You are on page 1of 15

‫مقدمة‪:‬‬

‫سؤال التنمية يظل من أكثر األسئلة التي تدعو إلى التأمل العميق في أحوال مجتمعاتنا العربية المعاصرة‪ ،‬لإلجابة‬
‫عن سبل تحقيقها بصورة مستدامة باالستفادة من الخبرات والتجارب والمنجزات الذاتية والعناصر الفاعلة في‬
‫الثقافة والعادات والتقاليد الخاصة بالمجتمعات المحلية في الدول العربية‪.‬‬

‫في العدد (‪ – )11‬مايو ‪ – 2021‬نلخص كتاب (تأمالت في التنمية) لمؤلفه األستاذ الدكتور "حامد الموصلي"‪ .‬يعرض الكتاب‬
‫موقف مؤلفه من أوضاع التنمية السائدة في المجتمعات العربية وأسباب تعطل نهضتها الذاتية‪ ،‬ويمثل دعوة إلعادة‬
‫اكتشاف ذواتنا وقدراتنا ومواردنا التي نحوزها دون أن ندركها أو نراها أمامنا نتيجة فقدان الثقة في أنفسنا ونظرتنا‬
‫ألنفسنا بعيون غيرنا!‬

‫وواحدا من أفضل َمن ساهموا في‬


‫ً‬ ‫ُي َع ُّد الدكتور حامد الموصلي من أهم األكاديميين المعاصرين في المجال التنموي‪،‬‬
‫اهتماما فائقً ا‬
‫ً‬ ‫وأظه َر‬
‫َ‬ ‫العديد من المشروعات التنموية‪،‬‬
‫َ‬ ‫المجال البحثي التطبيقي الهندسي؛ فقد أدار الدكتور الموصلي‬
‫بشكل خاص‪ .‬كما اشترك بصفته باحثًا‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫تسلط الضوء على التنمية المجتمعية في مصر‬ ‫بالمشروعات التطبيقية التي‬
‫ِّ‬
‫والدراسات التنموية والتخطيطية‬ ‫ِّ‬
‫البحوث العلمية‬ ‫رئيسيا في الكثير من المشروعات البحثية‪ ،‬وق َّد َم عد ًدا متميِّ ًزا من‬
‫ًّ‬
‫تأسيس عد ٍد‬
‫ِّ‬ ‫السبق في‬ ‫ِّ‬
‫ودراسات الجدوى الفنية واالقتصادية‪ .‬وقد كان له َّ‬ ‫الصناعية للمدن والمحافظات واألقاليم‪،‬‬
‫من الجمعيات والهيئات والشبكات االجتماعية؛ كالجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية‪ ،‬ومركز‬
‫ك في تأسيس شبكة بدائل األخشاب‪.‬‬
‫وشار َ‬
‫َ‬ ‫تطوير الصناعات الصغيرة القائمة على المواد المتجددة‪،‬‬

‫يجمع الكتاب في المواضيع التي يتناولها بين الفكر التنموي لمؤلفه وخبراته وتجاربه الواسعة في العمل التنموي‬
‫وإشرافه على تنفيذ عدد من المشاريع التنموية ووقوفه على أسباب نجاح أو إخفاق بعض التجارب التنموية‪ ،‬إلى جانب‬
‫إيمان المؤلف واعتزازه بالقدرات الذاتية العميقة لدى المجتمعات المحلية العربية التي تؤهلها إلى تحقيق نهضة‬
‫تنموية مستدامة‪.‬‬

‫يتضمن الكتاب اثنا عشر فصالً‪ ،‬تتناول موضوعات مرتبطة بالتنمية من بينها‪ :‬نقل التكنولوجيا‪ ،‬والمعرفة التقليدية‪،‬‬
‫والموارد المتجددة‪ ،‬والتصميم البيئي الحضاري االجتماعي‪ ،‬ومستقبل الزراعة في الجنوب‪ ،‬قضايا الريف‪ /‬القرية‬
‫والمدينة‪ ،‬أحوال الفقراء واألغنياء‪ ،‬التنمية الذاتية‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن الكاتب ركز بشكل كبير على دراسة حالة مصر في مختلف الموضوعات التي تناولها‪ ،‬ومعظم‬
‫خبراته وشواهده مستلهمة من الواقع المصري‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن ما نجده في الواقع المصري من وقائع وشواهد‬
‫وتجارب تقترب بصورة أو بأخرى من واقع المجتمعات العربية بشكل عام‪.‬‬

‫إن هذه الخالصة هي جهد شخصي يهدف إلى توصيل أبرز أفكار الكتاب للقارئ المهتم‪ ،‬لالستفادة منها‪ ،‬من خالل عرض‬
‫انتقائي لنصوص وعبارات الكتاب أو تحويرها وتلخيصها بما يتناسب مع السياق والفكرة المعبر عنها‪ .‬وهي بطبيعة‬
‫الحال ال تغني عن قراءة الكتاب واالطالع عليه‬
‫تكنولوجيا‪ ،‬ودول الجنوب‬
‫ًّ‬ ‫ِّ‬
‫المتقدم‬ ‫دول الشمال‬ ‫وهم "نقل التكنولوجيا"‬
‫تكنولوجيا ونحن منه‪ .‬إن المصطلح‬
‫ًّ‬ ‫ِّ‬
‫المتخلف‬
‫مصطلح التكنولوجيا‪:‬‬
‫اليوم مرتبط بمغالطتين في‬
‫َ‬ ‫كما ُيستخدم‬
‫منتهى الخطورة وهما‪:‬‬ ‫يشير مصطلح التكنولوجيا للداللة على‬
‫والمعدات‬ ‫واآلالت‬ ‫الع َدد‬
‫ُ‬ ‫مضامين‪:‬‬
‫نقل أحاديةَ االتجاه بين‬
‫ٍ‬ ‫افتراض عالقةَ‬ ‫•‬
‫‪Equipment, Machines or Hardware‬؛ وعلى‬
‫طرفين؛ أحدهما فاعل إيجابي يعطي‪،‬‬
‫األساليب أو الطرق أو التقنيات ‪Techniques‬‬
‫متلق يأخذ‪ ،‬وتشبه‬
‫ٍ‬ ‫واآلخر سلبي‬
‫عموما؛‬
‫ً‬ ‫الالزمة لإلنتاج أو ألداء النشاط اإلنساني‬
‫يتغير‬
‫َّ‬ ‫عملية النقل ملء وعاء شاغر ال‬
‫وعلى تطوير هذه األساليب‪.‬‬
‫شكله خالل عملية النقل‪ .‬وأخطر ما‬
‫يرتبط بهذا التصور االفتراض الضمني‬ ‫هناك ضرورة للتفرقة بين الطريقة أو التقنية‬

‫ِّ‬
‫المتلقي ليست لديه‬ ‫أن الطرف‬ ‫الع َدد واآلالت‪ ...‬والتفرقةُ‬
‫ُ‬ ‫‪ ،Technique‬وبين‬

‫لنقل‬ ‫الدارج‬ ‫فالفهم‬ ‫تكنولوجيا؛‬ ‫الع َدد واآلالت عن‬ ‫ضروريةٌ ؛ ً‬


‫أوال‪ :‬الختالف طبيعة ُ‬

‫اعتبارا للتفاعل مع‬ ‫التكنولوجيا ال يضع‬ ‫التعامل‬


‫ُ‬ ‫وثانيا‪ :‬الختالف أسلوب‬
‫ً‬ ‫التقنيات‪،‬‬
‫ً‬
‫أي قدرات تكنولوجية محلي ٍة ما؛ إنه‬ ‫معهما؛ فأنا أستطيع أن أشتري أو أن أملك‬

‫«فراغ» تكنولوجي‬ ‫وجو َد‬ ‫يفترض‬ ‫الع َدد واآلالت دون أن أعلم بالضرورة شيئًا عن‬
‫ُ‬

‫«ملؤُ ه»‪.‬‬ ‫التقنيات‪ ،‬وبالعكس؛ فإنني يمكنني أن أحوز‬


‫يتوجب من ث ََّم َ‬
‫َّ‬
‫يفترض المصطلح أن التكنولوجيا هي‬ ‫•‬ ‫التقنية أو أتع َّلمها دون أن أشتري ُ‬
‫الع َدد واآلالت‬

‫«شيء» يمكن نقله ببساطة من‬ ‫ستخدم في اإلنتاج أو النشاط اإلنساني‬


‫َ‬ ‫التي تُ‬

‫سياق اجتماعي حضاري آلخر‪ ،‬وأن‬ ‫عموما‪.‬‬


‫ً‬
‫فنية‬ ‫العتبارات‬ ‫تخضع‬ ‫العملية‬ ‫يتم في‬ ‫ٍ‬
‫بنشاط‬ ‫"إن التكنولوجيا قدرةٌ تتع َّلق‬
‫ُّ‬
‫اقتصادية محضة‪.‬‬ ‫مستوى أعلى من المستوى الذي يجري فيه‬
‫ً‬
‫اإلنتاج نفسه‪ ،‬ويرمي إلى تعديل تقنية اإلنتاج أو‬
‫وتؤكد الدروس المستفادة أن التكنولوجيا غير‬
‫التوصل إلى تقنيات جديدة"‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قابلة للنقل عموماً‪ ،‬وأن ما جرى — ويجري —‬
‫أقل‬
‫َّ‬ ‫نقله هو المعدات أو اآلالت وبدرج ٍة‬ ‫فالتكنولوجيا تمثل نمطاً للفعالية اإلنسانية‬
‫التقنيات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يتمتع باستقاللية نسبية عن النشاط اإلنتاجي‬
‫ِّ‬
‫العلم؛ فالنشاط اإلنتاجي‬ ‫نفسه‪ ،‬وكذلك عن‬
‫إن خطورة الموقف القصير النظر وغير الصبور‬
‫يستهدف إنتاج سلع أو خدمات مطلوبة‬
‫على البناء‪ ،‬والسائد في المنطقة العربية‬
‫النهائي‬ ‫التجريد‬ ‫في‬ ‫والعلم‬ ‫للمجتمع‪،‬‬
‫بأسرها‪ ،‬والقائم على فكرة "شراء العبد وال‬
‫يستهدف الوصول للحقيقة‪ ،‬في حين أن هدف‬
‫تربيته"‪ ،‬والذي يقوم على استبدال بناء القدرات‬
‫التكنولوجيا تغيير الواقع‪.‬‬
‫التكنولوجية الذاتية بمجرد شراء المعدات أو‬
‫نوع من إدمان التبعية‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫يؤدي إلى‬ ‫التقنيات؛‬ ‫نقل التكنولوجيا؟‬
‫تكنولوجيا؛ فالتسارع الهائل في التطور‬
‫ًّ‬ ‫لألقوياء‬
‫شاع مصطلح نقل التكنولوجيا ‪Technology‬‬
‫التكنولوجي سوف يجعل من الضروري االعتماد‬
‫‪ Transfer‬في مجاالت التنمية والعالقات بين‬
‫على اآلخر في استيراد المعدات والتقنيات‪ ،‬التي‬
‫يمثل التاريخ الطويل في الزراعة والتراث التقني‪،‬‬ ‫معنويا بشكل أسرع ج ًّدا مما‬
‫ًّ‬ ‫سوف تتقادم‬
‫وتنوع‬
‫ُّ‬ ‫وثقافة التعامل مع الموارد الزراعية‪،‬‬ ‫ً‬
‫مثال في مجال الكمبيوتر‪،‬‬ ‫سبق‪ ،‬كما يحدث اآلن‬
‫الخبرات التاريخية في الصناعات القائمة على‬ ‫دعوة لالنغالق دون‬
‫ً‬ ‫"وليس هذا على اإلطالق‬
‫الموارد الزراعية (الورق من نبات البردي‪ ،‬النسيج‬ ‫المنجزات التقنية الحديثة‪ ،‬بل دعوةٌ لالهتمام‬
‫َ‬
‫من ألياف الكتان‪ ،‬األقفاص من جريد النخيل‪،‬‬ ‫بالمردود التكنولوجي لعالقتنا بالعالم‪ ،‬وقد‬
‫إلى الحصير من السمار والمنتجات الجلدية‪،‬‬ ‫القول إنه كلما‬
‫ُ‬ ‫ضا — لكنه صحيح —‬ ‫ِّ‬
‫مناق ً‬ ‫يبدو‬
‫إلى النسيج من صوف الغنم ووبر الجمال‬ ‫زادت قدراتنا التكنولوجية الذاتية‪ ،‬تمكنَّا أكثر من‬
‫المعز … إلخ)؛ يعطينا ميزات نسبية‬
‫َ‬ ‫وشعر‬ ‫انتقاء وهضم واستيعاب تقنيات ومكونات‬
‫وتنافسية هائلة لتنمية القرى في مصر‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وتؤدي من ث ََّم‬ ‫تكنولوجية تُنقَ ل إلينا من الخارج‪،‬‬
‫إلى المزيد من تقوية قدراتنا التكنولوجية"‪.‬‬
‫لدينا فرصة نادرة للقيام بثورة صناعية جديدة‬
‫صديقة للبيئة تبدأ من الريف وتشمل الحضر‪،‬‬ ‫الريف منطلق ثورة صناعية خضراء‬
‫تقوم على فكرة الفهم الشامل للمورد الزراعي‬
‫الريف‪:‬‬
‫(إدراك خصائصه المختلفة‪ :‬البنية ‪Structure‬‬
‫على المستويين الماكرو والميكرو؛ أي البنية‬ ‫الريف يمثل الوعاء الحضاري األساسي لمصر‪..‬‬

‫التشريحية والتركيب الكيميائي والخواص‬ ‫هاما لذاكرتنا‬


‫ًّ‬ ‫إلى جانب أنه يحمل مكونًا‬

‫للعناصر‬ ‫ً‬
‫وصوال‬ ‫والميكانيكية‪،‬‬ ‫الطبيعية‬ ‫الحضارية في اإلنتاج؛ أي التراث التقني‪ ،‬الذي هو‬

‫الكيميائية)‪ ،‬وبناء نسق صناعي لالستخدام‬ ‫خالصة خبرة هذه األجيال المتعاقبة‪ ،‬في كل‬

‫مما يؤدي إلى بلورة أنشطة‬ ‫الشامل للمورد؛‬ ‫التعامل مع‬


‫ُ‬ ‫مجتمع محلي في مصر‪ ،‬في‬
‫َّ‬
‫صناعية بال مخ َّلفات‪ ،‬مثل‪ :‬السماد والعلف‬ ‫معطيات البيئة المحيطة ومع مواردها‬

‫وبدائل األخشاب والورق والصناعات الغذائية‬ ‫المحلية‪ ،‬من أجل إشباع حاجاتها األساسية‪.‬‬

‫ومواد البناء والعزل الحراري والصوتي… إلخ‪،‬‬ ‫المشكلة‪:‬‬


‫لتحقيق‬ ‫الصناعات‬ ‫هذه‬ ‫تتكامل‬ ‫بحيث‬
‫هناك العديد من المشكالت التي تواجه الريف‪،‬‬
‫االستفادة الشاملة من إمكانات المورد كما‬
‫من أبرزها‪:‬‬
‫ِّ‬
‫يوضح شكل نموذج النخلة‪.‬‬

‫لدينا فرص إلبداع ال ينفد‪ ،‬وهناك مجاالن لإلبداع‪:‬‬


‫ارتفاع‬ ‫تدني الجدوى‬
‫المجال األول‪ :‬يتمثل في إعادة اكتشاف الموارد‬ ‫تفريغ الريف‬ ‫معدالت‬ ‫االقتصادية‬
‫من العناصر‬ ‫البطالة بما‬ ‫للزراعة يهدد‬
‫خصائص المواد‬
‫َ‬ ‫المحلية‪ ،‬ويقع بين إدراكنا‬ ‫الشابة‬ ‫يحمله من‬ ‫بترك الفالح‬
‫المتجددة‪ :‬خواص البنية ‪ Structure‬على‬ ‫والدينامية‪ ،‬من‬ ‫مخاطر‬ ‫الزراعة‬
‫خالل الهجرة‬ ‫اجتماعية‬ ‫وتبوير‬
‫والميكرو؛ أي البنية‬ ‫المستويين الماكرو‬ ‫وسياسية‬ ‫األرض‪.‬‬
‫التشريحية والخواص الميكانيكية والطبيعية‬
‫والتكوين الكيميائي‪ ،‬وبين معايير ومتطلبات‬
‫مطلوب‬
‫ٍ‬ ‫منتج ما‬
‫ٍ‬ ‫أداء خدم ٍة ما أو مواصفات‬
‫على المستوى المحلي والعربي والعالمي‪،‬‬
‫فينشط الفكر والخيال وكذلك البحث العلمي‬ ‫الفرصة‪:‬‬
‫مجاالت المعرفة التقليدية‪:‬‬ ‫التطبيقي الكتشاف مجاال ً جديداً الستخدام‬
‫هذه المواد المتجددة‪ ،‬ألداء خدم ٍة ما أو إلنتاج‬
‫تمت ُّد مجاالت المعرفة التقليدية لتشمل‬
‫منتج ما‪.‬‬
‫ٍ‬
‫الحاجات اإلنسانية المختلفة؛ من البناء إلى‬
‫الكساء‪ ،‬إلى الغذاء‪ ،‬إلى التداوي والعالج‪ ،‬إلى‬ ‫المجال الثاني‪ :‬يقع بين الفكرة الجديدة للخدمة‬
‫الدفاع … إلخ‪ .‬كما تمثِّل المعرفة التقليدية‬ ‫أو المنتج المطلوب‪ ،‬وبين السياق االجتماعي‬
‫حصيلةَ الخبرات الطويلة للحضارات المختلفة‪.‬‬ ‫إنتاج هذه‬
‫ُ‬ ‫جرى فيه‬
‫الحضاري الذي ُيراد أن ُي َ‬
‫الخدمة أو المنتج الجديد‪.‬‬

‫أهمية المعرفة التقليدية‪:‬‬

‫المعرفة التقليدية متاحة لإلنسان العادي في‬ ‫المعرفة التقليدية‬


‫كل مكان بحكم انتمائه لمجتمعه المحلي‪،‬‬
‫"المعرفة التقليدية هي بذلك نتاج حضاري‬
‫بالتكوينات‬ ‫ارتباطه‬ ‫عبر‬ ‫وغالبا‬
‫ً‬
‫وحصيلة تاريخية لتفاعل أبناء المجتمعات‬
‫تدخل‬
‫ُّ‬ ‫االجتماعية‪/‬الحضارية السائدة ودون‬
‫المحلية المختلفة عبر آالف السنين مع‬
‫مؤسسات الدولة أو آليات السوق؛ وفيما يلي‬
‫بيئتهم المحيطة‪ ،‬ومع مواردهم المحلية‪ ،‬من‬
‫أمثلة لتلك المعرفة‪:‬‬
‫أجل إشباع حاجاتهم األساسية‪ ،‬وكذلك التعبير‬
‫عن رؤاهم الحضارية وتلبية حاجاتهم الروحية"‪.‬‬
‫جزء ال يتجزأ من الثقافة السائدة في كل‬
‫ٌ‬ ‫وألنها‬ ‫البناء بالموارد المحلية مثل الطين‬
‫مكان‪.‬‬
‫صناعة األثاث من جريد النخيل‬
‫إال أن الوضع الراهن للمعرفة التقليدية في‬ ‫التداوي باألعشاب والنباتات الطبية‬
‫طمئِّن‪ ،‬نتيجة لآلتي‪:‬‬
‫بلداننا العربية غير ُم َ‬

‫" إن اهتمامنا بالمعرفة التقليدية في كل‬


‫التعليم الرسمي بجميع مستوياته هو‬ ‫•‬
‫مجتمع محلي‪ ،‬يمكن أن يمثِّل منطلقً ا إلبداع‬
‫خ لما هو سائد في‬
‫س ٌ‬
‫في األغلب ن ُ َ‬
‫حضاري على المستويين القومي والعالمي"‪.‬‬
‫مشاعر سلبيةً‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫يولد لدينا‬ ‫الغرب مما‬
‫إزاء تراثنا وكل ما يرتبط به من معرفة‬ ‫لقاءاتي مع المعرفة التقليدية‪:‬‬
‫تقليدية‪.‬‬
‫سقف جريد النخيل‬
‫تدعو‬ ‫الجماهيرية‬ ‫اإلعالم‬ ‫وسائل‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫بنموذج‬ ‫الكامل‬ ‫والقبول‬ ‫لالنبهار‬ ‫جريد النخيل — شأنه شأن العديد من الموارد‬

‫ِّ‬
‫يؤدي إلى شيوع‬ ‫التحديث الغربي‪ ،‬مما‬ ‫درس عندنا في كلية الهندسة‪،‬‬
‫المحلية — ال ُي َّ‬
‫نظرة االحتقار لكل ما هو تقليدي‬ ‫وال في كليات الزراعة!‬

‫موروث‪.‬‬
‫كنت أقوم بدراسة‬
‫ُ‬ ‫رأيت جريد النخيل عندما‬
‫تقليدا‬
‫ً‬ ‫تغير أسلوب الحياة في الريف‬
‫ُّ‬ ‫•‬
‫نمط المسكن العرايشي في شمال سيناء‪،‬‬
‫للنموذج الغربي‪ ،‬مما أ َّدى إلى إهمال ‪-‬‬
‫جريد النخيل في‬
‫َ‬ ‫وانبهرت ج ًّدا باستخدامهم‬
‫وموات ‪ -‬المعرفة التقليدية‪.‬‬
‫السقف (الموضح في الشكل) وبالمعرفة‬

‫طور‬ ‫التقليدية التي كانوا يستخدمونها في إعداد‬


‫هكذا تموت المعرفة التقليدية دون أن تُ َّ‬
‫مما‬ ‫اعتبرت أن‬
‫ُ‬ ‫الجريد لالستخدام في السقف‬
‫من أجل النهوض بالمجتمعات المحلية؛ َّ‬
‫ِّ‬
‫يؤدي إلى المزيد من ضمور النسيج االجتماعي‬ ‫استخدام جريد النخيل في السقف تجربةٌ‬
‫َ‬

‫وإلى‬ ‫الحضاري الحي لهذه المجتمعات‪،‬‬ ‫طبيعية‪ ،‬تُثبِّت بشكل عملي وحاسم أن جريد‬

‫أبنائها‪،‬‬ ‫من‬ ‫العظمى‬ ‫الغالبية‬ ‫تهميش‬ ‫النخيل مادة جيدة تستحق أن نتعامل معها‬

‫حولهم إلى مستهلكين معتمدين في إشباع‬ ‫هندسيا‪.‬‬


‫ًّ‬ ‫ونهتم بها‬
‫ُّ‬
‫وتَ ُّ‬
‫حاجاتهم األساسية على االستيراد من الخارج؛‬
‫ِّ‬
‫يؤدي من ث ََّم إلى المزيد من االغتراب ألبناء‬ ‫مما‬
‫مجتمعاتنا المحلية‪.‬‬

‫هناك فرصة للتعايش بين المعرفة التقليدية‬


‫التي هي مكون هام لذاكرتنا الحضارية‪،‬‬
‫والمعرفة العلمية والتكنولوجية الحديثة كما‬
‫وفدت إلينا من الغرب‪ ،‬إنها مهمتنا نحن في‬ ‫المعرفة التقليدية معرفة حية‪:‬‬
‫إقامة جسور التواصل‪/‬التعايش بين هذين‬
‫إن المعرفةَ التقليدية حية ألن الذي يحملها هو‬
‫النسقين من المعرفة وبلورة‪/‬إبداع‪/‬اختيار‬
‫النسيج االجتماعي الحضاري الحي للمجتمع‬
‫المسار الخاص بنا في التنمية‪.‬‬
‫المحلي‪ ،‬وألن ملكيتها متاحة لكل الناس‪...‬‬
‫❖ غير قابلة للنفاد‪ :‬فاالستخدام الرشيد‬ ‫استراتيجية للموارد المادية المتجددة‬
‫يتمشى مع مفهوم‬
‫َّ‬ ‫للموارد المتجددة‬
‫ً‬
‫تحوال؛ من االعتماد على الموارد‬ ‫إن العالم يشهد‬
‫التنمية المستدامة‪.‬‬
‫غير المتجددة كالمعادن والموارد التعدينية‪،‬‬
‫❖ أداء وظائف إيكولوجية قبل استخدامها‬
‫إلى االعتماد على الموارد المادية المتجددة؛‬
‫إنتاجياً‪ :‬تشمل امتصاص ثاني أكسيد‬
‫تمشيا مع مبادئ االستدامة‪.‬‬
‫ً‬
‫األكسجين‪،‬‬ ‫نسبة‬ ‫وزيادة‬ ‫الكربون‪،‬‬
‫والمحافظة على التربة‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫الموارد المادية المتجددة‪:‬‬

‫❖ في متناول أيدي الناس‪ :‬عدم تركزها في‬ ‫الموارد المادية المتجددة هي تلك الموارد ذات‬
‫مناطق معينة‪ ،‬بل هي واسعة االنتشار‬ ‫األصل البيولوجي‪ ،‬التي تمثِّل مكونات إلحدى‬
‫نظرا إلمكانية نموها في ظروف غاية في‬
‫ً‬ ‫صور الحياة المادية؛ سوء أكانت نباتية أم‬
‫التنوع؛ وهذا يجعل لكل مجتمع محلي‬
‫ُّ‬ ‫ووصف هذه الموارد بأنها متجددة‬
‫ُ‬ ‫حيوانية‪،‬‬
‫نصيبا ما منها‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتعلق بإمكانية نموها كمكون لكائن حي يمكن‬
‫❖ التناغم مع الدورات اإليكولوجية‪ :‬فمن‬ ‫نسبيا‬ ‫إعادة إنتاجه عبر دورات زمنية قصيرة‬
‫ًّ‬
‫عتبر الموارد المادية‬
‫منظور دورة الحياة تُ َ‬ ‫يمكن قياسها على مقياس الزمن اإلنساني‪.‬‬
‫الدورات‬ ‫مع‬ ‫تناغما‬
‫ً‬ ‫أكثر‬ ‫المتجددة‬
‫تصنيف الموارد المادية المتجددة‪:‬‬
‫مقارنةً بالموارد غير المتجددة‪.‬‬
‫َ‬ ‫اإليكولوجية‬

‫يوضح (الشكل اآلتي) تصنيفً ا مبس ً‬


‫طا للموارد‬ ‫ِّ‬
‫التعامل مع الموارد المادية‬
‫ُ‬ ‫مالمح الستراتيجية‬
‫التنو َع‬
‫ُّ‬ ‫المادية المتجددة‪ ،‬ويبيِّن هذا التصنيف‬
‫المتجددة في المنطقة العربية‪:‬‬
‫الواسع لهذه الموارد على مستوى العالم‪ ،‬كما‬
‫تسجيل وحفظ السالالت واألصول الجينية‬ ‫‪.1‬‬ ‫التنوع الكبير‬
‫ُّ‬ ‫يلفت النظر في هذا الشكل‬
‫لكافة أصناف مكونات الغطاء الطبيعي؛‬ ‫للمنتجات الثانوية لهذه الموارد؛ حيث أ َّدت‬
‫النباتي والحيواني‪ ،‬وكذلك عناصر اإلنتاج‬ ‫النظرة االقتصادية السوقية القصيرة النظر إلى‬
‫النباتي والحيواني كملكي ٍة فكري ٍة لدول‬ ‫تركيز االنتباه على المنتجات األساسية لهذه‬
‫المنطقة‪.‬‬ ‫الموارد القابلة للتسويق (المحاصيل النقدية)؛‬
‫عمل خرائط ‪ GIS‬لتوزيع الموارد المادية‬ ‫‪.2‬‬ ‫مما أ َّدى إلى إهمال البحث عن مجاالت مفيدة‬
‫ٍ‬
‫وكميات)‪.‬‬ ‫ً‬
‫(أصنافا‬ ‫المتجددة‬ ‫تحولت‬ ‫الستخدام هذه المنتجات الثانوية‪ ،‬التي‬
‫َّ‬
‫التوصل إلى صيغة لتقسيم العمل‬
‫ُّ‬ ‫‪.3‬‬ ‫في كثير من األحيان إلى عبء على البيئة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫يحقق‬ ‫اإلقليمي بين دول المنطقة‪ ،‬بما‬
‫أهمية الموارد المتجددة من منظور االستدامة‪:‬‬
‫تعميق التخصص في المجاالت البحثية‬
‫المستوى‬ ‫على‬ ‫والتكامل‬ ‫المختلفة‬ ‫تعد الموارد المتجددة قاعدة مادية للعديد من‬
‫اإلقليمي‪.‬‬ ‫الصناعات‪ ،‬بهدف تخفيف االعتماد على الموارد‬
‫بناء القدرات العلمية والتكنولوجية في‬ ‫‪.4‬‬ ‫األحفورية المصنعة‪ ،‬التي تسهم في ظاهرة‬
‫ِّ‬
‫المتعلقة بتنمية الموارد المادية‬ ‫المجاالت‬ ‫الدفء العالمي وكذلك تلوث الهواء واألرض‬
‫المتجددة (نباتية وحيوانية)‪ ،‬والصناعات‬ ‫والماء‪.‬‬
‫القائمة عليها‪.‬‬
‫مميزات الموارد المتجددة‪:‬‬
‫فالمصمم يعمل في إطار نسق يؤثِّر ويتأثر‬ ‫إنشاء شبكة للمراكز التجارية مع استخدام‬ ‫‪.5‬‬
‫ينسى‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫معه‪،‬‬ ‫بالمشاركين‬ ‫على‬ ‫التجارة‬ ‫ِّ‬
‫توفرها‬ ‫التي‬ ‫اإلمكانات‬
‫ِّ‬
‫تؤديها‬ ‫يتوجب أن‬
‫َّ‬ ‫الوظيفة‪/‬الوظائف التي‬ ‫منتجات‬ ‫تسويق‬ ‫لتسهيل‬ ‫اإلنترنت‪...‬‬
‫السلعة أو المنتج‪.‬‬ ‫الموارد المادية المتجددة‪.‬‬
‫وتداوله‬
‫ُ‬ ‫إنشاء مخزون ألفضل الممارسات‬ ‫‪.6‬‬
‫التصميم البيئي وفقً ا ألحد التعريفات الشائعة‪:‬‬
‫على مستوى دول المنطقة‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫"ذلك النشاط الذي ِّ‬
‫يؤدي إلى تضمين االعتبارات‬
‫بأساليب تنمية الموارد المادية المتجددة‬
‫البيئية في أساليب تصميم المنتج والعمليات‬
‫وتصنيعها‪.‬‬
‫التصميم‬
‫ُ‬ ‫الصناعية الالزمة إلنتاجه‪ ،‬ويستهدف‬
‫إنشاء شبكات على المستوى اإلقليمي‬ ‫‪.7‬‬
‫تطوير منتجات وعمليات صناعية‬
‫َ‬ ‫البيئي‬
‫للتنسيق والتعاون بين‪:‬‬
‫ِّ‬
‫متوافقة مع البيئة‪ ،‬مع عدم اإلخالل باعتبارات‬
‫روابط المزارعين والمستثمرين في‬ ‫‪o‬‬
‫أداء وظيفة المنتج والسعر والجودة"‪.‬‬
‫الزراعة‬
‫البعد االجتماعي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫شركات تصنيع المنتجات المختلفة من‬ ‫‪o‬‬

‫أي‬ ‫تصميم‬ ‫وراء‬ ‫اجتماعي‬ ‫تحيز‬ ‫هناك‬ ‫الموارد المادية المتجددة‬


‫ُّ‬
‫ِّ‬
‫احتياجات‬ ‫المنتج‬
‫ُ‬ ‫سلعة‪/‬منتج‪ :‬هل يخاطب‬
‫واجتماعيا‬
‫ًّ‬ ‫وحضاريا‬
‫ًّ‬ ‫بيئيا‬
‫ًّ‬ ‫التصميم الواعي‬
‫المترفين القادرين على التعبير عن أنفسهم‬
‫المسئولية البيئية للتصميم‪:‬‬
‫بوضوح كطلب سوقي‪ ...‬أم احتياجات غير‬
‫القادرين التي ال تستطيع أن تعبِّر عن نفسها‬ ‫التصميم ‪ -‬وفقً ا لمبادئ التنمية المستدامة ‪-‬‬
‫ِّ‬
‫للمصممين وحدهم‪...‬‬ ‫ترك‬
‫أخطر من أن ُي َ‬
‫ُ‬
‫مستقبل الزراعة في الجنوب‪ :‬رؤية مصرية‬ ‫توجه‬
‫ُّ‬ ‫من خالل قوى السوق‪ ،‬فما هو اتجاه أو‬
‫التصميم في هذا الصدد؟‬
‫تسعى توجهات نمط اإلنتاج الرأسمالي في‬
‫الدول المتقدمة إلى احتكار النشاط الزراعي في‬ ‫آخر يتع َّلق بموقع‬
‫تحيز اجتماعي َ‬
‫ُّ‬ ‫هناك كذلك‬
‫إنتاج الحاصالت الزراعية واللجوء إلى التعديل‬ ‫النشاط اإلنتاجي‪ ،‬وطابع العمالة القائمة على‬
‫الوراثي لألصول النباتية لزيادة العائد االقتصادي‬ ‫تصنيع‪/‬إنتاج المنتج‪ :‬هل ينحصر اإلنتاج في‬
‫بغض النظر عن أي اعتبار آخر‪ .‬مما قد يؤدي‬ ‫الحضر‪ ،‬أم يتو َّز ع بين الحضر والريف‪ ،‬بين‬
‫مستقبالً إلى تصفية الزراعة القروية في آسيا‬ ‫المدينة والقرية؟ وهل يختار التصميم استيرا َد‬
‫وأفريقيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬وخروج قرابة ‪٣‬‬ ‫مكونات المنتج أم التصنيع المحلي لهذه‬
‫مليارات فالح من المنافسة خاسرين‪ ،‬وما‬ ‫المكونات؟‬
‫يحمله ذلك من مخاطر كارثية على مستقبل‬
‫البعد الحضاري‪:‬‬
‫ُ‬
‫الحضارة اإلنسانية!‬
‫هل تنحصر وظيفة المنتج في الوظيفة‬
‫رؤيتي للقرية المصرية‬
‫ِّ‬
‫المباشرة له‪ ،‬أم تتسع وظيفته‬ ‫االستعمالية‬
‫إن القرية المصرية كانت تتميز ‪ -‬ربما حتى أوائل‬ ‫لتشمل أبعا ًدا حضارية؟ وهل يعبِّر التصميم‬
‫الستينيات من القرن الماضي ‪ -‬بذلك التوافق‬ ‫عن ِّق َيم حضارية تنتقل بالنظر واالستعمال‬
‫بين أساليب الحياة وأنماط االستهالك واإلنتاج‪،‬‬ ‫بوعي أو بال وعي للمستهلك؟‬
‫وبين الموارد المحلية التي ينتجها الريف؛ فقد‬
‫ِّ‬
‫المصممين‪:‬‬ ‫دور‬
‫كان الفالح المصري يعتمد في غذائه وكسائه‬
‫وبناء مسكنه وأثاثه إلى آخره‪ ،‬على موارده‬ ‫نموذجا لمنضدة من جريد‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫يوضح الشكل اآلتي‬

‫أساسا‪ ،‬وعلى إبداعه الذاتي‪ ،‬وعلى قدراته‬ ‫الزراعية‬ ‫متميزا‪،‬‬


‫ً‬ ‫مصريا‬
‫ًّ‬ ‫طابعا‬
‫ً‬ ‫النخيل يحمل تصميمها‬
‫ً‬
‫الذاتية في تصنيع كل ما يحتاج إليه في حياته‪.‬‬ ‫تلك المنضدة جرى تجميعها وتشطيبها في‬

‫نموذجا للتنمية‬ ‫كانت القرية المصرية تمثِّل‬ ‫أحد مصانع األثاث في القاهرة‪ ،‬من ألواح سدائب‬
‫ً‬
‫المستدامة‪".‬أَ َال يوحي ذلك لنا بدور هام علينا‬ ‫جريد النخيل‪ ،‬قام أبناء قرية القايات بتصنيعها‬

‫القيام به لمساعدة القرية ‪ -‬من خالل توظيف‬ ‫تم تصميمها وتصنيعها‬


‫في قريتهم بمعدات َّ‬

‫معارف علمية وتقنية حديثة ‪ -‬على َبل َو َر ِّة طبعة‬ ‫محليا‪.‬‬


‫ًّ‬
‫جديدة للتنمية المستدامة‪ ،‬اعتما ًدا على‬
‫مواردها الزراعية وعلى االستفادة من الميزات‬
‫قوميا‬
‫ًّ‬ ‫النسبية والتنافسية التي تحوزها؛‬
‫قادرة على مقاومة‬
‫ً‬ ‫وعالميا‪ ،‬مما يجعلها من ث ََّم‬
‫ًّ‬
‫تيار الزراعة الرأسمالية؟"‬

‫أهمية تصنيع الريف‪:‬‬

‫يشير تقرير لبرنامج األمم المتحدة للبيئة إلى‬


‫أن أكثر من مليار شخص أغلبهم في الريف‬
‫عاجزون عن إشباع حاجاتهم األساسية!‬
‫أمام مجاالت صناعية واسعة إلنتاج العديد من‬ ‫باإلضافة إلى ذلك فلقد تدن َّ ِّ‬
‫ت الجدوى‬
‫المنتجات‪ ،‬التي تلبي احتياجات إنسانية غاية‬ ‫االقتصادية للزراعة‪ ،‬ولم تَ ُعد أسعار الحاصالت‬
‫التنوع على المستويات؛ المحلي والقومي‬
‫ُّ‬ ‫في‬ ‫الزراعية الخام‪ ،‬أي القيمة االقتصادية لها تفي‬
‫والعالمي‪.‬‬ ‫بنفقات اإلنتاج‪ ،‬مما يشير إلى ضرورة التصنيع‬
‫الزراعي بهدف رفع القيمة المضافة إلى النشاط‬
‫في بالدنا العربية‪َ :‬من العشوائي؟‬
‫الزراعي في الريف‪.‬‬
‫المدينة العصرية أم القرية التقليدية؟‬
‫تصنيع الريف‪ :‬رؤية تنموية جديدة‬
‫هناك ظاهرة شائعة لدى أبناء الحضر تتمثل‬
‫هي االستجابة التنموية المنطقية لتدني‬
‫ٍ‬
‫باستعالء للريف (القرية التقليدية)‪،‬‬ ‫في النظر‬
‫الجدوى االقتصادية للزراعة كنشاط مستقل‪،‬‬
‫مقارنةً‬
‫َ‬ ‫كيان عشوائي "متخلف"‬
‫ٍ‬ ‫واعتبار القرية‬
‫التحول من الثقافة الرأسمالية‬
‫ُّ‬ ‫يتمثل في‬
‫بالمدينة "العصرية"! والحقيقة أن المدينة‬
‫التركيز على‬
‫َ‬ ‫القصيرة النظر ‪ -‬التي تحصر‬
‫"العصرية" قد نشأت ون َ َمت في إطار تقليد‬
‫المنتج األساسي القابل للتسويق أو المحصول‬
‫اعتبار‬ ‫دونما‬ ‫الغربي‪،‬‬ ‫الحضاري‬ ‫النموذج‬
‫النقدي ‪ -‬إلى ثقافتنا التقليدية التي تهتم‬
‫للخصائص الحضارية للمجتمع والظروف‬
‫ككل (نموذج النخلة‪ ،‬الشكل اآلتي) مع‬
‫ٍ‬ ‫بالمورد‬
‫يتميز بها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫االجتماعية‪/‬االقتصادية التي‬
‫إعادة اكتشاف عناصر كل مورد وفقً ا لمعطيات‬
‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬الحظ المؤلف أثناء دراسته‬ ‫ِّ‬
‫يؤدي إلى بلورة رؤية اقتصادية‬ ‫المعاصرة؛ مما‬
‫لنمط البناء العرايشي في شمال سيناء عام‬ ‫جديدة تحقق أعلى استفادة ممكنة من كافة‬
‫‪ 1980‬أن البناء كان يبدأ بالسور الخارجي‪،‬‬ ‫عناصر المورد الزراعي؛ سواء المنتج األساسي أو‬
‫والمعنى هنا هو فصل الفراغ الخاص للمسكن‬ ‫المنتجات الثانوية بال أي مخلفات تضر بالبيئة‪.‬‬
‫عن الفراغ العام للشارع‪/‬المدينة‪ .‬كان ارتفاع هذا‬ ‫إننا وفقً ا لهذه الرؤية التي ال تهتم فقط بالتمور‬
‫يتحدد بحيث ال يستطيع راكب الجمل أن‬
‫َّ‬ ‫السور‬ ‫تهتم كذلك بالجريد والخوص‬ ‫من النخيل‪ ،‬بل‬
‫ُّ‬
‫يرى (يكشف) الفراغ الخاص للمنزل‪ .‬يهمني هنا‬ ‫الباب‬ ‫والعرجون والليف والقحفة‪ ،‬مما يفتح‬
‫َ‬
‫اكتشافها مع الجماعة المحلية في كل مكان ‪-‬‬ ‫البعد الدينامي لبناء المنزل‪...‬‬
‫أن أشير إلى ُ‬
‫ومن أجل تنميتها ‪ -‬مما يسمح لنا باالستفادة‬ ‫ويجري بناء المسكن العرايشي باستخدام‬
‫(بالمعنى االقتصادي) من الميزات النسبية‬ ‫الطين والتبن لصناعة الطوب وقصل الشعير‬
‫والتنافسية لكل قرية في التنمية‪ ،‬ويجعل كل‬ ‫والقمح مع الطين لعمل المونة وجريد النخيل‬
‫ِّ‬
‫تقدم نموذجها‬ ‫قادرة على اإلبداع وعلى أن‬
‫ً‬ ‫قرية‬ ‫للسقف … إلخ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ويمكننا نحن من أن نبلور‬ ‫الخاص للمعاصرة‪،‬‬
‫االجتماعي‪/‬الحضاري‪/‬البيئي‬ ‫المنطق‬ ‫إن‬
‫نموذجنا الخاص بالتنمية على المستويين‬
‫الثاوي خلف هذا النمط من البناء‪ ،‬يقوم بها‬
‫القومي والحضاري‪.‬‬
‫النسيج االجتماعي‪/‬الحضاري الحي‪ ،‬فالبناء‬
‫األغنياء‪:‬‬ ‫كمنشأ مادي هو في النهاية تعبير عن هذا‬
‫ُ‬
‫النسيج االجتماعي الحضاري‪.‬‬
‫إنهم يقودوننا على طريق االستيراد‬
‫كيفيا عن‬
‫ًّ‬ ‫"إن المسكن العرايشي يختلف‬
‫ٍ‬
‫ومنتجات‬ ‫أخشابا‬
‫ً‬ ‫استوردت مصر عام ‪٢٠١٤‬‬
‫نموذج المسكن في المدينة العصرية‪ ،‬الذي هو‬
‫خشبيةً بقيمة ‪ ١٫٥‬مليار دوالر! واستوردت‬
‫منتج جاهز للسكن ألسرة صغيرة (نووية)‪،‬‬
‫أخشابا‬
‫ً‬ ‫المملكة العربية السعودية عام ‪٢٠١٣‬‬
‫قسرا عالقةٌ سلبية مع الفراغ‪،‬‬
‫ً‬ ‫تُف َرض عليها‬
‫ومنتجات خشبية بما قيمته ‪ ٣٫١‬مليارات‬
‫كنسيج‬ ‫بحيويتها‬ ‫النموذج‬ ‫هذا‬ ‫ويهبط‬
‫دوالر! معظم الدول العربية تعتمد بصورة‬
‫كثيرا‬
‫ً‬ ‫مستوى أدنى‬
‫ً‬ ‫اجتماعي‪/‬حضاري حي إلى‬
‫أساسية على االستيراد في الوفاء بحاجتها من‬
‫من نموذج المسكن العرايشي"‪.‬‬
‫نورث أبناءنا أو‬
‫ِّ‬ ‫األخشاب‪ .‬من الخطورة أن‬
‫أحفادنا هذا العبء الثقيل؟ يجب أن يدفعنا هذا‬ ‫خالل إحدى جوالتي في قرى الوادي الجديد عام‬
‫الوضع إلى إعادة النظر في مسألة االستيراد؛‬ ‫منظرا لن أنساه طوال حياتي؛‬
‫ً‬ ‫شاهدت‬
‫ُ‬ ‫‪،١٩٨٦‬‬
‫استيراد أي شيء وكل شيء؟ وفيما يتعلق‬ ‫أصحاب أحد المنازل المبنية بالطوب ال َّلبِّن‬
‫ُ‬
‫بمجال األخشاب ومنتجاتها‪ ،‬علينا التعامل‬ ‫المصنوع من الطفلة والمس َّلح بتبن القمح‬
‫ومنتجاتها‬ ‫األخشاب‬ ‫بدائل‬ ‫مع‬ ‫الرشيد‬ ‫ٍ‬
‫بناء عرفتها مصر)‬ ‫ِّ‬
‫تقنيات‬ ‫(وهي إحدى أقدم‬
‫المحلية؟‬ ‫يقومون بهدم الحوائط‪ ،‬ويعيدون بناء المنزل‬
‫مع استخدام نفس مادة البناء‪ .‬ما معنى‬
‫زراعة الغابات الشجرية في مصر‪:‬‬
‫المنظر الذي رأيته؟ معناه أن البناء بالطفلة أو‬
‫فرصة تنموية جديدة‬ ‫يتميز بالمرونة‬ ‫اختصارا للقول —‬ ‫الطين —‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫مقارنةً بالجمود المطلق في حالة‬
‫َ‬ ‫المطلقة —‬
‫من الفرص التنموية المتاحة لمصر اآلن‬
‫استثمار ‪ ٥٫٥‬مليارات متر مكعب من مياه‬ ‫البناء بالخرسانة المسلحة — في إعادة‬
‫االستخدام‪ ،‬وكذلك في إعادة تشكيل عناصر‬
‫الصرف الصحي لزراعة غابات شجرية على‬
‫فرص عمل‬ ‫مما يوفر‬ ‫الوحدة السكنية وفقً ا الحتياجات ورغبات‬
‫َ‬ ‫مساحة ‪ ١٫٥‬مليون فدان‪َّ ،‬‬
‫وي ِّ‬
‫حسن البيئة بامتصاص ثاني أكسيد‬ ‫السكان‪.‬‬
‫كثيرة ُ‬
‫سنويا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫الكربون بمعدل ‪ ١٠‬أطنان للفدان‬ ‫التنوع الهائل الذي يتميز به الريف في بالدنا؛‬ ‫إن‬
‫ُّ‬
‫كقرى تقليدية أو واحات أو تجمعات‬
‫ً‬ ‫سواء‬
‫يتعين علينا العمل على‬
‫َّ‬ ‫بدوية‪ ...‬بمثابة كنوز‬
‫مسيرتنا الحضارية الطويلة‪ .‬نحن ُمطا َلبون بأن‬ ‫واألكثر من ذلك أن معدل نمو األشجار‬
‫عصرية لهذه الموارد‪ ،‬وفقً ا‬ ‫ِّ‬
‫نقدم طبعةً‬ ‫نظرا‬
‫ً‬ ‫الخشبية في مصر ‪ ٤٫٥‬أمثاله في ألمانيا؛‬
‫مقارنةً‬
‫َ‬ ‫العالمية‬ ‫القياسية‬ ‫للمواصفات‬ ‫عال لسطوع الشمس!‬
‫ٍ‬ ‫لتميز مصر بمعدل‬
‫ُّ‬
‫باألخشاب المستوردة‪ ،‬وأن نساعد األجيال‬
‫إنني أرى أن زراعة الغابات الشجرية على مياه‬
‫الحالية والمستقبلية على أن يروا مواردهم‬
‫الصرف الصحي هي بمثابة تحويل نقمة إلى‬
‫مما يسهم في بناء ثقافة جديدة‬
‫بعيون جديدة؛ َّ‬
‫نعمة‪ ،‬وتحويل مشكلة إلى إمكانية تنموية في‬
‫للتعامل مع الموارد المحلية من أجل التنمية‪.‬‬
‫خ طوة واحدة‪ ...‬فزراعة الغابات تسهم في‬
‫اإلبداع من أجل الفقراء‬ ‫خفض تكلفة األثاث ومكونات البناء الخشبية‬
‫لغالبية بنات وأبناء مصر من األجيال الجديدة‪،‬‬
‫رؤيتي للفقر‬
‫التوجه الالمركزي‬
‫ُّ‬ ‫كما سوف يؤدي ذلك إلى دعم‬
‫ككل من الفقر‬
‫ٍ‬ ‫تعاني مجتمعاتنا العربية‬ ‫في التنمية‪.‬‬
‫بمعناه العام‪ ،‬أقصد به فقر الفكر والخيال‪،‬‬
‫ثقافة تفضيل األخشاب المستوردة‪ :‬عقبة كؤود‬
‫المتمثل في ثقافة التبعية واالعتماد على‬
‫الحلول الجاهزة الواردة من الخارج‪.‬‬ ‫حاليا في مجال المنتجات‬
‫ًّ‬ ‫إن الثقافة السائدة‬
‫الخشبية تُع ِّلي من قيمة األخشاب المستوردة‬
‫والفقر بمعناه االجتماعي هو "ذلك المستوى‬
‫بتعال وازدراء للسالالت الخشبية‬
‫ٍ‬ ‫وتنظر‬
‫من الحرمان القسري من وسائل إشباع‬
‫المحلية‪ ،‬باعتبارها "خامات الفقراء"‪ ،‬وأعتقد أن‬
‫بفرص‬ ‫يضير‬ ‫الذي‬ ‫األساسية‪،‬‬ ‫الحاجات‬
‫هذه النظرة ممتدة لسائر األخشاب المحلية‬
‫الفرد‪/‬الجماعة في إنضاج القدرات البشرية‪،‬‬
‫مثل الجميز والتوت والسنط… إلخ‪ .‬وهذه‬
‫والوصول بها لمستوى التأثير في المجال‬
‫تحيز مسبق يدين كل ما‬
‫ُّ‬ ‫الثقافة تنطوي على‬
‫العام"؛ بهذا المعنى الفقر هو باألساس‬
‫هو تقليدي وموروث بالتخلف والرجعية!‬
‫ككل‪ ،‬وتتمثل خسارة‬
‫ٍ‬ ‫مسئولية المجتمع‬
‫المجتمع في إهدار القدرات البشرية للفقراء‪.‬‬ ‫التحدي الرئيسي لمشروع الجريد‪:‬‬

‫رؤيتي للكفاح ضد الفقر‬ ‫إعادة اكتشاف مواردنا الخشبية المحلية‬

‫"أرى أن نبدأ الكفاح ضد الفقر بأن نكافح الصورة‬ ‫إن االنبهار بأساليب الحياة ونمط االستهالك‬
‫ً‬
‫طرفا‬ ‫الراسخة في أذهاننا عن الفقير باعتباره‬ ‫وفق النموذج الغربي‪ ،‬ورغبتنا في محكاته‪،‬‬
‫متلق‬
‫ٍ‬ ‫فارغ سلبي‬
‫ٍ‬ ‫وعاجزا‪ ،‬ومجرد وعاء‬
‫ً‬ ‫أدنى‬ ‫أفقدنا قيمتنا كبشر وذوات‪ ،‬وقيمة ما نحوزه‬
‫ندرب أنفسنا على التعامل‬
‫لإلحسان‪ .‬علينا أن ِّ‬ ‫من خبرات وتراث تقني وموارد محلية‪ ...‬كما‬
‫مع الفقير من أعلى الشالل َكنِّ ٍد ذي قدرات‬ ‫القدرة على المبادرة في عالقتنا بمواردنا‬
‫َ‬ ‫فقدنا‬
‫فعلة‪ ،‬وأن نساعده على‬
‫كامنة لكنها غير ُم َّ‬ ‫المحلية‪.‬‬
‫إطالق طاقاته واكتشاف قدراته وتوظيفها في‬
‫من األهمية بمكان أن نعيد اكتشاف مواردنا‬
‫ِّ‬
‫تمكنه من أن‬ ‫سياقات اجتماعية محددة‪،‬‬
‫الخشبية سواء أكانت منتجات الغابات الجديدة‬
‫ناتج عمله‪ ،‬فيدخل في‬
‫َ‬ ‫يلمس ويرى بنفسه‬
‫المزروعة على مياه الصرف الصحي المعا َلجة‪،‬‬
‫للتغير والتغيير وهكذا"‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫جديدة‬ ‫ٍ‬
‫دائرة‬
‫أم األشجار الخشبية التي اصطحبتنا خالل‬
‫التنمية الذاتية‬ ‫الفقراء والتطوير التكنولوجي‪ :‬مسئولية َمن؟‬

‫التحول المستمرة‬
‫ُّ‬ ‫التنمية الذاتية هي "عملية‬ ‫لماذا هناك سوق للحقيبة البالستيكية وليس‬
‫للمجتمع المحلي‪ ،‬التي قد تبدأ بعوامل‬ ‫ألن‬ ‫هناك سوق لحقيبة الخوص؟ هل‬
‫مساعدة من خارج المجتمع‪ ،‬أو تكون نابعةً‬ ‫كخواص‬
‫َّ‬ ‫الخوص‬
‫َ‬ ‫ضل‬‫َيف ُ‬ ‫البالستيك‬
‫ِّ‬
‫تؤدي إلى إطالق‬ ‫بالكامل من داخله‪ ،‬والتي‬ ‫استعمالية؟‬
‫الطاقات الكامنة داخل المجتمع المحلي‪،‬‬
‫تماما‪ ،‬فالخوص يتمتَّع‬
‫ً‬ ‫إطالقً ا! بل على العكس‬
‫لتجدد الذاتي والنهضة؛‬
‫ُّ‬ ‫وتنمي قدراته على ا‬
‫بخواص فيزيقية وميكانيكية جيدة بالمقارنة‬
‫ومن ث ََّم يتمكَّن من التعبير عن ِّق َيمه الحضارية‬
‫بالبالستيك؛ فلقد أثبتَت بحوثنا العلمية أن‬
‫ٍ‬
‫تعبيرات‬ ‫المميزة‪ ،‬حتى لو اتخذت تلك ِّ‬
‫الق َيم‬
‫أنواعا من الخوص تتمتَّع بنفس متانة‬
‫ً‬ ‫هناك‬
‫تتمشى مع ضرورات الحاضر ومتطلبات‬
‫َّ‬ ‫جديدة‬
‫ً‬
‫الشد لخشب الزان المستورد‪ ،‬كما أن الخوص‬
‫المستقبل"‪.‬‬
‫يتميز عن البالستيك من زاوية الصحة العامة‪،‬‬
‫َّ‬
‫تنطلق التنمية الذاتية من الثقة في الناس‪،‬‬ ‫وكذلك في إمكانية استخدامه بعد انتهاء العمر‬
‫والرهان على كل ما هو إيجابي في نفوسهم‪،‬‬ ‫االفتراضي للحقيبة‪ ،‬أما البالستيك فال يمكن أن‬
‫االجتماعي‬ ‫النسيج‬ ‫على‬ ‫االعتماد‬ ‫ومن‬ ‫تتعامل معه الطبيعة؛ ألنه غير قابل للتح ُّلل‪.‬‬
‫الحضاري الحي للمجتمع المحلي‪ ،‬ومن النظر‬
‫اإلجابة‪ :‬ألن البالستيك تقوم بصنعه شركات‬
‫إلى المجتمع المحلي باعتباره‪:‬‬
‫ِّ‬
‫متعددة الجنسيات‪ ،‬أما الحقيبة الخوص‬
‫فنساء القرى الفقيرات؛ أعني بذلك أنه في حين‬
‫ذا هوية متفردة‬ ‫ِّ‬
‫المتعددة‬ ‫تحوز الشركات الكبيرة والشركات‬
‫ومالمح تهبه طاب ًعا‬ ‫كائنًا حيًّا ً‬
‫قادرا على‬
‫صا‪ ،‬وتميزه عن‬ ‫الفعل والحركة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫إمكانات هائلةً‬ ‫الجنسية على وجه الخصوص‬
‫خا ًّ‬ ‫ً‬
‫وحامال لمقومات‬
‫غيره من المجتمعات‬ ‫للبحوث والتطوير؛ ال يوجد لدى الفقراء الذين‬
‫المحلية‪.‬‬ ‫نموه ذاتيًّا‪.‬‬
‫يعملون في المنازل أو في منشآت الصناعات‬
‫أي إمكانات تُذكَر في هذا اإلطار‪.‬‬
‫الصغيرة‪ُّ ،‬‬

‫تنطلق التنمية الذاتية ‪ -‬على مستوى الفرد ‪-‬‬ ‫ضرورة ألن تتو َّلى الدولة‬
‫ً‬ ‫"إنني أعتقد أن هناك‬

‫معجزة في ذاته‪،‬‬
‫ً‬ ‫من النظر لكل إنسان باعتباره‬ ‫والجهات المانحة والمؤسسات والجمعيات‬
‫وأن لديه إمكانات كامنة للفعل واإلبداع تميِّزه‬ ‫األهلية‪ ،‬دع َم التطوير التقني لهذه الصناعات‪،‬‬

‫عن غيره من بني البشر‪ ،‬وأن أهم وظيفة‬ ‫قوى دافع ٍة للتطوير التقني‬
‫المطلوب هو بلورة ً‬
‫للتنمية هي صناعة المناخ الذي يساعد وييسر‬ ‫لهذ ه الصناعات"‪ ،‬بما يمكنها من المنافسة‬

‫على كل إنسان اكتشاف ذاته أو إعادة اكتشافها‪،‬‬ ‫واالزدهار وإطالق طاقات غالبية الشعب على‬

‫في سياقات اجتماعية متزايدة االتساع‪ ،‬تبدأ من‬ ‫اإلبداع والعمل واإلنتاج‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن‬

‫أصغر وحدة اجتماعية ينتمي إليها‪ ،‬فالمجتمع‬ ‫مخاطر إساءة استخدام هذا التمويل سوف‬

‫المحلي‪ ،‬فالقومي‪ ،‬فاإلقليمي‪ ،‬فالعالم أجمع‪.‬‬ ‫أقل بما ال يقاس؛ حيث يسهل قياس‬
‫َّ‬ ‫تكون‬
‫العائد الذي سوف ينعكس على تطوير التقنية‪،‬‬
‫ِّ‬
‫كعامل‬ ‫التدخل‬
‫ُّ‬ ‫التنمية الذاتية ‪ -‬من زاوية‬
‫أو تصميم المنتج‪ ،‬أو رفع جودة اإلنتاج … إلخ‪.‬‬
‫مساعد ‪ -‬هي الخروج بالناس من حالة الغيبوبة‬
‫المصري والعربي للمبادرة‪ ،‬وحقه في االختيار؛‬ ‫والعجز والسلبية وانتظار الحلول الجاهزة‪ ،‬إلى‬
‫اختيار أهداف الحياة‪ ،‬ومعنى التقدم ومضمونه‪،‬‬ ‫الفعالة في صنع واقعهم‪ ،‬واستعادة‬
‫َّ‬ ‫المشاركة‬
‫وحقه في المشاركة في التنمية‪ ،‬وفي بناء‬ ‫سياق‬ ‫في‬ ‫ومعاصرين‬ ‫كفاعلين‬ ‫دورهم‬
‫مستقبله ومستقبل مجتمعه‪/‬أمته‪ ،‬كذلك‬ ‫مجتمعاتهم المحلية‪.‬‬
‫تعني التنمية الذاتية تمكين أبناء المجتمعات‬
‫تبدأ التنمية الذاتية بفهم السياق العام‬
‫وتكنولوجيا‪ ،‬من أن‬
‫ًّ‬ ‫وعلميا‬
‫ًّ‬ ‫تنظيميا‬
‫ًّ‬ ‫المحلية‬
‫للمجتمع المحلي وما يحوزه من إمكانات‬
‫ِّ‬
‫والتخلي عن التقليد‬ ‫يكونوا منتجين ومبدعين‪،‬‬
‫ذاتية‪ ،‬سواء أكانت ِّق َي ًما إيجابية دافعة للعمل‬
‫األعمى للنموذج التنموي الغربي‪ ،‬وعن صيغة‬
‫واإلبداع‪ ،‬أم شبكات عالقات اجتماعية فاعلة‪ ،‬أم‬
‫ِّ‬
‫بالتلقي السلبي‬ ‫التحديث الجاهزة والمرتبطة‬
‫ً‬
‫أشكاال من التنظيم الجماعي المحلي‪ ،‬أم‬
‫اآلخرين في صورة سلع وأساليب‬
‫َ‬ ‫لثمرات إبداع‬
‫َ‬
‫معارف واسعةً عن المحيط الحيوي والموارد‬
‫ِّ‬
‫يؤدي‬ ‫جاهزة للحياة واالستهالك واإلنتاج؛ مما‬
‫المحلية التي يحوزها الناس أو التراث التقني‬
‫إلى خمود القدرات اإلبداعية الذاتية‪.‬‬
‫ً‬
‫وصوال‬ ‫(المعارف والمهارات والخبرات التقنية)‪،‬‬
‫التنمية الذاتية ال تعني فقط مشاركة الناس ‪-‬‬ ‫للخامات والموارد المحلية المتوافرة‪.‬‬
‫كل الناس ‪ -‬في التنمية‪ ،‬بل أن يشعر الناس أن‬
‫بالتنوع في‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫االعتراف‬ ‫"تعني التنمية الذاتية‬
‫قضية التنمية هي قضيتهم وأنهم يملكون‬
‫التاريخية‬ ‫والخبرات‬ ‫اإليكولوجية‬ ‫الظروف‬
‫الدوافع األعمق‬
‫َ‬ ‫مفاتحها؛ لذا فهي تخاطب‬
‫الحضارية‬ ‫االجتماعية‬ ‫والبِّنَى‬ ‫والثقافة‬
‫للوجود لدى الناس‪ ،‬ورغبتهم األصيلة في‬
‫التنوع‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫للمجتمعات المحلية‪ ،‬وتوظيف ذلك‬
‫التعبير عن أنفسهم؛ ومن ث ََّم فالتنمية الذاتية‬
‫واالستفادة منه"‬
‫من أهم شروط استدامة التنمية‪ ،‬أي التنمية‬
‫المستدامة‪.‬‬ ‫َ‬
‫إنصاف العديد من عناصر‬ ‫تعني التنمية الذاتية‬
‫الطابع المحلي في المسكن والملبس واألثاث‬
‫والمأكل واألنشطة االقتصادية … إلخ‪ .‬وال يعني‬
‫ذلك تجميد هذه العناصر على صورتها الراهنة؛‬
‫فالعديد من عناصر الطابع المحلي يمكن أن‬
‫والتغير في نفس الوقت‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ي الثبات‬
‫تحمل صفتَ ِّ‬
‫ً‬
‫مثال فكرة‪ ،‬لكن هناك بدائل‬ ‫فالبناء بالطين‬
‫وكذلك‬ ‫والتقنيات‬ ‫المواد‬ ‫في‬ ‫عديدة‬
‫التصميمات‪ ،‬األهم هو اكتشاف الشفرة‬
‫والتعبيرية الحضارية الكامنة خلف الطابع‬
‫المحلي؛ مما يعطي اتجاهات متميزة للتفكير‬
‫والخيال واإلبداع المرتكز على خصائص البيئة‬
‫المحلية والخصوصية الحضارية للمجتمعات‬
‫المحلية‪.‬‬

‫ما الذي تعنيه التنمية الذاتية بأعم وأوسع‬


‫وأشمل معانيها؟ إنها تعني استعادة اإلنسان‬

You might also like