Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
إن أداء الشهادة واجب تنص عليه التشريعات المختلفة .وهو أمر معترف به عالمياً ،إذ أن كل عضو
في المجتمع يهمه أن يحيى في أمان وأن تسود األرض شريعة السالم ،وأن يحافظ الجميع على
النظام ومنع الجريمة وردع المجرم .لذا يجب على من يُطلب ألداء الشهادة أن يُلبي النداء ،بل إن
عليه من تلقاء نفسه أن يتقدم ليضيء الطريق ويرشد العدالة بتوصيل المعلومات المفيدة في أداء
رسالتها حتى تصل إلى ما يصبو إليه المجتمع من أمن وأمان.
حتى إن التشريـعات الوضعيـة األولى كانت تضع الشهـادة في الرتبة األولى نظـراً لُألمية التي
سـادت في القرون الماضيـة ،وعدم انتشار القراءة والكتابة ،ثم دار الزمن ،وكثـر التعليم ،بفضل
الديـن اإلسـالمي ،وما أسـهم به على مسـتوى محاربة اُألميــة ونـشر التعليـم وخاصة القراءة
والكتابة ،فقد تدنت قيـمة الشهـادة كدليـل إثبات ،فأصـبحت الشهـادة في المرتبة الثانيـة والكتابة في
األولى .ورغم ذيوع استعمال الكتابة فال زالت الشهادة من أكثر األدلة شيوعا في العمل و هذا يتبين
أن الشهادة مرت بمراحل متباينة على مر العصور ،تأثرت منها وتدرجت خاللها في تطور زمـني
ملحوظ .واحتلت شهادة النساء مكانة عظيمة ومعتبرة في الفقه اإلسالمي ،فما كانت أحكـام الدين
وحماية لحقوقهم ،فالناس رجـالهم ونساؤهم ً ً
صيانة لشؤون العباد اإلسالمي لتهمل وما وضعت إال
سواء في أصل العبادة ،إال أن هناك فرو ًقا بينهم في بعض األحكام منها إن مسألة التفريق بين
الرجل والمرأة في الشهادة ،ما كانت كذلك إال لحكمة اقتـضتها الشريعة الربانية تحفظ بها مصالح
الناس وأمور معايشهم ،وليست محور لالدعاءات الباطلة من قبل المُشنعين على اإلسالم الذين
يدعون أن اإلسالم انتقص المرأة؛ ألن شهادتها على النـصف مـن شهادة الرجل ،ولم يظهر لهؤالء
أن اإلسالم أخذ بعين االعتبار شهادة النساء وحـدهن لقوله تعالى َ ":والَّذِينَ َي ْر ُمونَ َأ ْز َو َ
اج ُه ْم َولَ ْم َي ُكن لَّ ُه ْم
1
ت ِباهَّلل ِ ۙ ِإ َّن ُه لَمِنَ ال َّ
صا ِدقِين " ش َها َدةُ َأ َح ِد ِه ْم َأ ْر َب ُع َ
ش َها َدا ٍ ش َه َدا ُء ِإاَّل َأنفُ ُ
س ُه ْم َف َ ُ
1
الحضورَ :شهد المكان أي حضره. .1
1
الخبر القاطع :أخبر بما شاهد :أي أصبح من أهل الشهادة. .2
الحلف :أشهد بكذا :أي أحلف. .3
األداء :شهد لزيد بكذا شهادة :أي أدى ما عنده من الشهادة ،فهو شاهد أ مـام جهـة قضائية، .4
هكذا يعبر عنها في القضاء.
ومع تعدد معاني الشهادة ،إال أنها ترجع بأكملها إلى أصول ثالثة فقط ،وهي( :الحضور والعلم
2
واإلعالم)
شهد ب /شهد على /مصدر َش ِهد من الشهود ،وهي بمعنى الحضور ،ومأخوذة من العلم "أشهد"، ِ
3
ونقول شهد الحفل أي حضِ ره ومنه قوله تعالى " ِإنَّ قُ ْرآنَ ا ْل َف ْج ِر َكانَ َم ْ
ش ُهودً ا".
4
ال َّشهَادَة اصطالحا ً:
ِي
ضاء) ه َ َأن يخبر بِ َما رأى َوَأن يقر بِ َما علم ومجموع َما ْيدرك بالحس َوال َّش َها َدة ْال َب ِّي َنة( ،فِي ْال َق َ
الظاه َِرة م َُقابل َعالم ْال َغيْب َوفِي الش َها َدة َعالم األكوان َّ الش هُود َأ َمام ِج َهة قضائية ،وعالم َّ َأ ْق َوال ُّ
5
ال َّت ْن ِزيل ْال َع ِزيز { َو َس ُت َردُّونَ إلى َعال ِِم ا ْل َغ ْي ِب َوال َّش َها َد ِة}.
عرّ فها الشافعية بأنها "إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد".
مشروعية ال َّشهادة:
الشهادة مشروعة بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ،وإجماع األمة أما القرآن الكريم،
8ن َي ْك8ُ 8ت ْ8م َ8هاَ 8فِ8إ َّ8ن ُه 8آثِ8ٌ 8م َق ْلُ 8ب8ُ 8ه" ،أما اإلجماع ،فهو منعقد على فيقول هللا عز وجل " َو8اَل َت ْكُ 8تُ 8م8و8ا ا8ل َّ
شَ 8ه8ا َ8د َة8َ 8و َم ْ8
مشروعية الشهادة ،واستحبابها ،ولم يخالف بذلك أحد من ال8عل8ما8ء 8،أم8ا ا8لسن8ة ال8نبو8ية ا8لش8ريف8ة 8،فما 8رو8اه8
اإل8م8ام 8م8سل8م – 8رض8ي 8هللا 8عن8ه 8-ع8ن ا8أل8شع8ث 8بن 8قيس 8-رضي 8هللا 8عنه 8-قال 8:8ك8ان 8بين8ي وبي8ن رج8ل خص8ومة 8في8
6بئر 8فاختص8منا 8إل8ى رس8ول 8هللا - 8ص8لى هللا 8عل8يه و8سل8م - 8فقا8ل(8( 8:ش8اه8دا8ك 8أو 8يمي8نه))8
2
-1فصل الخصومات والمنازعات بين الناس ،عند تعذر إقامة الحجة الموجبـة للعلـم في كـل
- 2يدفع هللا عن الناس بها وبالشهود إراقة الدماء ،وانتهاك األعراض ،فالشهود حجة اإلمـام،
ت ض لَّ َف َ
س َد ِ ض ُهم ِب َب ْع ٍ وبقولهم تنفذ األحكام ،وبهم قوام العالم في الدنيا؛ لقول اهللا "َ 8ولَ ْواَل دَ ْف ُع هَّللا ِ ال َّن َ
اس َب ْع َ
ض َو ٰلَكِنَّ هَّللا َ ُذو َف ْ
ض ٍل َعلَى ا ْل َعالَمِين" اَأْل ْر ُ
وبوجه عام ،الحكمة من تشريع الشهادة صيانة الحقوق ،وإثباتها ،فلو لم تشرع الشهادة ألمكن أن
يضيع كثير من الحقوق ،ويتعذر إثباتها ألصحابها .1
أركان الشهادة
اختلف العلماء في ركن الشهادة إلى قولين:
2
( ١القول األول :ذهب الحنفية إلى أن ركن الشهادة الصيغة فقط.
( ٢القول الثاني :ذهب الشافعية إلى أن أركان الشهادة خمسة وهي :شاهد ،ومشهود له ،ومشهود
عليه ،ومشهود به ،وصيغة .وحسب أدلة جمهور العلماء ال نجد فيها نصا ً صريحا ً يستوجب
االقتصار على لفظ (أشهد) عند تأدية الشاهد لشهادته أمام القاضي ،فأدلتهم تأمر بأداء الشهادة
3
ولكنها ال تفيد وجوب أدائها بلفظ أشهد.
4
شروط الشاهد
اإلسالم :اشترط جمهور العلماء إسالم الشاهد ،وخالف الحنابلة والظاهرية في الشهادة في -1
السفر على الوصية وقالواُ :تقبل 5شهادة الكافر على المسلم في السفر لقوله تعالى في سورة
1ص - 211كتاب الفقه المنهجي على مذهب اإلمام الشافعي -الشهادات -المكتبة الشاملة الحديثة ،وجدت الكترونية من خالل هذا الرابط
https://al-maktaba.org/book/32558/1716#p12
3
ان َذ َوا َعدْ ٍل ِّمن ُك ْم َأ ْو
ض َر َأ َح َد ُك ُم ا ْل َم ْوتُ حِينَ ا ْل َوصِ َّي ِة ا ْث َن ِ المائدة " َيا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا َ
ش َها َدةُ َب ْينِ ُك ْم ِإ َذا َح َ
ان مِنْ َغ ْي ِر ُك ْم" . َ
آخ َر ِ
البلوغ :اشترط جمهور العلماء البلوغ في أداء الشهادة لقول اهللا تعالى في سورة البقرة "و استشهدوا -2
شهيدين من رجالكم " فالصبي ليس من الرجال ألن الصبي ال يقبل إقراره على نفسه فشهادته على غيره
باألولى.
-العقل :اتفق جمهور العلماء على أن غير العاقل ال تقبل شهادته وليست له شهادة أصالً .فال تصح -3
شهادة غير العاقل إجماعاً ،ألنه ال يعرف الشهادة 8،فكيف يقدر على أدائها ،وألنه ال يأثم بكذبه وال يتحرز
منه.
-النطق :ذهب جمهور العلماء إلى أن شهادة األخرس ال ُتقبل مستدلين بأن األخرس ال شهادة له ،ذلك بأن لفظة -4
الشهادة شرط لصحة أدائها وال عبارة لألخرس أصالً فال شهادة له.
البصر :ذهب اإلمام أبي حنيفة ومحمد إلى عدم قبول شهادة األعمى مطلقا ً وحجتهم في ذلك أنه البد من -5
معرفة المشهود له ،واإلشارة إليه عند الشهادة فإذا كان أعمى عند التحمل ال يعرف المشهود له من
غيره فال يقدر على أداء الشهادة.
أال يكون محدوداً في قذف :ومن شروط األداء التي تعود إلى الشاهد أال يكون محدوداً في قذف لقوله -6
ت لُ ِع ُنوا فِي ال ُّد ْن َيا َواآْل خ َِر ِة َولَ ُه ْم َع َذ ٌ
اب َعظِ ي ٌم".. ت ا ْل ُمْؤ ِم َنا ِ
ت ا ْل َغافِاَل ِ تعالى " ِإنَّ الَّذِينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُم ْح َ
ص َنا ِ
الضبط وحسن السماع :فال تقبل شهادة المغفل وال المعروف بكثرة الغلط والسهو ألنه ال تحصل الثقة -7
1
بقوله وال يغلب على الظن صدقه.
العدل :هو ما اجتنب الكبائر ،ولم يصر على الصغائر ،وغلب صوابه ،واجتنب األفعال الخسيسة كاألكل8 -8
في الطريق العام والبول ونحو ذلك وشرط الشاهد أن يكون عدالً لقول اهللا تعالى و أشهدوا ذوي عدل
منكم" ،والعدالة شرط لقبول الشهادة عند جمهور العلماء8.
https://mksq.journals.ekb.eg/article_7752_b4bbfc33a0a06287990086043f6fc493.pdf
4
وجود الرجال معهن ،وفي أي الحاالت ممكن َقبول شهادتهن وحدهن ،وهل يشترط
العدد ،أم تجـيز امرأة واحدة في ذلك1؟ إلجابة هذه األسئلة تم اعداد البحث.
قُ ّس مت الحاالت التي يجوز القضاء فيها بشهادة النساء ،إلى أربعة أقسام وهي على
النحو التالي:
رجل. وهي أن يؤدي الشهادة في محضر القاضي عدد من النساء ليس معهن
اتفق الفقهاء على ثبوت الدعوى أمام القضاء ،فيما ال يطلع عليه الرجـال ،كـالحيض والوالدة
والبكارة والثيوبة ،وما يخفى على الرجال من عيـوب النـساء ،بـشهادة النـساء وحدهن ،وقال
الرسول عليه السالم "شهادة النساء جائزة فيما ال يستطيع الرجال النظر إليه" ، 2وقد عل ّل الفقهاء
َقبول شهادة النساء منفردات فيما ال يطلع عليه الرجال بما يلي :
"حديث غريب رواه ابن أبي شيبة" ،من كتاب شهادة النساء د .علي أبو البصل ،ص155
5
-1أن الرجال ال يباشرون األمور الخاصة بالنساء في الغالب ،وألنهم ال يطلعون عليها ،ذهب إلى
هذا القول الحنفية.
-2عدم حضور الرجال لمثل هذه األمور الخاصة بالنساء ،هـذا مـا ذهـب إليـه الـشافعية والمالكية،
ما روي عن الزهري أنه قال" :مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما ال يطلع عليـه غيرهن ،من
والدات النساء وعيوبهن".
إن األمور الخاصة بالنساء ال يحضرها الرجال غالبا ،وال يطلعون عليها في العادة ،فكان ال بد من
ثبوت هذه األحكام ،فوجب َقبول شهادة النساء على االنفراد؛ للـضرورة تحـصيالً للمصلحة؛ ألن
الحُجة إلثبات الحقوق مشروعة بحسب اإلمكان ،فلو لم تقبل شهادة النـساء في هذه األحوال لضاع
كثير من الحقوق ،وكما أن نظر الجنس إلى جنسه أخف ،فسقطت الذكورة في هذه الحاالت؛ ليخف
النظر منهم إلى عورات النساء ،لذلك تقبل فيه شهادتهن منفردات ،ألنها أشياء تراها بعينها ،أو
تلمسها بيدها ،أو تسمعها بأذنها ،من غير توقف على عقل ،كالوالدة واالستهالل واالرضاع
والحيض وغيرها ،فإن مثل هـذا ال ينسى في العادة ،وال تحتاج معرفته إلى إعمال عقل؛ لذلك تقبل
شهادة النساء وحدهن.
الرأي الراجح 1:بعد عرض كل األدلة التي درات مناقشتها بين المذاهب األربعة ،فإن مـا ذهـب إلیـه
أصــحاب الــرأي األول القائــل :بجــواز قبــول شــهادة النــساء فــي كــل مــاال یطلــع علیــه
الرجــال مطلقاً ،سـواء كـان فـي :الرضـاعة ،أو االسـتهالل ،أو الـوالدة ،هـو األولـى بـالقبول؛ ألن
قبـول شـهادتهن علـى انفـراد تقـرر بأصـل الـشرع للـضرورة ،والـضرورة داعیة لقبول شهادتهن
فیها؛ ألن االستهالل والرضاع یقع دوما ً أمام أعینهن وسمعهن ،فكانـت درایتهن بحدوثهما أكیدة،
لهذا كانت الحاجة ماسة لقبول شهادتهن ,باإلضــافة إلــى أن األحنــاف أنفــسهم لــم یتفقــوا علــى
رأي واحــد فــي هــذه المــسألة ،فجــاء الخـالف فیهـا بـین الـصاحبین-أبـي یوسـف ومحمـد -وأبـي
حنیفة ،وهـذا یؤكـد مـا ذهبنـا إلیـه مـن قبول شهادتهن في االستهالل والرضاع ،واهللا أعلم.
الرَّ ضاع :شهادة النساء منفردات في الرضاع جائزة ،وتقع الفرقة بين الزوجين على إثـر ب-
شهادة النساء باإلرضاع ،واستدل اإلمام الشافعي لذلك بحديث عقبة بن الحارث ،حيث
شهدت امرأة واحدة أن عقبة وزوجته أخوين في الرضاع ،2ف َك ِره النبي لعقبة االستمرار
بعقد النكـاح بقولهـا ،وذلك ورعا ال حكماً ،كما قال اإلمام الشافعي-رحمه اهللا ،-ويستنبط من
د .محمد زيدان زيدان "اإلثبات بشهادة النساء منفردات " ص 80مجلة جامعة األزهر ,غزة ,مجلة العلوم االنسانية 1
6
الحديث أنه تجب على الرجل المفارقة .ولكن هناك رأي اخر :أن الرضاع مما يجوز أن
يطلع عليه الرجال من ذوي األرحام ،فال ضرورة ل َقبـول شـهادة النساء فيه على االنفراد؛
ألن َقبول شهادتهن بانفرادهن في أصول الشرع للضرورة ،وهي عـدم اطالع الرجال على
المشهود به ،فإذا جاز االطالع عليه من قبل الرجال ،لم تتحقق الضرورة ،بخالف الوالدة
التي ال يجوز ألحد فيها من الرجال ان يطلع عليها فدعت الضرورة للقبول بشهاداتهن
وحدهن.1
االستهالل :يقال :استهل الصبي بالبكاء :أي رفع صوته وصاح عند الوالدة ،فاالستهـالل هو ت-
الشيء الذي يُعلم به حياة الولد عند والدتـه كصوتـه وحركتـه وأمثالهما ،لكن إذا ا ّدعت
المرأة التي مات ولدها أثناء الوضع :أن ولدها وُ ضِ َع حيا ً حتى أنه بكى ،فطلبت حصة من
حصته الموروثة عن أبيه المتوفى ،فال تجوز شهادة النساء منفردات ،ال يقبل في ذلـك أقل
من رجلين أو رجل وامرأتين.
والطرد من الخير ،واللِّعان والمالعنة :اللَّعن بين َّ شهادات اللعان :اللَّعن في اللغة :اإلبعاد ث-
اثنين فصاعدا واللِّعان في االصطالح :هو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف
الرجل زوجه بالزنـا وال شهود لديه ،فيقسم أربع مرات باهلل إنه صادق في قذفه لها،
والخامسة أن لعنة هللا عليه إن كـان من الكاذبين .وإذا أرادت أن تبرئ نفسها ،وترد عنها
والحد أقسمت أربع مرات باهلل أنه كاذب ،والخامسة أن غضب اهللا عليها إن كان من َ التهمة
َ هَّللا
ض َب ِ َعل ْيها َ َأ َ
ِسة نَّ غ َ َ ْ َ ْ َ ُ َّ هَّلل
ت ِبا ِ ِإنه لمِنَ الكاذِبِينَ َوالخام َ َ َأ ْ َ َأ
الصادقين ،لقوله تعالى " نْ تش َه َد ْر َب َع ش َها َدا ٍ
ِإنْ َكانَ مِنَ ال َّ
صا ِدقِينَ ".2
كانت هناك قوانين قديمـة في بعـض مقاطعات الهند تمنع النساء من دخول ساحة المحكمة ،وتكتفي
بأن توقفهن على عتبة الجلسة ألداء الشهادة .ومنها من لم تقبل النساء أصالً للشهادة .أما قانون مانو
" 3"Manouفقد كان يكتفي بشهادة رجل واحد ويفضلها على أي شهادة ألي عدد كان من النساء
مهما كن فاضالت .بينما طرحت القوانين الحديثة جانبا ً هذه التقاليد القديمة ،وسوت بين الرجل
والمرأة في قيمة الشهادة كمبدأ عام تاركة للقاضي حرية َقبول الشهادة وردها.
لكن اتفق الفقهاء المسلمين على جواز شهادة النساء مع الرجال ،عمال بقوله سبحانه وتعالى "
شهَدَ اءِ َأنْ َتضِ ل َّ ِإ ْح َدا ُه َما َف ُت َذك َر
ِّ ض ْونَ مِنَ ال ُّ ام َرَأ َت ِ
ان ِممَّنْ َت ْر َ ش ِهيدَ ْي ِن مِنْ ِر َجالِ ُك ْم َفِإنْ لَ ْم َي ُكو َنا َر ُجلَ ْي ِن َف َر ُجل ٌ َو ْ
ش ِهدُوا َ
اس َت ْ
َو ْ
ِإ ْحدَ ا ُه َما اُأْل ْخ َرى" ،ولكنهم اختلفوا في تحديد الحقوق التي تثبت بشهادة النساء مع الرجال ،من حيث
شهادة النساء في الحدود والقصاص ،وشهادتهن في الحقوق المدنية .
1د .محمد زيدان زيدان "اإلثبات بشهادة النساء منفردات " ص ,71مجلة جامعة األزهر ,غزة ,مجلة العلوم االنسانية
2سورة النور ,اية 6
3هو العقيدة الدينية للهنود القدماء ،وضع في القرن الثالث عشر قبل الميالد ،إلرشاد فئة البراهمة في السلوك اإلنـساني ،مـن حياتهم إلى مماتهم وهو عبارة
عن أبيات شعرية بلغت ( 2685بيتاً) ،تتعلق بأمور الدين واألخالق واالقتصاد .لم يهـدف إلى تحقيق المساواة ،بل قسّم المجتمع إلى أربع طبقات ،طبقة
البراهمة (الكهنة) وطبقة المحاربين وطبقة الزراع والتجار وطبقة العمال .قانون مانو ،جوريسبيديا ،موسوعة القانون المشارك، .،
https://ar.jurispedia.org/index.php?title
7
شهادة النساء في الحدود 1والقصاص 2وفيه قولين
القول األول :قال بعدم قبول شهادة النساء في الحدود والقصاص ،وهذا القول لجمهور الفقهاء من
الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ،وجاء في المدونة" أرأيت شهادة رجل وامرأتين أتجوز
على شهادة رجل في القصاص قال ال تجوز شهادة النساء في الحدود وال في القصاص" ،3وأيضا
اجلِدُو ُه ْم َث َمانِينَ َج ْلدَ ًة َواَل َت ْق َبلُوا لَ ُه ْم َ
ش َهادَ ًة ت ُث َّم لَ ْم َيْأ ُتوا ِبَأ ْر َب َع ِة ُ
ش َه َدا َء َف ْ قوله تعالى " َوالَّذِينَ َي ْر ُمونَ ا ْل ُم ْح َ
ص َنا ِ
َأ َب ًدا ۚ وأولئك ُه ُم ا ْل َفاسِ قُونَ " ، 4وجه الداللة هنا تنصيص الحق سبحانه وتعالى على عدم ثبوت الزنا إال ً
بشهادة أربعة شهداء ،كما أن داللة اللغة تدل على مخالفة العدد المعدود تذكيرا وتأنيث ، ،فهذا يدل
على اعتبار المذكر في هذه الشهادة دون المؤنث ولو كانت شهادة النساء مقبولة لكان النص (بأربع
5
شهداء).
القول الثاني :قالوا بجواز شهادة النساء في كل الحقوق على اإلطالق سواء مع الرجال أم منفردات
وهذا القول للظاهرية ،وقال ابن حزم " وال يجوز أن يقبل في الزنى أقل من أربعة رجال عدول
مسلمين ،أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان ،فيكون ذلك ثالثة رجال وامرأتين ،أو رجلين
وأربع نسوة ،أو رجال واحدا وست نسوة ،أو ثمان نسوة فقط" .
القول الثاني :شهادة النساء في المال وما يقصد به المال ،ال خالف بين الفقهاء على قبول شهادة
النساء في المال كالبيع ،واإلقالة ،والحوالة ،والضمان ،والرهن ،بوجود رجل وامرأتين.
شهادة ال ُخنثى
وتخنث أي ت َثنى وت َكسر ،واالنخ ُ
ِناث :التثني والت َكسر. َ ال ُخنثى في اللغة :يقال :خ َ
ِنث
اصطالحً ا :هو من له ذكر الرجال وفرج النساء .وسمي بال ُخنثى؛ ألن حاله تنقص عن حـال
الرجال ،ويفوق حال النساء.
الحدود هي عقوبة مقدرة شرعها هللا لحماية االنسان واألموال واألعراض ،ومقاديرها محددة من هللا وال يمكن تغييرها . 1
القصاص ان يعاقب الجاني بمثل فعله بالمجني عليه فيقتل كما قتل ويجرح كما جرح وهي عقوبة مقدرة ال يمكن تغييرها. 2
3
التفريع في فقه اإلمام مالك بن انس 2-1ج ، 2انظر الرابط ?https://books.google.ps/books
id=JV9wDwAAQBAJ&pg=PT242&lpg=PT242&dq
4سورة النور ،اية 4
5شهادة النساء في الفقه اإلسالمي للدكتور علي أبو البصل صفحة 150
6شهادة النساء في الفقه اإلسالمي للدكتور علي أبو البصل صفحة 153
8
وال ُخنثى على قسمين مشكل وواضح ،فمن له اآللتان إن ظهرت فيه عالمات الرجـال حكم
بذكوريته ،وإن ظهرت فيه عالمات النساء حكم بأنوثته ،ويسمى من ظهرت فيه إحدى العالمتين
واضحا ،وإن وجدت فيه العالمات واستوت فيه فهو مشكل.
ويقع اإلشكال في األحكام الشرعية الواجبة له وعليه ،والذي نحن بصدده من األحكام الخاصة
بال ُخنثى ،الشهادة ،هل تقبل شهادته في جميع المواضع ملحقا بالرجال ،أم يلحق بالنـساء فتقبل
شهادته في بعض المواضع دون بعض.
اتفق العلماء أن األصل في شهادة ال ُخنثى المشكل الجواز؛ ألنه رجل أو امرأة ،وشـهادة الجنسين
جائزة بالنص ،وذلك إذا شهد مع رجل وامرأة ،فلو شهد مع رجل واحـد أو امـرأة واحدة ال تقبل إال
إذا زال اإلشكال بظهور ما يحكم به بأنه رجل أو امرأة ،فقد أخذ العلمـاء باألحوط في هذه المسألة،
ويتجلى وجه ذلك أن ال تقبل شهادة ال ُخنثى المشكل إال في األمـوال ،وحكمه في الشهادة في هذا
الموضع حكم المرأة.
الخاتمة "النتائج"
فـي ختـام هـذا البحـث ،أود أن أوضح أهـم النتـائج التـي تم التوصل مـن خاللـه علـى النحو التالي:
- ١إن الشهادة هي :إحدى وسائل اإلثبـات المعتمـد علیهـا فـي إثبـات الحقـوق ،وأنهـا تراجعـت
منزلتها أمام الكتابة ،التي یعول علیها اآلن فـي وسـائل اإلثبـات؛ ذلـك لتـشعب المعـامالت المالیـة،
والحاجـة ماســة لكتابتهـا ،ولخــراب الـذمم وكثــرة شـهود الــزور ،وغیـاب الــضمیر ،والوازع
الدیني.
- ٢مـن البحـث تبـین اتفـاق الفقهـاء علـى مـشروعیة شـهادة النـساء دون الرجـال فیمـا ال یطلـع
علیه الرجال.
- ٣تبـین أیـضا ً االخـتالف بـین الفقهـاء فـي العـدد الـذي یقبـل فیـه شـهادة النـساء دون الرجـال ،وقد
ُر ِج َح الرأي القائل :بأن العدد الذي یقبل به شـهادة النـساء وحـدهن هـو :امرأتـان ،ما عدا الرضاع
فإنه ي ُكتفى بشهادة امرأة واحدة؛ لقیام الدلیل الشرعي على ذلك.
- ٤شـــهادة النـــساء ال رجـــل معهـــن فیمـــا ال یطلـــع علیـــه الرجـــال جـــائزة مـــشروعة ،إال
فـــي االستهالل والرضاع ،كما ذهب إلیه الحنفیة ،وقد ُر ِج َح مـا ذهـب إلیـه الجمهـور مـن قبول
شهادتهن فـي كـل مـاال یطلـع علیـه الرجـال ،یـستوي أن یكـون ذلـك فـي :االسـتهالل ،أو الرضاع،
أو غیره من :والدة ،وعیوب النساء تحت الثياب.
9
10
11
12
13
14
15
16
17