Professional Documents
Culture Documents
نضيد التل معدل
نضيد التل معدل
نضيد التل
أنموذجا
ً كتاب (الحروف) للفارابي
نضيد التل *
الملخص
يتن اول البحث المص طلحات عند الف ارابي ت (339هـ950-م) في كتابه (الح روف) ،وطريقته في
المعتمد للف ارابي في كتاب ه ،في ض وء الترجمة عن
َ توض يحها ،مقارن ةً بأس لوب أرس طو ال ذي يع ّد المرجع
تحليلي يع رض بعض المص طلحات كنم اذج من كت اب الف ارابي؛ به دف
ّ في
منهج وص ّ
اللغ ات األخ رى ،وفق ٍ
ٍ
تويات تختلف ب اختالف الس ياقات ،والب نى العلمي ة ،في مس
ّ العامية له ا ،وص لتها بالمع اني
ّ رصد المع اني
التركيبي ة ،لبي ان األط وار المختلفة ال تي م ّرت بها المص طلحات عن ده؛ عن طريق انتقاله من األعم إلى ّ
هني ة؛ ُلي وائم بين المص طلح اللغ وي الع ربي ،وبين ما يتض ّمنه
ّ ّذال اني المع إلى ةالمادي
ّ اني المع ومن ، األخص
ّ
ادا جدي دة ،تثبت ثقافة الف ارابي ،ونظرته
اني؛ إلثب ات اكتس اب المص طلح العلمي الم ترجم أبع ً ٍ
من فك ر يون ّ
لعملية التّرجمة.
مولية ّال ّش ّ
الكلمات المفتاحية :الفارابي ،الترجمة ،المصطلح ،الفلسفة.
Abstract
This research deals with the terms used by Al-Farabi in his book (Al-Huruf) and
his way to clarify them, comparison with Aristotle’s way, who is the author of the
certified reference in his book, in light of translation from other languages. The research
depends on analytical descriptive method to present some of the terminologies as a sample
from Al-Farabi’s book. The analysis aimed at monitoring the colloquial meanings and its
relation to scientific meaning in different contextual levels and constructive structure.
المقدمة:
يتن اول ه ذا البحث المص طلحات عند الف ارابي ت (339هـ950-م) في كتابه (الح روف)،
والفلسفية لها ،في ضوء
ّ اللغوية
ّ وطريقته في عرض هذه المصطلحات ،وتوضيحها ،وبيان توجيهاته
الترجمة عن اللغ ات األخ رى؛ عن طريق ع رض المس تويات ال تي تن درج ض منها؛ بتقس يمها وفق
ترجم،
تعمالية للمص طلح الم َ
ّ جمهوري ة ،ومع ٍ
ان فلس ّفية ،وبي ان الف روق االس ّ مس تخدميها إلى مع ٍ
ان
وخاص ة في كتابيه
ّ يعد كتاب (الحروف) ترجم ةً آلرائه
مقارنةً بأسلوب أرسطو ت(322ق.م) الذي ّ
(المقوالت ،وما بعد الطبيعة).
تحليلي يع رض بعض المص طلحات المترجمة مث ل: ّ في
منهج وص ّوقد س ار البحث وفق ٍ
(الج وهر ،والع َرض ،والموج ود) بوص فها نم اذج دالّة من كت اب الف ارابي؛ به دف رصد المع اني
التركيبي ة؛
ّ ٍ
تويات تختلف ب اختالف الس ياقات ،والب نى العلمي ة ،في مس
ّ العامية له ا ،وص لتها بالمع اني
ّ
األخص،
ّ مرت بها المصطلحات عنده؛ عن طريق انتقاله من األعم إلى
لبيان األطوار المختلفة التي ّ
هني ة؛ ُلي وائم بين المص طلح اللغ وي الع ربي ،وبين ما يتض ّمنه
المادية إلى المع اني ال ّذ ّ
ّ ومن المع اني
ادا جدي دة ،تثبت ثقافة الف ارابي،
اني؛ األمر ال ذي أكسب المص طلح العلمي الم ترجم أبع ً ٍ
من فك ر يون ّ
لعملية التّرجمة ،ومنهجه المتكامل فيها.
مولية ّ
ونظرته ال ّش ّ
ظم ة ،تخضع كما يه دف البحث إلى إثب ات دور الف ارابي في التأس يس لحركة ترجم ٍة من ّ
الض وء على األسس ال تي ينطلق
جاريا ح تى وقتنا الحاض ر ،مع تس ليط ّ
ً لقواعد ما زال العمل بها
منها الف ارابي في تص نيفه لتلك المص طلحات المترجم ة ،ومن ثم بي ان أثر ثقافة الف ارابي الواس عة،
طالعه على اللغات األخرى في ترجمته وعرضه لمصطلحاته في كتاب (الحروف).
وا ّ
324 المنارة ،المجلد ،22العدد@ 2016 ،1
المصطلح وترجمته عن اللغات األخرى ......................................................................
نضيد التل
العباسي ال ذي ع اش فيه الف ارابي؛ فقد ظه رت مجموعة من لم تكن الترجمة ولي دة العصر ّ
وائية؛ ُو ِج دت تلبي ةً لحاج ات ال زمن ال تي النش اطات في الترجمة خالل العصر األم وي كأعم ٍ
ال عش ّ
عربي ة ،وكان الجزء األكبر من تلك األعمال المترجمة وثائق
ّ نشأت عن حكم العرب لشعوب غير
تمت ترجمتها ألسباب تتعلّق بتسيير األمور ،والحاجة إلى وتجاري ةّ ،
ّ وسياسية
ّ وبيروقراطية
ّ إداري ة،
ّ
المتعددة اللغات الخاضعة لهم( .غوتاس)2003 ،
ّ التواصل بين الح ّكام الجدد والشعوب
ٍ
مجموعة وبعد انتقال الحكم للعباسيين أخذت حركة الترجمة بالظهور بصورة أوضح؛ نتيجة
أهمه ا :رعاية الخلف اء وبعض األسر للترجم ة ،ورغبة بعض ال وزراء
من العوامل -ك ان من ّ
طالع على ت راث الحض ارات القديم ة ،وحاجة الع رب إلى ت راث الحض ارات
واألطب اء في اال ّ
أن الدور
القديمة ،...،وغيرها( -الجميلي ،)1986 ،حتى إذا وصلنا للقرن الثالث الهجري وجدنا ّ
أثر بالغ في التقدم والتطور في شتى المجاالت؛
الذي اضطلع به النقلة إبان حركة الترجمة كان له ٌ
ات وتفاسير وشروح للعديد من الكتب المنقولة من اللغات األخرىترجمات وملخص ٍ
ٍ بما عملوه من
ّ
حَنين بن اسحق ،الذي اشتهرالعربي ة ،في العلوم المختلفة ال سيما الفلسفة ،وقد كان من أهمهم ُ
ّ إلى
الح ّراني،
أيض ا يعق وب بن اسحق الكندي ،وثابت بن ُق ّرة َ
باتّباعه أس لوب الترجمة ب المعنى ،ومنهم ً
الفرخان الطَّبري( .الجميلي)1986 ،
وعمر بن َ
ُ
وخاصة في ما يتعلّق بالعلوم
ّ ووضوحا،
ً نضجا
ً أما التّرجمة في عهد الفارابي فقد كانت أكثر
ّ
عملية التواصل الثق افي بين الحض ارات ،وانتش ار مج الس
الفلس ّفية ،انطالقًا من دورها في ّ
المن اظرات والج دل والح وار ،ال تي ك ان لها عظيم األثر في االهتم ام بالفلس فة اليونانية على وجه
التّحدي د .وقد ط رح الف ارابي فك رة التّرجم ة ،ونقل المع اني الفلس ّفية ،في كتابه (الح روف) بفكر
وأس لوب الفيلس وف اللغ وي ،ال ذي ح اول اإلحاطة بج وانب الموض وع ما أمكنه ذل ك؛ انطالقًا من
العربي ة ،في ذلك العصر
ّ الص ناعات المختلفة إلى اللغة
وعيه بض رورة نقل المع اني الفلس ّفية في ّ
الثقافية عند العرب ،وبمختلف العلوم ،بفضل االنفتاح على مؤلفات
ّ الذهبي الذي ازدهرت فيه الحياة
ّ
العربية (المقابلة،
ّ وكتب األمم األخرى عن طريق الترجمة ،ونقل تلك المؤلفات من لغاتها إلى اللغة
حتمي ٍة لـ(لمثاقفة -وهي عملي ات التب ادل الفك ري الثق افي بين األمم بعي ًدا عن أي
،)2009كنتيج ٍة ّ
عنصرية( )-الزعبي )2007 ،آنذاك.
ّ ٍ
مالزمة
أهم الكتب ال تي ش رحت كت ابي المق والت( ،)1وما وراء
ويعد كت اب (الح روف) للف ارابي من ّ
ّ
المية واللغ ة ،وال ذي
الربط بين الفلس فة اإلس ّ
متمي ٌز في ّ
اريخي ّ
ٌّ الطّبيع ة) ألرس طو ،كما ّأنه مرج عٌ ت
الفلسفية ،التي
ّ غوية وعالجها بمنظوره وثقافتهطرح من خالله المؤلّف مجموعةً من الموضوعات اللّ ّ
تم توظيفها للتعب ير عن ٍ
س اهمت ب دورها في رفد اللغة بمجموع ة من المص طلحات الفلس ّفية ال تي ّ
لغوية مختلفة.
محاور ّ
روف) في الغ رب كما يق ول محسن مه دي بس بب ما ج اء به الف ارابيوقد اش تُهر كت اب (الح ِ
ُ َ
في الباب الثّاني من الفصل الخامس والعشرين ،والمعنون" :اختراع األسماء ونقلها" ،وسبب شهرة
ه ذا الفصل أن المعلم الث اني ال يع رض فيه نظرية في الترجمة العلمية فحس ب ،بل عالوة على ذلك
يحدد فيه طرق نقل المعاني الفلسفية من لغة إلى لغة أخرى ويجيب عن سؤال :كيف ينبغي أن تؤخذ
المع اني الفلس فية عند التعليم؟ ويرسم ب ذلك نق اط االتب اع واإلب داع الفلس في بين الع رب واإلغريق
(الخويلدي)2007 ،؛ إذ يقول في هذا السياق":ينبغي أن تؤخذ المعاني الفلسفية إما غير مدلول عليها
بلفظ أصال بل من حيث هي معقولة فق ط ،وإ ما إن أخذت مدلوال عليها باأللفاظ فإنما ينبغي أن تؤخذ
م دلوال عليها بألف اظ أي أمة اتفقت واالحتف اظ فيها عن دما ينطق بها وقت التعليم لش بهها بالمع اني
العامية ال تي منها نقلت ألفاظه ا...فل ذلك رأى ق وم أن ال يع بروا عنها بألف اظ أش باهها بل رأوا أن
األفضل هو أن تجعل لها أس ماء مخترعة لم تكن قبل ذلك مس تعملة عن دهم في الداللة على ش يء
أصال مركبة من حروفهم على عاداتهم في أشكال ألفاظهم( "...الفارابي)1981 ،
النظر في كت اب (الح روف) للف ارابي نجد المؤلّف يضع ي ده على جمل ٍة من األسس ال تي
وب ّ
ٍ
بتنظيم ينبغي على الم ترجمين اتّباعها وفق خط ٍ
وات متسلس لة ،ال يمكن إلح داها أن تس بق األخ رى،
سابقا على التنظير. وتفصيلية في أبعاد ٍ
علم؛ كان التطبيق فيه ً ّ يد ّل على نظر ٍة ٍ
ثاقبة
هذا باإلضافة إلى اهتمامه ببيان المستويات المختلفة للفظ المترجم أو المنقول ،والتي تظهر
تتغير ب اختالف المع اني الم دلول عليه ا،
تركيبية مختلفة ّ
ّ داللي ٍة ،وبنى ٍ
سياقات ّ من خالل وضعه في
وبما يتناسب مع اللغة المترجم إليها.
والفارسية،
ّ والسريانية،
ّ كـ(اليوناني ة،
ّ العربي ة،
ّ عددا من اللغات غير
والفارابي في كتابه يذكر ً
غدية) ،مع التط ّرق في كث ير من األحي ان إلى ذكر المترادف ات في تلك اللغ ات ،ومحاولة إيج اد
والس ّ
خاص ةً عن دما بحث عن المك افئ لألفع ال
ّ العربي ة،
ّ الب ديل المك افئ لأللف اظ المترجمة في اللغة
العربية (الف ارابي ،)1981 ،ومن أمثلة لجوئه إلى ذكر المترادف ات في اللغ ات
ّ المس اعدة في اللغة
المختلفة اآلتي:
اليونانية
ّ الفارسية
ّ السغدية
ّ العربية
ّ
استين هست استي هو
األسطقس ،الهيولى العنصر
ون
اُ ْن ،اُ ْ كِ ،ك
َ أن
إنّ ،ّ
يافت فيرد الوجود ،الوجدان
كما يتطرق إلى معاني بعض الحروف ،وتركيب بعض األلفاظ فيها .ومعرفته باللغات غير
العربية فالق دماء مجمع ون على
ّ أما
ير إليه ال ذين ترجم وا له ،وال س يما المت أخرونّ ،
العربية أم ٌر يش ُ
ّ
حسن عبارته وص ّحتها ،وحسن إش ارته فيها في عل وم ش اع فيها قبله س قم العب ارة وغموض ها.
(الفارابي)1981 ،
تام ةً-كما هو
ترجم إليه ا ،معرف ةً ّ
ترجم منه ا ،والم َ
وتلك الثقاف ةُ الواس عة بمعرفة اللغ تين الم َ
لعملية الترجم ة ،وفي ذلك يق ول الجاحظ ت(
الح ال عند الف ارابي-أم ٌر ال ب ّد منه لك ّل من يتص ّدى ّ
255هـ868-م)" :وال ب ّد للتّرجم ان من أن يك ون بيانه في نفس الترجم ة ،في وزن علمه في نفس
المعرفة ،وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها ،حتّى يكون فيهما سواء وغاية،
ألن كل واح دة من اللغ تين
وم تى وج دناه أيضا قد تكلّم بلس انين ،علمنا ّأنه قد أدخل الض يم عليهم اّ ،
تجذب األخرى وتأخذ منها ،وتعترض عليها ،وكيف يكون تم ّكن اللسان منهما مجتمعين فيه ،كتم ّكنه
القوة عليهما ،وكذلك إن
قوة واحدة ،فإن تكلّم بلغة واحدة استفرغت تلك ّ
إذا انفرد بالواحدة ،وإ ّنما له ّ
تكلّم ب أكثر من لغ تين ،وعلى حس اب ذلك تك ون الترجمة لجميع اللغ ات .وكلّما ك ان الب اب من العلم
أعسر وأض يق ،والعلم اء به أق ّل ،ك ان أش ّد على الم ترجم ،وأج در أن يخطئ في ه( ".الجاح ظ،
1424هـ)
حرفية لكتابي (المقوالت (
ّ ٍ
ترجمة وما فعله الفارابي في كتابه(الحروف) ليس مجرد ٍ
نقل ،أو ّ
ٍ
راغب بتعلّم فلس فة ير ،وتعبي ٌد لطريق كل
رح ،وتفس ٌ
،)8وما بعد الطبيع ة) ألرس طو ،وإ ّنما هو ش ٌ
النحويين في ٍ
كثير من األحيان. سلس ٍ
بعيد عن تعقيدات الفالسفة ،وغموض ّ ٍ
بأسلوب ٍ اللغة،
ات أخ رى إلى العربية ولم يكتف الف ارابي في كتابه بترجمة بعض المص طلحات من لغ ٍ
اليونانية
ّ وتق ديم الش روح له ا؛ بل ق ام "ب التعريف بما عمله الم ترجمون عند نقلهم ه ذا المص طلح من
فإما أن
على مح ورين أساس ّيين ،يح ّددهما بقول ه" :إذا احت اج واضع الملّة إلى أن يجعل لها أس ماء ّ
عرف عندهم قبله ،وإ ّما أن ينقل إليها أسماء أقرب األشياء التي لها أسماء
يخترع لها أسماء لم تكن تُ َ
فربما استعمل أسماء شرائع تلك
عندهم شبها بالشرائع التي وضعها .فإن كانت لهم قبلها ملّة أخرى ّ
أمة أخ رى
الملّة األولى منقولة إلى أش باهها من ش رائع ملّت ه .ف إن ك انت ملّته أو بعض ها منقولة عن ّ
يغير تلك األلفاظ تغييرا تصير بها
فربما استعمل أسماء ما ُنقل من شرائعهم في الداللة عليها ،بعد أن ّ
ّ
أمته وبنيتَها ليس هل النطق بها عن دهم( ".الف ارابي ،1981 ،ص فحة -157 حروفُها وبِْنَيتُها ح َ
روف ّ
)158
فعملية اختراع األسماء ونقلها عند الفارابي تقع ضمن محورين رئيسين هما:
ّ
.1اختراع أسماء جديدة لم تكن موجودةً من قبل ،وهذا مثل لفظ (المنطق) ،والذي يعبر عنه
باليونانية بـ(لوغي ا) ،Logiaوالذي لم يستعمله أرس طو للداللة على المنط ق ،وإ نما د ّل به
الكالمي ة ،وقد اخ ترع الع رب لفظ المنطق للداللة نفس ها.
ّ على العلم ال ذي تض ّمه العملية
(األعسم)1989 ،
موضحا
ً ٍ
بتفصيل في كتاب (األلفاظ المستعملة في المنطق) تحدث الفارابي عن المنطق
وقد ّ
الص ناعة هو تعريف جميع الجهات وجميع األمور التي الغرض من ذلك بقوله" :والغرض في هذه ّ
الش يء ّأنه ك ذا أو ليس ك ذا ،وال تي بها تل تئم الجه ات تس وق ال ّذهن إلى أن ينق اد ٍ
لحكم ما على ّ
ق أو باط ل".
واألم ور ،وهي وح دها تكس بنا الق درة على تمي يز ما تنق اد إليه أذهاننا هل هو ح ّ
(الفارابي)1900 ،
.2اعتماد مبدأ المشابهة في استعارة بعض األسماء ،مع االقتراض اللغوي إذا دعت الحاجة
"وأما
إلي ه؛ فمن مب دأ المش ابهة ن ذكر ترجمة الف ارابي لمقولة الكم ال تي ق ال فيها أرس طوّ :
الكم ،فمنه منفص ل ،ومنه متّص ل ،ومنه ما أج زاؤه لها وضع بعض ها عند بعض ،ومنه ما
ليس لها وض ع .والمنفصل اثن ان ،الع دد ،والق ول .والمتّصل خمس ة ،الخط والبس يط
الزمان والمكان" (ابن رشد،1980 ،
والجسم ،وما يشتمل على األجسام ويطيف بها_ وهو ّ
اظرا في ذلك إلى المشابهة في
صفحة )98؛ فقد ترجم الفارابي (المصمت) بـ(الجسم) ،ن ً
والمترجم له.
َ المترجم،
َ الخواص الفيزيائية للفظين:
ّ
تق من
النطق به ا( :الفلس فة)؛ فهي مص طلح مع ّرب مش ّ
ومن نقل اللفظ بتغي ير بنيته ليس هل ّ
يوناني ة ،وهي فيالس وفيا :وتع ني محبة الحكم ة ،واش ت ّقت منها لفظة الفلس فة بما يتالءم وال ذوق
ّ كلمة
العربي( .األعسم)1989 ،
العامة ال تي نراها في
وه ذه المح اور ال تي تنبه لها الف ارابي ال تختلف كث ًيرا عن الش روط ّ
المختص ة بالترجمة في عص رنا الحاض ر ،وال تي ال تزم بها الق دماء من الم ترجمين الع رب
ّ الكتب
ظا لها
اليوناني ة؛ فأش ركوا ألفا ً
ّ (الش هابي )1965 ،في ت رجمتهم ،وتع ريبهم العل وم األخ رى ،ال س ّيما
ثم
يونانية كـ(األسطقس والهيولي)ّ ،
ّ ظا
اليونانية كـ(العنصر) ،واستعاروا ألفا ً
ّ دالالت متشابهة مع تلك
ٌ
العامية كـ(الجوهر ،والعرض) ،مما
ّ ظا وأسماء جديدة معروفة عندهم؛ لشبهها بالمعاني اخترعوا ألفا ً
العامي ة ،واللغة
ّ الص لة بين اللغة
أحيانا مع اإلبق اء على ع روة ّ
جعل عب اراتهم الفلس ّفية تب دو مألوف ًة ً
الفلس ّفية بإش راك وتش ابه وت رتيب (جه امي)1990 ،؛ األمر ال ذي ي د ّل على اتّس اع أفق الرؤية عند
ٍ
مستقل لعلم ٍ
مرحلة لم يكتمل فيها التنظير ٍ لعملية التّرجمة ،في
الشمولية الواض حة ّ
ّ الف ارابي؛ بنظرته
(علم الترجم ة) على ال رغم مما نج ده من مراحل مب ّك رة لتطبيق ه ،بعكس ما ن راه اآلن من وق وف
عملية الترجمة.
التنظير إلى جانب التطبيق وتوفّر اإلمكانات المساعدة في ّ
فإنه
اليونانية المطروحة عند أرس طوّ ،
ّ العلمية الفلس ّفية
ّ والف ارابي إذ ي ترجم لنا المص طلحات
نى
في ،عن طريق وضع األلف اظ ض من ب ً وي ،واآلخر فلس ّ
وي لغ ّ يض عنا أم ام بع دين :أح دهما نح ٌ
المتنوعة.
ّ تركيبية مختلفة ،تعرض لنا المعاني والدالالت المحتملة في السياقات
ّ
وعلى س بيل المث ال ال الحصر نس تعرض ما ج اء به الف ارابي في مص طلحات (الع رض،
والجوهر ،والموجود):
ال َع َرض:
"العرض عند جمهور العرب يقال على ك ّل ما كان نافعا في هذه الحياة الدنيا فقط؛ وقد يقال
أيضا على ك ّل ما س وى ال دراهم وال دنانير وما ق ام مقامهم ا ،...،وقد يق ال أيضا على ك ّل ما ت وافت
أسباب كونه أو فساده القريبة ،...،وقد يقال أيضا على ك ّل ما يقال عليه العارض ،وهو ك ّل حادث
سريع الزوال.
(ُ )1
ويطلق على المقوالت (المحموالت ،أو الموجودات العشرة). 1
فإن العرض يقال على ك ّل صفة ُوصف بها أمر ّما ولم تكن الصفة محموال
وأما في الفلسفة ّ
ّ
ذاتي
ماهيته .وهذان ضربان ،أحدهما عرض ّ ُحمل على الموضوع ،أو لم يكن المحمول داخال في ّ
ماهيت ه ،أو
ماهيته أو ج زء ّ
ذاتي هو ال ذي يك ون موض وعه ّ
ذاتي .والع رض ال ّ
والث اني ع رض غ ير ّ
ماهية أمر ّما أن يوجد له ع رض ّم ا.
ماهية موض وعه أن يوجد له على النحو ال ذي ت وجب ّ
ت وجب ّ
فإنه يقال ّإنه
حد العرض .فما كان من األعراض هكذا ّ
فإن ذلك العرض إذا ُح ّد ُأخذ ذلك األمر في ّ
ّ
وماهية موضوعه ال
ّ ماهيته،
الذاتي هو الذي ال يدخل موضوعه في شيء من ّ
ّ ذاتي .وغير
عرض ّ
ت وجب أن يوجد له ذلك الع رض .فه ذا هو مع نى الع رض في الفلس فة( ".الف ارابي ،1981 ،ص فحة
)95
الجمهوري ة ،والمع اني
ّ ع الج الف ارابي مص طلح (الع َرض) عن طريق التفريق بين المع اني
مؤقت
ٌ محسوس ا ،وجوده
ً الفلسفية للمصطلح؛ فالعرض عند الجمهور ُيطلق على ما كان شيًئا ماديًّا ّ
ٍ
إن الجمه ور يطلق ون عليه (انفع االت)، غ ير دائم ،أما ما ك ان معنويًّا قليل المكث س ريع ال زوال ،ف ّ
يسميه الفارابي (العوارض) ،ومن الغريب قصر الفارابي
جسمانية ،وهذا ما ّ
ّ نفسية أم
سواء أكانت ّ
ً
والضار!
ّ النافع
النافع فقط ،بينما يجعل العوارض تشمل ّ
(العرض) على ال ّشيء ّ
معنى َ
الص فة مش روطة
ولكن ه ذه ّ
فإنه ينحصر في كونه ص فةًّ ،أما (الع َرض) عند الفالس فة ّ
ّ
بشرطين:
خبرا لمبتدأ.
الصفة ً
.1أن ال تكون ّ
ماهية المبتدأ.
جزءا من ّ
.2أن ال يكون الخبر ً
أما عند الفالسفة
فإن الفارابي يربط معنى العرض عند الجمهور بالوجود وعدمهّ ،
ومن ثم ّ
ماهية الموضوع؛ فالعرض عندهم ال يقوم بنفسه بل يحتاج
فالعرض مرتبط بعدم دخول الصفة في ّ
إلى موضوع يحل فيه.
ويش رح البغ دادي ،تعريف (الع َرض) عند الفالس فة ،فيق ول" :والع رض هو الموج ود في
موضوع ،وفسروا الموجود في موضوع؛ بالموجود في شيء ليس هو جزء منه ،أعني من الشيء
الذي هو فيه ،وال يصح وجوده دون ما هو فيه ،أعني ال يصح وجود الشيء الواحد المعين منه ،إال
في الشيء المعين الذي هو موجود فيه" (البغدادي1357 ،هـ ،صفحة .)73
الجوهر:
332 المنارة ،المجلد ،22العدد@ 2016 ،1
المصطلح وترجمته عن اللغات األخرى ......................................................................
نضيد التل
هو في نوعه-أي في اإلنس ان -واإلنس ان في جنسه ال ذي هو حي وان( ".ابن رش د ،1980 ،ص فحة
)87-86
يتّب ُع الف ارابي في عرضه لمص طلح (الج وهر) الطريقة ذاتها ال تي اتّبعها في (الع َرض)؛
ثم ينتقل لع رض المع انيالجمهورية ال تي يس تخدم فيها المص طلح عند الع ربّ ،
ّ في ذكر المع اني
الفلسفية التي يعنيها المصطلح عن طريق ترجمة ما جاء به أرسطو في مقوالته ،مع إدراك الفارابي
ّ
الس ياق من
الختالف المس تويات ال تي يقع اللفظ ض منها ح تى عند الجماعة الواح دة ،وه ذا ما يح ّدده ّ
جهة ،والفئة المستخدمة للفظ من ٍ
جهة أخرى.
وما نلحظه هو اتّف اق الف ارابي وأرس طو على انطالق الج وهر من بع دين أساس ّيين هما
والصورة) ،بينما يختلفان في عرضهما لمقولة (الجوهر) بما يلي:
ّ (المادة،
ّ
-1ذكر الف ارابي المع اني ال تي يحتملها المص طلح عند جمه ور الع رب ،وه ذا لم ي رد عند
أرسطو.
منهجية؛ فقد بدأ أرسطو بذكر أقسام الجوهر،
ّ -2اختالف أسلوب معالجة المصطلح من ناحية
والش رح؛ ف ذكر
فإنه يب دأ بالوصف ثم التقس يم ّ
أما الف ارابي ّ
ثم وصف ك ّل ن وع (رس مه)ّ ،
ّ
تطرق لمعانيه عند الفالسفة.
ثم ّالمعاني المحتملة للفظ الجوهر عند الجمهورّ ،
أرسطية أخرى ،وهنا يظهر الفرق
ّ -3استبدال الفارابي بعض المصطلحات بمصطلحات
النحو اآلتي:
في التّرجمة ،وذلك على ّ
عند الفارابي عند أرسطو
الجوهر بإطالق الجوهر
المشار إليه الذي ال في موضوع األول
الجوهر ّ
كلياته (النوع ،أو الجنس ،أو الفصل)
ّ الجواهر الثانية
فإننا نلحظ
الجمهورية والمع اني الفلس ّفية للمص طلح ّ
ّ وب العودة إلى بي ان الف رق بين المع اني
ت داخاًل بين المع اني ال تي يرت ديها المص طلح عند الجمه ور ،ومعانيه عند الفالس فة ،ومن ذلك ق ول
فإنه ج وهر مض اف ،ونقل إليه ه ذا االسم عن المع اني ال تي يس ّميها
"وأما المع نى الث الث ّ
الف ارابيّ :
الجمهور الجوهر على ّأنه جوهر لشيء ّم ا ،مثل جوهر الذهب أو جوهر زيد أو جوهر هذا الثوب.
يسميه
تسمي الفالسفة جوهرا على اإلطالق ّإنما ُنقل إليه اسم الجوهر عن الذي ّ
فيكون المعنى الذي ّ
الموجود:
ستعمل
مشتق من الوجود والوجدان .وهو ُي َ
ّ "الموجود في لسان جمهور العرب هو ّأوال اسم
وأما
"طلبت ك ذا حتّى وجدتُ ه"ّ ،
ُ دت الض الّة" و
أما مطلَقا ففي مثل ق ولهم "وج ُ
عن دهم مطلَقا ومقيَّداّ ،
تعمل عن دهم على اإلطالق قد
دت زي دا كريم ا" أو "لئيم ا" .ف الموجود المس َ
مقيَّدا ففي مثل ق ولهم "وج ُ
يعن ون به أن يحصل الش يء مع روف المك ان وأن ُي َّ
تمكن منه في ما ي راد منه ويك ون معرضا لما
فإنما يعن ون
وجدت زيدا كريما " أو " لئيما " ّ
ُ ستعمل مقيَّدا في مثل قولهم "
وأما الذي ُي َ
لتمس منهّ ...
ُي َ
رفت زي دا كريما أو لئيما ال غ ير .وقد يس تعمل الع رب مك ان ه ذه اللفظة في الداللة على ه ذه
به ع ُ
ادف" و "الملقى" (الف ارابي ،1981 ،ص فحة
"لقيت " ،ومك ان الموج ود "المص َ
ُ ادفت" و
المع اني "ص ُ
)110
اللغوية ال تي ُيس تخدم فيها مص طلح
ّ الس ابق ّأنه ي راعي الس ياقات
نلحظ من ق ول الف ارابي ّ
مولية
(الموج ود) عند جمه ور الع رب -وليس أهل اللغة -األمر ال ذي يثبت ثقافت ه ،ونظرته الش ّ
ِ
يكتف الفارابي بذلك وإ ّنما متعددة؛ تتبع الفئات المستخدمة له ،ولم ٍ
إطارات ّ لتوظيف المصطلح في
رصد المرادفات للمصطلح في الداللة ذاتها.
َ حاو َل
"فلما انتقلت الفلس فة إلى
ثم ينتقل الف ارابي لبي ان دالالت المص طلح عند أهل الفلس فة بقول هّ :
ّ
بالعربي ة ،ويجعلون عبارتهم عن المعاني التي في الفلسفة
ّ العرب واحتاجت الفالسفة الذين يتكّلمون
وفي المنطق بلس ان الع رب ،ولم يج دوا في لغة الع رب منذ ّأول ما ُوض عت لفظة ينقلون بها األمكنة
اليونانية و"هس ت" بالفارس ّية ،فيجعلونها تق وم مق ام ه ذه األلف اظ في
ّ ال تي تُس تعمل فيها "اس تين" في
بالفارسية
ّ األمكنة التي يستعملها فيها سائر األمم ،فبعضهم رأى أن يستعمل لفظة "هو "مكان"هست"
العربية كبداية في مثل ق ولهم "هو يفع ل" و"هو
ّ تعمل في
إن ه ذه اللفظة قد تُس َ
باليوناني ة .ف ّ
ّ و"اس تين"
ويوجد
َ تعمل "هس تي" بالفارس ّية ،واس تعملوا ُوجد
العربية حيث تُس َ
ّ فَ َع َل" ،...واس تعملوا الوج ود في
أن ه ذه اللفظة إذا اس تُعملت في العل وم
يوجد مك ان ك ان ويك ون وس يكون.. .وينبغي أن تعلم ّ
وس َ
بالفارسية فينبغي أن ال يخيَّل معنى االشتقاق ،وال ّأنه كائن عن
ّ بالعربية مكان "هست"
ّ النظرية التي
ّ
الفارسية و "استين "
ّ العربية داالّ على ما تد ّل عليه " هست " في
ّ ستعمل في
إنسان إلى آخر ،...،بل ُي َ
اليوناني ة .وتس تعمل على مث ال ما نس تعمل قولنا " ش يء" ،...ف الموجود إذن يق ال على ثالثة
ّ في
بماهية ّما خ ارج
ّ مع ان :على المق والت كلّه ا ،وعلى ما يق ال عليه الص ادق ،وعلى ما هو منح از
تصور" (الفارابي ،1981 ،صفحة .)112
ص ِّورت أو لم تُ َّ
النفس تُ ُ
يشير إلى اختالف دالالت اللفظ الواحد عند جمهور العرب ،والفالسفة،
فإن الفارابي ُ
وبذلك ّ
مكانية ك ون اللفظ دااًّل أو م دلواًل ؛ ب اختالف المع اني ال تي يمكن للف ِظ الواحد احتماله ا ،فهو ت ارةً
وإ ّ
يس تخدم (الموج ود) للمحس وس الملم وس ،وت ارة أخ رى يس تخدمه لما هو في ال ّذهن ،وقد أش ار أحد
أبعادا جديدةً على المعنى اللغوي للفظ ربما كان يتضمنه؛ فقام
"أن الفارابي بإضفائه ً
الباحثين إلىّ :
ات جدي ٍ
دة عنه ا؛ إلكس ابها اللغوي ة) ،ثم ت ركيب مش تقّ ٍ اني لأللف اظ في أص ولها (ج ذورها ٍ
ّ ّ بتحلي ل بي ّ
مع اني فلس ّفية تتالءم إلى ح ٍّد ما مع المع نى اليون اني األرس طي بش ٍ
كل ع ام؛ فقد قلب الف ارابي نظ ام َ
العالقة بين اللفظ والمع نى عند النح ويين ،ف المعنى هو ال ذي يتح ّكم بطبيعة اللفظ [مع نى (فك رة) -
ٍ
مصطلحات كــ(الجوهر ،والعرض ،والموجود) ،كلّها فإن
لفظ (عبارة)-محسوس (شيء)] ،ومن ثم ّ
طية)"
اليونانية (األرس ّ
ّ في يح اكي المع اني
وبع دها فلس ّ
تق من الواقع الم اديُ ،
ألف اظٌ أص لها مش ٌ
فإن إدراك المعاني المختلفة والمتنوعة التي تعنيها
(جهامي ،1990 ،صفحة ،)128-127ومن ثم ّ
الفلسفية التي تتكُئ على تلك األلفاظ.
ّ حد ٍ
كبير في فهم المصطلحات األلفاظ يسهم إلى ٍ
والس ابقة ٍ
بشكل عامّ ، مرةً أخرى إلى أسلوب الفارابي في ترجمة مقوالت أرسطو
وبالنظر ّ
ّ
فإننا نلحظ ما يلي:
خاصّ ،
ّ ٍ
بشكل منها
.1تفريق الف ارابي بين مع اني المص طلح واس تخداماته في اللغ ة ،وفي الفلس فة؛ ف نراه دائم
اللجوء إلى إتباع اللفظ عند اليونان بما يساويه في المعنى عند العرب ومن ذلك:
.2سعيه للتمييز بين معنى المص طلح ليس على صعيد اللغتين المترجم منها والم ترجم إليها
أيض ا،
فقط ،وإ نما يحاول اإلحاطة بمعنى األلفاظ والمصطلحات عند الفئات المستخدمة له ً
كالـ(الجمهور ،والفالسفة ،وأهل الصنائع المختلفة).
الرس م ،والش رح الكب ير؛ فقد ع رض .3اتّبع الف ارابي في ترجمته لمق والت أرس طو أس لوب ّ
وماهي ٍ
ات مس تقلّة عن عباراته ا ،وألفاظه ا، ّ ككلي ٍ
ات لموض وعاته ومعاني ه ،وتعامل معها ّ
الخاص ة؛ فلم يكتف بنص وص أرس طو وإ ّنما ك ان ي ذهب لتأويالتها
ّ ومص طلحاتها ،وبيئاتها
فالمهم عند الفارابي إدراك ما
ّ الشراح (حنفي ،)1981 ،و(عبداهلل)2000 ،؛
المختلفة لدى ّ
قص ده أرس طو ،وليس النقل الح رفي ال ذي قد يخ ّل ب المعنى ،وقد ص ّرح ب ذلك من خالل
"فإنه ليس اقتف اء أرس طوطاليس في ش رح ما كتبه من الق وانين أن تس تعمل عبارته
قول هّ :
إن ذلك من فعل
ظ اهر من فعل ه ،ف ّ
وامثلته بأعيانها حتّى يك ون اقتفاؤنا ّإي اه على حس اب ال ّ
من هو غبي ،بل اقتفاؤه هو أن يحتذي حذوه على حسب مقصوده...كما ّأنه ليس االقتداء
لكن االقت داء به إيض اح ما في
به أن نجعل العب ارة عنها ألهل لس اننا بألف اظ اليون انيينّ ،...
كتبه ألهل ك ّل لسان ألفاظهم المعتادة( ".الفارابي ،1986 ،صفحة ، )69_68و (حمود،
)2003
.4مراع اة الف ارابي الت درج من المع نى الحسي إلى المع نى العقلي للفظ الواح د ،عن طريق
االنتق ال من بي ان المع اني المس تخدمة للفظ الواحد عند أهل اللغ ة ،والفالس فة على ح ّد
اللغوية
ّ دادا لمع اني المص طلحات
س واء ،وما ذلك إال ألن االص طالح الفلس في يش كل امت ً
والكمي ة ،األمر
ّ الكيفية
ّ ردا إياها من لواحقها
العربية المح دودة إلى ما وراء الطبيعة مج ً
ّ
عملية تطوير المصطلحات وما تد ّل عليه( .عفيفي)1997 ،الذي يساهم في ّ
.5لجأ الف ارابي إلى أس لوب الم ترجمين في عص ره ،فع بر عن المص طلحات اليونانية بألف اظ
عربية ت ارةً ،وب التعريب ت ارةً أخ رى ،وب التعريف اللغ وي واالص طالحي ت ارةً ثالث ة ،مع
ّ
التزامه بتوض يحه اللغ وي للمص طلحات الفلس ّفية بما هو موج ود في اللغة نفس ها؛ وذلك
العربي ة ،ومن ثم فقد رف دت ترجمة الف ارابي لما ج اء به أرس طو
ّ بتكثيفه األمثلة من اللغة
دة في االس تعمال ،اس تطاع من خاللها أن يم يزلغوية جدي ٍ
العربية بمص طلحات ّ ّ اللغة
االس تعمال االص طالحي الفلس في للمص طلح من االس تعمال الجمه وري على ح ّد تعب يره،
اللغوية لأللف اظ
ّ تعمالية
ّ األمر ال ذي ي وحي لنا ب وعي الف ارابي الكامل بالفروق ات االس
338 المنارة ،المجلد ،22العدد@ 2016 ،1
المصطلح وترجمته عن اللغات األخرى ......................................................................
نضيد التل
لغويا ويضم نفسه إلى الفالس فة ت ّارةً ،وينف رد برأيه ت ارةً أخ رى،
فهو يج ّرد نفسه من كونه ّ
وأما أنا
وي ةّ .
يتجنبوها ويستعملوا الموجود مكان "هو" والوجود مكان الهُ ّ
وذلك كقوله" :رأى قوم أن ّ
أن اإلنس ان له أن يس تعمل ّأيهما ش اء .ولكن إن يس تعمل لفظة "ه و" فينبغي أن يس تعملها
ف ّإني أرى ّ
على ّأنها اسم ال أداة( "....،الفارابي ،1981 ،صفحة .)115 -114
كيفية بن اء الف ارابي لمص طلحاته المترجمة وتوض يحها
فإننا نلحظ ّالنظر إلى ك ّل ما س بق ّوب ّ
األخص ،وبعرضه لمق والت أرس طو في كتابه الح روف ّ األعم إلى تعليمي ينتقل فيه من بأس ٍ
لوب
ّ ّ
عبر عنه بـ(األجن اس العالي ة) ،وال تي يمكن لب اقي المق والت أن تن درج
األعم أو ما ّ
ّ ك ان قد ابت دأ ب
درج إلى األك ثر خصوص ّية ،مع مالحظتنا لألط وار المختلفة ال تي م ّرت بها ض منها ،ثم ب دأ بالت ّ
يتضمنه من ٍ
فكر ّ المصطلحات عنده حتى استطاع المواءمة بين المصطلح اللغوي العربي وبين ما
االزدواجية
ّ اني؛ حتى أصبح للمصطلح العلمي المترجم أبعاد جديدة ،تتم من خاللها تحقيق تلك
يون ّ
في اللفظ الواحد.
ٍ
مخضرم حاول من خالله أن يؤ ّكد عدم ٍ
بأسلوب فقد تعاطى الفارابي مع عالقة اللغة بالفكر
المعب رة عن الفكر
العربية ّ
ّ أدق المص طلحاتأي منهما عن اآلخ ر؛ عن طريق اختي ار ّ
اس تغناء ٍّ
ٍ
سلس، ٍ
بأسلوب تعكس ثقافة المترجم لها
ُ لتعبر عن ألفاظ ،وتراكيب جديدة،
اليوناني ،وتوسيع اللغة ّ
والحرفية العالية في التّعب ير عن األفك ار المنقولة (جه امي ،)1900 ،األمر ال ذي
ّ يتسم بالوض وح،
أثبت خطأ أبي بشر م تى بن ي ونس القن ائي حين ق ال في مناظرته مع أبي س عيد الس يرافي :أن ال
العربية أن يع رف االسم والفعل والح رف،
ّ وأنه يكفيه من
حاجة ب المنطقي إلى تعلّم اللغة وألفاظه اّ ،
ٍ
أغراض قد هذبها المنطق اليوناني( .التوحيدي)1900 ، فإنه يستعين بهذا القدر إلى
ّ
إن س المة اللغة ودقّة التعب ير
وقد ك ان وض وح اللغة دلياًل على وض وح الفك رة ،ومن ثم ف ّ
يبحث عن أمثلته في اللغة
ُ طا وثيقًا بس المة التفك ير ،وك ان الف ارابي في ك ّل ذلك
ترتبط ان ارتبا ً
اليوناني ة ،من أجل توض يح الفك رة وتقريبها إلى أذه ان
ّ أيض ا إلى نظائرها في اللغة
العربي ة ،ويش ُير ً
ّ
المتعلّمين( .خليفة)1988 ،
وعلى ال ّرغم من ك ّل ذلك فقد اتّهم محقّق كت اب (تلخيص مق والت أرس طو البن رش د)
بأنها محدودة القيمة لمن ينشد فهم مقوالت أرسطو؛ ففي
مؤلفات الفارابي الشارحة لمقوالت أرسطو ّ
ال وقت ال ذي يفص ل فيه أرس طو الق ول في أربع مق ٍ
والت فقط وهي :الج وهر ،والكم ،واإلض افة، ّ
يفصل القول في المقوالت العشر كاملة دون اإلشارة إلى سكوت أرسطو عن
فإن الفارابي ّ
والكيفية؛ ّ
ّ
الستّة الباقية ،كما يتهمون الفارابي بتغيير ترتيب أقوال أرسطو دون توضيح علّة وقيمة ذلك!!! كما
يتح دثون عن حذفه الق ول في األسماء المتفق ة ،واألسماء المتواطئة ،واألس ماء المش تقة ،على ال رغم
من أنها األق وال ال تي ب دأ فيها أرس طو كتابه (المق والت) دون تق ديم تفس ير ل ذلك ،إض افةً إلى قي ام
الفارابي بالحذف من جهة ،واإلضافة في جهة أخرى( .ابن رشد)1980 ،
الص دد ،فال يجوز أن نحكم عليه بالتّقصير ولكننا نقف إلى جانب أبي نصر الفارابي في هذا ّ
النص األص لي ألرس طو؛ أو حذفه بعض ما ج اء في كت اب في اإلفه ام لمج ّرد مخالفته ت رتيب ّ
مزيجا من
ً المق والت؛ فالف ارابي في كتابه (الح روف) لم ي تر ِجم ً
كتابا بعين ه ،وإ ّنما ج اء كتابه ليش ّكل
آراء أرسطو في كتبه (المقوالت ،وما بعد الطبيعة ،والبرهان ،وحتّى كتاب العبارة) ،وإ ن كان جلّه
طبيعة) ،هذا من جانب. ترجمةً لكتابي (المقوالت ،وما بعد ال ّ
ومن ج ٍ
انب آخر فقد حقّق الف ارابي-بثقافته العالي ة ،وبس عة اطّالعه على اللغ ات األخ رى،
الدقيقة لمص طلحات أرس طو ،-ش روط التّرجم ة؛ في كونه متم ّكًنا من اللغ تين الم ترجم وترجمته ّ
بحرفي ٍة كما فعل أوائل
ّ منه ا ،والم ترجم إليه ا ،فال ُيش ترط بعد ذلك أن يتّبع أس لوب أرس طو
المترجمين وال ّشراح.
"أنه
الطيب البغ دادي ت( 435هـ1043-م) عن أس لوب أرس طو في مقوالت هّ :
يق ول ابن ّ
والرسم" (البغدادي ا ،2002 ،.صفحة ،)211 يسلك في إيضاح ما يوضحه منها ،طريقتي القسمة ّ
الرسم والتّفس ير في ترجمته لمق والت أرس طو؛ فهي ترجم ةٌ تق وم على
أما الف ارابي فقد اتّبع أس لوب ّ
ّ
الوصف وال ّشرح في ٍ
كثير من األحيان.
الس ابقون له من
عما قام به ّ ٍ
أن الفارابي عندما ألّف كتاب (الحروف) لم يكن بمعزل ّ
ك ّوال ش ّ
مولية اس تطاع من خاللها أن يب ني ترجم ٍة وش ٍ
رح لكتب أرس طو ،األمر ال ذي ش ّكل لديه نظ رةً ش ّ
أحيان ا ،وذلك كت أثّره ببعض المص طلحات ال واردة عند
الس ابقين ً
ترجمته بالت أثّر بما اقتنع به من ّ
حي ان ت(199هـ815-م) ،ويعق وب بن اس حق الكن دي ت( الس ابقين له أمث ال( :ج ابر بن ّ
الفالس فة ّ
والص ورة ،والعنص ر،
ّ 256هـ873-م) ،ومنه ا( :الح ّد ،والفلس فة ،والج وهر ،والفاع ل ،والمنفع ل،
والمماسة.)....،
ّ والقوة ،والمحال،
والكيفيةّ ،
ّ والكمية،
ّ
أحيانا أخرى ،ومن األدلّة على ذلك
أو انتقادهم وتخطئتهم ،واإلتيان بما هو أصلح في نظره ً
الص ناعة أن يس تعمل
يعرفه في أوائل ه ذه ّ
مما ّ ولما ك انت ع ادة أرس طاطاليس في كث ٍ
ير ّ قول هّ ،..." :
أن المقاييس
فظن وا ّ
يسمى إبدال األلفاظ ،غلط لذلك ج ّل من تكلّف تفسير كتابهّ ،
فيه نحو التّعليم الذي ّ
341 المنارة ،المجلد ،22العدد@ 2016 ،1
المصطلح وترجمته عن اللغات األخرى ......................................................................
نضيد التل
وأجزاءها هي األلف اظ ال تي أب دلها أرس طاطاليس في التّعليم مك ان المعق والت ،...،فالمق اييس هي
ٍ
شيء آخر قد كان يجهله النفس متى ترتّبت ذلك الترتيب أشرف الذهن بها على معقوالت ترتّب في ّ
ٌ
من قبل فيعلمه اآلن( ".الفارابي)1900 ،
ظا مثل( :وآخرون
طالع الفارابي على ما جاء به السابقون ،استخدامه ألفا ً
ومن األدلّة على ا ّ
الس ابقين له
والنحوي ون) ،أو ذكره أسماء بعض المفسرين الشارحين ّ
ّ قوم زعموا ،والقدماء،
يرونٌ ،
مثل( :اإلسكندر األفروديسي ،وبارمنديس ،وأنطستانس األثيني).
امتد أثره
كبيرا ّ ٍ
أن له فضاًل ً
الرغم من ك ّل ما قد ُيثار حول الفارابي من مغالطات إاّل ّ
وعلى ّ
كثير من علماء وفالسفة المسلمين قد تناولوا مق والت
ليطال من بعده من فالسفة ومفكرين ،وإ ن كان ٌ
يعد مرحلةً ال يمكن االستغناء عنها في ذلك( .البليدي)1974 ،
أرسطو في مؤلفاتهم ،إاّل أن الفارابي ّ
ظٍم يض بط حركة ترجمة المص طلحات ،وفق فقد ك ان للف ارابي الفضل في التأس يس ٍ
لعلم من ّ
قواعد ما زال الم ترجمون يتبعونها إلى يومنا ه ذا ،وقد أثبت البحث دور الف ارابي في إثب ات م رور
المادية إلى
ّ األلف اظ المص طلحات بمراحل تنتقل فيها من العم وم إلى الخص وص ،ومن المس تويات
بعيدا
التركيبية المختلفة عند مستخدمي تلك المصطلحاتً ،
ّ للس ياقات والبنى
تبعا ّ
الذهنية؛ ً
ّ المستويات
السابقين للفارابي.
الحرفية التي ظهرت عند ّ
ّ التبعية والترجمة
ّ عن
المصادر والمراجع:
العامة للكت اب،
رية ّ األعس م ،عبد األم ير ،المص طلح الفلس في عند الع رب ،الهيئة المص ّ -
القاهرة1989 ،م.
اإللهي ة ،تحقي ق :ماجد فخ ري ،دار
ّ ابن باجة ،محمد بن يح يى األندلس ي ،رس ائل ابن باج ة -
النهار ،بيروت1968 ،م.
ّ
بشر ،كمال ،دراسات في علم اللغة ،دار غريب للطباعة والنشر1998 ،م. -
البغدادي ،أبو البركات هبة اهلل بن علي بن ملكا ،المعتبر في الحكمة ،جمعية دائرة المعارف -
العثمانية ،حيدر آباد1357 ،هـ.
الش رح الكب ير لمق والت أرس طو ،تحقي ق :علي
الطيبّ ،
البغ دادي ،أبو الف رج عبد اهلل بن ّ -
حسين الجابري وآخرين ،بيت الحكمة ،بغداد2002 ،م.
النجاح ،بيروت1974 ،م.
البليدي ،محمد الحسني ،المقوالت العشر ،دار ّ -
التوحي دي ،أبو حي ان علي بن محم د ،اإلمت اع والمؤانس ة ،تحقي ق :أحمد أمين ،وأحمد زين، -
دار مكتبة الحياة ،بيروت1900 ،م.
الجاح ظ ،أبو عثم ان عم رو بن بح ر ،الحي وان ،تحقي ق :عبد الس الم ه ارون ،دار الجي ل، -
بيروت1988 ،م.
الجميلي ،رشيد ،حركة الترجمة في المشرق اإلسالمي في القرنين الثالث والرابع للهجرة، -
دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد1986 ،م.
المصرية ،القاهرة1981 ،م.
ّ شارحا ألرسطو ،مكتبة األنجلو
ً حنفي ،حسن ،الفارابي -
الحم د ،محمد عبد الحمي د ،ح وار األمم (ت اريخ الترجمة واإلب داع عند الع رب والس ريان)، -
المدى للطباعة والنشر ،دمشق2001 ،م.
ابن رشد ،أبو الوليد محمد بن أحمد ،تلخيص كتاب المقوالت ،تحقيق :محمود قاسم ،الهيئة -
العامة للكتاب1980 ،م.
المصرية ّ
ّ
الزعبي ،زياد ،المثاقفة وتحوالت المصطلح ،وزارة الثقافة ،األردن-عمان2007 ،م. -
العربية في الق ديم والح ديث،
ّ العلمية في اللغة
ّ الش هابي ،األم ير مص طفى ،المص طلحات -
دمشق ،المجمع العلمي العربي ،ط1965 ،2م.
عبداهلل ،محمد فتحي ،م ترجمو وش ّراح أرس طو ع بر العص ور ،دار الوف اء ل دنيا الطباعة -
االسكندرية2000 ،م.
ّ والنشر،
عفيفي ،زينب ،فلسفة الّلغة عند الفارابي ،دار قباء ،القاهرة1997 ،م. -
الربوبي ة ،جامعة
ّ العم رو ،آم ال بنت عبد العزي ز ،األلف اظ والمص طلحات المتعلقة بتوحيد -
المية وكرسي األم يرة عن ود بنت عبد العزيز لدراس ات العقي دة
ّ محمد بن س عود اإلس
والمذاهب المعاصرة1433 ،هـ.
العربي ة ،ترجم ة :نق وال زي ادة ،مركز دراس ات
ّ غوت اس ،ديم تري ،الفكر اليون اني والثقافة -
العربية ،بيروت2003 ،م.
ّ الوحدة
الف ارابي ،أبو نص ر ،األلف اظ المس تعملة في المنط ق ،تحقي ق :محسن مه دي ،دار المش رق، -
بيروت1900 ،م.
الفارابي ،الحروف ،تحقيق :محسن المهدي ،دار المشرق ،بيروت1900 ،م. -
األبحاث العلميّة:
فلسفيةٌ أم فلسفة لغة؟ حوليات فرع الآداب العربية
ّ جهامي ،جرار" ،حروف" الفارابي :لغ ةٌ -
(معهد اآلداب الشرقية)1990 ،م.133- 125 ،)5( 5 ،
حم ود ،جم ال ،الف ارابي بين المنطق األرس طي والنحو الع ربي ،مجلة الجمعية الفلس فية -
المصرية2003 ،م.122-109 ،)12( 12 ،
العربية
ّ والنحو في فكر الف ارابي الفيلس وف ،مجلّة مجمع اللغة
خليف ة ،عبد الك ريم ،اللغة ّ -
األردني1988 ،م.26-11 ،)34( 12 ،
نظرية الح ّد عند المناطقة الع رب ،ليبيا المس تقبل-من بر الكتّ اب ،ليبي ا،
ّ الخويل دي ،زه ير، -
2007م.
الهوامش: