Professional Documents
Culture Documents
بعد التطرّ ق لتعريف الفلسفة وأبرز مواضيعها المتناولة بالتأمّل والدراسة ،ث ّم المناهج
المعتمدة فيها والهدف من وراء اإلستعانة بها من قبل العلم ،تجدر اإلشارة حاليا إلى عالقتها
بعلم اإلقتصاد ،ولكن الضرورة المنطقية تفترض بداية الوقوف أمام هذا العلم بالتعريف ،ثم
المنهج ،وأخيرا األهداف المسّطرة له.
/1تعريف اإلقتصاد.
أ – التعريف اللغوي:
:Economicsكلمة يونانية إستعملها المؤرّ خ اليوناني " زينوفن " كعنوان لكتابه
Economicusوبالتالي تم إستعمالها ألول مرة عام 400قبل الميالد تقريبا ،والتي تعني فن
إدارة البيت ،أي األسلوب الناجح في تدبير وتسيير شؤون البيت ،ولما تكوّ نت الدولة أصبح
المعنى اللغوي لإلقتصاد ال يقتصر على التوفير للمال وإ ّنما تدبير شؤون المال إمّا بتكثيره أو
تأمين إيجاده أو توزيعه ،ومن هنا إرتبط اإلقتصاد بكلمة مادة.
وكلمة إقتصاد في اللغة العربية مشتقة من قصد .ولها عدة معان ،ولكن يهمنا منها ما له
صلة بالمال واإلنفاق ونحوهما ،والقصد هو اإلعتدال في السلوك كله ،لقوله تعالى ":وأقصد
في مشيك" (سورة لقمان .) 19 :ولقد جاء في لسان العرب إلبن منظور :أنّ القصد في الشيء
خالف اإلفراط وهو ما بين اإلسراف والتقتير ،والقصد في المعيشة أن ال يسرف وال يقتر،
يقال فالن مقتصد في النفقة ،وقد إقتصد فالن في أمره ،أي إستقام ،بمعنى التوسّط واإلعتدال.
األولى Economy:وترجمت إلى " إقتصاد "ولقد جاء في قاموس أكسفورد الشهير أ ّنها
تعني ":العالقة بين اإلنتاج والتجارة وعرض النقود في دولة أو إقليم مح ّدد".
الثانية Economics :وترجمت إلى " علم اإلقتصاد " أو الدراسة المنهجية لإلقتصاد.
ب – التعريف اإلصطالحي:
يعرّ فه آدم سميث في كتابه ثروة األمم ":1776علم البحث عن الوسائل التي يمكن من خاللها
تكوين وتجميع الثروة".
أمّا جون إستيوارت مل فيعرّ فه بقوله أ ّنه ":العلم الذي يبحث في إنتاج وتوزيع الثروة".
أمّا جان باتيست ساي فيعرّ فه قائال ":اإلقتصاد هو العلم الذي يدرس إنتاج وتداول وتوزيع
وإستهالك الثروة".
يأتي اإلقتصادي الفرنسي " بيرو " في مقدمة اإلقتصاديين الذين إعتبروا بأنّ علم اإلقتصاد هو
علم المبادلة ،ذلك أنّ اإلنسان في المجتمع محكوم بمبدأ التخصّص ،فال ينتج إاّل قسما من
حاجاته وال يستطيع بذلك أن يشبع من رغباته ،لذا الب ّد أن يحصل على جزء ممّا ينتجه الغير
فالمبادالت أساس النشاط اإلقتصادي.
فالظاهرة اإلقتصادية تقوم على المبادلة ،فعلم اإلقتصاد يهتم بدراسة عمليات التبادل التي يتخلّى
الفرد على ما بحوزته ليتحصل من فرد آخر على ما يحتاج إليه ،فنشاط المبادلة يسمح بقيام
الصلة بين اإلنتاج وإشباع الحاجات.
يعرّ فه اإلقتصادي الفرنسي ريمون بار ":علم يدرس الموارد النادرة وأشكال تحويل هذه
المواد ،ويبيّن السبل التي يتبّعها األفراد والمجتمعات لمواجهة الحاجيات العديدة والتي ال حصر
لها ،بإستعمالهم وسائل محدودة".
علم اإلقتصاد :مجموعة من النظريات الفكرية التي تعتني بدراسة كيفية الحصول على الثروة،
وتوزيعها ،وعالقة الفرد معها لما تتميز به من ندرة في مقابل حاجاته الالمحدودة ،وعليه فهو
ّ
المنظم للقطاعات الثالث :التجارية ،الصناعية ،المالية. العلم المسؤول عن التحليل والسير
إذا كان لكل علم طرق بحث تتفق مع طبيعة موضوعه ،فعلم اإلقتصاد كذلك بدوره يستند إلى
المناهج العلمية المعروفة:
✔ المنهج اإلستنباطي (:التجريدي ،النظري) :ويع ّد اإلستنباط عملية عقلية يتم فيها
اإلنتقال من قضية إلى أخرى ناتجة والزمة عنها بالضرورة ،ويكون هذا اإلنتقال من
الكل إلى الجزء ،ويعني (اإلستدالل النازل) ،ويعتبر المنهج الرياضي الذي يقوم على
دراسة العالقة بين الكميات المتغيّرة ويستخدم لفظ " دالة " للتعبير عن هذه العالقات
بين مختلف المتغيرات ،من أبرز أدوات التحليل اإلقتصادية الذي يعتمد عليه المنهج
اإلستنباطي.
ّ
ويمثل اإلستقراء عملية منطقية يخلص ✔ المنهج اإلستقرائي (:التجريبي ،الواقعي):
بواسطتها من الوقائع الفعلية إلى القوانين العامة التي تحكم الظاهرة قيد الدراسة،
ويكون اإلنتقال فيها من الجزء إلى الكل ،يعني (اإلستدالل الصاعد) ،ويعتبر المنهج
التاريخي والمنهج اإلحصائي من أبرز أدوات التحليل اإلقتصادية التي يعتمد عليها
المنهج اإلستقرائي.
فالمنهج التاريخي يقوم أساسا على كونه أداة تحليل تفيد معرفة ما كان وتفسير ما هو
كائن ألجل توقع ما ينبغي أن يكون ،وذلك بالكشف عن القوانين الثابتة والمتكررة
التي تحكم العالقات بين مختلف الظواهر اإلقتصادية.
أمّا المنهج اإلحصائي فهو أداة تحليل تقوم على القياس الدقيق لحجم وكمية الظواهر
اإلقتصادية إلستخالص القوانين اإلقتصادية.
– 3أهدافه:
✔ يهدف إلى إيجاد الطرق المناسبة لزيادة حجم الثروات من خالل تطوير وإبتكار طرق
وأنشطة إنتاجية جديدة في جميع المجاالت الزراعية والصناعية والتجارية ،ولذلك تدعم
الشركات جزء كبير من ثرواتها في األبحاث والتطوير آلالت ومنتجات جديدة.
✔يهدف إلى تنظيم مصادر تحقيق الدخل وكيفية التصرف فيه عن طريق إستهالك جزء
من هذا الدخل إلشباع الحاجات والرغبات المختلفة ومحاولة إ ّدخار جزء منه
كإحتياطي.
✔يهدف إلى دراسة آليات تحقيق أهداف الفرد والمجتمع اإلقتصادية من خالل العرض
والطلب في األسواق الحرة ،والعوامل األخرى المختلفة التي تؤثر في األسواق مثل
ّ
تدخل الحكومات لتنظيم األسواق واألسعار وبعض الممارسات اإلحتكارية أو األزمات
المختلفة.
✔يهدف إلى اإلعتناء بالمشكالت اإلقتصادية للفرد والمجتمع مع محاولة إقتراح ووضع
الحلول المناسبة لها ولو كان بتقديم اإلختيار بين عدة بدائل في إطار اإلمكانيات
المتاحة.
✔يهدف إلى تحقيق ال ّنمو اإلقتصادي وتطوّ ره على الصعيدين المحلّي والعالمي مع توفير
األمن اإلقتصادي والتوزيع العادل للثروة والدخل.
إنّ الحديث عن العالقة الموجودة بين الفلسفة واإلقتصاد يفرض منطقيا الحديث عن العالقة
بين اإلقتصاد واإلبستمولوجيا ،حيث أ ّنه إذا تم األخذ بكون علم اإلقتصاد كان من بين العلوم
المتضمّنة في الفلسفة لفترة ماضية ولو على شاكلة أفكار إقتصادية أين كانت تسمّى بــــ" أم
العلوم " ،فإنّ هذا ما ينتج عنه حاليا بعد أن إستقل كعلم قائم بذاته وله منهجه الخاص وأهدافه
إرتباطه مج ّددا بالفلسفة ولكن في تجلّيها الجديد أين أضحت تسمّى بــــــ " فلسفة العلوم " أو ما
يعرف بــــــ " اإلبستمولوجيا " لتناسب هذه األخيرة مع السمة العلمية لإلقتصاد.
وهو األمر الذي سنبرزه كرونولجيا ،من خالل اإلشارة إلى عالقة الفلسفة بعلم اإلقتصاد
أوّ ال ،ثم عالقة علم اإلقتصاد باإلبستمولوجيا ثانيا.
✔ إذا كانت الفلسفة في أساسها تعبّر عن مجموعة من األفكار التي ينتجها العقل بعد التأمّل
في كل ما يحيط به في هذا العالم الخارجي ،فإنّ هذه األفكار ذات الطابع النظري
والتجريدي لها إرتباط بالواقع وما مايحتويه ،وفي المقابل إذا كان اإلقتصاد في أساسه
ّ
ممثال للثروة أو المادة الموجودة في الواقع والتي بواسطتها يلبّي اإلنسان حاجاته ،فإنّ
الفلسفة من هذا المنطلق يعبّر عنها بالفكرة أمّا اإلقتصاد بالمادة ،وإذا كانت هناك عالقة
جدلية بين العقل والمادة أو بعبارة أخرى بين الفكر والواقع ،فإنّ العالقة بين الفلسفة
واإلقتصاد تتجسّد في العالقة بين الفكر والواقع ،فالفلسفة تق ّدم له الفكرة التي تساعده في
طرح المشكالت التي يعاني منها مع محاولة تقديم الحلول لها ،أمّا اإلقتصاد فيق ّدم لها
المادة الموجودة في الواقع التي ّ
تتخذ منها الفلسفة موضوعا لدراستها.
✔ إذا كانت الفلسفة تفكير يعبّر عن واقع اإلنسان بكل مشكالته اإلقتصادية ،السياسية،
اإلجتماعية ،الثقافية ،التربوية ،التاريخية ،الدينية ،وكانت هذه األفكار ترتبط كلها
باإلنسان ذاته ،فإ ّنه بالضرورة كل مشكلة فيها لها عالقة بالمشكلة األخرى وبحركة
جدلية ،ما يؤ ّكد على أن الفلسفة ترتبط باإلقتصاد ليس في التنظير فقط وإ ّنما بربطه
بجميع العلوم األخرى ،من سياسة وأخالق ودين وإجتماع ومنطق ولغة وغير ذلك من
العلوم.
✔ وعلى هذا األساس وجب التفرقة بين مفاهيم أساسية تخص اإلقتصاد وهي :التاريخ
اإلقتصادي ،تاريخ عصر اإلقتصاد ،وتاريخ الفكر اإلقتصادي.
/01التاريخ اإلقتصادي :الواقع اإلقتصادي ليس ثابت بسبب ما يرتبط به من ظروف اإلنتاج
والمواد المسؤول عن توزيعها والنظر القانوني لها ،هذا يعني أنّ التاريخ اإلقتصادي يشير إلى
ظروف اإلنتاج بكل مجتمع ومدى تطوّ رها،كما يشير إلى شكل التنظيم القانوني للعالقات
اإلقتصادية ،إذن التاريخ اإلقتصادي يختلف من دولة إلى أخرى لكن هذا ال يمنع من سيطرة
إ ّتجاهات عامة للتطوّ ر اإلقتصادي مثل اإلتصال بين الدول والشعوب الذي لم ينقطع في أيّ
وقت من األوقات في العالم مروراً بجميع المراحل ،فهناك مرحلة اإلقتصاد البدائي ،ومرحلة
اإلقطاع ،والرأسمالية التجارية ،ثم الرأسمالية الصناعية ،ثم اإلشتراكية وغيرها ،وكل هذا
يعني موضوعات التاريخ اإلقتصادي الخاص والعام.
/02تاريخ علم االقتصاد :يعني البحث في تطوّ ر التحليل اإلقتصادي سواء من حيث ظهور
نظريات جديدة ،أو تطوير النظريات القائمة ،أو أيضا ً تطوّ ر منهج الدراسة اإلقتصادية في
إستخالص النظريات والمبادئ ،أو تطوّ ر الوسائل المتاحة للتح ّقق من صحة هذه النظريات
وإختبارها ،إذن تاريخ علم اإلقتصاد يخضع لضوابط دراسة العلوم األخرى.
/03تاريخ الفكر االقتصادي :يتعلّق بتاريخ األفكار والخواطر التي واجهت اإلنسان في حياته
اإلقتصادية وليس بالضرورة أن يكون علمياً ،ألنّ هذا الفكر ظهر في الغالب مختلطا ً ومندمجا ً
مع أفكار سياسية بإعتبار أنّ المنهج العلمي اإلقتصادي لم يظهر إالّ حديثا ً لذلك كان تناول
المسائل اإلقتصادية بأسلوب تقديري ،حيث كان الحكم على المسائل اإلقتصادية ( خير أو شر )
يخضع إلعتبارات دينية وأخالقية ،وإلى اآلن فإنّ الفصل بين الدراسة العلمية للظواهر
لتأثر شخصية الباحث بالموضوع الذي يبحثاإلقتصادية واألحكام التقديرية لم يتح ّقق ،وذلك ّ
فيه والذي يوجّ ه نتائجه كما يرى حسب إعتقاداته وإنتماءاته الدينية والسياسية وغيرها.
أ -تعريف اإلبستمولوجيا.
/1التعريف اللغوي:
اإلبستمولوجيا لفظ مر ّكب من لفظين :أحدهما إبيستما ( )Epistemeوهو العلم ،واآلخر
لوغوس ( )Logosوهو النظرية أو الدراسة ،بمعنى أ ّنها نظرية العلوم ،أو فلسفة العلوم.
/2التعريف اإلصطالحي:
إنّ الفرق بينهما يعود إلى كون اإلبستمولوجيا لها عالقة بالمنطق من حيث دراستها لتركيب
القوانين العلمية ويميل إلى إستعمالها الفرنسيين ،بينما فلسفة العلوم لها عالقة بنظرية المعرفة
من حيث كونها جزء من فلسفة التطوّ ر ويميل إلى إستعمالها اإلنجليز.
ب -عالقتها باإلقتصاد.
✔ علم اإلقتصاد لم ينشأ دفعة واحدة ،ولكن النظرية نشأت تدريجيا ً نتيجة محاوالت
فكرية متتابعة إختلط فيها التحليل اإلقتصادي مع العديد من األفكار األخرى،
وبالتالي فإنّ فهم تاريخ علم اإلقتصاد ال يمكن أن يكون بمعزل عن تطوّ ر الفكر
اإلقتصادي بصفة عامة ،ويمكن إعتبار تاريخ العلم اإلقتصادي هو تاريخ تخلّص
األفكار اإلقتصادية النظرية من العناصر الغير علمية بمجرد تطبيقه للمنهج العلمي،
وهنا تبدأ عالقة علم اإلقتصاد باإلبستمولوجيا.
✔ علم اإلقتصاد الذي أصبح علما مستقال بنفسه ومنهجه ،وبحكم إهتمامه بالمستقبل
نظرا لخضوعه للصيرورة التاريخية المتغيرة والمرتبطة بتغير الزمان والمكان،
فإ ّنه بحاجة إلى آلية تسنده لتقديم الجديد وكل ما يتعلّق بالتحليل اإلقتصادي المساير
للراهن والمحاول لحل األزمات والمشكالت اإلقتصادية وتقديم البدائل والحلول،
وذلك من خالل الممارسة النقدية لمبادئه وفرضياته ونتائجه في مختلف أفكاره
ونظرياته اإلقتصادية والحرص على الترابط واإلنسجام المنطقي فيها قبل نزولها
للواقع وتطبيقها فيه ،وهذه اآللية تتو ّفر في اإلبستمولوجيا ،بإعتبارها دراسة نقدية
ألسس وفرضيات ونتائج كل علم.
✔ وعن الممارسة النقدية لإلبستمولوجيا والتي يحتاجها علم اإلقتصاد يقول إيمانويل
بيكافي ":في مجلة " الفلسفة اإلقتصادية " ير ّكز اإلهتمام على األعمال التي
تتساءل بأسلوب عقلي نقدي ومد ّلل بصالبة حول المشاكل الفلسفية المثارة من
النشاط اإلقتصادي ،على سبيل المثال ،بعض أعمال تاريخ الفلسفة أو تاريخ الفكر
اإلقتصادي تثير أو تع ّمق مواضيع من الفلسفة اإلقتصادية".
✔ في القرن العشرين الخيارات الكبرى لفلسفة العلوم أو اإلبستمولوجيا كان لها أثر
على صيرورة تاريخ العلوم اإلقتصادية ،أي يمكن القول أنّ ثمّة " تبادال
لإلشكاليات " بين الفلسفة والعلوم اإلقتصادية ،هذا التبادل الذي يدل بوضوح على
ثمرة اإلنفتاح على الفلسفة من وجهة نظر اإلقتصاديين ،وهذا على األرجح هو ما
يهم أكثر إن كنا نتساءل عمّا يمكن أن تمنحه الفلسفة لإلقتصاد اليوم ،فلقد منح
بعض الفالسفة مادة خام للعلوم اإلقتصادية ،فالنظرية الفلسفية للقياس كانت هامة
في تطوير النظرية اإلقتصادية لدااّل ت الرفاهية ،وبعض األسئلة التي طرحت أو
تش ّكلت داخل العلوم اإلقتصادية إنطالقا من أسئلتها الخاصة تع ّد ذات نفع كبير
للفلسفة األخالقية والسياسية ،ففي علم اإلقتصاد يرتبط اإلهتمام بأسئلة األخالق
تقليديا بإقتصاد الرفاهية أو اإلقتصاد المعياري ،وقد كان سيؤ ّدي ظهور " إقتصاد
الرفاهية الجديد" مع تركيزه النموذجي على معيار الكفاءة ،إلى إفقار حاسم للفكر
اإلقتصادي في هذا الصدد.
✔ أخيرا يؤ ّكد إيمانويل بيكافي في التأكيد على العالقة بين الفلسفة واإلقتصاد
واإلبستمولوجيا على أنّ الصعوبات التي يواجهها التخطيط اإلقتصادي ،تأتي
الفلسفة اإلقتصادية التي هي مزيج بين الفلسفة واإلقتصاد أو اإلقتصاد
واإلبستمولوجيا لوضع ما هو أشبه بالدليل الواجب إ ّتباعه لحل هذه الصعوبات
وتطوير هذه " األساسات " بما يناسب الزمان والمكان والظروف العامة للبلد.
يمكن القول بأ ّنها النظرية اإلقتصادية التي تهتم بالقضايا والمشكالت ألجل توضيحها
وتحليلها ومسائلتها ونقدها في سياق حاالت ملموسة مستمدة من التاريخ اإلقتصادي أو األحداث
اإلقتصادية الفعلية وتاريخ األفكار اإلقتصادية .ومن بين األسئلة المطروحة في الفلسفة
اإلقتصادية نذكر :أي نوع من إ ّدعاء الحقيقة الذي أدلت به النظرية اإلقتصادية ؟ كيف يمكن
إثبات نظرية إقتصادية ؟ إلى أيّ مدى يمكن للنظريات اإلقتصادية بالمطالبة بمركز العلم ؟
تعتبر الفلسفة اإلقتصادية أو الفكر اإلقتصادي قديم قدم اإلنسان وكان متداخال مع
اإلعتبارات الفلسفية والدينية والسياسية ،أل ّنه ظهر في كتابات القدامى كجزء من الفلسفة
السياسية واألخالق ولم يكن فرع مستقل من فروع المعرفة ،ولم يقع الفصل بين البحث في
اإلقتصاد وفروع المعرفة األخرى إالّ حديثا ً عندما ظهر اإلقتصاد كعلم متميز الحدود ،فكيف
نشأ وما هي المراحل التي مرّ بها ؟
✔ إهتم الناس بالمسائل اإلقتصادية منذ القدم ،وفي البدايات األولى كان من بين أقدم النظم
اإلجتماعية ـ اإلقتصادية (النظم التي تتضمّن عوامل إجتماعية وإقتصادية مشتركة) نظام
العزبية ) نسبة إلى ْ
عزبة وتعني المزرعة التي فيها قصر الملك أو داره وتحيط به بيوت
الفاّل حين ،وقد هيّأ ذلك النظام الحلول للمسائل المتعلّقة بكيفية إنتاج السلع وتوزيعها في
مجتمع زراعي ،وتحت ذلك النظام ،يقوم مالّك األرض بتأجيرها للمستأجرين أو بإستخدام
العمّال للعمل على األرض مقابل أجر ،ومازال هذا النظام ساريًا في عالم اليوم في بعض
البلدان ،وقد بدأ نظام العزبية منذ نهاية اإلمبراطورية الرومانية ،وإنتشر في غرب أوروبا.
✔ بحلول القرن الثاني عشر الميالدي ،نمت المعارضة لذلك النظام ،وأ ّدى التطوّ ر
اإلقتصادي إلى نمّو المدن والدول ،حيث كانت لكل واحدة منها نظرتها المختلفة لمبدأ
تقسيم السلطة ،وقد تالشى النظام العزبي أوالً في غرب أوروبا ولك ّنه بقي في بعض
األجزاء األخرى من أوروبا حتى القرن التاسع عشر ،ففي القرون الوسطىكان النظام
اإلقطاعي والزراعة ،زامنه اإلسالم وظهوره ،وكان ابن خلدون في القرن الرابع عشر
ميالدي الرائد ،ومعظم المشتغلين باإلقتصاد من القرن الرابع عشر إلى غاية القرن
السابع عشر ت ّم إعتبارهم المؤسّسين الحقيقيّين لعلم اإلقتصاد.
✔ في القرن الخامس عشر إنهار عهد اإلقطاع ،ومن القرن الخامس عشر حتى القرن
الثامن عشر ظهرت أفكار جديدة لتنظيم الحياة اإلقتصادية ،بمعنى لم يتم تطوير النظريات
ّ
وتمثلت الرئيسية األولى الخاصة بإقتصاديات األمم إالّ في القرن السادس عشر الميالدي،
في أفكار المدرسة التجارية (المركنتلية) وظهرت في النصف الثاني من القرن الخامس
عشر إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر ،وقد آمن أصحاب النزعة التجارية أن
على الحكومة أن ُتمارس تنظيم النشاط اإلقتصادي لتحويل الميزان التجاري لمصلحتها،
والمدرسة الطبيعية (الفيزوقراطية) وظهرت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر،
تدخل الدولة في الحياة اإلقتصادية ،كما أ ّنهم كانوا
وكان الفيزوقراطيون يؤيّدون التقليل من ّ
أوّ ل من إستعمل عبارة " دعه يعمل" من بين اإلقتصاديين ،ليعني به عدم ّ
تدخل الحكومة،
ّ
المنظمة للكيفية التي تعمل بها األنظمة اإلقتصادية، كما أ ّنهم كانوا أوّ ل من بدأ الدراسة
وعموما قامتا هاتين المدرستين بتطوير وإضافة مفاهيم إقتصادية ساهمتا في قيام القومية
اإلقتصادية والرأسمالية الحديثة في أوروبا.
✔ أ ّدت الثورة الصناعية في الفترة الزمنية بين عامي 1760/1850إلى ظهور عهد جديد
من نمو القطاع اإلقتصادي ،أل ّنها جاءت نتيجة للتطوّ رات التكنولوجية الرائدة في أوروبا،
ظهور المحرّ ك البخاري ،تقنيات صهر حديد جديدة الفحم بدل الخشب ،السكك الحديدية،
السفن البخارية ،...ممّا أ ّدى إلى ظهور نظرية إقتصادية مترابطة المكوّ نات ،وعرفت بإسم
النظرية الكالسيكية ،التي إهتمت بطبيعة النشاط اإلقتصادي عند األفراد ،وأشارت إلى
إمكانية التنبّؤ بالنشاط اإلقتصاد اإلنساني بسهولة ،مقارنة مع كافة المظاهر السلوكية
األخرى عند األفراد ،وعليه فالنظرية اإلقتصادية لعلم مستقل لم تبدأ بشكل واضح إالّ مع
النظرية التقليدية في نهاية القرن الثامن عشر ميالدي وبداية القرن التاسع عشر
ميالدي.
✔ إذن ،علم االقتصاد حديث النشأة ويمكن إعتبار كتاب آدم سميث سنة ( 1776ثروة
األمم ) أول دراسة إعالمية منظمة لإلقتصاد السياسي ،غير أنّ هناك من يعتبر كتابات
الطبيعيين السابقة آلدم سميث لها منهج علمي ويمكن أن تكون ايضا ً منطلقا ً لعلم االقتصاد،
عموما ً هناك جدل حول تاريخ ميالد علم اإلقتصاد ولكن مهما كان هذا الجدل فإنّ علم
االقتصاد يبقى حديث النشأة.
منذ وجد اإلنسان على هذه األرض أدرك حقيقيتين هامتين :األولى ،أنّ حاجاته متع ّددة
ومتزايدة ومتج ّددة ويجد إشباعها في الخيرات التي تق ّدمها له الطبيعة ويستعمل في ذلك نشاطه
اإلقتصادي ،والثانية ،أنّ الموارد واألموال الموجودة والقادرة على إشباع هذه الحاجات
محدودة نسبيا إذا قيست بتلك الحاجات أي تعاني من الندرة ،وبالتالي فإنّ النشاط اإلنساني هو
ذاك النشاط اإلقتصادي الذي يسعى إلى مقاومة الندرة النسبية للموارد ،من خالل نشوء التعاون
بين أفراد المجتمع في سبيل اإلنتاج ،ليتم التخصّص وتقسيم العمل الذي يؤ ّدي إلى التبادل.
ولهذا تع ّد المشكلة اإلقتصادية أو مشكلة الندرة كما يطلق عليها بعضهم سبب نشوء علم
اإلقتصاد ،لذلك فإنّ مفهومها هو المدخل األساسي إلدراك العالقة الوثيقة بين الفرد والمجتمع
من ناحية ،والموارد اإلقتصادية من ناحية أخرى ،كما أ ّنها إحدى العوامل األساسية في ظهور
الصراع السياسي بالمجتمعات ،وكذلك فكرة قيام التنظيم السياسي (الدولة) ،فمن بين أهم
وظائف السلطة السياسية بالدولة هي التوزيع العادل للثروات.
في ما ّ
تتمثل هذا الموارد ؟ وما هي أنواعها ؟
/1الحاجات اإلقتصادية.
أ -تعريفها:
هي حالة نفسية تعكس الرغبة في الحصول على وسائل الزمة لبقاء وحفظ حياة اإلنسان.
ب -خصائصها:
⮚ قابلية الحاجة لإلشباع :وتقل حدة هذا الشعور إذا أشبع اإلنسان حاجاته ،فكلما إسترسل
في اإلشباع كما نقص الشعور بالحاجة وهو ما يعبّر عنه في علم اإلقتصاد بظاهرة
تناقص المنفعة الحدية.
⮚ النهائية الحاجات :إنّ حاجات اإلنسان ال تنتهي ،فإذا أشبع حاجة سرعان ما تظهر
أخرى ،في سلسلة ال متناهية.
⮚ نسبية الحاجات :تتميز بالتغير والتجدد من منطلق أنّ حاجات اليوم ليست نفسها حاجات
أمس أو الغد ،فهي إنعكاسات لضرورات حيوية أو نفسية بقدر ما هي تعبير عن
أوضاع إجتماعية تحكمها ظروف الزمان والمكان التي يشعر بها اإلنسان.
أ -تعريفها:
هي كل الوسائل المتاحة لإلنسان من موارد وخيرات الطبيعة ،والتي يستعملها في تلبية
حاجاته ،لذلك كانت الوسائل التي يملكها اإلنسان إلشباع حاجاته محدودة دائما ،بمعنى أنّ
اإلنسان يغيش في عالم الندرة.
ب -أنواعها:
⮚ الموارد الحرة( :غير اإلقتصادية ) ،وهي متوفرة في الطبيعة بكثرة وتكفي إلشباع
جميع الحاجات اإلنسانية وال ندفع ثمن مقابل للحصول عليها ،مثل :الشمس والهواء.
⮚ الموارد اإلقتصادية :وهي محدودة وغير كافية إلشباع كل الحاجات اإلنسانية أي أ ّنها
تتميّز بالمحدودية والندرة والنسبية ومعيار الندرة فيها هو وجود ثمن مقابل الحصول
عليها ،وتنقسم من حيث أصلها إلى:
/3موارد رأسمالية :وهي اآلالت والمع ّدات الالزمة إلنتاج السلع والخدمات الالزمة إلشباع
الحاجات.
المراجع المعتمدة:
األستاذة :درسوني.