You are on page 1of 28

‫ترجمات‬

‫الزمن يف العامل اإلسالمي‬


‫أوائل العصر احلديث‬
‫ستيفن ب‪ .‬بليك‬

‫ترجمة‪:‬‬
‫حممد صالح علي‬

‫‪All rights reserved © 2018‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة © ‪2018‬‬


‫الزمن يف العامل اإلسالمي‬
‫أوائل العصر احلديث‬

‫(*)‬
‫ستيفن ب‪ .‬بليك‬

‫ترجمة‪:‬‬
‫حممد صالح علي‬

‫(*)‪ :‬ســـتيفني ب‪ .‬بليـــك هـــو أســـتاذ فخـــري بكليـــة ســـانت أوالف بنورثفيلـــد مبينيســـوتا‪ ،‬وزميـــل باحـــث يف‬
‫مرك ــز تاري ــخ أوائ ــل الع ــر الحدي ــث بجامع ــة مينيس ــوتا‪ .‬م ــن ب ــن كتب ــه‪ :‬ش ــاه ج ــان آب ــاد‪ :‬املدين ــة الس ــيادية‬
‫يف الهنـــد املغوليـــة‪( 1739-1639 :‬مطابـــع جامعـــة كمربيـــدج ‪ ،)2002‬ونصـــف العـــامل‪ :‬العـــارة االجتامعيـــة‬
‫ألصفهـــان الصفويـــة‪.)1999( 1722-1590 :‬‬
‫الفهرس‪:‬‬

‫‪4‬‬ ‫مدخل ‪.........................................................................................................................‬‬

‫‪5‬‬ ‫ال ُبعد التقوميي ‪.............................................................................................................‬‬

‫‪12‬‬ ‫البعد االحتفايل ‪............................................................................................................‬‬

‫‪13‬‬ ‫بعد الرتتيب الزمني ‪......................................................................................................‬‬

‫‪14‬‬ ‫املن ّجم ‪..........................................................................................................................‬‬

‫‪19‬‬ ‫مرصد أصفهان ‪.............................................................................................................‬‬

‫‪20‬‬ ‫مرصد مراغة ‪................................................................................................................‬‬

‫‪21‬‬ ‫مرصد الوقت والساعة ‪..................................................................................................‬‬

‫‪21‬‬ ‫مرصد يف سمرقند ‪.........................................................................................................‬‬

‫‪25‬‬ ‫الئحة املصادر واملراجع ‪.................................................................................................‬‬


‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫مدخل(((‪:‬‬

‫"مــا هــو الزمــن إذًا؟ أنــا أعرفــه كفايــ ًة‪ ،‬بــرط أال يســألني أحــ ٌد عنــه‪ .‬فــإن ســألني أحدهــم‬
‫وحاولــت رشحــه‪ ،‬أرتبــك"(((‪.‬‬
‫لقــد أربــك ســؤال القديــس أوغســطني (‪430-354‬م) ‪-‬كيــف نقــوم مبفهمــة يشء عــادي وواضــح‬
‫كالزمــن؟‪ -‬العلــا َء االجتامعيــن والفالســف َة منــذ عــره وحتــى عرصنــا‪ .‬فقــد أوضــح ســتيفني هوكنــج‬
‫بجــا ٍء يف كتابــه الشــهري "تاريــخ موجــز للزمــن"((( اآلثــا َر الثوريــة لنظريــة النســبية التــي وضعهــا‬
‫ألــرت أينشــتاين (‪1955-1897‬م)‪.‬‬
‫فعــى العكــس مــن إســحاق نيوتــن (‪1727-1643‬م) الــذي اعتــر أن الزمــن جانبًــا موضوعيًّــا مــن‬
‫العــامل الطبيعــي‪ ،‬وخلفيــة مطلقــة ال تتغــر بالحركــة أو املــادة‪ ،‬قـ َّدم أينشــتاين منوذ ًجــا نســب ًّيا جدي ًدا‪،‬‬
‫تتغــر فيــه رسعـ ُة الســاعات بتغـ ُّـر رسعتهــا وموقعهــا‪.‬‬
‫وق ـ ّدم عــاملُ االجتــاع إميــل دوركهايــم (‪1917-1858‬م) ‪ -‬املعــارص تقري ًبــا ألينتشــاين ‪ -‬نظري ـ ًة‬
‫موازيــ ًة للنســبية الزمنيــة؛ أطروحــ ًة عــن الزمــن مــن املنظــور االجتامعــي وليــس الكــوين‪ .‬فتب ًعــا‬
‫لكانــط‪ ،‬ا َّدعــى دوركهايــم أن التصنيفــات األساســية للفهــم (والتــي مــن بينهــا الزمــ ُن بالتأكيــد)‬
‫ليســت معطًــى قبليًّــا‪ ،‬بــل هــي أبني ـ ٌة اجتامعي ـ ٌة(((‪.‬‬
‫وكتــب األنرثوبولوجــي إدمونــد ليتــش‪" :‬نحــن نتحــدث عــن قيــاس الزمــن‪ ،‬وكأنــه يش ٌء متامســك‬
‫نقيس ــه‪ ،‬لكنن ــا يف الحقيق ــة نُنش ــئ الزم ــن بإنش ــاء فواص ــل وقتي ــة يف الحي ــاة االجتامعي ــة‪ .‬ومل يك ــن‬
‫ُ‬

‫((( مدخــل كتــاب "الوقــت يف العــامل اإلســامي أوائــل العــر الحديــث" للكاتــب ســتيفن ب‪ .‬بليــك‪ .‬صــدر الكتــاب عــام ‪2013‬‬
‫بعنــوان "‪ "Time in Early Modern Islam‬عــن دار نــر جامعــة كامربيــدج‪.‬‬
‫‪(2) Augustine, Confessions and Inchiridon, ed. and trans. Albert Cook Outler (Dallas: Library of Christian‬‬
‫‪Classics, 1955), book 11, ch. 14.‬‬
‫‪(3) Stephen Hawking, A Brief History of Time (New York: Bantam Dell Publishing Company, 1988).‬‬
‫‪(4) Norbet Elias, Time: An Essay, trans. Edmund Jephcott (Oxford: Blackwell, 1992), 4.‬‬
‫وألجل عرض شائق عن املقاربات االجتامعية الثقافية املختلفة للزمن‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Peter Burke, “Reflections on the Cultural History of Time,” Viator: Medieval and Renaissance Studies 35‬‬
‫‪(2004): 617–26.‬‬ ‫‪4‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫هنـــاك مث ــة زمـــن نقيســـه حتـــى فعلن ــا ذل ــك"(((‪ .‬وتوص ــف العالقـــات ب ــن األش ــياء واألنش ــطة‬
‫بالزم ــن (وباملس ــافة بالطب ــع) إال أن الوق ــت نفس ــه لي ــس م ــور ًدا اقتصاديًّ ــا يُه ــدر أو يُحف ــظ‪.‬‬
‫االجتامعــي أو‬
‫َّ‬ ‫ورغــم أن هنــاك طرقًــا عــد ًة ملقاربــة موضــوع الزمــن؛ إال إننــا اخرتنــا املنظــو َر‬
‫ـي عــى ثالثــة أبعــاد‪ :‬البعديــن‬ ‫ـام الزمنـ ِّ‬
‫الثقــايف‪ ،‬ومــن هــذا املنظــور‪ ،‬قــام اإلســا ُم بإعــادة بنــاء النظـ ِ‬
‫أصــول النظــام اإلســامي‬‫َ‬ ‫وبعــد الرتتيــب الزمنــي‪ .‬وســيصف هــذا الفصــل‬ ‫ِ‬ ‫التقوميــي واالحتفــايل‪،‬‬
‫ـي محمــد (‪ 570‬تقري ًبــا‪632-‬م)‪ ،‬وحتــى شــكله النهــايئ مــع نهايــة‬ ‫وتطــو َره مــن بداياتــه عــى يــد النبـ ِّ‬
‫اإلمرباطوريــة العباســية (‪1258-750‬م)‪ ،‬مــع تركيــز خــاص عــى الطابــع الثــوري للمفهــوم الجديــد‪.‬‬
‫وبتمهيــده لبقيــة الكتــاب‪ ،‬ميثــل املدخــل خلفي ـ ًة لــكل فصــل‪ ،‬ميكــن مــن خاللهــا تعريـ ُـف املعلــم‬
‫ـي مــن األبعــاد‪ :‬التقوميــي واالحتفــايل وبُعـ ِـد الرتتيــب الزمنــي‪.‬‬ ‫ـكل بُعـ ٍـد زمنـ ٍّ‬
‫املميــز لـ ِّ‬

‫ال ُبعد التقويمي‪:‬‬

‫لقــد كان يتـ ُّم تحديــد وحــدات الزمــن الشــهرية –اليــوم‪ ،‬والشــهر‪ ،‬والســنة‪ -‬يف املجتمعــات مــا قبــل‬
‫الحديثــة عــر املوقَّتــات الطبيعيــة الكــرى الثــاث؛ األرض‪ ،‬والقمــر‪ ،‬والشــمس‪.‬‬
‫ـي َ‬
‫األول ‪ -‬الليـ َـل والنهــا َر ‪ -‬وكانــت فــر ُة األربع‬ ‫أســس دورا ُن األرض حـ َ‬
‫ـول محورهــا التقســي َم الطبيعـ َّ‬
‫وقســمت معظـ ُم املجتمعــات سـ ِ‬
‫ـاعات النهار‬ ‫ر وحــد ٍة مــن التوقيــت الطبيعــي‪ّ .‬‬ ‫وعرشيــن ســاعة أقـ َ‬
‫عـ َر حركــة الشــمس الظاهرة يف الســاء‪ .‬وألن محــو َر األرض مييل مبقــدار ‪ °23.5‬يختلف مقــدار الضوء‬
‫فصــول الســنة (باســتثناء خ ـ ِّط االســتواء)‪ ،‬وال يتســا َوى عــد ُد‬ ‫يف األربــع وعرشيــن ســاعة باختــاف ُ‬
‫ســاعات الليــل والنهــار بالضبــط إال يومــي االعتــدال؛ الربيعــي (‪ 21‬مــارس) والخريفي (‪ 21‬ســبتمرب)(((‪.‬‬
‫ـول األرض ويتعاقــب عــى أطــوارِه فيــا يقــارب‬ ‫يــدو ُر موقّــت الزمــن الطبيعــي الثــاين‪ ،‬القمــر؛ حـ َ‬
‫‪ 29.5‬يو ًمــا‪ .‬لقــد كان املث ـ ُر يف القمــر هــو الطريق ـ َة التــي يتغــر شــكلُه بهــا‪ .‬فعندمــا يكــون بــن‬

‫‪(5) Janet Hoskins, The Play of Time: Kodi Perspectives on Calendars, History, and Exchange (Berkeley: Uni-‬‬
‫‪versity of California Press, 1993), 373.‬‬
‫وميكن إيجاد نظرة شاملة للمنهجيات املتعددة التي وظّفها األنرثوبولوجيون يف مقالة نانيس مان‪:‬‬
‫‪The Cultural Anthropology of Time: A Critical Essay,” The Annual Review of Anthropology 21 (1992): 93–123.‬‬
‫‪(6) Beulah Tannebaum and Myra Stillman, Understanding Time: The Science of Clocks and Calendars (New‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪York: Whittlesey House, 1958), 93–4.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫األرض والشــمس مبــارشة يختفــي‪ ،‬وبينــا يــدور يتعاظــم حتــى يصبــح بــد ًرا‪ ،‬ثــم يتناقــص حتــى‬
‫ُيحــق ويختفــي كل ًّيــا‪ .‬تتكــرر هــذه الــدورة مـرا ًرا‪ ،‬واكتســبت أهميـ ًة كــرى يف العــامل القديــم‪ ،‬وكانت‬
‫أساســا للعديــد مــن التقوميــات املبكــرة؛ ألن هــذه التغ ـرات ‪ -‬مــن محــاق إىل تربيــع أول [نصــف‬ ‫ً‬
‫قمــر] إىل بــدر ثــم العكــس ‪ -‬كانــت ظاهــر ًة للعيــان‪ ،‬وألن فــرة الثالثــن يو ًمــا تقريبًــا كانــت تُشــبه‬
‫فواصـ َـل زمنيــة طبيعيــة أخرى‪،‬كــدورة حيــض األنثــى والســلوك الــدوري لبعــض الكائنــات البحريــة(((‪.‬‬
‫كانــت الشــمس هــي املوقّــت الطبيعــي الثالــث‪ ،‬عــى الرغــم مــن أن األرض كانــت تســتغرق‬
‫‪ 365.25‬يو ًمــا تقري ًبــا لتــدور حــول الشــمس‪ ،‬إال إن الفلكيــن اختلفــوا يف تحديـ ِـد الطــول الدقيــق‬
‫للســنة الشمســية بــن فريقــن‪ .‬فكانــت الســنة الشمســية املداريــة ‪ -‬التــي اســتخدمها الفلكيــون‬
‫ـمس يف حركتهــا الظاهــرة للعــودة إىل نقطــة‬
‫يف الـراث اإلســامي‪ -‬هــي الزمــن الــذي تســتغرقه الشـ ُ‬
‫مرجعيــة مــا عــى مســارها؛ ‪ 365‬يو ًمــا و‪ 5‬ســاعات و‪ 48‬دقيقــة و‪ 46‬ثانيــة‪ .‬كانــت النقطــة املرجعيــة‬
‫عــاد ًة هــي نقطــة االعتــدال الربيعــي‪ ،‬حيــث يتقاطــع خـ ُّط االســتواء الســاوي مــع مســار الشــمس‬
‫(لحظــة اســتواء مــدار األرض حــول الشــمس)‪.‬‬
‫متثــل هــذه النقطــة بدايــ َة بــرج الحمــل باالصطــاح التنجيمــي‪ ،‬وعــاد ًة مــا تكــون يف الواحــد‬
‫والعرشيــن مــن مــارس (رغــم أنهــا قــد تقــع يف التاســع عــر أو العرشيــن أحيانًــا)‪ .‬وعــى العكـ ِ‬
‫ـس‪،‬‬
‫كانــت الســن ُة الشمسـ َّي ُة ال ِّنجميــة ‪ -‬التــي اســتخدمها الفلكيــون يف الـراث الفلــي الهنــدي ‪ -‬تُقـ ُ‬
‫ـاس‬
‫ـي ثابــت‪ .‬اختلــف التعريفــان قليـ ًـا يف تحديــد‬‫بالحركــة الظاهــرة للشــمس‪ ،‬يف مقابــل نجـ ٍـم خلفـ ٍّ‬
‫طــول الســنة الشمســية‪ ،‬فقــد كانــت الســنة النجميـ ُة أطـ َ‬
‫ـول مــن املداريــة بحــوايل عرشيــن دقيقــة‪.‬‬
‫ترجــع كلمــة "تقويــم ‪ "Calender‬إىل األصــل الالتينــي "‪ "calendarium‬والتــي تعنــي دفـرَ األرباح‬
‫أو دفــر الحســابات‪ .‬ميثــل التقويــم يف أبســط صــوره طريقـ ًة لتتبــع التقســيم الزمنــي الطبيعــي األول‪:‬‬
‫اليــوم(((‪ .‬فهــو آليـ ٌة تجريديــة لتســمية األيام من خالل جمعها يف أســبوع وشــهر وســنة‪ .‬مي ّكــن التقويم‬
‫دليل لألنشــطة اليومية؛ إذ ميثل طريقة لتســجيل‬ ‫ِ‬
‫طقوســه وأعياده املهمة باعتباره ً‬ ‫املجتم َع من تثبيت‬
‫أحــداث املــايض وترتيبهــا إىل جانب حســاب التزامات املســتقبل‪ .‬وقــد كانت محاول ُة إنتــاج هذا النظام‬
‫الزمنــي املجــرد هــي الدافـ َع وراء املحــاوالت القدميــة لرصــد وتســجيل مواقــع األجســام الســاوية(((‪.‬‬

‫‪(7) Anthony Aveni, Empires of Time: Calendar, Clocks, and Cultures (New York: Basic Books, 1989), 86–7.‬‬
‫”‪(8) Encyclopedia Britannica, 15th ed., s.v. “Calendar.‬‬
‫‪(9) SirHaroldSpencerJones,“TheCalendar,”inC.Singer,ed.,HistoryofTechnology,vol. 3(London:OUP,1957),558.‬‬ ‫‪6‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫يبــدأ يــوم املســلم مــع غــروب الشــمس‪ .‬عــى الرغــم مــن أن الصلــوات اليوميــة ذُكــرت يف القــرآن‪،‬‬
‫إال إنــه مــن املجمــع عليــه أنــه ال عددهــا وال توقيتاتهــا كانــت قــد تـ َّم إرســاؤها بنهايــة حيــاة النبــي‪.‬‬
‫تغــر أثنــاء القــرن الثامــن بــن خمــس وســبعني إىل مائــة ســنة‪ .‬فأصبحــت‬ ‫إال إن كل ذلــك قــد َّ‬
‫الصلــوات الخمــس قياســي ًة لكــن دون تحديــد وقتهــا بالضبــط‪ )1( :‬صــاة املغــرب عندمــا تختفــي‬
‫الشــمس وراء األفــق‪ )2( .‬صــاة العشــاء بعــد الغســق‪ )3( .‬صــاة الفجــر مــع انفجــار الصبــح‪)4( .‬‬
‫صــاة الظهــر عندمــا تبــدأ الشــمس يف الــزوال‪ )4( .‬صــاة العــر‪ ،‬عندمــا تكــون الشــمس مرتفعــة‬
‫وبيضــاء ورائقــة(‪.((1‬‬
‫يــؤذّن للصــاة خمــس مـرات يف اليــوم‪" :‬الصــاة خــر مــن النــوم‪ .‬اللــه أكــر‪ ،‬اللــه أكــر‪ .‬أشــهد أن‬
‫ال إلــه إال اللــه‪ .‬أشــهد أن محمـ ًدا رســول اللــه‪ .‬حــي عــى الصــاة‪ .‬حــي عــى الفــاح‪ .‬اللــه أكــر‪ ،‬اللــه‬
‫أكــر‪ .‬ال إلــه إال اللــه"‪.‬‬
‫ميكــن للمؤمنــن أن يصلــوا يف أي وقــت بعــد ســاع األذان‪ ،‬إال إن التبك ـ َر أفضـ ُـل وف ًقــا للكتــب‬
‫الرشعيــة‪.‬‬
‫الصلــوات مختلفــة الطــول؛ املغــرب ثــاث ركعــات‪ ،‬والعشــاء أربــع‪ ،‬والفجــر اثنتــن‪ ،‬والظهــر أربــع‪،‬‬
‫والعــر أربــع‪ .‬لكــن صــاة الظهــر يــوم الجمعــة تكــون مميــزةً؛ إذ يجتمــع املؤمنــون يف مســجد‬
‫أيضــا ُخطبــة‪ ،‬لكنهــا تختلــف عــن‬ ‫جامــع وت ُو َجــز صــاة الظهــر االعتياديــة إىل ركعتــن‪ .‬ويوجــد ً‬
‫ـر قطعــة مــن الكتــاب املقــدس‪ ،‬فقــد كانــت صيغتهــا ثابتــة‪ :‬تبــدأ بالثنــاء‬
‫العظــة املســيحية التــي تفـ ّ‬
‫عــى اللــه وعــى النبــي‪ ،‬ثــم تــاوة القــرآن‪ ،‬والتذكــر بالتقــوى‪ ،‬ويف النهايــة شــكر اللــه عــى القائــد‬
‫الســيايس املحــي‪.‬‬
‫نتيج ـ ًة للتقســيم الطقــي لليــوم‪ ،‬أظهــر الفلكيون‪/‬املنجمــون اإلســاميون اهتام ًمــا مبك ـ ًرا بعلــم‬
‫ـت الصــاة يُحــدد عــر الشــمس؛ عــر ظهورهــا واختفائهــا وطول‬ ‫امليقــات‪ .‬ففــي القــرون األوىل كان وقـ ُ‬
‫ـداول شــامل ًة ترسد‬
‫ـب الفلكيــة التعليميــة األوىل (كتــب الزيــج) جـ َ‬
‫ظلهــا‪ .‬ولذلــك‪ ،‬كانــت تتضمــن الكتـ ُ‬
‫أطــوال الظــل يف مــدن مختلفــة كبغــداد والقاهــرة ودمشــق‪ .‬وكانــت تحتــوي غالبًــا عــى تقديـرات‬
‫أيضــا(‪.((1‬‬
‫ملــدن وقــرى مجــاورة ً‬

‫‪(10) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Miqat”; Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Tarikh,” 259.‬‬
‫‪7‬‬ ‫”‪(11) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Miqat.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫إال إنــه لكــون أهــم صــاة يف األســبوع ‪ -‬ظهــر الجمعــة ‪ -‬محــددة بلحظــة معينــة وليــس مب ـ ًدى‬
‫مــن الســاعات‪ ،‬تطــورت مبــرور الزمــن آليــاتٌ لحســاب الزمــن أكــر دقــة‪ .‬ومــع بدايــة القــرن الثالــث‬
‫عــر‪ ،‬بــدأ يظهــر املوقّــت عــى ســارية العديــد مــن املســاجد‪ .‬ويف الوقــت نفســه تقري ًبــا‪ ،‬ذاع اسـ ٌم‬
‫آخــر للميقاتيــن (متخصــي الزمــن) يف األدبيــات الفلكية‪/‬التنجيميــة‪ ،‬أال وهــو املن ّجــم املتخصــص يف‬
‫علــم الفلــك الكــروي والتوقيــت الفلــي‪ ،‬والــذي مل يكــن موظ ًفــا يف املســجد‪ .‬فمثـ ًـا‪ ،‬وضــع رجـ ٌـل مــن‬
‫ـت الصــاة مــن خــال دالــة يف ارتفــاع الشــمس‬ ‫القاهــرة مجموعـ ًة مــن الجــداول التــي تُظهــر مواقيـ َ‬
‫شــمول؛ إذ ميكــن حســاب الزمــن مــن كل‬ ‫ً‬ ‫رجــل آخــر جــدولً أكــر‬
‫وخــط العــرض‪ ،‬بينــا وضــع ٌ‬
‫خطــوط الطــول إمــا مــن الشــمس أو النجــوم(‪.((1‬‬
‫نشــأ نتيجــة هــذا االلتـزام بالتقســيم الدقيــق لليــوم اهتــا ٌم مناظــر بابتــكار أجهــزة توقيــت أكــر‬
‫أول آلــة اسـتُخدمت لتحديــد الزمــن عــن‬ ‫دقــة‪ .‬كان العقــرب الــرأيس (عــود عمــودي يُلقــي ظـ ًـا) هــو َ‬
‫طريــق الشــمس‪ ،‬إال إنــه كان بدائ ًّيــا وغـ َر دقيــق‪ ،‬واسـتُبدل رسي ًعــا باملزولــة الشمســية‪.‬‬
‫ويف أوائــل القــرن الثالــث عــر‪ ،‬كتــب ميقــايتٌّ مــن القاهــرة رســال ًة شــاملة عــن نظريــة املزولــة‪،‬‬
‫وعــن بنــاء امل ـزاول يف املســاجد(‪ .((1‬ويف عــام ‪1276‬م ألّــف الفليك‪/‬املن ّجــم أبــو العبــاس أحمــد بــن‬
‫عمــر الصــويف رســال ًة عــن عيــوب امل ـزاول وأســبابها وعالجهــا(‪.((1‬‬
‫حــدث تطــو ٌر آخــر يف علــم التوقيــت عندمــا ظهــرت الســاعة املائيــة‪ .‬اكتُشــف أقــد ُم منــوذ ٍج‬
‫للســاعة املائيــة ‪-‬التــي تــم اخرتاعهــا يف بابــل ومــر‪ -‬يف معبــد الكرنــك يف القــرن الخامــس عــر‬
‫قبــل امليــاد(‪ .((1‬بينــا كانــت املزولــة ال ميكــن االعتــاد عليهــا ألنهــا تتغــر بتغــر الفصــول والطقــس‪،‬‬
‫مكّنــت الســاعة املائيــة املوقّــت مــن تحديــد أوقــات الصــاة بدقـ ٍة أكــر‪ ،‬دون اللجــوء إىل الجــداول‬
‫الفلكيــة أو لظهــور الشــمس أو النجــوم‪ .‬بُنيــت الســاعات املائيــة اإلســامية األوىل يف بدايــة القــرن‬
‫التاســع امليــادي‪ ،‬وأرســل هــارون الرشــيد (حكــم ‪809-766‬م) ‪ -‬الخليفــة العبــايس األســطوري يف‬
‫قصــص ألــف ليلــة وليلــة ‪ -‬عــام ‪807‬م ســاع ًة متقنــة إىل اإلمرباطــور الرومــاين املقــدس شــارملان (حكــم‬
‫‪814-800‬م)‪ .‬غمــرت البهجـ ُة البــاط الفرنجــي‪ ،‬فقــد كانــت "‪ ...‬اخرتا ًعــا ميكانيك ًّيــا بدي ًعــا‪ ،‬متــر فيــه‬

‫‪(12) Ibid.‬‬
‫‪(13) Ibid.‬‬
‫‪(14) Abdus Sattar Siddiqi, “Construction of Clocks and Islamic Civilization,” Islamic Culture 1(1927): 245–51.‬‬
‫‪(15) The International Encyclopedia of the Social Sciences, s.v. “Time.” 16:30.‬‬ ‫‪8‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫االثنــا عــرة ســاعة يف ســاعة مائيــة‪ ،‬مــع كـرات برونزيــة صغــرة تســقط مــع كل ســاعة ‪ ...‬وهنــاك‬
‫فارســا يخرجــون مــن اثنتــي عــرة نافــذة مفتوحــة بنهايــة كل ســاعة ‪.((1("...‬‬
‫اثنــا عــر ً‬
‫ـاعات فلكيــة تضـ ُّم رسـ ٍ‬
‫ـومات تصـ ّور تركيبهــا‬ ‫ويف ‪1205‬م أكمــل املن ّجـ ُم الرضــوان مخطوطـ ًة عــن سـ ٍ‬
‫أيضــا وص ًفــا للســاعة الشــهرية يف مســجد دمشــق الكبــر‪ ،‬والتــي بناهــا والــده‬ ‫وآليــة عملهــا‪ ،‬وض ّمنهــا ً‬
‫محمــد بــن عــي بــن روســتام الســاعايت‪ ،‬يف الربــع الثالــث مــن القــرن الثــاين عــر(‪.((1‬‬
‫ويف بدايــة القــرن الخامــس عــر‪ ،‬كانــت الســاعة املائيــة قــد انتــرت يف جميــع أنحــاء العــامل‬
‫املفضلــة للم ّوقــت واملــؤذن‪ .‬انعكــس هــذا االهتــام بدقــة التوقيــت يف‬
‫اإلســامي‪ ،‬وأصبحــت األداة ّ‬
‫اســم التخصــص الجديــد؛ علــم املواقيــت(‪.((1‬‬
‫مل يكن يُقاس األســبوع بحرك ِة األرض والقمر والشــمس كام كان اليوم والشــهر والســنة؛ إذ رمبا كان‬
‫األســبوع(*) املكـ ّون مــن ســبعة أيــام يف العــامل اليهو‪-‬مســيحي ُمسـتَ َم ًّدا مــن االعتقــاد البابــي واملــري‬
‫القديم‪ ،‬يف أن األجســام الســاوية الســبعة تحكم األيام(‪ :((2‬زحل ‪ Saturn‬يحكم ســاتدرداي‪ ،‬والشــمس‬
‫‪ Sun‬تحكــم ســانداي‪ ،‬والقمــر ‪ Moon‬يحكــم مانــداي‪ ،‬واملريــخ ‪ Mars‬يحكــم تيــوزداي‪ ،‬وعطــارد‬
‫‪ Mercury‬يحكــم وينيــزداي‪ ،‬واملشــرى ‪ Jupiter‬يحكــم ثاراثــداي‪ ،‬والزهرة ‪ Venus‬يحكم فرايــداي(**)‪.‬‬
‫تبنــى اليهــود يف البدايــة تقســي َم الشــهر هذا إىل فئات من ســبعة أيام‪ ،‬ثــم نقلها عنهم املســيحيون(‪.((2‬‬
‫ع ــى الرغ ــم م ــن أن محمــ ًدا واملس ــلمني األوائ ــل قَبِل ــوا األس ــبو َع اليهو‪-‬مس ــيحي املكــ ّون‬
‫ـوم للعب ــادة كان أمــ ًرا صع ًب ــا‪ .‬فالنب ــي ق ــال وف ًق ــا لحدي ــث‬
‫م ــن س ــبعة أي ــام‪ ،‬إال إن اختي ــا َر ي ـ ٍ‬

‫‪(16) David Ewing Duncan, Calendar: Humanity’s Epic Struggle to Determine a True andAccurate Year (New‬‬
‫‪York: Avon Books, 1998), 117.‬‬
‫‪(17) Siddiqi, “Construction of Clocks,” 245–51.‬‬
‫‪(18) E. S. Kennedy, “Al-Biruni on the Muslim Times of Prayer,” in E. S. Kennedy, Studies in theIslamic Exact‬‬
‫‪Sciences (Beirut: American University of Beirut, 1983), 299–310.‬‬
‫(*) ت ُشــتق كلمــة األســبوع يف العربيــة مــن الرقــم ســبعة‪ ،‬إذ كان اشــتقاق الكلمــة تاليًــا عــى إق ـرار تقســيم األيــام يف فئــات‬
‫مــن ســبعة أيــام‪ .‬لكــن يف اإلنجليزيــة‪ ،‬تحمــل كلمــة ‪ week‬داللـ ًة محايــدة مــن األصــل الجرمــاين ‪ wikon‬الــذي يشــر إىل مجــرد‬
‫التعاقــب أو التغــر‪ ،‬إذ تشــر إىل تقســيم األيــام يف فئــات أقــل مــن الشــهر دون تحديــد عددهــا‪[ .‬املرتجــم]‬
‫‪(20) Encyclopedia Britannica, 15th ed., s.v. “Calendar”; Duncan, Calendar, 53–55.‬‬
‫(**) اخرتنا نقحرة األسامء اإلنجليزية لداللتها‪[ .‬املرتجم]‬
‫‪(**) EviatarZerubavel, The Seven Day Circle: The History and Meaning of the Week (NewYork: The Free‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪Press, 1985), 14–17.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫قدي ــم‪" :‬لليه ــود ي ــوم يجتمع ــون في ــه [للص ــاة] كل س ــبعة أي ــام‪ ،‬وللنص ــارى ي ــوم‪ ،‬فلنجع ــل‬
‫(**)‬
‫لن ــا يو ًم ــا"‬
‫اخت ــار املس ــلمون األوائ ــل ي ــوم فراي ــداي (م ــن مغ ــرب ش ــمس ثاراث ــداي إىل مغ ــرب ش ــمس‬
‫فرايـــداي) ليكـــون يومهـــم الرئيـــس‪ ،‬مقرتبـــن مـــن األيـــام املقدســـة لألديـــان األخـــرى‪ ،‬لكـــن‬
‫منفصل ــن عنه ــم يف الوق ــت نفس ــه‪ .‬إال إنه ــم لس ــعيهم نح ــو متاي ـ ٍز أك ــر‪ ،‬مل يجعل ــوه ي ــو َم راح ــة؛‬
‫في ــوم الجمع ــة ل ــدى املس ــلمني ه ــو ي ــوم نش ــاط ع ــادي (باس ــتثناء وق ــت ص ــاة الظه ــر)‪ ،‬ع ــى‬
‫عكـــس الســـبت واألحـــد لـــدى اليهـــود واملســـيحيني‪ .‬ول ُيم ّيـــزوا أنفســـهم أكـــر‪ ،‬اســـتقروا عـــى‬
‫أس ــاء مختلف ــة أليامه ــم؛ في ــوم فراي ــداي أصب ــح ي ــوم الجمع ــة‪ ،‬والس ــبت أصب ــح تح ــت تأث ــر‬
‫اليه ــود ي ــوم الس ــبت‪ .‬إال إن بقي ــة األي ــام كان ــت ببس ــاطة األح ــد (أي األول)‪ ،‬واالثن ــن والثالث ــاء‬
‫واألربع ــاء والخمي ــس(‪.((2‬‬
‫يف أوائــل قــرون األلفيــة األوىل‪ ،‬كان ســكان الجزيــرة العربيــة يعملــون بتقويــم قمــري رصف‪ .‬كان‬
‫يتــم تحديــد الشــهور عــر أطــوار القمــر‪ ،‬وكان كل واحــد منهــا ‪ 29.5‬يو ًمــا تقري ًبــا‪ .‬كانــت الســنة‬
‫القمريــة مك ّونــة مــن اثنــي عــر شــه ًرا قمريًّــا ينقســمون إىل قســمني‪ :‬أربعــة أشــهر مــن الســام‬
‫[األشــهر الحــرم] (ثالث ـ ٌة حــول شــهر الحــج)‪ ،‬تُح ـ ّرم فيهــم اإلغــارة والقتــال‪ ،‬ومثانيــة أشــهر يُســمح‬
‫فيهــم بالحــرب‪ .‬إال إنــه نتيجــة أن الســنة القمريــة تتكــون مــن ‪ 354‬يو ًمــا يف مقابــل ‪ 365‬يو ًمــا‬
‫للســنة الشمســية املك َّونــة مــن أربعــة فصــول‪ ،‬تغــر شــه ُر الحــج ‪-‬الــذي كان يف األصــل خريف ًّيــا‪-‬‬
‫بتغــر الفصــول‪ ،‬مــا جعــل مــن تحديــد أحــكام الســفر والتضحيــة بالحيوانــات أمـ ًرا صع ًبــا‪ .‬ولذلــك‪،‬‬

‫(‪ ((2‬نســب املؤلــف هــذا الــكالم للنبــي صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬إال إننــا مل نقــف عليــه يف حديــث مرفــوع‪ ،‬بــل يف أثـ ٍر يف مصنــف‬
‫ُوب إِ ْسـ َح ُاق‬ ‫ـال‪َ :‬ح َّدث َ َنــا أَبُــو يَ ْعق َ‬
‫ـر ُِّي قَـ َ‬ ‫عبــد الــرزاق الصنعــاين‪ ،‬ونصــه كالتــايل‪" :‬أَخ َ َْبنَــا أَبُــو َسـ ِع ٍيد أَ ْح َمـ ُد بْـ ُن ُم َح َّمـ ِـد بْــنِ ِزيَــا ٍد الْ َبـ ْ‬
‫ـال‪َ " :‬ج َّمـ َع أَ ْهـ ُـل الْ َم ِدي َن ِة‬ ‫ـوب‪َ ،‬عنِ ابْنِ ِسـرِي َن قَـ َ‬ ‫ـال‪ :‬قَ َرأْنَــا َعـ َـى َع ْبـ ِـد الـ َّرزَّاقِ ‪َ ،‬عـ ْن َم ْع َمـرٍ‪َ ،‬ع ْن أَيُّـ َ‬ ‫بْـ ُن إِبْ َرا ِهيـ َم بْــنِ َع َّبــا ٍد ال َّدبَـر ُِّي قَـ َ‬
‫ـول اللَّـ ِه َصـ َّـى اللـ ُه َعلَ ْيـ ِه َو َسـلَّ َم َوقَ ْبـ َـل أَ ْن ت َ ْنـز َِل الْ ُج ُم َعـ ُة َو ُهـ ُم ال َِّذي َن َسـ َّم ْو َها الْ ُج ُم َعـةَ‪ ،‬فَقَالَـ ِ‬
‫ـت ْالَن َْصــا ُر لِلْ َي ُهو ِد‬ ‫قَ ْبـ َـل أَ ْن يقــد َم َر ُسـ ُ‬
‫ـام‪َ ،‬ولِل َّن َصــا َرى أَيْضً ــا ِمثْـ ُـل َذلِـ َـك‪ ،‬فَ َهلُـ َّم فَلْ َن ْج َعـ ْـل يَ ْو ًمــا نَ ْجتَ ِمـ ُع َونَ ْذكُـ ُر اللَّـ َه َون َُصـ ِّـي َونَشْ ـ ُك ُرهُ‬ ‫يَـ ْو ٌم يَ ْجتَ ِم ُعــو َن ِفيـ ِه ك َُّل َسـبْ َع ِة أَيَّـ ٍ‬
‫السـب ِِت لِلْيَ ُهــو ِد‪َ ،‬ويَـ ْو ُم ْالَ َحـ ِـد لِل َّن َصــا َرى‪ ،‬فَا ْج َعلُــو ُه يَـ ْو َم الْ ُع ُروبَـ ِة‪َ ،‬وكَانُــوا يُ َسـ ُّمو َن يَـ ْو َم الْ ُج ُم َعـ ِة‬ ‫ِفيـ ِه‪ ،‬أَ ْو كَـ َـا قَالُــوا‪ :‬فَقَالُــوا‪ :‬يَـ ْو ُم َّ‬
‫ـح أَ ْسـ َع ُد‬ ‫يَـ ْو َم الْ ُع ُروبَـ ِة‪ ،‬فَا ْجتَ َم ُعــوا إِ َل أَ ْسـ َع َد بْــنِ ُز َرا َر َة ف ََصـ َّـى ِب ِهـ ْم‪ ،‬يَ ْو َم ِئـ ٍـذ َو َذكَّ َر ُهـ ْم ف ََسـ َّم ْوهُ الْ ُج ُم َعـةَ‪َ ،‬حتَّــى ا ْجتَ َم ُعــوا إِلَ ْيـ ِه‪ ،‬فَذبَـ َ‬
‫لصـ َـا ِة‬‫اح ـ َد ٍة‪َ ،‬و َذلِـ َـك لِ ِقلَّ ِت ِه ـ ْم"‪ ،‬فَأَنْ ـ َز َل اللَّ ـ ُه ِف َذلِـ َـك بَ ْع ـ َد َذلِـ َـك‪{ :‬إِذَا نُــو ِد َي لِ َّ‬ ‫بْ ـ ُن ُز َرا َر َة لَهــم شَ ــا ًة فَتَ َغ ـ َّد ْوا َوت َ َعشَّ ـ ْوا ِم ـ ْن شَ ــا ٍة َو ِ‬
‫ِمـ ْن يَـ ْو ِم الْ ُج ُم َعـ ِة ف َْاسـ َع ْوا إِ َل ِذكْـ ِر اللَّـ ِه} [الجمعــة‪ ."]9 :‬انظــر‪ :‬املصنــف‪ ،‬عبــد الــرزاق بــن هــام بــن نافــع الحمــري اليــاين‬
‫الصنعــاين (ت‪211 .‬هـــ)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬حبيــب الرحمــن األعظمــي‪ ،‬املكتــب اإلســامي‪ ،‬الهنــد‪ ،‬ط‪1403 ،2‬هـــ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪[ .159‬املرتجــم]‬
‫‪(24) 0ibid., 26.‬‬ ‫‪10‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫تبنــى العــرب عــام ‪412‬م تقو ًميــا شمسـ ًيا قمريًّــا يُ ِ‬


‫قحــم شــه ًرا كل ثــاث ســنني بــن ذي الحجــة (شــهر‬
‫الحــج) ومحــرم (أول شــهر يف الســنة)(‪.((2‬‬
‫ـي محمــد عــر آي ـ ٍة غامض ـ ٍة يف القــرآن بإصــاح التقويــم والتحقيــب‬ ‫لكــن عــام ‪631‬م‪ ،‬أُم ـ َر النبـ ُّ‬
‫الشمســقمري الوثنــي الــذي ورثــه‪{ .‬إِ َّن ِعـ َّد َة الشُّ ـ ُهو ِر ِع ْنـ َد اللَّـ ِه اث ْ َنــا َعـ َ َ‬
‫ـر شَ ـ ْه ًرا ِف كِتَـ ِ‬
‫ـاب اللَّـ ِه يَـ ْو َم‬
‫ـي ُء ِزيَــا َد ٌة ِف الْ ُك ْف ـ ِر يُ َضـ ُّـل ِب ـ ِه ال َِّذي ـ َن كَ َف ـ ُروا}(‪ ،((2‬ثــم ك ـ َّرر‬ ‫ات َو ْالَ ْر َض } ‪{ ...‬إِنَّ َــا ال َّنـ ِ‬
‫السـ َـا َو ِ‬
‫َخلَـ َـق َّ‬
‫ـي التحريـ َم يف قولــه‪" :‬أيهــا النــاس‪ ،‬إن الكفــار يتســاهلون يف التالعــب بالتقويــم ليحلــوا مــا حـ َّرم‬ ‫النبـ ُّ‬
‫اللــه‪ ،‬ويحرمــوا مــا أحـ َّـل اللــه‪ ،‬إن عــدة الشــهور عنــد اللــه اثنــا عــر شــه ًرا ‪.((2()*("...‬‬
‫كانــت اآليــة القرآنيــة عصيـ ًة عىل التفســر؛ إذ مل يكن معنى النيسء محــد ًدا‪ .‬جادل ُ‬
‫بعض العلــاء يف القرن‬
‫ـخص املســئول عن التقويــم‪ ،‬بينام جــادل آخــرون بأنه يعنــي إضاف َة‬
‫الثامــن والتاســع بــأن النــي َء يعنــي الشـ َ‬
‫شــهر عــى الســنة‪ .‬وعــى الرغم مــن أن معظم الفلكيني املســلمني أجمعوا عىل التفســر األخــر‪ ،‬إال إنه يجدر‬
‫ذكــر أن النــيء كان يف القــرون األوىل مــن التحقيب الحــايل الزعيم الديني للجامعة اليهودية‪ ،‬وكان من ضمن‬
‫مســئولياته تحديــد بداية الشــهر (بظهور القمــر الجديد) وتقرير متى يُقحم شــه ٌر إضايف‪ ،‬لكــن بحلول القرن‬
‫الرابــع‪ ،‬كانــت ســنة اإلقحام [التي كان يُضاف فيها الشــهر] قد ث ُبتت‪ ،‬ومل يعد النيسء يصدر القـرار كل مرة(‪.((2‬‬
‫تنوعــت بدايــات الشــهور وعــدد األيــام يف القــرون األوىل بعــد وفــا ِة محمــد‪ .‬فــا ميكــن إعــا ُن‬
‫دخــول شــهر جديــد حتــى يظهــر ُ‬
‫أول هــال‪ ،‬وكان التنبـ ُؤ بهــذا الحــدث داف ًعــا كبـ ًرا خلــف اهتــام‬

‫‪(25) Nachum Dershowitz and Edward M. Reingold, Calendrical Calculations (Cambridge:Cambridge Uni-‬‬
‫‪versity Press, 1997), 63.‬‬
‫”‪(26) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Tarikh.‬‬
‫(‪ ((2‬سورة التوبة‪.37-36 ،‬‬
‫(‪ ((2‬آثرنــا هنــا ترجمــة النــص بحرفيتــه ألننــا مل نقــف عليــه بهــذا املعنــى‪ ،‬ووقفنــا عــى النــص التــايل يف مســند الب ـزار‪" :‬أَيُّ َهــا‬
‫ـاس إِ َّن ال َّز َمــا َن قَـ ِـد ْاسـتَ َدا َر كَ َه ْيئَ ِتـ ِه يَـ ْو َم خلــق اللــه الســاوات َواألَ ْر َض‪َ ،‬وإِ َّن ِعـ َّد َة الشُّ ـ ُهو ِر ِع ْنـ َد اللَّـ ِه اث ْ َنــا َعـ َ َ‬
‫ـر شَ ـ ْه ًرا ِم ْن َهــا‬ ‫ال َّنـ ُ‬
‫ـن ُجـ َـا َدى َوشَ ـ ْعبَا َن َوذُو الْ َق ْعـ َد ِة َوذُو الْ َح َّجـ ِة َوالْ ُم َحـ َّر ُم َذلِـ َـك ال ِّديـ ُن الْ َقيِّـ ُم فَــا تَظْلِ ُمــوا فيهــن‬ ‫ـر الَّـ ِـذي بَـ ْ َ‬
‫ـب ُمـ َ ُ‬‫أَ ْربَ َعـ ٌة ُحـ ُر ٌم‪َ :‬ر َجـ ٌ‬
‫ـي ُء ِزيَــا َد ٌة ِف الْ ُك ْفـ ِر يُضَ ـ ُّـل ِبـ ِه ال َِّذيـ َن كَ َفـ ُروا يُ ِحلِّونَـ ُه َعا ًمــا َويُ َح ِّر ُمونَـ ُه َعا ًمــا لِّيُ َو ِاطـ ُؤوا ِعـ َّد َة َمــا َحـ َّر َم اللَّـ ُه}"‪.‬‬
‫أنفســكم {إِنَّ َــا ال َّنـ ِ‬
‫انظــر‪ :‬مســند البـزار املنشــور باســم البحــر الزخــار‪ ،‬أبــو بكــر بــن عمــرو العتــي املعــروف بالبـزار (ت‪292 .‬هـــ)‪ ،‬تحقيــق‪ :‬محفــوظ‬
‫الرحمــن زيــن اللــه وعــادل بــن ســعد وصــري عبــد الخالــق الشــافعي‪ ،‬مكتبــة العلــوم والحكــم‪ ،‬املدينــة املنــورة‪ ،‬الســعودية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2009‬ج‪ ،12‬ص‪[ .298‬املرتجــم]‬
‫‪(29) Andre Nehr, “The View of Time in Jewish Culture,” in UNESCO, At the Crossroads ofCultures and Time‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪(Paris: UNESCO, 1976), 163–5.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫املســلمني األوائــل بالفلــك؛ إال إنــه رسعــان مــا تبنــى الفلكيــون اإلســاميون لتبســيط الحســابات‬
‫الفلكيــة وتأســيس مواقيــت محــددة للطقــوس واألعيــاد‪ ،‬تقوميًــا مخططًــا تحمــل الشــهور فيــه عــد ًدا‬
‫محــد ًدا مــن األيــام‪ )1( :‬محــرم يتكــون مــن ثالثــن يو ًمــا‪ )2( .‬صفــر مــن تسـعٍ وعرشيــن يو ًمــا‪)3( .‬‬
‫ربيــع األول مــن ثالثــن يو ًمــا‪ )4( .‬ربيــع اآلخــر مــن تس ـعٍ وعرشيــن يو ًمــا‪ )5( .‬جــادى األوىل مــن‬
‫ثالثــن يو ًمــا‪ )6( .‬جــادى الثانيــة مــن تســعٍ وعرشيــن يو ًمــا‪ )7( .‬رجــب مــن ثالثــن يو ًمــا‪)8( .‬‬
‫شــعبان مــن تسـعٍ وعرشيــن يو ًمــا‪ )9( .‬رمضــان مــن ثالثــن يو ًمــا‪ )10( .‬شــوال مــن تسـعٍ وعرشيــن‬
‫يو ًمــا‪ )11( .‬ذو القعــدة مــن ثالثــن يو ًمــا‪ )12( .‬ذو الحجــة مــن تس ـعٍ وعرشيــن أو ثالثــن يو ًمــا‪.‬‬
‫وكان اليــوم اإلضــايف رضوريًّــا؛ ألن اثنتــي عــر دورة للقمــر تشـكّل ‪ 354.25‬يو ًمــا‪ .‬ويف دورة الثالثني‬
‫عا ًما‪ ،‬كان اليوم يُضاف يف الســنة الثانية والخامســة والســابعة والعارشة والثالثة عرش والسادســة عرش‬
‫والثامنــة عــر والحادية والعرشين والرابعة والعرشين والسادســة والعرشين والتاســعة والعرشين(‪.((3‬‬
‫كانـت أسماء الشـهور كما هي قبل اإلسلام ومل تتغير‪ ،‬إال إنها فقـدت بالوقت مضامينها املوسـمية‪.‬‬
‫فعلى سـبيل املثـال‪ ،‬كان رمضان يعني باألسـاس "(الصيف) الحار"‪ ،‬وصفر "(الخريـف) األصفر"‪ ،‬وربيع‬
‫األول "(الربيع) فصل املرعى"‪ ،‬وجامدى األوىل "(الشـتاء) القارس املتجمد"‪ .‬ويف خطبة النبي‪" :‬ق ُّسـمت‬
‫الشـهور مر ًة أخرى بحيث أصبحت الشـهور األول والسـابع والحادي عرش والثاين عرش شهو ًرا مقدسة"‪.‬‬

‫البعد االحتفالي‪:‬‬
‫أبــرز التقويــم الجديــد أعيــا ًدا جديــدة؛ ففــي الســنوات األوىل بعــد محمــد كان هنــاك عيــدان‬
‫فقــط؛ عيــد الفطــر وعيــد القربــان [األضحــى]‪ .‬يســتمر عيــد الفطــر لثالثــة أيــام مــن أول شــوال إىل‬
‫اب مــن‬
‫ثالثــه‪ ،‬احتفــالً بانتهــاء صيــام شــهر رمضــان؛ إذ كان يحـ ُرم عــى كل املؤمنــن الطعــا ُم والـر ُ‬
‫ـرض واألطفــال وكبــار السـ ِّن والنســا ِء الحوامــل‪ .‬ورمضــان‬‫رشوق الشــمس حتــى غروبهــا‪ ،‬باســتثناء املـ َ‬
‫هــو شــهر العفـ ُو واملغفــرة‪ ،‬ويقــال‪ :‬إن فيــه ت ُفتــح أبــواب الجنــة‪ ،‬وتغلــق أبــواب النــار(‪.((3‬‬
‫العيــد األســايس الثــاين يف الســنة اإلســامية هــو عيــد القربــان [األضحــى]‪ .‬يقــع العي ـ ُد يف شــهر‬
‫ـج إىل مكــة ‪ -‬ركــن اإلســام‬
‫الحــج؛ شــهر ذي الحجــة‪ ،‬وميتـ ُّد مــن العــارش إىل الثالــث عــر‪ .‬كان الحـ ُّ‬

‫‪(30) Frank Parise, ed., The Book of Calendars (New York: Facts on File, 1982), 71.‬‬
‫‪(31) G. E. von Grunebaum, Muhammadan Festivals (New York: Henry Schuman, 1951), 51–3,56–65.‬‬ ‫‪12‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫فرضــا ُيكــن لعــد ٍد قليــل فقــط مــن املؤمنــن القيــام بــه‪ .‬مكــة هــي مــكا ُن مولــد النبــي‬
‫الخامــس ‪ً -‬‬
‫وموطـ ُن الكعبــة‪ ،‬الحجــر العظيــم الــذي نحتــه ‪-‬طب ًقــا لألثــر‪ -‬إبراهيــم‪ .‬أكــر أفعــال الحــاج أهميــة‬
‫هــو التضحي ـ ُة بحيــوانٍ مــن دجــاج أو خ ـراف أو ماعــز أو بقــر أو إبــل‪ .‬تعيــد هــذه التضحيــة يف‬
‫العــارش مــن الشــهر متثيـ َـل تضحيــة إبراهيــم بإســاعيل بــن هاجــر‪ ،‬وترمــز إىل تضامــن املجتمــع‬
‫اإلســامي العاملــي؛ ألن املســلمون يقومــون بهــا يف كل مــكان(‪.((3‬‬
‫نشــأ عيـ ٌد ثالــث بعــد أربعــة أو خمســة قــرون؛ عيــد املولــد النبــوي‪ .‬وأل َّن يــو َم مولد محمــد الفعيل‬
‫مل يكــن معروفًــا‪ ،‬ات ُخــذ يــو ُم موتــه (‪ 12‬ربيــع األول) مناســب ًة لالحتفــاالت‪ .‬ويبــدو أن االحتفــاالت قــد‬
‫بــدأت يف أواخــر القــرن الثــاين عــر‪ .‬ورسعــان مــا بــدأ الحــكام واألعيــان بلــورة احتفــاالت معينــة‪،‬‬
‫تضمنــت تــاوات مــن القــرآن وقصــص مــن ســرة النبــي‪ ،‬إمــا شــع ًرا فقــط أو شــع ًرا ونـ ًرا(‪.((3‬‬
‫ِ‬
‫مــوت اإلمــام الحســن‬ ‫وكان عيــد عاشــوراء يُحيــي يف األيــام العــر األوىل مــن محــرم ذكــ َرى‬
‫(ابــن عــي وحفيــد النبــي) يف كربــاء يف العــارش مــن أكتوبــر ‪680‬م‪ .‬يف األيــام التســع األوىل‪ ،‬يرتــدي‬
‫قليــا‪ ،‬ويســتمعون إىل قصــص مــن معانــاة الحســن‪،‬‬ ‫ثيــاب الحــداد‪ ،‬وال يأكلــون إال ً‬
‫َ‬ ‫املحتفلــون‬
‫ـال يف الشــوارع يجلــدون أنفســهم وهــم أنصــاف عـراة ويرصخــون وينتحبــون‪ .‬ويف اليــوم‬ ‫ويجــول رجـ ٌ‬
‫العــارش‪ ،‬ت ُنــر نســخة طبــق األصــل مــن كفــن الحســن عل ًنــا‪ ،‬ويُعــاد متثيــل جنازتــه‪ .‬رغــم أن هــذا‬
‫الطقــس يشــتهر أكــر يف املجتمعــات الشــيعية‪ ،‬إال إن قصــة حــب الحســن وموتــه تســتطيع ملــس‬
‫حيــاة املســلمني مــن أي مذهــب(‪.((3‬‬

‫بعد الترتيب الزمني‪:‬‬


‫مــن منظــور الرتتيــب الزمنــي‪ ،‬دراســة الزمــن هــي دراســة الســنة‪ .‬فالعديــد مــن الــدول‬
‫قســمت ســنواتها يف حقــب يك تحــدد األحــداث الدينيــة والثقافيــة والسياســية املهمــة‪.‬‬ ‫املبكــرة ّ‬
‫الحقبــة هــي عــدد محــدد مــن الســنني ت ُحســب مــن تاريــخ معــن‪ .‬يشــر تاريــخ البدايــة ‪-‬‬
‫ـيس أرسة حاكمــة أو مولــد‬ ‫ـدث مهــم‪ ،‬كتأسـ ِ‬‫املعــروف باســم التاريــخ املرجعــي ‪ -‬عــاد ًة إىل حـ ٍ‬
‫نبــي أو ملــك‪ .‬بإدخــال الحقــب‪ ،‬أصبحــت املجتمعــات قــادر ًة عــى التعامــل مــع الزمــن يف‬

‫‪(32) Ibid., 15-36.‬‬


‫‪(33) Ibid., 73-7.‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪(34) Ibid., 85-9.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫اتجاهــن؛ األحــداث الســابقة ميكــن ربطهــا ببعضهــا البعــض بالســبق أو اللحــاق‪ ،‬واألحــداث‬
‫التاليــة ميكــن التنبــؤ بهــا وتعيينهــا بدقــة(‪.((3‬‬
‫خلال ال ِعقـد ونصـف الـذي مـ َّر بعد هجـرة النبي محمد مـن مكة إىل املدينـة‪ ،‬كان أتبا ُعه يسـ ّمون‬
‫السـنني وال يرقّمونهـا‪ ،‬فكانـت الثانيـة سـنة اإلذن‪ ،‬والخامسـة سـنة الرتفئـة (التهنئـة بالزواج)(*) وسـنة‬
‫موتـه سـنة الـوداع‪ .‬إال إن الخليفـة الثاين عمـر (ح‪644-634 .‬م) رسعان ما أدرك أنه يحتـاج ترتي ًبا زمن ًّيا‬
‫التحقيـب الهجري‪ .‬تـم اختيار‬‫َ‬ ‫أكثرَ اصطالحيـة يف مجتمعـه رسيـع االتسـاع‪ .‬ولذلـك‪ ،‬أرىس عـام ‪638‬م‬
‫تاريـخ خـروج محمـد مـن مكـة عـام ‪622‬م لتكـون نقطـ َة االنطلاق؛ إذ إنـه وفقًا لألثـر مل يتفـق أتباع‬
‫النبـي على تاريـخ مولـده‪ .‬ومـع ذلك‪ ،‬مل يكـن يوم الهجـرة الفعيل هو يـوم انطالق التحقيـب الجديد‪،‬‬
‫بـل كان اليـوم األول مـن السـنة القمريـة التـي وقعـت فيها الهجـرة‪ .‬وبالتـايل‪ ،‬يوافـق األول من محرم‬
‫يف العـام الهجـري األول السـادس عشر مـن يوليـو عـام ‪622‬م‪ .‬وكانـت أول مثال موث ّق على التحقيب‬
‫الجديـد هـو ورقـة بـردي مرصيـة ترجـع للعـام الثـاين والعرشيـن بعـد الهجـرة (‪643-642‬م) (‪.((3‬‬
‫املنجم‪:‬‬
‫ّ‬
‫كان يتــ ُّم تحديــ ُد الزمــن يف اإلســام يف القــرون الوســطى وبدايــة العــر الحديــث عــر حركــة‬
‫األجســام الســاوية الســبعة؛ الشــمس والقمــر وعطــارد واملريــخ والزهــرة واملشــرى وزحــل‪ .‬وكــا‬
‫أيضــا متخصــص الزمــن‪ ،‬واملســئول عــن‬ ‫كان رســم حركاتهــا وتفســرها هــو مهمــة املنجــم‪ ،‬أصبــح ً‬
‫النظــام الزمنــي اإلســامي يف جميــع مراحلــه؛ التقومييــة واالحتفاليــة ومرحلــة الرتتيــب الزمنــي‪ .‬ووف ًقــا‬
‫للموســوعي املبكــر جابــر بــن حيــان‪ ،‬يجــب عــى املنجــم أن "يتمكــن مــن الفلــك ‪( ...‬وهــو) وصــف‬
‫الســاء ومــا فيهــا‪( ،‬ويتمكــن مــن) التنجيــم‪( ،‬وهــو) منحــة الكواكــب"(‪.((3‬‬
‫حــركات الشــمس والقمــر‪ ،‬مقــر ًرا‬‫ِ‬ ‫وقيا ًمــا بــدوره باعتبــاره خبــ ًرا تقومي ًّيــا‪ ،‬كان املن ّجــم يرســم‬
‫مواقيــت الصــاة اليوميــة ومتــى يبــدأ صيــام رمضــان ومتــى ينتهــي‪ .‬وباعتبــاره خبـ ًرا احتفال ًّيــا‪ ،‬أرىس‬
‫أيضــا يســم األيــام بالشــؤم أو‬ ‫مواعيـ َد األعيــاد والطقــوس املهمــة يف كل التقاويــم ذات الصلــة‪ .‬وكان ً‬

‫‪(35) Paul Ricoeur, Time and Narrative, trans. Kathleen Blamey and David Pellauer (Chicago:University of‬‬
‫‪Chicago Press, 1988), 71–2.‬‬
‫(*) نقل الكاتب هنا عن البريوين‪ ،‬إال أنه أخطأ فنقل أن الخامسة هي سنة الرتفئة‪ ،‬وهي يف الحقيقة الرابعة‪[ .‬املرتجم]‬
‫‪(37) E. G. Richards, Mapping Time: The Calendar and Its History (Oxford: Oxford UniversityPress, 1999), 234.‬‬
‫”‪(38) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s. v. “munadjdjim.‬‬ ‫‪14‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫الربكــة بنــا ًء عــى الشــخص والفعــل املتأ َّمــل فيهــا‪ .‬فــإن كان اليــوم مبــاركًا‪ ،‬يقــرر اللحظــة املناســبة‬
‫لبــدء الفعــل أو الحــدث‪ .‬وأخـ ًرا‪ ،‬باعتبــاره خبـ ًرا بالرتتيــب الزمنــي‪ ،‬كان املنجــم يحــدد اليــوم األول‬
‫للســنة يف التقوميــات والتحقيبــات املتنوعــة‪ ،‬ويحــدد توافــق األيــام يف األنظمــة الزمنيــة املختلفــة‬
‫ألجــل املؤرخــن واملحاســبني وأمنــاء الســجالت‪.‬‬
‫أيضــا مســتودع املعرفــة التاريخيــة؛ إذ كان قــاد ًرا عــى ذكــر تواريــخ املعــارك وال َّحــكام‬
‫لقــد كان ً‬
‫واألرس الحاكمــة واألنبيــاء‪ .‬وكذلــك‪ ،‬كان يُدعــى للتنبــؤ باألحــداث الفلكيــة وتفســرها‪ ،‬كظواهــر‬
‫االق ـران واالنقــاب الشــميس والخســوف والشــهب واملذنبــات واق ـران الكواكــب‪.‬‬
‫كيف كان يُد َّرب املن ِّجم؟ وكيف يكتسب معارفه ومهاراته؟‬
‫هنــاك ثالثــة طــرق محتملــة‪ :‬الطريــق األول هــو التعلــم الــذايت‪ ،‬فيتعلــم بعــض بدائيــات الفلــك‬
‫نصــا فلك ًّيــا (كالكتــب األربعــة لبطليمــوس)‪ ،‬ويتعلــم كيــف يقــرأ الروزنامــة‬ ‫والرياضيــات‪ ،‬ويــدرس ًّ‬
‫(الزيــج)‪ ،‬ويقــرأ الطالــع ويســتعمل األســطرالب‪ .‬الســبيل الثــاين‪ ،‬وإن كان غـ َر مطــروق نســب ًّيا‪ ،‬هــو‬
‫الدراســة النظاميــة يف مدرســة ُملحقـ ٍة مبرصــد‪ .‬فهنــاك‪ ،‬ميكــن لشــاب موهــوب أن يكتســب مواهـ َ‬
‫ـب‬
‫حرفتــه يف نظــام أكادميــي‪ .‬لكــن كان الطريــق األكــر شــيو ًعا هــو التتلمــذ عــى يــد معلـ ٍـم ناجــح(‪.((3‬‬
‫وبإنهــاء تدريبــه‪ ،‬يحتــاج املن ِّجــم حديــثَ التخــرج إىل ثــاث معــدات‪ :‬أســطرالب‪ ،‬وروزنامــة‪،‬‬
‫ـرص ومــؤرش يُســتخدم للرصد والحســاب وتحديــد مواقع‬ ‫وســبورة‪ .‬كان األســطرالب أدا ًة تتكــون مــن قـ ٍ‬
‫األجســام الســاوية وحســاب وقــت النهــار‪ .‬وتحتــوي الروزنامــة عــى مجموعــة مــن الجــداول التــي‬
‫تــرد مواق ـ َع األجســام الســاوية الســبعة لــكل يــوم يف الســنة‪ .‬وأخ ـ ًرا‪ ،‬كانــت الســبورة ت ُســتخدم‬
‫للحســابات الرياضيــة وترجمــة املعلومــات العامــة الناتجــة عــن األســطرالب والروزنامــة إىل تنبــؤات‬
‫محــددة لألف ـراد مــن الحــكام والجنــود والتجــار والفالحــن(‪.((4‬‬
‫اســـتقى علـــم الفلك‪/‬التنجيـــم اإلســـامي مـــن منابـــع عـــدة‪ ،‬عـــى الرغـــم مـــن أن عـــرب‬
‫الجزيـــرة مـــا قبـــل اإلســـام كانـــت لديهـــم معرفـــ ٌة أساســـية بالنجـــوم والكواكـــب‪ ،‬إال إن‬

‫‪(39) George Saliba, “The Role of the Astrologer in Medieval Islamic Society,” Bulletin d’Etudes Orientales 44‬‬
‫‪(1992): 45–68.‬‬
‫‪(40) Ibid.; Seyyed Hossein Nasr, An Introduction to Islamic Cosmological Doctrines(Cambridge, MA: Har-‬‬
‫‪15‬‬ ‫”‪vard University Press, 1964), 107–65; Encyclopaedia of Islam,2d. ed., s.v. “al-Nudjum.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫التأث ــر الفل ــي والتنجيم ــي األك ــر ع ــى العل ــاء املس ــلمني األوائ ــل كان تأثــ ًرا يونان ًّي ــا؛ تأثــ َر‬
‫بطليمـــوس وبدرجـــة أقـــل أرســـطو(‪.((4‬‬
‫كان الفلــي والريــايض واملن ّجــم والجغرايف الشــهري كلوديوس بطليمــوس (‪170-100‬م) مرصيًّا يعيش‬
‫يف اإلســكندرية‪ .‬لقــد ت ُرجمــت رســالته العظيمــة ‪-‬التــي ظلــت محــور الفلــك اإلســامي لقــرون‪ -‬إىل‬
‫العربيــة يف بغــداد يف القــرن التاســع تحــت عنوان امل َ َج ْســطي (العظمــى)‪ .‬كان العنــوان اليوناين األصيل‬
‫األطروحــة الرياضيــة‪ ،‬وأصبــح مبــرور الوقــت األطروحــة العظمــى‪ ،‬وانتهــى يف النهايــة إىل العظمــى ملا‬
‫لــه مــن مكانــة يف علــم الفلــك اإلســامي‪ .‬فقــد ظــل تقســيمه أللــف واثنــن وعرشيــن نجـ ًـا عــى مثانٍ‬
‫وأربعــن كوكبــة هــو اإلطــار األســايس لعلــم الفلــك اإلســامي واألورويب حتــى القــرن الســابع عــر‪.‬‬
‫لقــد كانــت األرض هــي مركــز الكــون عنــد بطليمــوس‪ ،‬وتــدور الشــمس والقمــر والكواكــب‬
‫أيضــا صاحــب العمــل النموذجــي يف التنجيــم؛ الكتــب األربعــة(‪.((4‬‬
‫الخمســة حولهــا‪ .‬وكان بطليمــوس ً‬
‫رغــم تفــوق ال ـراث اإلغريقــي‪ ،‬إال إنــه كان هنــاك مصــادر تأثــر أخــرى؛ فقــد تعــرض العلــاء‬
‫اإلســاميون للنظريــات واالكتشــافات البابليــة عــر أعــال الفلكيــن اإليرانيــن‪ .‬ت ُرجِمــت أهــم رســالة‬
‫فلكيــة بهلويــة إىل العربيــة عــام ‪790‬م تقريبًــا تحــت عنــوان زيــج الشــاه‪ .‬وكتــب املن ّجــم اإلســامي‬
‫املبكــر أبــو معــر (‪886-787‬م) أن التنجيــم علــم اإليرانيــن(‪.((4‬‬
‫نــص هنــدي رئيــس ‪-‬كُتــب حــوايل ‪628‬م تحــت عنــوان‬ ‫أيضــا‪ ،‬إذ ت ُرجِــم ٌّ‬
‫وكان للهنــود دو ٌر ً‬
‫براهامشــوبتا ســيدهانتا‪ -‬إىل العربيــة حــوايل عــام ‪770‬م تحــت عنــوان زيــج الســندهند‪ ،‬إال إن‬
‫علــم الفلــك الهنــدي نفســه كان قــد تأثــر بالبابليــن واإلغريــق‪ ،‬ولذلــك يصعــب التحديــد الدقيــق‬
‫للمؤثــرات املتنوعــة عــى علــم الفلك‪/‬التنجيــم اإلســامي(‪.((4‬‬
‫عــى الرغــم مــن أن العديــد مــن املنجمــن اإلســاميني بدايــة العــر الحديــث كانــوا يعملــون‬
‫فلكيــن باألســاس ‪ -‬أي يرصــدون الســاء ويقومــون بالحســابات الرياضيــة ‪ -‬إال إن غالبيتهــم كان‬
‫يتكســب مــن التنجيــم‪.‬‬

‫”‪(41) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “al-Nudjum.‬‬


‫‪(42) John David North and Roy Porter, The Norton History of Astronomy and Cosmology(New York: Nor-‬‬
‫‪ton, 1994), 107–21.‬‬
‫‪(43) Ibid., 175-6.‬‬
‫‪(44) Ibid., 163-4.‬‬ ‫‪16‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫افــرض التنجيــم اإلســامي ‪-‬بنــا ًء عــى عمــل بطليمــوس‪ -‬أن هنــاك عالق ـ ًة وثيق ـ ًة بــن األمنــاط‬
‫الكونيــة واألحــداث األرضيــة‪ ،‬قــام ذلــك االفـراض عــى فكــرة أن األرض تقــف ثابتـ ًة يف مركــز الكــون‪،‬‬
‫وهــي مركــز املــدارات الثامنيــة التــي تــدور حولهــا؛ مــدارات األجســام الســاوية الســبعة باإلضافــة‬
‫إىل املــدار الــذي تك ّونــه النجــوم الثابتــة‪ .‬كانــت مهمــة املن ّجــم رس ـ َم حــركات األجســام الســاوية‬
‫والتنبــؤ بتأثريهــا عــى املؤسســات واألف ـراد األرضيــن وتفســره(‪.((4‬‬
‫كانــت خريطــة األب ـراج أدا َة املن ّجــم اإلســامي األساســية‪ .‬تعنــي الكلمــة "النظــر إىل الســاعات"‪،‬‬
‫وقــد اخرتعهــا اإلغريــق يف القــرن األول قبــل امليــاد‪ .‬متثــل خريطــة األبـراج ‪ -‬بعــد أن يرســمها املن ّجــم‬
‫مســتخد ًما األســطرالب والروزنامــة والســبورة‪ -‬مخططًــا للســاوات‪ ،‬وخريط ـ ًة لهــا يف زمــان ومــكان‬
‫محدديــن‪ ،‬وتحــدد موضــع الشــمس والقمــر والكواكــب والنجــوم بدقــة‪.‬‬
‫قســم اإلغريــق األوائــل ‪ -‬لتســهيل تحليــل وتفســر الخريطــة الســاوية ‪ -‬األفـ َـق إىل اثنتــي عــرة‬ ‫ّ‬
‫كل بــر ٍج اسـ ًـا مــن األســاء املألوفــة كالحمــل والقــوس والثــور والدلــو‪ .‬كانــت‬‫عائلـ ًة أو بر ًجــا‪ ،‬يحمــل ُّ‬
‫كل خريطــة متفــردةً‪ ،‬وتحمــل تنبـ ًؤا معي ًنــا عــن املســتقبل بعــد أن يحللهــا املن ّجــم ويفرسهــا‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ـامي إىل أربع ــة أجــزاء‪ :‬األول ه ــو التنجي ــم الع ــام‪ ،‬وكان يُطبَّ ــق ع ــى‬
‫انقس ــم التنجيــ ُم اإلس ـ ُّ‬
‫األم ــم واألقالي ــم واألدي ــان‪ .‬كان ــت تُق ــام التنب ــؤات ع ــى أس ــاس خريط ــة ُرس ــمت ألول ي ــوم يف‬
‫الس ــنة (ي ــوم االق ــران الربيع ــي غال ًب ــا)‪ .‬كان ــت التنب ــؤات طبيعي ــة كأح ــوال املحاصي ــل ووق ــوع‬
‫الفيضانـــات والجفـــاف واألوبئـــة‪ ،‬أو سياســـية كتعاقـــب األنبيـــاء أو الحـــكام ونتائـــج الحـــروب‪،‬‬
‫أو تاريخيـــة كأثـــر األحـــداث الكونيـــة كظواهـــر اقـــران الكواكـــب أو الخســـوف عـــى الـــدول‬
‫واألقالي ــم واألدي ــان‪.‬‬
‫كان الثــاين هــو قـراء َة الطالــع‪ ،‬أي التنبــؤ باألحــداث املهمــة يف حيــاة األفـراد عــر خرائــط مولدهــم‬
‫(خرائــط األبـراج ســاعة مولدهــم) كالــزواج أو املــرض أو املــوت‪.‬‬
‫كان الثالــث وهــو تنجيــم االختيــار؛ أي تقريــر (باســتخدام خرائــط األبـراج) أفضـ َـل وقـ ٍ‬
‫ـت للقيــام‬
‫ـك جديــد أو إشــعال حــرب‪ .‬تضمــن‬ ‫بفعــل مــا؛ مامرســة الجنــس أو استشــارة طبيــب أو انتخــاب ملـ ٍ‬
‫أيضــا تحديــد أي األيــام مباركــة‪ ،‬وأيهــا مشــؤومة‪ .‬فوف ًقــا للجاحــظ (‪869-781‬م تقريبًــا)‪:‬‬
‫ً‬

‫‪17‬‬ ‫”‪(45) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “ilm al-haya.‬‬


‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫"‪ ...‬وكان املنجمــون قــد نظــروا يف أيــام األســبوع وحكمــوا عليهــا وقدروهــا للملــك‪ ،‬وقالــوا‪ :‬لــكل‬
‫يــوم طالـ ٌع يتــواله وحكــم يقتضيــه ذلــك الطالــع‪ .‬فــكان مــن تقديرهــم أن جعلــوا املحفــل األعظــم‬
‫واملجلــس األكــر ووالة العمــل الكبــر للرجــل الرشيــف يــوم الســبت‪ ،‬ثــم يجلــس للقضــاء وينصــف‬
‫املظلــوم ويبحــث يف الكتــب يــوم األحــد‪ ،‬ويتصيــد وينظــر يف أمــر الصيــد وموضعــه يــوم اإلثنــن‪،‬‬
‫ـراع ويضــع النـران يف بيــت النــار يــوم الثالثــاء‪ ،‬ويحاســب‬ ‫ويــرب بالصوالجــة ويلعــب بالخيــل والـ ِّ‬
‫عــى املــوارد والنفقــة وعــى ُعــدة املقاتلــة وأبــواب املســتعمالت وإنفــاق العــارات وســائر مــا ينبغي‬
‫الفحــص عنــه ويوجــه العيــون والجواســيس إىل العــدو وينظــر يف أمــر الطــرد وصــدر الــورق والعــن‬
‫والبيــع والـراء وأيــر مــا ينبغــي إرساره ‪ -‬يــوم الثالثــاء واألربعــاء‪ ،‬وينظــر يف أمــر العظــاء واألرشاف‬
‫وأهــل البيوتــات وتأســيس املــدن والحصــون والقــاع والبيــوت يــوم الخميــس‪ ،‬ويتفــرغ ليــوم زينتــه‬
‫وغســله وطيبــه وأكلــه ورشبــه ولباســه وحليتــه ‪ ...‬يــوم الجمعــة"(‪.((4‬‬
‫كان الجانــب الرابــع للتنجيــم اإلســامي هــو االســتجوابات؛ إذ ليــس األمــر هنــا متعلقًــا مبتــى‬
‫أفعــل‪ ،‬بــل هــل أفعــل أم ال؟ هــل يجــب أن أتــزوج هــذه املــرأة أو أهاجــم ذاك العــدو؟ كان يتــم‬
‫صــب خريطــة األب ـراج وقــت الســؤال نفســه(‪.((4‬‬
‫ونتيج ـ ًة إلعــادة التعريــف الجِذريــة للزمــن التــي قــام بهــا املجتمــع املســلم األول‪ ،‬كان املرصــد‬
‫ـض املراصــد‪ ،‬إال إن أدواتــه كانــت صغريةً‪،‬‬ ‫مؤسسـ ًة إســامية خالصــة‪ .‬كان لــدى بطليمــوس بالطبــع بعـ ُ‬
‫ومل يكــن جــز ًءا مــن كيــان علمــي أكــر‪ ،‬وال تلقــى دعـ ًـا ملكيًّــا أو حكوميًّــا‪ .‬ومل يتغــر الوض ـ ُع مــن‬
‫بعــد بطليمــوس يف القــرون التــي ســبقت محمــد‪.‬‬
‫لكــن بحلــول القــرن التاســع‪ ،‬أصبــح املنجمــون اإلســاميون أكـرَ اهتام ًما بالدقــة‪ ،‬فبــدأوا يف تصحيح‬
‫وتنقيــح وتوســعة الجــداول التــي وضعهــا بطليمــوس يف املجســطي‪ .‬تطلّبــت متابعــة الشــمس والقمر‪،‬‬
‫وحســاب خطــوط العــرض الخاصــة باملــدن والقــرى املغــز ّوة حديثًــا لتحديــد القبلــة فيهــا‪ ،‬وتحديــد‬
‫مواقــع الكواكــب الخمســة وحركاتهــا؛ تطلّــب كل ذلــك أدوات رصــد جديــدة‪ .‬وبدورهــا‪ ،‬تتطلــب‬

‫”‪(46) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “al-Nudjum.‬‬


‫(*) أثبتنــا هنــا يف املــن االقتبــاس الــذي نقلــه الكاتــب عــن دائــرة املعــارف اإلســامية يف الهامــش الســابق‪ .‬نقلــت دائــرة املعــارف‬
‫هــذا النــص عــن مخطوطــة غــر محققــة منســوبة للجاحــظ يف جامعــة ليــدن بعنــوان "بــاب العرافــة والزجــر والفراســة عــى‬
‫مذهــب الفــرس"‪ ،‬ونقلنــاه هنــا عــن نفــس املخطوطــة‪[ .‬املرتجــم]‪.‬‬
‫‪(48) Ibid.‬‬ ‫‪18‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫ـكل جديـ ًدا مــن التنظيــم‪ .‬فقــد أصبحــت هــذه األدوات أكــر حجـ ًـا فلــم تعــد‬‫األدوات الجديــدة شـ ً‬
‫خصيصــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫قابلـ ًة للحمــل والنقــل‪ ،‬ووجــب تثبيتهــا يف مجمـعٍ مــن املبــاين ثابــت ومصمــم لهــا‬
‫شـخص واحد‪ .‬وكانت‬
‫ٌ‬ ‫فريق خاص للعمل بها أم ٌر رضوري؛ إذ إن املعدات واملهام ينوء بها‬ ‫وكان وجود ٍ‬
‫تكلفـة هـذه األدوات كبيرة‪ ،‬رشا ًء وصيانـ ًة‪ .‬ولذلك‪ ،‬كانت التطورات الكبرى يف علم الفلك والتنجيم حتى‬
‫منتصـف القـرن السـادس عشر مقصـور ًة فقـط على العـامل اإلسلامي‪ .‬وحتـى سـاعتها كان جوهـر علم‬
‫الفلـك والتنجيـم األوروب َّي ْي باألسـاس هـو الرتجامت الالتينية ألعامل العلامء اإلسلاميني العـرب والفرس‪.‬‬

‫مرصد أصفهان‪:‬‬
‫أول مثــا ٍل عــى مرصــد ناشــط يف عهــد الحاكــم الســلجوقي جــال الديــن ملــك شــاه (ح‪.‬‬ ‫بــر َز ُ‬
‫‪1092-1072‬م)‪ .‬وألن معظــم الباحثــن يعتقــدون أن البــاط الســلجوقي كان متجــولً ‪ ،‬كان أول لغــز‬
‫حــول املرصــد هــو موقعــه‪ .‬طــرح البعــض نيســابور والـ ِّر ّي‪ ،‬إال إن أصفهــان تبــدو االحتــال األرجــح؛‬
‫إذ كانــت مق ـ َّر ملــك شــاه املفضــل‪.‬‬
‫يف البدايــة‪ ،‬أراد الحاكــم مراجع ـ ًة شــاملة لبطليمــوس‪ ،‬إال إنــه عندمــا أخــره منجمــو بالطــه أن‬
‫مجموعــ ًة كاملــة مــن األرصــاد ستســتغرق ثالثــن عا ًمــا‪ ،‬تنــازل إىل خطــ ٍة أكــر معقوليــة‪ :‬رســالة‬
‫فلكيــة مح ّدثــة (زيــج حديــث)‪ ،‬وتقويــم وتحقيــب شمســيني جديديــن‪.‬‬
‫وكان الشــاعر والريــايض عمــر الخيــام (‪1132-1048‬م) قامئًــا عــى العمــل‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن‬
‫زيــج ملــك شــاه كان مجــرد نســخ ٍة مرا َجعــة مــن رســالة ســابقة مــع بعــض األرصــاد والجــداول‬
‫الجديــدة‪ ،‬إال إن التقويــم والتحقيــب الجديديــن (التقويــم الجــايل) كانــا تقد ًمــا كب ـ ًرا‪.‬‬
‫ومــع إضافتــه أســا ًء جديــدة للشــهور واأليــام‪ ،‬أضــاف التقويــم الجــايل يو ًمــا كل أربعــة ســنني‬
‫(الســنة الكبيســة) وصحــح تاريــخ النــروز [رأس الســنة الفارســية ‪-‬م] عائ ًدا بــه إىل االعتــدال الربيعي‪.‬‬
‫وكان عمــر ‪ -‬باإلضافــة إىل قراءتــه الطالــع مللــك شــاه ‪ -‬لــه مســاهامت هامــة يف مجــال الرياضيــات؛‬
‫إذ أســس علـ َم الجــر فاصـ ًـا إيــاه عــن علــم الحســاب‪ ،‬وكتــب حاشــية عــى إقليــدس(‪.((4‬‬

‫‪(49) Taqizadeh, “Various Eras and Calendars Used in the Countries of Islam,” BSOAS 10 (1939), 110–12; Ay-‬‬
‫‪din Sayili, The Observatory in Islam (Ankara: Turk TarihKumumuBasimevi, 1988), 159–66; Encyclopaedia‬‬
‫‪19‬‬ ‫”‪of Islam, 2d. ed., s.v. “al-Nudjum.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫مرصد مراغة‪:‬‬
‫كان مرصــد مراغــة ‪ -‬عاصمــة هوالكــو الحاكــم اإليلخــاين (ح‪1265-1256 .‬م) ‪ -‬األكــر تطــو ًرا يف‬
‫ـئول عــن بنائــه‬‫العــامل‪ .‬وكان نصــر الديــن الطــويس (‪1274-1201‬م) كبـ ُر منجمــي هوالكــو هــو املسـ َ‬
‫وتنظيمــه‪ .‬كان الطــويس موســوع ًّيا كعمــر الخيــام‪ ،‬فقــد كان فيلســوفًا ورياض ًّيــا ومن ّجـ ًـا وفلك ًّيــا‪ .‬إال‬
‫ـف متا ًمــا كمرصــد ملــك شــاه‪ .‬كان مــن بــن آالتــه قطــا ٌع ربعــي جــداري‪،‬‬ ‫إن مرصــد هوالكــو مل يختـ ِ‬
‫وآلــة ذات الحلــق‪ ،‬وحلقــة انقالبيــة‪ ،‬وحلقــة اعتداليــة‪ ،‬ومبنــى ضخــم مقبــب ُصمــم لقيــاس القطــر‬
‫الظاهــر للشــمس والقمــر والكواكــب الخمســة‪.‬‬
‫فريــق عمــلٍ كبــر‪ ،‬اســتقطب نصــ ُر‬
‫َ‬ ‫وألن حجــم هــذه اآلالت وعددهــا وتعقيدهــا تطلّــب‬
‫الديــن الطــويس ‪ -‬بعــد موافقــة ودعــم هوالكــو ‪ -‬عــد ًدا كب ـ ًرا مــن الفلكيــن مــن داخــل العــامل‬
‫اإلســامي وخارجــه (كان بعضهــم مــن الصــن)‪ .‬وقــام بجمــع مكتبــة ‪ -‬فلكيــة وتنجيميــة‬
‫املبزيــن هنــاك معــن الديــن املغــريب‬
‫ورياضيــة يف معظمهــا ‪ -‬ومدرســة‪ .‬وكان مــن بــن العلــاء ّ‬
‫(‪1282-1220‬م تقري ًبــا) ونصــر الديــن نفســه‪ .‬تــرك معــن الديــن ‪ -‬الــذي اشــتهر بإنجــازه يف‬
‫تســجيل بــكل األرصــاد التــي قــام بهــا يف‬
‫ً‬ ‫النظريــة الرياضيــة (وخاصــ ًة حســاب املثلثــات) ‪-‬‬
‫الفــرة بــن ‪1262‬م و‪1274‬م‪.‬‬
‫ـتقل‪ ،‬وألّــف حاشــي ًة مفصلة عىل مجســطي‬
‫وأنشــأ نصــر الديــن حســاب املثلثــات ليكــون فر ًعــا مسـ ًّ‬
‫ـال مهمـ ًة يف الطب واملعــادن والفلســفة واألخالق‪.‬‬ ‫بطليمــوس‪ ،‬وكتــب أعـ ً‬
‫ـمول‬
‫لقــد كان الزيــج اإليلخــاين يف وقتــه وملــدة قرنــن مــن الزمــان هــو أكــر رســالة فلكيــة شـ ً‬
‫ودقــ ًة يف العــامل األورايس‪ .‬فقــد كان نتــاج عمــل اثنــي عــر عا ًمــا‪ ،‬وكُتــب بالفارســية يف البدايــة‬
‫ثــم ت ُر ِجــم إىل العربيــة‪ .‬تضمــن الزيــج تصحيحــات وإضافــات عــى مجســطي بطليمــوس‪ ،‬ودليــل‬
‫وأيضــا‪ ،‬كان مرصــد هوالكــو يف مراغــة هــو أول‬ ‫نجــوم محـ ّدث‪ ،‬وجــداول لحســاب مواقــع الكواكــب‪ً .‬‬
‫مرصــد ميولــه وقــف ثابــت‪ ،‬ولذلــك اســتمر يف العمــل لســبعني عا ًمــا بعــد وفــاة هوالكــو‪ .‬إال إنــه كان‬
‫للطــويس كأي منجــم آخــر مهــام تنجيميــة رضوريــة‪ ،‬فهوالكــو مل يكــن يتخــذ قـرا ًرا مهـ ًّـا ‪ -‬شــخصيًّا أو‬
‫سياسـ ًّيا‪ -‬دون استشــارة منجمــه األكــر(‪.((5‬‬

‫‪(50) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “‘Ilm al-Haya”; Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Zidj”; Sayili,‬‬
‫‪Observatory, 223–187.‬‬ ‫‪20‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫مرصد الوقت والساعة‪:‬‬


‫ومتا ًمــا مثــل مرصــد ملــك شــاه‪ ،‬اختفــت املؤسســة التــي أنشــأها ركـ ُن الديــن يف أحــد مــدن إيـران‬
‫األساســية؛ يَ ـ ْزد‪ .‬فطب ًقــا ملؤرخــي القــرن الســادس عــر‪ ،‬اكتمــل املرصــد عــام ‪1325‬م خــال عهــد‬
‫الحاكــم اإليلخــاين أيب ســعيد بهــادور (‪1325-1316‬م)‪ .‬وإىل جانــب املرصــد‪ ،‬أنشــأ ركـ ُن الدين مدرسـ ًة‬
‫ومكتبــة (احتــوت ثالثــة آالف مجلــد) ومســج ًدا ومستشــفى‪.‬‬
‫وعــى الرغــم مــن أن هــذا الهيــكل أُطلِــق عليــه اســم املرصــد (مرصــد الوقــت والســاعة)‪ ،‬إال إنــه‬
‫كان دا ًرا اســتثنائي ًة ومتكاملــة للتوقيــت والتحقيــب أو موقّــت خانــة ملحقًــا باملســجد القريــب‪.‬‬
‫احتــوت الــدار عــى ســاع ٍة مائيــة كبــرة كالتــي أرســلها هــارون الرشــيد لشــارملان‪ .‬كانــت تعــرض‬
‫شــهور الســنة بالتقوميــات املختلفــة (اليونانيــة والرتكيــة واإلســامية واإليرانيــة) وســاعات الصــاة‬
‫وأيــام األســبوع ومنــازل القمــر‪ .‬وكهوالكــو‪ ،‬أنشــأ ركــن الديــن وق ًفــا لصيانــة املرصــد‪ ،‬ولذلــك اســتمرت‬
‫هــذه املؤسســة بعــد وفــاة مؤسســها‪ ،‬كــا اســتمر مرصــد مراغــة(‪.((5‬‬
‫مرصد يف سمرقند‪:‬‬
‫ٌ‬
‫قــرب ســمرقند عــى يــد‬ ‫بُنــي املرصــد األخــر واألكــر تق ُّدمــا يف الفــرة الســابقة لعــام ‪1500‬م َ‬
‫أولــوغ بــك (‪1449-1349‬م) حفيــد القائــد اآلســيوي الكبــر تيمورلنــك‪ .‬كان أولــوغ بــك ‪-‬عــى عكــس‬
‫ملــك شــاه وهوالكــو‪ -‬مهتـ ًّـا بالفلــك والرياضيــات أكــر مــن التنجيــم‪ .‬بــدأ العمــل عــام ‪1417‬م‪،‬‬
‫فأنشــأ مدرســة ومكتبــة ووضــع مجموعـ ًة معقــد ًة مــن أدوات الرصــد؛ قطا ًعــا ربعيًّــا كبـ ًرا ُ‬
‫وس ْدســية‬
‫مــن الرخــام وذات الحلــق وغريهــا‪.‬‬
‫كان أول مديــر للمدرســة هــو جمشــيد غيــاث الديــن الــكايش‪ ،‬والــذي اســتقطب مــن ســبعني إىل‬
‫مائــة فلــي ونظّــم عــد ًدا مــن املحــارضات الرســمية‪ .‬وأنهــى عــام ‪1420‬م الزيــج الخاقــاين‪ ،‬الــذي ميثــل‬
‫مراجعـ ًة جزئيــة للزيــج اإليلخــاين‪ .‬ومــن بــن مديــري املرصــد بعــض ذلــك كان قــايض زاده الرومــي؛‬
‫املنجــم العثــاين‪ ،‬هــو مــن ســاهم مســاهمة كبــرة يف الزيــج الجديــد الــذي ق ّدمــه أولــوغ بــك(‪.((5‬‬

‫‪(51) Sayili, Observatory, 236–41.‬‬


‫‪(52) E. Ihsanoglu, “Ottoman Science: The Last Episode in Islamic Scientific Tradition and theBegining of the‬‬
‫‪European Scientific Tradition,” in E. Ihsanoglu, Science, Technology, andLearning in the Ottoman Empire‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪(London: Ashgate Publishing House, 2004), 21.‬‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

‫فقــد كان أولــوغ بــك فلك ًّيــا ورياض ًّيــا موهوبًــا‪ ،‬وكان قــاد ًرا بســهولة (كــا ينقــل الــكايش) عــى‬
‫تحديــد التواريــخ املوافقــة بــن التقوميــات والتحقيبــات املختلفــة‪ .‬وقــد أتــم يف الفــرة مــن ‪1437‬م إىل‬
‫‪1448‬م الزيــج الســلطاين أو الجرجــاين‪ ،‬والــذي تضمــن أول دليــل نجــوم جديــد كامل منــذ بطليموس‪.‬‬
‫وقام بحساب الطول الصحيح للسنة الشمسية‪ ،‬ووصل إىل رسومات أكرث دقة ملواقع النجوم والكواكب‬
‫وحركتها‪ .‬لقد كان للزيج السلطاين أث ٌر كبري عىل تيخو براهي وكوبرنيكوس بعد ترجمته إىل الالتينية(‪.((5‬‬
‫لقــد كان الزيــج هــو املســاهمة األساســية للمرصــد اإلســامي يف تعريــف الزمــن‪ .‬فبــن القرنــن‬
‫الثامــن والتاســع عــر‪ ،‬كان قــد تــم تأليــف مائتــي زيــج يف العــامل اإلســامي‪ .‬وأشــار دســتور أكــر‬
‫‪-‬الــذي أُلِّــف يف البــاط املغــويل يف أواخــر القــرن الســادس عــر‪ -‬إىل سـ ٍّ‬
‫ـت ومثانــن زي ًجــا‪.‬‬
‫كانــت األزيــاج األوىل مبني ـ ًة عــى النــاذج الهنديــة واإليرانيــة‪ ،‬إال إنــه بــد ًءا مــن القــرن التاســع‬
‫فصاعـ ًدا هيمــن النمــوذج البطلمــي‪ .‬ومــع ذلك‪ ،‬كان عــرون فقط من املائتــن جــد ًدا بالفعل وقامئني‬
‫عــى أرصــاد وحســابات جديــدة‪ ،‬كان منهــا زيــج ملــك شــاه والزيــج اإليلخــاين والزيــج الســلطاين‪.‬‬
‫كانــت األزيــاج مصممـ ًة باألســاس لتخــدم مكانًــا واحـ ًدا‪ :‬فالجــداول الشمســية والقمريــة والكوكبية‬
‫تســتند إىل خــط طــول أريض‪ ،‬وعلــم الفلــك الكــروي يســتند إىل خــط عــرض أريض‪.‬‬
‫كان الزيــج النموذجــي يحتــوي‪ )1( :‬مقدمـ ًة عــن الرمــوز الرياضيــة‪ )2( .‬فصـ ًـا عــن التحقيب يصف‬
‫التقوميــات والتحقيبــات املرتبطــة وطــرق تحويــل التواريــخ مــن نظــام زمنــي إىل آخــر‪ )3( .‬جــداول‬
‫حســاب مثلثــات‪ )4( .‬معــادالت فلــك كــروي‪ )5( .‬جــداول تحتــوي حــركات ومواقــع ومعــادالت‬
‫وخطــوط عــرض األجســام الســاوية الســبعة‪ )6( .‬محطــات الكواكــب وجــداول رؤيتهــا‪ )7( .‬كســوف‬
‫الشــمس والقمــر وتغــر أشــكالهام‪ )8( .‬جــداول رؤيــة القمــر‪ )9( .‬جــداول جغرافيــة تحتــوي خطــوط‬
‫عــرض وطــول املــدن والقــرى القريبــة‪ )10( .‬أدلــة النجــوم‪ )11( .‬جــداول لقــراءة الطالــع‪)12( .‬‬
‫جــداول تاريخيــة واحتفاليــة تــرد تواريــخ الحــكام والــدول وأســاء األعيــاد والطقــوس واالحتفــاالت‬
‫املختلفــة ومواعيدهــا‪ .‬كان يصــل الزيــج باعتبــاره عمـ ًـا طويـ ًـا إىل مائــة صفحــة أو أكــر(‪.((5‬‬

‫‪(53) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Zidj”; Sayili, Observatory, 260–89.‬‬
‫‪(54) Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Zidj”; Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v.”Tarikh”;North and Por-‬‬
‫”‪ter, History of Astronomy and Cosmology, 180–3; E.S. Kennedy, “ASurvey of Islamic Astronomical Tables,‬‬
‫‪Transactions of the American PhilosophicalSociety 46 (1956): 123–77.‬‬ ‫‪22‬‬
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

‫كان الزيــج العمــل املرجعــي األســايس بالنســبة للمنجــم‪ .‬لكنــه ‪-‬لطولــه وكثافتــه ونــدرة تحديثــه‪-‬‬
‫كان كالقامــوس املبســوط أو املوســوعة‪ ،‬نــاد ًرا مــا يُنظــر فيــه‪ .‬إال إن الزيــج كان رضوريًّــا‪ ،‬فالروزنامــة‬
‫الســنوية ال ميكــن إعدادهــا بــدون مــا يحتويــه مــن بيانــات‪ ،‬ويحتــوي كذلــك عــى معلومــات ال غنــى‬
‫عنهــا عــن موضوعــات أخــرى‪ ،‬كاإلحداثيــات الجغرافيــة التــي يقدمهــا عــن القــرى واملــدن القريبــة‪،‬‬
‫والتــي متثــل أمـ ًرا رضوريًّــا لتحديــد محـراب ال ِقبلــة يف املســاجد الجديــدة‪.‬‬
‫عــى الرغــم أن املنجــم يف بدايــة العــر الحديــث كان قــد يرجــع أحيانًــا إىل الزيــج الســلطاين‪ ،‬إال‬
‫إنــه يف عملــه اليــوم كان دامئًــا مــا ينظــر يف الروزنامــة الســنوية‪ .‬فقــد كانــت الروزنامــة تســتخرج مــن‬
‫ـات الفلكيــة والتنجيميــة ذات الصلــة‪ ،‬وكان يضعهــا املنجمــون املحليــون بدايـ َة‬ ‫أحــدث األزيــاج البيانـ ِ‬
‫كل عــام‪.‬‬
‫وكان الكتــاب نفســه يختلــف يف حجمــه وأُبَّـــهته؛ كتــاب األغنيــاء وذوي النفــوذ يكــون كبــ ًرا‬
‫ومطل ًّيــا بالذهــب ومرســو ًما بشــكل جميــل ومكتوبًــا عــى يــد خطــاط ماهــر‪ ،‬بينــا أصحــاب البيــوت‬
‫العاديــون فيملكــون كتابًــا أصغــر وأقــر وغــر مزيــن‪.‬‬
‫كانــت الروزنامــة العاديــة بدايــة العــر الحديــث تتكــون مــن أرب ـعٍ وعرشيــن صفحــة‪ ،‬لــكل‬
‫شــه ٍر يف الســنة صفحتــان‪ .‬تســتهل الروزنامــة مبخطــط لألجســام الســاوية الســبعة بدايــة الســنة‬
‫الشمســية (االعتــدال الربيعــي)‪ .‬يتلــو ذلــك قــراءة الطالــع للســنة بأكملهــا‪ ،‬وتكهنــات سياســية‬
‫ومناخيــة وزراعيــة‪ .‬وإن كانــت هنــاك أحــداث فلكيــة متوقعــة ‪-‬كالكســوف أو االق ـران أو الشــهب‬
‫أو النيــازك‪ -‬يتــم اإلشــارة إليهــا وتفســرها‪.‬‬
‫توضــع يف الجانــب األميــن مــن الصفحة األوىل أعمــدة ترسد أيام األســبوع يف التقوميــات والتحقيبات‬
‫املختلفــة (التقويــم اليزدجــردي والجــايل والهجــري واليوليــاين والتقويــم الــريك الحيــواين)‪ .‬ويف أقــى‬
‫اليمــن توجــد رشوحــات تحــدد األحــداث التاريخيــة املرتبطــة (كتأســيس دولــة أو ميــاد نبــي) أو‬
‫األعيــاد (لــدى املســلمني واليهــود واملســيحيني والهنــدوس) أو األنشــطة املوســمية (كموســم مالحــة‬
‫السفن)‪.‬‬
‫ويوجــد عــى الجانــب األيــر مــن الصفحــة التقويــم الفلــي؛ صــف مــن األعمــدة يعــرض لــكل‬
‫ـوم املوقــع الطــويل للشــمس والقمــر والكواكــب الخمســة عــى مســار الشــمس الفلــي‪ .‬وكانــت‬ ‫يـ ٍ‬
‫تحتــوي أعمــد ٌة أخــرى عــى طــول النهــار وارتفــاع الشــمس وقــت الظهــر وصالتــه‪ .‬وعــى أقــى‬
‫‪23‬‬ ‫اليســار كانــت تحتــوي األعمــدة أمــو ًرا تنجيميــة‪ ،‬تصــف العالقــات بــن األجســام الســاوية وتقـ ّدم‬
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

ٍ ‫تنبـ‬
‫ وألهميــة القمــر يف التقويــم‬.‫ـؤات قصــرة وتحــدد أي األنشــطة مفضل ـ ٌة يف هــذا اليــوم وأيهــا ال‬
.((5(‫ كان يُعطــى عمــو ًدا منفصـ ًـا يــرد موقعــه وأول رؤيتــه يف كل يــوم‬،‫اإلســامي‬

(55) ‫انظر‬: Abu Rayhan al-Biruni, Kitab al-Tahfim, tr. R. R. Wright (London: Luzac, 1938), 186–91; Abu Ray-
han al-Biruni, Chronology of Ancient Nations, trans. Edward Sachau (London: Oriental Translation Fund,
1879), 233–67; Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “takwim”; G. Saliba, “Computational Techniques in a Set
of Late Medieval Astronomical Tables,” Journal of the History of Arabic Science 1 (1977): 24–9. 24
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

:‫الئحة املصادر واملراجع‬

.‫ أبــو بكــر بــن عمــرو العتــي املعــروف بالبـزار (ت‬،‫مســند البـزار املنشــور باســم البحــر الزخــار‬
،‫ محفــوظ الرحمــن زيــن اللــه وعــادل بــن ســعد وصــري عبــد الخالــق الشــافعي‬:‫ تحقيــق‬،)‫هـــ‬292
.12‫ ج‬،2009 ،1‫ ط‬،‫ الســعودية‬،‫ املدينــة املنــورة‬،‫مكتبــة العلــوم والحكــم‬
‫ "الوقت يف العامل اإلسالمي أوائل العرص الحديث" دار نرش جامعة كامربيدج‬.‫ بليك‬.‫ستيفن ب‬
.2013 ‫عام‬
:‫ تحقيــق‬،)‫هـــ‬211 .‫ عبــد الــرزاق بــن هــام بــن نافــع الحمــري اليــاين الصنعــاين (ت‬،‫املصنــف‬
.3‫ ج‬،‫هـ‬1403 ،2‫ ط‬،‫ الهنــد‬،‫ املكتــب اإلســامي‬،‫حبيــب الرحمــن األعظمــي‬
Abdus Sattar Siddiqi, “Construction of Clocks and Islamic Civilization,” Islamic
Culture 1(1927): 245–51.
Abu Rayhan al-Biruni, Kitab al-Tahfim, tr. R. R. Wright (London: Luzac, 1938),
186–91; Abu Rayhan al-Biruni, Chronology of Ancient Nations, trans. Edward
Sachau (London: Oriental Translation Fund, 1879), 233–67; Encyclopaedia of Islam,
2d. ed., s.v. “takwim”; G. Saliba, “Computational Techniques in a Set of Late Medieval
Astronomical Tables,” Journal of the History of Arabic Science 1 (1977): 24–9.
Andre Nehr, “The View of Time in Jewish Culture,” in UNESCO, At the
Crossroads ofCultures and Time (Paris: UNESCO, 1976), 163–5.
Anthony Aveni, Empires of Time: Calendar, Clocks, and Cultures (New York:
Basic Books, 1989), 86–7.
Augustine, Confessions and Inchiridon, ed. and trans. Albert Cook Outler
(Dallas: Library of Christian Classics, 1955), book 11, ch. 14.
Beulah Tannebaum and Myra Stillman, Understanding Time: The Science of
Clocks and Calendars (New York: Whittlesey House, 1958), 93–4.
25
‫ترجمات | الزمن يف العامل اإلسالمي أوائل العصر احلديث‬

David Ewing Duncan, Calendar: Humanity’s Epic Struggle to Determine a True


andAccurate Year (New York: Avon Books, 1998), 117.
E. G. Richards, Mapping Time: The Calendar and Its History (Oxford: Oxford
UniversityPress, 1999), 234.
E. Ihsanoglu, “Ottoman Science: The Last Episode in Islamic Scientific Tradition
and theBegining of the European Scientific Tradition,” in E. Ihsanoglu, Science,
Technology, andLearning in the Ottoman Empire (London: Ashgate Publishing
House, 2004), 21.
E. S. Kennedy, “Al-Biruni on the Muslim Times of Prayer,” in E. S. Kennedy, Studies
in theIslamic Exact Sciences (Beirut: American University of Beirut, 1983), 299–310.
Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “‘Ilm al-Haya”; Encyclopaedia of Islam, 2d.
ed., s.v. “Zidj”; Sayili, Observatory, 187–223.
Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Miqat.”
Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Miqat”; Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v.
“Tarikh,” 259.
Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Zidj”; Encyclopaedia of Islam, 2d. ed.,
s.v.”Tarikh”;North and Porter, History of Astronomy and Cosmology, 180–3; E.S.
Kennedy, “ASurvey of Islamic Astronomical Tables,” Transactions of the American
PhilosophicalSociety 46 (1956).
Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “Zidj”; Sayili, Observatory, 260–89.
Encyclopedia Britannica, 15th ed., s.v. “Calendar”; Duncan, Calendar, 53–55.
EviatarZerubavel, The Seven Day Circle: The History and Meaning of the Week
(NewYork: The Free Press, 1985), 14–17.
Frank Parise, ed., The Book of Calendars (New York: Facts on File, 1982), 71. 26
‫مركز نهوض للدراسات والنشر‬

G. E. von Grunebaum, Muhammadan Festivals (New York: Henry Schuman,


1951), 51–3,56–65.
George Saliba, “The Role of the Astrologer in Medieval Islamic Society,” Bulletin
d’Etudes Orientales 44 (1992): 45–68.
Ibid.; Seyyed Hossein Nasr, An Introduction to Islamic Cosmological
Doctrines(Cambridge, MA: Harvard University Press, 1964), 107–65; Encyclopaedia
of Islam,2d. ed., s.v. “al-Nudjum.”
Janet Hoskins, The Play of Time: Kodi Perspectives on Calendars, History, and
Exchange (Berkeley: University of California Press, 1993), 373.
John David North and Roy Porter, The Norton History of Astronomy and
Cosmology(New York: Norton, 1994), 107–21.
Nachum Dershowitz and Edward M. Reingold, Calendrical Calculations
(Cambridge:Cambridge University Press, 1997), 63.
Norbet Elias, Time: An Essay, trans. Edmund Jephcott (Oxford: Blackwell, 1992), 4.
Paul Ricoeur, Time and Narrative, trans. Kathleen Blamey and David Pellauer
(Chicago:University of Chicago Press, 1988), 71–2.
Sir Harold Spencer Jones, “The Calendar,” in C. Singer, ed., History of Technology,
vol. 3 (London: OUP, 1957), 558.
Stephen Hawking, A Brief History of Time (New York: Bantam Dell Publishing
Company, 1988).
Taqizadeh, “Various Eras and Calendars Used in the Countries of Islam,”
BSOAS 10 (1939), 110–12; Aydin Sayili, The Observatory in Islam (Ankara: Turk
TarihKumumuBasimevi, 1988), 159–66; Encyclopaedia of Islam, 2d. ed., s.v. “al-Nudjum.”
27
All rights reserved © 2018 2018 © ‫جميع الحقوق محفوظة‬

You might also like