Professional Documents
Culture Documents
الفصل الاول عبد العزيز حمودة مرجعياته الفكرية و الياته النقدية
الفصل الاول عبد العزيز حمودة مرجعياته الفكرية و الياته النقدية
إن النقد األدبي تطور بالنظريات العديدة و اإلقترابات الجديدة في العصر الحديث ،وساعدت
العولمة والتبادل الثقافي على تق ّدمه ،وتداخلت النظريات الغربية مع العربية والعكس .لم
يمكث ,ولد التصارع العقلي بين العرب والغرب ،وأ ّدى إلى نشوء األقطاب في األحوال
االجتماعية عامة وفي األدب خاصة .تط ّور النقد األدبي العربي أثناء هذا الصراع ،ألن لغة
النقد هي لغة العقل .فتحت حملة نابليون والبعثات العلمية وإصالحات محمد علي وعوامل
النهضة الحديثة أبواب المحادثة مع الغرب ,ومفكرو العربية يطوفون حول أسباب الضعف
والق ّوة ,خاصة عن عدم االستقرار للحكم في البالد العربي وتسبّب هذه المؤثرات Nإلى التفكر
عن الصراع بين الحداثة والتقليد* .
وقNNف النقNNد األدبي بين الحداثNNة والتقليNNد ،ورحّب بعض األدبNNاء النظريNNات الغربيNNة وابتNNدعوا
قطعاتهم األدبية على تأثيرهNNا* .وشّ Nدت الصNNراعات بين الNNدعوة إلى المحافظNNة على الNNتراث
القديم وإلى الحركة التجديدية وبين الدفاع عن األدب اإلسالمي واألخالق والسنن اإلجتماعيNNة
ومنجNNزات الحضNNارات اإلسNNالمية ودراســة رجالهNNا وأعالمهNNا دراســة حديثNNة في نزعNNة
عقالنية؛ وبين مقاومــة التيار الغــربي أو إخضاع األدب للتجديد والتعNNريب ومهاجمNNة األدب
الشــرقي والدعوة إلي اآلداب الغربية وترويج مNNذاهبها ،فمن ثم دخNNل معNNارك أدبيNNة أدت إلي
ظهور مدرستين رئيستين في النقد الحديث كما كان في األدب .1 :المدرسNNة النقديNNة التقليديNNة.
.2المدرســة النقدية التجديدية* .فقد تمثلت المدرسة األخيرة في المثقفين المتعلمين من الجيل
الجديــد ،المتأثرين بالثقافات األجنبية والعلوم الجديNNدة الNNذين يطمحNNون العيش بين أبنNNاء جيNNل
النهضة (مجيدي. )103 ,
__________________
*1
*2
*3
وفي هذا الصدد ,حاول الدكتور عبد العزيز حمودة ان يؤسس النظرية النقدية لألدب العربي
معتمدا على التراث .أحيط النقد األدبي بنظريات عديدة وتقاس اإلنتاجات األدبية عليها بنطاق
واسع[ ,]5ولكن أكثرها منشئة على الحضون الغربية ومتأثرة بأحوال االجتماعية والسياسية
بالغرب .يدعو حمودة إلى بناء النظريات النقدية العربية بدال من آراء النقدية الغربية كما
توجد النظريات األدبية العربية[ .]6نجده متحامال على أفكار عصر النهضة العربية ويتسم
عليهم موقف معاداة التراث واإلنفصال عنه بغية تأسيس وعي نقدي جديد ,كـما يرى بأن
الحداثيين العرب قاموا باستعادة الفكر الغربي من منطلق اإلنبهار أو اإلحساس بالنقص تجاه
مورثهم ,وعلى كل حال ,ال نستطيع إنـــكار قيمة الــجهد التي بذلها هذا الناقد من أجل بلورة
.نـظرية عـربـية أصـيلة أساسها الـتراث العربي
نبذة عن حياته
األستاذ عبد العزيز عبد السالم حمودة ( 2006 – 1937م) ،أستاذ األدب اإلنجليزي بجامعة
القاهرة .ولد عام 1937م بقرية دلبشان مركز كفر الزيات بالمحافظة الغربية بمصر وتلقى
تعليمه األولي بمدينة طنطا ،ثم التحق بكلية اآلداب بجامعة القاهرة حتى تخرج عام 1962م
والتحق بجامعة كورنيل األمريكية للحصول على درجة الماجستير في األدب المسرحي ثم
حصل على الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1968م ،وعاد إلى جامعة القاهرة ليعمل بتدريس
النقد والدراما واألدب المسرحي .أولج في عمله األكاديمي حتى تم اختياره عميدا لكلية
اآلداب عام 1985م ثم عمل مستشارا ثقافيا لمصر بالواليات المتحدة األمريكية وبعد العودة
عمل بكلية اآلداب رئيسا لقسم اللغة اإلنجليزية -جامعة القاهرة ,وعمل عميدا للدراسات العليا
-جامعة اإلمارات ونائب جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ثم تولى رئاسة جامعة مصر
.للعلوم وتكنولوجيا حتى توفي سنة 2006م
عبد العزيز حمودة في كتاباته النقدية مدرك ألهمية أن كل ناقد أو اتجاه نقدي البد من أن
ينطلق من رؤية فكرية كلية للمعرفة ،توجه رؤيته النقدية وآراءه فضال عن انه البد أن ينحاز
لواقعه الخاص وبهذا فان حمودة ينطلق بمنطق الناقد العربي المعاصر برؤية فلسفية ومعرفية
تنتمي النساق فكرية لتراثه وحضارته العربية التي تشكل واقعه العربي ،وان ينطلق من هذا
الواقع العربي المعاصر ،لذلك فهو يأخذ على الناقد الحداثي العربي افتقاره" إلى فلسفة
خاصة به عن الحياة و الوجود و الذات و المعرفة ،فهو يستعير المفاهيم النهائية لدى
اآلخرين ويقتبس من المدارس الفكرية الغربية ،ويحاول في جهد توفيقي بالدرجة األولى،
تقديم نسخة عربية 7خاصة به ،إنها كلها عملية اقتباس ونقل و ترقيع وتوفيق ال ترتبط7
بواقع ثقافي أصيل ،ومن هنا تجيء الصورة النهائية مليئة بالثقوب و التناقضات"* ،وهذا
الواقع النقدي مرتبط بواقع فكري اكبر،لذلك نجد عبد العزيز حمودة يشير إلى انه بالرغم من
الحداثة العربية المتبني للرؤية الغربية ،لتحقيق نهضة فكرية عربية ،وسعيه لتحقيق استنارة
ثقافية فشل في إنشاء حداثة عربية حقيقية ،بل فشل في نحت مصطلح نقدي جديد خاص به
تمتد جذوره في واقعنا الثقافي العربي ،وفضال عن فشله في تنقية المصطلح الوافد من الثقافة
الغربية الرتباطه بمناخه الفكري و االجتماعي و السياسي الذي أنتجه و الذي يمثل الخلفية
المرجعية الدائمة له من ناحية والذي يفسره ويمنحه شرعيته من ناحية أخرى ،فالحداثة
الغربية لم تنشأ من الفراغ وإنما هي النتاج الطبيعي المنطقي لتطورات الفكر الغربي التي
أدت إلى ظهور المدارس األدبية و النقدية الجديدة بمصطلحاتها الخاصة ،كما يذهب حمودة
إلى أن الحداثيين العرب أعطونا فكرا مجهول النسب بالرغم من محاوالتهم في تأصيل داخل
الواقع الثقافي العربي بالعودة إلى التراث إلبراز بعض جوانبه الحداثية ،بدعوى الجمع بين
( األصالة و المعاصرة ) ،وهو شعار رفعه الحداثيون العرب ،الذي يعد خروجا على مبادئ
و أسس الحداثة الغربية التي تدعي القطيعة المعرفية مع الماضي ،وهو في حقيقته ال يجمع
بينهما وإنما يقرأ التراث من منظور حداثي غربي أو من منظور استقراء الحداثة الغربية
بعض مفردات التراث الثقافي العربي للوصول إلى شرعية الحداثة الغربية ال شرعية التراث
وتناقض واضح بين الرؤية النهضوية المستقبلية التي تنطلق إلى األمام رفضا للحاضر و
الواقع الذي فقد شرعيته و تمردا على التقاليد الموروثة و بين محاولة إعادة تفسير التراث
.الثقافي أو استقرائه للوصول إلى تأكيد تراثي لمقوالتهم الحداثية الجديدة
أيضا حدد عبد العزيز حمودة من خالل استقراء معطيات التراث النقدي والبالغي العربيين،
خمسة أركان لنظرية أدبية عربية يمكن ،في نظره ،تطويرها للوصول إلى بديل نقدي جديد،
يستجيب لخصوصيتنا الحضارية ،ويستوفي جميع العناصر التي يحتاج إليها الناقد العربي
المعاصر .وهذه األركان هي 1 :ـ المحاكاة واإلبداع 2 ،ـ اإلبداع باللغة 3 ،ـ الصدق والكذب،
4ـ السرقات األدبية /التناص 5 ،ـ الموهبة والتقاليد 6 ،ـ الشكل والمضمون N.وال تشكل هذه
العناصر ،في نظرنا ،أركانا ،وإنما هي قضايا تتغير وتتجدد وقد تختفي إن انتفت الحاجة
إليها ،ويمكن أن ندخل كل تلك العناصر المذكورة ضمن قضية واحدة تشملها وتحتويها ،هي
".قضية "اللفظ والمعنى
أعط حمودة مفهوما لنظرية والتي هي انه لم يؤسس لنظرية موجودة في التراث في عموميته
و ظاهره كما ان مفهوم النظرية عنده ارتبط بالشخوص فهو يقابل "التغيير و التحوير و
اإلضافة و النقص دون أن يغير ذلك من قيمتها كنظرية"* ،ويمكن التدليل على أن مفهوم
حمودة للنظرية يستند إلى ما قدمه دوسوسير حينما جعله نموذجا يقتدي به في الكشف عن
أركان لنظرية عربية في التراث ،ولهذا يحاول أن يفهم طروحات دوسوسير أوال ،للكشف
ثانيا عما يقابلها في التراث البالغي العربي .كما أن ما يعزز الفرضية القائلة بأن عبد العزيز
حمودة قد اتخذ من نظرية دوسوسير مؤطرا في بديله النظري كالمه اآلتي ":سوف ندرس
فيما بعد أن الحديث عن اعتباطية العالقة بين شرطي العالمة اللغوية وتعريف اللغة كنظام
للعالمة لم يكن أبدا غريبا على النظرية العربية ،بل إن القضايا في الواقع في قلب تلك
النظرية التي نحن بصدد تحديد معالمها *".ما يلفت النظر هنا هو تحيزه إلى أركان النظرية
اللسانية الغربية وبرغم اال يحتوي التراث العربي على سمات و مقوالت نقدية تقترب الى
النظرية الغربية المعاصرة لما يقتصر التراث فقط على النموذج الدوسوسيري ؟
قدم عبد العزيز حمودة عدة قراءات لنموذج البديل من خالل كتابه 'المرايا المقعرة' ،قراءة
نموذجية للتراث البالغي والنقدي حيث قدم قراءة سياقية وقراءة انتقائية وقراءة تحميلية ،في
القراءة السياقية عالج قضية اللفظ والمعنى و التي رغم تحيزها للسياق التاريخي واألدبي
الذي أنتجها ،ومراعاته للخصوصية الحضارية التي دفعت بها إلى واجهة االهتمام النقدي
فإنه اختارعن عمد تجاهل السياق النقدي الذي نشأت هذه القضية في ظله ،ألنه لم يعد
موجودا في عصرنا ،وذلك لكي يتمكن من تحيين القضية مجددا وربطها باحتياجات
الحاضر ،وهذا ما نلمسه في كثير من األقوال التي جاءت في كتابه .أيضا ما جاء به في قرأته
اإلنتقائية والتي نعني بهذا النوع من القراءة سلوك طريق االنتقاء ،وتفضيل بعض جوانب
التراث النقدي العربي على بعض ،والسكوت على بعض الجوانب األخرى ،وما يثبت
ممارسة حمودة لالنتقاء والتفاضل بين عناصر النظرية النقدية العربية هو اإلطالة واإلمالل،
خاصة وأن الكتاب غني بمادته ومعلوماته وقضاياه التي تكاد تلم بمجمل ما أثير لدى النقاد
والبالغيين العرب .كما أن قرأته التحميلية و التي نعني بها تلك القراءة التي تتعامل مع
عناصر النظرية النقدية العربية من خالل خلفيات أخرى تتحيز إلى نموذج مغاير ،ومن ثم
.تقرأ النصوص و االستشهادات بعيون معاصرة تحملها ما ال تحتمل ،أو تقولها ما لم تقل
كما يشير حمودة في كتابه 'المرايا المقعرة' إلى أنه سيقرأ نظرية النظم العربية بخلفيات
حداثية ،ليرى إن كانت تنقصها أية إضافات حداثية ذات أهمية تبرز تجاهلها واالتجاه كلية
نحو منتجات العقل الغربي الحديث * .كما يستحضر حمودة دائما هاجس المقارنة بين
النظرية الغربية الحديثة والنقد العربي القديم .و يستبطن أيضا نظرية التواصل Nاللغوي التي
أتى بها دوسوسير وياكوبسون ويجعلها إطارا مرجعيا في قراءة الكثير من نصوص القدماء،
ومثال ذلك خلوصه من خالل نص لعبد القاهر يقدم فيه حال توفيقيا لمشكلة اللفظ والمعنى إلى
أن الرجل يقدم تعريفا عربيا مبكرا للغة باعتبارها أداة اتصال ،ويتحدث عن الرسالة
والمرسل والمستقبل ،بمفردات عربية قديمة هي الخبر والمخبر والمخبر به * .وبغض النظر
عما قاله عبد القاهر ،فإننا نرى أن مثل هذه القراءة ال تجوز ،فادعاء السبق إلى إبداع األفكار
والتصورات Nمن خالل قراءات انتقائية ،ال يقصد إليها أصحابها ليس باألمر العلمي النافع ،ثم
إنه سالح ذو حدين ،فهو حجة علينا وعلى من سبقنا وليس حجة على من أتى بتلك النظريات
واستفاد منها