Professional Documents
Culture Documents
الحمدُ هلل الذي َ
جعل محل نظره القلوب ال األبدان ،والصال ُة
والسال ُم األتمان األكمالن على نب ِّينا محمد س ِّيد ولد عدنان ،وعلى
آله وصحبه ذوي التقى واإليمان.
أما بعد:
َ
يسمعون كلم َة يسبق إلى أذهاهنم حينما
فكثير أولئك الذين ال ُ
ٌ
(االعتكاف) سوى اعتكاف الجسد يف بيت من بيوت اهلل ،فهو يف
منحصر يف مفهوم االعتكاف الحسي ،وهذا ْ
وإن كان من ٌ مخيلتهم
ِّ
شرائط االعتكاف إال أنه ليس هو مقصو َده ،فإن مقصو َده والغاي َة
اهلل َال َينْ ُظ ُر إ َلى
اعتكاف القلب الذي هو موضع نظر اهلل« :إن َ
ُ منه:
()1
ُص َورك ُْم َو َأ ْم َوال ُك ْمَ ،و َلك ْن َينْ ُظ ُر إ َلى ُق ُلوب ُك ْم َو َأ ْع َمال ُك ْم» .
الخير الذي
َ اهلل سبحانه
االعتكاف الذي أراده اهلل ؛ ولهذا علق ُ
ُيؤتيه عبدَ ه بالخير الذي يف قلب عبده ،فقال سبحانه﴿ :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [األنفال.]70:
السمة األوىل
قطع العالئق عن اخلالئق
وقطع
ُ ُ
وتفريغ القلب إن سر االعتكاف وغايته :الخلو ُة باهلل
أن يكون ُمنهم ًكا يف
بالم ْع َتكف ْ
الالئق ُ
ُ عالئقه بالخالئق؛ ولهذا كان
قبال على ر ِّبه بتخلية القلب هلل،
التنسك والعبادات الخاصةُ ،م ً
()1
واإللحاح يف طلب رضاه ،واإللحاف يف نيل مغفرته وعفوه ،كما
قال عطاء َ « :م َثل ُ
الم ْع َتكف كمثل رجل له حاج ٌة إلى عظيم،
برح حتى َت ْقضي حاجتي ،وكذلكيقول :ال َأ ُ
ُ فجل َس على بابه
يجلس يف َبيت اهلل يقول :ال َأ ْب ُ
()2
رح حتى ُي ْغ َفر لي» . ُ الم ْع َتكف
ُ
( )1اإللحاف :شدة اإللحاح يف المسألة .ينظر :هتذيب اللغة ( ،)46/5لسان العرب
(( )314/9لحف).
( )2ذكره السرخسي يف المبسوط ( ،)815/3وينظر :وظائف رمضان ص (.)75
حينما يعتكف الـقـلـب 8
()1
َيدْ ُخ ُل ُه» .
السمة الثانية
العيش مع القرآن
ُ
يتذوق وال غرو ْ
أن يجدَ المؤم ُن حيا َة قلبه يف تدبر القرآن؛ ألنه
ُ
فيعيش يف آفاق اآليات بتالوته المتأنية حالو َة المناجاة لكالم ر ِّبه،
التي يسري َر ْو ُحها يف خلجات قلبه ،فيجد حينها لقلبه حيا ًة أخرى،
ولقراءته لذ ًة ال َيص ُفها لسا ُنه ،وال ُت ِّ
دوهنا أقال ُمه ،وذلك لعظمة
ب َ
عقل المتدبر فرتق الخطاب الرباين وروعة جماله الذي َيس ُل ُ
نفسه ،و َي ُلفها سكينة وخشية ،فيتجلى للقلب من المعاين ما َي ُ
فيض ُ
ً
وجماال. ً
جالال نورا وغي ًثا ُيضفي على القارئ
ً
11 حينما يعتكف الـقـلـب
ِّ
إن االنطالق َة األولى للعيش مع القرآن ُ
تكمن يف تدبره وطول
التأمل يف آياته.
آياته ،فإهنا ُت ْطل ُع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما ،وعلى
()1
ُط ُر َقاتهما ،وأسباهبما ،وغاياهتما ،وثمراهتما ،ومآل أهلهما ،و َتتُل
يف يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة ،و ُت َث ِّب ُت قواعد اإليمان
يف قلبه ،وتشيد بنيانه و ُت َو ِّطدُ أركانه ،و ُتريه صورة الدنيا واآلخرة
والجنة والنار يف قلبه ،و ُت ْحـض ُر ُه بين األمم ،و ُتريه أيام اهلل فيهم،
ـص ُر ُه مواقع العرب ،و ُت ْشهدُ ُه عدل اهلل وفضله ،و ُت َع ِّر ُف ُه ذاته،
و ُت َب ِّ
وأسماءه وصفاته وأفعاله ،وما ُيحبه وما ُيبغضه ،وصراطه الموصل
إليه ،وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه ،وقواطع الطريق
وآفاهتا ،و ُت َع ِّر ُف ُه النفس وصفاهتا ،ومفسدات األعمال ومصححاهتا،
وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم ،وأحوالهم
وسيماهم ،ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة ،وأقسام الخلق،
واجتماعهم فيما يجتمعون فيه ،وافرتاقهم فيما يفرتقون فيه.
(َ )1يتُل :بضم التاء ،من الفعل ( َتل) ،ويقالَ :يتل بكسر التاء :ومعناه َصبه وألقاهُ .ينظر :النهاية
يف غريب الحديث واألثر ( ،)195/1وتاج العروس (.)138/28
حينما يعتكف الـقـلـب 14
()1
الغوص الح َكم والفوائد .وبالجملة فهو أعظم الكنوز ،طل ْس ُمه
()2
بالفكر إلى قرار معانيه» .
ومن أنفع الوسائل الم ُعينة على تدبر القرآن :ترديد اآليات ،فهو
السبيل إلى استدرار كنوز القرآن وأسراره.
عن أبي ذر قالَ « :قا َم النبي × بآ َية َحتى َأ ْص َب َح؛ ُي َر ِّد ُد َها
َو ْاآل َيةُ﴿ :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾
()3
[المائدة. »]118:
( )1الطلسم :هو اسم للسر المكتوم ،والمراد بذلك المعاين الدقيقة التي ال تظهر لغير المتعمق
يف الفهم والعلم والتوسم .ينظر :تاج العروس (.)25 ،24/33
( )2مدارج السالكين (.)451 ،450/1
( )3أخرجه النسائي ( )177/2رقم ( ،)1010وابن ماجه ( )429/1رقم ( ،)1350وأحمد (،309/35
)310رقم ( ،)21388والحاكم ( )367/1رقم ( ،)879وإسناده حسن.
( )4الربهان يف علوم القرآن للزركشي (.)471/1
15 حينما يعتكف الـقـلـب
()1
اآلية ،فليرددها» .
فإذا حصل الـ ُْم َؤ ِّثر :وهو القرآن ،والمحل القابل :وهو القلب
الحيَ ،و ُوجدَ الشرط :وهو اإلصغاء ،وانتفى المانع :وهو اشتغال
القلب وذهوله عن معنى الخطاب ،وانصرافه عنه إلى شيء آخر؛
()1
َ
حصل األثر :وهو االنتفاع والتذكر» .
إن من َة اهلل علينا عظيمة ،حين َأذ َن لمخلوقات ضعيفة مثلنا ،أن
« :ورد أن تناجيه من خالل كالمه العظيم ،قال ابن الصالح
المالئكة لم ُيع ُطوا فضيلة قرا َءة ال ُقرآن ،وهي حريصة لذلك على
استماعه من اإلنس ،فإذن قراءة ال ُقرآن كرامة أكرم اهلل هبا اإلنس،
()2
المؤمني َن من الجن بلغنا أهنم يقرؤونه ،واهلل أعلم» .
غير أن ُ
مختصرا.
ً ( )1الفوائد ص ()3
( )2فتاوى ابن الصالح ( ،)234/1وينظر :اإلتقان يف علوم القرآن (.)291/1
17 حينما يعتكف الـقـلـب
ومن الـ ُْمعينات على تدبر القرآن والعيش معه :الفرح به،
فمن َرا َم َف ْه َم القرآن؛
وقراءته بروح االستبشار والشعور بالفضلَ ،
فليقرأه قراءة فرح واستبشار؛ فإن ذلك من أعظم دواعي التدبر ،قال
تعالى يف وصف عباده المؤمنين﴿ :ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﭵ﴾ [التوبة.]124:
ُ «:
أهل الليل يف ليلهم ألذ من أهل وقال أبو سليمان الداراين
()2
أحببت البقاء يف الدنيا» .
ُ اللهو يف لهوهم ،ولوال الليل ما
وقال بعض السلف« :مساكين أهل الدنيا :خرجوا من الدنيا وما
أطيب ما فيها .قالوا :وما أطيب ما فيها؟ قال :محبة اهلل،
َ ذاقوا
واألُنس به ،والشوق إلى لقائه ،واإلقبال عليه ،واإلعراض َعما
()3
س َواه» .
ُ
العيش أعظم بواعثه
ُ وهذا الشوق واألُنس باهلل واإلقبال عليه،
مع القرآن وتدبره والتنعم بتالوته.
لقد فهم السلف الصالح هذا المعنى ووعوه؛ فأثمر ذلك لديهم
هم ًما طامح ًة لتخلية الذهن للقرآن يف مواسم النفحات ،وكان
لديهم بقراءته عجائب ،وكان ُيسمع لهم به َدوي كدوي النحل من
التأثر.
َ
العيش مع القرآن وتدبره وتفهم إن علينا جمي ًعا ْ
أن نستيق َن أن
معانيه والعمل به ،هو مقصود التالوة ،كما أدرك ذلك سل ُفنا
الصالح.
« :إن َمن كان قبلكم رأوا القرآن قال الحسن البصري
()1
رسائل من رهبم ،فكانوا يتدبروهنا يف الليل ،و ُينَ ِّف ُذون ََها يف النهار» .
()2
من رياحين وحها؛ لت ُعب فأ ْطل ْق لنفسك -أيها ُ
الموفقُ -ر َ
وفرغ قلبكْ ،
وأخل ذهنك للقرآن؛ كي تعيش معه ف ُيرفرف القرآنِّ ،
عظيما.
ً فوزا
قلبك يف قمم السعادة ،فتفوز ً
( )1ذكره الغزالي يف إحياء علوم الدين ( ،)275/1وينظر :التبيان يف آداب حملة القرآن ص (.)28
( )2العب :شرب الماء بعنف وتتابع يف الجرعات من غير مص وال تنفس .ينظر :كتاب العين
( ،)93/1جمهرة اللغة (.)73/1
21 حينما يعتكف الـقـلـب
السمة الثالثة
مجعية القلب وصدق إقباله
والقلب ال
ُ إن غاي َة االعتكاف ومقصو َده :استقام ُة القلب،
انصرف
َ يستقيم على صراط اهلل إال بإقباله ب ُك ِّليته على اهلل ،ومتى ما
ُ
وس َبح يف أشتات بعيدة عنه؛ فقد فاته المقصو ُد من
عن اهلل َ
االعتكاف ،ولو كان الجسدُ عاك ًفا.
صالح القلب واستقام ُته على طريق سيره إلى
ُ ولهذا؛ «لما َ
كان
ـم َش ْعثه بإقباله بال ُك ِّلية
اهلل تعالى ،متو ِّق ًفا على َجمعيته على اهلل ،و َل ِّ
ُ
اإلقبال على اهلل تعالى، شعث القلب ال َي ُلمه إال
َ على اهلل تعالى ،فإن
ُ
وفضول ُ
وفضول مخالطة األنام، ُ
فضول الطعام والشراب، وكان
وفضول المنام ،مما يزيدُ ُه َش َع ًثا ،و ُيش ِّتت ُه يف ِّ
كل واد ،وي ْق َط ُعه ُ الكالم،
اقتضت رحم ُة
ْ ع ْن سيره إلى اهلل تعالى ،أو ُيضع ُفه أو َي ُعو ُقه ويوق ُفه؛
َ
فضول ذهب
شرع لهم من الصوم ما ُي ُ
َ العزيز الرحيم بعباده ْ
أن
حينما يعتكف الـقـلـب 22
عوقة له
الم ِّ َ
أخالط الشهوات ُ الطعام والشراب ،ويستفر ُغ من القلب
ينتفع به
ُ ُ
بحيث ع ْن سيره إلى اهلل تعالى ،وشرعه ب ْقدر المصلحة،
العبدُ يف ُدنياه و ُأخراه ،وال َي ُضره وال َي ْق َط ُعه ْ
عن مصالحه العاجلة
واآلجلة.
عكوف القلب على
ُ وروحه
ُ االعتكاف الذي مقصو ُده
َ وشرع لهم
نقطاع ع ْن االشتغال
ُ وجمعي ُته عليه ،والخلو ُة به ،واال
اهلل تعالىَ ،
وحب ُه،
ذكر ُه ُ
يصير ُ
ُ ُ
بحيث ُ
واالشتغال به وحده سبحانه بالخلق،
واإلقبال عليه يف َم ِّ
حل ُهموم القلب وخطراته ،فيستولي عليه ُ
()1
والتفكر يف
ُ والخطرات كلها بذكره،
ُ الهم كله به،
ويصير َ
ُ َبدَ لها ،
عن ُأنسه فيصير ُأنسه باهلل ً
بدال ْ ُ قرب منه،
تحصيل َم َراضيه وما ُي ُ
بالخلق ،ف ُيعده بذلك ألُنسه به يو َم الوحشة يف القبور حين ال َأ َ
نيس
()2
يفرح به سواه ،فهذا مقصود االعتكاف األعظم» .
له ،وال ما ُ
السمة الرابعة
استشعار معية اهلل لعبده
]219 ،218إهنا آية عظيمة َيستوحي منها العبدُ المؤم ُن اطالع اهلل عليه يف
كل تقلباته وأحواله وعباداته« ،أي يراك يف هذه العبادة العظيمة التي
هي الصالة وقت قيامك وتقلبك راك ًعا وساجدً ا ،وخصها ِّ
بالذكر
()1
خشع و َذل» .
َ لفضلها وشرفها؛ وألن َمن استحضر فيها ُق َ
رب ر ِّبه
25 حينما يعتكف الـقـلـب
السمة اخلامسة
تعظيم اهلل تعاىل
وكلما تدبر المؤم ُن آيات القرآن وأحاديث السنة التي جاء فيها
ً
إجالال هلل ذكر أسماء اهلل الحسنى وعظمته وجالله؛ انخلع قل ُبه
وتعظيما له ،يتلو قول اهلل سبحانه﴿ :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ً
ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾
مشاعر من تعظيم اهلل وإجالله ،مشاعر
ُ [الز َمر ،]67 :فتنساب إلى قلبه
فياضة تستخرج رواسب التعلق بالدنيا واإلخالد إليها ،فال يبقى يف
القلب سك ٌن لغير إجالل اهلل.
إنه «كالم اهلل ،وقد َت َجلى اهلل فيه لعباده بصفاته ،فتارة َي َت َجلى يف
جلباب الهيبة والعظمة والجالل ،فتخضع األعناق ،وتنكسر
النفوس ،وتخشع األصوات ،ويذوب الك ْب ُر كما يذوب الملح يف
الماء ،وتارة َي َت َجلى يف صفات الجمال والكمال ،وهو كمال األسماء
27 حينما يعتكف الـقـلـب
فتبقى المحبة له طب ًعا ال تكل ًفا ،وإذا تجلى بصفات الرحمة والرب
واللطف واإلحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله ،وقوي
طمعه ،وسار إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره ،وكلما قوي
()1
الم َغ ِّل َغلق
الرجاء جد يف العمل ،كما أن الباذر كلما قوي طمعه يف ُ
أرضه بالبذر ،وإذا ضعف رجاؤه َقصر يف البذر...
( )1المغل أو الغَلة :الد ْخل الذي ُي َحص ُل من الزرع والثمر .ينظر :النهاية يف غريب
الحديث واألثر ( ،)381/3ولسان العرب (.)504/11
حينما يعتكف الـقـلـب 28
الحديث ،و ُيسرح قلبه يف ظالل معانيه ،ف َي َتمل ُكه شعور بالهيبة
واإلجالل لذي الجالل ،إهنا مشاعر سمو وعلو ،يرتفع هبا
القلب إلى ُذ َرى المقامات؛ جراء سطوة هذه النصوص التي تستفز
القلب؛ فينبعث منه تعظيم اهلل وخشيته وإجالله.
تعظيما هلل جل يف
ً فكيف ال يكون القلب عاك ًفا وقد امتأل
بعاله؟! ،فال ريب أن القلب إذا امتأل بذلك توصل إلى ُل ِّ
االعتكاف وحقيقته.
حينما يعتكف الـقـلـب 30
السمة السادسة
افتقار العبد إىل ربه وشعوره باحلاجة إليه
إن العبدَ كلما انكسر بين يدي مواله كان قري ًبا من اهلل ،ومن
أقرب
َ رحمته ونصره وعطاياهُ ،يوفقه و َيهديه ويجرب كسر قلبه «فما
الجرب من هذا القلب المكسور! وما أدنى النصر والرحمة والرزق
منه! وما أنفع هذا المشهد له وأجداه عليه! و َذر ٌة من هذا و َن َف ٌس منه
()1
المعجبين
ُ المد ِّلين
أحب إلى اهلل من طاعات أمثال الجبال من ُ
بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم ،وأحب القلوب إلى اهلل سبحانه
ناكس
ُ قلب قد تمكنت منه هذه الكسرة ،وملكته هذه الذلة ،فهو
ٌ
()2
وخجال من اهلل» .
ً رأسه إليه حيا ًء
يرفع َ
الرأس بين يدي ر ِّبه ،ال ُ
وكلما تعمق شعور العبد بحاجته إلى اهلل ،دفعه إلى اإلنابة،
( )1اإلدالل :المن بالعطاء .ينظر :هتذيب اللغة ( ،)48/14لسان العرب (.)248/11
( )2مدارج السالكين (.)428/1
( )3مجموع الفتاوى (.)194/10
حينما يعتكف الـقـلـب 32
واستكانة القلب ،وعكوفه على محبة اهلل وكثرة ذكره وشكره وحمده
وتمجيده والثناء عليه ،وهذه سمة المؤمن يف حياته ،ويف سائر أوقاته،
وحال بيعه وشرائه ،ومع أهله وخالنه ،فكيف به وهو يف صلب ميدان
المنافسة ،ويف ليالي الرحمات ،وتنزل الهبات ،وهو عاكف بقلبه
وجسده على طاعة ربه ،حينما يصل إلى «صفاء العبودية ،وعمارة
السر بينه وبين اهلل ،وخلوص الود؛ ف ُيصبح و ُيمسي وال َهم له غير
جميع الهموم ،وعطلت إراداته جميع
َ ربه ،فقد ق َطع همه بر ِّبه عنه
()1
اإلرادات ،ونسخت محبته له من قلبه كل محبة لسواه» .
إن المؤم َن حينما يتيقن حاجته إلى ربه ،ويستشعر أهنا أهم
الضروريات ،يصل إلى نقاء العبودية ،وإلى لذة الخلوة باهلل.
إنه حينما يستشعر فقره إلى اهلل ،ومسيس الحاجة إلى التذلل
عالما آخر
بين يديه ،ويندفع إلى ذلك بصدق وجمعية قلب؛ سيجد ً
نعيما للعبادة «ال ينا ُله
من نعيم األرواح ،ولذة النفس ،و ُقرة العينً ،
الوصف ،وال يدر ُكه َم ْن ليس له ن ٌ
َصيب منه ،وكل َم ْن كان به أقوم
()1
والقلب إذا ذاق طعم عبادة
ُ كان نصي ُبه من االلتذاذ به أعظم» « ،
اهلل واإلخالص له ،لم يك ْن عنده شيء قط أحلى من ذلك وال ألذ
()2
وال أطيب» .
السمة السابعة
استحضار منة اهلل وفضله
إن المؤم َن الحق هو َمن ُيديم استحضار مشاهد منَن ربه عليه؛
ألهنا قد طوقت المؤمن طو ًقا يمأل األرض والسماء ،فهو الذي
عما أعالها نعمة الهداية التي يعجز اللسان عن الوفاء
أفاض عليه ن ً
بقدرها ،حيث أخرجه ربه هبا من ُظلمة الضالل إلى نور الهداية،
35 حينما يعتكف الـقـلـب
ومن ُلجة الغي إلى رحاب اإليمانَ « ،يا ع َبادي كُل ُك ْم َضال إال َم ْن
است َْهدُ وني َأ ْهدك ُْم» .
()1
َهدَ ْي ُت ُهَ ،ف ْ
لذا عتب اهلل على َمن غفل عن مشاهدة مننه ،فقال﴿ :ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄ﴾ [الحجرات.]17 :
إهنا تربية القرآن التي ُتطهر القلب من االستعالء ،وتمحو عنه
()3 ()2
إجالال هلل واعرتا ًفا بفضله ومنته ،كما
ً مسارب اإلدالل ،وتملؤه
فقه ذلك أولو الفضل من أمثال عمر حينما ُطعن وقال له عبداهلل
َان َذ َ
اكَ ،ل َقدْ ينَ ،و َلئ ْن ك َ ابن عباس ﭭ مواس ًياَ « :يا َأم َير ُ
الـم ْؤمن َ
ول اهلل × َف َأ ْح َسن َْت ُص ْح َب َت ُهُ ،ثم َف َار ْق َت ُه َو ُه َو َعن َْك َصح ْب َت َر ُس َ
َراضُ ،ثم َصح ْب َت َأ َبا َب ْكر َف َأ ْح َسن َْت ُص ْح َب َت ُهُ ،ثم َف َار ْق َت ُه َو ُه َو َعن َْك
َراضُ ،ثم َصح ْب َت َص َح َبت َُه ْم َف َأ ْح َسن َْت ُص ْح َبت َُه ْمَ ،و َلئ ْن َف َار ْقت َُه ْم
ونَ ،ق َالَ « :أما َما َذك َْر َت م ْن ُص ْح َبة َر ُسول َل ُت َفار َقن ُه ْم َو ُه ْم َعن َْك َر ُ
اض َ
اك َمن م َن اهلل َت َعا َلى َمن به َع َليَ ،و َأما َمااهلل × َور َضا ُهَ ،فإن َما َذ َ
َذك َْر َت م ْن ُص ْح َبة َأبي َب ْكر َور َضا ُهَ ،فإن َما َذ َ
اك َمن م َن اهلل َجل ذك ُْر ُه
َمن به َع َليَ ،و َأما َما َت َرى م ْن َج َزعي َف ُه َو م ْن َأ ْجل َك َو َأ ْجل
َأ ْص َحاب َكَ ،واهلل َل ْو َأن لي ط َال َع األَ ْرض َذ َه ًبا َال ْفتَدَ ْي ُت به م ْن
()1
( )1ط َال ُع األَ ْرض :ملؤها .ينظر :جمهرة اللغة ( ،)915/2والصحاح (.)1254/3
( )2أخرجه البخاري ( )12/5رقم (.)3692
( )3حديث قدسي أخرجه مسلم ( )2023/4رقم ( ،)2621من حديث جندب ،عن النبي
ﷺ ،عن ربه.
37 حينما يعتكف الـقـلـب
واآلفات.
السلف يحاذرون ال ُعجب ويفرون منه ،قال مطرف بن ُ وكان
أن نائما و ُأ َ
صبح ناد ًما ،أحب إلي من ْ أبيت ًألن َعبداهلل بن الشخيرْ « :
قائما ف ُأصبح ُمعج ًبا» .
()1
أبيت ً
َ
قائما
تبيت ً
َ نائما و ُتصبح ناد ًما ،خير من ْ
أن تبيت ً
َ «إنك ْ
أن
المعجب ال يصعد له عمل ،وإنك أ ْن تضحك
و ُتصبح ُمعج ًبا ،فإن ُ
وأنت معرتف ،خير من ْ
أن تبكي وأنت ُمدل ،وأنين المذنبين أحب
()3 ()2
إلى اهلل من زجل المسبحين المدلين» .
ف َأوقدْ أيها ُ
الم ْعتكف يف ذهنك شرارة الشعور بمنة اهلل وتزكيته
لك﴿ ،ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾[النور.]21 :
( )1أخرجه ابن المبارك يف الزهد ( )151/1رقم ( ،)448وأحمد يف الزهد ص ( )195رقم
( ،)1342وأبو نعيم يف الحلية (.)200/2
سمعت زَ َجل القوم أي أصواهتم .والمراد تسبيح المسبحين .ينظر :البارع يف
ُ ( )2يقال:
اللغة (ص)637 :
( )3مدارج السالكين (.)195/1
حينما يعتكف الـقـلـب 38
السمة الثامنة
االعرتاف بالذنب والتقصري
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األنبياء.]87 :
()1
هبا واحذر أن َتنْب َس
ْ المباركة على لسانك يف ِّ
كل أحوالك،
بشفتيك ،وقل ُبك من االعرتاف هبا خال ،فإن حقيق َة الصدق ْ
أن
القلب ما يجري به اللسان.
ُ ُيواطئ
( )1يقالَ :ن َب َس َن ْب ًسا ،أي :تكلم وحرك شفتيه ،وتكلم بأقل الكالم .ينظر :المحكم
والمحيط ( ،)530/8لسان العرب (.)225/6
41 حينما يعتكف الـقـلـب
السمة التاسعة
اإلقبال على اهلل بمداومة الذكر
بضد ذلك ،فقير مع كثرة جدَ ته ،ذليل مع سلطانه ،حقير مع كثرة
()1
عشيرته» .
وقلب المؤمن ال يسك ُن وال يلتذ وال يجد للحياة مذا ًقا و ُأ ً
نسا ُ
إال بذكر اهلل ،ولقد وصف اهلل أهل اإليمان وأولي األلباب بأهنم:
﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ﴾ [آل عمران.]191:
أثرا يف
إنه قلب رسخ فيه اإليمان واستمكن ،فأحدث ذلك ً
اللسان بحركة دائبة يف ِّ
الذكر ،حين القيام ،واالضطجاع ،والقعود،
وحين الدخول والخروج ،وحين األكل والشرب ،وحين اليقظة
وعند النوم ،ويف الحضر والسفر ،ويف الليل والنهار ،فهو دائم االفتقار
إلى اهلل والتعلق به ال يغفل ساعة وال أدنى من ذلكْ ،
فإن غفل أو
وشعورا بالنقص ال َيسده إال مراجعة
ً ثقال يف النفس،
توانى َو َجدَ ً
المسار ،وعود القلب إلى َمعينه و َنعيمه ،وم ْن َثم تسطع أنواره،
وتتهلل سبحات وجهه.
اس ُتو ُبوا إ َلى اهللَ ،فإنِّي َأ ُت ُ
وب في ا ْل َي ْوم قال النبي ×َ « :يا َأي َها الن ُ
ان َع َلى َق ْلبيَ ،وإنِّي َألَ ْس َت ْغف ُر
()2
إ َل ْيه ما َئ َة َمرة»( ،)1ويف رواية« :إن ُه َل ُي َغ ُ
( )1أخرجه مسلم ( )2075/4رقم ( )42( )2702من حديث األغر المزين .
( )2قال النووي يف شرحه على صحيح مسلم (« :)24-23/17قوله ׫ :إنه ليغان على
قلبي» قال أهل اللغة :الغين -بالغين المعجمة -والغيم بمعنى ،والمراد هنا :ما يتغشى
القلب ،قال القاضي :قيل :المراد الفرتات والغفالت عن الذكر الذي كان شأنه الدوام
عليه ،فإذا فرت عنه أو غفل عد ذلك ذن ًبا واستغفر منه ،قال :وقيل هو همه بسبب أمته
وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم ،وقيل :سببه اشتغاله بالنظر يف مصالح
أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك ،فيشتغل بذلك
من عظيم مقامه فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته.» ...
حينما يعتكف الـقـلـب 44
()1
اهلل ،في ا ْل َي ْوم ما َئ َة َمرة» .
َ
وب إ َل ْيه في ال َي ْوم َأ ْك َث َر م ْن
وقال ×َ « :واهلل إنِّي َألَ ْس َت ْغف ُر اهلل َو َأ ُت ُ
()2
َس ْبعي َن َمر ًة» .
وعن علي بن أبي طالب َ أن َفاط َم َة ڤ َأ َتت النبي ×
َت ْس َأ ُل ُه َخاد ًماَ ،ف َق َالَ « :أ َال ُأ ْخب ُرك َما ُه َو َخ ْي ٌر َلك منْ ُه؟ ُت َس ِّبحي َن اهلل
ينَ ،و َت ْح َمدي َن اهلل َث َال ًثا َو َث َالثي َنَ ،و ُت َك ِّبري َن اهللعنْدَ َمنَامك َث َال ًثا َو َث َالث َ
َأ ْر َب ًعا َو َث َالثي َن»َ ،ق َال َعليَ « :ما َت َر ْك ُت ُه ُمن ُْذ َسم ْع ُت ُه م َن النب ِّي × ،ق َيل
()3
َل ُهَ :و َال َل ْي َل َة ص ِّفي َن؟ َق َالَ :و َال َل ْي َل َة ص ِّفي َن» .
وعن أبي هريرة ،قال« :إنِّي َألُ َس ِّب ُح كُل َي ْوم ا ْثنَت َْي َع ْش َر َة َمر ًة
َأ ْل َ
()4
يحةَ ،قدْ َر د َيتي» . ف َت ْسب َ
وذكر الحافظ عبد الغني يف «الكمال» يف ترجمة أبي الدرداء
()5
،أنه كان ُيسبح يف اليوم مائة ألف تسبيحة .
َ
اللسان و ُيرطبه ،و َيصقل اإليمان و َيرفعه؛ كذكر وال شيء ُي َذ ِّلل
اهلل ،وال سيما َمن َحا َف َظ على أوراد من األذكار َي ْع ُمر هبا
اللحظات ،و ُيحيي هبا القلب ،وقد توارد الصالحون وتوافقوا على
أن ذلك هو سالح المؤمن الذي َيخرق ُح ُجب الغفلة ،ويفتح أقفال
القلب يف كل عصر ،فكيف بعصر تشابكت فيه عاديات الزمان
وصوراف األيام؟!.
تلــوح يف ليــالي العشــر -عــرب نســمات األســحار ،وعبــق
ُ
االستغفار -فرص ٌة ثمين ٌة إلصالح القلب :حيـث الصـفاء والسـكينة
ولحظات التنـزل اإللهي.
إن هذا الصفاء كما ُيجدد اإليمان ،فإنه ُيجد ُد الرباء َة من النفاق،
كرا هلل﴿ ،ﭾ ﭿ ﮀ ُ
فأهل النِّفاق هم أكثر الناس غفل ًة وأقلهم ذ ً
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾[النساء]142 :
السمة العاشرة
ُّ
اإلقبال على اهلل بكثرة الدعاء
إن من َأ َج ِّل العبادات التي يظهر فيها ُذل العبد بين يدي ر ِّبه:
الدعاء ،قال اهلل تعالى﴿ :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [األعراف،]55 :
وقال﴿ :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األنبياء.]90:
ويف مجيء هذه اآلية الكريمة يف سياق الصيام ُم َت َخ ِّللة بينه وبين ذكر
االعتكاف ،لفتة عظيمة إلى بيان منزلة عبادة الدعاء حينما يكون
صائما عاك ًفا.
ً العبد
إهنا عبادة تتألق يف هذه الليالي التي ينكسر فيها العبد ،ف َيرق
القلب ،و َترف الروح ،فتجف الشهوات وتنكسر النفس ،ويكون
تأهيال للعبد ألن يكون ُمستجي ًبا هلل ،ﮋ ﯶ ﯷ ﮊ
ً ذلك
دائما بانكسار القلب وضعف
فيستجيب اهلل له ،فإجابة الدعاء تقرتن ً
النفس و َت َحررها من ضغوط الشهوات ،وهذا ال يتوافر يف حال من
()1
أحوال اإلنسان بقدر توافره يف حال الصيام واالعتكاف .
وقد كان بعض الصالحين يجلس بالليل ساكنًا ُمطر ًقا برأسه،
َي ُمد يديه كحال السائل ،وهذه من أكمل هيئات الذل والسكينة،
واالفتقار إلى اهلل.
وافتقار القلب يف الدعاء ،وانكساره هلل ،واستشعاره شدة
الفاقة إليه والحاجة لديه مظنة إجابة ،وعلى قدر هذه الحرقة والفاقة
تكون اإلجابة.
جاء يف «جامع الرتمذي» وغيره عن النبي ﷺ قال« :إن اهلل َال
()1
يب ُد َعا ًء م ْن َق ْلب َغافل َاله» .
َي ْستَج ُ
ومن جميل أحوال الدعاء :إظهار الذل باللسان يف نفس السؤال
اح ُ « :ي َق ُال َأ ْف َض ُل الد َعاء ْ
اإل ْل َح ُ مع اإللحاح فيه ،قال األوزاعي
()2
َع َلى اهلل َوالت َضر ُع إ َل ْيه» .
=
( ،)213/8والبيهقي يف السنن الكربى ( ،)190/5وإسناده ضعيف.
( )1أخرجه الرتمذي ( )394/5رقم ( ،)3479والطرباين يف األوسط ( )211/5رقم ( ،)5109والحاكم
يف المستدرك ( )670/1رقم ( )1817من حديث أبي هريرة ،قال الرتمذي« :حديث
غريب».
( )2أخرجه البيهقي يف شعب اإليمان ( ،)364/2وينظر :التمهيد البن عبد الرب (.)346/5
حينما يعتكف الـقـلـب 50
الربوبية؛ ولهذا كان األنبياء ُيصدِّ رون أدعي َتهم بقولهم« :ربنا».
وأكثر أدعية القرآن كذلك ،تأيت ُمصدرة بالتوسل إلى اهلل
توسال بربوبيته َيحسن له
بربوبيته ،والداعي حينما يدعو اهلل ُم ً
استحضار معنى تربية اهلل العامة ،وهي :الخلق والتدبير ،ومعنى
الرتبية الخاصة ،وهي :واليته لخيار خلقه ،ولطفه هبم وإصالحه
لدينهم ودنياهم ،وذلك إلقبالهم على رهبم ،وضراعتهم بين يديه.
و ُيستحب له ْ
أن يدعو بأدعية األنبياء؛ فإهنا أدعي ٌة جامع ٌة،
أن يدعو بدعاء الراسخين يف العلم؛ ألنه سبحانه سن بالداعي ْ
و َي ْح ُ
حينما أثنى عليهم ذكر دعوهتم﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
.فتوسلوا إلى اهلل [آل عمران]8 : ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾
يمنحهم استقامة القلوب وثباهتا على مراضي اهلل،
َ بربوبيته ْ
أن
()1
وحفظها من الزيغ ،والنكوص عن الهداية .
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األحزاب.]35 :
ُ
وأصل الخشوع :لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه ،فإذا
خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح واألعضاء؛ ألهنا تابعة له،
كما قال ×َ « :أ َال َوإن في ا ْل َ
ـج َسد ُم ْض َغةً ،إ َذا َص َل َح ْتَ ،ص َل َح
حينما يعتكف الـقـلـب 54
()1
الـ َْج َسدُ كُل ُهَ ،وإ َذا َف َسدَ ْتَ ،ف َسدَ الـ َْج َسدُ كُل ُهَ ،أ َال َوه َي ا ْل َق ْل ُ
ب» .
( )1أخرجه البخاري ( )20/1رقم ( ،)52ومسلم ( )1219/3رقم ( )1599من حديث النعمان بن
بشير .
( )2أخرجه مسلم ( )534/1رقم ( )771من حديث علي بن أبي طالب .
( )3أخرجه ابن أبي شيبة يف مصنفه ( )86/2رقم ( ،)6787وابن المبارك يف الزهد ()419/1
رقم ( ،)1188وعبد الرزاق يف مصنفه ( )266/2رقم ( )3308من قول سعيد بن المسيب
.
55 حينما يعتكف الـقـلـب
( )1ال َب ْأو :المراد به الفخر .ينظر :الصحاح ( ،)2278/6مقاييس اللغة ( ،)328/1النهاية يف غريب
الحديث (( )96/1بأو).
حينما يعتكف الـقـلـب 56
() 1
ب َليْ َس ب َ
خاش ع» . َخاش ًعا َوا ْل َق ْل ُ
( )1أخرجه ابن المبارك يف الزهد ( )46/1رقم ( ،)143وابن أبي شيبة يف المصنف ()243/7
رقم ( ،)35711واإلمام أحمد يف الزهد ص ( )117رقم ( ،)762والبيهقي يف شعب اإليمان
( )220/9رقم ( )6567موقو ًفا على أبي الدرداء .
وأخرجه البيهقي يف الشعب ( )220/9رقم ( )6568من حديث أبي بكر مرفوعًا ،وإسناده
ضعيف.
57 حينما يعتكف الـقـلـب
()1
الجبال لمحاها وحناها» .
يقرأ هذه اآلية ثم يقولُ « :أ ْقس ُم َل ُك ْم َال وكان مالك بن دينار
()2
ُي ْؤم ُن َع ْبدٌ ب َه َذا ا ْل ُق ْرآن إال ُصد َع َق ْل ُب ُه» .
أنه قال« :يا ابن آدم إذا وسوس لك وروي عن الحسن
ُ
الشيطان بخطيئة ،أو َحد ْثت هبا َ
نفسك ،فاذكر عند ذلك ما حملك اهلل
من كتابه ،مما لو َح َم َلته الجبال الرواسي لخشعت وتصدعت ،أما
سمعته يقول﴿ :ﮉ ﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒ
[الحشر: ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾
()3
. »]21
( )1أخرجه أبو نعيم يف الحلية ( ،)311/2وينظر :الخشوع يف الصالة البن رجب ص (.)19
( )2أخرجه اإلمام أحمد يف الزهد ص ( )258رقم ( ،)1859وأبو نعيم يف حلية األولياء
(.)378/2
( )3ينظر :الخشوع يف الصالة البن رجب ص (.)19
59 حينما يعتكف الـقـلـب
ُ
يستعيذ باهلل من قلب ال يخشع ،كما يف وقد كان النبي ×
اللهم إنِّي
حديث زيد بن أرقم قال :كان رسول اهلل × يقولُ « :
َأ ُعو ُذ ب َك م ْن ع ْلم َال َينْ َف ُعَ ،وم ْن َق ْلب َال َي ْخ َش ُعَ ،وم ْن َن ْفس َال َت ْش َب ُع،
()1
اب َل َها» .
َوم ْن َد ْع َوة َال ُي ْست ََج ُ
عليه وأعالها أوضع ما يمكنه ،فيضعه يف الرتاب ُم َت َع ِّف ًرا ،ويتبع ذلك
انكسار القلب وتواضعه وخشوعه هلل .
ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن ُيقربه اهلل إ َل ْيه ،قال
اهلل تعالى﴿ :ﯴ ﯵ﴾ [العلق ،]19 :وقال ×َ « :أ ْق َر ُب َما َي ُك ُ
ون
()1
ا ْل َع ْبدُ م ْن َر ِّبه َو ُه َو َساجدٌ » .
()1
فعصيت فلي النار .
ُ بالسجود ففعل فله الجنة ،و ُأ ُ
مرت بالسجود
وانكسارا،
ً خشوعا وإخبا ًتا ،وخضو ًعا
ً فمتى امتألَ ُ
قلب العبد
ب العبادة ،وحقق مقصودهاَ ،
ونال غايتها. وصل إلى ُل ِّ
َ
( )1أخرجه مسلم ( )87/1رقم ( ،)81من حديث أبي هريرة قال :قال رسول اهلل ﷺ:
الشيطان يبكي ،يقول :يا ويليُ ،أمر ابن آد َم
ُ َ
اعتزل «إذا قرأ اب ُن آدم السجدة فسجد
النار».
فلي ُ فأبيت َ
ُ بالس ُجود َفسجد فل ُه ا ْلجنة ،و ُأ ُ
مرت بالسجود
حينما يعتكف الـقـلـب 62
وختاما:
ً
فهرس املوضوعات
الصفحة املوضوع
5 مقدمة.
7 السم ُة األولىُ :
قطع العالئق عن الخالئق. ِّ
10 ُ
العيش مع القرآن. السم ُة الثانية:
ِّ
21 ُ
وصدق إقباله. السم ُة الثالثة :جمعي ُة القلب
ِّ
23 استشعار َمعية اهلل لعبده.
ُ السم ُة الرابعة:
ِّ
25 تعظيم اهلل تعالى.
ُ السم ُة الخامسة:
ِّ
30 افتقار العبد إلى ر ِّبه وشعور ُه بالحاجة إليه.
ُ السم ُة السادسة:
ِّ
34 استحضار منة اهلل وفضله.
ُ السم ُة السابعة:
ِّ
38 االعرتاف بالذنب والتقصير.
ُ السم ُة الثامنة:
ِّ
41 بمداومة ِّ
الذكر. ُ
اإلقبال على اهلل ُ السم ُة التاسعة:
ِّ
47 ُ
اإلقبال على اهلل بكثرة الدعاء. السم ُة العاشرة:
ِّ
52 اإلخبات والخشوع.
ُ السم ُة الحادية عشرة:
ِّ
62 خاتمة .