You are on page 1of 7

‫حكم السعي بين الصفا والمروة‬

‫سعي لغةً‪ :‬المش ُي‪ ،‬وال َع ْد ُو ِمن ِ‬


‫غير َش ٍّد‬ ‫‪ -1‬ال َّ‬
‫ت شيًئا؛ وقيل‪:‬‬ ‫الح َج ُ*ر الص َّْل ُد الض َّْخم الذي ال يُ ْنبِ ُ‬
‫صفا لغةً‪ :‬جم ُع صفا ٍة‪ ،‬وهي َ‬ ‫‪ -2‬ال َّ‬
‫هي الصَّخرةُ الملسا ُء‬
‫َّعي‪ ،‬ويقع في‬ ‫س‪ ،‬ومنه ابتدا ُء الس ِ‬ ‫جبل أبي قُبَي ٍ‬ ‫مكان مرتفِ ٌع ِمن ِ‬ ‫اصطالحا‪ٌ  :‬‬ ‫ً‬ ‫صفا‬
‫ال َّ‬
‫طَ َرف المسعى الجنوب ِّي‬
‫‪ -3‬المروة لغةً‪ :‬حجارةٌ بِيضٌ برَّاقةٌ‪ ،‬والجم ُع َمرْ ٌو‬
‫أصل جبل قُ َع ْيقِعان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّعي‪ ،‬وهو في‬ ‫اصطالحا‪ :‬جب ٌل بم َّكة‪ ،‬وإليه انتها ُء الس ِ‬ ‫ً‬ ‫المروة‬
‫ف المسعى ال َّشمالي‬ ‫ويق ُع في طَ َر ِ‬
‫ط ُع المساف ِة الكائن ِة بين الصَّفا والمرو ِة‪،‬‬ ‫اصطالحا‪ :‬هو قَ ْ‬
‫ً‬ ‫صفا والمروة‬ ‫س ْع ُي بين ال َّ‬ ‫ال َّ‬
‫ُك حجٍّ أو ُع ْمر ٍة‪.‬‬ ‫ت في نُس ِ‬ ‫سب َع مرَّا ٍ‬
‫س ْع ِي‬‫أص ُل ال َّ‬
‫هاجر عليها السَّال ُم‪ ،‬عندما ت َر َكها إبراهي ُم مع‬ ‫َ‬ ‫ْي هو سع ُي‬ ‫أص ُل مشروعيَّ ِة ال َّسع ِ‬
‫ب‪ *،‬وبدأت تش ُع ُر‬ ‫طعام وشرا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إسماعيل عليهما السالم بم َّكة‪ ،‬ونَفِ َد ما معها من‬ ‫َ‬ ‫ابنِ ِهما‬
‫ت طلبًا للما ِء؛* يقول ُ‬
‫ابن‬ ‫ت بين الصَّفا* والمرو ِة َس ْب َع مرَّا ٍ‬ ‫بالعطش؛ ف َس َع ْ‬
‫ِ‬ ‫هي وابنُها‬
‫إسماعيل وتَ ْش َربُ من ذلك الما ِء‪ ،‬حتى إذا نَفِد‬ ‫َ‬ ‫إسماعيل تُرْ ِ‬
‫ض ُع‬ ‫َ‬ ‫ت أ ُّم‬ ‫س‪ :‬وجعلَ ْ‬ ‫عبَّا ٍ‬
‫ش ابنُها‪ ،‬وجعلت تنظ ُر إليه يتلوى‪ -‬أو قال‪ :‬يتلبَّطُ‪-‬‬ ‫ما في السِّقا ِء َع ِط َشت و َع ِط َ‬
‫األرض يليها‪ ،‬فقامت‬ ‫ِ‬ ‫جبل في‬ ‫أقرب ٍ‬ ‫َ‬ ‫فانطلقت كراهيةَ أن تنظُ َر إليه‪َ ،‬‬
‫فوج َدت الصَّفا‬
‫ي تنظُرُ‪ :‬هل ترى أحدًا؟‪ ،‬فلم تَ َر أحدًا‪ ،‬فهَبَطَت ِم َن الصَّفا‬ ‫ت الواد َ‬ ‫عليه‪ ،‬ثم استقبلَ ِ‬
‫اإلنسان المجهو ِد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ف ِدرْ ِعها‪ ،‬ثم سعت َسع َ‬
‫ْي‬ ‫الوادي‪ ،‬رفعت طَ َر َ‬ ‫َ‬ ‫حتى إذا بل َغ ِ‬
‫ت‬
‫الوادي‪ ،‬ثم أتت المروةَ‪ ،‬فقامت عليها‪ ،‬ونظَ َرت هل ترى أحدًا؟‬ ‫َ‬ ‫حتى إذا جاوزت‬
‫النبي‬
‫ُّ‬ ‫ض َي هللاُ عنهما‪ :‬قال‬ ‫س َر ِ‬ ‫ابن عبَّا ٍ‬ ‫ت‪ ،‬قال ُ‬ ‫فلم تَ َر أحدًا‪ ،‬ففعلت ذلك س ْب َع مرَّا ٍ‬
‫اس بينهما‪))  ‬‬ ‫صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‪(( ‬فذلك َس ْع ُي النَّ ِ‬
‫س ْع ِي‬‫ِح ْك َمةُ ال َّ‬
‫إسماعيل عليهم‬
‫َ‬ ‫وجتِه هاج َر وابنِ ِهما‬ ‫وز َ‬ ‫‪ُ -1‬ش ِر َع السَّع ُي؛ إحيا ًء لذكرى إبراهي َم َ‬
‫امتثال أ ْم ِر هللاِ تعالى‪ ،‬والمبا َدر ِة إليه‪ ،‬فيكون التذ ُّك ُر‬ ‫ِ‬ ‫السال ُم‪ ،‬وما كانوا عليه ِم ِن‬
‫باعثًا على ِم ْث ِل ذلك‪ ،‬و ُمقَرِّ رًا في النُّفوس تعظي َمهم‬
‫ورازقِه كحا َج ِة وفَ ْق ِر تلك المرأ ِة في‬ ‫ِ‬ ‫بأن حا َجتَه وفَ ْق َره إلى خالِقِه‬ ‫‪ -2‬استشعا ُر العب ِد َّ‬
‫أن َمن كان يطي ُع‬ ‫ورازقِها‪ ،‬وليت َذ َّكر َّ‬ ‫ِ‬ ‫العظيم إلى خالِقِها‬
‫ِ‬ ‫ب‬‫ِّق‪ ،‬والكر ِ‬ ‫ضي ِ‬ ‫ت ال َّ‬ ‫ذلك الوق ِ‬
‫ضيِّعُه‪ ،‬وال يُ َخيِّبُ دعا َءه‪.‬‬ ‫هللاَ‪ -‬كإبراهي َم عليه وعلى نبيِّنا الصَّالةُ والسال ُم‪ -‬ال يُ َ‬
‫تحرير محل النزاع‪:‬‬
‫ع في الحجِّ وال ُع ْمرة‬ ‫السَّع ُي بين الصَّفا والمروة مشرو ٌ‬
‫األ ِدلَّة‪:‬‬
‫صفَا َو ْال َمرْ َوةَ ِمن َش َعاِئ ِر هَّللا ِ فَ َم ْن َح َّج ْالبَي َ‬
‫ْت‬ ‫أ َّواًل ‪ِ :‬م َن ال ِكتاب‪ :‬قَولُه تعالى‪ِ (( :‬إ َّن ال َّ‬
‫ف بِ ِه َما))‪[ ‬البقرة‪ ]158 :‬‬ ‫اح َعلَ ْي ِه َأن يَطَّ َّو َ‬ ‫َأ ِو ا ْعتَ َم َر فَاَل ُجنَ َ‬
‫سنَّ ِة‬ ‫ثانيًا‪ِ :‬م َن ال ُّ‬
‫ض َي هللاُ عنها قالت‪(( :‬طاف رسو ُل هللا صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‬ ‫‪ -1‬عن عائشةَ َر ِ‬
‫وطاف المسلمون‪ ،‬فكانت ُسنَّةً)) رواه مسلم‬
‫رسول هللاِ صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‬ ‫َ‬ ‫ض َي هللاُ عنهما قال‪(( :‬رأينا‬ ‫ابن ُع َم َر َر ِ‬ ‫‪ -2‬و َع ِن ِ‬
‫ت‪ ،‬وسعى بين الصَّفا والمرو ِة))‪ .‬رواه مسلم‬ ‫أحرم بالحجِّ‪ ،‬وطاف بالبي ِ‬
‫عي‬
‫س ِ‬‫ُح ْك ُم ال َّ‬
‫ُكن من أركا ِن الحجِّ وال ُع ْمر ِة‪ ،‬وهو‬ ‫القول األول‪ :‬ال َّس ْع ُي بين الصَّفا* والمروة ر ٌ‬
‫ف‬‫والحنابِلة‪ ،‬وهو قَ ْو ُل طاِئف ٍة ِم َن ال َّسلَ ِ‬ ‫َ‬ ‫هور ِم َن المالِكيَّة‪ ،‬وال َّشافعيَّة‪،‬‬ ‫َمذهَبُ ال ُج ْم ِ‬
‫األ ِدلَّة‪:‬‬
‫ب‪:‬‬ ‫أ َّواًل ِم َن ال ِكتا ِ‬
‫صفَا* َو ْال َمرْ َوةَ ِم ْن َش َعاِئ ِر هَّللا ِ‪[ ‬البقرة‪ ]158 :‬‬ ‫‪ ‬قولُه تعالى‪ِ :‬إ َّن ال َّ‬
‫َو ْجهُ الدَّالل ِة‪:‬‬
‫أن السَّع َي بينهما‬ ‫بأن الصَّفا* والمروةَ ِمن شعاِئ ِر هللا؛ يدلُّ على َّ‬ ‫تصريحه تعالى َّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫َّ‬
‫ك؛‬ ‫تكون شعيرةً‪ ،‬ثم ال تكون الزمةً في النُّ ُس ِ‬ ‫َ‬ ‫أم ٌر حت ٌم ال ب َّد منه؛ ألنَّه ال يمكن أن‬
‫وا اَل‬‫ين آ َمنُ ْ‬ ‫هاون بها‪ ،‬وقد قال تعالى‪ :‬يَاَأيُّهَا الَّ ِذ َ‬ ‫فإن شعائ َر هللاِ عظيمةٌ‪ ،‬ال يجوز التَّ ُ‬ ‫َّ‬
‫ك َو َمن يُ َعظِّ ْم َش َعاِئ َر هَّللا ِ فَِإنَّهَا ِم ْن‬ ‫وا َش َعاِئ َر هَّللا ِ‪ ‬اآلية‪[ ‬المائدة‪ ، ]2 :‬وقال‪َ  :‬ذلِ َ‬ ‫تُ ِحلُّ ْ‬
‫ب‪ ‬اآلية‪[ ‬الحج‪ ]32 :‬‬ ‫تَ ْق َوى ْالقُلُو ِ‬
‫سنَّ ِة‬ ‫ثانيًا‪ِ :‬م َن ال ُّ‬
‫بيان لنصٍّ مج َم ٍل في‬ ‫النبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم بين الصَّفا* والمرو ِة؛ ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫واف‬ ‫أن طَ َ‬ ‫‪َّ -1‬‬
‫صفَا َو ْال َمرْ َوةَ ِم ْن َش َعاِئ ِر هَّللا ِ‪[ ‬البقرة‪ ، ]158 :‬وقد‬ ‫ب هللا‪ ،‬وهو قولُه تعالى‪ِ :‬إ َّن ال َّ‬ ‫كتا ِ‬
‫ص ِع َد إلى الصَّفا‪ *،‬وقال‪(( :‬أبدأ بما بدأ هللاُ به‪ ))  ‬وقد‬ ‫قرَأها عليه الصَّالةُ والسَّال ُم لَ َّما َ‬ ‫َ‬
‫النبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‪ ،‬إذا كان لبيا ِن نصٍّ ُمج َم ٍل من‬ ‫ِّ‬ ‫عل‬
‫أن فِ َ‬ ‫األصول َّ‬ ‫ِ‬ ‫تقر ََّر في‬
‫الفعل يكون الز ًما‬ ‫َ‬ ‫فإن ذلك‬ ‫ب هللا؛ َّ‬ ‫كتا ِ‬
‫ي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم قال‪(( :‬لِتَأ ُخ ُذوا‬ ‫أن النب َّ‬ ‫ض َي هللاُ عنه َّ‬ ‫جابر َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -2‬عن‬
‫مناس َككم)) رواه مسلم ‪ ،‬وقد طاف بين الصَّفا* والمرو ِة سبعًا‪ ،‬فيَ ْل َز ُمنا أن نأ ُخ َذ عنه‬ ‫ِ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫بي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم أنَّه قال‪(( :‬ا ْس َع ْوا؛‬ ‫ت أبي تِجْ راةَ‪َ ،‬ع ِن النَّ ِّ‬ ‫‪ -3‬عن حبيبةَ بن ِ‬
‫َّعي)) رواه أحمد (‪ ،)27408‬وابن خزيمة (‪،)2764‬‬ ‫فإن هللاَ كتب عليكم الس َ‬ ‫َّ‬
‫والطبراني (‪ ،)572( )24/225‬والحاكم (‪ )6943‬قال الشافعي كما في‬
‫ابن َع ْب ِد البَ ِّر في ((التمهيد)) (‬ ‫((االستذكار)) (‪ :)3/519‬إسناده ومعناه جيد‪ ،‬وقال ُ‬
‫‪ :)2/101‬صحيح اإلسناد والمتن‪ ،‬وحس ََّن إسنا َده النووي في ((المجموع)) (‬
‫‪ ،)8/78‬وصحَّحه األلباني في ((صحيح ابن خزيمة))‬
‫رسول هللا صلَّى هللاُ عليه‬ ‫ِ‬ ‫ت على‬ ‫ض َي هللاُ عنه قال‪(( :‬ق ِد ْم ُ‬ ‫‪ -4‬عن أبي موسى َر ِ‬
‫ت؟ قال‪:‬‬ ‫ت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬ب َم أهلَ ْل َ‬ ‫فقل ُ‬‫ت؟* ْ‬ ‫وسلَّم وهو ُمني ٌخ بالبطحا ِء‪ ،‬فقال لي‪ :‬أح َججْ َ‬
‫ف‬‫ت‪ ،‬طُ ْ‬ ‫النبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‪ ،‬فقال‪ :‬فقد أح َس ْن َ‬ ‫ِّ‬ ‫كإهالل‬
‫ِ‬ ‫بإهالل‬
‫ٍ‬ ‫قلت‪ :‬لبَّي َ‬
‫ْك‬ ‫ُ‬
‫ت وبالصَّفا والمرو ِة)) رواه البخاري (‪ ،)1795‬ومسلم (‪ )1221‬واللفظ له‬ ‫بالبي ِ‬
‫ٌ‬
‫صارف له‬ ‫ت‬
‫ب‪ ،‬ولم يأ ِ‬ ‫فهذا أم ٌر صري ٌح د َّل على الوجو ِ‬
‫ك‬‫ك طوافُ ِ‬ ‫ض َي هللاُ عنها‪(( :‬يُجْ ِزُئ عن ِ‬ ‫النبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم لعائشةَ َر ِ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -5‬قو ُل‬
‫ك))‪ .‬رواه مسلم‬ ‫جِّك و ُع ْم َرتِ ِ‬ ‫بين الصَّفا والمرو ِة‪ ،‬عن َح ِ‬
‫َو ْجهُ الدَّالل ِة‪:‬‬
‫ف بينهما لم يحصُلْ لها إجزا ٌء عن َحجِّ ها‬ ‫ث أنَّها لو لم تَطُ ْ‬ ‫أنَّه يُفهَم ِم َن الحدي ِ‬
‫و ُع ْم َرتِها‬
‫ثالثًا‪ِ :‬م َن اآلثا ِر‬
‫ف‬ ‫ض َي هللاُ عنها قالت‪(( :‬ما أت َّم هللاُ َح َّج امرٍئ وال ُع ْم َرتَه‪ ،‬لم يَطُ ْ‬ ‫‪ -1‬عن عائشةَ َر ِ‬
‫بين الصَّفا والمرو ِة))‪ .‬رواه البخاري (‪ ،)1790‬ومسلم‬
‫النبي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‪(( :‬ما أرى على‬ ‫ِّ‬ ‫قلت لعائشةَ َز ْو ِ‬
‫ج‬ ‫‪ -2‬عن ُعروةَ قال‪ُ :‬‬
‫س ما‬ ‫أطوف بينهما‪ ،‬قالت‪ :‬بِْئ َ‬ ‫َ‬ ‫ف بين الصَّفا والمرو ِة شيًئا‪ ،‬وما أبالي أاَّل‬ ‫أح ٍد لم يَطُ ْ‬
‫المسلمون؛ فكانت‬ ‫َ‬ ‫ابن ُأ ْختي! طاف رسو ُل هللاِ صلَّى هللاُ عليه وسلَّم‪ ،‬وطاف‬ ‫قلت‪ *،‬يا َ‬ ‫َ‬
‫يطوفون بين الصَّفا*‬ ‫َ‬ ‫ُسنَّةً‪ ،‬وإنَّما كان َمن أه َّل لِ َمناةَ الطَّاغي ِة‪ ،‬التي ْ‬
‫بال ُم َشلَّ ِل‪ ،‬ال‬
‫ي صلَّى هللاُ عليه وسلَّم عن ذلك؟ فأنزل هللاُ ع َّز‬ ‫والمروة‪ ،‬فل َّما كان اإلسال ُم َسَأ ْلنا النب َّ‬
‫ْت َأ ِو ا ْعتَ َم َر فَاَل ُجنَا َح َعلَ ْي ِه َأن‬
‫صفَا َو ْال َمرْ َوةَ ِمن َش َعاِئ ِر هَّللا ِ فَ َم ْن َح َّج ْالبَي َ‬ ‫وجلَّ‪ِ :‬إ َّن ال َّ‬ ‫َ‬
‫أن ال‬ ‫ف ِب ِه َما‪[ ‬البقرة‪  ]158 :‬ولو كانت كما تقولُ‪ ،‬لكانت‪ :‬فال جُنا َح عليه ْ‬ ‫يَطَّ َّو َ‬
‫ف بهما)) رواه البخاري (‪ ،)1643‬ومسلم (‪ )1277‬واللفظ له‪.‬‬ ‫يَطَّ َّو َ‬
‫ث‪(( :‬فل َّما سألوا‬ ‫الحديث بنَحْ ِوه‪ ،‬وقال في الحدي ِ‬ ‫َ‬ ‫سألت عائشةَ‪ ،‬وساق‬ ‫ُ‬ ‫وفي رواي ٍة‪:‬‬
‫نتح َّر ُج أن‬ ‫رسول هللا‪ ،‬إنَّا كنَّا َ‬ ‫َ‬ ‫رسول هللاِ صلَّى هللاُ عليه وسلَّم عن ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫َ‬
‫صفَا* َو ْال َمرْ َوةَ ِمن َش َعاِئ ِر هَّللا ِ فَ َم ْن‬ ‫وف بالصَّفا والمرو ِة؛ فأنزل هللاُ َع َّز َ‬
‫وجلَّ‪ِ :‬إ َّن ال َّ‬ ‫نَطُ َ‬
‫ف بِ ِه َما‪[ ‬البقرة‪ ، ]158 :‬قالت عائشةُ‪:‬‬ ‫اح َعلَ ْي ِه َأن يَطَّ َّو َ‬
‫ْت َأ ِو ا ْعتَ َم َر فَاَل ُجنَ َ‬‫َح َّج ْالبَي َ‬
‫ك‬ ‫سن رسو ُل هللاِ صلَّى هللاُ عليه وسلَّم الطَّ َ‬
‫واف بينهما؛ فليس ألح ٍد أن يَ ْت ُر َ‬ ‫قد َّ‬
‫واف بهما)) رواه مسلم‪.‬‬ ‫الطَّ َ‬
‫ك في الحجِّ وال ُع ْمرة‪ ،‬فكان رُكنًا فيهما كالطَّ ِ‬
‫واف بالبيت‬ ‫راب ًعا‪ :‬أنَّه نُ ُس ٌ‬
‫القول الثاني‪:‬واجب يجبر بدم‪:‬‬
‫وهو قول الحنفية والثوري ورواية عن أحمد وجماعة‪.‬‬
‫وهؤالء على ثالثة طرق‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬واجب يجبر بتركه الدم بإطالق‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬إيجابه على العامد دون الناسي‪ ،‬وبه قال الثوري وعطاء في‬
‫إحدى الروايتين عنه‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬طريقة الحنفية وهي التفصيل فيما إذا ترك بعض السعي أو تركه‬
‫كله كقولهم في الطواف‪ ،‬فإذا ترك أربعة أشواط فأكثر لزمه دم‪ ،‬وإن ترك أقل من‬
‫ذلك لزمه لكل شوط نصف صاع‪.‬‬
‫عمدة الوجوب‪:‬‬
‫أن دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب ال على كونه ال يتم الحج إال به‪.‬‬

‫عمدة الحنفية في إيجاب الدم على ترك أكثر من أربعة أشواط‪ ،‬ونصف صاع لكل‬
‫شوط إذا ترك أقل من ذلك‪:‬‬
‫األصل عندهم أن كل ما وجب في جميعه دم يجب في أكثره دم‪ ،‬وفي أقله صدقة‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬سنة‪:‬‬
‫وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين كابن مسعود وابن عباس ابن الزبير وأبي‬
‫بن كعب وأنس‪ ،‬وابن سيرين‪ ،‬وعطاء في الرواية األخرى عنه‪.‬‬
‫عمدة االستحباب‪:‬‬
‫اح َعلَ ْي ِه َأ ْن‬
‫ْت َأ ِو ا ْعتَ َم َر فَال ُجنَ َ‬
‫صفَا َو ْال َمرْ َوةَ ِم ْن َش َعاِئ ِر هَّللا ِ فَ َم ْن َح َّج ْالبَي َ‬
‫‪ِ{-1‬إ َّن ال َّ‬
‫ف ِب ِه َما}‬‫يَطَّ َّو َ‬
‫وقد كان ابن مسعود وأنس وابن عباس وأبي يقرؤون (أن ال يطوف بهما) وهو ما‬
‫في مصحف ابن مسعود‪ ،‬وهو وإن لم يكن قرآنا ً فال ينحط عن رتبة الخبر‪.‬‬
‫وهي قراءة شاذة؛ والقراءة الشاذة هي كل قراءة اختل فيها أحد أركان القراءة‬
‫الصحيحة(اإلبانة لمكي بن أبي طالب ص ‪)39‬‬
‫ويدخل تحت مصطلح الشذوذ أنواع من القراءات* منها‬
‫اآلحاد ‪:‬وهي ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية ‪.‬وهي القراءة المعنية هنا‬
‫وجه الداللة أن هللا رفع الجناح عمن طاف بهما ورفع الجناح* هو درجة المباح وهو‬
‫ما تساوى طرفاه وقوله( ومن تطوع) يدل على ان السعي تطوع وليس بفرض‬
‫وعلى القراءة األخرى يكون المعنى‪ :‬نفي الحرج* عن فاعله دليل على عدم‬
‫وجوبه‪ ،‬فإن هذا رتبة المباح‪ *،‬وإنما ثبت سنيته بقوله‪{ :‬من شعائر هللا}‬

‫القول الرابع‪ :‬التفريق بين الحج والعمرة‪ ،‬فالسعي ركن في العمرة‪ ،‬مختلفٌ فيه‬
‫في الحج‪:‬‬
‫وقد ادعى ابن العربي اإلجماع على ركنيته في العمرة وأن الخالف فيه إنما هو في‬
‫الحج‪ ،‬واستغربه الحافظ ابن حجر‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫أوال مناقشة أدلة القول بالركنية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن كون‪ ‬الصفا والمروة من شعائر هللا اليعني وجوب السعي بينهما ولكن بهذه‬
‫اآلية ثبتت سنية‪ ‬الطواف بهما ومشروعية السعي كما قال تعالى(والبدن جعلناها‬
‫لكم من شعائر هللا)مع‪ ‬أنها التجب على كل حاج وإنما يفيد قوله(من شعائر‬
‫هللا)أنها سنة‬
‫‪-2‬حديث بنت أبي‪ ‬تجراة له ست طرق وهو ضعيف من كل طرقه ومداره على‬
‫عبدهللا بن المؤمل وهو ضعيف‪ ‬وزيادة(اسعوا فإن هللا كتب عليكم السعي)التثبت‬
‫وهذا الحديث هو عمدة اإلمام الشافعي‪ ‬في القول بركنية السعي‬
‫جاء في طرح التثريب للحافظ العراقي‪:‬‬
‫قال ابن المنذر في‪ ‬اإلشراف ‪:‬إن ثبت حديث بنت أبي تجراة وجب فرض السعي‬
‫وإن لم يثبت فالأعلم داللة توجبه‪ ‬والذي رواه عبدهللا بن المؤمل وقدتكلموا فيه)‬
‫وقال النووي في المجموع شرح المهذب‪( ‬قال الشافعي‪< ‬وإال فهو تطوع>‬
‫‪-3‬حديث (خذوا عني مناسككم)المناسك فيها ماهو‪ ‬سنة وفيها ماهو واجب وفيها‬
‫ماهو ركن وهذا الحديث عام وله صارف يصرفه عن الوجوب على‪ ‬أن قوله(خذوا‬
‫عني)قال السندي (معناه تعلموا وليس هو دليل على الوجوب)‬
‫فالحديث‪ ‬غير صريح بالوجوب وال الركنية من ناحيتين‬
‫األولى من ناحية قوله(خذوا عني)‬
‫فإن‪ ‬معناها تعلموا واحفظوا كماجاءت في حديث آخر‬
‫في صحيح مسلم عن النبي صلى هللا عليه‪ ‬وسلم انه قال (خذوا عني ‪ ،‬خذوا‬
‫عني ‪ ،‬قد جعل هللا لهن سبيال البكر بالبكر جلد مائة‪ ‬وتغريب عام‪ ،‬والثيب بالثيب‬
‫والرجم‪). ‬‬
‫وكذلك دائما يقال أخذ فالن العلم عن‪ ‬فالن‬
‫والناحية األخرى من الحديث(مناسككم)فالمناسك فيها الركن والواجب‬
‫والسنة‪  ‬فإما أن نوجب كل مافعل النبي صلى هللا عليه وسلم ونحتج بهذا الحديث‬
‫وإما أن نجعل‪ ‬معناه كما قال السندي تعلموا واليدل على الوجوب‪.‬‬
‫‪-4‬الجواب عن حديث عائشة رضي‪ ‬هللا عنها‬
‫أ‪-‬قولها معارض بأقوال الصحابة اآلخرين ابن عباس وابن مسعود وأنس‬
‫بن‪ ‬مالك وعبدهللا بن الزبيروأبي بن كعب‬
‫ب‪-‬الرواة عنها اختلفت ألفاظهم وروي الحديث‪ ‬عنها من أربع طرق دون زيادة‬
‫قول عائشة المذكور((ماأتم هللا حج امرئ والعمرته لم يطف‪ ‬بين الصفا‬
‫والمروة)) ومن الذين رووه بدون الزيادة مالك بن انس وسفيان بن عيينة‬
‫وقد‪ ‬قام بهما من التزكية مالم يقم برواة الزيادة‬
‫ج‪-‬أن بقية الرواة الذين ذكروا‪ ‬الزيادة اختلفت ألفاظهم بماتختلف به الداللة من‬
‫ركن إلى واجب إلى سنة‪.‬‬
‫واأللفاظ‪ ‬التي وردت مختلفة في الروايات هي‪:‬‬
‫(ماأتم هللا حج امرئ والعمرته لم يطف بين‪ ‬الصفا والمروة)وهي تدل على‬
‫الوجوب‬
‫و (لعمري ماحج من لم يسع بين الصفا)وهذه تدل‪ ‬على الركنية‬
‫و (فليس ينبغي ألحد أن يدع الطواف بينهما)وهذه تدل على السنية‬
‫كل‪ ‬هذه األلفاظ رويت عن عائشة رضي هللا عنها‬
‫د‪-‬أن عائشة رضي هللا عنها قالت(لو كانت‪ ‬على ما أولتها عليه كانت‪ :‬فال جناح‬
‫عليه أال يطوف بهما)‬
‫وهذا يدل أنها لم تعلم‪ ‬بالقراءة األخرى‪ ,‬وفهمها وقولها هذا يؤيد فهم من قال‬
‫بمضمون القراءة‪ ‬األخرى‬
‫هـ‪-‬أن أنس بن مالك كان يعرف القصة التي أوردتها عائشة ومع ذلك لم‬
‫يقل‪ ‬بقولها بل قال بأن السعي تطوع‬
‫‪-5‬حديث(ابدأوا بمابدأ هللا به)يعرفه ابن عباس ولم‪ ‬يفهم منه الوجوب والالركنية‬
‫بل هو واضح أنه في تعليم السعي وفيه األخذ بظاهر‪ ‬اآلية‬
‫ثانيا‪ :‬مناقشة أدلة القائلين بالوجوب‬
‫كل‪ ‬األحاديث المذكورة وغيرها لها صارف عن الوجوب إلى االستحباب‬
‫ثالثا‪ :‬مناقشة أدلة القائلين بالسنية‪:‬‬
‫اعتراضات‪ ‬على القول بالسنية‪:‬‬
‫‪ -1‬االعتراض األول‪ :‬أن هذا القول مهجور ولم يقل به إال القليل‪.‬‬
‫االعتراض الثاني‪:‬قالوا أن القراءة الشاذة معارضة للمتواترة وحينئذ اليحتج بها‪.‬‬
‫أن الالم زائدة وليست نافية ‪ .‬في قوله(أن اليطوف) وبهذا يكون معنى هذه القراءة‬
‫مثل معنى القراءة المتواترة‬

You might also like