Professional Documents
Culture Documents
في خضم هذه الحياة الصعبة المائجة بمشاكلها؛ يبحث كثير من الناس عن عالج ألمراضهم النفسية،
بعيدا عن محاولة البحث عن السبل القريبة لتطهير القلب من أدرانه ،ويقطعون دونها المسافات وينفقون
ألجلها األموال الباهظة ،والعالج سهل يسير ،متاح لكل من أرخى سمعه لنداء الحق وأيقن يقين المؤمن
.آلياته
ذكر هللا يؤتي ثماره الطيبة في حياة الفرد والجماعة ،وأول هذه الثمار سكينة النفس وانشراح الصدر
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر هللا أال بذكر هللا تطمئن :وطمأنينة القلب ،يقول هللا عز وجل
[1].القلوب
يقول ابن كثير في تفسير هذه اآلية“ :أي تطيب وتركن إلى جانب هللا .وتسكن عند ذكره ،وترضى به
].أي هو حقيق بذلك” [ 2أال بذكر هللا تطمئن القلوب :مولى ونصيرا ولهذا قال
سكينة النفس وطمأنينة القلب ،يشعر بها الذاكر ويعيشها ،تمأل أقطار نفسه فال يحس إال باألمن إذا خاف
.الناس ،والسكون إذا اضطرب الناس ،واألمل إذا يئس الناس ،والرضا إذا سخط الناس
وللذكر فضائل وفوائد ال حصر لها ،يقول اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى“ :ما ذكر هللا عز وجل على
صعب إال هان ،وال عسير إال تيسر ،وال مشقة إال خفت ،وال شدة إال زالت ،وال كربة إال انفرجت ،فذكر
].هللا هو الفرج بعد الشدة ،واليسر بعد العسر ،والفرج بعد الغم والهم” [3
لم يقل هللا عز وجل :تطمئن القلوب بذكر هللا ،ولو كانت اآلية كذلك لتغير المعنى وكان االطمئنان بذكر
فال غرو كان ذلك أال بذكر هللا تطمئن القلوب :هللا وبغيره ،أما حينما جعل العبادة قصرا في قوله تعاال
للتأكيد واليقين على أن القلوب ال يمكن أن تطمئن أو تستقيم إال بذكر هللا تعالى ،طمأنينة تأمن معها
.النفس وتسلم من كل األمراض
طمأنينة لو رامت القلوب الظمأى العيش بين أحضانها لوجدت ضالتها المفقودة ،ولو أيقنت بما عند هللا
من أدواء ألمراضها استقرت ال محالة من اضطرابها ولوجدت سعادتها المفقودة ،يقول ابن تيمية رحمه
إن في الدّنيا لجنّة من لم يدخلها لم يدخل جنّة اآلخرة” ،وهو تأكيد لما جاء في قوله تعالى
ولمن :هللاّ “ :
[4].خاف مقام ربه جنتان
ويقول اإلمام عبد السالم ياسين رحمه هللا“ :تنبني الشخصية اإليمانية اإلحسانية بذكر هللا .كل العبادات
شرعت لذكر هللا .كل األعضاء الظاهرة والباطنة منتدبة لذكر هللا .ذكر القلب ،أعظمها ،ثم ذكر اللسان،
نهار الصوم ،أو تطوف وتسعى وتقف وترمي ثم ذكر األعضاء عندما تتكيف بكيفيات الصالة ،أو ت ُ ْمسك َ
أدوم.
َ في نسك الحج ..ذكر هللا به يتقدس الكيان القلبي للمؤمن ،ويكون التقديس أعظم إن كان ذكر هللا
].ويكون ذكر هللا أعظم إن كانت دواعي الغفلة وأزمة الموقف أشد” [5
قال رسول هللا صلى هللا علي “ :وذكر هللا أربح تجارة وأعظم صفقة ،عن أبي الدرداء رضي هللا عنه قال
وسلم :أال أنبؤكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب
والورق ،وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا :بلى .قال :ذكر هللا
َّللا
َّللا من ِذك ِْر ه ِ
ب هِ ” [6].تعالى ،قا َل معاذُ بنُ جب ٍل :ما شَي ٌء أنجى ِمن عذا ِ
إن القلوب المثقلة بذنوبها لن تحقق الطمأنينة والسكينة دون أن تسعى إلى التطهر لمعالجة دائها ،وترياق
دوائها هو ذكر هللا والتفكر في آالئه ومناجاته ،لعلها تستمطر رحمته وتصادف ساعة استجابة
للمستغفرين والمذنبين المقصرين ،وساعة قبول عند هللا سبحانه وتعالى وفوز برضوانه في الدنيا
واآلخرة .كما أن ذكر هللا قوت قلوب العارفين وحياة أرواحهم ،يقول ابن القيم رحمه هللا تعالى في مدارج
السالكين“ :الذِّّكر منشور الوالية الذي من أ ُ ِّ
عط َيه اتصل ،ومن ُمنِّ َعهُ عُ ِّزل ،وهو قوت قلوب القوم الذي
تعطلت عنه صارت بوراً ،وهو سالحهم متى فارقها صارت األجساد لها قبوراً ،وعمارة ديارهم التي إذا ّ
الذي يقاتلون به قطاع الطريق ،وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق ،ودواء أسقامهم الذي متى
سبب الواصل؛ والعالقة التي كانت بينهم وبين عالم الغيوب ”.فارقهم انتكست منهم القلوب ،وال ّ
إن السلوك إلى هللا سبحانه وتعالى هو غاية الذاكرين ،والطريق لمعرفة الحق تتطلب اتباع المنهاج النبوي
المنير لتربية القلوب قبل إرشاد العقول ،حتى تتدرج في شعب اإليمان وتسير نحو معارج اإلحسان في
.سلم الخصال العشر ،الذي يشكل فيه الذكر الخصلة الثانية بعد الصحبة والجماعة
الذكر تربية
إن مكانة الذكر عظيمة عند هللا سبحانه وتعالى ،فهو يرفع الذاكر إلى مقام التأسي برسول هللا صلى هللا
عليه وسلم؛ إن تحقق بالذكر رجاء هللا تعالى برجاء مغفرته ،ورجاء اآلخرة بطلب وجهه الكريم .و”في
كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة ،والذكر عبودية القلب واللسان ،وهي غير مؤقتة .بل هم يؤمرون
ٌ
قيعان وهو غراسها، بذكر معبودهم ومحبوبهم على كل حال :قياما وقعودا وعلى جنوبهم .فكما أن الجنة
بور خراب وهو عمارتها وأساسها .وهو جالء القلوب ودواؤها إذا غشيها اعتاللها ،وكلما فكذلك القلوب ٌ
).زاد الذاكر في الذكر استغراقا ،زاد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقا (…)” (1
وعالقة ال ذاكر بمحبوبه تقوى وتشتد ،ودوامها ال يكون إال باتخاذ ورد يومي يكون صلة وصل وحبل
نجاة وشعاع أمل يتعلق به كل ذاكر محب .ويزداد الذاكر قربا كلما ازداد الورد ،حتى يكون حصنا منيعا
.وحبال متينا يتشبث به ليوصله إلى درجات القرب والوصل
يقول أحد العارفين باهلل تعالى( :من ال ورد له ال وارد له) ،والورد هو دوام الذكر والعبادة بمقدار معلوم
وتكرارها يوميا ،وهو ما يضمن للذاكرين هللا كثيرا و الذاكرات المتهجدين واردا من اإليمان والورع
.والتقوى يقذفه هللا سبحانه وتعالى في قلوبهم لتزداد طمأنينة وقربا من خالقها
الذكر تنظيما
يقول اإلمام عبد السالم ياسين“ :الذكر ليس فقط مناجاة في الضمائر ،وكلمات على اللسان ،وشعائر
ظاهرة يعظمها المؤمن .بل الذكر الوقوف بين يدي هللا صفا في الصالة ،يتقدم إليه جند هللا ألداء مراسيم
العبودية ،ثم إشاعة حاكمية هللا في عالقات جند هللا مع هللا ،وفي عالقاتهم استعدادا لتطبيق شريعته يوم
يؤول الحكم إلى المؤمنين ،في كل مجاالت الحكم ،والسياسة ،واالقتصاد ،وشكل المجتمع ،والعدل فيه،
).والثقافة ،والجهاد كله” (2
والء جند هللا تعالى هلل سبحانه ،فهم يطلبون وجهه ،ويتبعون سنة نبيهم محمد صلى هللا عليه وسلم،
ويتخذون كتاب هللا دستورا متبعا ،ويجاهدون في سبيل إعالء كلمة الحق .واستعدادهم لبذل حياتهم في
.سبيل هللا تعالى دليل صدق إيمانهم
ووالء المومنين هلل تعالى يحقق لهم النصر والتمكين في األرض ،وهو يتناقض مع كل والء عرقي أو
قومي متعصب ومفرق ،يشتت جهود المومنين ويزرع الخالفات بينهم ،لذا يجب أن تظل آيات هللا وسنة
.نبيه المصطفى شرعا يحتكم إليه كل المسلمون حتى تقوم الدولة اإلسالمية على شريعة اإلسالم العادلة
شعب الخصلة
إنها كلمة الحق والكلمة الطيبة التي تجمع الشعوب والقبائل للتآلف والتعارف والقيام بأمر هللا تعالى ،هي
.أم الشعب ،وكلمة اإلخالص ،والشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها
وهذه الكلمة الطيبة هي أصل وحقيقة اإليمان ،المجددة له والمقوية ألصوله ،واإلكثار من قولها شفاء
.للصدور ودواء وهدى ورحمة للموقنين
الصالة
.إن روح الصالة هي الخشوع فيها وهذا ال يتأتى إال بصحبة الصالحين الخاشعين
وبجد المؤمن واجتهاده للخشوع في صالته يزداد إيمانه ،وبتلبية النداء عند سماع األذان ينتقل المسلم من
.النفس والرفقة الغافلة إلى الصحبة الذاكرة
النوافل
يكون التقرب إلى هللا تعالى بالفرض أوال ثم بالنفل بعد إتمام الفرض أركانا وخشوعا ،وباإلضافة إلى
ضرورة المحافظة على السنن والرواتب ال بأس من المواظبة على صالة االستخارة والحاجة ..لطلب
.الرشد في األمر ،فعليه سبحانه وتعالى االعتماد واالفتقار
تالوة القرآن
َّللاِ ،ويتَدَارسُونَه ( :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اب ه َّللا يَتْلُونَ ِكت َ َ
ت هِ َما اجْ ت َ َم َع قَ ْو ٌم فِي بَ ْي ٍ
ت ِم ْن بُيو ِ
الرحْ َمةَ ،و َح هفتْهُم المالئِكَةُ ،وذَكَرهُ ْم ه
َّللا فيِ ْ
من ِعنده شيَتْ ُه ْم ه س ِكينَة ،و َ
غ ِ رواه ( )ب ْينَهُم ،إِاله نَ َزلتْ علَيهم ال ه
) .مسلم وأبو داوود وغيرهما
الذكر وأثره
رواه ( ) َمث َ ُل الهذِي يَ ْذك ُُر َربههُ َوالهذِي ال يَ ْذك ُُر َربههُ َمث َ ُل الحَي ِ َوال َميِ ِ
ت( :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
).البخاري ومسلم
إن ذكر هللا فيه إحياء للقلوب في زمن الغفلة والفتنة ،وهو شفاء للقلوب؛ يزيل عنها الغشاوة ويقربها لربها
.زلفى
مجالس اإليمان
هي مجالس الذكر الجماعي ة اإليمانية؛ التي تتباهى بها المالئكة وتغشاها الرحمة ويذكرها هللا في مإل
.عنده
.وذلك بحفظ جوامع الذكر النبوية ،واألذكار الواردة عقب الصلوات ،وفي كل المناسبات واألوقات
الدعاء وآدابه
).سورة الفرقان ،آية (77قُ ْل َما َي ْع َبأ ُ ِبكُ ْم َر ِبي َل ْو َال ُدعَا ُؤكُ ْم :يقول هللا عز وجل في محكم كتابه
إن مقام العبد هو التذلل بين يدي هللا عز وجل ،وإظهار االفتقار إليه ،ودعائه بمسكنة وتباكي ،تضرعا
إليه وطلبا لالستجابة دون استعجالها .ودعوة المؤمن ألخيه عن ظهر الغيب مستجابة ،لذلك أوصى بها
.السلف الصالح
من ( :روى مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال
).صلى علي صالة واحدة صلى هللا عليه بها عشرا
والصالة على نبينا المصطفى مفتاح خير وصلة وصل به صلى هللا عليه وسلم ،فكلما أكثرنا منها كانت
.صحبتنا له ومحبتنا أكبر ،نهتدي بها إلى ذكر هللا ومحبته لنا
التوبة واالستغفار
أول اإلقبال على هللا تعالى توبة نصوح بعد رد المظالم إلى أهلها وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن
.واالستغفار في األسحار ،عسى أن يكتبنا هللا تعالى من التائبين ويجعلنا من المستغفرين المقبولين عنده
الخوف والرجاء
الغلو في الخوف ينحدر بنا نحو اليأس والقنوط من رحمة هللا تعالى ،والغلو في الرجاء يدفعنا للتهاون
والتقصير في أمر هللا تعالى ،والمجتهدون في عبادة ربهم يدعونه خوفا ورجاء ،فهم ال يأمنون عذابه
.ولكن يرجون مغفرته ورحمته ،ويصحبون أعمالهم الصالحة باالستغفار والدعاء
ذكر الموت
الدنيا قنطرة ودار ابتالء ،والكيس من يعمل فيها موقنا بالحساب والجزاء يوم البعث ،قال رسول هللا
زر القبور تذكر بها اْلخرة ،واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو ( :صلى هللا عليه وسلم ألبي ذر
رواه الحاكم ( )موعظة بليغة ،وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك ،فإن الحزين في ظل هللا يوم القيامة
).وصححه ،وتابعه الذهبي
خاتمة
›
محايدة األفكار والممارسات تصبح عسيرة جدا على من ال يقدر لجم انفعاالته ،وإيجاد توازن بين عقله
.وقلبه ،ال سلطان للهوى وال هوس للفكر ،نشدان الكمال من هذا وذاك يحققه ذكر هللا عز وجل
قد يستغرب البعض من هذه النتيجة ،أو قد يزدري قدرها من لم يعتقد في أعماق إيمانه أن بناء الشخصية
اإليمانية ليس بالضرورة كبنائنا الذي نعيش فيه ،وما يزال اإلنسان يجدد ويبتكر في عالم الهندسة لينبهر
من شكل الخلية ،وينفذ إلى مسكن النمل فيدرسه… صنع هللا الذي أتقن كل شيء ،فيعيد العبقري المعجب
.بإبداعه مراجعة مسلماته ،واالعتراف بنقائصه
لبنة في بناء األمة تتمايز وتتوهج وترتفع بالعطاء والسابقة و”شيء وقر في الصدر” ،أمور كلها منبتها
التعرض الدائم لعطايا الكريم الوهاب عز وجل ،يهب لمن يشاء ،متى يشاء ،ما يشاء ،ذكر هللا عز وجل
بداية ونهاية ،هو وقود السير ونور اإلدالج .وليس من الصعب أيضا فهم أو استيعاب أهمية الذكر
وآثاره ،ليقف أمام الفعل عقبات ،وأمام االنضباط سهول وهضاب ووديان من المصابرة ،وأحيانا كثيرة
َولَنَ ْبلُ َونهكُ ْم َحت ه ٰى نَ ْعلَ َم :أهوال وهي ما يطلق عليه الوصف الرباني القرآني “االبتالء” ،يقول عز وجل
اس أَن يُتْ َركُوا أ َن يَقُولُوا آ َمنها )،سورة محمد (31 ،ا ْل ُمجَا ِه ِدينَ ِمنكُ ْم َوالصها ِب ِرينَ َونَ ْبلُ َو أ َ ْخبَ َ
اركُم ب النه ُ أَحَ ِ
س َ
).العنكبوتَ (2 ،وهُ ْم َال يُ ْفتَنُونَ
سنة إلهية هو االبتالء ،لمن آمن قوال وال يزال قلبه لم يحتمل المعنى الشريف لهذا التكليف ،ولكل مقام
برهان للصدق يجب على طالبه أن يؤديه ،ال بمعنى اإلجهاد واإلجحاف ،تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا،
العنكبوت ( ،)69 ،والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا :ولكن بمعنى التأهيل واالصطفاء ،يقول عز وجل
وهنا تتجلى بين ثنايا الطريق نبضات الحب ،فهي الدافع الرافع ،يقفز بالسائر بين المحطات ليجاوز
العقبات أسرع مما يتصور ،حب هللا والحب في هللا ،يحدو بالذاكر المصابر ،عطاء وأي عطاء أن يستيقظ
!في قلب مريد وجه هللا عز وجل فيبصر بعد عمى ..ويستقيم بعد اعوجاج
يرتقي في مراتب الحب ارتقا َءه في مدارج اإليمان ،فيحب المرء ال يحبه إال هلل ،ويعطي هلل ،ويمنع هلل…
يرى إحسان هللا له في كل شيء ،فيعبد هللا كأنه يراه؛ مقام علوي سني يعود بعده الذاكر متأمال في حال
.خلقته ،مبصرا في نفسه ،شاكرا لربه ،قاصدا في مشيه ،عامرا بربه ِّ
العنكبوت ،)45 ،حينما يتعلق األمر بالذكر فالمفترض فيه كثرته ( ،ولذكر هللا أكبر وهللا يعلم ما تصنعون
وال يذكرون هللا :والتحفيز فيه على مغالبة حال أهل النفاق الذين وصفهم هللا عز وجل فقال عز من قائل
النساء .)142 ،استحضار اآلخرة ذكر ،وغلبة الندم على ماضي التفريط وتجديد التوبة ذكر ( إال قليال
للمصير وخوف من الجليل عز وجل ،وإن هللا يرتضي ألحبابه أشرف األعمال ويحذرهم من االقتراب
.من هوة التقليل والتفريط ،فالركب سائر ليله ونهاره ،والبد من زاد للوصول ومن ادخار للمحصول
وإذا ما تتبعنا ذكر مفردة “قليل” في كتاب هللا عز وجل ،وجدنا أن القلة المؤمنة الذاكرة هللا كثيرا تغلب
الفئة الكبيرة عددا القليلة ذكرا لموالها عز وجل ،وفي الحديث الشريف الذي أخرجه ابن أبي الدنيا
عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه س ئل :أي أهل المسجد خير؟ قال“ :أكثرهم ذكرا ً هلل عز مرسال
وجل” .قيل :أي الجنازة خير؟ قال“ :أكثرهم ذكرا هلل عز وجل” .قيل :فأي المجاهدين خير؟ قال:
“أكثرهم ذكرا هلل عز وجل” قيل :فأي الحجاج خير؟ قال“ :أكثرهم ذكرا هلل عز وجل” .قيل :وأي العُبهاد
”.خير؟ قال“ :أكثرهم ذكرا هلل عز وجل
وفي عقد الصحبة اإليمانية تتمتن الوصية بالمحافظة على ذكر هللا كونه قلبا لجسدها الحي مادام الذكر
رحمه هللا وصية اإلمام المجدد عبد السالم ياسين فيها حيا سائرا بين األفراد المتحابين في هللا ،وفي
نتلمس هذا األمر إذ يقول“ :وأوصي بذكر هللا في المإل والخالء ،وأوصي بالذكر كما هي مفصلة آحاده
لمن وعى نصح طبيب للقلوب قائال :رسالة النصيحة في خصلة الذكر” ،وهو أيضا يسمعنا من خالل
“فما يقول جليس فينا ليس له ورد من الذكر ،وال جلسة استغفار باألسحار؟ كيف يُنتظر ممن ال زمام
يمسكه عن التسيب في األوقات من ورد الزم ،وجلوس للذكر عازم ،أن يرقى إلى مقام دوام الذكر ودوام
التضرع ودوام الطلب؟ يفتر الطلب ،وتتفتت العزيمة ،وينقطع الحبل إن لم يكن الورد دواما ومداومة
”.وصبرا ومصابرة ،بعد ذلك فقط نتحدث عن الصبر في الغد الجهادي ال قبله
ذكر هللا عز وجل فاضت أسرار المحبين في وصفه ،وزادت بركاته عن عده وحصره ،فهو ماء حياة
.القلب وهو سر الحضور مع الرب عز وجل ،رفع هللا ذكرنا عنده .آمين