You are on page 1of 2

‫املحاضرة السابعة‬

‫الموضوعية والذاتية في البحوث العلمية‬

‫تمهــــــــيد‪:‬‬
‫اس تحوذت قض يتي الذاتي ة والموض وعية على اهتم ام فالس فة العلم عام ة‪ ،‬والمنظ رين وعلم اء‬
‫المن اهج‪ ،‬وه ذا راج ع إلى طبيع ة الظ واهر (االجتماعي ة واإلنس انية)‪ ،‬فمنهم من ع الج الموض وعية‬
‫باعتبارها مقابل ة بش كل متع ارض م ع الذاتي ة‪ ،‬وذل ك ألن الموض وعية تق وم على الوق ائع ال تي تقب ل‬
‫المالحظة الموض وعية للس لوك الظ اهر؛ في حين الذاتي ة تق وم على االس تيطان‪ ،‬وذل ك م ا أش ار إلي ه‬
‫"جونار ميردال" بالتعارض القائم بين ما هو فردي وبين ما هو عام ومتكرر‪.‬‬
‫كم ا اتج ه البعض في معالجت ه لمش كلة الذاتي ة والموض وعية لرس م مع الم اس تراتيجية منهجية لتحقي ق‬
‫الموضوعية‪.‬‬
‫‪ -1‬الموضــوعية‪ :‬لق د كثر الح ديث عن الموض وعية‪ ،‬ف إذا ك انت تع ني بالنس بة إلى بعض األش خاص‬
‫الحي اد؛ فبالنس بة إلى آخ رين فإنه ا تع نى االبتع اد عن المص الح الذاتي ة‪ ،‬فالموض وعية إذن ع ادة مرادف ة‬
‫لعدم التحيز إلى رأي أو إلى موقف ما؛ فهي بصفة أخص‪ ،‬ميزة كل ما يصف شيء أو ظاهرة بصدق؛‬
‫أي كل ما يمنح تمثيال مطابقا للواقع؛ فالموضوعية بمثابة مثل أعلى يستحيل بلوغه‪ ،‬وبالرغم من أننا‬
‫نطمح إلى وص ف ص ادق لم ا نش اهده أو نس معه؛ إال أن م ا ن راه أو نس معه يتم وف ق كيانن ا المتض من‬
‫للشعور واإلحساس واألحكام والتجارب والمعارف‪ ،‬بما في ذلك العقل‪.‬‬
‫تع ني ك ذلك أن يتج رد الب احث من ك ل م ا من ش أنه أن يش وه الحقيقة العلمي ة المتوص ل إليه ا‪،‬‬
‫ك األهواء والميوالت الشخص ية أو الرغائب المادي ة‪ ...‬ألن هدف البحث وغايته المرجوة هي الوصول‬
‫إلى الحقيقة‪ ،‬ودور الباحث هنا هو أن يبرز لنا هذه الحقيقة والطرق التي توصل إليها من دون تحيز‪...‬‬
‫أو انتصار لمنفعة ذاتية‪.‬‬
‫‪ -2‬الذاتية‪ :‬حتى في العلم الذي يعتبر ميدانا للموضوعية‪ ،‬يتدخل منذ البداية عنصر الذاتية‪ ،‬لذلك على‬
‫الباحث أن يتجاوز أبعد ما يمكن أفكاره المسبقة‪ ،‬واستعمال كل الوسائل الموجودة تحت تصرفه‪ ،‬حتى‬
‫يتجنب التالعب أو الت دليس ال ذي يمكن أن تك ون النت ائج ال تي يطمح إلى بلوغه ا عرض ة ل ه‪ ،‬وعلى‬
‫الباحث أن يروض ذاتيته‪ ،‬ويجعل طاقته ومصلحته في خدمة مشروع البحث الجاري‪.‬‬
‫‪ -3‬الموضوعية والذاتية (التفكير الموضوعي والتفكير الذاتي)‬
‫من أهم خص ائص المنهج العلمي أنه يتم يز بالموض وعية‪ ،‬ويبتعد عن األفك ار الذاتية والعاطفية‬
‫والشخص ية‪ ،‬فهو ال يعتمد على الش ائعات‪ ،‬بل يس تند على الم داخل الموض وعية القائمة على التج ارب‬
‫الواقعية وذلك باالس تناد على الفلس فة الوض عية لأوغست ك ونت القائمة على الواقع والخ برة والرافضة‬
‫لكل التفسيرات الالهوتية والميتافيزيقية‪.‬‬
‫فمضمون الفلسفة الوضعية جعلها تنتقل إلى العلوم االجتماعية لتتخذ صورا عديدة تتفق مع نفس‬
‫اله دف ال ذي تسعى إليه العلوم الطبيعي ة‪ ،‬أال وهو ص ياغة الق وانين ال تي تحكم وق وع الظواهر‪ ،‬ومن ثم‬
‫ف إن ه ذا اله دف يتحقق بمنهج علمي واحد يطبق في كافة ف روع المعرفة بغض النظر عن الموض وع‬
‫الذي تناوله‪.‬‬
‫وفي هذا السياق العلمي للتفكير الموضوعي‪ ،‬يذهب دوركايم إلى أنه على الباحث أن ينتقل من‬
‫األش ياء إلى المع اني‪ ،‬وأن يالحظ جميع الظ واهر ال تي يدرس ها ح تى االجتماعية منها على أنها أش ياء‪،‬‬
‫وال يجوز له أن يصل إلى معرفة األشياء عن طريق اآلراء الشائعة‪.‬‬
‫إن الدراس ات اإلنس انية بحاجة إلى طريقة منهجية متم يزة في تحميل المعرف ة‪ ،‬والمالحظ في‬
‫الدراسات اإلنسانية‪ ،‬أننا ال نستطيع تجنب الذاتية‪ ،‬فكان الموضوعية في الدراسات اإلنسانية لها معنى‬
‫محتد في جعل الوق ائع واض حة تتح دث عن نفس ها‪ ،‬إال أن الوق ائع ال تي ندرس ها ونفس رها هي أفك ار‬
‫ومشاعر واتجاهات وميول تكشف عن نفسها في صور مختلفة‪ ،‬وعلى الباحث في هذه المواقف االلتزام‬
‫بعلم تدخله شخصيا وعرضها من خالل تصور متحيز‪.‬‬
‫وإ ذا ك ان ج وهر المنهج العلمي يتمثل في االرتب اط الوثيق بين النظري ات والخ برات الواقعي ة‪،‬‬
‫وأن المالحظة والتجربة يق دمان الش واهد ال تي على أساس ها تقبل الف روض والتعميم ات أو يتم رفض ها‪،‬‬
‫فإننا نع ترف ب أن الدراس ات اإلنس انية تس تخدم مختلف المن اهج العلمية للجعل من عملية الفهم للظ واهر‬
‫اإلنس انية واالجتماعية أداة للتفس ير‪ ،‬ألن الفهم هو عملية معرفية فكرية تس تخدم في كل مراحل البحث‬
‫العلمي‪ ،‬فالفهم كأداة ضروري في المالحظة وصياغة الفروض وتصنيف البيانات واستخالص النتائج‬
‫وتفس يرها‪ ،‬ل ذلك فهو يلعب دورا أساس يا في تحديد الوق ائع‪ ,‬في الدراس ات اإلنس انية‪ ،‬ألنه يعمل على‬
‫تفسيرها‪.‬‬

You might also like