Professional Documents
Culture Documents
الـ ـغ ـ ـالف
1
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
كثريا طيبًا مبارًكا فيه كما جيب ربنا ويرضى ،وأشهد أن ال إله إال
احلمد هلل رب العاملني مح ًدا ً
هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن حمم ًدا عبده ورسوله ،صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه
تسليما كثريا ،أما بعد:
ً وسلم
حتدثنا يف الدرس السابق عما يتعلق ابالستنجاء ،وقبل ذلك بفروض الوضوء الستة ،وقد ذكر
املاتن -رمحه هللا -عدة مسائل فيما يتعلق ابالستنجاء .مث قال بعد ذلك :والذي يـنـقض
الوضوء ستة أشياء ،هنا انتقل -رمحه هللا -بعد أن ذكر فروض الوضوء -انتقل إىل ذكر
النواقض ،واملناسبة ظاهرة فيما سبق ذكره من الفروض قد تطرأ عليها بعض النواقض ،فناسب
أن يذكر بعد ذلك هذه النواقض ،ونواقض الوضوء هي مبطالت الوضوء ،والنقض :هو إزالة
الشيء من أصله ،يقال نقض الشيء :إذ أزاله من أصله ،وهذا ما ينزل على املعىن االصطالحي
يف إعادة الوضوء ملن حصل منه انقض.
مث قال -رمحه هللا :-ما خرج من السبيلني ،هذا أول النواقض؛ أي ما خرج من القبل أو
الدبر ،وسواءً كان هذا اخلارج من السبيلني عينًا كالغائط أو البول ،أو كان ريًا من فساء أو
ضراط أو حنو ذلك ،وكذلك ما يكون من خروج دم أو حصا ،ودليل أن ما خرج من السبيلني
انقض قوله -جل وعال﴿ :-أو جاء أح ٌد منكم من الغائط أو المستم النساء﴾ [النساء:
ٌ
،]43إ ًذا ﴿أو جاء أح ٌد منكم من الغائط﴾ أي ما خرج من السبيلني.
2
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
ولما جاء يف احلديث قوله -صلى هللا عليه وسلم(( :-ال يـقبل اَّلل صالة أحدكم إذا أحدث
أكبا؛ كان
أصغرا أم ً
دليل على أن اإلحداث سواءً كان هذا احلدث ً
حَّت يـتـوضأ)) إذاً هذا ٌ
انقض من نواقض الوضوء فال بد من الوضوء ،فقال :ما خرج من السبيلني .قال :والنوم على
انقض أو هو مظنة
ٌ انقض من نواقض الوضوء ،وهل هو بنفسه
ٌ غري هيئة املتمكن ،النوم
النقض؟ على خالف بني أهل العلم ،بعض أهل العلم ولعله األظهر :أنه مظنةٌ لنقض الوضوء،
ألن اإلنسان ال يشعر فرمبا خرج منه شيءٌ وهو يف نومه ،فما هو املتمكن؟ قال املاتن -رمحه
جالسا ملتص ًقا ابألرض على إليتيه،
هللا :-والنوم على غري هيئة املتمكن ،املتمكن من كان ً
أما من كان هناك جتاف بني مقعدته وبني األرض؛ فقيل هذا غري متمكن .وما الدليل على أن
النوم ينقض الوضوء؟ قوله -صلى هللا عليه وسلم(( :-وكاء السه عيـنان ،فمن انم فـليـتـوضأ)).
طيب ،املتمكن! ما الدليل على أن املتمكن من جلسته وإن حصل منه شيءٌ من النوم أنه ال
ينقض الوضوء؟ ملا جاء يف احلديث" :كان أصحاب رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يـنامون
مث يصلون وال يتوضؤون" ،ويف رواية؛ "حَّت ختفق رؤوسهم أو رؤوسهم" ،إذًا املقصود هبذا :هو
النوم الذي يشعر معه اإلنسان مبا حوله ،وليس النوم الذي يفقد اإلنسان شعوره ،ورمبا أحدث
وهو ال يدري ،وعلى هذا فهنا عدة حاالت:
-أما جمرد وجود النعاس سواء القليل أو الكثري فإنه ال ينقض الوضوء ،ولو كان هذا سبب
يف إخفاق الرأس ،أي أن رأسه رمبا تدال عليه من شدة نعاسه.
انقض للوضوء ،بيث أنه ال يشعر
نوما مستغرقًا -استغرق يف نومه فهذا ٌ
-أما النوم فإن كان ً
مبا حوله.
-وأما إن مل يكن مستغرقًا يف نومه ،حصل له من شدة النعاس شيءٌ من الغفوة؛ ولكنه يشعر
مبا حوله ،ويسمع كالمهم؛ فهذا ليس بناقض.
3
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
وعلى كل حال ،فأهل العلم ضبطوا ذلك يف :قضية الشعور وعدم الشعور ،وبعض أهل العلم
قالوا" :بقضية التمكن إذا كان متمكنًا يف جلسته" ،ألن النائم ال ميكن أن يكون متمكنًا يف
يسارا أو ميينًا ،وعلى كل حال ،فلعل الظاهر يف ذلك :أن ما كان من شعور
جلسته رمبا مييل ً
مع هذا النائم وإدراك ملا حوله؛ فهذا ال ينقض الوضوء -وهللا أعلم.-
قال بعد ذلك :وزوال العقل بسكر أو مرض ،زوال العقل بسكر ألن من يصل منه شرب
اخلمر ،أو شرب غريها من املسكرات؛ فهذا يؤدي إىل زوال عقله ،وزوال العقل مظنة خروج
شيء ال يشعر به ،قال :وزوال العقل بسكر أو مرض ،كذلك من يصل له مثل :اإلغماء ،أو
مرض يفقد معه الشعور ،أو اجلنون مثالً ،فهذا كذلك من نواقض الوضوء ألن زوال العقل
مظنة خلروج احلدث من غري شعور .وعلى كل حال :ما ضابط هذا املرض؟ ضابطه :ما يزول
انقض للوضوء.
به العقل سواءً كان من إسكار ،أو مرض ،أو جنون ،أو حنو ذلك فإنه ٌ
هناك تفصيالت يف هذه املسألة ،لكن كما أخبتكم يف أول الدروس أننا منر على شرح عبارة
املاتن -رمحه هللا ،-واالقتصار عليها قدر املستطاع.
قال بعد ذلك وهو يذكر النواقض :وملس الرجل املرأة األجنبية من غري حائل ،أن يلمس
الرجل املرأة األجنبية من غري حائل ،إ ًذا ما يلمسه الرجل على قسمني:
.1أكان من حمارمه :أن يصافحها ،أو ميسك يدها ،أو حنو ذلك كأمه ،أو ابنته ،أو أخته،
أو زوجه أو حنو ذلك ،فهذا ال حرج فيه.
.2قال :وملس الرجل املرأة األجنبية من غري حائل :ومفهوم كالم املاتن أنه :إن ملسها
بائل -أي املرأة األجنبية عنه -فال حرج يف ذلك! والصواب :أن اللمس للمرأة
ابتداءً يف حكمه أنه ال جيوز ،سواءً بائل أو بغري حائل.
فالنيب -صلى هللا عليه وسلم -كان ال يصافح النساء ،قد جاء يف احلديث أنه -عليه الصالة
4
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
والسالم-كان يبايع النساء ابلكالم ،وال يصافح ،قال(( :أما أان فال أصافح النساء)) ،حَّت
يف أمر البيعة! البيعة املهمة ،فكان -عليه الصالة والسالم -ال يصافح النساء ،وهو رسول
هللا -صلى هللا عليه وسلم!-
حديث لكنه ال يصح،
ٌ أما يف مسألة أن ملس النساء املرأة األجنبية بائل؛ فإن هذا ورد فيه
وهو" :أن النيب -صلى هللا عليه وسلم -كان يصافح من وراء حائل" ،وهذا احلديث ال يصح.
طيب اآلن نعود إىل مسألة الباب :ملس الرجل املرأة األجنبية ،ما املراد ابللمس؟ وما الدليل
عليه؟ قال :وأما الدليل فقول هللا -جل وعال﴿ :-أو المستم النساء﴾ [النساء ،]43:قالوا:
"فعطف اللمس على اجمليء من الغائط ،ورتب عليها األمر ابلتيمم عند فقد املاء فدل على
أن اللمس انقض من نواقض الوضوء" ،طيب ما املراد ابللمس؟ ﴿أو المستم النساء﴾؟
خالف بني أهل العلم ،والصواب الذي عليه مجهور أهل العلم ،وهو قول ابن
ٌ يف املسألة
عباس وغريه" :أن املراد بذلك اجلماع"﴿ ،أو المستم النساء﴾ أي أو جامعتم النساء ،ما
الدليل على أن الرجل إذا ملس امرأته جاز له أن يصلي من غري إعادة الوضوء؟ ما جاء يف
احلديث؛ "أن النيب -صلى هللا عليه وسلم -كان يتوضأ مث يـقبل مث يصلي وال يتـوضأ" ،وجاء
يف رواية" :قـبل بعض نسائه مث خرج إىل صالته ومل يتوضأ" ،إذن هذا يدل على أن ملس املرأة
اللمس العادي هذا ال حرج فيه ،وال هو بناقض للوضوء.
طيب ،إذن ملس املرأة بدون مجاع ال ينقض الوضوء ،سواءً ملسها بشهوة أو بغري شهوة ،ونعن
طبعا زوجه ،ألنه ال جيوز لإلنسان أن ميس غري زوجه أو غري حمارمه ،وال جيوز له أن ميس غري
ً
زوجه بشهوة .فعلى كل حال احلكم يف هذه املسألة:
أن من مس امرأة بدون مجاع؛ فإن هذا ال ينقض الوضوء ،سواءً مسها بشهوة أو مسها بغري
5
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
شهوة ،سواءً كانت الزوجة أو كانت غريها ابلنسبة للوضوء ال ينقض الوضوء ،وأن املراد
ابآلية﴿ :أو المستم النساء﴾ أي اجلماع ،هذا على القول الراجح.
قال بعد ذلك :ومس فرج اآلدمي بباطن الكف ،مس فرج اآلدمي يعن سواءً مس الرجل
ذكره أو لغريه ،وقد جاء يف احلديث(( :إذا أفضى أحدكم بيده إىل فـرجه فـليـتـوضأ)) ،حديث
عند النسائي وهو صحيح(( ،إذا أفضى أحدكم بيده إىل فـرجه فـليـتـوضأ)) ،سواء كان فرج
نفسه ،أو فرج غريه ،قال هنا :ببطن الكف ،طيب ما الدليل على أن املس هو فقط ببطن
الكف؟ أما لو مس بظاهر كفه فإنه ال ينقض الوضوء؟ قالوا :ألن عبارة ((إذا أفضى)) ،قالوا:
واإلفضاء هو املس بباطن الكف ،وقال بعض أهل العلم" :ال فرق بني األمرين" ،وإمنا ذكر ما
يف احلديث ألنه الغالب أن اإلنسان ميس الشيء بباطن كفه ،وال ميس الشيء بظهره .وعلى
كل حال فاألحوط يف ذلك الوضوء ،إذا مس فرجه بظاهر كفه فاألحوط يف ذلك الوضوء.
وقوله هنا :ومس فرج اآلدمي ،وهذا دليل على أنه خمتص مبا يتعلق بفرج اآلدمي ،أما لو مس
فرج حيوان فإنه ال ينقض الوضوء ،وقد ذكر بعضهم اإلمجاع على ذلك ،إذن ما يتعلق مبس
كبريا ،أو غري ذلك.
صغريا ،أو ً
ً خمتصا ابآلدمي سواءً كان رجالً ،أو امرأةً ،أو
الفرج يكون ً
فقال :ومس فرج اآلدمي بباطن الكف ،طيب هنا مسألة:
سهوا ،أو كان عم ًدا؛ فإنه ينقض الوضوء لعموم احلديث ،وأما كون
هذا املس سواءً كان ً
اإلنسان ميس هذا الفرج بائل؛ فإن هذا ال ينقض الوضوء على الصحيح.
قال بعد ذلك :ومس حلقة دبره على اجلديد ،حلقة الدبر ملاذا تنقض الوضوء أو ما دليلها؟
قياسا على القبل ،واملقصود ابحللقة :ملتقى املنفذ الذي خيرج منه الغائط ،أما ما كان
قالواً :
فوق ذلك فإنه ال ينقض الوضوء.
طيب قال هنا :على اجلديد؛ يعن على مذهب الشافعية اجلديد ،واملذهب اجلديد هو املعتمد،
6
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
وهو الذي كان يف مصر ،وهو املشهور عند الشافعية ،ألن القدمي يف املذهب يف هذه املسألة
أنه ال ينقض مس حلقة الدبر ال تنقض الوضوء ،وعلى كل حال فالقياس يف ذلك صحيح،
يعن أن يقاس على القبل .هذه بعض النواقض اليت ذكرها املصنف -رمحه هللا.-
ضا :أكل حلم اإلبل ،هذا على الصحيح ،وهو وجهٌ يف مذهب الشافعية وإن
ومن النواقض أي ً
كان القول املعتمد عندهم عدم النقض ،ودليل النقض قوله -صلى هللا عليه وسلم -حينما
سئل" :أنتوضأ من حلم اإلبل؟ قال(( :نـعم)).
طيب هنا مسألة :وهي من شك يف الناقض أنه حصل له انتقاض الوضوء ،شك ومل يتيقن؛
(فإن اليقني ال يزول ابلشك ،والشك ال يذهب اليقني) ،ودليل ذلك قوله -صلى هللا عليه
وسلم -ملن شك يف طهارته قال(( :فال خيرجن من املسجد حَّت يسمع صوًًت أو جيد ريًا))،
طيب والقاعدة املشهورة( :أن اليقني ال يزول ابلشك) ،فإذا كان اإلنسان قد تطهر مث شك
يف نقض الوضوء؛ فإنه ال يعتب هبذا الشك ،كذلك لو أن اإلنسان مل يكن متوضأً مث شك هل
توضأ؟ أو مل يتوضأ؟ فالصواب أنه :مل يتوضأ.
صل) ،والذي يوجب الغسل ستة أشياء ،هنا بعد أن انتقل إىل مسألة نواقض
قال بعد ذلك( :ف ٌ
الوضوء ،انتقل إىل قضية الطهارة من احلدث األكب ،فقال :والذي يوجب الغسل ،االغتسال،
الغسل هو :جراين املاء على الشيء ،يف االصطالح :هو جراين املاء على البدن بنية
خمصوصة ،وهذه النية هنا :هي رفع احلدث األكب يف بعض مسائل الغسل.
قال :والذي يوجب الغسل ستة أشياء ،ثالثةٌ تشتك فيها الرجال والنساء ،ثالثة أمور يشتك
فيها الرجال والنساء ،قال :وهي التقاء اخلتانني ،هذا األمر األول؛ التقاء اخلتانني ،ملاذا مسي
فرج املرأة وفرج الرجل ابخلتانني؟
ألن فرج الرجل أو الذي ذكره خينت ،وكذلك املرأة قد ختنت ،وهذه على كل حال سنة يف حق
7
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
واجب يف حق الرجال ،والرجل خينت إبذهاب القلفة ،وهي القطعة الزائدة فوق
ٌ املرأة ،وهي
ذكره .قال :التقاء اخلتانني ،ما الدليل على تسمية اخلتانني؟ قوله -صلى هللا عليه وسلم:-
((إذا التـقى اخلتاانن وجب الغسل)) ،املراد ابلتقاء اخلتانني :إيالج شيء من الذكر يف فرج
املرأة ،هذا يلزم منه االغتسال ،والدليل على هذا من القرآن قول هللا -جل وعال﴿ :-وإن
ضا دل على هذا قوله -صلى هللا عليه
كنتم جنـبًا فاطهروا﴾ [املائدة ،]6:هذه اجلنابة .أي ً
وسلم -كما جاء يف احلديث ،قال(( :مث جهدها فـقد وجب الغسل)) جهدها يعن :أوجل فيها،
ويف مسلم(( :وإن مل يـنزل)).
إذًا هنا عندان عدة مسائل:
املسألة األوىل :إذا ابشرها دون إيالج فأنزل (هو) فعليه الغسل ،ومل تنزل (هي) فليس عليها
الغسل.
احلالة الثانية :وإن ابشرها من دون إيالج فأنزال االثنان؛ فعليهما االغتسال كالمها.
احلالة الثالثة :إن أوجل فيها ومل ينزال كأن يكون أصابه كسل أو حنو ذلك فعليهما الغسل؛ ألنه
مت اإليالج ،التقاء اخلتانني.
مجيعا الغسل ،سواءً حصل اإلنزال من كليهما
واحلالة الرابعة :إن أوجل فأنزل أحدمها فعليهما ً
أو من أحدمها(( ،وإن مل يـنزل)) كما جاء يف احلديث.
قال :وإنزال املن ،األمر األول :يتعلق ابإليالج ،الثاين قال :وإنزال املن ،ولو حصل ذلك
من غري إيالج ،كأن يكون بسبب تفكري أو حنوه ،أو العادة السرية احملرمة أو غري ذلك ،وقد
جاء يف احلديث أن املرأة سألت النيب -صلى هللا عليه وسلم" :-هل على املرأة شيءٌ إذا هي
احتـلمت؟ قال(( :نـعم ،إذا رأت الماء)) ،احتـلمت يعن رأت يف املنام أهنا جتامع أو حنو ذلك،
قال(( :نـعم ،إذا رأت الماء)) إذا أنزلت.
8
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
احتالما؟"،
ً ويف احلديث" :أنه -صلى اَّلل عليه وسلم -سئل عن الرجل جيد البلل وال يذكر
احتالما ،قال -عليه الصالة والسالم(( :-يـغتسل)) ،إ ًذا البد
ً هنا وجد البلل ،لكنه ما ذكر
من النظر إىل قضية اإلنزال ،إن مل يصل إيالج ال بد من النظر إىل قضية اإلنزال ،وليس إىل
تفكري ،أو شهوةٌ أو غري ذلك من األمور ،أو إاثرة يف
سبب اإلنزال ،سواءٌ كان سبب اإلنزال ٌ
نفسه ،أو حنو ذلك ،إذا حصل اإلنزال وجب الغسل ،واإلنزال يكون من الرجل ،أو يكون
من املرأة ،جمرد التفكري أو االحتالم دون حصول إنزال؛ ليس على صاحبه غسل ،كان جمرد
تفكري أو رأى يف احللم لكنه ما أنزل ،فليس عليه يف ذلك الغسل.
أبيض غليظ ،كما قال أهل
إذًا هذا من أسباب من موجبات الغسل :إنزال املن ،املن :ماءٌ ٌ
العلم" :خيرج بتدفق مع شهوة ويعقبه فتور" ،هذا املن ،وفر ٌق بني املن ،وبني الودي ،وبني
املذي ،املذي :خيرج بتفكري ،لكنه ليس على صفة املن ،وهذا ال يوجب الغسل ،وإن كان
يوجب غسل احملل ،وما جاوره مما أصابه هذا املذي ،وأما الودي :فهو ما خيرج عقب البول،
على كل حال املراد هنا :مبوجب الغسل هو إنزال املن.
طبعا جيب على من؟ جيب على من يتوىل امليت ،وغسل
قال بعد ذلك :والموت ،الموت هذا ً
امليت فرض كفاية ،إذا قام به البعض سقط عن الباقني ،ودليله ما جاء يف قوله -صلى هللا
عليه وسلم -يف من وقصته الناقة يف ما جاء من حديث ابن عباس ،قال :النيب -صلى هللا
عليه وسلم -ملن وقصته الناقة ،قال(( :اغسلوه مباء وسدر)) ،فامليت يغسل ،وجيب هذا على
أهل اإلسالم على وجه الكفاية ،إال الشهيد فإنه كما جاء يف األحاديث ال يغسل وإمنا يدفن
من غري غسل.
قال بعد ذلك :وثالثة ختتص هبا النساء ،ثالث أمور ختتص هبا النساء ،وهي احليض ،احليض
هو الدم اخلارج من املرأة البالغة يف غري والدة وال مرض ،املرأة البالغ إذا خرج منها الدم هذا
9
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
حيض ،أما الصغرية فيكون بسبب مرض أو حنو ذلك ،قال أهل العلم" :من غري والدة -ألن
ما خيرج بسبب الوالدة هو النفاس كما سيأيت معنا ،-وال مرض" ،إذا كانت عندها شيء من
األمراض رمبا يكون هذا من الدم الفاسد ،أو يكون ما يسمى ابالستحاضة ،ما الدليل على
أن الطهارة من احليض موجبة للغسل؟ ملا جاء يف احلديث أنه -صلى هللا عليه وسلم -قال
للمرأة(( :فإذا أقـبلت احليضة فدعي الصالة ،وإذا أدبـرت فاغتسلي وصلي))(( ،وإذا
َّت يطهرن﴾ [البقرة،]222:
أدبـرت)) ،ويف اآلية قال هللا -جل وعال﴿ :-وال تـقربوهن ح ٰ
فقوله -عليه الصالة والسالم(( :-وإذا أدبـرت فاغتسلي وصلي)) ،ما هو اإلدابر إدابر
احليضة؟ إما ابجلفاف وإما ابلقصة البيضاء ،وما كان بعد مدة احليض من كدرة أو الصفرة فال
اعتبار هلا .قال بعد ذلك :والنفاس ،أمجع العلماء على ذلك ،وقالوا :دليل ذلك هو دليل
حيض ،وبعضهم قال :احليض أو دم النفاس هو دم حيض متجمع ،وعلى كل حال فاإلمجاع
واقع على ذلك ،كما نقله ابن املنذر وغريه ممن نقل اإلمجاع.
ٌ
ما هو النفاس؟ النفاس هو :الدم اخلارج من الفرج ألجل الوالدة ،بسبب الوالدة ،فإذًا يف
حال النفاس :ال بد إذا انقضى أمره ال بد من االغتسال ،وال جيوز للرجل أن يباشر أهله ،وأن
يوجل أو جيامع يف فتة النفاس ،أو يف فتة احليض .مدة النفاس هذا -وإن مل يكن يعن من
املسائل اليت تذكر هنا -لكن على كل حال يف انتهاء مدته خالف؛ والصواب يف ذلك -وهللا
أعلم -ما جاء يف احلديث(( :أنه بتمام األربعني يـوًما)) ،فإذا مت املرأة أربعني ًيوما من مدة
نفاسها فتغتسل بعد ذلك وإن بقي الدم على الصحيح ،وإن حصلت هلا انقطاع دم النفاس
قبل ذلك فتعتب بذلك.
قال :بعد ذلك أي مما اختص ـت به النسـ ـاء؛ الوالدة ،ودليل أن املـ ـرأة تغتس ـل بع ـد والدهتا ما
10
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
جاء يف حديث أمساء بنت عميس ،أهنا حينما نفست مبحمد بن أيب بكر يف ذي احلليفة ،فأمر
النيب -صلى هللا عليه وسلم -أاب بكر أن أيمرها أن تغتسل وهتل ،أي ابحلج ،ما الدليل قالوا:
على اغتسال املرأة اليت تلد؟ قالوا :ألن الولد اخلارج منعق ٌد من من ،والغالب أن خيرج معه
دم ،فعلى كل حال هي بذلك تغتسل .هذه فيما يتعلق مبوجبات الغسل ،إ ًذا موجبات الغسل
ثالثة أمور تشتك فيها الرجال والنساء ،وهي:
-التقاء اخلتانني.
-وإنزال املن.
-واملوت.
وثالثة أمور ختتص هبا املرأة :وهي احليض ،والنفاس ،والوالدة .بعد ذلك انتقل إىل فرائض
الغسل ،وقال هي ثالثة أشياء :وفـرائض الغسل ثالثة أشياء :النية ،النية ملا جاء يف احلديث:
انواي ،كبقية
((إمنا األعمال ابلنيات)) ،وال بد لإلنسان يف وضوئه أو يف غسله أن يكون ً
العبادات سواءً يف الصالة أو الزكاة وحنو ذلك ،ينوي أن هذا الغسل لرفع هذا احلدث ،أو
تنوي املرأة ذلك ،سواءً كان من إنزال من ،أو كان من التقاء اخلتانني ،أو كان ابلنسبة للمرأة
من حيض أو نفاس ،أو حنو ذلك ،فمن اغتسل للتبد ومل ينوي رفع احلدث ال يكون هذا
مبيحا له للصالة ،من جامع أهله مث نسي هذا األمر ،مث قام
افعا له للحدث ،أو ً الغسل ر ً
فاغتسل على عادته ومل ينوي بذلك رفع احلدث؟ فإن هذا االغتسال منه ال يرفع احلدث عنه،
وال يبيح له أمر الصالة ،إذن ال بد من النية.
قال :وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه ،الصحيح يف هذا أن إزالة النجاسة ليست من
موجبات الغسل ،إزالة النجاسة هي فرض وأمر واجب ،لكن ال تعد من موجبات الغسل .ما
الدليل على إزالة النجاسة؟
11
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
ما جاء يف أثر عائشة حينما سألت النيب -صلى هللا عليه وسلم -عن غسل احلائض ،قال:
((تخذ إحداكن ماءها وسدرهتا ،فـتطهر فـتحسن الطهور ،مث تصب على رأسها فـتدلكه دل ًكا
شدي ًدا حَّت يـبـلغ شؤون رأسها ،مث تصب عليـها املاء ،مث تخذ فـرصةً ممسكةً فـتـتطهر هبا))،
وملا جاء يف احلديث يف وصف فعله -صلى هللا عليه وسلم ،-قال(( :وغسل فـرجه وما أصابه
من أذى)) ،إذن جيب على االنسان أن يغسل النجاسة؛ سواءً كانت يف بدنه ،أو كانت يف
ثوبه ،أو كانت يف حمل صالته ،هذا األمر واجب ،لكن ليس هذا من فرائض أو من موجبات
الغسل.
مث قال بعد ذلك ،األمر الثالث :وإيصال املاء إىل مجيع الشعر والبشرة ،ال يتعلقون الشعر
شعر الرأس فقط ،بل مجيع شعر اجلسد ،وال يتعلق ابلشعر اخلفيف أو الكثيف ،بل يغسل
اجلميع ويصل املاء إىل شؤون الرأس ،إىل أصل الرأس ،وإن كان هناك حائل من وصول املاء
سواءً يف طالء األظفار أو غري ذلك؛ فإن هذا ال يصح معه الغسل ،بل البد للمرأة خاصة أن
تزيل كل حائل يول دون وصول املاء إىل بشرهتا ،أو إىل جسدها ،واملرأة كذلك تنقض شعرها
للحاجة إىل وصول املاء اىل شؤون رأسها .ما الدليل على االغتسال كامالً؟ يعن االنسان
يغتسل كامالً من سواءً من حدث أو حنو ذلك؟
هو ما جاء يف احلديث أنه؛ "-صلى اَّلل عليه وسلم -كان إذا اغتسل من اجلنابة يـبدأ فـيـغسل
يديه ،مث يـفرغ بيمينه على ِشاله فـيـغسل فـرجه ،مث يـتـوضأ وضوءه للصالة ،مث أيخذ املاء
فيدخل أصابعه يف أصول الشعر ،حَّت إذا رأى أن قد استبأ حفن على رأسه ثالث حفنات،
مث أفاض على سائر جسده ،مث غسل رجليه" ،وهذا هو الصفة الواردة ،جاء هناك حديث
أن(( :من تـرك شعرة من جنابة مل يـغسلها فعل هبا كذا وكذا من النار)) ،ولكن احلديث هذا
ال يصح.
12
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
وعلى كل حال فيجب على الرجل وعلى املرأة يف غسل اجلنابة أن يعمم جسده ابملاء ،وأن
يصل املاء إىل مجيع الظاهر من جسده ،وأن ال يكون هناك حائل يول دون وصول املاء.
مث قال بعد ذلك :وسنـنه خسة أشياء ،أي سنن الغسل ،بعد أن انتهى من ذكر الواجبات أو
وال :التسمية ،يعن بسم هللا ،أو بسم هللا الرمحن
الفرائض انتقل إىل مسألة السنن ،فقال :أ ً
الرحيم ،والصحيح أنه ال دليل على خصوص كون التسمية سنة من سنن الغسل ،إال عموم
األدلة يف التسمية قبل البدء ابلعمل ،اإلنسان إذا بدأ بشيء يقول :بسم هللا ،لكن ال يوجد
دليل على خصوص التسمية فيما يتعلق ابلغسل ،وأما يف الوضوء فقد سبق معنا ذكر ذلك،
أما حديث(( :كل أمر ذي ابل ال يـبدأ فيه ببسم هللا الرمحن الرحيم فـهو أقطع)) ،فهذا
احلديث ال يصح.
قال بعد ذلك :والوضوء قبله ،الوضوء قبل الغسل يعن قبل أن يعمم جسده ابملاء على ما
ورد يف الصفة أن يبدأ ابلوضوء ،طيب ،ملاذا البدء ابلوضوء؟ ألن هذا الوارد يف سنة النيب -
صلى هللا عليه وسلم ،-ملا جاء يف حديث عائشة وحديث ميمونة؛ "كان -صلى هللا عليه
وسلم -إذا اغتسل من اجلنابة غسل يديه ،مث توضأ وضوءه للصالة ،مث اغتسل ،مث خيلل بيده
شعره ،حَّت إذا ظن أن قد أروى بشرته أفاض عليه املاء ثالث مرات" احلديث ،إ ًذا هذا من
السنن الواردة قبل الغسل ،وهذا من الصفة الكاملة للغسل ،اإلنسان يبدأ ابلوضوء مث بعد
ذلك يغتسل ،ولو أنه عمم جسده ابملاء كامالً فإن هذا جيزئه.
قال بعد ذلك :وإمرار اليد على اجلسد ،إمرار اليد على اجلسد املراد بذلك التأكد ،والتبني
من وصول املاء إىل مجيع جسده ليحصل اإلنقاء للبشرة ،ويصل كذلك بل الشعر ،وإدخال
املاء يف أصول الشعر ،وينظر كذلك اإلنسان يف وصول املاء إىل ما بني أصابعه ،وجهة فرجه،
وبني إبطيه ،وحنو ذلك من األماكن اليت قد ال يصل إليها املـ ـاء إال بعناية .وه ـل جيب الدلك
13
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
لكامل اجلسد؟ أم يكفي التيقن من وصول املاء؟ الصحيح يف ذلك أنه لو تيقن اإلنسان من
وصول املاء إىل مجيع جسده فال جيب عليه الدلك لكل موضع ،قد جاء يف احلديث(( :إمنا
يكفيك أن حتثي على رأسك ثالث حثـيات ،مث تفيضني عليك املاء فـتطهرين)) ،طيب بعضهم
قال :إن الدلك يكون للرأس للشعر الكثيف؛ الذي قد مينع وصول املاء حَّت يتيقن اإلنسان
وصول املاء إىل رأسه.
قال بعد ذلك :واملواالة ،يعن املواالة الذي هو التتيب بني هذه األعضاء ،والصواب يف
ذلك :أن هذا من السنن ،واإلنسان نعم ال يتعمد املخالفة ،وهي مسألة مهمة يف احلقيقة! إذا
ثبت عن النيب -صلى هللا عليه وسلم -شيءٌ من املسائل فال ينبغي لإلنسان أن يتعمد
املخالفة؛ ولو كان األمر على وجه االستحباب ،فاهلل -جل وعال -قال﴿ :لقد كان لكم يف
رسول اللـه أسوةٌ حسنةٌ﴾ [األحزاب ،]21:واإلنسان ينبغي له يف حال اإلمكان أن يرص
على متابعة سنة النيب -صلى هللا عليه وسلم-؛ سواءً يف أمر الواجبات ،أو حَّت يف أمر
سبب لتكه للمر!
املستحبات ،ألن بعض الناس للسف الشديد رمبا معرفته ابملستحب هو ٌ
إذا علم أن هذا األمر مستحب فيتكه! ال ،ليس هذا الصواب ،بل معرفتك أبن هذا األمر
مستحب يدعوك إىل الفعل ،وإىل االقتداء واالمتثال ،واالتباع له -صلى هللا عليه وسلم .-
إذن املواالة هي سنة من سنن الغسل ،ولو أن اإلنسان قدم شيء على شيء فال حرج يف
ذلك يف مسألة الغسل ،وإن كان األصل أن اإلنسان ال يتعمد تقدمي شيء على آخر ،ويرص
على متابعة سنة النيب -صلى هللا عليه وسلم -يف ذلك.
قال بعد ذلك :وتقدمي اليمىن على اليسرى ،األصل يف مسائل الوضوء أو يف مسائل الغسل؛
أن النيب -صلى هللا عليه وسلم -كان يقدم اليمىن على اليسرى ،ويف املذهب جواز تقدمي
اليسرى على اليمىن ،وإن كان الصواب يف ذلك أن يرص اإلنسان على تقدمي ما قدمه النيب
14
شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي ()4
للشيخ د .محمد بن غالب العمري -حفظه هللا-
-صلى هللا عليه وسلم ،-وعلى كل حال فهذه هي من سنن االغتسال .بعد ذلك انتقل
املاتن -رمحه هللا -إىل مسألة االغتساالت املسنونة ،وعلى هذا -إن شاء هللا -نقف ،ونكمل
يف اللقاء القادم.
أسأل هللا -جل وعال -للجميع التوفيق والسداد ،واهلدى والرشاد ،وصلى على نبينا حممد
تسليما كثريا ،واحلمد هلل رب العاملني.
ً وعلى آله وصحبه وسلم
15