You are on page 1of 2

‫المدة الزمنية‪ :‬ساعة ونصف‬ ‫االستاذ‪ :‬بن عبد هللا‬

‫محاضرات مقياس‪ :‬مذاهب فلسفية كبرى‬


‫الدرس‪ :‬المذهب العقالني‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫العقالنية مذهب فكري يؤكد أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق االستدالل‬
‫العقلي بدون االستناد إلى التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجود للعقل إلثباته أو نفيه‬
‫أو تحديد خصائصه‪.‬‬
‫ويحاول المذهب إثبات وجود األفكار في عقل اإلنسان قبل أن يستمدها من التجربة العملية الحياتية أي أن‬
‫اإلدراك العقلي المجرد سابق على اإلدراك المادي المجسد‪.‬‬
‫نشأة وتطور العقالنية(‬
‫العقالنية تيار له تاريخ طويل‪ ،‬وهي موقف لقطاع كبير من المفكرين‪ ،‬ولها جذورها في الفكر الشرقي‬
‫القديم‪ ،‬ال سيما في مصر والهند‪ .‬وقد بدأت كتيار فلسفي في الفلسفة اليونانية‪ ،‬مع سقراط‪ ،‬وأفالطون‪.‬‬
‫ولقد حاول بعض الفالسفة المسلمين توظيف العقل للتعبير عن العقائد واألفكار اإلسالمية وللدفاع عنها‬
‫ضد المهاجمين لها‪ ،‬مثل الكندي والفارابي وابن سينا؛ الذين سعوا للتوفيق بين الدين اإلسالمي والعقالنية‬
‫اليونانية‪ .‬وقد ذهب ابن رشد إلى أن العقل هو األساس‪ ،‬وإذا ما و ِجد بينه وبين الوحي تعارض‪ ،‬فإنه‬
‫ينبغي تأويل الوحي بما يجعله متفقا ً مع العقل‪.‬‬
‫وفي العصر الوسيط األوربي كانت العقالنية تتحرك داخل الدين‪ ،‬واتخذت عقائده مسلمات مطلقة‪ ،‬وصار‬
‫العقل خادما لالهوت المسيحي‪ ،‬سواء الهوت األرثوذكسية اليونانية أو الهوت الكاثوليكية الرومانية‪.‬‬
‫واعتبر العقل أداة للدين‪ ،‬مثلما هو الحال عند أوغسطين (‪ ،)430-354‬وأنسلم (‪ ،)1109-1033‬وتوما‬
‫األكويني )‪Aquinas Thomas (1225-1274‬؛ حيث كانوا يوظفون الفكر الفلسفي في تبرير‬
‫العقائد المسيحية‪ ،‬والدفاع عنها ضد الشبهات واالنتقادات‪.‬‬
‫وفي مطلع العصر الحديث‪ ،‬جاء ديكارت الذي يعده الكثيرون أبا للعقالنية الحديثة؛ ألنه ‪-‬من وجهة‬
‫نظرهم‪-‬انطلق من الفكر العقالني الخالص كمقدمة أولى استنبط منها الحقائق اليقينية‪ .‬لكن من وجهة‬
‫نظرنا أن ديكارت يعود أيضا إلى وجهة نظر القديس توما األكويني ‪Aquinas Thomas (1225-‬‬
‫)‪ 1274‬في موقفه من الوحي المسيحي ‪ Christian Revelation‬بوصفه مهيمنا على العقل‪.‬‬
‫وقد ذهب سبينوزا‪ Spinoza (1677-1632‬إلى القول بمذهب وحدة الوجود‪ .‬ووصل إلى ذلك‬
‫بطريقته االستنباطية العقلية الهندسية المعروفة عبر سلسلة من االستدالالت‪ .‬ومن العقالنيين في القرن‬
‫السابع عشر‪ :‬جولينكس )‪ ،Geulincx (1624-1669‬ومالبرانش ‪Malebranche (1638-‬‬
‫)‪ ،1715‬وغيرهما من صغار الديكارتيين‪.‬‬
‫ومن أهم الفالسفة العقالنيين في القرن السابع عشر الفيلسوف األلماني ليبنتز ‪Leibniz (1646-‬‬
‫)‪ ،1716‬الذي ذهب إلى وجود توافق تام بين الحقيقة الدينية والحقيقة العقلية؛ وال مجال عنده ألي نــوع‬
‫من التنافر بين كنههما؛ فالحقيقتان منسجمتان‪ ،‬لكن أسلوب التوصل إلى الحقيقة الدينية مغاير ألسلوب‬
‫التوصل إلى الحقيقة العقلية؛ فاألسلوب األول هو الوحي الخارق لألساليب الطبيعية‪ ،‬بينما األسلوب الثاني‬
‫هو االكتساب العقلي المؤسس على طرق طبيعية‪ .‬وهكذا ثمة طريقان أو أسلوبان‪ ،‬لكن الحقيقة واحدة‬
‫تأخذ تارة اسم الحقيقة الدينية تبعا لمنهج التوصل إليها‪ ،‬وتأخذ تارة أخرى اسم الحقيقة العقلية تبعا لمنهج‬
‫التوصل إليها‪ .‬وانطالقا من هذا التوافق بين الحقيقتين يؤسس ليبنتز اإليمان على العقل‪ ،‬مع أنه في أحيان‬
‫كثيرة يرفع اإليمان فوق العقل ويعتبر العقل عاجزا عن فهم العقائد اإليمانية‬
‫مبادئ المذهب العقالني‬

‫‪-1‬أولوية المرجعية العقلية‪ :‬الفكرة األساسية المشتركة بين العقالنيين في نظرية المعرفة إنكار أن‬
‫القوانين الموضوعية تستمد من الطبيعة‪ ،‬وأن استنباط شروط المعرفة اليقينية والمبادئ والبديهيات يكون‬
‫من العقل وليس من الطبيعة‪.‬‬
‫‪ -2‬ارتباط مشكلة السببية بالعقل ارتباطا ً جوهر ًّيا؛ ألن العقل في نهاية التحليل يرتد بنيويا إلى السببية‪.‬‬
‫وقد انعكس هذا التصور للعقل على اللغات األوربية‪ ،‬حيث نجد أن كلمة ‪ Ratio‬الالتينية أو ما اشتق‬
‫منها‪ ،‬مثل كلمة ‪ Raison‬الفرنسية و‪ Reason‬اإلنجليزية – تدل تارة على ملكة العقل‪ ،‬وتارة على‬
‫عالقة السببية‪ .‬ومن هنا فإن حديثنا عن السببية هو حديث عن العقالنية؛ ألن السببية بشرطيها الضرورية‬
‫والكلية‪ ،‬تستنبط عند العقالنيين من العقل اإلنساني ال من الطبيعة‪ .‬وهذا الرأي الجوهري هو الثابت‬
‫البنيوي الذي يميز كل الفلسفات العقالنية عن الفلسفات التجريبية المحضة التي ترى أن الروابط السببية‬
‫والضرورة والكلية إنما توجد في القوانين الموضوعية للطبيعة الخارجية‪ ،‬مستقلة استقالال تاما عن العقل‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫يتضح مما سبق ‪:‬‬
‫المذهب العقالني هو ثالث المذاهب الفلسفيّة الّتي تختصّ بدراسة الوجود والكون‪ ،‬إلى جانب المذهبين‬
‫ال ّتجريبيّ وال ّنقدي‪ ،‬ويقوم على ال ّتركيز على القدرات العقليّة في فهم األمور والحقائق‪ ،‬ويُبرز دور العقل‬
‫على الخرافات في ترجمة الوقائع واألحداث الّتي تجري في العالم كما يبرز دور العقل على اإليمان‪،‬‬
‫ويُعتمد العقل في فهم القدرات واالستنتاجات العقليّة دون الحاجة إلى الخبرات ال ّتجريبيّة أو الح ّسيّة‪ ،‬حيث‬
‫يعلو في هذا المذهب اإلدراك العقلي البحت على اإلدراك الما ّدي‪.‬‬

You might also like