You are on page 1of 397

‫منري العش‬ ‫منري العش‬

‫منري العش‬
‫حق السجين‬ ‫حق السجين‬
‫في‬ ‫في‬

‫حق السجين‬
‫الحياة النقابية‬ ‫الحياة النقابية‬
‫إن فشل املؤسسة السجنية يف أداء وظيفتها التأهيلية ال يعود ابلضرر‬
‫على النزالء فقط‪ ،‬بل إمنا يضر ابجملتمع كله‪ ،‬خاصة إذا ما حتول السجن‬
‫إىل كلية لتخرج املنحرفني وتعلم اجلرمية والتدريب عليها‪ ،‬وإذا اس � � � ��تحال‬
‫ليصبح مكاان يس � � � ��تهويه املنحرف الذي تنقل � � � ��ب عنده املفاهيم لتصبح‬

‫في‬
‫احلياة وسط اجملتمع احلر سلبا للحرية واحلياة داخل السجون حرية‪ ،‬فرتاه‬
‫يعمد إىل الرجوع إليها وال جيد فيها ما يزعجه ذلك االزعاج الذي ينهره‬

‫الحياة االنقابية‬
‫عن العودة إىل اجلرمية بداللة ارتفاع نسبة العود بني نزالء السجون‪.‬‬
‫لقد دفعتن � � � ��ا كل هذه االعتبارات حملاولة التأس � � � ��يس ملنظومة أتهيلية‬
‫حديث � � � ��ة جتعل من أتهيل النزي � � � ��ل أمرا واقعا وليس جمرد مبدأ أو ش � � � ��عار‬
‫يرفع وال تتجاوز قيمته قيمة احلرب الذي يكتب به‪ ،‬وهذا الكتاب ش � � � ��أنه‬
‫شأن الكتاب الذي سبقه وجمموعة الكتب اليت ستليه‪ ،‬ليسوا إال أجزاء‬
‫من وصفة عالجية ليس لنزيل املؤسس � � � ��ة الس � � � ��جنية فقط بل للمجتمع‬
‫أبكمله‪ .‬وحتمل هذه الوصفة عنوان «التأهيل احلديث لنزيل املؤسس � � � ��ة‬
‫السجنية»‪.‬‬
‫الثمن ‪ 25 :‬دت‬

‫‪9HSTJNI*jcghgh+‬‬
‫حق السجين‬
‫في‬
‫الحياة النقابية‬
‫منري العش‬

‫حق السجين‬
‫في‬
‫الحياة النقابية‬
‫الكتاب‪ :‬حق السجني يف احلياة اجلنسية‬

‫املؤلف ‪ :‬منري العش‬

‫الناشر‪:‬‬

‫‪1000‬‬ ‫‪ ،20‬شارع ابريس – تونس‬


‫اهلاتف ‪+216 71 257 591 :‬‬
‫الفاكس‪+216 71 344 265 :‬‬

‫الربيداإللكرتوين‪:‬‬
‫‪dar.alittihad@gmail.com‬‬

‫‪.2018‬‬ ‫الطبعة االوىل‪ ،‬تونس‬

‫الرتقيم الدويل للكتاب ‪:‬‬


‫‪978-9938-926-00-0‬‬

‫مجيع احلقوق حمفوظة للمؤلف‬


‫متهيد‬

‫أكد املختصون واملفكرون في علم اإلجرام والقائمون على‬


‫املؤسسات السجنية في مختلف دول العالم على أن عقوبة السجن‬
‫يكتنفها الكثير من السلبيات‪ ،‬وأعربوا عن قناعتهم بأن هناك كثير‬
‫من العيوب واألضرار ترتبط باملؤسسات العقابية‪ .‬لكن على الرغم‬
‫من قناعة هؤالء بهذه اآلثار السلبية واألضرار والعيوب التي تنجم‬
‫عن السجون‪ ،‬فقد أوضحوا أن املجتمعات في حاجة للمؤسسات‬
‫السجنية‪ ،‬وأن الفكر اإلنساني ال يزال عاجزا عن الوصول إلى‬
‫وسيلة أفضل لتحل محل هذه املؤسسات كأداة لتحقيق أغراض‬
‫العقوبة تجاه فئة معينة من املنحرفين‪.‬‬
‫وانطالقا من هذه القناعة‪ ،‬حاول املختصون التصدي لهذا‬
‫املشكل بالحل‪ ،‬وقد تمثل هذا الحل في محاولة الفنيين في هذا‬
‫املجال كاألخصائيين االجتماعيين واألخصائيين النفسيين ورجال‬
‫القانون الجنائي وعلماء علم العقاب العمل على أن تصبح مؤسسات‬
‫السجون أكثر التزاما باملبادئ واألصول اإلنسانية والعلمية في إدارتها‬
‫‪5‬‬
‫وبرامجها ومعاملة املودعين بها‪ .‬إال أن هذا املشكل ال زال قائما حتى‬
‫اآلن بالرغم من الدراسات العديدة التي قام بها العديد من الباحثين‬
‫ومراكز الدراسات االجتماعية والنفسية والجنائية‪.‬‬
‫إن فشل املؤسسة السجنية في أداء وظيفتها التأهيلية ال يعود‬
‫بالضرر على النزالء فقط‪ ،‬بل إنما يضر باملجتمع كله‪ ،‬خاصة إذا ما‬
‫تحول السجن إلى كلية لتخرج املنحرفين وتعلم الجريمة والتدريب‬
‫عليها‪ ،‬وإذا استحال ليصبح مكانا يستهويه املنحرف الذي تنقلب‬
‫عنده املفاهيم لتصبح الحياة وسط املجتمع الحر سلبا للحرية‬
‫والحياة داخل السجون حرية‪ ،‬فتراه يعمد إلى الرجوع إليها وال يجد‬
‫فيها ما يزعجه ذلك االزعاج الذي ينهره عن العودة إلى الجريمة‬
‫بداللة ارتفاع نسبة العود بين نزالء السجون‪.‬‬
‫يجب النظر إلى عملية التأهيل في جملتها على أنها رعاية للنزيل‪،‬‬
‫وهي تمثل مرحلة يتم إعداد املجرم السابق عندها لكي يتقدم نحو‬
‫االستيعاب االجتماعي في مجتمعه‪ ،‬وذلك من خالل مساعدته على‬
‫الوصول إلى حالة يتمكن معها من التوافق العضوي والنف�سي‬
‫واالجتماعي مع مقتضيات املواقف التي يواجهها‪.‬‬
‫ومن وجهة نظرنا‪ ،‬ال يمكن تقديم مثل هذه الرعاية للنزالء دون‬
‫أن تتم العقوبة السجنية في إطار احترام حقوق اإلنسان واالعتراف‬
‫التام عمليا بكمال إنسانية النزيل‪ ،‬وتغيير موقفنا ونظرتنا لعالم‬
‫السجن وذلك بأن نتساءل عن معنى العقوبة ووضعها في اإلطار‬
‫العام للمؤسسة‪ ،‬وكذلك من خالل أن نضع في الحسبان املشاكل‬
‫التي تتولد عن إقصاء وعزل النزيل ومدى تأثيرها على صحته البدنية‬
‫والنفسية ومدى تأثيرها على محيطه العائلي‪ ،‬وأيضا من خالل األخذ‬
‫بعين االعتبار عوامل الجريمة ودور املجتمع في وقوعها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫لقد دفعتنا كل هذه االعتبارات ملحاولة التأسيس ملنظومة‬
‫تأهيلية حديثة تجعل من تأهيل النزيل أمرا واقعا وليس مجرد‬
‫مبدأ أو شعار يرفع وال تتجاوز قيمته قيمة الحبر الذي يكتب به‪،‬‬
‫وهذا الكتاب شأنه شأن الكتاب الذي سبقه ومجموعة الكتب التي‬
‫ستليه‪ ،‬ليسوا إال أجزاء من وصفة عالجية ليس لنزيل املؤسسة‬
‫السجنية فقط بل للمجتمع بأكمله‪ .‬وتحمل هذه الوصفة عنوان‬
‫«التأهيل الحديث لنزيل املؤسسة السجنية»‪.‬‬
‫املؤلف‪ :‬منيرالعش‬

‫‪7‬‬
8
‫املقدمة‬

‫قديما كان يعتبر املجرم كائنا شيطانيا مثيرا لغضب اآللهة‬


‫وسخط محيطه البشري‪ ،‬وكانت الطرق الدموية املؤسسة على الثأر‬
‫هي أساس العقاب املسلط على هذا املذنب‪ ،‬فاملجرم كان ال يعتبر‬
‫إنسانا أصال وكان جسده محورا للعقوبة‪ .‬ولم يتغير هذا الوضع‬
‫حتى مع ظهور الدولة‪ ،‬فالعقوبة حافظت على طابعها الجسدي‬
‫الدامي والبعيد كل البعد عن أبسط مبادئ حقوق اإلنسان‪ ،‬وذلك‬
‫إلى تاريخ قريب‪.‬‬
‫بدأ شكل العقوبة يتغير ويحجب دمويته انطالقا من القرن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬وذلك تحت تأثير املدارس الفلسفية والفكرية املنادية‬
‫بأنسية العقوبة‪ .‬فظهرت السجون بمفهومها العقابي‪ ،‬أي األماكن‬
‫التي يق�ضي فيها املذنب محكوميته السجنية‪ ،‬فالسجن بعد أن‬
‫كان مكان يوضع فيه املدان وقتيا النتظار تنفيذ عقوبته الجسدية‬
‫أصبح في حد ذاته عقوبة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫والسجين‪ ،‬كما يطلق عليه النزيل‪ ،‬هو كل شخص حرم من‬
‫حريته ضد إرادته‪ ،‬ويكون ذلك بسبب الحبس أو األسر‪ .‬وهذا‬
‫املصطلح ينطبق خصيصا على املوقوفين في محاكمة أو يقضون‬
‫عقوبة سجنية‪.‬‬
‫وقانونا‪ ،‬وبالعودة للقانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬املؤرخ في ‪14‬‬
‫ماي ‪ 2001‬املتعلق بنظام السجون‪ ،‬وبالتحديد الفصلين الثاني‬
‫والرابع منه‪ ،‬نعرف النزيل بكونه كل شخص يقع إيداعه بأحد‬
‫السجون التي هي أماكن معدة إليواء األشخاص اللذين ال يجوز‬
‫إيداعهم إال بموجب بطاقة إيداع أو تنفيذ لحكم أو بموجب الجبر‬
‫بالسجن‪ .‬فالنزيل هو اإلنسان الذي تسلب حريته بإيداعه السجن‬
‫بصفته موقوفا تحفظيا أو محكوما عليه‪.‬‬
‫نتج ظهور السجن كعقوبة أساسية عن تغير أهداف العقوبة‬
‫وظهور أفكار جديدة تستبعد االنتقام وتكرس أغراض أخرى أهمها‬
‫تأهيل املجرم‪ ،‬وقد عملت هذه األفكار على املحافظة على إنسانية‬
‫النزيل فبرزت بذلك أنسنة العقوبة وهي فكرة قائمة على القناعة‬
‫بأن الردع كهدف للعقوبة بصنفيه العام والخاص بات مستحيال‪،‬‬
‫ألنه ال الردع العام وال الخاص جعال من املجتمعات القديمة أو‬
‫الحديثة مدنا فاضلة ال جريمة فيها‪.‬‬
‫لقد ساهمت أنوار اإلنسانية ال في تطور املنظومة العقابية‬
‫فقط‪ ،‬بل كذلك في تطور نظام السجون في حد ذاته‪ ،‬هذا التطور‬
‫الذي كان نتيجة للوعي اإلنساني بالظروف السيئة التي يعيشها نزالء‬
‫املؤسسات العقابية واملعامالت القاسية التي يتعرضون إليها‪.‬‬
‫لقد حصل االتفاق حول أن النزيل هو أوال وأخيرا إنسان حاد‬
‫عن الطريق وقام بكسر قاعدة من القواعد القانونية التي ضبطها‬
‫‪10‬‬
‫املجتمع‪ ،‬وهذا اإلنسان هو جزء ال يتجزأ من املجتمع‪ ،‬ومهما طالت‬
‫مدة حجزه ومحكوميته فإنه سوف يعود إلى مكانه الطبيعي وهو‬
‫املجتمع‪ ،‬الحياة الحرة‪ .‬فالسجن ليس إال مكانا مؤقتا‪ ،‬يق�ضي‬
‫فيه هذا اإلنسان عقابه ثم يعود لحياته االجتماعية خارج أسوار‬
‫املؤسسة السجنية‪.‬‬
‫هكذا يجب أن توظف مدة العقوبة إلعداد املجرم لالندماج‬
‫من جديد في املجتمع الحر‪ ،‬وذلك من خالل تهذيبه وتقويمه ونزع‬
‫خطورته اإلجرامية‪ ،‬وهذا ال يكون إال من خالل العمل على تقليص‬
‫الفوارق أكثر ما يمكن بين الحياة داخل السجن والحياة خارجه‪.‬‬
‫فالتركيز أصبح على إصالح املجرم الذي لم يعد عدوا للمجتمع يجب‬
‫إهانته ودهسه والقضاء عليه‪ ،‬بل أصبح له حقوق في إطار مؤسسة‬
‫سجنية تأهيلية تقوم سياستها العامة على مراعاة آدمية اإلنسان‪.‬‬
‫وقد تدعم هذا التوجه من خالل األهمية التي أوالها املجتمع‬
‫الدولي للمؤسسات السجنية ونزالئها بعد الحرب العاملية الثانية‪،‬‬
‫وذلك على إثر صدور اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في ‪10‬‬
‫ديسمبر ‪ ،1948‬واتخاذ املجلس االقتصادي االجتماعي لألمم‬
‫املتحدة قرارا في نفس السنة أو�صى بموجبه أن تأخذ األمم املتحدة‬
‫على عاتقها مسألة التشجيع على دراسة اإلجرام والتدابير الوقائية‬
‫ومعالجة املجرمين‪ ،‬فتشكلت لجنة ملنع الجريمة ومعالجة املجرمين‬
‫والتي تحولت سنة ‪ 1992‬إلى لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية‪،‬‬
‫وتكثفت املؤتمرات الدولية حول معاملة املجرمين إيمانا من‬
‫املجموعة الدولية بأن إصالح النزيل باملؤسسة السجنية يستوجب‬
‫احترام ذاته وكرامته البشرية‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وتتالت املواثيق واالتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان‬
‫والساعية لكفالة وصيانة الحريات والحقوق التي يتمتع بها أي‬
‫بشري دون تمييز منذ والدته وحتى انتهاء مشوار حياته بمماته‪،‬‬
‫كذلك خلق سعي دولي حثيث البتكار وتطبيق آليات دولية وإقليمية‬
‫تعنى بنشر وحماية ثقافة حقوق اإلنسان وتوفير الرقابة املستمرة‬
‫لضمان تطبيق هذه الحقوق السامية في مختلف أركان املعمورة‪.‬‬
‫ولم يكتفي املجتمع الدولي بالدفاع على اإلنسان عامة‪ ،‬بل خص‬
‫النزيل بعناية واهتمام خاص نظرا لوضعه االستثنائي‪ ،‬فهو محروم‬
‫من أهم وأغلى حق ناضلت ألجله اإلنسانية ودفعت ثمنه غاليا على‬
‫مر العصور وهو الحرية‪ .‬وقد اتخذ املجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫لألمم املتحدة قرار في سنة ‪ 1948‬أو�صى بموجبه أن تأخذ منظمة‬
‫األمم املتحدة على عاتقها مسألة التشجيع على دراسة مشكلة‬
‫اإلجرام والتدابير الوقائية ومعالجة املجرمين‪ ،‬وتتالت املؤتمرات‬
‫الدولية حول السياسة الجنائية في مرحلة تنفيذ العقوبة والهادفة‬
‫ملزيد دعم حقوق اإلنسان داخل املؤسسات السجنية‪.‬‬
‫لقد تم تكريس العديد من الحقوق للنزيل أهمها حقه في أن‬
‫يكون ويعامل كإنسان‪ ،‬أن تحفظ كرامته‪ ،‬أن يتم الحفاظ على‬
‫سالمته الجسدية والنفسية والعقلية ودعم هذه القدرات‪ ،‬أن‬
‫يقيم في ظروف سجنية صحية وإنسانية‪ ،‬أن يحافظ على روابطه‬
‫العائلية‪ ...‬وذلك بهدف تكوين إنسان جديد ينبذ طريق اإلجرام‬
‫واالنحراف ويسعى نحو السلوك الحسن‪.‬‬
‫أصبح احترام ودعم حقوق اإلنسان هاجسا دوليا وأيضا محليا‬
‫في كافة الدول‪ ،‬وهذا طبعا انعكس باإليجاب على النزيل سواء‬
‫على مستوى احترامه أو الحفاظ على كرامته أو تمتيعه بحقوقه‬
‫‪12‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وقد استقرت األنظمة العقابية الحديثة على ضرورة‬
‫تطبيق النظام العقابي في إطار إنساني واجتماعي يقوم على احترام‬
‫فردانية النزيل وحريته وكرامته وحقوقه‪ ،‬فالسجن مثله مثل غيره‬
‫من مؤسسات املجتمع الحديث مدعو إلى جعل احترام حقوق‬
‫اإلنسان مبدأ قويا في أسلوب عمله‪.‬‬
‫لقد تم االعتراف للنزيل بوجوبية تمتيعه بمغلب حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫فالسجن ذلك املكان املظلم القا�سي العازل فتحته أنوار اإلنسانية‪،‬‬
‫وهذا طبعا يختلف من دولة إلى أخرى حسب القيمة التي يتمتع بها‬
‫اإلنسان عامة واملواطن خاصة في نظر الدولة‪.‬‬
‫ال يعتبر تمتيع النزيل بحقوقه اإلنسانية ميزة أو هبة‪ ،‬بل هو‬
‫يتنزل صلب الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية‪ ،‬وذو فائدة لإلدارة‬
‫العقابية وللمجتمع‪ ،‬فتحقيقا ملصلحته ووصوال ملراده يقوم النظام‬
‫العقابي باعتماد جميع الوسائل واألساليب املمكنة التي تسهل‬
‫أو تحقق حسن تأهيل النزيل وتعيده للمجتمع بعد انقضاء مدة‬
‫محكوميته عضوا صالحا فاعال في محيطه‬
‫اجتهد جميع املتداخلين واملهتمين بشؤون السجن في الدفاع عن‬
‫إنسانية النزيل وفي تحقيق تمتعه بحقوقه اإلنسانية‪ ،‬وذلك بغاية‬
‫تحويل السجن كمؤسسة اجتماعية من مؤسسة فاشلة معياريا إلى‬
‫مؤسسة ناجحة ومتممة لعملها على أنسب وجه‪.‬‬
‫تهدف املؤسسة السجنية إلى إصالح نزالءها والقضاء على بذور‬
‫الجريمة داخلهم‪ ،‬إال أن الواقع أثبت حياد هذه املؤسسة عن هذا‬
‫الدور‪ ،‬فاإلجماع حاصل على فشل هذه املؤسسة وعلى تحولها‬
‫ملدرسة إلنتاج االنحراف واملجرمين وتطوير نزعاتهم الخطرة ودعم‬

‫‪13‬‬
‫شذوذهم االجتماعي‪ ،‬مما يتطلب وقفة تأملية لوضعية السجون‬
‫ونزالءها ونظرة تقييمية ملدى تمتع النزيل بحقوقه اإلنسانية‪.‬‬
‫إن العقوبة السجنية ال تحرم النزيل إال حريته‪ ،‬لذلك وجب‬
‫تمكينه من جميع الحقوق األخرى وبناء البرامج التأهيلية على‬
‫ضوئها‪ ،‬وذلك إن أردنا فعال إعادة تطبيع هذا اإلنسان وإعادته‬
‫للمجتمع كعضو سليم مندمج مع محيطه‪ ،‬وإذا أردنا فعال القضاء‬
‫على ظاهرة العود والتعود على الحياة السجنية‪.‬‬
‫مع األسف بالتأمل في واقع املؤسسات العقابية‪ ،‬نجد أن النزيل‬
‫محروم من العديد من الحقوق اإلنسانية‪ ،‬التي لو تم احترام‬
‫إنسانية هذا السجين وتمكينه من حقه في االنتفاع بها فسيتولد عن‬
‫ذلك أثار جد إيجابية على مستوى تحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة‬
‫السجنية‪.‬‬
‫نجد من ضمن هذه الحقوق اإلنسانية‪ ،‬حق السجين في الحياة‬
‫النقابية‪ ،‬وهو حق مسكوت عنه في مختلف األنظمة العقابية‪،‬‬
‫وال نجد له على حد علمنا أي تكريس أو تطبيق في جميع الدول‪،‬‬
‫بالرغم من كون النزيل يتمتع كإنسان بهذا الحق وبالرغم كذلك من‬
‫الدور التأهيلي واآلثار الجد إيجابية لضمان تمتع السجين بالحياة‬
‫النقابية‪.‬‬
‫تعتبر حرية تأسيس النقابات واالنتماء النقابي من الحقوق‬
‫اإلنسانية األساسية التي نصت عليها القوانين الدولية وأكدتها‬
‫التشريعات الوطنية‪ ،‬وقد جاء هذا الحق بعد النضال الدامي الذي‬
‫خاضته الطبقة الشغيلة خاصة في أوروبا منذ فترة غير يسيرة‪.‬‬
‫وقد تم انشاء أول النقابات ببريطانيا بين أواخر القرن الثامن‬
‫عشر وأوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬عندما كانت الرأسمالية‬
‫‪14‬‬
‫الصاعدة‪ ‬تشق طريقها بصرامة وال تعرف الرحمة‪ ،‬وتحقق أرباحها‬
‫الطائلة باعتصار العامل وفرض شريعة القهر‪ ،‬وقد كان أول اعتراف‬
‫رسمي بالنقابات في فرنسا سنة ‪ 1848‬ثم توالى االعتراف بها بعد ذلك‬
‫في أوربا وغيرها من بلدان العالم‪.‬‬
‫ولم يعترف بالحق النقابي كحق إنساني إالابتداءمن النصف‬
‫الثاني من القرن العشرين‪ ،‬بعد معارك اجتماعية وسياسية‬
‫وقانونية طويلة امتدت على مدار أجيال عديدة تضافرت فيها جهود‬
‫الحركات االجتماعية والنقابية والسياسية طوال القرنين الثامن‬
‫والتاسع عشر‪ ،‬ليتم اإلقرار بالحق النقابي كأهم حق اجتماعي‬
‫وقانوني تحققه املجتمعات الحديثة‪.‬‬
‫تقر اليوم املواثيق الدولية وأغلب دساتير الدول بالحق النقابي‪،‬‬
‫إضافة لكونه يشكل موضوع دراسات قانونية من قبل الجامعيين‬
‫واملهتمين بالتشريعات االجتماعية‪ ،‬إذ يكتسب هذا الحق أهميته‬
‫من كونه يشكل معيارا موضوعيا لقياس مدى ممارسة الديمقراطية‬
‫وااللتزام بمبادئها‪ ،‬وذلك لالرتباط العضوي بين الحق النقابي‬
‫والحريات العامة واألساسية لإلنسان‪.‬‬
‫يمكن تعريف النقابة على أنها تلك املنظمة التي تتكون بطريقة‬
‫حرة من جماعةمن العمال لتمارس نشاطها الهادف للدفاع عن‬
‫مصالح أعضائها وتحسين ظروفهم املادية واملعنوية والتعبير عن‬
‫مطالبهم‪.‬‬
‫كما يمكن تعريفها على أنها جمعية تهدف الدفاع عن مصالح‬
‫أعضائها وتمثيل مهنتهم‪ ،‬كأن تقوم مجموعة من األفراد الذين‬
‫يمارسون مهنة معينة باالتفاق في مابينهم على بذل نشاطهم وجزء‬

‫‪15‬‬
‫من مواردهم على وجه دائم ومنظم‪ ،‬لتمثيل مهنتهم والدفاع عنها‬
‫وحماية مصالحهم وتحسين ظروفهم‪.‬‬
‫كذلك يمكن تعريفها بأنها اتحاد لتنظيم العالقات بين العمال‬
‫وأصحاب العمل وبين العمال فيها بينهم‪ ،‬وذلك لتنظيم مقتضاها‬
‫تسييرعملما‪.‬‬
‫يقوم العمل النقابي على العديد من األسس األولية‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬املجانية‪ ،‬ذلك أن العمل النقابي عمل تطوعي يتأسس على‬
‫االقتناع والذاتية اإليجابية‪ ،‬االقتناع بأهمية وجدوى املمارسة‬
‫النقابية في املحافظة على حقوق األعضاء واملنظورين وتحسين‬
‫ظروفهم‪ ،‬والذاتية اإليجابية بمعنى االستعداد للمثابرة والنضال‬
‫والتضحية في سبيل تحقيق األهداف املنشودة‪.‬‬
‫‪ -‬الديمقراطية‪ ،‬والتي تعني أن لألفراد حق االختيار الحر مبدئيا‬
‫للمجموعة التي تقود العمل النقابي مع التزام الجميع بالقرارات‬
‫الصادرة عن هذه املجموعة التي تشكل إدارة النقابة‪ ،‬مع التأكيد‬
‫أن القرارات واملواقف الصادرة عن اإلدارة يجب أن تتخذ وفقا‬
‫آلليات ديمقراطية يشارك فيها جميع املنتمين للنقابة مما يكرس‬
‫القيادة الجماعية التي تقوم على اتخاذ القرارات بعد الحوار‬
‫والنقاش وباالعتماد على رأي األغلبية مع احترام األقلية الرافضة‬
‫لتلك القرارات والعمل بها والدفاع عنها‪.‬‬
‫‪ -‬املسؤولية الفردية‪ ،‬والتي تعني خضوع النشاط النقابي‬
‫للمراقبة واملحاسبة حيث أن كل مسؤول نقابي يخضع للمراقبة‬
‫واملحاسبة من القيادات واألجهزة النقابية وكذلك من القواعد‬
‫وذلك بقصد تحميله نتائج ما يقوم به من مهام نقابية‪ ،‬فمن حق‬

‫‪16‬‬
‫كل منتمي للنقابة أن يقوم بتوجيه انتقاداته للجهة املسئولة على أن‬
‫تكون موضوعية وبناءة‪.‬‬
‫‪ -‬االستقاللية النقابية‪ ،‬والتي تعني مبدئيا استقاللية النقابة‬
‫عن السلطة‪ ،‬حيث أن النقابة التابعة للسلطة ال يمكنها الدفاع‬
‫عن منظوريها وتحقيق أهدافها باعتبارها ستكون أساسا في خدمة‬
‫الحكام‪ .‬أيضا يجب أن تكون النقابة مستقلة عن األحزاب السياسية‬
‫وأن ال تتدخل في الشأن السيا�سي للدولة‪ .‬وال نن�سى في هذا املستوى‬
‫التذكير بأمر بديهي وهو استقالل النقابة العمالية عن صاحب‬
‫العمل‪ ،‬إذ ال يعقل أن تخدم نقابة تابعة لصاحب العمل مصالح‬
‫العمال‪.‬‬
‫تهدف النقابة لتحقيق مصالح منظوريها‪ ،‬وهذه املصالح‬
‫ليست مقتصرة على ظروف العمل فقط أو على األمور املحيطة‬
‫بذلك العمل‪ ،‬بل قد تطور مجال التدخل النقابي ليشمل كل ما‬
‫يحيط بحياة العامل‪ .‬كذلك اليوم لم تعد النقابات مقتصرة على‬
‫العامل الذي يشتغل وفقا لعقد عمل يربطه بمشغل من القطاع‬
‫الخاص أو العام‪ ،‬بل توسع محل تكوين النقابات لتتجاوز‬
‫حتى صفة العامل فنجد نقابات للعاطلين عن العمل ونقابات‬
‫للمتقاعدين عن العمل ونقابات للمالكين في ملكية الطبقات‬
‫وغير ذلك من األمثلة‪.‬‬
‫يعتبر العامل كل شخص يقوم بعمل مقابل أجر مهما كان‬
‫نوعه ماديا أو معنويا‪ ،‬ونزيل املؤسسة العقابية باعتباره يقوم‬
‫بعمل ويتلقى مقابال على ذلك هو مبدئيا عامل‪.‬‬
‫ذهب روبرت هوك�سي في نظريته حول تكوين النقابات إلى أن‬
‫النقابة تنشأ نتيجة للظروف االجتماعية للعمال‪ ،‬فالعمال الذين‬
‫‪17‬‬
‫يواجهون ظروفا اجتماعية واقتصادية متشابهة‪ ،‬وال يختلفون‬
‫اختالفا بينا في امليول واملهارات يسعون إليجاد حل موحد ملشاكل‬
‫الحياة اليومية‪.‬‬
‫إذا طبقنا هذه النظرية على نزالء السجون‪ ،‬لوجدنا أنهم‬
‫يعيشون تحت ظروف اجتماعية واقتصادية متشابهة‪ ،‬إضافة‬
‫لكونهم مبدئيا مجبرين على عمل ال يختارونه وأحيانا يرغمون‬
‫عليه‪ ،‬ويعملون تحت إشراف وتوجيه سلطة غليظة وقاسية‪،‬‬
‫مما يجعلهم غير مرتبطين بالعمل الذي يمثل بالنسبة لهم عدوا‬
‫أو ضربا من ضروب التشغيل القسري‪.‬‬
‫إن الوضع الخاص للنزيل عامة واملؤسسة السجنية خاصة‪،‬‬
‫جعل هذا النزيل اإلنسان‪ ،‬وإن تمتع بالعديد من الحقوق‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فإن العديد من حقوقه األخرى كإنسان مازال محروما‬
‫منها‪ ،‬ومنها حقه في الحياة النقابية‪ .‬هذا الحق الذي أعتبره أساسيا‬
‫لتحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية‪.‬‬
‫إن هذا الوضع وهذا الحق‪ ،‬وفي إطار تساؤلنا عن أحقية‬
‫النزيل في العمل النقابي كحق من حقوق اإلنسان‪ ،‬وكدعامة‬
‫لنجاح املؤسسة العقابية في تحقيق أغراضها اإلصالحية‪ ،‬دفعنا‬
‫للتساؤل هل أن اإلقرار بالحياة النقابية للسجين من شأنه‬
‫تحقيق الهدف األسا�سي للعقوبة السجنية املتمثل في تأهيل‬
‫السجين إلعادة ادماجه في املجتمع؟‬
‫سوف يكون تحليلنا وإجابتنا عن هذا التساؤل من خالل‬
‫تقسيم هذا الكتاب إلى جزئين‪ :‬جزء أول سنبرز فيه كيف‬
‫تكون املمارسة النقابية للنزيل اإلنسان ركيزة أساسية لتحقيق‬
‫الغرض األسا�سي للعقوبة السجنية‪ ،‬وهو التأهيل من أجل إعادة‬
‫‪18‬‬
‫اإلدماج في املجتمع‪ ،‬وجزء ثاني سنلقي فيه الضوء على اعتماد‬
‫تلك املمارسة‪.‬‬
‫الجزء األول‪ :‬املمارسة النقابية للنزيل كركيزة لتحقيق التأهيل‬
‫وإعادة اإلدماج‬
‫إذا كان مفهوم السجن قد اقترن قديما باإليالم والتعذيب‪،‬‬
‫فإن هذا املنظور التقليدي قد تغير شأنه شأن السياسة الجنائية‬
‫ومفهوم العقاب وغاياته‪ ،‬فاتجهت املؤسسات العقابية نحو األنسنة‬
‫وإضفاء روح العدل وتأهيل نزالءها‪.‬‬
‫إن الحديث عن املؤسسة السجنية كإطار للتأهيل وإعادة‬
‫إدماج نزالءها من جديد في املجتمع كعناصر سليمة منزوعة النزعة‬
‫اإلجرامية متصالحين مع ذواتهم ومع محيطهم‪ ،‬يصب في مقاربة‬
‫تتمحور حول ركائز ثالث‪:‬‬
‫‪ -‬أولها تحقيق الجدوى التأهيلية لشغل النزيل بأن يكون عمال‬
‫دافعا وداعما لتأهيل النزيل ال عمل غايته اإلذالل أو العقاب‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيها تحقيق ظروف إقامة إنسانية للنزيل داخل السجن‪،‬‬
‫استجابة لكونه أوال إنسان‪ ،‬وثانيا لكون ال مجال للحديث عن‬
‫عالج وتأهيل إلنسان مقيم في ظروف قد تساهم في تعكير صحته‬
‫النفسية أو العقلية أو الجسدية‪ ،‬مما يقف حاجزا أمام وصول‬
‫العقوبة السجنية لغرضها التأهيلي‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثها تنظيم العالقة بين النزيل واإلدارة العقابية‪ ،‬هذه العالقة‬
‫التي يجب أن تقوم على االحترام والتفهم والسالسة‪ ،‬وأن تبتعد أكثر‬
‫ما يمكن عن القوة والسطوة والعنف‪ .‬فهذه العالقة كلما اتجهت‬
‫أكثر نحو الدفة األولى‪ ،‬سهلت عمل اإلدارة العقابية وسهلت‬

‫‪19‬‬
‫استيعاب النزيل لبرنامج التأهيل الخاص به‪ ،‬لكن كلما اتجهت نحو‬
‫الدفة الثانية‪ ،‬إال وعرقلت عمل اإلدارة العقابية وكان لها أثر نف�سي‬
‫سيئ على جميع األطراف‪ ،‬أي على النزالء كما على موظفي اإلدارة‬
‫السجنية‪.‬‬
‫يعتبر العمل النقابي فعاال وذو أهمية في تحقيق هذه الركائز‬
‫الثالث‪ ،‬وبالتالي تحقيق تأهيل وإعادة إدماج النزيل‪ ،‬وسنتولى إبراز‬
‫ذلك من خالل تقسيم هذا الجزء إلى ثالث فصول‪ ،‬أين نخصص‬
‫كل فصل لركيزة من الركائز‪ ،‬فيكون التقسيم كما يلي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬دور العمل النقابي في تحقيق الغاية التأهيلية‬
‫لعمل نزالء املؤسسات السجنية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬دور العمل النقابي في تحقيق ظروف إقامة‬
‫إنسانية للنزيل‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دور العمل النقابي في تنظيم عالقة النزيل‬
‫باإلدارة العقابية‬

‫‪20‬‬
‫الفصل األول‪ :‬دور العمل النقابي في تحقيق الغاية التأهيلية‬
‫لعمل نزالء املؤسسات السجنية‬
‫يعتبر العمل أحد املكونات األساسية للحياة السجنية‪ ،‬فلم‬
‫تخلو املؤسسة السجنية منذ نشأتها وإلى عصرنا الحالي من تشغيل‬
‫النزالء‪ ،‬وأجزم بعدم خلوها من ذلك مستقبال‪ ،‬فال يتصور وال يمكن‬
‫تواجد مؤسسة سجنية دون تشغيل أو توفير العمل لنزالءها‪.‬‬
‫يرتبط تشغيل نزالء السجون بالغاية العقابية لهذه املؤسسات‪،‬‬
‫لذلك فقد شهدت الغاية من هذا التشغيل تطورا وفقا لتطور‬
‫الغاية من العقوبة السجنية‪ ،‬وبما أن الغاية الحديثة من العقوبة‬
‫السجنية تتمثل في تأهيل النزيل فإن الغاية األساسية من العمل في‬
‫السجن تتمثل أيضا في التأهيل‪ ،‬ويتطلب هذا التأهيل تنظيما جيدا‬
‫لعمل النزالء‪ ،‬ولعل أفضل وسيلة لتحقيق ذلك تتمثل في التنظيم‬
‫النقابي لهذا العمل‪.‬‬
‫حتى نتمكن من توضيح وتحليل وإبراز دور العمل النقابي في‬
‫تحقيق الغاية التأهيلية لعمل نزالء السجون‪ ،‬سنتولى تقسيم هذا‬
‫الفصل إلى مبحثين‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تطور الغاية العقابية لعمل نزالء السجون‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم النقابي لعمل نزالء السجون‬
‫املبحث األول‪ :‬تطور الغاية العقابية لعمل نزالء السجون‬
‫شهدت العقوبة السجنية عبر العصور تطورا على مستوى‬
‫الوظيفة والغاية‪ ،‬فمرت من مكان مظلم تنفى إليه فئة جانحة من‬
‫املجتمع ويعزل فيه خارقي القوانين بغاية التنكيل بهم ومحقهم ونزع‬
‫إنسانيتهم انتقاما منهم على ما أقدموا عليه من إضرار باملجتمع‬
‫‪21‬‬
‫وخرق لقواعده وقوانينه ونظمه‪ ،‬إلى مكان مؤسساتي قوامه حقوق‬
‫اإلنسان يودع به مؤقتا املذنبون بغاية إصالح نفوسهم وتهذيب‬
‫سلوكهم وعالجهم تأهيال لهم ونزعا لخطورتهم اإلجرامية من‬
‫أجل العودة للمجتمع كبشر سليمين متماهين مع األخالق العامة‬
‫والقوانين والنظم التي يقوم عليها املجتمع‪.‬‬
‫انعكس تطور العقوبة السجنية من حيث الوظيفة والغاية‬
‫على العمل السجني بمعنى تشغيل املساجين‪ ،‬فتطورت النظرة إلى‬
‫العمل املنجز من قبل النزالء أثناء قضاء محكوميتهم‪ ،‬مما انعكس‬
‫على محتوى هذا العمل وأساليب وظروف إنجازه وسنده وتنظيمه‬
‫القانوني‪ ،‬وذلك من خالل تطور الغاية العقابية لهذا العمل‪.‬‬
‫حتى نتمكن من كشف تطور الغاية العقابية لعمل نزالء‬
‫السجون‪ ،‬سنتولى تقسيم هذا املبحث إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التطور التاريخي لعمل نزالء السجون‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الغاية التأهيلية لعمل نزالء السجون‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التكريس القانوني لحق النزيل في العمل‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التطور التاريخي لعمل نزالء السجون‬
‫تدرجت العقوبة من القسوة والتنكيل والقتل بغاية الثأر‬
‫والتكفير في العصور القديمة‪ ،‬إلى االعتدال واألنسنة بغاية تأهيل‬
‫وإعادة إدماج مرتكب الجرم في املجتمع وتفادي عوده في العصور‬
‫الحديثة‪ .‬لقد شهدت العقوبة تحوال جذريا نحو األنسنة‪ ،‬ونحو‬
‫اعتبار املجرم ورغم كل �شيء إنسان‪ ،‬وبذلك أصبحت العقوبة‬
‫السجنية الهادفة واملتماشية مع فداحة الجرم األساس واملبدأ في‬
‫العقوبات الجزائية‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫أثرت مساعي أنسنة العقوبة السجنية على وضعية النزالء داخل‬
‫املؤسسة العقابية‪ ،‬وهذا يعتبر أمرا منطقيا‪ ،‬حيث ال يمكن الحديث‬
‫عن تطور للعقوبة السجنية من حيث الغاية أو عن أنسنة هذه‬
‫العقوبة إال من خالل الحديث عن هذا التطور وعن هذه األنسنة‬
‫على مستوى وضعية النزالء داخل املؤسسة السجنية‪ ،‬وكيفية‬
‫قضاءهم ملحكوميتهم والظروف املادية واملعنوية املحيطة بذلك‪.‬‬
‫يتنزل في هذا اإلطار عمل النزالء باعتباره مكونا أساسيا من‬
‫مكونات الحياة السجنية‪ ،‬فلم يخلو منه السجن ال قديما وال حديثا‪،‬‬
‫وقد تأثر هذا العمل وتطور تاريخيا تحت تأثير أنوار األنسنة التي‬
‫اقتحمت ظلمات السجون‪ ،‬فمر عمل نزالء املؤسسات السجنية‬
‫من كونه عقابا إلى اعتباره تأهيال إلنسان أجرم ووجب إصالحه‪.‬‬
‫أ‪ -‬العمل عقاب‬
‫كان عمل نزالء السجون في النظم العقابية القديمة يهدف‬
‫تعذيب املحكوم عليهم‪ ،‬فكان يكت�سي صبغة الزامية‪ ،‬فال يستطيع‬
‫السجين أن يرفض العمل املفروض عليه‪ ،‬وكان يعمل قسرا وغصبا‪،‬‬
‫وكان يجر في قدميه كرة حديدية أو يقيد في سلسلة مع سجين آخر‬
‫إذا كانت نوعية العمل املمارس تسمح بذلك‪.‬‬
‫لقد كان العمل يخضع لشروط مجحفة غايتها إيالم املسجون‬
‫وتعذيبه وإلحاق املهانة به‪ ،‬حيث لم تكن تراعى فيه الوضعية‬
‫الصحية لهذا اإلنسان من حيث اختيار العمل األكثر مالئمة له‪،‬‬
‫كما أن قيمة العمل وفائدته لم تعرها النظم العقابية القديمة أي‬
‫اهتمام‪ ،‬فالتركيز الوحيد يقع على حجم األلم والتعذيب اللذان‬

‫‪23‬‬
‫يحسهما السجين إثر القيام بأحد األعمال التي كانت ماسة بالكرامة‬
‫اإلنسانية سواء من حيث موضوعها أو من حيث طريقة إنجازها‪.‬‬
‫عموما كان العمل في ظل األنظمة العقابية القديمة أداة لتنويع‬
‫العقوبات السالبة للحرية والتمييز فيما بينها حسب درجة اإليالم‬
‫التي تلحقه باملذنب‪ ،‬وفي هذا اإلطار نشأت عقوبة األشغال الشاقة‬
‫التي تميزت بمشقة العمل واإللزام به باستعمال القوة إن لزم‬
‫األمر‪ ،‬فكان املساجين يرغمون على إتمام العمل من خالل تعرضهم‬
‫للضرب والجلد بسياط الحراس املكلفين بتسيير ومراقبة إنجاز‬
‫العمل‪.‬‬
‫أدى اعتماد العمل كوسيلة للزيادة في حجم األلم الذي تلحقه‬
‫العقوبة السجنية باملذنب‪ ،‬إلى اعتبار هذا العمل في حد ذاته‬
‫عقوبة إضافية‪ ،‬إذ أن املحكوم عليهم يعاملون أسوء معاملة‪ ،‬وكانوا‬
‫يغادرون املؤسسة العقابية في أسوء حال‪ ،‬مما أدى إلى كره السجين‬
‫للعمل واشمئزازه منه ألنه استقر في ذهنه بأن العمل مهانة‪ ،‬فال‬
‫يجد في نفسه بعد خروجه من السجن رغبة في العمل‪ ،‬فالشغل‬
‫بالنسبة له عبارة عن عقوبة قاسية ال تكريما وتشريفا لإلنسان‪،‬‬
‫ونتيجة لذلك ال يجد أمامه لكسب عيشه إال طريق اإلجرام فيعود‬
‫إلى الجريمة واالستمرار في االنحراف‪.‬‬
‫لم يكن الهدف من تكليف نزالء املؤسسات السجنية ببعض‬
‫األعمال الشاقة سوى إنزال اإليالم بهم كجزء من تنفيذ العقوبة‬
‫املقررة لحجز الحرية‪ ،‬وكان الطابع العقابي للعمل هو األساس‬
‫دون اعتبار لطابعه اإلنساني أو اإلنتاجي أو التأهيلي‪ ،‬لذلك فقد‬
‫اتسم بالقسوة والتعذيب واإلذالل‪ ،‬وكأنه يشكل عقوبة إضافية إلى‬
‫جانب العقوبة األصلية‪ .‬هذه الصورة القاتمة التي ترجع بجذورها‬
‫‪24‬‬
‫إلى املجتمعات القديمة‪ ،‬استمرت بصور متفاوتة حتى أواخر‬
‫القرن املا�ضي‪ ،‬وبدأت بعد ذلك تتجه نحو أغراض إصالحية تقوم‬
‫في جوهرها على فكرة تأهيل السجناء وإعدادهم لحياة شريفة ال‬
‫يشوبها العوز واالضطراب وعدم االستقرار‪.‬‬
‫ب‪ -‬العمل تأهيل‬
‫لم يعد تشغيل نزالء املؤسسات السجنية في ظل السياسة‬
‫الجنائية الحديثة عقوبة مضافة إلى العقوبة األصلية هدفها الوحيد‬
‫تعذيب املحكوم عليهم وإلحاق املهانة بهم‪ ،‬فالتعذيب واإليالم لم‬
‫يعودا غاية العقوبة وال غاية السياسة العقابية الحديثة‪.‬‬
‫وال يعني هذا أن العمل في السجون قد تجرد في ظل السياسة‬
‫الجنائية الحديثة من صبغته اإللزامية‪ ،‬فجل القوانين العقابية‬
‫تنص صراحة على إلزامية العمل داخل املؤسسات السجنية‪،‬‬
‫إال أن األغراض الحديثة للمعاملة العقابية التي تتجرد تماما من‬
‫طابع العقوبة وقصد اإليالم هي التي تحكم هذه اإللزامية‪ ،‬فإلزامية‬
‫عمل املسجونين تهدف إلى تأهيلهم وتهذيبهم وتقويم سلوكهم ال إلى‬
‫تسليط عقاب إضافي عليهم‪.‬‬
‫لقد تمت املحافظة على الصفة اإللزامية لعمل نزالء السجون‬
‫إال أن أسس مشروعيتها هي التي اختلفت‪ ،‬فاإللزامية قديما تقود‬
‫إلى إصباغ صفة العقوبة على العمل وتكييفه بأنه إلزام ذو طبيعة‬
‫عقابية فحسب‪ ،‬أما اإللزامية الحديثة فتمثل الوسيلة األصلية‬
‫لتحقيق األغراض التي أصبحت تسعى إليها العقوبة وهي أغراض‬
‫مشروعة في ذاتها تتحوصل جميعها في عنصر التهذيب والتأهيل‪،‬‬

‫‪25‬‬
‫فشرعية اإللزام بالعمل مستمدة إذا من شرعية األغراض التي‬
‫تستهدفها‪.‬‬
‫يعتبر التزام نزالء السجون بالقيام بالعمل من االلتزامات‬
‫القانونية‪ ،‬أي مصدرها القانون مباشرة‪ ،‬وبالتالي ال يحق لهم االمتناع‬
‫عن أدائه ومخالفة إجراءاته‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار قدراتهم‬
‫البدنية والعقلية‪ ،‬وتنويع األعمال بما يتالءم مع تلك القدرات‪،‬‬
‫فيجري تصنيف العمال وفقا لكفاءاتهم‪ ،‬وهذا املبدأ يتيح مجال‬
‫الجد والتنافس على أداء العمل املنتج‪ ،‬وتحمل املسؤولية في مجال‬
‫النشاط املنهي الذي ال بد من أن ينعكس على مختلف النشاطات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫ويعمل النزالء في أماكن تعد خصيصا لهم داخل بناء السجن‬
‫أو خارجه‪ ،‬على أن تجهز باآلالت واألدوات الالزمة لتنفيذ وتعلم‬
‫املهن املختلفة‪ ،‬وكلما تنوعت أصناف العمل كلما كان دورها فعاال‬
‫ومنتجا‪ ،‬مع اإلشارة إلى اعتماد بعض األنظمة العقابية إرسال‬
‫السجناء إلى بعض املصانع املتخصصة إذا دعت الضرورة لذلك‪.‬‬
‫يقت�ضي التأهيل إمداد املحكوم عليه بالوسائل التي تتيح له‬
‫سلوك السبيل املطابق للقانون‪ ،‬وفي مقدمة هذه الوسائل نجد‬
‫العمل الذي يخول له الحصول على مورد رزق إثر خروجه من‬
‫السجن‪ ،‬لذلك أصبحت الغاية التأهيلية للعمل هي األساس‪ ،‬وأصبح‬
‫العمل مرتكزا على الطابع اإلنساني واإلنتاجي والتأهيلي إلنجاح‬
‫عودة النزيل للمجتمع بعد تنفيذ العقوبة كعنصر صالح متماهي‬
‫مع ذاته ومع محيطه‪ ،‬إذ يتعين أن تحقق العقوبة السجنية هدفها‬
‫اإلصالحي حتى يخرج املحكوم عليه إلى املجتمع وقد تخلص تماما‬
‫من الخطورة اإلجرامية التي دفعته إلى اإلجرام‪ ،‬واستعد استعدادا‬
‫‪26‬‬
‫طيبا لالندماج في املجتمع من جديد‪ ،‬عضوا مسئوال صالحا يستنكر‬
‫كل أنواع االنحراف اإلجرامي‪.‬‬
‫يحقق العمل فوائد شتى لنزيل املؤسسة السجنية‪ ،‬منها التعود‬
‫على النظام وااللتزام‪ ،‬والقضاء على السأم أو الشعور بالتفاهة‬
‫الذي قد ينتج من الفراغ‪ ،‬وشغل تفكيره بأمور مفيدة له بما ال يتيح‬
‫له الفرصة للتفكير في اإلجرام أو الشغب‪ ،‬وفوق كل ذلك تأهيل هذا‬
‫اإلنسان للكسب من املهنة التي يتعلمها ويتقنها في السجن‪ ،‬فضال‬
‫على ما يكتسبه هذا النزيل من العمل من قيم وعادات جديدة‪،‬‬
‫كاالعتماد على النفس والثقة بها والتعاون مع الغير‪ ،‬واكتساب‬
‫اتجاهات إيجابية جديدة نحو العمل والزمالء والرؤساء وتكوين‬
‫عالقات سليمة معهم‪.‬‬
‫بذلك تظهر أهداف العمل في املؤسسات العقابية بصور‬
‫متعددة‪ ،‬فهو يحقق للنزالء فرصة قضاء أوقات فراغهم في أعمال‬
‫مثمرة‪ ،‬وينمي لديهم إمكانية تعلم حرفة يسترزقون منها‪ ،‬ويخلق‬
‫في نفوسهم روح التعاون والثقة واالعتياد على السلوك الحسن‬
‫من خالل أساليب اإلصالح التي تقترن به ويجب أن ال تنفصل عنه‬
‫في كافة املراحل التي ينفذ خاللها‪ ،‬إلى جانب االعتبار املادي الذي‬
‫يحقق دخال فرديا لهم من ناحية ويخفف العبء املالي على عاتق‬
‫إدارة السجن من ناحية أخرى‪.‬‬
‫ويعتبر األجر ضروري في نطاق التأهيل‪ ،‬ألنه يحقق مزايا عديدة‬
‫أهمها التوازن االقتصادي للنزيل مما يكسبه الثقة بالنفس ويحفزه‬
‫على مواصلة جهوده ونشاطه حتى بعد اإلفراج عنه‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخرى يعينه أثناء تنفيذ العقوبة على تحمل أعباء معيشته أو‬
‫معيشة أسرته سواء أكان داخل السجن أو بعد إخالء سبيله‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫لقد وقع اإلقرار في جميع األنظمة العقابية‪ ،‬بأن عمل نزالء‬
‫املؤسسات السجنية أصبح يشكل وبامتياز وسيلة إصالحية‬
‫وتهذيبية تعتمدها اإلدارة العقابية بغاية تحقيق تأهيل منظوريها‬
‫مسلوبي الحرية‪ ،‬بذلك يكون للعمل غاية تأهيلية واجبة اإلبراز‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الغاية التأهيلية لعمل نزالء السجون‬
‫أكدت القاعدة ‪ 91‬من القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة‬
‫السجناء على أنه “يجب أن يكون الغرض من معاملة املحكوم عليهم‬
‫بالسجن أو بتدبير مماثل يحرمهم من الحرية‪ ،‬وبقدر ما تسمح‬
‫بذلك مدة العقوبة‪ ،‬إكسابهم الرغبة في العيش بعد إطالق سراحهم‬
‫في ظل القانون معتمدين على أنفسهم‪ ،‬وتأهيلهم لتحقيق هذه‬
‫الرغبة‪ ،‬ويجب أن تهدف هذه املعاملة إلى تشجيع احترامهم لذواتهم‬
‫وتنمية روح املسؤولية لديهم»‪.‬‬
‫إذا تتمثل الغاية األولية للعقوبة في تأهيل النزيل‪ ،‬وهو ما دفع‬
‫باالتجاهات العقابية الحديثة لوضع هذا النزيل اإلنسان في صدارة‬
‫الواقعة الجنائية‪ ،‬إذ لم تعد تستسيغ النظر إليه في مرحلة التنفيذ‬
‫كرقم ال هوية له تتصرف فيه إدارة السجن كأي �شيء يوضع تحت‬
‫سلطتها‪ ،‬بل يجب معاملته كإنسان له حقوقه وواجباته ويتعين‬
‫العمل على إصالحه وتأهيله‪.‬‬
‫وتحقيقا لهذه املقاصد‪ ،‬يجب أن يتم استخدام جميع الوسائل‬
‫املناسبة‪ ،‬ويعتبر العمل ذو دور محوري وأسا�سي في هذا اإلطار‪،‬‬
‫فلقد أصبحت من مستلزمات رسالة السجن توفير العمل للنزالء‪،‬‬
‫دون أن يكون الهدف من ذلك زيادة عنصر األلم في العقوبة‪ ،‬ألن‬
‫ذلك يتناقض مع روح النصوص القانونية ومع طبيعة املعاملة‬
‫التأهيلية‪ ،‬فالعمل يشكل لنزالء املؤسسة السجنية وسيلة لدفع‬
‫امللل والكسب املادي‪ ،‬وقد يشكل الحرمان منه في مثل هذا املفهوم‬
‫جزاء تأديبيا يعرضهم ملزيد من اإلرهاق واليأس‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫يعتبر العمل عامال مؤثرا في حياة النزيل‪ ،‬خاصة في إطار سياسة‬
‫عقابية تقوم على العالج واإلصالح إلعادة اإلدماج بغاية التوصل إلى‬
‫الحد من ظاهرة العود وتحقيق انطالقة جديدة للنزيل عند عودته‬
‫لبيئته الطبيعية وموقعه األسا�سي كفرد من املجتمع‪ ،‬فالعمل يشكل‬
‫بالنسبة لنزالء املؤسسة السجنية دعامة هامة لتوازنهم الصحي‬
‫وكذلك دعامة أساسية إلعادة إدماجهم في املجتمع‪.‬‬
‫أ‪ -‬العمل دعامة للتوازن الصحي للنزيل‬
‫تعتبر صحة اإلنسان البدنية والعقلية ركيزة أساسية لعملية‬
‫التأهيل‪ ،‬ويعتبر الحفاظ على سالمة النزالء من األضرار واألخطار‬
‫من معالم العناية والوقاية الصحية التي توفرها املؤسسات‬
‫السجنية‪ ،‬حيث يتعين أن تحقق عقوبة الحبس هدفها اإلصالحي‪،‬‬
‫حتى يخرج املحكوم عليه إلى املجتمع وقد تخلص تماما من الخطورة‬
‫اإلجرامية التي دفعته إلى اإلجرام‪ ،‬ويكون قد استعد استعدادا طيبا‬
‫لالندماج في املجتمع من جديد عضوا مسئوال صالحا يستنكر كل‬
‫أنواع االنحراف اإلجرامي‪.‬‬
‫تتفق النظم العقابية الحديثة على أنه من أوكد الحقوق التي‬
‫ترتكز عليها السياسة الحديثة ملعاملة النزالء هي الحق في الرعاية‬
‫الصحية والنفسية للنزيل من خالل الحفاظ على توازنه الصحي‪،‬‬
‫حيث ال يمكن تسطير برنامج تأهيلي للنزيل في غياب إقرار حقه في‬
‫هذا التوازن‪،‬مع التأكيد على أن معاملة النزيل معاملة إنسانية ينتج‬
‫عنها ضرورة حماية سالمته الجسدية واملعنوية‪.‬‬
‫أقر اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان صلب مادته الخامسة‬
‫والعشرون الحق لكل شخص في «املحافظة على الصحة»‪ ،‬باإلضافة‬
‫‪30‬‬
‫إلى ذلك‪ ،‬ينص العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية في مادته الثانية عشر على أن كل إنسان (بما في ذلك‬
‫النزيل) له حق في «أعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية‬
‫يمكن بلوغه»‪ ،‬وتنظم القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء‬
‫توفير الرعاية الصحية لهم‪ ،‬إلى جانب جميع الصكوك األخرى التي‬
‫تنظم حقوق ولوائح معاملة النزالء‪.‬‬
‫يعتبر السجن بطبعه ماسا بالتوازن الصحي لإلنسان‪ ،‬حيث‬
‫يولد سلب حرية النزيل آثارا نفسية هامة‪ ،‬إذ تتلخص معاناته في‬
‫الشعور بالغربة‪ ،‬حيث تتراءى أمامه الفوارق بين الحياة داخل‬
‫السجن وخارجه‪ ،‬كما أنه يشعر بالخوف من ردة فعل املجتمع ومدى‬
‫إمكانية االندماج فيه من جديد‪ ،‬كما أنه كلما كان سلب الحرية ملدة‬
‫طويلة إال وكانت مولدة ملشاكل اجتماعية‪ ،‬إذ ينتابه صراع داخلي‬
‫مما يسبب له تأثرا نفسيا يظهر عبر سلوك اجتماعي متعدد األوجه‬
‫كالعزلة‪ ،‬إضافة إلى االضطرابات النفسية مثل االنفعال والقلق‬
‫واألرق واالنفعاالت الهستيرية واالتجاهات السايكوباتية املضادة‬
‫للمجتمع‪.‬‬
‫تعتبر املؤسسة العقابية مكانا حيث تكثر عوامل الصد‬
‫والخذالن التي تحول دون تحقيق إمكانيات اإلنسان وحاجته إلى‬
‫األمان واالطمئنان واملحبة والتقدير‪ ،‬فيكون بذلك متناقضا تماما‬
‫مع ضرورة الحفاظ على التوازن النف�سي للنزيل‪ ،‬وما يزيد من تعكير‬
‫الوضعية النفسية للنزيل القمع والكبت الذي يعيشه خلف قضبان‬
‫املؤسسة العقابية‪ ،‬فتجربة السجن تجربة مشقة كبيرة بالنسبة‬
‫للفرد الذي يعيش الحرمان ال فقط من حريته ليأتي ويذهب‪ ،‬بل‬
‫كذلك الحرمان من فرصة العيش كإنسان‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫يترتب عن العقوبة السجنية أن يجد النزيل نفسه في وضع‬
‫التخلي التام والقطيعة مع العالقات االجتماعية واملهنية‪ ،‬بعيد عن‬
‫األماكن املألوفة واملحيط العائلي‪ .‬كذلك يجد نفسه في عالقة غريبة‬
‫مع الوقت‪ ،‬إذ أن وقت الفراغ ال طائل منه وفترة االنتظار ال تنتهي‬
‫أبدا‪ .‬وكذلك يجد نفسه في مناخ من الخوف وانعدام األمن‪.‬‬
‫هذه الوضعية التي يجد النزيل نفسه عليها والتي تجعله يعيش‬
‫تجربة مهينة ومذلة وقاتلة‪ ،‬لها انعكاسات جد سلبية على صحته‬
‫النفسية‪ ،‬فهي تجعله هستيريا وقد توصله حتى لالنتحار‪ .‬ويعتبر‬
‫االنتحار داخل املؤسسات السجنية من أهم الظواهر التي تشهدها‬
‫الحياة السجنية‪ ،‬فقد تظهر على النزيل مظاهر اكتئاب دائم وهي‬
‫من أهم األمراض النفسية املؤدية لالنتحار‪ ،‬ومن أعراضه تسلط‬
‫فكرة اإلحساس بالذنب أو أنه قد أخطأ في حق الغير مما يجعله‬
‫يفقد احترامه إلى ذاته كما يفقد كل أمل في الحياة‪.‬أما حاالت‬
‫الهستيريا فتؤدي بالنزيل إما إلى محاولة االنتحار إذا كان مساملا‬
‫وإما إلى االعتداء بالعنف على اآلخرين إذا كان هذا النزيل متسما‬
‫بالشراسة‪.‬‬
‫تشهد وتيرة الحياة داخل املؤسسة العقابية اضطرابا عميقا‪،‬‬
‫فالنزيل يخضع لقواعد موحدة وغير شخصية تحد كثيرا من تصرفه‬
‫في جسده‪ ،‬حيث لم يعد من املمكنله التحرك بحرية وتنظيم وقته‪،‬‬
‫كذلك خصوصيته تكون محدودة إلى حد كبير‪ ،‬فحتى تناول الطعام‬
‫على مذاقه أو وفقا لتقاليده ومعتقداته غالبا ما يكون صعبا‪.‬‬
‫هذا يخلق تدهورا يبدو في بعض األحيان شبيها باملوت الجسدي‬
‫واالجتماعي للفرد‪ ،‬وهو ما يتعارض تماما مع الحفاظ على التوازن‬
‫الصحي للنزيل‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫وال نن�سى الترابط بين الصحة النفسية والصحة الجسدية لدى‬
‫اإلنسان‪ ،‬حيث من الثابت وجود عالقة تأثر متبادر بين نفسية‬
‫الفرد وجسده‪ ،‬فكلما كان أحدهما عليال إال وأصابت العلة اآلخر‪،‬‬
‫إذ أن صحة اإلنسان كل ال يتجزء وال يمكن فصل الجانب الجسدي‬
‫عن الجانب النف�سي‪.‬‬
‫إن ما يعيشه النزيل من أزمات وانتكاسات واضطرابات نفسية‬
‫وما يسببه السجن من آثار نفسية سلبية‪ ،‬ينعكس حتما على‬
‫الصحة الجسدية للنزيل‪ ،‬فينتابه الوهن والشعور الدائم بالتعب‪،‬‬
‫إضافة للعديد من األمراض نذكر منها على سبيل الذكر ال الحصر‬
‫الصداع وآالم البطن وآالم الظهر واإلمساك ‪...‬‬
‫ومما يزيد من تدهور الصحة الجسدية للنزيل قلة النشاط‬
‫ومحدودية الحركة‪ ،‬بذلك تكون الصحة الجسدية لنزيل املؤسسة‬
‫العقابية شأنها شأن صحته النفسية محل عدم استقرار واضطراب‬
‫وتدهور‪ ،‬مما يشكل اختالال لتوازنه الصحي‪.‬‬
‫ليس هناك من شك في أن اختالل التوازن الصحي يسهل أو ييهئ‬
‫للسلوك املنحرف عند األفراد‪ ،‬ذلك أن التوازن الصحي بما يشمله‬
‫من سالمة للبدن وسالمة للعقل وسالمة للنفس يجعل اإلنسان‬
‫يوازن بين األفعال املشروعة واألفعال غير املشروعة ويدرك مخاطر‬
‫هذه األخيرة‪ ،‬فالحالة الصحية لكل إنسان تؤثر على أسلوب حياته‬
‫والطريقة التي يتعامل بها مع املحيطين به وسلوكه‪ .‬أيضا‪ ،‬يؤثر‬
‫اختالل التوازن الصحي على سلوك الناس وقد يسبب تغيرات‬
‫في العالقات مع اآلخرين‪ ،‬هذا هو حال مشاكل الصحة البدنية‬
‫والنفسية التي قد تؤثر على نسبة كبيرة من نزالء السجون بشكل‬
‫خاص في صورة عطالتهم عن العمل‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫يتعارض عدم توفر العمل للنزيل مع توفيق أوضاع السجن‬
‫تماشيا مع االحترام التام لحقوق اإلنسان في إطار تنظيمي يليق‬
‫بالجمهورية الحديثة‪ ،‬إضافة إلى تعارضه مع أنسنة العقوبة‬
‫وغرضها األولي املتمثل في التأهيل والذي يتطلب الحفاظ على‬
‫التوازن الصحي للنزيل‪.‬‬
‫يعتبر تحقيق التوازن الصحي للنزيل أهم خطوة على درب‬
‫التأهيل‪ ،‬إذ يعتبر محاولة لحل املشكالت السلوكية بأسرع ما يمكن‬
‫وأساسا لضبط وتعديل السلوك املر�ضي وتنمية السلوك االرادي‬
‫السوي لدى الفرد‪ ،‬وفي إطار يعتبر العمل وسيلة فعالة للحد من‬
‫األمراض النفسية أو االضطرابات السلوكية املتمثلة في تجميعات‬
‫لعادات سلوكية خاطئة تم تعلمها‪ ،‬إذ أن العمل يشكل في هذا‬
‫املستوى رعاية نفسية للنزيل باعتباره سيساهم في تحقيق النمو‬
‫االنفعالي السليم والتكيف النف�سي الصحيح للنزيل مع نفسه ومع‬
‫املجتمع الذي يعيش فيه من ناحية‪ ،‬ومن ناحية ثانية فإن العمل‬
‫يؤهل النزيل في هذا املجال للتأقلم مع بقية أفراد املجموعة بعد‬
‫تنفيذ العقوبة والخروج من املؤسسة العقابية‪.‬‬
‫ال شك في أن العمل يسهم في الرفاهية النفسية للشخص‪،‬‬
‫وربما يكون مطلوبا أكثر لشخص نزيل أكثر منه لشخص حر ذلك‬
‫أنه يقلل املعاناة املرتبطة بالوحدة في السجن‪ .‬فالنزيل اليخرج عن‬
‫طبيعته البشرية‪ ،‬بل يبقى في أمس الحاجة للعمل‪ ،‬وإنعدم تمكينه‬
‫من ذلك سينعكس سلبا على حالته النفسية‪ ،‬ولعل ذلك من أهم‬
‫األسباب التي تؤدي إلى االنحرافات السلوكية واالضطرابات النفسية‬
‫التي تخلق كثيرا من املشكالت‪ ،‬مما يكلف الدولة جهدا هائال لتوفير‬
‫الكوادر البشرية‪ ،‬واملوارد املادية للسيطرة على مثل هذه املشكالت‪،‬‬
‫‪34‬‬
‫ولعل ذلك يفسر في كثير من األحيان قلة جدوى البرامج التأهيلية‬
‫والتربوية التي تقدم للنزيل داخل املؤسسات العقابية والتي تهدف‬
‫إلى تأهيله ليخرج بعد ذلك إلى املجتمع إنسانا منتجا‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫تمكين النزالء من العمل سيكون عامال فاعال في تحقيق التوازن‬
‫النف�سي ومن ثم تفادي أو على األقل التقليل من تلك املشكالت‪.‬‬
‫عموما هناك ترابط وثيق بين الشغل وشخصية أي إنسان‪،‬‬
‫وهذا الترابط قائم في األفراد الطبيعيين وفي األحوال الطبيعية‪،‬‬
‫وهو كذلك قائم وربما بصورة أكثر وضوحا وشدة في الحاالت غير‬
‫الطبيعية‪ ،‬ويعود هذا الترابط في جميع الحاالت إلى واقع التفاعل‬
‫الوثيق بين خبرات وتفاعالت الشغل وبين العوامل املقررة لنمو‬
‫وتطور الشخصية في أدوارها املختلفة‪.‬‬
‫إن الرابطة وثيقة بين حياتنا العملية وحياتنا النفسية في حاالت‬
‫الصحة وحاالت املرض على حد السواء‪ ،‬وهنالك تأثير متبادل‬
‫للواحدة منهما على األخرى‪ ،‬وهذا ما يعطي الحياة العملية أهمية‬
‫قصوى في الحياة اإلنسانية وإلى الحد الذي ينفي فيه إمكانية‬
‫الوصول إلى نمو نف�سي صحيح بدون حياة عملية جيدة‪.‬‬
‫في عصرنا هذا‪ ،‬هنالك الكثير من اآلراء التي تؤكد على أهمية‬
‫الحياة الشغلية وتأثيرها على الشخصية والسلوك الطبيعي منه‬
‫وغير الطبيعي وعلى الحياة والصحة النفسية‪ ،‬فاضطراب الحياة‬
‫الشغلية وخاصة البطالة لها أن تؤدي في بعض الناس إلى اضطرابات‬
‫نفسية وسلوكية‪ .‬إن الحرمان الطويل من العمل‪ ،‬كثيرا ما تنشأ منه‬
‫اضطرابات عصبية نفسانية‪ ،‬أو أزمات عصبية تتخذ على األخص‬
‫صورة الهواجس والقلق أو صورة االنقباض النف�سي تارة والتوتر‬
‫النف�سي تارة أخرى‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫يشكل الحرمان من العمل في الواقع قنبلة موقوتة‪ ،‬فالشغل‬
‫يلعب دورا رئيسيا في توازن أي فرد ورفاهه‪ ،‬ولغيابه في السجن‬
‫آثار مدمرة‪ ،‬فاإلحباط يمكن أن يكون من الصعب تحمله من قبل‬
‫النزالء مما يؤدي في بعض األحيان إلى الجنون واملوت‪.‬‬
‫يعتبر العمل ضروريا بالنسبة للنزيل لكي يتمكن من شراء‬
‫بعض املواد من مغازة التزويد بالسجن‪ ،‬أو لدفع تكاليف املحامي‪،‬‬
‫أو مقدار الخطية‪ ،‬أو قيمة الجزاء املدني‪ ،‬أو لوضع املال جانبا‬
‫تحضيرا لخروجه إثر انتهاء محكوميته‪ ،‬أو حتى إلرسال بعض املال‬
‫إلى األسرة‪ .‬ولكنه يعتبر للنزيل وسيلة مثلى لتمضية الوقت واالبتعاد‬
‫عن الضجر‪ ،‬إضافة لكونه طريقة مثلى للخروج من زنزانته‪.‬‬
‫تقع املسؤولية على الدولة للحفاظ ولتحقيق التوازن الصحي‬
‫للنزيل‪ ،‬وهذا التوازن غير ممكن إذا لم نوفر للنزيل عمال‪ ،‬خصوصا‬
‫وأن النزيل مقيم في مكان مغلق أين تقل النشاطات املمكنة مما‬
‫يجعل الوقت يمر ببطء شديد فال يجد النزيل كيف يق�ضي يومه‪،‬‬
‫وتتتالى هذه الحالة يوما بعد يوم مما يشكل فعال قمعا لحق النزيل‬
‫اإلنسان في النشاط‪ ،‬فالكائن البشري ال يمكنه أن يبقى هكذا‬
‫جالسا دون القيام بأي نشاط ملدة طويلة‪ ،‬ونحن نعتقد أن الحاجة‬
‫إلى النشاط يمكن بسهولة مقارنتها بالرغبة في الحرية‪ ،‬فإذا كانت‬
‫الرغبة في الحرية تبقى األمل بين النزالء‪ ،‬فالحاجة إلى النشاط‬
‫والحركة تبقيهم على قيد الحياة‪.‬‬
‫إن السجن يشكل بيئة نشطة لألمراض الجسدية وخاصة‬
‫النفسية التي قد تصيب النزيل وتكون حاجزا إسمنتيا أمام تأهيله‬
‫وإعادة إدماجه في املجتمع‪ ،‬لذلك وجب على اإلدارة العقابية العمل‬
‫على وقايته من تلك األمراض حتى تتمكن من دعم حظوظها في‬
‫‪36‬‬
‫تحقيق هدفها ونجاحها في استئصال النزعة اإلجرامية لهذا النزيل‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫ينبغي إعطاء مغزى إيجابي للعقوبة السجنية‪ ،‬وهذه ليست هي‬
‫الحالة عندما يكون الهدف تغييب كائن بشري ووضعه بين قوسين‪،‬‬
‫فالحرمان من الحرية يجب أن يرفق بالتأهيل‪ ،‬فالنزيل يعتبر شخصا‬
‫غير طبيعي بالنسبة للمعايير االجتماعية السائدة ويجب أن يستفيد‬
‫من عناية يكون هدفها تربيته مرة أخرى للعيش في املجتمع‪ ،‬وتتطلب‬
‫هذه التربية وجوبية الرعاية الصحية للنزيل اإلنسان سواء على‬
‫املستوى الجسدي أو النف�سي‪ ،‬هذه الرعاية التي يصعب تحقيقها‬
‫إن لم نقل يستحيل دون توفير العمل للنزالء‪ ،‬والعمل ال يشكل‬
‫فقط دعامة للتوازن الصحي للنزيل بل كذلك دعامة إلعادة إدماجه‬
‫في املجتمع‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ب‪ -‬العمل دعامة إلعادة إدماج النزيل في املجتمع‬
‫تعتبر العقوبة ردا على كسر مقدس من املحرمات ورد على‬
‫املس بامليثاق االجتماعي‪ ،‬ويتم ذلك في إطار يؤكد ويعمل على عودة‬
‫الفاعل إلى املجتمع واملصالحة مع ذاته ومحيطه‪ ،‬حيث تتبلور‬
‫الصورة الواضحة لعملية اإلصالح في املفهوم السجني في مدى‬
‫تقويم النزيل وجعله قادرا مسؤوال متمكنا من نفسه ملواجهة الحياة‬
‫العادية بكل ثقة كي يسهل إدماجه في وسطه االجتماعي واألسري‪،‬‬
‫والتأهيل الناجح يتطلب منذ بداية مدة عقوبة النزيل إيالء النظر‬
‫إلى مستقبله بعد االفراج عنه ومساعدته لكفالة ادماجه في املجتمع‬
‫من جديد‪.‬‬
‫ترتكز عملية إعادة إدماج النزيل في املجتمع كما تقتضيها مفاهيم‬
‫العدالة على ضبط السلوك املنحرف والوقاية من مفاسده‪ ،‬حتى‬
‫ينصرف املفرج عنه إلى القيام برسالته البناءة والخيرة في الحياة‬
‫والعودة إلى االندماج في املجتمع الذي عزل عنه‪.‬‬
‫وتعتبر إعادة اإلدماج حقا للمحكوم عليه‪ ،‬ألن اإلدماج وما يرتبط‬
‫به من أساليب ليس فقط التزاما تفرضه الدولة على املحكوم عليه‪،‬‬
‫ولكنه أيضا حق له قبل الدولة‪ ،‬فاملجرم الذي عانى من ظروف‬
‫معنوية وفكرية واجتماعية قادته إلى الجريمة‪ ،‬له حق قبل الدولة‬
‫في أن تخلصه من هذه الظروف‪ ،‬والتي للمجتمع نصيب في تأثيرها‬
‫عليه‪ ،‬وله الحق في أن يعود إلى املجتمع مواطنا متزنا‪.‬‬
‫لذلك عندما نتحدث على وظيفة إعادة اإلدماج ال بد من النظر‬
‫إلى السجن كمكان للحياة حيث نضع مؤقتا أفراد انتهكوا القانون‬
‫الجزائي والذين يوما ما سوف يعودون للمجتمع‪ ،‬وبهذا املعنى‪ ،‬ينبغي‬

‫‪38‬‬
‫على العقوبة السالبة للحرية أن تسمح للمذنب بالتفاعل والتحسن‬
‫لكي يتم من ثمة إعادة إدراجه في املجتمع مع خطر أقل الرتكاب‬
‫جريمة جديدة‪ .‬ويجب عدم االكتفاء بمجرد الهدف كون الفرد ال‬
‫يعود لإلجرام‪ ،‬ففي الواقع فكرة إعادة اإلدماج تتجاوز عدم العود‬
‫وتتطلب أن يتمكن الشخص من استعادة أو العثور على مكانته في‬
‫املجتمع الحر‪.‬‬
‫لئن كان عدم العود هو الهدف األسا�سي والعالمة الواضحة‬
‫إلعادة التأهيل‪ ،‬فإنه ال يعتبر بمفرده معادال إلعادة اإلدماج الذي‬
‫يفترض أيضا أن يكون الجاني قد استعاد مكانته في املجتمع‪،‬‬
‫فالنزيل يغادر السجن إثر عقوبة يزيد طولها أو ينقص وبها يدفع‬
‫دينه للمجتمع‪ ،‬وعلى هذا األخير أال ينفض يديه منه ويتخلى عنه‪،‬‬
‫بل عليه إدماجه من جديد صلبه خصوصا وأن تحسن أمن املجتمع‬
‫نفسه يتوقف على إعادة تأهيل جيدة‪.‬‬
‫ويتم تعريف إعادة اإلدماج االجتماعي بأنه العودة إلى حالة‬
‫سابقة من االندماج في املجتمع التي كانت لفرد وهذا األخير خسرها‬
‫حيث حدث كسر في العالقة بينه والجسم االجتماعي مما أدى إلى‬
‫استبعاده‪.‬‬
‫تتضارب التنشئة االجتماعية االجرامية بالسجن مع إعادة‬
‫إدماج النزيل‪ ،‬حيث أنها يمكن أن تؤدي إلى بعض التعديالت في‬
‫النزيل تمنعه من استئناف حياة اجتماعية أكثر تقليدية‪ ،‬إذ بالض‬
‫رورةسيتأثربالنماذجالبشريةالتيتحيطبه‪ ،‬فعقوبة السجن تلقى‬
‫بالنزيل في مجتمع من نوع خاص كل أفراده من املذنبين والخارجين‬
‫عن املجتمع بشكل من األشكال‪ ،‬وتسوده تقاليد ومبادئ خاصة‬
‫تحبذ السلوك املضاد للمجتمع الخارجي الذي يعتقد معظمهم أنه‬
‫‪39‬‬
‫ظلمهم‪ ،‬مما يؤدي إلى تال�شي الضمير وضعف اإلحساس بالخطيئة‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار يتعرض النزيل لالستهواء وللقدوة السيئة التي تشكله‬
‫على أسوأ صورة‪ ،‬ويضاعف من خطورة هذه البيئة الجانحة على‬
‫النزيل ازدحام السجون التقليدية‪ ،‬واختالط النزالء فيها على اختالف‬
‫ظروفهم وأوضاعهم وخبراتهم وأمزجتهم‪ ،‬وكذلك قلة النشاط وطول‬
‫وقت الفراغ الذي يميز الحياة السجنية‪.‬‬
‫من املعلوم أن التواجد املزمن داخل السجن يؤدي إلى فقدان‬
‫املهارات االجتماعية وإلى النبذ من قبل أفراد األسرة وآخرين كانوا‬
‫في املا�ضي يشكلون شبكة العالقات االجتماعية للمجرم‪ ،‬فحبس‬
‫شخص يمثل تهميشا له من املجتمع مما يؤثر على سلوكه في السجن‬
‫وخارجه‪ ،‬إضافة كون في السجن يتم فقدان املعايير التي وضعها‬
‫املجتمع وفقدان الهوية لتحل محلها هوية نزيل‪ ،‬مما يجعل النزيل‬
‫يواجه شعورا بعدم االنتماء‪.‬‬
‫لتفادي هذا الواقع املرير يجب أن يكون هاجس مرحلة ما بعد‬
‫السجن واملحيط الخارجي الركن األسا�سي في اإلصالحات السجنية‬
‫والعقابية‪ ،‬لذلك قامت األنظمة العقابية الحديثة باعتماد تشغيل‬
‫النزيل واعتبار العمل ركنا أساسيا لتأهيل النزيل وتحقيق إعادة‬
‫إدماجه في املجتمع عند انتهاء محكوميته‪ ،‬ألنه بدون عمل يصعب‬
‫الحديث عن تأهيل وإعادة إدماج لكائن إنساني واجتماعي‪.‬‬
‫إن دراسة تجارب النزالء داخل املؤسسة العقابية تمكن من مزيد‬
‫فهم كيفية أن العمل كحاجة نفسية ومادية تؤثر في بناء الثقافة‬
‫السجنية‪ ،‬فعندما يتعرض األفراد إلى حرمان كبير في حاجاتهم‬
‫النفسية واملادية فمن املنطقي أن تترتب على ذلك نتائج سلبية‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫فللعمل أهمية لدى كل إنسان‪ ،‬والنشاط املنهي هو جزء أسا�سي من‬
‫اإلنسان الذي يسبب فقدانه ضررا نفسيا هائال‪.‬‬
‫يعتبر الحرمان من العمل عامال تدميريا لألفراد‪ ،‬وهو في تناقض‬
‫عميق مع هدف إعادة التنشئة االجتماعية‪ ،‬ألن العمل ضروري‬
‫لجميع أشكال الحياة االجتماعية والحرمان منه سيكون له عواقب‬
‫وخيمة على قدرة الشخص الذي يخرج من السجن الستئناف حياة‬
‫عملية عادية‪ ،‬ولكن أيضا بشكل عام أن يجد مكانه في املجتمع‪.‬‬
‫إذا كانت العودة للحياة العملية القائمة على حب العمل والسعي‬
‫إلتمامه بأمانة ليست واضحة للنزالء السابقين‪ ،‬فإن تلك الصعوبة‬
‫تخفي حقيقة معينة‪ ،‬إنها املهارات االجتماعية للفرد الخارج من‬
‫السجن التي أصبحت موضع شك‪ ،‬لذلك يجوز أن نسأل إذا كانت‬
‫الحياة العملية مثلما تعاش في السجن والعواقب التي تترتب عنها ال‬
‫يؤدي إلى موت كائن اجتماعي‪.‬‬
‫ال بد دائما أن تهدف العقوبة لعودة املحكوم عليه للمجتمع‪،‬‬
‫وعلى هذا النحو فمن املهم أن يمكن النزيل من العمل أثناء حبسه‪،‬‬
‫حيث من وجهة نظر إعادة التأهيل من املهم أن ندرك أن توازن‬
‫الفرد يمر عبر حياة عملية مرضية‪ .‬ويجب تفادي اغتراب األفراد‬
‫عن طريق تغريب حياتهم العملية والتي ينتج عنها بتر عالقاتهم‬
‫االجتماعية‪ ،‬هذا هو واحد من العديد من املفارقات التي للسجن‬
‫الذي يرغب في إعادة االدماج االجتماعي ألفراد يحرمهم من العمل‪.‬‬
‫يعتبر العمل من أهم الوسائل التي ركزت عليها األنظمة‬
‫العقابية الحديثة في إعادة النزيل إلى املجتمع‪ ،‬إضافة لتدريبه‬
‫على مهنة تساعده عند الخروج من السجن‪ ،‬فاالعتراف للسجين‬
‫بحقه في العمل يفسح له املجال للتدرب على مهنة تتما�شى وميوله‬
‫‪41‬‬
‫واستعداداته البدنية والذهنية‪ ،‬خاصة إذا كان عاطال عن العمل‬
‫قبل دخوله السجن‪ ،‬لذلك فإن التكوين املنهي داخل السجون يؤهل‬
‫السجين للعودة للمجتمع مواطنا صالحا‪.‬‬
‫يبرز دور تشغيل نزالء املؤسسات السجنية من وجهتين‪ ،‬فهو‬
‫يساهم في التهذيب إذ أن إلزام املحكوم عليه بالقواعد املنظمة‬
‫للعمل بما تقتضيه من عادات قويمة في مظاهر الحياة املختلفة‬
‫يغرس لديه االعتماد على النظام ويدعم اعتداده بنفسه‪ ،‬ومن‬
‫ناحية ثانية يساهم في التأهيل على نحو فعال إذ يعود النزيل على‬
‫العمل والنشاط واإلنتاج ويمكنه في صورة التكوين املنهي من إتقان‬
‫حرفة توفر له دخال قانونية بعد مغادرته السجن‪ .‬إذا وبصورة‬
‫مبدئية‪ ،‬فإن تشغيل النزيل يرتبط مع عملية تأهيله في سبيل عودته‬
‫إلى حياة الجماعة بعد اإلفراج عنه دون بروز صعوبات يمكن أن‬
‫تؤثر على تصرفاته بشكل سلبي‪.‬‬
‫كذلك من املعروف أن شغل وقت املسجون داخل املؤسسة‬
‫العقابية أمر بالغ األهمية‪ ،‬إذ به يتم التحكم في توجيه نشاطه‬
‫وتصعيد رغباته املكبوتة وتعويده على التآلف االجتماعي‪ ،‬بل‬
‫إن حرمان املسجون من العمل يزيد من شقائه ويباعد بينه وبين‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫يعتبر العمل وبدون نزاع دعامة أساسية ووسيلة ال غنى عنها‬
‫لتحقيق الغرض األسا�سي للعقوبة السجنية واملتمثل في تمكن‬
‫اإلدارة العقابية نزع الخطورة اإلجرامية للمحكوم عليه وتهذيبه‬
‫وإصالحه ليتم بنجاح إعادة للمجتمع مواطنا صالحا متماهي مع‬
‫محيطه وبعيدا عن الجنوح‪ ،‬فدور العمل بارز في إنجاح البرنامج‬

‫‪42‬‬
‫التأهيلي الخاص بالنزيل وفي إعداده نفسيا وعمليا ألن يكون عضوا‬
‫نافعا في جسم املجتمع‪.‬‬
‫دفع وعي األنظمة العقابية الحديثة بهذا الدور التأهيلي لعمل‬
‫نزالء املؤسسات السجنية إلى تكريسه قانونا والسعي ملزيد تنظيمه‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التكريس القانوني لحق النزيل في العمل‬
‫أكد علماء العقاب أن االعتراف لنزيل املؤسسة السجنية بحقه‬
‫في العمل يعد األسلوب األفضل لتأهيله‪ ،‬لذلك دعوا إلى ضرورة‬
‫حماية هذا الحق الذي يخلق لدى املحكوم عليه الشعور باملسؤولية‬
‫ويحافظ على ما لديه من إمكانيات بدنية وذهنية أو يحاول خلقها‬
‫إن كانت مفقودة‪.‬‬
‫على هذا الدرب صار املجتمع الدولي جنبا لجنب مع األنظمة‬
‫العقابية الوطنية‪ ،‬وعملوا في إطار سعيهم الدؤوب لتأهيل النزيل‬
‫على محاولة االستفادة من خصال السجين عبر تمتيعه بحقه في‬
‫العمل‪ ،‬كحق يبرز مواهبه وينمي إمكانياته‪ ،‬وهو ما من شأنه أن‬
‫يحرك لديه اإلحساس من جديد بأنه ال يزال إنسانا بإمكانه تقويم‬
‫إرادته بإرادته والوقوف دون تأجج عواطف النقمة والحقد في‬
‫نفسه‪ ،‬ألن تمتيعه بحقه في العمل يجعله معتدا بذاته كفرد فاعل‬
‫يسعى نحو الكسب الشريف‪.‬‬
‫أكد القانون الدولي على حق النزيل في العمل‪ ،‬هذا الحق الذي‬
‫نجد له كذلك تكريسا قانونيا في أغلب األنظمة العقابية الوطنية‪،‬‬
‫حيث تكاد تجمع كافة النظم العقابية على حق املحكوم عليهم في‬
‫العمل طيلة فترة قضائهم للعقوبة‪ ،‬ومنها النظام العقابي التون�سي‪.‬‬
‫أ‪ -‬التكريس القانوني لحق النزيل في العمل من خالل القانون‬
‫‪43‬‬
‫الدولي‬
‫تتعدد النصوص الدولية املكرسة لحق نزيل املؤسسة السجنية‬
‫في العمل‪ ،‬وتتفرع هذه النصوص إلى نصوص عامة تعنى باإلنسان‬
‫عامة ونصوص خاصة تعنى بالسجين‪.‬‬
‫تتمثل النصوص العامة في اتفاقيات ومواثيق دولية‪ ،‬عاملية‬
‫كانت أو إقليمية‪ ،‬تعنى بحقوق اإلنسان‪ .‬ونجد على سبيل الذكر‬
‫ضمن النصوص العاملية‪ ،‬املادة ‪ 23‬فقرة أولى من اإلعالن العالمي‬
‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬والتي نصت على أنه «لكل شخص الحق في‬
‫العمل‪ ،‬وله اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية‬
‫من البطالة»‪.‬‬
‫وردت عبارة «لكل شخص» عامة غير مقيدة بأي شرط أو حد‪،‬‬
‫وهي تضم جميع البشر‪ ،‬مما يجعل ممارسة الحق في العمل بريئة‬
‫من أي تمييز بسبب العرق‪ ،‬أو اللون‪ ،‬أو الجنس‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو‬
‫الدين‪ ،‬أو الرأي سياسيا كان أو غير سيا�سي‪ ،‬أو األصل القومي أو‬
‫االجتماعي‪ ،‬أو الثروة‪ ،‬أو النسب‪ ،‬أو غير ذلك من األسباب‪ .‬بذلك‬
‫يكون العمل حقا من حقوق اإلنسان يتمتع به النزيل على قدم‬
‫املساواة مع اإلنسان الحر‪ ،‬وله ما يترتب عن هذا الحق األسا�سي من‬
‫حقوق متفرعة عنه كالحق في إختيار العمل بشروط عادلة والحق‬
‫في الحماية من البطالة ‪...‬‬
‫نجد نفس هذا التأكيد على شمولية الحق في العمل لكل‬
‫البشر صلب املادة ‪ 6‬فقرة أولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬والتي ورد بها‪« :‬تعترف الدول‬
‫األطراف في هذا العهد بالحق في العمل‪ ،‬الذي يشمل ما لكل شخص‬

‫‪44‬‬
‫من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله‬
‫بحرية‪ ،‬وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق»‪.‬‬
‫يمكننا إضافة لهذه النصوص العاملية‪ ،‬االستشهاد ببعض‬
‫النصوص اإلقليمية املقرة بحق اإلنسان في العمل بما في ذلك‬
‫النزيل باعتباره أوال وقبل كل �شيء إنسان‪ .‬ونجد ضمن النصوص‬
‫الدولية اإلقليمية‪ ،‬على سبيل الذكر ال الحصر‪ ،‬املادة ‪ 34‬فقرة‬
‫أولى من امليثاق العربي لحقوق اإلنسان والتي نصت على أن «العمل‬
‫حق طبيعي لكل مواطن‪ ،‬وتعمل الدولة على توفير فرص العمل قدر‬
‫اإلمكان ألكبر عدد ممكن من املقبلين عليه‪ ،‬مع ضمان اإلنتاج وحرية‬
‫العمل وتكافؤ الفرص‪ ،‬ودون أي نوع من أنواع التمييز على أساس‬
‫العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة أو الرأي السيا�سي أو‬
‫األصل االجتماعي أو اإلعاقة أو أي وضع آخر»‪.‬‬
‫ونجد كذلك ضمن هذه النصوص اإلقليمية املادة ‪ 15‬من‬
‫امليثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب والتي أكدت على أن‬
‫«حق العمل مكفول في ظل ظروف متكافئة ومرضية مقابل أجر‬
‫متكافئ مع عمل متكافئ»‪.‬‬
‫إن ما يالحظ بخصوص هذه النصوص مثلها مثل النصوص‬
‫العاملية أن صياغتها وردت عامة شاملة لكل البشر دون تمييز على‬
‫أي أساس كان‪ ،‬فهي تكرس حق اإلنسان في العمل‪ ،‬وباعتبار نزيل‬
‫املؤسسة السجنية إنسان‪ ،‬فهذه النصوص تكرس وتقر حقه في‬
‫العمل‪.‬‬
‫لم يقف التكريس القانوني لحق النزيل في العمل من خالل‬
‫القانون الدولي على النصوص املتعلقة باإلنسان عامة‪ ،‬بل نجد‬
‫هذا التكريس أيضا صلب نصوص دولية خاصة بالسجين‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫نجد ضمن هذه النصوص القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة‬
‫السجناء لسنة ‪ ،1955‬والتي حرصت على االعتراف بهذا الحق‬
‫وبيان مضمونه ومداه‪ ،‬حيث قررت الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪ 71‬أنه‬
‫يجب توفير العمل الكافي واملفيد في طبيعته للمساجين‪ ،‬واقتضت‬
‫الفقرة ‪ 4‬من نفس الفصل أن يكون العمل من النوع الذي يساعد‬
‫املسجونين على االحتفاظ بمقدرتهم على كسب أرزاقهم بطريقة‬
‫شريفة وأن ينمي هذه املقدرة لديهم‪ ،‬وتنص الفقرة ‪ 6‬من هذا‬
‫الفصل على أن يتفق العمل مع القواعد السليمة لالختيار املنهي ومع‬
‫احتياجات املؤسسة والنظام فيها‪.‬‬
‫نجد كذلك اهتماما وتكريسا لحق النزيل في العمل صلب املبادئ‬
‫األساسية ملعاملة السجناء لسنة ‪ ،1990‬حيث ورد باملبدأ ‪ 8‬أنه‬
‫«ينبغي تهيئة الظروف التي تمكن السجناء من االضطالع بعمل‬
‫مفيد مأجور ييسر إعادة انخراطهم في سوق العمل في بلدهم ويتيح‬
‫لهم أن يساهموا في التكفل بأسرهم وبأنفسهم ماليا»‪.‬‬
‫نجد أيضا تكريسا لهذا الحق صلب قواعد األمم املتحدة‬
‫النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء لسنة ‪( 2015‬قواعد نيلسون‬
‫مانديال)‪ ،‬من ذلك أن القاعدة ‪ 96‬نصت على‪1-»:‬يجب إتاحة‬
‫الفرصة للسجناء املحكوم عليهم للعمل‪ ،‬على أن يقرر طبيب أو‬
‫غيره من اختصا�صي الرعاية الصحية املؤهلين لياقتهم البدنية‬
‫والعقلية‪.‬‬
‫‪2-‬يوفر للسجناء عمل منتج يكفي لتشغيلهم طوال يوم العمل‬
‫العادي»‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ونصت القاعدة ‪ 98‬على‪1-»:‬يكون العمل الذي يوفر للسجين‪،‬‬
‫إلى أق�صى الحدود املستطاعة‪ ،‬من النوع الذي يصون أو يزيد قدرته‬
‫على تأمين عيشه بكسب شريف بعد إطالق سراحه‪.‬‬
‫‪2-‬يوفر تدريب منهي للسجناء القادرين على اإلنتفاع به‪ ،‬وال سيما‬
‫السجناء الشباب‪.‬‬
‫‪3-‬تتاح للسجناء‪ ،‬في حدود ما يتم�شى مع االختيار املنهي السليم‬
‫ومتطلبات إدارة السجن واالنضباط فيه‪ ،‬إمكانية اختيار نوع العمل‬
‫الذي يرغبون في القيام به‪».‬‬
‫لقد كرست العديد من النصوص الدولية املتعلقة بالسجون‬
‫حق النزيل في العمل‪ ،‬وحددت هدفه األسا�سي بتأهيل هذا اإلنسان‬
‫الذي حاد عن الطريق ووجد نفسه نتيجة إجرامه خلف القضبان‬
‫مسلوب الحرية‪.‬‬
‫يتمتع النزيل بحق إنساني في العمل‪ ،‬وهي مسألة ال جدال فيها‬
‫أقرتها النصوص الدولية سواء املتعلقة بحقوق اإلنسان عامة أو‬
‫املتعلقة بالسجون خاصة‪ ،‬وهذا اإلقرار لم يقف عند القانون‬
‫الدولي بل نجده أيضا على مستوى القانون الوطني‪.‬‬
‫ب‪ -‬التكريس القانوني لحق النزيل في العمل من خالل القانون‬
‫الوطني‬
‫ينص الفصل ‪ 40‬من الدستور التون�سي على أن «العمل حق لكل‬
‫مواطن ومواطنة‪ ،‬وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على‬
‫أساس الكفاءة واإلنصاف‪.‬ولكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في‬
‫ظروف الئقة وبأجر عادل»‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫يبرز من خالل هذا الفصل أن املشرع التأسي�سي كرس العمل‬
‫كحق أسا�سي لكل مواطن تون�سي‪ ،‬فال يجوز النيل منه أو حرمان‬
‫أي شخص حامل للجنسية التونسية منه‪ ،‬فعبارة الفصل جاءت‬
‫عامة ومكرسة لحق العمل لكل مواطن ومواطنة‪ ،‬بذلك يتمتع نزيل‬
‫املؤسسة السجنية إن كان حامال للجنسية التونسية بحق دستوري‬
‫في العمل‪.‬‬
‫عندما نتحدث عن حق دستوري فإننا نتحدث عن حق سامي‬
‫متربع على عرش النظام القانوني‪ ،‬فال تملك أي سلطة سياسية أو‬
‫إدارية إال العمل على تحقيقه وتوفيره ألصحابه‪ ،‬وحتى إن وجد أو‬
‫وضع قانون مخالف أو نازع لهذا الحق فال عمل به ألنه مخالف‬
‫لقاعدة دستورية‪ ،‬وكما نعلم فالدستور يعتلي الهرم القانوني‬
‫للدولة مما يجعل القوانين األقل الدرجة ملزمة باحترامه والسير‬
‫على منوال ما يقره‪.‬‬
‫ال تملك الدولة من أجل احترام ونفاذ دستورها‪ ،‬إال العمل‬
‫على توفير الشغل لنزالء مؤسساتها السجنية وذلك إحتراما لحقهم‬
‫الدستوري في العمل‪ ،‬فالدولة ملزمة بإيجاد الحلول واتخاذ التدابير‬
‫الضرورية لضمان الشغل لهذه الفئة من املواطنين‪.‬‬
‫نجد إضافة للتكريس الدستوري لحق النزيل في العمل‪ ،‬تكريسا‬
‫لهذا الحق صلب قوانين األخرى‪ ،‬من بينها القوانين املهتمة واملوجهة‬
‫لتنظيم الحياة السجنية كالقانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬املؤرخ‬
‫في ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬واملتعلق بنظام السجون‪ ،‬والذي يعتبر اإلطار‬
‫التشريعي لتنظيم الحياة السجنية بما في ذلك إبراز حقوق وواجبات‬
‫املساجين‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫قبل إبراز موقف هذا القانون من عمل نزالء املؤسسات‬
‫العقابية‪ ،‬يجب أن نشير إلى أن موقف املشرع التون�سي من صبغة‬
‫العمل في السجون قد اختلف‪ ،‬حيث مر بعدة مراحل‪ :‬ففي مرحلة‬
‫أولى كان املشرع ينص صراحة على الصبغة اإللزامية للعمل وذلك‬
‫صلب الفصل ‪ 13‬من املجلة الجزائية الذي جاء فيه أن «العقاب‬
‫بالسجن يق�ضى بالسجون املحلية االعتيادية أو السجون الخاصة‬
‫على أن يكون املحكوم عليهم ملزمين بالخدمة»‪ .‬وهذه الصبغة‬
‫اإللزامية للعمل تجعله بعيدا كل البعد عن اعتباره حقا‪.‬‬
‫وفي مرحلة ثانية قام املشرع بإلغاء هذا اإللزام الصريح بإصداره‬
‫للقانون عدد ‪ 89‬لسنة ‪ 1999‬املؤرخ في ‪ 02‬أوت ‪ ،1999‬والذي نقح‬
‫الفصل ‪ 13‬فأصبح ينص على أن «العقاب بالسجن يق�ضى بأحد‬
‫السجون»‪.‬‬
‫واملالحظ في هذا املستوى‪ ،‬أن املشرع أثناء الفترة التي صدر‬
‫فيها قانون ‪ 1999‬قد ألغى اإللزام بالعمل في املجلة الجزائية إال أنه‬
‫في مقابل ذلك حافظ عليه صلب الفصل ‪ 61‬من أمر ‪ 04‬نوفمبر‬
‫‪ ،1988‬والذي جاء فيه «لإلدارة العامة للسجون واإلصالح الحق في‬
‫تشغيل املساجين باستثناء املوقوفين تحفظيا أو الطاعنين في السن‬
‫أو الذين لم يبلغوا سن العشرين أو املودعين تنفيذا ألذون الجبر‬
‫بالسجن أو املر�ضى أو املعاقين»‪.‬‬
‫لم يجز هذا الفصل تشغيل املوقوفين تحفظيا والطاعنين في‬
‫السن والذين لم يبلغوا سن العشرين واملودعين تنفيذا ألذون الجبر‬
‫بالسجن واملر�ضى واملعاقين‪ ،‬وفي مقابل ذلك جعل اإللزام بالعمل‬
‫في السجون ذا نطاق عام يخص بقية املحكوم عليهم الذين يمثلون‬
‫العدد األوفر من املسجونين‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫وفي مرحلة ثالثة ومع صدور قانون ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬املتعلق بنظام‬
‫السجون‪ ،‬نالحظ أن املشرع قد حول اإللزام بالعمل في السجون‬
‫من حق لإلدارة العامة للسجون واإلصالح تلزم به النزالء إلى حق‬
‫للنزيل‪ ،‬حيث جاء بالفصل ‪ 19‬من هذا القانون‪« :‬يحق للسجين‪... :‬‬
‫‪ )7‬الشغل مقابل أجر وطبق اإلمكانيات املتاحة بالنسبة للمحكوم‬
‫عليه ‪»...‬‬
‫كما جاء بالفصل ‪« :22‬يتعرض السجين الذي يخل بأحد‬
‫الواجبات املبينة بالفصل ‪ 20‬من هذا القانون أو يمس بحسن سير‬
‫السجن أو يخل باألمن به إلى إحدى العقوبات التأديبية التالية‪... :‬‬
‫‪ 4-‬الحرمان من الشغل»‪.‬‬
‫أقر قانون ‪ 2001‬بأن العمل حق من حقوق النزيل يجب تمتيعه‬
‫به حسب اإلمكانيات املتاحة‪ ،‬وال يجوز حرمانه منه إال في إطار‬
‫عقوبة تأديبية يستوجب توقيعها خطأ صادر عن النزيل‪.‬‬
‫إن تصنيف العمل ضمن الحقوق التي يتمتع بها النزيل تترتب‬
‫عنه نفي صبغته اإللزامية ووجوبية تمتيعه بهذا الحق‪ ،‬فاإلدارة‬
‫العقابية مطالبة بتوفير العمل للنزالء‪ ،‬وحتى مسألة اإلمكانيات‬
‫املتاحة فيجب النظر إليها بحذر وعدم ايالءها اهتماما بالغا‪ ،‬ذلك‬
‫أن الدولة ممثلة في اإلدارة العقابية ملزمة باالستجابة لطلبات‬
‫الشغل املقدمة من النزالء وبإيجاد الحلول لكي يكون العمل كافيا‬
‫للجميع ومتماشيا مع إمكانياتهم ومؤهالتهم وقدراتهم‪ ،‬ويعتبر هذا‬
‫االلتزام دستوريا قبل أن يكون قانونيا‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬يستند حق النزيل في العمل على العديد من النصوص‬
‫الدولية والوطنية والتي قمنا بإبراز بعضها‪ ،‬ويمكن أن نضيف إليها‬
‫أن تونس قد صادقت بموجب القانون عدد ‪ 44‬لسنة ‪ 1965‬املؤرخ‬
‫‪50‬‬
‫في ‪ 21‬ديسمبر ‪ 1965‬على االتفاقية الدولية للشغل عدد ‪122‬‬
‫املعتمدة في ‪ 9‬جويلية ‪ 1964‬واملتعلقة بسياسة التشغيل‪ ،‬وتق�ضي‬
‫هذه االتفاقية بالتزام الدول املوقعة عليها بانتهاج وتطبيق سياسة‬
‫النهوض بالتشغيل وضمان حق الشغل لكل فرد‪ ،‬وعبارة لكل فرد‬
‫عامة ال تق�صي حق النزيل في العمل‪.‬‬
‫بقطع النظر عن كيفية تكريس حق نزيل املؤسسة السجنية‬
‫في العمل سواء بمقت�ضى تنصيصات عامة أو خاصة محددة‪ ،‬فإن‬
‫املعروف عن مشرعنا حرصه على مواكبة كل ما من شأنه أن يسهل‬
‫عملية إصالح النزيل وتأهيله‪ ،‬هذا التأهيل الذي يتطلب التنظيم‬
‫العقابي لعمل النزالء‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم النقابي لعمل نزالء السجون‬
‫أصبح العمل يعتبر وسيلة معاملة تهدف إلى إصالح املحكوم‬
‫عليه وتأهيله‪ ،‬إضافة لكونه حقا من حقوق اإلنسان‪ ،‬وترتيبا على‬
‫ذلك‪ ،‬لم يعد من املمكن فصل العمل عن املعاملة العقابية‪ ،‬بل‬
‫أن املعاملة العقابية ذاتها أصبحت ترتكز على العمل‪ .‬ولقد شهد‬
‫مفهوم حق النزيل في العمل تطورا ليصبح حق النزيل في التأهيل‬
‫بواسطة العمل‪ ،‬ذلك أن العمل أصبح يمثل ضمانة هامة وأساسية‬
‫إلنجاح برنامج التأهيل ولتحقيق حسن إعادة إدماج النزيل في‬
‫املجتمع وتفادي عوده‪.‬‬
‫عندما نتحدث عن العمل‪ ،‬علينا أن نستحضر ما يمكن أن‬
‫يرتبط به من مسائل‪ ،‬فمجال العمل ليس بالبسيط‪ ،‬إذ يحتاج‬
‫تنظيما وتسييرا وحال ملا قد يرتبط به من إشكاليات وحدا ملا قد ينتج‬
‫عنه من مخاطر‪ .‬وفي هذا اإلطار لعبت النقابات والزالت تلعب دورا‬
‫‪51‬‬
‫رياديا‪ ،‬فالتنظيم النقابي للعمل حقق أنسنة العمل ووفر الحماية‬
‫والرفاه والعدل للعمال‪.‬‬
‫إن كان األمر بهذه الصورة في العالم الحر‪ ،‬فسيكون معقدا‬
‫أكثر إذا اقترن العمل بالسجن‪ ،‬فتشغيل النزالء يحتاج جهدا‬
‫أكبر على مستوى التنظيم وعلى مستوى حل وصد اإلشكاليات‬
‫واملخاطر املرتبطة بالعمل‪ ،‬وذلك لخصوصية اليد العاملة واملكان‬
‫وخصوصية الهدف من العمل‪.‬‬
‫ال مجال لتحقيق العمل لغايته التأهيلية ونجاحه في ضمان‬
‫عودة النزيل للمجتمع منزوع النزعة اإلجرامية وسالكا لطريق الخير‬
‫ومبتعدا عن طريق اإلجرام إال من خالل التنظيم النقابي لهذا‬
‫العمل‪ ،‬وسوف نتولى توضيح هذا التنظيم من خالل تقسيم هذا‬
‫املبحث إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تنظيم العمل‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حل اإلشكاليات املحيطة بالعمل‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تشغيل النزيل بعد انقضاء محكوميته‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تنظيم العمل‬
‫يخضع النزيل في السجن ملراقبة مشددة‪ ،‬إنه محروم تماما من‬
‫السيطرة على حياته وليست لديه أي فرصة ملواصلة التصرف‬
‫بحرية في حياته االجتماعية والشخصية‪ ،‬فهو بذلك محروم من‬
‫أمر ضروري لتطوير كل إنسان‪ ،‬إذ هناك في كل كائن بشري حاجة‬
‫وجودية للتواصل مع البيئة الخارجية والناس الذين يشكلون ذلك‪،‬‬
‫ففي العالقات اإلنسان يتعلم البناء والتعارف والحب والكراهية‬
‫والشعور بأنه على قيد الحياة‪ .‬وفي هذا اإلطار سواء في مجتمع‬
‫‪52‬‬
‫حر أو في سجن‪ ،‬يعتبر العمل طريقة للدخول في تواصل مع الغير‬
‫وتشارك في بناء هوية الشخص‪.‬‬
‫يعتبر النشاط الشغلي لنزالء املؤسسات السجنية مؤشرا على‬
‫تدهور بطيء لألفراد ووفاتهم النفسية واالجتماعية‪ ،‬فاألجساد‬
‫تذبل‪ ،‬والعالقة مع اآلخر تكشف املجتمع الخارجي باعتباره اآلن‬
‫مكانا غير معروف‪ ،‬إضافة لكراهية نظام قمعي شمولي يؤدي إلى‬
‫فقدان تام الحترام الذات‪ .‬كل هذا يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل‬
‫التي تأتي بشكل خطير لتنال من احتماالت إعادة اإلدماجخصوصا‬
‫مع وجود صلة سببية قوية جدا بين البطالة ومحدودية النشاط‬
‫والعنف‪ ،‬وهذه العالقة من املرجح أن تستمر للنزالء السابقين‬
‫وخاصة الذين عاشوا لسنوات عديدة في العالم السجني وكذلك‬
‫الشباب‪.‬‬
‫يعاني النزيل من زاوية التشغيل في املجتمع السجني أساسا من‬
‫البطالة‪ ،‬وإن تمكن من العمل فإن ذلك يكون وفقا ملعايير وظروف‬
‫تبعد كل البعد عما هو معتمد في املجتمع الحر بل وتبعد على‬
‫األنسنة‪ ،‬مما يدفع لتكون ثقافة فرعية من القيم واملواقف ملواجهة‬
‫هذا الوضع والتكيف والبقاء على قيد الحياة في السجن‪ ،‬والتغير‬
‫في الثقافة يؤدي إلى إحداث تغييرات عديدة في صور التفاعل في‬
‫املجتمع مما يهيأ الفرصة إلى ظهور قيم جديدة وأهداف جديدة‪،‬‬
‫والتي هي عكس توقعات املؤسسة العقابية والتي يتم التمسك بها‬
‫تدريجيا وفرديا من خالل عملية التعايش السجني‪.‬‬
‫تدفع هذه الصورة القاتمة للحياة السجنية إلى وجوبية تنظيم‬
‫عمل نزالء املؤسسة العقابية تفاديا لسلبيات الحياة الشغلية‬
‫السجنية وتحقيقا للغاية التأهيلية للعقوبة عامة وللعمل خاصة‪،‬‬
‫‪53‬‬
‫ويتم ذلك من خالل تنظيم ظروف العمل‪ ،‬والذي يتم بتنظيم‬
‫العديد من املسائل ومنها‪ :‬تحديد نوع العمل‪ ،‬أهلية العمل‪ ،‬لباس‬
‫الشغل‪ ،‬ظروف السالمة‪ ،‬العطل‪ ،‬التكوين ‪ ...‬كذلك تدخل ضمن‬
‫تنظيم العمل مسألة جد هامة وأساسية بالنسبة للنزيل كما بالنسبة‬
‫للمؤسسة العقابية وهي حق النزيل في تقا�ضي أجر عن عمله‪.‬‬
‫أ‪ -‬تنظيم ظروف العمل‬
‫يتمتع النزيل بحق في العمل‪ ،‬وهذا الحق ال يعني مجرد الحصول‬
‫على أي نشاط شغلي مهما كان‪ ،‬بل يجب أن يكون هذا العمل بقدر‬
‫املستطاع من نوع يصون أو يزيد في قدرة النزيل على تأمين عيشه‬
‫بكسب شريف بعد قضاء محكوميته‪ ،‬وال يجوز أن يكون العمل في‬
‫السجن ذا طبيعة مؤملة أو ضارة ومعرقلة للطابع التأهيلي للعقوبة‬
‫السجنية‪.‬‬
‫يبرز هنا دور التنظيم النقابي لظروف العمل‪ ،‬حتى تكون هذه‬
‫الظروف بالفعل ظروف إنسانية متماهية مع الغاية التأهيلية‬
‫للعمل ومحققة لتوازن النزيل ولهدوء الحياة السحنية‪ .‬وفي هذا‬
‫اإلطار يتدخل العمل النقابي لتحديد نوع العمل املتوفر للنزالء‪.‬‬
‫تتكفل حاليا اإلدارة العقابية بتوفير العمل لنزالئها‪ ،‬وتتمتع‬
‫اإلدارة في هذا اإلطار بصالحيات مطلقة من حيث نوع العمل املوفر‬
‫والذي يكون وفقا لإلمكانيات املتاحة‪ ،‬وعمليا يتم اعتماد أنشطة‬
‫بسيطة مثل الفالحة والنجارة والخياطة‪ ،‬ونادرا ما نجد أعماال‬
‫تستلزم قدرا بسيطا من املعرفة أو الحرفية مثل الخزف‪.‬‬
‫إضافة لهذه األعمال ذات الطابع املنتج والتي تنجز تحت إشراف‬
‫اإلدارة في الورشات والضيعات التابعة للسجن‪ ،‬هناك أعمال‬
‫‪54‬‬
‫الخدمة العامة املتمثلة في أعمال الصيانة واملهام املكرسة للعمل‬
‫اليومي للمؤسسة‪ ،‬فاإلدارة السجنية تعتمد نزالءها إلنجاز األعمال‬
‫املرتبطة أو الضرورية لتسيير السجن مثل التنظيف والطبخ‪ ،‬وتقوم‬
‫كذلك بتكليف بعض النزالء بأعمال الصيانة والطالء والسباكة‬
‫واألعمال الكهربائية‪ ،‬إضافة إلمكانية مساهمة النزالء في تنظيم‬
‫األنشطة االجتماعية والثقافية أو الرياضية أو العمل في املكتبة‪.‬‬
‫يستخدم عمل نزالء السجون في إعادة تأهيلهم وإنجاح إعادة‬
‫إدماجهم في املجتمع خاصة وأن الكثير من النزالء لديهم مسارات‬
‫تدريب وتكوين سيئة للغاية‪ ،‬بحيث يتم استخدام العمل في السجن‬
‫ملنحهم فرص في سوق العمل‪ .‬إال أن هذه األعمال املنجزة في السجن‬
‫ال تتطلب خبرة أو مؤهالت‪ ،‬بل إنها ال تشكل عمال فعليا بل مجرد‬
‫تمضية وقت‪ .‬وهو ما يتضارب تماما مع األهداف التي رسمتها‬
‫القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة املساجين للعمل‪ ،‬والتي تتمثل‬
‫حسب القاعدة ‪ 71‬في أن يكون العمل مساعدا للنزيل على االحتفاظ‬
‫بمقدرته على كسب الرزق وينمي هذه القدرة لديه ويستحوذ على‬
‫نشاطه طوال الفترة العادية ليوم عمل مع توفير التدريب املنهي في‬
‫حرف مفيدة للمحكوم عليهم القادرين على االستفادة منه وخاصة‬
‫صغار السن منهم‪.‬‬
‫عجزت اإلدارة العقابية عن توفير عمل مناسب ذو فائدة‬
‫تأهيلية آنية ومستقبلية لنزالئها‪ ،‬وإن كانت األسباب تطول‪ ،‬فيمكن‬
‫أن نشير من بينها إلى غياب اإلرادة الهادفة إلى تحقيق ذلك إضافة‬
‫للنظرة التحقيرية التي تحملها اإلدارة وخاصة أعوان السجون تجاه‬
‫املحكوم عليهم وكذلك توجيه كل الجهود نحو حفظ األمن والسالمة‬
‫داخل أسوار املؤسسة‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫ال مجال لتفادي هذه السلبية وضمان توفير العمل املناسب أو‬
‫على األقل العمل األكثر مالءمة ونفعا للنزيل إال بتكفل جهة نقابية‬
‫بمهمة توفير الشغل املناسب للمحكوم عليهم‪ ،‬وتضطلع النقابة‬
‫بهذه املهمة سواء بصفة أحادية أو باالشتراك مع اإلدارة العقابية‪.‬‬
‫تقوم نقابة النزالء في هذا املستوى بتحديد نوع العمل املتوفر‬
‫للنزالء بحيث يكون مالئما أكثر ما يمكن لشخصية النزيل وقدراته‬
‫ومؤهالته‪ ،‬ويساهم في بناء شخصية سوية‪ ،‬ويؤسس إلعادة‬
‫إدماجه في املجتمع كعضو سليم متماهي مع املبادئ األخالقية‬
‫واالجتماعية والقانونية السائدة‪ .‬وتعتمد لتحقيق هذا التالؤم‬
‫على املستوى التعليمي لكل نزيل وقدراته وخبراته املهنية‪ ،‬إضافة‬
‫لوضعه االقتصادي واالجتماعي وملفه الطبي وبرنامجه التأهيلي‬
‫الخاص به‪.‬‬
‫ويمكن للنقابة في هذا املجال تكوين لجنة خاصة بالتكوين‬
‫والتشغيل‪ ،‬تكون مشتركة بين النقابة واإلدارة العقابية مع إمكانية‬
‫مشاركة أطراف أخرى مثل مختصين من وزارة التشغيل وممثلين‬
‫عن املجتمع املدني‪ .‬ويعهد لهذه اللجنة قبول مطالب العمل من‬
‫النزالء الراغبين في الشغل‪ ،‬ويكون هذا املطلب كتابيا أو يستلزم‬
‫تعمير مطبوعة تتضمن خاصة التنصيص على املستوى التعليمي‬
‫والخبرة املهنية للنزيل والسبب الذي من أجله يريد أن يعمل‪ ،‬وملا ال‬
‫القيام بمقابلة مع طالب العمل‪ .‬ويتم بعد ذلك ترتيب طالب العمل‬
‫وتوجيههم نحو العمل املناسب‪.‬‬
‫ال يجب أن تقتصر النقابة على أصناف األعمال املتوفرة في‬
‫السجن والتي سبق وأن أشرنا إلى انعدام جدواها على مستوى‬
‫التأهيل وإلى بساطتها التي قد تصل إلى حد التفاهة نظرا لبدائيتها‪،‬‬
‫‪56‬‬
‫بل عليها إيجاد الحلول املالئمة لتنويع األنشطة الشغلية وتوفير‬
‫أصناف جديدة من األعمال تتالءم ولو جزئيا مع مؤهالت املحكوم‬
‫عليهم‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار يجب على النقابة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة‬
‫خاصة على مستوى توفير الشغل‪ ،‬ويمكنها في هذا املجال اعتماد‬
‫التفاوض مع الدولة من أجل السير على درب التجارب املقارنة التي‬
‫سمحت للنزالء بالعمل خارج أسوار السجن‪ ،‬وطبعا هذا الصنف‬
‫من التشغيل ال يتم منحه لكل محكوم عليه بل يتم وضع معايير‬
‫محددة الزمة التوفر في املنتفع وأهمها عدم وجود خطر فرار النزيل‬
‫وعدم تشكيله لتهديد للمجتمع الخارجي وبالتحديد للمكان الذي‬
‫سوف يشتغل به‪.‬‬
‫كما يجب على النقابة املطالبة بتوظيف التكنولوجيا الحديثة‬
‫في األعمال التي يمكن أن يقوم بها النزيل‪ ،‬فاليوم نعلم أن عديد‬
‫الوظائف يمكن إنجازها دون الحاجة إلى التنقل ملكتب أو مقر‬
‫املشغل‪ ،‬إذ يمكن أدائها من منزل العامل باعتماد الوسائل‬
‫التكنولوجية مثل الحاسوب واإلنترنت وغيرهما‪ ،‬ومثل هذا األمر‬
‫يساهم في توفير شغل ذو جدوى للنزالء‪.‬‬
‫كذلك يجب على النقابة دعم تنوع األشغال املنجزة في الفضاء‬
‫السجني وإضفاء الجدوى عليها‪ ،‬ويتم ذلك من خالل دعوة الدولة‬
‫والقطاع الخاص إلى خلق مواطن شغل للنزالء داخل السجن وذلك‬
‫بتركيز ورشات صناعية وخدماتية عصرية تستوعب هذه اليد‬
‫العاملة في ظروف شبيهة ملا هو عليه الوضع في العالم الحر‪ .‬ويكون‬
‫تنظيم العمل داخل هذه الورشات والتأطير واإلنتاج ومراقبة‬
‫الجودة إما من مهام النقابة بمفردها‪ ،‬على أن تمد اإلدارة بكل‬
‫‪57‬‬
‫املعطيات وبتقارير حول سير العمل‪ ،‬أو يكون مهمة مشتركة بين‬
‫النقابة واإلدارة‪ ،‬أو بين النقابة وأشخاص من خارج السجن تابعين‬
‫للمؤسسة األم التي تنتمي إليها الورشة‪.‬‬
‫ال يقف دور النقابة عند تحديد وتوفير العمل املناسب لنزيل‪ ،‬بل‬
‫يتعدى ذلك لتصنيف وترتيب النزالء حسب األولوية في التشغيل‪،‬‬
‫فالكثيرون يريدون الحصول على عمل‪ ،‬أو العمل بشكل أكثر‬
‫انتظاما‪ ،‬ولكن األماكن ال تكفي الجميع‪ ،‬وال يمكننا القول بأن العمل‬
‫النقابي سيتمكن من توفير الشغل لكل النزالء‪ ،‬ألن هذا القول مبالغ‬
‫فيه إن لم يكن خياال‪ ،‬إذ البطالة أمر حتمي سواء في املجتمع الحر أو‬
‫املجتمع السجني‪ ،‬أضف إلى ذلك خصوصية السجن كمكان مغلق‬
‫وخصوصية نزالءه كيد عاملة منزوعة الحرية في طور التأهيل‪.‬‬
‫من الطبيعي أن هناك فئة من نزالء املؤسسة السجنية يتم‬
‫اقصائهم من العمل ألسباب أمنية أو أسباب صحية‪ ،‬وهذا يعتبر‬
‫أمرا بديهيا‪ ،‬إال أن غياب تنظيم قانوني دقيق لهذه املسألة قد يفتح‬
‫الباب أمام تعسف اإلدارة العقابية‪ ،‬كذلك انفراد اإلدارة بعملية‬
‫اإلقصاء بمعنى قيامها بتفعيل املعايير وتطبيقها وفرز النزالء الغير‬
‫مؤهلين بصفة أحادية دون نقاش وال رقابة يفتح الباب ألمرين‬
‫خطيرين‪ ،‬أولهما سوء التقييم وثانهما األثر النف�سي السيئ للعملية‬
‫على النزيل املبعد والذي قد ال يقتنع بذلك وال يجد صوتا يقنعه‬
‫أو يطمئنه بأن حقه محفوظ‪ ،‬لذلك فإن تدخل النقابة في هذه‬
‫املسألة ومشاركتها في تحديد عدم أهلية بعض النزالء للعمل أمر‬
‫جد مطلوب‪.‬‬
‫خارج هذه الفئة من النزالء والتي من األرجح أن تكون أقلية‪ ،‬نجد‬
‫أغلبية مؤهلين للعمل ويريدون الحصول عليه‪ ،‬لكنهم واقعون تحت‬
‫‪58‬‬
‫رحمة إدارة السجن‪ ،‬التي تقرر من جانب واحد تصنيف الحصول‬
‫على العمل‪ ،‬فتمكن من تريد شغال وتسحبه منه متى شاءت دون‬
‫وجود أي معايير موضوعية دقيقة وعادلة لهذا التصنيف‪ ،‬مما‬
‫يجعل من العمل يتحول من حق إلى جزرة بيد اإلدارة العقابية‬
‫تتحكم بواسطتها في النزالء إلى درجة تصل إلى اإلذالل أو حتى‬
‫العبودية‪ ،‬خصوصا وأن النشاط املنهي في السجن يعتبر بالنسبة‬
‫للنزيل ال مصدر دخل ومصدر تمضية للوقت فحسب بل أيضا‬
‫وسيلة تسهل عمليات االفراج باعتباره بادرة عن حسن السلوك‬
‫التي يمكن أن تقود إلى الحصول على عفو أو سراح شرطي‪.‬‬
‫يؤدي غياب أي إطار قانوني للعمل إلى تفعيل السلطة التقديرية‬
‫لإلدارة السجنية والتي تقيد التعسف‪ ،‬لذلك يعتبر اعتماد معايير‬
‫واضحة إلسناد األولوية في العمل ولترتيب النزالء أمرا جد مطلوب‪،‬‬
‫ويجب على النقابة لعب دور أسا�سي في هذا املجال‪ ،‬وذلك بأن‬
‫تجعل اللجنة الخاصة بالتكوين والتشغيل تعطي األولوية في العمل‬
‫للمحكوم عليهم الذين ينص برنامج تأهيلهم الفردي على وجوبية‬
‫العمل‪ ،‬كذلك النزالء الذين لهم خبرات وامكانيات بذلك العمل‪،‬‬
‫أيضا يجب األخذ بعين االعتبار السيرة داخل السجن واألقدمية‬
‫وااللتزامات العائلية للمعني باألمر‪.‬‬
‫يجب كذلك السماح للنزيل باالعتراض على رفض تشغيله أو‬
‫حرمانه من مواصلته‪ ،‬وهذا االعتراض يمكن أن يكون أمام اللجنة‬
‫الخاصة بالتكوين والتشغيل‪ ،‬وفي صورة رفض االعتراض يتم رفعه‬
‫لإلدارة العامة للسجون واإلصالح أين يتم النظر فيه ومناقشته مع‬
‫النقابة وملا ال تفويض النظر لقا�ضي تنفيذ العقوبات للفصل في‬

‫‪59‬‬
‫صورة اختالف وجهات النظر‪ ،‬وتستطيع النقابة رفع األمر إلى وزارة‬
‫العدل أو القا�ضي اإلداري للمطالبة بإنصاف منظورها‪.‬‬
‫تؤدي هذه األمور إلى تغيير الواقع العملي األليم واملخزي الذي‬
‫يعيشه النزيل الباحث عن عمل‪ ،‬حيث أنه لكي يتمكن من ذلك عليه‬
‫أن تكون له واسطة تتمثل في إطار سجني سامي يتدخل له عند‬
‫اللجنة املعنية بالتشغيل‪ ،‬أو أن يدفع الرشاوي ملوظفي السجن‬
‫أمال في إتمامهم لنصيبهم من االتفاق‪ ،‬وتتمثل الرشوة في عدد‬
‫خمسة علب سجائر نوع ‪ 20‬مارس وهو أمر متفق عليه ومعمول به‬
‫في سجوننا‪ ،‬وطبعا ال �شيء يضمن للنزيل وفاء العون وعدم نقضه‬
‫لالتفاق أو مطالبته باملزيد‪ .‬وال تقف العملية عند الدفع ألعوان‬
‫السجون بل يجب على النزيل الراغب في العمل كذلك كسب ود‬
‫«كبران الكرفي»‪ ،‬وهو نزيل متعاون مع اإلدارة السجنية التي تعينه‬
‫رئيسا للعمال ينظم ويشرف على األشغال املنجزة بالسجن‪ ،‬وكسب‬
‫الود يكون بالتذلل وتوفير السجائر والطعام‪.‬‬
‫ربما هناك بعض األشخاص قد يعتبرون محل الرشوة جد تافه‬
‫باعتبار أن خمس علب سجائر سعرها ال يبلغ العشرون دينارا‪ ،‬لكن‬
‫قبل الحكم عليهم معرفة أن السجائر في السجن بمثابة الذهب في‬
‫العالم الحر‪.‬‬
‫تتدخل كذلك النقابة لضمان نظافة وسالمة العمال‪ ،‬فمهما كان‬
‫األمر يتعلق بمسألة طاقة استيعاب العمل املتاحة في بيئة مغلقة‪،‬‬
‫فال ينبغي أن يتم إهمال صحة النزيل العامل الذي يشتغل حاليا في‬
‫ظروف مؤسفة من النظافة والسالمة خاصة الورشات املهنية التي‬
‫تتمثل في أماكن ذات تهوية وإنارة غير كافية وتفتقر آلليات السالمة‬
‫املهنية‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫يجب أن تتوفر في أماكن ومواقع عمل النزيل جميع آليات الوقاية‬
‫والحماية من حوادث الشغل واألمراض املهنية‪ ،‬فالنزيل محكوم‬
‫عليه بعقوبة سالبة للحرية محلها حجز حرية هذا اإلنسان‪ ،‬ويجب‬
‫أن ال تتجاوز هذه العقوبة محلها لينال النزيل بمناسبة قضاء هذه‬
‫العقوبة أضرار أو أمراض جراء العمل وإال كانت عقوبة إضافية‬
‫غير شرعية‪ .‬وفي هذا اإلطار تقوم النقابة برقابة مدى إحترام اإلدارة‬
‫السجنية لقواعد الوقاية والسالمة املهنية والتي يجب أن تكون‬
‫مماثلة ملا عليه الحال في العالم الحر‪ ،‬فاملعايير املنطبقة في السجن‬
‫يجب أن تكون مؤسسة على نفس القوانين واألعراف املعتمدة في‬
‫العالم الحر في هذا املجال‪.‬‬
‫تعمل كذلك النقابة على الحفاظ على صحة النزيل العامل وذلك‬
‫بالعمل على توفير مناخ سليم للعمل خال مما قد يضر بصحة هذا‬
‫اإلنسان العامل‪ ،‬فيجب أن تكون أماكن العمل نظيفة وذات تهوئة‬
‫وإنارة جيدة‪.‬‬
‫أيضا يجب تمكين النزيل العامل من لباس خاص بالشغل وذلك‬
‫لسببين‪ ،‬أولهما حتى ال يضطر النزيل محدود اإلمكانيات‪ ،‬وهي الفئة‬
‫الغالبة في السجن‪ ،‬أن يشتغل بثيابه الشخصية التي يرتديها خارج‬
‫أوقات العمل فتصبح هذه الثياب بالية وقد تتمزق وال يجد عندها ما‬
‫يكفيه من الثياب النظيفة والالئقة‪ .‬ثانيهما املحافظة على النظافة‬
‫الشخصية للنزيل خاصة ونظافة السجن بمعنى أماكن إقامة ونوم‬
‫النزالء عامة‪ ،‬فمن غير املقبول أن يبقى النزيل العامل مرتديا لنفس‬
‫الثياب التي كان يعمل بها ويتجه بها إلى الغرفة أو الجناح الذي يقيم‬
‫به حامال الروائح واألوساخ والجراثيم التي من املمكن أن تتواجد‬

‫‪61‬‬
‫في هندامه نتيجة النشاط الشغلي الذي كان يمارسه‪ ،‬والتي تشكل‬
‫تهديدا لصحته ولصحة كافة النزالء‪.‬‬
‫ويجب الحفاظ على نظافة لباس الشغل وكذلك تمكين النزيل‬
‫العامل من االستحمام وجوبا عند نهاية كل يوم عمل حتى يزيل‬
‫األوساخ التي قد تعلق به خصوصا إن كان العمل املنجز يتطلب‬
‫جهدا جسديا يسبب التعرق أو كان عمال يسبب اإلتساخ‪ ،‬ففي‬
‫الحفاظ على نظافة النزيل وقاية للصحة العامة داخل الفضاء‬
‫السجني‪.‬‬
‫تقوم النقابة بمراقبة الظروف التي يسير فيها العمل خصوصا‬
‫مسألة الوقاية والحماية والنظافة‪ ،‬ويمكنها القيام بذلك عن طريق‬
‫إحداث لجان مختصة بهذه املسائل أو لجنة واحدة توكل لها رقابة‬
‫كل هذه املسائل‪ ،‬ويجب أن تحتوى اللجنة على أخصائيين في مجال‬
‫الوقاية والحماية من أمراض وحوادث الشغل‪ ،‬حيث أن مثل هذه‬
‫املسائل التقنية تتطلب تدخل أهل االختصاص‪ ،‬وضمانا للشفافية‬
‫ودرء لشبهات التعسف يجب أن ال يكون هذا الشخص املختص‬
‫تابعا إداريا إلدارة السجن أو اإلدارة العامة للسجون واإلصالح‪،‬‬
‫فاستقالله عن اإلدارة العقابية بوجه عام يعتبر ضمانة لحسن‬
‫قيامه بواجباته‪.‬‬
‫تهتم النقابة أيضا بتحديد ساعات العمل اليومي واألسبوعي‬
‫وبرقابة وجوبية تمتيع النزيل العامل بحقه في الراحة األسبوعية‬
‫ومختلف العطل سواء املتعلقة باألعياد الوطنية والدينية أو كذلك‬
‫املتعلقة بالعطلة السنوية‪.‬‬
‫تقرر القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء تحديد العدد‬
‫األق�صى لساعات العمل اليومي واألسبوعي‪ ،‬مع مراعاة األنظمة‬
‫‪62‬‬
‫والعادات املحلية املتبعة في مجال استخدام العمال‪ ،‬على أن يترك‬
‫يوما للراحة األسبوعية ووقتا كافيا للتعليم وغيره من النشاطات‬
‫كجزء من عالج السجناء وإعادة تأهيلهم‪.‬‬
‫وينص الفصل ‪ 19‬من القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬والتعلق‬
‫بنظام السجون على حق السجين في الشغل على أال تتجاوز حصص‬
‫العمل املدة القانونية‪.‬‬
‫عمليا وفي أغلب األنظمة العقابية‪ ،‬وقت العمل في السجن أقل‬
‫من الخارج ويفسر ذلك بقلة مواطن الشغل وخطة تقسيم العمل‬
‫لكي يتمكن أكبر عدد من النزالء من العمل‪ ،‬وهذا طبعا ال ينفي‬
‫وجود أنظمة عقابية يعمل بها نزيل املؤسسة السجنية نفس عدد‬
‫الساعات التي يعملها اإلنسان الحر‪ ،‬ويوجد كذلك أنظمة عقابية‬
‫يعمل بها النزيل وقتا أكثر من غيره من العمال املتواجدين بالعالم‬
‫الحر‪.‬‬
‫في تونس عمليا ال يوجد تحديد أو إنتظام لساعات العمل‪ ،‬حيث‬
‫تتجاوز ساعات العمل للنزيل الثماني ساعات يوميا وتتجاوز أحيانا‬
‫االثني عشرة ساعة من ذلك أن عمال األنشطة الفالحية يشتغلون‬
‫عادة بطريقة متواصلة من الساعة ‪ 7‬صباحا إلى الساعة الخامسة‬
‫مساءا دون الحصول على وقت للراحة كاف عند الظهيرة‪ ،‬فراحة‬
‫الغذاء جد قصيرة وال تتجاوز الخمسة عشرة دقيقة‪ .‬وفي املقابل‬
‫نجد عمال الصيانة الذين ينتهي وقت شغلهم بإتمام العمل املطلوب‬
‫منهم إنجازه في ذلك اليوم‪ ،‬فنجدهم يعملون أحيانا لساعات قليلة‬
‫وأحيانا أخرى ألكثر من ثماني ساعات باليوم‪ .‬ونجد كذلك النزالء‬
‫املشتغلين باملطبخ واملغسلة وغير ذلك من املجاالت الهامة للتسيير‬
‫اليومي للمؤسسة السجنية في ما يتعلق بالشؤون الحياتية للنزالء‬
‫‪63‬‬
‫فإنهم يشتغلون وفقا لفترة زمنية أقرب من العبودية منها للعمل‪.‬‬
‫وربما يعتبر عمال الورشات األكثر حظا من ناحية تنظيم وقت‬
‫العمل باعتبارهم يشتغلون لفترة زمنية محددة يوميا تتراوح بين‬
‫الست والثماني ساعات مقسمة لفترتين صباحية ومسائية تتخللها‬
‫راحة‪.‬‬
‫عموما يعاني النزيل العامل تهميشا كبيرا على مستوى تحديد‬
‫ساعات العمل‪ ،‬مما يدعو إلى تدخل النقابة لتحديد وضبط ساعات‬
‫العمل يوميا وأسبوعيا والتي يجد أن ال تتجاوز في كل األحوال املدة‬
‫املعمول بها باملجتمع الحر لنفس النشاط الشغلي‪ .‬كذلك على‬
‫النقابة مراقبة مدى التنفيذ العملي ومدى احترام اإلدارة العقابية‬
‫لزمن العمل‪.‬‬
‫ومن األفضل أن يتم تحديد الزمن الشغلي تحديدا قانونيا‬
‫واضحا مثلما هو الحال في العديد من األنظمة العقابية املقارنة‪ ،‬من‬
‫ذلك مثال أن في إنجلترا نص أمر ‪ 1999‬على عدم تجاوز العمل ‪10‬‬
‫ساعات يوميا بالسجن وواقعا مدة العمل ‪ 24‬ساعة في األسبوع‪ .‬وفي‬
‫إيطاليا يفرض قانون السجون أن ال تتجاوز مدة العمل بالسجن‬
‫املدة للعمل بالخارج أي ‪ 8‬ساعات باليوم‪ .‬وفي املانيا يتم احترام‬
‫مقتضيات االتفاقيات املشتركة فالعمل يكون ملدة ‪ 38‬إلى ‪ 40‬ساعة‬
‫باألسبوع‪.‬‬
‫عندما نتحدث عن مدة العمل أو ساعات العمل‪ ،‬فإننا يجب أن‬
‫نطرح مسألة جد مهمة وهي مسألة العطل‪ ،‬فالنزيل العامل شأنه‬
‫شأن أي عامل له حق مطلق في التمتع براحة أسبوعية إضافة أليام‬
‫العطل الرسمية واإلجازة السنوية الخالصة األجر والتي يعتبر حدها‬

‫‪64‬‬
‫األدنى يوم واحد عن كل شهر عمل‪ ،‬وال نن�سى أيضا مسألة اإلجازات‬
‫املرضية‪.‬‬
‫مع األسف ال يتمتع النزيل العامل بأي راحة أو عطلة خالصة‬
‫األجر‪ ،‬وال تقتصر هذه الوضعية على النظام العقابي التون�سي بل‬
‫هي حالة عامة يعانيها النزيل في أغلب األنظمة باستثناء البعض‬
‫الذي يقر بعطلة سنوية خالصة األجر للنزيل العامل مثلما الشأن‬
‫بالنسبة ألملانيا التي تسند النزيل العامل عطلة سنوية خالصة األجر‬
‫ملدة ‪ 24‬يوما واسبانيا أين تبلغ فيها نفس العطلة ‪ 30‬يوما‪.‬‬
‫إن أي انقطاع عن العمل‪ ،‬وذلك في السواد األعظم لألنظمة‬
‫العقابية‪ ،‬سواء في إطار عطلة مهما كان نوعها أو ألسباب خارجة‬
‫عن النزيل العامل‪ ،‬ينجر عنه غياب األجر عن ذلك االنقطاع‪ ،‬وهذا‬
‫يعتبر أمرا جد سلبي وماسا بحقوق اإلنسان وضارا بالغاية التأهيلية‬
‫للعقوبة السجنية‪.‬‬
‫وحتى األنظمة التي تعترف بحق النزيل في الراحة األسبوعية والتي‬
‫كما أشرنا ال تكون خالصة األجر‪ ،‬فإنه من الناحية العملية ال يتم‬
‫دائما احترام الحق في الراحة األسبوعية والعطالت الرسمية خاصة‬
‫في مجال الخدمة العامة وال سيما املطبخ والنظافة والصيانة‪ ،‬ومما‬
‫يزيد األمر سوء أن قيمة التأجير عن ساعات العمل املنجزة خالل‬
‫العطل هي ذات القيمة لساعات العمل العادية‪ ،‬وذلك خالفا للعالم‬
‫الحر‪ ،‬فمن املفروض أن يكون تأجير تلك الساعات أرفع‪.‬‬
‫يجب على النقابة السعي النتزاع حق النزيل العامل في العطل‬
‫خالصة األجر ألن ذلك سيعود بنفع كبير على نفسية النزيل الذي‬
‫سيشعر بمكانته كعامل مما ينعكس إيجابا على عملية تأهيله‪،‬‬
‫وإن كان هذا اإلنجاز يتطلب نضاال قد يطول أمده‪ ،‬فإن النقابة‬
‫‪65‬‬
‫ستسعى بالتوازي لضمان تمتع النزيل العامل فعليا بعطلة أسبوعية‬
‫حتى ولو كانت غير خالصة األجر‪ ،‬فهذا العامل إنسان وهو يحتاج‬
‫للراحة حتى ال يستنفذ جسده وعقله ونفسه جراء العمل املتواصل‬
‫وما يدخله من روتين‪ .‬كذلك تقوم النقابة بضمان تمتع النزيل‬
‫العامل بعطلة مرضية دون أن يفقد شغله‪ ،‬حيث أن النزيل عمليا‬
‫إذا أصيب بمرض فإنه مخير بين أمرين سيئين إما العمل واخفاء‬
‫وتحمل مرضه وإما ترك العمل والركون للراحة لغاية ذهاب املرض‬
‫ثم االنتظار حتى الحصول على عمل آخر‪.‬‬
‫يعتبر العمل القسري والعبودية من املا�ضي‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫ظروف عمل النزالء تقترب كثيرا من التعذيب وتبتعد عن األنسنة‪،‬‬
‫لذلك فإن العمل النقابي ضروري لتحقيق الغاية التأهيلية للعمل‬
‫ولجعل النزيل العامل يشتغل في ظروف إنسانية‪ ،‬ومن الضروري‬
‫أن تعمل النقابة إضافة إلى ضمان ظروف عمل إنسانية وحماية‬
‫حقوق النزيل العامل إلى خلق حماية قانونية ثابتة لهذه الحقوق‪،‬‬
‫وذلك ال يكون إال بإمضاء عقد عمل بين النزيل واملؤسسة العقابية‬
‫أو الجهة املشغلة‪ ،‬ففقط عقد العمل يمكن أن يمنع انتهاك حق‬
‫النزيل في الكرامة ويضمن له جميع حقوقه كعامل‪.‬‬
‫وال تعتبر مسألة عقد العمل بدعة‪ ،‬إذ نجدها في العديد من‬
‫األنظمة العقابية‪ ،‬من ذلك أننا نجد في إيطاليا بالنسبة لألعمال‬
‫التي تهم تسيير السجن عقود عمل مثل العقود التي نجدها باملجتمع‬
‫الحر في القطاع الخاص‪ ،‬فالنزيل يم�ضي مع اإلدارة العقابية عقد‬
‫عمل محدود املدة وعقد عمل جزئي‪ .‬وفي اسبانيا يوجد اتفاق عمل‬
‫ينص على نوع العمل وشروط إنجازه وظروفه‪ ،‬ويكون ملدة معينة‬
‫بوقت كامل أو جزئي‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫يمكن عقد العمل النزيل العامل من معرفة حقوقه والتزاماته‪،‬‬
‫ويمكنه من االلتجاء حتى للقضاء للطالبة بحقوقه إن هضمت‪،‬‬
‫ويمكن أيضا النقابة من لعب دورها بأريحية اعتمادا على وضوح‬
‫اإلطار القانوني املنظم للعمل‪ ،‬ويمكن العقد أيضا من حل مسألة‬
‫جد هامة بالنسبة للنزيل وهي مسألة قيمة األجر الي يناله مقابل‬
‫عمله‪.‬‬
‫ب‪ -‬حق النزيل في األجر‬
‫يعتبر العمل إضافة لكونه حق من حقوق اإلنسان‪ ،‬وسيلة‬
‫هامة في يد اإلدارة العقابية لتحقيق تأهيل النزيل وإعداده للعودة‬
‫للمجتمع‪ .‬لكن هذا ليس رأي النزالء الذين يقولون بأن العمل في‬
‫السجون ال يعلم شيئا‪ ،‬بل هو أكثر من ذلك مرادف لالستغالل‪،‬‬
‫وال يسمح للنزيل ال باقتناء ما يريد أثناء حبسه وال بإعالة عائلته وال‬
‫بمغادرة االحتجاز بموارد كافية‪.‬‬
‫يعتبر هذا القول صحيحا تماما‪ ،‬ذلك أن نزيل املؤسسة العقابية‬
‫يتقا�ضى أجرا زهيد للغاية عن عمله‪ ،‬فالنزيل العامل إذا اشتغل‬
‫طيلة شهر كامل دون انقطاع أو راحة يتحصل في املعدل على مبلغ‬
‫أربعون دينارا‪ ،‬أربعون دينارا أجر ثالثون يوما عمل لوقت كامل‪،‬‬
‫أربعون دينارا ال تكفي الفرد طعاما مدة ثالثين يوما ‪....‬‬
‫يعكس هذا التأجير وضعية االستغالل التي يعيشها النزيل‬
‫العامل والتي ترقى للعبودية‪ ،‬ويتطلب هذا الوضع الالإنساني‬
‫التدخل النقابي من أجل تحسين وضمان والدفاع عن حق النزيل‬
‫العامل في أجر عادل‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫تعود هذه الوضعية التأجيرية الالإنسانية التي يعيشها النزيل‬
‫للنظرة التقليدية حول تكييف مقابل العمل في السجون‪ ،‬والتي تنفي‬
‫صفة األجر على املقابل الذي يتلقاه النزيل نذير شغله‪ ،‬وتعتبره مجرد‬
‫تبرع من الدولة تدفع إليه اعتبارات من املصلحة العامة تتمثل في‬
‫املزايا التهذيبية والتأهيلية املرتبطة به‪ .‬وتعتبر هذه النظرة أن شغل‬
‫نزالء املؤسسات السجنية مندرج ضمن عناصر املعاملة العقابية‬
‫وغير مستقل عنها‪ ،‬فهو التزام يلقى على عاتق املحكوم عليه وسبب‬
‫التزامه الحكم القضائي الذي ق�ضي بالعقوبة‪ ،‬وهو ما يترتب عنه‬
‫أن خضوع املحكوم عليه لاللتزام بالعمل ال ين�شئ له حقا في األجر‪،‬‬
‫وإنما عمله هو مجرد وفاء بالتزامه الخضوع لتنفيذ العقوبة‪.‬‬
‫لقد تجاوز الزمن هذه النظرة‪ ،‬وأقرت التصورات الحديثة‬
‫للعقوبة باعتبار املقابل الذي يتلقاه النزيل عن شغله أجرا‪ ،‬وهو‬
‫ما أقرته صراحة العديد من األنظمة العقابية‪ ،‬من ذلك النظام‬
‫العقابي التون�سي أين نجد الفصل ‪ 19‬من قانون ‪ 14‬ماي ‪2001‬‬
‫املتعلق بنظام السجون ينص على ما يلي‪« :‬يحق للسجين‪7- :‬العمل‬
‫مقابل أجر‪.»...‬‬
‫يحسم هذا الفصل كل نقاش قد يطرح في نظامنا العقابي حول‬
‫حق النزيل العامل في أجر مقابل شغله‪ ،‬إال أن النقاش يبقى مطروحا‬
‫حول مقدار هذا األجر‪ ،‬فهل يجب أن يكون مطابقا ألجر املثل أي‬
‫مساويا لألجر الذي يتقاضاه العامل الحر الذي يقوم بنفس العمل‬
‫خارج السجن؟ أم أن هذا املقابل يجب أن يكون أقل من ذلك؟ وإلى‬
‫أي حد؟‬
‫إن أردنا فعال تأهيل النزيل وإن كنا فعال نؤمن بكونية حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬يجب اإلقرار بحق النزيل في أجر املثل‪ ،‬فالسياسة‬
‫‪68‬‬
‫الجنائية الحديثة تنادي بضرورة تشجيع النزيل على العمل حتى‬
‫تؤدي العقوبة وظيفتها التأهيلية‪ ،‬فالغرض من منح النزيل أجر‬
‫املثل هو تنمية الشعور لديه بقيمة العمل االقتصادية واالجتماعية‬
‫حتى يقبل عليه ويتعلق به‪ ،‬ألنه إذا كان هذا املقابل ضئيال‪ ،‬يشعر‬
‫النزيل آنذاك بضآلة عمله فينفر منه ويستمر لديه هذا النفور بعد‬
‫اإلفراج عنه‪.‬‬
‫هذا القول قد يجد معارضة من قبل األصوات الرافضة‬
‫ملعاملة النزيل كإنسان‪ ،‬والذين يمتازون بنظرتهم التحقيرية لكل‬
‫مودع باملؤسسة السجنية‪ ،‬والذين يميلون لتغويل وفرض الجانب‬
‫العقابي واملؤلم للعقوبة وتقزيم وتهميش جانبها اإلصالحي‪ .‬هؤالء‬
‫سوف يعتمدون مبررات هزيلة لتبرير نظرتهم الالإنسانية واملبررة‬
‫الستغالل النزيل العامل من خالل منحه ألجر رمزي أو جد هزيل‬
‫مقابل شغله‪.‬‬
‫يقول أنصار األجر الرمزي بأن تمتيع النزيل بأجر املثل يضعف‬
‫من سلطة اإلدارة العقابية عليه‪ ،‬والتي تصبح عاجزة على حرمان‬
‫النزيل منه في صورة تعرضه إلى عقاب تأديبي‪ ،‬كما ال يمكنها منح‬
‫العائدين مقابال أقل إلشعارهم بذنبهم وتشجيع املبتدئين‪.‬‬
‫هذه الحجة يمكن دحضها من خالل تأجير النزيل العامل‬
‫بالساعة‪ ،‬مع اإلشارة إلى كون التأجير بالساعة هو األسلوب األكثر‬
‫رواجا عامليا في املجتمع الحر‪ ،‬هذا األسلوب يقوم على احتساب‬
‫األجر األسبوعي أو الشهري على أساس أجر مجموع ساعات العمل‬
‫التي اشتغلها خالل ذلك الحيز الزمني‪ ،‬هكذا يكون النزيل الخاضع‬
‫لعقوبة تأديبية منعته من العمل محروما من أجل الساعات التي لم‬
‫يعملها‪ ،‬فهو يتلقى فقط أجر الوقت الذي إشتغله فقط‪ .‬وبالنسبة‬
‫‪69‬‬
‫ملسألة منح العائدين مقابال أقل وتشجيع املبتدئين‪ ،‬فهذا أمر غير‬
‫مرتبط باألجر‪ ،‬إذ يمكن ربطه بمسألة الترتيب‪ ،‬أو املنح واملكافئات‬
‫التي يتم إقرارها لتشجيع النزيل العالم على مزيد االجتهاد وبذل‬
‫الجهد في عمله أو ملكافئته على حسن القيام به‪.‬‬
‫يدفع كذلك أنصار األجر الرمزي بأن املساواة في األجر بين النزيل‬
‫والعامل الحر الذي يمارس نفس العمل أمر غير مقبول‪ ،‬إذ ال يجوز‬
‫إقرار املساواة بين مذنب ومواطن غير مذنب‪ ،‬إضافة إلى كون هذه‬
‫املساواة تكون مختلة لصالح املذنب باعتبار أن املحكوم عليه يتمتع‬
‫بمزايا ال يتمتع بها العامل الحر بصفة مجانية‪ ،‬فهو يحصل على‬
‫مأوى ومأكل وملبس‪.‬‬
‫هذه الحجة نجيب عنها بالتذكير بأن ما يهم في العمل ليس شخص‬
‫القائم به بل العمل في حد ذاته وما وفره من قيمة مضافة أو إنتاج‪،‬‬
‫فالعبرة بما يوفره العمل‪ ،‬فسواء كان العمل منجزا من قبل نزيل‬
‫أو شخص حر‪ ،‬رجل أو امرأة‪ ،‬شاب أو كهل‪ ،‬فما يهمنا ما حققه‬
‫هذا العمل‪ ،‬فإن كانت النتيجة واحدة فهي ستوفر نفس القيمة‬
‫املضافة للمشغل وبذلك تستحق نفس األجر‪ .‬وفيما يتعلق بمسألة‬
‫تمتع النزيل بصفة مجانية على مأوى ومأكل وملبس فهذا كالم نظري‬
‫ال عالقة له بواقع سجوننا‪ ،‬وحتى إن افترضنا ذلك فيمكن أن يتم‬
‫تحديد معلوم يدفعه النزيل العامل إزاء هذه الخدمات‪ ،‬وال نن�سى‬
‫أن النزيل محروم من أهم وأغلى حق إنساني وهو الحرية التي يتمتع‬
‫بها العامل الحر‪ ،‬كذلك ال نن�سى الفرق في ظروف العمل وظروف‬
‫الحياة بين النزيل والعامل الحر‪.‬‬
‫يستند أيضت أنصار األجر الرمزي إلى غياب عالقة تعاقدية‬
‫تربط بين املحكوم عليه واإلدارة العقابية يمكن أن ينشأ عنها حق‬
‫‪70‬‬
‫للمحكوم عليه في أجر املثل والتزام اإلدارة بأدائه له‪ ،‬بل إن طبيعة‬
‫العالقة بينهما تجعل منها أبعد ما يكون عن التكييف التعاقدي‪،‬‬
‫فاملحكوم عليه يلزم بالعمل وبشروطه املحددة مسبقا من طرف‬
‫اإلدارة العقابية دون أن يكون له حق في مناقشتها أو رفضها‪.‬‬
‫لقد تنا�سى أصحاب هذا القول بأن وجود عقد عمل من عدمه‬
‫ال عالقة له بتوفير أجر املثل للنزيل‪ ،‬إذ يمكن إبرام عقد عمل لنزيل‬
‫والتنصيص صلب العقد على تأجير منخفض عن أجر املثل كما‬
‫يمكن عدم إبرام عقد واعتماد اإلدارة لنظام تأجير يمكن النزيل‬
‫العامل من أجر املثل‪ .‬وبالنسبة ملسألة مناقشة شروط العمل‬
‫فهذه مسألة غير متوفرة في أغلب مواطن الشغل بالعالم الحر‪،‬‬
‫فغالب املشغل سواء كان من القطاع العام أو الخاص يضع شروط‬
‫التشغيل والتأجير بصفة منفردة وما لطالب الشغل إال املوافقة‬
‫عليها كما هي إن أراد العمل‪.‬‬
‫يختم أنصار األجر الرمزي حججهم بالقول أن إنكار حق النزيل‬
‫في أجر املثل يعد أمرا منطقيا تبرره الوضعية القانونية الخاصة‬
‫بالنزيل‪ ،‬ألن معاملة املحكوم عليه على قدم املساواة مع العامل‬
‫الحر من شأنه أن يؤدي إلى إثارة غضب الرأي العام اعتقادا منه‬
‫بأن العمل في السجن هو عنصر مكمل للعقوبة ال عنصرا من‬
‫عناصر اإلصالح والتأهيل‪ ،‬وترتيبا على ذلك‪ ،‬ال يجب أن تمنح‬
‫الدولة العامل املجرم أي أجر‪ ،‬فقط مجرد مكافآت مالية تقديرا‬
‫لهم عن حسن سلوكهم‪.‬‬
‫يعتبر هذا القول مردودا باعتبار أن ال دليل إحصائي أو علمي‬
‫عليه‪ ،‬إضافة إلى كون حقوق اإلنسان واملساواة بين البشر ال تقاس‬
‫بغضب أو رضاء الرأي العام‪ ،‬وإنسانية النزيل مسلم بها وال تقبل‬
‫‪71‬‬
‫حتى النقاش‪ ،‬كذلك تحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية ال‬
‫ترتبط برأي املواطنين‪.‬‬
‫بقطع النظر عن النقاشات الفقهية وبالنظر في واقع األنظمة‬
‫العقابية‪ ،‬نجد أن النزيل العامل ال يتمتع بأجر املثل‪ ،‬فمثال في‬
‫فرنسا ينص الفصل د‪ -102‬من مجلة اإلجراءات الجزائية على أن‬
‫تأجير السجين يجب أن يقترب أكثر ما يمكن من أجر العامل الحر‬
‫حتى يكون باإلمكان إعداد السجين لظروف العمل بالخارج‪ ،‬وفي‬
‫التطبيق يتقا�ضى السجين من ‪ 40‬إلى ‪ % 45‬من الدخل األدنى‪ .‬وفي‬
‫إيطاليا نص قانون السجون على أن األجر يكون عادال ويحدد حسب‬
‫نوع وحجم العمل وتنظيمه وطبيعته‪ ،‬وفي كل الحاالت يجب أن ال‬
‫يقل عن ثلثي األجر املنصوص عليه باالتفاقيات املشتركة املعنية‬
‫بذلك النشاط‪ .‬وفي اسبانيا تحدد الهيئة املستقلة للعمل وخدمات‬
‫السجون سنويا أجر ساعة العمل‪ ،‬والتي تختلف حسب النشاط‪،‬‬
‫وعموما تقترب من األجر األدنى املضمون بالخارج‪.‬‬
‫إن مجمل هذه األنظمة وإن كانت ال توفر للنزيل أجر املثل‬
‫فإنها تمكنه من أجر محترم يقترب من األجر األدنى املضمون‪،‬‬
‫هذا إضافة لتمتيعه بمنح تشجيعية ومنح إنتاج‪ ،‬مع اإلشارة كون‬
‫النزيل الذي يعمل لساعات إضافية وخالل العطل يتحصل طبعا‬
‫على تأجير إضافي قد يمكنه أحيانا من الحصول على أجر مرتفع‬
‫وهام آخر الشهر‪ .‬وال نن�سى أن نزيل هذه األنظمة العقابية الواعية‬
‫بقيمة اإلنسان ال يحتاج للتبضع داخل السجن مثلما هو حال نزيل‬
‫السجون التونسية‪ ،‬فتلك املؤسسات توفر لنزالئها الطعام الجيد‬
‫وكل متطلبات اإلقامة اإلنسانية‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫يسمح هذا الوضع للنزيل العامل باستعمال املبالغ الهامة التي‬
‫يتحصل عليها من شغله ملواجهة بعض النفقات الضرورية‪ ،‬وتتمثل‬
‫هذه النفقات في املصاريف القضائية والغرامة والتعويض املستحق‬
‫عليه‪ ،‬ويستطيع أيضا أن يرسل جزء من املال إلى عائلته‪ ،‬إضافة‬
‫لعملية ادخار مبلغ لتكوين رصيد يسلم له يوم اإلفراج كي يساعده‬
‫في عملية إعادة اإلدماج‪.‬‬
‫بالنظر في وضعية النزيل التون�سي‪ ،‬نجد أن املشرع لم يشترط أن‬
‫يكون أجر النزيل مماثال ألجر العامل الحر ولم يترك مسألة التأجير‬
‫في يد اإلدارة العقابية‪ ،‬بل وضع معيارا لتحديد مقدار املقابل الذي‬
‫يتقاضاه النزيل العامل‪ ،‬فبالعودة للفصل ‪ 19‬من قانون ‪ 14‬ماي‬
‫‪ 2001‬نجده ينص على أنه «يحق للسجين‪7- :‬الشغل مقابل أجر‬
‫وطبق اإلمكانيات املتاحة‪ ...‬ويحدد قرار مشترك من الوزير املكلف‬
‫بالسجون واإلصالح والوزير املكلف بالشؤون االجتماعية شروط‬
‫وكيفية التأجير»‪.‬‬
‫لقد أحال املشرع تحديد تأجير عمل النزيل مشاركة لوزير العدل‬
‫وحقوق اإلنسان ووزير الشؤون االجتماعية‪ ،‬وللوهلة األولى نظن أن‬
‫هذا االختيار التشريعي سوف يكون صائبا‪ ،‬باعتبار أن وزير العدل‬
‫سوف يراعي في جانب كبير من قراره مقتضيات حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫فال يجعل من األجر الذي يمنح للنزيل العامل زهيدا أو تافها بالشكل‬
‫الذي يحط من كرامته كإنسان له مشاعره وأحاسيسه البشرية التي‬
‫ال بد من إعطائها األهمية التي تستحقها حتى يحقق العمل كعنصر‬
‫هام في املعاملة العقابية غايته في التأهيل‪ ،‬هذا من جهة‪ .‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬سوف يأخذ الوزير املكلف بالشؤون االجتماعية بعين‬
‫االعتبار عند تحديد شروط وكيفية التأجير تطور مستوى العيش‬
‫‪73‬‬
‫والقدرة الشرائية للمواطن التون�سي حتى ال يكون املقابل الذي يمنح‬
‫للنزيل العامل ضئيال بكيفية متناقضة تماما مع مستوى العيش في‬
‫املجتمع وحتى ال يشعر النزيل بضآلة عمله فينفر منه ويستمر لديه‬
‫النفور بعد اإلفراج عنه وهو ما يحول دون إصالحه‪.‬‬
‫كشف الواقع خيبة هذا الظن‪ ،‬فالنزيل يحظى بتأجير أقل ما‬
‫يقال عنه أنه تافه وماس بالكرامة‪ ،‬وال يتالءم تماما مع الغاية‬
‫التأهيلية سواء للعمل أو للعقوبة السجنية في حد ذاتها‪ ،‬إضافة‬
‫لتضاربه ومخالفته ملتطلبات القاعدة ‪ 75‬و‪ 76‬من مجموعة قواعد‬
‫الحد األدنى ملعاملة املساجين‪ ،‬حيث يستحيل تقسيم ‪ 40‬دينارا‬
‫وإرسال جزء منها إلى عائلة النزيل وادخار جزء آخر ليكون رصيدا‬
‫يسلم له لحظة اإلفراج وتخصيص جزء ملصاريف النزيل وغير‬
‫ذلك‪ ،‬فاألمر يبدو مضحكا لغاية البكاء حزنا‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل على تخليص النزيل العامل من هذا‬
‫االستغالل وهذه العبودية املقننة‪ ،‬إذ يجب عليها ضمان تأجير‬
‫عادل للشغل الذي يقوم به النزيل حتى يتمكن فعال هذا العامل‬
‫من الحصول على مبالغ تسمح له بتلبية حاجياته وإعالة عائلته‬
‫وخالص ما عليه من مصاريف قضائية وخطايا وتعويض‪ ،‬وتسمح‬
‫له أيضا من الحصول على مبلغ محترم يسلم له لحظة اإلفراج عنه‬
‫يساهم في حسن إعادة إدماجه‪.‬‬
‫وال يقف دور النقابة عند هذا الحد‪ ،‬بل عليها كذلك العمل‬
‫على توفير دخل للنزالء غير العاملين‪ ،‬طبعا ليس كل النزالء‪ ،‬لكن‬
‫النزالء الذين تقدموا بمطالبهم للعمل لكن لم توفر لهم اإلدارة‬
‫العقابية بعد شغال‪ ،‬أو الذين انقطعوا عن العمل لسبب غير ذاتي‪،‬‬
‫أو املسننين‪ ،‬بصفة عامة يجب توفير منحة مالية كافية لكل نزيل‬
‫‪74‬‬
‫معطل عن العمل ألسباب غير مرتبطة بشخصه‪ ،‬والغرض من هذه‬
‫املنحة حفظ كرامته كإنسان وتلبية احتياجاته اليومية‪.‬‬
‫ضمانا لحق النزيل العامل وتوضيحا وتحديدا لواجباته وحقوقه‪،‬‬
‫يجب إبرام عقد عمل بينه وبين اإلدارة العقابية‪ ،‬أو بينه وبين اإلدارة‬
‫واملشغل‪ ،‬وذلك لضبط نوعية الشغل ومواعيده وماهيته وما على‬
‫النزيل القيام به‪ ،‬فيتم تحديد التزامات النزيل العامل بدقة وكذلك‬
‫حقوقه بدقة ومن أهمها األجر الذي سيتلقاه عن شغله‪.‬‬
‫ويجب أن يتمتع النزيل العامل شأنه شأن العامل الحر ببطاقة‬
‫أجر تتضمن عدد ساعات العمل املنجزة واألجر الذي تلقاه عنها‪،‬‬
‫وهذا األمر معمول به في عديد األنظمة العقابية‪ ،‬فمثال في إنجلترا‬
‫يتحصل النزيل على بطاقة أجر تتضمن األجر واالقتطاعات‪،‬‬
‫وفي املانيا يتحصل النزيل على وثيقة مكتوبة شهرية تتضمن عدد‬
‫ساعات العمل املنجزة ونوع العمل واألجر‪ ،‬وفي إيطاليا يتحصل‬
‫النزيل على بطاقة أجر فقط إذا كان يعمل بمقت�ضى عقد عمل مع‬
‫مؤسسة خاصة‪.‬‬
‫كل هذه املسائل تتنزل في لب عمل النقابة التي عليها العمل على‬
‫تحقيقها والسهر على الحفاظ عليها واحترامها‪.‬‬
‫يعتبر السجن عقوبة جد خطيرة‪ ،‬فهو يقوم على حرمان شخص‬
‫من حريته‪ ،‬وهو أمر فظيع‪ ،‬وال يمكن أن يتم القبول بإضافة عقاب‬
‫آخر لهذا العقاب‪ ،‬وهو االستغالل‪ ،‬لذلك تبرز أهمية النقابة في‬
‫انتشار النزيل العامل من وضعية اإلذالل والعبودية التي يعيشها وفي‬
‫تحقيق الغاية التأهيلية للعمل‪ ،‬وال يقف دور النقابة على تنظيم‬
‫العمل بل يشمل كذلك حل اإلشكاليات املحيطة بالعمل‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حل اإلشكاليات املحيطة بالعمل‬
‫يفرض العمل حماية النزيل باعتباره إنسانا عامال مما قد يصيبه‬
‫من أمراض وحوادث شغلية وذلك بغض النظر عن وضعيته‬
‫القانونية كمسلوب للحرية‪ ،‬وتقت�ضي هذه الحماية أن تتوفر‬
‫للسجين املتطلبات األساسية لحفظ وحماية الصحة حتى يتسنى‬
‫له ممارسة عمله مؤمنا ضد كل ما يطرأ من حوادث‪ ،‬وهو ما يقودنا‬
‫إلى وجوب انتفاع املحكوم عليه بالضمانات التي تؤمنه ضد حوادث‬
‫الشغل واألمراض املهنية‪.‬‬
‫وال تقف هذه الضمانات عند املستوى الوقائي‪ ،‬بل يجب تمتيع‬
‫النزيل العامل بالضمان االجتماعي شأنه شأن العامل الحر‪ ،‬وتمتيعه‬
‫بكل امتيازات منظومة الضمان االجتماعي من تغطية صحية ومنح‬
‫عائلية وخاصة وأساسا الشيخوخة التي تعتبر من أبرز املعضالت‬
‫التي يعيشها النزيل والتي تتطلب حال أكيدا‪.‬‬
‫أ‪ -‬أمراض وحوادث الشغل‬
‫ينجم عن إنجاز الشغل العديد من املخاطر املهددة لسالمة‬
‫النزيل العامل‪ ،‬ومن أهمها نجد حوادث الشغل باإلضافة إلى‬
‫األمراض املهنية‪.‬‬
‫تعتبر األمراض املهنية وحوادث الشغل من املشكالت الرئيسية‬
‫والخطيرة التي تواجه نزيل املؤسسة السجنية وذلك بسبب دخول‬
‫االلة إلى الفضاء السجني‪ ،‬وبسبب استخدام مواد مختلفة سواء‬
‫في الصناعة أو الحرف أو الفالحة والتي يترتب عليها كثرة الحوادث‬
‫واألمراض املهنية‪ ،‬إضافة لكون النزيل العامل بطبيعة عمله معرض‬

‫‪76‬‬
‫لإلصابات الجسيمة كالسقوط من مكان مرتفع‪ ،‬أو انهيار �شيء ما‬
‫عليه‪ ،‬أو غيرها من األسباب‪.‬‬
‫اختلفت الهيئات العلمية والقانونية في تعريف املرض املنهي ولم‬
‫تصل إلى اتفاق عام بشأن هذا التعريف‪ ،‬وارتكز محور اختالفها‬
‫حوملدى تحديد العالقة بين املرض واملهنة‪ ،‬فمثال عرفته هيئة‬
‫العمل الدولي صلب توصيتها رقم ‪ 67‬لسنة ‪ 1944‬بأنه «كل مرض‬
‫تكثر اإلصابة به بين العاملين في مهنة ما أو مجموعة من املهن دون‬
‫غيرها»‪ ،‬وفي اململكة املتحدة عرف املرض املنهي بأنه «ما ينشأ من‬
‫خطورة خاصة متعلقة بالعمل وليست خطورة عامة يتعرض لها‬
‫عامة الناس»‪ ،‬أما في‪ ‬الواليات املتحدة فإنه «املرض أو العدوي التي‬
‫تنشأ نتيجة مزاولة عمل مادي تتفق طبيعته مع ذلك املرض مع‬
‫ضرورة أن يكون العمل ذا خطورة‪ ‬زائدة»‪.‬‬
‫لقد أجمع الفقه على أنه من الصعوبة وضع تعريف دقيق جامع‬
‫ملفهوم املرض املنهي‪ ،‬وذلك ألنه ظاهرة متعددة األسباب ومتنوعة‬
‫األوجه واألعراض‪ ،‬ويمكن القول أن األمراض املهنية هي أمراض‬
‫ناتجة عن التأثير املباشر للعمليات اإلنتاجية وما تحدثه من تلوث‬
‫لبيئة العمل بما يصدر عنها من مخلفات ومواد وغيرها من اآلثار‪،‬‬
‫وكذلك نتيجة تأثير الظروف الطبيعية املتواجدة في بيئة العمل من‬
‫حرارة ورطوبة وضوضاء واهتزازات وإشعاعات وغير ذلك‪.‬‬
‫يشهد املجتمع السجني العديد من األمراض املهنية التي تنتشر‬
‫بدرجة كبير في صفوف النزالء العمال‪ ،‬ونذكر من بينها‪:‬‬
‫أمراض التسمم الحادة أو املزمنة وهي التي تظهر لدى النزالء‬
‫الذين يستخدمون خالل نشاطهم املنهي مواد سامة مثل الكلور‬
‫والغراء وأنواع عديدة من األكسيد وغير ذلك‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫أمراض التعفن واآلفات التي تلحق بالعيون نتيجة استخدام‬
‫بعض املواد الضارة لألعين‪ ،‬وكذلك نتيجة التعرض املتكرر الحرارة‬
‫املرتفعة والضوء الشديد‪.‬‬
‫أمراض الغبار الرئوي الناتجة عن تنفس هواء مليء باألتربة‪.‬‬
‫أمراض عظام ومفاصل اليد الناتجة عن االهتزازات املوضعية‬
‫بمناسبة القيام باألشغال‪.‬‬
‫األمراض املهنية الناجمة عن الوسط املنهي السجني وهي أمراض‬
‫ناتجة عن املحيط الذي يشتغل فيه املصاب أو الوضعيات التي‬
‫يتخذها أثناء شغله‪ ،‬فمثال العمل في مكان يكثر فيه الضجيج يؤدي‬
‫إلى ضعف في حاسة السمع‪ ،‬والعمل في مكان شديد الرطوبة يؤدي‬
‫لإلصابة بالروماتيزم‪.‬‬
‫يجب لكي يعتبر النزيل العامل مصابا بمرض منهي أن يصاب‬
‫بمرض يعتبر قانونا مرضا مهنيا‪ ،‬وأن يكون قد عمل بانتظام في‬
‫املجال املسبب لهذا املرض‪ ،‬ويعتبر هذا الشرط األخير منطقي‬
‫وضروري لقيام العالقة السببية بين الشغل الذي مارسه النزيل‬
‫واملرض الذي أصابه‪.‬‬
‫عادة ما يكون املرض املنهي ناتجا عن التعرض الدائم واملتكرر‬
‫ملسبب الضرر على امتداد فترة زمنية معينة‪ ،‬فاملرض املنهي تكون‬
‫اإلصابة فيه بطيئة وتتطور تدريجيا وال تظهر إال بعد حين‪ ،‬خالفا‬
‫إلصابة العمل التي تكون ناتجة بالعادة عن وقوع حادث ملرة واحدة‪،‬‬
‫فحادث شغل يعتبر مباغتا ومفاجئا ويعرف وقت ومكان حدوثه‬
‫والضرر الناجم عنه فور حصول اإلصابة‪.‬‬
‫يعرف حادث الشغل بأنه إصابة فجائية يتعرض لها العامل أثناء‬
‫أداء عمله أو بمناسبته وتتسبب في خسائر وأضرار جسمية‪ ،‬وقد‬
‫‪78‬‬
‫تكون اإلصابة مؤقتة أو دائمة تؤدي إلى فقد جزئي أو كلي لعضو‬
‫من أعضاء الجسم‪.‬‬
‫يشمل مفهوم حادثة الشغل كل الحوادث املهنية والعوارض‬
‫الصحية التي تصيب العامل أثناء قيامه بعمله أو بمناسبته حتى‬
‫ولو كانت الحادثة ترجع إلى القوة القاهرة‪ ،‬ويشترط لقيام حادثة‬
‫الشغل وتحققها توافر معيارين أساسية وهما معيار الضرر ومعيار‬
‫التبعية‪.‬‬
‫يقصد بمعيار الضرر أن تكون هناك إصابة للعامل تسببت‬
‫فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز جزئي أو كلي مؤقت أو دائم‬
‫لهذا العامل‪،‬مع اشتراط توفر العالقة السببية بين الضرر والفعل‬
‫الضار‪.‬‬
‫ويقصد بمعيار التبعية أن تكون الحادثة التي تعرض لها اإلنسان‬
‫من جراء الشغل أو عند القيام به قد وقعت وهو يعمل بأي صفة‬
‫كانت لحساب مشغل أو عدة مشغلين‪.‬‬
‫يشترط الكتساب الحادثة التي تعرض لها العامل صفة حادثة‬
‫شغل توافر ثالثة شروط‪:‬‬
‫أولها مساس اإلصابة بجسم العامل‪ ،‬حيث يجب أن ينجم‬
‫عن الحادثة ضرر بجسمه‪ ،‬سواء كان ظاهريا أو خفيا‪ ،‬خارجيا‬
‫أو داخليا‪ ،‬نافذا أو سطحيا‪ ،‬وذلك مثل الجروح والكسور وبتر‬
‫األعضاء والوفاة وغيرها‪.‬‬
‫ثانيها وقوع اإلصابة بغتة‪ ،‬ويتعلق هذا الشرط بالفعل ذاته‬
‫ال بأثره‪ ،‬حيث يشترط أن يبدأ وينتهي في فترة وجيزة من الزمن‬
‫كالسقوط أو التصادم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ثالثها أن يكون الحادث على عالقة بالعمل‪ ،‬أي أن يقع بسبب‬
‫العمل أو أثناء العمل‪ ،‬إذ البد من وجود عالقة بين الحادثة والشغل‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار نشير إلى أن جميع الحوادث التي يتعرض لها العامل‬
‫في مكان وزمان العمل تعتبر حادثة شغل‪ ،‬حتى ولو وقعت خالل‬
‫فترة االستراحة‪ ،‬أو كان سببها خارجا عن نطاق الشغل كما في حالة‬
‫العامل الذي يدخل في مزاح مع أحد زمالءه في مكان العمل‪.‬‬
‫يستلزم حادث الشغل شأنه شأن املرض املنهي اإلثبات حتى‬
‫يتمكن املصاب من نيل التعويض‪ ،‬ويسهل إلى حد ما إثبات حادثة‬
‫الشغل حيث يكفي أن يثبت النزيل إصابته في زمان ومكان الشغل‬
‫ليتم إسناد اإلصابة إلى العمل وتكييفها حادثة شغل‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫للمرض املنهي‪ ،‬فيجب إثبات شروطه كما يحددها القانون لالستفادة‬
‫من التعويض عنه‪.‬‬
‫وتعتبر مسؤولية اإلدارة العقابية في إطار حوادث الشغل‬
‫واألمراض املهنية مسؤولية بدون خطأ‪ ،‬فالنزيل املتضرر ليس‬
‫مطالبا بإثبات أي خطأ في جانب اإلدارة العقابية التي تسأل عن‬
‫األضرار التي تصيب النزيل العامل دون الحاجة إلى إثبات خطأ في‬
‫جانبها‪.‬‬
‫إن النزيل إنسان منزوع الحرية يعيش وضعا استثنائيا في مكان‬
‫مغلق يقبع فيه تحت رحمة اإلدارة العقابية‪ ،‬مما يثير الشكوك حول‬
‫مدى تمتع هذا النزيل اإلنسان بحقه كامال في الرعاية والتعويض إذا‬
‫ما أصيب بمرض منهي أو تعرض لحادث شغل أثناء فترة محكوميته‪،‬‬
‫وهذه الشكوك تمتد أصال إلى مدى قدرته على إثبات املرض أو‬
‫الحادث‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫يأتي هنا دور النقابة التي عليها العمل في هذا املجال على ضمان‬
‫حقوق النزيل العامل في كشف وإثبات أمراض وحوادث الشغل‬
‫وكذلك ضمان حصوله على العناية والعالج الالزم والتعويض‬
‫املناسب‪.‬‬
‫ينطلق عمل النقابة من خالل الحرص وضمان توفر وجودة‬
‫ونزاهة الفحوص الطبية التي يجب أن يخضع لها النزيل‪ ،‬وتتمثل‬
‫هذه الفحوص‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬في فحص طبي ابتدائي عام يخضع له كل نزيل مرشح لعمل‬
‫وذلك لتحقق من لياقته للقيام بهذا العمل ومدى إمكانية تسبب‬
‫هذا العمل بمرض منهي‪ ،‬ويتم هذا الفحص من قبل لجنة طبية‬
‫تضم وجوبا على األقل طبيبا مختصا في األمراض املهنية وذلك قبل‬
‫مباشرة النزيل للعمل‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا‪ ،‬وبعد مباشرة العمل‪ ،‬يجب أن يخضع النزيل العامل‪ ‬لفحص‬
‫طبي دوري يهدف إلى اكتشاف املرض املنهي‪ ‬في أطواره األولى قبل‬
‫أن تظهر عالماته وبذلك يكون األمل في‪ ‬نجاح العالج كبيرا‪ ،‬كما‬
‫أن اكتشاف حاالت املرض املنهي تعلن وجود خطر مما يستوجب‬
‫عزل العامل املصاب عنه واتخاذ كافة االحتياطات والسبل إلزالة‬
‫هذا الخطر وحماية غيره من العاملين‪ ،‬وبذلك يكون الفحص‬
‫الطبي الدوري مقياسا لفاعلية طرق الوقاية وضمانا لنجاح العالج‪.‬‬
‫وتتكفل بإجراء هذا الفحص نفس اللجنة الطبية التي سبق وأن‬
‫أجرت الفحص الطبي االبتدائي‪ ،‬ويجرى الفحص الطبي الدوري في‬
‫أوقات دورية يضبطها أهل االختصاص حسب نوع وظروف العمل‬
‫والصحة العامة للنزيل العامل‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ثالثا‪ ،‬الفحص العر�ضي‪ ،‬وهو فحص يقوم به طبيب يكون‬
‫بالضرورة مختصا في أمراض وحوادث الشغل لنزيل عامل بطلب‬
‫من النقابة خارج موعد الفحص الدوري‪ ،‬ويهدف هذا الفحص‬
‫معاينة مدى إمكانية وجود بوادر مرض منهي أو إصابة عمل خفية‪،‬‬
‫فإن كشف الطبيب ذلك يقوم بإحالة النزيل على اللجنة الطبية‬
‫واتخاذ التدابير العاجلة ملنع تدهور صحة النزيل ولوقف التهديد‪،‬‬
‫وإن كشف انعدام بوادر مرض منهي وانعدام إصابة شغل يحيل‬
‫النزيل حسب الحالة إما لطبيب السجن العام إن كان عليال أو‬
‫لإلدارة العقابية للنظر في أمره إن كان يتمارض‪.‬‬
‫رابعا‪ ،‬الفحص التقييمي املستعجل‪ ،‬وهو الفحص الذي يجرى‬
‫في الحين عند وقوع حادثة شغل‪ ،‬ويتم من قبل الطاقم الطبي‬
‫للسجن‪ ،‬ويهدف خاصة لإلحاطة باملصاب ومنع تعكر الحالة في‬
‫انتظار االنطالق العاجل في اإلجراءات الطبية والغير طبية املتولدة‬
‫عن وقوع حادث شغل‪.‬‬
‫ال تكتفي النقابة بالحرص على اجراء وجودة ونزاهة هذه‬
‫الفحوصات بما يتطلبه ذلك من متابعة وحرص وطعن في النتائج‬
‫إن لزم األمر‪ ،‬بل عليها كذلك متابعة حالة النزيل املصاب أو املريض‬
‫والوقوف على مدى تمكينه من حقوقه سواء على مستوى الرعاية‬
‫أو العالج أو التعويض‪ ،‬والتي يجب أن تكون مماثلة لحقوق العامل‬
‫الحر وأكثر باعتبار الوضعية القانونية والواقعية الخاصة بنزالء‬
‫املؤسسات السجنية‪.‬‬
‫ويجب أن تتكفل النقابة بالقيام وبمتابعة كل اإلجراءات اإلدارية‬
‫والقانونية والقضائية الالزمة لتمكين هذا النزيل من حقه خاصة في‬
‫التعويض‪ ،‬وإن نتج عن املرض أو الحادث وفاة النزيل‪ ،‬فال يعني ذلك‬
‫‪82‬‬
‫تخلي النقابة عن امللف بل تقوم وتواصل جميع األعمال التي يجب‬
‫أن تقوم بها إلى حين حصول ورثة النزيل الفقيد على التعويض‪.‬‬
‫إن الدور الذي تلعبه النقابة في إنصاف النزيل العامل عند‬
‫إصابته بمرض منهي أو تعرضه لحادث شغل‪ ،‬ال يحجب الدور‬
‫الرئي�سي واألولي الذي تلعبه النقابة في الوقاية من أمراض وحوادث‬
‫الشغل‪ ،‬من خالل العمل على توفير بيئة عمل آمنة من مخاطر‬
‫الشغل ورفع مستوى كفاءة ووسائل الوقاية التي تؤدي بال شك‬
‫إلى الحد من اإلصابات واألمراض املهنية وحماية العاملين من‬
‫الحوادث‪.‬‬
‫تصبح أماكن العمل بيئة غير طبيعية وغير آمنة في حالة عدم‬
‫مواكبتها للظروف املطلوبة للعامل‪ ،‬وذلك مثال من حيث اختالل‬
‫درجات الحرارة من برودة أو حرارة‪ ،‬واختالل درجة الرطوبة من‬
‫جفاف أو رطوبة عالية‪ ،‬واإلضاءة العالية أو املنخفضة أو اللمعان‬
‫املفاجئ‪ ،‬والضوضاء‪ .‬هذا إضافة للمخاطر املعتادة التي يعيشها أي‬
‫عامل مثل مخاطر التوصيالت والتجهيزات الكهربائية‪ ،‬ومخاطر‬
‫األنشئة والتي قد يتعرض لها العمال نتيجة عدم تطبيق إجراءات‬
‫السالمة والصحة املهنية أثناء عمليات التشييد‪ ،‬ومخاطر امليكانيك‬
‫الناتجة عن تعرض العاملين ملخاطر اآلالت واملعدات نتيجة غياب‬
‫إجراءات السالمة والصحة املهنية‪.‬‬
‫إن الهدف األسا�سي للعمل النقابي في هذا املجال هو التقليل‬
‫أو منع املرض املنهي وحوادث الشغل من خالل الوقاية منها قبل‬
‫حدوثها‪ ،‬ويكون ذلك من خالل عديد الخطوات يمكن أن نذكر منها‪:‬‬
‫استبدال مادة خطرة تستعمل بالشغل بمادة أقل خطورة‪ ،‬تقفيل‬
‫األجزاء من اآللة ملنع تسرب أي أتربة أو غازات في بيئة العمل مع‬
‫‪83‬‬
‫وضع برقع فوق مصدر التسرب لتجميعه وشفطه وطرده خارج‬
‫بيئة العمل‪ ،‬التهوية الجيدة ملكان العمل‪ ،‬استخدام مالبس الوقاية‬
‫الشخصية حسب طبيعة العمل‪ ،‬القياسات البيئية من خالل‬
‫قياس تركيزات األتربة أو الغازات أو مستوي شدة الضوضاء في‬
‫بيئة العمل للتأكد من أنها‪ ‬في حدود املسموح والعمل علي تثبيتها‪ ‬إذا‬
‫ما ‪ ‬تجاوزت الحد بالوسائل الهندسية على قدر اإلمكان‪.‬‬
‫يجد النزيل نفسه أثناء قيامه بشغله محاطا بالعديد من‬
‫العوامل التي تؤدي إلى الزيادة في اإلصابة أو في حدة اإلصابة‬
‫بمرض أو حادث شغل‪ ،‬وهي عوامل يجب على النقابة العمل على‬
‫القضاء عليها‪ ،‬ونذكر من بينها‪ :‬الحالة النفسية والصحية للعامل‪،‬‬
‫عدم اختيار العامل املناسب‪ ،‬إهمال التدريب وتنشيط القدرات‪،‬‬
‫عدم تحديث املعدات‪ ،‬إهمال املراقبة الصحية للعمال واملراقبة‬
‫الهندسية للمعدات‪ ،‬ازدياد حاالت املزاح غير املقبول بين العمال‬
‫والتي تنتشر لعدم وجود تنفيس لضغط العمل وضغط السجن‬
‫عن النزيل العامل‪ ،‬االستعمال الخاطئ وغير اآلمن لألجهزة‪ ،‬عدم‬
‫مراقبة حاالت التعب واإلجهاد النف�سي والبدني‪ ،‬عدم حفظ املواد‬
‫الخطرة بشكل سليم‪.‬‬
‫تحقيقا لهدفها في وقاية النزيل العامل‪ ،‬تعمل النقابة أيضا على‬
‫غرس املسؤولية لدى النزيل وذلك من خالل تحريضه على االلتزام‬
‫بأسلوب العمل السليم‪ ،‬وااللتزام بمراقبة عناصر العمل واملعدات‬
‫والتبليغ عند حدوث أي خلل‪ ،‬كذلك التقيد بتعليمات السالمة من‬
‫حيث استخدام أدوات الحماية الشخصية‪.‬‬
‫تسهر النقابة على تدريب العمال على ما يستجد من أمور‪،‬‬
‫ومتابعة تحسين أساليب العمل‪ ،‬ومراقبة العمال وطرق أدائهم‪،‬‬
‫‪84‬‬
‫والتأكد من صالحية أدوات الحماية الشخصية والعامة‪ ،‬ومتابعة‬
‫إصالح وصيانة اآلالت‪ .‬وتسهر كذلك على غرس االحترام املتبادل‬
‫بينهم واحترام عملهم وحب املحافظة على األدوات واآلالت‪ .‬وتسهر‬
‫أيضا على حماية العمال من التعرض لظروف جسدية ونفسية‬
‫تعيق الوضع اآلمن للعمل‪.‬‬
‫تقوم كذلك النقابة بدراسة أسباب الحوادث واألمراض دراسة‬
‫مستفيضة وعصرية وعلمية‪ ،‬وتضع على ضوء ذلك املقترحات‬
‫املمكنة‪ ،‬وتطالب اإلدارة العقابية ومن وراءها الدولة بتطبيقها‬
‫وذلك تحقيقا للسالمة العامة‪ ،‬والتي تعني مجموعة من األعمال‬
‫التشريعية واالجتماعية واالقتصادية والتنظيمية والفنية‬
‫والعالجية والوقائية والصحية‪ ،‬التي تقوم بضمان حماية صحة‬
‫العامل وقدرته على العمل أثناء وجوده في عمله‪ ،‬وتتكون مناألمن‬
‫الصناعي والوقاية الصحية والوقاية من الحرائق واالنفجارات‬
‫وقوانين السالمة العامة‪.‬‬
‫يجب أن نشير في سياق العمل النقابي الهادف لحماية النزيل‬
‫العامل من كل خطر قد يهدد سالمته أثناء قيامه بعمله أو بمناسبته‪،‬‬
‫أن النقابة يمكن لها إيقاف العمل عند الشعور بالخطر‪ ،‬وهذا‬
‫اإليقاف يكون فرديا إذا كان الخطر يهدد نزيال عامال بعينه أو إيقافا‬
‫جماعيا أو حتى شامال إن كان الخطر عاما‪ ،‬ويرفع األمر لإلدارة‬
‫العقابية التي عليها إزالة الخطر وتوفير قواعد السالمة واألمن حتى‬
‫يستأنف العمل‪.‬‬
‫يعتبر العمل النقابي أمرا ضروريا لضمان حماية ووقاية النزيل‬
‫من األمراض املهنية وحوادث الشغل‪ ،‬وكذلك لضمان مختلف‬
‫أوجه الرعاية الطبية والنفسية واالجتماعية والتأهيلية للنزيل الذي‬
‫‪85‬‬
‫يكون ضحية مرض أو حادث شغل‪ ،‬مع ضمان حصول هذا املصاب‬
‫على حقه الكامل في التعويض عما أصابه من ضرر‪ .‬وتعتبر النقابة‬
‫في هذا املستوى ضمانا وحارسا ملصلحة النزيل ولشفافية اإلجراءات‬
‫واملعامالت‪ ،‬ذلك أن هذا النزيل لن يكون بمفرده في مواجهة اإلدارة‬
‫العقابية التي تعامله ليس كإنسان بل كمجرد �شيء‪ ،‬وال تعتبر عامال‬
‫ذو حقوق‪ ،‬وال تكلف نفسها حتى عناء إبالغه بحقوقه في حالة‬
‫وقوعه ضحية حادث أو مرض منهي‪ ،‬بل سيجده نفسه في حالة‬
‫تساو مع هذه اإلدارة ومع غيرها من أجهزة الدولة وسيجد الدعم‬
‫اللوجستي واملعنوي الالزم لضمان حقوقه‪.‬‬
‫بذلك يكون العمل النقابي وسيلة لحل إشكال لطاملا أثار قلق‬
‫ورعب نزالء املؤسسات السجنية‪ ،‬وطاملا كان وال يزال يشكل ظلما‬
‫وتعديا على اإلنسان‪ ،‬إشكال سالمة النزيل العامل أثناء الشغل‬
‫وضمان حقوقه في حالة تضرره أثناء أو بمناسبة إنجاز ذلك العمل‪.‬‬
‫ويعتبر كذلك العمل النقابي وسيلة لحل إشكال آخر مرتبط بالعمل‬
‫وهو مسألة حق النزيل العامل في الضمان االجتماعي‪.‬‬
‫ب‪ -‬الضمان االجتماعي‬
‫تنص املادة ‪ 22‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان على أن «لكل‬
‫شخص بصفته عضوا في املجتمع الحق في الضمانة االجتماعية‪،»...‬‬
‫ونزيل املؤسسة السجنية هو عضو في املجتمع مما يجعله متمتعا‬
‫بحقه املطلق في الضمان االجتماعي‪.‬‬
‫يعرف الضمان االجتماعي بأنه مجموعة البرامج التي تقوم بها‬
‫الدولة من أجل تعزيز رفاهية السكان‪ ،‬ويتم ذلك عن طريق اتخاذ‬
‫التدابير الالزمة التي تضمن حصولهم على ما يلزمهم من موارد‬
‫‪86‬‬
‫غذائية‪ ،‬ومأوى‪ ،‬وخدمات صحية‪ ،‬وحماية‪ .‬فالضمان االجتماعي‬
‫وسيلة تساعد على توفير الرعاية االجتماعية والتأمين االقتصادي‬
‫لألفراد عن طريق االعتماد على املال الحكومي‪ ،‬وأكثر املستفيدين‬
‫من خدمات الضمان االجتماعي هم األطفال الصغار‪ ،‬والكبار في‬
‫السن‪ ،‬واملر�ضى باإلضافة إلى العاطلين عن العمل‪.‬‬
‫يتمتع الضمان االجتماعي بأهمية كبيرة في كل البلدان‬
‫واملجتمعات‪ ،‬وذلك نظرا للخدمات التي يقدمها للفرد واملجتمع‬
‫ككل‪ ،‬فهو يساهم في املحافظة على الحدود الدنيا من املوارد‬
‫الخاصة في الدول ومجتمعاتها‪ ،‬كما يحد من تأثير البطالة على‬
‫العمال وعائالتهم‪ .‬كما أن الحاجة لوجود ضمان اجتماعي ال تعتمد‬
‫فقط على توفير حماية للعمال وعائالتهم‪ ،‬بل تساهم أيضا في دعم‬
‫التنمية العامة في الدول‪ ،‬حيث تشكل وسائل الضمان االجتماعي‬
‫مصدرا مهما لتوفير الرفاه في املجتمع عن طريق املساهمة في تطوير‬
‫الظروف املعيشية بشكل عام‪.‬‬
‫يسعى الضمان االجتماعي بصفته حقا من حقوق اإلنسان إلى‬
‫تحقيق عدة أهداف أساسية‪ ،‬أهمها معالجة قلة األمن الخاص‬
‫بالدخل الفردي‪ ،‬وتوفير جميع الخدمات االجتماعية والصحية‬
‫لكافة األفراد‪ ،‬والحرص على توفير ظروف عيش وعمل مناسبة‪،‬‬
‫وتوفير مساعدات لألفراد الذين يحتاجون لها باعتباره حقا من‬
‫حقوقهم القانونية‪ ،‬وتعزيز االستدامة والكفاءة‪.‬‬
‫يعد الضمان االجتماعي برنامجا إجباريا يجب أن يشترك فيه‬
‫كافة العمال واملشغلين‪ ،‬وهو يوفر مصدر دخل لإلنسان عندما ال‬
‫يكون قادرا على العمل وكسب رزقه‪ ،‬تماما كما في حاالت املرض‬
‫فيصبح العامل غير قادر على الكسب املالي لفترة زمنية مؤقتة‪ ،‬أو‬
‫‪87‬‬
‫التعرض لحادث شغل يجعل العامل عاجزا عن الشغل بشكل جزئي‬
‫أو دائم‪ ،‬أو بعد التقاعد في سن الشيخوخة‪ ،‬أو في فترة البطالة‪،‬‬
‫فكل هذه الحاالت هي حاالت إنسانية يجب على الدولة أن تتكفل‬
‫بتقديم ما يلزم إلى هذا الشخص وذلك لصون كرامته‪ ،‬ومنعه من‬
‫التسول واستجداء الناس‪.‬‬
‫يتمتع النزيل بحق إنساني في الضمان االجتماعي‪ ،‬فهو إنسان‬
‫ومواطن وعامل شأنه شأن كل فرد من العالم الحر‪ ،‬والعقوبة‬
‫السجنية ال تنفي عنه ماهيته‪ ،‬فالنزيل من حقه التمتع بكل ضمانات‬
‫وامتيازات الضمان االجتماعي‪ ،‬لكن مع األسف الواقع بعيد كل‬
‫البعد عن ذلك‪ ،‬فاألنظمة العقابية في غالبيتها ال تعامل النزالء على‬
‫قدم املساواة مع املواطنين األحرار في ما يتعلق بمسألة الضمان‬
‫االجتماعي‪ ،‬بل هناك بعض األنظمة العقابية التي تحرمه وتخرجه‬
‫من دائرة هذا الضمان‪.‬‬
‫يتمتع نزيل السجون التونسية بالضمانات والحقوق املنصوص‬
‫عليها بالتشريع املتعلق بحوادث الشغل واألمراض املهنية‪ ،‬إال أن‬
‫هذا يعتبر قطرة من بحر في مجال الضمان االجتماعي‪ ،‬إذ التغطية‬
‫االجتماعية لحوادث الشغل واألمراض املهنية متوفرة لكن ماذا عن‬
‫األمراض العامة والشيخوخة ومنحة البطالة‪.‬‬
‫إن النزيل محروم من العديد والعديد من الخدمات التي من‬
‫املفروض أن يوفرها الضمان االجتماعي‪ ،‬ونذكر منها املنح األسرية‪،‬‬
‫ومنظومات العالج والرعاية الصحية‪ ،‬والحماية ضد البطالة‪،‬‬
‫والتقاعد‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫يعرف التقاعد بأنه نهاية املدة القانونية للحياة املهنية للعامل‪،‬‬
‫وهو حق اجتماعي تختلف أحكامه وقواعده من دولة إلى أخرى‪ ،‬وفي‬
‫‪88‬‬
‫تونس ورغم عدم وجود نظام موحد إال أن املبدأ يتمثل في حصول‬
‫العامل على التقاعد ببلوغ سن الستين عاما‪.‬‬
‫تعتبر هذه املرحلة جد هامة في حياة أي إنسان‪ ،‬فهي مرتبطة‬
‫بشيخوخته وما يترتب عنها من مشاكل صحية جسدية ونفسية‪،‬‬
‫فاإلنسان في هذه املرحلة تقل قدرته على العمل‪ ،‬وترتفع نسبة‬
‫تعرضه لألمراض‪ ،‬ويفقد قدراته الجسدية والذهنية شيئا فشيئا‪،‬‬
‫إضافة ملعاناته النفسية املتولدة خاصة عن تفكيره في خسارة‬
‫مكانته االجتماعية‪ ،‬وخوفه من فقدان الكثير من األدوار التي كان‬
‫يتمتع بها‪ ،‬وكذلك خوفه من الفراغ‪.‬‬
‫إن أهم مشكل يعيشه اإلنسان بوصوله مرحلة التقاعد هي‬
‫خسارة األجر وعدم قدرته مبدئيا على العمل وانهيار قدراته‬
‫التشغيلية‪ ،‬لذلك يعتبر معلوم التقاعد الشهري الذي يناله من‬
‫الضمان االجتماعي أفضل تعويض له وأفضل ضمان ودعامة لكي‬
‫يواصل مشوار حياته في كرامة وبعيد عن الحاجة والخصاصة‪.‬‬
‫يجد النزيل نفسه ورغم عمله مق�صي من الضمان االجتماعي‪ ،‬وال‬
‫يتحصل على منحة تقاعد عند بلوغه السن القانونية‪ ،‬وإن تحصل‬
‫على تلك املنحة نظرا الشتغاله عند تواجده باملجتمع الحر وتوفر‬
‫الشروط القانونية وخاصة العمل طيلة املدة القانونية املطلوبة‪،‬‬
‫فال يتم احتساب مدة العمل املنجزة داخل السجن في احتساب تلك‬
‫املنحة‪.‬‬
‫النزيل يعمل أثناء محكوميته إال أنه ال يساهم في صناديق‬
‫الشيخوخة‪ ،‬وهو ما يدينه بالفقر والحاجة في سن الشيخوخة‪،‬‬
‫وهذا الوضع الالإنساني واملخل بحقوق اإلنسان نجده في أغلب‬
‫النظم العقابية‪ ،‬ما عدى بعض االستثناءات التي وإن لم تمكن النزيل‬
‫‪89‬‬
‫من حقه اإلنساني في الضمان االجتماعي عامة ومنحة الشيخوخة‬
‫خاصة إال أنها لم تحرمه تماما من حقوقه في هذا املجال‪ ،‬ومن ضمن‬
‫هذه األنظمة العقابية نذكر‪ :‬إيطاليا التي توفر للنزيل العامل ضمان‬
‫اجتماعي قريب جدا من العامل الحر بما في ذلك منحة التقاعد‪.‬‬
‫ذهبت بعض األنظمة العقابية على إقرار حق النزيل في منحة‬
‫البطالة شأنه شأن أي مواطن حر وذلك مراعاة لحقه في الضمان‬
‫االجتماعي‪ ،‬من ذلك أن في إنجلترا النزيل الذي يطلب عمل وال يوفر‬
‫له عمل يتلقى منحة بطالة‪ ،‬لكنها أقل من املنحة املوفرة للمواطن‬
‫الحر‪ ،‬وفي املانيا أيضا النزيل الذي يطلب عمل وال يوفر له عمل‬
‫يتلقى أيضا منحة بطالة بسيطة‪ ،‬ولكن أيضا النزيل الذي يعمل‬
‫‪ 360‬يوم في ‪ 3‬سنوات األخيرة من محكوميته يتحصل على منحة‬
‫بطالة كاملة عند خروجه‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل على ضمان احترام حق النزيل باعتباره‬
‫إنسانا ومواطنا في التمتع بالضمان االجتماعي شأنه شأن املواطن‬
‫الحر‪ ،‬فللنزيل الحق في التمتع بكل إيجابيات وامتيازات منظومة‬
‫الضمان االجتماعي من منح ورعاية وتقاعد‪ .‬وطبعا ذلك ال يتم‬
‫بأسلوب املنة‪ ،‬بل إن النزيل يساهم في صناديق الضمان االجتماعي‬
‫شأنه شأن كل عامل‪ ،‬إذ يتم اقتصاص املساهمة االجتماعية من‬
‫األجر الذي يتلقوه على عمله‪ ،‬مثلما هو الشأن في بعض النظم‬
‫العقابية كإسبانيا وإيطاليا‪ ،‬وبذلك يمارس النزيل مواطنه من هذا‬
‫الجانب بصفة كاملة‪.‬‬
‫يجب على النقابة أن تسعى لتوفير منحة شيخوخة مالئمة‬
‫وكافية ومتماشية مع مستوى املعيشة ال للنزيل العامل فقط‪ ،‬بل‬
‫لجميع النزالء وذلك حفاظا على الكرامة اإلنسانية للفرد‪ ،‬فكيف‬
‫‪90‬‬
‫لنزيل يغادر السجن في سن متقدمة تجاوزت الستين عاما أن يعيش‬
‫ويتكفل بمصاريفه اليومية إن لم تكن لديه منحة شيخوخة تقيه‬
‫الخصاصة وتجعله يكمل مشوار حياته مرتفع الرأس‪.‬‬
‫إن تمتع النزيل بالضمان االجتماعي ال يعود بالنفع على شخصه‬
‫فقط بل أيضا يعود بالفائدة على أسرته وعلى املجتمع ككل‪ ،‬لذلك‬
‫يجب أن تكون هذه املسألة من أولويات العمل النقابي‪ .‬هذا العمل‬
‫الذي ال يجب أن يقف عند حدود السجن‪ ،‬أي عند اإلطار الزماني‬
‫واملكاني للعقوبة السجنية‪ ،‬بل يجب أن يتواصل بعد ذلك‪ ،‬أي‬
‫على النقابة االهتمام بالنزيل حتى بعد مغادرته السجن ورجوعه‬
‫للمجتمع الحر‪ ،‬ويكون ذلك من خالل تشغيل النزيل بعد خروجه‬
‫من السجن‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تشغيل النزيل بعد خروجه للعالم الحر‬
‫تحول الهدف من شغل النزيل من هدف إيالمي تعذيبي إلى غرض‬
‫تأهيلي باألساس‪ ،‬حيث أن العمل أصبح ركيزة أساسية في تأهيل‬
‫املجرم وتهيئته لالندماج في املجتمع‪ .‬فالسياسة العقابية الحديثة‬
‫أصبحت تعمل على غرس حب العمل في نفس النزيل‪ ،‬حتى يكتسب‬
‫إحساسا بذاته وبقيمته كإنسان‪ ،‬وتنمو لديه الثقة في النفس‪ ،‬مما‬
‫ينعكس إيجابا على سلوكه وأخالقه ونظرته إلى الحياة‪ ،‬فضال على‬
‫طريقة تعامله مع اآلخرين‪ ،‬وبذلك تتيسر عملية اندماجه من جديد‬
‫داخل املجتمع‪.‬‬
‫يعتبر العمل داخل السجون وسيلة هامة لتحقيق مصالحة النزيل‬
‫مع نفسه ومع أسرته وكذلك مع مجتمعه‪ ،‬باعتبار أنه السالح الذي‬
‫يؤهله لالندماج من جديد داخله بكامل الثقة واالستعداد‪ ،‬إال أن‬
‫‪91‬‬
‫النزيل املفرج عنه ال يستطيع بمفرده تحقيق هذه الغاية‪ ،‬خصوصا‬
‫إذا ما اصطدم بمعوقات اجتماعية مثل الرفض االجتماعي‪ ،‬وكذلك‬
‫إذا ما لم يتمكن من إيجاد عمل يتالءم مع قدراته ومؤهالته وعانى‬
‫البطالة‪ ،‬فعندها قد تفشل عملية إعادة اإلدماج‪ ،‬لذلك البد من‬
‫أن تتضافر الجهود حتى يقع تكملة أساليب التأهيل التي بذلت‬
‫داخل السجن من خالل الرعاية الالحقة للنزيل والتي تكون أساسا‬
‫من خالل تشغيله بعد خروجه للعالم الحر‪.‬‬
‫يعتبر تشغيل النزيل بعد اإلفراج عنه وعودته للعالم الحر شرطا‬
‫أساسيا إلنجاح برنامج تأهيله ولتحقيق غاية العقوبة السجنية‪،‬‬
‫فاملصلحة االجتماعية من تشغيل النزيل عند إتمام عقوبته ثابتة‬
‫مما يستوجب تحديد اآلليات الكفيلة بتحقيق ذلك‪.‬‬
‫أ‪ -‬املصلحة االجتماعية من تشغيل النزيل عند إتمام عقوبته‬
‫تتولد عن العقوبة السجنية العديد من اآلثار السلبية التي‬
‫قد تعيق تأهيل وإعادة إدماج النزيل في املجتمع بعد اإلفراج عنه‪.‬‬
‫فسلب الحرية يعزل األفراد ويجعلهم يضمرون العداء للمجتمع‪،‬‬
‫ولهذا تعتبر محاربة الجريمة أشبه ما تكون بحرب فعلية‪ ،‬فالعقاب‬
‫يجعل األفراد يحملون العداء ملجتمعاتهم ويدفعهم لالنحراف‪،‬‬
‫وعندما ينحرفون يجدون أنفسهم أمام خيارين‪ ،‬إما أن يرتكبوا‬
‫أنواعا أخرى من االنحرافات وإما أنهم إذا وجدوا التقدير واملكانة‬
‫يقلعون عن انحرافاتهم‪.‬‬
‫إذا كانت السجون تعتبر أمكنة إلصالح املجرمين من ناحية‬
‫املبدأ‪ ،‬فإن هذا االعتبار يصطدم بمفاهيم مغايرة من الناحية‬
‫العملية‪ ،‬فسلب الحرية بحد ذاته يورث التعقيد واإلذالل واليأس‬
‫‪92‬‬
‫في نفوسهم‪ ،‬وفي أغلب األحوال عندما يعود النزيل إلى املجتمع فإنه‬
‫يكون مسكونا باإلحساس بالتمرد والعزلة‪.‬‬
‫وفي بعض األحيان تتسبب العقوبة السجنية في جعل املحكومين‬
‫غير اجتماعيين وغير مستقرين في حياتهم‪ ،‬وقد يصابون ببعض‬
‫األمراض العصابية‪ ،‬حيث يعود النزالء املفرج عنهم إلى حياتهم‬
‫اليومية بأجسامهم فقط‪ ،‬ولكن مشاعرهم تصبح بعيدة عنهم‪،‬‬
‫وربما يصل بهم األمر إلى أن يصبحوا معزولين سيكولوجيا من‬
‫جماعاتهم وخاصة إذا حاولوا الرجوع كمواطنين صالحين‪.‬‬
‫ومما يزيد من مشكلة عواقب السجن على مستقبل النزيل‪ ،‬وصمة‬
‫العار التي يحملها املجتمع الخارجي تجاهه‪ ،‬فصفة نزيل سابق تمنع‬
‫إعادة إدماج األشخاص الذين لن يتمكنوا أبدا من كسر الصورة‬
‫التي وضعها لهم املجتمع ولن ينجحوا في العثور على دور مطابق في‬
‫املجتمع‪ .‬وفي هذا اإلطار الحظ العديد من املفكرين املهتمين باملسألة‬
‫السجنية والعقابية أن املعضلة الحقيقية للنزيل تكمن عند خروجه‬
‫من السجن‪ ،‬وأن صدمة الخروج قد تكون في العديد من الحاالت‬
‫أشد قسوة من صدمة االعتقال والسجن نفسه‪ ،‬فالنزالء يواجهون‬
‫نوعا من تدني التصنيف االجتماعي الذي يساهم في اندثار هويتهم‬
‫االجتماعية وهدم شبكة عالقاتهم االجتماعية وانتماءهم‪،‬االنتماء‬
‫إلى صفة نزيل سابق يعطيهم مقاييس يتم من خاللها هيكلة البيئة‬
‫والتصرفات االجتماعية تجاههم‪.‬‬
‫ال تقتصر بذلك اآلثار املترتبة على حجز الحرية على وجود‬
‫املحكوم عليه داخل السجن‪ ،‬بل تتعداه أيضا إلى وجوده بعد اإلفراج‬
‫عنه‪ ،‬وذلك عن طريق خلق عوائق مادية ومعنوية في نفس النزيل‪،‬‬
‫قد يكون من أخطر املحصالت الناتجة عن سلبه حريته‪ ،‬فنظرة‬
‫‪93‬‬
‫املجتمع إليه هي نظرة دونية‪ ،‬ومن الصعوبة إيجاد عمل يعتاش‬
‫منه مما يعني عزله ودفعه إلى بيئة منحرفة مرة أخرى‪ ،‬فالتحقير‬
‫االجتماعي والرفض يولد االنحراف‪ ،‬فإن شخصا ال يعطيه املجتمع‬
‫حقوقا ال يحس بأي واجب إزاءه‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬فالنظرة الدونية واالحتقارية للنزيل‪ ،‬والتي تستمر حتى بعد‬
‫أن يخرج من سجنه‪ ،‬فال يتقبله املجتمع‪ ،‬وكذلك ال يجد أمامه‬
‫سبيال للعمل الشريف نظرا ألنه نزيل سابق على الرغم مما يكون قد‬
‫تعلمه من مهنة أو حرفة داخل السجن‪ ،‬تجعل العقوبة الحقيقية‬
‫توقع عليه بعد خروجه من املؤسسة العقابية‪ ،‬وهذا من شأنه بعث‬
‫الشعور لدى النزيل بالتخلي عنه‪ ،‬وهذا التخلي الذي يعاني منه‬
‫أغلب النزالء السابقين يعد حمال مخاطر لكل مجتمع باعتباره يزيد‬
‫من احتمالية العودة إلى الجريمة وظهور ما يعرف بالتعود على حياة‬
‫السجن بسبب الشعور بالطرد االجتماعي الذي يتولد لدى األفراد‪.‬‬
‫يعتبر الشعور بالوحدة والغربة والقلق من املصير املجهول من‬
‫أسباب سقوط اإلنسان في الخيبة والضياع واإلهمال في ضالة‬
‫الزمن‪ ،‬لتعود األمور من جديد من حيث أتت وكانت‪ ،‬فيضيع معها‬
‫اإلنسان‪ .‬وأمام هذه السلبية في املصير املجهول وسط املجتمع‪،‬‬
‫تكتظ السجون بالعائدين من كل حدب وصوب ليصير السجن‬
‫مرتعا لالهتمام والعناية والرعاية خالية الجدوى االجتماعية‪.‬‬
‫ال يمكن القول بنجاح تأهيل نزيل إال بنجاح إدماجه كمواطن‬
‫صالح في املجتمع بعد اإلفراج عنه وعدم عوده لطريق اإلجرام‪،‬‬
‫وهذا هو أساس وهدف املعاملة العقابية‪ ،‬ولب املصلحة االجتماعية‬
‫من العقوبة السجنية‪ ،‬فما من شك أن إعادة إدماج املفرج عنه‬

‫‪94‬‬
‫في حضيرة املجتمع يمثل هدف املجتمع حتى يقع تطهير املجموعة‬
‫الوطنية من كل ما يمكن أن يعرقل تقدمها ونموها‪.‬‬
‫ال يمكن تحقيق هذا الهدف واحتواء اآلثار السلبية للعقوبة‬
‫السجنية إذا ما وجد النزيل بعد اإلفراج عنه أبواب الشغل موصدة‬
‫أمامه‪ ،‬حيث تؤثر البطالة على نفسية النزيل‪ ،‬وقد تؤدي به إلى‬
‫فقدان الثقة في املجتمع الذي يرى فيه النزيل أنه قد أدار له ظهره‬
‫نهائيا‪ ،‬وهو ما قد يولد لديه الشعور باالغتراب االجتماعي‪ ،‬أي‬
‫يصبح لدى الفرد شعور بعدم االنتماء للمجتمع الذي لم يمنحه‬
‫فرصة أخرى إلثبات صالحيته وإثبات إمكانية عودته إلى الحياة‬
‫السوية املستقيمة في املجتمع‪ ،‬مما يشكل عائقا نفسيا أمام فتح‬
‫املجال لألفراد لشراء أنفسهم أي رد االعتبار إلى أنفسهم اجتماعيا‬
‫وأخالقيا وروحيا‪.‬‬
‫إضافة إلى كون البطالة قد تجعل النزيل املفرج عنه يعيش‬
‫خصاصة مادية‪ ،‬ويجب نفسه غير قادر على تلبية حاجياته اليومية‬
‫وحاجيات أسرته‪ ،‬مما قد يدفعه إلى العودة إلى طريق اإلجرام‪،‬‬
‫خصوصا وأن من أثار التجربة السجنية شبكة العالقات السيئة‬
‫التي قد يكتسبها النزيل نتيجة االختالط خلف القضبان بأطياف‬
‫من املجرمين‪ ،‬إضافة إلى السجننة وتأثيرها على تفكير وسلوك‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫كل هذه األمور تجعل إعادة إدماج النزيل املفرج عنه في املجتمع‬
‫أمرا صعبا‪ ،‬إن لم نقل مستحيال‪ ،‬لذلك يجب أن تتضافر كل‬
‫الجهود لتوفير مواطن الشغل للنزالء السابقين‪ ،‬وذلك كي يتفادى‬
‫املجتمع أو على األقل يسعى بجدية لتفادي عود النزيل السابق‪،‬‬
‫فمصلحة املجتمع من تشغيل النزيل عند إتمام عقوبته واضحة وال‬
‫‪95‬‬
‫نقاش فيها‪ ،‬وتتطلب تكريس آليات فعالة تعمل على تشغيل هذه‬
‫الفئة االجتماعية ومقاومة البطالة صلبها إلى أق�صى حد ممكن‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫ب‪ -‬آليات تشغيل النزيل بعد قضاء محكوميته‬
‫ما من شك أن الفترة التي تأتي مباشرة بعد اإلفراج تعد أخطر‬
‫وأصعب فترة تواجه النزيل بعد انقضاء محكوميته‪ ،‬إذ يجد نفسه‬
‫في مواجهة مباشرة مع املجتمع وفي اختبار حقيقي لنزعته اإلنسانية‬
‫وملكانته صلب الجسم االجتماعي‪ ،‬ويتضح لنا بالتالي خطورة الفترة‬
‫األولى التي يواجه فيها النزيل العالم الخارجي‪ ،‬فهي التي تحدد مصيره‪،‬‬
‫وحتى تقع مساعدته على حل املشاكل التي قد تعترضه أثناءها‬
‫وتتيسر عملية اندماجه لتالفي عوده‪ ،‬ال بد أن ال يترك النزيل املفرج‬
‫عنه بمفرده خالل هذه الفترة‪ ،‬بل يجب مساندته ورعايته تحقيقا‬
‫وضمانا لحسن اندماجه في املجتمع‪.‬‬
‫تعمل هذه الرعاية على إتمام جهود التقويم التي بذلت داخل‬
‫املؤسسة العقابية‪ ،‬وتحرص على صيانة املستوى التأهيلي الذي‬
‫وصل إليه النزيل حتى ال تفسده العوامل االجتماعية التي قد يتعرض‬
‫لها عند مغادرته السجن‪ ،‬وبالتالي وقايته من العود إلى سلوك طريق‬
‫الجريمة من جديد‪.‬‬
‫جاء بالفصل ‪ 80‬من قواعد الحد األدنى أنه «يوضع في‬
‫اإلعتبار منذ بداية تنفيذ الحكم مستقبل السجين بعد إطالق‬
‫سراحه ويشجع ويساعد على أن يواصل أو يقيم من العالقات مع‬
‫األشخاص أو الهيئات خارج السجن‪ ،‬كما من شأنه خدمة مصالح‬
‫أسرته وتيسير إعادة تأهيله االجتماعي»‪.‬‬
‫تطبيقا لهذه القاعدة‪ ،‬أولت السياسة العقابية الحديثة تأهيل‬
‫النزالء اهتماما كبيرا ملساعدتهم على االندماج من جديد في النسيج‬

‫‪97‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬وهو ما يتبلور من خالل حرصها على تشغيل النزيل‬
‫املفرج عنه‪.‬‬
‫ويتجسد نفس هذا التوجه بوضوح من خالل ما جاء بالفصل‬
‫األول من القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬املتعلق بنظام السجون‪:‬‬
‫«ينظم هذا القانون ظروف اإلقامة بالسجن بما يكفل حرمة‬
‫السجين الجسدية واملعنوية وإعداده للحياة الحرة ومساعدته على‬
‫االندماج فيها‪»...‬‬
‫يتبين انطالقا من ذلك أن املشرع التون�سي قد بوأ حرصه على‬
‫ضمان مستقبل النزيل بعد اإلفراج عنه صدارة اهتماماته بإرسائه‬
‫للسبل والوسائل الكفيلة بحمايته من خطر العود إلى عالم الجريمة‪.‬‬
‫وتعتبر في مقدمة السبل التي تتيح للنزيل املفرج عنه سلوك الطريق‬
‫املطابق للقانون مساعدته على الحصول على مورد رزق شريف‪،‬‬
‫مع ما يستوجبه هذا األمر من إزالة للعراقيل التي تحول دون ذلك‪.‬‬
‫إن وضع املشرع آلليات ونصوص قانونية لتنظيم عملية تشغيل‬
‫النزيل املفرج عنه ومساعدته ال يعد كاف في حد ذاته للوصول إلى‬
‫هذه الغاية‪ ،‬بل ال بد أن تتدخل النقابة لتيسير عملية االندماج‪،‬‬
‫والتنسيق بين مختلف الهياكل واملصالح املهتمة واملتداخلة في هذه‬
‫املسألة خدمة ملصلحة النزيل املفرج عنه‪ ،‬وحماية له من العود إلى‬
‫سلوك طريق الجريمة‪.‬‬
‫تتكفل النقابة بالسهر على إزالة كل العراقيل التي من شأنها‬
‫الوقوف عثرة أمام حصول النزيل املفرج عنه على عمل‪ ،‬فتعمل‬
‫على مساعدة النزيل على تخطي ما يمكن أن يصيبه من تأثر‬
‫نف�سي أو صدمات أو خوف نتيجة مواجهته للمجتمع بعد انقضاء‬
‫محكوميته‪ ،‬وتعمل على حسن إعداده إلجراء لقاءات الشغل‪ ،‬ويتم‬
‫‪98‬‬
‫في هذا اإلطار االستعانة بأصحاب االختصاص من أطباء نفسيين‬
‫واخصائيين اجتماعيين وغيرهم‪.‬‬
‫تقوم كذلك النقابة بالعمل على تخطي املشكل املرتبط‬
‫بالتنصيصات الواردة بالسجل العدلي‪ ،‬واملتمثلة في املحاكمات‬
‫التي صدرت ضد النزيل املفرج عنه‪ ،‬والتي تعد عائقا جديا أمام‬
‫قبول املؤجرين بتشغيله‪ ،‬باعتبار أن هذه املحاكمات ال تحذف من‬
‫البطاقة عدد ‪ 3‬إال إثر استرداده لحقوقه إما اختياريا أو آليا‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك في الحالتين بعد فترة طويلة من الزمن‪ ،‬لذلك يجب على النقابة‬
‫العمل على إيجاد حل لهذه املعضلة‪ ،‬وربما يكون أفضل حل هو‬
‫إلغاء تسليم هذه البطاقة لألفراد‪ ،‬وجعلها بطاقة داخلية ال تسلم‬
‫إال لإلدارات العمومية بمناسبة فتح انتداب أو بمناسبة أي أمر‬
‫ينص القانون على شرط نقاوة السوابق إلنجازه‪.‬‬
‫تسعى النقابة أيضا في إطار مهامها الهادفة إلى تشغيل النزيل‬
‫املفرج عنه‪ ،‬إلى تفعيل كل آليات التشغيل وتطويرها‪ ،‬وإلى املساهمة‬
‫في خلق آليات جديدة أكثر نجاعة في هذا املجال‪ ،‬وتقوم كذلك‬
‫بتوجيه وتنسيق سياسات ومجهودات مختلف الوزارات واملنظمات‬
‫واملؤسسات والهياكل املختصة في مجال العناية بالنزالء املفرج‬
‫عنهم‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬تقوم النقابة بحث وزارة التكوين املنهي‬
‫والتشغيل على لعب دورها كامال في تفعيل آليات تشغيل النزالء‬
‫املفرج عنهم ملساعدتهم على الحصول على مورد رزق يقيهم شر‬
‫الخصاصة ويحميهم من خطر العود‪ ،‬وال تكتفي النقابة بالحث‪،‬‬
‫بل عليها متابعة ورقابة هذا التفعيل‪ ،‬وتقييم مردود هذه اآلليات‬

‫‪99‬‬
‫وتقديم املقترحات لتحسين نجاعتها‪ ،‬كما تقوم النقابة باقتراح ما‬
‫تراه فعاال من آليات تشغيل ممكنة‪.‬‬
‫وتحرص النقابة على أن تقوم وزارة الداخلية بضبط إجراءات‬
‫تفاضلية ومرنة النتفاع النزالء املفرج عنهم بمورد رزق في إطار برامج‬
‫التنمية الجهوية‪ ،‬وحصة تفاضلية من مواطن الشغل بالحضائر‬
‫التي تشرف عليها الجماعات املحلية‪ ،‬وهو نفس األسلوب الذي‬
‫تنتهجه النقابة مع البلديات والواليات‪ .‬وعليها طبعا كما أن ال تكتفي‬
‫بالحرص‪ ،‬بل تضطلع كذلك باملراقبة والتقييم واالقتراح‪.‬‬
‫وال تكتفي النقابة بالتعامل مع وزارتي التشغيل والداخلية‪ ،‬بل‬
‫إنها تتوجه لكل وزارة يمكنها صلب مجال عملها إحداث أي آلية أو‬
‫إجراء من شأنه املساهمة في تشغيل النزالء املفرج عنهم واملساهمة‬
‫في حسن إعادة إدماجهم في املجتمع‪ ،‬من ذلك أن وزارة الشؤون‬
‫االجتماعية يمكنها تفعيل وإحداث أليات ملجابهة الحاالت الطارئة‬
‫التي قد تهدد النزيل السابق وأفراد أسرته بالتشرد واالنحراف‪.‬‬
‫تعمل كذلك النقابة على حث الدولة على تمتيع النزالء املفرج عنهم‬
‫والراغبين في بعث مشاريع بقروض صغرى‪ ،‬إذا كانوا ال يستطيعون‬
‫الحصول على قروض من األسواق املالية التقليدية‪ ،‬ويتم إسناد‬
‫القرض وفقا لدراسة مشروع يعدها طالب القرض‪ .‬ومن املحبذ أن‬
‫تنشأ الدولة آلية خاصة بهذه املسألة تكون عبارة عن صندوق وطني‬
‫لتمويل املشاريع الصغرى الخاصة بالنزالء السابقين‪.‬‬
‫يجب أن ال يقف عمل النقابة على الدولة وهياكلها‪ ،‬بل عليها‬
‫كذلك التعامل والتعاون مع املجتمع املدني‪ ،‬ذلك أن الحرص على‬
‫إعادة إدماج النزالء املفرج عنهم ممتد إلى النشاط الجمعياتي‪،‬‬
‫مما يدفع بالنقابة للتعاون مع املجتمع املدني بمختلف مكوناته‬
‫‪100‬‬
‫في محاولة ملزيد تفعيل وتوظيف اآلليات املوجهة لتحقيق تشغيل‬
‫وإدماج النزيل من منظور تكاملي‪ ،‬وتقديم اإلضافة النوعية والكمية‬
‫ملزيد االرتقاء بالخدمات املوجهة للنزالء املفرج عنهم نحو األفضل‪،‬‬
‫بغاية إعادة اإلدماج االجتماعي واملنهي لهذه الشريحة من املواطنين‬
‫الذين‪ ‬شاءت الظروف واألقدار أن يقضوا فترة من حياتهم داخل‬
‫أسوار السجن‪.‬‬
‫تتطلب كذلك مساعدة النزالء املفرج عنهم على إيجاد شغل‬
‫أو بعث مشاريع صغرى‪ ،‬اإلعتماد على القطاع الخاص‪ ،‬والعمل‬
‫بشراكة مع العديد من املتدخلين والقطاعات واملؤسسات اإلنتاجية‬
‫الخاصة‪ ،‬وإقناع وحث مختلف الفاعلين االقتصاديين على اتخاذ‬
‫مبادرات اجتماعية وإنسانية وتسخير وسائل وآليات تتيح الفرصة‬
‫للنزيل املفرج عنه أن يكون فاعال في سوق الشغل‪ ،‬مما يمكنه من‬
‫االندماج في مجتمعه ومحيطه ويحقق التنمية لذاته وألسرته ويكون‬
‫مفيدا ملجتمعه ووطنه‪.‬‬
‫تتحمل النقابة دورا رئيسيا في تفعيل وخلق اآلليات الهادفة‬
‫لتشغيل النزيل بعد قضاء محكوميته‪ ،‬وال يمكن لها أن تقوم بهذا‬
‫الدور على أتم وجه إال من خالل دخولها في عالقة شراكة وتعاون‬
‫مع مختلف هياكل الدولة‪ ،‬ومكونات املجتمع املدني‪ ،‬والفاعلين‬
‫االقتصاديين من القطاعين العام والخاص‪ .‬ويتجاوز نطاق عمل‬
‫النقابة في هذا املجال الحث على تفعيل اآلليات ورقابة نجاعتها‬
‫إلى وجوبية خلق آليات ذات نجاعة وفعالية قصوى‪ ،‬آليات تمكن‬
‫من تشغيل وإدماج النزيل السابق بطريقة تحد من إمكانية عوده‬
‫لدرجة كبيرة‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ويجب على النقابة بقصد رصد إمكانيات الشغل واإلدماج‬
‫املتاحة في املجتمع‪ ،‬وإنجاح مهمتها‪ ،‬تجميع كل القوى حولها وإعالء‬
‫الهدف األسا�سي للعقوبة السجنية‪ ،‬والعمل على تجاوز وتذليل كل‬
‫العقبات التي تواجهها بصفة عامة السياسية العقابية من منذور‬
‫هدفها التأهيلي‪ ،‬والعقبات التي قد تواجهها النقابة بصفة خاصة‪.‬‬
‫ولتحقيق املراد‪ ،‬عليها القيام بالبحوث والدراسات واملشاركة في‬
‫التظاهرات العلمية التي تعنى بالتشغيل وطرق جميع األبواب‪.‬‬
‫وال يقف العمل النقابي عند هذا الدور املتعلق بعمل نزالء‬
‫املؤسسة العقابية‪ ،‬سواء كان أثناء قضاء املحكومية أو بعد‬
‫اإلفراج‪ ،‬بل إن طبيعة العقوبة والحياة السجنية تتطلب تدخل‬
‫النقابة في ظروف اإلقامة السجنية‪ ،‬وذلك تحقيقا لتأهيل النزيل‬
‫وضمانا الحترام إنسانيته‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬دور العمل‬
‫النقابي يف حتقيق ظروف إقامة‬
‫إنسانية للنزيل‬

‫تتمتع الدولة بحق في حرمان شخص من حريته وفقا ملنظومتها‬


‫الجزائية‪ ،‬ويتضمن هذا الحق في املقابل واجبات‪ ،‬ومن بينها واجب‬
‫أن يتم الحبس في إطار احترام القواعد اإلنسانية‪ ،‬وخاصة ضرورة‬
‫تحقيق ظروف إقامة إنسانية للمحكوم عليه‪ ،‬هذا إذا أردنا فعال‬
‫تمكين هذا اإلنسان من تخطي محنته ونزع لباس االنحراف وارتداء‬
‫لباس املواطنة من جديد‪.‬‬
‫ال يعتبر هذا األمر منة من الدولة‪ ،‬بل إنه حق للنزيل نابع من‬
‫صفته كإنسان‪ ،‬وضرورة تفرضها الغاية التأهيلية للعقوبة‪ ،‬حيث‬
‫إذا ما اعتبرنا إعادة اإلدماج كهدف مركزي لكل سياسة حبسية‪،‬‬
‫فإن فترة السجن ال يجب النظر إليها كعقوبة‪ ،‬ولكن كرعاية‬

‫‪103‬‬
‫تستهدف تغيير سلوك النزالء‪ ،‬والشرط الذي ال محيد عنه لهذه‬
‫املقاربة‪ ،‬هو تمكين النزيل من الحفاظ أو استرجاع احترامه لنفسه‪،‬‬
‫وهذا ال يتم إال من خالل املحافظة على إنسانيته‪ ،‬حيث املعاملة‬
‫اإلنسانية للنزيل تشكل حجر الزاوية في األسلوب العصري املعتمد‬
‫للتعامل مع النزيل‪.‬‬
‫تحرص السياسات الجنائية الحديثة تماشيا مع التطور الذي‬
‫عرفته وظيفة العقوبة السالبة للحرية‪ ،‬على تنفيذها ضمن إطار‬
‫اجتماعي وأخالقي وتربوي حتى تحقق العقوبة األهداف التأهيلية‬
‫املرجوة منها‪ ،‬ويتوقف تحقيق هذه الغاية على نوعية املعاملة التي‬
‫سيخضع لها النزيل والتي يجب أن ال تتجاهل صفته كإنسان قبل‬
‫كل �شيء‪ ،‬ألن الجرم الذي اقترفه مهما كانت خطورته ال يمكن أن‬
‫ينزع عنه إنسانيته التي ال بد من احترامها ومراعاتها وعدم طمس‬
‫معاملها‪.‬‬
‫لقد آمنت األنظمة العقابية الحديثة بهذا الطرح‪ ،‬لذلك سعت‬
‫للحفاظ على إنسانية النزيل من خالل االهتمام بظروف إقامته‬
‫داخل املؤسسة السجنية‪ ،‬هذه الظروف التي يجب أن تكون إنسانية‬
‫بأتم معنى الكلمة‪ ،‬وهذه الغاية وإن كانت واجبا محموال على اإلدارة‬
‫العقابية إال أن ترك املسألة بيد هذه اإلدارة بصفة فردية قد يفتح‬
‫املجال للتجاوزات واالخالالت خصوصا وأننا نتحدث عن عالم‬
‫يبقى مغلقا مهما فتح أبوابه ملختلف املتداخلين‪ ،‬لذلك يلعب العمل‬
‫النقابي دورا جوهريا في رقابة وتحقيق أنسنة ظروف إقامة النزالء‬
‫باملؤسسة السجنية‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫حتى نتمكن من توضيح وتحليل وإبراز دور العمل النقابي في‬
‫تحقيق ظروف إقامة إنسانية لنزالء املؤسسات السجنية‪ ،‬سنتولى‬
‫تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬وجوبية إقامة النزيل في ظروف إنسانية‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم النقابي لظروف إقامة النزيل‬
‫املبحث األول‪ :‬وجوبية إقامة النزيل في ظروف إنسانية‬
‫صاحب تطور غاية العقوبة السجنية تطور على مستوى ظروف‬
‫اإلقامة بالسجن‪ ،‬حيث أن اإليمان بأن الغاية من العقاب لم تعد‬
‫التف�شي من الجاني بل إصالحه وتقويم سلوكه‪ ،‬دفع النظم العقابية‬
‫الحديثة للسعي ألنسنة ظروف اإلقامة بالسجن وتخليصها من‬
‫طابعها القا�سي الذي كان يهدف زيادة ألم املحكوم عليهم‪.‬‬
‫ارتبطت الغاية من أنسنة ظروف إقامة النزالء داخل السجن‬
‫بالغاية التأهيلية للعقوبة‪ ،‬والتي تفرض االعتراف بأن النزيل أوال‬
‫وقبل كل �شيء إنسان وال يمكن بأي حال من األحوال نزع هذه‬
‫الصفة عنه‪ .‬وكذلك االعتراف بأن ال مجال لتحقيق تأهيل ناجح‬
‫للنزيل بما يسمح بإعادة إدماجه في املجتمع كمواطن صالح‪ ،‬إال إذا‬
‫وفرنا ظروف إقامة مناسبة تسهل وتأصل للعملية وتحافظ وتدعم‬
‫إنسانية النزيل‪.‬‬
‫دفعت هذه العوامل مختلف األنظمة العقابية الحديثة إلى‬
‫تكريس وجوبية إقامة النزيل في ظروف إنسانية‪ ،‬فاملهمة الرئيسية‬
‫إلدارة السجن أصبحت التحفظ في ظروف كريمة وإنسانية على‬
‫الرجال والنساء الذين يرسلون بشكل قانوني لهذه اإلدارة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫حتى نتمكن من إبراز وجوبية إقامة النزيل في ظروف إنسانية‪،‬‬
‫سنتولى تقسيم هذا املبحث إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إقرار حق النزيل في ظروف إقامة إنسانية‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الغاية التأهيلية للظروف اإلنسانية إلقامة‬
‫النزيل‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التكريس القانوني لحق النزيل في اإلقامة بظروف‬
‫إنسانية‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إقرارحق النزيل في ظروف إقامة إنسانية‬
‫أثبتت الدراسات العلمية الجنائية بعد ظهور علم اإلجرام أهمية‬
‫العناية بالخطورة اإلجرامية لدى الجناة والناشئة عن عوامل‬
‫متباينة‪ ،‬للعمل على استئصالها بالوسائل العلمية من أجل إصالح‬
‫الجاني اإلنسان‪ ،‬والحيلولة بينه وبين العودة إلى االنحراف اإلجرامي‬
‫مرة أخرى‪.‬‬
‫دفع هذا الهدف لتغيير مضمون التنفيذ العقابي‪ ،‬حيث بعد أن‬
‫كان خاليا في العصور القديمة والوسطى من االعتبارات اإلنسانية‬
‫واالجتماعية الالزمة إلصالح الجاني‪ ،‬بدأ هذا املضمون في التحول‬
‫شيئا فشيئا إلى أن أصبح اإلصالح هو الهدف األول الذي تسعى إليه‬
‫املؤسسات العقابية‪ ،‬مع الحفاظ على هدف العدالة وهدف الردع‬
‫نسبيا‪.‬‬
‫نتج عن تغيير مضمون التنفيذ العقابي االعتناء بظروف إقامة‬
‫النزيل داخل السجن‪ ،‬وتحول هذه الظروف من عامل عقابي إلى‬
‫حافز عالجي‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫أ‪ -‬ظروف اإلقامة عقاب‬
‫لم تراعي السجون في بداية نشأتها القواعد الصحية املطلوبة‬
‫إلقامة نزالءها‪ ،‬فكانت تهدف إلى اإليالم واالنتقام فحسب‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى جعلها موطنا لتف�شي األمراض املختلفة بين النزالء داخل‬
‫املؤسسة العقابية وبين أفراد املجتمع أيضا خارج تلك السجون‪،‬‬
‫لقد كان مفهوم السجن مقترنا بالقهر واإليذاء واإليالم والتعذيب‬
‫وسلب الحرية‪ ،‬حيث كان يسود املؤسسات السجنية نظم عقابية‬
‫ال تعترف بإنسانية الجاني‪ ،‬وكان التنكيل هو السياسة الداخلية‬
‫في السجون‪ ،‬فتنوعت أساليبه من عقاب جسدي وجلد وتشويه‬
‫وإعدام‪ .‬بذلك لم تكن ظروف إقامة املحكوم عليهم إال عقابا مضافا‬
‫لعقوبة نزع الحرية‪.‬‬
‫كانت مباني السجون سيئة ومظلمة ورطبة‪ ،‬وكان النزيل يعاني‬
‫قلة الطعام املفرطة وسوئه من حيث النوع واإلعداد والجودة‪ ،‬وكان‬
‫ماء الشرب على قلته بعيدا كل البعد عن كونه صالحا لالستهالك‬
‫اإلنساني‪ ،‬وعموما فإن الغذاء واملاء املقدم لنزيل املؤسسة السجنية‬
‫لم يكن يهدف تلبية حاجته وحماية صحته وحياته‪ ،‬بل كان يهدف‬
‫عقابه والتنكيل به وتركه يعيش في هذا املستوى بطريقة متدنية‬
‫حتى عن الحيوان‪.‬‬
‫امتازت كذلك السجون ببيئتها امللوثة‪ ،‬فال املكان وال النزيل ذاته‬
‫لهم عالقة بالنظافة‪ ،‬حيث تنتشر األوساخ في أماكن تواجد املحكوم‬
‫عليهم مما يبعث الروائح الكريهة ويجعلها بيئة خصبة النتشار‬
‫األمراض وتفشيها‪ ،‬ومما يزيد من سوء الوضع حالة اإلتساخ الذاتي‬

‫‪107‬‬
‫التي يعيشها النزيل حيث ال مجال لالعتناء بنظافة ثيابه ونظافة‬
‫جسده‪.‬‬
‫كرست األنظمة العقابية القديمة ظروف إقامة سجنية جد‬
‫مرعبة ومقززة للمحكوم عليهم وبعيدة كل البعد عن أبسط املبادئ‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وذلك بهدف اإلنتقام منهم والقضاء عليهم‪ ،‬فالهدف‬
‫من العقوبة السجنية كان حتى نهاية القرن الثامن عشر مجرد‬
‫املحافظة على حياة النزالء تمكينا من تنفيذ العقوبة فيهم‪ ،‬وفي‬
‫األثناء الثأر للمجتمع منهم من خالل جعلهم يعيشون ظروفا أسوء‬
‫من املوت ذاته‪.‬‬
‫وحتى إن تغير خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬هذا املنظور التقليدي‬
‫للعقاب عامة وغاياته وأساليبه‪ ،‬وذلك تحت وطأة األصوات املنادية‬
‫بعلوية اإلنسانية وباستحالة نزع ماهية اإلنسان عن أي بشري مهما‬
‫كان وضعه ومهما كانت بشاعة الجرم الذي ارتكبه‪ ،‬فإن ظروف‬
‫اإلقامة باملؤسسات السجنية ورغم تحسنها الجزئي فإنها بقيت‬
‫تشكل عقابا إضافيا يسلط على الجاني وبقي الهدف منها زيادة أمله‬
‫ودهسه‪.‬‬
‫ومع مرور الزمن‪ ،‬وبفضل عزيمة قوية وشفافة في مجال أنسنة‬
‫السجون‪ ،‬تغير جذريا املنظور التقليدي للعقاب وتغيرت معه‬
‫السياسة الجنائية ومفهوم السجن‪ ،‬وتم االعتراف للنزيل بإنسانيته‪،‬‬
‫واإلقرار بحقه في ظروف إقامة إنسانية‪ ،‬فوقعت أنسنة وتحسين‬
‫ظروف اإلقامة باملؤسسات السجنية من طرف عديد اإلعالنات‬
‫واملؤتمرات الدولية‪.‬‬
‫انعكس تحول النظرة للجاني من الثأر للتأهيل ومن اإلقصاء‬
‫للعناية‪ ،‬وتبني السياسات العقابية الحديثة ملنظومة حقوق‬
‫‪108‬‬
‫اإلنسان في شموليتها‪ ،‬على ظروف إقامة النزيل داخل السجن‪،‬‬
‫لتحولها من عقاب إلى وسيلة فعالة وشرط أسا�سي إلنجاح تأهيل‬
‫النزيل‪ ،‬وإعادته للمجتمع منزوعة النزعة اإلجرامية متماهيا مع‬
‫محيطه ومجتمعه نفسيا وأخالقيا وقانونيا‪.‬‬
‫ب‪ -‬ظروف اإلقامة عالج‬
‫غير ظهور السجون الحديثة النظرة إلى السجن والنزيل‪ ،‬فالنزيل‬
‫هو أوال وأخيرا إنسان‪ ،‬إنسان حاد عن الطريق وقام بكسر قاعدة‬
‫من القواعد القانونية التي ضبطها املجتمع‪ ،‬وهذا اإلنسان هو جزء‬
‫ال يتجزأ من ذلك املجتمع‪ ،‬ومهما طالت مدة حجزه ومحكوميته فإنه‬
‫سوف يعود إلى مكانه الطبيعي وهو املجتمع‪ ،‬الحياة الحرة‪.‬‬
‫إن من أبرز سمات السياسة العقابية املعاصرة‪ ،‬اعتبار املجرم‬
‫النزيل هو إنسان قبل أن يكون مذنبا استحق العقاب بالحد من‬
‫حريته‪ ،‬واعتبارا إلنسانيته فهو جدير برعاية الئقة ال تمس من‬
‫كرامته وال تحط من آدميته‪ ،‬إذ حقه في الكرامة نابع من كون‬
‫السجن والذنب الذي اقترفه ال يفقدانه طبيعته البشرية ومن ثمة‬
‫كرامته اإلنسانية‪ ،‬لذلك ينبغي مراعاتها واحترامها في شتى األحوال‪.‬‬
‫فاملحكوم عليه له الحق في أن يعامل بطريقة تحفظ له كرامته‬
‫اإلنسانية التي تستمد وجودها من إنسانيته والتي تالزم املسجون‬
‫طيلة حياته‪ ،‬فهي حقوق لصيقة بطبيعته البشرية ال يجوز له أن‬
‫التنازل عنها‪ ،‬ألنها من النظام العام‪ .‬وال يمكن بأي حال احترام‬
‫الكرامة اإلنسانية للنزيل إال بتوفير ظروف إقامة إنسانية تحفظ‬
‫هذه الكرامة وتأصل لتأهيله‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫إن السجن ليس إال مكانا مؤقتا‪ ،‬يق�ضي فيه املدان عقابه ثم‬
‫يعود لحياته االجتماعية خارج أسوار املؤسسة السجنية‪ ،‬بذلك‬
‫أصبح السجن يمثل وسيلة جديدة إلدارة املحكوم عليهم تهدف‬
‫االنضباط واإلصالح وإعادة اإلدماج‪ .‬فالسجن أصبح املكان الذي‬
‫تجتهد فيه السلطة حسب أولوياتها لتأطير املدانين وتأهيلهم‪ .‬وهكذا‬
‫استخدمت مدة العقوبة داخل السجن إلعداد املجرم لالندماج في‬
‫املجتمع الحر من جديد عن طريق تقويمه على أساس واقعي‪.‬‬
‫يتنافى هذا التقويم تماما مع الوسائل التقليدية التي كان يراد بها‬
‫أن تضفي على السجون جوا من الرهبة والكآبة والوحشية بقصد‬
‫الوصول إلى التكفير والتوبة‪ ،‬فاالتجاهات الحديثة تعمل على‬
‫تقليص الفوارق أكثر ما يمكن بين الحياة داخل السجن والحياة‬
‫خارجه‪ ،‬وبذلك لم تعد العقوبة وسيلة لإلذالل واالنتقام‪ ،‬وإنما‬
‫أصبحت وسيلة للنجاة مما وقع التردي فيه من انحراف بفضل‬
‫توفر األساليب املستحدثة في املعاملة العقابية واالعتناء بظروف‬
‫اإلقامة داخل املؤسسة السجنية‪.‬‬
‫لقد أصبح فاقد الحرية محور املنظومة الجزائية الحديثة‪ ،‬والتي‬
‫ليس لها من هدف سوى التخلص من املظاهر التقليدية للسياسة‬
‫الجنائية التي عرضت اإلنسان إلى املهانة‪ ،‬واألخذ بحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫وتغيير الغاية التقليدية للعقاب من النزعة االنتقامية إلى النزعة‬
‫اإلصالحية املعترفة بأن فاقد الحرية يبقى إنسانا ولو زلت به القدم‪،‬‬
‫وإضفاء الطابع اإلنساني على العقوبة في مرحلة تنفيذها لتحقيق‬
‫غايتها التأهيلية‪.‬‬
‫لقد أصبح التركيز على إصالح املجرم الذي لم يعد عدوا‬
‫للمجتمع يجب إهانته ودهسه والقضاء عليه‪ ،‬بل أصبح له حقوق‬
‫‪110‬‬
‫في إطار مؤسسة سجنية تأهيلية‪ ،‬فقد تم التوجه إلى اعتماد اللين‬
‫ومراعاة آدمية اإلنسان كسياسة عامة تنتهجها الدولة من خالل‬
‫تغيير وجهة هدف العقاب وتنفيذه من انتقام وإيالم جسدي إلى‬
‫استهداف العقل بإصالحه وتثقيفه واجتثاث الفكر اإلجرامي منه‪.‬‬
‫فاالتجاهات الحديثة تضع الجاني في صدارة الواقعة الجنائية‪،‬‬
‫إذ لم تعد تستسيغ النظر إليه في مرحلة التنفيذ كرقم ال هوية له‬
‫تتصرف فيه إدارة السجن كأي �شيء يوضع تحت سلطتها‪ ،‬وهو ما‬
‫ترتب عنه ضرورة معاملة النزيل كإنسان له حقوقه وواجباته ويتعين‬
‫العمل على تأهيله‪.‬‬
‫يعكس االهتمام بظروف إقامة النزيل احترام الكرامة اإلنسانية‬
‫وحق فاقد الحرية في املعاملة اإلنسانية‪ ،‬وكذلك توجه السياسة‬
‫الجنائية نحو إصالح هذا اإلنسان والسعي إلعداد أفضل لعودة‬
‫النزيل إلى الحياة العادية وجعله يرغب في إعادة االندماج في املجتمع‬
‫دون السقوط من جديد في مهاوي االنحراف‪.‬‬
‫أجمعت النظم العقابية الحديثة على وجوب أن يكون الغرض‬
‫من معاملة املحكوم عليهم بالسجن‪ ،‬وبقدر ما تسمح بذلك مدة‬
‫العقوبة‪ ،‬إكسابهم الرغبة في العيش بعد إطالق سراحهم في ظل‬
‫القانون معتمدين على أنفسهم‪ ،‬ويجب أن تهدف هذه املعاملة إلى‬
‫تشجيع احترامهم لذواتهم وتنمية روح املسؤولية لديهم‪ ،‬وهذا األمر‬
‫يستوجب االعتناء بالظروف املادية واملعنوية إلقامة املحكوم عليهم‬
‫بالسجن‪.‬‬
‫لقد شهدت ظروف إقامة النزيل باملؤسسات السجنية اهتماما‬
‫دوليا بالغا يعكس إيمانا من املجموعة الدولية بأن إصالح النزيل‬
‫باملؤسسة السجنية يستوجب اإلقرار بحقه في اإلقامة بظروف‬
‫‪111‬‬
‫تقوم على احترام ذاته وكرامته البشرية‪ ،‬وقد أصبح هذا الحق‬
‫هاجسا دوليا وأيضا محليا في كافة الدول باعتبار انعكاسه اإليجابي‬
‫على تأهيل النزيل وارتباط تحقيق هذا التأهيل بمدى تحقيق أنسنة‬
‫ظروف اإلقامة‪ ،‬بذلك تكون الغاية التأهيلية للظروف اإلنسانية‬
‫إلقامة النزيل مسألة ال نقاش فيهااستقرت حولها األنظمة العقابية‬
‫الحديثة الداعية لضرورة تطبيق النظام العقابي في إطار إنساني‬
‫واجتماعي حتى يحقق أغراضه‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الغاية التأهيلية للظروف اإلنسانية إلقامة النزيل‬
‫تعتبر البيئة املسؤول الوحيد عن تحديد سلوك اإلنسان‬
‫وتوجهاته األخالقية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما كان يقوله جون‬
‫واطسون زعيم املدرسة السلوكية في مطلع القرن ‪ 20‬من أنه‬
‫يستطيع أن يصنع من مجموعة من األطفال حديثي امليالد ما يشاء‬
‫فيخرج منهم املهندس والطبيب واملعلم لو توفرت له اإلمكانيات‬
‫البيئية الالزمة لذلك‪.‬‬
‫إن البيئة السجنية هي املسؤول األول عن تحديد وتوجيه أخالق‬
‫النزيل وجعله إنسان ذو أخالق تميل لالعتدال أو على العكس تميل‬
‫لالنحراف‪ ،‬وكذلك تعتبر هذه البيئة املسؤول األول عن إنجاح الغاية‬
‫التأهيلية للعقوبة السجنية‪ ،‬لذلك فإن الغاية التأهيلية للظروف‬
‫اإلنسانية إلقامة النزيل أمر واضح ال نقاش فيه‪ ،‬وتبرز هذه الغاية‬
‫من خالل املحافظة على إنسانية النزيل والعمل على تسهيل تقبله‬
‫للبرنامج التأهيلي‪.‬‬
‫أ‪ -‬املحافظة على إنسانية النزيل‬

‫‪112‬‬
‫اعتبرت العقوبة في املفهوم التقليدي السبيل الوحيد للدفاع‬
‫عن املجتمع ضد الجريمة‪ ،‬لذلك اتصفت رغم تنوع صورها بالشدة‬
‫والقسوة في تنفيذها من أجل ردع الجاني من العودة إلى الجريمة‪،‬‬
‫أو من أجل ردع اآلخرين من سلوك طريقها‪ ،‬ولكن مثل هذا املفهوم‬
‫الردعي للعقوبة تراجع في اتجاه املفهوم اإلصالحي للجزاء تحت تأثير‬
‫تطور الفلسفة اإلنسانية التي شمل اهتمامها اإلنسان بوجه عام‬
‫دون تمييز‪.‬‬
‫بعد أن كان النزيل يعتبر كائنا ذو درج سفلى أو ربما شيئا معيبا‬
‫يسعى املجتمع للتخلص منه‪ ،‬أصبح تدريجيا معترفا به كإنسان‪ ،‬وهي‬
‫طبعا ماهيته الحقيقية‪ ،‬وذلك بفضل التطور الذي عرفته منظومة‬
‫حقوق اإلنسان مما أدى إلى ارتفاع األصوات املناديةبأنسنة العقوبة‬
‫وبوجوب التركيز على تأهيل النزيل اإلنسان واالعتناء بالسجن‬
‫كمكان لتنفيذ العقوبة والذي يجب أن يتسم بظروف تحفظ‬
‫إنسانية النزيل‪.‬‬
‫أصبحت املحافظة على إنسانية النزيل عماد السياسة العقابية‬
‫العصرية الهادفة تأهيل مرتكب الفعل اإلجرامي‪ ،‬وأصبحت جهود‬
‫املؤسسة السجنية متجهة بدرجة كبيرة نحو إنجاح برنامج التأهيل‬
‫الخاص بكل نزيل من نزالءها‪ ،‬وإنجاح حسن إعداده للعودة‬
‫للمجتمع خال النزعة اإلجرامية‪ ،‬وال تتحقق هذه األهداف إال من‬
‫خالل توفير ظروف إقامة إنسانية لنزيل املؤسسة السجنية‪ ،‬حيث‬
‫أن الغاية التأهيلية لهذه الظروف ترتبط ارتباطا عضويا باملحافظة‬
‫على إنسانية النزيل‪.‬‬
‫كانت أنسنة العقوبة عامة وأنسنة السجن خاصة املنطلق‬
‫لتوفير ظروف إقامة إنسانية للنزيل‪ ،‬وذلك بغية املحافظة على‬
‫‪113‬‬
‫آدميته تحقيقا للغرض الحديث للعقوبة‪ ،‬واملتمثل في التأهيل بغاية‬
‫إعادة إدماج املدان في املجتمع كعنصر صالح سليم ال يخ�شى عوده‬
‫لطريق اإلجرام‪ ،‬فالنزيل إنسان يجب أن نهتم به ونوفر له ظروف‬
‫إقامة تكفل له أال يخرج إنسانا مشوها بعد تجربة السجن‪ .‬ومع‬
‫اعترافنا بضرورة أن ينال عقابه لجرم اقترفه‪ ،‬يجب أال تكون هذه‬
‫هي النقطة التي تنتهي عندها كرامته كإنسان ويبدأ في صراع مع‬
‫الوقت الذي يسلب فيه من كل صفاته اإلنسانية‪.‬‬
‫تقت�ضي املحافظة على إنسانية النزيل املحافظة على كرامته‪ ،‬بما‬
‫يعني منع إقامته في ظروف ماسة بالكرامة أو حتى يغلب عليها خطر‬
‫حدوث هذا املس‪.‬‬
‫حظيت الكرامة اإلنسانية باهتمام بالغ سواء في األديان أو في‬
‫التشريعات الوضعية‪ ،‬ففي جميع الديانات اعتبرت الكرامة إرثا‬
‫مشتركا وهبة من هللا‪ ،‬وبالتالي كانت النظرة إلى اإلنسان في املوروث‬
‫الديني على أنه خلق متميز شكال وروحا‪ ،‬وبأنه وهب العقل والكرامة‬
‫التي يسمو بها على املخلوقات جميعا‪ .‬وعلى مستوى التشريعات‪،‬‬
‫اعتبرت الكرامة آخر خط دفاع عن اإلنسانية ضد البربرية‬
‫والتجاوزات الخطيرة للنظم الشمولية‪ ،‬وضد الفردية املتوحشة‪.‬‬
‫إن التطور الذي عرفته البشرية على درب الحفاظ على ماهية‬
‫اإلنسان وتحقيق إنسانيته جعل التعدي على الكرامة أو انتهاكها‬
‫أسوأ من التعدي على الحرية‪ ،‬وأحيانا أسوأ من التعدي على الحياة‪،‬‬
‫فالحق األسا�سي األرقى لإلنسان ليس الحق في الحياة بل هو الحق‬
‫في حياة كريمة‪.‬‬
‫وتعتبر الكرامة لصيقة بكل كائن بشري مهما كانت صفته أو‬
‫وضعه‪ ،‬فهي خاصية وحق لكل البشر‪ ،‬وبما أن للجميع كرامة فإنهم‬
‫‪114‬‬
‫متساوون في هذه القيمة والتي ال يمكن إنقاصها‪ ،‬مما يتطلب ربط‬
‫الكرامة بمبدأ املساواة حيث يتساوى كل فرد مع اآلخر في املجتمع‬
‫بهذا الحق الطبيعي‪ ،‬ومن هنا يمكن القول بأن كرامة اإلنسان‬
‫األساسية مطلقة وشاملة وال يمكن إنتزاعها أو التخلي عنها‪ ،‬فال‬
‫نستطيع القول أن شخصا ما يمتلك كرامة أكثر من شخص آخر‬
‫كما هو الحال عندما نقول بأن شيئا ما له أكثر ثمنا من اآلخر‪،‬‬
‫فثمن الكرامة أعلى من كل األثمان‪ ،‬بل ليست لها ثمن‪.‬‬
‫يتمتع النزيل اإلنسان بحق مطلق تجاه املؤسسة السجنية بأن‬
‫تحافظ على كرامته البشرية‪ ،‬مما دفع بهذه اإلدارة لالعتناء بظروف‬
‫إقامة نزالءها وجعلها تعكس حرصها على املحافظة على إنسانية‬
‫النزالء‪ ،‬فاليوم ال يمكن القبول بإقامة نزيل املؤسسة السجنية في‬
‫ظروف تحط من كرامته أو تمس سلبا من صحته أو تشكل عامل‬
‫تعذيب‪.‬‬
‫والتعذيب كما هو معلوم محجر على املستوى الكوني‪ ،‬إضافة‬
‫للتأكيد على منعه على مستوى االتفاقيات اإلقليمية مثل االتفاقية‬
‫األوروبية ملنع التعذيب واملعاملة أو العقوبة الالإنسانية أو املهينة‬
‫لسنة ‪ ،1989‬كذلك ميثاق الحقوق األساسية لالتحاد األوروبي في‬
‫مادته الرابعة التي نصت على أن « ال يخضع أي شخص للتعذيب‬
‫أو للمعاملة أو العقوبة غير اإلنسانية أو املهينة‪ .».‬وأيضا اتفاقية‬
‫البلدان األمريكية ملنع التعذيب واملعاقبة عليه لسنة ‪ ،1987‬وكذلك‬
‫االتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان التي نصت في مادتها الخامسة‬
‫فقرة ‪ 2‬على أنه «ال يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو لعقوبة أو معاملة‬
‫قاسية أو غير إنسانية أو مذلة‪.»...‬‬

‫‪115‬‬
‫يجب أن نشير فيما يتعلق بالصحة أن الدولة ملزمة بحماية‬
‫الصحة العامة في سياق املؤسسات العقابية‪ ،‬وخفض معدل‬
‫اإلصابة باألمراض والوفيات بين النزالء واملجتمع ككل‪ ،‬إذ يجب‬
‫التأكيد على دور ظروف اإلقامة اإلنسانية داخل املؤسسة السجنية‬
‫في املحافظة على الصحة العامة في املجتمع‪ ،‬فقد ثبت أن إهمال‬
‫إنسانية النزيل وإقامته في ظروف غير سليمة يف�ضي إلى تف�شي‬
‫األمراض املعدية داخل املؤسسة العقابية‪ ،‬وهذه األمراض سرعان‬
‫ما تنتقل خارجها بطرق متنوعة‪ ،‬منها على سبيل املثال فضالت‬
‫السجن أو كذلك عن طريق املفرج عنهم‪،‬وهذا تهديد يشمل كل‬
‫العاملين بقطاع السجون‪ ،‬وأفراد أسر النزالء‪ ،‬والزائرين‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى املجتمع الخارجي الذي يخرج إليه النزيل في النهاية عند‪ ‬إخالء‬
‫سبيله‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬وكما تشير عبارة مفوض السجون البريطاني باترسون‬
‫والتي كان يكررها مرارا «يرسل السجناء إلى السجن كعقاب وليس‬
‫من أجل العقاب»‪ ،‬فإن حرمان املرء من حقه في الحرية ينفذ بحبسه‬
‫في بيئة مغلقة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال ينبغي أن يكون لالحتفاظ باملذنبين‬
‫تحت تحفظ الدولة آثار ضارة على صحة هؤالء األشخاص‪.‬‬
‫أقرت السياسة العقابية الحديثة بتمكين النزيل من اإلقامة في‬
‫ظروف إنسانية وذلك اقتناعا منها بأن النزيل إنسان قبل كل �شيء‬
‫ويجب املحافظة على إنسانيته‪ ،‬واقتناعا كذلك بفائدة تلك الظروف‬
‫وانعكاساتها اإليجابية على الغاية التأهيلية للعقوبة‪ ،‬وكذلك إيمانا‬
‫منها بأن السجن تدبير مؤلم من حيث أنه يسلب الفرد حقه في‬
‫تقرير مصيره بحرمانه من حريته‪ ،‬لذلك ال ينبغي لنظام السجون‬

‫‪116‬‬
‫إال في حدود مبررات العزل أو الحفاظ على االنضباط أن يفاقم من‬
‫املعاناة املالزمة ملثل هذه الحالة‪.‬‬
‫لم يكن إقرار السياسة العقابية الحديثة بوجوبية املحافظة على‬
‫إنسانية النزيل كأساس لظروف اإلقامة داخل املؤسسات السجنية‬
‫إال حرصا منها على هدفين متوازيين‪ ،‬وهما احترام حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والتأهيل الذي يعتمد على مدى تقبل النزيل إلصالحه ومدى تعاونه‬
‫مع اإلدارة العقابية على مستوى تقبل وتطبيق برنامج التأهيل‬
‫الخاص به‪ ،‬وتلعب في هذا املستوى ظروف اإلقامة اإلنسانية دورا‬
‫هاما في تحقيق تقبل النزيل للبرنامج التأهيلية‪.‬‬
‫ب‪ -‬تقبل النزيل للبرنامج التأهيلي‬
‫تتميز ثقافة السجن ومجتمع السجن بخصوصيات وسمات‬
‫معينة قد يصعب على النزيل تحمل أثارها‪ ،‬وذلك نتيجة للظروف‬
‫والوقائع السجنية التي يجد النزالء أنفسهم فيها‪ ،‬والتي تخالف بقدر‬
‫كبير تلك الظروف والوقائع التي اعتاد النزالء عليها في رحاب املجتمع‬
‫من جهة‪ ،‬ونتيجة دخولهم السجن من جهة أخرى‪ .‬فهناك الخالفات‬
‫العائلية‪ ،‬وهناك العار االجتماعي‪ ،‬وهناك صعوبات اإليفاء باألعباء‬
‫واملطالب املادية للعائلة‪ ،‬وهناك التعقيدات الرسمية املترتبة على‬
‫دخول السجن‪ ،‬وغيرها من املشاكل الكثيرة التي تترتب على وجود‬
‫النزيل في السجن‪ ،‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فإن هذه املشاكل ال تختفي من‬
‫تلقاء نفسها‪ ،‬بل على النزيل مواجهتها والتعايش معها‪ ،‬بل البد له من‬
‫حسمها وإيجاد حلول نهائية لها‪.‬‬
‫هذا الوضع إذا ما أضفنا له طبيعة وتقنيات السجن من إكراه‬
‫وتحييد‪ ،‬يجعلنا نؤكد أن املؤسسة السجنية تعتبر بشكل واضح‬
‫‪117‬‬
‫مولدة للضغوط واألمراض النفسية‪ ،‬فالعقوبة السجنية تمثل عبئا‬
‫نفسيا باهظا على املودع‪ ،‬وتؤدي إلى العديد من الضغوط النفسية‬
‫التي يختلف تأثيرها باختالف النزالء من حيث قدرتهم على احتمال‬
‫تلك الضغوط‪.‬‬
‫يمكن أن نوجز أهم الضغوط النفسية للسجون والتي تزيد من‬
‫سوء الحالة النفسية للنزيل الناتجة عن فقدان الحرية‪ ،‬في صدمة‬
‫اإليداع‪ ،‬وإماتة الشعور بالفردية‪ ،‬والشعور الدائم باملراقبة‪،‬‬
‫وكذلك افتقاد األسرة‪.‬‬
‫تتمثل صدمة اإليداع في كون النزيل عند دخول السجن‬
‫وخاصة عند ارتكابه الجريمة األولى يشعر باملرارة واليأس والقنوط‬
‫واالحباط‪ ،‬ومما ال شك فيه أن الحرمان من الحرية هو العامل‬
‫األسا�سي املحدث لهذه الصدمة‪ ،‬ناهيك عن أن النزيل يعرف أن‬
‫دخول السجن يعتبر بمثابة وصمة عار تالحقه طوال حياته‪ ،‬كما‬
‫أنه يعرف ما سوف يلقاه من تجنب الناس وتوجسهم منه بعد أن‬
‫يخرج من السجن‪.‬‬
‫وتتمثل إماتة الشعور بالفردية في فقدان شعور الفرد بذاتيته‬
‫وآنيته وهويته الشخصية‪ ،‬والتي وإن كانت تعتبر أمرا مالزما للحياة‬
‫االجتماعية العادية خارج السجن‪ ،‬فإنها مفقودة داخله نظرا‬
‫لطريقة الحياة املوحدة داخل السجن وتناول نفس الطعام مع‬
‫نفس األشخاص في نفس املواعيد‪ ،‬ونظرا إلنعدام الخصوصية‬
‫حتى في قضاء الحاجات الطبيعية‪ ،‬ناهيك عن أن النزيل عادة ما‬
‫يرمز إليه برقم يكون هو أساس التعامل معه‪.‬‬
‫ويتمثل الشعور باملراقبة في شعور النزيل بكونه تحت املراقبة‬
‫بصفة دائمة سواء من قبل بقية النزالء وكذلك من قبل اإلدارة‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫ويتمثل افتقاد األسرة في كون النزيل بدخول السجن يفارق أفراد‬
‫األسرة وهذا يبعث األلم في نفسه‪ ،‬إضافة ملا يعانيه جراء اجترار‬
‫سؤال مضمونه ما الذي سوف يقوله ألطفاله ولوالديه كمبرر‬
‫لغيابه عن األسرة بسبب دخوله السجن‪ ،‬وهل سيلتقي مجددا‬
‫بأفراد أسرته خاصة القرين واألب واألم عند انتهاء محكوميته‪.‬‬
‫يشكل السجن بيئة نشطة لألمراض النفسية التي قد تصيب‬
‫النزيل وتكون حاجزا إسمنتيا أمام تأهيله‪ ،‬لذلك وجب على اإلدارة‬
‫العقابية العمل على وقايته من تلك األمراض حتى تتمكن من دعم‬
‫حظوظها في تحقيق هدفها ونجاحها في استئصال النزعة اإلجرامية‬
‫لهذا النزيل اإلنسان‪.‬‬
‫ال يعني عالج الجرائم بعد وقوعها سوى العمل على تفادي حدوثها‬
‫من جديد‪ ،‬وذلك بمعاملة املجرمين أنفسهم كبشر وعلى نحو يجنب‬
‫املجتمع تكرار اإلجرام من جانبهم‪ ،‬تلك هي الغاية الرئيسية من‬
‫العالج الذي يطمح لتحقيقها علم تقويم املجرمين املسمى في التعبير‬
‫التقليدي الشائع بعلم العقاب‪ ،‬وتعتبر هذه الغاية صعبة التحقيق‬
‫إذا حجبنا الجانب النف�سي للنزيل ولم نعمل على دعم تقبله للبرنامج‬
‫التأهيلي‪.‬‬
‫إذا كان الحكم بعقوبة اإلرسال إلى السجن يعني في الجوهر‬
‫حجز حرية املحكوم عليه وحرمانه من هذا الحق‪ ،‬فإن هذه‬
‫املؤسسة العقابية تحولت مع الزمن إلى مكان لعالج هذا اإلنسان‬
‫الجانح وتأهيله لحياة اجتماعية فاضلة‪ ،‬حيث ينظر إلى السجن‬
‫اآلن كمكان للعالج وليس مجرد مكان أو بنية للعقاب‪.‬‬
‫تلعب ظروف إقامة النزيل داخل املؤسسة السجنية دورا رياديا‬
‫في تحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة من خالل تحفيز النزيل على‬
‫‪119‬‬
‫تقبل برنامج التأهيل والتعاون مع اإلدارة على إنجاحه‪ ،‬فقد أثبت‬
‫التاريخ والتجربة أن ال مجال للتأهيل إال من خالل ضمان االستعداد‬
‫النف�سي الجيد للنزيل لتقبل الخروج من ثوب املجرم والعودة لثوب‬
‫اإلنسان واملواطن الصالح‪.‬‬
‫إن الحرص على ضمان املعاملة اإلنسانية ملن زلت بهم القدم‬
‫وإعدادهم لشق الطريق السوي بعد اإلفراج عنهم‪ ،‬يقت�ضي من‬
‫املؤسسة العقابية السعي قدر اإلمكان إلى الحفاظ على الراحة‬
‫النفسية للنزيل‪ ،‬ألن اإلعداد النف�سي هو أحد مقومات أساليب‬
‫املعاملة العقابية املعتمد من قبل األنظمة العقابية الحديثة‪ ،‬والتي‬
‫تهدف اإلعداد املعنوي الجيد للمحكوم عليه من خالل حفظ توازنه‬
‫النف�سي وتقويم سلوكه‪.‬‬
‫يعكس الحرص على ضمان ظروف إقامة إنسانية للنزيل حرص‬
‫املؤسسة العقابية على تحقيق الراحة واالستقرار النف�سي والعقلي‬
‫للنزيل‪ ،‬وتطوير قدراته النفسية‪ ،‬حتى يدرك أن العقوبة ليست‬
‫وسيلة لإلذالل واالنتقام‪ ،‬وإنما وسيلة لقطع الطريق بينه وبين شتى‬
‫مظاهر االنحراف‪ ،‬وذلك بعالج نفسيته املعادية للقيم االجتماعية‬
‫واألخالقية بواسطة التربية والتهذيب‪ ،‬وكذلك من خالل إكسابه‬
‫القدرة على مواجهة الصعوبات التي يمكن أن تعترضه إثر خروجه‬
‫من السجن من خالل تعويده على سلوك اجتماعي سليم مصدره ما‬
‫ترسخ في ذهنه من قناعات بموجب التأهيل‪.‬‬
‫تدفع ظروف اإلقامة اإلنسانية بالنزيل إلى اإلقتناع بوضعه‬
‫وتقبل عقوبته ومراجعة نفسه والندم على التعدي على مجتمعه‪،‬‬
‫فيندفع بعزيمة كبيرة نحو التكفير عن جرمه والحصول على غفران‬
‫مجتمعه ونيل فرصة ثانية إلثبات مواطنته‪ ،‬ويكون ذلك من خالل‬
‫‪120‬‬
‫تقبل برنامج تأهيله والتعاون التام مع اإلدارة العقابية في سبيل‬
‫حسن عودته للمجتمع سليما معافا من كل نزعة إجرامية‪.‬‬
‫لقد دفعت أهمية توفير ظروف اإلقامة اإلنسانية داخل‬
‫السجون‪ ،‬سواء على مستوى حسن سير وعمل املؤسسة أو كذلك‬
‫على مستوى إنجاح برنامج تأهيل النزالء‪ ،‬باألنظمة العقابية الحديثة‬
‫إلى التكريس القانوني لحق النزيل في اإلقامة بظروف تحفظ كرامته‬
‫البشرية وتصون إنسانيته‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التكريس القانوني لحق النزيل في اإلقامة بظروف‬
‫إنسانية‬
‫تعتبر الكرامة الخير األسمى الذي يمتلكه اإلنسان عامة‬
‫وبفضلها يتجاوز في القيمة العالم املادي‪ ،‬فاإلنسان ال يقاس بما له‬
‫أي بما يمتلك ولكنه يقاس بما هو‪ ،‬وجميع خيرات العالم ال تضاهي‬
‫كرامة اإلنسان‪.‬‬
‫يعتبر هذا املبدأ عاما ومطلقا‪ ،‬يشمل كل بشري مهما كان‬
‫وضعه‪ ،‬وال فرق بين مواطن حر ونزيل على مستوى الكرامة‪ ،‬لذلك‬
‫يجب الحفاظ على كرامة النزالء‪ ،‬ويتم ذلك بإقرار تمتيعهم بالعديد‬
‫من الحقوق املرتبطة بذواتهم كبشر‪ ،‬ومن بينها حقهم في اإلقامة في‬
‫ظروف إنسانية‪.‬‬
‫ال يمكن بأي حال من األحوال املحافظة على الكرامة البشرية‬
‫للنزالء إذا ما جعلناهم يقيمون في ظروف ال إنسانية‪ ،‬وهذا األمر‬
‫إضافة لكونه يمثل تعد على حقوق اإلنسان‪ ،‬يجعل من املستحيل‬
‫النجاح في تأهيل النزيل وتحقيق إعادة إدماجهبنجاح صلب املجتمع‪،‬‬
‫حيث ما أشد نفع ظروف اإلقامة اإلنسانية داخل السجن للغاية‬

‫‪121‬‬
‫التأهيلية للعقوبة‪ ،‬وما أشد ضرر الحرمان من تلك الظروف لتلك‬
‫الغاية عامة وللنزيل‪ ،‬إذ أن ظروف اإلقامة الالإنسانية تضر النزيل‬
‫في مختلف أبعاده الجسدية والنفسية والعقلية‪.‬‬
‫دفعت كل هذه العوامل بالسياسة العقابية العصرية إلى‬
‫تكريس حق نزيل املؤسسة السجنية في اإلقامة في ظروف إنسانية‪،‬‬
‫وقد تبنى املجتمع الدولي هذا الحق وكرسه دوليا صلب العديد من‬
‫االتفاقيات واملعاهدات سواء املتعلقة باإلنسان عامة أو الخاصة‬
‫بنزالء السجون‪ .‬ولم يشذ النظام العقابي التون�سي عن هذا الطريق‪،‬‬
‫إذ نجد تكريسا لحق النزيل في اإلقامة بظروف إنسانية صلب‬
‫قوانيننا الوطنية‪.‬‬
‫أ‪ -‬حق النزيل في اإلقامة بظروف إنسانية من خالل القانون‬
‫الدولي‬
‫كرست معظم النصوص الدولية مبدأ الكرامة البشرية‪ ،‬حتى‬
‫أضحى هذا املبدأ األساس العام املقبول من الجميع والذي يمكن‬
‫استعماله كقاسم مشترك لطموحات جميع الشعوب‪ ،‬ونواة صلبة‬
‫لطريقة سير عالمي نحو اإلنسانية املتحضرة‪ ،‬وعليه أصبحت‬
‫الكرامة اإلنسانية بمكوناتها املادية واملعنوية هي جوهر حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬واإلنسان هو جوهر العالم‪.‬‬
‫ويتولد عن حق اإلنسان في الكرامة حقه في أن يعامل كإنسان‪،‬‬
‫والتي تبرز في جانب من جوانبها في وجوبية عدم تعريض أي إنسان‬
‫للتعذيب وال للعقوبات أو املعامالت القاسية أو املهينة أو الحاطة‬
‫من الكرامة‪ ،‬وكذلك وجوبية تجنيبه اإلقامة في ظروف تجعل‬
‫من كرامته اإلنسانية محور إعتداء‪ ،‬فالكائن البشري ومهما كان‬

‫‪122‬‬
‫وضعه أو صفته يتمتع بكرامته وبحقه في معاملة تليق بالكرامة‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫لقد تم بغاية حماية الكرامة اإلنسانية مما يكرس حق فاقد‬
‫الحرية في املعاملة اإلنسانية ومنه حقه في اإلقامة في ظروف‬
‫إنسانية‪ ،‬تكريس مبدأ الكرامة البشرية بتوطئة اإلعالن العالمي‬
‫لحقوق اإلنسان لسنة ‪ 1948‬مما أثر على جميع النصوص الدولية‬
‫واإلقليمية‪ ،‬إضافة ملا ورد باملادة ‪ 5‬من نفس اإلعالن بأن «ال يعرض‬
‫أي إنسان للتعذيب وال العقوبات أو املعامالت القاسية أو الوحشية‬
‫أو الحاطة بالكرامة»‪.‬‬
‫تواصلت السياسة الدولية في هذا املجال من خالل اعالء قيمة‬
‫الكرامة البشرية والتنصيص على املعاملة اإلنسانية في مختلف‬
‫املواثيق الدولية عاملية كانت أو إقليمية‪ ،‬من ذلك العهد الدولي‬
‫الخاص بالحقوق املدنية والسياسية في مادته ‪ 7‬نص على أنه «ال‬
‫يجوز إخضاع أحد للتعذيب وال للمعاملة أو العقوبة القاسية أو‬
‫الالإنسانية أو الحاطة بالكرامة‪ ،»...‬كذلك امليثاق اإلفريقي لحقوق‬
‫اإلنسان والشعوب في مادته ‪ 5‬اعتبر أنه «لكل فرد الحق في احترام‬
‫كرامته واالعتراف بشخصيته القانونية وحظر ‪ ...‬التعذيب بكافة‬
‫أنواعه والعقوبات واملعاملة الوحشية أو الالإنسانية أو املذلة‪،».‬‬
‫أيضا امليثاق العربي لحقوق اإلنسان في مادته ‪ 8‬أكد على أنه «يحظر‬
‫تعذيب أي شخص بدنيا أو نفسيا أو معاملة قاسية أو مهينة أو‬
‫حاطة بالكرامة أو غير إنسانية ‪.»...‬‬
‫تواصلت املسيرة الدولية على درب حماية اإلنسان وحفظ‬
‫كرامته بمنع التعذيب بكافة أشكاله من خالل اعتماد منظمة‬
‫املتحدة التفاقية خاصة بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب‬
‫‪123‬‬
‫املعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة وذلك بتاريخ‬
‫‪ 10‬ديسمبر ‪ ،1984‬وقد اعتمدت العديد من املنظمات اإلقليمية‬
‫في مختلف القارات نفس هذا التوجه بإصدار اتفاقيات ملناهضة‬
‫التعذيب‪ ،‬ففي إفريقيا مثال تم إصدار املبادئ التوجيهية والتدابير‬
‫الرامية إلى حظر ومنع التعذيب واملعاملة أو العقوبات القاسية أو‬
‫الالإنسانية أو املهينة في إفريقيا بتاريخ ‪ 23‬أكتوبر ‪.2002‬‬
‫عموما‪ ،‬يمنع القانون الدولي التعذيب واملعاملة السيئة واملهينة‬
‫في كل الحاالت ودون استثناء‪ ،‬فواجب منع وتتبع أعمال التعذيب‬
‫واملعاملة السيئة والالإنسانية منصوص عليه ال فقط في املعاهدات‬
‫الدولية بل كذلك يشكل قاعدة عرفية دولية ملزمة لجميع الدول‪.‬‬
‫إن كان منع التعذيب واملعاملة القاسية يهم اإلنسان بصفة‬
‫عامة‪ ،‬فإنه يهم النزيل بصفة خاصة‪ ،‬أو بصفة أوضح مرتكب الجرم‬
‫باعتباره عانى كثيرا ومازال يعاني من ويالت التعذيب واملعاملة‬
‫املهينة والجد قاسية‪ ،‬وربما هذا ما دفع األمم املتحدة إلى التأكيد‬
‫على املعاملة اإلنسانية لجميع املحرومين من حريتهم صلب العهد‬
‫الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية وبالتحديد املادة ‪ 10‬من‬
‫هذا العهد‪ ،‬وهو نفس ما قامت به العديد من املنظمات اإلقليمية‪،‬‬
‫ونذكر منها على سبيل الذكر ال الحصر‪ ،‬الجامعة العربية التي أكدت‬
‫صلب املادة ‪ 20‬فقرة أولى من امليثاق العربي لحقوق اإلنسان على‬
‫أن «يعامل جميع األشخاص املحرومين من حريتهم معاملة إنسانية‬
‫تحترم الكرامة املتأصلة في اإلنسان‪.».‬‬
‫يستمد النزيل دوليا حقه في الكرامة واملعاملة اإلنسانية ال من‬
‫النصوص املتجهة لإلنسان عامة فقط بل كذلك من النصوص‬
‫املتجهة لنزالء املؤسسات السجنية‪ ،‬حيث اعتنى املجتمع الدولي‬
‫‪124‬‬
‫بالنزيل وتوجه له بمجموعة من النصوص واملواثيق الخاصة به‪.‬‬
‫ونذكر في هذا اإلطار مجموعة قواعد الحد األدنى ملعاملة املساجين‪،‬‬
‫والتي صدرت عن هيئة األمم املتحدة سنة ‪ 1955‬بعد أن أوصت بها‬
‫اللجنة الدولية للقانون الجنائي والسجون سنة ‪.1951‬‬
‫تناولت هذه القواعد بالبيان أغراض العقوبة وفلسفتها‪ ،‬ومجتمع‬
‫السجن‪ ،‬وضرورة العمل على تقليل الفارق بين الحياة خارج السجن‬
‫وداخله بالقدر الذي يحقق أغراض املعاملة العقابية‪ ،‬ويحافظ في‬
‫ذات الوقت على شعور النزيل اإلنسان باملسؤولية واحترام ذاته‪،‬‬
‫وبالجملة ضرورة إدارة املؤسسة العقابية بأساليب إنسانية‪ ،‬بعيدة‬
‫عن العنف واإلكراه‪ ،‬كما أشارت إلى أهمية تفريد املعاملة العقابية‬
‫في السجن‪.‬‬
‫صدرت إلى جانب هذه القواعد نصوص أخرى عن األمم املتحدة‬
‫تهتم كذلك بوضعية النزيل وأسلوب معاملته وحقوقه كإنسان‪،‬‬
‫نورد منها ذكرا ال حصرا˸ مجموعة املبادئ املتعلقة بحماية جميع‬
‫األشخاص الذين يتعرضون ألي شكل من أشكال االحتجاز أو‬
‫السجن‪ ،‬املبادئ األساسية ملعاملة السجناء‪ ،‬قواعد األمم املتحدة‬
‫ملعاملة السجينات والتدابير غير االحتجازية للمجرمات املعروفة‬
‫بقواعد بانكوك‪ ،‬وكذلك قواعد األمم املتحدة النموذجية الدنيا‬
‫ملعاملة السجناء املعروفة بقواعد نيلسون مانديال‪.‬‬
‫بالنظر في مختلف هذه النصوص املتعلقة بحقوق النزيل‪ ،‬نجد‬
‫ضمانات يجب تقديرها للمحكوم عليهم داخل املؤسسات العقابية‬
‫املتنوعة التي يجري إيداعهم فيها وال يجوز تجاوزها أو هدرها إذا‬
‫ما أريد إصالح هذه الفئة الجانحة من فئات املجتمع‪ ،‬وتتصل هذه‬
‫الضمانات بالحقوق اإلنسانية وبالكرامة اآلدمية وتق�ضي بضرورة‬
‫‪125‬‬
‫معاملة النزيل معاملة قائمة على حفظ واحترام كرامته اإلنسانية‬
‫املتأصلة فيه كبشري ومنحه حقوقا أساسية ال غنى عنها‪.‬‬
‫يعتبر الحفاظ على الكرامة اإلنسانية مبدأ مطلقا في معاملة‬
‫النزالء‪ ،‬حيث وحسب املبدأ األول من املبادئ األساسية ملعاملة‬
‫النزالء «يعامل كل السجناء بما يلزم من االحترام لكرامتهم املتأصلة‬
‫وقيمتهم كبشر»‪ ،‬وهذا ما أكد عليه املبدأ األول من مجموعة املبادئ‬
‫املتعلقة بحماية األشخاص الذين يتعرضون ألي شكل من أشكال‬
‫االحتجاز أو السجن بالتنصيص على أن «يعامل جميع األشخاص‬
‫الذين يتعرضون ألي شكل من أشكال االحتجاز أو السجن معاملة‬
‫إنسانية وباحترام لكرامة الشخص اإلنساني األصلية»‪.‬‬
‫تفترض املعاملة الهادفة لحفظ الكرامة عدة أمور من بينها عدم‬
‫جواز «إخضاع أي شخص يتعرض ألي شكل من أشكال االحتجاز أو‬
‫السجن للتعذيب أو غيره من ضروب املعاملة أو العقوبة القاسية أو‬
‫الالإنسانية أو املهينة»‪ ،‬حسب صريح عبارات املبدأ ‪ 6‬من مجموعة‬
‫املبادئ املتعلقة بحماية جميع األشخاص الذين يتعرضون ألي‬
‫شكل من أشكال االحتجاز أو السجن‪.‬‬
‫ونشير في هذا اإلطار كون من التوصيات الهامة التي صدرت عن‬
‫مؤتمر األمم املتحدة ملكافحة الجريمة ومعاملة املذنبين املنعقد‬
‫بجنيف في ديسمبر ‪ ،1975‬حظر تعذيب النزالء أو اتباع أساليب‬
‫تحط من إنسانيتهم وكرامتهم‪ ،‬وقد وافقت الجمعية العامة لألمم‬
‫املتحدة على هذه التوصية باإلجماع في ‪ 09‬ديسمبر ‪.1975‬‬
‫رغم منع قواعد األمم املتحدة النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء‬
‫ومختلف النصوص املتعلقة بحقوق النزيل للتعذيب والقسوة‬
‫واملهانة إال أنها لم تقدم تعريفا لتلك املفاهيم‪ ،‬وربما يكون الغرض‬
‫‪126‬‬
‫من ذلك اإلشارة إلى تلك األمور في مفهومها الواسع املادي واملعنوي‬
‫لحماية النزالء أكثر ما يمكن من املعامالت الالإنسانية‪.‬‬
‫عرفت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب املعاملة‬
‫أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو املهينة التعذيب في مادتها‬
‫األولى بأنه «أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم‬
‫عقليا‪ ،‬يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص‬
‫أو من شخص ثالث‪ ،‬على معلومات أو على اعتراف‪ ،‬أو معاقبته‬
‫على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث‪ ،‬أو‬
‫تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث‪ ،‬أو تخويفه أو إرغامه‬
‫هو أو أي شخص ثالث‪ ،‬أو عندما يلحق مثل هذا األلم أو العذاب‬
‫ألي سبب من األسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه‪ ،‬أو يحرض‬
‫عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص‬
‫اخر يتصرف بصفته الرسمية‪ .‬وال يتضمن ذلك األلم أو العذاب‬
‫النا�شئ فقط عن عقوبات قانونية أو املالزم لهذه العقوبة أو الذي‬
‫يكون نتيجة عرضية لها‪».‬‬
‫نالحظ من خالل هذا التعريف أن القصد من التعذيب ليس‬
‫مقتصرا على الحصول على اعتراف أو معلومات‪ ،‬بل أن الغرض‬
‫منه قد يكون تخويف الضحية أو معاقبته على فعل ما‪ ،‬وقد يكون‬
‫أيضا مؤسسا على أي سبب من أسباب التمييز‪ ،‬واملالحظ أن هذه‬
‫األغراض تبرز املفهوم املتطور للتعذيب الستيعاب أكبر قدر من‬
‫االعتداءات التي يمكن أن تطال الضحية‪.‬‬
‫تعتبر إقامة النزيل في ظروف غير إنسانية في جوهرها تعذيبا‬
‫مضرا بالصحة الجسدية والعقلية والنفسية‪ ،‬فتلك الظروف‬
‫تمس من صحة النزيل اإلنسان مما يتعارض مع حق اإلنسان في‬
‫‪127‬‬
‫الصحة‪ ،‬فكل كائن بشري له حق طبيعي أصيل في الصحة وفي أرقى‬
‫درجات الرعاية والوقاية املمكن الوصول إليها‪ .‬وقد تم التأكيد على‬
‫هذا الحق في مختلف االتفاقيات واإلعالنات الدولية العاملية منها‬
‫واإلقليمية‪ ،‬من ذلك ما ورد باملادة ‪ 12‬من العهد الدولي الخاص‬
‫بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية بأن «‪1-‬تقر الدول‬
‫األطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى‬
‫من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه‪ ..... 2- .‬ج) الوقاية‬
‫من األمراض الوبائية واملتوطنة واملهنية واألمراض األخرى وعالجها‬
‫ومكافحتها‪ .‬د) تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية‬
‫والعناية الطبية للجميع في حالة املرض‪.».‬‬
‫تفترض املعاملة اإلنسانية للنزيل االعتناء بصحته الجسمية‬
‫والعقلية والنفسية ووقايته من كل األمراض التي قد يصاب بها‪،‬‬
‫وهو ما أكدت عليه ونظمته قواعد األمم املتحدة النموذجية الدنيا‬
‫ملعاملة السجناء انطالقا من القاعدة ‪ 24‬إلى القاعدة ‪.34‬‬
‫ال يمكن بأي حال من األحوال ضمان املعاملة اإلنسانية لفاقد‬
‫الحرية‪ ،‬وتجنب تعذيبه‪ ،‬ومعاملته معاملة حافظة للكرامة‪،‬‬
‫وتمتيعه بحقه كإنسان في الحفاظ على صحته والوقاية من كل ما‬
‫يمكن أن يصيبه من أمراض جسدية كانت أو عقلية أو نفسية‪ ،‬إال‬
‫من خالل توفير ظروف إقامة إنسانية لهذا النزيل داخل املؤسسة‬
‫السجنية‪.‬‬
‫يستمد بذلك النزيل حقه في اإلقامة بظروف إنسانية من‬
‫مختلف النصوص الدولية‪ ،‬عاملية كانت أو إقليمية‪ ،‬واملكرسة لحق‬
‫اإلنسان في املعاملة اإلنسانية‪ ،‬واملقرة لحق كل بشري في الكرامة‪،‬‬
‫واملانعة للتعذيب‪ ،‬والفارضة للحق اإلنساني في الصحة سواء‬
‫‪128‬‬
‫بالعالج أو الوقاية‪ .‬وال يقف تكريس حق النزيل في اإلقامة بظروف‬
‫إنسانية عند نصوص القانون الدولي‪ ،‬بل نجده أيضا مكرسا صلب‬
‫القانون الوطني‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫ب‪ -‬حق النزيل في اإلقامة بظروف إنسانية من خالل القانون‬
‫الوطني‬
‫تماشيا مع انخراط البالد التونسية في التيار الكوني لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬تبنى املشرع التأسي�سي بإقرار صريح حق النزيل في معاملة‬
‫إنسانية تحفظ كرامته صلب الفصل ‪ 30‬من دستور ‪ ،2014‬والذي‬
‫نص على أنه «لكل سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته‪.‬‬
‫تراعي الدولة في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية مصلحة األسرة‬
‫وتعمل على إعادة تأهيل السجين وإدماجه في املجتمع‪».‬‬
‫بذلك يمثل حق النزيل في معاملة عقابية غير حاطة بالكرامة حقا‬
‫دستوريا‪ ،‬ويترتب على ذلك أن مخالفة نص من القوانين العادية‬
‫أو الترتيبية ملقت�ضى الدستور يعد غير دستوري‪ ،‬وبالتالي ال عمل‬
‫عليه‪ ،‬ألن الدستور كما هو معلوم يعتلي هرم القواعد القانونية‪.‬‬
‫ال جدال في وعي املشرع التون�سي بهذه املسألة‪ ،‬وال دليل أوضح‬
‫على ذلك من أن الدولة مكلفة دستوريا بحماية كرامة الذات‬
‫البشرية‪ ،‬وذلك بمقت�ضى الفصل ‪ 23‬من دستور ‪ ،2014‬الذي أكد‬
‫على أن «تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد‪ ،‬وتمنع‬
‫التعذيب املعنوي واملادي‪ .‬وال تسقط جريمة التعذيب بالتقادم‪».‬‬
‫واملالحظ أن هذا الفصل ورد عاما وشامال لكل البشر املتواجدين‬
‫على أرض هذا الوطن دون تمييز بينهم على أي أساس‪ ،‬فلم يحدد‬
‫نطاق حماية الدولة لكرامة صنف من األشخاص دون غيرهم بل‬
‫عم الكل‪.‬‬
‫تعتبر الكرامة قيمة مجردة غير مرتبطة بالظروف وال يمكن‬
‫مقارنتها بغيرها أو املساومة عليها وال التفريط فيها وال الزيادة أو‬

‫‪130‬‬
‫اإلنقاص منها‪ ،‬فهي قيمة فريدة من نوعها ومثالية‪ ،‬وهي تهم اإلنسان‬
‫الحر مثلما تهم النزيل‪ ،‬وال فرق بينهما على هذا املستوى‪ ،‬ففاقد‬
‫الحرية إنسان واإلنسان له الحق في الكرامة اإلنسانية‪ ،‬فالسجن‬
‫وإن نزع عنه حريته فإن كرامته البشرية تبقى دائما مكفولة‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬إن إقحام املبدأ املقدس املتعلق بالحفاظ على الكرامة‬
‫البشرية عامة وكرامة النزيل خاصة صلب الدستور‪ ،‬يعني أن‬
‫املؤسسين أرادو التعبير عن نظرة الدولة التي هي في خدمة اإلنسان‬
‫والذي هو هدفها األسا�سي‪ .‬ويمكننا التأكيد في هذا اإلطار أن إقامة‬
‫النزيل بظروف إنسانية تتنزل في صلب املعاملة اإلنسانية الحافظة‬
‫لكرامة النزيل‪ ،‬وتتنزل كذلك صلب حماية الدولة لكرامة الذات‬
‫البشرية‪.‬‬
‫يفرض احترام كرامة النزيل اإلنسان ووجوبية معاملته كبشر‬
‫كامل اإلنسانية تمكينه من اإلقامة في ظروف إنسانية‪ ،‬حيث أن‬
‫جعله يقيم في بيئة وظروف مخالفة لذلك يشكل في حد ذاته عقوبة‪،‬‬
‫وعقوبة جد قاسية تصل للتعذيب‪ ،‬خصوصا وأن اإلقامة في ظروف‬
‫غير إنسانية قد تؤدي إلى حرمان النزيل من إنسانيته أصال‪ ،‬ملا‬
‫تسببه من عذاب نف�سي قصدي ذو آثار وخيمة على الصحة العامة‬
‫للنزيل‪ ،‬وأيضا ملا تمثله من خطر محدق وعامل جد محفز لإلصابة‬
‫باألمراض واألوبئة التي قد يصل خطرها حد تهديد حياة النزيل‪.‬‬
‫تستخدم عموما كلمة التعذيب لوصف معاملة غير إنسانية‪،‬‬
‫وطاملا اقترنت عبارة التعذيب بنوعية املمارسة املسلطة على‬
‫ضحيته‪ ،‬وإن كان جسد املجني عليه هو األكثر عرضة عبر التاريخ‬
‫للتعذيب‪ ،‬فإن تطور مفهوم حقوق اإلنسان وتكريس آليات رقابة‬

‫‪131‬‬
‫للحماية ضد هذا النوع من املمارسات الوحشية أدى إلى ظهور نوع‬
‫آخر من التعذيب مقنع ال يترك أثرا جسديا وهو التعذيب املعنوي‪.‬‬
‫ال توجد صعوبة في تصور التعذيب الجسدي ألن اإليذاء في‬
‫هذه الصورة يكون محسوسا بشكل مادي‪ ،‬إال أن التعذيب قد‬
‫يتخفى وراء ممارسات ال تترك أثارا بدنية في إطار التعذيب املعنوي‬
‫أو العقلي‪ ،‬والذي يمثل إيالما نفسيا قد يصل حد إذالل ضحيته‬
‫وتدميره نفسيا‪.‬‬
‫يعيش النزيل هذا الوضع بامتياز داخل السجن متى لم نمكنه‬
‫من حقه في اإلقامة في ظروف إنسانية‪ ،‬وهو ما يمثل تعذيب تسلطه‬
‫عليه املؤسسة العقابية من أجل معاقبته على الجرم الذي ارتكبه‪،‬‬
‫ينضاف للعذاب النف�سي الناتج أصال عن العقوبة السجنية وكون‬
‫النزيل يجد نفسه مسلوب الحرية وعاجزا ومتحكما فيه في أبسط‬
‫تفاصيل يومه‪.‬‬
‫ال يعتبر األلم واملعاناة النفسية الناتجة عن السجن وعن سلب‬
‫الحرية في حد ذاته ضربا من ضروب التعذيب ألنه نا�شئ عن عقوبة‬
‫قانونية ومالزم لها‪ ،‬أما األلم واملعاناة الناتجة عن ظروف إقامة ال‬
‫إنسانية فيدخل صلب جريمة التعذيب‪ ،‬باعتبار أنه مفروض من‬
‫املؤسسة العقابية على النزيل‪ ،‬وال يمكن اعتباره مالزما أو نتيجة‬
‫عرضية للعقوبة السجنية ألن هذه األخيرة ال تسلب اإلنسان إال‬
‫حريته أما بقية حقوقه كإنسان فال تمس‪.‬‬
‫تمثل جريمة التعذيب خرقا صارخا لحق اإلنسان في سالمة‬
‫جسده وروحه‪ ،‬ويضمن منع التعذيب الكرامة األساسية للكائن‬
‫البشري‪ ،‬لذلك فإن تمكين النزيل من حقه في اإلقامة بظروف‬
‫إنسانية يشكل منعا لتلك الجريمة وتطبيقا للواجب الدستوري‬
‫‪132‬‬
‫املحمول على الدولة بمنع التعذيب املعنوي‪ ،‬مما يزيد من تفعيل‬
‫املعاملة اإلنسانية للنزيل‪.‬‬
‫تكتمل املعاملة اإلنسانية للنزيل بوجوبية الرعاية الصحية لهذا‬
‫اإلنسان‪ ،‬فالدولة ممثلة في املؤسسة العقابية من واجبها الحفاظ‬
‫على الصحة الجسدية والنفسية والعقلية لنزالئها والعمل على‬
‫تطويرها‪ ،‬إضافة لوقايتهم من كل ما يمكن أن يهدد صحتهم في‬
‫بعدها العام والشامل‪.‬‬
‫يتمتع النزيل بحق دستوري في الصحة‪ ،‬حيث ورد صلب الفصل‬
‫‪ 38‬من دستور ‪ ،2014‬والذي أقر حق اإلنسان في الصحة والوقاية‪،‬‬
‫أن «الصحة حق لكل إنسان‪ .‬تضمن الدولة الوقاية والرعاية‬
‫الصحية لكل مواطن‪ ،‬وتوفر اإلمكانيات الضرورية لضمان السالمة‬
‫وجودة الخدمات الصحية‪ .»...‬إضافة لكون القانون عدد ‪ 52‬لسنة‬
‫‪ 2001‬املتعلق بنظام السجون قد أكد على هذا الحق صلب فصله‬
‫األول الذي نص على أن «‪ ...‬يتمتع السجين على هذا األساس بالرعاية‬
‫الصحية والنفسية‪.»...‬‬
‫يتطلب الحفاظ على الصحة الجسدية والنفسية للنزيل تمكينه‬
‫من اإلقامة بظروف إنسانية ملا لهذه الظروف من مساهمة أصيلة‬
‫في وقاية هذا اإلنسان من األمراض الجسدية والنفسية‪ ،‬وكذلك‬
‫دورها في الحفاظ وتدعيم القدرات الصحية الجسدية وخاصة‬
‫النفسية لهذا البشري‪ ،‬إضافة ملساهمتها في الحد من اآلثار النفسية‬
‫السيئة التي تسببها أصال العقوبة السجنية مما يدفع نحو تحقيق‬
‫الغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫عامل الدستور النزيل كإنسان كامل اإلنسانية‪ ،‬فأكد على‬
‫ضرورة معاملته طيلة محكوميته معاملة إنسانية تقوم على احترام‬
‫‪133‬‬
‫كرامته املتأصل فيه كإنسان‪ ،‬وحضر تعذيبه‪ ،‬وأقر له كإنسان حقه‬
‫في الصحة والوقاية‪ ،‬كل هذا يجعل إقرار حق النزيل في اإلقامة‬
‫بظروف إنسانية داخل املؤسسة السجنية أمرا مفروغا منه‪.‬‬
‫يتطلب ضمان ظروف إقامة إنسانية داخل املؤسسة السجنية‪،‬‬
‫إضافة الحترام الدولة اللتزاماتها الدولية والدستورية‪ ،‬وكذلك‬
‫التزام واحترام اإلدارة السجنية إلنسانية النزيل وكل ما يرتبط بها‬
‫من حقوق‪ ،‬تدخل العمل النقابي للسهر على توفير وتكريس ظروف‬
‫إقامة تراعي ألبعد الحدود إنسانية النزيل‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم النقابي لظروف إقامة النزيل‬
‫يعتبر نظريا التأهيل إلعادة اإلدماج لب وظيفة املؤسسة‬
‫السجنية‪ ،‬لكن عمليا الدراسات واألبحاث ومن يراقب األمور يرى‬
‫أن السجن يخرج من الجانحين أكثر مما يستقبل‪ ،‬حيث على النزيل‬
‫أن يكفر عن ذنبه لكن ذلك يتم عبر تجاهل طبيعته اإلنسانية‪،‬‬
‫بحيث يتم االعتراف النظري واملجرد بكرامته اإلنسانية‪ ،‬لكن من‬
‫الناحية العملية يتخلى الجانح في السجن عن إنسانيته‪ ،‬ويفقد‬
‫هناك حقوقه وحاجاته اإلنسانية‪ ،‬وال يعود كائنا بشريا من لحم‬
‫ودم‪ ،‬بل يتحول إلى رقم ينتمي إلى مجموعة أخرى من األرقام‪.‬‬
‫يشكل السجن أو املؤسسات العقابية بيئة مغلقة تضم فئات‬
‫من األشخاص املحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية يقيمون‬
‫في ظروف ماسة بإنسانيتهم‪ ،‬ويمث لذلك خطرا ينضاف ملخاطر‬
‫اختالط النزالء والتفاعل الذي يحصل نتيجة ذلك خاصة على‬
‫الناحية النفسية واألخالقية للمجرمين املبتدئين‪ ،‬كما أن الضغط‬
‫النف�سي الناتج عن سلبالحرية والنفي عن الحياة العامة اليساعد‬
‫‪134‬‬
‫كثيرا في إصالح الجناة بقدرما يساهم في مضاعفة مشاكلهم‬
‫النفسية‪ ،‬وذلك نتيجة الكبت وظروف اإلقامة السيئة التي يعاني‬
‫منها املحبوس ونفي مختلف السجون الحديثة‪.‬‬
‫يمكننا القول أن السجن قد حاد عن غرضه اإلصالحي‪ ،‬وتحول‬
‫لعامل من عوامل الجريمة بسبب التأثير الذي يمارسه على النزالء‬
‫ال سيما فيما يتعلق بظاهرة السجننة‪ ،‬والتي جعلت السجن ال‬
‫يؤدي سوى لتقوية شخصية الجاني وتأطير عودها‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫البيئة التي أجبر على العيش بها وخاصة بسبب ظروف اإلقامة بتلك‬
‫البيئة‪.‬‬
‫إن مسألة حق النزيل في اإلقامة في ظروف إنسانية ليست‬
‫مجرد مسألة نظرية أو قواعد قانونية أو شعار يرفع‪ ،‬بل هي مسألة‬
‫واقعية واجبة التنفيذ والتحقيق على أرض الواقع‪ ،‬ويأتي في هذا‬
‫املستوى دور العمل النقابي في تفعيل وضمان هذا الحق والنزول به‬
‫من التنظير إلى التطبيق وذلك من خالل التنظيم النقابي لظروف‬
‫إقامة النزيل‪ .‬وسوف نتولى توضيح هذا التنظيم من خالل تقسيم‬
‫هذا املبحث إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االعتناء بالظروف املادية إلقامة النزيل‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االعتناء بالظروف املعنوية إلقامة النزيل‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تنظيم تواصل النزيل مع العالم الخارجي‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االعتناء بالظروف املادية إلقامة النزيل‬
‫حتى ال يلتبس األمر على أحد‪ ،‬يجب أن يكون واضحا ومن‬
‫البداية أن دوافع وغايات االعتناء بظروف إقامة النزالء داخل‬
‫املؤسسات السجنية ليست اإلحسان أو الشفقة‪ ،‬وليست امتيازات‬
‫‪135‬‬
‫تعطى للنزالء بال مقابل‪ ،‬فهذه األفكار بعيدة عن الواقع‪ ،‬وبعيدة‬
‫عن األهداف الحقيقية والدوافع الرئيسية ألنسنة ظروف اإلقامة‬
‫السجنية‪.‬‬
‫يهدف املجتمع بإقراره وجوبية االعتناء بظروف إقامة النزيل‬
‫داخل املؤسسة السجنية قبل كل �شيء إلى عدم تكرار الجريمة‬
‫من طرف الذين وقعوا فيها‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فهو يهدف أصال إلى حماية‬
‫نفسه والحفاظ على كيانه من أخطار تنامي الجريمة‪ ،‬ومن أخطار‬
‫السلبيات االجتماعية لألفعال اإلجرامية والسلوكيات االنحرافية‬
‫على كيان املجتمع وعلى تنظيمه وقواعده االجتماعية‪.‬‬
‫يتعين أن تحقق عقوبة الحبس هدفها التأهيلي‪ ،‬حتى يخرج‬
‫املحكوم عليه إلى املجتمع وقد تخلص تماما من الخطورة اإلجرامية‬
‫التي دفعته إلى اإلجرام‪ ،‬واستعد استعدادا طيبا لالندماج في املجتمع‬
‫من جديد عضوا مسئوال وصالحا يستنكر كل أنواع االنحراف‬
‫اإلجرامي‪ .‬وال يتحقق هذا الهدف إال بتوفير عدة شروط وأسس‬
‫من أهمها االعتناء بالظروف املادية إلقامة النزيل وأنسنتها ألبعد‬
‫الحدود‪ ،‬سواء في بعدها املوضوعي أو الذاتي‪ ،‬وهو أمر يجب أن‬
‫يشمله العمل النقابي‪ ،‬حيث تهتم وتعمل النقابة على الدفاع وعلى‬
‫توفير ظروف إقامة مادية إنسانية لنزيل املؤسسة السجنية‪.‬‬
‫أ‪ -‬الظروف املادية املوضوعية‬
‫يبرز دور االهتمام بالظروف املادية املوضوعية إلقامة النزيل‬
‫باملؤسسة السجنية في تحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة من‬
‫وجهتين‪ ،‬فهي تساهم في التهذيب إذ أن تواجد النزيل بمكان خاضع‬
‫لقواعد صحية سليمة بما تقتضيه من عادات قويمة في مظاهر‬
‫‪136‬‬
‫الحياة املختلفة يغرس لديه االعتماد على النظام ويدعم اعتداده‬
‫بنفسه‪ .‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬تساهم هذه الظروف على نحو فعال في‬
‫عالج ما قد يعانيه النزيل من علل بدنية ونفسية وتقيه اإلصابة بها‪،‬‬
‫وبذلك تزيل العقبات التي كانت تعترض قيامه بسائر الواجبات التي‬
‫تفرضها الحياة داخل املجتمع‪.‬‬
‫يتدخل العمل النقابي لضمان االحترام واالهتمام الفعلي بهذه‬
‫الظروف‪ ،‬وضمان تحقيق جدواها على مستوى تأهيل النزيل‬
‫والحفاظ على كرامته اإلنسانية‪ .‬وتتنوع الظروف املادية املوضوعية‬
‫إلقامة النزيل‪ ،‬فنجد ضمنها آلية التصنيف‪ ،‬وحالة الغرفة التي يقيم‬
‫بها النزيل‪ ،‬ومسألة النظافة العامة‪ ،‬والطعام‪ ،‬والصحة العامة‪.‬‬
‫وتعتبر كل هذه املجاالت من النقاط األساسية التي تتنزل صلب‬
‫العمل النقابي بالفضاء السجني‪.‬‬
‫يقصد بتصنيف نزالء السجون توزيعهم إلى فئات متماثلة‬
‫بقدر اإلمكان‪ ،‬حتى يسهل تطبيق برامج التأهيل عليهم في شكل‬
‫مجموعات بدال من ضياع الجهود التي تناسب عدة حاالت مع حالة‬
‫واحدة وتكرارها بال مبرر‪ ،‬وفي ذلك توفير للجهد والوقت‪ .‬إضافة‬
‫لكون آلية التصنيف تمثل وقاية للنزالء من اآلثار السلبية للسجن‬
‫والتي تتولد جراء وضع مختلف فئات النزالء في مكان واحد دون أدنى‬
‫فصل بينهم‪ .‬ومن بين هذه اآلثار نذكر إفساد بعض النزالء املبتدئين‬
‫من ذوي الخطورة اإلجرامية الضئيلة‪ ،‬وذلك بهدم املبادئ والقيم‬
‫التي كانوا يحتفظون بها رغم دخولهم السجن‪ ،‬أو كذلك بإغرائهم‬
‫بواسطة الخطرين ومحترفي اإلجرام من زمالئهم املحبوسين معهم‬
‫لالنضمام إلى العصابات االجرامية بعد مغادرتهم السجن‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫تم التأكيد على تصنيف نزالء املؤسسات السجنية وعلى‬
‫وجوبيته وأهميته سواء على مستوى النصوص الدولية أو كذلك‬
‫الوطنية‪ ،‬فعلى مستوى دولي‪ ،‬نجد على سبيل الذكر ال الحصر‪،‬‬
‫القاعدة ‪ 11‬من قواعد األمم املتحدة النموذجية الدنيا ملعاملة‬
‫السجناء «قواعد نيلسون مانديال»‪ ،‬والتي تنص على أن «توضع‬
‫فئات السجناء املختلفة في مؤسسات مختلفة أو أجزاء مختلفة من‬
‫املؤسسات مع مراعاة جنسهم وعمرهم وسجل سوابقهم واألسباب‬
‫القانونية الحتجازهم ومتطلبات معاملتهم»‪ .‬وهو نفس التوجه‬
‫املعتمد مبدئيا في كل األنظمة العقابية الوطنية‪ ،‬وعلى مستوى‬
‫الدولة التونسية نجد تأكيدا على مبدأ التصنيف صلب الفصل‬
‫السادس من القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬املتعلق بنظام السجون‪،‬‬
‫حيث حسب عبارات هذا الفصل «يقع تصنيف املساجين بمجرد‬
‫إيداعهم على أساس الجنس والسن ونوع الجريمة والحالة الجزائية‬
‫بحسب ما إذا كانوا مبتدئين أو عائدين»‪.‬‬
‫يعتبر التصنيف شرط أولي لعملية التأهيل‪ ،‬وهو كذلك التزام‬
‫قانوني محمول على الدولة املمثلة في اإلدارة العقابية‪ ،‬والتي عليها‬
‫توفير جميع اإلمكانيات املمكنة سواء املادية أو البشرية أو العلمية‬
‫إلنجاح التصنيف واحترام قواعده الدقيقة‪.‬‬
‫ال يخفى على أحد وال يمكن ألي إنسان أن ينكر أن التصنيف‬
‫ليس إال مجرد آلية نظرية ال يتجاوز نفاذها النصوص القانونية التي‬
‫ليست في هذا املجال إال حبرا على ورق‪ ،‬فالواقع السجني بعيد كل‬
‫البعد عن تطبيق متطلبات التصنيف‪ ،‬حيث أن اإلدارة العقابية‬
‫ال تحترم بشكل تام إال جزئية الفصل حسب الجنس‪ ،‬أما بقية‬
‫معايير التصنيف فقلما يتم احترامها‪ ،‬من ذلك أننا نجد في سجوننا‬
‫‪138‬‬
‫االختالط بين املستجد والعائد‪ ،‬وبين مرتكب جريمة خفيفة ومرتكب‬
‫جريمة بشعة‪ ،‬وبين مجرم الحق العام واإلرهابي‪ ،‬إلخ‪.‬‬
‫هذا الوضع ليس إال انعكاسا طبيعيا لترك مسألة التصنيف‬
‫بيد اإلدارة العقابية‪ ،‬وإطالق سلطة املؤسسة السجنية من حيث‬
‫تحديد وتطبيق وتعديل التصنيف والتصرف في النزالء حسب‬
‫إرادتها ومشيئتها‪ ،‬فالتصرف دون رقابة ودون شراكة مع طرف‬
‫حريص على حقوق النزالء وتأهيلهم يؤدي ال محالة إلى االنزالق عن‬
‫الطريق السوي والحياد عن األسلوب األمثل‪ .‬وال يعني ذلك سوء‬
‫نية اإلدارة‪ ،‬وإنما هو أمر نابع من طبيعة الوضع‪ ،‬خصوصا إذا ما‬
‫أضفنا له عقلية اإلدارة السجنية التي تقوم على األولوية املطلقة‬
‫للضبط والتحكم وفرض النظام‪ ،‬وهاجسها املر�ضي وخوفها األسود‬
‫من نزالءها الذين تعتبرهم خطرا دائما وحاال على املؤسسة بكل‬
‫عناصرها‪.‬‬
‫تمثل مشاركة النقابة لإلدارة العقابية في تصنيف النزالء أفضل‬
‫ضمان إلنجاح عملية التصنيف وجعل معاييرها مطبقة فعال على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬حيث تقوم النقابة بالحرص على توجيه كل محكوم‬
‫عليه إلى املؤسسة السجنية املالئمة له حسب ما يفرضه ملفه وما‬
‫يتطلبه برنامج تأهيله‪.‬‬
‫تتولى كذلك النقابة الحرص على حسن تطبيق معايير التصنيف‬
‫داخل كل مؤسسة سجنية حتى يجد كل نزيل نفسه مع فئة من‬
‫املحكوم عليهم تقترب منه مما يسهل مقاومة وعالج نزعته اإلجرامية‬
‫ويقلل بشكل كبير مخاطر االختالط اإلجرامي‪.‬‬
‫تستعين النقابة في هذا املجال بكل ما من شأنه أن يساهم في‬
‫حسن التصنيف‪ ،‬وخاصة رأي اإلخصائيين النفسيين واالجتماعيين‬
‫‪139‬‬
‫العاملين باملؤسسة السجنية واملكلفين بحالة النزيل‪ .‬وال ينبغي أن‬
‫ينظر إلى التصنيف الذي يتم ابتداء على أنه هو التصنيف الصحيح‬
‫الدقيق‪ ،‬بل يتعين التعاون مع األخصائيين واإلدارة العقابية من‬
‫أجل مراقبة سلوك النزيل ضمن الفئة التي صنف معها للتأكد‬
‫من صحة تصنيفه‪ ،‬ومالءمة برنامج العالج املعد على أسس علمية‬
‫لعالج أو تهذيب هذه الفئة‪.‬‬
‫يجب كذلك على النقابة العمل على تجاوز املعوقات املادية‬
‫لعملية التصنيف‪ ،‬والتي تتمثل أساسا في االكتظاظ الذي تعيشه‬
‫مؤسساتنا السجنية‪ ،‬فآفة االكتظاظ أصبحت مرضا مزمنا ينخر‬
‫السجون ويالقي تنديدا شديدا سواء من املجتمع املدني أو حتى من‬
‫الدولة ذاتها‪ ،‬والتي تعتبر املسؤول األول عن هذا الوباء‪ ،‬واملسؤول‬
‫األول عن إيجاد الحلول العملية لعالجه‪ ،‬لكن لألسف ال نجد في‬
‫هذا املجال إال تقاعس الدولة نظرا لغياب اإلرادة السياسية‪،‬‬
‫وغياب أولوية النزعة العقابية اإلنسانية وأولوية الغرض التأهيلي‬
‫في السياسة العقابية التونسية‪.‬‬
‫يتميز الفضاء السجني بضيق املساحة وكثرة العدد‪ ،‬األمر‬
‫الذي ينتج عنه حالة االكتظاظ وما يرافقها من التذمرات وكثرة‬
‫املشاجرات‪ .‬إضافة إلى نوعية اإلقامة املؤقتة‪ ،‬فكل عضو من‬
‫أعضاء هذا التنظيم عرضة لترك هذا املكان إما عن طريق اإلفراج‬
‫والعفو أو النقلة إلى غرفة أخرى أو إلى سجن آخر‪ .‬كما أن النزيل ال‬
‫يختار النزالء الذين يعيشون معه‪ ،‬بل يفرضون عليه فرضا‪ ،‬ففي‬
‫الحياة املدنية أي خارج السجن يمارس الفرد نوعا من الحرية في‬
‫اختيار األشخاص الذين يتعامل معهم‪ ،‬لكن داخل هذا الفضاء‬
‫يجد نفسه في وضعية مغايرة تماما ملا اعتاد في الحياة املدنية الحرة‪،‬‬
‫‪140‬‬
‫فيفرض عليه أفراد ال يعرفهم وتكاد ال تربطه بهم أية صلة‪ ،‬وبحكم‬
‫ضيق املجال الذي يتحرك فيه يصبح ملزما على التعامل والتفاعل‬
‫معهم‪.‬‬
‫تشكل هذه الوضعية خطرا حاال على عملية التأهيل ومسا‬
‫إلنسانية النزيل‪ ،‬مما يجعل التدخل النقابي ملعالجة الوضع أمرا‬
‫وجوبيا‪ ،‬حيث تقوم النقابة باالهتمام بحالة الغرفة التي يقيم بها‬
‫النزيل باعتبارها املكان الذي يق�ضي فيه هذا اإلنسان أغلب فترات‬
‫يومه والجزء األكبر من مدة محكوميته‪.‬‬
‫أكدت املادة ‪ 10‬من القواعد النموذجية الدنيا على ضرورة‬
‫مراعاة املساحة الدنيا املخصصة لكل سجين‪ ،‬إال أنها لم تقم‬
‫بتحديد املساحة على وجه الدقة‪ .‬وجاء قانون ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬خال‬
‫من إيراد نص صريح يخص مساحة الزنزانة‪ ،‬إال أنه حرص على‬
‫حماية حرمة النزيل الجسدية واملعنوية‪ ،‬حيث إستوجب فصله‬
‫األول أن ال تكون هذه املساحة صغيرة بالنسبة لعدد النزالء إلى‬
‫الحد الذي يصبح معه تنفيذ العقوبة من قبيل املعاملة الالإنسانية‬
‫أو الحاطة بالكرامة البشرية‪ ،‬فال جدال كون شدة التضييق في‬
‫مساحة الزنزانة مع اإلكثار في عدد النزالء من شأنه أن يساهم في‬
‫تف�شي األمراض املعدية أو القيام باملمارسات الالأخالقية‪.‬‬
‫لئن سكت املشرع حول هذه املسألة‪ ،‬فعلى النقابة العمل على‬
‫الدفع نحو تقييد اإلدارة العقابية في هذا املجال بموجب القانون‪،‬‬
‫وذلك من خالل الدعوة والضغط على املشرع من أجل سن قانون‬
‫يحدد النصيب األدنى للنزيل من فراغ الزنزانة‪ ،‬وال يعتبر هذا األمر‬
‫بدعة‪ ،‬فمثال اشترط املشرع األملاني أن ال يقل نصيب النزيل من‬
‫فراغ الزنزانة عن ‪ 16‬متر مكعب في حالة الزنزانة املشتركة‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫وفي انتظار تتويج العمل النقابي في هذا املجال وصدور مثل‬
‫هذا القانون‪ ،‬والذي سوف تحرص النقابة على تطبيقه على أرض‬
‫الواقع واحترامه‪ ،‬تعمل النقابة على إلزام اإلدارة العقابية بعدم‬
‫تجاوز عدد أق�صى من النزالء في زنزانة ذات مساحة معينة‪ ،‬وهو ما‬
‫يكون فيه ضمان أكبر لتحقيق إصالح املحكوم عليه وتأهيله وأيضا‬
‫احترام إنسانيته‪ ،‬فمن غير املقبول مثال أن نجد اليوم بسجوننا ‪3‬‬
‫نزالء ينامون على سرير فردي واحد‪.‬‬
‫ولن يقتصر العمل النقابي في هذا املجال على املطالبة والتنديد‬
‫والتصعيد من أجل ضمان توفير مساحة دنيا للنزيل داخل الغرفة‬
‫مما يحفظ كرامته اإلنسانية‪ ،‬بل ستكون هذه املطلبية مرفوقة‬
‫بحلول عملية تمكن من الوصول إلى الغاية املنشودة‪ ،‬وتمكن أيضا‬
‫من تجاوز دفع الدولة بضعف املوارد املالية التي تؤول دون توسع‬
‫مساحة الزنزانات أو بناء سجون كافية‪ .‬ومن ضمن هذه الحلول‬
‫التي يمكن للنقابة اقتراحها والدفاع عن اعتمادها‪ ،‬نجد االستعانة‬
‫بنظام قائمة االنتظار‪ ،‬والذي تعتمده بعض البلدان كأملانيا وهولندا‪،‬‬
‫ويسمح هذا النظام لإلدارة العقابية بعدم التنفيذ الفوري للعقوبة‬
‫السالبة للحرية كحل من أجل التخفيف من األعباء املالية املترتبة‬
‫عن بناء السجون وتخفيف االكتظاظ‪.‬‬
‫تعمل كذلك النقابة في إطار اهتمامها بحالة الغرف محل‬
‫إقامة النزالء‪ ،‬على االهتمام بحسن إضاءة وتهوئة هذه الغرف‪،‬‬
‫فهذه املسألة تعتبر مرتبطة بالذات اإلنسانية وذات أهمية كبرى‬
‫وانعكاسات كبيرة على عملية التأهيل نظرا لتأثيرها املباشر على‬
‫صحة اإلنسان الجسدية والنفسية والعقلية‪ ،‬حيث أن كل نقص‬
‫في اإلضاءة أو التهوئة يعتبر مضرا بالصحة العامة للنزيل‪ ،‬إضافة‬
‫‪142‬‬
‫لكون اإلضاءة إذا ما كانت اصطناعية يمكن في بعض الحاالت أن‬
‫تكون وسيلة تعذيب‪.‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬نصت القاعدة ‪ 11‬الفقرة ‪ 2‬من قواعد الحد‬
‫األدنى ملعاملة السجناء على أنه «في أي مكان يكون على السجناء‬
‫فيه أن يعيشوا أو يعملوا‪:‬‬
‫أ‪ -‬يجب أن تكون النوافذ من االتساع بحيث تمكن السجناء‬
‫من استخدام الضوء الطبيعي في القراءة والعمل‪ ،‬وأن تكون مركبة‬
‫على نحو يتيح دخول الهواء النقي سواء وجدت أم لم توجد تهوئة‬
‫صناعية‪.‬‬
‫ب‪ -‬يجب أن تكون اإلضاعة الصناعية كافية لتمكين السجناء‬
‫من القراءة والعمل دون إرهاق نظرهم»‬
‫كما يقت�ضي هذا النص أن تكون اإلضاءة الصناعية ليال بحيث‬
‫ال تمنع املسجونين من النوم وإال فإنها يمكن أن تتحول إلى وسيلة‬
‫من وسائل التعذيب‪.‬‬
‫أخذ املشرع التون�سي بتوصيات القواعد النموذجية ملعاملة‬
‫السجناء‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 15‬من قانون ‪ 2001‬على أن «يودع‬
‫السجناء بغرف ذات تهوئة وإضاءة كافيتين»‪.‬‬
‫تعتبر النقابة املراقب امليداني األمثل ملدى احترام املؤسسة‬
‫السجنية ملستلزمات اإلضاءة والتهوئة املتماشية مع الحفاظ على‬
‫صحة النزيل وإنسانيته‪ ،‬وال تكتفي النقابة بالرقابة املجردة‪ ،‬بل‬
‫تعمل على تفادي كل ما من شأنه اإلخالل بحقوق النزيل في هذا‬
‫املجال‪ ،‬من ذلك قيامها باملطالبة بإجراء أي إصالح أو أي أعمال‬
‫صيانة تراها ضرورية في هذا املجال‪ ،‬وهذا طبعا باالستناد إلى آراء‬

‫‪143‬‬
‫أهل االختصاص وخاصة إلى تقاريرهم امليدانية ذات الصبغة‬
‫العلمية املنجزة بطلب من النقابة‪.‬‬
‫وال يقتصر اهتمام النقابة على مستوى اإلضاءة والتهوئة على‬
‫غرف إقامة النزالء فقط‪ ،‬بل تفرض رقابتها واهتمامها على كل‬
‫األماكن التي يتواجد بها نزالء املؤسسة السجنية‪ ،‬مثل أماكن العمل‬
‫وأماكن ممارسة الرياضة واملكتبة وغيرها‪.‬‬
‫يهدف العمل النقابي في هذا املستوى ضمان إقامة النزالء في بيئة‬
‫سليمة وصحية‪ ،‬ووقايتهم مما قد يصيبهم من أمراض جراء نقص أو‬
‫غياب الهواء النقي‪ ،‬أو كذلك نقص أو غياب اإلضاءة الطبيعية‪ ،‬أو‬
‫أيضا سوء استعمال اإلضاءة الصناعية من قبل اإلدارة السجنية‪،‬‬
‫أو تهاونها في صيانة أو إصالح أجهزة اإلضاءة والتهوئة‪ .‬ويستوجب‬
‫هذا الهدف كذلك اهتمام النقابة بنظافة أماكن إقامة نزالء‬
‫املؤسسة السجنية‪.‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬استوجبت القاعدة ‪ 19‬من القواعد النموذجية‬
‫الدنيا تزويد كل نزيل بسرير فردي وما يتبعه من لوازم مخصصة له‪،‬‬
‫كما اقتضت أن تكون نظيفة عند التسليم‪ ،‬وأيضا أن يحافظ على‬
‫نظافتها وتستبدل في مواعيد متقاربة بالقدر الذي يحفظ نظافتها‪.‬‬
‫وتكريسا لذلك‪ ،‬حرصت معظم األنظمة العقابية على توفير‬
‫كل هذه املستلزمات لنزيل املؤسسة السجنية سعيا منها لالهتمام‬
‫املتزايد باملحكوم عليهم احتراما إلنسانيتهم وتحقيقا إلصالحهم‬
‫وتأهيلهم‪ ،‬وفي هذا اإلطار نجد الفصل ‪ 15‬من قانون ‪ 2001‬ينص‬
‫على‪« :‬كما توفر إدارة السجن لكل سجين عند إيداعه فراشا فرديا‬
‫وما يلزمه من غطاء»‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫تعمل النقابة على ضمان توفير هذه املستلزمات للنزالء‪ ،‬وكذلك‬
‫جميع املستلزمات الضرورية للنظافة العامة من أجل توفير محيط‬
‫سليم ونظيف بالسجن‪ .‬وتعمل النقابة لضمان النظافة العامة‬
‫على توعية وإلزام كل من اإلدارة السجنية والنزالء بمقتضياتها‪،‬‬
‫إذ أن توفير محيط سلبم للسجن ليس التزاما محمول على اإلدارة‬
‫العقابية فقط‪ ،‬وإنما هو واجب يتحمله أيضا النزيل ويساهم فيه‬
‫بالقسط الكبير‪ ،‬حيث على النزيل املحافظة ليس فقط على نظافة‬
‫الزنزانة التي يقيم بها وإنما على نظافة السجن بصفة عامة‪ ،‬وهو ما‬
‫جاء بالفصل ‪ 20‬من قانون ‪»:2001‬يجب على السجين ‪ )6‬تنظيف‬
‫ثيابه وما بعهدته من فراش وغطاء واملحافظة عليه ‪ )7‬تنظيف‬
‫غرفة اإليداع والورشة»‪.‬‬
‫تتجاوز النظافة املحيط الذي يق�ضي فيه النزيل محكوميته‪،‬‬
‫لتشمل كذلك طعامه‪ ،‬حيث البد من الحرص على نظافة الغذاء‬
‫حماية لصحة املحكوم عليهم‪ ،‬لذلك يتعين على النقابة تسليط‬
‫رقابة دائمة على نظافة الغذاء واملكونات املعتمدة إلعداده من‬
‫خضر وبقول وغيرها‪ ،‬إضافة لرقابتها املستمرة لنظافة أواني وأماكن‬
‫الطبخ وكذلك نظافة الساهرين على إعداد الطعام‪.‬‬
‫هذا العمل النقابي ال يق�صي طبعا عمل طبيب السجن الذي‬
‫يقوم دوريا بإجراء تفقد ألماكن الطبخ وذلك للتثبت من نظافتها‬
‫ونظافة القائمين عليها‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬فالعمل بين الجهتين سيكون‬
‫متكامال في هذا املجال‪ ،‬فالطبيب وإن كان هو صاحب االختصاص‬
‫األولي وصاحب القدرة العلمية والفنية على تحديد مصادر الخطر‬
‫املاس بنظافة وسالمة طعام فإن النقابة ستشكل خير عون له في‬

‫‪145‬‬
‫هذا املجال‪ ،‬حيث أنها ستقوم بإعالمه بكل أمر من شأنه أن يمس‬
‫من نظافة طعام النزالء‪.‬‬
‫قضت القاعدة ‪ 20‬من مجموعة القواعد النموذجية الدنيا أن‬
‫تراعي في الغذاء الذي يقدم للنزالء عدة شروط من أهمها أن يكون‬
‫ذو منفعة غذائية من حيث النوعية وحسن اإلعداد والتقديم‪،‬‬
‫لذلك فالطعام الذي تقدمه املؤسسة السجنية لنزالئها يجب أن‬
‫يكون كافيا من حيث الكمية ومن حيث املنفعة الغذائية من أجل‬
‫املحافظة على صحة النزالء‪ ،‬بحيث يبعدهم عن األمراض‪ ،‬وينمي‬
‫لديهم الشعور باالرتياح والر�ضى‪ ،‬ويحثهم على التقيد باإلرشادات‬
‫الصحية الضرورية لحياة اإلنسان‪.‬‬
‫يتنزل تفادي نقص وبساطة الطعام املقدم للنزالء صلب العمل‬
‫النقابي الحريص على أمرين في هذا املستوى‪ ،‬أولهما الحفاظ على‬
‫كرامة املحكوم عليهم من خالل منع تعذيبهم باعتبار أن النقص‬
‫والبساطة في الطعام ليس إال وسيلة لتشديد العقاب ومس بإنسانية‬
‫النزيل‪ ،‬وثانيهما تطبيق مقتضيات السياسة الجنائية الحديثة التي‬
‫وعلى إثر إدراك الدور التأهيلي املتأكد الذي يساهم فيه إمداد‬
‫النزالء بطعام ذا قيمة كافية دعت إلى ضرورة إيالء الطعام املقدم‬
‫في السجون العناية الالزمة‪.‬‬
‫لم يولي النظام العقابي التون�سي العناية الالزمة والكافية بطعام‬
‫النزيل‪ ،‬ويبرز ذلك واضحا من خالل ما جاء بالفصل ‪ 27‬من أمر‬
‫‪ 1988‬املتعلق بالنظام الخاص بالسجون‪ ،‬والذي نص على أن‬
‫«يقدم للسجين وجبتان غذائيتان أساسيتان ذات قيمة غذائية‬
‫كافية األولى عند الزوال والثانية في املساء»‪.‬حيث لم يتعرض املشرع‬

‫‪146‬‬
‫للوجبة الصباحية رغم أهميتها وهو ما يعد فراغا هاما في التشريع‬
‫التون�سي على النقابة العمل على تجاوزه تشريعيا وعمليا‪.‬‬
‫من املعلوم أن عدم تنصيص املشرع التون�سي بصفة صريحة‬
‫على حق النزيل في الوجبة الصباحية ال يعني حرمانه منها‪ ،‬إذ‬
‫يمكنه اقتناء مستلزمات هذه الوجبة من مغازة التزويد املوجودة‬
‫بالسجن وعلى حسابه الخاص‪ .‬إال أن هذا األمر ال يعتبر بأي حال‬
‫من األحوال مبررا لتتقاعس اإلدارة السجنية عن مد جميع نزالءها‬
‫بالوجبة الصباحية‪ ،‬واالكتفاء بتقديم هذه الوجبة صبيحة كل يوم‬
‫عمل بالنسبة للمحكوم عليهم الذين يقومون بأعمال في الورشات‬
‫والحضائر السجنية‪.‬‬
‫يعتبر عدم توفير املؤسسة السجنية للوجبة الصباحية لنزالئها‬
‫أمر جد منتقد وفيه مساس بصحة النزيل وعرقلة لعملية تأهيله‪،‬‬
‫ويعتبر تحويل التكفل بهذه الوجبة من اإلدارة إلى النزيل أمرا كذلك‬
‫جد منتقد‪ ،‬حيث أن أغلب النزالء يعيشون الفاقة ونسبة كبيرة‬
‫منهم ال يملكون املال الكافي الذي يمكن أن يخصصونه ملواجهة‬
‫تكاليف هذه الوجبة‪ ،‬إضافة لكون السواد األعظم من النزالء لهم‬
‫مخارج أخرى يصرفون عليها مالهم (إن وجد) أهم بكثير في نظرهم‬
‫من الوجبة الصباحية‪ ،‬ومنها إعالة عائالتهم‪.‬‬
‫تقوم النقابة في هذا املجال بالعمل على إلزام اإلدارة العقابية‬
‫بتوفير الوجبة الصباحية لكل النزالء‪ ،‬وتحرص على تنوع مكونات‬
‫هذه الوجبة شأنها شأن بقية الوجبات‪ ،‬حيث البد أن تتنوع‬
‫الوجبات الغذائية في السجن وأن ال تقدم نفس الوجبات بصفة‬
‫متكررة وملدة طويلة‪ ،‬كما يجب أن تقدم للنزيل الكمية الكافية‪،‬‬
‫واألخذ بعين االعتبار رغبات وشهوات النزالء ولو بصفة دورية‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫تسبب ترك تحديد تركيبة الوجبات الغذائية إلدارة السجون‬
‫في عديد من السلبيات على مستوى محتوى الوجبات وقيمتها‬
‫الغذائية‪ ،‬مما جعل هذه الوجبات ال تليق أبدا بكائن بشري‪ ،‬حتى‬
‫أن النزالء يفضلون أحيانا الجوع على أكلها‪ ،‬وال يأكل الطعام املقدم‬
‫من السجن إال النزيل املضطر لذلك والذي فعال ليس له من حل‬
‫آخر لسد رمقه‪.‬‬
‫ال يمكن تفادي هذا الوضع الالإنساني واملهين إال بتدخل العمل‬
‫النقابي الذي عليه التكفل بتحديد محتوى الوجبات وكمياتها‬
‫ورقابة حسن إعدادها وتقديمها‪ ،‬أو بإمكان النقابة إن لم تختر‬
‫التدخل املباشر في هذه املسألة‪ ،‬أن تعمل على أن يتم تكليف‬
‫املؤسسات الخاصة بإعداد الوجبات الغذائية للمحكوم عليهم‬
‫وهو ما من شأنه أن يضمن جودة الطعام وقيمته الغذائية اعتبارا‬
‫ملقتضيات املنافسة‪ ،‬وتكتفي عندها النقابة برقابة مدى احترام‬
‫املزود اللتزاماته في هذا املجال وإشعار اإلدارة بكل خرق حتى يتم‬
‫اتخاذ التدابير املناسبة‪.‬‬
‫يعتبر إقرار النظام العقابي التون�سي للنزيل بحق تلقي املؤونة من‬
‫عائلته صلب الفصل ‪ 18‬من قانون ‪ ،2001‬والسماح له بتلقيها ثالث‬
‫مرات في األسبوع حسب الفصل ‪ 26‬من أمر ‪ ،1988‬اعترافا من هذا‬
‫النظام بعدم أولوية مسألة طعام النزالء ومحاولة منه للتف�صي من‬
‫واجب تمكين املحكوم عليه من تغذية حسنة ومتنوعة‪ ،‬باعتبار أن‬
‫عبء مسألة الطعام سيكون على عائلة النزيل وليس على املؤسسة‬
‫السجنية‪.‬‬
‫يجب أن يتغير هذا الوضع وأن ينقلب العبء‪ ،‬وال نقصد هنا‬
‫أن يتم حرمان النزيل من تلقي املؤونة‪ ،‬بل أن يتم الفصل بين‬
‫‪148‬‬
‫مسألة املؤونة ومسألة واجب املؤسسة السجنية توفير الطعام‬
‫الجيد والكافي لنزالئها‪ ،‬ودور العمل النقابي هنا يتنزل رأسا في تحميل‬
‫املؤسسة السجنية مسؤولياتها وفي إلزامها بتحمل عبء تغذية‬
‫نزالءها‪ .‬وبهذا تتحول املؤونة من مصدر أسا�سي لطعام النزيل إلى‬
‫مصدر ثانوي يقوم أساسا على توفير الكماليات‪ ،‬مما يجعل تكلفة‬
‫هذه املؤونة أقل بكثير مما هي عليه اآلن‪ ،‬ويجعل حتى إلزاميتها‬
‫وتواترها يتراجعان‪ ،‬وهذا من شأنه أن يخفف األعباء املالية‬
‫والنفسية لعائلة النزيل‪.‬‬
‫وعلى ذكر مسألة املؤونة‪ ،‬يجب التأكيد على دور النقابة في‬
‫ضمان عدم املس أو اإلنقاص من محتوى «القفة» عند إيداعها‬
‫من قبل عائلة النزيل لدى املؤسسة السجنية وقبل وصولها للنزيل‪،‬‬
‫حيث أن الواقع اآلن يشهد عديد التجاوزات التي ال حول وال قوة‬
‫إزاءها سواء للنزيل أو لعائلته‪ ،‬فالعبث بمحتويات «القفة» وسلب‬
‫بعض محتواياتها أمر دارج جدا في السجون‪ .‬كذلك يجب على‬
‫النقابة العمل على حماية وسالمة والحفاظ على جودة الطعام‬
‫الذي تجلبه العائلة للنزيل في «القفة» وذلك بضمان حسن حفظه‬
‫في مكان صحي‪.‬‬
‫ال يقتصر االعتناء بطعام النزيل على هذه املسائل سالفة الذكر‪،‬‬
‫بل يشمل أيضا اإلطار الذي يتناول فيه النزيل طعامه‪ ،‬ومن املالحظ‬
‫أن الوضع الذي يتناول فيه النزيل طعامه يتسم بالشذوذ على ما هو‬
‫معمول به في العالم الحر‪ ،‬ومخالف ملا تتطلبه الطبيعة اإلنسانية‪،‬‬
‫حيث أن النزالء يتناولون طعامهم في نفس الغرفة التي ينامون فيها‬
‫والتي يمضون فيها أغلب فترات يومهم‪ ،‬وهذا أمر مخالف للعادات‬
‫الحياتية التي تعود عليها النزيل ومغاير للتنشئة االجتماعية لكل‬
‫‪149‬‬
‫بشري ومتضارب مع طبيعة اإلنسان الذي يفصل دائما بين مكان‬
‫النوم ومكان األكل ومكان قضاء حاجياته‪ .‬فمن غير املقبول أن نلزم‬
‫إنسانا بأن يأكل وينام ويمارس كل شؤونه في مكان واحد محدود‪،‬‬
‫لذلك يجب توفير مكان خاص للطعام داخل السجن يتجمع فيه‬
‫النزالء لتناول الوجبات الثالث‪.‬‬
‫يجب على النقافة املطالبة بتوفير مثل هذا الفضاء الخاص‬
‫الذي سوف ينعكس باإليجاب على أخالق النزيل وعاداته املعيشية‪،‬‬
‫ويحافظ على تعوده على النظام والنظافة ويغرسه فيه إن كان‬
‫مفقودا‪ ،‬إضافة إلى كون الفصل بين مكان الطعام ومكان النوم‬
‫يعتبر أمرا وقائيا لصحة النزيل‪ ،‬حيث أن بقايا األكل التي قد تسقط‬
‫بأرضية املكان وتتناثر في الغرفة وتلتصق بالسرير تشكل تهديدا‬
‫لصحة النزيل باعتبارها مصدرا النتشار الحشرات والجراثيم‬
‫والبكتيريا‪.‬‬
‫لقد أعطت املجموعة الدولية أهمية بالغة لرعاية النزالء صحيا‪،‬‬
‫حيث نصت جملة الفصول من ‪ 24‬إلى ‪ 35‬من قواعد األمم املتحدة‬
‫الدنيا ملعاملة السجناء «قواعد نيلسون مانديال» على أهمية هذه‬
‫الرعاية‪ ،‬وتناولها مؤتمر األمم املتحدة الثامن ملنع الجريمة ومعاملة‬
‫املجرمين بالدرس إلقرار هذا الحق‪ ،‬كما تم التعرض إلى أهمية هذا‬
‫الحق في مؤتمر باريس املنعقد في ‪ 25‬و‪ 26‬أكتوبر ‪ .1996‬وباإلضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬ينص العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية في مادته الثانية عشر على أن كل إنسان (بما في ذلك‬
‫النزيل) له حق في «أعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية‬
‫يمكن بلوغه»‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫إن العقوبة السالبة للحرية قد تتحول إلى عقوبة بدنية إذا‬
‫أغفلت اإلدارة العقابية عنايتها باملحكوم عليه‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫تجمع األنظمة العقابية الحديثة على االعتراف للنزيل بالحق في‬
‫الرعاية الصحية‪ ،‬والتي تتحقق بأساليب مختلفة تتعلق باملؤسسات‬
‫في ذاتها‪ ،‬من ذلك الغذاء والنظافة إلخ‪ ،‬كما وأن العالج يعد من‬
‫أوجه الرعاية الصحية الضرورية‪،‬فالعالج هو حق من حقوق النزيل‬
‫البد أن يتمتع به وذلك بالنظر إلى آدميته أوال وإلى وضعيته القانونية‬
‫الخاصة ثانيا‪ ،‬فهو عاجز عن اللجوء بنفسه إلى طبيب يعالجه أو‬
‫الذهاب ملستشفى أو مصحة‪.‬‬
‫ال تقف الرعاية الصحية عند جانبها الجسدي‪ ،‬بل تشمل أيضا‬
‫الجانب النف�سي‪ ،‬ونظرا ألهمية الرعاية الهادفة التوازن النف�سي‬
‫للنزيل اإلنسان‪ ،‬فقد أكدت القاعدة ‪ 22‬من مجموعة قواعد الحد‬
‫األدنى ملعاملة السجناء على أنه «يجب أن يتوفر في كل سجن طبيب‬
‫مؤهل واحد على األقل يكون على بعض اإلملام بالطب النف�سي ‪،»...‬‬
‫وأكدت القاعدة ‪ 24‬فقرة ثانية من قواعد األمم املتحدة النموذجية‬
‫الدنيا ملعاملة السجناء على أن «تتألف دائرة خدمات الرعاية‬
‫الصحية من فريق متعدد التخصصات يضم عددا كافيا من األفراد‬
‫املؤهلين الذين يعملون باستقاللية إكلينيكية تامة وتضم ما يكفي‬
‫من خبرة في علم النفس والطب النف�سي»‪ .‬وتكريسا لهذا الحق تعمد‬
‫النظم العقابية الحديثة إلى بعث مختص في مجال علم النفس‬
‫داخل املؤسسة السجنية للقيام بهذا الواجب‪.‬‬
‫تحقيقا لهذه املقتضيات‪ ،‬على النقابة العمل على مطالبة الدولة‬
‫بوجوب إلحاق مختصين في مجال علم النفس باملؤسسة السجنية‪،‬‬
‫والذين يعتمدون على أحدث الدراسات في علم اإلجرام للقيام‬
‫‪151‬‬
‫بمهام مختلفة من بينها إجراء املحادثات النفسية مع النزالء للحد‬
‫من صدمة اإليداع‪ ،‬كذلك القيام بدراسات لحالة النزالء الذين‬
‫تظهر عليهم بعض األعراض املرضية أو االضطرابات السلوكية‪،‬‬
‫وأيضا إجراء بعض االختبارات النفسية على املودعين لتحديد تأثير‬
‫اإليداع بالسجن على شخصيتهم مع القيام بالدراسات العلمية‬
‫الكفيلة بتطوير العمل داخل السجن‪.‬‬
‫يجب على النقابة الحرص على توفير الرعاية الصحية للنزالء‪،‬‬
‫وأن تهتم برفع مستوى الخدمات الطبية حيث أنها تلعب دورا مثمرا‬
‫في إعادة التأهيل‪ ،‬ويكون ذلك من خالل اإلشراف على املرافق‬
‫الصحية باملؤسسات السجنية والعمل على تدعيمها باإلمكانيات‬
‫املادية والبشرية الالزمة‪ ،‬كذلك الدعوة لدعم اإلشراف الصحي‬
‫الوقائي منعا النتشار األمراض‪ ،‬وأيضا العمل على توفير الرعاية‬
‫الطبية املناسبة في جميع التخصصات‪ ،‬واإلشراف على وصول‬
‫األدوية الكافية واملناسبة للنزالء‪ ،‬مع متابعة الخدمات الطبية التي‬
‫تقدم للنزالء سواء داخل السجن أو خارجه‪.‬‬
‫يتنزل أيضا صلب العمل النقابي الحرص على ضمان سرعة عالج‬
‫النزالء املر�ضى‪ ،‬لذلك يجب املطالبة والضغط من أجل إحداث‬
‫مستشفيات يتم إلحاقها باملؤسسات العقابية تجهز بشكل يكفل‬
‫لها أداء وظيفتها على الوجه املطلوب‪ ،‬وفي انتظار نجاح هذا املطلب‪،‬‬
‫ال بد من عمل النقابة على إلزام الدولة بوجوبية وجود مصحة‬
‫داخل السجن تحتوي على عدد كاف من الغرف إليواء املر�ضى‬
‫من النزالء‪ ،‬ويجب أن تقوم اإلدارة العقابية بتزويد الطاقم الطبي‬
‫باملعدات واألجهزة الطبية الالزمة للكشف عن املرض وللعالج‪،‬‬
‫وتمكين املؤسسة السجنية من أدوات لإلسعاف السريع وسيارات‬
‫‪152‬‬
‫إسعاف قارة الستعمالها لنقل املحكوم عليهم الذين يشكون من‬
‫مرض يكت�سي نسبة معينة من الخطورة أو حالتهم تقت�ضي إجراء‬
‫عملية جراحية إلى أحد مستشفيات الصحة العمومية أو الخاصة‪.‬‬
‫إن في اهتمام النقابة بالظروف املادية املوضوعية إلقامة‬
‫النزيل باملؤسسة السجنية‪ ،‬تكريس لروح الغاية التأهيلية للعقوبة‬
‫السالبة للحرية وإنجاح وتطبيق لهذه الغاية على أرض الواقع‪،‬‬
‫إضافة لكون هذا االهتمام ليس في أساسه إال اهتماما وحفاظا‬
‫على كرامة وإنسانية النزيل‪ ،‬ويتدعم هذا االهتمام النقابي بتأهيل‬
‫وإنسانية النزيل من خالل االعتناء النقابي بالظروف املادية الذاتية‬
‫إلقامة النزيل‪.‬‬
‫ب‪ -‬الظروف املادية الذاتية‬
‫تشكل الظروف املادية الذاتية إلقامة النزيل باملؤسسة السجنية‬
‫كل الظروف املادية لإلقامة التي ال تهم النزالء في مجموعهم بل تهمهم‬
‫فرادة‪ ،‬إذ أن هذه الظروف تمتاز بخصوصية ارتباطها بالنزيل كذات‬
‫مفردة وباختالفها من نزيل آلخر‪ ،‬وتشمل هذه الظروف باألساس‬
‫الحياة النفسية للنزيل ونظافته الشخصية وتوجهاته الذاتية في‬
‫الطعام‪.‬‬
‫يعتبر الحرص على سالمة الحياة النفسية للنزيل من أولويات‬
‫العمل النقابي الهادف للنهوض بالنزيل اإلنسان واألخذ بيده‬
‫ومساعدته للعودة مواطنا صالحا ومتماهيا مع محيطه العائلي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬حيث تعتبر نفسية النزيل مفتاح كل عملية تأهيل‬
‫وإعادة إدماج‪ ،‬فال يمكن الحديث عن تأهيل إنسان غير متقبل‬
‫نفسيا لتلك العملية أو يعاني أزمات أو أمراض نفسية‪ ،‬خصوصا‬
‫‪153‬‬
‫وأن هذه األزمات واألمراض ال تشكل فقط حاجزا أمام عملية‬
‫التأهيل بل تمثل عامال أوليا من عوامل اإلجرام‪.‬‬
‫يؤدي االعتناء بالحياة النفسية للنزيل إلى وقايته من األمراض‬
‫النفسية التي قد تصيبه‪ ،‬وإلى توفير العالج ملا قد يعانيه من‬
‫عقد وأمراض‪ ،‬كذلك من ناحية أخرى تعمل هذه العناية على‬
‫تهيئة النزيل لالندماج من جديد في املجتمع من خالل ما توفره‬
‫من إمكانيات توجيه لسلوك النزيل إلى اعتماد السلوك املستقيم‬
‫والتقيد بالتعليمات التي تجعله يعتاد على االلتزام بحكم القانون‬
‫واالبتعاد عن األساليب الشاذة في تصرفاته‪.‬‬
‫يقت�ضي الحرص على ضمان املعاملة اإلنسانية ملن زلت بهم‬
‫القدم‪ ،‬وإعدادهم لشق الطريق السوي بعد اإلفراج عنهم‪ ،‬من‬
‫املؤسسة العقابية السعي قدر اإلمكان إلى الحفاظ على الراحة‬
‫النفسية للنزيل بصفة ذاتية‪ ،‬ألن اإلعداد النف�سي واملعنوي الجيد‬
‫للمحكوم عليه من خالل حفظ توازنه النف�سي وتقويم سلوكه‬
‫داخل املؤسسة العقابية يعتبر عماد إيجاد مناخ مالئم للتعايش بين‬
‫النزالء من ناحية وركيزة إلخراج املحكوم عليه وإبعاده قدر اإلمكان‬
‫عن عالم الجريمة بعد خروجه من السجن‪.‬‬
‫إن النزيل إنسان‪ ،‬ولكل إنسان ظروفه وحياته النفسية‬
‫الخاصة‪ ،‬وتختلف هذه الحياة من إنسان آلخر‪ ،‬لذلك وجب على‬
‫اإلدارة العقابية توفير اإلطار البشري املختص والكافي الذي سوف‬
‫يهتم بدراسة الوضعية النفسية لكل نزيل واالستماع إليه وتحليل‬
‫واستخالص ما يمكن أن يحمل من عقد أو أمراض نفسية‪ ،‬ووقايته‬
‫من اإلصابة بأي مرض نف�سي نتيجة وضعيته كنزيل‪ ،‬ووضع البرنامج‬
‫العالجي والوقائي النف�سي املناسب لكل نزيل‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫يرتبط ضمان توفير مثل هذا اإلطار املختص والكافي‪ ،‬وضمان‬
‫تمكينه من ظروف مادية ولوجستية تمكنه من أداء مهامه على‬
‫أنسب وجه‪ ،‬تدخل النقابة للمطالبة بتوفير مثل هذا اإلطار بكل‬
‫مؤسسة سجنية‪ ،‬واملطالبة خاصة بتوفير جميع املتطلبات املادية‬
‫والعلمية والقانونية وغيرها والتي يحتاجها هؤالء األخصائيين كي‬
‫يكون عملهم ذو مهنية وجودة عالية‪.‬‬
‫كذلك تعمل النقابة على رقابة عمل هذا اإلطار املختص‪ ،‬وطبعا‬
‫ال تشمل هذه الرقابة األمور العلمية ومحتوى وأسلوب العمل‬
‫والنتائج املستخلصة وبرنامج الوقاية والعالج املقرر ألي نزيل وغير‬
‫ذلك من األمور والجزئيات العلمية والفنية والتي ال قدرة للنقابة على‬
‫التدخل فيها أو مناقشتها أو فهمها ألنها ببساطة أمور ال يستوعبها‬
‫إال أهل االختصاص‪ ،‬بل تشمل هذه الرقابة النقابية فقط اإلطار‬
‫املوضوعي والتنظيمي ملمارسة النشاط ومدى تمتع كل نزيل بحقه‬
‫في حصص االستماع والعالج والتوجيه‪ ،‬مع اإلشارة إلى كون تواتر‬
‫مثل هذه الحصص أمر محمود ومطلوب‪ ،‬وعلى النقابة العمل على‬
‫تمتيع كل نزيل بدون استثناء بمثل هذه الحصص بوتيرة حصة‬
‫واحدة على األقل في األسبوع طيلة فترة محكوميته‪.‬‬
‫إضافة للحرص على ضمان سالمة الحياة النفسية للنزيل‪ ،‬تعمل‬
‫النقابة في إطار اهتمامها بالظروف املادية الذاتية إلقامة النزيل على‬
‫ضمان نظافته الشخصية‪ ،‬وخصوصا نظافته الجسدية ونظافة‬
‫هندامه‪ ،‬وهو أمر توجبه آدمية النزيل باعتبار ارتباط هذه النظافة‬
‫بكرامته البشرية‪.‬‬
‫خصصت جل النظم العقابية الحديثة مجموعة من القواعد‬
‫التي تهتم باملحافظة على نظافة بدن املحكوم عليه اتقاء ألهم أسباب‬
‫‪155‬‬
‫املرض‪ ،‬فتنص على وجوب استحمام النزيل فور دخوله إلى السجن‬
‫ثم بعد ذلك بصفة دورية أصلية فور خضوعه للنظام العقابي‪،‬‬
‫إضافة إلى مسألة الحالقة وعالقتها بالحفاظ على النظافة‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 17‬فقرة ‪ 4‬من قانون ‪ 2001‬املتعلق بنظام‬
‫السجون على «حق السجين في االستحمام مرة على األقل في األسبوع‬
‫أو وفق تعليمات طبيب السجن»‪.‬‬
‫يتعين على إدارة السجن تكريسا لهذا الحق أن تقوم بتوفير‬
‫جميع مستلزمات النظافة مثل أماكن االستحمام املجهزة باملياه‬
‫الكافية التي تتالءم حرارتها مع الظروف املناخية‪ ،‬كما يجب أن‬
‫توفر للنزيل األدوات الشخصية الالزمة لتنظيف نفسه وذلك منذ‬
‫دخوله السجن‪ ،‬والحرص على عدم افتقاد أي نزيل ملثل تلك املواد‬
‫طيلة مدة محكوميته‪.‬‬
‫يلعب العمل النقابي في هذا املستوى دور جد فعال من حيث‬
‫رقابة مدى وفاء اإلدارة السجنية بالتزاماتها في هذا املجال‪ ،‬وفي‬
‫املطالبة والضغط على اإلدارة العقابية في صورة عدم توفير‬
‫مستلزمات النظافة أو في صورة وجود نقص أو عيب بها‪ ،‬وفيما‬
‫يتعلق بالعيب فيجب اإلشارة إلى كون النقابة مطالبة برقابة جودة‬
‫وصالحية مواد التنظيف املوفرة من قبل اإلدارة العقابية من شامبو‬
‫وصابون وغيرهما‪.‬‬
‫ال يعني إلزام اإلدارة السجنية بتوفير املواد الضرورية لتنظيف‬
‫الجسد‪ ،‬منع النزيل من اقتناء هذه املواد من مغازة السجن أو من‬
‫تسلمها من العالم الحر سواء مع «القفة» أو بواسطة طرد‪ ،‬فالنزيل‬
‫يبقى متمتعا بصالحية التزود الفردي والخاص بتلك املواد وعدم‬
‫أخذ واستعمال املواد املوفرة من اإلدارة السجنية‪ ،‬فاإلدارة ملزمة‬
‫‪156‬‬
‫بتوفير هذه املواد بشكل كاف ومجاني ولكل نزيل الخيار بين أخذها‬
‫أو تركها‪.‬‬
‫أحيانا قد يرغب نزيل في نوع معين من الشامبو أو معجون‬
‫األسنان أو من أي من مستلزمات النظافة الشخصية‪ ،‬والذي يكون‬
‫إما قد تعود على استعماله قبل دخوله السجن أو الذي قد قرر‬
‫استعماله حينها‪ ،‬ويصطدم هذا النزيل بعدم توفر طلبه بمغازة‬
‫السجن‪ ،‬ويجد نفسه كذلك عاجزا عن الحصول عليه من العالم‬
‫الحر باعتبار أنه ال يوجد من يقوم بزيارته من أفراد عائلته‪ ،‬أو‬
‫كذلك إذا كان مستعجال في الحصول على حاجته وال يريد انتظار‬
‫توفيرها من قبل عائلته أو ال يريد أصال طلبها منهم‪ .‬تتدخل النقابة‬
‫في هذه الحالة لتوفير هذا املنتوج بعد توصلها بطلب كتابي من‬
‫النزيل يتضمن السماح للنقابة بأخذ ثمن املنتج من حسابه الخاص‬
‫بالسجن‪ ،‬وتعلم النقابة إدارة السجن باألمر‪ ،‬وعند جلبها للمنتوج‬
‫ال تسلمه مباشرة لصاحبه‪ ،‬بل يتم قبال فحصه ومراقبته من قبل‬
‫اإلدارة‪.‬‬
‫يعتبر تقييد عدد املرات التي يمكن فيها للنزيل االستحمام أمرا‬
‫منتقدا‪ ،‬حيث من الضروري عدم منع النزيل من االستحمام كلما‬
‫أراد ذلك‪ ،‬حيث أن لالستحمام فوائد جد إيجابية ليس على مستوى‬
‫النظافة والوقاية من األمراض فقط بل أيضا على مستوى الراحة‬
‫الجسدية والنفسية للشخص‪ ،‬لذلك يجب على النقابة العمل على‬
‫إطالقية مسألة االستحمام من حيث عدد املرات‪ ،‬وفي املقابل على‬
‫النقابة املساهمة مع اإلدارة السجنية في تنظيم املسألة من خالل‬
‫وضع اآلليات الكفيلة بتنظيم النزالء من حيث استعمالهم لألماكن‬

‫‪157‬‬
‫املخصصة لالستحمام‪ ،‬وخاصة في حالة تجاوز الطلب لطاقة‬
‫استيعاب تلك األماكن املخصصة في زمن معين‪.‬‬
‫ويجب على النقابة العمل على إلزام اإلدارة العقابية على توفير‬
‫العدد الكافي من األماكن املخصصة لالستحمام‪ ،‬ورقابة نظافة هذه‬
‫األماكن‪ ،‬ومدى حفاظها على الحياة الخاصة وكرامة النزيل الذي‬
‫يستعملها‪ ،‬حيث أن الواقع يكشف أن األماكن الحالية املخصصة‬
‫لالستحمام ال تحترم كرامة النزيل باعتبار أن جميع الحاضرين‬
‫باملكان يمكنهم مشاهدة النزيل وهو يستحم‪ ،‬وهذا أمر جد مهين‬
‫وفيه تعدي صارخ على الخصوصية والحرمة الجسدية‪ ،‬فالنزيل‬
‫يجب أن يستحم بغرفة حمام فردية مغلقة أين ال يمكن ألي كان‬
‫مشاهدته أو مشاهدة حتى جزء منه‪ .‬وهذا األمر ال يشكل حفاظا‬
‫على إنسانية النزيل فقط‪ ،‬بل أيضا وقاية ودعم لصحته النفسية‬
‫من خالل تجنيبه الحرج والتوتر الذي ينتج عن احساسه باملراقبة‬
‫والتحديق من الغير‪ ،‬إضافة لكون وقت االستحمام سيكون بهذه‬
‫الشاكلة وقتا خاصا ينفرد فيه بذاته بعيدا عن السيطرة والرقابة‬
‫والتحكم والنظام السجني الشمولي‪ ،‬مما يجعله يشعر باسترجاع‬
‫سيطرته على جسده وامتالكه لذاته‪ ،‬وهو ما يمثل دفعة إيجابية‬
‫لنفسيته والستعداده النف�سي ملواجهة أيامه خلف األسوار بكل عزم‬
‫على إنجاح حسن إقامته وحسن عودته للمجتمع‪.‬‬
‫ال تشمل مسألة املحافظة على نظافة بدن املحكوم عليه‬
‫االستحمام فقط‪ ،‬بل تشمل أيضا الحالقة‪ ،‬وقد اعتبر الفصل ‪17‬‬
‫من قانون ‪ 2001‬املتعلق بنظام السجون أن الحالقة من حقوق‬
‫النزيل دون أن يقدم تفاصيل أخرى‪ .‬وجاء بالفصل ‪ 34‬من أمر ‪1988‬‬
‫املتعلق بالنظام الخاص بالسجون أنه «يتعين على السجين حلق‬
‫‪158‬‬
‫شعر الرأس بصفة دورية إال إذا اقتضت قواعد النظافة والصحة‬
‫خالف ذلك‪ ،‬ويقع حلق اللحية مرتين في األسبوع على األقل»‪.‬‬
‫تحدث التشريع العقابي التون�سي عن حالقة الرأس واللحية‬
‫ولم يذكر إزالة شعر البدن وخاصة شعر اإلبط والشعر املتواجد‬
‫على مستوى األعضاء التناسلية‪ ،‬فقواعد النظافة واحترام إنسانية‬
‫النزيل يفرضان تمكين النزيل من إزالة مثل ذلك الشعر بصفة‬
‫دورية‪.‬‬
‫عمليا ال يمكن للنزيل التون�سي إزالة مثال شعر إبطه إال إذا تذلل‬
‫للحالق وألعوان السجون ودفع لهم «ضريبة» تتمثل في ثالث علب‬
‫سجائر ألعوان السجون وعلبة سجائر أو قارورة مياه غازية أو‬
‫مأكوالت للنزيل الحالق‪ ،‬من أجل الحصول على آلة حالقة يستعملها‬
‫في اإلبان لنزع ذلك الشعر ويعيدها للحالق‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بحالقة الرأس فال يمكن للنزيل إختيار نوع الحالقة‬
‫والتسريحة التي يريدها‪ ،‬فالجميع يتم معاملتهم كالقطيع ويخضعون‬
‫للقص التام للشعر‪ ،‬ونفس األمر نجده بالنسبة لحالقة اللحية‬
‫باستثناء النزالء اإلسالميين الذين تسمح لهم عادة إدارة السجن‬
‫بإطالة اللحية‪.‬‬
‫تشكل كل هذه األمور سلبيات تنم على مس بكرامة النزيل وتخل‬
‫بواجب إقامته في ظروف إنسانية وتؤثر سلبا على الغاية التأهيلية‬
‫للعقوبة‪ ،‬مما يجعل تدخل العمل النقابي لتجاوزها ومعالجتها أمرا‬
‫ضروريا‪ ،‬فعلى النقابة العمل على تكريس وضمان مجانية الحالقة‬
‫داخل السجن‪ ،‬والعمل أيضا على القيام بها من قبل مهنيين سواء‬
‫كانوا نزالء أو موظفون تابعون لإلدارة العقابية‪ ،‬مع التأكيد على‬
‫حرية النزيل في اختيار الحالقة والتسريحة التي يريد سواء على‬
‫‪159‬‬
‫مستوى الرأس أو اللحية‪ .‬وال قيمة للدفع الذي قد تقدمه اإلدارة‬
‫العقابية بأن دواعي النظافة تتطلب الحلق التام لشعر الرأس‬
‫واللحية‪ ،‬حيث أن توفير مستلزمات االستحمام كما سبق اإلشارة‬
‫إليه كفيل بتوفير هذه النظافة‪.‬‬
‫يجب كذلك على النقابة الضغط على إدارة السجن لتمكين‬
‫النزيل من حق قص شعر بدنه‪ ،‬ودفعها للتخلص من هاجسها األمني‬
‫املتمثل في خوفها من استعمال النزيل لشفرة الحالقة التي قد تقدم‬
‫له بغاية قص شعر جسده في االعتداء على نفسه أو على زمالءه أو‬
‫على أعوان السجن‪ ،‬وفي هذا اإلطار ال تسلم الشفرة إال إلى نزيل ال‬
‫يمتاز سلوكه بالعدوانية على أن يستعملها بصورة فورية ويرجعها‬
‫فورا ملسلمها الذي يعيدها للمسؤول عن حفضها‪.‬‬
‫ال تقتصر نظافة النزيل على االستحمام والحالقة بل تشمل أيضا‬
‫التنظيف اليومي ملظهره وارتداءه لثياب نظيفة‪ ،‬وقد نص الفصل‬
‫‪ 32‬من أمر ‪ 1988‬على أن «يبادر السجين في صبيحة كل يوم وفور‬
‫النهوض من النوم بتنظيف مظهره بواسطة املواد األساسية للنظافة‬
‫املتوفرة له من طرف إدارة السجن أو التي اقتناها من مغازة التزويد‬
‫أو من طرف ذويه»‪ ،‬ونص الفصل ‪ 20‬فقرة ‪ 6‬من قانون ‪ 2001‬على‬
‫واجب النزيل تنظيف ثيابه لكن دون أن يحدد وتيرة القيام بذلك إن‬
‫كانت يوميا أو أسبوعيا‪.‬‬
‫يكمن دور العمل النقابي في هذا املستوى خاصة من خالل‬
‫توعية النزالء بأهمية غسل الوجه وتنظيف األسنان عند االستقاظ‬
‫من النوم‪ ،‬وغير ذلك من األعمال اليومية التواترية التي يوجبها‬
‫االهتمام بتنظيف مظهر النزيل‪ ،‬والتي تساهم بشكل ملحوظ في‬
‫أنسنة الظروف املادية الذاتية إلقامة النزيل‪ ،‬وتجعله يتعود على‬
‫‪160‬‬
‫النظافة واملمارسات املحمودة مما يحافظ على إنسانيته ويسهل‬
‫تأهيله وعودته للحياة االجتماعية الحرة‪.‬‬
‫وال تقف املهمة التوعوية للنقابة عند هذا الحد بل تشمل‬
‫النظافة بصفة عامة‪ ،‬حيث يجب أن تعمل النقابة على توعية‬
‫النزالء بنظافتهم الشخصية في كل أبعادها وبنظافة املحيط الذي‬
‫يقيمون فيه بكل جزئياته‪ ،‬ويجب أن تحرص النقابة على أن تغرس‬
‫في النزالء حب النظافة وواجب املساهمة فيها مما سيرجع باإليجاب‬
‫على النزيل ذاته وعلى املؤسسة العقابية وعلى املجتمع عامة‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بتنظيف مالبس النزالء‪ ،‬فعلى النقابة العمل على‬
‫إعفاء كل نزيل من تنظيف ثيابه املتسخة بنفسه‪ ،‬حيث أن تنظيف‬
‫الثياب بطريقة يدوية كالتي تعتمد اليوم في السجون إضافة لعدم‬
‫نشرها بالهواء الطلق وتحت أشعة الشمس حتى تجف واالكتفاء‬
‫بنشرها داخل الغرف واألروقة‪ ،‬يعد متعارضا مع أبسط متطلبات‬
‫النظافة والوقاية من األمراض‪ ،‬فيجب على النقابة مطالبة اإلدارة‬
‫العقابية بتوفير غرفة خاصة بتنظيف الثياب تحتوي ما يكفي من‬
‫اآلالت املخصصة لتنظيف الثياب وتجفيفها‪ ،‬ونجد أمثلة هذه‬
‫الغرف في سجون الدول الغربية‪ ،‬حيث يكتفي النزيل بتسليم ثيابه‬
‫املتسخة للعمال املكلفين بمسألة تنظيف املالبس ثم يتسلمها‬
‫نظيفة ومطوية وعطرة‪.‬‬
‫هناك أيضا مسألة جد هامة على النقابة اإلعتناء بها نظرا‬
‫الرتباطها الشديد بمسألة النظافة الشخصية للنزيل‪ ،‬وهي مسألة‬
‫املناشف‪ ،‬حيث أن النزيل يستعمل املناشف بشكل دائم فيما يتعلق‬
‫بنظافته‪ ،‬فاملنشفة ضرورية عند االستحمام وعند غسل الوجه‬
‫وعند غسل القدمين وعند كل مرة يغسل فيها النزيل عضوا من‬
‫‪161‬‬
‫أعضاءه‪ ،‬لذلك وجب فرض عناية خاصة بنظافة هذه املناشف‪،‬‬
‫حيث على النقابة بالتعاون مع اإلدارة العقابية فرض أن ال يستعمل‬
‫النزيل إال مناشفه الخاصة وأن يخصص لكل غرض منشفة خاصة‪،‬‬
‫من ذلك أن يخصص منشفة خاصة لوجهه ومنشفة خاصة لقدميه‬
‫ومنشفة خاصة لكامل جسده إذا استحم‪ .‬وطبعا يجب على إدارة‬
‫السجن توفير العدد الكافي من املناشف للنزالء وذلك بغض النظر‬
‫عن تسلم النزيل ملناشف من ذويه‪ .‬ويجب على النقابة توعية النزيل‬
‫بضرورة إرسال منشفة االستحمام للتنظيف بعد كل استعمال‪،‬‬
‫ومناشف الوجه والرجلين كل يومين وإذا دعت الضرورة كل يوم‪.‬‬
‫على النقابة بذل كل جهدها من أجل دفع اإلدارة العقابية إليالء‬
‫نظافة النزيل األهمية التي تستحقها منعا النتشار األوبئة واألمراض‬
‫داخل السجن من ناحية وحفاظا على كرامة النزالء وحقهم في‬
‫ظروف إقامة مادية ذاتية إنسانية من ناحية أخرى‪ .‬وفي هذا اإلطار‬
‫على النقابة الدفع نحو تكريس عدم حرمان النزيل املعاقب تأديبيا‬
‫من حقه في النظافة الشخصية‪ ،‬إذ يجب أن تتوفر له كل مقوماتها‪،‬‬
‫ويجب السماح خاصة للنزيل الخاضع لعقوبة اإليداع بغرفة‬
‫انفرادية ملدة أقصاها ‪ 10‬أيام بأن يتمتع بحقه في االستحمام‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك مع تحديد عدد املرات التي يمكنه فيها االستحمام خالل مدة‬
‫عقوبته التأديبية‪ ،‬على أن ال تقل عن مرة واحدة في الخمس أيام في‬
‫فصل الشتاء ومرة في اليوم في فصل الصيف‪.‬‬
‫يجب أيضا على النقابة الضغط من أجل تعديل عقوبة الحرمان‬
‫من اقتناء املواد من مغازة التزويد بالسجن ملدة ال تتجاوز سبعة‬
‫أيام‪ ،‬وجعل هذه العقوبة تستثني أدوات النظافة من بين املواد‬
‫التي يحرم املحكوم عليه من اقتنائها من مغازة التزويد‪ ،‬حيث أن‬
‫‪162‬‬
‫مستلزمات النظافة ال يمكن أن يحرم منها النزيل بأي حال من‬
‫األحوال حفاظا على كرامته اإلنسانية‪.‬‬
‫نجد إضافة لكل ما سبق‪ ،‬ضمن الظروف املادية الذاتية التي‬
‫يجب على النقابة االعتناء بها‪ ،‬مسألة أخذ قناعات النزيل الفلسفية‬
‫والدينية بعين االعتبار عند تقديم الطعام‪ ،‬وهي مسألة جد هامة‬
‫على النقابة الدفع نحو تكريسها وتطبيقها واقعا‪ .‬إضافة إلى تقدير‬
‫خصوصية الوضعية الصحية للنزيل عند إعداد الطعام وتقديمه‪،‬‬
‫وفي هذا اإلطار مكن املشرع النزيل املريض من غذاء خاص موصوف‬
‫من طبيب السجن وذلك بمقت�ضى الفصل ‪ 27‬من أمر ‪ ،1988‬وعلى‬
‫النقابة مراقبة مدى احترام هذا األمر على أرض الواقع من قبل إدارة‬
‫السجن‪ .‬وكذلك مراقبة مدى تمتع النزيلة الحامل واألم إثر وضعها‬
‫ملولودها بالغذاء الخصو�صي املناسب شأنها شأن طفلها املرافق‬
‫لها‪ ،‬والعمل على إلزام اإلدارة السجنية بتوفير أفضل الخدمات في‬
‫هذا املجال‪.‬‬
‫يعتبر العمل النقابي أساسيا من أجل ضمان إقامة النزيل في‬
‫ظروف مادية إنسانية تدفع نحو تأهيله وتحترم كرامته البشرية‪،‬‬
‫وتتجاوز مسألة حق النزيل في اإلقامة في ظروف إنسانية الظروف‬
‫املادية لإلقامة لتشمل أيضا الظروف املعنوية لهذه اإلقامة‪ ،‬والتي‬
‫ال تقل أهميتها وال تنقص حاجتها للتدخل النقابي عن الظروف‬
‫املادية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬االعتناء بالظروف املعنوية إلقامة النزيل‬
‫يشكل سلب الحرية في حد ذاتها عنصرا مضرا بالنزيل اإلنسان‪،‬‬
‫يضاف إليه تشويه العالقة الغيرية جنبا إلى جنب مع آليات اإلحباط‬
‫‪163‬‬
‫املستمر‪ ،‬والظروف املعيشية القاهرة في السجن‪ ،‬مما يولد بيئة‬
‫خاصة غير اجتماعية‪ ،‬فالسجن ينتزع القدرة على العيش املشترك‬
‫من خالل تفاقم آليات الدفاع والعنف وسعي النزالء للتكيف مع‬
‫املجتمع السجني وقوانينه الخاصة‪ .‬هذا التكيف الذي ينطوي على‬
‫اعتماد قيم ومواقف جديدة غالبا ما تكون غير متوافقة مع البيئة‬
‫األسرية وكذلك االجتماعية األصلية‪ ،‬مما يجعل الهوة تتسع بين‬
‫النزيل وبين النمط الثقافي السائد واملهيمن‪ ،‬وبالتالي يفقد النزيل‬
‫ذاته وهويته كعضو من أعضاء املجتمع‪.‬‬
‫ال مجال للحد من هذا الوضع الخطير الذي يتضارب تماما‬
‫مع الغاية التأهيلية للعقوبة إال من خالل االعتناء بظروف إقامة‬
‫النزيل‪ ،‬والسعي إلكسابه املناعة النفسية الالزمة حتى ال يسقط‬
‫ضحية الثقافة السائدة داخل السجن‪ ،‬والتي تمتاز باختالف النوع‬
‫وباختالفمفهومالقيمواملعاييرالتي تفرضها‪،‬والتي بالطبع تؤثر عميقا‬
‫في التنشئة االجتماعية للنزيل وتخلق ما يسمى السجننة أي اآلثار‬
‫السجنية املستديمة في قوة تأثيرها على النزالء سواء كان ذلك من‬
‫النواحي النفسية أو االجتماعية‪.‬‬
‫ال يملك النزيل في مواجهة ظالم السجن ومنع اكتساحه لنور‬
‫حياته إال استعداده النف�سي لعدم الوقوع ولصد ذلك االجتياح‪،‬‬
‫ولبناء إرادة قوية من أجل انتشال ذاته مما وقع فيه والعودة إلى‬
‫التماهي مع املجتمع الحر‪ ،‬ويجب في هذا اإلطار مساعدة النزيل‬
‫على مقاومة التأثير النف�سي السيئ للسجن‪ ،‬وكذلك مساعدته في‬
‫التصدي للثقافة السجنية وما تحمله من مخاطر على التأهيل‬
‫وإعادة اإلدماج‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫يتدخل في هذا املستوى العمل النقابي من أجل توفير ودعم رفاه‬
‫النزيل بما يسمح من الحد من التأثير النف�سي السلبي للسجن على‬
‫النزيل‪ ،‬وكذلك من أجل االعتناء بالجانب الثقافي وإدخال وتكريس‬
‫ثقافة العالم الحر داخل السجن حتى تحد من الثقافة الفرعية‬
‫للسجون وتحد ألبعد الحدود من تأثيرها على النزيل‪.‬‬
‫أ‪ -‬االعتناء برفاه النزيل‬
‫أقر اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان صلب مادته الخامسة‬
‫والعشرون الحق لكل شخص في «الرفاهية»‪ ،‬والنزيل باعتباره دون‬
‫أي شكل أو نقاش إنسان‪ ،‬فإنه يتمتع بحقه في الرفاهية‪ ،‬مما يجعل‬
‫رفاه النزيل التزاما محموال على عاتق املؤسسة العقابية‪.‬‬
‫يتنزل االعتناء برفاه النزيل صلب الفلسفة العقابية الحديثة‪،‬‬
‫حيث أن أساسه إنسانية النزيل وحقه في اإلقامة في ظروف إنسانية‬
‫تحفظ كرامته البشرية‪ ،‬وغرضه املساهمة في تحقيق الغاية‬
‫التأهيلية للعقوبة السجنية باعتبار اآلثار اإليجابية لهذا الرفاه‬
‫تجاه جميع األطراف‪ ،‬النزيل واإلدارة العقابية واملجتمع‪.‬‬
‫تتعدد الوسائل املعتمدة داخل املؤسسات السجنية بغرض‬
‫تحقيق رفاه النزيل والترويح عنه‪ ،‬وتختلف هذه الوسائل من حيث‬
‫جدواها وآثارها على النزيل بحسب طريقة ودرجة تطبيقها‪ ،‬وتعتبر‬
‫في هذا املجال الرقابة النقابية أفضل وسيلة ملعرفة مدى احترام‬
‫اإلدارة السجنية وحسن اعتناءها برفاه نزالءها‪ ،‬وطبعا ال تكتفي‬
‫النقابة بالرقابة بل تعمل أيضا على توجيه املمارسة العقابية نحو‬
‫الصالح‪ ،‬وتتعاون مع اإلدارة العقابية من أجل االعتناء األمثل‬
‫واملثمر برفاه نزيل املؤسسة السجنية‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫يهدف الترويح إلى تغيير حياة النزالء الرتيبة وتشجيعهم على‬
‫التعبير عن رغباتهم ومشاكلهم وتصعيدها بشكل حميد‪ ،‬وجعلهم‬
‫يبذلون أق�صى جهد ممكن إلصالح ذواتهم بذواتهم ولتقبل عملية‬
‫اإلصالح والتأهيل واالقتناع الذاتي بجدواها‪.‬‬
‫أصبح الترويح ينال حظا كبيرا في رعاية نزالء السجون ملا له‬
‫من أثر كبير على نفسيتهم‪ ،‬إذ تبين أن استهالك الطاقات في نشاط‬
‫ترويحي سليم يؤدي إلى اإلقالل من مظاهر التمرد واالنحراف‪،‬‬
‫إضافة لكونه يشكل فرصة لتدعيم العالقات بين النزالء وبعضهم‬
‫من ناحية وبين النزالء واملشرفين من ناحية أخرى‪.‬‬
‫يتطلب توفير الخدمات الترويجية الجيدة واملفيدة‪ ،‬إعداد‬
‫القيادات املدربة واإلشراف املناسب والتجهيزات الضرورية والبرامج‬
‫املفيدة‪ ،‬ويبرز في هذا املستوى دور العمل النقابي الهادف لتحقيق‬
‫هذه األسس الذي ينبني عليها الترويح العصري للنزالء بما يحقق‬
‫تأهيلهم‪ ،‬حيث تقوم النقابة بالتعاون مع اإلدارة العقابية من أجل‬
‫رسم أنجع البرامج الترفيهية املوجهة للنزالء‪ ،‬وتقوم النقابة برقابة‬
‫األطر املوضوعية لتنفيذ هذه البرامج والتنديد بكل نقص أو سلبية‬
‫والعمل على دفع اإلدارة لتداركه‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل على توسيع نطاق األعمال الترويحية‬
‫وجعلها تتجاوز أسوار السجن ليتم استغاللها في تدعيم عالقات‬
‫النزالء باملجتمع الخارجي‪ ،‬وذلك مثال من خالل تنظيم لقاءات للنزالء‬
‫مع املؤسسات الخارجية‪ ،‬ويمكن أن يكون ذلك في صورة برامج‬
‫رياضية أو فنية داخل السجن‪ ،‬وبذلك يشعر النزالء أنهم مازالوا‬
‫على عالقة باملجتمع ومازال املجتمع الخارجي ينظر إليهم كآدميين‬
‫لهم كيانهم قبل أن ينظر إليهم كمنحرفين لهم ظروفهم‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫تتنوع األنشطة الترفيهية الهادفة تحقيق رفاه نزيل املؤسسة‬
‫السجنية‪ ،‬وبإلقاء نظرة على مختلف األنظمة العقابية الحديثة‪،‬‬
‫نجد عموما أن الفسحة والرياضة يعتبران من أهم األنشطة الترفيهية‬
‫باعتبارهما يجذبان انتباه النزالء أكثر من أي وسيلة ترفيهية أخرى‪،‬‬
‫هذا طبعا لجانب العديد من وسائل الترفيه الحديثة‪.‬‬
‫تعتبر الفسحة اليومية ذات فوائد جمة على صحة النزيل‬
‫البدنية والنفسية‪ ،‬وال يخلو نظام عقابي واحد من هذه الفسحة‪،‬‬
‫إال أن صبغتها وتنظيمها وكيفيتها تختلف من نظام آلخر‪.‬‬
‫تتمتع الفسحة اليومية في النظام العقابي التون�سي بطبيعة‬
‫مزدوجة‪ ،‬فهي في نفس الوقت حق وواجب‪ ،‬حيث نجد من جهة‬
‫الفقرة ‪ 4‬من الفصل ‪ 19‬من قانون ‪ 2001‬تنص على حق النزيل في‬
‫الخروج إلى الفسحة اليومية بما ال يقل عن ساعة‪ ،‬وبذلك يجب‬
‫على اإلدارة أن تمكن النزيل منها‪ ،‬ومن جهة أخرى نجد الفقرة ‪ 4‬من‬
‫الفصل ‪ 20‬تنص على وجوب عدم امتناع النزيل عن الخروج إلى‬
‫الفسحة اليومية‪ ،‬وبذلك فإن النزيل املمتنع يكون عرضة للعقوبات‬
‫التأديبية طبقا للفصل ‪ 22‬من قانون ‪.2001‬‬
‫ما يثير النقد في النظام العقابي التون�سي على مستوى الفسحة‬
‫اليومية‪ ،‬قصر مدتها‪ ،‬وعدم تحديد الفترة من اليوم التي ينال‬
‫فيها النزالء هذه الفسحة‪ ،‬وعمليا يتمتع النزيل التون�سي في أغلب‬
‫املؤسسات العقابية بفسحة صباحية وفسحة عند بعد الظهر ملدة‬
‫نصف ساعة على أق�صى تقدير لكل فسحة‪.‬‬
‫يجب على النقابة الضغط من أجل التكريس القانوني لحق‬
‫النزيل في فسحتين باليوم‪ ،‬ويجب تحديد املدة الزمنية الدنيا لكل‬
‫فسحة بساعة‪ ،‬وفي انتظار ذلك التكريس يجب أن تعمل النقابة‬
‫‪167‬‬
‫على تنفيذ هذا املطلب واقعيا من خالل تبنيه من قبل اإلدارة‬
‫السجنية والعمل به‪.‬‬
‫تجري الفسحة في سجوننا بمكان يمتاز بالعديد من النقائص‬
‫الواجب العمل على تداركها‪ ،‬حيث أن هذا املكان يمتاز بالضيق‬
‫مقارنة بعدد النزالء املتجولين فيه‪ ،‬وهو ما ينعكس سلبا وينقص‬
‫من الراحة النفسية التي من املفروض أن توفرها الفسحة‪ ،‬حيث‬
‫أنه من املفروض أن يكون مكان الفسحة من االتساع بما يسمح‬
‫للنزيل بالتم�شي والتمتع بالهواء الطلق بكل أريحية لدرجة أنه‬
‫يستطيع حتى االنفراد بذاته‪ ،‬وليس أن يجد نفسه يتجول في مكان‬
‫ضيق ال يختلف كثيرا عن غرف السجن‪.‬‬
‫كذلك يجب أن يكون مكان النزهة مهيئا بشكل يقربه أكثر ما‬
‫يمكن للمنتزهات والحدائق العامة بالعالم الحر‪ ،‬حيث يجب أن‬
‫يكون ذو أرضية معشبة ويحتوي على زهور ونباتات جميلة وعلى‬
‫عدد كاف من الكرا�سي الثابتة واملتفرقة التي يمكن للنزيل الجلوس‬
‫عليها إذا أراد ذلك‪ ،‬وقد أثبتت علم النفس مدى الفائدة والتأثير‬
‫اإليجابي لجمال الطبيعة وللحدائق املعشبة واملزهرة في نفسية‬
‫اإلنسان عامة‪ ،‬وما بالك بنفسية النزيل‪...‬‬
‫ال يمكن تحقيق هذه األمور واالرتقاء بالفسحة اليومية للنزيل‬
‫إال من خالل العمل النقابي الذي عليه السهر على دفع اإلدارة‬
‫السجنية نحو االرتقاء بجودة الفسحة مكانا وموضوعا‪ ،‬ويجب‬
‫في هذا اإلطار أن تتعاون مع اإلدارة من أجل تحقيق ذلك‪ ،‬وكذلك‬
‫يجب عليها نشر الوعي بين النزالء بضرورة املحافظة على نظافة‬
‫مكان الفسحة وسالمة تجهيزاته‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وال نن�سى في سياق حديثنا عن الفسحة أن نؤكد بأنها حق لكل‬
‫نزيل دون استثناء بما في ذلك النزيل املعاقب تأديبيا باإليداع بغرفة‬
‫انفرادية ملدة أقصاها عشرة أيام‪ ،‬حيث يتم إخراجه من الغرفة‬
‫االنفرادية وإرساله ملكان الفسحة مع تفادي أن يكون منفردا‬
‫بالفسحة بل يق�ضي فسحته مع باقي النزالء‪ ،‬بذلك يجب على‬
‫النقابة ضمان احترام هذا الحق من قبل اإلدارة السجنية وضمان‬
‫تمتع جميع النزالء به‪.‬‬
‫هناك خلط في العديد من األنظمة العقابية بين الزمن املخصص‬
‫للفسحة وزمن األنشطة الرياضية‪ ،‬حيث يتم القيام بهذه األنشطة‬
‫أثناء الفسحة‪ ،‬وهذا أمر غير مقبول‪ ،‬حيث أن الوقت املخصص‬
‫لألنشطة الرياضية مهما كان نوعها يجب أن يكون منفصال ومستقال‬
‫عن الوقت املخصص للفسحة اليومية‪ ،‬فالنزيل املمارس لنشاط‬
‫ريا�ضي يتمتع بوقت خاص يتم تحديده ملمارسة ذلك النشاط‬
‫ويتمتع أيضا بوقت الفسحة كامال‪ ،‬بذلك على النقابة العمل على‬
‫تكريس وتطبيق وتنظيم هذا األمر‪.‬‬
‫يعتبر حضور األنشطة الرياضية والبدنية جد محتشم‬
‫بمؤسساتنا السجنية إن لم نقل منعدما‪ ،‬وهذا أمر يثير الكثير من‬
‫نقاط االستفهام حول مدى جدية اإلدارة العقابية في تأهيل النزالء‪،‬‬
‫خصوصا وأن الرياضة واألنشطة البدنية أصبحت تستخدم على‬
‫مدى واسع كوسيلة ملنع وعالج االنحراف‪ ،‬وقد زاد االعتقاد اآلن‬
‫في أن الرياضة بطرقها املختلفة تستطيع منع االنحراف أو إعادة‬
‫إصالح املنحرفين‪ ،‬باإلضافة إلى كونها وسيلة فعالة ملنع السأم وامللل‬
‫في بيئة صحية مناسبة كنوع من أنواع العالج‪ ،‬وبذلك يكون توظيف‬

‫‪169‬‬
‫الرياضة واألنشطة البدنية بهذا الشكل له صلة وثيقة بالغاية‬
‫التأهيلية للعقوبة السجنية‪.‬‬
‫تغرس كذلك األنشطة الرياضية والبدنية في النزيل اإلعتماد‬
‫على النفس واألخالق الرياضية التي تجعل كل فرد يتقبل الفوز‬
‫كما يتقبل الهزيمة‪ ،‬وبذلك تؤدي الرياضة دورها في عملية التنشئة‬
‫االجتماعية التي من خاللها يتعلم األعضاء الخضوع للقوانين‬
‫واالمتثال للقيم الثقافية السائدة‪.‬‬
‫ال نقاش في كون األنشطة الرياضية ذات أهمية وفائدة على‬
‫صحة النزيل‪ ،‬فهي تنشط جسمه وتنزع عنه آثار الخمول الذي‬
‫يخلفه فيه طول البقاء في الزنزانة‪ ،‬كما أن الرياضة تساهم بنسبة‬
‫كبيرة في تحقيق الراحة النفسية للنزيل‪ ،‬وتهذب سلوكه من خالل‬
‫مساعده على احترام النظام وقوانين األلعاب‪ ،‬لذا على النقابة‬
‫الدفع نحو التكريس التشريعي والعملي لوجوبية توفير األماكن‬
‫واملعدات الالزمة ليتعاطى النزالء األنشطة الرياضية حسبما يسمح‬
‫به سنهم وإمكانياتهم البدنية وذلك بجميع املؤسسات السجنية‪.‬‬
‫ينص الفصل ‪ 19‬فقرة ‪ 5‬من قانون ‪ 2001‬على حق النزيل في‬
‫تعاطي األنشطة الرياضية طبقا لإلمكانيات املتاحة وتحت إشراف‬
‫موظف مختص تابع إلدارة السجون‪ ،‬ويعتبر هذا الفصل جد‬
‫محدود على مستوى تحقيق رفاه النزيل من خالل تمتيعه بحقه‬
‫في األنشطة الرياضية والبدنية‪ ،‬هذه األنشطة التي نصت القاعدة‬
‫‪ 31‬من مجموعة قواعد الحد األدنى على جعلها إجبارية بالنسبة‬
‫للمحكوم عليهم الشبان والذين تسمح لهم أعمارهم وظروفهم‬
‫البدنية بمباشرتها واختيارية بالنسبة لغيرهم‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫يعتبر جعل األنشطة الرياضية مجرد حق للنزيل فحسب وربطه‬
‫باإلمكانيات املتاحة أمر جد منتقد وسلبي‪ ،‬حيث يمكن لإلدارة‬
‫العقابية عدم تمتيعه بهذا الحق وعدم االهتمام بتوفير اإلمكانيات‬
‫الالزمة ملمارسة تلك األنشطة والتعلل بقلة املوارد املالية وغير‬
‫ذلك من األعذار الواهية‪ ،‬وعمليا نجد غياب شبه تام لألنشطة‬
‫الرياضية والبدنية بالسجون التونسية باستثناء بعض األنشطة‬
‫الغير منتظمة مثل كرة القدم‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل من أجل دفع املشرع لتنقيح هذا‬
‫الفصل والتنصيص على إجبارية األنشطة الرياضية بالسجون‬
‫لجميع النزالء باستثناء الذين ال يسمح وضعهم الصحي بممارسة‬
‫هذه األنشطة‪ ،‬وعلى وجوبية توفير املؤسسة العقابية ألنشطة‬
‫رياضية وبدنية مختلفة‪ ،‬وتوفير املستلزمات الضرورية ملمارستها من‬
‫مالعب وقاعات رياضية وآالت ولوازم رياضية ومشرفين ومدربين‪.‬‬
‫وعمليا يجب على النقابة الضغط والتعاون مع املؤسسة‬
‫السجنية من أجل تحقيق هذه املطالب‪ ،‬وال نن�سى أن وقت‬
‫ممارسة الرياضة يكون وجوبا خارج وقت الفسحة اليومية إال إذا‬
‫أراد النزيل طوعا استغالل البعض من وقت الفسحة في التمارين‬
‫بقاعة الرياضة‪ ،‬وفي هذه الصورة يجب عليه على األقل قضاء‬
‫نصف ساعة فسحة إال إذا كان التدريب بالهواء الطلق‪ ،‬فعندها‬
‫يمكن لهذا النزيل التدرب في وقت الفسحة إضافة لتدربه في الوقت‬
‫املخصص للتدريب‪.‬‬
‫يعتبر تنوع األنشطة الرياضية والبدنية أمرا وجوبيا لتحقيق‬
‫رفاه النزالء‪ ،‬وذلك باعتبار أن الرياضة أهواء وكل إنسان وما‬
‫يستهويه من نشاط ريا�ضي‪ ،‬وال يمكن فرض نوع معين من الرياضة‬
‫‪171‬‬
‫على شخص دون أن يكون يميل إليه‪ ،‬ألن ذلك سيجعل من ممارسة‬
‫هذه الرياضة تعذيبا وليس رفاه‪ ،‬ومنه يجب على النقابة بذل كل‬
‫الجهد والضغط والتعاون مع كل األطراف املتداخلة لتوفير أكثر ما‬
‫يمكن من األنشطة الرياضية والبدنية‪.‬‬
‫تعمل وتحرص النقابة بالتعاون مع اإلدارة السجنية على حسن‬
‫توجيه كل نزيل نحو النشاط الريا�ضي األكثر مالءمة له بصفة‬
‫موضوعية‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار ميوالته ورأيه في هذا املجال‪ ،‬إذ‬
‫كلما كان النشاط الريا�ضي املمارس من قبل النزيل مالئما لقدراته‬
‫الجسدية ولرغباته وميوالته كلما كان بالفعل محققا لرفاه هذا‬
‫النزيل ومساهما مساهمة فعالة في إنجاح عملية تأهيله‪.‬‬
‫تساهم النقابة في تنظيم وتسيير األنشطة الرياضية والبدنية‪،‬‬
‫وتراقب مدى مالئمة خصال وشخصية املشرفين واملدربين التابعين‬
‫لإلدارة العقابية لطبيعة عملهم الخاصة‪ ،‬حيث أن اإلشراف على‬
‫أعمال رياضية وبدنية تنجز بالسجن وتدريب فئة خاصة من‬
‫الرياضيين باعتبارهم نزالء تستلزم خبرة وحنكة ودراية في التعامل‪،‬‬
‫وتستلزم كذلك تكوينا خاصا يتطلب وجوبا إتقان فن التواصل‬
‫والحوار مع نزالء السجون وحد أدنى من التكوين في علم النفس‬
‫يؤهلهم لفهم شخصية النزيل وإيجاد الطريقة األمثل للتعامل معه‪.‬‬
‫من املتفق عليه أن ممارسة األنشطة الرياضية والبدنية أمر‬
‫محبذ لكل البشر‪ ،‬وأن هذه املمارسة مرتبطة أساسا بالرغبة‬
‫والعزيمة‪ ،‬هذه الرغبة والعزيمة التي ال نجدها عند كل إنسان‪،‬‬
‫إضافة إلى أنها وإن وجدت فإنها تتناقص مع مرور الوقت خصوصا‬
‫وإن كانت املمارسة الرياضية روتينية فيسأمها املمارس ويميل إلى‬

‫‪172‬‬
‫عدم بذل الجهد وفي النهاية إلى تركها‪ ،‬ويزيد هذا الوضع تأكدا فيما‬
‫يتعلق بممارسة الرياضة بالفضاء السجني‪.‬‬
‫ال حل لهذا اإلشكال إال بتحفيز النزالء عن طريق خلق مسابقات‬
‫ومنافسات رياضية تقام بالقاعات واملالعب داخل السجن وتقدم‬
‫بمناسبتها العديد من الجوائز‪ ،‬مما يمثل تشجيعا للنزالء ورفعا لروح‬
‫املثابرة والجد واالنضباط واملواظبة على الحضور والتدرب‪ .‬وتقوم‬
‫في هذا اإلطار النقابة بالتعاون مع اإلدارة العقابية بتنظيم بطوالت‬
‫وكؤوس في العديد من األنشطة الرياضية املتوفرة بالسجون‪ .‬وتكون‬
‫هذه البطوالت والكؤوس فردية‪ ،‬بمعنى تنظيم مثل هذه املسابقات‬
‫على مستوى كل سجن بمفرده‪ ،‬أي أن يتم تقسيم نزالء املؤسسة‬
‫السجنية الواحدة املشاركين في نشاط ريا�ضي محدد إلى فرق‬
‫تتنافس فيما بينها للفوز باللقب‪ .‬كما يمكن أن تكون هذه البطوالت‬
‫والكؤوس جماعية‪ ،‬بمعنى تنظيم مسابقات تشترك بها نزالء يمثلون‬
‫كل املؤسسات السجنية‪ ،‬وتتنافس الفرق املمثلة لها للفوز باللقب‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالحوافز‪ ،‬فعلى النقابة العمل على أن تكون هذه‬
‫الحوافز ذات قيمة ودافعة بالنزيل نحو مزيد العطاء واالنضباط‬
‫واملثابرة‪ ،‬وأن ال تكون مجرد حوافز رمزية ال تسمن وال تغني من‬
‫جوع‪ ،‬ويجب كذلك أن ال ترتبط هذه الحوافز بالفوز فقط‪ ،‬بل‬
‫يجب إضافة لحوافز الفوز إقرار حوافز أخرى تتعلق باملواظبة‬
‫على التدريب وبحسن السلوك أثناء ممارسة النشاط وغير ذلك من‬
‫األمور التي يمكن أن يكافئ عليها النزيل املمارس للرياضة بغاية مزيد‬
‫دفعه نحو حب الرياضة وممارستها‪ ،‬مما سينعكس باإليجاب على‬
‫تأهيله‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫ال تقتصر املسابقات بشكليها على األنشطة الرياضية فحسب‪،‬‬
‫بل تشمل أيضا األلعاب الفكرية التي على النقابة االهتمام بها‬
‫وتحفيزها وتنظيمها باالشتراك مع اإلدارة العقابية‪ ،‬فهذه األلعاب‬
‫مثل الشطرنج تستهوي الكثيرين‪ ،‬وال نن�سى األلعاب الشعبية التي‬
‫تجد رواجا في العالم الحر وهي خاصة ألعاب الورق املتمثلة في‬
‫«الرامي» و«البولوط» و«الشكبة»‪ ،‬فهذه األلعاب تساهم في الترفيه‬
‫على النزيل‪ ،‬خصوصا إذا تمت في مكان خاص شبيه بما هو األمر‬
‫عليه بالعالم الحر‪ ،‬أي مكان شبيه باملقاهي يتم إحداثه للغرض‪.‬‬
‫إضافة لكل وسائل الترفيه السابقة‪ ،‬تلعب وسائل الترفيه‬
‫العصرية دورا هاما في تحقيق رفاه النزيل‪ ،‬ونذكر من بينها خاصة‬
‫التلفاز والراديو واأللعاب االلكترونية‪.‬‬
‫أصبح التلفاز في عصرنا هذا يمثل نافذتها على العالم بما ينقله‬
‫لنا من برامج متنوعة تشمل جميع املجاالت وقادمة من مختلف‬
‫أصقاع األرض‪ ،‬خصوصا وأن اليوم القنوات الفضائية تعد باآلالف‪،‬‬
‫وقد ساهم التلفاز بشكل كبير جدا في الترويح عن اإلنسان الذي‬
‫لم يعد مضطرا للذهاب للمسرح أو السينما أو ألي مكان ملشاهدة‬
‫فيلم أو مسرحية أو أي عرض فني مهما كان‪ ،‬فيكفيه جهاز تلفاز‬
‫وجهاز القط هوائي كي يأتي كل العالم إليه وهو جالس بمكانه‪.‬‬
‫من املعلوم وجود التلفاز بالسجن‪ ،‬حيث يوجد جهاز واحد بكل‬
‫غرفة‪ ،‬وعندما نقول أن كل غرفة تحتوي على جهاز تلفاز فنظريا‬
‫يبدو األمر مستقيما‪ ،‬أما عمليا فإنه يبعد كل البعد عن ذلك‪ ،‬إذ‬
‫أن هذه الغرفة تظم عشرات النزالء ذوي األهواء والرغبات املختلفة‬
‫على مستوى القناة والبرنامج املراد مشاهدته‪ ،‬أضف الى ذلك أن‬
‫جهاز التحكم بيد «الكبران» الذي يضع ظاهريا البرنامج الذي‬
‫‪174‬‬
‫يريد متابعته األغلبية‪ ،‬لكن في حقيقة هو ال يضع إال ما يريد هو‬
‫مشاهدته أو النزالء أصحاب النفوذ والحذوة لديه‪ ،‬وال نن�سى أن‬
‫ليست كل البرامج والقنوات متاحة للمشاهدة داخل السجن‪ ،‬حيث‬
‫أن اإلدارة ال تسمح إال بمشاهدة بعض البرامج والقنوات التي ال‬
‫تتجاوز أصابع اليد الواحدة‪.‬‬
‫يحتم هذا الوضع املزري تدخل العمل النقابي لتفادي سلبياته‬
‫وتنظيمه وتحسينه حتى يكون التلفاز فعال وسيلة ترويح على النزيل‪،‬‬
‫وبقطع النظر عن مسألة اكتظاظ الغرف والتي كنا قد تعرضنا لها‬
‫سابقا وأشرنا إلى وجوب توجه العمل النقابي نحو مقاومتها والقضاء‬
‫عليها‪ ،‬فإنه يتحتم على النقابة العمل والضغط من أجل توفير ما‬
‫يكفي من أجهزة التلفاز ذات الجودة العالية في السجون مصحوبة‬
‫طبعا بأجهزة االلتقاط الهوائي‪ ،‬وأيضا يجب السماح للنزالء بمتابعة‬
‫ومشاهدة جميع البرامج والقنوات الفضائية باستثناء تلك القنوات‬
‫ذات التوجه الديني والتي تحرض على التباغض والكراهية والتكفير‬
‫والقتل‪.‬‬
‫تقوم النقابة باستبيان آراء نزالء الغرفة الواحدة حول البرامج‬
‫املراد مشاهدتها وتحاول وضع برنامج شامل بالتعاون مع إدارة‬
‫السجن يلبي رغبات أغلبية املقيمين بالغرفة إن عجزت عن تلبية‬
‫رغبات الجميع‪ ،‬وتعتمد النقابة في وضع هذا البرنامج اإلقناع ال‬
‫الفرض‪.‬‬
‫ال يجب االكتفاء ببرامج القنوات التلفزية‪ ،‬بل يجب السماح‬
‫للنزالء بمشاهدة أحدث األفالم السنيمائية واملسلسالت العاملية‪،‬‬
‫وذلك من خالل القيام بتنزيلها من شبكة اإلنترنت ووضعها بحامل‬

‫‪175‬‬
‫إلكتروني «فالش ‪ »USB‬وتشغيله على جهاز التلفزة‪ ،‬وطبعا تقوم‬
‫اإلدارة السجنية بمراقبة محتوى الحامل قبل السماح بعرضه‪.‬‬
‫ال يلهينا الحديث عن التلفاز وأهميته في الترويح على النزيل عن‬
‫دور الراديو في تحقيق هذا الترويح‪ ،‬خصوصا وأننا اليوم نعيش‬
‫عصر التنوع واإلبداع اإلذاعي‪ ،‬إذ تتعدد محطات الراديو وتتنوع‬
‫برامجها في إطار احتداد التنافس بينها على نسب االستماع‪ ،‬فالنزيل‬
‫اليوم يجد في هذا التنوع اإلذاعي تنوعا وثراءا على مستوى املوسيقى‬
‫والبرامج الترفيهية وغير ذلك من البرامج الذي قد تستهواه‪.‬‬
‫تقوم النقابة في هذا املجال بضمان استماع نزالء املؤسسة‬
‫ملختلف اإلذاعات وذلك عن طريق توفير أجهزة راديو مدمجة في‬
‫الجدران بكل غرف السجن والحرص على جودة مكبرات الصوت‬
‫املتصلة به‪ ،‬ويجب على النقابة في هذا املجال العمل والضغط من‬
‫أجل دفع اإلدارة العقابية إلى السماح للنزالء بالحصول على جهاز‬
‫راديو فردي بالسماعات يكون مخصصا لالستعمال الشخ�صي‪،‬‬
‫وهكذا يمكن لكل نزيل متى أراد االستماع ألي قناة إذاعية يريد‪.‬‬
‫بما أننا في عصر حرية اإلعالم‪ ،‬يكون من املحبذ أن تسعى‬
‫النقابة لبعث قناة إذاعية خاصة بميدان السجون‪ ،‬يؤثثها النزالء‬
‫من داخل السجن وكذلك مهنيين من خارج السجن‪ ،‬وتكون هذه‬
‫اإلذاعة وسيلة جد مفيدة للترويح ولرفع معنويات النزالء‪ ،‬إذ‬
‫يمكن لكل نزيل أن يعتمد موجاتها ليرسل التحية ألهله أو ليطلب‬
‫االستماع ألغنية أو مقطوعة موسيقية معينة‪ ،‬أو ليستقبل على‬
‫موجاتها التحية واإلهداء من العزيزين على قلبه املتواجدين بالعالم‬
‫الحر‪ ،‬كما يمكن لهذه اإلذاعة ان تتابع وتعلن عن نتائج املباريات‬
‫واملسابقات الرياضية والفكرية املجرات بالسجون‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫‪176‬‬
‫البرامج التي يمكنها القيام بهم‪ .‬ويجب أن نشير إلى كون هذه اإلذاعة‬
‫لن تكون برامجها مباشرة بل يتم تسجيل البرامج وبثها على موجات‬
‫األثير بعد مرور أجل ال يتجاوز ‪ 3‬ساعات على أق�صى تقدير‪ ،‬حيث‬
‫أن تواجد عناصر من اإلدارة السجنية لرقابة إعداد وتسجيل‬
‫البرامج‪ ،‬يجعل من ذلك األجل جد كاف لإلدارة لالعتراض على‬
‫بث برنامج معين احتوى على أمر قيمه ممثل اإلدارة العقابية بأنه‬
‫يحتوي مساسا أو خطرا على املؤسسة السجنية أو الدولة‪ ،‬ويرجع‬
‫لقا�ضي تنفيذ العقوبات الحكم في مدى جدية وجود هذا املساس أو‬
‫الخطر‪ ،‬ويكون رأيه ملزما للجميع‪.‬‬
‫إضافة لكل ما سبق إيراده من وسائل ترويحية‪ ،‬يجب على‬
‫النقابة العمل والضغط من أجل تمكين نزالء املؤسسة السجنية‬
‫من التمتع بثمار التطور التكنولوجي على مستوى وسائل الترفيه‪،‬‬
‫وأقصد هنا األلعاب اإللكترونية‪ ،‬هذه األلعاب التي غزت العالم‬
‫وتجاوز تأثيرها وحبها والشغف بها األطفال ليكتسح عالم الشباب‬
‫والكهول وحتى الشيوخ‪.‬‬
‫يمكن أن نقسم األلعاب اإللكترونية إلى صنفين‪ ،‬صنف جد‬
‫متطور يعتمد جهازا خاصا لتشغيله والترويح به ونورد كأمثلة‬
‫على ذلك جهاز «‪ »XBOX‬و«‪ ،»PLAYSTATION‬وصنف حديث‬
‫جدا وبسيط من حيث التشغيل واللعب والترويح‪ ،‬وهي تطبيقات‬
‫إعالمية ال تحتاج لتنزيلها وتشغيلها إال هاتف أو لوحة إلكترونية‬
‫تعتمد عادة نظام «‪.»ANDROID‬‬
‫تعتبر هذه األلعاب بحق قاهرة للملل والقلق‪ ،‬ومساعدة بحق‬
‫على تحقيق رفاة النزيل اإلنسان‪ ،‬لذلك يجب على النقابة العمل‬
‫والضغط من أجل تمكين النزيل من التمتع بهذه األلعاب‪ ،‬ويمكن‬
‫‪177‬‬
‫في هذا اإلطار إنشاء قاعة خاصة أو أكثر داخل السجن تضم‬
‫أجهزة تلفاز موصولة بأجهزة األلعاب اإللكترونية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫إنشاء قاعات ألعاب فيديو مثل تلك املتوفرة بالعالم الحر‪ ،‬وتتكفل‬
‫النقابة بالتعاون مع اإلدارة السجنية بتنظيم ولوج النزالء لهذه‬
‫القاعات واستخدامهم لهذه األلعاب‪.‬‬
‫كذلك يجب على النقابة العمل والضغط من أجل السماح‬
‫للنزالء باقتناء لوحة الكترونية تكون مخصصة فقط لأللعاب‬
‫اإللكترونية‪ ،‬إذ أن هذه اللوحات ال يمكن استعمالها لإلبحار على‬
‫شبكة اإلنترنت‪ ،‬ويتم ذلك من خالل برمجة خاصة للوحة يقوم‬
‫بها مختصون في املجال بطلب من اإلدارة العقابية‪ ،‬وتخضع هذه‬
‫اللوحات لرقابة دائمة ودورية من قبل اإلدارة‪.‬‬
‫يلعب تنظيم قضاء أوقات الفراغ دورا كبيرا في اإلصالح والتقويم‪،‬‬
‫وتولي املؤسسات العقابية الحديثة هذا املوضوع أهمية بالغة وتعمل‬
‫على تنظيمها ووضع املناهج والبرامج النافعة الستفادة منها‪ ،‬فتقوم‬
‫بترتيب برامج رياضية وفنية وإجراء مسابقات مفيدة ومناقشات‬
‫مثمرة وعرض أفالم توجيهية أو مسرحيات اجتماعية أو تخصيص‬
‫جلسات لسماع املوسيقى أو ملشاهدة التلفزيون وإقامة املباريات‬
‫الرياضية‪ ،‬إلى غير ذلك من األمور التوجيهية املفيدة التي تسهم إلى‬
‫حد في رفاه النزالء وتهذيب نفوسهم مما يقومهم اجتماعيا‪.‬‬
‫تتجه السياسات العقابية الحديثة نحو محاولة الترويح على‬
‫النزيل‪ ،‬ويتجلى ذلك بوضوح من خالل ممارسة النزالء لألنشطة‬
‫الرياضية وفرض الفسحة اليومية داخل املؤسسة في الهواء الطلق‪،‬‬
‫إضافة لجدوى التلفاز والراديو واأللعاب الفكرية واإللكترونية في‬
‫تحقيق في هذا الترويح‪ ،‬وعموما ال يمكن ضمان حسن هذا الترويح‬
‫‪178‬‬
‫إال من خالل العمل النقابي الساعي لالعتناء بالظروف املعنوية‬
‫إلقامة النزيل باملؤسسة السجنية‪ ،‬ويتجاوز في هذا املجال العمل‬
‫النقابي اإلعتناء برفاه النزيل ليهتم بحياته الثقافية خلف األسوار‪.‬‬
‫ب‪ -‬االعتناء بالحياة الثقافية‬
‫يهدف االعتناء بالحياة الثقافية للنزيل أمرين أساسيين‪ ،‬أولهما‬
‫ضمان حقه في ظروف إقامة إنسانية‪ ،‬وثانيهما الحد من الفوارق‬
‫واآلثار السلبية للثقافة السجنية‪ ،‬وبذلك يؤسس االعتناء بالحياة‬
‫الثقافية لنزيل املؤسسة السجنية لحسن تأهيله وإنجاح إعادة‬
‫إدماجه في املجتمع‪.‬‬
‫يفقد النزيل بسبب روتين الحياة داخل السجن الكثير من‬
‫دافعيته وحافزيته وتقل قدرته على التفكير السليم وحل املشكالت‪،‬‬
‫كما يتعرض النزيل أثناء محكوميته لتنشئة اجتماعية سيئة متولدة‬
‫عن العقوبة السجنية في حد ذاتها وما يرتبط بها من نزع للحرية‬
‫ومس بالخصوصية وانتفاء للذاتية وكبت جن�سي‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫اآلثار السلبية للسجن‪.‬‬
‫يتولد عن هذا الوضع فقدان النزيل ملالمح شخصيته األصلية‬
‫واندماجه في ثقافة مغايرة تماما لثقافة املجتمع الحر‪ ،‬ثقافة فرعية‬
‫متولدة عن السجن‪ ،‬وكلما تبنى النزيل هذه الثقافة كلما ضعف أمل‬
‫إصالحه وإعادة إدماجه‪ ،‬وتمثل ظاهرة التعود على الحياة السجنية‬
‫مرحلة متطورة لتبني الثقافة السجنية‪ ،‬فالفاعل املتعود على‬
‫الحياة السجنية ال يتجنب االعتقال وال دخول املؤسسة السجنية‬
‫بقدر ما يستهدف الرجوع للفضاء السجني كلما خرج منه‪ ،‬ألجل‬
‫ذلك ال نراه يتوخى الحذر من الجهاز األمني‪ ،‬وتمثل الجريمة بالنسبة‬
‫‪179‬‬
‫له الوسيلة الوحيدة لدخول املؤسسة السجنية والبقاء فيها‪ .‬فهذا‬
‫املتعود انقلبت لديه الصورة املفاهيمية للمؤسسة السجنية لتجعل‬
‫منها فضاء للحرية ولتحقيق الذات رغم ما تتضمنه من ضغوطات‬
‫وإكراهات‪ ،‬وتجعل من العالم الخارجي فضاء سجنيا تتضاعف فيه‬
‫وسائل املراقبة واملعاقبة والعزل واإلقصاء‪.‬‬
‫ال يكفي ملنع توغل وتغول الثقافة السجنية وألنسنة ظروف‬
‫إقامة النزيل من زاوية الثقافة سن النصوص القانونية‪ ،‬بل يجب‬
‫إضافة لإلرادة السياسية واملؤسساتية الهادفة تأهيل نزيل املؤسسة‬
‫السجنية باعتماد كل الوسائل املمكنة‪ ،‬وجود جهاز رقابي وضاغط‬
‫يتمثل في النقابة التي تسهر على االعتناء بالحياة الثقافية للنزيل‬
‫ميدانيا وتراقب وتدفع اإلدارة العقابية لوضع هذه الحياة ضمن‬
‫أولوياتها‪.‬‬
‫يتطلب االعتناء بالحياة الثقافية لنزيل املؤسسة السجنية‬
‫االهتمام بالعديد من املجاالت‪ ،‬حيث أن امليدان الثقافي جد شاسع‬
‫ويستوعب العديد من النشاطات وامليادين‪ ،‬ولعل أهمها في عالقة‬
‫بالنزيل ووضعه الخاص التعليم واملطالعة والتثقيف الديني‪.‬‬
‫تعتبر البرامج الفنية مثل الحفالت التمثيلية وسيلة للتعاون‬
‫والعمل املشترك والتعبير عن الطاقات املختلفة بين النزالء‪ ،‬كما‬
‫أن النجاح الذي يحرزونه يؤدي إلى اإلشباع والراحة النفسية وإزالة‬
‫التوترات‪ ،‬كما يتيح الفرصة للنزالء لكي يستطيعوا االشتراك في‬
‫املناقشات بمرونة ولباقة وحسن تصرف وكل ذلك ينعكس على‬
‫سلوكهم داخل السجن‪.‬‬
‫اقتصر التثقيف في مراحله األولى في املؤسسات العقابية‬
‫على التعليم الديني‪ ،‬لكن وبتأثير األفكار اإلنسانية في السياسة‬
‫‪180‬‬
‫الجزائية‪ ،‬أصبح التعليم من ضمن مناهج تأهيلية ترمي إلى إتاحة‬
‫السبل املشروعة للنزيل في الحياة كي ال ينزلق مرة أخرى إلى هوة‬
‫الفساد والشر‪.‬‬
‫أصبح التعليم يعد الوسيلة املثلى للتقليص من انتشار الظاهرة‬
‫اإلجرامية‪ ،‬بحكم أن وظيفته ال تقف عند مجرد التزويد باملعلومات‪،‬‬
‫وإنما تتجاوز ذلك إلى تنمية وتوسيع املدارك الذهنية للنزيل بما‬
‫ينتج عن ذلك تغيير نمط تفكيره وكيفية نظرته لألشياء وأسلوب‬
‫تصرفه في الحياة‪ .‬حيث يستهدف التعليم إنضاج اإلمكانيات‬
‫الذهنية التي تساهم في تغيير نمط حياة النزيل وتفكيره‪ ،‬وتجعله‬
‫قادرا على املوازنة بين األفعال الضارة واألفعال النافعة‪ ،‬واختيار‬
‫السبيل املالئم لتحقيق ذاته وأداء رسالته التي توجب عليه التمسك‬
‫باألخالق االجتماعية‪.‬‬
‫نصت القاعدة ‪ 104‬من قواعد نيلسون مانديال على أن «تتخذ‬
‫ترتيبات ملواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على االستفادة‬
‫منه‪ .‬ويجب أن يكون تعليم السجناء من األميين واألحداث إلزاميا‪.‬‬
‫ويجعل تعليم السجناء في حدود املستطاع عمليا متناسقا مع‬
‫نظام التعليم العام في البلد‪ ،‬بحيث يكون في مقدورهم بعد إطالق‬
‫سراحهم أن يواصلوا الدراسة دون عناء‪».‬‬
‫ونصت الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪ 19‬من قانون ‪ 2001‬على حق للنزيل‬
‫في متابعة برامج التعليم التي تنظمها إدارة السجن‪.‬‬
‫جعلت هذه النصوص من التعليم حقا للنزيل‪ ،‬مما يجعل‬
‫إمكانية مزاولة النزيل للتعليم فرضية مرتبطة بإرادة النزيل فإن لم‬
‫يشأ التعلم فال يمكن إلزامه بذلك‪ ،‬كما أن هذا الحق في التعليم‬
‫مرتبط باإلدارة السجنية وما توفره من برامج تعليم وفقا إلمكانياتها‬
‫‪181‬‬
‫ولرغباتها‪ ،‬بذلك يكون حق النزيل في التعليم واقعيا مجرد وهم‪.‬‬
‫وطبعا نستثني في هذا اإلطار األميين واألحداث من النزالء الذي‬
‫يعتبر تعليمهم إلزاميا‪ ،‬فال يمكن ال لهؤالء النزالء رفض مزاولته وال‬
‫يمكن لإلدارة السجنية إهماله‪.‬‬
‫يمثل اعتبار التعليم مجرد حق للنزيل وربطه بإمكانيات ومزاج‬
‫اإلدارة السجنية أمرا جد سلبي‪ ،‬ويظهر ذلك بوضوح على املستوى‬
‫العملي‪ ،‬إذ نادرا ما نجد نزالء يزاولون تعليمهم بالسجن‪ ،‬لذلك‬
‫يجب على النقابة العمل على تغيير هذا الواقع السلبي‪ ،‬بأن تكون‬
‫القاعدة العامة إلزام جميع النزالء الغير متحصلين على شهادة‬
‫عليا باستئناف تعليمهم ومزاولته منذ دخولهم السجن بمقت�ضى‬
‫أحكام نهائية باإلدانة‪ ،‬وحتى النزيل الذي حكم بمدة قصيرة ال تكفي‬
‫إلتمام البرنامج الدرا�سي لسنة دراسية وإنجاز الفروض فيتم إلزامه‬
‫بالتعلم داخل السجن ويواصل تعلمه عند إتمام محكوميته بالعالم‬
‫الحر‪.‬‬
‫وبالنسبة للمتهمين الذين يتم إيقافهم على ذمة قضية ويكونون‬
‫مزاولين لتعليمهم باملجتمع الحر‪ ،‬فإنه يجب عدم التسبب في‬
‫حرمانهم من تعليمهم وإعاقة مسيرتهم التعليمية‪ ،‬إذ يجب على‬
‫النقابة الضغط والتعاون مع اإلدارة العقابية وجميع أجهزة الدولة‬
‫من أجل أن يواصل هؤالء النزالء تعليمهم دون أي انقطاع وأن‬
‫يجتازوا فروضهم مثلهم مثل زمالئهم باملؤسسة التربوية‪.‬‬
‫سعيا لتمكين النزيل من حقه وواجبه في التعليم‪ ،‬تتبني املؤسسة‬
‫العقابية نظام التعليم العام املنظم من طرف الدولة‪ ،‬حتى يكون‬
‫في مقدور النزالء بعد إطالق سراحهم مواصلة الدراسة دون عناء‪.‬‬
‫وتحرص النقابة تحقيقا لهذا الغرض على أن يتم إحداث أقسام‬
‫‪182‬‬
‫للتعليم العام باملؤسسة السجنية مجهزة بمستلزمات التعليم‬
‫الضرورية والكتب واألدوات املدرسية‪ ،‬مع ضرورة توفير إطار‬
‫تربوي مختص من معلمين وأساتذة وأساتذة جامعيين يكونون ذوي‬
‫خبرة وكفاءة ويمتهنون التدريس بالقطاع العام‪ ،‬ويجب أن يخضع‬
‫هذا اإلطار التربوي لتكوين خاص على جميع املستويات النفسية‬
‫واالجتماعية والبيداغوجية حتى يتمكنوا من التعامل بشكل جيد‬
‫ومثمر مع هذا الصنف الخاص من التالميذ والطلبة وهذا الفضاء‬
‫الخاص الذي سوف يقدمون فيه الدروس‪.‬‬
‫تعتبر اإلحاطة والعناية النفسية مرتكز أسا�سي لجعل النزيل‬
‫يقبل على تنفيذ التزامه بالتعلم بروح منشرحة ومعنويات مرتفعة‪،‬‬
‫فتحصل عندها الفائدة من وراء تعليمه‪ ،‬لذلك يجب على النقابة‬
‫العمل مع اإلدارة السجنية على هذا الجانب النف�سي واالستعانة‬
‫بذوي االختصاص إلقناع النزيل بأهمية التعليم‪ ،‬كذلك على النقابة‬
‫املطالبة والضغط من أجل تقديم مكافئات مالية وغير مالية قيمة‬
‫في محاولة لتشجيع النزالء وحثهم على متابعة الدروس‪.‬‬
‫يحتاج النزيل املزاول لتعليمه في عدة حاالت الحصول على‬
‫مراجع مختلفة وعلى كتب الدعم‪ ،‬ويحتاج كذلك إجراء بحوث على‬
‫شبكة اإلنترنيت‪ ،‬لذلك يجب على النقابة في إطار سعيها لتهيئة الجو‬
‫املناسب للنزالء الذين يستكملون تعليمهم داخل السجن‪ ،‬التعاون‬
‫والضغط على كل الجهات املتداخلة من أجل ضمان توفير هذه‬
‫املراجع والكتب لطالبها في أقصر أجل ممكن‪ .‬وفيما يتعلق بالبحث‬
‫على اإلنترنت‪ ،‬فيجب العمل على توفير قاعة خاصة بالسجن‬
‫مجهزة بالحواسيب املتصلة بالشبكة العنكبوتية‪ ،‬وتكون مخصصة‬
‫للعديد من األغراض املتصلة بالنزالء ومنها البحث‪ ،‬حيث يسمح‬
‫‪183‬‬
‫للنزيل املتحصل على موافقة اإلطار التربوي وبعد إعالم اإلدارة‬
‫السجنية‪ ،‬بالقيام ببحثه بواسطة أو تحت رقابة عون مختص تابع‬
‫إلدارة السجن‪ ،‬وهكذا يتم تفادي دفع اإلدارة بهاجسها األمني‪.‬‬
‫قد يحتاج النزيل املزاول لتعليمه إلى التنقل ملكان معين خارج‬
‫السجن إلجراء بحث أو دراسة أو أي أمر من متطلبات دراسته‪ ،‬من‬
‫ذلك مثال حاجته ملخطوط متواجد باملكتبة الوطنية‪ ،‬وال يمكن بأي‬
‫حال جلب مراده إليه إلى السجن‪ ،‬إضافة إلى اكتساء حاجة التنقل‬
‫طابع الضرورة العلمية امللحة‪ .‬يجب بعد موافقة اإلطار التربوي‪،‬‬
‫أن يمكن هذا النزيل من رخصة خروج إلنجاز مراده وذلك طبعا‬
‫بتوفر شروط محددة ومضبوطة في شخصه‪ ،‬أهمها أن ال يخ�شى‬
‫هروبه‪ ،‬ويصاحبه في مهمته موظف من اإلدارة العقابية إضافة إلى‬
‫االستعانة بتقنية السوار اإللكتروني‪.‬‬
‫ال يقف دور النقابة عند املطالبة والضغط من أجل تكريس‬
‫وتطبيق مثل هذه الرخصة‪ ،‬بل عليها أيضا العمل على تمكين فئة‬
‫من النزالء من مزاولة تعليمهم باملؤسسات العمومية خارج السجن‪،‬‬
‫فال �شيء يمنع السماح بذلك لنزيل يؤكد ملفه انتفاء خطورته‬
‫وسالمة سلوكه وانعدام خطر هروبه أو ارتكابه لجريمة أخرى‬
‫أثناء تواجده خارج الفضاء السجني‪ .‬فهذه الفئة من النزالء يتم‬
‫تصنيفهم على أنهم نزالء بسجن مفتوح‪ ،‬حيث يسمح لهم بمغادرة‬
‫السجن والتنقل ملزاولة تعليمهم باملؤسسات العمومية املرسمين بها‬
‫ثم يعودون عند إتمام ذلك إلى السجن‪ ،‬ويتم تحديد وقت املغادرة‬
‫والعودة بناء على جدول أوقات الزمن الدرا�سي الخاص بالنزيل‪،‬‬
‫مع األخذ بعين االعتبار الوقت الالزم لقطع املسافة بين السجن‬
‫واملؤسسة التربوية‪ .‬ويمكن اعتماد تقنية السوار اإللكتروني في‬
‫‪184‬‬
‫هذه الحالة‪ ،‬إضافة إلى إمكانية اعتماد تقنية الضامن الشخ�صي‬
‫املكرسة في القوانين املقارنة‪ .‬وتتمثل هذه التقنية في قيام شخص‬
‫من العالم الحر‪ ،‬والذي يكون عادة أحد أفراد أسرة النزيل‪ ،‬بضمان‬
‫عدوة النزيل للسجن في الوقت املقرر واحترامه لكل شروط الخروج‬
‫املؤقت‪ ،‬وينتج عن إخالل النزيل بتلك الشروط أو عدم عودته في‬
‫الوقت املحدد عقوبة جزائية تسلط على الضامن‪ ،‬وهكذا يمثل‬
‫هذا الضمان حاجزا معنويا هاما أمام إخالل النزيل ببنود خروجه‬
‫املؤقت‪.‬‬
‫عموما تبقى مسألة السجون املفتوحة بصفة عامة من املسائل‬
‫الحارقة والضرورية التي يجب على النقابة العمل على تكريسها في‬
‫تونس‪ ،‬خصوصا وأن دورها اإليجابي في تأهيل النزيل ثابت‪ ،‬ومنافعها‬
‫تتجاوز النزيل لتشمل عائلته واملؤسسة العقابية واملجتمع بأسره‪،‬‬
‫وهذا ما تم مالحظته باألنظمة العقابية املقارنة التي اعتمدت مثل‬
‫هذه السجون‪.‬‬
‫يشكل التعليم حافزا لعودة النزيل للطريق السوي عند مغادرته‬
‫السجن‪ ،‬ويشكل طريقة فعالة للنهوض باملستوى الثقافي والفكري‬
‫واألخالقي للنزيل ولصد غزو الثقافة السجنية‪ ،‬كما ينمي التعليم‬
‫الهوايات املختلفة عند النزالء ولعل من أبرزها املطالعة‪ ،‬وبذلك‬
‫يمضون جزءا من وقتهم في املطالعة بشكل مثمر مما يخلق الحافز‬
‫لديهم للتقيد بالقوانين واألنظمة والتعود على حسن السلوك‬
‫والسيرة‪.‬‬
‫ال تهم املطالعة فقط النزيل املزاول لتعليمه بل تهم جميع نزالء‬
‫املؤسسة السجنية‪ ،‬وقد أكد الفصل ‪ 19‬من قانون ‪ 2001‬على حق‬

‫‪185‬‬
‫النزيل في الحصول على كتب املطالعة واملجالت والصحف اليومية‬
‫عن طريق إدارة السجن وفقا للتراتيب الجاري بها العمل‪.‬‬
‫تبدو عبارات هذا الفصل واضحة وجلية‪ ،‬فهي ال تسمح للنزيل‬
‫سوى مطالعة الكتب املوجودة داخل مكتبة السجن‪ ،‬وهذا أمر‬
‫منتقد خصوصا وأنه عمليا ال تحتوي املكتبة املوجودة بالسجن‬
‫على عدد وافر وأصناف كافية من الكتب يمكن أن تلبي رغبات كل‬
‫النزالء‪ ،‬وال يمكن للنزيل الذي يريد مطالعة كتاب معين غير متوفر‬
‫باملكتبة الحصول عليه‪ ،‬حيث ال يمكنه ال أن يطلب من اإلدارة‬
‫جلبه وال يمكنه أيضا تلقيه من الخارج‪.‬‬
‫أكدت القاعدة ‪ 64‬من قواعد نيلسون مانديال على أن «يزود كل‬
‫سجن بمكتبة مخصصة ملختلف فئات السجناء تضم قدرا وافيا‬
‫من الكتب الترفيهية والتثقيفية على السواء‪ .‬ويشجع السجناء على‬
‫اإلفادة منها إلى أبعد حد ممكن‪».‬‬
‫ال يجب االكتفاء بوجود مكتبة بكل مؤسسة سجنية‪ ،‬بل يجب‬
‫أن تكون هذه املكتبة مخصصة فعال ملختلف فئات النزالء بما‬
‫يعني احتواءها على كتب ومؤلفات موجهة لكل املستويات الفكرية‬
‫والثقافية‪ ،‬حيث مثلما يجد النزيل البسيط ضمنها كتابا يقرئه يجد‬
‫كذلك النزيل الجد مثقف مراده‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يجب على النقابة‬
‫العمل والضغط من أجل احتواء كل مكتبة سجنية على أكبر‬
‫عدد ممكن من الكتب واملؤلفات التونسية واألجنبية‪ ،‬والقديمة‬
‫والحديثة‪ ،‬ما عدى املؤلفات الصفراء وكذلك تلك التي تمثل خطرا‬
‫على سالمة املجتمع وهي أساسا الكتب الدينية الداعية للقتل‬
‫والناشرة للفكر الوهابي والداع�شي‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫تعتمد النقابة من أجل توفير مثل هذه املكتبة جميع الطرق‬
‫املمكنة‪ ،‬ومن بينها أساسا دعوة جميع املتدخلين في مجال املؤلفات‬
‫لضرورة املساهمة في توفير املادة للمكتبات السجنية‪ ،‬وخاصة دور‬
‫النشر والتوزيع ووزارة الثقافة‪ ،‬إضافة لقيام النقابة بحمل اإلدارة‬
‫العقابية على تحمل مسؤولياتها في هذا املجال‪.‬‬
‫يجب كذلك السماح للنزالء بتقبل املؤلفات بجميع أصنافها من‬
‫خارج السجن مادامت ال تندرج ضمن الصنفين السابق اإلشارة‬
‫إليهما‪ ،‬ويجب أن تعمل النقابة بالتعاون مع اإلدارة العقابية‬
‫على توفير أي مؤلف يريده نزيل إذا كان هذا املؤلف غير متوفر‬
‫باملكتبة‪.‬‬
‫لم تعد املؤلفات في عصرنا هذا فقط ورقية‪ ،‬إذ هناك اليوم طفرة‬
‫على مستوى املؤلفات الرقمية حيث أن عدد هذه املؤلفات يفوق‬
‫الخيال‪ ،‬وحتى املؤلفات الورقية تتم اليوم رقمنتها‪ ،‬لذلك يجب على‬
‫النقابة العمل والضغط من أجل توفير مكتبة للمؤلفات الرقمية‬
‫بكل سجن‪ ،‬ويتم تزويد هذه املكتبة بشكل متواصل باملؤلفات التي‬
‫يتم تنزيلها من الشبكة العنكبوتية من قبل أخصائيين تابعين لإلدارة‬
‫العقابية‪ .‬ويتم فهرسة هذه املكتبة شأنها شأن مكتبة املؤلفات‬
‫الورقية بشكل محترف من قبل أخصائيين حتى تكون عملية البحث‬
‫واألخذ واإلرجاع التي يقوم بها النزيل املطالع سلسة‪ ،‬مع اإلشارة إلى‬
‫أنه من الضروري أن يكون املوظفون الساهرون على هذه املكتبات‬
‫من أصحاب االختصاص والخبرة‪.‬‬
‫ال تعتبر املكتبة مجرد مكان توضع فيه املؤلفات‪ ،‬وليست مجرد‬
‫مخزن نستعير منه الكتب ونعيدها‪ ،‬بل املكتبة باألساس فضاء‬
‫للمطالعة‪ ،‬وعندما نقول ذلك فإننا نؤكد على وجوب أن تتوفر‬
‫‪187‬‬
‫فيه كل مستلزمات الهدوء والتركيز للشخص الذي يريد املطالعة‪،‬‬
‫شأن ذلك شأن املكتبات بالعالم الحر‪ ،‬وهذا أمر يتطلب حرصا‬
‫من النقابة على تحقيقه‪ ،‬حيث أن على اإلدارة السجنية احترام‬
‫تلك الشروط عند تخصيص مكان ليكون مكتبة للنزالء‪ ،‬وفرض‬
‫احترامها على الجميع‪ ،‬وطبعا يجب أن يكون هذا املكان باالتساع‬
‫الكافي إلستعاب النزالء الراغبين في املطالعة‪.‬‬
‫من املعلوم أن املطالعة فقدت مكانتها الريادية في العالم‪ ،‬وأن‬
‫اإلنسان بصفة عامة وتحت وطئة التطور التكنولوجي واملعلوماتي‬
‫لم يعد له نفس الشغف بمطالعة الكتب‪ ،‬أضف إلى ذلك أن‬
‫مجتمعنا معروف بكونه مجتمع في غالبه ينفر املطالعة‪ ،‬فما بالك‬
‫بنزالء املؤسسات السجنية‪ ،‬لذلك يجب على النقابة توعية النزالء‬
‫بأهمية املطالعة وحثهم عليها‪ ،‬ودعوة إدارة السجن إلى ضرورة إتباع‬
‫طرق تحفز النزالء على املطالعة كتنظيم مسابقات في مجال كتابة‬
‫القصة ونظم الشعر وحفظ الشعر وغير ذلك‪ ،‬سواء بين نزالء نفس‬
‫املنشأة العقابية أو بين محكوم عليهم ينتمون إلى مؤسسات عقابية‬
‫مختلفة مع إسناد جوائز للفائزين منهم‪ .‬وكذلك تحفيز النزالء من‬
‫خالل تنظيم حلقات ثقافية وحلقات نقاش حول كتاب أو موضوع‬
‫معين ومنح امتيازات للمشاركين في هذه الحلقات‪.‬‬
‫فيما يتعلق بمسألة الصحف واملجالت‪ ،‬تعمل النقابة على جعل‬
‫اإلدارة السجنية توفر العدد الكافي منها للنزالء الراغبين في قراءتها‪،‬‬
‫وتقوم النقابة بالتعاون مع اإلدارة بتنظيم تداولها بينهم‪ ،‬مع توعية‬
‫كل قارئ على ضرورة املحافظة عليها وتسليمها في الوقت املحدد أو‬
‫بمجرد إتمام قراءة ما يهمه منها إلى غيره من الراغبين في قراءتها‪ ،‬ومن‬

‫‪188‬‬
‫املحبذ في هذا املجال تخصيص ركن في املكتبة يخصص لتصفح‬
‫وقراءة هذه املجالت والصحف‪.‬‬
‫وال نن�سى طبعا الصحف واملجالت االلكترونية والتي شأنها شأن‬
‫مواقع األخبار االلكترونية‪ ،‬يجب تمتيع النزيل الراغب بحق االطالع‬
‫والولوج إليها‪ ،‬ويكون ذلك انطالقا من القاعة الخاصة املجهزة‬
‫بالحواسيب املتصلة بالشبكة العنكبوتية والتي سبق أن تحدثنا‬
‫عنها‪ ،‬ويتم هذا االطالع والتصفح بواسطة أو تحت رقابة موظف‬
‫مختص من موظفي اإلدارة السجنية‪.‬‬
‫لقد سبق وأن أشرنا إلى كون من ضمن املؤلفات املمنوع وجودها‬
‫بالسجن تلك الكتب الدينية ذات التوجه الوهابي الداع�شي‪ ،‬وهذا‬
‫ال يعني مطلقا منع جميع الكتب الدينية‪ ،‬إذ أن أي مؤلف ديني مهما‬
‫كان الدين الذي يتحدث عنه مسموح به إذا لم يكن يحرض ويدعو‬
‫لقتل الناس وهدم أصول املدنية‪ .‬حيث أن املؤلفات الدينية متى‬
‫كانت مناهجها سليمة وإنسانية‪ ،‬فهي تمثل وسيلة ملعاونة النزيل‬
‫في تنمية االتجاهات الخلقية والعادات السليمة‪ ،‬ليتسنى له حسن‬
‫التكيف داخل املؤسسة ثم املجتمع عقب اإلفراج عنه‪ ،‬خصوصا‬
‫وإن كان هذا النزيل إنسانا متدينا أو ذو نزعة دينية مهيمنة أو من‬
‫األشخاص الذين تؤثر فيهم التعاليم الدينية‪.‬‬
‫يستند الدين إلى تقاليد عريقة‪ ،‬وهو ذو سيطرة كبيرة على نفوس‬
‫أغلب التونسيين‪ ،‬كذلك يشكل الدين مصدرا لقيم وأفكار عديدة‬
‫سائدة لدى أغلب املجتمعات‪ ،‬ونجد في هذا اإلطار أن جميع النظم‬
‫العقابية أقرت بحق النزيل في الحياة والتثقيف الديني‪ ،‬وقد نصت‬
‫القاعدة ‪ 42‬من القواعد الدنيا ملعاملة املساجين على حق النزيل‬
‫في ممارسة فروض حياته الدينية وحيازة كتب الشعائر والتربية‬
‫‪189‬‬
‫الدينية‪ ،‬كما تضمنت القاعدة ‪ 41‬التنصيص على حق النزيل في‬
‫االتصال برجال ديانته‪.‬‬
‫يشهد واقع السجون التونسية من حيث الحياة والتثقيف‬
‫الديني‪ ،‬تمييزا غير مبرر للدين اإلسالمي السني على حساب جميع‬
‫األديان األخرى‪ ،‬فالنزالء املتدينون املنتمون لذلك الدين توفر لهم‬
‫اإلدارة نسبيا الكتب الدينية الخاصة بهم ويقيمون شعائرهم الدينية‬
‫بكل حرية‪ ،‬ويمكن ألي نزيل منهم مقابلة واعظ ديني بعد حصوله‬
‫على رخصة من مؤسسة السجون واإلصالح وذلك في مكتب معد‬
‫للغرض بمحضر أحد أعوان السجن‪ ،‬وغير ذلك من األمور العملية‬
‫املسهلة لحياتهم الدينية‪.‬‬
‫إال أن الوضع مختلف تماما فيما يتعلق باألديان األخرى‪ ،‬حيث‬
‫ال نجد تعامال مماثال مع أصحابها‪ ،‬بل بالعكس نجد أي نزيل يدين‬
‫بدين مختلف عن اإلسالم السني ال يجهر بذلك وال يمارس حياته‬
‫الدينية ويبقي األمر سرا في داخله‪ ،‬بل ويتظاهر بانتمائه لإلسالم‬
‫السني خوفا من بطش النزالء واإلدارة العقابية‪ ،‬وهو نفس الوضع‬
‫الذي نجد عليه النزيل الالديني‪.‬‬
‫تعتبر هذه األمور جد سلبية والإنسانية ومتضاربة مع حق النزيل‬
‫في اإلقامة في ظروف إنسانية‪ ،‬خصوصا وأننا في دولة يقر دستورها‬
‫حرية الضمير‪ ،‬لذلك وجب على النقابة العمل والضغط من أجل‬
‫تكريس معاملة متساومة بين جميع الديانات على مستوى حق‬
‫النزيل في الحياة والتثقيف الديني‪ ،‬ويجب االستعانة بإطار مختص‬
‫لغرس روح التعايش والتآخي واملواطنة بين الجميع‪.‬‬
‫تتنوع وتتعدد امليادين املتفرعة عن الحياة الثقافية للنزيل‪،‬‬
‫وإن كان أهمها التعليم واملطالعة والدين‪ ،‬فإنه ال يجب تهميش أي‬
‫‪190‬‬
‫مكون من مكونات الحياة الثقافية للنزيل مهما كان جانبيا‪ ،‬ويجب‬
‫على النقابة بذل كل جهدها والضغط والتعاون مع اإلدارة العقابية‬
‫لإلملام بالحياة الثقافية لكل نزيل وإلنجاح عملية التثقيف داخل‬
‫الفضاء السجني‪.‬‬
‫يجب إلنجاح عملية التثقيفأن تكون هذه العملية معتمدة على‬
‫إقناع النزيل بجدواها حتى يتجاوب معها ضمن مناخ نفساني مالئم‪،‬‬
‫لذلك من املحبذ تنظيم حلقات نقاش حول املواضيع الثقافية‪ ،‬يتم‬
‫خاللها تشجيع النزيل على إبداء رأيه فيها وتحليلها وانتقادها حتى‬
‫يتم تقييم جدوى هذه املواضيع لدى النزالء‪ .‬ويجب أن يتم اختيار‬
‫املواد الثقافية بصورة تتالءم مع واقع الحياة‪ ،‬وأن تكون ذات فائدة‬
‫عملية للنزيل الذي يشترك في انتقائها قدر املستطاع‪ ،‬مع ضرورة‬
‫أن يتم تكييف العملية حسب مستوى النزيل وذلك حتى يشعر أن‬
‫البرنامج الثقافي يلبي حاجاته الشخصية‪.‬‬
‫يجب إلنجاح عملية التثقيف كذلك أن تبتعد العملية عن‬
‫األساليب التثقيفية القديمة وتعتمد الطرق والتقنيات الحديثة‬
‫التي تقرب الرسالة الثقافية إلى ذهن املحكوم عليه‪ ،‬ويجب أن يكون‬
‫الطاقم املشرف على العملية مدربا تدريبا عاليا في فن االتصال‬
‫اإلنساني ومتخصصا في التعامل مع النزالء‪ ،‬ألن التعامل مع هذه‬
‫الفئة يتطلب حنكة وخبرة سيما الراشدون منهم بحكم أن الراشد‬
‫عادة ما يعتبر أن مفاهيمه قد اكتملت فيقيم الحواجز أمام ما يطرأ‬
‫عليه من معطيات ثقافية‪.‬‬
‫ال يقف دور العمل النقابي فيما يتعلق بتنظيم وتحقيق ظروف‬
‫إقامة إنسانية لنزيل املؤسسة السجنية عند هذا املجال املرتبط‬
‫باالعتناء بالظروف املعنوية لهذه اإلقامة‪ ،‬والذي ينضاف للدور‬
‫‪191‬‬
‫الذي تلعبه النقابة على مستوى االعتناء بالظروف املوضوعية لهذه‬
‫اإلقامة‪ ،‬بل يشمل أيضا تنظيم تواصل النزيل مع العالم الخارجي‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تنظيم تواصل النزيل مع العالم الخارجي‬
‫يتم إبعاد النزيل عن املجتمع ألن أفعاله غير مقبولة من الجماعة‬
‫ومجرمة قانونا‪ ،‬إال أن غالبية النزالء يعودون مرة ثانية لهذا املجتمع‬
‫إن آجال أو عاجال‪ ،‬ومن هذا املنطلق ظهرت أهمية رعايتهم خالل‬
‫هذه الفترة لتأهيلهم وتهيئتهم لنموذج من السلوك يعتمد على احترام‬
‫القانون وكفالة الذات عقب اإلفراج‪ .‬وفي هذا اإلطار يتم التأكيد‬
‫على وجوبية عدم فصل النزيل عن محيطه وإبقاء الصلة قائمة بينه‬
‫وبين مجتمع خارج السجن‪ ،‬انسجاما مع سياسة التأهيل الحديثة‬
‫التي تستلزم مثل هذه العالقة‪ ،‬والتي تتناقض مع املفهوم التقليدي‬
‫القائم على أساس عزل املجرم عن الجماعة حتى ال يصيبها الفساد‬
‫وتستشري فيها أمراض االنحراف‪.‬‬
‫يؤدي السجن في كثير من الحاالت إلى إحداث انهيار الروابط‬
‫األسرية للنزيل‪ ،‬وهذا يشكل تهديدا للغاية العقابية القائمة أساسا‬
‫على التأهيل إلعادة اإلدماج‪ ،‬فتجربة السجن يجب أال تؤدي إلى‬
‫عزل الشخص عن عائلته‪ ،‬لذلك إذا كان الرجال والنساء قادرين‬
‫أثناء وجودهم في السجن على الحفاظ على الروابط مع عائالتهم‪،‬‬
‫فإنه سيتم الحد من اآلثار الضارة للسجن وعلى األرجح تسهيل‬
‫إعادة إدماجهم في املجتمع بعد اإلفراج عنهم من خالل ما لألسرة‬
‫من دور في تحقيق تأهيل النزيل‪.‬‬
‫ال يتعارض مبدأ سرية السجون مع وجوب إحداث تواصل النزيل‬
‫اإلنسان مع محيطه الخارجي‪ ،‬ويستجيب هذا التواصل للفكرة‬
‫‪192‬‬
‫القائلة بأن املحكوم عليه يحافظ على انتمائه للمجتمع‪ ،‬ونحن إذ‬
‫نقصيه من املجتمع بإيداعه املؤسسة السجنية فإن هذا اإلقصاء‬
‫يكون ظرفيا‪ .‬فبقاء النزيل معزوال ضمن نطاق الحياة املصطنعة‬
‫داخل السجن يفقده قابليته االجتماعية‪ ،‬ويجعله غير قادر على‬
‫االنصهار في املجتمع الحر بعد إنهاء عقوبته‪ ،‬وهذا ما يشجع على‬
‫العود وامتهان اإلجرام‪ ،‬مما يتعارض مع الهدف األسا�سي الذي‬
‫ينشده املجتمع من العقوبة السجنية‪.‬‬
‫كرست السياسة العقابية الحديثة حق النزيل في التواصل‬
‫مع العالم الخارجي‪ ،‬حيث أن النزيل أصبح يتمتع بحق التواصل‬
‫مع عائلته ومع املجتمع ومع أجهزة الدولة‪ ،‬ويعتبر هذا التواصل‬
‫بمختلف أوجهه جد هام ليس للنزيل اإلنسان فقط بل كذلك ألفراد‬
‫عائلته وللمؤسسة العقابية وللمجتمع بصفة عامة‪ ،‬ويتطلب هذا‬
‫التواصل من أجل تحقيق الفاعلية واإليجابية املطلوبة التزام اإلدارة‬
‫العقابية بنواميسه اإلنسانية وتوجه إرادتها فعال نحو إنجاحه‬
‫واقعا‪ ،‬لذلك تتدخل النقابة في هذا املستوى من أجل العمل على‬
‫حسن تنظيم هذا التواصل‪.‬‬
‫أ‪ -‬تواصل النزيل مع أسرته‬
‫تملك األسرة طاقات كبيرة وقوة مؤثرة تساعد على إصالح النزيل‬
‫وإعادة توازنه النف�سي واالجتماعي‪ ،‬عن طريق إعادة الثقة بالنفس‬
‫وتغيير الشخصية التي ال تتغير تحت الضغط واإلرهاب‪ ،‬ولكن‬
‫تتغير بدافع ذاتي ينمو عند النزيل عندما يحس ويشعر أن هناك‬
‫من يهتم به ويرعاه ويبذل كل ما في إمكانه من طاقة وجهد في سبيل‬
‫تغييره وإصالحه‪،‬‬
‫‪193‬‬
‫توفر العائلة الحب للنزيل اإلنسان‪ ،‬حب يسبغ السلوك‬
‫والتفكير بصبغة عاطفية وتصاحبه حاالت انفعالية خاصة‬
‫من عطف وحنان تمتزج فيها دوافع الحياة العميقة بالعواطف‬
‫والحركات املعنوية اللطيفة‪ ،‬مما يدعم االستعداد النف�سي للنزيل‬
‫لتقبل برنامج التأهيل‪ ،‬لذلك أصبحت السياسة العقابية الحديثة‬
‫تراهن بجدية على الروابط األسرية للنزيل وتضعها ركيزة ووسيلة‬
‫إلنجاح عملية التأهيل‪.‬‬
‫تذهب السياسة العقابية اليوم إلى اإلقرار بحق النزيل في تلقي‬
‫الزيارات‪ ،‬نظرا لفائدتها الكبيرة في تدعيم شعوره باالنتماء إلى‬
‫املجموعة وفي تسهيل عملية تأهيله‪ ،‬فللزيارة العائلية مكانة خاصة‬
‫وفائدة عظمى في نفوس النزالء‪ ،‬وذلك للحفاظ على صلة القرابة‬
‫والتواصل واالطمئنان األسروي‪ ،‬كما يتم تسهيل إعادة إدماجهم في‬
‫الوسط املجتمعي في حالة اإلفراج‪.‬‬
‫لئن كانت الزيارة تهدف تخفيف آالم النزيل وجعله ين�سى لبعض‬
‫الوقت السجن وظلماته‪ ،‬فإنها أيضا ضرورية لحمايته ضد املؤسسة‬
‫السجنية‪ ،‬فتكرار الزيارات هو منع للنزيل من الغوص بشدة في‬
‫التنشئة االجتماعية للسجن‪،‬ومواجهة لآلثار املزيلة للشخصية‬
‫واملقصية من الواقع لهذه املؤسسة‪ ،‬من خالل دعم هوية النزيل‬
‫باعتبار األسرة هي مكان إنتاج ومحافظة أو إعادة بناء الهوية‪،‬‬
‫فاألسرة في هذا املستوى ليست إال مؤسسة أو مساحة من العالقات‬
‫العاطفية والشخصية األساسية لبناء الهوية الفردية‪.‬‬
‫تنص الصكوك الدولية بوضوح على أن االتصال باألسرة هو حق‬
‫من الحقوق وليس ميزة يتعين على النزيل اكتسابها‪ ،‬وبذلك لم يعد‬
‫النقاش مطروحا نظريا حول أحقية النزيل بالتواصل مع أسرته‪ ،‬إال‬
‫‪194‬‬
‫أنه عمليا تشوب هذا التواصل العديد من الحدود والقيود الغير‬
‫مبررة والتي يجب العمل على تجاوزها‪ ،‬شأنها شأن بعض القيود‬
‫القانونية التي ال مبررة لها سوى غياب اإلرادة التشريعية واإلدارية‬
‫والعقابية الهادفة فعال لتأهيل النزيل‪.‬‬
‫يتدخل في هذا املستوى العمل النقابي من أجل العمل على‬
‫تدارك هذه السلبيات وضمان وحسن تنظيم مختلف أوجه تواصل‬
‫النزيل مع أسرته‪ ،‬وتتنوع طرق التواصل بين النزيل وأسرته‪ ،‬ونجد‬
‫من أهمها الزيارة واملراسلة واملهاتفة ووسائل االتصال اإللكتروني‪.‬‬
‫تمثل الزيارات املنتظمة وسيلة هامة إلقامة االتصال بين النزيل‬
‫وأسرته‪ ،‬وقد أكد املشرع على حق النزيل في الحفاظ على روابطه‬
‫العائلية صلب الفصل ‪ 18‬من قانون ‪ 2001‬الذي جاء فيه “للسجين‬
‫الحق في الحفاظ على الروابط العائلية واالجتماعية”‪ ،‬ألن في بقاء‬
‫الصلة الدائمة بينه وبين عائلته عن طريق الزيارات يشعر النزيل‬
‫باالستقرار النف�سي وبالتواصل مع العالم الخارجي‪.‬‬
‫يتفق جميع املهتمين واملتداخلين بالشأن السجني على أن توزيع‬
‫النزالء على املؤسسات العقابية ال يراعي مسألة الزيارة‪ ،‬حيث‬
‫في العديد من الحاالت يحول هذا التوزيع دون تواصل الصلة‬
‫بين النزيل وعائلته ويؤدي كثيرا إلى انقطاعها‪ ،‬وذلك بسبب إيداع‬
‫املحكوم عليه بمؤسسة عقابية تفصلها مسافة كبيرة عن الجهة‬
‫التي ينتمي إليها‪ ،‬فيتعذر على أفراد عائلته زيارته بصفة منتظمة‬
‫وحتى الوصول إلى قطع الزيارات عنه نظرا لبعد املسافة ولغالء‬
‫مصاريف التنقل‪ ،‬خاصة وأن معظم عائالت النزالء تشكو ضائقة‬
‫مالية‪ .‬ومن ذلك أن يتم إيواء نزيل في سجن قفصة بينما هو يقطن‬
‫وعائلته بوالية بنزرت‪...‬‬
‫‪195‬‬
‫ال يمتاز هذا النوع من اإليداع بالشذوذ أو األقلية‪ ،‬بل إنه موجود‬
‫بكثرة بسجوننا‪ ،‬وهو وضع مخالف تماما ملقاصد العقوبة السجنية‬
‫ومعرقل لغايتها التأهيلية وفيه مس بحق النزيل في التواصل مع‬
‫أسرته‪ ،‬لذلك وجب على النقابة التدخل لوضع حد لهذا الوضع‬
‫السلبي الذي أصبح ميزة لإليداع بمؤسساتنا السجنية‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫من خالل العمل والضغط على اإلدارة العامة للسجون واإلصالح‬
‫لكي يقع إيداع املحكوم عليه في منشأة عقابية قريبة من منطقة التي‬
‫يقطنها أفراد عائلته حفاظا على جسور التواصل بينه وبينهم وحتى‬
‫ال ينتابه الشعور بالحيرة والقلق املستمرين مما قد يؤثر على نجاح‬
‫برنامجه اإلصالحي‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل ال على إيداع املحكوم عليه بأقرب‬
‫مؤسسة سجنية ملقر سكنى أسرته النووية فقط‪ ،‬بل عليها كذلك‬
‫العمل على عدم نقلته من تلك املؤسسة لحدود تمام محكوميته‪،‬‬
‫وبذلك ال مجال للنقلة التأديبية وألي نقلة مرتبطة بأسباب تعود‬
‫لإلدارة العقابية‪ ،‬وال يسمح بالنقلة إال في حالة واحدة وهي إذا غيرت‬
‫عائلة النزيل مقر سكناها وكانت هناك مؤسسة سجنية أخرى‬
‫أقرب ملقرهم الجديد من التي أودع بها بدءا النزيل‪ ،‬فعندها تتم‬
‫نقلته لتلك املؤسسة‪.‬‬
‫حدد املشرع حصرا قائمة األقارب الذين يمكن لهم الحصول‬
‫على رخصة لزيارة النزيل وذلك صلب الفصل ‪ 33‬من قانون ‪،2001‬‬
‫وهي قائمة ال تضم إال القرين واألصول والفروع واألعمام واألخوال‬
‫والولي الشرعي واألصهار من الدرجة األولى‪ ،‬وتعتبر هذه القائمة‬
‫منقوصة وال تضم فعال جميع مكونات العائلة‪ ،‬حيث أقصت‬
‫العديد من األقارب الذين يمكن أن تكون عالقتهم جد ممتازة مع‬
‫‪196‬‬
‫النزيل ويرغبون في زيارته كما النزيل يرغب في ذلك‪ ،‬ويمكن أن نذكر‬
‫من بينهم أبناء العمومة وأبناء األخوال واألصهار من الدرجة الثانية‬
‫وغيرهم من األقارب‪ .‬وجب هنا على النقابة التدخل والعمل على‬
‫إصالح الوضع ورفع هذا التحديد لألقارب بغاية تمكين النزيل فعال‬
‫من التواصل مع كل أفراد عائلته‪ ،‬ويكون من األفضل أن يسمح‬
‫ألي شخص له صلة قرابة أو مصاهرة مهما كانت قريبة أو بعيدة‬
‫بالتقدم للحصول على ترخيص لزيارة النزيل‪.‬‬
‫تعتبر رخصة الزيارة تأشيرة الدخول إلى املؤسسة السجنية‬
‫وبدونها ال يمكن ألقارب النزيل زيارته‪ ،‬وتسلم هذه الرخصة حسب‬
‫الفصلين ‪ 31‬و ‪ 32‬من قانون ‪ 2001‬من السلط القضائية ذات‬
‫النظر أو من إدارة السجون واإلصالح وذلك حسب الوضعية‬
‫القانونية للنزيل‪ ،‬وتكون هذه الرخصة صالحة ملرة واحدة أو ألكثر‬
‫أو مستمرة‪ .‬يالحظ تنوع مصادر وأنواع رخصة الزيارة‪ ،‬وهو أمر‬
‫سلبي سواء بالنسبة للسلطة أو للقريب‪ ،‬حيث أن السلطة وخاصة‬
‫القضائية تجد نفسها مثقلة بعمل كان باإلمكان عدم تشريكها‬
‫فيه‪ ،‬والقريب إضافة لخرق املساواة بين أقارب النزالء على مستوى‬
‫نوع الزيارة‪ ،‬يجد نفسه إذا لم يتحصل على رخصة زيارة مستمرة‬
‫مضطرا إلعادة املطلب واإلجراءات في كل مرة‪.‬‬
‫يكون من األنسب توحيد مصدر ونوع رخصة الزيارة‪ ،‬وما‬
‫على النقابة في هذا املجال إال العمل والضغط من أجل التكريس‬
‫القانوني والواقعي للجنة خاصة صلب كل مؤسسة سجنية تنظر في‬
‫مطالب رخص زيارة نزالءها‪ ،‬وتسند للقريب املتحصل على املوافقة‬
‫رخصة زيارة مستمرة مع إمكانية تعليقها أو سحبها من قبل نفس‬
‫اللجنة إذا ارتكب صاحبها ما يبرر ذلك‪ .‬ويعتبر تمثيل النقابة داخل‬
‫‪197‬‬
‫هذه اللجنة أفضل ضمان ملصالح النزيل وأقاربه‪ ،‬حيث أنها ستكون‬
‫مشاركة في القرارات وعاملة ومناقشة ألسباب رفض املطلب وأسباب‬
‫تعليق وسحب الرخصة ومدى جديتها‪ ،‬وهكذا يمكن للنقابة إذا ما‬
‫كان هناك تجاوز أو سهو أو تعسف أن تتدخل وتقدم اعتراضا‬
‫على قرار اللجنة أمام الجهة املختصة‪ ،‬والتي من املحبذ أن تكون‬
‫قا�ضي تنفيذ العقوبات باعتبار صفته القضائية ومكانته وقربه من‬
‫أطراف وموضوع النزاع‪ ،‬ويكون قراره في النزاع ملزما ونهائيا وباتا‪ .‬وال‬
‫يقف حق االعتراض على النقابة‪ ،‬بل يمكن كذلك للنزيل أو للقريب‬
‫الرافض لقرار اللجنة االعتراض بصفة فردية أمام قا�ضي التنفيذ‬
‫حتى ولو كانت النقابة مساهمة وقابلة بالقرار‪.‬‬
‫يعتبر تلقي النزيل لزيارة أفراد عائلته أبرز وأهم وجه من وجوه‬
‫تواصله مع أسرته ومع العالم الخارجي بصفة عامة‪ ،‬لذلك وجب‬
‫تسهيل وتبسيط إجراءات هذه الزيارة وتوفير كل الظروف الداعمة‬
‫واملشجعة على حدوثها وتكرارها وتتاليها‪ ،‬وال يجب حرمان النزيل‬
‫منها إال ألسباب جد خطيرة تبرر فعال هذا الحرمان‪ .‬وال يجب أن‬
‫يكون تقدير مثل تلك األسباب وأخذ مثل ذلك القرار الخطير‬
‫بمنع الزيارة بيد اإلدارة السجنية‪ ،‬وذلك تفاديا للتعسف واجتنابا‬
‫لتمكين اإلدارة من صفة الخصم والحكم وحفظا لحقوق النزيل‬
‫وعائلته‪ ،‬فيكون من األفضل خارج الحاالت الراجعة بالنظر للقضاء‬
‫واملتعلقة خاصة بقضية مازالت معروضة أمام املحاكم‪ ،‬أن يتم‬
‫اتخاذ قرار منع الزيارة عن النزيل من قبل قا�ضي تنفيذ العقوبات‬
‫إثر تلقيه ملطلب من اإلدارة السجنية مصحوب بتقرير‪ ،‬وال يتخذ‬
‫قا�ضي التنفيذ قراره إال بعد طلب سماع النزيل‪ ،‬ويعتبر قراره ملزما‬

‫‪198‬‬
‫ونهائي وبات‪ ،‬ويجب أن يحدد القرار مدة املنع ومن املحبذ أن ال‬
‫تتجاوز األسبوعين‪.‬‬
‫تعمل النقابة على تحقيق ذلك‪ ،‬وتكريسه وتفعيله قانونا‬
‫وواقعا‪ ،‬إضافة إلى وجوب عملها وضغطها من أجل منع ممارسة‬
‫عملية دارجة تتمثل في حرمان النزيل املعاقب تأديبيا باإليداع بغرفة‬
‫انفرادية ملدة أقصاها ‪ 10‬أيام من حقه في تلقي الزيارات‪ ،‬فهذا املنع‬
‫عبارة عن عقوبة مضاعفة وغير شرعية مسلطة على النزيل‪ ،‬وهو‬
‫إجراء غير مبرر وغير متولد عن طبيعة العقوبة التأديبية املوقعة‪،‬‬
‫فالنزيل املعاقب باإليداع بغرفة انفرادية يجب أن يتم السماح له‬
‫بتلقي الزيارات بشكل معتاد‪ ،‬حيث يغادر «السيلون» ويلتقي زائريه‬
‫وقت الزيارة ثم يعود بانقضائها إلتمام بقية عقوبته‪.‬‬
‫لكي تكون الزيارات مساهمة بشكل فعال في الحفاظ على روابط‬
‫النزيل مع أسرته‪ ،‬يجب أن تكون متكررة بما فيه الكفاية وذات مدة‬
‫كافية‪ ،‬وعليها أن تحدث في ظروف الئقة تضمن خصوصية مناسبة‬
‫لتبادل فعال وبناء‪ .‬لكن ما يحدث في الواقع هو عكس هذا تماما‪،‬‬
‫حيث أن الزيارات تكون عادة حافلة بمظاهر اإلحباط من جميع‬
‫الجهات‪ ،‬حيث تكون الزيارة عادة قصيرة وال يتوافر فيها عنصر‬
‫الخصوصية‪ ،‬أما إذا حضر األبناء لزيارة أحد الوالدين في السجن‬
‫فإنهم عادة ما يبدون قدرا كبيرا من التوتر بسبب الخوف من املوقف‬
‫أو بسبب عدم قدرتهم على تفهمه‪ ،‬مما جعل العديد من النزالء أو‬
‫غالبيتهم يفضلون عدم زيارة أطفالهم رغم االشتياق إليهم‪.‬‬
‫يكمن هنا دور العمل النقابي الهادف لتجاوز هذه السلبيات‬
‫وجعل الزيارة بالفعل ذات فائدة عملية ونفسية كبرى للنزيل وأسرته‪،‬‬
‫وإضافة لالهتمام باإلطار املادي والزمني للزيارة وخاصة جعلها‬
‫‪199‬‬
‫متعددة خالل األسبوع الواحد‪ ،‬يجب على النقابة العمل والضغط‬
‫من أجل التكريس القانوني والعملي لخصوصية الزيارة بين النزيل‬
‫وأفراد أسرته بمعنى الزيارة الغير خاضعة للمراقبة من قبل اإلدارة‬
‫السجنية‪ ،‬حيث يمكن اعتبار حميمية الزيارات أنجع الطرق إلبقاء‬
‫األسرة متماسكة أثناء فترة حبس أحد أعضائها‪ ،‬إضافة لدور هذه‬
‫الخصوصية في جعل كل طرف في الزيارة يعبر براحة تامة وصدق‬
‫عما يخالج نفسه دون أن يخ�شى أذان وأعين الغرباء مما يبعث لديه‬
‫راحة نفسية هو في أمس الحاجة إليها‪.‬‬
‫تمنح خصوصية الزيارات وانفراد النزيل بأفراد أسرته وخاصة‬
‫بقرينه فرصة التمتع بحقه في ممارسة حياته الجنسية‪ ،‬وهكذا تكون‬
‫النقابة بعملها على تمتيع النزيل بالزيارة الغير مراقبة قد مكنته من‬
‫التمتع بحق طبيعي من حقوق اإلنسان ال يجب أبدا حجبه عنه‬
‫مهما كان السبب‪.‬‬
‫يعتبر الجنس حق من حقوق اإلنسان‪ ،‬تضمنه النصوص‬
‫الدولية املتعلقة بحقوق اإلنسان للجنس البشري عامة بما في ذلك‬
‫النزيل الذي ال تنفي عنه الجريمة صفته البشرية‪ ،‬فهذا النزيل يتمتع‬
‫بالكرامة وما يتولد عنها من أثار‪ ،‬ويحق له الحفاظ على أسرته وما‬
‫يتطلب ذلك من خصوصية عائلية واجبة االحترام باعتبارها حقا‬
‫لصيقا بالذات اإلنسانية‪.‬‬
‫يمثل الجنس من جهة حقا طبيعيا من حقوق اإلنسان‪ ،‬ويمثل‬
‫من جهة أخرى حقا مترتبا أو مرتبطا بحقوق أخرى إنسانية مثل حق‬
‫الزواج وحق العائلة في الحماية وحق الطفل في املصلحة الفضلى‬
‫إلخ‪ ،‬وبالتالي يجب تمتيع النزيل به باعتباره ال يتعارض مع القيود‬
‫املتولدة عن العقوبة السجنية وباعتبار تمكن العديد من األنظمة‬
‫‪200‬‬
‫العقابية الحديثة من إيجاد الحلول ملمارسة ذلك الحق اإلنساني‬
‫دون مس من تلك القيود‪.‬‬
‫يكمن محتوى العمل النقابي على مستوى ضمان وتنظيم‬
‫تواصل النزيل مع أسرته من خالل الزيارات‪ ،‬في أن تكون هذه‬
‫الزيارات بالفعل معوال لهدم جدار الفصل املادي والنف�سي الذي‬
‫تفرضه العقوبة السجنية‪ ،‬وإكسيرا للمحافظة على العالقات التي‬
‫حافظ عليها النزالء قبل اعتقالهم‪ ،‬وهذا الهدف ال يمكن تحقيقه‬
‫إال بضمان تكريس وتطبيق حق النزيل في أن يلتقي بأفراد أسرته في‬
‫جو من الخصوصية بعيدا عن أذان وأعين الغرباء‪.‬‬
‫يجب على النقابة أيضا الضغط والتعاون مع اإلدارة العقابية‬
‫من أجل حسن استقبال زوار النزيل‪ ،‬حيث واقعيا يتعرض أفراد‬
‫أسرة النزيل للكثير من اإلهانات والتجاوزات من قبل بعض موظفي‬
‫املؤسسة السجنية عند ذهابهم للزيارة‪ ،‬إضافة لنقص التوجيه‬
‫والالمباالة التي يجدونها عند املسؤولين عن اإلرشاد‪ ،‬والحالة‬
‫الالإنسانية التي يجدون نفسهم عليها أثناء انتظار دورهم للدخول‬
‫للزيارة‪ ،‬وغير ذلك من النقاط السوداء التي تتطلب املعالجة‪ ،‬فال‬
‫�شيء يبرر سوء معاملة أو احتقار أفراد أسرة النزيل‪ ،‬لذلك يجب‬
‫أنسنة وتحسين إطار استقبالهم واألخذ بعين االعتبار عند التعامل‬
‫معهم حالتهم النفسية السيئة الناتجة عن سجن عزيز عليهم‪.‬‬
‫مثلما تهتم النقابة بزيارة األسرة للنزيل فإن عليها االهتمام‬
‫بالزيارة العكسية أي خروج النزيل لزيارة أسرته‪ ،‬حيث أصبح فاقد‬
‫الحرية تكريسا لحقه في املعاملة اإلنسانية يستطيع في العديد من‬
‫األنظمة العقابية الخروج للعالم الحر في حاالت معينة وألغراض‬

‫‪201‬‬
‫معينة‪ ،‬ولعل أهم هذه األغراض املحافظة على عالقاته األسرية وملا‬
‫ال تدعيمها‪.‬‬
‫آمنت العديد من األنظمة العقابية بما لهذا الخروج من دور‬
‫فعال في تحقيق أهداف العقوبة السجنية وفي الحفاظ على‬
‫إنسانية النزيل وعلى عالقاته بالعالم الخارجي‪ ،‬فكرسته في شكل‬
‫نظام للغياب املؤقت عن السجن‪ .‬ويسمح الغياب املؤقت للنزيل‬
‫التغيب عن املؤسسة السجنية زمنا معينا يقع احتسابه ضمن‬
‫مدة العقوبة‪ ،‬فالنزيل يغادر السجن لفترة قصيرة نسبيا تكون عادة‬
‫لساعات أو أليام قليلة في حالة رخص الخروج املؤقت‪ ،‬وقد تصل‬
‫لعدة أيام في حالة اإلجازة العقابية‪ ،‬وفي كال الحالتين يجب أن تتوفر‬
‫شروط منح الغياب املؤقت إضافة إلى وجوب عودة النزيل للسجن‬
‫في التاريخ املحدد‪.‬‬
‫يعتبر الغياب املؤقت بشكليه في مختلف األنظمة العقابية‬
‫العاملة به امتيازا للنزيل وليس حقا‪ ،‬ويمنح ألسباب مختلفة‬
‫ومضبوطة‪ ،‬وقد يمنح أيضا كمكافأة للنزيل على كل تحسن يطرأ‬
‫على سلوكه‪ .‬مع اإلشارة إلى اختالف مدة الغياب املؤذون بها حسب‬
‫نوع إذن الخروج والجريمة ونوع املراقبة إلخ‪.‬‬
‫ويقوم عادة النزيل الذي يريد التمتع بهذا االجراء بتقديم مطلب‬
‫خطي على نموذج معد لهذا الغرض للجنة مختصة بالغرض‪ ،‬ويجب‬
‫عليه إن قوبل مطلبه باملوافقة أن يقبل ويلتزم بجميع الشروط‬
‫املفروضة عليه‪ ،‬وهي شروط بمخالفتها يتم إعادته فورا للسجن‪،‬‬
‫مع العلم وأن اللجنة قد تلغي قرار منح الترخيص قبل بدايته إذا‬
‫اكتشفت واقعة جديدة تبرر اإللغاء‪ ،‬ويجب أن يكون أساس االلغاء‬
‫معقوال‪ ،‬ويجب إبالغ النزيل خطيا بذلك في أقرب وقت ممكن‪.‬‬
‫‪202‬‬
‫بالنظر في التشريع التون�سي‪ ،‬ال نجد أثرا لإلجازة العقابية‪ ،‬إال‬
‫أننا بالعودة للقانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬املتعلق بنظام السجون‬
‫وبالتحديد الفصل ‪ 18‬منه‪ ،‬نجد أن املشرع مكن النزيل من حق‬
‫الحصول على رخصة خروج مؤقت من املؤسسة العقابية وذلك‬
‫لغرض واحد وهو لزيارة األقارب حفاظا على الروابط العائلية وفي‬
‫حالتين فقط وهما حضور جنازة القريب أو مرضه الشديد‪.‬‬
‫وحدد املشرع السلطة املختصة بمنح هذه الرخصة بالفصل‬
‫‪ 342‬ثالثا من مجلة اإلجراءات الجزائية‪ ،‬وهي قا�ضي تنفيذ العقوبات‬
‫بالنسبة للنزيل املحكوم والقا�ضي املتعهد بالقضية بالنسبة‬
‫للموقوفين تحفظيا‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن املشرع لم يمنح صالحية منح‬
‫رخصة الخروج املؤقت بصفة مطلقة لسلطة اإلصدار بل إضافة‬
‫للتقييد الوارد على األسباب والسالف اإلشارة إليه فقد قيدها‬
‫أيضا من حيث األقارب‪ ،‬حيث حصرهم في القرين أو أحد األصول‬
‫أو الفروع عند حالة املرض الشديد‪ ،‬وحصرهم في الحالة املتعلقة‬
‫بالجنازة في نفس هؤالء األشخاص لكن أضاف إليهم اإلخوة أو‬
‫األعمام أو األخوال أو األصهار من الدرجة األولى أو الولي الشرعي‪.‬‬
‫تعتبر رخص الخروج املؤقت وبصفة عامة نظام الغياب املؤقت‬
‫بالنظام العقابي التون�سي ذو مساهمة ضئيلة إن لم نقل مساهمة‬
‫تافهة في الحفاظ على الروابط العائلية واالجتماعية للنزيل‪ ،‬حيث‬
‫أن هذا النظام ال يساعده على املحافظة الفعلية على عالقاته‬
‫الحميمية مع أسرته‪ ،‬ويبعد كل البعد في جدواه وتطبيقاته عما‬
‫نجده في األنظمة العقابية املقارنة‪.‬‬
‫لقد بات من املهم أن يسير النظام العقابي التون�سي على درب‬
‫األنظمة العقابية املقارنة املتطورة في مجال إسناد النزيل الخروج‬
‫‪203‬‬
‫املؤقت واألخذ عنها‪ ،‬وخاصة النظام العقابي البلجيكي والكندي‪،‬‬
‫والتوسيع من مجال وحاالت تراخيص الخروج ودعم صالحيات‬
‫قا�ضي التنفيذ في هذا املجال‪ ،‬وكذلك تكريس اإلجازة العقابية‬
‫تماشيا مع األساليب الحديثة املعتمدة لتأهيل نزيل املؤسسة‬
‫العقابية وتحقيقا ألهداف العقوبة‪ ،‬حيث أن التوجيه السليم‬
‫لنظام الخروج املؤقت بصفة عامة يلعب دورا فعاال في تهذيب‬
‫سلوك املحكوم عليه‪ ،‬باعتبار أن هذا الخروج أداة تساهم في حفظ‬
‫صلة املحكوم عليه بالعالم الخارجي أي باملجتمع عامة وبالعائلة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫إضافة لكون هذا الخروج املؤقت يعتبر وسيلة فعالة الختبار‬
‫مدى نجاح تأهيل النزيل‪ ،‬وذلك بتقدير درجة نمو املسؤولية لديه‪،‬‬
‫ويتحقق ذلك بتقييد تصريح الخروج بشروط تهم حسن السلوك‬
‫خارج املؤسسة السجنية‪ ،‬ويتم أثناء ذلك إخضاع املستفيد‬
‫للمراقبة للتأكد من احترامه لاللتزامات املفروضة عليه أو حياده‬
‫عنها‪ ،‬فإن حاد يكون غير جدير بالثقة مما يستوجب إرجاعه فورا‬
‫للسجن وإخضاعه لعقوبات تأديبية‪.‬‬
‫وجب على النقابة العمل والضغط من أجل تحقيق هذا املطلب‬
‫الذي سيتيح للنزيل إضافة للتواصل الجد بناء مع أسرته‪ ،‬بدء‬
‫التعود على العالم الخارجي مرة أخرى والشروع في بناء العالقات‬
‫الشخصية وعالقات العمل‪ ،‬حيث يوفر الغياب املؤقت العديد من‬
‫اإليجابيات والفوائد سواء للنزيل أو ألسرته أو للمجتمع عامة‪.‬‬
‫ويجب كذلك على النقابة بعد تحقيق هذا املطلب‪ ،‬أن تراقب‬
‫تطبيقه عمليا‪ ،‬وأن تعمل وتضغط من أجل حسن هذا التطبيق‪،‬‬
‫ومن أجل انتفاع أكبر نسبة ممكنة من النزالء بألياته‪ .‬وعلى النقابة‬
‫‪204‬‬
‫كذلك أن تساند مطالب النزالء الراغبين في التمتع بترخيص خروج‬
‫أو إجازة‪ ،‬وأن تقوم بتوعيتهم بشروط األهلية‪ ،‬ووجوب احترام‬
‫بنود الخروج وعاقبة اإلخالل بها‪ ،‬وتساعدهم وتوجههم في القيام‬
‫اإلجراءات الالزمة للتمتع بذلك الخروج ِاملؤقت‪.‬‬
‫ال تقف أساليب تواصل النزيل مع أسرته على الزيارات التي‬
‫تعتبر أهم وأنجع وسيلة باعتبارها خاصة وسيلة مباشرة بما معناه‬
‫االلتقاء املباشر بين النزيل وأفراد عائلته‪ ،‬وإنما تشمل أيضا وسائل‬
‫تواصل أخرى‪ ،‬وإن كانت غير مباشرة أي ال توفر اللقاء املباشر‪،‬‬
‫إال أنها جد هامة في حفظ الروابط األسرية‪ ،‬وتتمثل هذه الوسائل‬
‫خاصة في املراسالت والهاتف‪.‬‬
‫أكدت القاعدة ‪ 37‬من مجموعة القواعد النموذجية الدنيا‬
‫ملعاملة السجناء على حق املراسلة كحق من حقوق النزيل‪ ،‬وقد‬
‫وقع تبني هذا الحق من أغلب األنظمة العقابية‪ ،‬ومن ضمنها النظام‬
‫العقابي التون�سي‪ ،‬حيث مكن الفصل ‪ 18‬من قانون ‪ 2001‬النزيل‬
‫من الحفاظ على الروابط العائلية واالجتماعية وذلك باملراسلة عن‬
‫طريق إدارة السجن‪.‬‬
‫من املعلوم أن حق املراسلة بصفة عامة يتضمن جزئين متكاملين‪،‬‬
‫وهما حرية املراسلة وحرمة املراسلة‪ ،‬وقد ح�ضي هذا الحق بحماية‬
‫قانونية هامة باعتبار وأن الحق في احترام املراسالت هو من حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وبالتحديد يدخل ضمن الدائرة السرية للحياة الخاصة‬
‫بالفرد‪ ،‬وبانتهاك هذا الحق تنتهك الكرامة الفردية‪ .‬وقد أكدت على‬
‫حمايته النصوص الدولية والداخلية‪ ،‬وجاء باملادة ‪ 12‬من اإلعالن‬
‫العالمي لحقوق اإلنسان «ال يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته‬
‫الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسالته»‪ ،‬كما نصت عليه املادة‬
‫‪205‬‬
‫‪ 17‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية‪ ،‬وعلى‬
‫املستوى الداخلي يكفي القول بأنه يحظى بحماية دستورية حيث‬
‫ينص الفصل ‪ 23‬من الدستور على مبدأ حرمة املراسلة‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬يخضع حق املراسلة خاصة من جهة حرمة التراسل لحدود‬
‫ضرورة تفرضها حماية النظام العام‪ ،‬وفي وضع النزيل نجد أن وضعية‬
‫القانونية حتمت إخضاع حقه في املراسلة للعديد من القيود‪ ،‬وقد‬
‫خولت عديد التشاريع العقابية الحديثة لإلدارة السجنية الحق في‬
‫االطالع على مراسالت املحكوم إليهم‪ ،‬وتبريرها في ذلك هو الحفاظ‬
‫على األمن سواء داخل املؤسسة العقابية أو خارجها‪ ،‬فنجد فتح‬
‫رسائل النزالء مندرجا ضمن اإلجراءات االحتياطية للعمل اليومي‬
‫بالسجون‪ ،‬وهو ما أكدته القاعدة ‪ 37‬من القواعد النموذجية‬
‫الدنيا ملعاملة املساجين حيث نادت بضرورة تطبيق مبدأ الرقابة‬
‫على مراسالت النزيل‪.‬‬
‫لم يورد املشرع التون�سي أي تحديد أو تقييد عددي ملراسالت‬
‫النزيل‪ ،‬إال أننا نجد على مستوى التطبيق قيام اإلدارة السجنية‬
‫بفرض تحديد كمي على هذه املراسالت‪ ،‬وال يشمل هذا التحديد‬
‫الرسائل التي ترد على النزيل من خارج السجن‪ ،‬فهذا النوع من‬
‫الرسائل ال يخضع لتحديد معين من حيث العدد على خالف‬
‫تلك التي يرسلها النزيل إلى عائلته‪ ،‬حيث تصل اإلدارة السجنية‬
‫لحد السماح للنزيل بإرسال رسالتين فقط في األسبوع‪ ،‬وال تسمح‬
‫باملراسلة اليومية إال لألم السجينة التي يتواجد أبناءها في منطقة‬
‫بعيدة نسبيا عن مكان إيداعها مما يجعل الزيارة صعبة وبذلك‬
‫تكون املراسلة اليومية حال بديال يساهم في تقريب املسافات‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫فضال عن هذا التحديد العملي الذي تفرضه اإلدارة العقابية‪،‬‬
‫نجدها تقوم بتحديد آخر ذو طابع عقابي‪ ،‬حيث تقوم بحرمان‬
‫النزيل املعاقب تأديبيا بالحرمان من تلقي أدوات الكتابة ملدة معينة‬
‫على أن ال تتجاوز ‪ 15‬يوم على معنى الفصل ‪ 22‬من قانون ‪ 2001‬من‬
‫مراسلة عائلته‪ ،‬فبالرغم من أن هذا الفصل لم يتعرض صراحة‬
‫إلى هذا املنع فإن اإلدارة العقابية خرقت قاعدة التأويل الضيق‬
‫للنص الجزائي ومبدأ الشرعية واعتمدت التأويل الواسع لهذا‬
‫النص واعتبرت النزيل الخاضع لهذه العقوبة محظور طيلة مدتها‬
‫من إرسال الخطابات‪.‬‬
‫ونجد كذلك اإلدارة تتوسع في الحظر العقابي للمراسلة في حالة‬
‫قضاء النزيل لعقوبة اإليداع بغرفة انفرادية ملدة أقصاها ‪ 10‬أيام‪،‬‬
‫حيث يتم حرمانه خالل مدة هذه العقوبة ليس من اإلرسال فقط‬
‫بل أيضا من تلقي الرسائل الواردة من أفراد عائلته‪ ،‬ويشكل هذا‬
‫املنع عقوبة مضاعفة ومس خطير بحقوق النزيل وتهديد فعلي‬
‫للغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫يعتبر قيام اإلدارة العقابية بتحديد كمي ملراسالت النزيل مع‬
‫أفراد عائلته بتلك الكيفية أمر جد منتقد‪ ،‬فما بالك بمنع التراسل‬
‫من جهة النزيل ملدة قد تصل لخمسة عشرة يوما أو بمنع التراسل‬
‫مطلقا إرساال وقبوال ملدة قد تصل لسبعة أيام‪ ،‬لذلك وجب على‬
‫النقابة التدخل لوضع حد لهذه الوضعية الجد سلبية املترتبة عن‬
‫إطالقية سلطة اإلدارة العقابية في مجال تنظيم مراسالت النزيل‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط من أجل رفع التحديد الكمي‬
‫الحالي على الرسائل التي يرسلها النزيل ألفراد عائلته‪ ،‬وتمكين‬
‫النزيل من صالحية إرسال رسالة يومية لكل فرد من أفراد عائلته‪،‬‬
‫‪207‬‬
‫ويجب كذلك دعوة اإلدارة السجنية لوجوب احترام مبدأ شرعية‬
‫العقوبات وعدم فرض عقوبات تأديبية لم ترد نصا‪ ،‬وبذلك عدم‬
‫حرمان النزيل املعاقب تأديبيا سواء بالحرمان من أدوات الكتابة أو‬
‫باإليداع بغرفة انفرادية من حقه في إرسال واستقبال رسائل من‬
‫أفراد عائلته‪.‬‬
‫تراجع اليوم استعمال الرسائل البريدية كوسيلة للتواصل بين‬
‫البشر الغير قادرين على اللقاء نتيجة للتطور التكنولوجي‪ ،‬حيث‬
‫أصبحت الرسائل اإللكترونية هي املعتمدة باألساس للتراسل‪ ،‬وتمتاز‬
‫هذه الرسائل مقارنة بالرسائل البريدية خاصة بحينيتها وانعدام‬
‫كلفتها إضافة إلى سهولة حفظها وضمان وصولها ملقصدها‪.‬‬
‫مع األسف‪ ،‬ال يتوفر هذا النوع من الرسائل في مؤسساتنا‬
‫السجنية رغم فائدته للنزيل ولعائلته ولإلدارة السجنية‪ ،‬لذلك‬
‫وجب على النقابة العمل والضغط من أجل تمكين النزيل وأفراد‬
‫عائلته من التراسل بواسطة البريد اإللكتروني‪ .‬وال يكت�سي األمر‬
‫أي صعوبة مادية أو عملية‪ ،‬فيكفي قيام اإلدارة العقابية بتكليف‬
‫مختص بإعداد تطبيقة خاصة يتم وضعها مثال بلوحة إلكترونية‪،‬‬
‫حيث تسمح هذه التطبيقة للنزيل بفتح حساب بريد إلكتروني خاص‬
‫به تحت إشراف اإلدارة العقابية‪ ،‬يرسل منه ويستقبل رسائل من‬
‫حسابات بريد الكتروني مضمنة ومضافة وموافق عليها مسبقا من‬
‫قبل اإلدارة السجنية‪ ،‬وتكون وجوبا ألفراد أسرته‪.‬‬
‫ويتم وضع عدد كاف من اللوحات على ذمة كل غرفة أو جناح‪،‬‬
‫وتفاديا لإلفراط يتم ضبط برنامج التطبيقة على السماح لكل نزيل‬
‫بإرسال عدد محدد من الرسائل يوميا‪ ،‬يكون نفس عدد الرسائل‬
‫البريدية العادية‪ ،‬بما معناه رسالة الكترونة واحدة لكل عنوان‬
‫‪208‬‬
‫بريد إلكتروني مسجل ومصرح باإلرسال إليه‪ ،‬كما يتم تحديد عدد‬
‫األحرف أو الكلمات املسموح بأن تتكون منها الرسالة‪ ،‬على أن يكون‬
‫هذا العدد معقوال وكافيا في العموم ليكون رسالة‪.‬‬
‫ويتم ضبط وتنظيم الوقت الذي يمكن فيه للنزالء استعمال‬
‫هذه اللوحات‪ ،‬سواء أق�صى الوقت الفردي املخصص لكل نزيل‪،‬‬
‫أو الوقت العام الستعمالها‪ ،‬ومن املحبذ أن يتم إحداث الفتة‬
‫الكترونية ثابتة في الجناح أو الغرفة تشير إلى أسماء النزالء املقيمين‬
‫هناك والذين تلقوا رسائل إلكترونية ومازالت لم تقرأ‪ ،‬وهكذا‬
‫يتم تفادي أن يذهب النزالء الغير راغبين في إرسال بريد الكتروني‬
‫للمطالبة باللوحة اإللكترونية بغاية فقط تفقد بريدهم الوارد‪.‬‬
‫تودع اللوحات عند مدير املؤسسة السجنية أو من يراه‬
‫صالحا‪ ،‬ويتم تسليمها في الوقت املحدد الستعمالها ألحد أعوان‬
‫السجون املشرف على الغرفة أو الجناح‪ ،‬ومن املحبذ أن يكون وقت‬
‫االستعمال املساء باعتبار أن النهار مخصص للعمل والرياضة وغير‬
‫ذلك من األنشطة السجنية‪ ،‬ويقوم هذا العون املشرف بتمكين‬
‫النزالء الراغبين من حقهم في استعمال اللوحة بمساعدة النقابة‪،‬‬
‫ويتم هذا االستعمال بمكان مكشوف وخاضع للمراقبة بالكاميرا‬
‫وذلك لتسهيل تحديد املسؤوليات إذا ما تم تحطيم اللوحة أو‬
‫حصل خالف حولها‪.‬‬
‫ومن األفضل أن يتم اعتماد قائمة ترتيبية يومية في النزالء‬
‫الراغبين في استعمال اللوحة‪ ،‬ويكون ذلك بأن يوضع كراس أو ما‬
‫شابه على ذمة نزالء الغرفة أو الجناح‪ ،‬وما على أي نزيل يريد إرسال‬
‫بريد إلكتروني إال كتابة اسمه ورقمه تحت من سبقه طيلة النهار‪،‬‬
‫ويتم في املساء إعتماد هذه القائمة الترتيبية لكن مع إعطاء األولوية‬
‫‪209‬‬
‫ملن استقبلوا بريدا ولم يفتحوه بعد ووردت أسماءهم طبعا بالالفتة‬
‫اإللكترونية السابق الحديث عنها‪.‬‬
‫عموما تتعاون النقابة واإلدارة السجنية بشكل فعال من أجل‬
‫تنظيم استعمال هذه اللوحة اإللكترونية الخاصة أو أي جهاز‬
‫آخر سيتم تخصيصه لتمكين النزيل من إرسال واستقبال الرسائل‬
‫اإللكترونية‪.‬‬
‫تعتبر تقنية الرسائل اإللكترونية ذات منفعة كبيرة لإلدارة‬
‫العقابية‪ ،‬حيث أن هذه اإلدارة املسكونة بالهاجس األمني ستجد‬
‫في هذه الرسائل تسهيال لعملها الرقابي املفروض على مراسالت‬
‫النزيل الواردة والصادرة‪ ،‬باعتبار وأن عملية قراءة رسالة إلكترونية‬
‫تحتاج أقل جهد وتركيز من فتح وقراءة رسالة بريدية قد يكون‬
‫أحيانا الخط املعتمد في تحريرها جد سيئ مما يتطلب مضاعفة‬
‫التحديق والتركيز وبذل الجهد لفهم محتواها‪ .‬وال نن�سى كذلك تميز‬
‫الرسائل اإللكترونية في مجال املراقبة واإلثبات بإمكانية خضوعها‬
‫للرقابة الالحقة واعتمادها لالستدالل على أمور قد ال تكون جلية‬
‫وقت إرسالها أو تسلمها ثم تظهر مستقبال بوادرها‪ ،‬باعتبار إمكانية‬
‫حفظ هذه الرسائل‪.‬‬
‫لئن كان االطالع على محتوى مراسالت النزيل مع أفراد عائلته‬
‫فيه تعد على حرمة الحياة الخاصة وحرمة املراسالت‪ ،‬إال أنه يجد‬
‫تبريره عند الكثير بضرورته لحماية أمن املؤسسة السجنية وأمن‬
‫املجتمع‪ ،‬إضافة لكون هذا االطالع يتيح لإلدارة العقابية الوقوف‬
‫على املشاكل التي يعاني منها النزيل مما يمكنها من مساعدته على‬
‫حلها والفهم الجيد لشخصيته وتحديد البرنامج األمثل لتأهيله‪ .‬إال‬
‫أني أرى أن هذا الكالم مبالغ فيه‪ ،‬وهذه األسباب ليست إال شماعة‬
‫‪210‬‬
‫تعلق عليها اإلدارة تعديها على حرمة املراسالت وعلى الحياة الخاصة‬
‫للنزيل وكذلك ألفراد أسرته‪.‬‬
‫ال نقاش في إسناد اإلدارة السجنية صالحية االطالع على‬
‫مراسالت النزيل حماية لألمن داخل وخارج املؤسسة‪ ،‬إال أن هذه‬
‫الصالحية ال يجب أن تكون حقا مطلقا‪ ،‬بل يجب أن تكون صالحية‬
‫قانونية مضبوطة الشروط والنطاق‪ ،‬لذلك يجب على النقابة أن‬
‫تدافع على جعل هذه املسألة مقننة‪ ،‬وأن ال تتمكن اإلدارة العقابية‬
‫من االطالع على مراسالت نزيل مع عائلته إال بعض الحصول على‬
‫إذن قضائي يخول لها ذلك ويحدد مدة املراقبة‪ ،‬وتكون أسباب‬
‫الحصول على هذا اإلذن وجود قرائن قوية وجدية على أن النزيل‬
‫خطير وأن الرسائل التي يتبادلها تحتوي على تهديد جدي ألمن‬
‫املؤسسة السجنية أو ألمن املجتمع‪.‬‬
‫وفي نفس هذا اإلطار‪ ،‬يجب على النقابة العمل على تقنين‬
‫وتنظيم مسألة اعتراض ومنع وصول الرسائل الواردة أو الصادرة‬
‫عن النزيل‪ ،‬حيث إذا اكتشفت اإلدارة العقابية بعد حصولها على‬
‫اإلذن وبمناسبة اطالعها على الرسائل أن هناك رسالة قد تخل‬
‫باألمن العام داخل السجن أو قد تتسبب في عمل إجرامي خارج‬
‫السجن إذا ما تم تسليمها‪ ،‬فال يمكنها منع وصول الرسالة ملستقبلها‬
‫إال بعد الحصول كذلك على إذن قضائي في الغرض‪.‬‬
‫مثلما تشهد مؤسساتنا السجنية غياب اعتماد تقنية البريد‬
‫اإللكتروني كوسيلة عصرية للتواصل بين النزيل وأسرته‪ ،‬تشهد‬
‫أيضا غياب وسيلة أخرى هامة وفعالة لتحقيق هذا التواصل على‬
‫الرغم من أنها ال تعتبر وسيلة عصرية‪ ،‬وهي الهاتف‪ ،‬حيث على‬
‫عكس العديد من األنظمة العقابية املقارنة ال نجد وحدات هاتفية‬
‫‪211‬‬
‫موضوعة على ذمة النزالء يمكنهم استعمالها لالتصال بأفراد أسرهم‬
‫وبالعالم الخارجي بصفة عامة وذلك على حسابهم الخاص‪.‬‬
‫تعتبر املهاتفة وسيلة اتصال أنجع وأنفع من املراسلة‪ ،‬حيث‬
‫أنها تمكن كل من النزيل واملتصل به من سماع صوت العزيز عليه‬
‫والتعبير مباشرة عن أحاسيسه وأفكاره‪ ،‬مما يمثل دفعا معنويا‬
‫جيدا خاصة للنزيل الذي ال يكون ملزما بانتظار زيارة قد تأتي وقد‬
‫ال تأتي وقد يقصر أو يطول موعد قدومها من أجل الحديث مع‬
‫مخاطبه‪ ،‬إضافة إلى أن النزيل قد ينتابه شعور في لحظة معينة بأنه‬
‫في حاجة للتخاطب مع شخص ما‪ ،‬فعندها ما عليه إال لتوجه إلى‬
‫وحدة الهاتف واالتصال بذلك الشخص‪ ،‬ويكون ذلك أفضل بكثير‬
‫من أن يعيش القلق والشوق في انتظار الزيارة أو الرد عن رسالة‪،‬‬
‫خصوصا إن كان يريد االستفسار حول حالة صحة ذلك الشخص‬
‫أو أي أمر هام آخر يتعلق به‪.‬‬
‫ال �شيء يمنع من توفير وحدات هاتف بالفضاء السجني تمكن‬
‫النزيل من االتصال بأفراد أسرته وبالعالم الخارجي بصفة عامة‪،‬‬
‫لذلك يجب على النقابة العمل والضغط من أجل توفير اإلدارة‬
‫العقابية لهذه الوحدات التي ستكون مخصصة فقط إلجراء‬
‫املكاملات وليس إلستقبالها‪ ،‬وتكون هذه املكاملات على حساب النزيل‬
‫املجري للمكاملة‪.‬‬
‫وباعتبار أن النقود ممنوعة التداول بين النزالء داخل الفضاء‬
‫السجني‪ ،‬يمكن اعتماد أجهزة هاتف تعمل بقطع معدنية بدل‬
‫النقود املعدنية‪ ،‬ويتم توفير هذه القطع بمغازة السجن‪ ،‬وتقوم ذات‬
‫قيمة نقدية موحدة‪ ،‬من ذلك أن تكون قيمتها النقدية دينار واحد‪،‬‬
‫فيشتريها النزيل بذلك الثمن من املغازة‪ ،‬ويستعملها إلجراء املكاملة‬
‫‪212‬‬
‫من محطة الهاتف التي تكون تسعيرته مطابقة لتسعيرة الهاتف‬
‫العمومي بالعالم الحر‪ .‬وتعود مداخيل الهاتف لإلدارة السجنية‬
‫مما يسمح لها بدعم مداخيلها وكذلك بتغطية املصاريف الضرورية‬
‫املترتبة عن هذه الهواتف‪.‬‬
‫توضع محطات الهاتف خارج غرف النزالء وفي أماكن مراقبة‬
‫بالكاميرا‪ ،‬ومن األفضل أن يتم تركيزها في أماكن تمتاز باالتساع كي‬
‫يتمكن النزيل من الحديث براحة نسبية في الهاتف‪ ،‬وتتعاون النقابة‬
‫مع اإلدارة العقابية لتنظيم استعمال هذه املحطات‪ ،‬وطبعا ال‬
‫يكون هذا االستعمال مطلقا بل يتم تحديده من حيث وقت إتاحة‬
‫استعمال هذه املحطات‪ ،‬والذي يكون لعدد قليل من الساعات‬
‫باليوم‪ ،‬ويتم اعتماد قائمة للراغبين في االتصال شبيهة بالتي تحدثنا‬
‫عنها في معرض حديثنا عن البريد اإللكتروني‪.‬‬
‫من الطبيعي أن تثار في إطار تمكين النزيل من االتصال‬
‫الهاتفي مسألة الحفاظ على أمن املؤسسة السجنية وغير ذلك‬
‫من االعتبارات املتعلقة بالنظام العام واألمن العام والتي تثار ربما‬
‫هنا بأشد حدة وإلحاح عما تكون عليه عند الحديث عن املراسلة‪،‬‬
‫لذلك قد يذهب البعض إلى ضرورة إخضاع جميع املكاملات املجرات‬
‫من النزيل للتنصت الهاتفي‪ ،‬وشخصيا أعتبر هذا التنصت أمرا غير‬
‫دستوري وغير شرعي باعتباره يمس بالحياة الخاصة لكل من النزيل‬
‫ومخاطبه وفيه تعد على حرمة سرية املكاملات‪ ،‬إال أن هذا ال يمنع‬
‫إمكانية إجراء هذا التنصت ألسباب تهم النظام العام‪.‬‬
‫تعمل النقابة في هذا املجال على وجوب الدفع نحو تقنين مسألة‬
‫التنصت‪ ،‬وإخضاعها لوجوب حصول اإلدارة العقابية على إذن‬

‫‪213‬‬
‫قضائي في الغرض يخضع لنفس الشروط التي كنا قد تحدثنا عنها‬
‫بمناسبة اإلذن املتعلق باالطالع على محتوى مراسالت النزيل‪.‬‬
‫يعتبر تحقيق املعادلة بين املصلحة الشرعية والطبيعية‬
‫والتأهيلية لتواصل النزيل مع أسرته من جهة‪ ،‬وبين الحفاظ على‬
‫األمن الداخلي والخارجي للمؤسسة السجنية وأمن املجتمع من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬مسألة جد هامة‪ ،‬وال يجب في هذا اإلطار تغليب أي كفة‬
‫عن األخرى‪ ،‬وواقع السجون اليوم يثبت بجالء التغليب املفرط‬
‫للنزعة األمنية على حساب تواصل النزيل بأفراد أسرته‪ ،‬مما انعكس‬
‫سلبا على تأهيل النزيل ومس من حقوقه وحقوق عائلته وحتى من‬
‫آدميته‪ ،‬لذلك وجب تدخل العمل النقابي من أجل خلق وفرض‬
‫وتحقيق املعادلة املطلوبة قانونا وتطبيقا‪.‬‬
‫ومثلما تعمل النقابة على تحقيق حسن اتصال النزيل مع أسرته‬
‫وتوفير الحماية القانونية الالزمة لهذا االتصال وتنظيمه وتنظيم‬
‫رقابته من السلط املعنية حفاظا على متطلبات األمن‪ ،‬فإن النقابة‬
‫تضطلع بنفس الدور فيما يتعلق بتواصل النزيل مع املجتمع وهياكل‬
‫الدولة‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫ب‪ -‬االتصال باملجتمع وبأجهزة الدولة‬
‫بصدور الحكم بالسجن ووصمهم من قبل املنظومة العقابية‬
‫كأشخاص بغيضين ومنحرفين‪ ،‬يواجه النزالء نوعا من تدني‬
‫التصنيف االجتماعي الذي يساهم في بناء هويتهم االجتماعية وبناء‬
‫شبكة عالقاتهم وانتماءهم‪ ،‬حيث يعطي لهؤالء النزالء مقاييس‬
‫يتم من خاللها هيكلة البيئة والتصرفات االجتماعية املتبعة منهم‬
‫وتجاههم‪ ،‬ويجد النزيل نفسه في قطيعة مع املجتمع متولدة عن‬
‫التحقير االجتماعي‪.‬‬
‫واملقصود بالتحقير االجتماعي أساسا نظرة املجتمع السلبية‬
‫إلى النزيل‪ ،‬والعار االجتماعي الذي يصيبه منذ إيداعه ويلحق به‬
‫بعد خروجه من السجن‪ ،‬سواء كان ذلك من الناحية االجتماعية‪،‬‬
‫أي نظرة املجتمع إليه على أساس أنه مجرم وصاحب سوابق‪ ،‬وما‬
‫تحمله تلك النظرة من تقوية الشعور بالدونية وتحقير الذات‪ .‬أو‬
‫كذلك من ناحية أجهزة الدولة‪ ،‬حيث تتغير النظرة الرسمية إلى‬
‫النزيل سواء أثناء محكوميته أو بعد إتمامها وخروجه من السجن‬
‫ليصبح له ملف سوابق عدلية‪ ،‬وما تشكله هذه النقطة من عبء‬
‫ثقيل إداريا ونفسيا يصعب تجاوزه ملدة طويلة جدا‪.‬‬
‫يولد التحقير االجتماعي والرسمي لدى النزالء إحساسا بالغربة‬
‫والفشل واملصير املجهول‪ ،‬ويفقد شجاعته وتتحطم أدبياته‪ ،‬مما‬
‫يجعله يتقوقع ويحيط نفسه بدرع نف�سي معاد للمجتمع والدولة‪ ،‬إذ‬
‫أن هذا اإلنسان ال يملك في مواجهة االشمئزاز واالستنكار االجتماعي‬
‫والرسمي إال الغضب والنقمة على مجتمع ودولة لم يرحماه ولم‬

‫‪215‬‬
‫يساعداه ولم يمكناه من فرصة أخرى رغم أن لهما دور في ما وصل‬
‫إليه النزيل‪.‬‬
‫يتعارض هذا الوضع تماما مع الغاية العقابية في إعادة إدماج‬
‫النزيل في املجتمع كمواطن صالح ومتصالح مع ذاته ومع محيطه‬
‫ومع املجتمع‪ ،‬لذلك دعت السياسة العقابية الحديثة إلى وجوب‬
‫العمل على تغيير نظرة املجتمع للنزيل‪ ،‬ووجوب العمل كذلك‬
‫على احتضان أجهزة الدولة لهذا املواطن واالبتعاد قدر اإلمكان‬
‫عن املعاملة التمييزية السلبية تجاهه بناء على وضعيته القانونية‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫أقرت معظم األنظمة العقابية بحق النزيل في التواصل مع‬
‫املجتمع‪ ،‬نظرا لجدوى هذا االتصال في الحفاظ على الصلة قائمة‬
‫بين النزيل واملجتمع وفي خلق الثقة واملحافظة عليها بينهما‪ ،‬حتى يتم‬
‫هدم أسوار الشك والتحقير التي يشكل وجودها خطرا داهما على‬
‫الطرفين‪ .‬فاليوم‪ ،‬تفرض أنسنة العقوبة وغايتها التأهيلية وحقوق‬
‫النزيل اإلنسان أن يتم تكريس وتفعيل التواصل بين النزيل واملجتمع‬
‫الخارجي ألبعد الحدود املمكنة‪ ،‬وبذل كل الجهد من أجل تقليص‬
‫الفوارق بين العالم الحر والسجن‪.‬‬
‫يلعب العمل النقابي دورا رياديا في تحقيق التواصل بين النزيل‬
‫واملجتمع‪ ،‬خصوصا وأن الواقع أثبت عجز املؤسسة العقابية‬
‫عن االضطالع بهذا الدور‪ ،‬فاليوم ال نجد مظاهر هذا التواصل في‬
‫سجوننا‪ ،‬وإن وجدت فهي جد محدودة وتتنزل في إطار رفع اللوم‬
‫على اإلدارة العقابية حتى ال يقال أنها غير مهتمة باملسألة‪ .‬ويعود‬
‫عجز هذه املؤسسة عن ربط أصول التواصل بين النزيل واملجتمع‬
‫خاصة إلى غياب اإلرادة السياسية واإلدارية الهادفة فعال إلى تأهيل‬
‫‪216‬‬
‫النزيل‪ ،‬وكذلك إلى العقلية األمنية السائدة والخوف املفرط الذي‬
‫يكون في الغالب مرضيا على أمن وسالمة السجن من نزالءه ومن‬
‫املجتمع الخارجي كذلك‪ ،‬إضافة إلى سعيها لعدم اكتشاف تجاوزاتها‬
‫وسوء إنجازها ألدوارها وسوء معاملتها لنزالئها‪ ،‬وأخيرا وليس آخرا‬
‫النظرة التحقيرية التي تحملها هذه اإلدارة تجاه نزالئها‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط والتعاون مع اإلدارة السجنية‬
‫وكل املتداخلين من أجل تحقيق تواصل فاعل وفعال بين النزيل‬
‫واملجتمع‪ ،‬ويتم ذلك خاصة بتمكين النزيل من االتصال باملجتمع‪،‬‬
‫وكذلك بفتح أبواب السجن على مصراعيها أمام املجتمع وتشريكه‬
‫في العناية بالنزيل وفي تحقيق إنجاح تأهيله‪.‬‬
‫تتنوع مظاهر تمكين النزيل من االتصال باملجتمع‪ ،‬ونذكر من‬
‫بينها تمكينه من التواصل بأفراد من املجتمع ليسوا من أقرباءه‪،‬‬
‫فالنزيل كائن اجتماعي كان يعيش قبل دخوله السجن في املجتمع‬
‫الحر مما يعني أن له عالقات اجتماعية حافظ على وجودها قبل‬
‫إيداعه ومن املفيد أن يحافظ عليها بعد هذا اإليداع‪ ،‬وال نن�سى أن‬
‫هذه العالقات في عديد الحاالت قد تكون عزيزة على اإلنسان أكثر‬
‫حتى من بعض عالقاته العائلية‪.‬‬
‫يمثل الحب والصداقة عالقتين جد هامتين في حياة اإلنسان‬
‫وتأثيرهما على حالته النفسية وعلى رفاهه ثابت‪ ،‬فمن منا ال يسعد‬
‫برؤية حبيبه وال يشتاق إليه ويقلق عليه إن غاب عنه‪ ،‬ومن منا ال‬
‫يسعد للقاء صديق يسارره ويشكو له تعبه‪ ،‬ومن منا لم يكن حبيبه‬
‫قبل القران أهم له وأغلى من العديد من أفراد عائلته‪ ،‬ومن منا‬
‫ليس له صديق يعتبر رؤيته ومجالسه والحديث معه أهم من فعل‬
‫ذلك مع العديد من أفراد عائلته‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫تحتم هذه العوامل وغيرها السماح للنزيل بتلقي زيارات‬
‫وبالتواصل مع أفراد من خارج عائلته‪ ،‬مثل أصدقاءه ومن تربطه‬
‫بهم عالقة عاطفية أو حميمية‪ .‬وقد سمحت العديد من األنظمة‬
‫العقابية بتلقي النزيل لزيارة شخص تربطه به عالقة عاطفية‬
‫وحميمية ثابتة‪ ،‬أي عالقة مخادنة‪ ،‬ووضعت العديد من الشروط‬
‫إلثبات هذه العالقة‪ ،‬ونذكر من ضمن هذه األنظمة بلجيكا وكندا‬
‫وهولندا وغيرها كثير‪.‬‬
‫تعتبر إمكانية تلقي النزيل التون�سي لزيارة صديق أو حبيب أو‬
‫أي شخص من خارج عائلته واردة قانونا‪ ،‬حيث نص الفصل ‪35‬‬
‫من قانون ‪ 2001‬على أنه «يمكن بصفة استثنائية لغير األقارب أو‬
‫لألشخاص الذين لهم تأثير أدبي على السجين زيارته ويكون ذلك‬
‫بناء على ترخيص‪ ...‬وتتم الزيارة بمكتب مخصص لذلك بمحضر‬
‫مدير السجن أو من ينوبه»‪.‬‬
‫ما يالحظ في هذا الفصل أنه جعل من هذه الزيارة تمنح بصفة‬
‫استثنائية وأخضعها لترخيص‪ ،‬واشترط أن يكون للزائر تأثير األدبي‬
‫على النزيل دون أن يوضح معايير أو شروط أو تعريف التأثير األدبي‪،‬‬
‫ودون أن يضع الشروط الواجب توفرها في الزائر أو في العالقة‬
‫بينه وبين النزيل‪ ،‬ودون تحديد اإلجراءات املتبعة للحصول على‬
‫الترخيص‪ ،‬وترك املسألة برمتها خاضعة ملحض سلطة الجهة املكلفة‬
‫بالترخيص مما انعكس بالسلب على مستوى التطبيق‪ ،‬حيث نادرا‬
‫ما يتمكن نزيل من تلقي مثل تلك الزيارات وحتى إن تلقاها نزيل فهي‬
‫تكون غالبا زيارة الخطيب أو الخطيبة أو زيارة قريب غير منصوص‬
‫عليه ضمن قائمة الفصل ‪ 33‬من قانون ‪ .2001‬هذا إضافة إلى‬

‫‪218‬‬
‫إطار إجراء الزيارة والذي يعتبر جد منتقد باعتبار حصولها بمكتب‬
‫خاص وبمحضر مدير السجن أو من ينوبه‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط من أجل تجاوز هذه السلبيات‬
‫والتكريس القانوني والتطبيقي لتلقي النزيل لزيارة غير األقارب لكن‬
‫ليس بصفة استثنائية بل كحق‪ ،‬ويكفي اشتراط توفر عالقة طيبة‬
‫بين النزيل والطرف اآلخر وخلو هذه العالقة من أي بعد إجرامي‪،‬‬
‫ويتم االستدالل على هذه العالقة برغبة الطرفين في تحقق الزيارة‬
‫ومدى علم محيطهما العائلي واالجتماعي بوجود هذه العالقة ومدى‬
‫توفر قرائن على وجودها‪ ،‬مع وجوب عدم تمثيل الزائر أو الزيارة‬
‫لتهديد ألمن املؤسسة أو املجتمع‪ .‬وتختص اللجنة الخاصة برخص‬
‫الزيارة والتي سبق أن تحدثنا عنها في إطار حديثنا عن تواصل النزيل‬
‫مع أفراد أسرته‪ ،‬بقبول مطالب هذا النوع من الزيارات والتحقق من‬
‫وجود العالقة وإسناد رخصة الزيارة‪.‬‬
‫لن تختلف مطالب النقابة ومحتوى عملها تجاه هذا النوع من‬
‫الزيارات عن ذلك املتعلق بزيارة أفراد العائلة‪ ،‬إال أن مسألة إجراء‬
‫هذه الزيارات في خصوصية سوف تكون مختلفة‪ ،‬حيث ال يمكن‬
‫توفيرها من البداية إذ يجب بدءا االكتفاء بزيارات عادية من أجل‬
‫التأكد من نفع هذه الزيارات خاصة للنزيل ومن مرورها في جو‬
‫سلس خال من التشنج ومن كل ما يمكن أن يمس باألمن العام‪.‬‬
‫وبعد مرور فترة معينة تمتاز بانتظام تلك الزيارات‪ ،‬ومن املحبذ‬
‫أن ال تتجاوز هذه الفترة ستة أشهر‪ ،‬يمكن للنزيل وزائره املطالبة‬
‫بالزيارة الخارجة عن الرقابة‪ ،‬وعندئذ ال يمكن للجنة رفض اسناد‬
‫هذه الزيارة إال إذا وجد سبب خطير‪ ،‬مثل أن النزيل رجل والزائر‬
‫امرأة وأحدهما متزوج‪ ،‬أو أن أحدهما حامل ملرض منقول جنسيا‪،‬‬
‫‪219‬‬
‫أو أن هناك قرائن قوية ومتضافرة على أن الزيارة ستتنزل في إطار‬
‫عالقة دعارة‪ ،‬أو أن الزيارة بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة وأحدهما‬
‫شاذ باعتبار أن الفصل ‪ 230‬من املجلة الجزائية يجرم العالقات‬
‫الجنسية املثلية وال يزال نافذا‪.‬‬
‫ال يقف تواصل النزيل مع غير أقاربه على الزيارة‪ ،‬بل يشمل كل‬
‫الطرق واألساليب التي يتواصل بها مع أفراد عائلته‪ ،‬وهذا ما على‬
‫النقابة العمل عليه والضغط من أجل تكريسه قانونا وواقعا‪،‬‬
‫فكل ما تعمل عليه وتسعى النقابة لتحقيقه فيما يتعلق بالتواصل‬
‫بين النزيل وأفراد عائلته سوف يشمل أيضا تواصل النزيل مع غير‬
‫أفراد عائلته وبنفس الكيفية والشروط‪ ،‬من ذلك مسألة املراسالت‬
‫العادية واإللكترونية والهاتف‪.‬‬
‫يندرج ضمن تحقيق وتنظيم تواصل النزيل مع املجتمع‪ ،‬إضافة‬
‫لتمكين النزيل من االتصال باملجتمع‪ ،‬فتح أبواب السجن على‬
‫مصراعيها أمام املجتمع وتشريكه في العناية بالنزيل وفي تحقيق‬
‫إنجاح تأهيله‪ ،‬ويكون ذلك خاصة من خالل عمل النقابة وضغطها‬
‫من أجل تسهيل وتفعيل دور مكونات املجتمع املدني املتداخلة‬
‫في امليداني السجني‪ ،‬والتعاون معها في سبيل حسن أدائها ملهامها‬
‫وتحقيق أغراضها‪.‬‬
‫يزخر املجتمع املدني اليوم بالعديد من الجمعيات واملنظمات‬
‫املهتمة بامليدان السجني‪ ،‬والهادفة لالرتقاء به ولالعتناء بالنزيل‬
‫وبضمان معاملته كإنسان من أجل تحقيق فعلي لتأهيله‪ ،‬إال أن‬
‫هذه الجمعيات واملنظمات شأنها شأن الحقوقيين املهتمين بوضعية‬
‫النزيل يجدون عائقا صلبا أمام أدائهم ملهامهم وغوال كاسرا يمنعهم‬
‫من تحقيق أهدافهم ومن النشاط بأريحية ولو نسبية‪ ،‬هذا الغول‬
‫‪220‬‬
‫هو اإلدارة العقابية املاسكة بحزم بمفاتيح بوابة السجن لتغلقه في‬
‫وجه املجتمع املدني وتمنعه من الولوج والعمل‪ ،‬بالرغم من أنه من‬
‫املفروض أن يكون الوضع على نقيضه نظرا التحاد الهدف التأهيلي‬
‫بين اإلدارة العقابية واملجتمع املدني‪.‬‬
‫إن ما نراه اليوم من سماح اإلدارة العقابية لبعض الجمعيات‬
‫واملنظمات من الدخول للسجن‪ ،‬ومنها مثال الرابطة التونسية‬
‫لحقوق اإلنسان‪ ،‬ليس إال سماحا مسموما وشكليا لتزييف وتزيين‬
‫صورة اإلدارة العقابية أمام الرأي العام الوطني والدولي‪ ،‬حيث على‬
‫أي جمعية أو منظمة مهتمة بالشأن السجني ويمكنها وتريد زيارة‬
‫السجن الحصول على ترخيص في الغرض من اإلدارة العقابية مع‬
‫إبراز سبب الزيارة ومقاصدها واألفراد القائمين بها‪ ،‬وتتمتع اإلدارة‬
‫بسلطة مطلقة في السماح بالزيارة من عدمه‪ ،‬كما ترسم وتحدد‬
‫اإلدارة عند قبولها للزيارة حدود هذه الزيارة ومسارها‪ ،‬حتى أنها مثال‬
‫تحدد الغرف التي سوف يتم زيارتها والنزالء الذين سيتم الحديث‬
‫معهم مع تلقينها طبعا لهؤالء النزالء ماذا يقولون‪ ،‬فهي ببساطة‬
‫تحضر املسرح الذي سيتم زيارته وتوجه الزائر وتتالعب به كما‬
‫تريد‪ .‬ومع األسف‪ ،‬ال تمثل هذه املمارسات سياسة خاصة بإدارة‬
‫مؤسسة سجنية معينة أو سياسة خاصة باإلدارة العامة للسجون‬
‫واإلصالح‪ ،‬وإنما تمثل سياسة عامة للدولة في مجال السجون‪.‬‬
‫هذا الوضع ال يسمح للمجتمع املدني بأن يكون فاعال وفعاال‬
‫في مساعدة الدولة ومن وراءها املؤسسة العقابية على تحقيق‬
‫الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية‪ ،‬لذلك وجب على النقابة‬
‫العمل والضغط والتعاون مع كل من اإلدارة العقابية وكل األطراف‬

‫‪221‬‬
‫املتداخلة من أجل تحقيق مصلحة النزيل وتكريس إنسانيته‬
‫والوصول لتأهيله‪.‬‬
‫طبعا ال يعني هذا األمر فتح أبواب السجن لكل من هب ودب‬
‫من مكونات املجتمع املدني‪ ،‬حيث أن آلية التصريح املسبق تبقى‬
‫متواجدة‪ ،‬إال أن إسنادها لن يكون بيد اإلدارة العقابية منفردة‪،‬‬
‫بل يجب أن تعمل النقابة من أجل إحداث لجنة خاصة تنظر في‬
‫مطالب إسناد مثل هذه التراخيص‪ ،‬وتكون اللجنة ذات طبيعة‬
‫مزدوجة تضم ممثلين عن اإلدارة العقابية وعن الوزارات املتداخلة‬
‫في الشأن السجني كوزارة الداخلية ووزارة الشؤون االجتماعية‬
‫وغيرها وقضاة مباشرين‪.‬‬
‫ويسند الترخيص لكل جمعية أو منظمة ال يشكل نشاطها مسا‬
‫أو خطرا على أمن املؤسسة السجنية أو أمن املجتمع‪ ،‬من ذلك أن‬
‫الجمعيات واملنظمات ذات التوجهات الدينية واملشكوك في كونها‬
‫ذات عالقة بالدعوات التكفيرية أو صدر عن أحد أعضاءها تصريح‬
‫أو عمل فيه تكفير أو تحريض ال يمكن السماح لها بزيارة السجن‪.‬‬
‫وال يكون الترخيص املسند لزيارة فقط وملؤسسة سجنية‬
‫واحدة‪ ،‬بل من املحبذ أن يكون صالحا ملدة سنة من تاريخ تسليمه‬
‫ولكل املؤسسات السجنية بالبالد التونسية ومع بيان طبعا جملة‬
‫املهام املسموح واملراد القيام بها‪ ،‬وتبقى للجنة املصدرة صالحية‬
‫إلغاء الترخيص إما بصفة ذاتية مع التعليم واإلعالم إذا ما ظهرت‬
‫لها معطيات جديدة بعد إسناد الترخيص تدل على تمثيل املتمتع‬
‫لخطر على أمن السجن أو املجتمع‪ ،‬أو بطلب من املؤسسة السجنية‬
‫التي يمكنها إذا تسببت الجمعية أو املنظمة الزائرة في إخالل خطير‬
‫بالنظام أو شكلت تهديدا على أمن املؤسسة‪ ،‬أن ترفع األمر للجنة‬
‫‪222‬‬
‫املعنية طالبة سحب الترخيص ومقدمة ما يدعم ادعاءاتها‪ ،‬وطبعا‬
‫تطلب اللجنة حضور الجمعية أو املنظمة املدعى عليها للدفاع عن‬
‫نفسها وتقديم مؤيداتها‪ .‬وفي كلتا الحالتين يخضع قرار اللجنة‬
‫للنقض أمام املحكمة اإلدارية‪.‬‬
‫تتمتع الجمعية أو املنظمة املتحصلة على ترخيص الزيارة بحق‬
‫زيارة أي مؤسسة سجنية في أي وقت دون سابق إعالم لها‪ ،‬بل‬
‫تكتفي الجهة الزائرة بإعالم قا�ضي تنفيذ العقوبات قبل على األقل‬
‫‪ 24‬ساعة بتاريخ وزمن وموضوع الزيارة‪ ،‬ثم تقوم بالتوجه مباشرة‬
‫إلى املؤسسة السجنية املعنية في التاريخ والزمن املحدد واالكتفاء‬
‫بتسليم الترخيص وبيان في املهمة املراد إنجازها بمناسبة هذه الزيارة‬
‫إلى مدير السجن أو من ينوبة في حالة غيابه‪ ،‬ويتم تضمين كل ما‬
‫يتعلق بهذه الزيارة بدفتر خاص يم�ضى من الزائرين ومدير السجن‬
‫أو من ينوبه‪ ،‬وعلى املؤسسة السجنية تسهيل مهمة الطرف الزائر‪.‬‬
‫ال يقف دور النقابة فيما يتعلق باملجتمع املدني على العمل‬
‫على فتح أبواب السجن أمامه وتسهيل عمله‪ ،‬بل يشمل أيضا‬
‫دفع املجتمع املدني بمختلف مكوناته للمساهمة املادية في تحقيق‬
‫ظروف إقامة إنسانية لنزيل املؤسسة السجنية‪ ،‬حيث من املعلوم‬
‫أن تحقيق مثل هذه الظروف يحتاج اعتمادات مالية هامة‪ ،‬ومن‬
‫املعلوم كذلك أن الدولة ال ترصد مع األسف اعتمادات مالية هامة‬
‫لقطاع السجون‪ ،‬وأن اإلدارة العقابية ونظرا لعقليتها الغير داعمة‬
‫للتأهيل توجه اعتماداتها لحفظ األمن وبناء السجون أكثر من‬
‫تحقيق التأهيل‪.‬‬
‫وحتى لو وجدت اإلرادة السياسية وتغيرت النظرة للنزيل ووفرت‬
‫الدولة االعتمادات‪ ،‬فهذا ال يعني تملص النقابة من هذا الدور املهم‬
‫‪223‬‬
‫والبناء‪ ،‬فالنقابة مثلما هي جهاز ضغط ودفع لإلدارة العقابية من‬
‫أجل تحقيق ظروف إقامة إنسانية للنزيل‪ ،‬يجب عليها أن تكون‬
‫شريكا فاعال وفعاال في تحقيق هذه الظروف‪ ،‬ويجب عليها لعب دور‬
‫ريادي في هذا املجال‪ ،‬إذ عليها دعوة ودفع املجتمع املدني لتقديم‬
‫التبرعات املالية واملادية املتنزلة صلب حاجيات هذه اإلقامة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬من ذلك يمكنها السعي لتوفير كميات من مواد النظافة‬
‫يتم التبرع بها ملؤسسة سجنية‪ ،‬كذلك توفير مستلزمات الفراش‬
‫وأجهزة تلفاز وتجهيزات رياضية وغير ذلك من املواد واألشياء التي‬
‫يمكن الحصول عليها تبرعا من مكونات املجتمع املدني‪.‬‬
‫تنعكس تبرعات املجتمع املدني باإليجاب على املؤسسة العقابية‬
‫باعتبارها تخفف من الحمل املادي املحمول عليها‪ ،‬وتنعكس كذلك‬
‫باإليجاب على النزيل خاصة من ناحية تنمية ثقته باملجتمع‪ ،‬حيث‬
‫أن النزيل الذي في الغالب يعتبر املجتمع تخلى عنه ووصمه سوف‬
‫يغير نظرته لهذا املجتمع باعتبار أنه يعاين تحرك هذا املجتمع‬
‫ومساهمته املادية في توفير ظروف إقامة إنسانية له‪ ،‬ومما يزيد‬
‫من هذا الشعور بالرضاء والثقة في املجتمع دخول الجمعيات‬
‫واملنظمات للسجن وعملها امليداني على النهوض بوضعه وتجنيبه‬
‫سوء تصرف وتجاوزات اإلدارة العقابية‪.‬‬
‫إضافة لذلك‪ ،‬يساهم اكتساح املجتمع املدني للسجون وتدخله‬
‫في تحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة ومساهمته في تحقيق ظروف‬
‫إقامة إنسانية للنزيل في تغيير موقف الرأي العام من النزالء وخاصة‬
‫السابقين‪ ،‬وتغيير النظرة االجتماعية وتراجع النظرة السلبية‬
‫تجاه هذا اإلنسان الذي أخطأ ودفع ثمن خطئه‪ ،‬وتقوقع التحقير‬

‫‪224‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬مما يسهم بشكل جد فعال في إنجاح عودة النزيل‬
‫للمجتمع وفي محاصرة السجننة‪.‬‬
‫إضافة للدور الريادي الذي تلعبه النقابة على مستوى تحقيق‬
‫وتنظيم تواصل النزيل باملجتمع‪ ،‬يجب عليها االهتمام بتواصل‬
‫النزيل مع أجهزة الدولة‪ ،‬وبذلك تكون النقابة قد أكملت فعال‬
‫االهتمام بتواصل النزيل مع العالم الخارجي‪ .‬وعندما نتحدث عن‬
‫أجهزة الدولة في إطار العالم الخارجي فإننا نقصد أجهزتها دون‬
‫اإلدارة العقابية في عمومها بما في ذلك قا�ضي تنفيذ العقوبات الذي‬
‫يعتبر مكونا من مكونات اإلدارة العقابية‪.‬‬
‫سنكتفي في هذا اإلطار بالحديث عن أمرين فقط نرى أنهما‬
‫يمثالن أهم صور تواصل النزيل مع أجهزة الدولة‪ ،‬وهما حق النزيل‬
‫في مراسلة أجهزة الدولة وحق النزيل في التقا�ضي‪ ،‬باعتبار وأن هذين‬
‫األمرين يشكالن بحق معظلة عملية ويعاني من خاللهما النزيل من‬
‫تجاوز وتعدي اإلدارة العقابية على حقه في كال األمرين‪.‬‬
‫فيما يتعلق بحق النزيل في مراسلة أجهزة الدولة‪ ،‬نصت الفقرة‬
‫‪ 9‬من الفصل ‪ 17‬من قانون ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬على أنه من حق النزيل‬
‫مكاتبة السلط القضائية‪ ،‬ونصت الفقرة ‪ 14‬من الفصل ‪ 14‬من‬
‫أمر ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1988‬على حق النزيل في مراسلة السلط اإلدارية‪،‬‬
‫ويفهم من إطالقية عبارة السلط القضائية والسلط اإلدارية أنه‬
‫للنزيل الحق في مكاتبة كل جهة قضائية أو إدارية يرى من الصالح‬
‫أن يراسلها‪ .‬وربط الفصلين هذه املراسلة باملؤسسة السجنية‪،‬‬
‫حيث ال يمكن للنزيل مراسلة سلطة قضائية أو جهة إدارية إال عن‬
‫طريق إدارة السجن‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫إن كانت هذه الفصول قد منحت للنزيل حقا مهما‪ ،‬إال أنها في‬
‫املقابل قد أضعفت من أهميته بأن أخضعت رسائل النزيل املوجهة‬
‫إلى السلطة القضائية أو اإلدارية للرقابة من طرف إدارة السجن‪،‬‬
‫دون أن ينص املشرع على الجزاء الذي يسلط عليها في صورة عدم‬
‫إيصالها إلى املعني بها‪ .‬وهو ما يضر بمصلحة املحكوم عليه ألنه ال‬
‫يضمن وصول رسائله التي قد تحتوي على معلومات أو براهين ذات‬
‫قيمة إلى الطرف املوجهة إليه‪.‬‬
‫يعتبر هذا األمر جد منتقد‪ ،‬ووجب على النقابة في إطار سعيها‬
‫لتنظيم تواصل النزيل مع أجهزة الدولة‪ ،‬العمل والضغط من أجل‬
‫التكريس القانوني والعملي لحق النزيل في مراسلة السلط القضائية‬
‫واإلدارية بشكل مباشر دون خضوع هذه املراسالت لرقابة وإطالع‬
‫اإلدارة السجنية‪ ،‬حيث أن هذه الرقابة التي تفرضها إدارة السجن‬
‫على هذا الصنف من مراسالت النزيل ليس له ما يبرره‪ ،‬باعتباره‬
‫خطابا موجها إلى مؤسسة أو إلى سلطة عامة رسمية ليس لها أي‬
‫تأثير على األمن والنظام داخل املؤسسة العقابية الذي تتذرع به‬
‫هذه األخيرة دائما لفرض رقابتها‪.‬‬
‫ويجب أن تعمل النقابة عمليا وتحرص دائما على ضمان وصول‬
‫هذا النوع من الرسائل إلى مقصدها‪ ،‬وضمان عدم عمد اإلدارة‬
‫السجنية أو أحد أعوانها منع إرسال املكتوب‪ ،‬خصوصا وأنه في‬
‫الغالب يكون محتوى هذه املكاتيب تشكي النزيل من ظلم وتعد‬
‫أصابه من قبل اإلدارة أو أحد أعوانها‪ ،‬وكذلك يجب على النقابة‬
‫توعية النزيل املرسل بأهمية عدم التصريح بفحوى الرسالة ألي كان‬
‫خصوصا قبل خروجها من السجن‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫نجد نفس مشكل االطالع والرقابة متوفرا أيضا في مراسالت‬
‫النزيل ملحام‪ ،‬والتي تندرج ضمن حقه في التقا�ضي‪ ،‬حيث نصت‬
‫الفقرة ‪ 9‬من الفصل ‪ 17‬على حق كل نزيل في مكاتبة املحامي املكلف‬
‫بالدفاع عنه وذلك عن طريق إدارة السجن‪ ،‬ويعتبر أيضا هذا األمر‬
‫غير منطقي وينطبق عليه نفس ما أوردناه حول مراسلة السلط‬
‫القضائية واإلدارية‪.‬‬
‫نصت املادة ‪ 8‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان على حق كل‬
‫شخص في االلتجاء إلى املحاكم الوطنية املختصة إلنصافه الفعلي‬
‫من أية أعمال تنتهك الحقوق األساسية التي يمنحها إياه الدستور‬
‫أو القانون‪ ،‬ونالحظ كذلك أن معظم االتفاقيات الدولية والنظم‬
‫القانونية التي تعرضت إلى حق التقا�ضي قد نصت عليه في صيغة‬
‫عامة “كل شخص” أو “كل مواطن” دون أن تستثني نزيل املؤسسة‬
‫السجنية من التمتع بهذا الحق‪.‬‬
‫نص املشرع التون�سي على حق النزيل في التقا�ضي صلب الفقرة‬
‫‪ 6‬من الفصل ‪ 17‬حيث جاء بها “لكل سجين الحق في مقابلة محام‬
‫بترخيص من اإلدارة املكلفة بالسجون واإلصالح وبحضور أحد‬
‫موظفي السجن وذلك بالنسبة إلى املحكوم عليه بحكم بات”‪ .‬ومن‬
‫املعلوم أن املحكوم عليه بحكم بات سوف لن يكون في حاجة إلى‬
‫مقابلة محام إال في صورة تعرضه للمساءلة الجزائية أو في صورة‬
‫رفعه لدعوى جزائية يتظلم فيها من مسألة معينة أو لدعوة مدنية‬
‫كذلك‪.‬‬
‫يعتبر اشتراط حصول املحكوم عليه على ترخيص من اإلدارة‬
‫املكلفة بالسجون واإلصالح ملقابلة محاميه أمرا منتقدا ألنه يحد‬
‫من الحرية في التقا�ضي‪ ،‬وهو ما ذهبت فيه اللجنة األوروبية‬
‫‪227‬‬
‫لحقوق اإلنسان حيث اعتبرت اشتراط حصول املحكوم عليه على‬
‫إذن لالتصال بمحام يتعارض مع الفصل ‪ 6‬من االتفاقية األوروبية‬
‫لحقوق اإلنسان الذي يقرر حق األفراد في التقا�ضي‪ ،‬كما قررت‬
‫هذه اللجنة أن بقاء الحارس أثناء مقابلة النزيل ملحاميه يتناقض‬
‫وحق الدفاع املنصوص عليه ضمن االتفاقية األوروبية لحقوق‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط من أجل التكريس القانوني‬
‫والعملي لحق النزيل في التقا�ضي بدون قيود أو حدود أو مراقبة‬
‫مفروضة من اإلدارة السجنية‪ ،‬حيث يجب أن تكون مراسالت‬
‫النزيل مع املحامي سرية وغير مراقبة وال يتم االطالع على محتواها‬
‫أو اعتراضها إال ألسباب قانونية وبمقت�ضى إذن قضائي‪ ،‬ويجب أن‬
‫تجرى لقاءات النزيل مع محاميه في خصوصية تامة وخارجة عن‬
‫كل مراقبة سمعية أو بصرية‪ ،‬ويجب طبعا قبل السماح بمثل تلك‬
‫الزيارات أن يتم طبعا تبليغ اإلدارة العقابية بإعالم النيابة حتى يكون‬
‫هذا املحام رسميا محام النزيل ونائبه في قضية معينة‪.‬‬
‫إن بضمان حسن تنظيم وتمتع النزيل بحقه في التواصل مع‬
‫أجهزة الدولة ومع العالم الخارجي بصفة عامة دعم لحق النزيل في‬
‫ظروف إقامة إنسانية داخل املؤسسة السجنية مما يدعم إنسانيته‬
‫ويحقق تأهيله‪ ،‬ويدخل في نفس هذا اإلطار تنظيم عالقة النزيل‬
‫باإلدارة العقابية‪ ،‬وهي مهمة جد هامة وفعالة على النقابة االضطالع‬
‫بها والنجاح فيها‪ ،‬ملا لهذا النجاح من فائدة للنزيل وللمؤسسة‬
‫العقابية في حد ذاتها‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دور العمل‬
‫النقابي يف تنظيم عالقة النزيل‬
‫باإلدارة العقابية‬

‫تقوم السجون على نظام سلطوي‪ ،‬وهذه السجون كمؤسسات‬


‫شمولية تبهظ كاهل الفرد بما تمارسه حياله من ضغوط‪ ،‬إذ أن كل‬
‫مظاهر الحياة اليومية لنزالء السجون يتم ضبطها والتحكم فيها من‬
‫قبل إدارة السجن‪ ،‬حيث أن مظاهر حياة النزالء مجدولة وال اختيار‬
‫لهم في هذه الجدولة وال يسمح لهم بأية حال من األحوال بخرقها‪.‬‬
‫تفرض العقوبة السجنية وتيرة حياة جديدة قائمة على‬
‫االنضباط وعلى التكرار والرتابة‪ ،‬وعلى فرض التعايش في وسط‬
‫غريب مع أشخاص غير متجانسين وغرباء في الغالب‪ ،‬وبذلك‬
‫تكون هذه الحياة ذات وتيرة ال عالقة لها بما يجري خارج املؤسسة‬

‫‪229‬‬
‫السجنية‪ ،‬حيث هناك قطيعة بين الحياة السجنية والسلوكيات‬
‫التي تعود عليها النزيل قبل دخوله السجن‪.‬‬
‫تستلزم الحياة داخل السجن تطويع املحكوم عليهم لقانون‬
‫املؤسسة السجنية‪ ،‬وجعلهم ينتقلون من عالم الحر إلى عالم صارم‬
‫ومضبوط يفرض أطر جديدة على هؤالء األشخاص املقتلعين من‬
‫عاملهم‪ ،‬وبذلك تشترط هذه الحياة تغييرات عميقة في السلوك وفي‬
‫طريقة الحياة‪ ،‬وهذا التعديل في السلوك ليس باألمر الهين وال يمر‬
‫دون سلبيات‪ ،‬ذلك أن تحول الفرد من محيط حر إلى محيط مغلق‬
‫قصري والذي يمر دون عملية انتقالية يحدث هزات عنيفة وآالما‬
‫نفسية عميقة‪.‬‬
‫يفرض الواقع واملنطق أن تكون عالقة اإلدارة العقابية‬
‫بمنظوريها من النزالء عالقة جد متوترة‪ ،‬حيث أن النزيل سيسعى‬
‫دائما للتملص ورد الفعل والثورة ضد الضبط والتحكم في محاولة‬
‫طبيعية للتحرر واسترجاع السيطرة على ذاته‪ ،‬وهو أمر ستسعى‬
‫اإلدارة العقابية للتوقي منه وصده واملعاقبة عليه بكل الطرق‬
‫املمكنة وذلك حفاظا على أمنها وتحقيقا لدورها الهادف تنفيذ‬
‫العقوبة والوصول لتجسيد أغراضها‪.‬‬
‫يجب إلنجاح الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية العمل على‬
‫تأطير هذا الوضع التصادمي وذلك بخلق توازن بين اإلدارة العقابية‬
‫والنزالء بما يحفظ إنسانية وحقوق املحكوم عليهم ويضمن عدم‬
‫تعسف اإلدارة السجنية في فرض األمن والنظام وفي معاقبة كل من‬
‫يخل أو يمس بهما‪ .‬وال مناص لضمان ذلك من تدخل العمل النقابي‬
‫لتنظيم عالقة النزيل باإلدارة العقابية والسعي لضمان توازنها‬

‫‪230‬‬
‫ونجاعتها من جميع الجوانب بما فيها الجانب التأديبي والجانب‬
‫التفريدي‪.‬‬
‫حتى نتمكن من توضيح وتحليل وإبراز دور العمل النقابي في‬
‫تنظيم عالقة النزيل باإلدارة العقابية‪ ،‬سنتولى تقسيم هذا الفصل‬
‫إلى مبحثين‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬دور العمل النقابي في ضمان توازن العالقة بين‬
‫اإلدارة السجنية والنزيل‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دور العمل النقابي في تحقيق نجاعة املنظومة‬
‫التأديبية والتفريد التنفيذي‬
‫املبحث األول‪ :‬دور العمل النقابي في ضمان توازن العالقة بين‬
‫اإلدارة السجنية والنزيل‬
‫يمثل السجن املكان الذي تجهد فيه السلطة لتأطير األفراد‪،‬‬
‫ومكان الهادف ملالئمة وتنقية األجهزة التي تأخذ على عاتقها وتضع‬
‫تحت املراقبة سلوك األفراد اليومي وهويتهم ونشاطهم وحركتهم‪،‬‬
‫حيث يمثل السجن تسييجا جزائيا متشددا للجسد االجتماعي‬
‫للنزيل‪.‬‬
‫تتسبب هذه الوضعية في اختالل توازن العالقة بين اإلدارة‬
‫السجنية والنزيل‪ ،‬خصوصا وأن هذه اإلدارة تركز دائما على املهمة‬
‫األمنية على حساب املهمة التأهيلية‪ ،‬والذي زاد الوضع سوءا‪،‬‬
‫عالقات الريبة والشك التي تسود عالقة املؤسسة العقابية واملجتمع‬
‫عامة بالنزالء‪ ،‬والتي تكسر مع الخصائص األساسية االجتماعية‬
‫التي تستند عموما على الثقة‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫إن تركيز إدارة السجن في املقام األول على املهمة األمنية ال يزال‬
‫املبدأ‪ ،‬بالرغم من كونها لم تعد قادرة على تجاهل االعتبارات املتزايدة‬
‫التي أعطيت للنزيل ولكرامته وحقوقه‪ ،‬هذه االعتبارات التي تتطلب‬
‫قيام العالقة بين اإلدارة والنزيل على التوازن الهادف لتحقيق األمن‬
‫وحفظه دون التعدي على حقوق النزيل وإهمال الغاية التأهيلية‬
‫للعقوبة‪.‬‬
‫يتنزل في هذا اإلطار العمل النقابي الهادف لتحقيق هذا التوازن‬
‫املطلوب واملحافظة عليه مما يساهم في إنجاح عملية التأهيل‪،‬‬
‫وحتى نتمكن من إبراز دور العمل النقابي في ضمان هذا التوازن‪،‬‬
‫سنتولى تقسيم هذا املبحث إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تكريس االحترام املتبادل بين النزيل واإلدارة‬
‫العقابية‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬فرض األمن والهدوء داخل املؤسسة‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬مساعدة اإلدارة العقابية على فهم شخصية‬
‫النزيل‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تكريس االحترام املتبادل بين النزيل واإلدارة‬
‫العقابية‬
‫أثبتت التجربة واتفق علماء اإلجرام وجميع الدارسين للحياة‬
‫السجنية أن اعتماد موظفي اإلدارة السجنية في عالقتهم بالنزالء‬
‫على السيطرة والضغط‪ ،‬واعتماد العنف إلرضاخ النزيل والتحكم‬
‫فيه تحكما تاما‪ ،‬ليست في صالح الطرفين وتؤدي حتما إلى انفجار‬
‫الوضع وانتشار العنف كردة فعل من النزالء تجاه هؤالء املوظفين‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫يتولد عن مثل تلك العالقة شعور بالدونية في صفوف النزالء‬
‫يصحبه إحساس بالضغط والظلم الدائم‪ ،‬مما يجعل النزيل ينظر‬
‫إلى موظفي السجون وخاصة الحراس على أنهم أعداء معتدون يجب‬
‫مقاومتهم والثأر منهم لكرامة تهان منهم كل لحظة‪ ،‬وهكذا تنتشر بين‬
‫النزالء إرادة ردة الفعل تجاه هذه املؤسسة القمعية‪ ،‬وتنتشر حاالت‬
‫االعتداء على املوظفين وعلى التجهيزات لتصل في بعض األحيان إلى‬
‫حاالت تمرد‪ ،‬مما يجعل األمن مهدد والخطر مرتفع‪ .‬وهذا الوضع‬
‫طبعا يجعل موظفي املؤسسة السجنية في حالة نفسية سيئة‬
‫باعتبار شعورهم الدائم بالخوف من أن يتم االعتداء عليهم من‬
‫قبل نزيل‪.‬‬
‫ال يمكن الحديث في مثل هذه الظروف على تأهيل أو على حقوق‬
‫نزيل أو على أمن السجن‪ ،‬لذلك دعت السياسية العقابية الحديثة إلى‬
‫وجوب تقريب الفوارق بين النزيل واملوظف‪ ،‬وتجاوز عالقة السجين‬
‫بالسجان بخلق روح التواصل والتعاون واالنسجام مما يؤسس‬
‫لعالقة احترام متبادل بين النزيل وكل موظفي املؤسسة السجنية‪،‬‬
‫وهذا أمر الزم إلنجاح الغرض التأهيلي للعقوبة السجنية‪.‬‬
‫تتمتع العالقة بين النزيل والحراس بأولوية من حيث وجوب‬
‫تأطيرها وضمان قيامها على االحترام املتبادل‪ ،‬باعتبار وأن هؤالء‬
‫الحراس في عالقة مباشرة ودائمة مع النزالء‪ ،‬لذلك وجب على‬
‫النقابة العمل على حسن تأطير هذه العالقة دون طبعا إهمال‬
‫عالقة النزيل بباقي موظفي املؤسسة السجنية والتي أيضا يجب أن‬
‫تعمل النقابة على تأطيرها‪.‬‬
‫أ‪ -‬تأطيرالعالقة بين النزيل والحراس‬

‫‪233‬‬
‫تتميز العالقة بين النزيل والحراس بكونها عالقة مباشرة ودائمة‪،‬‬
‫حيث أن النزيل يخضع للمراقبة املباشرة والتوجيه الدائم من قبل‬
‫الحراس باعتبار أن طبيعة عمل أعوان السجون تفرض عليهم‬
‫التواجد في كل مكان يتواجد فيه النزيل داخل الفضاء السجني‪ ،‬إذ‬
‫يتعامل النزيل ويتحاور طيلة فترة محكوميته وبشكل دائم ويومي مع‬
‫الحراس‪ ،‬فجميع األنشطة التي يقوم بها طيلة اليوم تخضع لرقابة‬
‫الحراس وتوجيهاتهم إضافة للعديد من الخدمات والحقوق التي ال‬
‫يمكن التمتع بها إال بواسطة الحارس‪.‬‬
‫يتمتع الحارس باعتبار تواجده جنبا لجنب مع النزيل بسلطة‬
‫تقديرية في تقييم كل تصرف يصدر عن النزيل ومدى جوازه‪ ،‬إذ‬
‫يتمتع الحارس بسلطة منع النزيل من القيام بأمر معين يرى أنه من‬
‫شأنه املس بأمن املؤسسة السجنية أو يخل بموجبات الهدوء فيها‪،‬‬
‫وهذا املنع يمكن أن يتجاوز املنع املطلبي ليبلغ درجة املنع املادي‪،‬‬
‫إضافة للسلطة العقابية التي يتمتع بها الحارس حيث وإن كانت‬
‫العقوبات التأديبية تسلط من قبل مدير السجن ومجلس التأديب‬
‫إال أن الحارس هو من يقوم باإلبالغ عن املخالفات ورفع التقارير‬
‫في شأنها‪.‬‬
‫قد ينجر عن السلطة التي يتمتع بها الحارس على النزالء عدة‬
‫تجاوزات من الطرفين‪ ،‬حيث أن الحارس قد يتعسف في استعمال‬
‫سلطاته أو قد ي�سيء استخدامها‪ ،‬والنزيل قد يتعمد إهانة الحارس‬
‫أو االعتداء عليه في رد فعل على أمر ما أو حتى في إطار تصعيد نف�سي‬
‫وردة فعل تجاه الضغط السجني أو عند رفضه االنصياع لألنظمة‬
‫والقوانين املرتبة للحياة السجنية‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫تفرض طبيعة األمور أن تقوم العالقة بين النزيل والحارس على‬
‫التوتر والشك والخوف وحتى الكره والنقمة أحيانا‪ ،‬إذ أن النزيل‬
‫تختزل املؤسسة السجنية بالنسبة إليه في شخص الحارس ويعتبره‬
‫املسؤول عما يعانيه من إكراه وتوجيه وغير ذلك من سلبيات الحياة‬
‫السجنية‪ ،‬وينتابه كذلك شعور دائم بأن الحارس يحتقره وال يشعر‬
‫بمصابه وغير متعاطف معه‪ ،‬وال يراعي ال إنسانيته وال وضعه وال‬
‫متطلباته‪ ،‬وينتابه كثيرا الشعور بأن الحارس يتعمد صده ورفض‬
‫طلباته ويتعمد منعه من القيام بالعديد من األمور بتعلة الحفاظ‬
‫على النظام واألمن‪ ،‬وأيضا يتلذذ بإهانته وعذابه‪.‬‬
‫أما الحارس‪ ،‬فيرى في النزيل خطرا دائما وداهما على املؤسسة‬
‫السجنية وخاصة على سالمته الشخصية‪ ،‬حيث تتملك الحارس‬
‫قناعة بأن النزيل مجرم خطير يكن له البغض والكره ويتحين‬
‫الفرصة لالعتداء عليه‪ ،‬وأنه مهما تظاهر بالطيبة ومهما أبدى‬
‫تعاون واحترام للحراس فإن ذلك ليس إال تظاهرا يموه به عن‬
‫حقيقته وعن نواياه العدوانية‪.‬‬
‫ال يمكن لهذه املعطيات أن تأسس لعالقة طيبة بين النزيل‬
‫والحارس بشكل يحفظ كرامة وسالمة وحقوق الطرفين‪ ،‬لذلك‬
‫وجب على النقابة التدخل من أجل تأطير هذه العالقة‪ ،‬وعندما‬
‫نتحدث عن تأطير وعن عالقة جيدة فال نقصد أن تتحول العالقة‬
‫بين النزيل والحارس إلى عالقة صداقة‪ ،‬فهذا أمر مناف لطبيعة‬
‫عمل الحارس وطبيعة اإلطار الذي تتنزل فيه العالقة‪ ،‬حيث أن‬
‫الحارس يبقى حارسا والنزيل يبقى نزيال والسجن يبقى مؤسسة‬
‫عقابية قصرية‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫تتمثل العالقة الواجب توفرها بين النزيل والحارس‪ ،‬بما يخدم‬
‫الغاية التأهيلية للعقوبة ويرجع باإليجاب على كل من النزيل والحارس‬
‫سواء من الناحية النفسية أو الجسدية أو العقلية‪ ،‬في عالقة تقوم‬
‫على االحترام املتبادل والتعاون البناء‪ ،‬حيث يجب على الحارس‬
‫احترام إنسانية النزيل ومعاملته على هذا األساس‪ ،‬وتطبيق القانون‬
‫عليه إذا ما ارتكب خطأ دون تعسف أو تجاوز أو إهانة‪ ،‬فال �شيء‬
‫يبرر أن يقوم الحارس بإهانة النزيل أو ضربه أو شتمه أو إهانته‪ .‬وفي‬
‫نفس اإلطار يجب على النزيل احترام الحارس وإتباع تعليمته وعدم‬
‫التعدي اللفظي أو املادي عليه‪ ،‬وحتى إن كانت تعليمات الحارس أو‬
‫تصرفاته مجانبة للصواب أو فيها تعسف وظلم فما على النزيل إال‬
‫االنصياع بهدوء وتتبع حقه بالطرق القانونية‪.‬‬
‫تسعى النقابة في هذا املجال إلى توعية النزيل وإقناعه بوجوب‬
‫احترام الحارس‪ ،‬وتبين له بصورة عامة املسموح والغير مسموح‬
‫في إطار هذه العالقة‪ ،‬وتعمل على تغيير نظرة النزيل للحارس من‬
‫النقمة والخوف إلى التقدير والهبة‪ ،‬وتستعين النقابة في سبيل ذلك‬
‫باملختصين في علم النفس والسلوكيات وعلم التواصل اإلنساني‬
‫وغيرهم من املتداخلين واملهتمين بالسلوك اإلنساني‪.‬‬
‫كما تفرض النقابة متابعة ومراقبة دائمة لتصرفات النزالء‬
‫تجاه الحراس‪ ،‬وتقوم بصفة دائمة بتوجيه النزيل للطريقة املثلى‬
‫للتعامل‪ ،‬مع اإلشارة إلى كون تعويد النزيل على احترام الحراس يتنزل‬
‫رأسا صلب الغاية التأهيلية للعقوبة‪ ،‬ذلك أن إقناع النزيل بوجوب‬
‫قيام العالقات االجتماعية مهما كانت درجتها وصنفها على االحترام‬
‫وتعويده على ذلك يجعله إنسان يحترم الجميع ويبتعد في تصرفاته‬
‫عن ردود الفعل العنيفة‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫يجب أيضا على النقابة العمل والضغط والتعاون مع اإلدارة‬
‫العقابية من أجل اإلحاطة بالحراس‪ ،‬وتوعيتهم بأن النزيل إنسان‬
‫وبأن أسلوب عملهم يجب أن يكون قائما على التوازن بين القانون‬
‫واإلنسانية وأن يحترموا كرامة النزيل‪ ،‬وأفضل وسيلة في هذا املجال‬
‫إضافة طبعا للتوعية‪ ،‬إقامة اإلدارة العقابية بالشراكة مع املجتمع‬
‫املدني لدورات تكوينية للحراس بغاية تدريبهم املستمر وتكوينهم في‬
‫مجال التعامل اإلنساني مع النزالء‪.‬‬
‫ويجب أيضا العمل على حل املشاكل التي قد تنشب بين حارس‬
‫ونزيل في اإلبان‪ ،‬وذلك بالسعي لتلطيف األجواء بين الطرفين‬
‫وتوضيح األمور وتصفية النفوس وتوعية املخطئ بخطئه‪ ،‬وذلك‬
‫بغاية تفادي الضغائن والحفاظ على العالقة سليمة‪.‬‬
‫وال نن�سى وجوب وضع حد للتصرفات الغريبة والفاسدة التي‬
‫أصبحت تشكل قاعدة في العالقات االجتماعية بين الحراس والنزالء‬
‫داخل الفضاء السجني‪ ،‬وهي مسألة الرشاوي واالبتزاز‪ ،‬إذ يجب‬
‫القضاء على هذه الظواهر التي ال يمكن أن تؤسس لعالقة متزنة‬
‫وقائمة على االحترام بين األطراف‪ ،‬وال يمكن القضاء على مثل تلك‬
‫الظواهر إال بتكاتف جهود النقابة واإلدارة العقابية‪.‬‬
‫ال يقف دور النقابة في مستوى العالقات االجتماعية للنزيل‬
‫داخل الفضاء السجني على تأطير العالقة بينه وبين الحراس‪،‬‬
‫وجعلها عالقة تقوم على االحترام املتبادل وعلى تفعيل القانون‬
‫وإتباع النظام‪ ،‬بل تشمل أيضا عالقة النزيل بباقي موظفي اإلدارة‬
‫العقابية‪ ،‬فالنزيل وإن كان أغلب تعامله مع الحراس إال أنه أيضا‬
‫يتعامل مع باقي املوظفين‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫ب‪ -‬تأطيرالعالقة بين النزيل وباقي موظفي السجن‬
‫يتعامل النزيل بشكل يومي أو ظرفي مع العديد من موظفي‬
‫املؤسسة السجنية‪ ،‬ونذكر منهم على سبيل الذكر ال الحصر‪ ،‬مدير‬
‫السجن وطبيب السجن وطاقمه الطبي وموظفي الرعاية االجتماعية‬
‫واألخصائيين النفسانيين وغيرهم‪ .‬وإن كانت هذه العالقات عمليا ال‬
‫تمتاز بالحدة والسلبية التي نجدها في العالقة بين النزيل والحراس‪،‬‬
‫إال أنها تبقى سلبية في بعض جوانبها مما يحتم على النقابة العمل‬
‫على جعلها تبتعد عن الشوائب وتقوم أيضا على االحترام والتعاون‪.‬‬
‫نجد مثال أن عالقة النزيل بطبيب السجن وبالطاقم الطبي عامة‬
‫ينتابها الكثير من التوتر والسلبيات‪ ،‬حيث أن النزيل املريض عادة ال‬
‫يجد الرعاية الالزمة وال يجد ما يلزم من األدوية‪ ،‬بل وأحيانا ال يجد‬
‫حتى من يكشف عليه ويشخص مرضه‪ ،‬وأحيانا أخرى ال يتمكن‬
‫من الذهاب إلى الطبيب الذي يرفض لقاءه نظرا النشغاله بغيره من‬
‫النزالء املر�ضى أو النتهاء وقت عمله أو لغير ذلك من األسباب‪.‬‬
‫يجعل هذا الوضع النزيل يقتنع بعدم اهتمام الطاقم الطبي‬
‫للمؤسسة السجنية به وعدم مباالتهم بآالمه ومرضه‪ ،‬وقد يزيد‬
‫النزيل اقتناعا بذلك عندما يعاين صالبة هذا الطاقم عند التعامل‬
‫معه والكشف عنه باستعجال وعدم االهتمام برفع معنوياته وإبداء‬
‫نوع من التعاطف والحنان مع حالته‪.‬‬
‫تؤدي هذه األمور إلى تصلب النزيل عند التعامل مع الطاقم‬
‫الطبي‪ ،‬وقد يصل به األمر إلى اعتماد أسلوب استفزازي عند‬
‫التخاطب معهم أو حتى أكثر من ذلك‪ ،‬ولن تزيد ردة الفعل هذه‬

‫‪238‬‬
‫الوضع إال سوء‪ ،‬خصوصا إذا أضفنا لها تضمر الطاقم الطبي من‬
‫كثرة تمارض النزالء مما يثقل كاهلهم بعمل هم في غنى عنه‪.‬‬
‫ال يعود عدم تلقي النزيل املريض للرعاية الالزمة بالضرورة‬
‫لتقصير الطاقم الطبي أو رغبته في ذلك‪ ،‬فغالبا يكون ذلك راجعا‬
‫لنقص اإلمكانيات والتجهيزات واألدوية املتاحة في املؤسسة‬
‫السجنية على ذمة خذا الطاقم‪ ،‬وهذه مسألة قد ال يعلمها أو ال‬
‫يستوعبها النزيل‪ ،‬مما يفرض تدخل النقابة لتوعيته بذلك وانتزاع‬
‫األفكار السوداء وعقلية املؤامرة من عقله‪ ،‬وال نن�سى أن ظروف‬
‫العمل السيئة وإحساس أي فرد بالطاقم الطبي وخاصة الطبيب‬
‫بالعجز عن أداء رسالته على النحو األمثل‪ ،‬قد يجعله يشعر‬
‫بالضغط النف�سي الذي ينعكس على سلوكه فتغيب عنه االبتسامة‬
‫وتظهر على مالمحه عالمات التوتر والقلق‪.‬‬
‫يجب على النقابة توعية النزيل بعدم التالعب بحالته الصحية‬
‫وعدم التمارض وبضرورة التعامل مع الطاقم الطبي بكل أدب‬
‫وصدق‪ ،‬ويجب عليها أن تبين للنزيل أن الطب رسالة وأن أعضاء‬
‫الطاقم الطبي هم بحق مالئكة رحمة يجب أن ينالوا ما يستحقوا من‬
‫احترام وحسن تعامل‪ .‬وفي املقابل يجب على النقابة العمل والتعاون‬
‫مع اإلدارة العقابية لتوعية الطاقم الطبي للمؤسسة بخصوصية‬
‫هذه الفئة من املر�ضى التي يتعاملون معها‪ ،‬وبضرورة أن يعاملوهم‬
‫برفق مراعين في ذلك حاجتهم النفسية ملثل ذلك الرفق‪ ،‬والتأكيد‬
‫على أن ال �شيء يبرر التعامل مع نزيل بقسوة أو رفض عالجه أو‬
‫اإلساءة إليه‪ .‬ومن األفضل أن تحرص النقابة على أن تقوم اإلدارة‬
‫العقابية بالتعاون مع املجتمع املدني وكل املتداخلين من أجل‬

‫‪239‬‬
‫تمكين الطاقم الطبي من تكوين مستمر في فن التواصل والتعامل‬
‫مع النزالء‪.‬‬
‫يعتبر تأطير العالقة بين النزيل وجميع موظفي املؤسسة‬
‫السجنية هدفا من املفروض أن يكون مشتركا بين النقابة واإلدارة‬
‫السجنية وكل املتداخلين في املجال‪ ،‬حيث أن فوائد هذا التأطير‬
‫تتجاوز أطراف العالقة لتشمل اإلطار العام للحياة السجنية‪،‬‬
‫وتساهم بشكل كبير في تحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية‪،‬‬
‫إضافة ملساهمتها بقسط كبير وريادي في فرض األمن والهدوء داخل‬
‫املؤسسة السجنية‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬فرض األمن والهدوء داخل املؤسسة‬
‫يعتبر األمن أمرا أساسيا لسير العمل السجني‪ ،‬وهو يقوم على‬
‫توفير الظروف املوضوعية املزيلة لكل املخاطر والتهديدات بما‬
‫يضمن التشغيل العادي وانسياب نشاط املؤسسة السجنية‪ ،‬مع‬
‫ضمان غياب األخطار التي تهدد السالمة العامة بما في ذلك حياة‬
‫وحرية وحقوق األفراد‪.‬‬
‫وال يعني األمن فقط الرقابة والسيطرة على تحركات النزالء‪ ،‬بل‬
‫يعني أيضا تخفيض التوتر وتجنب حدوث املشاكل واالضطرابات‬
‫داخل الفضاء السجني قصد املستطاع‪ ،‬والتجارب العقابية في ظل‬
‫تطور أسلوب املعاملة العقابية نحو األنسنة‪ ،‬أثبتت فشل األسلوب‬
‫القصري والرقابي الشمولي في تحقيق األمن التام‪ ،‬مقارنة بأسلوب‬
‫اللين النسبي القائم على تأطير عالقة النزيل بمختلف املحيطين به‬
‫في الفضاء السجني‪.‬‬
‫لئن كنا في عنصر سابق بينا دور النقابة في تأطير عالقة النزيل‬
‫بموظفي املؤسسة السجنية‪ ،‬وهو أمر يساهم دون نقاش في تحقيق‬
‫األمن والهدوء داخل السجن‪ ،‬فإننا تفاديا للتكرار سنقتصر في هذا‬
‫العنصر على أوجه أخرى لفرض األمن والهدوء داخل املؤسسة‬
‫السجنية‪ ،‬وتتمثل في وجوبية اإلحاطة بأخالق النزالء وكذلك السعي‬
‫لحل النزاعات التي قد تنشب بينهم‪ ،‬وهما مهمتين يجب على النقابة‬
‫التكفل بهما تحقيقا لألمن والهدوء داخل املؤسسة العقابية‪.‬‬
‫أ‪ -‬اإلحاطة األخالقية بالنزيل‬
‫تعتبر البيئة املسؤول الوحيد عن تحديد سلوك اإلنسان‬
‫وتوجهاته األخالقية‪ ،‬والبيئة السجنية هي املسؤول األول عن تحديد‬
‫‪241‬‬
‫وتوجيه أخالق النزيل وجعله إنسان ذو أخالق تميل لالعتدال أو‬
‫على العكس تميل لالنحراف‪ ،‬وال جدال في أن الواقع يثبت بأن‬
‫السجن يجعل اإلنسان يميل لالنحراف ويجعله ذو أخالق شاذة‬
‫عما يرتضيه املجتمع‪.‬‬
‫يعاني النزيل في السجن من مشاكل وصعوبات متنوعة نتيجة‬
‫لوضعه الجديد كمحجوز ونتيجة للمجتمع الضيق الذي أصبح‬
‫يعيش فيه‪ ،‬فثقافة السجن والوضع الجديد الذي يجد النزيل‬
‫نفسه فيه يفرضان عليه ظروفا ووقائع جديدة تكون وطأتها أشد‬
‫من العقوبة نفسها‪.‬‬
‫تستهدف العقوبة السجنية قتل الذات‪ ،‬وذلك من خالل تعدد‬
‫وتنوع الضغوطات التنظيمية والنفسية إضافة إلى اإلكراهات‬
‫املتأتية من كل عناصر التنظيم السجني‪ ،‬بداية من بطاقة اإليداع‬
‫وعملية االستقبال وصوال إلى الفئة املمثلة للسلطة الشرعية داخل‬
‫«الشمبري» مرورا بالزمالء الذين ال يختارهم الزيل بل يفرضون‬
‫عليه فرضا‪.‬‬
‫يسعى النزيل كرد فعل مقابل هذه الوضعية التي يجد نفسه‬
‫فيها قسرا‪ ،‬إلى البحث عن ذاته وتحقيقها وإيجاد الكيفية والوسيلة‬
‫املناسبة لتحقيق هذه الذات املسلوبة واملغتربة والسائرة في طريق‬
‫الفناء‪ ،‬وإذا كان هذا الدافع أي الرغبة في تحقيق الذات يوحي بنوع‬
‫من القبول الضمني للضغوطات السجنية والنفسية‪ ،‬فإن في هذا‬
‫الدافع يتجاوز الفاعل االجتماعي درجة القبول الضمني ليتجه نحو‬
‫الرفض والتحدي‪ ،‬والذي يتخذ العديد من األشكال املعبرة عن‬
‫حالة التدني األخالقي التي أصبح عليها هذا اإلنسان‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫نجد ضمن مظاهر االنحطاط األخالقي لنزالء املؤسسة السجنية‬
‫انتشار العنف بجميع أشكاله داخل الفضاء السجني‪ ،‬واعتباره‬
‫أمرا عاديا ومكونا من مكونات الثقافة السجنية‪ .‬وإن كان العنف‬
‫املادي يجد بعض الحدود فإن العنف اللفظي متف�شي بطريقة قد‬
‫تثير االشمئزاز‪ ،‬شأنه شأن الكالم البذيء الذي يعتبر امليزة األولى‬
‫والخاصية األساسية للخطاب والثقافة الفرعية للسجون‪.‬‬
‫إن هذا املظهر لالنحطاط األخالقي وخاصة في سجون الرجال‪،‬‬
‫ليس إال تعبيرا في ساحة السجن على الغرور الذكوري في أعمق‬
‫ظلماته‪ ،‬واستجابة إلطار الرقابة الشمولية التي يخضع لها النزيل‪.‬‬
‫فمن خالل هذه املمارسات نجد مستويين من تأكيد الذات‪ ،‬أوال‬
‫تأكيد الذات في مواجهة ما يتعلق بالقوة القسرية للمنشأة العقابية‪،‬‬
‫وثانيا فرض النفس كرجل يستحق مكانه في املجتمع السجني‪،‬‬
‫والذي يتجاوز االضطراب السلوكي ألفراده هذه املظاهر لتنتشر‬
‫صلبه كذلك كردة فعل تجاه الحرمان الجن�سي القسري االعتداءات‬
‫واالنحرافات الجنسية‪.‬‬
‫يتولد عن الحرمان الجن�سي في تفاعله مع الظروف املادية‬
‫والنفسية لالحتجاز انعكاسات جد خطيرة على سلوك النزيل‪ ،‬تتجلى‬
‫بوضوح بانتشار االعتداءات الجنسية داخل املؤسسة العقابية بل‬
‫اعتبارها خاصية من خاصيات املجتمع السجني وثقافته‪ ،‬فالفضاء‬
‫السجني امللزم والعقابي وخاصة أحادي الجنس واملانع للممارسات‬
‫الجنسية العادية‪ ،‬يجعل كل شخص يضع تحديا لتأكيد هويته‬
‫الجنسية في عينيه وعيون اآلخرين‪ .‬ويدفع أيضا هذا الوضع النزيل‬
‫لالنخراط في ممارسات جنسية بديلة‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫يعتبر اإلستمناء ظاهرة عامة في املؤسسات السجنية‪ ،‬وهي‬
‫تعبر عن حالة إنحراف خطيرة قد يصل إليها النزيل جراء الحرمان‬
‫الجن�سي القسري الذي يعيشه‪ ،‬خاصة إذا لجأ ألسلوب اإلستمناء‬
‫بواسطة األشياء‪ ،‬فالنزيل قد يتجاوز الطريقة الطبيعية ليقوم‬
‫بممارسة العادة السرية مع الطعام أو استخدام بعض الحيل مثل‬
‫كيس من البالستيك مليئة باملعكرونة الدافئ أو برتقالة ذات حجم‬
‫جيد وغير ذلك من الوسائل الغريبة‪.‬‬
‫لئن كان اإلستمناء في املجتمع الحر يمثل في الغالب وسيلة‬
‫للمتعة الجنسية تمارس في حدود وبعيد عن امليكانيكية‪ ،‬وال يعتبر‬
‫في الغالب شذوذا أو انحرافا‪ ،‬فإنه في السجن ال يكون إال ميكانيكيا‪،‬‬
‫وال يكون كأثر مباشر للحرمان الجن�سي في اإلطار السجني إال شذوذا‬
‫وانحرافا أخالقيا يساهم في تعكير حالة النزيل النفسية والجسدية‬
‫باعتبار عجز العادة السرية عن توفير املتعة والراحة الجنسية‬
‫التي يسعى إليها النزيل‪ ،‬وهذا قد يدفعه للبحث على تلبية الحاجات‬
‫أو الرغبات من خالل كل ما يمكن أن يكون متاحا بسهولة‪ ،‬وهذه‬
‫الوسائل قد تكون بشرية‪ ،‬أي املرور من جنسية فردية إلى جنسية‬
‫ثنائية أحادية الجنس‪.‬‬
‫تعتبر الجنسية املثلية إحدى أبرز الظواهر االجتماعية التي‬
‫تفرزها الحياة السجنية‪ ،‬وهي ظاهرة مقلقة وبارزة ال يمكن إنكارها‬
‫أو توجيه النظر عنها خصوصا وأنها أصبحت ظاهرة اجتماعية‬
‫مالزمة للمؤسسة العقابية‪ ،‬إضافة الرتفاع نسبها حيث تتراوح نسبة‬
‫الجنسية املثلية في السجون بين ‪ 30‬إلى ‪.% 75‬‬
‫لقد بلغ تف�شي ظاهرة الجنسية املثلية بالسجون الرجالية‬
‫بالذات حد ارتباطها بظاهرة العود‪ ،‬فليس مصادفة أن نجد عدد‬
‫‪244‬‬
‫كبير من ممثلي ظاهرة الجنسية املثلية هم نفسهم ممثلي ظاهرة‬
‫التعود على الحياة السجنية‪ ،‬وهذا أمر طبيعي ومنطقي‪ ،‬ألن خارج‬
‫السجن يواجه هذا الشاذ منافسة األنثى وهي منافسة غير عادلة‬
‫إذ عادة ما يسعى الشخص إلشباع رغباته وحاجته الجنسية مع‬
‫أنثى يغازلها ويسعى لكسب ودها‪ ،‬بينما في السجن ليس هناك سوى‬
‫املثليون جنسيا الذين هم سعداء‪...‬‬
‫تتعدد بذلك مظاهر االنحراف األخالقي للنزيل‪ ،‬من عنف إلى‬
‫كالم بذيء إلى انحراف جن�سي‪ ،‬وهذا ما يجعل األمن والهدوء داخل‬
‫املؤسسة السجنية مهددا إن لم نقل منعدما‪ ،‬فأي أمن وهدوء في‬
‫فضاء مغلق ينتشر فيه العنف بمختلف أشكاله‪ ،‬ويتف�شى داخله‬
‫االنحراف واالنحطاط والشذوذ الجن�سي‪.‬‬
‫يجعل هذا الوضع الحديث عن تأهيل النزيل وإرجاعه لدفة‬
‫الصالحين أمرا صعبا إن لم نقل مستحيال‪ ،‬خصوصا وأن األخالق‬
‫ركيزة أساسية لعملية التأهيل ومعيار مهم الندماج الفرد داخل‬
‫مجتمعه‪ ،‬لذلك وجب على النقابة بذل الجهد في سبيل إصالح هذا‬
‫الوضع وتفادي سلبيات هذا التدهور األخالقي الذي قد يعيشه‬
‫النزيل‪ ،‬وذلك من خالل اإلحاطة األخالقية بالنزالء مما يساهم في‬
‫تحقيق األمن والهدوء داخل املؤسسة السجنية ويدعم إنجاح‬
‫الغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫تعتبر اإلحاطة األخالقية بالنزيل من أهم املهام املوكولة للنقابة‬
‫والتي يجب أن يوليها العمل النقابة أهمية بالغة‪ ،‬هذا إذا أرادت فعال‬
‫النقابة أن تكون شريكا فاعال في تحقيقا الغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫تعمل النقابة على توعية النزيل بسلبيات مختلف مظاهر‬
‫االنحطاط األخالقي وتحثه على االبتعاد عنها وتجنبها‪ ،‬وتستعين‬
‫‪245‬‬
‫في ذلك بمختلف الوسائل املمكنة‪ ،‬ومن بينها الحمالت التوعوية‬
‫وحلقات النقاش واملحاضرات واإلرشاد‪ ،‬ومن املحبذ أن يتم‬
‫االستعانة باملختصين‪.‬‬
‫وتسهر النقابة على مراقبة سلوك النزالء ومقاومة ظاهرة العنف‬
‫الجن�سي والشذوذ داخل الفضاء السجني‪ ،‬وتعتمد في ذلك إضافة‬
‫للتوعية منهج الوقاية والزجر‪ ،‬وتكون الوقاية من خالل إحكام‬
‫الرقابة والسعي للقضاء أو على األقل الحد من كل أسباب تلك‬
‫الظواهر‪ ،‬ويكون الزجر من خالل تفعيل التتبع الجزائي ملثل تلك‬
‫األفعال اإلجرامية وخاصة العنف الجن�سي مما يردع كل من تساوره‬
‫فكرة ورغبة في التعدي على غيره جنسيا‪.‬‬
‫تتعاون النقابة مع اإلدارة العقابية واملجتمع املدني وكل‬
‫املتداخلين في املجال السجني من أجل إنجاز مهمتها في هذا املجال‬
‫على أنسب وجه‪ ،‬ويجب عليها أن ال تقصر جهودها في مجال تحقيق‬
‫األمن والهدوء داخل السجن على مسألة اإلحاطة األخالقية بالنزيل‪،‬‬
‫بل عليها أيضا التدخل لحل النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين النزالء‬
‫وإحاطتها قبل أن تتطور وتتطلب تدخل اإلدارة السجنية وإعمال‬
‫سلطاتها العقابية أو املادية‪.‬‬
‫ب‪ -‬حل النزاعات بين النزالء‬
‫يعتبر العنف في السجون النتيجة األولى الصطدام سلب الحرية‬
‫بطبيعة البشر‪ ،‬فتحت وطئة ثقل السجن والتأثير القسري وظروف‬
‫االعتقال قد يكون الجسم كموقع مراقبة ومقاومة جسما ضحية‬
‫لعنف موجه نحو النفس أو ضد اآلخرين‪ ،‬وهذا ما يعني نوعا من‬

‫‪246‬‬
‫نفاذ الصبر السجنى مقابل انتشار العنف الناتج عن عدم تأقلم‬
‫الفاعل وتكيفه مع التنظيم السجني‪.‬‬
‫ما يهمنا في هذا املستوى العنف املوجه ضد اآلخرين‪ ،‬وبصفة‬
‫أدق العنف املوجه من نزيل نحو نزيل‪ ،‬وهو سلوك أو فعل اجتماعي‬
‫يقوم به الفاعل االجتماعي أثناء تفاعله مع اآلخرين‪ ،‬وتفسر ظاهرة‬
‫العنف بمختلف أشكاله من خالل مقولة اإلحباط أي الحالة التي‬
‫يتعرض لها الفرد جراء فشله في تحقيق هدف أو شعوره املسبق‬
‫بالفشل‪ ،‬وعموما ينتج عن الشعور باإلحباط وخاصة غياب فرص‬
‫التنفيس االنفعالي عند حاالت التشنج واالنفعال التوجه نحو‬
‫العنف‪.‬‬
‫تتسم نفسية النزيل بالضعف إلى درجة يصبح معها عدوانيا‬
‫وعنيفا تجاه اآلخرين‪ ،‬فالعدوانية تجعله يعتدي على زمالئه في‬
‫الزنزانة‪ ،‬وقد تصل هذه االعتداءات إلى القتل واإليذاء والتشويه‪،‬‬
‫فهي تضع النزيل في مواقع تصادمية كلما تعامل مع اآلخر‪.‬‬
‫يعتبر العنف في مجتمع السجن سمة تسيطر على أسلوب‬
‫الحياة فيه‪ ،‬والواقع أن أغلب البحوث تشير إلى أن معدالت العنف‬
‫بين النزالء آخذة في التزايد في جميع سجون العالم بشكل عام‪ ،‬وهذا‬
‫وضع عليل متناقض تماما مع وجوبية توافر األمن والهدوء داخل‬
‫الفضاء السجني‪ ،‬ومتضارب تماما مع العديد من حقوق النزيل‬
‫وأهمها حقه في السالمة الجسدية والصحة‪ ،‬إضافة لعرقلة هذا‬
‫الوضع للغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫يتطلب هذا الوضع تدخل النقابة للحد من الشجار واالعتداءات‬
‫الواقعة بين النزالء واحتواء مظاهر العنف والسعي لجعلها معدودة‬
‫ال منتشرة‪ ،‬ويكون ذلك من خالل التدخل لحل النزاعات التي تقع‬
‫‪247‬‬
‫بين النزالء‪ ،‬ولكي يكون هذا التدخل فعاال يجب أن يتم منذ حصول‬
‫الخالف وبداية الجدال وقبل تحول املناوشة الكالمية إلى عنف‬
‫مادي‪ ،‬وفي كل األحوال يجب أن يتم التدخل قبل تدخل اإلدارة‬
‫السجنية بمنظومتها العقابية‪.‬‬
‫تستطيع النقابة في هذا املجال أن تضطلع بدور الحكم بين‬
‫املتخاصمين‪ ،‬حيث تقوم بإقناع النزيل ودعوته للجوء إليها عند‬
‫حصول أي اختالف أو سوء تفاهم مع نزيل آخر‪ ،‬وكان هذا‬
‫االختالف أو سوء التفاهم من النوع الذي ال يمكنه إيجاد أرضية‬
‫لحله بنفسه‪ ،‬وفي هذه الصورة تقوم النقابة بحل املشكل وتهدئة‬
‫النفوس والحفاظ على العالقة ودية بين املتخاصمين‪.‬‬
‫تقوم كذلك النقابة بتوعية النزالء بأهمية العالقات الودية‬
‫بينهم وإيجابية هذا األمر ومساوئ ومخاطر الوضعية العكسية‪،‬‬
‫وتتعاون من أجل إنجاز هذه املهمة مع اإلدارة العقابية واملجتمع‬
‫املدني وكل املتداخلين في املجال السجني‪ ،‬ومن املحبذ إقامة حلقات‬
‫نقاش وحوار وندوات حول هذه املسألة من قبل املختصين‪.‬‬
‫تستعين النقابة من أجل رصد الخالفات بين النزالء والطوقي‬
‫من تبعاتها‪ ،‬وخاصة تحول النزيل من وضعية الغاضب إلى وضعية‬
‫الحاقد أو إلى وضعية املعتدي أو املتبادل للعنف‪ ،‬باملنتمين إليها من‬
‫النزالء مثل «الكبران»‪ ،‬وغيرهم من النزالء الذين يجب أن تستعين‬
‫بهم لإلملام بخبايا الحياة السجنية‪ ،‬حيث على اإلدارة اإلملام بكل‬
‫خالف مهما كان بسيط يحصل بين نزيل وآخر‪.‬‬
‫وتستعين كذلك النقابة باإلدارة العقابية‪ ،‬حيث يقوم الحراس‬
‫ومختلف موظفي اإلدارة السجنية بلفت نظر النقابة ألي خالف‬
‫يحصل بين النزالء‪ ،‬ويكون لفت النظر بأي طريقة‪ ،‬ومن املحبذ أن‬
‫‪248‬‬
‫يكون من خالل التواصل بين الحارس أو املوظف املعاين للخالف أو‬
‫الذي وصل ملسامعه الخالف وأي عضو نقابة يحمل صفة «كبران»‪،‬‬
‫وذلك بغاية دعم عالقة التعاون بين «الكبران» واإلدارة السجنية‬
‫باعتبار أن «الكبران» كممثل للنقابة يعتبر شريك ميداني لإلدارة‬
‫السجنية على مستوى تسيير الحياة السجنية‪.‬‬
‫ال يقف دور النقابة على مستوى حل النزاعات بين النزالء على‬
‫املرحلة القبل عنفية‪ ،‬أي قبل تطور النزاع وتحوله إلى عنف مادي‪،‬‬
‫بل تتدخل النقابة حتى بعد حصول الشجار ووقوع االعتداء‪،‬‬
‫خصوصا وأن هناك خصومات تنتقل بصفة حينية إلى العنف‬
‫وخاصة املادي‪.‬‬
‫وتقوم النقابة هنا بالتق�صي الحيني عن أسباب الخالف الذي‬
‫أدى إلى وقوع الحادثة‪ ،‬وذلك خاصة باالستفسار لدى األشخاص‬
‫املعاينين للواقعة‪ ،‬ثم تقوم باالستفسار والحوار مع كل نزيل‬
‫متداخل في الشجار‪ ،‬وتعمل على تهدئته وإقناعه بسوء ما فعل‪،‬‬
‫ثم تقوم بالجمع بين املتشاجرين وفتح حوار مشترك تسيره النقابة‬
‫بغاية تهدئة النفوس واإلصالح بين هؤالء املتخاصمين‪ ،‬وفي هذا‬
‫اإلطار تقوم النقابة بلعب دور الحكم بينهم وتجعل املخطئ يقتنع‬
‫بخطئه ويعبر عن ندمه ويعتذر ملن أخطأ في حقه‪.‬‬
‫تنشب أحيانا خصومات بين نزيل وآخر قد ال ينفع معها الحوار‬
‫وال مجال فيها للتصالح‪ ،‬وقد تفشل النقابة في جميع مساعيها‪ ،‬وقد‬
‫تستشعر أن الشعور بالغضب والحقد بلغ أقصاه عند املتخاصمين‬
‫أو عند أحدهم مما ينذر بإمكانية حصول اعتداء أو تكرره‪ ،‬لذلك‬
‫وجب في هذه الحالة الفصل بين املتخاصمين ويكون ذلك بنقلة‬
‫أحدهما لغرفة أو جناح آخر‪ ،‬وفي كل األحوال يجب نقلة أي نزيل‬
‫‪249‬‬
‫يشكل وجوده تهديدا لنزيل آخر وذلك تفاديا لحصول اعتداء أو‬
‫شجار‪.‬‬
‫يحدث أن تتدخل اإلدارة السجنية بسلطتها التأديبية ملعاقبة‬
‫نزيل اعتمد العنف تجاه زميله أو شارك فيه‪ ،‬وهي وضعية على‬
‫النقابة العمل على التداخل فيها وذلك بالسعي لتفعيلها في حاالت‬
‫ولحجبها في حاالت أخرى‪ ،‬حيث إذا كان العنف بسيطا ويمكن‬
‫إجراء الصلح بين أطرافه فال داعي لتدخل اإلدارة السجنية لتوقيع‬
‫العقوبات التأديبية‪ ،‬ألن مثل هذا التدخل قد يجعل الصلح مهددا‬
‫والنفوس حاملة للضغينة‪ ،‬أما إذا كان العنف غير بسيط ويعكس‬
‫خطورة معتمده فيجب تفعيل العقوبات التأديبية وإثارة التتبع‬
‫الجزائي إن لزم األمر‪.‬‬
‫إن في عمل النقابة على حل النزاعات والخصومات بين النزالء‬
‫حماية للنزيل من العقوبات التأديبية‪ ،‬وحفاظ على حرمته الجسدية‬
‫من كل اعتداء‪ ،‬وتوقي من كل تهديد أو خطر قد يصيب صحته‪،‬‬
‫وتوفير لألمن والهدوء داخل املؤسسة السجنية والذي يعتبر‬
‫مصلحة مشتركة للنزيل ولإلدارة العقابية‪.‬‬
‫ويتنزل أيضا صلب املصلحة املشتركة للنزيل واإلدارة العقابية‪،‬‬
‫فهم هذه األخيرة لشخصية النزيل مما يساعدها على تحديد الطريقة‬
‫املثلى للتعامل معه‪ ،‬وهذا األمر يأسس لخلق توازن فعلي في العالقة‬
‫بين اإلدارة العقابية والنزيل‪ ،‬واألهم من ذلك يؤسس لحسن وضع‬
‫وتطبيق برنامج التأهيل‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬مساعدة اإلدارة العقابية على فهم شخصية‬
‫النزيل‬

‫‪250‬‬
‫يمثل الشخص املجرم شأنه شأن بقية أفراد املجتمع كائنا‬
‫اجتماعيا يعيش وسط مناخ اجتماعي‪ ،‬ويتفاعل سلبيا وإيجابيا‬
‫مع مؤسسات املجتمع بمختلف أنواعها وأشكالها‪ ،‬ويمكن لهذه‬
‫املؤسسات أن تلعب دورا مزدوجا‪ ،‬فمن جهة أولى يمكن لها أن‬
‫تساهم في نحت مالمح الشخصية االنضباطية الرافضة لكل‬
‫أشكال املمارسات اإلجرامية واملتقيدة باملعايير والقيم االجتماعية‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى يمكن أن تلعب هذه املؤسسات االجتماعية دورا‬
‫معاكسا ومتعارضا مع الضوابط االجتماعية لتكون إحدى أهم‬
‫العوامل لخلق وتدعيم السلوك اإلجرامي واالنحرافي‪.‬‬
‫نجد هذا الدور املزدوج لدى املؤسسة السجنية‪ ،‬وهو أمر سلبي‪،‬‬
‫باعتبار أن الوظيفة االجتماعية للمؤسسة السجنية تتمثل في‬
‫تأهيل نزالءها وإنجاح عودتهم للمجتمع الحر منضبطين وأسوياء‬
‫ورافضين لكل أشكال الجريمة واالنحراف ومتقيدين بنواميس‬
‫املجتمع‪ ،‬فإذا ما حققت املؤسسة السجنية هذا الهدف اعتبرت قد‬
‫أتمت وظيفتها االجتماعية بنجاح‪.‬‬
‫يعتبر تحليل وفهم شخصية الفاعل االجتماعي ركيزة أساسية‬
‫لنجاح املؤسسة االجتماعية في أداء وظيفتها تجاه هذا الفاعل‪،‬‬
‫لذلك فاملؤسسة السجنية مطالبة بفهم شخصية النزيل حتى تكون‬
‫حظوظها وافرة في النجاح في تأهيله‪ ،‬ويتنزل هنا دور العمل النقابي‬
‫الهادف إلى مساعدة اإلدارة العقابية على فهم شخصية النزيل‪،‬‬
‫وذلك بغاية حسن تحديد برنامج التأهيل‪ ،‬وكذلك بغاية ضمان‬
‫تعاون النزيل مع اإلدارة العقابية‪.‬‬
‫أ‪ -‬حسن تحديد برنامج التأهيل‬

‫‪251‬‬
‫تحتل اإلحاطة بشخصية النزيل مكانة متميزة في مرحلة التنفيذ‪،‬‬
‫إذ على ضوء ما تتطلبه شخصية املحكوم عليه من عناية تضبط‬
‫طريقة معاملته والبرنامج األنجع لتأهيله‪ ،‬حيث أثبتت التجربة عدم‬
‫نجاعة كل برنامج تأهيلي يعد مسبقا‪ ،‬ألنه برنامج عام ومجرد غير‬
‫مؤسس على معرفة عميقة بشخصية النزيل وخصوصياتها بما‬
‫تتطلبه من معاملة فردية يمكن أن تترتب عنها معطيات جديدة من‬
‫شأنها أن تساهم في تفريد برنامج التأهيل‪.‬‬
‫يتمحور هنا دور العمل النقابي الهادف مساعدة اإلدارة‬
‫العقابية على دراسة شخصية كل نزيل دراسة دقيقة وشاملة بغاية‬
‫أن تضبط له برنامجا للتأهيل منسجما مع شخصيته‪ ،‬حتى يحقق‬
‫ذلك البرنامج النجاعة املطلوبة‪.‬‬
‫تتعامل اإلدارة العقابية مع نزيل إنسان‪ ،‬أي مع كائن حساس‬
‫يشكل كتلة من املشاعر واألحاسيس املتكيفة مع ظروف بيئته‪،‬‬
‫وبالتالي املتطورة مع تطور نمط وأسلوب حياته يوما بعد يوم‪،‬‬
‫فطريقة العيش داخل السجن سوف تؤثر حتما على شخصية‬
‫النزيل‪ ،‬وبذلك سيحدث تغيير قد يكون طفيفا كما قد يكون‬
‫هاما على الشخصية التي تم فحصها ومعاينتها أثناء فترة التتبع‬
‫واملحاكمة‪ .‬ويقت�ضي هذا التغيير فحصا دوريا لشخصية النزيل‬
‫بفعل تطور نفسيته بموجب الحياة داخل السجن‪ ،‬ففهم ومعرفة‬
‫شخصية النزيل أثناء التنفيذ تعد عنصرا أساسيا لتجنب األخطاء‬
‫في التشخيص التي كثيرا ما تؤدي إلى فشل عملية التأهيل‪.‬‬
‫يتحتم بعد تقسيم املحكوم عليهم إلى مجموعات بناء على معايير‬
‫معينة وإخضاعهم ملعاملة عقابية متخصصة‪ ،‬أن يتم االنتقال إلى‬
‫مرحلة أخرى‪ ،‬وذلك بإخراج الفرد من املجموعة التي وقع تقسيمه‬
‫‪252‬‬
‫فيها وبحث حالته بمفرده للتوصل إلى تقرير مدى مالءمة املعاملة‬
‫العقابية املحددة له وانعكاساتها عليه أثناء التنفيذ‪ ،‬وهذه املهمة‬
‫ليست بسهلة وتستوجب تدخل النقابة ملساعدة اإلدارة العقابية‬
‫على إتمامها‪.‬‬
‫تتواجد النقابة بصفة دائمة بالفضاء السجني‪ ،‬وهي تحيط‬
‫وتنظم وتهتم وتراقب مختلف نشاطات النزيل وعالقاته االجتماعية‬
‫داخل الفضاء السجني‪ ،‬وهي أقرب للنزيل من اإلدارة السجنية‪ ،‬وهي‬
‫في ذات الوقت همزة الوصل بين النزيل وهذه اإلدارة وباحثة عن‬
‫خلق التوازن البناء في العالقة بينهما‪ ،‬كل هذه املعطيات وغيرها‬
‫تجعل من النقابة جد قريبة وجد مطلعة على كل ما يخص النزيل‪.‬‬
‫يسمح هذا القرب واالطالع للنقابة باملالحظة املستمرة لتصرفات‬
‫وشخصية النزيل أثناء عملية تنفيذ محكوميته‪ ،‬وهذه املالحظة‬
‫املستمرة تمكن النقابة من استخالص ونقل معطيات حول‬
‫شخصية النزيل تسمح بإضافة عناصر جديدة تستكمل بها اإلدارة‬
‫العقابية ما يجب معرفته عن شخصية الفرد املتغيرة‪ ،‬وذلك حتى‬
‫يكون بإمكانها حسن تحديد برنامج التأهيل املالئم لكل نزيل‪.‬‬
‫يعتبر االستماع ملشاغل النزيل وسيلة فعالة تساعد على حسن‬
‫تحديد برنامج التأهيل‪ ،‬فهي آلية من آليات التأهيل وإعادة اإلدماج‬
‫في املجتمع‪ ،‬حيث تساهم هذه اآللية بقسط كبير في معرفة ما‬
‫يختلج في ذهن النزيل من أفكار والحالة النفسية التي عليها‪ ،‬وهو ما‬
‫يساعد على إصالحه وتأهيله بالوسائل التي تتما�شى مع شخصيته‬
‫وطباعه‪ ،‬كما أن االستماع للنزيل وتمكينه من التعبير عن أفكاره‬
‫يعزز شعوره باالنتماء للمجتمع وينمي ثقته في نفسه مما يخلق لديه‬
‫توازنا روحيا ونفسيا‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫تضطلع النقابة بدور االستماع الدائم للنزالء‪ ،‬والذي يكون‬
‫بمناسبة أداءها ملهامها وكذلك باعتباره مهمة من مهام العمل‬
‫النقابي‪ ،‬وال تقف مهمة االستماع من حيث أداءها على النقابة‪،‬‬
‫بل تدخل أيضا في مهام اإلدارة العقابية‪ ،‬حيث يجب على النقابة‬
‫العمل والضغط من أجل تمكين النزيل من حقه في االستماع إليه‬
‫من قبل اإلدارة السجنية ومن قبل خاصة الجهاز الطبي واالجتماعي‪،‬‬
‫ويجب أن يكون هذا االستماع دوريا في فترات متقاربة ال تتجاوز‬
‫املدة الفاصلة بينها ثالثة أسابيع على أق�صى تقدير‪ ،‬مع تكريس حق‬
‫النقابة في املطالبة باالستماع الفوري لنزيل من قبل تلك األجهزة أو‬
‫أي جهاز من أجهزة اإلدارة العقابية‪.‬‬
‫تهدف النقابة من خالل املالحظة املستمرة واالستماع للنزيل‬
‫والتعاون مع اإلدارة العقابية من أجل حسن فهم شخصية النزيل‬
‫ومتطلباته ومشاكله‪ ،‬إلى دفع اإلدارة السجنية نحو وضع موازنة‬
‫بين حالة املحكوم عليه وقدراته من جهة وهدف إعادة إدماجه‬
‫في املجتمع من جهة أخرى‪ ،‬وذلك من خالل وضع برنامج تأهيلي‬
‫مناسب للنزيل‪ ،‬وجعل هذا البرنامج تفاعليا ومتغيرا حسب التغيرات‬
‫التي تطرأ على تصرفات وخاصة على نفسية النزيل املعني بالبرنامج‪.‬‬
‫إن كان حسن فهم شخصية النزيل يتوقف عليه حسن تحديد‬
‫برنامج التأهيل‪ ،‬فإن نفاذ هذا البرنامج ونجاحه يبقى دائما مرتبطا‬
‫بتعاون النزيل مع اإلدارة‪ ،‬وهو تعاون ضروري أيضا لحسن فهم‬
‫شخصية النزيل‪ ،‬بذلك نالحظ الترابط املتين بين مختلف هذه‬
‫األمور التي يجب على النقابة العمل بجد على ضمان تحقيقها‬
‫وتوفرها قانونا وواقعا‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫ب‪ -‬تعاون النزيل مع اإلدارة‬
‫ال يمكن لإلدارة العقابية أو ألي كان أن يفهم شخصية النزيل‬
‫بشكل جيد إذا كان هذا النزيل رافض للمسألة وغير مستعد للتعاون‬
‫والتعامل وغير صادق في التعبير عما يخالج نفسه‪ ،‬حيث أن تعاون‬
‫النزيل في هذه املسألة أمر أسا�سي‪ ،‬إذ عليه أن يقبل على التصريح‬
‫بما يخالجه من أفكار وما يحسه من مشاعر وهموم بكل رضاء‪،‬‬
‫وأن يكون مقتنعا بأن الصدق في صالحه وأن اإلدارة العقابية فعال‬
‫تبحث عن مصلحته وتريد أن تساعده‪.‬‬
‫يجب على النقابة في هذا املستوى العمل على إقناع النزيل بهذه‬
‫املسألة وبضرورة تعاونه مع اإلدارة وكل املتداخلين من أجل الفهم‬
‫الجيد لشخصيته‪ ،‬وذلك حتى يقع تحديد ما يالئمه من مقتضيات‬
‫التأهيل‪ .‬وال ينفي هذا الدور النقابي دور األخصائيين النفسانيين‬
‫واالجتماعيين الذين يتنزل فهم شخصية النزيل صلب عملهم‪،‬‬
‫فالنقابة هنا تساهم من جهتها في تكريس تعاون النزيل مع اإلدارة‬
‫العقابية‪ ،‬وتراقب كذلك مدى التزام الجهاز الطبي النف�سي والجهاز‬
‫االجتماعي بهذه املهمة‪ ،‬وتعمل وتضغط من أجل حسن قيامهم بها‪.‬‬
‫يتواصل التعاون املطلوب للنزيل مع اإلدارة بعد تحديد برنامج‬
‫التأهيل الخاص به‪ ،‬حيث من املعلوم أن أي برنامج تأهيل يتضمن‬
‫جملة من املقتضيات واألعمال واألنشطة التي على النزيل إتباعها‬
‫والقيام وااللتزام بها‪ ،‬وال يمكن لبرنامج التأهيل النجاح إذا رفض‬
‫النزيل االنصياع له والتقيد بمستلزماته‪ ،‬حيث يتوقف نفاذ برنامج‬
‫التأهيل ونجاعته على مدى اقتناع النزيل به ومدى تقبله ملستلزماته‬

‫‪255‬‬
‫ومدى رغبته في إنجاح تأهيله‪ ،‬وبذلك يرتبط بمدى تعاونه مع‬
‫اإلدارة‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل أيضا على إقناع النزيل بهذه املسألة‬
‫وبضرورة تعاونه مع اإلدارة وكل املتداخلين من أجل إنجاح‬
‫عملية التأهيل‪ ،‬ونفس ما قيل حول دور األخصائيين النفسانيين‬
‫واالجتماعيين في بحر حديثنا عن فهم شخصية النزيل ينطبق أيضا‬
‫هنا‪.‬‬
‫هناك صورة أخرى من ور تعاون النزيل مع اإلدارة العقابية ال‬
‫تقل أهمية عن الصورتين السابقتين‪ ،‬وهي صورة تعاون النزيل مع‬
‫اإلدارة في تسيير وتنظيم العديد من أوجه الحياة السجنية‪ ،‬وتكمن‬
‫أهمية هذا التعاون في كونه يرسم بحق لتوازن العالقة بين النزيل‬
‫واملؤسسة العقابية‪ ،‬ويساهم بفعالية في مساعدة اإلدارة السجنية‬
‫على تحقيق مهامها وخاص منها مهمتها التأهيلية‪.‬‬
‫تتكفل النقابة بهذه الصورة من التعاون وتتحمل مهمة‬
‫االضطالع بها‪ ،‬حيث تقوم بتكوين لجان من النزالء املنتمين إليها‬
‫بغاية تولي بعض املسؤوليات االجتماعية والثقافية والصحية‬
‫داخل السجن تحت إشراف النقابة ومراقبة اإلدارة السجنية‪.‬‬
‫وتقوم كذلك بتكليف عدد من النزالء التابعين لها بمهام تنظيمية‬
‫داخل السجن‪ ،‬كمهمة اإلشراف على الغرفة أو اإلشراف على مكان‬
‫العمل وغير ذلك‪ ،‬وهي مهام يشرف عليها اآلن «الكبران»‪ ،‬وهو نزيل‬
‫تكلفه اإلدارة السجنية باملهمة املوكولة إليه‪ ،‬إال أنه على النقابة‬
‫أن تتكفل بمفردها بتعيين «الكبران» وفقا ملعايير تتالءم مع نوعية‬
‫املهمة وتخدم التوازن بين مصلحة النزيل وحاجة اإلدارة للهدوء‪،‬‬
‫وتتمتع النقابة بصالحية تغيير «الكبران» كلما رأت حاجة لذلك‪.‬‬
‫‪256‬‬
‫يعتبر الغرض األولي ملثل هذا التعاون‪ ،‬التقليل من تدخل الحراس‬
‫وباقي موظفي املؤسسة السجنية في الحياة اليومية للنزالء وخاصة‬
‫في مشاكلهم‪ ،‬وذلك لتخفيض التوتر والسعي لتحقيق التوازن في‬
‫العالقة بين النزيل واملؤسسة السجنية‪ ،‬وتتفاعل مختلف أوجه‬
‫تعاون النزيل مع اإلدارة العقابية من أجل ضمان توازن العالقة‬
‫بينهما مما يدعم ويؤسس لنجاح الغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫ويتجاوز دور العمل النقابي في تنظيم عالقة النزيل باإلدارة‬
‫العقابية تدخله بغاية ضمان توازن العالقة بينهما ليشمل أيضا‬
‫العمل من أجل تحقيق نجاعة املنظومة التأديبية املرصودة ملعاقبة‬
‫النزيل املخالف‪ ،‬وكذلك تفعيل التفريد التنفيذي للعقوبة السجنية‬
‫كآلية تأهيلية ناجعة تفرضها عدالة العقوبة‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دور العمل النقابي في تحقيق نجاعة املنظومة‬
‫التأديبية والتفريد التنفيذي‬
‫يواجه النزيل طيلة فترة محكوميته خطر الخضوع لعقوبات‬
‫تأديبية قد تزيد من قسوة العقوبة السجنية التي يعيشها‪ ،‬وهذه‬
‫العقوبات ال تسلط عليه إال إذا ارتكب مخالفة تخل بالواجبات‬
‫املحمولة عليه أو تخل بالنظام واألمن داخل املؤسسة السجنية‪،‬‬
‫ومن املفروض أن ال تكون هذه العقوبات هادفة إلذالل النزيل أو‬
‫عرقلة البرنامج التأهيلي‪ ،‬وهو ما يجعل مسألة عدالة هذه العقوبات‬
‫أمرا مفروغا منه‪.‬‬
‫ونجد من اآلليات التي يمكن أن تعتمد من أجل تحقيق هذا‬
‫األمر‪ ،‬تدخل قا�ضي تنفيذ العقوبات إلضفاء العدالة التنفيذية‬
‫على املنظومة التأديبية‪ ،‬حيث أن تدخله وتعديله في أسلوب تنفيذ‬

‫‪257‬‬
‫العقوبة التأديبية شأنه شأن التعديل في أسلوب تنفيذ العقوبة‬
‫السجنية أمر تفرضه مقتضيات التفريد التنفيذي‪.‬‬
‫يعتبر التفريد التنفيذي للعقوبة السجنية امتدادا للتفريد‬
‫القضائي‪ ،‬كما أن هدف التفريد القضائي والتنفيذي واحد وهو‬
‫تحقيق التأهيل الذي ال يتحقق إال إذا لم يكن العقاب أقل مما يلزم‬
‫وال أكثر مما يجب‪ ،‬وبالتأمل في مؤسسة قا�ضي تنفيذ العقوبات‬
‫نستشف أنها تتمتع بنظام متولد عن مفهوم متميز للسياسة‬
‫الجنائية الحديثة التي تقوم على اعتبار أن دور السلطة القضائية‬
‫ال ينتهي بصورة مقنعة إال عندما يسترد املحكوم عليه موضعه ثانية‬
‫في الحياة االجتماعية بعد تنفيذ العقوبة‪.‬‬
‫تتعدد وتتنوع اآلليات املعتمدة للمس من العقوبة السجنية‬
‫وتفريد تنفيذها بأن تجعل النزيل ال يم�ضي كامل املدة املحكوم‬
‫بها خلف القضبان‪ ،‬حيث يتم إخالء سبيله قبل إتمام محكوميته‬
‫بتوفر القناعة بأن هذا النزيل قد أتم عملية تأهيله وال فائدة من‬
‫بقاءه في السجن‪ ،‬ويعتبر السراح الشرطي والعفو أهم الوسائل‬
‫املعتمدة في منظومتنا العقابية‪.‬‬
‫يعتبر تحقيق نجاعة املنظومة التأديبية ونجاعة التفريد‬
‫التنفيذي للعقوبة السجنية أمر جد مطلوب من أجل تفعيل‬
‫وتحقيق الغاية التأهيلية للعقوبة‪ ،‬وهو ما يجعل من تدخل العمل‬
‫النقابي الهادف لتحقيق هذه النجاعة أمر ضروري إن لم نقل‬
‫واجب‪ ،‬وحتى نتمكن من إبراز دور العمل النقابي في تحقيق نجاعة‬
‫املنظومة التأديبية والتفريد التنفيذي‪ ،‬سنتولى تقسيم هذا املبحث‬
‫إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إرساء عدالة املساءلة التأديبية‬
‫‪258‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التعاون مع قا�ضي تنفيذ العقوبات‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التفعيل اإليجابي آلليتي السراح الشرطي‬
‫والعفو‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إرساء عدالة املساءلة التأديبية‬
‫يخضع النظام الداخلي للسجن ملفهومين‪ ،‬مفهوم واسع ومفهوم‬
‫ضيق‪ .‬ويشمل املفهوم الواسع جميع القواعد التي تحدد سلوك‬
‫النزيل بهدف تحقيق أغراض العقوبة‪ ،‬كالتزام املحكوم عليه بطاعة‬
‫األوامر واملواظبة على العمل وااللتزام بما يتلقاه من دروس تعليمية‬
‫وتثقيفية‪ .‬أما املفهوم الضيق فينحصر في القواعد التي تحول دون‬
‫فرار النزيل‪ ،‬وتعدي الحدود واألخالق داخل السجن‪.‬‬
‫يتطلب حفظ النظام بمفهوميه داخل املؤسسة السجنية‬
‫فرض االنضباط واألمن داخل السجن‪ ،‬وهذا من شأنه أن يؤدي‬
‫إلى املساءلة التأديبية لكل نزيل ال يحترم مقتضيات هذا االنضباط‪،‬‬
‫وتعتبر املساءلة التأديبية من الصالحيات املخولة لإلدارة العقابية‪،‬‬
‫والتي تلجأ إليها كلما أخل النزيل بالواجبات املحمولة عليه‪.‬‬
‫ال تتمتع اإلدارة العقابية بصالحية مطلقة في مساءلة النزيل‬
‫تأديبيا وتسليط العقوبات التأديبية عليه‪ ،‬بل إن هذه املساءلة‬
‫منظمة من قبل املشرع‪ ،‬حيث تم ضبط الحاالت التي يعتبر فيها‬
‫النزيل مخالفا مما يستوجب مساءلته تأديبيا‪ ،‬وضبط املشرع كذلك‬
‫إجراءات هذه املساءلة والعقوبات التي يمكن أن تسلط على هذا‬
‫النزيل املخالف‪.‬‬
‫تمتاز بذلك املساءلة التأديبية للنزيل بالشرعية‪ ،‬إال أنه يجب‬
‫أن نالحظ أن هذه املسائلة تبتعد عن العدالة قانونا وواقعا‪ ،‬حيث‬
‫‪259‬‬
‫تمتاز أسباب املساءلة التأديبية للنزيل في كثير من الصور بعدم‬
‫الوضوح والدقة مما يجعلها مجانبة للعدالة في كثير من الصور‪،‬‬
‫وتمتاز العقوبات التأديبية التي يمكن أن تسلط على النزيل بتضارب‬
‫بعضها مع الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية بصفة عامة وابتعادها‬
‫عن العدالة بصفة خاصة‪ ،‬إضافة إلى هضم منظومة املساءلة‬
‫التأديبية بسجوننا لحق النزيل في الدفاع‪.‬‬
‫يتطلب هذا الوضع عمل النقابة من أجل إرساء عدالة املساءلة‬
‫التأديبية‪ ،‬ويكون ذلك من خالل تكريس عدالة العقوبة التأديبية‪،‬‬
‫وأيضا من خالل تكريس حق النزيل في الدفاع عن نفسه أثناء‬
‫املساءلة التأديبية وحقه في الطعن في العقوبات الصادرة ضده‪.‬‬
‫أ‪ -‬تكريس عدالة العقوبة التأديبية‬
‫حدد املشرع التون�سي ضمن الفصل ‪ 20‬من قانون ‪2001‬‬
‫مجموعة الواجبات املحمولة على النزيل والتي يتوجب عليه احترامها‬
‫حتى ال يكون عرضة للمساءلة التأديبية‪ ،‬إال أنه وفقا ملقتضيات‬
‫الفصل ‪ 22‬من نفس القانون يكون النزيل كذلك عرضة للعقوبات‬
‫التأديبية إذا مس بحسن سير السجن أو أخل باألمن به‪ ،‬وهي‬
‫عبارات عامة وشاملة من شأنها أن تفسح املجال واسعا أمام اإلدارة‬
‫العقابية لتقدير األفعال التي تشكل مساسا بحسن سير السجن‬
‫أو إخالال باألمن به خصوصا وأن اإلدارة العقابية هي التي أسند لها‬
‫املشرع ضمن الفصل ‪ 21‬من قانون ‪ 2001‬صالحية مساءلة النزيل‬
‫تأديبيا‪.‬‬
‫يتضارب هذا التوجه التشريعي مع مبدأ الشرعية وما يفرضه من‬
‫وجوب التحديد القانوني املسبق لألفعال املمنوع على النزيل إتيانها‬
‫‪260‬‬
‫والقواعد املمنوع على النزيل خرقها وإال يكون عرضة للمساءلة‬
‫التأديبية‪ ،‬مع التأكيد على أن هذا التحديد يجب أن يتسم بالدقة‬
‫والوضوح‪.‬‬
‫إلن احترم املشرع مبدأ الشرعية صلب الفصل ‪ 20‬من قانون‬
‫‪ 2001‬إال أنه خرقه صلب الفصل ‪ 22‬من نفس القانون‪ ،‬حيث أن‬
‫السماح لإلدارة العقابية بمساءلة النزيل تأديبيا كلما أخل بحسن‬
‫سير السجن أو أخل باألمن به‪ ،‬دون تحديد دقيق وحصري لألفعال‬
‫التي يترتب عنها اإلخالل‪ ،‬إضافة لترك املسألة للسلطة التقديرية‬
‫لإلدارة السجنية‪ ،‬يعتبر ضربا ملبدأ الشرعية ولكل املبادئ املتفرعة‬
‫عنه‪.‬‬
‫يترتب عن هذا األمر أيضا إطالق سلطة اإلدارة السجنية في‬
‫تأديب نزالءها‪ ،‬حيث يمكنها أن تصنف أي فعل أو قول على أنه‬
‫إخالل بحسن سير السجن أو إخالل بأمن املؤسسة‪ ،‬مما يفتح‬
‫الباب أمام االستبداد والتنكيل بالنزالء الذين ال حول لهم وال قوة‬
‫أمام مثل هذه التصرفات التي في ظاهرها قانونية وفي باطنها تشفي‬
‫وتعسف‪ .‬والنزيل في حد ذاته يجد نفسه في وضعية الخطر والخوف‬
‫الدائم من أن تسلط عليه عقوبة تأديبية‪ ،‬حيث أنه ال يعلم ما‬
‫املسموح به والغير مسموح به من التصرفات واألقوال‪ ،‬ففي مثل‬
‫هذه الوضعية تصبح حتى عبارة «صباح الخير» مشكوك في أمرها‬
‫وقد تصنف إخالال بحسن سير السجن أو األمن به‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والسعي من أجل تغيير هذا الواقع‬
‫املتضارب مع العدالة واملخل بالغاية التأهيلية للعقوبة السجنية‪،‬‬
‫حيث يجب أن يتم تحديد كل ما من شأنه أن يشكل مخالفة‬
‫تستوجب املساءلة التأديبية بدقة ووضوح حتى يكون النزيل بعلم‬
‫‪261‬‬
‫بما ال يجب عليه فعله أو قوله‪ ،‬وهكذا يتم تفادي تعسف اإلدارة‬
‫السجنية وضمان علم النزيل فعال بالقانون‪.‬‬
‫قد يثير البعض مسألة صعوبة حصر وتدقيق جميع األفعال‬
‫واألقوال التي قد تمس بحسن سير السجن أو تخل باألمن به‬
‫نظرا لتعددها وعدم ثباتها‪ ،‬باعتبار أنه قد تظهر أفعال وأقوال‬
‫جديدة ماسة ومخلة بحسن سير وأمن املؤسس السجنية لم تكن‬
‫موجودة أو معروفة عند وضع النص‪ ،‬لذلك وجب اعتماد عبارات‬
‫ومصطلحات واسعة تستوعب ما يمكن أن يظهر مستقبال من‬
‫تصرفات واجبة التتبع تأديبيا‪.‬‬
‫يحمل هذا القول جانبا من الجدية‪ ،‬إال أنه ال يجب األخذ به‬
‫على إطالقه‪ ،‬حيث يجب الحد ألبعد الحدود من العبارات الواسعة‬
‫التي تستوعب عدة أفعال وأقوال‪ ،‬ويجب توفير ضمان للنزيل بأن‬
‫ال تستعمل اإلدارة السجنية ذلك التوسع لإلخالل بالعدالة وهضم‬
‫حقوقه والتعسف في عقابه‪ ،‬ويكون أفضل ضمان أن يتكفل قا�ضي‬
‫تنفيذ العقوبات بطلب من اإلدارة السجنية تحديد إن كان الفعل‬
‫املرتكب من قبل النزيل ينطبق عليه النص الواسع أم ال‪ ،‬مع تعليل‬
‫قراره ومنح النزيل إمكانية الطعن في هذا القرار‪.‬‬
‫ال يقف العمل النقابي الهادف لتحقيق عدالة العقوبات‬
‫التأديبية عند هذا الحد‪ ،‬أي عند تحديد األفعال واألقوال املوجبة‬
‫للمساءلة‪ ،‬بل يهتم أيضا بالعقوبات التأديبية التي قد تسلط على‬
‫النزيل املخالف‪ ،‬فهذه العقوبات أيضا نجد بها العديد من العيوب‬
‫الواجب تداركها‪.‬‬
‫ضبط الفصل ‪ 22‬من قانون ‪ 2001‬على سبيل الحصر العقوبات‬
‫التي يمكن أن يتعرض إليها النزيل املخالف‪ ،‬بحيث ال يمكن لإلدارة‬
‫‪262‬‬
‫العقابية توقيع عقوبة غير موجودة ضمن أحكام الفصل ‪،22‬‬
‫وتتمثل هذه العقوبات في‪ :‬الحرمان من تلقي املؤونة والطرود ملدة‬
‫معينة على أن ال تتجاوز ‪ 15‬يوما‪ ،‬الحرمان من زيارة ذويه له ملدة‬
‫معينة على أن ال تتجاوز ‪ 15‬يوما‪ ،‬الحرمان من تلقي أدوات الكتابة‬
‫والنشريات ملدة معينة على أن ال تتجاوز ‪ 15‬يوما‪ ،‬الحرمان من‬
‫الشغل‪ ،‬الحرمان من املكافأة‪ ،‬الحرمان من اقتناء املواد من مغازة‬
‫التزويد بالسجن ملدة ال تتجاوز ‪ 7‬أيام‪ ،‬الوضع بغرفة انفرادية‬
‫تتوفر فيها املرافق الصحية وذلك ملدة أقصاها ‪ 10‬أيام‪.‬‬
‫احترم النظام العقابي التون�سي من خالل هذا الفصل مبدأ‬
‫شرعية العقوبات‪ ،‬فالنزيل املخالف ال يمكن لسلطة التأديب أن‬
‫تسلط عليه عقوبة تأديبية غير واردة بهذا النص‪ ،‬وال يمكنها أيضا‬
‫تجاوز التحديد الزمني الوارد بالنص لبعض العقوبات‪ ،‬فالفصل‬
‫‪ 22‬وضع تعدادا نوعيا وزمنيا للعقوبات التأديبية‪.‬‬
‫إن املتأمل في قائمة العقوبات التأديبية الواردة بالفصل ‪ 22‬من‬
‫قانون ‪ 2001‬يالحظ عدم احترام املشرع عند وضعه لهذا الفصل‬
‫ملقتضيات القاعدة ‪ 31‬من القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة‬
‫السجناء‪ ،‬والتي ورد فيها أن «العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع‬
‫في زنزانة مظلمة وأي عقوبة قاسية أو ال إنسانية أو مهينة‪ ،‬محظورة‬
‫كليا كعقوبات تأديبية»‪.‬‬
‫يجب أن ال تكون العقوبة التأديبية قاسية أو ال إنسانية أو‬
‫مهينة للنزيل‪ ،‬ومن املفترض أن تكون النظم التأديبية منسجمة‬
‫مع عملية التأهيل بصورة أساسية‪ ،‬وبذلك يتعين تجردها من‬
‫العقوبات الجسدية املؤذية‪ ،‬أو الوضع في غرف مظلمة‪ ،‬أو تضمنها‬
‫ألي مظهر يحط من قدر اإلنسان وكرامته‪ ،‬ألنها تقف عقبة بوجه‬
‫‪263‬‬
‫عملية تأهيله وتجعل التنفيذ العقابي يتسم بالقوة والوحشية‪ ،‬وقد‬
‫تغري العاملين على اعتمادها بشكل واسع مما يتناقض مع الطابع‬
‫الحديث ألهداف العقوبة‪.‬‬
‫تشكل عقوبة اإليداع بغرفة انفرادية إهانة لكرامة النزيل‬
‫وحرمته الجسدية‪ ،‬وتعتبر دليال واضحا على عدم التزام املشرع‬
‫بأحكام القاعدة ‪ 31‬من القواعد النموذجية الدنيا‪ ،‬ولقد أكدت‬
‫مختلف الدراسات املتعلقة بعلم اإلجرام وعلم النفس‪ ،‬أن الحبس‬
‫االنفرادي وعزل النزيل عن بقية النزالء يشكل انتهاكا صارخا لحرمته‬
‫الجسدية واملعنوية‪ ،‬ألنه يؤثر بشكل كبير على مداركه العقلية‬
‫ويؤدي إلى اضطراب حالته النفسية‪ ،‬إضافة ملا قد يصاحب عملية‬
‫العزل من انتهاكات مادية وتعسف‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط من أجل إلغاء هذه العقوبة‬
‫التأديبية التي تشكل تعديا صارخا على إنسانية النزيل‪ ،‬إضافة‬
‫لتعارضها مع السياسة العقابية الحديثة والغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫وفي انتظار اإللغاء التشريعي لهذه العقوبة الالإنسانية‪ ،‬يجب على‬
‫النقابة أن تعمل على منعها عمليا بأن ال يتم تسليطها على أي نزيل‬
‫مخالف‪ ،‬أو على األقل الحد منها وجعلها نادرة الوقوع‪ ،‬مع ضرورة‬
‫اهتمام النقابة بالغرفة االنفرادية التي يقع عزل النزيل بها لقضاء‬
‫عقوبته‪ ،‬والتي يجب أن تتوفر فيها مختلف املرافق الصحية‪ ،‬إذ أن‬
‫واقع هذه الغرف أبعد ما يكون عن اإلنسانية والصحة‪ ،‬حيث ال‬
‫يجد النزيل بغرفة العزل التي تمتاز بشدة اإلتساخ سريرا ينام عليه‬
‫أو حتى مكان مخصص لقضاء حاجاته‪ ،‬ويكفي القول في وصف‬
‫هذه الغرفة أن حتى الحيوانات ال تر�ضى باإلقامة بها‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫لئن كانت عقوبة الوضع بغرفة إنفرادية تستوجب فورا عمل‬
‫النقابة من أجل إلغاءها نظرا لألسباب السالف ذكرها‪ ،‬فإن باقي‬
‫العقوبات التأديبية تستوجب أيضا املراجعة بغاية تفادي سلبياتها‬
‫خصوصا على تأهيل النزيل‪ ،‬من ذلك أن حرمان النزيل من زيارة ذويه‬
‫تتجاوز شخص النزيل وتسلط على عائلته التي ستحرم من مقابلته‪،‬‬
‫إضافة إلى كون هذه العقوبة متضاربة مع ما أقرته السياسة العقابية‬
‫الحديثة واعترفت به من دور ريادي لألسرة في تأهيل النزيل‪ .‬كذلك‬
‫ما جدوى عقوبة الحرمان من تلقي أدوات الكتابة والنشريات ملدة‬
‫معينة كعقوبة‪ ،‬والحال أن السياسات العقابية الحديثة تعتبر أن‬
‫التعليم والتثقيف ركيزة أساسية من ركائز البرنامج التأهيلي‪ .‬أيضا‬
‫عقوبة الحرمان من اقتناء املواد من مغازة التزويد بالسجن ملدة‬
‫معينة وردت في صياغة عامة لتشمل الحرمان من كل املواد بما في‬
‫ذلك مواد النظافة وهذا أمر جد منتقد‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط والتعاون مع كل املتداخلين‬
‫من أجل إرساء عقوبات تأديبية تحقق التأديب والردع وتحفظ‬
‫األمن والنظام داخل املؤسسة‪ ،‬لكن أيضا تحافظ على إنسانية‬
‫النزيل وتخدم الغاية التأهيلية للعقوبة‪ .‬وشخصيا أرى بعدم فائدة‬
‫كل العقوبات التأديبية الواردة بالفصل ‪ 22‬من قانون ‪ 2001‬نظرا‬
‫ملساسها بوجه أو بآخر بإنسانية النزيل أو بتأهيله‪ ،‬لذلك من املحبذ‬
‫عمل النقابة على إلغاءها جميعا‪ ،‬والدفع نحو مسايرة ما وصلت‬
‫إليه السياسة العقابية الحديثة من عقوبات تأديبية فعالة وناجعة‪،‬‬
‫ولعل أهمها نظام التخفيض‪.‬‬
‫ينطبق نظام التخفيض في بعض السجون األوروبية واألمريكية‪،‬‬
‫وبموجبه يمكن للنزيل أن ينال تخفيضا ملدة بقائه في السجن إذا‬
‫‪265‬‬
‫أظهر سلوكا حسنا‪ ،‬أو قام بعمل مفيد‪ ،‬ويتم الرجوع أو اإلنقاص في‬
‫هذا التخفيض بمقت�ضى عقوبة تأديبية إذا ارتكب النزيل مخالفة‪،‬‬
‫فالعقوبة التأديبية في مثل هذا النظام تتمثل في حرمان النزيل‬
‫املخالف من عدد معين من األيام املخفضة من محكوميته وفقا‬
‫للمخالفة املرتكبة‪.‬‬
‫يحث هذا النظام النزيل على تحسين سلوكه ومحاولة حل ما‬
‫يواجهه من مشكالت في السجن حال سليما مقبوال من الناحية‬
‫االجتماعية والتنظيمية‪ ،‬ويحثه أيضا على االنضباط كي ال يخسر‬
‫ما أنقص من محكوميته‪ ،‬فكل يوم ينقص من املدة السجنية يقرب‬
‫موعد الحرية التي ينتظرها عادة بلهفة كل نزيل‪ ،‬إضافة لكون هذا‬
‫النظام ال يمس من إنسانية النزيل وال من حقوقه وحقوق أسرته‪،‬‬
‫ويخدم بجدية الغاية التأهيلية للعقوبة‪.‬‬
‫يحقق هذا النظام بحق عدالة العقوبات التأديبية مما يجعل‬
‫املساءلة التأديبية للنزيل عادلة‪ ،‬خصوصا إذا تم تمكين النزيل من‬
‫الدفاع عن نفسه وتوفرت له آليات دفاع تضمن عدم التعسف‬
‫عليه وعدم ظلمه‪.‬‬
‫ب‪ -‬تكريس حق النزيل في الدفاع عن نفسه‬
‫كان في السابق ينظر للنزيل على أنه عنصر خطير يهدد املجتمع‪،‬‬
‫لذلك يقع إقصاءه وإبعاده عن بقية أفراد املجتمع‪ ،‬وعندما يرتكب‬
‫مخالفة بالسجن كانت تسلط عليه أق�سى العقوبات دون االستماع‬
‫إليه وتمكينه من حقه في الدفاع عن نفسه‪ ،‬أما اآلن فقد تغير‬
‫الوضع‪ ،‬حيث اتجهت السياسة العقابية الحديثة نحو تكريس مبدأ‬

‫‪266‬‬
‫إنسانية املحكوم عليه بما ينطوي عليه من عدة حقوق من بينها حق‬
‫النزيل في الدفاع عن نفسه‪.‬‬
‫أقرت السياسة العقابية الحديثة بوجوب أن يتم تمتيع النزيل‬
‫املخالف في صورة إحالته على مجلس التأديب بجملة من الحقوق‬
‫التي تحمية وتعكس حقه في الدفاع عن نفسه‪ ،‬وتتمثل هذه الحقوق‬
‫في الحق في العلم بالتهمة والحق في تقديم دفاعه والحق في مجلس‬
‫محايد والحق في االعتراض أو الطعن‪.‬‬
‫يتمتع النزيل املحال على مجلس التأديب بحق مطلق في العلم‬
‫باملخافة املنسوبة إليه‪ ،‬وهو ما أكدته القاعدة ‪ 30‬من القواعد‬
‫النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء في فقرتها الثانية حيث نصت‬
‫على أن «ال يعاقب أي سجين إال بعد إعالمه باملخالفة وإعطائه‬
‫فرصة فعلية لعرض دفاعه‪ ،‬وعلى السلطة املختصة أن تقوم‬
‫بدراسة مستفيضة للحالة»‪.‬‬
‫م يتعرض املشرع صراحة لحق النزيل في العلم باملخالفة املنسوبة‬
‫إليه‪ ،‬إال أنه يمكن استنتاج هذا الحق من خالل إشارة املشرع صلب‬
‫الفصل ‪ 21‬من قانون ‪ 2001‬إلى وجوب االستماع للنزيل وتلقي أوجه‬
‫دفاعه قبل تسليط العقوبة التأديبية عليه‪ ،‬واملحكوم عليه حتى‬
‫يتمكن من إعداد وسائل دفاعه عن نفسه ال بد أن يكون عاملا‬
‫بالتهمة املنسوبة إليه‪.‬‬
‫يمكن أن ال يتم إعالم النزيل باملخالفة املنسوبة إليه إال وهو‬
‫ماثل أمام مجلس التأديب‪ ،‬وهي وضعية واقعية نجدها بكثرة في‬
‫سجوننا‪ ،‬وهو أمر يحول دون إعطاء هذا النزيل فرصة حقيقية‬
‫إلعداد دفاعه‪ ،‬حيث أن اإلعالم يجب أن يكون سابقا لعملية املثول‬

‫‪267‬‬
‫أمام مجلس التأديب وبوقت كاف يسمح للنزيل باستيعاب املوقف‬
‫وإعداد دفاعه‪.‬‬
‫يتعين على النقابة العمل والضغط من أجل إلزام املشرع بأن‬
‫يحرص على حماية حقوق الفرد مهما كان وضعه القانوني‪ ،‬وذلك‬
‫بأن ينص صراحة على حق النزيل في العلم بالتهمة املنسوبة إليه‬
‫قبل املثول أمام مجلس التأديب بمدة زمنية كافية إلعداد دفاعه‪،‬‬
‫ألن حقه في الدفاع عن نفسه الذي يكفله القانون ال يمكن ضمانه‬
‫بصورة فعلية إال من خالل تكريس حقه بالعلم‪ ،‬ألنه دون علم ال‬
‫يتحقق الدفاع بمفهومه القانوني‪.‬‬
‫ويمكن أن نشير في هذا اإلطار إلى كون املشرع الفرن�سي يمنح‬
‫للنزيل أجل ثالث ساعات على األقل لتحضير دفاعه‪ ،‬وفي صورة‬
‫عدم احترام اإلدارة العقابية لهذا األجل‪ ،‬خول القانون الفرن�سي‬
‫للمحكمة اإلدارية الحق في إلغاء العقاب التأديبي املتخذ ضد النزيل‪،‬‬
‫وهو ما يبرز األهمية التي يمنحها التشريع الفرن�سي لحق الدفاع‬
‫حماية للمحكوم عليه من كل اعتداء على حقوقه‪ .‬ويزداد هذا األمر‬
‫تأكدا من خالل حرص املشرع الفرن�سي على تهيئة ظروف مالئمة‬
‫للمحكوم عليه أثناء مدة تحضيره لدفوعاته‪ ،‬حيث نص على أنه في‬
‫صورة عزل النزيل املتخذ ضده اإلجراء التأديبي في زنزانة منفردة يتم‬
‫إخراجه منها طيلة الفترة التي يجهز فيها دفوعاته‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والحرص على علم النزيل بمخالفته‪،‬‬
‫ويجب أن يكون هذا اإلعالم كتابيا مقابل إمضاء النزيل وأحد ممثلي‬
‫النقابة «كبران» على وثيقة تفيد تسلم هذا اإلعالم وتحدد تاريخه‬
‫وساعته‪ ،‬ويجب أن تحرص النقابة على تمتع النزيل بوقته كامال‬
‫إلعداد دفاعه‪ ،‬وأن تساعده في إعداد هذا الدفاع وفي تقديمه‬
‫‪268‬‬
‫أمام مجلس التأديب‪ ،‬وذلك من خالل حضور ممثل عن النقابة‬
‫صحبة النزيل تكون مهمته معاينة سير الجلسة ومساعدة النزيل في‬
‫الدفاع عن نفسه والعمل على إخراج النزيل بأخف األضرار من هذه‬
‫الجلسة‪ ،‬أي حصوله على أبسط عقاب تأديبي ممكن وملا ال البراءة‪،‬‬
‫فدور عضو النقابة من هذه الزاوية مثل دور املحامي في املحاكمة‬
‫الجزائية‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بمسألة تكليف النزيل ملحام‪ ،‬لم يعترف املشرع‬
‫التون�سي شأنه شأن معظم القوانين املقارنة بحق املحكوم عليه‬
‫في االتصال بمحام للدفاع عنه أثناء املحاكمة التأديبية‪ ،‬ويبرر‬
‫العديدون ذلك بأن إنابة محام للدفاع عن النزيل أثناء محاكمته‬
‫تأديبيا من شأنها أن تؤدي إلى تهويل األمر وإعطاء املسألة أكثر مما‬
‫تستحقه من االهتمام ومن الوقت‪ .‬يعتبر هذا األمر صائبا مبدئيا‪،‬‬
‫إال أنه إذا كانت العقوبة التأديبية خطيرة وجب تمكين النزيل من‬
‫حقه في االستعانة بمحام للدفاع عنه‪ ،‬من ذلك إذا كانت هذه‬
‫العقوبة ستحرم النزيل من تخفيض تحصل عليه في مدة محكوميته‬
‫إذا وقع تبني نظام التخفيض‪ ،‬أو إذا كانت العقوبة حرمان النزيل‬
‫من حقه في رخصة خروج أو في إجازة عقابية‪ ،‬وغير ذلك من أوجه‬
‫العقوبات التأديبية التي قد يتم تكريسها وتبنيها وتكون ذات خطورة‬
‫على النزيل‪.‬‬
‫لم يتعرض املشرع لكيفية تقديم النزيل لدفاعه‪ ،‬حيث جاء‬
‫بالفصل ‪ 24‬من قانون ‪ 2001‬أنه “ال يمكن تسليط عقوبة تأديبية‬
‫على السجين إال بعد االستماع إليه وتلقي أوجه دفاعه”‪ ،‬بذلك‬
‫يكون املشرع قد تعرض إلى ضرورة االستماع إلى النزيل قبل تسليط‬
‫عقوبة تأديبية عليه دون أن يضبط كيفية تقديم النزيل ألقواله‬
‫‪269‬‬
‫شفويا أو كتابيا‪ ،‬ويفسر هذا السكوت بأن املشرع قد ترك األمر‬
‫مفتوحا دون أي قيد‪ ،‬فالدفاع الشفوي مقبول والدفاع الكتابي‬
‫مقبول‪ ،‬وقد جرى العمل أن يقدم النزيل أقواله أمام لجنة التأديب‬
‫شفاهيا دون اعتماد مذكرة مكتوبة‪.‬‬
‫يوفر عدم تقييد النزيل في كيفية تقديم دفوعاته الراحة‬
‫النفسية وينزع عنه االضطراب حتى يتمكن من أن يدافع عن نفسه‬
‫بكل ثقة في النفس‪ ،‬لكن بالرغم من ذلك يجب أن ال نهمل أهمية‬
‫توثيق دفوعات النزيل وردوده وأجوبته على املخالفة التي أتهم‬
‫بارتكابها‪ ،‬حيث أن هذا التوثيق يمكن من رقابة مدى استحقاق‬
‫النزيل للعقوبة التأديبية التي سلطت عليه ومدى احترام مجلس‬
‫التأديب وتطبيقه للقانون‪ .‬لذلك وجب على النقابة العمل والحرص‬
‫على تدوين كل ما يدور بالجلسة التأديبية‪ ،‬ويتم ذلك من خالل‬
‫تواجد كاتب أو مقرر للجلسة يسجل كل ما يحصل ويقال بالجلسة‬
‫بمحضر يتم إمضاءه من قبل رئيس مجلس التأديب والنزيل وممثل‬
‫النقابة الحاضر بالجلسة والشهود إن توفروا‪.‬‬
‫لم يتعرض املشرع إلمكانية إحضار النزيل لشهود‪ ،‬إال أن هذه‬
‫اإلمكانية واردة‪ ،‬حيث يمكن استنتاجها ضمنيا من عبارة “تلقي أوجه‬
‫دفاعه” الواردة بالفصل ‪ 24‬من قانون ‪ ،2001‬إذ من بين أوجه دفاع‬
‫النزيل إمكانية أن يطلب االستماع إلى الشهود للتأكيد على مسألة أو‬
‫لنفي موقف معين‪ .‬ومثل هذا االستنتاج أكده وزير العدل في إطار‬
‫األعمال التحضيرية بمناسبة مناقشة مشروع قانون السجون‬
‫وتحديدا محتوى الفصل ‪ 24‬منه حيث أفاد أنه “من الضمانات‬
‫التي أتى بها هذا النص هو أن يقع االستماع إلى السجين وأن يقدم‬

‫‪270‬‬
‫أوجه دفاعه كأن يقدم مثال شهودا عن عدم حصول الواقعة أو‬
‫هذه املخالفة لاللتزامات السلوكية داخل السجن”‬
‫يمثل إسناد النزيل املتخذ ضده إجراء تأديبي إمكانية االستعانة‬
‫بالشهود تدعيما لحقوقه وحماية له من تعسف أعوان وموظفي‬
‫السجن‪ ،‬إضافة لكون عون السجن الذي عاين املخالفة وأحال‬
‫بمقتضاها النزيل على لجنة التأديب يمكن أن يكون قد أخطأ في‬
‫تقديره للفعل الصادر عن املحكوم عليه‪ ،‬ويوجد طرف آخر قد وقع‬
‫أمامه الفعل ويمكنه بالتالي أن ينصف النزيل‪ ،‬ألن عقاب النزيل على‬
‫فعل هو بريء منه من شأنه أن يغرس في نفسه الرغبة في االنتقام‬
‫والثأر وهو ما يعود بالسلب على برنامجه التأهيلي‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط من أجل اإلقرار التشريعي‬
‫الصريح بحق النزيل في االستعانة بالشهود‪ ،‬ويجب تنظيم هذه‬
‫املسألة وخاصة ضمان حماية الشهود قانونا وواقعا‪ ،‬فعمليا‬
‫يتجنب أي نزيل الشهادة مع نزيل آخر أمام مجلس التأديب خاصة‬
‫إذا كانت الشهادة ستنصف النزيل في خالف بينه وبين أحد موظفي‬
‫السجن‪ ،‬فهذا الشاهد يخاف بطش وردة فعل هذا املوظف‪.‬‬
‫يعتبر الهدف من تمكين النزيل من االستعانة بالشهود شأنه‬
‫شأن حقه في العلم باملخالفة وكل الحقوق السالف ذكرها‪ ،‬توفير‬
‫الضمانات الالزمة ليتمتع بحقه في الدفاع على أمثل وأنسب وجه‪،‬‬
‫وعموما ال معنى لكل تلك الحقوق‪ ،‬وال تكريس وال نفاذ وال احترام‬
‫لحق النزيل الواقع مساءلته تأديبيا في الدفاع إذا لم يكن مجلس‬
‫التأديب محايدا‪.‬‬
‫تسلط العقوبات التأديبية على النزيل في التشريع العقابي‬
‫التون�سي وتحدد مدتها من طرف لجنة تأديب متألفة حسب الفصل‬
‫‪271‬‬
‫‪ 26‬من قانون ‪ 2001‬من مدير السجن بصفة رئيسا وعضوية‬
‫مساعد مدير السجن ورئيس مكتب العمل االجتماعي ونزيل حسن‬
‫السيرة والسلوك يقع اختياره من قبل مدير السجن من نفس‬
‫الغرفة التي يقيم بها النزيل املخالف أو ورشة التكوين أو حضيرة‬
‫العمل‪ ،‬ويمكن للجنة دعوة املكلف بالعمل النفساني إلبداء رأيه‪.‬‬
‫مع اإلشارة إلى كون مدير السجن يمكنه االكتفاء بتوجيه إنذار أو‬
‫توبيخ للنزيل املخالف دون حاجة للرجوع إلى لجنة التأديب‪.‬‬
‫مكن الفصل ‪ 26‬مدير السجن من مكانة جد خطيرة ومهددة‬
‫للنزيل من ناحية املساءلة التأديبية‪ ،‬حيث أن تمتع مدير السجن‬
‫بمكانة رئيس للجنة التأديب وكذلك تمتعه بصالحية توجيه العقاب‬
‫التأديبي دون الرجوع إلى اللجنة يعتبر ضارا بمصلحة النزيل‪ ،‬فمدير‬
‫السجن يمثل في اآلن نفسه الخصم والحكم‪ ،‬ومثل هذا الوضع ال‬
‫يضمن حق النزيل في مجلس محايد‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل والضغط من أجل املعالجة القانونية‬
‫والعملية لهذا الوضع وضمان حق النزيل في مجلس تأديب محايد‬
‫مما يؤمن له محاكمة تأديبية عادلة ال تغلب عليها مصلحة‬
‫املؤسسة العقابية وتغيب فيها مصلحة النزيل‪ ،‬ويعتبر أفضل حل‬
‫لضمان الحياد أن يحال هذا االختصاص بأكمله إلى قا�ضي تنفيذ‬
‫العقوبات‪ ،‬فهذا القا�ضي محايد وطبيعة وضعيته وصفته تخول له‬
‫تقدير استحقاق النزيل للتوبيخ واإلنذار فحسب أو ضرورة تشديد‬
‫العقاب تجاهه‪.‬‬
‫ويمكن أن ينظر قا�ضي تنفيذ العقوبات منفردا في طلبات‬
‫املساءلة التأديبية املرفوعة من اإلدارة السجنية‪ ،‬فيقوم بتفعيل‬
‫سلطته في مالءمة التتبع‪ ،‬فإن قرر املساءلة يقوم بسماع اإلدارة‬
‫‪272‬‬
‫والنزيل الذي يقدم أوجه دفاعه ثم يصدر قراره‪ .‬كما يمكن أن ينظر‬
‫القا�ضي في املساءلة التأديبية للنزيل صلب لجنة تأديب يترأسها‬
‫وتضم ممثلين عن اإلدارة السجنية وممثلين عن النقابة‪ ،‬إال أن‬
‫جميع هؤالء املمثلين ال يتمتعون إال برأي استشاري باعتبار وأن‬
‫سلطة القرار تبقى بيد قا�ضي تنفيذ العقوبات‪.‬‬
‫ال تعني إحالة اختصاص املساءلة التأديبية لقا�ضي تنفيذ‬
‫العقوبات أن القرارات التي سيصدرها بتسليط عقوبة تأديبية‬
‫على النزيل املخالف ستكون قرارات صحيحة وعادلة دائما‪ ،‬فهذا‬
‫القا�ضي يبقى إنسان وقد يخطئ التقدير‪ ،‬لذلك يجب منح النزيل‬
‫حق الطعن في العقوبة التأديبية املسلطة عليه‪.‬‬
‫يعد ضمان الحق في الطعن مظهرا هاما من مظاهر حماية حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬ألنه يكفل رفع الضرر عنه وتصحيح القرار أو اإلجراء‬
‫الخاطئ املتخذ تجاهه‪ ،‬وبما أن النزيل هو قبل كل �شيء إنسان‬
‫ومواطن‪ ،‬فإنه من الضروري تمتيعه بحق الطعن صيانة لحقوقه‬
‫التي يمكن أن تكون محل خطأ أو اعتداء أو تعسف‪ ،‬ويسلط الطعن‬
‫الذي يقوم به املحكوم عليه على قرارات العقوبات التأديبية سواء‬
‫صدرت عن إدارة السجن أو عن قا�ضي تنفيذ العقوبة‪.‬‬
‫مكن الفصل ‪ 25‬من قانون ‪ 2001‬النزيل من االعتراض على‬
‫العقوبة التأديبية في أجل أقصاه اليوم املوالي إلعالمه به‪ ،‬وذلك‬
‫لدى إدارة السجن التي ترفعه في الحال لإلدارة املكلفة بالسجون‬
‫واإلصالح التي تقر هذا اإلجراء أو تخفض منه‪ ،‬معنى ذلك أن اإلدارة‬
‫املكلفة بالسجون واإلصالح ال يمكنها في كل الحاالت إلغاء اإلجراء‬
‫التأديبي املتخذ ضد النزيل‪ ،‬وبالتالي فإن االعتراض يؤدي في أق�صى‬
‫صوره إلى تخفيض العقوبة‪ .‬كما أن االعتراض على اإلجراء التأديبي‬
‫‪273‬‬
‫ال يوقف تنفيذه وهو ما من شأنه أن يحد من قيمة االعتراض‬
‫ويضعف من دوره في حماية حقوق النزيل‪.‬‬
‫ال مجال لتواصل هذا الوضع املشين واملاس بحقوق النزيل‪،‬‬
‫إذ يجب على النقابة العمل والضغط من أجل اإلقرار والتنظيم‬
‫القانوني والعملي لحق النزيل في الطعن في قرارات العقوبة التأديبية‪،‬‬
‫ومبدئيا بما أن سلطة تسليط العقوبة التأديبية على النزيل املخالف‬
‫هي حاليا ووفقا للفصل ‪ 26‬من قانون ‪ 2001‬من صالحيات لجنة‬
‫التأديب ومدير السجن فإنه يجب تمكين النزيل املعاقب من حق‬
‫الطعن فيها أمام قا�ضي تنفيذ العقوبات الذي ينظر فيها ويحكم‬
‫بإقرارها أو إلغاءها أو تعديلها وذلك بعد تلقي دفاعات النزيل‬
‫ومالحظات اإلدارة السجنية‪.‬‬
‫يعتبر هذا الحل املؤقت ضروري لضمان حق النزيل في الدفاع‪،‬‬
‫وذلك لحين تحويل اختصاص املساءلة التأديبية لقا�ضي تنفيذ‬
‫العقوبات مثلما أشرنا إليه سالفا‪ ،‬وعند ذلك فإن الطعن في قرارات‬
‫العقوبة التأديبية الصادرة عنه تكون أمام جهة قضائية ذات‬
‫تركيبة خاصة يتم إحداثها للغرض‪ ،‬وتتكون هذه التركيبة من قضاة‬
‫ومن مختص في التأهيل السجني ومختص في التأهيل االجتماعي‬
‫ومحتص في التأهيل النف�سي‪ ،‬وتنظر في االعتراض بعد تلقي دفاعات‬
‫النزيل ومالحظات اإلدارة السجنية‪ ،‬وتصدر أيضا قرارها بإقرار أو‬
‫إلغاء أو تعديل العقوبة التأديبية‪ ،‬مع اإلشارة طبعا أنه من البديهي‬
‫أن ال يشارك قا�ضي التنفيذ مصدر القرار محل الطعن في النظر في‬
‫ذلك الطعن‪ .‬ويتمثل الغرض من أن يتم الطعن أمام جهة قضائية‬
‫ذات تركيبة خاصة في أن يكون قرارها عادال باعتبار وأن تركيبتها‬
‫تسمح لها بأن تتعدى رقابة الشرعية إلى رقابة املالءمة‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫يجب التأكيد في هذا املستوى على وجوبية عدم تنفيذ العقوبة‬
‫التأديبية إذا كانت محل اعتراض إلى غاية الحسم فيه‪ ،‬وهذا‬
‫أمر طبيعي باعتبار وأن هناك إمكانية للحكم ببراءة النزيل وإلغاء‬
‫العقوبة التأديبية‪.‬‬
‫وحتى ال تطول اإلجراءات ويصبح االعتراض وسيلة لتف�صي‬
‫النزيل من العقاب التأديبي‪ ،‬يجب أن تكون آجال الطعن والنظر في‬
‫الطعن قصيرة نسبيا‪ ،‬من ذلك أن كون أجل الطعن ‪ 24‬ساعة من‬
‫تاريخ اإلعالم بالعقوبة وأجل النظر في الطعن ال يتجاوز ‪ 72‬ساعة‬
‫من تاريخه‪.‬‬
‫عموما يعتبر حق الطعن في العقوبة التأديبية أمرا ضروريا‬
‫إلرساء عدالة املساءلة التأديبية خصوصا عند تفاعله واكتماله مع‬
‫باقي الحقوق الواجب توفرها للنزيل من أجل ضمان حقه املبدئي في‬
‫الدفاع عن نفسه‪ ،‬وهو حق على النقابة العمل على تكريسه وتنظيمه‬
‫قانونيا وعلى ضمانه على أنسب وجه من الناحية العملية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التعاون مع قا�ضي تنفيذ العقوبات‬
‫ال ينبغي أن يحول تنفيذ العقوبة دون احترام حقوق املحكوم‬
‫عليه وحمايتها من كل اعتداء بوصفها جزء ال يتجزأ من حقوق‬
‫اإلنسان ككل‪ ،‬ألن السجن ال يسلب املحكوم عليه سوى حقه في‬
‫حرية الحركة واالنتقال‪ ،‬بينما يبقى محتفظا ببقية حقوقه التي ال‬
‫ينبغي تجريده منها التصالها بكرامته كإنسان‪.‬‬
‫ويعتبر القضاء هو الكفيل الوحيد بضمان احترام تلك الحقوق‪،‬‬
‫ألن مساهمته في التنفيذ العقابي تضفي عليه طابعا من االعتدال‬
‫وتجعله متشبعا باألغراض االجتماعية للعقوبة‪ ،‬وهو ما من شأنه‬
‫‪275‬‬
‫أن يؤثر على العاملين باملؤسسة السجنية على اختالف درجاتهم‬
‫فيجعلهم يباشرون عملهم بروح مشبعة بالفن القضائي وما يحتويه‬
‫من تفريد للمعاملة العقابية‪.‬‬
‫دفعت هذه األسباب بالعديد من التشريعات العقابية إلى توسيع‬
‫صالحيات قا�ضي التنفيذ إلى الحد الذي جعلت منه الجهاز األهم‬
‫في مرحلة التنفيذ‪ ،‬إذ يمكن أن يقرر بمفرده العديد من اإلجراءات‬
‫املتعلقة بمتابعة املحكوم عليه من حيث تفريد الجزاء ومراقبة‬
‫تطبيقه واإلشراف على سير املؤسسة العقابية‪ ،‬فاملشرع في مختلف‬
‫هذه التشريعات نجده كلما نظم عقوبة غير محددة يمكن أن تدخل‬
‫عليها تغييرات لسبب أو آلخر إال وقام بإقحام السلطة القضائية في‬
‫تنفيذها‪ ،‬وذلك إيمانا منه بالصلة الوثيقة بين التدخل القضائي‬
‫وحماية الحرية الفردية والحقوق الشخصية‪.‬‬
‫واكب املشرع التون�سي نسبيا هذا التوجه الهادف لتوسيع‬
‫صالحيات قا�ضي التنفيذ‪ ،‬وأسند عدة صالحيات لهذا القا�ضي‬
‫تؤكد وتدعم مكانته في التنفيذ‪ ،‬من ذلك أن قا�ضي تنفيذ العقوبات‬
‫مكلف بمراقبة ظروف تنفيذ العقوبة السجنية‪ ،‬وهي مهمة ليست‬
‫بالسهلة‪ ،‬وعمليا نجد عجز قا�ضي التنفيذ على إتمام هذه املهمة على‬
‫النحو السليم بما يضمن حقوق نزالء املؤسسة السجنية ويحميهم‬
‫من كل تعدي وتقصير وتعسف صادر عن اإلدارة السجنية‪ ،‬لذلك‬
‫وجب على النقابة في إطار تعاونها مع قا�ضي التنفيذ تسهيل مهمته‬
‫في فيما يتعلق بهذه املراقبة‪.‬‬
‫ونفس التوجه يجب أن تتوخاه النقابة فيما يتعلق برخص‬
‫الخروج التي يسلمها قا�ضي تنفيذ العقوبات للنزالء‪ ،‬إذ عليها‬
‫التعاون معه أيضا في هذه املهمة‪ ،‬مع اإلشارة إلى كون تدخل النقابة‬
‫‪276‬‬
‫في مسألة رخص الخروج من خالل دعم وتنظيم امللفات املتعلقة بها‬
‫يعد عونا للنزالء أكثر منه تعاونا مع قا�ضي التنفيذ‪.‬‬
‫أ‪ -‬تسهيل مهمة قا�ضي التنفيذ في مراقبة ظروف تنفيذ العقوبة‬
‫السجنية‬
‫تكريسا ملبدأ أنسنة العقوبة وتفريدها‪ ،‬مكن املشرع النزيل أثناء‬
‫قضاء محكوميته من التمتع بجملة من الحقوق التي تتصل أساسا‬
‫بالرعاية الصحية والنفسية للنزيل وبالتكوين والتعليم والرعاية‬
‫االجتماعية مع الحرص على الحفاظ على الروابط العائلية‪،‬‬
‫ولتفعيل تلك الحقوق وضمان احترامها أوكل املشرع لقا�ضي تنفيذ‬
‫العقوبات صالحية مراقبة ظروف تنفيذ العقوبة السجنية‪.‬‬
‫نص الفصل ‪ 342‬مكرر من مجلة إجراءات جزائية على أن «يتولى‬
‫قا�ضي تنفيذ العقوبات مراقبة ظروف تنفيذ العقوبات السالبة‬
‫للحرية املقضاة باملؤسسة السجنية الكائنة بمرجع النظر الترابي‬
‫للمحكمة الراجع لها بالنظر»‪ .‬ويقصد بظروف تنفيذ العقوبات‬
‫السالبة للحرية تلك الظروف التي تتصل بحالة السجن وتجهيزاته‬
‫من جهة‪ ،‬وتلك الظروف املتصلة بظروف النزيل االجتماعية‬
‫والنفسية والثقافية من جهة أخرى‪.‬‬
‫يضطلع قا�ضي تنفيذ العقوبات بدور الحامي لحقوق النزيل‪،‬‬
‫ولكي يتمكن من لعب هذا الدور يقوم بزيارة السجن مرة في‬
‫الشهرين على األقل بغاية االطالع على أوضاع النزالء‪ ،‬وذلك حسب‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 342‬ثالثا من مجلة اإلجراءات الجزائية‪،‬‬
‫وأثناء هذه الزيارات تحصل عملية االحتكاك مع النزالء للتعرف‬
‫واالطالع على ظروف عيشهم داخل السجن وخاصة لالقتراب من‬

‫‪277‬‬
‫النزيل اإلنسان في محاولة للتعرف على شخصيته ومدى قابليتها‬
‫واستعدادها للتأهيل‪.‬‬
‫يالحظ أن ضبط دورية زيارة قا�ضي تنفيذ العقوبات للسجن‬
‫بزيارة واحدة على األقل في الشهرين أمر جد سلبي‪ ،‬خصوصا وأنه‬
‫على مستوى التطبيق ال يقوم قا�ضي التنفيذ بأكثر من زيارة في‬
‫الشهرين للسجن‪ ،‬فهذا القا�ضي ال يمكنه من خالل زيارة واحدة في‬
‫الشهرين اإلملام بظروف إقامة نزالء املؤسسة السجنية‪ ،‬والتعرف‬
‫على شخصيتهم ومدى نجاعة تأهيلهم‪ ،‬ورقابة مدى احترام اإلدارة‬
‫السجنية لحقوق نزالءها‪ ،‬وغير ذلك من األمور املندرجة في إطار‬
‫مراقبته لظروف تنفيذ العقوبة السجنية‪ ،‬إضافة لتوليه مقابلة‬
‫النزالء الراغبين في ذلك أو من يرغب في سماعهم بمكتب خاص‪،‬‬
‫وإمكانية اطالعه على الدفتر الخاص بالتأديب وإبداء مالحظاته‬
‫بشأن العقوبات املتخذة وإسداء توجيهاته لإلدارة السجنية‪ ،‬وأيضا‬
‫له أن يطلب من إدارة السجن القيام ببعض األعمال التي تفتضيها‬
‫الرعاية االجتماعية للنزيل‪.‬‬
‫نحن ال نبالغ إن قلنا أن األداء الجيد لرقابة قا�ضي التنفيذ على‬
‫ظروف تنفيذ العقوبة السجنية تتطلب قيامه بزيارة واحدة على‬
‫األقل في األسبوع‪ ،‬وتتعدد الزيارات بحسب حاجيات العمل‪ ،‬وأن‬
‫تدوم كل زيارة من الوقت ما يكفي لتفقد كل يهم ظروف إقامة النزالء‬
‫وكذلك إلنجاز املهام التي تتطلب وجوده باملؤسسة السجنية‪ ،‬لذلك‬
‫وجب على النقابة العمل والضغط والتعاون مع جميع األطراف‬
‫املتداخلة واملهتمة بالحياة السجنية من أجل التكريس القانوني‬
‫والواقعي لهذا املطلب‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫ومهما يكن من أمر فعلى النقابة التعاون مع قا�ضي تنفيذ‬
‫العقوبات وتسهيل مهمته في مراقبة ظروف تنفيذ العقوبة‬
‫السجنية‪ ،‬ويكون ذلك من خالل إعداد تقارير حول كل ما يتعلق‬
‫بهذه الظروف وتسليمها له‪ ،‬كذلك لفت نظره لكل أمر قد يعرقل‬
‫عملية تأهيل النزالء أو يعرقل حسن أداء قا�ضي التنفيذ ملهامه‪،‬‬
‫كذلك تقوم النقابة بتنظيم وتسهيل اللقاءات بين قا�ضي التنفيذ‬
‫والنزالء وجعل هذه اللقاءات بناءة ومثمرة بما يخدم مصلحة النزيل‬
‫ويحقق الغاية التأهيلية للعقوبة‪ ،‬وبصفة عامة تقوم النقابة بكل ما‬
‫يلزم لتسهيل مهام قا�ضي التنفيذ الذي أيضا يمكنه أن يطلب منها‬
‫كل ما يراه ضروريا أو صالحا أو مساهما في حسن قيامه بمهامه‪.‬‬
‫يجب على النقابة في هذا املستوى أن تكون أعين وأذان وأضرع‬
‫قا�ضي تنفيذ العقوبات‪ ،‬وأن تنقل له كل معلومة من شأنها تسهيل‬
‫رقابته لظروف تنفيذ العقوبة السجنية‪ ،‬وعليها أن تنفذ كل طلب‬
‫تتلقاه منه يكون مندرجا ضمن تسهيل تلك الرقابة‪ ،‬وال تتوقف‬
‫مهمة النقابة في التعاون مع قا�ضي تنفيذ العقوبات عند هذا الحد‪،‬‬
‫بل تشمل أيضا مجال تراخيص الخروج التي يمنحها هذا القا�ضي‬
‫للنزالء املستجيبين لشروطها‪.‬‬
‫ب‪ -‬دعم وتنظيم ملفات رخص الخروج‬
‫ورد بالفصل ‪ 342‬ثالثا من مجلة اإلجراءات الجزائية أن قا�ضي‬
‫تنفيذ العقوبات ينظر في منح النزالء تراخيص الخروج من املؤسسة‬
‫السجنية‪ ،‬وله أن يمنح هذه التراخيص لزيارة الزوج أو أحد األصول‬
‫أو الفروع عند املرض الشديد‪ ،‬أو لحضور موكب جنازة أحد‬
‫األقارب الوارد ذكرهم حصرا بذلك الفصل‪ ،‬وهم الزوج أو أحد‬
‫‪279‬‬
‫األصول أو الفروع أو اإلخوة أو األعمام أو األخوال أو األصهار من‬
‫الدرجة األولى أو الولي الشرعي‪.‬‬
‫نجد أن قا�ضي تنفيذ العقوبات يتمتع بصالحية منح النزيل‬
‫رخصة خروج مؤقت من املؤسسة العقابية وذلك لغرض واحد‬
‫وهو لزيارة األقارب حفاظا على الروابط العائلية وفي حالتين فقط‬
‫وهما حضور جنازة القريب أو مرضه الشديد‪ .‬وفي كلتا الحالتين ال‬
‫يمكن للنقابة أن تضطلع بدور كبير في دعم وتنظيم مطالب رخص‬
‫الخروج‪ ،‬إذ دورها لن يتجاوز مجرد إرشاد النزيل حول الوثائق‬
‫املطلوبة إلثبات الحالة ومساعدته في إعداد املطلب‪.‬‬
‫لقد سبق وأن أشرنا في موقع سابق من الكتاب إلى ضرورة أن‬
‫يسير النظام العقابي التون�سي على درب األنظمة العقابية املقارنة‬
‫املتطورة في مجال إسناد النزيل الخروج املؤقت‪ ،‬وأن يأخذ عنها‬
‫ويقوم بتوسيع مجال وحاالت تراخيص الخروج ويدعم صالحيات‬
‫قا�ضي التنفيذ في هذا املجال‪ ،‬وكذلك أشرنا إلى ضرورة أن يتم‬
‫تكريس اإلجازة العقابية كلون من ألوان رخص الخروج وذلك‬
‫تماشيا مع األساليب الحديثة املعتمدة لتأهيل نزيل املؤسسة‬
‫العقابية وتحقيقا ألهداف العقوبة‪.‬‬
‫وسبق أيضا أن أشرنا إلى وجوب عمل النقابة على تحقيق‬
‫التكريس التشريعي لهذه املطالب‪ ،‬مع إلزامية أن تراقب التطبيق‬
‫العملي لها‪ ،‬وأن تعمل وتضغط من أجل حسن هذا التطبيق‪ ،‬ومن‬
‫أجل انتفاع أكبر نسبة ممكنة من النزالء بهذه اآلليات‪.‬‬
‫بعد أن يتم التكريس القانوني لهذه املطالب النقابية املتعلقة‬
‫بالخروج املؤقت من السجن‪ ،‬سواء في شكل رخصة خروج مؤقت‬
‫أو في شكل إجازة عقابية‪ ،‬تقوم النقابة بمساندة مطالب النزالء‬
‫‪280‬‬
‫الراغبين في التمتع بترخيص خروج أو إجازة‪ ،‬وتقوم بتوعيتهم‬
‫بشروط األهلية‪ ،‬وتوعيتهم بوجوب احترام بنود الخروج وعاقبة‬
‫اإلخالل بها‪ ،‬كما تقوم النقابة بمساعدهم وتوجيههم عند القيام‬
‫باإلجراءات الالزمة للتمتع بذلك الخروج ِاملؤقت‪.‬‬
‫إن في مساعدة النقابة للنزالء فيما يتعلق بملفات الخروج املؤقت‬
‫مساعدة لقا�ضي تنفيذ العقوبات‪ ،‬حيث بتدخل النقابة وتوعيتها‬
‫للنزالء بشروط األهلية ومراقبتها لكل ملف قبل إيداعه والتثبت من‬
‫مدى استيفاءه للشروط الشكلية واملوضوعية‪ ،‬تخفيف على قا�ضي‬
‫التنفيذ الذي لن يستلم إال امللفات التامة الشروط والجاهزة للنظر‬
‫فيها بغاية منح أو رفض تمكين صاحبها من الخروج املؤقت‪ .‬كذلك‬
‫في دعم هذه امللفات إنارة ومساعدة لقا�ضي التنفيذ من أجل‬
‫اختيار القرار الصائب وفقا لتقييم جيد لشخصية النزيل ومدى‬
‫استحقاقه للخروج ومدى تقدم برنامج تأهيله‪ ،‬باعتبار أن النقابة‬
‫عند قيامها بدعم ملف نزيل سوف تستدل على تلك األمور بحجج‬
‫وبراهين تثبتها‪.‬‬
‫يعتبر الخروج املؤقت من السجن بكل أشكاله‪ ،‬آلية جد مهمة‬
‫بالنسبة للنزيل باعتبار أثرها اإليجابي الثابت على نفسيته وعلى‬
‫عالقته باملجتمع الخارجي وخاصة أسرته‪ ،‬كذلك تمتاز هذه اآللية‬
‫بمساهمتها الفعالة في إنجاح تأهيل وإعادة إدماج النزيل في املجتمع‪،‬‬
‫إضافة ملنافعها الراجعة على املؤسسة السجنية ومنها التقليص من‬
‫االكتظاظ والنفقات‪.‬‬
‫عموما يمثل هذا الخروج منفعة مشتركة للجميع‪ ،‬النزيل وأسرته‬
‫واملؤسسة العقابية واملجتمع ككل‪ ،‬لذلك وجب على العمل النقابي‬
‫الحرص على التفعيل اإليجابي ملختلف أشكال الخروج املوقت من‬
‫‪281‬‬
‫املؤسسة السجنية وذلك طبعا بعد تحقيق الهدف النقابي املتمثل‬
‫في تكريس وتوسيع مختلف آليات هذا الخروج إقتداءا بالقوانين‬
‫املقارنة الداعمة واملهتمة بهذا الخروج‪.‬‬
‫ومثلما تعمل النقابة على تحقيق التفعيل اإليجابي لخروج النزيل‬
‫مؤقتا من السجن إلى العالم الحر‪ ،‬فإن عليها العمل على تفعيل‬
‫خروجه الدائم من السجن إلى العالم الحر قبل إتمام محكوميته‪،‬‬
‫ويكون ذلك من خالل التفعيل اإليجابي آلليتي السراح الشرطي‬
‫والعفو الخاص‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬التفعيل اإليجابي آلليتي السراح الشرطي والعفو‬
‫الخاص‬
‫إذا كان الهدف من عزل الجاني هو توقي خطورته وأفعاله‬
‫الضارة وبالتالي مكافحة العوامل املؤدية إلى سلوك الجريمة‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ينبغي أن يتم في إطار عملية تأهيله‪ ،‬فإذا تحققت وأزيل الخلل‬
‫الناتج عن الجريمة فإن ذلك يعني أنه ليس من العدالة في �شيء‬
‫االستمرار في تنفيذ العقوبة التي تصبح عبئا على الجاني وعبئا أيضا‬
‫على الدولة‪.‬‬
‫لهذا االعتبار شرعت أغلب النظم العقابية السراح الشرطي‬
‫والعفو الخاص من منطلق سياسة جزائية ترمي إلى طي صفحة‬
‫سوداء وإتاحة الفرصة للمحكوم عليه للعودة إلى حياته العادية‬
‫وممارسة دوره في الحياة العامة‪ ،‬هذا إضافة إلى أن هذه اآلليات‬
‫تحول دون ازدحام السجون وذلك عن طريق اإلفراج عن كل نزيل‬
‫صلح أمره ولم يعد بحاجة إلى تقييد حريته‪ ،‬وبذلك يؤدي هذا األمر‬

‫‪282‬‬
‫إلى توفير الجهد واملال ويسمح بتركيز املجهود على إصالح باقي النزالء‬
‫الذين لم يكتمل تأهيلهم بعد‪.‬‬
‫يعتبر كل من السراح الشرطي والعفو الخاص ألية جد مهمة‬
‫واستثنائية من آليات التفريد التنفيذي‪ ،‬حيث تسمح كل منهما‬
‫باإلفراج عن النزيل قبل إتمام عقوبته‪ ،‬وإن كان هذا األمر يمثل في‬
‫الظاهر مسا من عدالة العقوبة وقوتها التنفيذية إال أنه مس مبرر‬
‫بالغاية التأهيلية للعقوبة ومتولد عن حاجيات التفريد التنفيذي‬
‫التي تقرها وتأكدها السياسة العقابية الحديثة‪.‬‬
‫يكت�سي كل من السراح الشرطي والعفو الخاص أهمية جد‬
‫بالغة بالنسبة للنزيل باعتبار أنهما يسمحان له بمغادرة السجن‬
‫والعودة ألسرته ومجتمعه وحياته السابقة قبل زمن من تاريخ إتمام‬
‫محكوميته‪ ،‬وال نبالغ إن قلنا أن األمنية األسمى ألي نزيل هي التمتع‬
‫بإحدى اآلليتين وأن أسعد يوم ألي نزيل وهو خلف القضبان هو‬
‫اليوم الذي يصله فيه خبر تمتعه بإحداهما‪ ،‬لذلك وجب على‬
‫النقابة االهتمام بهذا املوضوع وذلك من خالل دعم ملفات النزالء‬
‫الراغبين واملترشحين للحصول على سراح شرطي وكذلك الراغبين‬
‫واملترشحين للحصول على عفو خاص‪.‬‬
‫دعم ملف السراح الشرطي‬ ‫أ‪ -‬‬
‫يرمي السراح الشرطي إلى إطالق سراح املحكوم عليه قبل‬
‫انقضاء مدة عقوبته مع فرض بعض االلتزامات عليه بحيث يؤدي‬
‫االخالل بها إلى إلغائه وسلب حريته من جديد‪.‬‬
‫ويحقق السراح الشرطي جملة أهداف تساعد على عملية‬
‫التأهيل‪ ،‬كما أنه يتضمن مزايا إيجابية في املعاملة العقابية تنسجم‬
‫‪283‬‬
‫مع األفكار الحديثة‪ ،‬وتبعد عن األطر التقليدية التي قامت على‬
‫أساس الردع واللوم واإليالم‪ ،‬فمثل هذا النظام يتيح استخدام‬
‫أساليب متنوعة للتأهيل ويشجع النزالء على االلتزام بحسن السلوك‬
‫واالنضباط لعلمهم أن هذا املسلك يؤدي إلى اإلفراج عنهم‪ ،‬كما أنه‬
‫ال ينفصل عن كونه مرحلة من املراحل التدريجية في تنفيذ العقوبة‬
‫والتي ينبغي أن يشكل املرحلة األخيرة منها بعد أن تتوافر الظروف‬
‫املناسبة لعودة املفرج عنه إلى حياة الجماعة‪.‬‬
‫يتعلق السراح الشرطي بتعديل في أسلوب تنفيذ العقوبة تفرضه‬
‫أهداف التأهيل االجتماعي‪ ،‬ألن قضاء املحكوم عليه للجزء األكبر‬
‫منها في مؤسسة عقابية قد يستنفذ أغراض التأهيل فيها‪ ،‬ومن ثم‬
‫يكون من األفضل اإلفراج عنه ملتابعة تأهيله في محيطه الطبيعي‬
‫في املجتمع‪.‬‬
‫تعتبر بعض التشريعات أن السراح الشرطي من األعمال‬
‫اإلدارية‪ ،‬وبذلك فإن منحه يكون بيد اإلدارة العقابية‪ ،‬ولكن الوجه‬
‫الغالب للسراح الشرطي يكون بيد السلطة القضائية ألنه يمس‬
‫القوة التنفيذية للحكم‪ ،‬ويكون منحه في العادة بناء على اقتراح‬
‫الهيئة املشرفة على حالة املحكوم عليه‪ ،‬ألنها تطلع بصورة دائمة‬
‫على ما يطرأ على شخصيته من تحول‪ ،‬وتستطيع تبعا لذلك أن‬
‫تقدر مدى مالءمة هذا اإلجراء بالنسبة له‬
‫سواء اعتبر السراح الشرعي عمال إداريا أو عمال قضائيا فإنه ال‬
‫يعد إجراء منهيا للعقوبة‪ ،‬ألنه يفرض بعض القيود وااللتزامات على‬
‫املفرج عنه‪ ،‬فإذا تقيد بها ومضت الفترة املحددة لها فإنه يصبح‬
‫حرا‪ ،‬وتعتبر العقوبة وكأنها نفذت من تاريخ االفراج عنه‪ ،‬وإذا خرق‬
‫االلتزامات املفروضة عليه يلغى السراح الشرطي ويترتب عليه في‬
‫‪284‬‬
‫األصل إعادة حجزه للفترة املتبقية من عقوبته‪ ،‬هذا مع مالحظة أن‬
‫بعض التشريعات يضيف إليها مقدار املدة التي قضاها مفرجا عنه‬
‫تحت شرط‪.‬‬
‫تفرض القوانين أن يكون املفرج عنه قد أم�ضى مدة معينة في‬
‫السجن كافية لتأهيله ولتحقيق أغراض العقوبة في الردع والعدالة‪،‬‬
‫كما تشترط توفير الضمانات التي من شأنها تدعيم التزام املفرج عنه‬
‫بالقيود املفروضة عليه واستكمال عملية التأهيل داخل املجتمع‬
‫على أكمل وجه ممكن‪.‬‬
‫بالعودة للقانون التون�سي‪ ،‬نجد أن الفصل ‪ 353‬من مجلة‬
‫اإلجراءات الجزائية ينص على إمكانية تمتع كل نزيل بالسراح‬
‫الشرطي إذا برهن بسيرته داخل السجن عن ارتداعه أو إذا تبين أن‬
‫خروجه من السجن مفيد للمجتمع‪.‬‬
‫ويضيف الفصل ‪ 354‬من نفس املجلة شروطا متعلقة باملدة‬
‫الواجبة القضاء بالسجن حتى يتمكن النزيل من الترشح لنيل‬
‫السراح الشرطي‪ ،‬وتتمثل هذه الشروط في وجوب قضاءاملحكوم‬
‫عليه املستجد لنصف العقوبة املحكوم بيها على أن ال تقل املدة‬
‫التي قضاها عن ثالثة أشهر‪ ،‬وبالنسبة للعائد يجب أن يق�ضي ثلثي‬
‫العقوبة املحكوم بيها على أن ال تقل املدة التي قضاها بالسجن‬
‫عن ستة أشهر‪ ،‬وبالنسبة للمحكوم عليه بالسجن بقية العمر فال‬
‫يستطيع التمتع بالسراح الشرطي إال بعد قضائه لخمسة عشرة‬
‫عاما‪.‬‬
‫يؤكد الفصل ‪ 355‬من مجلة اإلجراءات الجزائية على إمكانية‬
‫عدم مراعاة الشروط الواردة بالفصلين ‪ 353‬و‪ 354‬من نفس املجلة‬
‫إذا بلغ املحكوم عليه سن ‪ 60‬سنة أو أكثر في تاريخ سراحه‪ ،‬أو كان‬
‫‪285‬‬
‫عمره أقل من ‪ 20‬سنة في ذلك التاريخ‪ ،‬أو إذا كان مصابا بسقوط‬
‫خطير أو مرض عضال‪.‬‬
‫يختص بمنح السراح الشرطي في التشريع التون�سي كل من قا�ضي‬
‫تنفيذ العقوبات ووزير العدل‪ .‬فأما قا�ضي تنفيذ العقوبات فيمكنه‬
‫حسب الفصل ‪ 342‬من مجلة اإلجراءات الجزائية منح السراح‬
‫الشرطي‪ ‬للمحكوم عليه بالسجن من أجل جنحة ملدة ال تفوق ‪8‬‬
‫أشهر وذلك بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية‪ .‬وأما وزير العدل فيتمتع‬
‫بسلطة عامة في هذا املجال حيث يمكنه منح السراح لكل نزيل‬
‫مؤهل بناء على موافقة لجنة السراح الشرطي‪ ،‬وذلك وفقا لعبارات‬
‫الفصل ‪ 356‬من مجلة اإلجراءات الجزائية‪.‬‬
‫يكون السراح الشرطي باقتراح من قا�ضي التنفيذ أو من مدير‬
‫السجن‪ ،‬كما يمكن للمحكوم عليه أو أحد أصوله أو فروعه أو‬
‫القرين أو الولي الشرعي التقدم بمطلب في الغرض‪ .‬وفي كل الحاالت‬
‫يجب أن يتم تكوين ملف خاص بالغرض يتكون من كل اإلرشادات‬
‫واملعلومات الضرورية التي تهم املحكوم عليه‪ ‬والتي من شأنها أن‬
‫تساعد في اتخاذ القرار وخاصة فيما يخص سلوك املحكوم عليه‬
‫وحالته وإمكانية اندماجه في املجتمع‪.‬‬
‫يعتبر السراح الشرطي من األنظمة األكثر فعالية في إصالح‬
‫وتأهيل النزالء‪ ،‬لذلك تعتبر القرارات املتعلقة بالسراح الشرطي‬
‫من أبرز القرارات التي يمكن اتخاذها في مرحلة التنفيذ‪ ،‬وإلضفاء‬
‫مزيد من النجاعة والفاعلية على مؤسسة السراح الشرطي‪ ،‬ولرسم‬
‫مالمح جديدة لها يجب أن تعمل النقابة على جعلها من اختصاص‬
‫قا�ضي تنفيذ العقوبات فقط‪ ،‬حيث يتم إسناد اختصاص عام‬
‫وحصري لهذا القا�ضي في إسناد السراح الشرطي‪ ،‬فقا�ضي التنفيذ‬
‫‪286‬‬
‫بحكم وظيفته ووضعه يعتبر أكفء وأقرب من وزير العدل ولجنة‬
‫السراح الشرطي لتقييم أحقية النزيل بهذا السراح‪ ،‬وقراره في هذا‬
‫الشأن يكون أكثر مالئمة وواقعية وعدل‪.‬‬
‫وال يعني تفرد قا�ضي تنفيذ العقوبات بمنح السراح الشرطي تغير‬
‫شروط املنح‪ ،‬حيث يبقى السراح الشرطي نظاما قانونيا انتقائيا‬
‫ال يمنح إال للنزالء الذين تتوفر فيهم شروطه‪ .‬مع التأكيد على أن‬
‫صالحية منح السراح الشرطي من لدن قا�ضي تنفيذ العقوبات تظل‬
‫أمرا خاضعا لسلطته التقديرية‪ ،‬إذ ال يمكن تصور اتخاذ قا�ضي‬
‫تنفيذ العقوبات لقرار يمنح بموجبه السراح الشرطي لنزيل يشكل‬
‫سراحه خطرا على أمن املجتمع‪ ،‬ال سيما وأن النيابة العمومية تكون‬
‫لذلك القرار باملرصاد من خالل الطعن فيه لدى دائرة االتهام‪.‬‬
‫يخضع السراح الشرطي لشروط أهلية تمكن صاحبها من‬
‫إمكانية التمتع بهذا السراح‪ ،‬وفي هذا السياق يجب أن تتكفل‬
‫النقابة بمتابعة أهلية نزالء املؤسسة السجنية‪ ،‬وإعالم كل نزيل‬
‫أصبح مؤهال لتقديم مطلب في التمتع بالسراح الشرطي بأهليته‬
‫وحثه على تقديم املطلب‪ ،‬وفي صورة موافقته على ذلك تساعده‬
‫النقابة في ذلك‪ ،‬وتعمل بالتعاون مع كل الجهات على إعداد ملف‬
‫جيد ومدعوم للنزيل من شأنه أن يجعل النزيل ذو حظوظ وافرة‬
‫لنيل السراح الشرطي‪.‬‬
‫ضمانا لحظوظ وافرة ألي نزيل مؤهل لنيل السراح الشرطي‪،‬‬
‫يجب على النقابة توعية كل نزيل منذ إيداعه بأهمية أن يكون ذو‬
‫سيرة حسنة داخل السجن وأن يمتاز سلوكه باالنضباط وأن يتبع‬
‫بجد برنامجه التأهيلي‪ ،‬كذلك يجب على النقابة توعية كل نزيل‬

‫‪287‬‬
‫متمتع بالسراح الشرطي بضرورة احترام االلتزامات التي قد يفرضها‬
‫عليه قرار السراح وعواقب إخالله بها‪.‬‬
‫تقوم أيضا النقابة ببذل كل الجهد إلقناع السلطة املانحة‬
‫بأحقية النزيل للسراح الشرطي‪ ،‬ومن أوجه ذلك أن يجتمع ممثل‬
‫عن النقابة مع السلطة املانحة ويكون طبعا ملم بامللفات‪ ،‬وذلك‬
‫بغاية إبراز مدى استحقاق كل صاحب ملف للسراح الشرطي‬
‫ومحاولة توضيح أي نقطة أو استفسار تريد السلطة املانحة مزيد‬
‫تسليط الضوء عليه‪ ،‬ومن األفضل في بعض الحاالت الشائكة أو‬
‫الغامضة أن يرافق النزيل عضو النقابة ليدافع بنفسه عن ملفه‬
‫أمام السلطة املانحة‪.‬‬
‫إن في دعم النقابة مللفات السراح الشرطي مساهمة فعالة في‬
‫تحقيق جدوى هذه املؤسسة القانونية وتفعيلها على أرض الواقع‪،‬‬
‫مما يعود بالنفع على النزيل الذي يسترجع حريته قبل انقضاء مدة‬
‫عقوبته‪ ،‬ويجسد كذلك الغاية التشريعية والعقابية من وضع‬
‫مؤسسة السراح الشرطي‪ ،‬حيث أن وضعها لم يكن ملجرد الوضع‬
‫بل من أجل التفعيل الواقعي والفعال حتى تساهما حقيقة في تأهيل‬
‫نزيل املؤسسة السجنية وإعادة إدماجه في املجتمع‪.‬‬
‫ونفس هذا التوجه نجده في مؤسسة العفو الخاص مما يحتم‬
‫أيضا تدخل العمل النقابي الهادف لدعم ملف العفو الخاص‪.‬‬
‫ب‪ -‬دعم ملف العفو الخاص‬
‫شرع العفو الخاص في أغلب املنظومات العقابية لخدمة ثالثة‬
‫أهداف‪ ،‬أولها اعتماده كوسيلة فعالة وعادلة لتدارك وتصحيح‬
‫أخطاء القضاء التي ال يتم كشفها إال في وقت لم يعد فيه الحكم‬
‫‪288‬‬
‫قابال ألي طريق من طرق الطعن‪ ،‬وثانيها اعتماده لخدمة الغاية‬
‫التأهيلية للعقوبة السجنية وذلك بتكريسه كوسيلة تحفز النزيل‬
‫على السلوك الحسن أثناء محكوميته أمال في التمتع بهذا العفو‬
‫كمكافأة له‪ ،‬وثالثها اعتماده كوسيلة للتخفيف من قسوة بعض‬
‫العقوبات املحكوم بها كاإلعدام مثال إذا تضح أنها أق�سى مما تقتضيه‬
‫العدالة ومصلحة املجتمع‪.‬‬
‫يمثل العفو الخاص مؤسسة قانونية تزول بموجبها العقوبة عن‬
‫املحكوم عليه كلها أو بعضها أو تستبدل بعقوبة أخرى أخف منها‪،‬‬
‫وهو ما أكده الفصل ‪ 371‬من مجلة اإلجراءات الجزائية‪ .‬ويكون‬
‫العفو بشرط أو بدونه‪ ،‬وهو شخ�صي بما يعني عدم امتداد آثاره إلى‬
‫الشركاء في الجريمة‪.‬‬
‫يختص وينفرد رئيس الجمهورية بمنح العفو الخاص وفقا‬
‫للفصل ‪ 77‬من الدستور‪ ،‬وهو يمارسه وفقا للفصل ‪ 372‬من مجلة‬
‫اإلجراءات الجزائية بناء على تقرير من وزير العدل بعد أخذ رأي‬
‫لجنة العفو‪ ،‬حيث ال يعتبر العفو الخاص حقا يمكن التمسك به‪،‬‬
‫بل هو امتياز يمنحه رئيس الجمهورية على ضوء ما يظهره املحكوم‬
‫عليه من سلوك قويم ومن ارتداع بعد املحاكمة‪ ،‬فرئيس الدولة هو‬
‫صاحب السلطة النهائية فيه‪ ،‬مع التأكيد على أن رأي لجنة العفو‬
‫هو رأي استشاري محض‪.‬‬
‫يقع التقدم بمطلب العفو الخاص عند استنفاذ كل طرق الطعن‬
‫أو العدول عنها‪ ،‬أي عندما يصبح الحكم باتا‪ ،‬ويحرر املطلب بخط‬
‫واضح باسم وزير العدل رئيس لجنة العفو‪ ،‬ويقدم مباشرة ملكتب‬
‫الضبط بالوزارة أو عن طريق البريد‪ ،‬ويتم تدعيم املطلب باملؤيدات‬
‫الالزمة التي يرتكز عليها املطلب‪ ،‬مثل التصالح مع الخصوم أو‬
‫‪289‬‬
‫الصلح مع اإلدارة أو امللف الطبي عند العجز‪ ،‬وكذلك كل ما يمكن‬
‫االستدالل به على إتمام تأهيل املحكوم عليه وعلى اتعاظه وسلوكه‬
‫الطريق القويم‪.‬‬
‫يشكل العفو الخاص بالنسبة لنزالء املؤسسة السجنية وسيلة‬
‫هامة ملغادرة السجن والعودة ألحضان األسرة واملجتمع الحر‬
‫قبل تمام العقوبة‪ ،‬وذلك بشكل فوري أو بشكل مؤجل في صورة‬
‫الحصول على تخفيض في مدة املحكومية‪.‬‬
‫يحظى العفو الخاص باهتمام كل نزيل وأسرته‪ ،‬فعمليا في كل‬
‫مناسبة وطنية يصدر بمناسبتها رئيس الجمهورية عفوا خاصا‪،‬‬
‫ونذكر على سبيل الذكر ال الحصر عيد االستقالل وعيد الثورة‪،‬‬
‫نجد كل نزيل مترشح للتمتع بهذه اآللية شأنه شأن عائلته متلهف‬
‫لالطالع على قائمة النزالء املتمتعين بالعفو أمال في إدراج اسمه‬
‫ضمن هؤالء املحظوظين‪.‬‬
‫يحفز األمل في الحصول على عفو النزيل على االنضباط داخل‬
‫املؤسسة السجنية‪ ،‬باعتبار وأن من شروط التمتع به أن يكون‬
‫النزيل حسن السلوك أثناء إقامته بالسجن وأن يحظى برضاء‬
‫اإلدارة السجنية التي ال حاجة لها بإبقاء نزيل ترى أن تأهيله قد تم‬
‫وأنه على استعداد تام الستئناف حياته الحرة دون خطر العود‪ .‬وال‬
‫نن�سى طبعا دور هذا العفو في إنصاف املحكوم عليه الذي سجن‬
‫ظلما نتيجة لخطأ قضائي لم يكتشف إال بعد أن استنفذ هذا‬
‫البريء املسجون كل وسائل الطعن‪ ،‬فهذا اإلجراء يجعل األمل في‬
‫اإلنصاف متوفر عند النزيل الذي أدان نهائيا لجرم لم يرتكبه‪.‬‬
‫يمكن للنقابة أن تلعب دورا مركزيا على مستوى تمتع النزالء‬
‫بالعفو الخاص‪ ،‬حيث بداية يجب على النقابة توعية النزالء بأهمية‬
‫‪290‬‬
‫هذه املؤسسة القانونية وبشروطها‪ ،‬ثم يجب عليها مساعدة كل‬
‫نزيل راغب ومؤهل للتمتع بالعفو على تحرير املطلب وإعداد امللف‪،‬‬
‫وعليها السهر على ضمان إرسال امللف لوزارة العدل‪.‬‬
‫يجب على النقابة العمل على توفير ملف مدعوم لكل نزيل يرغب‬
‫ومؤهل للتمتع بالعفو الخاص‪ ،‬ويمكنها في هذا السياق إضافة‬
‫شهادات وتقارير صادرة عن مختلف املتداخلين في عملية تأهيل‬
‫النزيل‪ ،‬مثل مدير املؤسسة السجنية والحراس واملسؤول عن‬
‫املتابعة النفسية للنزيل واملسؤول عن الجانب االجتماعي وقا�ضي‬
‫تنفيذ العقوبات وغيرهم‪ ،‬كذلك يمكنها تدعيم امللف بمؤيدات من‬
‫العالم الحر تدل على مؤشرات لنجاح إعادة إدماج النزيل في املجتمع‬
‫أو مدى حاجة األسرة واملجتمع لخروج النزيل من السجن‪.‬‬

‫‪291‬‬
292
‫اجلزء الثاني‪ :‬اعتماد‬
‫املمارسة النقابية للنزيل‬

‫يعتبر إيداع إنسان السجن تدبيرا مؤملا من حيث أنه يسلب الفرد‬
‫حقه في تقرير مصيره بحرمانه من حريته‪ ،‬لذلك ال ينبغي لنظام‬
‫السجون إال في حدود مبررات العزل أو الحفاظ على االنضباط‬
‫أن يفاقم من املعاناة املالزمة ملثل هذه الحالة‪ ،‬وهو ما تنادي به‬
‫السياسة العقابية الحديثة وتعمل على تكريسه وتحقيقه قانونا‬
‫وواقعا مختلف األنظمة العقابية الحديثة وذلك حرصا منها على‬
‫التأهيل واحترام حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫ساير النظام العقابي التون�سي هذا التوجه العقابي العالمي‬
‫واعترف للنزيل اإلنسان بالعديد من الحقوق الهادفة للحفاظ على‬
‫إنسانيته ولحسن إعداده للحياة الحرة ومساعدته على االندماج‬
‫فيها‪ ،‬وقد بينا في الجزء األول من هذا الكتاب هذه الحقوق الضرورية‬

‫‪293‬‬
‫واملتمثلة أساسا في حق النزيل في العمل وفي حقه في اإلقامة في‬
‫ظروف إنسانية‪.‬‬
‫يرتبط العمل النقابي ارتباطا جذريا بهذه الحقوق‪ ،‬حيث‬
‫ال نقاش في ارتباط النقابة بالشغل‪ ،‬وبالنسبة الهتمام النقابة‬
‫بظروف اإلقامة فهي مسألة جد متأكدة في السجن باعتبار وأن‬
‫السجن يمثل في اآلن ذاته مكان إقامة وعمل النزيل‪ ،‬إضافة لوجوب‬
‫توسع العمل النقابي ليشمل هذه املسألة ألسباب كنا قد تعرضنا‬
‫لها سابقا‪ .‬ويشمل هذا التوسع أيضا تنظيم عالقة النزيل باإلدارة‬
‫العقابية‪ ،‬كذلك ألسباب وغايات سبق شرحها في الجزء األول من‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬
‫إذا كان نظامنا العقابي يعترف فعال بإنسانية النزيل وإذا أراد‬
‫فعال العمل على تأهيل نزالء السجون‪ ،‬فما عليه إال اعتماد املمارسة‬
‫النقابية للنزيل‪ ،‬والتي تتطلب من أجل تحقيقها على أرض الواقع‬
‫ضرورة تجاوز معوقاتها‪ ،‬وسنتولى إبراز ذلك من خالل تقسيم هذا‬
‫الجزء إلى ثالث فصول‪ ،‬نبرز في أحدها وجوبية اإلقرار بالعمل‬
‫النقابي لنزيل السجون التونسية‪ ،‬ونبرز في آخر عوائق هذا العمل‬
‫وكيفية تجاوزها‪ ،‬لنستنير في آخر فصل ببعض األنظمة العقابية‬
‫املقارنة التي كرست أو شهدت تطبيق املمارسة النقابية لنزالء‬
‫السجون‪ ،‬فيكون بذلك التقسيم كما يلي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬وجوبية اإلقرار باملمارسة النقابية للنزيل في‬
‫املنظومة القانونية التونسية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ضرورة تجاوز عوائق املمارسة النقابية للنزيل‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املمارسة النقابية للنزيل باألنظمة العقابية‬
‫املقارنة‬
‫‪294‬‬
‫الفصل األول‪ :‬وجوبية اإلقرار‬
‫باملمارسة النقابية للنزيل يف‬
‫املنظومة القانونية التونسية‬

‫يمثل تمكين النزيل من العمل النقابي ضمانا هاما لتمتعه‬


‫بمختلف حقوقه كإنسان وكمواطن‪ ،‬وعامال مهما لتنظيم العالقة‬
‫بينه وبين املؤسسة العقابية بما يخدم الطرفين‪ ،‬ويمثل كذلك‬
‫حافزا وركيزة هامة من أجل نجاح برنامج إعادة النزيل كعنصر نافع‬
‫للمجتمع بعد انقضاء محكوميته‪ ،‬وتغيير واقع السجون من الفشل‬
‫الوظيفي إلى النجاح في تحقيق غاياتها‪.‬‬
‫وتنبثق مسألة اإلقرار باملمارسة النقابية للنزيل من األحكام‬
‫القانونية املوجودة على حد السواء على املستويين الدولي والوطني‪،‬‬
‫وحتى نتمكن من توضيح ذلك‪ ،‬سنتولى تقسيم هذا الفصل إلى‬
‫مبحثين‪:‬‬

‫‪295‬‬
‫املبحث األول‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل القانون‬
‫الدولي‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل التشريع‬
‫الداخلي‬

‫‪296‬‬
‫املبحث األول‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل القانون‬
‫الدولي‬
‫كرست العديد من النصوص الدولية منظومة متكاملة وسامية‬
‫من الحقوق اإلنسانية‪ ،‬وتهم هذه الحقوق الكائن البشري عامة‬
‫دون تمييز على أي أساس كان‪ ،‬وباعتبار نزيل املؤسسة السجنية‬
‫بشري وال توجد أي سلطة بإمكانها نزع هذه الخاصية عنه فهو‬
‫مشمول بهذه الحقوق‪.‬‬
‫نجد ضمن هذه الحقوق‪ ،‬الحق في العمل النقابي الذي أقرته‬
‫العديد من النصوص الدولية سواء النصوص ذات الصبغة العاملية‬
‫أو كذلك النصوص ذات الصبغة اإلقليمية‪.‬‬
‫إن النظر في هذه النصوص الدولية يجعلنا وفيما يتعلق بالحياة‬
‫النقابية للنزيل نقر بالتأكيد على املمارسة النقابية لهذا النزيل‬
‫صلب هذه النصوص‪ ،‬وهو تأكيد وإن كان كافيا إلقرار حق النزيل‬
‫في الحياة النقابية من خالل القانون الدولي‪ ،‬إال أن واجب وضرورة‬
‫البحث تدفعنا لتدعيم املوضوع بالنظر في النصوص الدولية‬
‫املتعلقة حصرا بنزالء املؤسسات العقابية‪ .‬لذلك سوف نتولى‬
‫توضيح حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل القانون الدولي‬
‫من خالل تقسيم هذا املبحث إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل النصوص‬
‫الدولية ذات الصبغة العاملية‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬
‫النصوص الدولية ذات الصبغة اإلقليمية‬

‫‪297‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬
‫النصوص الدولية الخاصة بحقوق النزيل‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬
‫النصوص الدولية ذات الصبغة العاملية‬
‫أقرت العديد من النصوص الدولية ذات الصبغة العاملية حق‬
‫اإلنسان في العمل النقابي‪ ،‬وهو حق يهم الكائن البشري عامة دون‬
‫تمييز على أي أساس كان‪ ،‬بما معناه أنه مثلما يهم اإلنسان الحر‬
‫فإنه يهم اإلنسان مسلوب الحرية الذي يق�ضي عقوبة سجنية‬
‫إن النظر في هذه النصوص الدولية ذات الصبغة العاملية من‬
‫ناحية تكريسها للحق النقابي‪ ،‬يجعلنا نقر بالتأكيد على هذا الحق‬
‫صلب النصوص املتعلقة بحقوق اإلنسان‪ ،‬وهو تأكيد لم يقف عند‬
‫هذه النصوص بل نجده كذلك صلب النصوص الدولية املتعلقة‬
‫حصرا بالحق النقابي‪.‬‬
‫االتفاقيات املتعلقة بحقوق اإلنسان‬ ‫أ‪ -‬‬
‫عندما نتحدث عن اإلنسان وعن حقوقه فإننا نتحدث عن‬
‫اإلنسان عموما دون تفريق أو تمييز‪ ،‬فاملجتمع الدولي عندما‬
‫يخاطب اإلنسان بشأن حقوقه فهو يخاطب كل كائن بشري مهما‬
‫كان موقعه أو وضعه‪ ،‬فكل شخص يجب أن يتمتع بجميع حقوقه‬
‫وال يمكن حرمانه منها‪ .‬وفي هذا السياق أكد ميثاق األمم املتحدة‬
‫أن من مقاصد هذه املنظمة الدولية تعزيز احترام حقوق اإلنسان‬
‫والحريات األساسية للناس جميعا والعمل على أن يشيع في العالم‬
‫احترام هذه الحقوق والحريات للجميع‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫أصدرت األمم املتحدة العديد من االتفاقيات والنصوص‬
‫الهادفة إلقرار وتعزيز وحماية حقوق اإلنسان‪ ،‬ونجد من ضمن‬
‫هذه الحقوق اإلنسانية الحق النقابي الذي يخول لكل إنسان الحق‬
‫والحرية في أن ين�شئ وينظم إلى النقابات‪.‬‬
‫لقيم بدأ حرية العمل النقابي اهتمام هيئة األمم املتحدة التي‬
‫اعتبرت الحرية النقابية أحد الحقوق االجتماعية واالقتصادية‬
‫الهامة لإلنسان‪ ،‬وذلك بإصدار الجمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫وثيقة اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬حيث نصت املادة ‪4/23‬‬
‫من هذا اإلعالن على أن «لكل شخص الحق في أن ين�شئ وينضم إلى‬
‫نقابات حماية ملصلحته»‪ .‬كما نصت املادة ‪ 19‬على أن «لكل شخص‬
‫الحق في حرية الرأي والتعبير»‪.‬‬
‫ولتأكيد ترابط جميع حقوق اإلنسان وعدم قابليتها للتجزئة‪،‬‬
‫نصت املادة ‪ 2،1 /23‬على ربط اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‬
‫لحق كل شخص في إنشاء نقابات مع اآلخرين واالنضمام إليها بكل‬
‫حرية ودون تضييق بحقوق أخرى كالحق في العمل والحق في اختيار‬
‫مزاولة عمل كريم يغرس فيه االحترام لنفسه ولآلخرين‪.‬‬
‫كما نصت املادة ‪ 20‬منه على حق االشتراك في النقابات‪ ،‬وعدم‬
‫جواز إرغام أحد على االنضمام إلى جمعية ما‪.‬‬
‫وما يالحظ في اإلعالن استعماله كلمة «كل شخص»‪ ،‬مما يدل‬
‫على العموم‪ ،‬أي توجه هذا اإلعالن وتكريس الحقوق التي يقرها لكل‬
‫بشري‪.‬‬
‫رغم عدم تمتع اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان بالطابع‬
‫اإللزامي‪ ،‬إال أنه يعتبر مرجعا دوليا أساسيا لحقوق اإلنسان‪ ،‬وقد‬

‫‪299‬‬
‫تدعم هذا األمر من خالل إعالن طهران لعام ‪1968‬والذي أقر بأن‬
‫هذا اإلعالن يعتبر التزاما لكل املجتمع الدولي‪.‬‬
‫أعتبر اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان في بادئ األمر مجرد‬
‫سلطة سياسية ومعنوية‪،‬أما اآلنف قدأصبح يشكل مرجعا يذكر‬
‫على الصعيدين الوطني والدولي‪ ،‬والعديد من نصوصه هي اليوم‬
‫أساسية بالنسبة للدول التي أصبحت ال تتجرأ الجهر برفضها ملثل‬
‫هذه املبادئ‪.‬‬
‫لم يقف التنصيص على الحق النقابي على هذا اإلعالن‪ ،‬بل وقع‬
‫أيضا التنصيص عليه صلب العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية‬
‫والسياسية الذي يمكن ملسه من خالل املادة ‪ 21‬التي نصت على أن‬
‫«يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به» على اعتبار أن الحرية‬
‫النقابية هي نوع من التجمع السلمي املستمر‪.‬‬
‫كما نصت املادة ‪ 22‬على أن «لكل فرد حق في إنشاء النقابات‬
‫باالشتراك مع اآلخرين واالنضمام إليها من أجل حماية مصالحه‪ .‬وال‬
‫يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إال تلك التي ينص‬
‫عليهاالقانون‪ ،‬وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة‬
‫اآلمن القومي أو السالمة العامة أو النظام العام‪،‬أو لحماية حقوق‬
‫اآلخرين وحرياتهم‪ .‬وال تحول هذه املادة دون إخضاع أفراد القوات‬
‫املسلحة‪ ،‬ورجال الشرطة‪ ،‬أو املوظفين في اإلدارات الحكومية لقيود‬
‫قانونية على ممارستهم لهذا الحق»‪.‬‬
‫نجد كذلك تنصيصا على الحق النقابي صلب العهدالدولي‬
‫الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬فقد‬
‫نصت املادة الثامنة منه على الحق النقابي وحرية تكوين نقابات‬

‫‪300‬‬
‫واالنضمام إليها بكل حرية‪ ،‬بنفس العبارات الواردة في املادة ‪ 22‬من‬
‫العهد السالف الذكر‪.‬‬
‫وأضافت املادة الثامنة حق النقابات في تكوين اتحادات أو‬
‫اتحادات حرفية على املستوى الوطني‪ ،‬وحق هذه االتحادات في‬
‫تكوين منظمات نقابية دولية أو االنضمام إليها‪ .‬كذلك أكدت على‬
‫حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية دونما قيود‪ ،‬غير تلك التي‬
‫ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي‬
‫لصيانة األمن والنظام العام أو لحماية حقوق وحريات اآلخرين‪.‬‬
‫هذا مع تأكيد املادة الثامنة سالفة الذكر على حق اإلضراب شريطة‬
‫ممارسته وفق القوانين البلد املعني‪.‬‬
‫كما يمكن أن نشير في نفس السياق إلى االتفاقية الدولية إلزالة‬
‫كافة أشكال التمييز العنصري والتي صدرت سنة ‪ ،1965‬فهذه‬
‫االتفاقية وإن لم يسمح نطاقها وموضوعها باإلشارة إلى الحرية‬
‫النقابية إال من زاوية التفرقة العنصرية فقد تضمنت إحدى فقرات‬
‫مادتها الخامسة‪« :‬الحق في تكوين النقابات واالنتماء لها»‪.‬‬
‫كما تضمن إعالن التقدم والتنمية الذي أجازته الجمعية العامة‬
‫لألمم املتحدة في ‪ 11‬ديسمبر ‪ 1969‬في الفقرة أ‪ ‬من املادة العشرين‪،‬‬
‫ما نصه‪« :‬النص على كل الحريات الديمقراطية للنقابات وحرية‬
‫التجمع»‪.‬‬
‫تعكس هذه النصوص رغبة األمم املتحدة في تكريس أولوية‬
‫السالم واحترام الحقوق اإلنسانية من خالل االعتراف الصريح‬
‫والشامل للجميع بالحق النقابي‪ ،‬ويشمل هذا الحق النزيل مثلما‬
‫يشمل اإلنسان الحر باعتبار اشتراكهما في املاهية البشرية‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫وال يخضع الحق النقابي إال لحدود واستثناءات وقيود تشكل‬
‫تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة األمن والنظام العام‬
‫أو لحماية حقوق وحريات اآلخرين‪ ،‬ويجب أن تكون محددة قانونا‪،‬‬
‫أي أن الحد من الحق النقابي يكون بمقت�ضى قانون‪ ،‬حيث تقوم‬
‫كل دولة برسم حدود العمل النقابي وتقيده قانونا بما تراه صالحا‬
‫لحماية أمنها القومي ونظامها العام وغير ذلك من مستلزمات سير‬
‫وسالمة املجتمع الديمقراطي‪.‬‬
‫يعتبر اهتمام االتفاقيات املتعلقة بحقوق اإلنسان بالحق‬
‫النقابي اهتماما غير مباشر‪ ،‬نظرا لكون هذه االتفاقيات تهتم بجميع‬
‫حقوق اإلنسان وذكرها للحق النقابي كان في إطار حديثها عن جملة‬
‫الحقوق اإلنسانية‪ .‬إال أن املجهود الدولي املكرس والضامن للحق‬
‫النقابي لم يتوقف عند حد هذا االهتمام الغير مباشر‪ ،‬بل نجده‬
‫أيضا قد بذل من الجهد الكثير من أجل الدفاع على الحق النقابي‬
‫بصفة مباشرة من خالل سنه للعديد من االتفاقيات الخاصة بحق‬
‫الشغل والحق النقابي‪.‬‬
‫ب‪ -‬االتفاقيات الخاصة بالحق النقابي‬
‫اهتمت البشرية بعد نهاية الحرب العاملية الثانية بتكريس حقوق‬
‫وحريات العمال‪ ،‬ويعتبر أهمها الحق النقابي‪،‬ونتج عن ذلك إنشاء‬
‫منظمة عاملية متخصصة في شؤون العمل والعمال‪ ،‬وهي منظمة‬
‫العمل الدولية‪.‬‬
‫أسهمت منظمة العمل الدولية في وضع ميثاق أسا�سي لحقوق‬
‫اإلنسان في ميدان العمل‪ ،‬من خالل إصدار جملة من االتفاقيات‬
‫التي تقر وتكرس الحقوق والحريات النقابية واالقتصادية‬
‫‪302‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وتعد من أكثر االتفاقيات نيال للتصديقات‪ ،‬واحتراما‬
‫ألحكامها‪.‬‬
‫نذكر من بين هذه االتفاقيات‪ ،‬االتفاقية رقم ‪ 87‬لعام ‪،1948‬‬
‫واملتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم‪ ،‬والتي اعتمدها‬
‫املؤتمر العام ملنظمة العمل الدولية في ‪ 09‬جويلية ‪ 1948‬في دورته‬
‫الحادية والثالثين‪ ،‬وهي تعتبر أهم اتفاقية وردت في هذا املجال‪.‬‬
‫تنص املادة األولى من هذه االتفاقية على تعهد كل دولة عضو في‬
‫منظمة العمل الدولية بااللتزام بمضمون االتفاقية‪.‬‬
‫وتعتبر املادة الثانية من االتفاقية حجر األساس فيها‪ ،‬إذ نصت‬
‫بصريح العبارة على ما يكرس الحرية النقابية والحق النقابي أو‬
‫حق التنظيم‪ ،‬حيث جاء فيها بأن «للعمال وألصحاب العمل‪ ،‬دون‬
‫أي تمييز‪،‬الحق‪،‬دون ترخيص سابق‪ ،‬في تكوين نقابات يختارونها‪،‬‬
‫وكذلك الحق في االنضمام إليها‪ ،‬بشرط التقيد بلوائح هذه‬
‫النقابات»‪.‬‬
‫وما يالحظ على هذا النص أنه جاء عاما‪ ،‬إذ نص على حضر‬
‫التمييز أيا كان شكله دون أن يعدد أشكال التمييز‪ ،‬ويرجع هذا إلى‬
‫عاملية النص وشموليته‪ ،‬وأيضا حتى التحتج الحكومات بأن النص‬
‫قد حظر تمييزا دون آخر‪.‬‬
‫تستعرض املادة الثالثة املوضوع املتعلق بالقوانين واللوائح‬
‫القانونية والدساتير الخاصة بالنقابات‪ ،‬وذلك بتأكيدها على‬
‫أن «ملنظمات العمال وملنظمات أصحاب العمل‪ ،‬الحق في وضع‬
‫دساتيرها ولوائحها اإلدارية‪ ،‬وانتخاب ممثليها بحرية كاملة‪ ،‬وفي‬
‫تنظيم إدارتها ونشاطها‪ ،‬وفي إعداد برنامج عملها»‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫ولتكريس حرية التنظيم بالنسبة لنقابات العمال وأصحاب‬
‫العمل‪ ،‬أكدت الفقرةالثانية أن «تمتنع السلطات العامة عن‬
‫أي تدخل من شأنه أن يقيد هذا الحق أو أن يعوق ممارسته‬
‫املشروعة»‪.‬‬
‫ونصت املادة الثامنة من االتفاقية على حق العمال وأصحاب‬
‫العمل في ممارسة الحقوق املنصوص عليها في االتفاقية الخاصة‬
‫بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم في إطار احترام قانون‬
‫البلداملعني‪ ،‬إال أن املشرع الدولي حدد حدودا حمراء للقانون الوطني‬
‫عليه أن يلتزم بها وإال أصبح في خانة خرق لتشريع دولي‪ ،‬ومنها أنه‬
‫«اليجوزأن ينطوي قانون البلد في حد ذاته على مساس بالضمانات‬
‫املنصوص عليها في هذه االتفاقية أو أن يطبق بطريقة فيها مساس‬
‫بهذه الضمانات»‬
‫وقد استثنت االتفاقية في املادة التاسعة منه االقوات املسلحة‬
‫والشرطة بشرط أن يكون ذلك بمقت�ضى قانون وطني‪ ،‬حيث نصت‬
‫الفقرة األولى على أن «تحدد القوانين أو اللوائح الوطنية مدى‬
‫انطباق الضمانات املنصوص عليها في هذه االتفاقية على القوات‬
‫املسلحة والشرطة»‪.‬‬
‫إضافة لهذه االتفاقية‪ ،‬نورد أيضا االتفاقية رقم ‪ 98‬لعام‪1949‬‬
‫املتعلقة بالحق في التنظيم واملفاوضة الجماعية‪ ،‬والصادرة عن‬
‫املؤتمر العام ملنظمة العمل الدولية في األول من جويلية ‪.1949‬‬
‫تعتبر املادة األولى من هذه االتفاقية حجر الزاوية فيها إذ‬
‫تضمنت إقرارا جليا لحماية العمال من أي تمييز كان‪ ،‬بنصها‪« :‬توفر‬
‫للعمال حماية كافية من أية أعمال تمييزية على صعيد استخدامهم‬
‫تستهدف املساس بحريتهم النقابية»‪.‬‬
‫‪304‬‬
‫كما تؤكد املادة الثانية من االتفاقية على ضرورة رفض أي تدخل‬
‫في تكوين وتسيير وإدارة النقابات‪ ،‬وذلك بنصها‪« :‬توفر ملنظمات‬
‫العمال وأصحاب العمل حماية كافية من أية تصرفات تمثل‬
‫تدخال من بعضها في شؤون بعضها اآلخر سواء بصورة مباشرة أو‬
‫من خالل وكالئها أو أعضائها‪ ،‬سواء استهدف هذا التدخل تكوينها‬
‫أوأسلوب عملها أو إدارتها»‬
‫وتوضح الفقرة الثانية طبيعة األعمال التي تشكل تدخال سافرا‬
‫في تكوين نقابات العمال بغية وضعها تحت سيطرة صاحب العمل‬
‫بنصها‪« :‬وعلى وجه الخصوص‪ ،‬تعتبر من أعمال التدخل باملعنى‬
‫املقصود في هذه املادة أية تدابير يقصد بها الدفع إلى إنشاء منظمات‬
‫عمالية تخضع لهيمنة أصحاب العمل أو منظماتهم‪ ،‬أو دعم‬
‫منظمات عمالية باملال أو بغيره من الوسائل على قصد إخضاع‬
‫هذه املنظمات لسلطان أصحاب العمل أو منظماتهم»‪.‬‬
‫نجد كذلك االتفاقية رقم‪ 135‬لعام‪ ،1971‬واملتعلقة بتوفير‬
‫الحماية والتسهيالت ملمثلي العمال‪ ،‬والتي اعتمدها املؤتمر العام‬
‫ملنظمة العمل الدولية في ‪ 23‬جويلية ‪.1971‬‬
‫أكدت املادة األولى على وجوب أن «توفر ملمثلي العمال في‬
‫املؤسسة حماية فعالة من أية تدابير يمكن أن تنزل بهم الضرر‪،‬‬
‫ويكون سببها صفتهم أو أنشطتهم كممثلين للعمال‪،‬أو عضويتهم‬
‫النقابية‪،‬أو مشاركتهم في أنشطة نقابية‪ ،‬طاملا ظلوا في تصرفاتهم‬
‫يلتزمون القوانين أو االتفاقات الجماعية القائمة أو غيرها من‬
‫الترتيبات املشتركة املتفق عليها»‪.‬‬
‫وأكدت املادة الثانية ضرورة «منح ممثلو العمال من التسهيالت‬
‫ما يسمح لهم بأداء مهامهم بصورة سريعة وفعالة‪ ،‬وال ينبغي أن‬
‫‪305‬‬
‫يكون في منح التسهيالت املذكورة ما يوهن من فعالية سير العمل في‬
‫املؤسسة املعنية»‪.‬‬
‫ونورد في نفس السياق املتعلق باالتفاقيات الصادرة عن لدن‬
‫منظمةالعمل الدولية‪ ،‬االتفاقية رقم ‪ 154‬لعام ‪ 1981‬والخاصة‬
‫بالتفاوض الجماعي‪ ،‬والتي أعتمدت من طرف الدورة ‪ 64‬ملؤتمر‬
‫العمل الدولي‪ ،‬ودخلت حيز التنفيذ في ‪ 11‬أوت ‪.1984‬‬
‫عرفت هذه االتفاقية التفاوض الجماعي بأنه الحوار بين األطراف‬
‫االجتماعية‪ ،‬كما أعطت تعريفا لالتفاق الجماعي بأنه «اتفاق مدون‬
‫يعالج عنصرا معينا أو عدة عناصر محددة من مجموع شروط‬
‫التشغيل والعمل بالنسبة لفئة أوعدة فئات اجتماعية ومهنية‪،‬‬
‫ويمكن أن يشكل ملحقا لالتفاقية الجماعية»‪.‬‬
‫ونورد أخيرا إعالن املبادئ والحقوق األساسية للعمل‪ ،‬والذي‬
‫أصدرته منظمة العمل الدولية سنة ‪ 1998‬ليؤكد على ضرورة احترام‬
‫حرية التنظيم واإلقرار الفعلي بحقوق التفاوض الجماعي‪ ،‬وأهم ما‬
‫يؤكد عليه هذا اإلعالن هو أن يلتزم األعضاء باحترام هذه الحقوق‬
‫والسعي لتطويرها بقطع النظر على مصادقة الدول األعضاء أو‬
‫عدم مصادقتها على االتفاقيات الدولية املكرسة لتلك الحقوق‪.‬‬
‫وال يجوز بمقت�ضى هذا االلتزام للدولة العضو أن تصدر تشريعا‬
‫أوأن تقر ممارسة وطنية داخلية تنطوي على تعارض مع املبادئ‬
‫واألهداف التي يقررها دستور منظمة العمل الدولية وإعالن‬
‫فيالدلفيا‪ ،‬ويجب عليها االلتزام بتنفيذأحكام اإلعالن تنفيذاكامال‬
‫وأن تحترم الحرية النقابية‪.‬‬
‫وتحقيقا لذلك قامت منظمة العمل الدولية بتثبيت إجراء‬
‫خاص‪ ،‬إلى جانب آليات اإلشراف العام‪ ،‬يسمح لحكومات الدول‬
‫‪306‬‬
‫األعضاء ومنظمات العمال وأصحاب العمل بتقديم شكاوى في‬
‫حالة خرق للحق النقابي ضد حكومة ما حتى ولو لم تكن هذه‬
‫األخيرة قدصادقت على االتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وحماية‬
‫حق التنظيم‪.‬‬
‫إن ما يالحظ في مختلف هذه االتفاقيات فيما يتعلق بالعمال‪،‬‬
‫وهو ما يهمنا في هذا اإلطار‪ ،‬أنها عامة‪ ،‬بمعنى أنها تتوجه لكل عامل‬
‫دون تمييز أو إقصاء بسبب الحالة الجزائية‪ ،‬وبذلك فهي تهم وتتجه‬
‫أيضا لنزالء املؤسسة السجنية باعتبار أن النزيل يشتغل وهو بذلك‬
‫يحمل صفة العامل‪ ،‬وهو ما كنا قد بيناه في موقع سابق من هذا‬
‫الكتاب‪ .‬إذا‪ ،‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬يخضع نزيل املؤسسة العقابية‬
‫ألحكام االتفاقيات واملواثيق الصادرة عن منظمةالعمل الدولية‪.‬‬
‫يبرز إذا بوضوح حق النزيل في الحياة النقابية من خالل النصوص‬
‫الدولية ذات الصبغة العاملية‪ ،‬سواء تلك النصوص املتعلقة‬
‫بحقوق اإلنسان أو تلك الخاصة بالحق النقابي‪ .‬ونجد تأكيدا لهذا‬
‫الحق صلب النصوص الدولية ذات الصبغة اإلقليمية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬
‫النصوص الدولية ذات الصبغة اإلقليمية‬
‫لم يحظى الحق النقابي باهتمام منظمة األمم املتحدة فقط‪،‬‬
‫بل كذلك حظي باهتمام مختلف املنظمات اإلقليمية‪ ،‬حيث أقرت‬
‫واهتمت أغلب هذه املنظمات بالحق النقابي سواء بطريقة مباشرة‬
‫من خالل سن اتفاقيات إقليمية وإصدار توصيات تعنى بهذا الحق‪،‬‬
‫أو كذلك بطريقة غير مباشرة من خالل التأكيد على الحق النقابي‬

‫‪307‬‬
‫كحق من حقوق اإلنسان في إطار ما سنته هذه املنظمات اإلقليمية‬
‫من اتفاقيات تعنى بحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫اخترنا في هذا اإلطار االكتفاء بالبحث في مدى توفر حق النزيل‬
‫في املمارسة النقابية على مستوى االتفاقيات اإلقليمية العربية‬
‫واإلفريقية‪ ،‬وذلك على اعتبار أن تونس منضوية تحت لواء الجامعة‬
‫العربية وكذلك تحت لواء منظمة االتحاد اإلفريقي‪.‬‬
‫أ‪ -‬حق النزيل في املمارسة النقابية على املستوى العربي‬
‫أكدت جامعة الدول العربية من خالل امليثاق العربي لحقوق‬
‫اإلنسان الصادر بمقت�ضى قرار مجلس جامعة الدول العربية في‬
‫القمة العربية ‪ 16‬املنعقدة في تونس بتاريخ ‪ 23‬ماي ‪ ،2004‬تبنيها‬
‫لكونية وشمولية حقوق اإلنسان الواردة بهذا امليثاق وأن هذه‬
‫الحقوق محفوظة للجميع دون أي تمييز‪.‬‬
‫لقد جعل هذا امليثاق من حقوق اإلنسان هدفا أساسيا من‬
‫أهدافه وذلك وفقا للمادة األولى منه‪ ،‬كما ألزم بمقت�ضى مادته‬
‫الثالثة الدول األطراف بكفالة تمتع كل شخص خاضع لواليتها بتلك‬
‫الحقوق دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو غير‬
‫ذلك من أسباب التمييز‪.‬‬
‫نجد ضمن هذه الحقوق اإلنسانية املرصودة لشعوب الدول‬
‫املعنية بامليثاق العربي لحقوق اإلنسان‪ ،‬ومنها تونس‪ ،‬الحق النقابي‪،‬‬
‫حيث نصت املادة ‪ 35‬من هذا امليثاق على أنه‪:‬‬
‫“‪ 1-‬لكل شخص الحق في حرية تكوين النقابات واالنضمام إليها‪،‬‬
‫وحرية ممارسة العمل النقابي من أجل حماية مصالحه‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫‪ 2-‬ال يجوز فرض أي من القيود على ممارسة هذه الحقوق‬
‫والحريات إال تلك التي ينص عليها التشريع النافذ وتشكل تدابير‬
‫ضرورية لصيانة األمن القومي أو السالمة العامة أو النظام العام‪،‬‬
‫أو حماية الصحة العامة أو اآلداب العامة‪ ،‬أو حماية حقوق‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ 3-‬تكفل كل دولة طرف الحق في اإلضراب في الحدود التي ينص‬
‫عليها التشريع النافذ”‪.‬‬
‫اعتمد هذا الفصل عبارة “لكل شخص”‪ ،‬وهي عبارة عامة‬
‫تجمع اإلنسان الحر واإلنسان فاقد الحرية بمقت�ضى حكم جزائي‪،‬‬
‫بذلك يتمتع النزيل شأنه شأن اإلنسان الحر بحقه في حرية تكوين‬
‫النقابات واالنضمام إليها‪ ،‬فالنزيل له حق إنساني في ممارسة حياته‬
‫النقابية التي ال يجوز حدها إال قانونا والعتبارات تفتضيها الضرورة‬
‫في مجتمع يحترم الحريات وحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫إضافة للميثاق العربي لحقوق اإلنسان‪ ،‬نجد تأكيدا للحق‬
‫النقابي في اتفاقيات العمل العربية التي سهرت على إنجازها منظمة‬
‫العمل العربية‪ ،‬ونذكر من بين هذه االتفاقيات‪:‬‬
‫‪ -‬االتفاقية العربية رقم ‪ 8‬لسنة ‪ 1977‬الخاصة بالحريات‬
‫والحقوق النقابية‬
‫‪ -‬االتفاقية العربية رقم ‪ 11‬لسنة ‪ 1979‬الخاصة باملفاوضة‬
‫الجماعية‬
‫‪ -‬إعالن املبادئ والحقوق األساسية في العمل ‪1998‬‬
‫إن املتأمل في هذه االتفاقيات يجد أنها من خالل تأكيدها‬
‫وتنظيمها للحق النقابي‪ ،‬ال تميز بين املواطنين على أساس الحالة‬
‫الجزائية‪ ،‬بل تتوجه لكل شخص دون إقصاء‪ ،‬مما يجعل نزيل‬
‫‪309‬‬
‫املؤسسة السجنية مشموال بأحكام هذه االتفاقيات ومتمتعا بما‬
‫كرسته من حق في الحياة النقابية‪.‬‬
‫ب‪ -‬حق النزيل في املمارسة النقابية على املستوى اإلفريقي‬
‫حدد االتحاد اإلفريقي صلب قانونه التأسي�سي الذي أعتمد من‬
‫قبل الدورة العادية ‪ 36‬ملؤتمر رؤساء الدول والحكومات في لومي‬
‫التوغو بتاريخ ‪ 11‬مارس ‪ ،2000‬من ضمن أهدافه تعزيز وحماية‬
‫حقوق اإلنسان طبقا للميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب‬
‫وجميع املواثيق األخرى ذات الصلة بتلك الحقوق‪.‬‬
‫تمت إجازة امليثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب من قبل‬
‫مجلس الرؤساء األفارقة بدورته العادية رقم ‪ 18‬في نيروبي كينيا في‬
‫جوان ‪ ،1981‬غير أن محرري هذا امليثاق تجنبوا ذكر حق إنشاء‬
‫نقابات ووضعوه في صياغة غامضة من خالل تنصيص املادة ‪11‬‬
‫من امليثاق على أنه «يحق لكل إنسان أن يجتمع بحرية مع آخرين وال‬
‫يحد ممارسة هذا الحق إال شرط واحد أال وهو القيود الضرورية‬
‫التي تحددها القوانين واللوائح خاصة ما تعلق منها بمصلحة األمن‬
‫القومي وسالمة وصحة وأخالق اآلخرين أو حقوق األشخاص‬
‫وحرياتهم»‪.‬‬
‫اعتمد هذا الفصل عبارة «لكل إنسان»‪ ،‬وهي عبارة عامة تجمع‬
‫اإلنسان الحر واإلنسان فاقد الحرية بمقت�ضى حكم جزائي‪ ،‬إال أن‬
‫الصيغة الغامضة للفصل من حيث اإلقرار بالحق النقابي تشكل‬
‫عائقا أمام الجزم باإلقرار بذلك الحق سواء لإلنسان الحر أو لنزيل‬
‫املؤسسة السجنية‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫إن هذا الغموض في االعتراف بالحرية النقابية يجعلها عرضة‬
‫لالنتهاك من قبل الدول املنظمة لالتحاد اإلفريقي‪ ،‬وذلك لعدم‬
‫وجود وثيقة إقليمية نابعة من إرادتهم تحمي الحرية النقابية‪،‬‬
‫والسبب راجع إلى التخوف من النقابات في املساس باألمن والنظام‬
‫العام في دول أغلبها أبعد ما يكون عن الديمقراطية وعن االعتراف‬
‫القانوني والتطبيقي بالحقوق والحريات اإلنسانية‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬
‫النصوص الدولية الخاصة بحقوق النزيل‬
‫اعتنت املجموعة الدولية بحقوق النزيل قبل العديد من الحقوق‬
‫ذات األهمية البالغة على غرار الحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة‬
‫وبعض الحقوق الثقافية واالجتماعية األخرى‪ ،‬وفي هذا اإلطار‬
‫اهتمت مؤتمرات دولية عديدة بقواعد معاملة نزالء املؤسسات‬
‫السجنية‪ ،‬وكان أن سنت هذه املؤتمرات الدولية مجموعة قواعد‬
‫الحد األدنى ملعاملتهم‪ ،‬والتي صدرت عن هيئة األمم املتحدة سنة‬
‫‪ 1955‬بعد أن أوصت بها اللجنة الدولية للقانون الجنائي والسجون‬
‫سنة ‪ ،1951‬وهي تتضمن عدة مبادئ عامة تكفل معاملة موحدة‬
‫ملختلف النزالء دون تمييز أو تحيز بينهم‪.‬‬
‫تناولت هذه القواعد بالبيان أغراض العقوبة وفلسفتها‪ ،‬ومجتمع‬
‫السجن‪ ،‬وضرورة العمل على تقليل الفارق بين الحياة خارج السجن‬
‫وداخله بالقدر الذي يحقق أغراض املعاملة العقابية‪ ،‬ويحافظ في‬
‫ذات الوقت على شعور النزيل باملسؤولية واحترام ذاته‪ .‬وأكدت هذه‬
‫القواعد على ضرورة إدارة املؤسسة العقابية بأساليب إنسانية‪،‬‬

‫‪311‬‬
‫بعيدة عن العنف واإلكراه‪ ،‬كما أشارت إلى أهمية تفريد املعاملة‬
‫العقابية في السجن‪.‬‬
‫إلى جانب هذه القواعد‪ ،‬صدرت نصوص أخرى عن األمم املتحدة‬
‫تهتم كذلك بوضعية النزيل وأسلوب معاملته وحقوقه كإنسان‪،‬‬
‫ونورد منها ذكرا ال حصرا‪ :‬مجموعة املبادئ املتعلقة بحماية جميع‬
‫األشخاص الذين يتعرضون ألي شكل من أشكال االحتجاز أو‬
‫السجن‪ ،‬املبادئ األساسية ملعاملة السجناء‪ ،‬قواعد األمم املتحدة‬
‫ملعاملة السجينات والتدابير غير االحتجازية للمجرمات املعروفة‬
‫بقواعد بانكوك‪ ،‬وكذلك قواعد األمم املتحدة النموذجية الدنيا‬
‫ملعاملة السجناء املعروفة بقواعد نيلسون مانديال‪.‬‬
‫ليس لهذه النصوص قيمة معاهدة وال تعد بالتالي ملزمة للدول‪،‬‬
‫غير أنها اكتسبت قيمة قانونية مهمة بسبب تبنيها بإجماع الدول‬
‫األعضاء لألمم املتحدة‪ ،‬وكون أغلب دول العالم تعترف لها بهذه‬
‫القيمة‪.‬‬
‫بالنظر في مختلف هذه النصوص املتعلقة بحقوق النزيل ال‬
‫نجد أي إشارة للحياة النقابية للنزيل‪ ،‬حيث لم يتم ذكر هذا الحق‬
‫اإلنساني ال بالتأكيد وال بالنفي وال حتى بالتلميح إلى أحدهما‪ ،‬وال يعني‬
‫سكوت هذه النصوص عن هذا الحق اإلقرار بمنع نزيل املؤسسة‬
‫السجنية من ممارسة العمل النقابي‪ ،‬حيث على اعتبار أن العمل‬
‫النقابي حق مخول لكل إنسان بما في ذلك النزيل فال يجوز منعه منه‬
‫إال بمقت�ضي قانون واضح وصريح والعتبارات ضروريةفيمجتمع‬
‫ديمقراطيلصيانةاألمنالقومي أو السالمة العامة أوالنظامالعامأولح‬
‫مايةحقوقاآلخرينوحرياتهم‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫لقد أوردت مختلف النصوص الدولية املتعلقة بحقوق‬
‫النزيل ضمانات يجب تقديرها للمحكوم عليهم داخل املؤسسات‬
‫السجنية التي يجري إيداعهم فيها‪ ،‬وال يجوز تجاوزها أو هدرها إذا‬
‫ما أريد إصالح هذه الفئة الجانحة من فئات املجتمع‪ ،‬وتتصل هذه‬
‫الضمانات بالحقوق اإلنسانية وبالكرامة اآلدمية وتق�ضي بضرورة‬
‫معاملة النزيل معاملة قائمة على حفظ واحترام كرامته اإلنسانية‬
‫املتأصلة فيه كبشري ومنحه حقوقا أساسية ال غنى عنها‪.‬‬
‫يتنزل حق النزيل في الحياة النقابية صلب هذه الضمانات‬
‫والحقوق‪ ،‬باعتباره دعامة وضمانا لتفعيل تلك الضمانات على‬
‫أرض الواقع ولتفعيل وضمان وتنظيم تمتع النزيل بحقوقه فعال‪،‬‬
‫مما يحقق الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية من خالل تمكين‬
‫النزيل اإلنسان من تخطي محنته ونزع لباس االنحراف وارتداء‬
‫لباس املواطنة من جديد‪.‬‬
‫عموما يمكن القول بوجود تأكيد قانوني دولي على حق النزيل‬
‫في الحياة النقابية‪ ،‬وهذا التأكيد إن كان غير واضح وغير مباشر‬
‫صلب النصوص الدولية الخاصة بحقوق النزيل‪ ،‬فإنه واضح‬
‫ومباشر صلب النصوص الدولية العاملية واإلقليمية املتعلقة سواء‬
‫بحقوق اإلنسان أو كذلك املتعلقة بالحق النقابي‪ ،‬باعتبار أن هذه‬
‫النصوص أتت بصيغة عامة متوجهة لكل بشري دون تمييز أو‬
‫إقصاء لنزيل املؤسسة السجنية‪ ،‬وباعتبار النزيل إنسان وال يمكن‬
‫ألي سلطة أو حكم أو فعل أن ينزع عنه هذه الصفة فإنه يتمتع‬
‫بالحق النقابي من خالل القانون الدولي‪.‬‬
‫وال يقف حق النزيل في املمارسة النقابية على القانون الدولي‪ ،‬إذ‬
‫يتمتع بهذا الحق أيضا من خالل التشريع الداخلي‪.‬‬
‫‪313‬‬
314
‫املبحث الثاني‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل التشريع‬
‫الداخلي‬
‫يمثل تمكين النزيل من العمل النقابي ضمانا وحافزا هاما‬
‫من أجل نجاح الغاية التأهيلية للعقوبة للسجنية وإعادة النزيل‬
‫للمجتمع الحر عنصرا نافعا بعد انقضاء محكوميته‪ ،‬هذا إضافة‬
‫لكون الحق النقابي حق من حقوق اإلنسان مما يوجب تمتيع النزيل‬
‫اإلنسان به شأنه شأن كل الحقوق اإلنسانية‪.‬‬
‫تنبثق مسألة تمكين النزيل من حقه في الحياة النقابية من‬
‫األحكام القانونية املوجودة على حد السواء على املستويين الدولي‬
‫والوطني‪ ،‬وكنا قد أوردنا مظاهر تكريس هذا الحق على املستوى‬
‫الدولي‪ ،‬وسنقوم اآلن بإبرازها على املستوى الوطني‪ ،‬أي على مستوى‬
‫التشريع الوطني‪ ،‬حيث أن إمكانية اإلقرار بهذه املمارسة في التشريع‬
‫الداخلي ممكنة‪.‬‬
‫عندما نتحدث عن حق نقابي للنزيل في التشريع الداخلي‪ ،‬فإن‬
‫املسألة تتطلب منا البحث عن هذا الحق في الدستور باعتباره يتربع‬
‫على هرم التشريع الوطني‪ ،‬كذلك النظر في مجلة الشغل باعتبارها‬
‫أهم مصدر قانوني وطني منظم للحق النقابي‪ ،‬ثم النظر في قانون‬
‫السجون باعتباره قانون خاص ذو عالقة مباشرة بحقوق النزيل‬
‫بصفة عامة‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل الدستور‬
‫نص الفصل ‪ 35‬من الدستور على أن حرية تكوين النقابات‬
‫مضمونة وأن على النقابات أن تلتزم في أنظمتها األساسية وفي أنشطتها‬
‫بأحكام الدستور والقانون وبالشفافية املالية ونبذ العنف‪.‬‬
‫‪315‬‬
‫ما يالحظ في عبارات هذا الفصل أنها وردت عامة لتشمل‬
‫اإلنسان الحر شأنه شأن نزيل املؤسسة السجنية‪ ،‬حيث ال نجد‬
‫صلب هذا الفصل إقصاء أو منعا للنزيل من حقه في التمتع بحرية‬
‫تكوين نقابة‪ ،‬بذلك تكون حرية تكوين النقابات مضمونة دستوريا‬
‫للنزيل مما يؤسس لحقه في الحياة النقابية باعتبار أن التكوين ينجر‬
‫عنه بطبيعة األمر املمارسة النقابية‪.‬‬
‫ويتدعم التأكيد الدستوري على حق النزيل في املمارسة النقابية‬
‫من خالل الفصل ‪ 36‬الذي ورد فيه‪:‬‬
‫«الحق النقابي بما في ذلك حق اإلضراب مضمون‬
‫وال ينطبق هذا الحق على الجيش الوطني‬
‫وال يشمل حق اإلضراب قوات األمن الداخلي والديوانة‪».‬‬
‫لقد ضمن هذا الفصل الحق النقابي بما في ذلك حق اإلضراب‬
‫للجميع باستثناء سلك الجيش الوطني‪ ،‬فاملنتمين للجيش الوطني ال‬
‫يمكنهم ممارسة أي نشاط نقابي بمقت�ضى هذا التحجير الدستوري‪،‬‬
‫ويعتبر هذا اإلقصاء حصريا أي ال يجوز وال يمكن التوسع فيه‬
‫بإضافة أسالك أو أفراد أخرى غير الجيش الوطني‪.‬‬
‫يقودنا هذا األمر إلى اإلقرار بأن الجميع عدى املنتمين للجيش‬
‫الوطني يتمتعون بالحق النقابي‪ ،‬بما في ذلك نزيل املؤسسة السجنية‬
‫الذي ال تحرمه وضعيته الجزائية من حقه الدستوري في املمارسة‬
‫النقابة وفقا للقانون بما في ذلك حق اإلضراب‪.‬‬
‫لئن كان هذا الفصل قد أقر بحق اإلضراب لكل متمتع بالحق‬
‫النقابي‪ ،‬فإنه أورد استثناء لحق اإلضراب‪ ،‬إذ أق�صى من التمتع‬
‫بهذا الحق قوات األمن الداخلي وجهاز الديوانة‪ ،‬ويعتبر أيضا هذا‬

‫‪316‬‬
‫اإلقصاء حصريا‪ ،‬حيث ال يجوز وال يمكن التوسع فيه‪ ،‬مما يجعل‬
‫نزيل املؤسسة السجنية متمتعا بحقه الدستوري في اإلضراب‪.‬‬
‫ال نستطيع الحديث عن حق نقابي وممارسة نقابية دون الحديث‬
‫عن حق التظاهر وعن حق عقد االجتماعات‪ ،‬وقد أكد الدستور‬
‫على هذه الحقوق صلب الفصل ‪ 37‬منه الذي ورد فيه أن‪« :‬حرية‬
‫االجتماع والتظاهر السلميين مضمونة»‪ ،‬ومن املالحظ أن هذا‬
‫الفصل ورد عاما وضمن كل من حق االجتماع وحق التظاهر لكل‬
‫إنسان دون إستثناء بشرط أن تكون طبيعتها والغاية منهما سلمية‬
‫بالطبع‪ ،‬مما يعني تمتع نزالء املؤسسة السجنية بهذه الحقوق‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫يعتبر الحق النقابي حق إنساني مكرس ومحمي دستوريا من‬
‫خالل الفصول ‪ 35‬و‪ 36‬و‪ 37‬من الدستور‪ ،‬وبالنظر في مختلف‬
‫هذه الفصول ال نجد إقصاء للنزيل من التمتع بهذا الحق أو حدودا‬
‫توظف على تمتعه بهذا الحق اإلنساني والعام‪ ،‬فالدستور يمنح‬
‫النزيل الحق النقابي تاما بما في ذلك حق اإلضراب‪ ،‬ويمنحه أيضا‬
‫حرية االجتماع والتظاهر السلميين بما يسهل ويدعم املمارسة‬
‫النقابية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل مجلة‬
‫الشغل‬
‫نظمت مجلة الشغل األحكام العامة للحياة النقابية صلب‬
‫الكتاب السابع منها املعنون «أحكام خاصة»‪ ،‬وبالتحديد صلب‬
‫الباب األول من هذا الكتاب والحامل لعنوان «النقابات املهنية»‬
‫والذي يضم الفصول من الفصل ‪ 242‬إلى الفصل ‪.257‬‬

‫‪317‬‬
‫أكد الفصل ‪ 242‬من مجلة الشغل على حرية تأسيس نقابات‬
‫تضم أشخاصا يتعاطون نفس املهنة أو حرفا مشابهة أو مهنا‬
‫مرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬واشترط أن ال ينخرط في النقابات إال الرشد‬
‫مع السماح للقاصرين الذين تجاوز سنهم ‪ 16‬عاما باالنخراط ما لم‬
‫يعارض في ذلك أبوهم أو املقدم عليهم‪.‬‬
‫لم ينص هذا الفصل على أي استثناء أو إقصاء يهم نزالء‬
‫املؤسسات السجنية‪ ،‬وهذا يجعل من النزيل العامل متمتعا بحرية‬
‫تأسيس النقابات الواردة بالفصل ‪ 242‬املشار إليه وحرية االنخراط‬
‫بها‪.‬‬
‫لئن أقرت مجلة الشغل حرية تأسيس النقابات وحرية االنضمام‬
‫إليها‪ ،‬فإنها فرضت قيودا على األشخاص املكلفين بإدارة وتسيير‬
‫النقابة‪ ،‬حيث ال يمكن ألي شخص عضو بالنقابة االضطالع بمهمة‬
‫إدارتها أو تسييرها‪ ،‬إذ أوجب الفصل ‪ 251‬من املجلة أن يكون‬
‫هذا العضو بالغا من العمر ‪ 20‬عاما على األقل‪ ،‬وأن يكون تون�سي‬
‫الجنسية أو متحصل عليها منذ خمس سنوات على األقل مع إمكانية‬
‫أن يكون أجنبيا في صورة توفر شروط معينة واردة بذلك الفصل‪،‬‬
‫وأن يكون متمتعا بحقوقه املدنية والسياسية‪.‬‬
‫كما حجر الفصل ‪ 251‬من مجلة الشغل إسناد خطة إدارة‬
‫أو تسيير نقابة على األشخاص املحكوم عليهم ملدة تفوق ‪ 3‬أشهر‬
‫سجن‪ ،‬ما لم يكن ذلك في إطار قضية سياسية أو لدافع نقابي أو‬
‫من أجل جريمة جرح أو قتل على وجه الخطأ‪.‬‬
‫وحجر أيضا إسناد تلك الخطة لألشخاص الذين سبقت‬
‫إدانتهم من أجل سرقة‪ ،‬أو تحيل‪ ،‬أو خيانة مؤتمن‪ ،‬أو خيانة األمانة‬
‫في األوراق املمضاة على البياض‪ ،‬أو استغالل عدم تجربة شخص‬
‫‪318‬‬
‫ليس له التصرف في أمالكه أو استغالل طيشه أو احتياجه قصد‬
‫حمله على القيام بعملية مالية بدون منفعة تقابلها أو إبرام أي عقد‬
‫من شأنه أن يجعل أمالكه رهن تصرفه‪ ،‬أو اختالس أموال الدولة‬
‫أو جوالن اليد فيها من طرف املؤتمن فيها‪.‬‬
‫كذلك حجر نفس الفصل إدارة أو تسيير النقابة على املحكوم‬
‫عليهم بالتحجير وأيضا على كل من عدول التنفيذ وعدول اإلشهاد‬
‫وكتاب املحاكم املهزولين‪ ،‬وأخيرا عن األشخاص الصادر في شأنهم‬
‫حكم بالتفليس ما لم ترجع لهم حقوقهم‪.‬‬
‫ال �شيء يمنع من احترام أحكام الفصل ‪ 251‬من مجلة الشغل‬
‫ومن تطبيقه على نقابة نزالء املؤسسة السجنية‪ ،‬حيث أن هذه‬
‫النقابة بطبيعتها ونظرا لخصوصيتها ولنشاطها الذي يربط ويتواجد‬
‫داخل وخارج السجن‪ ،‬سوف تكون متكونة من نزالء ومن نزالء‬
‫سابقين ومن أشخاص عديمي السوابق العدلية‪ ،‬وبذلك يمكن أن‬
‫يكون املكلف بإدارة وتسيير هذه النقابة مستجيبا ألحكام الفصل‬
‫‪.251‬‬
‫بالتأمل في جميع فصول مجلة الشغل الواردة صلب الكتاب‬
‫السابع منها وبالتحديد صلب الباب األول من هذا الكتاب والحامل‬
‫لعنوان «النقابات املهنية»‪ ،‬نجد أن هذه الفصول وردت عامة‬
‫وموجهة للجميع دون تمييز على أساس الوضعية الجزائية‪ ،‬كما‬
‫ال نجد صلبها أي إقصاء أو منع لنزالء املؤسسات السجنية من‬
‫ممارسة حقهم في تكوين النقابات واالنضمام إليها وممارسة حياتهم‬
‫النقابية‪ ،‬وال نجد أيضا أي شرط تقره هذه الفصول ال يمكن‬
‫احترامه وتطبيقه من قبل نقابة نزالء السجون‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫إذا يمكن القول بإقرار مجلة الشغل لحق النزيل في املمارسة‬
‫النقابية بطريقة غير مباشرة‪ ،‬مع التأكيد على أن الحقوق ال تحتاج‬
‫إلقرار مباشر كي تمارس على عكس منع الحقوق أو الحد منها والذي‬
‫يحتاج إلى أن يكون واضحا ومباشرا‪ ،‬بذلك يكون صمت فصول‬
‫مجلة الشغل عن منع النزيل من الحياة النقابية إضافة للصيغة‬
‫العامة التي وردت فيها هذه الفصول إقرارا بحق النزيل في الحياة‬
‫النقابية‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل قانون‬
‫السجون‬
‫لم ترد بالقانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬املؤرخ في ‪ 14‬ماي ‪2001‬‬
‫واملتعلق بنظام السجون أي إشارة للحق النقابي لنزالء املؤسسات‬
‫السجنية‪ ،‬شأنه في ذلك شأن األمر عدد ‪ 1876‬لسنة ‪ 1988‬املؤرخ‬
‫في ‪ 04‬نوفمبر ‪ 1988‬واملتعلق بالنظام الخاص بالسجون‪.‬‬
‫لقد خال قانون السجون من كل تأكيد أو نفي لحق النزيل في‬
‫الحياة النقابية‪ ،‬واإلقرار ال يعنينا كثيرا في هذا املستوى باعتبار‬
‫أن الحق ال يحتاج لقانون يقره أو يمنحه وكل ممارسة لحق تعتبر‬
‫مشروعة طاملا لم يمنعها أو يحدها وينظمها قانون بطريقة تجعل‬
‫خروج املمارسة عن تلك الحدود وذلك التنظيم جريمة‪.‬‬
‫لم يمنع قانون السجون النزيل من حقه الدستوري والدولي‬
‫في الحياة النقابية‪ ،‬ولم يقم بتنظيم ممارسة هذا الحق‪ ،‬إال أنه‬
‫وضع التزامات على كاهل النزيل قد تعوق حياته النقابية وتمنعه‬
‫من ممارسة حقه النقابي‪ .‬فقد قيد املشرع صلب قانون ‪ 2001‬حق‬
‫النزيل في االجتماع السلمي إن لم نقل نزع منه هذا الحق‪ ،‬وهو حق‬

‫‪320‬‬
‫دستوري وحق ضروري ملمارسة النشاط النقابي‪ ،‬حيث ال يمكن‬
‫للنقابة التواجد والعمل دون اجتماعات‪.‬‬
‫عدد الفصل ‪ 20‬من قانون ‪ 2001‬مجموعة من الواجبات‬
‫املفروضة على النزيل‪ ،‬والتي تترجم في مجملها واجب النزيل الحفاظ‬
‫على الهدوء واالنضباط داخل املؤسسة السجنية‪ ،‬وهو واجب ال‬
‫ينسجم مبدئيا مع الظروف التي تعقد فيها االجتماعات باعتبارها‬
‫ترتكز على الحوار والنقاش بأصوات مرتفعة‪ ،‬باإلضافة إلى تنظيم‬
‫النزالء لحلقات ومشاورات في األغلب ترى فيهم اإلدارة العقابية‬
‫إخالال بالنظام الداخلي للسجن‪ ،‬ولو كان هذا االعتبار تعسفيا‪.‬‬
‫يجب على النزيل بمقت�ضى الفقرة ‪ 11‬من الفصل ‪ 20‬من قانون‬
‫‪« 2001‬اإلحجام عن تحرير العرائض الجماعية أو التحريض على‬
‫ذلك»‪ ،‬وما من شك أن تحرير العرائض الجماعية يكون ثمرة ما‬
‫تنتجه االجتماعات من اتفاقات واعتراضات وشكاوى وطلبات‪ ،‬وهي‬
‫تتنزل ضمن روح العمل النقابي‪.‬‬
‫تتمثل غاية املشرع من منع تحرير العرائض الجماعية الحيلولة‬
‫دون التحركات الجماعية للنزالء‪ ،‬ملا يمكن أن تخلفه من ردود فعل‬
‫عنيفة تخل باألمن واالنضباط داخل املنشأة العقابية‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫تعرض بعض األفراد إلى الخطر‪ .‬غير أن هذا املنع يمكن أن تكون‬
‫له في املقابل نتائج عكسية‪ ،‬فعوض أن يحول دون ردود الفعل‬
‫الخطيرة والعنيفة‪ ،‬يمكن أن يدفع إلى حصولها‪ ،‬بحكم وأن الشكوى‬
‫الجماعية التي يحررها النزالء إثر االجتماعات التي يعقدونها‪ ،‬يمكن‬
‫أن تكشف إلدارة السجن مطالبهم حول بعض املسائل أو موقفهم‬
‫من بعض العيوب‪ ،‬فيشعر النزيل أنه وإن كان مسلوب الحرية فهو‬
‫يعيش في وسط ديمقراطي يسمح له بالتعبير عن رأيه والتصريح‬
‫‪321‬‬
‫بمواقفه في كنف الهدوء والسلم‪ ،‬عوض أن تبقى مكبوتة داخله‬
‫فتؤثر على نفسيته ويخرجها في شكل أفعال عنيفة قد تعرضه‬
‫وتعرض املحيطين به إلى الخطر‪.‬‬
‫ال يشكل السماح للنزالء باالجتماعات السلمية في أوقات معينة‬
‫حتى يكشفوا عن كل مواقفهم وطلباتهم بدون ضجة أي تهديد أو‬
‫خطر أو إخالل باألمن واالنضباط داخل املؤسسة لسجنية‪ ،‬وال‬
‫يخرج هذا اإلجراء عن حدود األهداف التأهيلية للعقوبة السجنية‪،‬‬
‫بل يدعمها ألنه يحث النزيل على التفكير السليم واملمنهج‪ ،‬كما‬
‫يعوده على طريقة حضارية ومنظمة في التعبير عن مواقفه وفي‬
‫تقديم طلباته‪.‬‬
‫ال يتعارض حفظ األمن والنظام داخل املؤسسة السجنية‬
‫وفرض االنضباط داخلها مع حق النزيل في الحياة النقابية‪ ،‬بل‬
‫بالعكس‪ ،‬يشكل العمل النقابي للنزيل وسيلة فعالة لتحقيق تلك‬
‫األغراض‪ ،‬إضافة لدوره الفاعل في تدعيم البرنامج اإلصالحي املطبق‬
‫على النزيل باعتبار اهتمامه بمواضيع لصيقة وبإشكاالت يعاني منها‬
‫املحكوم عليه‪ ،‬وهو ما كنا قد بيناه في الجزء األول من هذا الكتاب‪.‬‬
‫عموما يتمتع نزيل املؤسسة السجنية بالحق النقابي‪ ،‬وهو‬
‫حق مضمون دوليا ووطنيا‪ ،‬فعلى مستوى النصوص الدولية تم‬
‫اإلقرار بالحق النقابي كحق إنساني يتمتع به كل البشر دون تمييز‬
‫أو إقصاء للنزيل‪ ،‬وعلى مستوى وطني يتمتع النزيل بحق دستوري‬
‫في ممارسة حياته النقابية‪ ،‬وهي حياة ال يمكن عمليا التمتع بها إال‬
‫بتجاوز معوقاتها‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ضرورة جتاوز‬
‫عوائق املمارسة النقابية‬
‫للنزيل‬

‫تعتبر املمارسة النقابية للنزيل في النظام العقابي التون�سي حقا‬


‫دستوريا‪ ،‬وهذا يؤدي إلى وجوبية العمل على تحقيقها وتنفيذها‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬كي ال تبقى مجرد حبر مخطوط على صفحات‬
‫الدستور شأنها شأن العديد من الحقوق والحريات األخرى التي‬
‫نجدها ساطعة على صفحات الدستور وال نجد لها أثرا على أرض‬
‫وطننا‪.‬‬
‫يجب لكي يتم تمتيع النزيل بحقه في ممارسة حياته النقابية‪ ،‬أن‬
‫يتم تجاوز معوقات هذه املمارسة سواء النظرية منها أو العملية‪،‬‬
‫وحتى نتمكن من توضيح ذلك يجب علينا ذكر أهم هذه املعوقات‬

‫‪323‬‬
‫وإبراز حدودها وكيفية تجاوزها‪ ،‬ومن أجل ذلك سنتولى تقسيم‬
‫هذا الفصل إلى مبحثين‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املعوقات النظرية للممارسة النقابية للنزيل‬
‫املبحث الثاني‪ :‬املعوقات العملية للممارسة النقابية للنزيل‬

‫‪324‬‬
‫املبحث األول‪ :‬املعوقات النظرية للممارسة النقابية للنزيل‬
‫تجد املمارسة النقابية للنزيل أصواتا معارضة لها ورافضين‬
‫لتطبيقها رغم كل إيجابياتها سواء على النزيل أو على املؤسسة‬
‫السجنية وحتى على املجتمع‪ ،‬ويستند هذا الشق الرافض على‬
‫دعائم قانونية ودعائم عقابية للتأصيل ملوقفه‪ ،‬وسوف نقوم في هذا‬
‫املبحث بإبراز أهم الدفوعات املثارة من قبل الرافضين للممارسة‬
‫النقابية للنزيل والرد عليها‪ .‬وسيكون ذلك من خالل تقسيم هذا‬
‫املبحث إلى ثالث فقرات‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬محدودية العوائق القانونية للممارسة النقابية‬
‫للنزيل‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬نسبية دفعات علماء العقاب الرافضين للممارسة‬
‫النقابية للنزيل‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تخوف اإلدارة العقابية من املمارسة النقابية‬
‫للنزيل‬
‫الفقرة األولى‪ :‬محدودية العوائق القانونية للممارسة النقابية‬
‫للنزيل‬
‫يدفع الرافضون لتمتيع نزيل املؤسسة السجنية بحقه النقابي‬
‫بعدم جواز تمكين النزيل من املمارسة النقابية لسببين‪ :‬أولهما‬
‫عدم وجود عالقة عمل قانونية تجمع النزيل باملؤسسة السجنية‬
‫أو تجمع النزيل باملشغل املستثمر داخل الفضاء السجني‪ ،‬حيث ال‬
‫وجود لعقد عمل بين النزيل واإلدارة العقابية أو املشغل‪ ،‬وبذلك ال‬
‫يتمتع النزيل بصفة العامل وال يتمتع بالحقوق التي تفرضها هذه‬

‫‪325‬‬
‫الصفة ومنها الحق النقابي‪ .‬وثانيهما خلو القانون من نص صريح‬
‫وواضح يؤهل النزيل ملمارسة الحياة النقابية‪.‬‬
‫أ‪ -‬غياب عقد عمل للنزيل‬
‫يستند شق من علماء العقاب الرافضين لتمكين نزيل املؤسسة‬
‫السجنية من حقه في الحياة النقابية على غياب عقد العمل‪ ،‬حيث‬
‫يفتقد النزيل أثناء قضاء محكوميته لعقد عمل ينظم عالقاته‬
‫املهنية وعمله الذي ينجزه أثناء قضاء عقوبته والحقوق والواجبات‬
‫املحمولة عليه بمناسبة ذلك العمل‪.‬‬
‫ويعتبر هذا الشق أن غياب عقد العمل يستبعد النزالء من‬
‫الحقوق الجماعية وحرية تكوين النقابات والحق في االنضمام إليها‬
‫والحق في اإلضراب‪ ،‬حيث أن هذه الحقوق ال يتمتع بها إال العامل‬
‫املرتبط بمشغل بمقت�ضى عقد عمل‪ ،‬وفي غياب هذا العقد تغيب‬
‫تلك الحقوق‪.‬‬
‫أكد الرافضون لتمكين نزيل املؤسسة السجنية من حقه في‬
‫الحياة النقابية على أن النزيل باعتباره يعمل بدون عقد‪ ،‬ال يمكنه‬
‫االستفادة من حماية قانون العمل‪ ،‬وال يحق له الحصول على أي‬
‫تعويض في حالة البطالة التقنية أو اإلجازة املرضية أو وقوع حادث‬
‫في العمل‪ ،‬وال يستطيع أن يطالب أو يحصل على الحد األدنى لألجور‬
‫أو إجازة مدفوعة األجر‪ ،‬وال يمكنه املطالبة بأي شكل من أشكال‬
‫التعبير الجماعي أو التمثيل النقابي‪ ،‬أو االستفادة من القواعد‬
‫املتعلقة بإجراءات الفصل‪.‬‬
‫تعتبر حجة عدم وجود عقد عمل حجة جد ضعيفة إن لم نقل‬
‫حجة معدومة‪ ،‬إضافة لكونها تعبر عن رؤية غير إنسانية للنزيل‬
‫‪326‬‬
‫وتكرس للعبودية في أحلك صورها‪ ،‬وهي رؤية تجاوزها الزمن نظريا‬
‫وعمليا وقانونيا‪.‬‬
‫ال جدال في كون عالقة العمل تثبت بمقت�ضى عقد‪ ،‬إال أن‬
‫هذه العالقة يمكن أن يتم إثباتها حتى في غياب العقد‪ ،‬وفي حالة‬
‫النزيل تعتبر العالقة ثابتة حاليا بمقت�ضى القانون‪ ،‬وبتوفر عالقة‬
‫العمل وصفة العامل لدى النزيل يحق له التمتع بحقوقه كعامل‬
‫شأنه شأن العامل في العالم الحر‪ ،‬والقول بحرمان النزيل من تلك‬
‫الحقوق يشكل خرقا واضحا للقانون وتعدي على املبادئ اإلنسانية‬
‫بتحويل النزيل من إنسان إلى عبد وتحويل عمله إلى شكل من أشكال‬
‫العبودية‪.‬‬
‫إن الدفع بأن عالقات عمل النزالء ليست موضوع عقد عمل‪،‬‬
‫وذلك بغاية حرمان النزيل من حقوقه كعامل بصفة عامة ومن‬
‫حقه النقابي بصفة خاصة‪ ،‬يمثل انتهاكا ملبدأ الكرامة اإلنسانية‬
‫وخرقا للمساواة‪ ،‬إضافة لكونه يحرم فئة معينة من األشخاص‬
‫من االستفادة من الحقوق الدستورية وفي هذا تعدي خطير على‬
‫القانون‪.‬‬
‫لقد تم التأكيد على حرية تكوين النقابات وحرية االنضمام إليها‬
‫والحق في اإلضراب في الدستور والنصوص الدولية لحقوق اإلنسان‬
‫مما يدفع لصالح عامليتها وشموليتها‪ ،‬وهي حقوق إنسانية يتمتع بها‬
‫النزيل سواء بتوفر عقد عمل أو بغيابه‪ ،‬فعالقات العمل ال تتوقف‬
‫على وجود عقد ينظمها وإن كان ضروريا بل تثبت هذه العالقات‬
‫بالعديد من الوسائل‪ ،‬وهي ثابتة في حالة نزيل السجون التونسية‬
‫بمقت�ضى القانون‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫لم يكتفي الشق الرافض لتمكين نزيل املؤسسة السجنية من‬
‫حقه في الحياة النقابية بهذه الحجة القانونية الضعيفة لتبرير‬
‫موقفهم‪ ،‬بل استندوا أيضا من الناحية القانونية على غياب نص‬
‫قانوني صريح وواضح يقر بالحق النقابي للنزيل‪.‬‬
‫ب‪ -‬غياب نص قانوني صريح يسمح باملمارسة النقابية للنزيل‬
‫لم يتعرض النظام العقابي التون�سي إلى حق النزيل في الحياة‬
‫النقابية‪ ،‬فاملشرع لم ينص على هذا الحق‪ ،‬وهو أمر دفع للقول بأن‬
‫ليس للنزيل الحق في تكوين النقابات واالنضمام عليها‪.‬‬
‫يعد القول بوجوب توفر نص قانوني صريح مبيح للممارسة‬
‫النقابية للنزيل قوال مبالغا فيه‪ ،‬باعتبار أننا في ميدان الحقوق‬
‫والحريات‪ ،‬وهذا امليدان ال ينظمه وال يحده إال القانون‪ ،‬وبما أنه ال‬
‫يوجد قانون مانع ال يجوز لإلدارة العقابية منع النزالء من ممارسة‬
‫حقهم‪.‬‬
‫أكدت في هذا السياق املادة ‪ 29‬فقرة ‪ 2‬من اإلعالن العالمي‬
‫لحقوق اإلنسان على أن «يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته‬
‫لتلك القيود التي يقررها القانون فقط‪ ،‬لضمان االعتراف بحقوق‬
‫الغير وحرياته واحترامها‪ ،‬ولتحقيق املقتضيات العادلة للنظام‬
‫العام واملصلحة العامة واألخالق في مجتمع ديمقراطي»‪.‬‬
‫وقد أكد الفصل ‪ 49‬من دستور ‪ 2014‬على نفس هذا التوجه‬
‫بإقراره أن الحد من الحقوق والحريات ال يتم إال بمقت�ضى القانون‪.‬‬
‫إذ ورد بهذا الفصل أن «يحدد القانون الضوابط املتعلقة بالحقوق‬
‫والحريات وممارستها بما ال ينال من جوهرها‪ .‬وال توضع هذه‬
‫الضوابط إال لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف‬
‫‪328‬‬
‫حماية حقوق الغير‪ ،‬أو ملقتضيات األمن العام أو الدفاع الوطني‬
‫أو الصحة العامة أو اآلداب العامة‪ ،‬وذلك مع احترام التناسب بين‬
‫هذه الضوابط وموجباتها‪.»...‬‬
‫ال يجوز لعقوبة السجن أن تسلب من النزيل إال ما ينص عليه‬
‫القانون‪ ،‬فطاملا لم ينص القانون على أن عقوبة السجن تحرم‬
‫املحكوم من حق معين فإنه يتمتع بهذا الحق مثله في ذلك مثل‬
‫الفرد الحر‪ ،‬ويجب في هذا املقام أن يفسر أثر العقوبة على حقوق‬
‫النزيل تفسيرا حصريا وأال يكون التعرض لحقوقه إال بقانون أو ما‬
‫يقوم مقامه من إجراءات تشريعية‪ ،‬وذلك تطبيقا ملبدأ ال عقوبة‬
‫إال بقانون‪ .‬وغني عن القول أن العقوبة املنصوص عليها في القانون‬
‫والتي تم تسليطها على النزالء هي السجن‪ ،‬وليس الحرمان من الحياة‬
‫النقابية‪.‬‬
‫وبالعودة للفصل الخامس من املجلة الجزائية وتصفح قائمة‬
‫العقوبات األصلية والتكميلية املعتمدة بالنظام الجزائي التون�سي‪،‬‬
‫ال نجد التنصيص على عقوبة منع النزيل من الحياة النقابية‪ ،‬وال‬
‫نجد كذلك أثرا لهذه العقوبة ال باألمر عدد ‪ 1876‬لسنة ‪1988‬‬
‫املؤرخ في ‪ 04‬نوفمبر ‪ 1988‬واملتعلق بالنظام الخاص بالسجون وال‬
‫بالقانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪ 2001‬املؤرخ في ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬واملتعلق‬
‫بنظام السجون‪.‬‬
‫عموما إن عدم السماح لنزالء السجون بممارسة حقهم النقابي‬
‫يثير مسألة االمتثال للشرعية والتي تشكل القانون الجنائي في‬
‫تونس‪،‬وترد كضمان ضد تعسف السلطة القضائية والسلطة‬
‫العقابية‪ ،‬فال يجوز تسليط عقوبة على إنسان إال متى نص عليها‬

‫‪329‬‬
‫القانون مع أن يكون الفعل املرتكب طبعا مجرما بنص سابق الوضع‬
‫عدى حالة النص األرفق‪.‬‬
‫يمنع التأويل والقياس في ميدان القانون الجزائي نظرا الرتباطه‬
‫بالحقوق والحريات‪ ،‬فأي أمر أو فعل لم يمنعه القانون صراحة‬
‫يعد مباحا‪ ،‬إذ األصل اإلباحة واالستثناء التجريم الذي يجب أن‬
‫يكون واضحا ومحددا‪ .‬وبذلك يكون القول بعدم تمتيع النزيل‬
‫بحقه النقابي نظرا لغياب نص يبيح ذلك‪ ،‬قول محدود للغاية وغير‬
‫مدعوم من الناحية القانونية‪.‬‬
‫نتبين هكذا محدودية العوائق القانونية للممارسة النقابية‬
‫للنزيل‪ ،‬وهي محدودية سنجدها أيضا على مستوى دفعات جانب‬
‫من علماء العقاب الرافضين لتلك املمارسة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬نسبية دفعات علماء العقاب الرافضين‬
‫للممارسة النقابية للنزيل‬
‫يذهب البعض إلى أن مسألة تمتيع النزيل بالحق النقابي تعتبر‬
‫مسألة مرفوضة تماما اجتماعيا‪ ،‬إضافة لكون املركز القانوني‬
‫الخاص بالنزيل كشخص مسلوب الحرية ومقيد األهلية يفرض عليه‬
‫نظاما وتراتيبا سجنية داخلية واجبة االحترام طيلة فترة عقوبته‪،‬‬
‫وهذا األمر يجعل من الصعب االعتراف له بحقه في االنضمام إلى‬
‫النقابات‪ ،‬حيث أن وضعه القانوني املتميز عن الشخص العادي‬
‫وكذلك طبيعة العقوبة الخاضع لها واملؤسسة التي تتم فيها العقوبة‬
‫يؤدي إلى حرمانه من االنخراط في كل نشاط نقابي‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫تعتبر هذه الحجج التي يسوقها علماء العقاب الرافضين‬
‫للممارسة النقابية للتأصيل ملوقفهم جد نسبية‪ ،‬وسوف نبين ذلك‬
‫من خالل تحليل كل حجة على حدة وإبراز حدودها‪.‬‬
‫أ‪ -‬الحجة األولى‪ :‬الرفض االجتماعي للممارسة النقابية للنزيل‬
‫يعتبر العديد من علماء العقاب أن حرمان النزيل من الحق‬
‫النقابي أمر طبيعي جدا ومتماهي مع موقف املجتمع من هذه‬
‫املسألة‪ ،‬حيث أن هذا يعكس بالدرجة األولى نظرة أفراد املجتمع‬
‫للجريمة باعتبارهم يميلون في أغلب األحوال إلى تضخيم مستوى‬
‫اإلثم الجنائي إلى حد يفوق املعقول من الوصف‪ ،‬ومن هذا املنظور‪،‬‬
‫فإن مسألة حرمان النزيل من الحق النقابي ومن كل حق قد يتولد‬
‫عن العمل ال تزال غالبا يظهر كنتيجة طبيعية ال مفر منها ومبرر‬
‫بالحرمان من الحرية‪.‬‬
‫الزال السجن ذلك املكان املغلق املخفي الذي يريد املجتمع‬
‫نسيانه‪ ،‬وال يزال العديد من املواطنين يعبرون عن صدمتهم لوجود‬
‫التلفزيون في الغرف بالسجن‪ ،‬ومن حقيقة أن النزالء يمكنهم كسب‬
‫األجور في السجن‪ ،‬إضافة إلى االنتقادات حول أن نزالء السجون‬
‫لديهم أقل جوع وأقل برد ويعيشون في ظروف أفضل من الكثير من‬
‫الناس في العالم الحر والذين يعانون انعدام األمن االقتصادي‪،‬‬
‫فما بالك بممارسة الحياة النقابية‪.‬‬
‫تؤثر هذه النظرة للسجن على موقف املجتمع من مسألة النشاط‬
‫النقابي املرتبط بمجرم مدان‪ ،‬حيث ال يتقبل املجتمع وجود نقابة‬
‫تدافع على حقوق املجرمين‪ ،‬فهذا أمر متضارب تماما مع املفهوم‬

‫‪331‬‬
‫االجتماعي للعقاب‪ ،‬والذي يكون مفهوما باعتباره على حد السواء‬
‫جزاء جنائي يعاقب على جريمة‪ ،‬وأيضا معاناة بدنية ونفسية‪.‬‬
‫إن هذه الرؤية للعقوبة كألم جسدي ونف�سي وإذالل ال تزال‬
‫مهيمنة في الرأي العام‪ ،‬خصوصا وأن الشعور السائد في املجتمع هو‬
‫دائما التعاطف مع الضحايا‪ ،‬ولذلك فمن املفهوم أن العقوبة يجب‬
‫أن تكون غير متوافقة مع أي شكل من أشكال املتعة أو الرفاهة أو‬
‫الراحة‪ ،‬كما لو كان الحرمان من الحرية ال يكفي‪.‬‬
‫نحن ال ننكر وجود مثل هذه األفكار وهذه النظرة االنتقامية‬
‫تجاه نزيل املؤسسة السجنية عند شق هام من املجتمع‪ ،‬وال ننكر‬
‫أن مسألة تمتيع النزيل بحقه النقابي يصعب تقبلها اجتماعيا‪،‬‬
‫إال أننا كذلك نؤكد على ميل جانب من املجتمع للسماح للنزيل‬
‫بممارسة حقوقه اإلنساني والقانونية‪ ،‬واقتناعهم بضرورة إنجاح‬
‫الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية بكل الطرق املمكنة‪.‬‬
‫حقوقيا‪ ،‬إن الرأي العام لم يدمج ضرورة احترام حقوق النزالء‪،‬‬
‫فذلك لم يفرض نفسه كمسألة بديهية حتى في أوساط الطبقات‬
‫االجتماعية املتعلمة‪ ،‬ففي أغلب األحيان ال يستطيع الرأي العام‬
‫أن يفهم أن حقوق النزالء ليست امتيازات‪ .‬وما زاد في ترسيخ ذلك‬
‫قلة أو حتى انعدام االهتمام الذي يبديه رجال السياسة سواء كانوا‬
‫في السلطة أو في املعارضة إزاء انتهاكات حقوق نزالء الحق العام‪،‬‬
‫فمن الرفاهية في هذا الوقت االهتمام بنزالء الحق العام‪ ،‬وإلى اآلن‬
‫فإن الفكرة التي تعتبر الدفاع عنهم جزء ال يتجزأ من الدفاع عن‬
‫حقوق اإلنسان ال تزال لم تفرض نفسها كليا‪ ،‬وذلك على عكس‬
‫نزالء القضايا السياسية‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫يصعب اليوم على طائفة كبيرة من املجتمع تصور أن للمنحرفين‬
‫واملجرمين حقوقا‪ ،‬ومع ذلك فإن احترام هذه الحقوق هو الذي‬
‫يمكن من قياس درجة تحضر مجتمع ما‪ ،‬إضافة لكون ال كرامة‬
‫للوطن إال بكرامة املواطن‪ ،‬واملجرم مواطن‪.‬‬
‫يجب أن ننظر إلى النزيل نظرة إنسانية‪ ،‬فهو آدمي له حقوق يجب‬
‫أن تحترم‪ ،‬ويجب إعالء الدور اإلصالحي للعقوبة‪ ،‬ويجب السعي‬
‫لتوحيد وجهة نظر املجتمع نحو األنسنة‪ ،‬وهي مسألة تتأسس‬
‫على ثقافة قانونية واجتماعية تقوم على االقتناع بأن اإلنسان‬
‫هو جوهر الحياة وأن احترام آدميته هو أق�صى نجاح للسياسات‬
‫الجزائية وللمجتمع نفسه‪.‬‬
‫يدفع علماء العقاب في إطار رفضهم للممارسة النقابية للنزيل‪،‬‬
‫إضافة للرفض االجتماعي‪ ،‬بتعارض هذه املمارسة مع طبيعة‬
‫املؤسسة السجنية ومع مبدأ العقوبة ذاته‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحجة الثانية‪ :‬طبيعة املؤسسة العقابية والعقوبة السجنية‬
‫يعتبر السجن مؤسسة عقابية توتاليتارية مخصصة لحماية‬
‫املجتمع من تهديدات معتبرة قصدا من قبل املحجوزين طبعا‪ ،‬دون‬
‫أن تكون مصلحة األشخاص املحجوزين هي الهدف األول املأخوذ‬
‫بعين االعتبار‪ ،‬فالسجن مكان مخصص لجماعة من األشخاص‬
‫فرضت عليهم شروط أشخاص آخرين وال يملكون أدنى إمكانية‬
‫في اختيار نمط حياتهم وتبديله‪ ،‬حيث أنهم تحت رحمة الضبط‬
‫والحكم التقويمي لآلخرين ومشاريعهم‪.‬‬
‫يمثل السجن مؤسسة شمولية من نوع خاص‪ ،‬تختلف عن‬
‫غيرها من املؤسسات التي تحمل هذا التصنيف والتي تعمل ملصلحة‬
‫‪333‬‬
‫الجمهور املستهدف‪ ،‬فعلى عكس املستشفى التي تعمل من أجل‬
‫رفاهية مرضاها‪ ،‬ال يعمل السجن من أجل مصلحة النزالء‪ ،‬حيث‬
‫أنه بدال من ذلك يعمل من أجل مصلحة املجتمع ويحميه من‬
‫الخطورة املعلنة للنزالء‪.‬‬
‫تستخدم داخل السجن كمؤسسة شمولية تقنيات اإلهانة‬
‫بصفة إجمالية‪ ،‬والتي تعتبر مرتبطة أساسا بطبيعة السجن‪ ،‬فهي‬
‫ضرورية لكي تخلق لدى النزيل شخصية متكيفة مع السجن‪ ،‬ومن‬
‫بين هذه التقنيات نجد على سبيل املثال القطع والفصل الواضح‬
‫مع بيئته الخارجية ومع حياته السابقة‪ ،‬وطقوس اإليداع والتفتيش‬
‫الجسدي‪ ،‬ورقم التخصيص وزي السجن‪ ،‬إلخ‪ .‬وتستخدم جميع‬
‫هذه التقنيات إلعطاء النزيل هوية جديدة‪ ،‬وهي الهوية السجنية‪.‬‬
‫ينبع كل هذا من األساس العقابي الذي يمثل الغرض األول من‬
‫إنشاء السجن‪ ،‬فكل الفلسفات العقابية ترمي في النهاية إلى أن يعلم‬
‫املجرم بأنه حينما يرتكب الذنب أو املخالفة ويعتدي على قواعد‬
‫املجتمع وقوانينه ال بد وأن يتحمل العقوبة الناتجة عن ذلك زجرا‬
‫له‪ ،‬ثم ردعا لغيره من أفراد املجتمع ومنعا لهم وللمجرم نفسه من‬
‫استسهال طريق الجريمة واستساغته‪.‬‬
‫إن الظروف القاسية للسجن تجعل منه رادعا‪ ،‬حيث يؤسس‬
‫مبدأ الشدة الخوف من هذه املؤسسة ويجعلها مرعبة‪ ،‬وهذا أمر‬
‫مطلوب‪ ،‬إذ لو أن الحكم بالسجن من شأنه أن يقدم للجناة وضعا‬
‫أفضل من حالتهم العادية في املجتمع الحر فسيكون ذلك إغراء‬
‫للضعفاء والفقراء‪ ،‬أو على األقل لن يكون رادعا للذي يميل إلى‬
‫ارتكاب الجريمة‪ .‬فتوفر وسائل الراحة في السجن يجعل الحياة فيه‬
‫أحيانا أفضل من الحياة التي كان يحياها املجرم قبل سجنه‪ ،‬وهذا‬
‫‪334‬‬
‫ما يؤدي بالتالي إلى أن يفقد السجن صفته العقابية‪ ،‬بل يتحول إلى‬
‫النقيض‪ ،‬فيصبح أحد عوامل تعزيز السلوك االجرامي عن طريق‬
‫االثابة الناتجة عن سهولة الحياة فيه أكثر مما هي خارجه بالنسبة‬
‫لبعض النزالء‪ ،‬وفي هذه الحالة من املتوقع أن يزداد معدل الجريمة‬
‫باستمرار بدال من أن ينخفض أو يظل على حاله‪.‬‬
‫عموما يجب أن تكون ظروف االحتجاز قاسية لكي يحتفظ‬
‫السجن بطبيعته العقابية‪ ،‬وفي هذا اإلطار يمكن اعتبار النشاط‬
‫النقابي معيقا للتأثير الرادع للسجن ألنه سيوفر للنزيل رفاهية‬
‫تتعارض مع روح العقوبة السجنية‪ ،‬إضافة لكون نظام الحياة في‬
‫السجن يفرض منع ذلك النشاط وكل ما تستلزمه املمارسة النقابية‬
‫وما يتولد عنها من حقوق ومكتسبات‪ ،‬وذلك لتنافيها مع طبيعة‬
‫السجن ذاته ومع جوه‪ ،‬ولنيلها من صرامة الحياة فيه‪ ،‬إضافة إلى‬
‫ما يسببه النشاط النقابي من تشيع للفو�ضى وهو أمر يتعارض مع‬
‫مقتضيات إدارته الحازمة‪.‬‬
‫إن القول بالشدة والقسوة وجعل املؤسسة العقابية مؤسسة‬
‫مظلمة ومرعبة وخانقة لنزالئها‪ ،‬يجعلنا نتساءل عن الرسالة التي‬
‫يريد السجن واملجتمع حقا إيصالها إلى جميع املواطنين‪ ،‬وال سيما‬
‫املخالفين والذين ال يحترمون القواعد التي تنظم الحياة االجتماعية‪،‬‬
‫فبهذا التوجه‪ ،‬تظهر هذه الرسالة غير واضحة‪ ،‬فبدل العمل على‬
‫هدف إعادة اإلدماج وإصالح األفراد املخالفين‪ ،‬نجد املؤسسة‬
‫السجنية سائرة في انحدارها إلى الجحيم قبل أن تصبح أكثر وأكثر‬
‫مكانا مفقود املعاني‪.‬‬
‫لقد دلت الدراسات التربوية والنفسية واالجتماعية‪ ،‬وكذلك‬
‫الدراسات واإلحصاءات املقارنة في مجاالت الجريمة والعقاب‪ ،‬على‬
‫‪335‬‬
‫أن االقتصار على أسلوب العقاب والردع ليس هو األسلوب األمثل‬
‫لتعديل السلوك واكتساب الخبرات السوية التي تعيد النزيل عضوا‬
‫نافعا في مجتمعه‪.‬‬
‫لقد برز خطأ األفكار التي كانت تحكم مفاهيم السياسة الجزائية‬
‫املاضية‪ ،‬وبان أن الجريمة ليست في الحقيقة إال مظهرا ملرض مرده‬
‫عوامل شخصية وبيئية‪ ،‬مما جعل الباحثين يطرحون فكرة العقاب‬
‫الرادع كوسيلة ملعاملة اإلنسان الجانح ليتبنوا أساليب جديدة تقوم‬
‫على أسس علمية وتعتمد الوسائل العالجية في اإلصالح والتأهيل‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬يعتبر السجن وسيلة لوقاية املجتمع من الجريمة من‬
‫جهة وطريقة للكشف عن أسبابها وعالجها من جهة أخرى‪ ،‬ففيه‬
‫تبذل العناية الخلقية والصحية والثقافية واملهنية ليخرج منه‬
‫الجانحون بعد شفائهم من أمراضهم مؤهلين اجتماعيا ومزودين‬
‫بالخلق القويم والجسم السليم واملهنة الشريفة ليبدؤوا حياة‬
‫جديدة كمواطنين صالحين وأعضاء نافعين في املجتمع‪ ،‬وهكذا غدا‬
‫السجن معهد إصالح وتأهيل وتربية ومعمال يهذب النفوس ويصنع‬
‫الرجال األسوياء‪.‬‬
‫تهدف العقوبة السجنية إلى ضمان إبعاد املحكوم عليه من‬
‫الحياة العامة متى ثبت ذنبه أمام القضاء املختص‪ ،‬وحكم عليه‬
‫نهائيا الرتكابه فعل مجرم‪ ،‬فاملساس بحرية املحكوم عليه يعد من‬
‫قبيل العقوبة التي تضع الشخص املدان في مواجهة سلوكاته اآلثمة‬
‫التي أفضت به إلى تحمل وزر اإلثم املتمثل في العقاب‪ ،‬كما يقت�ضي‬
‫ضمان األمن والسلم االجتماعي عزل األفراد الذي نثبت قيامهم‬
‫بسلوكيات إجرامية عن الحياة العامة لتجنيب املجتمع شرهم في‬

‫‪336‬‬
‫املستقبل مما يوجب إقصاؤهم مؤقتا عن املجتمع‪ ،‬مما يضمن‬
‫الحد من شرهم‪.‬‬
‫بعد إثبات املسؤولية الجزائية ووضع الجريمة على حساب‬
‫الجاني بإثبات مسؤوليته الجزائية‪ ،‬ال مجال للومه على ماصدر‬
‫منه من سلوك آثم‪ ،‬إال بالقدر الذي يساهم في محو فكرة الجريمة‬
‫من ذهنه‪ ،‬فهذا اللوم يضمحل وتزول آثاره متى أخضع الجاني‬
‫لتدابير الدفاع االجتماعي التي تستهدف إصالحه وإعادة إدماجه في‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫يتمثل الهدف املنشود للسجن في إصالح الجناة بغرض إعادة‬
‫إدماجهم في الحياة االجتماعية‪ ،‬وذلك لحماية املجتمع مستقبال من‬
‫أخطار الجريمة‪ ،‬وال يكون ذلك إال بمعاملة النزالء معاملة تحترم‬
‫إنسانيتهم‪ ،‬وتهدف إلى تخليصهم من عالم الجريمة‪.‬‬
‫إذا كان دور هذه العقوبة تحدد في املا�ضي في إطار مادي بحت‬
‫هدفه إلحاق األلم وعزل املجرم عن الجماعة‪ ،‬فإن مثل هذا الدور‬
‫بدأ يتحول باتجاهات إنسانية غايتها التأهيل‪ ،‬وال شك أن النظرة‬
‫واألسلوب واالتجاه فيما يتعلق برعاية النزالء قد تطورت تطورا‬
‫سريعا في وقتنا املعاصر‪ ،‬واعتبرت رعايتهم من أهم أنواع الجهود‬
‫العالجية التي تهدف إلى إعطاء الفرصة للنزيل كي يواجه مشاكله‬
‫بطريقة واقعية وتزويده باملهارات الالزمة التي تهيئه كي يعمل وينتج‬
‫ويكسب‪.‬‬
‫يعتبر الحرمان من الحرية عقوبة في حد ذاتها‪ ،‬ومهمة إدارة‬
‫السجن ال تتمثل في توقيع مزيد من العقوبة على النزيل‪ ،‬بل على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬يجب أن يكون الهدف الرئي�سي لسلطات السجن‬

‫‪337‬‬
‫من معاملتهم للنزالء هو تشجيعهم على إصالح أنفسهم وإعادة‬
‫تأهيلهم اجتماعيا‪.‬‬
‫ال يعني اإلصالح االجتماعي للفرد تراخي املجتمع تجاهه‪ ،‬بل يعني‬
‫إعطاء العقوبة بعدا إنسانيا واجتماعيا يكون مردوده إيجابيا على‬
‫اإلنسان وعلى املجتمع‪ ،‬فالعقوبة ليست في حد ذاتها تكفير عن‬
‫الجريمة بقدر ماهي فرصة كي يتعلم النزيل وينمو بصورة تسمح‬
‫له أن يقدر قيمة الحرية وأن يسعى كفرد له حقوقه وواجباته في‬
‫خدمة نفسه وخدمة مجتمعه‪.‬‬
‫إن املطلوب هنا هو أن ينظر لإلنسان على أنه إنسان‪ ،‬له قوة‬
‫ذاتية قادرة على االنطالق إذا توفرت الظروف وأعطيت الفرصة‪،‬‬
‫فاإلشباع النف�سي والجسماني واالقتصادي واالجتماعي لحاجات‬
‫اإلنسان يجب أن يكون أحد محاور االهتمام الرئيسية للسياسة‬
‫العقابية‪ .‬فاملجرمون مهما كانوا واستحالوا فهم من صلب املجتمع‬
‫وال يمكن االستغناء عنهم‪ ،‬إذ أنهم مهما طال بهم الزمن وراء أسوار‬
‫السجن فهم عائدون ال محالة‪ ،‬لذلك وجب على املجتمع االعتناء‬
‫بهم‪ ،‬ال تهميشهم ونسيانهم والسخط عليهم‪.‬‬
‫ينبغي االعتراف أن النزيل إنسان قبل أن يكون مجرما‪ ،‬وأن الحق‬
‫الوحيد الذي يجب أن يحرم منه هو الحق في التنقل الحر وسط‬
‫املجتمع‪ ،‬ويجب أن يكون لحقوقه املدنية والقانونية والدستورية‬
‫القيمة نفسها مثل أي مواطن آخر‪ ،‬ومن هذا املنطلق وجب تمتيعه‬
‫بحقه في الحياة النقابية‪.‬‬
‫إضافة لكل ما أوردناه من دفعات رافضة لتمكين النزيل من‬
‫الحق النقابي‪ ،‬وكنا أيضا قد رددنا عليها‪ ،‬هناك من علماء العقاب‬

‫‪338‬‬
‫من يعترض على املمارسة النقابية للنزيل ألسباب أمنية ونظامية‬
‫تتطلبها الحياة السجنية‪.‬‬
‫ج‪ -‬الحجة الثالثة‪ :‬املس باألمن والنظام داخل املؤسسة‬
‫السجنية‬
‫يعتمد نظام السجن على التحكم التام في جسد النزيل‪ ،‬وهو‬
‫يغصب النزيل على أن يكون روبوتيا وينفذ كل ما تطلبه منه اإلدارة‬
‫السجنية ويلتزم بدقة شديدة ببرنامج حياته اليومية املرسوم مسبقا‬
‫من قبل هذه اإلدارة‪ ،‬حيث تتحكم اإلدارة السجنية في كل تفاصيل‬
‫الحياة اليومية للنزيل الذي يخضع لرقابتها الشاملة واللصيقة حتى‬
‫أثناء نومه‪.‬‬
‫يلزم النزيل بتنفيذ كل األوامر والتوجيهات التي يتلقاها من اإلدارة‬
‫السجنية‪ ،‬وليس له رفضها أو االحتجاج عليها أو حتى مناقشتها‪ ،‬كما‬
‫يلزم باالحترام التام للتنظيم العالئقي والحياتي الذي يحكم املجتمع‬
‫السجني والذي وضعته اإلدارة مسبقا وحددت كل نواميسه‪ ،‬وهذه‬
‫أمور تفرضها الحياة السجنية بهدف الحفاظ على األمن والنظام‬
‫داخل السجن‪.‬‬
‫يعتبر فرض واحترام األمن والنظام داخل املؤسسة السجنية‬
‫أمرا أساسيا لسير العمل السجني‪ ،‬وهو يقوم على توفير الظروف‬
‫املوضوعية املزيلة لكل املخاطر والتهديدات بما يضمن التشغيل‬
‫العادي وانسياب نشاط املؤسسة السجنية‪ ،‬وهو أمر يصعب في نظر‬
‫البعض احترامه وتوفيره إذا ما تم السماح للنزيل بممارسة حياته‬
‫النقابية‪ .‬ذلك أن النشاط النقابي يتطلب اجتماعات ونقاشات‬
‫تعلو فيها األصوات مما يشكل مسا بالنظام داخل السجن‪ ،‬وأيضا‬

‫‪339‬‬
‫قد تحدث خالل هذه االجتماعات العديد من التجاوزات اللفظية‬
‫املاسة باإلدارة السجنية‪ ،‬وربما ينتج عنها احتجاجات أو تجاوزات‬
‫مادية‪ ،‬مما يشكل تهديدا صارخا ألمن املؤسسة السجنية‪ .‬وال‬
‫نن�سى كذلك خطورة العديد من اآلليات النقابية على أمن ونظام‬
‫املؤسسة‪ ،‬وأهمها اإلضراب‪.‬‬
‫توجد فكرة يتداولها العديد من علماء العقاب والكثير من‬
‫املهتمين بالشأن السجني مفادها أن النزالء يجب أن يكونوا دائما غير‬
‫متحدين وأن ال يسود عالقتهم الوئام واالتفاق وأن ال تتطور هذه‬
‫العالقة لتمتاز بالصداقة والتضامن‪ ،‬وذلك بغاية الحرص على عدم‬
‫تكوين لحمة بينهم قد تجعلهم قوة مطلبية واحتجاجية في مواجهة‬
‫اإلدارة السجنية‪ ،‬وهذا أمر قد يجعلهم في وضعية قوة تسمح لهم‬
‫بفرض مطالبهم على اإلدارة‪ ،‬وهذا أمر يشكل خطرا شديدا ليس‬
‫على األمن والنظام داخل السجن فقط بل على املؤسسة السجنية‬
‫برمتها‪.‬‬
‫يتضارب السماح للنزيل بممارسة حياته النقابية تماما مع هذه‬
‫الفكرة‪ ،‬حيث يمثل النشاط النقابي ألصحابها خطرا حاال على‬
‫املؤسسة السجنية من ناحية أمنها وحسن سيرها‪ ،‬إضافة للمجهود‬
‫اإلضافي الذي ستتكبده املؤسسة لحماية أعوانها وكل األشخاص‬
‫املتواجدين بالسجن مما قد يرتكبه النزالء من تجاوزات وفو�ضى‬
‫بمناسبة نشاطهم النقابي‪.‬‬
‫ال نقاش في اعتبار حفظ السالم والهدوء وظيفة أساسية لإلدارة‬
‫العقابية وواجبة التطبيق بعناية وضرورية للحياة السجنية‪ ،‬وال‬
‫نقاش في أنه ال مجال للتهاون أو اإلخالل باألمن والنظام داخل‬
‫املؤسسة السجنية‪ ،‬إال أن هذا األمر ال يشكل حاجزا وال يعيق‬
‫‪340‬‬
‫تمتيع النزيل بحقه النقابي‪ ،‬حيث يمكن السماح له بممارسة حياته‬
‫النقابية مع أخذ اإلجراءات الالزمة والضامنة لعدم املس باألمن‬
‫والنظام داخل السجن‪ ،‬مع التأكيد على أن النشاط النقابي للنزيل‬
‫يشكل في حد ذاته ضمانا ودعامة للهدوء من خالل خفض التوتر‬
‫داخل املؤسسة السجنية‪.‬‬
‫ال يعني األمن والنظام فقط الرقابة والسيطرة على تحركات‬
‫النزالء‪ ،‬بل يعني أيضا تخفيض التوتر وتجنب حدوث املشاكل‬
‫واالضطرابات داخل الفضاء السجني قصد املستطاع‪ ،‬والتجارب‬
‫العقابية وفي ظل تطور أسلوب املعاملة العقابية نحو األنسنة‬
‫أثبتت فشل األسلوب القصري والرقابي الشمولي في تحقيق األمن‬
‫التام مقارنة بأسلوب اللين النسبي القائم على منح الثقة للنزالء‪.‬‬
‫كنت قد بينت في موقع سابق من الكتاب الدور الذي يمكن أن‬
‫تلعبه نقابة النزالء في تخفيض التوترات داخل املؤسسة السجنية‬
‫وكيف يمكن لهذه النقابة أن تؤثر إيجابا على األجواء داخل السجن‪،‬‬
‫إذ من وجهة نظر أمنية تعتبر هذه النقابة وسيلة فعالة ملساعدة‬
‫اإلدارة السجنية على تحقيق غايتها من حفاظ على األمن واحترام‬
‫للنظام‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬تخوف اإلدارة العقابية من املمارسة النقابية‬
‫للنزيل‬
‫تقوم املؤسسة السجنية بعزل الجانحين ومنع هروبهم‪،‬‬
‫وتعمل على حفظ أمن النزالء أنفسهم مما قد يهدد سالمتهم مدة‬
‫محكوميتهم‪ ،‬إضافة لحماية طاقمها البشري وممتلكاتها املادية من‬
‫كل خطر أو اعتداء‪ .‬ولتحقيق هذه املهام أصبح السجن املكان الذي‬

‫‪341‬‬
‫تجهد فيه أوليات السلطة لتأطير األفراد‪ ،‬وملالئمة وتنقية األجهزة‬
‫التي تأخذ على عاتقها وتضع تحت املراقبة سلوك األفراد اليومي‬
‫وهويتهم ونشاطهم وحركتهم‪ ،‬إذ يمثل السجن تسييجا جزائيا‬
‫متشددا للجسد االجتماعي للنزيل‪.‬‬
‫رغم تطور السياسة العقابية وتطور أغراض العقوبة السجنية‪،‬‬
‫فإن الصراع مازال مستمرا بين املهمة األمنية وهدف إعادة التأهيل‪،‬‬
‫والنتيجة إعطاء مبدأ األمن األولوية‪ ،‬أما إعادة اإلدماج فال تزال‬
‫مهملة لحد كبير‪ ،‬فالسجن ال يزال الغرض منه امتالك السيطرة‬
‫واملعاقبة‪ ،‬حيث يوميا الضرورات األمنية توجه األنظمة األساسية‬
‫والقرارات ضد النزالء‪ ،‬والذي زاد الوضع سوءا‪ ،‬عالقات الريبة‬
‫والشك التي تسود عالقة املجتمع عامة واإلدارة السجنية خاصة‬
‫بالنزالء‪ ،‬والتي تكسر مع الخصائص األساسية االجتماعية واملدنية‬
‫العادية والتي تستند عموما على الثقة‪.‬‬
‫تخوف اإلدارة العقابية من نزالءها وهوسها من هروبهم ومن‬
‫مساهمتهم في عمليات إجرامية بالعالم الحر‪ ،‬جعلها تركز في املقام‬
‫األول على املهمة األمنية وتبالغ أحيانا في أخذ االحتياطات الهادفة‬
‫لصد األخطار التي يمكن أن يشكلها النزيل‪ ،‬من ذلك أنها ال تفلت‬
‫ال واردة وال شاردة فيما يتعلق باتصاالت النزيل بالعالم الخارجي‪،‬‬
‫فنجدها تخضع كل لقاءات النزيل مع زواره إلى رقابة صارمة‪،‬‬
‫وتفرض كذلك رقابة صارمة على املراسالت بين النزيل وأي شخص‬
‫من الفضاء الحر ولو كان املحامي املكلف بالدفاع عنه أو حتى‬
‫السلط القضائية املعنية‪.‬‬
‫هذا الهاجس من اتصال النزيل بالعالم الخارجي والذي ترى‬
‫فيه اإلدارة السجنية خطرا على أمنها وعلى أمن املجتمع‪ ،‬يجعل‬
‫‪342‬‬
‫هذه اإلدارة تفزع وتدق نواقيس الخطر لتعلن أن نقابة النزالء لن‬
‫تكون إال خطرا حاال وثابتا على أمنها وأمن املجتمع‪ ،‬حيث أن هذه‬
‫النقابة ستكون طريقا مفتوحا بين العالم السجني والعالم الحر مما‬
‫يضعف قدرتها على رقابة عالقة النزيل بالعالم الخارجي ويحد كثيرا‬
‫من قدرتها على التحكم في هذه العالقة‪.‬‬
‫تمثل النقابة بالنسبة لإلدارة العقابية ثالثة مخاطر محتملة‬
‫يجب منعها‪ ،‬أولها أنها مشتبه بها لجلب السلع أو األشياء املمنوعة‪،‬‬
‫وثانيها أنها متواطئة مع النزيل إلعداد هروبه مع العلم أن إدارة‬
‫السجن مسكونة بشبح الهروب‪ ،‬وأخيرا يعتبر الطاقم البشري‬
‫للمؤسسة السجنية وخاصة أعوان السجون أن النقابة سوف‬
‫تعرقل عملهم وسوف تشكل خطرا عليهم من خالل سعيها لنصرة‬
‫النزالء عليهم بجميع الوسائل‪ ،‬من ذلك التشهير والحمالت اإلعالمية‬
‫ورفع الشكايات ورفع القضايا وغير ذلك من األساليب التي قد‬
‫تعتمدها النقابة في حربها املتوقعة تجاههم‪.‬‬
‫ال يمكن إنكار وجود هذه املخاطر‪ ،‬إال أنه يجب عدم تهويل‬
‫األمر وإعطاء األمور أكثر من حجمها‪ ،‬إذ أن العمل النقابي سيكون‬
‫بطبيعة الحال خاضعا للرقابة‪ ،‬وسوف يتم اعتماد آليات رقابية‬
‫تضمن الحفاظ على أمن املؤسسة السجنية واملجتمع‪.‬‬
‫ونجد من ضمن هذه اآلليات مثال التفتيش‪ ،‬وهو آلية موجهة‬
‫لعضو النقابة الذي ليس نزيال أي أنه من العالم الحر وينشط صلب‬
‫نقابة النزالء ويأتي إلى السجن في إطار مهمة نقابية‪ ،‬فهذا الشخص‬
‫يمكن إذا ما حامت شكوك لدى اإلدارة حول حمله ملواد أو أشياء‬
‫ممنوعة إخضاعه للتفتيش‪ ،‬كما يتم بطبيعة الحال إخضاعه‬
‫ألجهزة الكشف عن املعادن قبل الدخول إلى السجن فممنوع أن‬
‫‪343‬‬
‫يدخل السجن مع أشياء معدنية‪ ،‬وكذلك يمكن االنتفاع بالتطورات‬
‫التقنية الحديثة إلجراء التفتيش‪ ،‬ومن ذلك اعتماد جهاز الكشف‬
‫باألشعة للزوار‪.‬‬
‫وال نن�سى دور التهديد التأديبي واإلداري وخاصة الجزائي الذي‬
‫تواجهه النقابة بصفة عامة إذا ما أخلت بااللتزامات املفروضة‬
‫عليه بمناسبة أداءها لنشاطها‪ ،‬حيث أن القانون يكون الفيصل‬
‫بين اإلدارة العقابية والنقابة بصفة عامة وأعضاءها بصفة خاصة‪،‬‬
‫فإن لم يلتزموا بالحدود القانونية لنشاطهم النقابي وبشروط هذا‬
‫النشاط وأطره جاز تتبعهم وتحميلهم مسؤولية أفعالهم بمقت�ضى‬
‫القانون‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بتخوف الطاقم البشري للمؤسسة السجنية‬
‫وخاصة أعوان السجون من النشاط العدائي املحتمل لنقابة‬
‫النزالء تجاههم ومن عرقلتها ملهامهم‪ ،‬فهذا حديث مبالغ فيه وليس‬
‫له أي أساس‪ ،‬حيث أن كل موظف باملؤسسة السجنية ومهما كانت‬
‫املهمة التي يضطلع بها‪ ،‬فسواء كان مديرا للسجن أو حارسا أو غير‬
‫ذلك‪ ،‬عليه أن يعتمد في أداء مهامه على القانون الذي يجب أن‬
‫يحترمه وال يخرقه‪ ،‬فإن كان هذا الشخص محترما للقانون وال يقوم‬
‫بتجاوزات فما الذي سيخافه! وبماذا يمكن للنقابة أن تشتكيه!‬
‫وحتى إن فعلت النقابة ذلك خطأ منها في التقدير فإمكانه إثبات‬
‫خطئها والتف�صي مما نسبته إليه‪ ،‬إضافة إلى إمكانية قيامه بتتبع‬
‫النقابة إذا كان تصرفها ناتج عن سوء نية أو إذا شهرت به‪.‬‬
‫يعتبر القانون الفيصل بين الجميع‪ ،‬وباحترامه وتطبيقه‬
‫التطبيق السليم من جميع األطراف تكون حقوق الجميع محفوظة‪،‬‬
‫فالقانون هو الكفيل بتنظيم العالقات املختلفة بين تلك األطراف‪،‬‬
‫‪344‬‬
‫وهو الكفيل برسم أطرها وبتحديد جزاء من يخالفه‪ ،‬وهذا املنطق‬
‫يؤصل لعالقة قائمة على الثقة واالحترام والتعاون املؤطر واملحمي‬
‫قانونا وليس عالقة جبروت وخوف‪.‬‬
‫عموما إن خوف اإلدارة العقابية من الحياة النقابية للنزيل‬
‫مبالغ فيه وال يتأسس على أسباب جدية‪ ،‬شأنه في ذلك شأن جميع‬
‫املعوقات النظرية التي يقدمها املعارضون لتلك الحياة والتي تعتبر‬
‫جد نسبية ومحدودة‪ ،‬مثلها مثل العائق القانوني الذي يدفع به‬
‫البعض واملؤسس على غياب نص قانوني صريح يقر باملمارسة‬
‫النقابية للنزيل وكذلك عدم تمتع النزيل بعقد عمل‪ .‬فهل أن نفس‬
‫النسبية واملحدودية سوف نجدها في املعوقات العملية لتلك‬
‫املمارسة؟‬
‫املبحث الثاني‪ :‬املعوقات العملية للممارسة النقابية للنزيل‬
‫تشهد مسألة تمكين النزيل من حقه في النشاط النقابي عدة‬
‫عوائق عملية هامة قد تعرقل ممارسة هذا الحق الدستوري‬
‫واإلنساني‪ ،‬حيث أن النزيل يمتاز بوضعيته الخاصة مقارنة‬
‫باإلنسان الحر‪ ،‬فهو إنسان محجوز بمكان مغلق وخاضع لضوابط‬
‫عقابية وأمنية وسلوكية يفرضها هذا املكان املغلق وتتطلبها طبيعة‬
‫العقوبة وغايتها التأهيلية‪ ،‬كذلك يمتاز هذا النزيل عن اإلنسان‬
‫الحر بانعدام حريته وبمحدودية عالقته مع العالم الخارجي‪.‬‬
‫تتمحور املعوقات العملية للممارسة النقابية للنزيل واملتولدة‬
‫عن خصوصية وضعه‪ ،‬حول الكيفية التي سيتم بها تكوين نقابة‬
‫لنزالء السجون وطريقة عمل هذه النقابة وكيفية مراقبتها حتى ال‬
‫تحيد عن أهدافها وعن القانون‪.‬‬
‫‪345‬‬
‫قد تبدو هذه املعوقات ظاهريا جدية إال أن تحليلها سيبرز‬
‫محدوديتها وكيف أن الحلول لتجاوزها متعددة‪ ،‬وإلثبات ذلك‬
‫سنقوم بتقسيم هذا املبحث إلى ثالث فقرات حسب موضوع‬
‫الصعوبة العملية‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تنظيم العمل النقابي‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الرقابة على العمل النقابي‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬األدوات املطلبية‬

‫‪346‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تنظيم العمل النقابي‬
‫يتنزل ضمن تنظيم العمل النقابي مجموعة من الحريات‬
‫األساسية التي تنجر عن الحق النقابي ملا أكد تعليه االتفاقيات‬
‫واملواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية‪،‬وتتمثل هذه‬
‫الحريات التي أرستها املعايير الدولية في حق إنشاء منظمة نقابية‬
‫وحرية تكوينها وإدارتها‪ ،‬والحق في االنخراط االختياري فيها‪ ،‬واألهم‬
‫هو الحق في حماية العمل النقابي‪.‬‬
‫لئن كانت مختلف هذه الحريات مبدئيا ال تثير إشكاال عندما‬
‫نتحدث عن النقابات املوجودة بالعالم الحر‪ ،‬فإن الوضع قد‬
‫يختلف قليال عندما نتحدث عن نقابة لنزالء مؤسسة سجنية‪،‬‬
‫حيث سوف تظهر بعض املعوقات املادية لهذه الحريات والتي يجب‬
‫تجاوزها‪ ،‬وترتبط هذه املعوقات خاصة بمسألة االنضمام لنقابة‬
‫نزالء السجون وكذلك مسألة إدارة هذه النقابة‪ ،‬وهذا إضافة إلى‬
‫خصوصية مسألة حماية العمل النقابي في هذا املجال‪.‬‬
‫أ‪ -‬االنضمام لنقابة نزالء السجون‬
‫تقر مختلف األنظمة القانونية شأنها شأن النصوص الدولية‬
‫بحرية االنضمام أو عدم االنضمام إلى النقابة وحرية االنسحاب‬
‫منها‪ ،‬فكل عامل حر في االنخراط بنقابة من عدمه‪ ،‬وال تورد أي‬
‫قيود على هذه الحرية إالالقيداملستمد من حرية املنظمة النقابية‬
‫في وضع شروط االنضمام لعضويتها‪ ،‬ويحددالنظام األسا�سي‬
‫للمنظمة النقابية قواعد وإجراءات االنضمام ورفضه كما ينظم‬
‫قواعد وإجراءات االنسحاب منها‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫ويعتبر الحق في االنسحاب من النقابة دون أن يلحق املنسحب‬
‫من جراء ذلك أي ضررالقاعدة الرئيسية للحرية النقابية ويعتبر‬
‫املساس بهذا الحق اعتداء على حق من الحقوق األساسية املتولدة‬
‫عن الحق النقابي‪.‬‬
‫ال تشكل هذه القواعد أي إشكال بالعالم الحر باعتبار أن كل‬
‫عامل متمتع بهذه الحقوق وباعتبار أن العالم الحر يشكل الفضاء‬
‫الطبيعي للنشاط النقابي‪ ،‬إال أن الوضع قد يختلف في اإلطار‬
‫السجني خصوصا وأن نقابة نزالء السجون ال ينظم إليها العمال‬
‫مثل النقابات األخرى بل ينظم إليها النزالء سواء كانوا عماال أو ال‪،‬‬
‫هذا إضافة الستيعابها ألشخاص من العالم الحر والذين تختلف‬
‫وضعياتهم املهنية وتتنوع مجاالت مهنهم‪.‬‬
‫ال يشكل هذا االختالف في املهن وفي الوضعيات املهنية إشكاال أو‬
‫حاجزا أمام االنضمام لنقابة النزالء‪ ،‬إذ يمكن تجاوز األمر من خالل‬
‫تنظيم شروط االنضمام بمقت�ضى القانون األسا�سي للنقابة‪ ،‬والذي‬
‫من األفضل أن يجعل االنضمام مفتوحا وعاما وممكنا لكل مواطن‬
‫راشد مهما كان وضعه الجزائي واملنهي ويرغب في الدفاع عن القضية‬
‫التي تناضل من أجلها هذه النقابة‪ ،‬باستثناء املنتمين لبعض‬
‫الوظائف واللذين في انتماءهم لنقابة النزالء تضارب مصالح‪ ،‬ونجد‬
‫من بينهم املنتمون للمؤسسة العقابية وكذلك املنتمين لألسالك‬
‫األمنة‪ ،‬ومن األفضل أن يتم تحديد قائمة حصرية بهذه املهن التي‬
‫يمنع أصحابها من االنخراط بالنقابة‪.‬‬
‫أما مسألة االنسحاب من النقابة فال إشكال فيها‪ ،‬حيث ال‬
‫فرق بين االنسحاب من نقابة تنشط في مجال منهي بالعالم الحر‬

‫‪348‬‬
‫واالنسحاب من نقابة النزالء‪ ،‬ونفس األمر يقال عن عدم االنضمام‬
‫وخاصة فيما يتعلق بالنزالء‪ ،‬فكل نزيل حر في االنضمام من عدمه‪.‬‬
‫ويجب في هذا الخصوص الحرص على عدم الضغط على النزالء‬
‫من أجل االنضمام للنقابة من قبل املنتمين إليها‪ ،‬وسواء كان ذلك‬
‫بالتهديد أو من خالل الترغيب‪ ،‬فقرار االنضمام يجب أن يصدر عن‬
‫إرادة حرة‪ .‬لكن هذا ال يمنع قيام النقابة بحمالت واجتماعات مع‬
‫النزالء‪ ،‬خاصة الوافدين الجدد والنزالء القدامى الغير منخرطين في‬
‫النقابة‪ ،‬من أجل التعريف بأهدافها ونشاطاتها وذلك بغاية إقناعهم‬
‫باالنضمام إليها‪.‬‬
‫ب‪ -‬إدارة نقابة نزالء السجون‬
‫يتولد على الحق النقابي حرية إدارة املنظمات النقابية لشؤونها‬
‫الداخلية دون تدخل الغير‪ ،‬ويترتب عن ذلك حرية وضع النظام‬
‫األسا�سي واللوائح وقواعد العمل‪ ،‬وحرية اختيار القيادات النقابية‪،‬‬
‫وحرية التسيير‪ ،‬وحرية االجتماع‪.‬‬
‫تتناول الئحة النظام األسا�سي في العادة تحديد أهداف النقابة‬
‫وأجهزتها اإلدارية واختصاصاتها ونظمها املالية وأوجه نشاطها‪،‬‬
‫ويكون ذلك طبعا في إطار احترام القانون وااللتزام بتوجيهاته‪ ،‬وأي‬
‫محاولة إللزام النقابة بأن تضع نظامها األسا�سي طبق النموذج‬
‫معين‪ ،‬أو جعل املوافقة على اللوائح األساسية رهنا للسلطة‬
‫التقديرية لإلدارة يعد انتهاكا ملبادئ الحرية النقابية‪ ،‬وهذا األمر‬
‫يشمل بالطبع نقابة النزالء التي يحقلها وضع برامجها واعتماد‬
‫الصيغ التنفيذية التي تراها مالئمة لتحقيق أهدافها‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫وتتمتع نقابة النزالء شأنها شأن كل النقابات بحرية تحديد‬
‫هياكلها مع االمتثال لألحكام التشريعية والتنظيمية‪ ،‬وبذلك تختار‬
‫النقابة قياداتها بحرية‪.‬‬
‫يقوم حق النقابة في اختيار قياداتها على أساسين‪ ،‬أولهما عدم‬
‫تدخل السلطات في إجراء االنتخابات أو إبداء رأيها في املرشحين أو‬
‫نتائج االنتخابات أو إيقاف نتائج االنتخابات‪ ،‬بينما يتمثل األساس‬
‫األخر في امتناع السلطات عن وضع شروط على املرشحين‪ .‬وبذلك‬
‫يفترض هذا الحق امتناع السلطات الحكومية عن أي تدخل من‬
‫شأنه أن يحد من هذا الحق أو يعوق املمارسة املشروعة له‪ ،‬ومن‬
‫املتصور في هذا الصدد أن يأتي التدخل اإلداري سواء في مرحلة‬
‫اإلعداد لالنتخابات وسيرها أو بوضع شروط خاصة في من يتقدم‬
‫للترشح للمناصب القيادية‪.‬‬
‫إن الشروط الواجب توافرها في املرشحين يجب أن تحدد بصفة‬
‫مسبقة بموجب القانون وأيضا بموجب اللوائح الداخلية للنقابة‬
‫ضمان االتفاق تلك الشروط ورغبات أعضاء النقابة‪ ،‬وفيما يتعلق‬
‫بالشروع القانونية فيجب على املشرع عدم التعسف في تحديد هذه‬
‫الشروط حتى ال تكون معرقلة للحق النقابي للنزيل‪.‬‬
‫ال ينحصر نشاط نقابة النزالء على الفضاء السجني بل يمتد‬
‫للعالم الحر‪ ،‬وتظم هذه النقابة أشخاصا نزالء وأشخاصا من العالم‬
‫الحر‪ ،‬وطبيعة األمور تفرض أن ال تكون قيادات النقابة من النزالء‬
‫الذين يقضون محكوميتهم‪ ،‬ألن ذلك يجعلهم غير قادرين على إنجاز‬
‫مهامهم وخاصة القيادات العليا‪ .‬وكذلك تفرض طبيعة األمور أيضا‬
‫أن يكون في السجن قائد أو مسؤول نقابي أو أكثر يترأس وينظم‬
‫النشاط النقابي داخل السجن‪ ،‬وهذا القائد ال يمكن إال أن يكون‬
‫‪350‬‬
‫نزيال باعتبار الحاجة لتواجده الدائم داخل الفضاء السجني حتى‬
‫يتمكن من أداء مهمته النقابية‪.‬‬
‫ال تقف حقوق النقابة عند حرية انتخاب ممثليها وقياداتها بل‬
‫تشمل أيضا حرية تسيير شؤونها اإلدارية والداخلية واملالية‪ ،‬بمعنى‬
‫أنه اليجوز إلزام النقابة بلوائح أو أنظمة خاصة لتسيير شؤونها‪ ،‬أو‬
‫وضع قيود على نشاطها املالي‪ ،‬واليقصد بذلك اإلجراءات التنظيمية‬
‫بإلجراءات التي تعرقل نشاط النقابة‪.‬‬
‫تتمتع النقابة مبدئيا بالحرية التامة في إدارة شؤونها الداخلية‬
‫كوضع خطط نشاطها وبرامج تنفيذها وطرق عملها ومساءلتها‬
‫ألعضائها‪ ،‬مع ضرورة احترام القوانين ووجود نوع من الرقابة على‬
‫أعمالها‪ ،‬وتتسم هذهالرقابة بالحياد واملوضوعية إذ هي تمارس‬
‫بواسطة القضاء ويعد منافيا ملبادئ الحرية النقابية منح التشريع‬
‫للسلطة اإلدارية حق الرقابة كيفما تشاء والتحقيق في املسائل‬
‫الداخلية‪.‬‬
‫قد يحدد القانون النصاب الواجب توافره عند التصويت على‬
‫مسائل جوهرية‪،‬مثل تعديل القانون األسا�سي للنقابة أو تحديد‬
‫قيمة االشتراك في النقابة أو إدماجها أوتبعيتها أوحلها‪ ،‬وال يعد‬
‫تحديداألغلبية في هذه املسائل انتهاكا للحرية النقابية أوتدخال في‬
‫نشاطها الداخلي اإلداري أو املالي‪ ،‬وإنما يعتبر إجراء تنظيمي محمود‬
‫ولصالح النقابة وأعضائها‪ ،‬بشرط أال يوضع النص القانوني بطريقة‬
‫تعطل هذه األعمال وتؤدي إلى نوع من تدخل السلطات العامة في‬
‫نشاط النقابة كوضع قواعد منظمة لطريقة االجتماع وأسلوب‬
‫العمل وتشكيل األجهزة الداخلية للنقابة وموعد االجتماعات‪ ،‬حيث‬

‫‪351‬‬
‫أن تناول التشريع لهذه التفاصيل فيه مساس بالحرية املكفولة‬
‫لتسيير النقابة ألعمالها‪.‬‬
‫وال يكفي فقط امتناع الدولة عن التدخل في الشؤون املالية‬
‫للنقابة بل األمر يستلزم أن تتمتع النقابة باالستقالل املالي بما يكفل‬
‫لها حرية الحركة‪ ،‬ونقابة النزالء شأنها شأن كل نقابة لها شخصية‬
‫اعتبارية بما يعني اكتسابها لذمة مالية مستقلة‪ ،‬بحيث يكون لها‬
‫ميزانية‪ ،‬ويحدد قانونها األسا�سي قواعد وإجراءات إعداد ميزانيته او‬
‫حسابها الختامي والتصديق عليها‪ .‬ويمكن طبعا للسلط العمومية‬
‫أن تتدخل في بعض املوارد‪ ،‬كالهبات والوصايا الصادرة عن منظمات‬
‫أخرى أو هبات أجنبية‪ ،‬ولكن فقط للتحقق من مصدرها ومبلغها‬
‫والضغوطات الناشئة عنها والتأكد من اتفاقها وأهداف النقابة‪.‬‬
‫وبالعودة إلى مسألة اإلجتماعات‪ ،‬فيجب التأكيد أن من أول‬
‫الضمانات التي يجب أن تكفل ملسيري وأعضاء النقابة هو حقهم في‬
‫االجتماع من أجل تبادل وجهات النظر واتخاذ القرارات واإلجراءات‬
‫الالزمة‪ ،‬حيث يحق للنقابات االجتماع الحر داخل مقراته او خارجها‬
‫دون الحاجة إلذن مسبق ودون رقابة من السلطات العامة‪.‬‬
‫تشهد هذه املسألة عائقا ماديا هاما فيما يتعلق بنقابة النزالء‪،‬‬
‫باعتبار أن االجتماعات النقابية يمكن أن تحدث خارج السجن‬
‫ويمكن أن تحدث داخله‪ ،‬وإن كانت االجتماعات خارج السجن ال‬
‫تثير إشكاال ال من حيث مكان االجتماع وال توقيته‪ ،‬فإن االجتماع‬
‫داخل السجن ال يمكن أن يكون كذلك‪ ،‬إذ السجن مكان مغلق‬
‫تتعارض طبيعته وآلياته مع السماح للنقابة باالجتماع الحر داخل‬
‫فضاءه خصوصا إذا كان هذا االجتماع يضم أشخاصا من خارج‬
‫السجن أي من العالم الحر‪.‬‬
‫‪352‬‬
‫يجب أن يتم تكريس واعتماد اإلعالم املسبق من النقابة لإلدارة‬
‫السجنية بموعد االجتماع النقابي املزعم إجراءه داخل الفضاء‬
‫السجني ومدته‪ ،‬مع توفير قائمة باملنتمين للنقابة من العالم الحر‬
‫والذين سوف يشاركون بهذا االجتماع‪ ،‬وتوفر اإلدارة السجنية‬
‫مكانا خاصا لالجتماع وتعمل بالتعاون مع النقابة على حسن تنظيم‬
‫هذا االجتماع‪.‬‬
‫ليس لإلدارة السجنية رفض إجراء االجتماع إذا كان موعده‬
‫مناسبا‪ ،‬إال أن لها اللجوء لقا�ضي التنفيذ لطلب تأجيله ألسباب‬
‫معللة‪ ،‬ولضمان أن يكون موعد هذه االجتماعات مناسبا‪ ،‬من‬
‫املحبذ أن يتم مسبقا االتفاق كتابة بين النقابة واإلدارة السجنية‬
‫على األوقات التي يمكن أن تبرمج فيها النقابة مثل هذه االجتماعات‬
‫واملدة القصوى الالزمة لها‪.‬‬
‫عموما يجب أن تتمتع نقابة نزالء السجون بكل الحقوق‬
‫والحريات املتولدة عن الحق النقابي والضامنة لقيام هذه النقابة‬
‫بمهامها ولتحقيق أهدافها‪ ،‬شأنها في ذلك شأن باقي النقابات‪ ،‬إال أن‬
‫الطبيعة الخاصة لهذه النقابة وخاصة نشاطها وتواجدها الجزئي‬
‫بالفضاء السجني يحتم تعديل بعض اآلليات ويفرض وضع حدود‬
‫لبعض الحقوق في سبيل تمكين هذه النقابة من حسن النشاط‪،‬‬
‫وهذا التعديل أو املس ال يمثل تعديا على الحق النقابي بل تفريدا‬
‫وجوبيا لبعض آلياته وأحكامه يفرضها الواقع العملي‪.‬‬
‫ه‪ -‬حماية العمل النقابي‬
‫تتمتع النقابة بالحق في إبداء أراءها واإلعراب عن وجهات نظرها‬
‫والتعبير عن أعضائها في كل ما يتعلق بمصالحهم وحقوقهم‪ ،‬وهي‬
‫‪353‬‬
‫تسعى لضمان تحسين أحوال منظوريها ومعيشتهم وتعمل على‬
‫تحقيق أهدافها في إطار القانون‪ ،‬وتحتاج النقابة ألداء مهامها‬
‫للحماية خاصة من السلط العمومية التي قد تسعى ملحاصرتها‬
‫وقمعها نظرا لتضارب املصالح‪.‬‬
‫تحتاج نقابة نزالء السجون لحماية أكيدة لوجودها ولنشاطها‬
‫وللمنتمين إليها‪ ،‬وهي حماية أوسع وأوكد مما هي عليه بالنسبة‬
‫لباقي النقابات‪ ،‬وذلك اعتبارا لخصوصية هذه النقابة وخصوصية‬
‫منظوريها وخصوصية األهداف التي تعمل على تحقيقها وخصوصية‬
‫السجن واإلدارة السجنية‪.‬‬
‫يمكن للنقابة اللجوء إلى القضاء سواء لحماية مصالحها‬
‫الخاصة أو لحماية مصالح أعضائها الفردية أو الجماعية وسواء‬
‫تعلق األمر بنزاع معاإلدارة أو منظمات نقابية أخرى أو غيرها من‬
‫أشخاص معنوية‪.‬‬
‫تتمتع النقابة بالشخصية القانونية الكاملة‪ ،‬ويترتب على‬
‫االعتراف للنقابة بالشخصية القانونية تمتعها بأهلية التقا�ضي‪،‬‬
‫وهو ما يسمح لها في صورة انسداد أبواب الحوار وعدم التوصل‬
‫إلى تسوية مالئمة للخالفات عند وجود عراقيل ذاتية وموضوعية‬
‫برفع دعاوى وتقديم طعون قضائية‪،‬كما يجوز لها أن تمارس جميع‬
‫الحقوق املحفوظة للمطالب بالحق املدني بشأن كل واقعة أو فعل‬
‫يلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر باملصلحة الجماعية أو الفردية‬
‫التي تمثلها‪.‬‬
‫يلعب القضاء دورا مهما في حماية الحق والعمل النقابي‪ ،‬وإن‬
‫كانت مختلف النقابات تتجه للمحاكم للدفاع عن مختلف تلك‬
‫املصالح‪ ،‬فإن نقابة السجناء إضافة لذلك يجب أن تتمتع بحماية‬
‫‪354‬‬
‫قا�ضي تنفيذ العقوبات لنشاطها وحقوقها‪ ،‬حيث أن صفة هذا‬
‫القا�ضي وقربه من الفضاء السجني يجعله ضمانا هاما التزان‬
‫العالقة بين النقابة واإلدارة السجنية ويجعله خاصة ضمانا لحماية‬
‫النقابة وممثليها واملنتمين إليها من تعسف اإلدارة‪.‬‬
‫يشمل كذلك دور القضاء في حماية العمل النقابي حماية النقابة‬
‫ضد الحل أو وقف النشاط عن طريق السلطة اإلدارية‪ ،‬وهي حماية‬
‫جد أساسية‪ ،‬حيث أن استقالل النقابات عن الدولة ال يكتمل‬
‫بمجرد أن يكون تكوينها غير خاضع ألي تدخل من جانب السلطة‬
‫اإلدارية‪ ،‬بل يجب حتىي أخذ الحق النقابي مضمونا فعاال أن يشمل‬
‫استقالل النقابات عن الدولة أيضا في حاالت حل النقابة‪ ،‬ذلك ألن‬
‫حل النقابة قرار خطير قد يتصل اتصاال وثيقا بالحرية النقابية‪،‬‬
‫لذلك يجب حماية النقابات من خطر حلها أو شل نشاطها عن‬
‫طريق إقصاء القيادات النقابية بقرار إداري‪.‬‬
‫تعد هذه الحماية من اإليقاف أو الحل ضمانة مكملة لحق‬
‫التكوين‪ ،‬إذ ال قيمة لحق التكوين إذا كان يظل تحت رحمة السلطات‬
‫اإلدارية أو يصبح مهددا بالحل واإليقاف‪ ،‬ويجب التوضيح أن‬
‫الحظر منصب على الحل الذي تمارسه السلطة اإلدارية وليس‬
‫على الحلم طلقا‪ ،‬إذ يمكن أن يتم حل النقابة اختياريا عن طريق‬
‫جمعيتها العامة أو بقوة القانون الستحالة مواصلة النشاط النقابي‬
‫ألحد األسباب التي يقرها القانون‪ ،‬وفي كل الحاالت وخاصة فيما‬
‫يتعلق بنقابة النزالء يجب املرور بالقضاء لرقابة مدى شرعية األمر‬
‫والتأشير عليه‪.‬‬
‫وهناك من يدفع بإمكانية حل أي نقابة تخالف القانون وذلك‬
‫بمقت�ضى حكم قضائي‪ ،‬إال أن احترام الحق النقابي يق�ضي بعدم‬
‫‪355‬‬
‫حل النقابة مطلقا وإنما يمكن مساءلة القيادات ومحاكمتها قضائيا‬
‫دون مساس بالنقابة نفسها‪.‬‬
‫يجب أيضا أن ال نن�سى في مجال حماية العمل النقابي حماية‬
‫كل منتمي لنقابة‪ ،‬وهي حماية جد متأكدة خاصة بالنسبة للمنتمين‬
‫لنقابة النزالء املتواجدين بالسجن‪ ،‬حيث يجب توفير حماية قانونية‬
‫خاصة لهؤالء خصوصا مما قد تمارسه عليهم اإلدارة السجنية من‬
‫تعسف‪ ،‬وما قد يتعرضون له من تمييز سلبي في املعاملة واضطهاد‬
‫بسبب نشاطهم النقابي‪.‬‬
‫تعتبر حماية العمل النقابي ركيزة جوهرية وضمانة أكيدة للحق‬
‫النقابي‪ ،‬حيث تمكن النقابة من العمل على تحقيق أهدافها بعيدا‬
‫عن الضغط والخوف والتدخل التعسفي للسلط العمومية‪ ،‬وال‬
‫تعني هذه الحماية إطالقية العمل النقابي وتركه دون رقابة‪ ،‬بل إن‬
‫الرقابة على العمل النقابي أمر ال نقاش فيه وذلك لضمان عدم‬
‫خروج هذا العمل عن الحدود واإلطار القانوني‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الرقابة على العمل النقابي‬
‫يترتب عن حق النقابة في إدارة شؤونها بنفسها عدم تدخل‬
‫السلطات في الشؤون الداخلية للنقابات وخاصة عدم التدخل في‬
‫أعمالها وأنشطتها‪ ،‬إال أن هذا القول ال يؤخذ على إطالقه‪ ،‬حيث‬
‫تحقيقا للرقابة الالزمة يتم االعتراف أحيانا بحق السلطات العامة‬
‫في ممارسة نوع من اإلشراف والرقابة في إطار القانون على أن تكون‬
‫هذه الرقابة بإشراف قضائي‪.‬‬
‫وتعتبر الرقابة اإلدارية على أعمال نقابة نزالء السجون مطلوبة‪،‬‬
‫هذا إضافة للرقابة القضائية التي تعتبر رقابة عامة على جميع‬
‫النقابات‪.‬‬
‫أ‪ -‬الرقابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلداريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫تتطلب خصوصية نقابة نزالء املؤسسات السجنية وخصوصية‬
‫أهدافها وميدان نشاطها أن يتم السماح لإلدارة بمباشرة رقابة على‬
‫أعمال هذه النقابة‪ ،‬وتشكل هذه الرقابة ضمانا كي ال تحيد أعمال‬
‫وقرارات النقابة عن األهداف التي تأسست ألجلها وكي ال تحيد عن‬
‫القانون‪ ،‬وتمثل كذلك وسيلة لتلبية الهاجس األمني الذي يسكن‬
‫اإلدارة السجنية وحتى ال تتعلل به اإلدارة العقابية لتعطيل العمل‬
‫النقابي‪.‬‬
‫يتمثل الهدف من هذه الرقابة في رصد اإلدارة ألي قرار نقابي‬
‫صادر عن القيادة النقابية من شأنه أن يشكل خرقا للقانون أو‬
‫تهديدا واضحا وخطيرا للمؤسسة السجنية‪ ،‬وفي هذه الصورة ال‬
‫يمكن لإلدارة منع تطبيق ذلك القرار‪ ،‬وإنما يمكنها اللجوء للقضاء‬
‫لطلب منع تنفيذه‪ ،‬وللقضاء سلطة فض النزاع حول هذا القرار‪،‬‬
‫‪357‬‬
‫حيث تنظر في دفعات ومؤيدات كل من اإلدارة والنقابة وتقرر قبول‬
‫طلب اإلدارة أو رفضه‪.‬‬
‫ونظرا للصبغة االستعجالية ملثل هذه الوضعيات‪ ،‬من املحبذ‬
‫أن يرفع مطلب املنع إلى قا�ضي تنفيذ العقوبات الذي يشكل في هذه‬
‫الصورة درجة حكم ابتدائي لهذا النزاع‪ ،‬ويكون استئناف قراره أمام‬
‫املحكمة االبتدائية املختصة‪.‬‬
‫تتم الرقابة اإلدارية من خالل ضرورة إعالم النقابة لإلدارة‬
‫السجنية ولإلدارة العامة للسجون واإلصالح بالقرار املتخذ على‬
‫مستوى هياكلها القيادية وذلك قبل أربعة وعشرون ساعة من‬
‫تنفيذ هذا القرار‪ ،‬ويكون هذا اإلعالم بواسطة الفاكس تبسيطا‬
‫لإلجراءات‪ ،‬وينظم القانون نوعية القرارات التي تخضع لهذا‬
‫اإلعالم‪ ،‬حيث ال يمكن القبول باإلعالم بجميع القرارات مهما كانت‬
‫بساطتها وأثرها وموضوعها‪.‬‬
‫وأعتبر شخصيا أن القرارات الواجب اإلعالم بها بتلك الشاكلة‬
‫هي القرارات التي يتم تطبيقها داخل السجن والتي من املمكن‬
‫أن يثير تطبيقها مشاكل أو تعطيال للحياة السجنية‪ ،‬ونورد على‬
‫سبيل الذكر ال الحصر قرار النقابة تجميد مسؤول نقابي متواجد‬
‫بالسجن أي نزيل‪ ،‬وكذلك قرار النقابة إجراء استبيان يشارك‬
‫فيه كل نزالء املؤسسة السجنية‪ ،‬أو كذلك عقد اجتماع يضم كل‬
‫املنتمين للنقابة داخل الفضاء السجني‪.‬‬
‫كما يمكن تفعيل الرقابة اإلدارية للعمل النقابي من خالل خلق‬
‫بعض اللجان املشتركة املهتمة بمسائل محددة‪ ،‬ويكون الهدف من‬
‫هذه اللجان تقريب وجهات النظر بين الطرفين حول مسائل معينة‪،‬‬
‫والوصول التخاذ قرارات تر�ضي الجميع ولو نسبيا‪ ،‬مع التأكيد على‬
‫‪358‬‬
‫أن دور اإلدارة في هذه اللجان يجب أن يكون فقط استشاري‪ ،‬أما‬
‫سلطة القرار فتبقى للنقابة‪.‬‬
‫ويمكن أن تضم هذه اللجان إضافة للنقابة واإلدارة العقابية‪،‬‬
‫ممثلين عن املجتمع املدني وممثلين عن الوزارات واإلدارات‬
‫املتداخلة في املسألة التي أنشئت ألجلها اللجنة املشتركة وكذلك‬
‫كل من بإمكانه تقديم اإلضافة حول املوضوع‪ ،‬مما يزيد من فرص‬
‫الخروج بقرار توافقي يحظى برضاء خاصة النقابة واإلدارة‪.‬‬
‫عموما تتعدد وتتنوع وسائل وآليات الرقابة اإلدارية على العمل‬
‫النقابي‪ ،‬ويبقى تحديدها وتنظيمها من صالحيات القانون‪ ،‬ومهما‬
‫تعددت هذه اآلليات فإنها يجب أن ال يترتب عنها تدخل اإلدارة‬
‫وتوجيهها وسيطرتها على العمل النقابي‪ ،‬ويجب أن تكون تحت‬
‫إشراف السلطة القضائية التي تمتلك وحدها سلطة التدخل في‬
‫النشاط النقابي‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرقابة القضائية‬
‫تعتبر الرقابة القضائية بصفة عامة رقابة قانونية بالدرجة‬
‫األولى‪ ،‬حيث أن هذه الرقابة تبحث في مدى مشروعية كل عمل‬
‫نقابي بالنسبة للقانون‪ ،‬وبمعنى آخرتبحث ما إذا كانت النقابة‬
‫تسيرعلى الخطوط املرسومة لها أم حادت عنها‪ ،‬وبذلك تمثل‬
‫هذه الرقابة الوسيلة الالزمة لرد طغيان النقابة وإرجاعها إلى‬
‫حدودها القانونية‪ ،‬ومن ثمة فهي الوسيلة األساسية لضمان‬
‫نفاذ القانون‪.‬‬
‫حين تراقب السلطة القضائية مدى قانونية عمل نقابي فإنما‬
‫تفعل ذلك تقديسا واحتراما للقانون وتطبيقا ألحكامه‪،‬فالقا�ضي ال‬
‫‪359‬‬
‫يبحث في هذه الرقابة فيما إذا كان العمل أو القرار النقابي نافعا أم‬
‫ضارا مناسبا أو غير مناسب‪ ،‬وإنما يحقق من ناحية واحدة فقط‬
‫وهي توافق هذا العمل أو القرار النقابي مع أحكام القانون‪.‬‬
‫تخضع نقابة النزالء لرقابة القضاء شأنها في ذلك شأن كل‬
‫النقابات‪ ،‬فنفس الرقابة التي تفرضها السلطة القضائية على‬
‫مختلف النقابات تشمل كذلك نقابة النزالء بذات الشروط وذات‬
‫الطريقة وذات األحكام‪.‬‬
‫وتتميز نقابة النزالء من حيث الرقابة القضائية بخضوعها‬
‫لنوع من الرقابة خاص بها وال نجده في باقي النقابات‪ ،‬وهو رقابة‬
‫قا�ضي تنفيذ العقوبات‪ ،‬حيث أن طبيعة مهام هذا القا�ضي وتعامله‬
‫املستمر مع النقابة ومع اإلدارة السجنية ومع النزالء تجعله يراقب‬
‫عن كثب كل أنشطة النقابة وأعمال من يمثلها بالفضاء السجني‪،‬‬
‫هذا إلى جانب تدخل قا�ضي تنفيذ العقوبات في العديد من األعمال‬
‫النقابية وتعاونه مع النقابة إلنجاز البعض من مهامه‪.‬‬
‫تتوقف رقابة قا�ضي تنفيذ العقوبات للعمل النقابي طبعا على‬
‫تدخل املشرع لتوسيع صالحيات هذا القا�ضي وفقا ملا يقتضيه‬
‫اعتماد الحياة النقابية للنزيل‪ ،‬وهي رقابة من املفروض أن تكون‬
‫شاملة وفعالة بما يضمن عدم حياد العمل النقابي عن القانون‬
‫وعن األهداف املعلنة صلب النظام األسا�سي لنقابة النزالء‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬اآلليات املطلبية‬
‫تمثل اآلليات املطلبية أساليب النضال التي تعتمدها النقابات‬
‫لتوصل مطالبها ومشاكلها إلى صانعي السياسات العامة وأصحاب‬
‫القرار‪ ،‬وفي حالة نقابة نزالء املؤسسات السجنية فإن هذه النقابة‬
‫‪360‬‬
‫تعتمد األدوات املطلبية لتوصل مطالبها إلى اإلدارة العقابية ومختلف‬
‫أجهزة الدولة املتداخلة في الشأن السجني واملشرع في حد ذاته‪.‬‬
‫تتنوع اآلليات املطلبية التي تستخدمها النقابات وفقا لعدة‬
‫عوامل لعل أهمها مستوى استياء الرأي العام أو تعاطفهم مع‬
‫املطالب النقابية‪ ،‬والوضع املالي واالقتصادي للمؤسسة أو للدولة‪،‬‬
‫وكذلك تحليل ميزان القوى حتى تتفادى النقابات الصدامات‬
‫املباشرة التي تؤدي إلى اإلضرار بمناضليها‪ ،‬إضافة إلى نوع املطالب‬
‫ومضمونها‪.‬‬
‫يعتبر اإلضراب أهم آلية من اآلليات املطلبية ملا له من تداعيات‬
‫خطيرة‪ ،‬وال يتم اللجوء إليه في الغالب إال عند فشل كل اآلليات‬
‫املطلبية األخرى‪.‬‬
‫أ‪ -‬اإلضراب‬
‫يعرف اإلضراب بأنه الكف عن عمل ما‪ ،‬فلو كان الكف أو‬
‫االمتناع عن الطعام سمي اإلضراب عن الطعام‪ ،‬وإن كان اإلضراب‬
‫من فئة من العمال سمي اإلضراب العمالي‪ ،‬وإن كان املضربون هم‬
‫كل الشعب سمي هذا االضراب‪ ،‬اإلضراب العام‪.‬‬
‫وقد عرف بعض املعاصرين من فقهاء القانون اإلضراب بأنه‬
‫امتناع شخص أو مجموعة من األشخاص عن الطعام أو العمل‬
‫تحقيقا ملطالب أو شروط يعلنون عنها للمسؤولين الرسميين أو غير‬
‫الرسميين‪.‬‬
‫يعتبر اإلضراب عن الطعام‪ ،‬أو ما يصطلح على تسميته بإضراب‬
‫الجوع‪ ،‬نوع مشهور من اإلضراب ومعروف عند الخاصة والعامة‪،‬‬
‫وهو من اإلضرابات القديمة عند البشر‪ ،‬ويستخدم هذا اإلضراب‬
‫‪361‬‬
‫عادة كوسيلة ضغط على الغير‪ ،‬لتلبية بعض الطلبات أو لرفع ظلم‬
‫ما وقع على املضربين‪.‬‬
‫وكثيرا ما يلجأ نزالء املؤسسات السجنية ملثل هذا اإلضراب‪ ،‬حيث‬
‫يرفض نزيل أن يأكل‪ ،‬ويكون ذلك عادة احتجاجا ضد مشروعية‬
‫الحكم الصادر عليه‪ ،‬أو ضد ظروف السجن‪ .‬وفي الحقيقة ال يمكن‬
‫حصر إضراب جوع على النزالء فقط‪ ،‬لذلك يمكن أن يعرف بأنه‬
‫امتناع نزيل‪ ،‬أو غيره‪ ،‬عن األكل والشرب ملدة غير محددة‪ ،‬بغرض‬
‫تحقيق مطالب يقصدها املضرب‪.‬‬
‫وينقسم إضراب الجوع أساسا إلى نوع عادي ونوع وح�شي‪ ،‬فأما‬
‫العادي فيتمثل في امتناع املضرب عن الطعام فقط دون املاء‬
‫والسوائل والفيتامينات وامللح‪ ،‬وهو أطول أنواع إضراب الجوع‬
‫وأكثرها شهرة‪ ،‬لوجود وقت كاف إليصال صوت املضربين للعالم‪،‬‬
‫وللضغط على الطرف الثاني‪ .‬وتتمثل فائدة امللح في أنه يحافظ‬
‫على املعدة من التعفن‪ ،‬وفائدة السوائل واملاء والفيتامينات في أنها‬
‫تعويض عن الطعام وتحافظ على الجسم من الجفاف‪.‬‬
‫أما إضراب الجوع الوح�شي فيتم باالمتناع التام عن الطعام‬
‫واملاء والسوائل وكل ما يمكن أن يغذي أو يروي الجسم‪ ،‬ويعتبر‬
‫هذا اإلضراب أخطر أنواع اإلضراب‪ ،‬وأسرعها موتا‪ ،‬حيث يموت‬
‫املضرب في حدود ثالثة أيام تزيد أو تنقص قليال‪ ،‬كما أنها تمثل‬
‫خطرا في عدم وجود وقت كاف لتحقيق التضامن مع املضرب‬
‫وإيصال صوته للعالم‪.‬‬
‫أدى هذا النوع من اإلضراب في العديد والعديد من الحاالت إلى‬
‫وفاة نزالء بسجوننا‪ ،‬وهي وضعية تسعى دائما اإلدارة العقابية وكل‬
‫املتداخلين واملهتمين بامليدان السجني لتفاديها‪ ،‬حيث يعمل الجميع‬
‫‪362‬‬
‫على تفادي دخول نزيل في إضراب جوع سواء عادي أو وح�شي‪،‬‬
‫وفي صورة حدوث األمر فإن الجميع يعملون على إقناعه برفع هذا‬
‫اإلضراب مع خضوع هذا املضرب لرقابة صحية لصيقة أثناء مدة‬
‫اإلضراب‪ ،‬وهذا أمر من املحبذ أن تساهم نقابة النزالء فيه وذلك‬
‫بالعمل على تفادي دخول النزالء خاصة في إضراب جوع وح�شي‬
‫وذلك حفاظا على صحتهم‪.‬‬
‫إضافة لإلضراب عن الطعام كآلية مطلبية‪ ،‬هناك اإلضراب عن‬
‫العمل‪ ،‬وهذا اإلضراب وإن كان معروفا منذ القدم إال أنه لم يشتهر‬
‫إال في التاريخ الحديث‪ ،‬وهو يكون عادة نتيجة لظلم وقع على العمال‬
‫من صاحب العمل‪ ،‬أو لطلبهم تحسين أوضاع العمل أو زيادة األجور‬
‫أو ما شابهه‪.‬‬
‫يعتبر هذا اإلضراب وسيلة من الوسائل الحيوية التي يمكن من‬
‫خاللها أن يدعم املضربون ونقابتهم مصالحهم‪ ،‬ويتم اعتماده بعد‬
‫استنفاذ طرق التفاوض القانونية لتحقيق هذه املصالح‪ ،‬وتتنوع‬
‫أشكال هذا اإلضراب‪ ،‬فنجد ضمنها اإلضراب املبرقع واإلضراب‬
‫املحدود واإلضراب غير املحدود وحاجز اإلضراب واإلضراب‬
‫العام‪...‬‬
‫يشكل اعتماد اإلضراب عن العمل من قبل النزالء أمر جد خطير‬
‫على سير املؤسسة السجنية‪ ،‬خصوصا وأن هذا اإلضراب يمكن أن‬
‫يؤدي إلى توقف العديد من القطاعات واألنشطة الحيوية الالزمة‬
‫للسير اليومي لهذه املؤسسة والتي يتكفل بأدائها النزالء‪ ،‬من ذلك‬
‫الطبخ والنظافة‪.‬‬
‫يعتبر اإلضراب آخر وسيلة نضالية قد تعتمدها نقابة النزالء‬
‫في سبيل تحقيق مطالبها وحل خالفاتها في ذلك اإلطار مع اإلدارة‬
‫‪363‬‬
‫العقابية وأي طرف معني بتلك املطالب‪ ،‬ويتجسد ذلك اإلضراب‬
‫فيشكل توقف جماعي عن مزاولة العمل من طرف جميع النزالء أو‬
‫بعضهم بقصد إجبار السلط على تلبية مطالبهم‪.‬‬
‫ويعد هذا اإلضراب أق�صى أداة مطلبية من جانب نقابة النزالء‪،‬‬
‫وهو أداة كفاح للحصول على مزيد من الحقوق‪ ،‬وبذلك نجد أن‬
‫اإلضراب أو التلميح به هو جزء أسا�سي من عملية املساومة‪.‬‬
‫ال يخلو اإلضراب داخل املؤسسة السجنية من ضرر خطير‬
‫باملؤسسة العقابية وحتى بالنزالء الذين سيحرمون من العديد من‬
‫الخدمات الضرورية‪ ،‬لذلك يجب تحديد شروط استخدام هذا‬
‫الحق على نحو يوفق بين حق النقابة في استخدامه وعدم اإلضرارب‬
‫املصالح العامة‪ ،‬وال يجوز اللجوء إليه إال بعد استنفاذ كل اآلليات‬
‫املطلبية األخرى‪.‬‬
‫ب‪ -‬اآلليات املطلبية األخرى‬
‫تلعب نقابة السجون دورا في ترقية املطلبية وتأطير وتوجيه‬
‫النزالء وتعبئتهم للدفاع عن حقوقهم‪ ،‬وتعمل كذلك النقابة على‬
‫تعبئة املجتمع الحر لتبني والدفاع عن حقوق النزالء‪ ،‬وغالبا ما‬
‫ستمارس هذه النقابة ضغوطا من أجل تحسين ظروف اإلقامة‬
‫السجنية وإصالح نظام املعاملة العقابية للنزيل‪.‬‬
‫تتعدد اآلليات املطلبية التي يمكن أن تعتمدها النقابة لتحقيق‬
‫أهدافها وكفالة حقوق ومصلحة النزالء‪ ،‬ونجد ضمن هذه اآلليات‪:‬‬
‫آلية املساومة‪ :‬وتعرف أنها عملية تهدف إلى التوصل ملبادالت‬
‫مفيدة للطرفين أو األطراف املتساومة‪ ،‬فالحل الذي يتم التوصل‬
‫له عن طريق املساومة يكون مقبوال ولو جزئيا من جانب األطراف‪،‬‬
‫‪364‬‬
‫وليس بالضرورة أن يكون حال مثاليا‪ ،‬وقد تتم املساومة بين النقابة‬
‫وصناع السياسة العامة أو بينها واإلدارة العقابية أو السجنية أو‬
‫بينها وأي جهة رسمية‪.‬‬
‫آلية التعاون‪ :‬ويتم اعتمادها حينما يستميل طرف ما الطرف‬
‫اآلخر ويحصل على موافقته في قضية معينة‪ ،‬وذلك بعد إقناعه‬
‫بها بناء على حقائق كانت غائبة أو معلومات كانت غير متوفرة أو‬
‫مصالحلم تكن واضحة للطرف األخر‪.‬‬
‫آلية عريضة التوقيعات‪ :‬وهي نص مكتوب يندد ويرفض وضعا‬
‫قائما أو يعبر عن مطلب‪ ،‬وتكون هذه العريضة موقعة من قبل النزالء‬
‫بأسمائهم ومن قبل كل شخص مساند للمطلب‪ ،‬وبإمكان العريضة‬
‫أن تؤثر في بعضالحاالت وتحقق امتيازات صغيرة ألصحابها‪.‬‬
‫آلية الحوار‪ :‬وتلعب دورا هاما في مجال العمل النقابي لكونه‬
‫األسلوب األمثل لفض النزاعات بين الفرقاء‪ ،‬وتتوقف فاعلية‬
‫الحوار إلى حاد كبير على أن يتم في جو منحرية التعبير‪ ،‬وأن تتفهم‬
‫األطراف املختلفة أنها شريكة وليست خصما لألطراف األخرى مما‬
‫يترتب عنه قبول حلول وسط‪.‬‬
‫آلية التشاور‪ :‬ويكون التشاور عادة حول قضايا محددة تف�ضي‬
‫إلى صياغة توصيات أو وضع اقتراحات أو تسجيل مالحظات أو‬
‫تقديم تقارير عن مشكلة ما‪ ،‬كما قد يسفر عن إبرام اتفاقيات‬
‫غير ملزمة الترتب سوى التزام معنوي أو سيا�سي‪ .‬ويحتاج التشاور‬
‫إلى هياكل تسيير الحوار ولجان تشاور ولجان لتبادل األفكار‪ ،‬كما‬
‫يتضمن لقاءات موسعة‪ ،‬وجلسات استماع لتبادل األفكار وفهم‬
‫مختلف اآلراء‪ ،‬ومن األفضل أن تتمثل أطراف التشاور في النقابة‬

‫‪365‬‬
‫واإلدارة العقابية ومختلف الوزارات وأجهزة الدولة املتداخلة‬
‫واملهتمة بالسجون واملجتمع املدني‪.‬‬
‫آلية املفاوضة‪ :‬وتعني الحوار التفاو�ضي واملناقشات التي تدور‬
‫بين النقابة واإلدارة العقابية أو الدولة بهدف التوصل إلى اتفاق‬
‫ملزم ألطرافه ينظم شروط وظروف أمر معين يهم النزالء‪.‬‬
‫آليات املسيرة واالحتجاج واالعتصام‪ :‬وهي آليات تكشف الصراع‬
‫وتضفي الشعبية على النضال وتحافظ على الضغط وتتيح تقييم‬
‫ميزان القوى وتعبئ الرأي العام من أجل املطلب النقابي‪ ،‬وطبعا‬
‫تنفذ هذه اآلليات بالعالم الحر‪.‬‬
‫يجب على النقابة اعتماد كل الوسائل السلمية والقانونية‬
‫من أجل تحقيق أهدافها‪ ،‬زمن أجل أن تؤثر على اإلدارة العقابية‬
‫وعلىصنع سياساتالتعامل مع نزالء املؤسسات السجنية‪ ،‬وذلك‬
‫بغاية األنسنة الفعلية للعقوبة وبغاية تمتيع النزيل بجميع حقوقه‬
‫وتحويل السجن من مكان لتدمير اإلنسان إلى مصحة لعالج‬
‫االنحراف وتقويم أعضاء من املجتمع أصابهم داء الجريمة‪.‬‬
‫ويجب على النقابة االبتعاد قدر املستطاع عن اآلليات املطلبية‬
‫الصراعية التي تتسم بالقوة والحزم مثل اإلضراب‪ ،‬وعليها السعي‬
‫الدائم لفتح قنوات للحوار واالتصال مع الدولة بكل مكوناتها‬
‫والتكثيف من اللقاءات التشاورية والتفاوضية‪،‬حيث أن من‬
‫مصلحة الجميع وخاصة النزيل أن تكون عالقة نقابة نزالء السجون‬
‫باملؤسسة العقابية وبالدولة عامة عالقة تقوم على الشراكة‬
‫واالعتماد املتبادل بغاية تحقيق تأهيل وإعادة إدماج النزالء‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬املمارسة‬
‫النقابية للنزيل باألنظمة‬
‫العقابية املقارنة‬

‫ال يوجد نظام عقابي واحد مكن نزيل املؤسسة السجنية من‬
‫حقه في الحياة النقابية‪ ،‬حيث ال نجد ضمن دول العالم ولو دولة‬
‫واحدة تمكن نزالء مؤسساتها السجنية من حقهم في تكوين نقابة‬
‫خاصة بهم‪ ،‬وربما يعود األمر لعدم وجود طرح فعلي لهذا املوضوع‬
‫من قبل املهتمين واملتداخلين في الشأن السجني بمختلف األنظمة‬
‫العقابية وحتى باألنظمة الرائدة عامليا في مجال تأهيل النزيل‪،‬‬
‫وربما يعود األمر أيضا للنظرة الحذرة التي تحملها مختلف األنظمة‬
‫السياسية للنقابات بصفة عامة‪.‬‬
‫نجد في أقلية من األنظمة العقابية بعض املمارسات والحقوق‬
‫املمنوحة للنزيل والتي يمكن اعتبارها لبنة أولى في اتجاه تمكين النزيل‬

‫‪367‬‬
‫من حقه في الحياة النقابية‪ ،‬وتتمحور هذه املمارسات والحقوق حول‬
‫السماح للنزيل باملشاركة في اإلدارة العامة للمؤسسة السجنية‪.‬‬
‫وضعت أقلية من البلدان تشريعات بشأن مشاركة النزالء في‬
‫اإلدارة العامة للسجون‪ ،‬وتوجد مثل هذه التشريعات‪ ،‬على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬في هولندا والدنمارك وأملانيا وإسبانيا والسويد وفنلندا‬
‫وبلجيكا وكندا‪ .‬وكثيرا ما تكون األحكام في هذا املجال موجزة إلى‬
‫حد ما‪ ،‬وتحدد القيود والشروط التي يمكن أن تفرض على هذه‬
‫املشاركة‪.‬‬
‫أوجب قانون السجونالهولندية بمقت�ضى املادة ‪ 74‬على مدير‬
‫السجن أن يكفل إجراء مشاورات منتظمة بشأن املسائل املتصلة‬
‫مباشرة بظروف االحتجاز مع النزالء‪ .‬وتشير مذكرة تفسيرية‪ ،‬دون‬
‫إعطاء تفاصيل‪ ،‬إلى أن تنفيذ املشاورات يختلف وفقا ملختلف‬
‫السجون وفئة النزالء املحتجزين هناك‪.‬‬
‫كما أقر القانون الهولندي بحق النزالء في تكوين اتحادات‬
‫واالنضمام إليها للدفاع عن حقوقهم وللتشاور مع اإلدارة السجنية‬
‫حول تحسين ظروف الحياة السجنية‪ ،‬وقد كرس القانون الهولندي‬
‫هذا الحق منذ ‪ ،1970‬وحكم القضاء الهولندي في ‪ 25‬جوان ‪1982‬‬
‫بأن على إدارة السجن أن تسهل ممارسة النزالء لهذا الحق‪ ،‬كما يتعين‬
‫عليها أن تخول ألعضاء االتحاد زيارة زمالئهم في زنزاناتهم شريطة أن‬
‫ال يؤدي ذلك إلى اإلخالل باألمن داخل املنشأة السجنية‪.‬‬
‫وينص القانون الدانماركي على وجوب أن تتاح للنزالء فرصة‬
‫املشاركة في تنظيم الحياة السجنية من خالل لجان نزالء منتخبين‬
‫باالقتراع السري تحت إشراف اإلدارة السجنية وممثلين عن‬
‫املحتجزين‪ ،‬ويتم تحديد املمثلين بانتخاب ممثل عن كل جناح أو‬
‫‪368‬‬
‫فئة معينة من النزالء مع إمكانية انتخاب مجموعة من املمثلين‬
‫ملمثل مشترك‪ .‬ويتمتع كل نزيل بحق االنتخاب والترشح‪ .‬وال يسمح‬
‫للنزالء بمناقشة القضايا الفردية أو املسائل األمنية‪.‬‬
‫يشير قانون أملانيا إلى مفهوم املسؤولية املشتركة‪ ،‬وتنص املادة‬
‫‪ 160‬على أنه «ينبغي تمكين السجناء من االشتراك مع إدارة السجن‪،‬‬
‫في املسائل املوضوعية املتعلقة باملصلحة الجماعية والنابعة من‬
‫طبيعة السجن ورسالته»‪ .‬ويحدد هذا الحكم الغرض الهام من‬
‫التشريع‪ ،‬أي تقاسم املسؤولية‪ ،‬إال أن تنفيذه بقي مرتبطا بحكومات‬
‫الواليات وهذا ما تسبب في أن العديد من السجون ليس لديها لجان‬
‫نزالء‪ ،‬لكن عندما تتواجد هذه اللجان فإنها تعقد اجتماعات مع‬
‫مدير السجن كل شهرين‪ ،‬وتتناول من املواضيع للنقاش أساسا‬
‫الغذاء األنشطة الثقافية واألنشطة الترفيهية‪ .‬ويحظر مناقشة‬
‫املسائل والقضايا األمنية‪.‬‬
‫نظم القانون اإلسباني املتعلق بمعاملة املحتجزين صلب املواد‬
‫من ‪ 55‬إلى ‪ ،61‬تنظيم انتخابات لجان النزالء بالتفصيل والطريقة‬
‫التي تعمل بها‪ ،‬وال يحق للمحتجزين الرتكاب جرائم خطيرة الترشح‬
‫النتخابهم كأعضاء باللجان‪ .‬وتجري هذه اللجان مشاورات مع كل‬
‫غرفة احتجاز‪ ،‬ويقوم املسؤولون بإحالة اقتراحات اللجان إلى‬
‫مدير املؤسسة السجنية‪ ،‬وتقتصر القضايا التي يمكن مناقشتها‬
‫على الدين والعمل واألنشطة الثقافية والرياضية والغذاء‪ ،‬ويمكن‬
‫ملجلس مديري السجون توسيع نطاق املناقشات‪ .‬ويجوز ملجلس‬
‫إدارة السجون تعليق أي استشارة في حالة حدوث اضطرابات في‬
‫السجن‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫ينص القانون السويدي الخاص بمعاملة املحتجزين على أن‬
‫للمحتجزين الحق في أن يناقشوا‪ ،‬في شكل مناسب‪ ،‬مع اإلدارة‬
‫السجنية مسائل ذات اهتمام مشترك‪ ،‬ولهم أيضا الحق في أن‬
‫ينظموا‪ ،‬في شكل مناسب‪ ،‬اجتماعات بينهم ملناقشة هذه املسائل‪.‬‬
‫وأجاز القانون الفنلندي لنزالء املؤسسات السجنية االجتماع‬
‫تحت الرقابة لتنظيم األنشطة الترفيهية أو التعامل مع املسائل‬
‫املتعلقة بالحياة املشتركة‪.‬‬
‫ويتطلب القانون البلجيكي املتعلق بالسجن إنشاء هيئة‬
‫استشارية وهيكلية تضم ممثلين عن النزالء لخلق مناخ من التشاور‬
‫في السجون‪.‬‬
‫نجد بكندامنذ بداية السبعينيات لجانا للنزالء تعبر عن طلبات‬
‫وآراء نزالء املؤسسات السجنية‪ ،‬ومنذ عام ‪ ،1992‬أتيحت للنزالء‬
‫فرصة االجتماع أو املشاركة في االجتماعات السلمية ملناقشة وإبداء‬
‫الرأي في كل املسائل املتعلقة بالحياة السجنية ما عدى القضايا‬
‫الفردية واملسائل األمنية‪.‬‬
‫يمكن إضافة إلى هذه األنظمة العقابية التي أقرت ونظمت‬
‫مشاركة النزيل في اإلدارة العامة للمؤسسة السجنية‪ ،‬أن نشير إلى‬
‫تمتع نزالء السجون اإليطالية والذين يربطهم عقد عمل بمؤسسة‬
‫خاصة بحق االضراب‪ ،‬إال أن اإلضراب في هذه الصورة يجب أن‬
‫يتم بشكل مراع للسجن مما يتولد عنه أن هناك العديد من أشكال‬
‫االضراب التي ال يمكنهم القيام بها‪.‬‬
‫تعتبر مثل هذه املمارسات والحقوق املمنوحة للنزيل من قبل‬
‫بعض األنظمة العقابية املقارنة ورغم محدوديتها دليال على وعي‬
‫هذه األنظمة بوجوبية تمتيع النزيل بحقوقه الجماعية ودور ذلك‬
‫‪370‬‬
‫في إنجاح الغاية التأهيلية للعقوبة السجنية‪ ،‬وهذه املمارسات‬
‫والحقوق وإن كانت في جانب منها ذات طبيعة نقابية ولو نسبيا‬
‫إال أنها ال ترقى لتكون وجها من أوجه الحياة النقابية للزيل وال تلبي‬
‫الحق النقابي لهذا اإلنسان‪ ،‬والذي ال يمكن تلبيته إال بتمتيع نزالء‬
‫املؤسسات السجنية من حقهم في تأسيس نقابة والنشاط صلبها‪.‬‬
‫شهد العالم تجربة معروفة وهامة إلحداث نقابة لنزالء السجون‪،‬‬
‫مع التأكيد على أن هذه النقابة تكونت من النزالء فقط وحصرت‬
‫ميدان اهتمامها في العمل فقط دون باقي املهام‪ ،‬إضافة إلى عدم‬
‫تمكن هذه النقابة من النشاط الفعلي باعتبار عدم سماح السلط‬
‫العامة بذلك وعرقلة مجهودات النزالء في الوصول لحقهم في الحياة‬
‫النقابية‪.‬‬
‫في ماي ‪ ،2014‬قام مجموعة من النزالء بسجن ‪ Tegel‬ببرلين‬
‫بقيادة النزيل ‪ Oliver Rast‬بتأسيس أول نقابة في العالم للدفاع‬
‫عن مصالح النزالء‪ ،‬وقد أطلق على هذه النقابة اسم «‪،»GGBO‬‬
‫وهو اختصار «‪GefangenenGewerkschaftBundesweite‬‬
‫‪( »Organisation‬نقابة املحتجزين)‪.‬‬
‫تمثل املطلب الرئي�سي لهذه النقابة في «محاربة العبودية» داخل‬
‫بيئة السجن‪ ،‬على حد تعبير النزيل ‪ ،André Schmitz‬منسق النقابة‬
‫في غرب البالد‪ ،‬وقال قادة النقابة أن النزالء يعملون نوبات منتظمة‬
‫في مطابخ السجن وورشاته‪ ،‬وهذا عمليا يجعلهم عماال مثلهم مثل‬
‫نظرائهم خارج أسوار السجن‪ ،‬واستنكروا استثناءهم من قانون‬
‫الحد األدنى لألجور‪ ،‬وأوضحت النقابة أن حرمان النزالء من حقوق‬
‫التقاعد يعني أن كثيرا من النزالء كبار السن سيفرج عنهم ليقعوا في‬

‫‪371‬‬
‫براثن الفقر خارج السجن حيث ال تقاعد لهم‪ ،‬وال هم قادرون على‬
‫العمل بسبب تقدمهم في السن‪.‬‬
‫رفعت النقابة مطلب الحق في الحد األدنى لألجور للنزالء‪ ،‬فضال‬
‫عن الحق في تأمين الشيخوخة‪ ،‬وصرح النزيل ‪ Oliver Rast‬املتحدث‬
‫باسم النقابة أن «النزالء لم تكن لديهم ذات يوم جماعة ضغط‬
‫تعمل من أجلهم ونحن بتأسيس نقابة النزالء قررنا استحداث مثل‬
‫هذه الجماعة بأنفسنا»‪.‬‬
‫لقد ولدت هذه النقابة في سجن ‪ Tegel‬ببرلين‪ ،‬وسرعان ما‬
‫وجدت انتشارا في جميع أنحاء البالد‪ ،‬وجمعت هذه املبادرة أكثر‬
‫من ‪ 400‬عضو‪ ،‬منتشرين في حوالي أربعين مؤسسة عقابية في‬
‫جميع أنحاء أملانيا‪ ،‬وهي ال تتمتع بوجود قانوني‪ ،‬ويشهد املنتمين‬
‫إليها وخاصة مؤسسها وقادتها تضييقيات شديدة من قبل اإلدارة‬
‫العقابية حسب تصريحات محامي النقابة ‪ ،Sven Landman‬وهي‬
‫إلى اليوم تواصل نضالها من أجل الحصول على االعتراف القانوني‬
‫بها حتى تتمكن من العمل على تحقيق أهدافها‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫اخلامتة‬

‫لقد كان للثورة الفكرية والفلسفية التي شهدها العالم أثرها‬


‫في تغيير نظرة املجتمع إلى املحكوم عليه من نظرة احتقار ونفور‬
‫إلى اعتباره مواطنا حاد عن الطريق السوي‪ ،‬مما يعني أنه ال يزال‬
‫عنصرا من عناصر املجتمع محافظا على إنسانيته وكرامته‪ ،‬وإن‬
‫له تجاه الدولة الحق في رعايته وتأهيله حتى يندمج من جديد في‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق نشأة فكرة حقوق اإلنسان أثناء مرحلة‬
‫التنفيذ العقابي‪ ،‬حيث أقرت أغلب األنظمة العقابية بحق النزيل‬
‫في التمتع بجملة من الحقوق‪ ،‬وذلك استجابة ملا استقرت عليه‬
‫السياسة العقابية الحديثة من مراعاة آلدمية النزيل وكرامته من‬
‫خالل إصالحه وتأهيله وتقويمه إلعادته عنصر ناجح وفعال في‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫إال أن هذا اإلقرار لم يتجاوز مرحلة التكريس النظري‪ ،‬ذلك‬
‫أن بعض حقوق النزيل اإلنسان لم تدخل بعد مرحلة التطبيق‬
‫‪373‬‬
‫الفعلي‪ ،‬حيث توجد العديد من الصعوبات التي تقف دون تحقيق‬
‫العقوبة لغايتها التأهيلية ودون االحترام التام لحقوق النزيل‪ ،‬ولعل‬
‫أهمها إضافة للعقلية االنتقامية املريضة التي يحملها جزء من‬
‫املهتمين بالشأن السجني‪ ،‬اعتبارات األمن ومتطلبات النظام داخل‬
‫املؤسسات العقابية والتي تقف عائقا أمام تكريس حقوق النزيل‬
‫على املستوى الواقعي‪ ،‬إذ تحد القواعد املسلطة من طرف اإلدارة‬
‫العقابية على بعض الحقوق من فعالية قواعد التأهيل واإلصالح‬
‫مما يؤدي إلى التشكيك حول االعتراف للنزيل بهذه الحقوق‪.‬‬
‫مهما تعددت واختلفت وتنوعت أسباب عدم تمتيع النزيل‬
‫اإلنسان بحقوقه‪ ،‬وسواء كانت هذه األسباب مبررة أو غير مبررة‪،‬‬
‫فإن ما يهم فيما يتعلق باملؤسسة السجنية النتيجة‪ ،‬بما يعني النظر‬
‫في مدى نجاح هذه املؤسسة في تحقيق أهدافها‪ ،‬وخاصة الهدف‬
‫التأهيلي‪ ،‬وال أحد يمكن أن ينكر فشل هذه املؤسسة في ذلك‪.‬‬
‫يفرض علينا هذا الفشل تحليل أسبابه والبحث عن الحلول‬
‫لتفاديه‪ ،‬وهذا ما دفعني للمناداة بتمكين النزيل من حقه في الحياة‬
‫النقابة‪ ،‬إذ أرى في نقابة النزالء ركيزة لتأهيل النزيل ولتحقيق النجاعة‬
‫املعيارية للمؤسسة العقابية‪ ،‬خصوصا إذا كانت هذه النقابة ذات‬
‫أهداف واسعة مثلما أشرنا إليه صلب هذا الكتاب‬
‫يمثل تكوين نقابة للنزالء خطوة استراتيجية في املعركة ضد‬
‫السجن بصورته الحالية‪ ،‬أي ذلك املكان املظلم املدمر لإلنسان‬
‫والضار باملجتمع‪ ،‬ويمثل توسيع نطاق مطالبها تفريدا تفرضه‬
‫طبيعة الحياة السجنية ومتطلبات تأهيل النزالء‪،‬‬
‫يتمتع النزيل بحق قانوني في الحياة النقابية‪ ،‬ويرتقي هذا الحق‬
‫ليكون حقا دستوريا‪ ،‬مما يوجب تمتيعه بحقه باعتبار وأن وجود‬
‫‪374‬‬
‫الدستور في الدولة يعد من أهم ضمانات حماية حقوق األفراد‬
‫وحرياتهم األساسية‪ ،‬لذلك يجب العمل على تجاوز معوقات‬
‫التكريس الواقعي والفعلي لهذا الحق‪.‬‬
‫إذا أراد نظام العدالة الجنائية فعال نزع الحرية من الفرد‬
‫املذنب بغاية تأهيله وإعادة دمجه في املجتمع‪ ،‬دون أن يبتعد عن‬
‫هذا الهدف األسا�سي الذي يريده منه املجتمع أصال‪ ،‬فعليه فعال أن‬
‫يحترم إنسانية النزيل ويمكنه من حقوقه‪ ،‬فبهذا فقط سوف يتحول‬
‫السجن من مزبلة للمجتمع تنتج وتدعم اإلجرام إلى مدرسة تعلم‬
‫الفرد كيف يكون مواطنا صالحا‪.‬‬
‫إن النزالء ال يمتلكون صوتا‪ ،‬وهم منسيون‪ ،‬ويمكن اعتبارهم‬
‫من أكثر الفئات هشاشة في املجتمع‪ ،‬فهم يتعرضون النتهاكات‬
‫متعددة ودائمة لحقوق اإلنسان وال يمكنهم طلب اإلنصاف‪ ،‬كما‬
‫أنهم في حاجة أكيدة لحماية كينونتهم اإلنسانية‪ ،‬وذلك ال يحتاج‬
‫لترسانة من القوانين وال إلى الخطب واملقاالت الصحفية والدعوات‬
‫الحقوقية‪ ،‬بل يحتاج إلى إرادة سياسية منكبة على املوضوع‪.‬‬
‫ال بد من توفر إرادة سياسية ثابتة لترسيخ النهج اإلصالحي‬
‫وإلنجاح أي برنامج إصالحي‪ ،‬فنحن نحتاج لتوفر إرادة سياسية‬
‫حقيقية في املنبع تهدف إلى أنسنة السياسة العقابية عامة وأنسنة‬
‫العقوبة السجنية خاصة‪ ،‬وعندها فقط سيكون النفع كبيرا‬
‫للمجتمع‪.‬‬

‫‪375‬‬
376
‫املراجع املعتمدة‬
‫املراج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع باللغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة العرب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية‬
‫املؤلفات العامة‪:‬‬
‫أحسن طالب‪ ،‬الجريمة والعقوبة واملؤسسات اإلصالحية‪ ،‬دار الطليعة‬
‫للطباعة والنشر بيروت‪ ،‬لبنان‪.2002 ،‬‬
‫رمسيس بهنام‪ ،‬علم الوقاية والتقويم‪ :‬األسلوب األمثل ملكافحة اإلجرام‪،‬‬
‫منشأة املعارف باإلسكندرية‪ ،‬مصر‪.1986 ،‬‬
‫عبد العزيز بوراوي‪ ،‬نضاالت نقابية زوابع وانفراجات‪ ،‬مطبعة التسفير‬
‫الفني‪ ،‬صفاقس ‪2013‬‬
‫عبد هللا األحمدي‪ ،‬حقوق االنسان والحريات العامة في القانون التون�سي‪،‬‬
‫شركة أوربيس للطباعة والنشر قصر السعيد‪ ،‬تونس‪.1993 ،‬‬
‫علي محمد جعفر‪ ،‬داء الجريمة سياسة الوقاية والعالج‪ ،‬املؤسسة الجامعية‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع بيروت‪ ،‬لبنان‪.2003 ،‬‬

‫‪377‬‬
‫غنام محمد غنام‪ ،‬حقوق االنسان في السجون‪ ،‬مكتبة امللك فهد الوطنية‪،‬‬
‫السعودية ‪.1994‬‬
‫ماهر عبد مواله‪ ،‬حقوق االنسان والحريات العامة في تونس‪ :‬جدلية التأصيل‬
‫والتحديث‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب املختص‪ ،‬تونس‪.2014 ،‬‬
‫محمد شحاتة ربيع‪ ،‬جمعة سيد يوسف ومعتز سيد عبد هللا‪ ،‬علم النفس‬
‫الجنائي‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة‪ ،‬مصر‪.1994 ،‬‬
‫محمد لطفي الشايبي‪ ،‬الحركة الوطنية التونسية واملسألة العمالية النقابية‪،‬‬
‫الجزء األول‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪.2015‬‬
‫املؤلفات املتخصصة‪:‬‬
‫أحمد عثماني وصوفي بسيس‪ ،‬التحرر من السجن‪ :‬تجربة عاملية في اصالح‬
‫السجون‪ ،‬دار محمد علي للنشر‪ ،‬تونس‪.2011 ،‬‬
‫حسام األحمد‪ ،‬حقوق السجين وضماناته في ضوء القانون واملقررات‬
‫الدولية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية بيروت‪ ،‬لبنان‪.2010 ،‬‬
‫حفيظ طبابي‪ ،‬الحركة النقابية في مناجم قفصة خالل الفترة االستعمارية‪،‬‬
‫منشورات املعهد األعلى لتاريخ الحركة الوطنية‪ ،‬تونس ‪.2005‬‬
‫رؤوف عباس حامد محمد‪ ،‬الحركة العمالية في مصر ‪،1952 – 1899‬‬
‫املجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر ‪.2016‬‬
‫عبد هللا عبد الغني غانم‪ ،‬مشكالت أسر السجناء ومحددات برامج عالجها‪،‬‬
‫جامعة نايف العربية للعلوم األمنية الرياض‪ ،‬السعودية‪.2009 ،‬‬
‫عمر سعيدان‪ ،‬فرحات حشاد زعيم الكفاح الوطني واالجتماعي والحركة‬
‫النقابية الوطنية‪ ،‬مؤسسة سعيدان للطباعة والنشر‪ ،‬سوسة ‪.2017‬‬
‫مصطفى محمد مو�سى‪ ،‬إعادة تأهيل نزالء املؤسسات العقابية في القضايا‬
‫الجنائية واإلرهابية‪ ،‬دار الكتب القانونية مصر‪.2008 ،‬‬

‫‪378‬‬
‫محمد أزيزبي‪ ،‬واقع السجون املغربية وأهدافها اإلصالحية‪ ،‬افريقيا الشرق‬
‫الدار البيضاء‪.2006 ،‬‬
‫مفوضية األمم املتحدة لحقوق اإلنسان‪ ،‬حقوق اإلنسان والسجون‪ ،‬مرشد‬
‫مدرب موظفي السجون على حقوق االنسان‪ ،‬سلسلة التدريب املنهي العدد‬
‫رقم ‪ 11‬اإلضافة ‪ ،02‬األمم املتحدة نيويورك وجنيف ‪.2004‬‬
‫منير العش‪ ،‬حق السجين في الحياة الجنسية‪ ،‬دار االتحاد للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫تونس ‪.2017‬‬
‫هشام أحمد فؤاد‪ ،‬أحكام االضراب وضوابطه بين الفقه والقانون‪ ،‬دار‬
‫الكتب املصرية ‪.2014‬‬
‫املذكرات والرسائل‪:‬‬
‫خيرة بورزيق‪ ،‬الحق النقابي بین قانون العمل في الجزائر واالتفاقات الدولیة‬
‫للعمل‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية سعيدة الجزائر‪.2014 ،‬‬
‫رايس رضا‪ ،‬النقابة ودورها في تنمية وعي الطبقة العمالية‪ ،‬دراسة ميدانية‬
‫باملؤسسة العمومية للصحة الجوارية الحمامات تبسة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫املاجستير في علم االجتماع كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية تبسة‪،‬‬
‫الجزائر ‪.2016‬‬
‫سهام عاشور‪ ،‬الوضعية القانونية للسجين‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.2010 ،‬‬
‫سهام عاشور‪ ،‬دور قا�ضي التنفيذ في تفريد العقوبة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة‬
‫الدراسات املعمقة في العلوم الجنائية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس‪.2000-1999 ،‬‬
‫سيدي محمد الحمليلي‪ ،‬السياسة الجنائية بين االعتبارات التقليدية‬
‫للتجريم والبحث العلمي في مادة الجريمة‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‬

‫‪379‬‬
‫ كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان‬،‫في القانون‬
.2012 ،‫الجزائر‬

‫املراج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع باللغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الفرنس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــية‬


I. Ouvrages généraux :

George Kellens, Précis de pénologie et de droit des sanctions


pénales, Editions collection scientifique de la faculté de Liège
Belgique, 1991.
J.M.Pinatel, Précis élémentaire des sciences pénitentiaires, édition
Sirey, 1950.
Larguier Jean, criminologie et science pénitentiaires, Dalloz, 1994.
II. Ouvrages spécialisés :
Commission nationale consultative des droits de l’homme,
Les droits de l’homme dans la prison (volume 1), Editions la
documentation française Paris, France, 2007.
Haut-commissariat des nations unies aux droits de l’homme, Les
droits de l’homme et les prisons, Manuel de formation aux droits
de l’homme a l’intention du personnel pénitentiaire, série sur
la formation professionnelle n°11, Nations Unies, New York et
Genève 2004.
S.M.Wurzer-Leenhout, l’évolution récente du system pénitentiaire
au Pays-Bas, 1987.

380
Véronique Le Goaziou, Sortir de prison sans y retourner parcours
de réinsertions réussis, Fédération des acteurs de la solidarité,
France, 2014.
III. Etudes et rapports :
Direction de l’administration pénitentiaire, Droits et devoirs de la
personne détenue, Ministère de la Justice Française, 2009.
Juriscope, Etude sur les prisons en Europe Les droits des détenus
et la viabilité du système pénitentiaire : Le cas de la Belgique,
Ministère de la justice service des affaires européennes et
internationales Paris France, 2007.
Juriscope, Etude sur les prisons en Europe Les droits des détenus
et la viabilité du système pénitentiaire : Le cas de l’Allemagne,
Ministère de la justice service des affaires européennes et
internationales Paris France, 2007.
Juriscope, Etude sur les prisons en Europe Les droits des détenus
et la viabilité du système pénitentiaire : Le cas des Pays-Bas,
Ministère de la justice service des affaires européennes et
internationales Paris France, 2007.
Observatoire International des prisons, Pays-Bas une décroissance
carcérale en trompe l’œil, mediapart.fr, 2016.

381
382
‫الفهـــــــــرس‬

‫متهيد ‪5...........................................................................................................................................‬‬

‫املقدمة‪9.....................................................................................................................................‬‬

‫الجزء األول‪ :‬املمارسة النقابية للنزيل كركيزة لتحقيق التأهيل‬


‫وإعادة اإلدماج ‪19....................................................................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬دور العمل النقابي في تحقيق الغاية التأهيلية‬


‫لعمل نزالء املؤسسات السجنية ‪21.........................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تطور الغاية العقابية لعمل نزالء السجون‪21...........‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التطور التاريخي لعمل نزالء السجون ‪22.........................‬‬

‫أ‪ .-‬العمل عقاب‪23.................................................................................................................‬‬


‫ب‪.-‬العمل تأهيل ‪25.................................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الغاية التأهيلية لعمل نزالء السجون‪29......................‬‬
‫‪383‬‬
‫أ‪ .-‬العمل دعامة للتوازن الصحي للنزيل‪30.......................................................‬‬

‫ب‪.-‬العمل دعامة إلعادة إدماج النزيل في املجتمع‪38.................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التكريس القانوني لحق النزيل في العمل ‪43................‬‬


‫أ‪ .-‬التكريس القانوني لحق النزيل في العمل من خالل القانون‬
‫الدولي‪43...........................................................................................................................................‬‬
‫ب‪.-‬التكريس القانوني لحق النزيل في العمل من خالل القانون‬
‫الوطني‪47.........................................................................................................................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم النقابي لعمل نزالء السجون ‪51......................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تنظيم العمل ‪52.....................................................................................‬‬


‫أ‪ .-‬تنظيم ظروف العمل‪54..............................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬حق النزيل في األجر‪67...................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حل اإلشكاليات املحيطة بالعمل ‪76.................................‬‬

‫أ‪ .-‬أمراض وحوادث الشغل‪76.....................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬الضمان االجتماعي‪86..................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تشغيل النزيل بعد خروجه للعالم الحر ‪91................‬‬

‫أ‪ .-‬املصلحة االجتماعية من تشغيل النزيل عند إتمام عقوبته‪92.‬‬

‫‪384‬‬
‫ب‪.-‬آليات تشغيل النزيل بعد قضاء محكوميته ‪97......................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬دور العمل النقابي يف حتقيق ظروف‬


‫إقامة إنسانية للنزيل‪103....................................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬وجوبية إقامة النزيل في ظروف إنسانية‪105................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إقرارحق النزيل في ظروف إقامة إنسانية ‪106............‬‬

‫أ‪ .-‬ظروف اإلقامة عقاب ‪107.......................................................................................‬‬


‫ب‪.-‬ظروف اإلقامة عالج ‪109..........................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الغاية التأهيلية للظروف اإلنسانية إلقامة‬


‫النزيل‪112........................................................................................................................................‬‬

‫أ‪ .-‬املحافظة على إنسانية النزيل‪112.....................................................................‬‬

‫ب‪.-‬تقبل النزيل للبرنامج التأهيلي‪117.....................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التكريس القانوني لحق النزيل في اإلقامة بظروف‬


‫إنسانية‪121...................................................................................................................................‬‬

‫‪385‬‬
‫أ‪ .-‬حق النزيل في اإلقامة بظروف إنسانية من خالل القانون‬
‫الدولي‪122.......................................................................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬حق النزيل في اإلقامة بظروف إنسانية من خالل القانون‬


‫الوطني‪130.....................................................................................................................................‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم النقابي لظروف إقامة النزيل‪134..................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االعتناء بالظروف املادية إلقامة النزيل‪135.................‬‬

‫أ‪ .-‬الظروف املادية املوضوعية ‪136........................................................................‬‬

‫ب‪.-‬الظروف املادية الذاتية ‪153..................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االعتناء بالظروف املعنوية إلقامة النزيل ‪163.........‬‬

‫أ‪ .-‬االعتناء برفاه النزيل ‪165...........................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬االعتناء بالحياة الثقافية ‪971.............................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تنظيم تواصل النزيل مع العالم الخارجي‪192...........‬‬

‫أ‪ .-‬تواصل النزيل مع أسرته ‪193.................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬االتصال باملجتمع وبأجهزة الدولة ‪215........................................................‬‬

‫‪386‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬دور العمل النقابي يف تنظيم عالقة‬
‫النزيل باإلدارة العقابية ‪229..............................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬دور العمل النقابي في ضمان توازن العالقة بين‬


‫اإلدارة السجنية والنزيل ‪231..........................................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تكريس االحترام املتبادل بين النزيل واإلدارة‬


‫العقابية‪232.................................................................................................................................‬‬

‫أ‪ .-‬تأطيرالعالقة بين النزيل والحراس‪233.........................................................‬‬

‫ب‪.-‬تأطيرالعالقة بين النزيل وباقي موظفي السجن ‪238...........................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬فرض األمن والهدوء داخل املؤسسة‪241....................‬‬

‫أ‪ .-‬اإلحاطة األخالقية بالنزيل ‪241.............................................................................‬‬

‫ب‪.-‬حل النزاعات بين النزالء ‪246..................................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬مساعدة اإلدارة العقابية على فهم شخصية‬


‫النزيل‪250........................................................................................................................................‬‬

‫أ‪ .-‬حسن تحديد برنامج التأهيل ‪251.....................................................................‬‬

‫ب‪ .-‬تعاون النزيل مع اإلدارة‪255....................................................................................‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬دور العمل النقابي في تحقيق نجاعة املنظومة‬


‫التأديبية والتفريد التنفيذي‪257...............................................................................‬‬

‫‪387‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إرساء عدالة املساءلة التأديبية‪259....................................‬‬

‫أ‪ .-‬تكريس عدالة العقوبة التأديبية ‪260............................................................‬‬

‫ب‪.-‬تكريس حق النزيل في الدفاع عن نفسه ‪266............................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التعاون مع قا�ضي تنفيذ العقوبات‪275.......................‬‬

‫أ‪ .-‬تسهيل مهمة قا�ضي التنفيذ في مراقبة ظروف تنفيذ العقوبة‬


‫السجنية‪277................................................................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬دعم وتنظيم ملفات رخص الخروج ‪279.....................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬التفعيل اإليجابي آلليتي السراح الشرطي والعفو‬


‫الخاص ‪282...................................................................................................................................‬‬

‫دعم ملف السراح الشرطي ‪283.........................................................................‬‬ ‫أ‪.-‬‬


‫ب‪.-‬دعم ملف العفو الخاص ‪288...............................................................................‬‬

‫‪388‬‬
‫‪. ..‬‬ ‫اجلزء الثاني‪ :‬اعتماد املمارسة النقابية للنزيل‬
‫‪293‬‬

‫الفصل األول‪ :‬وجوبية اإلقرار باملمارسة النقابية‬


‫للنزيل يف املنظومة القانونية التونسية‪295..............................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل القانون‬


‫الدولي‪297.......................................................................................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬


‫النصوص الدولية ذات الصبغة العاملية ‪298.................................................‬‬

‫االتفاقيات املتعلقة بحقوق اإلنسان ‪298.................................................‬‬ ‫أ‪.-‬‬


‫ب‪.-‬االتفاقيات الخاصة بالحق النقابي‪302......................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬


‫النصوص الدولية ذات الصبغة اإلقليمية ‪307............................................‬‬
‫أ‪ .-‬حق النزيل في املمارسة النقابية على املستوى العربي ‪308...........‬‬

‫ب‪.-‬حق النزيل في املمارسة النقابية على املستوى اإلفريقي ‪310......‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل‬


‫النصوص الدولية الخاصة بحقوق النزيل ‪311.............................................‬‬

‫‪389‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل التشريع‬
‫الداخلي ‪315..................................................................................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل الدستور ‬


‫‪315‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل مجلة‬


‫الشغل‪317.....................................................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬حق النزيل في املمارسة النقابية من خالل قانون‬
‫السجون ‪320................................................................................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ضرورة جتاوز عوائق املمارسة‬


‫النقابية للنزيل‪323........................................................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املعوقات النظرية للممارسة النقابية للنزيل ‪324....‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬محدودية العوائق القانونية للممارسة النقابية‬


‫للنزيل‪324........................................................................................................................................‬‬

‫أ‪ .-‬غياب عقد عمل للنزيل ‪325....................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬غياب نص قانوني صريح يسمح باملمارسة النقابية للنزيل‪327.............‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نسبية دفعات علماء العقاب الرافضين‬


‫للممارسة النقابية للنزيل ‪329.......................................................................................‬‬

‫‪390‬‬
‫أ‪ .-‬الحجة األولى‪ :‬الرفض االجتماعي للممارسة النقابية‬
‫للنزيل ‪330.......................................................................................................................................‬‬

‫ب‪.-‬الحجة الثانية‪ :‬طبيعة املؤسسة العقابية والعقوبة‬


‫السجنية‪332...............................................................................................................................‬‬

‫ج‪ .-‬الحجة الثالثة‪ :‬املس باألمن والنظام داخل املؤسسة‬


‫السجنية‪339................................................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تخوف اإلدارة العقابية من املمارسة النقابية‬


‫للنزيل‪341........................................................................................................................................‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬املعوقات العملية للممارسة النقابية للنزيل ‪345..‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تنظيم العمل النقابي ‪347.............................................................‬‬


‫أ‪ .-‬االنضمام لنقابة نزالء السجون ‪347..............................................................‬‬

‫ب‪.-‬إدارة نقابة نزالء السجون ‪349.............................................................................‬‬

‫ه‪ .-‬حماية العمل النقابي ‪353........................................................................................‬‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬الرقابة على العمل النقابي‪357.............................................‬‬

‫أ‪ .-‬الرقابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلداريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪357.................................................................‬‬

‫ب‪.-‬الرقابة القضائية‪359..................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬اآلليات املطلبية‪360.......................................................................‬‬

‫‪391‬‬
‫أ‪ .-‬اإلضراب‪361........................................................................................................................‬‬
‫ب‪.-‬اآلليات املطلبية األخرى ‪364..................................................................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬املمارسة النقابية للنزيل باألنظمة‬


‫العقابية املقارنة ‪367...................................................................................................‬‬

‫اخلامتة‪373.................................................................................................................................‬‬

‫املراجع املعتمدة‪377...............................................................................................‬‬

‫‪392‬‬
‫منيرالعش‬
‫مشروع إنسان‪ ...‬شبه مواطن‪...‬‬
‫باحث في علوم اإلجرام‬
‫مدافع عن الفئات التي يلقي بها املجتمع في املستنقع دون ذنب ثم يتنكر‬
‫لها ويعلنها ورما خبيثا ‪...‬‬
‫املؤلفات السابقة‪:‬‬
‫‪1‬حق السجين في الحياة الجنسية‪.2017 ،‬‬ ‫‪1-‬‬
‫‪2‬الحماية القانونية لحقوق املؤلف‪.2018 ،‬‬ ‫‪2-‬‬
‫البريد اإللكتروني‪mounir.eleuch@gmail.com :‬‬

‫‪393‬‬

You might also like