Professional Documents
Culture Documents
الاقتصاد السياسي
الاقتصاد السياسي
العلمـــــــــي
جــــــامعة التكويـن المتواصــل
دروس في مقياس
االقتصاد السياسي
اإلقتصاد السياسي
المقدمة
تحتوي عنوان هذه المادة على كلمتين :اإلقتصاد ،و السياسة ،فكلمة " اإلقتصاد" أتا بها أريسطوط aristote
( )1كان يقصد بهذه المفردة " علم قوانين اإلقتصاد المنزلي " أ ّما مفهوم " اإلقتصاد السياسي " بدأ إستعماله في القرن
السابع عشر بفرنسا ،و منذ ذلك العصر إنتشر إستعمال اإلصطالح " اإلقتصاد السياسي " الذي يعبر عن أحد فروع المعرفة
النظرية و المسمى عند " les anglosaxonesاإلقتصاد "
" "economicsإذا فماذا نقصد باإلصطالح " اإلقتصاد السياسي "؟.
عرف محمد دويدار اإلقتصاد السياسي بأنه علم القوانين التي تحكم العالقات اإلقتصادية ،أي العالقات اإلجتماعية التي تنشأ
بين أفراد المجتمع بواسطة األشياء المادية و الخدمات " أي العالقات التي تخص إنتاج و توزيع األشياء العادية و الخدمات
بغية تلبية إحتياجات أفراد المجتمع.
الفصل األول
موضــوع اإلقتصاد السياسي
موضوع اإلقتصاد السياسي هو المعلرفة المتعلقة بالنشاط الخاص بإنتاج و توزيع المكنتجات و الخدمات التي يتطلبها
أفراد المجتمع ،و هذا النشاط يكتسي وجه عالقة مزدوجة ،عالقة بين اإلنسان و المحيط ،و عالقة بين اإلنسان و اإلنسان
،كما سيتضح لنا فيما بعد.
عملية اإلنتاج كعالقة بين اإلنسان و الطبيعة:
بينما الكائنات األخرى تعتبر جزء من الطبيعة ،اإلنسان كائن مقاوم للطبيعة ،مضاد لها ،ال يستسلم لقيودها بل
يبحث دوما على إمكانية التغلب على الطبيعة و التكيف معها ،إلشباع جاجاته العديدة
( ) les besoinsيتجه اإلنسان إلى الطبيعة ،اإلنسان له حاجات ،من أجل إشباعها يتحرك اإلنسان في محيطه يبذل جهدا ،
أو قوة ،بغية الحصول على الشيء أو على الخدمة التي يتطلبهاوجوده.
مجهود اإلنسان يختلف عن مجهود الكائنات األخرى ،لكونه مجهود واع ذا هدف و هو العمل ،وهو يعي مسبقا النتيجة التي
يوكله إليها جهده و األسبلوب الذي يبذل به هذا الجهد ،عندما يسيطر اإلنسان له هدف ،فيتصور الوسائل الالزمة لتحقيق
الهدف :مثال إذا أراد الفردان يستغل األرض من أجل إشباع حاجة غدائية فيقوم بعدد من األنشطة لتحقيق هذا المراد :تحديد
المساحة ،تحضير وسائل الحرث ،تحضير البذور ،ث ّم القيام بعملية الحرث
في مواعيد محددة حسب الموسم و المطر ،زرع المساحة ،وقايتها من األعشاب الضارة ،حمايتها من المواشي كي ال
تسودها ،و القيام بالحصاد في فصل الصيف و في الوقت المناسب ،ث ّم جمع الحبوب و طحنها لحصوله فيما بعد عن الخبز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1أكبر المترجمين ألرسطوط و المختص في فلسفته كان إبن رشد.
إذا الهدف المسطر في البداية كان الحصول مثال على الخبز و جميع الوسائل و األنشطة السابقة كانت تهدف كلها إلى
بلوغ هذا الهدف المتمثل في إشباع حاجة غدائية.
إذا إلشباع حاجاته ،اإلنسان مجبور على القيام بالعمل أي أن يحقق إنتاج موجه لتلبية حاجاته ،و هو هكذا الكائن الوحيد
الذي ينتج ما يحتاجه من أجل اإلستمرار في الحياة ،و بالتالي يتعلق األمر بعملية إنتاج مستمر عبر الزمن ،عندما ال تكفي
قواه البدنية إلشباع حاجاته المتطورة.
1
يستخدم اإلنسان أشياء مكملة ألطرافه ،يصممها من الطبيعة و هي تعتبر األدوات التي يستعملها في نشاطه بغية تحقيق
إشياع الحاجة ،و هي أدوات العمل ،مثل المحراث الذي يص نعه من خشب شجرة كحرث األرض و زرعها كي ينتج ما
يشبع حاجته من الخبز.
فجوهر عملية اإلنتاج إذن فهو عالقة اإلنسان بالطبيعة ،أي تحويل قوى الطبيعة من أجل إشباع حاجاته ،هذه
العملية هيعملية تفاعل نشط ذو تأثير متبادل بين اإلنسان و الطبيعة.
أن اإلنسان ال يعيش هذا التفاعل المتبادل وحده ،بل في و هذه العالقة بين اإلنسان و الطبيعة مثيرة للتغير و الحركة ،غير ّ
ّ
ألن اإلنسان " حيوان إجتماعي" ألنه ال يستطيع أن يحفظ وجود ه إال من خالل عمل اآلخرين عملية جماعة ،في مجتمع ّ ،
اإلنتاج عملية إجتماعية ،عملية العمل اإلجتماعي فهي محاولة مستمرة للحصول على الموارد الالزمة ،من الطبيعة ،
إلشباع حاجات الجماعة و أفرادها ،عمل أفراد الجماعة كل مع اآلخر يمثل لتعاون بينهم ،و عمل كل منهم لآلخر يتم في
صورة تقسيم العمل ،كل فرد يصبح مختص في جزء من عملية اإلنتاج .
إن تقسيم العمل رهني بتحقيق مستوى معين عن تطور القوى اإلنتاجية ،أي مستوى معين من إنتاجية العمل يمكنه من خلق ّ
فائض في المواد اإلستهالكية يصبح بالتالي عمل الفرد جزء من فائض في المواد العمل اإلجتماعي ،و مع نمو إقتصاد
الجماعة الذي يصاحب اإلتساع المستمر في حجم الجماعة ( العائلة ،القبيلة ،األمة )...و مع تعقيد تركيب هذا اإلقتصاد
تزيده درجة تقسيم العمل بين أفراد الجماعة.
على هذا النحو يتبين ّ
بأن اإلنتاج ال يتمثل فقط في العالقة بين اإلنسان و الطبيعة و إن ّما هو في الوقت نفسه عالقة بين اإلنسان
و اإلنسان ،األمر هنا يتعلق بمجموعة العالقات بين أفراد المجتمع في صراعهم مع الطبيعة ،في مقاومتهم للطبيعة في
العالقات المتعددة التي تنشأ بينهم ممثلة للعالقات اإلقتصادية ،أي العالقات اإلجتماعية التي تتم بواسطة األشياء المادية و
الخدمات .
أن العملية اإلقتصادية هي عملية إنتاج و توزيع الناتج اإلجتماعي ،الغاية النهائية في هذه العملية هو و من ثم يمكن القول ّ
إشباع الحاجات عن طريق بذل المجهود الذي يتبلور في منتجات قابلة إلشياع تلك الحاجات.
إن عالقات اإلنتاج هي روابط إجتماعية ألنها تتكون بين أفراد المجتمع ـ أو فئاته ،أو طبقاته ـ إنها إقتصادية لكونها تتم ّ
بواسطة الشياء المادية و الخدمات ،و تتم في أثناء اإلنتاج بواسطة وسائل اإلنتاج فهي الروابط التي تحدد موقف كل فرد (
أو فئة ،أو طبقة ) في مواجهة اآلخر إزاء وسائل اإلنتاج أ ّما إذا كان مسيطرا عليها بفضل الملكية أو مبعدا عنها ) ،هذه
تكون معها شكال إجتماعيا لعملية العالقات تتواقف هي األخرى مع مستوى تطور قوى اإلنتاج الموجودة في المجتمع ،التي ّ
اإلنتاج ( و التوزيع ) ،يميز مرحلة معينة من مراحل تطور المجتمع اإلنساني.
بتعريفنا للعملية اإلقتصادية ،عملية النشاط اإلقتصادي ( ،نشاط اإلنتاج و التوزيع ) في أشكالها اإلجتماعية المختلفة ،يتحدد
لنا موضوع علم اإلقتصاد السياسي ،هذا الموضوع هو األفكار المتعلقة بالقوانين اإلجتماعية التي تحكم مجموع الظواهر
التي يمكن مالحظتها و التي تكون النشاط اإلقتصادي في المجتمع ،و هو نشاط يأخذ شكل عملية ذات بعد زمني و متكررة
عبر الزمن :هذه هي الق وانين اإلقتصادية أي العالقات التي تتكرر بإستمرار بين عناصر العملية اإلقتصادية ،القوانين
اإلجتماعية الخاصة بإنتاج المنتجات بالكيفية التي تجد بما هذه المنتجات سبيلها إألى األفراد يستخدمونها لتلبية حاجاتهم ،و هو
ما يحدث بأشكال تختلف من مرحلة إلى أخرى من مراحل تطور المجتمع.
أن علم اإلقتصاد السياسي هو علم متفلرع من العلوم اإلجتماعية بما بينها من إعتماد متبادل. يتضح لنا ّ
تكوين علم اإلقتصاد لم يتم بين عشية و ضحاها ،و إنما من خالل عملية تاريخية دارت و تدور ) بين إستمرار و إنقطاع و
تقدم من خالل التناقضات ،التقدم ال يجري على نحو خطى متواصل التعرف على المالمح العريضة لهذه العملية التاريخية
يزيد من دققة تحديدنا آلفاق هذا العلم و يسمح لنا بأن نذكر أسماء كبار مفكرية ،كما سيرد في الفصل التالي.
الفصل الثاني
تاريخ اإلقتصاد السياسي
المقدمة
البد من اإلشارة إلى اإلهت مام الذي نوليه لدراسة تاريخ العلم اإلقتصادي ،و قد تحقق لعلم اإلقتصاد وجود محترف به
من خالل عملية بطيئة تغطي الفترة التي تمتد من منتصف القرن السابع عشر حتى النصف األول من القرن التاسع عشر ،
2
إهتماممنا أساسا بتاريخ علم اإلقتصاد ينبؤنا بأنه صاحب نشأة طريقة اإلنتاج الرأسمالية ،المرحلة الرأسمالية التي يرتبط بها
علم اإلقتصاد الساسي.
3
تتميز طريقة اإلنتاج هذه ،التي بدأت في فرنسا ث ّم إنتشرت في المجتمعات األوروبية األخرى ّ ،
بأن عالقات اإلنتاج
اإلجتماعية تدور أساسا حول األرض التي تصبح البلورة المادية للملكية العقارية ،إذ هي ترتكز على إقتصاد يغلب عليه
الطابع الزراعي .
هذا األساس اإلقتصادي يقابله مجموعة من الروابط الشخصية عدد من العاملين ال يتمتع بحريته الشخصية ،فهم ليسوا من
العبيد و لكنهم أقنان ( )1مرتبطون بسيدهم من جهة و مرتبطون باألرض من جهة ثانية.
و كذلك يتميز التن ظيم السياسي لهذا المجتمع ،فالدولة موجودة وجودا غير متمركز في ممارسة السلطة ،و تجد طريقة
أن القن ( )SERFSوجد كنتيجة للتحرر الجزئي للعبيد . أن هذا ال يعني ّ
اإلنتاج هذه جدورها في المجتمع القديم ...غيلر ّ
و يرتبط توسع طريقة اإلنتاج هذه بتحول كبير في قوى اإلنتاج ،ففي تقنيات اإلنتاج الزراعي تمثل هذا التحول في إستخدام
أحسن للقوة المحركة للمياه الجارية ( تشغيل طواحين القمح و معاصرة الزيوت ) ،األمر الذي يسمح بتحرير اليد العامل
المنزلية و إمكان إستخدامها في أعمال أكثر إنتاجية .
كل هذا أدى إلى زيادة إنتاجية العمل الفالحي .
ما هي الصورة التي كانت توجد عليها الوحدة اإلقتصادية ؟.
الوحدات هذه كانت تختلف لكن اإلختالفات ال تغير من الحقيقة التي تعكس الطابع التنظيمي العام للوحدات
اإلقتصادية ،و هو تنظيم إقطاعي.
كانت الوحدة اإلقتصادية ( اإلجتماعية ) الريفية تتمثل في " الضيعة " ،و هي و حدة إقتصادية إجتماعية تقوم على اإلنتاج
الطبيعي،و تهدف الى اإلكتفاء الذاتي.
في هذه المرحلة يكون وقت عمل المنتج( أسرة الفالح ) موزعا اذن بين عمل يحصل به على تحقيق اإلنتاج الالزم لعيشه و
لتجديد قوته البدنية للعمل،وعمل فائض يتبلور في كمية من الناتج (الناتج الفائض) يعيش عليها الشريف( ) le noble
صاحب األرض ،أي يتبلورفي الريع العيني.إال أنه ليس من الضروري ان يستنفذ الريع كل فائض عمل عائلة الفالح ـ أي
العمل الذي يزيد على العمل الالزم النتاج ما هو ضروري لمعيشة العائلة.كما أن هذا الشكل للريع( العيني ) يتيح الفرصة
لظهور فروق في الوضع اإلقتصادي للمنتيجين األفراد أو على األقل لظهورامكانية هذا التباين(وكذا إمكانية ان يكتسب المنتج
وسائل استغالل عمال آخرين بطريقة مباشرة .االمر الذي يعني ظهورالتميز اإلجتماعي بين الفالحين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(DES SERFS )1
SERVITUDE
في مرحلة تالية مرتبطة بنمو التجارة والمدن و استخدام المنتجات الحرفية ظهر الريع العيني يتحول الى ريع في
شكل نقود .هنا يتخلى المنتج المباشر للشريف ليس عن جزء من الناتج الزراعي الذي حققه ،وإنما عن ثمنه(ثمن هذا
الجزء).يبقى اذن انتاجه الكلي ينقسم الى الجزء األكبر الذي ينتفع به هو وأسرته و جزء أقل يعرضه في السوق لكي يدفع
النقود المقابلة للشريف.
4
و هكذا بدأت طبيعة طريقة اإلنتاج الزراعي تتحول ،في مجموعها .غير أن المنتج المباشر ال يزال غير مالك لألرض.أ ّما
ملكية وسائل اإلنتاج(غير األرض) االخرى و الموشي ،فقد تحولت الى المنتج المباشر شيئا فشيئا .واضح أن التحول يتم في
داخل طريقة اإلنتاج اإلقطاعية نفسها و ان كانت تتفاعل معه عوامل أخرى ،كنمو المدن و التجارة .فالتحول يتم من خالل
التناقض بين الفالحين و مالك األرض ،تناقضا ينعكس في صراع بينهم حول الناتج الفائض.
و كان الفالحون يضغطون بإستمرار على مالك األرض لكي يجولون أكبر جزء ممكن من الريع العيني إلى ريع
نقدي ،و بالتالي يستطعون تراكم رأس المال في المزارع ،و عليه تستمر عملية التمييز اإلجتماعي في داخل فئة الفالحين :
أغنياء الفالحين الدين يرتبطون مباشرة بالسوق و يقومون بتركهم رأس المال في الزراعة ،و صغار الفالحين أو أفقرهم ،
الذين يجدون أنفسهم في موقف تبعية بالنسبة ألغنيائهم الذين يقومون بإستخدامهم في مقابل األجر.
مع هذا األساس اإلقتصادي يتشابك التركيب العلوي للهرم اإلجتماعي في الريف اإلقطاعي ،هذا التركيب يدور حول نوع
ملكية األرض.
أن من طبيعة طريقة اإلنتاج اإلقطاعية أن يتفرع أقوقيا بين إقطاعيات تمثل وحدات إقتصادية شبه مستقلة ،و يتضح حينها ّ
تتجزء الوحدة اإلقتصادية الواحدة بين وحدات إنتاجية صغيرة ( عائالت الفالحين ) ،و يتفرع المجتمع رأسا في شكل سلسلة
من عالقات التبعية تجعل من الصعب أن يتمثل المجتمع في دولة ممركزة.
ووصلت طريقة اإلنتاج اإلقطاعي هذه إلى حدودها في القرن الثالث عشر و برزت أزمة اإلقطاع إمتدت حتى القرن الخامس
عشر أدت األزمة إلى تفكك نظام اإلنتاج اإلقطاعي ،تسرع التفكك مع تطور طريقة اإلنتاج داخل الزراعة نفسها ،و ع
تطور المبادالت التجارية المرتكزة على اإلنتاج الحرفي الحضري.
و المدينة نفسها مازالت تحت سيطرة اإلقطاع السياسية ،و هي تقوم على النشاط التجاري و الصناعة الحرفية التي كان
يتغلب عليها في البداية طاب ع الصناعة المنزلية التي تكتسي شكل إنتاج المبادلة البسيطة ،و قد قام التنافس في المدينة في هذه
المرحلة بين التجار و الحرفيين ،و مع إزدياد عرض المنتجات الحرفية و مع توسع التجارة ،بدأ التجار في السيطرة على
النشاط الحرفي ،إنطالقا من هذا الوضع بدأ اإلنتاج الحرفي بدوره يعرف مستوى أعلى في تطور قوى اإلنتاج و يتحول نحو
اإلنتاج المخصص للمبادلة الذي يهدف إلى تركيم رأس المال النقدي.
و هكذا تتطور المدينة ،و قد قامت في أحضان اإلقطاع ،إذ بالتوسع األفقي لإلقطاع في الزراعة يكون قد استنفذ إمكانية في
زيادة اإلنتاج إستجاب ة للحاجات المتزايدة و خاصة حاجات طبقة النبالء في زيادة طلبهم على السلع اإلستهالكية الحرفية ،و
مع تطور المدن إمتاز سكانها ـ بالنسبة لسكان الريف ـ و أصبح لهم تنظيمهم و عليه أصبح الوضع المتميز يستند إلى عالقة
إقتصادية تمكن المدينة من إستغالل الريف من خالل أسعار اإلحتكار التي تفرضها المدينة و التي يمكنها من فرض التنظيم
الطائفي للتجارة و الحرف ،و أصبحت المدينة تحتكر أسعار المنتجات اآلتية من الريف الذي تستغله ،و هنا يكمن التناقض
بين المدينة و الريف الشيء الذي يكون إحدى التناقضات األساسية طوال فترة اإلنتقال من التكوين اإلجتماعي إلى التكوين
أن سكان المدينة كانوا يمثلون طبقة إجتماعية واحدة متجانسة ()1اإلجتماعي الرأس مالي ،لكن هذا ال يعني ّ
بين الدين و الفلسفة ،تقوم المحاولة على إستخدام الجانب اإلستنباطي من منهج أرسطوط في معالجة أوضاع المجتمع
اإلقطاعي .
---------------------------------------------------------------------
( )1هنا تجد مهدها كلمة برجوازية ( سكان القرى الكبيرة ())BOURGOIS , habitantsالتي تعني الطبقة
الرأسمالية ،التي تجد جدورها في سكان مدن المجتمع اإلقطاعي
هذا التناقض يصبح فيما بعد العالقة الدياليكتيكية األساسية في التكوين اإلجتماعي الرأسمالي.
تطور إنتاج المبادلة في هذا اإلطار ،و معه ومن خالل التناقض بين الطبقة اإلقطاعية و طبقة الفالحين من جانب ،و بين
طبقة التجار و الحرفيين من جانب آخر ولد التمييز اإلجتماعي في داخ الفالحين و الحرفيين ،و أدى إلى خلق عالقات إنتاج
جديدة :بين الفالحين األكثر إنتعاشا المرتبطين بالسوق و العمال الحرفيين .
الكنيسة التي كانت تسيطر على الحياة الفكرية في أروبا خالل مرحلة اإلنتاج اإلقطاعي كانت لها صلة بالنشاط الزراعي حيث
كانت الكنيسة من أكبر مالك لألرض.
5
في مرحلة ثانية أدى إنشغال الكنيسة بدءا من القرن الثاني عشر من النشاط التجاري للمنتجات الحرفية .
وعارضت مصالح هذا " المجتمع الزمني " المتمثل في المدينة و من هنا برز و تبلور فكر المدرسين ( ) 1الذي ازدهر في
الجامعات الوليدة لألروبا و التي كانت تدرس أساسا رجال الدين ،و يتمثل جوهر فكر المدرسين في محاولة التوفيق
هذا الفكر الذي يغلب عليه الطابع الديني م ّكن الكنيسة من أن تستمر في الضغط على الفكر الجديد لمجتمع المدينة
طوال ثالث قرون أخرى ،و في هذا اإلطار ولد بعض الفكر اإلقتصادي ،إرتكز على فكرتين أساسيتين :
ـ الفكرة األولى تدور حول إدانة الفائدة ،لكونها تشبه تلك التي تطرق إليها أرسطوط من قبل.
ـ الفكرة الثانية و هي أهم ،تدور حول الثمن العادل ( )2يتقبل الفكرة تحقيق البائع لربح " معقول " يسمح له بالحياة ،وفق
الطبقة اإلجتماعية التي ينتمي إليها ،و تكون حسب الفكر كل محاولة لتحقيق ربح أكبر من " الربح المعقول " مخالفة لقواعد
األخالق المسيحية .
هذا و قد شاهدت الفترة األخيرة من القرن الرابع عشر من فكر المدرسين تطور فكر إقتصادي ينشغل بقضايا القيمة و السعر
،ينشغل بمشكالت النقود و خاصة النقود المعدنية ،و بمشكالت التبادل مع الخارج و بالتدفقات مع الدول للذهب و الفضة ،
كما ينشغل بالفائدة ،و الربح .
2.1ـ الفكر اإلقتصادي عند العرب أثناء القرن الرابع عشر :
يمكن إعتبار المجتمع اإلسالمي في شمال إفريقيا في القرن الرابع عشر و الخامس عشر مجتمع يمارس اإلنتاج
الزراعي و كذا المبادالت التجارية الصغيلرة للمنتجات الزراعية و الحرفية
و مع إنتعاش التجارة و النشاط اإلنتاجي الحرفي تزدهر بعض المدن و تصبح مركزا للنشاط الفكري ،و تشهد القاهرة ،
وتونس و قسنطينة و تلمسان ،و فاس و غرناطة اإلهتمام بالفكر و ال سيما الفكر المتعلق بالتاريخ حيث يوجد الفكر
اإلقتصادي ،في إطار هذا الفكر اإلقتصادي نركز على مثالين من الفكر العربي بشأن نوعين من الظواهر اإلقتصادية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ األول يتعلق بالظواهر النقدية يستمد من فكر المقريزي ( )1و الثاني يخص ظاهرة القيمة كما يجللها إبن خلدون .
أوال :يهتم المقريزي بالمشكالت اإلقتصادية و يقدم لنا أفكار عن بعض الظواهر النقدية ،فمن وصفه لمختلف المجاعات
التي عرفتها مصر يبين لنا أننا ببحدة موقف يتميز بنقص في إنتاج قيم اإلستعمال ،أي نقص في المنتجات و السلع و إرتفاع
في أسعارها ،كل األسعار ،و هو نقص يرجع حسب المقريزي إلى أسباب طبيعية و أسباب غير طبيعية األسباب الطبيعية
ييفسرها بقلة مياه النيل في مصر و بعدم نزول المطر بالشام و العراق و الحجاز ،و غيره ،و الكوارث الطبيعية األخرى.
األسباب الغير الطبيعية ،هي أسباب إجتماعية ،بعضها سياسي و البعض اآلخر إقتصادي.
6
األسباب اإلجتماعية يعرفها كاآلتي.
3.1ـ السبب السياسي و يتمثل في فساد اإلدارة الذي يؤثر مباشرة على اإلنتاج في مجتمع لعبت فيه الدولة دائما دورا
محوريا ،يضاف إلى هذا الفساد و ممارسة السياسية اإلحتكارية من طرف الدولة ،ففي أثناء المجاعة توجد كميات كبيرة من
الغالل لدى " أهل الدولة " لكونهم يفرضون ضرائب معتبرة على المواطنين .
و الناس ال يستطعون الحصول على هذه الغالل إالّ بدفع أثمان معتبرة ألهل الدولة.
4.1ـ و السبب الثاني إقتصادي و يوجد في مجال اإلنتاج و يتمثل في زيادة كبيرة في الريع العقاري في الزراعة ،
إرتفاع أسعار البذور و أجور العمال العقاري في الزراعة ،إرتفاع أسعار البذور و أجور العمال ،و قد كان لكل هذه
العوامل أثار غير مالئمة على اإلنتاج الزراعي أدت إلى نقصانها ،ما يؤدي ،كما ورد عند المقريزي إلى إرتفاع أسعار
المنتجات الزراعية ،لكنه يضيق عامل آخر و هو مفسر كذلك إلرتفاع األسعار يتمثل في المظهر النقدي للحياة اإلقتصادية .
5.1السبب الثالث الذي هو سبب إقتصادي كذلك يتمثل في العامل النقدي فالمقريزي يجد في زيادة كمية النقود المطروحة
للت داول و خاصة بعض األنواع المعينة من النقود المعدنية ،سببا لإلرتفاع المستوى العام لألسعار ( لكونه يتكلم عن إرتفاع
أسعار كل السلع و الخدمات ).
و على هذا النحو يبرز المقريزي المعمل النقدي فيما يتعلق بكمية النقود ،على النشاط اإلقتصادي من خالل أثرها
على المستوى العام لألسعار.
و يكون بذلك من رواد " النظرية الكمية في قيمة النقود ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1المقريزي ،كبير مؤرخي مصر في العهد اإلسالمي و هو تلميذ إبن خلدون
من ناحية أخرى يالحظ المقريزي إختفاء النقود الفضية تاركة المجال للنقود النحاسية تتداول في أثناء فترة المجاعة بعد أن
ألن إرتفاع أسعار المنتجات يعني إنخفاض القوة الشرائيةكان النوعان من النقود يوجد جنبا إلى جنب في التداول ،و ذلك ّ
للنقود ،و هو ما يدفع األفراد إلى تفضيل تحويل القطع الفضية النقدية و إستخدامها كمعدن ( :أي في صناعة الحلي و
األواني ) في وضع يتميز بإرتفاع األسعار و بإستخدام عمليتين احدهما مصنوعة من معدن أثمن من معدن آخر تميل العملة
المصنوعة من المعدن الثمين إلى اإلختفاء من التداول النقديمفسحة المجال للعملة األخرى لتسود في التداول ،و هكذا تطرد
العملة الرديئة العملة الجيدة (.)1
و هكذا نجد في كتاب المقريزي عن التاريخ مثال للفكر اإلقتصادي العربي في هذا القرن فنجده في الفكر اإلقتصادي
إلبن خلدون ،المتعلق بالتاريخ و فلسفة التاريخ.
7
في إطار المجتمع في حركته التاريخية يهتم إبن خلدون بالظواهر اإلقتصادية و هي نشاط يعتبره أساس العمران و هو يرى
أن ثروة األمم تكمن فيما تنتجه من الضائع و الحرف هذه األموال أو المنتجات منها ما هو ضروري و ما هو كمايلي . ّ
و يقوم حسب إبن خلدون ،هذا النشاط اإلقتصادي على تقسيم العمل ،و األمر يتعلق بالتقسيم الحرفي للعمل .
و درس الكاتب الضائع و الحرف دراسة تفصيلية.
أن كل كسب هو في النهاية نتاج العمل و بدون العمل اإلنساني ال ربح و ال إنتفاع ، أ ّما فيما يتعلق بالقيمة أنه يؤكد ّ
فالعمل هو ،في نظر إبن خلدون مصدر القيمة ،و المنفعة هي شرط القيمة كما ورد في كتابه أي أنه لكي يكون للسلعة قيمة
يتعين أن تكون مطلوبة من المجتمع من أجل تلبية حاجة معينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(LA MAUVAISE MONNAIE CHASSE LA BONNE )1
8
9