Professional Documents
Culture Documents
الفلسفة النقدية
الفلسفة النقدية
-1دوافع التأسيس :يمكن القول أن الجدلية القائمة بين العقليين والتجريبيين في تحديد المرجعية العليا
الغلو في تقديس المرجعية التي يتبناها كل طرف ،والعجز ّ للتحصيل المعرفي والمفاهيمي العام ،وكذلك
يبرر طبيعة معارفنا ويفسرها ،كانت من األسباب الرئيسة التي دفعت بكانط إلى عن إيجاد تفسير منطقي ّ
تأسيس فلسفته النقدية...
إن المتعارف عليه ،أن الفلسفة النقدية التي أسس لها الفيلسوف األلماني كانط ،قامت أساسا على نقد ّ -
المذهب العقلي خصوصا الدّيكارتي منه ،والذي يعتقد بإمكانية معرفة العالم وقوانينه المسيِّّرة لظواهره
بالعقل واالستدالل المنطقي ،كما قام من جهة أخرى على نقد المذهب التجريبي الحسي خصوصا ما
يتعلّق بأفكار لوك وهيوم ،التي تجعل من التجربة المصدر الفعلي لفقه قوانين العالم وتفسيره.
-لقد كانت فلسفة كانط النقدية فلسفة تركيبية ،أو لنقل مزيج من مضمون الفلسفتين :العقلية والتجريبية
معا ،ومن هنا دعا إلى ضرورة التأسيس لنظام معرفي جديد يتآلف فيه الواقعي بالعقلي ،وبمعنى آخر
ضرورة إخضاع المعطيات التجريبية إلى المفهمة العقلية ،وفي الوقت نفسه تزويد البنيات العقلية
الفارغة بمعطيات الواقع الحسي .فالمعطيات الحسية ال يمكن أن تكون كافية لصياغة المفاهيم الصحيحة،
بعيدا عن التنظيم واإلدراك العقلي ،والتجربة وحدها ال تعطينا سوى سلسلة من األحوال المتتابعة في
مجردة واضحة عن العالم ّ العقل الخالية من الترابط المنطقي ،والعقل كذلك ليس بإمكانه كذلك بناء مفاهيم
تزوده بمعطيات تنشط فعاليته التنظيمية. الخارجي ،بعيدا عن تأثير الوقائع الحسية لهذا العالم ،والتي ّ
أن هذا المنهج النقدي قد اعتمده فالسفة -لقد استخدم كانط النقد كمنهج لفحص األفكار بدقّة ،ورغم ّ
أن ما يميز النقد الكانطي هو أنّه أراد أن يغطي به جميع جوانب االنشغال الفلسفي، وأدباء ٌبله ،إال ّ
واإلحاطة بعموم جوانبها (العقل ،األخالق ،الجمال ،السياسة )..بهدف إدراك غموضها ،وإظهار ما
تحويه من تناقضات ،وتأسيس غير منطقي في المفهمة واالستعمال .وقام كذلك بتحليل قضايا المعرفة
والنظريات ،بهدف إبراز الصواب من الخطأ ،ولم يكن األمر هنا عفويا أو غرضه الفصل في الجدال
تمر بها أوربا في ميادين الحياة القائم بين العقليين والتجريبيين ،وإنّما كان للظروف التاريخية التي ّ
السياسية واالقتصادية واالجتماعية ..تأثيرها في الدفع بكانط نحو هذه الفلسفة النقدية ،كمساهمة منه في
تفعيل الحلول العالجية لمشكالت الحياة..فجاءت أهم مؤلّفاته تحت مصطلح النقد( :نقد العقل المحض /نقد
العقل العملي /نقد ملكة الحكم).
مر النقد قبل أن يصل إلى مرحلة النضج واالكتمال بثالث التطور التاريخي للنقد عند كانطّ : ّ -2
مراحل( :الدجماتية ،الشك ،النقد).
-1الدجماتية :تمثل مرحلة طفولة العقل ،تتميز بالنزوع نحو الوثوق الكامل بالمبادئ من دون نقد،
مرتا بمرحلة الجمود ،والجدال العقيم..تجسدت في الفلسفتين :العقلية والتجريبية ،اللتين ّ
-2النزوع الش ّكي :يشبّه كان رواد هذه النزعة ،بالبدو الرحل ،فهم ال يستقررن على رأي أو مبدأ واحد،
وكانط الذي يعترف أنّه مر بهذه المرحلة ،بعد أن أيقظته ارتيابية دفيد هيوم ..هذا الشك يعتبر أرقى من
الشك ..لكنّه يبقى شكا سلبيا ألنّه يراقب
ّ الدجماتية ألنّه يمارس الرقابة على العقل الذي بدوره يدفع نحو
العقل دون نقده..
الشك إلى العلم ،وتأسيس ّ -3النقد :وهو بمثابة محكمة للعقل المحض ،وبفضله يكون االنتقال من
البراهين على صحة األحكام الفلسفية والعلمية ،حتى تصبح بمثابة مبادئ وأسس أولية لبناء األفكار ،التي
قبل التسليم بصدقها يكون النقد قد قام بتعقبّها وتحليلها حتى تكون أكثر وضوحا..
-3لمحة مختصرة عن فلسفة كانط النقدية (أنموذج نقد نظرية المعرفة) :تناول كانط نظرية المعرفة
بالنقد ن جوانب مختلفة، ،ذكر من أهمها:
أ -نقد المعرفة الميتافيزيقية :لقد أعلن كانط عن استحالة اإلحاطة بمضمون الميتافيزيقا بمفهومها
التقليدي ،ألن عالم ما وراء الطبيعة يستحيل الكشف عنه وإدراكه ،وأن المعرفة التي يمكن للعقل
تحصيلها تقتصر على عالم الحس وما يمكن للتجربة العملية اإلحاطة به.
ومجرد أوهام ومفاهيمّ -كان كانط يسخر من األبحاث الميتافيزيقية التقليدية ،ألنها بعيدة عن الواقع
غامضة ،من غير نفع عملي ،ورغم اعترافه أن الميتافيزيقا ميل طبيعي في الكائن اإلنساني ،إال أن هذا
بالمبرر الكافي لوصفها بأنها علم ،وكل المحاوالت في هذا المجال هي عديمة الجدوى« .أما أولئك ّ ليس
الذين يفخرون بمعارف رفيعة من هذا القبيل ،فعليهم أال يبخلوا بها ،بل أن يعرضوها علنا للفحص
والتقدير ،هم يريدون تقديم برهان؛ هيا! فليأتوا بالبرهان إذن وسيلقي النقد بجميع أسلحته أمام أقدامهم
باعتبارهم منتصرين».
إن رفض كانط للميتافيزيقا لم يكن بمطلق الحكم ،بل إنّه رفض الميتافيزيقا بمفهومها التقليدي ،التي ّ -
تبقي ال عقل غارقا في التأمل من غير نفع عملي .فقد دعا إلى تأسيس ميتافيزيقا جديدة علمية ،ودعا
المشغلين بحقل الميتافيزيقا إلى اقتفاء طريق العلم ،بمعنى ضرورة وضع منهج لفهمها وتحصيل نتائج
مقبولة وقابلة للبرهان ،وليس مجرد بحثها من زاوية مذهبية جامدة..
-بحث كانط في قضا يا ميتافيزيقية ذات االرتباط بالدين مثل :هللا ،الحرية ،خلود النفس ،وانتقد طريقة
الفالسفة في بحثها ألنها محاوالت أرهقت العقل وح ّملته ما ال يطيق ،ورغم أنه انتقد أدلتهم في تفسيرها
وبحثها ،إال أنّه لم ينكر هذه المسائل التي تتجاوز قدرة العقل اإلدراكية ويستحيل عليها إلحاطة بها،
فجعل التصديق اإليماني بها هو السبيل األنسب لالقتناع بها..
ب -نقد مصدر المعرفة :االختالف حول مصدر المعرفة ،جدال الزم الفلسفة منذ عهد الفلسفة اليونانية،
واشتد وقعه مع الفلسفة الحديثة بين العقليين والتجريبيين.
-في نظريته حول المعرفة ،كان كانط ناقدا لرأي العقليين والتجريبيين معا ،مؤمنا بالمرجعيتين :العقلية
والتجريبية للمعرفة ...فالمعرفة عنده تبدأ بالتجربة ،ومن غير الممكن للعقل أن يقوم بنشاط معرفي من
دون أن يكون له موضوعا حسيا يحر ّكه ،غير أن معطيات التجربة الحسية ليست مكتملة وواضحة بعيدا
التصورات العقلية ،واألفكار القبلية الفطرية التي تحويها العقول .فعقل اإلنسان ليس لوحة جامدة ّ عن
تخط عليها التجربة ما تريده ،بل إنه ملكة نشيطة لها قدرة التنسيق بين اإلحساسات وتحويلها إلى أفكار
واضحة ،فتزيل عنها ضروب الغموض والتشويش.
-العلوم والمعارف ال تتأسس بعيدا عن فعالية العقل والتجربة « ،إن كل معارفنا تبدأ بالحواس ثم تنتقل
إلى المفاهيم ومن ثم إلى العقل»..
مالحظة :لالستزادة أكثر يمكن االستئناس بالمصادر والمراجع التالية:
-كانط ،نقد العقل المحض ،تر ،موسى وهبة +نقد العقل العملي ،تر ،غانم هنا +نقد ملكة الحكم،
تر ،غانم هنا +تأسيس ميتافيزيقا األخالق ،تر ،عبد الغفار مكاوي..//
-أوفي شولتز ،كانط ،تر ،أسعد رزوق//
-برتراند راسل ،حكمة الغرب "الفلسفة الحديثة والمعاصرة" ،تر ،فؤاد زكريا//
-إبراهيم مذكور ويوسف كرم ،دروس في تاريخ الفلسفة//
-زكي نجيب محمود ،خرافة الميتافيزيقا//
-يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة الحديثة//
-ريتشارد شاخت ،رواد الفلسفة الحديثة من ديكارت إلى كانط ،تر ،أحمد حمدي محمود//
-جوزايا رويس ،روح الفلسفة الحديثة ،تر ،أحمد األنصاري//
-ويل ديورانت ،قصة الفلسفة من أفالطون إلى جون ديوي ،تر ،فتح هللا محمد المشعشع//
-دومينيك فولشيد ،المذاهب الفلسفية الكبرى ،تر ،مروان بطش//