Professional Documents
Culture Documents
)حالة دارفور(
نوفمبر
2015
َّ ٰ َ َّ م َّ
ِمْسِب اللـه الرْحـن الرحيم
مقدمة:
يعتبر التعليم ركيزة أساسية من ركائز البناء والتنمية والتغيير االجتماعي في كافة دول
العالم بال إستثناء ،وهو إستثمار في أغلى ثروة تمتلكها األمم وهو رأس المال البشري .وتحتل
مؤسسات التعليم بشقيها (العام والعالی) مكانة مرموقة ومتميزة في دول العالم المتقدمة ،بل
تحتل المكانة األولى وخاصة الجامعات ،وذلك لدورها الريادي والقيادي في المجتمعات التي
وجدت فيها هذه المؤسسات ،وتزداد أهميتها بشكل كبير في دول العالم الثالث أو الدول النامية،
وينظر إليها على أنها مصنع إلعداد العناصر البشرية التي تقع على عاتقها عملية التطوير
والتقدم التي تنشدها الدول وتتسابق إليها.
وقد حققت المجتمعات في الدول الغربية والواليات المتحدة األمريكية واليابان وبعض
شامال في
ً وتقدما
ً بلدان العالم األخرى المتقدمة نهضة علمية كبري وتكنلوجية هائلة ،ومذهلة،
شتى المجاالت ،كما حققت الرفاهية والعيش الكريم لشعوبها ،كل ذلك يفضل نظمها التعليمية
الراسخة التي تم التخطيط لها بكفاءة وفعالية لتسهم في مواجهة تحديات العصر ومتطلباته
ونشر المعرفة وتوسيع آفاقها.
أن مخرجات التعليم الحالية في معظم الدول النامية والسودان جزء من هذه المنظومة ،ال
تتوافق مع متطلبات القرن الحادي والعشرين ويمع إحتياجات سوق العمل ،وذلك لغياب الرؤية
الواضحة من مخرجات التعليم للمخططين والعاملين في اإلدارات التعليمية ،وأصبح خريج
()١
المؤسسات التعليمية يحتاج إلى إعادة تأهيل وتدريب
سوف تناقش هذه الورقة النظام التعليمي في السودان -الفرص والتحديات بالتركيز على
دراسة حالة دارفور والتي يواجه فيها النظام التعليمي تحديات جمة وتراكمات عديدة غير أنه
قبل ذلك البد من الحديث بشيء من اإليجاز عن تطور النظام التعليمي في السودان.
دخل التعليم الحديث في السودان في فترة الحكم التركي المصري 1885 - 1821م،
وكانت البدايات متواضعة .إذ رأى محمد على باشا بعد أن بسط نفوذه على السودان أن ال
سبيل لنشر المدنية والتقدم في بالد السودان دون اإلهتمام بنشر التعليم ،غير أن الحكومة
المصرية لم تعمد في بادئ األمر إلى إنشاء المدارس في السودان على النحو الذي شهدته
مصر ،وفضلت بأن تبعث بأبناء السودان النابهين إلى مصر ليتعلموا فيها ،فبعثت في بادئ
()٢
األمر بستة طالب التحقوا بمدرسة الزراعة.
وبعد أن أتم المبعوثون األوائل دراستهم في مدرسة الزراعة تقلوا إلى مدرسة األلسن وذلك
ليتذوقوا طعم المعارف التمدنية لينشروها في بالدهم وفقا لما رواه رفاعة الطهطاوي ،ويخدموا
()٣
أهداف الدولة المصرية ومشروعاتها في السودان.
وتوالت بعثات الطالب السودانين إلي مصر وارتفع عددهم خالل تلك الفترة الي مائة
طالبا( )4تطور اهتمام الحكومة المصرية بالتعليم الحديث في السودان إذ قرر عباس األول إنشاء
ً
مدرسة حكومية في الخرطوم تعتبر أول مدرسة نظامية في السودان موافقة ألصول المدارس
المصرية لكي تقوم بتعليم أبناء السودان وتنتشر الوعي التعليمي بينهم ،وكذلك أبناء المصريين
طالبا( )5وعين رفاعة
الذين استوطنوا في السودان ،وكانت المدرسة تسع لنحو مائتين وخمسين ً
رافع الطهطاوی ناظ ار لهذه المدرسة يعاونه عدد من األساتذة األكفاء أمثال محمد بيومي وأحمد
()٦
طائل ،وخليفة عمرو وکان افتتاح المدرسة في يوليو عام 1853م
اتسع نطاق تجربة المدارس الحديثة في السودان بحيث لم تقتصر على الخرطوم ،بل
أمتدت الى أقاليم السودان األخرى ،إذ بلغ مجموع المدارس من هذا النوع في مديريات الخرطوم
ودنقال والتاكا خمس مدارس ،ذلك أن السودان وخاصة في والية موسي حمدي باشا (- 1862
1865م ) -الذي نجح بفضل حسن إدارته واصالحاته في جذب السودانيين إليه -كان في
حاجة إلى طائفة مدربة من أبناء السودان الستخدامهم في وظائف الحكومة في أعمال
()٧
الحسابات والتحريرات.
وقددد أسددهمت هددذه المدددارس -علددى الددرغم مددن قلتهددا ونظ درة السددودانيين إليهددا -فددي رفددع
الوعي والمدنية لدى فئة قليلة من السدودانيين الدذين التحقدوا بهدا ،وخاصدة مدن قددر لهدم إاللتحداق
بعدها بالمدارس المصرية لالستزادة من العلم ،وأضيفت لهذه المدارس مدرسدتان أخرتدان إحدداهما
()٨
في سواكن واألخرى في مصوع بعد ضمهما لإلدارة المصرية في السودان عام .1865
وظلت هذه المدارس تؤدي رسالتها ،واستمرت مفتوحة األبواب ويزداد عددها سنة بعد
()٩
أخرى إلى أن قامت الثورة المهدية 1881م حيث تم اغالقها مع قيام الثورة.
التي اهتمت بالخالفة وتعليم القرآن الكريم ولقي ذلك تشجيعا كبي ار من اإلمام المهدي
والخليفة عبد اهلل وكانت تدفع رواتب الفقهاء.
ومع بداية الحكم الثنائي أسندت أعمال التعليم الى المستر بونهام کارتر ،السكرتير
القضائي لحكومة السودان ،باإلضافة إلى عمله ،وفي عام 1900م تم تعيين جميس كري مدير
()١٠
ومدير للمعارف ،وكان کری يعمل موظفًا بنظارة المعارف المصرية.
ًا الكلية غردون
انتهج مستر کری سياسة تعليمية تقوم على أسس إقتصادية وسياسية وادارية فمن الناحية
اإلقتصادية كانت السياسة ترمي إلى تعليم جيل من أبناء السودان الصناعات و ِ
الحرف لتستغني
بهم الحكومة هناك عن المصريين واألوربيين ذوي األجور المرتفعة ،ومن الناحية السياسية هو
()11
تعليم السودانيين بما يجعلهم قادرين على تفهم نظام الحكم وأغراض اإلدارة الجديدة.
وقد اعترف جيمس كرى ) (carryبأنه ينبغي أن يلم السودانيون بقدر من العلم كمحاولة
لرفع مستواهم الى الذي يفهمون به النظم اإلجتماعية واإلدارية الجديدة ،وأنه كان يسعی إلنشاء
طبقة من المتعلمين في السودان يعرفون القراءة والكتابة والحساب بالقدر الذي يسمح لهم
()12
بالتعيين في الوظائف الدنيا في اإلدارة ،فالحاجة كانت ملحة لهم وليست التي تعليم أعلى
وكان نظام التعليم الذي بدأ خطواته جيمس كري يشمل :مدارس أولية ،ومدارس فنية
لتدريب طبقة صغيرة من الحرفيين لسد حاجة البالد ،ومدارس ابتدائية لتخريج طبقة من صغار
الموظفين لاللتحاق بالحكومة .مع تدريب فئة من المتعلمين ليصبحو معلمين فيما بعد ،إضافة
إلى جهود كلية غردون في التعليم الفني والمهني وظل هذا النظام إلى أن وصل إلى شكله في
دويا
عام 1909م فأصبحت أقسامة :مدارس تحضيرية أولية .وقد لقي هذا النوع من التعليم ً
في نفوس السودانيين لشموله على تعليم علوم القرآن الكريم ،وقد بلغ عددها في عام 1924م
( )78مدرسة أنتظم بها ثمانية ألف تلميذ ،أما المعلمين فكانوا من خريجي المدارس اإلبتدائية
ومدرسة المعلمين في أم درمان .
المدارس اإلبتدائية :وكانت تهدف إلى تخريج موظفي الحكومة وكانت مرحلة تلي مرحلة
التعليم األولى وكانت تستوعب أبناء موظفي الحكومة وأبناء البيوت الكبيرة.
وهي مدرسة ابتدائية ومدرسة المعلمين والقضاء الشرعي ومدرسة صناعية لتعليم ِ
الحرف
()١٣
الالزمة للحكومة والموظفين ومعمل التحليل الكيماوي.
وكانت مناهج الدراسة في كلية غردون تنصب حول تحقيق أهداف اإلدارة البريطانية
فليس هناك مجال لدراسة العلوم الطبيعية ،أو التاريخ ،أو الحديث أو األدبية ،وانما معظمة
تمرين علي اآللة الكاتبة أو علي الشؤون الهندسية العمالية والمحاسبة لكي يمأل الطالب وظيفة
صغيرة في الحكومة اليصلح في عمل سواها ،وال يفقه شيئا في عالم األدب والتاريخ واالجتماع.
()١٤
وقد فصل التعليم في السودان ليناسب مجريات الضروريات لمثل هذه الوظائف.
أما في مجال تعليم البنات فإن حكومة الحكم الثنائي لم تهتم بتعليم المرأة ،ولم تنشئ أي
كبير وكانت هناك نظرة إجتماعية سالبة تجاه تعليم
عيبا ًا
مدرسة لتعليم البنات الذي كان يعتبر ً
البنات ،إلى أن تصدى بابكر بدري وافتتح أول مدرسة أولية للبنات في عام 1911م ،في رفاعة
()15
وكانت نواتها كريماته ،وبنات بعض من اهتدى بهديه.
وقد ووجهت مصلحة المعارف في ذلك الوقت بتحد كبير تمثل في شكوك السودانيين في
أسلوب التعليم الجديد ،فقد ظل عالقًا بأذهانهم أن تعليم القرآن في الخالوي هو األصل ،أما
علوما جديدة علي أيدي مدرسين أجانب فكان ذلك محل ريبة لديهم.
ً تلقى أبنائهم
وقد عالج مستر كري Carryهذا الموضوع بمنع استعمال اللغة اإلنجليزية في المدارس
األولية ،واشرك الفقهاء الذين كانوا يعلمون القرآن الكريم في الكتاتيب في هذه المدراس وذلك
))١٦
لفترة ،ثم ألغي هذا األسلوب بعد تسلم خريجي مدرسة المعلمين عملهم في المدارس.
كانت أصداء المهدية راسخة في ذهن اإلدارة االستعمارية البريطانية ولذلك كانت تتعامل
بحذر شديد مع الخالوي و التعليم الديني عموما حيث كانت تراعي شعور السودانيين وال تريد
أن تصطدم بهم ،وفي نفس الوقت كانت تسعي إلدخال العلوم الحديثة ألغراضها.
استمرت اإلدارة البريطانية تنشئ المدارس في أنحاء متفرقة من مديريات السودان خالل
فترة الحكم الثنائي ،ولما نالت السودان استقاللها في عام 1956م فأن الحكومات المتعاقبة علي
ايدا بنشر التعليم وتوسيع قاعدته .وفي البداية تم إعداد اإلستراتيجية
اهتماما متز ً
ً حكم البالد أولت
على أسس علمية وتخطيط سليم ،مما جعل المؤسسات التعلمية السودانية ذات شهرة عالمية
مثل خور طقت الثانوية -وادي سيدنا -حنتوب وغيرها وجامعة الخرطوم والمعهد الفني وبخت
الرضا وغيرها من معاهد تدريب المعلمين المتميزة .واعتمدت المؤسسات التعلمية في السابق
()17
علي التخطيط العلمي المبني علي االسس التربوية السليمة.
وتميزت تلك الفترة التاريخية باإلنضباط واحترام المعلم والتزام الطالب باللوائح والنظم
التربوية ،وكان المعلم دوره في التربية والتوجيه والتدريس واالشراف علي النشاطات الالصفية
((18
للطالب.
بدأ التدني في المؤسسات التعلمية يظهر بعد أن طبقت حكومة مايو 1969م السلم
التعليمي تحت شعار الثورة التعلمية ،ولم يصاحب التغيير أعداد المناهج والكتب الدراسية
والمباني والتجهيزات والمعدات الالزمة بعد أن ازدادت السنوات الدراسية بالمرحلة اإلبتدائية من
أربع سنوات إلى ست سنوات ،كما صاحب تطبيق السلم التعليمي نقص في أعداد المعلمين
المؤهلين لتدريب طالب الصفين الخامس والسادس.
وتواصل التدهور لمستوى التعليم العام عندما أقدمت ثورة اإلنقاذ الوطني الي تقليص
سنوات التعليم العام من إثنتي عشرة سنة إلي إحدي عشرة سنة وذلك بدمج المرحلة االبتدائية
في مرحلة األساس لتصبح ثمان سنوات بدال من تسع سنوات.
وقد أدي ذلك بالطبع الي تدني مستويات الخريجين وعدم قبول بعض الجامعات
البريطانية لخريجي كليات الطب السودانية الذين يودون التخصص فيها بحجة أن هناك سنة
مفقودة في التعليم العام وقد فطنت الدولة لهذا األمر ورأت إعادة هذه السنة بصورة تدريجية.
التعليم في دارفور:
نظر لبعد منطقة دارفور عن وسط السودان كانت فترات خضوعها للحكومة المركزية
ًا
في الخرطوم أقل من غيرها من بقاع السودان إذ لم تخضع للمركز إال بعد استشهاد السلطان
علي دينار في عام ١٩١٦م ،ولذلك فقد عانت معاناة كبيرة في الخدمات التعلمية ،وتعرضت
لإلهمال والتهميش من قبل الحكومات الثنائية ،والوطنية المتعاقبة بعد االستقالل.
ومن خالل تتبع أحوال التعليم في مديريات السودان المختلفة خالل فترة الحكم الثنائي،
نصيبا سواء في عدد الطالب أو عدد المدارس،
ً نجد أن دارفور كانت أقل مديريات السودان
فإحصائية توزيع المدارس اإلبتدائية في شمال السودان لعام 1934م ترصد أنه التوجد مدرسة
حكومية واحده علي مستوي التعليم اإلبتدائي في دارفور ،وكان نصيب اإلقليم من طالب كلية
طالبا
طالبا لمديرية الخرطوم ،وً 45
احدا في نفس العام مقابل ً 194
طالبا و ً
غردون التذكارية ً
()19
طالبا لوادي حلفا.
لبربر وً 19
وبالنسبة للمدارس األولية في شمال السودان سنة 1934م نجد أنها كانت ( )93مدرسة
()20
لم يكن فيها لدارفور سوی مدرستان فقط
تأسست األولي بمدينة الفاشر عام 1917م ،وحضر حفل افتتاحها المستر سافيل باشا
مدير مديرية دارفور إنذاك ،والقائم مقام ماكما يكل وزعماء السودان إسماعيل األزهري كبير
قاضي قضاة دارفور وغيرهم من الزعماء ووجهاء البالد.
()21
أما وبدأت المدرسة بتاريخ ١٩١٧/٣/١٩م برئاسة الناظر محمد فضل ابو قرجة
المدرسة الثانوية فقد تأسست بمدينة نياال في عام 1920م وهي المدرسة الشمالية.
وبعدها أنشئت مدارس في الجنينة وزالنجي وكتم وام كدادة وكان عدد تالميذ المدارس
المنشاة في السودان في ذلك الوقت يقترب من ١٠.٠٠٠تلمي ًذا لم يتعد نصيب دارفور منها
غير ١79تلمي ًذا فقط ،أي حوالي ٪١.٧٩من عدد تالميذ المدارس األولية بجميع أنحاء
السودان ،رغم أن عدد سكان اإلقليم يبلغ حوالي %20من السكان وفي الوقت نفسه لم يكن
هنالك مدرسة واحدة للبنات في دارفور ،وبالتالي لم توجد تلميذة واحدة ضمن ( )٢٧١٥تلميذة
((22
كانت في أنحاء السودان في هذا العام.
وكانت أول مدرسة للبنات بدأت في دارفور الكبرى عام 1937بمدرسة الفاشر األم،
جاءت بعدها مدارس للبنات بالفاشر الشمالية والجنوبية وبنياال -الجنينة -وزالنجي وكتم وأم
كدادة ،ثم توالى افتتاح مدارس للبنات بعد استقالل السودان في مواقع عديدة بدارفور ،وقامت
أول مدرسة وسطي للبنات بدارفور الكبري بمدينة الفاشر في عام 1956م ،وتخرجت أول دفعة
منها عام 1960م ،والتحقت بالمدرسة الثانوية بالخرطوم ؛ لعدم وجود ثانويات للبنات بدارفور
()23
الكبرى يومذاك ،ثم كثرت المدارس الوسطى في نياال والجنينة و غيرها ثم الثانويات.
يبين مستوى تعليم المرأة في أي مجتمع جانية هامة من جوانب التقدم والثقافة ،والواقع
مرفوضا في السودان ،ألن الخلوة الكتاب أو المدرسة كانت
ً أمر
أن عملية تعليم البنات كانت ًا
()24
مكانا للرجال فقط منذ ماقبل القرن التاسع عشر ،واستمر نفس الوضع خالل حكم المهدية.
وفي الوقت الذي كان فيه عدد تالميذ المدارس األهلية وغير الحكومية في مديريات شمال
()25
تلميا لم يكن في دارفور مدرسة أهلية واحدة.
السوان بلغ ( )٤٣٤٧ت ً
أما عملية تنقل الرعاة بمواشيهم وبرفعت أبنائهم من بين بنين وبنات كانت -والزالت -
كبيرا في تحقيق السياسات التعليمية التي سعت الحكومات المتعاقبة في بعض األحيان
عائقا ً
لتنفيذها ،فكان الرعاة يرفضون إرسال أبنائهم إلى المدارس لحاجتهم إليهم خالل الترحال والرعي
-مما ساعد على زيادة نسبة األمية بينهم ،وذلك في جو القصور الدائم في الخطط الحكومية
()٢٦
الخاصة بب ارمج الخدمات التعليمية المناطق البعيدة خاصية دارفور
تغير الوضع التعليمي كثي ار في دارفور بعد قيام ثورة االنقاذ الوطني فيما يتعلق بإنشاء
هائال في افتتاح مدارس
ونموا ً
المدارس فقد شهدت دارفور الكبرى خالل هذه الفترة توسعا كبي ار ً
التعليم األساسي والمدارس الثانوية ،ووجهت هذه المؤسسات التعليمية بالعديد من التحديات
المتمثلة في المباني المدرسية إذ أن كان كثي ار من المدارس في القرى والمدن كانت عبارة عن
(رواكيب أو كرانك) كما أنها تفتقد إلي المرافق الصحية ،إضافة إلى مشكلة المعلمين المدربين
والكتاب المدرسي والمناهج الدراسية التي ال تالئم عقول التالميذ في كثير من األحيان ،وهناك
ضعف أيضا في اإلنفاق على التعليم مما أضعف العملية التربوية والتعليمية برمتها.
كما تم إنشاء ثالث جامعات في دارفور الكبري مع ثورة التعليم العالى فقد كان التعليم
متاحا للصفوة التي مكنتهم ظروفهم من
ً متميز،
ًا نخبوىا
ً تعليما
ً العالى قبل 30يونيو 1989م
المنافسة إلحراز األماكن المحددة في المراحل األولية والوسطى والثانوية وأخي ار الجامعية ،كما
اتسم التعليم العالي على نخبويتة بعدم المساواة ،وفقدان العدالة في توزيع الفرص بين أبناء
()٢٧
أقاليم السودان المختلفة ،وكذلك بين الذكور واإلناث
ومع قيام ثورة التعليم العالي فقد .تالشت هذه الصفوية وصار التعليم العالي متاحاًا
ذكور واناث.
وميسور لكافة أبناء السودان ًا
ًا
فقد قضت ثورة التعليم العالي في العام 1990بعدة مواجهات من بينها نشر البحث
العلمي ،إنشاء جامعات جديدة تحت شعار جامعة لكل والية :توجيه برامج التدريب والبحث
((28
لإلهتمام بالبيئة المحلية وحاجات المجتمع.
وبناء على هذه الق اررات أنشئت جامعة الفاشر في عام 1991م) ،وجامعة نياال في عام
( ،)1994وجامعة زالنجي في عام ( ،)1994واخير جامعة الجنينة في العالم ( )٢٠١٤وتوجد
فروع لبعض مؤسسات التعليم العالي القومية مثل جامعة أم درمان اإلسالمية ،وجامعة السودان
المفتوحة ،كما توجد كلية تقنية بنياال.
أثر الحرب على المؤسسات التعليمية في دافور :لقد خلقت الحرب التي جرت في اإلقليم
ومؤلما وأثا ار سالبة على كافة قطاعات
ً ير
اقعا مر ًا
منذ عام 2003م حتى كتابة هذه الورقة و ً
المجتمع ،فقد دمرت االالف من القري تماما وسويت باألرض ،وصارت اث ار بعد عين ،بما فيها
من مدارس ومرافق خدمية وأسواق ومصادر مياة الشرب وغيرها.
ونتيجة لهذا النزاع فقد تأثرت أوضاع الكثيرين من أهل دارفور وقد أصدرت و ازرة
ير في شهر سبتمبر 2007م وضحت فيه
الشؤون اإلنسانية – مفوضية العون اإلنساني تقر ًا
الخصائص.
الديموغرافية لدارفور
()٢٩
وذلك على النحو التالي.
وازاء هذا الوضع صارت القرى والبوادي واألرياف والطرقات التي كانت عامرة بالنشاط
البشري صامتة خالية ال حياة فيها حيث هجرها سكانها إلى معسكرات آمنة قرب المدن الكبرى.
خلف هذا الواقع الجديد شعور هؤالء النازحين بالظلم والم اررة والحرمان ،والنظر بالريبة
مأساويا في مجال التعليم العام والتعليم
ً والشك إلى كل ما هو متعلق بالدولة ..وأصبح الوضع
األساسي على وجه الخصوص ،وصار هناك عدد كبير من األطفال خارج المدرسة.
وتشير اإلحصائيات إلى أن والية جنوب دارفور تضم أكبر عدد من األطفال خارج
طفال من بينهم ) )١٩٧.٥٥٤بنتًا اما والية
ً المدارس حيث يصل عددهم الي ()٣٦٢.٢٧٤
()31
وال طفال خارج المدرسة من بينهم( )١٥٠.٤٨٢بنتًا
غرب دارفور فتضم (ً )278 .489
يقل الوضع في شمال دارفور بل يكثر عن جنوب و غرب دارفور.
أما تقرير ممثل منظمة األمم المتحدة للطفولة (يونسيف) فيشير إلى أن نصف أطفال
دارفور خارج المدارس ،وأن %40منهم يعانون من سوء التغذية المزمن ،وفي دراسة أعدتها
منظمات األمم المتحدة في السودان أظهرت أن مليون و 200ألف طفل من أطفال و دارفور
يفتقرون للخدمات األساسية ،وأن %65تحت سن الرشد غالبهم يعيشون في معسكرات النزوح
وأن %40من األطفال في محليات دارفور مصابون بسوء التغذية.
ويعيش التالميذ النازحون ظروفا نفسية قاسية ال يستطيع أحد أن يعبر عنهم بأي حال
من األحوال وقد تشرب هؤالء التالميذ ثقافة الحرب ،وقد الحظ كثير من المختصين أن
األطفال الملتحقين بمدارس النازحين يعبرون عن ما بداخلهم في حصة الفنون برسومات تعبر
عن البندقية والخيول وثقافة العنف.
ويتطلب هذا األمر من الجامعات التصدي لمعالجة المشكالت النفسية والتربوية الناتجة
عن الحرب ،وكيف يمكن إعادة تأهيل هؤالء التالميذ مرة أخرى وازالة ماعلق بأذهانهم من
مشاهد أثرت كثي ار على دواخلهم ونفسياتهم.
لقد تعرضت الورقة في إشارات مقتضبة إلى تاريخ النظام التعليمي في السودان باعتبارها
المنظومة األساسية التي قام عليها التعليم في دارفور ويمكن استخالص الفرص والتحديات من
خالل ما تم عرضة من تطور للنظام التعليمي.
تخلص الورقة الى أن النظام التعليمي في دارفور على الرغم من تأخر نشأة المدارس
اسهاما ملحوظًا في زيادة الوعي المعرفي
ً من بقية أنحاء السودان األخرى إال أنه قد أسهم
والتنوير الثقافي ألبناء األقاليم وتأهيل عدد مقدر من أبناء المنطقة في مجاالت التربية والتعليم
والطب والهندسة والزراعة واإلدارة والعلوم اإلنسانية وغيرها.
وقد انعكس ذلك بشكل إيجابي على دارفور خاصة والسودان عامة .وعلى الرغم من
فرصا للتصالح مع اآلخرين ونبذ العنف،
ً المشكالت التي جرت على أرض الواقع اإل أن هناك
والتسامي فوق الم اررات ،والعلو فوق الجراحات لكي يعود لدارفور مجدها يكون للتعليم زمام
المبادرة من خالل المحاور التالية:
-التغير االجتماعي.
-محو األمية.
-ديمقراطية التعليم.
-توظيف الخريجين.
التحديات التي تواجه التعليم تحديات كثيرة تتمثل في:
-البطالة
-تسرب التالميذ
-السلم التعليمي
( )29انظر عبده موسي مختار ،دارفور من أزمة دولة الي صراع القوي العظمي والدار
العربية.
) )٣١إلهام مالك سليمان :تعليم وتدريسية المرأة السودانية ضمن كتاب المرأة السودانية عشرة
سنوات بعد بكين) تحرير وتقديم شمس الدين األمين ضوء البيت ،مركز الجندر للبحوث
والتدريب ،الخرطوم 2006م ،ص .87
) )١٠بواقيم رزق مرقص ،تطور نظام اإلدارة في السودان في عهد الحكم الثنائي -1899
1924الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994م،ص ١٣٦
( )١٦تقرير مصلحة المعارف السنوي 1907 – 1902م ص ،67 ،13، 135نقال عن بواقيم
مرقص ،المرجع السابق ،ص ١٤٠
( )21جبريل عبداهلل علي من تاريخ مدينة الفاشر شركة مطابع السودان للعملة ،الطبعة األولى
،٢٠١٣ص.165
( )14سعد ضيق حامد تاريخ مدينة األبيض 195٦-١٨٢١م شركة المطابع السودان للعملة
،2014ص .183
( )7عبد العزيز عبد المجيد ،التربية في السودان واألسس النفسية واالجتماعية التي قامت
عليها ،القاهرة 1949م ج ٢ص .73
( )1عثمان الحسن محمد نور التعليم في السودان ماله وما عليه ومدي إمكانية رفع كفاءته،
الشبكة العنكبوتية.
( )27محمد األمين أحمد التوم ،مداوالت مؤتمر واقع ومستقبل التعليم العالي في السودان،
القاهر ٥-١أغسطس ،1998طبعة القاهرة 1999م ،ص .37 ،35
( )2نسيم مصر وبناء السودان الحديث ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 1992م ص .102-101