You are on page 1of 14

‫عندما يحلم العقالء‬

‫( زكي نجيب محمود)‬

‫للمصور اإلسباني فرانسيسكو جويا (‪1828-1746‬م)‪ ،‬صورة جعل عنوانها "أحالم‬ ‫ّ‬
‫ضدة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العقل"‪ ،‬أو "رؤى العقل"‬
‫رسيه إلى جوار م ْن َ‬
‫يصوُر بها َر ُج اال َم ْنهوك الُقوى‪َ ،‬جَل َس َعلى ُك ّ‬
‫ّ‬
‫_مستور بال ّذراعين_ منكب على‬
‫اا‬ ‫ًّ‬
‫مادا ساقيه على األرض‪ ،‬ملتّفة منهما ساق على ساق‪ ،‬والرأس‬
‫كأنها‬
‫كائنات َغريبة ُمخيفة‪ ،‬منها ذوات الجناح ّ‬
‫ٌ‬ ‫هدود َهَّومت‬
‫الم ُ‬
‫َسطح المنضدة‪ ،‬وحول الجسد َ‬
‫الرابض على األرض ربضة الفهد المفترس يتحّف ُز‬ ‫الخفافيش رّكبت عليها رؤوس البوم‪ ،‬ومنها ّ‬
‫لفريسته‪..‬‬

‫السارح في أحالمه؟ لسنا‬


‫الرجل في جلسته رقدة النعاس‪ ،‬أو غفا غفوة ّ‬ ‫تُرى هل رقد ّ‬
‫الصورة مذاهب شتّى‪ ،‬فتأويل منها‬
‫لكن تأويالت المؤولين من نّقاد الفن‪ ،‬تذهب في تفسير ّ‬
‫ندري‪ّ ،‬‬
‫وتأويل آخر‬
‫ٌ‬ ‫الضالل‪،‬‬
‫الخرافة‪ ،‬و ّ‬
‫الصورة رمز للعقل إذا غفا فتدهمنا مع غفوته وحوش ُ‬
‫إن ّ‬‫يقول‪ّ :‬‬
‫سيد‬
‫وظن ّأنه قد أصبح وحده ّ‬
‫مخمور بنصره‪ّ ،‬‬
‫اا‬ ‫يقول‪ّ :‬إنها رمز للعقل وقد انتصر بغزواته‪ ،‬فثمل‬
‫أسباب الهلع والجزع‪..‬‬
‫ُ‬ ‫الزمام‪ ،‬فما لبث أن أحاطت به‬
‫الموقف ومالك ّ‬

‫الناس أن يمضوا مع عقولهم‬‫التّأويل األول هو تأويل المؤمن بالعقل وُقدرته‪ ،‬وهو يحث ّ‬
‫ٍ‬
‫وبسالة‪ ،‬لتخلو الحياةُ من أوهامها وأشباحها‪ ،‬والتأويل الثاني هو تأويل المر ِ‬
‫تاب في‬ ‫ُق ُد اما في ُجرٍأة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫جادة الهداية والصو ِ‬
‫اب‪.‬‬ ‫اما أن يستند العقل إلى إيمان حتى ال ينحرف عن ّ‬ ‫العقل وقدرته‪ ،‬فيرى لِز ٍ‬
‫ّ‬

‫الفنان‪ ،‬لكني ال أعرف لماذا ذهب أصحاب التأويل‬ ‫حال في بطن ّ‬ ‫والمعنى هو على أي ٍ‬
‫ّ‬
‫نض َدة التي استلقى عليها‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الفنان إلى ُمراده بعبارة كتََبها على جانب الم َ‬
‫مذاهب شتّى‪ ،‬وقد أشار ّ‬‫َ‬
‫أما إذا‬ ‫الرجل برأسه ِ‬
‫أشباح ُمخيف ٌة‪ّ ..‬‬
‫ٌ‬ ‫دت‬
‫العقل استغنى عن الخيال‪ ،‬توّل ْ‬
‫ُ‬ ‫اع ْيه‪ ،‬إذ يقول‪" :‬إذا‬
‫وذر َ‬ ‫ّ ُ‬
‫يعتمد‬ ‫ألنه أراد أن‬
‫المنهار ما أصابه؛ ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫المعجزات"‪ .‬وإذن فقد أصاب صاحبنا ُ‬ ‫اقترنا‪ ،‬فانتظر منهما ُ‬
‫وحدهُ غير متوكّئ على خيال‪.‬‬ ‫على العقل َ‬

‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫توضحهما‬
‫أوجز عبارة ّ‬
‫َ‬ ‫لعل‬
‫وما العقل‪ ،‬وما الخيال؟ قبل أن نمضي في الحديث‪ّ ...‬‬
‫الممكن‪ ،‬الذي‬ ‫في ِّ‬ ‫وتُقارن بينهما‪ ،‬هي أن نقول إ ّن العقل ُيعالج الواقع كما يقع‪ ،‬و ّ‬
‫صوُر ُ‬ ‫الخيال ُ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫لو أسعفته الظروف‪ ،‬خرج من عالم اإلمكان إلى عالم الواقع‪.‬‬

‫ّإنك _بالعقل _ تشتري وتبيع وتبني البيوت وتنسج الثّياب وتَتّقي البرد و ّ‬
‫الحر‪ ،‬وبالعقل‬
‫ِ‬
‫العلمية‪ ،‬وتجرى البحوث‪ ،‬وتُرّكب‬
‫ّ‬ ‫وبالعقل تصنع األجهزة‬ ‫الساسة‪،‬‬
‫طط ّ‬ ‫يحكم الحاكمون ُ‬
‫ويخ ّ‬
‫كرسيك جالس‪ ،‬وتحيا حياة‬ ‫ّ‬ ‫تصعد الجبال وأنت على‬
‫ُ‬ ‫العقاقير‪ ،‬وتهزم المرض‪ ..‬لكنك _بالخيال_‬
‫اقد في َم ْخ َد ِعك‪ّ ،‬إنك‬
‫القصور إذا لم تكن من أهلها‪ ،‬وتَ ِفت ُك باألعداء في ميدان القتال‪ ،‬وأنت ر ٌ‬
‫عما‬
‫شئت من صور‪ ،‬و ّإنما يمتاز خيال من خيال بمدى قربه أو ُبعده ّ‬ ‫لنفسك ما َ‬
‫َ‬ ‫ترسم‬
‫ُ‬ ‫_بالخيال_‬
‫بخيالك نحو المستحيل‪ ،‬كان ذلك هو‬
‫َ‬ ‫شطحت‬
‫َ‬ ‫طريق‪ ،‬فإذا‬
‫يمكن تحقيقه لو زالت العوائق من ال ّ‬
‫خيالك بقيود المستطاع‪ ،‬كان هو الخيال الذي يحلم به العقالء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّدت‬
‫أما إذا قي َ‬
‫تخليط المجانين‪ ،‬و ّ‬
‫جن ِ‬
‫الم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حة التي َرَس َمها‬ ‫فإعفاء الخيال من قيود الواق ِع‪ ،‬يخلق للمجنون ا‬
‫عالما كعال ِم الوحوش ُ‬
‫كما‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صما ُب ا‬‫أرض الواق ِع ًّ‬ ‫الصورة التي ذكرناها‪ ،‬كذلك يخلق تلك الوحوش أن نضرب في‬ ‫جويا في ّ‬
‫لنسير على ُهداها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األذهان‬ ‫تخيلناها ورسمناها في‬
‫ال نهتدي بفكرة ّ‬

‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫قوع ِه‪َ ،‬ف ُي ْرِس ُل لِخيالِ ِه العنان‬
‫قبل و ِ‬
‫رجو َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للعاقل كيف يحلم بالواق ِع الم ِّ‬ ‫ون ُسو ُق ا‬
‫مثال‬ ‫َ‬
‫ير المستقيم الذي يكبو معه وال يتَ َعثَّر‪ ،‬مثل فرانسيس‬ ‫الس ِ‬
‫ما ُيم ّكن ذلك الخيال من ّ‬
‫بيكون(‪1626_1561‬م) حين تخيل في كتاب له صغير‪ ،‬اسمه "أطلنطس الجديدة" ما ّ‬
‫يتمناه‬
‫ص فيها مما كان قد أحاط به ّإبان العصور الوسطى‪ ،‬من‬
‫عملية‪ ،‬يتخّل ُ‬
‫ّ‬ ‫علمية‬
‫ّ‬ ‫لإلنسان من حياة‬
‫نص‪ ،‬وهذا تحليله‪ ،‬وهذا شرح لتحليله‪ ،‬وذلك هو الشرح على‬ ‫ٍّ‬
‫جو كّله "كالم في كالم"‪ .‬فهذا ّ‬
‫الدارسين تبدأ على الورق وتنتهي على الورق‪:‬‬
‫الشرح‪ ،‬والتحليل على التحليل‪ .‬وهكذا كانت رحلة َّ‬
‫كالم يسبقه كالم ويلحقه كالم‪ ،‬ثم يقال عن أصحابه إّنهم "علماء"‪.‬‬

‫فحلم فرانسيس بيكون بيوم يغير فيه اإلنسان معنى "العلم"‪ ،‬فال ُيطلِ ُق هذه الكلمة العظيمة‬
‫يكاد يبثّه صاحبه على صفحات كتابه‪ ،‬حتى يثب إلى‬
‫الضرب من الكالم الذي ال ُ‬
‫ّإال على ذلك ّ‬
‫عمال ينفع‪.‬‬
‫الناس ا‬
‫حياة ّ‬

‫‪2‬‬
‫ينسجون ّ‬
‫النسيج من‬ ‫ِ‬
‫كالعناكب‬ ‫أن العلماء بالمعنى القديم هم‬ ‫ويرى فرانسيس بيكون ّ‬
‫وال ُي َؤ ِّخر‪ْ ،‬‬
‫أن يجيء‬ ‫أجوافهم‪ ،‬وإذا كان ذلك ال ُيَق ِّد ُم من الدنيا وال ُي َؤ ِّخر‪ ،‬فكذلك ال ُيَق ِّدم منها‬
‫يزيدون على تكديس‬ ‫يبيون"‪ّ ،‬‬
‫ثم ال‬ ‫علماء من طراز جديد‪ ،‬يزعمون ألنفسهم ّأنهم علماء "تجر ّ‬
‫يجعل منهم طائفة‬
‫ُ‬ ‫المعلومات فوق المعلومات‪ .‬واإلحصاءات فوق اإلحصاءات‪ ،‬فذلك التّ ُ‬
‫جميع‬
‫أما العلماء الذين كان يحلم بهم بيكون فهم‬
‫شيئا‪ ،‬و ّ‬ ‫مخزونها دون أن ّ‬
‫تغير منه ا‬ ‫َ‬ ‫النمل‪ ،‬تخزُن‬
‫من َّ‬
‫عسال حلو الم ِ‬
‫ذاق‪.‬‬ ‫رونه ا‬
‫صّي َ‬ ‫كالن ِ‬
‫حل‪ ،‬يمتَصون من ال ّ‬
‫َ‬ ‫طبيعة رحياقا‪ ،‬ثُ َّم ُي َ‬ ‫ّ‬

‫ِ‬
‫قوة _وهذه عبارة قالها بيكون_ بمعنى ّأنه أداة لتغيير البيئة المحيطة بنا على ّ‬
‫النحو‬ ‫العلم َّ‬
‫تعرف كيف تستخدمه أداة‬
‫ُ‬ ‫كنت قد حصلت "كال اما" تسميه علما‪ ،‬ثم ال‬
‫الذي ُيحّق ُق أغراضنا‪ ،‬فإذا َ‬
‫شيئا‪.‬‬
‫للتغيير والخلق‪ ،‬فاعلم ّأنك لم تحصل من العلم ا‬

‫أقلع مع رفقائه من بالد بيرو‪ ،‬حيث‬ ‫العلمية‪ ،‬كيف َ‬


‫ّ‬ ‫الراوي في هذه (اليوتوبيا)‬
‫يروي لنا ّ‬
‫حينا‪،‬‬
‫طريق‪ ،‬مواتي اة ا‬
‫تهب عليهم أثناء ال ّ‬
‫الرياح أخذت ّ‬‫لكن ِّ‬
‫الصين واليابان‪ّ ،‬‬
‫صوبوا نحو شواطئ ّ‬‫ّ‬
‫الزاد‪ ،‬ثم شاءت لهم عناية هللا أن ي ِ‬
‫صادفوا‬ ‫ُ‬ ‫وقل من خزائنهم ّ ُ ّ‬‫حينا‪ ،‬حتّى طال بهم األمر‪ّ ،‬‬
‫معاكس اة ا‬
‫طريق هذه الجزيرة‪ ،‬التي أذهلهم أهلوها بمستوى عيشهم الرفيع‪ ،‬وبمحصولهم العلمي الغزير‪.‬‬
‫في ال ّ‬
‫ّ‬
‫وسرعان ما استضيفوا هناك في بيت هو بين البيوت آية فريدة‪ ،‬يطلق عليه "بيت سليمان"‪،‬‬
‫يكن العالم قد سمع بمثلها إلى ذلك الحين‪ ،‬و ّإنما ُس ِّمي‬
‫العلمية _وهي بحوث لم ِ‬
‫ّ‬ ‫ص للبحوث‬ ‫ِ‬
‫خص َ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫أن‬
‫النبات والحيوان _كما حاول سليمان ْ‬ ‫أن يدرسوا ّ‬‫تذكير للباحثين برسالتهم‪ ،‬وهي ْ‬
‫اا‬ ‫بيت سليمان‬
‫كائنا ما دامت فيه حركة وحياة‪ .‬وهناك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض والب ِ‬
‫حر والهواء ا‬ ‫تترك من كائنات‬
‫يفعل_ دراسة ال ُ‬
‫َ‬
‫أدخل الزائرون على الرئيس الذي تحدث عن بيت سليمان‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫ِ‬
‫الكائنات من‬ ‫العلمي ِة‪ ،‬فهي معرف ُة‬
‫ّ‬ ‫المؤسسة‬
‫ّ‬ ‫هذه‬ ‫ِ‬
‫إقامة‬ ‫أما الغاية التي ُق ِ‬
‫ص َد إليها من‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫السيادة لإلنسان‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حيث علل حدوثها وما يسري فيها من‬
‫نوس َع من رقعة ّ‬‫أن ّ‬ ‫خافية‪ ،‬ابتغاء ْ‬
‫َ‬ ‫حركات‬
‫على عالم األشياء‪.‬‬

‫المعدات واألجهزة التي نستعين بها في بحوثنا فهي هذه‪ :‬لقد احتفرنا بعض الكهوف‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫وّ‬
‫تحت التّالل العالية والجبال‪ ،‬لنستخدمها في أعمال كالتّبريد وحفظ األجسام من الفساد‪ ،‬كما‬

‫‪3‬‬
‫طبيعية‪ ،‬وبذلك يمكن استخراج‬
‫فعال شبي اها بما يتم في المناجم ال ّ‬
‫نستخدمها في أن تفعل بالعناصر ا‬
‫ابتكارا‪.‬‬
‫ا‬ ‫معادن جديدة نبتكرها ألنفسنا‬

‫وفي مقابل تلك الكهوف‪ ،‬أقمنا "األبراج العالية" فوق قمم الجبال لتزداد ار ا‬
‫تفاعا‪،‬‬
‫ومهب الريح وسقوط المطر‬
‫ّ‬ ‫عمليات العزل والتّبريد والحفظ‪ ،‬ورصد مسار الشهب‬
‫لنستخدمها في ّ‬
‫الصقيع‪.‬‬
‫و ّ‬

‫ولن أُطيل بك الوقوف عند ما لدينا من معاصر ومخابز ومطاعم‪ ،‬نخرج بها المآكل‬
‫الضوء‬
‫العلمية التي تمكننا من دراسة ّ‬
‫ّ‬ ‫أن لدينا من المعامل‬
‫بكل ما يشتهيه المذاق‪ ،‬كما ّ‬
‫والمشارب ّ‬
‫وتنوع مصادره‪ ،‬وطرائق‬
‫الصوت على اختالف درجاته ّ‬ ‫فافية‪ .‬ودراسة ّ‬ ‫واإلشعاع والّلون و ّ‬
‫الش ّ‬
‫الرئيس في وصفه لما يحتوي عليه بيت سليمان من‬
‫توصيله إلى مسافات بعيدة‪ .‬وبعد أن أفاض َّ‬
‫وتمنى له ولبالده التَّقد َم والصعود‪.‬‬
‫علمية ومن تجارب‪ ،‬بارك لزائره ّ‬
‫أجهزة ّ‬

‫اقعا‬ ‫كان ذلك حلما يحلم به فرانسيس بيكون في القرن السادس عشر‪ ،‬وخياال ّ‬
‫يتخيله ال و ا‬
‫المقيد‬ ‫وعمال‪ ،‬وفي هذا التّكامل بين الخيال‬ ‫علما‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ا‬ ‫يعيشه‪ ،‬ثم جاء العلم بعدئذ ليصير الخيال ا‬
‫السير إلى أمام وإلى أعلى‪،‬‬
‫طردة ّ‬ ‫يتحول إلى عمل يقيم اإلنسان لنفسه حياة م ّ‬
‫البناء‪ ،‬والعلم الذي ّ‬
‫خيفا يدهم‬
‫ناجيا من أشباح الخرافة والجهالة التي رسمها "جويا" في صورته "أحالم العقل" خط ار ُم ا‬
‫صاحيا‪.‬‬
‫ا‬ ‫حالما كان ذلك العقل أو‬
‫اإلنسان إذا ما عقله غفا‪ ،‬ا‬

‫(من كتاب ثقافتنا في مواجهة تحديات العصر)‬

‫للدكتور زكي نجيب محمود‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬إضاءة‪:‬‬

‫المقالة‪ :‬قطعة نثرية محدودة في الطول والموضوع‪ ،‬ولها ّ‬


‫مقومات فنيّة تتمثل في المقدّمة‬
‫والعرض والخاتمة‪ .‬من أنواعها‪ :‬المقالة الذاتيّة التي تظهر فيها شخصيّة الكاتب بشكل أوضح‬
‫منها في النوع الثاني وهو المقالة الموضوعيّة حيث يبرز فيها جانب العقل بشك ٍل أكثر‪ .‬ومجال‬

‫الفلسفية‪...‬الخ‬
‫ّ‬ ‫االقتصادية و‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية و‬
‫ّ‬ ‫مثال‪:‬‬
‫لكل جوانب الحياة‪ ،‬فمنها ا‬
‫المقالة يتّسع ّ‬

‫الصحافة وانتشارها‪.‬‬
‫خاصة مع ظهور ّ‬
‫واكتسبت المقالة سماتها ال ّ‬

‫زكي نجيب محمود‪:‬‬

‫ولد زكي نجيب محمود عام ‪ ،1905‬في محافظة دمياط‪ .‬تخرج في كلية المعلمين العليا‬

‫بمصر‪ ،‬عام ‪ .1930‬وفي عام ‪ 1933‬بدأ في كتابة سلسلة من المقاالت عن الفالسفة المحدثين‬

‫في مجلة الرسالة‪ .‬له مجموعة كتب في الفلسفة والمنطق‪ ،‬والحياة الفكرية والثقافية مثل ( الجبر‬

‫الذاتي) و(تجديد الفكر العربي) و( تحديث الثقافة العربية) و ( ثقافتنا في مواجهة العصر) ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -1‬المعجم والداللة‪:‬‬

‫‪ -1‬بسالة‪ :‬الشجاعة‬

‫‪ -2‬مرتاب‪ :‬شاك‬

‫‪ -3‬جادة‪ :‬الطريق‬

‫‪ -4‬مخدع‪ :‬المكان الذي يخلو فيه المرء لنفسه‬

‫‪ -5‬أرسل ِ‬
‫العنان‪ :‬أطلقه‬

‫‪ -6‬يكبو‪ :‬يسقط‬

‫‪ -7‬يوتوبيا‪ :‬لفظ يوناني معناه ال مكان‪ ،‬وهي رمز للمدينة الفاضلة ‪ ،‬وهي تمثل‬

‫النموذج األمثل الذي تسعى اإلنسانية إلى تحقيقه‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬محاور المقالة‪:‬‬

‫‪ -1‬المقدمة‪ :‬وصف لوحة ( أحالم العقل) لفرانسسكو جوبا‬

‫‪ -2‬العرض‪:‬‬

‫‪ -1‬تأويالت اللوحة‬

‫‪ -2‬الفرق بين العقل والخيال‬

‫‪ -3‬أنواع الخيال‬

‫‪ -4‬معنى العلم عند فرانسيس بيكون‬

‫‪ -5‬عرض كتاب بيكون‪" :‬أطلنطس الجديدة"‬

‫‪ -3‬الخاتمة‪ :‬التكامل بين الواقع والخيال المقيد هو سبيل األمم للتقدم واالزدهار‬

‫‪7‬‬
‫‪ -1‬المقدمة ‪ (:‬وصف لوحة فرانسيسكو جوبا)‬

‫غالبا ما تتميز مقدمة المقالة بقصرها واتصالها بالمعروض‪ ،‬كما أنها تعطي فكرة موجزة‬

‫عن موضوع المقالة‪ ،‬حيث تشكل نقطة االرتكاز األولى في بناء المقالة‪ ،‬إذ قدم الكاتب وصفا‬

‫للوحة المصور اإلسباني فرانسيسكو جويا (‪1828-1746‬م)‪ ،‬جعل عنوانها "أحالم العقل"‪ ،‬أو‬

‫"رؤى العقل" تظهر رجال منهوك القوى يجلس على كرسي قرب منضدة‪ ،‬وتُ ّ‬
‫هوم حوله مخلوقات‬

‫غريبة مخيفة كأنها خفافيش برؤوس البوم‪ ،‬ومنها ما هو رابض لرصد فريسته‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫تقويم ذاتي رقم (‪:)1‬‬

‫عما يأتي‪:‬‬
‫بعد اطالعك على مقدمة المقالة‪ ،‬أجب ّ‬

‫‪ -1‬ما عنوان اللوحة التي رسمها جوبا؟‬

‫‪ -2‬إالم ترمز المخلوقات العجيبة في اللوحة‪ ،‬من وجهة نظر الكاتب؟‬

‫‪ -3‬ما الصفات الواجب توفرها في مقدمة المقالة؟‬

‫إجابة التقويم الذاتي رقم (‪)1‬‬

‫‪ -1‬عنوان اللوحة هو(أحالم العقل) أو ( رؤى العقل)‪.‬‬


‫‪ -2‬ترمز المخلوقات العجيبة من وجهة نظر الكاتب إلى وحوش الخرافة والضالل‪.‬‬
‫‪ -3‬تشكل المقدمة نقطة االرتكاز األولى في بناء المقالة‪ ،‬لذا يجب أن تتميز بقصرها‬
‫واتصالها بالمعروض‪،‬حيث أنها تعطي فكرة موجزة عن موضوع المقال‪.‬‬

‫العرض ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫العرض هو الجزء األساسي في بنية المقالة‪ ،‬وفيه يحاول الكاتب إقناع القارئ‬

‫بفكرته من خالل عرض األدلة والبيانات‪ ،‬وعادة ما يتكون من عدة فقرات قد تطول أو‬

‫تقصر حسب طبيعة القضية المطروحة‪ .‬أما األفكار الرئيسية المعروضة فيه‪ ،‬فهي‪:‬‬

‫أ‪ -‬تأويالت اللوحة‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن الصورة رمز للعقل إذا غفا فتدهمنا مع غفوته وحوش الخرافة والضالل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ثانبا‪ :‬الصورة رمز للعقل وقد انتصر بغزواته فثمل مخمو ار بنصره فما لبث أن أحاطت‬

‫به أسباب الهلع والجزع‪.‬‬

‫ولكن مراد الفنان يوضحه ما كتب على الصندوق‪ ":‬إذا العقل استغنى عن الخيال تولدت‬

‫أشباح مخيفة‪...‬أما إذا اقترنا‪ ،‬فانتظر منهما المعجزات"‪.‬‬

‫ب‪ ( -‬الفرق بين العقل والخيال)‬

‫العقل يعالج الواقع كما يقع؛ فاإلنسان بالعقل يفكر ويخطط ويعمل ويكتشف‪ ،‬أما‬

‫الخيال فيصور الممكن‪ ،‬الذي لو أسعفته الظروف‪ ،‬لخرج من عالم اإلمكان إلى عالم‬

‫الواقع‪ ،‬فيستطيع اإلنسان بالخيال أن يحلق ويصعد الجبال وهو جالس في مكانه‪.‬‬

‫ج‪ -‬أنواع الخيال‬

‫عما يمكن تحقيقه لو زالت العوائق‪،‬‬


‫يمتاز خيال عن خيال بمدى قربه أو بعده َّ‬

‫الم َّ‬
‫جنحة في لوحة‬ ‫فإذا شطح المرء بخياله نحو المستحيل‪ ،‬كان جنونا‪ ،‬كتلك الوحوش ُ‬

‫جوبا‪ ،‬فال يستطيع المرء أن يهتدي بفكرة تخيلها ليسير على هداها ويعمل على تحقيقها‬

‫في أرض الواقع‪ .‬إما إذا قيد الخيال بقيود المستطاع كان هو الخيال الذي يحلم به‬

‫العقالء‪ ،‬والذي يمكن العمل على تحقيقه في أرض الواقع ‪.‬‬

‫د‪ -‬معنى العلم عند فرانسيس بيكون‬

‫العلم الحقيقي عند بيكون هو العلم القادر على إحداث تغيير في البيئة المحيطة‬

‫على النحو الذي يحقق أغراضنا‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬عرض كتاب "أطلنطس الجديدة"‬

‫يقدم الكاتب كتاب " أطلنطس الجديدة" لصاحبه فرانسيس بيكون‪ ،‬وهو فيلسوف‬

‫ورجل دولة وكاتب انجليزي (ت‪ )1626 :‬معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق‬

‫‪10‬‬
‫فلسفته الجديدة القائمة على المالحظة والتجريب‪ ،‬حيث يقدمه الكاتب بوصفه مثاال حيا‬

‫على أحالم العقالء‪ .‬في هذا الكتاب يقدم بيكون حلمه بأن يتغير مفهوم العلم الذي شاع‬

‫في العصور الوسطى ليتحول من مجرد كالم في كالم إلى العلم بمعناه التطبيقي‪ ،‬حيث‬

‫فعال‪ ،‬وأداة لتغيير البيئة المحيطة على النحو الذي يحقق به حلم‬
‫يصبح العلم قوة و ا‬

‫اإلنسان في السيادة على عالم األشياء‪.‬‬

‫‪ -‬يتحدث بيكون في هذه اليوتوبيا العلمية عن رحلة متخيلة قام بها مع رفقائه م ِ‬
‫بحرين إلى‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫أن الرياح العاصفة توهتهم في البحار حتى وصلوا بعد جهد وشقة‬
‫الصين واليابان‪ ،‬إال ّ‬

‫إلى جزيرة أذهله أهلها بمستوى عيشهم الرفيع‪ ،‬وبمحصولهم العلمي الغزير‪ ،‬ومن ثم يسرد‬

‫بيكون في رحلته المتخيلة ما رآه من تقدم وتطور علمي في مؤسستهم العلمية المسماة‬

‫"بيت سليمان"‪.‬‬

‫‪ -‬يبدأ الكاتب بتوضيح الغاية من إقامة هذه المؤسسة العلمية ‪ ،‬وهي معرفة الكائنات من‬

‫حيث علل حدوثها‪ ،‬وما يسري فيها من حركات خافية‪ ،‬ابتغاء توسيع رقعة السيادة‬

‫لإلنسان على عالم األشياء‪.‬‬

‫عرضا للمعدات واألجهزة التي تستعين بها المؤسسة في بحوثها حيث‬


‫ا‬ ‫يقدم الكاتب‬
‫‪ -‬ثم ّ‬

‫بعيدا عن ضوء الشمس وتيارات الهواء‪ ،‬وتستخدم‬


‫الكهوف الفسيحة في المنطقة السفلى ا‬

‫في التّبريد والحفظ‪ ،‬وإنتاج عناصر بتراكيب جديدة‪ ،‬وهناك األبراج العالية فوق قمم‬

‫عمليات العزل والتّبريد والحفظ‪ ،‬ورصد تقّلبات‬


‫الجبال في المنطقة العليا حيث تستخدم في ّ‬

‫الجو‪ ،‬والمعامل العلمية لدراسة الضوء والصوت‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫تقويم ذاتي رقم (‪:)2‬‬

‫‪ -1‬ما الفرق بين الخيال والواقع؟‬

‫‪ -2‬متى يكون الخيال مجديا؟‬

‫‪ -3‬ما طبيعة العلم الشائع في أوروبا في القرن السادس عشر؟‬

‫‪ -4‬ما هي تصورات فرانسيس بيكون عن العلم؟‬

‫‪ -5‬ما المقصود باليوتوبيا العلمية؟‬

‫إجابة التقويم الذاتي رقم (‪)2‬‬

‫‪ -1‬الفرق بين الخيال والواقع‪ ،‬أن العقل يعالج الواقع كما يقع‪ ،‬فيخطط ويعمل ويكتشف‪،‬‬
‫أما الخيال فيصور الممكن‪ ،‬الذي لو أسعفته الظروف‪ ،‬لخرج من عالم اإلمكان إلى‬
‫عالم الواقع‪.‬‬
‫‪ -2‬يكون الخيال مجديا إذا قيد بقيد المستطاع‪.‬‬
‫شائعا في أوروبا في القرن السادس عشر هو العلم النظري غير‬
‫ا‬ ‫‪ -3‬العلم الذي كان‬
‫التطبيقي‪.‬‬
‫‪ -4‬كانت تصورات فرانسيس بيكون عن العلم أنه قوة بمعنى ّأنه أداة لتغيير البيئة‬
‫"كالما" تسمية‬ ‫كنت قد حصلت‬ ‫ِ‬
‫ا‬ ‫النحو الذي ُيحّق ُق أغراضنا‪ ،‬فإذا َ‬
‫المحيطة بنا على ّ‬
‫تعرف كيف تستخدمه أداة للتغيير والخلق‪ ،‬فاعلم ّأنك لم تحصل من‬
‫ُ‬ ‫علما‪ ،‬ثم ال‬
‫شيئا‪.‬‬
‫العلم ا‬
‫‪ -5‬المقصود باليوتوبيا العلمية الخيال العلمي حيث يسرد بيكون في رحلة متخيلة ما رآه‬
‫من تقدم وتطور علمي في إحدى الجزر‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫و‪ -‬الخاتمة‪ :‬التكامل بين الخيال المقيد والعلم‬

‫المقالة هي ذلك التصور البنائي للموضوع الذي يرهص بالنهاية منذ البداية وال‬
‫يرفع عينه عنها‪ ،‬وهو في أي جزء من األجزاء يلتفت إلى األجزاء األخرى إلى أن تكشف‬
‫العبارة األخيرة عن كنه العبارة األولى وتبرر وجودها دون أن تحس بأي فتور‪ .‬وفي هذه‬
‫المقالة جاءت كل فقرة تمهيدا لفكرة جديدة‪ ،‬أو تأكيدا لفكرة سابقة‪ ،‬في حين جاءت‬
‫الخاتمة إجابة عن العنوان المفتوح "عندما يحلم العقالء"‪ ،‬وتأكيدا للفكرة األساسية التي‬
‫يسعى كاتب المقالة إلى ترسيخها‪ ،‬وهي أن التكامل بين الواقع والخيال المقيد هو سبيل‬
‫األمم للتقدم واالزدهار‪ .‬فالمقالة تعرض حلم رجل عاقل عاش في القرن السادس عشر‪،‬‬
‫حين لم يكن الناس يعرفون من أمور دنياهم إال قليال‪ ،‬وما كانت رحلته إال خياال يتخيله‬
‫وعمال‪ .‬وهذا التكامل بين الخيال‬
‫ا‬ ‫علما‬
‫ال واقعا يعيشه‪ ،‬ثم جاء العلم ليصير الخيال ا‬
‫المقيد‪ ،‬والعلم الذي يتحول إلى عمل هو ما ينجي اإلنسان من أشباح الجهل والخرافة‬
‫خطر على حياة اإلنسان إذا غفا عقله سواء في الصحو أم في المنام‪ ،‬وهو‬
‫اا‬ ‫التي تشكل‬
‫تكامل من شأنه دفع الحياة لألمام‪.‬‬
‫تقويم ذاتي رقم (‪:)3‬‬

‫‪ -1‬هل جزيرة أطلنطس حقيقة أم خيال؟‬

‫‪ -2‬متى يصير الخيال خط ار على حياة اإلنسان؟‬

‫إجابة التقويم الذاتي رقم (‪:)3‬‬

‫‪ -1‬جزيرة أطلنس هي جزيرة متخيلة‪.‬‬


‫يصير الخيال خط ار على حياة اإلنسان إذا كان كان خارج قيود المستطاع‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪13‬‬
‫المصادر و المراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬نجم‪ ،‬محمد يوسف‪ :‬فن المقالة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت ‪1966،‬‬

‫‪ -2‬ابن منظور لسان العرب‬

‫‪ -3‬زكي نجيب محمود‪ :‬ثقافتنا في مواجهة العصر‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الشروق‪ ،‬بيروت‪1982 ،‬‬

‫‪-4‬كامل عويضة‪ :‬فرانسيس بيكون‪ :‬فيلسوف المنهج التجريبي الحديث‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪.1993 ،‬‬

‫‪14‬‬

You might also like