You are on page 1of 25

‫شهادةُ النساء‬

‫بحث مبسط عن مدى أهمية التطرق لموضوع شهادة المرأة وكيف اجتهد‬
‫العلماء في بيان أهمية المرأة وأهمية وجودها واالدالء بشهادتها في بعض‬
‫المواقف ‪ ,‬وجاء هذا البحث استكماال لخطة مساق " الثقافة اإلسالمية"‬
‫‪ .‬في جامعة البوليتكنك فلسطين‬

‫الطالبة‪:‬هبه عبد الناصر بدوي‬


‫الدكتور‪ :‬محمد سلهب‬
‫المقدمة‬
‫إن أداء الشهادة واجب تنص عليه التشريعات المختلفة‪ .‬وهو أمر معترف به عالمياً‪ ،‬إذ‬
‫أن كل عضو في المجتمع يهمه أن يحيى في أمان وأن تسود األرض شريعة السالم‪،‬‬
‫وأن يحافظ الجميع على النظام ومنع الجريمة وردع المجرم‪ .‬لذا يجب على من يُطلب‬
‫ألداء الشهادة أن يُلبي النداء‪ ،‬بل إن عليه من تلقاء نفسه أن يتقدم ليضيء الطريق‬
‫ويرشد العدالة بتوصيل المعلومات المفيدة في أداء رسالتها حتى تصل إلى ما يصبو إليه‬
‫المجتمع من أمن وأمان‪.‬‬
‫حتى إن التشريـعات الوضعيـة األولى كانت تضع الشهـادة في الرتبة األولى نظـراً‬
‫لُألمية التي سـادت في القرون الماضيـة‪ ،‬وعدم انتشار القراءة والكتابة‪ ،‬ثم دار الزمن‪،‬‬
‫وكثـر التعليم‪ ،‬بفضل الديـن اإلسـالمي‪ ،‬وما أسـهم به على مسـتوى محاربة اُألميــة‬
‫ونـشر التعليـم وخاصة القراءة والكتابة‪ ،‬فقد تدنت قيـمة الشهـادة كدليـل إثبات‪،‬‬
‫فأصـبحت الشهـادة في المرتبة الثانيـة والكتابة في األولى ‪.‬‬
‫ورغم ذيوع استعمال الكتابة فال زالت الشهادة من أكثر األدلة شيوعا في العمل و هذا‬
‫يتبين أن الشهادة مرت بمراحل متباينة على مر العصور‪ ،‬تأثرت منها وتدرجت خاللها‬
‫في تطور زمـني ملحوظ‪ .‬واحتلت شهادة النساء مكانة عظيمة ومعتبرة في الفقه‬
‫ً‬
‫صيانة لشؤون العباد‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬فما كانت أحكـام الدين اإلسالمي لتهمل وما وضعت إال‬
‫وحماية لحقوقهم‪ ،‬فالناس رجـالهم ونساؤهم سواء في أصل العبادة‪ ،‬وساوى هللا بينهما‬ ‫ً‬
‫في األمور الشرعية والعقاب والثواب والتعليم والزواج إال أن هناك فرو ًقا بينهم في‬
‫بعض األحكام منها إن مسألة التفريق بين الرجل والمرأة في الشهادة‪ ،‬ما كانت كذلك إال‬
‫لحكمة اقتـضتها الشريعة الربانية تحفظ بها مصالح الناس وأمور معايشهم‪ ،‬وليست‬
‫محور لالدعاءات الباطلة من قبل المُشنعين على اإلسالم الذين يدعون أن اإلسالم‬
‫انتقص المرأة؛ ألن شهادتها على النـصف مـن شهادة الرجل‪ ،‬ولم يظهر لهؤالء أن‬
‫اإلسالم أخذ بعين االعتبار شهادة النساء وحـدهن لقوله تعالى ‪َ ":‬والَّ ِذ َ‬
‫ين يَرْ ُم َ‬
‫ون‬
‫َأ ْز َوا َجهُ ْم َولَ ْم يَ ُكن لَّهُ ْم ُشهَ َدا ُء ِإاَّل َأنفُ ُسهُ ْم فَ َشهَا َدةُ َأ َح ِد ِه ْم َأرْ بَ ُع َشهَا َدا ٍ‬
‫ت بِاهَّلل ِ ۙ ِإنَّهُ‬
‫لَ ِم َن الصَّا ِدقِين " ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أهداف البحث‬
‫جاء هذا البحث بعنوان " شهادة النساء" ضمن مساق " الثقافة اإلسالمية" في‬
‫جامعة البوليتكنك فلسطين لعام ‪ 2020‬بحيث يناقش مواضيع تتعلق بكيفية‬
‫اهتمام اإلسالم واجتهاد العلماء المسلمين بشهادة المرأة في عدة مواضع تستعدي‬
‫ذلك‪ ،‬وهذه المواضيع كالتالي‪:‬‬
‫ماهية الشهادة ومشروعيتها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫حكمة تشريع الشهادة‬ ‫‪‬‬
‫شروط الشاهد‬ ‫‪‬‬
‫صيغة الشهادة‬ ‫‪‬‬
‫هل شهادة المرأة أصل يعتمد عليه أم بظل يُصار اليه عند الضرورة ؟‬ ‫‪‬‬
‫القضاء بشهادة النساء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة المؤثرة بالشهادة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫شبهات مزعومة حول شهادة النساء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الشهادة تكليف ال تشريف‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تعريف الشهادة ومشروعيتها‬


‫‪2‬‬
‫معان عدة للشهادة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫أستعمل أهل اللغة‬

‫الحضور‪َ :‬شهد المكان أي حضره‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫‪1‬‬
‫الخبر القاطع‪ :‬أخبر بما شاهد‪ :‬أي أصبح من أهل الشهادة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫الحلف‪ :‬أشهد بكذا‪ :‬أي أحلف‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫األداء‪ :‬شهد لزيد بكذا شهادة‪ :‬أي أدى ما عنده من الشهادة‪ ،‬فهو شاهد أ مـام جهـة قضائية‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫هكذا يعبر عنها في القضاء‪.‬‬

‫ومع تعدد معاني الشهادة‪ ،‬إال أنها ترجع بأكملها إلى أصول ثالثة فقط‪ ،‬وهي‪( :‬الحضور والعلم‬
‫‪2‬‬
‫واإلعالم)‬

‫أوالً ‪ -‬الشهادة لغةً‪:‬‬

‫شهد ب‪ /‬شهد على‪ /‬مصدر َش ِهد من الشهود‪ ،‬وهي بمعنى الحضور‪ ،‬ومـأخـوـذةـ منـ اـلعـلمـ "أشـهدـ"ـ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫‪3‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ضرـهـ وـمنـهـ قوـلهـ تعـالـىـ " ِإنَّ ق ْرآنَ الف ْج ِر كانَ َمش ُهودً ا"‪.‬‬
‫ونـقوـلـ شهـدـ اـلحـفلـ أيـ ح ـِ‬
‫‪4‬‬
‫ال َّشهَادَة اصطالحا ً‪:‬‬

‫ـي‬
‫ضاءـ) ِه َـ‬ ‫ش َهـاـ َـدةـ ا ْلـ َبـ ِّيـ َنـة‪ِ ( ،‬فـيـ ا ْلـ َـق َـ‬‫َأنـ يـخبـرـ ِبـ َـماـ رـأىـ َـوَأن يقـرـ ِبـ َـماـ علـمـ وـمجـموـعـ َمـاـ ي ْدـرـكـ بـالـحسـ َـوالـ َّـ‬
‫ـرةـ ُمـ َقـاـبلـ َـعالـمـ اْــل َـغْـيبـ َـوفِـيـ‬ ‫ـظاـ ِه َـ‬‫َأ ْق َــوالـ اـل ُّشـ ُهـودـ َأ َمـاـمـ ِجـ َهـةـ قـضاـئيـة‪،‬ـ وعـالـمـ اـل َّشـ َهـا ـَدةـ َعاـلمـ األـكـواـن ال َّـ‬
‫‪5‬‬
‫الـَّـت ْنـ ِزـيـلـ ا ْلـ َعـ ِزـيـزـ { َو َس ُت َردُّونَ إلى َعال ِِم ا ْل َغ ْي ِب َوال َّش َها َد ِة}‪.‬ـ‬

‫عرّ فها الشافعية بأنها "إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد"‪.‬‬

‫مشروعية ال َّشهادة‪:‬‬

‫الـشهـادـةـ مـشرـوعـةـ بـنصـ اـلقرـآنـ اـلكـريـمـ واـلسـنةـ الـنبـويـةـ اـلشـريـفة‪،‬ـ وـإجـماـعـ األـمـة أمـاـ اـلقرـآنـ اـلكـريـم‪،‬ـ‬
‫‪E‬ن َي ْك‪Eُ E‬ت ْ‪E‬م َ‪E‬ها‪َ E‬ف‪ِE‬إ َّ‪E‬ن ُه‪ E‬آثِ‪Eٌ E‬م َق ْل‪ُ E‬ب‪Eُ E‬ه" ‪ ،‬أـماـ اإلـجـماـع‪،‬ـ فهـوـ منـعقـدـ علـى‬ ‫فيـقوـلـ هللاـ عزـ وـجلـ " َو‪E‬اَل َت ْك‪ُ E‬ت‪ُ E‬م‪E‬و‪E‬ا ا‪E‬ل َّ‬
‫ش‪َ E‬ه‪E‬ا ‪َE‬د َة‪Eَ E‬و َم ْ‪E‬‬
‫مشـروـعيـةـ اـلشـهاـدةـ‪ ،‬واـستـحبـاـبهـا‪،‬ـ وـلمـ يـخاـلفـ بـذلـكـ أـحدـ مـن ال‪E‬عل‪E‬ما‪E‬ء‪ E،‬أم‪E‬ا ا‪E‬لسن‪E‬ة ال‪E‬نبو‪E‬ية ا‪E‬لش‪E‬ريف‪E‬ة‪ E،‬فما‪ E‬رو‪E‬اه‪E‬‬
‫اإل‪E‬م‪E‬ام‪ E‬م‪E‬سل‪E‬م –‪ E‬رض‪E‬ي‪ E‬هللا‪ E‬عن‪E‬ه ‪ E-‬ع‪E‬ن ا‪E‬أل‪E‬شع‪E‬ث‪ E‬بن‪ E‬قيس ‪ E-‬رضي‪ E‬هللا‪ E‬عنه ‪ E-‬قال‪ E:E‬ك‪E‬ان‪ E‬بين‪E‬ي وبي‪E‬ن رج‪E‬ل خص‪E‬ومة‪ E‬في‪E‬‬
‫‪ 6‬بئر‪ E‬فاختص‪E‬منا‪ E‬إل‪E‬ى رس‪E‬ول‪ E‬هللا‪ - E‬ص‪E‬لى هللا‪ E‬عل‪E‬يه و‪E‬سل‪E‬م‪ - E‬فقا‪E‬ل‪(E( E:‬ش‪E‬اه‪E‬دا‪E‬ك‪ E‬أ‪E‬و‪ E‬يمي‪E‬نه)‪)E‬‬

‫حكمة تشريع الشهادة‬


‫‪ ‬‬
‫‪ 1‬أحمد رضا‪ ،‬معجم متن اللغة‬
‫‪ 2‬معجم مقاييس اللغة البن فارس‬
‫‪ 3‬القران الكريم‪ ،‬سورة االسراء اآلية ‪78‬‬
‫‪ 4‬معجم الوسيط‬
‫‪ 5‬القران الكريم سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.8‬‬
‫‪ 6‬انظر الرابط ‪ ،‬عن مشروعية الشهادة ‪/https://www.alukah.net/sharia/0/120194 ،‬‬

‫‪3‬‬
‫والح َكمـ المرجوة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫َ‬ ‫شرع هللا لعباده الشهادة؛ لتحقـق األهـداف المنشودة‪،‬‬

‫‪-1‬فصـلـ الـخصـومـاتـ وـالـمنـازـعاـتـ بيـن الـناـس‪،‬ـ عنـدـ تـعذـرـ إـقاـمةـ الـحجـة اـلمـوجـبـةـ لـلعـلـمـ فـيـ كــل‬

‫خصـومـة؛ـ لقوـلـ اـلنـبيـ " اـلبـينـة علىـ الـمدـعيـ‪..‬ـ‪".‬‬

‫‪- 2‬يـدفـعـ هللاـ عن الـناـس بهـاـ وـباـلشـهـودـ إرـاقـةـ اـلدـماـء‪،‬ـ وـانـتهـاكـ اـألـعرـاض‪،‬ـ فـالـشهـوـدـ حـجة اإلـمــاـم‪،‬ـ‬

‫ت‬ ‫ض لَّ َف َ‬
‫س َد ِ‬ ‫ض ُهم ِب َب ْع ٍ‬ ‫وبـقوـلهـمـ تـنفـذ األـحـكاـم‪،‬ـ وبـهمـ قوـامـ اـلعـالـمـ فـيـ الـدنـياـ؛ـ لقـولـ اهللاـ "‪َ E‬ولَ ْواَل دَ ْف ُع هَّللا ِ ال َّن َ‬
‫اس َب ْع َ‬
‫ض َو ٰلَكِنَّ هَّللا َ ُذو َف ْ‬
‫ض ٍل َعلَى ا ْل َعالَمِين"‬ ‫اَأْل ْر ُ‬

‫‪ - 3‬برـاءـة اـلذـممـ بـعدـ الـموـت‪.‬ـ‬

‫وبـوجـهـ عامـ‪ ،‬الـحكـمةـ منـ تـشرـيعـ اـلشـهاـدةـ صيـانـةـ اـلحقـوقـ‪،‬ـ وـإثـباـتهـا‪،‬ـ فلـوـ لـمـ تـشرـعـ الـشهـادـةـ ألـمـكنـ أنـ‬
‫يضـيعـ كـثيـرـ مـن الـحقوـق‪،‬ـ ويـتعـذـرـ إـثبـاتـهاـ ألـصحـابـهاـ‪.1‬‬

‫أركان الشهادة‬
‫اخـتلـفـ اـلعـلمـاءـ فيـ ركـنـ الـشهـادـةـ إـلىـ قوـليـن‪:‬ـ‬

‫‪2‬‬
‫‪( ١‬الـقوـل األـوـل‪:‬ـ ذهـب الـحنـفيـة إـلىـ أن ركـن الـشهـادـةـ اـلصـيغـة فقـط‪.‬ـ‬

‫‪( ٢‬الـقوـل الـثاـنيـ‪:‬ـ ذهـب الـشاـفعـيةـ إلـىـ أنـ أـركـانـ اـلشـهاـدةـ خمـسةـ وـهيـ‪:‬ـ شـاهـد‪،‬ـ ومـشهـوـدـ له‪،‬ـ وـمشـهوـدـ‬
‫عليـه‪ ،‬ومـشهـوـدـ به‪،‬ـ وـصيـغةـ‪.‬ـ وـحسـبـ أدـلة جمـهوـرـ اـلعـلمـاءـ الـ نجـدـ فـيهـاـ نصـاًـ صـريـحاًـ يسـتوـجبـ‬
‫االـقـتصـاـرـ علـىـ لفـظـ (أـشهـد)ـ عـندـ تـأدـيةـ اـلشـاهـدـ لشـهاـدتـهـ أـماـمـ اـلقاـضيـ‪،‬ـ فأـدلـتهـمـ تـأمـرـ بـأدـاءـ الـشهـادـةـ‬
‫‪3‬‬
‫ولـكنـهاـ الـ تفـيدـ وجـوبـ أـداـئهـاـ بـلفـظـ أـشهـد‪.‬ـ‬

‫صيغة الشهادة‬
‫يجب ان تؤديـ الشهادة شفاها ً امام المحكمة او القاضي مباشرة وجها ً لوجه‪ ،‬النه اذا كذب اللسان او‬
‫سكت حيث يجب الكالم فان هيئة المرء وحالته وطريقة شهادته قد تنم عن الحقيقة او تساعد على‬
‫تقدير الشهادة‪ ،‬ويجب ايضا ً ان ال يعتمد الشاهد في شهادته اال على ذاكرته‪ ،‬وال يصح ان يسمح له‬

‫‪ 1‬ص‪ - 211‬كتاب الفقه المنهجي على مذهب اإلمام الشافعي ‪ -‬الشهادات ‪ -‬المكتبة الشاملة الحديثة ‪ ،‬وجدت الكترونية من خالل هذا الرابط‬
‫‪https://al-maktaba.org/book/32558/1716#p12‬‬

‫‪ 2‬الكاساني‪ :‬بدائع الصنائع‬


‫‪ 3‬المصدر‪ :‬رسالة ماجستير بعنوان " رد شهادة العدل وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية في قطاع غزة " ألسامة أحمد عبدالرزاق ‪،‬‬
‫صفحة ‪10‬‬

‫‪4‬‬
‫بتالوة شهادة من ورقة مكتوبة او يستعين باية مذكرة اال اذا كانت شهادته على امر معقد او لمعرفة‬
‫ارقام وتواريخ مثالً بعد اذن المحكمة او القاضي حيث تسوغ ذلك طبيعة الدعوى‪.‬ويجب ايضا ً ان‬
‫تؤدي الشهادة في حضورـ الخصوم وإال كانت باطلة‪ ،‬وال يخفى ان لكل خصم في الدعوى الحق في‬
‫سؤال الشاهد ومناقشته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫شروط الشاهد‬
‫اإلسالم‪ :‬اشترط جمهور العلماء إسالم الشاهد‪ ،‬وخالف الحنابلة والظاهرية في الشهادة في‬ ‫‪-1‬‬
‫السفر على الوصية وقالوا‪ُ :‬تقبل‪ 2‬شهادة الكافر على المسلم في السفر لقوله تعالى في سورة‬
‫ان َذ َوا َعدْ ٍل ِّمن ُك ْم َأ ْو‬
‫ض َر َأ َح َد ُك ُم ا ْل َم ْوتُ حِينَ ا ْل َوصِ َّي ِة ا ْث َن ِ‬ ‫المائدة " َيا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا َ‬
‫ش َها َدةُ َب ْينِ ُك ْم ِإ َذا َح َ‬
‫ان مِنْ َغ ْي ِر ُك ْم" ‪.‬‬ ‫َ‬
‫آخ َر ِ‬
‫البلوغ‪ :‬اشترط جمهور العلماء البلوغ في أداء الشهادة لقول اهللا تعالى في سورة البقرة "و استشهدوا‬ ‫‪-2‬‬
‫شهيدين من رجالكم " فالصبي ليس من الرجال ألن الصبي ال يقبل إقراره على نفسه فشهادته على غيره‬
‫باألولى‪.‬‬
‫‪-‬العقل ‪ :‬اتفق جمهور العلماء على أن غير العاقل ال تقبل شهادته وليست له شهادة أصال‪ .‬فال تصح‬
‫ً‬ ‫‪-3‬‬
‫شهادة غير العاقل إجماعاً‪ ،‬ألنه ال يعرف الشهادة‪ E،‬فكيف يقدر على أدائها‪ ،‬وألنه ال يأثم بكذبه وال يتحرز‬
‫منه‪.‬‬
‫‪-‬النطق‪ :‬ذهب جمهور العلماء إلى أن شهادة األخرس ال تقبل مستدلين بأن األخرس ال شهادة له‪ ،‬ذلك بأن لفظة‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫الشهادة شرط لصحة أدائها وال عبارة لألخرس أصالً فال شهادة له‪.‬‬
‫البصر‪ :‬ذهب اإلمام أبي حنيفة ومحمد إلى عدم قبول شهادة األعمى مطلقا ً وحجتهم في ذلك أنه البد من‬ ‫‪-5‬‬
‫معرفة المشهود له‪ ،‬واإلشارة إليه عند الشهادة فإذا كان أعمى عند التحمل ال يعرف المشهود له من‬
‫غيره فال يقدر على أداء الشهادة‪.‬‬
‫أال يكون محدوداً في قذف‪ :‬ومن شروط األداء التي تعود إلى الشاهد أال يكون محدودا في قذف لقوله‬
‫ً‬ ‫‪-6‬‬
‫ت لُ ِع ُنوا فِي ال ُّد ْن َيا َواآْل خ َِر ِة َولَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اب َعظِ ي ٌم"‪.. ‬‬ ‫ت ا ْل ُمْؤ ِم َنا ِ‬
‫ت ا ْل َغافِاَل ِ‬ ‫تعالى " ِإنَّ الَّذِينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُم ْح َ‬
‫ص َنا ِ‬
‫الضبط وحسن السماع‪ :‬فال تقبل شهادة المغفل وال المعروف بكثرة الغلط والسهو ألنه ال تحصل الثقة‬ ‫‪-7‬‬
‫‪3‬‬
‫بقوله وال يغلب على الظن صدقه‪.‬‬
‫العدل ‪ :‬هو ما اجتنب الكبائر‪ ،‬ولم يصر على الصغائر‪ ،‬وغلب صوابه‪ ،‬واجتنب األفعال الخسيسة كاألكل‪E‬‬ ‫‪-8‬‬
‫في الطريق العام والبول ونحو ذلك وشرط الشاهد أن يكون عدالً لقول اهللا تعالى ‪‬و أشهدوا ذوي عدل‬
‫منكم" ‪ ،‬والعدالة شرط لقبول الشهادة عند جمهور العلماء‪E.‬‬

‫شروطـ العدالة في الشهادة‪:‬‬


‫أ‪ .‬أن يكون متجنبا للكبائر‪.‬‬

‫ب‪ .‬أن يكون غير مصرا على القليل من الصغائر‪.‬‬

‫ج‪ .‬أن يكون سليم السريرة‪.‬‬

‫‪ 1‬المصدر‪ :‬رسالة ماجستيرـ بعنوان " رد شهادة العدل وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية في قطاع غزة " ألسامة أحمد عبدالرزاق ‪،‬‬
‫صفحة ‪23‬‬
‫‪ 2‬المغني البن قدامه‬
‫‪ 3‬د‪ .‬مريم عبدالسالم بكر "شهادة النساء من منظور فقهي " ‪ ،‬العدد الثاني والثالثون ‪،‬الجزء الثالث ‪ ،‬صفحة ‪، 1020‬انظر الرابط‬
‫‪https://mksq.journals.ekb.eg/article_7752_b4bbfc33a0a06287990086043f6fc493.pdf‬‬

‫‪5‬‬
‫د‪ .‬أن يكون مأمونا عند الغضب‪.‬‬

‫هـ‪  .‬أن يكون محافظا على مروءة مثله‪.‬‬

‫شهادة المرأة أصل ُيعتمد عليه أم بدل يصار إليه عند الضرورة؟‬

‫للفقهاء رأيان في هذه المسألة‪:‬‬

‫الرأي األول‪ :‬األصل في شهادة النساء ال َقبول؛ لوجود ما تبتنى عليه أهلية الشهادة وهو‪ :‬المشاهدة‬
‫والضبط واألداء‪ ،‬ولكن تعتريها ُ‬
‫شبهة البدلية الشكلية ال الحقيقية؛ لقيامها مقام شهادة الرجال مع‬
‫إمكان العمل بشهادتهم؛ وألن البدل الحقيقي ال يُصار إليه مع القدرة على األصل غالبـاً‪ ،‬فلـو كانت‬
‫حقيقية لكان العمل بها عند عدم وجود الرجال ‪ ،‬وليس األمر كما زعم علماء المالكية‪ ،‬أن ظاهر‬
‫اآلية يقتضي أن ال تجوز شهادة النساء إال عند عدم شهادة الرجال‪ ،‬بل إن النص يتناول حالة وجود‬
‫الرجال وعدم وجودهمـ وفي النص امر ألصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم‪.‬ـ فهوـ سبحانه‬
‫أرشدهم إلى أقوىـ الطـرق‪ ،‬فـإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها‪ ،‬فإن شهادة الرجل الواحد‬
‫أقوى من شهادة المرأتين؛ ألن النساء يتعذر غالبا حضورهن مجالس الحكام‪ ،‬وحفظهن وضبطهن‬
‫دون حفظ الرجال وضبطهم‪.‬ـ ف َقبول شهادتهما لم يكن لمعنى في الرجل‪ ،‬بل لمعنى فيهماـ وهو العدالة‬
‫والضبط‪ ،‬فـالمرأة العـدل كالرجل في الصدقـ واألمانة والديانة‪.‬‬

‫الرأي الثاني‪ :‬شهادة النساء مع الرجال وشهادتهن منفردات شهادة ضرورة ال أصل‪ ،‬فهي بـدل تقوم‬
‫مقام شهادة الرجل للضرورة؛ فاألصل فيها عدم ال َقبول؛ لذا ال ُتقبل شهادتهن في الحـدود‪ ،‬وإنما‬
‫قبلت في األموال وتوابعها للضرورة ؛ ألن النساء‪ -‬كما قيـل‪ -‬يتصفن بنقصان العقل وقصورـ الوالية‬
‫واختالل الضبط‪ ،‬فال يصلحن ألداء الشهادة ذات المرتبـة الرفيعة والمكانة العالية‪ .‬وهذا ما ذهب إليه‬
‫الشافعية والمالكية وأخذت به الزيدية‪.‬‬

‫وسلك قانون اإلثبات السوداني مسلك ليس ببعيد عن هذا ‪ ،‬فقد نص على َقبـول شـهادة النساء عند‬
‫الضرورة‪ ،‬سواء ُكنّ مع الرجال أو وحدهن‪ .‬وذلك فيما حظره الـشرع أال وهـو الحدود‪ .‬فقد جاء في‬
‫المادة ‪ 77‬من القانون المزعوم الصادر عام(‪) 1983‬انه‪" :‬تثبت جريمة الزنا بشهادة أربعة رجال‬
‫‪1‬‬
‫عدول‪ ،‬ويؤخذ عند الضرورة شهادة غيرهم"(يعني شهادة النساء)‪.‬‬

‫القضاء بشهادة النساء‬


‫تقع خصومات كثيرة بين الناس‪ ،‬وترفع دعاوى بخصوصها إلى القضاء من أجل إيجـاد‬
‫حلول لها‪ ،‬فال بد ل َقبول هذه الدعاوى من توفر مـدعي ومـدعي عليـه ومشهود عليه‬
‫وشهود‪ ،‬فهل يشترط في الشهود أن يكونوا من الرجال فقط‪ ،‬أم تجيز شـهادة النساء؟‬
‫وإن ُأجيزت‪ ،‬هل تجوز شهادتهن وحدهن في أمورهن الخاصة وعيوبهن‪ ،‬أم يشترط‬
‫شرفي‪ ،‬عبد الرحمن محمد عبد الرحمن‪ ،‬تعارض البينات القضائية في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ص‪139‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪6‬‬
‫وجود الرجال معهن‪ ،‬وفي أي الحاالت ممكن َقبول شهادتهن وحدهن‪ ،‬وهل يشترط‬
‫العدد‪ ،‬أم تجـيز امرأة واحدة في ذلك‪1‬؟ إلجابة هذه األسئلة تم اعداد البحث‪.‬‬

‫قُ ّس مت الحاالت التي يجوز القضاء فيها بشهادة النساء‪ ،‬إلى أربعة أقسام وهي على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬شهادة النساء منفردات‬

‫ثانياً‪ :‬شهادة المرأتين مع الرجل‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬شهادة النساء في الحدود والقصاص‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬شهادة المرأة في الحقوق المدنية‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬شهادة ال ُخنثى‪.‬‬

‫شهادة النساء مفردات‬

‫رجل‪.‬‬ ‫وهي أن يؤدي الشهادة في محضر القاضي عدد من النساء ليس معهن‬

‫اتفق الفقهاء على ثبوت الدعوى أمام القضاء‪ ،‬فيما ال يطلع عليه الرجـال‪ ،‬كـالحيض والوالدة‬
‫والبكارة والثيوبة‪ ،‬وما يخفى على الرجال من عيـوب النـساء‪ ،‬بـشهادة النـساء وحدهن‪ ،‬وقال‬
‫الرسول عليه السالم "شهادة النساء جائزة فيما ال يستطيعـ الرجال النظر إليه"‪ ، 2‬وقدـ عل ّل الفقهاء‬
‫َقبول شهادة النساء منفردات فيما ال يطلع عليه الرجال بما يلي ‪:‬‬

‫رسالة ماجستير بعنوان " شهادة النساء "‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬

‫"حديث غريب رواه ابن أبي شيبة" ‪ ،‬من كتاب شهادة النساء د‪ .‬علي أبو البصل ‪،‬ص‪155‬‬

‫‪7‬‬
‫‪-1‬أن الرجال ال يباشرون األمور الخاصة بالنساء في الغالب‪ ،‬وألنهمـ ال يطلعون عليها‪ ،‬ذهب إلى‬
‫هذا القول الحنفية‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم حضورـ الرجال لمثل هذه األمورـ الخاصة بالنساء‪ ،‬هـذا مـا ذهـب إليـه الـشافعية والمالكية‪،‬‬
‫ما روي عن الزهري أنه قال‪" :‬مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما ال يطلع عليـه غيرهن‪ ،‬من‬
‫والدات النساء وعيوبهن"‪.‬‬

‫إن األمورـ الخاصة بالنساء ال يحضرهاـ الرجال غالبا‪ ،‬وال يطلعون عليها في العادة‪ ،‬فكان ال بد من‬
‫ثبوت هذه األحكام‪ ،‬فوجب َقبول شهادة النساء على االنفراد؛ للـضرورة تحـصيالً للمصلحة؛ ألن‬
‫الحُجة إلثبات الحقوق مشروعة بحسب اإلمكان‪ ،‬فلو لم تقبل شهادة النـساء في هذه األحوال لضاع‬
‫كثير من الحقوق‪ ،‬وكما أن نظر الجنس إلى جنسه أخف‪ ،‬فسقطت الذكورة في هذه الحاالت؛ ليخف‬
‫النظر منهم إلى عورات النساء ‪ ،‬لذلك تقبل فيه شهادتهن منفردات‪ ،‬ألنها أشياء تراها بعينها‪ ،‬أو‬
‫تلمسها بيدها‪ ،‬أو تسمعهاـ بأذنها ‪ ،‬من غير توقف على عقل‪ ،‬كالوالدة واالستهالل واالرضاعـ‬
‫والحيض وغيرها‪ ،‬فإن مثل هـذا ال ينسى في العادة‪ ،‬وال تحتاج معرفته إلى إعمال عقل؛ لذلك تقبل‬
‫شهادة النساء وحدهن‪.‬‬

‫الرأي الراجح‪ 1:‬بعد عرض كل األدلة التي درات مناقشتها بين المذاهب األربعة‪ ،‬فإن مـا ذهـب إلیـه‬
‫أصــحاب الــرأي األول القائــل‪ :‬بجــوازـ قبــول شــهادة النــساء فــي كــل مــاال یطلــع علیــه‬
‫الرجــال مطلقاً‪ ،‬سـواء كـان فـي‪ :‬الرضـاعة‪ ،‬أو االسـتهالل‪ ،‬أو الـوالدة‪ ،‬هـو األولـى بـالقبول؛ ألن‬
‫قبـول شـهادتهن علـى انفـراد تقـرر بأصـل الـشرع للـضرورة‪ ،‬والـضرورة داعیة لقبول شهادتهن‬
‫فیها؛ ألن االستهالل والرضاعـ یقع دوما ً أمام أعینهن وسمعهن‪ ،‬فكانـت درایتهن بحدوثهما أكیدة‪،‬‬
‫لهذا كانت الحاجة ماسة لقبول شهادتهن‪ ،‬باإلضــافة إلــى أن األحنــاف أنفــسهم لــم یتفقــوا علــى‬
‫رأي واحــد فــي هــذه المــسألة‪ ،‬فجــاء الخـالف فیهـا بـین الـصاحبین‪-‬أبـي یوسـف ومحمـد‪ -‬وأبـي‬
‫حنیفة‪ ،‬وهـذا یؤكـد مـا ذهبنـا إلیـه مـن قبول شهادتهن في االستهالل والرضاع‪،‬ـ واهللا أعلم‪.‬‬

‫الحاالت التي يجوز القضاء فيها بشهادة النساء منفردات‪:‬‬

‫عيوب النساء مما ال يطلع عليه الرجال‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬


‫ً‬
‫‪--1‬عيوب ال يجوز للرجال النظر إليها مطلقا سوا ًء كانوا محارم أم أجانب‪ ،‬وهو ما بين‬
‫الـسرة والركبة‪ ،‬كعيوب الوالدة‪ ،‬وهذا القسم متفق على جواز شهادة النـساء فيـه منفردات‪.‬‬
‫‪- -2‬ما يجوز للرجال النظر إليه مطل ًقا سواء كانوا محارم أم أجانب‪ ،‬وهو الوجه والك ّفان‪،‬‬
‫وهذا ال تجوز فيه شهادة النساء منفردات‪.‬‬

‫الرَّ ضاع ‪ :‬شهادة النساء منفردات في الرضاع جائزة‪ ،‬وتقع الفرقة بين الزوجين على إثـر‬ ‫ب‪-‬‬
‫شهادة النساء باإلرضاع‪ ،‬واستدل اإلمام الشافعي لذلك بحديث عقبة بن الحارث‪ ،‬حيث‬
‫شهدت امرأة واحدة أن عقبة وزوجته أخوين في الرضاعـ ‪ ،2‬ف َك ِره النبي لعقبة االستمرار‬
‫د‪ .‬محمد زيدان زيدان "اإلثبات بشهادة النساء منفردات " ص‪ 80‬مجلة جامعة األزهر ‪ ,‬غزة ‪ ,‬مجلة العلوم االنسانية‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح بخاري‬ ‫‪2‬‬

‫‪8‬‬
‫بعقد النكـاح بقولهـا‪ ،‬وذلك ورعا ال حكماً‪ ،‬كما قال اإلمام الشافعي‪-‬رحمه اهللا‪ ،-‬ويستنبط من‬
‫الحديث أنه تجب على الرجل المفارقة ‪ .‬ولكن هناك رأي اخر‪ :‬أن الرضاعـ مما يجوز أن‬
‫يطلع عليه الرجال من ذوي األرحام‪ ،‬فال ضرورة ل َقبـول شـهادة النساء فيه على االنفراد؛‬
‫ألن َقبولـ شهادتهن بانفرادهن في أصول الشرع للضرورة‪ ،‬وهي عـدم اطالع الرجال على‬
‫المشهود به‪ ،‬فإذا جاز االطالع عليه من قبل الرجال‪ ،‬لم تتحقق الضرورة‪ ،‬بخالف الوالدة‬
‫التي ال يجوزـ ألحد فيها من الرجال ان يطلع عليها فدعت الضرورة للقبول بشهاداتهن‬
‫وحدهن‪.1‬‬

‫االستهالل‪ :‬يقال‪ :‬استهل الصبي بالبكاء‪ :‬أي رفع صوته وصاح عند الوالدة‪ ،‬فاالستهـالل هو‬ ‫ت‪-‬‬
‫الشيء الذي يُعلم به حياة الولد عند والدتـه كصوتـه وحركتـه وأمثالهما‪،‬ـ لكن إذا ا ّدعت‬
‫المرأة التي مات ولدها أثناء الوضع‪ :‬أن ولدها وُ ضِ َع حيا ً حتى أنه بكى‪ ،‬فطلبت حصة من‬
‫حصته الموروثة عن أبيه المتوفى‪ ،‬فال تجوز شهادة النساء منفردات‪ ،‬ال يقبل في ذلـك أقل‬
‫من رجلين أو رجل وامرأتين‪.‬‬

‫والطرد من الخير‪ ،‬واللِّعان والمالعنة‪ :‬اللَّعن بين‬ ‫َّ‬ ‫شهادات اللعان‪ :‬اللَّعن في اللغة‪ :‬اإلبعاد‬ ‫ث‪-‬‬
‫اثنين فصاعدا واللِّعان في االصطالح‪ :‬هو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف‬
‫الرجل زوجه بالزنـا وال شهودـ لديه‪ ،‬فيقسم أربع مرات باهلل إنه صادق في قذفه لها‪،‬‬
‫والخامسة أن لعنة هللا عليه إن كـان من الكاذبين‪ .‬وإذا أرادت أن تبرئ نفسها‪ ،‬وترد عنها‬
‫والحد أقسمت أربع مرات باهلل أنه كاذب‪ ،‬والخامسة أن غضب اهللا عليها إن كان من‬ ‫َ‬ ‫التهمة‬
‫َ‬ ‫هَّللا‬
‫ض َب ِ َعل ْيها‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬
‫ِسة نَّ غ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫هَّلل‬
‫ت ِبا ِ ِإن ُه لمِنَ الكاذِبِينَ َوالخام َ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬
‫الصادقين‪ ،‬لقوله تعالى " نْ تش َه َد ْر َب َع ش َها َدا ٍ‬
‫ِإنْ َكانَ مِنَ ال َّ‬
‫صا ِدقِينَ "‪.2‬‬

‫الحاالت التي يجوزـ إثبات بشهادة المرأتين والرجل‬

‫كانت هناك قوانين قديمـة في بعـض مقاطعات الهند تمنع النساء من دخول ساحة المحكمة‪ ،‬وتكتفي‬
‫بأن توقفهن على عتبة الجلسة ألداء الشهادة‪ .‬ومنها من لم تقبل النساء أصالً للشهادة‪ .‬أما قانون مانو‬
‫"‪ 3"Manou‬فقد كان يكتفي بشهادة رجل واحد ويفضلها على أي شهادة ألي عدد كان من النساء‬
‫مهما كن فاضالت‪ .‬بينما طرحت القوانين الحديثة جانبا ً هذه التقاليد القديمة‪ ،‬وسوت بين الرجل‬
‫والمرأة في قيمة الشهادة كمبدأ عام تاركة للقاضي حرية َقبولـ الشهادة وردها‪.‬‬

‫لكن اتفق الفقهاء المسلمين على جواز شهادة النساء مع الرجال‪ ،‬عمال بقوله سبحانه وتعالىـ "‬
‫شهَدَ اءِ َأنْ َتضِ ل َّ ِإ ْح َدا ُه َما َف ُت َذك َر‬
‫ِّ‬ ‫ض ْونَ مِنَ ال ُّ‬ ‫ام َرَأ َت ِ‬
‫ان ِممَّنْ َت ْر َ‬ ‫ش ِهيدَ ْي ِن مِنْ ِر َجالِ ُك ْم َفِإنْ لَ ْم َي ُكو َنا َر ُجلَ ْي ِن َف َر ُجل ٌ َو ْ‬
‫ش ِهدُوا َ‬
‫اس َت ْ‬
‫َو ْ‬
‫ِإ ْحدَ ا ُه َما اُأْل ْخ َرى" ‪ ،‬ولكنهم اختلفوا في تحديد الحقوق التي تثبت بشهادة النساء مع الرجال ‪ ،‬من حيث‬
‫شهادة النساء في الحدود والقصاص ‪ ،‬وشهادتهن في الحقوق المدنية ‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمد زيدان زيدان "اإلثبات بشهادة النساء منفردات " ص ‪ ,71‬مجلة جامعة األزهر ‪ ,‬غزة ‪ ,‬مجلة العلوم االنسانية‬
‫‪ 2‬سورة النور ‪ ,‬اية ‪6‬‬
‫‪ 3‬هو العقيدة الدينية للهنود القدماء‪ ،‬وضع في القرن الثالث عشر قبل الميالد‪ ،‬إلرشاد فئة البراهمة في السلوك اإلنـساني‪ ،‬مـن حياتهم إلى مماتهم وهو عبارة‬
‫عن أبيات شعرية بلغت (‪ 2685‬بيتا ً) ‪ ،‬تتعلق بأمور الدين واألخالق واالقتصاد‪ .‬لم يهـدف إلى تحقيق المساواة‪ ،‬بل قسّم المجتمع إلى أربع طبقات‪ ،‬طبقة‬
‫البراهمة (الكهنة) وطبقة المحاربين وطبقة الزراع والتجار وطبقة العمال‪ .‬قانون مانو‪ ،‬جوريسبيديا‪ ،‬موسوعة القانون المشارك‪، .،‬‬
‫‪https://ar.jurispedia.org/index.php?title‬‬

‫‪9‬‬
‫شهادة النساء في الحدود ‪1‬والقصاص‪ 2‬وفيه قولين‬
‫القول األول ‪ :‬قال بعدم قبول شهادة النساء في الحدود والقصاص ‪ ،‬وهذا القول لجمهور الفقهاء من‬
‫الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة‪ ،‬وجاء في المدونة" أرأيت‪ ‬شهادة‪ ‬رجل وامرأتين أتجوز‬
‫على‪ ‬شهادة‪ ‬رجل في‪ ‬القصاص قال ال‪ ‬تجوز‪ ‬شهادة‪ ‬النساء في الحدود وال في‪ ‬القصاص"‪ ،3‬وأيضا‬
‫اجلِدُو ُه ْم َث َمانِينَ َج ْلدَ ًة َواَل َت ْق َبلُوا لَ ُه ْم َ‬
‫ش َهادَ ًة‬ ‫ت ُث َّم لَ ْم َيْأ ُتوا ِبَأ ْر َب َع ِة ُ‬
‫ش َه َدا َء َف ْ‬ ‫قوله تعالى " َوالَّذِينَ َي ْر ُمونَ ا ْل ُم ْح َ‬
‫ص َنا ِ‬
‫َأ َب ًدا ۚ وأولئك ُه ُم ا ْل َفاسِ قُونَ "‪ ، 4‬وجه الداللة هنا تنصيص الحق سبحانه وتعالىـ على عدم ثبوت الزنا إال ً‬
‫بشهادة أربعة شهداء ‪ ،‬كما أن داللة اللغة تدل على مخالفة العدد المعدود تذكيراـ وتأنيث ‪ ، ،‬فهذا يدل‬
‫على اعتبار المذكر في هذه الشهادة دون المؤنث ولو كانت شهادة النساء مقبولة لكان النص (بأربع‬
‫‪5‬‬
‫شهداء)‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬قالوا بجواز شهادة النساء في كل الحقوق على اإلطالق سواء مع الرجال أم منفردات‬
‫وهذا القول للظاهرية‪ ،‬وقال ابن حزم " وال يجوزـ أن يقبل في الزنى أقل من أربعة رجال عدول‬
‫مسلمين‪ ،‬أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان‪ ،‬فيكون ذلك ثالثة رجال وامرأتين‪ ،‬أو رجلين‬
‫وأربع نسوة ‪ ،‬أو رجال واحدا وست نسوة ‪ ،‬أو ثمان نسوة فقط" ‪.‬‬

‫شهادة النساء في الحقوق المدنية وفيه قولين‬


‫القول األول‪ :‬شهادة النساء غير مقبولة فيما ليس بمال وال يقصد به المال وليس بعقوبة ويقصد به‬
‫النكاح والطالق والرجعة والعتاق والنسب والوكالة في غير المال مما يطلع عليه الرجال غالبا ً‪، 6‬‬
‫وقال الزهري "مضت السنة أنه ال يجوز‪ ‬شهادة النساء في الحدود وال النكاح وال الطالق "‬

‫القول الثاني‪ :‬شهادة النساء في المال وما يقصد به المال ‪ ،‬ال خالف بين الفقهاء على قبول شهادة‬
‫النساء في المال كالبيع ‪ ،‬واإلقالة ‪ ،‬والحوالة ‪ ،‬والضمان ‪ ،‬والرهن‪ ،‬بوجودـ رجل وامرأتين‪.‬‬

‫شهادة ال ُخنثى‬
‫وتخنث أي ت َثنى وت َكسر‪ ،‬واالنخ ُ‬
‫ِناث‪ :‬التثني والت َكسر‪.‬ـ‬ ‫َ‬ ‫ال ُخنثى في اللغة‪ :‬يقال‪ :‬خ َ‬
‫ِنث‬

‫اصطالحً ا‪ :‬هو من له ذكر الرجال وفرج النساء‪ .‬وسمي بال ُخنثى؛ ألن حاله تنقص عن حـال‬
‫الرجال‪ ،‬ويفوق حال النساء‪.‬‬
‫الحدود هي عقوبة مقدرة شرعها هللا لحماية االنسان واألموال واألعراض‪ ،‬ومقاديرها محددة من هللا وال يمكن تغييرهاـ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫القصاص ان يعاقب الجاني بمثل فعله بالمجني عليه فيقتل كما قتل ويجرح كما جرح وهي عقوبة مقدرة ال يمكن تغييرها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫التفريع في فقه اإلمام مالك بن انس ‪ 2-1‬ج‪ ، 2‬انظر الرابط ?‪https://books.google.ps/books‬‬
‫‪id=JV9wDwAAQBAJ&pg=PT242&lpg=PT242&dq‬‬
‫‪ 4‬سورة النور ‪ ،‬اية ‪4‬‬
‫‪ 5‬شهادة النساء في الفقه اإلسالمي للدكتور علي أبو البصل صفحة ‪150‬‬
‫‪ 6‬شهادة النساء في الفقه اإلسالمي للدكتور علي أبو البصل صفحة ‪153‬‬

‫‪10‬‬
‫وال ُخنثى على قسمين مشكل وواضح‪ ،‬فمن له اآللتان إن ظهرت فيه عالمات الرجـال حكم‬
‫بذكوريته‪ ،‬وإن ظهرت فيه عالمات النساء حكم بأنوثته‪ ،‬ويسمى من ظهرت فيه إحدى العالمتين‬
‫واضحا‪ ،‬وإن وجدت فيه العالمات واستوت فيه فهو مشكل‪.‬‬

‫ويقع اإلشكال في األحكام الشرعية الواجبة له وعليه‪ ،‬والذي نحن بصدده من األحكام الخاصة‬
‫بال ُخنثى‪ ،‬الشهادة‪ ،‬هل تقبل شهادته في جميع المواضع ملحقا بالرجال‪ ،‬أم يلحق بالنـساء فتقبل‬
‫شهادته في بعض المواضع دون بعض‪.‬‬

‫اتفق العلماء أن األصل في شهادة ال ُخنثى المشكل الجواز؛ ألنه رجل أو امرأة‪ ،‬وشـهادة الجنسين‬
‫جائزة بالنص‪ ،‬وذلك إذا شهد مع رجل وامرأة‪ ،‬فلو شهد مع رجل واحـد أو امـرأة واحدة ال تقبل إال‬
‫إذا زال اإلشكال بظهورـ ما يحكم به بأنه رجل أو امرأة‪ ،‬فقد أخذ العلمـاء باألحوطـ في هذه المسألة‪،‬‬
‫ويتجلى وجه ذلك أن ال تقبل شهادة ال ُخنثى المشكل إال في األمـوال‪ ،‬وحكمه في الشهادة في هذا‬
‫الموضع حكم المرأة‪.‬‬

‫الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة المؤثرة بالشهادة‬

‫قررت النصوص الشرعية بصراحة ووضوح تام‪ ،‬أن طبيعة المرأة من طبيعة الرجل تماما‪ ،‬وأن‬
‫النساء والرجال من جنس واحد منذ وجدت البشرية‪ ،‬ويكمل بعضهما بعض فالبشرية جميعا تدين‬
‫بوجودهاـ للذكر واألنثىـ معا‪ ،‬وال فضل ألحـدهما علـى اآلخر إال بالتقوى فإذا كان اإلسالم قد اعتبر‬
‫إنسانية المرأة مساوية إلنسانية الرجل‪ ،‬فما باله فضّل الرجل عليها في بعض المواقفـ واألحوال‪،‬‬
‫وجعل شهادة المرأة على النصف من شهادته؟‬

‫الواقع أن تمييز الرجل عن المرأة في الشهادة‪ ،‬ليس ألن جنس الرجل أكرم عند اهللا وأقرب إليه من‬
‫جنس المرأة‪ ،‬فإن أكرم الناس عند اهللا أتقاهم‪ ،‬رجالً كان أو امرأة‪ .‬ولكن هذا التمييـز والتفاوت بين‬
‫الجنسين‪ ،‬اقتضته الفوارقـ الطبيعية التي ال مناص منها بين الرجل والمرأة‪ ،‬والوظيفة التي‬
‫خصصتها الفطرة السليمة لكل منهما ‪ ،‬ومدى استعداد كل منهما لتحمل تبعات معينـة‪ ،‬ومدىـ قدرته‬
‫على إعطاء أفضل النتائج في بعض الشؤون‪ ،‬من غير أن يؤثر شيء من هذا على األهلية الكاملة‪،‬‬
‫والشخصية المستقلة لكل منهما ‪ .‬وال يغيب عنا أن شهادة المرأة ليست منتقصة لمجرد أنثوية‬
‫صاحبتها‪ ،‬فإن ما يخرم شهادة المرأة من عيوب تكون في صاحبتهاـ قد كسبتهاـ على نفسها أو جرتها‬
‫على دينها هو بنفس القدر الذي يخرم شهادة الرجل لو جره على نفسه‪ ،‬مما هو من فعل اإلنسان‪،‬‬
‫وليس مما فطره اهللا عليـه وال يملك هو تغييره ‪ .‬فالمسألة ال تعلق لها بكرامة المرأة‪ ،‬إذ ليس المراد‬

‫‪11‬‬
‫االنتقاص من كرامتها‪ ،‬أو التقليل مـن شأن أهليتها‪ ،‬بل المراد صيانة الشاهد والمشهود عليه‪ ،‬والتأكد‬
‫‪1‬‬
‫من تذكر ما وقع من أحـداث‪ ،‬ومطابقته للوقائع‪.‬‬

‫فمن مهام هذه الدراسة أن تبحث في الفوارق الطبيعية بين الجنسين من خالل المباحث التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬االختالف البيولوجي ‪2‬بين الرجل والمرأة‬

‫ثانياً‪ :‬االختالف الوظيفيـ بين الرجل والمرأة‪.‬‬

‫والمرأة‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬االختالف النفسي بين الرجل‬

‫االختالف البيولوجيـ بين الرجل والمرأة‬

‫جعل اهللا لك ٍّل من الذكر واألنثىـ خصائص تميزه عن اآلخر في التكـوين البـدني والهرمونيـ‬
‫والعصبي‪ ،‬ونتج عن ذلك اختالف في تأدية الوظائف‪ ،‬فالقاعـدة العلميـة تقـول‪" :‬اختالف التركيب‬
‫العضوي ينتج عنه اختالف الوظيفة"‪ ،‬واختالف في التكاليف الشرعية لك ٍّل من الرجل والمرأة‪،‬‬
‫ويتجلى هذا االختالف في‪:‬‬

‫‪ 1‬اشتغال المرأة بالحمل‪ ،‬والوضع والرضاعـ‬

‫‪- 2‬اشتغال بدنها بالدورة الشهرية‪ ،‬وما يصاحب ذلك من مشاعر نفسية تتناسب مـع تلـك الحاالت‬
‫البدنية‬

‫‪ -3‬القوة البدنية في الرجل‪ ،‬والتخلي البدني عن تبعات النسل‪ ،‬بما يؤهله لالشتغال باألعمال ذات‬
‫الطبيعة الخشنة التي تتطلب سعيا‪ ،‬ومزاحمة وقوة شكيمة إلنجازها‪.‬‬

‫وانطال ًقاـ من هذه األسس القرآنية وغيرها‪ ،‬استنبط الباحثون اختالفات كثيرة جليـة في جسمي المرأة‬
‫والرجل‪ ،‬سواء كانت بيولوجية أو فسيولوجية فقد ذكروا بـصفة عامة أن المرأة بتكوينها البيولوجي‬
‫أضعف مقاومة من الرجل‪ ،‬وأقل جلدا بالنسبة لتبعات الحياة‪ - ،‬وهذا ال ينافي تحمل المرأة لمشاق‬
‫ُأخر وصبرها على ذلـك وطرحوا مثالين لبيان مدى التأثير على شهادة المرأة وحسن أدائها لها‪:‬‬

‫‪ 1‬الحفناوي‪ ،‬المرأة في المنظور اإلسالمي والتصور‪ E‬الوضعي‪.‬‬


‫‪ 2‬وهو علم األحياء‪ :‬علم الكائناتـ الحية‬

‫‪12‬‬
‫‪-1‬الحيض عند النساء‪ :‬مما ال شك فيه أن خسارة أي كمية من الدم تضعف الجسم عموما‪ .‬ناهيك‬
‫عن اآلالم التي تعانيها المرأة أثناء فترة الحيض‪ ،‬وتصاحبها توترات عصبية ونفسية شديدة ‪ ،‬مما‬
‫يجعلـها ال تدرك إدراكا دقيقا بعض ما يحدث أمامها‪ .‬ومن النساء من تصاب بالصداع النصفي قرب‬
‫بداية الحيض‪ ،‬وتكـون اآلالم مبرحـة‪ ،‬وتصحبهاـ زغللة في الرؤية‪ ،‬فتكون حالتها الفكرية والعقلية‬
‫‪1‬‬
‫في أدنى مستوىـ لها؛ لذلك خفـف التشريع الرباني التكليف عن المرأة في حال حيضها‬

‫‪ -2‬الحمل والوالدة والرضاع‪ :‬إن هذه المراحل الثالث لها بالغ األثر في إضعاف جـسم المرأة‬
‫وتغيير مسرىـ حياتها‪ ،‬فال يغرب على البال ما تقاسيه المرأة عـادة في حملـها ووالدتهـا‪،‬ـ وإرضاع‬
‫طفلها‪ ،‬من آالم جسمية تصحب األدوار الثالثة الدقيقة هذه‪ ،‬والتأثرـ النفسي الشديد من خوف وقلق‬
‫وانـزعاج على صحتها وصحة طفلها‪ ،‬وسهر على هذا الطفل‪ ،‬واستيقاظ في الليل إلرضاعه أو‬
‫للسهر على مرضه وتمريضه‪ ،‬كل هذه التهيجات النفسية تزيـد في مـصيبة اآلالم الجسمية‪ ،‬فتزيد‬
‫في إضعاف جسم المرأة عموما‪.‬‬

‫‪-3‬االختالف في تكوين المخ‪ :‬إن دراسة المخ ومقارنة مخ المرأة بمخ الرجل لها عالقة كبرى بتقرير‬
‫حقيقة المـرأة؛ ألن المخ هو المركزـ األصلي للعقلية اإلنسانية‪ ،‬بل هو المحطة الرئيسية لشعورـ‬
‫ونفسية اإلنسان فمقارنة المخ عند المرأة والرجل‪ ،‬تساعد كثيرا على فهم عظمة الجهازين الخاصيَّن‬
‫بكل حركة وعاطفـة وشعورـ وإحساس وتمييز عند المرأة والرجل‪ ،‬وعلى تقدير تفوق كل منهما على‬
‫اآلخر‪.‬‬

‫االختالف الوظيفي (الفسيولوجيـ ) بين الرجل والمرأة‬

‫إثباتات علمية تؤكد مدى االختالف العقلي بين الرجل والمرأة حيث أثبت الطب الحديث‪ ،‬وعلم‬
‫وظائف األعضاء‪ :‬االختالف بين الرجل والمرأة من الناحية العقلية والسلوكية‪ ،‬ولقد أدرك العلماء‬
‫والباحثون عمق الفروق‪ ،‬فوجدواـ أن الطفل الرضـيع يختلـف سلوكه على حسب جنسه‪ ،‬فمن هذه‬
‫االختالفات‪:‬‬

‫أن البنت بعد والدتها بأيام تنتبه إلى األصوات وخاصة صوت األم‪ ،‬بينما الولد ال يكتـرث‬ ‫‪-1‬‬
‫لذلك‪.‬‬
‫األوالد يمتازون بكثرة الحركة والتنقل والعنف‪ ،‬وال يبالون باألمور الجمالية الدقيقة بعكس‬ ‫‪-2‬‬
‫البنات‪ ،‬فإن يملن إلى الهدوء واالهتمام بالمظاهر الجمالية ويتصفن بالرقة والنعومة‪.‬‬

‫مع ذلك يرى علماء البحث العلمي الغربيون‪ :‬وجودـ فروق دقيقة في صورة المخ عند الرجل‬
‫البالغ والمرأة البالغة من حيث‪:‬‬
‫أن مخ المرأة ما بين سن العشرين والستين‪ ،‬يقل عن مخ الرجل في نفس هذه السن بمقدار‬ ‫‪-3‬‬
‫يختلف ما بين ‪126‬غراما إلى ‪164‬غراما‪ .‬وأن مخ المرأة ما بين الستين والتسعين‪ ،‬يقل‬
‫عن مخ الرجل في نفس هذه السن بمقدار يختلف ما بين ‪123‬غراما إلى ‪158‬غراما‪.‬‬
‫أن مخ اإلناث يقل عن مخ الذكور من أول لحظة يبدأ فيها الجنين في النمو‪ .‬أما بعد الوالدة‬ ‫‪-4‬‬
‫فينقص مخ الطفلة في وزنه عن مخ الطفل بمقدار ‪ 46‬غراما‪.‬‬

‫‪ 1‬المرأة وحقوقها‪ E‬السياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪20‬‬

‫‪13‬‬
‫‪-‬أن التعاريج واالرتفاعات واالنخفاضاتـ التي على سطح مخ الطفلة قليلة‪ ،‬بينما نجدها على‬ ‫‪-5‬‬
‫سطح مخ الطفل متعددة‪ ،‬وأكثر جدا مما هي عند الطفلة‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذه التعاريج عالمة‬
‫مميـزة ألنواع المخ الراقي‪ ،‬فكلما كثرت وتعددت‪ ،‬كلما كان نوع المخ أرقى‪.‬ـ‬

‫ومع هذا فقد توصل أحد الباحثين الغربيين‪ :‬أنه لم تقم حتى اآلن أدلة كافية على تقرير‬
‫منـزلة المرأة من حيث نسبة قواها العقلية إلى قوى الرجل العقلية وهذا االعتقاد السائد بأن‬
‫الذكور يفوقون اإلناث في القدرات العقلية‪ ،‬يعود سـببه إلى تفوق اإلنتاج العقلي للرجال عنه‬
‫لدى النساء‪ ،‬وأرجع بعض الباحثين هذا التفوق إلى الظـروفـ البيئية ودورها في بيئة‬
‫الفرص المناسبة للرجال‪ ،‬وبدرجة أقل للنساء‪ .‬والمقصود بالظروف البيئية تلك التي تتحد‬
‫وبالدرجة األولى بفرص التعليم والعمل‪ ،‬إضافة إلى ظروف المرأة التي تفرض عليها أعباء‬
‫معينة‪.‬‬

‫أثر االختالف الفسيولوجيـ على شهادة المرأة‪:‬‬

‫‪-1‬نسيان ما يجب تذكره إذا ما استدعيت للشهادة؛ لذلك جاء الحكم الـشرعي باستـشهاد امرأتين في‬
‫األموال؛ لتذكر الواحدة األخرى إذا نسيت‪.‬‬

‫‪-2‬اختالط المعلومات لديها‪.‬‬

‫‪-3‬عدم التدقيقـ في عرض أقوالهاـ‬

‫النفسية‪.‬‬ ‫‪-4‬توترـ حالتها‬

‫االختالفات النفسية بين الرجل والمرأة‬

‫ان اهللا لم يخلق بني آدم على نمط واحد في التفكير والتدبير‪ ،‬بينما جعل التباين بـين الجنس الواحد‪،‬‬
‫فال غرابة أن نجد فروقاـ شاسعة بين الجنسين‪ ،‬الرجل والمرأة‪ ،‬سواء كان في الحالة العقلية أو‬
‫النفسية التي تمتزج في شخصية كل منهما لذلك سنجد كثيرا من التباين بين شخصية الرجل‬
‫وشخصية المرأة من الناحية النفسية‪ ،‬وسيظهر من خالل اآلراء التالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬عاطفة المرأة أقوى من عاطفة الرجل ‪-‬ويرجع سبب تفوق عاطفة المرأة على عاطفة الرجل‬
‫لعوامل منها‪:‬‬

‫‪-1‬أن المرأة بحكم تكوينها ستتعرض لمهمة تتطلب العاطفة قبل العقل‪ ،‬والرجل سيتعرض لمهمة‬
‫تتطلب العقل قبل العاطفة‪ ،‬فمن هنا كان حنو المرأة على أوالدها‪ ،‬وعلى أبويها وإخوتهاـ أكثر من‬
‫حنو الرجل‪ ،‬أو أكثر ظهورا ‪.‬‬

‫‪-2‬أن قلب المرأة ضعيف يتأثر بسرعة‪ ،‬ويتأثر إلى حد االضطراب‪ ،‬ويتفاعل وهو أكثر نبضا من‬
‫قلب الرجل‪ ،‬لذلك ترى المرأة أكثر تهورا في عملها‪ ،‬تندفع تحت أي مؤثر من المؤثرات الخارجية‬
‫إلى الصخب وإلى التـهور‪ ،‬والنـسوة في مجموعهن يفزعن ألي خطب وينـزعجن من الشيء البسيط‬
‫أكثر من الرجال‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫عر َفت النساء ‪-‬كما ظهر ساب ًقا‪ -‬أنهن سريعات االنفعال بحكم طبيعتـهن‬ ‫ب‪ -‬الضعف في الخصومة‪ِ :‬‬
‫الحـساسة‪ ،‬والعاطفية وتغلُّب صفة الحنان والتأثر؛ لذا فإن يضعفن عند الخصومة ويفقـدن الحُجَّ ـة‪،‬‬
‫وال يستطعن مجاراة الخصوم‪،‬ـ فلو نوقشتـ المرأة أو خولفت أو نيل من صفة من صفاتها َ‬
‫الخلقية أو‬
‫ال ُخلقية‪ ،‬غضبت وثارت أسرع مما يفعل الرجل ؛ لذلك قد تكون المرأة متـسرعة في إصـدار حكمها‬
‫على اآلخر‪ ،‬وقد تستعمل المرأة عند استجوابا لهجة هجومية كي تتخلص منه‪ ،‬كما تبدي مهـارة‬
‫كبيرة في الدفاع عن رأيها‪ .‬وقد تنهار في بعض الظروف فتلجأ إلى البكاء الذي يتيح لها في بعض‬
‫المواقف وقتاـ للتفكير والتدبرـ حينما تحاول إخفاء الحقيقة وتلفيق األدلة‪ .‬إال أن البكاء مع ذلك قد‬
‫يكون وسيلة لتصعيد بعض الدوافع النفسية المكبوتة‪ ،‬وإضعافـ أثرها على المرأة‪ ،‬وعندئذ يكون‬
‫االستجواب أكثر نجاحا‪.‬‬

‫جـ حياء المرأة أشد من حياء الرجل تمتاز المرأة عن الرجل بشدة حيائها الذي أصبح جزءًا من‬
‫طبيعتها وتكوينها النفـسي‪ ،‬فهي بحكم أنوثتها وفطرـتها النقية الصافية مجبولة على الحياء‪ ،‬وهي من‬
‫أجمل الصفات التي تتحلى بها المرأة‪ ،‬ألن هذا الخلق يضفي عليها رقة وجماالً‪ ،‬وقدـ يفضي بها‬
‫األمر إلى االنقبـاض وحـتى االنـزواء بصفة الحياء ‪ ،‬مما يفوت عليها حقائق كثيرة فيما إذا وقع‬
‫أمامها حدث ما يستدعي عدم النظر إليه بدافع الحياء‪ 1،‬فقد يمنعها حياؤها من أن تنظـرـ بتفحص إلى‬
‫جريمة خلُقية ترتكب‪ ،‬فإذا وقع بصرها عرضا على مثل ذلك‪ ،‬فإنهاـ وبطبيعتهاـ النقية تنأى ببصرها‬
‫عن أن يقع على ما فيه خدش حيائها‪.‬‬

‫تأثير الحالة النفسية على شهادة المرأة‪:‬‬

‫شبهة‪ ،‬شبهة‬ ‫من المُسلّم به أن الحدود تدرأ بالشبهات‪ ،‬وشهادة المرأة في القتل وأشباهه تحيط بها ال ُ‬
‫عدم إمكان تثبتها من وصفـ الجريمة كما هي لحالتها النفسية عند وقوعهاـ ؛ لـذلك اسـتبعد العلماء‬
‫شهادة المرأة في الخصومات الجنائية التي قد تثير عاطفتها سلبا‪ ،‬أو إيجابا‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬أن المرأة في‬
‫جرائم القصاص إذا أبصرت اثنين يتضاربان بالسالح ارتاعت ووجلت‪ ،‬فتثيرـ هـذه االنفعاالت‬
‫عاطفتها‪ ،‬وقد تذهلها وتوقفها عن متابعة عاقبة األمر‪ ،‬فتغيب عنها حقائق قد تكون مهمة للغاية في‬
‫مجريات التحقيق في الدعوى ومالبساتها تمهيدا للحكم فيها‪ .‬وكثيراً ما تغمض عينيها في مثل هذه‬
‫الجرائم‪ ،‬وتهوبـ صائحة مولولة‪ ،‬ويصعب عليها أن تصف هذه الجرائمـ بدقة ووضوح؛ ألن‬
‫أعصابهاـ ال تحتمل التدقيقـ في مثل هذه الحال‪ ،‬هذا إن لم تفر من هذه المشاهد‪ ،‬فإن لم تستطع إلى‬
‫ذلك سبيال‪ ،‬فاألرجح أنها تقع في غيبوبة قد تفقدها الوعي‪.‬‬

‫تأثير العاطفة على شهادة المرأة عامة‪ ،‬يتجلى بما يلي‪:‬‬

‫قد تؤديـ هذه العاطفة عند بعض النساء إلى كتم الشهادة أمام القضاء حتى ال ينال طرفـ من‬ ‫أ‪-‬‬
‫األطراف سوء‪.‬‬

‫‪ -‬ويخشىـ عند أخذ شهادة المرأة أن تتأثر بشخصية المحقق فتحاول اإلطالة في إجابتها بذكر‬ ‫ب‪-‬‬
‫بعض التفاصيل التي ال داعي لها‪ ،‬وبصفة خاصة في حالة إبداء األقوال الكاذبة الـتي تـؤدي‬
‫مشكالت المرأة المسلمة المعاصرة‪ ،‬ص‪.37‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬
‫إلى التناقض في الشهادة‪ .‬وهنا يجب تحذيرها من ذكر التفاصيل التي ال تهم حتى ال تتمادى‬
‫في هذا األمر‪ .‬ومما يُؤخذ على شهادة المرأة بوجه عام‪ ،‬أنها تميل إلى إطالة الحـديث‪،‬‬
‫والخـروج عـن الموضوع لفترة بسيطة ثم تعود إليه لعدم وضوح الرؤيا لديها‪ ،‬ويمكنها إضافة‬
‫الكذب بطريقـة أسهل وأكثر من الرجل‪ .‬وإن كانت بعض النساء لديهن سمة الرجال‪ ،‬وبعض‬
‫الرجال لديهم سمة النساء‪ ،‬إال أن هذا التشابه قليل ومحدود‪.‬‬

‫ويُالحظ أن جانب العاطفة واالنفعال قد يؤثر بالمرأة إلى أن تتفانى في الدفاع عمن تحـب‬ ‫ت‪-‬‬
‫بقصد تضليل العدالة‪ .‬وإذا كان الحب ال يتوارىـ ومن السهل اكتشافه إال أن الخطورة تكمن في‬
‫الشهادة التي تكون الكراهية محورها‪ ،‬ألن من يكره ال يفصح عما يك ُنه لالخر فإذا مـا واتتـه‬
‫الفرصة ألداء شهادة ضد من يكرهه فسوفـ يصب فيها سمومه في االتجاه المؤيد لالتهام‪.‬‬

‫فإن قوة عاطفة المرأة تجعلها تطغىـ أحيانا على ما وصـل إلى إدراكهـا‪ ،‬وتمتزج بعناصره‪،‬‬ ‫ث‪-‬‬
‫فتشكله صورة أخرى‪ ،‬وتغير كثيرا من حقيقته من حيث ال تشعر هي بذلك‪ ،‬فاقتضت العدالة‬
‫أن يُتخذ شيء من االحتياط حيال شهادتها‪،‬ـ فاس ُتبعدت شهادتها في األمور المؤدية إلى نتائج‬
‫خطيرة كالشهادة على الزنا ولم يعتد بشهادتهاـ منفردة عن الرجـال إال في األمـور النسائية‬
‫الخالصة التي ال يعرفها غير النساء‪ ،‬وجُعلت شهادة المرأتين فيما عدا هذا وذاك معادلـة‬
‫لشهادة رجل واحد‪ ،‬على شرط أن يشهد معهما رجل بما شهدتا به‪.‬‬

‫شبهات مزعومة حول شهادة المرأة‬


‫ُ‬

‫شبهات وأباطيل من قبل خصومه والحاقدين عليه‪ ،‬فهاجواـ وماجواـ وصاحواـ أن‬ ‫تحوم حول اإلسالم ُ‬
‫اإلسالم لم يسو بين الرجل والمرأة في القيمة اإلنسانية؛ ذلك ألن اإلسـالم جعـل شهادة الرجل بشهادة‬
‫امرأتين واعتبر المرأة ناقصة عقل ودين وسنفي هذه ال ُ‬
‫شبهات بهذا البحث‪:‬‬

‫الشبهة األول‪ :‬المرأة تساويـ نصف الرجل‪:‬‬

‫حاول المغرضون ويحاولون إثارة المرأة ضد التشريع اإلسالمي‪ ،‬وقد غرسوا بذور اإلثارة في قلبها‬
‫ضد إسالمها وتشريعاته بما صوروه لها من أن اإلسالم يعاملها معاملة اإلنقاص من القدر والمنـزلة‪،‬‬
‫إذ هو قد جعل شهادتهاـ في اإلثبات على النصف من شهادة الرجل‪ ،‬فهذا يعني أنهـا تساوي نصف‬
‫الرجل‪ ،‬وقد تركوا القضية هكذا على مصراعيها من غير بيان أو تحديد وهذا شأن ذوي اإلشاعات‬
‫ومهما بلغت المحاوالت في الطعن في أحكام اهللا‪ ،‬وإقناع المرأة بأنها مضطهدة تحت ظـل الشرع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬إال أن اهللا سيظهر دينه‪ ،‬ويحق الحق بكلماته‪ ،‬وال يظلم ربك أحدا‪ .‬قام اإلسالم على‬
‫توفيرـ كل الضمانات الممكنة في الشهادة‪ ،‬سواء كانت الشهادة لصالح المتهم أو ضده ‪ .‬فقد راعى‬
‫اإلسالم الظروف الخاصة للمرأة بتكوينها الجسماني وما يصيبها من هـزات نفسية‪ ،‬فينتابها إرهاق‬
‫حسي‪ ،‬وتعب جسدي بسبب الدورة الشهرية‪ ،‬وحالة الحمل والرضاع ‪ -‬كما سبق بيانه‬

‫وتعود األسباب التي من أجلها جُعلَت المرأتان في الشهادة كالرجل الواحد‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫النسيان‪ ،‬فإن مدلول عبارة اآلية القرآنيـة "فإن َتضِ َّل‪ِ ‬إحْ دَا ُه َما‪َ  ‬ف ُت َذ ِّك َر‪ِ ‬إحْ دَا ُه َما‪ ‬اُأْل ْخ َر ٰى‬ ‫‪-1‬‬
‫"واضح في أن المراد من كونهما امرأتين هو التذكير بما قد تنسى المرأة الواحـدة لعدم‬
‫ممارستهاـ ما شهدت عليه وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضالل في العادة‪ ،‬وهو النسيان‬
‫وعدم الضبط‪ ،‬فما كان من الشهادات ال يُخاف فيه الضالل في العادة‪ ،‬لم تكن فيه على‬
‫نصف رجل‬
‫المرأة بفطرتها واختصاصها ال تشتغل عادة باألمورـ المالية والمعامالت المدنية‪ ،‬وليس من‬ ‫‪-2‬‬
‫الواجب عليها االحتكاك بجمهرة الناس لتشهد هذه األمور‪ ،‬فمن هنا تكون ذاكرتها فيها‬
‫ضعيفة‪ ،‬وال تكون كذلك في األمور المنـزلية التي هي شغلها‪ ،‬فإنها فيها أقوىـ ذاكرة من‬
‫الرجل‪ ،‬ومـن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم لألمور التي تهمهم ويمارسوها‪ ،‬ويكثرـ‬
‫اشتغالهم بهـا‪ ،‬فقلة ممارسة المرأة لجانب المعامالت قد يفقدها االستيعاب الكامل لجوانب‬
‫الموضـوع‪ ،‬وبالتاليـ قد تنقص شيًئ ا من الحق فيما تشهد به‪ ،‬فكان ال بد من إضافة امـرأة‬
‫أخـرى إليهـا الستدراكـ ذلك النقص‪.‬‬
‫الوجدان‪ ،‬فقد أخذ اإلسالم بعين االعتبار طبيعة المرأة العاطفية السريعة االنفعال‪ ،‬الـتي ال‬ ‫‪-3‬‬
‫تملك معها من ضبطـ النفس ما يملكه الرجل‪ ،‬فكانت مظنة أن تتأثر بمالبسات القضية فتضل‬
‫عن الحقيقة؛ لذلك يحتاط القاضي‪ -‬حتى ال يظلم أحداً‪ -‬أن يكثر من الشهود إلثبات الحق‬
‫شبهات‪ ،‬وإزهاقـ الباطل‪.‬‬‫ودفـع ال ُ‬
‫أن النساء أعرف بمكر بعضهن‪ ،‬وحيلهن عن غيرهن من الرجال؛ ألنهن أخـبر بنفـوس‬ ‫‪-4‬‬
‫بعضهنّ ‪ ،‬والمرأة تستطيعـ أن تسفر للمرأة عما يحيك بصدرها‪ ،‬ويجول بداخلـها‪ ،‬ومهمـا‬
‫أوتي الرجل من القدرة على الفهم‪ ،‬واالستنباط فال يمكن أن يسبر غورهن أو يجلو باطن‬
‫أمرهن‪.‬‬

‫الشبهة الثانية ‪ :‬وصف النبي النساء بنقصان العقل والدين‪ ،‬إهانة للمرأة‪.‬‬

‫"روى أبو سعيد الخدري‪" :‬خرج رسول اهللا في أضحى أو فطر إلى المصلى‪ ،‬فمر على‬

‫وبم يا رسـول اهللا؟‬ ‫ُأ‬


‫النساء فقال‪ :‬يا معشر النساء تصدقن‪ ،‬فإنيـ ريتكن أكثر أهل النار‪ ،‬فقلن‪ِ :‬‬
‫تكثرن اللعن وتكفُرن العشير‪ ،‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُب الرجل الحازم‬
‫قال‪ْ :‬‬

‫من إحداكن‪ ،‬قلن‪ :‬وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اهللا؟ قال‪ :‬أليس شهادة المرأة مثل نـصف‬

‫شهادة الرجل؟ قلن‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فذلك من نقصان عقلها‪ ،‬أليس إذا حاضت لم تص ِّل ولم تـصم؟‬

‫قلن‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فذلك من نقصان دينها"‬

‫الح ُّط من قدر النساء؛ ألنه لم يرد بنقص العقل أن المرأة مجنونة أو شبه مجنونة‪،‬‬
‫يرد النبي قط َ‬
‫فلم ِ‬
‫بل المراد اإلشارة إلى درجة التفاوت في العقل بينهن وبين الرجال من حيث المجموع ال من حيث‬
‫األفراد ‪ ،‬لذلك سنبين حقيقة نقصان العقل والدين من وجهة نظر اإلسالم ؟‬

‫حقيقة نقصان العقل‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -1‬العقل يعني‪ :‬التقييد واإلمساكـ‪ ،1‬المراد بالعقل في اللغة‪ :‬الربط والتقييد واإلمساك‪.‬ـ فبما أن المرأة‬
‫سريعة االنفعال الـذي يصاحبه الذهول وشرود الذهن غالباً‪ ،‬حيث يؤثر على مدى استيعابهاـ لألمور‪،‬‬
‫ومن ثم ال يستطيعـ عقلها إمساك العلم التفصيلي كما يجب‪ ،‬فعلى هذا المعنى يكون عقل المرأة ناقصا ً‬
‫في الدرجة عن عقل الرجل؛ ولهذا كانت شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل‪ .‬وليس هذا‬
‫طعنا بالمرأة؛ ألن نقصان العقل ال يعني نقصان المخ‪ ،‬وبالتاليـ ال يعني نقصان الذكاء وعدم القدرة‬
‫ً‬
‫ضبطا كامالً كما‬ ‫على التفكير‪ ،‬وإنما يعني عدم المقدرة على عقل المعلومة‪ ،‬أي تثبيتها وضبطهاـ‬
‫ينبغي؛ لتحقيق العدالة ورفع الظلم‪.‬‬

‫تدرك الـنفس‬‫المدرك للعلوم‪ ،‬فهو محل اإلدراك ‪ِ ،‬‬


‫ِ‬ ‫‪ -2‬العقل محل اإلدراك ‪ :‬يطلق العقل ويراد به‬
‫بـه العلـوم الضرورية والنظرية ‪ ،‬فإذا نظرناـ إلى طبيعة العقل في ضوء هذا التعريف‪ ،‬وأردناـ أن‬
‫نطابق بينـه كما هو عند الرجل‪ ،‬وبين ما هو عند المرأة‪ ،‬نرى أن قوة اإلدراك تزيد في النوع‬
‫والدرجة عنـد الرجل عما هي عليه عند المرأة ‪.‬وذلك واضح في تفرد الرجال بالعلوم التجريبيـة‬
‫الرياضـية والفلسفية‪ ،‬لذلك كان الكشف واالختراعـ من نصيب الرجال‪ ،‬وال نلتفت إلى قلة من النـساء‬
‫برزن في بعض الحاالت التي سبقهن فيها الرجال‪ ،‬فذلك خالف األصل‪ ،‬ولكل قاعدة شواذ‪.2‬‬

‫‪-3‬الفروق الفسيولوجية‪ :‬أكد العلم الحديث أن ما يعبر عنه "بنقصان العقل" لدى النـساء ‪ -‬يفـسر‬
‫بـالفروق الفسيولوجية بين المرأة والرجل ‪ -‬فقد أكدت دراسات المعهد البريطاني للطب العقلي‪ ،‬أن‬
‫معدل وزن مخ اإلناث يقل عن معدله عند الذكور‪ ،‬وأن التركيب الجسماني للمرأة غـير التركيـب‬
‫الجسماني للرجل‪ .‬والمرأة على اختالفها في كثير من أعضاء الجسم‪ ،‬أثبت الطـب أن تركيبـهاـ يقرب‬
‫من تركيب الطفل؛ ولذلك فهي مثله (في طفولته) أي أنها ذات إحساس بالغ الحدة‪ ،‬تنقاد مثله بسرعة‬
‫مذهلة‪ ،‬وتتقلب بين صورـ من الشعورـ تقلبا غير متزن في الفرح والحـزن‪ ،‬والكـره والحب‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من أحاسيس ومشاعر‪ ،‬مما ينقص من تعقلها لألمور‪ ،‬ونظراـ لها في منطـق وروية‪ ،‬مما جعلها‬
‫بالتالي شديدة التردد‪ ،‬كثيرة التحول والتقلب‪.‬‬

‫قصورـ البيان عند النساء‪ :‬وهو عدم القدرة على إبداء الحجة وإظهارـ الحق والتعبيرـ باللسان‬ ‫‪-5‬‬
‫عما في الجنان‪ ،‬وهو ما يُعبر عنه "بقصور البيان"‪ ،‬وهذا يعني أن المرأة إذا وقفت في‬
‫موقف الخصومة لتبين الحق وتبطـل الباطل‪ ،‬فإنها تقصر عن الكمال في البيان‪ ،‬ولعلها‬
‫تتكلم ساعات متواصلة‪ ،‬غير أنهـا تفتقـر إلى الصياغة المتقنة والحجة الدامغة‪.‬‬

‫الكيد والكذب‪ :‬والذي يتصف بضعف الحجة وغلبة خصمه عليه ‪ -‬رجالً كان أو امرأة ‪ -‬ال‬ ‫‪-6‬‬
‫بد وأن يميل إلى الكذب‪ ،‬تعويضا عن النقص الحاصل في إبداء الحجة‪ ،‬وغلبة الخصم‪ ،‬فكان‬
‫مـن مستلزماتـ قصورـ البيان عند النساء‪ ،‬الكيد والكذب‪ .‬وقدـ يشهد على هذا الكالم‪ ،‬ما جاء‬
‫من كيد امرأة العزيز ليوسف تأمل قوله تعالى " َو َر َاودَ ْت ُه الَّتِي ه َُو فِي َب ْيتِ َها َعن َّن ْفسِ ِه َو َغلَّ َق ِ‬
‫ت‬
‫الظالِ ُمون‪،" ‬ولما انكشف‬ ‫اي ۖ ِإ َّن ُه اَل ُي ْفلِ ُح َّ‬ ‫اب َو َقالَتْ َه ْيتَ لَ َك ۚ َقال َ َم َعا َذ هَّللا ِ ۖ ِإ َّن ُه َر ِّبي َأ ْح َ‬
‫سنَ َم ْث َو َ‬ ‫اَأْل ْب َو َ‬
‫ص ُه قُ َّد مِنْ‬‫أمرها لزوجهاـ رمت العفيف البريء بالفاحشة ‪ ،‬قال هللا تعالى في ذلك " َفلَ َّما َرَأ ٰى َقمِي َ‬
‫ُد ُب ٍر َقالَ ِإ َّن ُه مِنْ َك ْي ِد ُكنَّ ۖ ِإنَّ َك ْي َد ُكنَّ َعظِ ي ٌم"‪.‬‬
‫حيث وال بد من التأكيد أن هذا الكيد ليس وق ًفا على غير الصالحات من النساء‪ ،‬بل صـدر‬
‫ويصدرـ عن كثير من الصالحات القانتات‪ ،‬ولكن سرعان ما يعصمهن دينهن عـن التمـادي‬
‫‪- 1‬جبر‪ ،‬هل هن ناقصات عقل ودين‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪ 2‬جبر‪ ،‬هل هن ناقصات عقل ودين‪ ،‬ص‪9‬‬

‫‪18‬‬
‫في الكيد‪ ،‬واإلصرارـ على الكذب وال كمال للعقل هنا‪ ،‬ولعل خير نساء األمة على اإلطالق‬
‫هن نساء رسول اهللا ‪،‬فإذا ثبت أن قد أخذن حظا مما وصفـ به رسول اهللا عامة النساء‪،‬‬
‫فذلك أحرى أن يلحق غيرهن من النساء وينلن حظا من نقصان العقل والدين عن عائشة‬
‫قالت‪" :‬كان الـنبي يشرب عسالً عند زينب بنت جحش‪ ،‬ويمكث عندها‪ ،‬فتواطأت أنا‬
‫وحفص ُة على‪ :‬أيتنا دخ َل عليها‪ ،‬فلتقل له‪ :‬أكلت مغافير‪1‬؟ إني أجد منك ريح مغافيرـ قال‪ :‬ال‬
‫ولكني كنت أشرب عسالً عند زينب بنت جحش‪ ،‬فلن أعود له‪ ،‬وقد حلفت ال تخبري بذلك‬
‫أحدا‪.‬‬
‫ما ورد في هـذه القصة وما سبقها يؤكد أن غلبة عاطفة المرأة وغيرها قد ينسياها ما‬
‫تقتضيه األمانـة والـصدقـ وحسن الخلق‪ ،‬فتلجأ إلى الكيد المستلزم للكذب‪ ،‬وال تبالي في حال‬
‫ثورة غضبها أو غيرانها بمـا يترتب على كيدها من أضرار وأوزار‪ ،‬فكمال الدين والعقل‬
‫يعصم اإلنسان ‪ -‬بإذن اهللا‪ -‬مـن الزلل وإتيان ما ال يليق وال ينبغي‪ ،‬وبقدر تمام الدين والعقل‬
‫تكون العصمة واالستقامة وال كمال للعقل هنا‪ ،‬فاقتضىـ األمر تنصيفـ شهادة المرأة مع‬
‫الرجل‪ ،‬من غير أن يكون في ذلك إهانة للمرأة أو انتقاص من مكانتها‪ ،‬كما يدعي أعداء‬
‫اإلسالم‪ .‬وهذا ما أنبأ عنه الحديث الشريفـ بصورة علمية موجزة‪.‬‬

‫حقيقة نقصان الدين‪:‬‬

‫قلة التكليفات السلوكية لسبب ما‪ ،‬وال شك أنها ليست مسؤولية المكلف‪ ،‬أيا ً كان السبب‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فالطفل أو المراهق الذي لم يصل سن البلوغ بعد‪ ،‬يوصف بأنه ناقص الدين‪ ،‬وال يعني ذلك‬
‫أنـه يتحمل أي تقصير‪ ،‬بل ربما كان كثير القيام بالواجبات والفرائض والنوافـلـ سريعا ً إليها‬
‫نشيطا في أدائها أكثر من الرجل البالغ‪ ،‬غير أنه يوصف مع ذلك بنقصان الدين‪ ،‬نظراً إلى‬ ‫ً‬
‫أنه لم يكلف بعد بشيء من مبادئه وأحكامه فهو يوصفـ بنقصان الدين بنا ًء على هذا المعنى‪.‬‬

‫التهاون أو التقصير الذي يتلبس به المكلف بمسؤولية واختيارـ منه‪ .‬فاإلنسان المتهاون‬ ‫‪-2‬‬
‫بأوامر اهللا يوصفـ أيضا بنقصان الدين‪ ،‬ولكنه هنا يعني التقصير في االلتزام بمبادئ الدين‬
‫بعزم منه واختيار‪ ،‬فهو يتحمل جريـرة تقصيره والمسؤولية المترتبة على نقصان دينه‪ ،‬فهو‬
‫يوصف ًإذا بنقصان الدين بنا ًء على هذا المعنى‪.‬‬

‫إذا تبين هذا فإن الوصفـ الذي وصفـ به رسول اهللا المرأة من النقصان في الدين‪ ،‬إنما‬
‫يصدق بالمعنى األول‪ ،‬فالنبيـ يعني أن المرأة خفف اهللا عنها بعض الوظائفـ الدينية‬
‫وأسـقطها عنها‪ ،‬فهي ال ُت َكلَّف بالصالة أثناء المحيض والنفاس‪ ،‬وال ُت َكلَّف بقضاء شيء منها‬
‫بعـد ذلـك‪ ،‬ولكن دون أن ينقص شيء من أجرها بسبب ذلك‪ .‬بل أجرها على تحمل المعاناة‬
‫في هذه األيـام الشدائد على نفسها وجسدها‪.‬ـ فاألمرـ ليس عائدا إلى تقصير منها ولكنه عائد‬
‫إلى تخفيف من اهللا عنها ‪.‬‬

‫‪َ 1‬غافير صم ٌغ يسيل من شجر العرفط غير َأن رائحته ليست بطيبة‬

‫‪19‬‬
‫اذاً بعد هذا التوضيح قد نستطيع القول أن الحديث يدل على أن نقص المرأة نقص فيما ال‬
‫ُتحسِ نه‪ ،‬مما ال يتصل بحياتها التي تقتضي عدم مخالطة الرجل‪ ،‬ونقص في العبادة لما قدر‬
‫اهللا تعالى لها منذ األزل أن تحيض وتنفس فتمنع من الصالة والصيام أثناءهما‪ .‬ولو كان‬
‫األمر نقصا ً في حقيقة الدين ونور اليقين ‪ -‬وليس هو كذلك ‪ -‬لكان المريض والمسافرـ من‬
‫الرجال تاركيـ الصيام‪ ،‬ناقصين في الدين‪ .‬والفقير يعجز عن الزكاة والمريض يعجز عن‬
‫الجهاد كل منهما ناقص الدين ‪ ،‬ولم يقل ذا أحد من المسلمين‪.‬‬

‫بعد البحث في وجوه إعجاز حديث النبي‪ ،‬من المستبعد جداً أن تكون شهادة المرأة وحدها‬
‫خالية من النقص أو من المراوغة‪ - ،‬إال من رحم ربي ‪ -‬لهذا كانت شهادة امرأتين مقابل‬
‫شهادة رجل ‪ .‬ونقصان الدين والعقل المؤدي إلى سلوك غير قويم‪ ،‬ليس وق ًفا على النساء‬
‫وحدهن‪ ،‬فما أكثر الرجال من هذا الصنف‪ ،‬وإنما المقصود غلبة النقص على النساء عند‬
‫المقابلة‪ ،‬وهذا كما إذا قلنا‪ :‬الرجال أطول من النساء‪ ،‬والنساء أطول عمراً من الرجال‪ ،‬فهذه‬
‫المقولة صحيحة ال شـك فيها‪ ،‬غير أن صحتها ال تستلزم العموم‪ ،‬فهناك من النساء من تفوق‬
‫الرجال طوال‪ ،‬ومنهن مـن تقل عن الرجال عمرها وقد ميَّز اهللا تعالى المرأة عن الرجل‬
‫بإسناد وظيفة األمومة لها‪ ،‬وما كـان ليـسندها إال إلنسان سويَّ ‪،‬وما كان للرجال أن يأمنوا‬
‫على أبنائهم في كنف إنسان عـاجز مختـل العقـل والدين ‪ .‬فإن أعظم العباقرة يتصاغر أمام‬
‫أبسط األمهات‪ ،‬وال يستطيعـ أعظم قادة الـدنيا مـن الرجال أن يفعل ما تفعله أبسط النساء‬
‫وأجهلهن‪ ،‬إنه ال يستطيع أن ينجب طفالً ويحمله في بطنه تسعة أشهر‪ ،‬كما أنه ال يمكنه‬
‫إرضاعه وتربيته مهما كان له من العبقرية والنبوغ‪.‬ـ‬

‫الشهادة تكليف ال تشريف‪:‬‬

‫مما تجدر اإلشارة إليه أن الشهادة في المفهوم اإلسالمي ليست حقا ً يتزاحم عليه النـاس‪ ،‬وإنما هي‬
‫عبء ثقيل يتهرب الشاهد منه‪ ،‬والشهادة في جميع أحوالها تتطلب من الشاهد بذل الجهد في مغالبة‬
‫هواه وميله‪ ،‬وفي تغلبه على أحاسيسه ومشاعره‪ ،‬لقوله تعالى في سورة المائدة" َيا َأ ُّي َها الَّذ َ‬
‫ِين آ َم ُنوا‬
‫ش َهدَا َء ِب ْالقِسْ طِ ۖ َواَل َيجْ ِر َم َّن ُك ْم َش َنآنُ َق ْو ٍـم َعلَ ٰى َأاَّل َتعْ ِدلُوا ۚ اعْ ِدلُوا ه َُو َأ ْق َربُ لِل َّت ْق َو ٰى ۖ‬
‫ِين هَّلِل ِ ُ‬
‫ُكو ُنوا َقوَّ ام َ‬
‫ون (‪")8‬‬ ‫َوا َّتقُوا هَّللا َ ۚ ِإنَّ هَّللا َ َخ ِبي ٌر ِب َما َتعْ َملُ َ‬

‫وهذا يدل على أن تحمل الشهادة عبء على الشاهد وليست له‪ ،‬ومن أ ُعف َِي من هـذه المسؤولية فقد‬
‫ُخ ِّفف عنه‪ ،‬وقد نص القرآن الكريم على العديد من أنواع التخفيفـات‪ ،‬وف ًقـا لمقتضيات الحال‪،‬‬
‫كالترخيص في الفطر للمسافر‪ ،‬والقصر والجمع‪ ،‬وإعفاء المرأة مـن فرضـية الجهاد‪ ،‬وإعفائها من‬
‫الصالة والصيام حال حيضها‪ ،‬وتخفيف الشهادة عنـها‪ ،‬ولم يعـد هـذا التخفيف إهانة‪ ،‬بل نعمة‬
‫تستوجب شكر المنعم‪ ،‬فقد خفف اهللا عن المرأة الشهادة التي هي بحد ذاتها تكليف وأمانة يحملها‬

‫‪20‬‬
‫الـشاهد‪ ،‬إنْ َقصر بتأديتها استحق اإلثم؛ لذلك فلننظرـ إلى أمر تخفيف الشهادة عن المرأة على أنه‬
‫‪1‬‬
‫لفائدة وخير يعود عليها قبل أن يكون لشيء آخر‬

‫الخاتمة "النتائج"‬

‫فـي ختـام هـذا البحـث‪ ،‬أود أن أوضح أهـم النتـائج التـي تم التوصل مـن خاللـه علـى النحو التالي‪:‬‬

‫إن الشهادة هي‪ :‬إحدى وسائلـ اإلثبـات المعتمـد علیهـا فـي إثبـات الحقـوق‪ ،‬وأنهـا تراجعـت‬ ‫‪-1‬‬
‫منزلتها أمام الكتابة‪ ،‬التي یعول علیها اآلن فـي وسـائل اإلثبـات؛ ذلـك لتـشعب المعـامالت‬
‫المالیـة‪ ،‬والحاجـة ماســة لكتابتهـا‪ ،‬ولخــراب الـذمم وكثــرة شـهود الــزور‪ ،‬وغیـاب‬
‫الــضمیر‪ ،‬والوازع الدیني‪.‬‬

‫إن مسألة شهادة المرأة لم يرد فيها إال نص واحد وهو شهاد‪‬ا في األموال في آيـة الـد‪‬ين‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وعلى هذا فقد اجتهد العلماء في القول بشهادة المرأة في الحدود والقصاص‪ ،‬معتمدين في‬
‫ذلـك على فهمهم وتأويلهم آلية الدين التي تعتبر النص الوحيد في القضية‪.‬‬

‫‪-‬مـن البحـث تبـین اتفـاق الفقهـاء علـى مـشروعیة شـهادة النـساء دون الرجـال فیمـا ال‬ ‫‪-3‬‬
‫یطلـع علیه الرجال‪.‬‬

‫‪- 1‬البنا‪ ،‬المرأة المسلمة‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-‬تبـین أیـضا ً االخـتالف بـین الفقهـاء فـي العـدد الـذي یقبـل فیـه شـهادة النـساء دون‬ ‫‪-4‬‬
‫الرجـال‪ ،‬وقدـ ُر ِج َح الرأي القائل‪ :‬بأن العدد الذي یقبل به شـهادة النـساء وحـدهن هـو‪:‬‬
‫امرأتـان‪ ،‬ما عدا الرضاع فإنه ي ُكتفى بشهادة امرأة واحدة؛ لقیام الدلیل الشرعي على ذلك‪.‬‬

‫‪-‬شـــهادة النـــساء ال رجـــل معهـــن فیمـــا ال یطلـــع علیـــه الرجـــال جـــائزة‬ ‫‪-5‬‬
‫مـــشروعة‪ ،‬إال فـــي االستهالل والرضاع‪ ،‬كما ذهب إلیه الحنفیة‪ ،‬وقد ُر ِج َح مـا ذهـب إلیـه‬
‫الجمهـور مـن قبول شهادتهن فـي كـل مـاال یطلـع علیـه الرجـال‪ ،‬یـستوي أن یكـون ذلـك‬
‫فـي‪ :‬االسـتهالل‪ ،‬أو الرضاع‪ ،‬أو غیره من‪ :‬والدة‪ ،‬وعیوب النساء تحت الثياب‪.‬‬

‫يالحظ أن السبب الرئيس لجعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل في الشهادة هو‬ ‫‪-6‬‬
‫بُعدها عن المعامالت المالية‪ ،‬وعدم اختصاصها في هذا المجال‬

‫التفاوت الطبيعي بين الرجل والمرأة حقيقة علمية ثابتة بالقرآن والسنة‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫الشهادة تكليف ومسؤولية‪ ،‬فعندماـ يخفف اهللا عن المرأة في الشهادة فهذا إكرام لها‪ ،‬وليس‬ ‫‪-8‬‬
‫العكس‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫القران الكريم‬ ‫‪-1‬‬
‫"ناقصات عقل و دين " ‪ ،‬د‪ .‬ألفة يوسف‬ ‫‪-2‬‬
‫"المرأة المسلمة" ‪ ،‬د‪.‬غاوجي‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫"شهادة النساء في الفقه اإلسالمي" د‪.‬علي أبو البصل‬ ‫‪-4‬‬
‫"شهادة النساء من منظور فقهي" د‪.‬مريم عبدالسالم بكر‬ ‫‪-5‬‬
‫رسالة ماجستير ‪" ،‬رد شهادة العدل " أسامة أحمد عبد الرزاق‬ ‫‪-6‬‬
‫" حكم شهادة النساء في العقوبات في الشريعة اإلسالمية " د‪ .‬محمد أبو يحيى‬ ‫‪-7‬‬
‫رسالة ماجستير" شهادة النساء دراسة فقهية قانونية مقارنة "‪ ،‬أحالم إغبارية‬ ‫‪-8‬‬
‫"المرأة المسلمة" ‪ ،‬البنا‬ ‫‪-9‬‬

‫‪22‬‬
‫جدول المحتويات‪:‬‬
‫رقم الصفحة‬ ‫مواضيع البحث‬
‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪2‬‬ ‫أهداف البحث‬
‫‪3‬‬ ‫تعريف الشهادة و مشروعيتها‬
‫‪4‬‬ ‫حكمة تشريع الشهادة‬
‫‪4‬‬ ‫أركان الشهادة‬
‫‪5‬‬ ‫صيغة الشاهد‬
‫‪5‬‬ ‫شروط الشهادة‬
‫‪6‬‬ ‫هل شهادة المرأة أصل يعتمد عليه أم‬
‫بظل يُصار اليه عند الضرورة ؟‬

‫‪7‬‬ ‫القضاء بشهادة النساء‬


‫‪12‬‬ ‫الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة‬
‫المؤثرة بالشهادة‬
‫‪17‬‬ ‫شبهات مزعومة حول شهادة النساء‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫حقيقة نقصان العقل‬
‫‪19‬‬ ‫حقيقة نقصان الدين‬

‫‪23‬‬
‫‪21‬‬ ‫الشهادة تكليف ال تشريف‬
‫‪23‬‬ ‫مصادر و مراجع‬

‫‪24‬‬

You might also like