Professional Documents
Culture Documents
الفاتورة عماد أي نظام اقتصادي
الفاتورة عماد أي نظام اقتصادي
ّ الفاتورة عماد أي نظام اقتصادي ،والهوية لكل نوع من أنواع البضائع،
بأنها وثيقة تجارية إجبارية تبرم بين البائع والشاري ،وتسلّم بمجرد إجراء
البيع أو تأدية الخدمات ،فهي المستند الذي يدل على حدوث الصفقة وهي أساس
في نظام ضرائب المبيعات ،إذ إنها تس ّهل إحكام الرقابة على السوق وضبط
المجتمع الضريبي ،ولذا فإن أكثر الطرق شيوعا ً في التهرب الضريبي يتمثل في
عدم إصدار فاتورة عن كل صفقة خاضعة للضريبة أو عدم صحة البيانات
الواردة بها ،فهي تتضمن غالبا ً نوع البضاعة ومواصفات السلعة وتاريخ عملية
البيع ورقم السجل التجاري ،فالفاتورة وثيقة قانونية الحتساب أرباح التجار،
وهذه إشكالية كبيرة كان يجري القفز فوقها في بالدنا ،وبقيت زمنا ً طويالً بابا ً
اإلداري. والفساد الضريبي التهرب أبواب من
أما الهدف العام من تطبيق الفوترة فهو أوالً ضمان حق المستهلك في الحصول
على منتج آمن ،تاجر يمكن الرجوع إليه في أي وقت ،وهو ما يح ّتم الرقابة على
إصدارها ،وثانيا ً إلزام التاجر بأال يغالي في األسعار وأن يكون سعر بيع السلعة
بهامش ربح معقول ،وثالثا ً ضمان حق الدولة في تحصيل الضريبة ،بدل التهرب
وحرمان الخزينة منها ،فالضرائب حاليا ً قائمة على التخمين ال على المستندات
العلمية ،وبالتالي هناك غبن للمكلف أحياناً ،وفي أكثر من األحيان تبقى الخزينة
هي المغبونة ،ومن ناحية أخرى فقد دخلت إلى سورية في ظل انعدام تداول
الفاتورة بضائع سيئة النوعية ،كان نتيجتها أن دفع المستهلك الثمن وربح
التاجر ،بينما الوضع األسلم أن توضح الفاتورة حركة البضاعة.
الفاتورة ليست وسيلة البتزاز المستهلكين وزيادة سعر الخدمة أو السلعة ،بل
هي وسيلة لضمان حقوق األطراف كافة ،ولكن هل الوقت مالئم لتطبيق نظام
الفوترة مع تردي األوضاع االقتصادية وتقلص القدرة الشرائية للمواطنين
وغياب األمن واألمان عن الطرقات ،وعدم القدرة على حماية عدد كبير من
ف لتطبيق نظامالمنشآت وخروجها عن الخدمة؟ ،أيضا ً هل القانون وحده كا ٍ
الفوترة وضبط األسعار المعلنة في األسواق وإلزام الفعاليات االقتصادية على
اختالف أنواعها وأحجامها بتطبيقها..؟!وهل يمكن ألي منتج أن يعطي اإلدارات
الحكومية بيانا ً بتكاليف اإلنتاج الحقيقية ؟ أم أنه ال يوجد إثباتات على كل ذلك،
فمثالً هل باإلمكان تحديد التكلفة الحقيقية لنقل البضائع من المرفأ إلى
المستودعات؟
أسئلة كثيرة وغيرها تطرح في وقت تجدد فيه الحديث عن قرار وزارة التموين
وحماية المستهلك تطبيق نظام الفوترة بدءاً من تجار سوق الهال بدمشق ،وهذا
يعني ببساطة شديدة إلزام تجار الجملة بإعطاء تجار التجزئة فواتير نظامية
مختومة بختم السجل التجاري لتاجر الجملة ،مع اإلشارة إلى أن معظم السلع
التي يتم التعامل بها ضمن سوق الهال من إنتاجنا المحلي ،األمر الذي يسمح
بالحصول على فاتورة حقيقية التكاليف ،نسبياً ،مع وجود ضوابط رادعة،
ويختلف األمر عند حديثنا عن السلع المستوردة وغيرها ،مع ما يكتنفها من
تالعب بالفواتير والبيانات الجمركية وتزوير باألسعار والكميات.
فالقضية معقدة وليست ببساطة إصدار قرار تطبيقها في أسواق تشهد في الوقت
الحالي انفالتا ً وعدم استقرار ألسباب كثيرة تعود في جانب منها لألزمة التي
جاءت في أحد وجوهها رد فعل على السياسات االقتصادية السابقة.
ولتطبيق نظام الفوترة نحتاج بداية إلى تهيئة المناخ المناسب لتطبيق هذه
اإلجراءات الجديدة ،بغية تجريم عدم إصدار الفواتير ،فالعشوائية في التطبيق قد
تسهم في رفع األسعار ،األمر الذي يتطلب إحكام الرقابة والسيطرة على
األسواق ووقف التالعب والمخالفات ،مع اإلشارة إلى وجود تحديات كبيرة أمام
التعامل بالفاتورة ،أهمها نقص الثقافة الضريبية ،وعشوائية قطاع التجارة
الداخلية ،وانتشار اقتصاد الظل بكثرة حيث يتم تداول نسب كبيرة من السلع على
ف لتفعيلاألرصفة دون فواتير ،وغيره من األشكال ،فالقانون وحده غير كا ٍ
الفاتورة في المعامالت التجارية والمالية ،وترقى عملية اإللزام إلى كونها ثقافة
عامة يسهم في خلقها العديد من األطراف ،منها اإلعالم ،والجهاز الضريبي،
والجهاز التشريعي ،إضافة إلى (حماية المستهلك) التي يجب أن تكون لديها
أساليب التعاون مع اإلدارة الضريبية والجمركية ،من خالل استراتيجية واضحة
ومحددة ،واتخاذ إجراءات مناسبة في المخالفات ،ومراقبة ومساءلة من يبيعون
بأسعار أعلى .فدور الدولة يبدأ من تحديد تكاليف المنتجات ،وينتهي بتحديد
هامش الربح لتجار المفرق ،وكذلك الجمارك ومصلحة السجل التجاري
والتموين والنقابات التي يجب أن تتيح التعامل بعد االطالع على شهادة تفيد
االلتزام بإصدار الفواتير ،وصوالً إلى تداول الفواتير النظامية بدءاً من المصدر
(المنتج أو المستورد) ،مروراً بتاجر الجملة ونصف الجملة وانتهاء بباعة
األمر. نهاية في للمستهلك فاتورة وإعطاء المفرق
ختاما ً المهم إلزام التجار بنظام الفوترة واستمرار متابعة الجهات المعنية
بتطبيقها ،علها تكون بارقة أمل في خفض معاناة الطبقات الكادحة التي اكتوت
بنار األزمة والسياسات االقتصادية المتخبطة واستغالل أسياد األسواق
والمحتكرين.