You are on page 1of 319

‫الدكتورة‪ :‬نادية العقون‬ ‫الدكتور‪ :‬الطاهر قانة‬

‫جامعة باتنة‪ -1-‬الجزائر‬ ‫جامعة باتنة‪ -1-‬الجزائر‬

‫مدخل‬
‫إلى علم املالية العامة‬
/

319
‫الحمد هلل ملء السماوات‬

‫الحمد هلل ملء األرض‬

‫الحمد هلل ملء ما بينهما‬

‫الحمد هلل ملء ما شاء بعد ذلك‬


‫فهرس املحتويات‬
‫مقدمة‪17...................................................................................................‬‬
‫الباب األول‪:‬‬
‫مفهوم ونشأة املالية العامة وعالقتها بالعلوم األخرى‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫اإلطاراملفاهيمي للمالية العامة والسياسة املالية‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم املالية العامة‪24....................................................... .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف املالية العامة لغة واصطالحا‪24.............................. .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املالية العامة لغة‪24............................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬املالية العامة اصطالحا ‪25.................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬املالية العامة واملالية الخاصة‪30.........................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الحاجات العامة‪32........................................................... .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الحاجة العامة ‪32...................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تقسيمات الحاجات العامة ‪33...........................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬معايير التمييز بين الحاجات العامة والحاجات الخاصة‬
‫‪35............................................................................................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬السياسة املالية‪38.............................................................. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم السياسة املالية ‪38....................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أدوات السياسة املالية ‪41....................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أهداف السياسة املالية ‪43.................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أهمية السياسة املالية ودورها في تحقيق التوازن‬
‫االقتصادي‪44..............................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫تطوراملالية العامة وعالقتها بالعلوم األخرى‬
‫املبحث األول‪ :‬نشأة وتطور املالية العامة‪50................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ما قبل ظهور الدولة املركزية‪50........................................... .‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ما بعد ظهور الدولة املركزية‪52.......................................... .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املدرسة التجارية ‪52............................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬املدرسة التقليدية ‪53.........................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬املدرسة االشتراكية ‪55......................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬املدرسة التقليدية الجديدة ‪56...........................................‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬املدرسة الكينزية ‪57.......................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املالية العامة في اإلسالم‪58.................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬املالية العامة في الدول النامية‪60....................................... .‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬دور املالية العامة في الدولة املعاصرة‪62........................ .‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬عالقة املالية العامة بالعلوم األخرى‪63.............................. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم القانون‪63.................................. .‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم االقتصاد‪66.............................. .‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬عالقة املالية العامة بالعلوم السياسية‪67....................... .‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم االجتماع‪68.................................‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم املحاسبة‪69.......................... .‬‬

‫‪6‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم اإلحصاء‪69........................... .‬‬
‫الباب الثاني‪:‬‬
‫الـنفق ــات الع ــامـة‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫اإلطاراملفاهيمي للنفقات العامة‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم النفقات العامة‪74................................................... .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف النفقة العامة‪74.......................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ضوابط النفقات العامة‪77................................................ .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬ضابط املنفعة ‪78................................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قاعدة االقتصاد في النفقات (تعظيم إنتاجية النفقة‬
‫العامة) ‪80................................................................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬قاعدة الترخيص ‪83..........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حدود النفقات العامة ‪84...................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حدود النفقات العامة من الناحية السياسية ‪84...............‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حدود النفقات من الناحية املالية ‪85................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ظاهرة تزايد النفقات العامة وأسبابها‪88.............................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األسباب الحقيقية لتزايد النفقات العامة ‪89.....................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬األسباب الظاهرية لتزايد النفقات العامة‪95................... .‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫تقسيمات النفقات العامة و آثارها االقتصادية‬
‫املبحث األول‪ :‬تقسيمات النفقات العامة ‪100 ............................................‬‬

‫‪7‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أهمية تقسيمات النفقات العامة‪100 ................................ .‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تقسيمات النفقات العامة‪101 .......................................... .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التقسيمات االقتصادية أو العلمية للنفقات العامة ‪102 .‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬التقسيمات الوضعية للنفقات العامة ‪109 ......................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬اآلثار االقتصادية للنفقات العامة‪110 ............................. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اآلثار املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج واالستهالك‬
‫الوطنيين‪111 ............................................................................................. .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثار املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج الوطني ‪111 ....‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار املباشرة للنفقات العامة في االستهالك الوطني ‪116 .‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬اآلثار غير املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج‬
‫واالستهالك (أثر املضاعف واملعجل)‪117 .................................................. .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثر املضاعف ‪118 ...............................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أثر املعجل أو املسارع ‪121 .................................................‬‬
‫الباب الثالث‪:‬‬
‫اإلي ـ ـرادات الع ــام ــة‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫اإليـ ـ ـ ـرادات العـ ـ ـ ـ ــام ـ ــة مفهومها وتقسيماتها‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اإليرادات العامة‪126 ............................................... .‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تقسيمات اإليرادات العامة‪127 ........................................ .‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬إيرادات أمالك الدولة (الدومين) ‪129 ................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الدومين العام ‪130 ................................................................‬‬

‫‪8‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الدومين الخاص ‪131 ...........................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الدومين العقاري ‪132 .........................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إيرادات الدولة من الدومين الصناعي والتجاري ‪134 ........‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬إيرادات الدولة من الدومين املالي‪135 ..............................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الثمن العام ‪136 ..................................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬الرسوم‪139 ........................................................................ .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف الرسم وخصائصه ‪139 ............................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تقدير الرسم ‪142 ................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أساس فرض الرسم ‪144 ....................................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬التفرقة بين الرسم وبعض اإليرادات العامة األخرى ‪145 ...‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الرسم والثمن العام ‪145 ....................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الرسم ومقابل التحسين أو اإلتاوة ‪147 .............................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الفرق بين الرسم والضريبة ‪149 ......................................‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬دور الرسوم في املالية العامة الحديثة ‪149 .....................‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ــرائ ـ ـ ـ ـ ـ ــب‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم الضريبة والنظام الضريبي ‪152 ................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف الضريبة وخصائصها ‪152 ........................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الضريبة‪152 ...........................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص الضريبة ‪153 .....................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األساس القانوني للضريبة ‪157 ...........................................‬‬

‫‪9‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية العقد املالي ‪158 ........................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية التضامن املالي ‪159 .................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬قواعد فرض للضريبة ‪161 ................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬القواعد التقليدية للضريبة ‪161 ........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القواعد الحديثة (املكملة)‪163 .........................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم الفني للضريبة‪164 ............................................... .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تحديد وعاء الضريبة‪164 ................................................... .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الضريبة الوحيدة والضرائب املتعددة ‪165 ........................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الضريبة على األشخاص والضرائب على األموال ‪166 .......‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الضرائب املباشرة والضرائب غير املباشرة ‪166 ..............‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تقدير الوعاء الضريبي ‪179 ..................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الطريقة غير املباشرة ‪180 ..................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الطريقة املباشرة ‪181 ........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تحديد سعر الضريبة ‪182 .................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الضريبة التوزيعية ‪182 .......................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الضريبة القياسية (التحديدية) ‪182 ................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬ربط وتحصيل الضريبة ‪188 ................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اآلثار االقتصادية للضرائب ‪190 .......................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬دور النظام الضريبي في التمويل وتعبئة املوارد املالية‪192 ...‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬دور النظام الضريبي في تحقيق االستقرار والتوازن‬
‫االقتصادي‪193 ...........................................................................................‬‬

‫‪10‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬دور النظام الضريبي في إعادة توزيع الدخل القومي ‪194 ...‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أثر الضرائب في االستهالك واالدخار ‪195 ............................‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬تأثير الضرائب على اإلنتاج‪197 .......................................‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫االزدواج والتهرب الضـ ـ ـ ــريب ـ ـ ــي‬
‫املبحث األول‪ :‬االزدواج الضريبي‪200 ...........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم االزدواج الضريبي ‪200 ...............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف االزدواج الضريبي وعناصره ‪200 .............................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع االزدواج الضريبي وأسبابه ‪202 ..................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أنواع االزدواج الضريبي‪202 ................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أسباب االزدواج الضريبي‪204 ............................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬وسائل مكافحة االزدواج الضريبي‪205 ...............................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التهرب الضريبي ‪206 ............................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف التهرب الضريبي ‪206 .................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع التهرب الضريبي ‪207 ...................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التهرب الضريبي املشروع (التجنب الضريبي) ‪207 ...............‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التهرب الضريبي غير املشروع (الغش الضريبي) ‪207 ..........‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أسباب التهرب الضريبي ‪210 ...............................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أساليب مكافحة التهرب الضريبي ‪212 .................................‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫الق ـ ـ ـ ــروض الع ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ــة‬
‫املبحث األول‪ :‬القروض العامة‪ ،‬مفهومها وأنواعها‪216 ............................. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم القرض العام ‪216 .....................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع القروض العامة ‪217 ..................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬القروض الداخلية والقروض الخارجية ‪217 ......................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القروض االختيارية والقروض اإلجبارية ‪218 .....................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬القروض العمرية والقروض املؤبدة والقروض ألجل‪219 .‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬القروض املثمرة والقروض العقيمة ‪220 ...........................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الفرق بين القرض العام والضريبة ‪220 .............................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الطبيعة االقتصادية والقانونية للقرض العام‪222 ............‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم الفني للقروض العامة ‪223 ....................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إصدار القرض العام ‪223 .....................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط اإلصدار ‪224 ...........................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬طرق االكتتاب ‪228 ............................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬املزايا والضمانات املمنوحة للمكتتبين ‪230 .....................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬انقضاء القرض العام‪231 ...................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الوفاء بالقرض العام ‪231 ...................................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تثبيت القرض العام ‪232 ...................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تبديل القرض العام ‪233 ..................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬استهالك القرض العام ‪234 ...............................................‬‬

‫‪12‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اآلثار االقتصادية للقروض العامة‪235 ........................... .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اآلثار االقتصادية للقروض العامة الداخلية والخارجية‬
‫‪236 .............................................................................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثار االقتصادية للقروض العامة الخارجية ‪237 .............‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار االقتصادية للقروض الداخلية ‪238 ........................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬آثار القروض العامة في االستهالك واالدخار ‪239 ................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أثر القروض العامة على االستثمار‪240 .............................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬آثار القروض العامة في إعادة توزيع الدخل الوطني ‪241 .....‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬أثر القروض في توزيع العبء املالي العام ‪242 ..................‬‬
‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫اإلص ـ ـ ـ ـ ــدارالنقـ ـ ـ ــدي كآلية لتمويل عجزاملوازنة العامة‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اإلصدار النقدي الجديد ‪246 ...................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف اإلصدار النقدي‪246 ................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬التفسير النظري لإلصدار النقدي ‪249 ...............................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬شروط اإلصدار النقدي ومبرراته ‪252 ................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬شروط اإلصدار النقدي ‪252 ................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬مبررات اإلصدار النقدي الجديد ‪253 .................................‬‬

‫‪13‬‬
‫الباب الرابع‪:‬‬
‫امليزانية العامة وأصولها العلمية‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫مفهوم امليزانية العامة‪ ،‬قواعدها وخصائصها‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم امليزانية العامة‪260 .................................................. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف امليزانية العامة ‪260 ..................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عناصر امليزانية العامة ‪261 .................................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬القواعد الفنية للميزانية لعامة وخصائصها‪262 .............. .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬قواعد املوازنة العامة‪263 ................................................... .‬‬
‫الفرع األول‪ :‬قاعدة سنوية املوازنة العامة‪263 .......................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قاعدة عمومية املوازنة العامة (الشمول) ‪266 ..................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬قاعدة وحدة املوازنة العامة‪269 ......................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬قاعدة عدم تخصيص اإليرادات ‪271 ................................‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬قاعدة توازن املوازنة العامة ‪272 ...................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬خصائص املوازنة العامة ‪276 ..............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املوازنة العامة وثيقة وخطة ‪276 ........................................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬املوازنة العامة أداة لتدخل الدولة ‪277 .............................‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫أن ـ ــواع املي ـ ـ ـ ــزانية الع ـ ـ ــامة ومراحله ـ ـ ــا‬
‫املبحث األول‪ :‬أنواع امليزانية العامة‪282.................................................... .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ميزانية الرقابة‪282 .............................................................. .‬‬

‫‪14‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ميزانية األداء‪284 ................................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ميزانية التخطيط والبرمجة‪287 .......................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬امليزانية الصفرية‪289....................................................... .‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دورة امليزانية العامة‪291................................................... .‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إعداد امليزانية العامة‪291................................................. .‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬اعتماد امليزانية العامة ‪297 ..............................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تنفيذ امليزانية العامة‪297 ............................................... .‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الرقابة على امليزانية العامة‪299....................................... .‬‬
‫قائمة املصادر واملراجع ‪312 .....................................................................‬‬

‫‪15‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يحتل علم املالية العامة مكانة جوهرية في الفكر االقتصادي‬
‫الحديث‪ ،‬وخاصة مع اتساع دور الدولة وتدخلها في الحياة االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والذي تزامن مع تطور الفكر املالي على مر العصور‪ ،‬وما‬
‫رافقه من اتساع في نطاق وحجم النفقات واإليرادات العامة وزيادة‬
‫أهميتهما باعتبارهما أدوات مالية هامة في يد الدولة لتحقيق أهداف‬
‫املجتمع االقتصادية واالجتماعية واملالية‪.‬‬
‫إن تدخل الدولة في النشاط االقتصادي بشكل مباشر أو غير مباشر‬
‫يعد أمرا ضروريا في أي مجتمع لتوجيه املوارد نحو استخداماتها املثلى‪،‬‬
‫وضمان توزيع الدخل القومي بشكل أفضل بين مختلف الفئات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ودعم التنمية االقتصادية‪ ،‬وتحقيق االستقرار والتوازن‬
‫االقتصادي واالجتماعي والسياس ي‪ ،‬وتصحيح املسار العام لالقتصاد‬
‫وخاصة في ظل األزمات‪ ،‬وذلك من خالل الدور الذي تلعبه كل السياسة‬
‫املالية للدولة في عالج مختلف االختالالت االقتصادية‪ ،‬بالتنسيق مع‬
‫مختلف السياسات االقتصادية األخرى‪ ،‬فمثال وملعالجة مشكلة التضخم‬
‫يتم تخفيض اإلنفاق الحكومي وزيادة الضرائب مما يؤدي إلى تقليص‬
‫الفجوة التضخمية‪ ،‬أما في حالة االنكماش االقتصادي فيتم تفعيل‬

‫‪17‬‬
‫الطلب الكلي والنمو االقتصادي وذلك عن طريق تخفيض الضرائب‬
‫وزيادة اإلنفاق الحكومي وبالتالي تقليص الفجوة االنكماشية‪.‬‬
‫وفي املقابل‪ ،‬تعتبر املالية العامة املرآة العاكسة ملختلف السياسات‬
‫املالية واالقتصادية للدولة‪ ،‬والتي تعكس بدورها حالة االقتصاد وظروفه‪.‬‬
‫كما تعتبر املالية العامة حلقة الوصل بين االقتصاد والسياسة‪ ،‬وأن‬
‫امليزانية العامة بشقيها اإليرادات والنفقات إنما تعكس طبيعة النظام‬
‫االقتصادي والسياس ي السائد في الدولة‪ ،‬وبذلك فإن سالمة النظام املالي‬
‫في أية دولة وتطوره مرتبط بالدرجة األولى بسالمة ورشادة النظام السياس ي‬
‫القائم فيها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬وللوقوف على األهمية البالغة التي تحظى بها املالية العامة‬
‫بشقيها اإلرادي واإلنفاقي‪ ،‬وللكشف عن مفهوم السياسة املالية وأهم‬
‫أدواتها‪ ،‬وكذا أهمية املوازنة العامة‪ ،‬تم تقسيم محتوى هذا الكتاب إلى‬
‫أربعة أبواب حيث تم في الباب األول اإلحاطة بمفهوم املالية العامة‪ ،‬نشأتها‬
‫وتطورها وعالقتها بالعلوم األخرى‪ ،‬وكذلك البحث في السياسة املالية‬
‫وأدواتها وكيف يمكن للدولة أن تمارسها لتحقيق التوازن االقتصادي‬
‫واالجتماعي باعتبارها إحدى األدوات الهامة للسياسة االقتصادية‪ .‬وفي‬
‫الباب الثاني تم التطرق ملفهوم النفقات العامة من حيث مفهومها‪ ،‬أنواعها‬
‫وتقسيماتها وآثارها االقتصادية واالجتماعية في االقتصاد الوطني‪ .‬أما‬

‫‪18‬‬
‫الباب الثالث فقد تضمن مفهوم اإليرادات العامة وأنواعها ومصادرها‬
‫بالتركيز على الضرائب والقروض العامة‪ .‬وفي الباب الرابع واألخير تم‬
‫التطرق إلى امليزانية العامة وأصولها العلمية وبيان مبادئها‪ ،‬مع توضيح‬
‫كيفية إعدادها وتنفيذها والرقابة عليها لتحقيق التوازن االقتصادي‬
‫واالجتماعي من جهة‪ ،‬واملحافظة على املال العام من جهة أخرى‪.‬‬

‫وفي األخير نسأل هللا تعالى أن يتقبل منا هذا العمل خالصا‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفع به جميع الطلبة والباحثين‪.‬‬
‫وهللا تعالى ولي العون والتوفيق‬

‫د‪ .‬ال ـطاهرقــانـ ـ ـة‬


‫د‪ .‬نادية العقون‬

‫‪19‬‬
‫الباب األول‬
‫مفهوم ونشأة املالية العامة وعالقتها‬
‫بالعلوم األخرى‬
‫الفصل األول‬
‫اإلطاراملفاهيمي للمالية العامة‬
‫والسياسة املالية‬
‫لعله من الصعب فهم واستيعاب أي علم من العلوم بعيدا عن‬
‫تحديد طبيعته‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬ومن هذا املنطلق وجب علينا أوال البحث‬
‫في مفهوم املالية العامة وتحديد مراحل تطورها وكذا عالقتها بالعلوم‬
‫األخرى‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم املالية العامة‪.‬‬
‫يشمل مفهوم املالية العامة التعريف اللغوي واالصطالحي لها‪،‬‬
‫والفرق بينها وبين املالية الخاصة‪ ،‬إضافة إلى الحاجات العامة التي تقوم‬
‫على تلبيتها والسياسة املالية التي تديرها‪ ،‬وهذا بيان لذلك‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف املالية العامة لغة واصطالحا‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املالية العامة لغة‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ـمال‪ :‬معروف ما َملك َته من جميع األشياء‪ ...‬والـجمع أموال‪ ،‬قال‬ ‫"ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طلق علـى كل‬ ‫ابن األثـير‪ :‬الـمال فـي األصل ما يملك من الذهب والفضة ثم أ ِ‬
‫اإلبل‬ ‫ـى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫العرب‬ ‫عند‬ ‫ـمال‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫طلق‬ ‫ي‬‫األعيان‪َ ،‬وأكثر ما ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ُي ْق َت َنى ويملك من‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫مال أي كثير املال وت َم َّو َل الرجل صار‬ ‫َألنها كانت َأكثر َأموالهم‪" ،1"،‬ورجل ٌ‬
‫َْ ً‬ ‫َ‬
‫يال"‪2.‬‬ ‫مال َوم َّول ُه غيره تم ِو‬‫ذا ٍ‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن معايير األشخاص وعاداتهم تختلف في‬
‫كيفية تسمية األموال من بيئة إلى أخرى؛ بالنسبة للبدو ُيطلق اسم املال‬
‫على اإلبل والبقر والغنم‪ ،‬وعند أهل املدن ُيطلق اسم املال على الذهب‬
‫والفضة‪ ،‬ولكن املال يشمل في األصل جميع املمتلكات‪ ،‬لذلك يمكن أن‬

‫‪ .1‬جمال الدين محمد بن مكرم أبو الفضل ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،3‬ج‪(14‬بيروت‪ :‬دار صادر للطباعة‬
‫والنشر‪ ،)2003،‬ص‪.152 .‬‬
‫‪ .2‬محمد بن أبي بكر الرازي‪ ،‬مختارالصحاح‪( ،‬املستقبل‪ ،‬دت)‪ ،‬ص‪.562 .‬‬

‫‪24‬‬
‫يقال إن املال في اللغة هو كل ما يمتلكه اإلنسان ويحوزه بالفعل‪ ،‬سواء‬
‫كان أعيانا أو منافع‪ ،‬مثل الذهب والفضة أو الحيوانات والنباتات‪ ،‬أو‬
‫املنافع مثل الركوب وامللبس واملسكن‪ .‬وأما األشياء التي ال يمتلكها‬
‫ً‬
‫اإلنسان‪ ،‬فهي ال تسمى ماال في اللغة‪ ،‬مثل الطيور في الهواء‪ ،‬واألسماك في‬
‫املاء‪ ،‬واألشجار في الغابات‪ ،‬واملعادن املوجودة في باطن األرض‪.‬‬
‫"والعامة ضد‬ ‫َّ‬ ‫أما كلمة العامة؛ فقد جاء في مختار الصحاح‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وع َّم الش يء َي ُع ُّم بالضم ُع ُم ً‬
‫وما؛ أي‪ :‬ش ِمل الجماعة‪ ،‬يقال‪َ :‬ع َّمهم‬ ‫الخاصة‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫ُ ً َ‬ ‫َ‬
‫موما‪ :‬ش ِملهم؛ يقال‪َ :‬ع َّم ُه ْم‬ ‫مر َي ُع ُّمهم ع‬
‫األ ُ‬ ‫بالعط َّية"‪ ،1‬ويقال َ‬
‫"ع َّم ُهم‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫والعامة خالف الخاصة"‪2.‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫بالعطية‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬يمكن القول أن املالية العامة هي فرع من فروع‬
‫االقتصاد‪ ،‬وهي مكونة من كلمتين‪ :‬العامة واملالية‪ .‬مصطلح العامة يعني‬
‫الحكومة‪ ،‬ومصطلح املالية يعني علم إدارة األموال‪ ،‬وعليه يقصد‬
‫بمصطلح املالية العامة بالتحديد دراسة تخصيص وإدارة املوارد‬
‫االقتصادية لتحقيق األهداف العامة‪3 .‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬املالية العامة اصطالحا‪.‬‬


‫تعرف املالية العامة تعريفا تقليديا وآخر حديثا كما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬محمد بن أبي بكر الرازي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.467 .‬‬


‫‪ .2‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.423 .‬‬
‫‪3 . Shwor‬‬ ‫‪Thapa, "Public Finance: Concept, Definition and Importance for Country's‬‬
‫‪Development",20 July, P.1. accessed on 12/06/2021, in:‬‬
‫‪https://www.researchgate.net/publication/342886391_Public_Finance_Concept_Definiti‬‬
‫‪on_and_Importance_for_Country's_Development‬‬

‫‪25‬‬
‫أوال‪ :‬التعريف التقليدي للمالية العامة‪.‬‬
‫عرف التقليديون علم املالية العامة على أنه‪" :‬العلم الذي يبحث‬
‫الوسائل التي تحصل بها الدولة على اإليرادات العامة الالزمة لتغطية‬
‫النفقات العامة‪ ،‬وتوزيع العبء الناتج عن ذلك على األفراد"‪ .1‬أو بتعريف‬
‫آخر "هي علم الوسائل التي تستطيع الدولة بواسطتها الحصول على املوارد‬
‫الالزمة لتغطية نفقاتها العامة عن طريق توزيع األعباء املترتبة على ذلك بين‬
‫املواطنين‪2".‬‬

‫ومن الواضح أن التعريف التقليدي لعلم املالية العامة‪ ،‬يستند إلى‬


‫طبيعة اإليرادات العامة والنفقات العامة في املفهوم التقليدي‪،‬‬
‫فاإليرادات العامة‪ ،‬تجد وجودها وسببها‪ ،‬في النفقات العامة التقليدية‪،‬‬
‫وبالتالي فإن التعريف التقليدي للمالية العامة‪ ،‬يقصر هدف اإليرادات‬
‫العامة على تغطية النفقات العامة‪ .‬ويؤكد هذا التعريف على ضرورة‬
‫التوازن بين النفقات العامة العادية‪ ،‬واإليرادات العامة العادية‪ ،‬ويترجم‬
‫ذلك بتوازن املوازنة العامة‪ ،‬وتوزيع العبء الناتج على األفراد‪ ،‬بالطريقة‬
‫التي تحقق املساواة في التضحية املطلوبة من كل منهم‪.‬‬
‫والتعريف التقليدي لعلم املالية العامة‪ ،‬ال يخرج عن اإلطار‬
‫والقواعد التي تقوم عليها النظرية التقليدية‪ .‬فالعرض يخلق الطلب‬
‫املساوي له‪ ،‬وحرية انتقال عوامل اإلنتاج واألسعار تحقق التوازن بين‬
‫العرض والطلب‪ ،‬ومعدل الفائدة يحقق املساواة بين اإلفراد واالستثمار‪،‬‬

‫‪ .1‬محمد خالد املهايني وخالد شحادة الخطيب‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬دمشق‪ :‬مديرية الكتب واملطبوعات جامعة دمشق‪،‬‬
‫دت)‪ ،‬ص‪.19 .‬‬
‫ّ‬
‫‪ .2‬سالمة محمد سلمان‪ ،‬اإلدارة املالية العامة‪( ،‬عمان‪ :‬دار املعتز‪ ،‬سنة‪ ،)2015‬ص‪.18 .‬‬

‫‪26‬‬
‫ويجب على الدولة أال تتدخل في الحياة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ألن‬
‫قوانين السوق ونظام املنافسة التامة‪ ،‬سيحققان التوازن في االقتصاد‬
‫القومي‪ ،‬وهو ما يطلق عليه حياد الدولة‪ ،‬أو املالية العامة املحايدة‪1.‬‬

‫ومن هنا يتضح كون املالية العامة عبارة عن انعكاس للعالقات بين‬
‫الدولة وطبقات املواطنين؛ وكذلك لتطور مفهوم الدولة ومضمونها؛‬
‫فبالنسبة لالقتصاديين التقليديين فقد حددوا هذا الدور على شكل‬
‫الدولة الحارسة أو املحايدة التي تتحدد مهامها بالشرطة والجيش وتمثيل‬
‫العدالة والتمثيل الخارجي‪ ،‬ولكن هذه الدولة املحايدة سرعان ما اضطرت‬
‫للتدخل في مجاالت أخرى مما أدى إلى ازدياد نفقاتها رغم تباين أنظمة‬
‫الدول واختالفها من نظام إلى آخر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعريف الحديث للمالية العامة‪.‬‬
‫إن املالية العامة املحايدة حكم عليها بعدم االستمرار‪ ،‬ألنها لم تعد‬
‫مواكبة لتطور الحياة االقتصادية‪ ،‬وال يمكنها تقديم حلول فعالة للتعامل‬
‫مع املشاكل التي نشأت في الحياة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬هذه املشاكل‬
‫التي انعكست في التغيرات التي طرأت على دور الدولة‪ ،‬من مجرد دولة‬
‫حارسة إلى دولة متدخلة‪ ،‬مما أدى إلى ظهور مالية عامة جديدة تدعى‬
‫املالية العامة التعويضية أو الوظيفية‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬وفي ضوء تطور املالية العامة‪ ،‬لم يعد التعريف التقليدي‬
‫ً‬
‫للمالية العامة كافيا‪ ،‬إذ لم يعد يستطيع تفسير حقيقة هذا التطور؛ فلم‬
‫يعد هدف املالية العامة مجرد الحصول على إيرادات عامة لدفع النفقات‬

‫‪ .1‬محمد خالد املهايني وخالد شحادة الخطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪27‬‬
‫العامة‪ ،‬بل هدفها أوسع مما سبق‪ ،‬بما في ذلك تغطية النفقات العامة‬
‫التقليدية وتحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬مما يتطلب زيادة‬
‫اإلنفاق العام‪ ،‬وهذا يتطلب الحصول على مزيد من اإليرادات العامة‬
‫ً‬
‫للوصول إلى الهدف الجديد والقديم معا‪.‬‬
‫ومن الضروري أن ينعكس هذا التطور‪ ،‬الذي لحق باملالية العامة‪،‬‬
‫على تقديم تعريف جديد لعلم املالية العامة‪ً .‬‬
‫وبناء عليه فإن علم املالية‬
‫العامة "هو ذلك العلم الذي يبحث في نشاط الدولة عنـدما تسـتخدم‬
‫الوسـائل واألساليب املالية بشقيها اإليرادي واإلنفاقي لتحقيق أهداف‬
‫املجتمع بمختلف اتجاهاته االقتصادية واالجتماعية واملالية"‪ 1،‬أو بصيغة‬
‫أخرى "هو العلم الذي يدرس اإليرادات العامة والنفقات العامة واملوازنة‬
‫العامة‪ ،‬وتوجيهها واستخدامها في تحقيق األهداف املنبثقة عن الفلسفة‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي تتبناها الدولة‪ 2".‬أي‪" :‬هي العلم‬
‫الذي يدرس مجمل نشاطات الدولة التي أصبح بمستطاعها أن تستخدم‬
‫تقنيات مالية خاصة (امليزانية – الضرائب – سندات االستثمار والتسيير‬
‫واملمارسات النقدية ‪3.")...‬‬

‫ويوضح هذا التعريف‪ ،‬أن الهدف من الحصول على اإليرادات‬


‫العامة‪ ،‬لم يعد لتغطية النفقات العامة فحسب‪ ،‬بل أصبح لإليرادات‬
‫العامة أهداف أخرى منها‪ :‬محاربة التضخم‪ ،‬تكوين احتياطي ملواجهة‬
‫أعباء غير متوقعة‪ ،‬وإعادة توزيع الدخل والثروة‪ ...‬الخ‪ .‬كما يبين أن‬

‫‪ .1‬محمد خالد املهايني‪ ،‬محاضرات في املالية العامة‪( ،‬دمشق‪ :‬املعهد الوطني لإلدارة العامة‪ )2013 ،‬ص‪.7 .‬‬
‫‪ .2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ .3‬صالح الرويلي‪ ،‬اقتصاديات املالية العامة‪ ،‬ط‪ ،4‬ج‪(1‬لجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،)1992،‬ص‪.11 .‬‬

‫‪28‬‬
‫اإليرادات العامة والنفقات العامة أصبحت أدوات كمية مالية (متغيرات‬
‫مالية) في يد الدولة تستخدمها وتوجهها لتحقيق أهدافها املختلفة‪ ،‬إلى‬
‫جانب الهدف املالي التقليدي‪ ،‬وأصبح ُينظر إلى النظام املالي على أنه كل ال‬
‫يتجزأ من النظام االقتصادي واالجتماعي للدولة‪ ،‬وأن الظاهرة املالية هي‬
‫جزء من الظاهرة االقتصادية‪ ،‬وتخضع إلى قواعد التحليل االقتصادي‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا ما يضمن تخصيصا أفضل للموارد القومية‪ ،‬عن طريق إعادة توزيع‬
‫ً‬
‫هذه املوارد‪ ،‬بين إشباع الحاجة العامة‪ ،‬وإشباع الحاجات الخاصة أوال‪،‬‬
‫وضمان توزيع الدخل القومي بشكل أفضل بين مختلف الفئات‬
‫ً‬
‫االجتماعية ثانيا‪ .‬وضمان استخدام أمثل للموارد القومية لتحقيق التوازن‬
‫االقتصادي واالجتماعي من خالل ضمان توازن التشغيل الكامل للموارد‪،‬‬
‫وتحقيق التنمية االقتصادية‪ 1.‬وعليه‪ ،‬فقد أصبحت املالية العامة في‬
‫العصر الحديث بإرادتها العامة ونفقاتها العامة أداة لتنفيذ سياسة دولة‬
‫التدخل أو دولة التخطيط‪2.‬‬

‫ومن هنا يمكننا أن نقارن التعريفين‪ ،‬التقليدي والحديث‪ ،‬على‬


‫ضوء النقاط التالية‪3:‬‬

‫‪ -‬استخدام تقنيات خاصة في علم املالية الحديث‪ ،‬وخاصة‬


‫نظام الدولة االئتماني الذي يمكن بمقتضاه للدولة أن‬
‫تستخدم لفترة ما قروضا من اآلخرين؛‬

‫‪ .1‬محمد خالد املهايني وخالد شحادة الخطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪20‬‬


‫‪ .2‬علي زغدود‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،)2005 ،‬ص ص‪.8-7.‬‬
‫‪ .3‬صالح الرويلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 .‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -‬تعارض بين املفهوم التقليدي أو الكالسيكي وبين املفهوم‬
‫الحديث بسبب تطور مفهوم الدولة بحد ذاته؛‬
‫‪ -‬اتساع نطاق املالية الحديث بالقياس للتعريف الكالسيكي‬
‫نظرا لتدخل الدولة وضرورة ذلك والطبيعة الطبقية للدولة‬
‫التي تحدد مضمون النظام املالي أيضا؛‬
‫‪ -‬العالقات الجديدة بين املالية العامة والنظام االقتصادي‬
‫للبالد؛‬
‫‪ -‬يشير علم املالية إلى دراسة املؤسسات العامة وتركيب الهيكل‬
‫التنظيمي لهذه املؤسسات واألجهزة املالية (إدارة املصالح‬
‫املالية)؛‬
‫‪ -‬بروز أهمية املاليات املحلية على املستوى الجهوي إلى جانب‬
‫املالية املركزية كميزانيات الواليات والضرائب املحلية‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬املالية العامة واملالية الخاصة‪.‬‬
‫يقصد باملالية العامة مالية السلطات العامة أي مالية القطاع‬
‫الحكومي‪ ،‬وهي تتعامل مع السؤال عن كيفية قيام الحكومة بزيادة مواردها‬
‫ملواجهة نفقاتها املتزايدة‪1 .‬أما املالية الخاصة فيقصد بها مالية األفراد‬
‫واملشروعات الفردية والشركات بأنواعها‪ .‬ويمكن القول إنه في الوقت الذي‬
‫يحدد فيه دخل الفرد مقدار ما يستطيع إنفاقه‪ ،‬فإن السلطات العامة هي‬
‫التي تحدد مقدار ما يجب أن تحصل عليه من دخل أو إيراد‪ ،‬فالدولة لها‬
‫القدرة على تكييف إيراداتﻬا وفقا لنفقاتها العامة‪ ،‬ويرجع ذلك إلى أن دخل‬
‫‪1‬‬
‫‪. shwor Thapa, Op. Cit., P.1.‬‬

‫‪30‬‬
‫الفرد محدود‪ ،‬بينما الدولة فال حد لسلطانها في فرض الضرائب وإصدار‬
‫القروض وزيادة مواردها بشتى الوسائل‪.‬‬
‫ويمكن تمييز املالية العامة عن املالية الخاصة من خالل ما يلي‪1:‬‬

‫‪ -‬من حيث الهدف‪ :‬يسعى الفرد إلى تحقيق منفعته الخاصة أما‬
‫بالنسبة للدولة فهي تهدف إلى تحقيق املنفعة العامة‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث األساس‪ :‬الفرد يسعى إلى تحقيق منفعته الخاصة في‬
‫إطار من الحرية‪ ،‬أما الدولة فإن نفقاتها واجبة لضمان سير‬
‫املرافق العامة‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث التنظيم‪ :‬تقوم بالنسبة للفرد على أساس امللكية‬
‫الفردية‪ ،‬أما بالنسبة للدولة فهي تقوم على أساس ملكية عامة‬
‫كلية كانت أم جزئية‪.‬‬
‫وبالتالي فإن املالية العامة تختلف عن مالية الهيئات الخاصة‬
‫واألفراد‪ ،‬فالدولة تحدد نفقاتها أوال ثم تعين مقدار اإليرادات الالزمة‬
‫وتوزيعها على املصادر املختلفة‪ ،‬أما الهيئات الخاصة واألفراد فنقطة البدء‬
‫لديهم هي مقدار ما يحصلون عليه من دخول‪ ،‬كما أن قدرة الدولة على‬
‫زيادة إراداتها أكثر نسبيا من قدرة الهيئات الخاصة واألفراد فتستطيع في‬
‫حدود معينة زيادة الضرائب املباشرة أو غير املباشرة أو اللجوء إلى‬
‫القروض العامة الداخلية والخارجية بسهولة أكثر‪ ،‬أما الهيئات الخاصة‬
‫واألفراد فقدرتهم على زيادة دخولهم قليلة‪2.‬‬

‫‪ .1‬محمد خالد املهايني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬


‫‪ .2‬علي زغدود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.8-7.‬‬

‫‪31‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الحاجات العامة‪.‬‬
‫يعتبر تعريف الحاجات العامة ضرورة أساسية يمكن على أساسها‬
‫التمييز بين طبيعة النشاط العام وطبيعة النشاط الخاص‪ ،‬وبالتالي‬
‫التمييز بين املالية العامة واملالية الخاصة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الحاجة العامة‪.‬‬
‫تقسم حاجات االنسان –بصورة عامة‪ -‬من حيث إشباعها إلى‬
‫قسمين‪ :‬قسم يقوم بإشباعه النشاط الخاص‪ ،‬أي يتولى الفرد نفسه أمر‬
‫اشباعها‪ ،‬ويترك له حرية التصرف بها في الظروف العادية‪-‬كقاعدة عامة‪-‬‬
‫في كل مجتمع‪ ،‬وهو ما يعرف بالحاجات الخاصة أو الفردية‪ ،‬كالحاجة إلى‬
‫الغذاء والكساء واملأوى… الخ‪ ،‬وقسم يقوم بإشباعه النشاط العام ويترتب‬
‫على إشباعها منفعة جماعية وهو ما يعرف بالحاجات العامة أو‬
‫الجماعية‪ ،‬كالحاجة إلى العدالة واألمن والدفاع… الخ ‪ ،‬ويشعر بها الناس‬
‫مجتمعين‪ ،‬حيث تتميز الكثرة الغالبة منها بعدم قابليتها لالنقسام‬
‫"التجزئة"‪ ،‬وهذا يعني أن اشباع هذه الحاجات الجماعية يتم من خالل‬
‫قيام الدولة بخدمات تقدمها للمجتمع ككل‪ ،‬وال يؤثر استهالك أحد األفراد‬
‫منها االنتقاص من استهالك اآلخرين‪1.‬‬

‫ما يمكن مالحظة هو أنه ال توجد فروق جوهرية بين الحاجات‬


‫الخاصة والعامة‪ ،‬باستثناء بعض الحاجات الجماعية األساسية التي ال‬
‫يمكن بط بيعتها أن يقوم بأدائها غير الهيئات العامة‪ ،‬فإن جميع الحاجات‬
‫األخرى‪ ،‬وتشكل الغالبية العظمى‪ ،‬ليست لها مميزات خاصة تجعل إشباع‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬علم املالية العامة والتشريع املالي‪( ،‬بغداد‪ :‬املكتبة القانونية‪ ،‬دت)‪ ،‬ص‪.9 .‬‬

‫‪32‬‬
‫ً‬
‫قاصرا على‬ ‫متوقفا على الهيئات العامة وإشباع البعض اآلخر‬‫ً‬ ‫بعضها‬
‫جهود األفراد‪.‬‬
‫وبما أنه ال توجد فوارق موضوعية وال حدود ثابتة بين الحاجات‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬فإن ما يعتبر حاجة عامة في دولة ما قد يسمح القيام به‬
‫من طرف األفراد في دولة أخرى‪ ،‬وفي نفس الدولة ما يعتبر اليوم حاجة‬
‫عامة كان في فترة مضت يعتبر حاجة خاصة‪ ،‬فحدود الحاجات العامة في‬
‫مجتمع معين وفي لحظة معينة يتوقف على طبيعة دور الدولة السياس ي‬
‫واالجتماعي واالقتصادي‪1.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تقسيمات الحاجات العامة‪.‬‬


‫يمكن تقسيم الحاجات العامة بحسب خصائصها وطبيعتها إلى‬
‫عدة أنواع‪2:‬‬

‫أوال‪ :‬الحاجات العامة غير القابلة للتجزئة‪.‬‬


‫وهي الحاجات التي ال يمكن تجزئة إشباعها وتجزئة املنفعة املتولدة‬
‫عنها بالنسبة لفرد أو مجموعة من األفراد دون البعض اآلخر‪ ،‬فإشباع‬
‫الحاجة إلى األمن الداخلي والدفاع الخارجي وإقامة العدالة البد أن يتم‬
‫بالنسبة إلى جميع األفراد ككل ال يتجزأ‪ ،‬ويتميز هذا النوع من الحاجات‬
‫العامة بالسمات اآلتية‪:‬‬

‫‪ .1‬محمد جمال ذنيبات‪ ،‬املالية العامة والتشريع املالي‪ّ ،‬‬


‫(عمان‪ :‬الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،)2003،‬ص ص‪.11-10 .‬‬
‫‪ .2‬محمد خالد املهايني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9 .‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ -‬إن الكمية املستهلكة من هذه الخدمات تكاد تكون متساوية بين‬
‫جميع األفراد؛‬
‫‪ -‬هذه الحاجات غير قابلة للتجزئة ويستحيل استبعاد أي فرد من‬
‫التمتع بمنافع هذه الخدمات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحاجات املستحقة‪.‬‬
‫هناك نوع آخر من الحاجات يمكن تجزئتها‪ ،‬أي تجزئة إشباعها ويعني‬
‫هذا إمكانية فصل حاجة األفراد عن حاجة البعض اآلخر‪ ،‬ويتوقف حدود‬
‫هذه الخدمات أو الحاجات على الطبيعة االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية لدور الدولة في املجتمع‪ ،‬وهي حاجات يمكن أن يترك أمر القيام‬
‫بها للنشاط الخاص غير أن الهيئات العامة تقوم بها إذا كانت هناك منفعة‬
‫عامة تستدعيها‪ ،‬ويرجع ذلك إلى عوامل عدة منها‪:‬‬
‫‪ -‬إن املنفعة االجتماعية التي تعود من إشباع هذه الحاجات أكبر‬
‫من املنفعة الفردية؛‬
‫‪ -‬األولويات االجتماعية السائدة تحتم اإلشباع الجماعي لهذه‬
‫الحاجات؛‬
‫‪ -‬االعتبارات السياسية واالستراتيجية… الخ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذه الحاجات املستحقة‪ ،‬الحاجة إلى التعليم العام‬
‫والصحة والنقل واملواصالت واملياه والكهرباء والغاز… الخ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬السلع الفردية التي يقوم النشاط العام بإشباعها‪.‬‬
‫وهذه السلع بإمكان النشاط الخاص أو جهاز السوق أن يقوم‬
‫بتوجيه املوارد الضرورية إلشباعها‪ ،‬إال أنه والعتبارات مختلفة استراتيجية‬

‫‪34‬‬
‫وسياسية واجتماعية واقتصادية يقوم النشاط العام بإنتاج هذه السلع‬
‫والخدمات‪ ،‬مثل صناعة األسلحة‪ ،‬صناعة الحديد والصلب‪ ،‬وكافة‬
‫الصناعات األخرى التي يقوم النشاط العام‪ ،‬من خالل املشروعات العامة‪،‬‬
‫بإنتاجها‪ ،‬ويتسع نطاق هذا النوع من السلع كلما زاد تدخل الدولة في‬
‫الحياة االقتصادية أو في ظل ما يسمى بالدولة املنتجة أو املتدخلة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬معاييرالتمييزبين الحاجات العامة والحاجات الخاصة‪.‬‬
‫هناك عدة معايير للتمييز بين الحاجات العامة والخاصة نحصرها‬
‫فيما يلي‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬معيارمن يقوم باإلشباع‪.‬‬


‫فالحاجات العامة هي التي تقوم السلطة العامة بإشباعها عن طريق‬
‫االنفاق العام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬معيار من يحس بالحاجة‪.‬‬
‫فالحاجة تكون خاصة إذا كان يحس بها أحد األفراد وتكون عامة‬
‫إذا كانت الجماعة هي التي تحس بها‪ ،‬أي أن الحاجة الخاصة هي الحاجة‬
‫الفردية‪ ،‬والحاجة العامة هي الحاجة الجماعية‪ .‬ولكن يعاب على هذا‬
‫املعيار أن اإلحساس بالحاجات الجماعية إنما يتم هو اآلخر من خالل‬
‫أفراد الجماعة‪ ،‬باإلضافة إلى أن الحاجات التي تحس بها الجماعة قد ال‬
‫تقوم الدولة بإشباعها بل تترك القطاع الخاص وهو ما يجعل هذا املعيار‬
‫غير كافي لتحديد الحاجات العامة وخاصة في العصر الحديث‪.‬‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬سنة‪ ،)1979‬ص ص‪.6-4 .‬‬

‫‪35‬‬
‫ثالثا‪ :‬املعياراالقتصادي‪.‬‬
‫وهو ما يعرف "بقانون أقل مجهود"‪ ،‬وهو ما ينصرف إلى تحقيق أكبر‬
‫منفعة بأقل نفقة ممكنة‪ .‬فالفرد ال يقدم على إشباع حاجة إذا كان‬
‫إشباعها يتطلب نفقة أكبر مما تعطيه من منفعة‪ .‬أما إشباع الحاجات‬
‫العامة فال يخضع لهذا املعيار؛ إذ يكون على الدولة أن تقوم بإشباع هذه‬
‫الحاجات‪ ،‬بصرف النظر عن هذه املوازنة بين النفقة التي تتحملها‬
‫واملنفعة التي تعود عليها‪ .‬وواضح أن هذا املعيار يبعد عن الصواب‪ ،‬ذلك‬
‫أنه إذا امتنع على الدولة أن توازن بين النفقة العامة واملنفعة العامة التي‬
‫تعود عليها بصفتها شخصا عاما إال أنه يظل عليها أن توازن بين النفقة‬
‫العامة واملنفعة الجماعية التي تعود على الجماعة ككل‪.‬‬
‫ومع إعطاء املنفعة الجماعية مضمونا يتفق مع طبيعة دور الدولة‬
‫فاملنفعة الجماعية التي تهدف النفقة العامة إلى إشباعها‪ ،‬تتكون من‬
‫مجموعة عناصر اقتصادية واجتماعية وسياسية معقدة‪ .‬ومن هنا‬
‫نخلص إلى ان إشباع الحاجات العامة يخضع‪ ،‬شأن إشباع الحاجات‬
‫الخاصة‪ ،‬للموازنة بين النفقة واملنفعة‪ ،‬مع إعطاء املنفعة‪ ،‬فيما يخص‬
‫الحاجات العامة‪ ،‬مضمونا أوسع من مضمونها فيما يخص الحاجات‬
‫الخاصة‪ ،‬مضمونا يشتمل على عناصر غير اقتصادية ال يمكن تقويمها‬
‫بالنقود‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬املعيارالتاريخي‪:‬‬
‫تعتبر حاجات عامة تلك التي يدخل إشباعها في نطاق دور الدولة‬
‫التقليدي‪ ،‬وهي بصفة أساسية الدفاع‪ ،‬األمن والعدالة واملرافق التقليدية‬

‫‪36‬‬
‫األخرى‪.‬‬
‫تعتبر حاجات عامة تلك التي يدخل إشباعها في نطاق دور الدولة‬
‫التقليدي‪ ،‬وهي بصفة أساسية الدفاع‪ ،‬األمن والعدالة واملرافق التقليدية‬
‫األخرى‪.‬‬
‫وواضح أن هذا املعيار ال يواجه إال مرحلة من مراحل تطور الدولة‬
‫(مرحلة الدولة الحارسة)‪ ،‬ويقصر عن مواجهة مرحلة "الدولة املتدخلة"‬
‫التي تهدف‪ ،‬باإلضافة إلى القيام بالوظائف التقليدية‪ ،‬إلى ضمان التوازن‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬هذا فضال عن قصوره عن مواجهة مرحلة‬
‫"الدولة االشتراكية"‪ ،‬وهي التي تقوم أساسا باإلنتاج‪.‬‬
‫يتبين من خالل ما سبق أن املعايير املتقدمة ال تكفي لبيان الفرق‬
‫بين الحاجة العامة والحاجة الخاصة‪ ،‬وفي سبيل تعريف الحاجة العامة‪،‬‬
‫كان البد من تعريف "الحاجة الجماعية" ‪ ،‬ونقصد بها الحاجة التي يتم‬
‫إشباعها بالنسبة ملجموعة من الناس معا‪ ،‬أي التي يتم إشباعها بصورة‬
‫جماعية‪ ،‬ومثل ذلك الدفاع واألمن والصحة العامة والتعليم‪ ،‬ومعنى ذلك‬
‫أ ن تحديد الحاجة الجماعية إنما يستند إلى معيار املنفعة الجماعية‬
‫وبالتالي فإن الحاجة الجماعية هي التي يحقق اشباعها منفعة جماعية ال‬
‫منفعة فردية‪ ،‬وهنا نأخذ املنفعة الجماعية باملعنى الواسع‪ ،‬بحيث ال‬
‫تقتصر على املنفعة االقتصادية وحدها‪ ،‬بل تشمل باإلضافة إلى ذلك‬
‫عناصر سياسية وأخرى اجتماعية‪ .‬كما نشير أيضا إلى أن الحاجة‬
‫الجماعية ليس بالضرورة حاجة عامة إال إذا تقرر أن اشباعها يكون من‬

‫‪37‬‬
‫طرف الدولة‪ ،‬فالحاجة الجماعية التي يتولى القطاع الخاص إشباعها‬
‫كالنقل واملواصالت والتعليم‪....‬تخرج من نطاق املالية العامة‪.‬‬
‫وعلى ذلك يمكن القول إن "الحاجة العامة" هي الحاجة الجماعية‪،‬‬
‫أي الحاجة التي يترتب على اشباعها منفعة جماعية‪ ،‬والتي يقوم النشاط‬
‫العام بإشباعها‪ .‬واملالحظ أن هذا التعريف يعتمد على عنصرين‪1:‬‬

‫‪ -‬طبيعة الحاجة محددة على ضوء املنفعة التي تترتب على‬


‫إشباعها؛‬
‫‪ -‬طبيعة النشاط الذي يقوم بهذا اإلشباع‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬السياسة املالية‪.‬‬
‫إن تدخل الدولة لتحقيق االستقرار االقتصادي‪ ،‬والتوازن‬
‫االقتصادي‪ ،‬يكون من خالل السياسة االقتصادية التي يتم صياغتها‬
‫باالعتماد على مجموعة من األدوات‪ .‬وتعتبر السياسة املالية من بين أهم‬
‫هذه األدوات التي يمكن استخدامها حسب الحالة التي يمر بها االقتصاد‪،‬‬
‫لتصحيح مختلف اآلثار غير املرغوبة والتي تنجر عن مختلف السياسات‬
‫االقتصادية األخرى كالسياسة النقدية مثال‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم السياسة املالية‪.‬‬
‫اشتق مصطلح السياسة املالية أساسا من الكلمة الفرنسية (‪)FISC‬‬
‫والتي تعني حافظة النقود أو الخزانة‪ 2.‬وهنا نشير أنه ال يوجد تعريف‬
‫محدد للسياسة املالية‪ ،‬ألن مثل هذا التعريف يتم وفقا للوظائف‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سايق‪ ،‬ص‪.7.‬‬


‫‪ .2‬طارق الحاج‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬عمان‪ :‬دار صفاء للنشر‪ ،)1999 ،‬ص‪.201 .‬‬

‫‪38‬‬
‫واألهداف التي تسعى السياسة املالية إلى تحقيقها‪ ،‬والتي تختلف من دولة‬
‫إلى أخرى حسب طبيعة نظامها االقتصادي‪ ،‬ودرجة التطور االقتصادي‪،‬‬
‫وارتباطا بظروفها‪ ،‬وأوضاعها‪ ،‬ومواردها‪ ،‬واحتياجاتها‪ ،‬والتي تقود بالنتيجة‬
‫إلى تعدد مفاهيم السياسة املالية‪.‬‬
‫فتعرف السياسة املالية بكونها‪ " :‬تعبير عن برنامج عمل تخططه‬
‫وتنفذه الدولة عن عمد‪ ،‬مستخدمة فيه مصادرها اإلرادية وبرامجها‬
‫اإلنفاقية إلحداث آثار مرغوبة وتجنب آثار غير مرغوبة على كافة متغيرات‬
‫النشاط االقتصادي واالجتماعي والسياس ي تحقيقا ألهداف املجتمع"‪1.‬‬

‫أو هي‪" :‬عبارة عن دراسة تحليلية للنشاط املالي للقطاع العام وما‬
‫يستتبع هذا النشاط من آثار بالنسبة ملختلف قطاعات االقتصاد الوطني‪،‬‬
‫وهي تتضمن التكييف الكمي لحجم اإلنفاق العام واإليرادات العامة وكذا‬
‫التكييف النوعي ألوجه هذا االنفاق ومصادر هذه اإليرادات بغية تحقيق‬
‫أهداف معينة في طليعتها النهوض باالقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية‬
‫وإشاعة االستقرار‪ ،‬وذلك من خالل التقريب بين طبقات املجتمع وإتاحة‬
‫تكافؤ الفرص بين جمهور املواطنين"‪2.‬‬

‫كما تعرف السياسة املالية بأنها‪ ":‬كل قرار تتخذه الحكومة‬


‫باستخدام األدوات املالية العامة كاإلنفاق العام بأنواعه وفرض الضرائب‬
‫بأشكالها‪ ،‬واإلعانات االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وأدوات الدين العام‪،‬‬
‫وذلك للتأثير على النشاط االقتصادي من خالل التأثير على كل من الطلب‬

‫‪ .1‬حامد عبد املجيد داراز‪ ،‬دراسات في السياسات املالية‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية‪ ،)1988 ،‬ص‪.11 .‬‬
‫‪ .2‬عبد املنعم فوزي‪ ،‬املالية العامة والسياسات املالية‪ ،‬ط‪( ،4‬الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪،)1992 ،‬‬
‫ص‪.12.‬‬

‫‪39‬‬
‫الكلي والعرض الكلي‪ ،‬إضافة إلى إدارة الحكومة للميزانية الخاصة بالدولة‬
‫لتحقيق أهدافها االقتصادية"‪1 .‬‬

‫مما سبق يمكن القول إن السياسة املالية هي الطريق التي تنتهجها‬


‫الدولة في تخطيط اإلنفاق العام وتدبير وسائل تمويله كما يظهر في املوازنة‬
‫العامة للدولة‪ ،‬بما يحقق أهدافها االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫وتنقسم السياسة املالية بدورها إلى ثالث سياسات فرعية هي‬
‫السياسة الضريبية‪ ،‬السياسة اإلنفاقية والسياسة االئتمانية‪ .‬لكل‬
‫سياسة من هذه السياسات أدواتها الخاصة بها واملميزة لها‪ .‬فالضرائب‬
‫بأنواعها وأشكالها هي أدوات السياسة الضريبية‪ .‬ومجاالت اإلنفاق العام‬
‫هي أدوات السياسة اإلنفاقية‪ .‬أما السياسة االئتمانية فلها جانبان‪ .‬تهتم‬
‫في جانب منها بسياسة حصول الدولة على القروض العامة بكافة أنواعها‪،‬‬
‫وإدارة خدمة الدين العام وسداد أصل القرض وفوائده‪ .‬وتهتم في الجانب‬
‫اآلخر بسياسة منح الدولة للقروض والسلفيات لفئات املجتمع املختلفة‬
‫وإدارتها لهذه القروض ومتابعة استردادها‪ .‬وتختلف السياسة االئتمانية‬
‫عن كل من السياسة الضريبية والسياسة االنفاقية‪ .‬فكل من السياسة‬
‫الضريبية والسياسة اإلنفاقية يحتفظان بهويتهما دون تغيير في مراحل‬
‫تصميم السياسة‪ .‬وعندما نتحول إلى مراحل التنفيذ فإن السياسة‬
‫االئتمانية تتحول إلى صورة من صور اإليراد العام أو صورة من صور‬
‫اإلنفاق العام‪ .‬فحصول الدولة على القروض العامة بكافة أنواعها هي‬
‫مصدر من مصادر اإليرادات العامة‪ .‬وسداد أصل القرض وفوائده هو نوع‬

‫‪ .1‬رضا خالص ي‪ ،‬شذرات املالية العامة‪( ،‬الجزائر‪ :‬دار هومة‪ ،)2016 ،‬ص‪ 54 .‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫من أنواع اإلنفاق العام‪ .‬في حين أن منح الدولة للقروض والسلفيات لفئات‬
‫املجتمع هو نوع من أنواع اإلنفاق العام‪ ،‬واسترداد هذه القروض‬
‫والسلفيات وفوائدها هي مصدر من مصادر اإليراد العام‪ 1.‬وهذا بيان‬
‫ألدوات السياسة املالية وأهدافها‪2:‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أدوات السياسة املالية‪.‬‬


‫تستطيع الدولة أن تتدخل في النشاط االقتصادي وتؤثر على‬
‫املتغيرات االقتصادية مباشرة‪ ،‬ويمتد هذا التأثير إلى محددات التوازن‬
‫الكلي مستخدمة في ذلك سياستها املالية‪ .‬وبما أن السياسة املالية تعني‬
‫استخدام الحكومة للضرائب واإلنفاق العام واملوازنة العامة من أجل‬
‫تحقيق االستقرار االقتصادي وتحقيق العدالة االجتماعية‪ ،‬كل ذلك في‬
‫إطار تحقيق أهداف التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ .‬من هنا يتضح أن‬
‫هناك ثالث أدوات أساسية للسياسة املالية هي‪ :‬اإليرادات العامة‬
‫(الضرائب خاصة)‪ ،‬النفقات العامة‪ ،‬واملوازنة العامة للدولة‪ .‬وهذه‬
‫األدوات يتم استخدامها على النحو التالي‪3 :‬‬

‫‪ -‬زيادة أو إنقاص الضرائب؛‬


‫‪ -‬زيادة أو إنقاص اإلنفاق العام؛‬
‫‪ -‬استحداث فائض أو عجز في املوازنة العامة‪.‬‬
‫‪ .1‬بوزيان عبد الباسط‪" ،‬دور السياسة املالية في استقطاب االستثمار األجنبي املباشر –دراسة حالة الجزائر خالل‬
‫الفترة (‪ ،) 2004-1994‬مذكرة ماجيستير‪ ،‬فرع نقود ومالية‪ ،‬قسم العلوم االقتصادية‪ ،‬جامعة حسيبة بن بوعلي‪،‬‬
‫الشلف‪ ،2007-2006 ،‬ص ص‪.62-61 .‬‬
‫‪ -2‬رضا خالص ي‪ ،‬شذرات املالية العامة‪( ،‬الجزائر‪ :‬دار هومة‪ ،)2016 ،‬ص‪ 54‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .3‬دراوس ي مسعود‪" ،‬السياسة املالية ودورها في تحقيق التوازن االقتصادي –حالة الجزائر ‪ ،")2004-1990‬أطروحة‬
‫دكتوراه‪ ،‬كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬ص‪.159 .‬‬

‫‪41‬‬
‫أوال‪ :‬النفقات العامة‪.‬‬
‫وهي مبلغ من النقود يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد إشباع‬
‫حاجات عامة‪ .‬وهناك نفقات حقيقية ونفقات تحويلية؛ أما النفقات‬
‫الحقيقية فهي النفقات التي تحصل الدولة من جراء إنفاقها على سلع‬
‫وخدمات مثل الرواتب التي تدفع للموظفين للحصول على خدماتهم‪،‬‬
‫وكذلك نفقات شراء مستلزمات املكاتب الحكومية ونفقات املشاريع‬
‫االستثمارية‪ .‬أما بالنسبة للنفقات التحويلية فهي النفقات التي ال تحصل‬
‫الدولة من جراء إنفاقها على سلع وخدمات‪ ،‬بل مجرد نقل القوة الشرائية‬
‫من الدولة إلى جهات أخرى‪ .‬وسيأتي تفصيل النفقات العامة في الفصل‬
‫الثاني‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإليرادات العامة‪.‬‬


‫تعتبر اإليرادات العامة من أهم األدوات التي تستخدمها الحكومة‬
‫في تنفيذ خططها التنموية الشاملة‪ ،‬وتسعى دوما إلى زيادة حصيلتها‬
‫والحفاظ عليها‪ ،‬كما تعتبر مؤشرا حقيقيا يعكس مدى فعالية األداء‬
‫الحكومي االقتصادي واملالي‪ .‬والفصل الثالث فيه تفصيل اإليرادات‬
‫العامة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الضرائب‪.‬‬
‫وتدخل ضمن اإليرادات العامة‪ ،‬وهي فريضة نقدية يدفعها الفرد‬
‫جبرا إلى الدولة أو إحدى الهيئات العامة املحلية بصفة نهائية‪ ،‬مساهمة‬

‫‪42‬‬
‫منه في تحمل التكاليف واألعباء العامة‪ ،‬دون أن يعود عليه نفع خاص‬
‫مقابل دفع الضريبة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أهداف السياسة املالية‪.‬‬
‫تستمد السياسة املالية أهدافها من املشاكل االقتصادية التي‬
‫تفرضها البيئة االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬مما يستدعي ضرورة‬
‫اتخاذ قرارات حاسمة ملواجهة هذه األزمات املختلفة‪ ،‬وباعتبار أن‬
‫السياسة املالية تشكل جزءا مهما من املالية العامة للدولة فإنها تسعى إلى‬
‫تحقيق األهداف التي تسعى إلى تحقيقها املالية العامة‪ ،‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التدخل في مراحل الدورة االقتصادية‪.‬‬
‫تستخدم الدولة السياسة املالية من أجل تصحيح املسار العام‬
‫لالقتصاد والقضاء على اإلغراقات الناشئة في كل مرحلة من مراحل الدورة‬
‫االقتصادية‪ ،‬بحيث تستطيع الدولة زيادة اإلنتاج عن طريق تخفيض‬
‫الضرائب على األنشطة التي ال تتوجه اليها عناصر اإلنتاج لدى القطاع‬
‫الخاص ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬سياسة مالية انكماشية ملعالجة مشكلة التضخم‪.‬‬
‫تعمل على تقليل الطلب الكلي في فترات التضخم باستخدام أدوات‬
‫السياسة املالية املتمثلة بتخفيض اإلنفاق الحكومي وزيادة الضرائب‬
‫وتقليل تقديم الخدمات‪ ،‬مما يؤدي إلى تقليص الفجوة التضخمية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬سياسة مالية توسعية ملعالجة ظاهرة االنكماش‪.‬‬
‫تعمل علي زيادة الطلب الكلي والنمو االقتصادي وذلك عن طريق‬
‫تخفيض الضرائب وزيادة اإلنفاق الحكومي وزيادة تقديم الخدمات‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫بحيث يؤدي زيادة اإلنفاق الحكومي إلى زيادة االنفاق الكلي مما يؤدي إلى‬
‫تخفيض أو تقليص الفجوة االنكماشية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تحقيق العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫بحيث تستطيع الدولة عن طريق السياسة املالية أن تعيد توزيع‬
‫الدخل القومي لصالح الطبقات الفقيرة من خالل فرض الضرائب‬
‫التصاعدية على الدخول التي يتحملها األغنياء أكثر من الفقراء ومن ثم‬
‫زيادة االنفاق العام على مشاريع الخدمات العامة والقطاعات غير‬
‫اإلنتاجية التي يستفيد منها أصحاب الدخل املحدود‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أهمية السياسة املالية ودورها في تحقيق التوازن‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫اختلف املدارس الفكرية االقتصادية الرأسمالية التقليدية أو‬
‫الحديثة‪ ،‬في مدى أثر كال من السياستين املالية والنقدية ومدى فعالية كل‬
‫منهما في التأثير على استقرار النشاط االقتصادي الكلي‪ ،‬فذهب‬
‫التقليديون وبعدهم النقديون إلى أن السياسة النقدية هي أكثر فعالية‬
‫ونجاعة في التحكم في املستوى العام لألسعار (تحديد مستوى الدخل)‬
‫باعتباره متغير تابع لعرض النقود‪ ،‬وأن التحكم في املعروض النقدي هو‬
‫أساس عالج مشاكل االقتصاد املعاصرة‪ ،‬ألن كل تغيرات الدخل تغيرات‬
‫حقيقية تتطلب صرامة في اإلصدار النقدي‪ 1.‬وبالتالي عدم فعالية‬
‫السياسة املالية في تحقيق ذلك‪ ،‬حيث تعتبر السياسة املالية محايدة‬

‫‪ .1‬بلعزوز بن علي‪ ،‬محاضرات في النظريات والسياسات النقدية‪( ،‬الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪،)2004 ،‬‬
‫ص‪.100 .‬‬

‫‪44‬‬
‫وليس لها أي دور اقتصادي أو اجتماعي في إطار ما تضمنته املالية العامة‬
‫الكالسيكية والتي ترتبط بوجوب أن يقتصر دور الدولة على أدنى قدر‬
‫ممكن‪ ،‬حيث ينحصر دورها في تأمين الدفاع الخارجي‪ ،‬تحقيق األمن‬
‫الداخلي‪ ،‬توفير العدالة‪ ،‬وفرض النظام‪ ،‬وعليه تكون نفقات الدولة‬
‫منخفضة إلى أقل قدر ممكن‪ ،‬وهو ما يجعل من اإليرادات الالزمة لتغطية‬
‫هذه النفقات أقل ما ممكن‪1 .‬‬

‫إال أن التطورات في مجمل األوضاع االقتصادية واالجتماعية في‬


‫كافة الدول‪ ،‬إلى جانب أزمة الكساد الكبير كانت بمثابة املحك الحقيقي‬
‫ألطروحات التقليديين‪ ،‬حيث عجزت هذه األطروحات عن إيجاد التفسير‬
‫والعالج لهذه الظاهرة‪ ،‬وهنا جاء كينز الذي دعا إلى ضرورة تدخل الدولة‬
‫في عمل النشاطات االقتصادية‪ ،‬حيث اعتمد الكنزيون في عالج حالة‬
‫الكساد التي تعرض لها االقتصاد اللبرالي على فعالية السياسة املالية‪ ،‬على‬
‫أساس عدم نجاعة السياسة النقدية في إحداث التوازن االقتصادي العام‬
‫املطلوب‪ .‬وقد اعتمدوا في ذلك على اتباع سياسة مالية توسعية من أجل‬
‫توفير الطلب الكلي الفعال الالزم الستخدام الطاقة االنتاجية غير‬
‫املستغلة‪ ،‬وتصريف الفائض من السلع والخدمات غير املباعة‪ ،‬وتشغيل‬
‫واستخدام املوارد عموما‪ ،‬ومورد العمل خصوصا‪ .‬وذلك من خالل سياسة‬
‫مالية تتضمن التوسع في اإلنفاق العام‪ ،‬وبالذات من خالل األشغال‬
‫العامة‪ ،‬والبرامج األخرى التي تؤدي إلى زيادة الدخل القابل لإلنفاق لدى‬
‫األفراد والجهات الخاصة‪ ،‬وبالشكل الذي يتم عن طريقه زيادة الطلب‬

‫‪ .1‬فليح حس خلف‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬عمان‪ :‬دار الكتاب العاملي‪ ،)2008 ،‬ص ص‪.337-336 .‬‬

‫‪45‬‬
‫الفعال الالزم لتحقيق التشغيل واالستخدام الكامل للموارد‪ ،‬والتي أثبتت‬
‫أزمة الثالثينيات عجز آلية السوق الحرة والتلقائية عن تحقيقه‪1.‬‬

‫إن مرجع عدم فعالية السياسة النقدية من منظور كينز هو أن‬


‫)‪2(Trappe de liquidités‬‬ ‫االقتصاد في حاالت الكساد يقع في مصيدة السيولة‬
‫التي تمنع استجابة سعر الفائدة للتغير في عرض النقود ألنه يكون قد بلغ‬
‫أدنى انخفاض له‪ .‬ومهما زاد عرض النقود ال تنخفض الفوائد ومن ثم لن‬
‫يحدث املزيد من االستثمار ولن يزيد الدخل‪ .‬وهو ما يعني اعتماد النظرية‬
‫الكنزية في حل املشاكل االقتصادية التي قد تتعرض لها دولة ما على‬
‫السياسة املالية‪ ،‬واعتبرتها بالتالي األداة املفضلة لتحقيق أهدافها‬
‫االقتصادية ومنه تحقيق االستقرار االقتصادي‪.‬‬
‫ففي حالة الكساد تقوم الدولة بزيادة نفقاتها الكلية بهدف زيادة‬
‫الطلب الكلي الفعال‪ .‬أما معالجة التضخم فتتم من خالل تخفيض حجم‬
‫االنفاق الحكومي بما يؤدي إلى تخفيض املستوى العام لألسعار‪.‬‬

‫‪ .1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.338-337 .‬‬


‫‪ .2‬يعتبر االقتصادي كينز أول من أشار إلى هذه الظاهرة وناد بعدم جدوى السياسة النقدية في ظل الكساد‪ ،‬ألن الزيادة‬
‫في كمية النقود من قبل السلطات النقدية سيحتفظ بها األفراد على شكل أرصدة نقدية عاطلة‪ ،‬وهذا يعني استحالة‬
‫زيادة الناتج القومي عن طريق السياسة النقدية عندما تصل أسعار الفائدة إلى أدنى مستوى لها ال يمكن تجاوزه‪ .‬وعلى‬
‫ذلك ناد كينز بضرورة اعتماد السياسة املالية من أجل زيادة حجم الناتج القومي والتخلص من حالة الكساد‬
‫االقتصادي‪ .‬أنظر في ذلك‪ :‬ضياء مجيد املوسوي‪ ،‬النظرية االقتصادية التحليل االقتصادي الكلي‪ ،‬الكلي‪( .‬الجزائر‪:‬‬
‫ديوان املطبوعات الجامعية‪،2005 ،) .‬ص‪.254 .‬‬

‫‪46‬‬
‫والحقيقية أن كينز لم يلغي تماما دور وأهمية السياسة النقدية إال‬
‫أنه يرى أنها ذات فعالية أقل‪ ،‬فهو يرى أنه يمكن استخدامها كسياسة‬
‫مكملة ومساعدة للسياسة املالية‪ ،‬خاصة أنها تؤثر في حجم االئتمان الذي‬
‫يؤثر بدوره في حجم اإلنفاق الكلي‪1.‬‬

‫وهذا التأثير يتحدد بحسب طبيعة األزمة االقتصادية السائدة‪،‬‬


‫فإذا كان هناك تضخم تلجأ السلطات النقدية إلى الرفع من تكلفة االئتمان‬
‫لتحد من قدرة املصارف على التوسع فيه‪ .‬أما إذا كانت الدولة في حالة‬
‫ركود‪ ،‬فإنها تقوم بإجراء معاكس لإلجراء األول‪ 2.‬وعموما نجد أن الكثير من‬
‫الحكومات تواجه مشكلة جوهرية تتمثل في االختيار والتنسيق واملالئمة‬
‫بين السياستين النقدية واملالية‪.‬‬

‫‪ .1‬بلعزوز بن علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.102-100 .‬‬


‫‪ .2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.102-100 .‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫تطوراملالية العامة وعالقتها‬
‫بالعلوم األخرى‬
‫للمالية العامة عالقتها بباقي العلوم مؤثرة فيها ومتأثرة بها‪ ،‬إضافة‬
‫إلى أنها كغيرها من العلوم نشأت وتطورت عبر مراحل تاريخية وفكرية‪،‬‬
‫وهذا تفصيل لذلك‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬نشأة وتطوراملالية العامة‪.‬‬
‫تطورت املالية العامة مع تطور دور الدولة في املجتمع الذي يرتبط‬
‫بتطور العوامل السياسية واالجتماعية التي تحكم هذا املجتمع‪ ،‬ويمكن‬
‫تقسيم هذا التطور إلى مرحلتين اثنتين؛ األولى مرحلة ما قبل ظهور الدولة‬
‫املركزية‪ ،‬والثانية ما بعد ظهورها‪ ،‬وهذا بيان لذلك‪1:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬ما قبل ظهورالدولة املركزية‪.‬‬


‫بعد سقوط اإلمبراطورية الرومانية بدأت حقبة جديدة أطلق عليها‬
‫العصور الوسطى والتي امتدت من القرن الخامس امليالدي إلى منتصف‬
‫القرن الخامس عشر‪ ،‬وكان من أهم مظاهرها انهيار مفاهيم الدولة‬
‫والنظم املالية التي كانت تمثلها اإلمبراطورية الرومانية‪ .‬وقد انقسم املجتمع‬
‫خالل هذه الفترة إلى طبقتين وهما طبقة مالك األراض ي وطبقة العامة‪.‬‬
‫حيث كان مالك األراض ي يقومون بتأجير أراضيهم للعامة‪ ،‬وأصبح في يد‬
‫مالك األرض سلطات إدارية كبيرة لدرجة أن دائرة ملكيته أصبحت تمثل‬
‫الوحدة االقتصادية والسياسية الجديدة‪ .‬وقد كانت الدولة في هذه‬
‫الحقبة تعني الحاكم وبالتالي كانت مالية الدولة هي مالية هذا الحاكم الذي‬
‫كان يتصرف بها بما يخدم مصالحه الخاصة كما كان له سلطة االستيالء‬
‫على األموال ومصادرتها‪ ،‬وكان الشعب يتحمل عبء هذا وذلك في ظل‬

‫‪ .1‬حسين العمر‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪( ،‬الكويت‪ :‬مكتبة الفالح للنشر والتوزيع‪ ،)2002 ،‬ص‪ 12‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫النظام اإلقطاعي السائد في تلك الفترة‪ ،‬فقد كان النظام السياس ي السائد‬
‫هو نظام املقاطعات التي يحكمها امللوك أو األمراء‪1.‬‬

‫وخالل هذه الفترة لم يكن هناك تفريق واضح بين النفقات العامة‬
‫التي تستخدم إلشباع الحاجات الخاصة ألسرة الحاكم وحاشيته‪ ،‬وتلك‬
‫التي تستعمل لتمويل الحاجات العامة للمجتمع‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة‬
‫لإليرادات التي تجمع من أفراد الشعب على اختالف مستوياتهم وطبيعة‬
‫أعمالهم‪.‬‬
‫فقد كان الحاكم حر في إنفاق وجباية األموال حسب حاجته لعدم‬
‫وجود ضوابط تشريعية تحد من سلطاته‪ ،‬ولذلك نجده عند فرض‬
‫الضرائب في الظروف االستثنائية‪ ،‬قد يسعى إلى الحصول على موافقة‬
‫حاشيته ومستشاريه وممثلي األمة‪ ،‬وقد يتجاهل ذلك‪ .‬وفضال عن حصيلة‬
‫الضرائب والرسوم ومساعدة االفراد للحاكم في الحاالت الطارئة التي‬
‫تتطلب نفقات إضافية‪ ،‬فإن املورد الرئيس ي للدولة هو إيراد األمالك‬
‫العامة‪ ،‬التي كان معظمها ملكا للحاكم‪2.‬‬

‫إال أنه مع ازدهار املدن التجارية كفلورنسا والبندقية وهامبورغ‬


‫واستقاللها عن األمراء اإلقطاعيين وتحولها إلى دويالت مستقلة وتنامي‬
‫حركة التجارة وذلك منذ القرن الحادي عشر بدأت بوادر حقبة جديدة‬
‫بدأ معها نظام اإلقطاع بالتقلص‪ ،‬ومع نهاية العصور الوسطى في النصف‬
‫الثاني من القرن الخامس عشر انهار النظام اإلقطاعي نتيجة لظهور‬

‫‪ .1‬يحيى دنيدني‪ ،‬املالية العمومية‪ ،‬ط‪( 2‬الجزائر‪ :‬دار الخلدونية‪ ،)2014 ،‬ص‪.24.‬‬
‫‪ .2‬جمال لعمارة‪" ،‬تطور فكرة املوازنة العامة للدولة"‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬نوفمبر‬
‫‪ ،2001‬ص ص‪.103-102.‬‬

‫‪51‬‬
‫الدولة املركزية ككيان سياس ي مستقل وتنامي حركة اإلصالح وازدهار‬
‫التجارة الخارجية وتطور نظم اإلنتاج‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ما بعد ظهورالدولة املركزية‪.‬‬
‫أما بعد ظهور الدولة املركزية فقد تطورت املالية العامة عبر عدة‬
‫مدارس كما يأتي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املدرسة التجارية‪.‬‬
‫إن تنظيم املالية العامة في الدول الغربية على األسس واملبادئ‬
‫املتعارف عليها اليوم‪ ،‬قد جاء نتيجة لتطور الحياة‪ ،‬وإسراف بعض الحكام‬
‫في تحصيل الضرائب‪ ،‬وإرهاق الشعوب والتضييق عليهم‪ ،‬مما أدى إلى تنام‬
‫االحتجاج والغضب الشعبي في شكل ثورات تسعى إلى وضع حد لسلطة‬
‫الحاكم في فرض الضرائب‪ ،‬وفي طريقة جبايتها وإنفاقها‪ ،‬مما أدى إلى نشوء‬
‫حق الشعب في مناقشة محتويات املوازنة العامة واعتمادها‪1 .‬‬

‫بعد انهيار نظام اإلقطاع وظهور الدولة املركزية والتي واكبها ازدهار‬
‫النشاط التجاري ظهرت طبقة التجار كقوة فاعلة في املجتمع خلفت طبقة‬
‫اإلقطاعيين وواكب ذلك ظهور ما يطلق عليه بالفكر االقتصادي التجاري‪.‬‬
‫وكان من أهم رواد هذا الفكر العالم الفرنس ي "بودن" واإلنجليزي "مان"‪.‬‬
‫فقد ناقش األول في مؤلفه "ستة كتب في الجمهورية" الذي أصدره عام‬
‫‪ 1576‬مصادر اإليرادات العامة‪ ،‬كما ناقش الثاني اآلثار املترتبة على فرض‬
‫رسوم اإلنتاج وذلك في مؤلفه "ثروة إنجلترا في التجارة الخارجية" الذي‬
‫نشره عام ‪ .1630‬وقد ركز التجاريون على مبدأ تدخل الدولة لحماية‬

‫‪ .1‬جمال لعمارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.103 .‬‬

‫‪52‬‬
‫مصالح التجار من منافسيهم‪ .‬كما ظهرت عدة كتابات في املالية العامة في‬
‫القرن السابع عشر والثامن عشر ركزت على تحليل اآلثار املترتبة على‬
‫فرض رسوم اإلنتاج والضرائب كما ظهرت آراء تطالب بتدخل الدولة‬
‫لحماية التجار والصناعيين‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد بدأت مالمح نظام اقتصادي‬
‫جديد بالظهور وهو النظام الحر أو النظام الرأسمالي‪1.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬املدرسة التقليدية‪.‬‬


‫مع بداية الثورة الصناعية في الربع األخير من القرن الثامن عشر بدأت‬
‫مالمح الفكر االقتصادي التقليدي بالظهور مع كتابات آدم سميث‬
‫وريكاردو‪ .‬ففي كتابه الشهير "ثروة األمم" الذي صدر عام ‪ ،1776‬تطرق‬
‫آدم سميث في أحد أجزائه ملوضوع املالية العامة من خالل تحديده‬
‫للوظائف األساسية للدولة والتي حصرها في‪ :‬الدفاع‪ ،‬حماية امللكية‬
‫الخاصة‪ ،‬توفير العدالة‪ ،‬والقيام باملشاريع التي ال ُيقبل عليها القطاع‬
‫الخاص لعدم ربحيتها‪ .‬كما تطرق سميث في هذا الجزء إلى موضوع‬
‫الضرائب ووضع أربعة قواعد عامة لفرض الضريبة وهي‪ :‬املساواة‪ ،‬التأكد‪،‬‬
‫ُ‬
‫املالءمة‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬وهي قواعد الزالت تستخدم في وقتنا الحاضر‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فقد كان يرى أن ريع األرض هو أهم وأنسب مورد‬
‫للضرائب ألن مالك األراض ي يحصلون على هذا الريع دون جهد‪ ،‬ففرض‬
‫ضرائب على األجور ستؤثر على األسعار والطلب على العمل‪ ،‬أما الضرائب‬

‫‪ .1‬حسين العمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.14-13:‬‬

‫‪53‬‬
‫على األرباح فإنها ستؤدي إلى آثار سلبية على التكوين الرأسمالي في‬
‫االقتصاد‪1.‬‬

‫أما ريكاردو فقد أكد في كتاباته وأهمها "أصول االقتصاد السياس ي‬


‫والضرائب" والذي نشره عام ‪ 1817‬على فرض الضريبة على ريع األرض‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فقد ناقش االقتصادي جون ستيوارت ميل في كتابه‬
‫"االقتصاد السياس ي" الذي نشره عام ‪ ،1848‬نظريات توزيع العبء‬
‫الضريبي والعدالة الضريبية وبشكل خاص مبدأي التضحية املتساوية‬
‫والتضحية األدنى اللذان استخدمهما لتبرير مبدأ الضريبة التصاعدية‬
‫على الدخل وكمعيار لقياس القدرة على دفع الضريبة‪.‬‬
‫وهكذا فإن دراسات املالية العامة الحديثة بدأت بمؤلف آدم‬
‫سميث "ثروة األمم" الذي ناقش قواعد العدل في توزيع الضرائب واآلثار‬
‫كتاب املالية بعد ذلك يناقشون هذه األفكار‬ ‫االقتصادية للضرائب‪ ،‬وبدأ ّ‬
‫ّ‬
‫ويعلقون عليها‪ ،‬حيث ّ‬
‫تلقف ريكاردو هذه األفكار وناقشها في كتابه "أصول‬
‫االقتصاد السياس ي والضرائب"‪2.‬‬

‫وعموما‪ ،‬درس التقلديون النفقات العامة في ضوء منطقهم الذي‬


‫يحدد النفقات الالزمة للوفاء بالحاجات العامة التي تولت الدولة أمر‬
‫اشباعها وفقا ملتطلبات املذهب االقتصادي الحر‪ ،‬ولهذا فقد كان املبرر‬
‫األساس ي وقتئذ لتحصيل اإليرادات العامة هو تغذية النفقات العامة‬
‫الالزمة لتسيير املرافق املحدودة التي تتولى الدولة امر تنظيمها وإدارتها‬
‫‪ .1‬فليح حسن خلف‪ ،‬املالية العامة‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ :‬جدارا للكتاب العاملي‪.2008 ،‬‬
‫‪ ،‬ص‪ 26‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬علي زغدود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬

‫‪54‬‬
‫وملكيتها‪ ،‬ولذلك فإن الدولة في ظل هذه النظرية تحترم مبدأ التوازن‬
‫السنوي للموازنة‪ ،‬بحيث ال تسمح بفرض إيرادات وتحصيلها أو بتكليف‬
‫املكلفين بأعباء مالية إال ضمن الحدود الالزمة لتمويل نفقات هذه املرافق‬
‫(الدولة الحارسة)‪1 .‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬املدرسة االشتراكية‪.‬‬


‫تعتبر كتابات كال ماركس ومن أهمها كتاب "انتقاد لالقتصاد‬
‫السياس ي" الذي صدر في عام ‪1859‬وكتاب "رأس املال" الذي نشر جزأه‬
‫ُ‬
‫األول في عام ‪ 1867‬ثم نشرت أجزاؤه األخرى بعد وفاته‪ ،‬من أهم مراجع‬
‫املدرسة االشتراكية والتي هي في الواقع جز من املدرسة الكالسيكية في‬
‫اإلطار الزمني والفكري‪ .‬وقد انتقد ماركس في كتاباته الفكر الرأسمالي ودعا‬
‫إلى دور أوسع للدولة في االقتصاد للقضاء على ما يراه استغالل أصحاب‬
‫رأس املال للطبقة العاملة‪ .‬فقد طالب بتملك الدولة لعناصر اإلنتاج‬
‫والثروة في املجتمع مما وسع من نطاق موضوع املالية العامة ليشمل كل‬
‫القضايا االقتصادية التي يواجهها املجتمع‪ .‬ويرى ماركس أن تملك الدولة‬
‫لعناصر اإلنتاج واملنشآت اإلنتاجية‪ ،‬في إطار ما يعرف بالدولة املنتجة‪،‬‬
‫سيلغي الحاجة لفرض الضرائب حيث ستعتمد الدولة حينئذ على فائض‬
‫املشروعات لتمويل إنفاقها‪2.‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15 .‬‬


‫‪ .2‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.37-36 .‬‬

‫‪55‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬املدرسة التقليدية الجديدة‪.‬‬
‫ظهرت املدرسة التقليدية الحديثة مع كتابات "مارشال" والتي تطرق‬
‫فيها ملوضوع العبء الضريبي وآثاره بناء على طبيعة التكاليف التي يخضع‬
‫لها إنتاج السلع املفروضة عليها هذه الضرائب‪ .‬حيث يرى مارشال أن فرض‬
‫الضرائب على األنشطة التي يخضع إنتاجها لقانون التكاليف املتناقصة‬
‫وتحويل عوائد هذه الضرائب إلى إعانات لألنشطة التي يخضع إنتاجها‬
‫لقانون التكاليف املتزايدة سيعمل على زيادة الرفاهية االجتماعية‪ .‬وتعتبر‬
‫هذه اآلراء ملارشال هي األساس الذي ُبنيت عليه نظرية العبء الضريبي‬
‫املعاصرة‪.‬‬
‫ومن رواد املدرسة التقليدية الحديثة "باستابل" الذي تطرق في‬
‫كتابه "املالية العامة" الذي صدر عام ‪=1903‬إلى موضوع العدالة‬
‫الضريبية حيث رفض فكرة أن العدالة الضريبية تستلزم املساواة في‬
‫التضحية بين دافعي الضريبة‪ ،‬وعليه فقد رفض الضرائب التصاعدية ملا‬
‫تنطوي عليه من عدم العدالة بين دافعيها مفضال الضرائب النسبية‪ .‬كما‬
‫تطرق "هوبسن" إلى موضوع دور الضريبة في إعادة توزيع الثروة بين أفراد‬
‫املجتمع كقضية أكثر أهمية من مجرد كون الضريبة وسيلة لتمويل‬
‫اإلنفاق العام وهذا يعتبر منعطفا رئيسيا في تطور نظرية الضريبة‪.‬‬
‫كذلك اهتم االقتصادي "بيجو" بدراسة أثر األنواع املختلفة‬
‫للضرائب على االدخار واالستثمار فأوضح أن ضريبة التركات أقل أثرا على‬
‫االدخار واالستثمار من ضريبة الدخل‪1.‬‬

‫‪ .1‬حسين العمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.16-15 .‬‬

‫‪56‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬املدرسة الكينزية‪.‬‬
‫لقد شهد علم املالية العامة تحوال رئيسيا مع صدور كتاب "النظرية‬
‫العامة للتوظف والفائدة والنقود" لالقتصادي "كينز" في عام ‪،1936‬‬
‫فبعد أن كانت نظرة االقتصاديين قبل صدور هذا الكتاب ترى أن دور‬
‫الدولة حيادي من الناحية االقتصادية وبالتالي يجب املحافظة على موازن‬
‫متوازنة للدولة وأن ال يكون للضرائب أو اإلنفاق العام آثار على النشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬اختلفت الصورة تماما بعد الكساد الكبير الذي شهده العالم‬
‫في أواخر العشرينات من القرن العشرين حيث أصبح دور الدولة في‬
‫االقتصاد يكتس ي أهمية كبيرة‪ ،‬وتم استكمال الوظائف التقليدية للدولة‬
‫(األمن‪ ،‬الدفاع ‪ )...‬بالوظائف االقتصادية (تسمى أحيانا باملالية العامة‬
‫الوظيفية)‪ .‬وتتضمن هذه الوظائف أنشطة تخصيص املوارد‪ ،‬إعادة‬
‫التوزيع وتحقيق االستقرار‪ .‬وتستخدم الدولة السلطات التشريعية‬
‫والتنفيذية‪ ،‬فضال عن هيئاتها ومؤسساتها اإلدارة (املركزية والالمركزية)‬
‫ألداء هذه الوظائف‪ .‬فالدولة باعتبارها كيان اقتصادي خاص فهي تمتلك‬
‫السلطة التي تمكنها ليس فقط من تحديد القواعد‪ ،‬وإنما أيضا من فرض‬
‫التقيد بها من خالل األدوات املتاحة لها‪ 1،‬وخاصة أدوات السياسة املالية‬
‫التي كانت مغيبة‪ ،‬فقد أظهر الكساد الكبير عجز السياسة النقدية عن‬
‫املحافظة على التوازن في االقتصاد‪.‬‬
‫وقد أوضح "كينز" في كتابه أنه من خالل تغيير مصادر وحجم‬
‫اإليرادات والنفقات العامة يمكن التأثير على مجريات النشاط‬
‫‪1‬‬
‫‪. Public Finance – Basic Concepts, Ties and Aspects, accessed on 12/06/2021, in:‬‬
‫‪https://nb.vse.cz/~urbanek/Public%20Finance/PublicFinance.pdf‬‬

‫‪57‬‬
‫االقتصادي ومعالجة املشاكل التي يواجهها‪ ،‬وعليه فقد ركز على أن املهم‬
‫هو توازن االقتصاد القومي وليس توازن املوازنة العامة كما كان ينادي به‬
‫االقتصاديون من قبله‪ 1.‬وفي ضوء هذه الظروف مجتمعة اضطرت الدولة‬
‫إلى زيادة االنفاق العام لتحقيق أهدافها‪ ،‬وتخلت عن مبدأ الحياد‬
‫االقتصادي للحفاظ على دورها السياس ي واالجتماعي الرأسمالي‪ .‬وقد‬
‫ساعد في التخلي عن مبدأ الحياد العديد من العوامل‪ ،‬كان لها تأثيرا مهما‪،‬‬
‫منها‪2:‬‬

‫‪ -‬عدم اقتصار النفقات العامة على تمويل وظائف الدولة‬


‫التقليدية‪ ،‬وإنما أصبحت من أهم أدوات السياسة االقتصادية‬
‫واالجتماعية؛‬
‫‪ -‬اتسمت الزيادة في النفقات العامة باالستمرار‪ ،‬كما شكلت نسبة‬
‫مهمة من الدخل القومي؛‬
‫‪ -‬القبول االجتماعي التساع غرض اإليرادات العامة‪ ،‬بحيث يشمل‬
‫املجالين االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬املالية العامة في اإلسالم‪.‬‬
‫عرفت الدولة اإلسالمية املالية العامة مبكرا‪ ،‬إذ يمكننا القول أن‬
‫أول موازنة عرفت في اإلسالم كانت في عهد النبي ﷺ ‪ ،‬كما وجدت في عصر‬
‫الرسول ﷺ ومنذ فجر اإلسالم أحكام شرعية تميز بين املال العام واملال‬
‫الخاص‪ ،‬ثم تكاملت هذه األحكام حسب تطور الوقائع حتى شمل املال‬

‫‪ .1‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 29‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ .2‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.16-15 .‬‬

‫‪58‬‬
‫العام أوجها من املوارد منها الغنائم والفيء متضمنا واردات األرض‪،‬‬
‫والجزية‪ ،‬والزكاة‪ .‬كما كان الرسول (ص) يكتب كل ما يرد إليه من إيرادات‪،‬‬
‫حيث كان يجري تقديرا لها قبل ورودها‪ .‬وكان يتولى هذه العمليات أمناءه‬
‫على املال‪ ،‬وكان يحتفظ بسجالت لكثير من أنواع النفقات التي يمكن‬
‫تقديرها‪ ،‬مثل سجالت بأسماء املسلمين وذرياتهم لكي توزع عليهم‬
‫األعطيات طبقا لها‪ .‬ويعد العدة للنفقات غير املتوقعة‪ ،‬فيدخر لها جزءا‬
‫من اإليرادات العامة ملواجهتها عند حدوثها‪ .‬وقد صح أن رسول هللا صلوات‬
‫هللا وسالمه عليه كان يستوفي الحساب على عماله‪ ،‬يحاسبهم على‬
‫املستخرج واملصرف‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬جاءت الشريعة اإلسالمية منظمة ومبنية لسلطة ولي‬
‫األمر‪ ،‬ولحقوق وواجبات الرعية‪ ،‬كما حددت أسس الفرائض‪ ،‬ومواعيد‬
‫تحصيلها وأساليب توزيع املوارد وأوجه إنفاقها‪ ،‬والقواعد املنظمة لها‪،‬‬
‫ومنها قاعدة السنوية‪ ،‬والتعدد‪ ،‬والتخصيص‪ ،‬واملحلية وهي القواعد التي‬
‫تتميز بها املوازنة العامة في االقتصاد اإلسالمي أو تلك التي تتفق فيها مع‬
‫املوازنة في الفكر الغربي‪.‬‬
‫وبعد عهد الرسول ﷺ توسعت موارد الدولة بعد فرض الخراج‬
‫والعشور والجزية لبيت املال‪ .‬وعندما اتسعت الفتوحات اإلسالمية‬
‫انتظمت شؤون اإلدارة املالية وتم ضبط املوارد واإلنفاق وتسجيلهما وذلك‬
‫بفكرة الدواوين‪ ،‬وازدادت موارد الدولة ونفقاتها‪ ،‬وقسمت أموال الدولة‬

‫‪59‬‬
‫حسب مصادرها إلى ثالث خزائن‪ :‬خزينة األخماس‪ ،‬خزينة الخراج‪ ،‬وخزينة‬
‫الصدقات‪1 .‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬املالية العامة في الدول النامية‪.‬‬


‫ترى املدرسة الرأسمالية أن دور الدولة يجب أال يتعدى دور‬
‫الحارس للنظام االقتصادي مع إمكانية تدخلها في النشاط االقتصادي من‬
‫خالل أدوات املالية العامة والسياسة املالية ملعالجة أي انحرافات أو‬
‫مشاكل يواجهها االقتصاد‪ ،‬هذا باإلضافة إلى توفير ما ُيطلق عليه بالسلع‬
‫العامة‪ ،‬أما املدرسة االشتراكية فقد جعلت من الدولة املالك الوحيد لثروة‬
‫املجتمع وبالتالي املنتج الوحيد في االقتصاد‪ .‬وعليه وفقد تحول دور الدولة‬
‫في الفكر االشتراكي من مجرد دولة حارسة ومتدخلة في النشاط‬
‫االقتصادي إلى دولة منتجة تدير وتوجه هذا النشاط من خالل أجهزتها‬
‫املختلفة‪ .‬ونظرا لتطور هاتين املدرستين في املجتمعات الغربية وارتباط هذا‬
‫التطور بالتطور االقتصادي واالجتماعي والسياس ي لهذه املجتمعات فإن‬
‫عملية تطبيق مبادئ هاتين املدرستين على الدول النامية (املتخلفة)‬
‫أصبحت مثار جدل وخالف بين االقتصاديين ملا هنالك من فروق كبيرة في‬
‫األوضاع االقتصادية واالجتماعية والسياسية ما بين املجتمعات الغربية‬
‫واملجتمعات املتخلفة قد تجعل من عملية التطبيق املباشر لهذه املبادئ‬
‫أمرا غير مناسب في ظل هذه الفروقات التي سينعكس أثرها على فاعلية‬
‫السياسات االقتصادية التي تنادي بها كل من هاتين املدرستين‪.‬‬

‫‪ .1‬جمال لعمارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.108-107.‬‬

‫‪60‬‬
‫فالدول املتخلفة تتصف بشكل عام بتخلف هياكلها‬
‫االقتصادية‪1‬حيث يتركز النشاط االقتصادي في إنتاج املواد الخام كالسلع‬
‫الزراعية واملعادن مع غياب أو محدودية دور القطاع الصناعي في النشاط‬
‫االقتصادي لهذه الدول‪ .‬كما تعاني هذه الدول من تخلف وقصور البنية‬
‫األساسية فيها‪ .‬وبشكل عام تعاني الدول املتخلفة من تدني حجم استخدام‬
‫املوارد االقتصادية املتاحة وعدم الكفاءة في استخدام هذه املوارد‪ ،‬مما‬
‫يجعل من عملية تطبيق مبادئ وسياسات املالية العامة في الفكر الغربي‬
‫أمرا غير فعال في معالجة هذه املشاكل الهيكلية‪ ،‬وهذا يعني وجوب وجود‬
‫دور أكبر للدولة في توجيه النشاط االقتصادي كمرحلة انتقالية يتم‬
‫خاللها تأهيل االقتصاد والقطاع الخاص للقيام بدوره الطبيعي في النشاط‬
‫االقتصادي‪ .‬وعليه فإن املالية العامة في الدول املتخلفة‪ ،‬في املرحلة‬
‫االنتقالية‪ ،‬أقرب إلى الفكر االشتراكي من حيث اضطالع الدولة بمهمة بناء‬
‫االقتصاد القومي لكنها ال تصل إلى درجة امللكية الكاملة للثروة واألنشطة‬
‫اإلنتاجية حيث تظل امللكية الخاصة قائمة ويتم تعزيزها تدريجيا مع مرور‬
‫الزمن وتطور البنية االقتصادية‪ .‬كما أن أهداف املالية في الدولة النامية‬
‫تتركز في تمويل التنمية االقتصادية باإلضافة إلى تحقيق األهداف‬
‫التقليدية للمالية العامة واملتمثلة في املحافظة على االستقرار‬
‫االقتصادي‪.2‬‬

‫‪ .1‬يحيى دنيدني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪ .2‬حسين العمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪61‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬دوراملالية العامة في الدولة املعاصرة‪.‬‬
‫رأينا كيف استخدمت الدولة املالية العامة لتحقيق تراكم رأس‬
‫املال في املرحلة األولى من تطور النظام الرأسمالي‪ ،‬ودور الدولة في ظل‬
‫األفكار التقليدية ثم أصبح تدخل الدولة ضروريا خالل أزمة الكساد سنة‬
‫‪ 1929‬والتي اتخذ منها "كينز" البديل للتدليل على خطأ األفكار التقليدية‬
‫التي ّ‬
‫مر بها العالم في القرن العشرين وظهور الدولة االشتراكية‪.‬‬
‫فالنظام املالي في دولة من الدول ليس إال انعكاسا للنظام‬
‫االقتصادي واالجتماعي والسياس ي فيها‪ ،‬وهو أداة هامة من أدوات تحقيق‬
‫أهداف الدولة في مختلف املجاالت‪.‬‬
‫فيتكون النظام املالي في أي دولة من واردات النظام املالي ووسائله‬
‫وتنظيمه‪ ،‬وأن نظام الدولة املالي كيان واحد‪ ،‬يختلف هذا النظام من‬
‫الدولة الحارسة عنه في دولة التدخل االقتصادي كما يختلف في الدولة‬
‫االشتراكية‪.‬‬
‫فالدولة الحارسة تتبع أسلوب مالي محايد ليس من أهدافه‬
‫تحقيق توازن اقتصادي أو اجتماعي‪.‬‬
‫أما الدولة املتداخلة التي بدأت في القرن العشرين تطبق نظام‬
‫سياسة املالية املتداخلة التي تهدف إلى تحقيق التوازن االقتصادي‬
‫واالجتماعي وترك عملية اإلنتاج للقطاع الخاص واحترام امللكية الفردية‪.‬‬
‫أما الدولة املنتجة أو الدولة االشتراكية فتطبق نظام التخطيط‬
‫املالي‪ ،‬فإن هذا التطور الذي اقتض ى أن تكون الدولة مسؤولة عن تحقيق‬

‫‪62‬‬
‫هذا التوازن قد ترتب عليه إلى حد بعيد تغيير جوهري في النظام املالي‬
‫بعناصره سالفة الذكر عما كان عليه في ظل الدولة الحارسة‪.‬‬
‫فلم يصبح الهدف من النظام املالي توفير اإليرادات الالزمة‬
‫لتغطية الوظائف التقليدية‪ ،‬بل أصبح الهدف هو التأثير في حجم الدخل‬
‫الوطني وكيفية توزيعه لرفع مستوى املعيشة للطبقات ذات الدخل‬
‫املحدود على نحو يحقق قدرا من العدالة‪ ،‬ليس إلى حد محاولة القضاء‬
‫على التفاوت بين الدخول والثروات وإلى إضعاف العناصر الرأسمالية‬
‫املنتجة‪1.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬عالقة املالية العامة بالعلوم األخرى‪.‬‬


‫من املوضوعات التي أثير حولها حوار حاد بين ّ‬
‫الكتاب صلة املالية‬
‫العامة بغيرها من العلوم‪ ،‬إذ أن فهم علم املالية العامة والكشف عن‬
‫أهميته يتطلب دراسة عالقته بالعلوم األخرى كاالقتصاد والقانون‬
‫واالجتماع واالحصاء ‪....‬إلخ‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم القانون‪.‬‬
‫إن العالقة بين املالية العامة والقانون وثيقة‪ ،‬ويتبلور مضمون‬
‫هذه العالقة في كون القانون هو األداة التنظيمية التي يلجأ إليها املشرع‬
‫لوضع القواعد العامة امللزمة في شتى املجاالت‪ ،‬ومنها امليدان املالي‪ ،‬لذلك‬
‫تأخذ جميع عناصر املالية العامة‪ ،‬نفقات‪ ،‬إيرادات‪ ،‬موازنة‪ ،‬شكل قواعد‬
‫قانونية‪ .‬ويطلق على هذه القواعد القانونية اسم التشريع املالي‪ ،‬وهو عبارة‬

‫‪ .1‬علي زغدود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.18-17:‬‬

‫‪63‬‬
‫املالية‪1.‬‬ ‫عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شؤون الدولة‬
‫ً‬
‫فالتشريع املالي كان جزءا من القانون اإلداري ثم استقل عنه وأصبح فرعا‬
‫من فروع القانون العام‪2.‬‬

‫فإذا انتقلنا لبحث الروابط التي تقوم بين علم املالية والقانون‬
‫العام وجدنا الصلة بينهما وثيقة لدرجة كبيرة‪ ،‬حتى أن هذه الصلة هي التي‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حالت زمنا طويال دون أن يكون علم املالية العامة فرعا مستقال وقائما‬
‫بذاته‪ .‬وهي التي أدت إلى النظر إليه على أنه فرع من فروع القانون العام‪.‬‬
‫واستمرت هذه الصلة الوثيقة حتى نهاية القرن التاسع عشر حينما بدأت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تخرج دراسات املالية العامة شيئا فشيئا من دائرة السيطرة املطلقة التي‬
‫يمارسها القانون العام‪ .‬ومع ذلك فال تزال الروابط والصالت قوية ومتينة‬
‫بين املالية العامة وبين فرعيين رئيسيين من فروع القانون العام‪ ،‬هما‬
‫القانون الدستوري والقانون اإلداري‪.‬‬
‫وتظهر عالقة املالية العامة بالقانون الدستوري‪ ،‬أحيانا‪ ،‬من‬
‫ً‬
‫خالل خضوع القواعد الفنية للمالية العامة للقواعد الدستورية‪ ،‬وأحيانا‬
‫أخرى من خالل التأثير الذي تمارسه الظواهر املالية على التوازن‬
‫الدستوري؛ فأما خضوع قواعد املالية العامة للقانون الدستوري‪ ،‬فنجده‬
‫ً‬
‫واضحا منذ أمد طويل في شتى الدساتير التي تقرر املساواة بين املواطنين‬
‫في الضرائب والتكاليف واألعباء العامة‪ ،‬وضرورة إبداء موافقتهم على‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 .‬‬


‫‪ .2‬علي زغدود‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.10 .‬‬

‫‪64‬‬
‫فرض الضريبة وعلى القواعد التي تحدد سعرها ووعاءها وربطها‬
‫وتحصيلها‪.‬‬
‫وعالقة املالية العامة بالقانون اإلداري ليست بأقل من عالقتها‬
‫بالقانون الدستوري‪ .‬ومن مظاهر هذه العالقة أن القانون اإلداري يحكم‬
‫معظم قواعد الفن املالي‪ ،‬فوزارات املالية واالقتصاد بما تضمه من أعداد‬
‫هائلة من موظفين وعمال تعد من أهم اإلدارات العامة في الدولة‪ ،‬ومن ثم‬
‫فإن تنظيمها وقواعدها الالئحية تخضع للقانون اإلداري‪ .‬كما أن قضاء‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الضرائب يعد فرعا حيويا وهاما من فروع القضاء اإلداري‪ .‬ومما ال شك‬
‫فيه أن هذا النوع من القضاء الضريبي له أصوله وقواعده الخاصة به‪،‬‬
‫ً‬
‫وقد تخضع الضرائب جزئيا للقضاء العادي‪.‬‬
‫وإذا كانت اإلدارات والعمليات املالية تخضع من وجوه عديدة‬
‫للقانون اإلداري فإن تنظيم العمليات املالية ذاتها يؤثر وبدرجة كبيرة على‬
‫عمل اإلدارة‪ .‬فاملراقبين املاليين يتمتعون في اإلدارات املالية بنفوذ كبير‬
‫يتجاوز بكثير السلطات التي يخولها لهم القانون الذي يخاطبهم ويحكم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حالتهم‪ .‬كذلك نجد املحاسب العام يلعب دورا خطيرا في إدارة املرافق‬
‫العامة‪ ،‬حيث تسمح له مسؤوليته املالية أن يقف في وجه أي إجراء يكون‬
‫ً‬
‫مخالفا للتنظيمات والقواعد املالية‪ .‬هذا على الرغم من كون هذا‬
‫املحاسب ال يشغل في سلم الجهاز اإلداري سوى أبسط الوظائف وأكثرها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تواضعا في أغلب األحيان‪ .‬كما أن قواعد الفن املالي نفسه تساهم أيضا في‬
‫إعطاء املؤسسات اإلدارية صفتها وطبيعتها الحقيقية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫وإذا ما تعرضنا للصلة بين املالية العامة والقانون الدولي‬
‫ً‬
‫والعالقات الدولية وجدنا أن اإلملام بهذه الجوانب األخيرة يهم كثيرا في فهم‬
‫ً‬
‫االتجاهات الفنية ملوضوعات املالية الدولية والتي تزداد تعقيدا على مر‬
‫األيام‪ .‬ومن ثم يصبح من السهل عالج الكثير من املشاكل املالية على‬
‫املستوى الدولي‪ ،‬كتلك املتعلقة باالزدواج الضريبي الدولي والتهرب الضريبي‬
‫الدولي‪1.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم االقتصاد‪.‬‬


‫إن عالقة علم املالية العامة بعلم االقتصاد تعد من العالقات‬
‫الوثيقة جدا‪ .‬ذلك أن "االقتصاد السياس ي"‪ ،‬كما هو معروف يتناول‬
‫القوانين املتعلقة بالظواهر االقتصادية‪ ،‬أي العالقات االجتماعية التي‬
‫تأخذ من اإلنتاج والتوزيع للسلع والخدمات التي تشبع حاجات االنسان‪.‬‬
‫وإذا فإن جوهر النشاط االقتصادي هو بذل العمل على استخدام املوارد‬
‫املوضوعة تحت تصرف املجتمع من أجل إشباع الحاجات العامة‪ .‬وال‬
‫يختلف النشاط املالي الذي تمارسه الدولة حينما تقوم بعملية اشباع‬
‫الحاجات العامة كثيرا عن هذا الجوهر على بعض املوارد اإلنتاجية‬
‫واملنتجات املتاحة للمجتمع من أجل إشباع هذه الحاجات‪ .‬حيث يعتمد‬
‫نشاط الدولة املالي على أنشطة تتضمن استخدام بعض موارد الجماعة‪،‬‬
‫أو أحيانا‪ -‬حسب طبيعة النظام السياس ي‪ -‬حتى إنتاج بعض املنتجات‬
‫املخصصة إلشباع هذه الحاجات‪ .‬لذلك عدت املالية العامة جزءا من‬
‫علم االقتصاد‪ .‬كما أن القواعد العلمية املتعلقة باملالية العامة تتناول‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬أساسيات املالية العامة‪( ،‬بيروت‪ :‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،)2009 ،‬ص‪ 12‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫النظام الخاص بالعالقات املالية للدولة التي تنعكس بشكل فعلي على‬
‫عالقات اقتصادية عينية‪1 .‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬عالقة املالية العامة بالعلوم السياسية‪.‬‬


‫تهتم العلوم السياسية بدراسة نظم الحكم والعالقات بين‬
‫السلطات العامة فيما بينها من جهة وعالقتها باملواطنين من جهة أخرى‪ .‬في‬
‫حين تبحث املالية العامة في النفقات العامة واإليرادات العامة في إطار‬
‫هذه السلطات‪ .‬كما أن لألوضاع الدستورية واإلدارية في دولة معينة أثرها‬
‫في ماليتها العامة‪ ،‬حيث تختلف النفقات واإليرادات العامة بحسب ما إذا‬
‫كانت الدولة "استبدادية" أو "ديمقراطية"‪ ،‬تملك نظاما إداريا مركزيا أو ال‬
‫مركزيا‪ ،‬إذ أن للظروف املالية أثرا مهما في أوضاع الدولة السياسية‪ .‬فكم‬
‫من دولة فقدت استقاللها السياس ي وتعرضت لقيام ثورات بسبب‬
‫اضطراب في ماليتها العامة وعدم استقرارها‪2 .‬‬

‫لقد ترافق تطور مفهوم الضريبة مع تطور املؤسسات‬


‫الديمقراطية‪ ،‬كما أن الديمقراطيات الحديثة تشعر بشعور املواطنين‬
‫وتأثير عبء الضريبة عليهم لذلك أخذت على عاتقها مطالبة الدولة بعدم‬
‫فرض هذه الضريبة من دون أخذ رأيهم‪ ،‬كما أعطت الدساتير املعاصرة‬
‫للمجالس التشريعية ‪ -‬كونها ممثلة للشعب ‪ -‬السلطة الحصرية في فرض‬
‫الضرائب‪ ،‬كما يظهر ارتباط املالية العامة بالعلوم السياسية في أن الدولة‬
‫تجد في األدوات املالية وسيلة مهمة لتنفيذ سياستها وتحقيق العدالة‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 .‬‬


‫‪ .2‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 .‬‬

‫‪67‬‬
‫واملساواة بين املواطنين‪ ،‬ويظهر التأثير السياس ي املباشر للمالية العامة‬
‫عندما يعبر مشروع امليزانية العامة عن إطار العمل الذي ستقوم به‬
‫الحكومة في سنة معينة‪ ،‬ويعرض على السلطة التشريعية‪ ،‬وقد يصل األمر‬
‫إلى استقالة الحكومة إذا لم يتم إقرار هذا املشروع من طرف السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬وهو ما يعتبر سحب للثقة بالحكومة‪1.‬‬

‫وعموما‪ ،‬هناك ارتباط أكيد بين الحياة السياسية‪ ،‬بما يطرأ عليها‬
‫من أحداث‪ ،‬وبين مالية الدولة‪ .‬فكلما كان النظام السياس ي رشيدا وكلما‬
‫كانت سياسة الدولة رشيدة كلما كانت ميزانية الدولة رشيدة بالتبعية‪.‬‬
‫وذلك ليس سوى ترجمة للمقولة الشهيرة "أعطني سياسة حسنة أنش ئ لك‬
‫نظاما ماليا حسنا"‪ .‬فاإليرادات العامة حساسة لألحداث السياسية التي‬
‫تطبع نشاط الدولة‪ .‬كذلك تتأثر النفقات العامة بتلك األحداث‪2 .‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم االجتماع‪.‬‬


‫وتظهر هذه العالقة واضحة في مجال الضريبة‪ ،‬حيث ينجم على‬
‫فرض الضرائب باإلضافة إلى اآلثار االقتصادية آثار اجتماعية عديدة‬
‫تصيب أصنافا محددة من املواطنين‪ ،‬ورغم أن القصد من فرض الضريبة‬
‫هو الحصول على إيرادات للخزينة العامة إال أن الدولة كثيرا ما تسبب آثارا‬
‫اجتماعية من خالل الضريبة؛ وقد تكون مستهدفة كتقليل التفاوت بين‬
‫األفراد في الدخل والثروة‪ ،‬أو باملساهمة في محاربة تعاطي بعض املنتجات‬
‫املضرة مثل املواد الكحولية والتبغية بفرض ضريبة على استهالكها‪ ،‬أو‬

‫‪ .1‬محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العال‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬عنابة‪ :‬دار العلوم‪ )2003 ،‬ص‪.17.‬‬
‫‪ .2‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬لبنان‪ :‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،)2006 ،‬ص‪.6 .‬‬

‫‪68‬‬
‫التشجيع على االستفادة من العقارات وعدم تعطيل استغاللها بفرض‬
‫ضريبة على األراض ي غير املستغلة‪ ،‬وبهذا تظهر العالقة املتبادلة بين‬
‫السياسة املالية واألوضاع االجتماعية السائدة‪1.‬‬

‫املطلب الخامس‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم املحاسبة‪.‬‬


‫تزداد عالقة املالية العامة بعلم املحاسبة مع ازدياد تدخل الدولة‬
‫في الحياة االقتصادية عن طريق إقامة املشروعات االقتصادية املختلفة‪،‬‬
‫مما يفرض اللجوء إلى ميزانية تجارية لهذه املشروعات إلى جانب البيانات‬
‫املالية الخاصة بها والواردة في ميزانية الدولة‪ ،‬وبالتالي فالعالقة بين املالية‬
‫العامة وعلم املحاسبة متجسدة خاصة في مجل املراجعة وفنونها من‬
‫اهتالك وجرد واحتياطات ومخصصات وإنشاء امليزانية الختامية‬
‫للمنشآت االقتصادية في مختلف القطاعات‪2.‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬عالقة املالية العامة بعلم اإلحصاء‪.‬‬


‫عالقة املالية العامة بعلم اإلحصاء تظهر في مراجعة كثير من‬
‫املسائل املرتبطة بالنشاط املالي للدولة مثل مستويات الدخل الوطني‬
‫وتوزيع الدخل والثروة بين أفراد املجتمع والجانب الديموغرافي للسكان‬
‫وتوزيعهم حسب األقاليم الجغرافية أو الوظائف املختلفة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫حالة ميزان املدفوعات واستقراره‪ ،‬إلى غير ذلك من الجوانب التي ال‬
‫يستغني فيها الباحث في املالية العامة عن علم اإلحصاء وما يتضمنه من‬

‫‪ -1‬نفس املكان‪.‬‬
‫‪ .2‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.100-99:‬‬

‫‪69‬‬
‫توضيح عن طرق الرسومات والتمثيالت البيانية للمالية العامة للدولة‬
‫بمختلف جوانبها‪1.‬‬

‫كما أن العمليات املالية تظهر في وثائق إحصائية كبيرة‪ ،‬وتشكل‬


‫هذه املعلومات معطيات ثمينة تسمح بتحليل موضوعي ملحتوى‬
‫السياسات املختلفة ببيان ما أنفقته الدولة على أي نشاط تتدخل فيه‪،‬‬
‫فمثال‪ ،‬تمكننا من معرفة ما إذا كانت الدولة تنفق على الدفاع أو التعليم‬
‫أو الصحة‪ ،‬أو التنمية االقتصادية‪...‬وغريها من حقول اإلنفاق‪2 .‬‬

‫‪ .1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.101-100:‬‬


‫‪ .2‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12 .‬‬

‫‪70‬‬
‫الباب الثاني‬
‫الـنفق ــ ـ ات العـ ـامـة‬
‫الفصل األول‬
‫اإلطاراملفاهيمي للنفقات‬
‫العامة‬
‫ازدادت أهمية ووزن النفقات العامة مع تعاظم دور الدولة وزيادة‬
‫سلطتها واتساع نطاق تدخلها في الحياة االقتصادية‪ ،‬وذلك لكون النفقات‬
‫العامة من أهم أدوات توجيه السياسة املالية والتي تستخدمها الدولة في‬
‫تحقيق أهدافها املسطرة التي تسعى لتحقيقها‪ ،‬فهي تعكس كافة جوانب‬
‫األنشطة العامة وكيفية تمويلها‪ .‬وعليه ازداد اهتمام املفكرين بدراسة‬
‫النفقات العامة من حيث طبيعتها‪ ،‬ماهيتها‪ ،‬قواعد وحدود االنفاق العام‪،‬‬
‫ظاهرة تزايد النفقات العامة‪ ،‬باإلضافة إلى تقسيماتها‪ ،‬واآلثار االقتصادية‬
‫واالجتماعية الناشئة عن ذلك‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم النفقات العامة‪.‬‬
‫يتطلب قيام الدولة على اختالف هيئاتها العامة بنشاطها املالي‪،‬‬
‫الذي تستهدف به إشباع الحاجات العامة التي تحددها كل من طبيعة‬
‫النظام االقتصادي والسياس ي واالجتماعي في املجتمع‪ ،‬وخصائص مرحلة‬
‫التطور التي يمر بها‪ ،‬إلى تحمل نفقات ضخمة تتمثل فيما تدفعه من مبالغ‬
‫نقدية يتزايد حجمها بصورة مستمرة‪ ،‬تسمى النفقات العامة تميزا لها عن‬
‫نفقات األفراد املتعلقة بالنشاط املالي الخاص‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف النفقة العامة‪.‬‬
‫تنطوي النفقات العامة على قيام الهيئات العامة (أو أشخاص‬
‫القانون العام) من مركزية ومحلية باستخدام (أو إنفاق) مواردها النقدية‬
‫بقصد إشباع الحاجات العامة‪ .‬بحيث يمكن تحديد نطاق نشاط الدولة‬
‫ودورها املتطور في املجتمع عن طريق تحليل النفقات العامة كما ونوعا‪1.‬‬

‫‪ .1‬عبد الكريم صادق بركات وآخرون‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬بيروت‪ :‬الدار الجامعية‪ ،)1986 ،‬ص‪.61‬‬

‫‪74‬‬
‫وتعرف النفقات العامة بأنها‪ " :‬تلك املبالغ التي تلتزم بها الدولة وجميع‬
‫الهيئات التابعة لها‪ ،‬وتمول عن طريق اإليرادات السيادية (الضرائب‬
‫والرسوم‪ ،)..‬أو املوارد الخاصة (ممتلكات الدولة) ومن االقتراض‪ ،‬وهي‬
‫تشكل األداة األساسية للعمل الجماعي ولتدخل الدولة"‪1.‬‬

‫ويمكن تعريف النفقة العامة أيضا بأنها‪ " :‬مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه‬
‫شخص عام بقصد تحقيق منفعة عامة"‪ 2.‬أو هي " استعمال هيئة عامة‬
‫ً‬
‫مبلغا من النقود لسد حاجة عامة‪ ،‬ومن هذا التعريف يتبين لنا أنه‬
‫لكي يتصف إنفاق ما بصفة العمومية‪ ،‬ينبغي أن يتوافر فيه العناصر‬
‫التالية‪3:‬‬

‫أوال‪ :‬النفقة العامة مبلغ نقدي‪.‬‬


‫العنصر األساس للنفقة العامة هو استخدام مبلغ من النقود الذي‬
‫يمثل الثمن الحتياجات الدولة من سلع وخدمات أساسية لتأمين سير‬
‫املرافق العامة وثمنا لرؤوس األموال اإلنتاجية التي هي بحاجة إليها لتنفيذ‬
‫املشروعات االستثمارية التي تتولى أمر تنفيذها‪ ،‬ومنح اإلعانات على‬
‫اختالف أنواعها‪ .‬وطاملا أن املعامالت واملبادالت االقتصادية تتم عن طريق‬
‫النقود في ظل نظام اقتصادي نقدي‪ 4،‬فإن هذا ما يميز النفقات العامة‬

‫‪1‬‬
‫‪." Qu'est-ce que les dépenses publiques ?", 04/07/ 2014/ , visité le :‬‬
‫‪30/06/2020. Sur : https://www.capital.fr/economie-politique/qu-est-ce-que-‬‬
‫‪les-depenses-publiques-946279‬‬

‫‪ .2‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 .‬‬


‫‪ .3‬محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.24-23 .‬‬
‫‪ .4‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18 .‬‬

‫‪75‬‬
‫ً‬
‫الحديثة عن غيرها من الوسائل التي كانت تستعمل قديما كالعمل سخرة‬
‫غني عن هذه الوسائل ملنافاتها‬ ‫أو الحصول على مواد دون ثمن‪ ،‬وقد ُ‬
‫است َ‬
‫ملبادئ الديمقراطية‪.‬‬
‫ومن مزايا استخدام النقود في االنفاق أنه يسهل من عمل النظام‬
‫املالي‪ ،‬حيث أنه يركز مبدأ الرقابة على النفقات العامة تأمينا ألفضلية‬
‫استخدامها ووفقا للقواعد التي تحقق املصلحة العامة‪1 .‬‬

‫ثانيا‪ :‬صدورالنفقة العامة عن الدولة أو إحدى هيئاتها العامة‪.‬‬


‫تصدر النفقة العامة عن الدولة أو هيئة من هيئاتها او مؤسسة من‬
‫مؤسساتها‪ .‬واملقصود بمؤسسات الدولة جميع األشخاص واللجان‬
‫اإلدارية العامة وعلى رأسها الدولة واملؤسسات املنبثقة عنها كالبلديات‬
‫والدوائر واألشخاص املعنوية التابعة لها كاملؤسسات العامة وغيرها من‬
‫املؤسسات‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فإن النفقة العامة يقوم بها شخص معنوي عام‬
‫(الهيئات واملؤسسات العامة مركزية أو ال مركزية‪2.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬ال تعد املبالغ التي ينفقها األشخاص الطبيعيين أو‬
‫املعنويين الخواص نفقة عامة‪ ،‬حتى لو هدفت إلى تحقيق النفع العام‪ ،‬فإذ‬
‫تبرع شخص بمبالغ لبناء مستشفى مثال‪ ،‬فال يعد ذلك نفقة عامة‪ ،‬وإنما‬
‫يدخل ضمن إطار االنفاق الخاص‪3 .‬‬

‫ثالثا‪ :‬الهدف من النفقة العامة تحقيق نفع عام‪.‬‬


‫أي أن يكون الهدف من اإلنفاق العام تحقيق نفع عام‪ ،‬أي سد إحدى‬

‫‪ .1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.18 .‬‬


‫‪ .2‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 .‬‬
‫‪ .3‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18 .‬‬

‫‪76‬‬
‫الحاجات العامة‪ ،‬وبهذا املعنى ال تعد نفقات عامة تلك التي ا تشبع حاجة‬
‫عامة وال تحقق نفعا عاما لألفراد‪ ،‬ويمكن تبرير ذلك بأنه ملا كان األفراد‬
‫متساوون في تحمل األعباء العامة (الضرائب) فإنهم يتساوون في االنتفاع‬
‫ً‬
‫بالنفقات العامة للدولة في جميع الوجوه‪ 1،‬وذلك نظرا ألن قوام هذا‬
‫اإلنفاق هو الضرائب املحصلة من األفراد فيجب أن يعود هذا اإلنفاق‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بالنفع عليهم جميعا‪ ،‬وليس ملصلحة خاصة‪ ،‬تحقيقا للمساواة والعدالة‪،‬‬
‫وذلك كأن يكون اإلنفاق للحاجات األولية للدولة كالدفاع الخارجي واألمن‬
‫الداخلي والقضاء والحاجات الضرورية لألفراد التي ال يستطيع عامتهم‬
‫توفيرها فيما لو تركت للجهود الخاصة‪ ،‬كمؤسسات التعليم والثقافة‪،‬‬
‫وإعانة األفراد لدى بلوغهم سن ال يستطيعون فيها الكسب عن طريق‬
‫الضمان االجتماعي وتأمينات العجز واملرض والشيخوخة‪ ،‬إلى جانب ما‬
‫تفرضه تطورات الحياة الحديثة على الدولة وتمكنها مواردها من تحقيقه‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ضوابط النفقات العامة‪.‬‬
‫ترشيد النفقات العامة هو حسن التصرف في األموال وإنفاقها‬
‫بعقالنية وحكمة وعلى أساس رشيد دون إسراف‪ .‬ويتضمن ترشيد‬
‫النفقات ضبط النفقات وزيادة الكفاءة اإلنتاجية ومحاولة االستفادة‬
‫القصوى من املوارد االقتصادية والبشرية املتوفرة‪ ،‬أي بمعنى آخر هو‬
‫اإلدارة الجيدة للنفقات‪.‬‬
‫لكي يقوم اإلنفاق العام بتحقيق النتائج املرغوبة منه من تحقيق‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬فإن ذلك يتوقف على أمرين في غاية في األهمية أولهما‪،‬‬

‫‪ .1‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.19 .‬‬

‫‪77‬‬
‫تحقيق أقص ى قدر من املنفعة‪ ،‬وثانيهما‪ ،‬أن يتم ذلك مع الحرص على‬
‫االقتصاد في حجم اإلنفاق‪ ،‬وال يتجسد ذلك إال من خالل ضرورة تطبيق‬
‫صور للرقابة املختلفة التي تضمن توجيه النفقات العامة إلى أوجه املنفعة‬
‫دون إسراف أو تبذير‪ ،‬وإذا تم احترام هذه الضوابط فإننا نكون قد وصلنا‬
‫إلى اإلنفاق العام الرشيد أو الحجم األمثل اقتصاديا لإلنفاق العام‪ ،‬وهي‬
‫كاآلتي‪1:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ضابط املنفعة‪.‬‬


‫تهدف النفقة العامة ‪ -‬بعكس النفقة الخاصة‪ -‬إلى تحقيق أو‬
‫إشباع حاجات عامة‪ ،‬حيث يبرر مقدار النفقة العامة من خالل حجم‬
‫املنفعة التي تؤديها إلى املجتمع فإذا كانت النفقة العامة تهدف إلى تحقيق‬
‫املصلحة العامة من وراء تلبية الحاجات العامة‪ ،‬فال يجوز صرفها لتحقيق‬
‫املصالح الخاصة لبعض األفراد‪ ،‬أو املجموعات أو فئات املجتمع‪ ،‬دون‬
‫البعض اآلخر‪ ،‬مهما كانت األسباب سياسية أو اجتماعية‪.‬‬
‫حيث أن انتشار ما يعرف اآلن‪" ،‬بامليزانية العامة" الذي يهدف إلى‬
‫التزام الدولة بتحقيق املصلحة العامة‪ ،‬كان نتيجة تضحيات جسام‪،‬‬
‫قدمت في سبيله‪ ،‬فالصراع التاريخي الذي شهدته إنجلترا وفي فترة الحقة‬
‫فرنسا‪ ،‬كان القصد منه إلزام املكلف باإلنفاق لتحقيق املصلحة العامة‬
‫األمر الذي أدى إلى اعتماد امليزانية العامة للدولة‪.‬‬
‫وبالتالي فال يوجد أي قيمة للميزانية العامة وال لإلجراءات التي تمر‬
‫بها؛ إال بتحقيق الهدف والغرض الذي وجدت من أجله وهو" تحقيق‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬أساسيات املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 54‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫املنفعة العامة"‪ ،‬لذا وجب الحرص الشديد لاللتزام بتحقيق املنفعة‬
‫العامة‪ ،‬بل واملنفعة العامة القصوى‪.‬‬
‫إن األخذ بهذا املبدأ ليس جديدا على الفكر االقتصادي‪ ،‬حيث‬
‫كان مجال اتفاق بين الكتاب التقليديين واملحدثين على حد سواء على‬
‫الرغم من اختالف وجهات النظر إلى االنفاق العام في مفهوم كل من‬
‫الفريقين‪ ،‬حيث تطور مفهومه مع تطور النظرة إلى النفقات العامة وتطور‬
‫التحليل االقتصادي من الفكر التقليدي إلى الفكر الحديث‪1 .‬‬

‫وتطبيق مبدأ قاعدة املنفعة يرتبط ارتباط وثيق بتحديد أولويات‬


‫اإلنفاق العام وعلى الدولة أن تحقق توافق بين املنافع لبلوغ أكبر قدر من‬
‫املنفعة‪ .‬حيث قد تتعارض هذه األولويات من اقتصاد إلى أخر وفي نفس‬
‫االقتصاد من مرحلة ألخرى‪.‬‬
‫ويتعين وضع ضوابط دقيقة لتحديد املنفعة العامة خاصة بسبب‬
‫تعسر قياس أثر النفقات العامة بدقة باعتبار أنها تشكل آثار ظاهرية‬
‫وأخرى غير ظاهرية‪ ،‬وإن كان من املمكن االسترشاد بعاملين في هذا‬
‫الصدد‪:‬‬
‫العامل األول‪ :‬مقدار الدخل النسبي‪ ،‬أي نصيب كل فرد من الدخل‬
‫القومي‪.‬‬
‫العامل الثاني‪ :‬كيفية توزيع الدخل القومي على األفراد‪.‬‬
‫بحيث كلما توافق العاملين أي بزيادة مقدار الدخل النسبي‬
‫وانخفاض حجم التباين بين دخول األفراد ساهم ذلك في زيادة رفاهية‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29 .‬‬

‫‪79‬‬
‫األفراد‪ .‬كما ينبغي األخذ بعين االعتبار زيادة الدخل القومي عند تحديد‬
‫مصادر تمويل اإلنفاق وفي إنفاقه‪ ،‬بما يعمل على تحسين اإلنتاج بزيادة‬
‫القوى املنتجة من جهة وتنظيم اإلنتاج من جهة أخرى‪ ،‬أما تقليل التباين‬
‫بين دخول األفراد فيتم من خالل نقل القوى الشرائية من األشخاص‬
‫الذين تقل عندهم منفعتها الحدية‪ ،‬إلى األشخاص الذين تزداد لديهم تلك‬
‫املنفعة حتى يتحقق االستقرار للمجتمع بمختلف طبقاته‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قاعدة االقتصاد في النفقات (تعظيم إنتاجية النفقة‬
‫العامة)‪.‬‬
‫تعتبر قاعدة االقتصاد في النفقة العامة مالزمة لقاعدة املنفعة‪،‬‬
‫حيث أن تحقيق أقص ى منفعة ممكنة يستدعي أن تكون بأقل تكلفة‪ ،‬أي‬
‫أن يتم اإلنفاق بأسلوب اإلنفاق العقالني‪ ،‬وهو ما يطلق عليه علماء املالية‬
‫العامة بضابط االقتصاد في النفقات أو ترشيد اإلنفاق العمومي‪ ،‬ولذلك‬
‫يتوجب عدم اإلسراف وإنفاق أقل ما يمكن من األموال العمومية حتى ال‬
‫يؤدي ذلك إلى الغش الضريبي أو حتى رفض دفع الضريبة‪ ،‬بحيث يتم‬
‫صرف أوجه اإلنفاق في مكانها املالئم أو حتى تركها عند املكلفين بالضريبة‬
‫لينفقوها في األوجه املفيدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن معنى االقتصاد في االنفاق ال ينصرف إلى الحد من‬
‫االنفاق أو تقليصه إذا كان هناك ما يستوجب القيام به‪ ،‬وإنما يقصد به‬
‫حسن التدبير وتجنب االسراف والتبذير (التسيب املالي) ومحاولة تحقيق‬
‫أكبر عائد بأقل تكلفة ممكنة‪ .‬كما أن مظاهر "التسيب املالي" في صورة‬
‫االسراف والتبذير متعددة‪ ،‬وخاصة في الدول النامية‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫وال يتوقف تحقيق االقتصاد في االنفاق العام عند التوفير في حجمه‬
‫فقط وإنما ينبغي العمل على زيادة انتاجيته‪ .‬ويقصد بإنتاجية النفقة‬
‫العامة بأنها" مقدار الوفر في عناصر اإلنتاج املستخدمة في دورة إنتاجية‬
‫معينة‪ ،‬إذ تزداد اإلنتاجية كلما نقص حجم وكلفة عناصر اإلنتاج‬
‫املستخدمة لتحقيق نفس الهدف املعين‪ ،‬كما أنها يمكن أن تتمثل في إنتاج‬
‫الوحدة من هذه العناصر‪ ،‬وبالتالي يمكن النظر إليها من ناحيتين‪ :‬إنتاجية‬
‫عنصر معين في ظل فرضية ثبات العناصر األخرى‪ ،‬واإلنتاجية الكلية‬
‫لعناصر اإلنتاج املساهمة مجتمعة‪1 .‬‬

‫إال أنه يوجد نوع من النفقات التي يجب أن تكثر من إنفاقها الدولة‬
‫كونها تعود بالفائدة على الدخل القومي أال وهي اإلنفاق على املشاريع‬
‫االستثمارية عن طريق إنشاء مؤسسات عامة ذات طابع صناعي وتجاري‬
‫ومؤسسات عامة اقتصادية‪ ،‬كما أن وجوب إنفاق األموال العمومية على‬
‫األولويات ال يستدعي أن تقلل الدولة من اإلنفاق على الخدمات ومساعدة‬
‫الفئات املعوزة‪ ،‬ألن هذا النوع من اإلنفاق يعتبر مهما جدا لحسن سير‬
‫املرافق العامة وإرسال االستقرار االجتماعي خاصة وإن كان هناك تفاوت‬
‫كبير بين طبقات املجتمع‪.‬‬
‫وبهدف تجسيد ضابط املنفعة واالقتصاد في النفقات بغرض‬
‫الحصول على نفس األداء للخدمة بأقل تكلفة ممكنة يتوجب إخضاع‬
‫صرف النفقات إلى الرقابة التي تزاولها ثالث جهات وهي‪ :‬اإلدارة‪ ،‬الهيئات‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32 .‬‬

‫‪81‬‬
‫السياسية وجهات أخرى مستقلة ومتخصصة‪ .‬وبذلك تأخذ الرقابة‬
‫أشكاال ثالثة‪1 :‬‬

‫‪ .1‬الرقابة اإلدارية‪ :‬تقوم بالرقابة اإلدارية وزارة املالية دون باقي‬


‫املصالح الحكومية من خالل استخدام مجموعة من املراقبين‬
‫واملوظفين واملحاسبين العاملين في مختلف الوزارات واملصالح‬
‫والهيئات‪ .‬ويأتي عملهم في عدم قبول مباشرة أي نفقة إال إذا وجدت‬
‫في امليزانية العامة‪ ،‬وفي حدود االعتماد املقرر له‪ ،‬ويعتبر هذا النوع‬
‫رقابة قبلية فهي رقابة سابقة على اإلنفاق‪ ،‬إال أن هذا النوع من‬
‫الرقابة ال يخضع ملبدأ ترشيد النفقات‪ ،‬إذ أنها تمثل رقابة من‬
‫اإلدارة على نفسها تستهدف القواعد واملبادئ التي تضعها بنفسها‪،‬‬
‫ومن ثم فهي ال تمارس أي ضغط لحجم على حجم اإلنفاق‪ ،‬حيث‬
‫عادة ال ترغب اإلدارة في تقييد حريتها‪.‬‬
‫‪ .2‬الرقابة السياسية (البرملانية)‪ :‬يقوم بتنفيذ الرقابة السياسية‬
‫السلطة التشريعية للدولة حيث يتسع دور البرملان في هذه الحالة‬
‫باإلضافة إلى تنفيذ االعتمادات املقررة في امليزانية العامة للدولة إلى‬
‫ممارسة الرقابة على حجم اإلنفاق وتخصيصه‪ .‬مرتكزا في ذلك على‬
‫حقه في التدخل عن طريق السؤال واالستجواب والتحقيق‬
‫وإمكانيته في سحب الثقة من الوزير أو الوزارة كلها وحق التطلع في‬
‫أي وقت على البيانات والوثائق عن مسار التنفيذ‪ ،‬باإلضافة إلى حق‬
‫فحص الحسابات الختامية وإقرارها حق اإلقرار أو رفض‬

‫‪.1‬سوزي عديل انشد‪ ،‬أساسيات املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.57-56 .‬‬

‫‪82‬‬
‫االعتمادات اإلضافية‪ ،‬حيث يتم استخدام هذا النوع من الرقابة‬
‫عند اعتماد امليزانية وعند اعتماد الحساب الختامي إال أن الرقابة‬
‫البرملانية ال تتمتع بالكفاءة املطلوبة بالرغم من أهميتها خاصة في‬
‫الدول النامية كون البرملان غالبا ما يقوم بدعم اإلدارة حتى ولو لم‬
‫تكن على صواب‪.‬‬
‫‪ .3‬الرقابة املحاسبية املستقلة‪ :‬يمثل مجلس املحاسبة املؤسسة‬
‫العليا للرقابة البعدية ألموال الدولة والجماعات اإلقليمية واملرافق‬
‫العمومية‪ ،‬بحيث يعمل على فحص شروط استغالل املوارد‬
‫والوسائل املادية واملال العام من طرف الهيئات الخاضعة لرقابته‪،‬‬
‫ويعمل على تقييمها‪ ،‬ويسهر على التأكد من تطابق العمليات املالية‬
‫واملحاسبية لهذه الهيئات مع للقوانين املعمول بها‪ ،‬فالرقابة التي‬
‫يمارسها مجلس املحاسبة تعمل على تطوير شفافية تسيير املال‬
‫العام‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬قاعدة الترخيص‪.‬‬
‫تقتض ي قواعد املالية العامة بأن إنفاق أي مبلغ من األموال‬
‫العامة أو االرتباط بإنفاقه‪ ،‬يجب أن يكون مسبوق بترخيص منن السلطة‬
‫التشريعي‪ ،‬ضمانا لتوجيهه بالشكل الذي يضمن تحقيق املصلحة العامة‪،‬‬
‫كما أن هذا الترخيص يساعد على ترشيد النفقات‪ ،‬الن أعضاء البرملان‬
‫أثناء مناقشتهم مشروع املوازنة العامة يطالبون الحكومة بإلغاء بعض‬
‫النفقات أو استبدالها‪1.‬‬

‫‪ .1‬دراوس ي مسعود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.159 .‬‬

‫‪83‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬حدود النفقات العامة‪.‬‬
‫الهدف من اإلنفاق العام هو إشباع الحاجات العامة فإلى أي حد‬
‫يجوز للدولة أن تذهب في إشباع هذه الحاجات؟ وما هو الحد الذي ينبغي‬
‫لها أن تقف عنده؟‪...‬‬
‫لإلجابة على هذا التساؤل ناحيتان؛ سياسة ومالية‪ ،‬فمن الناحية‬
‫السياسية فإن اعتبار حاجة ما حاجة عامة مسألة سياسية تختلف فيها‬
‫األنظمة‪ ،‬كما أن قدرة الدولة على اإلنفاق لسد هذه الحاجة تتوقف على‬
‫قدرتها على الحصول على املوارد الضرورية وهي مسألة مالية‪ ،‬وهذا بيان‬
‫لذلك‪1:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬حدود النفقات العامة من الناحية السياسية‪.‬‬


‫للنفقة العامة حدود ال يجوز تخطيها وهي مرتبطة بالظروف‬
‫املذهبية التي تميز االقتصاد القومي لدولة معينة‪ ،‬والتي قد تختلف من‬
‫فترة ألخرى في الدولة ذاتها‪ .‬فإذا كان السائد في دولة ما األيديولوجية‬
‫الفردية فإن حجم النفقات العامة وتنوعها يقل بالنسبة إلى الدخل‬
‫القومي‪ ،‬لكون دور الدولة في هذه الحالة يقتصر على قيامها بوظائفها‬
‫التقليدية (الدولة الحارسة)‪ ،‬وهنا يتوسع مدى نشاط األفراد إلى أقص ى‬
‫الحدود‪ ،‬بينما يضيق مجال النشاط الحكومي على أساس أن الحرية‬
‫لألفراد في ممارسة األنشطة املختلفة والدعوى إلى زيادة اإلنتاج ورفاهية‬
‫املجتمع‪ .‬أما في ظل األيديولوجية التدخلية‪ ،‬أين تتدخل الدولة في العديد‬
‫من األنشطة االقتصادية‪ ،‬فإن النفقات العامة تتنوع ويزيد حجمها‬

‫‪ .1‬يسرى محمد أبو العال‪ ،‬املالية العامة والتشريع الضريبي‪( ،‬مصر‪ :‬جامعة بنها‪ ،‬د ت)‪ ،‬ص ص‪.5-4:‬‬

‫‪84‬‬
‫(الدولة املتدخلة)‪ .‬وأخيرا في ظل االيديولوجية الجماعية (االشتراكية)‪،‬‬
‫حيث تقوم الدولة بمعظم األنشطة االقتصادية باإلضافة إلى قيامها‬
‫بدورها التقليدي‪ ،‬فإن حجم النفقات العامة يزيد بشكل كبير‪ 1.‬فالنظرية‬
‫االشتراكية توسع من نشاط الدولة بشكل أقدر من األفراد على تنظيم‬
‫وتحقيق التعاون فيما بينهم‪ ،‬دون استغالل أحد منهم لآلخر أو تمييز طبقة‬
‫على أخرى‪2.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حدود النفقات من الناحية املالية‪.‬‬


‫يقصد بالعوامل املالية أن حدود النفقات العامة ال بد وأن ترتبط‬
‫بقدرة الدولة على توفير اإليرادات العامة الكافية لتغطية هذه النفقات‪.‬‬
‫فإذا كانت الدولة تتمتع بتدبير موارد ماليتها العامة بمقدرة أوسع من تلك‬
‫التي يملكها األفراد فال ينبغي أن ينصرف فهمنا إلى أن باستطاعتها (الدولة)‬
‫أن تبالغ في ذلك اعتمادا على سلطتها القسرية في الحصول على اإليرادات‪،‬‬
‫إذ ان هناك عوامل أخرى تحد من قدرة الدولة من ناحية الطاقة املالية‬
‫القومية‪ ،‬وتكمن هذه الحدود فيما يعرف باملقدرة املالية للدخل القومي‬
‫التي تتمثل في مقدرة تحمله العبء املالي الذي يطلبه نشاط الدولة‪.‬‬
‫ومن املعروف أن اإليرادات العامة تحصل في جزئها األكبر‪ ،‬من‬
‫الضرائب والقروض العامة‪ ،‬لذلك فإن املقدرة املالية للدخل القومي‬
‫تتحلل في النهاية إلى ضرورة تركيز البحث في زاويتين هما‪" :‬املقدرة‬
‫التكليفية" و"املقدرة اإلقراضية"‪3 :‬‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.61-57 .‬‬
‫‪ .2‬غازي عناية‪ ،‬املالية العامة والنظام املالي اإلسالمي‪( ،‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪ ،)1995 ،‬ص‪.631 .‬‬
‫‪ .3‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37-33 .‬‬

‫‪85‬‬
‫أوال‪ :‬املقدرة التكليفية‪.‬‬
‫وتعني مقدرة الدخل القومي على تحمل العبء الضريبي‪ ،‬والتي‬
‫تنقسم إلى ما يعرف باملقدرة التكليفية القومية‪ ،‬واملقدرة التكليفية‬
‫الجزئية‪.‬‬
‫ويقصد باملقدرة التكليفية القومية قدرة الوحدات االقتصادية‬
‫لالقتصاد القومي ككل على املساهمة الضريبية‪ ،‬أي بلوغ أقص ى حصيلة‬
‫ضريبية يمكن استقطاعها من الدخل القومي‪ ،‬ويطلق عليها "العبء‬
‫الضريبي األمثل"‪ ،‬والذي يعرف بأنه‪ ":‬أقص ى قدر من األموال يمكن‬
‫تحصيله بواسطة الضرائب في حدود الدخل القومي وتركيبته‪ ،‬وذلك في‬
‫ظل النظام السياس ي واالجتماعي السائد‪ ،‬ودون إحداث أية ضغوط‬
‫اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ال يمكن تحملها"‪.‬‬
‫أما املقدرة التكليفية الجزئية فيقصد بها املقدرة التكليفية‬
‫للوحدات االقتصادية‪ ،‬أي مقدرة األشخاص الطبيعية واملعنوية على‬
‫املساهمة من خالل دخولهم في تحمل األعباء العامة‪ .‬وتتوقف هذه املقدرة‬
‫على عاملين‪ ،‬أولهما‪ ،‬طبيعة الدخل‪ ،‬حيث تزداد املقدرة التكليفية‬
‫للوحدات االقتصادية كلما اتجهت دخولها نحو االرتفاع واالستقرار‪.‬‬
‫ويتمثل الثاني في كيفية استخدام الدخل‪ ،‬أي نمط استخدام هذه‬
‫الوحدات لدخولها‪ ،‬وذلك لتأمين أال يكون الجزء املستقطع من الدخل من‬
‫خالل الضرائب كبيرا بحيث ال يتيح الفرصة لألفراد ما يؤمن حدا معينا‬
‫من االستهالك‪ ،‬ويوفر لهم االحتفاظ بجزء آخر لإلنفاق على غير الحاجات‬
‫األساسية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫ثانيا‪ :‬املقدرة االقراضية‪.‬‬
‫ويقصد باملقدرة االقراضية مقدرة الدخل القومي على تلبية‬
‫حاجات اإلقراض العام‪ ،‬أي االستجابة ملتطلبات الدولة االئتمانية‬
‫وتتوقف على عاملين‪ ،‬العامل األول‪ :‬حجم االدخار القومي‪ ،‬والذي‬
‫يتوقف‪ ،‬وفقا لتحليل كينز‪ ،‬على عملية توزيع الدخل بينه وبين االستهالك‪،‬‬
‫ويتحكم في هذا التوزيع امليل إلى االستهالك إلى حد كبير‪ ،‬أي أن املقدرة‬
‫االقتراضية‪ ،‬بوجه عام‪ ،‬تتوقف على مستوى االستهالك ونوعه‪ .‬أما‬
‫العامل الثاني‪ ،‬فيتوقف عل كيفية توزيع الجزء املدخر بين اإلقراض‬
‫العام واالقراض الخاص‪ ،‬فإذا تحددت كمية األموال املدخرة املوضوعة‬
‫تحت تصرف املجتمع‪ ،‬فإن مقدرة الدولة على تغطية قيمة ما يلزمها من‬
‫قروض عامة تتوقف على التنافس بين االئتمان الخاص والعام من خالل‬
‫الدوافع إلى االستثمار الخاص الذي يتحدد بدوره بوجود فرص استثمارية‬
‫مربحة‪ ،‬والتي من شأنها أن تساهم في تقوية الدافع إلى االستثمار الخاص‪،‬‬
‫ويحدث توزيع االئتمان لصالح االئتمان الخاص‪ .‬إما إذا كانت فرص الربح‬
‫ضعيفة أو منعدمة فعندئذ تتجه املدخرات إلى اإلقراض العام‪ ،‬وهذا ما‬
‫يدعم املقدرة االقراضية للدولة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ما سبق‪ ،‬تتوقف قدرة الدولة على التوسع في اإلنفاق‬
‫على تطلعاتها اإلنتاجية في املستقبل‪ ،‬وهذه تتوقف بدورها على ما في الدولة‬
‫من موارد طبيعة لم تستثمر وعلى الكفاية اإلنتاجية لشعبها‪ ،‬وإذا كان لدى‬
‫الدولة موارد طبيعية غزيرة لم تستثمر ولكن مقدرة شعبها اإلنتاجية‬
‫ً‬
‫ضعيفة فإنها تستفيد كثيرا من التوسع في اإلنفاق العام‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫أما الدولة التي يتبع شعبها بمستوى عال من الكفاية اإلنتاجية‬
‫ولكن لم يعد بها غير القليل من املوارد الطبيعية التي تستثمر فإنه يمكن‬
‫التوسع في اإلنفاق مع مراعاة الحذر من االندفاع فيه‪ .‬أما الدولة الفقيرة‬
‫في الكفاية اإلنتاجية العالية‪ ،‬وفى املوارد الطبيعية فهذه يبغى أن‬
‫تنفق بكثير من الحذر إذا ال تحتمل إمكانيتها اإلنتاجية التوسع في اإلنفاق‬
‫كالدولة الغنية‪.‬‬
‫يتبين مما سبق أن الدولة تستطيع أن تتوسع في اإلنفاق إلى الحد‬
‫الذي تسمح به مواردها الطبيعية وكفاءة شعبها اإلنتاجية‪.‬‬
‫في ألخير نشير إلى أن العوامل والظروف االقتصادية التي يمر بها‬
‫االقتصاد القومي تؤثر في حجم النفقات العامة وحدودها‪ .‬فاإلنفاق العام‬
‫أصبح من أهم الوسائل التي تستخدم في إحداث التوازن االقتصادي‬
‫واالجتماعي وفي التأثير على حجم النشاط االقتصادي‪ ،‬وهو ما يظهر جليا في‬
‫اقتصاد الدول الرأسمالية‪1 .‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬ظاهرة تزايد النفقات العامة وأسبابها‪.‬‬


‫كان من النتائج التي أدى إليها تطور دور الدولة‪ ،‬من الدولة‬
‫الحارسة‪ ،‬املتدخلة فاملنتجة‪ ،‬وتوسع أوجه نشاطها املختلفة إلى زيادة‬
‫مطردة في حجم وتنوع النفقات العامة‪ ،‬إلى درجة أن اعتبرت هذه الزيادة‬
‫بمثابة ظاهرة عامة طويلة األجل انتشرت في مختلف الدول على اختالف‬
‫مستويات تقدمها االقتصادي وطبيعة األنظمة االقتصادية والسياسية‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.61-57 .‬‬

‫‪88‬‬
‫القائمة‪ 1 .‬فقد وضع الكاتب األملاني "أدولف فاجنر" في أواخر القرن التاسع‬
‫عشر قانونه الشهير الخاص بازدياد نشاط الدولة‪ .‬وعبر بقوله‪" :‬إن‬
‫املقارنات الشاملة في مختلف الدول‪ ،‬وفي األوقات املختلفة تشير إلى‬
‫االزدياد املضطرد في نشاط الدولة سواء كان ذلك على مستوى الحكومات‬
‫املركزية أو على مستوى السلطات املحلية‪ ،‬وقد اتسع هذا النشاط‬
‫بالنسبة لوظائف الدولة القديمة فضال عن قيامها بوظائف جديدة"‪2.‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإنه يمكن تقسيم األسباب املؤدية إلى زيادة النفقات‬
‫العامة إلى أسباب حقيقية وأخرى ظاهرية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬األسباب الحقيقية لتزايد النفقات العامة‪.‬‬
‫يقصد بالزيادة الحقيقية في حجم النفقات العامة زيادة املنفعة‬
‫الحقيقية الناشئة عن هذه النفقات لشخص معين بذاته خالل فترتين‬
‫زمنيتين مختلفتين بنسبة أقل منها أو بدون عبء جديد‪ ،‬ويمكن لهذه‬
‫الزيادة أن تشير إلى حجم تدخل الدولة في الحياة االقتصادية واالجتماعية‬
‫من خالل زيادة متوسط نصيب الفرد من الخدمات العامة‪3.‬‬

‫وتمثل الزيادة الحقيقية في النفقات العامة تلك الزيادة التي تحقق‬


‫زيادة فعلية وحقيقية في املنافع العامة وما يترتب عليها مـ ـ ـ ـن زيادة األع ـ ـ ـباء‬
‫الع ـامة التي تتحملها مـن أجل ذلك‪ .‬ويمـ ـكن تحديد أه ـ ـم أسب ـ ـاب الزي ـ ـ ـادة‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.38 .‬‬


‫‪ .2‬علي زغدود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.39-38:‬‬
‫‪ .3‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39 .‬‬

‫‪89‬‬
‫الحقيقية في النفقات العامة بما يأتي‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬األسباب االقتصادية‪.‬‬


‫تعد األسباب االقتصادية من أهم األسباب التي تفسر الزيادة‬
‫املستمرة في اإلنفاق الحكومي‪ ،‬إذ إن الزيادة في اإلنفاق تؤدي إلى زيادة‬
‫الدخل والذي ينتج عنه زيادة في الطلب على السلع والخدمات‬
‫االستهالكية‪ ،‬وبافتراض أن املرونة الدخلية للطلب على السلع والخدمات‬
‫مرتفعة‪ ،‬لذا فإن أي زيادة في الدخل ستنعكس مباشرة في صورة زيادة في‬
‫الطلب على السلع والخدمات العامة وهذا يؤدي إلى زيادة اإلنفاق الحكومي‬
‫إلشباع الطلب اإلضافي‪.‬‬
‫لقد ارتبطت الزيادة في النفقات العامة في الدول املتقدمة نتيجة‬
‫الحاجة للتأثير على النشاطات االقتصادية من خالل تدخل الدولة‬
‫وتوجيهها بما يضمن تحقيق نمو منتظم في االقتصاد وبالشكل الذي يتم‬
‫فيه زيادة اإلنفاق الحكومي لتالفي حاالت الكساد التي تتحقق في هذه‬
‫البلدان‪ ،‬كما أن التقدم فيها يتيح اإلمكانية األكبر للتوسع في نفقاتها العامة‬
‫وزيادة اعتمادها على قدراتها في توفير إيرادات عامة أكبر وبالشكل الذي‬
‫يضمن زيادة اإلنتاج والدخول‪.‬‬
‫أما الزيادة في النفقات العامة ألسباب اقتصادية في البلدان النامية‬
‫يمكن تفسيرها بسبب الحاجة املاسة والشديدة إلى تطوير اقتصادياتها‬
‫بسبب ضعف أنشطتها االقتصادية الناجم عن قلة عدد املشروعات التي‬

‫‪ .1‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي ومنجد عبد اللطيف الخشالي‪ ،‬املدخل الحديث في اقتصاديات املالية العامة‪ّ ،‬‬
‫(عمان‪:‬‬
‫دار املناهج للنشر والتوزيع‪ ،)2017 ،‬ص‪.60‬‬

‫‪90‬‬
‫تقوم بهذه النشاطات وكذلك صغر حجم هذه املشروعات وضعف درجة‬
‫تنوعها وانخفاض مستوى اإلنتاج واإلنتاجية والدخول فيها‪ ،‬وكل هذا‬
‫يفرض ضرورة تدخل الدولة في هذه النشاطات بما يضمن التطور والنمو‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬األسباب االجتماعية‪.‬‬
‫أن زيادة الهجرة من الريف إلى املدينة وما يترتب عليها من التركز في‬
‫املدن الصناعية وتوسيع نطاق املدن‪ ،‬دفع الدولة إلى التوسع في اإلنفاق‬
‫على الخدمات العامة‪ ،‬منها الصحة والتعليم والنقل واملواصالت واملاء‬
‫والكهرباء‪...‬الخ‪ ،‬بسبب أن حاجات املدن أكثر من حاجات الريف‪ ،‬كما أن‬
‫توسع التعليم قد أدى إلى زيادة الوعي االجتماعي فأصبح املواطنون‬
‫يطالبون الدولة القيام بوظائف لم تكن موجودة من قبل‪ ،‬مثل التأمين‬
‫ضد البطالة واملرض والعجز وغيرها من األسباب االجتماعية والتي أدت‬
‫إلى تزايد النفقات العامة‪ .‬كما يمكن أن تؤدي زيادة حجم السكان إلى تغيير‬
‫في الهيكل السكاني للمجتمع‪ ،‬فقد تزداد نسبة األطفال وكبار السن في‬
‫املجتمع مما يتطلب زيادة في النفقات العامة إلنشاء بعض املرافق العامة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬األسباب السياسية‪.‬‬
‫من األسباب السياسية التي أدت إلى زيادة النفقات العامة هي رغبة‬
‫الحكومة في كسب تأييد الطبقة الوسطى من أفراد الشعب‪ ،‬إذ عمدت‬
‫الحكومة إلى إيجاد فرص عمل جديدة ألفراد هذه الطبقة وذلك من أجل‬
‫كسب رضاهم في االنتخابات‪ ،‬هذا في الوقت الذي لم تبذل فيه الدولة أي‬
‫جهود حقيقية لزيادة إنتاجيتهم وكفاءتهم في العمل أو حتى إيجاد موارد‬

‫‪91‬‬
‫حقيقية في املوازنة تكفي ملواجهة النمو في اإلنفاق املخصص لهذا البند‪.‬‬
‫ويحقق السياسيون الذين ينفقون أكثر‪ ،‬حاالت العجز األكبر‪ ،‬إذ أن‬
‫السياسيين سوف يستخدمون السياسة التوسعية (التي تشير ضمنيا إلى‬
‫حاالت العجز) مع اقتراب االنتخابات متأملين أن يتركز اهتمام املصوتين‬
‫على تلك السياسات في تقييم هل أنهم أصبحوا أفضل تحت الحكومة‬
‫الحالية‪ .‬وبوسع الحكومة التأثير على قيود اإلنفاق للحكومات املستقبلية‬
‫بتنويع كمية الدين العام الذي تراكمه‪ ،‬إذ أن صاحب املركز يكون أكثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ميال لتراكم الدين كلما كان أكثر ميال لالستبدال (أي استبداله)‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬األسباب اإلدارية‪.‬‬
‫والتي تتمثل في التوسع الذي حدث في الجهاز البيروقراطي للدولة‪،‬‬
‫وكذلك زيادة حجم النفقات التي تقدمها الدولة في املجال االجتماعي وما‬
‫يتطلبه من أعداد إضافية من املوظفين‪ ،‬إذ أن عدد العاملين في أجهزة‬
‫الدولة قد زاد في اغلب البلدان النامية‪ ،‬وأن هنالك عدد ال يستهان به من‬
‫الدول التزمت بتعيين الخريجين الجدد من املعاهد والجامعات كسبيل‬
‫ملكافحة البطالة وذلك دون مراعاة الحاجة الفعلية‪ ،‬والذي أدى إلى زيادة‬
‫ً‬
‫األعباء العامة من أجور ورواتب على املوازنة العامة للدولة‪ ،‬فضال عن أن‬
‫ً ً‬
‫هناك عددا كبيرا من املوظفين أصبحوا ذا إنتاجية منخفضة وذلك بسبب‬
‫عدم التخطيط للقوى العاملة وإعادة هيكلتها بما يتناسب والتوسع‬
‫الوظيفي املنتج وبسبب انخفاض حجم االستثمار الحكومي‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫خامسا‪ :‬األسباب املالية‪.‬‬
‫إن التطور الذي لحق باإلنفاق الحكومي من املفهوم التقليدي إلى‬
‫املفهوم املعاصر يعد من أهم األسباب التي أدت إلى زيادة اإلنفاق‬
‫الحكومي‪ ،‬إذ برزت أهميته من أجل توجيه النشاط االقتصادي وتحقيق‬
‫مستويات مرتفعة من الدخل والعمالة السيما في أوقات األزمات‬
‫االقتصادية‪ ،‬وأن سهولة االقتراض قد جعل القروض بمختلف أنواعها‬
‫من أهم مصادر تمويل اإلنفاق الحكومي‪ ،‬وذلك بسبب تقدم أساليب‬
‫إصدار القروض العامة‪ ،‬إذ أن الدولة تستطيع أن تسد العجز في موازنتها‬
‫عن طريق اللجوء إلى هذه القروض من أجل القيام بالخدمات العامة‬
‫بسبب عدم كفاية حصيلة الضرائب للقيام بها‪ ،‬وأن التوسع في طلب‬
‫القروض أصبح عائقا رئيسيا في وجه التنمية ألنها تؤدي إلى زيادة األعباء‬
‫العامة والناجمة عن خدمة الديون وكذلك استنزاف جزء كبير من املوارد‬
‫للدول املدينة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬األسباب العسكرية‪.‬‬
‫وتعد من األسباب املهمة لزيادة النفقات العامة‪ ،‬والتي تتمثل في‬
‫اتساع نطاق الحروب بين الدول واالستعداد الالزم لها وما يرافقه من‬
‫ازدياد النفقات العسكرية في أوقات السلم والحرب‪ ،‬وقد تأكدت هذه‬
‫الحقيقة في الحربين العامليتين األولى والثانية‪ ،‬وأن األهمية النسبية‬
‫للنفقات العسكرية تختلف من بلد إلى آخر تبعا للمركز السياس ي‬
‫واالقتصادي وظروف كل دولة على املستوى العاملي‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ً ً‬
‫من البديهي أن الحرب تسبب عجزا كبيرا‪ ،‬إذ أن الزيادات األكبر‬
‫في دين الحكومات في القرن العشرين حدثت خالل الحربين العامليتين‬
‫األولى والثانية‪ ،‬وعادة ما تعمل اقتصاديات الحرب بتوظيف منخفض‪،‬‬
‫وأن تمويل العجز هو طريق لتخطي بعض أعباء الحرب ألولئك الباقين‬
‫ً‬
‫على قيد الحياة بعد الحرب (ويبدو هذا عادال لألجيال املستقبلية ألن‬
‫يساهموا في التضحية من أجل متطلبات الحرب)‪ .‬لذلك فإن من أسباب‬
‫عجز املوازنة هو االنحراف الكبير في تخصيص نفقات املوازنة باتجاه‬
‫اإلنفاق العسكري واستخدام النطاق الواسع من املجندين للمجهود‬
‫الحربي وغياب األمن واالستقرار‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬التبادل غيراملتكافئ‪.‬‬
‫من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في زيادة اإلنفاق الحكومي في‬
‫البلدان النامية والتي تتمثل بالتبادل غير املتكافئ وما ينجم عنها من ضعف‬
‫في موقع هذه البلدان في االقتصاد الرأسمالي العاملي‪ ،‬وأن دخول البلدان‬
‫النامية في عالقات تبادلية غير متكافئة مع البلدان املتقدمة أدى إلى‬
‫تحقيق خسائر واضحة قد نجم عنها تدهور في شروط التبادل التجاري‬
‫ً‬
‫العاملي فضال عن انخفاض أسعار الصرف في األسواق النقدية الدولية‬
‫وارتفاع نسبة التضخم املستورد‪ ،‬إلى جانب ما يفرض من قيود حمائية‬
‫على صادراتها من قبل االقتصاد العاملي‪ ،‬وأن كل هذا أدى إلى تزايد‬
‫النفقات العامة بشكل كبير بسبب زيادة أسعار االستيرادات الضرورية‬
‫وانخفاض أسعار الصادرات‪1.‬‬

‫‪ .1‬محمد جمال ذنيبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.103-102:‬‬

‫‪94‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬األسباب الظاهرية لتزايد النفقات العامة‪.‬‬
‫تتمثل في تلك الزيادة التي تحصل في النفقات العامة للدولة دون‬
‫أن يرافقها أي زيادة في الخدمات العامة أو املنافع العامة‪ .‬وأن األسباب‬
‫الظاهرية لزيادة النفقات العامة تزداد وتتنوع في البلدان النامية بسبب‬
‫الظروف التي تعيشها هذه الدول وواقعها الذي يوفر إمكانية حدوث مثل‬
‫هذه الزيادة‪.‬‬
‫أي أن الزيادة في النفقات العامة في هذه الحالة هي فقط زيادة‬
‫رقمية دون أن يقابلها إي زيادة في كمية السلع والخدمات املقدمة ألفراد‬
‫املجتمع‪ .‬ويمكن تحديد أسباب الزيادة الظاهرية في النفقات العامة على‬
‫النحو اآلتي‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬انخفاض قيمة النقود‪.‬‬


‫تتمثل هذه الحالة في انخفاض القوة الشرائية للنقود من السلع‬
‫والخدمات وذلك بسبب التضخم الذي يؤدي إلى ارتفاع كلفة السلع‬
‫والخدمات التي تشتريها الدولة‪ ،‬أي نقص كمية السلع والخدمات التي‬
‫يمكن أن تشتريها باملبلغ نفسه من النقود قبل حدوث التضخم‪ ،‬األمر‬
‫الذي يترتب عليه زيادة اإلنفاق الحكومي ملواجهة تدهور القوة الشرائية‬
‫للنقود‪ ،‬وبالتالي تفاقم العجز في املوازنة العامة‪ .‬وأن انخفاض قيمة النقود‬
‫بفعل التضخم يعد سمة مشتركة لدى االقتصاديات كافة بعد خروجها‬
‫من قاعدة الصرف بالذهب‪ ،‬ويمكن مقارنة اإلنفاق الحكومي خالل أوقات‬

‫‪ .1‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬املالية العامة والتشريع الضريبي‪ّ ،‬‬


‫(عمان‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،)2008 ،‬ص‪ 53‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مختلفة وذلك الستبعاد التغيرات التي طرأت على القوة الشرائية للنقود‬
‫ً‬
‫من خالل استخدام األرقام القياسية ملستوى األسعار وفقا للمعادلة‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫اإلنفاق الحكومي باألسعار الجارية‬
‫× ‪)100‬‬ ‫اإلنفاق الحكومي الحقيقي=(‬
‫املستوى العام لألسعار‬
‫ثانيا‪ :‬اختالف الفن املالي‪.‬‬
‫تعزى بعض الزيادة في النفقات العامة إلى تغير الفن املالي وتغيير‬
‫ً‬
‫طريقة قيد الحسابات املالية‪ ،‬إذ أن إعداد املوازنة العامة وفقا لقاعدة‬
‫ً‬
‫الشمول ال يعتمد على فكرة املوازنة الصافية والتي تقوم أساسا على‬
‫قاعدة تخصيص اإليرادات العامة‪ ،‬إذ تقوم بعض املؤسسات بأجراء‬
‫مقاصة في موازنتها عندما تقوم بطرح نفقاتها من اإليرادات التي تقوم‬
‫بتحصيلها والتي ال تظهر في موازنتها سوى فائض اإليرادات على النفقات‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬زيادة السكان و اتساع مساحة الدولة‪.‬‬
‫كتاب املالية العامة وذلك على‬ ‫كان هذا السبب موضوع خالف بين ّ‬
‫اعتبار أن زيادة النفقات العامة بسبب زيادة عدد السكان واتساع مساحة‬
‫الدولة هل أ تعد من األسباب الظاهرية أم من األسباب الحقيقية لتلك‬
‫الزيادة‪ ،‬إذ كان االعتقاد أن الزيادة في النفقات بسبب زيادة املساحة أو‬
‫عدد السكان تؤدي إلى زيادة فعلية في املنافع لإلقليم األصلي أو السكان‬
‫يترتب عليها زيادة في متوسط نصيب الفرد من النفقات العامة‪ ،‬وأن هذه‬
‫الزيادة تعد زيادة حقيقية في النفقات العامة‪ ،‬أما إذا زاد حجم اإلنفاق‬

‫‪96‬‬
‫وذلك ملواجهة مطالب السكان اإلضافية دون أن يرافقها أي زيادة في‬
‫الخدمات العامة وتحسين نوعيتها‪ ،‬فإن هذه الزيادة تعد ظاهرية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الفساد اإلداري‪.‬‬
‫إن جميع دول العالم سواء أكانت الديمقراطية منها أم االستبدادية‬
‫تسيطر على توزيع ثرواتها‪ ،‬ويتم توزيع هذه الثروات عادة عن طريق‬
‫مسؤولين رسميين يمتلكون سلطات تشمل التقرير والتقييم‪ ،‬وإن‬
‫املؤسسات الخاصة واألفراد الذين يريدون معاملة تفضيلية يكونون‬
‫مستعدين للدفع مقابل ذلك‪ ،‬وهذه الدفعات تعد فاسدة ألنها تقدم‬
‫بشكل غير قانوني من أجل الحصول على منفعة‪ ،‬وهذا يعني أن املؤسسات‬
‫ُ‬
‫التي أنشئت لتحقيق املنافع العامة قد أصبحت وسيلة لإلثراء وتقديم‬
‫املنافع للفاسدين‪.‬‬
‫وتعد هذه الظاهرة من األسباب الرئيسة واملهمة لزيادة النفقات‬
‫العامة زيادة ظاهرية دون أن يقابلها زيادة في الخدمات واملنافع العامة‬
‫والتي أصبحت ذات صفة لصيقة ملعظم اقتصاديات البلدان النامية بل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحتى املتقدمة‪ ،‬وإن الفساد اإلداري يرتبط ارتباطا وثيقا بأنظمة الحكم‬
‫السائدة في الدولة وطبيعة العقوبات الجزائية للحاالت املخالفة للقانون‪1.‬‬

‫‪ .1‬محمد جمال ذنيبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.104 .‬‬

‫‪97‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫تقسيمات النفقات العامة‬
‫و آثارها االقتصادية‬
‫تتنوع النفقات العامة ويزداد عددها وتتعمق آثارها كلما اتسع‬
‫نطاق تدخل الدولة وتنوعت وظائفها في إطار األخذ بفكرة التوجيه‬
‫االقتصادي‪ ،‬وهو ما يستدعي تقسيم هذه النفقات وتبويبها في مجموعات‬
‫متجانسة تتصف بصفات مشتركة وذلك وفق معايير مختلفة‪ .‬وسنعرض‬
‫من خالل هذا الفصل تقسيمات النفقات العامة وأهم آثارها االقتصادية‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تقسيمات النفقات العامة‪.‬‬
‫يتم تقسيم النفقات العامة وفق معيارين‪ ،‬التقسيمات العلمية‬
‫والتقسيمات الوضعية‪ ،‬ولكن قبل تناول هذه التقسيمات والتفصيل‬
‫فيها‪ ،‬يستحسن أوال التطرق ألهمية اللجوء إلى تقسيم النفقات العامة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أهمية تقسيمات النفقات العامة‪.‬‬
‫إن للتقسيمات املختلفة للنفقات العامة أهمية خاصة نظرا ألنها‬
‫تيسر عملية هيكلة هذه النفقات والتعرف على اآلثار املترتبة على االنفاق‬
‫العام في جميع املجاالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬كما تعود‬
‫ً‬
‫أهمية تقسيمات النفقات العامة إلى كونها تخدم أغراضا متعددة أهمها ما‬
‫يأتي‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬تسهيل صياغة وإعداد البرامج‪.‬‬


‫تمثل النفقات العامة جزء من ميزانية الدولة بحيث تدخل ضمن‬
‫حساباتها وهي ترتبط ببرامج محددة تقودها األجهزة والوحدات العامة‪،‬‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬أساسيات املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33 .‬‬

‫‪100‬‬
‫بحيث يضمن ترتيب تلك الحسابات من خالل تقسيم النفقات العامة‪،‬‬
‫تسهيل عملية صياغة وإعداد وتنفيذ هذه البرامج‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحقيق الكفاءة والفعالية في تنفيذ امليزانية‪.‬‬
‫تحتاج الدولة في سبيل تنفيذ الخطة املالية إلى تقسيم النفقات‬
‫العامة ضمن امليزانية حتى يتسنى للجهات املسؤولة تقييم وقياس كفاءة‬
‫تنفيذ كل برنامج‪ .‬ولخدمة أغراض املحاسبة واملراجعة واملراقبة واالعتماد‬
‫يجب األخذ بعين االعتبار‪:‬‬
‫‪ -‬تسهيل دراسة اآلثار املختلفة لألنشطة العامة املختلفة ومعرفة‬
‫تطورها‪ ،‬حيث أن تقسيم النفقات العامة يسهل التعرف على‬
‫تكلفة كل نشاط وتطورات تلك التكلفة وأهميتها النسبية باملقارنة‬
‫باألنشطة األخرى؛‬
‫‪ -‬تمكين الرأي العام من إجراء رقابة فعالة على الجانب املالي‬
‫لنشاط الدولة‪ ،‬بتقييد الحكومة بإنفاق املبالغ التي اعتمدها‬
‫البرملان في ذات األوجه التي قررت لها وليس في أوجه أخرى‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬تقسيمات النفقات العامة‪.‬‬


‫تتخذ النفقات العامة صورا متعددة ومتنوعة‪ ،‬ويزداد هذا التنوع‬
‫بتزايد وظائف الدولة وتزايد مظاهر تدخلها في الحياة العامة للمجتمع‪،‬‬
‫وبما أن األنواع املتعددة للنفقات العامة تختلف فيما بينها‪ ،‬سواء من‬
‫ناحية مضمونها أو من ناحية أثارها االقتصادية ونتائجها املالية‪ ،‬فقد‬

‫‪101‬‬
‫وضع علماء املالية العامة تقسيمات متعددة للنفقات العامة يرتكز كل‬
‫منها على وجهة نظر معينة في تحبيذ تقسيم دون آخر‪ ،‬وبالرغم من أن هذه‬
‫لتقسيمات قد يتداخل بعضها في البعض اآلخر إال أن لها أهمية كبيرة في‬
‫استظهار طبيعة اإلنفاق العام وأثاره وأهدافه‪ ،‬مما يساعد كثيرا على إدارة‬
‫األموال العامة‪ ،‬ومعرفة املحللين املاليين مقدار ما يكلفه كل نوع من أنواع‬
‫نشاط الدولة على حدة‪ ،‬ومن ثم تتبع تطور هذه النفقات من فترة إلى أخرى‬
‫باإلضافة إلى تمكين السلطة التشريعية والرأي العام من إجراء رقابة فعالة‬
‫على الجانب املالي لنشاط الدولة‪ .‬ويمكن تقسيم النفقات العامة من حيث‬
‫طبيعتها االقتصادية وهي ما تعرف بالتقسيمات االقتصادية أو‬
‫بالتقسيمات العلمية‪ ،‬كما يمكن أن تقسم إلى تلك األقسام التي تعتمد‬
‫عليها امليزانيات وهي ما تعرف بالتقسيمات الوضعية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التقسيمات االقتصادية أو العلمية للنفقات العامة‪.‬‬
‫يقصد بالتقسيمات االقتصادية للنفقات العامة تلك التقسيمات‬
‫التي تقوم على معايير اقتصادية‪ ،‬وذلك بهدف معرفة آثار النفقات العامة‬
‫على الحياة االقتصادية للجماعة‪ ،‬وكذلك اآلثار التي تتركز على بعض‬
‫القطاعات أو األنشطة االقتصادية‪ .‬ولقد جرت الكتابات املالية‬
‫واالقتصادية على إجراء عدة تقسيمات اقتصادية للنفقات العامة أهمها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تقسيم النفقات العامة حسب الوظائف األساسية التي تقوم بها‬
‫الدولة‪:‬‬
‫يقوم هذا التقسيم في جوهره على فكرة مبسطة مؤداها تجميع كل‬
‫مجموعة من الخدمات ذات الطبيعة الواحدة تبعا للوظائف األساسية‬

‫‪102‬‬
‫التي تؤديها الدولة‪ ،‬ووفقا لهذا التقسيم يمكن التمييز بين ثالثة أنواع‬
‫مختلفة للنفقات العامة تبعا للوظائف األساسية للدولة وهي‪ :‬الوظيفة‬
‫اإلدارية‪ ،‬والوظيفة االجتماعية‪ ،‬والوظيفة االقتصادية‪.‬‬
‫‪ .1‬النفقات اإلدارية‪ :‬وهي النفقات املتعلقة بسير املرافق العامة والالزمة‬
‫لقيام الدولة وهي تشتمل على نفقات اإلدارة العامة والدفاع واألمن‬
‫والعدالة والتمثيل السياس ي‪ ،‬وأهم بنود هذا النوع من النفقات هي‬
‫نفقات الدفاع الوطني‪.‬‬
‫‪ .2‬النفقات االجتماعية‪ :‬وهي التي تـنصرف إلى تحقيق آثار اجتماعية‬
‫معينة بين األفراد وذلك عن طريق تحقيق قدر من الثقافة والتعليم‬
‫والرعاية الصحية لألفراد‪ ،‬باإلضافة إلى تحقيق قدر من التضامن‬
‫االجتماعي عن طريق مساعدة بعض الفئات التي توجد في ظروف‬
‫اجتماعية تستدعي املساندة (تقديم املساعدات واإلعانات لذوي‬
‫الدخل املحدود‪ ،‬والعاطلين عن العمل …الخ) وأهم بنود هذه‬
‫النفقات تلك املتعلقة بمرافق التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬والثقافة العامة‪،‬‬
‫واإلسكان‪.‬‬
‫‪ .3‬النفقات االقتصادية‪ :‬وهي النفقات التي تتعلق بقيام الدولة‬
‫بخدمات عامة تحقيقا ألهداف اقتصادية كاالستثمارات الهادفة إلى‬
‫تزويد االقتصاد القومي بخدمات أساسية كالنقل واملواصالت‪،‬‬
‫ومحطات توليد القوى الكهربائية‪ ،‬والري والصرف‪ ،‬إلى جانب تقديم‬
‫اإلعانات االقتصادية للمشروعات العامة والخاصة‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫والتقسيمات السابقة للنفقات العامة فهي على سبيل املثال ال‬
‫الحصر‪ ،‬ألنه يمكن اإلمعان في كل تقسيم من بينها والوصول إلى تعدد‬
‫أنواع النفقات العامة وتفضيلها على نحو أكبر‪ ،‬وذلك بتقسيم كل نوع من‬
‫األنواع املتقدمة إلى عدة أنواع تبعا لتعدد األغراض التي تدخل في كل‬
‫تقسيم منها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقسم النفقات العامة من حيث أثرها االقتصادي على الدخل‬
‫القومي‪.‬‬
‫يعرف أيضا بالتقسيم التقليدي للنفقات العامة‪ ،‬وأول من قام به‬
‫هو بيجو حيث قسم النفقات العامة إلى نفقات حقيقية وأخرى تحويلية‪.‬‬
‫‪ .1‬النفقات الحقيقية أو الفعلية‪ :‬ويقصد بها تلك النفقات التي‬
‫تؤثر على الدخل القومي‪ ،‬والتي تصرفها الدولة في مقابل الحصول‬
‫على سلع وخدمات أو رؤوس أموال إنتاجية كاملرتبات وأثمان‬
‫التوريدات واملهمات الالزمة لسير املرافق العامة‪ ،‬سواء التقليدية‬
‫أو الحديثة التي اقتضاها تدخل الدولة في الحياة االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والنفقات االستثمارية أو الرأسمالية‪ .‬فالنفقات‬
‫العامة هنا تؤدي إلى حصول الدولة على مقابل لإلنفاق (عمل‪،‬‬
‫خدمة أو سلعة)‪ ،‬كما تؤدي إلى خلق دخول جديدة يجب إضافتها‬
‫إلى باقي الدخول املكونة للدخل القومي‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫وفي النفقات الحقيقية يمكن التمييز بين النفقات االستثمارية‬
‫والنفقات الجارية‪ ،‬حيث تتمثل األولى في الطلب على السلع اإلنتاجية في‬
‫صورة زيادة في وسائل اإلنتاج الثابتة (غالبا) سواء كان في شكل بناء أساس‬
‫للقيام بالخدمات (بالنسبة ملشروعات الخدمات) أو في صورة وضع أساس‬
‫للقيام باإلنتاج (بالنسبة ملشروعات اإلنتاج السلعي‪ ،‬ومثاله تأسيس سكك‬
‫الحديد وتشييد السدود‪ ،)...،‬أما النفقات الجارية فيقصد بها ضمان سير‬
‫إدارة معينة أو أداء خدمة أو تشغيل وحدة إنتاجية‪1 ..‬‬

‫‪ .2‬النفقات التحويلية أو الناقلة‪ :‬فيقصد بها تلك النفقات التي ال‬


‫يترتب عليها حصول الدولة على سلع وخدمات ورؤوس أموال‪ ،‬إنما‬
‫تمثل تحويل لجزء من الدخل القومي عن طريق الدولة من بعض‬
‫الفئات االجتماعية كبيرة الدخل إلى بعض الفئات األخرى‬
‫محدودة الدخل‪ ،‬حيث تكتفي هذه النفقات بتحويل القوة‬
‫الشرائية بين الشرائح االجتماعية‪ ،‬مع االحتفاظ بمجموع الدخل‬
‫ثابتا‪ ،‬إذ تجري الدولة هذه التحويالت دون مقابل‪ ،‬واملثال على‬
‫ذلك اإلعانات واملساعدات االجتماعية املختلفة‪ :‬كالضمان‬
‫االجتماعي واإلعانات ضد البطالة والشيخوخة وإعانات غالء‬
‫املعيشة‪ ،‬واإلعانات االقتصادية التي تمنحها الدولة لبعض‬
‫املشروعات الخاصة بقصد حملها على تخفيض أسعار منتجاتها‪،‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27 .‬‬

‫‪105‬‬
‫وتستهدف الدولة من هذه النفقات إعادة توزيع الدخل ولو بصورة‬
‫جزئية ملصلحة الطبقة الفقيرة‪ ،‬ومن الواضح أن النفقات‬
‫التحويلية ال تؤدي إلى زيادة الدخل القومي بشكل مباشر دون أن‬
‫تضيف إليه شيئا‪ ،‬فهي بمثابة إجراءات لتحويل الدخول من‬
‫فئات اجتماعية معينة إلى فئات أخرى‪.‬‬
‫وتهدف الدولة منها إلى إعادة توزيع الدخل‪ ،‬ولو بصورة جزئية‪ ،‬دون‬
‫أن تضيف إليه شيئا‪ ،‬مما دفع البعض لتسميتها بالنفقات التوزيعية‪.‬‬
‫وتفضل أن يتحمل األفراد أعباء هذه النفقات من خالل الضرائب التي‬
‫تجبيها وفقا للسياسة الضريبية التي تعتمدها بدال من تحمل األفراد لهذا‬
‫العبء وخاصة الفقراء منهم‪1 .‬‬

‫ثالثا‪ :‬النفقات العادية والنفقات غيرالعادية‪.‬‬


‫فالنفقات العادية يقصد بها تلك النفقات التي تتكرر كل سنة‬
‫بصفة منتظمة في ميزانية الدولة كمرتبات املوظفين‪ ،‬وتكاليف صيانة‬
‫املباني واألجهزة العامة ونفقات التعليم والصحة العامة ونفقات تحصيل‬
‫الضرائب وغيرها من النفقات التي تظهر بصفة دورية منتظمة في امليزانية‪،‬‬
‫وال يعني هذا أن كمية أو حجم هذه النفقات يجب أال يتغير من ميزانية إلى‬
‫أخرى حتى توصف بالعادية‪ ،‬بل يكفي أن تتكرر بنوعها في كل ميزانية حتى‬
‫ولو اختلف مقدارها من وقت آلخر حتى تعتبر نفقات عادية‪.‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 .‬‬

‫‪106‬‬
‫أما النفقات غير العادية فهي تلك النفقات التي ال تتكرر كل سنة‬
‫بصفة منتظمة في امليزانية‪ ،‬بل تدعو الحاجة إليها في فترات متباعدة تزيد‬
‫عن السنة أي تأتي بصفة استثنائية ملواجهة ظروف اقتصادية أو‬
‫اجتماعية أو سياسية معينة في وقت محدد وكمثال على ذلك النفقات‬
‫الحربية‪ ،‬ونفقات إصالح الكوارث الطبيعية كالزالزل والفيضانات ونفقات‬
‫إنشاء السدود والخزانات ومد خطوط السكك الحديدية وتعبيد الطرق‬
‫وتأسيس األساطيل التجارية وغيرها‪.‬‬
‫ولهذا التقسيم فائدته وخطره‪ ،‬وتتمثل فائدته في التكرار الدوري‬
‫للنفقات العادية مما يمكن الحكومة من تقديرها تقديرا يكون قريبا من‬
‫الصحة‪ ،‬وتدبير األموال الالزمة لسدادها من اإليرادات العادية وأهمها‬
‫الضرائب‪ ،‬أما النفقات غير العادية وباعتبارها تحدث بصفة عرضية‬
‫واستثنائية فإن سدادها يكون عادة من إيرادات غير عادية كالقروض‬
‫العامة واإلصدار النقدي الجديد‪ ،‬أما خطره فيكمن في لجوء الحكومة‬
‫كلما تحقق عجز في امليزانية إلى عقد قروض عامة بدعوى إجراء نفقات‬
‫غير عادية عندما ال تكفي لتغطيتها مواردها العادية وتخصيص ميزانية‬
‫غير عادية لذلك‪.‬‬
‫وأمام املالحظات واالنتقادات املوجهة لتقسيم النفقات إلى عادية‬
‫وغير عادية‪ ،‬فقد اتجه الفكر املالي الحديث إلى التمييز بين نوعين من‬
‫النفقات العامة‪ :‬النفقات التسييرية وهي تلك النفقات الالزمة لتسيير‬
‫املرافق العامة كاملرتبات ونفقات الصيانة وغيرها‪ ،‬والنفقات الرأسمالية‬
‫أو االستثمارية ويقصد بها تلك النفقات التي تخصص لتكوين رؤوس‬

‫‪107‬‬
‫األموال العينية في املجتمع كنفقات إنشاء املشروعـات الجديدة من طرق‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬النفقات القومية والنفقات املحلية‪.‬‬
‫إن تقسيم النفقات العامة إلى نفقات قومية ونفقات محلية‬
‫يعتمد على معيار نطاق سريان النفقة العامة ومدى استفادة أفراد‬
‫املجتمع كافة أو سكان إقليم معين داخل الدولة من النفقة العامة‪ ،‬وتكون‬
‫النفقة قومية أو مركزية إذا وردت في ميزانية الدولة وتتولى الحكومة‬
‫املركزية القيام بها مثل نفقة الدفاع والعدالة واألمن‪.‬‬
‫أما النفقات املحلية أو اإلقليمية وهي النفقات التي تقوم بها‬
‫الواليات أو ما يسمى بمجالس الحكم املحلي كمجالس الواليات واملدن‬
‫والقرى والتي ترد في ميزانيات هذه الهيئات‪ ،‬وتخدم باألساس احتياجات‬
‫هيئة محلية معينة مثل االنفاق على توصيل مياه الشرب والكهرباء‬
‫لإلقليم‪.‬‬
‫وتختلف اتجاهات الدول اختالفا بينا فيما يتعلق بتوزيع املرافق‬
‫املختلفة‪ ،‬وبالتالي النفقات العامة بين الدولة والهيئات املحلية كما تختلف‬
‫هذه االتجاهات في الدولة نفسها من زمن إلى آخر‪ ،‬ويرجع هذا االختالف‬
‫إلى الظروف التاريخية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية الخاصة بكل‬
‫دولة في كل زمن معين‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬التقسيمات الوضعية للنفقات العامة‪.‬‬
‫تعتمد التقسيمات العلمية للنفقات العامة على معايير اقتصادية‬
‫ونظرية‪ ،‬مع تبيان أنواع النفقات العامة من الناحية العلمية‪ ،‬طبقا‬
‫لتلك املعايير املتخذة (املعتمدة) كأساس للتقسيم‪.‬‬
‫أما التقسيمات الوضعية للنفقات العامة‪ ،1‬فهي تلك التي تتبناها‬
‫امليزانيات العامة للدول املختلفة استنادا إلى االعتبارات الواقعية أو‬
‫العملية‪ ،‬وخاصة االعتبارات اإلدارية والوظيفية التي تدعو في الغالب إلى‬
‫عدم االلتزام بالتقسيم العلمي للنفقة‪.‬‬
‫ويهتم التقسيم اإلداري للنفقات العامة بتوزيع النفقات العامة تبعا‬
‫للهيئات اإلدارية التي تقوم بها‪ ،‬وبغض النظر عن أوجه النشاط والوظائف‬
‫التي تقوم بها هذه الهيئات‪ ،‬وقد أخذ على التقسيم اإلداري صفته اإلدارية‬
‫البحتة وعدم اهتمامه بتجميع النفقات حسب موضوعها‪.‬‬
‫أما التقسيم الوظيفي فهو يهتم بتقسيم النفقات العامة حسب‬
‫الوظائف التي تقوم بها الدولة دون االهتمام بطبيعة النفقة‪ ،‬وهذه‬
‫الطريقة تسمح بجمع كافة النفقات التي تهدف إلى تحقيق نفس الغرض في‬
‫قسم واحد حتى ولو كانت موزعة على عدة وزارات او مصالح‪ ،‬ويتميز هذا‬
‫التقسيم في كونه ال ينظر إلى مشتريات الدولة في حد ذاتها وإنما ينظر إليها‬
‫في نطاق الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه من ورائها‪.‬‬
‫ويالحظ بأن التقسيم الوظيفي هو الصورة الغالبة في الوقت‬
‫الحاضر في ميزانيات الدولة املختلفة‪.‬‬
‫ويقوم التقسيم االقتصادي على توزيع النفقات العامة حسب‬
‫العملية وحسب القطاع الذي يقوم بها‪ ،‬فالعمليات تقسم إلى عمليات‬

‫‪ .1‬محمد جمال ذنيبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 74 .‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫رأسمالية وعمليات جارية‪ ،‬وفي داخل هاتين املجموعتين يمكن توزيع‬
‫النفقات إلى مجموعات فرعية‪ ،‬أما التقسيم حسب القطاع فيتم على‬
‫أساس تقسيم االقتصاد القومي إلى قطاعات يضم كل قطاع منها أقساما‬
‫فرعية‪.‬‬
‫وتتعرض التقسيمات الوضعية للنفقة العامة داخل امليزانية‬
‫لألسس التي تعرضها التقسيمات العلمية في بيان أنواع النفقات‪ ،‬وعليه‬
‫فالتقسيمات الوضعية ال تكون بعيدة تماما عن التقسيمات العلمية وإنما‬
‫قد تتخذها كأساس‪ ،‬وإن اختلفت طريقة التقسيم نتيجة للضرورات‬
‫العملية‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬اآلثاراالقتصادية للنفقات العامة‪.‬‬
‫لقد أدى التطور في جميع الدول إلى التوسع في اإلنفاق العام‬
‫بصفة مستمرة وإلى تنوعه وتغير هيكله‪ ،‬واستخدامه بهدف التأثير في‬
‫االقتصاد الوطني وعلى كافة جوانب املجتمع سواء أكانت سياسية أو‬
‫اجتماعية أو مالية‪.‬‬
‫وتتوقف اآلثار االقتصادية للنفقات العامة على عدة عوامل منها‪:‬‬
‫طبيعة هذه النفقات‪ ،‬والهدف الذي ترمي إلى تحقيقه‪ ،‬وطبيعة اإليرادات‬
‫الالزمة لتمويلها‪ ،‬والوضع االقتصادي السائد‪.‬‬
‫وال يمكن الخوض في تفاصيل مختلف اآلثار االقتصادية لسائر‬
‫أنواع النفقات العامة على االقتصاد الوطني وتحليلها تحليال مستفيضا‪،‬‬
‫إنما سنتعرض وبإيجاز ألهم اآلثار بالنسبة لحجم الناتج الوطني وطريقة‬
‫توزيعه‪ ،‬وعلى حجم بعض الكميات االقتصادية الكلية‪ ،‬كاالستهالك‬

‫‪110‬‬
‫واالدخار واالستثمار‪ ،‬واملستوى العام لألسعار‪ ..،‬وذلك لكون أن هذه‬
‫اآلثار هي التي تعتمد عليها السياسة املالية الحديثة ملختلف الدول إلحداث‬
‫آثار كمية وكيفية في اقتصادياتها‪ ،‬بهدف التأثير في التوازن االقتصادي‬
‫العام‪ ،‬واآلثار االقتصادية للنفقات العامة قسمان؛ مباشرة وغير مباشرة‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اآلثار املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج واالستهالك‬
‫الوطنيين‪.‬‬
‫تقوم الدولة في العصر الحديث بنوعين رئيسيين من الوظائف في‬
‫املجتمع‪ ،‬وظيفتها كدولة تقدم خدمات عامة للمواطنين‪ ،‬ووظيفتها كمنظم‬
‫وتأخذ على عاتقها بعض أوجه النشاط االقتصادي (أي اإلنفاق‬
‫االستثماري) التي كانت من اختصاص األفراد (االقتصاد الخاص)‪ ،‬وعليه‬
‫فاالقتصاد العام يمكن أن ينظر إليه بنظرتين‪ :‬قطاع عام باملعنى الضيق‬
‫وهو ذو طابع تنظيمي وسيادي‪ ،‬وقطاع عام باملعنى الواسع وهو ذو طابع‬
‫إنتاجي واقتصادي‪ ،‬وال شك أن لكل نوع من أنواع اإلنفاق العام في هذين‬
‫املجالين آثاره االقتصادية املباشرة التي يتعين على املسؤولين عن السياسة‬
‫املالية أخذها بعين االعتبار عند اتخاذ قراراتهم بشأنها‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثاراملباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج الوطني‪.‬‬
‫تؤثر النفقات العامة على اإلنتاج وفرص العمل من خالل التأثير‬
‫ً ً‬
‫على املستوى الحقيقي للطلب الكلي‪ ،‬ألن هذه النفقات تشكل جزءا كبيرا‬
‫من هذا الطلب‪ ،‬الذي يزداد أهمية مع تدخل الحكومة أكثر في النشاط‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬والعالقة بين النفقات العامة وحجم الطلب‬
‫وتأثيرها عليه يعتمد على حجمها ونوعها‪ .‬حيث تعكس النفقات الحقيقية‬

‫‪111‬‬
‫الطلب على السلع والخدمات‪ ،‬في حين أن أثر النفقات التحويلية يتحدد‬
‫من خالل كيفية إنفاق املستفيدين منها‪ .‬كما أن أثر النفقات العامة على‬
‫اإلنتاج يرتبط بمدى تأثير الطلب الكلي على كمية اإلنتاج وفرص العمل‪،‬‬
‫تبعا ملرونة الجهاز اإلنتاجي أو مستوى العمالة والتشغيل في البلدان‬
‫املتقدمة‪ ،‬أو على مستوى التنمية االقتصادية في البلدان النامية‪ .‬ومن‬
‫أجل تحديد أثر النفقات العامة على اإلنتاج الوطني ينبغي دراسة آثار‬
‫األنواع الرئيسية لتلك النفقات‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬النفقات اإلنتاجية‪.‬‬


‫تتولى الدولة تنفيذ هذه النفقات بصورة مباشرة من خالل قيامها‬
‫باإلنتاج (الدولة املنتجة)‪ ،‬أو بشكل غير مباشر من خالل إعانات‬
‫ومساعدات اقتصادية لبعض املشروعات الخاصة أو العامة لتحقيق‬
‫هدف اقتصادي معين‪ ،‬حيث تساهم في إنتاج السلع والخدمات بقصد‬
‫اشباع الحاجات االستهالكية العامة‪ ،‬كما تقوم بإنتاج رؤوس األموال‬
‫العينية املعدة لالستثمار (أموال االستثمار)‪ ،‬وهذا االنفاق بشقيه‬
‫االستهالكي واالستثماري يصنف ضمن النفقات املنتجة التي تزيد من حجم‬
‫الدخل القومي والكفاءة اإلنتاجية لالقتصاد الوطني‪.‬‬
‫لقد بدأت هذه اإلعانات بوظيفة تقليدية قصدت بها الدولة‬
‫التدخل في األسعار وتطويق التضخم‪ ،‬إال أن هذه الوظيفة قد تطورت إلى‬
‫الدرجة التي أصبحت فيها بعض هذه اإلعانات تقدم إلى هذه املشروعات‬
‫‪ .1‬أنظر في ذلك‪ - :‬أحمد الجبير‪ ،‬املالية العامة والتشريع املالي‪ّ ،‬‬
‫(عمان‪ :‬اآلفاق املشرقة للنشر والتوزيع‪ ،)2011 ،‬ص‪.‬‬
‫‪ 192‬وما بعدها‪.‬‬
‫طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.46-45 .‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪112‬‬
‫بقصد تعويضها عما تفرضه عليها الدولة من التزامات لتأمين النشاط‬
‫الذي تقوم به هذه املشروعات ألنه يتعلق بخدمة عامة بصورة مباشرة‪،‬‬
‫كما أن بعض هذه اإلعانات يساعد املشروعات على تجهيز نفسها‪ ،‬أو‬
‫تشجيع بعض أوجه نشاطها‪ ،‬أو تمويل عجز طارئ في موازنتها‪ .‬ولعل ما‬
‫يحد من اإلعانات من حجم اإلعانات االقتصادية بشكل عام هو رغبة‬
‫الدولة في االحتفاظ بالقطاع الخاص بصورة تتناسب ورغبتها في توسيع‬
‫نطاق القطاع العام‪ ،‬حيث كلما توسعت في السيطرة على عناصر اإلنتاج‬
‫ووسائله تقلصت إعانتها للمشروعات الخاصة والعكس صحيح‪.‬‬
‫ومن أهم آثار هذه املساعدات توجيه أنشطة هذه املؤسسات‬
‫الخاصة لتحقيق أهداف التنمية االقتصادية وتوازن ميزان املدفوعات‪،‬‬
‫وزيادة معدل التراكم الرأسمالي وبالتالي الحفاظ على معدل نمو الناتج‬
‫الوطني‪ .‬بينما يكمن تبرير الحوافز االقتصادية التي تدفعها الدولة‬
‫للمؤسسات العامة في أن بعض هذه املؤسسات ليست ربحية‪ ،‬فقد تبيع‬
‫منتجاتها بأسعار رمزية لتلبية الحاجات العامة األساسية التي يتعين على‬
‫الدولة تلبيتها‪ ،‬وبالتالي استهداف إعادة التوازن املالي لهذه املؤسسات‪،‬‬
‫وسد عجزها‪ ،‬وإبقائها تعمل للصالح العام‪.‬‬
‫وقد تشارك بعض هذه املؤسسات العامة في نشاط إنتاجي خاص‬
‫لكنه يتسق مع التوجهات االقتصادية واالجتماعية للدولة‪ ،‬ومنه‬
‫فمساعدات الدولة لها ترتكز على االعتبارات الفلسفية التي تسهم في‬
‫تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية محددة‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫ثانيا‪ :‬آثارالنفقات االجتماعية‪.‬‬
‫ولهذه النفقات أثر على اإلنتاج الوطني‪ ،‬سواء كانت في شكل‬
‫تحويالت نقدية أو تحويالت عينية (سلع وخدمات)‪ ،‬وفي كلتا الحالتين فإنها‬
‫تؤثر على اإلنتاج القومي‪ ،‬ألن الفئات التي تحصل على تحويالت نقدية‬
‫وتنفقها في اقتناء السلع والخدمات االستهالكية األساسية سترفع من‬
‫الطلب الكلي مما يؤدي إلى تحفيز وزيادة اإلنتاج‪ .‬بينما اآلثار املباشرة‬
‫للفئات التي تحصل على تحويالت عينية هي تشجيع شراء سلع وخدمات‬
‫معينة تعطيها الدولة األولوية وترى أنها تتفق وأهدافها االقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ .‬فالدولة تستطيع من خالل عالقاتها مع منتجي هذه السلع‬
‫والخدمات بصفتها مشترية وسلطة عامة معا أن تمارس دورا تحكيميا في‬
‫سوق هذه السلع والخدمات إلى الدرجة التي توجه هذه السوق باالتجاه‬
‫الذي يحقق النفع العام‪ ،‬فمثال‪ ،‬تتدخل الدولة في قطاع اإلسكان بتوفير‬
‫السكنات للفئات االجتماعية محدودة الدخل فإنها تشجع اإلنتاج‬
‫الصناعي املتعلق بمواد البناء وتحد من استغالل املالك العقاريين‬
‫للمستأجرين في الوقت نفسه‪1 .‬‬

‫كما تؤدي املساعدات والتحويالت املباشرة للفئات املعوزة إلى‬


‫زيادة كبيرة في اإلنتاج‪ ،‬ال سيما السلع االستهالكية والخدمات‪ ،‬مما يجعل‬
‫هذه الفئات قادرة على أداء مهامها بشكل يرفع من مستواها االجتماعي‪.‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.48-47 .‬‬

‫‪114‬‬
‫ثالثا‪ :‬أثر النفقات العسكرية أو الحربية‪.‬‬
‫على الرغم من أهمية هذه النفقات التي أصبحت تمثل عبئا كبيرا‬
‫على املوازنة العامة في العديد من الدول‪ ،‬إال أن البحث عن آثارها يحيط‬
‫به صعوبات كثيرة‪ ،‬أبرزها أن هذه النفقات تخرج في كثير من األحيان عن‬
‫النطاق االقتصادي لتستقر في املجال السياس ي واالستراتيجي‪ ،‬مما يجعل‬
‫أمر التحكم بها صعبا‪ ،‬لذلك على الدولة أن تكون حذرة –قدر اإلمكان‪-‬‬
‫إزاء ما تسببه نفقاتها العسكرية من آثار اقتصادية‪1 .‬‬

‫ويعتبر اإلنفاق العسكري في الفكر التقليدي من بين النفقات‬


‫االستهالكية غير املنتجة‪ ،‬في حين يميز الفكر الحديث بين شكلين من‬
‫أشكال اآلثار على اإلنتاجي الوطني نتيجة لهذا النفقات‪ ،‬وهما اآلثار‬
‫االنكماشية واآلثار التوسعية‪.‬‬
‫فالنفقات العسكرية لها أثر انكماش ي على اإلنتاج الوطني من‬
‫حيث الكمية‪ ،‬حيث أن جزءا من املواد املتاحة واملوارد البشرية تنتقل من‬
‫االستخدام املدني إلى االستخدام العسكري‪ ،‬مما يؤدي إلى انخفاض حجم‬
‫اإلنتاج الوطني وارتفاع قيم عناصر اإلنتاج‪ ،‬وهذا ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع‬
‫أسعار السلع وانخفاض الطلب عليها‪.‬‬
‫ومن املرجح أن يكون للنفقات العسكرية تأثير توسعي على حجم‬
‫اإلنتاج الوطني في عدد من الحاالت‪ ،‬بما في ذلك الحاالت التي تستخدم فيها‬
‫النفقات العسكرية إلنشاء صناعات معينة أو لبناء مطارات وموانئ‬

‫‪ .1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.48.‬‬

‫‪115‬‬
‫وجسور وسدود تدعم االقتصاد الوطني في اإلنتاج املدني بعد الحرب‪،‬‬
‫وحتى قبل انتهاء الحرب إذا استمرت الحاجة إلى االنتاج العسكري‪.‬‬
‫كما تؤثر النفقات العسكرية على الظروف االقتصادية للبلد‬
‫وتتأثر بها أيضا‪ ،‬ألنها تستخدم األموال لشراء األسلحة واملعدات العسكرية‬
‫من بلدان أخرى مما يؤدي إلى عجز في ميزان املدفوعات‪ .‬ومن ناحية أخرى‬
‫إذا كانت النفقات العسكرية ترفع من مستوى الدخل الوطني إذا كانت‬
‫متجهة إلى اإلنفاق على الصناعات الداخلية‪.‬‬
‫ومن املعلوم أيضا أن املجال العسكري يعد أفضل مجال تطبيقي‬
‫للبحوث الجديدة‪ ،‬فقد دفعت الحروب الحديثة الكثير من الدول إلى‬
‫استقطاب العلماء ورجال الصناعة فكان من نتائج ذلك ظهور مخترعات‬
‫جديدة عادت بالفائدة على اإلنتاج بصورة عامة‪ .‬وفي كثير من األحيان‬
‫يوجه هذا االنفاق نحو انشاء صناعات جديدة يستفاد منها في املجالين‬
‫الحربي واملدني‪1 .‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثاراملباشرة للنفقات العامة في االستهالك الوطني‪.‬‬


‫للنفقات العامة أثر مباشر على االستهالك الوطني بسبب االرتفاع‬
‫األولي في الطلب على أموال االستهالك نتيجة لإلنفاق الحكومي‪ ،‬ويمكن‬
‫رصد هذا النوع من اآلثار من خالل نفقات االستهالك الحكومية‪ ،‬فضال‬
‫عن النفقات التي توزعها الدولة على األفراد في شكل مرتبات أو أجور تلبي‬
‫احتياجات املستهلكين من السلع والخدمات‪ ،‬وهذا بيان لذلك‪2:‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.39 .‬‬


‫‪ .2‬محمد ساحل‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬الجزائر‪ :‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،)2017 ،‬ص‪.55 .‬‬

‫‪116‬‬
‫أوال‪ :‬بالنسبة لنفقات االستهالك الحكومي أو العام‪.‬‬
‫وهذه النفقات لها تأثير على زيادة االستهالك من خالل ما تقوم به‬
‫الحكومة لتلبية الحاجات العامة‪ ،‬وقد يأخذ االستهالك الحكومي شكل‬
‫العمل على توفير املرافق العامة وإنشاء املشاريع العامة‪ ،‬إضافة إلى شراء‬
‫السلع أو أداء املهام املتعلقة بنجاح الوظائف العمومية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نفقات االستهالك الخاصة بالدخول املوزعة على األفراد‪.‬‬
‫ً‬
‫تخصص الدولة جزءا من النفقات العامة لدفع الرواتب واألجور‬
‫واملعاشات للموظفين والعمال الحاليين والسابقين‪ ،‬ويتم تخصيص الجزء‬
‫األكبر من هذه املداخيل لتلبية الحاجات االستهالكية الخاصة من السلع‬
‫والخدمات‪ ،‬ويتم النظر إلى نفقات الدولة على أنها مقابل العمل املنجز‪،‬‬
‫وبالتالي فإنها تصنف ضمن النفقات العامة املنتجة ألنها تزيد اإلنتاج الكلي‬
‫بشكل مباشر‪1.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬اآلثار غير املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج‬


‫واالستهالك (أثراملضاعف واملعجل)‪.‬‬
‫للنفقات العامة آثار غير مباشرة على االستهالك واإلنتاج بسبب‬
‫التأثيرات الخاصة لعامل املضاعف وعامل ّ‬
‫املعجل أو املسارع‪ ،‬وهذا بيان‬
‫ألثر كل منهما على التوالي‪2:‬‬

‫‪ .1‬أحمد الجبير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.196 .‬‬


‫‪ .2‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 153‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أثر املضاعف‪.‬‬
‫يعد "كاهن" أول من أدخل فكرة املضاعف في النظرية االقتصادية‪،‬‬
‫إذ حاول قياس العالقة الكمية القائمة بين الزيادة في االستثمار والزيادة‬
‫في التشغيل؛ أي أن مفهوم املضاعف عند "كاهن" هو مضاعف التشغيل‪.‬‬
‫أما االقتصادي "كينز" فقد استخدم فكرة املضاعف لبيان أثر االستثمار‬
‫املستقل‪ ،‬أو الذاتي في الدخل القومي‪ ،‬من خالل ما يؤدي إليه هذا‬
‫االستثمار من زيادة االستهالك املولد في االقتصاد القومي الذي بدوره‬
‫يؤدي إلى زيادة الدخل القومي‪ ،‬بإضعاف الزيادة األولية في االستثمار‬
‫املستقل‪ ،‬وهو ما يطلق عليه مضاعف االستثمار الذي يعبر عن العالقة‬
‫بين الزيادة في االستثمار املستقل والذاتي في الدخل القومي‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن مضاعف االستثمار‪ ،‬هو املعامل العددي الذي‬ ‫ً‬
‫يبين مقدار الزيادة في الدخل القومي الناتجة عن الزيادة األولية في‬
‫ً‬
‫وغالبا ما يكون اإلنفاق االستثماري العام استثما ًرا‬ ‫االستثمار املستقل‪.‬‬
‫مستقال؛ ألنه يتحدد بموجب خطط استثمارية طويلة األجل‪ ،‬ويأخذ في‬
‫تماما عن املعايير التي يقوم عليها اإلنفاق‬ ‫الحسبان معايير مختلفة ً‬
‫االستثماري الخاص‪.‬‬
‫لقد قصر "كينز" تحليله لنظرية املضاعف على دراسة أثر الزيادة‬
‫األولية في االستثمار في الدخل القومي‪ ،‬إال أن الفكر االقتصادي بعد‬
‫"كينز" اتجه إلى تعميم هذه النظرية‪ ،‬وأصبح بإمكاننا أن نعامل اإلنفاق‬
‫على االستهالك‪ ،‬التصدير‪ ،‬اإلنفاق العام‪ ،‬املعاملة نفسها التي عاملها كينز‬
‫لالستثمار‪ ،‬الذي اعتبره املتغير األساس ي في نظريته؛ أي أننا نستطيع أن‬

‫‪118‬‬
‫ندرس مضاعف اإلنفاق الحكومي الذي يقصد به املعامل الذي يبين‬
‫مقدار التغيير في الدخل القومي الناجمة عن تغير اإلنفاق الحكومي‪.‬‬
‫فالتوسع في اإلنفاق الحكومي‪ ،‬يؤدي إلى توزيع دخول جديدة‪ ،‬تتمثل في‬
‫دخول عوامل اإلنتاج (أجر‪ ،‬ريع‪ ،‬فائدة‪ ،‬ربح) يخصص املستفيدون من‬
‫جزءا منها لإلنفاق على االستهالك‪ ،‬يتوقف على امليل الحدي‬ ‫هذه الدخول ً‬
‫لالستهالك‪ ،‬وجزء لالدخار‪ ،‬يتوقف على امليل الحدي لالدخار‪ ،‬ويؤدي هذا‬
‫الجزء املخصص لالستهالك إلى زيادة الطلب على سلع االستهالك‪ ،‬و بالتالي‬
‫إلى زيادة هذه السلع‪ ،‬وإلى توزيع دخول جديدة‪ ،‬توزع بدورها ما بين‬
‫االستهالك واالدخار‪.‬‬
‫وهكذا تتوالى إلى الزيادة في الدخول الجديدة‪ ،‬من خالل دورة الدخل‬
‫في سلسلة متتالية من اإلنفاق االستهالكي املتناقص‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫باالستهالك املولد‪ ،‬التي تشكل في مجموعها زيادة إجمالية في الدخل‬
‫القومي‪ ،‬تفوق التوسع األولي في النفقات العامة‪1.‬‬

‫إذن مضاعف اإلنفاق الحكومي‪ ،‬هو املعامل العددي الذي يوضح‬


‫لنا مقدار الزيادة في الدخل القومي‪ ،‬التي تتولد عن الزيادة في اإلنفاق‬
‫الحكومي‪ ،‬من خالل ما تمارسه هذه الزيادة من تأثير على اإلنفاق‬
‫االستهالكي؛ أي أن أثر املضاعف يتوقف على امليل الحدي لالستهالك‪ ،‬فهو‬
‫يزداد بازدياد امليل الحدي لالستهالك‪ ،‬وينخفض بانخفاضه‪.‬‬
‫ونظرية املضاعف‪ ،‬تستند إلى ميل حدي الستهالك املجتمع في‬
‫مجموعه‪ ،‬وهو ما يضفي على املضاعف صفة العمومية‪ .‬وينتقد االتجاه‬

‫‪ .1‬محمد ساحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 60‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الحديث هذا الطابع العام للمضاعف‪ ،‬ويرى أن استخدام ميل حدي‬
‫لالستهالك‪ ،‬يمثل اتجاه املجتمع في مجموعه‪ ،‬يعتبر تبسيطا يخالف‬
‫الحقيقة والواقع االقتصادي‪ .‬ذلك أنه يسقط خصائص القطاعات‬
‫والفئات املختلفة األخرى‪ ،‬فامليل الحدي لالستهالك يختلف من قطاع إلى‬
‫آخر‪ ،‬ومن طبقة إلى أخرى‪ ،‬وهو ما يعني أن اآلثار غير املباشرة للنفقات‬
‫العامة‪ ،‬ال تتوقف فقط على الحجم الكلي للنفقات العامة؛ بل تتوقف‬
‫ً‬
‫أيضا على الغرض منها‪ ،‬وعلى نوع املستفيدين منها‪ ،‬فإذا ما أفادت الزيادة‬
‫في النفقات العامة الطبقات الفقيرة‪ ،‬أو ذات الدخل املحدود‪ ،‬وامليل‬
‫الحدي املرتفع لالستهالك‪ ،‬كان أثرها أكبر في تلك النفقات العامة التي‬
‫يستفيد منها الطبقات ذات الدخل املرتفع‪ ،‬والتي ينخفض ميلها الحدي‬
‫لالستهالك‪.‬‬
‫ً‬
‫منخفضا في الدول النامية‪ ،‬رغم ارتفاع امليل‬ ‫ويكون املضاعف‬
‫الحدي لالستهالك فيها‪ ،‬وذلك لضعف إمكانات االستثمار اإلنتاجي‪ ،‬ووجود‬
‫كثير من العقبات التي تحول دون مرونة الجهاز اإلنتاجي‪ .‬وهو ما يعني‬
‫انصراف أثر املضاعف إلى األسعار‪ ،‬فاملضاعف ال يحقق آثاره العينية‪ ،‬إال‬
‫في اقتصاد متقدم‪ ،‬يتمتع الجهاز اإلنتاجي فيه بمرونة كافية‪ ،‬لالستجابة‬
‫للزيادات املتتالية في االستهالك ومضاعفتها‪ .‬ومع ذلك يبقى لنظرية‬
‫املضاعف ما يبرر لها االعتماد على ميل حدي الستهالك واحد‪ ،‬للمجتمع في‬
‫مجموعه‪ ،‬وهو ما يضفي على نظرية املضاعف في صورتها العامة‪ ،‬ما لها‬
‫من بساطة ووضوح وأهمية‪1.‬‬

‫‪ .1‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي ومنجد عبد اللطيف الخشالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.63-62 .‬‬

‫‪120‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أثر املعجل أو املسارع‪.‬‬
‫ال تقتصر اآلثار غير املباشرة للنفقات العامة في اإلنتاج القومي‪،‬‬
‫على الزيادة املتتابعة من االستهالك املولد‪ ،‬وإنما هناك آثار غير مباشرة‬
‫أخرى‪ ،‬تحدث في اإلنتاج القومي من خالل الزيادة التي تحدثها النفقات‬
‫العامة في الطلب على االستثمار‪ ،‬وهي ما يطلق عليها االستثمار املولد أو‬
‫التابع ‪ .‬أي ذلك االستثمار الذي يشتق من الطلب على السلع‬
‫االستهالكية ‪.‬وهو ما يعرف بأثر املعجل أو املسارع‪ ،‬وتفصيل ذلك‪ ،‬إن‬
‫الزيادة في اإلنفاق العام‪ ،‬تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع النهائية‬
‫االستهالكية‪ ،‬مما يدفع منتجي هذه السلع إلى زيادة إنفاقهم االستثماري‪،‬‬
‫إلنتاج تلك السلع التي ازداد الطلب عليها‪ ،‬بمعدل أكبر‪.‬‬
‫ويتوقف أثر املعجل على ما يعرف بمعامل رأس املال (معامل‬
‫االستثمار)‪ ،‬أي على العالقة الفنية بين رأس املال واإلنتاج‪ ،‬وهو (معامل‬
‫رأس املال) يحدد ما يلزم من رأس املال إلنتاج وحدة واحدة من سلعة ما‬
‫أو صناعة ما؛ أي إذا ما ارتفع الطلب النهائي على سلعة ما‪ ،‬يقتض ي هذا‬
‫االرتفاع‪ ،‬زيادة اإلنتاج ملقابلته‪ ،‬أي ضرورة التوسع‪ ،‬وبالنسبة نفسها في‬
‫رأس املال املستخدم في إنتاج هذه السلعة‪ .‬وال تتوقف الزيادة عند هذا‬
‫الحد‪ ،‬بل تؤدي إلى سلسلة متتالية من االستثمارات املولدة‪ .‬ويتوقف‬
‫معامل رأس املال على األوضاع الفنية التي تحكم اإلنتاج‪ ،‬وهي تختلف‬
‫حسب درجة الفن اإلنتاجي‪ً ،‬‬
‫وتبعا لطبيعة كل صناعة‪.‬‬
‫وتتحدد آثار املعجل بعدد من االعتبارات أهمها‪ ،‬ما يتوافر من‬
‫مخزون من السلع االستهالكية‪ ،‬وما يتوافر من طاقات إنتاجية عاطلة غير‬

‫‪121‬‬
‫مستغلة‪ ،‬حيث أن وجود مثل هذا املخزون وهذه الطاقات املعطلة‪ ،‬يحد‬
‫من أثر املعجل‪ .‬كما تتوقف آثار املعجل على تقدير منتجي السلع‬
‫االستهالكية التجاهات الزيادة في الطلب على هذه السلع‪ ،‬فيما إذا كانت‬
‫اتجاهات الطلب ذات طبيعة مؤقتة أو طارئة‪ ،‬فإنها ال تشجع هؤالء‬
‫املنتجين على زيادة حجم االستثمار‪ ،‬أو إذا كانت ذات طبيعة مستمرة‪،‬‬
‫فهي تؤدي إلى زيادة حجم االستثمارات‪.‬‬
‫وبالتالي فهناك عالقة وطيدة تربط بين أثر كل من املضاعف‬
‫واملعجل‪ ،‬يجب أن تؤخذ في الحسبان‪ ،‬عند دراسة اآلثار التراكمية في كل‬
‫من الدخل واالستهالك واالستثمار التي يحدثها اإلنفاق الحكومي األولي‪،‬‬
‫وكذلك املصدر الذي تعتمد عليه الدولة في تمويل اإلنفاق العام‪ ،‬ويالحظ‬
‫أن تحليل أثر املضاعف واملعجل يتالءم مع ظروف الدول املتقدمة التي‬
‫مرنا‪ ،‬يستطيع االستجابة للزيادة في الطلب الناجمة‬ ‫إنتاجيا ً‬
‫ً‬ ‫تملك جها ًزا‬
‫عن زيادة اإلنفاق العام‪.‬‬
‫ً‬
‫إنتاجيا غير مرن‬ ‫وال يتفق مع ظروف الدول النامية التي تملك جها ًزا‬
‫إال أن هذه الدول تستطيع أن تدخل في حسابها‪ ،‬وتستفيد من التفاعل‬
‫والتداخل بين كل من املضاعف واملعجل‪ ،‬وهو ما يعرف باملضاعف‬
‫املزدوج أو املركب‪ ،‬الذي يؤدي إلى استمرار الحركة التراكمية لالستثمار‬
‫املولد إلى ما وراء القيود التي يفرضها امليل الحدي لالدخار املوجب على‬
‫املضاعف‪ ،‬يؤدي إلى سرعة تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية‪1.‬‬

‫‪ .1‬محمد ساحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.65-64 .‬‬

‫‪122‬‬
‫الباب الثالث‬
‫اإلي ـ ـرادات الع ـام ـة‬
‫الفصل األول‬
‫اإلي ـ ـ ــرادات العـ ـ ـ ـ ــام ـ ــة مفهومها‬
‫وتقسيماتها‬
‫تعتبر اإليرادات العامة مكون هام من مكونات السياسة املالية‬
‫ألية دولة‪ ،‬فالتطور في دور الدولة عبر مختلف املراحل‪ ،‬من دولة حارسة‬
‫إلى دولة متدخلة فمنتجة‪ ،‬لم ينعكس على تطور مفهوم النفقات العامة‬
‫فحسب‪ ،‬بل انعكس باملثل على مفهوم ودور اإليرادات العامة‪ .‬ويأتي هذا‬
‫الترابط من كون أن أي زيادة في النفقات العامة للدولة يتطلب في املقابل‬
‫زيادة في حجم اإليرادات العامة لتغطيتها‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اإليرادات العامة‪.‬‬
‫يقصد باإليرادات العامة مجموعة الدخول التي تحصل عليها الدولة‬
‫من املصادر املختلفة من أجل تغطية نفقاتها العامة وتحقيق التوازن‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪1 .‬‬

‫إن اإليرادات العامة تمثل العمود الفقري لنشاط الدولة؛ حيث‬


‫أن الدولة ال تستطيع القيام بدورها إذا لم يتم توفير اإليرادات العامة‪.‬‬
‫ولقد كان دور اإليرادات العامة في ظل الوظيفة التقليدية للدولة‬
‫ً ً ً‬
‫(الحارسة) دورا ماليا بحتا لتغطية النفقات املتوقعة فقط‪ .‬لذلك ظهرت‬
‫فكرة أولوية النفقات العامة‪ 2،‬حيث تقوم الدولة بتقدير نفقاتها ثم‬
‫البحث عن مصادر مالية لتغطيتها وذلك لتحقيق مبدأ التوازن وفق الفكر‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.89-85 .‬‬
‫‪ .2‬يمكن أخذ هذه القاعدة بمعنيين مرتبطين‪ :‬أولهما‪-‬معنى موضوعي‪ ،‬ينصرف إلى تحديد كيفية تحديد النفقات العامة‬
‫واإليرادات العامة‪ ،‬ويعطى النفقات العامة األولوية في هذا التحديد‪ ،‬بمعنى أن النفقات العامة هي التي تحدد اإليرادات‬
‫العامة‪ ،‬وهنا يتضح الفارق الهام بين امليزانية العامة وامليزانية الخاصة‪ .‬فإيرادات األفراد هي التي تحدد نفقاتهم‪ ،‬أما‬
‫النفقات العامة فهي التي تحدد‪ ،‬طبقا لهذه القاعدة‪ ،‬اإليرادات العامة‪ .‬وثانيهما‪ -‬معنى شكلي‪ ،‬وينصرف إلى كيفية‬
‫اعتماد كل من النفقات العامة واإليرادات العامة‪ ،‬العامة األولوية في هذا االعتماد‪ .‬ويعطى النفقات‪ .‬للمزيد من‬
‫التفاصيل انظر‪ :‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.49.‬‬

‫‪126‬‬
‫املالي التقليدي‪ .‬بينما في ظل ووظيفة الدولة الحديثة اكتسبت اإليرادات‬
‫العامة دورا هاما حيث أصبحت بمثابة أداة التوجيه االقتصادي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬وتحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي بإعادة توزيع الدخل‬
‫وتوجيه االقتصاد حسب مخططات الدولة للتنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية وتبعا لذلك تعددت وتنوعت أنواع اإليرادات العامة‬
‫ومصادرها‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تقسيمات اإليرادات العامة‪.‬‬
‫تتطلب النفقات العامة إيرادات عامة لتغطيتها حتى تتمكن‬
‫الدولة من القيام بوظيفتها في إشباع الحاجات العامة‪ ،‬وتعمل الدولة على‬
‫تدبير املوارد الالزمة لتغطية نفقاتها العامة‪ ،‬باتباع سياسة مالية معينة‬
‫تأخذ بعين االعتبار حقيقة األوضاع االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬
‫التي تسودها في فترة معينة من مراحل تطورها‪ ،‬وبالتالي تصبح اإليرادات‬
‫العامة هي وسيلة الدولة في أداء دورها في التدخل لتحقيق اإلشباع العام‪.‬‬
‫ولقد أدى تطور الدور االقتصادي واالجتماعي للدولة‪ ،‬وازدياد‬
‫نفقاتها العامة إلى تطور نظرية اإليرادات العامة؛ األمر الذي تجلت أثاره في‬
‫تطوير حجم هذه اإليرادات وإلى تعدد أنواعها وأغراضها‪ ،‬ولقد تعددت في‬
‫العصر الحديث مصادر اإليرادات العامة واختلفت طبيعتها تبعا لنوع‬
‫الخدمة العامة التي تقوم بها الدولة والهدف منها‪ ،‬ويعرض الفكر املالي‬
‫العديد من املحاوالت لتقسيم اإليرادات العامة على أساس التمييز بين‬
‫أنواعها املختلفة إلى أقسام مختلفة يضم كل منها املوارد املتحدة في‬
‫الطبيعة أو املتشابهة في الخصائص‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫وقد حاول بعض الكتاب وعلى األخص األملان تقسيم اإليرادات‬
‫العامة إلى إيرادات شبيهة بإيرادات النشاط الخاص‪ ،‬ومثالها إيرادات‬
‫ممتلكات الدولة الخاصة كالدومين التجاري واملالي والزراعي‪ ،‬وإلى إيرادات‬
‫متعلقة بالنشاط العام تحصل عليها الدولة باعتبارها صاحبة سلطة‬
‫ونفوذ ومثال ذلك الضرائب والرسوم والغرامات القضائية واالستيالء على‬
‫األموال التي ال وارث لها‪.‬‬
‫كما اقترح البعض اآلخر التمييز بين نوعين من اإليرادات العامة‬
‫على أساس عنصر االجبار‪ :‬فهناك إيرادات اختيارية يدفعها األفراد دون‬
‫إجبار من الدولة كإيرادات ممتلكات الدولة الخاصة –الدومين الصناعي‬
‫والتجاري‪-‬والقروض االختيارية‪ ،‬وهناك إيرادات إجبارية يدفعها األفراد‬
‫جبرا إلى الدولة وهي األكثر أهمية كالرسوم والضرائب والقروض اإلجبارية‪،‬‬
‫إلى جانب اإليرادات التي تحصل عليها الدولة بدون مقابل من جهتها‬
‫كاإلعانات واملنح التي تتلقاها‪.‬‬
‫وقسم البعض اآلخر اإليرادات العامة على أساس مدى دورية‬
‫وانتظام هذه اإليرادات إلى إيرادات عادية (دورية) تحصل عليها الدولة‬
‫سنويا بصفة منتظمة أو دورية كإيرادات ممتلكاتها الخاصة والضرائب‬
‫والرسوم‪ ،‬واإليرادات غير العادية أو االستثنائية التي ال تتكرر سنويا وإنما‬
‫تلجأ إليها الدولة من وقت آلخر حسب الحاجة كالقروض واإلصدار النقدي‬
‫وبيع جزء من ممتلكات الدولة‪.‬‬
‫وفي الواقع أن التقسيمات السابقة وغيرها ال تسلم جميعا من‬
‫النقد نظرا لعدم دقة املعايير املتخذة كأساس للتفرقة فيما بينها‪ ،‬وعملية‬

‫‪128‬‬
‫االختيار بين أوجه اإليرادات العامة املختلفة تشكل جزءا من السياسة‬
‫املالية التي يجب أن تكون منسقة وغير متعارضة مع الهيكل االقتصادي‬
‫واالجتماعي والسياس ي للمجتمع‪.‬‬
‫وتوصف تقسيمات اإليرادات العامة بأوصاف عدة بحسب نشاط‬
‫الدولة املالي‪ ،‬وهي ال تخرج في الغالب من أن تكون هذه األوصاف إما‬
‫"اقتصادية" أو "سيادية" أو "ائتمانية"‪ ،‬ويمكن الحديث تحت كل وصف‬
‫من هذه األوصاف عن إيراد أو أكثر من اإليرادات العامة‪ ،‬فمن خالل‬
‫وصف "اإليرادات االقتصادية" يظهر لنا فائض االقتصاد العام املشتمل‬
‫أساسا على دخل الدومين والثمن العام‪ ،‬وفي نطاق "اإليرادات السيادية"‬
‫تتجلى الضرائب بأنواعها املختلفة لكونها تمثل أهم املوارد املالية للدول في‬
‫الوقت الحاضر‪ ،‬وفي إطار "اإليرادات االئتمانية "تحتل القروض العامة‬
‫بشتى صورها وأشكالها حجر الزاوية عندما تقل اإليرادات االقتصادية‬
‫والسيادية عن الوفاء بكل ما تحتاجه الدولة من إيرادات الزمة لتغطية‬
‫نفقاتها العامة‪.‬‬
‫وسنحاول من خالل هذا الفصل التركيز على دراسة دخل الدومين‬
‫والرسوم‪ ،‬في حين‪ ،‬ونظرا ألهمية كل من الضريبة والقروض العامة‪،‬‬
‫وكذلك اإلصدار النقدي‪ ،‬سنخصص لكل منهما فصل خاص ألجل‬
‫تناولهما بصورة أكثر تفصيال‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬إيرادات أمالك الدولة (الدومين)‪.‬‬
‫إن زيادة النفقات العامة وتنوعها كان العامل األساس ي الذي أدى‬
‫إلى زيادة اإليرادات العامة وتنوعها وتطورها حجما ونوعا‪ ،‬ونتناول في هذا‬

‫‪129‬‬
‫املبحث إيرادات الدولة من ممتلكاتها من خالل العنصرين التاليين‪:‬‬
‫إيرادات أمالك الدولة (الدومين) والثمن العام‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الدومين العام‪.‬‬
‫يطلق لفظ الدومين على ممتلكات الدولة أيا كانت طبيعتها‪،‬‬
‫عقارية أو منقولة‪ ،‬ومهما كان نوع ملكية الدولة لها عامة أم خاصة‪،‬‬
‫وتنقسم ممتلكات الدولة إلى قسمين‪ :‬ممتلكات أو دومين عام‪ ،‬وممتلكات‬
‫أو دومين خاص‪.‬‬
‫ويقصد بالدومين العام ما تملكه الدولة ويكون معد لالستعمال‬
‫العام‪ ،‬ولخدمة املرافق العامة كالطرق واملطارات واملوانئ وأبنية الوزارات‬
‫واملصالح العامة واملتاحف والحدائق العامة واملالعب واألنهار‪ ،‬ويتميز‬
‫الدومين العام بمميزات عدة منها أن ملكية الدولة له هي ملكية عامة‬
‫تخضع ألحكام القانون العام‪ ،‬وبالتالي فهو ال يجوز بيعه أو التصرف فيه‬
‫بما أنه مخصص للمنفعة العامة‪ ،‬كما ال يجوز تملكه بالتقادم‪ ،‬والغاية‬
‫منه هو تقديم الخدمات العامة وليس الحصول على أموال للخزانة‬
‫العامة‪ ،‬وال يمنع هذا من إمكانية تحقيق بعض اإليرادات من الدومين‬
‫العام‪ ،‬كما لو فرضت بعض الرسوم على دخول الحدائق العامة أو على‬
‫دخول املطار أو امليناء‪ ،‬أو املتاحف العامة‪ ،‬وأن هذا املقابل ال يقصد به‬
‫في الغالب سوى تنظيم استعمال هذه املرافق العامة‪ ،‬فضال عن ضآلته في‬
‫معظم الحاالت‪ ،‬وقد يكون سببها في حاالت استثنائية هو الرغبة في تغطية‬
‫نفقات إنشاء هذه املرافق‪ ،‬ومع ذلك تظل القاعدة العامة هي مجانية‬

‫‪130‬‬
‫االنتفاع بأموال الدومين العام‪ 1.‬ولذلك فإن هذا اإليراد ال يمكن االعتماد‬
‫عليه في تمويل النفقات العامة‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الدومين الخاص‪.‬‬
‫ويقصد به األموال التي تمتلكها الدولة ملكية خاصة‪ ،‬والتي تخضع‬
‫بوجه عام لقواعد القانون الخاص‪ ،‬فيمكن التصرف فيه بالبيع وغيره‪،‬‬
‫كما يجوز لألفراد تملكه بالتقادم طويل األجل‪ ،‬ويدر الدومين الخاص على‬
‫عكس الدومين العام إيرادات للخزانة العامة‪ ،‬وهو وحده الذي يعنيه‬
‫علماء املالية العامة عند الكالم على دخل الدولة من أمالكها‪ ،‬أي الدومين‬
‫الخاص كمصدر من مصادر اإليرادات العامة‪.‬‬
‫لقد كانت إيرادات الدومين الخاص (الدومين الزراعي بالتحديد)‬
‫تمثل املورد األكبر للملك أو لألمير سابقا‪ ،‬والذي كانت ماليته مختلطة‬
‫بمالية الدولة‪ ،‬إال أن اسراف امللوك وتنازلهم عن جزء من ممتلكاتهم‬
‫لألمراء قد حجم دخل هذه املمتلكات‪ ،‬وبالتالي تضاءلت أهمية هذا‬
‫الدومين تدريجيا لتحل محلها اإليرادات املتأتية من الضرائب‪ .‬وقد استمر‬
‫هذا الوضع إلى غاية العصر الحديث الذي شهد زيادة في إيرادات الدومين‬
‫الخاص مرة أخرى‪ ،‬ولكن مع اختالف نوع الدومين‪ ،‬وخصائصه وأهدافه‪،‬‬
‫تحولت ممتلكات املشروعات الدولة التي تغل إيرادا قد تحولت من‬
‫األراض ي الزراعية إلى الصناعية والتجارية‪2 .‬‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.189-188:‬‬


‫‪ .2‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪58. .‬‬

‫‪131‬‬
‫ويشير البحث في إيرادات الدومين الخاص التعرض ملختلف أنواع‬
‫اإليرادات الناتجة من ملكية الدولة التي تتخذ إحدى صور ثالث؛ الدومين‬
‫العقاري‪ ،‬الدومين الصناعي والتجاري والدومين املالي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الدومين العقاري‪.‬‬
‫ويشمل ممتلكات الدولة من األراض ي الزراعية والغابات واملناجم‬
‫واملحاجر وأضيفت إليه في العصر الحديث األبنية السكنية‪ .‬ولقد كان‬
‫النشاط الزراعي املتعلق باستغالل األراض ي من أهم أنواع الدومين الخاص‬
‫في العصور الوسطى‪ ،‬ويأتي دخل هذا النوع من الدومين من ثمن بيع‬
‫املنتجات الزراعية‪ ،‬ومن األجرة التي يدفعها املستأجرون‪.‬‬
‫وقد بدأ الدومين الزراعي يفقد أهميته ابتداء من نهاية القرن‬
‫الثامن عشر مع زوال العهد اإلقطاعي وبزوغ النظام الرأسمالي‪ ،‬وقيام‬
‫حكومات الدول األوروبية بالتصرف في األراض ي وبيعها لألفراد ألسباب‬
‫سياسية واقتصادية‪ ،‬لكن بقي للدول استغالل الغابات نظرا ملا تتطلبه‬
‫من نفقات ضخمة لغرس األشجار وصيانتها‪ ،‬وال تكون منتجة إال في املدة‬
‫الطويلة‪ ،‬ويرجع اهتمام الدول بالغابات إلى الفوائد الكبرى التي تحققها‪،‬‬
‫فهي تعمل على إعاقة السيول ومنع انتشار األتربة‪ ،‬وتؤثر على األحوال‬
‫املناخية فتهدئ من الرياح وتعمل على تثبيت التربة‪1.‬‬

‫كما تمتلك الدولة األراض ي البور بهدف إصالحها‪ ،‬وبصفة عامة‬


‫فإن اإليرادات الناتجة عن األراض ي الزراعية ليست غزيرة وال مرنة‪ ،‬ولذلك‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.190-189.‬‬

‫‪132‬‬
‫لم يعد من املمكن أن تؤدي دورا هاما كمصدر من مصادر اإليرادات‬
‫العامة في العصر الحديث‪.‬‬
‫أما عن املناجم واملحاجر (الدومين االستخراجي) فهو يتصل‬
‫بالثروات الطبيعية التي يمكن استخراجها من املناجم واملحاجر املوجودة‬
‫في الدولة‪ ،‬وتختلف الدول فيما بينها بالنسبة إلى استغالل هذه املوارد تبعا‬
‫الختالف اإليديولوجية السائدة فيها‪ ،‬فالبعض يحتفظ للدولة باالستغالل‬
‫املباشر للثروة املعدنية ملا لها من دور حيوي في مختلف أوجه النشاط‬
‫الصناعي‪ ،‬والبعض اآلخر يترك أمر استغاللها لألفراد إيمانا بأفضلية‬
‫االستغالل االقتصادي الفردي عن الحكومي‪ ،‬خاصة في مثل هذا املجال‬
‫الذي يتطلب استخدام أحدث طرق اإلنتاج الفنية‪ ،‬وأخيرا تفضل بعض‬
‫الدول االحتفاظ بملكية املناجم واملحاجر وترك أمر استغاللها إلى األفراد‬
‫مع اإلشراف على هذا االستغالل بهدف حماية الثروة املعدنية من النضوب‬
‫املبكر‪ ،‬ويأخذ هذا اإلشراف في الغالب صورة اشتراك الدولة مع األفراد في‬
‫استغالل املناجم واملحاجر‪.‬‬
‫كما تعتمد الدولة على أبنية سكنية تملكها لتحقيق جزء من‬
‫إيراداتها العامة وال شك أن تدخل الدولة في العصر الحديث تدخال مباشرا‬
‫للعمل على تقديم الخدمات اإلسكانية قد ساهم في حل أزمة السكن‬
‫الناشئة عن امليل إلى التركز في املدن واملراكز الصناعية من جهة وإلى زيادة‬
‫عدد السكان من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إيرادات الدولة من الدومين الصناعي والتجاري‪.‬‬
‫ويضم هذا الدومين مختلف املشروعات الصناعية والتجارية التي‬
‫تقوم بها الدولة مثلها في ذلك مثل األفراد‪ ،‬وتدر أغلبية هذه املشروعات‬
‫إيرادات مالية تعتبر مصدرا من مصادر اإليرادات العامة‪.‬‬
‫وقد ازدادت أهمية الدومين الصناعي والتجاري في الدول‬
‫الرأسمالية تحت تأثير املذهب التدخلي‪ ،‬الذي انتشر بعد الحرب العاملية‬
‫األولى (وخاصة بعد أزمة النشاط الرأسمالي في الثالثينات من القرن‬
‫املاض ي)‪ ،‬والذي اقتض ى تدخل الدولة في حياة املجتمع االقتصادية‬
‫واالجتماعية بعد أن كانت تحجم عن ذلك من قبل تحت تأثير املذهب‬
‫الحر‪ ،‬ويرجع اتساع تدخل الدولة أساسا إلى األيديولوجية السائدة فيها‬
‫ومدى تحبيذها للنشاط االقتصادي الفردي‪ ،‬كما يرجع إلى املقارنة بين‬
‫مزايا االستغالل الفردي مع فرض الضرائب على أرباحه وبين مزايا‬
‫االستغالل الحكومي والحصول على كل أرباحه‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار‬
‫الظروف األخرى بطبيعة الحال‪1.‬‬

‫إن إقامة الدولة للمشروعات الصناعية والتجارية قد يكون بهدف‬


‫تحقيق أغراض مالية‪ ،‬تتمثل في الحصول على إيرادات للخزانة العامة‪ ،‬أو‬
‫قد تستهدف الدولة من وراء ذلك تحقيق أغراض اجتماعية تتمثل في توفير‬
‫خدمة عامة للمواطنين‪ ،‬كالخدمات الصحية والتعليمية وخاصة لفئات‬
‫معينة باإلضافة إلى خدمة توريد املياه الكهرباء‪ ،‬وأخيرا قد تستهدف الدولة‬
‫من بعض املشروعات الصناعية تحقيق أهداف لها عالقة باألمن القومي‪،‬‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.191-190 .‬‬

‫‪134‬‬
‫تتمثل في خدمة املجهود الحربي وضمان إنتاج أنواع معينة من األسلحة‬
‫واملعدات الحربية‪.‬‬
‫إن نجاح املشروعات العامة ال يقاس بمدى تحقيقها لألرباح‪ ،‬ألن‬
‫الهدف من إقامة هذه املشروعات هو إنتاج وتوفير سلع وخدمات معينة‬
‫بغض النظر عن حساب استغالل هذه املشروعات من حيث الربح‬
‫والخسارة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬إيرادات الدولة من الدومين املالي‪.‬‬
‫وهو أحدث أنواع الدومين الخاص ظهورا‪ ،‬ويقصد بالدومين املالي‬
‫محفظة الدولة من األوراق املالية كاألسهم والسندات اململوكة لها والتي‬
‫تحصل منها على أرباح وفوائد تمثل إيرادا ماليا يدخل ضمن دخل أمالك‬
‫الدولة‪ ،‬ولقد ازدادت أهمية الدومين املالي في الوقت الحاضر باإلضافة إلى‬
‫حدوث تطور في مضمونه‪ ،‬فلم يعد قاصرا على اإليرادات الناتجة عن حق‬
‫الدولة في إصدار النقود‪ ،‬بل أصبح يتضمن أساسا األسهم التي تمثل‬
‫مساهمة الدولة في املشروعات ذات االقتصاد املختلط (التي تجمع بين‬
‫امللكية العامة وامللكية الخاصة)‪ ،‬كما تسيطر الدولة على بعض‬
‫املشروعات ذات النفع العام حتى تتمكن من توجيهها إلى ما يحقق الصالح‬
‫العام‪ ،‬وقد يوجه النقد إلى توجه الدولة الستثمار أموالها في شراء األسهم‬
‫والسندات نظرا للتقلبات االقتصادية الكبيرة التي تتعرض لها سوق‬
‫األوراق املالية في بعض األحيان‪ ،‬مما يؤثر على إيراد الدولة ويصبح غير‬
‫ثابت أو مضمون‪ ،‬إال أن الدولة قد تجد نفسها مدفوعة إلى ممارسة مثل‬
‫هذا النشاط املالي لتحقيق هدف سياس ي أو مصلحة اقتصادية يكون من‬

‫‪135‬‬
‫شأنه اطمئنان األفراد إلى شراء األسهم والسندات الخاصة باملشروعات‬
‫التي تشارك فيها مما ينتج عليه إنجاح حركة التنمية االقتصادية التي‬
‫تحتاج إليها البالد‪ ،‬هذا فضال عن فوائد القروض التي تمنحها الدولة‬
‫للهيئات العامة املحلية وللمؤسسات واملشروعات العامة‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الثمن العام‪.‬‬
‫يطلق مصطلح الثمن العام على ثمن السلع والخدمات التي تنتجها‬
‫وتبيعها املشروعات العامة الصناعية والتجارية‪ ،‬وبذلك يمثل الثمن العام‬
‫املقابل الذي تحصل عليه الدولة نتيجة قيامها بنشاط صناعي أو تجاري‬
‫ويعد أحد الوسائل التي تمكنها من تحقيق إيراد عام يتمثل في مقدار األرباح‬
‫التي تحققها من ممارسة بيع السلع أو الخدمات لألفراد‪ ،‬سواء في ظل‬
‫قوانين املنافسة الكاملة أو في ظل االحتكار الذي تمارسه الدولة بالنسبة‬
‫لبعض أنواع السلع قصد االستقالل في تحديد ثمنها بما يمكنها من‬
‫الحصول على أكبر قدر من اإليرادات للخزانة العامة‪.‬‬
‫ويثير الفكر املالي سؤاال يتعلق بكيفية تحديد الثمن العام‪ ،‬أي‬
‫باملستوى الذي يتحقق عنده الثمن العام‪ ،‬واإلجابة تدعو إلى ضرورة‬
‫التفرقة بين الحاالت التي تمارس فيها الدولة نشاطها التجاري والصناعي‬
‫على سبيل املنافسة بين مشروعاتها ومشروعات األفراد‪ ،‬وبين الحاالت التي‬
‫تتمتع الدولة فيها بمركز احتكاري بالنسبة لبيع أنواع معينة من السلع‪.‬‬
‫ففي حالة املنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة الصناعية‬
‫والتجارية‪ ،‬ومشروعات األفراد العاديين‪ ،‬فالدولة ال تحتكر بيع السلع‬
‫والخدمات‪ ،‬وإنما تنزل إلى مستوى األفراد وتمارس النشاط رغبة في تحقيق‬

‫‪136‬‬
‫الربح‪ ،‬ويتحدد هنا ثمن السلعة أو الخدمة التي تبيعها الدولة حسب قوى‬
‫العرض والطلب‪ ،‬ويسمى ثمن السلع بالثمن العام‪ ،‬تمييزا له عن الثمن‬
‫الخاص الذي تحصل عليه املشروعات الخاصة عند بيع منتجاتها‪ ،‬أما في‬
‫حالة عدم سماح الدولة بقيام مشروعات خاصة مماثلة للمشروعات‬
‫العامة‪ ،‬وتستهدف الدولة التمتع بمركز احتكاري بالنسبة إلى إنتاج سلع‬
‫معينة‪ ،‬واالستقالل في تحديد ثمن السلع أو الخدمات التي تحتكرها‪،‬‬
‫والغرض من احتكار الدولة قد يكون ألحد أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬يتمثل في رغبة الدولة تقديم أنواع معينة من السلع لألفراد على‬
‫سبيل االحتكار‪ ،‬باعتبارها ضرورية لالستهالك‪ ،‬خشية من تلجأ‬
‫املشروعات الخاصة إلى رفع أثمانها واستغالل مدى ضروريتها‬
‫الستهالك األفراد‪ ،‬وفي هذه الحالة فإن الدولة ال تهدف من‬
‫نشاطها إلى تحقيق اإليراد املالي بقدر ما تهدف إلى ضمان توفير‬
‫سلع وخدمات معينة تعتبر أساسية مثل املياه‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬الخبز‪،‬‬
‫خدمات الهاتف‪ ،‬ويتحدد الثمن العام لهذه السلع والخدمات‬
‫على أساس نفقات اإلنتاج أو بأقل من هذه النفقات‪ ،‬على أن‬
‫يغطي الفرق بين الثمن والتكلفة من الخزانة العامة‪ ،‬وأحيانا‬
‫أخرى قد يفوق ثمن هذه السلع بنسبة ضئيلة جدا نفقات‬
‫اإلنتاج‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قد تهدف الدولة من احتكار النشاط الصناعي أو التجاري إلى‬
‫تحقيق اإليراد املالي‪ ،‬ويطلق على هذه الحالة اصطالح االحتكار‬
‫املالي‪ ،‬إذ عادة ما تختار الدولة الحتكارها املالي سلعا واسعة االنتشار‬

‫‪137‬‬
‫ويكون الطلب عليها غير مرن‪ ،‬حتى ال يترتب على ارتفاع ثمنها بنسبة‬
‫معينة نقص في طلبها الكلي بنسبة أكبر ومن ثم نقص في اإليرادات‬
‫الكلية وفي األرباح املحققة‪ ،‬ومن أهم أمثلة االحتكار املالي هو احتكار‬
‫الدولة ملنتجات التبغ (الدخان) وتحديد أثمانه بما يحقق لها إيراد‬
‫مالي ضخم‪.‬‬
‫ويرى بعض الكتاب أن تحديد الثمن في حالة االحتكار املالي ال‬
‫يختلف عن الثمن الذي يحدده املحتكر في املشروع الخاص‪ ،‬ففي الحالتين‬
‫يسعى املحتكر إلى الوصول إلى حالة التوازن التي تتيح له الحصول على‬
‫أكبر قدر ممكن من األرباح وفقا لظروف إنتاج السلعة والطلب عليها‪ ،‬في‬
‫حين يرى آخرون أن الثمن في حالة االحتكار املالي يتحدد عند مستوى أعلى‬
‫من املستوى الذي يتحدد عنده الثمن في حالة االحتكار الخاص‪ ،‬وأن‬
‫الفرق بين الثمنين ما هو إال ضريبة مستترة غير مباشرة‪.‬‬
‫وهناك رأي ثالث يرى أن الدولة ال تلجأ إلى االحتكار املالي إال‬
‫للحصول على مصدر لإليرادات‪ ،‬ومن ثم فإن الزيادة في الثمن املحدد في‬
‫هذه الحالة ينفقه إنتاج وحدة من وحدات السلعة املحتكرة متضمنة ما‬
‫يمكن اعتباره ربحا عاديا للمشروع‪ ،‬وهذه الزيادة في الواقع هي ضريبة غير‬
‫مباشرة على استهالك السلعة‪ ،‬إذ تعذر على الدولة فرضها عند قيام‬
‫األفراد بإنتاج السلعة أو تداولها أو بيعها فآثرت أن تقوم هي باحتكار‬
‫إنتاجها وتحصيل هذه الضريبة بتضمينها ثمن السلعة املحتكرة‪ ،‬ويذهب‬
‫أنصار هذا الرأي األخير في تحليلهم على اعتبار إيرادات االحتكار املالي من‬

‫‪138‬‬
‫بين إيرادات الضرائب غير املباشرة وليس من بين إيرادات الدومين الخاص‬
‫(املشروعات الصناعية والتجارية)‪.‬‬
‫فاالحتكار املالي ال يؤدي إلى تغيير النظرة إلى الثمن العام مهما كان‬
‫نفعا‪ ،‬واعتباره بمثابة ضريبة مستترة أو غير مباشرة‪ ،‬إذ يظل ثمنا عاما‬
‫ويفسر ارتفاعه برغبة الدولة في استغالل االحتكار من أجل تحقيق ربح‬
‫كبير يسمح لها بإيراد مالي ضخم‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬الرسوم‪.‬‬
‫اإليرادات السيادية هي تلك اإليرادات التي تحصل عليها الدولة‬
‫جبرا من األفراد بما لها من حق السيادة وتشمل الضرائب‪ ،‬والرسوم‬
‫ومقابل التحسين (اإلتاوة) والغرامات املالية‪ ،‬والتعويضات‪ ،‬والقرض‬
‫اإلجباري‪ .‬وسوف نقتصر في البداية على دراسة الرسوم من خالل عرض‬
‫ماهية الرسم‪ ،‬خصائصه‪ ،‬والفروق بينه وبين األنواع األخرى من اإليرادات‬
‫العامة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف الرسم وخصائصه‪.‬‬
‫الرسوم هي اإليرادات العامة التي تصل إلى خزينة الدولة بشكل‬
‫شبه دوري ومنتظم‪ ،‬يستخدم ريعها في تمويل النشاط املالي والحصول على‬
‫سوما كتعويض عن الخدمات التي‬ ‫املنافع العامة‪ ،‬وتتقاض ى الدولة ر ً‬
‫توفرها مرافقها العامة لألشخاص تبعا للنشاط العام الذي وجدت ألجله‬
‫املرافق العامة في املقام األول‪.‬‬
‫ويعرف الرسم بأنه‪ " :‬عبارة عن مبلغ من النقود يدفعه الفرد جبرا‬
‫إلى الدولة مقابل نفع خاص يحصل عليه من جانب إحدى الهيئات العامة‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫ويقترن هذا النفع الخاص بالنفع العام الذي يعود على املجتمع كله من‬
‫تنظيم العالقة بين الهيئات العامة واألفراد فيما يتعلق بأداء النشاط أو‬
‫الخدمات العامة"‪1.‬‬

‫يتضح من هذا التعريف أن الرسم يتميز بأربع خصائص هامة‬


‫وهي‪2:‬‬

‫‪.1‬الرسم مبلغ نقدي‪ :‬يدفعه الفرد مقابل الحصول على خدمة خاصة من‬
‫نشاط إحدى إدارات أو مرافق الدولة‪ ،‬واشتراط الصورة النقدية للرسم‬
‫جاء ليساير التطور الحديث في مالية الدولة من حيث اتخاذ نفقاتها‬
‫وإيراداتها الصورة النقدية‪.‬‬
‫‪ .2‬الرسم يدفع جبرا من األفراد للدولة‪ :‬فالرسم يدفع جبرا بواسطة الفرد‬
‫مقابل الحصول على الخدمة الخاصة التي يتلقاها من جانب إحدى‬
‫اإلدارات واملرافق العامة‪ ،‬وتفرض الرسوم بقواعد قانونية لها صفة‬
‫اإللزام تجبر الفرد على دفعها إذا ما تقدم بطلب إلحدى اإلدارات أو‬
‫الهيئات العامة‪ ،‬وتحدد قيمة الرسوم بمقتض ى هذه القواعد القانونية‪،‬‬
‫معبرا عن إرادة الدولة‪ ،‬وال سبيل أمام الفرد إال الخضوع ملضمون تلك‬
‫اإلرادة‪.‬‬
‫ويمكن التفرقة فيما يتعلق بعنصر الجبر أو اإلكراه‪ ،‬بين اإلكراه‬
‫القانوني واإلكراه املعنوي‪ ،‬ويقصد باألول حالة ما إذا كان الفرد مجبرا‬
‫قانونا على تلقي خدمة معينة ودفع الرسم املفروض على أدائها كما في حالة‬

‫‪ .1‬عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة‪ ،‬مقدمة في االقتصاد العام ‪-‬املالية العامة‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار‬
‫الجامعة الجديدة للنشر‪ ،)1998 ،‬ص‪.187‬‬
‫‪ .2‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 64‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫رسوم التعليم اإلجباري بالنسبة للمرحلة األولى من مراحل التعليم ورسوم‬
‫التطعيم اإلجباري‪ ،‬لكن الغالب أن يكون اإلكراه معنويا أي أن الفرد‬
‫يطلب من تلقاء ذاته خدمة معينة تقدمها الدولة دون أن يلزمه القانون‬
‫بهذا‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك حالة دفع الرسم املقرر على استخراج رخصة‬
‫القيادة أو الحصول على جواز السفر أو تأشيرة دخول إحدى الدول‪،‬‬
‫فالجبر أو اإلكراه املقصود هنا إنما يعني إلزام الفرد بدفع الرسم املقرر‬
‫لخدمة معينة في حالة االستفادة منها أي االنتفاع بها‪.‬‬
‫‪ .3‬عنصر املقابل في دفع الرسم‪ :‬فالرسم يدفعه الفرد مقابل خدمة‬
‫خاصة يحصل عليها من جانب الدولة‪ ،‬وقد تكون هذه الخدمة عمل تتواله‬
‫إحدى الهيئات العامة لصالح الفرد كالفصل في املنازعات (الرسوم‬
‫القضائية) أو توثيق العقود وشهرها (رسوم التوثيق)‪ ،‬أو استعمال الفرد‬
‫لبعض املرافق العامة استعماال يترتب عليه في الغالب تيسير مباشرة‬
‫مهنته كاستعمال املوانئ واملطارات (رسوم املوانئ) وبعض الطرق العامة‬
‫البرية والنهرية (رسوم الطرق)‪.‬‬
‫‪ .4‬تحقيق النفع الخاص إلى جانب النفع العام‪ :‬ويعني ذلك أن الفرد‬
‫الذي يدفع الرسم إنما يحصل على نفع خاص به ال يشاركه فيه غيره من‬
‫األفراد يتمثل في الخدمة املعينة التي تؤديها له الهيئات العامة في الدولة‪،‬‬
‫كما أنه يعني أن هذه الخدمة تمثل إلى جانب النفع الخاص نفعا عاما يعود‬
‫على املجتمع ككل أو على االقتصاد القومي في مجموعة‪ ،‬فالرسوم‬
‫القضائية التي يدفعها املتقاضون مقابل الحصول على خدمة مرفق‬
‫القضاء يترتب عليها تحقيق نفع خاص يتمثل في حصول كل منهم على حقه‬

‫‪141‬‬
‫وضمان عدم منازعة أحد فيه بعد ذلك‪ ،‬وفي آن واحد يستفيد املجتمع من‬
‫نشاط القضاء الذي يعطي الحقوق ألصحابها ويضمن لهم الطمأنينة‬
‫واألمن واالستقرار وهذا نفع عام كما هو واضح‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تقديرالرسم‪.‬‬
‫تستقل الدولة بتحديد قيمة الرسم الواجب دفعه على بعض‬
‫أوجه النشاط العام‪ ،‬والواقع يشير إلى أنه ليس من السهل تحديد قاعدة‬
‫عامة تلتزمها الدولة وهي بصدد تقدير الرسم‪ ،‬بل هناك أكثر من قاعدة‬
‫تدخل في االعتبار عند إجراء هذا التقدير‪ ،‬حيث يعتبر الرسم املفروض‬
‫نتيجة تفاعل هذه القواعد كلها‪ ،‬ويمكن إجمال القواعد الرئيسية في ثالثة‬
‫قواعد أساسية‪1:‬‬

‫‪ ‬القاعدة األولى‪ :‬تأخذ بعين االعتبار التناسب بين نفقة‬


‫الخدمة املؤداة وبين الرسم املقابل لها‪ ،‬وال يستلزم أن يتحقق‬
‫هذا التناسب بالنسبة إلى كل فرد يستفيد من الخدمة على‬
‫حدة‪ ،‬بل يكفي أن تتناسب تكاليف املرفق القائم بالخدمة مع‬
‫حصيلة الرسوم املفروضة على االنتفاع بها‪ ،‬وتستند هذه‬
‫القاعدة إلى أن الغرض األساس ي من إنشاء املرافق العامة ليس‬
‫تحقيق الربح ومن ثم فإنه ال يتحتم أن يترتب على هذه املرافق‬
‫مباشرة أن تزيد إيراداتها عن نفقاتها‪.‬‬
‫‪ ‬والقاعدة الثانية‪ :‬هي جعل مبلغ الرسم أقل من نفقة إنتاج‬
‫الخدمة املقابلة له وذلك بالنسبة إلى خدمات معينة كالتعليم‬

‫‪ .1‬محمد الطاهر سعودي‪ ،‬املالية العامة‪( ،‬باتنة‪ :‬دار قانة للنشر والتوزيع‪ ،)2009 ،‬ص‪ 84‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫العام والجامعي والخدمات الصحية وتستند هذه القاعدة إما‬
‫إلى أن مثل هذه الخدمات يترتب عليها نفع عام يعود على‬
‫املجتمع إلى جانب النفع الخاص الذي يعود على دافع الرسم‬
‫ومن ثم فإن قواعد العدالة تقض ي بتوزيع نفقات املرافق‬
‫القائمة بأداء هذه الخدمات بين األفراد املنتفعين بها عن طريق‬
‫دفع الرسوم وبين املجتمع ككل عن طريق فرض الضرائب‬
‫بأنواعها املختلفة‪ ،‬وإما الرغبة في تشجيع األفراد على طلب‬
‫مثل هذه الخدمات لضرورتها أو لنفعها وذلك عن طريق عدم‬
‫تحصيل مبالغ كبيرة في صورة رسوم قد تقف عقبة في سبيل‬
‫طلب األفراد لها كما هو الحال بالنسبة إلى بعض الخدمات‬
‫الصحية‪ ،‬وفي بعض الحاالت تقرر السلطة العامة عدم‬
‫تحصيل الرسوم إطالقا عن الخدمات املؤداة كما هو الحال‬
‫بالنسبة إلى التطعيم ضد بعض األمراض‪.‬‬
‫‪ ‬والقاعدة الثالثة‪ :‬وهي التي يكون مبلغ الرسم أكبر من نفقة‬
‫الخدمة املقابلة له وذلك بالنسبة إلى خدمات محددة (بعينها)‪،‬‬
‫وتستند هذه القاعدة إما إلى الرغبة في التقليل من إقبال‬
‫األفراد على طلب الخدمة موضوع الرسم كما هو الحال‬
‫بالنسبة إلى رسوم االستحمام في بعض الشواطئ املعينة‪ ،‬وإما‬
‫إلى الرغبة في الحصول على إيرادات للخزانة العامة كرسوم‬
‫التوثيق واإلشهار إذا زادت عن نفقة املرفق القائم بأداء هذه‬
‫الخدمة زيادة ملموسة‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫إال أن هذه القواعد كلها ال تمنع من أنه يمكن القول بصفة عامة‪،‬‬
‫أن الغرض األساس ي من اقتضاء الرسوم مقابل خدمات بعض املرافق‬
‫العامة هو غرض مالي‪ ،‬فهدف الدولة من فرض الرسم هو الحصول على‬
‫إيرادات للخزانة العامة‪ ،‬ويتفق أغلب علماء املالية العامة على أنه في حالة‬
‫زيادة مبلغ الرسم عن نفقة الخدمة املقابلة له‪ ،‬فإن هذا الجزء الزائد‬
‫يعتبر في الواقع ضريبة مستترة أو مقنعة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أساس فرض الرسم‪.‬‬
‫يترتب على الطابع اإلجباري للرسوم ضرورة وضع أساس تستمد‬
‫منه سلطتها في تقرير الرسوم ضمانا لسالمة مالية الدولة واملواطنين‪ ،‬وقد‬
‫استتبع هذا في الدول ذات الدساتير الديمقراطية وجوب موافقة السلطة‬
‫التشريعية (البرملان أو غيره من املجالس النيابية) على فرض الرسوم‪،‬‬
‫ونظرا لتعدد أنواع الرسوم وتنوع القواعد التي تتبع في تقديرها‪ ،‬فإن‬
‫السلطة التنفيذية تكون هي األقدر على إجراء هذا التقدير‪ ،‬ومن ثم تكفي‬
‫القرارات اإلدارية في فرض الرسوم‪ ،‬لكن يتعين دائما أن تستند هذه‬
‫القرارات إلى قوانين تخول لها هذا الفرض‪ ،‬وذلك ضمانا لعدم إساءة‬
‫استعمال الحق والحيلولة دون مغاالة اإلدارة‪ ،‬وإال كانت القرارات باطلة‬
‫من الناحية الدستورية‪ .‬وغالبا ما يتضمن القانون الصادر بفرض الرسوم‬
‫أو بإجازة فرضها بواسطة السلطة التنفيذية إعفاء فئات معينة من‬
‫املواطنين من ذوي الدخول املنخفضة‪ ،‬من دفع هذه الرسوم أو تخفيضها‬

‫‪144‬‬
‫بالنسبة إليهم‪ ،‬وفي هذه الحالة يحدد القانون الشروط الواجب توافرها في‬
‫الشخص حتى يتمتع بهذه امليزة‪1.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬التفرقة بين الرسم وبعض اإليرادات العامة األخرى‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬الرسم والثمن العام‪.‬‬
‫يتشابه الرسم مع الثمن العام في أن كال منهما يدفع في سبيل‬
‫حصول الفرد على نفع خاص له يتمثل في الخدمة التي يقدمها املرفق العام‬
‫في حالة الرسم وفي الحصول على سلعة أو خدمة معينة من منتجات‬
‫املشروعات العامة الصناعية والتجارية‪ .‬كما يتشابهان في أن كال منهما قد‬
‫يكون مساويا لتكاليف الخدمة املستهلكة أو أكبر أو أقل منها‪ ،‬وأن‬
‫االعتبارات التي تدعو الدولة إلى جعل الرسم أكبر أو أقل من نفقة الخدمة‬
‫املؤداة هي ذاتها التي تدفعها إلى جعل ثمن منتجات الدومين الصناعي‬
‫والتجاري أكبر أو أقل من نفقة إنتاجها‪ ،‬ويتشابه الرسم مع الثمن العام‬
‫أخيرا في أن كال منهما يتضمن ضريبة مستترة أو مقنعة في حالة زيادة كبيرة‬
‫عن تكلفة الخدمة أو السلعة املقابلة‪2.‬‬

‫أما بالنسبة ألوجه االختالف بين الثمن العام والرسم؛ فإن هناك‬
‫أوجه متعددة نذكر منها‪3:‬‬

‫‪ ‬طبيعة املقابل؛ فالثمن العام يدفع مقابل النفع الخاص الذي‬


‫يحصل عليه الفرد من السلعة التي تبيعها له املشروعات العامة‬

‫‪ .1‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.69-68:‬‬


‫‪ .2‬عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.193‬‬
‫‪ .3‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.69‬‬

‫‪145‬‬
‫الصناعية والتجارية‪ ،‬بينما يدفع الرسم مقابل نفع خاص مقترن‬
‫بالنفع العام الذي يؤديه املرفق للمجتمع ككل؛‬
‫‪ ‬يتحدد الرسم بناء على القانون أو القرار اإلداري‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫السلطة العامة هي التي تستقل بتحديد قيمته دون تدخل من‬
‫جانب األفراد‪ ،‬أما الثمن العام فإنه يتحدد وفقا لقوانين العرض‬
‫والطلب في ظل قيام املنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة‬
‫ومشروعات األفراد الصناعية والتجارية‪ ،‬أو طبقا لقوانين‬
‫االحتكارات وقواعدها إذا ما تعلق األمر بوجود حالة من حاالت‬
‫االحتكار املالي للدولة‪.‬‬
‫‪ ‬يدفع الرسم جبرا عن األفراد وتتمتع الدولة في تحصيله بحق‬
‫امتياز على أموال املدين‪ ،‬بينما يدفع الثمن العام اختيارا‬
‫بواسطة مشترى السلعة التي ينتجها املشروع الصناعي أو يتجر‬
‫فيها املشروع التجاري وال تتمتع الدولة إزاء مقاضاته بحق امتياز‬
‫على أموال املشتري‪.‬‬
‫‪ ‬تناقص أهمية الرسوم كمصدر لإليرادات العامة‪ ،‬والعكس‬
‫بالنسبة للثمن العام الذي تتزايد أهميته نظرا لالتجاه الحديث‬
‫في الدول املختلفة إلى التدخل في الحياة االقتصادية وإنشاء‬
‫الكثير من املشروعات الصناعية والتجارية التي كانت من قبل‬
‫وقفا على النشاط الخاص‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الرسم ومقابل التحسين أو اإلتاوة‪.‬‬
‫اإلتاوة أو ما يعرف بمقابل التحسين‪ ،‬إيراد مالي تأخذه هيئة عامة‬
‫ً‬
‫جبرا من بعض األشخاص كمقابل للنفع الخاص الذي يعود عليهم بزيادة‬
‫قيمة عقاراتهم نتيجة قيام الدولة بأعمال عامة كتبليط الشوارع وإيصال‬
‫املياه وإنشاء املجاري وتمتد في بعض الدول لتشمل رش الشوارع وإضاءتها‬
‫وزراعتها باألشجار‪.‬‬
‫وتتشابه اإلتاوة مع الرسم في ناحيتين؛ األولى‪ ،‬أن الرسم واإلتاوة‬
‫يقومان على فكرة املقابل واملالحظ في الرسم أن النفع الخاص يمكن أن‬
‫يقترن بنفع عام أما في اإلتاوة فإن النفع العام هو األصل الذي دفع الدولة‬
‫للقيام بتلك األعمال إال أنه آل إلى تحقيق نفع خاص ملالك العقارات‪.‬‬
‫والثانية‪ ،‬تناسب مبلغيهما مع املنفعة الخاصة املتحققة‪ ،‬فيكون مبلغ‬
‫ً‬
‫اإلتاوة متناسبا مع املنفعة الخاصة املتحققة حيث يشترط لفرض اإلتاوة‬
‫أن تكون املنفعة الخاصة املتحققة قابلة للقياس والتقدير‪ .‬أما الرسم‬
‫فاألصل فيه أن يكون متناسبا مع نفقات تقديم الخدمة واملنفعة الخاصة‬
‫وعدم احترام هذا األصل يقود إلى تفوق سعر الرسم على نفقات تقديم‬
‫الخدمة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن كال من الرسم واإلتاوة يرتكزان على عنصر‬
‫املقابل‪ ،‬مما يجعلهما يتشابهان‪ ،‬إال أن الرسم يختلف عن اإلتاوة من زوايا‬
‫عدة؛ منها‪ :‬اختالف درجة االكراه في كل منهما‪ ،‬ففي حالة اإلتاوة يجب على‬
‫مالك العقار املبني أن يدفعها طاملا أن عقاره قد استفاد من األشغال‬
‫العامة التي نفذتها الدولة‪ ،‬في حين يمكن عدم دفع الرسم إذا امتنع الفرد‬

‫‪147‬‬
‫عن االنتفاع بالخدمة التي يتقرر هذا الرسم مقابال لها‪ ،‬وعندئذ ال يتحقق‬
‫عنصر االجبار القانوني‪ .‬كذلك فإن من يكلف بدفع اإلتاوة هم املالك‬
‫العقاريون الذين زادت قيمة عقاراتهم نتيجة لألعمال العامة‪ ،‬أما الرسم‬
‫فيدفعه أي فرد طلب االنتفاع بخدمة معينة‪ 1 .‬أن الرسم ُيفرض مقابل‬
‫خدمات إدارية متنوعة أما اإلتاوة فتفرض مقابل أعمال معينة محلية‬
‫يترتب عليها ارتفاع قيمة العقارات وبهذا يستفيد مالكها من األشغال‬
‫ً‬
‫العامة‪ .‬كما أن الرسم تكون فيه املنفعة متحققة فعال وتحققها موجب‬
‫لدفعه‪ ،‬أما اإلتاوة فيجب دفعها وان لم تتحقق املنفعة بعد إذ أن مجرد‬
‫ً‬
‫احتمال تحققها يكون موجبا لدفعها‪ ،‬فعلى سبيل املثال شق طريق في أرض‬
‫غير مستصلحة يلزم أصحاب األرض بدفع اإلتاوة لوجود احتمال تحقق‬
‫املنفعة باستصالح األرض وتخليصها من امللوحة‪.‬‬
‫ويتم تحصيل اإلتاوة ملرة واحدة ويمكن تقسيط مبلغها للتخفيف‬
‫من عبئها على من يتحملها أما الرسم فتتكرر جبايته بتكرار طلب الخدمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫واإلتاوة تفرض في نطاق محدود يقتصر على مالك العقارات أما الرسم‬
‫ً‬
‫فنطاق جبايته واسع جدا حيث يدفع من كل شخص يطلب خدمة عامة‪.‬‬
‫ويتساوى موقف دافعي الرسم فجميعهم يدفعون املبلغ ذاته‪ ،‬بينما اإلتاوة‬
‫ً‬
‫فان مبلغها يختلف من شخص آلخر تبعا الختالف مقدار املنفعة املتحققة‬
‫حيث تدخل في تحديد مبلغ اإلتاوة اعتبارات شتى كاملساحة وموقع العقار‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن درجة اإلجبار في اإلتاوة تفوق مثيلتها في الرسم ذلك ألن‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.61-60 .‬‬

‫‪148‬‬
‫دافع الرسم يستطيع أن يتخلص من دفع الرسم باالمتناع عن طلب‬
‫الخدمة أما املكلف باإلتاوة فليس له إال أن يدفعها‪1.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الفرق بين الرسم والضريبة‪.‬‬


‫يتشابه كل من الرسم والضريبة في عنصر االجبار‪ ،‬إال أن‬
‫االختالف بينهما يتمثل في أن الرسم يفرض مقابل خدمة معينة يطلبها‬
‫الفرد ويحصل منها على نفع خاص يشبع حاجاته مباشرة باإلضافة إلى‬
‫النفع العام الذي يعود على املجتمع ككل بصورة غير مباشرة‪.‬‬
‫أما الضريبة –كأهم مصدر لإليرادات العامة‪-‬فهي تفرض بدون مقابل‪،‬‬
‫مساهمة من الفرد في تغطية جانب من النفقات العامة‪ .‬وعليه فإن تحديد‬
‫مقدار الرسم يتم عادة تحديد مقدار الرسم يتم عادة على أساس قيمة‬
‫الخدمة التي يحصل عليها الفرد‪ ،‬تحديد مقدار الضريبة يتم على أساس‬
‫القدرة التكليفية أو املالية لدافع الضريبة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن الرسم يفرض بناء على قانون في صورة قرارات أو‬
‫لوائح إدارية‪ ،‬أما الضريبة فال تفرض إال بقانون يصدر من السلطة‬
‫التشريعية نظرا لخطورة هذه األداة التمويلية‪2 .‬‬

‫املطلب الخامس‪ :‬دورالرسوم في املالية العامة الحديثة‪.‬‬


‫كان للرسوم فيما مض ى وخاصة في القرون الوسطى والعصور التي‬
‫تلتها دور كبير في املالية العامة جعلها أكثر موارد الدولة بعد الدومين الناتج‬
‫أساسا من ريع أمالك الدولة الخاصة وذلك لكون الرسوم وبأنواعها لم‬

‫‪ .1‬نور طارق حسين العاني‪ ،‬النظام القانوني للرسوم‪ ،‬مذكرة ماجستير في القانون‪ ،‬بغداد‪ :‬جامعة النهرين‪،2004 ،‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫‪ .2‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.112-111 .‬‬

‫‪149‬‬
‫تكن تتطلب موافقة النواب املكلفين بها (ممثلي الشعب) كما في الضرائب‬
‫مما جعل الدول تفضل اللجوء إليها‪ ،‬غير أن التطور أدى إلى تغير مفهوم‬
‫قيام الدولة بالتدخل لتحقيق الصالح العام‪ ،‬فأصبحت تؤدي دورها بناء‬
‫على مسؤوليتها عن إشباع الحاجات العامة في مختلف املجاالت دون أن‬
‫يقترن هذا الدور بفرض الرسوم على خدمات الدولة وتمول هذه الخدمات‬
‫العامة باالعتمادات املخصصة لكل مرفق في املوازنة العامة‪1 .‬‬

‫وكنتيجة ملا سبق‪ ،‬فقد تضاءلت أهمية الرسوم كمورد مالي في‬
‫مالية الدول الحديثة‪ ،‬مما أدى إلى اتجاه معظم البلدان إلى الحد منها‬
‫بإلغائها أو تحويلها إلى ضرائب برفع سعرها ويرجع ذلك إلى انتشار فكرة‬
‫مجانية الخدمات التي تقوم بها الدولة وهو ما أدى إلى اللجوء لسد تكاليفها‬
‫إلى االستعانة بالضرائب التي احتلت املقام األول بين موارد الدولة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن املبدأ الحديث الذي يقض ي بضرورة موافقة‬
‫البرملان على فرض الرسوم قد سلب من الرسم ما كان له من ميزة في سهولة‬
‫االلتجاء إليه عن الضريبة‪2.‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.62 .‬‬


‫‪ .2‬محمد الطاهر سعودي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.91-90:‬‬

‫‪150‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الـ ـ ـ ـضـ ـ ـرائ ـ ــب‬
‫تعتبر الضرائب من أهم وأقدم مصادر اإليرادات العامة في الدولة‪،‬‬
‫إذ عرفت املجتمعات البشرية طرقا عديدة لدفع الضريبة‪ ،‬فساد في‬
‫االمبراطورية الرومانية نظاما ضريبيا محكما كانت فيه الضريبة تحصل في‬
‫صورة عينية‪ ،‬بينما كانت في العصور الوسطى تسدد في شكل ساعات عمل‬
‫أو عينيا كأعمال تعبيد الطرقات والتموينات بالحبوب واملنتجات الزراعية‬
‫األخرى‪ ،‬لتتحول في املجتمعات الحديثة إلى الشكل النقدي املفروض على‬
‫املكلفين بها من أجل املساهمة في تغطية النفقات العامة‪1.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم الضريبة والنظام الضريبي‪.‬‬


‫املطلب األول‪ :‬تعريف الضريبة وخصائصها‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف الضريبة‪.‬‬
‫هناك عدة تعريفات للضريبة نذكر منها‪:‬‬
‫ً‬
‫الضريبة هي "فريضة نقدية يدفعها الفرد جبرا إلى الدولة أو إحدى‬
‫هيئاتها القومية واملحلية بصفة نهائية‪ ،‬مساهمة منه في تحمل األعباء‬
‫والتكاليف العامة دون الحصول على مقابل أو منفعة خاصة"‪ ،2‬كما‬
‫ً‬
‫عرفت على أنها "اقتطاع مالي تأخذه الدولة جبرا من األفراد دون مقابل‬
‫بهدف تحقيق مصلحة عامة"‪3.‬‬

‫‪ . 1‬مهداوي عبد القادر‪" ،‬اآلليات القانونية االتفاقية ملكافحة التهرب الضريبي الدولي"‪ ،‬مجلة دفاترالسياسة‬
‫والقانون‪ ،‬العدد ‪ ،12‬جانفي ‪ ،2015‬ص‪.3.‬‬
‫‪ .2‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.127-126:‬‬
‫‪ .3‬محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.58‬‬

‫‪152‬‬
‫وعرفها آخرون بأنها "فريضة مالية تحددها الدولة ويلتزم بأدائها‬
‫املمول بال مقابل لتتمكن الدولة من القيام بتحقيق اهداف املجتمع"‪1.‬‬

‫ويمكن الجمع بين تلك التعريفات املختلفة بوضع تعريف شامل‬


‫لجميع أجزائها بالقول إن الضريبة هي "اقتطاع نقدي جبري تجريه الدولة‬
‫أو إحدى هيئاتها العامة على موارد الوحدات االقتصادية املختلفة بقصد‬
‫تغطية األعباء العامة دون مقابل محدد وتوزيع هذه األعباء بين الوحدات‬
‫االقتصادية وفقا ملقدراتها التكليفية"‪2.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص الضريبة‪.‬‬


‫ومن التعريف يمكن الوقوف على الخصائص التي يحملها هذا‬
‫النوع املهم من اإليرادات‪3:‬‬

‫‪ .1‬الضريبة اقتطاع نقدي‪:‬‬


‫هذا يعني ان الضريبة هي عبارة عن مبلغ مالي يتم جبايته بواسطة‬
‫السلطات العامة إذ أن الضريبة كانت سابقا تجبى عينا مثل الضرائب على‬
‫املحصوالت الزراعية كما هو الحال في الشريعة االسالمية‪.‬‬
‫كذلك فإ ن الضريبة كانت تجبى عينا على املحصوالت في ظل‬
‫االمبراطورية الرومانية‪ ،‬إال أن التشريعات املالية الحديثة اتجهت جميعها‬
‫إلى تعميم الدفع بالنقود وشمل ذلك جميع اإليرادات بما فيها الضرائب ملا‬
‫تميزت به الضرائب العينية من مساوئ‪.‬‬

‫‪ .1‬عبيس تركي كاظم‪ ،‬مدخل في الضريبة وعالقتها بالقانون‪ ،‬جامعة بابل‪ :‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬مج‪ ،19‬عدد‪،3‬‬
‫تاريخ النشر ‪ ،2011/08/31‬ص‪.243‬‬
‫‪ .2‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪ .3‬عبيس تركي كاظم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 243‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫وقد يرد استثناء على ذلك يبيح دفع الضريبة عينا لسببين‪:‬‬
‫أ‪ .‬الرغبة في التسهيل على األفراد في دفع أنواع معينة من‬
‫الضرائب مثل جواز استيفاء الضريبة على مجموع التركة‬
‫عينا ويفسر هذا الوضع على أساس ان التسديد النقدي قد‬
‫يؤدي باألفراد الى بيع اموالهم بأثمان بخسة في حالة عدم‬
‫وجود نقد كاف لديهم لدفع الضريبة‪.‬‬
‫ب‪ .‬الرغبة في توسيع ملكية القطاع العام عن طريق استيفاء‬
‫الضريبة عينا‪ ،‬ويظهر لنا هذا االجراء بصورة واضحة في‬
‫الدول التي ترغب في التحول من النظام الرأسمالي إلى النظام‬
‫االشتراكي‪.‬‬
‫ومهما يكن من األمر فإنه من األفضل أن تدفع الضريبة نقدا‬
‫لتفادي األضرار التي يمكن أن تلحق بالسلطة العامة السابق ذكرها من‬
‫جراء دفع الضريبة عينا‪.‬‬
‫‪ .2‬الضريبة تدفع جبرا‪:‬‬
‫هذا يعني إن املكلف بدفع الضريبة ليس حرا في دفعها وإنما‬
‫يخضع في ذلك لسلطات الدولة بما لها من حق السيادة على مواطنيها‪ ،‬إال‬
‫أن هذا ال يعني أن تفرض الضريبة بدون ضوابط محددة لفرضها فال‬
‫يمكن فرض ضريبة أو تعديلها أو الغائها إال بقانون‪ .‬إال أن عنصر اإلكراه‬
‫أو الجبر يمكن أن يتجسد في استقالل الدولة وهيئاتها بوضع النظام‬
‫القانوني للضريبة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫وحتى ال يتعرض األفراد إلى هيمنة السلطات العامة في فرضها‬
‫للضريبة فإن القانون يتطلب موافقة ممثلي الشعب على فرض الضرائب‪.‬‬
‫وعنصر اإلكراه لم يكن موجودا في كل العصور؛ فالضريبة كانت‬
‫تدفع بصورة اختيارية من قبل األفراد الذين كانوا يقدمونها للدولة‪ .‬هذا‬
‫يعني أن ما يسمى بالضريبة االختيارية هو ليس ضريبة باملعنى املالي بل‬
‫يمكن أن نعتبرها هدية مالية‪ ،‬وعنصر اإلكراه هو الذي يميز الضريبة عن‬
‫غيرها من اإليرادات التي تحمل الصفة االختيارية مثل الثمن والقروض‬
‫االختيارية واإلعانات‪.‬‬
‫‪ .3‬الضريبة تدفع بصفة نهائية‪:‬‬
‫هذه الخاصية تعني أن الفرد في دفعه للضريبة ال يكون له الحق‬
‫في استرداد قيمتها من الدولة أو املطالبة بفوائد عنها ذلك ألن الضريبة‬
‫تجبى من املكلف من قبل الدولة بصفة نهائية دون أن تلتزم الدولة بردها‬
‫إلى املكلف‪ ،‬وبهذا اختلفت الضريبة عن القرض العام الذي يدفع جبرا‪،‬‬
‫فبالرغم من توفر عنصر الجبرية إال أن الدولة هنا تلتزم برده إلى دافعه مع‬
‫الفوائد املترتبة عليه‪.‬‬
‫‪ .4‬الضريبة تدفع وفقا للمقدرة التكليفية للمكلف ودون مقابل محدد‪:‬‬
‫إن املكلف في دفعه للضريبة ال ينتظر أن يحصل على مقابل محدد‬
‫من الدولة حين دفعها‪ .‬فاملكلف عند دفعه للضريبة يكون على أساس كونه‬
‫عنصرا في املجتمع‪ ،‬وهو يدفع الضريبة انطالقا من مبدأ التضامن‬
‫االجتماعي‪ ،‬فوجوده في هذه الجماعة يفرض عليه املشاركة في تحمل أعباء‬
‫التكاليف الالزمة لسير املرافق العامة الالزمة لحياة تلك الجماعة‪ ،‬غير أن‬

‫‪155‬‬
‫ذلك ال ينفي أن يحصل الفرد على املنافع التي تقدمها له املرافق العامة‪،‬‬
‫إال أن هذا االنتفاع ال يحصل عليه باعتباره مكلف بدفع الضريبة وإنما‬
‫كمواطن له الحق باالنتفاع بالخدمات العامة التي تقدمها له السلطات‬
‫العامة‪ ،‬وبناء على ذلك فإن الضريبة تفرض على املكلف على أساس‬
‫مقدرته التكليفية ومدى قدرته على تحمل األعباء العامة ال على أساس‬
‫النفع الذي يعود عليه من هذه املرافق العامة فالنفع الذي يعود عليه‬
‫يعود على الكل‪ .‬وبهذا تتميز الضرائب عن الرسم الذي يدفعه الفرد مقابل‬
‫حصوله على خدمة معينة‪.‬‬
‫‪ .5‬الضريبة تهدف إلى تحقيق النفع العام‪:‬‬
‫الضريبة تدفع من قبل املكلف إلى الدولة لسد احتياجاتها من‬
‫النفقات العامة والحصول على الالزمة لسد الحاجات العامة‪ .‬وازداد‬
‫استخدام الضرائب بزيادة تدخل الدولة من أجل تحقيق أهداف‬
‫اقتصادية واجتماعية هذا يعني أن الضريبة لم تعد قاصرة فقط على‬
‫غرض واحد وهو تمويل النفقات العامة‪.‬‬
‫ونذكر بعضا من هذه األهداف منها حماية الصناعة الوطنية من‬
‫خالل فرض الدولة للضرائب الجمركية أو تشجيعها لالدخار والحد بذلك‬
‫من االستهالك وتهدف من ذلك السعي إلى تعبئة الفائض لتحقيق التنمية‬
‫وتحجيم التفاوت بين فئات املجتمع‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪ .6‬يتم فرض الضريبة وربطها واالعتراض عليها وتحصيلها والغائها‬
‫واالعفاء منها بموجب نصوص قانونية‪:‬‬
‫أي أنه ال يمكن فرض الضرائب إال بإصدار القوانين التي يجب أن‬
‫تتبع في إصدارها األصول الدستورية السائدة عند فرض الضريبة في بلد‬
‫معين‪ .‬ويترتب على هذه الخاصية نتيجة مهمة وهي حفظ حقوق املكلفين‬
‫بدفع الضريبة‪ ،‬ألن للمحاكم حق النظر فيما إذا كانت القوانين املتعلقة‬
‫بفرض الضرائب وجبايتها قد صدرت حسب األصول الدستورية املقررة‬
‫لذلك حسب الوضع القانوني السائد‪.‬‬
‫فالضريبة إذن ال تفرض وال تلغى إال بقانون يصدر بموجب‬
‫االصول الدستورية للبلد الذي يشرعه‪ ،‬والقانون الضريبي يشبه بهذا‬
‫املضمار القانون الجنائي‪ .‬فكما أنه ال توجد جريمة وال عقوبة إال بنص‬
‫فإنه ال تفرض ضريبة وال تلغى إال بنص في القانون‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬األساس القانوني للضريبة‪.‬‬
‫عند البحث عن األساس القانوني للضريبة ينبغي التعرض ملا‬
‫تستند عليه الدولة في فرض الضرائب وإلزام األفراد بدفعها إليها والطبيعة‬
‫القانونية لهذا اإللزام‪ .‬وقد تردد كتاب املالية العامة بين اتجاهين؛ أولهما‬
‫أن الضرائب عقد مالي‪ ،‬والثاني أنها فعل سيادي يقوم على فكرة التضامن‬
‫االجتماعي‪ ،‬وهذا بيان لذلك‪1:‬‬

‫‪ .1‬يسرى محمد أبو العال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 29‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية العقد املالي‪.‬‬
‫وهي النظرية التي سادت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر‪،‬‬
‫وهي أن الضريبة من طبيعة عقدية أي أن أساسها القانوني في العقد‪ ،‬أي‬
‫عقد مالي يبرم بين الدولة واألفراد‪ ،‬ويلتزم األفراد بدفعها مقابل ما يتلقونه‬
‫من الدولة من خدمات‪ .‬وقد أنقسم الكتاب الذين شاركوا في هذا االتجاه‬
‫في تكييف هذا العقد بين اتجاهات ثالث‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الضريبة عقد إيجارأعمال (توريد خدمات)‪.‬‬
‫وهو أن الضريبة يدفعها األفراد مقابل ما تقدمه لهم الدولة من أعمال‬
‫وخدمات‪ ،‬ويترتب على هذا التكييف عدة نتائج‪ ،‬أوال‪ :‬أنه يجب أن تكون‬
‫الضريبة مساوية للنفع العائد منها‪ ،‬ثانيا‪ :‬أن تتوسع الدولة في فرض‬
‫الرسوم والتضييق من فرض الضرائب‪ .‬إال أنه يعاب على هذا الرأي أن‬
‫هذه النتائج بعيدة عن الواقع فالفقراء ينتفعون من الضرائب أكثر من‬
‫األغنياء‪ ،‬حيث يعود عليهم قدر أكبر من الخدمات‪ ،‬كما أنها ال تفسر التزام‬
‫الجيل الحاضر بدفع الضرائب لتخصص جميعها أو جزء منها لسداد‬
‫قروض انتفعت بها أجيال سابقة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الضريبة عقد تأمين‪.‬‬
‫أي أن الضريبة يدفعها املمول لتؤمن له الدولة الحياة الهادئة‬
‫ألمواله‪ ،‬وبالتالي االنتفاع بها‪ ،‬ويترتب على هذا الرأي أن تفرض الضريبة‬
‫على رأس املال وعلى الدخل‪ ،‬وأن تتناسب مع ما يملكه املمول من أموال‪،‬‬
‫إال أنه يعاب على هذا الرأي أنه يقصر دور الدولة على نطاق ضيق‪ ،‬وهو‬
‫تحقيق األمن الداخلي والخارجي لألفراد‪ ،‬وال يتفق هذا وحقيقة دور الدولة‬

‫‪158‬‬
‫الحالي‪ ،‬كما أنه من مقتض ى عقد التأمين أن تلتزم الدولة (املؤمن لديه)‬
‫بتعويض الضرر الذي قد يحدث لألفراد (املؤمن) وهذا ماال يحدث في حالة‬
‫الضريبة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الضريبة عقد شركة إنتاج‪.‬‬
‫تمثل الدولة في عقد الشركة دور املؤسس ويمثل األفراد دور‬
‫املساهمين‪ ،‬بما يدفعونه من ضرائب يحصلون بمقتضاها على منافع من‬
‫الشركة‪ ،‬ويترتب على هذا الرأي أن تفرض الضريبة على رأس املال ال على‬
‫الدخل‪ ،‬وأن تكون متناسبة مع رأس املال املنتج‪ ،‬ويؤخذ على هذا الرأي أن‬
‫ً‬
‫دور املجتمع ليس قاصرا على تحقيق أهداف مادية‪ ،‬وإنما يشمل باإلضافة‬
‫إليها تحقيق أهداف غير مادية‪ ،‬وأن مقتض ى عقد اإلنتاج أن ينتفع األغنياء‬
‫بالخدمات العامة أكثر من الفقراء‪ ،‬وهو أمر بعيد عن الواقع‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يؤخذ على نظرية العقد املالي في مختلف صورها‪ ،‬أنها تصدر عن فكرة‬
‫العقد االجتماعي‪ ،‬وهى فكرة غير صحيحة من الناحية التاريخية‪ ،‬فالدولة‬
‫ً‬
‫ليست تنظيما اتفاقيا ولكنها عطاء تاريخي‪ ،‬ومع رفض األساس التعاقدي‬
‫للدولة يتعين رفض األساس التعاقدي للضريبة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية التضامن املالي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يتبين مما سبق أن الدولة ليست تنظيما تعاقديا‪ ،‬ولكنها ضرورة‬
‫تاريخية واجتماعية‪ ،‬ومن ثم يتعين أن نجد أساس آخر للضريبة غير‬
‫األساس السابق الذي يقوم على فكرة التعاقد‪ ،‬وقد وجد الكتاب هذا‬
‫األساس في فكرة التضامن الذي هو أساس الجماعة‪ ،‬وتفسير ذلك أن‬

‫‪159‬‬
‫الدولة تلزم بصفتها ضرورة تاريخية واجتماعية أن تقوم على الحاجات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االجتماعية‪ ،‬وأن تحقق التضامن بين األفراد حاضرا ومستقبال‪.‬‬
‫ومن البديهي أن الدولة وهي تحقق التضامن تحتاج إلى إيرادات‪،‬‬
‫لذلك تلجأ إلى فض بالضرائب على أفراد الجماعة بما لها من سيادة عليهم‬
‫ً‬
‫وتحقيقا للتضامن االجتماعي‪ ،‬فالضريبة ال تعدو أن تشكل طريقة لتوزيع‬
‫األعباء العامة التي افتضاها مبدأ التضامن االجتماعي بين أفراد الجماعة‬
‫ويترتب على ذلك عدة نتائج هي‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن الضريبة فكرة سيادية أي للدولة سلطة تحديدها وسلطة‬
‫تنظيمها الفني؛‬
‫أن تفرض الضرائب على جميع أفراد الجماعة بصفتهم ملتزمين‬ ‫ب‪.‬‬
‫بواجب التضامن االجتماعي‪ ،‬وهو ما يعني "عمومية الضريبة"‪،‬‬
‫ويبرر ذلك فرضها على املواطنين سواء كانوا مقيمين بالدولة أو‬
‫خارجها‪ ،‬وفرضها على األجانب املقيمين بها لوجود أموالهم بها؛‬
‫أن يكون تحديد العبء الذي يدفعه كل ممول من الضريبة‪ ،‬ليس‬ ‫ج‪.‬‬
‫ً‬
‫بمقدر ما يعود عليه من نفع‪ ،‬ولكن وفقا ملقدرته في تحمل أعباء‬
‫الجماعة‪ ،‬أي املساهمة في واجب التضامن القومي‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫باملقدرة التكليفية للممول‪ ،‬وهي الفكرة التي اتخذها آدم سميث‬
‫ً‬
‫في كتابه "ثروة األمم" أساسا لتقدير الضريبة وتفسر فكرة‬

‫‪160‬‬
‫ً‬
‫التضامن أيضا التزام الجيل الحاضر بدفع ضرائب لسداد قروض‬
‫عقدتها أجيال سابقة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬قواعد فرض للضريبة‪.‬‬
‫الضريبة العصرية هي ضريبة تدخلية وغير حيادية‪ ،‬كما كانـت إبـان‬
‫الدولـة التقليدية أو الدولة الحارسة‪ ،‬بحيث أصبحت تلعب دورا هاما في‬
‫السياسـة االقتصـادية واالجتماعية للدولة‪ ،‬وفي توجيه االستثمارات‬
‫اإلنتاجية وهي قبل كل ش يء مورد مالي أساس ي توليه الدولة اهتماما كبيرا‬
‫قصد تنمية وتغذية خزينتها‪ .‬وملا كانت للضريبة كل هذه األهمية فقد وضع‬
‫لها ومن فترة طويلة قواعد على املشرع الضريبي أن يأخذها بعين االعتبار‬
‫عند وضعه النظام الضريبي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬القواعد التقليدية للضريبة‪.‬‬
‫هذه القواعد تشكل األساس التقليدي للضريبة‪ ،‬وواضع هذه‬
‫القواعـد االقتصـادي اإلنجليـزي "آدم سميث" في كتابه الشهير "ثروة األمم"‬
‫ومحتوى هذه القواعد ما يلي‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬قاعدة العدالة في املقدرة التكليفية‪.‬‬


‫حسب هذه القاعدة فإن كل األفراد املكلفين بـدفع الضـريبة‬
‫ملزمـون بـدفع الضريبة‪ ،‬ولكن حسب مقدرتهم التكليفية‪ ،‬ومن ال دخل له‬
‫فهو معفى من ذلك‪ ،‬وقد كتـب آدم سميث في هذا الصدد قائال‪" :‬يجب أن‬
‫يساهم كل أفراد املجتمع في نفقـات الدولـة بحسب مقدرتهم النسبية بقدر‬
‫اإلمكان‪ ،‬أي بنسبة الدخل الذي يتمتعون به في ظل حمايـة الدولة"‪،‬‬
‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 210‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫ونالحظ اآلن بأن أغلب الدول قد أخذت بهذا املبدأ‪ ،‬وخير دليل على ذلك‬
‫هـو تطبيق الضريبة التصاعدية وإقرار اإلعفاءات العائلية والحد األدنى‬
‫الالزم للمعيشة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قاعدة الوضوح واليقين‪.‬‬
‫يجب أن تكون الضريبة املفروضة على املكلفين القانونيين‬
‫واضـحة املعـالم‪ ،‬بحيث يعرف الخاضع لها‪ ،‬مقدار الوعاء‪ ،‬ومعدل‬
‫الضريبة وتاريخ سداد الضريبة‪ ،‬وكذا الجزاءات والعقوبات التي تترتب عن‬
‫التهرب والغش الضريبيين‪ .‬فكل ضريبة ال يعرف املكلف مقدارها وزمان‬
‫جبايتها ومكان دفعها معرفة تامة‪ ،‬تعتبر ضريبة تعسفية بحيث تؤدي في‬
‫النهاية إلى التهرب والغـش‪ ،‬وعليـه ال يجـب دفعها‪ .‬ولقد أخذت التشريعات‬
‫الضريبية املعاصرة بقاعدة الوضوح واليقين وأولتهمـا اهتماما كبيرا بحيث‬
‫أصبحت الضريبة واضحة ومحددة من جانب مكوناتها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قاعدة املالءمة في الدفع‪.‬‬
‫على الضريبة أن تجبى في أكثر األوقات مالءمة للمكلف وبالكيفية‬
‫األكثر تسييرا له‪ ،‬ويعتبر الوقت الذي يحصل فيه املكلف على دخله أكثر‬
‫األوقـات مالءمـة لـدفع الضريبة‪ ،‬كأن تجبى ضريبة املرتبات واألجور من‬
‫املكلفـين فـي أوقـات اسـتالم أجورهم‪ ،‬وتجبى ضريبة األرباح التجارية‬
‫والصناعية في نهاية الدورة املالية‪ ،‬وعنـد تحقيق األرباح‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬قاعدة االقتصاد في نفقات الجباية‪.‬‬
‫املقصود باالقتصاد في نفقات الجباية أن تكون النفقات التي‬
‫تنفقها الدولة في سبيل الحصول على اإليرادات الضريبية أقل ما يمكن‪،‬‬

‫‪162‬‬
‫وهـذا األمـر يتطلب فرض الضرائب التي تكثر إيراداتها وتقل نفقات‬
‫تحصيلها‪.‬‬
‫إن قاعدة االقتصاد ليس من السهل دوما تطبيقها فهناك ضرائب‬
‫يستدعي جمعها عدد كبيرا من العاملين عليها وخاصة في عصرنا الحديث‬
‫مما يتطلب أعباء ونفقـات مالية مرتفعة‪1.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬القواعد الحديثة (املكملة)‪.‬‬


‫هذه القواعد أو املبادئ وضعها علماء آخرون‪ ،‬وليست بديال عن‬
‫القواعد التقليدية ولكنها تضاف إليها‪2 :‬‬

‫أوال‪ :‬قاعدة املرونة‪.‬‬


‫يقصد بها أن يتكيف النظام الضريبي مع تغير الظروف‬
‫االقتصادية فتزيد الحصيلة في فترات التضخم وتنخفض في فترات‬
‫االنكماش‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قاعدة االستقرار‪.‬‬
‫يقصد بها أن تتسم أحكام النظام الضريبي بنوع من الثبات‪،‬‬
‫بحيث ال تتغير أحكامه بصورة متكررة تجعل من الصعب على املكلف‬
‫مالحقة تعديالته‪ ،‬فهذا يضعف من قاعدة اليقين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قاعدة اإلقليمية‪.‬‬
‫بمعنى أن يطبق قانون الضرائب داخل اإلقليم وأال يتعداه إلى‬
‫أقاليم الدول األخرى فيخضع للضريبة كل شخص طبيعي أو معنوي داخل‬
‫‪ .1‬محمد جمام‪ ،‬النظام الضريبي وآثاره على التنمية االقتصادية‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة في العلوم االقتصادية‪ ،‬جامعة‬
‫قسنطينة‪ :‬كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير‪2009 ،‬م‪ ،2010/‬ص‪ 18‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬خالد علي‪ ،‬عمر غنام‪ " ،‬دليل العدالة الضريبية ملنظمات املجتمع املدني في املنطقة العربية"‪ ،‬تموز ‪ ،2019‬ص‪.4 .‬‬

‫‪163‬‬
‫الدولة باعتبارها صاحبة السيادة على أراضيها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬قاعدة السنوية‪.‬‬
‫وهي أن يحاسب املكلف عما حصل عليه من دخل وخالل فترة‬
‫زمنية مدتها سنة قد تكون ميالدية أو هجرية‪ ،‬ويستند ذلك إلى ميزانية‬
‫الدولة التي يتم إعدادها على أساس سنوي والتي تعتبر الضرائب جزء من‬
‫بنودها‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬قاعدة التنسيق بين األهداف‪.‬‬
‫يقصد بها أال تتعارض أهداف الضرائب مع بعضها‪ ،‬كأن ال تفرض‬
‫الدولة ضرائب على الصادرات للحصول على األموال وفي نفس الوقت‬
‫تشجع اإلنتاج املحلي‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم الفني للضريبة‪.‬‬
‫يقصد بالتنظيم الفني للضريبة تحديد األوضاع واإلجراءات‬
‫الفنية املتعلقة بفرض الضريبة‪ 1 .‬فاملشرع يجب أن يختار أوال املادة‬
‫الخاضعة للضريبة وطرق تحديد حجم هذه املادة‪ ،‬وبعدها يقوم بتحديد‬
‫سعر الضريبة فإذا تم له ذلك تطلب األمر منه تحديد كيفية تقديرها‬
‫وتحصيلها‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تحديد وعاء الضريبة‪.‬‬
‫يقصد بوعاء الضريبة املوضوع الذي تفرض عليه الضريبة أو‬
‫املادة التي تفرض عليها الضريبة‪ ،‬ووعاء الضريبة في العصر الحديث هو‬

‫‪ .1‬عادل فليح العلي‪ ،‬مالية الدولة‪( ،‬عمان‪ :‬دار زهران للنشر والتوزيع‪ ،‬دت)‪.264-263 ،‬‬

‫‪164‬‬
‫الثروة‪ ،‬وتثير الدراسة في وعاء الضريبة مسائل يجب االختيار واملفاضلة‬
‫بينها وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الضرائب على األشخاص أم الضرائب على األموال؛‬
‫‪ -‬الضريبة الوحيدة أم الضرائب املتعددة؛‬
‫‪ -‬الضرائب املباشرة والضرائب غيراملباشرة‪.‬‬
‫وتتعدد أنواع الضرائب وتختلف صورها باختالف املكان والزمان‪،‬‬
‫ولكل نوع من هذه األنواع مزاياه وعيوبه‪ ،‬وعموما يمكن تقسيم الضرائب‬
‫وفق التقسيمات التالية‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الضريبة الوحيدة والضرائب املتعددة‪.‬‬
‫تنقسم الضريبة من حيث عدد الضرائب املكونة لهيكلها إلى‬
‫نوعين‪ :‬نظام الضريبة الوحيدة‪ ،‬وفيه تكتفي الدولة بفرض ضريبة واحدة‬
‫تسعى بها إلى تحقيق كافة أهداف سياستها الضريبية‪ ،‬ونظام الضرائب‬
‫املتعددة‪ .‬فمثال‪ ،‬جاء الفيزيوقراط في القرن الثامن عشر فنادوا بأن األرض‬
‫تنفرد بكونها املنبع الوحيد للثروة الحقيقية ومن ثم فإن املنطق يقض ي‬
‫بإلغاء كافة أنواع الضرائب وفرض ضريبة وحيدة على الناتج الصافي‬
‫لألرض‪ .‬ولعل ما يعاب على هذا النوع من الضرائب هو أنها أبعد في‬
‫الحقيقة عن تحقيق العدالة الضريبية من الضرائب املتعددة‪ ،‬إذ لم يهتد‬
‫العلم بعد الى اختيار الوعاء الضريبي األوحد الذي يحقق مبادئ العدالة‬
‫الضريبية‪ ،‬ومن هنا كان لنـظام الضـرائب املتعددة على أوع ـية مختـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلفة‬

‫‪165‬‬
‫بأعباء متفاوتة إمكانية االقتراب من تحقيق مفهوم العدالة الضريبية‪1.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الضريبة على األشخاص والضرائب على األموال‪.‬‬


‫ال جدال في أن كافة أنواع الضرائب أيا كان وعائها وإجراءات ربطها‬
‫وتحصيلها سوف يدفعها في النهاية شخص ما سواء اكان شخص طبيعي‬
‫أو شخص معنوي‪ .‬ولكن الضرائب على األشخاص التي نعنيها هنا هي‬
‫الضرائب التي تتخذ من الشخص نفسه وعاء للضريبة‪ .‬فالضريبة هنا‬
‫تفرض على الشخص باعتباره "فرد" بغض النظر عما في حوزته من أموال‪،‬‬
‫ولذلك سميت بضريبة الرؤوس‪.‬‬
‫لكن ومع ارتقاء املجتمعات وتعقد الحياة االقتصادية وازدياد حاجة‬
‫الدولة لألموال مع تزايد دورها في النشاط االقتصادي‪ ،‬عجزت ضرائب‬
‫الرؤوس عن أن تفي حصيلتها الضئيلة بهذه االحتياجات املتزايدة‪ ،‬كما أن‬
‫هذا النوع من الضرائب قد فشل في تحقيق العدالة الضريبية‪ .‬لهذه‬
‫األسباب وغيرها اتجهت كافة الدول الحديثة إلى فرض ضرائبها على املال في‬
‫كل صوره وأوضاعه‪ .‬أي سواء كان عامال من عوامل اإلنتاج أو عائدا من‬
‫عوائده‪ ،‬عقارا أو منقول‪ ،‬سلعة استثمارية أو سلعة استهالكية‪ ،‬متخذا‬
‫صورة دخل أو ثروة أو إنفاق‪2.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬الضرائب املباشرة والضرائب غيراملباشرة‪.‬‬


‫انتهت الضريبة في النظم املالية املعاصرة إلى أن تفرض على الثروة‪،‬‬
‫وعلى ذلك فإن الضريبة ال تعدو‪ ،‬وأيا كان الفن املالي الذي نعتمد عليه‪،‬‬

‫‪ . 1‬عبد املجيد دراز‪ ،‬سعيد عبد العزيز عتمان‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية‪ ،)2002 ،‬ص‬
‫ص‪.29-28 .‬‬
‫‪ . 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.33-31 .‬‬

‫‪166‬‬
‫وأيا كان املوضوع الذي تفرض عليه‪ ،‬أن تكون اقتطاعا من بعض عناصر‬
‫الثروة‪ ،‬أي اقتطاعا من الدخل أو رأس املال‪ .‬وفي هذا املجال يوجد‬
‫طريقتين لتتبع الثروة‪ ،‬وهما الطريقة املباشرة والطريقة غير املباشرة‪ ،‬وهو‬
‫ما يعني الخيار بين الضريبة املباشرة والضريبة غير املباشرة‪.‬‬
‫فيمكن أن نعمد إلى تحديد ثروة املمول عند منبعها‪ ،‬أي وهي تحت‬
‫يده‪ ،‬وأن نفرض عليها الضريبة مباشرة‪ .‬وفي هذه الحالة نكون قد فرضنا‬
‫الضريبة على ذات وجود الثروة تحت يد املمول‪ .‬وقد تأخذ الثروة شكل‬
‫الدخل‪ ،‬كما قد تأخذ شكل رأس املال‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬وبدال من تتبع الثروة وهي تحت يد املمول‪ ،‬يمكن أن نتتبعها‬
‫في تداولها أو في استعمالها‪ ،‬وذلك بفرض الضريبة على التصرفات وعلى‬
‫املعامالت وعلى انتقال الثروة‪ .‬ويشكل فرض الضريبة على تداول الثروة‬
‫وعلى استعمالها الطريقة غير املباشرة لتتبع الثروة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن القول أن الضريبة املباشرة تستقر على املكلف‪ ،‬وال‬
‫يستطيع نقل عبئها إلى مكلف آخر‪ ،‬فهي مرتبطة باسم شخص محدد‬
‫يدفعها ويتحملها بصفة نهائية‪ ،‬وتفرض على املكلف حين حصوله على‬
‫دخل أو رأس مال‪ .‬ومن أمثلتها‪ :‬الضرائب العقارية والضريبة على األرباح‬
‫التجارية والصناعية‪.‬‬
‫أما الضريبة غير املباشرة فهي تقع على عناصر االستهالك أو‬
‫الخدمات املؤداة‪ ،‬وبالتالي يتم تسديدها بطريقة غير مباشرة من طرف‬
‫مستهلك هذه األشياء أو املستفيد من الخدامات الخاضعة للضريبة‪ .‬وهي‬
‫ضريبة يدفعها املكلف ثم ينقل عبئها إلى شخص آخر هو املستهلك أو‬

‫‪167‬‬
‫متلقي الخدمة‪ ،‬وتفرض على واقعة معينة دون تحديد املكلف‪ ،‬ومنها‬
‫ضريبة اإلنتاج والضرائب الجمركية وضرائب االستهالك‪1 .‬‬

‫وهنا نشير أن كل نظام مالي يقوم على الجمع بين هاتين الطريقتين‬
‫من طرق تتبع الثروة‪ ،‬وهما الطريقة املباشرة والطريقة غير املباشرة‪ ،‬غير‬
‫أن كيفية التأليف بين هاتين الطريقتين تختلف من نظام مالي إلى نظام‬
‫مالي آخر تبعا لعدة اعتبارات مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية‪2 .‬‬

‫أوال‪ :‬معاييرالتفرقة بين الضرائب املباشرة والضرائب غيراملباشرة‪.‬‬


‫من أهم معايير التفرقة بين الضرائب املباشرة والضرائب غير‬
‫املباشرة ما يلي‪3 :‬‬

‫‪ .1‬أسلوب تحصيل الضريبة‪:‬‬


‫إذ يتم تحصيل الضرائب املباشرة بموجب جداول إيراد سنوية في‬
‫الغالب‪ ،‬ويتم فيها تثبيت اسم املمول‪ ،‬واملادة الخاضعة للضريبة‪ ،‬ومبلغ‬
‫الضريبة‪ ،‬ووقت استحقاق دفعه‪ .‬في حين أن تحصيل الضريبة غير‬
‫املباشرة يتم في وقت حدوث التصرفات أو الوقائع التي يرتب القانون على‬
‫حدوثها استحقاق الضريبة‪ ،‬فمثال‪ ،‬انتقال السلعة إلى الدولة عبر حدودها‬
‫في حالة استيرادها يقتض ي معه فرض ضريبة جمركية على استيراد هذه‬
‫السلعة‪.‬‬

‫‪ .1‬خالد علي‪ ،‬عمر غنام‪ ،‬مرجع سابق ص‪.4 .‬‬


‫‪ .2‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.230-229 .‬‬
‫‪ .3‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.183-182 .‬‬

‫‪168‬‬
‫‪ .2‬الثبات النسبي في املادة الخاضعة للضريبة‪:‬‬
‫حيث أن الضريبة تعتبر ضريبة مباشرة في حالة الثبات النسبي لوعاء‬
‫الضريبة أو مصدرها‪ ،‬أو مادتها‪ ،‬ومثال ذلك الضرائب على رأس املال‪ ،‬في‬
‫حين أن الضريبة تعتبر غير مباشرة إذا كان وعاء الضريبة أو مصدرها او‬
‫مادتها من املتغيرات التي تخضع للتغير في مقدارها‪ ،‬بحيث يتم فرضها على‬
‫وقائع وأحداث منعزلة ومتغيرة‪ ،‬ومثال ذلك اإلنتاج واالستهالك والتداول‪.‬‬
‫‪ .3‬القدرة على نقل عبء الضريبة‪:‬‬
‫إذ ليس من الضروري أن يكون الذي يتحمل عبء الضريبة بصفة‬
‫نهائية هو امللتزم قانونا بأدائها فقد تفرض الضريبة على شخص‪ ،‬ثم‬
‫يتمكن من نقل عبئها إلى شخص آخر يستقر عليه هذا العبء بصفة‬
‫نهائية‪ ،‬وهذا في حالة الضرائب غير املباشرة‪ .‬وقد تفرض الضريبة على‬
‫شخص‪ ،‬ثم ال يتمكن من نقل عبئها إلى شخص آخر‪ ،‬فيستقر عبؤها‬
‫بصفة نهائية على امللتزم قانونا بأدائها‪ ،‬وهذا في حالة الضرائب املباشرة‪.‬‬
‫ويكون نقل عبء الضريبة برفع ثمن البيع‪ ،‬وهذا هو نقل العبء إلى األمام‪،‬‬
‫أو بخفض ثمن شراء عوامل اإلنتاج‪ ،‬وهذا هو نقل العبء على الخلف‪1 .‬‬

‫ثانيا‪ :‬املوازنة بين الضرائب املباشرة والضرائب غيراملباشرة‪.‬‬


‫إن الضرائب املباشرة والضرائب غير املباشرة يمكن أن تتحقق‬
‫معها العديد من املزايا‪ ،‬ويمكن أن ترافقها العديد من العيوب‪ ،‬كما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.233 .‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ .1‬الضرائب املباشرة‪:‬‬
‫يمكن للضرائب املباشرة أن تحقق العديد من املزايا كما يلي‪1 :‬‬

‫‪ -‬يمكن أن تحقق العدالة من خالل ما توفره من إمكانية تطبيق‬


‫التصاعد فيها‪ ،‬ومراعاة قدرة املمول على الدفع؛‬
‫‪ -‬ثباتها النسبي لحصيلتها نتيجة ضعف تأثرها بالتقلبات‬
‫االقتصادية‪ ،‬ألن عناصرها كاألجور واملرتبات في حالة ضريبة‬
‫الدخل وإيجار العقارات مثال‪ ،‬ال تتغير كثيرا نتيجة لذلك؛‬
‫‪ -‬سهولة تقديرها‪ ،‬بحيث يتم االعتماد على حصيلتها في التعرف على‬
‫الدخول والثروات ورؤوس األموال‪ ،‬ونمط توزيعها؛‬
‫‪ -‬توفر الدافع لدى املواطن في الحرص على متابعة إنفاق الدولة‬
‫لحصيلتها‪ ،‬وكفاءة هذا االنفاق نتيجة شعوره بوطأتها؛‬
‫‪ -‬تتوفر فيها درجة كافية من الوضوح واملالءمة التي تتيح للمول‬
‫معرفة مقدارها‪ ،‬طريقة الدفع‪ ،‬شروطه ومواعيده؛‬
‫‪ -‬نظرا ملا تتمتع به الضرائب املباشرة من الثبات النسبي‪ ،‬وملا تتمتع‬
‫به العناصر التي تفرض عليها من وضوح‪ ،‬فإنه يسهل على الدولة‪،‬‬
‫عند الرغبة في الحصول موارد إضافية‪ ،‬ان ترفع سعر الضريبة‬
‫فتزداد حصيلتها‪2 .‬‬

‫‪ .1‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.183-182 .‬‬


‫‪ .2‬رفعت املحجوب‪ ،‬ص‪.241.‬‬

‫‪170‬‬
‫وفي املقابل نسب للضرائب املباشرة العيوب التالية‪1 :‬‬

‫ال تتمتع باملرونة الكافية‪ ،‬وبذلك فهي ال تعكس االنتعاش‬ ‫‪-‬‬


‫االقتصادي إال ببطء‪ .‬فإذا كانت حصيلة هذه الضرائب ال‬
‫تنخفض في وقت األزمة ببطء كبير‪ ،‬وهو ما يعتبر ميزة لها‪ ،‬فهي ال‬
‫ترتفع في حالة االنتعاش إال ببطء كبير أيضا‪ ،‬وهو ما يفوت على‬
‫الخزينة االستفادة من نتائج االنتعاش االقتصادي‪ .‬هذا باإلضافة‬
‫إلى أن الضرائب املباشرة تعطي حصيلتها متأخرة؛‬
‫تتسم إجراءات ربطها وتحصيلها بالتعقيد وتحتاج إلى وقت طويل‬ ‫‪-‬‬
‫وإلى جهاز ضريبي ضخم؛‬
‫الضرائب املباشرة ال تفرض‪ ،‬بالقياس إلى الضرائب غير املباشرة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫إال على عدد محدود من املمولين‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى انخفاض‬
‫حصيلة الضرائب املباشرة؛‬
‫الضرائب املباشرة ثقيلة العبء على املمول‪ ،‬وهو ما يدعوه إلى‬ ‫‪-‬‬
‫محاولة التهرب منها؛‬
‫يمكن أن تحد من االدخار واالستثمار في حالة فرضها على الفئات‬ ‫‪-‬‬
‫التي تتولى مهمة القيام بذلك‪ ،‬وخصوصا عندما ال تعوض الدولة‬
‫النقص فيهما من خالل إنفاق حصيلتها‪.‬‬

‫‪ .1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪242-241 .‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ .2‬الضرائب غيراملباشرة‪:‬‬
‫ينسب أنصار الضرائب غير املباشرة املزايا اآلتية لهذا النوع من‬
‫الضرائب‪1 :‬‬

‫‪ -‬ال يشعر املمول بعبئها لكونها تختفي في ثمن السلعة أو الخدمة‬


‫التي يشتريها‪ ،‬مما يحجب عنصر اإلكراه فيها ويخفف من ثقلها‬
‫على أنفس املمولين مما يقلل احتمال التهرب الضريبي منها؛‬
‫‪ -‬مرونة حصيلة هذه الضرائب‪ ،‬ألنها تتغير بشكل مباشر تبعا‬
‫لتغير األحوال االقتصادية‪ ،‬فهي تزيد في فترات الرخاء مع تزايد‬
‫حجم املعامالت‪ ،‬ويتحقق العكس في فترات الكساد؛‬
‫‪ -‬تمتاز الضرائب غير املباشرة بتدفق حصيلتها بصفة مستمرة‪،‬‬
‫لكون عمليات التداول واالنفاق تتم بشكل مستمر على مدار‬
‫السنة؛‬
‫‪ -‬تتصف هذه الضرائب بالغزارة في حصيلتها ألنها تفرض على‬
‫عمليات مختلفة كاالستهالك واإلنتاج واالستيراد والتصدير‬
‫والتداول‪ ،‬حيث يدفعها الجميع دونما تمييز بين غني وفقير؛‬
‫‪ -‬إمكانية نقل عبئها‪ ،‬وقد يكون هذا مقصودا من قبل املشرع من‬
‫أجل تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية؛‬
‫‪ -‬ال تتطلب إجراءات معقدة وطويلة وال تحتاج إلى جهاز إداري‬
‫ضخم من أجل ربطها وتحصيلها ومكافحة التهرب من دفعها؛‬

‫‪ .1‬أنظر في ذلك‪ - :‬عادل فليح العلي‪ ،‬مرجع سابق‪.264-263 ،‬‬


‫‪ -‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.185-182.‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ -‬يمكن أن تراعي العدالة في حالة فرضها حسب ضرورة السلعة‪،‬‬
‫بحيث يقل سعرها على السلع الضرورية التي تقتنيها الفئات األقل‬
‫دخال‪ ،‬في حين تفرض بسعر أعلى على السلع الكمالية التي تقتنيها‬
‫الفئات األعلى دخال؛‬
‫‪ -‬قد تساهم في خفض االستهالك ورفع االدخار واالستثمار‪،‬‬
‫وبالذات عند فرضها على االستهالك غير الضروري‪.‬‬
‫غير أنه وبالرغم من هذه املزايا فإنه يؤخذ على الضرائب غير‬
‫املباشرة عدة أمور‪1:‬‬

‫‪ -‬ال تتناسب الضرائب غير املباشرة مع املقدرة التكليفية للممول‪،‬‬


‫بل إنها تتجه إلى التناسب مع هذه املقدرة تناسبا عكسيا‪ ،‬وخاصة‬
‫إذا فرضت على السلع الضرورية بهدف تحقيق الوفرة في‬
‫الحصيلة؛‬
‫‪ -‬إذا كانت املرونة التي تتسم بها الضرائب غير املباشرة ميزة في فترات‬
‫االنتعاش االقتصادي‪ ،‬فإن حالة االنكماش وانخفاض حجم‬
‫املعامالت يستتبعه تقلص حصيلة هذا النوع من الضرائب؛‬
‫‪ -‬أنها أقل عدالة من الضرائب املباشرة لعدم إمكانية تطبيق‬
‫التصاعد فيها‪ ،‬وألن األقل دخال هم هم الذين يتحملون عبئها‬
‫بدرجة كبيرة نظرا الرتفاع ميلهم االستهالكي؛‬

‫‪ .1‬أنظر في ذلك‪ - :‬عادل فليح العلي‪ ،‬مرجع سابق‪.265-264 ،‬‬


‫‪ -‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.186 .‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ -‬أن من يدفعها قانونا قد ال يتحمل عبء دفعها فعليا في نهاية األمر‬
‫نظرا إلمكانية من يقوم بدفعها في نقل عبئها إلى اآلخرين؛‬
‫‪ -‬تستلزم جباية الضرائب غير املباشرة عدة إجراءات لتفادي‬
‫الغش‪ ،‬وهو ما قد يؤدي على إعاقة اإلنتاج وتداول الثروة‪1 .‬‬

‫يتبين مما سبق أن لكل من النوعين من الضرائب مزاياه وعيوبه‬


‫لكن الضرورة تطلب فرضهما معا‪ .‬فمزايا كل نوع منهما تعالج مساوئ‬
‫وعيوب النوع اآلخر‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تقسيمات الضرائب املباشرة والضرائب غيراملباشرة‪.‬‬
‫يمكن تقسيم الضرائب املباشـرة والضـرائب غير مباشرة وفق‬
‫التقسيمات التالية‪:‬‬
‫ن ً‬
‫‪ .1‬الضرائب املباشرة‪ :‬وهي الضرائب التي تقبل بطبيعتها أن تكو محال‬
‫ملراعاة مختلف الظروف الشخصية واالجتماعية لدافع الضريبة‪ 2‬وتقسم‬
‫الضرائب املباشرة إلى‪:‬‬
‫أ‪ .‬الضرائب على الدخل‪:‬‬
‫تحتل الضرائب على الدخل أهمية كبيرة في األنظمة الضريبية‬
‫الحديثة‪ ،‬لكونها تستوعب أوجه النشاط االقتصادي املختلفة‪ .‬ومن ثم‬
‫يمكن فرضها على كل الدخول التي تتحقق من العمل أو رأس املال‪.‬‬
‫فالضريبة على الدخل تعد من أهم الوسائل التي تسمح بتحديد املقدرة‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.244 .‬‬


‫‪ . 2‬صالح حسن كاظم‪" ،‬مكافحة التهرب الضريبي‪...‬ضرورة ملحة في الحد من الفساد"‪ ،‬قسم البحوث والدراسات‪ ،‬دائرة‬
‫الشؤون القانونية‪ .2010 ،‬ص ص‪.12-8 .‬‬

‫‪174‬‬
‫التكليفية للفرد‪ ،‬وبالتالي االقتطاع من دخله بما يناسب ظروفه‬
‫الشخصية‪ .‬باإلضافة إلى أنها تمثل مصدرا ثابتا ودائما لإليرادات العامة‬
‫للدولة‪ ،‬تستخدمها إلعادة توزيع الدخل القومي وتحقيق العدالة‬
‫االجتماعية وتقليل الفوارق بين الطبقات االجتماعية املختلفة‪1 .‬‬

‫ويتميز الدخل بالخصائص التالية‪2 :‬‬

‫‪ -‬الدورية واالنتظام‪ :‬إذ يتم الحصول على الدخل في مواعيد‬


‫محددة ومنتظمة‪ ،‬وهو ما يسمح للخزينة العمومية بالحصول‬
‫على موارد مستمرة ومستقرة؛‬
‫‪ -‬ثبات املصدر‪ :‬عادة ما يكون مصدر الدخل رأسماال أو عمال أو‬
‫هما معا‪ .‬وهذا ال يعني دوام املصدر‪ ،‬ولكن يعني استقراره‬
‫واستمراره ملدة طويلة‪.‬‬
‫وتنقسم الضرائب املباشرة على الدخل إلى‪3 :‬‬

‫‪ ‬الضرائب النوعية على فروع الدخل‪:‬‬


‫وهنا تفرض الضرائب على أساس مصدر كل دخل‪ .‬فالشخص‬
‫الواحد من املمكن أن يقوم بعدة أنشطة‪ ،‬وبالتالي تتعدد الضرائب‬
‫املفروضة عليه بحسب مصدر كل دخل‪ .‬فتفرض ضريبة على الدخل‬
‫الناتج من رأس املال العقاري (ملكية العقارات)‪ ،‬أو الدخل الناتج من راس‬
‫املال املنقول (ملكية األوراق املالية)‪ ،‬أو الدخل الناتج عن العمل (األجور‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.161-159 .‬‬
‫‪ .2‬عبد املجيد قدي‪ ،‬دراسات في علم الضرائب‪( ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ :‬دار جرير للنشر والتوزيع‪ ،)2011 ،‬ص‪.47.‬‬
‫‪ .3‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.161-159 .‬‬

‫‪175‬‬
‫واملرتبات‪ ،‬املهن الحرة)‪ ،‬أو الدخل الناتج عن العمل ورأس املال (األرباح‬
‫التجارية والصناعية)‪.‬‬
‫‪ ‬الضريبة العامة على الدخل‪:‬‬
‫ويقد بها الضريبة التي تفرض على مجموع الدخل املتحقق‬
‫للمكلف من مصادر متعددة‪ .‬وبالتالي يمكن معرفة مقدرته التكليفية‬
‫وحالته املالية التي ال يمكن التعرف عليها باتباع نظام الضرائب النوعية‬
‫على فروع الدخل‪.‬‬
‫واستنادا إلى ذلك‪ ،‬فلو كان الشخص يمتلك قطعة من األرض‪،‬‬
‫ويمارس نشاطا تجاريا ويمتلك أوراقا مالية‪ ،‬فإن الضريبة تفرض على‬
‫إجمالي الدخل الذي يحققه من تلك املصادر املختلفة‪.‬‬
‫ب‪ .‬الضرائب على رأس املال‪:‬‬
‫يعرف رأس املال بأنه‪ " :‬مجموع ما يمتلكه الشخص من أموال‬
‫عقارية أو منقولة في لحظة زمنية معينة‪ ،‬سواء كانت منتجة لدخل أو غير‬
‫منتجة"‪ .‬ويمكن التمييز بين عدة أنواع من رأس املال‪ :‬رؤوس األموال‬
‫العقارية (األراض ي واملنازل)‪ ،‬رؤوس األموال املنقولة (الديون واألوراق‬
‫املالية كاألسهم والسندات)‪ .‬كما أن هناك رؤوس أموال منتجة (العقارات‬
‫املبنية)‪ ،‬ورؤوس أموال غير منتجة (التحف واملجوهرات‪.)...‬‬
‫وجدير بالذكر‪ ،‬أنه يشترط أن يكون وعاء الضريبة هو رأس املال‬
‫أو الثروة ذاتها وليس الدخل الناتج عن رأس املال أو الثروة‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫وتنقسم الضرائب على رأس املال إلى نوعين‪1:‬‬

‫‪ ‬الضرائب على رأس املال التي تدفع من الدخل‪:‬‬


‫وهي ضرائب دورية متجددة‪ ،‬تفرض بنص من القانون‪ ،‬فيكون سعرها‬
‫منخفضا بحيث يستطيع املكلف أن يدفعها دون أن يضطر إلى اقتطاع‬
‫جزء من رأسماله ألداء الضريبة‪.‬‬
‫‪ ‬الضرائب العرضية على رأس املال‪:‬‬
‫وهي التي ينتفي فيها عنصر الدورية والتجدد‪ ،‬وتفرض بناء على نص‬
‫القانون‪ ،‬كما أن سعرها يكون مرتفعا بالصورة التي يضطر فيها املكلف إلى‬
‫التصرف في جزء من رأس املال ليتمكن من دفعها‪ ،‬باإلضافة إلى أنها تدفع‬
‫مرة واحدة في مناسبة معينة ومن أمثلتها‪ ،‬الضريبة على التركات‪.‬‬
‫‪ .2‬الضرائب غيراملباشرة‪:‬‬
‫تنقسم الضرائب غير املباشرة إلى‪:‬‬
‫أ‪ .‬الضرائب على تداول رأس املال‪:‬‬
‫قد تفرض الضرائب على التصرفات القانونية وعلى تداول األموال‪،‬‬
‫أي على العقود واملعامالت‪ ،‬وفي هذه الحالة تفرض الضريبة على القيمة‬
‫الكلية ملوضوع التعاقد‪ 2 .‬ومن أمثلتها‪3 :‬‬

‫‪ ‬ضريبة الدمغة‪:‬‬
‫تفرض هذه الضريبة على عملية تداول األموال وانتقالها من‬
‫شخص إلى آخر‪ ،‬ويتم ذلك عن طريق تحرير مستندات كالعقود أو‬
‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.170 .‬‬
‫‪ .2‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.284 .‬‬
‫‪ .3‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.194-181 .‬‬

‫‪177‬‬
‫الكمبياالت أو السندات اإلذنية‪ .‬وينظم القانون طريقة تحصيل هذه‬
‫الضريبة‪ ،‬إما بلصق طوابع دمغة على تلك املحررات‪ ،‬أو عن طريق دمغ‬
‫املحرر نفسه بواسطة ختم اإلدارة املختصة‪.‬‬
‫‪ ‬الضريبة على التسجيل‪:‬‬
‫ويطلق عليها مجازا‪ ،‬رسوم التوثيق أو التسجيل‪ ،‬والضريبة هنا‬
‫تستحق عند إثبات واقعة انتقال امللكية من شخص آلخر‪ ،‬أو عند توثيق‬
‫عقد امللكية‪ .‬وسعر الضريبة هنا غير ثابت‪ ،‬بل يختلف باختالف قيمة‬
‫املال موضوع التوثيق أو التسجيل‪.‬‬
‫ب‪ .‬ضرائب على االستهالك‪:‬‬
‫تفرض الضريبة هنا بصدد واقعة االستهالك أو إنفاق الفرد لدخله‬
‫للحصول على السلع والخدمات التي يحتاج إليها‪ .‬ويمكن تقسيم الضرائب‬
‫على االستهالك إلى قسمين‪1:‬‬

‫‪ ‬الضرائب النوعية على االستهالك‪:‬‬


‫ويقصد بها الضرائب التي تفرض على استهالك أنواع معينة من‬
‫السلع والخدمات‪ .‬فالدولة تقوم بفرض ضريبة غير مباشرة على قيام‬
‫الفرد بشراء بعض أنواع السلع والخدمات‪ ،‬إما بهدف تحقيق أغراض‬
‫مالية معينة تتمثل في الحصول على مورد غزير تعتمد عليه في تغطية‬
‫نفقاتها املتزايدة؛ أو بهدف تحقيق أغراض اجتماعية تتمثل في تجنب‬
‫استهالك سلع معينة كاملواد الكحولية والسجائر؛ أو لتحقيق أهداف‬
‫اقتصادية تتمثل في تشجيع استهالك سلع معينة (تشجيع املنتجات‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.182 -181 .‬‬

‫‪178‬‬
‫املحلية) أو العزوف عن استهالك سلع معينة‪ .‬ومثال الضرائب النوعية على‬
‫االستهالك‪ ،‬الضريبة على استهالك البنزين‪ ،‬السكر‪ ،‬البن و السنما‪ .‬ويثير‬
‫فرض هذا النوع من الضرائب نوعين من املشاكل‪ ،‬تتعلق أولهما باختيار‬
‫السلعة الخاضعة للضريبة (ضرورية‪ ،‬كمالية أو شائعة االستعمال)‪،‬‬
‫ويتعلق ثانيهما بأسلوب تحصيلها (ضريبة على اإلنتاج أو ضريبة جمركية)‪.‬‬
‫‪ ‬الضرائب العامة على االستهالك‪:‬‬
‫تفرض الضرائب العامة على االستهالك على مجموع السلع‬
‫والخدمات التي يستهلكها الفرد‪ .‬فتبدو كأنها ضريبة مفروضة على مجموع‬
‫االنفاق االستهالكي للفرد‪ .‬وهي ضريبة عينية ال تنظر إلى شخص املستهلك‪.‬‬
‫وهنا نشير إلى أن فرض الضريبة العامة على االستهالك ال يعني‬
‫إلغاء الضرائب النوعية‪ ،‬السالفة الذكر‪ ،‬كما تتخذ الضريبة على‬
‫االستهالك صورا متعددة أهمها‪ :‬الضريبة على املبيعات‪ ،‬الضريبة على‬
‫املشتريات‪ ،‬الضريبة على رقم األعمال‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تقديرالوعاء الضريبي‪.‬‬
‫بعد تحديد وعاء الضريبة ولكي يتم تحديد املبلغ الذي يجب على‬
‫املكلف دفعه (بعد معرفة سعر الضريبة) يجب أوال التأكد من أن‬
‫الو اقعة املنشئة للضريبة قد تحققت‪ ،‬أي أن دين الضريبة ال يتحقق‬
‫بذمة شخص ما ملجرد صدور قانون الضريبة‪ ،‬وإنما يتطلب األمر تحقق‬
‫الواقعة املنشئة للضريبة والتي تتمثل بحصول الدخل في نهاية السنة‬
‫املالية بالنسبة لضريبة الدخل‪ ،‬وتملك رأس املال الخاضع للضريبة‬

‫‪179‬‬
‫بالنسبة للضريبة على رأس املال‪ ،‬وعبور السلعة للحدود بالنسبة للضريبة‬
‫الجمركية‪1 .‬‬

‫إن تحديد مقدار الضريبة يتطلب الوصول إلى تقدير حقيقي‬


‫للمادة الخاضعة للضريبة‪ ،‬ويميـز في هذا املجال طريقتين أساسيتين‬
‫لتقدير وعاء الضريبة؛ الطريقة غير املباشرة والطريقة املباشرة كاآلتي‪2:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الطريقة غيراملباشرة‪.‬‬


‫وهذه الطريقة تعتمد إما على طريقة املظاهر الخارجية أو طريقـة التقـدير‬
‫الجزافي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬طريقة املظاهرالخارجية‪.‬‬
‫وطبقا لها يتم تقدير قيمة املادة الخاضعة للضريبة باالعتماد على‬
‫بعض املظاهر الخارجية املعبرة عن ثروة املكلف مثل‪ ،‬عدد الخدم‪ ،‬إيجـار‬
‫املنـزل‪ ،‬عـدد السيارات ‪...‬الخ‪ .‬وبالرغم من وضوح وبساطة هذه الطريقة إال‬
‫أنها قد ال تعبر عن القدرة التكليفية لألشخاص‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬طريقة التقديرالجزافي‪.‬‬
‫تقدر قيمة املادة الخاضعة للضريبة تقديرا جزافيـا علـى أسـاس‬
‫االعتماد على بعض الدالئل أو القرائن التي يحددها املشرع الضريبي املعبرة‬
‫على مقـدار دخل املكلف كقيمة إيجار املصنع وعدد العمال‪ ،‬وهذه‬
‫الطريقة ال تعـبر عـن املقـدرة الحقيقية للمكلف‪.‬‬

‫‪ .1‬عادل فليح العلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪282 .‬‬


‫‪ .2‬محمد خالد املهايني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.53-52:‬‬

‫‪180‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الطريقة املباشرة‪.‬‬
‫وتعتمد على طريقة اإلقرار أو على طريقة التحديد اإلداري‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أسلوب اإلقرار‪.‬‬
‫وهي إجبار املكلف بأداء الضريبة وذلك بتقديم إقرار يبين فيه‬
‫مقدار وعـاء الضـريبة بصورة مفصلة‪ ،‬وتقوم اإلدارة الضريبية بالتأكد من‬
‫صحة ما يحتويه اإلقرار من املعلومات باالطالع على سجالت املكلف‪،‬‬
‫ودفاتره التجارية أو أية أوراق أخرى تمكن من الوصول إلى الحقيقة‬
‫وتفاديا ألي غش‪.‬‬
‫كما قد يلزم املشرع أشخاصا آخرين غير املكلفين بالضريبة‬
‫لتقديم إقرار يستخدم لتحديد مقدار الضريبة املفروضة على املكلف ومن‬
‫أمثلة ذلك إلزام صاحب العمل بتقديم إقرارات دورية عن املرتبات واألجور‬
‫التي يتقاضاها العاملون لديه لغرض تقدير الضريبة على األجور واملرتبات‬
‫وغالبا ما يتم استقطاع هذه الضريبة عند املنبع‪1.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أسلوب التحديد اإلداري املباشر‪.‬‬


‫تتبع اإلدارة الضريبية هذه الطريقـة لتحديـد وعـاء الضريبة في‬
‫حالة امتناع املكلف تقديم اإلقرار املطلوب منه في الوقت املحدد وبذلك‬
‫يصبح لإلدارة الضريبية الحرية الواسعة في التقدير وهي ال تلجأ إلى هذه‬
‫الطريقة إال في الحاالت االستثنائية (في حالة عدم تقديم اإلقرار)‪.‬‬

‫‪ .1‬عادل فليح العلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.289 .‬‬

‫‪181‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬تحديد سعرالضريبة‪.‬‬
‫بعد تقدير وعاء الضريبة ال بد من تحديد مقدار الضريبة‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أخرى يتطلب األمر تحديد ما يمكن استقطاعه من ذلك الوعاء‬
‫كضريبة وهو ما يعرف بسعر الضريبة والذي يمكن تعريفه بأنه‪" :‬نسبة‬
‫الضريبة إلى وعائها"‪ .‬وقد مر سعر الضريبة تاريخيا بمرحلتين هما‪1 :‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الضريبة التوزيعية‪.‬‬


‫يقصد بها تلك الضريبة التي تحدد الدولة فيها إجمالي املبلغ الذي‬
‫تريد تحصيله من األفراد مقدما ثم يتم بعد ذلك توزيعه جغرافيا على‬
‫أساس نصيب كل إقليم من أقاليم الدولة من هذه الضريبة‪ ،‬ثم يتم بعد‬
‫ذلك توزيعه اقتصاديا على أساس نصيب كل فرد من أفراد تلك األقاليم‬
‫من الضريبة والذي يتم على أساس املقدرة االقتصادية لألفراد وقدرة كل‬
‫واحد منهم على الدفع‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس ال يعرف سعر الضريبة مسبقا‪ ،‬وال يكون إال‬
‫بمعرفة نصيب كل ممول منها‪ ،‬ونسبة هذا النصيب إلى القيمة االجمالية‬
‫للمادة الخاضعة للضريبة‪2 .‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الضريبة القياسية (التحديدية)‪.‬‬


‫وهي تلك التي يحدد فيها املشرع الضريبي سعر الضريبة مقدما‬
‫دون أن يحدد حصيلتها في تلك اللحظة‪ ،‬ولكن ذلك ال يمنع اإلدارة املالية‬
‫في بداية كل عام‪ ،‬وبما يتوفر لديها من عناصر مختلفة بتقدير حصيلة‬

‫‪ .1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.269 .‬‬


‫‪ .2‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37.‬‬

‫‪182‬‬
‫الضريبة على وجه التقريب‪ .‬وتتحدد تلك الضريبة في شكل نسبة معينة‬
‫من قيمة املادة الخاضعة للضريبة أو في شكل مبلغ معين عن كل وحدة من‬
‫وحدات تلك املادة‪.‬‬
‫ويالحظ أن تقسيم الضرائب إلى توزيعية أو قياسية إنما يخص‬
‫الضرائب املباشرة‪ ،‬أما الضرائب غير املباشرة فال يمكن أن تكون إال‬
‫قياسية‪ .‬والضريبة القياسية قد تكون نسبية أو تصاعدية أو تنازلية‪:‬‬
‫‪ .1‬الضريبة النسبية‪ :‬وفيها يكون سعر الضريبة ثابتا مهما تغير وعاء‬
‫الضريبة‪ ،‬كأن تفرض ضريبة على الدخل بسعر ‪ %10‬وهذا‬
‫السعر يبقى ثابتا وينطبق على جميع الدخول صغيرها وكبيرها‪.‬‬
‫إن مؤيدي الضريبة النسبية يبررونها بما تتميز به من بساطة‪ ،‬إذ‬
‫تفرض بسعر واحد‪ ،‬ومن حيث تحقيق مبدأ العدالة فهي تعامل املكلفين‬
‫معاملة واحدة وال تهدد الثروات والدخول‪ ،‬كما ال تؤثر كثيرا في النشاط‬
‫االقتصادي‪ .‬وفي املقابل وجهت للضريبة النسبية عدة انتقادات نوجزها‬
‫فيما يلي‪1:‬‬

‫‪ -‬مبدأ العدالة الذي نادى به أنصار الضريبة النسبية ليس حقيقيا‬


‫فهي ال تحقق للمكلفين إال مساواة حسابية وعدالة ظاهرية‪،‬‬
‫فالعدالة ال تقوم فقط على املساواة املطلقة في التضحية‪.‬‬

‫‪ . 1‬يسري مهدي حسن السامرائي‪ ،‬زهرة خضير عباس العبيدي‪" ،‬تحليل أثر التغيرات في األسعار الضريبية على‬
‫الحصيلة الضريبية في النظام الضريبي العراقي للمدة (‪ ،)2010-1995‬مجلة جامعة االنبار للعلوم االقتصادية‬
‫واإلدارية‪ ،‬املجلد ‪ ،5‬العدد ‪ ،2013 ،10‬ص‪.29 .‬‬

‫‪183‬‬
‫فإذا افترضنا أن دخل أحد املكلفين ‪600000‬دينار وهي موزعة على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬من ‪ 1‬إلى ‪ 200000‬لسد النفقات الضرورية (مأكل‪ ،‬مشرب‬
‫وملبس‪.)....‬‬
‫‪ -‬من ‪ 400000-200000‬للحاجات شبه الضرورية‪.‬‬
‫‪ -‬من ‪ 500000 -400000‬للحاجات الكمالية‪.‬‬
‫‪ -‬من ‪ 600000 – 500000‬للتوفير واالدخار‪.‬‬

‫ولو كانت الضريبة النسبية هي ‪ %20‬لكان مقدار الضريبة‬


‫‪ 120000‬دينار‪ ،‬وهاذ املبلغ موزع على حاجات املكلف‪ .‬ونفرض أن مكلفا‬
‫ثانيا دخله السنوي (‪ )600000‬دينار ولكنه يستعمله بكامله لتامين‬
‫حاجاته الضرورية فإن مقدار ‪ 120000‬دينار تستقطع من النفقات‬
‫الضرورية للمكلف الثاني‪ .‬ومن هنا كانت العدالة ظاهرية في الحصيلة‬
‫الضريبية النسبية‪.‬‬
‫أما بالنسبة ملا نسب للضريبة النسبية من السهولة وعدم التعقيد‬
‫فيمكن قبولها فقط إذا لم تتعارض تلك الضريبة مع اعتبارات العدالة‪.‬‬
‫كما أن حصيلة الضريبة النسبية قليلة‪ ،‬إذ لو أخذنا في االعتبار ضرورة‬
‫ارتكاز الضريبة على املقدرة التكليفية الحقيقية للمكلف‪ ،‬ألمكن الحصول‬
‫على مقدار أكبر من الضريبة (دون تغير في مستوى دخول األفراد)‪.‬‬
‫‪ .2‬الضريبة التصاعدية‪ :‬وهي تلك الضريبة التي يتغير سعرها تبعا‬
‫لتغير وعاء الضريبة‪ ،‬أي بتغير املادة الخاضعة للضريبة‪ ،‬فيرتفع‬

‫‪184‬‬
‫سعر الضريبة كلما ازداد وعائها‪ ،‬أي أن هناك عالقة طردية بين‬
‫سعر الضريبة ووعائها‪ ،‬مثال‪ :‬فرض ضريبة على الدخل بسعر‬
‫‪ %10‬على املائة دينار األولى‪ %12 ،‬على املائة دينار الثانية‪%10 ،‬‬
‫على املائة دينار الثالثة وهكذا‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الضرائب التصاعدية هو نظام يتسم ببعض‬
‫التعقيد إال أنه يحقق الكثير من املزايا في نواحي متعددة‪1 :‬‬

‫‪ -‬من ناحية قاعدة العدالة الضريبية‪ :‬نظام الضرائب التصاعدية‬


‫عموما‪ ،‬هو الذي يؤدي إلى توزيع أكثر مساواة للدخل بين االفراد‪،‬‬
‫فهي األداة األساسية لتحقيق العدالة الضريبية؛‬
‫‪ -‬من ناحية الحصيلة الضريبية‪ :‬يساعد نظام الضرائب‬
‫التصاعدية على تحقيق حصيلة ضريبية أكبر من نظام الضرائب‬
‫النسبية‪ ،‬ألنه يسمح بفرض الضرائب بأسعار مرتفعة على‬
‫املمولين األثرياء ذوي الدخول املرتفعة ال يتحملها املمولون ذوي‬
‫الدخول اليسيرة‪.‬‬
‫‪ -‬من الناحية االقتصادية‪ :‬فالضريبة التصاعدية تساعد على‬
‫عدم تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة من الناس (األثرياء)‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى يعاب على الضريبة التصاعدية أنها تعرقل تكوين‬
‫االدخار عند الطبقة ذات الدخل املرتفع‪ ،‬ومن املعروف أن هذه الطبقة‬
‫تتوفر لديها إمكانيات لالدخار وبالتالي لالستثمار‪ .‬لذلك ينبغي على‬

‫‪ .1‬يسري مهدي حسن السامرائي‪ ،‬زهرة خضير عباس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.32-30.‬‬

‫‪185‬‬
‫الضريبة التصاعدية حتى ال تعرض رأس املال القومي للخطر أن يتم‬
‫تخصيصها إلجراء االستثمارات العامة‪ .‬فإذا خصصت حصيلتها لتغطية‬
‫النفقات الجارية للدولة‪ ،‬فإن األثر الضار للضريبة التصاعدية سيكون‬
‫واضحا‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة إلى أن الضريبة التصاعدية قد تهدد الثروات‬
‫والدخول عند تطبيقها‪ ،‬حيث تؤدي إلى خفض االدخار واالضرار‬
‫بالصناعة وهروب رؤوس األموال إلى الخارج‪ ،‬إال أن هذه اآلثار السلبية‬
‫تتوقف على مجرى النشاط االقتصادي وعلى شدة التصاعد‪.‬‬
‫إن من أساليب تطبيق التصاعد في التشريعات الضريبية وأكثرها‬
‫شيوعا هي‪1 :‬‬

‫‪ ‬التصاعد بالطبقات‪ :‬يقسم املكلفين إلى طبقات معينة بحسب ما‬


‫يملكونه من عناصر خاضعة للضريبة‪ ،‬ويسري على كل طبقة‬
‫سعر معين‪.‬‬

‫الجدول (‪ :)1‬التصاعد بالطبقات‬


‫سعر الضريبة‬ ‫تقسيم الطبقات‬ ‫الطبقة‬
‫‪-‬‬ ‫الدخل الذي ال يتجاوز ‪ 1000‬دينار يعفى من الضريبة‬ ‫‪1‬‬
‫‪%5‬‬ ‫الدخل الذي يزيد عن ‪ 2000‬وال يتجاوز ‪ 3000‬دينار‬ ‫‪2‬‬
‫‪%10‬‬ ‫الدخل الذي يزيد عن ‪ 3000‬وال يتجاوز ‪ 6000‬دينار‬ ‫‪3‬‬
‫‪%20‬‬ ‫الدخل الذي يزيد عن ‪ 6000‬وال يتجاوز ‪ 9000‬دينار‬ ‫‪4‬‬
‫‪%30‬‬ ‫ما يتجاوز ‪9000‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ .1‬يسري مهدي حسن السامرائي‪ ،‬زهرة خضير عباس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33.‬‬

‫‪186‬‬
‫ما يالحظ على هذا األسلوب هو أن معدل الضريبة يزداد كلما زاد‬
‫دخل املكلف ويدخل في طبقة أعلى‪ .‬لكن ورغم ما يميز هذه الطريقة من‬
‫بساطة إال أن فيها عيبا جوهريا‪ ،‬ألن صاحب الدخل قد يلحق به الضرر‬
‫أحيانا بسبب زيادة بسيطة جدا في دخله‪1 .‬‬

‫‪ ‬أسلوب التصاعد بالشرائح‪ :‬هذا األسلوب هو أقرب إلى العدالة‪،‬‬


‫وهو يعتمد طريقة تقسيم العناصر الخاضعة للضريبة إلى أجزاء‬
‫أو شرائح يطبق على كل منها سعر معين يرتفع باالنتقال من‬
‫شريحة إلى أخرى‪ .‬فال تطبق الضريبة على الدخل كله بمعدل‬
‫واحد‪ ،‬وإنما تطبق عليه بمعدالت طبقا لشرائح املادة الخاضعة‬
‫للضريبة‪ 2.‬وبذلك يخضع الدخل الواحد لعدة أسعار بقدر ما‬
‫يحتويه من شرائح‪ .‬ويعتبر التصاعد بالشرائح من أكثر األساليب‬
‫املستخدمة في تطبيق الضريبة‪.‬‬
‫الجدول (‪ :)2‬التصاعد بالشرائح‬

‫سعر الضريبة‬ ‫تقسيم الطبقات‬ ‫الطبقة‬


‫‪-‬‬ ‫‪ 1000‬دينار األولى تعفى من الضريبة‬ ‫‪1‬‬
‫‪%5‬‬ ‫‪ 1000‬دينار الثانية‬ ‫‪2‬‬
‫‪%10‬‬ ‫‪ 1000‬دينار الثالثة‬ ‫‪3‬‬
‫‪%15‬‬ ‫‪ 1000‬دينار الرابعة‬ ‫‪4‬‬

‫‪ .1‬خالد علي‪ ،‬عمر غنام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5 .‬‬


‫‪ .2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪6 .‬‬

‫‪187‬‬
‫‪ .3‬السعر التنازلي‪ :‬وهو ذلك السعر الذي يتناقص تبعا لتزايد وعاء‬
‫الضريبة‪ ،‬أي أن السعر التنازلي هو معكوس السعر التصاعدي‪.‬‬

‫الجدول (‪ :)3‬التصاعد بالشرائح‬


‫سعر الضريبة‬ ‫تقسيم الطبقات‬ ‫الطبقة‬
‫‪%10-‬‬ ‫‪ 3000‬دينار األولى تفرض عليها ضريبة قدرها‬ ‫‪1‬‬
‫‪%8‬‬ ‫‪ 3000‬دينار الثانية تفرض عليها ضريبة قدرها‬ ‫‪2‬‬
‫‪%6‬‬ ‫‪ 3000‬دينار الثالثة تفرض عليها ضريبة قدرها‬ ‫‪3‬‬
‫أما بالنسبة لتبرير دافع استخدام الضريبة التنازلية جاء من‬
‫الناحية النفسية‪ ،‬حيث أن الضريبة التصاعدية باعثها األساس ي هو‬
‫التشديد على األغنياء‪ ،‬والضريبة التنازلية هو التخفيف على الفقراء‪1 .‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬ربط وتحصيل الضريبة‪.‬‬


‫يقصد بربط الضريبة احتساب قيمتها املستحقة للضريبة إما من‬
‫خالل الضرائب النسبية أو التصاعدية أو التنازلية‪ 2 .‬وبعبارة أخرى نعني‬
‫بربط الضريبة تحديد دين الضريبة‪ ،‬أي تحديد املبلغ الذي يتعين على‬
‫املكلف دفعه‪ ،‬وذلك بعد التأكد من أن كافة شروط فرض الضريبة تنطبق‬
‫على شخص هذا املكلف بالتحديد والتي تتمثل أساسا في تحقق الواقعة‬
‫املنشئة للضريبة‪ ،‬حصر املادة الخاضعة للضريبة وتحديد مقدارها‬
‫وقيمتها‪ ،‬النظر فيما إذا كانت هذه املادة ستخضع ألية إعفاءات أو‬

‫‪ .1‬يسري مهدي حسن السامرائي‪ ،‬زهرة خضير عباس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 34.‬‬
‫‪ .2‬محمود حسين الوادي‪" ،‬مبادئ املالية العامة‪( ،‬عمان‪ :‬دار املسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪.79 ،)2010 ،‬‬

‫‪188‬‬
‫خصومات‪ ،‬تحديد سعر الضريبة على ما تبقى من املادة الخاضعة‬
‫للضريبة‪ .‬وهنا فقط يتم ربط الضريبة وتصبح واجبة التحصيل‪.‬‬
‫ونعني بتحصيل الضريبة مجموعة العمليات واإلجراءات التي‬
‫تؤدي إلى نقل دين الضريبة من ذمة املكلف إلى الخزينة العامة وفقا‬
‫للقواعد القانونية‪ 1.‬وتتبع اإلدارة الضريبية طرقا مختلفة لتحصيل‬
‫الضرائب بحيث تختار لكل ضريبة الطريقة املناسبة لها‪ ،‬بحيث تحقق كال‬
‫من االقتصاد في نفقات الجباية وفي تحديد املوعد املالئم ألداء الضريبة‪.‬‬
‫وأهم الطرق املستخدمة ما يلي‪2 :‬‬

‫أوال‪ :‬التوريد املباشر‪.‬‬


‫وذلك بقيام املمول بسداد قيمة الضريبة املستحقة عليه مباشرة‬
‫إلى اإلدارة من واقع اإلقرار عن دخله أو ثروته‪ ،‬أو بعد إتمام الربط النهائي‬
‫للضريبة وصدور قرار الربط الخاص بذلك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬األقساط املقدمة‪.‬‬
‫وهنا يقدم املمول أقساط دورية خالل السنة السابقة على أن تتم‬
‫التسوية النهائية للضريبة بعد ربطها‪ ،‬بحيث يسترد املمول ما قد يزيد عن‬
‫قيمة الضريبة املربوطة أو يدفع ما يقل عنها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الحجزمن املنبع‪.‬‬
‫وهو أن تلتزم اإلدارة شخصا ثالثا له عالقة باملمول الحقيقي بأن‬
‫يحجز قيمة الضريبة املستحقة على املمول وتوريدها رأسا إلى الخزينة‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.206 .‬‬


‫‪ .2‬محمود حسين الوادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.79 .‬‬

‫‪189‬‬
‫العامة‪ ،‬كما هو الحال في ضريبة الدخل للموظفين‪ ،‬حيث تقوم إدارة‬
‫املنشأة باقتطاع الضريبة للخزينة مباشرة‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اآلثاراالقتصادية للضرائب‪.‬‬
‫وفقا لطبيعة الهيكل االقتصادي واالجتماعي والسياس ي السائد في‬
‫املجتمع‪ ،‬فإن الهدف من النظام الضريبي هو تحقيق أهداف الدولة سواء‬
‫كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية‪ .‬وتكاد تكون األهداف عاملية في‬
‫كل من اقتصادات الدول املتقدمة أو النامية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن جوهر‬
‫وخصائص تلك الدول‪ ،‬وكذلك حالة النمو والتطور التي هي عليها‪ ،‬لها‬
‫األسبقية في تلك األهداف‪.‬‬
‫وتبرز الدول الصناعية املتقدمة ألن لديها جهاز تصنيع كبير ودخل‬
‫قومي مرتفع‪ ،‬ولهذا فإن التحدي الذي تواجهه هذه البلدان هو معرفة‬
‫كيفية تشغيل مثل هذا الجهاز الكبير مع الحفاظ على التوازن والعمالة‬
‫الكاملة‪ ،‬وبالتالي تهدف أنظمتها الضريبية إلى تحقيق أهداف التوظيف‬
‫الكامل والتوازن االقتصادي‪ .‬بينما يسعى الهيكل الضريبي في البلدان‬
‫النامية ذات الدخل القومي املنخفض ومستويات املعيشة املنخفضة‬
‫ومعدالت االدخار املنخفضة الالزمة لالستثمار إلى توفير املوارد الالزمة‬
‫ً‬
‫للتنمية مع محاولة تحقيق هدف إعادة توزيع الدخل بشكل أكثر إنصافا‬
‫والحد من عدم املساواة‪1 .‬‬

‫‪ .1‬محمد عبد صالح‪ ،‬محاضرات مادة اقتصاديات الضرائب‪ ،‬املرحلة الثالثة‪ ،‬قسم إدارة االستثمار واملوارد‪ ،‬كلية‬
‫اقتصاديات األعمال‪ ،‬جامعة النهرين‪ ،‬بغداد‪ ،‬سنة‪ ،2020‬ص‪.5‬‬

‫‪190‬‬
‫كما يمكن أيضا أن نلمس في دراسة اآلثار االقتصادية للضرائب‬
‫منهجين‪1 :‬‬

‫األول‪ :‬يوسع من هذه اآلثار بحيث يجعلها تشمل آثار الضريبة وآثار‬
‫االنفاق العام‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يضيق من هذه اآلثار بحيث يقصرها على آثارها الضريبية‬
‫بمفردها‪.‬‬
‫وال شك أنه عندما يجري فرض ضريبة معينة‪ ،‬فإن أثرها األول‬
‫يقع على املكلف‪ ،‬سواء بصفته مالكا ألصل من األصول‪ ،‬أو دخال‪ ،‬أو‬
‫مشتريا لسلعة أو خدمة‪ .‬وقد يقف أثر الضريبة عند هذه الحدود‪ ،‬أو‬
‫يتمكن املكلف من نقلها للغير‪ .‬وفي جميع الحاالت تؤثر الضريبة بعد‬
‫استقرارها في القوة الشرائية للمكلف الذي دفعها‪ ،‬حيث تخفض من‬
‫دخله املمكن التصرف فيه مع ما يترتب على هذا من ردود فعل من املعنيين‬
‫باألمر (منتجين أو مستهلكين)‪ ،‬مما ينقلنا إلى قضايا أكثر عمومية تتعلق‬
‫بانعكاسات ذلك على اإلنتاج والتوزيع في االقتصاد القومي‪.‬‬
‫وبشكل عام يسعى النظام الضريبي إلى تحقيق األهداف‬
‫والوظائف التي تبرز مكانته في النشاط االقتصادي للدولة من خالل ما‬
‫يلي‪2:‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.153 .‬‬


‫‪ .2‬محمد عبد صالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 5‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫املطلب األول‪ :‬دورالنظام الضريبي في التمويل وتعبئة املوارد املالية‪.‬‬
‫يتمثل الدور التمويلي بتعبئة املوارد املالية وتوجيهها نحو‬
‫االستثمارات املنتجة‪ ،‬ويعتبر هذا الدور من األدوار املهمة التي يمارسها‬
‫النظام الضريبي في الدول املتقدمة والنامية‪ ،‬ويختلف الدور التمويلي‬
‫الذي يؤديه النظام الضريبي من دولة ألخرى حيث ال يحظى هذا الدور‬
‫باألولوية في الدول املتقدمة لوجود مصادر أخرى للتمويل وفي مقدمتها‬
‫االدخارات املحلية الكبيرة‪ ،‬لكن هذا الدور ُيعد في مقدمة الوظائف التي‬
‫يمارسها النظام الضريبي في البلدان النامية من أجل تعبئة املوارد املالية‬
‫لتمويل االستثمارات املنتجة‪ ،‬حيث تعاني هذه البلدان من انخفاض‬
‫االدخارات املحلية وانخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع امليل الحدي‬
‫لالستهالك‪.‬‬
‫ويمكن القول إن الضرائب هي أفضل الوسائل التي يمكن أن‬
‫تستخدم لتمويل عملية التنمية االقتصادية دون أن تثير مشاكل‬
‫اقتصادية واجتماعية وسياسية في البلدان النامية‪ ،‬ولكي يحقق النظام‬
‫الضريبي هذا الدور البد أن يبحث عن الزيادة في الفائض االقتصادي التي‬
‫تنشأ نتيجة لعملية التنمية االقتصادية ويعمل على تعبئتها وتوجيهها نحو‬
‫االستثمار املنتج دون املساس أو التأثير في االدخارات‪ .‬كما يمكن القول إن‬
‫دور النظام الضريبي في تعبئة املوارد يتوقف على فاعلية كل من الضرائب‬
‫ُ‬
‫املباشرة والضرائب غير املباشرة‪ ،‬حيث تفرض الضرائب املباشرة على‬
‫الدخول الكبيرة الناتجة عن امللكية (األرض الزراعية‪ ،‬العقارات) وهذا‬
‫يعني استقطاع جزء كبير من هذه الدخول يتجه لتحقيق الفائض‬

‫‪192‬‬
‫االقتصادي‪ ،‬وهذا االستقطاع يتم عن طريق فرض ضريبة تصاعدية‬
‫تكون أكثر تحقيقا" ملبدأ العدالة الضريبية" وبما يؤدي إلى إعفاء أصحاب‬
‫الدخول املنخفضة من الضريبة‪ ،‬وبذلك يكون عبء الضريبة املباشرة‬
‫أكبر بالنسبة للطبقات الغنية‪ ،‬أما الضرائب غير املباشرة فإن دورها في‬
‫تعبئة الفائض االقتصادي ينحصر في حدود فرضها على السلع الكمالية‬
‫التي تستهلكها الفئات الغنية ذات الدخل املرتفع‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬دور النظام الضريبي في تحقيق االستقرار والتوازن‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫ال يقتصر دور النظام الضريبي في إطار دعم عملية النمو‬
‫االقتصادي وتسريع وتائر نموه في تعبئة املوارد املالية لتمويل االستثمارات‬
‫املنتجة فقط وانما يمارس ايضا دورا مهما في تحقيق التوازن واالستقرار‬
‫االقتصادي الذي يعبر عن قدرة االقتصاد القومي على مواجهة حاالت‬
‫التقلبات الدورية وغير الدورية التي يشهدها النشاط االقتصادي خالل‬
‫فترات زمنية معينة‪ ،‬والتي غالبا ما تتباين بين حاالت الكساد وحاالت‬
‫التضخم املفرط‪ ،‬وتستلزم قيام السياسة املالية باتخاذ اجراءات تستطيع‬
‫من خاللها التقليل والحد من حجم هذه التقلبات وتخفيف األزمات‪.‬‬
‫وهناك نوعين من السياسات املالية املعروفة لتحقيق االستقرار‬
‫االقتصادي ومواجهة االختالل والتي يمكن التعبير عنها من خالل سياسة‬
‫مالية توسعية‪ ،‬وتتضمن إجراءين هما‪:‬‬
‫‪ -‬تخفيض الضرائب من حيث املعدل‪ :‬وهذا ما يزيد من‬
‫متوسط الدخل الفردي القابل للتصرف ويشجع على زيادة‬

‫‪193‬‬
‫االنفاق الخاص (االستهالكي واالستثماري) ويقلل من الضغط‬
‫على مستويات األسعار‪ ،‬وبالتالي يحفز النشاط االقتصادي‬
‫بشكل عام‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة االنفاق الحكومي‪ :‬وهذا يساهم مباشرة في رفع الطلب‬
‫الكلي ويضمن مستويات معينة للعاطلين عن العمل‪.‬‬
‫أو سياسة مالية انكماشية‪ ،‬وتتضمن إجراءين هما‪:‬‬
‫‪ ‬زيادة الضرائب‪ :‬لتقليل الدخل القابل للتصرف وبالتالي‬
‫انخفاض الطلب على السلع وانخفاض مستوى األسعار‪.‬‬
‫‪ ‬تخفيض االنفاق الحكومي‪ :‬وذلك لتقليل الطلب الكلي‬
‫باعتبار أن االنفاق الحكومي جزء مهم من الطلب في‬
‫اسواق السلع والخدمات‪.‬‬
‫وتجدر االشارة الى أنه حتى لو كانت السياسة املالية فعالة فإنها‬
‫قد ال تكون محققه لالستقرار االقتصادي بشكل كامل ولذلك البد أن‬
‫يكون هنالك تناسق بينها وبين السياسة النقدية لتحقيق االستقرار‬
‫االقتصادي بسبب الدور املشترك بينها في هذا اإلطار حيث تستخدم كل‬
‫من السياسة الضريبية والسياسة النقدية في الحد من الضغوط‬
‫ً‬
‫التضخمية وكذلك في تفادي حالة الركود واالنكماش تالفيا لحدوث‬
‫األزمات‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬دورالنظام الضريبي في إعادة توزيع الدخل القومي‪.‬‬
‫تعد عملية إعادة توزيع الدخول والثروات بين أفراد املجتمع من‬
‫الوظائف األساسية التي البد أن يؤديها النظام الضريبي كونها تهدف الى رفع‬
‫مستوى نصيب الفرد من الدخل القومي‪ ،‬ويمكن القول إن ظاهرة التفاوت‬
‫في الدخول والثروات مالزمة لطبيعة ونمط التوزيع السائد في املجتمع‬

‫‪194‬‬
‫ومرتبط بطبيعة البنية السياسية والفلسفة االجتماعية التي يتميز بها‬
‫النظام السياس ي واالقتصادي السائد في االقتصاديات الرأسمالية‬
‫القائمة على أساس امللكية الخاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وتركز هذه امللكية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بيد قلة من أفراد املجتمع وتتفاوت طبقاته تفاوتا شديدا مما يدعو الى‬
‫املطالبة بتحقيق نوع من العدالة في التوزيع والتخفيف من حدة التفاوت‬
‫في الدخول والثروات‪.‬‬
‫والنظام الضريبي يمارس دوره في عملية إعادة توزيع الدخل‬
‫القومي عن طريق تأثيره في الدخول النقدية املتاحة لدى األفراد‪ ،‬أي في‬
‫أسعار عوامل االنتاج أو من الدخول الحقيقية عن طريق تأثيره في أسعار‬
‫املنتجات‪ ،‬فالضرائب املباشرة تنتج آثارها التوزيعية من خالل تأثيرها في‬
‫الدخول النقدية‪ ،‬بينما الضرائب غير املباشرة تنتج آثارها من خالل التأثير‬
‫في أسعار املنتجات‪ .‬كما يمكن القول إن دور النظام الضريبي في إعادة‬
‫ً‬
‫توزيع الدخل يعتمد أيضا على نوع الضرائب ومعدالتها‪ ،‬ففي استخدام‬
‫الضرائب التصاعدية إذا انفقت الدولة حصيلة الضرائب املتأتية من‬
‫أصحاب الدخول املرتفعة في صورة نفقات تحويلية يستفيد منها أصحاب‬
‫الدخول املنخفضة أكثر من غيرها‪ ،‬وذلك يقلل من درجة التفاوت ويساهم‬
‫في إعادة توزيع الدخول بين االفراد‪1.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬أثرالضرائب في االستهالك واالدخار‪.‬‬


‫تؤثر الضرائب املفروضة على دخول املكلفين‪ ،‬بعد أن يستقر‬
‫العبء الضريب على السلع والخدمات التي يستهلكونها من خالل تأثيرها‬
‫على األثمان‪ ،‬حيث تقلص من هذه الدخول‪ ،‬مما يدفع أصحابها إلى‬
‫التضحية ببعض السلع والخدمات‪ ،‬وخاصة الكمالية‪ ،‬فيقل الطلب‬

‫‪ .1‬عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.230-229:‬‬

‫‪195‬‬
‫عليها‪ ،‬وتتجه أثمانها نحو االنخفاض‪ .‬غير أن الطلب على السلع ال يكون‬
‫بنسبة واحدة‪ ،‬وإنما يتفاوت من سلعة إلى أخرى تبعا لدرجة الطلب عليها‪.‬‬
‫فالسلع ذات الطلب املرن يتأثر استهالكها نتيجة الضرائب أكثر من السلع‬
‫ذات الطلب غير املرن التي ال يستطيع املكلفون االستغناء عنها إال في حدود‬
‫ضيقة‪ .‬كما أن مدى تأثر استهالك السلع بالضرائب يتوقف على درجة‬
‫مرونة طلب الطبقات التي تقع عليها الضريبة‪ ،‬فالضرائب التي تصيب‬
‫األغنياء خاصة الضرائب املباشرة التصاعدية‪ ،‬ال تقلل من استهالكهم‪،‬‬
‫ألنها تدفع من املدخرات‪ .‬أما التي تصيب الفقراء (كالضرائب غير‬
‫املباشرة)‪ ،‬فإنها تقلل من استهالكهم للسلع‪ ،‬وبالتالي فهي تقلل حجم‬
‫االستهالك القومي ككل‪ .‬كما يتوقف أثر الضريبة على االستهالك على‬
‫استخدام الدولة لحصيلة الضريبة‪ ،‬فإذا انفقتها في طلب بعض السلع‬
‫والخدمات فإن ذلك يعوض النقص في االستهالك الناش ئ من استهالك‬
‫األفراد نتيجة فرض الضريبة‪ ،‬وبعكسه يتجه االستهالك نحو التناقص‪.‬‬
‫أما فيما يخص تأثير الضرائب على االدخار‪ ،‬وحيث يتحقق أكبر‬
‫قدر من االستهالك من ذوي الدخول الدنيا ألنهم يمثلون الغالبية العظمى‪،‬‬
‫لذلك فإن فرض الضرائب على السلع االستهالكية لهذه الفئة يؤدي إلى‬
‫تخفيض االستهالك‪ .‬أما إذا وقع الطلب على السلع من ذوي الدخول‬
‫املرتفعة‪ ،‬فإن أثر فرض الضرائب عليها سوف يؤثر على ادخار هؤالء‬
‫باالنخفاض‪1.‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.155-154 .‬‬

‫‪196‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬تأثيرالضرائب على اإلنتاج‪.‬‬
‫يتأثر اإلنتاج بالضرائب كنتيجة تبعية لتأثر االستهالك‪ ،‬فإذا كانت‬
‫الضرائب تؤدي إلى نقص االستهالك فال بد أن ينقص بالتالي اإلنتاج والذي‬
‫يتم بقصد تلبية طلبات االستهالك‪.‬‬
‫كما يتأثر اإلنتاج أيضا نتيجة لتأثير الضرائب في عرض وطلب‬
‫رؤوس األموال املنتجة‪ ،‬فعرض رؤوس األموال املنتجة يتوقف على االدخار‬
‫الذي يعقبه استثمار‪ .‬فإذا كانت الضرائب تنقص من الدخول‪ ،‬فإنها‬
‫ستؤدي إلى نقص االدخار وقلة رؤوس األموال‪ ،‬وإن كان يمكن أن تكون‬
‫الضرائب من العوامل املشجعة على االدخار‪ ،‬وذلك في حالة ما إذا كانت‬
‫تؤدي إلى نقص االستهالك‪.‬‬
‫أما عن طلب رؤوس األموال املنتجة‪ ،‬فإنه يتوقف على فرص الربح‬
‫أمام املنتجين‪ ،‬وقد يترتب على فرض الضريبة على املنتجين أن تقل فرص‬
‫الربح أمامهم فيقل طلبهم لرؤوس األموال‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬فإن الضريبة قد تؤدي إلى تنقل عناصر اإلنتاج بين املهن‬
‫والصناعات املختلفة‪ ،‬فإذا فرضت ضريبة على مهنة أو صناعة معين‪،‬‬
‫فقد تهجر رؤوس األموال تلك املهنة أو الصناعة إلى غيرها من املهن أو‬
‫الصناعات التي لم تفرض عليها الضريبة‪1 .‬‬

‫املطلب السادس‪ :‬تأثيرالضرائب على مستوى األسعار‪.‬‬


‫تقلل الضرائب املقتطعة من دخول األفراد طلبهم على السلع‬
‫والخدمات‪ ،‬فيتجه املستوى العام لألسعار نحو االنخفاض‪ ،‬ويتحقق هذا‬
‫إذا لم تنفق الدولة حصيلة هذه الضرائب للتداول (تسديد قروض‬
‫خارجية وتكوين احتياطي مالي)‪ ،‬أما إذا أعيدت هذه الحصيلة إلى التداول‬

‫‪ .1‬محمد حلمي مراد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.218 .‬‬

‫‪197‬‬
‫من خالل االنفاق العام (شراء سلع وخدمات‪ ،‬أو مرتبات للعاملين) فال‬
‫يتحقق عمليا االنخفاض في املستوى العام لألسعار‪ .‬والواقع أن لكل‬
‫ضريبة مفروضة على سلعة معينة تأثيرها في ثمنها‪ ،‬حيث تميل إلى رفع ثمنها‬
‫بمقدار الضريبة كليا أو جزئيا‪1 .‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.-155-154 .‬‬

‫‪198‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫االزدواج والتهرب الض ـ ـ ـ ـريب ـ ـ ـي‬
‫يعتبر االزدواج الضريبي من أهم املشاكل املترتبة عن التنظيم‬
‫الضريبي‪ ،‬سواء كان ذلك عن قصد أو بغير قصد‪ ،‬وسواء كان ذلك على‬
‫املستوى املحلي أو على املستوى الدولي‪ ،‬بما في ذلك من انعكاسات وآثار‬
‫اقتصادية سلبية‪ .‬كما أن تعدد أنواع الضرائب املفروضة على الثروة‬
‫واملداخيل‪ ،‬تزيد من عبء الضريبة على املكلفين بها‪ ،‬مما يدفع بهم إلى‬
‫السعي للتخلص منها أو على األقل التقليل من وطأتها بطريقة أو بأخرى‪،‬‬
‫وهو ما يعرف بالتهرب الضريبي الذي تتعدد أسبابه كما تتعدد أنواعه‪.‬‬
‫والتي سنحاول التفصيل فيها من خالل هذا الفصل‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬االزدواج الضريبي‪.‬‬
‫نالت مشكلة االزدواج الضريبي عناية كبيرة من طرف رجال املالية‬
‫العامة والقانون واالقتصاد‪ ،‬وذلك نظرا لخطورة هذه الظاهرة‪ ،‬والنتائج‬
‫املترتبة عنها وخاصة من الناحية االقتصادية‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم االزدواج الضريبي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف االزدواج الضريبي وعناصره‪.‬‬
‫يعبر االزدواج (التعدد) الضريبي عن فرض ضريبتين أو أكثر من‬
‫نوع واحد على نفس املادة الخاضعة للضريبة خالل فترة زمنية واحدة‬
‫واقتطاعها من أموال نفس املمول‪ .‬ويتحقق االزدواج الضريبي خاصة‬
‫عندما تكون املادة الخاضعة للضريبة ثابتة ودورية أي تتكرر في أوقات‬
‫منتظمة‪ .‬وبهذا يكون االزدواج الضريبي أكثر وضوحا في الضرائب املباشرة‪1.‬‬

‫‪ .1‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.62.‬‬

‫‪200‬‬
‫وحتى يتحقق االزدواج الضريبي يجب توفر الشروط التالية‪1 :‬‬

‫‪ .1‬وحدة الضريبة املفروضة‪ :‬وهي أن يدفع املكلف عن املال نفسه‬


‫الضريبة نفسها مرتين أو أكثر‪ ،‬او ان يدفع عنه ضريبتين من النوع‬
‫نفسه‪ ،‬أي ضريبتين متشابهتين‪.‬‬
‫‪ .2‬وحدة الشخص املكلف بالضريبة‪ :‬أي ان يكون الشخص نفسه‬
‫هو الذي يتحمل الضريبة أكثر من مرة (أو هو الذي يتحمل‬
‫الضرائب املتشابهة)‪ ،‬فمثال لو تم فرض ضريبة على دخل شركة‬
‫ما‪ ،‬وبعد توزيع األرباح على املساهمين تم إخضاع األرباح املوزعة‬
‫من جديد إلى ضريبة ثانية‪ ،‬ال نكون بصدد ازدواج ضربي لكون‬
‫املكلف في املرة األولى شخصا معنويا وفي املرة الثانية شخصا‬
‫طبيعيا‪ ،‬هذا من الناحية القانونية‪ ،‬أما من الناحية االقتصادية‪،‬‬
‫فإن املساهم هو الذي يتحمل عبء الضريبتين في النهاية‪ ،‬وهو ما‬
‫يعني وجود االزدواج الضريبي‪.‬‬
‫‪ .3‬وحدة املادة املفروضة عليها الضريبة‪ :‬أي يجب أن يكون وعاء‬
‫الضريبة في هذه املرات واحدا‪ .‬وهنا ننبه إلى ضرورة فهم شرط‬
‫وحدة املادة عليها الضريبة بمعنى واسع‪ ،‬ليشمل وحدة املال‬
‫موضوع الضريبة‪ ،‬وليشمل أيضا وحدة الواقعة املنشئة‬
‫للضريبة‪ ،‬فمثال‪ ،‬مالك األراض ي الزراعية قد يدفع ضريبة على‬
‫واقعة التملك‪ ،‬كما قد يدفع أيضا ضريبة على االستغالل الزراعي‪.‬‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.332.‬‬

‫‪201‬‬
‫وفي هذه الحالة نكون أمام واقعتين منشئتين للضريبة‪ ،‬وهو ما‬
‫ينفي ظاهرة االزدواج‪.‬‬
‫‪ .4‬وحدة املدة املفروضة عنها الضريبة‪ :‬فإذا فرضت الضريبة مثال‬
‫على دخل املمول في سنة ما ثم فرضت مرة أخرى على دخله في‬
‫سنة أخرى فإننا ال نكون أمام حالة من حاالت االزدواج‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع االزدواج الضريبي وأسبابه‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أنواع االزدواج الضريبي‪.‬‬
‫يمكن تقسيم االزدواج الضريبي حسب معيارين أساسيين‪ :‬من حيث‬
‫نطاقه إلى ازدواج داخلي وازدواج دولي‪ ،‬كما يمكن تقسيمه من حيث‬
‫القصد إلى ازدواج مقصود وازدواج غير مقصود‪.‬‬
‫أوال‪ :‬االزدواج الداخلي واالزدواج الدولي‪.‬‬
‫يقصد باالزدواج الداخلي أن تتحقق شروطه داخل إقليم الدولة‬
‫الواحدة‪ ،‬أيا كان شكل هذه الدولة وتطبق كل من السلطات املالية التابعة‬
‫لها قانون الضريبة على نفس الشخص وعلى نفس الوعاء وعن نفس املادة‪.‬‬
‫وفي االزدواج الضريبي الداخلي ال يشترط تعدد السلطات املالية التي‬
‫تقوم بفرض الضريبة‪ .‬فإما أن تكون السلطة الضريبية واحدة‪ ،‬أي‬
‫مركزية‪ ،‬فتفرض ضريبتين أو أكثر على نفس املادة ونفس الشخص ألي‬
‫سبب من األسباب‪ .‬أو قد تتعدد السلطات الضريبية‪ ،‬فقد تقوم الحكومة‬
‫املركزية بفرض ضريبة معينة‪ ،‬ثم تقوم إحدى السلطات املحلية بفرض‬
‫نفس الضريبة مرة أخرى‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫أما االزدواج الدولي‪ ،‬فيقصد به تحقق شروطه بالنسبة لدولتين أو‬
‫أكثر‪ ،‬بحيث تقوم السلطات املالية التابعة لدولتين أو أكثر بتطبيق‬
‫تشريعاتها الضريبية على نفس الشخص ونفس املدة وعن نفس املدة‪ .‬وقد‬
‫انتشرت ظاهرة االزدواج الضريبي الدولي في العقود األخيرة بسبب نمو‬
‫التجارة الدولية وحرية حركة رؤوس األموال بين الدول‪1 .‬‬

‫ويحدث االزدواج الضريبي الدولي نتيجة اختالف ضوابط االخضاع‬


‫الضريبي بين الدول‪ ،‬التنظيم الفني للضرائب‪ ،‬تفسير املصطلحات‬
‫واملفاهيم الفنية للضريبة؛ وممارسة كل دولة لسيادتها على إقليمها كأن‬
‫تفرض دولة الضريبة على الدخل على أساس محل إقامة املكلف في حين‬
‫تفرض دولة أخرى الضريبة على أساس محل تحقق الدخل‪2 .‬‬

‫ثانيا‪ :‬االزدواج املقصود واالزدواج غيراملقصود‪.‬‬


‫يكون االزدواج الضريبي مقصودا إذا تحققت كافة أركانه بوعي‬
‫مسبق من املشرع‪ .‬ويحدث ذلك عندما يرغب املشرع الضريبي من خالله‬
‫تحقيق أهداف معينة‪ ،‬مثل الحصول على إيرادات إضافية لتمويل بعض‬
‫النفقات أو بغرض تحقيق العدالة الضريبية‪.‬‬
‫وإذا كان االزدواج الضريبي الداخلي عادة ما يكون مقصودا من‬
‫جانب املشرع فإنه قد يتحقق أيضا بصورة غير مقصودة وذلك كنتيجة‬
‫لعدم التناسق في التشريع الضريب‪ ،‬أو إذا التشريع إلى ذلك نتيجة الخطأ‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.232-231 .‬‬
‫‪ .2‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.64.‬‬

‫‪203‬‬
‫أو سهو املشرع‪ .‬كما قد يرجع ذلك إلى عدم تحديد االختصاص املالي‬
‫للهيئات التي تمارس سلطتها على نفس اإلقليم‪.‬‬
‫أما االزدواج الضريبي الدولي فهو غالبا ما يكون غير مقصود ويحدث‬
‫نظرا لعدم وجود سلطة عليا تشرف على تشريعات الدول املختلفة‪ ،‬إذ‬
‫عادة ما تقوم كل دولة بفرض ضرائبها في ضوء ظروفها الخاصة دون النظر‬
‫إلى التشريعات الضريبية الدولية األخرى‪ ،‬مما يؤدي إلى اختالف األسس‬
‫التي تعتمد عليها كل دولة في فرض ضرائبها‪1.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أسباب االزدواج الضريبي‪.‬‬


‫االزدواج الضريبي بمختلف أشكاله يمكن أن يتحقق نتيجة أسباب‬
‫عديدة مالية واقتصادي‪2 :‬‬

‫‪ -‬حاجة معظم الدول إلى قدر أكبر من اإليرادات عن طريق فرض‬


‫الضرائب التي تلبي حاجة هذه الدول املتزايدة لإلنفاق؛‬
‫‪ -‬التوجه في العديد من الحاالت إلى تجنب فرض سعر مرتفع‬
‫للضرائب من خالل فرض الضريبة ذاتها ألكثر من مرة أو من ذات‬
‫النوع بتقسيم هذا السعر املرتفع؛‬
‫‪ -‬اتجاه الدول نحو املعاملة بشكل مختلف بين فئات املجتمع أو بين‬
‫النشاطات التي تفرض عليها الضريبة‪ ،‬وهو ما يتحقق معه ازدواج‬
‫ضريبي لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية؛‬

‫‪ .1‬عادل فليح العلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.311-309 .‬‬


‫‪ .2‬فليح حس خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.194 .‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ -‬العالقات االقتصادية الواسعة بين الدول‪ ،‬والتي ترتبط بانتشار‬
‫عمل الشركات واملشروعات ونشاطها في دول العالم‪ ،‬وانتقال رؤوس‬
‫األموال واليد العاملة بين هذه الدول‪ ،‬وبالذات في إطار التوجهات نحو‬
‫عوملة االقتصاد‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬وسائل مكافحة االزدواج الضريبي‪.‬‬
‫يحقق االزدواج الضريبي على املستويين الداخلي والدولي آثارا‬
‫ضارة على االقتصاد القومي بصورة عامة‪ ،‬إذ يمثل عبئا إضافيا على عاتق‬
‫املكلف مما يخاف مبدأ العدالة الضريبية وهذا ما يدفع املكلف إلى‬
‫استخدام كافة السبل املشروعة وغير املشروعة للتهرب من أداء الضريبة‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك‪ ،‬أن االزدواج الضريبي الدولي يشكل عقبة أمام انتقال‬
‫رؤوس األموال بين الدول‪ ،‬وهو ما يعرقل نمو العالقات االقتصادية‬
‫الدولية‪.‬‬
‫وأمام كافة اآلثار الخطيرة لالزدواج الضريبي فقد حاولت الدول‪،‬‬
‫بصدد مكافحة االزدواج الضريبي الداخلي‪ ،‬تنظيم تشريعاتها الداخلية‬
‫وأحكام الرقابة على سنها ووضع قواعد خاصة تهدف إلى منع حدوث هذه‬
‫الظاهرة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لالزدواج الدولي‪ ،‬فإن مكافحته تتم إما بواسطة‬
‫التشريعات الوطنية أو االتفاقات الدولية‪ ،‬فقد تلجأ بعض الدول إلى‬
‫النص في تشريعاتها الوطنية على إعفاء بعض رؤوس األموال األجنبية‬
‫املستثمرة في أراضيها من الضريبة رغبة منها في تشجيع هذه األموال‬
‫لالستثمار فيها‪ .‬أما االتفاقات الدولية‪ ،‬فقد تتم إبرام مجموعة كبيرة من‬

‫‪205‬‬
‫املعاهدات الثنائية أو الجماعية ملنع االزدواج الدولي بشرط املعاملة باملثل‪.‬‬
‫وقد اتسع نطاق هذه املعاهدات مع اتساع نطاق املعامالت الدولية‬
‫وخاصة بعد الحرب العاملية األولى‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التهرب الضريبي‪.‬‬
‫تعتبر الضرائب من أقوم وأهم مصادر اإليرادات العامة‪ ،‬نظرا‬
‫ألهمية الضريبة في التأثير على الواقع االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬إال أنه من‬
‫املتوقع أن يكون هناك تخلص من أداء الضريبة من طرف بعض أفراد‬
‫املجتمع‪ ،‬وذلك بشتى الطرق واألساليب‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه بالتهرب‬
‫الضريبي‪ ،‬بما يترتب عنه من انعكاسات سلبية على االقتصاد الوطني‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف التهرب الضريبي‪.‬‬
‫يقصد بالتهرب الضريبي )‪ (L’évation fiscal‬بمفهومه العام أن‬
‫يتخلص املكلف بالضريبة من دفع الضريبة املتوجبة عليه كليا أو جزئيا‪1.‬‬

‫كما يعرف التهرب الضريبي بأنه‪ " :‬مجموع السلوكيات الرامية إلى‬
‫تقليص مبالغ االقتطاعات الضريبية الواجبة الدفع"‪2.‬‬

‫فالضريبة تشكل عبئا على املكلف لذلك فإنه يعمل على مقاومتها‬
‫من خالل التخلص منها أو نقل عبئها إلى شخص آخر‪ .‬ولتحقيق التهرب‬
‫الضريبي يتخذ املكلف القانوني عدة طرق وأساليب قد تكون مشروعة أو‬
‫غير مشروعة‪ ،‬وعلى هذا األساس نميز بين شكلين للتهرب الضريبي‪ :‬تهرب‬

‫‪ . 1‬مهداوي عبد القادر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3.‬‬


‫‪ .2‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.216.‬‬

‫‪206‬‬
‫ضريبي بدون انتهاك القانون الضريبي وهو ما يعرف بالتجنب الضريبي‪،‬‬
‫وتهرب ضريبي بانتهاك القانون الضريبي وهو ما يعرف بالغش الضريبي‪1 .‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع التهرب الضريبي‪.‬‬


‫يتجلى التهرب الضريبي في صورتين هما‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التهرب الضريبي املشروع (التجنب الضريبي)‪.‬‬
‫ويعني استغالل املكلف لبعض الثغرات القانونية بغية عدم تحقق‬
‫الضريبة عليه بصورة صحيحة وعدم االلتزام بدفعها‪ ،‬أي أن الشخص‬
‫يتمكن من التخلص من االلتزام بدفع الضريبة دون أن يضع نفسه في‬
‫مركز املخالف للقانون‪ .‬ويمكن أن يحدث هذا التهرب املشروع عن طريق‬
‫طبيعي‪ ،‬وذلك بتجنب الواقعة املنشئة للضريبة‪ ،‬كأن يمتنع الشخص كليا‬
‫أو جزئيا عن استهالك السلعة أو الخدمة التي تخضع للضريبة‪ .‬ولهذا‬
‫يفضل تسمية هذا النوع من التهرب بالتجنب الضريبي‪ ،‬ملا توحي به عبارة‬
‫التهرب باملشروعية‪ ،‬حيث أن املشرع يأذن له‪2.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التهرب الضريبي غيراملشروع (الغش الضريبي)‪.‬‬


‫وهو عبارة عن فعل إرادي يقوم به املمول الذي يقرر مخالفة‬
‫القانون للتملص من دفع الضريبة‪ .‬وفي هذه الحالة نالحظ وجود سلوك‬
‫إجرامي مقصود ومتعمد‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن الغش الضريبي هو جزء ووجه من‬

‫‪ . 1‬البد لزرق‪" ،‬ظاهرة الهرب الضريبي وانعكاساتها على االقتصاد الرسمي في الجزائر دراسة حالة –والية تيارت‪،"-‬‬
‫مذكرة ما جيستير‪ ،‬تخصص تسيير املالية العامة‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان‪ ،‬كلية العلوم االقتصادية والتسيير‬
‫والعلوم التجارية‪ ،)2012-2011( ،‬ص‪.44 .‬‬
‫‪ . 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.49 .‬‬

‫‪207‬‬
‫عدم االنتظام الضريبي؛ ويعرفه »‪ «Margairaz‬بأنه‪" :‬التخلص من‬
‫الضريبة بتقديم عرض خاطئ للواقع أو تفسير مضلل"‪1.‬‬

‫كما يعرف أيضا بأنه‪ ":‬كل الحركات املادية والعمليات القانونية‬


‫واملحاسبية وكل الوسائل والترتيبات والتدابير التي يلجأ إليها املكلف أو‬
‫الغير بهدف التخلص من دفع الضرائب واملساهمات"‪2.‬‬

‫وقد يخالف املكلف القانون إما عند تحديد وعاء الضريبة‬


‫والتكليف بها (كاإلخفاء املادي للسلع املستوردة أو املنتجة أو املباعة‬
‫والخاضعة للضرائب)‪ ،‬أو عند تحصيل الضريبة ليحول دون جبايتها‪،‬‬
‫وذلك بإخفاء األموال أو محل اإلقامة ليتعذر على اإلدارة املالية تحصيل‬
‫أموالها‪3 .‬‬

‫كما يمكن تقسيم التهرب الضريبي وفقا ملكان وقوعه‪:‬‬


‫‪ ‬التهرب الداخلي‪:‬‬
‫يحدث هذا النوع في نطاق حدود الدولة املوجودة بها‪ ،‬بحيث تكون‬
‫أفعال التزوير التي يقوم بها املكلف ال تتعدى هذه الحدود إما باستغالل‬
‫الثغرات املوجودة في النظام الجبائي أو بطرق وأساليب أخرى‪4.‬‬

‫‪ ‬التهرب الضريبي الدولي‪:‬‬


‫يعرف التهرب الضريبي الدولي بأنه‪ " :‬كل تهرب من الضريبة عبر حدود‬
‫الدول‪ ،‬من شأنه أن يفقد الدولة موردا من موارد إيراداتها‪ ،‬ويستوي في‬

‫‪ .1‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.216.‬‬


‫‪ . 2‬مهداوي عبد القادر‪" ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3.‬‬
‫‪ . 3‬البد لزرق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.52-51.‬‬
‫‪ . 4‬صالح حسن كاظم‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.14.‬‬

‫‪208‬‬
‫ذلك أن يسلك املشروع دولي النشاط طرقا مشروعة أو غير مشروعة‪ ،‬أو‬
‫تتوفر لديه إرادة التهرب أو ال‪ ،‬وأيا كان التشريع الضريبي الذي يختاره‪،‬‬
‫مستفيدا من تباين األنظمة والتشريعات الضريبية للدول من أجل‬
‫التوصل إلى هدفه نحو تخفيض عبئه الضريبي أو التخلص منه تماما"‪.‬‬
‫فيكون التهرب الضريبي الدولي في شكل تجنب الخضوع للضريبة في دولة‬
‫ذات ضغط جبائي مرتفع وتأديتها في دولة أخرى ذات ضغط جبائي‬
‫منخفض‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه التهرب الضريبي الدولي املشروع‪ ،‬ويتم عادة‬
‫باستغالل التسهيالت واإلعفاءات التي تمنحها بعض الدول أو املناطق التي‬
‫يطلق عليها بالجنات الضريبية (‪ )Les Paradis Fiscaux‬أو املالذات‬
‫الضريبية‪1 .‬‬

‫وتتعدد مظاهرالخرق العمدي والصريح للقانون املؤدية للغش‬


‫الضريبي‪ ،‬ومن أمثلتها ما يلي‪2 :‬‬

‫‪ -‬اإلهمال عمدا الكتتاب التصريح الضريبي في اآلجال املحددة؛‬


‫‪ -‬اإلخفاء إراديا لجزء من رقم األعمال أو الربح املحقق الخاضع‬
‫للضريبة؛‬
‫‪ -‬وضع عراقيل بأساليب أخرى أمام التحصيل الضريبي (تنظيم‬
‫اإلعسار)؛‬
‫‪ -‬البيع والشراء من دون فواتير؛‬
‫‪ -‬تقديم فواتير تتعلق بعمليات وهمية؛‬

‫‪ . 1‬مهداوي عبد القادر‪ ،‬مرجع سابق‪.4 ،‬‬


‫‪ -2‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.217.‬‬

‫‪209‬‬
‫‪ -‬محاولة الحصول على تعويضات غير مبررة من الدولة‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أسباب التهرب الضريبي‪.‬‬
‫نحصرها في ما يلي‪1 :‬‬

‫‪ .1‬ارتفاع أسعار الضرائب‪ ،‬فكلما ارتفعت أسعار الضرائب كان‬


‫الدافع للتهرب منها كبيرا والعكس صحيح؛‬
‫‪ .2‬تعد الظروف االقتصادية عامال مهما في ارتفاع ظاهرة التهرب من‬
‫الضريبة وبالعكس‪ ،‬ففي أوقات الرخاء االقتصادي تقل مقاومة‬
‫األفراد ملا تفرضه الدولة من ضرائب الرتفاع دخولهم‪ ،‬وعلى‬
‫العكس من ذلك في وقت الكساد االقتصادي؛‬
‫‪ .3‬سياسة الدولة اإلنفاقية؛ فعندما يكون إنفاق الدولة موجها إلى‬
‫ما يحقق أكبر قدر من املنافع لألفراد يشعر املكلفون بالضريبة‬
‫بجدوى دفع الضريبة وبالتالي يقل التهرب من دفعها والعكس‬
‫صحيح؛‬
‫‪ .4‬طبيعة الجزاءات التي تفرضها الدولة على املتهربين من دفع‬
‫الضريبة تؤثر في قرارهم في التهرب من عدمه‪ ،‬فعندما تتشدد‬
‫الدولة في جزاءاتها يقارن املكلف بين النفع الذي يحققه نتيجة‬
‫التهرب من الضريبة والضرر الذي سيلحقه نتيجة تطبيق القانون‬
‫بحقه بسبب عدم دفع الضريبة؛‬
‫‪ .5‬درجة انتشار الوعي الضريبي واملستوى األخالقي للمجتمع‪ ،‬فكلما‬
‫كان الوعي الضريبي عاليا واملستوى االخالقي للمجتمع مرتفعا‪،‬‬

‫‪ . 1‬صالح حسن كاظم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14.‬‬

‫‪210‬‬
‫انخفضت نسبة املتهربين من الضريبة‪ ،‬وكلما انخفض الوعي‬
‫الضريبي وتدنى املستوى األخالقي للمجتمع ارتفعت نسبة املتهربين‬
‫من الضريبة؛‬
‫‪ .6‬يؤدي االزدواج الضريبي إلى ميل املكلفين إلى التهرب من الضريبة‬
‫ملا يؤدي إليه من زيادة في العبء الضريبي عليهم؛‬
‫‪ .7‬عدم كفاءة اإلدارة الضريبية من حيث الكم أو من حيث النوع‪،‬‬
‫واملتمثل في انخفاض عدد العاملين وانخفاض مستواهم الثقافي‬
‫واملنهي‪ ،‬مما يؤدي إلى انخفاض أدائهم في مجال حصر املكلفين وما‬
‫يستحق عليهم من ضرائب؛‬
‫‪ .8‬أسلوب تحديد الضريبة يفسح املجال أحيانا للتهرب الضريبي كما‬
‫في الضرائب التي تستوجب إقرار من املكلف‪ ،‬ويقل التهرب في‬
‫الضرائب التي تجبى من املصدر كالضرائب على األجور والرواتب؛‬
‫كما يمكن أن يؤثر التاريخ في سلوك املمولين تجاه الضريبة‪ ،‬فلقد‬
‫كانت الضريبة في العهد االستعماري في الجزائر –مثال‪-‬وسيلة لتنظيم‬
‫وتسريع تحويل ممتلكات الجزائريين لصالح املعمرين‪ ،‬وهذا في إطار تفقير‬
‫الشعب ومصادرة أراضيه‪ ،‬حتى أصبحت الضريبة تسمى لدى املمولين‬
‫بـ"الغرامة"‪ ،‬وكان التهرب آنذاك يشكل أحد مظاهر املقاومة تجاه‬
‫املستعمر‪ .‬وتحت هذا املنظور استمر املمول الجزائري حتى بعد االستقالل‬
‫في ممارسة التهرب الضريبي انطالقا من كون النظام الضريبي موروثا عن‬
‫العهد االستعماري‪1.‬‬

‫‪ .1‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.221.‬‬

‫‪211‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أساليب مكافحة التهرب الضريبي‪.‬‬
‫ملحاربة الغش الضريبي ال بد من العمل على‪1 :‬‬

‫‪ .1‬رفع كفاءة اإلدارة الضريبية برفع مستوى تأهيل املوارد البشرية‬


‫وتحصينهم ضد الفساد بتحسين مكافآتهم؛‬
‫‪ .2‬تعزيز املراقبة الضريبية وتوسيع نطاقها لتشمل مختلف فئات‬
‫املجتمع الضريبي؛‬
‫‪ .3‬تبسيط النظام الضريبي وتحسين شفافيته؛‬
‫‪ .4‬تعميق عدالة النظام الضريبي بزيادة حياديته من جهة وتقليل‬
‫مستويات الضغط الضريبي إلى حدود مستوى القدرة على تحملها‬
‫اقتصاديا وبسيكولوجيا؛‬
‫‪ .5‬تحسين عالقة اإلدارة الضريبية باملمولين‪ ،‬والسعي إلى تغيير نظرة‬
‫املمولين اتجاه اإلدارة الضريبية باعتبارهم زبائن لديها‪ ،‬فضال عن‬
‫االستماع املستمر إلى انشغاالتهم وشكاويهم واألخذ بعين االعتبار‬
‫ملقترحاتهم؛‬
‫‪ .6‬العمل على رفع روح املواطنة لدى املمولين بتعميم الثقافة‬
‫الضريبية عن طريق وسائل اإلعالم والبرامج التعليمية؛‬
‫‪ .7‬رفع العقوبات على الغش الضريبي إلى الدرجة التي يشعر فيها‬
‫املمول بارتفاع تكلفة عدم االمتثال الضريبي؛‬
‫‪ .8‬اعتبار الغش الضريبي ليس مجرد جنحة وإنما هو مخالفة جنائية‬
‫تؤدي إلى حرمان مرتكبها من الحقوق املدنية والسياسية؛‬

‫‪ .1‬عبد املجيد قدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.229-228 .‬‬

‫‪212‬‬
‫‪ .9‬تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الغش الضريبي وتبادل‬
‫املعلومات بخصوصه؛‬
‫‪ .10‬ينبغي أن تعمل الحكومات جاهدة على توجيه الحصيلة الضريبية‬
‫إلى األوجه املفيدة للمجتمع‪ ،‬بحيث يشعر أفراد املجتمع بأن‬
‫قيامهم بدفع الضريبة له فوائده املحسوسة لكل منه‪1 .‬‬

‫‪ . 1‬صالح حسن كاظم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40 .‬‬

‫‪213‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫الق ـ ـ ـ ــروض الع ــام ـ ـ ــة‬
‫عندما تعاني الدولة من عجز في املوازنة العامة‪ ،‬بحيث تكون‬
‫إيراداتها العادية عاجزة عن تغطية نفقاتها العادية‪ ،‬فإن بإمكانها اللجوء‬
‫إلى القروض العامة كنوع من أنواع اإليرادات غير العادية لتغطية نفقاتها‬
‫العامة‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬القروض العامة‪ ،‬مفهومها و أنواعها‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم القرض العام‪.‬‬
‫تعد القروض العامة من أهم املوارد املالية غير العادية‬
‫(االستثنائية) للدولة‪ ،‬تلجأ إليها غالبا عندما تكون قد استنفذت كافة‬
‫إيراداتها العامة‪ ،‬فتلجأ إلى اقتراض املبالغ املالية التي تحتاجها لتستكمل‬
‫بها إيراداتها العادية املتحصلة من الدومين والرسوم والضرائب‪ .‬كما أن‬
‫القرض العام ليس أداة تمويلية فقط‪ ،‬بل أيضا أحد أهم أدوات السياسة‬
‫املالية واالقتصادية في كثير من األحيان‪.‬‬
‫ويعرف القرض العام بأنه‪ ":‬مبلغ نقدي تقترضه الحكومة من الجهات‬
‫األخرى‪ ،‬أفراد‪ ،‬بنوك‪ ،‬مؤسسات مالية‪ ،‬هيئات محلية أو دولية مع التعهد‬
‫بسداد املبلغ الذي يتم اقتراضه مع فائدته ووفق الشروط التي يتضمنها‬
‫القرض"‪1.‬‬

‫وتلجأ الدولة إلى القرض العام في حالتين‪:‬‬


‫أوال‪ :‬عندما تبلغ الضرائب حدها األقص ى‪ ،‬وهذا يعني أن "املقدرة‬
‫التكليفية القومية"‪ ،‬قد استنفذت‪ ،‬بحيث ال يمكن للدولة اللجوء إلى مزيد‬

‫‪ .1‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.240 .‬‬

‫‪216‬‬
‫من الضرائب لبلوغها حدودها القصوى‪ ،‬وأن املزيد منها قد يهدد النشاط‬
‫االقتصادي ويؤدي إلى تدهور في املستوى املعيش ي للمواطنين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عندما يكون للضرائب ردود فعل اجتماعية عنيفة‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫للضرائب حدودا اقتصادية وحدودا اجتماعية تقيد قدرة الدولة على‬
‫استخدامها‪ ،‬عندئذ يصبح القرض وسيلة فعالة بيد الدولة لتجميع‬
‫املدخرات التي تعجز الضرائب عن القيام بها‪ ،‬أي أن عبء تمويل النشاط‬
‫العام يصبح موزعا بين املقرضين واملكلفين‪ ،‬بدال من قصوره على فئة‬
‫مكلفي الضرائب‪1.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أنواع القروض العامة‪.‬‬


‫وهذا يعني أن للضرائب حدودا اقتصادية وحدودا اجتماعية تقيد‬
‫قدرة الدولة عدة تقسيمات للقروض العامة وهذا بيان لذلك‪2:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬القروض الداخلية والقروض الخارجية‪.‬‬


‫أوال‪ :‬القروض الداخلية‪.‬‬
‫هي القروض التي تحصل عليها الدولة من األشخاص الطبيعيين‬
‫أو االعتباريين املقـيمين فـوق أراضيها وتتمتع الدولة عادة بحرية كبيرة بهذا‬
‫النوع من القروض؛ ألنها تستطيع وضع الشـروط الـتي تجدها مالئمة‪ ،‬حيث‬
‫تبين املزايا املختلفة للمقترض‪ ،‬وتحدد أجل القرض ومعـدل الفائـدة كيفيـة‬
‫السداد‪....‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.67 .‬‬


‫‪.2‬محمد خالد املهايني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.59-58.‬‬

‫‪217‬‬
‫ثانيا‪ :‬القروض الخارجية‪.‬‬
‫هي القروض التي تحصل عليها الدولة من شخص طبيعي أو اعتباري‬
‫مقيم في خارج الـبالد أو من حكومات أجنبية‪ ،‬وتلجأ الدول إلى مثل هذه‬
‫القروض عندما تكون بحاجـة إلى رؤوس أمـوال‪ ،‬وعدم كفاية اإليرادات‬
‫الداخلية وعدم كفاية املدخرات الوطنية‪ .‬كذلك تلجأ للقروض الخارجية‬
‫عند حاجة الدولة إلى عمالت أجنبية لتغطية العجز في ميزان املدفوعات‬
‫أو لدعم نقدها الوطني وحمايته من تدني قيمته‪ ،‬أو من أجل الحصول‬
‫على ما يلزمها من سلع إنتاجية وسلع استهالكية ضـرورية لتلبيـة حاجة‬
‫السوق الداخلية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القروض االختيارية والقروض اإلجبارية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬القروض االختيارية‪.‬‬
‫ينجم القرض االختياري عن عقد تراض ي‪ ،‬حيث يتم بتراض ي‬
‫املتعاقدين واختيارهما واملكتتب في هذا النوع من القروض ليس له‬
‫الحقوق سوى بالقبول أو االمتناع‪ ،‬فبعض الكتاب اعتـبروا عقـد القرض‬
‫االختياري عقد إذعان‪ ،‬ألن املكتتب ال يستطيع مناقشة الدولة في شروط‬
‫القرض وال يملك إال القبول أو الرفض‪ ،‬وفي الواقع أن املكتتب ال يخضع‬
‫إلكراه هنا؛ ألنه يكتتب في القرض بـدافع ذاتي وبقصد الحصول على‬
‫االمتيازات املالية املقدمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬القروض اإلجبارية‪.‬‬
‫هي الق ـروض التي تفرضه ـ ـا الدولة ع ـ ـ ـ ـلى رعايـ ـ ـاها بصورة إجبارية‪،‬‬
‫مقابل تعهدها لهم بسـدادها في الوقت املناسب‪ ،‬وتلجأ الدول إلى مثل هذه‬

‫‪218‬‬
‫القروض في األزمات االقتصادية‪ ،‬والحروب والظـروف الطارئة كالكوارث‬
‫الطبيعية التي تصيب البالد‪ ،‬ومثل هذه القروض تشبه الضريبة لكوهنـا‬
‫ً‬
‫مفروضـة بصورة إلزامية‪ ،‬إال أهنا تختلف عن الضريبة‪ ،‬بأنها غالبا ما تعود‬
‫املبالغ لدافعها مـع فوائـد تحـددها السلطات العامة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬القروض العمرية والقروض املؤبدة والقروض ألجل‪.‬‬
‫أوال‪ :‬القروض العمرية‪.‬‬
‫هي القروض املرتبط سدادها بعمر املقرض‪ ،‬فينتهي أجلها بوفاته‪،‬‬
‫في مثل هذه القروض‪ ،‬تكون الدولة ملزمة بتقديم إيراد متفق عليه‬
‫ً‬
‫للمقرض‪ ،‬مقابل املبالغ التي أقرضها للدولة‪ ،‬ما دام حيا‪ ،‬وعنـدما يتوفى‬
‫املقرض يسقط عن الدولة التزامها تجاه املقرض وتصبح األموال للدولة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬القروض املؤبدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هي القروض التي ال تحدد الدولة تاريخا معينا لردها‪ ،‬ولكنها تلزم‬
‫بدفع فائدة عنها‪ ،‬وتملك الدولة الحق باستهالك ما تشاء من سندات‬
‫القرض في الوقت الذي يناسبها‪ ،‬واملقرض ال يستطيع أن يطالب الدولة‬
‫ً‬
‫وفاء القرض‪ ،‬ولكن يملك الحق باملطالبة بالفائدة املقررة سنويا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القروض ألجل أو العائمة‪ ،‬أو السائرة‪.‬‬
‫هذه القروض تلجأ إليها الدولة ملواجهة حاالت مؤقتة وطارئة‪ ،‬وبهذا‬
‫فهي تعقد ملـدة معينـة ينقض ي الدين بنهايتها‪ ،‬وسندات هذا النوع من‬
‫القروض إما أن تكون ألجل طويل تزيد مدتها علـى (‪ )10‬سنوات‪ ،‬أو ألجل‬
‫متوسط ال تتجاوز مدتها (‪ )10‬سنوات وال تقل عن سنة‪ ،‬أو ألجل قصير‪،‬‬
‫تتراوح مدتها بين الشهر والسنة الواحدة‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬القروض املثمرة والقروض العقيمة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬القرض املثمر ‪.‬‬
‫هو الذي ينفق على مشروع استثماري يأتي بإيراد ويسدد أصل‬
‫الدين مع الفوائد املترتبة عليه‪ ،‬وهو من أكثر القروض إنتاجية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬القرض العقيم‪.‬‬
‫هو الذي ينفق على مشروعات ال تأتي بإيرادات لتسديد القرض‬
‫وفوائده‪ ،‬ولكن له فوائد عامة لالقتصاد وللمجتمع‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الفرق بين القرض العام والضريبة‪.‬‬
‫يعتبر القرض أحد موارد الدولة التي تختلف عن الضريبة على‬
‫الرغم مما يجمعهما من بعض أوجه الشبه املشتركة‪ ،‬فبالنسبة للقرض‬
‫العام فإن الدولة عندما تقوم بتسديده تحتاج لتدبير املوارد الالزمة‬
‫لذلك‪ ،‬وأن الضرائب أهم هذه املوارد‪ ،‬كما ان كال من القرض العام‬
‫والضريبة يتطلب صدور قانون‪ .‬أما أوجه االختالف بين القرض العام‬
‫والضريبة فيمكن حصرها فيما يلي‪1 :‬‬

‫‪ .1‬تمثل الضريبة مساهمة إجبارية تحصل عليها الدولة من املكلفين‬


‫بصورة نهائية دون أن تدفع عنها أية فوائد‪ ،‬في حين يقوم القرض‬
‫العام – كقاعدة عامة‪ -‬على أساس املساهمة االختيارية من جانب‬
‫املكتتب (املقرض)‪ ،‬كما تلتزم الدولة برد املبالغ املكتتب بها ودفع‬
‫فوائد عنها؛‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.69-68 .‬‬

‫‪220‬‬
‫‪ .2‬ال تخصص حصيلة الضريبة إلى إنفاق محدد‪ ،‬بل توضع مع‬
‫اإليرادات الضريبية األخرى لتشكل مبلغا واحدا يخصص لإلنفاق‬
‫العام‪ .‬في حين أن األصل في القرض العام أن تخصص حصيلته‬
‫لغرض معين يحدده القانون‪.‬‬
‫رغم االختالفات السابقة الذكر بين الضريبة والقرض العام‪ ،‬فقد‬
‫يقترب القرض العام من الضريبة عندما تلجا الدولة إلى إصدار قروض‬
‫اجبارية يلتزم املواطنون باالكتتاب بها‪ ،‬وقد تكون بفائدة‪ ،‬أو بفائدة رمزية‪،‬‬
‫او حتى بدون فائدة‪ .‬كما قد تطرح الدولة قرضا مؤبدا ال تلتزم بسداده‬
‫خالل مدة معينة‪.‬‬
‫كما يمكن القول إن القرض العام ليس إال ضريبة مؤجلة إذ‬
‫تحجم الدولة عن فرض الضرائب عندما ال تكون الظروف مناسبة لذلك‬
‫(أسباب سياسية أو غير سياسية) وتقوم باالقتراض‪ ،‬ثم تقوم بفرض‬
‫ضرائب جديدة أو برفع سعر الضرائب املوجودة فعال‪ ،‬وذلك لتحصل على‬
‫إيراد يمكنها من خدمة الدين والوفاء به في مرحلة الحقة‪1 .‬‬

‫وعلى الرغم من أن القروض العامة تتفق مع مختلف االلتزامات‬


‫املترتبة على الدولة أثناء أدائها لوظائفها املختلفة‪ ،‬إال أنها تختلف عنها من‬
‫الناحية املحاسبية‪ ،‬فبينما تظهر االلتزامات األخرى في املوازنة العامة‬
‫للدولة في باب النفقات‪ ،‬نجد أن القروض العامة تسجل في جانبي‬

‫‪ .1‬محد دويدار‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياس ي –االقتصاد املالي‪( ،‬اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫دت)‪ ،‬ص‪.307 .‬‬

‫‪221‬‬
‫اإليرادات والنفقات معا‪ ،‬فهي تظهر في جانب اإليرادات وقت تحصيل‬
‫املبالغ املكتتب بها‪ ،‬وفي جانب النفقات عند دفع فوائدها وأقساطها‪.‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الطبيعة االقتصادية والقانونية للقرض العام‪.‬‬
‫تختلف وجهة النظر االقتصادية إزاء القرض العام في ظل كل من‬
‫الفكر التقليدي والفكر الحديث في املالية العامة‪ .‬ففي الفكر التقليدي‬
‫رفض التقليديون لجوء الدولة إلى القرض بسبب إيمانهم بمزايا الحرية‬
‫االقتصادية‪ ،‬وعدم تدخل الدولة إال في أضيق الحدود‪ .‬وفي هذا اإلطار يرى‬
‫آدم سميث أن اقتراض الدولة يترتب عليه نقص في رؤوس األموال املتاحة‬
‫لألفراد‪ ،‬وأن استثمارها ال يكمل االستثمار الخاص وإنما ينافسه‪.‬‬
‫لقد فقد الفكر التقليدي أساسه االقتصادي أمام انتشار‬
‫األزمات االقتصادية في للدول املتقدمة وما تاله من بطالة‪ ،‬مما فرض ظهور‬
‫فكر جديد أساسه ضرورة تدخل الدولة في مثل هذه الحاالت‪ ،‬وهو ما‬
‫عرف بالنظرية الكينزية‪ .‬وهذه النظرية تعتبر أن الزيادة في النفقات بقصد‬
‫التوسع في النفقات اإلنتاجية‪ ،‬عالجا لحالة الكساد االقتصادي‪ .‬كما أن‬
‫القروض العامة يمكنها حيث تقل فرص االستثمار الخاصة وتفيض‬
‫املدخرات عن حاجة السوق أن تجد لهذه املدخرات املعطلة فرصة‬
‫للتوظيف‪ ،‬باإلضافة إلى استخدام القروض أيضا في مكافحة التضخم‪ .‬أما‬
‫من الناحية القانونية‪ ،‬فإن القروض الحديثة تتميز ببعض السمات‪،‬‬
‫أهمها‪1 :‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.78-76 .‬‬

‫‪222‬‬
‫‪ -‬القرض العام يعقد باسم الدولة ال باسم رئيسها؛‬
‫‪ -‬لم تعد الدولة تقدم ضمانا أو رهنا ملا تقترضه‪ ،‬وإنما تضمن‬
‫مواردها املختلفة تسديد ديونها والفوائد املترتبة عليها؛‬
‫‪ -‬أصبحت القروض تأخذ شكل سندات تعطى للمقرضين‪ ،‬بحيث‬
‫يمكنهم التصرف بها‪.‬‬
‫ويعتبر عقد القرض العام عقدا من عقود القانون العام‪ ،‬ويخضع‬
‫لكل القواعد واألحكام التي تسري على تلك العقود‪ .‬وتتطلب الدساتير‬
‫في معظم دول العالم ضرورة موافقة ممثلي الشعب على عقد القرض‬
‫العام‪ ،‬أي موافقة السلطة التشريعية على قيام السلطة التنفيذية‬
‫بإصدار قرض عام بمبلغ معين وطبقا لشروط ومزايا معينة‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬التنظيم الفني للقروض العامة‪.‬‬
‫تستلزم القروض العامة منذ إصدارها إلى الوفاء بها عدة إجراءات‬
‫قانونية وتنظيمات فنية‪ ،‬تتصل بعملية إصدار القرض‪ ،‬وشروطها‬
‫وأساليبها‪ ،‬واستهالكها وانقضائها وهذا ما يعرف بالتنظيم الفني للقروض‬
‫العامة‪ ،‬وهذا بيان لذلك‪1:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬إصدارالقرض العام‪.‬‬


‫إصدار القروض العامة هي الطريقة التي تحصل فيها الحكومة على‬
‫قيمة القرض مقابل وعد بسداده ودفع فوائده وفق شروط متفق عليها‪.‬‬

‫‪ .1‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 367‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط اإلصدار‪.‬‬
‫حين تعتزم الدولة إصدار قرض ينبغي عليها تعيين مبلغ القرض‪،‬‬
‫سعر الفائدة‪ ،‬سعر اإلصدار‪ ،‬نوع السندات املصدرة وفئاتها‪ ،‬طريقة‬
‫االكتتاب فيها‪ ،‬وأخيرا الضمانات املمنوحة للمكتتبين فيها‪1 :‬‬

‫أوال‪ :‬مبلغ القرض (قيمة القرض)‪.‬‬


‫قد يصدر قانون القرض العام بقيمة محددة (مبلغ معين)‪ ،‬وقد‬
‫تكون قيمته غير محددة‪ ،‬ويكون القرض العام محدد القيمة إذا حددت‬
‫الدولة املبلغ الذي يصدر به القرض مقدما وتقوم بإصدار السندات في‬
‫حدود هذا املبلغ فحسب‪ ،‬حيث يقفل باب االكتتاب فيه بمجرد تغطيته‪،‬‬
‫او بانتهاء املدة املحددة لالكتتاب‪2 .‬‬

‫وعلى الرغم من أن الدولة تحدد مبلغ القرض‪ ،‬فإن هذا لن يمنع‬


‫االكتتاب من تجاوزه‪ ،‬لذلك عندما يأتي الجمهور لالكتتاب‪ ،‬يمكن أن يكون‬
‫إجمالي االشتراك لألفراد ضعف أو ثالثة أضعاف مبلغ القرض‪ ،‬ويتم تقليل‬
‫النسبة املئوية لحصة كل مشترك بعدد املرات التي يتم فيها تغطية القرض‪.‬‬
‫وإذا تم تجاوز القرض مرتين‪ ،‬يتم تخفيض حصة كل مكتب إلى نصف‬
‫املبلغ الذي يرغب في إقراضه للدولة‪.‬‬
‫وقد ال تحدد الدولة قيمة القرض‪ ،‬وإنما تحدد مدة معينة تقبل‬
‫جميع االكتتابات التي تقدم خاللها‪ ،‬ويحدث ذلك في حالة ما إذا كانت‬

‫‪ .1‬محمد طاقة وهدى العزاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.150-149.‬‬


‫‪ .2‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80 .‬‬

‫‪224‬‬
‫الدولة بحاجة إلى أموال كثيرة‪ ،‬أو إذا خشيت أال يغطى مبلغ القرض إذا‬
‫هي حددته‪ ،‬فهي تقبل كل املبالغ التي يكتتب بها خالل فترة معينة‪ ،‬ويحدث‬
‫ذلك في أوقات الحروب واألزمات االقتصادية التي تواجهها الدولة‪ 1 .‬وتمتاز‬
‫القروض غير املحددة بأنها ال تتطلب تغطية مبلغ معين؛ إذ يمكن للدولة‬
‫ان تعلن في أي وقت أنها اكتفت باملبالغ التي تم االكتتاب بها‪ .‬وبذلك يصون‬
‫هذا النوع من القروض الدولة من التعرض لخطر عدم تغطية القرض‬
‫الذي يزعزع الثقة فيها‪2 .‬‬

‫ثانيا‪ :‬سعرالفائدة‪.‬‬
‫تتخذ الحكومة سعر الفائدة الجاري في السوق املالية أساسا‬
‫لتحديد سعر فائدة القرض‪ ،‬مع مراعاة التغيير فيه بالزيادة أو النقصان‬
‫بحسب حالة ائتمان الدولة ومقدار املبلغ املقترض ومدة القرض‪،‬‬
‫والتغيرات املنتظر أن تطرأ على سعر الفائدة في السوق‪ .‬على أنه ال‬
‫يستحسن النزول كثيرا عن السعر الجاري حتى ال يؤدي انخفاض سعر‬
‫الفائدة إلى عدم االقبال على االكتتاب في القرض وعدم إمكان تغطيته إال‬
‫إذا قررت الدولة منح مزايا خاصة للمكتتبين‪ .‬وفي املقابل ال يستحسن رفع‬
‫معدل الفائدة لضمان إنجاح القرض‪ ،‬ملا يمكن أن يترتب عن ذلك من‬
‫إثقال كاهل الدولة بأعباء خدمة الدين‪ 3 .‬وعموما‪ ،‬يمكن التفرقة بين سعر‬
‫الفائدة االسمي والسعر الحقيقي‪4 :‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80 .‬‬


‫‪ .2‬محمد حلمي مراد‪ ،‬مالية الدولة‪( ،‬املكتبة القانونية‪ ،)1970 ،‬ص‪https://www.noor-book.com .250 .‬‬
‫‪ .3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.251 .‬‬
‫‪ .4‬محمد دويدار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.287-286 .‬‬

‫‪225‬‬
‫أ‪ .‬سعر الفائدة االسمي‪ :‬هو املبلغ الذي يدفع سنويا (أو نصف‬
‫سنوي) عن كل جزء من القرض‪.‬‬
‫ب‪ .‬سعر الفائدة الحقيقي‪ :‬يختلف بحسب ما إذا كان إصدار‬
‫القرض قد تم بسعر التكافؤ‪ ،‬أو بسعر أقل من سعر التكافؤ أو‬
‫بجائزة سداد‪.‬‬
‫فيكون اإلصدارعند سعرالتكافؤ عندما يقوم املكتتب بدفع القيمة‬
‫الواردة في السند‪ ،‬كما لو كانت قيمة السند ‪ 100‬دينار ودفع املكتتب هذا‬
‫املبلغ‪ .‬في هذه الحالة تكون الفائدة االسمية مساوية للفائدة‪.‬‬
‫ويكون اإلصدارعند سعرأقل من سعرالتكافؤ عندما يقوم املكتتب‬
‫بدفع قيمة أقل من تلك الواردة في السند‪ ،‬فمثال‪ ،‬إذا كانت القيمة الواردة‬
‫في السند ‪ 100‬دينار ودفع املكتتب أقل من ذلك وليكن ‪ 90‬دينار‪ ،‬في هذه‬
‫الحالة يكون سعر الفائدة الوارد في السند الذي قيمته ‪ 100‬دينار هو ‪،%5‬‬
‫وإذا كان املكتتب يدفع للدولة ‪ 90‬دينار فقط فإنه يحصل على خمسة‬
‫دنانير كفائدة في مقابل إقراض مبلغ ‪ 90‬دينار فيكون سعر الفائدة‬
‫الحقيقي هو ‪.%5.5‬‬
‫كما قد يكون اإلصدار بجائزة سداد‪ :‬إذا تم إصدار القرض بسعر‬
‫التكافؤ مع تعهد الدولة بأن تقوم عند السداد بدفع قيمة تزيد على القيمة‬
‫الواردة في السند‪ ،‬كان تتعهد الدولة بان تدفع عند السداد مبلغ ‪110‬دينار‬
‫لصاحب السند الذي تكون قيمته اإلسمية مساوية ملبلغ ‪ 100‬دينار‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫ثالثا‪ :‬سعراإلصدار‪.‬‬
‫إذا كانت القيمة االسمية للسند عبارة عن سند قرض (على سبيل‬
‫املثال ‪ 100‬دينار)‪ ،‬يمكن للحكومة بيعه بقيمته االسمية عند إصداره‪،‬‬
‫ويقال بعد ذلك أنه تم إصدار القرض بالقيمة االسمية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يجوز‬
‫لها بيعها بأقل من قيمتها االسمية‪ ،‬أي "بخصم اإلصدار"‪ ،‬مثل بيع السند‬
‫بمبلغ (على سبيل املثال‪95 ،‬دينار)‪ ،‬أو بيعها بأكثر من قيمتها االسمية‪ ،‬أي‬
‫بعالوة "مثل بيع السند بمبلغ ‪ 105‬دينار‪ ،‬ومن الواضح أن الحكومة هي‬
‫التي تحدد السعر الذي تبيع به السندات‪ .‬ولعل الهدف من بيع السندات‬
‫"بخصم اإلصدار" هو جذب الجمهور لالكتتاب‪ ،‬ألن هذا يرفع ً‬
‫فعليا سعر‬
‫الفائدة الحقيقي للسندات‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬نوع السندات املصدرة وفئاتها‪.‬‬
‫تأخذ شكل سندات حكومية تصدرها الدولة‪ ،‬ثم تطرحها لالكتتاب‬
‫العام‪ ،‬وهذه السندات قد تكون اسمية أو لحاملها أو مختلطة‪1:‬‬

‫‪ .1‬تكون السندات اسمية إذا اشتملت على اسم مالكها‪ ،‬حيث تقوم‬
‫الدولة بتسجيل أسماء أصحابها في سجل للدين وتعطي لهم هذه‬
‫السندات كشهادة بما هو وارد فيها‪ .‬وال يجوز نقل ملكية السند‬
‫االسمي إال بتغيير البيانات املثبتة في السجل وبعد التحقق من‬
‫شخصية الطرفين‪ .‬وال تدفع فائدة السند إال لصاحب السند‪،‬‬
‫وبذلك يكون املكتتبون في مأمن من سرقة سنداتهم أو ضياعها‪.‬‬

‫‪ .1‬أنظر في ذلك‪ - :‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.81-80 .‬‬


‫محمد حلمي مراد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.250 .‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪227‬‬
‫غير أن تداولها غير مرن‪.‬‬
‫‪ .2‬قد تكون السندات لحاملها‪ ،‬فتمتاز بتحررها من اإلجراءات‬
‫الشكلية سواء من حيث نقل ملكيتها أو دفع فوائدها‪ .‬فتنقل‬
‫ملكية هذه السندات بتسليمها من يد ألخرى دون حاجة إلى التأكد‬
‫من شخصية مقدمها‪.‬‬
‫‪ .3‬قد تكون السندات مختلطة‪ ،‬أي انها تأخذ شكال وسطا بين‬
‫الشكلين السابقين‪ ،‬حيث تجمع مزايا السندات االسمية فيما‬
‫يتعلق بالتسجيل وعدم نقل ملكيتها إال بعد تغيير البيانات املثبتة‬
‫في السجل‪ ،‬ومزايا السندات لحاملها‪ ،‬من حيث تحصيل الفوائد‪،‬‬
‫حيث تدفع فوائدها بمجرد تقديم الكوبونات‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬طرق االكتتاب‪.‬‬
‫يشار إلى العمليات املادية التي يتم من خاللها الحصول على مبلغ‬
‫القرض من األفراد باسم (طريقة االكتتاب)‪ .‬وهناك أربع طرق مختلفة‬
‫لذلك‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬االكتتاب العام املباشر‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ً‬
‫وفقا لهذا النموذج‪ ،‬تصدر الدولة سندات القرض العام‬
‫لالكتتاب‪ ،‬مع إدراج شروط ومزايا القرض باإلضافة إلى بداية فترة‬
‫االكتتاب ونهايتها‪ ،‬وشروط القرض واملزايا التي تمنح للمكتتبين به‪ ،‬ويقوم‬
‫من يرغب باالكتتاب بشراء السندات من البنوك التجارية أو املركزية أو‬

‫‪ .1‬محمد ساحل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 199‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫مكاتب البريد‪ 1 .‬وتتميز هذه املقاربة بكونها تزود الدولة بمبلغ العمولة التي‬
‫ً‬
‫يدفعها الوسطاء (البنوك)‪ ،‬فضال عن أنها تضمن رقابة دقيقة على عملية‬
‫اإلصدار‪ ،‬مما ال يتيح الفرصة للمضاربة بسندات القرض‪ .‬ومن ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬فإن أحد عيوب هذا النهج هو أنه ال يغطي القرض؛ ونتيجة لذلك‪،‬‬
‫ً‬
‫صغيرا‬ ‫ال تستخدمها الدولة إال في الحاالت التي يكون فيها مبلغ القرض‬
‫نسبيا أو عندما يكون من املؤكد أن القرض سيتم تغطيته‪ .‬ويتم تحديد‬ ‫ً‬
‫فعالية طريقة اإلصدار املباشر من خالل ثقة املقرضين في سياسات‬
‫الحكومة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االكتتاب املصرفي‪.‬‬
‫طبقا لهذا األسلوب تعمل البنوك (واملؤسسات املالية) كوسيط في‬
‫تغطية القرض عن طريق شراء سندات قروض من الحكومة من خالل‬
‫املمارسة أو املزايدة ثم إعادة بيع هذه السندات للجمهور بشكل مباشر أو‬
‫في سوق األوراق املالية بأي سعر تراه مناسبا‪ً ،‬‬
‫ونظرا ألن طريقة إصدار‬
‫القرض هذه تتيح للحكومة الحصول بسرعة على األموال التي تحتاجها‪،‬‬
‫فإنها تجبر الحكومة على بيع سندات القرض للقطاع املصرفي بسعر‬
‫منخفض من أجل االستفادة من األرباح‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬االكتتاب عن طريق األسواق املالية‪.‬‬
‫يسمح هذا الشكل من اإلصدار للحكومة ببيع سندات القرض في‬
‫البورصة باملعدالت التي تراها مقبولة كل يوم‪ ،‬وتتميز بأنها تتيح للحكومة‬
‫مراقبة تحركات أسعار السوق وبيع السندات في الوقت املناسب‪ ،‬ويجب‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84 .‬‬

‫‪229‬‬
‫على الدولة عدم بيع كميات كبيرة من السندات ملنع أسعارها من الهبوط‬
‫واإلضرار بمركزها املالي مع ارتفاع أسعار الفائدة‪ ،‬مما يرفع من أعباء‬
‫الدولة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬بيع سندات القرض العام باملزاد‪.‬‬
‫هذا يحدث بشكل خاص في البلدان األنجلو سكسونية‪ ،‬كما يتضح‬
‫من تحديد الدولة لسعر الفائدة على القرض ومعارضتها لبيع سندات‬
‫القرض بسعر أقل من معدل التكافؤ‪ .‬مثال إذا كان سعر السند االسمي‬
‫‪ 100‬دينار وسعر الفائدة ‪ ،٪5‬والحد األدنى لسعر السند الذي تقبله‬
‫الدولة هو ‪ 90‬دينار‪ ،‬غير أنها تطرح السندات وتبيعها في املزاد ملن يدفع‬
‫أكثر من ‪ 90‬دينار‪ ،‬وإذا تمت تغطية القرض أكثر من مرة‪ ،‬تبدأ في‬
‫تخصيص السندات للشخص الذي قدم أكبر مبلغ‪ ،‬ثم التالي‪ ،‬وهكذا‬
‫دواليك حتى يتم تغطية القرض بالكامل‪ً ،‬‬
‫وغالبا ما يستخدم هذا النهج في‬
‫أذونات الخزينة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬املزايا والضمانات املمنوحة للمكتتبين‪.‬‬
‫لترغيب األفراد على عملية االكتتاب في سندات القرض العام‬
‫تقرر الدولة منحهم مزايا وضمانات لتحفيزهم على اإلقراض‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫مكافأة السداد التي تتقرر كمبلغ في القيمة االسمية أو الرسمية للسندات‬
‫املكتتب بها‪ ،‬جوائز اليناصيب التي تمنح لبعض السندات (كأن تتعهد‬
‫الدولة بدفع مبلغ كبير من النقود لبعض السندات التي تخرج بالقرعة)‪،‬‬
‫أو إعفاء السندات وفوائدها من الضرائب‪ .‬باإلضافة إلى تأمين املقرضين‬
‫ضد خطر انخفاض قيمة النقود وذلك من خالل تقرير سعر فائدة مرتفع‬

‫‪230‬‬
‫جدا يعوض ما يحتمل أن يطرأ من انخفاض في قيمة النقود وما يترتب‬
‫عليه من رد املبالغ املقترضة بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية عند‬
‫اإلقراض‪ ،‬غير أن هذا اإلجراء من شأنه زيادة العبء املالي الذي يقع على‬
‫الخزانة العامة للدولة عند تسديد خدمة الدين العام‪ .‬كما يمكن للدولة‬
‫ربط قيمة القرض الحقيقية بمال عيني‪ ،‬حيث ترتفع قيمة األخير بارتفاع‬
‫املستوى العام لألسعار‪ ،‬كربط القرض بالذهب او بالعمالت األجنبية‪1.‬‬

‫كما يمكن للدولة أن تميز سندات القروض العامة من خالل تحديد أنه ال‬
‫يمكن االستيالء عليها بالحجز لسداد الديون‪2.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬انقضاء القرض العام‪.‬‬


‫يتم انقضاء القرض العام برد قيمته إلى املكتتبين فيه‪ .‬وتنطبق‬
‫على القروض العامة قاعدة وجوب التخلص من الديون بالوفاء بها طاملا‬
‫كان ذلك ممكنا‪ .‬وقد يتم تخفيف الدين العام إما بالوفاء‪ ،‬أو بتخفيض‬
‫سعر الفائدة املقررة عليه‪ .‬ويمكن إجمال طرق انقضاء الدين العام في‬
‫أربعة طرق رئيسية هي‪ 3:‬الوفاء‪ ،‬التثبيت التبديل وأخيرا االستهالك‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الوفاء بالقرض العام‪.‬‬
‫يقصد بالوفاء بالدين العام رد قيمة القرض بأكمله إلى املكتتبين‬
‫فيه‪ ،‬وذلك ال يتم إال بالنسبة للقروض املحددة املبلغ‪ ،‬التي يمكن للدولة‬
‫سدادها من مواردها العادية‪ .‬أما بالنسبة للقروض الضخمة فعادة ما‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.82 .‬‬


‫‪ .2‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.78-77.‬‬
‫‪ .3‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.255 .‬‬

‫‪231‬‬
‫يكون من الصعب على الدولة سدادها دفعة واحدة‪ ،‬بل يتم استهالكها على‬
‫عدة سنوات‪.‬‬
‫وال تحدد الدولة موعدا النقضائه في حالة القرض املؤبد‪ ،‬حيث‬
‫تستطيع الوفاء به متى أرادت‪ ،‬ولها أن تتنازل عنه متى وجدت أن ذلك‬
‫يحقق مصلحتها‪ .‬على أن التخلص من هذه الديون يكون بطريقة األقساط‬
‫وليس السداد الكامل بالنظر لضخامتها‪1 .‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تثبيت القرض العام‪.‬‬


‫عادة يتم استخدام هذه االستراتيجية لسداد الديون قصيرة‬
‫األجل‪ ،‬وتعني تحويل قرض قصير األجل إلى قرض متوسط أو طويل األجل‬
‫عندما يحين موعد سداده‪ .‬يتم تحقيق ذلك من خالل إصدار الدولة‬
‫لقرض عام جديد متوسط أو طويل األجل بنفس قيمة القرض القديم‬
‫قصير األجل مع السماح لجميع سندات القرض القديمة باالكتتاب في‬
‫القرض الجديد‪ .‬ثم يتم تحويل القرض القديم ضمن الحدود التي يقبلها‬
‫إجمالي السندات لالكتتاب في القرض الجديد؛ في هذه الحالة‪ ،‬يكون‬
‫طوعيا‪ ،‬ومن الواضح أن هذا التحويل االختياري سيعتمد على‬ ‫ً‬ ‫التحويل‬
‫مجموعة متنوعة من الحوافز إلقناع حاملي سندات القرض القديمة‬
‫باالشتراك في سندات القرض‪ ،‬وقد يكون سعر الفائدة للقرض الجديد‬
‫أعلى من السعر القديم وسعر السوق‪2.‬‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.86 .‬‬


‫‪ .2‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78‬‬

‫‪232‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تبديل القرض العام‪.‬‬
‫تبديل القرض عملية قانونية ومالية تهدف الدولة من ورائها إلى‬
‫خفض معدل الفائدة التي تدفعها عن دين عام‪ ،‬فمثال‪ ،‬إذا كان الدين قد‬
‫صدر بسعر فائدة ‪%5‬واستطاعت الدولة خفض سعر الفائدة إلى‪%4‬‬
‫نكون بصدد تبديل للدين‪ .‬في هذه الحالة تبقى الدولة مدينة بمقدار الدين‬
‫لحين تاريخ الوفاء به‪ ،‬ولكن القدر الذي تدفعه كفائدة في ميعاد دفع‬
‫الفوائد يقل بنسبة نقصان سعر الفائدة‪.‬‬
‫فالدولة تلتزم بأن تدفع طوال مدة القرض فائدة تكون أكبر ارتفاعا‬
‫من سعر الفائدة الذي يسود السوق في ظروفه العادية‪ ،‬وذلك إذا ما‬
‫انخفض سعر الفائدة عما كان عليه وقت إصدار القرض العام‪ ،‬في هذه‬
‫الحالة تتحمل الدولة عبئا مبالغا فيه‪ ،‬وهنا تقترح الدولة على املكتتبين‬
‫تبديل القرض بدفع سعر الفائدة السائد في السوق بدل السعر املرتفع‬
‫الذي أصدرت به القرض‪ .‬هذا ويمتاز تبديل الدين (عن إصدار دين جديد‬
‫لسداد الدين القديم‪ ،‬بأنه يوفر الوقت واملال‪1.‬‬

‫قد يكون استبدال القرض اختيارًيا إذا منحت الحكومة حاملي‬


‫سندات القرض القديمة خيار سداد أصل الدين أو قبول تخفيض معدل‬
‫اميا إذا فرضت الدولة على حملة سندات‬ ‫الفائدة وتغييره‪ ،‬وقد يكون إلز ً‬
‫القرض القديم قبول سندات قرض جديد بسعر فائدة منخفض‪ ،‬أو‬
‫إجبارهم على قبول استيراد قيمة القرض القديم دون مراعاة إلرادتهم‪2.‬‬

‫‪ . 1‬محمد دويدار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.293-292 .‬‬


‫‪ .2‬عبد الفتاح عبد الرحمان عبد املجيد‪ ،‬اقتصاديات املالية العامة‪( ،‬القاهرة‪ :‬املطبعة الكمالية‪ ،)،1990 ،‬ص‪.416‬‬

‫‪233‬‬
‫ويشترط في عملية تبديل القرض العام ما يلي‪1 :‬‬

‫‪ .1‬أن تتوافر ثقة املقرضين في الدولة‪ ،‬فإذا لم تتوافر هذه الثقة‬


‫وخيرتهم الدولة بين قبول تخفيض الفائدة ورد القرض‪ ،‬فإنهم‬
‫سيختارون الحل األخير؛‬
‫‪ .2‬أن تكون الفائدة املقترحة للقرض مساوية على األقل للفائدة‬
‫الجارية في السوق أو أعلى منها بقليل‪ ،‬وإال فإن املقرضين‬
‫سيفضلون استرداد أموالهم واستثمارها بسعر الفائدة الجاري في‬
‫السوق؛‬
‫‪ .3‬أال تكون املدة املقترحة للقرض الجديد مدة طويلة‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬استهالك القرض العام‪.‬‬
‫االستهالك هو دفع الدين على أقساط‪ ،‬وبهذه العملية تتحول‬
‫الدولة من التزاماتها الدائمة والديون طويلة األجل التي توفرها لالستهالك‬
‫بموجب عقدها‪ 2،‬وهناك نوعان من أشكال االستهالك‪ ،‬االستهالك‬
‫اإلجباري واالستهالك االختياري‪3:‬‬

‫فاالستهالك اإلجباري عبارة عن استهالك القروض املؤقتة عند‬


‫حلول موعد السداد‪ ،‬وقد تلجأ الدولة إلى االستهالك التدريجي أي استهالك‬
‫القرض على أقساط سنوية محددة‪ ،‬حيث تقوم الدولة كل فترة بتسديد‬
‫جزء من قيمة السند باإلضافة إلى الفائدة املستحقة على السند‪ ،‬أو تلجأ‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.502 .‬‬


‫‪ .2‬محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العالء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.85-84.‬‬
‫‪ .3‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.371‬‬

‫‪234‬‬
‫إلى االستهالك بالقرعة حيث تقوم الدولة بسداد عدد محدد من السندات‬
‫كل سنة يتم اختيارها بطريق القرعة‪.‬‬
‫كما يمكن للدولة أن تتدخل الستهالك القرض العام من خالل‬
‫شراء السندات من سوق األوراق املالية (البورصة)‪ ،‬ويتم ذلك عندما يكون‬
‫سعر السندات في البورصة أقل من سعر التعادل‪ ،‬أو أن قيمتها دون‬
‫القيمة اإلسمية األصلية‪ ،‬وهذا ال يعني أن الدولة يمكنها استهالك عدد‬
‫كبير من السندات بسبب أن اقبالها على شرائها من البورصة يؤدي إلى‬
‫ارتفاع ثمنها‪1 .‬‬

‫أما االستهالك االختياري فيحدث عندما تجد الدولة أن ظروفها‬


‫املالية مواتية للتخلص من بعض عبء الدين العام‪ ،‬ويكون ذلك عند‬
‫سداد القروض املؤبدة أي غير محددة املدة‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اآلثاراالقتصادية للقروض العامة‪.‬‬
‫للقروض العامة آثار واسعة ومتباينة على النشاط االقتصادي‬
‫والتوازن االقتصادي في مجموعه‪ .‬فهي أداة من أدوات املالية العامة‪،‬‬
‫تغيرت النظرة إليها مع تغير دور الدولة من الدولة الحارسة إلى املتدخلة إلى‬
‫املنتجة‪ ،‬فلم تعد مصدرا استثنائيا من مصادر اإليرادات العامة‪ ،‬بل‬
‫أصبحت الدولة تستعين بها إلحداث آثار اقتصادية واجتماعية‪ 2،‬ملا لها‬
‫من تأثير ملحوظ على توزيع العبء املالي العام بين فئات املجتمع وعلى‬
‫مستوى الدخل القومي ونمط توزيعه‪ ،‬وهي أداة مهمة لتحقيق التناسق‬

‫‪ .1‬طاهر الجنابي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.88 .‬‬


‫‪ .2‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.261 .‬‬

‫‪235‬‬
‫والربط بين السياسة املالية والنقدية نتيجة آلثارها الواضحة على الطلب‬
‫الفعلي وعلى كمية النقد املتداول ناهيك عن إسهامها في تمويل اإلنفاق‬
‫الحكومي‪.‬‬
‫وقد تكون اآلثار االقتصادية التي تمارسها القروض العامة‬
‫بمختلف عملياتها من طبيعة انكماشية‪ ،‬أو من طبيعة توسعية‪ ،‬أو من‬
‫طبيعة تضخمية‪ .‬وهو ما يتوقف بصفة أساسية على ثالثة عوامل‪1 :‬‬

‫‪ .1‬التنظيم الفني للقرض العام‪ ،‬وهو يتعلق بتحديد املكتتبين في‬


‫القرض العام‪ ،‬مدته‪ ،‬كيف يستهلك‪ ،‬وما هي املوارد املالية التي‬
‫تغطي عملية االستهالك هذه؛‬
‫‪ .2‬مستوى الدخل القومي‪ ،‬ومستوى التشغيل القومي‪ ،‬ومدى مرونة‬
‫العرض الكلي الرتفاع الطلب الكلي؛‬
‫‪ .3‬طبيعة النفقات التي تمولها هذه القروض‪ ،‬وهل هي نفقات‬
‫استهالكية أم نفقات استثمارية‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬اآلثاراالقتصادية للقروض العامة الداخلية والخارجية‪.‬‬


‫يتوقف األثر االقتصادي للقروض العامة على عوامل عدة منها‬
‫مصدر األموال املقترضة‪ ،‬وهنا نميز بين حالتين‪2:‬‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.507 .‬‬


‫‪ .2‬عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 242‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثاراالقتصادية للقروض العامة الخارجية‪.‬‬
‫القروض العامة الخارجية لها آثار اقتصادية هامة باألخص على‬
‫الدولة املقترضة‪ ،‬تتحدد هذه اآلثار بالكيفية التي يتم فيها إنفاق حصيلة‬
‫هذه القروض‪ .‬فالقروض الخارجية يترتب عنها وضع قوة شرائية تحت يد‬
‫الدولة املقترضة تستعين بها لتقوية أرصدتها من العمالت األجنبية أو‬
‫الستخدامها في شراء سلع من الخارج‪ ،‬وفي الحالتين تؤدي هذه القروض إلى‬
‫تحسين مركز ميزان مدفوعاتها‪ .‬وقد تكون القروض الخارجية إما سائلة أو‬
‫على صورة سلع وخدمات توضع تحت تصرف الدولة املقترضة‪.‬‬
‫فإذا احتفظت بها الدولة في الصورة األولى أمكن تخليص السوق‬
‫النقدي من العوامل االنكماشية فيدفع إلى التوسع النقدي‪ ،‬أما إذا‬
‫استخدمت حصيلة هذه القروض في شراء سلع وخدمات فإن آثارها‬
‫تختلف تبعا لنوع السلع املستوردة استهالكية كانت أو إنتاجية‪.‬‬
‫ففي حال كانت استهالكية فإنها تزيد من عرض هذه السلع وبالتالي‬
‫تكون أداة مقاومة الرتفاع األسعار في الداخل‪ ،‬وفي حال كانت إنتاجية فإنها‬
‫تمكن من التوسع في االستثمار ورفع مستوى الدخل وتحقيق التنمية‬
‫االقتصادية خصوصا في الدول املتخلفة‪.‬‬
‫وفي املقابل يؤدي القرض الخارجي إلى تحويالت نقدية بين املمولين‬
‫في الداخل إلى املقرضين في الخارج‪ ،‬سدادا لفائدة القرض أو ردا ألصله‪،‬‬
‫وتشكل هذه التحويالت النقدية ما يعرف "بالعبء النقدي للقرض"‪ ،‬وهي‬
‫تشكل عبئا على ميزان املدفوعات‪1 .‬‬

‫‪ .1‬رفعت املحجوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.514 .‬‬

‫‪237‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثاراالقتصادية للقروض الداخلية‪.‬‬
‫يتطلب تحليل اآلثار االقتصادية للقروض الداخلية التمييز فيما‬
‫إذا كانت هذه القروض حقيقة أم صورية؛ فالقروض الداخلية الحقيقية‬
‫تعني تحويل بعض املوارد الحقيقية (القوة الشرائية الفعلية‪ ،‬الدخل)‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إجبارا أو اختيارا إلى القطاع الحكومي‪.‬‬
‫أما القروض الداخلية الصورية تعني قيام الدولة باالقتراض من‬
‫وحدات الجهاز املصرفي التي تقوم بخلق مفتعل لقوة شرائية جديدة غير‬
‫حقيقية يترتب عليها زيادة كمية النقود وهذه القروض ال تختلف في‬
‫حقيقتها عن قيام الدولة بإصدار نقدي جديد‪.‬‬
‫أوال‪ :‬اآلثاراالقتصادية للقروض الداخلية الحقيقية‪.‬‬
‫يترتب عليها تحويل جانب من االستثمارات الخاصة إلى‬
‫االستثمارات العامة‪ ،‬حيث تقل رؤوس األموال املتجهة إلى االستثمارات‬
‫الخاصة مما يترتب عليه رفع سعر الفائدة من ناحية والتأثير على حجم‬
‫هذه االستثمارات من ناحية أخرى بما ينطوي عليه من اتجاه انكماش ي‬
‫يحد من قيام الدولة بتوجيه إنفاقها العام الذي يمول عن طريق القروض‬
‫إلى النحو الذي يزيد من معدل الدخل القومي‪.‬‬
‫يعتبر القرض العام الحقيقي أداة ال تقل فعالية عن الضرائب‬
‫للحد من التضخم ملا يؤدي إليه هذا القرض من امتصاص للزيادة في القوة‬
‫الشرائية دون تأثير على أصحاب الدخول الثابتة‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫ثانيا‪ :‬اآلثاراالقتصادية للقروض الداخلية الصورية‪.‬‬
‫يؤدي االقتراض من الجهاز املصرفي إلى قيام البنك املركزي بإصدار‬
‫نقد يوازي قيمة هذا القرض الذي سيؤدي حجمه األولي إلى زيادة‬
‫االحتياطيات لدى البنوك التجارية التي تمكنها من إحداث زيادات متتالية‬
‫في حجم االئتمان (خلق الودائع)‪.‬‬
‫ال تختلف آثار هذه القروض عن اآلثار التضخمية لزيادة كمية‬
‫النقود ويتوقف مدى عمق هذه اآلثار على ظروف النشاط االقتصادي‪،‬‬
‫ففي حالة كان مستوى العمالة كامل والجهاز اإلنتاجي كان يتميز بدرجة‬
‫كافية من املرونة‪ ،‬فإن هذه اآلثار تتمثل في انخفاض سعر الفائدة بحيث‬
‫يمكن استخدام هذا االنخفاض في تشجيع االستثمار وبالتالي زيادة الدخل‬
‫القومي‪.‬‬
‫أما في الحالة التي تكون فيها عناصر اإلنتاج قد حققت التشغيل‬
‫الكامل فإن مثل هذه القروض سوف تؤدي إلى رفع املستوى العام لألسعار‬
‫بشكل مستمر وستؤدي إلى إدخال االقتصاد الوطني في سلسلة متصلة من‬
‫املوجات التضخمية‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬آثارالقروض العامة في االستهالك واالدخار‪.‬‬
‫تؤثر القروض العامة على االستهالك واالدخار من خالل ما تؤدي‬
‫إليه من إعادة توزيع الدخل القومي‪ .‬وعادة ما يتم هذا التوزيع لصالح امليل‬
‫لالدخار على حساب االستهالك‪ .‬فالقروض تمنح العديد من املزايا‬
‫والضمانات والتسهيالت لصغار املدخرين‪ ،‬من أجل تشجيعهم على‬
‫االدخار واالكتتاب في سندات القرض العام‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫وبالنسبة لصغار املدخرين يكون توظيف مدخراتهم في السندات‬
‫الحكومية أكثر سهولة وأمنا وأقل خطرا من توظيفها في السندات‬
‫الخاصة‪ ،‬مما يؤدي إلى رفع امليل لالدخار وانخفاض امليل لالستهالك‪.‬‬
‫وهنا نشير إلى أن انخفاض االستهالك في فترة االنكماش يكون ذا‬
‫آثار اقتصادية خطيرة‪ ،‬إذ يؤدي إلى مزيد من الكساد‪ .‬أما في حالة التضخم‬
‫فإن انخفاض امليل لالستهالك يترتب عليه حدوث نوع من التوازن‬
‫واالستقرار االقتصادي بمرور الزمن‪1 .‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أثرالقروض العامة على االستثمار‬


‫ينتج عن عقد القرض‪ ،‬وما يرتبط به من دفع لفوائد منتظمة‬
‫وأصل الدين إلى املقرضين‪ ،‬انخفاض األرباح املتوقعة‪ ،‬ومن ثم انخفاض‬
‫الكفاية الحدية لرأس املال‪ ،‬وبالتالي انخفاض امليل لالستثمار‪ ،‬خاصة إذا‬
‫قامت الدولة برفع سعر الفائدة لجذب األفراد لالكتتاب في سندات‬
‫القرض العام‪ ،‬مما يؤثر بالسلب في امليل لالستثمار الخاص‪.‬‬
‫كما أن للقروض العامة تأثير كبير على التوازن االقتصادي‪ ،‬في‬
‫حالة إنفاق حصيلة هذه القروض في مجاالت التنمية املختلفة‪ ،‬حيث‬
‫تساهم في تكوين رأس املال القومي ورفع املقدرة اإلنتاجية القومية‪2 .‬‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.262 .‬‬


‫‪ .2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.263 .‬‬

‫‪240‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬آثارالقروض العامة في إعادة توزيع الدخل الوطني‪.‬‬
‫يتوقف أثر القروض على إعادة توزيع الدخل القومي على األمور‬
‫التالية‪1 :‬‬

‫‪ .1‬مصدر تمويل فوائد القرض العام‪ :‬إذا كان املصدر هو‬


‫الضرائب النسبية أو الضرائب غير املباشرة فهذا يعني أن‬
‫الطبقات الفقيرة هي من سيتحمل العبء األكبر‪ ،‬أما إذا كان‬
‫مصدر التمويل هو الضرائب التصاعدية فهذا يعني أن‬
‫الطبقات الغنية هي التي تتحمل غالبية العبء‪.‬‬
‫‪ .2‬الجهة التي تقبض الفوائد‪ :‬إذا كانت أغلب السندات‬
‫مملوكة من قبل األغنياء فإن املستفيد هو الطبقة الغنية‪،‬‬
‫وهنا يكون أثر القروض في إعادة توزيع الدخل القومي يتجه‬
‫نحو زيادة التفاوت بين الطبقات‪ ،‬والعكس صحيح إذا كانت‬
‫أغلبية السندات مملوكة من قبل الفقراء‪.‬‬
‫‪ .3‬التنظيم الفني للقرض‪ :‬إن إصدار السندات بقيمة مرتفعة‬
‫يعني أن األغنياء هم من يكتتبون بها ومن ثم فإن إعادة التوزيع‬
‫تتجه إلى زيادة التباين واالختالف بين طبقات املجتمع‪،‬‬
‫والعكس صحيح وخصوصا في حال اقترن ذلك بنظام ضريبي‬
‫يقوم على الضرائب التصاعدية أساسا‪.‬‬

‫‪ .1‬أنس حاتم‪" ،‬آثار القروض العامة في النشاط االقتصادي الكلي"‪/ https://www.blogepoch.com ،‬‬

‫‪241‬‬
‫املطلب الخامس‪ :‬أثرالقروض في توزيع العبء املالي العام‪.‬‬
‫يوزع القرض العام العبء املالي بين املقرضين واملكلفين‬
‫بالضرائب‪ ،‬كما أنه يرتب نوعين من األعباء‪ :‬عبء على الخزانة العامة‬
‫للدولة (التزامات الخزانة تجاه املقرضين أي حاملي السندات)‪ ،‬وتتمثل في‬
‫دفع فوائد القرض‪ ،‬ورد أصله واالمتيازات التي تقدمها الدولة للمكتتبين في‬
‫القرض العام‪ ،‬ويسمى هذا العبء "بالعبء املالي للقرض"‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فهو عبء على االقتصاد القومي‪ ،‬أي مدى ثقل‬
‫القرض على الحياة االقتصادية بكل جوانبها‪ .‬ويعرف هذا العبء "بالعبء‬
‫االقتصادي للقرض"‪ ،‬وال يمثل القرض عبئا اقتصاديا إال إذا كانت‬
‫أضراره تفوق منافعه‪.‬‬
‫وفي هذا السياق تجدر اإلشارة إلى أن العبء املالي للقرض يتحمله‬
‫الجيل الحالي املتمثل في املقرضين وتضحياتهم‪ ،‬واألجيال القادمة املتمثلة‬
‫في املكلفين بدفع الضرائب املفروضة عليهم‪ ،‬وأن توزيع العبء العام بين‬
‫األجيال املتالحقة‪ ،‬يتوقف على طبيعة النفقات العامة التي تخصص‬
‫القروض لتغطيتها‪ ،‬كما يلي‪1 :‬‬

‫‪ .1‬القروض التي تستخدم لتغطية النفقات االستهالكية أو في توزيع‬


‫نفقات تحويلية ال تشكل بالنسبة للجيل الحاضر عبئا عاما‬
‫حقيقيا وإنما العبء يكون على األجيال القادمة‪.‬‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.267-264 .‬‬

‫‪242‬‬
‫‪ .2‬القروض التي تستخدم في تغطية نفقات استثمارية تعطي دخال‬
‫يكفي لدفع فوائد القرض ولسداد أصله‪ ،‬ال تحمل الجيل القادم‬
‫عبئا عاما‪ ،‬في حين أنها تحمل الجيل الحالي عبئا حقيقيا‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫اإلص ـ ـ ـ ـ ــدارالنقـ ـ ـ ــدي كآلية‬
‫لتمويل عجزاملوازنة العامة‬
‫قد تضطر الدولة في حال عجز املوازنة‪ ،‬إلى اللجوء آللية اإلصدار‬
‫النقدي‪ ،‬وذلك في حالة العجز عن تغطية النفقات املتزايدة باالعتماد على‬
‫إيراداتها العادية كالرسوم والضرائب أو مصادر اإليرادات االئتمانية‪ ،‬فيما‬
‫يعرف بالتمويل بالعجز أو ما بات يعرف بسياسة اإلصدار النقدي‬
‫(التمويل عن طريق التضخم)‪ .‬وعليه‪ ،‬نهدف من خالل هذا الفصل إلى‬
‫تسليط الضوء على سياسة اإلصدار النقدي‪ ،‬مفهومها‪ ،‬حدودها وآثارها‬
‫االقتصادية كآلية غير تقليدية لتمويل عجز املوازنة العامة وخاصة في‬
‫البلدان الريعية‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اإلصدارالنقدي الجديد‪.‬‬
‫تعمل الدولة عادة على تمويل العجز املوازني من خالل اإليرادات‬
‫العادية بمختلف أنواعها بما فيها الدين العام الداخلي والخارجي على حد‬
‫سواء‪ ،‬لكن قد تلجأ الدولة في حالة عدم كفاية مواردها إلى آلية أخرى‬
‫لتمويل العجز املوازني‪ ،‬فيما يعرف بسياسة التمويل بالعجز‪ ،‬أو ما يعرف‬
‫بسياسة اإلصدار النقدي‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف اإلصدارالنقدي‪.‬‬
‫يعرف اإلصدار النقدي بأنه‪ " :‬قيام الحكومة بإصدار نقود جديدة‬
‫خالل فترة معينة بنسبة تتجاوز نسبة الزيادة العادية في حجم املعامالت‬
‫في االقتصاد الوطني خالل نفس الفترة مع افتراض ثبات سرعة دوران‬
‫النقود"‪1 .‬‬

‫‪ . 1‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ " ،‬حدود سياسة اإلصدار النقدي كآلية للتمويل غير التقليدي للموازنة ‪-‬العامة في‬
‫الجزائر –دراسة تحليلية ملضمون القانون "‪ ،‬مجلة املنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪،04‬‬
‫مارس ‪ ،2018‬ص‪.124 .‬‬

‫‪246‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬يقصد باإلصدار النقدي الجديد (التمويل‬
‫التضخمي) إصدار نقود جديدة توجه نحو اإلنفاق على مشروعات التنمية‬
‫دون أن يكون لهذه القوة الشرائية الجديدة مقابل موجود في االقتصاد‬
‫من سلع وخدمات‪ .‬ويرى البعض أن إصدار نقود جديدة وسيلة لتمويل‬
‫التنمية االقتصادية تسمح بمعالجة ضعف النظام الضريبي‪ ،‬ويرتكزون في‬
‫ذلك على عدة مبررات‪1 :‬‬

‫‪ .1‬إنه يعتبر حافز على االستثمار‪ ،‬وذلك أن ارتفاع األسعار يؤدي إلى‬
‫زيادة أرباح املنظمين‪ ،‬ومنه التوسع في االستثمار وظهور فرص‬
‫جديدة لالستثمار‪ ،‬وهو من ناحية أخرى يؤدي إلى توزيع الدخول‬
‫لصالح أصحاب الدخول املرتفعة وزيادة مدخراتهم الرتفاع ميلهم‬
‫الحدي لالدخار؛‬
‫‪ .2‬استخدام سياسة التمويل التضخمي بقدر مقبول لتشجيع‬
‫التنمية يكفي لتشجيع املنظمين‪ ،‬ويحول دون الخسائر التي قد‬
‫تتعرض لها بعض املشروعات‪ ،‬وال يخش ى في نظرهم تحول‬
‫التضخم املعتدل إلى تضخم طليق‪ ،‬طاملا كان في وسع السلطات‬
‫الحكومية اإلشراف على زيادة عرض النقود والسيطرة على املوارد‬
‫قبل أن تتجاوز األسعار نقطة الخطر‪.‬‬

‫‪ .1‬دراوس ي مسعود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.97-96 .‬‬

‫‪247‬‬
‫وتتم عملية اإلصدار من طرف البنك املركزي بناء على طلب‬
‫الخزينة العمومية في كل دولة‪ ،‬من خالل تقديم سندات حكومية تعطى‬
‫للمصرف املركزي كغطاء لعملية اإلصدار النقدي وفقا لقانون املالية‬
‫املصادق عليه من طرف الهيئة التشريعية‪ ،‬بمعنى ضخ كتلة نقدية‬
‫يصدرها البنك املركزي دون أن يكون لها مقابل‪ ،‬كما قد تتم عملية‬
‫اإلصدار عن طريق توسع البنوك التجارية في اشتقاق نقود الودائع مقابل‬
‫السندات الحكومية التي تصدرها الدولة لصالح هذه البنوك التي يحق لها‬
‫أن تعيد خصم هذه السندات لدى البنك املركزي‪ ،‬والذي يقبلها من‬
‫البنوك التجارية باعتباره امللجأ األخير لإلقراض‪ 1‬بالنسبة للبنوك‬
‫التجارية‪ ،‬ويمول البنك املركزي طلبات هذه البنوك التجارية عن طريق‬
‫اإلصدار النقدي الجديد‪ ،‬مما يزيد من كمية النقود املتداولة في‬
‫االقتصاد‪ ،‬إال أنه نادرا ما يتم اللجوء إلى هذه اآللية على اعتبار أنها تؤثر‬
‫بشكل مباشر في تدني قيمة النقد املحلي‪ 2 .‬وهو ما يشكل عبئا على دخول‬
‫وثروات األفراد‪.‬‬

‫‪ .1‬مقرض املالذ األخير هو عبارة عن مؤسسة نقدية تعمل على املحافظة على الثقة في سيولة‬
‫املؤسسات واألسواق املالية‪ ،‬وتلعب دورا مهما في عالج األزمات املالية‪ ،‬وانتشال البنوك من أزمتها‪،‬‬
‫فهو املؤسسة التي تمتلك حق اإلصدار النقدي‪ .‬أنظر في ذلك‪ - :‬عمرو محي الدين‪ ،‬أزمة النمور‬
‫اآلسيوية‪ ( ،‬القاهرة‪ :‬دار الشروق للنشر‪ ،)2000 ،‬ص ص‪.291-290 .‬‬
‫‪- Michel Aglietta,”Le Préteur en Dernier Ressort International et la Réforme‬‬
‫‪du FMI”, Rapport du Conseil d’Analyse Economique," Crises de la Dette : Prévention et‬‬
‫‪Résolution", )Paris : la Documentation Française, 2003), P.72.‬‬
‫‪ . 2‬يوب فايزة‪" ،‬سياسة اإلصدار النقدي كآلية للتمويل غير التقليدي في الجزائر"‪ ،‬مجلة دراسات اقتصادية‪ ،‬املجلد‬
‫‪ ،13‬العدد ‪ ،2019 ،03‬ص‪.487 .‬‬

‫‪248‬‬
‫فالحكومة تقوم بإصدار النقود مقابل أذونات الخزانة التي ال‬
‫تتجاوز في الحاالت العادية الـ ‪ 06‬أشهر‪ ،‬وهي تشكل مصدرا تضخميا‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن هاته الكتلة النقدية ليس لها مقابل في االقتصاد الحقيقي‪ ،‬وهي‬
‫سياسة مقصودة من الدولة‪ ،‬من أجل تحقيق جملة أهداف اقتصادية‬
‫واجتماعية وسياسية‪1.‬‬

‫وتتشابه سياسة اإلصدار النقدي مع سياسة التيسير الكمي في أن‬


‫كال منهما يرتكز على مبدأ طبع كتلة نقدية ليس لها مقابل لدى البنك‬
‫املركزي‪ ،‬إال أن االختالف بين السياستين هو اختالف جوهري‪ ،‬بحيث أن‬
‫األموال التي يتم ضخها في االقتصاد عن طريق سياسة التمويل بالعجز‪،‬‬
‫توجه مباشرة ملؤسسات اقتصادية غالبا ما تكون ضخمة‪ ،‬وفي صناعات‬
‫استراتيجية كالطاقة والسيارات وغيرها‪ ،‬وال يتم استردادها وال يتم قبض‬
‫سندات مقابلها‪ ،‬وهذه السياسة (سياسة التمويل بالعجز) تكون في فترة‬
‫التوسع أو االنكماش على حد سواء‪ ،‬وتكون موجهة ملؤسسات معينة‬
‫وليس في فترة األزمات‪ .‬في حين أن سياسة التيسير الكمي يتم تطبيقها في‬
‫حالة األزمات املالية التي تتسم بالشمولية والتسارع‪ ،‬ومحاربة االنكماش‬
‫االقتصادي‪2 .‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬التفسيرالنظري لإلصدارالنقدي‪.‬‬


‫لقد ثار الخالف في الفقه املالي بشأن استخدام وسيلة اإلصدار‬
‫النقدي‪ ،‬فالفكر التقليدي يرى أنه في حالة وصول االقتصاد إلى مرحلة‬

‫‪ . 1‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص‪.124 .‬‬


‫‪ . 2‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص‪.126 .‬‬

‫‪249‬‬
‫التشغيل الكامل‪ ،‬أي عدم مرونة الجهاز اإلنتاجي‪ ،‬فإنه يكون من غير‬
‫املالئم اللجوء إلى اإلصدار النقدي الجديد‪ ،‬أي إلى التضخم كوسيلة‬
‫لتمويل أعباء النفقات العامة للدولة‪ ،‬لتفادي اآلثار التضخمية الضارة‬
‫التي تحدث لهذا االقتصاد‪ 1 .‬ويمكن حصر أسباب معارضة الفكر املالي‬
‫التقليدي لهذه الوسيلة التمويلية فيما يلي‪2 :‬‬

‫‪ .1‬افتراض الفكر التقليدي حدوث التوازن االقتصادي‪ ،‬فتعتبر هذه‬


‫العملية تدخال غير مرغوب فيه وذلك إلعاقته لعمل السوق‬
‫ووظيفته في إعادة التوازن االقتصادي الوطني؛‬
‫‪ .2‬لجوء الدولة لإلصدار النقدي الجديد (التمويل بالعجز) يؤدي إلى‬
‫ارتفاع األسعار جراء زيادة الطلب على السلع والخدمات بسبب‬
‫توقع ارتفاع األسعار في املستقبل؛‬
‫‪ .3‬يرى الفكر التقليدي أن ارتفاع األسعار يضر بأصحاب الدخول‬
‫الثابتة‪ ،‬فهي ال تتغير بسرعة تغير األوضاع االقتصادية خصوصا‬
‫املستوى العام لألسعار‪ ،‬ولكن في املقابل فإن أصحاب الدخول‬
‫املرنة (كاألرباح) يستفيدون من التضخم‪.‬‬
‫وتعود ضرورة اللجوء إلى التمويل بالعجز إلى الفكر الكينزي‪ ،‬الذي‬
‫يتجاوز التوازن املالي إلى التوازن االقتصادي الكلي‪ ،‬فارتباط امليزانية‬
‫باالقتصاد الوطني ككل أدى إلى أن التوازن الحسابي لم يعد ذا أهمية‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272 .‬‬


‫‪ . 2‬يوب فايزة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.487 .‬‬

‫‪250‬‬
‫كبيرة‪ ،‬بل تحقيق التوازن االقتصادي هو األهم‪ ،‬حيث تضطر الدولة‬
‫أحيانا إلى إحداث "العجز املقصود" بشكل مؤقت‪ .‬وعليه‪ ،‬فالعجز في‬
‫امليزانية العامة يمكن أن يكون وسيلة لتحريك االقتصاد الراكد إما بالقيام‬
‫باستثمارات جديدة لزيادة اإلنتاج‪ ،‬أو عن طريق خفض معدالت الضرائب‬
‫وبالتالي زيادة ما يسمح ملختلف العناصر االقتصادية بزيادة طلبها على‬
‫السلع والخدمات‪ ،‬كما يمكن زيادة االستهالك عن طريق رفع األجور‪..‬إلخ‪.‬‬
‫املهم إذن هو تحقيق "التوازن االقتصادي العام"‪ ،‬ألنه هو الضمانة إلعادة‬
‫توازن امليزانية في حال استخدام العجز املقصود املؤقت‪ ،‬ومن خالل رقابة‬
‫فعالة تضمن التناسب مع زيادة النفقات العامة‪ ،‬وخلق القوة الشرائية‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وبين عناصر اإلنتاج العاطلة التي يراد بعث النشاط فيها‬
‫من جهة ثانية‪1 .‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن الفكر الكينزي يرى إمكانية اللجوء إلى اإلصدار‬


‫النقدي لتغطية عجز املوازنة في حالة عدم وصول االقتصاد إلى مرحلة‬
‫التشغيل الكامل (أي أن الجهاز اإلنتاجي يكون أكثر مرونة)‪ ،‬ولكن يكون من‬
‫الضروري عند وصول االقتصاد إلى مرحلة التشغيل الكامل‪ ،‬التوقف عن‬
‫اإلصدار النقدي حتى ال يؤدي إلى حدوث التضخم‪.‬‬
‫واستنادا إلى ذلك‪ ،‬يصبح اللجوء إلى اإلصدار النقدي أمرا غير‬
‫مناسب لتمويل عجز امليزانية في الدول النامية لعدم مرونة جهازها‬
‫اإلنتاجي‪ ،‬مما قد يؤدي إلى حدوث التضخم بآثاره السيئة‪ .‬فاللجوء إلى آلية‬

‫‪ . 1‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص‪.126 .‬‬

‫‪251‬‬
‫اإلصدار النقدي (التضخم املالي) يجب أن يتم في أضيق نطاق ممكن‬
‫وبحذر شديد لتجنب اآلثار السلبية التي قد تنتج عنها‪1.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬شروط اإلصدارالنقدي ومبرراته‪.‬‬


‫املطلب األول‪ :‬شروط اإلصدارالنقدي‪.‬‬
‫يعد اإلصدار النقدي الجديد من أسهل الوسائل التي تلجأ إليها‬
‫الدولة لتغطية النفقات العامة في حالة عدم كفاية اإليرادات العامة‪.‬‬
‫وقبل تطبيق سياسة اإلصدار النقدي من أجل تمويل عجز املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬فإن هاته السياسة تتطلب توفر عدة شروط في االقتصاد‬
‫املعني‪ ،‬من أجل أن تكون لها آثار إيجابية على االقتصاد‪ ،‬نذكرها على‬
‫النحو اآلتي‪2 :‬‬

‫‪ .1‬يجب أن تكون االستراتيجية التنموية للدولة تقوم على دعم جانب‬


‫العرض‪ ،‬خاصة في مجال املشاريع االستثمارية والبنى التحتية‪،‬‬
‫وعليه فإن هاته السياسة تستوجب توجيه هاته األموال إلى‬
‫مشاريع استثمارية حيوية وسريعة العائد يمكن من خاللها‬
‫االستغناء عن اإلصدار الجديد فيما بعد؛‬
‫‪ .2‬يجب أن يتم طبع النقود على دفعات متباعدة من حيث الفترة‪،‬‬
‫كما يجب أن تكون الكتلة النقدية التي تضخها مدروسة بعناية‪،‬‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272 .‬‬


‫‪ . 2‬أنظر في ذلك‪ :‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص ص‪.128-127 .‬‬
‫دراوس ي مسعود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.149-148 .‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪252‬‬
‫حتى ال تؤدي إلى بروز قوى تضخمية تأتي على النمو االقتصادي‬
‫املستهدف؛‬
‫‪ .3‬أن يكون الجهاز االنتاجي مرنا كفاية المتصاص هذه الزيادة‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن هذه الكتلة هي تضخمية ألنه ليس لها مقابل‪.‬‬
‫‪ .4‬تضافر السياسات االقتصادية مثل سياسات االستثمار وسعر‬
‫الفائدة والضرائب‪ ،‬وذلك لضمان السيطرة على اآلثار التضخمية‬
‫التي يسببها اإلصدار النقدي‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬مبررات اإلصدارالنقدي الجديد‪.‬‬
‫نظرا ملا لعملية اإلصدار النقدي من آثار سلبية على االقتصاد‪،‬‬
‫فإن الدول نادرا ما تلجأ إليها في عملية تمويل عجز املوازنة العامة‪ ،‬وتستند‬
‫في القيام باإلصدار النقدي الجديد على سلطتها في االشراف على النظام‬
‫النقدي وتوجيهه‪ ،‬وتقوم بتحديد القواعد التي يسير بمقتضاها وتحديد‬
‫كمية اإلصدار‪.‬‬
‫وغالبا ما تكون عملية اإلصدار النقدي الجديد أمرا متعمدا كأحد‬
‫وسائل السياسة امليزانية التي تستخدمه لتحقيق أهدافها االقتصادية‬
‫وأهمها تحقيق آثار توسعية على االقتصاد من أجل حثه على النمو‬
‫وتحقيق التشغيل‪ ،‬كما يمكن أن تلجأ الدولة إليه من أجل استهالك‬
‫القروض العامة‪1 .‬‬

‫‪ . 1‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص ص‪.129 .‬‬

‫‪253‬‬
‫وعموما‪ ،‬هناك مبررين لاللتجاء إلى وسيلة اإلصدار النقدي‬
‫الجديد‪1 :‬‬

‫األول‪ :‬يعتبر حافزا على االستثمار‪ ،‬ذلك أن اإلصدار الجديد يؤدي إلى‬
‫ضعف القوة الشرائية للنقود وبالتالي ارتفاع األسعار‪ ،‬مما يؤدي إلى زيادة‬
‫األرباح والتوسع في االستثمار القائم وظهور فرص جديدة لالستثمار‪ .‬كما‬
‫إنه يؤدي إلى توزيع الدخول لصالح أصحاب الدخول املرتفعة على حساب‬
‫أصحاب الدخول املحدودة‪ ،‬مما يعني زيادة االدخار على حساب‬
‫االستهالك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن اإلصدار النقدي يعتبر وسيلة ضرورية لتمويل االستثمار العام‬
‫والحصول على الوسائل الالزمة لبرامج التنمية‪ ،‬ففي هذه الحالة يؤدي‬
‫اإلصدار النقدي إلى تكوين ادخار اجباري لتمويل مشروعات إنتاجية لها‬
‫أثر هام على معدالت التنمية االقتصادية‪ .‬إال أن هذا األثر ال يمكن أن‬
‫يكون دائما‪ ،‬فهو يرتبط بمدى قبول أو تحمل الطبقات االجتماعية التي‬
‫تعتبر ضحية للتضخم نتيجة انخفاض نصيبها من الناتج القومي‪ ،‬أي أنه‬
‫ينتج أثره في الفترة التي ال تشعر فيها هذه الفئات بعبء التضخم عليها‪ .‬أما‬
‫إذا انتبهت لهذا األثر وطالبت برفع دخولها ملواجهة الزيادة في تكاليف‬
‫املعيشة‪ ،‬فإن اإلصدار الجديد يفقد أثره هذا‪.‬‬
‫وفي األخير يمكن القول أن سياسة اإلصدار لها آثار اقتصادية‬
‫سلبية‪ ،‬فهي تؤدي إلى زيادة املعروض النقدي‪ ،‬بما ينعكس مباشرة في‬
‫تضخم نقدي‪ ،‬ويدخل االقتصاد في حلقة مفرغة –تمويل بالعجز‪ -‬زيادة‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.272 .‬‬

‫‪254‬‬
‫املعروض النقدي‪ -‬عدم وجود إيرادات تؤدي إلى اللجوء إلى إصدار آخر‪-‬‬
‫زيادة املعروض النقدي‪ ،‬وهكذا دواليك إلى أن يصل االقتصاد إلى فقدان‬
‫قيمة النقد التي سرعان ما تتسارع بها االحداث لتأخذ اتجاه انهيار قيمة‬
‫العملة‪ 1 .‬فرغم سهولة االلتجاء إلى هذه الوسيلة لتمويل عجز املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬إال أنه قد يترتب عليها اختالل اقتصادي ونقدي عميق‪.‬‬
‫كما أن اللجوء إلى سياسة التمويل بالعجز كوسيلة لتمويل‬
‫التنمية في البلدان النامية‪ ،‬أي لإلسراع بعمليات تكوين رأس املال‪ ،‬وذلك‬
‫على أساس أنه توجد في هذه الدول موارد عاطلة متنوعة مثل‪ :‬األراض ي‬
‫الزراعية‪ ،‬الثروات الطبيعية واأليدي العاملة العاطلة‪ ،‬قد ثبت فشلها في‬
‫تحقيق أهدافها (تراكم رأس املال)‪ ،‬بل إنها كانت مسؤولة في تفاقم عجز‬
‫امليزانية والوقوع في مشاكل التضخم واملديونية في عدد كبير من هذه‬
‫البلدان النامية؛ وذلك لعدة أسباب على رأسها عدم وجود جهاز إنتاجي‬
‫نام ومرن‪2 .‬‬

‫‪ . 1‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص ص‪.129 .‬‬


‫‪ .2‬صبرينة كردودي‪ ،‬سبرينة مانع‪ ،‬سهام كردودي‪ " ،‬أساليب تمويل عجز امليزانية العامة واآلثار املترتبة عنها"‪ ،‬مجلة‬
‫نورللدراسات االقتصادية‪ ،‬مجلد ‪ ،04‬عدد ‪ ،07‬ديسمبر ‪ ،2018‬ص‪.194 .‬‬

‫‪255‬‬
‫الباب الرابع‬
‫امليزانية العامة وأصولها‬
‫العلمية‬
‫الفصل األول‬
‫مفهوم امليزانية العامة‪،‬‬
‫قواعدها وخصائصها‬
‫تعد املوازنة العامة واحدة من أهم أدوات املالية العامة فعن طريقها‬
‫يمكن التعرف على السياسة املالية للدولة‪ ،‬وأهم أهدافها‪ .‬وفيما يلي عرض‬
‫ملفهوم امليزانية العامة وبيان لقواعدها وخصائصها‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم امليزانية العامة‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعريف امليزانية العامة‪.‬‬
‫تعرف امليزانية العامة بأنها‪" :‬التعبير املالي لبرنامج العمل املعتمد‬
‫الذي تعتزم الحكومة تنفيذه في السنة القادمة تحقيقا ألهداف املجتمع‪1".‬‬

‫كما تعرف أيضا بانها‪ ":‬نظرة توقعية لنفقات وإيرادات الدولة عن‬
‫مدة مقبلة تخضع إلجازة من السلطة املختصة‪2 ".‬‬

‫وبعبارة أخرى فإن‪" :‬امليزانية هي توقع وإجازة لنفقات وإيرادات‬


‫الدولة العامة عن فترة زمنية مقبلة‪ ،‬سنة في املعتاد‪ ،‬تعبر عن أهدافها‬
‫االقتصادية واملالية"‪3.‬‬

‫كما تعرف أيضا بأنها‪ " :‬القانون السنوي الذي يتوقع ويرخص جميع‬
‫اإليرادات والنفقات التي يتعين على الدولة تنفيذها (على األموال العادية)‬
‫خالل السنة املالية التي تم التصويت عليها"‪4.‬‬

‫فامليزانية هي سجل ملا تتوقعه السلطة التنفيذية أن تنفقه وأن‬


‫تحصله من مبالغ خالل مدة زمنية محددة عادة تقدر بسنة واحدة‪ .‬كما‬
‫‪ .1‬حامد عبد املجيد داراز‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪( ،‬بيروت‪ :‬الدار الجامعية‪ ،)1981 ،‬ص‪.21 .‬‬
‫‪ .2‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.273 .‬‬
‫‪ .3‬زينب حسين عوض هللا‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬بيروت‪ :‬الدار الجامعية‪ ،‬سنة‪ ،1995‬ص‪.247‬‬
‫‪4‬‬
‫‪. Raymond Bausch, " Finances publiques", Institu national d’administration‬‬
‫‪publique, octobre 2019, P. 5. Visité le 08/06/2021. Sur‬‬
‫‪https://igf.gouvernement.lu/dam-assets/fr/dossiers/formations/Cours-‬‬
‫‪Finances-publiques.pdf‬‬

‫‪260‬‬
‫تتطلب االعتماد أو اإلجازة من طرف السلطة التشريعية‪ ،‬إذ بواسطتها‬
‫تستطيع هذه األخيرة مراقبة أعمال الحكومة في جميع املجاالت‪1 .‬‬

‫ومن املهام األساسية للموازنة العامة في املفهوم الحديث أن تسهل‬


‫عملية تقويم مقترحات املشروعات العامة‪ ،‬وأن وضع صورة واضحة ألثار‬
‫النشاط املالي للحكومة على تشغيل االقتصاد كامال‪ ،‬والتخطيط‬
‫االقتصادي ال يخرج عن كونه تفكيرا منطقيا منظما بين كيفية توزيع‬
‫املوارد االقتصادية املتاحة للمجتمع وبين االستخدامات املختلفة من أجل‬
‫تحقيق األهداف الوطنية للمجتمع خالل فترة زمنية محددة‪2.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬عناصرامليزانية العامة‪.‬‬


‫يتبين من التعريفات السابقة أن امليزانية تشتمل على عنصرين هما‬
‫ّ ً‬ ‫ً‬
‫معبرا عن أهداف الدولة االقتصادية‬ ‫التوقع واإلجازة فضال عن كونها‬
‫واملالية واالجتماعية‪3:‬‬

‫أوال‪ :‬امليزانية العامة توقع‪.‬‬


‫أي هي استشراف مستقبلي للسلطة التنفيذية على ما ستنفقه أو‬
‫تتلقاه خالل فترة زمنية محددة‪ ،‬عادة سنة واحدة‪ ،‬وتمثل امليزانية بما فيها‬
‫النفقات واإليرادات واملبالغ املخصصة لكل منهما‪ ،‬إضافة إلى الخطط‬
‫االقتصادية والسياسية واالجتماعية للحكومة‪.‬‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.276-273 .‬‬
‫‪ .2‬دراوس ي مسعود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.224 .‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬محمد طاقة وهدى العزاوي‪ ،‬اقتصاديات املالية العامة‪ ،‬عمان‪ :‬دار املسيرة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2‬سنة‪،2010‬‬
‫ص‪.169‬‬

‫‪261‬‬
‫ثانيا‪ :‬امليزانية العامة إجازة‪.‬‬
‫ً‬
‫تتطلب امليزانية العامة موافقة أو تفويضا من السلطة املختصة بما‬
‫يتفق مع توقعات الحكومة‪ ،‬ويعتبر الترخيص من املكونات املميزة للموازنة‬
‫العامة عن املوازنة الخاصة وعنصر اإلجازة هو الذي يفرق امليزانية‬
‫الخاصة (ميزانية املشروع)‪ ،‬عن امليزانية العامة (ميزانية الدولة)‪ .‬فبينما‬
‫يتحد االثنان في أن كليهما يعد نظرة توقعية للمبالغ املنتظر إنفاقها‬
‫واملنتظر تحصيلها خالل فترة زمنية مقبلة (عام واحد)‪ ،‬فإنهما يفترقان من‬
‫حيث إن األولى نظرة توقعية عامة‪ ،‬بينما الثانية نظرة توقعية خاصة‪ .‬هذا‬
‫فضال عن أن امليزانية العامة تتضمن عنصر إجازة السلطة التشريعية‪،‬‬
‫بينما ال تتطلب امليزانية الخاصة مثل هذه اإلجازة‪1.‬‬

‫وال يمكن للحكومة تنفيذ املوازنة إال إذا كانت مرخصة من السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬حسب ما يتم اعتماده من قبل غالبية دول العالم‪ ،‬وهي إحدى‬
‫أهم وسائل السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية‪ ،‬حيث‬
‫يمكنها اإلطاحة بالحكومة من خالل رفض امليزانيات التي تقدمها‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬القواعد الفنية للميزانية لعامة وخصائصها‪.‬‬
‫تم وضع قواعد املوازنة العامة من قبل علماء املالية العامة‬
‫التقليدين خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬وتهدف قواعد املوازنة العامة إلى‬
‫وجوب مراعاة تطبيقاتها عند تحضير املوازنات‪ ،‬إلى جـانب أن هذه القواعد‬
‫وضعت من أجـل الحفاظ على األموال العامة وعدم تبذيرها إال في أوجه‬
‫اإلنفاق العام الهامة وعدم اللجوء إلى تحصيل إيرادات تفوق حاجـة‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.276 .‬‬

‫‪262‬‬
‫الحكومة لإلنفاق‪ ،‬ونظرا للتطور الكبير في وظيفة الحكومات وحاجتها‬
‫للتدخل في إدارة االقتصاد (خاصة بعد ظهور األزمات االقتصادية وظهور‬
‫العديد من النظريات التي تدعو إلى أهمية تدخل الحكومات إلدارة جوانب‬
‫الحياة االقتصادية) األمر الذي استدعى إعادة النظـر في تطبيـقات قواعد‬
‫املوازنة وإدخـال العديد من االستثناءات على تطبيقاتها‪ ،‬وهذا بيان لذلك‪1:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬قواعد املوازنة العامة‪.‬‬


‫الفرع األول‪ :‬قاعدة سنوية املوازنة العامة‪.‬‬
‫تنص القاعدة على أن تكون املدة التي توضع لها املوازنة العامة‬
‫سنة مالية واحدة‪ ،‬وتتم موافقة السلطة التشريعية عليها سنويا‪ ،‬وذلك‬
‫لعدة اعتبارات‪2:‬‬

‫أوال‪ :‬االعتبارات السياسية‪.‬‬


‫تمارس السلطة التشريعية وظيفة الرقابة على الجهاز التنفيذي‬
‫في إطار تنفيذه ألنظمة ولـوائح تنفيذ املوازنة العـامة‪ ،‬والفترة الزمنية ألكثر‬
‫من سنة مالية واحدة قد تؤدي إلى ضعف ممـارسة الـوظيفة الرقـابية‪،‬‬
‫وكـذلك الحال فيما لو تم ممارسة الرقابة لفترة أقل من سنة مالية‪ ،‬حيث‬
‫تصبح الرقابة شديدة تتسبب في تعطيل اإلعمال وإشغال السلطة‬
‫التشريعية‪.‬‬

‫‪ .1‬محمد شاكر عصفور‪ ،‬أصول املوازنة العامة‪ ،‬ط‪ّ 6‬‬


‫(عمان‪ :‬دار املسيرة للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪ 51‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬محمد طاقة وهدى العزاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 179‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫يتطلب إعداد املوازنة وإجازتها وقتا طويال قد يمتد ألكثر من أربع‬
‫شهور من السنة‪ ،‬و ِقصر الفترة الزمنية عن سنة قد يؤدي إلى إشغال‬
‫األجهزة التنفيذية عن القيام بمهامها األخرى‪ ،‬بينما الفترة الزمنية ألكثر‬
‫من سنة قد تتسبب في عدم واقعية تقديرات املـوازنة لتغـير األوضاع‬
‫االقتصادية ما بين فترات االزدهار والكساد االقتصادي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬االعتبارات املالية‪.‬‬
‫املوازنة ألكثر من سنة قد تقود إلى صعوبة التقديرات بحجم‬
‫النفقات واإليرادات‪ ،‬واملوازنة ألقل من سنة مالية واحدة قد يؤدي‬
‫تحضيرها واعتمادها إلى حدوث التفاوت في حجم اإليرادات والنفقات‬
‫إلمكانية حدوث التفاوت بين حجم اإليرادات والنفقات على مدار العام‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬بداية ونهاية السنة املالية‪.‬‬
‫تختلف تجارب الدول في تحديد موعد بداية ونهايـة السنة املالية‬
‫باختالف الظروف االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬فإن القاعدة أن يتم تحضير وإعداد املوازنة العامة‬
‫ً‬
‫لسنة مالية كاملة‪ ،‬أدخلت العديد من االستثناءات منها االستثناءات ألقل‬
‫من سنة وأخرى ألكثر من سنة مالية واحدة‪:‬‬
‫‪ .1‬املوازنات واالعتمادات ألقل من سنة‪:‬‬
‫أ‪ .‬املوازنة االثنا عشرية (املؤقتة)‪:‬‬
‫هي التي يتم تحضيرها والعمل بها لجزء واحد (شهر واحد) من اثني‬
‫عشر جزءا من السنة ويعود ذلك إلى أسباب تأخر تصديق املوازنة ألسباب‬
‫اقتصادية أو سياسية أو تنظيمية‪ ،‬ولضمان سير العمل تلجأ الحكومة إلى‬

‫‪264‬‬
‫إصدار موازنة مؤقتة تحدد أرقام اعتماداتها على أساس أخذ جزء من أثني‬
‫عشر جزء من أرقام املوازنة السابقة بجانبي اإليرادات والنفقات‪ ،‬ويستمر‬
‫العمل شهر بشهر حتى صدور املوازنة الجديدة وال يؤخذ باملشاريع‬
‫الجديدة في تقدير أرقام املوازنة االثنا عشرية‪ ،‬وإنما يتم الصرف على‬
‫النفقات املتكررة واإلدارية والتشغيلية‪ ،‬وتعتبر اعتماداتها جزء من املوازنة‬
‫ً‬
‫الجديدة وتعامل وكأنها سلفه على املوازنة أيضا‪.‬‬
‫ب‪ .‬املوازنات لبضعة شهور‪:‬‬
‫وهي املوازنات التي يتم إعدادها لفترة زمنية أقل من السنة لظهور‬
‫بعض الظروف االقتصادية أو السياسية‪ ،‬وتشتمل على جميع بنود‬
‫النفقات في املوازنات ويتم اعتمادها من السلطة التشريعية‪.‬‬
‫ج‪ .‬االعتمادات اإلضافية (التكميلية ‪-‬االستثنائية)‪:‬‬
‫االعتمادات التي تضـاف ألحد البنود لتغطيـة العجز‪ ،‬وهـذه‬
‫االعتمادات من استثناءات قاعدة سنوية املوازنة على اعتبار إنها تبـدأ بعـد‬
‫بدايـة السنة املالية وتنتهي بنهايتها‪.‬‬
‫‪ .2‬املوازنات واالعتمادات ألكثرمن سنة‪:‬‬
‫أ‪ .‬املوازنات لسنتين أو أكثر (املوازنات الدورية)‪:‬‬
‫تلجأ بعض الدول إلى إجازة موازناتها لعدة سنوات خروجا عن‬
‫قاعدة سنوية املوازنة وذلك ملوجهة بعض الظروف االقتصادية‬
‫والسياسية‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫تحتوي املوازنة العامة على العديد من املشاريع العادية والتي ينتهي‬
‫تنفيذها واإلنفاق عليها بنهاية العام املالي‪ ،‬كما تحتوي على املشاريع‬
‫اإلنمائية والتي قد يمتد تنفيذها لسنوات عديدة‪.‬‬
‫ج‪ .‬االعتمادات الثابتة (الدائمة)‪:‬‬
‫وهي االعتمادات التي تفتح ألكثر من سنة وتعد استثناء لقاعدة‬
‫ً‬
‫سنوية املوازنة‪ ،‬ففي إنكلترا مثال ال تعرض الحكومة في كل سنة جميع‬
‫إيرادات الدولة ونفقاتها على السلطة التشريعية إلقرارها واإلذن‬
‫بتنفيذها‪ ،‬بل هنالك قسم من االعتمادات تأذن الحكومة بجبايته‬
‫وإنفاقه‪ ،‬والقصد منها عدم إضاعة الوقت في إقرار بعض النفقات التي ال‬
‫ً‬
‫تتغير من سنة ألخرى‪ ،‬وال يستغنى عنها مطلقا‪ ،‬وهي إن عرضت على‬
‫ً‬
‫املجلس فسيوافق عليها حتما‪ ،‬لذا تعد الحكومة مأذونة بجبايتها وإنفاقها‬
‫ً‬
‫ضمنيا إال إذا عدلتها قوانين جديدة‪.‬‬
‫ً‬
‫ويمكن القول إن االعتمادات الدائمة أضحت مفهوما غير ذي‬
‫جدوى في ظل تنامي االنتفاضات الديمقراطية وتعمقها في أوساط الشعب‪،‬‬
‫فال مجال لحجب هذه االعتمادات عن ممثلي الشعب مهما كانت‬
‫املسوغات‪ ،‬فرقابة الشعب يجب أن تكون شاملة ملالية الدولة بكل‬
‫انطالقا من مبدأ أن يحكـم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه‪1.‬‬‫ً‬
‫مستوياتها‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قاعدة عمومية املوازنة العامة (الشمول)‪.‬‬
‫أن يدون في وثيقة املوازنة العامة جميع إيرادات ونفقات الدولة أيا‬
‫كان مصدرها وعدم السماح بخصم نفقات وزارة أو مصلحة من إيراداتها‪،‬‬

‫‪ .1‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 130‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫والهدف من هذه القاعدة يتمثل في أن تكون املوازنة شاملة لجميع‬
‫اإليرادات والنفقات وعدم السماح بإجراء ما يعرف (باملقاصة الذاتية) ألي‬
‫وزارة أو مؤسسة حكومية‪ .‬وقاعدة عمومية املوازنة تتناقض مع القاعدة‬
‫التي سبقتها تاريخيا بالتطبيق (قاعدة الناتج الصافي)‪ ،‬والتي تسمح بإجراء‬
‫املقاصة الذاتية وقيد الناتج الصافي من اإليرادات‪1.‬‬

‫أوال‪ :‬مزايا القاعدة‪.‬‬


‫‪ .1‬تسهل عملية ممارسة الرقابة (لوجود جداول منفصلة‬
‫لإليرادات والنفقات)؛‬
‫‪ .2‬توضيح الوضع املالي تفصيال؛‬
‫‪ .3‬تساهم في الحد من اإلسراف وتجاوز االعتمادات‬
‫املخصصة للجهاز الحكومي دون الرجوع ُ‬
‫للسـلطة‬
‫التشريعية؛‬
‫ثانيا‪ :‬عيوب القاعدة‪.‬‬
‫‪ .1‬إلزام جميع مؤسسات الحكومة بقيد جميع إيراداتها‬
‫ونفقاتها مهما كان مقدارها؛‬
‫‪ .2‬عدم تشجيع األجهزة الحكومية على زيادة إيراداتها ملعرفتها املسبقة‬
‫بعدم تأثير ذلك على حجم نفقاتها‪.‬‬

‫‪ .1‬محمود حسين الوادي‪ ،‬زكريا أحمد عزام‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ّ ،‬‬
‫(عمان‪ :‬دار املسيرة للنشر والتوزيع‪،)2007 ،‬‬
‫ص‪.162‬‬

‫‪267‬‬
‫تمنح املؤسسات التي تتمتع باستقالل إداري إلى جانب استقاللها‬
‫املالي (الشخصية املعنوية‪ ،‬االعتبارية) مزايا لكي تتمكن من تطوير‬
‫أعمالها‪ ،‬واالستثناء في ذلك يتمثل في أن إيراداتها ال يتم قيدها تفصيال‬
‫في موازنات الحكومة وال تتضمن وثيقة املوازنة العامة إال األرصدة‬
‫املدينة في حال ظهور العجز في موازناتها حيث يتم تغطية العجز بدعم‬
‫موازناتها‪ ،‬أما األرصدة الدائنة وفائض موازنات املؤسسة فتحتفظ به‬
‫املؤسسة لتحسين خدماتها‪.‬‬
‫‪ .2‬املوازنات امللحقة‪:‬‬
‫موازنات املؤسسات التي تغلب عليها الصفة التجارية أو الصناعية‬
‫أو التعليمية وتتمتع هذه املؤسسات باستقالل مالي وليس لها شخصية‬
‫اعتبارية (معنوية)‪ ،‬وتظهر موازنات هذه املؤسسات في أجزاء ملحقة‬
‫بوثيقة املوازنة العامة للدولة‪ ،‬واالستثناء على القاعدة في موضوع‬
‫املوازنات امللحقة يتمثل في أن إيرادات ونفقات املؤسسات التي تتمتع‬
‫باالستقالل املالي ال تدرج على وجه التفصيل في صلب وثيقة املوازنة العامة‬
‫وإنما تظهر أرصدتها الدائنة في حال وجد فائض لديها وكذلك أرصدتها‬
‫املدينة في حال ظهور العجز لتغطية نفقاتها‪.‬‬
‫‪ .3‬بقايا قاعدة الناتج الصافي‪:‬‬
‫تطبق بعض الدول قاعدة الناتج الصافي‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك أن‬
‫يمنح لدافعي الضرائب إعفاء جزئي من قيمة الضريبة املفروضة‪ ،‬ويتم‬

‫‪268‬‬
‫حسم مقدار الخصم من القيمة اإلجمالية للضريبة ويتم قيد املبلغ‬
‫الصافي للضريبة بعد الحسم‪1.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬قاعدة وحدة املوازنة العامة‪.‬‬


‫تنص على أن تدرج جميع إيرادات الدولة ونفقاتها في موازنة واحدة‬
‫وتظهر في وثيقة واحدة‪ ،‬إلى جانب إظهار جداول اإليرادات وجداول‬
‫النفقات منفصلتين وغير متداخلتين ولكن في وثيقة واحدة‪2.‬‬

‫‪ .1‬مزايا القاعدة‪:‬‬
‫أ‪ .‬عرض املوازنة بشكل واضح يسهل من عملية التعرف على املركز‬
‫املالي‪.‬‬
‫ب‪ .‬تساهم في سهولة ممارسة رقابة الجهاز التشريعي على أعمال الجهاز‬
‫التنفيذي‪.‬‬
‫‪ .2‬استثناءات قاعدة وحدة املوازنة العامة‪:‬‬
‫نظرا للتطور الكبير لوظيفة الحكومات املعاصرة وامتداد‬
‫الوظيفة العامة إلى كافة جوانب الحياة التجارية والصناعية ظهر العديد‬
‫من املنادين بتعدد املوازنات‪ ،‬بحيث يتم وضع موازنة لكل مؤسسة ذات‬
‫صبغة تجارية أو صناعية لتوضيح الوضع املالي لكل مؤسسة على حدة‬
‫وللحكم على مستوى أداء املؤسسات‪ ،‬وتشمل االستثناءات التالي‪:‬‬

‫‪ .1‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 136‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ .2‬محمود حسين الوادي‪ ،‬زكريا أحمد عزام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.162-161.‬‬

‫‪269‬‬
‫أ‪ .‬املوازنات غيرالعادية‪:‬‬
‫تقسم نفقات الدولة (وفقا ملرئيات علماء املالية) إلى قسمين‬
‫أحدهما النفقات العادية وهي التي تتصف بالتكرار سنويا كنفقـات‬
‫تشغيل الجهـاز الحـكومي‪ ،‬وأخرى هي النفقـات غير العاديـة وغير متكررة‬
‫(نفقات املشاريع اإلنمائية ونفقات مواجهة الكوارث الطبيعية)‪ ،‬كما‬
‫تقسم إيرادات الدولة إلى إيرادات عادية (متكررة سنويا) وتشتمل على‬
‫إيرادات الرسوم والضرائب املباشرة وغير املباشرة‪ ،‬وكذلك اإليـرادات غير‬
‫العادية (غير املتكررة) والتي تشتمل علـى القـروض واإلعانات واإلصدارات‬
‫النقدية‪ ،‬واستنادا إلى ما سبق يرى علماء االقتصاد أهمية إصدار موازنتين‬
‫منفصلتين أحـدهما تحتوي على النفقات واإليرادات العادية وأخرى‬
‫للموازنات غير العادية‪.‬‬
‫ب‪ .‬املوازنات املستقلـة‪:‬‬
‫تمنح املؤسسات التي تتمتع باستقالل إداري إلى جانب استقاللها‬
‫املالي (الشخصية املعنوية‪ ،‬االعتبارية) مزايا لكي تتمكن من تطوير‬
‫أعمالها‪ ،‬واالستثناء في ذلك يتمثل في أن إيراداتها ال يتم قيدها تفصيال في‬
‫موازنات الحكومة وال تتضمن وثيقة املوازنة العامة إال األرصدة املدينة في‬
‫حال ظهور العجز في موازناتها حيث يتم تغطية العجز بدعم موازناتها‪ ،‬أما‬
‫األرصدة الدائنة وفائض موازنات املؤسسة فتحتفظ به املؤسسة لتحسين‬
‫خدماتها‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫ج‪ .‬املوازنات امللحقة‪:‬‬
‫موازنات املؤسسات التي تغلب عليها الصفة التجارية أو الصناعية‬
‫أو التعليمية‪ ،‬وتتمتع هذه املؤسسات باستقالل مالي وليس لها شخصية‬
‫اعتبارية (معنوية)‪ ،‬وتظهر موازنات هذه املؤسسات في أجزاء ملحقة‬
‫بوثيقة املوازنة العامة للدولة‪.‬‬
‫واالستثناء على القاعدة في موضوع املوازنات امللحقة يتمثل في أن‬
‫إيرادات ونفقات املؤسسات التي تتمتع باالستقالل املالي ال تدرج على وجه‬
‫التفصيل في صلب وثيقة املوازنة العامة وإنما تظهر أرصدتها الدائنة في‬
‫حال وجود فائض لديها وكذلك أرصدتها املدينـة في حال ظهور العجز‬
‫لتغطية نفقاتها‪1.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬قاعدة عدم تخصيص اإليرادات‪.‬‬


‫تنص هذه القاعدة على أال يخصص إيراد أو جزء من إيراد‬
‫لتغطية نوع معين من النفقات‪ ،‬واستنادا إلى ما سبق فإن جميع اإليرادات‬
‫يتم تحصيلها وتوجيهها لإلنفاق على إجمالي النفقات العامة‪ ،‬فمثال ال يجوز‬
‫تخصيص الرسوم املحصلة على استخراج رخص السيارات للصرف على‬
‫إنشاء طرق أو تعبيدها أو صيانتها‪ ،2‬والسبب يعود إلى‪:‬‬
‫أ‪ .‬تحقيق املساواة بين جميع النفقات العامة؛‬
‫ب‪ .‬يساهم تطبيق القاعدة في توزيع اإليرادات على جميع أوجه‬
‫اإلنفاق العام وفقا ملبدأ األهمية النسبية؛‬

‫‪ .1‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 146‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ .2‬محمود حسين الوادي‪ ،‬زكريا أحمد عزام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.163‬‬

‫‪271‬‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬فإن هناك استثناءات بالنسبة لقاعدة عدم تخصيص‬
‫اإليرادات تتمثل في‪:‬‬
‫‪ ‬تخصيص بعض القروض لإلنفاق على مشاريع معينة‪ ،‬ومن ذلك‬
‫اتفاق حكومتين إلقراض أحدهما األخرى وتخصيص قيمة‬
‫القرض ألغراض معينة؛‬
‫‪ ‬تخصيص بعض اإليرادات لسداد الدين العام؛‬
‫‪ ‬تخصيص بعض اإليرادات ملؤسسات عامة ذات شخصية‬
‫معنوية كالجامعات واملعاهد؛‬
‫‪ ‬التخصيص ألغراض اقتصادية كتخصيص حصيلة رسوم‬
‫اإلنتاج الصناعي لتطوير أنواع معينة من املنتجات؛‬
‫‪ ‬تخصيص أموال الهبات والوصايا لغايات معينة كهبة أو وصية‬
‫أصحاب رؤوس األموال لبناء املدارس أو املكتبات واملساجد‪1.‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬قاعدة توازن املوازنة العامة‪.‬‬


‫تنص هذه القاعدة على أن يتساوى إجمالي النفقات العامة‬
‫العادية مع إجمالي اإليرادات العامة العادية سنويا وذلك منعا لحدوث كل‬
‫من العجز أو الفائض في موازنة الدولة وكالهما يدينه الفكر املالي‬
‫يضر باالقتصاد؛ فالعجز يؤدي إلى زيادة حجم الدين‬ ‫التقليدي ويعتبره ّ‬
‫العام وذلك لحاجة الدولة لالقتراض وقد يؤدي ذلك إلى سحب املوارد‬
‫الخاصة بالقطاع األهلي واملخصصة لالستثمار في قطاعات مختلفة من‬
‫القطاعات االقتصادية‪ ،‬أما بالنسبة لوجود الفائض (ال يحدث إال في‬

‫‪ .1‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 152‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫ً‬
‫حاالت االزدهار االقتصادي) فإن ذلك يعتبر مؤشرا على استخدام الدولة‬
‫لسلطتها لفرض وجباية الضرائب التي تفوق حاجتها مما يتسبب في زيادة‬
‫حجم اإلنفـاق العام وحصول ما يعرف باالنكماش االقتصادي لقلة‬
‫النفقات العامة عن حجم اإليرادات التي تم تحصيلها وجبايتها‪1.‬‬
‫ُ‬
‫لقد طبقت قاعدة توازن املوازنة العامة خالل القرن التاسع عشر‬
‫وبداية القرن العشرين إال أن الظروف االقتصادية (الكساد االقتصادي‬
‫العاملي ‪1929‬م) وكذلك نشوب الحرب العاملية الثانية والتطـور الكبير في‬
‫الدور الحكومي ساهم في ظهور العديد من االستثناءات على القاعدة‬
‫ملعالجة املشكالت االقتصادية‪ 2،‬حيث أصبح اللجوء إلى سياسة العجز‬
‫املوازني‪ ،‬وخاصة بعد ظهور الفكر الكينزي‪ ،‬امليزة األساسية مليزانية‬
‫الدولة‪ ،‬والتي من خاللها تتدخل في االقتصاد‪.‬‬
‫وتعتبر ظاهرة العجز في امليزانية العامة ظاهرة مركبة ومعقدة‪،‬‬
‫تعود إلى شبكة معقدة من العوامل واملؤثرات التي تسهم في حدوث العجز‬
‫وتفاقمه‪ ،‬وهي عوامل ومؤثرات يعود بعضها إلى التغيرات التي تحدث في‬
‫النفقات العامة‪ ،‬وبعضها اآلخر يتعلق بالتغيرات التي تحدث في املوارد‬
‫العامة للدولة‪ ،‬وبمعنى آخر فإن العامل األول لحدوث عجز امليزانية‬
‫العامة يتمثل في تزايد معدالت نمو النفقات العامة من ناحية‪ ،‬ألسباب‬
‫متنوعة منها ما هو ضروري (حالة الكوارث الطبيعية)‪ ،‬ومنها ما هو غير‬
‫ضروري (الحفالت واملباني الفاخرة)‪ ،‬أما العامل الثاني فيتمثل في تباطؤ‬

‫‪ .1‬محمود حسين الوادي وزكريا أحمد عزام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.165-164:‬‬
‫‪ .2‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 139‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫معدالت نمو اإليرادات العامة من جهة أخرى‪ 1.‬ويمكن إبراز أهم العوامل‬
‫املتعلقة بعدم مواكبة اإليرادات العامة لتطور النفقات العامة فيما يلي‪2:‬‬

‫‪ .1‬الضعف الشديد للطاقة الضريبية نتيجة لكثرة اإلعفاءات؛‬


‫‪ .2‬غياب الوعي الضريبي لدى املواطنين بتقديم إقرارات ضريبية‬
‫مزيفة ال تمثل الواقع وبالتالي يؤثر سلبا على الحصيلة الضريبية؛‬
‫‪ .3‬عدم إدراج االقتصاد املوازي؛‬
‫‪ .4‬خطأ في تقدير اإليرادات والنفقات‪ ،‬أي خطأ في دراسة الحالة‬
‫االقتصادية املقبلة التي تنفذ فيها املوازنة‪3.‬‬

‫وفيما يخص عجز املوازنة العامة في البلدان الصناعية‪ ،‬الرأسمالية‬


‫والذي استمر حتى النصف الثاني من السبعينيات من القرن املاض ي‪،‬‬
‫فكان يرجع إلى تأثير أربعة عوامل أساسية هي‪4 :‬‬

‫‪ .1‬توسع الجهاز اإلداري والحكومي بما في ذلك مشروعات‬


‫ومؤسسات القطاع العام‪ ،‬وما واكب ذلك من نمو في حجم‬
‫العمالة الحكومية واألجور املدفوعة لها؛‬
‫‪ .2‬تزايد اإلنفاق العسكري؛‬

‫‪ .1‬صبرينة كردودي‪ ،‬سبرينة مانع‪ ،‬سهام كردودي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.193 .‬‬
‫‪ . 2‬يوب فايزة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.485 .‬‬
‫‪ . 3‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص‪.122 .‬‬
‫‪ .4‬صبرينة كردودي‪ ،‬سبرينة مانع‪ ،‬سهام كردودي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.153 .‬‬

‫‪274‬‬
‫‪ .3‬زيادة املدفوعات التحويلية التي تميزت بها دولة الرفاه لتمويل‬
‫الخدمات االجتماعية ومشروعات الضمان االجتماعي وإعانات‬
‫البطالة ومساعدة الفقراء وذوي الدخل املحدود؛‬
‫‪ .4‬تأثير التضخم‪.‬‬
‫وعموما‪ ،‬يمكن تقسيم العجزاملوازني إلى نوعين رئيسيين حسب‬
‫مدى مساهمة الدولة فيه‪ ،‬كما يلي‪1 :‬‬

‫أوال‪ :‬العجزاملفروض‪.‬‬
‫تتميز النفقات العامة بالزيادة املستمرة من سنة ألخرى‪ ،‬وملواجهة‬
‫هذه الزيادة في األعباء تسعى مختلف الحكومات إلى زيادة اإليرادات‬
‫العامة‪ ،‬وتعتبر الزيادة في النفقات ظاهرة عادية يمكن توقعها وحسابها‬
‫وبالتالي معالجتها‪ ،‬إال أن األعباء التي تطرأ على الدولة في فترات االزمات‬
‫والكوارث هي التي تسبب العجز الحقيقي في امليزانية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العجزاملتراكم (املقصود)‪.‬‬
‫إن التوازن املالي في الوقت الحالي غير ضروري‪ ،‬بل أصبحت‬
‫املوازنة العامة تعتمد العجز املالي املقصود (املتعمد)‪ ،‬عندما تعاني من‬
‫أزمة اقتصادية وتخش ى على اقتصادها الدخول في مرحلة الركود‬
‫االقتصادي‪ ،‬وهنا تسمح بعض الدول بإحداث عجز في موازناتها وفي حدود‬
‫معينة لعالج مشاكل االقتصاد على أن يتم تحقيق التوازن في سنوات‬
‫الحقة‪ ،‬كأن تخفض الضرائب وتلجأ لالقتـراض للوفاء بالتزاماتها واستثمار‬

‫‪ . 1‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص‪.123 .‬‬

‫‪275‬‬
‫األموال في مشاريع عامة تهـدف إلحداث االنتعاش االقتصادي‪ .‬وقد يحدث‬
‫نتيجة لذلك ما يعرف بالعجز املقصود‪ ،‬ويشترط لتطبيق نظرية العجز‬
‫املتراكم (املقصود) عدم االستمرار في وضع عدم التوازن لسنوات طويلة‬
‫لحدوث التضخم وارتفاع األسعار الذي يصاحب االقتراض أو اإلصدار‬
‫‪1‬‬
‫النقدي‪.‬‬
‫والعجز املقصود في املوازنة يمكن من التخلص من العجز‬
‫االقتصادي الناتج عن البطالة وفتور النشاط االقتصادي‪ ،‬وإذا تحقق‬
‫التوازن االقتصادي فإنه يميل إلى أن يعيد من نفسه توازن امليزانية (املالي)‪.‬‬
‫كما أن للعجز املقصود حدود‪ ،‬فال يجب يكون دائما‪ ،‬وال يجوز تركه دون‬
‫رقابة‪ ،‬إ ذ ينبغي على الدولة أن تتوقف عن استعمال العجز املقصود‬
‫عندما تصل إلى الحالة التي تتحقق فيها العمالة الكاملة‪2 .‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬خصائص املوازنة العامة‬


‫للموازنة العامة خصائص رئيسية يمكن تصنيفها في مجموعتين‪3:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬املوازنة العامة وثيقة وخطة‪.‬‬


‫تذهب بعض التعاريف إلى اعتبار املوازنة العامة وثيقة رسمية‬
‫وتشريعية‪ ،‬بينما تعتبرها أخرى خطة عمل مستقبلية شاملة ومرنة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬املوازنة العامة وثيقة رسمية وتشريعية‪.‬‬
‫فاملوازنة العامة وثيقة رسمية‪ ،‬وذلك ألنها تصدر عن جهة رسمية‬
‫في الدولة هي الحكومة‪ ،‬وهي بذلك تمثل اعترافا علنيا ومحددا من الحكومة‬
‫ملجتمعها أو غيره يتضمن مستقبل النشاط املالي للحكومة‪ .‬وهي ال تتضمن‬

‫‪ .1‬رضا خالص ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.139‬‬


‫‪ . 2‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ ،‬مرجع سابق ص‪.124 .‬‬
‫‪ .3‬جمال لعمارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.116-115.‬‬

‫‪276‬‬
‫جميع خواص القانون‪ ،‬بل هي سند أو وثيقة أو صك أو برنامج أو انها عمل‬
‫إداري بحت‪ .‬والحقيقة أن املوازنة تتألف من قانون املوازنة وبه تقدير‬
‫ملجموع اإليرادات والنفقات السنوية‪ ،‬ومن جداول إجمالية وتفصيلية‬
‫ملحقة به‪ ،‬وفيها تفصيل اإليرادات املقدرة واالعتمادات املرصودة‬
‫للنفقات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬املوازنة العامة خطة سنوية مستقبلية شاملة ومرنة‬
‫فاملوازنة العامة خطة سنوية‪ ،‬وهي جزء من التخطيط املالي قصير‬
‫األجل لعمل الحكومة ملدة زمنية مقبلة تسمى السنة املالية‪ .‬وهي خطة‬
‫عمل مستقبلية‪ ،‬تستند إلى مجموعة من التنبؤات والتقديرات‬
‫واالجتهادات التي تتداخل خاللها املعطيات املؤكدة مع املعطيات غير‬
‫املؤكدة‪ ،‬واألوضاع االقتصادية واالجتماعية والسياسية املحلية‬
‫واإلقليمية والدولية‪ .‬كما تعتبر املوازنة العامة خطة شاملة تغطي آثارها‬
‫جميع النشاطات واملستويات التي تنظم سير املجتمع والدولة خالل السنة‬
‫املالية املحددة‪.‬‬
‫وأخيرا فإن املوازنة العامة هي خطة مرنة‪ ،‬إذ يفترض في املوازنة‬
‫العامة أن تتميز باملرونة الكافية التي تجعلها قادرة على مواجهة أي تغييرات‬
‫قد تحدث أثناء السنة املالية التي تغطيها‪ ،‬وهذه الخاصية افتقرت إليها‬
‫املوازنة التقليدية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬املوازنة العامة أداة لتدخل الدولة‪.‬‬
‫لقد أصبحت املوازنة العامة أداة الدولة املعاصرة في تنظيم الحياة‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬خاصة بعد تطور مفهوم الدولة وتوسع مجال‬
‫نشاطها‪ ،‬مما أدى إلى مضاعفة احتياجاتها إلى مصادر جديدة وإضافية‬
‫للدخل نتيجة زيادة نفقاتها‪ ،‬األمر الذي أدى إلى مضاعفة اآلثار املختلفة‬

‫‪277‬‬
‫التي تترتب على عمليتي تحصيل اإليرادات وصرف النفقات‪ .‬ولعل أهم ما‬
‫يمكن أن تحدثه املوازنة العامة في هذا املجال هو‪1 :‬‬

‫‪ .1‬مواجهة األزمات االقتصادية من خالل وقوف الحكومة في االتجاه‬


‫املعاكس للتيارات السائدة؛‬
‫‪ .2‬تحقيق التطور والتوازن االقتصادي العام‪ ،‬ويبدو ذلك واضحا من‬
‫خالل قيام الدولة بتخصيص جزء من النفقات العامة من أجل إنجاز‬
‫بعض االستثمارات األساسية في محاولة لرفع معدالت اإلنتاج الوطني‪،‬‬
‫وتخصيص مشاريع تنموية للمناطق الفقيرة في الدولة من اجل توفير‬
‫فرص النمو املتوازن ملختلف أجزاء الدولة؛‬
‫‪ .3‬إعادة توزيع الدخل الوطني‪ ،‬وذلك عن طريق زيادة النفقات‬
‫االجتماعية املوجهة للفئات ذات الدخل املحدود‪ ،‬أو عن طريق إعادة‬
‫تنظيم سياسة األجور بما يقلل من التفاوت بين الفئات املختلفة‬
‫لألجر‪ ..،‬وغيرها؛‬
‫‪ .4‬رفع مستوى الكفاءة اإلدارية للجهاز الحكومي‪ ،‬إذ أن عمليات إعداد‬
‫وتنفيذ املوازنة العامة تتطلب إجراء اتصاالت على مدار العام بين‬
‫مختلف الوحدات اإلدارية للتنسيق والتشاور والتنظيم والتقييم‬
‫املتواصل من أجل زيادة مستويات األداء للجهاز التنفيذي؛‬
‫‪ .5‬املوازنة العامة أداة رقابية للنشاطات الحكومية‪ ،‬تحقق مبدأ‬
‫املسؤولية واملحاسبية في النظم الديمقراطية‪ .‬وتساعد البرملان على‬
‫كشف االنحرافات‪ ،‬وتحديد الفروق بين ما تم تخطيطه‪ ،‬وما تم‬
‫إنجازه في الواقع‪ .‬عن الوظيفة الرقابية للموازنة العامة تحقق في‬

‫‪ -1‬جمال لعمارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.117-116.‬‬

‫‪278‬‬
‫املجتمعات الديمقراطية عن طريق فصل السلطات الثالث القضائية‬
‫والتشريعية والتنفيذية‪ ،‬وخضوع الجميع ملبدأ الشرعية القانونية؛‬
‫‪ .6‬تعتبر املوازنة العامة لعدة سنوات متعاقبة جزءا من التاريخ‬
‫االقتصادي للدولة‪ ،‬حيث أنها تحتوي على جميع املعلومات املتعلقة‬
‫بالنشاط الحكومي في املاض ي والحاضر واملستقبل‪ .‬كما تبرز املوازنة‬
‫العامة كأهم وثيقة يستطيع املرء من خاللها أن يتعرف على‬
‫اتجاهات السياسة العامة‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أنـ ـ ـواع امليـ ـ ـ ـ ـزانية الع ـ ـ ـامة‬
‫ومراحله ـ ـ ـا‬
‫قبل التعرض ملراحل امليزانية العامة‪ ،‬ينبغي معرفة أنواعها‬
‫وأشكالها ضمن ما يأتي‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬أنواع امليزانية العامة‪.‬‬
‫ً ً‬
‫مما ال شك فيه َّأن نوع امليزانية العامة وشكلها‪ ،‬يؤدي دورا كبيرا في‬
‫تحديد منهج الدولة وآليات عملها في إدارة املال العام هذا من جهة‪ ،‬كما‬
‫ً ً‬
‫جهة‬‫أنه يؤدي دورا مهما في تحديد توجهات الدولة وسياساتها التنموية من ٍ‬
‫أخرى‪ .‬وفي هذا اإلطار يمكن اإلشارة إلى أهم أنواع امليزانيات املالية للدولة‬
‫كما يأتي‪1:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬ميزانية الرقابة‪.‬‬


‫ميزانية الرقابة العامة تعني امليزانية التي يتم بموجبها تحديد حجم‬
‫النفقات العامة للدولة الالزمة إلنشاء املرافق والبنى التحتية‪ ،‬ومن َّ‬
‫ثم‬
‫تحديد اإليرادات التي ينبغي تحصيلها لتغطية النفقات بحيث ُيتاح من‬
‫خالل هذه امليزانية للسلطة التشريعية ممارسة النشاط الرقابي على‬
‫النشاط املالي للدولة‪.‬‬
‫وهنا يقوم مجلس الشعب بممارسة الدور الرقابي على كيفية‬
‫التصرف بها من خالل مطابقة‬ ‫ُّ‬ ‫تحصيل اإليرادات العامة املطلوبة وكيفية‬
‫ً‬
‫إنفاقها مع األوجه املحددة لها‪ ،‬ووفقا للمبالغ املعتمدة من قبله والواردة في‬
‫امليزانية العامة‪.‬‬

‫‪ .1‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 316‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫يتم فيها مراعاة التقسيم اإلداري‪،‬‬ ‫ولذلك َّ‬
‫فإن ميزانية الرقابة َّ‬
‫وذلك بما يتماش ى مع طبيعة الهياكل التنظيمية للوحدات اإلدارية‬
‫باعتبارها املسؤولة عن القيام بمختلف النشاطات اإلدارية‪.‬‬
‫وبموجب هذا النوع من امليزانيات يتم تقسيم النفقات على أساس‬
‫ثم يجري توزيعها على أساس فقرات رئيسية تتوزع‬ ‫الوحدات اإلدارية‪ ،‬ومن َّ‬
‫إلى فقرات فرعية‪ ،‬وتتوزع هذه الفقرات إلى بنود فرعية أخرى‪ ،‬وهكذا‪ .‬على‬
‫سبيل املثال‪ ،‬األجور تتضمن الرواتب‪ ،‬املكافآت‪ ،‬املزايا العينية ‪...‬الخ‪.‬‬
‫يعتبر هذا النوع من امليزانيات من أقدم أنواع امليزانيات العامة‪َّ ،‬‬
‫تم‬
‫واسع ومازال ًيستعمل في الكثير من الدول‪ ،‬وذلك‬ ‫نطاق ٍ‬ ‫استخدامها على ٍ‬
‫بسبب مجموعة من املزايا واإليجابيات منها‪:‬‬
‫‪ -‬بساطة هذا النوع من امليزانيات وسهولته؛‬
‫َّ‬
‫‪ -‬يوفر إمكانية كبيرة للمراقبة وتتبع األداء؛‬
‫‪ -‬يوفر إمكانية أكبر للمناقشة التفصيلية للنفقات العامة‪.‬‬
‫يحدد لجهات التنفيذ سلطات محددة عن طريق خضوع عملياتها‬
‫للقواعد واإلجراءات التي تتضمنها األنظمة والتشريعات املالية واملحاسبية‬
‫التي تحدد طبيعة التصرف والسلوك اإلنفاقي‪.‬‬
‫َّأما سلبيات ميزانية الرقابة فهي كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬ال يتيح هذا النوع من امليزانيات التحقق من فاعلية استخدام‬
‫اإليرادات العامة في أوجه اإلنفاق املخصصة من أجل قياس مدى‬
‫كفاءة األداء عند ممارسة الحكومة لنشاطها املالي الحكومي؛‬

‫‪283‬‬
‫ّ‬
‫يركز على اإلنفاق الخاص بالوحدات اإلدارية‬‫‪ .2‬هذا التبويب الذي ِ‬
‫جة كافية أهداف امليزانية العامة األخرى‪.‬‬
‫ال يوضح بدر ٍ‬
‫‪ .3‬ال يوفر هذا النوع من التبويب إمكانية الربط بين اإلنفاق وبين‬
‫اآلثار والنتائج الناجمة عن هذا اإلنفاق‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ميزانية األداء‪.‬‬
‫تحاول ميزانية األداء أن تتجنب القصور الذي يعتري ميزانية‬
‫الرقابة‪ ،‬وذلك من خالل إظهار نفقات امليزانية العامة للدولة‪ ،‬ليس فقط‬
‫من حيث نفقات الوحدات اإلدارية وما تحصل عليه من خدمات أو سلع‬
‫ّ‬
‫نتيجة هذا اإلنفاق‪ ،‬بل إنها تركز على ما يتحقق نتيجة هذا اإلنفاق (بمعنى‬
‫التركيز على املنتج الذي يتحقق نتيجة إنفاق امليزانية)‪ ،‬وبالتالي التركيز على‬
‫املنتج الذي يتحقق نتيجة هذا اإلنفاق‪.‬‬
‫ً‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬يتم التركيز كثيرا بموجب هذا النوع من امليزانيات على‬
‫املقارنة ما بين املدخالت التي يتم اإلنفاق عليها‪ ،‬وبين املخرجات التي تتولد‬
‫أو تتحقق نتيجة هذا اإلنفاق الذي يتم من خالل امليزانية العامة للدولة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبناء على ذلك يتحدد حجم اإلنفاق العام ووجهته اقتصاديا وإداريا ُوي َّتخذ‬‫ً‬
‫القرار بتخصيص النفقة أو عدم تخصيصها‪ .‬ولذلك يطلق على هذا النوع‬
‫من امليزانيات اسم ميزانيات األداء أو ميزانيات البرامج أو ميزانيات اإلنجاز‪.‬‬
‫ويساعد تبويب امليزانيات وفق هذه الطريقة في الحكم على مدى فاعلية‬
‫تم تحقيقه من‬ ‫أدائها‪ ،‬وذلك عن طريق الربط ما بين حجم اإلنفاق وبين ما ّ‬
‫بصورة كبيرة في الوقوف على جدوى اإلنفاق‬ ‫ٍ‬ ‫منتجات‪ .‬وهذا يسهم‬

‫‪284‬‬
‫ومردوديته التنموية‪ ،‬وليس فقط على ما تشتريه من السلع والخدمات من‬
‫خالل هذه النفقة‪.‬‬
‫بمعنى َّأن ميزانيات الرقابة تركز على الكم‪ ،‬بينما ميزانيات األداء‬
‫ً‬
‫تركز على النوع والكم معا‪ .‬ومن هنا يمكن القول َّأن ميزانيات األداء تساعد‬
‫في الوقوف على كفاءة األداء‪ ،‬واملفاضلة بين البدائل املختلفة لإلنفاق‬
‫الختيار البديل األنسب الذي يحقق أكبر مردود ممكن لإلنفاق‪.‬‬
‫ً‬
‫إال أن الصعوبة في هذا النوع من امليزانيات تكمن عمليا فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬صعوبة تحديد ما يتحقق (يتم تنفيذه بالفعل) من األشياء التي‬
‫ُّ‬
‫يتم اإلنفاق عليها (أي نسبة التحقق أو التنفيذ الفعلي)‪ ،‬بمعنى‬
‫صعوبة قياس النتائج التي تتحقق على األرض؛‬
‫‪ -‬صعوبة تحديد وحدة القياس الكمي الدقيقة؛‬
‫‪ -‬صعوبة تجميع عناصر اإلنفاق وبنوده التي ترتبط بأنشطة معينة‬
‫تقوم بها (أي بهذه األنشطة) جهات عديدة‪ ،‬بمعنى ّأن اإلنفاق على‬
‫يتم من خالل جهات عديدة‪ ،‬وليس من‬ ‫هذه األنشطة يمكن أن ّ‬
‫خالل جهة واحدة‪ .‬وهذا ما يؤدي في الواقع إلى تداخل النتائج‬
‫وتشابكها‪ ،‬ويوزع املهام ويضعف إمكانية إسناد أو تحديد مرجعية‬
‫املردود أو اإلنجاز‪.‬‬
‫جراء هذا اإلنفاق مباشرة في‬‫فقد تكون النتائج التي تتحقق من َّ‬
‫مواقع معينة‪ ،‬وغير مباشرة في مواقع أخرى‪ ،‬وهذا ما يجعلنا نواجه‬

‫‪285‬‬
‫ً‬
‫صعوبة كبيرة في تحديد النتائج غير املباشرة حتى يصبح ممكنا مقارنتها مع‬
‫تم عقده لنقف على مستوى األداء أو اإلنجاز‪.‬‬ ‫حجم اإلنفاق الذي ّ‬
‫ً‬
‫باإلضافة إلى وجود آثار وانعكاسات ال يمكن قياسها كميا‪ .‬وهذا ما‬
‫تؤكده الوقائع العملية حيث يوجد هناك الكثير من اآلثار وانعكاسات التي‬
‫ال يمكن قياسها من الناحية الكمية‪.‬‬
‫وهذه الصعوبة تظهر بوضوح في قطاعات األمن والدفاع الخارجي‪،‬‬
‫وتحقيق العدالة وفرض النظام‪ ،‬حيث يصعب الوقوف بدقة على نتيجة‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫علما َّ‬
‫بأن قسما كبيرا من إنفاق الدولة يتم في‬ ‫اإلنفاق في هذه القطاعات‪،‬‬
‫فإن ميزانية األداء تشكل من الناحية النظرية‬ ‫هذه القطاعات‪ .‬ومع ذلك‪َّ ،‬‬
‫ً ً‬
‫والعملية‪/‬التطبيقية تقدما مهما باملقارنة مع ميزانية الرقابة‪.‬‬
‫وفي الواقع َّإن أهمية ميزانية األداء تتولد من كونها أداة أو طريقة‬
‫تساعد في‪:‬‬
‫تبين َّأنه ليس ذو جدوى معينة مطلوبة قد تكون‬ ‫‪ -‬وقف اإلنفاق إذا َّ‬
‫اقتصادية أو اجتماعية أو مالية أو‪.......‬الخ‪ ،‬وهذا سيساعد في‬
‫إصالح عمل اإلدارة الحكومية واستدراك األخطاء؛‬
‫‪ -‬ترشيد استخدام املوارد املالية‪ ،‬وضمان حسن استخدامها‬
‫وتوظيفها‪ ،‬بما يحقق أعظم عائد مردودية؛‬
‫‪ -‬ترشيد اإلنفاق الحكومي وتقليل الهدر والتكاليف إلى أدنى حد‬
‫ممكن؛‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬يساعد كثيرا في إصالح اإلدارة الحكومية وهيئاتها وخاصة ذات‬
‫الطابع االقتصادي؛‬

‫‪286‬‬
‫‪ -‬تحقيق أهداف معينة اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة‬
‫أولويات معينة‪ ،‬ومن خالل املفاضلة على‬
‫ٍ‬ ‫يتطلع إليها املجتمع وفق‬
‫أساس الجدوى املطلوبة بين عدة بدائل وخيارات‪.‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ميزانية التخطيط والبرمجة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬
‫تعد ميزانية التخطيط والبرمجة تطورا نوعيا باملقارنة مع ميزانية‬
‫تم التوجه نحو تبني هذا النوع من امليزانيات نتيجة الصعوبات‬ ‫األداء‪ ،‬وقد َّ‬
‫العديدة التي رافقت تطبيق أسلوب ميزانيات األداء وهذه الصعوبات تتولد‬
‫في الواقع نتيجة‪:‬‬
‫‪ -‬تطور دور الدولة؛‬
‫‪ -‬زيادة درجة تدخلها في النشاط االقتصادي لتحقيق أهداف‬
‫اقتصادية واجتماعية‪.‬‬
‫وفي الحقيقة َّإن ما دفع باتجاه التحول نحو ميزانيات التخطيط‬
‫والبرمجة هو الحاجة للوقوف على ما هو أبعد من مسألة التركيز على‬
‫اإلنجازات وترشيد اإلنفاق وتحسين األداء الحكومي‪ ،‬لجهود وجود خطة‬
‫معتمدة‪ ،‬تقوم على أساس اختيار أفضل البدائل للبرامج التي تتضمنها‬
‫ً‬
‫الخطة‪ ،‬وإنما اختيار األساليب األكثر تطورا‪ ،‬وبالذات منها ما يتصل‬
‫ً‬
‫بالتحليل الكمي‪ ،‬وخصوصا املرتبط منه بتحليل الكلفة‪/‬العائد أو املنفعة‪،‬‬
‫مع األخذ باالعتبار كافة العوامل التي قد تؤثر على ذلك‪.‬‬
‫وهنا يتم االختيار والتركيز على البدائل ذات العائد األكبر والتكلفة‬
‫وبصورة تجعل من ميزانية التخطيط خطة وبرنامج عمل يساعد في‬ ‫ٍ‬ ‫األقل‪،‬‬

‫‪287‬‬
‫اتخاذ القرارات ورسم السياسات الخاصة باإلنفاق الحكومي مع ترشيد‬
‫بصورة عامة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اإلنفاق الحكومي‬
‫وبذلك يتم ضمان استخدام املوارد ضمن البدائل األفضل التي ّ‬
‫تم‬
‫اختيارها من بين البدائل العديدة للبرامج في التخطيط‪ ،‬الذي تتضمنه‬
‫ميزانية التخطيط والبرمجة‪.‬‬
‫َّ‬
‫إال َّأن األخذ بأسلوب ميزانية التخطيط يواجه العديد من‬
‫الصعوبات منها‪:‬‬
‫‪ -‬صعوبة تحديد األهداف التي يراد تحقيقها‪ ،‬وما تتطلبه من‬
‫استخدامات وإنفاق الزم لها؛‬
‫‪ -‬صعوبة إجراء املقارنة بين ما ّ‬
‫يتم إنفاقه وبين ما يتحقق نتيجة هذا‬
‫اإلنفاق في حزمة البرامج العديدة البديلة؛‬
‫‪ -‬صعوبة تحديد العوائد املتوقعة للبدائل املختلفة وذلك كي‬
‫ً‬
‫نتمكن من اختيار األفضل منها‪ ،‬خاصة في ظل عدم توفر‬
‫املعلومات والبيانات؛‬
‫‪ -‬ضعف درجة توفر املعلومات والبيانات التي تتيح ذلك؛‬
‫‪ -‬ضعف درجة التزام الجهات ذات العالقة‪ ،‬وضعف حرصها على‬
‫ضمان الجدية في التعامل مع البرامج‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويبقى القول َّأنه بالرغم من جميع الصعوبات إال َّأن هذا النوع من‬
‫َّ ً‬
‫توجها من أجل تطوير امليزانية بحيث تتضمن اختيار‬ ‫البرامج يتضمن‬
‫أفضل البرامج بين البدائل لهذه البرامج وفي إطار التخطيط لها‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬امليزانية الصفرية‪.‬‬
‫وهو الشكل األحدث باالستخدام في امليزانية‪ ،‬وتقوم على فكرة‬
‫البدء من نقطة الصفر‪ ،‬ولذلك يطلق عيها امليزانية الصفرية‪ ،‬أي امليزانية‬
‫التي تقوم على أساس الصفر‪ ،‬أو ذات األساس الصفري يستهدف هذا‬
‫النوع من امليزانيات الوصول إلى أفضل استخدام ممكن للموارد العامة‪،‬‬
‫وبالشكل الذي‪:‬‬
‫‪ -‬يحقق أكبر قدر ممكن من أهداف املجتمع السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫‪ -‬يلبي أهم احتياجاته‪ ،‬في ظل املوارد واإلمكانات املتوافرة‪.‬‬
‫كل ما يتم تنفيذه‬ ‫وفكرة الصفرية هي في الواقع تعبير عن َّأن َّ‬
‫بموجب هذه امليزانية هو جديد (مشاريع ومنتجات جديدة)‪ ،‬ال يستند إلى‬
‫ً‬
‫استكماال)‪ ،‬حتى ولو َّ‬
‫تم تنفيذ أشياء مماثلة لها في‬ ‫نشاطات سابقة (ليس‬
‫ٍ‬
‫ميزانيات سابقة‪ .‬ولذلك تجري دراسة النفقات وتخصيصها ملشاريع‪ ،‬وكأنَّ‬
‫هذه املشاريع جديدة‪ ،‬بصرف النظر عما يماثلها في ميزانيات سابقة‪ ،‬بمعنى‬
‫ال تخصص هذه النفقات وال تحدد كزيادات أو استكماالت لنفقات‬
‫ً‬
‫سابقا‪ً .‬‬
‫وبناء على نتائج الدراسة الجديدة تتم زيادة االعتماد‪ ،‬أو‬ ‫مخصصة‬
‫إلغاء االعتماد نتيجة إلغاء النشاط أو البرنامج أو املشروع إذا ثبت عدم‬
‫جدواه (عوائده أقل من تكاليفه)‪ ،‬وذلك بغض النظر عن املراحل‬
‫السابقة‪ ،‬أو الخطوات املتخذة في إطاره‪ ،‬وهنا يتم صرف النظر عن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املشروع كليا‪ ،‬وهذا من شأنه أن يتم ضبط اإلنفاق‪ ،‬وعدم الذهاب بعيدا‬

‫‪289‬‬
‫في اإلنفاق على مشاريع غير ذات جدوى‪ .‬أو يتم الطلب إلى الجهة طالبة‬
‫قدم ببدائل عديدة تتضمن‪:‬‬ ‫الت ُّ‬‫النفقة أو االعتماد َّ‬
‫ُ‬
‫‪ -‬طلب الحد األدنى من االعتمادات (تقليص حجمها)‪ ،‬كي تبرر‬
‫النفقة؛‬
‫‪ -‬تحديد املستوى أو املرحلة الذي وصل إليها النشاط أو املشروع‪،‬‬
‫ُ‬
‫كي تبرر النفقة؛‬
‫التطور الذي قد يحصل نتيجة تخصيص‬ ‫التقدم أو َّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬تحديد‬
‫ُ‬
‫اعتماد إضافي كي تبرر النفقة؛‬
‫ثم تخفيض حجم النفقة بنسبة‬ ‫‪ -‬خفض التكاليف ومن َّ‬
‫معينة‪.......‬الخ‬
‫وفي الواقع َّإن هذا النوع من امليزانيات يساعد في إشراك جميع‬
‫الجهات في إعداد امليزانيات وذلك عن طريق تقييم النشاطات والبرامج‪،‬‬
‫ً‬ ‫التي ُت ّ‬
‫خصص لها االعتمادات وذلك استنادا إلى معايير واعتبارات‬
‫ً‬
‫يتبين َّأن‬
‫مسبقا‪ .‬ومن خالل مقارنة بسيطة َّ‬ ‫ومعلومات موضوعية محددة‬
‫ً‬
‫هذا النوع من امليزانيات هو أقرب إلى مضمون ميزانية األداء‪ ،‬خاصة لجهة‬
‫ما يتعلق باتخاذ القرار‪ ،‬الذي يتطلب من الجهة ذات العالقة بأن تدرس‬
‫كافة النشاطات والبرامج سواء الحالية أو املقترحة‪ ،‬وكذلك بدائلها‪ ،‬وذلك‬
‫باالستناد إلى تحليل الكلفة أو العائد‪ ،‬بحيث يكون القرار التمويلي صائب‬
‫بصورة كاملة‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪290‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬دورة امليزانية العامة‪.‬‬
‫يطلق لفظ دورة امليزانية العامة على املراحل الزمنية املتعاقبة‬
‫واملتداخلة التي تمر بها ميزانية الدولة تحقيقا للمسؤوليات املشتركة بين‬
‫السلطات التنفيذية والتشريعية‪ .‬فعمليات امليزانية العامة في دورة‬
‫مستمرة يتداخل فيها كل من املاض ي واملستقبل بالحاضر على مدار السنة‬
‫املالية‪.‬‬
‫ودورة امليزانية إلى جانب اتصافها بخاصية االستمرار والتداخل‬
‫تتصف أيضا بوجود مراحل مميزة تتعاقب زمنيا وتتكرر عام بعد عام‪،‬‬
‫ولكل منها خصائصها ومشاكلها ومتطلباتها‪ 1.‬ولذلك تم تقسيم دورة‬
‫امليزانية العامة إلى أربعة مراحل هي التحضير واإلعداد‪ ،‬االعتماد‪ ،‬التنفيذ‬
‫والرقابة‪ ،‬كما يلي‪2:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬إعداد امليزانية العامة‪.‬‬


‫إن إعداد امليزانية العامة يعتمد على ثالثة نشاطات رئيسية هي‪:‬‬
‫تقدير النفقات وتقدير اإليرادات ومحاولة خلق التوازن بينهما‪ ،‬إال أن‬
‫إعداد امليزانية بشكل متوازن يواجه الكثير من املشاكل منها‪:‬‬
‫‪ .1‬قلة املوارد املالية في الدول النامية نتيجة لضعف البنية‬
‫االقتصادية بوجه عام‪ ،‬وتدني مستوى الدخل القومي‪ ،‬وغيرها من‬
‫األسباب التي تنعكس بصورة سلبية على إيرادات الدولة؛‬

‫‪ .1‬حامد عبد املجيد دراز‪ ،‬سميرة إبراهيم أيوب‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية‪ ،2002 ،‬ص ص‪.‬‬
‫‪.74-73‬‬
‫‪ .2‬أحمد الجبير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 265‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫تعدد وتنوع األجهزة التي تتولى إعداد املشروع النهائي للميزانية‬ ‫‪.2‬‬
‫العامة مما ينعكس سلبا على إعداد ميزانية واقعية تقدر فيها‬
‫اإليرادات والنفقات بشكل منطقي وصحيح بما يساعد على اتخاذ‬
‫القرارات الصحيحة‪ ،‬والواقعية التي تساهم في التنمية بشكل‬
‫أفضل؛‬
‫عدم املقدرة على معرفة القدر املتاح من املوارد بالدول النامية‬ ‫‪.3‬‬
‫ويتمثل ذلك بصورة أساسية في مشكلتين فرعيتين؛ األولى‪ ،‬عدم‬
‫القدرة على جمع املعلومات والبيانات وتبويبها وتنظيمها وحفظها‬
‫وتداولها مما يؤدي إلى عجز املشرفين على إعداد امليزانيات عن‬
‫تحصيل املعلومات الالزمة لذلك‪ .‬والثانية‪ ،‬عدم املقدرة على بناء‬
‫جهاز ضريبي أو جهاز إدارة مالية كفء قادرة على القيام بتحصيل‬
‫جميع اإليرادات العامة باملقادير والنسب الحقيقية‪ ،‬أو تنمية موارد‬
‫جديدة قادرة على تغطية االحتياجات املتزايدة إضافة إلى تفش ي‬
‫الرشوة والفساد اإلداري بين العاملين في هذه األجهزة؛‬
‫الزيادة املستمرة في النفقات الحكومية وما يرافق إنفاقها من ضعف‬ ‫‪.4‬‬
‫في درجة العقالنية والرشد‪ ،‬بحيث أنها ال تتجه في معظم الحاالت‬
‫نحو املجاالت األكثر نفعا وتلبية احتياجات االقتصاد واملجتمع‬
‫وأفراده وبالذات األساسية منها؛‬
‫اتساع واجبات الدولة أدى إلى انتشار األفكار الحديثة حول‬ ‫‪.5‬‬
‫الديمقراطية وتطلع دول العالم الثالث إلى ممارسة الحياة املترفة‬
‫التي يتمتع بها سكان الدول الصناعية مما جعل الدول في العالم‬

‫‪292‬‬
‫الثالث بحاجة إلى مبالغ كبيرة تحصل عليها في شكل قروض بفوائد‬
‫عالية مما يترتب عليها أعباء مالية ضخمة ويؤدي ذلك إلى حصول‬
‫خلال في توازن البناء العام للميزانيات العامة في هذه الدول؛‬
‫‪ .6‬القصور الواضح والشديد في تنفيذ امليزانية سواء ما يتصل منه‬
‫بتحصيل اإليرادات أو صرف النفقات ودفعها بسبب ضعف كفاءة‬
‫جهات التنفيذ وضعف الجدية واألمانة والحرص التي ترافق قيامها‬
‫بعمليات تنفيذ امليزانية؛‬
‫‪ .7‬ضعف كفاءة األجهزة الرقابية وضعف فاعلية ما تقوم به من مهام‬
‫رقابية سواء ما يتصل منها برقابة السلطة التشريعية‪ ،‬أو بالرقابة‬
‫الداخلية‪ ،‬أو الرقابة الخارجية وحتى الرقابة املستقلة منها نتيجة‬
‫ضعف توفر القدرات والخبرات والتخصصات لديها‪.‬‬
‫وتلعب السلطة التنفيذية الدور األساس ي في هذه املرحلة‪ ،‬ويرجع‬
‫ذلك إلى عدة اعتبارات هي‪1 :‬‬

‫‪ .1‬املوازنة العامة تعبر عن البرنامج والخطط الحكومية في املجاالت‬


‫املختلفة؛‬
‫‪ .2‬السلطة التنفيذية تتولى إدارة وحدات القطاع العام‪ ،‬وهي الوحيدة‬
‫التي تعلم ما تتطلبه هذه اإلدارات من نفقات؛‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.347-283 .‬‬

‫‪293‬‬
‫‪ .3‬هذه السلطة تعد أكثر السلطات معرفة باملقدرة املالية لالقتصاد‬
‫القومي‪.‬‬

‫وقد جرى العمل على أن وزير املالية‪ ،‬باعتباره ممثال للسلطة‬


‫التنفيذية‪ ،‬يقوم بمطالبة كافة الوزارات واملصالح بإرسال تقديراتهم‬
‫إليراداتها ونفقاتها عن السنة املالية املقبلة في موعد يحدده‪ ،‬لكي يتسنى له‬
‫الوقت الالزم إلعداد مشروع امليزانية في الوقت املناسب‪ ،‬وذلك بعد إضافة‬
‫تقديرات وزارة املالية‪.‬‬
‫وتختلف الطرق واألساليب املتبعة لتقدير كل من النفقات‬
‫واإليرادات العامة الواردة في امليزانية‪ .‬وإن كان الهدف الذي تسعى السلطة‬
‫التنفيذية املختصة بإعداد وتحضير امليزانية إلى تحقيقه هو أن تكون‬
‫تقديراتها مطابقة للواقع بقدر اإلمكان‪ ،‬لكي تتمكن من تنفيذ السياسة‬
‫املالية املقررة للدولة دون حدوث أي اضطرابات متعلقة بزيادة النفقات‬
‫ونقص اإليرادات عما هو متوقع‪.‬‬
‫ويتطلب إعداد تقديرات امليزانية‪ ،‬مراعاة عدد من القواعد‬
‫واملبادئ‪ 1‬التي تقتضيها سالمة اإلدارة املالية من الناحية الفنية وضمان‬
‫ً‬
‫رقابة السلطة التشريعية لتنفيذ امليزانية مراقبة فعالة‪ .‬وفضال عن‬
‫القواعد األساسية التي ينبغي مراعاتها في هذا الشأن‪ ،‬سواء في صورتها‬
‫التقليدية أو املتطورة‪ ،‬جرى العمل على مراعاة بعض القواعد التجريبية‬
‫عند تحضير امليزانية من أهمها االسترشاد بأحدث الوقائع السابقة‪ ،‬ألن‬

‫‪ .1‬عبد هللا إبراهيم نزال‪ ،‬اإلدارة املالية العامة‪ّ ،‬‬


‫(عمان‪ :‬مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص‪ 73‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫أفضل ما يساعد على دقة وتقدير النفقات واإليرادات في ميزانية جديدة‪،‬‬
‫هي أرقام النفقات واإليرادات في ميزانيات السنوات السابقة‪ ،‬وحساباتها‬
‫الختامية وبخاصة آخر حساب ختامي‪ .‬وأن يكون تحضير امليزانية أقرب ما‬
‫يكون إلى بداية السنة املالية‪ ،‬فكلما قصر الزمن بين التحضير والتنفيذ‪،‬‬
‫كلما كان التقدير أقرب إلى الدقة‪ .‬وأال يسرف القائمون بتحضير امليزانية‬
‫في التفاؤل‪ .‬كما يجب أن يراعى في البيان الحسابي للميزانية ‪-‬والذي يشمل‬
‫تقديرات النفقات واإليرادات ‪-‬تسهيل معرفة جملة املصروفات وجملة‬
‫اإليرادات والفرق بينهما‪ ،‬بالنظر إلى أن ذلك ييسر اإلحاطة بالسياسة‬
‫االقتصادية واملالية للدولة من واقع البيان الحسابي املقدم‪ .‬وكذلك ترتيب‬
‫الحاجات العامة واألولويات االجتماعية بصورة تحقق أكبر قدر ممكن من‬
‫املنفعة العامة وذلك في اإلطار الذي يحفظ على السياسة املالية وحدتها‬
‫ويضمن عدم إحداث تناقضات بداخلها‪ ،‬والعمل على رفع مستوى الكفاءة‬
‫اإلدارية في هذا املجال عن طريق تخفيض مستوى النفقات اإلدارية ألدنى‬
‫حد ممكن‪ .‬ولهذه االعتبارات فإنه يفضل عرض امليزانية بشكل يمكن من‬
‫إيضاح موارد ونفقات الدولة في مجموعها كما يفضل أن تخصص املوارد‬
‫ً‬
‫في مجموعها ملواجهة النفقات على نفس املستوى‪ .‬هذا فضال عن ضرورة‬
‫مراعاة الدقة في إقامة التقديرات بأن تكون املعطيات التي اعتمد عليها‬
‫نابعة من واقع حقيقي تدعمه البيانات اإلحصائية الدقيقة‪ ،‬والبعد عن‬
‫املبالغة في تقدير اإليرادات‪ ،‬حتى ال تتداعى موازنة امليزانية عند التنفيذ‪1.‬‬

‫‪ .1‬زينب حسين عوض هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.287-286:‬‬

‫‪295‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬اعتماد امليزانية العامة‪.‬‬
‫ال يعتبر مشروع امليزانية العامة موازنة تلتزم الحكومة بتنفيذها إال‬
‫بعد اعتماده من السلطة املختصة طبقا للنظام السياس ي لكل دولة‪.‬‬
‫والسبب الرئيس ي في ذلك‪ ،‬أن امليزانية العامة تمثل تدفقات مالية يترتب‬
‫عليها إعادة توزيع الدخل القومي بين مختلف طبقات املجتمع‪ ،‬وعليه‬
‫تحرص الدول املختلفة على ضرورة اعتماد السلطة املمثلة للشعب‪،‬‬
‫ملشروع املوازنة حتى يصبح قابال للتنفيذ‪1 .‬‬

‫وتنفرد السلطة التشريعية بهذه املرحلة ألنها هي من يقوم بمراجعة‬


‫الحكومة في جميع أعمالها‪ ،‬إضافة إلى كونها تمثل الشعب الذي هو مصدر‬
‫كل السلطات‪ ،‬ويعتبر حق السلطة التشريعية في اعتماد امليزانية العامة‬
‫من الحقوق الرئيسية التي اكتسبتها السلطة التشريعية عبر التطور‬
‫التاريخي‪ ،‬ولذلك فإن اعتماد امليزانية العامة من طرف السلطة التشريعية‬
‫يجب أن يسبق مرحلة التنفيذ‪.‬‬
‫فبعد أن تقوم السلطة التنفيذية بإعداد مشروع امليزانية العامة‬
‫تعرضه على السلطة التشريعية التي تقوم بإلقائه أمام البرملان عن طريق‬
‫وزير املالية‪ ،‬ويخضع اعتماد امليزانية العامة إلجراءات دستورية؛ من ذلك‬
‫عرض مشروع امليزانية على السلطة التشريعية قبل بداية السنة املالية‬
‫نظرا لزيادة تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‪ ،‬وغالبا ما يكون هناك‬
‫لجان مختصة ملناقشة مشروع امليزانية‪ ،‬ويتم التركيز على بنود النفقات‬
‫وخصوصا التغييرات التي يتم اقتراحها في مشروع امليزانية بعد التعديالت‬

‫‪ .1‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.347-283 .‬‬

‫‪296‬‬
‫التي تجريها اللجان املكلفة بذلك‪ .‬وبعد املداوالت يتم اعتماد مشروع‬
‫امليزانية‪ ،‬وقد يتم رفضه أو إدخال بعض التعديالت عليه‪1.‬‬

‫وإذا وافق املجلس التشريعي على مشروع املوازنة العامة‪ ،‬فإنه يقوم‬
‫بإصداره بمقتض ى قانون يطلق عليه "قانون ربط املوازنة"‪ ،‬وهو قانون‬
‫يحدد الرقم اإلجمالي لكل من النفقات العامة واإليرادات العامة‪ .‬ويرفق به‬
‫جدوالن‪ :‬يتضمن األول بيانا تفصيليا للنفقات‪ ،‬والثاني بيانا تفصيليا‬
‫لإليرادات‪2.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬تنفيذ امليزانية العامة‪.‬‬


‫تعد مرحلة تنفيذ امليزانية العامة أهم مراحل دورة امليزانية وأكثرها‬
‫خطورة‪ .‬ويقصد بها وضع بنودها املختلفة موضع التنفيذ‪ .‬وتختص بها‬
‫السلطة التنفيذية‪ ،‬وتشرف على هذا التنفيذ وزارة املالية التي تعتبر أهم‬
‫أجزاء الجهاز اإلداري للدولة‪.‬‬
‫وبمعنى آخر‪ ،‬فإن هذه املرحلة تمثل انتقال املوازنة العامة من‬
‫التطبيق النظري إلى التطبيق العملي امللموس‪ .‬فتتولى‪ 3‬السلطة التنفيذية‬
‫وحدها تنفيذ امليزانية العام عن طريق وزاراتها ومؤسساتها العامة‪ ،‬فيتم‬
‫تحصيل اإليرادات وصرف النفقات حسب االعتمادات املخصصة‪ .‬وتمر‬
‫عمليات الصرف التي تشرف عليها وزارة املالية بأربعة مراحل‪ :‬األولى عندما‬
‫ً‬
‫تتخذ السلطة التنفيذية قرارا ينتج عنه دين في ذمة الدولة يجب سداده‬
‫وتسمى (االرتباط بالنفقة)‪ .‬والثانية‪ ،‬بقيام السلطة التنفيذية بتقدير‬

‫‪ .1‬أحمد الجبير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 273‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ .2‬سوزي عدلي ناشد‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.347-283 .‬‬
‫‪ .3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ص‪.347-283 .‬‬

‫‪297‬‬
‫املبلغ املستحق للدائن وخصمه من االعتمادات املقررة في امليزانية وتدعى‬
‫(تحديد النفقة)‪ .‬والثالثة‪ ،‬األمر الصادر من الجهات الرسمية إلى أمناء‬
‫الصناديق بدفع مبالغ مالية للدائنين وهي (اإلذن بالصرف)‪ .‬والرابعة‪ ،‬هي‬
‫(صرف النفقة) وذلك بصرف قيمة النفقة املحددة سابقا للشخص‬
‫املستفيد‪ ،‬سواء نقدا أو بنوع من أنواع الشيكات‪.‬‬
‫أما بالنسبة لعمليات تحصيل اإليرادات العامة؛ فتقوم الجهات‬
‫الحكومية املختصة بتحصيل ما ورد في بنود اإليرادات العامة‪ ،‬وال يجوز‬
‫تخصيص اإليرادات العامة بمعنى أن جميع اإليرادات التي تحصلها‬
‫الخزانة لحساب الدولة تكون في مجموعة واحدة تمول كافة النفقات‬
‫العامة للدولة دون تمييز بين إيراد وآخر‪.‬‬
‫وإذا كانت اإليرادات املحصلة أكبر من املتوقع فهناك فائض في‬
‫الخزينة العامة وبالتالي يتم تحويل هذا الفائض إلى احتياطي مالي‪ .‬أما إذا‬
‫كانت اإليرادات املتوقعة أكبر من اإليرادات املحصلة فهناك عجز في‬
‫الخزينة العامة) ينبغي على الدولة تغطيته عن طريق مصادر جديدة‬
‫كالضرائب أو االقتراض أو اإلصدار النقدي‪1.‬‬

‫وقد تكون االعتمادات املخصصة غير كافية عند القيام بالتنفيذ‬


‫إما لظروف طارئة أو لسوء في التقدير من البداية‪ ،‬فتقوم الحكومة بعد‬
‫موافقة التشريعية بفتح اعتمادات تكميلية تضاف إلى االعتمادات الواردة‬

‫‪ .1‬عبد هللا إبراهيم نزال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 128‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫في امليزانية لكنها لم تكن كافية‪ ،‬أو بفتح اعتمادات غير عادية ملواجهة‬
‫نفقات جديدة غير متوقعة لكنها لم ترد في امليزانية أثناء إعدادها‪1.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬الرقابة على امليزانية العامة‪.‬‬


‫يعتبر مشروع امليزانية خالصة للمفاضالت بين البرامج البديلة‬
‫لتحقيق أهداف املجتمع وإشباع رغباته‪ .‬واعتماد امليزانية هو تصديق من‬
‫السلطة التشريعية على أفضلية هذه البرامج وصالحيتها لتحقيق أهداف‬
‫املجتمع االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن كل هذا االهتمام وهذه الجهود التي ُبذلت ال قيمة لها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وال ثمرة ترجى من ورائها ما لم يتم تنفيذ امليزانية نصا وروحا كما اعتمدتها‬
‫السلطة التشريعية‪ .‬ولهذا كان على السلطة التنفيذية أن تبذل كل ما في‬
‫وسعها لتضمن سالمة التنفيذ‪ ،‬وكان على السلطة التشريعية أن تراقب‬
‫هذا التنفيذ مراقبة مستمرة حتى تتأكد من كفاءة تنفيذ البرامج املعتمدة‪،‬‬
‫وعدم خروج الحكومة عن السياسات املرسومة والتي ارتضتها السلطة‬
‫ً‬
‫التشريعية طريقا لتحقيق أهداف املجتمع‪ .‬ومن هنا ظهرت الحاجة إلى‬
‫استخدام أساليب الرقابة املالية‪.‬‬
‫وأساليب الرقابة املالية كثيرة ومتنوعة ومع ذلك فإننا نستطيع أن‬
‫نقسم أنواعها من حيث الجهة التي تتولى مهمة الرقابة إلى رقابة داخلية‬
‫ورقابة خارجية‪ ،‬ومن حيث التوقيت الزمني إلى رقابة سابقة ورقابة الحقة‪،‬‬
‫ومن حيث نوعية الرقابة إلى رقابة حسابية ورقابة تقييمية‪.‬‬

‫‪ .1‬محمد طاقة وهدى العزاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 195‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫فمن حيث الجهة التي تتولى الرقابة هناك رقابة داخلية ورقابة‬
‫خارجية‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬الرقابة الداخلية‪.‬‬


‫هي تلك التي تتم من داخل السلطة التنفيذية نفسها‪ .‬حيث يقوم‬
‫بعض موظفي الحكومة بمراقبة موظفي الحكومة اآلخرين‪ ،‬وهي في هذا‬
‫قريبة الشبه بمهمة أقسام املراجعة في الشركات التجارية والصناعية‪،‬‬
‫فيعتبر من قبيل الرقابة الداخلية ما يقوم به الوزراء ورؤساء املصالح‬
‫ومديرو الوحدات الحكومية من رقابة على مرؤوسيهم‪ .‬كذلك ما تقوم به‬
‫وزارة املالية أو البنك املركزي من رقابة على الوزارات واملصالح األخرى‪ .‬وهي‬
‫لذلك قد تسمى رقابة ذاتية أو رقابة إدارية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرقابة الخارجية‪.‬‬
‫فهي تلك التي يعهد بها إلى هيئات مستقلة وغير خاضعة للسلطة‬
‫التنفيذية‪ .‬وهي في هذا قريبة الشبه بمهمة مراقبي الحسابات بالنسبة‬
‫لشركات املساهمة‪ ،‬وتنقسم بدورها إلى‪2:‬‬

‫‪ .1‬رقابة قضائية‪:‬‬
‫حيث تتولى هيئة قضائية فحص الحسابات واكتشاف املخالفات‬
‫املالية وحوادث الغش والسرقة‪ .‬وقد يعهد إليها بمحاكمة املسئولين عن‬
‫املخالفات املالية وإصدار العقوبات املنصوص عليها‪ .‬أو قد تحدد مهمتها‬
‫في اكتشاف املخالفات املالية ومطالبة املسئولين بتدارك املوقف أو‬

‫‪ .1‬عبد الكريم صادق بركات ومن معه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 441‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬محمد جمال ذنيبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 296‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫إحالتهم للقضاء الجنائي إذا استدعى األمر‪ .‬كما قد يطلب منها وضع تقرير‬
‫ً‬
‫سنوي لرئيس الجمهورية أو للسلطة التشريعية أو لالثنين معا تعرض فيه‬
‫ما اكتشفته من مخالفات مالية‪ ،‬وما أمكن تالفيه‪ ،‬واقتراحاتها للتقليل من‬
‫هذه املخالفات أو منعها في املستقبل‪ .‬ومن أوضح األمثلة على هذا النوع‬
‫من الرقابة املالية محكمة املحاسبة في كل من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫‪ .2‬رقابة تشريعية‪:‬‬
‫وهي تلك التي تتوالها الهيئة التشريعية بما لها من سلطة مطلقة في‬
‫الرقابة املالية‪ .‬وتباشر السلطة التشريعية هذه املهمة بطرق مختلفة‪ .‬فقد‬
‫تتم الرقابة عن طريق الهيئة التشريعية مباشرة أثناء السنة املالية أو بعد‬
‫فحصها للحساب الختامي عن طريق االستجواب والسؤال للوزراء‬
‫كممثلين للسلطة التنفيذية‪ .‬وقد يترتب على اتباع هذا األسلوب مسئولية‬
‫الوزراء السياسية وطرح الثقة بالوزارة وإسقاطها إذا لم تحصل على‬
‫غالبية األصوات‪ .‬وقد تتجاوز مسئولية الوزراء عن املخالفات املالية حدود‬
‫املسئولية السياسية لتشمل في بعض الدول مسئوليتهم املدنية والجنائية‪.‬‬
‫إال أنه سرعان ما اتضحت عيوب هذا األسلوب من أساليب الرقابة‬
‫ً‬
‫املالية نظرا لعدم إملام أعضاء الهيئة التشريعية بالضرورة باألصول‬
‫العملية للرقابة املالية‪ ،‬أو لعدم توفر الخبرة والوقت الالزمين لهذه املهمة‪.‬‬
‫ولذلك فقد رؤى من األفضل تكليف لجنة مختصة تنتقي من بين أعضاء‬
‫الهيئة التشريعية وخاصة من أولئك الذين قد تتوافر فيهم املعرفة والخبرة‬
‫بشئون املالية العامة‪ .‬ومثال ذلك لجنة الخطة وامليزانية في جمهورية مصر‬

‫‪301‬‬
‫العربية‪ .‬وعلى هذه اللجنة أن تراقب تنفيذ امليزانية وأن تفحص الحساب‬
‫الختامي للدولة واملستندات املؤيدة له‪ .‬وقد يكون من سلطتها استدعاء‬
‫اآلمرين بالصرف أو من تراه من موظفي الدولة ملناقشتهم وسؤالهم‪ .‬ثم‬
‫ترفع هذه اللجنة تقريرها إلى السلطة التشريعية بكامل هيئتها حيث يتخذ‬
‫ً‬
‫هذا التقرير أساسا ملساءلة السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أنه قد تتوافر بعض نواحي املعرفة والخبرة بالشئون‬
‫املالية ألعضاء هذه اللجنة إال أن صعوبة التفرغ لهذه املسائل وضخامة‬
‫الجهد الالزم ألدائها تجعل من املستحيل على مثل هذه اللجنة تأدية مهمتها‬
‫على وجه مرض ي‪ .‬ولذلك فقد رأت معظم الدول أن تستعين الهيئة‬
‫التشريعية بهيئة فنية متخصصة ومستقلة تكرس خبراتها ووقتها للرقابة‬
‫املالية على السلطة التنفيذية‪ .‬ومن أمثلة ذلك الجهاز املركزي للمحاسبات‬
‫في جمهورية مصر العربية‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن الناحية العملية نجد أن كثيرا من الدول قد جمعت بين هذه‬
‫الطرق الثالثة للرقابة التشريعية‪ .‬حيث تتولى هيئة فنية متخصصة‬
‫مراقبة تنفيذ امليزانية وفحص كل ما يتعلق بالعمليات املالية للدولة‬
‫والوقوف على املخالفات املرتكبة ورفع التقارير السنوية وغير السنوية إلى‬
‫السلطة التشريعية‪ .‬فتقوم اللجنة املالية املنبثقة من السلطة التشريعية‬
‫ً‬
‫بدراسة هذه التقارير دراسة تفصيلية ثم تحليلها مرفقا بها مالحظاتها‬
‫واقتراحاتها إلى املجلس التشريعي بهيئته الكاملة ليتولى محاسبة السلطة‬
‫التنفيذية واتخاذ ما يلزم من إجراءات‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫أما من حيث التوقيت الزمني فنجد أن الرقابة املالية تنقسم‬
‫إلى‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬رقابة سابقة‪.‬‬


‫حيث تتم عمليات املراجعة والرقابة قبل الصرف‪ ،‬وال يجوز ألي‬
‫وحدة تنفيذية االرتباط بااللتزام أو دفع أي مبلغ قبل الحصول على‬
‫موافقة الجهة املختصة بالرقابة قبل الصرف‪ .‬ومن البديهي أن عمليات‬
‫املراجعة والرقابة هنا تتم على جانب النفقات فقط حيث ال يتصور أن‬
‫تتم رقابة سابقة على تحصيل اإليراد العام‪ .‬وقد تتولى الرقابة السابقة‬
‫إدارة داخلية تتبع نفس الجهة التي تقوم بالصرف (مثل أقسام املراجعة في‬
‫الوزارات واملصالح املختلفة) أو قد تتبع وزارة املالية (مثل املراقب املالي بكل‬
‫وزارة)‪ .‬كما تتولى الرقابة السابقة هيئة خارجية ومثال ذلك رقابة املحاسب‬
‫واملراجع العام في بريطانيا ومحكمة املحاسبة اإليطالية ومحكمة املحاسبة‬
‫البلجيكية‪.‬‬
‫ً‬
‫وتتخذ الرقابة قبل الصرف أشكاال متعددة‪ .‬فقد تقتصر على مجرد‬
‫التصريح للبنك املركزي بوضع املبالغ التي وافقت عليها السلطة التشريعية‬
‫تحت تصرف اآلمرين بالصرف في املصالح والوزارات املختلفة لإلنفاق منها‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد تتضمن ضرورة الحصول مقدما على إقرار من الجهة املختصة بصحة‬
‫كل عملية على حدة من الوجهة القانونية وقد تمتد الرقابة السابقة‬
‫لتشمل فحص املستندات الخاصة بكل عملية والتثبت من سالمة العملية‬
‫من جميع الوجوه مثل وجود اعتماد لهذا النوع من النفقة وأن إجراءات‬

‫‪ .1‬عبد الكريم صادق بركات ومن معه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 441‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫ً‬
‫االرتباط بااللتزام قد تمت وفقا للوائح والتعليمات املالية وأن البضاعة (أو‬
‫ً‬
‫موضوع النفقة) قد تم استالمها فعال وأن لجان االستالم ومحاضرها‬
‫وكذلك مستندات الصرف مطابقة للنظم املالية املعمول بها ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن الرقابة السابقة إذا نفذت بنجاح تمنع ارتكاب‬
‫املخالفات املالية ولذلك يطلق عليها البعض اسم "الرقابة الوقائية أو‬
‫الرقابة املانعة" كما أنه يترتب على تطبيق نظام الرقابة قبل الصرف‬
‫للتخفيف من درجة املسئولية التي تتحملها الوزارات واملصالح املختلفة‪.‬‬
‫ً‬
‫ومع ذلك فال يخلو أسلوب الرقابة السابقة من عيوب‪ ،‬فغالبا ما‬
‫ً‬
‫يصعب وفقا لهذا النظام مراجعة العملية املالية في مجموعها خاصة‬
‫بالنسبة لالرتباطات املالية الكبيرة واملشروعات اإلنشائية وإنما تتم‬
‫مراجعتها كأجزاء متفرقة كلما بدء بتنفيذ جزء منها‪ .‬وبالتالي قد ال تتاح‬
‫الفرصة لجميع أجزاء العملية الواحدة ودراستها للكشف عما قد يكون‬
‫هناك من غش أو تالعب‪.‬‬
‫كما أن الرقابة قبل الصرف البد وأن تنجز في وقت قصير وإال أدت‬
‫إلى بطء في اإلجراءات وتعطيل لسير العمل مما قد يكلف الدولة والشعب‬
‫أضعاف ما قد ينجم عن الرقابة السابقة من مزايا‪ .‬فإذا ما تمت عمليات‬
‫الرقابة السابقة عن طريق هيئة خارجية ومستقلة عن السلطة التنفيذية‬
‫فإن ذلك يؤدي وال شك إلى سلب هيئة الرقابة للكثير من اختصاصات‬
‫السلطة التنفيذية وظهور نوع من املركزية اإلدارية يؤدي إلى تعقيد في‬
‫اإلجراءات وتزايد الخالفات واملنازعات املستمرة بين الوزارات وهيئة‬
‫الرقابة‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫وال يعني هذا االنتقاص من قدر أو أهمية الرقابة السابقة‪ .‬وإنما‬
‫يعني ضرورة ترك مهمة الرقابة قبل الصرف إلى وحدات من داخل السلطة‬
‫التنفيذية سواء أكانت من نفس الجهة التي تقوم بالصرف أو من وزارة‬
‫املالية على أن تختص هيئات الرقابة الخارجية بعمليات الرقابة الالحقة‪.‬‬
‫وهذا ما أيدته التطبيقات العملية ألساليب الرقابة املالية في الدول‬
‫املختلفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬رقابة الحقة‪.‬‬
‫وهي الرقابة التي تبدأ بعد انتهاء السنة املالية وقفل الحسابات‬
‫واستخراج الحساب الختامي للدولة‪ .‬والرقابة الالحقة ال تشمل جانب‬
‫النفقات فقط كما هو الحال بالنسبة للرقابة السابقة ولكنها تمتد لتشمل‬
‫جانب اإليرادات العامة للتأكد من تطبيق السلطة التنفيذية للقوانين‬
‫وعدم تقاعس األخيرة عن تحصيل الضرائب املفروضة وأن كل ما حصل‬
‫ً‬
‫قد ورد بالفعل إلى خزانة الدولة‪ .‬وتتخذ الرقابة الالحقة أشكاال متعددة‪،‬‬
‫فقد تقتصر على املراجعة الحسابية واملستندية لجميع العمليات املالية‬
‫لكشف املخالفات املالية التي ارتكبت‪ ،‬وقد تمتد لتشمل بحث مدى كفاءة‬
‫الوحدة اإلدارية في استخدام األموال العامة‪.‬‬
‫ولكي تتوافر الجدية في عمليات الرقابة الالحقة ولكي تؤتي الثمار‬
‫املرجوة منها البد وأن تتم هذه الرقابة عن طريق هيئة خارجية مستقلة عن‬
‫السلطة التنفيذية وأن تمنح هذه الهيئة وموظفيها من السلطات‬
‫والضمانات ما يجعلها بمنأى عن أي إجراء تعسفي قد تحاول الحكومة‬
‫اتخاذه‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫وأسلوب الرقابة الالحقة يتفادى ما في أسلوب الرقابة السابقة من‬
‫عيوب‪ ،‬حيث يسهل مراجعة جميع أجزاء العملية الواحدة ودراستها دراسة‬
‫دقيقة ومستفيضة والكشف عن االختالسات والتالعب واألخطاء الفنية‪.‬‬
‫والرقابة الالحقة يتاح لها من الوقت ما يكفي إلتمام هذه الدراسات دون‬
‫أن يترتب على ذلك أي تعطيل لسير العمل الحكومي‪ .‬كما أن الرقابة‬
‫الخارجية ال تؤدي إلى تدخل هيئة الرقابة في اختصاصات السلطة‬
‫التنفيذية‪ .‬بل أن مجرد العلم بوجود رقابة خارجية الحقة سيدفع‬
‫املسئولين في السلطة التنفيذية إلى توخي الدقة في تنفيذ امليزانية وتطبيق‬
‫اللوائح والتعليمات املالية وبالتالي منع كثير من املخالفات املالية التي كان‬
‫من املمكن حدوثها لو لم يؤخذ بهذا األسلوب للرقابة املالية‪.‬‬
‫ولقد عاب البعض على الرقابة الالحقة أنها ال تمكن من اكتشاف‬
‫املخالفات املالية أو الغش واالختالس إال بعد أن تكون األموال العامة قد‬
‫ً‬
‫أنفقت فعال‪ ،‬فهي وإن كانت تقلل من املخالفات املالية ال تمنع من ارتكابها‬
‫وإنما تقتصر على التنبيه إليها بعد وقوعها باإلضافة إلى أن اكتشاف هذه‬
‫املخالفات املالية قد يأتي بعد وقت طويل من ارتكابها يكون فيه املسئول‬
‫قد تغير مما يقلل من أهميتها‪.‬‬
‫ً‬
‫وال شك في أن كثيرا من هذه العيوب التي ألصقت بالرقابة الخارجية‬
‫الالحقة يسهل تفاديها إذا ما أعطيت لهيئة الرقابة بعض السلطات‬
‫القضائية مثل إنشاء محكمة تأديبية لتعزيز مهمة هيئة الرقابة مثل‬
‫النيابة اإلدارية في جمهورية مصر العربية حيث يظل املوظف العام أينما‬

‫‪306‬‬
‫كان مسئول عن أي مخالفة مالية أو إهمال في أداء واجبات الوظيفة‬
‫الحالية أو الوظائف السابقة‪.‬‬
‫وأما من حيث نوعية الرقابة؛ فتتم التفرقة بين‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬الرقابة الحسابية‪.‬‬


‫وهي الرقابة التقليدية التي تقتصر على مراجعة الدفاتر الحسابية‬
‫ومستندات الصرف والتحصيل‪ ،‬ومدى تطابق الصرف لالعتمادات‬
‫املمنوحة لكل بند من بنود امليزانية‪ ،‬وأن جميع التجاوزات قد تمت بعد‬
‫الحصول على ترخيص سابق من الجهة املختصة‪ ،‬وأن اإليرادات العامة‬
‫التي فرضها القانون قد تم ربطها وتحصيلها‪ ،‬وأن األموال املحصلة قد‬
‫أودعت بخزانة الدولة وأضيفت إلى أنواعها الصحيحة في الحسابات‪ ،‬وأن‬
‫جميع العمليات املالية قد تمت بمستندات ونماذج صحيحة ومعتمدة‬
‫ً‬
‫ممن لهم سلطة اعتمادها وفقا للقوانين واللوائح والتعليمات املعمول بها‬
‫ً ً‬
‫في الدولة‪ ،‬وأنها مثبتة في الدفاتر إثباتا صحيحا وفقا للنظام املحاسبي‬
‫املتبع‪ .‬كما تهدف الرقابة الحسابية إلى بذل أقص ى الجهد الكتشاف‬
‫األخطاء الفنية والغش والتزوير واملخالفات املالية‪ .‬وقد تمتد الرقابة‬
‫الحسابية إلى فحص النظام املحاسبي املتبع أو النظم املالية املعمول بها‬
‫وتقديم االقتراحات التي قد تراها هيئة الرقابة الزمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرقابة التقييمية‪.‬‬
‫هي تلك التي ال تقتصر على التأكد من سالمة الدفاتر واملستندات‬
‫الحسابية وصحة تطبيق القوانين واللوائح املالية فحسب ولكنها تتجاوز‬

‫‪ .1‬عبد الكريم صادق بركات ومن معه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 441‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫كل ذلك في محاولة لتقييم النشاط الحكومي نفسه‪ .‬فهي تبحث عن مدى‬
‫تحقيق أهداف امليزانية وبالتالي مدى تحقيق األهداف االقتصادية‬
‫واالجتماعية للمجتمع‪ .‬فتقوم هيئة الرقابة التقييمية بدراسات للتكاليف‬
‫النمطية لكل وجه من أوجه النشاط العام‪ .‬ثم تتابع ما تم تنفيذه وتكلفة‬
‫إنجاز كل عمل أو برنامج أو مشروع حكومي ومقارنة ذلك بالتكاليف‬
‫النمطية للكشف عما صاحب التنفيذ من إسراف أو سوء استخدام‬
‫للموارد االقتصادية التي أتيحت للقطاع العام‪ .‬كما تهدف الرقابة‬
‫التقييمية في دراستها إلى الكشف عن مدى كفاءة الوحدات اإلدارية ووضع‬
‫املقترحات التي قد تراها ضرورية لالرتفاع بهذه الكفاءة اإلدارية وبالتالي‬
‫خفض تكاليف اإلنجاز أو تحسين مستوى الخدمة التي يقدمها القطاع‬
‫العام‪ .‬وال تقتصر مهمة الرقابة التقييمية عند هذا الحد بل تتعداه إلى‬
‫قياس املنافع متى عادت على أفراد املجتمع وعلى االقتصاد القومي من‬
‫قيام الحكومة بهذه البرامج واملشروعات محاولة بذلك وضع التكاليف‬
‫واملنافع في مقارنة موضوعية يمكن عن طريقها تقييم إنتاجية وحدات‬
‫القطاع العام‪.‬‬
‫وتعتبر الرقابة التقييمية من أحدث أساليب الرقابة املالية‪ ،‬حيث‬
‫بدأ التفكير فيها بعد الحرب العاملية الثانية‪ .‬ومع ازدياد دور الدولة في‬
‫النشاط االقتصادي وبالتالي ازدياد حجم النفقات العامة وثقل العبء‬
‫الضريبي امللقى على كاهل املواطنين‪ ،‬أصبحت الرقابة الحسابية وحدها‬
‫عاجزة عن الوفاء بمتطلبات الجماهير‪ ،‬فهم بحاجة إلى معرفة أن ما فرض‬
‫عليهم من ضرائب لم يكن أزيد من الحاجة الفعلية‪ ،‬وأن املوارد‬

‫‪308‬‬
‫االقتصادية التي حيل بينهم وبينها نتيجة لفرض هذه الضرائب قد‬
‫استغلت من قبل الحكومة أحسن استغالل ممكن‪ ،‬وأن كفاءة الحكومة‬
‫في إدارة األعمال مرتفعة‪ ،‬وأن نواحي اإلسراف تتقلص وتتضاءل سنة بعد‬
‫أخرى‪ ،‬ومن هنا بدأت املحاوالت لوضع الرقابة التقييمية موضع التنفيذ‪،‬‬
‫ومع اعتناق الكثير من الدول ألساليب التخطيط االقتصادي ازدادت‬
‫الحاجة إلى الرقابة التقييمية كأسلوب أساس ي ملتابعة تنفيذ الخطة‬
‫الحالية ورسم الخطط االقتصادية للسنوات القادمة‪1.‬‬

‫تم بحمد هللا‬

‫‪ .1‬محمد جمال ذنيبات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪.299-298:‬‬

‫‪309‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫قائمة املصادر واملراجع‬
‫أوال‪ :‬املراجع بالغة العربية‪.‬‬
‫‪ .I‬الكتب‬
‫‪ .1‬أحمد الجبير‪ .‬املالية العامة والتشريع املالي‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ :‬اآلفاق املشرقة‬
‫للنشر والتوزيع‪.2011،‬‬
‫‪ .2‬أعاد حمود القيس ي‪ ،‬املالية العامة والتشريع الضريبي‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ :‬دار‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع‪.2008 ،‬‬
‫املوسوي‪ ،‬ضياء مجيد‪ .‬النظرية االقتصادية التحليل االقتصادي‬ ‫‪.3‬‬
‫الكلي‪ .‬الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪.2005 .‬‬
‫بلعزوز بن علي‪ ،‬محاضرات في النظريات والسياسات النقدية‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪2004 ،‬‬
‫جمال الدين محمد بن مكرم أبو الفضل ابن منظور‪ ،‬لسان‬ ‫‪.5‬‬
‫العرب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.2003 ،3‬‬
‫حسين العمر‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬الكويت‪ :‬مكتبة الفالح للنشر‬ ‫‪.6‬‬
‫والتوزيع‪.2002 ،‬‬
‫حامد عبد املجيد داراز‪ ،‬دراسات في السياسات املالية‪،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية‪1988 ،‬‬
‫حامد عبد املجيد دراز‪ ،‬سعيد عبد العزيز عتمان‪ ،‬مبادئ املالية‬ ‫‪.8‬‬
‫العامة‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية‪.2002 ،‬‬
‫حامد عبد املجيد دراز‪ ،‬سميرة إبراهيم أيوب‪ ،‬مبادئ املالية‬ ‫‪.9‬‬
‫العامة‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية‪2002 ،‬‬

‫‪310‬‬
‫رضا خالص ي‪ ،‬شذرات املالية العامة‪ ،‬الجزائر‪ :‬دار هومة‪.2016 ،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫رفعت املحجوب‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫‪.1979‬‬
‫زينب حسين عوض هللا‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬بيروت‪ :‬الدار‬ ‫‪.12‬‬
‫الجامعية‪.1995 ،‬‬
‫سالمة محمد سلمان‪ ،‬اإلدارة املالية العامة‪ ،‬عمان‪ :‬دار املعتز‪،‬‬ ‫‪.13‬‬
‫‪.2015‬‬
‫سوزي عدلي ناشد‪ ،‬أساسيات املالية العامة‪ ،‬بيروت‪ :‬منشورات‬ ‫‪.14‬‬
‫الحلبي الحقوقية‪.2009 ،‬‬
‫صالح الرويلي‪ ،‬اقتصاديات املالية العامة‪ ،‬الجزائر‪ :‬ديوان‬ ‫‪.15‬‬
‫املطبوعات الجامعية‪ ،‬ط‪.1992 ،4‬‬
‫طاهر الجنابي‪ ،‬علم املالية العامة والتشريع املالي‪ ،‬بغداد‪ :‬دار‬ ‫‪.16‬‬
‫الكتب للطباعة والنشر‪ ،‬دت‪.‬‬
‫طارق الحاج‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬عمان‪ :‬دار صفاء للنشر‪.1999 ،‬‬ ‫‪.17‬‬
‫عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة‪ ،‬مقدمة في‬ ‫‪.18‬‬
‫االقتصاد العام ‪-‬املالية العامة‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار الجامعة‬
‫الجديدة للنشر‪.1998 ،‬‬
‫عبد املجيد قدي‪ ،‬دراسات في علم الضرائب‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ :‬دار‬ ‫‪.19‬‬
‫جرير للنشر والتوزيع‪.2011 ،‬‬
‫عادل فليح العلي‪ ،‬مالية الدولة‪ ،‬عمان‪ :‬دار زهران للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.20‬‬
‫دت‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫عبد الكريم صادق بركات ومن معه‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬بيروت‪ :‬الدار‬ ‫‪.21‬‬
‫الجامعية‪.1986 ،‬‬
‫عمرو محي الدين‪ ،‬أزمة النمور اآلسيوية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‬ ‫‪.22‬‬
‫للنشر‪.2000 ،‬‬
‫عمان‪ :‬مؤسسة‬ ‫عبد هللا إبراهيم نزال‪ ،‬اإلدارة املالية العامة‪ّ ،‬‬ ‫‪.23‬‬
‫الوراق للنشر والتوزيع‪.2014 ،‬‬
‫عبد الفتاح عبد الرحمان عبد املجيد‪ ،‬اقتصاديات املالية العامة‪،‬‬ ‫‪.24‬‬
‫القاهرة‪ :‬املطبعة الكمالية‪.1990 ،‬‬
‫علي زغدود‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪،‬‬ ‫‪.25‬‬
‫‪.2005‬‬
‫غازي عناية‪ ،‬املالية العامة والنظام املالي اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫‪.26‬‬
‫الجيل‪.1995 ،‬‬
‫فليح حسن خلف‪ ،‬املالية العامة‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ :‬جدارا للكتاب العاملي‪،‬‬ ‫‪.27‬‬
‫‪.2008‬‬
‫فوزي عبد املنعم‪ ،‬املالية العامة والسياسات املالية‪ ،‬ط‪،4‬‬ ‫‪.28‬‬
‫(الجزائر‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪.)1992 ،‬‬
‫محمد دويدار‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياس ي –االقتصاد املالي‪،‬‬ ‫‪.29‬‬
‫اإلسكندرية‪ :‬الدار الجامعية للطباعة والنشر‪ ،‬دت‪.‬‬
‫محمد بن أبي بكر الرازي‪ ،‬مختارالصحاح‪ ،‬املستقبل‪ ،‬دت‪.‬‬ ‫‪.30‬‬
‫محمد جمال ذنيبات‪ ،‬املالية العامة والتشريع املالي‪ ،‬عمان‪ :‬الدار‬ ‫‪.31‬‬
‫العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع‪.2003 ،‬‬

‫‪312‬‬
‫محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العال‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬عنابة‪ :‬دار‬ ‫‪.32‬‬
‫العلوم‪.2003 ،‬‬
‫محمد الطاهر سعودي‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬باتنة‪ :‬دار قانة للنشر‬ ‫‪.33‬‬
‫والتوزيع‪.2009 ،‬‬
‫محمد خالد املهايني وخالد شحادة الخطيب‪ ،‬املالية العامة‪،‬‬ ‫‪.34‬‬
‫دمشق‪ :‬مديرية الكتب واملطبوعات جامعة دمشق‪ ،‬دت‪.‬‬
‫محمد خالد املهايني‪ ،‬محاضرات في املالية العامة‪ ،‬دمشق‪ :‬املعهد‬ ‫‪.35‬‬
‫الوطني لإلدارة العامة‪.2013 ،‬‬
‫محمد ساحل‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬الجزائر‪ :‬جسور للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.36‬‬
‫‪.2017‬‬
‫محمد شاكر عصفور‪ ،‬أصول املوازنة العامة‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ :‬دار املسيرة‬ ‫‪.37‬‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2014 ،6‬‬
‫محمد طاقة وهدى العزاوي‪ ،‬اقتصاديات املالية العامة‪ّ ،‬‬
‫عمان‪:‬‬ ‫‪.38‬‬
‫دار املسيرة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.2010 ،2‬‬
‫محمد عبد صالح‪ ،‬محاضرات مادة اقتصاديات الضرائب‪،‬‬ ‫‪.39‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ ،‬قسم إدارة االستثمار واملوارد‪ ،‬كلية اقتصاديات‬
‫األعمال‪ ،‬جامعة النهرين‪ ،‬بغداد‪.2020 ،‬‬
‫محمود حسين الوادي وزكريا أحمد عزام‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪،‬‬ ‫‪.40‬‬
‫ّ‬
‫عمان‪ :‬دار املسيرة للنشر والتوزيع‪.2007 ،‬‬
‫محمود حسين الوادي‪" ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬عمان‪ :‬دار املسيرة‬ ‫‪.41‬‬
‫للنشر والتوزيع والطباعة‪.2010 ،‬‬

‫‪313‬‬
‫‪ .42‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي ومنجد عبد اللطيف الخشالي‪ ،‬املدخل‬
‫الحديث في اقتصاديات املالية العامة‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ :‬دار املناهج للنشر‬
‫والتوزيع‪.2017 ،‬‬
‫‪ .43‬يحيى دنيدني‪ ،‬املالية العمومية‪ ،‬الجزائر‪ :‬دار الخلدونية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪.2014‬‬
‫‪ .44‬يسرى محمد أبو العال‪ ،‬املالية العامة والتشريع الضريبي‪ ،‬مصر‪:‬‬
‫جامعة بنها‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ . II‬املذكرات واالطروحات‪.‬‬
‫‪ .1‬بوزيان عبد الباسط‪" ،‬دور السياسة املالية في استقطاب االستثمار‬
‫األجنبي املباشر –دراسة حالة الجزائر خالل الفترة (‪،)2004-1994‬‬
‫مذكرة ماجيستير‪ ،‬فرع نقود ومالية‪ ،‬قسم العلوم االقتصادية‪،‬‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي‪ ،‬الشلف‪.2007-2006 ،‬‬
‫‪ .2‬بوزيان عبد الباسط‪" ،‬دور السياسة املالية في استقطاب االستثمار‬
‫األجنبي املباشر –دراسة حالة الجزائر خالل الفترة (‪،)2004-1994‬‬
‫مذكرة ماجيستير‪ ،‬فرع نقود ومالية‪ ،‬قسم العلوم االقتصادية‪،‬‬
‫جامعة حسيبة بن بوعلي‪ ،‬الشلف‪.2007-2006 ،‬‬
‫‪ .3‬البد لزرق‪" ،‬ظاهرة الهرب الضريبي وانعكاساتها على االقتصاد‬
‫الرسمي في الجزائر دراسة حالة –والية تيارت‪ ،"-‬مذكرة ما جيستير‪،‬‬
‫تخصص تسيير املالية العامة‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان‪،‬‬
‫كلية العلوم االقتصادية والتسيير والعلوم التجارية‪.2012-2011 ،‬‬

‫‪314‬‬
‫‪ .4‬محمد جمام‪" ،‬النظام الضريبي وآثاره على التنمية االقتصادية"‪،‬‬
‫أطروحة دكتوراه دولة في العلوم االقتصادية‪ ،‬جامعة قسنطينة‪:‬‬
‫كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬سنة‪2009‬م‪2010/‬‬
‫‪ .5‬مسعود دراوس ي‪" ،‬السياسة املالية ودورها في تحقيق التوازن‬
‫االقتصادي –حالة الجزائر ‪ .")2004-1990‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫العلوم االقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬جامعة الجزائر‪.‬‬
‫‪ .6‬نور طارق حسين العاني‪ ،‬النظام القانوني للرسوم‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫في القانون‪ ،‬بغداد‪ :‬جامعة النهرين‪ ،‬سنة‪.2004‬‬
‫‪ .III‬املجالت والدوريات‪.‬‬
‫‪ .1‬جمال لعمارة‪" ،‬تطور فكرة املوازنة العامة للدولة"‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬نوفمبر ‪.2001‬‬
‫‪ .2‬خالد علي‪ ،‬عمر غنام‪ " ،‬دليل العدالة الضريبية ملنظمات‬
‫املجتمع املدني في املنطقة العربية"‪ ،‬تموز ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬صبرينة كردودي‪ ،‬سبرينة مانع‪ ،‬سهام كردودي‪ " ،‬أساليب تمويل‬
‫عجز امليزانية العامة واآلثار املترتبة عنها"‪ ،‬مجلة نورللدراسات‬
‫االقتصادية‪ ،‬مجلد ‪ ،04‬عدد ‪ ،07‬ديسمبر ‪ ،2018‬ص‪.194 .‬‬
‫‪ .4‬صالح حسن كاظم‪" ،‬مكافحة التهرب الضريبي‪...‬ضرورة ملحة في‬
‫الحد من الفساد"‪ .‬قسم البحوث والدراسات‪ ،‬دائرة الشؤون‬
‫القانونية‪.2010 ،‬‬

‫‪315‬‬
‫‪ .5‬عبيس تركي كاظم‪ ،‬مدخل في الضريبة وعالقتها بالقانون‪ ،‬مجلة‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬مجلد ‪ ،19‬عدد‪ ،3‬أوت‪.2011‬‬
‫‪ .6‬محمد هاني‪ ،‬ياسين مراح‪ " ،‬حدود سياسة اإلصدار النقدي كآلية‬
‫للتمويل غير التقليدي للموازنة ‪-‬العامة في الجزائر –دراسة تحليلية‬
‫ملضمون القانون "‪ ،‬مجلة املنار للبحوث والدراسات القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،04‬مارس ‪.2018‬‬
‫‪ .7‬يوب فايزة‪" ،‬سياسة اإلصدار النقدي كآلية للتمويل غير التقليدي‬
‫في الجزائر"‪ ،‬مجلة دراسات اقتصادية‪ ،‬املجلد ‪ ،13‬العدد ‪،03‬‬
‫‪.2019‬‬
‫‪ .8‬يسري مهدي حسن السامرائي‪ ،‬زهرة خضير عباس العبيدي‪،‬‬
‫"تحليل أثر التغيرات في األسعار الضريبية على الحصيلة الضريبية‬
‫في النظام الضريبي العراقي للمدة (‪ ،)2010-1995‬مجلة جامعة‬
‫االنبارللعلوم االقتصادية واإلدارية‪ ،‬املجلد ‪ ،5‬العدد ‪.2013 ،10‬‬
‫‪ . IV‬املنشورات اإللكترونية‪.‬‬
‫‪ .1‬أنس حاتم‪" ،‬آثار القروض العامة في النشاط االقتصادي الكلي"‪،‬‬
‫تم التحميل من املوقع‪/ https://www.blogepoch.com :‬‬
‫‪ .2‬محمد حلمي مراد‪ ،‬مالية الدولة‪( ،‬املكتبة القانونية‪ .)1970 ،‬تم‬
‫التحميل من املوقع ‪https://www.noor-book.com‬‬
‫ثانيا‪ :‬املراجع باللغة األجنبية‪.‬‬
‫‪1. shwor Thapa, "Public Finance: Concept, Definition and‬‬
‫‪Importance for Country's Development",20 July, accessed‬‬
‫‪on 12/06/2021, in:‬‬

‫‪316‬‬
https://www.researchgate.net/publication/342886391_Publ
ic_Finance_Concept_Definition_and_Importance_for_Co
untry's_Development
2. Michel Aglietta,”Le Préteur en Dernier Ressort
International et la Réforme du FMI”, Rapport du Conseil
d’Analyse Economique," Crises de la Dette : Prévention et
Résolution", Paris : la Documentation Française, 2003.
3. Public Finance – Basic Concepts, Ties and Aspects,
accessed on 12/06/2021, in:
https://nb.vse.cz/~urbanek/Public%20Finance/PublicFinan
ce.pdf
4. Raymond Bausch, " Finances publiques", Institu national
d’administration publique, octobre 2019, P. 5. Visité le
08/06/2021. Sur : https://igf.gouvernement.lu/dam-
assets/fr/dossiers/formations/Cours-Finances-
publiques.pdf
5. " Qu'est-ce que les dépenses publiques ?", 04/07/ 2014/ ,
visité le : 30/06/2020. Sur :
https://www.capital.fr/economie-politique/qu-est-ce-que-
les-depenses-publiques-946279

317

You might also like