Professional Documents
Culture Documents
الموضوعية والذاتية في البحوث العلمية
الموضوعية والذاتية في البحوث العلمية
تمهــــــــيد:
اس تحوذت قض يتي الذاتي ة والموض وعية على اهتم ام فالس فة العلم عام ة ،والمنظ رين وعلم اء
المن اهج ،وه ذا راج ع إلى طبيع ة الظ واهر (االجتماعي ة واإلنس انية) ،فمنهم من ع الج الموض وعية
باعتبارها مقابل ة بش كل متع ارض م ع الذاتي ة ،وذل ك ألن الموض وعية تق وم على الوق ائع ال تي تقب ل
المالحظة الموض وعية للس لوك الظ اهر؛ في حين الذاتي ة تق وم على االس تيطان ،وذل ك م ا أش ار إلي ه
"جونار ميردال" بالتعارض القائم بين ما هو فردي وبين ما هو عام ومتكرر.
كم ا اتج ه البعض في معالجت ه لمش كلة الذاتي ة والموض وعية لرس م مع الم اس تراتيجية منهجية لتحقي ق
الموضوعية.
-1الموضــوعية :لق د كثر الح ديث عن الموض وعية ،ف إذا ك انت تع ني بالنس بة إلى بعض األش خاص
الحي اد؛ فبالنس بة إلى آخ رين فإنه ا تع نى االبتع اد عن المص الح الذاتي ة ،فالموض وعية إذن ع ادة مرادف ة
لعدم التحيز إلى رأي أو إلى موقف ما؛ فهي بصفة أخص ،ميزة كل ما يصف شيء أو ظاهرة بصدق؛
أي كل ما يمنح تمثيال مطابقا للواقع؛ فالموضوعية بمثابة مثل أعلى يستحيل بلوغه ،وبالرغم من أننا
نطمح إلى وص ف ص ادق لم ا نش اهده أو نس معه؛ إال أن م ا ن راه أو نس معه يتم وف ق كيانن ا المتض من
للشعور واإلحساس واألحكام والتجارب والمعارف ،بما في ذلك العقل.
تع ني ك ذلك أن يتج رد الب احث من ك ل م ا من ش أنه أن يش وه الحقيقة العلمي ة المتوص ل إليه ا،
ك األهواء والميوالت الشخص ية أو الرغائب المادي ة ...ألن هدف البحث وغايته المرجوة هي الوصول
إلى الحقيقة ،ودور الباحث هنا هو أن يبرز لنا هذه الحقيقة والطرق التي توصل إليها من دون تحيز...
أو انتصار لمنفعة ذاتية.
-2الذاتية :حتى في العلم الذي يعتبر ميدانا للموضوعية ،يتدخل منذ البداية عنصر الذاتية ،لذلك على
الباحث أن يتجاوز أبعد ما يمكن أفكاره المسبقة ،واستعمال كل الوسائل الموجودة تحت تصرفه ،حتى
يتجنب التالعب أو الت دليس ال ذي يمكن أن تك ون النت ائج ال تي يطمح إلى بلوغه ا عرض ة ل ه ،وعلى
الباحث أن يروض ذاتيته ،ويجعل طاقته ومصلحته في خدمة مشروع البحث الجاري.
-3الموضوعية والذاتية (التفكير الموضوعي والتفكير الذاتي)
من أهم خص ائص المنهج العلمي أنه يتم يز بالموض وعية ،ويبتعد عن األفك ار الذاتية والعاطفية
والشخص ية ،فهو ال يعتمد على الش ائعات ،بل يس تند على الم داخل الموض وعية القائمة على التج ارب
الواقعية وذلك باالس تناد على الفلس فة الوض عية لأوغست ك ونت القائمة على الواقع والخ برة والرافضة
لكل التفسيرات الالهوتية والميتافيزيقية.
فمضمون الفلسفة الوضعية جعلها تنتقل إلى العلوم االجتماعية لتتخذ صورا عديدة تتفق مع نفس
اله دف ال ذي تسعى إليه العلوم الطبيعي ة ،أال وهو ص ياغة الق وانين ال تي تحكم وق وع الظواهر ،ومن ثم
ف إن ه ذا اله دف يتحقق بمنهج علمي واحد يطبق في كافة ف روع المعرفة بغض النظر عن الموض وع
الذي تناوله.
وفي هذا السياق العلمي للتفكير الموضوعي ،يذهب دوركايم إلى أنه على الباحث أن ينتقل من
األش ياء إلى المع اني ،وأن يالحظ جميع الظ واهر ال تي يدرس ها ح تى االجتماعية منها على أنها أش ياء،
وال يجوز له أن يصل إلى معرفة األشياء عن طريق اآلراء الشائعة.
إن الدراس ات اإلنس انية بحاجة إلى طريقة منهجية متم يزة في تحميل المعرف ة ،والمالحظ في
الدراسات اإلنسانية ،أننا ال نستطيع تجنب الذاتية ،فكان الموضوعية في الدراسات اإلنسانية لها معنى
محتد في جعل الوق ائع واض حة تتح دث عن نفس ها ،إال أن الوق ائع ال تي ندرس ها ونفس رها هي أفك ار
ومشاعر واتجاهات وميول تكشف عن نفسها في صور مختلفة ،وعلى الباحث في هذه المواقف االلتزام
بعلم تدخله شخصيا وعرضها من خالل تصور متحيز.
وإ ذا ك ان ج وهر المنهج العلمي يتمثل في االرتب اط الوثيق بين النظري ات والخ برات الواقعي ة،
وأن المالحظة والتجربة يق دمان الش واهد ال تي على أساس ها تقبل الف روض والتعميم ات أو يتم رفض ها،
فإننا نع ترف ب أن الدراس ات اإلنس انية تس تخدم مختلف المن اهج العلمية للجعل من عملية الفهم للظ واهر
اإلنس انية واالجتماعية أداة للتفس ير ،ألن الفهم هو عملية معرفية فكرية تس تخدم في كل مراحل البحث
العلمي ،فالفهم كأداة ضروري في المالحظة وصياغة الفروض وتصنيف البيانات واستخالص النتائج
وتفس يرها ،ل ذلك فهو يلعب دورا أساس يا في تحديد الوق ائع ,في الدراس ات اإلنس انية ،ألنه يعمل على
تفسيرها.