You are on page 1of 11

‫الفصل االول عبد العزيز حمودة مرجعياته الفكرية و الياته النقدية‬

‫إن النقد األدبي تطور بالنظريات العديدة و‪ ‬اإلقترابات الجديدة في العصر الحديث‪ ،‬وساعدت‬
‫العولمة والتبادل الثقافي على تق ّدمه‪ ،‬وتداخلت النظريات الغربية مع العربية والعكس‪ .‬لم‬
‫يمكث‪ ,‬ولد التصارع العقلي بين العرب والغرب‪ ،‬وأ ّدى إلى نشوء األقطاب في األحوال‬
‫االجتماعية عامة وفي األدب خاصة‪ .‬تط ّور النقد األدبي العربي أثناء هذا الصراع‪ ،‬ألن لغة‬
‫النقد هي لغة العقل‪ .‬فتحت حملة نابليون والبعثات العلمية وإصالحات محمد علي وعوامل‬
‫النهضة الحديثة أبواب المحادثة مع الغرب‪ ,‬ومفكرو العربية يطوفون حول أسباب الضعف‬
‫والق ّوة‪ ,‬خاصة عن عدم االستقرار للحكم في البالد العربي وتسبّب هذه المؤثرات‪ N‬إلى التفكر‬
‫عن الصراع بين الحداثة والتقليد* ‪.‬‬

‫وق‪NN‬ف النق‪NN‬د األدبي بين الحداث‪NN‬ة والتقلي‪NN‬د‪ ،‬ورحّب بعض األدب‪NN‬اء النظري‪NN‬ات الغربي‪NN‬ة وابت‪NN‬دعوا‬
‫قطعاتهم األدبية على تأثيره‪NN‬ا*‪ .‬وش‪ّ N‬دت الص‪NN‬راعات بين ال‪NN‬دعوة إلى المحافظ‪NN‬ة على ال‪NN‬تراث‬
‫القديم وإلى الحركة التجديدية وبين الدفاع عن األدب اإلسالمي واألخالق والسنن اإلجتماعي‪NN‬ة‬
‫ومنج‪NN‬زات الحض‪NN‬ارات اإلس‪NN‬المية ودراســة رجاله‪NN‬ا وأعالمه‪NN‬ا دراســة حديث‪NN‬ة في نزع‪NN‬ة‬
‫عقالنية؛ وبين مقاومــة التيار الغــربي أو إخضاع األدب للتجديد والتع‪NN‬ريب ومهاجم‪NN‬ة األدب‬
‫الشــرقي والدعوة إلي اآلداب الغربية وترويج م‪NN‬ذاهبها‪ ،‬فمن ثم دخ‪NN‬ل مع‪NN‬ارك أدبي‪NN‬ة أدت إلي‬
‫ظهور مدرستين رئيستين في النقد الحديث كما كان في األدب‪ .1 :‬المدرس‪NN‬ة النقدي‪NN‬ة التقليدي‪NN‬ة‪.‬‬
‫‪ .2‬المدرســة النقدية التجديدية*‪ .‬فقد تمثلت المدرسة األخيرة في المثقفين المتعلمين من الجيل‬
‫الجديــد‪ ،‬المتأثرين بالثقافات األجنبية والعلوم الجدي‪NN‬دة ال‪NN‬ذين يطمح‪NN‬ون العيش بين أبن‪NN‬اء جي‪NN‬ل‬
‫النهضة (مجيدي‪. )103 ,‬‬

‫‪__________________ ‬‬

‫‪*1‬‬

‫‪*2‬‬

‫‪*3‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ,‬حاول الدكتور عبد العزيز حمودة ان يؤسس النظرية النقدية لألدب العربي‬
‫معتمدا على التراث‪ .‬أحيط النقد األدبي بنظريات عديدة وتقاس اإلنتاجات األدبية عليها بنطاق‬
‫واسع[‪ ,]5‬ولكن أكثرها منشئة على الحضون الغربية ومتأثرة بأحوال االجتماعية والسياسية‬
‫بالغرب‪ .‬يدعو حمودة إلى بناء النظريات النقدية العربية بدال من آراء النقدية الغربية كما‬
‫توجد النظريات األدبية العربية[‪ .]6‬نجده متحامال على أفكار عصر النهضة العربية ويتسم‬
‫عليهم موقف معاداة التراث واإلنفصال عنه بغية تأسيس وعي نقدي جديد‪ ,‬كـما يرى بأن‬
‫الحداثيين العرب قاموا باستعادة الفكر الغربي من منطلق اإلنبهار أو اإلحساس بالنقص تجاه‬
‫مورثهم‪ ,‬وعلى كل حال‪ ,‬ال نستطيع إنـــكار قيمة الــجهد التي بذلها هذا الناقد من أجل بلورة‬
‫‪ .‬نـظرية عـربـية أصـيلة أساسها الـتراث العربي‬

‫نبذة عن حياته‬

‫األستاذ عبد العزيز عبد السالم حمودة ( ‪2006 – 1937‬م)‪ ،‬أستاذ األدب اإلنجليزي بجامعة‬
‫القاهرة‪ .‬ولد عام ‪1937‬م بقرية دلبشان مركز كفر الزيات بالمحافظة الغربية بمصر وتلقى‬
‫تعليمه األولي بمدينة طنطا‪ ،‬ثم التحق بكلية اآلداب بجامعة القاهرة حتى تخرج عام ‪1962‬م‬
‫والتحق بجامعة كورنيل األمريكية للحصول على درجة الماجستير في األدب المسرحي ثم‬
‫حصل على الدكتوراه من نفس الجامعة عام ‪1968‬م‪ ،‬وعاد إلى جامعة القاهرة ليعمل بتدريس‬
‫النقد والدراما واألدب المسرحي‪ .‬أولج في عمله األكاديمي حتى تم اختياره عميدا لكلية‬
‫اآلداب عام ‪1985‬م ثم عمل مستشارا ثقافيا لمصر بالواليات المتحدة األمريكية وبعد العودة‬
‫عمل بكلية اآلداب رئيسا لقسم اللغة اإلنجليزية‪ -‬جامعة القاهرة‪ ,‬وعمل عميدا للدراسات العليا‬
‫‪-‬جامعة اإلمارات ونائب جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ثم تولى رئاسة جامعة مصر‬
‫‪.‬للعلوم وتكنولوجيا حتى توفي سنة ‪2006‬م‬

‫‪ :‬مرجعيات حمودة الفكرية‬

‫عبد العزيز حمودة في كتاباته النقدية مدرك ألهمية أن كل ناقد أو اتجاه نقدي البد من أن‬
‫ينطلق من رؤية فكرية كلية للمعرفة‪ ،‬توجه رؤيته النقدية وآراءه فضال عن انه البد أن ينحاز‬
‫لواقعه الخاص وبهذا فان حمودة ينطلق بمنطق الناقد العربي المعاصر برؤية فلسفية ومعرفية‬
‫تنتمي النساق فكرية لتراثه وحضارته العربية التي تشكل واقعه العربي ‪،‬وان ينطلق من هذا‬
‫الواقع العربي المعاصر ‪،‬لذلك فهو يأخذ على الناقد الحداثي العربي افتقاره‪" ‬إلى فلسفة‬
‫خاصة به عن الحياة و الوجود و الذات و المعرفة ‪،‬فهو يستعير المفاهيم النهائية لدى‬
‫اآلخرين ويقتبس من المدارس الفكرية الغربية‪ ،‬ويحاول في جهد توفيقي بالدرجة األولى‪،‬‬
‫تقديم نسخة عربية‪ 7‬خاصة به‪ ،‬إنها كلها عملية اقتباس ونقل و ترقيع وتوفيق ال ترتبط‪7‬‬
‫بواقع ثقافي أصيل‪ ،‬ومن هنا تجيء الصورة النهائية مليئة بالثقوب و التناقضات"*‪ ،‬وهذا‬
‫الواقع النقدي مرتبط بواقع فكري اكبر‪،‬لذلك نجد عبد العزيز حمودة يشير إلى انه بالرغم من‬
‫الحداثة العربية المتبني للرؤية الغربية‪ ،‬لتحقيق نهضة فكرية عربية‪ ،‬وسعيه لتحقيق استنارة‬
‫ثقافية فشل في إنشاء حداثة عربية حقيقية‪ ،‬بل فشل في نحت مصطلح نقدي جديد خاص به‬
‫تمتد جذوره في واقعنا الثقافي العربي‪ ،‬وفضال عن فشله في تنقية المصطلح الوافد من الثقافة‬
‫الغربية الرتباطه بمناخه الفكري و االجتماعي و السياسي الذي أنتجه و الذي يمثل الخلفية‬
‫المرجعية الدائمة له من ناحية والذي يفسره ويمنحه شرعيته من ناحية أخرى‪ ،‬فالحداثة‬
‫الغربية لم تنشأ من الفراغ وإنما هي النتاج الطبيعي المنطقي لتطورات الفكر الغربي التي‬
‫أدت إلى ظهور المدارس األدبية و النقدية الجديدة بمصطلحاتها‪  ‬الخاصة‪ ،‬كما يذهب حمودة‬
‫إلى أن الحداثيين العرب أعطونا فكرا مجهول النسب بالرغم من محاوالتهم في تأصيل داخل‬
‫الواقع الثقافي العربي بالعودة إلى التراث إلبراز بعض جوانبه الحداثية‪ ،‬بدعوى الجمع بين‬
‫( األصالة و المعاصرة )‪ ،‬وهو شعار رفعه الحداثيون العرب‪ ،‬الذي يعد خروجا على مبادئ‬
‫و أسس الحداثة الغربية التي تدعي القطيعة المعرفية مع الماضي‪ ،‬وهو في حقيقته ال يجمع‬
‫بينهما وإنما يقرأ التراث من منظور حداثي غربي أو من منظور استقراء الحداثة الغربية‬
‫بعض مفردات التراث الثقافي العربي للوصول إلى شرعية الحداثة الغربية ال شرعية التراث‬
‫وتناقض واضح بين الرؤية النهضوية المستقبلية التي تنطلق إلى األمام رفضا للحاضر و‬
‫الواقع الذي فقد شرعيته و تمردا على التقاليد الموروثة و بين محاولة إعادة تفسير التراث‬
‫‪.‬الثقافي أو استقرائه للوصول إلى تأكيد تراثي لمقوالتهم الحداثية الجديدة‬

‫منهج عبد العزيز حمودة النقدي ‪:‬‬


‫‪ّ  ‬‬
‫إن منهج عبد العزيز حمودة الفكري في كتاباته النقدية‪ ،‬والسيما في كتبه األخيرة[ ‪ ]8‬يستسلم‬
‫بوج‪NN‬ود التح‪NN‬يز في الخطاب‪NN‬ات النقدي‪NN‬ة الغربي‪NN‬ة ومناهجه‪NN‬ا‪ ،‬فهي غ‪NN‬ير محاي‪NN‬دة أو موض‪NN‬وعية‬
‫بصورة نهائية أو إنسانية عالمي‪NN‬ة‪ ،‬وك‪NN‬ذلك المع‪NN‬ارف أو النظري‪NN‬ات أو المش‪NN‬اريع أو الم‪NN‬دارس‬
‫الناتجة عنه‪NN‬ا‪ .‬ويق‪NN‬ول د‪ .‬حم‪NN‬ودة؛ أن النق‪NN‬د الح‪NN‬داثي ليس حق‪NN‬ائق علمي‪NN‬ة إنس‪NN‬انية عالمي‪NN‬ة يجب‬
‫التس‪NN‬ليم به‪NN‬ا وع‪NN‬دم مناقش‪NN‬تها‪ ،‬ب‪NN‬ل هي طروح‪NN‬ات وفرض‪NN‬يات ومب‪NN‬ادئ ومف‪NN‬اهيم قابل‪NN‬ة للنق‪NN‬اش‬
‫والحوار والجدل (د‪ .‬حمودة‪ .)105 ,‬فالحداثيـون الع‪NN‬رب ي‪NN‬دعون أنهم يجمع‪NN‬ون بين األص‪NN‬الة‬
‫والمعاصرة‪ ,‬وهو شعار لهم‪ ,‬وهو الذي يعد خروجا ً على مبادئ وأسس الحداث‪NN‬ة الغربي‪NN‬ة ال‪NN‬تي‬
‫تدعي القطيعة المعرفية مع الماضي‪ ،‬وهو في حقيقته ال يجمع بينهما‪ ،‬وإنما ه‪NN‬و يق‪NN‬رأ ال‪NN‬تراث‬
‫من منظور حداثي غربي منحاز[‪.]9‬‬
‫تنطلق منهجه من رؤية فكرية كلية للمعرفة‪ ،‬وال‪NN‬تي ينبث‪NN‬ق عنه‪NN‬ا مف‪NN‬اهيم ثنائي‪NN‬ة فكري‪NN‬ة أع‪NN‬دها‬
‫مفاهيم أساسية ومحورية في منهجه الفكري‪ ,‬تمثل ش‪NN‬بكة متداخل‪NN‬ة فيم‪NN‬ا بينه‪NN‬ا‪ ،‬ويكم‪NN‬ل أح‪NN‬دها‬
‫اآلخ‪NN‬ر‪ .‬وهي كم‪NN‬ا ت‪NN‬رى‪ ,‬ثنائي‪NN‬ة مفه‪NN‬ومي االختالف واالتف‪NN‬اق‪ ،‬ومفه‪NN‬ومي الث‪NN‬ابت والمتغ‪NN‬ير‪،‬‬
‫ومفهومي االجتهاد والتقليد‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن الغاي‪NN‬ة األساس‪NN‬ية ال‪NN‬تي يقص‪NN‬دها د‪.‬حم‪NN‬ودة‪ ،‬هي تق‪NN‬ديم نظري‪NN‬ة نقدي‪NN‬ة عربي‪NN‬ة‪ ،‬مس‪NN‬تندة إلى‬
‫نظريتين جزئيتين‪ ،‬هما النظرية اللغوية العربية والنظرية األدبية العربية‪ ،‬وهي تُشير بصورة‬
‫جلية إلى نقطتين أساسيتين هما‪ :‬النظرية والعربي‪N‬ة‪ ،‬فالنظري‪N‬ة هي الموص‪N‬وف‪ ،‬والعربي‪N‬ة هي‬
‫الصفة الثانية للموصوف‪ N‬بعد النقدية أو اللغوية أو األدبية‪ّ .‬‬
‫إن ص‪NN‬فة العربي‪NN‬ة ال‪NN‬تي تص‪NN‬ف به‪NN‬ا‬
‫النظرية انحصرت في داللتين‪ ،‬أوالهما‪ :‬انبثاق ه‪NN‬ذه النظري‪NN‬ة من خصوص‪NN‬ية الواق‪NN‬ع الع‪NN‬ربي‬
‫بكل أبعاده الدينية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية واألدبي‪NN‬ة والفلس‪NN‬فية‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬هو االنطالق من التراث لوضع أسس أو أرك‪NN‬ان أو مب‪NN‬ادئ ه‪NN‬ذه النظري‪NN‬ة من ال‪NN‬تراث‬
‫العربي البالغي والنقدي‪ .‬وهذا ال‪NN‬تراث ه‪NN‬و نتيج‪NN‬ة جه‪NN‬د فك‪NN‬ري للعق‪NN‬ل الع‪NN‬ربي اإلس‪NN‬المي في‬
‫الحض‪NN‬ارة العربي‪NN‬ة‪ ،‬والس‪NN‬يما جه‪NN‬د البالغ‪NN‬يين الع‪NN‬رب في العص‪NN‬ر ال‪NN‬ذهبي‪ ،‬ابت‪NN‬داء بالجـاحظ‬
‫وانتها ًء بحـازم القرط‪NN‬اجني‪ .‬وك‪NN‬ان من الممكن أن يتط‪NN‬ور إلى م‪NN‬دارس لغوي‪NN‬ة ونقدي‪NN‬ة كامل‪NN‬ة‬
‫النضج‪ ،‬لو لم يحدث زمن االنقطاع الطوي‪NN‬ل من الق‪NN‬رن الراب‪NN‬ع عش‪NN‬ر الميالدي ح‪NN‬تى النص‪NN‬ف‬
‫الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬ولـو لـم يتخ‪NN‬ذ الح‪NN‬داثيون الع‪NN‬رب في العص‪NN‬ر الح‪NN‬ديث موق‪NN‬ف‬
‫القطيعة االختيارية واإلرادية من ذلك التراث القديم‪ ،‬النبهارهم بإنجازات العقل الغربي‪ ،‬على‬
‫أن يكون هذا االنطالق من التراث هو بقصد تأس‪NN‬يس ش‪NN‬رعية الماض‪NN‬ي ال‪NN‬تراثي‪ ،‬ال الحاض‪NN‬ر‬
‫الحداثي أو غير الحداثي[‪.]10‬‬
‫إن األخذ بـالحداثة الغربية و تجلياته‪NN‬ا النقدي‪NN‬ة‪ ،‬يعت‪NN‬بر نوع‪NN‬ا من ال‪NN‬ترف ب‪NN‬ل العبث الفك‪NN‬ري ال‬
‫تستطيع ولم تستطع أن تنـقذه التبريرات المختلفة ال‪NN‬تي يس‪NN‬وقها النقـاد الح‪NN‬داثييون الع‪NN‬رب من‬
‫دعاوى األصالة واسـتقراء ال‪NN‬تراث‪ .‬الحداث‪NN‬ة الغربي‪NN‬ة أ ّدت إلى الكس‪NN‬ر الثق‪NN‬افي والثنائي‪NN‬ة عن‪NN‬د‬
‫العرب واستم ّرت حتى اإلنهيار في الحرب مع اسرائيل سنة ‪ .1967‬شهد العالم الع‪NN‬ربي تق‪NN‬دم‬
‫العلم واإلختيار الدقيق من مؤثرات الغرب في النص‪NN‬ف األولى للق‪NN‬رن العش‪NN‬رين‪ ,‬ولكن تح‪ّ N‬ول‬
‫عملية التعليم إلى عملية الدمج الغربي التي تهدد الهويّة العربية‬
‫آرائه النقدية التي تعالج الحداث‪NN‬ة الغربي‪NN‬ة تش‪NN‬تمل على س‪NN‬تة جه‪NN‬ات وهي‪ :‬المحاك‪NN‬اة واإلب‪NN‬داع‪,‬‬
‫اللغة والبالغة كأدوات لتحقيق اإلبداع‪ ,‬الحقيقة والك‪NN‬ذب‪ ,‬اإلنتح‪NN‬ال‪ ,‬التقلي‪NN‬د والموهب‪NN‬ة‪ ,‬الش‪NN‬كل‬
‫والمض‪NN‬مون[‪ .]11‬وي‪NN‬تركز د‪ .‬حم‪NN‬ودة في الجه‪NN‬ة األولى على عب‪NN‬د الق‪NN‬اهر الجرج‪NN‬اني[‪,]12‬‬
‫صاحب دالئل اإلعجاز وأسرار البالغة‪ ,‬هو أحد من مؤسسي النظرية األدبي‪NN‬ة العربي‪NN‬ة‪ .‬منهج‬
‫البنيويين يستعمل النظريات اللغوية لتحليل النصوص وال شك فيه‪ ,‬أن للعرب نظريات خاصة‬
‫للشعر العربي التي تدور حول بالغة اللغة‪ ,‬وق‪NN‬د اس‪NN‬تفاد الجرج‪NN‬اني نظري‪NN‬ة ‘البني‪NN‬ة والنظ‪NN‬ام’‪,‬‬
‫يعتمد على استخدام خاص للغة (اي البالغة) لفسر القطعات الش‪NN‬عرية واآلي‪NN‬ات القرآني‪NN‬ة‪ .‬وق‪NN‬د‬
‫س‪NN‬بق الجرج‪NN‬اني في نظري‪NN‬ة ‘القرائ‪NN‬ة الوثيقي‪NN‬ة’ (‪ )Close Reading‬ال‪NN‬تي تجب على مب‪NN‬دأ‬
‫‘التماسك’ لجودة الش‪NN‬عر‪ .‬ه‪NN‬انس ب‪NN‬رتنس (‪ )Hans Bertens‬يكتب عن القرائ‪NN‬ة الوثيقي‪NN‬ة في‬
‫القرن احدى وعشرين ويقول ان رجارد وليويس تر ّوج القرائة الوثيقية في تحليل النص‪NN‬وص[‬
‫‪( ]13‬رانسم‪.)1941 ,‬‬
‫يقول أرسطو عن الشعر أنه احتكاك ألعمال اإلنسان (أرسطو‪ ,)1974 ,‬يُفهم اإلحتكاك بمعنى‬
‫التمثيل‪ ,‬ويع ّرف الجرجاني المحاكاة باإلبداع ويضيف ان الشعر يرسم الصور الذهنية وي‪NN‬رى‬
‫حازم القرطجاني الشعر خطاب في األوزان المقفى وان‪NN‬ه يق ‪N‬رّر الزاوي‪NN‬ة اللغوي‪NN‬ة والنقدي‪NN‬ة في‬
‫تعريف الشعر ويقول‪ :‬أن الشاعر يصنع الصور‪ N‬الذهني‪NN‬ة باإلحتك‪NN‬اك ويس‪NN‬تخدم الكلم‪NN‬ات لنقل‪NN‬ه‬
‫الى أذهان اآلخرين (القرطجاني‪ .)1981 ,‬اللغة هي أداة لإلبداع وأساس البنيوية م‪NN‬ع المب‪NN‬ادئ‬
‫ويرى أن األدب في المرتبة الثانية ْاذ يستخدم نظام اللغة كوس‪N‬يلة التعب‪N‬ير ول‪N‬ذا يجب ان يحلّ‪N‬ل‬
‫على أساس نظريات اللغة ولذا نجد نظريات لغوية المتن ّوعة عند الع‪NN‬رب مث‪NN‬ل م‪NN‬ا نج‪NN‬د أن‪NN‬واع‬
‫البالغة‪.‬‬
‫اآلليات النقدية لعبد العزيز حمودة ‪:‬‬
‫انطلق عبد العزيز حمودة من مدخل حقيقي لتأسيس أراء أدبية و نقدي‪NN‬ة عربي‪NN‬ة بارتك‪NN‬ازه على‬
‫فلسفة متنمية إلى أنس‪NN‬اق الواق‪NN‬ع الثق‪NN‬افي حيث أنه‪ ‬لم يرف‪NN‬ع من قيم‪NN‬ة ال‪NN‬تراث بعي‪NN‬دا عن تجدي‪NN‬د‬
‫آلياته وتحديثها وال ممجدا الحداثة الداعية إلى القطيعة مع التراث‪ ،‬بل إن موقفه ق‪N‬د ح‪N‬دد س‪N‬لفا‬
‫في أن الحداثة الهادفة هي التي تقيم عالقة قوية مع ال‪NN‬تراث‪ .‬ذل‪NN‬ك أن ثقاف‪NN‬ة الش‪NN‬رخ نتجت عن‬
‫االنبهار بالعقلية الغربية مقابل احتقار المنتوج العربي‪ ،‬فكان من ذل‪NN‬ك أن انتق‪NN‬ل إليه‪NN‬ا المفه‪NN‬وم‬
‫األوربي عن الحداثة والمتمثل في إقامة قطيعة مع الماضي التراثي باعتبار هذه القطيعة أبرز‬
‫شروط الحداثة الغربية‪.‬‬
‫واختي‪NN‬ار حم‪NN‬ودة ل‪NN‬تراث حيث يع‪NN‬ده المنطل‪NN‬ق الض‪NN‬روري العلمي و المنطقي و ال‪NN‬وقعي لنق‪NN‬د‬
‫العربي المعاصر‪ ،‬بداية يدل على تبنيه للرؤية الكلية المعرفية التي تأسس عليها ال‪NN‬تراث حيث‬
‫ان عب‪NN‬د العزي‪NN‬ز حم‪NN‬ودة يتب‪NN‬نى ال‪NN‬تراث على جمي‪NN‬ع مس‪NN‬توياته ليس على مس‪NN‬توياته اللغوي‪NN‬ة و‬
‫البالغية و النقدية و األدبية فحسب بل على مستواه الفكري أيضا‪.‬‬
‫القضايا النقدية العربية ‪:‬‬
‫أنجز عبد العزيز حمودة من خالل استعراضه لقضايا نقدية التي كانت محل اهتمام النقاد‬
‫القدامة حيث قدم قراءة نموذجية للتراث البالغي والنقدي ال تكتفي بالجاهز من اآلراء التي‬
‫شاعت وانتشرت حتى صارت من المسلمات التي ال تناقش إال لتؤكد وتزداد رسوخا‪ .‬فقد قام‬
‫مثال باستحضار معطيات تاريخية ساهمت‪ ،‬بنظره‪ ،‬في انشغال البالغيين العرب بثنائية اللفظ‬
‫والمعنى‪ ،‬وأهمها تلك المعركة الحامية التي نشأت على هامش اختالف االتجاهات الشعرية‬
‫بين أبي تمام والبحتري‪ ،‬ومن ثم يصح لنا أن نقول بأن قضية اللفظ والمعنى لم تثر في هذه‬
‫المرحلة‪ ،‬ولم تهيمن على تفكير اللغويين والنحاة والبالغيين‪ ،‬ولم تستأثر باهتمام األصوليين‪N‬‬
‫والمتكلمين‪ N،‬إال ألنها تعبر عن إشكالية رئيسية وأساسية في النظام المعرفي البياني‪ ،‬تدور‬
‫حول محور واحد هو العالقة بين اللفظ والمعنى‪ :‬كيف يمكن إقامتها وضبطها؟ وما هي‬
‫أنواعها؟ ولم تكن هذا القضية بالمستعارة أو المنقولة من مجال تداولي آخر‪ ،‬فهي على عالقة‬
‫وثيقة بطبيعة النقد البالغي في عصر الجاحظ وقبله وبعده‪ .‬ومن هنا تجيء أهمية القراءة التي‬
‫قام بها حمودة‪ ،‬ألنها لم تتعمد اإلسقاط ولم تهمل عناصر السياق التاريخي‪ ،‬لكنها بالمقابل‬
‫أغفلت عنصرا أساسيا في قراءة هذه القضية‪ ،‬وهو البعد المذهبي والعقدي في رؤية السلف‬
‫لثنائية اللفظ والمعنى؛ إذ من المؤكد أن الخصومة حول "اللفظ والمعنى" ما كانت لتشتد لو لم‬
‫تغذها دوافع اعتقادية‪ ،‬كما هو الحال مع عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬الذي ناظر المعتزلة‪ .‬وقد‬
‫حظي بالنصيب األوفر من اهتمام حمودة‪ ،‬وأورد آراءه في هذه المسألة‪ ،‬ورأى بأنه قدم حال‬
‫توفيقيا بين موقف اللفظيين وموقف "النظامين" [كذا!]‪ ،‬حين أرجع الرأي "الفاسد" الذي‬
‫يقول بأن المعاني تُبَّ ٌع لأللفاظ‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬إلى سلطة االستماع‪" :‬واعلم أنه إن نظر ناظر‬
‫في شأن المعاني واأللفاظ إلى حال السامع‪ ،‬فإذا رأى المعاني تقع في نفسه من بعد وقوع‬
‫األلفاظ في سمعه‪ ،‬ظن لذلك أن المعاني تُبَّ ٌع لأللفاظ في ترتيبها"‪ .‬ورغم ما أشرنا إليه حول‬
‫إغفال حمودة للمعطى العقدي والمذهبي‪،‬فإن المشكلة في صميمها مشكلة أدبية عريقة‪ ،‬ال‬
‫يمكن إجمالها فقط في الصراع الشعري بين أبي تمام والبحتري‪ ،‬وإنما تعود أيضا إلى سلطة‬
‫التقاليد الشعرية التي نظر لها النقاد القدامى والتي أشار إليها حمودة في آخر كتابه باعتبارها‬
‫ركنا من أركان النظرية النقدية العربية‪ ،‬ومن المعلوم أن عمود الشعر الذي صاغه ابن قتيبة‬
‫قد قيد كثيرا من الشعراء‪ ،‬ولم يترك لهم من مجال القول الشعري إال الصياغة اللفظية‪ ،‬أما‬
‫المعاني فقد سبقوا إليها‪ .‬فلم تكن‪ ،‬إذن‪ ،‬إثارة مشكلة العالقة بين اللفظ والمعنى لمجرد تزجية‬
‫الفراغ وملء الصفحات وإشغال الناس بما ال يهم‪ ،‬وإنما هي تعبير عن تحد حقيقي واجه‬
‫الشعراء والنقاد والمتكلمين‪ N‬والمفسرين والباحثين في إعجاز القرآن الكريم ‪ .‬كما أن قراءة‬
‫حمودة لقضية اللفظ والمعنى رغم تحيزها للسياق التاريخي واألدبي الذي أنتجها‪ ،‬ومراعاته‬
‫للخصوصية الحضارية التي دفعت بها إلى واجهة االهتمام النقدي‪ ،‬فإنه اختار‪ ،‬في نظرنا‪،‬‬
‫عن عمد تجاهل السياق العقدي الذي نشأت هذه القضية في ظله‪ ،‬ألنه لم يعد موجودا في‬
‫عصرنا‪ ،‬وذلك لكي يتمكن من تحيين القضية مجددا وربطها باحتياجات الحاضر‪ ،‬وهذا ما‬
‫‪.‬نلمسه في كثير من األقوال التي جاءت في كتابه والتي ستتضح في ما يستقبل من الكالم‬
‫كما أنه فضل بعض جوانب التراث النقدي العربي على بعض‪ ،‬والسكوت على بعض‬
‫الجوانب األخرى‪ ،‬سواء أكانت ذات أهمية في بناء نظرية نقدية أو هامشية تثير بعض‬
‫المشاكل على هذه النظرية‪ ،‬ولم يخف حمودة سلوكه هذا المسلك‪ ،‬فنبه عدة مرات إلى أن‬
‫تطوير نظرية لغوية ونقدية عربية‪ ،‬يتطلب القيام بعملية غربلة دقيقة وتنقية واعية لتراثنا‬
‫اللغوي والنقدي من كثير من تناقضاته وتداخالته قبل أن نضع أيدينا على مفردات تلك‬
‫النظرية ‪ .‬وأشار في موضع آخر إلى أن الدراسات اللغوية العربية قدمت الكثير مما كان‬
‫يمكن‪ ،‬لو تمت غربلته وتنقيته بعيدا عن اإلحساس بدونية العقل العربي‪ ،‬أن يطور إلى علم‬
‫لغويات عربي عصري ‪ .‬ومن األمثلة الدالة على انتقائية حمودة‪ ،‬تبنيه موقف عبد القاهر‬
‫الجرجاني من قضية اللفظ والمعنى‪ ،‬فلم يرجع إلى مصادر "اللفظيين"‪ N‬الذين عاصروه أو‬
‫سبقوه‪ ،‬وأشار إلى أنه ال يستطيع أن يحيل القارئ إلى نصوص لهم تؤكد وجود ذلك االتجاه‬
‫مبكرا في البالغة العربية‪ ،‬واكتفى بإحالته إلى نص لعبد القاهر من دالئل اإلعجاز يحدد فيه‬
‫موقف اللفظيين وينقضه ‪ .‬مهما كانت القيمة العلمية واألدبية لعبد القاهر الجرجاني التي ال‬
‫ينازع فيها أحد ‪.‬لقد كان من الطبيعي أن يكون لعبد القاهر الجرجاني ذلك الحضور القوي في‬
‫"المرايا المقعرة"‪ ،‬فقد أحال عليه الكاتب حوالي التسعين مرة‪ ،‬واستشهد بآرائه في قضايا‬
‫متنوعة‪ :‬اللفظ والمعنى‪ ،‬الحقيقة والمجاز‪ ،‬المحاكاة‪ ،‬الطبع والصنعة‪ ...‬ويدرك الجميع أن‬
‫لعبد القاهر الجرجاني في البالغة العربية تأثيرا ال يضاهيه فيه أي ناقد أو بالغي‪ ،‬وكل من‬
‫أتى بعده هو عالة على أفكاره يستقيها‪ ،‬وعلى أمثلته يشرحها ويبينها‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬فإنه من‬
‫غير المبرر إغفال جهود نقاد غيره‪ ،‬خصوصا من المخالفين لـه في المذهب‪ ،‬فهو مما شهد به‬
‫القدماء والمحدثون‪ ،‬لكن ما يثير االستغراب هو هذا الحضور الضعيف لممثلي هذا التيار في‬
‫كتاب "المرايا المقعرة"‪ ،‬فلم تتم اإلشارة إلى جهود أبي هاشم الجبائي والقاضي عبد الجبار‬
‫وابن سنان الخفاجي إال لماما؛ فمن المعلوم مثال أن القاضي عبد الجبار كان أكثر العلماء‬
‫وضوحا في تناوله للنظم‪ ،‬فقد بلور هذه الفكرة في كتابه "المغني"؛ حيث عقد فصلين عرض‬
‫في األول رأي أستاذه أبي هاشم الجبائي في الفصاحة التي بها يفضل بعض الكالم على‬
‫بعض‪ ،‬وعرض في الثاني رأيه الخاص في الوجه الذي يقع لـه التفاضل في فصاحة‬
‫الكالم‪  ‬وهو القائل‪“:‬اعلم أن الفصاحة ال تظهر في أفراد الكالم‪ ،‬وإنما تظهر في الكالم‬
‫بالضم على طريقة مخصوصة‪ 7،‬وال بد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة‪ ،‬وقد يجوز في‬
‫هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التي تتناول الضم‪ ،‬وقد تكون باإلعراب الذي لـه مدخل‬
‫فيه‪ ،‬وقد تكون بالموقع‪ .‬وليس لهذه األقسام الثالثة رابع‪ ،‬ألنه إ َّما أن تُعتَبَر فيه الكلمة‪ ،‬أو‬
‫حركاتها‪ ،‬أو موقعها‪ .‬وال بد من هذا االعتبار في كل كلمة‪ .‬ثم ال بد من االعتبار مثله في‬
‫الكلمات‪ ،‬إذا انضم بعضها إلى بعض‪ ،‬ألنه قد يكون لها عند االنضمام صفة‪ ،‬وكذلك لكيفية‬
‫إعرابها وحركتها وموقعها‪ .‬فعلى هذا الوجه الذي ذكرناه إنما تظهر مزية‪ 7‬الفصاحة بهذه‬
‫الوجوه دون ما عداها”‪ .* ‬وقد أشاد حمودة بنظرية النظم عند عبد الجبار وأشار إلى تأثيرها‬
‫الواضح‪ N‬في نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬لكنه لم يزد على ذلك‪ ،‬ولم يتوقف على‬
‫مظاهر هذا التأثير‪ ،‬ولم يبين درجة االختالف بين منهجي عبد الجبار وعبد القاهر‪ ،‬والخالف‬
‫بين منطلقاتهما اإلعتقادية‪ .‬كما أوردعبد العزيز حمودة مفهوم النظم عند عبد القاهر وتعريفه‬
‫بأنه‪“ ‬ليس سوى تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعـض”*‪ ،‬لم يناقش‬
‫المعالم التي سلكها هذا المفهوم قبل أن يصبح مكتمال مع عبد القاهر‪ ،‬ألن المفاهيم ال تنشأ من‬
‫‪..‬فراغ‪ ،‬وال تظهر النظريات فجأة تامة البناء مستوية األركان‬

‫أيضا حدد عبد العزيز حمودة من خالل استقراء معطيات التراث النقدي والبالغي العربيين‪،‬‬
‫خمسة أركان لنظرية أدبية عربية يمكن‪ ،‬في نظره‪ ،‬تطويرها للوصول إلى بديل نقدي جديد‪،‬‬
‫يستجيب لخصوصيتنا الحضارية‪ ،‬ويستوفي جميع العناصر التي يحتاج إليها الناقد العربي‬
‫المعاصر‪ .‬وهذه األركان هي‪ 1 :‬ـ المحاكاة واإلبداع‪ 2 ،‬ـ اإلبداع باللغة‪ 3 ،‬ـ الصدق والكذب‪،‬‬
‫‪ 4‬ـ السرقات األدبية‪ /‬التناص‪ 5 ،‬ـ الموهبة والتقاليد‪ 6 ،‬ـ الشكل والمضمون‪ N.‬وال تشكل هذه‬
‫العناصر‪ ،‬في نظرنا‪ ،‬أركانا‪ ،‬وإنما هي قضايا تتغير وتتجدد وقد تختفي إن انتفت الحاجة‬
‫إليها‪ ،‬ويمكن أن ندخل كل تلك العناصر المذكورة ضمن قضية واحدة تشملها وتحتويها‪ ،‬هي‬
‫‪".‬قضية "اللفظ والمعنى‬

‫‪ :‬بدائل النظرية عند حمودة‬


‫يرسم عبد العزيز حمودة من خالل طرحه لقضايا نقدية التي كانت مصدراهتمام النقاد القدماء‬
‫صورة للبديل النقدي العربي‪ ،‬ويمكن القول أن جهود حمودة التأسيسية لنموذج بديل عملية‬
‫شاقة‪ ،‬وأكثر صعوبة من نقد النموذج الحداثي‪ .‬ألنها مهمة ال يمكن إنجازها إال من خالل‬
‫تضافر جهود جماعية متكاملة تتم على عدة مستويات من خالل الرصد والتصنيف والنقد‬
‫التراكمي حتى تتحدد األنماط العامة الجديدة التي يتم مراكمة المعلومات في إطارها‪ ،‬وحتى‬
‫‪.‬تتحدد المالمح األساسية للنموذج البديل‬

‫أعط حمودة مفهوما لنظرية والتي هي انه لم يؤسس لنظرية موجودة في التراث في عموميته‬
‫و ظاهره كما ان مفهوم النظرية عنده ارتبط بالشخوص فهو يقابل "التغيير و التحوير و‬
‫اإلضافة و النقص دون أن يغير ذلك من قيمتها كنظرية"* ‪،‬ويمكن التدليل على أن مفهوم‬
‫حمودة للنظرية يستند إلى ما قدمه دوسوسير حينما جعله نموذجا يقتدي به في الكشف عن‬
‫أركان لنظرية عربية في التراث ‪،‬ولهذا يحاول أن يفهم طروحات دوسوسير أوال ‪،‬للكشف‬
‫ثانيا عما يقابلها في التراث البالغي العربي‪ .‬كما أن ما يعزز الفرضية القائلة بأن عبد العزيز‬
‫حمودة قد اتخذ من نظرية دوسوسير مؤطرا في بديله النظري كالمه اآلتي ‪ ":‬سوف ندرس‬
‫فيما بعد أن الحديث عن اعتباطية العالقة بين شرطي العالمة اللغوية وتعريف اللغة كنظام‬
‫للعالمة لم يكن أبدا غريبا على النظرية العربية ‪،‬بل إن القضايا في الواقع في قلب تلك‬
‫النظرية التي نحن بصدد تحديد معالمها‪ *".‬ما يلفت النظر هنا هو تحيزه إلى أركان النظرية‬
‫اللسانية الغربية وبرغم اال يحتوي التراث العربي على سمات و مقوالت نقدية تقترب الى‬
‫النظرية الغربية المعاصرة لما يقتصر التراث فقط على النموذج الدوسوسيري ؟‬

‫قدم عبد العزيز حمودة عدة قراءات لنموذج البديل من خالل كتابه 'المرايا المقعرة'‪  ،‬قراءة‬
‫نموذجية للتراث البالغي والنقدي حيث قدم قراءة سياقية وقراءة انتقائية وقراءة تحميلية‪ ،‬في‬
‫القراءة السياقية عالج قضية اللفظ والمعنى و التي رغم تحيزها للسياق التاريخي واألدبي‬
‫الذي أنتجها‪ ،‬ومراعاته للخصوصية الحضارية التي دفعت بها إلى واجهة االهتمام النقدي‬
‫فإنه اختارعن عمد تجاهل السياق النقدي الذي نشأت هذه القضية في ظله‪ ،‬ألنه لم يعد‬
‫موجودا في عصرنا‪ ،‬وذلك لكي يتمكن من تحيين القضية مجددا وربطها باحتياجات‬
‫الحاضر‪ ،‬وهذا ما نلمسه في كثير من األقوال التي جاءت في كتابه‪ .‬أيضا ما جاء به في قرأته‬
‫اإلنتقائية والتي نعني بهذا النوع من القراءة سلوك طريق االنتقاء‪ ،‬وتفضيل بعض جوانب‬
‫التراث النقدي العربي على بعض‪ ،‬والسكوت على بعض الجوانب األخرى‪ ،‬وما يثبت‬
‫ممارسة حمودة لالنتقاء والتفاضل بين عناصر النظرية النقدية العربية هو اإلطالة واإلمالل‪،‬‬
‫خاصة وأن الكتاب غني بمادته ومعلوماته وقضاياه التي تكاد تلم بمجمل ما أثير لدى النقاد‬
‫والبالغيين العرب‪ .‬كما أن قرأته التحميلية و التي نعني بها تلك القراءة التي تتعامل مع‬
‫عناصر النظرية النقدية العربية من خالل خلفيات أخرى تتحيز إلى نموذج مغاير‪ ،‬ومن ثم‬
‫‪.‬تقرأ النصوص و االستشهادات بعيون معاصرة تحملها ما ال تحتمل‪ ،‬أو تقولها ما لم تقل‬

‫كما يشير حمودة في كتابه 'المرايا المقعرة' إلى أنه سيقرأ نظرية النظم العربية بخلفيات‬
‫حداثية‪ ،‬ليرى إن كانت تنقصها أية إضافات حداثية ذات أهمية تبرز تجاهلها واالتجاه كلية‬
‫نحو منتجات العقل الغربي الحديث *‪ .‬كما يستحضر حمودة دائما هاجس المقارنة بين‬
‫النظرية الغربية الحديثة والنقد العربي القديم‪ .‬و يستبطن أيضا نظرية التواصل‪ N‬اللغوي التي‬
‫أتى بها دوسوسير وياكوبسون ويجعلها إطارا مرجعيا في قراءة الكثير من نصوص القدماء‪،‬‬
‫ومثال ذلك خلوصه من خالل نص لعبد القاهر يقدم فيه حال توفيقيا لمشكلة اللفظ والمعنى إلى‬
‫أن الرجل يقدم تعريفا عربيا مبكرا للغة باعتبارها أداة اتصال‪ ،‬ويتحدث عن الرسالة‬
‫والمرسل والمستقبل‪ ،‬بمفردات عربية قديمة هي الخبر والمخبر والمخبر به *‪ .‬وبغض النظر‬
‫عما قاله عبد القاهر‪ ،‬فإننا نرى أن مثل هذه القراءة ال تجوز‪ ،‬فادعاء السبق إلى إبداع األفكار‬
‫والتصورات‪ N‬من خالل قراءات انتقائية‪ ،‬ال يقصد إليها أصحابها ليس باألمر العلمي النافع‪ ،‬ثم‬
‫إنه سالح ذو حدين‪ ،‬فهو حجة علينا وعلى من سبقنا وليس حجة على من أتى بتلك النظريات‬
‫واستفاد منها‬

You might also like