You are on page 1of 255

‫رعاية طالب العلم‬

‫منهج اإلسالم في رعاية طالب العلم المغتربين (‪)5‬‬

‫رعاية اهلل‬
‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬
‫مشروع بحثي قام به مكتب‬
‫الدار للدراسات واالستشارات التعليمية والتربوية‬
‫تحت إشراف معهد البحوث والدراسات في الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‬

‫إشراف‬
‫أ‪.‬د محمد بن عبدالعزيز بن محمد العواجي‬
‫أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‬

‫رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية طالب العلم بالمدينة المنورة‬

‫‪ 1439‬ـه‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪5‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المقـدمـة‬
‫احلمد هلل نحمده ونستعينه‪ ،‬ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونتوب‬
‫إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعاملنا‪ ،‬من هيده‬
‫اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وأشهد أن حممد ًا عبده ورسوله ﷺ‪ ،‬بلغ‬
‫الرسالة وأدى األمانة ونصح األُمة وكشف اهلل به الغمة‪ ،‬تركنا عىل‬
‫بيضاء نقية ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك‪ ،‬فصلوات ريب‬
‫وسالمه عليه وعىل آل بيته وأصحابه ومن سار عىل هديه واستن‬
‫بسنته إىل يوم الدين‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫األنبياء صلوات اهلل عليهم مجيع ًا برش من آحاد البرش‪،‬‬
‫وأهلهم لذلك بالعلم‪ ،‬ليعلموا‬ ‫اصطفاهم اهلل بأن جعلهم أنبياء َّ‬
‫الناس ويرشدوهم إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وهذا العلم الذي تعلموه من‬
‫عند اهلل تعاىل أوحى اهلل به إليهم عن طريق جربيل عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬فال غرابة أن نقول عن هؤالء األنبياء أهنم كانوا طلبة‬
‫علم يتعلمون ويعلمون‪.‬‬
‫ولتلك الفئة الذين اصطفاهم اهلل أنبياء عناي ٌة خاص ٌة من اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فاهلل تعاىل هيأهم حلمل وتبليغ رسالته للناس‪ ،‬فحظوا بكل‬
‫أنواع الرعاية اإلهلية‪.‬‬
‫وهذا البحث حماولة لعرض رعاية اهلل تعاىل ألنبيائه عليهم‬
‫الصالة والسالم ‪ -‬قبل مبعث حممد ﷺ الذين اعتنى هبم اهلل تبارك‬
‫وأهلهم حلمل رسالته‪ ،‬وهذه املحاولة‬ ‫وتعاىل‪ ،‬ور َّباهم‪ ،‬وعلمهم‪َّ ،‬‬
‫ليست عىل وجه التفصيل ولكن عىل وجه اإلمجال مراعا ًة لعدم‬
‫اإلطالة‪ ،‬ألن املقصود هو إيصال الفكرة‪ ،‬وعنونته بــ‪" :‬رعاية‬
‫اهلل رعاية اهلل ألنبيائه عليهم الصالة والسالم وأتباعهم يف القرآن"‬
‫وذلك ضمن موسوعة [منهج اإلسالم يف رعاية طالب العلم]‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪6‬‬

‫مع التنبيه إىل أن رعاية اهلل تعاىل ألنبيائه مستنبطة من أمرين‪:‬‬


‫األول‪:‬نص اهلل تعاىل عىل رعايته هلم وخماطبتهم وتوجيهه‬
‫املبارش هلم‪.‬‬
‫الثاين‪:‬من خالل مواقفهم وأعامهلم التي تدل عىل أن عناية‬
‫وإعداد ًا رباني ًا سبق التكليف بالدعوة واستمرت هذه‬
‫العناية يف كل مراحل الدعوة‪.‬‬
‫سبب اختيار الموضوع‪:‬‬
‫احلاجة الشديدة ملنهج رباين يف رعاية طالب العلم‪.‬‬ ‫ •‬
‫ربط األُمة بالقرآن الكريم‪ ،‬والتأيس بسرية األنبياء‬ ‫• ‬
‫السابقني عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫إبراز جانب رعاية اهلل تعاىل بطالب العلم متمثل ًة يف رعايته‬ ‫• ‬
‫ألنبيائه وعباده الصاحلني‪.‬‬
‫حاجة األُمة إىل رعاية طالب العلم فيها؛ لتكون مصنع ًا‬ ‫• ‬
‫خيرج أتباع ًا وارثني تلك املهمة‪ ،‬وهي نرش مرياث النبوة‬
‫وتبليغ الرسالة‪ ،‬وإيصال رمحة اهلل خللقه‪.‬‬
‫حاجة األُمة إىل طلبة علم يقتدون باألنبياء عليهم الصالة‬ ‫• ‬
‫والسالم بالتجاوب اإلجيايب مع تلك الرعاية اإلهلية سواء‬
‫يف تلقيهم العلم‪ ،‬أو يف تبليغه ألقوامهم‪.‬‬
‫بعد كثري من املعلمني واملربني وأهل اخلري عن االهتامم‬ ‫• ‬
‫بجانب رعاية طالب العلم‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬
‫هذا البحث يشتمل عىل مقدمة‪ ،‬ومتهيد‪ ،‬وثالثة فصول‪،‬‬
‫وخامتة‪ ،‬وقائمة باملراجع‪ ،‬ثم فهرس للموضوعات‪ ،‬وكان ذلك‬
‫وفق اخلطة التالية‪:‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪7‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫املقـدمـة‪ :‬وتشتمل عىل سبب اختيار املوضوع‪ ،‬وخطة‬


‫البحث‪ ،‬ومنهجيته‪.‬‬
‫متهيد‪ :‬حول رعاية اهلل لألنبياء عموم ًا‪ :‬وفيه مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الشاملة جلميع األنبياء‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية اخلاصة لبعضهم‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬رعاية اهلل ألويل العزم من الرسل عليهم‬
‫الصالة والسالم‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رعاية اهلل لنوح عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لنوح عليه الصالة السالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية الدعوية لنوح عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬رعاية اهلل إلبراهيم عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية اخلاصة من اهلل لنبيه إبراهيم عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية إلبراهيم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الرتبوية إلبراهيم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الرتبوية عىل السمع والطاعة املطلقة‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الرعاية األرسية إلبراهيم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رعاية اهلل ملوسى وهارون عليهام الصالة والسالم‬
‫وأمهام‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم من خالل‬
‫أمه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم رعاية‬
‫خاصة‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪8‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الرتبوية ملوسى عليه الصالة والسالم‪.‬‬


‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية النفسية ملوسى عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الرعاية الدعوية ملوسى وهارون عليهام الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬رعاية اهلل لعيسى عليه الصالة والسالم وألمه‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لعيسى عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية لعيسى عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية النفسية وحفظ اهلل لعيسى عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الدعوية لعيسى عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬رعاية اهلل تعاىل لوالدته مريم ‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬نامذج من رعاية اهلل لبقية الرسل عليهم الصالة‬
‫والسالم‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رعاية اهلل آلدم عليه الصالة والسالم وذريته‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية آلدم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية آلدم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬رعاية اهلل إلسامعيل عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية والعلمية إلسامعيل عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية االجتامعية إلسامعيل عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رعاية اهلل ليوسف عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لنبي اهلل يوسف عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪9‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية لنبي اهلل يوسف عليه الصالة‬


‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية األرسية لنبي اهلل يوسف عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الدعوية لنبي اهلل يوسف عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الرعاية األمنية لنبي اهلل يوسف عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬الرعاية املهارية لنبي اهلل يوسف عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬رعاية اهلل ليوسف عليه الصالة والسالم وإخوته‬
‫من خالل والدهم يعقوب عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬رعاية اهلل لداود عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لداود عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية لداود عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية املهارية لداود عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬رعاية اهلل لسليامن عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لسليامن عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية لسليامن عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية الرتبوية لسليامن عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية املهارية لسليامن عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الدعوية لسليامن عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬رعاية اهلل أليوب عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪10‬‬

‫املطلب األول‪ :‬رعاية اهلل تعاىل أيوب عليه الصالة والسالم من‬
‫خالل ابتالئه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية الرتبوية أليوب عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الصحية واالجتامعية أليوب عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬رعاية اهلل لزكريا وحييى عليهام الصالة والسالم‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية والعلمية لزكريا وحييى عليهام‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية األرسية لزكريا وحييى عليهام الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الدعوية لزكريا وحييى عليهام الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬رعاية اهلل ألتباع األنبياء والرسل يف طلب‬
‫العلم وتعليمه‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬قصة مؤمن آل فرعون‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عرض قصة مؤمن آل فرعون من القرآن‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬عرض قصة مؤمن آل فرعون باختصار‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬فوائد منهجية يف رعاية طالب العلم من خالل‬
‫القصة‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬قصة موسى عليه الصالة والسالم واخلرض‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عرض قصة موسى واخلرض من القرآن‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬معنى اآليات إمجاالً‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الفوائد املستنبطة من القصة‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪11‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫املبحث الثالث‪ :‬قصة الغالم والساحر والراهب‪:‬‬


‫املطلب األول‪ :‬ما ورد من القصة يف القرآن والسنة‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الفوائد العملية من القصة‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬قصة أصحاب الكهف‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عرض إمجايل لقصة أصحاب الكهف‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬فوائد يف رعاية طالب العلم من قصة أصحاب‬
‫الكهف‪.‬‬
‫اخلامتة‪ :‬وفيها أبرز نتائج البحث وتوصياته‪.‬‬
‫الفهارس‪ :‬وفيه قائمة املصادر واملراجع‪ ،‬وفهرس للموضوعات‪.‬‬
‫منهجية البحث‪:‬‬
‫املنهجية التي سلكتها يف كتابة هذا البحث تتمثل يف النقاط التالية‪:‬‬
‫ •عزو اآليات املستشهد هبا للسورة ورقم اآلية عقب كل‬
‫آية‪.‬‬
‫ •االعتامد عىل كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله ﷺ يف استنباط‬
‫القواعد واألحكام‪.‬‬
‫ •االعتامد عىل كتب التفسري باملأثور خاصة للبحث يف معاين‬
‫اآليات‪ ،‬وعىل كتب التفسري عامة يف صياغة البحث ومسائله‪.‬‬
‫ •التزام إيراد األحاديث الصحيحة فقط‪ ،‬ومل نستشهد‬
‫بحديث اتفق عىل ضعفه‪.‬‬
‫ •االعتامد يف تصحيح األحاديث عىل أقوال أهل الشأن يف‬
‫هذا املجال‪.‬‬
‫ •االجتهاد قدر املستطاع أن ال نذكر قاعدة وال حك ًام‪ ،‬وال‬
‫أمر ًا من أمور رعاية اهلل ألنبيائه وأتباعهم إالّ وندلل عليه‬
‫من القرآن‪ ،‬وما يفرسه من السنة‪ ،‬وأقوال أئمة السلف‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪12‬‬
‫ •االلتزام قدر املستطاع عدم ذكر اخلالف يف املسائل‬
‫الفقهية‪.‬‬
‫ •حماولة الفهم العميق‪ ،‬واإلمعان القوي يف نصوص‬
‫الكتاب والسنة الستخراج ذلك املنهج الرتبوي الرائد يف‬
‫رعاية طالب العلم‪.‬‬
‫واهللَ سبحانه أسأل أن ينفع هبذا العمل وأن جيعله حجة لنا ال‬
‫علينا وأن يلهمنا العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وأن جيرب تقصريي‬
‫يف هذا البحث‪ ،‬وأن يغفر ما كان فيه من خطأ وزلل‪ ،‬وأن يبارك‬
‫فيه‪.‬‬
‫وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه وسلم تسلي ًام‬
‫كثري ًا إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أخوكم‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد بن عبدالعزيز العواجي‬
‫األستاذ بقسم التفسير وعلوم القرآن‬
‫كلية القرآن الكريم والدراسات اإلسالمية‬
‫الجامعة اإلسالمية بالمدينة النبوية‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪13‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫حول رعاية الله لألنبياء عموماً‬
‫بني اهلل تعاىل يف كتابه الكريم قصص عدد من األنبياء والرسل‬
‫لكي نستلهم منهجا متكامال يف حياتنا‪ ،‬ويف دعوتنا وتربيتنا‪ ..‬ومن‬
‫ذلك جانب رعاية اهلل تعاىل ألنبيائه‪ ..‬للنظر فيه ونتخذ منه رساجا‬
‫هنتدي به يف إعداد الدعاة وختريج املربني‪..‬‬
‫وقد شملت هذه الرتبية وهذه الرعاية الربانية كل األنبياء عىل‬
‫حسب احتياج كل نبي أو رسول من جوانب اإلعداد والرتبية‬
‫والرعاية املستمرة‪ ،‬ولكن اجتمع مجيعهم يف عدد جماالت الرعاية‬
‫املهمة واألساسية نعرضها من خالل مطلبني‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية الشاملة لجميع األنبياء‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [األنعام‪.]90 - 84 :‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪14‬‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل تعاىل ألنبيائه من خالل اآليات يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬اصطفائهم واختيارهم لتلقي الوحي وإبالغه‪:‬‬
‫‪ ‬قال‪ ‬السعدي‪ ‬يف تفسري قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﭼ‬
‫[احلج‪ ]٧٥ :‬أي‪" :‬خيتار وجيتبي من املالئكة رسلاً ‪ ،‬ومن الناس‬
‫رسلاً ‪ ،‬يكونون أزكى ذلك النوع‪ ،‬وأمجعه لصفات املجد‪ ،‬وأحقه‬
‫باالصطفاء‪ ،‬فالرسل ال يكونون إال صفوة اخللق عىل اإلطالق‪،‬‬
‫والذي اختارهم واصطفاهم ليس جاهلاً بحقائق األشياء‪ ،‬أو‬
‫يعلم شي ًئا دون يشء‪ ،‬وإنام املصطفى هلم‪ ،‬السميع البصري‪ ،‬الذي قد‬
‫أحاط علمه وسمعه وبرصه بجميع األشياء‪ ،‬فاختياره إياهم عن‬
‫علم منه أهنم أهل لذلك‪ ،‬وأن الوحي يصلح فيهم‪ ،‬كام قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [األنعام‪.((("]١٢٤ :‬‬
‫"لقد جرت سنة اهلل يف خلقه أن يصطفي بعض عباده ملهمة النبوة‬
‫والرسالة‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂﭼ [احلج‪ ]٧٥ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﭼ [آل عمران‪ ،]٣٣ :‬وقال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭼ [األعراف‪ ،]١٤٤ :‬وهذا‬
‫االصطفاء واالختيار منة إهلية‪ ،‬امتن اهلل هبا عىل األنبياء واملرسلني‪،‬‬
‫فلم يصلوا إليها بكسب وال جهد‪ ،‬وال كانت ثمرة لعمل أو رياضة‬
‫للنفس قاموا هبا‪ ،‬كام يزعم الضالل من الفالسفة‪ ،‬حيث ذهبوا إىل أن‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.546‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪15‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫النبوة مكتسبة‪ ،‬وأن من هذب نفسه باخللوة والعبادة‪ ،‬وأخىل نفسه عن‬
‫الشواغل العائقة عن املشاهدة‪ ،‬وراض نفسه‪ ،‬وهذهبا‪ ،‬هتيأ للنبوة"(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬إرشادهم وتعليمهم وهدايتهم إلى الطريق المستقيم‪:‬‬
‫فقد ذكر اهلل هدايته هلم يف هذا املقطع ثالث مرات‪:‬‬
‫ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﭼ وقال‪ :‬ﭽﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﭼ وقال‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲﭼ‬
‫"وكرر اهلداية عىل سبيل التوضيح للهداية السابقة‪ ،‬وأهنا‬
‫هداية إىل طريق احلق املستقيم القويم الذي ال عوج فيه وهو توحيد‬
‫اهلل تعاىل وتنزهيه عن الرشك"(((‪.‬‬
‫قال ابن كثري‪" :‬ذكر أصوهلم وفروعهم‪ .‬وذوي طبقتهم‪ ،‬وأن‬
‫اهلداية واالجتباء شملهم كلهم؛ ثم قال‪ :‬ﭽﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﭼ أي‪ :‬إنام حصل هلم ذلك بتوفيق اهلل‬
‫وهدايته إياهم"(((‪.‬‬
‫وقال اجلنيد‪" :‬أي أخلصناهم وآويناهم ودللناهم لالكتفاء بنا‬
‫عام سوانا وهم أهل السابقة الذين سألوه سبحانه اهلداية"(((‪.‬‬
‫ومثل ذلك قوله تعاىل يف سورة مريم بعد ذكر جمموعة من‬
‫األنبياء‪ :‬ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮥ ﭼ [مريم‪.]٥٨ :‬‬

‫((( ينظر‪ :‬حمبة الرسول بني االتباع واالبتداع‪ ‬لعبد الرؤوف حممد عثامن‪.‬‬
‫((( البحر املحيط أليب حيان ‪.179 /4‬‬
‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪ .299 - 298 /2‬باختصار‪.‬‬
‫((( روح املعاين لأللويس ‪ 256/7‬باختصار‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪16‬‬

‫‪ - 3‬أ َّن الله آتاهم الكتاب والحكمة‪:‬‬


‫قال تعاىل عن مجيع األنبياء عليهم الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﯜﯝ ﯞﭼ [األنعام ‪ ،]89‬وقال تعاىل عن‬
‫عيسى عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [آل عمران ‪.]48‬‬
‫وقال تعاىل عن حممد عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ‬
‫ﯱﯲ ﯳﯴﭼ [آل عمران ‪.]164‬‬
‫فبني سبحانه احلكمة اإلهلية من ذلك اإلتيان والتعليم‪ :‬وهو‬
‫أن يبلغوه للناس‪ ،‬ويعلموهم إياه‪ ،‬ويربوهم عليه‪ ،‬تربية خاصة‪،‬‬
‫جتعلهم حكامء بعد أن كانوا ضالالً ضائعني‪ ،‬ولذا أمر أتباعهم من‬
‫العلامء واألحبار بذلك؛ فقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﭼ[آل عمران ‪.]79‬‬
‫‪ - 4‬جعل الله لهم من أبنائهم وذرياتهم صالحين ومصلحين‪:‬‬
‫قال تعاىل عن إبراهيم عليه الصالة والسالم وذريته‪:‬‬
‫ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ‬
‫ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﭼ [مريم ‪.]50 - 49‬‬
‫"فقد اعتزل إبراهيم أباه وقومه وعبادهتم وآهلتهم وهجر‬
‫أهله ودياره‪ ،‬فلم يرتكه اهلل وحيدا‪ .‬بل وهب له ذرية من األنبياء‬
‫وعوضه خريا‪ ،‬ففي قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﭼ إشارة‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪17‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫إىل ذلك فالرمحة تذكر هنا ألهنا هبة اهلل التي تعوض إبراهيم عن‬
‫أهله ودياره‪ ،‬وتؤنسه يف وحدته واعتزاله"‪.‬‬
‫وقال تعاىل عن عدد من األنبياء‪ :‬ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [األنعام ‪.]87 - 85‬‬
‫‪ - 5‬تسخير الله معاشهم‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﭼ[الفرقان‪" ،]20‬أي‬
‫يتجرون وحيرتفون"(((‪ .‬فجعل أمر الرعاية املادية لألنبياء كسائر‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ - 6‬جمع الله لهم بين النبوة واالبتالء‪:‬‬
‫قال تعاىل عن لوط عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ [األنبياء‪.]74‬‬
‫وقال تعاىل عن موسى عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [القصص‪.]14‬‬
‫فقوله‪ :‬ﭽ ﯼ ﯽ ﯾﭼ أي‪" :‬املحسنني يف عبادة‬
‫اهلل‪ ،‬املحسنني خللق اهلل‪ ،‬نعطيهم عل ًام وحك ًام بحسب إحساهنم‪،‬‬
‫َّ‬
‫ودل هذا عىل كامل إحسان موسى عليه الصالة والسالم"(((‪.‬‬
‫وقد بني النبي ﷺ ذلك رصحي ًا‪(( :‬أشد الناس بالء األنبياء‪،‬‬
‫ثم األمثل فاألمثل‪ ،‬يبتىل الرجل عىل حسب ‪ -‬ويف رواية‪ :‬قدر ‪-‬‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.14/13‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.613‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪18‬‬
‫دينه‪ ،‬فإن كان دينه صلبا اشتد بالؤه‪ ،‬وإن كان يف دينه رقة ابتيل عىل‬
‫حسب دينه‪ ،‬فام يربح البالء بالعبد حتى يرتكه يميش عىل األرض‬
‫ما عليه خطيئة))(((‪.‬‬
‫‪ - 7‬جمع الله لهم بين النبوة والبشرية‪:‬‬
‫من رعاية اهلل ألنبيائه أنه هيب هلم األوالد ليشبع عندهم هذه‬
‫الرغبة اإلنسانية‪ ،‬وهذه اهلبة جزاء ومكافأة عىل إحساهنم؛ قال‬
‫تعاىل عن زكريا عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱﭼ [األنبياء ‪.]90 - 89‬‬
‫فهذه "آية من آيات اهلل يف عنايته بأوليائه املنقطعني لعبادته»(((‪،‬‬
‫“وكرم الرب يتجاوز طمع األنبياء فيه ‪ -‬مع عظيم علمهم به ‪-‬‬
‫فلله ما أعظم إحسان ربنا! وما أوسع كرمه!"(((‪.‬‬
‫وقد وهب اهلل عامة األنبياء عليهم الصالة والسالم أزواج ًا‬
‫وذرية ماعدا حييى وعيسى عليهام الصالة والسالم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ[الرعد‪.]38 :‬‬

‫((( رواه الرتمذي يف كتاب الزهد‪ ،‬باب ما جاء يف الصرب عىل البالء (‪،)2398‬‬
‫وابن ماجة يف كتاب الفتن‪ ،‬باب الصرب عىل البالء (‪ ،)4023‬وأمحد برقم‬
‫(‪ )1481‬و(‪ )1491‬و(‪ )1555‬و(‪ )1607‬و(‪ ،)27079‬وصححه‬
‫األلباين يف الصحيحة ‪.)143( 225/1‬‬
‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.123 /17‬‬
‫((( من تدبرات الشيخ إبراهيم األزرق يف جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪19‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية الخاصة لبعضهم‬
‫إن املتتبع آليات القرآن جيد رعاية اهلل تعاىل لبعض أنبيائه يف‬
‫أمور معينة‪ ،‬من أمهها‪:‬‬
‫‪ - 1‬مكن الله بعضهم من رعاية أبنائهم حتى جعلهم أنبياء‪:‬‬
‫ويتضح ذلك من أن كثري ًا من األنبياء رعوا أبناءهم‪ ،‬أو‬
‫رعاهم أقرباؤهم من أي جهة كانوا‪ ،‬فأخرج اهلل منهم أئمة‬
‫يدعون إىل اهلل‪:‬‬
‫فهذا إبراهيم عليه الصالة والسالم يعتني بأبنائه ويوصيهم‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ[البقرة ‪.]132‬‬
‫وكذلك يعقوب عليه الصالة والسالم يعتني بأبنائه‪،‬‬
‫فيجمعهم ليطمئن عىل عقيدهتم كام قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬
‫ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ [البقرة ‪ .]133‬ومن هنا يتضح‬
‫دور اآلباء واألقارب يف رعاية طالب العلم‪.‬‬
‫واستجاب اهلل تعاىل لدعاء زكريا عليه الصالة والسالم‪ ،‬واصطفى‬
‫ابنه حييى ليكون نبي ًا‪ ،‬كامل قال تعاىل‪ :‬ﱹﭑﭒ ﭓﭔﭕﭖﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪20‬‬

‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﱸ [آل عمران‪.]٣٩ – ٣٨ :‬‬

‫‪ - 2‬جمع الله لبعضهم بين النبوة والملك‪:‬‬


‫قال تعاىل عن إبراهيم وذريته من األنبياء عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼ [النساء ‪" .]54‬ذلك ما أنعم اهلل به عىل إبراهيم وذريته من‬
‫النبوة والكتاب وامللك الذي أعطاه من أعطاه من أنبيائه كـ “داود”‬
‫مستمرا عىل عباده املؤمنني"(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫و“سليامن”‪ .‬فإنعامه مل يزل‬
‫وقال تعاىل عن داود وسليامن عليهام الصالة والسالم‪:‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ [األنبياء ‪.]79‬‬
‫وقال تعاىل عن يوسف عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾﭼ [يوسف‬
‫‪" .]22‬أي‪ :‬جعلناه نبيا رسوال وعاملا ربانيا‪ ،‬ودل هذا‪ ،‬عىل أن‬
‫يوسف ىَّ‬
‫وف مقام اإلحسان‪ ،‬فأعطاه اهلل احلكم بني الناس والعلم‬
‫الكثري والنبوة"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.182‬‬


‫((( املصدر السابق ص‪.395‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪21‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫الفصل األول‬
‫رعاية الله ألولي العزم من الرسل‬
‫عليهم الصالة والسالم‬
‫وعىل هذا فإن املباحث التي سيتم دراستها هنا ما ييل‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬رعاية اهلل لنوح عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬رعاية اهلل إلبراهيم عليه الصالة السالم‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رعاية اهلل ملوسى وهارون عليهام الصالة‬
‫والسالم وألمهام‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬رعاية اهلل لعيسى عليه الصالة والسالم وألمه‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪22‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫لقد أبرز القرآن الكريم عناية اهلل تعاىل بأنبيائه عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وبني كيف أن اهلل تعاىل أوالهم عناية خاصة متثلت يف‬
‫مجيع أمور حياهتم الدينية والدنيوية‪ ،‬والعلمية والعملية‪ ،‬وأوصاهم‬
‫بوصايا هي بمثابة قواعد يف تأهيلهم للدعوة فساروا عىل منهاجها‬
‫بعيدين عن كل ما يخُ ِل بنبوهتم ودعوهتم‪.‬‬
‫ويف هذا الفصل يتضح األمر من خالل تسليط الضوء عىل‬
‫جوانب رعاية اهلل تعاىل ألويل العزم من الرسل وتلبية احتياجاهتم‬
‫العلمية والرتبوية والنفسية واألرسية وغريها من جوانب الرعاية‪.‬‬
‫وقد أفردنا بحثا خاصا ييل هذا البحث عن رعاية اهلل لنبيه‬
‫حممد ﷺ‪ ،‬ومل أستطع ضمه هنا هلذا البحث نظرا لطوله‪.‬‬
‫وقد دجمت بني رعاية اهلل ملوسى وهارون نظرا ألن قصتهام يف‬
‫القرآن تأيت يف سياق واحد‪ ،‬وخطاب اهلل هلام يأيت كذلك يف خطاب‬
‫واحد يف عدد من املواضع‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪23‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المبحث األول‬
‫رعاية الله لنوح عليه الصالة والسالم‬
‫تظهر رعاية اهلل تعاىل لنبيه نوح عليه الصالة والسالم وعنايته‬
‫به بام ظهر من مواقفه يف دعوته‪ ،‬حيث دلت مواقفه الدعوية عىل‬
‫عناية اهلل تعاىل له‪ ،‬ويمكن إبراز هذا اجلانب من خالل املطالب‬
‫التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية لنوح عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل الرتبوية لنوح عليه الصالة والسالم يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تربيته على التعلق بالله وصدق اللجوء إليه في كل حين‪:‬‬
‫وهذا ظاهر يف التجائه عليه الصالة والسالم بشكواه لربه فيام‬
‫يالقيه من صدود وإعراض وأذى‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الشعراء‪116:‬‬
‫‪" .]118 -‬وربه يعلم أن قومه كذبوه‪ .‬ولكنه البث والشكوى إىل‬
‫النارص املعني‪ ،‬وطلب النصفة‪ ،‬ورد األمر إىل صاحب األمر"(((‪.‬‬
‫وقد كان عليه الصالة والسالم يبث شكواه لربه من عناد‬
‫وتكذيب قومه‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﱹﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﱸ [نوح‪.]٦ – ٥ :‬‬

‫((( البداية والنهاية البن كثري ‪.108 /1‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪24‬‬

‫وقوله‪ :‬ﱡﭐﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﱠ [نوح‪ .]٢١ :‬وقوله‪ :‬ﱹﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﱸ [نوح‪.]٢٦ :‬‬
‫"ذلك الدعاء املنبعث من قلب جاهد طويال‪ ،‬وعانى كثريا‪،‬‬
‫وانتهى بعد كل وسيلة إىل اقتناع بأن ال خري يف القلوب الظاملة‬
‫الباغية العاتية‪ ،‬وعلم أهنا ال تستحق اهلدى وال تستأهل النجاة‪،‬‬
‫فأحيانا ال يصلح أي عالج آخر غري تطهري وجه األرض من‬
‫الظاملني‪ ،‬ألن وجودهم جيمد الدعوة إىل اهلل هنائيا‪ ،‬وحيول بينها‬
‫وبني الوصول إىل قلوب اآلخرين"‪.‬‬
‫وكان ﷺ يدعو لنفسه وملن آمن به‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭐﱡ ﭐﳐ ﳑ ﳒ‬
‫ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﳚ ﳛ‬
‫ﳜ ﳝ ﳞ ﳟﳠﱠ [نوح‪.]٢٨ :‬‬
‫‪ - 2‬تربيته على عبادة الشكر‪:‬‬
‫فقد اعتنى اهلل تعاىل بنبيه نوح عليه الصالة والسالم بغرس عبادة‬
‫الشكر يف قلبه‪ ،‬ومتكن نوح عليه الصالة والسالم من القيام هبذه العبادة‬
‫حتى صارت صفة الزمة له‪ ،‬فقد قال تعاىل مادحا رسوله نوحا عليه‬
‫الصالة والسالم‪( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)‬
‫[اإلرساء‪ ]3:‬فأثنى عليه سبحانه بالعبودية والشكر‪.‬‬
‫وأتى هبا عىل صيغة املبالغة‪ ،‬زيادة يف بيان مكانة هذا النبي‬
‫الكريم الذي كان _برغم ما عانى من قومه وقاسى يف سبيل‬
‫تبليغ دعوته مئات السنني ‪ -‬عبدا شاكرا هلل عىل كل حال‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن أهل املحرش حني أرادوا استعطاف سيدنا نوح عليه الصالة‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪25‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫والسالم ليشفع هلم عند ربه عز وجل نادوه بأحب ما وصفه اهلل‬
‫به فقالوا‪ ...(( :‬يا نوح إنك أنت أول الرسل إىل أهل األرض‪،‬‬
‫وقد سامك اهلل عبدا شكورا‪ ،‬اشفع لنا إىل ربك‪ ،‬أال ترى إىل ما نحن‬
‫فيه‪.((())...‬‬
‫‪ - 3‬تربيته على األمانة والعفة عما في أيدي الناس‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬
‫ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙﳚ‬
‫ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﱠ [الشعراء‪.]١٠٩ – ١٠٦ :‬‬
‫فقد ربى اهلل نبيه ﷺ عىل هاتني الصفتني وأمر نبيه أن خيرب هبام‬
‫قومه‪ ،‬ملا هلام من أثر كبري يف شخصية الداعية وأدعى لقبوله‪.‬‬
‫فاألمانة صفة أساسية لكل األنبياء حيث أن الدعوة حتتاج‬
‫لتلك الصفة يف دقة التبليغ وشموليته وكذلك يف أخالقيات‬
‫الداعية يف التعامل مع املجتمع‪..‬‬
‫"والتنبيه عىل عدم طلب األجر يبدو أنه كان دائام رضوريا‬
‫للدعوة الصحيحة‪ ،‬متييزا هلا مما عهده الناس يف الكهان ورجال‬
‫األديان من استغالل الدين لسلب أموال العباد‪ .‬وقد كان الكهنة‬
‫ورجال الدين املنحرفون دائام مصدر ابتزاز لألموال بشتى‬
‫األساليب‪ .‬فأما دعوة اهلل احلقة فكان دعاهتا دائام متجردين‪ ،‬ال‬
‫يطلبون أجرا عىل اهلدى‪ .‬فأجرهم عىل رب العاملني"‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف كتاب التفسري‪ ،‬باب ﱹﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬


‫ﭼ ﭽ ﭾ ﱸ [اإلرساء‪ ،)4712(]3:‬ومسلم يف كتاب اإليامن‪،‬‬
‫باب أدنى أهل اجلنة منزلة فيه( ‪.)480‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪26‬‬

‫‪ - 4‬تربيته على الصبر‪:‬‬


‫فقد رباه اهلل عىل الصرب عىل مشاق الدعوة وانتفاخ الباطل‬
‫وعناده‪ ،‬وكانت من ثمرة هذه الرتبية أن رضب نوح عليه الصالة‬
‫والسالم املثل األعىل يف الصرب عىل املدعوين يف دعوته ويف حتمل‬
‫أذيتهم وتكذيبهم‪ ،‬فلقد لبث يف قومه يدعوهم إىل اهلل تسعامئة‬
‫ومخسني عاما‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ‬
‫ﯸ) [العنكبوت‪ ]14:‬ومع ذلك ما آمن معه إال قلة من الناس‪،‬‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [هود‪.]40:‬‬
‫‪ - 5‬تربيته على الحلم‪:‬‬
‫فقد رباه اهلل تعاىل عىل احللم وضبط النفس عند أذية املعاندين‬
‫واملكذبني‪ ،‬ويظهر ذلك يف حلمه عىل قومه رغم أذيتهم له‬
‫وسخريتهم به‪ ،‬فحينام رموه بالضاللة‪ ،‬كام قال تعاىل‪( :‬ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) فام رد عليهم وال سفههم‬
‫بل اكتفى بقوله‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ) [االعراف‪ .]61_60:‬فانظر إىل قمة الرقي يف‬
‫احللم؛ فحني وسموه بالضاللة مل يرد عليهم ويصفهم بالضاللة‬
‫_ولئن فعل فهو حمق_ لكنه اكتفى بنفي الضاللة عن نفسه‪.‬‬
‫‪ - 6‬تربيته على نصرة الضعفاء من المؤمنين‪:‬‬
‫من واجبات الداعية نرصة املظلومني‪ ،‬ولذا فقد ربى اهلل نبيه نوح‬
‫عليه الصالة والسالم عىل هذا األمر‪ ،‬فكان نوح عليه الصالة والسالم‬
‫يدافع عن املستضعفني الذين معه ويدافع عنهم‪ ،‬حتى أنه ملا احتقروا‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪27‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫أتباعه من الضعفاء رد عليهم بقوله‪ :‬ﱹ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬


‫ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﱸ [هود‪.]٣٠ – ٢٩ :‬‬
‫"كأهنم طلبوا منه طرد املؤمنني الضعفاء‪ ،‬فقال هلم‪ :‬ﱹ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﱸ أي‪ :‬ما ينبغي يل‪ ،‬وال يليق يب ذلك‪ ،‬بل‬
‫أتلقاهم بالرحب واإلكرام‪ ،‬واإلعزاز واإلعظام‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﱹ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﱠ حيث تأمرونني‬
‫بطرد أولياء اهلل وإبعادهم عني‪ ،‬وحيث رددتم احلق‪ ،‬ألهنم أتباعه‪،‬‬
‫وحيث استدللتم عىل بطالن احلق بقولكم إين برش مثلكم‪ ،‬وإنه‬
‫ليس لنا عليكم من فضل‪ .‬ﱹ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﱸ‬
‫أي‪ :‬من يمنعني من عذابه‪ ،‬فإن طردهم موجب للعذاب والنكال‪،‬‬
‫الذي ال يمنعه من دون اهلل مانع"(((‪.‬‬
‫وقد خاف نوح عليه الصالة والسالم عىل الضعفاء الذين‬
‫معه‪ ،‬حتى كان من أسباب دعائه عىل قومه خشيته عىل الضعفاء‬
‫من إضالل الكرباء هلم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬
‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ‬
‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﱠ [نوح‪.]٢٧ – ٢٦ :‬‬
‫"فلفظةﱡﭐﳉﱠ توحي بأهنم املؤمنون‪ .‬وذلك بفتنتهم عن‬
‫عقيدهتم بالقوة الغاشمة‪ ،‬أو بفتنة قلوهبم بام ترى من سلطان‬
‫الظاملني وتركهم من اهلل يف عافية!"‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.381‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪28‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية الدعوية لنوح عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل لنوح عليه الصالة والسالم الدعوية يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعليمه أسس الدعوة‪:‬‬
‫علم اهلل نبيه نوح ﷺ أولويات الدعوة‪ ،‬وهو توحيد اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬ولذا فإن أول ما نادي به نوح عليه الصالة والسالم قومه؛‬
‫(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ )‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ) [األعراف‪.]59:‬‬
‫وعلمه كذلك كيف يقرر التوحيد ويقنع به؛ ويظهر هذا يف‬
‫قول نوح عليه الصالة والسالم لقومه قال تعاىل‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ) [نوح‪.]20 - 13:‬‬
‫‪ - 2‬توجيهه إلى النصح للمدعوين والشفقة عليهم‪:‬‬
‫تظهر ثمرة هذه العناية يف قول نوح عليه الصالة والسالم‬
‫لقومه‪ :‬ﱹﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﱸ [هود‪،]،٣٤ :‬‬
‫وقال‪ :‬ﱹﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﱸ [األعراف‪.]٦٢ :‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪29‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫"والنصيحة‪ :‬اإلرشاد إىل املصلحة مع خلوص النية من‬


‫الشوائب املكروهة"(((‪.‬‬
‫ويظهر كذلك من أسلوبه عليه الصالة والسالم وهو خياطب‬
‫قومه مشفق ًا عليهم‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ) [األعراف‪.]59:‬‬
‫ويظهر أيضا يف قول نوح لقومه‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)‬
‫[هود‪" ،]25:‬أي‪ :‬بينت لكم ما أنذرتكم به‪ ،‬بيانا زال به‬
‫اإلشكال"(((‪.‬‬
‫قال ابن عاشور‪" :‬و ُعدل عن أن يقال له أنذر الناس إىل قوله‪:‬‬
‫ﱹﮅ ﮆ ﮇﱸ [نوح‪ ]١ :‬إهلاب ًا لنفس نوح ليكون شديد احلرص‬
‫عىل ما فيه نجاهتم من العذاب‪ ،‬فإن فيهم أبناءه وقرابته وأحبته"(((‪.‬‬
‫وتظهر ثمرة هذه الرتبية كذلك يف قول نوح عليه الصالة‬
‫والسالم‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ) إىل أن قال‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ) [نوح‪" .]9 - 5:‬فقوله‪( :‬ﯗ ﯘ) عبارة‬
‫عن استمرار دعوته وأنه مل يتوان فيها قط‪ ،‬ثم كرر عليه الصالة‬
‫والسالم صفة دعوته هلم؛ بيانا وتأكيدا‪ ،‬وجهارا؛ أي‪ :‬عالنية‬
‫يف املحافل‪ ،‬واإلرسار؛ ما كان من دعاء األفراد بينه وبينهم عىل‬
‫انفراد‪ ،‬وهذا غاية اجلد"(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.49/3‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.380‬‬
‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.187 /29‬‬
‫((( املحرر الوجيز البن عطية ‪.373 /5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪30‬‬

‫‪ - 3‬تربيته على الترفق بالمدعوين‪:‬‬


‫وهذا ظاهر يف تكرار مناداته هلم بـ(ﯳ ﯴ )‪ ،‬يف قوله‬
‫تعاىل‪( :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ) [هود‪.]28:‬‬
‫"وهذا تلطف يف اخلطاب معهم وترفق هبم يف الدعوة إىل احلق‪،‬‬
‫فهو يقول هلم‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ)؛ أي النبوة والرسالة‪( ،‬ﰀ ﰁ)؛ فلم تفهموها‬
‫ومل هتتدوا إليها‪( ،‬ﰂ) أي‪ :‬أنغصبكم هبا ونجربكم عليها‬
‫(ﰃ ﰄ ﰅ )"(((‪.‬‬
‫وقد جتىل هذا األسلوب أيض ًا يف تكرار مناداة نوح عليه الصالة‬
‫والسالم البنه الذى أبى أن يؤمن‪ ،‬قال تعاىل‪ ( :‬ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ)‬
‫[هود‪ ،]42 :‬فقوله‪( :‬ﮧ) إشعار ًا له بقربه منه وحنوه وشفقته‬
‫عليه‪ ،‬أم ً‬
‫ال يف استجابته للحق واإلذعان لرب العاملني(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬تعليمه أسلوب الترغيب والترهيب‪:‬‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ) [نوح‪ ،]4 - 1:‬فرغبهم‬

‫((( البداية والنهاية البن كثري ‪.108 /1‬‬


‫((( انظر هذه األساليب‪ :‬املستفاد من قصص األنبياء للدعوة والدعاة‪،‬‬
‫عبدالكريم زيدان‪.144 - 130/1 :‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪31‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫يف أهنم لو عبدوا اهلل وأطاعوا رسوله؛ يغفر هلم ذنوهبم ويمتعهم‬
‫ٍ‬
‫مقدر‬ ‫يف هذه الدار‪ ،‬ويدفع عنهم اهلالك إىل أجل مسمى؛ أي‪:‬‬
‫للبقاء يف الدنيا بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وليس املتاع أبدا‪ ،‬فإن املوت ال‬
‫بد منه((( ويف هذا ترهيبهم من بقائهم عىل كفرهم وعنادهم حتى‬
‫يأتيهم األجل‪.‬‬
‫وقال أيض ًا مرغبا هلم‪( :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[نوح‪ ،]12 - 10:‬فرغبهم فيام تشتهيه‬
‫نفوسهم من األموال والبنني واجلنات واألهنار‪ ،‬وبني هلم أن ذلك‬
‫ثمرة لإليامن واالستغفار‪.‬‬
‫‪ - 5‬تعليم الله له صناعة السفن‪:‬‬
‫من رعاية اهلل لنبيه نوح عليه الصالة والسالم أن علمه مهارة‬
‫صناعة السفن معجزة له‪ ،‬ونجاة له وملن آمن معه‪ ،‬حيث أنه ملا بلغ‬
‫من كفر قوم نوح مبلغه؛ وأوحى اهلل تعاىل إىل نبينا نوح عليه الصالة‬
‫والسالم ﭽﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [هود ‪]36‬؛‬
‫توجه إىل ربه‪ ( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ) [القمر‪ ]10:‬و(ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ )[املؤمنون‪.]26 :‬‬
‫وكان قد أمره ربه عز وجل بصنع سفينة حيمل فيها من آمن‬
‫معه إذا جاء أمر اهلل‪ ،‬وحيمل معه أيضا من كل زوجني اثنني من‬
‫احليوانات وسائر ما فيه روح من املأكوالت وغريها لبقاء نسلها‪،‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.888‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪32‬‬
‫وأن حيمل معه أهله إال من سبق عليه القول منهم‪ ،‬أي‪ :‬إال من‬
‫كان منهم كافرا‪ ،‬وجعل له عالمة بداية هذا األمر أن يفور املاء من‬
‫التنور الذي خيبز فيه(((‪.‬‬
‫قال تعاىل مبينا ذلك‪( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬
‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ) [املؤمنون‪.]27 :‬‬
‫‪ - 6‬التخفيف على نوح عليه الصالة والسالم مما يالقيه في دعوته‪:‬‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ) [هود‪" ]36 :‬أي‪ :‬فال‬
‫حتزن‪ ،‬وال تبال هبم‪ ،‬وبأفعاهلم‪ ،‬فإن اهلل قد مقتهم‪ ،‬وأحق عليهم‬
‫عذابه الذي ال يرد"(((‪.‬‬
‫"فال حتس بالبؤس والقلق‪ ،‬وال حتفل وال هتتم هبذا الذي كان‬
‫منهم‪ ،‬ال عىل نفسك فام هم بضاريك بيشء‪ ،‬وال عليهم فإهنم ال‬
‫خري فيهم"‪.‬‬

‫((( هو أحد أقوال ستة يف تفسري معنى "وفار التنور" انظر مجيع ذلك يف‪ :‬النكت‬
‫والعيون‪ ،‬املاوردي (‪ )472 /2‬زاد املسري يف علم التفسري‪ ،‬البن اجلوزي‪:‬‬
‫(‪.)373 /2‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.381‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪33‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المبحث الثاني‬
‫رعاية الله إلبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫تنوعت رعاية اهلل تعاىل إلبراهيم عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫فنلحظ فيها اجلانب العلمي مع العميل‪ ،‬واجلانب الرتبوي‪،‬‬
‫واجلانب االجتامعي يف األرسة‪ ،‬وإليك بياهنا يف املطالب التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية الخاصة من الله لنبيه إبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إبراز رعاية اهلل اخلاصة بإبراهيم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬اجتباء الله وهدايته إلبراهيم عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﭼ [النحل ‪.]122 - 12‬‬
‫قوله‪ " :‬ﭽ ﭴﭼ أي‪ :‬اختصه بخلته وجعله من صفوة‬
‫خلقه‪ ،‬وخيار عباده املقربني‪ ،‬ﭽﭵﭶﭷﭸﭼ يف علمه‬
‫وعمله‪ ،‬فعلم احلق وعمل به وآثره عىل غريه‪ .‬ﭽﭺﭻﭼﭼ‬
‫رزقا واسعا‪ ،‬وزوجة حسناء‪ ،‬وذرية صاحلني‪ ،‬وأخالقا مرضية‬
‫ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﭼ الذين هلم املنازل العالية‬
‫والقرب العظيم من اهلل تعاىل"(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن الله تعالى اتخذ إبراهيم ً‬
‫خليال‪:‬‬
‫كام قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﱠ [النساء‪.]١٢٥ :‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.451‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪34‬‬
‫واخللة أعىل أنواع املحبة‪ ،‬وهذه املرتبة حصلت للخليلني ومها حممد‬
‫وإبراهيم عليهام الصالة والسالم‪ ،‬فعن جندب –‪ - ‬أنه سمع النبي ﷺ‬
‫يقول قبل أن يتوىف‪(( :‬إن اهلل اختذين خليال كام اختذ إبراهيم خليال))(((‪.‬‬
‫واخلُ َّلة هلل تعاىل هى كامل املحبة ومنتهاها‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية ‪" :‬وأن اخللة هي كامل املحبة املستغرقة للحب كام قيل قد‬
‫خت َّللت مسلك الروح مني وبذا سمى اخلليل خليال"(((‪.‬‬
‫ولذلك كان ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬موفق يف دعوته مسدد‬
‫يف تبليغه آيات ربه‪ ،‬فكلام كان الداعية قريب الصلة بربه‪ ،‬قائ ًام‬
‫بام يستلزم حمبة اهلل له من واجبات ومستحبات وأنواع القربات‬
‫املتنوعة‪ ،‬كان ذلك أحرى أن يعينه ربه سبحانه وتعاىل يف قبول‬
‫الناس لدعوته وامتثاهلم لمِا يرشدهم إليه من أوامر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ - 3‬حفاوة الله بإبراهيم عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫قال تعاىل عن إبراهيم عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢﭼ [مريم‪.]47‬‬
‫"أي مبالغا يف اللطف يب"(((‪" ،‬رحيام رؤوفا بحايل‪ ،‬معتنيا يب"(((‪.‬‬
‫لقد أحس إبراهيم عليه الصالة والسالم برعاية اهلل له وحفاوته‬
‫به‪ ،‬فنطق لسانه هبذا عند طرد أبيه وتوعده له‪ ،‬فهو يعلم أن ربه لن‬
‫يضيعه فقد تعود من ربه أن يكرمه ويستجيب له‪.‬‬
‫((( أخرجه احلاكم يف املستدرك ‪ 599/2‬رقم (‪ ،)4018‬وقال‪ :‬هذا حديث‬
‫صحيح عىل رشط الشيخني ومل خيرجاه‪.‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.420/6‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.101/7‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.494‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪35‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 4‬آتاه الله الرشد‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﭼ[األنبياء‪" ]٥١ :‬خيرب تعاىل عن خليله إبراهيم ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ -‬أنه آتاه ﭽ ﮠ ﮡ ﮢﭼ‪ ،‬أي‪ :‬أعطاه من الرشد‪ ،‬الذي‬
‫كمل به نفسه‪ ،‬ودعا الناس إليه‪ ،‬ما مل يؤته أحدا من العاملني‪ ،‬غري‬
‫حممد‪ ،‬وأضاف الرشد إليه‪ ،‬لكونه رشدا‪ ،‬بحسب حاله‪ ،‬وعلو مرتبته‪،‬‬
‫وإال فكل مؤمن‪ ،‬له من الرشد‪ ،‬بحسب ما معه من اإليامن‪ .‬ﭽ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥﭼ أي‪ :‬أعطيناه رشده‪ ،‬واختصصناه بالرسالة واخللة‪،‬‬
‫واصطفيناه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬لعلمنا أنه أهل لذلك‪ ،‬وكفء له‪،‬‬
‫لزكائه وذكائه‪ ،‬وهلذا ذكر حماجته لقومه‪ ،‬وهنيهم عن الرشك‪ ،‬وتكسري‬
‫األصنام‪ ،‬وإلزامهم باحلجة"(((‪.‬‬
‫‪ - 5‬أهله الله تعالى ليكون أمة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯﱠ [النحل‪ .]١٢٠ :‬فالرجل األمة هو الرجل اجلامــع‬
‫خلـصـال اخلري حتى يقوم مقام أمة من الناس(((‪ ،‬وهذا هو املقصود يف‬
‫حق إبراهيم‪ ،‬وهذه تدلنا عـلـى عظيم ما كان يتصف به إبراهيم من‬
‫عبادة ودعوة وخلق حري بأن حيتذي به الدعاة يف حـيـاهتم وتزكية‬
‫أنفسهم‪ ،‬واجتهاد أحدهم يف تقويم أخالقه والنشاط يف دعوته ليقوم‬
‫مقام أمة يف ذلك‪ .‬وقيل أن املقصود باألمة هنا‪ :‬أي اإلمام‪ ،‬أي قدوة‬
‫يقتدى به يف اخلري‪ ،‬وممن قال به ابن جرير الطربي وابن كثري(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.525‬‬


‫فتح البيان يف مقاصد القرآن‪ ،‬ملحمد صديق خان ‪.334/7‬‬
‫((( ُ‬
‫((( جامع البيان للطربي (‪ ،)317/17‬تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.611/4‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪36‬‬

‫قال العالمة السعدي ‪" :‬خيرب تعاىل عام فضل به خليله‬


‫إبراهيم عليه الصالة والسالم وخصه به من الفضائل العالية‬
‫واملناقب الكاملة‪ ،‬فكان إمام ًا جامع ًا خلصال اخلري‪ ،‬هادي ًا‬
‫مهتدي ًا‪،‬مدي ًام لطاعة ربه‪،‬خملص ًا له الدين‪،‬مقب ً‬
‫ال عىل اهلل باملحبة‬
‫واإلنابة والعبودية‪ ،‬معرض ًا عام سواه من عبادة غري اهلل يف قوله‬
‫وعمله ومجيع أحواله‪،‬ألنه إمام املوحدين احلنفاء"(((‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪" :‬األمة هو معلم اخلري الذي‬
‫يؤتم به‪ ،‬كام أن القدوة الذي يقتدي به‪ ،‬واهلل جعل من ذريته النبوة‬
‫والكتاب‪،‬وإنام بعث األنبياء بعده بملته"(((‪.‬‬
‫فقد كان اخلليل عليه الصالة والسالم قدوة للعاملني‪ ،‬ألنه إمام‬
‫املتقني‪ ،‬وإمام احلنفاء الذي أمر اهلل نبيه ﷺ وأمته اتباع ملته‪ ،‬كام قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﱠ [النحل‪ .]١٢٣ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﱠ [آل عمران‪ .]٩٥ :‬وقال‬
‫أيض ًا‪ :‬ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﱠ [األنعام‪.]١٦١ :‬‬
‫‪ - 6‬حفظ الله إلبراهيم من النار‪:‬‬
‫من رعاية اهلل تعاىل اخلاصة بإبراهيم عليه الصالة والسالم أن نجاه‬
‫من مكر قومه به حينام أردوا أن حيرقوه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.451‬‬


‫((( جمموع الفتاوى البن تيمية ‪.202/ 10‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪37‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ[األنبياء ‪.]71 - 68‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ [الصافات‪.]٩٨ – ٩٧ :‬‬
‫"قال بعض العلامء إن اهلل تعاىل لو مل يقل َو َسالم ًا هللك‬
‫إبراهيم من برد النار"(((‪" ،‬ال نسأل‪ :‬كيف مل حترق النار إبراهيم‪،‬‬
‫واملشهود املعروف أن النار حترق األجسام احلية؟ فالذي قال‬
‫للنار‪ :‬كوين حارقة‪ .‬هو الذي قال هلا‪ :‬كوين بردا وسالما‪ .‬وهي‬
‫الكلمة الواحدة التي تنشئ مدلوهلا عند قوهلا كيفام كان هذا‬
‫املدلول‪ .‬مألوفا للبرش أو غري مألوف"‪ ،‬إهنا قدرة اهلل التي يغري‬
‫هبا السنن ليحفظ أوليائه‪.‬‬
‫‪ - 7‬تطمين قلبه برؤيته مقدرة الله على إحياء الموتى‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [البقرة ‪.]260‬‬
‫"فأخرب تعاىل عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يريه ببرصه كيف‬
‫حييى املوتى‪ ،‬ألنه قد تيقن ذلك بخرب اهلل تعاىل‪ ،‬ولكنه أحب أن يشاهده‬
‫عيانا ليحصل له مرتبة عني اليقني‪ ،‬فلهذا قال اهلل له‪ :‬ﭽ ﭚ ﭛ ﭜﭝ‬

‫((( أضواء البيان للشنقيطي ‪.88/4‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪38‬‬

‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭼ وذلك أنه بتوارد األدلة اليقينية مما يزداد به‬


‫اإليامن ويكمل به اإليقان ويسعى يف نيله أولو العرفان"(((‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪" :‬والتحقيق يف هذا الباب أن العيان‬
‫أتم وأكمل‪ ،‬والسامع أعم وأشمل‪ ،‬فيمكن أن يعلم بالسامع واخلرب‬
‫أضعاف ما يمكن علمه بالعيان والبرص أضعافا مضاعفة وهلذا‬
‫كان الغيب كله إنام يعلم بالسامع واخلرب ثم يصري املغيب شهادة‪،‬‬
‫واملخرب عنه معاينا‪ ،‬وعلم اليقني عني اليقني"(((‪.‬‬
‫فتطمني قلب طالب العلم للعلم من األمور املهمة لتثبيتها يف‬
‫قلبه ولكي يكون عىل مقدرة لتبليغها للناس وتبينها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية العلمية إلبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل تعاىل العلمية إلبراهيم عليه الصالة‬
‫والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬تعليمه التفكر في خلقه‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ [األنعام ‪ .]75‬واملعنى‪:‬‬
‫"كام أرينا إبراهيم البصرية يف دينه واحلق يف خالف قومه وما كانوا‬
‫عليه من الضالل يف عبادة األصنام نريه ﭽ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭼ فلهذا السبب عرب عن هذه الرؤية بلفظ املستقبل يف‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.112‬‬


‫((( جمموع فتاوى شيخ الإسالم ‪.646/10‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪39‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫قوله‪ :‬ﭽ ﭢ ﭣ ﭤﭼ ألنه تعاىل كان أراه بعني البصرية‬


‫أن أباه وقومه عىل غري احلق فخالفهم فجزاه اهلل بأن أراه بعد ذلك‬
‫ﭽ ﭥ ﭦ ﭧﭼ فحسنت هذه العبارة هلذا‬
‫حجة مستنبطة من داللة أحوال‬
‫املعنى"(((‪ .‬ويف هذا "إشارة إىل ّ‬
‫املوجودات عىل وجود صانعها‪.‬‬
‫والرؤية هنا مستعملة لالنكشاف واملعرفة‪ ،‬فاإلراءة بمعنى‬
‫ّ‬
‫املستدل‬ ‫الكشف والتعريف‪ ،‬فتشمل املبرصات واملعقوالت‬
‫بجميعها عىل احلق وهي إراءة إهلام وتوفيق‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﭼ[األعراف‪:‬‬
‫‪ ،]185‬فإبراهيم عليه الصالة والسالم ابتدأ يف ّأول أمره باإلهلام‬
‫احلق كام ابتدأ رسول اهلل ﷺ بالرؤيا الصادقة‪ .‬وجيوز أن يكون‬
‫إىل ّ‬
‫املراد باإلراءة العلم بطريق الوحي‪.‬‬
‫وقد حصلت هذه اإلراءة يف املايض فحكاها القرآن بصيغة‬
‫املضارع الستحضار تلك اإلراءة العجيبة كام يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ [فاطر‪ ..]9 :‬وإضافة‬
‫ملكوت الساموات واألرض عىل معنى [يف]‪ ،‬واملعنى ما يشمله‬
‫املِلك أو املـُلك‪ ،‬وا ُملراد ُملك اهلل‪ .‬واملعنى َنك ِْشف إلبراهيم دالئل‬
‫خملوقاتنا أو عظمة سلطاننا كشف ًا يطلعه عىل حقائقها ومعرفة أن ال‬
‫مترصف فيام كشفنا له سوانا"(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خالق وال‬

‫((( لباب التأويل للخازن ‪.408/2‬‬


‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.497/4‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪40‬‬

‫ثانياً‪ :‬تعليمه قوة الحجة‪:‬‬


‫ويظهر ذلك يف عدة مواقف منها‪ :‬موقفه يف حماجة قومه‪،‬‬
‫وموقفه يف هدم األصنام‪ ،‬وموقفه يف مناظرة النمرود‪ ،‬فإن اهلل رفعه‬
‫بالعلم واليقني وقوة احلجج‪.‬‬
‫ويشري إىل ذلك القرآن يف عدد من اآليات ويف التعقيب عىل مواقف‬
‫املناظرة وإقامة احلجة‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ [األنعام ‪.]75‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ [األنعام ‪.]83‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﮋﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﮊ [األنعام‪]٨١–٨٠ :‬‬
‫"بني أنه تعاىل قد أحسن إليه‪ ،‬فهو يرجوه ملثل ذلك اإلحسان‪،‬‬
‫وخيافه من عواقب العصيان‪ ،‬ألن من ُرجي خريه خيف ضريه‪،‬‬
‫ومن كان بيده النفع والرض واهلداية واإلضالل فهو من وضوح‬
‫األمر وظهور الشأن بحيث ال توجه نحوه املحاجة"(((‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تعليمه قوة المناظرة‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذا التعليم الرباين من اهلل إلبراهيم عليه السالم يف‬
‫عدد من املواقف منها‪:‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.661 /2‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪41‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫مناظرته قومه يف عبادة غري اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ‬


‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﮊ[األنعام ‪.]79 - 74‬‬
‫وكذلك عندما هدم األصنام‪ ،‬فناظرهم بقوله‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ [األنبياء‪]٦٧ – ٦٣ :‬‬
‫فقد استثارهم إلعامل العقل وأمرهم بالتوجه بالسؤال إىل األصنام‬
‫التي يعرفون أهنا لن ترد عليهم‪.‬‬
‫ويف مناظرته للنمرود مدعي األلوهية‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬
‫ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [ البقرة‪]٢٥٨ :‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪42‬‬
‫فقد تضمنت قصص اخلليل عليه الصالة والسالم اخلرب عنه‬
‫يف فن املناظرة وآداهبا‪ ،‬وطرقها ومسالكها النافعة‪ ،‬وكيفية إلزام‬
‫اخلصم بالطرق الواضحة التي يعرتف هبا أهل العقول‪ ،‬وإجلاؤه‬
‫اخلصم األلد إىل االعرتاف ببطالن مذهبه‪ ،‬وإقامة احلجة عىل‬
‫املعاندين وإرشاد املسرتشدين‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬تعليمه البناء‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭼ‬
‫[البقرة ‪ .]127‬فإن اهلل تعاىل أمره أن يبني الكعبة‪ ،‬و َأ َّهله لذلك‬
‫العمل‪ ،‬وجعل ابنه يساعده يف ذلك‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذا درس لطيف وهو َّ‬
‫أن عىل الدعاة أن تكون‬
‫لدهيم خربات يف تلبية احتياجات الدعوة‪ ،‬فعندما أمر اهلل تعاىل‬
‫إبراهيم عليه الصالة والسالم ببناء الكعبة‪ ،‬كانت حتتاج إىل معرفة‬
‫وخربة بالبناء‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل كام علمه الوحي والرسالة‪،‬‬
‫كذلك أكسبه وأعطاه خربة البناء ليقوم هبذا العمل عىل أكمل وجه‪.‬‬
‫ويظهر هذا األمر كذلك يف رعاية اهلل لنوح عليه الصالة‬
‫والسالم حيث أكسبه مهنة النجارة حلاجة الدعوة إليها يف مرحلة‬
‫مهمة من مراحلها‪.‬‬
‫وكذلك علم سليامن وداود ويوسف عليهم الصالة والسالم‬
‫علم احلكم والقيادة والقضاء لطبيعة الدعوة وما حتتاجه من‬
‫إمكانيات مناسبة لواقع الدعوة‪ ،‬ودور الداعية يف إصالح الدنيا‬
‫والدين‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪43‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية التربوية إلبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫تبني من خالل سرية إبراهيم عليه الصالة والسالم أنه حظي برعاية‬
‫تربوية ربانية أوصلته ملرتبة عالية عظيمة يف عالقته بربه‪ ،‬وكذلك يف‬
‫عالقته بقومه وصربه عىل دعوهتم‪ ،‬نربز لك من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تربيته على األدب مع الله تعالى‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [الشعراء‪.]٨١–٧٥ :‬‬
‫فقوله‪ :‬ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭼ "إسناده فعل املرض‬
‫إىل نفسه تأدب مع اهلل راعى فيه اإلسناد إىل األسباب الظاهرة يف‬
‫مقام األدب‪ ،‬فأسند إحداث املرض إىل ذاته وألنه املتسبب فيه"(((‪.‬‬
‫"فلام كان املرض رضر ًا‪ ،‬نزهه عن نسبته إليه أدب ًا وإن كانت‬
‫نسبة الكل إليه سبحانه معلومة"(((‪.‬‬
‫فال ينسب مرضه إىل ربه وهو يعلم أنه بمشيئة ربه يمرض‬
‫ويصح إنام يذكر ربه يف مقام اإلنعام واإلفضال إذ يطعمه ويسقيه‬
‫ويشفيه‪ ،‬وال يذكره يف مقام االبتالء حني يبتليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬تربية الله له على أدب الحوار‪:‬‬
‫ويتضح هذا من خالل مواقف أدبه يف احلوار مع والده‪:‬‬

‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.142/19‬‬


‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.369/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪44‬‬

‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬


‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [مريم‪.]٤٧–٤٢ :‬‬
‫هبذا اللطف واألدب يف احلوار يتوجه إبراهيم إىل أبيه‪ ،‬حياول‬
‫أن يرشده إىل اخلري الذي هداه اهلل إليه‪ ،‬وعلمه إياه؛ وهو يتحبب‬
‫إليه ويتجنب أي أسلوب يؤذى نفسية والده‪.‬‬
‫‪ - 3‬تربيته على الدعاء وااللتجاء إليه‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرتبية الربانية جلي ًا يف كثرة األدعية التي وردت‬
‫يف القرآن عىل لسان إبراهيم عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫دعائه عندما تطلعت نفسه للولد‪ ،‬حيث دعا ربه بأن يرزقه الذرية‬
‫ﱡﭐﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﱠ[الصافات‪.]١٠٠ :‬‬ ‫الصاحلة بقوله‪ :‬ﭐ ‬
‫ودعائه عند بناء الكعبة دعا له ولذريته‪ ،‬وملكة وأهلها ولكل‬
‫من جاء بعده‪ ،‬فقال‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ [البقرة‪.]١٢٩ – ١٢٧ :‬‬
‫وكام يف دعائه عندما ترك زوجته وابنه فقد كان دعاؤه‪ :‬ﭐﱹﮃ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪45‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﱸ [إبراهيم‪.]٣٧ :‬‬
‫ﱡﭐﳒ ﳓ‬
‫وكذلك يف دعائه بعد حماولة داللة والده عىل التوحيد‪ :‬ﭐ‬
‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱠ [الشعراء‪.]٨٧ – ٨٣ :‬‬
‫‪ - 4‬تربيته على اإليمان بأنه ال يمسه إال ما كتب له‪:‬‬
‫فقد ربى اهلل تعاىل إبراهيم عليه الصالة والسالم عىل أنه ال‬
‫يمسه إال ما كتبه اهلل‪ ،‬وأن نواميس الكون تتغري لعباد اهلل الصاحلني‬
‫ولن خيذل اهلل عباده‪ ،‬كام يف نجاته من النار‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞﭼ‬
‫[األنبياء ‪ .]69‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﭼ [الصافات‪.]٩٨ – ٩٧ :‬‬
‫‪ - 5‬تربيته إدراك النعمة وعلى حمد الله وشكره على نعمه‪:‬‬
‫قال تعاىل واصفا إبراهيم عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽﭱ‬
‫ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭼ[النحل‪ ]١٢١ :‬أي قائ ًام بشكر‬
‫نعم اهلل عليه‪" ،‬أي قائام بشكر نعم اهلل عليه‪ ،‬مستعمال هلا عىل الوجه الذي‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪46‬‬

‫ينبغي‪ ،‬كقوله تعاىل‪ :‬ﭽﯸ ﯹ ﯺ ﭼ[النجم‪ ،]37 :‬أي قام‬


‫بجميع ما أمره اهلل تعاىل به"(((‪.‬‬
‫ويتضح أثر هذه الرتبية الربانية من خالل محده ربه عىل نعمة‬
‫الذرية‪ ،‬والثناء عىل اهلل بأنه سميع الدعاء وذلك يف قوله تعاىل‪:‬ﱡﭐ ﲢ‬
‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫ ﲬ ﲭ‬
‫ﲮ ﲯ ﱠ [إبراهيم‪" ]٣٩ :‬فهبتهم من أكرب النعم‪ ،‬وكوهنم عىل‬
‫الكرب يف حال اإلياس من األوالد نعمة أخرى‪ ،‬وكوهنم أنبياء صاحلني‬
‫أجل وأفضل‪ ،‬ﱡﲬ ﲭ ﲮ ﲯﱠ أي‪ :‬لقريب اإلجابة ممن‬
‫دعاه وقد دعوته فلم خييب رجائي"(((‪.‬‬
‫"ويذكر إبراهيم نعمة اهلل عليه من قبل فيلهج لسانه باحلمد‬
‫والشكر شأن العبد الصالح يذكر فيشكر‪ ،‬فاهلل وهبة الذرية عىل‬
‫الكرب وهذا أوقع يف النفس‪ .‬فالذرية امتداد‪ .‬وما أجل اإلنعام‬
‫به عند شعور الفرد بقرب النهاية‪ ،‬وحاجته النفسية الفطرية إىل‬
‫االمتداد‪ .‬وإن إبراهيم ليحمد اهلل‪ ،‬ويطمع يف رمحته"‪.‬‬
‫‪ - 6‬تربيته على التواضع وطلب قبول العمل وعدم اإلعجاب بالنفس‬
‫وبالعمل‪:‬‬
‫وتظهر ثمرة هذه الرتبية يف مواقف منها‪:‬‬
‫قال تعاىل‪:‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫ﱈ ﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱠ [البقرة‪– ١٢٧ :‬‬
‫‪" .]128‬أي عملنا بفضلك وال ترده علينا‪ ،‬إشعار ًا باالعرتاف بالتقصري‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.420/6‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.427‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪47‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫حلقارة العبد وإن اجتهد يف جنب عظمة مواله"(((‪" .‬إنه طلب القبول‪..‬‬
‫هذه هي الغاية‪ ..‬فهو عمل خالص هلل‪ .‬االجتاه به يف قنوت وخشوع إىل‬
‫اهلل‪ .‬والغاية املرجتاة من ورائه هي الرىض والقبول‪ ..‬والرجاء يف قبوله‬
‫متعلق بأن اهلل سميع للدعاء‪ .‬عليم بام وراءه من النية والشعور"‪.‬‬
‫"هذا الدعاء استتابه ملا فرط من التقصري‪ .‬فإن العبد‪ ،‬وإن‬
‫اجتهد يف طاعة ربه‪ ،‬فإنه ال ينفك عن التقصري من بعض الوجوه‬
‫إما عىل سبيل السهو والنسيان‪ ،‬أو عىل سبيل ترك األوىل‪ ،‬فالدعاء‬
‫منهام‪ ،‬عليهام السالم‪ ،‬ألجل ذلك"(((‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﱡﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ‬
‫ﳐﱠ [الشعراء‪" ]٨٢ :‬فهو ال يربئ نفسه‪ ،‬وهو خيشى أن تكون‬
‫له خطيئة‪ ،‬وهو ال يعتمد عىل عمله‪ ،‬وال يرى أنه يستحق بعمله‬
‫شيئا‪ ،‬إال أنه يطمع يف فضل ربه‪ ،‬ويرجو رمحته‪ ،‬وهذا وحده‬
‫هو الذي يطمعه يف العفو واملغفرة‪ ..‬إنه شعور التقوى‪ ،‬وشعور‬
‫األدب‪ ،‬وشعور التحرج وهو الشعور الصحيح بقيمة نعمة اهلل‬
‫وهي عظيمة عظيمة‪ ،‬وقيمة عمل العبد وهو ضئيل ضئيل"‪.‬‬
‫وقد "أسند اخلطيئة إليه هض ًام لنفسه وتواضع ًا لربه‪ ،‬أي‬
‫تقصريي عن أن أقدره حق قدره‪ ،‬فإن الضعيف العاجز ال يبلغ كل‬
‫ما ينبغي من خدمة العيل الكبري‪ ،‬وما فعله فهو بإقداره سبحانه فال‬
‫صنع له يف احلقيقة أصالً"(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.242/1‬‬


‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.398/1‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.369/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪48‬‬

‫وكذلك يف قوله تعاىل‪ :‬ﭐﱡ ﭐﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﱠ‬


‫ﱡﭐﳖ ﳗ ﱠ فيه التواضع!‬ ‫[الشعراء‪ ،]٨٣ :‬فقوله‪ :‬ﭐ‬
‫والتحرج! واإلشفاق من التقصري! واخلوف من تقلب القلوب! واحلرص‬
‫عىل اللحاق بالصاحلني! بتوفيق من ربه إىل العمل الصالح الذي يلحقه‬
‫بالصاحلني !‬
‫وكذلك يف قوله‪ :‬ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﭼ [األنعام ‪" ]80‬فإبراهيم‬
‫يف عمق إيامنه‪ ،‬واستسالم وجدانه‪ ،‬ال يريد أن جيزم بيشء إال‬
‫مرتكنا إىل مشيئة اهلل الطليقة‪ ،‬وإىل علم اهلل الشامل‪ ،‬فيكل إىل‬
‫مشيئة اهلل محايته ورعايته ويعلن أنه ال خياف من آهلتهم شيئ ًا‪ ،‬ألنه‬
‫يركن إىل محاية اهلل ورعايته‪ .‬ويعلم أنه ال يصيبه إال ما شاءه اهلل‪،‬‬
‫ووسعه علمه الذي يسع كل يشء‪."..‬‬
‫‪ - 7‬تربية الله إلبراهيم عليه الصالة والسالم على خلق الحلم‪:‬‬
‫وصف اهلل إبراهيم عليه الصالة والسالم بقوله‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭼ[هود‪" ]٧٥ :‬أي‪ :‬ذو خلق حسن وسعة صدر‪ ،‬وعدم‬
‫غضب‪ ،‬عند جهل اجلاهلني"(((‪.‬‬
‫واحللم‪ :‬ضبط النفس والطبع عـن اهلـيـجـان عـنـد‬
‫االستثارة(((‪ ،‬واحلليم "أي غري عجول عىل االنتقام من امليسء"(((‪.‬‬
‫ومل يصل إبراهيم عليه الصالة والسالم إىل هذا اخللق لوال توفيق اهلل له‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.386‬‬


‫((( اإلمالء والرتقيم يف الكتابة العربية‪ ،‬لعبد العليم إبراهيم ‪.99/1‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.117/6‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪49‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫وتعليمه‪ ،‬وألن الداعية حيتاج إىل مثل هذا اخللق يف دعوته‪ ،‬وقد برز أثر هذا‬
‫اخللق يف موقفه من مقالة أبيه‪ :‬ﭽ ﯓ ﯔﭼ [مريم‪ ]46‬بعدما دعاه‬
‫بأسلوب مهذب‪ ،‬حيث قابل إبراهيم مقالة أبيه بكل حلم فقال‪ :‬ﭽﯖ‬
‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢﭼ[مريم‪.]47‬‬
‫‪ - 8‬تربيته على خشية الله والتوبة إليه‪:‬‬
‫وصف اهلل إبراهيم عليه الصالة والسالم بقوله‪ :‬ﭽﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀﭼ[هود‪ ،]٧٥ :‬ﭽﭿﭼ "أي‪ :‬مترضع إىل اهلل يف‬
‫مجيع األوقات‪ ،‬ﭽ ﮀﭼ أي‪َّ :‬‬
‫رجاع إىل اهلل بمعرفته وحمبته‪،‬‬
‫ِ‬
‫واإلقبال عليه‪ ،‬واإلعراض عمن سواه" ‪ .‬فاألواه "إِ َّن إِ ْبراه َ‬
‫يم‬ ‫(((‬

‫لأَ َ َّوا ٌه أي كثري التأوه من فرط الرمحة‪ ،‬ورقة القلب"(((‪.‬‬


‫‪ - 9‬تربيته على الكرم والسخاء‪:‬‬
‫ومن آثار تلك الرتبية قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶﭼ[الذاريات‪ .]٢٧ - ٢٤ :‬فإبراهيم عليه الصالة‬
‫والسالم‪" :‬انسل بخفية ورسعة‪ ،‬وذلك من حسن ضيافته‪ .‬مل يقل‪:‬‬
‫انتظروا آيت لكم بالطعام‪ .‬ومل يقم متباطئ ًا كأنام يدفع دفع ًا‪ ،‬وإنام قام‬
‫برسعة منسالً‪ ،‬لئال يقوموا إذا رأوه ذهب إىل أهله‪ ،‬فكأنه أخفى‬
‫األمر عنهم‪ ،‬ومل جيعله بعيد ًا‪ ،‬ويقول‪ :‬قوموا إىل طعامكم‪ ،‬بل‬
‫خدمهم حتى جعله بني أيدهيم‪ ،‬وقربه إليهم‪ .‬ومل يقل‪ :‬كلوا‪ .‬إنام‬
‫عرضه عليهم عرض ًا‪ ،‬ألن هذا أبلغ يف اإلكرام‪ ،‬والعرض أخف‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.386‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.515/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪50‬‬
‫وألطف من األمر‪ ،‬إذ إنه لو قال‪ :‬كلوا‪ .‬كان حيتمل أنه أراد أن‬
‫يستعيل عليهم ويوجه األمر إليهم"(((‪.‬‬
‫‪ - 10‬تربيته على الشجاعة‪:‬‬
‫ربى اهلل نبيه إبراهيم عىل خلق الشجاعة‪ ،‬وبرز أثر عىل اخللق‬
‫يف مواقف كثرية منها‪:‬‬
‫عندما واجه إبراهيم قومه ومل خيش كيدهم فقال مقس ًام‪ :‬ﭽﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﭼ [األنبياء‪ ،]57 :‬وقوله هلم‪:‬‬
‫ﭽﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﭼ[األنبياء‪.]٦٧ :‬‬
‫وعند مواجهته عليه الصالة والسالم للنمروذ وحماججته له‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﭼ[البقرة‪.]٢٥٨ :‬‬
‫وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة التي ال تـهــزم‪ ،‬وأن‬
‫مــا أصابه مل يكن ليخطئه وما أخطأه مل يكن ليصيبه فرسم للدعاة‬
‫منهج ًا يف الشجاعة املنضبطة بضوابط الرشع بال هتور حيتذونه يف‬
‫مواجهة الباطل من إقرار احلق‪.‬‬
‫‪ - 11‬سالمة القلب‪:‬‬
‫لقد مدح اهلل إبراهيم عليه الصالة والسالم بسالمة القلب‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ‬
‫[الصافات‪" ]٨٤ – ٨٣ :‬أي أقبل إىل توحيده بقلب خالص من‬
‫الشوائب‪ ،‬باق عىل الفطرة‪ ،‬سليم عن النقائص واآلفات‪ ،‬حمافظ‬
‫((( تفسري ابن عثيمني – جزء الذاريات ‪ -‬ص‪.135‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪51‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫الفطري‪ ،‬منكر عىل من غيرّ وبدّ ل"(((‪.‬‬


‫ّ‬ ‫عىل عهد التوحيد‬
‫"وإذا كان قلب العبد سليام‪ ،‬سلم من كل رش‪ ،‬وحصل له كل‬
‫خري‪ ،‬ومن سالمته أنه سليم من غش اخللق وحسدهم‪ ،‬وغري ذلك‬
‫من مساوئ األخالق‪ ،‬وهلذا نصح اخللق يف اهلل‪ ،‬وبدأ بأبيه"(((‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫الرعاية التربوية‬
‫(((‬
‫على السمع والطاعة المطلقة‬
‫فقد وصف اهلل تعاىل إبراهيم عليه الصالة والسالم بقوله‪:‬‬
‫ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ[النحل‪ ]١٢٠ :‬والقنوت‪:‬‬
‫لزوم الطاعة واملداومة عىل العبادة مع اخلضوع(((‪ ،‬فكان إبراهيم‬
‫عليه الصالة والسالم مالزم ًا لطاعة اهلل عىل كل حال‪ ،‬ويظهر أثر‬
‫تلك الرتبية ذلك يف موقفني‪:‬‬
‫الموقف األول‪ :‬االستسالم لله عندما أمره بذبح ابنه‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.215/8‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.705‬‬
‫((( هذا األمر داخل يف الرعاية الرتبوية‪ ،‬ولكن ألمهيته تم إبرازه يف هذا املطلب‬
‫ألمهيته لطالب العلم ولكي يعيه القائمون عىل رعاية طالب العلم يف‬
‫رعايتهم ملا له األثر الكبري يف حياهتم ودينهم‪.‬‬
‫((( النكت والعيون للاموردي ‪.219/3‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪52‬‬

‫ﰑﰒﰓﰔﰕﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الصافات‪.]١٠٦–١٠٢ :‬‬
‫نقف هنا وقفة تأمل هلذا االستسالم العظيم الذي ال متلك‬
‫األقالم تصويره إال كام يصوره رب العاملني يف كتابه‪ ،‬نقف وقفة يف‬
‫ظالل هذه اآليات وقفة إعزاز وإكبار هلذه الرتبية اإليامنية العظيمة‬
‫التي جعلت إبراهيم عليه الصالة والسالم يصل إىل هذه الدرجة‬
‫العالية من الطاعة واالستسالم‪.‬‬
‫هلل ما أروع اإليامن والطاعة والتسليم! فإبراهيم َش َ‬
‫اب ُعمره‬
‫ثم ُيرزق يف كربه بغال ٍم طاملا تط َّلع إليه‪.‬‬
‫وملا ُرزقه كان غالم ًا متميز ًا يشهد له ربه بأنه حليم‪ .‬وما يكاد‬
‫يشب؛ فيبلغ معه السعي‪ ،‬ويرافقه يف احلياة‪ ..‬ما يكاد‬ ‫يأنس به‪ ،‬وصباه ُّ‬
‫يأنس ويسرتوح هبذا الغالم الوحيد؛ حتى يرى يف منامه أنه يذبحه!!‪.‬‬
‫ويدرك أهنا أمر من ربه بالتضحية‪ .‬فامذا؟ إنه ال يرتدد‪ ،‬وال خياجله‬
‫إال شعور الطاعة‪ ،‬وال خيطر له إال خاطر التسليم‪ ..‬نعم إهنا جمرد‬
‫وحي من ربه؛ وهذا يكفي ليلبي ويستجيب‪ ،‬ودون أن‬ ‫رؤيا‪ .‬ولكنها ٌ‬
‫يعرتض‪ ،‬ودون أن يسأل ربه؛ ملاذا يا رب أذبح ابني الوحيد؟!‬
‫فهو ال يلبي يف انزعاج‪ ،‬وال يستسلم يف جزع‪ ،‬وال يطيع يف‬
‫اضطراب‪ ..‬كال إنام هو القبول والرضا والطمأنينة واهلدوء‪ ،‬يبدو‬
‫ذلك يف كلامته البنه وهو يعرض عليه األمر اهلائل يف هدوء ويف‬
‫اطمئنان عجيب‪ :‬ﭽ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇﭼ‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪53‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫فهي كلامت املالك ألعصابه‪ ،‬املطمئن لألمر الذي يواجهه‪،‬‬


‫الواثق بأنه يؤدي واجبه‪.‬‬
‫وإن األمر ٌ‬
‫شاق؛ وما يف ذلك شك‪ ..‬إذ ُيطلب إليه أن يتوىل‬ ‫َّ‬
‫هو بيده ذبحه‪ ..‬وهو مع هذا يتلقى األمر هذا التلقي‪ ،‬ويعرض‬
‫عىل ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يرتوى يف أمره‪ ،‬وأن يرى فيه‬
‫رأيه! إنه ال يأخذ ابنه عىل غرة لينفذ أمر ربه‪.‬‬
‫وخيطو إىل التنفيذ‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭼ‪ .‬هنا يرتفع‬
‫نبل الطاعة‪ ،‬ويعظم اإليامن‪ .‬فهو طمأنينة الرضا وراء كل ما‬
‫تعارف عليه بنو اإلنسان‪ ،‬وقد وصل األمر إىل أن يكون عيان ًا‪.‬‬
‫لقد أسلام‪ ..‬فهذا هو اإلسالم؛ إذ كالمها ال جيد يف نفسه إال هذه‬
‫املشاعر التي ال يصنعها غري اإليامن العظيم‪ ،‬وعلم اهلل من إبراهيم‬
‫وإسامعيل صدقهام‪ ،‬فاعتربمها قد أ َّد َيا وحققا وصدقا‪ :‬ﭽﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ‪..‬‬
‫"قد صدقت الرؤيا وحققتها فعالً‪ .‬فاهلل ال يريد إال اإلسالم‬
‫واالستسالم بحيث ال يبقى يف النفس ما تكنه عن اهلل أو تعزه عن‬
‫أمره أو حتتفظ به دونه‪ ،‬ولو كان هو االبن فلذة الكبد"‪.‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬تركه لزوجته وابنه في مكة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [إبراهيم‪.]٣٧ :‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪54‬‬

‫عن ابن عباس ‪ ‬قال‪" :‬جاء إبراهيم هباجر وبابنها إسامعيل‪،‬‬


‫عليهام السالم‪ ،‬وهي ترضعه‪ ،‬حتى وضعهام عند البيت عند دوحة‬
‫فوق َز ْمزم يف أعىل املسجد‪ ،‬وليس بمكة يومئذ أحد‪ ،‬وليس هبا ماء‬
‫فوضعهام هنالك‪ ،‬ووضع عندمها جرابا فيه متر ِ‬
‫وس َقاء فيه ماء‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬
‫َق َّفى إبراهيم‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪ ،‬منطل ًقا‪ .‬فتبعته أم إسامعيل‬
‫فقالت‪ :‬يا إبراهيم‪ ،‬أين تذهب وترتكنا هبذا الوادي الذي ليس‬
‫مرارا‪ ،‬وجعل ال يلتفت إليها‪.‬‬
‫فيه إنس وال يشء؟ فقالت له ذلك ً‬
‫فقالت آهلل أمرك هبذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬إ ًذا ال يضيعنا‪ .‬ثم رجعت‪.‬‬
‫فانطلق إبراهيم‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪ ،‬حتى إذا كان عند الثنية‬
‫حيث ال يرونه‪ ،‬استقبل بوجهه البيت‪ ،‬ثم دعا هبؤالء الدعوات‪،‬‬
‫ورفع يديه‪ ،‬قال‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ‬
‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﭼ‬
‫[إبراهيم‪.((("]37 :‬‬
‫فإبراهيم عليه الصالة والسالم يف هذا املوقف يظهر منه الرتبية‬
‫عىل االستسالم هلل تعاىل‪ ،‬وأن هذا االستسالم ال يأيت إال بخري‪،‬‬
‫وخصوص ًا إذا علمنا موقف هاجر وزمزم؛ وإنجاء اهلل هلا وابنها‬
‫من العطش‪ ،‬فكل هذا نتاج تربية من اهلل إلبراهيم عليه الصالة‬
‫والسالم عىل االستسالم‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف كتاب التفسري‪ ،‬باب يزفون برقم (‪.)3184‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪55‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الخامس‬
‫الرعاية األسرية إلبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫ظهرت رعاية اهلل تعاىل األرسية إلبراهيم عليه الصالة والسالم‬
‫يف عدد من املواقف التي تشهد هبذه الرعاية الربانية‪ ،‬نجملها يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬جعله الله تعالى باراً بأبيه مؤدباً في الحديث معه‪:‬‬
‫فقد حرص إبراهيم عليه الصالة والسالم عىل هداية والده‬
‫بأسلوب لني سهل‪ ،‬ﭐﱹﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﱸ [مريم‪.]٤٥ – ٤١ :‬‬
‫"لقد سلك عليه الصالة والسالم يف دعوته أحسن منهاج‪،‬‬
‫وأقوم سبيل‪ .‬واحتج عليه أبدع احتجاج بحسن أدب وخلق‬
‫مجيل‪ .‬لئال يركب متن املكابرة والعناد‪ .‬وال ينكب‪ ،‬بالكلية‪ ،‬عن‬
‫حمجة الرشاد‪ ..‬حتى أنه مل خيل ختويفه سوء العاقبة من حسن‬
‫يرصح بأن العقاب الحق له‪ ،‬وأن العذاب الصق‬ ‫األدب‪ ،‬حيث مل ّ‬
‫خاف َأ ْن َي َم َّس َك َع ٌ‬
‫ذاب فذكر اخلوف واملس ونكّر‬ ‫به‪ ،‬ولكنه قال َأ ُ‬
‫العذاب"(((‪.‬‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي للقاسمي ‪ 101 - 99/7‬باختصار‪.‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪56‬‬

‫ولكن والده قابل ذلك باجلفوة والقسوة عليه يف الكالم‪ ،‬ﱡﭐﲖ‬


‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ‬
‫ﲢ ﲣﱠ [مريم‪"]٤٦ :‬ب هذه اجلهالة تلقى الرجل الدعوة إىل‬
‫اهلدى‪ .‬وهبذه القسوة قابل القول املؤدب املهذب‪ .‬وذلك شأن اإليامن‬
‫مع الكفر وشأن القلب الذي هذبه اإليامن والقلب الذي أفسده الكفر"‪.‬‬
‫ولكنه من بره ألبيه جاء رده وحرصه عليه وعىل هدايته‪ :‬ﱡﭐﲥ ﲦ‬
‫ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﱠ[مريم‪.]47‬‬
‫‪ - 2‬رزقه الله ابناً باراً يطيعه ويساعده‪:‬‬
‫وهذا اجلزاء من جنس العمل‪ ،‬فقد عوض اهلل إبراهيم عليه‬
‫الصالة والسالم عن أبيه خري ًا‪ ،‬بأن رزقه ابن ًا صاحل ًا بار ًا‪ ،‬فمن بره‬
‫بأبيه أنه كان يساعده يف بناء الكعبة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱠ [البقرة ‪.]127‬‬
‫واستجاب له يف أمر الذبح عندما قال له‪ :‬ﭽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ فرد إسامعيل االبن البار‬
‫عىل أبيه مبارشة‪ :‬ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔﭼ[الصافات ‪.]102‬‬
‫وكذلك أطاعه عندما أمره أن يطلق زوجته فقد أخرج البخاري‬
‫يف قصة إبراهيم‪ ...(( :‬فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسامعيل يطالع‬
‫تركته فلم جيد إسامعيل فسأل امرأته عنه فقالت‪ :‬خرج يبتغي لنا ثم‬
‫برش نحن يف ضيق وشدة‬
‫سأهلا عن عيشهم وهيئتهم‪ .‬فقالت‪ :‬نحن ٍّ‬
‫فشكت إليه‪ .‬قال‪ :‬فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه الصالة والسالم‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪57‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫وقويل له‪ :‬يغري عتبة بابه‪ .‬فلام جاء إسامعيل كأنه آنس شيئ ًا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هل جاءكم من أحد؟ قالت‪ :‬نعم جاءنا شيخ كذا وكذا‪ ،‬فسألنا‬
‫عنك فأخربته‪ ،‬وسألني كيف عيشنا فأخربته‪ :‬أنّا يف جهد وشدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهل أوصاك بيشء؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬أمرين أن أقرأ عليك السالم‬
‫ويقول غري عتبة بابك‪ .‬قال‪ :‬ذاك أيب وقد أمرين أن أفارقك احلقي‬
‫بأهلك فطلقها‪ ،‬وتزوج أخرى‪.‬‬
‫فلبث عنهم إبراهيم ما شاء اهلل‪ ،‬ثم أتاهم بعد‪ ،‬فلم جيده‪،‬‬
‫فدخل عىل امرأته فسأهلا عنه‪ .‬قالت‪ :‬خرج يبتغي لنا‪ .‬قال‪ :‬كيف‬
‫أنتم؟ وسأهلا عن عيشهم وهيئتهم‪ .‬قالت‪ :‬نحن بخري وسعة وأثنت‬
‫عىل اهلل‪ .‬فقال ما طعامكم؟ قالت‪ :‬اللحم‪ .‬قال‪ :‬فام رشابكم؟ قالت‪:‬‬
‫املاء‪ .‬قال‪ :‬اللهم بارك يف اللحم واملاء‪ - :‬ومل يكن هلم يومئذ حب‪،‬‬
‫ولو كان هلم دعا هلم فيه ‪ -‬قال‪ :‬فهام ال خيلو عليهام أحد بغري مكة‬
‫إال مل يوافقاه‪ .‬قال‪ :‬فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه الصالة والسالم‬
‫ومريه يثبت عتبة بابه‪ .‬فلام جاء إسامعيل قال‪ :‬هل أتاكم من أحد؟‬
‫قالت‪ :‬نعم أتانا شيخ حسن اهليئة‪ .‬وأثنت عليه‪ .‬فسألني عنك‬
‫فأخربته‪ .‬فسألني‪ :‬كيف عيشنا‪ .‬فأخربته أنا بخري‪ .‬قال‪ :‬فأوصاك‬
‫بيشء قالت‪ :‬نعم هو يقرأ عليك السالم‪ ،‬ويأمرك أن تثبت عتبة‬
‫بابك‪ .‬قال‪ :‬ذاك أيب‪ ،‬وأنت العتبة أمرين أن أمسكك))(((‪.‬‬
‫‪ - 3‬أشبع الله تعالى له رغبة األبوة رحمة منه سبحانه‪:‬‬
‫فقد رزقه اهلل عىل الكرب يف السن مع عقم الزوجة أبناء صاحلني‪،‬‬
‫ورثوا علمه ودعوته‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ [إبراهيم‪.]39‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب التفسري‪ ،‬باب يزفون برقم(‪.)3184‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪58‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [هود‪.]٧٣–٧٢ :‬‬
‫‪ - 4‬حفظ الله ألسرته‪:‬‬
‫وذلك عندما ترك زوجته وابنه إسامعيل يف مكة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬ﭽﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ [إبراهيم‪.]37‬‬
‫حلكَّام أن يعتدي عىل زوجته سارة(((‪.‬‬
‫وكذلك عندما أراد أحد ا ُ‬
‫وكذلك عندما فدى اهلل له ابنه من القتل‪ ،‬ذلك عندما أمره اهلل‬
‫أن يذبح ابنه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭩ ﭪ ﭫ ﭼ[الصافات‪.]107‬‬
‫"فاهلل ال يريد أن يعذب النفوس وال يؤذهيا باالبتالء‪ ،‬إنام يريد أن‬
‫تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية‪ .‬مستسلمة ال تقدم بني يديه‪ ،‬وال تتأىل‬
‫عليه‪ ،‬فإذا عرف منها الصدق يف هذا أعفاها من التضحيات واآلالم‪.‬‬
‫واحتسبها هلا وفاء وأداء‪ .‬وقبل منها وفدّ اها‪ .‬وأكرمها كام أكرم أباها"‪.‬‬
‫‪ - 5‬رعاية الله له في صالح أوالده وأن تكون النبوة فيهم‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌ ﱸ [ص‪ ،]٤٨ – ٤٥ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬

‫((( القصة أخرجها كاملة البخاري كتاب البيوع‪ ،‬باب رشاء اململوك من احلريب‬
‫وهبته وعتقه (‪ )2104‬و(‪ ،)6550 ،4796 ،3179 ،2492‬ومسلم يف‬
‫كتاب الفضائل‪ ،‬باب من فضائل إبراهيم اخلليل عليه الصالة والسالم‬
‫(‪..)2371‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪59‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏﱠ[مريم ‪.]49‬‬
‫"وإنام اقتُرص عىل ذكر إسحاق ويعقوب دون ذكر إسامعيل‪،‬‬
‫ألن إبراهيم ملا اعتزل قومه خرج بزوجه سارة قريبته‪ ،‬فهي قد‬
‫اعتزلت قومها أيض ًا إرضاء لرهبا ولزوجها‪ ،‬فذكر اهلل املوهبة الشاملة‬
‫إلبراهيم ولزوجه‪ ،‬وهي أن وهب هلام إسحاق وبعده يعقوب؛ وألن‬
‫هذه املوهبة ملا كانت ِكفاء إلبراهيم عىل مفارقته أباه وقومه كانت‬
‫ِ‬
‫موهب َة من يعارش إبراهيم ويؤنسه ومها إسحاق ويعقوب"(((‪.‬‬
‫وقال تعاىل يف موضع آخر‪ ،‬يقول تعاىل منبها إىل هذه األمر من‬
‫الرعاية‪ :‬ﱡﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅﳆ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ‬
‫ﱏ ﱐﱠ [األنبياء‪.]٧٣ – ٧٢ :‬‬
‫"لقد ترك إبراهيم عليه الصالة والسالم وطنا وأهال وقوما‪ .‬فعوضه‬
‫اهلل األرض املباركة وطنا خريا من وطنه‪ .‬وعوضه ابنه إسحاق وحفيده‬
‫يعقوب أهال خريا من أهله‪ .‬وعوض من ذريته أمة عظيمة العدد قوما‬
‫خريا من قومه‪ .‬وجعل من نسله أئمة هيدون الناس بأمر اهلل"‪.‬‬
‫‪ - 6‬تربية إسماعيل بطريقة غير مباشرة عن طريق أمه‪:‬‬
‫تعلم إسامعيل عليه الصالة والسالم من أمه اإلجيابية واجلدية‬
‫وعدم اليأس يف طلب الرزق‪ ،‬وذلك عندما كانت أمه تسعى بني‬
‫الصفا واملروة تبحث عن ماء يف أرض ال يوجد هبا ماء‪ ،‬ولكنها مل‬

‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.124 /16‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪60‬‬
‫تيأس‪ ،‬ففجر اهلل تعاىل من حتته ماء زمزم حتى أصبح هذا درس‬
‫للبرشية كلها وليس إلسامعيل عليه الصالة والسالم فقط(((‪.‬‬
‫‪ - 7‬بشارته بولده إسحاق وحفيده يعقوب وصالحهم ونبوتهم‪:‬‬
‫كام برش اهلل تعاىل إبراهيم بإسامعيل‪ ،‬برشه كذلك بإسحاق وأنه‬
‫سيكون له ذرية من األنبياء‪ ،‬وهذا من أعظم البرشيات أن يعرف‬
‫الرجل انه سيكون له أبنا ًء وأحفاد ًا ولن ينقطع عقبه‪ ،‬وستكون الفرحة‬
‫أكثر عندما يعلم أن هؤالء األبناء صاحلني ومصلحني بل وأنبياء‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬
‫ﱿ ﱠ[الصافات‪ .]١١٣ – ١١٢ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱹﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﱸ [األنعام‪ .]٨٤ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﱡﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫ﳔﱠ [هود‪ ،]٧١ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲽ ﲾ ﲿ ﳀ‬
‫ﳁﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱠ [األنبياء‪ ،]٧٢ :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﱡﭐﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﭐ‬
‫ﲋ ﲌﱠ [العنكبوت‪.]٢٧ :‬‬
‫‪ - 8‬صالح زوجاته عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫من نعم اهلل تعاىل عىل إبراهيم ورعايته له أن أصلح له زوجتيه‬
‫هاجر وسارة ‪ ،‬فقد كانتا خري عون له عىل دعوته ومل تكونا حجر‬
‫عثرة يف طريق دعوته وتبليغ دين اهلل تعاىل‪ ،‬بل كانتا مثبتتني له عند‬
‫الشدائد تتحمالن عبء التكليف معه‪.‬‬

‫((( انظر حديث البخاري املتقدم‪.‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪61‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ويظهر هذا يف قول هاجر إلبراهيم قبل أن ينرصف‪ ،‬عندما‬


‫تركها يف مكة مع ولدها إسامعيل يف مكان ليس فيه ماء وال زرع‪،‬‬
‫قالت له‪" :‬آهلل أمرك هبذا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬إذن ال يضيعنا"(((‪.‬‬
‫نعم‪ .‬إن صالح الزوجة‪ ،‬من أكرب النعم التي ينعم اهلل هبا عىل‬
‫أي مسلم والداعية خصوصا‪.‬‬
‫وهذه األمور التي رعى اهلل تعاىل فيها إبراهيم عليه الصالة‬
‫والسالم؛ هي رعاية ألبنائه كذلك؛ فإسامعيل عندما يرى والده قد‬
‫مر بذلك التأهيل والرعاية من اهلل‪ ،‬فذلك تربية له أيضا‪ ،‬وما كان‬
‫من رعاية اهلل لوالده من الناحية األرسية فإن ذلك رعاية إلسامعيل‬
‫ذرية إبراهيم عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫وإسحاق ويعقوب ألهنم من َّ‬

‫((( أخرجه البخاري يف كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل‪{ :‬واختذ اهلل‬
‫إبراهيم خليال} (‪.)3364‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪62‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫رعاية الله لموسى وهارون عليهما الصالة والسالم وأمهما‬
‫موسى عليه الصالة السالم من األنبياء الذين نص اهلل عىل‬
‫رعايتهم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ[طه‪" .]39‬كيف يصف‬
‫لسان برشي‪ ،‬خلق ًا يصنع عىل عني اهلل؟ إهنا منزلة وإهنا كرامة أن‬
‫ينال إنسان حلظة من العناية‪ .‬فكيف بمن يصنع صنعا عىل عني‬
‫اهلل؟"‪.‬‬
‫ويمكن حماولة بيان رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم من‬
‫خالل املطالب التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫رعاية الله لموسى عليه الصالة والسالم من خالل أمه‬

‫ويتضح ذلك من خالل النقاط التالية‪:‬‬


‫‪ - 1‬رعاية الله لموسى عليه الصالة والسالم من خالل إرضاع أمه له‬
‫وعنايتها به‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ[القصص‪]7‬‬
‫"وإنام أمرها اهلل بإرضاعه لتقوى ُبنيته بلبان أمه فإنه أسعد بالطفل‬
‫يف أول عمره من لبان غريها‪ ،‬وليكون له من الرضاعة األخرية قبل‬
‫اليم قوت يشد بنيته فيام بني قذفه يف اليم وبني التقاط آل‬
‫إلقائه يف ّ‬
‫فرعون إياه وإيصاله إىل بيت فرعون"(((‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.73 /20‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪63‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 2‬إنجائه من القتل وهو صغير بالوحي إلى أمه أن تقذفه في اليم‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭼ[القصص‪ ،]7‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ[طه‪.]39 - 38‬‬
‫و"هذا واهلل التسليم للرشيعة! ألقته دون أن تسأل عن احلكمة‬
‫مع شدة غرابة األمر!" (((‪" .‬إشارة إىل الثقة باهلل‪ ،‬والثقة سواد عني‬
‫التوكل‪ ،‬ونقطة دائرة التفويض‪ ،‬وسويداء قلب التسليم"(((‪.‬‬
‫وهنا تظهر عناية اهلل تعاىل بأمه وتربيته هلا حتى وصلت إىل‬
‫هذا املقام‪ .‬نعم "إنه هنا‪ ..‬يف اليم‪ ..‬يف رعاية اليد التي ال أمن إال‬
‫يف جوارها‪ ،‬اليد التي ال خوف معها‪ .‬اليد التي ال تقرب املخاوف‬
‫من محاها‪ .‬اليد التي جتعل النار بردا وسالما‪ ،‬وجتعل البحر ملجأ‬
‫ومناما"‪.‬‬
‫‪ - 3‬رعاية الله تعالى لموسى بالتثبيت ألمه‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [طه‪ .]39 - 37‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ [القصص‪.]١٠ :‬‬
‫((( من تدبرات الشيخ ابن قاسم – جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.456/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪64‬‬
‫"فمن حسن تدبري اهلل تعاىل ورعايته ملوسى وأمه‪ ،‬أن موسى‬
‫ملا وقع يف يد عدوه‪ ،‬قلقت أمه قلقا شديدا‪ ،‬وأصبح فؤادها فارغا‪،‬‬
‫وكادت خترب به‪ ،‬لوال أن اهلل ثبتها وربط عىل قلبها‪ ،‬ففي هذه احلالة‪،‬‬
‫حرم اهلل عىل موسى املراضع‪ ،‬فال يقبل ثدي امرأة قط‪ ،‬ليكون‬
‫مآله إىل أمه فرتضعه‪ ،‬ويكون عندها‪ ،‬مطمئنة ساكنة‪ ،‬قريرة العني‪،‬‬
‫فجعلوا يعرضون عليه املراضع‪ ،‬فال يقبل ثديا"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬رعاية الله لموسى عليه الصالة والسالم برده إلى أمه‪:‬‬
‫أمرت أم موسى عليه الصالة والسالم أخته أن حتاول أن‬
‫تعرف أي معلومة عن أخيها‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [القصص‪ ،]11‬أي‪:‬‬
‫مارة ال قصد هلا فيه‪ ،‬وهذا من متام احلزم‬
‫"أبرصته عىل وجه كأهنا َّ‬
‫واحلذر؛ فإهنا لو أبرصته وجاءت إليهم قاصدة لظنوا هبا أهنا هي‬
‫التي ألقته‪ ،‬فربام عزموا عىل ذبحه عقوبة ألهله"(((‪ .‬وهذا كذلك‬
‫جانب من الرعاية حيث أهلم اهلل أم موسى وأخته احليطة واحلذر‬
‫والذكاء يف هذا املوقف‪.‬‬
‫وجاءت أخت موسى‪ :‬ﮋ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﮊ [القصص‪ .]13 - 12‬وهنا مل ترصح أخته‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.505‬‬


‫((( املصدر السابق ‪.613‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪65‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫بأهنا أخته أو أهنا تعرفه‪ ،‬بل أخربت أهنا تعرف أهل بيت قادرين‬
‫عىل التعامل مع مثل حالته‪ ،‬فقد حرم اهلل املراضع عىل موسى‬
‫"حتري ًام قدري ًا‪ ،‬وذلك لكرامته عند اهلل وصيانته له أن يرتضع غري‬
‫ثدي أمه"(((‪.‬‬
‫"فأقر اهلل عينها برجوعه إليها‪ .‬وانتفا َء حزهنا بتحقق سالمته‬
‫من اهلالك ومن الغرق وبوصوله إىل أحسن مأوى"(((‪.‬‬
‫"ما أعظمها من منحة إهلية ألمته املؤمنة إذ جعل من املحبة‬
‫اهلينة اللينة درع ًا تتكرس عليها الرضبات وتتحطم عليه األمواج‪.‬‬
‫وتعجز قوى الرش والطغيان كلها أن متس حاملها بسوء؛ ولو كان‬
‫ال رضيع ًا ال يصول وال جيول‪ ،‬إهنا مقابلة بني القوى اجلبارة‬
‫طف ً‬
‫الطاغية التي ترتبص بالطفل الصغري‪ ،‬واخلشونة القاسية فيام حييط‬
‫به من مالبسات وظروف‪ ،‬ورمحة مواله اللينة اللطيفة حترسه من‬
‫املخاوف‪ ،‬وتقيه من الشدائد وتلفه من اخلشونة‪ ،‬ممثلة يف املحبة ال‬
‫يف صيال أو نزال"‪.‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.368 /3‬‬


‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.219/16‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪66‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫رعاية الله لموسى عليه الصالة والسالم رعاية خاصة‬
‫يظهر هذا يف الترصيح يف القرآن برعاية اهلل ملوسى وذلك من‬
‫خالل ما يأيت‪:‬‬
‫‪ - 1‬تصريح الله بحبه لموسى‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ[طه‪" ]39‬أي‪ :‬واقعة‬
‫مني‪ ،‬زرعتها يف قلب من يراك‪ .‬ولذلك أحبك فرعون"(((‪" .‬ما‬
‫أعظمها من منحة إهلية ألمته املؤمنة إذ جعل من املحبة اهلينة اللينة‬
‫درع ًا تتكرس عليها الرضبات وتتحطم عليه األمواج‪ .‬وتعجز‬
‫قوى الرش والطغيان كلها أن متس حاملها بسوء؛ ولو كان طف ً‬
‫ال‬
‫رضيع ًا ال يصول وال جيول‪ ،‬إهنا مقابلة بني القوى اجلبارة الطاغية‬
‫التي ترتبص بالطفل الصغري‪ ،‬واخلشونة القاسية فيام حييط به‬
‫من مالبسات وظروف‪ ،‬ورمحة مواله اللينة اللطيفة حترسه من‬
‫املخاوف‪ ،‬وتقيه من الشدائد وتلفه من اخلشونة‪ ،‬ممثلة يف املحبة ال‬
‫يف صيال أو نزال"‪.‬‬
‫‪ - 2‬تصريح الله بأنه صنعه على عينه‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ[طه‪ ]39‬قال عبد الرمحن‬
‫بن زيد بن أسلم‪" :‬يعني أجعله يف بيت امللك ينعم ويرتف‪ ،‬غذاؤه‬
‫عندهم غذاء امللك‪ ،‬فتلك الصنعة"(((‪.‬‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.152 /7‬‬


‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.284/5‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪67‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫واملعنى‪" :‬ولترتبى عىل نظري ويف حفظي وكالءيت‪ ،‬وأي نظر‬


‫أجل وأكمل‪ ،‬من والية الرب الرحيم‪ ،‬القادر عىل إيصال‬ ‫وكفالة ّ‬
‫مصالح عبده‪ ،‬ودفع املضار عنه؟! فال ينتقل من حالة إىل حالة‪ ،‬إال‬
‫واهلل تعاىل هو الذي د ّبر ذلك ملصلحة موسى"(((‪.‬‬
‫"وذلك عند فرعون عدوك وعدوي ويف متناول يده بال‬
‫حارس وال مانع وال مدافع‪ .‬ولكن عينه ال متتد إليك بالرش ألين‬
‫ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ[طه‪ ]39‬ويده ال تنالك بالرض وأنت‬
‫تصنع عىل عيني‪ .‬ومل أحطك يف قرص فرعون بالرعاية واحلامية وأدع‬
‫أمك يف بيتها للقلق؛ بل مجعتك هبا ومجعتها بك"‪.‬‬
‫‪ - 3‬صناعة موسى خالصاً لله‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﲆ ﲇﱠ[طه‪" ]٤١ :‬أي‪ :‬أجريت‬
‫عليك صنائعي ونعمي‪ ،‬وحسن عوائدي‪ ،‬وتربيتي‪ ،‬لتكون لنفيس‬
‫حبيبا خمتصا‪ ،‬وتبلغ يف ذلك مبلغا ال يناله أحد من اخللق‪ ،‬إال النادر‬
‫منهم‪ ،‬وإذا كان احلبيب إذا أراد اصطناع حبيبه من املخلوقني‪،‬‬
‫وأراد أن يبلغ من الكامل املطلوب له ما يبلغ‪ ،‬يبذل غاية جهده‪،‬‬
‫ويسعى هناية ما يمكنه يف إيصاله لذلك‪ ،‬فام ظنك بصنائع الرب‬
‫القادر الكريم‪ ،‬وما حتسبه يفعل بمن أراده لنفسه‪ ،‬واصطفاه من‬
‫خلقه؟"(((‪.‬‬
‫"يقال‪ :‬اصطنع األمري فالنا لنفسه‪ ،‬أي جعله حملاّ إلكرامه‬
‫باختياره وتقريبه منه‪ ،‬بجعله من خواص نفسه وندمائه‪ ،‬فاستعري‬
‫استعارة متثيلية من ذلك املعنى املشبه به إىل املشبه‪ .‬وهو جعله نب ّيا‬
‫مكرما كليام منعام عليه بجالئل النعم"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.505‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.504‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.126 /7‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪68‬‬

‫‪ - 4‬اصطفاء الله لموسى بالرسالة والكالم‪:‬‬


‫رصح اهلل تعاىل ملوسى عليه الصالة والسالم أنه اصطفاه بالرسالة‬
‫وخصه بالكالم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱠ [األعراف‪" .]١٤٤ :‬أي‪ :‬اخرتتك‬
‫واجتبيتك وفضلتك وخصصتك بفضائل عظيمة‪ ،‬ومناقب جليلة‪،‬‬
‫ﱡﱇﱠ التي ال أجعلها‪ ،‬وال أخص هبا إال أفضل اخللق‪ ،‬ﱡﱈ‬
‫ﱠ إياك من غري واسطة‪ ،‬وهذه فضيلة اختص هبا موسى الكليم‪ ،‬وعرف‬
‫هبا من بني إخوانه من املرسلني"(((‪.‬‬
‫ومثله قوله تعاىل‪:‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱠ [طه‪:‬‬
‫‪ ،]١٣‬وقال تعاىل‪:‬ﱡﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱠ‬
‫ [النساء ‪،]164‬‬
‫وقال‪ :‬ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ [األعراف‪.]143‬‬
‫‪ - 5‬كان مقرباً من الله‪:‬‬
‫فقد وصف اهلل رسوله موسى عليه الصفات بصفة جليلة‪،‬‬
‫وهي القرب منه سبحانه‪ .‬فقال عز وجل‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱠ [مريم‪ .]٥٢ :‬أي‪" :‬وأدنيناه‬
‫مناجيا"(((‪ ،‬وقال املاوردي‪" :‬فيه ثالثة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬أنه قربه من‬
‫املوضع الذي رشفه وعظمه بسامع كالمه‪ .‬الثاين‪ :‬أنه قربه من أعىل‬
‫احلجب حتى سمع رصير القلم الذي كتب به التوراة‪ .‬الثالث‪ :‬أنه‬
‫قربه تقريب كرامة واصطفاء ال تقريب اجتذاب وإدناء"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.302‬‬


‫((( جامع البيان للطربي ‪.210/18‬‬
‫((( النكت والعيون للاموردي ‪.376/3‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪69‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 6‬كانت له الوجاهة عند الله تعالى‪:‬‬


‫ﱡﭐﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭐ‬
‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔﱠ‬
‫[األحزاب‪" .]٦٩ :‬أي له وجاهة ومكانة عند اهلل فيِ الد ْنيا‪ ،‬بام ِ‬
‫يوحيه‬ ‫َ‬
‫اللهَّ إِ َل ْي ِه ِم َن الرشيعة‪َ ،‬و ُينَزل عليه من الكتاب‪َ ،‬وغري ذلِك مما منحه‬
‫يم ْن َيأ َذن َله فِيه‪ ،‬فيقبل ِمنه‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِه‪َ ،‬وفيِ الدَّ ِار الآْ خ َرة َيشفع عند اللهَِّ ف َ‬
‫عز ِم‪َ ،‬ص َل َوات اللهَِّ ِ‬
‫عليه ْم"(((‪.‬‬ ‫بإخ َوانِه ِم ْن ُأوليِ ا ْل ْ‬
‫أس َوة ْ‬
‫ْ‬
‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية التربوية لموسى عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال بعض معامل رعاية اهلل تعاىل ملوسى والتي حتمل‬
‫بعد ًا تربويا يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬أمْرُ الله سبحانه وتعالى لموسى أن يأخذ ما يوحى إليه بقوة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬
‫ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭼ [األعراف‪.]145‬‬
‫(((‬
‫فقوله‪ :‬ﭽ ﭫ ﭬﭼ "أي بعزم عىل العمل بام فيها"‬
‫و"بجد واجتهاد عىل إقامتها"(((‪.‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري‪.43/2‬‬


‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.182 /5‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.302‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪70‬‬
‫فمن رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم أن حثه وأمره‬
‫ووجهه بأن يأخذ الكتاب والعلم الذي فيه بقوة‪ ،‬وال يتوانى أو‬
‫يكسل عن حفظه وفهمه وتبليغه‪ ،‬وتنبيه ًا ملوسى عليه الصالة‬
‫ال ولكنه ميلء بالصعوبات فيجب‬ ‫والسالم أن األمر ليس سه ً‬
‫التمسك بمنهج اهلل وبالعلم الذي يوحى إليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬تربيته على طلب العلم‪:‬‬
‫فعن أيب بن كعب ‪ ‬قال‪(( :‬بينام موسى يف مأل من بني إرسائيل‬
‫رجل فقال هل تعلم أحد ًا أعلم منك؟ قال موسى‪ :‬ال‪ ،‬فأوحى‬ ‫إذ جاءه ٌ‬
‫اهلل عز وجل إىل موسى‪ :‬بىل عبدنا خَ رِض‪ ،‬فسأل السبيل إىل لقيه‪.((())...‬‬
‫فقد آتى اهلل موسى عليه الصالة والسالم علام ونبوة ورسالة‪،‬‬
‫ولكنه برغم ذلك كان حيب أن يتعلم ما ال يعلم‪ .‬فلام أخربه اهلل أن‬
‫هناك من هو أعلم منه‪ ،‬رحل إليه طالبا للعلم الذي عنده‪ .‬بكل‬
‫تواضع‪ .‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬
‫ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬
‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﱠ‬
‫[الكهف ‪ .]69 - 65‬فانظر كيف صار تابع ًا هلذا العبد الصالح كي‬
‫يتعلم منه العلم النافع‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف كتاب العلم‪ ،‬باب ما ذكر يف ذهاب موسى عليه الصالة‬
‫والسالم يف البحر إىل اخلرض(‪ )74‬وباب اخلروج يف طلب العلم (‪ ،)78‬ومسلم‬
‫يف كتاب الفضائل‪ ،‬باب من فضائل اخلرض عليه الصالة والسالم (‪.)2380‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪71‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 3‬تربية الله تعالى لموسى على الشكر‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ[األعراف ‪.]114‬‬
‫"فأما أمر اهلل تعاىل ملوسى بأخذ ما آتاه‪ ،‬والشكر عىل االصطفاء والعطاء‪،‬‬
‫فهو أمر التعليم والتوجيه ملا ينبغي أن تقابل به نعمة اهلل‪ .‬والرسل‬
‫صلوات اهلل وسالمه عليهم قدوة للناس وللناس فيهم أسوة وعىل‬
‫الناس أن يأخذوا ما آتاهم اهلل بالقبول والشكر استزادة من النعمة‬
‫وإصالح ًا للقلب وحترز ًا من البطر واتصاالً باهلل"‪.‬‬
‫‪ - 4‬تربيته على الحياء‪:‬‬
‫فقد ربى اهلل تعاىل موسى عىل خلق احلياء‪ ،‬فكان موسى عليه‬
‫الصالة والسالم حييا ستريا‪ ،‬ف َع ْن َأبيِ هريرة ريض اللهّ َعنْ ُه قال‪ :‬قال‬
‫موسى كَان َرجال َحيِ ّيا ِستريا‬
‫وسلم‪(( :‬إِن َ‬ ‫َ‬ ‫رسول اللهَِّ َصىل اللهَّ َع َل ْي ِه‬
‫ش ٌء ْاستِ ْح َياء ِمنْ ُه)) ‪.‬‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫لاَ ُي َرى م ْن ج ْلده يَ ْ‬
‫(((‬

‫‪ - 5‬تربيته على الصبر‪:‬‬


‫أذى شديد ًا من فرعون‬ ‫أوذي موسى عليه الصالة والسالم ً‬
‫وقومه فصرب عىل ذلك‪ ،‬كام أخربنا نبينا ﷺ‪َ .‬ع ْن‪َ  ‬ع ْب ِد اللهَِّ‪ ‬بن‬
‫مسعود َريض اللهَُّ َعنْ ُه‪َ ،‬ق َال‪ :‬ملا كان يوم حنني‪ ،‬آثر النبي ﷺ أناسا‬
‫يف القسمة‪ ،‬فأعطى األقرع بن حابس مائة من اإلبل‪ ،‬وأعطى عيينة‬

‫((( أخرجه البخاري يف كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب حديث اخلرض مع موسى‬
‫عليهام السالم (‪.)3223‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪72‬‬
‫مثل ذلك‪ ،‬وأعطى أناسا من أرشاف العرب فآثرهم يومئذ يف‬
‫القسمة‪ ،‬قال رجل‪ :‬واهلل إن هذه القسمة ما عدل فيها‪ ،‬وما أريد هبا‬
‫وجه اهلل‪ ،‬فقلت‪ :‬واهلل ألخربن النبي ﷺ‪ ،‬فأتيته‪ ،‬فأخربته‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((فمن يعدل إذا مل يعدل اهلل ورسوله‪ ،‬رحم اهلل موسى قد أوذي‬
‫(((‬
‫بأكثر من هذا فصرب)) ‪.‬‬
‫وكذلك صرب عىل بني إرسائيل وعىل عنادهم وتعنتهم‬
‫واعرتاضهم ومعصيتهم كام حكى القرآن الكريم من قصصهم‬
‫اليشء الكثري‪.‬‬
‫‪ - 6‬تربيته على التواضع لله تعالى‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرتبية يف موقفني‪:‬‬
‫األول‪ :‬عندما تم العقد بينه وبني الرجل الصالح يف مدين قال‬
‫له‪ :‬ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ[القصص‪،]27‬‬
‫"قصد بذلك تعريف خلقه لصاحبه‪ ،‬وليس هذا من تزكية النفس‬
‫املنهي عنه‪ ،‬ألن املنهي عنه ما قصد به قائله الفخر والتمدح‪ ،‬فأما‬
‫(((‬
‫ما كان لغرض يف الدين أو املعاملة فذلك حاصل لداع حسن" ‪.‬‬
‫وهذا "أدب مجيل يف التحدث عن النفس ويف جانب اهلل‪ .‬فهو‬
‫ال يزكي نفسه‪ ،‬وال جيزم بأنه من الصاحلني‪ .‬ولكن يرجو أن يكون‬
‫كذلك‪ ،‬ويكل األمر يف هذا ملشيئة اهلل"‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬عندما أراد طلب العلم عند اخلرض‪ ،‬وبني له اخلرض أنه‬
‫لن يستطيع الصرب مع بقوله‪ :‬ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ‬
‫[الكهف‪.]67‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب فرض اخلمس‪ ،‬باب ما كان يعطي النبي ﷺ‬
‫املؤلفة قلوهبم وغريهم (‪.)2933‬‬
‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.109/20‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪73‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫هنا قال موسى‪ :‬ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬


‫ﮱ ﯓ ﭼ[الكهف‪ ،]69‬فـ"قوى تأكيده بالتربك بذكر اهلل تعاىل لعلمه‬
‫(((‬
‫بصعوبة األمر ليعلم أنه منهاج األنبياء وسبيل الرسل" ‪" ،‬يعزم موسى‬
‫عىل الصرب والطاعة‪ ،‬ويستعني اهلل‪ ،‬ويقدم مشيئته"‪.‬‬
‫‪ - 7‬تربيته على أدب التواضع ألهل الفضل‪:‬‬
‫وهذا ظاهر يف تواضعه للخرض واحلديث معه بأدب طالب العلم‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍ‬
‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢﱠ [الكهف‪.]٦٩ – ٦٥ :‬‬
‫"قال القايض‪ :‬وقد راعي يف ذلك غاية التواضع واألدب‪.‬‬
‫فاستجهل نفسه‪ ،‬واستأذن أن يكون تابعا له‪ ،‬وسأل منه أن يرشده‬
‫وينعم عليه‪ ،‬بتعليم بعض ما أنعم اهلل عليه‪ .‬أي وهكذا ينبغي أن‬
‫يكون سؤال املتعلم من العامل"(((‪.‬‬
‫يقول الشيخ السعدي‪" :‬التأدب مع املعلم‪ ،‬وخطابه بألطف‬
‫خطاب‪ ،‬وإقراره بأنه يتعلم منه‪ ،‬بخالف ما عليه أهل اجلفاء أو‬
‫الكرب‪ ،‬الذي ال يظهر للمعلم افتقاره إىل علمه‪ ،‬بل يدعي أنه يتعاون‬
‫هو وإياه‪ ،‬بل ربام ظن أنه يعلم معلمه‪ ،‬وهو جاهل جدً ا‪ ،‬فالذل‬
‫للمعلم‪ ،‬وإظهار احلاجة إىل تعليمه‪ ،‬من أنفع يشء للمتعلم"(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.492/4‬‬


‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.48/7‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.482‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪74‬‬

‫‪ - 8‬تربيته على إظهار االفتقار إلى الله‪:‬‬


‫ويظهر هذا يف قصته عندما دخل مدين‪ ،‬فعيل رغم ما أعطاه‬
‫اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم من قوة البدن‪ ،‬إال أنه كان مفتقر ًا‬
‫هلل‪ .‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ‬
‫ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ [القصص ‪ .]24‬فمن أدب‬
‫األنبياء عليهم الصالة والسالم أهنم يتوجهون إىل اهلل أوال بفقرهم‬
‫وذلتهم له وال يطلبون حاجتهم من اهلل تعاىل مبارشة حتى يف وقت‬
‫احلاجة الشديدة‪ .‬ويف هذا "إشارة إىل سبب من أسباب إجابة‬
‫الدعاء‪ ،‬وهو إعالن االفتقار إىل اهلل‪ ،‬وإظهار املسكنة إليه"(((‪.‬‬
‫وكذلك عندما رفض بنو ارسائيل دخول األرض املقدسة‪ ،‬حيق‬
‫قال موسى‪ :‬ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ[املائدة ‪" .]25‬دعوة فيها األمل‪ .‬وفيها‬
‫االلتجاء‪ .‬وفيها االستسالم‪ .‬وفيها ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬املفاصلة واحلسم‬
‫والتصميم! وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه ال يملك إال نفسه وأخاه‪..‬‬
‫ولكن موسى يف ضعف اإلنسان املخذول‪ .‬ويف إيامن النبي الكليم‪.‬‬
‫ويف عزم املؤمن املستقيم‪ ،‬ال جيد متوجه ًا إال هلل‪ .‬يشكو له بثه ونجواه‪،‬‬
‫ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبني القوم الفاسقني"‪.‬‬
‫‪ - 9‬تربيته على الدعاء وكثرة الذكر‪:‬‬
‫فقد وجه اهلل تعاىل موسى وهارون عليهام السالم بكثرة ذكره‬
‫ودعائه‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ‬
‫[طه‪" ،]42‬يقول‪ :‬وال تضعفا يف أن تذكراين فيام أمرتكام وهنيتكام‪ ،‬فإن‬
‫((( من تدبرات د‪ .‬حممد الربيعة – جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪75‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ذكركام إياي يقوي عزائمكام‪ ،‬ويثبت أقدامكام‪ ،‬ألنكام إذا ذكرمتاين‪،‬‬


‫ذكرمتا مني عليكام نعام مجة‪ ،‬ومننا ال حتىص كثرة"(((‪" .‬وال تنيا يف ذكري‬
‫فهو عدتكام وسالحكام وسندكام الذي تأويان منه إىل ركن شديد"‪.‬‬
‫ومن التطبيق العميل من موسى عليه الصالة والسالم هلذه‬
‫الرتبية يف عدد من املواقف منها‪:‬‬
‫عندما خرج من مرص خائفا من بطش فرعون وتوجه إىل مدين‪،‬‬
‫دعا اهلل كام قال تعاىل‪:‬ﱡﳗ ﳘ ﳙ ﳚﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ‬
‫ﳠ ﳡﳢ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬
‫ﱉ ﱊ ﱋﱠ[القصص ‪ .]22 - 21‬ثم ملا سقى للمرأتني‬
‫توجه لربه يدعوه بقوله‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ[القصص ‪.]24‬‬
‫وعندما أمره اهلل أن يذهب لفرعون لدعوته واستنقاذ بني‬
‫إرسائيل‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ[طه‪.]35 - ٢٥ :‬‬
‫وعندما اهتز اجلبل به وببني إرسائيل الذين اختارهم‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪.321/18‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪76‬‬

‫ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ [األعراف‪.]١٥٥ :‬‬
‫عن حممد بن إسحاق قال‪" :‬ملا رجع موسى إىل قومه‪ ،‬ورأى‬
‫اخلي‬
‫ما هم فيه من عبادة العجل اختار موسى منهم سبعني رجال رِّ‬
‫فاخلي‪ ،‬وقال‪ :‬انطلقوا إىل اهلل عز وجل‪ ،‬فتوبوا إليه مما صنعتم‪.((("..‬‬
‫رِّ‬
‫وما حصل بينه وبني أخيه هارون دعا له وألخيه بقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱬ ﱭ‬
‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ‬
‫[األعراف‪.]١٥١ :‬‬
‫وعندما رفض بنو إرسائيل دخول األرض املقدسة‪ :‬ﭽﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱﭼ[املائدة ‪.]25‬‬
‫‪ - 10‬تربيته على الثقة بالله وحسن التوكل عليه‪:‬‬
‫فقد أمر اهلل تعاىل موسى وهارون عليهام السالم أمر ًا مبارشا‬
‫بحسن الظن وعدم اليأس‪ ،‬بقوله‪ :‬ﭽﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ[طه‪ ]44‬أي‪" :‬اذهبا إليه غري يائسني من هدايته‪،‬‬
‫راجيني أن يتذكر وخيشى‪ .‬فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد‬
‫بدعوته ال يبلغها بحرارة‪ ،‬وال يثبت عليها يف وجه اجلحود‬
‫واإلنكار‪ ،‬وإن اهلل ليعلم ما يكون من فرعون‪ .‬ولكن األخذ‬
‫باألسباب يف الدعوات وغريها ال بد منه‪ .‬واهلل حياسب الناس عىل‬
‫ما يقع منهم بعد أن يقع يف عاملهم‪ .‬وهو عامل بأنه سيكون"‪.‬‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪ ،)957( 87 - 86/2‬وتاريخ األمم وامللوك للطربي‬


‫‪.221 - 220/1‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪77‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫فقوله‪« :‬ﭽﮬﭼ قال القايض‪" :‬أي بارشا األمر عىل رجائكام‬


‫وطمعكام أنه يثمر وال خييب سعيكام‪ .‬فإن الراجي‪ ،‬جمتهد واآليس‬
‫متكلف"(((‪.‬‬
‫وتظهر ثمرة هذه الرتبية يف موقفه‪ :‬عندما اشتكى له قومه بقوله‪:‬‬
‫ﭽﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ فرد عليهم‬
‫بقوله‪ :‬ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﭼ [املائدة ‪.]129‬‬
‫وعندما حارصهم فرعون من خلفهم وكان البحر من أمامهم‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪:‬ﱡﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫ﱊ ﱋﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱠ [الشعراء ‪.]62 - 61‬‬
‫وعندما طلب من قومه دخول األرض املقدسة‪ ،‬ورفضوا قال‬
‫هلم‪ :‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﭼ [األعراف‪.]128‬‬

‫‪ - 11‬االعتراف بالخطأ والرجوع للحق‪:‬‬


‫ظهر أثر هذه الرتبية يف ندمه عىل قتل القبطي‪ ،‬وطلب من اهلل‬
‫املغفرة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.127/7‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪78‬‬

‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [القصص‪.]١٧ – ١٥ :‬‬
‫كام جتلت الرتبية باالعرتاف باخلطأ والرجوع للحق عندما أظهر‬
‫له هارون عليه الصالة والسالم حجته يف تركه لبني إرسائيل لكي‬
‫ال يتفرقوا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﱸ [األعراف‪.]١٥١ – ١٥٠ :‬‬
‫وجاء يف آية أخرى إنه طلب من ربه عز وجل ربه أن يراه‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡﭐ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ‬
‫ﲦ ﲧ ﲨﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬
‫ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊ ﱠ [األعراف‪.]١٤٣ :‬‬
‫وختاما يظهر موقف هذه الرتبية من خالل موقفه مع اخلرض‪،‬‬
‫عندما أكثر عىل اخلرض يف اإلنكار عىل ما يفعل مع أنه أخذ العهد عىل‬
‫نفسه بعدم السؤال‪ ،‬ففي االستنكار األول قال اهلل تعاىل‪:‬ﱡﭐ ﳁ ﳂ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬
‫ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔﱠ [الكهف‪،]٧٣ – ٧٢ :‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪79‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﱡﭐﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫ويف االستنكار األول قال اهلل تعاىل‪ :‬ﭐ‬
‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬
‫ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙﱚﱠ[الكهف‪.]٧٦ – ٧٥ :‬‬
‫‪ - 12‬تربيته على نخوة الرجولة والفطرة السليمة تجاه النساء والضعفاء‪:‬‬
‫ويتضح ذلك يف عدد من النامذج القرآنية ومنها‪:‬‬
‫نرصته للذي من شيعته ملا ظلمه القبطي‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﭝﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﱸ [القصص‪.]١٥ :‬‬
‫وسقياه للفتاتني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭼ [القصص‪ .]24 - 23‬وهذا‬
‫"يشهد بنبل هذه النفس التي صنعت عىل عني اهلل‪ .‬كام ييش بقوته‬
‫التي ترهب حتى وهو يف إعياء السفر الطويل‪ .‬ولعلها قوة نفسه‬
‫التي أوقعت يف قلوب الرعاة رهبته أكثر من قوة جسمه‪ .‬فإنام يتأثر‬
‫الناس أكثر بقوة األرواح والقلوب"‪.‬‬
‫وذهابه لفرعون الستنقاذ بني ارسائيل املظلومني من فرعون‪،‬‬
‫وملئه‪ ،‬فقد أمر اهلل تعاىل موسى وهارون بذلك يف قوله‪ :‬ﱡﭐﲵ ﲶ‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﱠ [طه‪.]٤٧ :‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪80‬‬

‫ونفذ عليه الصالة والسالم ما أمره اهلل به‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣﭼ [األعراف‪ ،]١٠٥ – ١٠٤ :‬فقد َ‬
‫قال ُموسى لفرعون‬
‫يف أدب واعتزاز إين رسول من رب العاملني‪ ،‬فأطلق بني إرسائيل‬
‫من أرسك وأعتقهم من رقك وقهرك‪ ،‬ودعهم ليؤمنوا معي برهبم‬
‫وخيرجوا أحرارا من حتت قهرك ليذهبوا معي إىل دار سوى دارك‪.‬‬
‫وإنكاره عىل اخلرض خرق السفينة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﭼ [الكهف‪" ]71‬يدل عىل أن موسى عليه الصالة والسالم‬
‫إنام محله عىل املبادرة باإلنكار‪ ،‬االلتهاب واحلمية للحق فقد قال حني‬
‫خرق السفينة َأ َخ َر ْقتَها لِ ُت ْغ ِر َق َأ ْه َلها‪ ،‬ومل يقل «لتغرقنا» فنيس نفسه‬
‫واشتغل بغريه‪ ،‬يف احلالة التي كل أحد فيها يقول «نفيس نفيس» ال‬
‫يلوي عىل مال وال ولد‪ .‬وتلك حالة الغرق‪ .‬فسبحان من َج َبل أنبياءه‬
‫وأصفياءه عىل نصح اخللق والشفقة عليهم والرأفة هبم"(((‪.‬‬
‫وكذلك إنكاره عىل اخلرض قتل الغالم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﰆ‬
‫ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ‬
‫ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ [الكهف‪.]74‬‬
‫‪ - 13‬التربية على الشجاعة وعدم الخوف‪:‬‬
‫حيث قال اهلل له يف أول أمر التكليف بالنبوة والرسالة‪ :‬ﭽ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ [النمل‪.]10‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.54/7‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪81‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫أي‪" :‬حلفظي هلم وعنايتي هبم وعصمتي إياهم مما يؤذهيم‪ ،‬إذ‬
‫ال يتمكن من أداء الرسالة‪ ،‬ما مل يزل خوفه من املرسل إليه"(((‪.‬‬
‫"هذه سبيل العلامء باهلل عز وجل أن يكونوا خائفني من‬
‫معاصيهم وجلني‪ ،‬وهم أيضا ال يأمنون أن يكون قد بقي من‬
‫أرشاط التوبة يشء مل يأتوا به‪ ،‬فهم خيافون من املطالبة به"(((‪.‬‬
‫وعندما أمره بالذهاب لفرعون قال موسى لربه ﭽ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﭼ فقال هلام اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﯞ ﯟﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤﭼ[طه‪" ،]46‬إذا كان احلافظ سميعا‬
‫بالعدو"(((‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫تم احلفظ والتأييد‪ ،‬وذهبت املباالة‬
‫بصريا‪َّ ،‬‬
‫وعند مناظرة السحرة وقذف عصيهم وسحرهم ألعني الناس‪،‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭼ [طه‪ ،]67‬فأمره‬
‫اهلل بأن ال خيف ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭼ[طه‪.]68‬‬
‫‪ - 14‬تربيته على القوة واألمانة‪:‬‬
‫اعتنى اهلل تعاىل بنبيه موسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ورزقه قوة‬
‫يف اجلسم واألمانة لكي يقوى عىل حتمل املشقة واملسؤولية التي‬
‫ستلقى عليه‪.‬‬
‫وظهرت ثمرة هذه الرتبية والرعاية يف قول ابنة الرجل‬
‫الصالح‪ :‬ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ[القصص‪]26‬‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.487/7‬‬


‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.330 /16‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.127 /7‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪82‬‬
‫أي‪" :‬وإنام قالت ذلك ألهنا شاهدت من قوة موسى عند‬
‫السقي هلام ونشاطه ما عرفت به قوته‪ ،‬وشاهدت من أمانته‬
‫وديانته‪ ،‬وأنه رمحهام يف حالة ال يرجى نفعهام‪ ،‬وإنام قصده بذلك‬
‫وجه اهلل تعاىل‪ ،‬وهذان الوصفان ينبغي اعتبارمها يف كل من يتوىل‬
‫لإلنسان عمالً‪ ،‬بإجارة أو غريها؛ فإن اخللل ال يكون إال بفقدمها‬
‫أو فقد إحدامها‪ ،‬وأما اجتامعهام فإن العمل يتم ويكمل"(((‪.‬‬
‫ويتضح أن هذا القول يدل عىل أنه "كالم حكيم جامع ال يزاد‬
‫عليه‪ .‬ألنه إذا اجتمعت هاتان اخلصلتان‪ ،‬أعني الكفاية واألمانة يف‬
‫القائم بأمرك‪ ،‬فقد فرغ بالك وتم مرادك"(((‪.‬‬
‫‪ - 15‬تربيته سبحانه وتعليمه لموسى عليه الصالة والسالم بالمواقف‪:‬‬
‫تعد الرتبية العملية باملواقف من أنجح طرق الرتبية‪ ،‬ولذا‬
‫حظي موسى عليه الصالة والسالم بمجموعة من املواقف التي‬
‫رباه فيها ربه عىل بعض املفاهيم والسلوكيات املنهجية والعملية‪.‬‬
‫ومن ذلك تربيته باملوقف عندما طلب من اهلل أن يراه‪ ،‬فبني له ربه‬
‫بالتجربة أنه ال قدرة له عىل ذلك يف الدنيا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﭼ [األعراف‪.]١٤٣–١٤٢ :‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.614‬‬


‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.519 /7‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪83‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫قال له اهلل‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞﭼ أي‪" :‬يف الدنيا‪ ،‬ثم رضب اهلل له مثاالً‬
‫مما هو أقوى من بنيته وأثبت ‪ -‬وهو اجلبل ‪ -‬فإن ثبت اجلبل وسكن‬
‫فسوف تراين وإن مل يسكن فإنك ال تطيق رؤيتي كام أن اجلبل ال‬
‫يطيق رؤيتي»(((‪ ،‬ثم قال‪ :‬ﭽ ﯩ ﯪ ﯫﭼ أي ظهر ﭽ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮﭼ بالقرص واملد –أي‪ :‬مدكوكا مستويا يف األرض‬
‫ﭽ ﯯ ﯰ ﯱﭼ مغشيا عليه هلول ما رأى ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﭼ تنزهيا لك ﭽ ﯷ ﯸ ﭼ من سؤايل ما مل أؤمر‬
‫به ﭽ ﯹ ﯺ ﯻﭼ يف زماين"(((‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬تربيته باملوقف يف رحلته للخرض لطلب العلم‪ ،‬فقد‬
‫نبه اهلل تعاىل موسى عليه الصالة والسالم إىل أنه ليس أعلم الناس‪،‬‬
‫فأمره بالرحلة للقيا اخلرض ليتعلم منه أمور ًا مل يكن يعلمها موسى‬
‫عليه الصالة والسالم(((‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﭼ إىل أن‬
‫قال‪ :‬ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﭼ [الكهف‪.]٦٦ – 60 :‬‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.246/7‬‬


‫((( تفسري اجلاللني للسيوطي ‪ 213‬بترصف‪.‬‬
‫((( سيأيت بيان قصة موسى عليه الصالة والسالم واخلرض وفوائدها بالتفصيل‬
‫يف الفصل الثاين – املبحث األول‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪84‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫الرعاية النفسية لموسى عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال الرعاية النفسية ملوسى عليه الصالة والسالم يف‬
‫أمرين‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إزالة ما في صدر موسى عليه الصالة والسالم من الخوف‪:‬‬
‫وذلك يف عدة مواقف منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬عندما قتل القبطي خطأ‪:‬‬
‫ملا قتل موسى عليه الصالة والسالم القبطي ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [القصص‪.] ١٧ - ١٥ :‬‬
‫]‬

‫فندم عىل ذلك الوكز الذي كان فيه ذهاب النفس‪ ،‬فحمله‬
‫ندمه عىل اخلضوع لربه واالستغفار من ذنبه حتى غفر اهلل له إلزالة‬
‫ما يف قلبه من اخلوف والرهبة من اهلل أوال‪.‬‬
‫وكان هذا اختبار من اهلل تعاىل ملوسى عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫فعندما وقع يف املشكلة "دعا اهلل وسأله املغفرة‪ ،‬فغفر له‪ ،‬ثم فر‬
‫هاربا ملا سمع أن املأل طلبوه‪ ،‬يريدون قتله‪ .‬فنجاه اهلل من الغم من‬
‫عقوبة الذنب‪ ،‬ومن القتل‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮈ ﮉﮊ [طه‪]٤٠:‬‬
‫أي‪ :‬اختربناك‪ ،‬وبلوناك‪ ،‬فوجدناك مستقيام يف أحوالك أو نقلناك‬
‫يف أحوالك‪ ،‬وأطوارك‪ ،‬حتى وصلت إىل ما وصلت إليه"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.505‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪85‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫واستجاب اهلل تعاىل دعوته بأن سخر له ناصح ًا ينصحه‬


‫باخلروج من هذا املكان لكي ال يلحقه أذى قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯵ‬
‫ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﭼ [القصص‪.]٢٠ :‬‬
‫‪ - 2‬عند الطور‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل ملوسى عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ [طه‪.]23 - 17 :‬‬
‫فموسى عليه الصالة والسالم كان فيه من اخلوف ما اهلل به‬
‫عليم فطمأنه اهلل وهدأ من روعه‪ ،‬فدار هذا النقاش‪ ،‬ومن فوائده‬
‫أن ينسى موسى هول املوقف‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫‪ - 3‬عند إرساله إىل فرعون‪:‬‬
‫عندما كلف اهلل موسى عليه الصالة والسالم بدعوة فرعون‬
‫بقوله‪ :‬ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [طه‪ ،]24‬أوجس‬
‫يف نفسه خيفة من فرعون‪ ،‬وظهر هذا اخلوف كذلك يف دعائه‪:‬‬
‫ﭽﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄﭼ[طه‪.]35 - 25‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪86‬‬

‫وظهر هذا يف قوله‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬


‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ[القصص‪.]34 - 33‬‬
‫وهنا أراد اهلل أن يطمئنه فقال له‪ :‬ﭽ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﭼ [طه‪ ،]36‬وفصل ذلك بقوله‪ :‬ﭽ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﭼ [القصص‪.]35‬‬
‫ثم عدد اهلل عليه بعض النعم التي أنعم هبا عليه منذ والدته‬
‫حتى نجاته من فرعون عندما قتل منهم نفسا ثم اصطفائه للنبوة‪،‬‬
‫فقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﭼ[القصص‪.]42 - 37‬‬
‫وبعد هذا التطمني أعاد اهلل عليه األمر ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [طه‪ ]24‬وهنا قال موسى وأخيه هارون‪ :‬ﭽﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ[طه‪ ]٤٥ :‬فقال له اهلل‬
‫تعاىل يطمئنهام أشد تطمني‪ :‬ﭽﯝﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥﭼ[طه‪ .]٤٦ :‬وقال‪ :‬ﭽ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ[الشعراء ‪.]15‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪87‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 4‬عند مناظرة السحرة‪:‬‬


‫وعند مناظرة السحرة وقذف عصيهم وسحرهم ألعني‬
‫الناس‪ ،‬خاف موسى فقال اهلل ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭼ‬
‫[طه‪" ]68‬فمعك احلق ومعهم الباطل‪ .‬معك العقيدة ومعهم‬
‫احلرفة‪ .‬معك اإليامن بصدق ما أنت عليه‪ ،‬ومعهم األجر عىل‬
‫املباراة ومغانم احلياة‪ .‬أنت متصل بالقوة الكربى‪ ،‬وهم خيدمون‬
‫خملوقا برشيا فانيا مهام يكن طاغية جبارا"‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬رعايته النفسية بتوفير أسباب الحياة الطيبة من زوجة ومعاش‬
‫ومكان آمن‪:‬‬
‫الزوجة هي سكن لزوجها قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖ ﭼ [الروم‪.]21‬‬
‫واألمن يف الطعام واألمن يف السكن مطلب مهم‪ ،‬ولذا امتن اهلل‬
‫عىل قريش هبذا يف قوله‪ :‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ [قريش‪.]4 - 3‬‬
‫ولذا دعا موسى عليه الصالة والسالم ربه عندما وصل إىل‬
‫مدين مطارد ًا وسقى للجاريتني بقوله‪ :‬ﭽﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ [القصص‪ .]٢٤ :‬قال ابن عباس‪" :‬كان قد بلغ به‬
‫اجلوع ما بلغ‪ ،‬وإنه ألكرم اخللق يومئذ عىل اهلل"(((‪ ،‬علق ابن عطية‬
‫قائلاً ‪" :‬ويف هذا معترب‪ ،‬وحاكم هبوان الدنيا عىل اهلل تعاىل!"(((‪.‬‬
‫((( ذكره ابن عطية يف املحرر الوجيز ‪ ،189/5‬والقرطبي يف اجلامع ألحكام‬
‫القرآن ‪ ،270 /13‬والثعالبي يف اجلواهر احلسان ‪ ،268/4‬ومل أقف عليه‬
‫يف كتب السنة‪.‬‬
‫((( املحرر الوجيز البن عطية ‪.189/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪88‬‬
‫ال صاحل ًا أكرمه‪ ،‬فاطمأن‬
‫فاستجاب اهلل دعاء نبيه وهيأ اهلل له رج ً‬
‫له موسى وقص عليه قصته‪ ،‬فطمأنه الرجل وبرشه بأن اهلل تعاىل نجاه‬
‫من القوم الظاملني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮊ [القصص ‪ .]25‬فقبل أن‬
‫يتحدث معه عن األجر أو العمل أو الزواج بني له أنه آمن وقد نجا‬
‫من الظاملني‪ ،‬ألنه "ملا كان من املعلوم أنه ال عيشة خلائف‪ ،‬فكان أهم ما‬
‫حيتاج إليه اإلنسان األمان‪ ،‬فقدم له التأمني"(((‪.‬‬
‫ثم استجاب اهلل دعاء نبيه؛ ورزقه الزوجة الصاحلة‪،‬‬
‫والعمل الذي يتكسب منه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ‬
‫ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬
‫ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈﭼ[القصص‪ .]٢٨ – ٢٦ :‬و"العبد إذا فعل العمل هلل‬
‫تعاىل‪ ،‬ثم حصل له مكافأة عليه من غري قصد بالقصد األول‪ ،‬أنه‬
‫ال يالم عىل ذلك‪ ،‬كام قبل موسى جمازاة صاحب مدين عن معروفه‬
‫الذي مل يبتغ له‪ ،‬ومل يسترشف بقلبه عىل عوض"(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.478/5‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.619‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪89‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الخامس‬
‫الرعاية الدعوية لموسى وهارون عليهما الصالة والسالم‬
‫ويظهر ذلك يف مواقف‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوال‪:‬رعاية الله لموسى عليه الصالة والسالم بإرسال أخيه هارون‬
‫معينا له في الدعوة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ [مريم ‪ .]53‬وقال‬
‫تعاىل‪ :‬ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﮊ [القصص‪.]35 - 34‬‬
‫"فموسى عليه الصالة والسالم طلب من ربه أن يساعده بأخيه‬
‫هارون ألنه كام قال تعاىل يف بيان سبب ذلك الطلب‪ :‬ﮋ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮﮊ ومعنى ردء ًا أي‪ :‬وزير ًا ومعين ًا ِّ‬
‫ومقوي ًا ألمري يصدقني‬
‫فيام أقوله‪ ،‬ويبني عني ما أكلمهم به فإنه أفصح مني لسان ًا‪ ،‬ويفهم عني‬
‫ماال يفهمون‪ ،‬فالداعي املسلم ال يرتدد أبد ًا يف االستعانة بكفاءة غريه‬
‫من املسلمني وقدرته يف جمال الدعوة‪ ،‬وسيكون مرسور ًا جد ًا إذا ما‬
‫وجد مسل ًام ذا قدرة وكفاءة وأمانة يف أمور الدعوة مع رغبته يف اإلسهام‬
‫يف هذا املجال‪ ،‬وإذا ما أحس الداعي بضيق يف صدره من عمل املسلم‬
‫الكفء يف الدعوة إىل اهلل‪ ،‬فإن إخالصه ال بد أن يكون مشوب ًا بحب‬
‫السمعة والرياء فليسارع إىل تنقية إخالصه‪ ،‬وفسح املجال للكفء‬
‫األَمني باإلسهام يف جهاد الدعوة إىل اهلل تعاىل"(((‪.‬‬

‫((( أصول الدعوة الدكتور عبد الكريم زيدان ‪.14/2‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪90‬‬
‫فاألخوة رمحة من رمحات اهلل "واالستعانة إذا كانت بأويل القربى‬
‫من أهل النسب‪ ،‬أو الرتبية‪ ،‬أو الصحبة القديمة كانت أكمل؛ ملا يقع يف‬
‫(((‬
‫ذلك من جمانسة خلقهم خللقه‪ ،‬فتتم املشاكلة يف االستعانة" ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬توجيهه موسى وأخيه إلى األمر بتوحيد الله والتعريف بالله سبحانه‪:‬‬
‫ويظهر هذا التوجيه وهذه الرتبية بالربط بربوبية املرسل‪ ،‬ووحدانية‬
‫اإلله احلق يف قوله‪ :‬ﮋﯦﯧﯨ ﯩ ﯪﮊ [طه‪ .]47‬وقوله‪:‬‬
‫ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ [الشعراء ‪" ]16‬فهي‬
‫املواجهة القوية الرصحية بحقيقة التوحيد منذ اللحظة األوىل‪ ،‬بال تدرج‬
‫فيها وال حذر‪ .‬فهي حقيقة واحدة ال حتتمل التدرج واملداراة"‪.‬‬
‫وظهر أثر هذا التوجيه من خالل دعوته لفرعون‪ ،‬حيث‬
‫دعا موسى عليه الصالة والسالم فرعون لإليامن باهلل وحده‪،‬‬
‫وعرفه أسامئه وصفاته سبحانه‪ ،‬ومن هذا قوله لفرعون‪:‬‬
‫ﭽﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ[اإلرساء ‪ .]102‬وقوله‪ :‬ﱡﳝ‬
‫ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥﱠ [طه ‪ ،]50‬وقوله‪:‬‬
‫ﱡﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ‬
‫ﳛ ﱠ [طه ‪ .]98‬وقوله‪ :‬ﱹﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﱸ [الشعراء ‪.]28 - 24‬‬

‫((( مقدمة ابن خلدون ص‪319‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪91‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ومن ذلك قوله للسحرة الذين يريدون أن خيدعوا الناس‬


‫ويبعدوهم عن التوحيد‪:‬ﱡﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ‬
‫ﲴ ‬
‫ﱠ[طه ‪.]61‬‬ ‫ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ويظهر كذلك يف موقفه من قومه عندما عبدوا العجل من دون اهلل‪،‬‬
‫قال تعاىل‪:‬ﱡﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ‬
‫ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬
‫ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱠ [طه ‪.]86‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭼ[األعراف‪.]١٥٠ :‬‬
‫وكذلك موقفه مع من صنع العجل‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﲙ ﲚ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬
‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﳀ‬
‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﳇ ﳈ ﳉ‬
‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫ﳔ ﳕ ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛﱠ [طه ‪.]98 - 95‬‬
‫وكذلك عندما طلب منه قومه أن يتخذ هلم إهلا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭼ[األعراف‪.]١٣٨ :‬‬
‫وكل هذه النامذج وغريها تبني لنا أثر تربية اهلل له عىل التوحيد‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬ومدى وعي موسى هلذه القضية وشغله هبا‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪92‬‬

‫ثالثا‪ :‬توجيهه لموسى وأخيه هارون للين في الدعوة‪:‬‬


‫ملا أرسل اهلل موسى عليه الصالة والسالم إىل فرعون‪ ،‬وجهه‬
‫أن يدعوه باللني‪ ،‬فإن امللوك الظاملني أمثال فرعون ال يقبلون إال‬
‫لني الكالم معهم‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﱠ[طه ‪- 42‬‬
‫‪" .]44‬أمرمها بام ينبغي لكل آمر باملعروف من األخذ باألحسن‬
‫فاألحسن واألسهل فاألسهل"(((‪" ،‬ملا كان اللني سببا للتذكرة‬
‫واخلشية أمر هبا لتقوم عليه احلجة فهذا الرجاء املتعلق بكالمه‪..‬‬
‫فالكالم املنفر ال يتوقع منه إجابة وال إنابة والكالم اللني املرغب‬
‫يتوقع من كل من سمعه اإلجابة اإلنابة"(((‪.‬‬
‫"واملقصود من دعوة الرسل حصول االهتداء ال إظهار‬
‫املدعو‬
‫ّ‬ ‫العظمة وغلظة القول بدون جدوى‪ .‬فإذا مل ينفع اللني مع‬
‫وأعرض واستكرب جاز يف موعظته اإلغالظ معه"(((‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬توجيهه لموسى وأخيه للدعوة بالقدوة الحسنة‪:‬‬
‫من أعظم وأنفع وسائل الدعوة وأساليبها القدوة احلسنة‪ ،‬ولذا وجه اهلل‬
‫نبيه موسى وأخيه هارون عليهام السالم هلذا األسلوب بقوله‪ :‬ﮋﯖ‬
‫ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [يونس‪.]87‬‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.20/5‬‬


‫((( بدائع التفسري البن القيم ‪.155/3‬‬
‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.225 /16‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪93‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫فالتعبري بلفظ ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﮊ فيه إشارة إىل‬


‫أن تكون بيوهتم حمل أنظار املؤمنني يتبعوهنم يف كل يشء‪ ،‬وذلك‬
‫ألن استعالء فرعون عىل قوم موسى كان من القوة بمكان‪ ،‬فجلوس‬
‫موسى عليه الصالة والسالم مع قومه وتعليمهم وإقامة العبادة مجاعة‬
‫معهم قد يكون متعذر ًا‪ ،‬كام يدل عليه سياق اآليات‪ ،‬ولكن الدعوة‬
‫والتعليم والتوجيه وإقامة الشعائر ال تقف عند تلك املشكلة‪ ،‬بل‬
‫التعليم والتوجيه بالقدوة هو املرحلة املتبعة إىل أن يقيض اهلل األمر‪.‬‬
‫إن اهلل تعاىل‬ ‫ٌ‬
‫تأهيل دعوي‪ ،‬حيث َّ‬ ‫فهذا اجلانب من الرعاية‬
‫برصمها بأسلوب الدعوة‪ ،‬ليكونا عىل بصرية وال يقعا يف حمظور‬
‫يف طريقة الدعوة‪ ،‬وكذلك يلقي عليهام األمن بأنه حافظ هلام‬
‫ومؤيد‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬تأهيله لموسى عليه الصالة والسالم على المناظرة وحسن الحوار‪:‬‬
‫ويظهر أثر ذلك التأهيل يف مناظرة موسى عليه الصالة والسالم‬
‫لفرعون‪ ،‬حيث إنه ملا ذهب موسى عليه الصالة والسالم إىل فرعون‬
‫لدعوته‪ ،‬ناظره باحلجة والعقل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬ﱹﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱸ [الشعراء ‪.]30 - 23‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪94‬‬
‫وحسن حوار موسى من خالل هذه اآليات يظهر يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱹﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﱸ‬
‫«كان جواب موسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬حيمل استصغار‬
‫ما يدعيه فرعون مع بطالنه‪ ،‬وتوجيه نظره إىل هذا الكون اهلائل‪،‬‬
‫والتفكري فيمن يكون ربه‪ ..‬فهو رب العاملني‪.‬‬
‫ويف قوله‪ :‬ﱡﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ "وهذه‬
‫أشد مساسا بفرعون ودعواه وأوضاعه‪ ،‬فالوراثة التي تقوم عليها‬
‫ألوهية فرعون دعوى باطلة»‪« ،‬فبطل كون أحد منهم رب ًا ملن بعده‬
‫كام بطل كون أحد ممن قبلهم من اهلالكني ر ّب ًا هلم"(((‪.‬‬
‫"فلام رأى منهم املكابرة ووصفوه باجلنون خاشنهم يف القول"(((‪،‬‬
‫بقوله‪:‬ﱡﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﱠ‬
‫"أي ال تعقلون شيئا ما‪ ،‬أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن األمر كام‬
‫قلته‪ .‬وفيه إيذان بغاية وضوح األمر‪ ،‬بحيث ال يشتبه عىل من له عقل‬
‫يف اجلملة‪ ،‬وتلويح بأهنم بمعزل من دائرة العقل"(((‪" .‬فهذا التوجيه هيز‬
‫القلوب البليدة هزا‪ ،‬ويوقظ العقول الغافية إيقاظا‪ .‬وموسى ‪ -‬عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ -‬يثري مشاعرهم‪ ،‬ويدعوهم إىل التدبر والتفكري"‪.‬‬
‫وملا قال فرعون‪ :‬ﱡﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬
‫ﲔ ﱠ يريد بذلك أن ينهي احلوار معه بالتهديد الغليظ بالبطش‬
‫الرصيح‪ ،‬وهذا هو دليل العجز‪ ،‬وعالمة الشعور بضعف الباطل أمام‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.356/5‬‬


‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.121 /19‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.452 /7‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪95‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫موسى‪ :‬ﱡﲗ ﲘ ﲙ‬
‫َ‬ ‫احلق الدافع‪ .‬أمام هذا التهديد يقول قال‬
‫ﲚﱠ "ويف هذا إحراج لفرعون لو رفض اإلصغاء إىل برهانه املبني‬
‫لدل عىل خوفه من حجته‪ ،‬وهو يدعي أنه جمنون‪.((("..‬‬
‫فلم ينفعل موسى أثناء احلوار عندما اهتم باجلنون أو عند هتديده‬
‫بالسن بل "رد موسى مدافع ًا بالتي هي أحسن إرخاء للعنان‪ ،‬إلرادة‬
‫البيان‪ ،‬حتى ال يبقى عذر إلنسان‪ ،‬رجاء النزوع عن الطغيان"(((‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬توجيهه موسى وأخيه ألسلوب الترغيب والترهيب‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ[طه‪.]٤٨ – ٤٧ :‬‬
‫فهنا توجيه من اهلل مبارش ملوسى وهارون بأن جيمعا بني‬
‫الرتغيب والرتهيب يف دعوة فرعون‪ ،‬فكان الرتغيب يف قوله‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ أما‬
‫الرتهيب فكان يف قوله‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ‪.‬‬
‫وملا اجتمع السحرة للموعد‪ ،‬هم وموسى‪ ،‬وأهل مرص‪،‬‬
‫وعظهم موسى وذكرهم قبل املناظرة وقال‪ :‬ﭽﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﭼ[طه‪ ،]٦١ :‬فتنازعوا وختاصموا ثم شجعهم فرعون‪،‬‬
‫وشجع بعضهم بعضا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [طه‪.]٦٢ :‬‬

‫((( املصدر السابق ‪.2593 /5‬‬


‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.357/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪96‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫رعاية الله لعيسى عليه الصالة والسالم وألمه‬
‫إن قصة عيسى عليه الصالة والسالم يف القرآن الكريم شملت‬
‫أمور ًا كثرية‪ ،‬ولذا سنحاول توجيه الفكر حول ما يتعلق بجانب‬
‫الرعاية‪.‬‬
‫فتتمثل رعاية اهلل تعاىل لعيسى عليه الصالة والسالم يف‬
‫املطالب التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية لعيسى عليه الصالة والسالم‬
‫لقد نشأ عيسى عليه الصالة والسالم عىل األخالق الفاضلة‬
‫فزكاه ربه قبل احلمل به قال تعاىل‪ :‬ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [مريم‪" .]١٩ :‬فذكر جل وعال‬
‫يف هذه اآلية الكريمة‪ :‬أن ذلك الروح ‪ -‬الذي هو جربيل ‪ -‬قال‬
‫هلا إنه رسول رهبا ليهب هلا؛ أي‪ :‬ليعطيها‪ .‬ﭽﮚﭼ أي‪ :‬ولد ًا‪،‬‬
‫ﭽﮛﭼ أي‪ :‬طاهر ًا من الذنوب واملعايص‪ ،‬كثري الربكات‪.‬‬
‫و َبينَّ َ يف غري هذا املوضع كثري ًا من صفات هذا الغالم املوهوب هلا‪،‬‬
‫وهو عيسى عليه وعىل نبينا الصالة والسالم"(((‪.‬‬
‫ومن تلك الصفات التي رباه اهلل عليها وزكّاه هبا‪:‬‬
‫‪ - 1‬تربيته على العبودية لله تعالى‪:‬‬
‫أقر عيسى عليه الصالة والسالم وهو طفل رضيع أنه عبدٌ هلل‪،‬‬
‫فقد َّ‬
‫وأن اهلل أوصاه بالصالة والزكاة قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬

‫((( أضواء البيان ‪.386/3‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪97‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬
‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﱠ[مريم‪.]31 - 30‬‬
‫"أقر عيسى عىل نفسه بالعبودية هلل تعاىل أول ما تكلم؛ لئال‬
‫يتخذ إهل ًا”(((‪ ،‬فأنا عبد هلل “امللك األعظم الذي له صفات الكامل‬
‫ال أتعبد لغريه‪ ،‬إشارة إىل االعتقاد الصحيح فيه‪ ،‬وأنه ال يستعبده‬
‫شيطان وال هوى"(((‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [مريم‬
‫‪ .]31‬أي‪" :‬وأوصاين ﭽ ﮘ ﭼ هلل طهرة للنفس ﭽ ﮙ ﭼ‬
‫ال يف نفيس وأمر ًا لغريي"(((‪.‬‬
‫طهره للامل فع ً‬
‫‪ - 2‬تربيته على بره بأمه‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﭼ [مريم ‪.]32‬‬
‫"وقد خصه اهلل تعاىل بذلك بني قومه‪ ،‬ألن ّبر الوالدين كان ضعيف ًا يف‬
‫بني إرسائيل يومئذ‪ ،‬وبخاصة الوالدة ألهنا تستضعف‪ ،‬ألن فرط حناهنا‬
‫ومشقتها قد جيرئان الولد عىل التساهل يف ال ّرب هبا"(((‪.‬‬
‫فلم يكن "بفظ وال غليظ‪ ،‬وال يصدر منه قول وال فعل ينايف‬
‫أمر اهلل وطاعته"(((‪.‬‬

‫((( معامل التنزيل ‪.230 /5‬‬


‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.531 /4‬‬
‫((( املصدر السابق ‪.351/4‬‬
‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.100 /16‬‬
‫ص ‪.616‬‬
‫((( قصص األنبياء‪ ،‬البن كثري‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪98‬‬

‫‪ - 3‬التربية على التواضع وعدم التكبر على خلق الله‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﭼ‬
‫ربا عىل اهلل فيام أمرين به‪ ،‬وهناين‬
‫[مريم ‪" .]32‬أي‪ :‬ومل جيعلني مستك ً‬
‫عنه‪ ،‬ولكن ذللني لطاعته‪ ،‬وجعلني متواضعا"(((‪.‬‬
‫قال السعدي‪" :‬جعلني مطيعا له خاضعا خاشعا متذلال‬
‫متواضعا لعباد اهلل"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬التربية على الدعاء وااللتجاء لله تعالى واألدب في ذلك‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﭑﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ[املائدة‪:‬‬
‫‪" .]114–١١٠‬فذكر الدعاء والثناء معا ‪ -‬ومل جييء يف القرآن سواه‪،‬‬
‫وال رأيت أحدا تعرض هلذا وال نبه عليه ‪ -‬رس عجيب دال عىل كامل‬
‫معرفة املسيح بربه وتعظيمه له"(((‪ .‬فقد "ناداه مرتني بوصف األلوهية‬
‫والربوبية‪ ،‬إظهارا لغاية الترضع ومبالغة يف االستدعاء"(((‪.‬‬
‫وقال تعاىل عن عيسى عليه الصالة والسالم يف دعائه‪:‬ﱡﲕ‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪.192 /18‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.492‬‬
‫((( بدائع التفسري ‪.131/2‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.293/4‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪99‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﱠ [مريم‪:‬‬
‫‪ .]٣٣‬يقول القاسمي‪" :‬أعظم أحوال اإلنسان احتياجا إىل السالمة هي‬
‫هذه األحوال الثالثة‪ :‬وهي يوم الوالدة‪ ،‬ويوم املوت‪ ،‬ويوم البعث‪.‬‬
‫فجميع األحوال التي حيتاج فيها إىل السالمة واجتامع السعادة من قبله‬
‫تعاىل‪ ،‬طلبها ليكون مصونا عن اآلفات واملخافات يف كل األحوال"(((‪.‬‬
‫‪ - 5‬التربية على حسن التخاطب مع الله‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ [املائدة‪.]١١٨ – 116 :‬‬
‫قال ابن القيم ‪" :‬مل يقل‪ :‬مل أقله‪ ،‬بل قال‪ :‬ﭽﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﭼ وفرق بني اجلوابني يف حقيقة األدب‪ .‬ثم أحال‬
‫األمر عىل علمه سبحانه باحلال ورسه‪.‬‬
‫ويف ختم اآلية بقوله‪ :‬ﭽﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﭼ إن غفرت هلم فمغفرتك تكون‬
‫عن كامل القدرة والعلم‪ .‬ليست عن عجز عن االنتقام منهم‪،‬‬
‫وال عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم‪ ،‬وهذا من أبلغ األدب‬
‫مع اهلل تعاىل‪ .‬فإنه قاله يف وقت غضب الرب عليهم‪ ،‬واألمر هبم‬

‫((( قصص األنبياء البن كثري ص‪.616‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪100‬‬
‫إىل النار‪ .‬فليس هو مقام استعطاف وال شفاعة‪ .‬بل مقام براءة‬
‫منهم‪ .‬فقربة العبودية تستدعي إحسان السيد إىل عبده ورمحته‪،‬‬
‫أي شأن السيد رمحة عبيده واإلحسان إليهم‪ .‬وهؤالء عبيدك‬
‫ليسوا عبيدا لغريك‪.‬‬
‫وشأن السيد املحسن المُْنعم َأن يتعطف عىل َعبده ويرمحه وحينو َع َليهِ‬
‫ْ‬ ‫َّ ِّ‬
‫ِ‬
‫َفإِن عذبت َه ُؤلاَ ء وهم عبيدك لاَ ُت َعذ ُهب ْم إِلاَّ باستحقاقهم وإجرامهم‬
‫َوأال َفكيف يشقى ال َع ْبد بسيده َو ُه َو ُمطِيع َل ُه ُمتبع ملرضاته"(((‪.‬‬
‫ويف صفتي العزة واحلكمة "تنبيها عىل أنه ال امتناع ألحد عن‬
‫عزته‪ ،‬فال اعرتاض يف حكمه وحكمته"(((‪.‬‬
‫‪ - 6‬التربية على نسبة الفضل لله‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ [آل عمران‪.]49 :‬‬
‫"حرص القرآن عىل أن يذكر عىل لسان املسيح ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ -‬كام هو مقدر يف غيب اهلل عند البشارة ملريم‪ ،‬وكام حتقق‬
‫بعد ذلك عىل لسان عيسى ‪ -‬أن كل خارقة من هذه اخلوارق التي‬
‫جاءهم هبا‪ ،‬إنام جاءهم هبا من عند اهلل‪ .‬وذكر إذن اهلل بعد كل‬
‫ال وحتديد ًا ومل َيدَ ع القول يتم ليذكر يف هنايته إذن‬
‫واحدة منها تفصي ً‬
‫اهلل زيادة يف االحتياط!"‪.‬‬
‫((( بدائع التفسري ‪ 133 - 132 /2‬باختصار وترصف يسري‪.‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.303 /4‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪101‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 7‬تربيته على الجدية واإليجابية من خالل تربيته ألمه‪:‬‬


‫وذلك باختاذ األسباب حلصول املراد مهام كان شاق ًا‪ ،‬وعدم‬
‫التواكل‪ ،‬وذلك قول اهلل تعاىل ألمه عند والدته‪ :‬ﭽ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﭼ [مريم ‪ .]25‬فجذع النخلة‬
‫صعب‪ ،‬وهي يف حالة تعب الوالدة‪ ،‬ولكن يأمرها اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫وهزه‬
‫قاس‪ّ ،‬‬‫ٍ‬
‫بذلك لكي ينسيها األمل الذي أصاهبا‪ ،‬ولكي تتعلم فعل األسباب‪،‬‬
‫ويف هذا تربية هلا‪ ،‬وتربية البنها بالتبع عىل اختاذ األسباب‪.‬‬
‫‪ - 8‬تربيته على شدة تعظيم الله سبحانه‪:‬‬
‫كذب‬‫ويظهر أثر هذه الرتبية يف موقف دعاه أن ُيصدِّ ق احلالف و ُي ِّ‬
‫عينه‪ ،‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ ‪(( :‬رأى عيسى ابن‬
‫مريم رجال يرسق‪ ،‬فقال له أرسقت؟ قال‪ :‬كال واهلل الذي ال إله إال هو‪.‬‬
‫فقال عيسى‪ :‬آمنت باهلل‪ ،‬وكذبت عيني))(((‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬تأوله بعضهم عىل أنه ملا حلف له جوز أن يكون قد‬
‫أخذ من ماله‪ ،‬فظنه املسيح رسقة‪ ،‬وهذا تكلف‪ ،‬وإنام كان اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل يف قلب املسيح ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أجل وأعظم من أن‬
‫حيلف به أحد كاذبا‪ ،‬فلام حلف له السارق دار األمر بني هتمته‪ ،‬وهتمة‬
‫برصه‪ ،‬فرد التهمة إىل برصه ملا اجتهد له يف اليمني‪ ،‬كام ظن آدم ‪ -‬عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ -‬صدق إبليس ملا حلف له باهلل عز وجل وقال‪ :‬ما‬
‫ظننت أحد ًا حيلف باهلل تعاىل كاذب ًا"(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب قول اهلل {واذكر يف الكتاب‬
‫مريم إذ انتبذت من أهلها} [مريم‪.)3444( ]16 :‬‬
‫((( إغاثة اللهفان البن القيم ‪ .183/1‬وانظر فتح الباري البن حجر ‪.489/6‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪102‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية العلمية لعيسى عليه الصالة والسالم‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭼ [آل عمران ‪ .]48‬فكان تعليم اهلل تعاىل لعيسى‬
‫عليه الصالة والسالم الكتاب‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬والتوراة‪ ،‬واإلنجيل آية‬
‫من اآليات العظيمة‪.‬‬
‫قال ابن كثري‪" :‬يقول تعاىل خمرب ًا عن متام بشارة املالئكة ملريم‬
‫بابنها عيسى‪ ،‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أن اهلل يعلمه ﭽﭴ‬
‫ﭵﭼ الظاهر أن املراد بالكتاب هاهنا الكتابة‪.‬‬
‫ﭽ ﭶ ﭷﭼ فالتوراة‪ :‬هو الكتاب الذي أنزله‬
‫اهلل عىل موسى بن عمران‪ .‬واإلنجيل‪ :‬الذي أنزله اهلل عىل عيسى‬
‫عليهام السالم‪ ،‬وقد كان عيسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬حيفظ هذا‬
‫وهذا"(((‪.‬‬
‫وامتن اهلل عليه بذلك فقال تعاىل‪ :‬ﭽﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾﭼ [املائدة‪ .]١١٠ :‬والكتاب‪ :‬هنا‬
‫مصدر‪ ،‬أي‪ :‬يعلمه اخلط باليد‪ .‬وتعليمه إياها قيل‪ :‬باإلهلام‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫بالوحي‪ .‬وقيل‪ :‬بالتوفيق واهلداية للتعلم‪.‬‬
‫واحلكمة‪ :‬فرست هنا‪ :‬بسنن األنبياء‪ ،‬وبام رشعه من الدين‪،‬‬
‫وبالنبوة‪ ،‬وبالصواب يف القول والعمل وبالعقل‪ ،‬وبأنواع العلم‪.‬‬
‫وكان عيسى عليه الصالة والسالم يستظهر التوراة‪.‬‬
‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.44/2‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪103‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ِ‬
‫وذك ُْر اإلنجيل ملريم؛ وهو مل ينزل بعد ‪ -‬ألنه كان كتاب ًا مذكور ًا‬
‫عند األنبياء والعلامء‪ ،‬وأنه سينزل(((‪.‬‬
‫وعندما دعا قومه ذكر نعمة اهلل عليه ومنها تعاليم اهلل له‬
‫الكتاب واحلكمة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭿ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭾ [الزخرف‪.]٦٣ :‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية النفسية وحفظ الله‬
‫لعيسى عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن بيان رعاية اهلل تعاىل النفسية لعيسى عليه الصالة‬
‫والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬رفع الله لقدر عيسى عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫ﱡﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬
‫إذا تأملنا قوله اهلل تعاىل‪ :‬ﭐ‬
‫ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬
‫ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﱠ[آل عمران‪ ]45 :‬وجدنا أن اهلل‬
‫تعاىل رفع قدر عيسى عليه الصالة والسالم من جانبني‪ :‬األول‪ :‬جعله‬
‫ﱡﳋ ﳌ ﳍ ﳎﱠ‬
‫اهلل صاحب وجاهة كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭐ‬
‫ٍ‬
‫ورشف وكرامة"(((‪.‬‬ ‫أي‪" :‬ذا َو ْج ٍه ومنزلة عالية عند اهلل‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية ‪ ،438/1‬والبحر املحيط أليب حيان ‪/2‬‬
‫‪ 352 - 351‬بترصف‪.‬‬
‫((( جامع البيان للطربي ‪.415 /6‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪104‬‬
‫فعيسى عليه الصالة والسالم "له وجاهة ومكانة عند اهلل يف‬
‫الدنيا‪ ،‬بام يوحيه اهلل إليه من الرشيعة‪ ،‬وينزل عليه من الكتاب‪ ،‬وغري‬
‫ذلك مما منحه به‪ ،‬ويف الدار اآلخرة يشفع عند اهلل فيمن يأذن له فيه‪،‬‬
‫فيقبل منه‪ ،‬أسوة بإخوانه من أويل العزم‪ ،‬صلوات اهلل عليهم"(((‪.‬‬
‫ومن وجاهته‪" :‬جعله اهلل أحد أويل العزم من املرسلني أصحاب‬
‫الرشائع الكبار واألتباع‪ ،‬ونرش اهلل له من الذكر ما مأل ما بني املرشق‬
‫واملغرب هذا يف الدنيا‪ ،‬ويف اآلخرة وجيها عند اهلل يشفع أسوة بإخوانه‬
‫من النبيني واملرسلني‪ ،‬ويظهر فضله عىل أكثر العاملني"(((‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تقريب اهلل لعيسى عليه الصالة والسالم‪ :‬كام يف قوله‬
‫ﱡﭐﳏ ﳐ ﱠ أي‪" :‬أنه ممن ِّ‬
‫يقربه اهلل يوم القيامة‪،‬‬ ‫تعاىل‪ :‬ﭐ ‬
‫فيسكنه يف جواره ويدنيه منه"(((‪ ،‬فهو عليه الصالة والسالم عند‬
‫اهلل "من املقربني‪ ،‬الذين هم أقرب اخلالئق إىل اهلل‪ ،‬وأعالهم درجة‪،‬‬
‫وهذه بشارة ال يشبهها يشء من البشارات"(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬الثناء بصالح عيسى عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬
‫ﱇﱠ[آل عمران‪ ]٤٦ :‬أي‪" :‬من ِعدَ ادهم وأوليائهم‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫أهل الصالح بعضهم من بعض يف الدين والفضل"(((‪.‬‬
‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.43/2‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.130‬‬
‫((( جامع البيان للطربي ‪.415 /6‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.967‬‬
‫((( جامع البيان للطربي ‪.420 /6‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪105‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫قال ابن سعدي‪" :‬أي‪ :‬يمن عليه بالصالح‪ ،‬من م َّن عليهم‪،‬‬
‫ويدخله يف مجلتهم‪ ،‬ويف هذا عدة بشارات ملريم مع ما تضمن من‬
‫التنويه بذكر املسيح عليه الصالة والسالم"(((‪.‬‬
‫فهو عليه الصالة والسالم من الصاحلني "فيِ َقولِ ِه و َع ِ‬
‫مله‪َ ،‬ل ُه‬ ‫ْ َ‬
‫حيح َو َع َم ٌل َصالِح"(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ع ْلم َص ٌ‬
‫‪ - 3‬تذكر الله تعالى لعيسى بنعمه تطمأنة له‪:‬‬
‫فقد طمأن اهلل نفس عيسى عليه الصالة والسالم بام جيعله هادئ‬
‫النفس قوي احلجة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﭼ [املائدة‪.]117 :‬‬
‫أي‪" :‬اذكرها بقلبك ولسانك‪ ،‬وقم بواجبها شكرا لربك‪،‬‬
‫حيث أنعم عليك نعام ما أنعم هبا عىل غريك‪ ،‬فهذه املِنَ ٌن ‪ -‬املذكورة‬
‫‪ -‬ام َت َّن اهلل هبا عىل عبده ورسوله عيسى ابن مريم ودعاه إىل شكرها‬
‫والقيام هبا فقام هبا عليه الصالة والسالم أتم القيام وصرب كام صرب‬
‫إخوانه من أويل العزم"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬حفظ الله لعيسى عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫ويتمثل هذا يف منع بني إرسائيل من اإلمساك به وقتله ثم‬
‫رفعه إىل السامء‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.131‬‬


‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.36/2‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪،238‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪106‬‬

‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﭼ [آل عمران‪.]٥٥ :‬‬
‫"فأخرب تعاىل أنه رفعه إىل السامء بعد ما توفاه بالنوم عىل‬
‫الصحيح املقطوع به‪ ،‬وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود الذين‬
‫وشوا به إىل بعض امللوك الكفرة يف ذلك الزمان"(((‪.‬‬
‫ﱡﭐﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭐ‬
‫ﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕ‬
‫ﲖ ﲗ ﲘﱠ[املائدة‪ .]110 :‬أي‪" :‬أي واذكر نعمتي عليك‬
‫يف كفى إياهم عنك حني جئتهم بالرباهني واحلجج القاطعة عىل‬
‫نبوتك ورسالتك من اهلل إليهم‪ ،‬فكذبوك واهتموك بأنك ساحر‪،‬‬
‫وسعوا يف قتلك وصلبك‪ ،‬فنجيتك منهم‪ ،‬ورفعتك إ َّيل‪ ،‬وطهرتك‬
‫من دنسهم‪ ،‬وكفيتك من رشهم"(((‪.‬‬
‫اه ٍد قال‪" :‬صلبوا رجال ش َّبهوه بعيسى‪ ،‬حيسبونه إياه‪ ،‬ورفع‬
‫َعن مجُ َ ِ‬
‫ْ‬
‫اهلل إليه عيسى ح ًّيا"(((‪،‬ﭐ قال تعاىل‪:‬ﱹﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱸ [النساء‪]158 – ١٥٧ :‬‬

‫((( قصص األنبياء البن كثري ‪.449/2‬‬


‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري (‪.)224/3‬‬
‫((( املصدر السابق (‪.)452/2‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪107‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الرابع‬
‫الرعاية الدعوية لعيسى عليه الصالة والسالم‬
‫تتمثل الرعاية الدعوية من اهلل لعيسى عليه الصالة والسالم يف‬
‫جوانب كثرية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعليمه البدء بالدعوة لتوحيد الله عز وجل‪:‬‬
‫ويظهر هذا يف بدء عيسى عليه الصالة والسالم بعقيدة‬
‫التوحيد‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﱹﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﱸ [املائدة‪]72 :‬‬
‫‪ - 2‬تيسير الله له تعليم الناس الخير‪:‬‬
‫وذلك يف قول اهلل تعاىل حكاية عن عيسى عليه الصالة‬
‫والسالم‪ :‬ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﭼ [مريم ‪" .]31‬أي‬
‫معلام للخري‪ ،‬داعيا إىل اهلل‪ ،‬مذكرا به‪ ،‬مرغبا يف طاعته‪ ،‬فهذا من‬
‫بركة العبد‪ ،‬ومن خال من هذا فقد خال من الربكة‪ ،‬وحمقت بركة‬
‫لقائه واالجتامع به‪ ،‬بل متحق بركة من لقيه واجتمع به"(((‪.‬‬
‫يه َفإِن‬ ‫" َتع ِليم الرجل الخْ هو ا ْلربكَة ا َّلتِي جعلها اهلل فِ ِ‬
‫َ‬ ‫َيرْ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ا ْلربكَة ُح ُصول الخْ َيرْ ونامؤه ودوامه َو َه َذا فيِ الحْ َ ِقي َقة َل ْي َس إِلاَّ فيِ‬
‫ا ْلعلم المَْ ْو ُروث َعن االنبياء وتعليمه َولهِ َ َذا سمى ُس ْب َحا َن ُه ِكتَابه‬
‫ُم َب َاركًا"(((‪.‬‬

‫((( رسالة ابن القيم ألحد إخوانه ص‪.5‬‬


‫((( بدائع التفسري البن القيم ‪.173/3‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪108‬‬

‫‪ - 3‬أيده الله تعالى بالمعجزات‪:‬‬


‫فقد أيد اهلل عيسى باملعجزات ابتدا ًء من والدته من أم بال أب‪،‬‬
‫ﱡﭐﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭐ ‬
‫ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ‬
‫ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ ﲩ‬
‫ﱠ [مريم‪.]21_16 :‬‬
‫ثم كالمه وهو يف املهد‪ ،‬ليثبت براءة أمه مما اهتموها هبا من‬
‫نبي من عند اهلل‪ .‬قال تعاىل‪:‬ﱡﭐﱭ‬
‫البهتان‪ ،‬وإلخبارهم أنه ٌ‬
‫ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬
‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬
‫ﲨ ﲩﱠ [مريم‪.]34_29 :‬‬
‫جعل اهلل له معجزات أخرى ذكرها اهلل يف كتابه فقال تعاىل‪:‬‬
‫ﱡﭐ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐ ﲑ‬
‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﱠ [آل عمران‪.]49 :‬‬
‫وأكرمه بنزول مائدة من السامء عليه وعىل قومه بنا ًء عىل طلبهم‪،‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪109‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﭩ ﭪﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳﭴ‬


‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﱸ [املائدة‪.]115 :‬‬
‫‪ - 4‬تأييده بروح القدس (جبريل عليه الصالة والسالم)‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ‬
‫ﲥ ﲦ ﱠ [البقرة‪" ]87 :‬وختصيصه من بني الرسل عليهم‬
‫الصالة والسالم بالذكر ووصفه بام ذكر من إيتاء البينات‪ ،‬والتأييد‬
‫بروح القدس حلسم مادة اعتقادهم الباطل يف حقه عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬ببيان حقيته‪ ،‬وإظهار هناية قبح ما فعلوا به عليه الصالة‬
‫والسالم"(((‪.‬‬

‫المطلب الخامس‬
‫رعاية الله تعالى لوالدته مريم ‪‬‬
‫فمن رعاية اهلل تعاىل لعيسى عليه الصالة والسالم وتأهيله‬
‫للرسالة والدعوة رعاية اهلل لوالدته وهي بيت نشأته‪ ،‬إذ كيف‬
‫سيؤثر يف الناس إذا مل ُيربى الرتبية الصحيحة التي يعطي هبا كل‬
‫إنسان حقه‪ ،‬وكيف سيقبل منه الناس إذا اشتهرت أرسته بام يشني‬
‫ويعاب عليه‪ .‬لكن اهلل بحكمته وبعدله ورعايته‪ ،‬كفل هذه األمور‬
‫لنبيه عيسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ل ُي ِعدَّ ُه ألن يكون نبي ًا مؤثر ًا‬
‫مقبوالً بني الناس‪.‬‬
‫وتربز هذه العناية يف رعاية اهلل تعاىل لوالدته ‪ ‬يف أمور‪:‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.348 /1‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪110‬‬

‫‪ - 1‬عراقة نسب مريم‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﭼ [آل عمران ‪.]34 - 33‬‬
‫"اصطفى اهلل آل عمران‪ ،‬فهذه البيوت التي ذكرها اهلل هي‬
‫صفوته من العاملني‪ ،‬وتسلسل الصالح والتوفيق بذرياهتم‪ ،‬فلهذا‬
‫قال تعاىل ﭽﮘﮙﮚﮛﭼ أي‪ :‬حصل التناسب والتشابه‬
‫بينهم يف اخللق واألخالق اجلميلة‪ ،‬وقوله‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ‬
‫دل هذا عىل أن هؤالء اختارهم ملا علم من أحواهلم املوجبة لذلك‬
‫فضال منه وكرما"(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬دعاء امرأة عمران لمريم وقبول الله لها‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﭼ [آل عمران‬
‫‪ .]37 - 36‬دعت هلا ولذريتها أن يعيذهم اهلل من الشيطان الرجيم‬
‫"وهذه كلمة القلب اخلالص‪ ،‬ورغبة القلب اخلالص‪ .‬فام تود‬
‫لوليدهتا أمر ًا خري ًا من أن تكون يف حياطة اهلل من الشيطان الرجيم!‬
‫وقبل اهلل تعاىل من أم مريم نذرها‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳﭼ وذلك جزاء هذا اإلخالص الذي يعمر‬
‫قلب األم‪ ،‬وهذا التجرد الكامل يف النذر‪ ..‬وإعداد ًا هلا أن تستقبل‬
‫نفخة الروح‪ ،‬وكلمة اهلل‪ ،‬وأن تلد عيسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم‬
‫‪ -‬عىل غري مثال من والدة البرش"‪.‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪ 128‬باختصار‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪111‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 3‬اصطفاء الله تعالى لمريم‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﭼ [آل عمران‪ ]42‬أي‪:‬‬
‫خصك به من كرامته"(((‪.‬‬
‫"اختارك واجتباك لطاعته وما ّ‬
‫"واالصطفاء األول يرجع إىل الصفات احلميدة واألفعال‬
‫السديدة‪ ،‬واالصطفاء الثاين يرجع إىل تفضيلها عىل سائر نساء‬
‫العاملني‪ ،‬إما عىل عاملي زماهنا‪ ،‬أو مطلقا‪ ،‬وإن شاركها أفراد من‬
‫النساء يف ذلك كخدجية وعائشة وفاطمة‪ ،‬مل يناف االصطفاء‬
‫املذكور"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬تكليف الله تعالى من يكفل مريم‪:‬‬
‫ومن رعاية اهلل تعاىل ملريم أن جعل نبيه زكريا عليه الصالة‬
‫والسالم كفيال هلا ليتم االعداد ويتحقق االصطفاء‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﯷﭼ [آل عمران‪ ]37‬أي‪" :‬جعله اهلل كافال هلا وضامنا‬
‫ملصاحلها‪ ،‬وقائام بتدبري أمورها"(((‪ ،‬واختيار زكريا عليه الصالة‬
‫والسالم كفيال هلا من بني من اقرتعوا لذلك "من رفقه هبا لريبيها‬
‫عىل أكمل األحوال‪ ،‬فنشأت يف عبادة رهبا"(((‪.‬‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪.369/6‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.130‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.212/2‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.128‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪112‬‬

‫‪ - 5‬صالح مريم وكثرة عبادتها‪:‬‬


‫وهذا يتضح يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯴ ﯵ ﯶﭼ[آل‬
‫عمران‪ ]37‬أي‪" :‬فنبتت يف الصالح والسداد والعفة والطاعة»(((‪،‬‬
‫لقد‪« :‬ربيت تربية عجيبة؛ دينية‪ ،‬أخالقية‪ ،‬أدبية‪ ،‬كملت هبا أحواهلا‪،‬‬
‫وصلحت هبا أقواهلا وأفعاهلا‪ ،‬ونام فيها كامهلا"(((‪" .‬فنشأت يف بني‬
‫إرسائيل نشأة عظيمة‪ .‬فكانت إحدى الناسكات املتبتالت"(((‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬أي‪ :‬نبتت نباتا حسنا يف بدهنا وخلقها وأخالقها‪ ،‬ألن اهلل‬
‫تعاىل قيض هلا زكريا عليه الصالة والسالم"(((‪.‬‬
‫وهذه العبادة وهذا التنسك كان أمرا من اهلل هلا‪ ،‬شكرا له عىل‬
‫نعمة االصطفاء‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ[آل عمران‪" ]43 - 42‬أي‬
‫اعبديه شكرا عىل اصطفائه"(((‪.‬‬
‫"وصوها باملحافظة عىل الصالة‪ ،‬بعد أن أخربوها بعلو درجتها‬
‫َّ‬
‫وكامل قرهبا إىل اهلل تعاىل‪ ،‬لئال تفرت وال تغفل عن العبادة"(((‪.‬‬

‫((( مفاتيح الغيب ‪.206/8‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.966‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.94 /7‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.128‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.316 /2‬‬
‫((( روح املعاين ‪.156 /3‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪113‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫"فنشأت يف عبادة رهبا وفاقت النساء‪ ،‬وانقطعت لعبادة‬


‫رهبا‪ ،‬ولزمت حمراهبا"(((‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﭽﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﭼ [آل عمران‪ ،]37‬حتى عندما نزل عليها امللك ليخربها‬
‫باصطفاء اهلل هلا لتكون أما لعيسى عليه الصالة والسالم كانت يف‬
‫حمراهبا‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﭼ [مريم‪.]17 - 16‬‬
‫كانت عىل هذه احلال حتى وصلت ملرتبة القانتني‪ ،‬كام يف قوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷﭼ [التحريم‪" .]12‬أي‪ :‬املطيعني هلل‪ ،‬املداومني عىل طاعته‪،‬‬
‫بخشية وخشوع‪ ،‬وهذا وصف هلا بكامل العمل‪ ،‬فإهنا ‪ ‬صديقة‪،‬‬
‫والصديقية‪ :‬هي كامل العلم والعمل"(((‪.‬‬
‫‪ - 6‬رزق الله تعالى لمريم‪:‬‬
‫وهذا ظاهر يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ‬
‫ﰔ ﰕ ﭼ [آل عمران‪ ،]37‬أي‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁﭼ من غري كسب‬
‫وال تعب‪ ،‬بل رزق ساقه اهلل إليها‪ ،‬وكرامة أكرمها اهلل هبا‪ ،‬فقال هلا زكريا‬
‫ﭽ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﭼ فضال وإحسانا ﭽﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬
‫ﰓ ﰔ ﰕ ﭼ أي‪" :‬من غري حسبان من العبد وال كسب»(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.128‬‬


‫((( املصدر السابق ص‪.874‬‬
‫((( املصدر السابق ص‪.128‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪114‬‬
‫وكذلك عندما جاءت مريم حلظة الوالدة‪ ،‬فقد ثبتها ورزقها قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ‬
‫ﭒ ﭼ [مريم ‪" .]26 - 25‬إن مريم عليها السالم كان يتعرف إليها‬
‫يف بدايتها بخرق العوائد بغري سبب تقوية إليامهنا وتكميال ليقينها‪،‬‬
‫فكانت كلام دخل عليها زكريا املحراب وجد عندها رزقا‪ .‬فلام قوي‬
‫إيامهنا ويقينها ردت إىل السبب لعدم وقوفها معه‪ ،‬فقيل هلا‪ :‬ﭽﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﭼ"(((‪.‬‬
‫هبز جذع النخلة‬
‫فقد "أمر اهلل مريم ‪ -‬املرأة الضعيفة النفساء ‪ِّ -‬‬
‫التي تثقل الرجال‪ ،‬واهلل قادر أن يكرمها برزق ‪ -‬كام يف سورة آل‬
‫عمران ‪-‬؛ ليعلم الناس أمهية بذل السبب"(((‪.‬‬
‫‪ - 7‬تثبيت الله لمريم‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﭑﭒ‬
‫ﭓﭔﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [مريم ‪.]26 - 22‬‬
‫"سكن امللك روعها وثبت جأشها وناداها من حتتها‪ ،‬لعله‬
‫يف مكان أنزل من مكاهنا‪ ،‬وقال هلا‪ :‬ال حتزين‪ ،‬أي‪ :‬ال جتزعي وال‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.313 /2‬‬


‫((( أضواء البيان ص‪.874‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪115‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫هتتمي‪ ..‬و ُكليِ َواشرْ َ بيِ ﭽ ﭓ ﭔﭼ بعيسى‪ ،‬فهذا طمأنينتها‬


‫من جهة السالمة من أمل الوالدة‪ ،‬وحصول املأكل واملرشب اهلني‪.‬‬
‫وأما من جهة قالة الناس‪ ،‬فأمرها أهنا إذا رأت أحدا من البرش‪،‬‬
‫أن تقول عىل وجه اإلشارة‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ أي‪:‬‬
‫سكوتا ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ أي‪ :‬ال ختاطبيهم بكالم‪،‬‬
‫لتسرتحيي من قوهلم وكالمهم‪ .‬وكان معروفا عندهم أن السكوت‬
‫من العبادات املرشوعة‪ ،‬وإنام مل تؤمر بخطاهبم يف نفي ذلك عن‬
‫نفسها ألن الناس ال يصدقوهنا‪ ،‬وال فيه فائدة‪ ،‬وليكون تربئتها‬
‫بكالم عيسى يف املهد‪ ،‬أعظم شاهد عىل براءهتا‪ ،‬فإن إتيان املرأة بولد‬
‫من دون زوج‪ ،‬ودعواها أنه من غري أحد‪ ،‬من أكرب الدعاوى‪ ،‬التي‬
‫لو أقيم عدة من الشهود‪ ،‬مل تصدق بذلك‪ ،‬فجعلت بينة هذا اخلارق‬
‫للعادة‪ ،‬أمرا من جنسه‪ ،‬وهو كالم عيسى يف حال صغره جدا"(((‪.‬‬
‫‪ - 8‬تقرير الله تعالى لعفة مريم‪:‬‬
‫وهذا من األمور املهمة جدا يف رعاية اهلل تعاىل لعيسى عليه‬
‫الصالة والسالم ووالدته‪ ،‬وتم هذا التقرير بعدد من الصور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫• ثناء اهلل تعاىل عليها بعفتها‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ[التحريم‪.]12‬‬
‫• بيان أن اهلل تعاىل طهرها‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ[آل عمران‪.]42‬‬
‫• عرض حالة فزعها عندما دخل عليها رجل يف خلوهتا ال‬

‫((( املصدر السابق‪.‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪116‬‬

‫تعرفه‪ ،‬واستعاذهتا باهلل منه‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬


‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ[مريم‪" ]18 - 17‬فها هي ذي تنتفض‬
‫انتفاضة العذراء املذعورة يفجؤها رجل يف خلوهتا‪ ،‬فتلجأ إىل اهلل‬
‫تستعيذ به وتستنجد وتستثري مشاعر التقوى يف نفس الرجل‪ ،‬واخلوف‬
‫فالتقي ينتفض وجدانه‬
‫ّ‬ ‫من اهلل والتحرج من رقابته يف هذا املكان اخلايل‪،‬‬
‫عند ذكر الرمحن‪ ،‬ويرجع عن دفعة الشهوة ونزغ الشيطان"‬
‫• استنكارها أن يكون هلا ولد ومل يمسسها برش‪ ،‬كام يف‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [آل‬
‫عمران‪ ،]47‬وكذا يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ[مريم‪.]20‬‬
‫• تربأة اهلل ملريم من خالل معجزة كالم عيسى يف املهد‪ ،‬كام‬
‫يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬
‫ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ [مريم ‪.]34 - 22‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪117‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫الفصل الثاني‬
‫نماذج من رعاية الله‬
‫لبقية الرسل عليهم الصالة والسالم‬

‫املبحث األول‪ :‬رعاية اهلل آلدم عليه الصالة والسالم وذريته‪.‬‬


‫املبحث الثاين‪ :‬رعاية اهلل إلسامعيل عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رعاية اهلل ليوسف عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬رعاية اهلل لداود عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬رعاية اهلل لسليامن عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬رعاية اهلل أليوب عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬رعاية اهلل لزكريا وحييى عليهام الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪118‬‬

‫المبحث األول‬
‫رعاية الله آلدم عليه الصالة والسالم‬
‫تربز رعاية اهلل سبحانه وتعاىل آلدم عليه الصالة والسالم‬
‫وذريته من خالل ما ذكره اهلل تعاىل يف القرآن عرب عدد من املواقف‪،‬‬
‫نعرضها من خالل مطلبني‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية آلدم عليه الصالة والسالم‬
‫‪ - 1‬تربيته على التواضع‪:‬‬
‫ﱡﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭐ‬
‫ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱠ [آل‬
‫عمران‪" .]٥٩ :‬وإنام خلق اهلل آدم من تراب ألسباب منها‪ :‬أن‬
‫يكون متواضعا وليكون أشد التصاقا باألرض ليكون مطفئ ًا‬
‫لنار الشهوة‪ ،‬والغضب‪ ،‬واحلرص‪ ،‬فإن هذه النريان ال تطفأ إال‬
‫بالرتاب"(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬تكريم الله آلدم عليه الصالة والسالم بسجود المالئكة له‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ [البقرة ‪.]34‬‬
‫وهذه من الرعاية النفسية التي ك ََّرم اهلل تعاىل هبا آدم عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬ألنه متيز عن املالئكة بالعلم فيام جعله اهلل له من الفضل‬
‫والترشيف كام يف اآلية‪.‬‬

‫((( ما ذكره الدكتور عقيل حسني عقيل يف كتابه آدم من وحي القرآن ‪.25/1‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪119‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫"إنه التكريم يف أعىل صوره‪ ،‬حيث وهبه من األرسار ما يرفعه‬


‫عىل املالئكة‪ .‬لقد وهب رس املعرفة‪ ،‬كام وهب رس اإلرادة املستقلة‬
‫التي ختتار الطريق‪ ..‬وقدرته عىل حتكيم إرادته‪ ،‬واضطالعه بأمانة‬
‫اهلداية إىل اهلل بمحاولته اخلاصة‪."..‬‬
‫‪ - 3‬تحذير الله آلدم من إبليس وحسده‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ[طه ‪ .]117‬فمن رعاية اهلل تعاىل‬
‫آلدم أن حذره وذريته من إبليس ومن حسده‪ ،‬قال ابن جرير‪" :‬فال‬
‫تطيعاه فيام يؤمركام به‪ ،‬فيخرجكام بمعصيتكام ربكام‪ ،‬وطاعتكام له‪،‬‬
‫فيكون عيشك من كدّ يدك‪ ،‬فذلك شقاؤه الذي ّ‬
‫حذره ربه"(((‪.‬‬
‫وهذا التحذير يشري كذلك ألن حيذر آدم وذريته من العوائق‬
‫التي سيضعها الشيطان لكي يوقف عملية االستخالف يف األرض‪،‬‬
‫والتي بطبيعة احلال حتتاج إىل ِ‬
‫العلم‪ ،‬فكام أن التعليم مهم فكذلك‬
‫التحذير من عوائق طلبه مهم أيض ًا‪.‬‬
‫‪ - 4‬ترغيب آدم في الجنة ونعيمها‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭻﭼ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ [طه‪.]١١٩–١١٧ :‬‬
‫فقد نبه اهلل تعاىل آدم عىل فضائل اجلنة التي ال يناهلا يف غريها‬
‫من أمر احلياة الدنيا‪ ،‬بل يناله عكسها ففيها – أي أرض الدنيا ‪-‬‬
‫اجلوع والعري والظمأ والتعب والنصب‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪.385/18‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪120‬‬

‫‪ - 5‬اختبار آدم وتعليمه أسباب الثبات‪:‬‬


‫ومن رعاية اهلل تعاىل آلدم عليه الصالة والسالم اختباره هل‬
‫سيطيع ربه أم سيعصيه ويتبع إغواء الشيطان‪ ،‬وذلك بعد أن ع َّلمه خطر‬
‫هذا الشيطان وبني له ما سيصيبه لو أنه عىص أمره سبحانه فقال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ[البقرة ‪ ،]36 - 34‬فكان هذا االختبار رمحة‬
‫له ولذريته‪ ،‬إذ بقي متييز ًا للصادق من الدَّ ِعي‪ ،‬وقد بان هبذا االختبار‬
‫املطيع والعايص‪ ،‬وأسباب الطاعة واملعصية‪ ،‬وبه اتضحت مداخل‬
‫رشه ووسوسته‪ ،‬ومن شرَِّ أتباعه‪.‬‬‫العدو املرتبص أعاذنا اهلل من ِّ‬
‫‪ - 6‬تربيته على احترامه للقسم‪:‬‬
‫وهذا يتضح عند قسم الشيطان هلام فانقادا لباطله – اهلل‬
‫املستعان ‪ -‬كام يف قوله‪ :‬ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﭼ‬
‫[األعراف‪ ،]21‬قال ابن كثري‪" :‬أي حلف هلام باهلل عىل ذلك حتى‬
‫خدعهام‪ .‬وقد خيدع املؤمن باهلل»(((‪« ،‬ومل يكن آدم يظن أن أحدا‬
‫يقسم باهلل كاذبا يمني غموس يتجرأ فيها عىل اهلل هذه اجلرأة فغره‬
‫عدو اهلل هبذا التأكيد واملبالغة فظن آدم صدقه"(((‪.‬‬
‫‪ - 7‬تربية آدم على ستر العورة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﭼ‬
‫[األعراف ‪.]27‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.357 /3‬‬


‫((( بدائع التفسري البن القيم ‪.201/2‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪121‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬


‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ [األعراف‪.]22‬‬
‫فلام عىص آدم وزوجته َأ ْم َر اهلل تعاىل "ظهرت عورة كل منهام‬
‫بعد ما كانت مستورة‪ ،‬فصار للعري الباطن من التقوى يف هذه‬
‫احلال أثر يف اللباس الظاهر‪ ،‬حتى انخلع؛ فظهرت عوراهتام‪ ،‬وملا‬
‫وج َعال خيصفان عىل عوراهتام من أوراق‬ ‫ظهرت عوراهتام؛ َخ ِجال َ‬
‫شجر اجلنة‪ ،‬ليسترتا بذلك"(((‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية العلمية آلدم عليه الصالة والسالم‬
‫‪ - 1‬تعليم الله آدم األسماء‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﭼ [البقرة ‪.]32 - 31‬‬
‫فعلم اهلل آدم األسامء كلها(((‪ ،‬كام جاء يف اآلية‪ ،‬وكام ورد يف حديث‬
‫ّ‬
‫الشفاعة املعروف وفيه‪ :‬قول النبي ﷺ ((فيأتون آدم فيقولون‪ :‬يا آدم أما‬
‫ترى الناس؟ خلقك اهلل بيديه‪ ،‬وأسجد لك مالئكته‪ ،‬وعلمك أسامء كل‬
‫يشء‪ ،‬اشفع لنا عند ربك‪.((()).....‬‬
‫فمن عناية اهلل تعاىل آلدم عليه الصالة والسالم وذريته‪ ،‬أن‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.285‬‬
‫((( ال نعلم تفصيالت ذلك التعليم ألنه مل يرد يف القرآن وال يف السنة ما يشري إىل‬
‫تفاصيله‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب التفسري‪ ،‬باب قول اهلل‪{ :‬وعلم آدم األسامء‬
‫كلها} (‪ ،)4206‬ومسلم يف كتاب اإليامن‪ ،‬باب أدنى أهل اجلنة منزلة فيها‬
‫(‪.)193‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪122‬‬
‫علم آدم كل يشء لكي يقوم بواجب اخلالفة يف األرض‪ ،‬املذكور يف‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚ ﭼ [البقرة‪ ]٣٠ :‬فال تكون اخلالفة حقيقية بدون علم‪.‬‬
‫"إهنا القدرة عىل تسمية األشخاص واألشياء بأسامء جيعلها‬
‫رموز ًا لتلك األشخاص واألشياء املحسوسة‪ .‬وهي قدرة ذات‬
‫قيمة كربى يف حياة اإلنسان عىل األرض‪ .‬ندرك قيمتها حني‬
‫نتصور الصعوبة الكربى‪ ،‬لو مل يوهب اإلنسان القدرة عىل ذلك‪،‬‬
‫واملشقة يف التفاهم والتعامل"(((‪.‬‬
‫" َأ َرا َد ُس ْب َحا َن ُه أن ي ْظهر ملالئكته َفضله ورشفه فأظهر لهَ ُم‬
‫دل عىل أن ا ْلعلم أرشف َما فيِ االنسان‬ ‫أحسن َما فِ ِيه َو ُه َو علمه َف َّ‬
‫وأن َفضله ورشفه إِ َّنماَ ُه َو بِا ْلعل ِم"(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫"هذه اآلية دالة عىل فضل العلم فإنه سبحانه ما أظهر كامل‬
‫حكمته يف خلقه آدم عليه الصالة والسالم إال بأن أظهر علمه فلو‬
‫كان يف اإلمكان وجود يشء أرشف من العلم لكان من الواجب‬
‫إظهار فضله بذلك اليشء"(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬تعليم الله آدم التوبة وأدب الدعاء‪:‬‬
‫مل يرتك اهلل تعاىل آدم عليه الصالة والسالم بعد معصيته هكذا‬
‫ال يدرى ماذا يفعل‪ ،‬فلام أخرجه هو وزوجته من اجلنة علمه اهلل‬
‫تعاىل كيف يتوب ويستغفر قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭼ[البقرة ‪ .]37‬وهذا من رعايته‬
‫سبحانه وتعاىل له ولذريته‪.‬‬

‫((( يف ظالل القرآن لسيد قطب ‪.57/1‬‬


‫((( بدائع التفسري البن القيم‪.300/1‬‬
‫((( مفاتيح الغيب للرازي ‪.399/2‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪123‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫وهذه الكلامت التي تعلمها آدم من ربه جاء تفصيلها يف قوله‬


‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ [األعراف ‪ .(((]23‬وهذا أدب مبارك من‬
‫آداب الدعاء أال وهو الثناء عىل اهلل بام هو أهله‪ ،‬واالعرتاف‬
‫بالذنب والتقصري وما فيه من إظهار اخلضوع واملسكنة واحلاجة‬
‫هلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ - 3‬تعليم الله بَنِي آدم الدفن‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆﭼ‬
‫[املائدة‪.]31‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬مكث حيمل أخاه يف ِج ٍ‬
‫راب عىل رقبته‬
‫سن ًة‪ ،‬حتى بعث اهلل ال ُغ َرابني‪ ،‬فرآمها يبحثان‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﭼ؟ فدفن‬
‫أخاه(((‪.‬‬
‫"فلم يعرف األخ القاتل كيف يواري جسد أخيه فأراد‬
‫اهلل تعاىل تعليمه وتعليم من بعده بأن أرسل الغراب حيفر يف‬
‫األرض بمنقاره وبحث فيها برجله وكأنه يقول لذلك اإلنسان‬
‫العاجز‪ :‬تعلم مني‪ ،‬واحفر حفرة واجعلها قرب ًا‪ ،‬وضع فيها جثة‬
‫أخيك"(((‪.‬‬

‫((( ُر ِو َي هذا عن جماهد‪ ،‬وسعيد بن جبري‪ ،‬وأيب العالية‪ ،‬والربيع بن أنس‪،‬‬


‫واحلسن‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وحممد بن كعب ال ُق َرظي‪ ،‬وخالد بن َم ْعدان‪ ،‬وعطاء‬
‫اخلراساين‪ ،‬وعبدالرمحن بن زيد بن أسلم‪ ،‬انظر‪ :‬تفسري القرآن العظيم البن‬
‫كثري ‪ ،238/1‬واجلامع ألحكام القرآن للقرطبي‪.324/1‬‬
‫((( جامع البيان للطربي ‪ ،225/10‬وتفسري القرآن العظيم البن أيب حاتم‬
‫‪.)180( 2/4‬‬
‫((( القصص القرآين لصالح اخلالدي ‪.147 - 146/1‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪124‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫رعاية الله تعالى إلسماعيل عليه الصالة والسالم‬
‫ذكر اهلل لنا يف القرآن قصة إبراهيم وإسامعيل عليهام السالم‬
‫يف غري موضع من القرآن ويمكن أن نجمل رعاية اهلل جل جالله‬
‫إلسامعيل عليه الصالة والسالم يف اجلوانب التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية والعلمية‬
‫إلسماعيل عليه الصالة والسالم‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الرعاية التربوية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تربيته عىل التسليم الكامل ألمر اهلل‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭼ [الصافات‪ .]102 - 101‬قال ابن كثري‪" :‬وإنام‬
‫أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه‪ ،‬وليخترب صربه وجلده وعزمه من‬
‫صغره عىل طاعة اهلل تعاىل وطاعة أبيه"(((‪ .‬فامذا يكون من أمر الغالم‪،‬‬
‫الذي يعرض عليه الذبح‪ ،‬تصديق ًا لرؤيا رآها أبوه؟‬
‫"إنه يرتقي إىل األفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه‪ :‬ﭽ ﰊ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﭼ إنه يتلقى األمر ال يف‬
‫طاعة واستسالم فحسب‪ .‬ولكن يف رضا كذلك ويف يقني ﭽ ﰊﭼ‬
‫يف مودة وقربى‪ ،‬فشبح الذبح ال يزعجه وال يفزعه وال يفقده رشده‪،‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.28/7‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪125‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫بل ال يفقده أدبه ومودته‪ .‬ﭽ ﰋ ﰌ ﰍﭼ فهو أحس أن الرؤيا أمر‪.‬‬


‫وأهنا تكفي لكي يلبي وينفذ بغري جللجة وال متحل وال ارتياب‪.‬‬
‫ثم هو األدب مع اهلل‪ ،‬ومعرفة حدود قدرته وطاقته يف‬
‫االحتامل؛ واالستعانة بربه عىل ضعفه ونسبة الفضل إليه يف إعانته‬
‫عىل التضحية‪ ،‬ومساعدته عىل الطاعة‪ :‬ﭽ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔﭼ فلم يأخذها بطولة‪ ،‬أو شجاعة‪ ،‬أو اندفاع ًا إىل اخلطر‬
‫ال وال حج ًام وال وزن ًا‪ ..‬إنام أرجع‬
‫دون مباالة‪ .‬ومل ُيظهر لشخصه ظ ً‬
‫الفضل كله هلل إذ هو من أعانه عىل ما يطلب‪ ،‬وصبرَّ َ ه عىل ما يراد‬
‫به‪ :‬ﭽ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﭼ"‪.‬‬
‫‪ - 2‬تربيته عىل الصرب عىل البالء‪:‬‬
‫قال تعاىل عنه‪ :‬ﭽ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﭼ‬
‫"فاالبن قد و َّطن نفسه عىل الصرب‪ ،‬وهانت عليه يف طاعة ربه ورضا‬
‫نفسه‪ ،‬وقرن ذلك بمشيئة اللهّ تعاىل‪ ،‬ألنه ال يكون يشء بدون‬ ‫والده ُ‬
‫مشيئة اللهّ تعاىل"(((‪.‬‬
‫‪ - 3‬تربيته عىل بر الوالدين‪:‬‬
‫فقد لبى طلب أبيه إبراهيم عندما أمره أن يطلق زوجته‬
‫غري القنوع‪ ،‬كثرية التشكي‪ .‬وهذا يبني أنه قد ريب عىل ذلك من‬
‫صغره(((‪ ،‬وقبلها أرىض والده حني قال له أنه سيذبحه‪ ،‬ومل يرفض‬
‫أو يرتدد‪ ،‬وعندما أمره ببناء البيت معه‪.‬‬
‫‪ - 4‬تربيته عىل الصدق يف الوعد‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [مريم ‪.]54‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.706‬‬


‫((( سيأيت ملخص الرواية يف ذلك عند البخاري يف احلديث عن الرعاية األرسية‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪126‬‬
‫أي‪" :‬واذكر يا حممد يف الكتاب إسامعيل بن إبراهيم‪ ،‬فاقصص‬
‫خربه إنه كان ال يكذب وعده‪ ،‬وال خيلف‪ ،‬ولكنه كان إذا وعد ربه‪،‬‬
‫وف به"(((‪ ،‬وعن ابن جريج‪ ،‬قال‪" :‬مل يعد‬ ‫أو عبدً ا من عباده وعدً ا ىَّ‬
‫ربه ِعدة إال أنجزها"(((‪.‬‬
‫فصدق الوعد صفة كل نبي وكل صالح‪ .‬فقد وصفه اهلل أنه ﭽﭨ‬
‫ﭩﭼ "بسبب أنه ال يعد وعد ًا إال مقرون ًا باالستثناء‪ ،‬كام قال ألبيه‬
‫حني أخربهم بأمر ذبحه‪ :‬ﭽ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﭼ"(((‪.‬‬
‫‪ - 5‬تربيته عىل الدعوة وخصوص ًا دعوة أهله‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭼ [مريم ‪" .]55‬كان يبدأ أهله يف األمر بالصالح والعبادة‬
‫ليجعلهم قدوة ملن وراءهم‪ .‬وألهنم أوىل من سائر الناس"(((‪.‬‬
‫‪ - 6‬تربيته عىل احللم وحسن اخللق‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﯵﯶﯷﯸﭼ[الصافات‪]101‬‬
‫"ووصف اهلل إسامعيل عليه الصالة والسالم باحللم‪ ،‬وهو يتضمن‬
‫الصرب‪ ،‬وحسن اخللق‪ ،‬وسعة الصدر والعفو عمن جنى"(((‪.‬‬
‫‪ - 7‬تربيته عىل اخلشونة والرجولة‪:‬‬
‫فقد تركه هو وأمه وهو صغري قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﭼ [إبراهيم‪.]٣٧ :‬‬
‫فنشأ وترعرع يف ظل غياب أبيه‪ ،‬ويف مكان تصعب احلياة فيه‪.‬‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪.211/18‬‬


‫((( جامع البيان للطربي ‪ ،211/18‬الدر املنثور ‪.516/5‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.541 /4‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.104/7‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.705‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪127‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 8‬تيسري اهلل له أم ًا تربيه وأب ًا يتعاهده‪:‬‬


‫فقد كانت ترعاه أمه ويتعاهده أبوه‪ ،‬وهذا يدل عىل دور األم‬
‫يف تربية ورعاية طالب العلم‪ ،‬وكذلك دور األب يف التعاهد‬
‫واملتابعة ولو بعد حني كام يف قصة زيارة إبراهيم البنه إسامعيل‬
‫عليهام الصالة والسالم بعد زواجه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرعاية العلمية‪:‬‬
‫ً‬
‫رسوال نبي ًا‪:‬‬ ‫‪ - 1‬اصطفاء اهلل له‬
‫من أعظم ما يظهر هذه العناية أن إسامعيل عليه الصالة‬
‫والسالم كان رسوالً نبي ًا‪ ،‬وكان أبوه كذلك‪ ،‬وال عجب أن‬
‫يصطفيه اهلل لذلك‪ ،‬فكان إسامعيل نبي ًا من أنبياء هذه األُمة‪ .‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭼ [مريم ‪ .]54‬وال يكون ذلك إال بتوفيق من اهلل ورمحة منه‬
‫واتباع لرشع اهلل‪.‬‬
‫‪ - 2‬تعليمه التوحيد ومسائل القضاء والقدر‪:‬‬
‫وهذا يظهر من قول إسامعيل عليه الصالة والسالم عندما أراد‬
‫والده ذبحه بأمر من اهلل‪ :‬ﭽ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﭼ‬
‫[الصافات‪" .]102‬فقد قرن رضاه وطاعته هلل بمشيئة اهلل تعاىل‪ ،‬ألنه‬
‫ال يكون يشء بدون مشيئة اهلل تعاىل"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.706‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪128‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية االجتماعية إلسماعيل عليه الصالة والسالم‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الرعاية األسرية‪:‬‬
‫‪ - 1‬إلهام الله تعالى إلبراهيم دعاءه ألسرته ومنهم إسماعيل‪:‬‬
‫فقد دعا إبراهيم أن حيفظ اهلل إسامعيل وأمه عندما تركهام يف مكة‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [إبراهيم ‪.]37‬‬
‫وكان ذلك دأبه حتى بعدما كرب إسامعيل وتزوج وبنيا البيت فكان‬
‫من دعائه‪ :‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ [البقرة‪.]128‬‬
‫‪ - 2‬رعاية والده له بعد زواجه‪:‬‬
‫أراد إبراهيم عليه الصالة والسالم أن يطمئن عىل ابنه ووريث‬
‫دعوته من بعده إسامعيل عليه الصالة والسالم‪َ ،‬ف َجا َءه َب ْعدَ َما‬
‫ت ََز َّو َج‪ ،‬فوجد زوجته غري قنوع بحاهلا فأمره أن يطلقها فلبى ذلك‪،‬‬
‫ثم جاءه مرة أخرى ليطمئن عليه فوجد عنده زوجة قنوع راضية‬
‫بام قدره اهلل مؤمنة‪ ،‬فأمره أن حيسن إليها وال يفارقها فأطاعه(((‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الرعاية المادية؛ وذلك في أمور منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعليمه البناء‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ [البقرة ‪.]127‬‬

‫((( أخرج الرواية كاملة البخاري يف كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب {يزفون}‬
‫(‪.)3361‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪129‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫قال ابن عباس ‪" :‬قال إبراهيم عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫يا إسامعيل إن اهلل أمرين بأمر قال‪ :‬فاصنع ما أمرك ربك قال‪:‬‬
‫وتعينني؟ قال‪ :‬وأعينك‪ .‬قال‪ :‬فإن اهلل أمرين أن ابني هاهنا بيتا‪،‬‬
‫وأشار إىل أكمة مرتفعة عىل ما حوهلا‪ ،‬فعند ذلك رفعا القواعد‬
‫من البيت فجعل إسامعيل يأيت باحلجارة‪ ،‬وإبراهيم يبني حتى‬
‫إذا ارتفع البناء جاء هبذا احلجر فوضعه له‪ ،‬فقام عليه وهو يبني‪،‬‬
‫وإسامعيل يناوله احلجر ومها يقوالن‪ :‬ﭽ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭼ "(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬تعليمه الصيد‪:‬‬
‫ِ‬
‫َان َع ْيش إِ ْسماَ عيل َّ‬
‫الص ْيد يخَ ُْرج َف َيت ََص َّيد‪،‬‬ ‫فقد جاء يف اخلرب‪" :‬ك َ‬
‫ويف حديث أيب جهم‪« :‬وكان إسامعيل يرعى ماشيته وخيرج متنكِّب ًا‬
‫الص ْيد"(((‪.‬‬
‫قوسه فريمي َّ‬
‫‪- 3‬تيسري اهلل له أبا يعينه عىل االعتامد عىل نفسه يف كسب‬
‫املعاش وحتصيله‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ ::‬ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﭼ [الصافات‪ ،]102‬قال‬
‫القرطبي‪" :‬فلام بلغ معه املبلغ الذي يسعى مع أبيه يف أمور دنياه‬
‫معينا له عىل أعامله"(((‪ ،‬وقال أبو حيان‪" :‬أي أن يسعى مع أبيه يف‬
‫أشغاله وحوائجه"(((‪.‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري البن أيب حاتم ‪.232/1‬‬
‫((( ذكره ابن حجر يف الفتح عند رشح حديث رقم (‪ ،)3361‬كتاب أحاديث‬
‫األنبياء‪ ،‬باب {يزفون}‪.‬‬
‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.99/15‬‬
‫((( البحر املحيط أليب حيان ‪.307/9‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪130‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫رعاية الله تعالى ليوسف عليه الصالة والسالم‬
‫متيزت رعاية اهلل ليوسف عليه الصالة والسالم بأهنا شملت‬
‫ال صغريا يف حجر والده‪ ،‬حتى‬‫مراحل حياته كلها منذ أن كان طف ً‬
‫أصبح عزيز مرص‪ ..‬وكل مرحلة من مراحل حياته كان ربه سبحانه‬
‫وتعاىل يرعاه رعاية خاصة تؤهله للمرحلة التي سيقدم عليها‪..‬‬
‫ويمكن إبراز ذلك يف املطالب التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية ليوسف عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل سبحانه وتعاىل الرتبوية ليوسف عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تربيته على العبودية لله وحده وااللتجاء إليه والتبرؤ من الحول والقوة‪:‬‬
‫فقد حكى اهلل عنه دعاءه يف حال الشدة قوله‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ [يوسف ‪.]33‬‬
‫ويف حال الرخاء قوله‪:‬ﱡﭐﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬
‫ﲴ ﲵ ﲶﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬
‫ﲽ ﲾ ﲿﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﱠ‬
‫[يوسف‪ ]110 :‬فتربأ من احلول والقوة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تربيته على اإلخالص‪:‬‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁ) [يوسف‪.]24:‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪131‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫"قوله‪( :‬ﮁ)؛ فيه قراءتان‪ :‬قراءة باسم الفاعل؛ _‬


‫ِ‬
‫(املخلصني) بكرس الالم_‪ ،‬وأخرى باسم املفعول؛ _ (ﮁ)‬
‫بفتح الالم_ فوروده باسم الفاعل يدل عىل كونه آتيا بالطاعات‬
‫والقربات مع صفة اإلخالص‪ ،‬ووروده باسم املفعول يدل عىل أن اهلل‬
‫تعاىل استخلصه واصطفاه لرسالته‪.‬‬
‫وقد كان يوسف ﷺ هباتني الصفتني‪ ،‬ألنه كان ِ‬
‫خملصا يف طاعة‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬مستخ َلصا لرسالة اهلل"(((‪.‬‬
‫‪ - 3‬تربيته على الصبر بكل أنواعه‪:‬‬
‫فقد صرب يوسف عىل الغربة عن أهله‪ ،‬وصرب عىل كيد إخوته‪،‬‬
‫وصرب عن الوقوع يف الفاحشة‪ ،‬وصرب عىل السجن‪ ،‬وصرب يف‬
‫وقت الرخاء والنرص فقال‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ‬
‫ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [يوسف‪.]١٠١–١٠٠ :‬‬
‫‪ - 4‬تربيته على نسب الفضل ألهله‪:‬‬
‫فقد نسب الفضل هلل بقوله‪ :‬ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﭼوقوله‪:‬ﭽﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﭼ‬
‫وقوله‪ :‬ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.170 /9‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪132‬‬

‫وقوله‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ )[يوسف‪ ]38:‬قال ابن عباس ‪‬‬
‫مفرسا هذه اآلية‪" :‬من فضل اهلل علينا أن جعلنا أنبياء؛ وعىل الناس‬
‫أن بعثنا إليهم رسال"(((‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﭼ‬
‫‪ - 5‬تربيته على العفة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭼ [يوسف ‪ .]23‬فرزقه اهلل العصمة‬
‫من رش هذه الفتنة ‪ -‬مع توفر أسباهبا من غربته وسلطة الداعي‬
‫والشباب ‪ -‬فاستعاذ بربه منها‪ ،‬وبينّ أهنا ُظلم‪ ،‬وكانت من ثمرهتا‬
‫أن أصبح عزيز مرص املستأمن عىل خزائنها‪.‬‬
‫"فالعفة حتفظ هبا األعراض يف الدّ نيا‪ ،‬وجتلب ّ‬
‫اللذة والنّعيم يف‬
‫اآلخرة‪ .‬وهي ركن من أركان املروءة ا ّلتي ينال هبا احلمد والشرّ ف‪،‬‬
‫وهي نظافة للفرد واملجتمع من املفاسد واملآثم وهي دليل كامل‬
‫وعزها‪ .‬صاحبها مسرتيح النَّفس مطمئ ُّن البال‪ .‬وهي دليل‬
‫النَّفس ِّ‬
‫وفرة العقل‪ ،‬ونزاهة النّفس"(((‪.‬‬
‫((( النكت والعيون للاموردي ‪.38 /3‬‬
‫((( ينظر‪ :‬نرضة النعيم البن محيد ‪ 2888/7‬باختصار‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪133‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 6‬تربيته على الذكاء والفطنة‪:‬‬


‫فلقد استطاع أن يبلغ إخوته رسالة عتاب‪ ،‬وأن ُي َع ِّلمهم‪ ،‬وأن‬
‫كل ذلك بذكاء وفطنة قال‬ ‫يأخذ أخاه‪ ،‬وأن يأيت بأبيه وإخوته إليه‪ُّ ،‬‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﭼ [يوسف‪.]٧٦ :‬‬
‫‪ - 7‬تربيته على كظم الغيظ والحلم والعفو والصفح عمَّن ظلمه عند‬
‫المقدرة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪( :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)‬
‫فتظهر نتيجة تلك الرتبية عندما قال إخوة يوسف ملا رأوا‬
‫الصاع يستخرج من رحل أخيهم‪( :‬ﯞ ﯟ) هذا فليس‬
‫بغريب عنه؛ (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)؛ يعنون يوسف‬
‫عليه السالم‪ ،‬ومقصودهم تربئة أنفسهم‪ ،‬وأن هذا وأخاه قد يصدر‬
‫منهام ما يصدر من الرسقة‪ ،‬ومها ليسا شقيقني هلم‪.‬‬
‫( ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ )؛ ومل يقابلهم‬
‫وأرس األمر يف نفسه؛‬ ‫َّ‬ ‫عىل ما قالوه بام يكرهون‪ ،‬بل كظم الغيظ‪،‬‬
‫وقال يف نفسه‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ) حيث ذممتمونا بام أنتم‬
‫أرش منه‪( ،‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) أي‪ :‬يعلم اهلل أنا براء مما‬ ‫عىل َّ‬
‫وصفتمونا به من الرسقة(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.402‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪134‬‬
‫عرفهم بنفسه آخر األمر أقروا‬
‫ثم إن يوسف عليه السالم ملا َّ‬
‫له بأهنم أساءوا إليه وأخطؤوا يف حقه؛ فام انتقم منهم رغم مقدرته‬
‫عىل ذلك وإنام قال‪ (:‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يوسف‪ ،]92:‬يقول هلم‪ :‬ال‬
‫تأنيب عليكم‪ ،‬وال عتب عليكم اليوم‪ ،‬ثم زادهم عىل ذلك أن‬
‫دعا هلم باملغفرة والرمحة‪ ،‬وهذا هناية اإلحسان الذي ال يأيت إال من‬
‫خواص اخللق وخيار املصطفني(((‪ ،‬فهذه املغفرة بعدما ألقوه يف‬
‫البئـر‪ ،‬وبـيعه مملوكًا‪ ،‬وتعريضه للفتن وسجنه‪ ،‬واهتامه بالرسقـة‪..‬‬
‫‪ - 8‬تربيته على إنكار الذات‪:‬‬
‫فلام طلب منه إخوته العفو منهم ساحمهم‪ ،‬ووكل أمر ذلك‬
‫ونسبه إىل اهلل‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ[يوسف‪.]92 - 91‬‬
‫فلم يقل أنا غفرت لكم أو قال أنا ساحمتكم بل نسب املغفرة‬
‫والعفو هلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ - 9‬تربيته على عدم جرح المشاعر‪:‬‬
‫وذلك يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [يوسف‪.]١٠٠ :‬‬
‫حيث ّ‬
‫إن يوسف عليه الصالة والسالم مل جيرح مشاعر إخوته‬

‫((( ينظر‪ :‬تفسري القرآن العظيم البن كثري‪ ،408 /4 ،‬تيسري الكريم الرمحن‬
‫البن سعدي ص‪.404 :‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪135‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫أمام والده؛ بأن يقول‪ :‬وقد أحسن يب إذ أخرجني من اجلب‬


‫والسجن‪ ،‬واكتفى بذكر السجن‪ ،‬وكذلك نراه رد ما فعله به إخوته‬
‫إىل الشيطان ونزغه‪.‬‬
‫"فلم يذكر خروجه من اجلب‪ ،‬مع أن النعمة فيه أعظم‪،‬‬
‫لوجهني‪ :‬أحدمها‪ :‬لئال يستحيي إخوته‪ ،‬والكريم يغيض عن اللوم‪،‬‬
‫والسيام يف وقت الصفاء‪ .‬والثاين‪ :‬ألن السجن كان باختياره‪ ،‬فكان‬
‫اخلروج منه أعظم‪ ،‬بخالف اجلب"(((‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية العلمية ليوسف عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل سبحانه وتعاىل العلمية ليوسف عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعليمه تفسير وتأويل الرؤيا‪:‬‬
‫فقد برشه أبوه أن اهلل سيعلمه تأويل األحاديث‪ :‬ﭽﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ [يوسف‪ ،]٦ :‬وعندما تعرض وسئل‬
‫عن تأويل رؤيا السجينني افتتح تأويله هلام بإثبات أن ذلك مما علمه اهلل‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ [يوسف‪.]٣٧ :‬‬
‫وأثنى يوسف عىل ربه ومحده عىل هذه النعمة بقوله‪ :‬ﭽ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﭼ [يوسف‪:‬‬
‫‪ .]١٠١‬فقد كان هلذا اجلانب من التعليم أثره يف دعوته وخروجه‬
‫من السجن ومن ثم أصبح به عزيز مرص‪ ،‬حتى أن يوسف عليه‬
‫السالم أدرك ذلك غاية اإلدراك فحمد اهلل تعاىل عىل نعمة هذا‬
‫النوع من العلم‪.‬‬
‫((( الربهان للزركيش ‪.66/3‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪136‬‬

‫‪ - 2‬تعليمه العلم النافع مع الحكمة‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﭼ [يوسف‪.]22‬‬
‫فقد أثنى اهلل تعاىل ونص عىل أنه أعطاه احلكم والعلم الذي‬
‫يستطيع أن به أن يكون خليفة يف األرض يدعو للتوحيد وإخالص‬
‫الدين هلل ويقيم حياة الناس ويصلحها هبذا التوحيد‪.‬‬
‫ومجع بني العلم واحلكم‪" ،‬إلنه ليس كل عامل حكي ًام‪ ،‬إنام احلكيم‬
‫ِ‬
‫جيهل فيه"(((‪.‬‬‫املمتنع به من استعامل ما َّ‬
‫ُ‬ ‫العامل املستعم ُل َ‬
‫علمه‪،‬‬
‫‪ - 3‬تعليمه مهارة القيادة‪:‬‬
‫قال تعاىل عىل لسان يوسف عليه الصالة والسالم‪ :‬ﭽ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭼ[يوسف‪ .]٥٥‬أي‪:‬‬
‫"حفيظ للذي أتواله‪ ،‬فال يضيع منه يشء يف غري حمله‪ ،‬وضابط‬
‫للداخل واخلارج‪ ،‬عليم بكيفية التدبري واإلعطاء واملنع‪ ،‬والترصف‬
‫يف مجيع أنواع الترصفات‪ ،‬وليس ذلك حرصا من يوسف عىل‬
‫الوالية‪ ،‬وإنام هو رغبة منه يف النفع العام‪ ،‬وقد عرف من نفسه من‬
‫الكفاءة واألمانة واحلفظ ما مل يكونوا يعرفونه"(((‪.‬‬
‫فإن يوسف عليه الصالة والسالم مل يتطلع هلذا امللك وهذه‬
‫الوظيفة إال وهو يدرك ويعلم ما حتتاجه من أمانة وعلم‪ ،‬وقد علم‬
‫من نفسه ذلك بام علمه اهلل تعاىل حيث مل يتلق علم احلكم والقيادة‬
‫إال من ربه جل وعال الذى صنعه عىل عينه‪.‬‬
‫((( زاد املسري يف علم التفسري البن اجلوزي ‪.425 /2‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.400‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪137‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 4‬علمه العقيدة والدعوة‪:‬‬


‫وبرز هذا اجلانب من التعليم يف حديثه مع من كانوا معه يف‬
‫السجن‪ ،‬وإبداء دعوته هلم بالتوحيد قبل أن جييبهام عن سؤهلام‪،‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﭑﭒﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﭼ[يوسف ‪.]٤٠–٣٧‬‬
‫‪ - 5‬تعليمه فن وأدب الحوار‪:‬‬
‫وهذا يظهر بجالء يف عدد من املواقف‪ ،‬منها‪:‬‬
‫فن احلوار مع السجينني معه‪ ،‬فقد قال هلام‪ :‬ﭽ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭼ "فلم يشتم دينهام‬
‫أمامهام؛ ألن املقام ليس مقام رد وال استفزاز وال حساب‪ ،‬بل مقام‬
‫بالغ‪ ،‬واحلق إذا تبني فليس بالرضورة أن جيهر بشتم الباطل الذي‬
‫يدين به الشخص املقابل"(((‪.‬‬
‫ثم قال هلم‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭼ و"إنام قال ذلك متهيدا للدعوة‪ ،‬وإظهارا أنه من بيت‬
‫النبوة؛ لتقوى رغبتهام يف االستامع إليه‪ ،‬والوثوق به"(((‪.‬‬

‫((( من تدبرات الشيخ نارص العمر عند اآلية يف جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫((( البحر املديد ألمحد بن حممد بن املهدي ‪.596 /2‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪138‬‬

‫وكان ينادهيم بنداء الصحبة‪ ،‬ﭽﭮ ﭯ ﭰ‬


‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭼ وهذا من آداب احلوار‬
‫وفنونه املهمة‪.‬‬
‫وكذلك فن احلوار مع إخوته‪ ،‬ومن نامذج ذلك ضبط النفس‬
‫والبعد عن ردود الفعل الناجتة عن االستفزاز أثناء احلوار‪" ،‬فيوسف‬
‫آذاه إخوانه‪ ،‬وألقوه يف بئر حتى سيق مملوكًا بثمن بخس‪ ،‬وسجن‬
‫ﱡﲬ ﲭ‬ ‫سنني‪ ،‬ثم بعد ذلك يصبح عزيز مرص‪ ،‬قال إخوته‪ :‬ﭐ‬
‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﱠ‪ ،‬يقصدون يوسف‪،‬‬
‫ﱡﭐﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫فامذا فعل؟ انظروا إىل ضبط النفس‪ :‬ﭐ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁﳂ ﳃ‬
‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﱠ [يوسف‪ ]٧٧ :‬حتى إنه مل ُي ِرد جرح‬
‫رسا يف نفسه"(((‪.‬‬
‫مشاعرهم هبذه الكلمة؛ فقاهلا ًّ‬
‫وهذا وغريه من أساليب احلوار وفنونه التي علمها اهلل يوسف‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومل نذكرها اختصارا فاملقام ليس للحرص‬
‫وإنام إلبراز هذا اجلانب‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية األسرية ليوسف عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل سبحانه وتعاىل األرسية ليوسف عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‬
‫‪ - 1‬هيأ اهلل تعاىل ليوسف عليه الصالة والسالم أب ًا نبي ًا يتعلم‬
‫منه‪ ،‬وخياف عليه‪ ،‬ويحُ ِّذره من كيد الكائدين واعتداء املعتدين‪،‬‬
‫فحذره أن يقص رؤياه عىل إخوته‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ[يوسف‪.]5‬‬
‫((( من تدبرات الشيخ نارص العمر عند اآلية يف جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪139‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫"نصحه بأال يقص رؤياه عىل إخوته‪ ،‬خشية أن يستشعروا ما‬


‫وراءها ألخيهم الصغري ‪ -‬غري الشقيق ‪ -‬فيجد الشيطان من هذا‬
‫ثغرة يف نفوسهم‪ ،‬فتمتىلء نفوسهم باحلقد‪ ،‬فيدبروا له أمر ًا يسوؤه"‪.‬‬
‫‪ - 2‬ورفض والده أن يرسله مع إخوته ليلعب معهم‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [يوسف‪ .]13‬إال أن مشيئة‬
‫اهلل فوق كل يشء‪.‬‬
‫هيأ اهلل له أخ ًا خياف عليه وكان سببا يف نجاته من القتل‪،‬‬
‫ﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬ ‫فعندما قال إخوة يوسف‪ :‬ﭐ ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬
‫ﱡﭐﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬ ‫ﱠ [يوسف‪ .]٩ :‬فقال هذا األخ‪ :‬ﭐ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ‬
‫ﲢ ﲣ ﲤﱠ [يوسف‪" .]١٠ :‬فإن قتله أعظم إثام وأشنع‪،‬‬
‫واملقصود حيصل بتبعيده عن أبيه من غري قتل‪ ،‬وهذا القائل أحسنهم‬
‫رأيا يف يوسف‪ ،‬وأبرهم وأتقاهم يف هذه القضية‪ ،‬فإن بعض الرش‬
‫أهون من بعض‪ ،‬والرضر اخلفيف يدفع به الرضر الثقيل"(((‪.‬‬
‫‪ - 3‬عوضه اهلل بفقد أهله بسبب حسد إخوته أن يرتبى يف‬
‫عز وملك‪ ،‬وهو بيت العزيز‪ ،‬وأن يتخذوه ولد ًا هلم حيمونه‬ ‫بيت ّ‬
‫وحيرصون عليه أشد احلرص والرعاية‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﭼ[يوسف‪.]٢١ :‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.394‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪140‬‬
‫"وإكرام مثواه كناية عن إكرامه عىل أبلغ وجه وأمته؛ ألن من‬
‫أكرم املحل بإحسان األرسة‪ ،‬واختاذ الفراش ونحوه‪ ،‬فقد أكرم‬
‫ضيفه بسائر ما يكرم به‪ ..‬وكام جعلنا له مثوى كري ًام يف منزل العزيز‬
‫وقلبه‪ ،‬جعلنا له ترصف ًا باألمر والنهي‪ ،‬ومكانة رفيعة يف أرض‬
‫مرص‪ ،‬ووجاهة يف أهلها‪ ،‬وحمبة يف قلوهبم‪ ،‬ليكون عاقبة ذلك‬
‫تعليمه تأويل الرؤيا التي ستقع من امللك‪ ،‬وتفيض بيوسف إىل‬
‫الرياسة العظمى"(((‪.‬‬
‫الثوي واملبيت واإلقامة‪ ،‬واملقصود بإكرام‬
‫ّ‬ ‫"واملثوى مكان‬
‫مثواه إكرامه‪ ،‬ولكن التعبري أعمق‪ ،‬ألنه جيعل اإلكرام ال لشخصه‬
‫فحسب‪ ،‬ولكن ملكان إقامته‪ ..‬وهي مبالغة يف اإلكرام‪ .‬يف مقابل‬
‫مثواه يف اجلب وما حوله من خماوف وآالم!"‪.‬‬
‫ﱡﭐﲐ‬
‫‪ - 4‬جعل اهلل له أخا يؤنسه يف غربته‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﭐ ‬
‫ﲑ ﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ﲜ ﲝ ﲞﱠ [يوسف‪.]٧٦ :‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫الرعاية الدعوية ليوسف عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل سبحانه وتعاىل الدعوية ليوسف عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬فقد علمه اهلل تعاىل فقه الدعوة اإلقناع والتدرج يف‬
‫الدعوة والبدء باملهم يف أمور الدعوة‪ ،‬ويظهر أثر هذه الرعاية‬
‫يف حديثه مع الفتيان يف السجن‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.163/6‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪141‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ‬
‫ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚﭼ [يوسف‪.]٤٠–٣٧ :‬‬
‫‪ - 2‬علمه ربه االستفادة من الفرص‪ ،‬فإن يوسف عليه السالم‬
‫حني طلب منه صاحباه يف السجن أن يعرب رؤيامها وبدت له‬
‫حاجتهام إليه؛ قصد أن يدعومها إىل اإليامن يف هذه احلال؛ ليكون‬
‫أنجع لدعوته‪ ،‬وأقبل هلام(((‪.‬‬
‫قال ابن كثري ‪" :‬وكانت دعوته هلام يف هذه احلال يف غاية‬
‫الكامل؛ ألن نفوسهام معظمة له‪ ،‬منبعثة عىل تلقي ما يقول بالقبول‪،‬‬
‫فناسب أن يدعومها إىل ما هو األنفع هلام مما سأال عنه وطلبا‬
‫(((‪.‬‬
‫منه‪"...‬‬
‫‪ - 3‬علمه اهلل تعاىل َّ‬
‫أن وصوله إىل الناس وإىل قلوهبم جيب أن يقوم‬
‫عىل النظر يف مصاحلهم وخدمتهم‪ ،‬فاختذ احلكم وتأويل الرؤيا وعلمه‬
‫هبا طريق ًا يسلكه يف الدعوة إليه‪ ،‬وهذا من تربية اهلل له أن جعله يستغل‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي يف تفسري ص ‪.397‬‬
‫((( البداية والنهاية ‪.207 /1‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪142‬‬
‫املواقف يف الدعوة‪ .‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ[يوسف‪.]٣٧ :‬‬
‫وسأل يوسف عليه السالم منصب حافظ خزائن مرص؛ كام‬
‫دل عىل ذلك قوله تعاىل‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ) [يوسف‪ ]55:‬وذلك ليحفظها من الضياع؛ وقد‬
‫كان الناس مقبلني عىل سبع سنني شداد؛ وكذا ليتوصل بذلك إىل‬
‫نرش العدل ورفع الظلم؛ ويتوسل به إىل دعاء أهل مرص إىل اإليامن‬
‫باهلل وترك عبادة األوثان(((‪.‬‬
‫ومن هنا حتدث العلامء حول جواز طلب املرء الوالية لنفسه‬
‫إن علم أنه كفء هلا وال يوجد غريه‪ ،‬وليتوسل هبا إىل تبليغ الدعوة‬
‫وحتقيق العدل‪.‬‬
‫‪ - 4‬هيأ اهلل له أصحاب ًا يف السجن يدعوهم ويعلمهم ويأنس‬
‫هبم‪ ،‬وكان أحدهم سبب ًا يف إخراجه من السجن وحكمه ملرص بالعدل‬
‫واحلق ونرش دعوة اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ [يوسف‪.]٤٥ :‬‬
‫‪ - 5‬اختياره الصرب ودخول السجن عىل االستجابة ملكر النساء‬
‫والعيش بأمان ودعة خارج السجن‪ .‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚﭼ [يوسف‪.]٣٣ :‬‬
‫‪ - 6‬تربيته عىل أن يكون قدوة حسنة للمدعوين‪ ،‬فكان عليه‬

‫((( فتح البيان يف مقاصد القرآن ملحمد صديق خان ‪.356 /6‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪143‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫الصالة والسالم قدوة حسنة بفعاله قبل أن يكون قدوة بأقواله؛ ومل‬
‫يؤثر عامل الزمان واملكان عىل ذلك؛ ففي السجن قال له صاحباه‪:‬‬
‫ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يوسف‪.]36:‬‬
‫وقال له إخوته وهو عزيز مرص‪( :‬ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ‬
‫ﰈ) [يوسف‪.]78:‬‬
‫وقبل ذلك وبعده قال له ربه عز وجل‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [يوسف‪.]22:‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫الرعاية األمنية ليوسف عليه الصالة والسالم‬
‫يشري اهلل تعاىل يف قوله تعاىل‪( :‬ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ)[يوسف‪ ]24:‬إىل عموم السوء‪ ،‬فقد رصف اهلل تعاىل عن‬
‫نبيه يوسف عليه السالم كثريا من السوء وهذا من معية اهلل له‪.‬‬
‫ويمكن إمجال رعاية اهلل سبحانه وتعاىل األمنية ليوسف عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫مر هبا عليه الصالة‬‫برز ذلك يف حفظ اهلل له من املهالك التي ّ‬
‫والسالم‪ ،‬وذلك عندما‪:‬‬
‫‪ - 1‬ن ََّجاه اهلل تعاىل من قتل إخوته له قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲕ ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ‬
‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﱠ[يوسف ‪.]10‬‬
‫"فهذا القائل أحسنهم رأيا يف يوسف‪ ،‬وأبرهم وأتقاهم يف هذه‬
‫القضية‪ ،‬فإن بعض الرش أهون من بعض‪ ،‬والرضر اخلفيف يدفع به‬
‫الرضر الثقيل"(((‪.‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي‪.394‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪144‬‬
‫‪ - 2‬أنجاه اهلل وأخرجه من البئر قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﭼ [يوسف‪.]19‬‬
‫‪ - 3‬أنقذه اهلل بشهادة الشاهد ملا مكرت به امرأة العزيز‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ[يوسف‪.]٢٨–٢٦ :‬‬
‫‪ - 4‬أنجاه اهلل تعاىل وأخرجه من السجن‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭼ[يوسف‪.]٥٤ :‬‬
‫المطلب السادس‬
‫الرعاية المهارية ليوسف عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل سبحانه وتعاىل املهارية ليوسف عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫لقد أعطى اهلل يوسف عليه الصالة والسالم القدرة واملهارة‬
‫الكافية عىل‪:‬‬
‫‪ - 1‬تأويل الرؤيا‪:‬‬
‫تأويل األحاديث علم ومهارة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩﭼ [يوسف ‪.]21‬‬
‫‪ - 2‬الحُكم واإلدارة‪:‬‬
‫فقد أعد اهلل تعاىل يوسف عليه السالم للحكم واإلدارة وخصوص ًا‬
‫ٌ‬
‫مؤهل ألن حيتاجه عزيز مرص‪ ،‬وأن‬ ‫يف املجال االقتصادي‪ ،‬فكان ذلك‬
‫يبني له كيف يكون ذلك‪ ،‬ويطلب منه أن يكون مسؤوالً عن اخلزائن‪،‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪145‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﭼ [يوسف‪.]٤٩–٤٧‬‬
‫‪ - 3‬التميز بالحفظ واألمانة والعلم بالصنعة‪:‬‬
‫فاحلفظ والعلم هي عنرص النجاح يف مثل هذه املسئوليات‪ ،‬ولذا‬
‫م َّكنَه عزيز مرص من ذلك قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭼ [يوسف ‪.]55 - 54‬‬
‫‪ - 4‬حسن اإلدارة والتدبير‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرعاية عندما طلب يوسف من إخوته إحضارهم‬
‫ألخيه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﭼ [يوسف‪.]٥٩ :‬‬
‫وكذلك عندما أراد بقاءه عنده‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭼ [يوسف‪.]٧٢ – ٧٠ :‬‬
‫‪ - 5‬حسن الخطاب‪:‬‬
‫ويظهر ذلك يف جوابه العزيز‪ ،‬وطلب السجن‪ ،‬ودعائه‬
‫ودعوته‪ ،‬وخالصه من التهمة‪ ،‬واستدراج إخوته ليأتوه بأخيه‪،‬‬
‫وإقناعهم بوجوب بقاء أخيه عنده من غري أن يشعروا أنه يوسف‪.‬‬
‫وكذلك يظهر بحسن خطابه مع اهلل‪ ،‬ونسبة الفضل هلل‪ ،‬وعدم‬
‫التشكي إال له سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪146‬‬

‫المطلب السابع‬
‫رعاية الله ليوسف عليه الصالة والسالم وإخوته من‬
‫خالل والدهم يعقوب عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إجياز رعاية اهلل تعاىل ليوسف وإخوته من خالل والدهم‬
‫عليهم الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الرعاية األمنية‪ :‬والمتمثلة في‪:‬‬
‫‪ - 1‬احلفاظ عىل يوسف من كيد إخوته وحسدهم‪ ،‬فقد قال له‬
‫أبوه عندما قص عليه رؤياه ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ [يوسف‪.]5‬‬
‫‪ - 2‬حماولته عليه الصالة والسالم عدم دفع يوسف‬
‫حلوا‬
‫إلخوته عندما طلبوه أن يذهب معهم للعب‪ ،‬ولكنهم أ ُّ‬
‫عىل أبيهم وبينوا أهنم سيحافظون عليه‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﭽﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ‬
‫ﯸﭼ [يوسف‪.]13‬‬
‫املرة األوىل حذر يوسف‪ ،‬ويف املرة الثانية قام هو‬
‫ففي َّ‬
‫بالدفاع عنه ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﭼ [يوسف‪.]21‬‬
‫‪ّ -3‬‬
‫حذر أبوه إخوته أن يدخلوا من باب واحد لئال يحُ سدوا عىل‬
‫كثرهتم‪ :‬ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ [يوسف‪.]68 :‬‬
‫‪ - 4‬حرصه عىل أخي يوسف من الضياع واإلمهال‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪147‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ[يوسف ‪ ،]64‬إىل قوله‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ‬


‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [يوسف‪.]66‬‬
‫‪ - 5‬أمر أبناءه باالستمرار واجلد يف البحث عن يوسف‬
‫وأخيه‪ :‬قال تعال‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭼ [يوسف‪.]٨٧ :‬‬
‫ثانياً‪ :‬الرعاية التربوية العلمية‪:‬‬
‫فقد بشرَّ يعقوب عليه الصالة والسالم ابنه يوسف عليه‬
‫الصالة والسالم وأخربه أنه سيكون له شأن يف املستقبل كام كان‬
‫آلبائه ليستعد لذلك احلمل العظيم بالعلم والصرب عىل املكروه؛‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭼ [يوسف ‪.]6‬‬
‫وقد ظهرت جوانب تلك الرتبية وآثارها يف كل مراحل القصة‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬تربيتهم عىل التوكل عىل اهلل مع األخذ باألسباب‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [يوسف‪.]٦٧ :‬‬
‫‪ -‬تربيتهم عىل عدم اليأس‪ ،‬وحسن الظن باهلل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭼ [يوسف‪.]٨٧ :‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪148‬‬

‫‪ -‬تربيتهم عىل اللجوء إىل اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬


‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ [يوسف‪.]٨٦ :‬‬
‫‪ -‬تربيتهم عىل أمهية العقود واملواثيق‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [يوسف‪.]٦٦ :‬‬
‫‪ -‬اإلمجال فيام ال حيسن التفصيل فيه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ [يوسف‪ .]١٨ :‬وكذلك فعل يوسف‬
‫مع إخوته قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ [يوسف‪.]٧٧ :‬‬
‫‪ -‬تربيتهم عىل احلذر من مسالك الشيطان‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [يوسف‪.]٥ :‬‬
‫‪ -‬تربيتهم عىل اللطف يف العتاب‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﯪ‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﭑﭒﭓﭔﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﱸ [يوسف‪.]98 - ٩٤ :‬‬
‫‪ -‬تربيتهم عىل قوة الصرب يف قوله تعاىل‪ :‬ﱡﭐﳇ ﳈ ﳉ‬
‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﱠ‬
‫[يوسف ‪ ،]86‬وقوله‪:‬ﱡﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ‬
‫ﲩ ﲪ ﲫﱠ[يوسف ‪.]83‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪149‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المبحث الرابع‬
‫رعاية الله لداود عليه الصالة والسالم‬
‫تتمثل رعاية اهلل سبحانه وتعاىل لداود عليه الصالة والسالم‬
‫أن أعطاه اهلل تعاىل فضائل كثرية‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈﭼ[سبأ‪.]١٠ :‬‬
‫وهذا الفضل الذي أعطاه اهلل تعاىل لداود هو بمثابة الرعاية‬
‫تفضل به عىل داود يف آيات‬
‫له‪ ،‬وبينَّ اهلل تعاىل هذا الفضل الذي ّ‬
‫كثرية يمكن إمجاله يف املجاالت التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية لداود عليه الصالة والسالم‬
‫ويتضح هذا اجلانب من خالل قصة اخلصمني والتعقيبات عليها‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ [ص‪.]٢٦ – ٢1 :‬‬
‫"فقد أرسل اهلل سبحانه وتعاىل لنبيه داود عليه الصالة والسالم‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪150‬‬
‫ملكني لالمتحان‪ ،‬فدخال عليه من غري باب املحراب‪ ،‬ففزع منهم‬
‫نبي اهلل داود عليه الصالة والسالم‪ ،‬لدخوهلام عليه من غري الباب‬
‫الذي منه املدخل‪ ،‬وقيل ألهنام دخال عليه لي ً‬
‫ال "(((‪.‬‬
‫"فقال أحد اخلصمني‪ :‬نحن خصامن تعدَّ ى أحدنا عىل صاحبه‬
‫بغري حق‪ ،‬فاقض بيننا بالعدل‪ ،‬وال تجَ ُ ْر‪ ،‬وال ترسف يف حكمك‬
‫بامليل منك مع أحدنا عىل صاحبه‪ ،‬وأرشدنا إىل الطريق املستقيم‪.‬‬
‫ثم بدأ يذكر سبب املخاصمة فقال‪ :‬ﭽﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﭼ أي انزل يل عنها وضمها إيل‪،‬‬
‫ﭽ ﮣ ﮤ ﮥﭼ أي‪ :‬وكان أعز مني يف خماطبته إياي؛ ألنه‬
‫إن تكلم فهو أبني منى‪ ،‬وإن بطش كان أشد مني فقهرين‪ ،‬فقال داود‬
‫عليه الصالة والسالم للخصم املتظلم‪ :‬ﭽﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ ثم قال‪ :‬ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﭼ أي‪ :‬وإن كثري من الرشكاء ليتعدى بعضهم عىل بعض‪ ،‬ثم‬
‫استثنى‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﭼ أي‪:‬‬
‫وقليل ما جتد ذلك الصنف من الناس"(((‪.‬‬
‫فمن هذه القصة يمكن استخراج تربية اهلل تعاىل لنبيه داود‬
‫عليه الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪- 1‬تربيته عىل قبول احلق واملوعظة من كل أحد‪ ،‬فإن‬
‫اخلصمني نصحا داود بقوهلام‪ :‬ﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ فلم يشمئز ومل يغضب‪،‬‬
‫ومل يثنه ذلك عن احلق‪.‬‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪54 - 53/20‬خمترصا‪.‬‬


‫((( جامع البيان للطربي ‪.75 - 54/20‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪151‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪- 2‬تربيته عىل الصرب واحللم مع العفو عىل ما يفعله الناس‬


‫من أمور خملة يف حق الداعية‪ ،‬فلم يمنع داود عليه الصالة‬
‫والسالم سوء أدب اخلصمني ودخوهلام عليه من غري‬
‫استئذان من أن يقىض هلم حاجتهام وهذا هو الواجب‬
‫عىل الداعية‪ ،‬وكذلك ما غضب عليهام حني جاءاه بغري‬
‫استئذان وال انتهرمها وال وبخهام‪.‬‬
‫‪- 3‬تربيته عىل العدل وحتمل املسؤولية‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯷ‬
‫ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ أي‪“ :‬يا داود‬
‫إنا استخلفناك يف األرض من بعد من كان قبلك من رسلنا‪،‬‬
‫حك ًام بني أهلها فاحكم بينهم بالعدل واإلنصاف‪ ،‬وال تتبع‬
‫اهلوى وتؤثره يف قضائك بينهم عىل العدل واحلق فتجور عن‬
‫احلق فتكون من اهلالكني”(((‪.‬‬
‫‪- 4‬تربيته عىل عدم الترسع يف إصدار األحكام‪ ،‬فقد عاتب اهلل‬
‫تعاىل داود عليه الصالة والسالم ليس عىل حكمه وإنام‬
‫عىل ترسعه يف احلكم وعدم سامعه من الطرف اآلخر‪:‬‬
‫ﭽﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ‪.‬‬

‫((( املصدر السابق ‪.77 - 54/7‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪152‬‬

‫‪- 5‬تربيته عىل االستغفار والتوبة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﯡﯢﯣ‬


‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯫ ﭼ‪ ،‬وقد مدحه‬
‫اهلل تعاىل بذلك فقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭼ [ص‪" .]١٧ :‬أي‪َّ :‬‬
‫رجاع إىل‬
‫اللهّ يف مجيع األمور باإلنابة إليه‪ ،‬باحلب والتأله‪ ،‬واخلوف‬
‫والرجاء‪ ،‬وكثرة الترضع والدعاء‪ ،‬رجاع إليه عندما يقع‬
‫منه بعض اخللل‪ ،‬باإلقالع والتوبة النصوح"(((‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية العلمية لداود عليه الصالة والسالم‬
‫قال تعاىل يف هناية قصة قتل داود عليه الصالة والسالم جلالوت‪:‬‬
‫ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﭼ[البقرة ‪.]251‬‬
‫قال املاوردي‪“ :‬يريد باحلكمة‪ :‬النبوة‪ .‬وحيتمل أن احلكمة‪:‬‬
‫العدل يف سريته»(((‪.‬‬
‫قال ابن كثري‪« :‬ﭽ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﭼ أي‪ :‬مما يشاء من‬
‫العلم الذي اختص به ﷺ"(((‪ .‬وقال السدي‪« :‬والذي علمه‪ :‬هو‬
‫صنعة الدروع ومنطق الطري‪ ،‬وغري ذلك من أنواع ما علمه ﷺ"(((‪.‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.711‬‬
‫((( النكت والعيون للاموردي ‪.198/4‬‬
‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.406/1‬‬
‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.245/3‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪153‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬


‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ[األنبياء ‪ .]79 - 78‬قال األلويس‪" :‬آتينا كل‬
‫واحد منهام طائفة من العلم الئقة به من علم الرشائع واألحكام وغري‬
‫ذلك مما خيتص بكل منهام كصنعة لبوس ومنطق الطري‪ ،‬وخصها مقاتل‪:‬‬
‫بعلم القضاء(((‪ ،‬وابن عطاء‪ :‬بالعلم باهلل عز وجل"(((‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [النمل‪ ،]15‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [اإلرساء‪ .]٥٥ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭼ [ص‪.]٢٠ :‬‬
‫وهذا العلم اختص به اهلل تعاىل داود عن غريه من األنبياء‬
‫مناسبة حلاله‪ ،‬ولبيئته ولقومه‪ ،‬فاهلل تعاىل خيتص بعض األنبياء‬
‫ويعلمهم ماال ُي َع ِّلم غريهم‪.‬‬
‫وهذا النوع من الرعاية شمل ذريته من بعده‪ ،‬فقد رزقه اهلل‬
‫تعاىل بأبناء ُك ُث ْر ومن خريهم سليامن عليه الصالة والسالم فقد‬
‫اصطفاه اهلل تعاىل بالنبوة قال تعاىل‪ :‬ﭽﭼ ﭽ ﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﭼ [ص‪.]٣٠ :‬‬

‫((( وانظر‪ :‬تفسري مقاتل بن سليامن ص‪ ،471‬ومعامل التنزيل للبغوي ‪.147/6‬‬


‫((( روح املعاين لأللويس ‪.169/19‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪154‬‬
‫قال ابن كثري‪" :‬أي‪ :‬يف النبوة وإال فقد كان له بنون غريه‪،‬‬
‫فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر‪ ،‬وقوله‪ :‬ﭽ ﮀ ﮁﮂ ﮃ‬
‫ﮄﭼ ثناء عىل سليامن‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪ ،‬بأنه كثري‬
‫الطاعة والعبادة واإلنابة إىل اهلل عز وجل"(((‪ ،‬وقال السعدي‪:‬‬
‫"أي‪ :‬أنعمنا به عليه‪ ،‬وأقررنا به عينه"(((‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية المهارية لداود عليه الصالة والسالم‬
‫وذلك بأن أعطاه اهلل عوامل التمكني‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ - 1‬آتاه الله الملك‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ [البقرة‪ .]251‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﭼ [األنبياء‪.]79‬‬
‫وقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ‬
‫[ص‪ .]٢٦ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭼ[ص‪.]٢٠ :‬‬
‫قال املاوردي‪" :‬يريد بامللك السلطان وكان ذلك عند‬
‫موت طالوت بعد سبع سنني من قتل جالوت عىل ما حكاه ابن‬
‫السائب"(((‪" ،‬أي‪ :‬م َّن عليه بتملكه عىل بني إرسائيل"(((‪.‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.64/7‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.712‬‬
‫((( النكت والعيون للاموردي ‪.320/1‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.108‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪155‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫وهذا امللك كذلك من التمكني يف األرض الذي جيعله يسخر‬


‫هذا التمكني يف رعاية طالب العلم‪.‬‬
‫‪َ - 2‬سخّرَ الله تعالى لداود الجبال والطير والحديد‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ [سبأ‪.]١١ – ١٠ :‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭼ [ص‪.]18 - ١٧ :‬‬
‫وقال‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﭼ[األنبياء‪ .]79‬وهذا التسخري إعانة له عىل الدعوة إىل اهلل وطلب‬
‫العلم فاألنبياء عليهم الصالة والسالم يستغلون كل الفرص املتاحة يف‬
‫خدمة رسالتهم التي بعثهم اهلل هبا‪.‬‬
‫‪ - 3‬علَّم الله داود عليه الصالة والسالم صناعة الدروع‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ[األنبياء‪.]80‬‬
‫"فالضمري يف قوله ﭽﯙﭼ راجع إىل داود‪ ،‬واملراد‬
‫بصنعة اللبوس‪ :‬صنعة الدروع ونسجها‪ .‬والدليل عىل أن املراد‬
‫باللبوس يف اآلية الدروع‪ :‬أنه أتبعه بقوله ﭽﯝ ﯞ‬
‫ﯟﭼ أي‪ :‬لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض‪ ،‬ألن‬
‫الدرع تقيه رضر الرضب بالسيف‪ ،‬والرمي بالرمح والسهم‪،‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪156‬‬

‫كام هو معروف‪ .‬وقد أوضح هذا املعنى بقوله‪ :‬ﭽﮏ ﮐ‬


‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ [سبأ‪١٠ :‬‬
‫– ‪ ،]١١‬فقوله ﭽﮓ ﮔ ﮕﭼ أي‪ :‬أن اصنع دروع ًا سابغات‬
‫من احلديد الذي ألناه لك"(((‪" .‬فـاملراد هبا الدروع ونحوها‪ ،‬مما يقي‬
‫البسه وقع السالح‪ ،‬ويسلمه من بأسه‪ .‬وقد بني اهلل أيض ًا هذه النعمة‬
‫الكربى‪ ،‬واستحقاق من أنعم هبا ألن يشكر له يف هذا املوضع"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬علم الله تعالى داود عليه الصالة والسالم أن يأكل من عمل يده‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ[األنبياء‪ ]80‬استشهد القرطبي هبذه اآلية‬
‫عىل "أكل الرجل من عمل يده‪ ،‬قال ﷺ‪(( :‬إن أطيب ما أكل الرجل من‬
‫عمل يده‪ ،‬وإن نبي اهلل داود كان يأكل من عمل يده))((("(((‪.‬‬
‫وقال أبو حيان‪" :‬ويف ذلك فضل هذه الصنعة إذ أسند تعليمها إياه‬
‫إليه تعاىل"(((‪.‬‬
‫و"قال قتادة‪ :‬إنام كانت الدروع قبله صفائح‪ ،‬وهو أول من‬
‫رسدها حلقا كام قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ‬

‫((( أضواء البيان ‪.233 - 232/4‬‬


‫((( أضواء البيان ‪ 420/2‬بترصف يسري‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب البيوع‪ ،‬باب كسب الرجل من عمل يده‬
‫(‪.)2070‬‬
‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.108/8‬‬
‫((( البحر املحيط ‪.179/8‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪157‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ [سبأ‪ .]11 - 10‬أي ال‬
‫توسع احللقة فتقلق املسامر وال تغلظ املسامر فتقد احللقة"(((‪.‬‬
‫‪ - 5‬علمه الله سبحانه مهارة القضاء واإلصالح بين الناس‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭼ[ص‪.]٢٠ :‬‬
‫قال ابن كثري‪" :‬قال جماهد والسدي‪ :‬هو إصابة القضاء وفهمه‪،‬‬
‫وقال جماهد أيضا‪ :‬هو الفصل يف الكالم ويف احلكم"(((‪ ،‬وقال‬
‫السعدي‪" :‬أي‪ :‬اخلصومات بني الناس"(((‪.‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.250/3‬‬


‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.59 /7‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.711‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪158‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫رعاية الله لسليمان عليه الصالة والسالم‬
‫متيز نبي اهلل سليامن عليه الصالة والسالم عن باقي األنبياء‬
‫بعظم ملكه‪ ،‬وهذا امللك مع النبوة حيتاج إىل تأهيل ورعاية خاصة‬
‫حظي هبا هذا النبي من ربه جل وعال‪ ،‬تظهر من خالل ثمرهتا‬
‫ومواقف سليامن عليه الصالة والسالم يف دعوته‪ ..‬نجملها يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية لسليمان عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إبراز معامل الرعاية الرتبوية من اهلل تعاىل لسليامن عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تربيته على الدعاء‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرتبية يف كثرة ترضع ودعاء سليامن عليه‬
‫السالم ومن ذلك‪ ،‬قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ[النمل‪]19 :‬‬
‫أي‪" :‬اجعلني وازع ًا أي فقري ًا إىل الشكر‪ ،‬أي مالزم ًا له مولع ًا به‪،‬‬
‫ألن كل فقري إىل يشء جمتهد يف حتصيله‪ ،‬ويلزم عىل هذا التخريج‬
‫احتقار العمل‪ ،‬فيكون سبب ًا لألمن من اإلعجاب"(((‪.‬‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.417/5‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪159‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫إنه "يرضع إىل ربه هبذا الدعاء وهو النبي الذي أنعم اهلل عليه‬
‫وسخر له اجلن واإلنس والطري‪ .‬غري آمن مكر اهلل ‪ -‬حتى بعد أن‬
‫اصطفاه‪ .‬خائفا أن يقرص به عمله‪ ،‬وأن يقرص به شكره‪ ..‬يستعني‬
‫بربه كذلك ليوفقه إىل عمل صالح يرضاه‪ .‬وهو يشعر أن العمل‬
‫الصالح توفيق ونعمة أخرى من اهلل ثم يدعوه بالدخول يف عباد اهلل‬
‫الصاحلني‪ ،‬ألن الدخول يف عباد اهلل الصاحلني رمحة من اهلل‪ ،‬تتدارك‬
‫العبد فتوفقه إىل العمل الصالح‪ ،‬فيسلك يف عداد الصاحلني‪.‬‬
‫هبذا النداء القريب املبارش املتصل‪ ..‬ﭽ ﮨﭼ امجعني كيل‪ .‬امجع‬
‫جوارحي ومشاعري ولساين وجناين وخواطري وخلجايت‪ ،‬وكلاميت‬
‫وعبارايت‪ ،‬وأعاميل وتوجهايت‪ .‬امجعني كيل‪ .‬امجع طاقايت كلها‪ .‬أوهلا‬
‫عيل وعىل‬
‫عىل آخرها وآخرها عىل أوهلا لتكون كلها يف شكر نعمتك ّ‬
‫والدي‪ ..‬وكذلك تكون احلساسية املرهفة بتقوى اهلل وخشيته والتشوق‬
‫ّ‬
‫إىل رضاه ورمحته يف اللحظة التي تتجىل فيها نعمته"‪.‬‬
‫بل رباه عىل علو اهلمة يف الدعاء‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛﭼ[ص ‪" .]35‬يف هذه‬
‫اآلية أدب من آداب الدعاء‪ :‬وهو تعظيم الرغبة‪ ،‬وعلو اهلمة يف الطلب‪،‬‬
‫فسليامن مل يكتف بسؤال اهلل املغفرة‪ ،‬ولكنه ‪ -‬لعلو مهته وعلمه بسعة فضل‬
‫ربه ‪ -‬سأله مع ذلك ملكًا ال ينبغي ألحد من بعده‪ ،‬فأجاب اهلل دعاءه‪،‬‬
‫وسخر له الريح‪ ،‬والشياطني‪ ،‬بل وله يف اآلخرة زلفى وحسن مآب"(((‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تربية على الشكر والتفنن فيه‪:‬‬
‫ظهر أثر هذه الرتبية من خالل عدد من املواقف‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫((( من تدبرات د‪ .‬حممد احلمد ضمن جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪160‬‬
‫‪ - 1‬الترصيح بشكر اهلل واعرتافه بنعم اهلل تعاىل‪:‬‬
‫كام قال تعاىل‪ :‬ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [النمل‪" ]15‬وهذا عنوان‬
‫سعادة العبد‪ :‬أن يكون شاكر ًا هلل عىل نعمه الدينية والدنيوية‪ ،‬وأن‬
‫يرى مجيع النعم من ربه‪ ،‬فال يفخر هبا وال يعجب هبا‪ ،‬بل يرى أهنا‬
‫تستحق عليه شكر ًا كثري ًا"(((‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ [النمل‪.]16‬‬
‫وملا أرسلت إليه ملكة سبأ هبدايا‪ ،‬ذكر نعمة اهلل عليه وشكرها‬
‫باعرتافه بالنعم ونسبها هلل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [النمل‪]36‬‬
‫وملا أراد أن يأيت بعرش ملكة سبأ ووجده أمامه شكر نعمة اهلل تعاىل‬
‫كذلك واعرتف هبا‪ ،‬كام قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬
‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ‬
‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬
‫ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﱠ[النمل‪.]40‬‬
‫"لقد ملست هذه املفاجأة الضخمة قلب سليامن ‪ -‬عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ -‬واستشعر أن هذه النعمة ابتالء ضخم خميف‬
‫حيتاج إىل يقظة‪ ،‬وحيتاج إىل عون من اهلل ليتقوى عليه وحيتاج‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.602‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪161‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫إىل معرفة النعمة والشعور بفضل املنعم‪ ،‬ليعرف اهلل منه هذا‬
‫الشعور فيتواله"‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﭼ‬
‫[النمل‪ .]40 :‬حيث أنه "وملا َذكر الفضل أضافه إىل اهلل بعنوان كونه‬
‫ر ّبه إلظهار أن فضله عليه عظيم إذ هو عبد ربه"(((‪.‬‬
‫‪- 2‬طلب سليامن عليه الصالة والسالم من اهلل تعاىل اإلعانة‬
‫عىل الشكر‪:‬‬
‫كام قال تعاىل‪ :‬ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﭼ [النمل‪ ]19 - 18‬أي‪ ":‬أهلمني أن أشكر نعمتك‬
‫التي مننت هبا عيل‪ ،‬من تعليمي منطق الطري واحليوان‪ ،‬وعىل والدي‬
‫باإلسالم لك‪ ،‬واإليامن بك‪ ،‬ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ أي‪:‬‬
‫عمال حتبه وترضاه‪ ،‬ﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ‬
‫أي‪ :‬إذا توفيتني فأحلقني بالصاحلني من عبادك‪ ،‬والرفيق األعىل من‬
‫أوليائك"(((‪.‬‬
‫"ويروى عن داود عليه الصالة والسالم أنه قال‪ :‬يا رب كيف‬
‫أشكرك والشكر نعمة أخرى منك أحتاج عليها إىل شكر آخر؟‬
‫فأوحى اهلل تعاىل إليه‪ :‬يا داود إذا علمت أن ما بك من نعمة فمني‬
‫فقد شكرتني"(((‪.‬‬

‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.272 /19‬‬


‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.183/6‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.417/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪162‬‬

‫ثالثا‪ :‬تربيته على التوبة واإلنابة لله تعالى‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬
‫ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ [ص ‪.]35–٣٠‬‬
‫فقوله‪ :‬ﭽ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﭼ "أي كثري الرجوع إىل اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬بالتوبة واإلنابة"(((‪.‬‬
‫ويف قوله‪ :‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ "بدأ بطلب املغفرة قبل طلب ا ُمللك‬
‫العظيم؛ وذلك َّ‬
‫ألن زوال أثر الذنوب هو الذي حيصل به املقصود‪،‬‬
‫كثريا من املصالح‪ ،‬فعىل املؤمن‬
‫فالذنوب ترتاكم عىل القلب‪ ،‬ومتنعه ً‬
‫أن يسأل ر َّبه التخلص من هذه الذنوب قبل أن يسأل ما يريد"(((‪.‬‬
‫وقد مدح اهلل تعاىل والده داود فقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜﭼ[ص‪ ]١٧ :‬إشارة إىل‬
‫أن صالح األب يأيت باخلري عىل األبناء وهذا من عناية اهلل تعاىل‬
‫بسليامن عن طريق والده داود عليهام الصالة والسالم‪.‬‬

‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.256/8‬‬


‫((( تفسري سورة ص البن عثيمني صفحة ‪.167‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪163‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫رابعا‪ :‬التربية على التواضع للعلم ولمن هو أعلم‪:‬‬


‫ويظهر أثر هذا اجلانب املهم من الرتبية من موقفه من اهلدهد‬
‫الذي قال له‪ :‬ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﭼ[النمل‪.]22 :‬‬
‫"أي‪ :‬عندي العلم علم ما أحطت به عىل علمك الواسع وعىل‬
‫درجتك فيه"(((‪.‬‬
‫"سليامن ‪ -‬الذي أويت النبوة وامللك ‪ -‬قال له اهلدهد ﭽ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ فتواضع سليامن وقبل احلق؛ فكان سبب إسالم‬
‫مملكة كاملة"(((‪ ،‬وهذا فيه "التنبيه عىل أن أضعف اخللق قد يؤيت ماال‬
‫يصل إليه أقواهم لتتحاقر إىل العلامء علومهم ويردوا العلم يف كل‬
‫يشء إىل اهلل"(((‪.‬‬
‫خامسا‪:‬تربيته على القناعة بما رزقه الله وعدم الخضوع للمغريات‬
‫الدنيوية‪:‬‬
‫وظهر أثر هذه الرتبية يف موقفه من هدية ملكة سبأ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠﭼ [النمل‪" .]36 - 35 :‬ففي الرد استهزاء باملال‪،‬‬
‫واستنكار لالجتاه إليه يف جمال غري جماله‪ .‬جمال العقيدة والدعوة"‪.‬‬
‫"إنام هي رشوة وبيع احلق بالباطل‪ ،‬وهى الرشوة التي ال حتل‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.602‬‬


‫((( من تدبرات د‪ .‬نارص العمر ضمن جمموعة ليدبروا آيته‪.‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.419/5‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪164‬‬
‫لذلك ردها سليامن‪ ،‬وأما اهلدية املطلقة للتحبب والتواصل فإهنا‬
‫جائزة من كل أحد وعىل كل حال‪ ،‬وهذا ما مل يكن من مرشك"(((‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ؛ "ألنكم أهل مفاخرة يف‬
‫الدنيا ومكاثرة هبا تفرحون بإهداء بعضكم إىل بعض‪ ،‬فأما أنا فال‬
‫أفرح هبا وليست الدنيا من حاجتي؛ ألن اللهّ تعاىل قد مكنني فيها‬
‫وأعطاين منها ما مل يعط أحدا‪ ،‬ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة"(((‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬تربيته على التثبت من األخبار‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرتبية يف موقفه من اهلدهد ملا أخربه أنه عنده‬
‫علم يقني ليس عند سليامن‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [النمل‪" ]28–27 :‬فلم يترسع سليامن‬
‫يف تصديقه أو تكذيبه وال يستخفه النبأ العظيم الذي جاءه به‪.‬‬
‫إنام يأخذ يف جتربته‪ ،‬للتأكد من صحته‪ .‬شأن النبي العادل وامللك‬
‫احلازم"‪.‬‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.159 /16‬‬


‫((( معامل التنزيل للبغوي ‪.401 /3‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪165‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية العلمية لسليمان عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إبراز معامل الرعاية العلمية من اهلل تعاىل لسليامن عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬تعليم الله تعالى لسليمان عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ[النمل‪.]16 - ١5 :‬‬
‫"فإن اهلل تعاىل آتى داود وسليامن من نعم الدنيا واآلخرة ما ال‬
‫ينحصـر‪ ،‬ومل يذكر من ذلك ‪ -‬يف صدر اآلية ‪ -‬إال العلم؛ ليبني أنه‬
‫األصل يف النعم كلها!"(((‪.‬‬
‫"ال يذكر هنا نوع العلم وموضوعه ألن جنس العلم هو‬
‫املقصود باإلبراز واإلظهار‪ .‬ولإلحياء بأن العلم كله هبة من اهلل‪،‬‬
‫وبأن الالئق بكل ذي علم أن يعرف مصدره‪ ،‬وأن يتوجه إىل اهلل‬
‫باحلمد عليه‪ ،‬وأن ينفقه فيام يريض اهلل الذي أنعم به وأعطاه"‪.‬‬
‫‪ )2‬تفضيل الله تعالى سليمان عليه الصالة والسالم بالعلم والفهم‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ [األنبياء ‪.]79 - 78‬‬

‫((( فتاوى السبكي ‪.73 /1‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪166‬‬

‫فقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧﭼ قال القرطبي‪" :‬يف اآلية‬


‫تفضيله له عىل داود‪ ،‬وفضيلته راجعة إىل داود والوالد ترسه زيادة‬
‫ولده عليه"(((‪.‬‬
‫فلقد أويت داود وسليامن احلكمة والعلم‪ ،‬فليس يف قضاء داود‬
‫من خطأ‪ ،‬ولكن قضاء سليامن كان أصوب‪ ،‬قال احلسن‪" :‬كان‬
‫احلكم بام قىض سليامن ومل يعنف اهلل تعاىل داود يف حكمه"(((‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية المهارية لسليمان عليه الصالة والسالم‬
‫وذلك بأن أعطاه اهلل عوامل التمكني‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ )1‬آتاه الله تعالى الملك‪:‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﭼ [األنبياء‪ .]79‬وامللك وإدارة األمور من أهم املهارات‬
‫التي حيتاجها الداعية يف دعوته للناس وقيادهتم‪.‬‬
‫‪ )2‬تربيته على اإلتقان في العمل ومتابعته الرعية بنفسه‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ[النمل‪.]20 :‬‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.38/11‬‬


‫((( جامع البيان للطربي ‪ ،328/16‬تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪،356/5‬‬
‫الدر املنثور للسيوطي ‪.325/4‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪167‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫"ففي هذه اآلية دليل عىل تفقد اإلمام أحوال رعيته‪ ،‬واملحافظة‬
‫ف عىل سليامن حاله‪،‬‬‫عليهم‪ ،‬فانظر إىل اهلدهد مع صغره كيف مل يخَ َ‬
‫فكيف بعظام امللك‪ ،‬ويرحم اهلل عمر فإنه كان عىل سريته‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لو أن سخلة عىل شاطئ الفرات أخذها الذئب ليسأل عنها عمر‪،‬‬
‫بوال تذهب عىل يديه البلدان‪ ،‬وتضيع الرعية ويضيع‬ ‫فام ظنك ٍ‬
‫الرعيان"(((‪.‬‬
‫"ندرك من افتقاد سليامن هلذا اهلدهد سمة من سامت شخصيته‪:‬‬
‫سمة اليقظة والدقة واحلزم‪ .‬فهو مل يغفل عن غيبة جندي من هذا‬
‫احلرش الضخم من اجلن واإلنس والطري‪ ،‬الذي جيمع آخره عىل‬
‫أوله كي ال يتفرق وينتكث"‪.‬‬
‫‪ )3‬رعاية التسخير والنصرة والتأييد‪:‬‬
‫سخر اهلل تعاىل لسليامن عليه الصالة والسالم كل يشء من‬
‫اجلن واإلنس والطري والريح‪ ،‬وجاءت هذه الرعاية يف عدة آيات‬
‫قرآنية‪ ،‬ومنها‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭼ[األنبياء‪.]٨٢ - 81 :‬‬
‫ومنها قوله تعاىل‪ :‬ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﭼ [سبأ‪.]١٣–12 :‬‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.131 /16‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪168‬‬
‫وأكدت هذه الرعاية من التسخري والنرصة آية أخرى وهي قوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧﯨ‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ [ص‪.]٤٠ - 35 :‬‬
‫تعاىل‪:‬‬ ‫وتتضح الشمولية يف هذا التسخري من خالل قوله‬
‫ﱡﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬
‫ﱼﱠ[النمل‪.]17‬‬
‫قال ابن سعدي‪" :‬ملا ذكر فضله عىل داود عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬ذكر فضله عىل ابنه سليامن‪ ،‬عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫وأن اللهّ سخر له الريح جتري بأمره‪ ،‬وحتمله‪ ،‬وحتمل مجيع ما معه‪،‬‬
‫وتقطع املسافة البعيدة جدا‪ ،‬يف مدة يسرية‪ ،‬فتسري يف اليوم‪ ،‬مسرية‬
‫شهرين‪ .‬ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ أي‪ :‬أول النهار إىل‬
‫الزوال ﭽﮦ ﮧﭼ من الزوال‪ ،‬إىل آخر النهار ﭽ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﭼ أي‪ :‬سخرنا له عني النحاس‪ ،‬وسهلنا له األسباب‪ ،‬يف‬
‫استخراج ما يستخرج منها من األواين وغريها‪.‬‬
‫وسخر اهللُ لسليامن‪ ،‬الشياطني واجلن‪ ،‬ال يقدرون أن يستعصوا‬
‫عن أمره‪ ،‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ‬
‫وأعامهلم كل ما شاء سليامن‪ ،‬عملوه ﭽ ﯦ ﯧﭼ وهو كل بناء‬
‫يعقد‪ ،‬وحتكم به األبنية‪ ،‬فهذا فيه ذكر األبنية الفخمة‪ ،‬ﭽ ﯨﭼ‬
‫أي‪ :‬صور احليوانات واجلامدات‪ ،‬من إتقان صنعتهم‪ ،‬وقدرهتم عىل‬
‫ذلك وعملهم لسليامن ﭽ ﯩ ﯪ ﭼ أي‪ :‬كالربك الكبار‪،‬‬
‫يعملوهنا لسليامن للطعام‪ ،‬ألنه حيتاج إىل ما ال حيتاج إليه غريه‪،‬‬
‫ويعملون له قدورا راسيات ال تزول عن أماكنها‪ ،‬من عظمها"(((‪.‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.676‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪169‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الرابع‬
‫الرعاية الدعوية لسليمان عليه الصالة والسالم‬
‫‪ - 1‬تعليمه الدعوة إلى التوحيد‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅﮇﭼ [النمل‪.]26–23 :‬‬
‫فهذا املوقف يدل عىل عناية سليامن عليه الصالة والسالم‬
‫بالتوحيد وغرسه يف قلوب رعيته ومسارعتهم يف تغيري أي مظهر‬
‫من مظاهر الرشك‪.‬‬
‫‪ - 2‬حرصه على الدعوة إلى الله‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕ ﭼ [النمل‪ .]31–29 :‬فبمجرد وصول خرب البلدة التي ترشك‬
‫باهلل تعاىل أرسل إليهم مبارشة من يدعوهم إىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫"وهذا يف غاية الوجازة مع البيان التام؛ فإنه تضمن هنيهم عن‬
‫العلو عليه‪ ،‬والبقاء عىل حاهلم التي هم عليها‪ ،‬واالنقياد ألمره‪،‬‬
‫والدخول حتت طاعته‪ ،‬وجميئهم إليه‪ ،‬ودعوهتم إىل اإلسالم"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.406‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪170‬‬
‫ولذا كان "هذا الكتاب يف غاية البالغة والوجازة والفصاحة؛‬
‫فإنه حصل املعنى بأيرس عبارة وأحسنها"(((‪ .‬فــ"الكتاب برسالته‬
‫ال بكثرة كلامته"(((!‬
‫‪ - 3‬تعليمه مهارة اإلقناع الدعوي وإقامة الحجة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬
‫ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ‬
‫ﰡ ﰢ ﰣ ﭼ[النمل‪ .]٤٤ - 41 :‬فهنا أراد أن يدعوها للتوحيد‬
‫بأن يظهر هلا من قوة اهلل وقدرته‪ ،‬ونعمه‪ ،‬وعظمته ما يبهرها‪.‬‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.349/3‬‬


‫((( من تدبرات د‪ .‬حممد الربيعة ‪ -‬جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪171‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المبحث السادس‬
‫رعاية الله أليوب عليه الصالة والسالم‬
‫قص اهلل تعاىل يف القرآن أبرز مرحلة من حياة أيوب عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬التي متثل تسلية لكل الناس عامة وللدعاة‬
‫خاصة‪ ،‬يربز اهلل فيها مدى رعايته لعبده وما وصل إليه من تربية‬
‫جتعله يتحمل هذا البالء‪ ،‬وما جازاه اهلل عىل هذا الصرب العظيم‪..‬‬
‫ونربز هذه الرعاية الربانية أليوب عليه الصالة والسالم من‬
‫خالل املطالب التالية‪:‬‬

‫المطلب األول‬
‫رعاية الله تعالى أيوب عليه الصالة والسالم‬
‫من خالل ابتالئه‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [ص‪.]٤٤–٤١ :‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭼ [األنبياء‪.]84 - 83‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪172‬‬
‫ومعنى اآليات‪" :‬واذكر عبدنا ورسولنا‪ ،‬أيوب ‪ -‬مثنيا‬
‫معظام له‪ ،‬رافع ًا لقدره ‪ -‬حني ابتاله‪ ،‬ببالء شديد‪ ،‬فوجده صابر ًا‬
‫راضي ًا عنه‪ ،‬وذلك أن الشيطان سلط عىل جسده‪ ،‬ابتالء من اهلل‪،‬‬
‫وامتحان ًا فنفخ يف جسده‪ ،‬فتقرح قروح ًا عظيمة ومكث مدة‬
‫طويلة‪ ،‬واشتد به البالء‪ ،‬ومات أهله‪ ،‬وذهب ماله‪ ،‬فنادى ربه‪:‬‬
‫رب ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ فتوسل إىل اهلل‬
‫باإلخبار عن حال نفسه‪ ،‬وأنه بلغ الرض منه كل مبلغ‪ ،‬وبرمحة ربه‬
‫الواسعة العامة فاستجاب اهلل له‪ ،‬وقال له‪ :‬ﭽﰋ ﰌﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﰐ ﰑﭼ‪ .‬فركض برجله فخرجت من ركضته عني‬
‫ماء باردة فاغتسل منها ورشب‪ ،‬فأذهب اهلل عنه ما به من األذى‪،‬‬
‫ﭽﭳ ﭴﭼ أي‪ :‬رددنا عليه أهله وماله‪.‬‬
‫ﭽﭵﭶﭼ بأن منحه اهلل العافية من األهل واملال شيئ ًا‬
‫كثري ًا‪ ،‬ﭽﭷﭸﭹﭼ به‪ ،‬حيث صرب وريض‪ ،‬فأثابه اهلل ثوابا‬
‫عاجال قبل ثواب اآلخرة‪.‬‬
‫ﭽﭺﭻﭼ أي‪ :‬جعلناه عربة للعابدين‪ ،‬الذين‬
‫ينتفعون بالعرب‪ ،‬فإذا رأوا ما أصابه من البالء‪ ،‬ثم ما أثابه اهلل بعد‬
‫زواله‪ ،‬ونظروا السبب‪ ،‬وجدوه الصرب"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.528‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪173‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية التربوية أليوب عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن بيان جوانب رعاية اهلل تعاىل أليوب عليه السالم يف‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تربيته على اللجوء لله تعالى‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرعاية يف ثناء اهلل عليه بقوله‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﭼ وقال تعاىل‪ :‬ﭽﭠﭡﭢﭣﭼ "أي‪:‬‬
‫ﭽﯿ ﰀ ﰁﭼ بأحسن الذكر‪ِ ،‬‬
‫وأثن عليه بأحسن الثناء‪ ،‬حني‬
‫أصابه الرض‪ ،‬فصرب عىل رضه‪ ،‬فلم يشتك لغري ربه‪ ،‬وال جلأ إال إليه‪،‬‬
‫فـنَا َدى َر َّب ُه داعي ًا‪ ،‬وإليه ال إىل غريه شاكي ًا ‪ -‬وقال تعاىل عنه يف ختام‬
‫اآليات‪ :‬ﭽ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬﭼ ‪ -‬أي‪ :‬كثري الرجوع إىل اللهّ‪ ،‬يف مطالبه‬
‫الدينية والدنيوية‪ ،‬كثري الذكر لربه والدعاء‪ ،‬واملحبة والتأله"(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬تربيته على حسن األدب في الدعاء‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرعاية عىل حسن األدب يف الدعاء ويف‬
‫ثناء اهلل عليه بقول‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ[ص‪ .]41 :‬وبقوله‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ [األنبياء‪.]٨٣ :‬‬
‫قال السعدي‪" :‬فتوسل إىل اهلل باإلخبار عن حال نفسه‪ ،‬وأنه بلغ الرض‬
‫منه كل مبلغ‪ ،‬وبرمحة ربه الواسعة العامة"(((‪.‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪ 714‬بترصف واختصار‪.‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.714‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪174‬‬
‫"فجمع يف دعائه بني التوحيد‪ ،‬وإظهار الفقر‪ ،‬وطعم املحبة يف‬
‫التملق له‪ ،‬واإلقرار له بصفة الرمحة‪ ..‬ومتى وجد املبتىل هذا كُشفت‬
‫عنه بلواه!"(((‪.‬‬
‫"وأيوب هنا يف دعائه ال يزيد عىل وصف حاله‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭼ ووصف ربه بصفته‪ :‬ﭽﭧ ﭨ ﭩﭼ‪ .‬ثم ال‬
‫يدعو بتغيري حاله‪ ،‬صرب ًا عىل بالئه‪ ،‬وال يقرتح شيئ ًا عىل ربه‪ ،‬تأدب ًا‬
‫معه وتوقري ًا‪ ،‬بل إنه ليتحرج أن يطلب إىل ربه رفع البالء عنه‪ ،‬فيدع‬
‫األمر كله إليه‪ ،‬اطمئنان ًا إىل علمه باحلال وغناه عن السؤال"‬
‫"ومل يتعلق أيوب بيشء من عمله أو صربه‪ ،‬لكن تعلق بإيامنه‬
‫العميق أن ربه أرحم الرامحني"(((‪.‬‬
‫"فوصف نَفسه؛ َووصف ربه؛ بِ َو ْصف يت ََض َّمن ُسؤال َرمحته‬
‫الس َؤال‪َ ،‬و َه َذا من َباب‬ ‫ِ ِ‬
‫بكشف رضه‪َ ،‬وهي صي َغة خرب ت ََض َّمنت ُّ‬
‫حسن الأْ َ َدب فيِ ُّ‬
‫الس َؤال"(((‪.‬‬
‫ويظهر أدبه عليه الصالة والسالم أيضا حني مل ينسب ما حل‬
‫به من البالء إىل اهلل‪ ،‬مع أن األفعال كلها خريها ورشها؛ خالقها هو‬
‫الرش ال ينسب إليه ذكرا‪ ،‬وإن كان‬ ‫اهلل ال رشيك له يف خلقه‪ ،‬ولكن َّ‬
‫أدب أدبنا به ربنا عز وجل‪ ،‬ويعلمنا إياه هنا‬ ‫موجودا منه َخ ْلقا‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫سيدنا أيوب عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومنه قول إبراهيم عليه الصالة‬
‫والسالم‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء‪.(((]80:‬‬
‫((( الفوائد البن القيم ص ‪.301‬‬
‫((( من تدبرات د‪ .‬عبداهلل بن قاسم ضمن جمموعة ليدبروا آيته‪.‬‬
‫((( دقائق التفسري‪ ،‬ابن تيمية‪.)362 /2( :‬‬
‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪ ،210 /15‬وأيضا‪ :‬املستفاد من قصص‬
‫األنبياء للدعوة والدعاة‪ ،‬عبد الكريم زيدان‪.451/1 :‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪175‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 3‬تربيته على الصبر على البالء‪:‬‬


‫ويظهر أثر هذه الرعاية يف ثناء اهلل عليه بقوله‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧﭨ ﭩﭼقال ابن كثري‪" :‬يذكر تعاىل عن أيوب‪ ،‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬ما كان أصابه من البالء‪ ،‬يف ماله وولده وجسده‪ ،‬وذلك‬
‫أنه كان له من الدواب واألنعام واحلرث يشء كثري‪ ،‬وأوالد كثرية‪،‬‬
‫ومنازل مرضية‪ .‬فابتيل يف ذلك كله‪ ،‬وذهب عن آخره‪ ،‬ثم ابتيل يف‬
‫جسده‪ ..‬وقد كان نبي اهلل أيوب عليه الصالة والسالم‪ ،‬غاية يف‬
‫الصرب‪ ،‬ففرج اهلل عنه‪ ،‬و َع َظ َّم له األجر‪ ،‬وأحسن عليه الثناء"(((‪.‬‬
‫فقوله‪ :‬ﭽﭤﭥﭦﭼأي‪" :‬ابتليناه بالرض العظيم‪ ،‬فصرب‬
‫لوجه اهلل تعاىل"(((‪ .‬فــ"مقام الصرب ال يساويه يشء‪ ،‬ألن الطريق‬
‫إليه سبحانه ال ينفك يشء منه عن صرب وقهر للنفس وجرب‪ ،‬ألهنا‬
‫باإلمجاع خالف ما تدعو إليه الطبائع"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬تربيته على التوبة والرجوع إلى الله‪:‬‬
‫ويظهر أثر هذه الرعاية يف ثناء اهلل عليه بقوله‪ :‬ﭽ ﭨ ﭩ ﭫ‬
‫ﭬﭼ أي‪" :‬إنه عىل طاعة اهلل مقبل‪ ،‬وإىل رضاه َّ‬
‫رجاع"(((‪ .‬فهو‬
‫"ر َّجاع منيب"(((‪" .‬كثري الرجوع إىل اهلل تعاىل‪ ،‬بالتوبة واإلنابة"(((‪.‬‬
‫َ‬

‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪ 359/5‬باختصار‪.‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص ‪.714‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.390 /6‬‬
‫((( جامع البيان للطربي ‪.214 /21‬‬
‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.76 /7‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.256/8‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪176‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية الصحية واالجتماعية‬
‫أليوب عليه الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل تعاىل الصحية واالجتامعية أليوب عليه‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪- 1‬شفاؤه من بعد مرضه‪ :‬وجعل سبب ذلك دعاءه وإنابته‬
‫لربه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭼ [األنبياء‪.]٨٤ :‬‬
‫‪- 2‬دعوته للسعي لعالج نفسه‪ :‬وبني له الطرق لذلك‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭼ‬
‫عني‬
‫[ص‪" ]42 :‬أي‪ :‬ارضب األرض هبا‪ ،‬لينبع لك منها ٌ‬
‫تغتسل منها وترشب‪ ،‬فيذهب عنك الرض واألذى‪ ،‬ففعل‬
‫ذلك‪ ،‬فذهب عنه الرض‪ ،‬وشفاه اللهّ تعاىل"(((‪.‬‬
‫وهذا فيه تربية أليوب عليه الصالة والسالم ومن بعده "بأنه‬
‫سبحانه وتعاىل جيري أقداره عىل أسباب يقوم هبا الناس‪ ،‬فإنه قادر‬
‫عىل شفاء أيوب عليه الصالة والسالم بقوله "كن" "فيكون"‪،‬‬
‫ولكنه جل جالله أمره أن يرضب األرض بقدمه لينبغ املاء فيرشب‬
‫منه ويغتسل؛ فيزول بذلك ما حل به داء باطني وخارجي"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.714‬‬


‫((( دعوة الرسل عليهم السالم‪ ،‬أمحد غلوش ‪.251/1‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪177‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪- 3‬تعويض اهلل له‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬


‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ‪ .‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ [األنبياء‪" ]٨٤ :‬قال احلسن وقتادة‪:‬‬
‫أحياهم اهلل تعاىل له بأعياهنم وزادهم مثلهم معهم"(((‪.‬‬
‫‪- 4‬إصالح اهلل ما بينه وبني زوجته‪ :‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭼ‪.‬‬
‫قال ابن كثري‪" :‬وذلك أن أيوب عليه الصالة والسالم كان قد‬
‫غضب عىل زوجته ووجد عليها يف أمر فعلته‪ .‬قيل‪ :‬إهنا باعت ضفريهتا‬
‫بخبز فأطعمته إياه فالمها عىل ذلك وحلف إن شفاه اهلل ليرضبنها مائة‬
‫جلدة‪ .‬وقيل‪ :‬لغري ذلك من األسباب‪ .‬فلام شفاه اهلل وعافاه ما كان‬
‫جزاؤها مع هذه اخلدمة التامة والرمحة والشفقة واإلحسان أن تقابل‬
‫بالرضب فأفتاه اهلل عز وجل أن يأخذ ضغ ًثا ‪ -‬وهو‪ِّ :‬‬
‫الشمراخ ‪ -‬فيه‬
‫مائة قضيب فيرضهبا به رضبة واحدة وقد َب ّرت يمينه وخرج من حنثه‬
‫ووىف بنذره وهذا من الفرج واملخرج ملن اتقى اهلل وأناب إليه وهلذا‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬﭼ"(((‪ ،‬فأصلح اهلل له‬
‫زوجته‪ ،‬وأصلح ما بينه وبينها من املغاضبة وأسباهبا‪.‬‬

‫((( أخرجه الطربي يف جامع البيان ‪ ،212 /21‬وابن كثري تفسري القرآن العظيم‬
‫البن كثري ‪.75 /7‬‬
‫((( تفسري القرآن العظيم البن كثري ‪.76 /7‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪178‬‬

‫المبحث السابع‬
‫رعاية الله لزكريا ويحيى عليهما الصالة والسالم‬
‫نبي اهلل زكريا وابنه حييى عليهام السالم‪ ،‬قد حظيا برعاية‬
‫ربانية من اهلل تعاىل سجلها القرآن الكريم ليستلهم منها الدعاة‬
‫واملصلحون واملربون منهجا عمليا يف الرتبية والرعاية والتوجيه‪.‬‬

‫ويمكن بيان رعاية اهلل تعاىل لزكريا وحييى عليهام الصالة‬


‫والسالم من خالل املطالب التالية‪:‬‬

‫المطلب األول‬
‫الرعاية التربوية والعلمية‬
‫لزكريا ويحيى عليهما الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل تعاىل الرتبوية والعلمية لزكريا وحييى‬
‫عليهام الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬التربية على العبودية لله تعالى‪:‬‬
‫من ثمرة تربية اهلل تعاىل زكريا وحييى عليهام السالم عىل‬
‫العبودية‪ ،‬وصف اهلل زكريا بالعبودية يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭼ [مريم‪.]٢ :‬‬
‫ومجع بينه وبني حييى يف مظاهر تلك العبودية يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﭼ‬
‫[األنعام‪ ،]٨٥ :‬ويف قوله‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪179‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ [األنبياء‪]٩٠ :‬‬
‫فاملسارعة يف اخلريات والصالح يف الدين أوصلتهم ملرتبة العبودية‪.‬‬
‫ومن مظاهر عبوديته ما ذكره اهلل تعاىل من كثرة عبادته يف‬
‫قوله‪ :‬ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭼ [آل عمران‪ ،]39‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ[مريم‪ ،]١١ :‬فقد‬
‫جاءه الفرج من اهلل وهو قائم هلل تعاىل متجها إليه‪ ،‬فالتعبري بالقيام‬
‫هلل تعاىل يشري إىل االجتهاد يف العبادة‪.‬‬
‫ومن مظاهر العبودية التقوى التي وصف اهلل هبا حييى بقوله‪:‬‬
‫ﱹﭟ ﭠﱸ [مريم‪" ]13‬موصوالً باهلل‪ ،‬متقي ًا له‪ ،‬مراقب ًا له‪ ،‬خيشاه‬
‫ويستشعر رقابته عليه يف رسه ونجواه‪ .‬ذلك هو الزاد الذي آتاه اهلل‬
‫حييى يف صباه‪ ،‬ليخلف أباه كام توجه إىل ربه وناداه نداء خفيا‪.‬‬
‫فاستجاب له ربه ووهب له غالم ًا زكي ًا"‪.‬‬
‫‪ - 2‬تربيته على كثرة الذكر والدعاء وأدب المناجاة لربه‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﱠ‬
‫[آل عمران‪" ]41‬قال حممد بن كعب‪ :‬لو رخص اهلل ألحد يف ترك‬
‫الذكر لرخص لزكريا ألنه منعه من الكالم وأمره بالذكر"(((‪.‬‬
‫وظهرت ثمرة هذه الرتبية يف دعاء زكريا عليه الصالة والسالم‬
‫ومناجاته لربه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ[آل عمران‪.]٣٨ :‬‬
‫فمن أدبه يف الدعاء قال‪ :‬ﭽﭗ ﭘ ﭙ ﭼ "فجاء الطلب بلفظ‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.315/2‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪180‬‬
‫اهلبة ألن اهلبة إحسان حمض ليس يف مقابلة يشء وهو يناسب ما ال‬
‫دخل فيه للوالد لكرب سنه وال للوالدة لكوهنا عاقرة ال تلد"(((‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ[مريم‪.]٥ – ٢ :‬‬
‫"وإنام كان خفي ًا ألن زكريا رأى أنه أدخل يف اإلخالص‬
‫مع رجائه ّ‬
‫أن اهلل جييب دعوته لئال تكون استجابته مما يتحدث‬
‫به الناس"(((‪" ،‬إنه يناجي ربه بعيدا عن عيون الناس‪ ،‬بعيدا عن‬
‫أسامعهم‪ .‬يف عزلة خيلص فيها لربه‪ ،‬ويكشف له عام يثقل كاهله‬
‫ويكرب صدره»‪ .‬كل هذا يف خضوع يف الدعاء وإظهار الذل‬
‫واملسكنة والضعف واحلاجة هلل تعاىل"‪.‬‬
‫ويف قوله‪ :‬ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭼ صورة من‬
‫صور األدب مع اهلل يف الدعاء‪" ،‬فاملعنى إنك عودتني أجابتك‬
‫وإسعافك ومل تشقني بالرد واحلرمان فهو توسل إليه تعاىل بام سلف‬
‫من إجابته وإحسانه"‬
‫(((‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬


‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ[األنبياء‪ ،]٨٩ :‬إنه األدب مع اهلل‬
‫واالعرتاف بنعم اهلل‪ ،‬وحسن العرض ملا هو مهموم به‪.‬‬
‫((( روح املعاين لأللويس ‪.144/3‬‬
‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.62 /16‬‬
‫((( بدائع التفسري البن القيم ‪.134/3‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪181‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 3‬تربيتهما على قدرة الله تعالى على كل شيء‪:‬‬


‫تربى زكريا وحييى عليهام الصالة والسالم أن اهلل قادر عىل كل‬
‫يشء وأنه سبحانه ال يعجزه يشء‪ ،‬فأكرمه اهلل بام خرق به العادة‬
‫أن وهب له الولد رغم كربه وعقم زوجته‪ ،‬وتربى حييى عىل هذا‬
‫املعنى ألنه هو نتاج تلك التجربة والرتبية‪..‬‬
‫وجاءت هذه الرتبية يف ثالثة مواقف‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن طريق مريم أم عيسى‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﳉ ﳊ‬
‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ‬
‫ﳖﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ‬
‫ﳤﱠ [آل عمران‪ ]37‬فقد رأى زكريا بنفسه قدرة اهلل تعاىل يف‬
‫الرزق‪ ،‬وتأكد له ذلك بقول مريم‪:‬ﱡﭐﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ‬
‫ﳤﱠ أي‪" :‬من غري حسبان من العبد وال كسب"(((‪.‬‬
‫الثاين‪" :‬ملا رأى زكريا عليه الصالة والسالم ما من اهلل به عىل مريم‪،‬‬
‫وما أكرمها به من رزقه اهلنيء الذي أتاها بغري سعي منها وال كسب‪،‬‬
‫طمعت نفسه بالولد"((( قال تعاىل‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [آل عمران‪.]٣٨ :‬‬
‫وملا كان حاله حال من ال يرجى له الولد لكرب سنه وأن زوجته‬
‫عاقر‪ - ،‬مع كل هذا ‪ -‬استجاب اهلل دعاءه‪ ،‬فقال زكريا عليه الصالة‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.128‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.128‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪182‬‬

‫والسالم‪:‬ﱡﭐﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ[آل عمران‪،]40‬‬
‫وقال يف موضع آخر‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ[مريم‪.]8‬‬
‫جاءه اجلواب يف بساطة ويرس‪ ،‬ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﭼ[مريم‪ ]9‬إنه‪:‬‬
‫"يرد األمر إىل نصابه‪ .‬ويرده إىل حقيقته التي ال عرس يف فهمها‪ ،‬وال‬
‫غرابة يف كونه‪ :‬ﱡﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱠ‪ ..‬فاألمر‬
‫مألوف مكرور معاد حني يرد إىل مشيئة اهلل وفعله الذي يتم دائ ًام‬
‫عىل هذا النحو ولكن الناس ال يتفكرون يف الطريقة‪ ،‬وال يتدبرون‬
‫الصنعة‪ ،‬وال يستحرضون احلقيقة!"(((‪.‬‬
‫"فكام أنه تعاىل قدر وجود األوالد باألسباب التي منها‬
‫التناسل‪ ،‬فإذا أراد أن يوجدهم من غري ما سبب فعل‪ ،‬ألنه ال‬
‫يستعيص عليه يشء"(((‪" ،‬فاهلل تعاىل ال حيتاج إىل سبب بل اهللُ َي ْف َع ُل‬
‫ما َيشا ُء ال يعجزه يشء وال يتعاظمه أمر"‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ملا جاءت البرشى لزكريا بالولد‪ ،‬قال استعجاال هلذا‬
‫األمر‪ ،‬وليحصل له كامل الطمأنينة‪.‬ﱡﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﱠ‬
‫[آل عمران‪ ]41‬أي‪ :‬عالمة عىل وجود الولد ﱡﭐﲁ ﲂ ﲃ‬
‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﱠ[آل عمران‪ ]41‬أي‪:‬‬
‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.315/2‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.129‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪183‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫"ينحبس لسانك عن كالمهم من غري آفة وال سوء‪ ،‬فال تقدر إال‬
‫عىل اإلشارة والرمز‪ ،‬وهذا آية عظيمة أن ال تقدر عىل الكالم‪ ،‬وفيه‬
‫مناسبة عجيبة‪ ،‬وهي أنه كام يمنع نفوذ األسباب مع وجودها‪ ،‬فإنه‬
‫يوجدها بدون أسباهبا ليدل ذلك أن األسباب كلها مندرجة يف‬
‫قضائه وقدره‪ ،‬فامتنع من الكالم ثالثة أيام"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬تربيته على التواضع‪:‬‬
‫ومن ثمرة هذه الرتبية أن أثنى اهلل عىل حييى بقوله‪ :‬ﱡﭐ ﱒ‬
‫ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱠ[مريم‪ ،]14‬فرباه اهلل تعاىل‪" :‬فلم‬
‫يكن متجرب ًا متكرب ًا عن عبادة اهلل‪ ،‬وال مرتفعا عىل عباد اهلل‪ ،‬وال‬
‫عىل والديه‪ ،‬بل كان متواضعا‪ ،‬متذلال مطيعا‪ ،‬أوابا هلل عىل الدوام‪،‬‬
‫فجمع بني القيام بحق اهلل‪ ،‬وحق خلقه"(((‪.‬‬
‫‪ - 5‬تربيته على الحنان‪:‬‬
‫قال تعاىل مثنيا عىل حييى عليه الصالة والسالم‪ :‬ﱡﭐ ﱊ ﱋ‬
‫ﱌﱠ[مريم‪" ]13‬قوالن‪ :‬أحدمها‪ :‬قال‪ :‬تعطف اهلل عز وجل عليه‬
‫بالرمحة والقول اآلخر ما أعطيه من رمحة الناس حتى خيلصهم من‬
‫الكفر والرشك"(((‪.‬‬
‫"آتاه احلنان هبة لدنِّية ال يتكلفه وال يتعلمه؛ إنام هو مطبوع‬
‫عليه ومطبوع به‪ .‬واحلنان صفة رضورية للنبي املكلف برعاية‬
‫القلوب والنفوس‪ ،‬وتأليفها واجتذاهبا إىل اخلري يف رفق"‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.129‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.491‬‬
‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.87/11‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪184‬‬

‫‪ - 6‬رزقه الطهارة والعفة‪:‬‬


‫قال تعاىل مثنيا عىل حييى عليه الصالة والسالم‪ :‬ﱡﭐﱊ ﱋ‬
‫ﱌ ﱍﱠ[مريم‪ ]13‬فقوله‪:‬ﱡﱍﱠ أي‪" :‬طهر قلبه وتزكى‬
‫‪،‬‬

‫عقله‪ ،‬وذلك يتضمن زوال األوصاف املذمومة‪ ،‬واألخالق‬


‫الرديئة‪ ،‬وزيادة األخالق احلسنة‪ ،‬واألوصاف املحمودة"(((‪" ،‬فآتاه‬
‫الطهارة والعفة ونظافة القلب والطبع؛ يواجه هبا أدران القلوب‬
‫ودنس النفوس‪ ،‬فيطهرها ويزكيه"‪.‬‬

‫‪ - 7‬رزقه السالمة واإلسالم‪:‬‬


‫إن السالم واإلسالم من حفظ اهلل تعاىل للعبد ولذلك‬
‫«حصلت له السالمة من اهلل‪ ،‬يف مجيع أحواله‪ ،‬مبادئها‬
‫وعواقبها‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﱸ [مريم‪" ]15‬وذلك يقتيض سالمته من الشيطان‪ ،‬والرش‪،‬‬
‫والعقاب يف هذه األحوال الثالثة وما بينها‪ ،‬وأنه سامل من النار‬
‫واألهوال‪ ،‬وأنه من أهل دار السالم‪ ،‬فصلوات اهلل وسالمه‬
‫عليه وعىل والده وعىل سائر املرسلني‪ ،‬وجعلنا من أتباعهم‪ ،‬إنه‬
‫جواد كريم"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.490‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.491‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪185‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الثاني‬
‫الرعاية األسرية لزكريا ويحيى عليهما الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل تعاىل األرسية لزكريا وحييى عليهام‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‬
‫‪ - 1‬إصالح زوجه والدة يحى‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ [األنبياء‪.]٩٠ :‬‬
‫"فبعدما كانت عاقر ال يصلح رمحها للوالدة‪ ،‬أصلح اهلل رمحها‬
‫للحمل ألجل نبيه زكريا"(((‪ ،‬وأصلحها كذلك بأن جعلها امرأة‬
‫عابدة هلل‪.‬‬
‫‪ - 2‬إشباع رغبة األبوة‪:‬‬
‫لقد استجاب اهلل لزكريا عليه الصالة والسالم دعاءه‪ ،‬ورزقه‬
‫بالولد الصالح الذي يرث دعوته وعلمه‪ .‬ﭽﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ[األنبياء‪.]90‬‬
‫‪ - 3‬توفيق الله لزكريا بحسن الدعاء بالذرية الصالحة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪:‬ﱡﭐﱲ ﱳ ﱴﱠ[مريم‪ ]6‬أي‪" :‬ال جبارا‬
‫وال غليظا‪ ،‬وال متبطرا وال طموعا‪ .‬ولفظة «ريض» تلقي هذه‬
‫الظالل‪ .‬فالريض الذي يرىض ويريض‪ .‬وينرش ظالل الرىض فيام‬
‫حوله ومن حوله"‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.530‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪186‬‬
‫"أي‪ :‬عبدا صاحلا ترضاه وحتببه إىل عبادك‪ ،‬مرضيا عند اهلل‬
‫وعند خلقه‪ ،‬وهذا أفضل ما يكون من األوالد‪ ،‬ومن رمحة اهلل‬
‫بعبده‪ ،‬أن يرزقه ولدا صاحلا‪ ،‬جامعا ملكارم األخالق وحمامد‬
‫الشيم"(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬جعل الله يحيى باراً بوالديه‪:‬‬
‫رزق اهلل تعاىل زكريا بيحيى غالم ًا بار ًا بوالديه‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭼ [مريم‪" .]١٤ :‬كان برا‬
‫بوالديه‪ ،‬مسارعا يف طاعتهام وحمبتهام‪ ،‬غري عاق هبام ﭽ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧﭼ أي‪ :‬مل يكن مستكربا عن طاعة ربه وطاعة والديه‪،‬‬
‫ولكنه كان هلل ولوالديه متواضعا متذلال يأمتر ملا أمر به‪ ،‬وينتهي عام‬
‫هني عنه‪ ،‬ال يعيص ربه‪ ،‬وال والديه"(((‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الرعاية الدعوية‬
‫لزكريا ويحيى عليهما الصالة والسالم‬
‫يمكن إمجال رعاية اهلل تعاىل الدعوية لزكريا وحييى عليهام‬
‫الصالة والسالم يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حرصه على ذرية تخلفه في دعوته‪:‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﱸ [مريم‪.]6 - 5‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.489‬‬


‫((( جامع البيان للطربي ‪.160 /18‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪187‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫فقد ع ّلم اهلل تعاىل زكريا علام ورثه من أجداده األنبياء‪ ،‬وأراد‬
‫أن يرزقه اهلل بالولد كي يرث هذا العلم وينرشه للناس‪ ،‬فقد "سأله‬
‫يورثه ما َله‪ ،‬فأعراض الدنيا أهون عند‬
‫علمه‪ ،‬ال من ِّ‬
‫يورثه َ‬ ‫نس ً‬
‫ال ِّ‬
‫األنبياء من أن يشفقوا عليها!" (((‪.‬‬
‫وهنا استجاب اهلل دعاءه ورزقه بيحيى عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫وكان من أول التوجيهات التي تلقاها حييى من اهلل تعاىل كان‬
‫توجيها للعلم والتعلم واجلد فيه‪ ،‬لرييض ربه ووالده وتستمر‬
‫دعوته‪ ،‬فقال تعاىل‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭼ [مريم‪ ]12‬فقد أمر اهلل تعاىل حييى من صغره أن حيرص‬
‫وجيتهد يف طلب العلم وأن يأخذه بقوة‪ .‬قال ابن سعدي‪" :‬أمره‬
‫اهلل أن يأخذ الكتاب بقوة‪ ،‬أي‪ :‬بجد واجتهاد‪ ،‬وذلك باالجتهاد‬
‫يف حفظ ألفاظه‪ ،‬وفهم معانيه‪ ،‬والعمل بأوامره ونواهيه‪ ،‬هذا متام‬
‫أخذ الكتاب بقوة‪ ،‬فامتثل أمر ربه"(((‪.‬‬
‫فقد "نودي ليحمل العبء وينهض باألمانة يف قوة وعزم‪ ،‬ال‬
‫يضعف وال يتهاون وال يرتاجع عن تكاليف الوراثة"‪.‬‬
‫فقد كانت نفس زكريا عليه الصالة والسالم تشتاق‪ ،‬ألنه‬
‫"خاف أن ال يقوم أحد بعده مقامه يف الدعوة إىل اهلل والنصح‬
‫لعباد اهلل‪ ،‬وأن يكون يف وقته فرد ًا وال خيلف من يشفعه‬
‫(((‬
‫‪.‬‬ ‫ويعينه"‬
‫((( الذريعة إىل مكارم الرشيعة للراغب األصفهاين ص‪.179‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.490‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.530‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪188‬‬
‫فزكريا عليه الصالة والسالم «يطلب الويل الصالح‪ ،‬الذي حيسن‬
‫الوراثة‪ ،‬وحيسن القيام عىل تراثه وتراث النبوة من آبائه وأجداده‪ ،‬ألنه‬
‫خيشى من بعده‪ .‬خيشاهم أال يقوموا عىل تراثه بام يرضاه‪ .‬وتراثه هو‬
‫دعوته التي يقوم عليها‪ ،‬وأهله الذين يرعاهم‪ .‬وماله الذي حيسن‬
‫تدبريه وإنفاقه يف وجهه‪ .‬وهو خيشى املوايل من ورائه عىل هذا الرتاث‬
‫كله‪ ،‬وخيشى أال يسريوا فيه سريته»((( وهذا احلرص من زكريا عليه‬
‫الصالة والسالم يشري للهم الدعوي الذي غرسه اهلل تعاىل يف قلبه‪.‬‬
‫‪ - 2‬حرص زكريا على إبالغ دعوته بكل وسيلة‪:‬‬
‫قال تعاىل‪:‬ﱡﭐﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﱠ[مريم‪.]11‬‬
‫"حبِس زكريا عن الكالم‪ ،‬فدعا باإلشارة‪ .‬فالداعية ال‬ ‫فقد ُ‬
‫باب‪َ ،‬فت ََح با ًبا آخر!» وعىل هذا رباه ربه‬ ‫ِ‬ ‫يتوقف‪ ..‬إن ُأ َ‬
‫غلق يف وجهه ٌ‬
‫جل وعال"(((‪.‬‬

‫‪ - 3‬إصالح يحيى واصطفائه نبياً‪:‬‬


‫أصلح اهلل له ولده وجعله نبي ًا يرث الدعوة ويساعد أباه يف‬
‫نرشها‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭼ [آل عمران‪.]39‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ص‪.530‬‬


‫((( من تدبرات الشيخ حممد الغرير – جمموعة ليدبروا آياته‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪189‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 4‬أعطى الله تعالى يحيى الحكم وهو صبي‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭖ ﭗ ﭘﭼ [مريم‪" ]12‬قال‬
‫املفرسون‪ :‬أعطي حييى العلم بكتاب اهلل يف حال صباه"(((‪ ،‬أي‪:‬‬
‫"أي فهم التوراة والعلم واالجتهاد يف اخلري"(((‪.‬‬
‫قال معمر بن راشد‪" :‬بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى بن‬
‫زكريا‪ :‬اذهب بنا نلعب‪ ،‬قال‪ :‬ما للعب خلقت! اللعب ليس حمر ًما‬
‫عىل اإلطالق؛ لك َّن من نعم اهلل عىل العبد أن يدرك علة خلقه‬
‫مبك ًِّرا"(((‪.‬‬

‫((( اجلامع ألحكام القرآن للقرطبي ‪.55 /16‬‬


‫((( حماسن التأويل للقاسمي ‪.88/7‬‬
‫((( أخرجه الطربي يف جامع البيان ‪ ،155 /18‬وابن أيب حاتم يف التفسري‬
‫‪ ،2400/7‬والسيوطي يف الدر املنثور ‪.10/22‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪190‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫رعاية الله ألتباع األنبياء والرسل‬
‫في طلب العلم وتعليمه‬

‫وفيه أربعة مباحث‪:‬‬


‫املبحث األول‪ :‬قصة مؤمن آل فرعون‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬قصة موسى واخلرض‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬قصة الغالم والساحر والراهب‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬قصة أصحاب الكهف‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪191‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المبحث األول‬
‫قصة مؤمن آل فرعون‬
‫يف هذا املبحث سنتطرق إىل أثر رعاية اهلل تعاىل ألتباع األنبياء‬
‫عليهم السالم‪ ،‬وقصة مؤمن آل فرعون متثل أنموذجا للرعاية‬
‫اإلهلية لطالب العلم‪ ،‬ونشهد هذا من آثار تلك الرعاية؛ فام وصل‬
‫مؤمن آل فرعون هلذا الوعي إال نتاج تربية واعية‪ ،‬اهلل وحده أعلم‬
‫كيف متت يف تلك الظروف التي كان متر هبا دعوة موسى عليه‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫وسنربز هذا األمر من خالل مطلبني‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫عرض قصة مؤمن آل فرعون من القرآن‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪192‬‬

‫ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﭑﭒﭓﭔﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ‬
‫ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ‬
‫ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ‬
‫ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﭑﭒﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ‬
‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ‬
‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [غافر‪.]٤٥ – ٢٨ :‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪193‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الثاني‬
‫عرض قصة مؤمن آل فرعون باختصار‬
‫اختلف العلامء يف اسم مؤمن آل فرعون‪ ،‬واملعروف عنه أنه‬
‫كان من آل فرعون‪ ،‬حتى قيل إنه ابن عم فرعون وكان مؤمنا باهلل‬
‫تعاىل وبرسالة موسى عليه الصالة والسالم ولكنه كان يكتم إيامنه‪،‬‬
‫ومل يكن إرسائيلي ًا‪ ،‬فإن فرعون قد أصغى لكالمه‪ ،‬واستمع منه ما‬
‫قاله‪ ،‬وتوقف عن قتل موسى عند هنيه عن قتله‪ ،‬ولو كان إرسائيلي ًا‬
‫لكان حريا أن يعاجل فرعون بالعقوبة عىل قوله‪ ،‬ولكنه ملا كان من‬
‫هم به يف موسى(((‪.‬‬
‫مأل قومه‪ ،‬استمع قوله‪ ،‬وكف عام كان َّ‬
‫وقد أعىل اهلل ذكر هذا الرجل املؤمن حيث سجل موقفه يف‬
‫كتاب يتىل إىل يوم القيامة‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [غافر‪.]28‬‬
‫مقبحا‬
‫ً‬ ‫أي‪" :‬قال ذلك الرجل املؤمن املوفق العاقل احلازم‪،‬‬
‫فعل قومه‪ ،‬وشناعة ما عزموا عليه‪:‬ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀﭼ أي‪ :‬كيف تستحلون قتله‪ ،‬وهذا ذنبه وجرمه‪ ،‬أنه‬
‫يقول ريب اهلل‪ ،‬ومل يكن أيضا قوال جمر ًدا عن البينات‪ ،‬وهلذا‬

‫((( جامع البيان للطربي ‪.376 /21‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪194‬‬

‫قال‪ :‬ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﭼ ألن بينته اشتهرت‬


‫اشتهارا علم به الصغري والكبري‪ ،‬أي‪ :‬فهذا ال يوجب‬
‫ً‬ ‫عندهم‬
‫قتله‪.‬‬
‫فهال أبطلتم قبل ذلك ما جاء به من احلق‪ ،‬وقابلتم الربهان‬
‫بربهان يرده‪ ،‬ثم بعد ذلك نظرتم‪ :‬هل حيل قتله إذا ظهرتم عليه‬
‫باحلجة أم ال؟ فأما وقد ظهرت حجته‪ ،‬واستعىل برهانه‪ ،‬فبينكم‬
‫وبني حل قتله مفاوز تنقطع هبا أعناق املطايا‪.‬‬
‫ثم قال هلم مقالة عقلية تقنع كل عاقل‪ ،‬بأي حالة قدرت‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓﭼ أي‪ :‬موسى بني أمرين‪ ،‬إما كاذب يف دعواه‬
‫أو صادق فيها‪ ،‬فإن كان كاذ ًبا فكذبه عليه‪ ،‬ورضره خمتص به‪،‬‬
‫وليس عليكم يف ذلك رضر حيث امتنعتم من إجابته وتصديقه‪،‬‬
‫وإن كان صاد ًقا وقد جاءكم بالبينات‪ ،‬وأخربكم أنكم إن مل جتيبوه‬
‫عذبكم اهلل عذا ًبا يف الدنيا وعذا ًبا يف اآلخرة‪ ،‬فإنه ال بد أن يصيبكم‬
‫بعض الذي يعدكم‪ ،‬وهو عذاب الدنيا‪.‬‬
‫وهذا من حسن عقله‪ ،‬ولطف دفعه عن موسى‪ ،‬حيث أتى هبذا‬
‫دائرا بني تينك‬
‫اجلواب الذي ال تشويش فيه عليهم‪ ،‬وجعل األمر ً‬
‫احلالتني‪ ،‬وعىل كل تقدير فقتله سفه وجهل منكم‪.‬‬
‫ثم انتقل ‪ ‬وأرضاه وغفر له ورمحه ‪ -‬إىل أمر أعىل من ذلك‪،‬‬
‫وبيان قرب موسى من احلق فقال‪ :‬ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪195‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﮜﭼ أي‪ :‬متجاوز احلد برتك احلق واإلقبال عىل الباطل‪.‬‬


‫ﭽ ﮜﭼ بنسبته ما أرسف فيه إىل اهلل‪ ،‬فهذا ال هيديه اهلل‬
‫إىل طريق الصواب‪ ،‬ال يف مدلوله وال يف دليله‪ ،‬وال يوفق للرصاط‬
‫املستقيم‪ ،‬أي‪ :‬وقد رأيتم ما دعا موسى إليه من احلق‪ ،‬وما هداه‬
‫اهلل إىل بيانه من الرباهني العقلية واخلوارق الساموية‪ ،‬فالذي اهتدى‬
‫هذا اهلدى ال يمكن أن يكون مرس ًفا وال كاذ ًبا‪ ،‬وهذا دليل عىل‬
‫كامل علمه وعقله ومعرفته بربه"(((‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫فوائد منهجية في رعاية طالب العلم من خالل القصة‬
‫يظهر لنا من قصة مؤمن آل فرعون رعاية موسى عليه الصالة‬
‫والسالم لطلبة العلم الذين عنده من الناحية األمنية ومن الناحية‬
‫دروس كثرية ومنها‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الرتبوية والعلمية‬
‫‪- 1‬قد كان هذا الرجل يتعلم‪ ،‬ويدل عىل ذلك ما جاء يف نصيحته‬
‫هلم ومعرفته بالبينات وبالرسل من قبل‪ ،‬وعاقبة كل أمة‪..‬‬
‫وترغيبهم وترهيبهم‪ .‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ‬
‫ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.737‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪196‬‬

‫ﰊﰋﰌﰍﰎﭑﭒﭓﭔﭕﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﭼ [غافر‪.]٣٤ - ٢٩ :‬‬
‫‪- 2‬وظهر أنه عندما كان يتعلم من موسى عليه الصالة‬
‫والسالم وكان ال يعلم عنه أحد مع أنه كان من املقربني‬
‫لفرعون ومن عشرية فرعون(((‪ ،‬ولذلك قال اهلل عنه‪:‬‬
‫ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭼ‬
‫فقد تعلم أن “لإلنسان‪ ،‬إذا عم الطغيان‪ ،‬أن يسكن بني‬
‫أهل العدوان‪ ،‬إذا نصح بحسب اإلمكان»(((‪.‬‬
‫‪- 3‬وتظهر الرعاية الرتبوية هلذا الطالب املؤمن الذي يكتم‬
‫إيامنه أنه عندما جاء وقت الدفاع عن الدعوة وعن‬
‫معلمه وإخوانه املؤمنني بموسى عليه الصالة والسالم‬
‫قال كلامت يدافع هبا عنهم‪ ،‬فهو قد تربى أنه ال جمال‬
‫للسكوت يف وقت يكون فيه السكوت خطر ًا عىل الداعية‬
‫والدعوة‪ ،‬قد تريب عىل أن لكل يشء أوانه ووقته‪ ،‬فلم‬
‫ال وال متخاذالً‪.‬‬
‫يكن مستعج ً‬
‫‪- 4‬ويف قوله‪ :‬ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﭼ "رضب من إهيام‬
‫ال عىل احتامليَ ْ‬
‫الشك يف صدق موسى ليكون كالمه مشتم ً‬

‫((( يمكن أن يكون قد التقى بموسى ليتعلم منه أو تعلم منه بطريق غري مبارش‪..‬‬
‫وهذا أمر مستنبط باملفهوم‪ ..‬وهو واقعي جدا‪.‬‬
‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.507/6‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪197‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫تصديق وتكذيب يتداوهلام يف كالمه فال يؤخذ عليه أنه مصدق‬


‫ملوسى بل يخُ يل إليهم أنه يف حالة نظر وتأمل ليسوق فرعون‬
‫أله إىل أدلة صدق موسى بوجه ال يثري نفورهم"(((‪ .‬وهذا‬ ‫وم َ‬
‫نوع من الوعي ال يدركه إال من خضع لعناية وتربية خاصة‪.‬‬
‫‪- 5‬ويف كون هذا الرجل املؤمن من شيعة وقوم فرعون يف النسب‬
‫والقومية ما يدل عىل أنه تربى عىل عبادة اهلل وإخالص‬
‫الطاعة له وقبول احلق والصواب ممن كان‪ ،‬ولو من القومية‬
‫املعادية لقوميته واألنزل يف الرتبة يف مقاييس ذلك اليوم‪.‬‬
‫‪- 6‬لقد غرس يف قلب هذا الرجل احلرص عىل هداية‬
‫الناس حيث قال لقومه‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﭼ‬
‫فهو "يشعرهم أن أمرهم هيمه‪ ،‬فهو واحد منهم‪ ،‬ينتظر‬
‫مصريه معهم وهو إذن ناصح هلم مشفق عليهم‪ ،‬لعل‬
‫هذا أن جيعلهم ينظرون إىل حتذيره باهتامم‪ ،‬ويأخذونه‬
‫مأخذ الرباءة واإلخالص"‪.‬‬
‫‪- 7‬لقد تعلم وتأصل لديه جيد ًا أن احلق هو ما بان عليه الدليل‬
‫ووافقه العقل السليم‪ ،‬ال جمرد الدعاوى والزخارف‬
‫القولية وقوة اجلربوت والظلم والطغيان‪ ،‬كام وضحها‬
‫يف احتجاجه واستدالله‪ ،‬كام يف قوله‪ :‬ﭽﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅﭼ وقوله‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭼ‬

‫((( التحرير والتنوير البن عاشور ‪.130 /24‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪198‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫قصة موسى والخضر‬
‫قصة موسى عليه الصالة والسالم مع اخلرض الرجل الصالح‬
‫العلم‪ ،‬ورحلته إليه يف طلب العلم متثل عدد ًا من اجلوانب يف رعاية‬
‫طالب العلم من نواحي كثرية‪ ،‬ومنها‪ :‬رعاية طالب العلم لنفسه‪،‬‬
‫ورعاية املعلم لطالب العلم‪ ،‬وأدب طالب العلم مع العلم ومع‬
‫املعلم الذي يعلمه‪.‬‬
‫وهي معامل يسرتشد هبا املربون واملعلمون وحتى طالب‬
‫العلم يف مسرية الرتبية والتعليم‪ ،‬وإعداد وختريج القادة واملؤثرين‪.‬‬
‫وسنربز هذه اجلوانب من خالل ثالث مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‬
‫عرض قصة موسى والخضر من القرآن‬
‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬
‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﭑﭒﭓﭔﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪199‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬
‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ‬
‫ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ‬
‫ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ‬
‫ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬
‫ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﭼ [الكهف ‪.]82 - 60‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪200‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫معنى اآليات ً‬
‫إجماال‬
‫"خيرب تعاىل عن نبيه موسى عليه الصالة والسالم وشدة رغبته‬
‫يف اخلري وطلب العلم أنه قال خلادمه الذي يالزمه يف حرضه‬
‫وسفره‪ :‬ال أزال مسافر ًا وإن طالت َّ‬
‫عيل الشقة وحلقتني املشقة حتى‬
‫أصل إىل املكان الذي أوحى اهلل إيل أين سأجد عنده عبد ًا من عباد‬
‫اهلل العاملني عنده من العلم ما ليس عندي‪.‬‬
‫وكان معهام حوت يتزودان منه ويأكالن‪ ،‬وقد ُو ِعد أنه متى‬
‫فقد احلوت فثم ذلك العبد الذي قصدته‪ ،‬فاختذ ذلك احلوت‬
‫طريقه يف البحر رسبا وهذا من اآليات‪ ،‬قال املفرسون إن ذلك‬
‫احلوت الذي كانا يتزودان منه‪ ،‬ملا وصال إىل ذلك املكان‪ ،‬أصابه‬
‫بلل البحر‪ ،‬فانرسب بإذن اهلل يف البحر‪ ،‬وصار مع حيواناته حيا‪،‬‬
‫فلام جاوز موسى وفتاه جممع البحرين‪ ،‬قال موسى لفتاه لقد تعبنا‬
‫من هذا السفر‪.‬‬
‫وكان عند موسى وعد من اهلل أنه إذا فقد احلوت‪ ،‬وجد اخلرض‬
‫فرجعا يقصان أثرمها إىل املكان الذي نسيا فيه احلوت فلام وصال‬
‫إليه‪ ،‬وجدا عبد ًا من عباد اهلل‪ ،‬وهو اخلَضرِ ‪ ،‬وكان عبد ًا صاحل ًا‪ ،‬ال‬
‫نبيا عىل الصحيح‪ ،‬أعطاه اهلل رمحة خاصة به‪ ،‬زاد علمه وحسن‬
‫عمله‪ ،‬فلام اجتمع به موسى قال له عىل وجه األدب واملشاورة‪:‬‬
‫هل أتبعك عىل أن تعلمني مما علمك اهلل‪ ،‬به أسرتشد وأهتدي‪،‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪201‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫فقال اخلرض ملوسى‪ :‬ال أمتنع من ذلك‪ ،‬ولكنك ال تقدر عىل اتباعي‬
‫ومالزمتي‪ ،‬ألنك ترى ما ال تقدر عىل الصرب عليه من األمور التي‬
‫ظاهرها املنكر‪ ،‬وباطنها غري ذلك‪.‬‬
‫فقال موسى‪ :‬ﭽﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﭼ وهذا عزم منه‪ ،‬قبل أن يوجد اليشء املمتحن به‪ ،‬والعزم‬
‫يشء‪ ،‬ووجود الصرب يشء آخر‪ ،‬فحينئذ قال له اخلرض‪ :‬ال تبتدئني‬
‫ٍ‬
‫وإنكار‪ ،‬حتى أكون أنا الذي أخربك بحاله‪ ،‬يف الوقت‬ ‫ٍ‬
‫بسؤال منك‬
‫الذي ينبغي إخبارك به‪ ،‬فنهاه عن سؤاله‪ ،‬ووعده أن يوقفه عىل‬
‫حقيقة األمر‪.‬‬
‫ﭽﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ‪ :‬اقتلع‬
‫اخلرض منها لوح ًا‪ ،‬وكان له مقصود يف ذلك‪ ،‬سيبينه‪ ،‬فلم يصرب‬
‫موسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ألن ظاهره أنه منكر‪ ،‬قال موسى‬
‫ﭽ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﭼ عظي ًام شنيع ًا‪،‬‬
‫فقال له اخلرض ﭽﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ أي‪:‬‬
‫فوقع كام أخربتك‪ ،‬وكان هذا من موسى عليه الصالة والسالم‬
‫نسيان ًا فقال‪ :‬ال تعرس عيل األمر‪ ،‬واسمح يل‪ ،‬فإن ذلك وقع عىل‬
‫وجه النسيان‪ ،‬فال تؤاخذين يف أول مرة‪ .‬فجمع بني اإلقرار به‬
‫والعذر منه‪ ،‬وأنه ما ينبغي لك أهيا اخلرض الشدة عىل صاحبك‪،‬‬
‫فسمح عنه اخلرض‪.‬‬
‫ﭽﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﭼ اخلرض‪ ،‬فاشتد بموسى‬
‫الغضب‪ ،‬وأخذته احلمية‪ ،‬حني قتل غالم ًا صغري ًا مل يذنب‪ .‬ﭽﰌ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪202‬‬

‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭼ وأي‪ :‬نكر مثل‬


‫قتل الصغري‪ ،‬الذي ليس عليه ذنب‪ .‬فقال له اخلرض معاتبا ومذكر ًا‪:‬‬
‫ﭽﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ فقال موسى‪:‬‬
‫ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ فأنت معذور‬
‫بذلك‪ ،‬وبرتك صحبتي ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ أي‪ :‬أعذرت مني‪ ،‬ومل‬
‫تقرص‪ ،‬فكان هذا من موسى عليه الصالة والسالم رشط ًا‪.‬‬
‫ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ قد عاب واستهدم‬
‫ﭼ ﭼ اخلرض أي‪ :‬بناه وأعاده جديد ًا‪ .‬فقال له موسىﭽﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ أي‪ :‬أهل هذه القرية‪ ،‬مل يضيفونا مع‬
‫وجوب ذلك عليهم‪ ،‬وأنت تبنيه من دون أجرة؟ فكان األوىل بك‬
‫أن ال تبنيه هلم إال بمقابل حلاجتك وعدم إحساهنم إليك‪.‬‬
‫فحينئذ مل ِ‬
‫يف موسى عليه الصالة والسالم بام رشط عىل نفسه‪،‬‬
‫واستعذر اخلرض منه‪ ،‬فقال له‪ :‬ﭽﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ فإنك‬
‫رشطت ذلك عىل نفسك‪ ،‬فلم يبق اآلن عذر‪ ،‬وال موضع للصحبة‪،‬‬
‫ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ أي‪ :‬سأخربك بام أنكرت‬
‫عيل‪ ،‬وأنبئك بام يل يف ذلك من املآرب‪ ،‬وما يؤول إليه األمر‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪- 1‬ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ‬
‫ويقتيض ذلك الرقة عليهم‪ ،‬والرأفة هبم‪ .‬ﭽﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ فكان‬
‫مرورهم عىل ذلك امللك الظامل‪ ،‬وكل سفينة صاحلة‬
‫متر عليه ما فيها عيب غصبها وأخذها ظلام‪ ،‬فأردت أن‬
‫أخرقها ليكون فيها عيب‪ ،‬فتسلم من ذلك الظامل‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪203‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪- 2‬ﭽﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ وكان ذلك الغالم قد ُقدِّ ر‬
‫عليه أنه لو َب َل َغ حلمل أبويه عىل الطغيان والكفر‪ ،‬فقتلته‬
‫الطالعي عىل ذلك‪ ،‬سالمة لدين أبويه املؤمنني‪ ،‬وأي‬
‫فائدة أعظم من هذه الفائدة اجلليلة؟ وهو وإن كان فيه‬
‫إساءة إليهام‪ ،‬وقطع لذريتهام يف الظاهر‪ ،‬فإن اهلل تعاىل‬
‫سيعطيهام من الذرية‪ ،‬ما هو خري منه‪ ،‬وكل ذلك علم‬
‫غيبي أطلع اهلل عليه اخلرض مل يعلمه موسى عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬
‫‪- 3‬ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ فحاهلام تقتيض‬
‫الرأفة هبام ورمحتهام‪ ،‬لكوهنام صغريين ُع ِدما أبامها‪،‬‬
‫وحفظهام اهلل بصالح والدمها‪ ،‬وهذا ما دعاين إىل‬
‫اإلشفاق عليهام والرعاية ملاهلام بالسعي يف حفظه عن‬
‫الضياع‪ .‬ﭽﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﭼ فلهذا هدمت اجلدار‪ ،‬واستخرجت ما حتته‬
‫من كنزمها‪ ،‬وأعدته جمان ًا‪.‬‬
‫ﭽﯰ ﯱ ﯲﭼ كل هذا الذي فعلته رمحة من اهلل‪ ،‬آتاها‬
‫اهلل عبده اخلرض ﭽﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﭼ أي‪:‬ما أتيت شيئا من قبل نفيس‪ ،‬وإنام ذلك من رمحة اهلل‬
‫وأمره»(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪ 483 - 481‬باختصار وترصف‪.‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪204‬‬
‫فأسند األمر والقدر هلل وحده‪ ،‬ونفى أن يكون هو الذي‬
‫قدّ ره ولكنه ريض باهلل رب ًا‪ ،‬فنفذ ما أمره اهلل به عن علم ويقني ال‬
‫وخترص وتوقعات عقلية‪ ،‬وملا كانت هذه األمور غيبية‬ ‫عن ظن ُّ‬
‫مل يطلع موسى عليها وظاهرها الفساد واخلراب أنكرها موسى‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومل يصرب عليها‪ ،‬فرمحة اهلل عىل موسى عليه‬
‫الصالة والسالم إذ كان ممتث ً‬
‫ال ألمر ربه‪ ،‬ورمحة اهلل عىل اخلرض ‪‬‬
‫إذ كان ممتث ً‬
‫ال ألمر ربه‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫الفوائد المستنبطة من القصة‬
‫‪ - 1‬دعاء موسى الله تعالى التيسير في الوصول للعلم وأخذه والرحلة‬
‫من أجله‪:‬‬
‫فموسى عليه الصالة والسالم دعا اهلل لكي ييرس له السبيل‬
‫إىل العلم وهيديه الطريق إليه‪ ،‬فعن أيب بن كعب ‪ ‬قال‪ :‬سمعت‬
‫النبي ﷺ يذكر شأنه يقول‪(( :‬بينام موسى يف مأل من بنى إرسائيل‪،‬‬
‫إذ جاءه رجل فقال أتعلم أحدا أعلم منك قال موسى ال‪ .‬فأوحى‬
‫اهلل عز وجل إىل موسى بىل‪ ،‬عبدنا خرض‪ ،‬فسأل السبيل إىل لقيه‪،‬‬
‫فجعل اهلل له احلوت آية‪ ،‬وقيل له إذا فقدت احلوت فارجع‪ ،‬فإنك‬
‫ستلقاه‪ ،‬فكان موسى ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يتبع أثر احلوت يف البحر‪ .‬فقال فتى‬
‫موسى ملوسى أرأيت إذ أوينا إىل الصخرة فإين نسيت احلوت‪ ،‬وما‬
‫أنسانيه إال الشيطان أن أذكره‪ .‬قال موسى ذلك ما كنا نبغي‪ .‬فارتدا‬
‫عىل آثارمها قصصا‪ ،‬فوجدا خرضا‪ ،‬فكان من شأهنام ما قص اهلل يف‬
‫كتابه))(((‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف كتاب العلم‪ ،‬باب اخلروج يف طلب العلم (‪،)78‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪205‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 2‬فضيلة العلم‪ ،‬والرحلة في طلبه وأنه أهم األمور‪:‬‬


‫"فإن موسى عليه الصالة والسالم رحل مسافة طويلة‪،‬‬
‫ولقي النصب يف طلبه‪ ،‬وترك القعود عند بني إرسائيل‪ ،‬لتعليمهم‬
‫وإرشادهم‪ ،‬واختار السفر لزيادة العلم عىل ذلك‪ ،‬قال ابن حجر‬
‫‪ ‬عند ذكر هذا احلديث‪“ :‬ويف احلديث جواز ركوب البحر يف‬
‫طلب العلم بل يف طلب االستكثار منه"(((‪.‬‬
‫لقد َع َّلم اهلل تعاىل موسى عليه الصالة والسالم ِعل ًام و َع َّلم‬
‫اخلرض عل ًام‪ ،‬فرحل موسى إىل اخلرض ليتعلم منه عندما َع ِلم موسى‬
‫عليه الصالة والسالم أن عند اخلرض عل ًام ال يعلمه‪ ،‬فموسى مل‬
‫يتكرب أن يتعلم من اخلرض الذي هو أقل منه منزلة‪ ،‬واخلرض مل‬
‫يرفض طلب موسى بل َبينَّ له خماطر الطلب واملنهجية التي ال بد‬
‫أن يسري عليها يف طلبه لذلك العلم منه‪.‬‬
‫‪" - 3‬أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن‪ ،‬وطلب الراحة‪:‬‬
‫كام فعل موسى عليه الصالة والسالم"((( فطالب العلم حيتاج‬
‫إىل من خيدمه ويكفل له املؤنة لكي يتفرغ للطلب‪ ،‬وليستفيد من‬
‫ُق َّوته ووقته يف الطلب‪.‬‬
‫‪ - 4‬تحمل المشاق في الرحلة لطلب العلم‪:‬‬
‫قال ابن حجر عند رشحه هلذا الباب‪" :‬هذا الباب معقود للرتغيب‬
‫يف احتامل املشقة يف طلب العلم‪ ،‬ألن ما يغتبط به تتحمل املشقة فيه"(((‪.‬‬

‫ومسلم يف كتاب الفضائل باب فضائل اخلرض (‪.)2830‬‬


‫((( فتح الباري البن حجر ‪ 204 /1‬باختصار‪.‬‬
‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.483‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر ‪.202/1‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪206‬‬

‫‪ - 5‬كل ما أمر الله به ال مشقة فيه وال نصب‪:‬‬


‫فإذا جتاوز اإلنسان حدود ما أمر اهلل تعاىل كانت املشقة‬
‫والنصب‪ ،‬ولو كان املأمور به مكان ًا جغرافيا‪ ،‬فموسى وفتاه ملا‬
‫شعرا بالنصب إال بعد أن جاوزا‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ وعىل هذا ال‬
‫بد أن ُيربى طالب العلم‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يضع الطالب لنفسه هدفاً من رحلته ويجد في طلبه‪:‬‬
‫الذي يظهر ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أن هدف موسى من رحلته هذه هو‬
‫ما أوضح عنه بعد لقياه اخلرض بقوله‪ :‬ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖﭼ فطلب العلم الذي هو من تعليم اهلل له وأن‬
‫يكون مما ينفعه ويرشده للرصاط املستقيم‪.‬‬
‫فإنه كان ملوسى عليه الصالة والسالم هدف من رحلته هذه التي‬
‫اعتزمها‪ ،‬وأنه كان يقصد من ورائها أمر ًا‪ ،‬فهو يعلن تصميمه عىل‬
‫بلوغ جممع البحرين مهام تكن املشقة‪ ،‬ومهام يكن الزمن الذي ينفقه يف‬
‫الوصول‪ .‬وهو يعرب عن هذا التصميم بام ذكره القرآن من قوله‪ :‬ﭽ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷﭼ واحلقب قيل عام‪ ،‬وقيل ثامنون عام ًا‪ .‬وعىل أية حال‬
‫فهو تعبري عن التصميم‪ ،‬ال عن املدة عىل وجه التحديد‪.‬‬
‫‪ - 7‬األدب في الحديث مع العلماء‪:‬‬
‫فإن موسى عليه الصالة والسالم قال‪ :‬ﭽﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﭼ "فأخرج الكالم بصورة املالطفة‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪207‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫واملشاورة‪ ،‬وأنك هل تأذن يل يف ذلك أم ال؟ وإقراره بأنه يتعلم‬


‫منه‪ ،‬بخالف ما عليه أهل اجلفاء والكرب‪ ،‬الذين ال يظهرون للمعلم‬
‫افتقارهم إىل علمه‪ ،‬بل يدعي أحدهم أنه يتعاون هم وإياه‪ ،‬بل‬
‫ربام ظن أنه ُي َع ِّلم معلمه‪ ،‬وهو جاهل‪ ،‬فالتواضع للمعلم‪ ،‬وإظهار‬
‫احلاجة إىل تعليمه‪ ،‬من أنفع يشء للمتعلم"(((‪.‬‬
‫‪ - 8‬إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى واإلقرار بذلك‪ ،‬وشكر الله‪:‬‬
‫وذلك يف قوله‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ [الكهف‪،]66:‬‬
‫أي مما ع ّلمك اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ - 9‬تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه‪:‬‬
‫فإن موسى عليه الصالة والسالم ‪ -‬بال شك ‪ -‬أفضل من‬
‫اخلرض ‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬وألن موسى عليه الصالة والسالم مل‬
‫يمنعه بلوغه من السيادة املحل األعىل من طلب العلم وركوب البحر‬
‫ألجله‪ ”..‬إىل أن قال‪“ :‬ويف احلديث لزوم التواضع يف كل حال‪ ،‬وهلذا‬
‫حرص موسى عىل االلتقاء باخلرض‪ ،‬وطلب التعلم منه تعلي ًام لقومه أن‬
‫يتأدبوا بأدبه‪ ،‬وتنبيه ًا ملن زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع"(((‪.‬‬
‫‪ - 10‬حرص طالب العلم والمعلم على االهتمام بالعلم النافع تعليماً وتعلماً‪:‬‬
‫وهو العلم املرشد إىل اخلري‪ ،‬فكل علم يكون فيه رشد وهداية‬
‫لطرق اخلري‪ ،‬وحتذير عن طريق الرش‪ ،‬أو وسيلة لذلك‪ ،‬فإنه من العلم‬
‫النافع‪ ،‬وما سوى ذلك‪ ،‬فإ ِّما أن يكون ضار ًا‪ ،‬أو ليس فيه فائدة لقوله‪:‬‬
‫ﱹﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﱸ ((( وهو مضيعة للوقت واجلهد‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.484‬‬


‫((( فتح الباري ‪.204 - 202/1‬‬
‫((( تيسري اللطيف املنان ‪.257‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪208‬‬

‫‪ - 11‬توضيح العلماء لطالبهم صعوبة الصبر على العلم وصعوبة‬


‫تلقي العلم‪:‬‬
‫ﭽﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ فعلم اخلرض ليس هو العلم البرشي الواضح‬
‫األسباب القريب النتائج‪ ،‬ومن ثم فال طاقة ملوسى بالصرب عىل‬
‫اخلرض وترصفاته‪ ،‬ألن هذه الترصفات حسب ظاهرها قد تصطدم‬
‫باملنطق العقيل‪ ،‬وباألحكام الظاهرة‪ ،‬وال بد من إدراك ما وراءها‬
‫من احلكمة املغيبة؛ وإال بقيت عجيبة تثري االستنكار‪ ،‬لذلك خيشى‬
‫العبد الصالح الذي أويت العلم عىل موسى أال يصرب عىل صحبته‪.‬‬
‫‪ - 12‬العزم على الصبر والطاعة في سبيل تلقي العلم واالستعانة بالله‪:‬‬
‫ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ "أن‬
‫من ليس له قوة الصرب عىل صحبة العامل والعلم‪ ،‬وحسن الثبات‬
‫كثري من العلم‪ .‬فمن ال‬
‫عىل ذلك‪ ،‬أنه يفوته بحسب عدم صربه ٌ‬
‫صرب له ال يدرك العلم‪ ،‬ومن استعمل الصرب والزمه‪ ،‬أدرك به كل‬
‫أمر سعى فيه‪ ،‬لقول اخلرض ‪ -‬يعتذر عن موسى بذكر املانع ملوسى‬
‫يف األخذ عنه ‪ -‬إنه ال يصرب معه"(((‪.‬‬
‫‪  - 13‬جواز وضع العالم شروطاً لمن يأتي لطلب العلم‪:‬‬
‫ﭽﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ِ‬
‫ﯟ ﭼ‪ ،‬فاشرتط اخلرض عىل موسى رشط ًا‪ ،‬واضح ًا بين ًا ل ُ‬
‫يحص َل‬
‫علم مما علمه اهلل اخلرض‪.‬‬
‫له ٌ‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.484‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪209‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫والرتبية احلديثة تطلق عىل هذا األمر التعليم التعاقدي‪ ،‬أو‬


‫عقد التعلم‪ ،‬وذلك ألجل أن يكون التعليم عملية نشطة وليست‬
‫خاملة‪ ،‬بمشاركة املتعامل يف عملية التعلم فيصبح مسؤوالً مستق ً‬
‫ال‬
‫عن تعلمه‪.‬‬
‫‪ - 14‬تعليم العلماء لطالبهم آداب الطلب والتخاطب مع العلماء‪:‬‬
‫ﭽﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟ ﭼ وذلك ملعرفة اخلرض أن ذلك ال يناسب موسى عليه الصالة‬
‫والسالم فإنه إن انشغل بالسؤال ذهب عنه العلم هبا‪.‬‬
‫‪ - 15‬مراعاة المعلم مستوى المتعلم ووقت التعليم‪:‬‬
‫"ويف ذلك أن املعلم إذا رأى املصلحة يف إيعازه للمتعلم أن‬
‫يرتك االبتداء يف السؤال عن بعض األشياء‪ ،‬حتى يكون املعلم‬
‫هو الذي يوقفه عليها فإن املصلحة تتبع‪ ،‬كام إذا كان فهمه قارص ًا‪،‬‬
‫أو هناه عن السؤال عن دقيق األشياء التي غريها أهم منها‪ ،‬أو ال‬
‫يدركها ذهنه‪ ،‬أو يسأل سؤاالً ال يتعلق بموضع البحث"(((‪.‬‬
‫‪ - 16‬اهتمام المعلم بطالب العلم‪:‬‬
‫وذلك بمالزمته طالبه‪ ،‬وأخذهم معه لكي يتعلموا منه كل يشء‬
‫كام قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ ﭽ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈﰉﰊﭼﭽﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭼ‬
‫‪ - 17‬األمر بالتأني والتثبت‪:‬‬
‫وذلك بعدم املبادرة إىل احلكم عىل اليشء حتى يعرف ما يراد‬
‫منه وما هو مقصود‪ ،‬وذلك بإنكاره عليه أنه أنكر ومل ينتظر معرفة‬
‫سبب فعل اخلرض له‪ ،‬وقد بينَّ له مسبق ًا أن ذلك السؤال غري متأت‬
‫له‪ ،‬وضمن له معرفة اجلواب بعد‪.‬‬
‫((( جملة البيان عدد ‪ ،62‬مقال بعنوان‪ :‬موسى بني يدي اخلضرِ دروس يف أدب‬
‫الطلب للشيخ‪ :‬خالد بن صالح السيف‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪210‬‬

‫‪ - 18‬صبر العالم وتلطفه بالطالب‪:‬‬


‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﭼ "فينبغي‬
‫للعامل أن يأخذ من أخالق طالبه ومعامالهتم ال َع ْفو منها‪ ،‬وما‬
‫سمحت به أنفسهم‪ ،‬وال ينبغي له أن يكلفهم ما ال يطيقون‪ ،‬أو‬
‫يشق عليهم ويرهقهم‪ ،‬فإن هذا مدعاة إىل النفور منه والسآمة‪ ،‬بل‬
‫يأخذ املتيرس ليتيرس له األمر"(((‪.‬‬
‫‪ - 19‬اعتذار الطالب وطلب المسامحة عند الخطأ‪:‬‬
‫وقد حصل ذلك من موسى عليه الصالة والسالم بطيب‬
‫نفس مع االعرتاف باخلطأ ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ فهول األمر وتفاجؤ موسى عليه الصالة‬
‫والسالم أنساه الرشط وأعرس عليه الصرب والسكوت عام رآه يف‬
‫الظاهر ً‬
‫خطأ‪.‬‬
‫‪ - 20‬عدم التعسير على الطالب ومحاسبتهم عند أول خطأ‪:‬‬
‫بل وحماولة إعطائهم عدة فرص والتامس العذر هلم‪ ،‬قال موسى عليه‬
‫الصالةوالسالم‪:‬ﭽﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﭼ‬
‫أي‪" :‬ال تعرس عيل األمر واسمح يل‪ ،‬فإن ذلك وقع منى عىل وجه النسيان‬
‫فال تؤاخذين يف أول مرة‪ ،‬فجمع بني اإلقرار به والعذر منه‪ ،‬وأنه ما ينبغي‬
‫لك أيهُّ ا اخلرض الشدة عىل صاحبك‪ ،‬فسمح عنه اخلرض"(((‪.‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.484‬‬


‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.484‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪211‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 21‬تبيين المشكل من المعلم للطالب‪:‬‬


‫وذلك لكي ال يظلوا يف حرية ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﭼ‪ ،‬فوعد اخلرض موسى عليه الصالة والسالم أن خيربه بحال‬
‫وحقيقة األمر يف املواضع الثالثة التي أنكرها موسى عليه الصالة والسالم‬
‫ملخالفتها الظاهرة‪ ،‬وبينها له بعد انتهاء العقد بينهام وانفصال األمر‪.‬‬
‫‪ - 22‬أن يكون المعلم قدوة للطالب في عمل الخير‪:‬‬
‫فاألعامل التي عملها اخلرض هي عبارة عن أعامل خري وبر‬
‫وي أنه "ملا أراد موسى أن يفارق اخلرض قال‬ ‫ور َ‬
‫ومساعدة للناس‪ُ .‬‬
‫بشاش ًا‪،‬‬
‫له موسى‪ :‬أوصني‪ .‬قال‪ :‬كن ن َّفاع ًا‪ ،‬وال تكن ضرَ َّ ار ًا‪ ،‬كن ّ‬
‫غضاب ًا‪ ،‬ارجع عن اللجاجة‪ ،‬وال متش يف غري حاجة‪ ،‬وال‬ ‫وال تكن ّ‬
‫‪.‬‬
‫(((‬
‫تعري امرأ بخطيئته‪ ،‬وابك عىل خطيئتك يا ابن عمران"‬
‫‪ - 23‬إعطاء تغذية راجعة للمتعلم‪:‬‬
‫فاخلرض مل يرتك موسى عليه الصالة والسالم يف حريته‪ ،‬بل‬
‫أوضح له كل ما مر به من خربات بصورة جتعل موسى يتأمل فيها‬
‫ويستخرج العربة‪ ،‬خاصة وأن اخلربات الثالث التي مر هبا تشابه‬
‫خربات ثالث ُأخر م َّ‬
‫رب هبا بالفعل يف حياته قبل مقابلة اخلرض‪ ،‬فهو‬
‫استنكر قتل الغالم مع أنه قتل رجال عندما وكزه‪ ،‬واستغرب من‬
‫كرس السفينة وهو قد كرس األلواح‪ ،‬واستغرب من بناء اجلدار‬
‫بدون أجر مع أنه قد سقى للبنتني من غري أجر‪.‬‬
‫‪ - 24‬تعليم الطالب التأدب في الخطاب‪:‬‬
‫لقد برز يف القصة تعليم الطالب التأدب يف اخلطاب مع اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن َّثم مع كل من له مكانة وقدر‪ :‬حيث َّ‬
‫إن‬
‫اخلرض مل ينسب هلل سبحانه وتعاىل الرش مع أن اخلري والرش من عند‬

‫((( أخرجه أبو نعيم يف حلية األولياء ‪ ،144/8‬والبيهقي يف شعب اإليامن ‪،291/5‬‬
‫وابن أيب الدنيا يف التوبة ص‪ ،)56( 105‬وانظر الدر املنثور ‪.623/9‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪212‬‬
‫اهلل تعاىل وذلك يتضح يف النقاط التالية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ففي خرق السفينة قال‪ :‬ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ ومل يقل فأراد‬
‫ريب منى أن أعيبها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ويف قتل الغالم قال‪ :‬ﭽ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ فعندما أراد‬
‫القتل قال‪ :‬ﭽ ﮪ‪ .....‬ﮰ ﭼ وعندما أراد التبديل بام هو خري‬
‫قال‪ :‬ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ ومل يقل أبدهلام أنا‬
‫خري ًا من ذلك الغالم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ويف إصالح حال الغالمني واستخراج كنزمها‪ ،‬قال‪ :‬ﭽ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ فنسب اخلري كله هلل تعاىل‪.‬‬
‫وهذا التوجيه وهذه الرعاية بطريقة غري مبارشة عن طريق‬
‫القدوة‪ ،‬التي نحن يف أشد احلاجة إليها يف هذا الوقت ملا نفتقده من‬
‫قلة وجود ال ُقدُ َوات واإلمامة يف اخلري‪.‬‬
‫‪ - 25‬أن مَن ال صبر له ال يدرك مطلبه‪:‬‬
‫وحسن‬ ‫ِ‬
‫فمن ليس عنده قوة الصرب عىل صحبة ال َعامل والعلم‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫فمن ال صرب له ال يدرك‬ ‫ال لتل ِّقي العلم؛ َ‬
‫الثبات عىل ذلك ليس أه ً‬
‫أمر سعى إليه؛‬‫العلم‪ ،‬ومن استعمل الصرب والزمه أدرك به كل ٍ‬
‫لقول اخلرض‪ :‬ﭽﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ‪.‬‬
‫‪ - 26‬وجوب التأني عند اإلنكار في المحتمالت‪:‬‬
‫"فإن الذي فعله اخلرض ليس يف يشء مما يناقض الرشع‪ ،‬وإن‬
‫نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظامل عن غصبها ثم إذا تركها‬
‫ال ولكن مبادرة موسى باإلنكار‬ ‫أعيد اللوح جائز رشع ًا وعق ً‬
‫بحسب الظاهر"(((‪.‬‬
‫((( فتح الباري ‪.268/1‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪213‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المبحث الثالث‬
‫قصة الغالم والساحر والراهب‬
‫هذه القصة أنموذج ًا من ثمرات العناية بطالب العلم‬
‫وخصوصا النجباء منهم‪ ،‬فنحن هنا مع طالب علم نجيب‬
‫وصاحب مهة عالية ‪ -‬يرس اهلل تعاىل له من يقوم بالعناية به بجانب‬
‫العناية الربانية ‪ ،-‬فتنبه إليه معلم صاحب فراسة يف طالب العلم‬
‫النجباء‪ ،‬قام املعلم بالرعاية والعناية به بمعية اهلل تعاىل حتى وصل‬
‫طالب العلم إىل درجة عالية يف الدعوة والبيان فاق فيها معلمه‪..‬‬
‫وهنا سنقف عىل معامل تلك الرعاية وهذه التجربة الفريدة‬
‫التي حفظ القرآن والسنة لنا بعض معاملها التي ستكون نرباسا يف‬
‫جماالت خمتلفة من حياتنا وديننا ودعوتنا‪.‬‬
‫وسنربز هذه املعامل يف مطلبني‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫ما ورد من القصة في القرآن والسنة‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱹﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﱸ [الربوج‪.]10 - 4‬‬
‫عن صهيب الرومي ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪(( :‬كان ملك‬
‫فيمن كان قبلكم‪ ،‬وكان له ساحر‪ ،‬فلام كرب قال للملك‪ :‬إين قد‬
‫كربت فابعث إيل غالما أعلمه السحر‪ .‬فبعث إليه غالما يعلمه‪،‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪214‬‬
‫فكان يف طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كالمه فأعجبه‪،‬‬
‫فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه‪ ،‬فإذا أتى الساحر رضبه‬
‫فشكا ذلك إىل الراهب فقال‪ :‬إذا خشيت الساحر فقل‪ :‬حبسني‬
‫أهيل‪ ،‬وإذا خشيت أهلك فقل‪ :‬حبسني الساحر‪.‬‬
‫فبينام هو كذلك إذ أتى عىل دابة عظيمة قد حبست الناس‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اليوم َأعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجر ًا‬
‫فقال‪ :‬اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل‬
‫هذه الدابة حتى يميض الناس‪ ،‬فرماها فقتلها‪ ،‬ومىض الناس‪ ،‬فأتى‬
‫الراهب فأخربه‪ ،‬فقال له الراهب‪ :‬أي بني أنت اليوم أفضل مني‪،‬‬
‫قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتىل فإن ابتليت فال تدل عيل‪.‬‬
‫وكان الغالم يربئ األكمه واألبرص ويداوي الناس من سائر‬
‫األدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه هبدايا كثرية فقال‪:‬‬
‫ما هاهنا لك أمجع إن أنت شفيتني‪ ،‬فقال‪ :‬إين ال أشفي أحد ًا إنام‬
‫يشفي اهلل فإن أنت آمنت باهلل دعوت اهلل فشفاك‪ ،‬فآمن باهلل فشفاه‬
‫اهلل‪ .‬فأتى امللك فجلس إليه كام كان جيلس‪ ،‬فقال له امللك‪ :‬من رد‬
‫عليك برصك؟ قال‪ :‬ريب‪ .‬قال‪ :‬أولك رب غريي؟ قال‪ :‬ريب وربك‬
‫جيء بالغالم فقال‬ ‫اهلل‪ ،‬فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل عىل الغالم‪َ .‬ف ِ‬
‫له امللك‪ :‬أي بني قد بلغ من سحرك ما تربئ األكمه واألبرص‬
‫وتفعل‪ ..‬وتفعل‪ ،‬فقال‪ :‬إين ال أشفي أحدا إنام يشفي اهلل‪ ،‬فأخذه‬
‫فلم يزل يعذبه حتى دل عىل الراهب‪ ،‬فجيء بالراهب فقيل له‪:‬‬
‫ارجع عن دينك!! فأبى‪ .‬فدعي باملنشار فوضع املنشار عىل مفرق‬
‫رأسه فشقه حتى وقع شقاه‪ .‬ثم جيء بجليس امللك فقيل له‪ :‬ارجع‬
‫عن دينك!! فأبى‪ .‬فوضع املنشار يف مفرق رأسه فشقه به حتى وقع‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪215‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫شقاه‪ .‬ثم جيء بالغالم فقيل له‪ :‬ارجع عن دينك!! فأبى‪ .‬فدفعه‬
‫إىل نفر من أصحابه فقال‪ :‬اذهبوا به إىل جبل كذا وكذا فاصعدوا به‬
‫اجلبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإال فاطرحوه‪ .‬فذهبوا به‬
‫فصعدوا به اجلبل فقال‪ :‬اللهم اكفنيهم بام شئت فرجف هبم اجلبل‬
‫فسقطوا‪ .‬وجاء يميش إىل امللك‪ :‬فقال له امللك ما فعل أصحابك؟‬
‫قال‪ :‬كفانيهم اهلل‪ .‬فدفعه إىل نفر من أصحابه فقال‪ :‬اذهبوا به‬
‫فامحلوه يف قرقور((( فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإال‬
‫فاقذفوه‪ .‬فذهبوا به فقال‪ :‬اللهم اكفنيهم بام شئت فانكفأت هبم‬
‫السفينة فغرقوا(((‪.‬‬
‫وجاء يميش إىل امللك‪ .‬فقال له امللك‪ :‬ما فعل أصحابك؟ قال‪:‬‬
‫كفانيهم اهلل‪ .‬فقال للملك‪ :‬إنك لست بقاتيل حتى تفعل ما آمرك‬
‫به‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬جتمع الناس يف صعيد واحد‪ ،‬وتصلبني عىل‬
‫جذع‪ ،‬ثم خذ سهام من كنانتي‪ ،‬ثم ضع السهم يف كبد القوس‪،‬‬
‫ثم قل‪ :‬باسم اهلل رب الغالم‪ ،‬ثم ارمني‪ ،‬فإنك إذا فعلت ذلك‬
‫قتلتني‪ .‬فجمع الناس يف صعيد واحد‪ ،‬وصلبه عىل جذع‪ ،‬ثم أخذ‬
‫سهام من كنانته‪ ،‬ثم وضع السهم يف كبد القوس‪ ،‬ثم قال‪ :‬باسم اهلل‬

‫((( قرقور‪ :‬بضم القافني وهي السفينة قيل الصغرية وقيل الكبرية‪ .‬املنهاج‬
‫‪ ،131/18‬الديباج ‪.306/6‬‬
‫((( أشكل عىل بعض الباحثني أن نجران ال بحر فيها‪ .‬واجلواب فيام قاله‬
‫السهييل يف الروض األنف ص‪" :96‬فأرسله إىل مياه نجران‪ ،‬وهي بحور‬
‫ال يقع فيها يشء إال هلك"‪ ،‬وهكذا قال ابن األثري يف الكامل يف التاريخ‬
‫‪ ،146/1‬والقرطبي يف جامعه ‪ .292/19‬وال يستبعد أن يكون البحر هو‬
‫األمحر‪ ،‬ملا ورد يف كتب التاريخ عن عالقتهم باحلبشة وملوكها‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪216‬‬
‫رب الغالم ثم رماه فوقع السهم يف صدغه فوضع يده يف صدغه يف‬
‫موضع السهم فامت‪ .‬فقال الناس‪ :‬آمنا برب الغالم آمنا برب الغالم‬
‫آمنا برب الغالم‪ُ .‬فأتى امللك فقيل له‪ :‬أرأيت ما كنت حتذر؟ قد واهلل‬
‫نزل بك حذرك‪ ،‬قد آمن الناس‪ .‬فأمر باألخدود يف أفواه السكك‬
‫فخدت وأرضم النريان‪ ،‬وقال‪ :‬من مل يرجع عن دينه فأمحوه((( فيها‬
‫‪ -‬أو قيل له‪ :‬اقتحم ‪ -‬ففعلوا‪ ،‬حتى جاءت امرأة ومعها صبي هلا‬
‫فتقاعست أن تقع فيها‪ ،‬فقال هلا الغالم‪ :‬يا أمه اصربي فإنك عىل‬
‫احلق))(((‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الفوائد العملية من القصة‬
‫ويف دراسة احلديث الرشيف يتضح اجلهد الذي قام به طالب‬
‫علم ومعلمه‪ ،‬نستنبط منها الفوائد العملية يف رعاية طالب العلم‬
‫يف النقاط التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬قواعد للعلماء والمسؤولين عن رعاية طالب العلم‪:‬‬
‫‪ - 1‬اهتامم العلامء بتوريث العلم‪:‬‬
‫جيب أن يكون هناك اهتامم من العلامء بتوريث العلم لطالب‬
‫العلم‪ ،‬فالناظر إىل بداية القصة جيد أن الساحر مع كفره وخطورة‬
‫علمه عىل الناس وعىل الدين‪ ،‬كان حريص ًا عىل أن يورث هذا‬
‫العلم لكي ال ينقطع‪ ،‬فأخرب امللك بام يريد فأجابه‪.‬‬

‫((( فأمحوه‪ :‬هبمزة قطع وحاء ساكنة أي‪ :‬ارموه‪ .‬ويف رواية بالقاف (فاقحموه)‬
‫أي‪ :‬اطرحوه كرها‪ .‬املنهاج يف رشح صحيح مسلم للنووي ‪،132/18‬‬
‫الديباج عىل مسلم للسيوطي ‪.306/6‬‬
‫((( أخرجه مسلم يف كتاب الزهد‪ ،‬باب قصة أصحاب األخدود والساحر‬
‫والراهب والغالم (‪.)3005‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪217‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫فكيف لو كان هذا العلم عل ًام رشعي ًا لكان أوىل بأصحابه أن‬
‫يورثوه وهيتموا بمن سيورثوهنم هذا العلم‪ ،‬وقد جعل اهلل العلم من‬
‫األعامل التي ال تنقطع بموت صاحبها‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‬
‫((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم‬
‫ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له))(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابتعاث من يقوم بالعلم مع رعايته‪:‬‬
‫قبول امللك لطلب الساحر يف ابتعاث غالم ليتعلم السحر‬
‫من الساحر يبني ما جيب عىل املسؤولني يف البالد من التعاون بني‬
‫العامل واملتعلم فلكل من العامل واملسؤول دور يف نرش العلم‪ ،‬فدور‬
‫املعلم التعليم والعناية باملتعلم‪ ،‬ودور املسؤول هو العناية بالطالب‬
‫وتقديم ما حيتاج إليه‪ ،‬وهتيئة األسباب لذلك‪.‬‬
‫‪ - 3‬االهتامم بالنجباء من الطلبة‪:‬‬
‫أمر البد‬
‫فإن اختيار العامل صغار السن والنجباء من الطلبة‪ٌ ،‬‬
‫من العناية به‪ ،‬ليحسن تنشئتهم وتربيتهم عىل العلم املقدم هلم‪.‬‬
‫‪ - 4‬تفريغ الطالب للعلم‪:‬‬
‫تفريغ الطالب للعلم فقط‪ ،‬وكفايتهم ما يشغلهم عن طلبه‪،‬‬
‫حري بإتقاهنم وفهمهم له‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫وتنميته واالهتامم به‪ ،‬فإن تفريغهم له‬
‫فالساحر قال للملك ((أرسل يل غالم ًا أعلمه السحر))‪.‬‬

‫((( أخرجه اإلمام مسلم كتاب الوصية‪ ،‬باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد‬
‫وفاته (‪.)1631‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪218‬‬

‫ثانياً‪ :‬قواعد رعاية طالب العلم عند المعلم الصالح‪:‬‬


‫‪ - 1‬أن يكون املعلم ذا تأثري يف قلب املتعلم‪:‬‬
‫من العناية بطالب العلم أن يكون املعلم ذا كالم مؤثر يف قلب‬
‫املتعلم ولذا قال رسول اهلل ﷺ ((فكان يف طريقه إذا سلك راهب‬
‫فقعد إليه وسمع كالمه فأعجبه))‪ ،‬ولو أن هذا الراهب مل يكن‬
‫كالمه مؤثر ًا يف قلب الطالب هل سيحصل بذلك تعلم وإعجاب‬
‫وحضور دائم للدرس؟‬
‫ومع ذلك فإن الغالم كان ُيضرْ ب من قبل أهله‪ ،‬ومن قبل‬
‫الساحر عندما يتأخر عند الراهب‪ ،‬فكان يصرب ويتحمل املكاره‬
‫يف سبيل تعلم ما ينفعه‪.‬‬
‫‪ - 2‬متيز املعلم بالشفقة والرمحة لطالبه‪:‬‬
‫ليس من طبيعة أهل العلم أن يعملوا عىل أذية طالهبم‪ ،‬بل‬
‫جيب أن يكون فيهم الشفقة والرمحة بطالهبم‪ ،‬فالرامحون يرمحهم‬
‫الرمحن‪ ،‬وتأمل قول الراهب وهو خياطب الغالم‪(( :‬أي بني))‬
‫بكل ما تعنيه الكلمة من عطف وحنان األب عىل ولده‪.‬‬
‫بخالف ذلك الساحر الذي يعلم الغالم السحر مع كفره‬
‫ورثه‬ ‫ٍ‬
‫وكفر ما يعلمه للغالم‪ ،‬إذ يوجد به قسوة وعدم رمحة‪ ،‬بل َّ‬
‫نُفر ًة من العلم وصاحبه‪ ،‬وك ُْره ًا لذلك العلم الذي ال حيث صاحبه‬
‫والعامل به عىل الرمحة بالناس وبالطلبة خصوص ًا‪.‬‬
‫وال غرابة يف ذلك ألن العلم الذي ال حيث صاحبه عىل العمل‬
‫جدير بأن ُيكره و ُينبذ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫باحلق والرمحة باخللق ‪ -‬ال سيام طالبه ‪-‬‬
‫‪ - 3‬دور املعلم يف خلق ثقة طالبه به‪:‬‬
‫إن دور املعلم ليس نفث املعلومات فقط‪ ،‬وإنماّ زرع الثقة يف‬
‫طالبه‪ ،‬فامذا يفعل هذا الطالب يف املشكلة التي حتصل له كل يوم؟ إنه‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪219‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫ذهب إىل من يثق به ويعلم أن عنده احلل ملشكلته‪ ،‬إنه معلمه الراهب‪،‬‬
‫فإن الطالب إذا أحس باهتام ٍم من شيخه عرض عليه ما يعرتيه من‬
‫مشكالت خاصة به‪ ،‬أو مشكالت تتعلق بطلبه للعلم‪ ،‬أو العمل به‪.‬‬
‫‪ - 4‬العناية بإزالة العقبات التي متنع طالب العلم‪:‬‬
‫ويأيت دور الشيخ يف العناية بإزالة العقبات التي متنع طالب‬
‫العلم من السري يف الطريق احلق‪ ،‬يقرتح عىل طالبه ح ً‬
‫ال ملشكلته قبل‬
‫أن تتطور املشكلة ويذهب طالب العلم عنه‪.‬‬
‫فقال الراهب للغالم الطالب‪(( :‬إذا خشيت الساحر فقل‪:‬‬
‫حبسني أهيل‪ ،‬وإذا خشيت أهلك فقل‪ :‬حبسني الساحر))‪ ،‬وهكذا‬
‫خيرج الراهب الغالم من مشكلته ٍ‬
‫بفقه باحلق وبواقع طالبه‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يعرض فعله عىل شيخه ليصوبه‪:‬‬
‫ثم يأيت موقف آخر يلجأ الغالم ملعلمه ليعرف منه حقيقة‬
‫األمر‪ ،‬فهو اقتنع بثقته بمعلمه واحلق الذي معه وهو موقف الدابة‪،‬‬
‫التي سدت عىل الناس الطريق‪ ،‬وأبعدها هو بقوله‪(( :‬اللهم إن كان‬
‫أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة)) ورماها‬
‫بحجر فقتلها ومىض الناس‪ ،‬فيعرض فعله عىل شيخه ليصوبه إن‬
‫كان خاطئ ًا؛ فيكون اجلواب‪(( :‬أي بني أنت اليوم أفضل مني))‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن يبني له الواقع وحقيقة الطريق‪:‬‬
‫ويأيت الدور اآلخر من عناية املعلم بتلميذه وهو أن يبني له‬
‫الواقع ويبني له حقيقة الطريق الذي سلكه‪ ،‬لقد سلك الغالم‬
‫طريق العلم احلق الذي يأمره بأن يدعو إليه ال يعلمه فقط‪ ،‬فيتنقل‬
‫املعلم بطالبه من ميدان التعلم إىل ميدان العمل والدعوة بام تعلم‪،‬‬
‫وأن هذا الطريق شاق وكله ابتالءات‪ ،‬فيحتاج إىل صرب وعزيمة‪.‬‬
‫أتى الغالم الراهب فأخربه فقال له الراهب‪(( :‬أي بني؛ أنت‬
‫اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتىل فإن ابتليت‬
‫فال تدل عيل))‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪220‬‬
‫‪ - 7‬أن يبني له تفوقه ويشجعه‪:‬‬
‫من رعاية املعلم لتلميذه أن يبني له تفوقه حتى ولو كان تفوقه‬
‫ذلك يفوق معلمه ألن املعلم احلق هو الذي حيب لطالبه ما حيب‬
‫لنفسه أو أكثر ألنه ال يتعلم أمر ًا من أمور الدنيا يتنافس فيه أهل‬
‫الدنيا وإنام هو يتعلم علم الدنيا واآلخرة الذي سيستمر أجره إىل‬
‫يوم القيامة ((أي بني؛ أنت اليوم أفضل مني))‪.‬‬
‫‪ - 8‬أن يكون قدوة لطالبه بالعمل‪:‬‬
‫عىل املعلم أن يكون قدوة لطالبه بالعمل بام يعلمه لطالبه فهذا‬
‫الراهب يقتل من أجل هذا الدين فقد جاء يف القصة ((فجيء بالراهب‬
‫فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدُ عي باملنشار فوضع املنشار عىل مفرق‬
‫رأسه فشقه حتى وقع ِش َّقاه))‪ ،‬والحظ أن تلميذه ينظر إليه‪.‬‬
‫ونتيجة لتلك الرتبية القولية والعملية‪ ،‬وقف الغالم أمام‬
‫امللك وصدع بكلمة احلق ومل يثنه عن دينه ودعوة الناس رغم تلك‬
‫التهديدات‪ ،‬بل صرب عليها الغالم فكانت عالم ًة واضحة عىل صدقه‪.‬‬
‫فمن أجل نرش دين اهلل تعاىل وهداية الناس قدم الغالم نفسه‬
‫هلل تعاىل‪ ،‬اقتدا ًء بشيخه ومعلمه الراهب‪ ،‬فآمن كل الناس‪ ،‬فهذه‬
‫هي نتيجة االعتناء والرتبية والصرب عىل تعليم وتربية طالب العلم‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪221‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المبحث الرابع‬
‫قصة أصحاب الكهف‬
‫إهنا قصة تربز فيها رعاية طالب العلم بعضهم لبعض‪ ،‬وهذا‬
‫جانب مهم يف حياة طالب العلم‪ ،‬وسنربز هذا األمر من خالل‬
‫مطلبني‪:‬‬
‫المطلب األول‬
‫عرض إجمالي لقصة أصحاب الكهف‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬
‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬
‫ﲍ ﲎﱠ [الكهف‪.]10 - 9‬‬
‫ف يريدون بذلك‬ ‫"قصة هؤالء الشباب‪ ،‬أهنم دخلوا إِلىَ كَه ِ‬
‫ْ‬
‫التحصن والتحرز من فتنة قومهم هلم‪:‬ﱡﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬
‫ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱠ أي تثبتنا هبا وحتفظنا من الرش‪ ،‬وتوفقنا‬
‫للخري ﱡﭐﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱠ أي‪ :‬يرس لنا كل سبب موصل‬
‫إىل الرشد‪ ،‬وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا‪ ،‬فجمعوا بني السعي والفرار من‬
‫الفتنة‪ ،‬إىل حمل يمكن االستخفاء فيه‪ ،‬وبني ترضعهم وسؤاهلم هلل تيسري‬
‫أمورهم‪ ،‬وعدم اتكاهلم عىل أنفسهم وعىل اخللق‪ ،‬فلذلك استجاب اهلل‬
‫دعاءهم‪ ،‬وقيض هلم ما مل يكن يف حساهبم"(((‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﲦ ﲧ ﲨ‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﱠ[الكهف‪.]13‬‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.471‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪222‬‬
‫أي‪" :‬آ َمنُوا باهلل وحده ال رشيك له من دون قومهم‪ ،‬فشكر اهلل‬
‫هلم إيامهنم‪ ،‬فزادهم هدى‪ ،‬أي‪ :‬بسبب أصل اهتدائهم إىل اإليامن‪،‬‬
‫زادهم اهلل من اهلدى‪ ،‬الذي هو العلم النافع‪ ،‬والعمل الصالح"(((‪.‬‬
‫فهؤالء ذهبوا يطلبون احلق واخلري يف أمور دينهم ودنياهم‪،‬‬
‫وتعاونوا عىل ذلك‪ ،‬ورعى كل واحد منهم أخاه يف هذه الرحلة‬
‫التي جعلوها هلل‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ ﲛ‬
‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ‬
‫ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ‬
‫ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ ﱠ[الكهف ‪.]19‬‬
‫"ثم إهنم ملا تساءلوا بينهم‪ ،‬وجرى منهم ما أخرب اهلل به‪ ،‬أرسلوا‬
‫أحدهم بورقهم‪ ،‬أي‪ :‬بالدراهم‪ ،‬التي كانت معهم‪ ،‬ليشرتي هلم طعاما‬
‫يأكلونه‪ ،‬من املدينة التي خرجوا منها‪ ،‬وأمروه أن يتخري من الطعام‬
‫أزكاه‪ ،‬أي‪ :‬أطيبه وألذه‪ ،‬وأن يتلطف يف ذهابه ورشائه وإيابه‪ ،‬وأن‬
‫خيتفي يف ذلك‪ ،‬وخيفي حال إخوانه‪ ،‬وال يشعرن هبم أحدا‪ .‬وذكروا‬
‫املحذور من اطالع غريهم عليهم‪ ،‬وظهورهم عليهم‪ ،‬أهنم بني أمرين‪،‬‬
‫إما الرجم باحلجارة‪ ،‬فيقتلوهنم أشنع قتلة‪ ،‬حلنقهم عليهم وعىل دينهم‪،‬‬
‫وإما أن يفتنوهم عن دينهم‪ ،‬و َي ُر ُّد ْو ُهم يف ملتهم‪ ،‬ويف هذه احلال‪ ،‬ال‬
‫يفلحون أبدا‪ ،‬بل خيرسون يف دينهم ودنياهم وأخراهم"(((‪.‬‬

‫((( املصدر السابق‪.‬‬


‫((( املصدر السابق ‪.473‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪223‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫المطلب الثاني‬
‫فوائد في رعاية طالب العلم من قصة أصحاب الكهف‬
‫ومن هنا يمكن استخراج بعض الفوائد من اآليات يف رعاية‬
‫طالب العلم‪:‬‬
‫‪ )1‬لفت النظر إىل االهتامم بالشباب فهم عامد الدعوة‬
‫ومستقبلها قال تعاىل‪ :‬ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝﭼ "فالشبان أقبل للحق وأهدى للسبيل‬
‫من الشيوخ"(((‪.‬‬
‫‪ )2‬طالب العلم ال خيلو من طلب اللجوء هلل تعاىل يف كل‬
‫أحواله‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﭼ‬
‫مع أهنم هاجروا وهربوا بدينهم من الكفر وأهله‪.‬‬
‫‪ )3‬أن العلم واإليامن طريق طويل لكن اهلل تعاىل هييؤه وييرسه ملن‬
‫سلك سبيله‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﯚﯛﯜﯝﭼ‪.‬‬
‫‪ )4‬أمهية اهلجرة والرحلة يف سبيل احلق والعمل بالعلم ﭽ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ‪.‬‬
‫‪ )5‬التعاون والتدارس يف حتصيل العلم ويف العمل به‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﭼ‪.‬‬

‫((( نظم الدرر للبقاعي ‪.448/4‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪224‬‬
‫‪ )6‬تثبيت بعضهم بعض ًا يف البالء‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽﭑﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ‪.‬‬
‫‪ )7‬تربيتهم عىل حسن التوكل عىل اهلل‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭼ‪.‬‬
‫‪ )8‬االهتامم باجلانب الصحي‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﱸ "أي‪ :‬حفظهم‬
‫اهلل من الشمس فيرس هلم غارا إذا طلعت الشمس متيل عنه‬
‫يمينا‪ ،‬وعند غروهبا متيل عنه شامال فال يناهلم حرها فتفسد‬
‫أبداهنم هبا‪ :،‬ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱠ أي‪ :‬من الكهف‬
‫أي‪ :‬مكان متسع‪ ،‬وذلك ليطرقهم اهلواء والنسيم‪ ،‬ويزول‬
‫عنهم الوخم والتأذي باملكان الضيق‪ ،‬خصوصا مع طول‬
‫املكث"(((‪.‬‬
‫‪ )9‬احلث عىل العلم‪ ،‬وعىل املباحثة فيه‪ ،‬لكون اهلل بعثهم ألجل‬
‫ذلك‪ ،‬قال تعاىل‪:‬ﱡﭐﲖ ﲗ ﲘ ﲙﲚ‬
‫ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﱠ[الكهف‪.]19‬‬
‫‪)10‬التعاون فيام بينهم يف حتصيل الرزق قال تعاىل‪:‬ﱡﲭ‬
‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬
‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﱠ‬

‫((( تيسري الكريم الرمحن البن سعدي ‪.472‬‬


‫رعاية اهلل‬
‫‪225‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪)11‬حث هؤالء الذي يطلبون احلق بعضهم بعضا عىل أكل‬


‫الطيبات من الطعام‪ ،‬كام ذكر اهلل عن قوهلم‪ :‬ﱡﭐﲳ‬
‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹﱠ[الكهف‪.]19‬‬
‫‪)12‬ترك اجلدال فيام ال ينفع‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲨ ﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬﱠ[الكهف‪.]19‬‬
‫‪)13‬حسن األدب مع اهلل تعاىل حيث وكلوا العلم هلل وحده قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﱡﭐﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﱠ [الكهف‪.]19‬‬
‫‪)14‬االهتامم باجلانب األمني "واحلث عىل التحرز‪،‬‬
‫واالستخفاء‪ ،‬والبعد عن مواقع الفتن يف الدين‪ ،‬واستعامل‬
‫الكتامن يف ذلك عىل اإلنسان وعىل إخوانه يف الدين"(((‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭼ‪[ .‬الكهف‪.]20‬‬
‫‪)15‬أن التوكل ال ينايف أخذ األسباب بل هي منه‪ ،‬فهؤالء‬
‫صحبوا كلبهم ونفقتهم‪ ،‬وأخذوا حذرهم مع توكلهم‬
‫عىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وأخريا يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﭼ [الكهف‪ ،]٩ :‬إشارة إىل أمهية تسجيل قصص السابقني‬
‫ملا فيها من عربة وعظة‪ ،‬فالرقيم هو اللوح الذي سجلت عليه‬
‫قصتهم‪.‬‬

‫((( املصدر السابق ‪.472‬‬


‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪226‬‬

‫الخاتمة‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم عىل رسول اهلل‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه ملحة موجزة يف رعاية اهلل ألنبيائه وأتباعهم التي ذكرها اهلل لنا‬
‫يف القرآن‪ ،‬وتبني لنا فيها أهم مقومات هذا املنهج الرباين الفريد يف رعاية‬
‫طالب العلم‪ ،‬والذي ظهر أثره يف ثلة من األنبياء جعل اهلل منهم منارات‬
‫هيتدى هبا يف ميدان العلم والعمل والدعوة والصرب عىل ذلك كله‪.‬‬
‫وتبني لنا األدوار التي جيب أن يقوم هبا كل فرد من أفراد‬
‫املجتمع ملواصلة املسرية‪ ،‬سريا عىل اهلدي الرباين يف رعاية طالب‬
‫العلم وما حتتاجه تلك املسرية من االهتامم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬نتائج البحث‪:‬‬
‫ويمكن بيان نتائج هذا البحث يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬أمهية رعاية طالب العلم‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن اهلل عز وجل تكفل‬
‫برعاية وتربية أنبيائه وصنعهم عىل عينه‪ ،‬وكانوا حتت معيته‬
‫يوجههم ويربيهم وحيفظم وييرس هلم أمورهم االجتامعية‪.‬‬
‫‪ .2‬رعاية اهلل عز وجل ألنبيائه شملت جماالت كثرية‪ :‬من‬
‫أعظمها الرعاية الرتبوية واألخالقية والعلمية وإرشادهم‬
‫وهدايتهم إىل الطريق املستقيم‪ ،‬فقد آتاهم الكتاب‬
‫واحلكمة وزكاهم بالعلم والوحي‪.‬‬
‫‪ .3‬شملت رعاية اهلل ألنبيائه اجلوانب االجتامعية حيث يرس هلم‬
‫معاشهم وسخر هلم طرق ذلك بام ال يتناىف مع مقامهم ودورهم‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪227‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ .4‬وشملت رعاية اهلل ألنبيائه حتذيرهم عوائق طلب العلم‪،‬‬


‫وبني هلم آثار اجلهل ونفرهم عنه‪.‬‬
‫‪ .5‬ومن رعاية اهلل ألنبيائه أن برصهم بأساليب الدعوة َّ‬
‫وقوم‬
‫ونوع لكل حالة ما حتتاجه من أساليب‪.‬‬
‫منهاجهم فيها‪َّ ،‬‬
‫‪ .6‬من رعاية األنبياء لطالهبم تعليمهم آداب الطلب‬
‫والتخاطب مع العلامء‪ ،‬مع وصيتهم بالصرب عىل طلب‬
‫العلم ووسائل تلقيه‪.‬‬
‫‪ .7‬من رعاية العامل بطالبه أن خيتار هلم الكالم الطيب املؤثر‬
‫ليدفعهم إىل العمل بالعلم وتطبيقه‪.‬‬
‫‪ .8‬من رعاية طالب العلم بعضهم بعض ًا ُّ‬
‫حث بعضهم بعض ًا‬
‫عىل املباحثة يف العلم‪ ،‬والتعاون فيام بينهم يف حتصيل الرزق‬
‫الذي يساعدهم عىل مواصلة الطلب‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬توصيات البحث‪:‬‬
‫‪ .1‬رعاية اهلل سبحانه وتعاىل ألنبيائه‪ ،‬ورعاية األنبياء لطالهبم‬
‫هي السنة املهجورة التي جيب أن تحُ ْ َيا يف واقع املجتمعات‬
‫العلمية والتعليمية اليوم‪.‬‬
‫‪ .2‬رضورة النظر يف كتاب اهلل تعاىل القتباس يشء من نوره‬
‫والتعلم منه خطط إقامة مجيع أمور حياتنا وال يقترص فقط‬
‫عىل تالوته والتغني به‪.‬‬
‫‪ .3‬بروز احلاجة الشديدة لربنامج رعاية طالب العلم‪،‬‬
‫وخصوص ًا طالب العلم الرشعي‪ ،‬ألهنم باعوا أوقاهتم‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪228‬‬
‫وأعامرهم‪ ،‬ودنياهم من أجل إخراج الناس من الضالل‬
‫إىل اهلدى‪.‬‬
‫‪ .4‬جيب عىل املسؤولني يف كل بلد التعاون مع علامء ذلك‬
‫البلد يف تبليغ العلم لطالبه‪ ،‬فدور العامل التعليم والعناية‬
‫باملتعلم‪ ،‬ودور املسؤول العناية بالعامل واملتعلم يف تقديم ما‬
‫حيتاجان إليه‪.‬‬
‫‪ .5‬رضورة إنشاء مؤسسات منظمة تقوم عىل رعاية طالب‬
‫العلم خصوص ًا يف هذا الوقت الذي تكالبت فيه أمم‬
‫األرض الباطلة عىل اإلسالم وأهله ومن يدعو إليه‪ ،‬مما‬
‫جعل كثري ًا من الشباب هيرب عن تعلم العلم لكي ال‬
‫يصيبه مكروه‪.‬‬
‫‪ .6‬رضورة رعاية جيل طالب العلم يف كل املجاالت‪،‬‬
‫وختصيص كل فئة يف نوع من العلوم‪.‬‬
‫‪ .7‬احلاجات التي رعى اهلل تعاىل طالب العلم هبا‪ ،‬من‬
‫التي ذكرناها وغريها مما مل نذكره حتتاج إىل تنظيم برامج‬
‫ومناهج تتبناها مؤسسات أو مجعيات خريية أو حكومية‬
‫لتتحقق هدف صناعة األجيال‪ ،‬لنعيد صياغة مستقبل‬
‫وهدى من رشع اهلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫أمتنا عىل نور‬
‫‪ .8‬أملنا أن يكون هذا البحث خطوة لتحقيق ذلك األمل‬
‫الذي نتمناه والذي يتمناه املسلمون يف كل مكان كام يتمناه‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪229‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫املخلصون هلذا الدين من علامء وأساتذة ودعاة سواء بسواء‪.‬‬


‫اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬وممن‬
‫هيتدون هبدي سيد البرش‪ ،‬وممن يكونون معينني عىل إيصال سنته‬
‫إىل كل البدو واحلرض‪ ،‬وممن يقومون عىل رعاية من يطلب هذه‬
‫السنة ويوصلوهنا للناس‪ ،‬وأن نكون ممن يقوم عىل وضع لبنة من‬
‫لبنات بناء رصح هذه األُمة العظيم‪.‬‬
‫كام أسأله سبحانه أن جيزي خري ًا كل من ساهم يف إخراج هذا‬
‫البحث بتوجيه أو فكرة أو تصويب خطأ أو بيان‪ ،‬وأن ال حيرمنا وإياهم‬
‫األجر‪ ،‬كام أسأله سبحانه أن جيعل هذا العمل خالص ًا لوجهه الكريم‬
‫وأن ينفع به املسلمني‪ ،‬وأن يكون حجة لنا ال علينا‪ ،‬اللهم آمني‪.‬‬
‫ويف اخلتام أقول هذه حماولة برش‪ ،‬أراد هبا اخلري له وألمته‬
‫وإلخوانه يف طريق طلب العلم والدعوة إىل اهلل‪ ،‬وعمل البرش‬
‫ال خيلو من أخطاء وزلل فام كان يف هذا العمل من خري وصواب‬
‫فمن توفيق اهلل وحده‪ ،‬وما كان فيه من خطأ وزلل فمن الشيطان‪،‬‬
‫وأسأل اهلل تعاىل أن يغفره يل‪ ،‬وأن يتجاوز عني‪.‬‬
‫وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪230‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫‪- 1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ - 2‬آدم من وحي من القرآن ‪ -‬الدكتور عقيل حسني عقيل ‪ -‬دار بن كثري‬
‫‪ -‬دمشق – ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ - 3‬أصول الدعوة – عبد الكريم زيدان ‪ -‬مكتبة املنار اإلسالمية ‪ -‬ط‪3‬‬
‫(‪1396‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 4‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن ‪ -‬حممد األمني بن حممد املختار بن‬
‫عبدالقادر اجلكني الشنقيطي ‪ -‬دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع بريوت‬
‫‪ -‬ط (‪1415‬هـ ‪1995‬م)‪.‬‬
‫‪ - 5‬إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ‪ -‬حممد بن أيب بكر أيوب الزرعي أبو‬
‫عبد اهلل ‪ -‬دار املعرفة – بريوت ‪ -‬الطبعة الثانية‪1975 – 1395 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 6‬اإلمالء والرتقيم يف الكتابة العربية ‪ -‬عبد العليم إبراهيم ‪ -‬مكتبة غريب‬
‫‪ -‬مرص‪.‬‬
‫‪ - 7‬البحر املحيط – حممد بن يوسف أبوحيان األندليس – دار الفكر –‬
‫بريوت – ط‪1403(2‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 8‬البحر املديد يف تفسري القرآن املجيد ‪ -‬أمحد بن حممد بن املهدي ‪ -‬املحقق‪ :‬أمحد‬
‫عبد اهلل القريش رسالن ‪ -‬النارش‪ :‬الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة ‪-‬‬
‫الطبعة‪ 1419 :‬هـ ‪ -‬ومن أول سورة الرمحن إىل آخر التفسري موافق لـ ط دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1423‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ - 9‬البداية والنهاية ‪ -‬إسامعيل بن عمر بن كثري القريش البرصي ‪ -‬عام‬
‫النرش‪ 1407 :‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ - 10‬بدائع التفسري ‪ -‬ابن القيم ‪ -‬دار ابن اجلوزي ‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫‪ - 11‬الربهان يف علوم القرآن ‪ -‬حممد بن هبادر ه الزركيش أبو عبد اهلل ‪ -‬دار‬
‫املعرفة ‪ -‬بريوت‪ - 1391 ،‬حتقيق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪.‬‬
‫‪ - 12‬تاريخ األمم وامللوك – حممد بن جرير الطربي – دار الكتب العلمية‬
‫‪ -‬بريوت ‪ -‬ط‪1408( 2‬هـ)‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪231‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 13‬التحرير والتنوير – ابن عاشور – الدار التونسية للنرش – تونس ‪-‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ - 14‬تفسري ابن عثيمني – جزء الذاريات ‪ -‬حممد بن صالح العثيمني ‪ -‬طبعة‬
‫مؤسسة ابن عثيمني اخلريية ‪1435‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 15‬تفسري اجلاللني – جالل الدين حممد بن أمحد املحيل ‪ -‬وجالل الدين‬
‫عبدالرمحن بن أيب بكر السيوطي ‪ -‬النارش‪ :‬دار احلديث – القاهرة ‪-‬‬
‫الطبعة ‪.1‬‬
‫‪ - 16‬تفسري القرآن العظيم – عبدالرمحن بن حممد ابن أيب حاتم ‪ -‬مكتبة نزار‬
‫مصطفى الباز ‪ -‬مكة املكرمة ‪ -‬ط‪1417(1‬هـ)‬
‫‪ - 17‬تفسري القرآن العظيم ‪ -‬إسامعيل بن عمر بن كثري القريش الدمشقي‬
‫– حتقيق‪ :‬سامي السالمة ‪ -‬دار طيبة – الرياض – ط‪1418(1‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 18‬تفسري سورة ص ‪ -‬ابن عثيمني ‪ -‬دار الثريا ‪ -‬عناية مؤسسة ابن‬
‫عثيمني اخلريية‪.‬‬
‫‪ - 19‬تفسري مقاتل بن سليامن ‪ -‬أبو احلسن مقاتل بن سليامن بن بشري األزدي‬
‫بالوالء البلخي ‪ -‬حتقيق‪ :‬أمحد فريد ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت ‪-‬‬
‫ط‪1424( 1‬هـ ‪2003‬م)‪.‬‬
‫‪ - 20‬التوبة البن أيب الدنيا ‪ -‬أبوبكر عبداهلل بن حممد بن عبيد بن سفيان بن‬
‫قيس البغدادي املعروف بابن أيب الدنيا ‪ -‬حتقيق‪ :‬جمدي السيد إبراهيم‬
‫‪ -‬مكتبة القرآن ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ - 21‬تيسري الكريم الرمحن يف تفسري كالم املنان – عبدالرمحن بن نارص‬
‫السعدي – مؤسسة الرسالة للطباعة والنرش – ط‪1420(1‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 22‬تيسري اللطيف املنان يف خالصة تفسري القرآن ‪ -‬عبدالرمحن بن نارص‬
‫السعدي ‪ -‬ط‪1409( 2‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 23‬جامع البيان ‪ -‬حممد بن جرير الطربي ‪ -‬حتقيق د‪.‬عبداهلل الرتكي ‪-‬‬
‫مركز البحوث والدراسات اإلسالمية ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط‪1422( 1‬هـ)‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪232‬‬
‫‪ - 24‬جامع الرتمذي – حممد بن عيسى الرتمذي ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنرش‬
‫والتوزيع – الرياض – (‪1419‬هـ ‪1989 -‬مـ) ‪ -‬اعتناء فريق بيت‬
‫األفكار الدولية‪.‬‬
‫‪ - 25‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ -‬حممد بن أمحد األنصاري القرطبي ‪ -‬دار‬
‫الكتاب العريب‪.‬‬
‫‪ - 26‬اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن ‪ -‬عبد الرمحن بن حممد بن خملوف‬
‫الثعالبي ‪ -‬املحقق‪ :‬حممد عيل معوض والشيخ عادل أمحد عبد املوجود‬
‫‪ -‬دار إحياء الرتاث العريب – بريوت ‪ -‬الطبعة‪ :‬األوىل ‪ 1418 -‬هـ‬
‫‪ - 27‬حلية األولياء وطبقات األصفياء ‪ -‬أبونعيم أمحد بن عبداهلل األصبهاين‬
‫‪ -‬دار الكتاب العريب ‪ -‬بريوت ‪ -‬ط‪1405( 4‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 28‬الدر املنثور يف التفسري باملأثور ‪ -‬عبدالرمحن بن أيب بكر السيوطي ‪-‬‬
‫حتقيق د‪.‬عبداهلل الرتكي – مركز هجر للبحوث والدراسات اإلسالمية‬
‫والعربية – القاهرة ‪ -‬ط‪1424(1‬هـ ‪2003‬م)‪.‬‬
‫‪ - 29‬دعوة الرسل عليهم السالم ‪ -‬أمحد غلوش ‪ -‬مؤسسة الرسالة –‬
‫بريوت ‪1423‬ه‪.‬‬
‫‪ - 30‬دقائق التفسري اجلامع لتفسري ابن تيمية ‪ -‬أمحد بن عبد احلليم بن عبد‬
‫السالم ابن تيمية ‪ -‬املحقق‪ :‬د‪ .‬حممد السيد اجلليند ‪ -‬النارش‪ :‬مؤسسة‬
‫علوم القرآن – دمشق ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.1404 ،‬‬
‫‪ - 31‬الديباج عىل مسلم ‪ -‬جالل الدين عبدالرمحن بن أيب بكر السيوطي ‪-‬‬
‫حققه‪ :‬أبو إسحاق احلويني االثري ‪ -‬دار ابن عفان ‪ -‬اخلرب ‪ -‬السعودية‬
‫‪ -‬ط‪1416(1‬هـ ‪1996‬م)‪.‬‬
‫‪ - 32‬الذريعة إىل مكارم الرشيعة ‪ -‬احلسني بن حممد املعروف بالراغب‬
‫األصفهانى ‪ -‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬أبو اليزيد أبو زيد العجمي ‪ -‬دار النرش‪ :‬دار‬
‫السالم – القاهرة ‪ -‬عام النرش‪ 1428 :‬هـ ‪ 2007 -‬م‪.‬‬
‫‪ - 33‬رسالة ابن القيم إىل أحد إخوانه ‪ -‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن بن قيم‬
‫اجلوزية ‪ -‬املحقق‪ :‬عبد اهلل بن حممد املديفر ‪ -‬النارش‪ :‬مطابع الرشق‬
‫األوسط – الرياض ‪ -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪233‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 34‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين – شهاب الدين‬
‫حممود اآللويس البغدادي ‪ -‬دار الفكر ‪ -‬بريوت – ط‪.1403‬‬
‫‪ - 35‬الروض األنف ( تفسري سرية ابن هشام ) ‪ -‬عبدالرمحن بن عبداهلل بن‬
‫أمحد السهييل‪ ،‬إخراج‪ :‬عبدالرؤوف سعيد ‪ -‬دار املعرفة ‪ -‬بريوت ‪ -‬ط‬
‫منقحة‪1398( ،‬هـ‪1978‬م)‪.‬‬
‫‪ - 36‬زاد املسري يف علم التفسري ‪ -‬عبد الرمحن بن عيل بن حممد اجلوزي ‪-‬‬
‫املكتب اإلسالمي – بريوت ‪ -‬الطبعة الثالثة‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 37‬سلسلة األحاديث الصحيحة ‪ -‬حممد نارص الدين األلباين– املكتب‬
‫اإلسالمي – بريوت ‪ -‬ط‪1405(4‬هـ ‪1985 -‬مـ)‪.‬‬
‫‪ - 38‬جمموعة ليدبروا آيته ‪ -‬حصاد ‪ 7‬سنوات تدبر ‪ -‬إعداد مركز تدبر‪.‬‬
‫‪ - 39‬سنن ابن ماجة – حممد بن يزيد بن ماجة القزويني ‪ -‬بيت األفكار الدولية‬
‫للنرش والتوزيع – الرياض – (‪1419‬هـ ‪1989 -‬مـ) ‪ -‬اعتناء فريق بيت‬
‫األفكار الدولية‪.‬‬
‫‪ - 40‬شعب اإليامن ‪ -‬أبوبكر أمحد بن احلسني البيهقي ‪ -‬حتقيق‪ :‬حممد السعيد‬
‫بسيوين زغلول ‪ -‬دار الكتب العلمية – بريوت – ط‪1410( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 41‬صحيح البخاري ‪ -‬حممد بن إسامعيل البخاري ‪ -‬اعتناء أيب صهيب‬
‫الكرمي ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنرش والتوزيع – الرياض –‬
‫(‪1419‬هـ ‪1989‬م)‪.‬‬
‫‪ - 42‬صحيح مسلم – مسلم بن احلجاج النيسابوري ‪ -‬اعتناء أيب صهيب‬
‫الكرمي ‪ -‬بيت األفكار الدولية للنرش والتوزيع – الرياض –‬
‫(‪1419‬هـ ‪1989‬م)‪.‬‬
‫‪ - 43‬فتاوى السبكي ‪ -‬عيل بن عبد الكايف السبكي ‪ -‬النارش‪ :‬دار املعارف‪.‬‬
‫‪ - 44‬فتح الباري برشح صحيح البخاري – أمحد بن عىل بن حجر العسقالين‬
‫– ترقيم وتبويب حممد فؤاد عبدالباقي – دار الريان للرتاث – القاهرة –‬
‫ط‪1407(1‬هـ ‪1986‬م)‪.‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪234‬‬
‫فتح البيان يف مقاصد القرآن‪ ،‬ملحمد صديق خان ‪ -‬حممد صديق خان‬
‫‪ُ - 45‬‬
‫‪ -‬ا َملكتبة العرص َّية للط َباعة والنّشرْ ‪َ ،‬صيدَ ا – َبريوت ‪ -‬عام النرش‪:‬‬
‫‪ 1412‬هـ ‪ 1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ - 46‬الفوائد ‪ -‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد بن قيم اجلوزية ‪ -‬دار‬
‫الكتب العلمية – بريوت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1393‬هـ ‪1973 -‬م‪.‬‬
‫‪ - 48‬قصص األنبياء ‪ -‬إسامعيل بن عمر بن كثري القريش البرصي ثم‬
‫الدمشقي ‪ -‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد الواحد‬
‫‪ - 49‬القصص القرآين– صالح اخلالدي – دار القلم – دمشق – ط‪1‬‬
‫(‪1419‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 50‬الكامل يف التاريخ ‪ -‬عيل بن حممد بن عبدالكريم اجلزري املعروف‬
‫بابن األثري ‪ -‬دار صادر ‪ -‬بريوت (‪1399‬هـ ‪1979‬م)‪.‬‬
‫‪ - 51‬لباب التأويل (تفسري اخلازن) – عيل بن حممد بن إبراهيم الشهري‬
‫باخلازن ‪ -‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ - 52‬موسى بني يدي اخلرض‪ ،‬مقال جملة البيان – تصدر عن املنتدى‬
‫اإلسالمي– عدد‪ - 62‬د خالد السيف‪.‬‬
‫‪ - 53‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬مجع ابن قاسم‪ ،‬طبعة خادم‬
‫احلرمني الرشيفني بإرشاف رئاسة شؤون احلرمني‪1404( ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 54‬حماسن التأويل ‪ -‬حممد مجال الدين بن حممد سعيد بن قاسم احلالق‬
‫القاسمي ‪ -‬املحقق‪ :‬حممد باسل عيون السود ‪ -‬دار الكتب العلمية –‬
‫بريوت ‪ -‬الطبعة‪ :‬األوىل ‪ 1418 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 55‬املحرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز ‪ -‬أبو حممد عبداحلق بن غالب‬
‫بن عطية األندليس ‪ -‬حتقيق‪ :‬عبدالسالم عبدالشايف حممد ‪ -‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بريوت – (‪1413‬هـ ‪1993‬م)‪.‬‬
‫‪ - 56‬املستدرك عىل الصحيحني – حممد بن عبد اهلل احلاكم النيسابوري – حتقيق‬
‫مصطفى عبد القادر عطا ‪ -‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت – ط‪1411(1‬هـ‬
‫‪1990 -‬م)‪.‬‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪235‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪ - 57‬املستفاد من قصص األنبياء للدعوة والدعاة‪ ،‬عبد الكريم زيدان ‪-‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬بريوت ‪1419‬هـ‬
‫‪ - 58‬مسند اإلمام أمحد بن حنبل ‪ -‬املؤلف‪ :‬أمحد بن حنبل ‪ -‬املحقق‪:‬‬
‫شعيب األرنؤوط وآخرون ‪ -‬النارش‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬الطبعة‪:‬‬
‫الثانية ‪1420‬هـ‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 59‬معامل التنزيل ‪ -‬أبوحممد احلسني بن مسعود البغوي ‪ -‬حققه حممد عبداهلل‬
‫النمر‪ ،‬عثامن مجعة ضمريية‪ ،‬سليامن مسلم احلرش ‪ -‬دار طيبة – الرياض –‬
‫ط‪1417( 4‬هـ ‪1997‬م)‪.‬‬
‫‪ - 60‬مفاتيح الغيب = التفسري الكبري ‪ -‬حممد بن عمر بن احلسن الرازي امللقب‬
‫بفخر الدين الرازي ‪ -‬دار إحياء الرتاث العريب – بريوت ‪ -‬الطبعة‪ :‬الثالثة‬
‫‪ 1420 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 61‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬لعبد الرمحن بن حممد بن خلدون احلرضمي‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1984 ،5‬م‪.‬‬
‫‪ - 62‬املنهاج رشح صحيح مسلم (رشح النووي) ‪ -‬أبوزكريا حييى بن‬
‫رشف بن مري النووي ‪ -‬دار إحياء الرتاث العريب – بريوت – ط‪2‬‬
‫(‪1392‬هـ)‪.‬‬
‫‪ - 63‬نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور ‪ -‬برهان الدين أيب احلسن‬
‫إبراهيم بن عمر البقاعي ‪ -‬دار النرش‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‬
‫‪1415 -‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ - 64‬النكت والعيون ‪ -‬أبو احلسن عيل بن حممد بن حبيب املاوردي ‪ -‬حتقيق‪:‬‬
‫السيد بن عبداملقصود بن عبدالرحيم ‪ -‬دار الكتب الثقافية ‪ -‬بريوت – ط‪1‬‬
‫(‪1412‬هـ ‪1992‬م)‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪237‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫فهرس المحتويات‬

‫‪5‬‬ ‫املقـدمـة ‬
‫‪6‬‬ ‫سبب اختيار املوضوع ‬
‫‪6‬‬ ‫خطة البحث ‬
‫‪11‬‬ ‫منهجية البحث ‬
‫‪13‬‬ ‫متهيد‪ :‬حول رعاية اهلل لألنبياء عموم ًا ‬
‫‪13‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الشاملة جلميع األنبياء ‬
‫‪14‬‬ ‫‪ - 1‬اصطفائهم واختيارهم لتلقي الوحي وإبالغه ‬
‫‪15‬‬ ‫‪ - 2‬إرشادهم وتعليمهم وهدايتهم إىل الطريق املستقيم ‬
‫‪16‬‬ ‫‪َّ - 3‬‬
‫أن اهلل آتاهم الكتاب واحلكمة ‬
‫‪16‬‬ ‫‪ - 4‬جعل اهلل هلم من أبنائهم وذرياهتم صاحلني ومصلحني ‬
‫‪17‬‬ ‫‪ - 5‬تسخري اهلل معاشهم ‬
‫‪17‬‬ ‫‪ - 6‬مجع اهلل هلم بني النبوة واالبتالء ‬
‫‪18‬‬ ‫‪ - 7‬مجع اهلل هلم بني النبوة والبرشية ‬
‫‪19‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية اخلاصة لبعضهم ‬
‫‪19‬‬ ‫‪ - 1‬مكن اهلل بعضهم من رعاية أبنائهم حتى جعلهم أنبياء ‬
‫‪20‬‬ ‫‪ - 2‬مجع اهلل لبعضهم بني النبوة وامللك‪ :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬رعاية اهلل ألويل العزم من الرسل عليهم‬
‫‪21‬‬ ‫الصالة والسالم ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪238‬‬
‫‪23‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬رعاية اهلل لنوح عليه الصالة والسالم ‬
‫‪23‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لنوح عليه الصالة والسالم ‬
‫‪23‬‬ ‫‪ - 1‬تربيته عىل التعلق باهلل وصدق اللجوء إليه يف كل حني ‬
‫‪24‬‬ ‫‪ - 2‬تربيته عىل عبادة الشكر ‬
‫‪25‬‬ ‫‪ - 3‬تربيته عىل األمانة والعفة عام يف أيدي الناس‪ :‬‬
‫‪26‬‬ ‫‪ - 4‬تربيته عىل الصرب ‬
‫‪26‬‬ ‫‪ - 5‬تربيته عىل احللم ‬
‫‪26‬‬ ‫‪ - 6‬تربيته عىل نرصة الضعفاء من املؤمنني ‬
‫‪28‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية الدعوية لنوح عليه الصالة والسالم ‬
‫‪28‬‬ ‫‪ - 1‬تعليمه أسس الدعوة ‬
‫‪28‬‬ ‫‪ - 2‬توجيهه إىل النصح للمدعوين والشفقة عليهم ‬
‫‪30‬‬ ‫‪ - 3‬تربيته عىل الرتفق باملدعوين‪ :‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪ - 4‬تعليمه أسلوب الرتغيب والرتهيب‪ :‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ - 5‬تعليم اهلل له صناعة السفن ‬
‫‪32‬‬ ‫‪ - 6‬التخفيف عىل نوح عليه الصالة والسالم مما يالقيه يف دعوته ‬
‫‪33‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬رعاية اهلل إلبراهيم عليه الصالة والسالم ‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية اخلاصة من اهلل لنبيه إبراهيم عليه‬
‫‪33‬‬ ‫الصالة والسالم ‬
‫‪33‬‬ ‫‪ - 1‬اجتباء اهلل وهدايته إلبراهيم عليه الصالة والسالم ‬
‫‪33‬‬ ‫‪ - 2‬أن اهلل تعاىل اختذ إبراهيم خلي ً‬
‫ال ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪239‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪34‬‬ ‫‪ - 3‬حفاوة اهلل بإبراهيم عليه الصالة والسالم ‬


‫‪35‬‬ ‫‪ - 4‬آتاه اهلل الرشد‪ :‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪ - 5‬أهله اهلل تعاىل ليكون أمة ‬
‫‪36‬‬ ‫‪ - 6‬حفظ اهلل إلبراهيم من النار ‬
‫‪37‬‬ ‫‪ - 7‬تطمني قلبه برؤيته مقدرة اهلل عىل إحياء املوتى ‬
‫‪38‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية إلبراهيم عليه الصالة والسالم ‬
‫‪38‬‬ ‫أوالً‪ :‬تعليمه التفكر يف خلقه‪ :‬‬
‫‪40‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬تعليمه قوة احلجة ‬
‫‪40‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬تعليمه قوة املناظرة‪ :‬‬
‫‪42‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬تعليمه البناء‪ :‬‬
‫‪43‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الرتبوية إلبراهيم عليه الصالة والسالم ‬
‫‪43‬‬ ‫‪ - 1‬تربيته عىل األدب مع اهلل تعاىل ‬
‫‪43‬‬ ‫‪ - 2‬تربية اهلل له عىل أدب احلوار ‬
‫‪44‬‬ ‫‪ - 3‬تربيته عىل الدعاء وااللتجاء إليه‪ :‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ - 4‬تربيته عىل اإليامن بأنه ال يمسه إال ما كتب له‪ :‬‬
‫‪45‬‬ ‫‪ - 5‬تربيته إدراك النعمة وعىل محد اهلل وشكره عىل نعمه ‬
‫‪- 6‬تربيته عىل التواضع وطلب قبول العمل وعدم اإلعجاب‬
‫‪46‬‬ ‫بالنفس وبالعمل ‬
‫‪48‬‬ ‫‪ - 7‬تربية اهلل إلبراهيم عليه الصالة والسالم عىل خلق احللم‪ :‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪ - 8‬تربيته عىل خشية اهلل والتوبة إليه‪ :‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪240‬‬
‫‪49‬‬ ‫‪ - 9‬تربيته عىل الكرم والسخاء‪ :‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ - 10‬تربيته عىل الشجاعة ‬
‫‪50‬‬ ‫‪ - 11‬سالمة القلب ‬
‫‪51‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الرتبوية عىل السمع والطاعة املطلقة ‬
‫‪51‬‬ ‫املوقف األول‪ :‬االستسالم هلل عندما أمره بذبح ابنه ‬
‫‪53‬‬ ‫املوقف الثاين‪ :‬تركه لزوجته وابنه يف مكة ‬
‫‪55‬‬ ‫املطلب اخلامس‪ :‬الرعاية األرسية إلبراهيم عليه الصالة والسالم ‬
‫‪55‬‬ ‫‪ - 1‬جعله اهلل تعاىل بار ًا بأبيه مؤدب ًا يف احلديث معه ‬
‫‪56‬‬ ‫‪ - 2‬رزقه اهلل ابن ًا بار ًا يطيعه ويساعده ‬
‫‪57‬‬ ‫‪ - 3‬أشبع اهلل تعاىل له رغبة األبوة رمحة منه سبحانه ‬
‫‪58‬‬ ‫‪ - 4‬حفظ اهلل ألرسته ‬
‫‪58‬‬ ‫‪ - 5‬رعاية اهلل له يف صالح أوالده وأن تكون النبوة فيهم ‬
‫‪59‬‬ ‫‪ - 6‬تربية إسامعيل بطريقة غري مبارشة عن طريق أمه‪ :‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪- 7‬بشارته بولده إسحاق وحفيده يعقوب وصالحهم ونبوهتم ‬
‫‪60‬‬ ‫‪ - 8‬صالح زوجاته عليه الصالة والسالم ‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رعاية اهلل ملوسى وهارون عليهام الصالة‬
‫‪62‬‬ ‫والسالم وأمهام ‬
‫‪62‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم من خالل أمه ‬
‫رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم من خالل إرضاع‬ ‫‪- 1‬‬
‫‪62‬‬ ‫أمه له وعنايتها به ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪241‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪63‬‬ ‫‪ - 2‬إنجائه من القتل وهو صغري بالوحي إىل أمه أن تقذفه يف اليم ‬
‫‪63‬‬ ‫‪ - 3‬رعاية اهلل تعاىل ملوسى بالتثبيت ألمه ‬
‫‪64‬‬ ‫‪ - 4‬رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم برده إىل أمه ‬
‫‪66‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم رعاية خاصة ‬
‫‪66‬‬ ‫‪ - 1‬ترصيح اهلل بحبه ملوسى ‬
‫‪66‬‬ ‫‪ - 2‬ترصيح اهلل بأنه صنعه عىل عينه ‬
‫‪67‬‬ ‫‪ - 3‬صناعة موسى خالص ًا هلل ‬
‫‪68‬‬ ‫‪ - 4‬اصطفاء اهلل ملوسى بالرسالة والكالم ‬
‫‪68‬‬ ‫‪ - 5‬كان مقرب ًا من اهلل ‬
‫‪69‬‬ ‫‪ - 6‬كانت له الوجاهة عند اهلل تعاىل ‬
‫‪69‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الرتبوية ملوسى عليه الصالة والسالم ‬
‫‪ - 1‬أ ْم ُر اهلل سبحانه وتعاىل ملوسى أن يأخذ ما يوحى إليه بقوة ‪69‬‬
‫‪70‬‬ ‫‪ - 2‬تربيته عىل طلب العلم‪ :‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ - 3‬تربية اهلل تعاىل ملوسى عىل الشكر ‬
‫‪71‬‬ ‫‪ - 4‬تربيته عىل احلياء ‬
‫‪71‬‬ ‫‪ - 5‬تربيته عىل الصرب‪ :‬‬
‫‪72‬‬ ‫‪ - 6‬تربيته عىل التواضع هلل تعاىل ‬
‫‪73‬‬ ‫‪ - 7‬تربيته عىل أدب التواضع ألهل الفضل‪ :‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪ - 8‬تربيته عىل إظهار االفتقار إىل اهلل‪ :‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪ - 9‬تربيته عىل الدعاء وكثرة الذكر ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪242‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ - 10‬تربيته عىل الثقة باهلل وحسن التوكل عليه‪ :‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪ - 11‬االعرتاف باخلطأ والرجوع للحق ‬
‫‪ - 12‬تربيته عىل نخوة الرجولة والفطرة السليمة جتاه النساء‬
‫‪79‬‬ ‫والضعفاء ‬
‫‪80‬‬ ‫‪ - 13‬الرتبية عىل الشجاعة وعدم اخلوف ‬
‫‪81‬‬ ‫‪ - 14‬تربيته عىل القوة واألمانة ‬
‫‪82‬‬ ‫‪ - 15‬تربيته سبحانه وتعليمه ملوسى عليه الصالة والسالم باملواقف ‬
‫‪84‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية النفسية ملوسى عليه الصالة والسالم ‬
‫‪84‬‬ ‫أوال‪ :‬إزالة ما يف صدر موسى عليه الصالة والسالم من اخلوف ‬
‫ثانيا‪:‬رعايته النفسية بتوفري أسباب احلياة الطيبة من زوجة‬
‫‪87‬‬ ‫ومعاش ومكان آمن ‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الرعاية الدعوية ملوسى وهارون عليهام‬
‫‪89‬‬ ‫الصالة والسالم ‬
‫أوال‪:‬رعاية اهلل ملوسى عليه الصالة والسالم بإرسال أخيه‬
‫‪89‬‬ ‫هارون معينا له يف الدعوة ‬
‫ثاني ًا‪ :‬توجيهه موسى وأخيه إىل األمر بتوحيد اهلل والتعريف‬
‫‪90‬‬ ‫باهلل سبحانه ‬
‫‪92‬‬ ‫ثالثا‪ :‬توجيهه ملوسى وأخيه هارون للني يف الدعوة ‬
‫‪92‬‬ ‫رابعا‪ :‬توجيهه ملوسى وأخيه للدعوة بالقدوة احلسنة ‬
‫خامسا‪ :‬تأهيله ملوسى عليه الصالة والسالم عىل املناظرة وحسن‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪243‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪93‬‬ ‫احلوار‪ :‬‬


‫‪95‬‬ ‫سادسا‪ :‬توجيهه موسى وأخيه ألسلوب الرتغيب والرتهيب ‬
‫‪96‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬رعاية اهلل لعيسى عليه الصالة والسالم وألمه ‬
‫‪96‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لعيسى عليه الصالة والسالم ‬
‫‪96‬‬ ‫‪ - 1‬تربيته عىل العبودية هلل تعاىل‪ :‬‬
‫‪97‬‬ ‫‪ - 2‬تربيته عىل بره بأمه ‬
‫‪98‬‬ ‫‪ - 3‬الرتبية عىل التواضع وعدم التكرب عىل خلق اهلل ‬
‫‪98‬‬ ‫‪ - 4‬الرتبية عىل الدعاء وااللتجاء هلل تعاىل واألدب يف ذلك‪ :‬‬
‫‪99‬‬ ‫‪ - 5‬الرتبية عىل حسن التخاطب مع اهلل‪ :‬‬
‫‪100‬‬ ‫‪ - 6‬الرتبية عىل نسبة الفضل هلل ‬
‫‪101‬‬ ‫‪ - 7‬تربيته عىل اجلدية واإلجيابية من خالل تربيته ألمه ‬
‫‪101‬‬ ‫‪ - 8‬تربيته عىل شدة تعظيم اهلل سبحانه ‬
‫‪102‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية لعيسى عليه الصالة والسالم ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية النفسية وحفظ اهلل لعيسى عليه‬
‫‪103‬‬ ‫الصالة والسالم ‬
‫‪103‬‬ ‫‪ - 1‬رفع اهلل لقدر عيسى عليه الصالة والسالم ‬
‫‪104‬‬ ‫‪ - 2‬الثناء بصالح عيسى عليه الصالة والسالم ‬
‫‪105‬‬ ‫‪ - 3‬تذكر اهلل تعاىل لعيسى بنعمه تطمأنة له ‬
‫‪105‬‬ ‫‪ - 4‬حفظ اهلل لعيسى عليه الصالة والسالم ‬
‫‪107‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الدعوية لعيسى عليه الصالة والسالم ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪244‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪ - 1‬تعليمه البدء بالدعوة لتوحيد اهلل عز وجل ‬
‫‪107‬‬ ‫‪ - 2‬تيسري اهلل له تعليم الناس اخلري ‬
‫‪108‬‬ ‫‪ - 3‬أيده اهلل تعاىل باملعجزات ‬
‫‪109‬‬ ‫‪ - 4‬تأييده بروح القدس (جربيل عليه الصالة والسالم)‪ :‬‬
‫‪109‬‬ ‫املطلب اخلامس‪ :‬رعاية اهلل تعاىل لوالدته مريم ‪ ‬‬
‫‪110‬‬ ‫‪ - 1‬عراقة نسب مريم ‬
‫‪110‬‬ ‫‪ - 2‬دعاء امرأة عمران ملريم وقبول اهلل هلا ‬
‫‪111‬‬ ‫‪ - 3‬اصطفاء اهلل تعاىل ملريم ‬
‫‪111‬‬ ‫‪ - 4‬تكليف اهلل تعاىل من يكفل مريم ‬
‫‪112‬‬ ‫‪ - 5‬صالح مريم وكثرة عبادهتا ‬
‫‪113‬‬ ‫‪ - 6‬رزق اهلل تعاىل ملريم‪ :‬‬
‫‪114‬‬ ‫‪ - 7‬تثبيت اهلل ملريم ‬
‫‪115‬‬ ‫‪ - 8‬تقرير اهلل تعاىل لعفة مريم ‬
‫الفصل الثاين‪ :‬نامذج من رعاية اهلل لبقية الرسل عليهم الصالة‬
‫‪117‬‬ ‫والسالم ‬
‫‪118‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬رعاية اهلل آلدم عليه الصالة والسالم ‬
‫‪118‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية آلدم عليه الصالة والسالم ‬
‫‪118‬‬ ‫‪ - 1‬تربيته عىل التواضع ‬
‫‪118‬‬ ‫‪ - 2‬تكريم اهلل آلدم عليه الصالة والسالم بسجود املالئكة له‪ :‬‬
‫‪119‬‬ ‫‪ - 3‬حتذير اهلل آلدم من إبليس وحسده ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪245‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪119‬‬ ‫‪ - 4‬ترغيب آدم يف اجلنة ونعيمها ‬


‫‪120‬‬ ‫‪ - 5‬اختبار آدم وتعليمه أسباب الثبات ‬
‫‪120‬‬ ‫‪ - 6‬تربيته عىل احرتامه للقسم ‬
‫‪120‬‬ ‫‪ - 7‬تربية آدم عىل سرت العورة‪ :‬‬
‫‪121‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية آلدم عليه الصالة والسالم ‬
‫‪121‬‬ ‫‪ - 1‬تعليم اهلل آدم األسامء ‬
‫‪122‬‬ ‫‪ - 2‬تعليم اهلل آدم التوبة وأدب الدعاء ‬
‫‪123‬‬ ‫‪ - 3‬تعليم اهلل َبنِي آدم الدفن ‬
‫‪124‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬رعاية اهلل تعاىل إلسامعيل عليه الصالة والسالم ‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية والعلمية إلسامعيل عليه‬
‫‪124‬‬ ‫الصالة والسالم ‬
‫‪124‬‬ ‫أوالً‪ :‬الرعاية الرتبوية ‬
‫‪127‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الرعاية العلمية ‬
‫‪128‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية االجتامعية إلسامعيل عليه الصالة والسالم ‬
‫‪128‬‬ ‫أوالً‪ :‬الرعاية األرسية ‬
‫‪128‬‬ ‫‪ - 1‬إهلام اهلل تعاىل إلبراهيم دعاءه ألرسته ومنهم إسامعيل‪ :‬‬
‫‪128‬‬ ‫‪ - 2‬رعاية والده له بعد زواجه‪ :‬‬
‫‪128‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الرعاية املادية؛ وذلك يف أمور منها ‬
‫‪130‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬رعاية اهلل تعاىل ليوسف عليه الصالة والسالم ‬
‫‪130‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية ليوسف عليه الصالة والسالم ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪246‬‬
‫‪- 1‬تربيته عىل العبودية هلل وحده وااللتجاء إليه والتربؤ من‬
‫‪130‬‬ ‫احلول والقوة ‬
‫‪130‬‬ ‫‪ - 2‬تربيته عىل اإلخالص ‬
‫‪131‬‬ ‫‪ - 3‬تربيته عىل الصرب بكل أنواعه ‬
‫‪131‬‬ ‫‪ - 4‬تربيته عىل نسب الفضل ألهله ‬
‫‪132‬‬ ‫‪ - 5‬تربيته عىل العفة ‬
‫‪133‬‬ ‫‪ - 6‬تربيته عىل الذكاء والفطنة‪ :‬‬
‫عمن ظلمه‬
‫‪- 7‬تربيته عىل كظم الغيظ واحللم والعفو والصفح َّ‬
‫‪133‬‬ ‫عند املقدرة ‬
‫‪134‬‬ ‫‪ - 8‬تربيته عىل إنكار الذات ‬
‫‪134‬‬ ‫‪ - 9‬تربيته عىل عدم جرح املشاعر ‬
‫‪135‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية ليوسف عليه الصالة والسالم ‬
‫‪135‬‬ ‫‪ - 1‬تعليمه تفسري وتأويل الرؤيا ‬
‫‪136‬‬ ‫‪ - 2‬تعليمه العلم النافع مع احلكمة ‬
‫‪136‬‬ ‫‪ - 3‬تعليمه مهارة القيادة ‬
‫‪137‬‬ ‫‪ - 4‬علمه العقيدة والدعوة ‬
‫‪137‬‬ ‫‪ - 5‬تعليمه فن وأدب احلوار ‬
‫‪138‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية األرسية ليوسف عليه الصالة والسالم ‬
‫‪140‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الدعوية ليوسف عليه الصالة والسالم ‬
‫‪143‬‬ ‫املطلب اخلامس‪ :‬الرعاية األمنية ليوسف عليه الصالة والسالم ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪247‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪144‬‬ ‫املطلب السادس‪ :‬الرعاية املهارية ليوسف عليه الصالة والسالم ‬


‫‪144‬‬ ‫‪ - 1‬تأويل الرؤيا‪ :‬‬
‫‪144‬‬ ‫‪ - 2‬احلُكم واإلدارة‪ :‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪ - 3‬التميز باحلفظ واألمانة والعلم بالصنعة‪ :‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪ - 4‬حسن اإلدارة والتدبري‪ :‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪ - 5‬حسن اخلطاب ‬
‫املطلب السابع‪ :‬رعاية اهلل ليوسف عليه الصالة والسالم وإخوته‬
‫‪146‬‬ ‫من خالل والدهم يعقوب عليه الصالة والسالم ‬
‫‪146‬‬ ‫أوالً‪ :‬الرعاية األمنية ‬
‫‪147‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الرعاية الرتبوية العلمية‪ :‬‬
‫‪149‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬رعاية اهلل لداود عليه الصالة والسالم ‬
‫‪149‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لداود عليه الصالة والسالم ‬
‫‪152‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية لداود عليه الصالة والسالم ‬
‫‪154‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية املهارية لداود عليه الصالة والسالم ‬
‫‪154‬‬ ‫‪ - 1‬آتاه اهلل امللك‪ :‬‬
‫‪155‬‬ ‫‪َ - 2‬س ّخ َر اهلل تعاىل لداود اجلبال والطري واحلديد‪ :‬‬
‫‪155‬‬ ‫‪ - 3‬ع َّلم اهلل داود عليه الصالة والسالم صناعة الدروع ‬
‫‪ - 4‬علم اهلل تعاىل داود عليه الصالة والسالم أن يأكل من عمل يده‪156 :‬‬
‫‪157‬‬ ‫‪ - 5‬علمه اهلل سبحانه مهارة القضاء واإلصالح بني الناس ‬
‫‪158‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬رعاية اهلل لسليامن عليه الصالة والسالم ‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪248‬‬
‫‪158‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية لسليامن عليه الصالة والسالم ‬
‫‪158‬‬ ‫أوال‪ :‬تربيته عىل الدعاء ‬
‫‪159‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تربية عىل الشكر والتفنن فيه‪ :‬‬
‫‪162‬‬ ‫ثالثا‪ :‬تربيته عىل التوبة واإلنابة هلل تعاىل ‬
‫‪163‬‬ ‫رابعا‪ :‬الرتبية عىل التواضع للعلم وملن هو أعلم ‬
‫خامسا‪:‬تربيته عىل القناعة بام رزقه اهلل وعدم اخلضوع للمغريات‬
‫‪163‬‬ ‫الدنيوية ‬
‫‪164‬‬ ‫سادس ًا‪ :‬تربيته عىل التثبت من األخبار‪ :‬‬
‫‪165‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية العلمية لسليامن عليه الصالة والسالم ‬
‫‪165‬‬ ‫‪ )1‬تعليم اهلل تعاىل لسليامن عليه الصالة والسالم ‬
‫‪165‬‬ ‫‪ )2‬تفضيل اهلل تعاىل سليامن عليه الصالة والسالم بالعلم والفهم ‬
‫‪166‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية املهارية لسليامن عليه الصالة والسالم ‬
‫‪166‬‬ ‫‪ )1‬آتاه اهلل تعاىل امللك ‬
‫‪166‬‬ ‫‪ )2‬تربيته عىل اإلتقان يف العمل ومتابعته الرعية بنفسه ‬
‫‪167‬‬ ‫‪ )3‬رعاية التسخري والنرصة والتأييد ‬
‫‪169‬‬ ‫املطلب الرابع‪ :‬الرعاية الدعوية لسليامن عليه الصالة والسالم ‬
‫‪169‬‬ ‫‪ - 1‬تعليمه الدعوة إىل التوحيد ‬
‫‪169‬‬ ‫‪ - 2‬حرصه عىل الدعوة إىل اهلل ‬
‫‪170‬‬ ‫‪ - 3‬تعليمه مهارة اإلقناع الدعوي وإقامة احلجة‪ :‬‬
‫‪171‬‬ ‫املبحث السادس‪ :‬رعاية اهلل أليوب عليه الصالة والسالم ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪249‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫املطلب األول‪ :‬رعاية اهلل تعاىل أيوب عليه الصالة والسالم من‬
‫‪171‬‬ ‫خالل ابتالئه ‬
‫‪173‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية الرتبوية أليوب عليه الصالة والسالم ‬
‫‪173‬‬ ‫‪ - 1‬تربيته عىل اللجوء هلل تعاىل ‬
‫‪173‬‬ ‫‪ - 2‬تربيته عىل حسن األدب يف الدعاء ‬
‫‪175‬‬ ‫‪ - 3‬تربيته عىل الصرب عىل البالء‪ :‬‬
‫‪175‬‬ ‫‪ - 4‬تربيته عىل التوبة والرجوع إىل اهلل‪ :‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الصحية واالجتامعية أليوب عليه‬
‫‪176‬‬ ‫الصالة والسالم ‬
‫‪178‬‬ ‫املبحث السابع‪ :‬رعاية اهلل لزكريا وحييى عليهام الصالة والسالم ‬
‫املطلب األول‪ :‬الرعاية الرتبوية والعلمية لزكريا وحييى عليهام‬
‫‪178‬‬ ‫الصالة والسالم ‬
‫‪178‬‬ ‫‪ - 1‬الرتبية عىل العبودية هلل تعاىل ‬
‫‪179‬‬ ‫‪ - 2‬تربيته عىل كثرة الذكر والدعاء وأدب املناجاة لربه ‬
‫‪181‬‬ ‫‪ - 3‬تربيتهام عىل قدرة اهلل تعاىل عىل كل يشء ‬
‫‪183‬‬ ‫‪ - 4‬تربيته عىل التواضع ‬
‫‪183‬‬ ‫‪ - 5‬تربيته عىل احلنان ‬
‫‪184‬‬ ‫‪ - 6‬رزقه الطهارة والعفة ‬
‫‪184‬‬ ‫‪ - 7‬رزقه السالمة واإلسالم ‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الرعاية األرسية لزكريا وحييى عليهام الصالة والسالم ‪185‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪250‬‬
‫‪185‬‬ ‫‪ - 1‬إصالح زوجه والدة حيى ‬
‫‪185‬‬ ‫‪ - 2‬إشباع رغبة األبوة‪ :‬‬
‫‪185‬‬ ‫‪ - 3‬توفيق اهلل لزكريا بحسن الدعاء بالذرية الصاحلة ‬
‫‪186‬‬ ‫‪ - 4‬جعل اهلل حييى بار ًا بوالديه ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الرعاية الدعوية لزكريا وحييى عليهام الصالة‬
‫‪186‬‬ ‫والسالم ‬
‫‪186‬‬ ‫‪ - 1‬حرصه عىل ذرية ختلفه يف دعوته ‬
‫‪188‬‬ ‫‪ - 2‬حرص زكريا عىل إبالغ دعوته بكل وسيلة ‬
‫‪188‬‬ ‫‪ - 3‬إصالح حييى واصطفائه نبي ًا ‬
‫‪189‬‬ ‫‪ - 4‬أعطى اهلل تعاىل حييى احلكم وهو صبي ‬
‫الفصل الثالث‪ :‬رعاية اهلل ألتباع األنبياء والرسل يف طلب العلم‬
‫‪190‬‬ ‫وتعليمه ‬
‫‪191‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬قصة مؤمن آل فرعون ‬
‫‪191‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬عرض قصة مؤمن آل فرعون من القرآن ‬
‫‪193‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬عرض قصة مؤمن آل فرعون باختصار ‬
‫املطلب الثالث‪ :‬فوائد منهجية يف رعاية طالب العلم من خالل‬
‫‪195‬‬ ‫القصة ‬
‫‪198‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬قصة موسى واخلرض ‬
‫‪198‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬عرض قصة موسى واخلرض من القرآن ‬
‫‪200‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬معنى اآليات إمجاالً ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪251‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫‪204‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬الفوائد املستنبطة من القصة ‬


‫‪- 1‬دعاء موسى اهلل تعاىل التيسري يف الوصول للعلم وأخذه‬
‫‪204‬‬ ‫والرحلة من أجله‪ :‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪ - 2‬فضيلة العلم‪ ،‬والرحلة يف طلبه وأنه أهم األمور‪ :‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪" - 3‬أخذ اخلادم يف احلرض والسفر لكفاية املؤن‪ ،‬وطلب الراحة‪ :‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪ - 4‬حتمل املشاق يف الرحلة لطلب العلم ‬
‫‪206‬‬ ‫‪ - 5‬كل ما أمر اهلل به ال مشقة فيه وال نصب ‬
‫‪206‬‬ ‫‪ - 6‬أن يضع الطالب لنفسه هدف ًا من رحلته وجيد يف طلبه‪ :‬‬
‫‪206‬‬ ‫‪ - 7‬األدب يف احلديث مع العلامء‪ :‬‬
‫‪- 8‬إضافة العلم وغريه من الفضائل هلل تعاىل واإلقرار بذلك‪،‬‬
‫‪207‬‬ ‫وشكر اهلل ‬
‫‪207‬‬ ‫‪ - 9‬تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه‪ :‬‬
‫‪ - 10‬حرص طالب العلم واملعلم عىل االهتامم بالعلم النافع‬
‫‪207‬‬ ‫تعلي ًام وتعل ًام ‬
‫‪- 11‬توضيح العلامء لطالهبم صعوبة الصرب عىل العلم وصعوبة‬
‫‪208‬‬ ‫تلقي العلم‪ :‬‬
‫‪- 12‬العزم عىل الصرب والطاعة يف سبيل تلقي العلم واالستعانة‬
‫‪208‬‬ ‫باهلل‪ :‬‬
‫‪208‬‬ ‫‪ - 13‬جواز وضع العامل رشوط ًا ملن يأيت لطلب العلم‪ :‬‬
‫‪209‬‬ ‫‪ - 14‬تعليم العلامء لطالهبم آداب الطلب والتخاطب مع العلامء‪ :‬‬
‫رعاية طالب العلم‬ ‫‪252‬‬
‫‪209‬‬ ‫‪ - 15‬مراعاة املعلم مستوى املتعلم ووقت التعليم ‬
‫‪209‬‬ ‫‪ - 16‬اهتامم املعلم بطالب العلم ‬
‫‪209‬‬ ‫‪ - 17‬األمر بالتأين والتثبت‪ :‬‬
‫‪210‬‬ ‫‪ - 18‬صرب العامل وتلطفه بالطالب‪ :‬‬
‫‪210‬‬ ‫‪ - 19‬اعتذار الطالب وطلب املساحمة عند اخلطأ‪ :‬‬
‫‪210‬‬ ‫‪ - 20‬عدم التعسري عىل الطالب وحماسبتهم عند أول خطأ ‬
‫‪211‬‬ ‫‪ - 21‬تبيني املشكل من املعلم للطالب ‬
‫‪211‬‬ ‫‪ - 22‬أن يكون املعلم قدوة للطالب يف عمل اخلري‪ :‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪ - 23‬إعطاء تغذية راجعة للمتعلم ‬
‫‪211‬‬ ‫‪ - 24‬تعليم الطالب التأدب يف اخلطاب ‬
‫‪212‬‬ ‫‪ - 25‬أن َمن ال صرب له ال يدرك مطلبه ‬
‫‪212‬‬ ‫‪ - 26‬وجوب التأين عند اإلنكار يف املحتمالت ‬
‫‪213‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬قصة الغالم والساحر والراهب ‬
‫‪213‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬ما ورد من القصة يف القرآن والسنة ‬
‫‪216‬‬ ‫املطلب الثاين‪ :‬الفوائد العملية من القصة ‬
‫‪216‬‬ ‫أوالً‪ :‬قواعد للعلامء واملسؤولني عن رعاية طالب العلم‪ :‬‬
‫‪218‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬قواعد رعاية طالب العلم عند املعلم الصالح‪ :‬‬
‫‪221‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬قصة أصحاب الكهف ‬
‫‪221‬‬ ‫املطلب األول‪ :‬عرض إمجايل لقصة أصحاب الكهف ‬
‫رعاية اهلل‬
‫‪253‬‬ ‫لألنبياء وأتباعهم في القرآن‬

‫املطلب الثاين‪ :‬فوائد يف رعاية طالب العلم من قصة أصحاب‬


‫‪223‬‬ ‫الكهف ‬
‫‪226‬‬ ‫اخلامتة ‬
‫‪230‬‬ ‫قائمة املصادر واملراجع ‬
‫‪237‬‬ ‫فهرس املحتويات ‬

You might also like