You are on page 1of 3

‫الخطبة الثالثة في تربية األوالد وتعليمهم أيضا‬

‫الحمد هلل الذي من على عباده باألموال واألوالد وجعل ذلك فتنة‬
‫لعباده ليختبر بذلك من يقوم بحقهم ويصونهم عن الفساد ممن‬
‫يضيعهم ويتركهم همال فيكونون خسارة عليه في الدنيا ويوم‬
‫يقوم األشهاد ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له الملك‬
‫الكريم الجواد ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى‬
‫الهدى والرشاد صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم‬
‫بإحسان في القول والفعل واالعتقاد وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها الناس ‪ :‬اتقوا هللا تعالى واشكروا نعمة هللا عليكم‬
‫بهؤالء األوالد الذين جعلهم هللا فتنة لكم ‪ ،‬فإما قرة عين في‬
‫الدنيا واآلخرة وإما حسرة وندم ونكاد ‪ .‬أال وإن من شكر نعمة‬
‫هللا عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب هللا عليكم من رعايتهم‬
‫وتأديبهم بأحسن األخالق واألعمال قال هللا تعالى { يَاأَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين‬
‫اس َوا ْل ِح َجا َرةُ َعلَ ْي َها‬ ‫س ُك ْم َوأَ ْهلِي ُك ْم نَا ًرا َوقُو ُد َها النَّ ُ‬‫آ َمنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ون َما‬ ‫ون هَّللا َ َما أَ َم َر ُه ْم َويَ ْف َعلُ َ‬
‫ص َ‬‫ش َدا ٌد اَل يَ ْع ُ‬‫َماَل ئِ َكةٌ ِغاَل ظٌ ِ‬
‫ون } ‪ .‬أيها المؤمنون ‪ ،‬قوا أهليكم النار بفتح أبواب الخير‬ ‫يُ ْؤ َم ُر َ‬
‫لهم وتوجيههم إليها وتشجيعهم عليها ‪ ،‬بينوا لهم الحق‬
‫ومنافعه ومروهم‪ c‬به وبينوا لهم الباطل ومضاره وحذروهم عنه‬
‫‪ .‬فإنكم رعاة عليهم وكل راع مسؤول عن رعيته ‪ ،‬فمن قام‬
‫بحسن رعايته فيهم أفلح ونجا ‪ ،‬ومن فرط في رعايته فيهم‬
‫خسر وهلك ‪ .‬عرفوهم بأصول اإليمان وهي اإليمان باهلل‬
‫ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيره وشره ‪،‬‬
‫ألزموهم بأركان اإلسالم وهي شهادة أن ال إله إال هللا وأن‬
‫محمدا رسول هللا وإقام الصالة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان‬
‫وحج البيت الحرام ‪ ،‬مروهم بالصالة لسبع واضربوهم عليها‬
‫لعشر ‪ ،‬علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون وماذا يقولون‬
‫في صالتهم وما يفعلون وماذا يجتنبون ويتركون ‪ ،‬اغرسوا في‬
‫قلوبهم محبة هللا وتعظيمه ‪ ،‬وبينوا نعم هللا الظاهرة والباطنة‬
‫العامة والخاصة لترسخ في قلوبهم محبة هللا وذكر آالئه ونعمه‬
‫‪ ،‬واغرسوا في قلوبهم كذلك محبة النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫وبينوا ما حصل على يديه من الخير العظيم ألمته ‪ ،‬وأنه صلى‬
‫هللا عليه وسلم اإلمام المطاع الذي يجب تقديم محبته وأمره‬
‫على جميع المخلوقين ‪ ،‬بينوا لهم أخالق النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم وأخالق أصحابه الكريمة وما قاموا به من العبادات‬
‫الجليلة واألعمال العظيمة حتى نصر هللا بهم اإلسالم وأقام بهم‬
‫الدين ‪ ،‬فإنهم هم العظماء النبالء الذين حازوا قصب السبق في‬
‫أعمال الدنيا واآلخرة وقادوا الناس إلى الخير فانقادوا إلى ذلك‬
‫برغبة صادقة ‪ .‬لما نظر الناس إلى أحوال النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم وأصحابه وأعمالهم عرفوا أنهم على الحق وأن طريقتهم‬
‫هي الطريقة المثلى التي يقوم عليها أمر اآلخرة والدنيا فدخلوا‬
‫في دين هللا أفواجا من غير إكراه ‪.‬‬
‫علموا أوالدكم الصدق بالقول والفعل ‪ ،‬فإذا حدثتموهم فال‬
‫تكذبوا عليهم وإذا وعدتموهم فال تخلفوا وعدكم ‪ .‬يروى عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم « أن من قال لصبي تعال هاك ثم لم‬
‫يعطه فهي كذبة » ‪ ،‬وإن أوالدكم إذا رأوكم تكذبون هان عليهم‬
‫الكذب وإذا رأوكم تخلفون الموعد هان عليهم اإلخالف ‪.‬‬
‫عودوهم اإلحسان إلى الخلق وفعل المروءة وحذروهم من‬
‫االعتداء والظلم ‪ ،‬اغرسوا في قلوبهم محبة المؤمنين ‪ ،‬وبينوا‬
‫أن « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » وأن الواجب‬
‫على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة ليشبوا على األلفة‬
‫والمحبة واالتحاد ‪ .‬ومن كان من أوالدكم يستطيع القراءة‬
‫فحثوه على قراءة الكتب النافعة مثل كتب التفسير القيمة‬
‫السالمة من تحريف معاني القرآن ‪ ،‬ومثل كتب الحديث‬
‫الصحيحة عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ومثل مؤلفات‬
‫شيخنا عبد الرحمن السعدي ‪ -‬غفر هللا لهم جميعا ‪ -‬ومثل كتب‬
‫التاريخ الصحيحة البعيدة عن األهواء ‪ ،‬خصوصا تاريخ صدر‬
‫اإلسالم ألن قراءة تاريخ ذلك العصر يزيد القارئ علما بأحوال‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه ومحبة لهم وفقها في‬
‫الدين وأسرار أحكامه وتشريعاته ‪ ،‬وحذورهم‪ c‬من قراءة الكتب‬
‫الضارة التي تخل بعقيدة اإلنسان أو عباداته أو أخالقه ‪ ،‬ومن‬
‫قراءة الصحف والمجالت الضالة التي تتضمن الشك والتشكيك‬
‫وإثارة الفتن أو تبحث في أمر من أمور الدين على وجه الخطأ‬
‫‪ ،‬فإن قراءة مثل هذه الكتب الضارة تؤثر في عقيدة قارئها‬
‫واتجاهه إال من شاء هللا ممن وهبهم هللا علما وإيمانا وتمييزا‬
‫بين الحق والباطل والضار والنافع ‪ .‬أيها المؤمنون ‪ ،‬إن‬
‫مسؤوليتنا كبيرة أمام هللا في أوالدنا وأهلنا ذكورهم‪ c‬وإناثهم ‪،‬‬
‫فنسأل هللا الذي حملنا إياها أن يعيننا وأن يوفقنا للصالح‬
‫واإلصالح ‪ ،‬فإن الفرد لو أصلح نفسه وأهله لصلحت األمة ألن‬
‫األمة أفرادها ‪ .‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم { يَاأَيُّ َها الَّ ِذ َ‬
‫ين‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُك ْم َويَ ْغفِ ْر‬
‫س ِدي ًدا }{ يُ ْ‬‫آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َوقُولُوا قَ ْواًل َ‬
‫سولَهُ فَقَ ْد فَا َز فَ ْو ًزا َع ِظي ًما } ‪.‬‬ ‫لَ ُك ْم ُذنُوبَ ُك ْم َو َمنْ يُ ِط ِع هَّللا َ َو َر ُ‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬

You might also like