You are on page 1of 18

‫الدين والدولة في الدساتير السودانية‬

‫البروفسير‪ /‬محمد ابراهيم خليل‬


‫‪ 51‬يونيو‪1155 ،‬م‬

‫النصوص في دساتير البالد اإلسالمية‪:‬‬


‫‪ .5‬دستور الحكم الذاتي لسنة ‪ ،5511‬أول دستور للسودان‪ ،‬لم يرد فيه أي نص‬
‫على الوصف الديني للدولة أو مصادر التشريع‪ ،‬وتلك هي الصفة الغالبة على‬
‫دساتير الدول الديموقراطية الحديثة‪ .‬أغلب البالد العربية اإلسالمية كانت حينئذ‬
‫تحت نير اإلستعمار الغربي ماعدا المغرب والمملكة العربية السعودية وايران‬
‫وافغانستان وتركيا ومصر وباكستان‪ .‬وقد نصت أغلب دساتير هذه الدول على‬
‫وصفها بأنها إسالمية أو أن دين الدولة هو اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .1‬أشدها إيغالا في هذا الوصف دستور المملكة العربية السعودية‪ ،‬الذي يصف‬
‫الدولة بأنها عربية إسالمية‪ ،‬دينها اإلسالم ودستورها كتاب هللا تعالى وسنة‬
‫رسوله‪ .‬ولعله وصف طبيعي لدولة أسست أصالا على مفاهيم دينية بحتة‪ .‬أما‬
‫المغرب التي أسست على مفاهيم مزاج بين الدين والحداثة فقد اكتفى دستورها‬
‫بالنص على أنها دولة إسالمية ذات سيادة كاملة‪ ،‬وكذلك نصت المادة األولى‬
‫من دستور باكستان على أنها جمهورية إسالمية‪ .‬وقد اتخذت أفغانستان منذ‬
‫العهد الملكي صبغة إسالمية وقويت النزاعات اإلسالمية التي أدت الى اسقاط‬
‫النظام الشيوعي‪ ،‬وينص الدستور الحالي (‪ )1112‬في المادة األولى والثانية‬
‫والثالثة على التوالي‪ ،‬على أن أفغانستان جمهورية إسالمية وأن اإلسالم دينها‬
‫وأنه ل يجوز سن أي تشريعات تتعارض مع تعاليم وأحكام الدين اإلسالمي‬
‫الحنيف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .1‬أما باقي الدول العربية واإلسالمية التي كانت مستقلة في ذلك الوقت‪ ،‬فقد‬
‫اكتفت بتضمين النص على أن دين الدولة اإلسالم‪ ،‬فلما استقلت سائر الدول‬
‫العربية درجت كذلك على تضمين نص على أن اإلسالم هو دين الدولة أو دين‬
‫الدولة الرسمي وأن العربية لغتها‪ .‬وذلك باستثناء تركيا‪ ،‬التي نص دستورها‬
‫في المادة الثانية على أنها دولة علمانية مؤسسة على حكم القانون‪ .‬إل أن قليالا‬
‫من تلك الدساتير وصف الدولة نفسها بأنها إسالمية مثل موريتانيا (المادة‬
‫األولى) واليمن (المادة الثانية)‪.‬‬
‫‪ .2‬أما النص على مصادر التشريع فقد ورد في عدد من دساتير الدول العربية‪،‬‬
‫باختالف في التعبير‪ .‬فالدستور اليمني تنص مادته الثالثة على أن الشريعة‬
‫اإلسالمية مصدر جميع التشريعات‪ ،‬والماده (‪ )1‬من دستور سلطنة عمان‬
‫تنص على أن "الشريعة السالمية هي أساس التشريع"‪.‬‬
‫ودساتير قطر والبحرين والكويت واإلمارات العربية المتحدة تنص على أن‬
‫"الشريعة اإلسالمية مصدر رئيسي للتشريع"‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة بصفة خاصة الى الدستور المصري الذي ينص في المادة‬
‫الثانية على أن "مبادئ الشريعة اإلسالمية المصدر الرئيسي للتشريع"‪،‬‬
‫ودستور فلسطين الذي ينص في المادة الرابعة على أن "مبادئ الشريعة‬
‫اإلسالمية مصدر رئيسي للتشريع"‪ .‬ودستور الجمهورية العربية السورية الذي‬
‫ينص في المادة الثانية على الفقه اإلسالمي كمصدر رئيسي للتشريع‪.‬‬
‫يالحظ أن الخالفات في الصياغة تنحصر في‪:‬‬
‫أ‪ -‬الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ب‪ -‬مصدر رئيسي‪ ،‬مصدر أساسي‪ ،‬المصدر الرئيسي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫النص في الدساتير السودانية‪:‬‬
‫‪ .1‬سبق أن أشرنا الى أن دستور الحكم الذاتي لسنة ‪ 5511‬لم يتضمن نصا ا على‬
‫دين السودان أو أن غالبية سكانه مسلمون ول الى مصدر للتشريع‪.‬‬
‫كذلك جاء أول دستور للسودان المستقل‪ ،‬دستور السودان المؤقت ‪ 5511‬خلوا ا‬
‫من أي نص على دين الدولة أو غالبية الشعب أو على أن الشريعة هي مصدر‬
‫للتشريع‪ .‬بعد مضي عام منذ اإلستقالل كونت الجمعية التأسيسية لجنة للدستور‬
‫ضمت عددا ا من المفكرين والسياسيين من غير األعضاء‪ .‬وكان من أهم‬
‫المسائل التي طرحت للبحث‪ :‬إقتراح أن دين الدولة اإلسالم‪ ،‬وأن الشريعة هي‬
‫مصدر من المصادر األساسية للتشريع‪ ،‬وإقتراح آخر بالفدرالية‪ ،‬ويهمنا في‬
‫هذا الصدد اإلقتراح األول الذي تقدم به األستاذ ميرغني النصري والذي‬
‫عارضه عدد من الشماليين وكل األعضاء الجنوبيين وعلى رأسهم األب‬
‫ساترنينو والسيد تسالدس بايزاما‪ .‬وبالرغم من معارضة عدد كبير من أعضاء‬
‫اللجنة إل أنه عند عرضه للتصويت‪ ،‬أيد اإلقتراح ‪ 57‬عضوا ا ولم يعترض‬
‫عليه أحد ونصه‪" :‬اإلسالم هو دين الدولة" و "الشريعة اإلسالمية هي أصل‬
‫أساسي من أصول التشريع في جمهورية السودان"‪.‬‬
‫وقد تغيب عن أغلب الجلسات بما فيها تلك التي جرى فيها التصويت كل‬
‫األعضاء الجنوبيين‪.‬‬
‫وقد حال اإلنقالب العسكري األول الذي وقع في ‪ 57‬نوفمبر ‪ 5511‬دون تمكن‬
‫الجمعية التأسيسية األولى من إصدار دستور دائم للبالد‪.‬‬
‫‪ .1‬خالل السنة اإلنتقالية التي أعقبت اإلطاحة بذلك النظام‪ ،‬قامت الحكومة‬
‫اإلنتقالية بوضع الدستور المؤقت لسنة ‪ 5512‬على غرار دستور سنة ‪5511‬‬
‫بتعديالت غير ذات بال‪ .‬وقد جاء الدستور اإلنتقالي ‪ -‬كسابقه ‪ -‬خلوا ا من أي‬
‫نص على دين الدولة أو مصادر التشريع واستمر العمل بذلك الدستور خالل‬
‫فترة الديموقراطية الثانية بين ‪ 5515 – 5511‬بيد أنه كان من أول اهتمامات‬
‫‪3‬‬
‫الجمعية التأسيسية التي كانت انتخبت في أعقاب السنة اإلنتقالية وضع دستور‬
‫دائم للبالد‪ ،‬وانطالقا ا من ذلك فقد قامت بتكوين لجنة قومية للدستور ولجنة فنية‬
‫للدراسات‪ .‬وبالرغم من أن األخيرة قد قامت بدراسات مستفيضة لكل جوانب‬
‫الدستور إل أن موضوع الفيدرالية‪ ،‬وأسلمة الدولة أو علمانيتها قد شغال حيزا ا‬
‫كبيرا ا من وقتها‪ ،‬وجدير بالذكر أيضا ا أن النواب الجنوبيين قد قاطعوا أغلب‬
‫جلسات اللجنتين إحتجاجا ا على عدم تفهم زمالئهم الشماليين لمغبات الزج‬
‫بالدين في الدولة ورفض مطلب الفيدرالية‪.‬‬
‫‪ .7‬في معرض دفاعه أمام اللجنة القومية عن علمانية الدستور‪ ،‬أبدى عضو اللجنة‬
‫الفنية السيد ناتالي الواك تخوفه من أن تؤدي إسالمية الدستور الى إعاقة التقدم‬
‫اإلقتصادي‪ ،‬ليس ذلك فحسب بل إنها قد تهدد الوحدة الوطنية‪ .‬مهما يكن فقد‬
‫جاءت مسودة الدستور الدائم لسنة ‪ 5511‬خلوا ا من أي نص على الفدرالية‪ ،‬بل‬
‫إن المادة الثانية نصت على أن جمهورية السودان دولة موحدة‪ ،‬في الوقت ذاته‬
‫نصت المادة األولى على أن السودان "جمهورية إشتراكية ديموقراطية تقوم‬
‫على هدى اإلسالم"‪ ،‬ومضت المادة الثانية فنصت على أن "اإلسالم دين الدولة‬
‫الرسمي واللغة العربية لغتها الرسمية"‪.‬‬
‫وأفردت المادة ‪ 551‬للنص على مصدر التشريع على الوجه التالي‪:‬‬
‫"الشريعة اإلسالمية هي المصدر األساسي لقوانين الدولة"‪.‬‬
‫وتمضي المادة ‪ 552‬فتحرم سن أي تشريعات تخالفها‪.‬‬
‫أما المادة ‪ 551‬فتفرض على الدولة العمل على تعديل القوانين الحالية للتأكد‬
‫من موافقتها للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وتنص المادتان كما يلي‪:‬‬
‫المادة ‪:552‬‬
‫"يعتبر باطالا كل نص في أي قانون يصدر بعد إجازة هذا الدستور‬
‫ويكون مخالفا ا ألي حكم من أحكام الكتاب والسنة ‪."...‬‬
‫‪4‬‬
‫المادة ‪:551‬‬
‫"على الدولة أن تصدر من التشريعات ما تعدل به جميع القوانين التي‬
‫تعارض أي حكم من أحكام الكتاب والسنة‪ ،‬وأن تنفذ أحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية التي كانت معطلة‪ ،‬على أن تصدر تلك التشريعات بالتدرج‬
‫الذي تقتضيه الضرورة وفق ما يرى المشرع"‪.‬‬
‫‪ .1‬يجدر أن نذكر أن لجنة الدراسات الدستورية لم تتعرض ‪ -‬في إجتماعاتها الكلية‬
‫‪ - plenary sessions‬الى موضوع الصياغة‪ ،‬وأن المواد سالفة الذكر وما‬
‫فيها من تفصيالت لم تناقشها اللجنة الفنية التي كانت معنية بالجدل حول‬
‫الموضوعين األساسيين‪ :‬دين الدولة وأن الشريعة اإلسالمية مصدر أساسي‬
‫للتشريع‪ ،‬وقد كان الرأي السائد بين األعضاء أن الشريعة اإلسالمية إنما هي‬
‫تعبير شامل ليس فحسب لألحكام والمقاصد الكلية والقيم اإلجتماعية المضمنة‬
‫في القرآن والسنة‪ ،‬بل من اإلجتهاد وإعمال الفكر وتباين في الرأي كذلك ما‬
‫يتفرع عنها‪ ،‬وهي بحسبانها كذلك من شأنها أن تثري الموسوعة التشريعية‬
‫لدول المجتمع اإلسالمي المعاصر‪.‬‬
‫مهما يكن فإن الجمعية التأسيسية الثانية لم تتمكن من إجازة مسودة ‪ 5511‬حتى‬
‫وقع إنقالب مايو ‪ 5515‬الذي أطاح بالديموقراطية الثانية والدستور اإلنتقالي‬
‫لسنة ‪ 5512‬وحل الجمعية التأسيسية قبل أن تعرض مسودة ‪ 5511‬للتصويت‪.‬‬
‫‪ .5‬في عام ‪ 5571‬أقدم نظام نميري على إجازة دستور أطلق عليه إسم الدستور‬
‫الدائم‪ .‬نصت المادة األولى من ذلك الدستور على أن السودان "جمهورية‬
‫ديموقراطية إشتراكية موحدة" وورد في المادة ‪ 5‬أن الشريعة اإلسالمية‬
‫والعرف مصدران رئيسيان للتشريع واألحوال الشخصية لغير المسلمين‬
‫تحكمها قوانينهم‪.‬‬
‫وجاء في المادة ‪ 51‬أن دين السودان هو اإلسالم ويهتدي المجتمع بهديه بوصفه‬
‫دين الغالبية وتسعى الدولة للتعبير عن قيمه وأن المسيحية دون عدد كبير من‬
‫‪5‬‬
‫المواطنين ويهتدون بهديها وتسعى الدولة للتعبير عن قيمها وأن الدولة تعامل‬
‫كافة المواطنين بما فيهم أهل الديانات األخرى على أساس المساواة المطلقة‪.‬‬
‫عند إستعادة الديموقراطية عام ‪ 5511‬كان المتوقع أن يعمل المجلس العسكري‬ ‫‪.51‬‬
‫اإلنتقالي ‪ -‬ل بدستور النظام المايوي الذي أطاحت به ثورة أبريل‪ ،‬ول بمسودة‬
‫‪ 5511‬التي لم تجز قبل إنقضاء الديموقراطية الثانية – بل بالدستور اإلنتقالي‬
‫لسنة ‪ 5512‬الذي كان آخر دستور إرتضاه النظام الديموقراطي‪ .‬ولكن المجلس‬
‫العسكري اإلنتقالي قام بإصدار دستور إنتقالي في سنة ‪ 5511‬تضمن نصوصا ا‬
‫ممعنة في الخالفية‪ ،‬يهمنا منها في هذا الصدد حكم المادة الرابعة التي تنص‪:‬‬
‫"الشريعة اإلسالمية والعرف مصدران أساسيان للتشريع‪ .‬واألحوال‬
‫الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم"‪.‬‬
‫النص أن تكون الشريعة اإلسالمية مصدرا ا أساسيا ا للتشريع أمر إعترض عليه‬
‫الجنوبيون أعضاء لجنة الدستور في عام ‪ ،5517‬وفي عام ‪ 5511‬ولم تتمكن‬
‫الجمعية التأسيسية في فترات النظام الديموقراطي من إجازته فكيف جاز‬
‫للمجلس العسكري اإلنتقالي أن يصطنع صالحيات ل تؤهله لها طبيعة تكوينه‬
‫ولم تضفها عليه القوى األساسية التي فجرت ثورة أبريل وكلفته بتسيير شئون‬
‫الحكومة أثناء السنة اإلنتقالية؟‬
‫لم تتمكن الحكومة الديموقراطية الثالثة – بسبب إنشغالها بالخالفات الحزبية‬ ‫‪.55‬‬
‫ومسائل إنصرافية أخرى – من إتخاذ أي إجراء يرمي الى إعداد مسودة‬
‫للدستور الدائم حتى أطاح بها إنقالب الجبهة اإلسالمية في يونيو ‪ .5515‬ويبدو‬
‫أن العمل إستمر بذلك الدستور اإلنتقالي حتى صدر دستور سنة ‪.5551‬‬
‫نظرا ا الى اإلتجاه اليديولوجي للنظام الحاكم وغياب القوى السياسية األخرى‬ ‫‪.51‬‬
‫ومنظمات المجتمع المدني‪ ،‬ليس غريبا ا أن يتضمن ذلك الدستور النصوص‬
‫الخالفية التي سبقت اإلشارة اليها‪ .‬ليس من بين هذه النصوص ما ورد من حكم‬
‫تقريري في المادة األولى بأن اإلسالم دين غالبية السكان‪ ،‬ذلك نص تقريري‬
‫‪6‬‬
‫يصف الواقع ول تعترض عليه األقليات الدينية‪ .‬ولكن المادة الربعة تمضي‬
‫فتقول‪:‬‬
‫"الحاكمية في الدولة هلل خالق البشر‪ .‬والسيادة فيها لشعب السودان‬
‫المستخلف يمارسها عبادة هلل وحمالا لألمانة وعمارة للوطن وبسطا ا‬
‫للعدل والحرية والشورى وينظمها الدستور والقانون"‪.‬‬
‫لحظ تعبير الحاكمية الذي يذكر بسيد قطب وأبو األعلى المردودي والذي‬
‫استهجنه بعض الفقهاء المعاصرين بمن فيهم بعض مؤسسي حزب األخوان‬
‫المسلمين في مصر‪.‬‬
‫وتنص المادة ‪:11‬‬
‫"الشريعة اإلسالمية وإجماع األمة استفتاء ودستورا ا وعرفا ا هي مصادر‬
‫التشريع ول يجوز للتشريع تجاوزا ا لتلك األصول‪ .‬ولكنه يهتدي برأي‬
‫األمة العام وبإجتهاد علمائها ومفكريها‪ ،‬ثم بقرار ولة أمرها"‪.‬‬
‫ثم ننتقل الى آخر مرحلة من مراحل التطور الدستوري حتى اليوم‪ :‬الدستور‬ ‫‪.51‬‬
‫النتقالى لسنة ‪ 1111‬الذى تمخض عن اتفاقية السالم الشامل‪.‬‬
‫المادة األولى تصف طبيعة الدولة كما يلى‪:‬‬
‫جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة‪ ،‬وهي دولة ديموقراطية ل‬ ‫‪)5‬‬
‫مركزية تتعدد فيها الثقافات واللغات وتتعايش فيها العناصر واألعراق‬
‫واألديان‪.‬‬
‫تلتزم الدولة باحترام وترقية الكرامة اإلنسانية‪ ،‬وتؤسس على العدالة‬ ‫‪)1‬‬
‫والمساواة واإلرتقاء بحقوق اإلنسان وحرياته األساسية وتتيح التعددية‬
‫الحزبية‪.‬‬
‫السودان وطن واحد جامع تكون فيه األديان والثقافات مصدر قوة‬ ‫‪)1‬‬
‫وتوافق وإلهام‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫تنص المادة الثانية على أن "السيادة للشعب‪ ،‬وتمارسها الدولة طبقا ا لنصوص‬
‫هذا الدستور والقانون‪ ،‬دون إخالل بذاتية جنوب السودان والوليات"‪.‬‬
‫وتنص المادة الثالثة تحت عنوان "حاكمية الدستور القومي اإلنتقالي" على أن‪:‬‬
‫"الدستور القومي اإلنتقالي هو القانون األعلى للبالد‪ ،‬ويتوافق مع‬
‫الدستور اإلنتقالي لجنوب السودان‪ ،‬ودساتير البالد وجميع القوانيين"‪.‬‬
‫أما مصادر التشريع فقد أفرغت في المادة الخامسة على الوجه التالي‪:‬‬
‫تكون الشريعة اإلسالمية واإلجماع مصدرا ا للتشريعات التي تسن على‬ ‫‪)5‬‬
‫المستوى القومي وتطبق على وليات شمال السودان‪.‬‬
‫يكون التوافق الشعبي وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليده ومعتقداته‬ ‫‪)1‬‬
‫الدينية التي تأخذ في اإلعتبار التنوع في السودان‪ ،‬مصدرا ا للتشريعات‬
‫التي تسن على المستوى القومي‪ ،‬وتطبق على جنوب السودان أو‬
‫ولياته‪.‬‬
‫في حالة وجود تشريع قومي معمول به حاليا ا‪ ،‬أو قد يسن‪ ،‬ويكون‬ ‫‪)1‬‬
‫مصدره دينيا ا أو عرفيا ا‪ ،‬يجوز للولية وفقا ا للمادة ‪( )5( 11‬أ) في حالة‬
‫جنوب السودان‪ ،‬التي ل يعتنق غالب سكانها ذلك الدين أو ل يمارسون‬
‫ذلك العرف أن‪:‬‬
‫أ‪ -‬تسن تشريعا ا يسمح بممارسات أو ينشئ مؤسسات في تلك الولية‬
‫تالئم دين سكان الولية وأعرافهم‪ ،‬أو‬
‫ب‪ -‬تحيل التشريع الى مجلس الوليات إلجازته بواسطة ثلثي جميع‬
‫الممثلين في ذلك المجلس أو يبتدر إجراءات لسن تشريع قومي تنشأ‬
‫بموجبه المؤسسات البديلة المالئمة‪.‬‬
‫وبامعان النظر في هذه األحكام تبدر المالحظات التالية‪:‬‬ ‫‪.52‬‬
‫أ‪ -‬وصف طبيعة الدولة في المادة األولى‪ ،‬وصف تقريري لغبار عليه‬
‫ول خالف حوله‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ب‪ -‬حكم سيادة الشعب في المادة الثانية خال من العبارات المضمنة في‬
‫المادة الرابعة من دستور سنة ‪ 5551‬الخاصة بممارسة السيادة‬
‫"عبادة هلل ‪ ...‬الخ "‪ .‬ثم أن عبارة‪" :‬دون إخالل بذاتية جنوب السودان‬
‫‪ ...‬الخ" حشو ل معنى له‪ .‬كيف يتصور أن سيادة الشعب التى‬
‫يمارسها "طبقا ا لنصوص هذا الدستور والقانون"‪ ،‬كيف يتصور أن‬
‫ممارسة السيادة على هذا النحو يمكن أن يكون فيها إخالل بذاتية‬
‫الجنوب‪.‬‬
‫ج‪ -‬قارن عنوان المادة الثالثة من الدستور النتقالي "حاكمية الدستور‬
‫القومي اإلنتقالي" بالمادة الرابعة من دستور سنة ‪ 5551‬التي نصت‬
‫على أن الحاكمية هلل‪.‬‬
‫د‪ -‬لم يعد التوافق الشعبي وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليده ‪ ...‬الخ‬
‫مصدرا ا للتشريع الذي يطبق على شمال السودان بل إقتصرت على‬
‫تلك التي تطبق على الجنوب‪.‬‬
‫نشأة الربط بين الدولة والدين‪:‬‬
‫‪ .51‬باستقراء التاريخ يمكن القول بأن فكرة الربط بين الدين والدولة كانت بدءا ا من‬
‫ظواهر المجتمعات الوثنية التي كان يمارس فيها السحر والكهنوت نفوذا ا‬
‫كبيرا ا‪ ،‬واستمر حتى ظهور الدولة البدائية ‪ .Primordial State‬ففرعون كان‬
‫حاكما ا والها ا في آن واحد‪" :‬أنا ربكم األعلى"‪ .‬وحتى عندما لم يتصف الحاكم‬
‫باأللوهية فقد كان مرتبطا ا بها ارتباطا ا وثيقا ا في أذهان الناس‪ ،‬مثالا الدولة‬
‫الفارسية القديمة (حتى قبل الفيلسوف زرادشت)‪ ،‬كان يظن أنها نزلت من‬
‫اآللهة (انظر دائرة المعارف البريطانية "المجلد السابع" ص ‪.)175‬‬
‫أما مجتمع التوحيد‪ ،‬فقد فصل منذ أول عهده فصالا واضحا ا بين اإلله والحاكم‬
‫وبين الدين والدولة‪ .‬ومن ذلك أن بني اسرائيل كانوا ينكرون صفة النبوة لمن‬
‫اتخذ مظهر الملك حتى إذا اتصف بالحكمة والتقوى فداؤد وسليمان عندهم‬
‫‪9‬‬
‫ملوك ل أنبياء‪ .‬ليس غريبا ا اذن أن يميز المسيح عليه السالم بين ما لقيصر وما‬
‫هلل‪.‬‬
‫بيد أن األمر قد تغير عندما بدأت الوثنية تشوب مفاهيم التوحيد الخالص‪ .‬فما أن‬
‫تنصر قسطنطين األول في أول القرن الرابع الميالدي حتى بدأت تظهر أفكار‬
‫التعددية في مفهوم هللا‪ ،‬واكتسب اإلمبراطور الروماني قداسة ل تضفى عادة‬
‫على البشر‪ .‬وسرعان ما اتخذت الدولة إسما ا قدسيا ا عندما قام البابا بتتويج‬
‫شارلمان إمبراطورا ا عام ‪111‬م فنشأت اإلمبراطورية الرومانية المقدسة ‪Holy‬‬
‫‪ Roman Empire‬التي استمرت ألف عام حتى ‪5111‬م‪.‬‬
‫وعندما اختلف ملك انجلترا هنري الثامن (‪ )5255 – 5127‬مع البابا حول‬
‫مسائل دنيوية بحتة‪ ،‬بعضها سياسي وبعضها شخصي يتعلق بتعدد الزوجات‬
‫والطالق‪ ،‬فصل الكنيسة اإلنجليزية من روما وجعلها جهازا ا روحيا ا في إطار‬
‫الدولة ونصب نفسه رئيسا ا لها (انظر دائرة المعارف البريطانية‪ ،‬المجلد الثامن‬
‫ص ‪.)775‬‬
‫على نقيض ذلك لم يطلق اليهود على دولتهم األولى إسم دولة جهوڤا أو الدولة‬
‫اإللهية وإنما عرفت بأنها دولة بني إسرائيل‪.‬‬
‫وعندما وضع الرسول الكريم أول دستور مكتوب في تاريخ الحضارة اإلنسانية‬
‫لم يسمه الدستور اإلسالمي أو العهد اإلسالمي أو الصحيفة اإلسالمية وإنما‬
‫سماه "صحيفة المدينة"‪.‬‬
‫ونجد بعد الخلفاء الراشدين دولة بني أمية‪ ،‬ودولة بني العباس‪ ،‬والدولة‬
‫الفاطمية‪ ،‬والدولة العثمانية‪.‬‬
‫قبل أن نتطرق الى تداعيات النص في الدستور على تسمية الدولة بأنها‬ ‫‪.51‬‬
‫إسالمية أو أن دينها اإلسالم أو أن الشريعة اإلسالمية هي مصدر التشريع‪،‬‬
‫لعله يجدر أن نتدبر ما إذا كان اإلصرار على تضمين هذه النصوص نتيجة‬

‫‪10‬‬
‫إللزام إسالمي حتمي ل محيص عنه‪ ،‬أم أنه مجرد رد فعل علق بالمجتمعات‬
‫اإلسالمية المعاصرة جراء سيطرة اإلستعمار الغربي‪ ،‬وخوف تغول الغرب‬
‫الفكري والثقافي؟‬
‫ماهو األثر القانوني لنصوص دين الدولة ومصادر التشريع؟‬
‫‪ .57‬دين الدولة اإلسالم‬
‫ليبدو أن لهذا النص – من الناحية القانونية البحتة – أي أثر قانوني‪.‬‬
‫صالحيات أجهزة الدولة المختلفة تحكمها النصوص الدستورية الخاصة بها‪.‬‬
‫وحقوق األفراد‪ :‬حرية التملك‪ ،‬الحرية الشخصية‪ ،‬حريات التعبير والتجمع‪،‬‬
‫المساواة أمام القانون‪ ،‬كلها منصوص عليها بتفصيل في فصل يفرد لهذا‬
‫الغرض‪ .‬ول سبيل الى الزيادة فيها أو اإلنتقاص منها استنادا ا الى نص يجعل‬
‫اإلسالم دين الدولة‪.‬‬
‫مهما يكن فإنها قاعدة أساسية من قواعد تفسير النصوص القانونية أن تعطى‬
‫الكلمات والعبارات المعاني الطبيعية التي تستعمل بها عادة‪.‬‬
‫وبإعمال هذه القاعدة يعدو أن يكون للعبارة معنى سوى أن الدولة تعتنق الدين‬
‫اإلسالمي‪ .‬وذلك قول "ليس فيه معنى سوى أنه فضول" ‪ .‬لقد رأينا أن مثل‬
‫هذه التسميات في أوربا كانت لها أسباب سياسية ل عالقة لها بالدين‪.‬‬
‫مصادر التشريع‬ ‫‪.51‬‬
‫قبل أن نناقش ما إذا كان ثمة فرق بين أن تكون الشريعة اإلسالمية أصالا من‬
‫أصول التشريع أو مصدرا ا من مصادره أو أن تكون مصدرا ا أساسيا ا أو‬
‫المصدر األساسي‪ ،‬دعنا نحاول أن نفهم مدلول عبارة "الشريعة السالمية"‪.‬‬
‫لعله جدير بالمالحظة أن هذه العبارة لم ترد في الكتاب ول في السنة‪ ،‬على‬
‫األقل لم تستعمل فيهما بمعنى مجموعة لقوانين محددة‪ ،‬بل استعملت في آية‬
‫واحدة بمعنى "نهج في الحياة"‪" :‬ثم جعلناك على شريعة من األمر فأتبعها"‬
‫‪.51:21‬‬

‫‪11‬‬
‫كذلك استعمل اللفظ المرادف لغويا ا في آية أخرى بنفس المعنى‪" :‬لكل جعلنا‬
‫منكم شرعة ومنهاجا ا" ‪21:1‬‬
‫واستعمل الفعل "شرع" بمعنى" "اختط" أو " سن" في آيتين‪" :‬شرع لكم‬
‫من الدين ماوصى به نوحا ا والذى أوحينا اليك" ‪" ،51:21‬أم لهم شركاء‬
‫شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به هللا" ‪.15:21‬‬
‫ولم ترد عبارة الشريعة في أي من الوف األحاديث المدونة في صحيح‬
‫البخاري أو مسلم‪ ،‬إل أن دائرة المعارف اإلسالمية تقول إن اللفظ قد ورد‬
‫في حديث واحد في مسند األمام احمد بن حنبل بمعنى "منهاج" وذلك شبيه‬
‫بالتعبير الذي كان يستعمله علماء اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون بين‬
‫العرب ويتحدثون لغتهم (كانوا يستعملونها كأنما هي مقابل للكلمة‬
‫العبرية ”‪ “misva‬ويتحدثون عن "شريعة موسى" بمعنى الرسالة المتكاملة‬
‫التي دعا اليها من توحيد وسلوك وقوانين)‪ .‬وبالرغم من أن فقهاء المسلمين‬
‫فيما بين القرنين السابع والتاسع الميالدي قد أحرزوا تقدما ا كبيرا ا في استنباط‬
‫المصطلحات للتعبير عن المفاهيم الفلسفية والجدلية والفقهية إل أنهم لم‬
‫يستعملوا كلمة شريعة كمصطلح محدد ‪ Term of art‬إل ما كان من باب‬
‫ايرادها مرادفا ا لـ "حكم" "فرض"‪ ،‬سنة‪ .‬ومع ذلك فقد ظلت تستعمل بمعنى‬
‫"منهاج" أو رسالة‪.‬‬
‫مهما يكن فإن عبارة الشريعة اإلسالمي لم يستعملها فقهاء أي من المذاهب‬
‫األربعة ول حتى اإلمام الشافعي الذي وضع علم أصول الفقه لم يستعملها‬
‫في الرسالة (انظر دائرة المعارف األسالمية‪، BRILL (1997)،Leiden،‬‬
‫‪ .)PP. 321-328‬بل حتى في عهد الفقيه الحنفي ابن عابدين ظلت الكلمة‬
‫تستعمل للتعبير عن علوم الشريعة المنزلة من عند هللا أي أنها كانت تستعمل‬
‫كمرادف لكلمة "الفقه" (انظر مقدمة ابن خلدون‪ ،‬طبعة صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‬
‫‪.)115‬‬
‫يبين مما سبق أن لفظ "الشريعة اإلسالمية" بمعنى مدونة القوانين‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لم يستعمل إل في عصور متأخرة‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ما هو األثر القانوني للنص على أن الشريعة االسالمية مصدر للتشريع؟‬
‫‪ .55‬بافتراض أن حداثة العبارة ل تقف حائالا دون ايرادها في دساتير الدول‬
‫اإلسالمية المعاصرة وجعلها المصدر األساسي أو مصدرا ا أساسيا ا لتشريعاتها‪،‬‬
‫فما هو األثر القانوني لهذا النص؟‬
‫أولا‪ :‬ليس في القرآن سوى عدد ل يتجاوز الثالثين من األحكام ذات الصفة‬
‫القانونية الملزمة ‪ Positive Law‬منها بضع أحكام تتعلق بالعقوبات‪،‬‬
‫والباقي باألحوال الشخصية‪.‬‬
‫أما السنة فبالرغم من أنها تتضمن عددا ا كبيرا ا من األحكام إل أن‬
‫اإلختالف حولها يغلب على اإلتفاق عليها‪ ،‬كما أن بينها تناقضا ا مربكاا‪.‬‬
‫واألحاديث الخاصة بربا النشيئة وربا الفضل من األمثلة على ذلك‬
‫التناقض والغموض‪.‬‬
‫واإلختالف أكبر عندما ننتقل من هذين المصدرين األساسيين الى‬
‫اإلجتهاد‪ ،‬إذ ل ينحصر اإلختالف على المذاهب األربعة بل يتعداه الى‬
‫عدة المدارس المتفرعة عنها‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬حتى إذا افترضنا أن ثمة أحكاما ا تتصف باإلتساق واإلنسجام‬
‫والوضوح‪ ،‬حينئذ تكون الشريعة نفسها هي تلك األحكام والقوانين ل‬
‫مصدرا ا من مصادر التشريع‪ ،‬إل إذا جاز أن نقول "األحكام مصدر‬
‫تشريع األحكام" أو "القوانين مصدر تشريع القوانين"‪.‬‬
‫مصادر التشريع هي الدوافع التي تمليه‪ :‬المصلحة العامة‪ ،‬القيم‬
‫الروحية‪ ،‬األعراف اإلجتماعية وهكذا‪ ،‬تلك مصادر يستوحى بها عند‬
‫تشريع األحكام الملزمة على الناس إذ يضطربون في حياتهم اليومية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ثالثاا‪ :‬ل مناص إذن من أن نفهم الشريعة اإلسالمية في هذا المضمار على‬
‫أنها ل تعني سوى المبادئ اإلحتماعية والقيم الروحية المضمنة في‬
‫مئات اآليات القرآنية وعدد كبير من األحاديث النبوية والتي يسميها‬
‫بعض الفقهاء "المقاصد الكلية"‪ :‬العدل‪ ،‬البر‪ ،‬اإلحسان‪ ،‬العطف على‬
‫الفقراء والمساكين‪ ،‬المساواة‪ ،‬العمل الصالح‪ ،‬ومجانبة الظلم والبغي‬
‫والعدوان‪.‬‬
‫هذه هي المقاصد التي تصلح بل تجدر أن تكون مصدر التشريع‪.‬‬
‫تداعيات تضمين النص في الدساتير السودانية‪:‬‬
‫فهم الشريعة اإلسالمية على أنها مجموعة قوانين محددة‪ ،‬وتطبيقها وتضمينها‬ ‫‪.11‬‬
‫في الدستور على أنها كذلك‪ ،‬أدى الى أضرار إجتماعية بالغة والى خلل في‬
‫القيم وسوء فهم لروح اإلسالم‪ ،‬نذكر منها على سبيل المثال‪:‬‬
‫أولا‪ :‬فسرت عبارة الشريعة اإلسالمية على انها ل تعني سوى تطبيق‬
‫عقوبات الحدود‪ ،‬والقصاص والتعزير‪ .‬هذا هو الفهم الذي دعا نظام‬
‫النميري الى اإلحتفال بمرور عام على الغلو في القطع والقتل‬
‫والصلب‪ ،‬بحسبانه مرور عام على تطبيق الشريعة‪ ،‬وقد سمعت من‬
‫مصدر موثوق أن البرفسير جارودي اعتذر عن حضور تلك‬
‫اإلحتفالت قائالا إن الذي يمارس حينئذ في السودان ليس هو الشريعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬صرف النظر عن مقاصد الشريعة الكلية المفرغة في مئات اآليات‬
‫واألحاديث‪ ،‬والتي تصلح مصدرا ا للتشريع في المجتمعات اإلسالمية‬
‫المعاصرة ولتأسيسها على قواعد العدل‪ ،‬وحكم القانون والديموقراطية‬
‫والرفاهية اإلجتماعية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثالثاا‪ :‬إيهام الناس بأنه حسب الحاكم ان يجلد ويقطع ويصلب وأن ذلك يكفي‬
‫أن يجعله حاكما ا إسالميا ا دون إعتبار لتحقيق مقاصد الشريعة الكلية‬
‫التي ل يصلح المجتمع بدونها‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬أفرد الدستور اإلنتقالي لسنة ‪ 1111‬بابا ا خاصا ا عنوانه "وثيقة الحقوق"‬
‫ونصت مواد ذلك الباب (‪ )21 – 17‬على الحقوق والحريات‬
‫األساسية‪ ،‬وعلى واجب الدولة في كفالتها وصيانتها‪ .‬وقد إنضم‬
‫السودان الى اتفاقيات وعهود دولية تكفل تلك الحقوق‪ ،‬أهمها‪ ،‬العهد‬
‫العالمي للحقوق السياسية واإلجتماعية (‪.)5571‬‬
‫لكن النص في الدستور على أن الشريعة اإلسالمية مصدر التشريع‬
‫وفهمنا الضيق لمعنى تلك العبارة‪ ،‬اضطرنا الى ازدواجية بين الدستور‬
‫والقوانين التشريعية من جهة‪ ،‬وبين التزامات الدولة بموجب العهود‬
‫واإلتفاقيات الدولية وممارستها في حكم البالد من جهة أخرى‪ .‬نسوق‬
‫األمثلة التالية على سبيل المثال ل الحصر‪.‬‬
‫‪ ‬من بين تلك الحقوق األساسية حرية العقيدة (المادة ‪ ،)11‬وهي‬
‫حق كفلته المادة ‪ 1‬من العهد العلمي المذكور‪ ،‬ولكن قانون‬
‫العقوبات السوداني يوقع عقوبة اإلعدام على الردة (المادة ‪.)515‬‬
‫‪ ‬المادة السابعة من العهد العالمي المذكور تحرم العقوبات القاسية‬
‫والمهينة لكرامة اإلنسان‪ ،‬ولكن المادة ‪ 575‬من قانون العقوبات‬
‫تفرض قطع اليد على السرقة والمادة ‪ 511‬تعرض من يحكم عليه‬
‫بما يسمونه "الحرابة" ‪ Armed robbery‬بالقتل والصلب‬
‫وبالقطع من خالف‪ .‬والمادة ‪ 11‬تنص على عقوبة القصاص‪.‬‬
‫تلك عقوبات لم يبتدعها اإلسالم وإنما ابتدعتها نظم سبقتنا بآلف‬
‫السنين وعرفها فرعون وقانون حمرابي‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫خامساا‪ :‬فهم الشريعة اإلسالمية على أنها مدونة قانون يشمل‪ ،‬ليس القرآن‬
‫والسنة فحسب بل كذلك اجتهادات الفقهاء في ظروف اجتماعية‬
‫وإقتصادية تختلف اختالفا ا كبيرا ا عن العصر الحاضر وتفصل بيننا‬
‫وبينها قرون التخلف والجمود التي ألمت بالمجتمع اإلسالمي‪ ،‬ذلك‬
‫الفهم فرض علينا عدم التفريق بين الربا الذي حرمه القرآن الكريم‬
‫والفائدة المصرفية على القروض واإليداعات البنكية‪.‬‬
‫ل جدال أن الربا حرام "وأحل هللا البيع وحرم الربا" ‪" ،171:1‬اتقوا‬
‫هللا وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين" ‪ 171:1‬ولكن القرآن لم‬
‫يعرف الربا وإنما اكتفى بوصفه‪:‬‬
‫"وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فال يربو عند هللا"‪.‬‬
‫ومعلوم أن هللا سبحانه وتعالى يضاعف األجر‪" :‬وإن تك حسنة‬
‫يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا ا عظيماا" ‪" ،21:2‬إن تقرضوا هللا قرضا ا‬
‫حسنا ا يضاعفه لكم ‪.57:12 "...‬‬
‫إذن فالسعي للربا ليربو في أموال الناس لبد أن يكون معناه لكي‬
‫يتضاعف‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا ا مضاعفة"‬
‫‪.511:1‬‬
‫هذا هو الربا الذي كان يمارس في الجاهلية وهو يختلف عن العمليات‬
‫المصرفية في أوجه‪ ،‬إذ أنه كان يمارس في خفية‪ ،‬وأنه لم يكن يخضع‬
‫لضوابط وأن الدافع وراءه كان استغالل الضعفاء والفقراء‪ ،‬بينما‬
‫تمارس البنوك عملها جهرا ا تحت رقابة الدولة وخضوعا ا لضوابط‬
‫قانونية وحد أعلى للفائدة تفرضه البنوك المركزية‪ ،‬والهدف منه تيسير‬
‫القروض لحاجة عامة الناس والمستثمرين على السواء‪" ،‬لكيال يكون‬
‫(المال) دولة بين الغنياء منكم" ‪.7:15‬‬

‫‪16‬‬
‫لو قد برزت الى خير الوجود مصارف تحت إشراف الدولة في‬
‫عصور اإلجتهاد‪ ،‬ولو قد كان تدني قيمة العملة ‪Depreciation‬‬
‫ظاهرة دائمة من ظواهر األوضاع اإلقتصادية والمالية كما هو اليوم‪،‬‬
‫لما ساوى الفقهاء بين الربا والقرض المصرفي‪ .‬ولكن فقهاء عصرنا ل‬
‫تتأنى لهم أصالة الفقهاء السابقين فساووا بين الفائدة المصرفية والربا‪،‬‬
‫وأفتوا بأن تمارس المصارف عمليات المضاربة والمشاركة وهما‬
‫أصالا وسيلة الى تزاوج المال مع العمل تزاوجا ا يفضي الى شراكة‬
‫حقيقية تعود بالنفع للشريكين‪.‬‬
‫أما نقلهما الى مجال العمل المصرفي فقد أدى الى معامالت وهمية‬
‫تعود على البنوك بفوائد هى عين الربا‪ ،‬بينما تؤدى فى الوقت ذاته الى‬
‫زيادة كلفة رأس المال‪ ،‬وبالتالي الى ارتفاع األسعار وغالء المعيشة‪،‬‬
‫كما أدت الى اقصاء الفقراء والمساكين من ميدان العمليات المصرفية‬
‫وقصرها على المستثمرين‪ ،‬فأصبح المال دولة بين األغنياء‪ ،‬وصار‬
‫المستثمرون والبنوك هم وحدهم المستفيدين على حساب البقرة‬
‫الحلوب‪ :‬المستهلك الضعيف‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫سعيا ا الى تفادي التداعيات سالفة الذكر أقترح مناقشة الصيغة التالية كبديل‬ ‫‪.15‬‬
‫للصيغة الحالية‪:‬‬
‫"المصلحة العامة ومبادئ العدالة اإلجتماعية والقيم والمقاصد الكلية المضمنة‬
‫في كتاب هللا وسنة رسول هللا (والواردة في اصحاحات العهد الجديد األربعة)‬
‫هي مصادر التشريع"‪.‬‬
‫أو‬

‫‪17‬‬
‫"المصلحة العامة ومبادئ العدالة اإلجتماعية والقيم والمقاصد الكلية المضمنة‬
‫في كتاب هللا وسنة رسول هللا (والواردة في اصحاحات العهد الجديد األربعة)‬
‫والعرف والتقاليد التي ل تتعارض معها هي مصادر التشريع"‪.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like