You are on page 1of 15

‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬

‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫الـ ـغ ـ ـالف‬

‫‪1‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫كثريا طيبًا مبارًكا فيه كما جيب ربنا ويرضى‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫احلمد هلل رب العاملني مح ًدا ً‬
‫هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حمم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه‬
‫تسليما كثريا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ً‬ ‫وسلم‬
‫حتدثنا يف الدرس السابق عما يتعلق ابالستنجاء‪ ،‬وقبل ذلك بفروض الوضوء الستة‪ ،‬وقد ذكر‬
‫املاتن ‪-‬رمحه هللا‪ -‬عدة مسائل فيما يتعلق ابالستنجاء‪ .‬مث قال بعد ذلك‪ :‬والذي يـنـقض‬
‫الوضوء ستة أشياء‪ ،‬هنا انتقل ‪-‬رمحه هللا‪ -‬بعد أن ذكر فروض الوضوء ‪-‬انتقل إىل ذكر‬
‫النواقض‪ ،‬واملناسبة ظاهرة فيما سبق ذكره من الفروض قد تطرأ عليها بعض النواقض‪ ،‬فناسب‬
‫أن يذكر بعد ذلك هذه النواقض‪ ،‬ونواقض الوضوء هي مبطالت الوضوء‪ ،‬والنقض‪ :‬هو إزالة‬
‫الشيء من أصله‪ ،‬يقال نقض الشيء‪ :‬إذ أزاله من أصله‪ ،‬وهذا ما ينزل على املعىن االصطالحي‬
‫يف إعادة الوضوء ملن حصل منه انقض‪.‬‬
‫مث قال ‪-‬رمحه هللا‪ :-‬ما خرج من السبيلني‪ ،‬هذا أول النواقض؛ أي ما خرج من القبل أو‬
‫الدبر‪ ،‬وسواءً كان هذا اخلارج من السبيلني عينًا كالغائط أو البول‪ ،‬أو كان ريًا من فساء أو‬
‫ضراط أو حنو ذلك‪ ،‬وكذلك ما يكون من خروج دم أو حصا‪ ،‬ودليل أن ما خرج من السبيلني‬
‫انقض قوله ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬أو جاء أح ٌد منكم من الغائط أو المستم النساء﴾ [النساء‪:‬‬
‫ٌ‬
‫‪ ،]43‬إ ًذا ﴿أو جاء أح ٌد منكم من الغائط﴾ أي ما خرج من السبيلني‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫ولما جاء يف احلديث قوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬ال يـقبل اَّلل صالة أحدكم إذا أحدث‬
‫أكبا؛ كان‬
‫أصغرا أم ً‬
‫دليل على أن اإلحداث سواءً كان هذا احلدث ً‬
‫حَّت يـتـوضأ)) إذاً هذا ٌ‬
‫انقض من نواقض الوضوء فال بد من الوضوء‪ ،‬فقال‪ :‬ما خرج من السبيلني‪ .‬قال‪ :‬والنوم على‬
‫انقض أو هو مظنة‬
‫ٌ‬ ‫انقض من نواقض الوضوء‪ ،‬وهل هو بنفسه‬
‫ٌ‬ ‫غري هيئة املتمكن‪ ،‬النوم‬
‫النقض؟ على خالف بني أهل العلم‪ ،‬بعض أهل العلم ولعله األظهر‪ :‬أنه مظنةٌ لنقض الوضوء‪،‬‬
‫ألن اإلنسان ال يشعر فرمبا خرج منه شيءٌ وهو يف نومه‪ ،‬فما هو املتمكن؟ قال املاتن ‪-‬رمحه‬
‫جالسا ملتص ًقا ابألرض على إليتيه‪،‬‬
‫هللا‪ :-‬والنوم على غري هيئة املتمكن‪ ،‬املتمكن من كان ً‬
‫أما من كان هناك جتاف بني مقعدته وبني األرض؛ فقيل هذا غري متمكن‪ .‬وما الدليل على أن‬
‫النوم ينقض الوضوء؟ قوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬وكاء السه عيـنان‪ ،‬فمن انم فـليـتـوضأ))‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬املتمكن! ما الدليل على أن املتمكن من جلسته وإن حصل منه شيءٌ من النوم أنه ال‬
‫ينقض الوضوء؟ ملا جاء يف احلديث‪" :‬كان أصحاب رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يـنامون‬
‫مث يصلون وال يتوضؤون"‪ ،‬ويف رواية؛ "حَّت ختفق رؤوسهم أو رؤوسهم"‪ ،‬إذًا املقصود هبذا‪ :‬هو‬
‫النوم الذي يشعر معه اإلنسان مبا حوله‪ ،‬وليس النوم الذي يفقد اإلنسان شعوره‪ ،‬ورمبا أحدث‬
‫وهو ال يدري‪ ،‬وعلى هذا فهنا عدة حاالت‪:‬‬
‫‪ -‬أما جمرد وجود النعاس سواء القليل أو الكثري فإنه ال ينقض الوضوء‪ ،‬ولو كان هذا سبب‬
‫يف إخفاق الرأس‪ ،‬أي أن رأسه رمبا تدال عليه من شدة نعاسه‪.‬‬
‫انقض للوضوء‪ ،‬بيث أنه ال يشعر‬
‫نوما مستغرقًا ‪-‬استغرق يف نومه فهذا ٌ‬
‫‪ -‬أما النوم فإن كان ً‬
‫مبا حوله‪.‬‬
‫‪ -‬وأما إن مل يكن مستغرقًا يف نومه‪ ،‬حصل له من شدة النعاس شيءٌ من الغفوة؛ ولكنه يشعر‬
‫مبا حوله‪ ،‬ويسمع كالمهم؛ فهذا ليس بناقض‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫وعلى كل حال‪ ،‬فأهل العلم ضبطوا ذلك يف‪ :‬قضية الشعور وعدم الشعور‪ ،‬وبعض أهل العلم‬
‫قالوا‪" :‬بقضية التمكن إذا كان متمكنًا يف جلسته"‪ ،‬ألن النائم ال ميكن أن يكون متمكنًا يف‬
‫يسارا أو ميينًا‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬فلعل الظاهر يف ذلك‪ :‬أن ما كان من شعور‬
‫جلسته رمبا مييل ً‬
‫مع هذا النائم وإدراك ملا حوله؛ فهذا ال ينقض الوضوء ‪-‬وهللا أعلم‪.-‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬وزوال العقل بسكر أو مرض‪ ،‬زوال العقل بسكر ألن من يصل منه شرب‬
‫اخلمر‪ ،‬أو شرب غريها من املسكرات؛ فهذا يؤدي إىل زوال عقله‪ ،‬وزوال العقل مظنة خروج‬
‫شيء ال يشعر به‪ ،‬قال‪ :‬وزوال العقل بسكر أو مرض‪ ،‬كذلك من يصل له مثل‪ :‬اإلغماء‪ ،‬أو‬
‫مرض يفقد معه الشعور‪ ،‬أو اجلنون مثالً‪ ،‬فهذا كذلك من نواقض الوضوء ألن زوال العقل‬
‫مظنة خلروج احلدث من غري شعور‪ .‬وعلى كل حال‪ :‬ما ضابط هذا املرض؟ ضابطه‪ :‬ما يزول‬
‫انقض للوضوء‪.‬‬
‫به العقل سواءً كان من إسكار‪ ،‬أو مرض‪ ،‬أو جنون‪ ،‬أو حنو ذلك فإنه ٌ‬
‫هناك تفصيالت يف هذه املسألة‪ ،‬لكن كما أخبتكم يف أول الدروس أننا منر على شرح عبارة‬
‫املاتن ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬واالقتصار عليها قدر املستطاع‪.‬‬
‫قال بعد ذلك وهو يذكر النواقض‪ :‬وملس الرجل املرأة األجنبية من غري حائل‪ ،‬أن يلمس‬
‫الرجل املرأة األجنبية من غري حائل‪ ،‬إ ًذا ما يلمسه الرجل على قسمني‪:‬‬
‫‪ .1‬أكان من حمارمه‪ :‬أن يصافحها‪ ،‬أو ميسك يدها‪ ،‬أو حنو ذلك كأمه‪ ،‬أو ابنته‪ ،‬أو أخته‪،‬‬
‫أو زوجه أو حنو ذلك‪ ،‬فهذا ال حرج فيه‪.‬‬
‫‪ .2‬قال‪ :‬وملس الرجل املرأة األجنبية من غري حائل‪ :‬ومفهوم كالم املاتن أنه‪ :‬إن ملسها‬
‫بائل ‪-‬أي املرأة األجنبية عنه‪ -‬فال حرج يف ذلك! والصواب‪ :‬أن اللمس للمرأة‬
‫ابتداءً يف حكمه أنه ال جيوز‪ ،‬سواءً بائل أو بغري حائل‪.‬‬
‫فالنيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬كان ال يصافح النساء‪ ،‬قد جاء يف احلديث أنه ‪-‬عليه الصالة‬

‫‪4‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫والسالم‪-‬كان يبايع النساء ابلكالم‪ ،‬وال يصافح‪ ،‬قال‪(( :‬أما أان فال أصافح النساء))‪ ،‬حَّت‬
‫يف أمر البيعة! البيعة املهمة‪ ،‬فكان ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬ال يصافح النساء‪ ،‬وهو رسول‬
‫هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪!-‬‬
‫حديث لكنه ال يصح‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أما يف مسألة أن ملس النساء املرأة األجنبية بائل؛ فإن هذا ورد فيه‬
‫وهو‪" :‬أن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬كان يصافح من وراء حائل"‪ ،‬وهذا احلديث ال يصح‪.‬‬
‫طيب اآلن نعود إىل مسألة الباب‪ :‬ملس الرجل املرأة األجنبية‪ ،‬ما املراد ابللمس؟ وما الدليل‬
‫عليه؟ قال‪ :‬وأما الدليل فقول هللا ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬أو المستم النساء﴾ [النساء‪ ،]43:‬قالوا‪:‬‬
‫"فعطف اللمس على اجمليء من الغائط‪ ،‬ورتب عليها األمر ابلتيمم عند فقد املاء فدل على‬
‫أن اللمس انقض من نواقض الوضوء"‪ ،‬طيب ما املراد ابللمس؟ ﴿أو المستم النساء﴾؟‬
‫خالف بني أهل العلم‪ ،‬والصواب الذي عليه مجهور أهل العلم‪ ،‬وهو قول ابن‬
‫ٌ‬ ‫يف املسألة‬
‫عباس وغريه‪" :‬أن املراد بذلك اجلماع"‪﴿ ،‬أو المستم النساء﴾ أي أو جامعتم النساء‪ ،‬ما‬
‫الدليل على أن الرجل إذا ملس امرأته جاز له أن يصلي من غري إعادة الوضوء؟ ما جاء يف‬
‫احلديث؛ "أن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كان يتوضأ مث يـقبل مث يصلي وال يتـوضأ"‪ ،‬وجاء‬
‫يف رواية‪" :‬قـبل بعض نسائه مث خرج إىل صالته ومل يتوضأ"‪ ،‬إذن هذا يدل على أن ملس املرأة‬
‫اللمس العادي هذا ال حرج فيه‪ ،‬وال هو بناقض للوضوء‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬إذن ملس املرأة بدون مجاع ال ينقض الوضوء‪ ،‬سواءً ملسها بشهوة أو بغري شهوة‪ ،‬ونعن‬
‫طبعا زوجه‪ ،‬ألنه ال جيوز لإلنسان أن ميس غري زوجه أو غري حمارمه‪ ،‬وال جيوز له أن ميس غري‬
‫ً‬
‫زوجه بشهوة‪ .‬فعلى كل حال احلكم يف هذه املسألة‪:‬‬
‫أن من مس امرأة بدون مجاع؛ فإن هذا ال ينقض الوضوء‪ ،‬سواءً مسها بشهوة أو مسها بغري‬

‫‪5‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫شهوة‪ ،‬سواءً كانت الزوجة أو كانت غريها ابلنسبة للوضوء ال ينقض الوضوء‪ ،‬وأن املراد‬
‫ابآلية‪﴿ :‬أو المستم النساء﴾ أي اجلماع‪ ،‬هذا على القول الراجح‪.‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬ومس فرج اآلدمي بباطن الكف‪ ،‬مس فرج اآلدمي يعن سواءً مس الرجل‬
‫ذكره أو لغريه‪ ،‬وقد جاء يف احلديث‪(( :‬إذا أفضى أحدكم بيده إىل فـرجه فـليـتـوضأ))‪ ،‬حديث‬
‫عند النسائي وهو صحيح‪(( ،‬إذا أفضى أحدكم بيده إىل فـرجه فـليـتـوضأ))‪ ،‬سواء كان فرج‬
‫نفسه‪ ،‬أو فرج غريه‪ ،‬قال هنا‪ :‬ببطن الكف‪ ،‬طيب ما الدليل على أن املس هو فقط ببطن‬
‫الكف؟ أما لو مس بظاهر كفه فإنه ال ينقض الوضوء؟ قالوا‪ :‬ألن عبارة ((إذا أفضى))‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫واإلفضاء هو املس بباطن الكف‪ ،‬وقال بعض أهل العلم‪" :‬ال فرق بني األمرين"‪ ،‬وإمنا ذكر ما‬
‫يف احلديث ألنه الغالب أن اإلنسان ميس الشيء بباطن كفه‪ ،‬وال ميس الشيء بظهره‪ .‬وعلى‬
‫كل حال فاألحوط يف ذلك الوضوء‪ ،‬إذا مس فرجه بظاهر كفه فاألحوط يف ذلك الوضوء‪.‬‬
‫وقوله هنا‪ :‬ومس فرج اآلدمي‪ ،‬وهذا دليل على أنه خمتص مبا يتعلق بفرج اآلدمي‪ ،‬أما لو مس‬
‫فرج حيوان فإنه ال ينقض الوضوء‪ ،‬وقد ذكر بعضهم اإلمجاع على ذلك‪ ،‬إذن ما يتعلق مبس‬
‫كبريا‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬
‫صغريا‪ ،‬أو ً‬
‫ً‬ ‫خمتصا ابآلدمي سواءً كان رجالً‪ ،‬أو امرأةً‪ ،‬أو‬
‫الفرج يكون ً‬
‫فقال‪ :‬ومس فرج اآلدمي بباطن الكف‪ ،‬طيب هنا مسألة‪:‬‬
‫سهوا‪ ،‬أو كان عم ًدا؛ فإنه ينقض الوضوء لعموم احلديث‪ ،‬وأما كون‬
‫هذا املس سواءً كان ً‬
‫اإلنسان ميس هذا الفرج بائل؛ فإن هذا ال ينقض الوضوء على الصحيح‪.‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬ومس حلقة دبره على اجلديد‪ ،‬حلقة الدبر ملاذا تنقض الوضوء أو ما دليلها؟‬
‫قياسا على القبل‪ ،‬واملقصود ابحللقة‪ :‬ملتقى املنفذ الذي خيرج منه الغائط‪ ،‬أما ما كان‬
‫قالوا‪ً :‬‬
‫فوق ذلك فإنه ال ينقض الوضوء‪.‬‬
‫طيب قال هنا‪ :‬على اجلديد؛ يعن على مذهب الشافعية اجلديد‪ ،‬واملذهب اجلديد هو املعتمد‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫وهو الذي كان يف مصر‪ ،‬وهو املشهور عند الشافعية‪ ،‬ألن القدمي يف املذهب يف هذه املسألة‬
‫أنه ال ينقض مس حلقة الدبر ال تنقض الوضوء‪ ،‬وعلى كل حال فالقياس يف ذلك صحيح‪،‬‬
‫يعن أن يقاس على القبل‪ .‬هذه بعض النواقض اليت ذكرها املصنف ‪-‬رمحه هللا‪.-‬‬
‫ضا‪ :‬أكل حلم اإلبل‪ ،‬هذا على الصحيح‪ ،‬وهو وجهٌ يف مذهب الشافعية وإن‬
‫ومن النواقض أي ً‬
‫كان القول املعتمد عندهم عدم النقض‪ ،‬ودليل النقض قوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬حينما‬
‫سئل‪" :‬أنتوضأ من حلم اإلبل؟ قال‪(( :‬نـعم))‪.‬‬
‫طيب هنا مسألة‪ :‬وهي من شك يف الناقض أنه حصل له انتقاض الوضوء‪ ،‬شك ومل يتيقن؛‬
‫(فإن اليقني ال يزول ابلشك‪ ،‬والشك ال يذهب اليقني)‪ ،‬ودليل ذلك قوله ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬ملن شك يف طهارته قال‪(( :‬فال خيرجن من املسجد حَّت يسمع صوًًت أو جيد ريًا))‪،‬‬
‫طيب والقاعدة املشهورة‪( :‬أن اليقني ال يزول ابلشك)‪ ،‬فإذا كان اإلنسان قد تطهر مث شك‬
‫يف نقض الوضوء؛ فإنه ال يعتب هبذا الشك‪ ،‬كذلك لو أن اإلنسان مل يكن متوضأً مث شك هل‬
‫توضأ؟ أو مل يتوضأ؟ فالصواب أنه‪ :‬مل يتوضأ‪.‬‬
‫صل)‪ ،‬والذي يوجب الغسل ستة أشياء‪ ،‬هنا بعد أن انتقل إىل مسألة نواقض‬
‫قال بعد ذلك‪( :‬ف ٌ‬
‫الوضوء‪ ،‬انتقل إىل قضية الطهارة من احلدث األكب‪ ،‬فقال‪ :‬والذي يوجب الغسل‪ ،‬االغتسال‪،‬‬
‫الغسل هو‪ :‬جراين املاء على الشيء‪ ،‬يف االصطالح‪ :‬هو جراين املاء على البدن بنية‬
‫خمصوصة‪ ،‬وهذه النية هنا‪ :‬هي رفع احلدث األكب يف بعض مسائل الغسل‪.‬‬
‫قال‪ :‬والذي يوجب الغسل ستة أشياء‪ ،‬ثالثةٌ تشتك فيها الرجال والنساء‪ ،‬ثالثة أمور يشتك‬
‫فيها الرجال والنساء‪ ،‬قال‪ :‬وهي التقاء اخلتانني‪ ،‬هذا األمر األول؛ التقاء اخلتانني‪ ،‬ملاذا مسي‬
‫فرج املرأة وفرج الرجل ابخلتانني؟‬
‫ألن فرج الرجل أو الذي ذكره خينت‪ ،‬وكذلك املرأة قد ختنت‪ ،‬وهذه على كل حال سنة يف حق‬
‫‪7‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫واجب يف حق الرجال‪ ،‬والرجل خينت إبذهاب القلفة‪ ،‬وهي القطعة الزائدة فوق‬
‫ٌ‬ ‫املرأة‪ ،‬وهي‬
‫ذكره‪ .‬قال‪ :‬التقاء اخلتانني‪ ،‬ما الدليل على تسمية اخلتانني؟ قوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪:-‬‬
‫((إذا التـقى اخلتاانن وجب الغسل))‪ ،‬املراد ابلتقاء اخلتانني‪ :‬إيالج شيء من الذكر يف فرج‬
‫املرأة‪ ،‬هذا يلزم منه االغتسال‪ ،‬والدليل على هذا من القرآن قول هللا ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬وإن‬
‫ضا دل على هذا قوله ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫كنتم جنـبًا فاطهروا﴾ [املائدة‪ ،]6:‬هذه اجلنابة‪ .‬أي ً‬
‫وسلم‪ -‬كما جاء يف احلديث‪ ،‬قال‪(( :‬مث جهدها فـقد وجب الغسل)) جهدها يعن‪ :‬أوجل فيها‪،‬‬
‫ويف مسلم‪(( :‬وإن مل يـنزل))‪.‬‬
‫إذًا هنا عندان عدة مسائل‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬إذا ابشرها دون إيالج فأنزل (هو) فعليه الغسل‪ ،‬ومل تنزل (هي) فليس عليها‬
‫الغسل‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬وإن ابشرها من دون إيالج فأنزال االثنان؛ فعليهما االغتسال كالمها‪.‬‬
‫احلالة الثالثة‪ :‬إن أوجل فيها ومل ينزال كأن يكون أصابه كسل أو حنو ذلك فعليهما الغسل؛ ألنه‬
‫مت اإليالج‪ ،‬التقاء اخلتانني‪.‬‬
‫مجيعا الغسل‪ ،‬سواءً حصل اإلنزال من كليهما‬
‫واحلالة الرابعة‪ :‬إن أوجل فأنزل أحدمها فعليهما ً‬
‫أو من أحدمها‪(( ،‬وإن مل يـنزل)) كما جاء يف احلديث‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنزال املن‪ ،‬األمر األول‪ :‬يتعلق ابإليالج‪ ،‬الثاين قال‪ :‬وإنزال املن‪ ،‬ولو حصل ذلك‬
‫من غري إيالج‪ ،‬كأن يكون بسبب تفكري أو حنوه‪ ،‬أو العادة السرية احملرمة أو غري ذلك‪ ،‬وقد‬
‫جاء يف احلديث أن املرأة سألت النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪" :-‬هل على املرأة شيءٌ إذا هي‬
‫احتـلمت؟ قال‪(( :‬نـعم‪ ،‬إذا رأت الماء))‪ ،‬احتـلمت يعن رأت يف املنام أهنا جتامع أو حنو ذلك‪،‬‬
‫قال‪(( :‬نـعم‪ ،‬إذا رأت الماء)) إذا أنزلت‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫احتالما؟"‪،‬‬
‫ً‬ ‫ويف احلديث‪" :‬أنه ‪-‬صلى اَّلل عليه وسلم‪ -‬سئل عن الرجل جيد البلل وال يذكر‬
‫احتالما‪ ،‬قال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪(( :-‬يـغتسل))‪ ،‬إ ًذا البد‬
‫ً‬ ‫هنا وجد البلل‪ ،‬لكنه ما ذكر‬
‫من النظر إىل قضية اإلنزال‪ ،‬إن مل يصل إيالج ال بد من النظر إىل قضية اإلنزال‪ ،‬وليس إىل‬
‫تفكري‪ ،‬أو شهوةٌ أو غري ذلك من األمور‪ ،‬أو إاثرة يف‬
‫سبب اإلنزال‪ ،‬سواءٌ كان سبب اإلنزال ٌ‬
‫نفسه‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬إذا حصل اإلنزال وجب الغسل‪ ،‬واإلنزال يكون من الرجل‪ ،‬أو يكون‬
‫من املرأة‪ ،‬جمرد التفكري أو االحتالم دون حصول إنزال؛ ليس على صاحبه غسل‪ ،‬كان جمرد‬
‫تفكري أو رأى يف احللم لكنه ما أنزل‪ ،‬فليس عليه يف ذلك الغسل‪.‬‬
‫أبيض غليظ‪ ،‬كما قال أهل‬
‫إذًا هذا من أسباب من موجبات الغسل‪ :‬إنزال املن‪ ،‬املن‪ :‬ماءٌ ٌ‬
‫العلم‪" :‬خيرج بتدفق مع شهوة ويعقبه فتور"‪ ،‬هذا املن‪ ،‬وفر ٌق بني املن‪ ،‬وبني الودي‪ ،‬وبني‬
‫املذي‪ ،‬املذي‪ :‬خيرج بتفكري‪ ،‬لكنه ليس على صفة املن‪ ،‬وهذا ال يوجب الغسل‪ ،‬وإن كان‬
‫يوجب غسل احملل‪ ،‬وما جاوره مما أصابه هذا املذي‪ ،‬وأما الودي‪ :‬فهو ما خيرج عقب البول‪،‬‬
‫على كل حال املراد هنا‪ :‬مبوجب الغسل هو إنزال املن‪.‬‬
‫طبعا جيب على من؟ جيب على من يتوىل امليت‪ ،‬وغسل‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬والموت‪ ،‬الموت هذا ً‬
‫امليت فرض كفاية‪ ،‬إذا قام به البعض سقط عن الباقني‪ ،‬ودليله ما جاء يف قوله ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬يف من وقصته الناقة يف ما جاء من حديث ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬النيب ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬ملن وقصته الناقة‪ ،‬قال‪(( :‬اغسلوه مباء وسدر))‪ ،‬فامليت يغسل‪ ،‬وجيب هذا على‬
‫أهل اإلسالم على وجه الكفاية‪ ،‬إال الشهيد فإنه كما جاء يف األحاديث ال يغسل وإمنا يدفن‬
‫من غري غسل‪.‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬وثالثة ختتص هبا النساء‪ ،‬ثالث أمور ختتص هبا النساء‪ ،‬وهي احليض‪ ،‬احليض‬
‫هو الدم اخلارج من املرأة البالغة يف غري والدة وال مرض‪ ،‬املرأة البالغ إذا خرج منها الدم هذا‬
‫‪9‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫حيض‪ ،‬أما الصغرية فيكون بسبب مرض أو حنو ذلك‪ ،‬قال أهل العلم‪" :‬من غري والدة ‪-‬ألن‬
‫ما خيرج بسبب الوالدة هو النفاس كما سيأيت معنا‪ ،-‬وال مرض"‪ ،‬إذا كانت عندها شيء من‬
‫األمراض رمبا يكون هذا من الدم الفاسد‪ ،‬أو يكون ما يسمى ابالستحاضة‪ ،‬ما الدليل على‬
‫أن الطهارة من احليض موجبة للغسل؟ ملا جاء يف احلديث أنه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‬
‫للمرأة‪(( :‬فإذا أقـبلت احليضة فدعي الصالة‪ ،‬وإذا أدبـرت فاغتسلي وصلي))‪(( ،‬وإذا‬
‫َّت يطهرن﴾ [البقرة‪،]222:‬‬
‫أدبـرت))‪ ،‬ويف اآلية قال هللا ‪-‬جل وعال‪﴿ :-‬وال تـقربوهن ح ٰ‬
‫فقوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪(( :-‬وإذا أدبـرت فاغتسلي وصلي))‪ ،‬ما هو اإلدابر إدابر‬
‫احليضة؟ إما ابجلفاف وإما ابلقصة البيضاء‪ ،‬وما كان بعد مدة احليض من كدرة أو الصفرة فال‬
‫اعتبار هلا‪ .‬قال بعد ذلك‪ :‬والنفاس‪ ،‬أمجع العلماء على ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬دليل ذلك هو دليل‬
‫حيض‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬احليض أو دم النفاس هو دم حيض متجمع‪ ،‬وعلى كل حال فاإلمجاع‬
‫واقع على ذلك‪ ،‬كما نقله ابن املنذر وغريه ممن نقل اإلمجاع‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ما هو النفاس؟ النفاس هو‪ :‬الدم اخلارج من الفرج ألجل الوالدة‪ ،‬بسبب الوالدة‪ ،‬فإذًا يف‬
‫حال النفاس‪ :‬ال بد إذا انقضى أمره ال بد من االغتسال‪ ،‬وال جيوز للرجل أن يباشر أهله‪ ،‬وأن‬
‫يوجل أو جيامع يف فتة النفاس‪ ،‬أو يف فتة احليض‪ .‬مدة النفاس هذا ‪-‬وإن مل يكن يعن من‬
‫املسائل اليت تذكر هنا‪ -‬لكن على كل حال يف انتهاء مدته خالف؛ والصواب يف ذلك ‪-‬وهللا‬
‫أعلم‪ -‬ما جاء يف احلديث‪(( :‬أنه بتمام األربعني يـوًما))‪ ،‬فإذا مت املرأة أربعني ًيوما من مدة‬
‫نفاسها فتغتسل بعد ذلك وإن بقي الدم على الصحيح‪ ،‬وإن حصلت هلا انقطاع دم النفاس‬
‫قبل ذلك فتعتب بذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬بعد ذلك أي مما اختص ـت به النسـ ـاء؛ الوالدة‪ ،‬ودليل أن املـ ـرأة تغتس ـل بع ـد والدهتا ما‬

‫‪10‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫جاء يف حديث أمساء بنت عميس‪ ،‬أهنا حينما نفست مبحمد بن أيب بكر يف ذي احلليفة‪ ،‬فأمر‬
‫النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أاب بكر أن أيمرها أن تغتسل وهتل‪ ،‬أي ابحلج‪ ،‬ما الدليل قالوا‪:‬‬
‫على اغتسال املرأة اليت تلد؟ قالوا‪ :‬ألن الولد اخلارج منعق ٌد من من‪ ،‬والغالب أن خيرج معه‬
‫دم‪ ،‬فعلى كل حال هي بذلك تغتسل‪ .‬هذه فيما يتعلق مبوجبات الغسل‪ ،‬إ ًذا موجبات الغسل‬
‫ثالثة أمور تشتك فيها الرجال والنساء‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬التقاء اخلتانني‪.‬‬
‫‪ -‬وإنزال املن‪.‬‬
‫‪ -‬واملوت‪.‬‬
‫وثالثة أمور ختتص هبا املرأة‪ :‬وهي احليض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬والوالدة‪ .‬بعد ذلك انتقل إىل فرائض‬
‫الغسل‪ ،‬وقال هي ثالثة أشياء‪ :‬وفـرائض الغسل ثالثة أشياء‪ :‬النية‪ ،‬النية ملا جاء يف احلديث‪:‬‬
‫انواي‪ ،‬كبقية‬
‫((إمنا األعمال ابلنيات))‪ ،‬وال بد لإلنسان يف وضوئه أو يف غسله أن يكون ً‬
‫العبادات سواءً يف الصالة أو الزكاة وحنو ذلك‪ ،‬ينوي أن هذا الغسل لرفع هذا احلدث‪ ،‬أو‬
‫تنوي املرأة ذلك‪ ،‬سواءً كان من إنزال من‪ ،‬أو كان من التقاء اخلتانني‪ ،‬أو كان ابلنسبة للمرأة‬
‫من حيض أو نفاس‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬فمن اغتسل للتبد ومل ينوي رفع احلدث ال يكون هذا‬
‫مبيحا له للصالة‪ ،‬من جامع أهله مث نسي هذا األمر‪ ،‬مث قام‬
‫افعا له للحدث‪ ،‬أو ً‬ ‫الغسل ر ً‬
‫فاغتسل على عادته ومل ينوي بذلك رفع احلدث؟ فإن هذا االغتسال منه ال يرفع احلدث عنه‪،‬‬
‫وال يبيح له أمر الصالة‪ ،‬إذن ال بد من النية‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه‪ ،‬الصحيح يف هذا أن إزالة النجاسة ليست من‬
‫موجبات الغسل‪ ،‬إزالة النجاسة هي فرض وأمر واجب‪ ،‬لكن ال تعد من موجبات الغسل‪ .‬ما‬
‫الدليل على إزالة النجاسة؟‬
‫‪11‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫ما جاء يف أثر عائشة حينما سألت النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬عن غسل احلائض‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((تخذ إحداكن ماءها وسدرهتا‪ ،‬فـتطهر فـتحسن الطهور‪ ،‬مث تصب على رأسها فـتدلكه دل ًكا‬
‫شدي ًدا حَّت يـبـلغ شؤون رأسها‪ ،‬مث تصب عليـها املاء‪ ،‬مث تخذ فـرصةً ممسكةً فـتـتطهر هبا))‪،‬‬
‫وملا جاء يف احلديث يف وصف فعله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬قال‪(( :‬وغسل فـرجه وما أصابه‬
‫من أذى))‪ ،‬إذن جيب على االنسان أن يغسل النجاسة؛ سواءً كانت يف بدنه‪ ،‬أو كانت يف‬
‫ثوبه‪ ،‬أو كانت يف حمل صالته‪ ،‬هذا األمر واجب‪ ،‬لكن ليس هذا من فرائض أو من موجبات‬
‫الغسل‪.‬‬
‫مث قال بعد ذلك‪ ،‬األمر الثالث‪ :‬وإيصال املاء إىل مجيع الشعر والبشرة‪ ،‬ال يتعلقون الشعر‬
‫شعر الرأس فقط‪ ،‬بل مجيع شعر اجلسد‪ ،‬وال يتعلق ابلشعر اخلفيف أو الكثيف‪ ،‬بل يغسل‬
‫اجلميع ويصل املاء إىل شؤون الرأس‪ ،‬إىل أصل الرأس‪ ،‬وإن كان هناك حائل من وصول املاء‬
‫سواءً يف طالء األظفار أو غري ذلك؛ فإن هذا ال يصح معه الغسل‪ ،‬بل البد للمرأة خاصة أن‬
‫تزيل كل حائل يول دون وصول املاء إىل بشرهتا‪ ،‬أو إىل جسدها‪ ،‬واملرأة كذلك تنقض شعرها‬
‫للحاجة إىل وصول املاء اىل شؤون رأسها‪ .‬ما الدليل على االغتسال كامالً؟ يعن االنسان‬
‫يغتسل كامالً من سواءً من حدث أو حنو ذلك؟‬
‫هو ما جاء يف احلديث أنه؛ "‪-‬صلى اَّلل عليه وسلم‪ -‬كان إذا اغتسل من اجلنابة يـبدأ فـيـغسل‬
‫يديه‪ ،‬مث يـفرغ بيمينه على ِشاله فـيـغسل فـرجه‪ ،‬مث يـتـوضأ وضوءه للصالة‪ ،‬مث أيخذ املاء‬
‫فيدخل أصابعه يف أصول الشعر‪ ،‬حَّت إذا رأى أن قد استبأ حفن على رأسه ثالث حفنات‪،‬‬
‫مث أفاض على سائر جسده‪ ،‬مث غسل رجليه"‪ ،‬وهذا هو الصفة الواردة‪ ،‬جاء هناك حديث‬
‫أن‪(( :‬من تـرك شعرة من جنابة مل يـغسلها فعل هبا كذا وكذا من النار))‪ ،‬ولكن احلديث هذا‬
‫ال يصح‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫وعلى كل حال فيجب على الرجل وعلى املرأة يف غسل اجلنابة أن يعمم جسده ابملاء‪ ،‬وأن‬
‫يصل املاء إىل مجيع الظاهر من جسده‪ ،‬وأن ال يكون هناك حائل يول دون وصول املاء‪.‬‬
‫مث قال بعد ذلك‪ :‬وسنـنه خسة أشياء‪ ،‬أي سنن الغسل‪ ،‬بعد أن انتهى من ذكر الواجبات أو‬
‫وال‪ :‬التسمية‪ ،‬يعن بسم هللا‪ ،‬أو بسم هللا الرمحن‬
‫الفرائض انتقل إىل مسألة السنن‪ ،‬فقال‪ :‬أ ً‬
‫الرحيم‪ ،‬والصحيح أنه ال دليل على خصوص كون التسمية سنة من سنن الغسل‪ ،‬إال عموم‬
‫األدلة يف التسمية قبل البدء ابلعمل‪ ،‬اإلنسان إذا بدأ بشيء يقول‪ :‬بسم هللا‪ ،‬لكن ال يوجد‬
‫دليل على خصوص التسمية فيما يتعلق ابلغسل‪ ،‬وأما يف الوضوء فقد سبق معنا ذكر ذلك‪،‬‬
‫أما حديث‪(( :‬كل أمر ذي ابل ال يـبدأ فيه ببسم هللا الرمحن الرحيم فـهو أقطع))‪ ،‬فهذا‬
‫احلديث ال يصح‪.‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬والوضوء قبله‪ ،‬الوضوء قبل الغسل يعن قبل أن يعمم جسده ابملاء على ما‬
‫ورد يف الصفة أن يبدأ ابلوضوء‪ ،‬طيب‪ ،‬ملاذا البدء ابلوضوء؟ ألن هذا الوارد يف سنة النيب ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬ملا جاء يف حديث عائشة وحديث ميمونة؛ "كان ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬إذا اغتسل من اجلنابة غسل يديه‪ ،‬مث توضأ وضوءه للصالة‪ ،‬مث اغتسل‪ ،‬مث خيلل بيده‬
‫شعره‪ ،‬حَّت إذا ظن أن قد أروى بشرته أفاض عليه املاء ثالث مرات" احلديث‪ ،‬إ ًذا هذا من‬
‫السنن الواردة قبل الغسل‪ ،‬وهذا من الصفة الكاملة للغسل‪ ،‬اإلنسان يبدأ ابلوضوء مث بعد‬
‫ذلك يغتسل‪ ،‬ولو أنه عمم جسده ابملاء كامالً فإن هذا جيزئه‪.‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬وإمرار اليد على اجلسد‪ ،‬إمرار اليد على اجلسد املراد بذلك التأكد‪ ،‬والتبني‬
‫من وصول املاء إىل مجيع جسده ليحصل اإلنقاء للبشرة‪ ،‬ويصل كذلك بل الشعر‪ ،‬وإدخال‬
‫املاء يف أصول الشعر‪ ،‬وينظر كذلك اإلنسان يف وصول املاء إىل ما بني أصابعه‪ ،‬وجهة فرجه‪،‬‬
‫وبني إبطيه‪ ،‬وحنو ذلك من األماكن اليت قد ال يصل إليها املـ ـاء إال بعناية‪ .‬وه ـل جيب الدلك‬
‫‪13‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫لكامل اجلسد؟ أم يكفي التيقن من وصول املاء؟ الصحيح يف ذلك أنه لو تيقن اإلنسان من‬
‫وصول املاء إىل مجيع جسده فال جيب عليه الدلك لكل موضع‪ ،‬قد جاء يف احلديث‪(( :‬إمنا‬
‫يكفيك أن حتثي على رأسك ثالث حثـيات‪ ،‬مث تفيضني عليك املاء فـتطهرين))‪ ،‬طيب بعضهم‬
‫قال‪ :‬إن الدلك يكون للرأس للشعر الكثيف؛ الذي قد مينع وصول املاء حَّت يتيقن اإلنسان‬
‫وصول املاء إىل رأسه‪.‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬واملواالة‪ ،‬يعن املواالة الذي هو التتيب بني هذه األعضاء‪ ،‬والصواب يف‬
‫ذلك‪ :‬أن هذا من السنن‪ ،‬واإلنسان نعم ال يتعمد املخالفة‪ ،‬وهي مسألة مهمة يف احلقيقة! إذا‬
‫ثبت عن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬شيءٌ من املسائل فال ينبغي لإلنسان أن يتعمد‬
‫املخالفة؛ ولو كان األمر على وجه االستحباب‪ ،‬فاهلل ‪-‬جل وعال ‪-‬قال‪﴿ :‬لقد كان لكم يف‬
‫رسول اللـه أسوةٌ حسنةٌ﴾ [األحزاب‪ ،]21:‬واإلنسان ينبغي له يف حال اإلمكان أن يرص‬
‫على متابعة سنة النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬؛ سواءً يف أمر الواجبات‪ ،‬أو حَّت يف أمر‬
‫سبب لتكه للمر!‬
‫املستحبات‪ ،‬ألن بعض الناس للسف الشديد رمبا معرفته ابملستحب هو ٌ‬
‫إذا علم أن هذا األمر مستحب فيتكه! ال‪ ،‬ليس هذا الصواب‪ ،‬بل معرفتك أبن هذا األمر‬
‫مستحب يدعوك إىل الفعل‪ ،‬وإىل االقتداء واالمتثال‪ ،‬واالتباع له ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫إذن املواالة هي سنة من سنن الغسل‪ ،‬ولو أن اإلنسان قدم شيء على شيء فال حرج يف‬
‫ذلك يف مسألة الغسل‪ ،‬وإن كان األصل أن اإلنسان ال يتعمد تقدمي شيء على آخر‪ ،‬ويرص‬
‫على متابعة سنة النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يف ذلك‪.‬‬
‫قال بعد ذلك‪ :‬وتقدمي اليمىن على اليسرى‪ ،‬األصل يف مسائل الوضوء أو يف مسائل الغسل؛‬
‫أن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬كان يقدم اليمىن على اليسرى‪ ،‬ويف املذهب جواز تقدمي‬
‫اليسرى على اليمىن‪ ،‬وإن كان الصواب يف ذلك أن يرص اإلنسان على تقدمي ما قدمه النيب‬
‫‪14‬‬
‫شرح متن أبي شجاع في المذهب الشافعي (‪)4‬‬
‫للشيخ د‪ .‬محمد بن غالب العمري ‪-‬حفظه هللا‪-‬‬

‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وعلى كل حال فهذه هي من سنن االغتسال‪ .‬بعد ذلك انتقل‬
‫املاتن ‪-‬رمحه هللا‪ -‬إىل مسألة االغتساالت املسنونة‪ ،‬وعلى هذا ‪-‬إن شاء هللا‪ -‬نقف‪ ،‬ونكمل‬
‫يف اللقاء القادم‪.‬‬
‫أسأل هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬للجميع التوفيق والسداد‪ ،‬واهلدى والرشاد‪ ،‬وصلى على نبينا حممد‬
‫تسليما كثريا‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫ً‬ ‫وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫‪15‬‬

You might also like