه‬
‫من لطائف التصريفات وعوارف‪ #‬التأثيرات‪ ،‬فحرام‪ #‬على من وقع كتابي هذا في ي‪##‬ده‬
‫أن يبديه لغير أهله‪ ،‬أو يبوح به في غير محله‪ ،‬فإنه مهما فعل ذلك أحرمه هّللا تع‪##‬الى‬
‫منافع‪##‬ه‪ ،‬ومنعت عن‪##‬ه فوائ‪##‬ده وبركت‪##‬ه‪ ،‬وال تمس‪##‬ه إال وأنت ط‪##‬اهر وال تقرب‪##‬ه إال إذا‬
‫‪ )(1‬أحكام القرآن البن العربي (‪)1/504‬‬
‫‪ )(2‬شمس المعارف الكبرى (ص ‪)6‬‬
‫‪551‬‬
‫كنت ذاكرا لتفوز منه بما تريد‪ ،‬وال تص‪##‬رفه إال فيم‪##‬ا يرض‪##‬ي هّللا تع‪##‬الى فإن‪##‬ه كت‪##‬اب‬
‫األولياء والصالحين والطائعين‪ ،‬والمريدين والع‪#‬املين الراغ‪#‬بين فكن ب‪#‬ه ض‪#‬نينا وال‬
‫تدع منه قليال وال كثيرا‪ ،‬وليكن يقينك ص‪##‬ادقا‪ #‬وإيمان‪##‬ك بحقائق‪##‬ه واثق‪##‬ا إنم‪##‬ا األعم‪##‬ال‬
‫بالنيات) (‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬صدقتم‪ #..‬لقد كان هذا الكت‪#‬اب ه‪#‬و الس‪#‬بب في انص‪##‬رافي‪ #‬عن الت‪#‬دبر‬
‫في كالم ربي؛ فق‪###‬د كنت أدمن على الرياض‪###‬ات ال‪###‬تي ذكره‪###‬ا ال لتربي‪###‬ة نفس‪###‬ي‬
‫وإصالحها‪ #،‬وإنما لتحقيق حاجاتي التي كان يمكنني أن أقوم بها بالعمل واالجته‪##‬اد‪..‬‬
‫ومن األمثلة على تلك الرياضات ال‪##‬تي كنت أمارس‪##‬ها نقال عن‪##‬ه الرياض‪##‬ة المرتبط‪##‬ة‬
‫بسورة الجن‪ ،‬حيث قال‪( :‬اعلم أيها األخ في هّللا إذا أردت ذلك صم ثالثة أي‪##‬ام أوله‪##‬ا‬
‫الثالثاء‪ ،‬ثم األربعاء والخميس وهو صيامك عن غير ذي روح‪ ،‬وأنت تبخر بحص‪##‬ا‬
‫لبان وجاوي‪ #‬ليال ونهارا‪ ،‬وأنت تقرأ السورة الشريفة في مدة ثالث‪##‬ة أي‪##‬ام‪ ،‬أل‪##‬ف م‪##‬رة‬
‫في تلك المدة المذكورة تقرأ في كل يوم ‪ 333‬مرة وأك‪##‬ثر‪ ،‬والم‪##‬راد تكميله‪##‬ا ب‪##‬األلف‬
‫في تل‪##‬ك الم‪##‬دة الم‪##‬ذكورة واجته‪#‬د‪ #‬أن يك‪##‬ون ختم‪##‬ك من قراءته‪##‬ا ليل‪##‬ة الجمع‪##‬ة الثلث‬
‫األوسط‪ #‬من الليل‪ ،‬فإنه يحضر لك خادمها‪ ،‬وهو رجل قصير‪ #‬طويل الي‪##‬دين‪ ،‬فيجلس‬
‫قدامك‪ ،‬ويقول لك السالم علي‪##‬ك‪ ،‬فثبت جناح‪##‬ك ف‪##‬إن علي‪##‬ك هيب‪##‬ة عظيم‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬و من‬
‫ملوك الجان المؤمنين الذين أسلموا على يد النبي ‪ ،‬فتنظر‪ #‬ثالث رجال خلفه‪ ،‬فإن‬
‫ثبت نفسك قضيت حاجتك‪ ،‬وإن توهمت أو تلجلجت‪ ،‬فإنهم ينصرفون عن‪##‬ك ويخيب‬
‫عملك وسعيك‪ ،‬فيجب عليك أن تشجع نفسك‪ ،‬وال تخف فإن اسمه أبو يوس‪##‬ف‪ ،‬فق‪##‬ل‪:‬‬
‫يا أبا يوسف قد وجب عليك حقي‪ ،‬وأنت ترى ما أنا فيه من الفاق‪##‬ة والض‪##‬يق‪ #،‬وأري‪##‬د‬
‫منك هذه الساعة الشيء المباح الحالل أستعين به على نفقتي ونفقة عيالي‪ ،‬وأستعين‬
‫ب‪##‬ه على الحج إلى بيت هّللا الح‪##‬رام وأج‪##‬رك على هّللا ‪ ..‬واعلم ي‪##‬ا أخي إن أنت ق‪##‬ويت‬
‫قلبك وتكلمت الكالم ال‪#‬ذي ذكرن‪#‬اه فإن‪#‬ه يلتفت إلى أح‪#‬د الرج‪#‬ال ال‪#‬ذين من ورائ‪##‬ه ثم‬
‫يأمرهم‪ #‬بشيء فإنه يأتي به بأسرع من البرق وهو مما قد قسم هّللا لك من الق‪##‬دم فخ‪##‬ذ‬
‫ما وصل إليك واشكرهم‪ #‬وداع لهم فإنهم ينصرفون‪ ،‬وحكي عن الش‪##‬يخ الص‪##‬الح أبي‬
‫عبد هّللا حسين بن منصور‪ ،‬أنه فعل ذلك‪ ،‬فأتاه الخادم بعشرة آالف دينار‪ ،‬وحكي‪ #‬أن‬
‫تلمي‪##‬ذ يح‪##‬يى فعله‪##‬ا‪ ،‬فلم‪##‬ا حض‪##‬ر بين يدي‪##‬ه خ‪##‬ادم الس‪##‬ورة خ‪##‬اف واص‪##‬طكت أس‪##‬نانه‬
‫وخرس لسانه فلم يطق أن يكلمه‪ ،‬وكلما فتح عينيه وجده بين يديه‪ ،‬فلما أف‪##‬اق وط‪##‬ال‬
‫األمر ولم ينطق انصرف‪ #‬الخادم عنه‪ ،‬ولم يحصل منه ض‪##‬رر‪ ،‬فعلي‪##‬ك أيه‪##‬ا الط‪##‬الب‬
‫بثبات الجنان‪ ،‬ف‪##‬إن خ‪##‬ادم ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة من الجن المؤم‪##‬نين وه‪##‬و لم يض‪##‬ر الط‪##‬الب‪،‬‬
‫والعزيمة والدعوة هي السورة الشريفة بتمامها وكذا البخور)(‪)2‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثلك أنا‪ ..‬فق‪##‬د كنت أم‪##‬ارس الرياض‪#‬ة المرتبط‪#‬ة بس‪##‬ورة الكه‪#‬ف‪،‬‬
‫والتي قال عنها‪( :‬اعلم وفق‪#‬ني‪ #‬هّللا وإي‪#‬اك أن‪#‬ك إذا أردت الوص‪#‬ول للك‪#‬بريت األحم‪#‬ر‬
‫‪ )(1‬شمس المعارف الكبرى (ص ‪)6‬‬
‫‪ )(2‬شمس المعارف الكبرى‪.135 ،‬‬
‫‪552‬‬
‫والعنبر‪ #‬األشهب‪ ،‬وفتح باب هذا الكنز المطلسم وفك رم‪##‬زه وإبط‪##‬ال موانع‪#‬ه‪ ،‬فتعم‪#‬د‬
‫إلى مكان طاهر نظيف بعي‪##‬د عن األص‪##‬وات والحرك‪##‬ات‪ ،‬وتنص‪##‬ب ل‪##‬ك في األرض‬
‫محرابا وتبسط‪ #‬تحتك رمال ناعما‪ ،‬ثم إنك تغتسل وتلبس ثياب‪##‬ا كله‪##‬ا بيض‪##‬اء‪ ،‬وتبخ ‪#‬ر‪#‬‬
‫بأجل البخور وتطه‪#‬ر‪ #‬جوف‪##‬ك من المأك‪##‬ل الح‪##‬رام وك‪##‬ل م‪##‬ا في‪##‬ه ش‪##‬بهة‪ ،‬ثم ت‪##‬دخل في‬
‫الرياضة وال تأكل وال تشرب شيئا فيه روح وال م‪#‬ا خ‪#‬رج من روح م‪##‬دة ‪ 14‬يوم‪#‬ا‪،‬‬
‫ويكون أول دخولك في الرياضة في شهر يكون أول‪##‬ه ي‪##‬وم الجمع‪##‬ة‪ ،‬وت‪##‬دخل الخل‪##‬وة‬
‫بعد صالة الجمعة‪ ،‬ثم تبخر المك‪##‬ان ب‪##‬البخور‪ #‬الطيب مث‪##‬ل الع‪##‬ود والق‪##‬اقلي‪ #‬والج‪##‬اوي‬
‫والند ومثل العنبر إن أمكن وتقرأ سورة الكهف إن أمكن عقيب كل صالة مرة‪ ،‬وفي‪#‬‬
‫جوف الليل ‪ 7‬مرات‪ ،‬وكلما تلوت السورة تطلق البخور إلى انتهاء الع‪##‬دد الم‪##‬ذكور‪،‬‬
‫فإذا كان ليلة الجمعة تجلس على ركبتيك‪ ،‬وتصلي على النبي ‪ ‬ألف م‪##‬رة‪ ،‬ثم تب‪##‬دأ‬
‫بقراءة سورة الكهف أربعين مرة وتص‪##‬لي‪ #‬بين ق‪##‬راءة ك‪##‬ل م‪##‬رتين ركع‪##‬تين خفيف‪##‬تين‬
‫بالفاتحة واإلخالص ‪ 3‬مرات وتصلي على النبي عليه السّالم ‪ 10‬مرات‪ ،‬ف‪##‬إذا تمت‬
‫القراءة تستغفر هّللا وتحمده‪ ،‬وتق‪##‬ول الباقي‪##‬ات الص‪##‬الحات ‪ 100‬م‪##‬رة‪ ،‬ف‪##‬إذا أص‪##‬بحت‬
‫وصليت الصبح وتحم‪##‬د هّللا بجمي‪##‬ع محام‪##‬ده ال‪##‬تي في الق‪##‬رآن العظيم‪ ،‬وبع‪##‬د التحمي‪##‬د‬
‫تبته‪##‬ل إلى هّللا تع‪##‬الى وت‪##‬دعوه بال‪##‬دعوات الص‪##‬الحات‪ ،‬ف‪##‬إذا ف‪##‬رغت من دعائ‪##‬ك فقم‬
‫وتمش واذك‪##‬ر هّللا ح‪##‬تى تخ‪##‬رج لخ‪##‬ارج س‪##‬ور المدين‪##‬ة‪ ،‬فيقب‪##‬ل علي‪##‬ك خ‪##‬ادم الس‪##‬ورة‬
‫الشريفة على صفة شاب حسن طيب الرائحة‪ ،‬فيسلم عليك فر ّد عليه الس‪##‬الم وت‪##‬أدب‬
‫معه‪ ،‬فإن‪##‬ه ي‪##‬دفع إلي‪##‬ك كيس‪##‬ا في‪##‬ه أل‪##‬ف دين‪##‬ار ويش‪##‬ترط‪ #‬علي‪##‬ك ش‪##‬روطا‪ #‬منه‪##‬ا‪ :‬زي‪##‬ارة‬
‫األموات كل يوم جمعة‪ ،‬وال تنسى الفقراء والمساكين وأن ال تزني فتجيبه إلى طلب‪##‬ه‬
‫وتشكر‪ #‬منه‪ ،‬فيقول لك الخادم عبد هّللا إن قرأتها وفعلت ذل‪##‬ك ك‪##‬ل ش‪##‬هر ت‪##‬رزق أل‪##‬ف‬
‫دينار‪ ،‬فتصرف الخادم وتقول له‪ :‬شكر هّللا سعيك وغفر لنا ولك وانصرف م‪##‬أجورا‬
‫بخير‪ .‬واكتم سرك وهّللا أعلم)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومثله ق‪##‬ال عن س‪##‬ورة الواقع‪##‬ة‪( :‬اعلم أن ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة مفت‪##‬اح ب‪##‬اب‬
‫الغ‪##‬نى‪ ..‬وله‪##‬ا خ‪##‬واص كث‪##‬يرة فمنه‪##‬ا إن من واظب على قراءته‪##‬ا عقب الص‪##‬لوات‬
‫الخمس فإنها تكون أمانا له من الفق‪##‬ر والفاق‪##‬ة‪ .‬ومن خواص‪##‬ها لل‪##‬دخول على المل‪##‬وك‬
‫والوزراء والحكام‪ ،‬تقرأ السورة قبل أن تقابل ما ذكرنا وتقول عند خروجك‪ :‬توكلوا‬
‫يا خدام هذه السورة الشريفة بعقد لسان كذا‪ ،‬بحق س‪##‬ورة الواقع‪##‬ة عليكم‪ ،‬وإن‪##‬ه لقس‪##‬م‬
‫لو تعلمون عظيم‪ ،‬توكلوا بفالن وتسمي‪ #‬ما تريد وتقول‪ :‬خ‪##‬يركم بين أعينكم وش‪##‬ركم‬
‫تحت أرجلكم‪ ،‬وخشعت األصوات للرحمن فال تسمع إال همسا‪ .‬توكلوا يا خ‪##‬دام ه‪##‬ذه‬
‫األسماء والدعوة والسورة الش‪##‬ريفة بمهمه‪##‬وب ‪ 2‬ذي لط‪##‬ف خفي‪ ،‬بصعص‪##‬ع ‪ 2‬ذي‬
‫نور بهي ال يتكلمون إال من أذن له ال‪##‬رحمن وق‪##‬ال ص‪##‬وابا‪ ،‬اجعل‪##‬وني ي‪##‬ا خ‪##‬دام ه‪##‬ذه‬
‫الس‪##‬ورة ناف‪##‬ذ الكلم‪##‬ة عن‪##‬د فالن بن فالن‪##‬ة‪ ،‬يس‪##‬مع ق‪##‬ولي ويطي‪##‬ع أم‪##‬ري ويقض‪##‬ي لي‬
‫ْص ‪#‬ونَ هَّللا َ‬
‫مصالحي‪ #‬وجميع ما أطلبه منه وما أريده‪ ،‬بحق هذه اآلية الش‪##‬ريفة ﴿ اَل يَع ُ‬
‫‪ )(1‬شمس المعارف الكبرى‪.135 ،‬‬
‫‪553‬‬
‫َما أَ َم َرهُ ْم َويَ ْف َعلُونَ َما‬
‫ي ُْؤمرُونَ ﴾ [التحريم‪)1()]6 :‬‬
‫َ‬
‫ومن خواصها‪ #‬التي ذكرها‪( :‬للعطف والمحبة والصلح بين اث‪##‬نين في الحالل‪،‬‬
‫ألن كالمه تعالى ال يتصرف‪ #‬إال في الحالل‪ ،‬وأما والعياذ‪ #‬باهّلل من يفعله في الح‪##‬رام‪،‬‬
‫فإنه يضر بنفسه وال يجاب له‪ ،‬فإذا أردت محبة بين متباغضين‪ ،‬فاقرأ‪ #‬الس‪##‬ورة على‬
‫شيء من المأكول وق‪##‬ل عن‪##‬د انته‪##‬اء الس‪##‬ورة‪ :‬توكل‪##‬وا ي‪##‬ا خ‪##‬دام ه‪##‬ذه الس‪##‬ورة باإللف‪##‬ة‬
‫والمحب‪##‬ة بين ك‪##‬ذا وك‪##‬ذا‪ ،‬بح‪##‬ق ههط‪##‬وب ‪ ،2‬ط‪##‬وب ‪ ،2‬أجب ي‪##‬ا ص‪##‬معون ذو به‪##‬اء‬
‫وجمال‪ ،‬توكلوا يا خدام هذه الس‪##‬ورة الش‪##‬ريفة بالمحب‪#‬ة الدائم‪#‬ة وال‪##‬وداد بين فالن بن‬
‫فالنة‪ ،‬بحق هذه السورة عليكم وطاعتها ل‪#‬ديكم‪ ،‬ثم أه‪#‬دي الم‪#‬أكول لهاب‪#‬ا‪ ،‬ف‪#‬إذا أكاله‬
‫يصطلحان وال يفترقان إال بعد الموت)(‪)2‬‬
‫ومن خواص‪##‬ها‪ #‬األخ‪##‬رى ال‪##‬تي ذكره‪##‬ا‪( :‬أن‪##‬ك إذا قرأته ‪#‬ا‪ #‬بع‪##‬د العص‪##‬ر م‪##‬رة‪،‬‬
‫وأسماء هّللا الحسنى مرة‪ ،‬ثم تداوم القراءة كل يوم هكذا‪ ،‬وتقرأ عقب قراءتك الدعاء‬
‫هكذا مرة مرة ‪ 40‬يوما‪ ،‬فإنك تملك الخديم‪ ،‬ويكون عونا لك في كل ما تري‪##‬د ف‪##‬افهم‪#،‬‬
‫والبخور حصا لبان وميعة وسندروس وحبة س‪##‬وداء‪ ،‬وه‪##‬ذا دع‪##‬اء الس‪##‬ورة الش‪##‬ريفة‬
‫تقول‪ :‬اللهم إني أسألك يا هّلل ‪ ،3‬يا واحد يا فرد يا صمد يا وتر يا حي يا قيوم يا بديع‬
‫الس‪##‬موات واألرض ي‪##‬ا ذا الجالل واإلك‪##‬رام‪ #‬ي‪##‬ا باس‪##‬ط ي‪##‬ا غ‪##‬ني ي‪##‬ا مغ‪##‬ني مهمه‪##‬وب‬
‫مهمهوب ذي لطف خفي بصعصع صعصع ذي نور به ّي سعسعوب‪ #‬سعسعوب‪ ،‬هّللا‬
‫الذي له العظمة والكبرياء صمعصون ذو جمال وبهاء‪ ،‬طمهوب ذو عز شامخ‪ ،‬ب‪##‬اه‬
‫باه مهلهوب هّللا الذي سخر بنوره كل نور‪ ،‬بطهطهوب‪ #‬لهوب ‪ 2‬أجيبوا يا خدام ه‪##‬ذه‬
‫الس‪##‬ورة‪ ،‬وي‪##‬ا خ‪##‬دام اس‪##‬م هّللا العظيم األعظم بتس‪##‬خير قل‪##‬وب الخل‪##‬ق وجلب ال‪##‬رزق‪،‬‬
‫وحركوا روحاني‪##‬ة المحب‪##‬ة لي بالمحب‪##‬ة الدائم‪##‬ة‪ ،‬بس‪##‬م هّللا ال‪##‬ذي خ‪##‬رق الحجب ن‪##‬وره‬
‫وذلت الرقاب لعظمته‪ ،‬وتدكدكت الجبال لهيبته وس‪##‬بح الرع‪##‬د بحم‪##‬ده والمالئك‪##‬ة من‬
‫خيفت‪##‬ه‪ ،‬ه‪##‬و هّللا ال‪##‬ذي ال إل‪##‬ه إال ه‪##‬و رب الع‪##‬رش العظيم‪ .‬اللهم إني أس‪##‬ألك باس‪##‬مك‬
‫المرتفع الذي أعطيته من شئت من أوليائك‪ ،‬وألهمته ألص‪##‬فيائك من أحباب‪##‬ك‪ ،‬أس‪##‬ألك‬
‫اللهم أن تأتيني‪ #‬برزق من عندك تغني به فقري وتجبر‪ #‬به كسري‪ ،‬وتقطع به عالئ‪##‬ق‬
‫الشيطان من قلبي‪ ،‬فإنك أنت هّللا الحنان السلطان الديان)(‪)3‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن الرياضات التي ذكرها‪ ،‬والخاصة بهذه السورة م‪##‬ا ع‪##‬بر عن‪##‬ه‬
‫بقول‪##‬ه‪( :‬اعلم وفق‪##‬ني هّللا تع‪##‬الى وإي‪##‬اك إلى طاعت‪##‬ه وفهم‪ #‬أس‪##‬رار‪ #‬أس‪##‬مائه‪ ،‬إذا أردت‬
‫الخلوة والرياضة بهذه األسماء الشريفة‪ ،‬فتعمد إلى مكان نظيف خال من األص‪##‬وات‬
‫فتجلس فيه‪ ،‬وتطلق البخور‪ #‬وه‪##‬و ع‪##‬ود ون‪##‬د وج‪##‬اوي‪ #‬وميع‪##‬ة يابس‪##‬ة‪ ،‬ثم تب‪##‬دأ بق‪##‬راءة‬
‫السورة المذكورة أربعة عشر‪ ،‬وإن أردت السرعة فتكون م ّدة سبعة أيام‪ ،‬ه‪##‬ذا وأنت‬
‫تقرأ األسماء عقب الصالة بأع‪##‬دادهن‪ ،‬ف‪#‬إذا تمت األي‪##‬ام في‪#‬دخل علي‪#‬ك خمس‪##‬ة عش‪##‬ر‬
‫‪ )(1‬شمس المعارف الكبرى‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪ )(2‬شمس المعارف الكبرى‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪ )(3‬شمس المعارف الكبرى‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪554‬‬
‫ملكا‪ ،‬ويسلمون عليك فال ترد عليهم السالم‪ ،‬وإياك والخوف منهم فإن خفت ضربت‬
‫روحك‪ #‬وضاع تعبك‪ ،‬فإنهم‪ #‬يجلس‪##‬ون أمام‪##‬ك ثم يس‪##‬ألون حاجت‪##‬ك ويقول‪##‬ون ل‪##‬ك نحن‬
‫نقضيها لك‪ ،‬فاطلب منا ما شئت‪ ،‬فإياك أن تجيبهم فإذا طال عليك الجلوس انصرفوا‬
‫عنك‪ ،‬فق ّو قلبك ونبه قرينك وق ّ‪#‬و بخورك‪ ،‬فإذا كان بعد ساعة أو س‪##‬اعتين‪ ،‬في‪##‬دخلون‬
‫عليك‪ ،‬فر ّد عليهم الس‪#‬الم‪ ،‬وتك‪#‬ون ق‪#‬د جعلت بخ‪#‬ورك في تل‪#‬ك الس‪#‬اعة ميع‪#‬ة يابس‪#‬ة‬
‫ولبان ذكر وعود قماري وترمس بري‪ ،‬فإذا فعلت ذلك فق ّو قلبك ألنهم يشيرون إليك‬
‫بأيديهم‪ ،‬فتجد روح‪##‬ك في مكان‪##‬ك األوّل‪ ،‬وال تكلمهم ول‪##‬و كلم‪#‬وك‪ ،‬ف‪#‬إذا ط‪##‬ال األم‪##‬ر‬
‫ي ويجلس عليه‬ ‫انصرفوا عنك‪ ،‬ثم بعد ذلك يدخل عليك رجل وحده وينصب له كرس ّ‪#‬‬
‫ثم يسلم عليك فر ّد عليه السالم وتأدب بين يدي‪#‬ه‪ ،‬فيس‪#‬ألك‪ #‬عم‪#‬ا تري‪#‬د فال تخ‪#‬ف من‪#‬ه‪،‬‬
‫فإنه خادم هذه األسماء الشريفة‪ ،‬فيقول لك ما تطلب يا خل‪##‬ق هّللا ؟ فق‪ّ #‬و قلب‪##‬ك وق‪##‬ل ل‪##‬ه‬
‫أريد منك‪ ،‬العهد والخ‪##‬ادم‪ #‬من خ‪ّ #‬دامك يمتث‪##‬ل أم‪##‬ري في ك‪##‬ل م‪##‬ا أطلب من‪##‬ه‪ ،‬فعن‪##‬دها‪#‬‬
‫يعطيك شيئا من الدنيا‪ ،‬فخذه من‪##‬ه ثم اص‪##‬رفه فينص‪##‬رف‪ ،‬واش‪##‬كر هّللا على م‪##‬ا أوالك‬
‫من نعمه‪ ،‬واكتم سرك تنل أمرك والسالم)(‪)1‬‬
‫قال آخر‪ :‬ومن األمثلة عما ذكره عن سور أخرى ما عبر عنه بقوله‪( :‬إن في‬
‫سورة يس اسما من أسماء الحكمة من وقف علي‪##‬ه وكتب‪##‬ه ومح‪##‬اه بم‪##‬اء المط‪##‬ر وه‪##‬و‬
‫مستقبل القبلة عدد األسماء أياما أنطقه هّللا تعالى بالحكمة‪ ،‬وهو وسط السورة وع‪##‬دد‬
‫حروفها ستة عشر حرف‪#‬ا منه‪#‬ا حرف‪#‬ان منقوط‪#‬ان من أعلى‪ ،‬وحرف‪##‬ان منقوط‪#‬ان من‬
‫أسفل‪ ،‬وهي خمس كلمات أولها حرف السين‪ ،‬وآخرها ح‪##‬رف الميم‪ ،‬وظه‪##‬ر ح‪##‬رف‬
‫السين في اسمه السالم والسميع الس‪##‬ريع وه‪##‬و اس‪##‬م الملحين في ال‪##‬دعاء خصوص‪##‬ا‪..‬‬
‫ومن أراد أن يرى عاقبة أمره فليصم يومه ذل‪#‬ك هّلل تع‪#‬الى خالص‪#‬ا‪ ،‬ويفط‪#‬ر على م‪#‬ا‬
‫تيسر من الخبز‪ ،‬ويقرأ س‪#‬ورة المل‪#‬ك وين‪#‬ام‪ #‬على طه‪#‬ارة على جنب‪#‬ه األيمن ويض‪#‬عه‬
‫تحت رأسه وال يكلّم أحدا وينام‪ ،‬فإن هّللا تعالى يطلعه على عاقب‪##‬ة أم‪##‬ره بق‪##‬در القس‪##‬م‬
‫الذي أراده وال يصلح ذلك إال ألهل طهارة القلوب وأهل الرياض‪##‬ات‪ .‬ومن كتب‪##‬ه في‬
‫جام زجاج وشربه سهل هّللا عليه الفهم والحكم‪##‬ة‪ .‬ومن علق‪##‬ه علي‪##‬ه أنطق‪##‬ه هّللا تع‪##‬الى‬
‫بالحكمة‪ .‬ومن كتبه ومعه ال إله إال هّللا محمد رسول هّللا ‪ 80‬مرة وحمله على عضده‬
‫األيمن‪ ،‬أو كتبه في ثوب ولبسه رزقه هّللا تع‪##‬الى الهيب‪##‬ة والرأف‪##‬ة‪ ..‬وإذا أردت اتخ‪##‬اذ‬
‫إخوان من الجن المؤمنين يقضون حاجتك ويسعون في مرضاتك‪ ،‬فابدأ بالصوم يوم‬
‫األربعاء إلى يوم الس‪##‬بت الراب‪##‬ع من‪##‬ه‪ ،‬بع‪##‬د أن تغس‪##‬ل الث‪##‬وب والب‪##‬دن‪ ،‬واق‪##‬رأ‪ #‬س‪##‬ورة‬
‫اإلخالص كل يوم ألف م‪##‬رة‪ ،‬وس‪##‬ورة يس م‪##‬رة‪ ،‬وس‪##‬ورة ال‪##‬دخان‪ ،‬وتنزي‪##‬ل الس‪##‬جدة‬
‫وتبارك‪ #‬الذي بيده الملك مرة‪ ،‬فإذا ك‪##‬ان عص‪##‬ر ي‪##‬وم الس‪##‬بت وهي الس‪##‬اعة العاش‪##‬رة‪،‬‬
‫اعتزل عن الناس في موضع خال في بقعة نظيفة‪ ،‬وتأخذ سبع ب‪##‬راوات من الكاغ‪##‬د)‬
‫(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬شمس المعارف الكبرى‪ ،‬ص‪.144‬‬


‫‪ )(2‬شمس المعارف الكبرى‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪555‬‬
‫النهاية‬
‫في آخر يوم لي في تلك المدينة‪ ،‬وبع‪#‬د أن أذن الم‪#‬ؤذن لص‪#‬الة الفج‪#‬ر‪ ..‬رأيت‬
‫جموعا كثيرة‪ ،‬تس‪##‬ير بس‪##‬رعة‪ ،‬ف‪##‬رحت أس‪##‬رع معهم‪ ..‬وفي‪ #‬الطري‪##‬ق س‪##‬معت أح‪##‬دهم‬
‫يقول لمرافقيه‪ :‬الحمد هلل‪ ..‬ها قد فُتح أخ‪##‬يرا ذل‪##‬ك الج‪##‬امع الكب‪##‬ير ال‪##‬ذي ك‪##‬ان معطال‪،‬‬
‫بسبب الخالفات الكثيرة بين أهل مدينتنا‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬لقد حل الصفاء بدل الجفاء‪ ،‬وحلت األخ‪##‬وة ب‪##‬دل الفرق‪##‬ة‪..‬‬
‫وقد‪ #‬سمعت أنه سيفتح اليوم بيد المعلم المبارك الذي لم نر منه إال النور والخير‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد سمعت أيضا أنه ستفتح فيه مدرسة علمية كبيرة تدرس الق‪##‬رآن‬
‫الكريم وفق‪ #‬تلك الضوابط‪ #‬التي دعا إليها المعلم‪ ،‬والتي تراعي مقاصد القرآن الكريم‬
‫وتطبق‪ #‬معانيه‪ ،‬وتجعلها مؤثرة في الحياة بكل شؤونها‪#.‬‬
‫قال آخر‪ :‬وقد سمعت أيضا أن الوالي سيحضر االفتتاح‪ ،‬وقد تعهد ب‪##‬أن ي‪##‬ولي‬
‫كل مناصب المدينة من المتخرجين من مدرسة ذلك الجامع‪..‬‬
‫قال آخر‪ :‬ويحق له ذلك؛ فأولئك‪ #‬الذين كان قد نصبهم‪ #‬سابقا مألوا المدينة بكل‬
‫أنواع الشقاق والعصبية‪.‬‬
‫ما إن وصلنا إلى الجامع الكبير‪ ،‬حتى وجدنا المعلم‪ ،‬ومعه ثلة من كب‪##‬ار أه‪##‬ل‬
‫المدينة‪ ،‬من الذين شاهدتهم سابقا في األحي‪##‬اء المختلف‪##‬ة‪ ،‬وق‪##‬د ك‪##‬ان الجمي‪##‬ع في غاي‪##‬ة‬
‫الفرح والسرور‪.‬‬
‫ّ‬
‫ق‪##‬ال المعلم‪ :‬الحم‪##‬د هلل ال‪##‬ذي من على أه‪##‬ل ه‪##‬ذه المدين‪##‬ة الطيب‪##‬ة ب‪##‬العودة إلى‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وبصورته الجميلة الناصعة‪ ،‬بعي‪##‬دا عن ك‪##‬ل غل‪##‬و أو تط‪##‬رف‪ ،‬في أي‬
‫ج‪###‬انب من جوانب‪###‬ه‪ ،‬أو علم من علوم‪###‬ه‪ ..‬ولم يكن ذل‪###‬ك ليحص‪###‬ل ل‪###‬وال ص‪###‬دقهم‬
‫وإخالصهم وطهارتهم‪.‬‬
‫قال أحد األعيان‪ :‬بل كان ذلك بفضل توجيهاتك‪ #‬النيرة التي جعلتنا نعيد النظر‬
‫في تعاملنا مع كتاب ربنا‪ ،‬ونصحح أخطاءنا التي كانت حجابا بيننا وبين تدبره‪.‬‬
‫قال آخر‪ :‬لقد كان صدقك وإخالصك‪ ،‬ومنهجك‪ #‬في الحوار‪ #‬معنا‪ ،‬وإقناعنا هو‬
‫السبب في استفادتنا‪ #‬منك‪.‬‬
‫ق‪###‬ال المعلم‪ :‬ب‪###‬ورك فيكم‪ ،‬وفي ص‪###‬دقكم‪ ،‬وأن‪###‬ا م‪###‬ا أديت معكم إال واجب‬
‫النصيحة‪ ،‬وقد‪ #‬علمت أنكم صادقون مخلصون‪ ..‬والحمد هلل الذي هدانا جميع‪##‬ا س‪##‬واء‬
‫السبيل‪.‬‬
‫ُ‬
‫كانت لحظ‪##‬ات جميل‪##‬ة ج‪##‬دا تل‪##‬ك ال‪##‬تي فتح فيه‪##‬ا المس‪##‬جد الج‪##‬امع‪ ،‬حيث رأيت‬
‫الحضور‪ #‬من كل األطياف والطوائف‪ ،‬يجلس بعض‪##‬هم م‪##‬ع بعض‪ ،‬ويح‪##‬دث بعض‪##‬هم‪#‬‬
‫بعضا‪ ،‬وبكل أدب ولطف ولين‪.‬‬
‫وفي تلك األثناء فوجئت ببعض‪#‬هم‪ #‬يق‪#‬تربون م‪#‬ني‪ ،‬ويقبل‪#‬ون ي‪#‬دي‪ ،‬ويعت‪#‬ذرون‬
‫‪556‬‬
‫بشدة‪ ،‬وعندما نظرت إليهم وج‪#‬دتهم أولئ‪#‬ك ال‪#‬ذين أس‪#‬اءوا مع‪#‬املتي في أول دخ‪#‬ولي‬
‫للمدينة‪ ..‬وق‪#‬د عف‪#‬وت عنهم‪ ،‬ب‪##‬ل التمس‪#‬ت منهم ال‪#‬دعاء لي؛ فق‪##‬د ك‪##‬انت رقتهم وأدبهم‪#‬‬
‫وتواضعهم‪ #‬دليال على صدقهم‪ #‬وإخالصهم‪#.‬‬
‫بعد تلك اللحظات الجميلة‪ ،‬وجدت نفسي في بيتي‪ ،‬ومعي الق‪##‬راطيس الكث‪##‬يرة‬
‫التي كنت أكتبها‪ ..‬فرحت أعيد نسخها وتنظيمها‪ #‬بالشكل الذي ترون‪##‬ه‪ ،‬ومن غ‪##‬ير أن‬
‫أزيد أو أنقص حرفا‪ #‬واحدا مما سمعته وشاهدته‪.‬‬
‫وبع‪##‬د أن انتهيت من ذل‪##‬ك ذهبت إلى مدرس‪##‬ة قرآني‪##‬ة‪ ،‬ك‪##‬انت تب‪##‬الغ كث‪##‬يرا في‬
‫أحكام التجويد والقراءات ونحوها‪ ،‬ووضعت نسخا من الكتاب عن‪##‬دهم‪ ،‬وم‪##‬ا هي إال‬
‫أيام حتى طرقوا باب بيتي مثلما فعل من سبقهم‪ ،‬وطلبوا مني أن أش‪##‬كر معلم القص‪##‬د‬
‫واالعتدال‪ ،‬ومثله معلم القرآن‪ ،‬ثم طلبوا‪ #‬مني أن أطلب منه أن يرحل بي إلى المدينة‬
‫التي تُكشف فيها مؤامرات المبطلين‪ ،‬ويرد فيها على شبهاتهم‪ #..‬فوعدتهم بذلك‪.‬‬
‫بعد انصرافهم‪ ،‬وع‪##‬ودتي إلى بي‪##‬تي وج‪##‬دت معلم الق‪##‬رآن في انتظ‪##‬اري‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫يقول لي‪ :‬هيئ نفسك لرحلتك الجديدة إلى [القرآن‪ ..‬وانتحال المبطلين] (‪)1‬‬

‫‪ )(1‬هو عنوان الكتاب الرابع من السلسلة‪.‬‬


‫‪557‬‬
‫هذا الكتاب‬
‫هذا الكت‪##‬اب ه‪##‬و الج‪##‬زء األول من أج‪##‬زاء ثالث‪##‬ة من ه‪##‬ذه السلس‪##‬لة تح‪##‬اول أن‬
‫تصحح األخطاء الكبرى ال‪##‬تي وقعت أثن‪##‬اء التعام‪##‬ل م‪##‬ع الق‪##‬رآن الك‪##‬ريم‪ ،‬وهي ال‪##‬تي‬
‫أشار إليها الحديث المعروف‪ #‬المشهور‪ ،‬وهو قول رس‪#‬ول هللا ‪( :‬يحم‪#‬ل ه‪#‬ذا العلم‬
‫من ك‪##‬ل خل‪##‬ف عدول‪##‬ه‪ ،‬ينف‪##‬ون عن‪##‬ه ‌تحري‪##‬ف ‌الغ‪##‬الين‪ ،‬وانتح‪##‬ال المبطلين‪ ،‬وتأوي‪##‬ل‬
‫الجاهلين)‬
‫وبناء على هذا؛ فإن هذا الجزء يع‪##‬الج المبالغ‪##‬ات والغل‪##‬و ال‪##‬ذي ارتب‪##‬ط ببعض‬
‫العلوم القرآنية‪ ،‬أو الفه‪##‬وم المتعلق‪##‬ة ب‪##‬ه‪ ،‬وال‪##‬تي ص‪##‬رفت عن الت‪##‬دبر الحقيقي للق‪##‬رآن‬
‫الكريم‪ ،‬وجعلت من أولئك الغالة‪ ،‬مثل الذي يهتم بالقشر أكثر من اللباب‪ ،‬وباألجزاء‬
‫أكثر من الكل‪.‬‬
‫ولذلك؛ فهو‪ #‬ال يدعو لطرح تلك العلوم أو الفهوم طرحا‪ #‬كليا‪ ،‬وإنما ي‪##‬دعو إلى‬
‫تصحيحها‪ ،‬ونفي الغلو عنه‪##‬ا‪ ،‬ووض‪##‬عها‪ #‬في محاله‪##‬ا المناس‪##‬بة‪ ،‬ح‪##‬تى ال تك‪##‬ون س‪##‬ببا‬
‫يصرف‪ #‬عن تدبر القرآن الكريم‪ ،‬أو يؤثر في فاعليته في الواقع‪.‬‬
‫وقد رأينا أنه يمكن انحصار تلك المبالغ‪##‬ات في س‪##‬بعة قض‪##‬ايا‪ #‬وعل‪##‬وم ك‪##‬برى‪،‬‬
‫هي‪ :‬الرسم واإلمالء‪ ..‬والتجوي‪##‬د والق‪##‬راءات‪ ..‬وأس‪##‬باب ال‪##‬نزول‪ ..‬ومح‪##‬ال ال‪##‬نزول‪..‬‬
‫ومصاديق التنزيل‪ ،‬أو م‪##‬ا يطل‪##‬ق علي‪##‬ه [الج‪##‬ري والتط‪#‬بيق]‪ ..‬والناس‪##‬خ والمنس‪#‬وخ‪#..‬‬
‫وعقبات التأويل‪ ،‬وقد تناولنا فيه س‪##‬بع عقب‪##‬ات ك‪##‬برى‪ ،‬هي‪ :‬عقب‪##‬ة الفض‪##‬ول‪ ،‬وعقب‪##‬ة‬
‫الخرافة‪ ،‬وعقبة الوهم‪ ،‬وعقبة المحدودية‪ ،‬وعقبة الحرفية‪ ،‬وعقب‪##‬ة األه‪##‬واء‪ ،‬وعقب‪##‬ة‬
‫الدجل‪.‬‬

‫‪558‬‬

You might also like