You are on page 1of 5

‫مثَّلت ثورة ‪ ،1919‬نقطة فارقة في لفت عناية‬

‫االحتالل إلى مكامن قوة الشعب المصري‪ ،‬وهي‬


‫اإلنسان الرافض للظلم واالحتالل واالستغالل‪،‬‬
‫فحاول امتصاص غضب الشعب وأبدى اهتما ًما‬
‫شكليًّا بالتعليم‪ ،‬حتى تهدأ ثورة الشعب على سوء‬
‫األوضاع االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ .‬فعمل‬
‫على إنشاء بعض المدارس وتطوير الكتاتيب‪،‬‬
‫سلَّم التعليمي في هيكل التعليم‬
‫والتغيير في ال ُ‬
‫المصري‪.‬‬
‫ومن اآلثار الواقعة لثورة ‪ 1919‬تصريح ‪ 28‬فبراير‬
‫‪ ،1922‬الذي تض َّمن إلغاء الحماية على مصر‪ ،‬وإن‬
‫كان ذلك اإللغاء شكليًّا إال أن ضرورته تتَّضح من‬
‫صة بالتعليم كما سنتناولها‬
‫عدد من المكاسب الخا َّ‬
‫الحقًا‪ ،‬وبدء التفكير السياسي لتقديم إصالحات في‬
‫مجال التعليم كما ظهر عند محمد فريد‪ ،‬وكذلك إسناد‬
‫التعليم إلى وزارة المعارف المصرية ‪-‬حتى ولو كان‬
‫ضا‪ -‬إال أنه كان سببًا في طرح‬ ‫من الناحية الشكلية أي ً‬
‫خطط لإلصالح التعليمي في هذه الفترة‪ .‬ونتناول‬
‫المتغيرات السياسية في تلك الفترة‬
‫ِّ‬ ‫فيما يلي أه َّم‬
‫وتأثيراتها على التعليم‪.‬‬
‫أ) دستور ‪ 1923‬والتعليم‬
‫صدر دستور ‪ 1923‬وتض َّمن ألول مرة رسم مالمح‬
‫ً‬
‫مدلوال‬ ‫أساسية للتعليم قبل العالي‪ ،‬ومثَّل في ذلك‬
‫سياسيًّا مه ًّما لكافَّة الجهود الشعبية وغير الشعبية‬
‫التي تو َّجهت لإلصالح التعليمي‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫ظل هذا الدستور‬‫المدلول القانوني‪ ،‬حيث صدر في ِّ‬
‫عدد من القوانين المنظمة للتعليم بصفة خاصة‪.‬‬
‫وأشار في ذلك دستور ‪ 1923‬إشارات واضحة في‬
‫موادِّه كما يلي‪( :‬مادة ‪ :17‬التعليم حر ما لم يخل‬
‫بالنظام العام أو يناف اآلداب‪ /‬مادة ‪ :18‬تنظيم أمور‬
‫التعليم العام يكون بالقانون‪ /‬مادة ‪ :19‬التعليم األولي‬
‫إلزامي للمصريين من بنين وبنات وهو مجاني في‬
‫المكاتب العامة)‪.‬‬
‫إن صدور دستور ‪ 1923‬لم يمنع اإلنجليز من‬
‫التح ُّكم في مسار التعليم المصري‪ ،‬فمع صدور‬
‫األولي سارت سياسة التعليم بنفس‬
‫قانون التعليم َّ‬
‫الطريقة التي رسمها االحتالل من حيث التمييز‬
‫الطبقي بين التعليم الخاص والتعليم الحكومي‪ ،‬أي‬
‫البقاء على أحد أشكال االزدواجية في التعليم‬
‫المصري وتكريسها حتى مع صدور دستور وطني‪.‬‬
‫ومع النشاط السياسي الملحوظ نحو االستقالل‬
‫قوتها الناعمة في‬
‫الكامل‪ ،‬كانت بريطانيا تزيد من َّ‬
‫مجال التعليم باالنتشار في التعليم األجنبي‪ ،‬وتأسيس‬
‫المدارس األجنبية‪ ،‬وإحكام السيطرة على تعيين‬
‫المعلمين في المدرسة االبتدائية والمدارس العالية‪،‬‬
‫ِّ‬
‫والذين غالبًا يكونون من األجانب أو من الموالين‬
‫لهم‪.‬‬
‫ب) التعليم بعد دستور ‪1923‬‬
‫َمثَّلَت سنة ‪ 1925‬تاري ًخا حاس ًما للتعليم المصري‪،‬‬
‫ففي هذه السنة اجتاحت وزارة المعارف هزة عنيفة‬
‫كل مراحل التعليم وفروعه‪ ،‬فبدأت‬ ‫امتدَّت إلى ِّ‬
‫بأنظمة التعليم االبتدائية والثانوية ومناهجها‪ ،‬وبدأت‬
‫سع في نشرهما‪ ،‬وفي السنة نفسها فتحت‬ ‫سياسة التو ُّ‬
‫الجامعة المصرية على نظامها الجديد بعد أن‬
‫تسلَّمتها الحكومة المصرية‪ ،‬كما عنيت وزارة‬
‫المعارف بإصالح المدارس العليا التي لم تلحق‬
‫سعت في إرسال البعوث العلمية‪.‬‬ ‫بالجامعة‪ ،‬وتو َّ‬
‫نص‬ ‫كذلك اتَّجه االهتمام في تلك السنة إلى تنفيذ ِّ‬
‫الدستور‪ ،‬فيما يتعلَّق بجعل التعليم األولي إلزاميًّا‪،‬‬
‫عا لتعميم هذا التعليم‪ ،‬للبنيين‬‫فوضعت الوزارة مشرو ً‬
‫والبنات‪ ،‬باالشتراك مع مجالس المديريات‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن هذا المشروع‪ ،‬زاد في التمييز‬
‫بين التعليم االبتدائي الممتاز‪ ،‬والتعليم الشعبي‪ ،‬كما‬
‫اتَّجهت سياسة الوزارة‪ ،‬إلى االلتفاف حول مجانية‬
‫التعليم الشعبي‪ ،‬وتوجيه اعتمادات التعليم إلى التعليم‬
‫الخاص‪ ،‬فقد كانت وزارة المعارف تبذل في سبيل‬
‫سع في التعليم الثانوي والجامعي أكثر م َّما تبذل‬ ‫التو ُّ‬
‫سع في التعليم االبتدائي‪.‬‬
‫في التو ُّ‬
‫ج) المد الشعبي الثوري ومكاسب تعليمية‬
‫استطاع المد الشعبي الثوري ‪-‬الناتج عن ثورة‬
‫‪ -1919‬وما بعدها أن يحصل على بعض المكاسب‬
‫التعليمية نوردها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬في سنة ‪ 1938‬حظيت وزارة المعارف بأول‬
‫شقَّ ِّة الخالف بين التعليم األولي‬
‫خطوة نحو تقريب ُ‬
‫واالبتدائي‪ ،‬فألغت تدريس اللغة األجنبية من منهج‬
‫السنة األولى االبتدائية‪ ،‬وجعلت تدريسها يبدأ من‬
‫السنة الثانية‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد التعليم اإللزامي (‪ )1940‬والتعليم‬
‫االبتدائي‪ ..‬وأن تكون مدة التعليم اإللزامي ست‬
‫سنوات يعادل مرحلتي رياض األطفال والتعليم‬
‫االبتدائي‪.‬‬
‫‪ -3‬قررت الوزارة (‪ )1944‬إلغاء المصروفات‬
‫الدراسية من التعليم االبتدائي تطبيقًا لمبدأ تكافؤ‬
‫الفرص‪.‬‬
‫‪ -4‬في عام (‪ )1945‬ألغيت اللغة األجنبية من السنة‬
‫الثانية‪ ،‬فأتاح ذلك للتالميذ في المدارس األولية أن‬
‫يلتحقوا بالتعليم االبتدائي حتى سن العاشرة‪.‬‬
‫كما َق َّر َر المجلس األعلى للتعليم (‪ )1946‬أن تكون‬
‫المرحلة األولى من سن ‪ 12 – 6‬دون لغة أجنبية‪،‬‬
‫وأن تهيأ للجميع بحيث تكون مرحلة (الشعب)‬
‫جميعه وأن تقدم له جميع ما يلزم من وسائل التربية‬
‫والتعليم حسب قدرة وميزانية الدولة‪ .‬وفي سنة‬
‫(‪ )1949‬أعفي اآلباء وأولياء األمور من نفقات‬
‫الكتب المدرسية والتغذية‪ ،‬وفي سنة (‪ )1951‬صدر‬
‫قانون التعليم االبتدائي رقم (‪ )143‬وبمقتضى هذا‬
‫القانون فإن مدارس المرحلة األولى جميعًا اندمجت‬
‫في نظام واحد أطلق عليه “المدرسة االبتدائية”‪.‬‬

You might also like