Professional Documents
Culture Documents
ماستر التربية الجمالية وتدبير مهن الفن و الثقافة k
ماستر التربية الجمالية وتدبير مهن الفن و الثقافة k
:قراءة في
يعتبر المسرح من أقدم اإلبداعات والفنون التي مارسها اإلنسان ،حيث راح يصورعن
طريق التمثيل كل ما له عالقة بوجوده ،وذلك من خالل محاكاة الظواهر الحياتية التي كانت
تبدو في نظره مهمة .فالمسرح وسيلة اعتمدها اإلنسان للتعبير عن هواجسه وتطلعاته تجاه
الحياة وما يطرأ عليها من تغيير ،وإلى جانب كونه وسيلة للترفيه ،فهذا ال ينفي عنه صفة
التعليم والتثقيف في قالب فني ،فهو بمثابة وجهين لعملة واحدة ،يمتع وفي الوقت نفسه
يثقف ،فهو يسعى بعد إحياء التراث وترقية ملكة الذوق والجمال إلى السير بالمجتمعات
قدما،سواء تعلق األمر بما هو فكري أو سياسي أو اجتماعي:...
إن الهدف األسمى لهذا النوع من الفنون هو إمتاع المتلقي ،إمتاع يحمل بين طياته رغبة في
تقدم األمم ،وللمسرح أول ما بدأ عالقة بالطقوس الدينية عند اليونان ،حيث ارتبط بالحفالت
والمواسم واألعياد ،ثم تطور إلى أن أصبح له قوانين وأعراف وأغراض تخدم المجتمع
المسرح الملحمي ،المسرح الوجودي ،وبما أن المسرح فن يقتضي مؤلفا يكتب نصا موجها
للعرض أمام المشاهد عن طريق ممثلين ،فال غَرْ َو إن قلنا أن كل نص يحمل في كنهه
مجموعة من األفكار والعقائد واأليديولوجيات التي يسعى المؤلف إلى تمريرها إلى المتلقي،
سواء كان ذلك بطريقة واعية أو غير واعية ،مما يؤدي إلى ترسيخها عن طريق االمتثال
لها والتماهي معها( مسرح أرسطو) ،أو انتقادها ومحاولة اصالحها أو تغييرها مسرح ،
معتمدا في ذلك على مجموعة من التقنيات اللسانية (الحوار) والغير لسانية(اإلرشادات).
إن الفنون كلها حسب أرسطو تقوم على المحاكاة ،والتي اعتبرها غريزة طبيعية لدى
اإلنسان ورأى فيها ركيزة أساسية لكل عمل فني إذ يقول" :الملحمة والمأساة بل والملهاة
والديثرمبوس :وجل صناعة العزف بالناي والقيتارة هي كلها أنواع من المحاكاة".
كذلك هو الشأن بالنسبة للفن المسرحي باعتباره فنا متجذرا في الحياة االجتماعية لإلنسان،
فالفن المسرحي يرتبط ببيئة اإلنسان والتاريخ وبالتالي فهو يقوم أساسا على محاكاة ما حوله
من الوقائع والظواهر ،إذن "البد أن البداية األولى للدراما كفن تمثيلي نشأت عن هذا الميل
الغريزي للمحاكاة عند االنسان"
لعل البدايات األولى للفن المسرحي عربيا ،بالمفهوم المتفق عليه أدبيا ،كانت على يد مارون
النقاش ،إذ يعتبر هذا األخير أول من" خطر له إدخال فن التمثيل المسرحي في العالم
العربي" ،وذلك من خالل مسرحيته البخيل ،والتي تمثل أول مسرحية عربية ،والتي
اقتبسها عن المسرحي الفرنسي الكبير " موليير" في لبنان سنة ، 1847وهي السنة التي
يمكن أن نقول عنها أنها " بداية اتصال التمثيل العربي ،بالمسرح األوربي" .أما الكاتب
الذي ظهر بعد النقاش ،هو" أبو الخليل القباني" في دمشق ،الذي استوفى من التراث العربي
القديم ،كونه" اعتمد اعتمادا واضحا على القصص الشعبية التي كان قصاصو المقاهي
يقصونها على روادهم ،كما اعتمد على السير الشعبية في بعض مسرحياته".
"ويجيئ دور الرائد الثالث من رواد المسرح العربي الحديث ،يعقوب صنوع" ،الذي أعطى
الروح الحقيقية للمسرح العربي من خالل ما قدمه من مسرحيات كثيرة ،حملت في
مضمونها مجموعة من القضايا ،التي كانت تخص المجتمع العربي.
لم يقف الفن المسرحي العربي عند هذا الحد ،بل تطور ليضفي ظالله على الساحة العربية
أجمع ،ولو كان هذا الظهور محتشما مع البداية ،إال أنه قد وجد ضالته وحضنا رحبا يأويه،
فاستطاعت المسرحية العربية أن تجد لها مكانا ،وسط مختلف األجناس األدبية العربية ،رغم
بعض المعيقات التي قد حالت دون ذلك ،فمارون النقاش وغيره من المبدعين العرب ،قد
ساهموا بشكل كبير في تبلور الوجود المسرحي في البالد العربية.
يعد المسرح من الفنون التي لها اتصال وثيق بحياة المجتمعات ،فهو فن يجمع بين
الشخصيات ،واألحداث ،واألزمنة واألمكنة ،واللغة في قالب واحد .األمر الذي جعله بأن
يكون أهم الوسائل التي تمكن الفرد من التعبير عن مختلف األفكار التي تختلج ذهنه ،أماال
كانت أم أالما ،طموحات أو هموم.
وبما أن المسرح فن يعمل على التعبير عن األفكار ،ومحاولة عكس الواقع االجتماعي
بتناقضاته المختلفة ،فال عجب أن نجد سعد هللا ونوس من بين الكتاب الذين اعتمدوا هذا الفن
كوسيلة للمقاومة والتعليم والتثقيف ومخاطبة الجماهير ،حيث سخر المسرح كأداة تواصلية
تعكس الواقع بمستوى جمالي.
تجدر اإلشارة إلى أن الفنان المسرحي محمد الحر هوخريج “المعهد العالي للفن المسرحي و
التنشيط الثقافي” بالرباط ،ويشغل منصب مدير “قاعة با حنيني” الثقافية بمدينة الرباط ،كما
يدير فرقة “مسرح أكون” الذي يشيد فلسفته على الجمع بين المسرح الشعبي والمسرح
التجريبي .وقد عملت الفرقة المسرحية على إنتاج مجموعة من المسرحيات التي نالت
إعجاب النقاد والجمهور وحصلت على مجموعة من الجوائز في العديد من المهرجانات
المسرحية :منها “الباشا حمو” ( ،)2011و”تيرياحين” ( ،)2015و”موالة الحيط” (
،)2017و”صولو” :عن رواية “ليلة القدر” للطاهر بنجلون“ ،سماء أخرى” المستلهمة عن
رواية “يرما” لغارسيا لوركا .
هذا العرض المسرحي الذي نحن بصدد تحليله حاز على جائزة الشيخ الدكتور السلطان بن
محمد القاسمي ألفضل عمل مسرحي عربي في مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة
العربية للمسرح .
المبحث األول :قراءة في العنوان :
يعتبر العنوان أول معطى يتعامل معه المتلقي ،كونه يشكل مدخال مركزا ،تتم في ضوئه
قراءة العمل األدبي ،فهوة أداة العبور األساسية التي يعتمد عليها العمل األدبي لينتقل من
حالة الوجود بالقوة إلى حالة الوجود بالفعل .ولذلك يرى أندريه مارتينيه" أن العنوان يشكل
مرتكزا دالليا ،يجب أن ينتبه عليه فعل التلقي بوصفه أعلى سلطة ،ولتميزه بأعلى اقتصاد
لغوي ممكن ".وعليه سيكون العنوان منطلقنا األول لتشريح هذه المسرحية ،وفك شفراتها،
واستنتاج مدى تعبير مضمون المسرحية عن العنوان الذي يحيلنا عليها ،إيمانا منا بأن
مضمون النص الدرامي ما هو إال إعادة إنتاج لمعنى العنوان :.فعنوان المسرحية قيد
التحليل"صولو" ،لم يوضع بشكل اعتباطي ،فهو ليس عنصرا زائدا ،بل هو أول معطى من
معطيات النص ،معطى انتزع من سياقه ليحيل على العمل كله ،فالعالقة بين العنوان والنص
وجهين لعملة واحدة ،كعالقة الدال بالمدلول.
كلمة صولو هي باإليطالية ،Solo :وتعني الوحيد ،مع أن تعبير أصولو assoloهو
المستعمل في إيطاليا لإلشارة إلى الصولو الموسيقي ،فعندما نسمع صولو يتبادر ذهننا إلى
تعبير موسيقي حيث يقصد به أي مقطوعة أو مقطع موسسيقي يعزفها أو يغنيها مؤدي
منفرد ،عمليا فهي تعني عد ًدا من االشياء المختلفة ،وهذا يتوقف على نوع الموسيقى
والسياق،لكن حسب المسرحية التي شاهدناها نرى أن زهرة عاشت حياتها وحيدة ،منفردة
بنفسها ،صولو.
المبحث الثاني :مضمون المسرحية:
شاهدنا في هذا العمل المسرحي "لفرقة أكون " من تأليف محمد الحر وهاجر الحامدي ،
باالعتماد على رواية ليلة القدر للطاهر بنجلون ،شهادة روتها صاحبتها السيدة زهراء
بنفسها ،وعلى لسانها ،شهادة صادمة ومفاجئة ،حكاية بدأت في ليلة القدر ( 27من
رمضان ) وتحكي زهراء ما عاشته من أيام صعبة وزمنا مرا وقضت جل حياتها في ثوب
رجل ،التي يلقبونها "بأحمد "الحقيقة التي روتها تحمل في طياتها هموما وألما و خداع،
السيدة زهراء حرمت من البراءة ،من الطفولة التي يعيشها أي إنسان في صغره ألنها
خلقت بنتا وعاشت بصفة رجل في تفكيرها وطريقة لباسها ألن أحدا ما أقنع والدها أن
الرجل الذي اليلد الرجال ليس برجل ،عاشت مدة عشرين سنة منكسرة نفسيا بما تحمله من
ألم أكاذيب ونفاق وكذا انفصام في الشخصية بين الجسد الذكوري و األنثوي( تمزق
هويتها ) ،و في ليلة القدر الليلة الكبيرة ،ليلة إعادة الحساب ،قام األب بتقبيل يد ابنته
وسمح لها بالذهاب لتبحث عن حريتها بعدما طلب منها السماح وفي ذلك الحين وقته المنية
،وبعدها قررت زهراء تصحيح كل ما لقي عنها ،وتسترجع أنوثتها ،فزهراء حررت كما
يحرر العبيد في زمانهم ،وظلت تمثل لمدة ثالثة أيام حتى انتهت الجنازة وبعدها هربت
لتنتقم لجميع النساء من االحتقار و الفحولة و التخلص من هذه السلطة الخانقة و العودة
لطبيعتها و تحمد هللا على نعمته ،قامت بجمع كل ماله عالقة بتلك العشرين سنة وقامت
بدفنه في قبر أبيها والخوق يعتريها مرددة:
كان هناك شيء يضغط على ضلوعي
كانت أربطة الثوب ال تزال حول صدري لكي تمنع من البروز والكبر
انتزعت بخنق ذلك التنكر الداخلي المكون من عدة أمتار من الثوب األبيض
بسطته ومررته حول عنق الميت ثم شددت بقوة
كنت أتخلص من حياة بأكملها من عهد خداع ،من حقبة كبد
بيدي ورجلي كومت األغراض فوق الجذف ثم أهلت التراب ثم قلت فيما يشبه التحية
أوالخطاب
وداعا ،وداعا أيها المجد المختلق
لنا الحياة والروح عارية بيضاء بكر والجسد جديد رغم أن الكالم قديم.
بعد هذا الكالم كله تذكرت أمها التي لطالما أرادت منها الدعاء من أجل أن ال تموت قبل
زوجها لتتنفس مثل جميع النساء ،لتجد حريتها ،كي ال تتوفى و الحسرة في قلبها ،بعدها
ابتعدت زهراء وحيدة " ،صولو " و لم يبقى وراءها أثر ،ذهبت لغابة وأحست كأنها أول
مرة تشعر بالحياة بعدها جاء رجل ال تعرفه ولم ترى وجهه وطرحها أرضا و اغتصبها
وكان أول رجل في حياتها ،ولم تعرف ماذا ستفعل ،إذ ذهبت لالغتسال في مدينة أخرى
التي عاشت فيها قصة غريبة عجيبة مع القنصل( :رجل أعمى ) ثاني رجل في حياتها و هو
األخ الصغير لطيابة الحمام ،يوما بعد يوم استطاعت زهراء أن تتأقلم مع ذلك المنزل
الذي وجدت فيه نعمة النسيان ،تلك المرأة صعبة المنال أي أخت القنصل أرادت تزويج
زهراء لكن نشب صراع بين األخ واألخت ألن المرأة تتدخل فيما ال يعنيها ،حيث أن
القنصل خاف على زهراء من أخته وأنه ال يستطيع العيش بدونها زهراء استغلت الفرصة
وحكت للقنصل قصتها منذ أن ازدادت إلى الختان إلى موت أبيها إلى هروبها .....لكن كل
شيء حدث بسرعة البرق جاءت أخت القنصل وبدأت تشتم و تضرب في زهراء ظنا منها
أنها ستسرق لها أخاها وبعدها قامت زهراء بالدفاع عن نفسها مما أدى بها إلى حرق أخت
القنصل و دخلت للسجن لمدة خمسة عشر سنة ،شعرت في تلك المدة كأنها في منزل أبيها
بين أربعة جدران ،وكل يوم جمعة كان يأتي القنصل لزيارتها ،في الوقت الذي كانت تعتقد
فيه زهراء أنها وجدت سكينة تجد نفسها أمام كابوس ،إذ جاءت األخوات الخمس للقضاء
على أختهم زهراء ،وعندما جاء العفو ،خرجت زهراء من السجن ،لكن لم تجد من
ينتظرها وجدت نفسها وحيدة ،صولو ،ذهبت للجنوب إلى البحر متزينة الوجه ،حافية
القدمين ...في حين تذكرت رسالة القنصل:
أيتها الصديقة ال تقوى يداي اليوم على النظر إليك
أعرف أنهما سالبتان ،إن ضميري يكبتني ألنني لم أكن في مستوى حماسك و جشاعتك،
فأنا محكوم علي أال أعرف الحماس أبدا لم أتقبل رحيلك وحبسك ،وعليه منذ ذلك الوقت وأنا
ال أكف عن البحث عن مالذ ،عن مكان راحة أفكاري وجسدي المنهك .
أعرف أن علي القيام بسفر العتمات بعيدا عن كل شيء في الصحراء ،في الجنوب األقصى
افتتحت المسرحية بصوت المخرج وأيضا آخر صوت انتهت به فهو صوت المخرج
المسرحي محمد الحر ،وذلك من أجل نقلها من فضاء الرواية لفضاء للمسرح.
هذا العرض يعالج قضية مجتمعية ،إذ يعتبر المرأة فضاء لطرح معاناتها جراء سلطة
المجتمع سواء في العائلة أو مع اآلخر الذي يرى أن المرأة عارا يجب وأده.
المبحث الثالث :الشخصيات:
تتعدد أدوار الشخصيات في النص المسرحي بتعدد األهواء والمذاهب واأليديولوجيات
والثقافات التي ليس لتنوعها وال اختالفها من حدود ،فكل شخصية في حقيقتها ما هي إال
أفكار ومعتقدات ،هذه األفكار التي قد تجد أفكارا تماثلها ،فينتج عنه نوع من التوافق ،أو تجد
أفكارا أخرى تخالفها ،فيحدث الصراع بين الشخصيات ،هذا الصراع الذي يعتبر المحرك
األساس لألحداث المسرحية ،حيث يعتبر جسد الممثل عالمة دالة على أحاسيس ومشاعره
فهو يتخد وسيلة إليصال الرسالة المرجوة من العرض إلى المتلقي وهذا الحظناه مع زهرة
فالممثل في هذا العرض مفردة أساسية فالممثلون الثالثة "هاجر الحاميدي"بدور الزهرة
وأمال بن حدو بدور األم والجالسة والسجانة وأخوات الزهرة الستة،وسعيد هراسي بدور
األب وشخصية القنصل الذين قاموا بأدوارهم أمامنا لم يكونوا سوى شخصيات حقيقية تنمو
وتتبلور من خالل تشخيصهم للواقع االجتماعي المعيش والمتخيل في ان واحد.شخصيات
على الرغم من خضوعها لرؤية المخرج وحساباته الدقيقة في رسم رؤيته اإلخراجية كانوا
أحرار كممثلين .التمثيل بالنسبة لهم بمثابة رغبة ،ومشيئة وحاجة وهذا مالمسناه منذ لوهلة
األولى للعرض.عندما كانت زهرة تقوم ببوح القصة لحظنا األضواء تتلون عبر الخشبة
"كتلون الحرباء" فاإلضاءات قامت بنحت الفضاء بالمربعات الضوئية
والدائرية،والمستطيلة والبقع العازلة أحيانا .......لهذا يمكن القول أن اإلضاءة تصاحب
العرض الذي يوفر للعرض متطلباته التقنية والفنية وهذا طبعا يساهم في تحقيق الجمالية في
المسرحية .فكل شخصية ترتدي لباس معينا عن الطبيعة االجتماعية التي ينتمي إليها.فلباس
مثال زهرة أو السجانة يأخد لون الظلمة والمجهول ويدل كذلك على القوة وهو األسود الذي
يطغى على اللباس بكامله ،كما أنه يشير إلى الموت والحزن ،فاألسود يمتص الضوء
واليعده إنه يستحضر قبل كل شئ الظلمات األرضية والغم والحزن .المسرحية جسدت على
خشبة العرض (اليمين واليسار) فعلى اليسار "دمية" مبثورة غير كاملة ترمز لإلبن الذي
ينتظره األب فهي صورة ذهنية في الالوعي المجتمع الذكوري الذي يميل لذكر قبل أن
يأتي ،أما على اليمين تنتصب طاولة بمقاييس مختلفة ،ذات سطح ضيق وعالية شيئا ما،
توحي إلى مكان البوح ،فهذه األبعاد لها دالالت وترمز إلى الحيز الضيق الذي يخص المرأة
داخل مجتمع يحكمه الرجال .فوق هذه الطاولة نجد زهرة بيضاء في إناء من زجاج ،يرمز
إلى الذات األنثوية ،هذه الذات الذي اقتحمها الرجل الذي اغتصبها وسكب فيها مائه بكل
وحشية ،إنه نفس اإلناء الذي تأخذه زهر بيديها وتسلمه للقنصل ليضع فيه ماء أبيض في
إشارة الغتصاب آخر ،وهي الوردة نفسها التي تأخذها أخت زهرة تقص أوراقها ورقة
ورقة ،في رمزية العتداء آخر من طرف المجتمع .ومن خالل مالحظتنا للمسرحية نجد أن
هنالك فضائين هما "الحمام" و"الزاوية" على اعتبار أن األول مكان يُحرر فيه اإلنسان
الجسد من الثياب أما الثاني فيُحرر فيه اإلنسان الروح من الجسد ،وبالتالي فهما مكانان
للتحرر و اإلنعتاق ،تحرر الجسد و الروح" .الزاوية" لها داللة بفضاء صوفي ،يمثل
االعتزال والزهد عن الدنيا للتفرغ للعبادة ،فهو الفضاء الذي يتحرر فيه الزاهد من جسمه
ليصبح في عوالم الروح باحثا عن التحرر .وبالحديث عن الديكور الثابت يحضر الجدار أو
الجدارين بمعناه الدال على االنغالق والسجن والحصار بعدها يتحول هذين الجدارين فيما
بعد إلى زقاق ضيق ،فهو إيحاء إلى أن الفضاء العام أصبح ضيقا ً على النساء ال يتسع إال
للرجال ،فهو إشارة أيضا إلى معاناة المرأة من نظرة الرجل في المجتمع ،ويسترسل البناء
الدرامي ليشكل الجدارين سجنا منفردا تقبع فيه زهرة وتئن تحت ألم الوحدة والعزلة ،فهو
امتداد لسجن كبير تعيشه المرأة في المجتمعات العربية ،يبدأ بالبيت/الزاوية ،ثم المجتمع،
لينتهي بسجن حقيقي ،هو في عمقه سجن داخلي يعش في نفسية المرأة و يجعل منها كائنا
منعزال وحيدا بدون هوية.