You are on page 1of 25

‫مصادر التشريع اإلسالمي‪ 

‬‬

‫‪-‬أ‪ -‬المصادر المتفق عليها‬

‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‬

‫‪ -1‬تعريفه‪[ :‬هو كالم هللا تعالى المعجز المنزل على س‪$‬يدنا محم‪$‬د‪  ‬باللف‪$‬ظ الع‪$‬ربي‪ ،‬المنق‪$‬ول إلين‪$‬ا ب‪$‬التواتر‪،‬‬
‫المكتوب بالمصاحف‪ ،‬المتعبد بتالوته‪ ،‬المبدوء بسورة الفاتحة‪ ،‬المختوم بسورة الناس]‪.‬‬

‫‪ -2‬حجيته‪ :‬اتفق جميع المسلمين على حجية الق‪$$‬رآن الك‪$$‬ريم‪ ،‬ووج‪$$‬وب العم‪$$‬ل بمقتض‪$$‬ى ك‪$$‬ل حكم ورد في‪$$‬ه‪،‬‬
‫ويعد المرجع األول الذي يعود إليه المجتهد لمعرفة حكم هللا‪ ،‬وال ينتقل إلى غيره من المصادر إال عن‪$$‬د ع‪$$‬دم‬
‫وجود الحكم المبتغى فيه‪.‬‬

‫‪ -3‬بعض وجوه إعجازه‪ :‬اقتضت حكمة هللا عز و جل أن يؤيد أنبياءه ورس‪$$‬له ب‪$$‬المعجزات للدالل‪$$‬ة على أن‪$$‬ه‬
‫مرسلهم ومكلفهم بتبليغ دينه‪ ،‬وقد خص هللا الرسول محمدا صلى هللا عليه وسلم ب‪$$‬أعظم معج‪$$‬زة تمثلت في‬
‫"القرآن الكريم"‪.‬‬

‫وليس سهال أن أتناول جمي‪$$‬ع وج‪$$‬وه اإلعج‪$$‬از في الق‪$$‬رآن‪ ،‬ل‪$$‬ذلك أكتفي ب‪$$‬ذكر بعض‪$$‬ها اختص‪$$‬ارا على الوج‪$$‬ه‬
‫اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ .‬فصاحة ألفاظه وبالغة عبارات‪$‬ه‪ :‬وق‪$‬د بل‪$‬غ الق‪$‬رآن في ذل‪$‬ك أعلى المس‪$‬تويات‪ ،‬وب‪$‬ذلك ش‪$‬هد علم‪$‬اء اللغ‪$‬ة‬
‫وأئم‪$$‬ة البي‪$$‬ان‪ ،‬وق‪$$‬د تح‪$$‬دى هللا الع‪$$‬رب وهم عمالق‪$$‬ة الفص‪$$‬احة والبالغ‪$$‬ة باإلتي‪$$‬ان بمث‪$$‬ل الق‪$$‬رآن فعج‪$$‬زوا‪ ،‬ثم‬
‫تحداهم بأن يأتوا بعشر سور فلم يقدروا‪ ،‬ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة فعجزوا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫آن اَل َي‪ْ $‬أ ُتونَ بِ ِم ْثلِ‪ِ $‬ه َولَ‪$ْ $‬و َك‪$$‬انَ َب ْع ُ‬
‫ض‪ُ $‬ه ْم لِ َب ْع ٍ‬
‫ض‬ ‫‪$‬ذا ا ْلقُ‪$ْ $‬ر ِ‬ ‫نس َوا ْل ِجنُّ َعلَى َأنْ َي‪ْ $‬أ ُتوا بِ ِم ْث‪ِ $‬‬
‫‪$‬ل َه‪َ $‬‬ ‫﴿قُ‪$‬لْ لَِئنْ ْ‬
‫اج َت َم َعتْ اِإْل ُ‬
‫يرا﴾ [سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.]88‬‬ ‫َظ ِه ً‬

‫ُون هَّللا ِ ِإنْ ُكن ُت ْم َ‬


‫ص‪$‬ا ِدقِينَ ﴾‬ ‫اس‪َ $‬ت َط ْع ُت ْم مِنْ د ِ‬ ‫س َو ٍر ِم ْثلِ ِه ُم ْف َت َر َي‪$$‬ا ٍ‬
‫ت َوادْ ُع‪$$‬وا َمنْ ْ‬ ‫﴿َأ ْم َيقُولُونَ ا ْف َت َراهُ قُلْ َفْأ ُتوا ِب َع ْ‬
‫ش ِر ُ‬
‫[سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]13‬‬

‫ُون هَّللا ِ ِإنْ ُك ْن ُت ْم َ‬


‫ص‪$‬ا ِدقِينَ ﴾ [س‪$$‬ورة ي‪$‬ونس‪،‬‬ ‫اس‪َ $‬ت َط ْع ُت ْم مِنْ د ِ‬
‫ور ٍة ِم ْثلِ ِه َوادْ ُع‪$‬وا َمنْ ْ‬
‫س َ‬‫﴿ َيقُولُونَ ا ْف َت َراهُ قُلْ َفْأ ُتوا ِب ُ‬
‫اآلية ‪.]38‬‬

‫ب ِم َّما َن َّز ْل َن‪$$‬ا‬


‫﴿وِإنْ ُكن ُت ْم فِي َر ْي ٍ‬
‫ثم يؤكد عجز البشر عن اإلتيان بس‪$$‬ورة واح‪$$‬دة ‪ -‬حاض‪$$‬را ومس‪$$‬تقبال ‪ -‬فق‪$$‬ال‪َ  :‬‬
‫ُون هَّللا ِ ِإنْ ُكن ُت ْم َ‬
‫صا ِدقِينَ * َفِإنْ َل ْم َت ْف َعلُوا َولَنْ َت ْف َعلُوا‬ ‫اء ُك ْم مِنْ د ِ‬ ‫ور ٍة مِنْ ِم ْثلِ ِه َوادْ ُعوا ُ‬
‫ش َهدَ َ‬ ‫س َ‬‫َعلَى َع ْب ِد َنا َفْأ ُتوا ِب ُ‬
‫ارةُ ُأعِ دَّ تْ لِ ْل َكاف ِِرينَ ﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآليتان ‪.]24 -23‬‬ ‫اس َوا ْلح َِج َ‬‫ار الَّتِي َوقُو ُدهَا ال َّن ُ‬‫َفا َّتقُوا ال َّن َ‬

‫ب‪ .‬اإلخبار عن المغيبات‪:‬‬

‫ض‬ ‫‪$‬رو ُم* فِي َأدْ َنى اَأْل ْر ِ‬ ‫‪ -‬إخبار هللا تعالى عن انتصار الروم على الف‪$$‬رس قب‪$$‬ل وق‪$$‬وع الح‪$$‬رب‪﴿ :‬الم* ُغلِ َبتْ ال‪ُّ $‬‬
‫ْ‬
‫ح ال ُمْؤ ِم ُن‪$$‬ونَ * ِب َن ْ‬
‫ص‪ِ $‬ر‬ ‫‪$‬ر ُ‬ ‫ض ِع سِ نِينَ هَّلِل ِ اَأْل ْم ُر مِنْ َق ْب‪ $‬ل ُ َومِنْ َب ْع‪ُ $‬د َو َي ْو َمِئ ٍذ َي ْف‪َ $‬‬
‫س َي ْغلِ ُبونَ * فِي ِب ْ‬ ‫َو ُه ْم مِنْ َب ْع ِد َغلَ ِب ِه ْم َ‬
‫الرحِي ُم﴾ [سورة الروم‪ ،‬اآليات ‪.]5 -1‬‬ ‫شا ُء َوه َُو ا ْل َع ِزي ُز َّ‬‫ص ُر َمنْ َي َ‬ ‫هَّللا ِ َين ُ‬

‫اء هَّللا ُ آ ِمنِينَ‬ ‫الرْؤ َي‪$‬ا ِب‪$‬ا ْل َحقِّ َل َت‪$$‬دْ ُخلُنَّ ا ْل َم ْس‪ِ $‬جدَ ا ْل َح‪َ $‬را َم ِإنْ َ‬
‫ش‪َ $‬‬ ‫صدَ قَ هَّللا ُ َر ُ‬
‫سولَ ُه ُّ‬ ‫‪ -‬إخبار هللا عن فتح مكة‪﴿ :‬لَ َقدْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُون ذلِ‪َ $‬ك ف ْت ًح‪ $‬ا ق ِري ًبا﴾ [س‪$‬ورة الفتح‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص ِرينَ اَل َت َخ‪ $‬افونَ ف َعلِ َم َم‪$$‬ا لَ ْم َت ْعلَ ُم‪$‬وا ف َج َع‪ $‬لَ مِنْ د ِ‬ ‫وس ُك ْم َو ُم َق ِّ‬
‫ُم َحلِّقِينَ ُر ُء َ‬
‫اآلية ‪.]27‬‬
‫‪ -‬اإلخبار بواقعات وحوادث وقعت سابقا‪ ،‬نجد لها أثرا في الص‪$$‬حيح من الكتب الس‪$$‬ماوية‪ ،‬كم‪$$‬ا قص الق‪$$‬رآن‬
‫ب ُنوحِي َها ِإلَ ْي َك َما ُكنتَ َت ْعلَ ُم َه‪$$‬ا َأ ْنتَ َواَل َق ْو ُم‪َ $‬ك مِنْ‬‫أخبار األنبياء مع أقوامهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬تِ ْل َك مِنْ َأ ْنبَاءِ ا ْل َغ ْي ِ‬
‫اص ِب ْر ِإنَّ ا ْلعاقِ َب َة لِ ْل ُم َّتقِينَ ﴾ [سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]49‬‬
‫َق ْب ِل ه ََذا َف ْ‬

‫ج‪ .‬اشتماله على األحكام الشرعية المختلفة المتعلقة بالعقيدة والعبادة و األخالق والمعامالت‪.‬‬

‫الذ ْك َر َوِإ َّنا لَ ُه لَ َحافِ ُظونَ ﴾ [سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.]9‬‬


‫د‪ .‬بقاؤه وخلوده‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى‪ِ﴿ :‬إ َّنا َن ْحنُ َن َّز ْل َنا ِّ‬

‫ﻫ‪ $.‬اإلعجاز‪ $‬العلمي‪ $‬في‪ $‬القرآن‪ $‬الكريم‪ $:‬إن‪ $‬القرآن‪ $‬الكريم‪ $‬كتاب‪ $‬هداية‪ $‬وتشريع‪ $،‬ولكن‪ $‬هذا‪ $‬ال يمنع‪ $‬من‪ $‬وجود‬
‫‪$‬رى الَّذِينَ َك َف‪ُ $‬روا َأنَّ‬ ‫إشارات إلى حقائق علمية أك‪$$‬دها العلم الح‪$$‬ديث‪ ،‬من ذل‪$$‬ك مثال في قول‪$$‬ه تع‪$$‬الى‪َ﴿ :‬أ َولَ ْم َي‪َ $‬‬
‫ش ْيءٍ َح ٍّي َأ َفاَل ُيْؤ ِم ُنونَ ﴾ [سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‬ ‫ت َواَأْل ْر َ‬
‫ض َكا َن َتا َر ْت ًقا َف َف َت ْق َنا ُه َما َو َج َع ْل َنا مِنْ ا ْلمَاءِ ُكل َّ َ‬ ‫الس َم َاوا ِ‬‫َّ‬
‫‪ ،] 30‬وفي هذه إشارة إلى أن األرض كانت جزءا من المجموعة الشمسية‪ ،‬ثم انفصلت عنها لتكون صالحة‬
‫‪$‬ردْ َأنْ‬
‫ص‪$‬دْ َرهُ لِِإْل ْس‪$‬اَل ِم َو َمنْ ُي‪ِ $‬‬ ‫ش‪َ $‬ر ْح َ‬‫الستقبال اإلنسان على ظهرها‪ ،‬و قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ف َمنْ ُي ِردْ هَّللا ُ َأنْ َيه ِد َي‪ُ $‬ه َي ْ‬
‫س َعلَى الَّذِينَ اَل ُيْؤ ِم ُن‪$‬ونَ ﴾‬ ‫‪$‬ذلِ َك َي ْج َع‪ $‬ل ُ هَّللا ُ ِّ‬
‫ال‪$‬ر ْج َ‬ ‫الس‪$‬مَاءِ َك َ‬ ‫ص‪َّ $‬ع ُد فِي َّ‬ ‫ض‪ِّ $‬ي ًقا َح َر ًج‪ $‬ا َكَأ َّن َم‪$‬ا َي َّ‬ ‫ُيضِ لَّ ُه َي ْج َعلْ َ‬
‫ص‪$‬دْ َرهُ َ‬
‫[سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪ ،]125‬ففي ه‪$$‬ذه اآلي‪$$‬ة إش‪$$‬ارة إلى ش‪$$‬عور اإلنس‪$$‬ان بنقص األكس‪$$‬جين كلم‪$$‬ا ارتقى في‬
‫ش ْيءٍ َخلَ ْق َنا َز ْو َج ْي ِن َل َعلَّ ُك ْم َت َذ َّك ُرونَ ﴾ [س‪$$‬ورة ال‪$$‬ذاريات‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪،]49‬‬ ‫﴿ومِنْ ُكل ِّ َ‬ ‫أجواء السماء‪ ،‬و قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫ض َومِنْ َأنفُ ِس ‪ِ $‬ه ْم َو ِم َّما اَل َي ْعلَ ُم‪$$‬ونَ ﴾ [س‪$$‬ورة يس‪،‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫ر‬ ‫َأْل‬ ‫ا‬ ‫تُ‬‫ب‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫َّ ِ‬‫ُ‬
‫ت‬ ‫ا‬‫م‬‫م‬‫ِ‬ ‫‪$‬ا‬ ‫‪$‬‬‫﴿س ‪ْ $‬ب َحانَ الَّذِي َخلَ‪$$‬قَ اَأْل َ َ َ‬
‫ه‬ ‫َّ‬ ‫ل‬‫ك‬‫ُ‬ ‫اج‬ ‫و‬ ‫ْ‬
‫ز‬ ‫وقول‪$$‬ه‪ُ  :‬‬
‫‪$‬ع عِ َظا َم‪ $‬هُ*‬ ‫نس‪$‬انُ َألَّنْ َن ْج َم‪َ $‬‬ ‫ب اِإْل َ‬‫س‪ُ $‬‬‫اآلية ‪ ،]36‬إشارة إلى انبثاث الزوجية في كل شيء‪ ،‬وقول‪$$‬ه تع‪$$‬الى‪َ﴿ :‬أ َي ْح َ‬
‫ي َب َنا َن ُه﴾ [سورة القيامة‪ ،‬اآليات ‪ ،]4-3‬إشارة إلى اختالف بصمات البشر‪.‬‬ ‫َبلَى َقاد ِِرينَ َعلَى َأنْ ُن َ‬
‫س ِّو َ‬

‫‪ -4‬حكمة نزول القرآن منجما‪:‬‬

‫اقتضت حكمة هللا عز وجل أن ينزل القرآن مفرقا مستغرقا م‪$$‬دة الرس‪$$‬الة كله‪$$‬ا‪ ،‬وذل‪$$‬ك لحكم يمكن تلخيص‪$$‬ها‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫‪$‬ة َواحِ‪$‬دَ ًة‬ ‫‪$‬زلَ َعلَ ْي‪ِ $‬ه ا ْل ُق‪$ْ $‬رآنُ ُج ْملَ‪ً $‬‬
‫﴿و َقالَ الَّذِينَ َك َف ُروا لَ ْ‪$‬واَل ُن ِّ‬ ‫أ‪ .‬تثبيت قلب النبي‪ : ‬ويتجلى ذلك في قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫َك َذلِ َك لِ ُن َث ِّبتَ ِب ِه فَُؤ ادَ َك َو َر َّت ْل َناهُ َت ْرتِياًل ﴾ [سورة الفرقان‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪ ،]32‬وحينم‪$$‬ا ت‪$$‬نزل اآلي‪$$‬ات على الن‪$$‬بي‪ ‬يق‪$$‬وى‬
‫س ‪ِ $‬ل‪﴾...‬‬ ‫ص ‪َ $‬ب َر ُأ ْولُ‪$$‬وا ا ْل َع‪ْ $‬ز ِم مِنْ ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫صبره‪ ،‬وتشحذ همته‪ ،‬كيف ال وهللا يخاطبه بمثل هذه اآليات‪َ ﴿:‬ف ْ‬
‫اص ِب ْر َك َما َ‬
‫س ِّب ْح ِب َح ْم ِد َر ِّب َك حِينَ َتقُو ُم﴾ [س‪$$‬ورة الط‪$$‬ور‪،‬‬ ‫اص ِب ْر لِ ُح ْك ِم َر ِّب َك َفِإ َّن َك ِبَأ ْع ُينِ َنا َو َ‬
‫﴿و ْ‬‫[سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪َ ،]35‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اء َك فِي َه‪ِ $‬ذ ِه ال َح‪ $‬قُّ َو َم ْوعِ ظ‪ $‬ة َوذ ِْك‪َ $‬رى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س ِل َما ُنث ِّبتُ ِب ِه فَؤ ادَ َك َو َج َ‬ ‫الر ُ‬ ‫َأ‬
‫ص َعلَ ْي َك مِنْ ْنبَاءِ ُّ‬ ‫﴿و ُكاًّل َنقُ ُّ‬ ‫اآلية ‪َ  ،]48‬‬
‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُأ‬ ‫ِّ‬
‫ص َب ُروا َعلى َما كذ ُبوا َو وذوا َحتى ت‪$$‬ا ُه ْم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل ٌ مِنْ ق ْبلِ َك ف َ‬ ‫ِّ‬
‫﴿ولقدْ كذ َبتْ ُر ُ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لِ ْل ُمْؤ ِمنِينَ ﴾ [سورة هود‪ ،‬اآلية ‪َ  ،]120‬‬
‫سلِينَ ﴾ [سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.]34‬‬ ‫اء َك مِنْ َن َبِإ ا ْل ُم ْر َ‬ ‫ت هَّللا ِ َولَ َقدْ َج َ‬
‫ص ُر َنا َواَل ُم َبدِّ لَ لِ َكلِ َما ِ‬
‫َن ْ‬

‫ب‪ .‬التلط‪$$$‬ف ب‪$$$‬النبي‪  ‬عن‪$$$‬د ن‪$$$‬زول الق‪$$$‬رآن‪ :‬إن للق‪$$$‬رآن هيب‪$$$‬ة وجالال ووق‪$$$‬ارا‪ ،‬وذل‪$$$‬ك يس‪$$$‬تدعي التلط‪$$$‬ف‬
‫س ُن ْلقِي َعلَ ْي َك َق ْواًل َثقِياًل ‪[ ‬سورة المزمل‪ ،‬اآلية ‪﴿ ،]5‬لَ ْو َأ ْن َز ْل َنا ه ََذا‬ ‫بالنبي‪  ‬فأنزله هللا منجما‪ ،‬يقول تعالى‪ِ﴿ :‬إ َّنا َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس ل َعل ُه ْم َيتفك ُرونَ ﴾ [س‪$$‬ورة‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأْل‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صدِّ ًعا مِنْ خش َي ِة ِ َوتِل َك ا ْمثال ُ ن ْ‬
‫ض ِر ُب َها لِلن ِ‬ ‫ا ْلقُ ْرآنَ َعلَى َج َب ٍل َل َرَأ ْي َت ُه َخاشِ ًعا ُم َت َ‬
‫الحشر‪ ،‬اآلية ‪ ،]21‬فإذا كان ذلك حال الجبل لو أن‪$‬زل علي‪$‬ه الق‪$‬رآن‪ ،‬فكي‪$‬ف ب‪$‬النبي‪  ‬وه‪$‬و أرق الن‪$‬اس قلب‪$‬ا‪،‬‬
‫وأكثرهم تقديرا لكالم هللا؟‬

‫وتصف أم المؤمنين عائشة ح‪$‬ال الرس‪$$‬ول‪  ‬حين يت‪$‬نزل علي‪$$‬ه الق‪$‬رآن بقوله‪$$‬ا‪( :‬لق‪$$‬د رأيت‪$$‬ه حين ي‪$‬نزل علي‪$$‬ه‬
‫الوحي في اليوم الشديد البرد فينفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا)‪.‬‬

‫ج‪ .‬تقري‪$$‬ع الكف‪$$‬ار باس‪$$‬تمرار‪ ،‬وتجدي‪$$‬د ت‪$$‬ذكيرهم ب‪$$‬انحرافهم عن الطري‪$$‬ق المس‪$$‬تقيم‪ ،‬وفي المقاب‪$$‬ل‪ ،‬يثبت هللا‬
‫المؤمنين ويواسيهم‪ ،‬ويفرغ عليهم صبرا ويقينا‪.‬‬
‫د‪ .‬التدرج في تربية المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وذلك بتبديد الرذائل‪ ،‬وزرع الفض‪$$‬ائل‪ ،‬وذل‪$‬ك بآي‪$‬ات التخلي‪$$‬ة وآي‪$‬ات‬
‫التحلية‪.‬‬

‫ث فِي اُأْل ِّم ِّيينَ َر ُ‬


‫سواًل‬ ‫ﻫ‪ $.‬تيسير‪ $‬حفظ‪ $‬القرآن‪ $‬الكريم‪ $‬وفهمه‪ $‬للمسلمين‪ $،‬وذلك‪ $‬كونهم‪ $‬أميين‪﴿ :‬ه َُو الَّذِي َب َع َ‬
‫ين﴾ [س‪$$‬ورة‬ ‫ض ‪$‬اَل ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫‪$‬اب َوا ْلح ِْك َم‪َ $‬‬
‫‪$‬ة َوِإنْ َك‪$$‬ا ُنوا مِنْ َق ْب‪ $‬ل ُ َلفِي َ‬ ‫‪$‬ز ِّكي ِه ْم َو ُي َعلِّ ُم ُه ْم ا ْل ِك َت‪َ $‬‬
‫ِم ْن ُه ْم َي ْتلُ‪$$‬و َعلَ ْي ِه ْم آ َياتِ ‪ِ $‬ه َو ُي‪َ $‬‬
‫الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.]2‬‬

‫و‪ .‬التدرج في تشريع األحكام‪ ،‬ومثال ذلك الخمر الذي تم وفق تدرج حكيم حسب المراحل التالية‪:‬‬
‫س‪ً $‬نا ِإنَّ فِي َذلِ‪َ $‬ك آَل َي‪ً $‬‬
‫‪$‬ة لِ َق ْ‪$‬و ٍم‬ ‫س‪َ $‬ك ًرا َو ِر ْز ًق‪$‬ا َح َ‬ ‫ِي‪$‬ل َواَأْل ْع َن‪$‬ا ِ‬
‫ب َت َّت ِخ‪ُ $‬ذونَ ِم ْن‪ُ $‬ه َ‬ ‫ت ال َّنخ ِ‬ ‫﴿ومِنْ َث َم‪َ $‬‬
‫‪$‬را ِ‬ ‫المرحلة األولى‪َ  :‬‬
‫َي ْعقِلُونَ ﴾ [سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]67‬‬

‫اس َوِإ ْث ُم ُه َم‪$$‬ا َأ ْك َب‪ُ $‬ر مِنْ َن ْف ِع ِه َم‪$$‬ا‬


‫المرحلة الثانية‪َ ﴿ :‬ي ْسَألُو َن َك َعنْ ا ْل َخ ْم ِر َوا ْل َم ْيسِ ِر قُلْ فِي ِه َما ِإ ْث ٌم َكبِي ٌر َو َم َن‪$$‬افِ ُع لِل َّن ِ‬
‫ت لَ َعلَّ ُك ْم َت َت َف َّك ُرونَ ﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]219‬‬ ‫َو َي ْسَألُو َن َك َم َاذا ُينفِقُونَ قُلْ ا ْل َع ْف َو َك َذلِ َك ُي َب ِّينُ هَّللا ُ َل ُك ْم اآْل َيا ِ‬

‫ارى َح َّتى َت ْعلَ ُم‪$$‬وا َم‪$‬ا َتقُولُ‪$$‬ونَ ‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة‬ ‫الص‪$‬اَل َة َوَأ ْن ُت ْم ُ‬


‫س‪َ $‬ك َ‬ ‫المرحلة الثالثة‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُن‪$$‬وا اَل َت ْق َر ُب‪$$‬وا َّ‬
‫النساء‪ ،‬اآلية ‪.]43‬‬

‫اب َواَأْل ْزاَل ُم‬


‫نص ُ‬ ‫المرحلة الرابعة‪ :‬وهي مرحلة التحريم القطعي‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا ِإ َّن َما ا ْل َخ ْم ُر َوا ْل َم ْيسِ ُر َواَأْل َ‬
‫اء فِي‬ ‫ض‪َ $‬‬ ‫ش ْي َطانُ َأنْ ُيوقِ‪َ $‬‬
‫‪$‬ع َب ْي َن ُك ْم ا ْل َع‪ $‬دَ َاو َة َوا ْل َب ْغ َ‬ ‫اج َتنِ ُبوهُ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحونَ * ِإ َّن َما ُي ِري ُد ال َّ‬
‫ان َف ْ‬
‫ش ْي َط ِ‬
‫س مِنْ َع َم ِل ال َّ‬ ‫ِر ْج ٌ‬
‫الص ِة ف َهلْ ْن ُت ْم ُمن َت ُهونَ ﴾ [سورة المائدة‪ ،‬اآليتان ‪.]91-90‬‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫اَل‬ ‫َّ‬ ‫هَّللا‬
‫صدَّ ُك ْم َعنْ ذ ِْك ِر ِ َو َعنْ‬ ‫ا ْل َخ ْم ِر َوال َم ْيسِ ِر َو َي ُ‬
‫ْ‬

‫‪ -5‬أنواع األحكام التي اشتمل عليها القرآن الكريم‪ :‬اش‪$$‬تمل الق‪$$‬رآن الك‪$$‬ريم على جمي‪$$‬ع األحك‪$$‬ام ال‪$$‬تي تخص‬
‫اإلنسان‪ ،‬ويمكن تصنيفها في األنواع التالية‪:‬‬

‫أ‪ .‬األحكام اإلعتقادية ‪ :‬وهي األحكام المتعلقة بالعقيدة‪ ،‬ومن اآليات التي تنص على تلك األحكام ما يأتي‪:‬‬

‫‪$‬رقُ َب ْينَ َأ َح‪ٍ $‬د مِنْ‬ ‫نزلَ ِإلَ ْي ِه مِنْ َر ِّب ِه َوا ْل ُمْؤ ِم ُنونَ ُكل ٌّ آ َمنَ ِباهَّلل ِ َو َماَل ِئ َكتِ ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُ‬
‫س‪$‬لِ ِه اَل ُن َف‪ِّ $‬‬ ‫سول ُ ِب َما ُأ ِ‬ ‫الر ُ‬
‫﴿آ َمنَ َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سم ِْعنا َو ط ْعنا غف َران َك َر َّبنا َوِإل ْي َك ال َمصِ ي ُر﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]285‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلِ ِه َوقالوا َ‬‫ُر ُ‬

‫﴿الم* هَّللا ُ اَل ِإلَ َه ِإاَّل ه َُو ا ْل َح ُّي ا ْل َق ُّيو ُم﴾ [سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪.]2 -1‬‬

‫السمِي ُع ال َبصِ ي ُر﴾ [سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.]11‬‬ ‫س َك ِم ْثلِ ِه َ‬


‫ش ْي ٌء َوه َُو َّ‬ ‫﴿‪...‬لَ ْي َ‬

‫س‪ْ $‬ب َحانَ هَّللا ِ َع َّما‬‫الس‪$‬اَل ُم ا ْل ُم‪ْ$$‬ؤ مِنُ ا ْل ُم َه ْيمِنُ ا ْل َع ِزي‪ُ $‬ز ا ْل َج َّبا ُر ا ْل ُم َت َك ِّب ُر ُ‬ ‫﴿ه َُو هَّللا ُ الَّذِي اَل ِإلَ َه ِإاَّل ه َُو ا ْل َملِ‪ُ $‬ك ا ْلقُ‪$‬د ُ‬
‫ُّوس َّ‬
‫ض َوه َُ‪$‬و‬ ‫ت َواَأْل ْر ِ‬‫الس‪َ $‬م َاوا ِ‬ ‫س‪ِّ $‬ب ُح لَ‪ُ $‬ه َم‪$‬ا فِي َّ‬ ‫ص ِّو ُر لَ‪ُ $‬ه اَأْل ْس‪َ $‬ما ُء ا ْل ُح ْس‪َ $‬نى ُي َ‬ ‫ش ِر ُكونَ * ه َُو هَّللا ُ ا ْل َخالِقُ ا ْل َب ِ‬
‫ارُئ ا ْل ُم َ‬ ‫ُي ْ‬
‫ا ْل َع ِزيز ال َحكِي ُم﴾‪[ ‬سورة الحشر‪ ،‬اآليتان ‪.]24 -23‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫﴿قُلْ ه َُو هَّللا ُ َأ َحدٌ* هَّللا ُ َّ‬


‫الص َمدُ* لَ ْم َيلِدْ َولَ ْم ُيولَدْ * َولَ ْم َي ُكنْ لَ ُه ُكفُ ًوا َأ َح ٌد﴾‪[ ‬سورة اإلخالص]‪.‬‬

‫ب‪ .‬األحكام األخالقية ‪ :‬وهي األحكام المتعلقة بأمهات الفضائل‪ ،‬ومن اآليات التي تنص على تلك األحك‪$$‬ام م‪$$‬ا‬
‫يلي‪:‬‬

‫﴿وِإ َّن َك َل َعلى ُخلُ ٍق َعظِ ٍ‬


‫يم﴾ [سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪.]4‬‬ ‫َ‬

‫﴿ َيا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا ا َّتقُوا هَّللا َ َو ُكو ُنوا َم َع َّ‬
‫الصا ِدقِينَ ﴾ [سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]119‬‬
‫اب ِرينَ ﴾ [سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]126‬‬ ‫ص َب ْر ُت ْم َل ُه َو َخ ْي ٌر ل َّ‬
‫ِلص ِ‬ ‫﴿‪...‬ولَِئنْ َ‬
‫َ‬

‫اس َوهَّللا ُ ُيح ُّ‬


‫ِب ا ْل ُم ْحسِ نِينَ ﴾ [س‪$$‬ورة آل‬ ‫الض َّراءِ َوا ْل َكاظِ مِينَ ا ْل َغ ْي َظ َوا ْل َعافِينَ َعنْ ال َّن ِ‬
‫اء َو َّ‬ ‫﴿الَّذِينَ ُي ْنفِقُونَ فِي َّ‬
‫الس َّر ِ‪$‬‬
‫عمران‪ ،‬اآلية ‪.]134‬‬

‫اص ٌة‪[ ﴾...‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.]9‬‬


‫ص َ‬‫﴿‪...‬و ُيْؤ ثِ ُرونَ َعلَى َأ ْنفُسِ ِه ْم َولَ ْو َكانَ ِب ِه ْم َخ َ‬
‫َ‬

‫ج‪ .‬األحكام العملية‪ :‬وتنقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ .1‬عبادات‪.‬‬

‫‪ .2‬معامالت‪.‬‬

‫ومن اآليات التي تنص على تلك األحكام ما يلي‪:‬‬

‫الز َكا َة َو ْار َك ُعوا َم َع َّ‬


‫الرا ِكعِينَ ﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]43‬‬ ‫﴿وَأقِي ُموا َّ‬
‫الصاَل َة َوآ ُتوا َّ‬ ‫َ‬

‫ِب َعلَى الَّذِينَ مِنْ َق ْبلِ ُك ْم َل َعلَّ ُك ْم َت َّتقُ‪$$‬ونَ ﴾ [س‪$$‬ورة البق‪$$‬رة‪ ،‬اآلي‪$$‬ة‬ ‫﴿ َيا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا ُكت َ‬
‫ِب َعلَ ْي ُك ْم ِّ‬
‫الص‪َ $‬يا ُم َك َم‪$$‬ا ُكت َ‬
‫‪.]183‬‬

‫س ِبياًل ‪[ ﴾...‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]97‬‬ ‫اس َت َط َ‬


‫اع ِإلَ ْي ِه َ‬ ‫﴿‪...‬وهَّلِل ِ َعلَى ال َّن ِ‬
‫اس ِح ُّج ا ْل َب ْي ِ‬
‫ت َمنْ ْ‬ ‫َ‬

‫ان َواَأْل ْق َر ُب‪$$‬ونَ ِم َّما َق‪ $‬ل َّ ِم ْن‪ُ $‬ه َأ ْو‬


‫‪$‬ر َك ا ْل َوالِ‪$$‬دَ ِ‬
‫يب ِم َّما َت‪َ $‬‬ ‫ان َواَأْل ْق َر ُبونَ َولِل ِّن َ‬
‫ساءِ َنصِ ٌ‬ ‫يب ِم َّما َت َر َك ا ْل َوالِدَ ِ‬
‫ال َنصِ ٌ‬‫ِلر َج ِ‬
‫﴿ل ِّ‬
‫ضا﴾ [سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]7‬‬ ‫َك ُث َر َنصِ ي ًبا َمف ُرو ً‬
‫ْ‬

‫ان‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]229‬‬


‫س ٍ‬‫ف َأ ْو َت ْس ِري ٌح بِِإ ْح َ‬
‫سا ٌك ِب َم ْع ُرو ٍ‬ ‫ان َف ْ‬
‫إم َ‬ ‫َّ‬
‫﴿الطاَل قُ َم َّر َت ِ‬

‫﴿‪...‬وَأ َحل َّ هَّللا ُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬


‫الر َبا‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]275‬‬ ‫َ‬

‫﴿ َيا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا ِإ َذا َتدَ ا َين ُت ْم ِبدَ ْي ٍن ِإلَى َأ َج ٍل ُم َ‬
‫س ًّمى َف ْاك ُت ُبوهُ‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]282‬‬

‫اص َح َياةٌ َيا ُأ ْولِي اَأْل ْل َبا ِ‬


‫ب َل َعلَّ ُك ْم َت َّتقُونَ ﴾ [سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]179‬‬ ‫﴿ولَ ُك ْم فِي ا ْلق َ‬
‫ِص ِ‬ ‫َ‬

‫‪ -6‬بيان القرآن لألحكام‬

‫جاء بيان القرآن لألحكام على ثالثة أنواع‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬بيان كلي أي بذكر القواعد والمبادئ العامة التي تكون أساسا لتفريع األحكام وابتنائها عليه‪$$‬ا‪،‬‬
‫مثل‪:‬‬

‫او ْر ُه ْم فِي اَأْل ْم‪ِ $$‬ر‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة آل عم‪$$‬ران‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪ ،]159‬وق‪$$‬ال‬ ‫﴿‪...‬و َ‬


‫ش‪ِ $$‬‬ ‫أ‪ .‬األم‪$$‬ر بالش‪$$‬ورى‪ :‬ق‪$$‬ال تع‪$$‬الى‪َ  :‬‬
‫ورى َب ْي َن ُه ْم‪[﴾...‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.]38‬‬ ‫ش َ‬‫﴿‪...‬وَأ ْم ُر ُه ْم ُ‬
‫أيضا‪َ  :‬‬

‫ان َوِإي َت‪$$‬اءِ ذِي ا ْلقُ‪$ْ $‬ر َبى َو َي ْن َهى َعنْ‬ ‫ب‪ .‬األمر بالعدل والحكم به‪ :‬قال هللا تع‪$$‬الى‪ِ﴿ :‬إنَّ هَّللا َ َي‪ْ $‬أ ُم ُر ِبا ْل َع‪ $‬دْ ِل َواِإل ْح َ‬
‫س‪ِ $‬‬
‫شاءِ َوا ْل ُمن َك ِر َوا ْل َب ْغيِ َي ِع ُظ ُك ْم َل َعلَّ ُك ْم َت َذ َّك ُرونَ ﴾ [سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]90‬‬
‫ا ْل َف ْح َ‬

‫اس َأنْ َت ْح ُك ُموا ِبا ْل َعدْ ِل‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]58‬‬


‫﴿‪...‬وِإ َذا َح َك ْم ُت ْم َب ْينَ ال َّن ِ‬
‫وقال أيضا‪َ  :‬‬
‫﴿واَل َت ِز ُر َو ِاز َرةٌ ِو ْز َر ُأ ْخ َرى‪[ ﴾...‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.]18‬‬
‫ج‪ .‬ال يسأل اإلنسان عن ذنب غيره‪َ  :‬‬

‫س ِّيَئ ٌة ِم ْثلُ َها‪[ ﴾...‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية‪.]40.‬‬


‫س ِّيَئ ٍة َ‬
‫﴿و َج َزا ُء َ‬
‫د‪ .‬العقوبة بقدر الجريمة‪َ  :‬‬

‫اس‬ ‫﴿واَل َتْأ ُكلُوا َأ ْم َوالَ ُك ْم َب ْي َن ُك ْم ِبا ْل َباطِ ِل َو ُتدْ لُوا ِب َها ِإلَى ا ْل ُح َّك ِام لِ َتْأ ُكلُوا َف ِري ًقا مِنْ َأ ْم َو ِ‬
‫ال ال َّن ِ‬ ‫ﻫ‪ $.‬حرمة مال الغير‪َ  :‬‬
‫ِباِإْل ْث ِم َوَأ ْن ُت ْم َت ْعلَ ُمونَ ‪[ ‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]188‬‬

‫و‪ .‬الوفاء بااللتزامات‪َ ﴿ ،‬يا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا َأ ْوفُوا ِبا ْل ُعقُودِ‪[ ...‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪.]1‬‬

‫ج‪[ ﴾...‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.]78‬‬ ‫﴿‪...‬و َما َج َعلَ َعلَ ْي ُك ْم فِي الدِّ ِ‬
‫ين مِنْ َح َر ٍ‬ ‫ز‪ .‬ال حرج و ال ضيق في الدين‪َ  :‬‬

‫النوع الثاني‪  :‬بيان إجمالي‪ ،‬أي ذكر األحكام بصورة مجملة تحتاج إلى بيان و تفصيل‪ ،‬ومن هذه األحكام‪:‬‬

‫الز َكا َة‪[ ﴾...‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.]78‬‬ ‫أ‪ .‬وجوب الصالة والزكاة‪ ،‬قال تعالى‪َ ...﴿ :‬فَأقِي ُموا َّ‬
‫الصاَل َة َوآ ُتوا َّ‬

‫ولم يبين القرآن عدد ركعات الصالة وكيفيته‪$‬ا‪ ،‬فج‪$‬اءت الس‪$‬نة بتفص‪$‬يل ذل‪$‬ك‪ ،‬ق‪$‬ال‪( : ‬ص‪$‬لوا كم‪$‬ا رأيتم‪$‬وني‬
‫أصلي ) [رواه مسلم]‪ ،‬وكذلك جاءت السنة ببيان أحكام الزكاة‪ ،‬وتحديد مقاديرها وأنصبتها‪.‬‬

‫س ِبياًل ‪[ ﴾...‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪،]97‬‬ ‫اس َت َط َ‬


‫اع ِإلَ ْي ِه َ‬ ‫﴿‪...‬وهَّلِل ِ َع َلى ال َّن ِ‬
‫اس ِح ُّج ا ْل َب ْي ِ‬
‫ت َمنْ ْ‬ ‫ب‪ .‬وجوب الحج‪َ  :‬‬
‫فجاءت السنة بتفصيل وبيان الحج وأركانه‪ ،‬قال‪( : ‬خذوا عني مناسككم) [مسلم]‪.‬‬

‫اص‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،]178‬فجاءت السنة ببيان شروط‬ ‫ج‪ .‬وجوب القصاص‪ُ ...﴿ :‬كت َِب َعلَ ْي ُك ْم ا ْلق َ‬
‫ِص ُ‬
‫القصاص‪.‬‬

‫﴿‪...‬وَأ َحل َّ هَّللا ُ ا ْل َب ْي‪َ $‬‬


‫‪$‬ع َو َح‪َّ $‬ر َم﴾ [س‪$$‬ورة البق‪$$‬رة‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪ ،]275‬فج‪$‬اءت الس‪$‬نة ببي‪$$‬ان‬ ‫د‪ .‬حل البيع وحرمة الربا‪َ  :‬‬
‫البيع الحالل والبيع الحرام والمقصود بالربا‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬بيان تفصيلي‪ :‬أي ذكر األحكام بصورة تفصيلية ال إجمال فيها‪ ،‬مثل‪ :‬أنص‪$$‬بة الورث‪$$‬ة‪ ،‬وكيفي‪$$‬ة‬
‫الطالق وعدده‪ ،‬وكيفية اللعان بين الزوجين‪ ،‬والمحرمات من النساء في النكاح‪.‬‬

‫‪ -7‬داللة القرآن على األحكام‪:‬‬

‫إن آيات القرآن الك‪$‬ريم ثابت‪$‬ة بطري‪$‬ق قطعي‪ ،‬ألنه‪$‬ا نقلت إلين‪$‬ا ب‪$‬التواتر ال‪$‬ذي ي‪$‬وحي ب‪$‬الجزم أن اآلي‪$‬ة ال‪$‬تي‬
‫يقرؤها كل مسلم في بقاع األرض هي نفسها التي تالها الرسول صلى هللا عليه و سلم على أصحابه‪ ،‬و هي‬
‫التي نزل بها جبريل عليه السالم من اللوح المحفوظ من غير تب‪$$‬ديل و ال تغي‪$$‬ير‪ ،‬تحقيق‪$$‬ا لقول‪$$‬ه تع‪$$‬الى‪ِ﴿ :‬إ َّنا‬
‫الذ ْك َر َوِإ َّنا لَ ُه َل َحافِ ُظون‪[ ﴾...‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.]9‬‬
‫َن ْحنُ َن َّز ْل َنا ِّ‬

‫أما داللة النص القرآني على الحكم فليست واحدة‪ ،‬فمنها ما هو قطعي الداللة و منه‪$‬ا م‪$‬ا ه‪$‬و ظ‪$‬ني الدالل‪$‬ة‪.‬‬
‫فالنص القطعي الداللة هو ما دل معنى متعين فهمه منه‪ ،‬و ال يحتمل تأويال آخر معه‪ ،‬و ذلك مثل النصوص‬
‫ف َم‪$$‬ا َت‪َ $‬‬
‫‪$‬ر َك‬ ‫﴿ولَ ُك ْم ن ْ‬
‫ِص‪ُ $‬‬ ‫التي وردت فيها أعداد معينة أو أنصبة محددة في الم‪$$‬واريث و الح‪$$‬دود‪ ،‬ق‪$$‬ال تع‪$$‬الى‪َ  :‬‬
‫َأ ْز َوا ُج ُك ْم ِإنْ لَ ْم َي ُكنْ لَ ُهنَّ َولَ ٌد‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،]12‬فإن داللة النص قطعي‪$$‬ة على أن ف‪$$‬رض ال‪$$‬زوج‬
‫اجلِدُوا ُك‪ $‬ل َّ َوا ِح‪ٍ $‬د ِم ْن ُه َم‪$$‬ا مِاَئ َة َج ْل‪$$‬دَ ةٍ‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة الن‪$$‬ور‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪،]2‬‬ ‫﴿الزانِ َي ُة َو َّ‬
‫الزانِي َف ْ‬ ‫النصف‪ ،‬و قال تعالى‪َّ  :‬‬
‫َأ‬
‫ص‪َ $‬يا ُم َثاَل َث‪ِ $‬ة َّي ٍام‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة‬
‫فاآلية قطعي‪$$‬ة الدالل‪$$‬ة في مق‪$$‬دار ح‪$$‬د الزن‪$$‬ا‪ ،‬و ق‪$$‬ال تع‪$$‬الى في كف‪$$‬ارة اليمين‪َ ﴿ :‬ف ِ‬
‫المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،]89‬فالعدد قطعي الداللة‪ ،‬وال تقبل الكفارة بأقل من ذلك وال بأكثر منه‪.‬‬
‫أما النص الظني الداللة فهو ما يدل على عدة معان‪ ،‬أو ما ي‪$$‬دل على مع‪$$‬نى‪ ،‬و لكن‪$$‬ه يحتم‪$$‬ل مع‪$$‬اني أخ‪$$‬رى‪،‬‬
‫ص‪$‬نَ ِبَأنفُ ِس‪ِ $‬هنَّ َثاَل َث‪َ $‬‬
‫‪$‬ة قُ‪$‬رُوءٍ ‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة البق‪$$‬رة‪ ،‬اآلي‪$$‬ة‬ ‫﴿وا ْل ُم َطلَّ َقاتُ َي َت َر َّب ْ‬
‫مثل لفظة "القرء" في قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫‪.]228‬‬

‫فلفظ القرء في اللغة مشترك بين معنيين‪ :‬الطهر والحيض‪ ،‬والنص القرآني يحتمل أن يراد منه ثالثة أطهار‬
‫كما قال الشافعي وغيره‪ ،‬ويحتمل أن يراد منه ثالث حيضات كما قال اإلمام أبو حنيفة ومن معه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬السنة النبوية‬

‫‪ -1‬تعريف السنة‪:‬‬

‫س ‪$‬لِ َنا َواَل‬ ‫س َّن َة َمنْ َقدْ َأ ْر َ‬


‫س ْل َنا َق ْبلَ ‪َ $‬ك مِنْ ُر ُ‬ ‫أ‪ .‬لغة‪ :‬الطريقة المعتادة‪ ،‬حسنة كانت أو سيئة‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬‬
‫س َّنتِ َنا َت ْح ِوياًل ﴾ ‪[ ‬سورة اإلسراء‪ $،‬اآلية ‪ ،]77‬ومنه قول رسول هللا‪( : ‬من س‪$$‬ن في اإلس‪$$‬الم حس‪$$‬نة فل‪$$‬ه‬ ‫َت ِج ُد لِ ُ‬
‫أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن في اإلسالم س‪$$‬نة س‪$$‬يئة‬
‫كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء‪[ ) ‬مسلم وغيره]‪.‬‬

‫ب‪ .‬اصطالحا‪ :‬يراد بالسنة ما صدر عن النبي‪  ‬غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير‪.‬‬

‫‪ -2‬حجيتها‪ :‬اتفق العلم‪$‬اء على أن الس‪$‬نة الص‪$‬حيحة الثابت‪$$‬ة ال‪$‬تي ص‪$‬درت عن رس‪$‬ول هللا‪  ‬بقص‪$$‬د التش‪$$‬ريع‬
‫واإلقتداء حجة على المسلمين‪ ،‬ومصدر تشريعي لهم متى ثبتت بطريق القطع أو غلبة الظن‪.‬‬

‫أ‪ .‬أدلة من القرآن على حجية السنة‪:‬‬

‫اس َما ُن ِّزلَ ِإلَ ْي ِه ْم‪[ ﴾...‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]44‬‬


‫الذ ْك َر لِ ُت َب ِّينَ لِل َّن ِ‬ ‫﴿‪...‬وَأ َ‬
‫نز ْل َنا ِإلَ ْي َك ِّ‬ ‫َ‬

‫سولَ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمونَ ﴾ [سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.]56‬‬ ‫الز َكا َة َوَأطِ ي ُعوا َّ‬
‫الر ُ‬ ‫﴿وَأقِي ُموا َّ‬
‫الصاَل َة َوآ ُتوا َّ‬ ‫َ‬

‫﴿قُلْ ِإنْ ُك ْن ُت ْم ُت ِح ُّبونَ هَّللا َ َفا َّت ِب ُعونِي ُي ْح ِب ْب ُك ْم هَّللا ُ َو َي ْغف ِْر َل ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.]31‬‬

‫سولَ َوُأ ْولِي اَأْل ْم ِر ِم ْن ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]59‬‬ ‫﴿ َيا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا َأطِ ي ُعوا هَّللا َ َوَأطِ ي ُعوا َّ‬
‫الر ُ‬

‫﴿ َيا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا َأطِ ي ُعوا هَّللا َ َو َر ُ‬


‫سولَ ُه َواَل َت َولَّ ْوا َع ْن ُه َوَأ ْن ُت ْم َت ْس َم ُعونَ ﴾ [سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.]20‬‬

‫اع هَّللا َ‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]80‬‬


‫سولَ َف َقدْ َأ َط َ‬ ‫﴿ َمنْ ُيطِ ْع َّ‬
‫الر ُ‬

‫ول ِإنْ ُكن ُت ْم ُتْؤ ِم ُنونَ ِباهَّلل ِ َوا ْل َي ْو ِم اآْل ِخ‪ِ $‬‬
‫‪$‬ر‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة النس‪$$‬اء‪،‬‬ ‫س ِ‬ ‫ش ْيءٍ َف ُردُّوهُ ِإلَى هَّللا ِ َو َّ‬
‫الر ُ‬ ‫﴿‪َ ...‬فِإنْ َت َن َ‬
‫از ْع ُت ْم فِي َ‬
‫اآلية ‪.]59‬‬

‫سول ُ َف ُخ ُذو ُه َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه َفا ْن َت ُهوا‪[ ﴾...‬سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪.]7‬‬ ‫﴿‪...‬و َما آ َتا ُك ْم َّ‬
‫الر ُ‬ ‫َ‬

‫ص هَّللا َ‬
‫‪$‬رةُ مِنْ َأ ْم‪ِ $‬ر ِه ْم َو َمنْ َي ْع ِ‬ ‫ض‪$‬ى هَّللا ُ َو َر ُ‬
‫س‪$‬ولُ ُه َأ ْم‪ً $‬را َأنْ َي ُك‪$$‬ونَ لَ ُه ْم ا ْل ِخ َي‪َ $‬‬ ‫ِن َواَل ُمْؤ ِم َن‪ٍ $‬ة ِإ َذا َق َ‬ ‫﴿و َما َكانَ لِ ُم‪ْ$$‬ؤ م ٍ‬
‫َ‬
‫ُمبِينا﴾ [سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.]36‬‬ ‫ً‬ ‫اًل‬ ‫اَل‬‫ض‬‫ضل َّ َ‬ ‫َ‬
‫سوله فقدْ َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َر ُ‬

‫س‪$‬لِّ ُموا‬ ‫ش‪َ $‬ج َر َب ْي َن ُه ْم ُث َّم اَل َي ِج‪$‬دُوا فِي َأنفُ ِس‪ِ $‬ه ْم َح َر ًج‪ $‬ا ِم َّما َق َ‬
‫ض‪ْ $‬يتَ َو ُي َ‬ ‫﴿فال َو َر ِّب َك اَل ُيْؤ ِم ُنونَ َح َّتى ُي َح ِّك ُمو َك فِي َما َ‬
‫َت ْسلِي ًما﴾ [سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]65‬‬
‫اع بِِإ ْذ ِن هَّللا ِ‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]64‬‬
‫ول ِإاَّل لِ ُي َط َ‬
‫س ٍ‬ ‫﴿و َما َأ ْر َ‬
‫س ْل َنا مِنْ َر ُ‬ ‫َ‬

‫س َن ٌة لِ َمنْ َكانَ َي ْر ُجو هَّللا َ َوا ْل َي ْو َم اآْل خ َِر َو َذ َك َر هَّللا َ َكث ً‬


‫ِيرا﴾ [سورة األح‪$$‬زاب‪،‬‬ ‫ول هَّللا ِ ُأ ْس َوةٌ َح َ‬
‫س ِ‬‫﴿لَ َقدْ َكانَ لَ ُك ْم فِي َر ُ‬
‫اآلية ‪.]21‬‬

‫هذه النص‪$‬وص القرآني‪$‬ة ‪ -‬وغيره‪$‬ا كث‪$‬ير‪ -‬بره‪$‬ان ودلي‪$‬ل ق‪$‬اطع على حجي‪$‬ة الس‪$‬نة‪ ،‬واعتباره‪$‬ا مص‪$‬درا من‬
‫مصادر التشريع اإلسالمي‪ ،‬وأن أحكام السنة تشريع إلهي واجب اإلتباع‪.‬‬

‫ب‪ .‬أدلة من السنة على حجية السنة‪:‬‬

‫( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ :‬كتاب هللا و سنتي)‪.‬‬

‫(أال وإني أوتيت القرآن ومثله معه)‪.‬‬

‫( روى معاذ بن جبل أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم لما بعثه إلى اليمن‪ ،‬قال له‪ :‬كيف تصنع إن ع‪$$‬رض‬
‫لك قضاء؟ قال‪ :‬أقضي بما في كتاب هللا‪ ،‬قال‪ :‬ف‪$$‬إن لم يكن في كت‪$$‬اب هللا؟ ق‪$$‬ال‪ :‬فبس‪$$‬نة رس‪$$‬ول هللا ص‪$$‬لى هللا‬
‫عليه و سلم‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يكن في سنة رسول هللا؟ قال‪ :‬أجتهد رأيي ال أل‪$$‬و‪ ،‬ق‪$$‬ال مع‪$$‬اذ‪ :‬فض‪$$‬رب رس‪$$‬ول هللا‬
‫صدري‪ ،‬ثم قال‪ :‬الحمد هلل الذي وفق رسول هللا لما يرضي هللا ورسوله)‪.‬‬

‫ج‪ .‬إجماع الصحابة‪:‬أجمع صحابة رسول هللا‪  ‬في حياته وبعد وفاته على وج‪$$‬وب إتب‪$$‬اع س‪$$‬نته والعم‪$$‬ل به‪$$‬ا‪،‬‬
‫وااللتزام بما ورد فيها من أحكام‪ ،‬وتنفيذ ما فيها من أوامر‪ ،‬واالنتهاء عما فيها من نواه‪.‬‬

‫‪ -3‬مرتبة السنة في االحتجاج بها‪:‬تأتي السنة النبوية ‪ -‬في االحتجاج بها ‪ -‬في المرتب‪$$‬ة الثاني‪$$‬ة بع‪$$‬د الق‪$$‬رآن‬
‫الكريم‪ ،‬فالمفتي والمجتهد يرجع إلى الكتاب أوال ثم إلى السنة ثانيا في كل م‪$$‬ا يط‪$$‬رح من س‪$$‬ؤال أو يق‪$$‬ع من‬
‫قضية‪.‬‬

‫‪ -4‬تدوين السنة ‪ :‬من الثابت المعلوم أن السنة لم تكتب في عهد الرسول عليه السالم كما كتب الق‪$$‬رآن‪ ،‬ألن‬
‫الرسول نهاهم عن كتابتها خوف اختالطها بالقرآن‪ ،‬وتوفي عليه السالم وهي محفوظة في صدور الصحابة‬
‫كل على مقدار استعداده ومبلغ حضوره مجالس الرسول عليه السالم‪ ،‬وفي خالفة أبي بك‪$$‬ر رض‪$$‬ي هللا عن‪$$‬ه‬
‫لم يفكر أحد في تدوينها للسبب السابق‪ ،‬ولقصر خالفة الصديق‪ ،‬فلما وليها عمر رضي هللا عنه عرضت ل‪$$‬ه‬
‫فكرة التدوين‪ ،‬فشاور الصحابة فيها‪ ،‬فأشاروا عليه بجمعها‪ ،‬ولكنه مكث شهرا يستخير هللا ح‪$$‬تى انتهى إلى‬
‫العدول عن هذا األمر ألسباب منها‪:‬‬

‫أنه وجد هذا العمل يصعب تنفيذه‪ ،‬ألن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم توفي تاركا سنته موزعة في ص‪$$‬دور‬
‫أصحابه وهم كثيرون تفرقوا في البلدان‪ ،‬كما كان يخش‪$$‬ى اختالطه‪$‬ا ب‪$‬القرآن وانش‪$$‬غال الن‪$$‬اس به‪$$‬ا عن‪$$‬ه‪ ،‬ثم‬
‫عرضت الفكرة للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز في أواخر حياته‪ ،‬ففي عام ‪100‬ﻫ أمر‪ $‬أبا‪ $‬بكر‪ $‬بن‪ $‬حزم‬
‫قاضي المدينة أن يجمع السنة فامتثل‪ ،‬و لكن الخليفة توفي بعد عام في سنة ‪101‬ﻫ‪ ،‬والعام الواحد ال يكفي‬
‫لتحقيق هذا الطلب حين‪$‬ذاك‪ ،‬ولم يعن من ج‪$‬اء بع‪$‬ده من خلف‪$‬اء ب‪$‬ني أمي‪$‬ة به‪$‬ذا األم‪$‬ر النش‪$‬غالهم بالسياس‪$‬ة‬
‫وإدارة‪ $‬الحكم‪ ،‬إذا اس‪$$‬تثنينا م‪$‬ا روي عن هش‪$$‬ام بن عب‪$$‬د المل‪$$‬ك أن‪$$‬ه لم‪$$‬ا ت‪$$‬ولى الحكم س‪$$‬نة ‪105‬ﻫ حث‪ $‬ابن‬
‫شهاب الزهري على تدوين الحديث بل قيل أنه أكرهه على ذلك‪ ،‬وتوفي هشام سنة ‪125‬ﻫ‪.‬‬

‫وفي عه‪$$‬د العباس‪$$‬يين جمعت الس‪$$‬نة‪ ،‬وابت‪$$‬دأ ت‪$$‬دوينها في منتص‪$$‬ف الق‪$$‬رن الث‪$$‬اني الهج‪$$‬ري تقريب‪$$‬ا في مك‪$$‬ة‬
‫والمدينة والشام ومصر والكوفة والبصرة‪ ،‬وكل بلد إسالمي وجد به علماء دونوا السنة‪ ،‬أمثال اإلمام مال‪$$‬ك‬
‫بالمدينة‪ ،‬واإلمام األوزاعي بالشام‪ ،‬واإلم‪$$‬ام الليث بن س‪$$‬عد في مص‪$$‬ر‪ ،‬وس‪$$‬فيان الث‪$$‬وري في الكوف‪$$‬ة‪ ،‬إال أن‬
‫هذه المجموعات لم يصلنا منها إال القليل‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب " الموطأ " لإلمام مالك بن أنس‪ ،‬وهو يعطينا ص‪$$‬ورة‬
‫عن الكتب التي ألفت في السنة حينذاك‪ ،‬وهي أنها كانت خليطا من األحاديث و أقوال الصحابة و فتاواهم‪ ،‬و‬
‫لم يعن أصحابها بالسنة عناية من جاء بعدهم ممن تخصص في جمع األحاديث وترتيبها‪.‬‬

‫تلك هي الخطوة األولى في جمع السنة ثم تلتها الخطوة الثانية‪ ،‬وفيها عني أصحابها بإفراد أحاديث رس‪$$‬ول‬
‫هللا عن فتاوى الصحابة وأقوال التابعين‪ ،‬و كانت هذه الخطوة على رأس المائتين للهج‪$‬رة‪ ،‬و لكنه‪$‬ا ابت‪$‬دأت‬
‫بطريقة المسانيد‪ ،‬وهي جم‪$$‬ع أح‪$$‬اديث ك‪$$‬ل ص‪$$‬حابي على ح‪$$‬دا في جمي‪$$‬ع األب‪$$‬واب‪ ،‬وه‪$$‬ذه وإن ك‪$$‬انت ج‪$$‬ردت‬
‫األحاديث من غيرها إال أنها لم تفرد الصحيح من غيره‪.‬‬

‫وفي القرن الثالث ظهرت طريقة جديدة‪ ،‬وهي تمييز األح‪$$‬اديث الص‪$$‬حيحة من غيره‪$$‬ا‪ ،‬والبحث عن ال‪$$‬رواة‪،‬‬
‫فكان هذا أزهى عصور الحديث‪ ،‬وفيه ألف البخاري المتوفى سنة ‪256‬ﻫ‪ ،‬ومسلم بن الحجاج المتوفى سنة‬
‫‪261‬ﻫ صحيحيهما‪ $،‬وأبو‪ $‬داود‪ $‬المتوفى‪ $‬سنة‪275 $‬ﻫ‪ $،‬وابن‪ $‬ماجة‪ $‬المتوفى‪ $‬سنة‪275 $‬ﻫ‪ $،‬والنسائي‪ $‬المتوفى‬
‫سنة ‪ 303‬سننهم‪ ،‬وكتب هؤالء هي المعروفة بالكتب الستة‪ ،‬ويلحق بها مس‪$‬ند اإلم‪$‬ام أحم‪$‬د المت‪$‬وفى س‪$‬نة‬
‫‪241‬ﻫ‪.‬‬

‫‪ -5‬أقسام السنة‪:‬‬

‫أ‪ .‬من حيث ماهيتها تنقسم إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬سنة قولية‪ :‬وهي ما نقل عن الرسول‪  ‬من قول على سبيل التشريع‪ ،‬مثل (ال ضرر وال ضرار)‪.‬‬

‫(إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى)‪.‬‬

‫‪ .2‬سنة فعلية‪ :‬و هي كل ما فعل‪$$‬ه الرس‪$$‬ول ص‪$$‬لى هللا علي‪$$‬ه و س‪$$‬لم على س‪$$‬بيل التش‪$$‬ريع‪ ،‬مث‪$$‬ل كيفي‪$$‬ة أدائ‪$$‬ه‬
‫الصالة‪ ،‬و أدائه مناسك الحج‪.‬‬

‫‪ .3‬سنة تقريرية‪ :‬هي استحسان النبي صلى هللا عليه و س‪$$‬لم أو س‪$$‬كوته عن إنك‪$$‬ار ق‪$$‬ول أو فع‪$$‬ل ص‪$$‬در عن‬
‫الصحابة‪.‬‬

‫ب‪ .‬من حيث سندها‪ :‬وانقسم العلماء في ذلك إلى قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬يمثله علماء الحديث وجمهور علماء األصول‪ ،‬ويقسمون السنة إلى‪ :‬سنة متواترة وسنة آحاد‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬يمثله علماء الحنفية الذين زادوا السنة المشهورة‪.‬‬

‫‪ .1‬السنة المتواترة‪ :‬الت‪$‬واتر لغ‪$‬ة التت‪$‬ابع‪ ،‬وفي االص‪$‬طالح‪ :‬م‪$‬ا رواه جم‪$‬ع عن جم‪$‬ع ي‪$‬ؤمن تواط‪$‬ؤهم على‬
‫الكذب‪ ،‬أي ينقله عن رسول هللا عليه السالم ع‪$‬دد كب‪$‬ير من الص‪$‬حابة‪ ،‬ثم ينقل‪$‬ه عنهم ع‪$‬دد من الت‪$‬ابعين‪ ،‬و‬
‫هكذا حتى يصل العلماء الذين قاموا بتدوين السنة وتسجيلها في القرنين الثاني والثالث الهجريين‪.‬‬

‫والسنة المتواترة تكثر في السنة العملية‪ ،‬وتقل في الس‪$$‬نة القولي‪$$‬ة‪ .‬والس‪$$‬نة المت‪$$‬واترة حج‪$$‬ة كامل‪$$‬ة‪ ،‬وتفي‪$$‬د‬
‫العلم اليقيني القطعي في صحتها وثبوتها عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ .2‬السنة المشهورة‪ :‬وهي ما رواها عن النبي صلى هللا علي‪$‬ه وس‪$‬لم واح‪$‬د أو اثن‪$$‬ان‪ ،‬أي ع‪$‬دد ال يبل‪$‬غ ح‪$‬د‬
‫التواتر‪ ،‬ثم اشتهرت فنقلها جموع الت‪$‬واتر‪ ،‬ثم اش‪$‬تهرت فنقله‪$‬ا جم‪$‬وع الت‪$‬واتر في عص‪$‬ر الت‪$‬ابعين وت‪$‬ابعي‬
‫التابعين‪ ،‬مثل ما رواه عمر بن الخطاب عن رسول هللا‪  ‬أنه قال‪( :‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل ام‪$‬رئ م‪$‬ا‬
‫نوى)‪.‬‬
‫‪ .3‬سنةاآلحاد‪ :‬وهي ما يرويه‪$‬ا عن الن‪$‬بي‪  ‬ع‪$‬دد لم يبل‪$‬غ ح‪$‬د الت‪$‬واتر‪ ،‬ثم يرويه‪$‬ا عنهم مثلهم وهك‪$‬ذا ح‪$‬تى‬
‫تصل إلى عهد التدوين‪.‬‬

‫‪ -6‬السنة تشريع وغير تشريع‪:‬‬

‫تنقسم السنة باعتبارها تشريعا أو غير تشريع إلى قسمين‪:‬‬

‫األول‪ :‬ما صدر عن النبي صلى هللا عليه وسلم باعتباره نبيا ومبلغا عن هللا‪ ،‬فه‪$$‬ذا يعت‪$$‬بر تش‪$$‬ريعا لألم‪$$‬ة بال‬
‫خالف‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬وال يعتبر تشريعا‪:‬‬

‫‪ . 1‬ما صدر عن الرسول عليه السالم من األقوال واألفعال والتقريرات قبل البعثة‪.‬‬

‫‪ . 2‬ما صدر عنه بمقتضى طبيعته البشرية‪ ،‬كاألكل والشرب والنوم والمشي والتزاور‪...‬‬

‫‪ . 3‬ما صدر عنه بمقتضى الخبرة البشرية التي استقاها من تجاربه الخاصة في الحياة‪ ،‬كالتجارة والزراع‪$$‬ة‬
‫وقيادة الجيش ووصف الدواء وغير ذلك‪...‬‬

‫‪ .4‬ما كان خاصا بالنبي ص‪$$‬لى هللا علي‪$$‬ه وس‪$$‬لم مث‪$$‬ل وص‪$$‬اله في الص‪$$‬وم وال‪$$‬تزوج ب‪$$‬أكثر من أرب‪$$‬ع زوج‪$$‬ات‬
‫والتهجد بالليل‪ ،‬واكتفائه في إثبات الدعوى بشهادة خزيمة وحده في مجال إثبات الواقعة‪.‬‬

‫‪ -7‬قطعية السنة و ظنيتها‪:‬إن السنة النبوية ق‪$‬د تك‪$‬ون قطعي‪$‬ة الثب‪$‬وت إذا ك‪$‬انت مت‪$‬واترة‪ ،‬وق‪$‬د تك‪$‬ون ظني‪$‬ة‬
‫الثبوت والنسبة إلى الرسول‪  ‬إذا كانت مش‪$$‬هورة أو ك‪$$‬انت أحادي‪$$‬ة‪ .‬ثم هي بع‪$$‬د ذل‪$$‬ك ‪ -‬س‪$$‬واء أك‪$$‬انت قطعي‪$$‬ة‬
‫الثبوت أم ظنية الثبوت والورود ‪ -‬قد تكون قطعية الداللة على معناها إذا لم تحتمل معنى غيره‪ ،‬وق‪$$‬د تك‪$$‬ون‬
‫ظنية الداللة إذا احتملت معنى آخر‪ ،‬فقوله‪( : ‬أطعموا الج‪$$‬دة الس‪$$‬دس) ظ‪$$‬ني في ثبوت‪$$‬ه‪ ،‬ألن‪$$‬ه ح‪$$‬ديث أح‪$$‬ادي‬
‫قطعي في داللت‪$‬ه على أن ف‪$‬رض الج‪$‬دة الس‪$‬دس‪ ،‬وقوله‪( : ‬ال ص‪$‬الة لمن لم يق‪$‬رأ بفاتح‪$‬ة الكت‪$‬اب) ظ‪$‬ني في‬
‫ثبوته لكونه حديثا أحاديا‪ ،‬وظني في داللته أيضا الحتمال توجه النفي إلى صحة الصالة‪ ،‬كما قال الش‪$$‬افعي‪،‬‬
‫أي ال صالة صحيحة‪ ،‬أو توجهه إلى كمال الصالة كما قال اإلمام أبو حنيفة أي ال صالة كاملة‪.‬‬

‫‪ -8‬أنواع األحكام التي جاءت بها السنة‬

‫النوع األول‪ :‬أحكام موافقة ألحكام القرآن ومؤكدة لها‪ ،‬مثل حديث‪( :‬ال يحل م‪$$‬ال ام‪$$‬رئ مس‪$$‬لم إال بطيب من‬
‫نفسه) فإنه موافق ومؤكد لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ي‪$$‬ا َأ ُّي َه‪$$‬ا الَّذِينَ آ َم ُن‪$$‬وا اَل َت‪ْ $‬أ ُكلُوا َأ ْم‪َ $‬والَ ُك ْم َب ْي َن ُك ْم ِبا ْل َباطِ‪ِ $‬ل ِإاَّل َأنْ َت ُك‪$$‬ونَ‬
‫اض ِم ْن ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ،]29‬ومثله أيضا ما جاء في السنة من النهي عن عق‪$$‬وق‬ ‫ار ًة َعنْ َت َر ٍ‬
‫ت َِج َ‬
‫الوالدين وشهادة الزور‪ ،‬وقتل النفس بغير حق‪ ،‬ووجوب الصالة والزكاة والصوم والحج‪...‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬أحكام مبينة لما جاء في القرآن‪:‬‬

‫أ‪ .‬بتفصيل مجمله‪ :‬كالسنة العملية في كيفية الصالة ومناسك الحج‪.‬‬

‫ب‪ .‬بتخصيص عامه‪ :‬كحديث‪ ( :‬نحن معاشر األنبياء ال نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة)‪ ،‬الذي خص‪$$‬ص عم‪$$‬وم قول‪$$‬ه‬
‫تعالى‪ُ ﴿ :‬يوصِ ي ُك ْم هَّللا ُ فِي َأ ْواَل ِد ُك ْم ل َِّلذ َك ِر ِم ْث‪ $‬ل ُ َح‪ِّ $‬ظ اُأْلن َث َي ْي ِن﴾ [س‪$‬ورة النس‪$‬اء‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪ ،]11‬وجعل‪$$‬ه غ‪$‬ير ش‪$$‬امل‬
‫لألنبياء‪.‬‬
‫ج‪ .‬بتقييد مطلقه‪ :‬كحديث سعد بن أبي وقاص في الوصية ال‪$$‬تي ق‪$$‬ال فيه‪$$‬ا الرس‪$$‬ول‪( : ‬الثلث والثلث كث‪$$‬ير)‪،‬‬
‫وص‪$‬ى ِب َه‪$$‬ا َأ ْو دَ ْي ٍن‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة النس‪$$‬اء‪ ،‬اآلي‪$$‬ة‬
‫ص‪َّ $‬ي ٍة ُي َ‬
‫فقد قيد مطلق الوصية في قول‪$$‬ه تع‪$$‬الى‪...﴿ :‬مِنْ َب ْع‪ِ $‬د َو ِ‬
‫‪ ،]12‬بعدم الزيادة على ثلث التركة‪.‬‬

‫النوع الثالث ‪ :‬أحكام جديدة لم يذكرها القرآن ألن السنة مستقلة بتشريع األحكام‪ ،‬ولها كالقرآن في ذلك‪ ،‬وقد‬
‫ثبت عنه‪  ‬أن‪$$‬ه ق‪$$‬ال‪( :‬أال وإني أوتيت الق‪$$‬رآن ومثل‪$$‬ه معه)‪ ،‬ومن ه‪$$‬ذا الن‪$$‬وع تح‪$$‬ريم ال‪$$‬ذهب والحري‪$$‬ر على‬
‫الرجال‪ ،‬وتوريث الجدة‪...‬‬

‫‪ -9‬تعريف بمشاهير أئمة الحديث‬

‫‪ .1‬اإلمام البخاري‪ :‬هو أبو عبد هللا بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغ‪$‬يرة بن بردزب‪$‬ه الجعفي البخ‪$‬اري‪ ،‬ول‪$‬د‬
‫يوم الجمعة الثالث عشر من شوال سنة ‪194‬ﻫ في‪ $‬مدينة‪ $‬بخارى‪ $،‬و‪ $‬طلب‪ $‬العلم‪ $‬صغيرا‪ $‬سنة‪ 205 $‬ﻫ‪ $،‬وقد‬
‫حفظ تصانيف بعض األئمة وهو صغير‪ ،‬وسمع من شيوخ بلده‪ ،‬ثم رح‪$$‬ل م‪$$‬ع أم‪$$‬ه وأخي‪$$‬ه إلى الحج‪$$‬از س‪$$‬نة‬
‫‪210‬ﻫ‪ $،‬وأقام‪ $‬في‪ $‬المدينة‪ $‬المنورة‪ $،‬فألف‪ $‬كتابه‪" ‬التاريخ الكبير"‪ ،‬وهو مجاور قبر الرسول‪ ...‬رح‪$$‬ل إلى‬
‫شيوخ الحديث وأئمته في مختلف البالد‪ ،‬وكتب عن أكثر من ألف شيخ‪ ،‬و قد س‪$$‬اعده ص‪$$‬بره وذك‪$$‬اؤه وحب‪$$‬ه‬
‫للعلم على بلوغ مرتب‪$$‬ة عالي‪$$‬ة في عص‪$$‬ره‪ ،‬ح‪$‬تى أص‪$$‬بح إم‪$$‬ام المس‪$$‬لمين في الح‪$$‬ديث‪ ،‬و لقب‪$$‬ه األئم‪$$‬ة ب‪$‬أمير‬
‫المؤمنين في الحديث‪ ،‬توفي بقرية "خرتنك" في‪ 30‬رمضان سنة ‪256‬ﻫ‪.‬‬

‫الجامع الصحيح‪ :‬ترك اإلمام البخاري نحوا من عش‪$$‬رين مؤلف‪$‬ا في الح‪$$‬ديث وعلوم‪$$‬ه ورجال‪$$‬ه‪ ،‬وفي غيره‪$$‬ا‬
‫من علوم اإلسالم‪ ،‬وأشهرها الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخ‪$$‬اري‪ ،‬وق‪$$‬د جم‪$$‬ع في‪$$‬ه البخ‪$$‬اري ‪9082‬‬
‫حديثا‪ ،‬وهو أول الكتب الستة في الحديث وأفض‪$‬لها عن‪$$‬د الجمه‪$‬ور على الم‪$$‬ذهب المخت‪$‬ار‪ ،‬ق‪$‬ال الن‪$$‬ووي في‬
‫ش‪$$$‬رح ص‪$$$‬حيح مس‪$$$‬لم‪[ :‬اتف‪$$$‬ق العلم‪$$$‬اء على أن أص‪$$$‬ح الكتب بع‪$$$‬د الق‪$$$‬رآن الك‪$$$‬ريم الص‪$$$‬حيحان‪ ،‬ص‪$$$‬حيح‬
‫البخاري‪ ‬صحيح مسلم]‪ ،‬وق‪$‬د ص‪$‬ح إن مس‪$‬لما ك‪$‬ان ممن يس‪$‬تفيد من‪$‬ه ويع‪$‬ترف بأن‪$‬ه ليس ل‪$‬ه نظ‪$‬ير في علم‬
‫الحديث‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ [ :‬ليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخاري و مسلم بعد القرآن]‪.‬‬

‫بعض شروح البخاري‪:‬‬

‫‪ -‬شرح اإلمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البتي الخطابي المتوفى سنة ‪308‬ﻫ‪ ،‬سماه‬
‫"أعالم السنن"‪.‬‬

‫‪ -‬شرح الشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد الحلبي المع‪$$‬روف بس‪$$‬بط ابن العجمي‪ ،‬المت‪$$‬وفى س‪$$‬نة ‪841‬ﻫ‪،‬‬
‫وسماه "التلقيح لفهم قارئ الصحيح"‪.‬‬

‫‪ -‬ش‪$$‬رح العالم‪$$‬ة أبي الفض‪$$‬ل أحم‪$$‬د بن علي بن حج‪$$‬ر العس‪$$‬قالني‪ ،‬المت‪$$‬وفى س‪$$‬نة ‪852‬ﻫ‪ $،‬وسماه‪" $‬فتح‬
‫الباري"‪.‬‬

‫‪ -‬شرح الحافظ جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الس‪$$‬يوطي‪ ،‬المت‪$$‬وفى س‪$$‬نة ‪911‬ﻫ‪ $،‬وسماه‪" $‬التوش‪$$‬يح‬
‫على الجامع الصحيح"‪.‬‬

‫‪ .2‬اإلمام مسلم‪ :‬هو أبو الحسين مس‪$$‬لم بن الحج‪$$‬اج القش‪$$‬يري النيس‪$$‬ابوري‪ ،‬ول‪$$‬د س‪$$‬نة ‪204‬ﻫ‪ $،‬طلب‪ $‬العلم‬
‫صغيرا من ش‪$$‬يوخ بل‪$$‬ده‪ ،‬ثم رح‪$$‬ل في طلب العلم إلى بغ‪$$‬داد م‪$$‬رارا‪ $‬وإلى الكوف‪$$‬ة والبص‪$$‬رة والحج‪$$‬از والش‪$$‬ام‬
‫ومصر وغيرها‪ ،‬وسمع من أئمة الحديث‪ ،‬وتردد على البخاري كثيرا عندما قدم البخاري نيسابور‪.‬‬
‫بلغ اإلمام مسلم منزل‪$$‬ة رفيع‪$$‬ة في العلم‪ ،‬وك‪$$‬ان بعض األئم‪$$‬ة يقدم‪$$‬ه في معرف‪$$‬ة الص‪$$‬حيح على مش‪$$‬ايخ ذل‪$$‬ك‬
‫العصر‪ ،‬وقد أثنى عليه معاص‪$$‬روه وجمه‪$$‬ور أه‪$$‬ل العلم من بع‪$$‬ده‪ ،‬وت‪$$‬رك نح‪$$‬و عش‪$$‬رين مص‪$$‬نفا في الح‪$$‬ديث‬
‫وعلومه‪.‬‬

‫صحيح مسلم‪  :‬صنف اإلمام مسلم كتابه من ثالث مائة ألف حديث مسموعة‪ ،‬واستغرق في تهذيبه وتنقيح‪$$‬ه‬
‫خمس عشرة سنة‪ ،‬قال اإلمام مسلم‪[ :‬ما وضعت شيئا في كتابي هذا إال بحج‪$‬ة‪ ،‬وم‪$‬ا أس‪$‬قطت من‪$‬ه ش‪$‬يئا إال‬
‫بحجة]‪.‬‬

‫وقال النووي‪ [ :‬وسلك مسلم في صحيحه طرقا بالغة في االحتياط واإلتقان والورع والمعرفة‪ ،‬وذلك مص‪$$‬رح‬
‫بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة‪ $‬علومه وشدة تحقيقه]‪.‬‬

‫بعض شروح صحيح مسلم‪:‬‬

‫‪ -‬شرح اإلمام الحافظ أبي زكريا مح‪$$‬يي ال‪$$‬دين يح‪$$‬يى بن ش‪$$‬رف الخ‪$$‬رامي الن‪$$‬ووي الش‪$$‬افعي‪ ،‬المت‪$$‬وفى س‪$$‬نة‬
‫‪676‬ﻫ‪ ،‬وسماه‪" ‬المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج"‪.‬‬

‫‪ -‬شرح اإلمام أبي عبد هللا محمد بن خليفة الوشنالي اآلبي المالكي‪ ،‬المتوفى سنة ‪827‬ﻫ‪.‬‬

‫‪ -‬شرح الشيخ جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‪ ،‬المتوفى سنة ‪911‬ﻫ‪.‬‬

‫الموازنة بين الصحيحين‪ :‬لقد بذل الشيخان البخاري ومس‪$‬لم م‪$‬ا بوس‪$$‬عهما في تص‪$‬نيف الص‪$‬حيحين تص‪$$‬نيفا‬
‫علميا دقيقا يقوم على شروط الصحة التي ال يختلف فيها أئمة هذا الشأن‪ ،‬فتلقتهم‪$‬ا األم‪$$‬ة ب‪$‬القبول‪ ،‬وأجم‪$$‬ع‬
‫أهل العلم على أنهما أصح كتابين بعد القرآن الكريم‪ ،‬قال ش‪$$‬يخ اإلس‪$$‬الم ابن تيمي‪$$‬ة‪[:‬ليس تحت أديم الس‪$$‬ماء‬
‫أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن]‪.‬‬

‫و لكل من "الصحيحين" خصائصه ومميزاته‪ ،‬فاإلمام البخاري ت‪$$‬رجم ألب‪$$‬واب كتاب‪$$‬ه وك‪$$‬رر بعض األح‪$$‬اديث‬
‫في عدة مواضع من كتابه لفوائ‪$‬د حديثي‪$$‬ة وفقهي‪$$‬ة رآه‪$$‬ا‪ ،‬وقط‪$‬ع بعض األح‪$‬اديث وجعله‪$‬ا في مواض‪$$‬ع ع‪$‬دة‬
‫لبيان حكم أو زيادة فائدة‪ ،‬ولم يعمد اإلمام مسلم إلى ذلك‪ ،‬بل جمع ط‪$$‬رق الح‪$$‬ديث في مك‪$$‬ان واح‪$$‬د بأس‪$$‬انيده‬
‫المتعددة‪ ،‬وألفاظه المختلفة بما يسهل على الباحث تناوله‪.‬‬

‫واتفق الجمهور على تقديم "صحيح‪ ‬البخاري" على "ص‪$$‬حيح مس‪$$‬لم"‪ ،‬إال أن بعض علم‪$$‬اء المغ‪$$‬رب ق‪$$‬دم "‬
‫صحيح " مسلم عليه لحسن الترتيب وجمع طرق الحديث في مكان واحد‪ ،‬وفي هذا يقول بعض العلماء‪:‬‬

‫تشاجر قوم في البخاري و مسلم‪     ‬لــدي وقالــوا‪ :‬أي ذين تقــدم‬

‫فقلت‪ :‬لقـد فاق البخاري صحة‪     ‬كما فاق في حـسن الصياغة مسـلم‬

‫‪ .3‬أبو داود السجستاني‪ :‬هو اإلمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن األشعث بن إس‪$$‬حاق األزدي السجس‪$$‬تاني‪،‬‬
‫ولد سنة ‪202‬ﻫ‪ $،‬و‪ $‬طلب‪ $‬العلم‪ $‬صغيرا‪ $‬ثم‪ $‬رحل‪ $‬إلى‪ $‬الشام‪ $‬والحجاز‪ $‬ومصر‪ $‬والعراق‪ $‬والجزيرة‪ $‬وخراسان‪،‬‬
‫ولقي كثيرا من األئمة كاإلمام أحمد‪ .‬وتوفي في البصرة سنة ‪275‬ﻫ‪ ،‬ودفن إلى جانب قبر سفيان الثوري‪.‬‬

‫ألبي داود عدة مصنفات أشهرها كتابه "السنن"‪.‬‬

‫‪ .4‬اإلمام الترمذي‪ :‬هو الحافظ أبو عيسى بن سورة الترم‪$$‬ذي‪ ،‬ول‪$$‬د بع‪$$‬د س‪$$‬نة م‪$$‬ائتين في قري‪$$‬ة (ب‪$$‬وج) من‬
‫قرى ترمذ‪ ،‬وطلب العلم صغيرا‪ ،‬ورح‪$$‬ل في طلب‪$$‬ه إلى الع‪$$‬راق والحج‪$$‬از وخراس‪$$‬ان وغيره‪$$‬ا‪ ،‬ك‪$‬ان من أئم‪$$‬ة‬
‫الحفاظ الذين اشتهروا بالضبط واإلتقان‪ ،‬توفي سنة ‪ 279‬ﻫ بترمذ‪.‬‬
‫ترك الترمذي عدة مؤلفات أشهرها كتابه "السنن"‪.‬‬

‫‪ .5‬اإلمام النسائي‪ :‬هو الحافظ شيخ اإلسالم أبو عبد الرحمن أحمد بن ش‪$‬عيب بن علي الخرس‪$$‬اني النس‪$$‬ائي‪،‬‬
‫نسبة إلى بلدة نساء بخراسان‪ ،‬ولد سنة ‪215‬ﻫ‪ $،‬ورحل‪ $‬في‪ $‬طلب‪ $‬الحديث‪ $‬وله‪ $‬خمس‪ $‬عشرة‪ $‬سنة‪ $،‬وسمع‬
‫من كب‪$$‬ار علم‪$$‬اء عص‪$$‬ره في بل‪$$‬ده وفي الحج‪$$‬از والع‪$$‬راق ومص‪$$‬ر والش‪$$‬ام والجزي‪$$‬رة‪ ،‬ثم اس‪$$‬توطن مص‪$$‬رن‬
‫والراجح في وفاته أنه خرج من مصر في ذي القعدة س‪$$‬نة ‪302‬ﻫ‪ $،‬وتوفي‪ $‬بفلسطين‪ $‬بالرملة‪ $‬يوم‪ $‬االثنين‬
‫‪ 13‬صفر سنة ‪303‬ﻫ‪ $،‬ودفن في‪ $‬بيت‪ $‬المقدس‪ $.‬صنف‪ $‬نحو خمسة‪ $‬عشر‪ $‬مؤلفا‪ ،‬جلها‪ $‬في الحديث‪ $‬وعلومه‪،‬‬
‫وأشهرها كتابه "السنن"‪.‬‬

‫‪ .6‬اإلمام ابن ماجة‪ :‬هو اإلمام الحافظ أبو عبد هللا محم‪$$‬د بن يزي‪$$‬د القزوي‪$$‬ني‪ ،‬وماج‪$$‬ة لقب أبي‪$$‬ه‪ ،‬ول‪$$‬د س‪$$‬نة‬
‫‪ 209‬ﻫ‪ $،‬في‪ $‬قزوين‪ $،‬وطلب‪ $‬العلم‪ $‬في‪ $‬مطلع‪ $‬شبابه‪ $،‬ورحل‪ $‬إلى‪ $‬العراق‪ $‬والحجاز‪ $‬ومصر‪ $‬والشام‪ $‬وغيرها‪،‬‬
‫ولقي كثيرا من أئمة عصره‪.‬‬

‫البن ماجة مصنفات في التفسير والحديث والت‪$$‬اريخ‪ ،‬ومن أش‪$$‬هر كتب‪$$‬ه "الس‪$$‬نن"‪ .‬ت‪$‬وفي ابن ماج‪$$‬ة في ‪22‬‬
‫رمضان سنة ‪273‬ﻫ‪.‬‬

‫‪ .7‬اإلمام مالك‪ :‬ه‪$‬و أب‪$‬و عب‪$‬د هللا مال‪$‬ك بن أنس بن مال‪$‬ك األص‪$‬بحي الحم‪$‬يري الم‪$‬دني‪ ،‬أح‪$‬د أعالم اإلس‪$‬الم‬
‫وإمام دار الهجرة‪ ،‬ولد سنة ‪93‬ﻫ في‪ $‬المدينة‪ $‬المنورة‪ $،‬ونشأ‪ $‬فيها‪ $،‬وطلب‪ $‬العلم‪ $‬على‪ $‬أكابر‪ $‬علماء‪ $‬التابعين‬
‫كاإلمام ابن شهاب الزهري‪.‬‬

‫ألف كتابه "الموطأ "‪ ،‬وقد توخى فيه القوي من أحاديث أهل الحجاز و أخرج فيه إلى جانب الحديث النب‪$$‬وي‬
‫آثار بعض الصحابة والتابعين‪ .‬توفي سنة ‪179‬ﻫ بالمدينة‪.‬‬

‫‪ .8‬اإلمام أحمد‪  :‬هو أبو عبد هللا بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي‪ ،‬خرجت أمه من "مرو" وهي حامل‬
‫به فولدته في بغداد سنة ‪164‬ﻫ‪ $،‬وفي‪ $‬بغداد‪ $‬نشأ‪ $‬وطلب‪ $‬العلم‪ $،‬ورحل‪ $‬إلى‪ $‬البصرة‪ $‬والكوفة‪ $‬ومكة‪ $‬والمدينة‬
‫واليمن والشام وغيرها‪ ،‬لإلمام أحمد عدة مؤلفات أشهرها كتابه "المسند"‪ .‬توفي ببغداد سنة ‪241‬ﻫ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اإلجماع‬

‫‪ -1‬تعريفه‪:‬‬

‫أ‪ .‬لغة‪ :‬له معنيان‪:‬‬

‫أولهم‪$‬ا‪ :‬الع‪$$‬زم على الش‪$$‬يء والتص‪$$‬ميم علي‪$$‬ه‪ ،‬فيق‪$‬ال‪ :‬أجم‪$$‬ع فالن على الس‪$‬فر إذا ع‪$‬زم علي‪$‬ه‪ ،‬ومن‪$‬ه قول‪$$‬ه‬
‫اء ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪ ،]71‬و قوله‪َ ﴿ :‬فلَ َّما َذ َه ُب‪$$‬وا ِب ‪ِ $‬ه َوَأ ْج َم ُع‪$$‬وا َأنْ‬ ‫تعالى‪َ ...﴿ :‬فَأ ْج ِم ُعوا َأ ْم َر ُك ْم َو ُ‬
‫ش َر َك َ‬
‫ب‪[ ﴾...‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.]15‬‬ ‫َي ْج َعلُوهُ فِي َغ َيا َب ِة ا ْل ُج ِّ‬

‫ومنه قول الرسول‪( : ‬من لم يجمع الصيام قبل الفجر فال صيام له)‪ ،‬أي من لم يعزم عليه من الليل فينويه‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬االتفاق على أي شيء‪ ،‬فيقال‪ :‬أجم‪$$‬ع الق‪$$‬وم على ك‪$$‬ذا‪ ،‬أي اتفق‪$$‬وا علي‪$$‬ه‪ ،‬ومن‪$$‬ه ق‪$$‬ول الرس‪$$‬ول‪( : ‬ال‬
‫تجتمع أمتي على ضاللة) أي ال يتفقون عليها‪ ،‬وهذا المعنى هو األنسب للمعنى االصطالحي‪.‬‬

‫ب‪ .‬اصطالحا ‪ :‬في رأي جمهور العلماء هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد‬
‫وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم على حكم من األحكام الشرعية العملية‪.‬‬

‫‪ -2‬حجيته‪:‬‬
‫يل ا ْل ُم‪ْ$$‬ؤ ِمنِينَ ُن َولِّ ِه‬ ‫سولَ مِنْ َب ْع ِد َما َت َب َّينَ لَ ُه ا ْل ُهدَ ى َو َي َّت ِب ْع َغ ْي َر َ‬
‫س ‪ِ $‬ب ِ‬ ‫﴿و َمنْ ُي َ‬
‫شاقِقْ َّ‬
‫الر ُ‬ ‫أ‪ .‬من القرآن‪ :‬قال تعالى‪َ  :‬‬
‫يرا﴾ [سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]115‬‬ ‫اءتْ َمصِ ً‬ ‫س َ‬ ‫َما َت َولَّى َو ُن ْ‬
‫صلِ ِه َج َه َّن َم َو َ‬

‫و أول من استدل بهذه اآلية على حجي‪$‬ة اإلجم‪$‬اع ه‪$‬و اإلم‪$‬ام الش‪$‬افعي‪ ،‬كم‪$$‬ا ذك‪$$‬رت أمه‪$‬ات كتب األص‪$$‬ول و‬
‫غيرها‪.‬‬

‫وجه االس‪$$‬تدالل باآلي‪$$‬ة‪ :‬إن هللا جم‪$$‬ع بين مش‪$$‬اقة الرس‪$$‬ول و اتب‪$‬اع غ‪$‬ير س‪$$‬بيل المؤم‪$$‬نين في الوعي‪$$‬د‪ ،‬حيث‬
‫قال‪ُ ﴿ :‬ن َولِّ ِه َما َت َولَّى َو ُن ْ‬
‫صلِ ِه َج َه َّن َم﴾‪ ،‬و هذا يستلزم أن يكون إتب‪$‬اع غ‪$‬ير س‪$‬بيل المؤم‪$‬نين محرم‪$‬ا‪ ،‬وإذا ح‪$$‬رم‬
‫إتباع غير سبيل المؤمنين وجب تجنبه‪ ،‬وال يمكن تجنبه إال بإتباع سبيلهم ألنه ال واسطة بينهم‪$$‬ا‪ ،‬ول‪$$‬زم من‬
‫وجوب إتباع سبيلهم كون اإلجماع حجة‪.‬‬

‫ش ْيءٍ َف ُردُّوهُ‬ ‫سولَ َوُأ ْولِي اَأْل ْم ِر ِم ْن ُك ْم َفِإنْ َت َن َ‬


‫از ْع ُت ْم فِي َ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها الَّذِينَ آ َم ُنوا َأطِ ي ُعوا هَّللا َ َوَأطِ ي ُعوا َّ‬
‫الر ُ‬
‫ول ِإنْ ُكن ُت ْم ُتْؤ ِم ُنونَ ِباهَّلل ِ َوا ْل َي ْو ِم اآْل خ ِِر‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]59‬‬ ‫س ِ‬ ‫الر ُ‬‫ِإلَى هَّللا ِ َو َّ‬

‫وجه الداللة من اآلية‪ :‬شرط هللا تبارك وتعالى التنازع لوجوب الرد إلى الكتاب والسنة فدل ذلك على أنهم إذا‬
‫لم يتنازعوا لم يجب عليهم ال‪$$‬رد‪ ،‬و أن االتف‪$$‬اق منهم حينئ‪$$‬ذ ك‪$$‬اف عن ال‪$$‬رد إلى الكت‪$$‬اب والس‪$$‬نة‪ ،‬وال مع‪$$‬نى‬
‫لكون اإلجماع حجة إال هذا‪.‬‬

‫ب‪ .‬من السنة النبوية‪ :‬روي عن رسول هللا‪  ‬الكثير من األحاديث التي ت‪$$‬واتر معناه‪$$‬ا‪ ،‬وإن لم يت‪$$‬واتر لفظه‪$$‬ا‬
‫لورودها بألفاظ مختلفة‪:‬‬

‫‪( .1‬ال تجتمع أمتي على ضاللة)‪.‬‬

‫‪( .2‬ال تجتمع أمتي على خطأ)‪.‬‬

‫‪( .3‬ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن)‪.‬‬

‫‪( .4‬يد هللا مع الجماعة)‪.‬‬

‫‪( .5‬من فارق الجماعة و مات فميتته جاهلية)‪.‬‬

‫‪( .6‬من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه)‪.‬‬

‫وجه االس‪$$‬تدالل به‪$‬ذه األح‪$‬اديث‪ :‬ه‪$‬ذه األح‪$‬اديث ونحوه‪$‬ا وإن لم يت‪$$‬واتر ك‪$‬ل واح‪$‬د منه‪$‬ا لفظ‪$‬ا إال أن الق‪$$‬در‬
‫المشترك بينها و هو عصمة األمة متواتر فيها لوج‪$$‬وده في ك‪$$‬ل منه‪$$‬ا‪ ،‬وإذا ثبت عص‪$$‬مة األم‪$$‬ة ت‪$$‬واترا ك‪$$‬ان‬
‫اإلجماع حجة‪.‬‬

‫أن هذه األحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة و التابعين يتمسكون بها في إثبات اإلجماع‪.‬‬

‫‪ -3‬أنواعه‪:‬‬

‫أ‪ .‬اإلجماع الصريح ‪ :‬و هو اإلجماع الذي يبدي فيه كل واحد من المجتهدين برأيه‬

‫صراحة في مسألة فقهية‪ ،‬و هو اإلجماع المعتد عند جمهور العلماء‪.‬‬


‫ب‪ .‬اإلجم‪$$‬اع الس‪$$‬كوتي‪ :‬ه‪$$‬و ال‪$$‬ذي يعلن في‪$$‬ه أح‪$$‬د المجته‪$$‬دين عن رأي‪$$‬ه في مس‪$$‬ألة فقهي‪$$‬ة‪ ،‬ويس‪$$‬كت ب‪$$‬اقي‬
‫المجتهدين دون إنكار عليه‬

‫* موقف العلماء من اإلجماع السكوتي‪:‬‬

‫ذهب الشافعي و بعض الحنفية إلى عدم االحتجاج به‪ ،‬و دليلهم على ذلك ما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬إنه ال ينسب لساكت قول كما يقول الشافعي‪.‬‬

‫‪ . 2‬إن السكوت تحيط به احتماالت نفسية باطنة ال يمكن الجزم معه‪$$‬ا ب‪$$‬أن ب‪$$‬اقي المجته‪$$‬دين س‪$$‬كتوا موافق‪$$‬ة‬
‫ورضى‪ ،‬وذلك بأن السكوت قد يكون مهابة للقائل أو لعدم االنتهاء إلى رأي في موضوع الفتوى‪ ،‬أو لس‪$$‬بب‬
‫آخر ال نعلمه‪.‬‬

‫وذهب اإلمام أحمد وأكثر الحنفية و بعض أصحاب الشافعي إال أن‪$‬ه يحتج باإلجم‪$$‬اع الس‪$‬كوتي‪ ،‬ودليلهم على‬
‫ذلك ما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬إن العادة قد جرت بتصدر األكبر للفتوى و سكوت غيرهم عن‪$$‬د موافق‪$$‬ة رأيهم ل‪$$‬رأي كب‪$$‬ارهم‪ ،‬فالس‪$$‬كوت‬
‫محمول على الرضا والموافقة بمقتضى العرف والعادة‪.‬‬

‫‪ . 2‬إن عمل المجتهدين هو بيان الحكم الشرعي‪ ،‬وسكوتهم عن بيانه في موض‪$‬ع البي‪$‬ان ووقت‪$‬ه‪ ،‬حيث أعلن‬
‫أحدهم رأيه يعد بيانا وموافقة على هذا الرأي‪ ،‬ألن السكوت في موضع البيان بيان‪.‬‬

‫‪ .3‬إن السكوت ال يحمل على الرضا إال إذا ك‪$$‬ان مج‪$$‬ردا من الدالل‪$$‬ة على اإلنك‪$$‬ار والمخالف‪$$‬ة‪ ،‬وإال إذا مض‪$$‬ت‬
‫مدة كافية للتروية تكوين الرأي‪ ،‬و القول بأن السكوت ق‪$‬د يك‪$‬ون مهاب‪$‬ة للقائ‪$‬ل وخوف‪$‬ا من‪$‬ه أو نح‪$‬و ذل‪$‬ك ال‬
‫يليق في جانب المجتهدين الذين بلغوا أعلى المراتب الفقهية والدينية‪ ،‬والساكت عن الحق شيطان أخرس‪.‬‬

‫‪$$$‬ر َمتْ َعلَ ْي ُك ْم‬


‫* أمثل‪$$$‬ة عن اإلجم‪$$$‬اع‪:‬اإلجم‪$$$‬اع على تح‪$$$‬ريم ال‪$$$‬زواج بالج‪$$$‬دة اس‪$$$‬تنادا إلى ق‪$$$‬ول تع‪$$$‬الى‪ُ ﴿ :‬ح ِّ‬
‫ُأ َّم َها ُت ُك ْم﴾‪[ ‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪ ]22‬أي أصولكم‪ ،‬إذن فالجدة أم‪.‬‬

‫إجماع الصحابة على توريث الجدة السدس‪ ،‬استنادا إلى ما رواه المغيرة بن شعبة عن رسول هللا ص‪$$‬لى هللا‬
‫عليه و سلم‪.‬‬

‫إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد‪.‬‬

‫‪ -4‬مرتبته‪:‬‬

‫يأتي اإلجماع في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة‪ ،‬قال‪ ‬ابن مسعود‪[ :‬إذا سئل أحدكم فلينظر في كت‪$$‬اب هللا‪،‬‬
‫فإن لم يجد ففي سنة رسول هللا‪ ،‬فإن لم يجد فلينظر في ما اجتمع عليه المسلمون وإال فليجتهد]‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬القياس‬

‫‪ -1‬تعريفه‪:‬‬

‫لغة‪ :‬التقدير‪ ،‬مثل‪ :‬قس‪$$‬ت الث‪$$‬وب بال‪$$‬ذراع‪ ،‬أي ع‪$$‬رفت مق‪$$‬داره‪ ،‬يتع‪$$‬دى بالب‪$$‬اء وبـ على‪ ،‬فيق‪$$‬ال‪ :‬قاس‪$$‬ه على‬
‫الشيء‪ ،‬و قاسه بالشيء‪ ،‬و يكثر في األصول تعديه ب على‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو مساواة أمر ألمر آخر في الحكم الثابت له الشتراكهما في علة الحكم‪.‬‬

‫‪ -2‬أركانه‪ :‬يرتكز القياس على أربعة أركان هي‪:‬‬

‫األصل‪ :‬و هو المقيس عليه أو المشبه به‪.‬‬

‫الفرع‪ :‬و هو المقيس أو المشبه ( الواقعة أو الحادثة التي نريد معرفة حكمها‪) .‬‬

‫حكم األصل‪ :‬و هو الحكم الشرعي الذي يراد بيان مساواة الفرع لألصل فيه‪.‬‬

‫العلة‪ :‬التي انبنى عليها تشريع الحكم في األصل‪ ،‬و يتساوى معه الفرع فيها‪ ،‬و تسمى جامعا‪.‬‬

‫‪ -3‬حجيته‪:‬‬

‫ار﴾ [سورة الحشر‪ ،‬اآلية ‪ ،]2‬فاالعتبار هو القياس‪ ،‬و اآلية أمرت‬ ‫اع َت ِب ُروا َيا ُأولِي اَأْل ْب َ‬
‫ص ِ‬ ‫أ‪ .‬قال تعالى‪َ ...﴿ :‬ف ْ‬
‫باالعتبار‪ ،‬و األمر يفيد الوجوب‪ ،‬فيكون القياس واجبا على المجتهد‪.‬‬

‫قال الشوكاني‪[ :‬االعتبار مشتق من العبور‪ ،‬و القي‪$$‬اس عب‪$$‬ور من حكم األص‪$$‬ل إلى حكم الف‪$$‬رع‪ ،‬فك‪$$‬ان داخال‬
‫تحت األمر]‪.‬‬

‫ب‪ .‬إن الق‪$$‬رآن يس‪$$‬تعمل القي‪$$‬اس في اإلقن‪$$‬اع و إل‪$$‬زام الحج‪$$‬ة‪ ،‬فق‪$$‬د رد الق‪$$‬رآن على منك‪$$‬ري البعث ال‪$$‬ذين‬
‫نش‪َ$‬أهَا َأ َّولَ‬
‫قالوا‪َ ...﴿ :‬منْ ُي ْحيِ ا ْلع َِظا َم َوه َِي َرمِي ٌم﴾ [سورة يس‪ ،‬اآلية ‪ ،]78‬بقوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ ُي ْحيِي َه‪$$‬ا الَّذِي َأ َ‬
‫َم َّرةٍ‪[ ﴾...‬سورة يس‪ ،‬اآلية ‪ ،]79‬فقاس س‪$$‬بحانه إع‪$$‬ادة المخلوق‪$$‬ات وبعثه‪$$‬ا بع‪$$‬د فنائه‪$$‬ا على النش‪$$‬أة األولى‬
‫وبدء الخلقة‪ ،‬وبين أن من قدر على بدء الخلق قادر على إعادته‪ ،‬بل هو أهون عليه‪.‬‬

‫ج‪ .‬وقد اعتمدت السنة على القياس أيضا‪ ،‬ومن ذلك أن امرأة‪ $‬خثعمية جاءت إلى الرسول‪  ‬وقالت له‪:‬‬

‫( إن أبي أدركته فريضة الحج‪ ،‬أفأحج عنه؟ فقال لها‪ :‬أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فدين هللا أحق بالقضاء)‪ .‬فكان هذا قياسا لدين هللا على دين العباد‪.‬‬

‫د‪( .‬روي أن النبي صلى هللا عليه و س‪$$‬لم بعث مع‪$$‬اذا وأب‪$$‬ا موس‪$$‬ى األش‪$$‬عري إلى اليمن قاض‪$$‬يين‪ ،‬ك‪$$‬ل واح‪$$‬د‬
‫منهما في ناحية‪ ،‬و أنهما لما سئال قاال‪ :‬إذا لم نجد في القرآن وال في الس‪$$‬نة نقيس األم‪$$‬ر ب‪$$‬األمر‪ ،‬فم‪$$‬ا ك‪$$‬ان‬
‫أقرب إلى الحق عملنا به‪ ،‬فقال صلى هللا عليه و سلم‪ :‬أصبتما)‪.‬‬

‫‪ -4‬شروط صحة القياس‪:‬‬

‫أ‪ .‬شروط حكم األصل‪:‬‬

‫‪ . 1‬أن يكون حكم األصل ثابتا بالكتاب كحرمة الخمر الثابتة بالقرآن‪ ،‬أو ثابتا بالسنة‪ ،‬أو باإلجم‪$$‬اع (في رأي‬
‫كثير من العلماء)‪.‬‬

‫‪ .2‬أن يكون الحكم معقول المعنى‪ ،‬يعني أن يس‪$‬تطيع العق‪$$‬ل إدراك علت‪$$‬ه كتح‪$$‬ريم الخم‪$$‬ر‪ ،‬ف‪$‬إن الخم‪$$‬ر ت‪$‬درك‬
‫علته و هي اإلسكار‪.‬‬

‫‪ .3‬أن ال يكون حكم األصل مختصا ب‪$‬ه‪ ،‬ألن ال‪$$‬دليل ال‪$‬دال على ه‪$$‬ذا االختص‪$$‬اص يمن‪$‬ع تع‪$‬دي ه‪$‬ذا الحكم إلى‬
‫الفرع بطريق القياس‪.‬‬
‫ب‪ .‬شروط الفرع‪:‬‬

‫‪ .1‬أال يكون قد ورد نص أو إجماع بحكم في الفرع يخالف القياس‪.‬‬

‫‪ . 2‬أن يتساوى الفرع مع األصل في علة الحكم دون فارق جوهري بينهما‪ ،‬حتى ال يكون القياس قياسا م‪$$‬ع‬
‫الفارق‪.‬‬

‫ج‪ .‬شروط العلة‪:‬‬

‫تتض‪$$‬ح ش‪$$‬روط العل‪$$‬ة من خالل تعريفه‪$$‬ا‪ ،‬فالعل‪$$‬ة هي الوص‪$$‬ف الظ‪$$‬اهر المنض‪$$‬بط المتع‪$$‬دي المناس‪$$‬ب للحكم‪،‬‬
‫فيشترط في الوصف الذي يعلل به الحكم ما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬أن يكون وصفا ظاهرا يمكن التحقق من وجوده و عدمه كاإلسكار‪.‬‬

‫‪ .2‬أن يكون وصفا منضبطا‪ ،‬له حدود معينة‪.‬‬

‫‪ . 3‬أن يكون وصفا متعديا غير قاصر‪ ،‬يعني يمكن وجوده في غير األمر األصلي المقيس عليه‪.‬‬

‫‪ . 4‬أن يكون وصفا مناسبا مالئما لتشريع الحكم‪ ،‬أي أن ربط الحكم به وج‪$$‬ودا و ع‪$$‬دما من ش‪$$‬أنه أن يحق‪$$‬ق‬
‫مصلحة للناس أو أن يدفع عنهم مفسدة‪.‬‬

‫ب‪ -‬المصادر المختلف فيها‬

‫أوال‪ :‬المصالح المرسلة‬

‫‪ -1‬أنواع المصالح التي تقوم عليها الشريعة‪:‬‬

‫أ‪ .‬المصالح الضرورية‪( :‬وهي التي تك‪$$‬ون األم‪$$‬ة بمجموعه‪$$‬ا وآحاده‪$$‬ا في ض‪$$‬رورة إلى تحص‪$$‬يلها‪ ،‬بحيث ال‬
‫يستقيم النظام باختاللها‪ ،‬بحيث إذا انخرمت تؤول حالة األمة إلى فساد وتالش)‪.‬‬

‫وتتمثل هذه المصالح فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬الدين‪.‬‬

‫‪ .2‬النفس‪.‬‬

‫‪ .3‬النسل‬

‫‪ .4‬العقل‬

‫‪ .5‬المال‬

‫ولقد شرع للمحافظة على الدين وج‪$$‬وب الجه‪$$‬اد في س‪$‬بيل هللا لل‪$$‬ذود عن ال‪$$‬دين‪ ،‬كم‪$‬ا ش‪$$‬رع للمحافظ‪$$‬ة على‬
‫النفس وجوب تناول القدر الضروري لبقائها من طعام وشراب‪ ،‬ووجوب ارت‪$$‬داء‪ $‬الق‪$$‬در الالزم لرف‪$$‬ع الض‪$$‬رر‬
‫عنها‪ ،‬ومما شرع للمحافظة على النسل تحريم الزنا والقذف وإقامة الح‪$$‬د على مرتك‪$$‬بي ه‪$$‬اتين الفاحش‪$$‬تين‪،‬‬
‫ومما شرع للمحافظ‪$‬ة على العق‪$$‬ل تح‪$‬ريم الخم‪$‬ر وس‪$$‬ائر المس‪$‬كرات‪ ،‬ألنه‪$‬ا م‪$$‬دعاة لح‪$‬دوث خل‪$‬ل في العق‪$‬ل‪،‬‬
‫( فدخول الخلل على عقل الفرد مفض إلى فساد جزئي‪ ،‬ودخوله على عقول الجماعات وعم‪$$‬وم األم‪$$‬ة أعظم‪،‬‬
‫ولذلك يجب منع الشخص من السكر‪ ،‬ومنع األمة من تفشي السكر بين أفرادها )‪ .‬ومما شرع للمحافظة على‬
‫المال تحريم السرقة‪ ،‬وتحريم أكل المال بالباطل‪.‬‬

‫ب‪ .‬المصالح الحاجية‪  :‬ويراد بها األمور التي يحتاج الناس إليها لرفع الحرج عنهم‪ ،‬وبدونها ال يخت‪$$‬ل نظ‪$$‬ام‬
‫حي‪$$‬اتهم ولكنهم يحس‪$$‬ون بالض‪$$‬يق والح‪$$‬رج‪ .‬ومن أحك‪$$‬ام رف‪$$‬ع الح‪$$‬رج إباح‪$$‬ة الفط‪$$‬ر في رمض‪$$‬ان للمس‪$$‬افر‬
‫والمريض‪ ،‬وقصر الصالة الرباعية في السفر‪ ،‬والتيمم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله‪.‬‬

‫ج‪ .‬المصالح التحسينية‪ :‬وهي م‪$$‬ا يتعل‪$$‬ق بمك‪$$‬ارم األخالق‪ ،‬ومحاس‪$$‬ن الع‪$$‬ادات كالطه‪$$‬ارة‪ ،‬ولبس الجدي‪$$‬د من‬
‫اللباس‪ ،‬وكل ما يرتقي بحياة الناس إلى مستوى أفضل‪.‬‬

‫‪ -2‬أقسام المصالح من حيث اعتبار الشريعة أو عدم اعتبارها لها‪:‬‬

‫أ‪ .‬المصالح المعتبرة‪ :‬وهي المصالح ال‪$‬تي وردت نص‪$‬وص لتحقيقه‪$‬ا‪ ،‬فهي معت‪$‬برة ب‪$‬ذلك في نظ‪$‬ر الش‪$‬ريعة‬
‫كالمصالح المذكورة آنفا‪.‬‬

‫ب‪ .‬المص‪$$‬الح الملغ‪$$‬اة‪ :‬وهي المص‪$$‬الح ال‪$$‬تي وردت نص‪$$‬وص دال‪$$‬ة على إلغائه‪$$‬ا مث‪$$‬ل‪ :‬دع‪$$‬وى مس‪$$‬اواة االبن‬
‫وص‪$$$‬ي ُك ْم هَّللا ُ فِي َأ ْواَل ِد ُك ْم ل َّ‬
‫ِل‪$$$‬ذ َك ِر ِم ْث‪ $$$‬ل ُ َح‪ِّ $$$‬ظ‬ ‫والبنت في الم‪$$$‬يراث‪ ،‬فتل‪$$$‬ك مص‪$$$‬لحة ملغ‪$$$‬اة بقول‪$$$‬ه تع‪$$$‬الى‪ُ ﴿ :‬ي ِ‬
‫اُأْلن َث َي ْي ِن‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]10‬‬

‫ج‪ .‬المص‪$$‬لحة المرس‪$$‬لة‪ :‬وهي المص‪$$‬لحة المطلق‪$$‬ة ال‪$$‬تي لم ي‪$$‬رد نص يعتبره‪$$‬ا أو يلغيه‪$$‬ا‪ .‬كم‪$‬ا تع‪$$‬رف بأنه‪$$‬ا‪:‬‬
‫( المعاني التي يحصل من ربط الحكم بها وبنائه عليها جلب منفعة أو رف‪$‬ع مفس‪$‬دة‪ ،‬ولم يقم دلي‪$‬ل معين ي‪$‬دل‬
‫على اعتبارها أو إلغائها)‪.‬‬

‫‪ -3‬أدلة المعتدّ ين بالمصلحة المرسلة‪:‬‬

‫من األدلة التي استدل بها المعتدّ ون بالمصلحة المرسلة ما يلي‪:‬‬

‫‪ . 1‬أن المعروف أن مصالح الناس في تجدد مستمر‪ ،‬وأن الشريعة اإلسالمية جاءت لتحقيق مصالح العب‪$$‬اد‪،‬‬
‫فإذا ما استجد أمر في حياة الناس‪ ،‬وال يوجد نص يتناول ذلك‪ ،‬فإن القول باعتبار المصلحة ينسجم مع بقاء‬
‫الشريعة وخلودها‪( ،‬فأينما وجدت المصلحة فثم شرع هللا)‪.‬‬

‫‪ . 2‬حصول إجماع الصحابة على االحتجاج بالمصلحة المرسلة‪ ،‬ويتجلى ذلك في تشريعهم لكثير من األحكام‬
‫تحقيقا لمصالح مطلقة‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ .‬تم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد في عهد أبي بكر الصديق‪.‬‬

‫ب‪ .‬لقد ثبت أن الرسول صلى هللا عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعده‪ ،‬ولما رأى أبو بك‪$$‬ر الص‪$$‬ديق رض‪$$‬ي هللا‬
‫عنه أن مصلحة األمة تقتضي استخالف عمر بن الخطاب رضي هللا عنه صنع ذلك تحقيقا لتلك المصلحة‪،‬‬

‫ج‪ .‬وضع عمر بن الخطاب للخراج وتدوينه تحقيقا للمصلحة‪.‬‬

‫د‪ .‬حكم عثمان بن عفان رضي هللا عنه بتوريث المرأة التي طلقها زوجه‪$$‬ا في م‪$$‬رض موت‪$$‬ه بغي‪$$‬ة حرمانه‪$$‬ا‬
‫من الميراث‪ ،‬وذلك معاملة بعكس مقصوده‪.‬‬
‫‪ .4‬أهمية العمل بالمصلحة المرسلة‪ :‬إن العمل بالمصلحة المرسلة يخدم مصالح األمة‪ ،‬إذ أن الراس‪$$‬خين في‬
‫العلم ووالة األمور في إمكانهم تشريع ما يحقق مصالح الناس في إطار مع‪$$‬الم الش‪$$‬ريعة وروحه‪$$‬ا‪ ،‬وال ش‪$$‬ك‬
‫أن اس‪$$‬تجابة الش‪$$‬ريعة لمص‪$‬الح الن‪$‬اس المتج‪$$‬ددة مظه‪$‬ر من مظ‪$$‬اهر كم‪$$‬ال الش‪$‬ريعة وص‪$‬الحيتها ك‪$$‬ل زم‪$$‬ان‬
‫ومكان‪.‬‬

‫‪ .5‬شروط العمل بالمصلحة المرسلة‪ :‬تشير كثير من المراجع إلى شروط الزمة للعم‪$$‬ل بالمص‪$$‬لحة المرس‪$$‬لة‬
‫تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن تكون المصلحة كلية‪ ،‬بمعنى أن تكون شاملة للكثير من الناس ف‪$$‬إذا ك‪$$‬انت خاص‪$$‬ة فال يعتم‪$$‬د عليه‪$$‬ا‬
‫تشريع في الحكم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن تكون المصلحة حقيقية‪ ،‬بمعنى أن يكون تشريع حكم بناءا على تلك المصلحة من شأنه جلب النفع‬
‫أو دفع الضرر‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن تكون المصلحة مالئمة لمقاصد الشريعة‪ ،‬فإذا لم تكن كذلك ال يعتمد عليها في تشريع األحكام‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أال تكون مصلحة ملغاة‪ ،‬فإذا ورد نص يلغي مصلحة معينة فال مجال لتشريع حكم بنا ًء عليه‪.‬‬

‫‪ .6‬مجال العمل بالمصلحة المرسلة ‪:‬إن إدراك المصلحة يتحقق في المعامالت دون العبادات‪ ،‬لذلك فإن مجال‬
‫العمل بالمصلحة المرسلة هو مجال المعامالت‪.‬‬

‫أمثلة لبعض األحكام الصادرة بناءا على مصلحة‪:‬‬

‫أ‪ .‬فرض الضرائب عند عدم وجود ما يكفي من المال لتحقيق مصالح الناس العامة‪.‬‬

‫ب‪ .‬توثيق عقد الزواج تحديدا للمسؤوليات وحفظا للحقوق‪.‬‬

‫ج‪ .‬النص على أن نقل الملكية من البائع إلى المشتري في عقد البيع يتم بعد تسجيله‪.‬‬

‫د‪ .‬وضع قواعد المرور واإللزام بتطبيقها‪.‬‬

‫‪ .7‬المصلحة المفسدة من حيث تعلق الخطاب بها شرعا‪:‬‬

‫يقول اإلمام الشاطبي‪ ( :‬فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عن‪$‬د مناظرته‪$‬ا م‪$‬ع المفس‪$‬دة في حكم االعتي‪$‬اد فهي‬
‫المقصودة شرعا‪ ،‬ولتحص‪$$‬يلها وق‪$$‬ع الطلب على العب‪$$‬اد ليج‪$$‬ري قانونه‪$$‬ا على أق‪$$‬وم طري‪$$‬ق وأه‪$$‬دى س‪$$‬بيل‪...‬‬
‫وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالب‪$‬ة ب‪$‬النظر إلى المص‪$‬لحة في حكم االعتي‪$‬اد‪ ،‬فرفعه‪$‬ا ه‪$‬و المقص‪$‬ود ش‪$‬رعا‬
‫وألجله وقع النهي)‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العرف‬

‫‪ -1‬تعريفه‪ :‬هو ما تعارف الناس واستقامت عليه أمورهم من قول أو فعل‪.‬‬

‫والعرف والعادة أم‪$$‬ران مختلف‪$$‬ان‪ ،‬إذ الع‪$$‬ادة بمع‪$$‬نى التك‪$$‬رار‪ $،‬وكم‪$‬ا يك‪$$‬ون تع‪$$‬ود الش‪$$‬يء من ف‪$$‬رد يك‪$‬ون من‬
‫جماعة‪ ،‬واألولى تسمى عادة فردية والثانية عادة جماعية‪ ،‬أم‪$$‬ا الع‪$$‬رف فال يص‪$$‬دق إال على الجماعي‪$$‬ة‪ ،‬فم‪$$‬ا‬
‫يعتاده بعض الناس ال يكون عرفا‪ :‬ألنه ال بد في تحقق العرف من اعتياد األغلب أو الكل‪.‬‬
‫‪ -2‬حجيته ‪ :‬ذكر العلماء جملة من األدلة لالستدالل بها على حجية العرف أذكر منها‪:‬‬

‫أ‪ .‬قوله تعالى‪ُ ﴿ :‬خ ْذ ا ْل َع ْف َو َوْأ ُم ْر بِا ْل ُع ْرفِ َوَأ ْع ِر ْ‬


‫ض َعنْ ا ْل َجا ِهلِينَ ﴾ [سورة األعراف‪ $،‬اآلية ‪.]199‬‬

‫قال القرافي‪[ :‬فكل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر اآلية]‪.‬‬

‫ب‪ .‬قول الرسول‪( : ‬ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن)‪ ،‬فهذا الحديث يوحي بحجية العرف‪.‬‬

‫ج‪ .‬ما ثبت أن الرسول‪  ‬قال لهند زوج أبي سفيان حينما اشتكت إليه بخل زوجه‪$‬ا عليه‪$$‬ا بالنفق‪$$‬ة‪ ،‬ق‪$$‬ال له‪$$‬ا‪:‬‬
‫(خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف)‪ .‬قال القرطبي‪[ :‬في ه‪$‬ذا الح‪$‬ديث اعتب‪$‬ار الع‪$‬رف في‬
‫الشرعيات]‪.‬‬

‫د‪ .‬إن تعارف الناس على ق‪$$‬ول أو فعلم‪$$‬ا ل‪$$‬دليل على أن في ذل‪$$‬ك تحقيق‪$$‬ا لمص‪$$‬لحة أو رفع‪$$‬ا لح‪$$‬رج‪ ،‬وتحقي‪$$‬ق‬
‫المصالح ورفع الحرج مما جاءت الشريعة لتقريره‪.‬‬

‫وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى االحتجاج بالعرف‪ ،‬ومع أنه قد اشتهر األخذ ب‪$‬ه عن‪$‬د الحنفي‪$‬ة والمالكي‪$‬ة‪ ،‬فق‪$‬د‬
‫قيل أن الشافعي قد بنى أحكام مذهبه الجديد على عرف أهل مصر‪ ،‬وقد كان في مذهبه الق‪$$‬ديم م‪$$‬ا بن‪$$‬اه على‬
‫عرف أهل العراق‪ .‬يقول الق‪$‬رافي‪[ :‬أم‪$$‬ا الع‪$‬رف فمش‪$‬ترك بين الم‪$‬ذاهب‪ ،‬ومن اس‪$‬تقرأها وج‪$‬دهم يص‪$‬رحون‬
‫بذلك]‪.‬‬

‫‪ -3‬أقسامه‪:‬‬

‫أ‪ .‬تقسيم العرف إلى قولي وعملي‪:‬‬

‫‪ .1‬العرف القولي‪ :‬مثل تعارف الناس على إطالق لفظ "الولد" على الذكر دون األن‪$$‬ثى م‪$$‬ع أن لف‪$$‬ظ "الولد"‬
‫وص‪$‬ي ُك ْم هَّللا ُ فِي َأ ْواَل ِد ُك ْم لِل‪$َّ $‬ذ َك ِر ِم ْث‪ $‬ل ُ َح‪ِّ $‬ظ اُأْلن َث َي ْي ِن‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة‬
‫ينطبق على الذكر واألنثى معا‪ ،‬يقول تع‪$$‬الى‪ُ ﴿ :‬ي ِ‬
‫النساء‪ ،‬اآلية ‪.]11‬‬

‫وتعارفهم على إطالق لفظ "الدابة" على ذوات األربع‪ ،‬مع أن كل ما يدب على األرض يس‪$$‬مى "داب‪$$‬ة"‪ ،‬ق‪$$‬ال‬
‫ض ِإاَّل َعلَى هَّللا ِ ِر ْزقُ َها‪[ ﴾...‬سورة هود‪ ،‬اآلية ‪.]6‬‬
‫﴿و َما مِنْ دَ ا َّب ٍة فِي اَأْل ْر ِ‬
‫تعالى‪َ  :‬‬

‫كما تعارف سكان بعض البالد المصرية على إطالق "الدابة" على الحمار فقط‪ ،‬في حين يطلق س‪$$‬كان بعض‬
‫البالد العراقية والسودانية لفظ "الدابة" على الفرس فقط‪.‬‬

‫كما تعارف الناس أيض‪$‬ا على إطالق لف‪$‬ظ "‪ ‬اللحم" على م‪$‬ا ع‪$‬دا الس‪$‬مك من اللح‪$‬وم‪ ،‬م‪$‬ع أن الق‪$‬رآن س‪$‬ماه‬
‫س َّخ َر ا ْل َب ْح َر لِ َتْأ ُكلُوا ِم ْن ُه لَ ْح ًما َط ِر ًّيا‪[ ﴾...‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]14‬‬
‫﴿وه َُو الَّذِي َ‬
‫"لحما" في قوله تعالى‪َ  :‬‬

‫‪ .2‬العرف العملي‪ :‬مثل تعارف الناس على ال‪$$‬بيع بالتع‪$$‬اطي في بعض الس‪$$‬لع دون إيج‪$$‬اب و قب‪$$‬ول‪ ،‬وتقس‪$$‬يم‬
‫المهر إلى معجل ومؤجل‪ ،‬ودخول الحمامات واألندية والمقاهي دون تحديد لمدة المكث فيها‪.‬‬

‫ب‪ .‬تقسيم العرف إلى عام وعام‪:‬‬

‫‪ .1‬العرف العام‪ :‬هو ما تعارف عليه الناس جميعا في عصر من العصور‪.‬‬

‫‪ .2‬العرف الخاص‪ :‬هو ما تعارف عليه الن‪$$‬اس في طائف‪$$‬ة معين‪$$‬ة أو بل‪$$‬د معين‪ ،‬وه‪$$‬ذا م‪$$‬ا نج‪$$‬ده في الواق‪$$‬ع‪،‬‬
‫حيث تختلف األعراف من طائفة إلى أخرى‪ ،‬ومن بلد إلى آخر‪.‬‬
‫‪ -4‬شروط العمل بالعرف‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أال يناقض العرف نصا قطعي‪$‬ا‪ ،‬فال ع‪$‬برة لم‪$‬ا تع‪$‬ارف علي‪$‬ه الن‪$‬اس من أك‪$‬ل الرب‪$‬ا‪ ،‬ألن‪$‬ه ع‪$‬رف فاس‪$‬د‪،‬‬
‫﴿‪...‬وَأ َحل َّ هَّللا ُ ا ْل َب ْي َع َو َح َّر َم ِّ‬
‫الر َبا‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.]275‬‬ ‫لمصادمته قوله تعالى‪َ  :‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن يكون العرف مطردا‪ ،‬أي في جميع الحوادث أو أغلبها‪ ،‬فال عبرة بالعرف غير الغالب‪.‬‬

‫ثالثا‪  :‬أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات موجودا عند إنشائها وذلك بأن يقارن الفعل دون تأخير‬
‫عنه‪ ،‬فلو كان العرف طارئا فال عبرة به‪.‬‬

‫رابعا‪  :‬أال يعارض العرف تصريح بخالفه‪ ،‬فمثال إذا كان العرف الجاري تعجيل نصف المهر وتأخير النص‪$$‬ف‬
‫لكن اشترطت المرأة تعجيل كل المهر وقبل الزوج بذلك‪ ،‬فإن العرف ال يحكم في هذه الحالة ألنه ال يلجأ إليه‬
‫إال إذا لم يوجد ما يفي‪$$‬د مقص‪$$‬ود العاق‪$$‬دين ص‪$$‬راحة‪ ،‬فحيث علم المقص‪$$‬ود ص‪$$‬راحة من الش‪$$‬رط ال يص‪$$‬ار إلى‬
‫العرف‪.‬‬

‫‪ .5‬اختالف األحكام باختالف العرف‪:‬وردت أحكام كث‪$$‬يرة مبني‪$$‬ة على الع‪$$‬رف‪ ،‬وك‪$$‬ان اختالف األع‪$$‬راف س‪$$‬ببا‬
‫الختالف تلك األحكام‪ ،‬وهذا االختالف يقال عنه‪ :‬أنه اختالف عصر وزمان‪ ،‬ال اختالف حج‪$$‬ة وبره‪$$‬ان‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة هذا االختالف ما يأتي‪:‬‬

‫‪ .1‬أن اإلمام أبا حنيفة كان يرى االكتفاء في الش‪$$‬هود بالعدال‪$$‬ة الظ‪$$‬اهرة فيم‪$$‬ا ع‪$$‬دا الح‪$$‬دود والقص‪$$‬اص‪ ،‬ولم‬
‫يشترط التزكية لقوله‪( : ‬المسلمون عدول بعضهم على بعض)‪ ،‬وكان ه‪$$‬ذا الحكم مناس‪$$‬با لزم‪$$‬ان أبي حنيف‪$$‬ة‬
‫لغلبة الصالح فيه‪ ،‬ولما تغير حال الناس وفشا فيهم الكذب رأى الصاحبان أن األخذ بظاهر العدالة كما يقول‬
‫أبو حنيفة يؤدي إلى مفسدة‪ ،‬وهي ضياع كث‪$‬ير من الحق‪$$‬وق‪ ،‬ف‪$$‬دعا فس‪$$‬اد الزم‪$$‬ان وتغ‪$$‬يره أن يق‪$$‬وال بتزكي‪$$‬ة‬
‫جميع الشهود دفعا لهذه المفسدة‪.‬‬

‫‪ .2‬أن‪ ‬أبا حنيفة‪ ‬قال‪[:‬ال يتحقق اإلكراه من غير الس‪$$‬لطان]‪ ،‬وق‪$$‬ال‪ ‬الص‪$$‬احبان‪[ :‬إن اإلك‪$$‬راه يتحق‪$$‬ق من غ‪$$‬ير‬
‫السلطان]‪ ،‬فهذا القول من أبي حنيفة مب‪$$‬ني على م‪$$‬ا ش‪$$‬اهده في عص‪$$‬ره من أن الق‪$$‬درة والمنفع‪$$‬ة لم تكن إال‬
‫لسلطان‪ ،‬وهذا الحال تغير في زمن الص‪$$‬احبين‪ ،‬وص‪$$‬ار لك‪$$‬ل ظ‪$‬الم الق‪$$‬درة على إيق‪$‬اع م‪$‬ا ه‪$$‬دد ب‪$$‬ه من األذى‬
‫والمكروه‪ ،‬فقاال‪[ :‬إن اإلكراه يتحقق أيضا من غير السلطان]‪.‬‬

‫‪ .3‬اختلف‪ ‬أبو حنيفة‪ ‬وصاحباه‪  ‬فيما لو غصب شخص ثوبا وصبغه بلون أسود‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬إنه نقصان‬
‫في قيمته‪ ،‬وقال الصاحبان‪ :‬إنه زيادة فيها كما لو صبغه بل‪$$‬ون أص‪$$‬فر أو أحم‪$$‬ر‪ .‬ومرج‪$$‬ع ه‪$$‬ذا االختالف إلى‬
‫الع‪$$‬رف‪ ،‬ف‪$$‬إن ب‪$$‬ني أمي‪$$‬ة في زمن أبي حنيف‪$$‬ة ك‪$$‬انوا يمتنع‪$$‬ون عن لبس الس‪$$‬واد‪ ،‬فك‪$$‬ان م‪$$‬ذموما‪ ،‬وفي زمن‬
‫الصاحبين كان بنو العباس يلبسون السواد‪ ،‬فكان مم‪$‬دوحا‪ ،‬فأج‪$‬اب ك‪$‬ل منهم على م‪$$‬ا ش‪$‬اهد من ع‪$‬ادة أه‪$$‬ل‬
‫عصره‪.‬‬

‫‪ .4‬روي عن اإلمام‪ ‬مالك‪ ‬أنه إذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول فالقول ق‪$$‬ول ال‪$$‬زوج‪ ،‬م‪$$‬ع أن‬
‫الظ‪$‬اهر أن الق‪$‬ول يك‪$‬ون للزوج‪$$‬ة ألن األص‪$$‬ل ع‪$$‬دم القبض‪ ،‬ف‪$$‬داء بعض فقه‪$$‬اء المالكي‪$‬ة فق‪$‬الوا‪ :‬ه‪$$‬ذه ك‪$‬انت‬
‫عادتهم بالمدينة أن الرجل ال يدخل بامرأته حتى تقبض ص‪$$‬داقها‪ ،‬والي‪$$‬وم ع‪$$‬ادتهم على خالف ذل‪$$‬ك‪ ،‬ف‪$$‬القول‬
‫قول الزوجة مع يمينها جريا على عادات الناس‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قول الصحابي‬

‫‪ -1‬التعريف بالصحابي‪ :‬الصحابي عند جمهور علماء األصول هو من لقي الن‪$$‬بي ص‪$$‬لى هللا علي‪$$‬ه و س‪$$‬لم و‬
‫آمن به و الزمه مدة كافية إلطالق وصف الصحبة عرفا‪.‬‬
‫‪ -2‬حجية قول الصحابي‬

‫أ‪ .‬إش‪$$$‬ارة الق‪$$$‬رآن عن فض‪$$$‬ل الص‪$$$‬حابة‪ ،‬و إعالن الرض‪$$$‬ا عمن تبعهم‪ ،‬واألخ‪$$$‬ذ ب‪$$$‬أقوالهم و س‪$$$‬نتهم ه‪$$$‬و‬
‫ض‪$‬وا‬‫ض‪َ $‬ي هَّللا ُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫ان َر ِ‬ ‫ار َوالَّذِينَ ا َّت َب ُع‪$$‬و ُه ْم بِِإ ْح َ‬
‫س‪ٍ $‬‬ ‫السابِقُونَ اَأْل َّولُونَ مِنْ ا ْل ُم َها ِج ِرينَ َواَأْل َ‬
‫نص‪ِ $‬‬ ‫﴿و َّ‬ ‫إتباعهم‪َ  .‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬
‫ت ت ْج ِري ت ْحت َها ا ن َها ُر خالِدِينَ فِي َها َبدًا ذلِك الف ْوز ال َعظِ ي ُم﴾‪[ ‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.]100‬‬ ‫ْ‬ ‫َأْل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َع ْن ُه َوَأ َعدَّ ل ُه ْم َجنا ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬

‫ب‪ .‬وردت أحاديث تجعل سنة الخلفاء الراشدين المهديين مع سنة رسول هللا‪: ‬‬

‫( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)‪.‬‬

‫(أنا أمان ألصحابي وأصحابي أمان ألمتي)‪.‬‬

‫(خير القرون قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم)‪.‬‬

‫ج‪ .‬قال ابن قيم عن الفتوى التي يفتي بها الصحابة أنها ( ال تخرج عن ستة أوجه‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون سمعها من النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن يكون سمعها ممن سمعها منه‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يكون فهمها من آية من كتاب هللا فهما خفي علينا‪.‬‬

‫الرابع‪  :‬أن يكون قد اتفق عليها مألهم‪ ،‬ولم ينقل إلينا إال قول المفتي بها وحده‪.‬‬

‫الخامس‪  :‬أن يكون لكمال علمه باللغة وداللة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا‪ ،‬أو لقرائن حالية اق‪$$‬ترنت‬
‫بالخطاب‪ ،‬أو لمجموع أم‪$$‬ور فهموه‪$$‬ا على ط‪$$‬ول الزم‪$$‬ان من رؤي‪$$‬ة الن‪$$‬بي ص‪$$‬لى هللا علي‪$$‬ه وس‪$$‬لم ومش‪$$‬اهدة‬
‫أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كالمه‪ ،‬والعلم بمقاص‪$$‬ده‪ ،‬وش‪$$‬هود تنزي‪$$‬ل ال‪$$‬وحي‪ ،‬ومش‪$$‬اهدة تأويل‪$$‬ه بالفع‪$$‬ل‬
‫فيكون فهم ما ال نفهمه نحن‪.‬‬

‫وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب إتباعها‪.‬‬

‫السادس‪  :‬أن يكون فهم ما لم يرده الرسول صلى هللا عليه وسلم واخطأ في فهمه‪ ،‬والمراد غير ما فهمه‪.‬‬

‫وعلى ه‪$$‬ذا التق‪$$‬دير ال يك‪$$‬ون قول‪$$‬ه حج‪$$‬ة‪ ،‬ومعل‪$$‬وم قطع‪$‬ا أن وق‪$$‬وع احتم‪$‬ال من خمس‪$$‬ة أغلب على الظن من‬
‫وقوع احتمال واحد معين‪ ،‬هذا ما ال يشك فيه عاقل‪ ،‬وذلك يفيد ظن‪$$‬ا غالب‪$$‬ا قوي‪$$‬ا على أن الص‪$$‬واب في قول‪$$‬ه‬
‫دون ما خالفه من أقوال من بعده وليس المطلوب إال الظن الغالب‪ ،‬والعمل به متعين )‪.‬‬

‫وقد ذهب بعض العلماء إلى أن قول الصحابي ليس حجة اعتمادا على أدلة منها‪:‬‬

‫‪ .1‬الصحابة غير معصومين من الخطأ‪ ،‬ومن ال عصمة له ال حجة لرأيه‪.‬‬

‫‪ .2‬الصحابة سمحوا بمخالفتهم في الرأي‪.‬‬

‫‪ .3‬رأي الصحابي ليس حتما أكثر امتيازا من غيره‪.‬‬


‫ويرى األستاذ زكريا البري أن أراء الصحابة االجتهادية ينبغي أال تكون حجة ملزمة كالقرآن والسنة‪ ،‬وإنما‬
‫يستأنس بها في استنباط األحكام من النصوص‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬االستصحاب‬

‫‪ 1‬تعريفه‪:‬‬

‫أ‪ -‬لغة‪ :‬يقصد به استمرار الصحبة‪.‬‬

‫ب‪ -‬اصطالحا‪  :‬معناه استبقاء األمر الثابت في الزمن الماضي إلى أن يقوم الدليل على تغييره‪.‬‬

‫‪ -2‬حجيته ‪ :‬من األدلة التي احتج بها القائلون بحجية االستصحاب ما يأتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن استقراء األحكام الشرعية يظهر أن الش‪$$‬ارع يحكم ببقائه‪$$‬ا ح‪$$‬تى يح‪$$‬دث م‪$$‬ا يغيره‪$$‬ا‪ ،‬فعص‪$$‬ير العنب‬
‫حالل إلى أن يصير خمرا‪ ،‬والعشرة الزوجية حالل بين الزوجين إلى أن يزول عقد الزواج‪ ،‬والمفقود يك‪$$‬ون‬
‫حيا باالستصحاب إلى أن يقوم الدليل على وفاته‪ ،‬وله كل أحكام األحياء‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إن مما فطر هللا الناس عليه‪ ،‬وجرى به ع‪$$‬رفهم في مع‪$$‬امالتهم وس‪$$‬ائر عق‪$$‬ودهم وتص‪$$‬رفاتهم أنهم إذا‬
‫تحققوا من وجود أمر في الماضي غلب على ظنهم بقاؤه واستمراره‪ $‬ما دام لم يثبت ما ينافيه‪ ،‬كم‪$$‬ا أنهم إذا‬
‫تحققوا من عدم وجود أمر غلب على ظنهم استمرار‪ $‬عدمه حتى يثبت لهم وجوده‪.‬‬

‫‪ -3‬أنواعه‪ :‬يقسم االستصحاب إلى األنواع اآلتية‪:‬‬

‫األول‪  :‬استصحاب الحكم األصلي لألشياء وهو اإلباحة‪ :‬يقرر جمهور الفقهاء أن األصل في األشياء اإلباح‪$$‬ة‬
‫استنادا إلى األدلة التالية‪:‬‬

‫س َّخ َر لَ ُك ْم َما‬
‫﴿و َ‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬ه َُو الَّذِي َخلَقَ لَ ُك ْم َما فِي اَأْل ْر ِ‬
‫ض َجمِي ًعا‪[ ﴾...‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،]29‬وقوله‪َ  :‬‬
‫ض َجمِي ًعا ِم ْنهُ‪[ ﴾...‬سورة الجاثية‪ ،‬اآلية ‪ ،]13‬وقوله تعالى‪﴿ :‬قُلْ َمنْ َح‪َّ $‬ر َم ِزي َن‪َ $‬‬
‫‪$‬ة‬ ‫ت َو َما فِي اَأْل ْر ِ‬ ‫الس َم َاوا ِ‬
‫فِي َّ‬
‫الر ْز ِق‪[ ﴾...‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]32‬‬‫ت مِنْ ِّ‬ ‫هَّللا ِ الَّتِي َأ ْخ َر َج لِ ِع َبا ِد ِه َو َّ‬
‫الط ِّي َبا ِ‬

‫فإذا كان هللا قد سخر لنا ما في السموات واألرض‪ ،‬فإن ذل‪$$‬ك دلي‪$$‬ل اإلذن واإلباح‪$$‬ة‪ ،‬ونفي الحرم‪$$‬ة في اآلي‪$$‬ة‬
‫األخيرة يعني إثبات اإلباحة‪.‬‬

‫كما استدلوا بقول الرسول‪( : ‬إن أعظم المس‪$$‬لمين في المس‪$$‬لمين جرم‪$$‬ا من س‪$$‬أل عن ش‪$$‬يء فح‪$$‬رم من أج‪$$‬ل‬
‫مسألته)‪ ،‬وبقوله‪ ( :‬الحالل ما أحله هللا في كتابه‪ ،‬والحرام ما حرمه هللا في كتابه‪ ،‬وما سكت عن‪$$‬ه فه‪$$‬و مم‪$$‬ا‬
‫عفا عنه)‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬استصحاب العدم األصلي أو البراءة األصلية‪ ،‬كالحكم ببراءة الذمة من التكاليف الش‪$$‬رعية والحق‪$$‬وق‬
‫حتى يوجد الدليل الدال على ما يشغلها‪.‬‬

‫وعن هذا النوع قال‪ ‬ابن قيم الجوزية‪[ :‬فقد تنازع الن‪$$‬اس في‪$$‬ه‪ ،‬فق‪$$‬الت طائف‪$$‬ة من الفقه‪$$‬اء واألص‪$$‬وليين أن‪$$‬ه‬
‫يصلح للدفع ال لإلبقاء كما قاله بعض الحنفية‪ ،‬ومعنى ذلك أن‪$$‬ه يص‪$$‬لح ألن ي‪$$‬دفع ب‪$$‬ه من ادعى تغي‪$$‬ير الح‪$$‬ال‬
‫لبقاء األمر على ما كان‪ ،‬فإن بقاءه على ما كان إنما مستند إلى موجب الحكم ال إلى عدم المغير له‪ ،‬ف‪$$‬إذا لم‬
‫نجد دليال نافيا وال مثبتا أمسكنا ال نثبت الحكم وال ننفيه‪ ،‬ب‪$$‬ل ن‪$$‬دفع باالستص‪$$‬حاب دع‪$$‬وى من أثبت‪$$‬ه‪ ،‬فيك‪$$‬ون‬
‫حال المتمسك باالستصحاب كحال المع‪$‬ترض م‪$$‬ع المس‪$$‬تدل‪ ،‬فه‪$‬و يمنع‪$‬ه الدالل‪$$‬ة ح‪$‬تى يثبت‪$‬ه ال إن يقيم دليال‬
‫على نفي ما ادعاه‪ ،‬وهذا غير حال المع‪$$‬ارض‪ :‬فالمع‪$$‬ارض ل‪$$‬ون والمع‪$$‬ترض ل‪$$‬ون‪ ،‬ف‪$$‬المعترض يمن‪$$‬ع دالل‪$$‬ة‬
‫ال‪$$‬دليل‪ ،‬والمع‪$$‬ارض يس‪$$‬لم داللت‪$$‬ه ويقيم دليال على نقيض‪$$‬ه‪ .‬وذهب األك‪$$‬ثرون من أص‪$$‬حاب مال‪$$‬ك والش‪$$‬افعي‬
‫وأحمد وغيرهم على أنه يصلح إلبقاء األمر على ما كان عليه‪ ،‬قالوا‪ :‬ألنه إذا غلب على الظن انتفاء الناق‪$$‬ل‬
‫غلب على الظن بقاء المر على ما كان عليه]‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬استصحاب ما دل العقل أو الش‪$‬رع على ثبوت‪$‬ه‪ ،‬ف‪$‬إذا اس‪$‬تدان ش‪$‬خص من آخ‪$‬ر مبلغ‪$‬ا من الم‪$‬ال فق‪$‬د‬
‫ثبتت مديونيته‪ ،‬وتبقى ذمته مشغولة بهذا الدين حتى يقوم الدليل على براءتها بسداد الدين أو اإلبراء‪ .‬وإذا‬
‫ثبت الملك لشخص بسبب من أسباب الملك‪ :‬كالبيع أو اإلرث مهما طال الزمان اعتبر قائما حتى يقوم الدليل‬
‫انتفائه بسبب طارئ‪ ،‬وإذا تزوج شخص امرأة وثبت ذل‪$$‬ك فإن‪$$‬ه يحكم ببق‪$$‬اء الزوجي‪$$‬ة م‪$$‬ا لم يقم عن‪$$‬ده دلي‪$$‬ل‬
‫على الفرقة‪.‬‬

‫* قواعد شرعية مبنية على االستصحاب‪:‬من القواعد الشرعية المبنية على االستصحاب ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬األصل في األشياء اإلباحة‪.‬‬

‫‪ ..2‬األصل في اإلنسان البراءة‪.‬‬

‫‪ .3‬اليقين ال يزول بالشك‪.‬‬

‫‪ .4‬األصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬االستحسان‬

‫‪ -1‬تعريفه‪ :‬عرفه الفقيه‪ ‬الحنفي‪ ‬أبو الحسن الكرخي‪ ‬بقوله‪[ :‬هو أن يعدل المجتهد عن أن يحكم في المسالة‬


‫بمثل ما حكم في نظائرها إلى خالفه لوجه أقوى يقتضي العدول عن األول]‪.‬‬

‫‪.2‬أنواعه‪:‬‬

‫النوع األول‪  :‬ترجيح قياس خفي على قياس ظاهر جلي لقوة تأثير القياس الخفي‪ ،‬ومثاله‪ :‬ما قرره الفقه‪$$‬اء‬
‫أن الشخص إذا وقف أرضا زراعية على جهة ب‪$$‬ر‪ ،‬ف‪$$‬إن حقوقه‪$$‬ا من الش‪$$‬رب والمس‪$$‬يل والم‪$$‬رور ت‪$$‬دخل في‬
‫الوقف‪ ،‬ولو لم ينص في وقفه على ذلك‪ ،‬مع أن مقتضى القياس عدم دخولها إال بالنص عليها كم‪$$‬ا في بي‪$$‬ع‬
‫األرض‪ ،‬حيث ال تدخل في المبيع إال بالنص عليها‪ ،‬ووجه االستحسان أن الوقف ال يفيد ملك الموقوف عليه‬
‫للمال الموقوف‪ ،‬وإنما يثبت له ملك المنفعة فقط‪ ،‬واألرض ال يمكن االنتفاع بها بدون حقوق االرتف‪$‬اق‪ ،‬كم‪$‬ا‬
‫في عقد اإلجارة‪ ،‬فهنا قيا سان‪ :‬قياس ظاهر وهو إلحاق الوقف بالبيع من جه‪$$‬ة أن كال منهم‪$$‬ا يفي‪$$‬د إخ‪$$‬راج‬
‫المال من مالك‪$$‬ه‪ ،‬وقي‪$$‬اس خفي وه‪$$‬و إلحاق‪$$‬ه باإلج‪$‬ارة من ناحي‪$$‬ة أن كال منهم‪$‬ا مقص‪$$‬ود االنتف‪$$‬اع‪ ،‬فرجح‪$$‬وا‬
‫الثاني‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬استثناء مسألة جزئية من قاعدة عامة لوجه اقتضى هذا االستثناء‪.‬‬

‫ومثاله أن المحجور عليه للسفه يصح وقفه على نفسه م‪$$‬دة حيات‪$$‬ه استحس‪$$‬انا اس‪$$‬تثناء من القاع‪$$‬دة العام‪$$‬ة‬
‫وهي عدم صحة تبرعاته‪ ،‬ووجه االستحسان أن وقفه على نفسه يحفظ العقار الموقوف من الض‪$$‬ياع لل‪$$‬زوم‬
‫الوقف‪ ،‬وعدم قبوله للبيع والشراء‪ ،‬فيتحقق الغرض الذي حجر عليه من أجله‪ ،‬وهو المحافظة على أمواله‬
‫فهو استحسان يستند إلى المصلحة‪.‬‬

‫‪ -3‬موقف العلماء من االستحسان‪ :‬ذهب الش‪$‬افعي والظاهري‪$‬ة والش‪$‬يعة إلى إنك‪$‬ار االستحس‪$‬ان‪ ،‬بينم‪$‬ا ذهب‬
‫الجمهور إلى االحتجاج به‪.‬‬
‫أدلة المنكرين‪:‬‬

‫ول ِإنْ ُكن ُت ْم ُتْؤ ِم ُن‪$‬ونَ بِاهَّلل ِ َوا ْل َي‪$ْ $‬و ِم‬
‫س‪ِ $‬‬ ‫ش ْيءٍ َف‪ُ $‬ردُّوهُ ِإلَى هَّللا ِ َو َّ‬
‫الر ُ‬ ‫‪ .1‬قوله سبحانه وتعالى‪َ ...﴿ :‬فِإنْ َت َن َ‬
‫از ْع ُت ْم فِي َ‬
‫اآْل خ ِِر‪[ ﴾...‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.]59‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعالى في هذه اآلية قد ردنا إلى حكمه وحكم رسوله عليه السالم كما جاء في الكتاب والس‪$$‬نة‬
‫عند حصول النزاع أو االختالف‪ ،‬ولم يقل فردوه إلى ما تستحسنونه بعقولكم‪.‬‬

‫‪ .2‬ما روي عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب ك‪$$‬رم هللا وجه‪$$‬ه ق‪$$‬ال‪( :‬قلت‪ :‬ي‪$$‬ا رس‪$$‬ول هللا األم‪$$‬ر‬
‫ي‪$$‬نزل بن‪$‬ا لم ي‪$‬نزل في‪$$‬ه ق‪$$‬رآن ولم تمض في‪$$‬ه من‪$$‬ك س‪$$‬نة؟ ق‪$$‬ال‪ :‬أجمع‪$‬وا ل‪$$‬ه الع‪$$‬المين‪ ،‬أو ق‪$$‬ال‪ :‬العاب‪$$‬دين من‬
‫المؤمنين فاجعلوه شورى بينهم وال تقضوا فيه برأي واحد)‪.‬‬

‫‪ .3‬إن الرسول‪   ‬ال يعمل برأيه واستحسانه في مجال التشريع‪ ،‬فيمنع ذلك ‪ -‬من باب أولى ‪ -‬على غيره‪.‬‬

‫أدلة المؤيدين‪:‬‬

‫س‪َ $‬ن ُه ُأ ْولَِئ َك الَّذِينَ هَ‪$‬دَ ا ُه ْم هَّللا ُ َوُأ ْولَِئ َك ُه ْم ُأ ْولُ‪$‬وا اَأْل ْل َب‪$‬ا ِ‬
‫ب﴾‬ ‫‪ .1‬قوله تعالى‪﴿ :‬الَّذِينَ َي ْس َت ِم ُعونَ ا ْل َق ْ‪$‬ولَ َف َي َّت ِب ُع‪$‬ونَ َأ ْح َ‬
‫[سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.]18‬‬

‫فاهلل س‪$$‬بحانه يم‪$$‬دح ال‪$$‬ذين يتبع‪$$‬ون أحس‪$$‬ن م‪$$‬ا يس‪$$‬تمعون من الق‪$$‬ول‪ ،‬والم‪$$‬دح ال يك‪$$‬ون إال عن‪$$‬د فع‪$$‬ل األولى‬
‫والمطلوب‪ ،‬ومن ثم لم يكن االستحسان محظورا‪ ،‬وال القول به ممنوعا‪.‬‬

‫سنَ َما ُأ ْن ِزلَ ِإلَ ْي ُك ْم مِنْ َر ِّب ُك ْم‪[ ﴾...‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.]23‬‬
‫﴿وا َّت ِب ُعوا َأ ْح َ‬
‫‪ .2‬قوله تعالى‪َ  :‬‬

‫‪ .3‬قوله تعالى‪َ ...﴿ :‬ف ُخ ْذهَا ِبقُ َّو ٍة َوْأ ُم ْر َق ْو َم َك َيْأ ُخ ُذوا ِبَأ ْح َ‬
‫سنِ َها‪[ ﴾...‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]145‬‬

‫‪ .4‬قوله‪( : ‬ما رآه المسلمون حسنا فهو عند هللا حسن)‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬شرائع من قبلنا‬

‫ليس المقصود بشرع من قبلنا ما أقره شرعنا‪ ،‬فليس في ه‪$$‬ذا خالف‪ ،‬وليس المقص‪$$‬ود بش‪$$‬رع من قبلن‪$$‬ا م‪$$‬ا‬
‫ألغاه شرعنا‪ ،‬فليس في هذا خالف كذلك‪ ،‬إنما المقصود بشرع من قبلنا ما لم يقره ولم يلغ‪$$‬ه ش‪$$‬رعنا أيك‪$$‬ون‬
‫شرعا لنا؟‬

‫ذهب جمهور الحنفي‪$$‬ة والمالكي‪$$‬ة والش‪$$‬افعية إلى العم‪$$‬ل ب‪$$‬ه‪ ،‬في حين ذهب بعض العلم‪$$‬اء ‪ -‬ومنهم المعتزل‪$$‬ة‬
‫واإلمام أحمد في رواية عنه ‪ -‬إلى أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا‪.‬‬

‫أدلة المؤيدين‪:‬‬

‫وح‪ $‬ا َوا َّلذِي َأ ْو َح ْي َن‪$$‬ا ِإلَ ْي‪َ $‬ك َو َم‪$$‬ا‬


‫ص‪$‬ى ِب‪ِ $‬ه ُن ً‬
‫ين َم‪$$‬ا َو َّ‬‫﴿ش‪َ $‬ر َع لَ ُك ْم مِنْ ال‪$$‬دِّ ِ‬
‫‪ .1‬وحدة الشرائع السابقة‪ ،‬قال تع‪$$‬الى‪َ  :‬‬
‫يسى َأنْ َأقِي ُموا الدِّينَ َواَل َت َتف َّرقوا فِيهِ‪[ ﴾...‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪ ،]13‬فه‪$$‬ذه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ص ْي َنا ِب ِه ِإ ْب َراهِي َم َو ُم َ‬
‫وسى َوعِ َ‬ ‫َو َّ‬
‫اآلية يفهم منها وحدة الشرائع‪ ،‬لذلك ينبغي العمل بمقتضى أحكام الشرائع الس‪$$‬ابقة‪ ،‬إال إذا ورد ال‪$$‬دليل على‬
‫نسخها أو كونها خاصة بأمة من األمم‪.‬‬
‫‪ .2‬أن هللا تعالى أمر رسوله عليه السالم بإتب‪$$‬اع األنبي‪$$‬اء والرس‪$$‬ل الس‪$$‬ابقين‪ ،‬واإلقت‪$$‬داء بهم‪ ،‬كم‪$$‬ا في قول‪$$‬ه‬
‫تع‪$$‬الى‪ُ﴿ :‬أ ْولَِئ َك الَّذِينَ َه‪$$‬دَ ى هَّللا ُ َف ِب ُه‪$$‬دَ ا ُه ْم ا ْق َت‪ِ $‬دهِ‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة األنع‪$$‬ام‪ ،‬اآلي‪$$‬ة ‪ ،]90‬وكم‪$$‬ا في قول‪$$‬ه تع‪$$‬الى‪ُ ﴿ :‬ث َّم‬
‫ش ِركِينَ ﴾ [سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.]123‬‬ ‫َأ ْو َح ْي َنا ِإلَ ْي َك َأنْ ا َّت ِب ْع ِملَّ َة ِإ ْب َراهِي َم َحنِي ًفا َو َما َكانَ مِنْ ا ْل ُم ْ‬

‫نز ْل َنا ال َّت ْو َرا َة فِي َها ُهدًى َو ُنو ٌر َي ْح ُك ُم ِب َها ال َّنبِ ُّيونَ الَّذِينَ َأ ْس ‪$‬لَ ُموا لِلَّذِينَ َه‪$$‬ادُوا َو َّ‬
‫الر َّبانِ ُّيونَ‬ ‫‪ .3‬قوله تعالى‪ِ﴿ :‬إ َّنا َأ َ‬
‫َواَأْل ْح َبا ُر‪[ ﴾...‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪ ،]44‬وقوله‪َ  :‬‬
‫﴿‪...‬وفِي ُن ْس َختِ َها هُ‪ $‬دًى َو َر ْح َم ٌ‬
‫‪$‬ة لِلَّذِينَ ُه ْم ل َِ‪$‬ر ِّب ِه ْم َي ْر َه ُب‪$‬ونَ ﴾‬
‫[سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.]154‬‬

‫وفي هاتين اآلي‪$$‬تين دالل‪$$‬ة على أن الت‪$$‬وراة فيه‪$$‬ا ه‪$$‬دى ون‪$$‬ور ورحم‪$$‬ة‪ ،‬ل‪$$‬ذا فك‪$$‬ل حكم ورد فيه‪$$‬ا ولم يص‪$$‬رح‬
‫بنسخه يجب العمل به‪.‬‬

‫‪ .4‬صح عن الرسول‪   ‬أنه صام يوم عاشوراء‪ ،‬فعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪( :‬ق‪$$‬دم الن‪$$‬بي ص‪$$‬لى هللا‬
‫عليه وسلم المدينة‪ ،‬فرأى اليهود تصوم عاشوراء‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ ق‪$$‬الوا‪ :‬ي‪$‬وم ص‪$‬الح‪ ،‬نجى هللا في‪$$‬ه موس‪$‬ى‬
‫وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى‪ ،‬فقال صلى هللا عليه و سلم‪ :‬أنا أحق الناس بموسى منكم فص‪$$‬امه‬
‫وأمر بصيامه)‪.‬‬

‫أدلة المخالفين‪:‬‬

‫‪ . 1‬إن الشرائع السابقة كانت مؤقتة بزمن محدد‪ ،‬و بأمم معينة و الشريعة اإلسالمية نسخت ك‪$$‬ل من ع‪$$‬داها‬
‫من الشرائع ألنه‪$$‬ا ج‪$$‬اءت عام‪$$‬ة و ش‪$$‬املة‪ .‬ق‪$$‬ال الرس‪$$‬ول‪( : ‬ك‪$$‬ان الن‪$$‬بي يبعث إلى قوم‪$$‬ه خاص‪$$‬ة ويبعث إلى‬
‫الناس عامة)‪.‬‬

‫‪ .2‬إن الن‪$$‬بي‪  ‬لم‪$$‬ا بعث مع‪$$‬اذا إلى اليمن ق‪$$‬ال ل‪$$‬ه‪( :‬كي‪$$‬ف تقض‪$$‬ي إذا ع‪$$‬رض علي‪$$‬ك قض‪$$‬اء ؟ ق‪$$‬ال بكت‪$$‬اب هللا‬
‫تعالى ‪،‬قال ‪ :‬فإن لم تجد ؟ فبسنة رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‪ ،‬قال فإن لم تجد ؟ ق‪$$‬ال‪ :‬اجته‪$$‬د رأيي وال‬
‫ألو‪.‬فقال له الرسول صلى هللا عليه و سلم‪ :‬الحمد هلل الذي وفق رسول رسول هللا لما يرضي هللا ورسوله )‪،‬‬
‫فلو كان العمل بالشرائع السابقة واجبا لذكره معاذ أو ذك‪$‬ره ل‪$‬ه الرس‪$‬ول علي‪$‬ه الس‪$‬الم‪ ،‬ولم‪$‬ا ج‪$‬از االجته‪$‬اد‬
‫بالرأي إال عند عدم وجود الحكم فيها‪.‬‬

‫س َوا ْل َع ْينَ‬ ‫﴿و َك َت ْب َن‪$‬ا َعلَ ْي ِه ْم فِي َه‪$‬ا َأنَّ ال َّن ْف َ‬


‫س بِ‪$‬ال َّن ْف ِ‬ ‫والراجح هو م‪$‬ا ذهب إلي‪$‬ه جمه‪$‬ور الفقه‪$‬اء‪ ،‬فقول‪$‬ه تع‪$‬الى‪َ  :‬‬
‫اص‪[ ﴾...‬س‪$$‬ورة المائ‪$$‬دة‪ ،‬اآلي‪$‬ة ‪.]45‬‬ ‫الس‪$‬نِّ َوا ْل ُج‪ُ $‬ر َ َ ٌ‬
‫‪$‬‬ ‫ِص‬ ‫ق‬ ‫وح‬ ‫‪$‬ف ِب‪$‬اَأْلنفِ َواُأْل ُذنَ ِب‪$‬اُأْل ُذ ِن َو ِّ‬
‫الس‪$‬نَّ ِب ِّ‬ ‫ِب‪$‬ا ْل َع ْي ِن َواَأْلن‪َ $‬‬
‫س‬ ‫َأ‬
‫اس‪$$‬تدل ب‪$$‬ه األحن‪$$‬اف على قت‪$$‬ل المس‪$$‬لم بال‪$$‬ذمي والرج‪$$‬ل ب‪$$‬المرأة أخ‪$$‬ذا من عم‪$$‬وم قول‪$$‬ه تع‪$$‬الى‪ ﴿  :‬نَّ ال َّن ْف َ‬
‫س﴾‪ ‬الذي يروي به ما كان مكتوبا في التوراة‪ ،‬كما استدل بعض العلماء على ج‪$$‬واز عق‪$$‬د الجعال‪$$‬ة أخ‪$$‬ذا‬ ‫ِبال َّن ْف ِ‬
‫ِير َو َنا ِب ِه َزعِ ي ٌم﴾ [سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪ ،]72‬فقد جع‪$$‬ل لمن ي‪$‬أتي‬ ‫َأ‬ ‫اء ِب ِه ح ِْمل ُ َبع ٍ‬
‫﴿‪...‬ولِ َمنْ َج َ‬
‫من قوله تعالى‪َ  :‬‬
‫بصواع الملك جعال مقداره‪ $‬حمل بعير‪ ،‬وقد رواه القرآن عن شريعة يوسف عليه السالم‪.‬‬

You might also like