You are on page 1of 8

‫ماستر التربية الجمالية وتدبير مهن الفن و الثقافة‬

‫وحدة ‪:‬التربية وفنون الفرجة‬

‫‪ :‬قراءة في‬

‫مسرحية صولو لمحمد الحر‬

‫تحت إشراف ‪:‬‬ ‫من إنجاز‪:‬‬


‫د‪ .‬حسن اليوسفي‬ ‫خولة تالوين‬
‫"المسرح هو الفن الذي يستطيع أن يقهر‬
‫غربة المبدع‪،‬ويتجاوز الهوة التي تفصل بين‬
‫الفن والحياة‪ ،‬وبين الفنانوالواقع‪".‬‬

‫يعتبر المسرح من أقدم اإلبداعات والفنون التي مارسها اإلنسان‪ ،‬حيث راح يصورعن‬
‫طريق التمثيل كل ما له عالقة بوجوده‪ ،‬وذلك من خالل محاكاة الظواهر الحياتية التي كانت‬
‫تبدو في نظره مهمة‪ .‬فالمسرح وسيلة اعتمدها اإلنسان للتعبير عن هواجسه وتطلعاته تجاه‬
‫الحياة وما يطرأ عليها من تغيير‪ ،‬وإلى جانب كونه وسيلة للترفيه‪ ،‬فهذا ال ينفي عنه صفة‬
‫التعليم والتثقيف في قالب فني‪ ،‬فهو بمثابة وجهين لعملة واحدة‪ ،‬يمتع وفي الوقت نفسه‬
‫يثقف‪ ،‬فهو يسعى بعد إحياء التراث وترقية ملكة الذوق والجمال إلى السير بالمجتمعات‬
‫قدما‪،‬سواء تعلق األمر بما هو فكري أو سياسي أو اجتماعي‪:...‬‬
‫إن الهدف األسمى لهذا النوع من الفنون هو إمتاع المتلقي‪ ،‬إمتاع يحمل بين طياته رغبة في‬
‫تقدم األمم‪ ،‬وللمسرح أول ما بدأ عالقة بالطقوس الدينية عند اليونان‪ ،‬حيث ارتبط بالحفالت‬
‫والمواسم واألعياد‪ ،‬ثم تطور إلى أن أصبح له قوانين وأعراف وأغراض تخدم المجتمع‬
‫المسرح الملحمي‪ ،‬المسرح الوجودي‪ ،‬وبما أن المسرح فن يقتضي مؤلفا يكتب نصا موجها‬
‫للعرض أمام المشاهد عن طريق ممثلين‪ ،‬فال غَرْ َو إن قلنا أن كل نص يحمل في كنهه‬
‫مجموعة من األفكار والعقائد واأليديولوجيات التي يسعى المؤلف إلى تمريرها إلى المتلقي‪،‬‬
‫سواء كان ذلك بطريقة واعية أو غير واعية‪ ،‬مما يؤدي إلى ترسيخها عن طريق االمتثال‬
‫لها والتماهي معها( مسرح أرسطو)‪ ،‬أو انتقادها ومحاولة اصالحها أو تغييرها مسرح ‪،‬‬
‫معتمدا في ذلك على مجموعة من التقنيات اللسانية (الحوار) والغير لسانية(اإلرشادات)‪.‬‬
‫إن الفنون كلها حسب أرسطو تقوم على المحاكاة‪ ،‬والتي اعتبرها غريزة طبيعية لدى‬
‫اإلنسان ورأى فيها ركيزة أساسية لكل عمل فني إذ يقول‪" :‬الملحمة والمأساة بل والملهاة‬
‫والديثرمبوس‪ :‬وجل صناعة العزف بالناي والقيتارة هي كلها أنواع من المحاكاة"‪.‬‬
‫كذلك هو الشأن بالنسبة للفن المسرحي باعتباره فنا متجذرا في الحياة االجتماعية لإلنسان‪،‬‬
‫فالفن المسرحي يرتبط ببيئة اإلنسان والتاريخ وبالتالي فهو يقوم أساسا على محاكاة ما حوله‬
‫من الوقائع والظواهر‪ ،‬إذن "البد أن البداية األولى للدراما كفن تمثيلي نشأت عن هذا الميل‬
‫الغريزي للمحاكاة عند االنسان"‬
‫لعل البدايات األولى للفن المسرحي عربيا‪ ،‬بالمفهوم المتفق عليه أدبيا‪ ،‬كانت على يد مارون‬
‫النقاش‪ ،‬إذ يعتبر هذا األخير أول من" خطر له إدخال فن التمثيل المسرحي في العالم‬
‫العربي" ‪ ،‬وذلك من خالل مسرحيته البخيل‪ ،‬والتي تمثل أول مسرحية عربية‪ ،‬والتي‬
‫اقتبسها عن المسرحي الفرنسي الكبير " موليير" في لبنان سنة ‪ ، 1847‬وهي السنة التي‬
‫يمكن أن نقول عنها أنها " بداية اتصال التمثيل العربي‪ ،‬بالمسرح األوربي"‪ .‬أما الكاتب‬
‫الذي ظهر بعد النقاش‪ ،‬هو" أبو الخليل القباني" في دمشق‪ ،‬الذي استوفى من التراث العربي‬
‫القديم‪ ،‬كونه" اعتمد اعتمادا واضحا على القصص الشعبية التي كان قصاصو المقاهي‬
‫يقصونها على روادهم‪ ،‬كما اعتمد على السير الشعبية في بعض مسرحياته"‪.‬‬
‫"ويجيئ دور الرائد الثالث من رواد المسرح العربي الحديث‪ ،‬يعقوب صنوع" ‪ ،‬الذي أعطى‬
‫الروح الحقيقية للمسرح العربي من خالل ما قدمه من مسرحيات كثيرة‪ ،‬حملت في‬
‫مضمونها مجموعة من القضايا‪ ،‬التي كانت تخص المجتمع العربي‪.‬‬
‫لم يقف الفن المسرحي العربي عند هذا الحد‪ ،‬بل تطور ليضفي ظالله على الساحة العربية‬
‫أجمع‪ ،‬ولو كان هذا الظهور محتشما مع البداية‪ ،‬إال أنه قد وجد ضالته وحضنا رحبا يأويه‪،‬‬
‫فاستطاعت المسرحية العربية أن تجد لها مكانا‪ ،‬وسط مختلف األجناس األدبية العربية‪ ،‬رغم‬
‫بعض المعيقات التي قد حالت دون ذلك‪ ،‬فمارون النقاش وغيره من المبدعين العرب‪ ،‬قد‬
‫ساهموا بشكل كبير في تبلور الوجود المسرحي في البالد العربية‪.‬‬
‫يعد المسرح من الفنون التي لها اتصال وثيق بحياة المجتمعات‪ ،‬فهو فن يجمع بين‬
‫الشخصيات‪ ،‬واألحداث‪ ،‬واألزمنة واألمكنة‪ ،‬واللغة في قالب واحد‪ .‬األمر الذي جعله بأن‬
‫يكون أهم الوسائل التي تمكن الفرد من التعبير عن مختلف األفكار التي تختلج ذهنه‪ ،‬أماال‬
‫كانت أم أالما‪ ،‬طموحات أو هموم‪.‬‬
‫وبما أن المسرح فن يعمل على التعبير عن األفكار‪ ،‬ومحاولة عكس الواقع االجتماعي‬
‫بتناقضاته المختلفة‪ ،‬فال عجب أن نجد سعد هللا ونوس من بين الكتاب الذين اعتمدوا هذا الفن‬
‫كوسيلة للمقاومة والتعليم والتثقيف ومخاطبة الجماهير‪ ،‬حيث سخر المسرح كأداة تواصلية‬
‫تعكس الواقع بمستوى جمالي‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن الفنان المسرحي محمد الحر هوخريج “المعهد العالي للفن المسرحي و‬
‫التنشيط الثقافي” بالرباط‪ ،‬ويشغل منصب مدير “قاعة با حنيني” الثقافية بمدينة الرباط‪ ،‬كما‬
‫يدير فرقة “مسرح أكون” الذي يشيد فلسفته على الجمع بين المسرح الشعبي والمسرح‬
‫التجريبي‪ .‬وقد عملت الفرقة المسرحية على إنتاج مجموعة من المسرحيات التي نالت‬
‫إعجاب النقاد والجمهور وحصلت على مجموعة من الجوائز في العديد من المهرجانات‬
‫المسرحية ‪ :‬منها “الباشا حمو” (‪ ،)2011‬و”تيرياحين” (‪ ،)2015‬و”موالة الحيط” (‬
‫‪ ،)2017‬و”صولو”‪ :‬عن رواية “ليلة القدر” للطاهر بنجلون‪“ ،‬سماء أخرى” المستلهمة عن‬
‫رواية “يرما” لغارسيا لوركا ‪.‬‬
‫هذا العرض المسرحي الذي نحن بصدد تحليله حاز على جائزة الشيخ الدكتور السلطان بن‬
‫محمد القاسمي ألفضل عمل مسرحي عربي في مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة‬
‫العربية للمسرح ‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬قراءة في العنوان ‪:‬‬
‫يعتبر العنوان أول معطى يتعامل معه المتلقي‪ ،‬كونه يشكل مدخال مركزا‪ ،‬تتم في ضوئه‬
‫قراءة العمل األدبي‪ ،‬فهوة أداة العبور األساسية التي يعتمد عليها العمل األدبي لينتقل من‬
‫حالة الوجود بالقوة إلى حالة الوجود بالفعل‪ .‬ولذلك يرى أندريه مارتينيه" أن العنوان يشكل‬
‫مرتكزا دالليا‪ ،‬يجب أن ينتبه عليه فعل التلقي بوصفه أعلى سلطة‪ ،‬ولتميزه بأعلى اقتصاد‬
‫لغوي ممكن‪ ".‬وعليه سيكون العنوان منطلقنا األول لتشريح هذه المسرحية‪ ،‬وفك شفراتها‪،‬‬
‫واستنتاج مدى تعبير مضمون المسرحية عن العنوان الذي يحيلنا عليها‪ ،‬إيمانا منا بأن‬
‫مضمون النص الدرامي ما هو إال إعادة إنتاج لمعنى العنوان‪ :.‬فعنوان المسرحية قيد‬
‫التحليل"صولو"‪ ،‬لم يوضع بشكل اعتباطي‪ ،‬فهو ليس عنصرا زائدا‪ ،‬بل هو أول معطى من‬
‫معطيات النص‪ ،‬معطى انتزع من سياقه ليحيل على العمل كله‪ ،‬فالعالقة بين العنوان والنص‬
‫وجهين لعملة واحدة‪ ،‬كعالقة الدال بالمدلول‪.‬‬
‫كلمة صولو هي باإليطالية‪ ،Solo :‬وتعني الوحيد‪ ،‬مع أن تعبير أصولو ‪ assolo‬هو‬
‫المستعمل في إيطاليا لإلشارة إلى الصولو الموسيقي‪ ،‬فعندما نسمع صولو يتبادر ذهننا إلى‬
‫تعبير موسيقي حيث يقصد به أي مقطوعة أو مقطع موسسيقي يعزفها أو يغنيها مؤدي‬
‫منفرد‪ ،‬عمليا فهي تعني عد ًدا من االشياء المختلفة‪ ،‬وهذا يتوقف على نوع الموسيقى‬
‫والسياق‪،‬لكن حسب المسرحية التي شاهدناها نرى أن زهرة عاشت حياتها وحيدة ‪ ،‬منفردة‬
‫بنفسها ‪ ،‬صولو‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مضمون المسرحية‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫شاهدنا في هذا العمل المسرحي "لفرقة أكون " من تأليف محمد الحر وهاجر الحامدي ‪،‬‬
‫باالعتماد على رواية ليلة القدر للطاهر بنجلون ‪ ،‬شهادة روتها صاحبتها السيدة زهراء‬
‫بنفسها‪ ،‬وعلى لسانها‪ ،‬شهادة صادمة ومفاجئة ‪ ،‬حكاية بدأت في ليلة القدر ( ‪ 27‬من‬
‫رمضان ) وتحكي زهراء ما عاشته من أيام صعبة وزمنا مرا وقضت جل حياتها في ثوب‬
‫رجل ‪ ،‬التي يلقبونها "بأحمد "الحقيقة التي روتها تحمل في طياتها هموما وألما و خداع‪،‬‬
‫السيدة زهراء حرمت من البراءة ‪ ،‬من الطفولة التي يعيشها أي إنسان في صغره ألنها‬
‫خلقت بنتا وعاشت بصفة رجل في تفكيرها وطريقة لباسها ألن أحدا ما أقنع والدها أن‬
‫الرجل الذي اليلد الرجال ليس برجل‪ ،‬عاشت مدة عشرين سنة منكسرة نفسيا بما تحمله من‬
‫ألم أكاذيب ونفاق وكذا انفصام في الشخصية بين الجسد الذكوري و األنثوي( تمزق‬
‫هويتها )‪ ،‬و في ليلة القدر الليلة الكبيرة ‪ ،‬ليلة إعادة الحساب ‪ ،‬قام األب بتقبيل يد ابنته‬
‫وسمح لها بالذهاب لتبحث عن حريتها بعدما طلب منها السماح وفي ذلك الحين وقته المنية‬
‫‪ ،‬وبعدها قررت زهراء تصحيح كل ما لقي عنها ‪ ،‬وتسترجع أنوثتها ‪ ،‬فزهراء حررت كما‬
‫يحرر العبيد في زمانهم‪ ،‬وظلت تمثل لمدة ثالثة أيام حتى انتهت الجنازة وبعدها هربت‬
‫لتنتقم لجميع النساء من االحتقار و الفحولة و التخلص من هذه السلطة الخانقة و العودة‬
‫لطبيعتها و تحمد هللا على نعمته ‪ ،‬قامت بجمع كل ماله عالقة بتلك العشرين سنة وقامت‬
‫بدفنه في قبر أبيها والخوق يعتريها مرددة‪:‬‬
‫كان هناك شيء يضغط على ضلوعي‬
‫كانت أربطة الثوب ال تزال حول صدري لكي تمنع من البروز والكبر‬
‫انتزعت بخنق ذلك التنكر الداخلي المكون من عدة أمتار من الثوب األبيض‬
‫بسطته ومررته حول عنق الميت ثم شددت بقوة‬
‫كنت أتخلص من حياة بأكملها من عهد خداع‪ ،‬من حقبة كبد‬
‫بيدي ورجلي كومت األغراض فوق الجذف ثم أهلت التراب ثم قلت فيما يشبه التحية‬
‫أوالخطاب‬
‫وداعا ‪ ،‬وداعا أيها المجد المختلق‬
‫لنا الحياة والروح عارية بيضاء بكر والجسد جديد رغم أن الكالم قديم‪.‬‬
‫بعد هذا الكالم كله تذكرت أمها التي لطالما أرادت منها الدعاء من أجل أن ال تموت قبل‬
‫زوجها لتتنفس مثل جميع النساء‪ ،‬لتجد حريتها‪ ،‬كي ال تتوفى و الحسرة في قلبها‪ ،‬بعدها‬
‫ابتعدت زهراء وحيدة‪ " ،‬صولو " و لم يبقى وراءها أثر‪ ،‬ذهبت لغابة وأحست كأنها أول‬
‫مرة تشعر بالحياة بعدها جاء رجل ال تعرفه ولم ترى وجهه وطرحها أرضا و اغتصبها‬
‫وكان أول رجل في حياتها ‪ ،‬ولم تعرف ماذا ستفعل‪ ،‬إذ ذهبت لالغتسال في مدينة أخرى‬
‫التي عاشت فيها قصة غريبة عجيبة مع القنصل(‪ :‬رجل أعمى ) ثاني رجل في حياتها و هو‬
‫األخ الصغير لطيابة الحمام‪ ،‬يوما بعد يوم استطاعت زهراء أن تتأقلم مع ذلك المنزل‬
‫الذي وجدت فيه نعمة النسيان ‪ ،‬تلك المرأة صعبة المنال أي أخت القنصل أرادت تزويج‬
‫زهراء لكن نشب صراع بين األخ واألخت ألن المرأة تتدخل فيما ال يعنيها‪ ،‬حيث أن‬
‫القنصل خاف على زهراء من أخته وأنه ال يستطيع العيش بدونها زهراء استغلت الفرصة‬
‫وحكت للقنصل قصتها منذ أن ازدادت إلى الختان إلى موت أبيها إلى هروبها‪ .....‬لكن كل‬
‫شيء حدث بسرعة البرق جاءت أخت القنصل وبدأت تشتم و تضرب في زهراء ظنا منها‬
‫أنها ستسرق لها أخاها وبعدها قامت زهراء بالدفاع عن نفسها مما أدى بها إلى حرق أخت‬
‫القنصل و دخلت للسجن لمدة خمسة عشر سنة ‪ ،‬شعرت في تلك المدة كأنها في منزل أبيها‬
‫بين أربعة جدران‪ ،‬وكل يوم جمعة كان يأتي القنصل لزيارتها‪ ،‬في الوقت الذي كانت تعتقد‬
‫فيه زهراء أنها وجدت سكينة تجد نفسها أمام كابوس‪ ،‬إذ جاءت األخوات الخمس للقضاء‬
‫على أختهم زهراء‪ ،‬وعندما جاء العفو ‪ ،‬خرجت زهراء من السجن ‪ ،‬لكن لم تجد من‬
‫ينتظرها وجدت نفسها وحيدة ‪ ،‬صولو ‪ ،‬ذهبت للجنوب إلى البحر متزينة الوجه‪ ،‬حافية‬
‫القدمين‪ ...‬في حين تذكرت رسالة القنصل‪:‬‬
‫أيتها الصديقة ال تقوى يداي اليوم على النظر إليك‬
‫أعرف أنهما سالبتان‪ ،‬إن ضميري يكبتني ألنني لم أكن في مستوى حماسك و جشاعتك‪،‬‬
‫فأنا محكوم علي أال أعرف الحماس أبدا لم أتقبل رحيلك وحبسك‪ ،‬وعليه منذ ذلك الوقت وأنا‬
‫ال أكف عن البحث عن مالذ ‪ ،‬عن مكان راحة أفكاري وجسدي المنهك ‪.‬‬
‫أعرف أن علي القيام بسفر العتمات بعيدا عن كل شيء في الصحراء‪ ،‬في الجنوب األقصى‬
‫افتتحت المسرحية بصوت المخرج وأيضا آخر صوت انتهت به فهو صوت المخرج‬
‫المسرحي محمد الحر‪ ،‬وذلك من أجل نقلها من فضاء الرواية لفضاء للمسرح‪.‬‬
‫هذا العرض يعالج قضية مجتمعية ‪ ،‬إذ يعتبر المرأة فضاء لطرح معاناتها جراء سلطة‬
‫المجتمع سواء في العائلة أو مع اآلخر الذي يرى أن المرأة عارا يجب وأده‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الشخصيات‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫تتعدد أدوار الشخصيات في النص المسرحي بتعدد األهواء والمذاهب واأليديولوجيات‬
‫والثقافات التي ليس لتنوعها وال اختالفها من حدود‪ ،‬فكل شخصية في حقيقتها ما هي إال‬
‫أفكار ومعتقدات‪ ،‬هذه األفكار التي قد تجد أفكارا تماثلها‪ ،‬فينتج عنه نوع من التوافق‪ ،‬أو تجد‬
‫أفكارا أخرى تخالفها‪ ،‬فيحدث الصراع بين الشخصيات‪ ،‬هذا الصراع الذي يعتبر المحرك‬
‫األساس لألحداث المسرحية ‪ ،‬حيث يعتبر جسد الممثل عالمة دالة على أحاسيس ومشاعره‬
‫فهو يتخد وسيلة إليصال الرسالة المرجوة من العرض إلى المتلقي وهذا الحظناه مع زهرة‬
‫فالممثل في هذا العرض مفردة أساسية فالممثلون الثالثة "هاجر الحاميدي"بدور الزهرة‬
‫وأمال بن حدو بدور األم والجالسة والسجانة وأخوات الزهرة الستة‪،‬وسعيد هراسي بدور‬
‫األب وشخصية القنصل الذين قاموا بأدوارهم أمامنا لم يكونوا سوى شخصيات حقيقية تنمو‬
‫وتتبلور من خالل تشخيصهم للواقع االجتماعي المعيش والمتخيل في ان واحد‪.‬شخصيات‬
‫على الرغم من خضوعها لرؤية المخرج وحساباته الدقيقة في رسم رؤيته اإلخراجية كانوا‬
‫أحرار كممثلين ‪.‬التمثيل بالنسبة لهم بمثابة رغبة ‪،‬ومشيئة وحاجة وهذا مالمسناه منذ لوهلة‬
‫األولى للعرض‪.‬عندما كانت زهرة تقوم ببوح القصة لحظنا األضواء تتلون عبر الخشبة‬
‫"كتلون الحرباء" فاإلضاءات قامت بنحت الفضاء بالمربعات الضوئية‬
‫والدائرية‪،‬والمستطيلة والبقع العازلة أحيانا ‪ .......‬لهذا يمكن القول أن اإلضاءة تصاحب‬
‫العرض الذي يوفر للعرض متطلباته التقنية والفنية وهذا طبعا يساهم في تحقيق الجمالية في‬
‫المسرحية‪ .‬فكل شخصية ترتدي لباس معينا عن الطبيعة االجتماعية التي ينتمي إليها‪.‬فلباس‬
‫مثال زهرة أو السجانة يأخد لون الظلمة والمجهول ويدل كذلك على القوة وهو األسود الذي‬
‫يطغى على اللباس بكامله ‪،‬كما أنه يشير إلى الموت والحزن ‪،‬فاألسود يمتص الضوء‬
‫واليعده إنه يستحضر قبل كل شئ الظلمات األرضية والغم والحزن‪ .‬المسرحية جسدت على‬
‫خشبة العرض (اليمين واليسار) فعلى اليسار "دمية" مبثورة غير كاملة ترمز لإلبن الذي‬
‫ينتظره األب فهي صورة ذهنية في الالوعي المجتمع الذكوري الذي يميل لذكر قبل أن‬
‫يأتي‪ ،‬أما على اليمين تنتصب طاولة بمقاييس مختلفة‪ ،‬ذات سطح ضيق وعالية شيئا ما‪،‬‬
‫توحي إلى مكان البوح‪ ،‬فهذه األبعاد لها دالالت وترمز إلى الحيز الضيق الذي يخص المرأة‬
‫داخل مجتمع يحكمه الرجال‪ .‬فوق هذه الطاولة نجد زهرة بيضاء في إناء من زجاج‪ ،‬يرمز‬
‫إلى الذات األنثوية‪ ،‬هذه الذات الذي اقتحمها الرجل الذي اغتصبها وسكب فيها مائه بكل‬
‫وحشية‪ ،‬إنه نفس اإلناء الذي تأخذه زهر بيديها وتسلمه للقنصل ليضع فيه ماء أبيض في‬
‫إشارة الغتصاب آخر‪ ،‬وهي الوردة نفسها التي تأخذها أخت زهرة تقص أوراقها ورقة‬
‫ورقة‪ ،‬في رمزية العتداء آخر من طرف المجتمع‪ .‬ومن خالل مالحظتنا للمسرحية نجد أن‬
‫هنالك فضائين هما "الحمام" و"الزاوية" على اعتبار أن األول مكان يُحرر فيه اإلنسان‬
‫الجسد من الثياب أما الثاني فيُحرر فيه اإلنسان الروح من الجسد‪ ،‬وبالتالي فهما مكانان‬
‫للتحرر و اإلنعتاق‪ ،‬تحرر الجسد و الروح‪" .‬الزاوية" لها داللة بفضاء صوفي‪ ،‬يمثل‬
‫االعتزال والزهد عن الدنيا للتفرغ للعبادة‪ ،‬فهو الفضاء الذي يتحرر فيه الزاهد من جسمه‬
‫ليصبح في عوالم الروح باحثا عن التحرر‪ .‬وبالحديث عن الديكور الثابت يحضر الجدار أو‬
‫الجدارين بمعناه الدال على االنغالق والسجن والحصار بعدها يتحول هذين الجدارين فيما‬
‫بعد إلى زقاق ضيق‪ ،‬فهو إيحاء إلى أن الفضاء العام أصبح ضيقا ً على النساء ال يتسع إال‬
‫للرجال‪ ،‬فهو إشارة أيضا إلى معاناة المرأة من نظرة الرجل في المجتمع‪ ،‬ويسترسل البناء‬
‫الدرامي ليشكل الجدارين سجنا منفردا تقبع فيه زهرة وتئن تحت ألم الوحدة والعزلة‪ ،‬فهو‬
‫امتداد لسجن كبير تعيشه المرأة في المجتمعات العربية‪ ،‬يبدأ بالبيت‪/‬الزاوية‪ ،‬ثم المجتمع‪،‬‬
‫لينتهي بسجن حقيقي‪ ،‬هو في عمقه سجن داخلي يعش في نفسية المرأة و يجعل منها كائنا‬
‫منعزال وحيدا بدون هوية‪.‬‬

‫هذا العرض جعل منا شاهدين مثل السيدة زهراء‬


‫نالحظ ارتداء األب للون األبيض رغمما قام به من عنف تجاه ابنته زهراء على غرار‬
‫زهراء طوال المسرحية وهي ترتدي األسود‬

You might also like