Professional Documents
Culture Documents
- العدد 11 خلاصة تأملات في التنمية aovgjy
- العدد 11 خلاصة تأملات في التنمية aovgjy
سؤال التنمية يظل من أكثر األسئلة التي تدعو إلى التأمل العميق في أحوال مجتمعاتنا العربية المعاصرة ،لإلجابة
عن سبل تحقيقها بصورة مستدامة باالستفادة من الخبرات والتجارب والمنجزات الذاتية والعناصر الفاعلة في
الثقافة والعادات والتقاليد الخاصة بالمجتمعات المحلية في الدول العربية.
في العدد ( – )11مايو – 2021نلخص كتاب (تأمالت في التنمية) لمؤلفه األستاذ الدكتور "حامد الموصلي" .يعرض الكتاب
موقف مؤلفه من أوضاع التنمية السائدة في المجتمعات العربية وأسباب تعطل نهضتها الذاتية ،ويمثل دعوة إلعادة
اكتشاف ذواتنا وقدراتنا ومواردنا التي نحوزها دون أن ندركها أو نراها أمامنا نتيجة فقدان الثقة في أنفسنا ونظرتنا
ألنفسنا بعيون غيرنا!
يجمع الكتاب في المواضيع التي يتناولها بين الفكر التنموي لمؤلفه وخبراته وتجاربه الواسعة في العمل التنموي
وإشرافه على تنفيذ عدد من المشاريع التنموية ووقوفه على أسباب نجاح أو إخفاق بعض التجارب التنموية ،إلى جانب
إيمان المؤلف واعتزازه بالقدرات الذاتية العميقة لدى المجتمعات المحلية العربية التي تؤهلها إلى تحقيق نهضة
تنموية مستدامة.
يتضمن الكتاب اثنا عشر فصالً ،تتناول موضوعات مرتبطة بالتنمية من بينها :نقل التكنولوجيا ،والمعرفة التقليدية،
والموارد المتجددة ،والتصميم البيئي الحضاري االجتماعي ،ومستقبل الزراعة في الجنوب ،قضايا الريف /القرية
والمدينة ،أحوال الفقراء واألغنياء ،التنمية الذاتية ...إلخ.
تجدر اإلشارة إلى أن الكاتب ركز بشكل كبير على دراسة حالة مصر في مختلف الموضوعات التي تناولها ،ومعظم
خبراته وشواهده مستلهمة من الواقع المصري .ومع ذلك ،فإن ما نجده في الواقع المصري من وقائع وشواهد
وتجارب تقترب بصورة أو بأخرى من واقع المجتمعات العربية بشكل عام.
إن هذه الخالصة هي جهد شخصي يهدف إلى توصيل أبرز أفكار الكتاب للقارئ المهتم ،لالستفادة منها ،من خالل عرض
انتقائي لنصوص وعبارات الكتاب أو تحويرها وتلخيصها بما يتناسب مع السياق والفكرة المعبر عنها .وهي بطبيعة
الحال ال تغني عن قراءة الكتاب واالطالع عليه
تكنولوجيا ،ودول الجنوب
ًّ ِّ
المتقدم دول الشمال وهم "نقل التكنولوجيا"
تكنولوجيا ونحن منه .إن المصطلح
ًّ ِّ
المتخلف
مصطلح التكنولوجيا:
اليوم مرتبط بمغالطتين في
َ كما ُيستخدم
منتهى الخطورة وهما: يشير مصطلح التكنولوجيا للداللة على
والمعدات واآلالت الع َدد
ُ مضامين:
نقل أحاديةَ االتجاه بين
ٍ افتراض عالقةَ •
Equipment, Machines or Hardware؛ وعلى
طرفين؛ أحدهما فاعل إيجابي يعطي،
األساليب أو الطرق أو التقنيات Techniques
متلق يأخذ ،وتشبه
ٍ واآلخر سلبي
عموما؛
ً الالزمة لإلنتاج أو ألداء النشاط اإلنساني
يتغير
َّ عملية النقل ملء وعاء شاغر ال
وعلى تطوير هذه األساليب.
شكله خالل عملية النقل .وأخطر ما
يرتبط بهذا التصور االفتراض الضمني هناك ضرورة للتفرقة بين الطريقة أو التقنية
ِّ
المتلقي ليست لديه أن الطرف الع َدد واآلالت ...والتفرقةُ
ُ ،Techniqueوبين
«فراغ» تكنولوجي وجو َد يفترض الع َدد واآلالت دون أن أعلم بالضرورة شيئًا عن
ُ
للعناصر ً
وصوال والميكانيكية، الطبيعية الحضارية في اإلنتاج؛ أي التراث التقني ،الذي هو
الكيميائية) ،وبناء نسق صناعي لالستخدام خالصة خبرة هذه األجيال المتعاقبة ،في كل
وبدائل األخشاب والورق والصناعات الغذائية المحلية ،من أجل إشباع حاجاتها األساسية.
ِّ
يؤدي إلى شيوع التحديث الغربي ،مما درس عندنا في كلية الهندسة،
المحلية — ال ُي َّ
نظرة االحتقار لكل ما هو تقليدي وال في كليات الزراعة!
موروث.
كنت أقوم بدراسة
ُ رأيت جريد النخيل عندما
تقليدا
ً تغير أسلوب الحياة في الريف
ُّ •
نمط المسكن العرايشي في شمال سيناء،
للنموذج الغربي ،مما أ َّدى إلى إهمال -
جريد النخيل في
َ وانبهرت ج ًّدا باستخدامهم
وموات -المعرفة التقليدية.
السقف (الموضح في الشكل) وبالمعرفة
وإلى الحضاري الحي لهذه المجتمعات، طبيعية ،تُثبِّت بشكل عملي وحاسم أن جريد
أبنائها، من العظمى الغالبية تهميش النخيل مادة جيدة تستحق أن نتعامل معها
❖ في متناول أيدي الناس :عدم تركزها في الموارد المادية المتجددة هي تلك الموارد ذات
مناطق معينة ،بل هي واسعة االنتشار األصل البيولوجي ،التي تمثِّل مكونات إلحدى
نظرا إلمكانية نموها في ظروف غاية في
ً صور الحياة المادية؛ سوء أكانت نباتية أم
التنوع؛ وهذا يجعل لكل مجتمع محلي
ُّ ووصف هذه الموارد بأنها متجددة
ُ حيوانية،
نصيبا ما منها.
ً يتعلق بإمكانية نموها كمكون لكائن حي يمكن
❖ التناغم مع الدورات اإليكولوجية :فمن نسبيا إعادة إنتاجه عبر دورات زمنية قصيرة
ًّ
عتبر الموارد المادية
منظور دورة الحياة تُ َ يمكن قياسها على مقياس الزمن اإلنساني.
الدورات مع تناغما
ً أكثر المتجددة
تصنيف الموارد المادية المتجددة:
مقارنةً بالموارد غير المتجددة.
َ اإليكولوجية
نموذجا للتنمية كانت القرية المصرية تمثِّل أحد مصانع األثاث في القاهرة ،من ألواح سدائب
ً
المستدامة".أَ َال يوحي ذلك لنا بدور هام علينا جريد النخيل ،قام أبناء قرية القايات بتصنيعها
"أرى أن نبدأ الكفاح ضد الفقر بأن نكافح الصورة إن االنبهار بأساليب الحياة ونمط االستهالك
ً
طرفا الراسخة في أذهاننا عن الفقير باعتباره وفق النموذج الغربي ،ورغبتنا في محكاته،
متلق
ٍ فارغ سلبي
ٍ وعاجزا ،ومجرد وعاء
ً أدنى أفقدنا قيمتنا كبشر وذوات ،وقيمة ما نحوزه
ندرب أنفسنا على التعامل
لإلحسان .علينا أن ِّ من خبرات وتراث تقني وموارد محلية ...كما
مع الفقير من أعلى الشالل َكنِّ ٍد ذي قدرات القدرة على المبادرة في عالقتنا بمواردنا
َ فقدنا
فعلة ،وأن نساعده على
كامنة لكنها غير ُم َّ المحلية.
إطالق طاقاته واكتشاف قدراته وتوظيفها في
من األهمية بمكان أن نعيد اكتشاف مواردنا
ِّ
تمكنه من أن سياقات اجتماعية محددة،
الخشبية سواء أكانت منتجات الغابات الجديدة
ناتج عمله ،فيدخل في
َ يلمس ويرى بنفسه
المزروعة على مياه الصرف الصحي المعا َلجة،
للتغير والتغيير وهكذا".
ُّ ٍ
جديدة ٍ
دائرة
أم األشجار الخشبية التي اصطحبتنا خالل
التنمية الذاتية الفقراء والتطوير التكنولوجي :مسئولية َمن؟
التحول المستمرة
ُّ التنمية الذاتية هي "عملية لماذا هناك سوق للحقيبة البالستيكية وليس
للمجتمع المحلي ،التي قد تبدأ بعوامل ألن هناك سوق لحقيبة الخوص؟ هل
مساعدة من خارج المجتمع ،أو تكون نابعةً كخواص
َّ الخوص
َ ضلَيف ُ البالستيك
ِّ
تؤدي إلى إطالق بالكامل من داخله ،والتي استعمالية؟
الطاقات الكامنة داخل المجتمع المحلي،
تماما ،فالخوص يتمتَّع
ً إطالقً ا! بل على العكس
لتجدد الذاتي والنهضة؛
ُّ وتنمي قدراته على ا
بخواص فيزيقية وميكانيكية جيدة بالمقارنة
ومن ث ََّم يتمكَّن من التعبير عن ِّق َيمه الحضارية
بالبالستيك؛ فلقد أثبتَت بحوثنا العلمية أن
ٍ
تعبيرات المميزة ،حتى لو اتخذت تلك ِّ
الق َيم
أنواعا من الخوص تتمتَّع بنفس متانة
ً هناك
تتمشى مع ضرورات الحاضر ومتطلبات
َّ جديدة
ً
الشد لخشب الزان المستورد ،كما أن الخوص
المستقبل".
يتميز عن البالستيك من زاوية الصحة العامة،
َّ
تنطلق التنمية الذاتية من الثقة في الناس، وكذلك في إمكانية استخدامه بعد انتهاء العمر
والرهان على كل ما هو إيجابي في نفوسهم، االفتراضي للحقيبة ،أما البالستيك فال يمكن أن
االجتماعي النسيج على االعتماد ومن تتعامل معه الطبيعة؛ ألنه غير قابل للتح ُّلل.
الحضاري الحي للمجتمع المحلي ،ومن النظر
اإلجابة :ألن البالستيك تقوم بصنعه شركات
إلى المجتمع المحلي باعتباره:
ِّ
متعددة الجنسيات ،أما الحقيبة الخوص
فنساء القرى الفقيرات؛ أعني بذلك أنه في حين
ذا هوية متفردة ِّ
المتعددة تحوز الشركات الكبيرة والشركات
ومالمح تهبه طاب ًعا كائنًا حيًّا ً
قادرا على
صا ،وتميزه عن الفعل والحركة، ٍ
إمكانات هائلةً الجنسية على وجه الخصوص
خا ًّ ً
وحامال لمقومات
غيره من المجتمعات للبحوث والتطوير؛ ال يوجد لدى الفقراء الذين
المحلية. نموه ذاتيًّا.
يعملون في المنازل أو في منشآت الصناعات
أي إمكانات تُذكَر في هذا اإلطار.
الصغيرةُّ ،
تنطلق التنمية الذاتية -على مستوى الفرد - ضرورة ألن تتو َّلى الدولة
ً "إنني أعتقد أن هناك
معجزة في ذاته،
ً من النظر لكل إنسان باعتباره والجهات المانحة والمؤسسات والجمعيات
وأن لديه إمكانات كامنة للفعل واإلبداع تميِّزه األهلية ،دع َم التطوير التقني لهذه الصناعات،
عن غيره من بني البشر ،وأن أهم وظيفة قوى دافع ٍة للتطوير التقني
المطلوب هو بلورة ً
للتنمية هي صناعة المناخ الذي يساعد وييسر لهذ ه الصناعات" ،بما يمكنها من المنافسة
على كل إنسان اكتشاف ذاته أو إعادة اكتشافها، واالزدهار وإطالق طاقات غالبية الشعب على
في سياقات اجتماعية متزايدة االتساع ،تبدأ من اإلبداع والعمل واإلنتاج ،وتجدر اإلشارة إلى أن
أصغر وحدة اجتماعية ينتمي إليها ،فالمجتمع مخاطر إساءة استخدام هذا التمويل سوف
المحلي ،فالقومي ،فاإلقليمي ،فالعالم أجمع. أقل بما ال يقاس؛ حيث يسهل قياس
َّ تكون
العائد الذي سوف ينعكس على تطوير التقنية،
ِّ
كعامل التدخل
ُّ التنمية الذاتية -من زاوية
أو تصميم المنتج ،أو رفع جودة اإلنتاج … إلخ.
مساعد -هي الخروج بالناس من حالة الغيبوبة
المصري والعربي للمبادرة ،وحقه في االختيار؛ والعجز والسلبية وانتظار الحلول الجاهزة ،إلى
اختيار أهداف الحياة ،ومعنى التقدم ومضمونه، الفعالة في صنع واقعهم ،واستعادة
َّ المشاركة
وحقه في المشاركة في التنمية ،وفي بناء سياق في ومعاصرين كفاعلين دورهم
مستقبله ومستقبل مجتمعه/أمته ،كذلك مجتمعاتهم المحلية.
تعني التنمية الذاتية تمكين أبناء المجتمعات
تبدأ التنمية الذاتية بفهم السياق العام
وتكنولوجيا ،من أن
ًّ وعلميا
ًّ تنظيميا
ًّ المحلية
للمجتمع المحلي وما يحوزه من إمكانات
ِّ
والتخلي عن التقليد يكونوا منتجين ومبدعين،
ذاتية ،سواء أكانت ِّق َي ًما إيجابية دافعة للعمل
األعمى للنموذج التنموي الغربي ،وعن صيغة
واإلبداع ،أم شبكات عالقات اجتماعية فاعلة ،أم
ِّ
بالتلقي السلبي التحديث الجاهزة والمرتبطة
ً
أشكاال من التنظيم الجماعي المحلي ،أم
اآلخرين في صورة سلع وأساليب
َ لثمرات إبداع
َ
معارف واسعةً عن المحيط الحيوي والموارد
ِّ
يؤدي جاهزة للحياة واالستهالك واإلنتاج؛ مما
المحلية التي يحوزها الناس أو التراث التقني
إلى خمود القدرات اإلبداعية الذاتية.
ً
وصوال (المعارف والمهارات والخبرات التقنية)،
التنمية الذاتية ال تعني فقط مشاركة الناس - للخامات والموارد المحلية المتوافرة.
كل الناس -في التنمية ،بل أن يشعر الناس أن
بالتنوع في
ُّ َ
االعتراف "تعني التنمية الذاتية
قضية التنمية هي قضيتهم وأنهم يملكون
التاريخية والخبرات اإليكولوجية الظروف
الدوافع األعمق
َ مفاتحها؛ لذا فهي تخاطب
الحضارية االجتماعية والبِّنَى والثقافة
للوجود لدى الناس ،ورغبتهم األصيلة في
التنوع،
ُّ للمجتمعات المحلية ،وتوظيف ذلك
التعبير عن أنفسهم؛ ومن ث ََّم فالتنمية الذاتية
واالستفادة منه"
من أهم شروط استدامة التنمية ،أي التنمية
المستدامة. َ
إنصاف العديد من عناصر تعني التنمية الذاتية
الطابع المحلي في المسكن والملبس واألثاث
والمأكل واألنشطة االقتصادية … إلخ .وال يعني
ذلك تجميد هذه العناصر على صورتها الراهنة؛
فالعديد من عناصر الطابع المحلي يمكن أن
والتغير في نفس الوقت،
ُّ ي الثبات
تحمل صفتَ ِّ
ً
مثال فكرة ،لكن هناك بدائل فالبناء بالطين
وكذلك والتقنيات المواد في عديدة
التصميمات ،األهم هو اكتشاف الشفرة
والتعبيرية الحضارية الكامنة خلف الطابع
المحلي؛ مما يعطي اتجاهات متميزة للتفكير
والخيال واإلبداع المرتكز على خصائص البيئة
المحلية والخصوصية الحضارية للمجتمعات
المحلية.