Professional Documents
Culture Documents
كتاب مدخل إلى المالية العامة النسخة النهائية
كتاب مدخل إلى المالية العامة النسخة النهائية
مدخل
إلى علم املالية العامة
/
319
الحمد هلل ملء السماوات
5
املطلب الرابع :أهمية السياسة املالية ودورها في تحقيق التوازن
االقتصادي44..............................................................................................
الفصل الثاني:
تطوراملالية العامة وعالقتها بالعلوم األخرى
املبحث األول :نشأة وتطور املالية العامة50................................................
املطلب األول :ما قبل ظهور الدولة املركزية50........................................... .
املطلب الثاني :ما بعد ظهور الدولة املركزية52.......................................... .
الفرع األول :املدرسة التجارية 52............................................................
الفرع الثاني :املدرسة التقليدية 53.........................................................
الفرع الثالث :املدرسة االشتراكية 55......................................................
الفرع الرابع :املدرسة التقليدية الجديدة 56...........................................
الفرع الخامس :املدرسة الكينزية 57.......................................................
املطلب الثالث :املالية العامة في اإلسالم58.................................................
املطلب الرابع :املالية العامة في الدول النامية60....................................... .
املطلب الخامس :دور املالية العامة في الدولة املعاصرة62........................ .
املبحث الثاني :عالقة املالية العامة بالعلوم األخرى63.............................. .
املطلب األول :عالقة املالية العامة بعلم القانون63.................................. .
املطلب الثاني :عالقة املالية العامة بعلم االقتصاد66.............................. .
املطلب الثالث :عالقة املالية العامة بالعلوم السياسية67....................... .
املطلب الرابع :عالقة املالية العامة بعلم االجتماع68.................................
املطلب الخامس :عالقة املالية العامة بعلم املحاسبة69.......................... .
6
املطلب السادس :عالقة املالية العامة بعلم اإلحصاء69........................... .
الباب الثاني:
الـنفق ــات الع ــامـة
الفصل األول:
اإلطاراملفاهيمي للنفقات العامة
املبحث األول :مفهوم النفقات العامة74................................................... .
املطلب األول :تعريف النفقة العامة74.......................................................
املطلب الثاني :ضوابط النفقات العامة77................................................ .
الفرع األول :ضابط املنفعة 78................................................................
الفرع الثاني :قاعدة االقتصاد في النفقات (تعظيم إنتاجية النفقة
العامة) 80................................................................................................
الفرع الثالث :قاعدة الترخيص 83..........................................................
املطلب الثالث :حدود النفقات العامة 84...................................................
الفرع األول :حدود النفقات العامة من الناحية السياسية 84...............
الفرع الثاني :حدود النفقات من الناحية املالية 85................................
املطلب الرابع :ظاهرة تزايد النفقات العامة وأسبابها88.............................
الفرع األول :األسباب الحقيقية لتزايد النفقات العامة 89.....................
الفرع الثاني :األسباب الظاهرية لتزايد النفقات العامة95................... .
الفصل الثاني:
تقسيمات النفقات العامة و آثارها االقتصادية
املبحث األول :تقسيمات النفقات العامة 100 ............................................
7
املطلب األول :أهمية تقسيمات النفقات العامة100 ................................ .
املطلب الثاني :تقسيمات النفقات العامة101 .......................................... .
الفرع األول :التقسيمات االقتصادية أو العلمية للنفقات العامة 102 .
املطلب الثاني :التقسيمات الوضعية للنفقات العامة 109 ......................
املبحث الثاني :اآلثار االقتصادية للنفقات العامة110 ............................. .
املطلب األول :اآلثار املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج واالستهالك
الوطنيين111 ............................................................................................. .
الفرع األول :اآلثار املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج الوطني 111 ....
الفرع الثاني :اآلثار املباشرة للنفقات العامة في االستهالك الوطني 116 .
املطلب الثاني :اآلثار غير املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج
واالستهالك (أثر املضاعف واملعجل)117 .................................................. .
الفرع األول :أثر املضاعف 118 ...............................................................
الفرع الثاني :أثر املعجل أو املسارع 121 .................................................
الباب الثالث:
اإلي ـ ـرادات الع ــام ــة
الفصل األول:
اإليـ ـ ـ ـرادات العـ ـ ـ ـ ــام ـ ــة مفهومها وتقسيماتها
املبحث األول :مفهوم اإليرادات العامة126 ............................................... .
املبحث الثاني :تقسيمات اإليرادات العامة127 ........................................ .
املبحث الثالث :إيرادات أمالك الدولة (الدومين) 129 ................................
املطلب األول :الدومين العام 130 ................................................................
8
املطلب الثاني :الدومين الخاص 131 ...........................................................
الفرع األول :الدومين العقاري 132 .........................................................
الفرع الثاني :إيرادات الدولة من الدومين الصناعي والتجاري 134 ........
الفرع الثالث :إيرادات الدولة من الدومين املالي135 ..............................
املطلب الثاني :الثمن العام 136 ..................................................................
املبحث الرابع :الرسوم139 ........................................................................ .
املطلب األول :تعريف الرسم وخصائصه 139 ............................................
املطلب الثاني :تقدير الرسم 142 ................................................................
املطلب الثالث :أساس فرض الرسم 144 ....................................................
املطلب الرابع :التفرقة بين الرسم وبعض اإليرادات العامة األخرى 145 ...
الفرع األول :الرسم والثمن العام 145 ....................................................
الفرع الثاني :الرسم ومقابل التحسين أو اإلتاوة 147 .............................
الفرع الثالث :الفرق بين الرسم والضريبة 149 ......................................
املطلب الخامس :دور الرسوم في املالية العامة الحديثة 149 .....................
الفصل الثاني:
الـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ــرائ ـ ـ ـ ـ ـ ــب
املبحث األول :مفهوم الضريبة والنظام الضريبي 152 ................................
املطلب األول :تعريف الضريبة وخصائصها 152 ........................................
الفرع األول :تعريف الضريبة152 ...........................................................
الفرع الثاني :خصائص الضريبة 153 .....................................................
املطلب الثاني :األساس القانوني للضريبة 157 ...........................................
9
الفرع األول :نظرية العقد املالي 158 ........................................................
الفرع الثاني :نظرية التضامن املالي 159 .................................................
املطلب الثالث :قواعد فرض للضريبة 161 ................................................
الفرع األول :القواعد التقليدية للضريبة 161 ........................................
الفرع الثاني :القواعد الحديثة (املكملة)163 .........................................
املبحث الثاني :التنظيم الفني للضريبة164 ............................................... .
املطلب األول :تحديد وعاء الضريبة164 ................................................... .
الفرع األول :الضريبة الوحيدة والضرائب املتعددة 165 ........................
الفرع الثاني :الضريبة على األشخاص والضرائب على األموال 166 .......
الفرع الثالث :الضرائب املباشرة والضرائب غير املباشرة 166 ..............
املطلب الثاني :تقدير الوعاء الضريبي 179 ..................................................
الفرع األول :الطريقة غير املباشرة 180 ..................................................
الفرع الثاني :الطريقة املباشرة 181 ........................................................
املطلب الثالث :تحديد سعر الضريبة 182 .................................................
الفرع األول :الضريبة التوزيعية 182 .......................................................
الفرع الثاني :الضريبة القياسية (التحديدية) 182 ................................
املطلب الرابع :ربط وتحصيل الضريبة 188 ................................................
املبحث الثالث :اآلثار االقتصادية للضرائب 190 .......................................
املطلب األول :دور النظام الضريبي في التمويل وتعبئة املوارد املالية192 ...
املطلب الثاني :دور النظام الضريبي في تحقيق االستقرار والتوازن
االقتصادي193 ...........................................................................................
10
املطلب الثالث :دور النظام الضريبي في إعادة توزيع الدخل القومي 194 ...
املطلب الرابع :أثر الضرائب في االستهالك واالدخار 195 ............................
املطلب الخامس :تأثير الضرائب على اإلنتاج197 .......................................
الفصل الثالث:
االزدواج والتهرب الضـ ـ ـ ــريب ـ ـ ــي
املبحث األول :االزدواج الضريبي200 ...........................................................
املطلب األول :مفهوم االزدواج الضريبي 200 ...............................................
الفرع األول :تعريف االزدواج الضريبي وعناصره 200 .............................
املطلب الثاني :أنواع االزدواج الضريبي وأسبابه 202 ..................................
الفرع األول :أنواع االزدواج الضريبي202 ................................................
الفرع الثاني :أسباب االزدواج الضريبي204 ............................................
املطلب الثالث :وسائل مكافحة االزدواج الضريبي205 ...............................
املبحث الثاني :التهرب الضريبي 206 ............................................................
املطلب األول :تعريف التهرب الضريبي 206 .................................................
املطلب الثاني :أنواع التهرب الضريبي 207 ...................................................
الفرع األول :التهرب الضريبي املشروع (التجنب الضريبي) 207 ...............
الفرع الثاني :التهرب الضريبي غير املشروع (الغش الضريبي) 207 ..........
املطلب الثالث :أسباب التهرب الضريبي 210 ...............................................
املطلب الرابع :أساليب مكافحة التهرب الضريبي 212 .................................
11
الفصل الرابع:
الق ـ ـ ـ ــروض الع ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ــة
املبحث األول :القروض العامة ،مفهومها وأنواعها216 ............................. .
املطلب األول :مفهوم القرض العام 216 .....................................................
املطلب الثاني :أنواع القروض العامة 217 ..................................................
الفرع األول :القروض الداخلية والقروض الخارجية 217 ......................
الفرع الثاني :القروض االختيارية والقروض اإلجبارية 218 .....................
الفرع الثالث :القروض العمرية والقروض املؤبدة والقروض ألجل219 .
الفرع الرابع :القروض املثمرة والقروض العقيمة 220 ...........................
املطلب الثالث :الفرق بين القرض العام والضريبة 220 .............................
املطلب الرابع :الطبيعة االقتصادية والقانونية للقرض العام222 ............
املبحث الثاني :التنظيم الفني للقروض العامة 223 ....................................
املطلب األول :إصدار القرض العام 223 .....................................................
الفرع األول :شروط اإلصدار 224 ...........................................................
الفرع الثاني :طرق االكتتاب 228 ............................................................
الفرع الثالث :املزايا والضمانات املمنوحة للمكتتبين 230 .....................
املطلب الثاني :انقضاء القرض العام231 ...................................................
الفرع األول :الوفاء بالقرض العام 231 ...................................................
الفرع الثاني :تثبيت القرض العام 232 ...................................................
الفرع الثالث :تبديل القرض العام 233 ..................................................
الفرع الرابع :استهالك القرض العام 234 ...............................................
12
املبحث الثالث :اآلثار االقتصادية للقروض العامة235 ........................... .
املطلب األول :اآلثار االقتصادية للقروض العامة الداخلية والخارجية
236 .............................................................................................................
الفرع األول :اآلثار االقتصادية للقروض العامة الخارجية 237 .............
الفرع الثاني :اآلثار االقتصادية للقروض الداخلية 238 ........................
املطلب الثاني :آثار القروض العامة في االستهالك واالدخار 239 ................
املطلب الثالث :أثر القروض العامة على االستثمار240 .............................
املطلب الرابع :آثار القروض العامة في إعادة توزيع الدخل الوطني 241 .....
املطلب الخامس :أثر القروض في توزيع العبء املالي العام 242 ..................
الفصل الخامس:
اإلص ـ ـ ـ ـ ــدارالنقـ ـ ـ ــدي كآلية لتمويل عجزاملوازنة العامة
املبحث األول :مفهوم اإلصدار النقدي الجديد 246 ...................................
املطلب األول :تعريف اإلصدار النقدي246 ................................................
املطلب الثاني :التفسير النظري لإلصدار النقدي 249 ...............................
املبحث الثاني :شروط اإلصدار النقدي ومبرراته 252 ................................
املطلب األول :شروط اإلصدار النقدي 252 ................................................
املطلب الثاني :مبررات اإلصدار النقدي الجديد 253 .................................
13
الباب الرابع:
امليزانية العامة وأصولها العلمية
الفصل األول:
مفهوم امليزانية العامة ،قواعدها وخصائصها
املبحث األول :مفهوم امليزانية العامة260 .................................................. .
املطلب األول :تعريف امليزانية العامة 260 ..................................................
املطلب الثاني :عناصر امليزانية العامة 261 .................................................
املبحث الثاني :القواعد الفنية للميزانية لعامة وخصائصها262 .............. .
املطلب األول :قواعد املوازنة العامة263 ................................................... .
الفرع األول :قاعدة سنوية املوازنة العامة263 .......................................
الفرع الثاني :قاعدة عمومية املوازنة العامة (الشمول) 266 ..................
الفرع الثالث :قاعدة وحدة املوازنة العامة269 ......................................
الفرع الرابع :قاعدة عدم تخصيص اإليرادات 271 ................................
الفرع الخامس :قاعدة توازن املوازنة العامة 272 ...................................
املطلب الثاني :خصائص املوازنة العامة 276 ..............................................
الفرع األول :املوازنة العامة وثيقة وخطة 276 ........................................
الفرع الثاني :املوازنة العامة أداة لتدخل الدولة 277 .............................
الفصل الثاني:
أن ـ ــواع املي ـ ـ ـ ــزانية الع ـ ـ ــامة ومراحله ـ ـ ــا
املبحث األول :أنواع امليزانية العامة282.................................................... .
املطلب األول :ميزانية الرقابة282 .............................................................. .
14
املطلب الثاني :ميزانية األداء284 ................................................................
املطلب الثالث :ميزانية التخطيط والبرمجة287 .......................................
املطلب الرابع :امليزانية الصفرية289....................................................... .
املبحث الثاني :دورة امليزانية العامة291................................................... .
املطلب األول :إعداد امليزانية العامة291................................................. .
املطلب الثاني :اعتماد امليزانية العامة 297 ..............................................
املطلب الثالث :تنفيذ امليزانية العامة297 ............................................... .
املطلب الرابع :الرقابة على امليزانية العامة299....................................... .
قائمة املصادر واملراجع 312 .....................................................................
15
مقدمة:
يحتل علم املالية العامة مكانة جوهرية في الفكر االقتصادي
الحديث ،وخاصة مع اتساع دور الدولة وتدخلها في الحياة االقتصادية
واالجتماعية ،والذي تزامن مع تطور الفكر املالي على مر العصور ،وما
رافقه من اتساع في نطاق وحجم النفقات واإليرادات العامة وزيادة
أهميتهما باعتبارهما أدوات مالية هامة في يد الدولة لتحقيق أهداف
املجتمع االقتصادية واالجتماعية واملالية.
إن تدخل الدولة في النشاط االقتصادي بشكل مباشر أو غير مباشر
يعد أمرا ضروريا في أي مجتمع لتوجيه املوارد نحو استخداماتها املثلى،
وضمان توزيع الدخل القومي بشكل أفضل بين مختلف الفئات
االجتماعية ،ودعم التنمية االقتصادية ،وتحقيق االستقرار والتوازن
االقتصادي واالجتماعي والسياس ي ،وتصحيح املسار العام لالقتصاد
وخاصة في ظل األزمات ،وذلك من خالل الدور الذي تلعبه كل السياسة
املالية للدولة في عالج مختلف االختالالت االقتصادية ،بالتنسيق مع
مختلف السياسات االقتصادية األخرى ،فمثال وملعالجة مشكلة التضخم
يتم تخفيض اإلنفاق الحكومي وزيادة الضرائب مما يؤدي إلى تقليص
الفجوة التضخمية ،أما في حالة االنكماش االقتصادي فيتم تفعيل
17
الطلب الكلي والنمو االقتصادي وذلك عن طريق تخفيض الضرائب
وزيادة اإلنفاق الحكومي وبالتالي تقليص الفجوة االنكماشية.
وفي املقابل ،تعتبر املالية العامة املرآة العاكسة ملختلف السياسات
املالية واالقتصادية للدولة ،والتي تعكس بدورها حالة االقتصاد وظروفه.
كما تعتبر املالية العامة حلقة الوصل بين االقتصاد والسياسة ،وأن
امليزانية العامة بشقيها اإليرادات والنفقات إنما تعكس طبيعة النظام
االقتصادي والسياس ي السائد في الدولة ،وبذلك فإن سالمة النظام املالي
في أية دولة وتطوره مرتبط بالدرجة األولى بسالمة ورشادة النظام السياس ي
القائم فيها.
وعليه ،وللوقوف على األهمية البالغة التي تحظى بها املالية العامة
بشقيها اإلرادي واإلنفاقي ،وللكشف عن مفهوم السياسة املالية وأهم
أدواتها ،وكذا أهمية املوازنة العامة ،تم تقسيم محتوى هذا الكتاب إلى
أربعة أبواب حيث تم في الباب األول اإلحاطة بمفهوم املالية العامة ،نشأتها
وتطورها وعالقتها بالعلوم األخرى ،وكذلك البحث في السياسة املالية
وأدواتها وكيف يمكن للدولة أن تمارسها لتحقيق التوازن االقتصادي
واالجتماعي باعتبارها إحدى األدوات الهامة للسياسة االقتصادية .وفي
الباب الثاني تم التطرق ملفهوم النفقات العامة من حيث مفهومها ،أنواعها
وتقسيماتها وآثارها االقتصادية واالجتماعية في االقتصاد الوطني .أما
18
الباب الثالث فقد تضمن مفهوم اإليرادات العامة وأنواعها ومصادرها
بالتركيز على الضرائب والقروض العامة .وفي الباب الرابع واألخير تم
التطرق إلى امليزانية العامة وأصولها العلمية وبيان مبادئها ،مع توضيح
كيفية إعدادها وتنفيذها والرقابة عليها لتحقيق التوازن االقتصادي
واالجتماعي من جهة ،واملحافظة على املال العام من جهة أخرى.
وفي األخير نسأل هللا تعالى أن يتقبل منا هذا العمل خالصا
لوجهه الكريم ،وأن ينفع به جميع الطلبة والباحثين.
وهللا تعالى ولي العون والتوفيق
19
الباب األول
مفهوم ونشأة املالية العامة وعالقتها
بالعلوم األخرى
الفصل األول
اإلطاراملفاهيمي للمالية العامة
والسياسة املالية
لعله من الصعب فهم واستيعاب أي علم من العلوم بعيدا عن
تحديد طبيعته ،نشأته وتطوره ،ومن هذا املنطلق وجب علينا أوال البحث
في مفهوم املالية العامة وتحديد مراحل تطورها وكذا عالقتها بالعلوم
األخرى.
املبحث األول :مفهوم املالية العامة.
يشمل مفهوم املالية العامة التعريف اللغوي واالصطالحي لها،
والفرق بينها وبين املالية الخاصة ،إضافة إلى الحاجات العامة التي تقوم
على تلبيتها والسياسة املالية التي تديرها ،وهذا بيان لذلك:
املطلب األول :تعريف املالية العامة لغة واصطالحا.
الفرع األول :املالية العامة لغة.
َْ َ َْ
ـمال :معروف ما َملك َته من جميع األشياء ...والـجمع أموال ،قال "ال ُ
ُ ُ َ َ
طلق علـى كل ابن األثـير :الـمال فـي األصل ما يملك من الذهب والفضة ثم أ ِ
اإلبل ـى ل ع العرب عند ـمال ل ا طلق ياألعيانَ ،وأكثر ما ُ َ َ
ما ُي ْق َت َنى ويملك من
ِ
َ
مال أي كثير املال وت َم َّو َل الرجل صار َألنها كانت َأكثر َأموالهم" ،1"،ورجل ٌ
َْ ً َ
يال"2. مال َوم َّول ُه غيره تم ِوذا ٍ
وتجدر اإلشارة إلى أن معايير األشخاص وعاداتهم تختلف في
كيفية تسمية األموال من بيئة إلى أخرى؛ بالنسبة للبدو ُيطلق اسم املال
على اإلبل والبقر والغنم ،وعند أهل املدن ُيطلق اسم املال على الذهب
والفضة ،ولكن املال يشمل في األصل جميع املمتلكات ،لذلك يمكن أن
.1جمال الدين محمد بن مكرم أبو الفضل ابن منظور ،لسان العرب ،ط ،3ج(14بيروت :دار صادر للطباعة
والنشر ،)2003،ص.152 .
.2محمد بن أبي بكر الرازي ،مختارالصحاح( ،املستقبل ،دت) ،ص.562 .
24
يقال إن املال في اللغة هو كل ما يمتلكه اإلنسان ويحوزه بالفعل ،سواء
كان أعيانا أو منافع ،مثل الذهب والفضة أو الحيوانات والنباتات ،أو
املنافع مثل الركوب وامللبس واملسكن .وأما األشياء التي ال يمتلكها
ً
اإلنسان ،فهي ال تسمى ماال في اللغة ،مثل الطيور في الهواء ،واألسماك في
املاء ،واألشجار في الغابات ،واملعادن املوجودة في باطن األرض.
"والعامة ضد َّ أما كلمة العامة؛ فقد جاء في مختار الصحاح:
َ َ وع َّم الش يء َي ُع ُّم بالضم ُع ُم ً
وما؛ أي :ش ِمل الجماعة ،يقالَ :ع َّمهم الخاصةَ ،
َّ
ُ ً َ َ
موما :ش ِملهم؛ يقالَ :ع َّم ُه ْم مر َي ُع ُّمهم ع
األ ُ بالعط َّية" ،1ويقال َ
"ع َّم ُهم ِ
َّ
والعامة خالف الخاصة"2. ُ َّ َّ
بالعطية،
وبعبارة أخرى ،يمكن القول أن املالية العامة هي فرع من فروع
االقتصاد ،وهي مكونة من كلمتين :العامة واملالية .مصطلح العامة يعني
الحكومة ،ومصطلح املالية يعني علم إدارة األموال ،وعليه يقصد
بمصطلح املالية العامة بالتحديد دراسة تخصيص وإدارة املوارد
االقتصادية لتحقيق األهداف العامة3 .
25
أوال :التعريف التقليدي للمالية العامة.
عرف التقليديون علم املالية العامة على أنه" :العلم الذي يبحث
الوسائل التي تحصل بها الدولة على اإليرادات العامة الالزمة لتغطية
النفقات العامة ،وتوزيع العبء الناتج عن ذلك على األفراد" .1أو بتعريف
آخر "هي علم الوسائل التي تستطيع الدولة بواسطتها الحصول على املوارد
الالزمة لتغطية نفقاتها العامة عن طريق توزيع األعباء املترتبة على ذلك بين
املواطنين2".
.1محمد خالد املهايني وخالد شحادة الخطيب ،املالية العامة( ،دمشق :مديرية الكتب واملطبوعات جامعة دمشق،
دت) ،ص.19 .
ّ
.2سالمة محمد سلمان ،اإلدارة املالية العامة( ،عمان :دار املعتز ،سنة ،)2015ص.18 .
26
ويجب على الدولة أال تتدخل في الحياة االقتصادية واالجتماعية ،ألن
قوانين السوق ونظام املنافسة التامة ،سيحققان التوازن في االقتصاد
القومي ،وهو ما يطلق عليه حياد الدولة ،أو املالية العامة املحايدة1.
ومن هنا يتضح كون املالية العامة عبارة عن انعكاس للعالقات بين
الدولة وطبقات املواطنين؛ وكذلك لتطور مفهوم الدولة ومضمونها؛
فبالنسبة لالقتصاديين التقليديين فقد حددوا هذا الدور على شكل
الدولة الحارسة أو املحايدة التي تتحدد مهامها بالشرطة والجيش وتمثيل
العدالة والتمثيل الخارجي ،ولكن هذه الدولة املحايدة سرعان ما اضطرت
للتدخل في مجاالت أخرى مما أدى إلى ازدياد نفقاتها رغم تباين أنظمة
الدول واختالفها من نظام إلى آخر.
ثانيا :التعريف الحديث للمالية العامة.
إن املالية العامة املحايدة حكم عليها بعدم االستمرار ،ألنها لم تعد
مواكبة لتطور الحياة االقتصادية ،وال يمكنها تقديم حلول فعالة للتعامل
مع املشاكل التي نشأت في الحياة االقتصادية واالجتماعية ،هذه املشاكل
التي انعكست في التغيرات التي طرأت على دور الدولة ،من مجرد دولة
حارسة إلى دولة متدخلة ،مما أدى إلى ظهور مالية عامة جديدة تدعى
املالية العامة التعويضية أو الوظيفية.
لذلك ،وفي ضوء تطور املالية العامة ،لم يعد التعريف التقليدي
ً
للمالية العامة كافيا ،إذ لم يعد يستطيع تفسير حقيقة هذا التطور؛ فلم
يعد هدف املالية العامة مجرد الحصول على إيرادات عامة لدفع النفقات
27
العامة ،بل هدفها أوسع مما سبق ،بما في ذلك تغطية النفقات العامة
التقليدية وتحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي ،مما يتطلب زيادة
اإلنفاق العام ،وهذا يتطلب الحصول على مزيد من اإليرادات العامة
ً
للوصول إلى الهدف الجديد والقديم معا.
ومن الضروري أن ينعكس هذا التطور ،الذي لحق باملالية العامة،
على تقديم تعريف جديد لعلم املالية العامةً .
وبناء عليه فإن علم املالية
العامة "هو ذلك العلم الذي يبحث في نشاط الدولة عنـدما تسـتخدم
الوسـائل واألساليب املالية بشقيها اإليرادي واإلنفاقي لتحقيق أهداف
املجتمع بمختلف اتجاهاته االقتصادية واالجتماعية واملالية" 1،أو بصيغة
أخرى "هو العلم الذي يدرس اإليرادات العامة والنفقات العامة واملوازنة
العامة ،وتوجيهها واستخدامها في تحقيق األهداف املنبثقة عن الفلسفة
االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي تتبناها الدولة 2".أي" :هي العلم
الذي يدرس مجمل نشاطات الدولة التي أصبح بمستطاعها أن تستخدم
تقنيات مالية خاصة (امليزانية – الضرائب – سندات االستثمار والتسيير
واملمارسات النقدية 3.")...
.1محمد خالد املهايني ،محاضرات في املالية العامة( ،دمشق :املعهد الوطني لإلدارة العامة )2013 ،ص.7 .
.2املرجع نفسه ،ص.20
.3صالح الرويلي ،اقتصاديات املالية العامة ،ط ،4ج(1لجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية ،)1992،ص.11 .
28
اإليرادات العامة والنفقات العامة أصبحت أدوات كمية مالية (متغيرات
مالية) في يد الدولة تستخدمها وتوجهها لتحقيق أهدافها املختلفة ،إلى
جانب الهدف املالي التقليدي ،وأصبح ُينظر إلى النظام املالي على أنه كل ال
يتجزأ من النظام االقتصادي واالجتماعي للدولة ،وأن الظاهرة املالية هي
جزء من الظاهرة االقتصادية ،وتخضع إلى قواعد التحليل االقتصادي.
ً
وهذا ما يضمن تخصيصا أفضل للموارد القومية ،عن طريق إعادة توزيع
ً
هذه املوارد ،بين إشباع الحاجة العامة ،وإشباع الحاجات الخاصة أوال،
وضمان توزيع الدخل القومي بشكل أفضل بين مختلف الفئات
ً
االجتماعية ثانيا .وضمان استخدام أمثل للموارد القومية لتحقيق التوازن
االقتصادي واالجتماعي من خالل ضمان توازن التشغيل الكامل للموارد،
وتحقيق التنمية االقتصادية 1.وعليه ،فقد أصبحت املالية العامة في
العصر الحديث بإرادتها العامة ونفقاتها العامة أداة لتنفيذ سياسة دولة
التدخل أو دولة التخطيط2.
29
-تعارض بين املفهوم التقليدي أو الكالسيكي وبين املفهوم
الحديث بسبب تطور مفهوم الدولة بحد ذاته؛
-اتساع نطاق املالية الحديث بالقياس للتعريف الكالسيكي
نظرا لتدخل الدولة وضرورة ذلك والطبيعة الطبقية للدولة
التي تحدد مضمون النظام املالي أيضا؛
-العالقات الجديدة بين املالية العامة والنظام االقتصادي
للبالد؛
-يشير علم املالية إلى دراسة املؤسسات العامة وتركيب الهيكل
التنظيمي لهذه املؤسسات واألجهزة املالية (إدارة املصالح
املالية)؛
-بروز أهمية املاليات املحلية على املستوى الجهوي إلى جانب
املالية املركزية كميزانيات الواليات والضرائب املحلية.
املطلب الثاني :املالية العامة واملالية الخاصة.
يقصد باملالية العامة مالية السلطات العامة أي مالية القطاع
الحكومي ،وهي تتعامل مع السؤال عن كيفية قيام الحكومة بزيادة مواردها
ملواجهة نفقاتها املتزايدة1 .أما املالية الخاصة فيقصد بها مالية األفراد
واملشروعات الفردية والشركات بأنواعها .ويمكن القول إنه في الوقت الذي
يحدد فيه دخل الفرد مقدار ما يستطيع إنفاقه ،فإن السلطات العامة هي
التي تحدد مقدار ما يجب أن تحصل عليه من دخل أو إيراد ،فالدولة لها
القدرة على تكييف إيراداتﻬا وفقا لنفقاتها العامة ،ويرجع ذلك إلى أن دخل
1
. shwor Thapa, Op. Cit., P.1.
30
الفرد محدود ،بينما الدولة فال حد لسلطانها في فرض الضرائب وإصدار
القروض وزيادة مواردها بشتى الوسائل.
ويمكن تمييز املالية العامة عن املالية الخاصة من خالل ما يلي1:
-من حيث الهدف :يسعى الفرد إلى تحقيق منفعته الخاصة أما
بالنسبة للدولة فهي تهدف إلى تحقيق املنفعة العامة.
-من حيث األساس :الفرد يسعى إلى تحقيق منفعته الخاصة في
إطار من الحرية ،أما الدولة فإن نفقاتها واجبة لضمان سير
املرافق العامة.
-من حيث التنظيم :تقوم بالنسبة للفرد على أساس امللكية
الفردية ،أما بالنسبة للدولة فهي تقوم على أساس ملكية عامة
كلية كانت أم جزئية.
وبالتالي فإن املالية العامة تختلف عن مالية الهيئات الخاصة
واألفراد ،فالدولة تحدد نفقاتها أوال ثم تعين مقدار اإليرادات الالزمة
وتوزيعها على املصادر املختلفة ،أما الهيئات الخاصة واألفراد فنقطة البدء
لديهم هي مقدار ما يحصلون عليه من دخول ،كما أن قدرة الدولة على
زيادة إراداتها أكثر نسبيا من قدرة الهيئات الخاصة واألفراد فتستطيع في
حدود معينة زيادة الضرائب املباشرة أو غير املباشرة أو اللجوء إلى
القروض العامة الداخلية والخارجية بسهولة أكثر ،أما الهيئات الخاصة
واألفراد فقدرتهم على زيادة دخولهم قليلة2.
31
املطلب الثالث :الحاجات العامة.
يعتبر تعريف الحاجات العامة ضرورة أساسية يمكن على أساسها
التمييز بين طبيعة النشاط العام وطبيعة النشاط الخاص ،وبالتالي
التمييز بين املالية العامة واملالية الخاصة.
الفرع األول :تعريف الحاجة العامة.
تقسم حاجات االنسان –بصورة عامة -من حيث إشباعها إلى
قسمين :قسم يقوم بإشباعه النشاط الخاص ،أي يتولى الفرد نفسه أمر
اشباعها ،ويترك له حرية التصرف بها في الظروف العادية-كقاعدة عامة-
في كل مجتمع ،وهو ما يعرف بالحاجات الخاصة أو الفردية ،كالحاجة إلى
الغذاء والكساء واملأوى… الخ ،وقسم يقوم بإشباعه النشاط العام ويترتب
على إشباعها منفعة جماعية وهو ما يعرف بالحاجات العامة أو
الجماعية ،كالحاجة إلى العدالة واألمن والدفاع… الخ ،ويشعر بها الناس
مجتمعين ،حيث تتميز الكثرة الغالبة منها بعدم قابليتها لالنقسام
"التجزئة" ،وهذا يعني أن اشباع هذه الحاجات الجماعية يتم من خالل
قيام الدولة بخدمات تقدمها للمجتمع ككل ،وال يؤثر استهالك أحد األفراد
منها االنتقاص من استهالك اآلخرين1.
.1طاهر الجنابي ،علم املالية العامة والتشريع املالي( ،بغداد :املكتبة القانونية ،دت) ،ص.9 .
32
ً
قاصرا على متوقفا على الهيئات العامة وإشباع البعض اآلخرً بعضها
جهود األفراد.
وبما أنه ال توجد فوارق موضوعية وال حدود ثابتة بين الحاجات
العامة والخاصة ،فإن ما يعتبر حاجة عامة في دولة ما قد يسمح القيام به
من طرف األفراد في دولة أخرى ،وفي نفس الدولة ما يعتبر اليوم حاجة
عامة كان في فترة مضت يعتبر حاجة خاصة ،فحدود الحاجات العامة في
مجتمع معين وفي لحظة معينة يتوقف على طبيعة دور الدولة السياس ي
واالجتماعي واالقتصادي1.
33
-إن الكمية املستهلكة من هذه الخدمات تكاد تكون متساوية بين
جميع األفراد؛
-هذه الحاجات غير قابلة للتجزئة ويستحيل استبعاد أي فرد من
التمتع بمنافع هذه الخدمات.
ثانيا :الحاجات املستحقة.
هناك نوع آخر من الحاجات يمكن تجزئتها ،أي تجزئة إشباعها ويعني
هذا إمكانية فصل حاجة األفراد عن حاجة البعض اآلخر ،ويتوقف حدود
هذه الخدمات أو الحاجات على الطبيعة االقتصادية واالجتماعية
والسياسية لدور الدولة في املجتمع ،وهي حاجات يمكن أن يترك أمر القيام
بها للنشاط الخاص غير أن الهيئات العامة تقوم بها إذا كانت هناك منفعة
عامة تستدعيها ،ويرجع ذلك إلى عوامل عدة منها:
-إن املنفعة االجتماعية التي تعود من إشباع هذه الحاجات أكبر
من املنفعة الفردية؛
-األولويات االجتماعية السائدة تحتم اإلشباع الجماعي لهذه
الحاجات؛
-االعتبارات السياسية واالستراتيجية… الخ.
ومن أمثلة هذه الحاجات املستحقة ،الحاجة إلى التعليم العام
والصحة والنقل واملواصالت واملياه والكهرباء والغاز… الخ.
ثالثا :السلع الفردية التي يقوم النشاط العام بإشباعها.
وهذه السلع بإمكان النشاط الخاص أو جهاز السوق أن يقوم
بتوجيه املوارد الضرورية إلشباعها ،إال أنه والعتبارات مختلفة استراتيجية
34
وسياسية واجتماعية واقتصادية يقوم النشاط العام بإنتاج هذه السلع
والخدمات ،مثل صناعة األسلحة ،صناعة الحديد والصلب ،وكافة
الصناعات األخرى التي يقوم النشاط العام ،من خالل املشروعات العامة،
بإنتاجها ،ويتسع نطاق هذا النوع من السلع كلما زاد تدخل الدولة في
الحياة االقتصادية أو في ظل ما يسمى بالدولة املنتجة أو املتدخلة.
الفرع الثالث :معاييرالتمييزبين الحاجات العامة والحاجات الخاصة.
هناك عدة معايير للتمييز بين الحاجات العامة والخاصة نحصرها
فيما يلي1:
.1رفعت املحجوب ،املالية العامة( ،القاهرة :دار النهضة العربية ،سنة ،)1979ص ص.6-4 .
35
ثالثا :املعياراالقتصادي.
وهو ما يعرف "بقانون أقل مجهود" ،وهو ما ينصرف إلى تحقيق أكبر
منفعة بأقل نفقة ممكنة .فالفرد ال يقدم على إشباع حاجة إذا كان
إشباعها يتطلب نفقة أكبر مما تعطيه من منفعة .أما إشباع الحاجات
العامة فال يخضع لهذا املعيار؛ إذ يكون على الدولة أن تقوم بإشباع هذه
الحاجات ،بصرف النظر عن هذه املوازنة بين النفقة التي تتحملها
واملنفعة التي تعود عليها .وواضح أن هذا املعيار يبعد عن الصواب ،ذلك
أنه إذا امتنع على الدولة أن توازن بين النفقة العامة واملنفعة العامة التي
تعود عليها بصفتها شخصا عاما إال أنه يظل عليها أن توازن بين النفقة
العامة واملنفعة الجماعية التي تعود على الجماعة ككل.
ومع إعطاء املنفعة الجماعية مضمونا يتفق مع طبيعة دور الدولة
فاملنفعة الجماعية التي تهدف النفقة العامة إلى إشباعها ،تتكون من
مجموعة عناصر اقتصادية واجتماعية وسياسية معقدة .ومن هنا
نخلص إلى ان إشباع الحاجات العامة يخضع ،شأن إشباع الحاجات
الخاصة ،للموازنة بين النفقة واملنفعة ،مع إعطاء املنفعة ،فيما يخص
الحاجات العامة ،مضمونا أوسع من مضمونها فيما يخص الحاجات
الخاصة ،مضمونا يشتمل على عناصر غير اقتصادية ال يمكن تقويمها
بالنقود.
رابعا :املعيارالتاريخي:
تعتبر حاجات عامة تلك التي يدخل إشباعها في نطاق دور الدولة
التقليدي ،وهي بصفة أساسية الدفاع ،األمن والعدالة واملرافق التقليدية
36
األخرى.
تعتبر حاجات عامة تلك التي يدخل إشباعها في نطاق دور الدولة
التقليدي ،وهي بصفة أساسية الدفاع ،األمن والعدالة واملرافق التقليدية
األخرى.
وواضح أن هذا املعيار ال يواجه إال مرحلة من مراحل تطور الدولة
(مرحلة الدولة الحارسة) ،ويقصر عن مواجهة مرحلة "الدولة املتدخلة"
التي تهدف ،باإلضافة إلى القيام بالوظائف التقليدية ،إلى ضمان التوازن
االقتصادي واالجتماعي ،هذا فضال عن قصوره عن مواجهة مرحلة
"الدولة االشتراكية" ،وهي التي تقوم أساسا باإلنتاج.
يتبين من خالل ما سبق أن املعايير املتقدمة ال تكفي لبيان الفرق
بين الحاجة العامة والحاجة الخاصة ،وفي سبيل تعريف الحاجة العامة،
كان البد من تعريف "الحاجة الجماعية" ،ونقصد بها الحاجة التي يتم
إشباعها بالنسبة ملجموعة من الناس معا ،أي التي يتم إشباعها بصورة
جماعية ،ومثل ذلك الدفاع واألمن والصحة العامة والتعليم ،ومعنى ذلك
أ ن تحديد الحاجة الجماعية إنما يستند إلى معيار املنفعة الجماعية
وبالتالي فإن الحاجة الجماعية هي التي يحقق اشباعها منفعة جماعية ال
منفعة فردية ،وهنا نأخذ املنفعة الجماعية باملعنى الواسع ،بحيث ال
تقتصر على املنفعة االقتصادية وحدها ،بل تشمل باإلضافة إلى ذلك
عناصر سياسية وأخرى اجتماعية .كما نشير أيضا إلى أن الحاجة
الجماعية ليس بالضرورة حاجة عامة إال إذا تقرر أن اشباعها يكون من
37
طرف الدولة ،فالحاجة الجماعية التي يتولى القطاع الخاص إشباعها
كالنقل واملواصالت والتعليم....تخرج من نطاق املالية العامة.
وعلى ذلك يمكن القول إن "الحاجة العامة" هي الحاجة الجماعية،
أي الحاجة التي يترتب على اشباعها منفعة جماعية ،والتي يقوم النشاط
العام بإشباعها .واملالحظ أن هذا التعريف يعتمد على عنصرين1:
38
واألهداف التي تسعى السياسة املالية إلى تحقيقها ،والتي تختلف من دولة
إلى أخرى حسب طبيعة نظامها االقتصادي ،ودرجة التطور االقتصادي،
وارتباطا بظروفها ،وأوضاعها ،ومواردها ،واحتياجاتها ،والتي تقود بالنتيجة
إلى تعدد مفاهيم السياسة املالية.
فتعرف السياسة املالية بكونها " :تعبير عن برنامج عمل تخططه
وتنفذه الدولة عن عمد ،مستخدمة فيه مصادرها اإلرادية وبرامجها
اإلنفاقية إلحداث آثار مرغوبة وتجنب آثار غير مرغوبة على كافة متغيرات
النشاط االقتصادي واالجتماعي والسياس ي تحقيقا ألهداف املجتمع"1.
أو هي" :عبارة عن دراسة تحليلية للنشاط املالي للقطاع العام وما
يستتبع هذا النشاط من آثار بالنسبة ملختلف قطاعات االقتصاد الوطني،
وهي تتضمن التكييف الكمي لحجم اإلنفاق العام واإليرادات العامة وكذا
التكييف النوعي ألوجه هذا االنفاق ومصادر هذه اإليرادات بغية تحقيق
أهداف معينة في طليعتها النهوض باالقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية
وإشاعة االستقرار ،وذلك من خالل التقريب بين طبقات املجتمع وإتاحة
تكافؤ الفرص بين جمهور املواطنين"2.
.1حامد عبد املجيد داراز ،دراسات في السياسات املالية( ،اإلسكندرية :الدار الجامعية ،)1988 ،ص.11 .
.2عبد املنعم فوزي ،املالية العامة والسياسات املالية ،ط( ،4الجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية،)1992 ،
ص.12.
39
الكلي والعرض الكلي ،إضافة إلى إدارة الحكومة للميزانية الخاصة بالدولة
لتحقيق أهدافها االقتصادية"1 .
.1رضا خالص ي ،شذرات املالية العامة( ،الجزائر :دار هومة ،)2016 ،ص 54 .وما بعدها.
40
من أنواع اإلنفاق العام .في حين أن منح الدولة للقروض والسلفيات لفئات
املجتمع هو نوع من أنواع اإلنفاق العام ،واسترداد هذه القروض
والسلفيات وفوائدها هي مصدر من مصادر اإليراد العام 1.وهذا بيان
ألدوات السياسة املالية وأهدافها2:
41
أوال :النفقات العامة.
وهي مبلغ من النقود يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد إشباع
حاجات عامة .وهناك نفقات حقيقية ونفقات تحويلية؛ أما النفقات
الحقيقية فهي النفقات التي تحصل الدولة من جراء إنفاقها على سلع
وخدمات مثل الرواتب التي تدفع للموظفين للحصول على خدماتهم،
وكذلك نفقات شراء مستلزمات املكاتب الحكومية ونفقات املشاريع
االستثمارية .أما بالنسبة للنفقات التحويلية فهي النفقات التي ال تحصل
الدولة من جراء إنفاقها على سلع وخدمات ،بل مجرد نقل القوة الشرائية
من الدولة إلى جهات أخرى .وسيأتي تفصيل النفقات العامة في الفصل
الثاني.
42
منه في تحمل التكاليف واألعباء العامة ،دون أن يعود عليه نفع خاص
مقابل دفع الضريبة.
املطلب الثالث :أهداف السياسة املالية.
تستمد السياسة املالية أهدافها من املشاكل االقتصادية التي
تفرضها البيئة االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،مما يستدعي ضرورة
اتخاذ قرارات حاسمة ملواجهة هذه األزمات املختلفة ،وباعتبار أن
السياسة املالية تشكل جزءا مهما من املالية العامة للدولة فإنها تسعى إلى
تحقيق األهداف التي تسعى إلى تحقيقها املالية العامة ،وذلك كما يلي:
أوال :التدخل في مراحل الدورة االقتصادية.
تستخدم الدولة السياسة املالية من أجل تصحيح املسار العام
لالقتصاد والقضاء على اإلغراقات الناشئة في كل مرحلة من مراحل الدورة
االقتصادية ،بحيث تستطيع الدولة زيادة اإلنتاج عن طريق تخفيض
الضرائب على األنشطة التي ال تتوجه اليها عناصر اإلنتاج لدى القطاع
الخاص .
ثانيا :سياسة مالية انكماشية ملعالجة مشكلة التضخم.
تعمل على تقليل الطلب الكلي في فترات التضخم باستخدام أدوات
السياسة املالية املتمثلة بتخفيض اإلنفاق الحكومي وزيادة الضرائب
وتقليل تقديم الخدمات ،مما يؤدي إلى تقليص الفجوة التضخمية.
ثالثا :سياسة مالية توسعية ملعالجة ظاهرة االنكماش.
تعمل علي زيادة الطلب الكلي والنمو االقتصادي وذلك عن طريق
تخفيض الضرائب وزيادة اإلنفاق الحكومي وزيادة تقديم الخدمات،
43
بحيث يؤدي زيادة اإلنفاق الحكومي إلى زيادة االنفاق الكلي مما يؤدي إلى
تخفيض أو تقليص الفجوة االنكماشية.
رابعا :تحقيق العدالة االجتماعية.
بحيث تستطيع الدولة عن طريق السياسة املالية أن تعيد توزيع
الدخل القومي لصالح الطبقات الفقيرة من خالل فرض الضرائب
التصاعدية على الدخول التي يتحملها األغنياء أكثر من الفقراء ومن ثم
زيادة االنفاق العام على مشاريع الخدمات العامة والقطاعات غير
اإلنتاجية التي يستفيد منها أصحاب الدخل املحدود.
املطلب الرابع :أهمية السياسة املالية ودورها في تحقيق التوازن
االقتصادي.
اختلف املدارس الفكرية االقتصادية الرأسمالية التقليدية أو
الحديثة ،في مدى أثر كال من السياستين املالية والنقدية ومدى فعالية كل
منهما في التأثير على استقرار النشاط االقتصادي الكلي ،فذهب
التقليديون وبعدهم النقديون إلى أن السياسة النقدية هي أكثر فعالية
ونجاعة في التحكم في املستوى العام لألسعار (تحديد مستوى الدخل)
باعتباره متغير تابع لعرض النقود ،وأن التحكم في املعروض النقدي هو
أساس عالج مشاكل االقتصاد املعاصرة ،ألن كل تغيرات الدخل تغيرات
حقيقية تتطلب صرامة في اإلصدار النقدي 1.وبالتالي عدم فعالية
السياسة املالية في تحقيق ذلك ،حيث تعتبر السياسة املالية محايدة
.1بلعزوز بن علي ،محاضرات في النظريات والسياسات النقدية( ،الجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية،)2004 ،
ص.100 .
44
وليس لها أي دور اقتصادي أو اجتماعي في إطار ما تضمنته املالية العامة
الكالسيكية والتي ترتبط بوجوب أن يقتصر دور الدولة على أدنى قدر
ممكن ،حيث ينحصر دورها في تأمين الدفاع الخارجي ،تحقيق األمن
الداخلي ،توفير العدالة ،وفرض النظام ،وعليه تكون نفقات الدولة
منخفضة إلى أقل قدر ممكن ،وهو ما يجعل من اإليرادات الالزمة لتغطية
هذه النفقات أقل ما ممكن1 .
.1فليح حس خلف ،املالية العامة( ،عمان :دار الكتاب العاملي ،)2008 ،ص ص.337-336 .
45
الفعال الالزم لتحقيق التشغيل واالستخدام الكامل للموارد ،والتي أثبتت
أزمة الثالثينيات عجز آلية السوق الحرة والتلقائية عن تحقيقه1.
46
والحقيقية أن كينز لم يلغي تماما دور وأهمية السياسة النقدية إال
أنه يرى أنها ذات فعالية أقل ،فهو يرى أنه يمكن استخدامها كسياسة
مكملة ومساعدة للسياسة املالية ،خاصة أنها تؤثر في حجم االئتمان الذي
يؤثر بدوره في حجم اإلنفاق الكلي1.
47
الفصل الثاني
تطوراملالية العامة وعالقتها
بالعلوم األخرى
للمالية العامة عالقتها بباقي العلوم مؤثرة فيها ومتأثرة بها ،إضافة
إلى أنها كغيرها من العلوم نشأت وتطورت عبر مراحل تاريخية وفكرية،
وهذا تفصيل لذلك:
املبحث األول :نشأة وتطوراملالية العامة.
تطورت املالية العامة مع تطور دور الدولة في املجتمع الذي يرتبط
بتطور العوامل السياسية واالجتماعية التي تحكم هذا املجتمع ،ويمكن
تقسيم هذا التطور إلى مرحلتين اثنتين؛ األولى مرحلة ما قبل ظهور الدولة
املركزية ،والثانية ما بعد ظهورها ،وهذا بيان لذلك1:
.1حسين العمر ،مبادئ املالية العامة( ،الكويت :مكتبة الفالح للنشر والتوزيع ،)2002 ،ص 12وما بعدها.
50
النظام اإلقطاعي السائد في تلك الفترة ،فقد كان النظام السياس ي السائد
هو نظام املقاطعات التي يحكمها امللوك أو األمراء1.
وخالل هذه الفترة لم يكن هناك تفريق واضح بين النفقات العامة
التي تستخدم إلشباع الحاجات الخاصة ألسرة الحاكم وحاشيته ،وتلك
التي تستعمل لتمويل الحاجات العامة للمجتمع ،وكذلك الحال بالنسبة
لإليرادات التي تجمع من أفراد الشعب على اختالف مستوياتهم وطبيعة
أعمالهم.
فقد كان الحاكم حر في إنفاق وجباية األموال حسب حاجته لعدم
وجود ضوابط تشريعية تحد من سلطاته ،ولذلك نجده عند فرض
الضرائب في الظروف االستثنائية ،قد يسعى إلى الحصول على موافقة
حاشيته ومستشاريه وممثلي األمة ،وقد يتجاهل ذلك .وفضال عن حصيلة
الضرائب والرسوم ومساعدة االفراد للحاكم في الحاالت الطارئة التي
تتطلب نفقات إضافية ،فإن املورد الرئيس ي للدولة هو إيراد األمالك
العامة ،التي كان معظمها ملكا للحاكم2.
.1يحيى دنيدني ،املالية العمومية ،ط( 2الجزائر :دار الخلدونية ،)2014 ،ص.24.
.2جمال لعمارة" ،تطور فكرة املوازنة العامة للدولة" ،مجلة العلوم اإلنسانية ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،نوفمبر
،2001ص ص.103-102.
51
الدولة املركزية ككيان سياس ي مستقل وتنامي حركة اإلصالح وازدهار
التجارة الخارجية وتطور نظم اإلنتاج.
املطلب الثاني :ما بعد ظهورالدولة املركزية.
أما بعد ظهور الدولة املركزية فقد تطورت املالية العامة عبر عدة
مدارس كما يأتي:
الفرع األول :املدرسة التجارية.
إن تنظيم املالية العامة في الدول الغربية على األسس واملبادئ
املتعارف عليها اليوم ،قد جاء نتيجة لتطور الحياة ،وإسراف بعض الحكام
في تحصيل الضرائب ،وإرهاق الشعوب والتضييق عليهم ،مما أدى إلى تنام
االحتجاج والغضب الشعبي في شكل ثورات تسعى إلى وضع حد لسلطة
الحاكم في فرض الضرائب ،وفي طريقة جبايتها وإنفاقها ،مما أدى إلى نشوء
حق الشعب في مناقشة محتويات املوازنة العامة واعتمادها1 .
بعد انهيار نظام اإلقطاع وظهور الدولة املركزية والتي واكبها ازدهار
النشاط التجاري ظهرت طبقة التجار كقوة فاعلة في املجتمع خلفت طبقة
اإلقطاعيين وواكب ذلك ظهور ما يطلق عليه بالفكر االقتصادي التجاري.
وكان من أهم رواد هذا الفكر العالم الفرنس ي "بودن" واإلنجليزي "مان".
فقد ناقش األول في مؤلفه "ستة كتب في الجمهورية" الذي أصدره عام
1576مصادر اإليرادات العامة ،كما ناقش الثاني اآلثار املترتبة على فرض
رسوم اإلنتاج وذلك في مؤلفه "ثروة إنجلترا في التجارة الخارجية" الذي
نشره عام .1630وقد ركز التجاريون على مبدأ تدخل الدولة لحماية
52
مصالح التجار من منافسيهم .كما ظهرت عدة كتابات في املالية العامة في
القرن السابع عشر والثامن عشر ركزت على تحليل اآلثار املترتبة على
فرض رسوم اإلنتاج والضرائب كما ظهرت آراء تطالب بتدخل الدولة
لحماية التجار والصناعيين .وعليه ،فقد بدأت مالمح نظام اقتصادي
جديد بالظهور وهو النظام الحر أو النظام الرأسمالي1.
53
على األرباح فإنها ستؤدي إلى آثار سلبية على التكوين الرأسمالي في
االقتصاد1.
54
وملكيتها ،ولذلك فإن الدولة في ظل هذه النظرية تحترم مبدأ التوازن
السنوي للموازنة ،بحيث ال تسمح بفرض إيرادات وتحصيلها أو بتكليف
املكلفين بأعباء مالية إال ضمن الحدود الالزمة لتمويل نفقات هذه املرافق
(الدولة الحارسة)1 .
55
الفرع الرابع :املدرسة التقليدية الجديدة.
ظهرت املدرسة التقليدية الحديثة مع كتابات "مارشال" والتي تطرق
فيها ملوضوع العبء الضريبي وآثاره بناء على طبيعة التكاليف التي يخضع
لها إنتاج السلع املفروضة عليها هذه الضرائب .حيث يرى مارشال أن فرض
الضرائب على األنشطة التي يخضع إنتاجها لقانون التكاليف املتناقصة
وتحويل عوائد هذه الضرائب إلى إعانات لألنشطة التي يخضع إنتاجها
لقانون التكاليف املتزايدة سيعمل على زيادة الرفاهية االجتماعية .وتعتبر
هذه اآلراء ملارشال هي األساس الذي ُبنيت عليه نظرية العبء الضريبي
املعاصرة.
ومن رواد املدرسة التقليدية الحديثة "باستابل" الذي تطرق في
كتابه "املالية العامة" الذي صدر عام =1903إلى موضوع العدالة
الضريبية حيث رفض فكرة أن العدالة الضريبية تستلزم املساواة في
التضحية بين دافعي الضريبة ،وعليه فقد رفض الضرائب التصاعدية ملا
تنطوي عليه من عدم العدالة بين دافعيها مفضال الضرائب النسبية .كما
تطرق "هوبسن" إلى موضوع دور الضريبة في إعادة توزيع الثروة بين أفراد
املجتمع كقضية أكثر أهمية من مجرد كون الضريبة وسيلة لتمويل
اإلنفاق العام وهذا يعتبر منعطفا رئيسيا في تطور نظرية الضريبة.
كذلك اهتم االقتصادي "بيجو" بدراسة أثر األنواع املختلفة
للضرائب على االدخار واالستثمار فأوضح أن ضريبة التركات أقل أثرا على
االدخار واالستثمار من ضريبة الدخل1.
56
الفرع الخامس :املدرسة الكينزية.
لقد شهد علم املالية العامة تحوال رئيسيا مع صدور كتاب "النظرية
العامة للتوظف والفائدة والنقود" لالقتصادي "كينز" في عام ،1936
فبعد أن كانت نظرة االقتصاديين قبل صدور هذا الكتاب ترى أن دور
الدولة حيادي من الناحية االقتصادية وبالتالي يجب املحافظة على موازن
متوازنة للدولة وأن ال يكون للضرائب أو اإلنفاق العام آثار على النشاط
االقتصادي ،اختلفت الصورة تماما بعد الكساد الكبير الذي شهده العالم
في أواخر العشرينات من القرن العشرين حيث أصبح دور الدولة في
االقتصاد يكتس ي أهمية كبيرة ،وتم استكمال الوظائف التقليدية للدولة
(األمن ،الدفاع )...بالوظائف االقتصادية (تسمى أحيانا باملالية العامة
الوظيفية) .وتتضمن هذه الوظائف أنشطة تخصيص املوارد ،إعادة
التوزيع وتحقيق االستقرار .وتستخدم الدولة السلطات التشريعية
والتنفيذية ،فضال عن هيئاتها ومؤسساتها اإلدارة (املركزية والالمركزية)
ألداء هذه الوظائف .فالدولة باعتبارها كيان اقتصادي خاص فهي تمتلك
السلطة التي تمكنها ليس فقط من تحديد القواعد ،وإنما أيضا من فرض
التقيد بها من خالل األدوات املتاحة لها 1،وخاصة أدوات السياسة املالية
التي كانت مغيبة ،فقد أظهر الكساد الكبير عجز السياسة النقدية عن
املحافظة على التوازن في االقتصاد.
وقد أوضح "كينز" في كتابه أنه من خالل تغيير مصادر وحجم
اإليرادات والنفقات العامة يمكن التأثير على مجريات النشاط
1
. Public Finance – Basic Concepts, Ties and Aspects, accessed on 12/06/2021, in:
https://nb.vse.cz/~urbanek/Public%20Finance/PublicFinance.pdf
57
االقتصادي ومعالجة املشاكل التي يواجهها ،وعليه فقد ركز على أن املهم
هو توازن االقتصاد القومي وليس توازن املوازنة العامة كما كان ينادي به
االقتصاديون من قبله 1.وفي ضوء هذه الظروف مجتمعة اضطرت الدولة
إلى زيادة االنفاق العام لتحقيق أهدافها ،وتخلت عن مبدأ الحياد
االقتصادي للحفاظ على دورها السياس ي واالجتماعي الرأسمالي .وقد
ساعد في التخلي عن مبدأ الحياد العديد من العوامل ،كان لها تأثيرا مهما،
منها2:
58
العام أوجها من املوارد منها الغنائم والفيء متضمنا واردات األرض،
والجزية ،والزكاة .كما كان الرسول (ص) يكتب كل ما يرد إليه من إيرادات،
حيث كان يجري تقديرا لها قبل ورودها .وكان يتولى هذه العمليات أمناءه
على املال ،وكان يحتفظ بسجالت لكثير من أنواع النفقات التي يمكن
تقديرها ،مثل سجالت بأسماء املسلمين وذرياتهم لكي توزع عليهم
األعطيات طبقا لها .ويعد العدة للنفقات غير املتوقعة ،فيدخر لها جزءا
من اإليرادات العامة ملواجهتها عند حدوثها .وقد صح أن رسول هللا صلوات
هللا وسالمه عليه كان يستوفي الحساب على عماله ،يحاسبهم على
املستخرج واملصرف.
وعموما ،جاءت الشريعة اإلسالمية منظمة ومبنية لسلطة ولي
األمر ،ولحقوق وواجبات الرعية ،كما حددت أسس الفرائض ،ومواعيد
تحصيلها وأساليب توزيع املوارد وأوجه إنفاقها ،والقواعد املنظمة لها،
ومنها قاعدة السنوية ،والتعدد ،والتخصيص ،واملحلية وهي القواعد التي
تتميز بها املوازنة العامة في االقتصاد اإلسالمي أو تلك التي تتفق فيها مع
املوازنة في الفكر الغربي.
وبعد عهد الرسول ﷺ توسعت موارد الدولة بعد فرض الخراج
والعشور والجزية لبيت املال .وعندما اتسعت الفتوحات اإلسالمية
انتظمت شؤون اإلدارة املالية وتم ضبط املوارد واإلنفاق وتسجيلهما وذلك
بفكرة الدواوين ،وازدادت موارد الدولة ونفقاتها ،وقسمت أموال الدولة
59
حسب مصادرها إلى ثالث خزائن :خزينة األخماس ،خزينة الخراج ،وخزينة
الصدقات1 .
60
فالدول املتخلفة تتصف بشكل عام بتخلف هياكلها
االقتصادية1حيث يتركز النشاط االقتصادي في إنتاج املواد الخام كالسلع
الزراعية واملعادن مع غياب أو محدودية دور القطاع الصناعي في النشاط
االقتصادي لهذه الدول .كما تعاني هذه الدول من تخلف وقصور البنية
األساسية فيها .وبشكل عام تعاني الدول املتخلفة من تدني حجم استخدام
املوارد االقتصادية املتاحة وعدم الكفاءة في استخدام هذه املوارد ،مما
يجعل من عملية تطبيق مبادئ وسياسات املالية العامة في الفكر الغربي
أمرا غير فعال في معالجة هذه املشاكل الهيكلية ،وهذا يعني وجوب وجود
دور أكبر للدولة في توجيه النشاط االقتصادي كمرحلة انتقالية يتم
خاللها تأهيل االقتصاد والقطاع الخاص للقيام بدوره الطبيعي في النشاط
االقتصادي .وعليه فإن املالية العامة في الدول املتخلفة ،في املرحلة
االنتقالية ،أقرب إلى الفكر االشتراكي من حيث اضطالع الدولة بمهمة بناء
االقتصاد القومي لكنها ال تصل إلى درجة امللكية الكاملة للثروة واألنشطة
اإلنتاجية حيث تظل امللكية الخاصة قائمة ويتم تعزيزها تدريجيا مع مرور
الزمن وتطور البنية االقتصادية .كما أن أهداف املالية في الدولة النامية
تتركز في تمويل التنمية االقتصادية باإلضافة إلى تحقيق األهداف
التقليدية للمالية العامة واملتمثلة في املحافظة على االستقرار
االقتصادي.2
61
املطلب الخامس :دوراملالية العامة في الدولة املعاصرة.
رأينا كيف استخدمت الدولة املالية العامة لتحقيق تراكم رأس
املال في املرحلة األولى من تطور النظام الرأسمالي ،ودور الدولة في ظل
األفكار التقليدية ثم أصبح تدخل الدولة ضروريا خالل أزمة الكساد سنة
1929والتي اتخذ منها "كينز" البديل للتدليل على خطأ األفكار التقليدية
التي ّ
مر بها العالم في القرن العشرين وظهور الدولة االشتراكية.
فالنظام املالي في دولة من الدول ليس إال انعكاسا للنظام
االقتصادي واالجتماعي والسياس ي فيها ،وهو أداة هامة من أدوات تحقيق
أهداف الدولة في مختلف املجاالت.
فيتكون النظام املالي في أي دولة من واردات النظام املالي ووسائله
وتنظيمه ،وأن نظام الدولة املالي كيان واحد ،يختلف هذا النظام من
الدولة الحارسة عنه في دولة التدخل االقتصادي كما يختلف في الدولة
االشتراكية.
فالدولة الحارسة تتبع أسلوب مالي محايد ليس من أهدافه
تحقيق توازن اقتصادي أو اجتماعي.
أما الدولة املتداخلة التي بدأت في القرن العشرين تطبق نظام
سياسة املالية املتداخلة التي تهدف إلى تحقيق التوازن االقتصادي
واالجتماعي وترك عملية اإلنتاج للقطاع الخاص واحترام امللكية الفردية.
أما الدولة املنتجة أو الدولة االشتراكية فتطبق نظام التخطيط
املالي ،فإن هذا التطور الذي اقتض ى أن تكون الدولة مسؤولة عن تحقيق
62
هذا التوازن قد ترتب عليه إلى حد بعيد تغيير جوهري في النظام املالي
بعناصره سالفة الذكر عما كان عليه في ظل الدولة الحارسة.
فلم يصبح الهدف من النظام املالي توفير اإليرادات الالزمة
لتغطية الوظائف التقليدية ،بل أصبح الهدف هو التأثير في حجم الدخل
الوطني وكيفية توزيعه لرفع مستوى املعيشة للطبقات ذات الدخل
املحدود على نحو يحقق قدرا من العدالة ،ليس إلى حد محاولة القضاء
على التفاوت بين الدخول والثروات وإلى إضعاف العناصر الرأسمالية
املنتجة1.
63
املالية1. عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شؤون الدولة
ً
فالتشريع املالي كان جزءا من القانون اإلداري ثم استقل عنه وأصبح فرعا
من فروع القانون العام2.
فإذا انتقلنا لبحث الروابط التي تقوم بين علم املالية والقانون
العام وجدنا الصلة بينهما وثيقة لدرجة كبيرة ،حتى أن هذه الصلة هي التي
ً ًّ ً ً ً
حالت زمنا طويال دون أن يكون علم املالية العامة فرعا مستقال وقائما
بذاته .وهي التي أدت إلى النظر إليه على أنه فرع من فروع القانون العام.
واستمرت هذه الصلة الوثيقة حتى نهاية القرن التاسع عشر حينما بدأت
ً ً
تخرج دراسات املالية العامة شيئا فشيئا من دائرة السيطرة املطلقة التي
يمارسها القانون العام .ومع ذلك فال تزال الروابط والصالت قوية ومتينة
بين املالية العامة وبين فرعيين رئيسيين من فروع القانون العام ،هما
القانون الدستوري والقانون اإلداري.
وتظهر عالقة املالية العامة بالقانون الدستوري ،أحيانا ،من
ً
خالل خضوع القواعد الفنية للمالية العامة للقواعد الدستورية ،وأحيانا
أخرى من خالل التأثير الذي تمارسه الظواهر املالية على التوازن
الدستوري؛ فأما خضوع قواعد املالية العامة للقانون الدستوري ،فنجده
ً
واضحا منذ أمد طويل في شتى الدساتير التي تقرر املساواة بين املواطنين
في الضرائب والتكاليف واألعباء العامة ،وضرورة إبداء موافقتهم على
64
فرض الضريبة وعلى القواعد التي تحدد سعرها ووعاءها وربطها
وتحصيلها.
وعالقة املالية العامة بالقانون اإلداري ليست بأقل من عالقتها
بالقانون الدستوري .ومن مظاهر هذه العالقة أن القانون اإلداري يحكم
معظم قواعد الفن املالي ،فوزارات املالية واالقتصاد بما تضمه من أعداد
هائلة من موظفين وعمال تعد من أهم اإلدارات العامة في الدولة ،ومن ثم
فإن تنظيمها وقواعدها الالئحية تخضع للقانون اإلداري .كما أن قضاء
ً ً ً
الضرائب يعد فرعا حيويا وهاما من فروع القضاء اإلداري .ومما ال شك
فيه أن هذا النوع من القضاء الضريبي له أصوله وقواعده الخاصة به،
ً
وقد تخضع الضرائب جزئيا للقضاء العادي.
وإذا كانت اإلدارات والعمليات املالية تخضع من وجوه عديدة
للقانون اإلداري فإن تنظيم العمليات املالية ذاتها يؤثر وبدرجة كبيرة على
عمل اإلدارة .فاملراقبين املاليين يتمتعون في اإلدارات املالية بنفوذ كبير
يتجاوز بكثير السلطات التي يخولها لهم القانون الذي يخاطبهم ويحكم
ً ً
حالتهم .كذلك نجد املحاسب العام يلعب دورا خطيرا في إدارة املرافق
العامة ،حيث تسمح له مسؤوليته املالية أن يقف في وجه أي إجراء يكون
ً
مخالفا للتنظيمات والقواعد املالية .هذا على الرغم من كون هذا
املحاسب ال يشغل في سلم الجهاز اإلداري سوى أبسط الوظائف وأكثرها
ً ً
تواضعا في أغلب األحيان .كما أن قواعد الفن املالي نفسه تساهم أيضا في
إعطاء املؤسسات اإلدارية صفتها وطبيعتها الحقيقية.
65
وإذا ما تعرضنا للصلة بين املالية العامة والقانون الدولي
ً
والعالقات الدولية وجدنا أن اإلملام بهذه الجوانب األخيرة يهم كثيرا في فهم
ً
االتجاهات الفنية ملوضوعات املالية الدولية والتي تزداد تعقيدا على مر
األيام .ومن ثم يصبح من السهل عالج الكثير من املشاكل املالية على
املستوى الدولي ،كتلك املتعلقة باالزدواج الضريبي الدولي والتهرب الضريبي
الدولي1.
.1سوزي عدلي ناشد ،أساسيات املالية العامة( ،بيروت :منشورات الحلبي الحقوقية ،)2009 ،ص 12وما بعدها.
66
النظام الخاص بالعالقات املالية للدولة التي تنعكس بشكل فعلي على
عالقات اقتصادية عينية1 .
67
واملساواة بين املواطنين ،ويظهر التأثير السياس ي املباشر للمالية العامة
عندما يعبر مشروع امليزانية العامة عن إطار العمل الذي ستقوم به
الحكومة في سنة معينة ،ويعرض على السلطة التشريعية ،وقد يصل األمر
إلى استقالة الحكومة إذا لم يتم إقرار هذا املشروع من طرف السلطة
التشريعية ،وهو ما يعتبر سحب للثقة بالحكومة1.
وعموما ،هناك ارتباط أكيد بين الحياة السياسية ،بما يطرأ عليها
من أحداث ،وبين مالية الدولة .فكلما كان النظام السياس ي رشيدا وكلما
كانت سياسة الدولة رشيدة كلما كانت ميزانية الدولة رشيدة بالتبعية.
وذلك ليس سوى ترجمة للمقولة الشهيرة "أعطني سياسة حسنة أنش ئ لك
نظاما ماليا حسنا" .فاإليرادات العامة حساسة لألحداث السياسية التي
تطبع نشاط الدولة .كذلك تتأثر النفقات العامة بتلك األحداث2 .
.1محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العال ،املالية العامة( ،عنابة :دار العلوم )2003 ،ص.17.
.2سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة( ،لبنان :منشورات الحلبي الحقوقية ،)2006 ،ص.6 .
68
التشجيع على االستفادة من العقارات وعدم تعطيل استغاللها بفرض
ضريبة على األراض ي غير املستغلة ،وبهذا تظهر العالقة املتبادلة بين
السياسة املالية واألوضاع االجتماعية السائدة1.
-1نفس املكان.
.2رضا خالص ي ،مرجع سابق ،ص ص.100-99:
69
توضيح عن طرق الرسومات والتمثيالت البيانية للمالية العامة للدولة
بمختلف جوانبها1.
70
الباب الثاني
الـنفق ــ ـ ات العـ ـامـة
الفصل األول
اإلطاراملفاهيمي للنفقات
العامة
ازدادت أهمية ووزن النفقات العامة مع تعاظم دور الدولة وزيادة
سلطتها واتساع نطاق تدخلها في الحياة االقتصادية ،وذلك لكون النفقات
العامة من أهم أدوات توجيه السياسة املالية والتي تستخدمها الدولة في
تحقيق أهدافها املسطرة التي تسعى لتحقيقها ،فهي تعكس كافة جوانب
األنشطة العامة وكيفية تمويلها .وعليه ازداد اهتمام املفكرين بدراسة
النفقات العامة من حيث طبيعتها ،ماهيتها ،قواعد وحدود االنفاق العام،
ظاهرة تزايد النفقات العامة ،باإلضافة إلى تقسيماتها ،واآلثار االقتصادية
واالجتماعية الناشئة عن ذلك.
املبحث األول :مفهوم النفقات العامة.
يتطلب قيام الدولة على اختالف هيئاتها العامة بنشاطها املالي،
الذي تستهدف به إشباع الحاجات العامة التي تحددها كل من طبيعة
النظام االقتصادي والسياس ي واالجتماعي في املجتمع ،وخصائص مرحلة
التطور التي يمر بها ،إلى تحمل نفقات ضخمة تتمثل فيما تدفعه من مبالغ
نقدية يتزايد حجمها بصورة مستمرة ،تسمى النفقات العامة تميزا لها عن
نفقات األفراد املتعلقة بالنشاط املالي الخاص.
املطلب األول :تعريف النفقة العامة.
تنطوي النفقات العامة على قيام الهيئات العامة (أو أشخاص
القانون العام) من مركزية ومحلية باستخدام (أو إنفاق) مواردها النقدية
بقصد إشباع الحاجات العامة .بحيث يمكن تحديد نطاق نشاط الدولة
ودورها املتطور في املجتمع عن طريق تحليل النفقات العامة كما ونوعا1.
.1عبد الكريم صادق بركات وآخرون ،املالية العامة( ،بيروت :الدار الجامعية ،)1986 ،ص.61
74
وتعرف النفقات العامة بأنها " :تلك املبالغ التي تلتزم بها الدولة وجميع
الهيئات التابعة لها ،وتمول عن طريق اإليرادات السيادية (الضرائب
والرسوم ،)..أو املوارد الخاصة (ممتلكات الدولة) ومن االقتراض ،وهي
تشكل األداة األساسية للعمل الجماعي ولتدخل الدولة"1.
ويمكن تعريف النفقة العامة أيضا بأنها " :مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه
شخص عام بقصد تحقيق منفعة عامة" 2.أو هي " استعمال هيئة عامة
ً
مبلغا من النقود لسد حاجة عامة ،ومن هذا التعريف يتبين لنا أنه
لكي يتصف إنفاق ما بصفة العمومية ،ينبغي أن يتوافر فيه العناصر
التالية3:
1
." Qu'est-ce que les dépenses publiques ?", 04/07/ 2014/ , visité le :
30/06/2020. Sur : https://www.capital.fr/economie-politique/qu-est-ce-que-
les-depenses-publiques-946279
75
ً
الحديثة عن غيرها من الوسائل التي كانت تستعمل قديما كالعمل سخرة
غني عن هذه الوسائل ملنافاتها أو الحصول على مواد دون ثمن ،وقد ُ
است َ
ملبادئ الديمقراطية.
ومن مزايا استخدام النقود في االنفاق أنه يسهل من عمل النظام
املالي ،حيث أنه يركز مبدأ الرقابة على النفقات العامة تأمينا ألفضلية
استخدامها ووفقا للقواعد التي تحقق املصلحة العامة1 .
وبناء على ذلك ،ال تعد املبالغ التي ينفقها األشخاص الطبيعيين أو
املعنويين الخواص نفقة عامة ،حتى لو هدفت إلى تحقيق النفع العام ،فإذ
تبرع شخص بمبالغ لبناء مستشفى مثال ،فال يعد ذلك نفقة عامة ،وإنما
يدخل ضمن إطار االنفاق الخاص3 .
76
الحاجات العامة ،وبهذا املعنى ال تعد نفقات عامة تلك التي ا تشبع حاجة
عامة وال تحقق نفعا عاما لألفراد ،ويمكن تبرير ذلك بأنه ملا كان األفراد
متساوون في تحمل األعباء العامة (الضرائب) فإنهم يتساوون في االنتفاع
ً
بالنفقات العامة للدولة في جميع الوجوه 1،وذلك نظرا ألن قوام هذا
اإلنفاق هو الضرائب املحصلة من األفراد فيجب أن يعود هذا اإلنفاق
ً ً
بالنفع عليهم جميعا ،وليس ملصلحة خاصة ،تحقيقا للمساواة والعدالة،
وذلك كأن يكون اإلنفاق للحاجات األولية للدولة كالدفاع الخارجي واألمن
الداخلي والقضاء والحاجات الضرورية لألفراد التي ال يستطيع عامتهم
توفيرها فيما لو تركت للجهود الخاصة ،كمؤسسات التعليم والثقافة،
وإعانة األفراد لدى بلوغهم سن ال يستطيعون فيها الكسب عن طريق
الضمان االجتماعي وتأمينات العجز واملرض والشيخوخة ،إلى جانب ما
تفرضه تطورات الحياة الحديثة على الدولة وتمكنها مواردها من تحقيقه.
املطلب الثاني :ضوابط النفقات العامة.
ترشيد النفقات العامة هو حسن التصرف في األموال وإنفاقها
بعقالنية وحكمة وعلى أساس رشيد دون إسراف .ويتضمن ترشيد
النفقات ضبط النفقات وزيادة الكفاءة اإلنتاجية ومحاولة االستفادة
القصوى من املوارد االقتصادية والبشرية املتوفرة ،أي بمعنى آخر هو
اإلدارة الجيدة للنفقات.
لكي يقوم اإلنفاق العام بتحقيق النتائج املرغوبة منه من تحقيق
املصلحة العامة ،فإن ذلك يتوقف على أمرين في غاية في األهمية أولهما،
77
تحقيق أقص ى قدر من املنفعة ،وثانيهما ،أن يتم ذلك مع الحرص على
االقتصاد في حجم اإلنفاق ،وال يتجسد ذلك إال من خالل ضرورة تطبيق
صور للرقابة املختلفة التي تضمن توجيه النفقات العامة إلى أوجه املنفعة
دون إسراف أو تبذير ،وإذا تم احترام هذه الضوابط فإننا نكون قد وصلنا
إلى اإلنفاق العام الرشيد أو الحجم األمثل اقتصاديا لإلنفاق العام ،وهي
كاآلتي1:
.1سوزي عدلي ناشد ،أساسيات املالية العامة ،مرجع سابق ،ص 54وما بعدها.
78
املنفعة العامة" ،لذا وجب الحرص الشديد لاللتزام بتحقيق املنفعة
العامة ،بل واملنفعة العامة القصوى.
إن األخذ بهذا املبدأ ليس جديدا على الفكر االقتصادي ،حيث
كان مجال اتفاق بين الكتاب التقليديين واملحدثين على حد سواء على
الرغم من اختالف وجهات النظر إلى االنفاق العام في مفهوم كل من
الفريقين ،حيث تطور مفهومه مع تطور النظرة إلى النفقات العامة وتطور
التحليل االقتصادي من الفكر التقليدي إلى الفكر الحديث1 .
79
األفراد .كما ينبغي األخذ بعين االعتبار زيادة الدخل القومي عند تحديد
مصادر تمويل اإلنفاق وفي إنفاقه ،بما يعمل على تحسين اإلنتاج بزيادة
القوى املنتجة من جهة وتنظيم اإلنتاج من جهة أخرى ،أما تقليل التباين
بين دخول األفراد فيتم من خالل نقل القوى الشرائية من األشخاص
الذين تقل عندهم منفعتها الحدية ،إلى األشخاص الذين تزداد لديهم تلك
املنفعة حتى يتحقق االستقرار للمجتمع بمختلف طبقاته.
الفرع الثاني :قاعدة االقتصاد في النفقات (تعظيم إنتاجية النفقة
العامة).
تعتبر قاعدة االقتصاد في النفقة العامة مالزمة لقاعدة املنفعة،
حيث أن تحقيق أقص ى منفعة ممكنة يستدعي أن تكون بأقل تكلفة ،أي
أن يتم اإلنفاق بأسلوب اإلنفاق العقالني ،وهو ما يطلق عليه علماء املالية
العامة بضابط االقتصاد في النفقات أو ترشيد اإلنفاق العمومي ،ولذلك
يتوجب عدم اإلسراف وإنفاق أقل ما يمكن من األموال العمومية حتى ال
يؤدي ذلك إلى الغش الضريبي أو حتى رفض دفع الضريبة ،بحيث يتم
صرف أوجه اإلنفاق في مكانها املالئم أو حتى تركها عند املكلفين بالضريبة
لينفقوها في األوجه املفيدة.
وعليه ،فإن معنى االقتصاد في االنفاق ال ينصرف إلى الحد من
االنفاق أو تقليصه إذا كان هناك ما يستوجب القيام به ،وإنما يقصد به
حسن التدبير وتجنب االسراف والتبذير (التسيب املالي) ومحاولة تحقيق
أكبر عائد بأقل تكلفة ممكنة .كما أن مظاهر "التسيب املالي" في صورة
االسراف والتبذير متعددة ،وخاصة في الدول النامية.
80
وال يتوقف تحقيق االقتصاد في االنفاق العام عند التوفير في حجمه
فقط وإنما ينبغي العمل على زيادة انتاجيته .ويقصد بإنتاجية النفقة
العامة بأنها" مقدار الوفر في عناصر اإلنتاج املستخدمة في دورة إنتاجية
معينة ،إذ تزداد اإلنتاجية كلما نقص حجم وكلفة عناصر اإلنتاج
املستخدمة لتحقيق نفس الهدف املعين ،كما أنها يمكن أن تتمثل في إنتاج
الوحدة من هذه العناصر ،وبالتالي يمكن النظر إليها من ناحيتين :إنتاجية
عنصر معين في ظل فرضية ثبات العناصر األخرى ،واإلنتاجية الكلية
لعناصر اإلنتاج املساهمة مجتمعة1 .
إال أنه يوجد نوع من النفقات التي يجب أن تكثر من إنفاقها الدولة
كونها تعود بالفائدة على الدخل القومي أال وهي اإلنفاق على املشاريع
االستثمارية عن طريق إنشاء مؤسسات عامة ذات طابع صناعي وتجاري
ومؤسسات عامة اقتصادية ،كما أن وجوب إنفاق األموال العمومية على
األولويات ال يستدعي أن تقلل الدولة من اإلنفاق على الخدمات ومساعدة
الفئات املعوزة ،ألن هذا النوع من اإلنفاق يعتبر مهما جدا لحسن سير
املرافق العامة وإرسال االستقرار االجتماعي خاصة وإن كان هناك تفاوت
كبير بين طبقات املجتمع.
وبهدف تجسيد ضابط املنفعة واالقتصاد في النفقات بغرض
الحصول على نفس األداء للخدمة بأقل تكلفة ممكنة يتوجب إخضاع
صرف النفقات إلى الرقابة التي تزاولها ثالث جهات وهي :اإلدارة ،الهيئات
81
السياسية وجهات أخرى مستقلة ومتخصصة .وبذلك تأخذ الرقابة
أشكاال ثالثة1 :
.1سوزي عديل انشد ،أساسيات املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.57-56 .
82
االعتمادات اإلضافية ،حيث يتم استخدام هذا النوع من الرقابة
عند اعتماد امليزانية وعند اعتماد الحساب الختامي إال أن الرقابة
البرملانية ال تتمتع بالكفاءة املطلوبة بالرغم من أهميتها خاصة في
الدول النامية كون البرملان غالبا ما يقوم بدعم اإلدارة حتى ولو لم
تكن على صواب.
.3الرقابة املحاسبية املستقلة :يمثل مجلس املحاسبة املؤسسة
العليا للرقابة البعدية ألموال الدولة والجماعات اإلقليمية واملرافق
العمومية ،بحيث يعمل على فحص شروط استغالل املوارد
والوسائل املادية واملال العام من طرف الهيئات الخاضعة لرقابته،
ويعمل على تقييمها ،ويسهر على التأكد من تطابق العمليات املالية
واملحاسبية لهذه الهيئات مع للقوانين املعمول بها ،فالرقابة التي
يمارسها مجلس املحاسبة تعمل على تطوير شفافية تسيير املال
العام.
الفرع الثالث :قاعدة الترخيص.
تقتض ي قواعد املالية العامة بأن إنفاق أي مبلغ من األموال
العامة أو االرتباط بإنفاقه ،يجب أن يكون مسبوق بترخيص منن السلطة
التشريعي ،ضمانا لتوجيهه بالشكل الذي يضمن تحقيق املصلحة العامة،
كما أن هذا الترخيص يساعد على ترشيد النفقات ،الن أعضاء البرملان
أثناء مناقشتهم مشروع املوازنة العامة يطالبون الحكومة بإلغاء بعض
النفقات أو استبدالها1.
83
املطلب الثالث :حدود النفقات العامة.
الهدف من اإلنفاق العام هو إشباع الحاجات العامة فإلى أي حد
يجوز للدولة أن تذهب في إشباع هذه الحاجات؟ وما هو الحد الذي ينبغي
لها أن تقف عنده؟...
لإلجابة على هذا التساؤل ناحيتان؛ سياسة ومالية ،فمن الناحية
السياسية فإن اعتبار حاجة ما حاجة عامة مسألة سياسية تختلف فيها
األنظمة ،كما أن قدرة الدولة على اإلنفاق لسد هذه الحاجة تتوقف على
قدرتها على الحصول على املوارد الضرورية وهي مسألة مالية ،وهذا بيان
لذلك1:
.1يسرى محمد أبو العال ،املالية العامة والتشريع الضريبي( ،مصر :جامعة بنها ،د ت) ،ص ص.5-4:
84
(الدولة املتدخلة) .وأخيرا في ظل االيديولوجية الجماعية (االشتراكية)،
حيث تقوم الدولة بمعظم األنشطة االقتصادية باإلضافة إلى قيامها
بدورها التقليدي ،فإن حجم النفقات العامة يزيد بشكل كبير 1.فالنظرية
االشتراكية توسع من نشاط الدولة بشكل أقدر من األفراد على تنظيم
وتحقيق التعاون فيما بينهم ،دون استغالل أحد منهم لآلخر أو تمييز طبقة
على أخرى2.
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.61-57 .
.2غازي عناية ،املالية العامة والنظام املالي اإلسالمي( ،بيروت :دار الجيل ،)1995 ،ص.631 .
.3طاهر الجنابي ،مرجع سابق ،ص.37-33 .
85
أوال :املقدرة التكليفية.
وتعني مقدرة الدخل القومي على تحمل العبء الضريبي ،والتي
تنقسم إلى ما يعرف باملقدرة التكليفية القومية ،واملقدرة التكليفية
الجزئية.
ويقصد باملقدرة التكليفية القومية قدرة الوحدات االقتصادية
لالقتصاد القومي ككل على املساهمة الضريبية ،أي بلوغ أقص ى حصيلة
ضريبية يمكن استقطاعها من الدخل القومي ،ويطلق عليها "العبء
الضريبي األمثل" ،والذي يعرف بأنه ":أقص ى قدر من األموال يمكن
تحصيله بواسطة الضرائب في حدود الدخل القومي وتركيبته ،وذلك في
ظل النظام السياس ي واالجتماعي السائد ،ودون إحداث أية ضغوط
اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ال يمكن تحملها".
أما املقدرة التكليفية الجزئية فيقصد بها املقدرة التكليفية
للوحدات االقتصادية ،أي مقدرة األشخاص الطبيعية واملعنوية على
املساهمة من خالل دخولهم في تحمل األعباء العامة .وتتوقف هذه املقدرة
على عاملين ،أولهما ،طبيعة الدخل ،حيث تزداد املقدرة التكليفية
للوحدات االقتصادية كلما اتجهت دخولها نحو االرتفاع واالستقرار.
ويتمثل الثاني في كيفية استخدام الدخل ،أي نمط استخدام هذه
الوحدات لدخولها ،وذلك لتأمين أال يكون الجزء املستقطع من الدخل من
خالل الضرائب كبيرا بحيث ال يتيح الفرصة لألفراد ما يؤمن حدا معينا
من االستهالك ،ويوفر لهم االحتفاظ بجزء آخر لإلنفاق على غير الحاجات
األساسية.
86
ثانيا :املقدرة االقراضية.
ويقصد باملقدرة االقراضية مقدرة الدخل القومي على تلبية
حاجات اإلقراض العام ،أي االستجابة ملتطلبات الدولة االئتمانية
وتتوقف على عاملين ،العامل األول :حجم االدخار القومي ،والذي
يتوقف ،وفقا لتحليل كينز ،على عملية توزيع الدخل بينه وبين االستهالك،
ويتحكم في هذا التوزيع امليل إلى االستهالك إلى حد كبير ،أي أن املقدرة
االقتراضية ،بوجه عام ،تتوقف على مستوى االستهالك ونوعه .أما
العامل الثاني ،فيتوقف عل كيفية توزيع الجزء املدخر بين اإلقراض
العام واالقراض الخاص ،فإذا تحددت كمية األموال املدخرة املوضوعة
تحت تصرف املجتمع ،فإن مقدرة الدولة على تغطية قيمة ما يلزمها من
قروض عامة تتوقف على التنافس بين االئتمان الخاص والعام من خالل
الدوافع إلى االستثمار الخاص الذي يتحدد بدوره بوجود فرص استثمارية
مربحة ،والتي من شأنها أن تساهم في تقوية الدافع إلى االستثمار الخاص،
ويحدث توزيع االئتمان لصالح االئتمان الخاص .إما إذا كانت فرص الربح
ضعيفة أو منعدمة فعندئذ تتجه املدخرات إلى اإلقراض العام ،وهذا ما
يدعم املقدرة االقراضية للدولة.
باإلضافة إلى ما سبق ،تتوقف قدرة الدولة على التوسع في اإلنفاق
على تطلعاتها اإلنتاجية في املستقبل ،وهذه تتوقف بدورها على ما في الدولة
من موارد طبيعة لم تستثمر وعلى الكفاية اإلنتاجية لشعبها ،وإذا كان لدى
الدولة موارد طبيعية غزيرة لم تستثمر ولكن مقدرة شعبها اإلنتاجية
ً
ضعيفة فإنها تستفيد كثيرا من التوسع في اإلنفاق العام.
87
أما الدولة التي يتبع شعبها بمستوى عال من الكفاية اإلنتاجية
ولكن لم يعد بها غير القليل من املوارد الطبيعية التي تستثمر فإنه يمكن
التوسع في اإلنفاق مع مراعاة الحذر من االندفاع فيه .أما الدولة الفقيرة
في الكفاية اإلنتاجية العالية ،وفى املوارد الطبيعية فهذه يبغى أن
تنفق بكثير من الحذر إذا ال تحتمل إمكانيتها اإلنتاجية التوسع في اإلنفاق
كالدولة الغنية.
يتبين مما سبق أن الدولة تستطيع أن تتوسع في اإلنفاق إلى الحد
الذي تسمح به مواردها الطبيعية وكفاءة شعبها اإلنتاجية.
في ألخير نشير إلى أن العوامل والظروف االقتصادية التي يمر بها
االقتصاد القومي تؤثر في حجم النفقات العامة وحدودها .فاإلنفاق العام
أصبح من أهم الوسائل التي تستخدم في إحداث التوازن االقتصادي
واالجتماعي وفي التأثير على حجم النشاط االقتصادي ،وهو ما يظهر جليا في
اقتصاد الدول الرأسمالية1 .
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.61-57 .
88
القائمة 1 .فقد وضع الكاتب األملاني "أدولف فاجنر" في أواخر القرن التاسع
عشر قانونه الشهير الخاص بازدياد نشاط الدولة .وعبر بقوله" :إن
املقارنات الشاملة في مختلف الدول ،وفي األوقات املختلفة تشير إلى
االزدياد املضطرد في نشاط الدولة سواء كان ذلك على مستوى الحكومات
املركزية أو على مستوى السلطات املحلية ،وقد اتسع هذا النشاط
بالنسبة لوظائف الدولة القديمة فضال عن قيامها بوظائف جديدة"2.
ومهما يكن من أمر ،فإنه يمكن تقسيم األسباب املؤدية إلى زيادة النفقات
العامة إلى أسباب حقيقية وأخرى ظاهرية.
الفرع األول :األسباب الحقيقية لتزايد النفقات العامة.
يقصد بالزيادة الحقيقية في حجم النفقات العامة زيادة املنفعة
الحقيقية الناشئة عن هذه النفقات لشخص معين بذاته خالل فترتين
زمنيتين مختلفتين بنسبة أقل منها أو بدون عبء جديد ،ويمكن لهذه
الزيادة أن تشير إلى حجم تدخل الدولة في الحياة االقتصادية واالجتماعية
من خالل زيادة متوسط نصيب الفرد من الخدمات العامة3.
89
الحقيقية في النفقات العامة بما يأتي1:
.1نوزاد عبد الرحمن الهيتي ومنجد عبد اللطيف الخشالي ،املدخل الحديث في اقتصاديات املالية العامةّ ،
(عمان:
دار املناهج للنشر والتوزيع ،)2017 ،ص.60
90
تقوم بهذه النشاطات وكذلك صغر حجم هذه املشروعات وضعف درجة
تنوعها وانخفاض مستوى اإلنتاج واإلنتاجية والدخول فيها ،وكل هذا
يفرض ضرورة تدخل الدولة في هذه النشاطات بما يضمن التطور والنمو
االقتصادي.
ثانيا :األسباب االجتماعية.
أن زيادة الهجرة من الريف إلى املدينة وما يترتب عليها من التركز في
املدن الصناعية وتوسيع نطاق املدن ،دفع الدولة إلى التوسع في اإلنفاق
على الخدمات العامة ،منها الصحة والتعليم والنقل واملواصالت واملاء
والكهرباء...الخ ،بسبب أن حاجات املدن أكثر من حاجات الريف ،كما أن
توسع التعليم قد أدى إلى زيادة الوعي االجتماعي فأصبح املواطنون
يطالبون الدولة القيام بوظائف لم تكن موجودة من قبل ،مثل التأمين
ضد البطالة واملرض والعجز وغيرها من األسباب االجتماعية والتي أدت
إلى تزايد النفقات العامة .كما يمكن أن تؤدي زيادة حجم السكان إلى تغيير
في الهيكل السكاني للمجتمع ،فقد تزداد نسبة األطفال وكبار السن في
املجتمع مما يتطلب زيادة في النفقات العامة إلنشاء بعض املرافق العامة.
ثالثا :األسباب السياسية.
من األسباب السياسية التي أدت إلى زيادة النفقات العامة هي رغبة
الحكومة في كسب تأييد الطبقة الوسطى من أفراد الشعب ،إذ عمدت
الحكومة إلى إيجاد فرص عمل جديدة ألفراد هذه الطبقة وذلك من أجل
كسب رضاهم في االنتخابات ،هذا في الوقت الذي لم تبذل فيه الدولة أي
جهود حقيقية لزيادة إنتاجيتهم وكفاءتهم في العمل أو حتى إيجاد موارد
91
حقيقية في املوازنة تكفي ملواجهة النمو في اإلنفاق املخصص لهذا البند.
ويحقق السياسيون الذين ينفقون أكثر ،حاالت العجز األكبر ،إذ أن
السياسيين سوف يستخدمون السياسة التوسعية (التي تشير ضمنيا إلى
حاالت العجز) مع اقتراب االنتخابات متأملين أن يتركز اهتمام املصوتين
على تلك السياسات في تقييم هل أنهم أصبحوا أفضل تحت الحكومة
الحالية .وبوسع الحكومة التأثير على قيود اإلنفاق للحكومات املستقبلية
بتنويع كمية الدين العام الذي تراكمه ،إذ أن صاحب املركز يكون أكثر
ً ً
ميال لتراكم الدين كلما كان أكثر ميال لالستبدال (أي استبداله).
رابعا :األسباب اإلدارية.
والتي تتمثل في التوسع الذي حدث في الجهاز البيروقراطي للدولة،
وكذلك زيادة حجم النفقات التي تقدمها الدولة في املجال االجتماعي وما
يتطلبه من أعداد إضافية من املوظفين ،إذ أن عدد العاملين في أجهزة
الدولة قد زاد في اغلب البلدان النامية ،وأن هنالك عدد ال يستهان به من
الدول التزمت بتعيين الخريجين الجدد من املعاهد والجامعات كسبيل
ملكافحة البطالة وذلك دون مراعاة الحاجة الفعلية ،والذي أدى إلى زيادة
ً
األعباء العامة من أجور ورواتب على املوازنة العامة للدولة ،فضال عن أن
ً ً
هناك عددا كبيرا من املوظفين أصبحوا ذا إنتاجية منخفضة وذلك بسبب
عدم التخطيط للقوى العاملة وإعادة هيكلتها بما يتناسب والتوسع
الوظيفي املنتج وبسبب انخفاض حجم االستثمار الحكومي.
92
خامسا :األسباب املالية.
إن التطور الذي لحق باإلنفاق الحكومي من املفهوم التقليدي إلى
املفهوم املعاصر يعد من أهم األسباب التي أدت إلى زيادة اإلنفاق
الحكومي ،إذ برزت أهميته من أجل توجيه النشاط االقتصادي وتحقيق
مستويات مرتفعة من الدخل والعمالة السيما في أوقات األزمات
االقتصادية ،وأن سهولة االقتراض قد جعل القروض بمختلف أنواعها
من أهم مصادر تمويل اإلنفاق الحكومي ،وذلك بسبب تقدم أساليب
إصدار القروض العامة ،إذ أن الدولة تستطيع أن تسد العجز في موازنتها
عن طريق اللجوء إلى هذه القروض من أجل القيام بالخدمات العامة
بسبب عدم كفاية حصيلة الضرائب للقيام بها ،وأن التوسع في طلب
القروض أصبح عائقا رئيسيا في وجه التنمية ألنها تؤدي إلى زيادة األعباء
العامة والناجمة عن خدمة الديون وكذلك استنزاف جزء كبير من املوارد
للدول املدينة.
سادسا :األسباب العسكرية.
وتعد من األسباب املهمة لزيادة النفقات العامة ،والتي تتمثل في
اتساع نطاق الحروب بين الدول واالستعداد الالزم لها وما يرافقه من
ازدياد النفقات العسكرية في أوقات السلم والحرب ،وقد تأكدت هذه
الحقيقة في الحربين العامليتين األولى والثانية ،وأن األهمية النسبية
للنفقات العسكرية تختلف من بلد إلى آخر تبعا للمركز السياس ي
واالقتصادي وظروف كل دولة على املستوى العاملي.
93
ً ً
من البديهي أن الحرب تسبب عجزا كبيرا ،إذ أن الزيادات األكبر
في دين الحكومات في القرن العشرين حدثت خالل الحربين العامليتين
األولى والثانية ،وعادة ما تعمل اقتصاديات الحرب بتوظيف منخفض،
وأن تمويل العجز هو طريق لتخطي بعض أعباء الحرب ألولئك الباقين
ً
على قيد الحياة بعد الحرب (ويبدو هذا عادال لألجيال املستقبلية ألن
يساهموا في التضحية من أجل متطلبات الحرب) .لذلك فإن من أسباب
عجز املوازنة هو االنحراف الكبير في تخصيص نفقات املوازنة باتجاه
اإلنفاق العسكري واستخدام النطاق الواسع من املجندين للمجهود
الحربي وغياب األمن واالستقرار.
سابعا :التبادل غيراملتكافئ.
من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في زيادة اإلنفاق الحكومي في
البلدان النامية والتي تتمثل بالتبادل غير املتكافئ وما ينجم عنها من ضعف
في موقع هذه البلدان في االقتصاد الرأسمالي العاملي ،وأن دخول البلدان
النامية في عالقات تبادلية غير متكافئة مع البلدان املتقدمة أدى إلى
تحقيق خسائر واضحة قد نجم عنها تدهور في شروط التبادل التجاري
ً
العاملي فضال عن انخفاض أسعار الصرف في األسواق النقدية الدولية
وارتفاع نسبة التضخم املستورد ،إلى جانب ما يفرض من قيود حمائية
على صادراتها من قبل االقتصاد العاملي ،وأن كل هذا أدى إلى تزايد
النفقات العامة بشكل كبير بسبب زيادة أسعار االستيرادات الضرورية
وانخفاض أسعار الصادرات1.
94
الفرع الثاني :األسباب الظاهرية لتزايد النفقات العامة.
تتمثل في تلك الزيادة التي تحصل في النفقات العامة للدولة دون
أن يرافقها أي زيادة في الخدمات العامة أو املنافع العامة .وأن األسباب
الظاهرية لزيادة النفقات العامة تزداد وتتنوع في البلدان النامية بسبب
الظروف التي تعيشها هذه الدول وواقعها الذي يوفر إمكانية حدوث مثل
هذه الزيادة.
أي أن الزيادة في النفقات العامة في هذه الحالة هي فقط زيادة
رقمية دون أن يقابلها إي زيادة في كمية السلع والخدمات املقدمة ألفراد
املجتمع .ويمكن تحديد أسباب الزيادة الظاهرية في النفقات العامة على
النحو اآلتي1:
95
مختلفة وذلك الستبعاد التغيرات التي طرأت على القوة الشرائية للنقود
ً
من خالل استخدام األرقام القياسية ملستوى األسعار وفقا للمعادلة
اآلتية:
اإلنفاق الحكومي باألسعار الجارية
× )100 اإلنفاق الحكومي الحقيقي=(
املستوى العام لألسعار
ثانيا :اختالف الفن املالي.
تعزى بعض الزيادة في النفقات العامة إلى تغير الفن املالي وتغيير
ً
طريقة قيد الحسابات املالية ،إذ أن إعداد املوازنة العامة وفقا لقاعدة
ً
الشمول ال يعتمد على فكرة املوازنة الصافية والتي تقوم أساسا على
قاعدة تخصيص اإليرادات العامة ،إذ تقوم بعض املؤسسات بأجراء
مقاصة في موازنتها عندما تقوم بطرح نفقاتها من اإليرادات التي تقوم
بتحصيلها والتي ال تظهر في موازنتها سوى فائض اإليرادات على النفقات.
ثالثا :زيادة السكان و اتساع مساحة الدولة.
كتاب املالية العامة وذلك على كان هذا السبب موضوع خالف بين ّ
اعتبار أن زيادة النفقات العامة بسبب زيادة عدد السكان واتساع مساحة
الدولة هل أ تعد من األسباب الظاهرية أم من األسباب الحقيقية لتلك
الزيادة ،إذ كان االعتقاد أن الزيادة في النفقات بسبب زيادة املساحة أو
عدد السكان تؤدي إلى زيادة فعلية في املنافع لإلقليم األصلي أو السكان
يترتب عليها زيادة في متوسط نصيب الفرد من النفقات العامة ،وأن هذه
الزيادة تعد زيادة حقيقية في النفقات العامة ،أما إذا زاد حجم اإلنفاق
96
وذلك ملواجهة مطالب السكان اإلضافية دون أن يرافقها أي زيادة في
الخدمات العامة وتحسين نوعيتها ،فإن هذه الزيادة تعد ظاهرية.
رابعا :الفساد اإلداري.
إن جميع دول العالم سواء أكانت الديمقراطية منها أم االستبدادية
تسيطر على توزيع ثرواتها ،ويتم توزيع هذه الثروات عادة عن طريق
مسؤولين رسميين يمتلكون سلطات تشمل التقرير والتقييم ،وإن
املؤسسات الخاصة واألفراد الذين يريدون معاملة تفضيلية يكونون
مستعدين للدفع مقابل ذلك ،وهذه الدفعات تعد فاسدة ألنها تقدم
بشكل غير قانوني من أجل الحصول على منفعة ،وهذا يعني أن املؤسسات
ُ
التي أنشئت لتحقيق املنافع العامة قد أصبحت وسيلة لإلثراء وتقديم
املنافع للفاسدين.
وتعد هذه الظاهرة من األسباب الرئيسة واملهمة لزيادة النفقات
العامة زيادة ظاهرية دون أن يقابلها زيادة في الخدمات واملنافع العامة
والتي أصبحت ذات صفة لصيقة ملعظم اقتصاديات البلدان النامية بل
ً ً
وحتى املتقدمة ،وإن الفساد اإلداري يرتبط ارتباطا وثيقا بأنظمة الحكم
السائدة في الدولة وطبيعة العقوبات الجزائية للحاالت املخالفة للقانون1.
97
الفصل الثاني
تقسيمات النفقات العامة
و آثارها االقتصادية
تتنوع النفقات العامة ويزداد عددها وتتعمق آثارها كلما اتسع
نطاق تدخل الدولة وتنوعت وظائفها في إطار األخذ بفكرة التوجيه
االقتصادي ،وهو ما يستدعي تقسيم هذه النفقات وتبويبها في مجموعات
متجانسة تتصف بصفات مشتركة وذلك وفق معايير مختلفة .وسنعرض
من خالل هذا الفصل تقسيمات النفقات العامة وأهم آثارها االقتصادية.
املبحث األول :تقسيمات النفقات العامة.
يتم تقسيم النفقات العامة وفق معيارين ،التقسيمات العلمية
والتقسيمات الوضعية ،ولكن قبل تناول هذه التقسيمات والتفصيل
فيها ،يستحسن أوال التطرق ألهمية اللجوء إلى تقسيم النفقات العامة.
املطلب األول :أهمية تقسيمات النفقات العامة.
إن للتقسيمات املختلفة للنفقات العامة أهمية خاصة نظرا ألنها
تيسر عملية هيكلة هذه النفقات والتعرف على اآلثار املترتبة على االنفاق
العام في جميع املجاالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،كما تعود
ً
أهمية تقسيمات النفقات العامة إلى كونها تخدم أغراضا متعددة أهمها ما
يأتي1:
.1سوزي عدلي ناشد ،أساسيات املالية العامة ،مرجع سابق ،ص.33 .
100
بحيث يضمن ترتيب تلك الحسابات من خالل تقسيم النفقات العامة،
تسهيل عملية صياغة وإعداد وتنفيذ هذه البرامج.
ثانيا :تحقيق الكفاءة والفعالية في تنفيذ امليزانية.
تحتاج الدولة في سبيل تنفيذ الخطة املالية إلى تقسيم النفقات
العامة ضمن امليزانية حتى يتسنى للجهات املسؤولة تقييم وقياس كفاءة
تنفيذ كل برنامج .ولخدمة أغراض املحاسبة واملراجعة واملراقبة واالعتماد
يجب األخذ بعين االعتبار:
-تسهيل دراسة اآلثار املختلفة لألنشطة العامة املختلفة ومعرفة
تطورها ،حيث أن تقسيم النفقات العامة يسهل التعرف على
تكلفة كل نشاط وتطورات تلك التكلفة وأهميتها النسبية باملقارنة
باألنشطة األخرى؛
-تمكين الرأي العام من إجراء رقابة فعالة على الجانب املالي
لنشاط الدولة ،بتقييد الحكومة بإنفاق املبالغ التي اعتمدها
البرملان في ذات األوجه التي قررت لها وليس في أوجه أخرى.
101
وضع علماء املالية العامة تقسيمات متعددة للنفقات العامة يرتكز كل
منها على وجهة نظر معينة في تحبيذ تقسيم دون آخر ،وبالرغم من أن هذه
لتقسيمات قد يتداخل بعضها في البعض اآلخر إال أن لها أهمية كبيرة في
استظهار طبيعة اإلنفاق العام وأثاره وأهدافه ،مما يساعد كثيرا على إدارة
األموال العامة ،ومعرفة املحللين املاليين مقدار ما يكلفه كل نوع من أنواع
نشاط الدولة على حدة ،ومن ثم تتبع تطور هذه النفقات من فترة إلى أخرى
باإلضافة إلى تمكين السلطة التشريعية والرأي العام من إجراء رقابة فعالة
على الجانب املالي لنشاط الدولة .ويمكن تقسيم النفقات العامة من حيث
طبيعتها االقتصادية وهي ما تعرف بالتقسيمات االقتصادية أو
بالتقسيمات العلمية ،كما يمكن أن تقسم إلى تلك األقسام التي تعتمد
عليها امليزانيات وهي ما تعرف بالتقسيمات الوضعية.
الفرع األول :التقسيمات االقتصادية أو العلمية للنفقات العامة.
يقصد بالتقسيمات االقتصادية للنفقات العامة تلك التقسيمات
التي تقوم على معايير اقتصادية ،وذلك بهدف معرفة آثار النفقات العامة
على الحياة االقتصادية للجماعة ،وكذلك اآلثار التي تتركز على بعض
القطاعات أو األنشطة االقتصادية .ولقد جرت الكتابات املالية
واالقتصادية على إجراء عدة تقسيمات اقتصادية للنفقات العامة أهمها:
أوال :تقسيم النفقات العامة حسب الوظائف األساسية التي تقوم بها
الدولة:
يقوم هذا التقسيم في جوهره على فكرة مبسطة مؤداها تجميع كل
مجموعة من الخدمات ذات الطبيعة الواحدة تبعا للوظائف األساسية
102
التي تؤديها الدولة ،ووفقا لهذا التقسيم يمكن التمييز بين ثالثة أنواع
مختلفة للنفقات العامة تبعا للوظائف األساسية للدولة وهي :الوظيفة
اإلدارية ،والوظيفة االجتماعية ،والوظيفة االقتصادية.
.1النفقات اإلدارية :وهي النفقات املتعلقة بسير املرافق العامة والالزمة
لقيام الدولة وهي تشتمل على نفقات اإلدارة العامة والدفاع واألمن
والعدالة والتمثيل السياس ي ،وأهم بنود هذا النوع من النفقات هي
نفقات الدفاع الوطني.
.2النفقات االجتماعية :وهي التي تـنصرف إلى تحقيق آثار اجتماعية
معينة بين األفراد وذلك عن طريق تحقيق قدر من الثقافة والتعليم
والرعاية الصحية لألفراد ،باإلضافة إلى تحقيق قدر من التضامن
االجتماعي عن طريق مساعدة بعض الفئات التي توجد في ظروف
اجتماعية تستدعي املساندة (تقديم املساعدات واإلعانات لذوي
الدخل املحدود ،والعاطلين عن العمل …الخ) وأهم بنود هذه
النفقات تلك املتعلقة بمرافق التعليم ،الصحة ،والثقافة العامة،
واإلسكان.
.3النفقات االقتصادية :وهي النفقات التي تتعلق بقيام الدولة
بخدمات عامة تحقيقا ألهداف اقتصادية كاالستثمارات الهادفة إلى
تزويد االقتصاد القومي بخدمات أساسية كالنقل واملواصالت،
ومحطات توليد القوى الكهربائية ،والري والصرف ،إلى جانب تقديم
اإلعانات االقتصادية للمشروعات العامة والخاصة.
103
والتقسيمات السابقة للنفقات العامة فهي على سبيل املثال ال
الحصر ،ألنه يمكن اإلمعان في كل تقسيم من بينها والوصول إلى تعدد
أنواع النفقات العامة وتفضيلها على نحو أكبر ،وذلك بتقسيم كل نوع من
األنواع املتقدمة إلى عدة أنواع تبعا لتعدد األغراض التي تدخل في كل
تقسيم منها.
ثانيا :تقسم النفقات العامة من حيث أثرها االقتصادي على الدخل
القومي.
يعرف أيضا بالتقسيم التقليدي للنفقات العامة ،وأول من قام به
هو بيجو حيث قسم النفقات العامة إلى نفقات حقيقية وأخرى تحويلية.
.1النفقات الحقيقية أو الفعلية :ويقصد بها تلك النفقات التي
تؤثر على الدخل القومي ،والتي تصرفها الدولة في مقابل الحصول
على سلع وخدمات أو رؤوس أموال إنتاجية كاملرتبات وأثمان
التوريدات واملهمات الالزمة لسير املرافق العامة ،سواء التقليدية
أو الحديثة التي اقتضاها تدخل الدولة في الحياة االقتصادية
واالجتماعية ،والنفقات االستثمارية أو الرأسمالية .فالنفقات
العامة هنا تؤدي إلى حصول الدولة على مقابل لإلنفاق (عمل،
خدمة أو سلعة) ،كما تؤدي إلى خلق دخول جديدة يجب إضافتها
إلى باقي الدخول املكونة للدخل القومي.
104
وفي النفقات الحقيقية يمكن التمييز بين النفقات االستثمارية
والنفقات الجارية ،حيث تتمثل األولى في الطلب على السلع اإلنتاجية في
صورة زيادة في وسائل اإلنتاج الثابتة (غالبا) سواء كان في شكل بناء أساس
للقيام بالخدمات (بالنسبة ملشروعات الخدمات) أو في صورة وضع أساس
للقيام باإلنتاج (بالنسبة ملشروعات اإلنتاج السلعي ،ومثاله تأسيس سكك
الحديد وتشييد السدود ،)...،أما النفقات الجارية فيقصد بها ضمان سير
إدارة معينة أو أداء خدمة أو تشغيل وحدة إنتاجية1 ..
105
وتستهدف الدولة من هذه النفقات إعادة توزيع الدخل ولو بصورة
جزئية ملصلحة الطبقة الفقيرة ،ومن الواضح أن النفقات
التحويلية ال تؤدي إلى زيادة الدخل القومي بشكل مباشر دون أن
تضيف إليه شيئا ،فهي بمثابة إجراءات لتحويل الدخول من
فئات اجتماعية معينة إلى فئات أخرى.
وتهدف الدولة منها إلى إعادة توزيع الدخل ،ولو بصورة جزئية ،دون
أن تضيف إليه شيئا ،مما دفع البعض لتسميتها بالنفقات التوزيعية.
وتفضل أن يتحمل األفراد أعباء هذه النفقات من خالل الضرائب التي
تجبيها وفقا للسياسة الضريبية التي تعتمدها بدال من تحمل األفراد لهذا
العبء وخاصة الفقراء منهم1 .
106
أما النفقات غير العادية فهي تلك النفقات التي ال تتكرر كل سنة
بصفة منتظمة في امليزانية ،بل تدعو الحاجة إليها في فترات متباعدة تزيد
عن السنة أي تأتي بصفة استثنائية ملواجهة ظروف اقتصادية أو
اجتماعية أو سياسية معينة في وقت محدد وكمثال على ذلك النفقات
الحربية ،ونفقات إصالح الكوارث الطبيعية كالزالزل والفيضانات ونفقات
إنشاء السدود والخزانات ومد خطوط السكك الحديدية وتعبيد الطرق
وتأسيس األساطيل التجارية وغيرها.
ولهذا التقسيم فائدته وخطره ،وتتمثل فائدته في التكرار الدوري
للنفقات العادية مما يمكن الحكومة من تقديرها تقديرا يكون قريبا من
الصحة ،وتدبير األموال الالزمة لسدادها من اإليرادات العادية وأهمها
الضرائب ،أما النفقات غير العادية وباعتبارها تحدث بصفة عرضية
واستثنائية فإن سدادها يكون عادة من إيرادات غير عادية كالقروض
العامة واإلصدار النقدي الجديد ،أما خطره فيكمن في لجوء الحكومة
كلما تحقق عجز في امليزانية إلى عقد قروض عامة بدعوى إجراء نفقات
غير عادية عندما ال تكفي لتغطيتها مواردها العادية وتخصيص ميزانية
غير عادية لذلك.
وأمام املالحظات واالنتقادات املوجهة لتقسيم النفقات إلى عادية
وغير عادية ،فقد اتجه الفكر املالي الحديث إلى التمييز بين نوعين من
النفقات العامة :النفقات التسييرية وهي تلك النفقات الالزمة لتسيير
املرافق العامة كاملرتبات ونفقات الصيانة وغيرها ،والنفقات الرأسمالية
أو االستثمارية ويقصد بها تلك النفقات التي تخصص لتكوين رؤوس
107
األموال العينية في املجتمع كنفقات إنشاء املشروعـات الجديدة من طرق
وغيرها.
رابعا :النفقات القومية والنفقات املحلية.
إن تقسيم النفقات العامة إلى نفقات قومية ونفقات محلية
يعتمد على معيار نطاق سريان النفقة العامة ومدى استفادة أفراد
املجتمع كافة أو سكان إقليم معين داخل الدولة من النفقة العامة ،وتكون
النفقة قومية أو مركزية إذا وردت في ميزانية الدولة وتتولى الحكومة
املركزية القيام بها مثل نفقة الدفاع والعدالة واألمن.
أما النفقات املحلية أو اإلقليمية وهي النفقات التي تقوم بها
الواليات أو ما يسمى بمجالس الحكم املحلي كمجالس الواليات واملدن
والقرى والتي ترد في ميزانيات هذه الهيئات ،وتخدم باألساس احتياجات
هيئة محلية معينة مثل االنفاق على توصيل مياه الشرب والكهرباء
لإلقليم.
وتختلف اتجاهات الدول اختالفا بينا فيما يتعلق بتوزيع املرافق
املختلفة ،وبالتالي النفقات العامة بين الدولة والهيئات املحلية كما تختلف
هذه االتجاهات في الدولة نفسها من زمن إلى آخر ،ويرجع هذا االختالف
إلى الظروف التاريخية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية الخاصة بكل
دولة في كل زمن معين.
108
املطلب الثاني :التقسيمات الوضعية للنفقات العامة.
تعتمد التقسيمات العلمية للنفقات العامة على معايير اقتصادية
ونظرية ،مع تبيان أنواع النفقات العامة من الناحية العلمية ،طبقا
لتلك املعايير املتخذة (املعتمدة) كأساس للتقسيم.
أما التقسيمات الوضعية للنفقات العامة ،1فهي تلك التي تتبناها
امليزانيات العامة للدول املختلفة استنادا إلى االعتبارات الواقعية أو
العملية ،وخاصة االعتبارات اإلدارية والوظيفية التي تدعو في الغالب إلى
عدم االلتزام بالتقسيم العلمي للنفقة.
ويهتم التقسيم اإلداري للنفقات العامة بتوزيع النفقات العامة تبعا
للهيئات اإلدارية التي تقوم بها ،وبغض النظر عن أوجه النشاط والوظائف
التي تقوم بها هذه الهيئات ،وقد أخذ على التقسيم اإلداري صفته اإلدارية
البحتة وعدم اهتمامه بتجميع النفقات حسب موضوعها.
أما التقسيم الوظيفي فهو يهتم بتقسيم النفقات العامة حسب
الوظائف التي تقوم بها الدولة دون االهتمام بطبيعة النفقة ،وهذه
الطريقة تسمح بجمع كافة النفقات التي تهدف إلى تحقيق نفس الغرض في
قسم واحد حتى ولو كانت موزعة على عدة وزارات او مصالح ،ويتميز هذا
التقسيم في كونه ال ينظر إلى مشتريات الدولة في حد ذاتها وإنما ينظر إليها
في نطاق الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه من ورائها.
ويالحظ بأن التقسيم الوظيفي هو الصورة الغالبة في الوقت
الحاضر في ميزانيات الدولة املختلفة.
ويقوم التقسيم االقتصادي على توزيع النفقات العامة حسب
العملية وحسب القطاع الذي يقوم بها ،فالعمليات تقسم إلى عمليات
109
رأسمالية وعمليات جارية ،وفي داخل هاتين املجموعتين يمكن توزيع
النفقات إلى مجموعات فرعية ،أما التقسيم حسب القطاع فيتم على
أساس تقسيم االقتصاد القومي إلى قطاعات يضم كل قطاع منها أقساما
فرعية.
وتتعرض التقسيمات الوضعية للنفقة العامة داخل امليزانية
لألسس التي تعرضها التقسيمات العلمية في بيان أنواع النفقات ،وعليه
فالتقسيمات الوضعية ال تكون بعيدة تماما عن التقسيمات العلمية وإنما
قد تتخذها كأساس ،وإن اختلفت طريقة التقسيم نتيجة للضرورات
العملية.
املبحث الثاني :اآلثاراالقتصادية للنفقات العامة.
لقد أدى التطور في جميع الدول إلى التوسع في اإلنفاق العام
بصفة مستمرة وإلى تنوعه وتغير هيكله ،واستخدامه بهدف التأثير في
االقتصاد الوطني وعلى كافة جوانب املجتمع سواء أكانت سياسية أو
اجتماعية أو مالية.
وتتوقف اآلثار االقتصادية للنفقات العامة على عدة عوامل منها:
طبيعة هذه النفقات ،والهدف الذي ترمي إلى تحقيقه ،وطبيعة اإليرادات
الالزمة لتمويلها ،والوضع االقتصادي السائد.
وال يمكن الخوض في تفاصيل مختلف اآلثار االقتصادية لسائر
أنواع النفقات العامة على االقتصاد الوطني وتحليلها تحليال مستفيضا،
إنما سنتعرض وبإيجاز ألهم اآلثار بالنسبة لحجم الناتج الوطني وطريقة
توزيعه ،وعلى حجم بعض الكميات االقتصادية الكلية ،كاالستهالك
110
واالدخار واالستثمار ،واملستوى العام لألسعار ..،وذلك لكون أن هذه
اآلثار هي التي تعتمد عليها السياسة املالية الحديثة ملختلف الدول إلحداث
آثار كمية وكيفية في اقتصادياتها ،بهدف التأثير في التوازن االقتصادي
العام ،واآلثار االقتصادية للنفقات العامة قسمان؛ مباشرة وغير مباشرة:
املطلب األول :اآلثار املباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج واالستهالك
الوطنيين.
تقوم الدولة في العصر الحديث بنوعين رئيسيين من الوظائف في
املجتمع ،وظيفتها كدولة تقدم خدمات عامة للمواطنين ،ووظيفتها كمنظم
وتأخذ على عاتقها بعض أوجه النشاط االقتصادي (أي اإلنفاق
االستثماري) التي كانت من اختصاص األفراد (االقتصاد الخاص) ،وعليه
فاالقتصاد العام يمكن أن ينظر إليه بنظرتين :قطاع عام باملعنى الضيق
وهو ذو طابع تنظيمي وسيادي ،وقطاع عام باملعنى الواسع وهو ذو طابع
إنتاجي واقتصادي ،وال شك أن لكل نوع من أنواع اإلنفاق العام في هذين
املجالين آثاره االقتصادية املباشرة التي يتعين على املسؤولين عن السياسة
املالية أخذها بعين االعتبار عند اتخاذ قراراتهم بشأنها.
الفرع األول :اآلثاراملباشرة للنفقات العامة على اإلنتاج الوطني.
تؤثر النفقات العامة على اإلنتاج وفرص العمل من خالل التأثير
ً ً
على املستوى الحقيقي للطلب الكلي ،ألن هذه النفقات تشكل جزءا كبيرا
من هذا الطلب ،الذي يزداد أهمية مع تدخل الحكومة أكثر في النشاط
االقتصادي واالجتماعي ،والعالقة بين النفقات العامة وحجم الطلب
وتأثيرها عليه يعتمد على حجمها ونوعها .حيث تعكس النفقات الحقيقية
111
الطلب على السلع والخدمات ،في حين أن أثر النفقات التحويلية يتحدد
من خالل كيفية إنفاق املستفيدين منها .كما أن أثر النفقات العامة على
اإلنتاج يرتبط بمدى تأثير الطلب الكلي على كمية اإلنتاج وفرص العمل،
تبعا ملرونة الجهاز اإلنتاجي أو مستوى العمالة والتشغيل في البلدان
املتقدمة ،أو على مستوى التنمية االقتصادية في البلدان النامية .ومن
أجل تحديد أثر النفقات العامة على اإلنتاج الوطني ينبغي دراسة آثار
األنواع الرئيسية لتلك النفقات1:
112
بقصد تعويضها عما تفرضه عليها الدولة من التزامات لتأمين النشاط
الذي تقوم به هذه املشروعات ألنه يتعلق بخدمة عامة بصورة مباشرة،
كما أن بعض هذه اإلعانات يساعد املشروعات على تجهيز نفسها ،أو
تشجيع بعض أوجه نشاطها ،أو تمويل عجز طارئ في موازنتها .ولعل ما
يحد من اإلعانات من حجم اإلعانات االقتصادية بشكل عام هو رغبة
الدولة في االحتفاظ بالقطاع الخاص بصورة تتناسب ورغبتها في توسيع
نطاق القطاع العام ،حيث كلما توسعت في السيطرة على عناصر اإلنتاج
ووسائله تقلصت إعانتها للمشروعات الخاصة والعكس صحيح.
ومن أهم آثار هذه املساعدات توجيه أنشطة هذه املؤسسات
الخاصة لتحقيق أهداف التنمية االقتصادية وتوازن ميزان املدفوعات،
وزيادة معدل التراكم الرأسمالي وبالتالي الحفاظ على معدل نمو الناتج
الوطني .بينما يكمن تبرير الحوافز االقتصادية التي تدفعها الدولة
للمؤسسات العامة في أن بعض هذه املؤسسات ليست ربحية ،فقد تبيع
منتجاتها بأسعار رمزية لتلبية الحاجات العامة األساسية التي يتعين على
الدولة تلبيتها ،وبالتالي استهداف إعادة التوازن املالي لهذه املؤسسات،
وسد عجزها ،وإبقائها تعمل للصالح العام.
وقد تشارك بعض هذه املؤسسات العامة في نشاط إنتاجي خاص
لكنه يتسق مع التوجهات االقتصادية واالجتماعية للدولة ،ومنه
فمساعدات الدولة لها ترتكز على االعتبارات الفلسفية التي تسهم في
تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية محددة.
113
ثانيا :آثارالنفقات االجتماعية.
ولهذه النفقات أثر على اإلنتاج الوطني ،سواء كانت في شكل
تحويالت نقدية أو تحويالت عينية (سلع وخدمات) ،وفي كلتا الحالتين فإنها
تؤثر على اإلنتاج القومي ،ألن الفئات التي تحصل على تحويالت نقدية
وتنفقها في اقتناء السلع والخدمات االستهالكية األساسية سترفع من
الطلب الكلي مما يؤدي إلى تحفيز وزيادة اإلنتاج .بينما اآلثار املباشرة
للفئات التي تحصل على تحويالت عينية هي تشجيع شراء سلع وخدمات
معينة تعطيها الدولة األولوية وترى أنها تتفق وأهدافها االقتصادية
واالجتماعية .فالدولة تستطيع من خالل عالقاتها مع منتجي هذه السلع
والخدمات بصفتها مشترية وسلطة عامة معا أن تمارس دورا تحكيميا في
سوق هذه السلع والخدمات إلى الدرجة التي توجه هذه السوق باالتجاه
الذي يحقق النفع العام ،فمثال ،تتدخل الدولة في قطاع اإلسكان بتوفير
السكنات للفئات االجتماعية محدودة الدخل فإنها تشجع اإلنتاج
الصناعي املتعلق بمواد البناء وتحد من استغالل املالك العقاريين
للمستأجرين في الوقت نفسه1 .
114
ثالثا :أثر النفقات العسكرية أو الحربية.
على الرغم من أهمية هذه النفقات التي أصبحت تمثل عبئا كبيرا
على املوازنة العامة في العديد من الدول ،إال أن البحث عن آثارها يحيط
به صعوبات كثيرة ،أبرزها أن هذه النفقات تخرج في كثير من األحيان عن
النطاق االقتصادي لتستقر في املجال السياس ي واالستراتيجي ،مما يجعل
أمر التحكم بها صعبا ،لذلك على الدولة أن تكون حذرة –قدر اإلمكان-
إزاء ما تسببه نفقاتها العسكرية من آثار اقتصادية1 .
115
وجسور وسدود تدعم االقتصاد الوطني في اإلنتاج املدني بعد الحرب،
وحتى قبل انتهاء الحرب إذا استمرت الحاجة إلى االنتاج العسكري.
كما تؤثر النفقات العسكرية على الظروف االقتصادية للبلد
وتتأثر بها أيضا ،ألنها تستخدم األموال لشراء األسلحة واملعدات العسكرية
من بلدان أخرى مما يؤدي إلى عجز في ميزان املدفوعات .ومن ناحية أخرى
إذا كانت النفقات العسكرية ترفع من مستوى الدخل الوطني إذا كانت
متجهة إلى اإلنفاق على الصناعات الداخلية.
ومن املعلوم أيضا أن املجال العسكري يعد أفضل مجال تطبيقي
للبحوث الجديدة ،فقد دفعت الحروب الحديثة الكثير من الدول إلى
استقطاب العلماء ورجال الصناعة فكان من نتائج ذلك ظهور مخترعات
جديدة عادت بالفائدة على اإلنتاج بصورة عامة .وفي كثير من األحيان
يوجه هذا االنفاق نحو انشاء صناعات جديدة يستفاد منها في املجالين
الحربي واملدني1 .
116
أوال :بالنسبة لنفقات االستهالك الحكومي أو العام.
وهذه النفقات لها تأثير على زيادة االستهالك من خالل ما تقوم به
الحكومة لتلبية الحاجات العامة ،وقد يأخذ االستهالك الحكومي شكل
العمل على توفير املرافق العامة وإنشاء املشاريع العامة ،إضافة إلى شراء
السلع أو أداء املهام املتعلقة بنجاح الوظائف العمومية.
ثانيا :نفقات االستهالك الخاصة بالدخول املوزعة على األفراد.
ً
تخصص الدولة جزءا من النفقات العامة لدفع الرواتب واألجور
واملعاشات للموظفين والعمال الحاليين والسابقين ،ويتم تخصيص الجزء
األكبر من هذه املداخيل لتلبية الحاجات االستهالكية الخاصة من السلع
والخدمات ،ويتم النظر إلى نفقات الدولة على أنها مقابل العمل املنجز،
وبالتالي فإنها تصنف ضمن النفقات العامة املنتجة ألنها تزيد اإلنتاج الكلي
بشكل مباشر1.
117
الفرع األول :أثر املضاعف.
يعد "كاهن" أول من أدخل فكرة املضاعف في النظرية االقتصادية،
إذ حاول قياس العالقة الكمية القائمة بين الزيادة في االستثمار والزيادة
في التشغيل؛ أي أن مفهوم املضاعف عند "كاهن" هو مضاعف التشغيل.
أما االقتصادي "كينز" فقد استخدم فكرة املضاعف لبيان أثر االستثمار
املستقل ،أو الذاتي في الدخل القومي ،من خالل ما يؤدي إليه هذا
االستثمار من زيادة االستهالك املولد في االقتصاد القومي الذي بدوره
يؤدي إلى زيادة الدخل القومي ،بإضعاف الزيادة األولية في االستثمار
املستقل ،وهو ما يطلق عليه مضاعف االستثمار الذي يعبر عن العالقة
بين الزيادة في االستثمار املستقل والذاتي في الدخل القومي.
وبناء على ذلك ،فإن مضاعف االستثمار ،هو املعامل العددي الذي ً
يبين مقدار الزيادة في الدخل القومي الناتجة عن الزيادة األولية في
ً
وغالبا ما يكون اإلنفاق االستثماري العام استثما ًرا االستثمار املستقل.
مستقال؛ ألنه يتحدد بموجب خطط استثمارية طويلة األجل ،ويأخذ في
تماما عن املعايير التي يقوم عليها اإلنفاق الحسبان معايير مختلفة ً
االستثماري الخاص.
لقد قصر "كينز" تحليله لنظرية املضاعف على دراسة أثر الزيادة
األولية في االستثمار في الدخل القومي ،إال أن الفكر االقتصادي بعد
"كينز" اتجه إلى تعميم هذه النظرية ،وأصبح بإمكاننا أن نعامل اإلنفاق
على االستهالك ،التصدير ،اإلنفاق العام ،املعاملة نفسها التي عاملها كينز
لالستثمار ،الذي اعتبره املتغير األساس ي في نظريته؛ أي أننا نستطيع أن
118
ندرس مضاعف اإلنفاق الحكومي الذي يقصد به املعامل الذي يبين
مقدار التغيير في الدخل القومي الناجمة عن تغير اإلنفاق الحكومي.
فالتوسع في اإلنفاق الحكومي ،يؤدي إلى توزيع دخول جديدة ،تتمثل في
دخول عوامل اإلنتاج (أجر ،ريع ،فائدة ،ربح) يخصص املستفيدون من
جزءا منها لإلنفاق على االستهالك ،يتوقف على امليل الحدي هذه الدخول ً
لالستهالك ،وجزء لالدخار ،يتوقف على امليل الحدي لالدخار ،ويؤدي هذا
الجزء املخصص لالستهالك إلى زيادة الطلب على سلع االستهالك ،و بالتالي
إلى زيادة هذه السلع ،وإلى توزيع دخول جديدة ،توزع بدورها ما بين
االستهالك واالدخار.
وهكذا تتوالى إلى الزيادة في الدخول الجديدة ،من خالل دورة الدخل
في سلسلة متتالية من اإلنفاق االستهالكي املتناقص ،وهو ما يعرف
باالستهالك املولد ،التي تشكل في مجموعها زيادة إجمالية في الدخل
القومي ،تفوق التوسع األولي في النفقات العامة1.
119
الحديث هذا الطابع العام للمضاعف ،ويرى أن استخدام ميل حدي
لالستهالك ،يمثل اتجاه املجتمع في مجموعه ،يعتبر تبسيطا يخالف
الحقيقة والواقع االقتصادي .ذلك أنه يسقط خصائص القطاعات
والفئات املختلفة األخرى ،فامليل الحدي لالستهالك يختلف من قطاع إلى
آخر ،ومن طبقة إلى أخرى ،وهو ما يعني أن اآلثار غير املباشرة للنفقات
العامة ،ال تتوقف فقط على الحجم الكلي للنفقات العامة؛ بل تتوقف
ً
أيضا على الغرض منها ،وعلى نوع املستفيدين منها ،فإذا ما أفادت الزيادة
في النفقات العامة الطبقات الفقيرة ،أو ذات الدخل املحدود ،وامليل
الحدي املرتفع لالستهالك ،كان أثرها أكبر في تلك النفقات العامة التي
يستفيد منها الطبقات ذات الدخل املرتفع ،والتي ينخفض ميلها الحدي
لالستهالك.
ً
منخفضا في الدول النامية ،رغم ارتفاع امليل ويكون املضاعف
الحدي لالستهالك فيها ،وذلك لضعف إمكانات االستثمار اإلنتاجي ،ووجود
كثير من العقبات التي تحول دون مرونة الجهاز اإلنتاجي .وهو ما يعني
انصراف أثر املضاعف إلى األسعار ،فاملضاعف ال يحقق آثاره العينية ،إال
في اقتصاد متقدم ،يتمتع الجهاز اإلنتاجي فيه بمرونة كافية ،لالستجابة
للزيادات املتتالية في االستهالك ومضاعفتها .ومع ذلك يبقى لنظرية
املضاعف ما يبرر لها االعتماد على ميل حدي الستهالك واحد ،للمجتمع في
مجموعه ،وهو ما يضفي على نظرية املضاعف في صورتها العامة ،ما لها
من بساطة ووضوح وأهمية1.
.1نوزاد عبد الرحمن الهيتي ومنجد عبد اللطيف الخشالي ،مرجع سابق ،ص ص.63-62 .
120
الفرع الثاني :أثر املعجل أو املسارع.
ال تقتصر اآلثار غير املباشرة للنفقات العامة في اإلنتاج القومي،
على الزيادة املتتابعة من االستهالك املولد ،وإنما هناك آثار غير مباشرة
أخرى ،تحدث في اإلنتاج القومي من خالل الزيادة التي تحدثها النفقات
العامة في الطلب على االستثمار ،وهي ما يطلق عليها االستثمار املولد أو
التابع .أي ذلك االستثمار الذي يشتق من الطلب على السلع
االستهالكية .وهو ما يعرف بأثر املعجل أو املسارع ،وتفصيل ذلك ،إن
الزيادة في اإلنفاق العام ،تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع النهائية
االستهالكية ،مما يدفع منتجي هذه السلع إلى زيادة إنفاقهم االستثماري،
إلنتاج تلك السلع التي ازداد الطلب عليها ،بمعدل أكبر.
ويتوقف أثر املعجل على ما يعرف بمعامل رأس املال (معامل
االستثمار) ،أي على العالقة الفنية بين رأس املال واإلنتاج ،وهو (معامل
رأس املال) يحدد ما يلزم من رأس املال إلنتاج وحدة واحدة من سلعة ما
أو صناعة ما؛ أي إذا ما ارتفع الطلب النهائي على سلعة ما ،يقتض ي هذا
االرتفاع ،زيادة اإلنتاج ملقابلته ،أي ضرورة التوسع ،وبالنسبة نفسها في
رأس املال املستخدم في إنتاج هذه السلعة .وال تتوقف الزيادة عند هذا
الحد ،بل تؤدي إلى سلسلة متتالية من االستثمارات املولدة .ويتوقف
معامل رأس املال على األوضاع الفنية التي تحكم اإلنتاج ،وهي تختلف
حسب درجة الفن اإلنتاجيً ،
وتبعا لطبيعة كل صناعة.
وتتحدد آثار املعجل بعدد من االعتبارات أهمها ،ما يتوافر من
مخزون من السلع االستهالكية ،وما يتوافر من طاقات إنتاجية عاطلة غير
121
مستغلة ،حيث أن وجود مثل هذا املخزون وهذه الطاقات املعطلة ،يحد
من أثر املعجل .كما تتوقف آثار املعجل على تقدير منتجي السلع
االستهالكية التجاهات الزيادة في الطلب على هذه السلع ،فيما إذا كانت
اتجاهات الطلب ذات طبيعة مؤقتة أو طارئة ،فإنها ال تشجع هؤالء
املنتجين على زيادة حجم االستثمار ،أو إذا كانت ذات طبيعة مستمرة،
فهي تؤدي إلى زيادة حجم االستثمارات.
وبالتالي فهناك عالقة وطيدة تربط بين أثر كل من املضاعف
واملعجل ،يجب أن تؤخذ في الحسبان ،عند دراسة اآلثار التراكمية في كل
من الدخل واالستهالك واالستثمار التي يحدثها اإلنفاق الحكومي األولي،
وكذلك املصدر الذي تعتمد عليه الدولة في تمويل اإلنفاق العام ،ويالحظ
أن تحليل أثر املضاعف واملعجل يتالءم مع ظروف الدول املتقدمة التي
مرنا ،يستطيع االستجابة للزيادة في الطلب الناجمة إنتاجيا ً
ً تملك جها ًزا
عن زيادة اإلنفاق العام.
ً
إنتاجيا غير مرن وال يتفق مع ظروف الدول النامية التي تملك جها ًزا
إال أن هذه الدول تستطيع أن تدخل في حسابها ،وتستفيد من التفاعل
والتداخل بين كل من املضاعف واملعجل ،وهو ما يعرف باملضاعف
املزدوج أو املركب ،الذي يؤدي إلى استمرار الحركة التراكمية لالستثمار
املولد إلى ما وراء القيود التي يفرضها امليل الحدي لالدخار املوجب على
املضاعف ،يؤدي إلى سرعة تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية1.
122
الباب الثالث
اإلي ـ ـرادات الع ـام ـة
الفصل األول
اإلي ـ ـ ــرادات العـ ـ ـ ـ ــام ـ ــة مفهومها
وتقسيماتها
تعتبر اإليرادات العامة مكون هام من مكونات السياسة املالية
ألية دولة ،فالتطور في دور الدولة عبر مختلف املراحل ،من دولة حارسة
إلى دولة متدخلة فمنتجة ،لم ينعكس على تطور مفهوم النفقات العامة
فحسب ،بل انعكس باملثل على مفهوم ودور اإليرادات العامة .ويأتي هذا
الترابط من كون أن أي زيادة في النفقات العامة للدولة يتطلب في املقابل
زيادة في حجم اإليرادات العامة لتغطيتها.
املبحث األول :مفهوم اإليرادات العامة.
يقصد باإليرادات العامة مجموعة الدخول التي تحصل عليها الدولة
من املصادر املختلفة من أجل تغطية نفقاتها العامة وتحقيق التوازن
االقتصادي واالجتماعي1 .
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.89-85 .
.2يمكن أخذ هذه القاعدة بمعنيين مرتبطين :أولهما-معنى موضوعي ،ينصرف إلى تحديد كيفية تحديد النفقات العامة
واإليرادات العامة ،ويعطى النفقات العامة األولوية في هذا التحديد ،بمعنى أن النفقات العامة هي التي تحدد اإليرادات
العامة ،وهنا يتضح الفارق الهام بين امليزانية العامة وامليزانية الخاصة .فإيرادات األفراد هي التي تحدد نفقاتهم ،أما
النفقات العامة فهي التي تحدد ،طبقا لهذه القاعدة ،اإليرادات العامة .وثانيهما -معنى شكلي ،وينصرف إلى كيفية
اعتماد كل من النفقات العامة واإليرادات العامة ،العامة األولوية في هذا االعتماد .ويعطى النفقات .للمزيد من
التفاصيل انظر :رفعت املحجوب ،مرجع سابق ،ص.49.
126
املالي التقليدي .بينما في ظل ووظيفة الدولة الحديثة اكتسبت اإليرادات
العامة دورا هاما حيث أصبحت بمثابة أداة التوجيه االقتصادي
واالجتماعي ،وتحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي بإعادة توزيع الدخل
وتوجيه االقتصاد حسب مخططات الدولة للتنمية االقتصادية
واالجتماعية وتبعا لذلك تعددت وتنوعت أنواع اإليرادات العامة
ومصادرها.
املبحث الثاني :تقسيمات اإليرادات العامة.
تتطلب النفقات العامة إيرادات عامة لتغطيتها حتى تتمكن
الدولة من القيام بوظيفتها في إشباع الحاجات العامة ،وتعمل الدولة على
تدبير املوارد الالزمة لتغطية نفقاتها العامة ،باتباع سياسة مالية معينة
تأخذ بعين االعتبار حقيقة األوضاع االقتصادية واالجتماعية والسياسية
التي تسودها في فترة معينة من مراحل تطورها ،وبالتالي تصبح اإليرادات
العامة هي وسيلة الدولة في أداء دورها في التدخل لتحقيق اإلشباع العام.
ولقد أدى تطور الدور االقتصادي واالجتماعي للدولة ،وازدياد
نفقاتها العامة إلى تطور نظرية اإليرادات العامة؛ األمر الذي تجلت أثاره في
تطوير حجم هذه اإليرادات وإلى تعدد أنواعها وأغراضها ،ولقد تعددت في
العصر الحديث مصادر اإليرادات العامة واختلفت طبيعتها تبعا لنوع
الخدمة العامة التي تقوم بها الدولة والهدف منها ،ويعرض الفكر املالي
العديد من املحاوالت لتقسيم اإليرادات العامة على أساس التمييز بين
أنواعها املختلفة إلى أقسام مختلفة يضم كل منها املوارد املتحدة في
الطبيعة أو املتشابهة في الخصائص.
127
وقد حاول بعض الكتاب وعلى األخص األملان تقسيم اإليرادات
العامة إلى إيرادات شبيهة بإيرادات النشاط الخاص ،ومثالها إيرادات
ممتلكات الدولة الخاصة كالدومين التجاري واملالي والزراعي ،وإلى إيرادات
متعلقة بالنشاط العام تحصل عليها الدولة باعتبارها صاحبة سلطة
ونفوذ ومثال ذلك الضرائب والرسوم والغرامات القضائية واالستيالء على
األموال التي ال وارث لها.
كما اقترح البعض اآلخر التمييز بين نوعين من اإليرادات العامة
على أساس عنصر االجبار :فهناك إيرادات اختيارية يدفعها األفراد دون
إجبار من الدولة كإيرادات ممتلكات الدولة الخاصة –الدومين الصناعي
والتجاري-والقروض االختيارية ،وهناك إيرادات إجبارية يدفعها األفراد
جبرا إلى الدولة وهي األكثر أهمية كالرسوم والضرائب والقروض اإلجبارية،
إلى جانب اإليرادات التي تحصل عليها الدولة بدون مقابل من جهتها
كاإلعانات واملنح التي تتلقاها.
وقسم البعض اآلخر اإليرادات العامة على أساس مدى دورية
وانتظام هذه اإليرادات إلى إيرادات عادية (دورية) تحصل عليها الدولة
سنويا بصفة منتظمة أو دورية كإيرادات ممتلكاتها الخاصة والضرائب
والرسوم ،واإليرادات غير العادية أو االستثنائية التي ال تتكرر سنويا وإنما
تلجأ إليها الدولة من وقت آلخر حسب الحاجة كالقروض واإلصدار النقدي
وبيع جزء من ممتلكات الدولة.
وفي الواقع أن التقسيمات السابقة وغيرها ال تسلم جميعا من
النقد نظرا لعدم دقة املعايير املتخذة كأساس للتفرقة فيما بينها ،وعملية
128
االختيار بين أوجه اإليرادات العامة املختلفة تشكل جزءا من السياسة
املالية التي يجب أن تكون منسقة وغير متعارضة مع الهيكل االقتصادي
واالجتماعي والسياس ي للمجتمع.
وتوصف تقسيمات اإليرادات العامة بأوصاف عدة بحسب نشاط
الدولة املالي ،وهي ال تخرج في الغالب من أن تكون هذه األوصاف إما
"اقتصادية" أو "سيادية" أو "ائتمانية" ،ويمكن الحديث تحت كل وصف
من هذه األوصاف عن إيراد أو أكثر من اإليرادات العامة ،فمن خالل
وصف "اإليرادات االقتصادية" يظهر لنا فائض االقتصاد العام املشتمل
أساسا على دخل الدومين والثمن العام ،وفي نطاق "اإليرادات السيادية"
تتجلى الضرائب بأنواعها املختلفة لكونها تمثل أهم املوارد املالية للدول في
الوقت الحاضر ،وفي إطار "اإليرادات االئتمانية "تحتل القروض العامة
بشتى صورها وأشكالها حجر الزاوية عندما تقل اإليرادات االقتصادية
والسيادية عن الوفاء بكل ما تحتاجه الدولة من إيرادات الزمة لتغطية
نفقاتها العامة.
وسنحاول من خالل هذا الفصل التركيز على دراسة دخل الدومين
والرسوم ،في حين ،ونظرا ألهمية كل من الضريبة والقروض العامة،
وكذلك اإلصدار النقدي ،سنخصص لكل منهما فصل خاص ألجل
تناولهما بصورة أكثر تفصيال.
املبحث الثالث :إيرادات أمالك الدولة (الدومين).
إن زيادة النفقات العامة وتنوعها كان العامل األساس ي الذي أدى
إلى زيادة اإليرادات العامة وتنوعها وتطورها حجما ونوعا ،ونتناول في هذا
129
املبحث إيرادات الدولة من ممتلكاتها من خالل العنصرين التاليين:
إيرادات أمالك الدولة (الدومين) والثمن العام.
املطلب األول :الدومين العام.
يطلق لفظ الدومين على ممتلكات الدولة أيا كانت طبيعتها،
عقارية أو منقولة ،ومهما كان نوع ملكية الدولة لها عامة أم خاصة،
وتنقسم ممتلكات الدولة إلى قسمين :ممتلكات أو دومين عام ،وممتلكات
أو دومين خاص.
ويقصد بالدومين العام ما تملكه الدولة ويكون معد لالستعمال
العام ،ولخدمة املرافق العامة كالطرق واملطارات واملوانئ وأبنية الوزارات
واملصالح العامة واملتاحف والحدائق العامة واملالعب واألنهار ،ويتميز
الدومين العام بمميزات عدة منها أن ملكية الدولة له هي ملكية عامة
تخضع ألحكام القانون العام ،وبالتالي فهو ال يجوز بيعه أو التصرف فيه
بما أنه مخصص للمنفعة العامة ،كما ال يجوز تملكه بالتقادم ،والغاية
منه هو تقديم الخدمات العامة وليس الحصول على أموال للخزانة
العامة ،وال يمنع هذا من إمكانية تحقيق بعض اإليرادات من الدومين
العام ،كما لو فرضت بعض الرسوم على دخول الحدائق العامة أو على
دخول املطار أو امليناء ،أو املتاحف العامة ،وأن هذا املقابل ال يقصد به
في الغالب سوى تنظيم استعمال هذه املرافق العامة ،فضال عن ضآلته في
معظم الحاالت ،وقد يكون سببها في حاالت استثنائية هو الرغبة في تغطية
نفقات إنشاء هذه املرافق ،ومع ذلك تظل القاعدة العامة هي مجانية
130
االنتفاع بأموال الدومين العام 1.ولذلك فإن هذا اإليراد ال يمكن االعتماد
عليه في تمويل النفقات العامة.
املطلب الثاني :الدومين الخاص.
ويقصد به األموال التي تمتلكها الدولة ملكية خاصة ،والتي تخضع
بوجه عام لقواعد القانون الخاص ،فيمكن التصرف فيه بالبيع وغيره،
كما يجوز لألفراد تملكه بالتقادم طويل األجل ،ويدر الدومين الخاص على
عكس الدومين العام إيرادات للخزانة العامة ،وهو وحده الذي يعنيه
علماء املالية العامة عند الكالم على دخل الدولة من أمالكها ،أي الدومين
الخاص كمصدر من مصادر اإليرادات العامة.
لقد كانت إيرادات الدومين الخاص (الدومين الزراعي بالتحديد)
تمثل املورد األكبر للملك أو لألمير سابقا ،والذي كانت ماليته مختلطة
بمالية الدولة ،إال أن اسراف امللوك وتنازلهم عن جزء من ممتلكاتهم
لألمراء قد حجم دخل هذه املمتلكات ،وبالتالي تضاءلت أهمية هذا
الدومين تدريجيا لتحل محلها اإليرادات املتأتية من الضرائب .وقد استمر
هذا الوضع إلى غاية العصر الحديث الذي شهد زيادة في إيرادات الدومين
الخاص مرة أخرى ،ولكن مع اختالف نوع الدومين ،وخصائصه وأهدافه،
تحولت ممتلكات املشروعات الدولة التي تغل إيرادا قد تحولت من
األراض ي الزراعية إلى الصناعية والتجارية2 .
131
ويشير البحث في إيرادات الدومين الخاص التعرض ملختلف أنواع
اإليرادات الناتجة من ملكية الدولة التي تتخذ إحدى صور ثالث؛ الدومين
العقاري ،الدومين الصناعي والتجاري والدومين املالي.
الفرع األول :الدومين العقاري.
ويشمل ممتلكات الدولة من األراض ي الزراعية والغابات واملناجم
واملحاجر وأضيفت إليه في العصر الحديث األبنية السكنية .ولقد كان
النشاط الزراعي املتعلق باستغالل األراض ي من أهم أنواع الدومين الخاص
في العصور الوسطى ،ويأتي دخل هذا النوع من الدومين من ثمن بيع
املنتجات الزراعية ،ومن األجرة التي يدفعها املستأجرون.
وقد بدأ الدومين الزراعي يفقد أهميته ابتداء من نهاية القرن
الثامن عشر مع زوال العهد اإلقطاعي وبزوغ النظام الرأسمالي ،وقيام
حكومات الدول األوروبية بالتصرف في األراض ي وبيعها لألفراد ألسباب
سياسية واقتصادية ،لكن بقي للدول استغالل الغابات نظرا ملا تتطلبه
من نفقات ضخمة لغرس األشجار وصيانتها ،وال تكون منتجة إال في املدة
الطويلة ،ويرجع اهتمام الدول بالغابات إلى الفوائد الكبرى التي تحققها،
فهي تعمل على إعاقة السيول ومنع انتشار األتربة ،وتؤثر على األحوال
املناخية فتهدئ من الرياح وتعمل على تثبيت التربة1.
132
لم يعد من املمكن أن تؤدي دورا هاما كمصدر من مصادر اإليرادات
العامة في العصر الحديث.
أما عن املناجم واملحاجر (الدومين االستخراجي) فهو يتصل
بالثروات الطبيعية التي يمكن استخراجها من املناجم واملحاجر املوجودة
في الدولة ،وتختلف الدول فيما بينها بالنسبة إلى استغالل هذه املوارد تبعا
الختالف اإليديولوجية السائدة فيها ،فالبعض يحتفظ للدولة باالستغالل
املباشر للثروة املعدنية ملا لها من دور حيوي في مختلف أوجه النشاط
الصناعي ،والبعض اآلخر يترك أمر استغاللها لألفراد إيمانا بأفضلية
االستغالل االقتصادي الفردي عن الحكومي ،خاصة في مثل هذا املجال
الذي يتطلب استخدام أحدث طرق اإلنتاج الفنية ،وأخيرا تفضل بعض
الدول االحتفاظ بملكية املناجم واملحاجر وترك أمر استغاللها إلى األفراد
مع اإلشراف على هذا االستغالل بهدف حماية الثروة املعدنية من النضوب
املبكر ،ويأخذ هذا اإلشراف في الغالب صورة اشتراك الدولة مع األفراد في
استغالل املناجم واملحاجر.
كما تعتمد الدولة على أبنية سكنية تملكها لتحقيق جزء من
إيراداتها العامة وال شك أن تدخل الدولة في العصر الحديث تدخال مباشرا
للعمل على تقديم الخدمات اإلسكانية قد ساهم في حل أزمة السكن
الناشئة عن امليل إلى التركز في املدن واملراكز الصناعية من جهة وإلى زيادة
عدد السكان من جهة أخرى.
133
الفرع الثاني :إيرادات الدولة من الدومين الصناعي والتجاري.
ويضم هذا الدومين مختلف املشروعات الصناعية والتجارية التي
تقوم بها الدولة مثلها في ذلك مثل األفراد ،وتدر أغلبية هذه املشروعات
إيرادات مالية تعتبر مصدرا من مصادر اإليرادات العامة.
وقد ازدادت أهمية الدومين الصناعي والتجاري في الدول
الرأسمالية تحت تأثير املذهب التدخلي ،الذي انتشر بعد الحرب العاملية
األولى (وخاصة بعد أزمة النشاط الرأسمالي في الثالثينات من القرن
املاض ي) ،والذي اقتض ى تدخل الدولة في حياة املجتمع االقتصادية
واالجتماعية بعد أن كانت تحجم عن ذلك من قبل تحت تأثير املذهب
الحر ،ويرجع اتساع تدخل الدولة أساسا إلى األيديولوجية السائدة فيها
ومدى تحبيذها للنشاط االقتصادي الفردي ،كما يرجع إلى املقارنة بين
مزايا االستغالل الفردي مع فرض الضرائب على أرباحه وبين مزايا
االستغالل الحكومي والحصول على كل أرباحه ،مع األخذ بعين االعتبار
الظروف األخرى بطبيعة الحال1.
134
تتمثل في خدمة املجهود الحربي وضمان إنتاج أنواع معينة من األسلحة
واملعدات الحربية.
إن نجاح املشروعات العامة ال يقاس بمدى تحقيقها لألرباح ،ألن
الهدف من إقامة هذه املشروعات هو إنتاج وتوفير سلع وخدمات معينة
بغض النظر عن حساب استغالل هذه املشروعات من حيث الربح
والخسارة.
الفرع الثالث :إيرادات الدولة من الدومين املالي.
وهو أحدث أنواع الدومين الخاص ظهورا ،ويقصد بالدومين املالي
محفظة الدولة من األوراق املالية كاألسهم والسندات اململوكة لها والتي
تحصل منها على أرباح وفوائد تمثل إيرادا ماليا يدخل ضمن دخل أمالك
الدولة ،ولقد ازدادت أهمية الدومين املالي في الوقت الحاضر باإلضافة إلى
حدوث تطور في مضمونه ،فلم يعد قاصرا على اإليرادات الناتجة عن حق
الدولة في إصدار النقود ،بل أصبح يتضمن أساسا األسهم التي تمثل
مساهمة الدولة في املشروعات ذات االقتصاد املختلط (التي تجمع بين
امللكية العامة وامللكية الخاصة) ،كما تسيطر الدولة على بعض
املشروعات ذات النفع العام حتى تتمكن من توجيهها إلى ما يحقق الصالح
العام ،وقد يوجه النقد إلى توجه الدولة الستثمار أموالها في شراء األسهم
والسندات نظرا للتقلبات االقتصادية الكبيرة التي تتعرض لها سوق
األوراق املالية في بعض األحيان ،مما يؤثر على إيراد الدولة ويصبح غير
ثابت أو مضمون ،إال أن الدولة قد تجد نفسها مدفوعة إلى ممارسة مثل
هذا النشاط املالي لتحقيق هدف سياس ي أو مصلحة اقتصادية يكون من
135
شأنه اطمئنان األفراد إلى شراء األسهم والسندات الخاصة باملشروعات
التي تشارك فيها مما ينتج عليه إنجاح حركة التنمية االقتصادية التي
تحتاج إليها البالد ،هذا فضال عن فوائد القروض التي تمنحها الدولة
للهيئات العامة املحلية وللمؤسسات واملشروعات العامة.
املطلب الثاني :الثمن العام.
يطلق مصطلح الثمن العام على ثمن السلع والخدمات التي تنتجها
وتبيعها املشروعات العامة الصناعية والتجارية ،وبذلك يمثل الثمن العام
املقابل الذي تحصل عليه الدولة نتيجة قيامها بنشاط صناعي أو تجاري
ويعد أحد الوسائل التي تمكنها من تحقيق إيراد عام يتمثل في مقدار األرباح
التي تحققها من ممارسة بيع السلع أو الخدمات لألفراد ،سواء في ظل
قوانين املنافسة الكاملة أو في ظل االحتكار الذي تمارسه الدولة بالنسبة
لبعض أنواع السلع قصد االستقالل في تحديد ثمنها بما يمكنها من
الحصول على أكبر قدر من اإليرادات للخزانة العامة.
ويثير الفكر املالي سؤاال يتعلق بكيفية تحديد الثمن العام ،أي
باملستوى الذي يتحقق عنده الثمن العام ،واإلجابة تدعو إلى ضرورة
التفرقة بين الحاالت التي تمارس فيها الدولة نشاطها التجاري والصناعي
على سبيل املنافسة بين مشروعاتها ومشروعات األفراد ،وبين الحاالت التي
تتمتع الدولة فيها بمركز احتكاري بالنسبة لبيع أنواع معينة من السلع.
ففي حالة املنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة الصناعية
والتجارية ،ومشروعات األفراد العاديين ،فالدولة ال تحتكر بيع السلع
والخدمات ،وإنما تنزل إلى مستوى األفراد وتمارس النشاط رغبة في تحقيق
136
الربح ،ويتحدد هنا ثمن السلعة أو الخدمة التي تبيعها الدولة حسب قوى
العرض والطلب ،ويسمى ثمن السلع بالثمن العام ،تمييزا له عن الثمن
الخاص الذي تحصل عليه املشروعات الخاصة عند بيع منتجاتها ،أما في
حالة عدم سماح الدولة بقيام مشروعات خاصة مماثلة للمشروعات
العامة ،وتستهدف الدولة التمتع بمركز احتكاري بالنسبة إلى إنتاج سلع
معينة ،واالستقالل في تحديد ثمن السلع أو الخدمات التي تحتكرها،
والغرض من احتكار الدولة قد يكون ألحد أمرين:
األول :يتمثل في رغبة الدولة تقديم أنواع معينة من السلع لألفراد على
سبيل االحتكار ،باعتبارها ضرورية لالستهالك ،خشية من تلجأ
املشروعات الخاصة إلى رفع أثمانها واستغالل مدى ضروريتها
الستهالك األفراد ،وفي هذه الحالة فإن الدولة ال تهدف من
نشاطها إلى تحقيق اإليراد املالي بقدر ما تهدف إلى ضمان توفير
سلع وخدمات معينة تعتبر أساسية مثل املياه ،الكهرباء ،الخبز،
خدمات الهاتف ،ويتحدد الثمن العام لهذه السلع والخدمات
على أساس نفقات اإلنتاج أو بأقل من هذه النفقات ،على أن
يغطي الفرق بين الثمن والتكلفة من الخزانة العامة ،وأحيانا
أخرى قد يفوق ثمن هذه السلع بنسبة ضئيلة جدا نفقات
اإلنتاج.
الثاني :قد تهدف الدولة من احتكار النشاط الصناعي أو التجاري إلى
تحقيق اإليراد املالي ،ويطلق على هذه الحالة اصطالح االحتكار
املالي ،إذ عادة ما تختار الدولة الحتكارها املالي سلعا واسعة االنتشار
137
ويكون الطلب عليها غير مرن ،حتى ال يترتب على ارتفاع ثمنها بنسبة
معينة نقص في طلبها الكلي بنسبة أكبر ومن ثم نقص في اإليرادات
الكلية وفي األرباح املحققة ،ومن أهم أمثلة االحتكار املالي هو احتكار
الدولة ملنتجات التبغ (الدخان) وتحديد أثمانه بما يحقق لها إيراد
مالي ضخم.
ويرى بعض الكتاب أن تحديد الثمن في حالة االحتكار املالي ال
يختلف عن الثمن الذي يحدده املحتكر في املشروع الخاص ،ففي الحالتين
يسعى املحتكر إلى الوصول إلى حالة التوازن التي تتيح له الحصول على
أكبر قدر ممكن من األرباح وفقا لظروف إنتاج السلعة والطلب عليها ،في
حين يرى آخرون أن الثمن في حالة االحتكار املالي يتحدد عند مستوى أعلى
من املستوى الذي يتحدد عنده الثمن في حالة االحتكار الخاص ،وأن
الفرق بين الثمنين ما هو إال ضريبة مستترة غير مباشرة.
وهناك رأي ثالث يرى أن الدولة ال تلجأ إلى االحتكار املالي إال
للحصول على مصدر لإليرادات ،ومن ثم فإن الزيادة في الثمن املحدد في
هذه الحالة ينفقه إنتاج وحدة من وحدات السلعة املحتكرة متضمنة ما
يمكن اعتباره ربحا عاديا للمشروع ،وهذه الزيادة في الواقع هي ضريبة غير
مباشرة على استهالك السلعة ،إذ تعذر على الدولة فرضها عند قيام
األفراد بإنتاج السلعة أو تداولها أو بيعها فآثرت أن تقوم هي باحتكار
إنتاجها وتحصيل هذه الضريبة بتضمينها ثمن السلعة املحتكرة ،ويذهب
أنصار هذا الرأي األخير في تحليلهم على اعتبار إيرادات االحتكار املالي من
138
بين إيرادات الضرائب غير املباشرة وليس من بين إيرادات الدومين الخاص
(املشروعات الصناعية والتجارية).
فاالحتكار املالي ال يؤدي إلى تغيير النظرة إلى الثمن العام مهما كان
نفعا ،واعتباره بمثابة ضريبة مستترة أو غير مباشرة ،إذ يظل ثمنا عاما
ويفسر ارتفاعه برغبة الدولة في استغالل االحتكار من أجل تحقيق ربح
كبير يسمح لها بإيراد مالي ضخم.
املبحث الرابع :الرسوم.
اإليرادات السيادية هي تلك اإليرادات التي تحصل عليها الدولة
جبرا من األفراد بما لها من حق السيادة وتشمل الضرائب ،والرسوم
ومقابل التحسين (اإلتاوة) والغرامات املالية ،والتعويضات ،والقرض
اإلجباري .وسوف نقتصر في البداية على دراسة الرسوم من خالل عرض
ماهية الرسم ،خصائصه ،والفروق بينه وبين األنواع األخرى من اإليرادات
العامة.
املطلب األول :تعريف الرسم وخصائصه.
الرسوم هي اإليرادات العامة التي تصل إلى خزينة الدولة بشكل
شبه دوري ومنتظم ،يستخدم ريعها في تمويل النشاط املالي والحصول على
سوما كتعويض عن الخدمات التي املنافع العامة ،وتتقاض ى الدولة ر ً
توفرها مرافقها العامة لألشخاص تبعا للنشاط العام الذي وجدت ألجله
املرافق العامة في املقام األول.
ويعرف الرسم بأنه " :عبارة عن مبلغ من النقود يدفعه الفرد جبرا
إلى الدولة مقابل نفع خاص يحصل عليه من جانب إحدى الهيئات العامة،
139
ويقترن هذا النفع الخاص بالنفع العام الذي يعود على املجتمع كله من
تنظيم العالقة بين الهيئات العامة واألفراد فيما يتعلق بأداء النشاط أو
الخدمات العامة"1.
.1الرسم مبلغ نقدي :يدفعه الفرد مقابل الحصول على خدمة خاصة من
نشاط إحدى إدارات أو مرافق الدولة ،واشتراط الصورة النقدية للرسم
جاء ليساير التطور الحديث في مالية الدولة من حيث اتخاذ نفقاتها
وإيراداتها الصورة النقدية.
.2الرسم يدفع جبرا من األفراد للدولة :فالرسم يدفع جبرا بواسطة الفرد
مقابل الحصول على الخدمة الخاصة التي يتلقاها من جانب إحدى
اإلدارات واملرافق العامة ،وتفرض الرسوم بقواعد قانونية لها صفة
اإللزام تجبر الفرد على دفعها إذا ما تقدم بطلب إلحدى اإلدارات أو
الهيئات العامة ،وتحدد قيمة الرسوم بمقتض ى هذه القواعد القانونية،
معبرا عن إرادة الدولة ،وال سبيل أمام الفرد إال الخضوع ملضمون تلك
اإلرادة.
ويمكن التفرقة فيما يتعلق بعنصر الجبر أو اإلكراه ،بين اإلكراه
القانوني واإلكراه املعنوي ،ويقصد باألول حالة ما إذا كان الفرد مجبرا
قانونا على تلقي خدمة معينة ودفع الرسم املفروض على أدائها كما في حالة
.1عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة ،مقدمة في االقتصاد العام -املالية العامة( ،اإلسكندرية :دار
الجامعة الجديدة للنشر ،)1998 ،ص.187
.2أعاد حمود القيس ي ،مرجع سابق ،ص 64وما بعدها.
140
رسوم التعليم اإلجباري بالنسبة للمرحلة األولى من مراحل التعليم ورسوم
التطعيم اإلجباري ،لكن الغالب أن يكون اإلكراه معنويا أي أن الفرد
يطلب من تلقاء ذاته خدمة معينة تقدمها الدولة دون أن يلزمه القانون
بهذا ،ومن األمثلة على ذلك حالة دفع الرسم املقرر على استخراج رخصة
القيادة أو الحصول على جواز السفر أو تأشيرة دخول إحدى الدول،
فالجبر أو اإلكراه املقصود هنا إنما يعني إلزام الفرد بدفع الرسم املقرر
لخدمة معينة في حالة االستفادة منها أي االنتفاع بها.
.3عنصر املقابل في دفع الرسم :فالرسم يدفعه الفرد مقابل خدمة
خاصة يحصل عليها من جانب الدولة ،وقد تكون هذه الخدمة عمل تتواله
إحدى الهيئات العامة لصالح الفرد كالفصل في املنازعات (الرسوم
القضائية) أو توثيق العقود وشهرها (رسوم التوثيق) ،أو استعمال الفرد
لبعض املرافق العامة استعماال يترتب عليه في الغالب تيسير مباشرة
مهنته كاستعمال املوانئ واملطارات (رسوم املوانئ) وبعض الطرق العامة
البرية والنهرية (رسوم الطرق).
.4تحقيق النفع الخاص إلى جانب النفع العام :ويعني ذلك أن الفرد
الذي يدفع الرسم إنما يحصل على نفع خاص به ال يشاركه فيه غيره من
األفراد يتمثل في الخدمة املعينة التي تؤديها له الهيئات العامة في الدولة،
كما أنه يعني أن هذه الخدمة تمثل إلى جانب النفع الخاص نفعا عاما يعود
على املجتمع ككل أو على االقتصاد القومي في مجموعة ،فالرسوم
القضائية التي يدفعها املتقاضون مقابل الحصول على خدمة مرفق
القضاء يترتب عليها تحقيق نفع خاص يتمثل في حصول كل منهم على حقه
141
وضمان عدم منازعة أحد فيه بعد ذلك ،وفي آن واحد يستفيد املجتمع من
نشاط القضاء الذي يعطي الحقوق ألصحابها ويضمن لهم الطمأنينة
واألمن واالستقرار وهذا نفع عام كما هو واضح.
املطلب الثاني :تقديرالرسم.
تستقل الدولة بتحديد قيمة الرسم الواجب دفعه على بعض
أوجه النشاط العام ،والواقع يشير إلى أنه ليس من السهل تحديد قاعدة
عامة تلتزمها الدولة وهي بصدد تقدير الرسم ،بل هناك أكثر من قاعدة
تدخل في االعتبار عند إجراء هذا التقدير ،حيث يعتبر الرسم املفروض
نتيجة تفاعل هذه القواعد كلها ،ويمكن إجمال القواعد الرئيسية في ثالثة
قواعد أساسية1:
.1محمد الطاهر سعودي ،املالية العامة( ،باتنة :دار قانة للنشر والتوزيع ،)2009 ،ص 84وما بعدها.
142
العام والجامعي والخدمات الصحية وتستند هذه القاعدة إما
إلى أن مثل هذه الخدمات يترتب عليها نفع عام يعود على
املجتمع إلى جانب النفع الخاص الذي يعود على دافع الرسم
ومن ثم فإن قواعد العدالة تقض ي بتوزيع نفقات املرافق
القائمة بأداء هذه الخدمات بين األفراد املنتفعين بها عن طريق
دفع الرسوم وبين املجتمع ككل عن طريق فرض الضرائب
بأنواعها املختلفة ،وإما الرغبة في تشجيع األفراد على طلب
مثل هذه الخدمات لضرورتها أو لنفعها وذلك عن طريق عدم
تحصيل مبالغ كبيرة في صورة رسوم قد تقف عقبة في سبيل
طلب األفراد لها كما هو الحال بالنسبة إلى بعض الخدمات
الصحية ،وفي بعض الحاالت تقرر السلطة العامة عدم
تحصيل الرسوم إطالقا عن الخدمات املؤداة كما هو الحال
بالنسبة إلى التطعيم ضد بعض األمراض.
والقاعدة الثالثة :وهي التي يكون مبلغ الرسم أكبر من نفقة
الخدمة املقابلة له وذلك بالنسبة إلى خدمات محددة (بعينها)،
وتستند هذه القاعدة إما إلى الرغبة في التقليل من إقبال
األفراد على طلب الخدمة موضوع الرسم كما هو الحال
بالنسبة إلى رسوم االستحمام في بعض الشواطئ املعينة ،وإما
إلى الرغبة في الحصول على إيرادات للخزانة العامة كرسوم
التوثيق واإلشهار إذا زادت عن نفقة املرفق القائم بأداء هذه
الخدمة زيادة ملموسة.
143
إال أن هذه القواعد كلها ال تمنع من أنه يمكن القول بصفة عامة،
أن الغرض األساس ي من اقتضاء الرسوم مقابل خدمات بعض املرافق
العامة هو غرض مالي ،فهدف الدولة من فرض الرسم هو الحصول على
إيرادات للخزانة العامة ،ويتفق أغلب علماء املالية العامة على أنه في حالة
زيادة مبلغ الرسم عن نفقة الخدمة املقابلة له ،فإن هذا الجزء الزائد
يعتبر في الواقع ضريبة مستترة أو مقنعة.
املطلب الثالث :أساس فرض الرسم.
يترتب على الطابع اإلجباري للرسوم ضرورة وضع أساس تستمد
منه سلطتها في تقرير الرسوم ضمانا لسالمة مالية الدولة واملواطنين ،وقد
استتبع هذا في الدول ذات الدساتير الديمقراطية وجوب موافقة السلطة
التشريعية (البرملان أو غيره من املجالس النيابية) على فرض الرسوم،
ونظرا لتعدد أنواع الرسوم وتنوع القواعد التي تتبع في تقديرها ،فإن
السلطة التنفيذية تكون هي األقدر على إجراء هذا التقدير ،ومن ثم تكفي
القرارات اإلدارية في فرض الرسوم ،لكن يتعين دائما أن تستند هذه
القرارات إلى قوانين تخول لها هذا الفرض ،وذلك ضمانا لعدم إساءة
استعمال الحق والحيلولة دون مغاالة اإلدارة ،وإال كانت القرارات باطلة
من الناحية الدستورية .وغالبا ما يتضمن القانون الصادر بفرض الرسوم
أو بإجازة فرضها بواسطة السلطة التنفيذية إعفاء فئات معينة من
املواطنين من ذوي الدخول املنخفضة ،من دفع هذه الرسوم أو تخفيضها
144
بالنسبة إليهم ،وفي هذه الحالة يحدد القانون الشروط الواجب توافرها في
الشخص حتى يتمتع بهذه امليزة1.
أما بالنسبة ألوجه االختالف بين الثمن العام والرسم؛ فإن هناك
أوجه متعددة نذكر منها3:
145
الصناعية والتجارية ،بينما يدفع الرسم مقابل نفع خاص مقترن
بالنفع العام الذي يؤديه املرفق للمجتمع ككل؛
يتحدد الرسم بناء على القانون أو القرار اإلداري ،وبالتالي فإن
السلطة العامة هي التي تستقل بتحديد قيمته دون تدخل من
جانب األفراد ،أما الثمن العام فإنه يتحدد وفقا لقوانين العرض
والطلب في ظل قيام املنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة
ومشروعات األفراد الصناعية والتجارية ،أو طبقا لقوانين
االحتكارات وقواعدها إذا ما تعلق األمر بوجود حالة من حاالت
االحتكار املالي للدولة.
يدفع الرسم جبرا عن األفراد وتتمتع الدولة في تحصيله بحق
امتياز على أموال املدين ،بينما يدفع الثمن العام اختيارا
بواسطة مشترى السلعة التي ينتجها املشروع الصناعي أو يتجر
فيها املشروع التجاري وال تتمتع الدولة إزاء مقاضاته بحق امتياز
على أموال املشتري.
تناقص أهمية الرسوم كمصدر لإليرادات العامة ،والعكس
بالنسبة للثمن العام الذي تتزايد أهميته نظرا لالتجاه الحديث
في الدول املختلفة إلى التدخل في الحياة االقتصادية وإنشاء
الكثير من املشروعات الصناعية والتجارية التي كانت من قبل
وقفا على النشاط الخاص.
146
الفرع الثاني :الرسم ومقابل التحسين أو اإلتاوة.
اإلتاوة أو ما يعرف بمقابل التحسين ،إيراد مالي تأخذه هيئة عامة
ً
جبرا من بعض األشخاص كمقابل للنفع الخاص الذي يعود عليهم بزيادة
قيمة عقاراتهم نتيجة قيام الدولة بأعمال عامة كتبليط الشوارع وإيصال
املياه وإنشاء املجاري وتمتد في بعض الدول لتشمل رش الشوارع وإضاءتها
وزراعتها باألشجار.
وتتشابه اإلتاوة مع الرسم في ناحيتين؛ األولى ،أن الرسم واإلتاوة
يقومان على فكرة املقابل واملالحظ في الرسم أن النفع الخاص يمكن أن
يقترن بنفع عام أما في اإلتاوة فإن النفع العام هو األصل الذي دفع الدولة
للقيام بتلك األعمال إال أنه آل إلى تحقيق نفع خاص ملالك العقارات.
والثانية ،تناسب مبلغيهما مع املنفعة الخاصة املتحققة ،فيكون مبلغ
ً
اإلتاوة متناسبا مع املنفعة الخاصة املتحققة حيث يشترط لفرض اإلتاوة
أن تكون املنفعة الخاصة املتحققة قابلة للقياس والتقدير .أما الرسم
فاألصل فيه أن يكون متناسبا مع نفقات تقديم الخدمة واملنفعة الخاصة
وعدم احترام هذا األصل يقود إلى تفوق سعر الرسم على نفقات تقديم
الخدمة.
وعلى الرغم من أن كال من الرسم واإلتاوة يرتكزان على عنصر
املقابل ،مما يجعلهما يتشابهان ،إال أن الرسم يختلف عن اإلتاوة من زوايا
عدة؛ منها :اختالف درجة االكراه في كل منهما ،ففي حالة اإلتاوة يجب على
مالك العقار املبني أن يدفعها طاملا أن عقاره قد استفاد من األشغال
العامة التي نفذتها الدولة ،في حين يمكن عدم دفع الرسم إذا امتنع الفرد
147
عن االنتفاع بالخدمة التي يتقرر هذا الرسم مقابال لها ،وعندئذ ال يتحقق
عنصر االجبار القانوني .كذلك فإن من يكلف بدفع اإلتاوة هم املالك
العقاريون الذين زادت قيمة عقاراتهم نتيجة لألعمال العامة ،أما الرسم
فيدفعه أي فرد طلب االنتفاع بخدمة معينة 1 .أن الرسم ُيفرض مقابل
خدمات إدارية متنوعة أما اإلتاوة فتفرض مقابل أعمال معينة محلية
يترتب عليها ارتفاع قيمة العقارات وبهذا يستفيد مالكها من األشغال
ً
العامة .كما أن الرسم تكون فيه املنفعة متحققة فعال وتحققها موجب
لدفعه ،أما اإلتاوة فيجب دفعها وان لم تتحقق املنفعة بعد إذ أن مجرد
ً
احتمال تحققها يكون موجبا لدفعها ،فعلى سبيل املثال شق طريق في أرض
غير مستصلحة يلزم أصحاب األرض بدفع اإلتاوة لوجود احتمال تحقق
املنفعة باستصالح األرض وتخليصها من امللوحة.
ويتم تحصيل اإلتاوة ملرة واحدة ويمكن تقسيط مبلغها للتخفيف
من عبئها على من يتحملها أما الرسم فتتكرر جبايته بتكرار طلب الخدمة.
ُ
واإلتاوة تفرض في نطاق محدود يقتصر على مالك العقارات أما الرسم
ً
فنطاق جبايته واسع جدا حيث يدفع من كل شخص يطلب خدمة عامة.
ويتساوى موقف دافعي الرسم فجميعهم يدفعون املبلغ ذاته ،بينما اإلتاوة
ً
فان مبلغها يختلف من شخص آلخر تبعا الختالف مقدار املنفعة املتحققة
حيث تدخل في تحديد مبلغ اإلتاوة اعتبارات شتى كاملساحة وموقع العقار.
باإلضافة إلى أن درجة اإلجبار في اإلتاوة تفوق مثيلتها في الرسم ذلك ألن
148
دافع الرسم يستطيع أن يتخلص من دفع الرسم باالمتناع عن طلب
الخدمة أما املكلف باإلتاوة فليس له إال أن يدفعها1.
.1نور طارق حسين العاني ،النظام القانوني للرسوم ،مذكرة ماجستير في القانون ،بغداد :جامعة النهرين،2004 ،
ص.13
.2سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.112-111 .
149
تكن تتطلب موافقة النواب املكلفين بها (ممثلي الشعب) كما في الضرائب
مما جعل الدول تفضل اللجوء إليها ،غير أن التطور أدى إلى تغير مفهوم
قيام الدولة بالتدخل لتحقيق الصالح العام ،فأصبحت تؤدي دورها بناء
على مسؤوليتها عن إشباع الحاجات العامة في مختلف املجاالت دون أن
يقترن هذا الدور بفرض الرسوم على خدمات الدولة وتمول هذه الخدمات
العامة باالعتمادات املخصصة لكل مرفق في املوازنة العامة1 .
وكنتيجة ملا سبق ،فقد تضاءلت أهمية الرسوم كمورد مالي في
مالية الدول الحديثة ،مما أدى إلى اتجاه معظم البلدان إلى الحد منها
بإلغائها أو تحويلها إلى ضرائب برفع سعرها ويرجع ذلك إلى انتشار فكرة
مجانية الخدمات التي تقوم بها الدولة وهو ما أدى إلى اللجوء لسد تكاليفها
إلى االستعانة بالضرائب التي احتلت املقام األول بين موارد الدولة.
باإلضافة إلى أن املبدأ الحديث الذي يقض ي بضرورة موافقة
البرملان على فرض الرسوم قد سلب من الرسم ما كان له من ميزة في سهولة
االلتجاء إليه عن الضريبة2.
150
الفصل الثاني
الـ ـ ـ ـضـ ـ ـرائ ـ ــب
تعتبر الضرائب من أهم وأقدم مصادر اإليرادات العامة في الدولة،
إذ عرفت املجتمعات البشرية طرقا عديدة لدفع الضريبة ،فساد في
االمبراطورية الرومانية نظاما ضريبيا محكما كانت فيه الضريبة تحصل في
صورة عينية ،بينما كانت في العصور الوسطى تسدد في شكل ساعات عمل
أو عينيا كأعمال تعبيد الطرقات والتموينات بالحبوب واملنتجات الزراعية
األخرى ،لتتحول في املجتمعات الحديثة إلى الشكل النقدي املفروض على
املكلفين بها من أجل املساهمة في تغطية النفقات العامة1.
. 1مهداوي عبد القادر" ،اآلليات القانونية االتفاقية ملكافحة التهرب الضريبي الدولي" ،مجلة دفاترالسياسة
والقانون ،العدد ،12جانفي ،2015ص.3.
.2أعاد حمود القيس ي ،مرجع سابق ،ص ص.127-126:
.3محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العال ،مرجع سابق ،ص.58
152
وعرفها آخرون بأنها "فريضة مالية تحددها الدولة ويلتزم بأدائها
املمول بال مقابل لتتمكن الدولة من القيام بتحقيق اهداف املجتمع"1.
.1عبيس تركي كاظم ،مدخل في الضريبة وعالقتها بالقانون ،جامعة بابل :مجلة العلوم اإلنسانية ،مج ،19عدد،3
تاريخ النشر ،2011/08/31ص.243
.2طاهر الجنابي ،مرجع سابق ،ص.136
.3عبيس تركي كاظم ،مرجع سابق ،ص 243وما بعدها.
153
وقد يرد استثناء على ذلك يبيح دفع الضريبة عينا لسببين:
أ .الرغبة في التسهيل على األفراد في دفع أنواع معينة من
الضرائب مثل جواز استيفاء الضريبة على مجموع التركة
عينا ويفسر هذا الوضع على أساس ان التسديد النقدي قد
يؤدي باألفراد الى بيع اموالهم بأثمان بخسة في حالة عدم
وجود نقد كاف لديهم لدفع الضريبة.
ب .الرغبة في توسيع ملكية القطاع العام عن طريق استيفاء
الضريبة عينا ،ويظهر لنا هذا االجراء بصورة واضحة في
الدول التي ترغب في التحول من النظام الرأسمالي إلى النظام
االشتراكي.
ومهما يكن من األمر فإنه من األفضل أن تدفع الضريبة نقدا
لتفادي األضرار التي يمكن أن تلحق بالسلطة العامة السابق ذكرها من
جراء دفع الضريبة عينا.
.2الضريبة تدفع جبرا:
هذا يعني إن املكلف بدفع الضريبة ليس حرا في دفعها وإنما
يخضع في ذلك لسلطات الدولة بما لها من حق السيادة على مواطنيها ،إال
أن هذا ال يعني أن تفرض الضريبة بدون ضوابط محددة لفرضها فال
يمكن فرض ضريبة أو تعديلها أو الغائها إال بقانون .إال أن عنصر اإلكراه
أو الجبر يمكن أن يتجسد في استقالل الدولة وهيئاتها بوضع النظام
القانوني للضريبة.
154
وحتى ال يتعرض األفراد إلى هيمنة السلطات العامة في فرضها
للضريبة فإن القانون يتطلب موافقة ممثلي الشعب على فرض الضرائب.
وعنصر اإلكراه لم يكن موجودا في كل العصور؛ فالضريبة كانت
تدفع بصورة اختيارية من قبل األفراد الذين كانوا يقدمونها للدولة .هذا
يعني أن ما يسمى بالضريبة االختيارية هو ليس ضريبة باملعنى املالي بل
يمكن أن نعتبرها هدية مالية ،وعنصر اإلكراه هو الذي يميز الضريبة عن
غيرها من اإليرادات التي تحمل الصفة االختيارية مثل الثمن والقروض
االختيارية واإلعانات.
.3الضريبة تدفع بصفة نهائية:
هذه الخاصية تعني أن الفرد في دفعه للضريبة ال يكون له الحق
في استرداد قيمتها من الدولة أو املطالبة بفوائد عنها ذلك ألن الضريبة
تجبى من املكلف من قبل الدولة بصفة نهائية دون أن تلتزم الدولة بردها
إلى املكلف ،وبهذا اختلفت الضريبة عن القرض العام الذي يدفع جبرا،
فبالرغم من توفر عنصر الجبرية إال أن الدولة هنا تلتزم برده إلى دافعه مع
الفوائد املترتبة عليه.
.4الضريبة تدفع وفقا للمقدرة التكليفية للمكلف ودون مقابل محدد:
إن املكلف في دفعه للضريبة ال ينتظر أن يحصل على مقابل محدد
من الدولة حين دفعها .فاملكلف عند دفعه للضريبة يكون على أساس كونه
عنصرا في املجتمع ،وهو يدفع الضريبة انطالقا من مبدأ التضامن
االجتماعي ،فوجوده في هذه الجماعة يفرض عليه املشاركة في تحمل أعباء
التكاليف الالزمة لسير املرافق العامة الالزمة لحياة تلك الجماعة ،غير أن
155
ذلك ال ينفي أن يحصل الفرد على املنافع التي تقدمها له املرافق العامة،
إال أن هذا االنتفاع ال يحصل عليه باعتباره مكلف بدفع الضريبة وإنما
كمواطن له الحق باالنتفاع بالخدمات العامة التي تقدمها له السلطات
العامة ،وبناء على ذلك فإن الضريبة تفرض على املكلف على أساس
مقدرته التكليفية ومدى قدرته على تحمل األعباء العامة ال على أساس
النفع الذي يعود عليه من هذه املرافق العامة فالنفع الذي يعود عليه
يعود على الكل .وبهذا تتميز الضرائب عن الرسم الذي يدفعه الفرد مقابل
حصوله على خدمة معينة.
.5الضريبة تهدف إلى تحقيق النفع العام:
الضريبة تدفع من قبل املكلف إلى الدولة لسد احتياجاتها من
النفقات العامة والحصول على الالزمة لسد الحاجات العامة .وازداد
استخدام الضرائب بزيادة تدخل الدولة من أجل تحقيق أهداف
اقتصادية واجتماعية هذا يعني أن الضريبة لم تعد قاصرة فقط على
غرض واحد وهو تمويل النفقات العامة.
ونذكر بعضا من هذه األهداف منها حماية الصناعة الوطنية من
خالل فرض الدولة للضرائب الجمركية أو تشجيعها لالدخار والحد بذلك
من االستهالك وتهدف من ذلك السعي إلى تعبئة الفائض لتحقيق التنمية
وتحجيم التفاوت بين فئات املجتمع.
156
.6يتم فرض الضريبة وربطها واالعتراض عليها وتحصيلها والغائها
واالعفاء منها بموجب نصوص قانونية:
أي أنه ال يمكن فرض الضرائب إال بإصدار القوانين التي يجب أن
تتبع في إصدارها األصول الدستورية السائدة عند فرض الضريبة في بلد
معين .ويترتب على هذه الخاصية نتيجة مهمة وهي حفظ حقوق املكلفين
بدفع الضريبة ،ألن للمحاكم حق النظر فيما إذا كانت القوانين املتعلقة
بفرض الضرائب وجبايتها قد صدرت حسب األصول الدستورية املقررة
لذلك حسب الوضع القانوني السائد.
فالضريبة إذن ال تفرض وال تلغى إال بقانون يصدر بموجب
االصول الدستورية للبلد الذي يشرعه ،والقانون الضريبي يشبه بهذا
املضمار القانون الجنائي .فكما أنه ال توجد جريمة وال عقوبة إال بنص
فإنه ال تفرض ضريبة وال تلغى إال بنص في القانون.
املطلب الثاني :األساس القانوني للضريبة.
عند البحث عن األساس القانوني للضريبة ينبغي التعرض ملا
تستند عليه الدولة في فرض الضرائب وإلزام األفراد بدفعها إليها والطبيعة
القانونية لهذا اإللزام .وقد تردد كتاب املالية العامة بين اتجاهين؛ أولهما
أن الضرائب عقد مالي ،والثاني أنها فعل سيادي يقوم على فكرة التضامن
االجتماعي ،وهذا بيان لذلك1:
157
الفرع األول :نظرية العقد املالي.
وهي النظرية التي سادت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر،
وهي أن الضريبة من طبيعة عقدية أي أن أساسها القانوني في العقد ،أي
عقد مالي يبرم بين الدولة واألفراد ،ويلتزم األفراد بدفعها مقابل ما يتلقونه
من الدولة من خدمات .وقد أنقسم الكتاب الذين شاركوا في هذا االتجاه
في تكييف هذا العقد بين اتجاهات ثالث:
أوال :الضريبة عقد إيجارأعمال (توريد خدمات).
وهو أن الضريبة يدفعها األفراد مقابل ما تقدمه لهم الدولة من أعمال
وخدمات ،ويترتب على هذا التكييف عدة نتائج ،أوال :أنه يجب أن تكون
الضريبة مساوية للنفع العائد منها ،ثانيا :أن تتوسع الدولة في فرض
الرسوم والتضييق من فرض الضرائب .إال أنه يعاب على هذا الرأي أن
هذه النتائج بعيدة عن الواقع فالفقراء ينتفعون من الضرائب أكثر من
األغنياء ،حيث يعود عليهم قدر أكبر من الخدمات ،كما أنها ال تفسر التزام
الجيل الحاضر بدفع الضرائب لتخصص جميعها أو جزء منها لسداد
قروض انتفعت بها أجيال سابقة.
ثانيا :الضريبة عقد تأمين.
أي أن الضريبة يدفعها املمول لتؤمن له الدولة الحياة الهادئة
ألمواله ،وبالتالي االنتفاع بها ،ويترتب على هذا الرأي أن تفرض الضريبة
على رأس املال وعلى الدخل ،وأن تتناسب مع ما يملكه املمول من أموال،
إال أنه يعاب على هذا الرأي أنه يقصر دور الدولة على نطاق ضيق ،وهو
تحقيق األمن الداخلي والخارجي لألفراد ،وال يتفق هذا وحقيقة دور الدولة
158
الحالي ،كما أنه من مقتض ى عقد التأمين أن تلتزم الدولة (املؤمن لديه)
بتعويض الضرر الذي قد يحدث لألفراد (املؤمن) وهذا ماال يحدث في حالة
الضريبة.
ثالثا :الضريبة عقد شركة إنتاج.
تمثل الدولة في عقد الشركة دور املؤسس ويمثل األفراد دور
املساهمين ،بما يدفعونه من ضرائب يحصلون بمقتضاها على منافع من
الشركة ،ويترتب على هذا الرأي أن تفرض الضريبة على رأس املال ال على
الدخل ،وأن تكون متناسبة مع رأس املال املنتج ،ويؤخذ على هذا الرأي أن
ً
دور املجتمع ليس قاصرا على تحقيق أهداف مادية ،وإنما يشمل باإلضافة
إليها تحقيق أهداف غير مادية ،وأن مقتض ى عقد اإلنتاج أن ينتفع األغنياء
بالخدمات العامة أكثر من الفقراء ،وهو أمر بعيد عن الواقع ،ويمكن أن
يؤخذ على نظرية العقد املالي في مختلف صورها ،أنها تصدر عن فكرة
العقد االجتماعي ،وهى فكرة غير صحيحة من الناحية التاريخية ،فالدولة
ً
ليست تنظيما اتفاقيا ولكنها عطاء تاريخي ،ومع رفض األساس التعاقدي
للدولة يتعين رفض األساس التعاقدي للضريبة.
الفرع الثاني :نظرية التضامن املالي.
ً ً
يتبين مما سبق أن الدولة ليست تنظيما تعاقديا ،ولكنها ضرورة
تاريخية واجتماعية ،ومن ثم يتعين أن نجد أساس آخر للضريبة غير
األساس السابق الذي يقوم على فكرة التعاقد ،وقد وجد الكتاب هذا
األساس في فكرة التضامن الذي هو أساس الجماعة ،وتفسير ذلك أن
159
الدولة تلزم بصفتها ضرورة تاريخية واجتماعية أن تقوم على الحاجات
ً ً
االجتماعية ،وأن تحقق التضامن بين األفراد حاضرا ومستقبال.
ومن البديهي أن الدولة وهي تحقق التضامن تحتاج إلى إيرادات،
لذلك تلجأ إلى فض بالضرائب على أفراد الجماعة بما لها من سيادة عليهم
ً
وتحقيقا للتضامن االجتماعي ،فالضريبة ال تعدو أن تشكل طريقة لتوزيع
األعباء العامة التي افتضاها مبدأ التضامن االجتماعي بين أفراد الجماعة
ويترتب على ذلك عدة نتائج هي:
أ .أن الضريبة فكرة سيادية أي للدولة سلطة تحديدها وسلطة
تنظيمها الفني؛
أن تفرض الضرائب على جميع أفراد الجماعة بصفتهم ملتزمين ب.
بواجب التضامن االجتماعي ،وهو ما يعني "عمومية الضريبة"،
ويبرر ذلك فرضها على املواطنين سواء كانوا مقيمين بالدولة أو
خارجها ،وفرضها على األجانب املقيمين بها لوجود أموالهم بها؛
أن يكون تحديد العبء الذي يدفعه كل ممول من الضريبة ،ليس ج.
ً
بمقدر ما يعود عليه من نفع ،ولكن وفقا ملقدرته في تحمل أعباء
الجماعة ،أي املساهمة في واجب التضامن القومي ،وهو ما يعرف
باملقدرة التكليفية للممول ،وهي الفكرة التي اتخذها آدم سميث
ً
في كتابه "ثروة األمم" أساسا لتقدير الضريبة وتفسر فكرة
160
ً
التضامن أيضا التزام الجيل الحاضر بدفع ضرائب لسداد قروض
عقدتها أجيال سابقة.
املطلب الثالث :قواعد فرض للضريبة.
الضريبة العصرية هي ضريبة تدخلية وغير حيادية ،كما كانـت إبـان
الدولـة التقليدية أو الدولة الحارسة ،بحيث أصبحت تلعب دورا هاما في
السياسـة االقتصـادية واالجتماعية للدولة ،وفي توجيه االستثمارات
اإلنتاجية وهي قبل كل ش يء مورد مالي أساس ي توليه الدولة اهتماما كبيرا
قصد تنمية وتغذية خزينتها .وملا كانت للضريبة كل هذه األهمية فقد وضع
لها ومن فترة طويلة قواعد على املشرع الضريبي أن يأخذها بعين االعتبار
عند وضعه النظام الضريبي.
الفرع األول :القواعد التقليدية للضريبة.
هذه القواعد تشكل األساس التقليدي للضريبة ،وواضع هذه
القواعـد االقتصـادي اإلنجليـزي "آدم سميث" في كتابه الشهير "ثروة األمم"
ومحتوى هذه القواعد ما يلي1:
161
ونالحظ اآلن بأن أغلب الدول قد أخذت بهذا املبدأ ،وخير دليل على ذلك
هـو تطبيق الضريبة التصاعدية وإقرار اإلعفاءات العائلية والحد األدنى
الالزم للمعيشة.
ثانيا :قاعدة الوضوح واليقين.
يجب أن تكون الضريبة املفروضة على املكلفين القانونيين
واضـحة املعـالم ،بحيث يعرف الخاضع لها ،مقدار الوعاء ،ومعدل
الضريبة وتاريخ سداد الضريبة ،وكذا الجزاءات والعقوبات التي تترتب عن
التهرب والغش الضريبيين .فكل ضريبة ال يعرف املكلف مقدارها وزمان
جبايتها ومكان دفعها معرفة تامة ،تعتبر ضريبة تعسفية بحيث تؤدي في
النهاية إلى التهرب والغـش ،وعليـه ال يجـب دفعها .ولقد أخذت التشريعات
الضريبية املعاصرة بقاعدة الوضوح واليقين وأولتهمـا اهتماما كبيرا بحيث
أصبحت الضريبة واضحة ومحددة من جانب مكوناتها.
ثالثا :قاعدة املالءمة في الدفع.
على الضريبة أن تجبى في أكثر األوقات مالءمة للمكلف وبالكيفية
األكثر تسييرا له ،ويعتبر الوقت الذي يحصل فيه املكلف على دخله أكثر
األوقـات مالءمـة لـدفع الضريبة ،كأن تجبى ضريبة املرتبات واألجور من
املكلفـين فـي أوقـات اسـتالم أجورهم ،وتجبى ضريبة األرباح التجارية
والصناعية في نهاية الدورة املالية ،وعنـد تحقيق األرباح.
رابعا :قاعدة االقتصاد في نفقات الجباية.
املقصود باالقتصاد في نفقات الجباية أن تكون النفقات التي
تنفقها الدولة في سبيل الحصول على اإليرادات الضريبية أقل ما يمكن،
162
وهـذا األمـر يتطلب فرض الضرائب التي تكثر إيراداتها وتقل نفقات
تحصيلها.
إن قاعدة االقتصاد ليس من السهل دوما تطبيقها فهناك ضرائب
يستدعي جمعها عدد كبيرا من العاملين عليها وخاصة في عصرنا الحديث
مما يتطلب أعباء ونفقـات مالية مرتفعة1.
163
الدولة باعتبارها صاحبة السيادة على أراضيها.
رابعا :قاعدة السنوية.
وهي أن يحاسب املكلف عما حصل عليه من دخل وخالل فترة
زمنية مدتها سنة قد تكون ميالدية أو هجرية ،ويستند ذلك إلى ميزانية
الدولة التي يتم إعدادها على أساس سنوي والتي تعتبر الضرائب جزء من
بنودها.
خامسا :قاعدة التنسيق بين األهداف.
يقصد بها أال تتعارض أهداف الضرائب مع بعضها ،كأن ال تفرض
الدولة ضرائب على الصادرات للحصول على األموال وفي نفس الوقت
تشجع اإلنتاج املحلي.
املبحث الثاني :التنظيم الفني للضريبة.
يقصد بالتنظيم الفني للضريبة تحديد األوضاع واإلجراءات
الفنية املتعلقة بفرض الضريبة 1 .فاملشرع يجب أن يختار أوال املادة
الخاضعة للضريبة وطرق تحديد حجم هذه املادة ،وبعدها يقوم بتحديد
سعر الضريبة فإذا تم له ذلك تطلب األمر منه تحديد كيفية تقديرها
وتحصيلها.
املطلب األول :تحديد وعاء الضريبة.
يقصد بوعاء الضريبة املوضوع الذي تفرض عليه الضريبة أو
املادة التي تفرض عليها الضريبة ،ووعاء الضريبة في العصر الحديث هو
.1عادل فليح العلي ،مالية الدولة( ،عمان :دار زهران للنشر والتوزيع ،دت).264-263 ،
164
الثروة ،وتثير الدراسة في وعاء الضريبة مسائل يجب االختيار واملفاضلة
بينها وهي:
-الضرائب على األشخاص أم الضرائب على األموال؛
-الضريبة الوحيدة أم الضرائب املتعددة؛
-الضرائب املباشرة والضرائب غيراملباشرة.
وتتعدد أنواع الضرائب وتختلف صورها باختالف املكان والزمان،
ولكل نوع من هذه األنواع مزاياه وعيوبه ،وعموما يمكن تقسيم الضرائب
وفق التقسيمات التالية:
الفرع األول :الضريبة الوحيدة والضرائب املتعددة.
تنقسم الضريبة من حيث عدد الضرائب املكونة لهيكلها إلى
نوعين :نظام الضريبة الوحيدة ،وفيه تكتفي الدولة بفرض ضريبة واحدة
تسعى بها إلى تحقيق كافة أهداف سياستها الضريبية ،ونظام الضرائب
املتعددة .فمثال ،جاء الفيزيوقراط في القرن الثامن عشر فنادوا بأن األرض
تنفرد بكونها املنبع الوحيد للثروة الحقيقية ومن ثم فإن املنطق يقض ي
بإلغاء كافة أنواع الضرائب وفرض ضريبة وحيدة على الناتج الصافي
لألرض .ولعل ما يعاب على هذا النوع من الضرائب هو أنها أبعد في
الحقيقة عن تحقيق العدالة الضريبية من الضرائب املتعددة ،إذ لم يهتد
العلم بعد الى اختيار الوعاء الضريبي األوحد الذي يحقق مبادئ العدالة
الضريبية ،ومن هنا كان لنـظام الضـرائب املتعددة على أوع ـية مختـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلفة
165
بأعباء متفاوتة إمكانية االقتراب من تحقيق مفهوم العدالة الضريبية1.
. 1عبد املجيد دراز ،سعيد عبد العزيز عتمان ،مبادئ املالية العامة( ،اإلسكندرية :الدار الجامعية ،)2002 ،ص
ص.29-28 .
. 2املرجع نفسه ،ص ص.33-31 .
166
وأيا كان املوضوع الذي تفرض عليه ،أن تكون اقتطاعا من بعض عناصر
الثروة ،أي اقتطاعا من الدخل أو رأس املال .وفي هذا املجال يوجد
طريقتين لتتبع الثروة ،وهما الطريقة املباشرة والطريقة غير املباشرة ،وهو
ما يعني الخيار بين الضريبة املباشرة والضريبة غير املباشرة.
فيمكن أن نعمد إلى تحديد ثروة املمول عند منبعها ،أي وهي تحت
يده ،وأن نفرض عليها الضريبة مباشرة .وفي هذه الحالة نكون قد فرضنا
الضريبة على ذات وجود الثروة تحت يد املمول .وقد تأخذ الثروة شكل
الدخل ،كما قد تأخذ شكل رأس املال.
لكن ،وبدال من تتبع الثروة وهي تحت يد املمول ،يمكن أن نتتبعها
في تداولها أو في استعمالها ،وذلك بفرض الضريبة على التصرفات وعلى
املعامالت وعلى انتقال الثروة .ويشكل فرض الضريبة على تداول الثروة
وعلى استعمالها الطريقة غير املباشرة لتتبع الثروة.
وعليه ،يمكن القول أن الضريبة املباشرة تستقر على املكلف ،وال
يستطيع نقل عبئها إلى مكلف آخر ،فهي مرتبطة باسم شخص محدد
يدفعها ويتحملها بصفة نهائية ،وتفرض على املكلف حين حصوله على
دخل أو رأس مال .ومن أمثلتها :الضرائب العقارية والضريبة على األرباح
التجارية والصناعية.
أما الضريبة غير املباشرة فهي تقع على عناصر االستهالك أو
الخدمات املؤداة ،وبالتالي يتم تسديدها بطريقة غير مباشرة من طرف
مستهلك هذه األشياء أو املستفيد من الخدامات الخاضعة للضريبة .وهي
ضريبة يدفعها املكلف ثم ينقل عبئها إلى شخص آخر هو املستهلك أو
167
متلقي الخدمة ،وتفرض على واقعة معينة دون تحديد املكلف ،ومنها
ضريبة اإلنتاج والضرائب الجمركية وضرائب االستهالك1 .
وهنا نشير أن كل نظام مالي يقوم على الجمع بين هاتين الطريقتين
من طرق تتبع الثروة ،وهما الطريقة املباشرة والطريقة غير املباشرة ،غير
أن كيفية التأليف بين هاتين الطريقتين تختلف من نظام مالي إلى نظام
مالي آخر تبعا لعدة اعتبارات مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية2 .
168
.2الثبات النسبي في املادة الخاضعة للضريبة:
حيث أن الضريبة تعتبر ضريبة مباشرة في حالة الثبات النسبي لوعاء
الضريبة أو مصدرها ،أو مادتها ،ومثال ذلك الضرائب على رأس املال ،في
حين أن الضريبة تعتبر غير مباشرة إذا كان وعاء الضريبة أو مصدرها او
مادتها من املتغيرات التي تخضع للتغير في مقدارها ،بحيث يتم فرضها على
وقائع وأحداث منعزلة ومتغيرة ،ومثال ذلك اإلنتاج واالستهالك والتداول.
.3القدرة على نقل عبء الضريبة:
إذ ليس من الضروري أن يكون الذي يتحمل عبء الضريبة بصفة
نهائية هو امللتزم قانونا بأدائها فقد تفرض الضريبة على شخص ،ثم
يتمكن من نقل عبئها إلى شخص آخر يستقر عليه هذا العبء بصفة
نهائية ،وهذا في حالة الضرائب غير املباشرة .وقد تفرض الضريبة على
شخص ،ثم ال يتمكن من نقل عبئها إلى شخص آخر ،فيستقر عبؤها
بصفة نهائية على امللتزم قانونا بأدائها ،وهذا في حالة الضرائب املباشرة.
ويكون نقل عبء الضريبة برفع ثمن البيع ،وهذا هو نقل العبء إلى األمام،
أو بخفض ثمن شراء عوامل اإلنتاج ،وهذا هو نقل العبء على الخلف1 .
169
.1الضرائب املباشرة:
يمكن للضرائب املباشرة أن تحقق العديد من املزايا كما يلي1 :
170
وفي املقابل نسب للضرائب املباشرة العيوب التالية1 :
171
.2الضرائب غيراملباشرة:
ينسب أنصار الضرائب غير املباشرة املزايا اآلتية لهذا النوع من
الضرائب1 :
172
-يمكن أن تراعي العدالة في حالة فرضها حسب ضرورة السلعة،
بحيث يقل سعرها على السلع الضرورية التي تقتنيها الفئات األقل
دخال ،في حين تفرض بسعر أعلى على السلع الكمالية التي تقتنيها
الفئات األعلى دخال؛
-قد تساهم في خفض االستهالك ورفع االدخار واالستثمار،
وبالذات عند فرضها على االستهالك غير الضروري.
غير أنه وبالرغم من هذه املزايا فإنه يؤخذ على الضرائب غير
املباشرة عدة أمور1:
173
-أن من يدفعها قانونا قد ال يتحمل عبء دفعها فعليا في نهاية األمر
نظرا إلمكانية من يقوم بدفعها في نقل عبئها إلى اآلخرين؛
-تستلزم جباية الضرائب غير املباشرة عدة إجراءات لتفادي
الغش ،وهو ما قد يؤدي على إعاقة اإلنتاج وتداول الثروة1 .
174
التكليفية للفرد ،وبالتالي االقتطاع من دخله بما يناسب ظروفه
الشخصية .باإلضافة إلى أنها تمثل مصدرا ثابتا ودائما لإليرادات العامة
للدولة ،تستخدمها إلعادة توزيع الدخل القومي وتحقيق العدالة
االجتماعية وتقليل الفوارق بين الطبقات االجتماعية املختلفة1 .
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.161-159 .
.2عبد املجيد قدي ،دراسات في علم الضرائب( ،عمان ،األردن :دار جرير للنشر والتوزيع ،)2011 ،ص.47.
.3سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.161-159 .
175
واملرتبات ،املهن الحرة) ،أو الدخل الناتج عن العمل ورأس املال (األرباح
التجارية والصناعية).
الضريبة العامة على الدخل:
ويقد بها الضريبة التي تفرض على مجموع الدخل املتحقق
للمكلف من مصادر متعددة .وبالتالي يمكن معرفة مقدرته التكليفية
وحالته املالية التي ال يمكن التعرف عليها باتباع نظام الضرائب النوعية
على فروع الدخل.
واستنادا إلى ذلك ،فلو كان الشخص يمتلك قطعة من األرض،
ويمارس نشاطا تجاريا ويمتلك أوراقا مالية ،فإن الضريبة تفرض على
إجمالي الدخل الذي يحققه من تلك املصادر املختلفة.
ب .الضرائب على رأس املال:
يعرف رأس املال بأنه " :مجموع ما يمتلكه الشخص من أموال
عقارية أو منقولة في لحظة زمنية معينة ،سواء كانت منتجة لدخل أو غير
منتجة" .ويمكن التمييز بين عدة أنواع من رأس املال :رؤوس األموال
العقارية (األراض ي واملنازل) ،رؤوس األموال املنقولة (الديون واألوراق
املالية كاألسهم والسندات) .كما أن هناك رؤوس أموال منتجة (العقارات
املبنية) ،ورؤوس أموال غير منتجة (التحف واملجوهرات.)...
وجدير بالذكر ،أنه يشترط أن يكون وعاء الضريبة هو رأس املال
أو الثروة ذاتها وليس الدخل الناتج عن رأس املال أو الثروة.
176
وتنقسم الضرائب على رأس املال إلى نوعين1:
ضريبة الدمغة:
تفرض هذه الضريبة على عملية تداول األموال وانتقالها من
شخص إلى آخر ،ويتم ذلك عن طريق تحرير مستندات كالعقود أو
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص.170 .
.2رفعت املحجوب ،مرجع سابق ،ص.284 .
.3سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.194-181 .
177
الكمبياالت أو السندات اإلذنية .وينظم القانون طريقة تحصيل هذه
الضريبة ،إما بلصق طوابع دمغة على تلك املحررات ،أو عن طريق دمغ
املحرر نفسه بواسطة ختم اإلدارة املختصة.
الضريبة على التسجيل:
ويطلق عليها مجازا ،رسوم التوثيق أو التسجيل ،والضريبة هنا
تستحق عند إثبات واقعة انتقال امللكية من شخص آلخر ،أو عند توثيق
عقد امللكية .وسعر الضريبة هنا غير ثابت ،بل يختلف باختالف قيمة
املال موضوع التوثيق أو التسجيل.
ب .ضرائب على االستهالك:
تفرض الضريبة هنا بصدد واقعة االستهالك أو إنفاق الفرد لدخله
للحصول على السلع والخدمات التي يحتاج إليها .ويمكن تقسيم الضرائب
على االستهالك إلى قسمين1:
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.182 -181 .
178
املحلية) أو العزوف عن استهالك سلع معينة .ومثال الضرائب النوعية على
االستهالك ،الضريبة على استهالك البنزين ،السكر ،البن و السنما .ويثير
فرض هذا النوع من الضرائب نوعين من املشاكل ،تتعلق أولهما باختيار
السلعة الخاضعة للضريبة (ضرورية ،كمالية أو شائعة االستعمال)،
ويتعلق ثانيهما بأسلوب تحصيلها (ضريبة على اإلنتاج أو ضريبة جمركية).
الضرائب العامة على االستهالك:
تفرض الضرائب العامة على االستهالك على مجموع السلع
والخدمات التي يستهلكها الفرد .فتبدو كأنها ضريبة مفروضة على مجموع
االنفاق االستهالكي للفرد .وهي ضريبة عينية ال تنظر إلى شخص املستهلك.
وهنا نشير إلى أن فرض الضريبة العامة على االستهالك ال يعني
إلغاء الضرائب النوعية ،السالفة الذكر ،كما تتخذ الضريبة على
االستهالك صورا متعددة أهمها :الضريبة على املبيعات ،الضريبة على
املشتريات ،الضريبة على رقم األعمال.
املطلب الثاني :تقديرالوعاء الضريبي.
بعد تحديد وعاء الضريبة ولكي يتم تحديد املبلغ الذي يجب على
املكلف دفعه (بعد معرفة سعر الضريبة) يجب أوال التأكد من أن
الو اقعة املنشئة للضريبة قد تحققت ،أي أن دين الضريبة ال يتحقق
بذمة شخص ما ملجرد صدور قانون الضريبة ،وإنما يتطلب األمر تحقق
الواقعة املنشئة للضريبة والتي تتمثل بحصول الدخل في نهاية السنة
املالية بالنسبة لضريبة الدخل ،وتملك رأس املال الخاضع للضريبة
179
بالنسبة للضريبة على رأس املال ،وعبور السلعة للحدود بالنسبة للضريبة
الجمركية1 .
180
الفرع الثاني :الطريقة املباشرة.
وتعتمد على طريقة اإلقرار أو على طريقة التحديد اإلداري.
أوال :أسلوب اإلقرار.
وهي إجبار املكلف بأداء الضريبة وذلك بتقديم إقرار يبين فيه
مقدار وعـاء الضـريبة بصورة مفصلة ،وتقوم اإلدارة الضريبية بالتأكد من
صحة ما يحتويه اإلقرار من املعلومات باالطالع على سجالت املكلف،
ودفاتره التجارية أو أية أوراق أخرى تمكن من الوصول إلى الحقيقة
وتفاديا ألي غش.
كما قد يلزم املشرع أشخاصا آخرين غير املكلفين بالضريبة
لتقديم إقرار يستخدم لتحديد مقدار الضريبة املفروضة على املكلف ومن
أمثلة ذلك إلزام صاحب العمل بتقديم إقرارات دورية عن املرتبات واألجور
التي يتقاضاها العاملون لديه لغرض تقدير الضريبة على األجور واملرتبات
وغالبا ما يتم استقطاع هذه الضريبة عند املنبع1.
181
املطلب الثالث :تحديد سعرالضريبة.
بعد تقدير وعاء الضريبة ال بد من تحديد مقدار الضريبة ،أو
بعبارة أخرى يتطلب األمر تحديد ما يمكن استقطاعه من ذلك الوعاء
كضريبة وهو ما يعرف بسعر الضريبة والذي يمكن تعريفه بأنه" :نسبة
الضريبة إلى وعائها" .وقد مر سعر الضريبة تاريخيا بمرحلتين هما1 :
182
الضريبة على وجه التقريب .وتتحدد تلك الضريبة في شكل نسبة معينة
من قيمة املادة الخاضعة للضريبة أو في شكل مبلغ معين عن كل وحدة من
وحدات تلك املادة.
ويالحظ أن تقسيم الضرائب إلى توزيعية أو قياسية إنما يخص
الضرائب املباشرة ،أما الضرائب غير املباشرة فال يمكن أن تكون إال
قياسية .والضريبة القياسية قد تكون نسبية أو تصاعدية أو تنازلية:
.1الضريبة النسبية :وفيها يكون سعر الضريبة ثابتا مهما تغير وعاء
الضريبة ،كأن تفرض ضريبة على الدخل بسعر %10وهذا
السعر يبقى ثابتا وينطبق على جميع الدخول صغيرها وكبيرها.
إن مؤيدي الضريبة النسبية يبررونها بما تتميز به من بساطة ،إذ
تفرض بسعر واحد ،ومن حيث تحقيق مبدأ العدالة فهي تعامل املكلفين
معاملة واحدة وال تهدد الثروات والدخول ،كما ال تؤثر كثيرا في النشاط
االقتصادي .وفي املقابل وجهت للضريبة النسبية عدة انتقادات نوجزها
فيما يلي1:
. 1يسري مهدي حسن السامرائي ،زهرة خضير عباس العبيدي" ،تحليل أثر التغيرات في األسعار الضريبية على
الحصيلة الضريبية في النظام الضريبي العراقي للمدة ( ،)2010-1995مجلة جامعة االنبار للعلوم االقتصادية
واإلدارية ،املجلد ،5العدد ،2013 ،10ص.29 .
183
فإذا افترضنا أن دخل أحد املكلفين 600000دينار وهي موزعة على
النحو التالي:
-من 1إلى 200000لسد النفقات الضرورية (مأكل ،مشرب
وملبس.)....
-من 400000-200000للحاجات شبه الضرورية.
-من 500000 -400000للحاجات الكمالية.
-من 600000 – 500000للتوفير واالدخار.
184
سعر الضريبة كلما ازداد وعائها ،أي أن هناك عالقة طردية بين
سعر الضريبة ووعائها ،مثال :فرض ضريبة على الدخل بسعر
%10على املائة دينار األولى %12 ،على املائة دينار الثانية%10 ،
على املائة دينار الثالثة وهكذا.
وعلى الرغم من أن الضرائب التصاعدية هو نظام يتسم ببعض
التعقيد إال أنه يحقق الكثير من املزايا في نواحي متعددة1 :
ومن ناحية أخرى يعاب على الضريبة التصاعدية أنها تعرقل تكوين
االدخار عند الطبقة ذات الدخل املرتفع ،ومن املعروف أن هذه الطبقة
تتوفر لديها إمكانيات لالدخار وبالتالي لالستثمار .لذلك ينبغي على
.1يسري مهدي حسن السامرائي ،زهرة خضير عباس العبيدي ،مرجع سابق ،ص ص.32-30.
185
الضريبة التصاعدية حتى ال تعرض رأس املال القومي للخطر أن يتم
تخصيصها إلجراء االستثمارات العامة .فإذا خصصت حصيلتها لتغطية
النفقات الجارية للدولة ،فإن األثر الضار للضريبة التصاعدية سيكون
واضحا.
وال بد من اإلشارة إلى أن الضريبة التصاعدية قد تهدد الثروات
والدخول عند تطبيقها ،حيث تؤدي إلى خفض االدخار واالضرار
بالصناعة وهروب رؤوس األموال إلى الخارج ،إال أن هذه اآلثار السلبية
تتوقف على مجرى النشاط االقتصادي وعلى شدة التصاعد.
إن من أساليب تطبيق التصاعد في التشريعات الضريبية وأكثرها
شيوعا هي1 :
.1يسري مهدي حسن السامرائي ،زهرة خضير عباس العبيدي ،مرجع سابق ،ص.33.
186
ما يالحظ على هذا األسلوب هو أن معدل الضريبة يزداد كلما زاد
دخل املكلف ويدخل في طبقة أعلى .لكن ورغم ما يميز هذه الطريقة من
بساطة إال أن فيها عيبا جوهريا ،ألن صاحب الدخل قد يلحق به الضرر
أحيانا بسبب زيادة بسيطة جدا في دخله1 .
187
.3السعر التنازلي :وهو ذلك السعر الذي يتناقص تبعا لتزايد وعاء
الضريبة ،أي أن السعر التنازلي هو معكوس السعر التصاعدي.
.1يسري مهدي حسن السامرائي ،زهرة خضير عباس العبيدي ،مرجع سابق ،ص. 34.
.2محمود حسين الوادي" ،مبادئ املالية العامة( ،عمان :دار املسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.79 ،)2010 ،
188
خصومات ،تحديد سعر الضريبة على ما تبقى من املادة الخاضعة
للضريبة .وهنا فقط يتم ربط الضريبة وتصبح واجبة التحصيل.
ونعني بتحصيل الضريبة مجموعة العمليات واإلجراءات التي
تؤدي إلى نقل دين الضريبة من ذمة املكلف إلى الخزينة العامة وفقا
للقواعد القانونية 1.وتتبع اإلدارة الضريبية طرقا مختلفة لتحصيل
الضرائب بحيث تختار لكل ضريبة الطريقة املناسبة لها ،بحيث تحقق كال
من االقتصاد في نفقات الجباية وفي تحديد املوعد املالئم ألداء الضريبة.
وأهم الطرق املستخدمة ما يلي2 :
189
العامة ،كما هو الحال في ضريبة الدخل للموظفين ،حيث تقوم إدارة
املنشأة باقتطاع الضريبة للخزينة مباشرة.
املبحث الثالث :اآلثاراالقتصادية للضرائب.
وفقا لطبيعة الهيكل االقتصادي واالجتماعي والسياس ي السائد في
املجتمع ،فإن الهدف من النظام الضريبي هو تحقيق أهداف الدولة سواء
كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية .وتكاد تكون األهداف عاملية في
كل من اقتصادات الدول املتقدمة أو النامية .ومع ذلك ،فإن جوهر
وخصائص تلك الدول ،وكذلك حالة النمو والتطور التي هي عليها ،لها
األسبقية في تلك األهداف.
وتبرز الدول الصناعية املتقدمة ألن لديها جهاز تصنيع كبير ودخل
قومي مرتفع ،ولهذا فإن التحدي الذي تواجهه هذه البلدان هو معرفة
كيفية تشغيل مثل هذا الجهاز الكبير مع الحفاظ على التوازن والعمالة
الكاملة ،وبالتالي تهدف أنظمتها الضريبية إلى تحقيق أهداف التوظيف
الكامل والتوازن االقتصادي .بينما يسعى الهيكل الضريبي في البلدان
النامية ذات الدخل القومي املنخفض ومستويات املعيشة املنخفضة
ومعدالت االدخار املنخفضة الالزمة لالستثمار إلى توفير املوارد الالزمة
ً
للتنمية مع محاولة تحقيق هدف إعادة توزيع الدخل بشكل أكثر إنصافا
والحد من عدم املساواة1 .
.1محمد عبد صالح ،محاضرات مادة اقتصاديات الضرائب ،املرحلة الثالثة ،قسم إدارة االستثمار واملوارد ،كلية
اقتصاديات األعمال ،جامعة النهرين ،بغداد ،سنة ،2020ص.5
190
كما يمكن أيضا أن نلمس في دراسة اآلثار االقتصادية للضرائب
منهجين1 :
األول :يوسع من هذه اآلثار بحيث يجعلها تشمل آثار الضريبة وآثار
االنفاق العام.
الثاني :يضيق من هذه اآلثار بحيث يقصرها على آثارها الضريبية
بمفردها.
وال شك أنه عندما يجري فرض ضريبة معينة ،فإن أثرها األول
يقع على املكلف ،سواء بصفته مالكا ألصل من األصول ،أو دخال ،أو
مشتريا لسلعة أو خدمة .وقد يقف أثر الضريبة عند هذه الحدود ،أو
يتمكن املكلف من نقلها للغير .وفي جميع الحاالت تؤثر الضريبة بعد
استقرارها في القوة الشرائية للمكلف الذي دفعها ،حيث تخفض من
دخله املمكن التصرف فيه مع ما يترتب على هذا من ردود فعل من املعنيين
باألمر (منتجين أو مستهلكين) ،مما ينقلنا إلى قضايا أكثر عمومية تتعلق
بانعكاسات ذلك على اإلنتاج والتوزيع في االقتصاد القومي.
وبشكل عام يسعى النظام الضريبي إلى تحقيق األهداف
والوظائف التي تبرز مكانته في النشاط االقتصادي للدولة من خالل ما
يلي2:
191
املطلب األول :دورالنظام الضريبي في التمويل وتعبئة املوارد املالية.
يتمثل الدور التمويلي بتعبئة املوارد املالية وتوجيهها نحو
االستثمارات املنتجة ،ويعتبر هذا الدور من األدوار املهمة التي يمارسها
النظام الضريبي في الدول املتقدمة والنامية ،ويختلف الدور التمويلي
الذي يؤديه النظام الضريبي من دولة ألخرى حيث ال يحظى هذا الدور
باألولوية في الدول املتقدمة لوجود مصادر أخرى للتمويل وفي مقدمتها
االدخارات املحلية الكبيرة ،لكن هذا الدور ُيعد في مقدمة الوظائف التي
يمارسها النظام الضريبي في البلدان النامية من أجل تعبئة املوارد املالية
لتمويل االستثمارات املنتجة ،حيث تعاني هذه البلدان من انخفاض
االدخارات املحلية وانخفاض متوسط دخل الفرد وارتفاع امليل الحدي
لالستهالك.
ويمكن القول إن الضرائب هي أفضل الوسائل التي يمكن أن
تستخدم لتمويل عملية التنمية االقتصادية دون أن تثير مشاكل
اقتصادية واجتماعية وسياسية في البلدان النامية ،ولكي يحقق النظام
الضريبي هذا الدور البد أن يبحث عن الزيادة في الفائض االقتصادي التي
تنشأ نتيجة لعملية التنمية االقتصادية ويعمل على تعبئتها وتوجيهها نحو
االستثمار املنتج دون املساس أو التأثير في االدخارات .كما يمكن القول إن
دور النظام الضريبي في تعبئة املوارد يتوقف على فاعلية كل من الضرائب
ُ
املباشرة والضرائب غير املباشرة ،حيث تفرض الضرائب املباشرة على
الدخول الكبيرة الناتجة عن امللكية (األرض الزراعية ،العقارات) وهذا
يعني استقطاع جزء كبير من هذه الدخول يتجه لتحقيق الفائض
192
االقتصادي ،وهذا االستقطاع يتم عن طريق فرض ضريبة تصاعدية
تكون أكثر تحقيقا" ملبدأ العدالة الضريبية" وبما يؤدي إلى إعفاء أصحاب
الدخول املنخفضة من الضريبة ،وبذلك يكون عبء الضريبة املباشرة
أكبر بالنسبة للطبقات الغنية ،أما الضرائب غير املباشرة فإن دورها في
تعبئة الفائض االقتصادي ينحصر في حدود فرضها على السلع الكمالية
التي تستهلكها الفئات الغنية ذات الدخل املرتفع.
املطلب الثاني :دور النظام الضريبي في تحقيق االستقرار والتوازن
االقتصادي.
ال يقتصر دور النظام الضريبي في إطار دعم عملية النمو
االقتصادي وتسريع وتائر نموه في تعبئة املوارد املالية لتمويل االستثمارات
املنتجة فقط وانما يمارس ايضا دورا مهما في تحقيق التوازن واالستقرار
االقتصادي الذي يعبر عن قدرة االقتصاد القومي على مواجهة حاالت
التقلبات الدورية وغير الدورية التي يشهدها النشاط االقتصادي خالل
فترات زمنية معينة ،والتي غالبا ما تتباين بين حاالت الكساد وحاالت
التضخم املفرط ،وتستلزم قيام السياسة املالية باتخاذ اجراءات تستطيع
من خاللها التقليل والحد من حجم هذه التقلبات وتخفيف األزمات.
وهناك نوعين من السياسات املالية املعروفة لتحقيق االستقرار
االقتصادي ومواجهة االختالل والتي يمكن التعبير عنها من خالل سياسة
مالية توسعية ،وتتضمن إجراءين هما:
-تخفيض الضرائب من حيث املعدل :وهذا ما يزيد من
متوسط الدخل الفردي القابل للتصرف ويشجع على زيادة
193
االنفاق الخاص (االستهالكي واالستثماري) ويقلل من الضغط
على مستويات األسعار ،وبالتالي يحفز النشاط االقتصادي
بشكل عام.
-زيادة االنفاق الحكومي :وهذا يساهم مباشرة في رفع الطلب
الكلي ويضمن مستويات معينة للعاطلين عن العمل.
أو سياسة مالية انكماشية ،وتتضمن إجراءين هما:
زيادة الضرائب :لتقليل الدخل القابل للتصرف وبالتالي
انخفاض الطلب على السلع وانخفاض مستوى األسعار.
تخفيض االنفاق الحكومي :وذلك لتقليل الطلب الكلي
باعتبار أن االنفاق الحكومي جزء مهم من الطلب في
اسواق السلع والخدمات.
وتجدر االشارة الى أنه حتى لو كانت السياسة املالية فعالة فإنها
قد ال تكون محققه لالستقرار االقتصادي بشكل كامل ولذلك البد أن
يكون هنالك تناسق بينها وبين السياسة النقدية لتحقيق االستقرار
االقتصادي بسبب الدور املشترك بينها في هذا اإلطار حيث تستخدم كل
من السياسة الضريبية والسياسة النقدية في الحد من الضغوط
ً
التضخمية وكذلك في تفادي حالة الركود واالنكماش تالفيا لحدوث
األزمات.
املطلب الثالث :دورالنظام الضريبي في إعادة توزيع الدخل القومي.
تعد عملية إعادة توزيع الدخول والثروات بين أفراد املجتمع من
الوظائف األساسية التي البد أن يؤديها النظام الضريبي كونها تهدف الى رفع
مستوى نصيب الفرد من الدخل القومي ،ويمكن القول إن ظاهرة التفاوت
في الدخول والثروات مالزمة لطبيعة ونمط التوزيع السائد في املجتمع
194
ومرتبط بطبيعة البنية السياسية والفلسفة االجتماعية التي يتميز بها
النظام السياس ي واالقتصادي السائد في االقتصاديات الرأسمالية
القائمة على أساس امللكية الخاصة لوسائل اإلنتاج ،وتركز هذه امللكية
ً ً
بيد قلة من أفراد املجتمع وتتفاوت طبقاته تفاوتا شديدا مما يدعو الى
املطالبة بتحقيق نوع من العدالة في التوزيع والتخفيف من حدة التفاوت
في الدخول والثروات.
والنظام الضريبي يمارس دوره في عملية إعادة توزيع الدخل
القومي عن طريق تأثيره في الدخول النقدية املتاحة لدى األفراد ،أي في
أسعار عوامل االنتاج أو من الدخول الحقيقية عن طريق تأثيره في أسعار
املنتجات ،فالضرائب املباشرة تنتج آثارها التوزيعية من خالل تأثيرها في
الدخول النقدية ،بينما الضرائب غير املباشرة تنتج آثارها من خالل التأثير
في أسعار املنتجات .كما يمكن القول إن دور النظام الضريبي في إعادة
ً
توزيع الدخل يعتمد أيضا على نوع الضرائب ومعدالتها ،ففي استخدام
الضرائب التصاعدية إذا انفقت الدولة حصيلة الضرائب املتأتية من
أصحاب الدخول املرتفعة في صورة نفقات تحويلية يستفيد منها أصحاب
الدخول املنخفضة أكثر من غيرها ،وذلك يقلل من درجة التفاوت ويساهم
في إعادة توزيع الدخول بين االفراد1.
.1عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة ،مرجع سابق ،ص ص.230-229:
195
عليها ،وتتجه أثمانها نحو االنخفاض .غير أن الطلب على السلع ال يكون
بنسبة واحدة ،وإنما يتفاوت من سلعة إلى أخرى تبعا لدرجة الطلب عليها.
فالسلع ذات الطلب املرن يتأثر استهالكها نتيجة الضرائب أكثر من السلع
ذات الطلب غير املرن التي ال يستطيع املكلفون االستغناء عنها إال في حدود
ضيقة .كما أن مدى تأثر استهالك السلع بالضرائب يتوقف على درجة
مرونة طلب الطبقات التي تقع عليها الضريبة ،فالضرائب التي تصيب
األغنياء خاصة الضرائب املباشرة التصاعدية ،ال تقلل من استهالكهم،
ألنها تدفع من املدخرات .أما التي تصيب الفقراء (كالضرائب غير
املباشرة) ،فإنها تقلل من استهالكهم للسلع ،وبالتالي فهي تقلل حجم
االستهالك القومي ككل .كما يتوقف أثر الضريبة على االستهالك على
استخدام الدولة لحصيلة الضريبة ،فإذا انفقتها في طلب بعض السلع
والخدمات فإن ذلك يعوض النقص في االستهالك الناش ئ من استهالك
األفراد نتيجة فرض الضريبة ،وبعكسه يتجه االستهالك نحو التناقص.
أما فيما يخص تأثير الضرائب على االدخار ،وحيث يتحقق أكبر
قدر من االستهالك من ذوي الدخول الدنيا ألنهم يمثلون الغالبية العظمى،
لذلك فإن فرض الضرائب على السلع االستهالكية لهذه الفئة يؤدي إلى
تخفيض االستهالك .أما إذا وقع الطلب على السلع من ذوي الدخول
املرتفعة ،فإن أثر فرض الضرائب عليها سوف يؤثر على ادخار هؤالء
باالنخفاض1.
196
املطلب الخامس :تأثيرالضرائب على اإلنتاج.
يتأثر اإلنتاج بالضرائب كنتيجة تبعية لتأثر االستهالك ،فإذا كانت
الضرائب تؤدي إلى نقص االستهالك فال بد أن ينقص بالتالي اإلنتاج والذي
يتم بقصد تلبية طلبات االستهالك.
كما يتأثر اإلنتاج أيضا نتيجة لتأثير الضرائب في عرض وطلب
رؤوس األموال املنتجة ،فعرض رؤوس األموال املنتجة يتوقف على االدخار
الذي يعقبه استثمار .فإذا كانت الضرائب تنقص من الدخول ،فإنها
ستؤدي إلى نقص االدخار وقلة رؤوس األموال ،وإن كان يمكن أن تكون
الضرائب من العوامل املشجعة على االدخار ،وذلك في حالة ما إذا كانت
تؤدي إلى نقص االستهالك.
أما عن طلب رؤوس األموال املنتجة ،فإنه يتوقف على فرص الربح
أمام املنتجين ،وقد يترتب على فرض الضريبة على املنتجين أن تقل فرص
الربح أمامهم فيقل طلبهم لرؤوس األموال.
وأخيرا ،فإن الضريبة قد تؤدي إلى تنقل عناصر اإلنتاج بين املهن
والصناعات املختلفة ،فإذا فرضت ضريبة على مهنة أو صناعة معين،
فقد تهجر رؤوس األموال تلك املهنة أو الصناعة إلى غيرها من املهن أو
الصناعات التي لم تفرض عليها الضريبة1 .
197
من خالل االنفاق العام (شراء سلع وخدمات ،أو مرتبات للعاملين) فال
يتحقق عمليا االنخفاض في املستوى العام لألسعار .والواقع أن لكل
ضريبة مفروضة على سلعة معينة تأثيرها في ثمنها ،حيث تميل إلى رفع ثمنها
بمقدار الضريبة كليا أو جزئيا1 .
198
الفصل الثالث
االزدواج والتهرب الض ـ ـ ـ ـريب ـ ـ ـي
يعتبر االزدواج الضريبي من أهم املشاكل املترتبة عن التنظيم
الضريبي ،سواء كان ذلك عن قصد أو بغير قصد ،وسواء كان ذلك على
املستوى املحلي أو على املستوى الدولي ،بما في ذلك من انعكاسات وآثار
اقتصادية سلبية .كما أن تعدد أنواع الضرائب املفروضة على الثروة
واملداخيل ،تزيد من عبء الضريبة على املكلفين بها ،مما يدفع بهم إلى
السعي للتخلص منها أو على األقل التقليل من وطأتها بطريقة أو بأخرى،
وهو ما يعرف بالتهرب الضريبي الذي تتعدد أسبابه كما تتعدد أنواعه.
والتي سنحاول التفصيل فيها من خالل هذا الفصل.
املبحث األول :االزدواج الضريبي.
نالت مشكلة االزدواج الضريبي عناية كبيرة من طرف رجال املالية
العامة والقانون واالقتصاد ،وذلك نظرا لخطورة هذه الظاهرة ،والنتائج
املترتبة عنها وخاصة من الناحية االقتصادية.
املطلب األول :مفهوم االزدواج الضريبي.
الفرع األول :تعريف االزدواج الضريبي وعناصره.
يعبر االزدواج (التعدد) الضريبي عن فرض ضريبتين أو أكثر من
نوع واحد على نفس املادة الخاضعة للضريبة خالل فترة زمنية واحدة
واقتطاعها من أموال نفس املمول .ويتحقق االزدواج الضريبي خاصة
عندما تكون املادة الخاضعة للضريبة ثابتة ودورية أي تتكرر في أوقات
منتظمة .وبهذا يكون االزدواج الضريبي أكثر وضوحا في الضرائب املباشرة1.
200
وحتى يتحقق االزدواج الضريبي يجب توفر الشروط التالية1 :
201
وفي هذه الحالة نكون أمام واقعتين منشئتين للضريبة ،وهو ما
ينفي ظاهرة االزدواج.
.4وحدة املدة املفروضة عنها الضريبة :فإذا فرضت الضريبة مثال
على دخل املمول في سنة ما ثم فرضت مرة أخرى على دخله في
سنة أخرى فإننا ال نكون أمام حالة من حاالت االزدواج.
املطلب الثاني :أنواع االزدواج الضريبي وأسبابه.
الفرع األول :أنواع االزدواج الضريبي.
يمكن تقسيم االزدواج الضريبي حسب معيارين أساسيين :من حيث
نطاقه إلى ازدواج داخلي وازدواج دولي ،كما يمكن تقسيمه من حيث
القصد إلى ازدواج مقصود وازدواج غير مقصود.
أوال :االزدواج الداخلي واالزدواج الدولي.
يقصد باالزدواج الداخلي أن تتحقق شروطه داخل إقليم الدولة
الواحدة ،أيا كان شكل هذه الدولة وتطبق كل من السلطات املالية التابعة
لها قانون الضريبة على نفس الشخص وعلى نفس الوعاء وعن نفس املادة.
وفي االزدواج الضريبي الداخلي ال يشترط تعدد السلطات املالية التي
تقوم بفرض الضريبة .فإما أن تكون السلطة الضريبية واحدة ،أي
مركزية ،فتفرض ضريبتين أو أكثر على نفس املادة ونفس الشخص ألي
سبب من األسباب .أو قد تتعدد السلطات الضريبية ،فقد تقوم الحكومة
املركزية بفرض ضريبة معينة ،ثم تقوم إحدى السلطات املحلية بفرض
نفس الضريبة مرة أخرى.
202
أما االزدواج الدولي ،فيقصد به تحقق شروطه بالنسبة لدولتين أو
أكثر ،بحيث تقوم السلطات املالية التابعة لدولتين أو أكثر بتطبيق
تشريعاتها الضريبية على نفس الشخص ونفس املدة وعن نفس املدة .وقد
انتشرت ظاهرة االزدواج الضريبي الدولي في العقود األخيرة بسبب نمو
التجارة الدولية وحرية حركة رؤوس األموال بين الدول1 .
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.232-231 .
.2عبد املجيد قدي ،مرجع سابق ،ص.64.
203
أو سهو املشرع .كما قد يرجع ذلك إلى عدم تحديد االختصاص املالي
للهيئات التي تمارس سلطتها على نفس اإلقليم.
أما االزدواج الضريبي الدولي فهو غالبا ما يكون غير مقصود ويحدث
نظرا لعدم وجود سلطة عليا تشرف على تشريعات الدول املختلفة ،إذ
عادة ما تقوم كل دولة بفرض ضرائبها في ضوء ظروفها الخاصة دون النظر
إلى التشريعات الضريبية الدولية األخرى ،مما يؤدي إلى اختالف األسس
التي تعتمد عليها كل دولة في فرض ضرائبها1.
204
-العالقات االقتصادية الواسعة بين الدول ،والتي ترتبط بانتشار
عمل الشركات واملشروعات ونشاطها في دول العالم ،وانتقال رؤوس
األموال واليد العاملة بين هذه الدول ،وبالذات في إطار التوجهات نحو
عوملة االقتصاد.
املطلب الثالث :وسائل مكافحة االزدواج الضريبي.
يحقق االزدواج الضريبي على املستويين الداخلي والدولي آثارا
ضارة على االقتصاد القومي بصورة عامة ،إذ يمثل عبئا إضافيا على عاتق
املكلف مما يخاف مبدأ العدالة الضريبية وهذا ما يدفع املكلف إلى
استخدام كافة السبل املشروعة وغير املشروعة للتهرب من أداء الضريبة.
أضف إلى ذلك ،أن االزدواج الضريبي الدولي يشكل عقبة أمام انتقال
رؤوس األموال بين الدول ،وهو ما يعرقل نمو العالقات االقتصادية
الدولية.
وأمام كافة اآلثار الخطيرة لالزدواج الضريبي فقد حاولت الدول،
بصدد مكافحة االزدواج الضريبي الداخلي ،تنظيم تشريعاتها الداخلية
وأحكام الرقابة على سنها ووضع قواعد خاصة تهدف إلى منع حدوث هذه
الظاهرة.
أما بالنسبة لالزدواج الدولي ،فإن مكافحته تتم إما بواسطة
التشريعات الوطنية أو االتفاقات الدولية ،فقد تلجأ بعض الدول إلى
النص في تشريعاتها الوطنية على إعفاء بعض رؤوس األموال األجنبية
املستثمرة في أراضيها من الضريبة رغبة منها في تشجيع هذه األموال
لالستثمار فيها .أما االتفاقات الدولية ،فقد تتم إبرام مجموعة كبيرة من
205
املعاهدات الثنائية أو الجماعية ملنع االزدواج الدولي بشرط املعاملة باملثل.
وقد اتسع نطاق هذه املعاهدات مع اتساع نطاق املعامالت الدولية
وخاصة بعد الحرب العاملية األولى.
املبحث الثاني :التهرب الضريبي.
تعتبر الضرائب من أقوم وأهم مصادر اإليرادات العامة ،نظرا
ألهمية الضريبة في التأثير على الواقع االقتصادي واالجتماعي ،إال أنه من
املتوقع أن يكون هناك تخلص من أداء الضريبة من طرف بعض أفراد
املجتمع ،وذلك بشتى الطرق واألساليب ،وهذا ما يطلق عليه بالتهرب
الضريبي ،بما يترتب عنه من انعكاسات سلبية على االقتصاد الوطني.
املطلب األول :تعريف التهرب الضريبي.
يقصد بالتهرب الضريبي ) (L’évation fiscalبمفهومه العام أن
يتخلص املكلف بالضريبة من دفع الضريبة املتوجبة عليه كليا أو جزئيا1.
كما يعرف التهرب الضريبي بأنه " :مجموع السلوكيات الرامية إلى
تقليص مبالغ االقتطاعات الضريبية الواجبة الدفع"2.
فالضريبة تشكل عبئا على املكلف لذلك فإنه يعمل على مقاومتها
من خالل التخلص منها أو نقل عبئها إلى شخص آخر .ولتحقيق التهرب
الضريبي يتخذ املكلف القانوني عدة طرق وأساليب قد تكون مشروعة أو
غير مشروعة ،وعلى هذا األساس نميز بين شكلين للتهرب الضريبي :تهرب
206
ضريبي بدون انتهاك القانون الضريبي وهو ما يعرف بالتجنب الضريبي،
وتهرب ضريبي بانتهاك القانون الضريبي وهو ما يعرف بالغش الضريبي1 .
. 1البد لزرق" ،ظاهرة الهرب الضريبي وانعكاساتها على االقتصاد الرسمي في الجزائر دراسة حالة –والية تيارت،"-
مذكرة ما جيستير ،تخصص تسيير املالية العامة ،جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان ،كلية العلوم االقتصادية والتسيير
والعلوم التجارية ،)2012-2011( ،ص.44 .
. 2املرجع نفسه ،ص.49 .
207
عدم االنتظام الضريبي؛ ويعرفه » «Margairazبأنه" :التخلص من
الضريبة بتقديم عرض خاطئ للواقع أو تفسير مضلل"1.
208
ذلك أن يسلك املشروع دولي النشاط طرقا مشروعة أو غير مشروعة ،أو
تتوفر لديه إرادة التهرب أو ال ،وأيا كان التشريع الضريبي الذي يختاره،
مستفيدا من تباين األنظمة والتشريعات الضريبية للدول من أجل
التوصل إلى هدفه نحو تخفيض عبئه الضريبي أو التخلص منه تماما".
فيكون التهرب الضريبي الدولي في شكل تجنب الخضوع للضريبة في دولة
ذات ضغط جبائي مرتفع وتأديتها في دولة أخرى ذات ضغط جبائي
منخفض ،وهذا ما يطلق عليه التهرب الضريبي الدولي املشروع ،ويتم عادة
باستغالل التسهيالت واإلعفاءات التي تمنحها بعض الدول أو املناطق التي
يطلق عليها بالجنات الضريبية ( )Les Paradis Fiscauxأو املالذات
الضريبية1 .
209
-محاولة الحصول على تعويضات غير مبررة من الدولة.
املطلب الثالث :أسباب التهرب الضريبي.
نحصرها في ما يلي1 :
210
انخفضت نسبة املتهربين من الضريبة ،وكلما انخفض الوعي
الضريبي وتدنى املستوى األخالقي للمجتمع ارتفعت نسبة املتهربين
من الضريبة؛
.6يؤدي االزدواج الضريبي إلى ميل املكلفين إلى التهرب من الضريبة
ملا يؤدي إليه من زيادة في العبء الضريبي عليهم؛
.7عدم كفاءة اإلدارة الضريبية من حيث الكم أو من حيث النوع،
واملتمثل في انخفاض عدد العاملين وانخفاض مستواهم الثقافي
واملنهي ،مما يؤدي إلى انخفاض أدائهم في مجال حصر املكلفين وما
يستحق عليهم من ضرائب؛
.8أسلوب تحديد الضريبة يفسح املجال أحيانا للتهرب الضريبي كما
في الضرائب التي تستوجب إقرار من املكلف ،ويقل التهرب في
الضرائب التي تجبى من املصدر كالضرائب على األجور والرواتب؛
كما يمكن أن يؤثر التاريخ في سلوك املمولين تجاه الضريبة ،فلقد
كانت الضريبة في العهد االستعماري في الجزائر –مثال-وسيلة لتنظيم
وتسريع تحويل ممتلكات الجزائريين لصالح املعمرين ،وهذا في إطار تفقير
الشعب ومصادرة أراضيه ،حتى أصبحت الضريبة تسمى لدى املمولين
بـ"الغرامة" ،وكان التهرب آنذاك يشكل أحد مظاهر املقاومة تجاه
املستعمر .وتحت هذا املنظور استمر املمول الجزائري حتى بعد االستقالل
في ممارسة التهرب الضريبي انطالقا من كون النظام الضريبي موروثا عن
العهد االستعماري1.
211
املطلب الرابع :أساليب مكافحة التهرب الضريبي.
ملحاربة الغش الضريبي ال بد من العمل على1 :
212
.9تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة الغش الضريبي وتبادل
املعلومات بخصوصه؛
.10ينبغي أن تعمل الحكومات جاهدة على توجيه الحصيلة الضريبية
إلى األوجه املفيدة للمجتمع ،بحيث يشعر أفراد املجتمع بأن
قيامهم بدفع الضريبة له فوائده املحسوسة لكل منه1 .
213
الفصل الرابع
الق ـ ـ ـ ــروض الع ــام ـ ـ ــة
عندما تعاني الدولة من عجز في املوازنة العامة ،بحيث تكون
إيراداتها العادية عاجزة عن تغطية نفقاتها العادية ،فإن بإمكانها اللجوء
إلى القروض العامة كنوع من أنواع اإليرادات غير العادية لتغطية نفقاتها
العامة.
املبحث األول :القروض العامة ،مفهومها و أنواعها.
املطلب األول :مفهوم القرض العام.
تعد القروض العامة من أهم املوارد املالية غير العادية
(االستثنائية) للدولة ،تلجأ إليها غالبا عندما تكون قد استنفذت كافة
إيراداتها العامة ،فتلجأ إلى اقتراض املبالغ املالية التي تحتاجها لتستكمل
بها إيراداتها العادية املتحصلة من الدومين والرسوم والضرائب .كما أن
القرض العام ليس أداة تمويلية فقط ،بل أيضا أحد أهم أدوات السياسة
املالية واالقتصادية في كثير من األحيان.
ويعرف القرض العام بأنه ":مبلغ نقدي تقترضه الحكومة من الجهات
األخرى ،أفراد ،بنوك ،مؤسسات مالية ،هيئات محلية أو دولية مع التعهد
بسداد املبلغ الذي يتم اقتراضه مع فائدته ووفق الشروط التي يتضمنها
القرض"1.
216
من الضرائب لبلوغها حدودها القصوى ،وأن املزيد منها قد يهدد النشاط
االقتصادي ويؤدي إلى تدهور في املستوى املعيش ي للمواطنين.
ثانيا :عندما يكون للضرائب ردود فعل اجتماعية عنيفة ،وهذا يعني أن
للضرائب حدودا اقتصادية وحدودا اجتماعية تقيد قدرة الدولة على
استخدامها ،عندئذ يصبح القرض وسيلة فعالة بيد الدولة لتجميع
املدخرات التي تعجز الضرائب عن القيام بها ،أي أن عبء تمويل النشاط
العام يصبح موزعا بين املقرضين واملكلفين ،بدال من قصوره على فئة
مكلفي الضرائب1.
217
ثانيا :القروض الخارجية.
هي القروض التي تحصل عليها الدولة من شخص طبيعي أو اعتباري
مقيم في خارج الـبالد أو من حكومات أجنبية ،وتلجأ الدول إلى مثل هذه
القروض عندما تكون بحاجـة إلى رؤوس أمـوال ،وعدم كفاية اإليرادات
الداخلية وعدم كفاية املدخرات الوطنية .كذلك تلجأ للقروض الخارجية
عند حاجة الدولة إلى عمالت أجنبية لتغطية العجز في ميزان املدفوعات
أو لدعم نقدها الوطني وحمايته من تدني قيمته ،أو من أجل الحصول
على ما يلزمها من سلع إنتاجية وسلع استهالكية ضـرورية لتلبيـة حاجة
السوق الداخلية.
الفرع الثاني :القروض االختيارية والقروض اإلجبارية.
أوال :القروض االختيارية.
ينجم القرض االختياري عن عقد تراض ي ،حيث يتم بتراض ي
املتعاقدين واختيارهما واملكتتب في هذا النوع من القروض ليس له
الحقوق سوى بالقبول أو االمتناع ،فبعض الكتاب اعتـبروا عقـد القرض
االختياري عقد إذعان ،ألن املكتتب ال يستطيع مناقشة الدولة في شروط
القرض وال يملك إال القبول أو الرفض ،وفي الواقع أن املكتتب ال يخضع
إلكراه هنا؛ ألنه يكتتب في القرض بـدافع ذاتي وبقصد الحصول على
االمتيازات املالية املقدمة.
ثانيا :القروض اإلجبارية.
هي الق ـروض التي تفرضه ـ ـا الدولة ع ـ ـ ـ ـلى رعايـ ـ ـاها بصورة إجبارية،
مقابل تعهدها لهم بسـدادها في الوقت املناسب ،وتلجأ الدول إلى مثل هذه
218
القروض في األزمات االقتصادية ،والحروب والظـروف الطارئة كالكوارث
الطبيعية التي تصيب البالد ،ومثل هذه القروض تشبه الضريبة لكوهنـا
ً
مفروضـة بصورة إلزامية ،إال أهنا تختلف عن الضريبة ،بأنها غالبا ما تعود
املبالغ لدافعها مـع فوائـد تحـددها السلطات العامة.
الفرع الثالث :القروض العمرية والقروض املؤبدة والقروض ألجل.
أوال :القروض العمرية.
هي القروض املرتبط سدادها بعمر املقرض ،فينتهي أجلها بوفاته،
في مثل هذه القروض ،تكون الدولة ملزمة بتقديم إيراد متفق عليه
ً
للمقرض ،مقابل املبالغ التي أقرضها للدولة ،ما دام حيا ،وعنـدما يتوفى
املقرض يسقط عن الدولة التزامها تجاه املقرض وتصبح األموال للدولة.
ثانيا :القروض املؤبدة.
ً ً
هي القروض التي ال تحدد الدولة تاريخا معينا لردها ،ولكنها تلزم
بدفع فائدة عنها ،وتملك الدولة الحق باستهالك ما تشاء من سندات
القرض في الوقت الذي يناسبها ،واملقرض ال يستطيع أن يطالب الدولة
ً
وفاء القرض ،ولكن يملك الحق باملطالبة بالفائدة املقررة سنويا.
ثالثا :القروض ألجل أو العائمة ،أو السائرة.
هذه القروض تلجأ إليها الدولة ملواجهة حاالت مؤقتة وطارئة ،وبهذا
فهي تعقد ملـدة معينـة ينقض ي الدين بنهايتها ،وسندات هذا النوع من
القروض إما أن تكون ألجل طويل تزيد مدتها علـى ( )10سنوات ،أو ألجل
متوسط ال تتجاوز مدتها ( )10سنوات وال تقل عن سنة ،أو ألجل قصير،
تتراوح مدتها بين الشهر والسنة الواحدة.
219
الفرع الرابع :القروض املثمرة والقروض العقيمة.
أوال :القرض املثمر .
هو الذي ينفق على مشروع استثماري يأتي بإيراد ويسدد أصل
الدين مع الفوائد املترتبة عليه ،وهو من أكثر القروض إنتاجية.
ثانيا :القرض العقيم.
هو الذي ينفق على مشروعات ال تأتي بإيرادات لتسديد القرض
وفوائده ،ولكن له فوائد عامة لالقتصاد وللمجتمع.
املطلب الثالث :الفرق بين القرض العام والضريبة.
يعتبر القرض أحد موارد الدولة التي تختلف عن الضريبة على
الرغم مما يجمعهما من بعض أوجه الشبه املشتركة ،فبالنسبة للقرض
العام فإن الدولة عندما تقوم بتسديده تحتاج لتدبير املوارد الالزمة
لذلك ،وأن الضرائب أهم هذه املوارد ،كما ان كال من القرض العام
والضريبة يتطلب صدور قانون .أما أوجه االختالف بين القرض العام
والضريبة فيمكن حصرها فيما يلي1 :
220
.2ال تخصص حصيلة الضريبة إلى إنفاق محدد ،بل توضع مع
اإليرادات الضريبية األخرى لتشكل مبلغا واحدا يخصص لإلنفاق
العام .في حين أن األصل في القرض العام أن تخصص حصيلته
لغرض معين يحدده القانون.
رغم االختالفات السابقة الذكر بين الضريبة والقرض العام ،فقد
يقترب القرض العام من الضريبة عندما تلجا الدولة إلى إصدار قروض
اجبارية يلتزم املواطنون باالكتتاب بها ،وقد تكون بفائدة ،أو بفائدة رمزية،
او حتى بدون فائدة .كما قد تطرح الدولة قرضا مؤبدا ال تلتزم بسداده
خالل مدة معينة.
كما يمكن القول إن القرض العام ليس إال ضريبة مؤجلة إذ
تحجم الدولة عن فرض الضرائب عندما ال تكون الظروف مناسبة لذلك
(أسباب سياسية أو غير سياسية) وتقوم باالقتراض ،ثم تقوم بفرض
ضرائب جديدة أو برفع سعر الضرائب املوجودة فعال ،وذلك لتحصل على
إيراد يمكنها من خدمة الدين والوفاء به في مرحلة الحقة1 .
.1محد دويدار ،مبادئ االقتصاد السياس ي –االقتصاد املالي( ،اإلسكندرية :الدار الجامعية للطباعة والنشر،
دت) ،ص.307 .
221
اإليرادات والنفقات معا ،فهي تظهر في جانب اإليرادات وقت تحصيل
املبالغ املكتتب بها ،وفي جانب النفقات عند دفع فوائدها وأقساطها.
املطلب الرابع :الطبيعة االقتصادية والقانونية للقرض العام.
تختلف وجهة النظر االقتصادية إزاء القرض العام في ظل كل من
الفكر التقليدي والفكر الحديث في املالية العامة .ففي الفكر التقليدي
رفض التقليديون لجوء الدولة إلى القرض بسبب إيمانهم بمزايا الحرية
االقتصادية ،وعدم تدخل الدولة إال في أضيق الحدود .وفي هذا اإلطار يرى
آدم سميث أن اقتراض الدولة يترتب عليه نقص في رؤوس األموال املتاحة
لألفراد ،وأن استثمارها ال يكمل االستثمار الخاص وإنما ينافسه.
لقد فقد الفكر التقليدي أساسه االقتصادي أمام انتشار
األزمات االقتصادية في للدول املتقدمة وما تاله من بطالة ،مما فرض ظهور
فكر جديد أساسه ضرورة تدخل الدولة في مثل هذه الحاالت ،وهو ما
عرف بالنظرية الكينزية .وهذه النظرية تعتبر أن الزيادة في النفقات بقصد
التوسع في النفقات اإلنتاجية ،عالجا لحالة الكساد االقتصادي .كما أن
القروض العامة يمكنها حيث تقل فرص االستثمار الخاصة وتفيض
املدخرات عن حاجة السوق أن تجد لهذه املدخرات املعطلة فرصة
للتوظيف ،باإلضافة إلى استخدام القروض أيضا في مكافحة التضخم .أما
من الناحية القانونية ،فإن القروض الحديثة تتميز ببعض السمات،
أهمها1 :
222
-القرض العام يعقد باسم الدولة ال باسم رئيسها؛
-لم تعد الدولة تقدم ضمانا أو رهنا ملا تقترضه ،وإنما تضمن
مواردها املختلفة تسديد ديونها والفوائد املترتبة عليها؛
-أصبحت القروض تأخذ شكل سندات تعطى للمقرضين ،بحيث
يمكنهم التصرف بها.
ويعتبر عقد القرض العام عقدا من عقود القانون العام ،ويخضع
لكل القواعد واألحكام التي تسري على تلك العقود .وتتطلب الدساتير
في معظم دول العالم ضرورة موافقة ممثلي الشعب على عقد القرض
العام ،أي موافقة السلطة التشريعية على قيام السلطة التنفيذية
بإصدار قرض عام بمبلغ معين وطبقا لشروط ومزايا معينة.
املبحث الثاني :التنظيم الفني للقروض العامة.
تستلزم القروض العامة منذ إصدارها إلى الوفاء بها عدة إجراءات
قانونية وتنظيمات فنية ،تتصل بعملية إصدار القرض ،وشروطها
وأساليبها ،واستهالكها وانقضائها وهذا ما يعرف بالتنظيم الفني للقروض
العامة ،وهذا بيان لذلك1:
223
الفرع األول :شروط اإلصدار.
حين تعتزم الدولة إصدار قرض ينبغي عليها تعيين مبلغ القرض،
سعر الفائدة ،سعر اإلصدار ،نوع السندات املصدرة وفئاتها ،طريقة
االكتتاب فيها ،وأخيرا الضمانات املمنوحة للمكتتبين فيها1 :
224
الدولة بحاجة إلى أموال كثيرة ،أو إذا خشيت أال يغطى مبلغ القرض إذا
هي حددته ،فهي تقبل كل املبالغ التي يكتتب بها خالل فترة معينة ،ويحدث
ذلك في أوقات الحروب واألزمات االقتصادية التي تواجهها الدولة 1 .وتمتاز
القروض غير املحددة بأنها ال تتطلب تغطية مبلغ معين؛ إذ يمكن للدولة
ان تعلن في أي وقت أنها اكتفت باملبالغ التي تم االكتتاب بها .وبذلك يصون
هذا النوع من القروض الدولة من التعرض لخطر عدم تغطية القرض
الذي يزعزع الثقة فيها2 .
ثانيا :سعرالفائدة.
تتخذ الحكومة سعر الفائدة الجاري في السوق املالية أساسا
لتحديد سعر فائدة القرض ،مع مراعاة التغيير فيه بالزيادة أو النقصان
بحسب حالة ائتمان الدولة ومقدار املبلغ املقترض ومدة القرض،
والتغيرات املنتظر أن تطرأ على سعر الفائدة في السوق .على أنه ال
يستحسن النزول كثيرا عن السعر الجاري حتى ال يؤدي انخفاض سعر
الفائدة إلى عدم االقبال على االكتتاب في القرض وعدم إمكان تغطيته إال
إذا قررت الدولة منح مزايا خاصة للمكتتبين .وفي املقابل ال يستحسن رفع
معدل الفائدة لضمان إنجاح القرض ،ملا يمكن أن يترتب عن ذلك من
إثقال كاهل الدولة بأعباء خدمة الدين 3 .وعموما ،يمكن التفرقة بين سعر
الفائدة االسمي والسعر الحقيقي4 :
225
أ .سعر الفائدة االسمي :هو املبلغ الذي يدفع سنويا (أو نصف
سنوي) عن كل جزء من القرض.
ب .سعر الفائدة الحقيقي :يختلف بحسب ما إذا كان إصدار
القرض قد تم بسعر التكافؤ ،أو بسعر أقل من سعر التكافؤ أو
بجائزة سداد.
فيكون اإلصدارعند سعرالتكافؤ عندما يقوم املكتتب بدفع القيمة
الواردة في السند ،كما لو كانت قيمة السند 100دينار ودفع املكتتب هذا
املبلغ .في هذه الحالة تكون الفائدة االسمية مساوية للفائدة.
ويكون اإلصدارعند سعرأقل من سعرالتكافؤ عندما يقوم املكتتب
بدفع قيمة أقل من تلك الواردة في السند ،فمثال ،إذا كانت القيمة الواردة
في السند 100دينار ودفع املكتتب أقل من ذلك وليكن 90دينار ،في هذه
الحالة يكون سعر الفائدة الوارد في السند الذي قيمته 100دينار هو ،%5
وإذا كان املكتتب يدفع للدولة 90دينار فقط فإنه يحصل على خمسة
دنانير كفائدة في مقابل إقراض مبلغ 90دينار فيكون سعر الفائدة
الحقيقي هو .%5.5
كما قد يكون اإلصدار بجائزة سداد :إذا تم إصدار القرض بسعر
التكافؤ مع تعهد الدولة بأن تقوم عند السداد بدفع قيمة تزيد على القيمة
الواردة في السند ،كان تتعهد الدولة بان تدفع عند السداد مبلغ 110دينار
لصاحب السند الذي تكون قيمته اإلسمية مساوية ملبلغ 100دينار.
226
ثالثا :سعراإلصدار.
إذا كانت القيمة االسمية للسند عبارة عن سند قرض (على سبيل
املثال 100دينار) ،يمكن للحكومة بيعه بقيمته االسمية عند إصداره،
ويقال بعد ذلك أنه تم إصدار القرض بالقيمة االسمية .ومع ذلك ،يجوز
لها بيعها بأقل من قيمتها االسمية ،أي "بخصم اإلصدار" ،مثل بيع السند
بمبلغ (على سبيل املثال95 ،دينار) ،أو بيعها بأكثر من قيمتها االسمية ،أي
بعالوة "مثل بيع السند بمبلغ 105دينار ،ومن الواضح أن الحكومة هي
التي تحدد السعر الذي تبيع به السندات .ولعل الهدف من بيع السندات
"بخصم اإلصدار" هو جذب الجمهور لالكتتاب ،ألن هذا يرفع ً
فعليا سعر
الفائدة الحقيقي للسندات.
رابعا :نوع السندات املصدرة وفئاتها.
تأخذ شكل سندات حكومية تصدرها الدولة ،ثم تطرحها لالكتتاب
العام ،وهذه السندات قد تكون اسمية أو لحاملها أو مختلطة1:
.1تكون السندات اسمية إذا اشتملت على اسم مالكها ،حيث تقوم
الدولة بتسجيل أسماء أصحابها في سجل للدين وتعطي لهم هذه
السندات كشهادة بما هو وارد فيها .وال يجوز نقل ملكية السند
االسمي إال بتغيير البيانات املثبتة في السجل وبعد التحقق من
شخصية الطرفين .وال تدفع فائدة السند إال لصاحب السند،
وبذلك يكون املكتتبون في مأمن من سرقة سنداتهم أو ضياعها.
227
غير أن تداولها غير مرن.
.2قد تكون السندات لحاملها ،فتمتاز بتحررها من اإلجراءات
الشكلية سواء من حيث نقل ملكيتها أو دفع فوائدها .فتنقل
ملكية هذه السندات بتسليمها من يد ألخرى دون حاجة إلى التأكد
من شخصية مقدمها.
.3قد تكون السندات مختلطة ،أي انها تأخذ شكال وسطا بين
الشكلين السابقين ،حيث تجمع مزايا السندات االسمية فيما
يتعلق بالتسجيل وعدم نقل ملكيتها إال بعد تغيير البيانات املثبتة
في السجل ،ومزايا السندات لحاملها ،من حيث تحصيل الفوائد،
حيث تدفع فوائدها بمجرد تقديم الكوبونات.
الفرع الثاني :طرق االكتتاب.
يشار إلى العمليات املادية التي يتم من خاللها الحصول على مبلغ
القرض من األفراد باسم (طريقة االكتتاب) .وهناك أربع طرق مختلفة
لذلك1:
228
مكاتب البريد 1 .وتتميز هذه املقاربة بكونها تزود الدولة بمبلغ العمولة التي
ً
يدفعها الوسطاء (البنوك) ،فضال عن أنها تضمن رقابة دقيقة على عملية
اإلصدار ،مما ال يتيح الفرصة للمضاربة بسندات القرض .ومن ناحية
أخرى ،فإن أحد عيوب هذا النهج هو أنه ال يغطي القرض؛ ونتيجة لذلك،
ً
صغيرا ال تستخدمها الدولة إال في الحاالت التي يكون فيها مبلغ القرض
نسبيا أو عندما يكون من املؤكد أن القرض سيتم تغطيته .ويتم تحديد ً
فعالية طريقة اإلصدار املباشر من خالل ثقة املقرضين في سياسات
الحكومة.
ثانيا :االكتتاب املصرفي.
طبقا لهذا األسلوب تعمل البنوك (واملؤسسات املالية) كوسيط في
تغطية القرض عن طريق شراء سندات قروض من الحكومة من خالل
املمارسة أو املزايدة ثم إعادة بيع هذه السندات للجمهور بشكل مباشر أو
في سوق األوراق املالية بأي سعر تراه مناسباً ،
ونظرا ألن طريقة إصدار
القرض هذه تتيح للحكومة الحصول بسرعة على األموال التي تحتاجها،
فإنها تجبر الحكومة على بيع سندات القرض للقطاع املصرفي بسعر
منخفض من أجل االستفادة من األرباح.
ثالثا :االكتتاب عن طريق األسواق املالية.
يسمح هذا الشكل من اإلصدار للحكومة ببيع سندات القرض في
البورصة باملعدالت التي تراها مقبولة كل يوم ،وتتميز بأنها تتيح للحكومة
مراقبة تحركات أسعار السوق وبيع السندات في الوقت املناسب ،ويجب
229
على الدولة عدم بيع كميات كبيرة من السندات ملنع أسعارها من الهبوط
واإلضرار بمركزها املالي مع ارتفاع أسعار الفائدة ،مما يرفع من أعباء
الدولة.
رابعا :بيع سندات القرض العام باملزاد.
هذا يحدث بشكل خاص في البلدان األنجلو سكسونية ،كما يتضح
من تحديد الدولة لسعر الفائدة على القرض ومعارضتها لبيع سندات
القرض بسعر أقل من معدل التكافؤ .مثال إذا كان سعر السند االسمي
100دينار وسعر الفائدة ،٪5والحد األدنى لسعر السند الذي تقبله
الدولة هو 90دينار ،غير أنها تطرح السندات وتبيعها في املزاد ملن يدفع
أكثر من 90دينار ،وإذا تمت تغطية القرض أكثر من مرة ،تبدأ في
تخصيص السندات للشخص الذي قدم أكبر مبلغ ،ثم التالي ،وهكذا
دواليك حتى يتم تغطية القرض بالكاملً ،
وغالبا ما يستخدم هذا النهج في
أذونات الخزينة.
الفرع الثالث :املزايا والضمانات املمنوحة للمكتتبين.
لترغيب األفراد على عملية االكتتاب في سندات القرض العام
تقرر الدولة منحهم مزايا وضمانات لتحفيزهم على اإلقراض ،ومن أهمها:
مكافأة السداد التي تتقرر كمبلغ في القيمة االسمية أو الرسمية للسندات
املكتتب بها ،جوائز اليناصيب التي تمنح لبعض السندات (كأن تتعهد
الدولة بدفع مبلغ كبير من النقود لبعض السندات التي تخرج بالقرعة)،
أو إعفاء السندات وفوائدها من الضرائب .باإلضافة إلى تأمين املقرضين
ضد خطر انخفاض قيمة النقود وذلك من خالل تقرير سعر فائدة مرتفع
230
جدا يعوض ما يحتمل أن يطرأ من انخفاض في قيمة النقود وما يترتب
عليه من رد املبالغ املقترضة بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية عند
اإلقراض ،غير أن هذا اإلجراء من شأنه زيادة العبء املالي الذي يقع على
الخزانة العامة للدولة عند تسديد خدمة الدين العام .كما يمكن للدولة
ربط قيمة القرض الحقيقية بمال عيني ،حيث ترتفع قيمة األخير بارتفاع
املستوى العام لألسعار ،كربط القرض بالذهب او بالعمالت األجنبية1.
كما يمكن للدولة أن تميز سندات القروض العامة من خالل تحديد أنه ال
يمكن االستيالء عليها بالحجز لسداد الديون2.
231
يكون من الصعب على الدولة سدادها دفعة واحدة ،بل يتم استهالكها على
عدة سنوات.
وال تحدد الدولة موعدا النقضائه في حالة القرض املؤبد ،حيث
تستطيع الوفاء به متى أرادت ،ولها أن تتنازل عنه متى وجدت أن ذلك
يحقق مصلحتها .على أن التخلص من هذه الديون يكون بطريقة األقساط
وليس السداد الكامل بالنظر لضخامتها1 .
232
الفرع الثالث :تبديل القرض العام.
تبديل القرض عملية قانونية ومالية تهدف الدولة من ورائها إلى
خفض معدل الفائدة التي تدفعها عن دين عام ،فمثال ،إذا كان الدين قد
صدر بسعر فائدة %5واستطاعت الدولة خفض سعر الفائدة إلى%4
نكون بصدد تبديل للدين .في هذه الحالة تبقى الدولة مدينة بمقدار الدين
لحين تاريخ الوفاء به ،ولكن القدر الذي تدفعه كفائدة في ميعاد دفع
الفوائد يقل بنسبة نقصان سعر الفائدة.
فالدولة تلتزم بأن تدفع طوال مدة القرض فائدة تكون أكبر ارتفاعا
من سعر الفائدة الذي يسود السوق في ظروفه العادية ،وذلك إذا ما
انخفض سعر الفائدة عما كان عليه وقت إصدار القرض العام ،في هذه
الحالة تتحمل الدولة عبئا مبالغا فيه ،وهنا تقترح الدولة على املكتتبين
تبديل القرض بدفع سعر الفائدة السائد في السوق بدل السعر املرتفع
الذي أصدرت به القرض .هذا ويمتاز تبديل الدين (عن إصدار دين جديد
لسداد الدين القديم ،بأنه يوفر الوقت واملال1.
233
ويشترط في عملية تبديل القرض العام ما يلي1 :
234
إلى االستهالك بالقرعة حيث تقوم الدولة بسداد عدد محدد من السندات
كل سنة يتم اختيارها بطريق القرعة.
كما يمكن للدولة أن تتدخل الستهالك القرض العام من خالل
شراء السندات من سوق األوراق املالية (البورصة) ،ويتم ذلك عندما يكون
سعر السندات في البورصة أقل من سعر التعادل ،أو أن قيمتها دون
القيمة اإلسمية األصلية ،وهذا ال يعني أن الدولة يمكنها استهالك عدد
كبير من السندات بسبب أن اقبالها على شرائها من البورصة يؤدي إلى
ارتفاع ثمنها1 .
235
والربط بين السياسة املالية والنقدية نتيجة آلثارها الواضحة على الطلب
الفعلي وعلى كمية النقد املتداول ناهيك عن إسهامها في تمويل اإلنفاق
الحكومي.
وقد تكون اآلثار االقتصادية التي تمارسها القروض العامة
بمختلف عملياتها من طبيعة انكماشية ،أو من طبيعة توسعية ،أو من
طبيعة تضخمية .وهو ما يتوقف بصفة أساسية على ثالثة عوامل1 :
236
الفرع األول :اآلثاراالقتصادية للقروض العامة الخارجية.
القروض العامة الخارجية لها آثار اقتصادية هامة باألخص على
الدولة املقترضة ،تتحدد هذه اآلثار بالكيفية التي يتم فيها إنفاق حصيلة
هذه القروض .فالقروض الخارجية يترتب عنها وضع قوة شرائية تحت يد
الدولة املقترضة تستعين بها لتقوية أرصدتها من العمالت األجنبية أو
الستخدامها في شراء سلع من الخارج ،وفي الحالتين تؤدي هذه القروض إلى
تحسين مركز ميزان مدفوعاتها .وقد تكون القروض الخارجية إما سائلة أو
على صورة سلع وخدمات توضع تحت تصرف الدولة املقترضة.
فإذا احتفظت بها الدولة في الصورة األولى أمكن تخليص السوق
النقدي من العوامل االنكماشية فيدفع إلى التوسع النقدي ،أما إذا
استخدمت حصيلة هذه القروض في شراء سلع وخدمات فإن آثارها
تختلف تبعا لنوع السلع املستوردة استهالكية كانت أو إنتاجية.
ففي حال كانت استهالكية فإنها تزيد من عرض هذه السلع وبالتالي
تكون أداة مقاومة الرتفاع األسعار في الداخل ،وفي حال كانت إنتاجية فإنها
تمكن من التوسع في االستثمار ورفع مستوى الدخل وتحقيق التنمية
االقتصادية خصوصا في الدول املتخلفة.
وفي املقابل يؤدي القرض الخارجي إلى تحويالت نقدية بين املمولين
في الداخل إلى املقرضين في الخارج ،سدادا لفائدة القرض أو ردا ألصله،
وتشكل هذه التحويالت النقدية ما يعرف "بالعبء النقدي للقرض" ،وهي
تشكل عبئا على ميزان املدفوعات1 .
237
الفرع الثاني :اآلثاراالقتصادية للقروض الداخلية.
يتطلب تحليل اآلثار االقتصادية للقروض الداخلية التمييز فيما
إذا كانت هذه القروض حقيقة أم صورية؛ فالقروض الداخلية الحقيقية
تعني تحويل بعض املوارد الحقيقية (القوة الشرائية الفعلية ،الدخل)
ً ً
إجبارا أو اختيارا إلى القطاع الحكومي.
أما القروض الداخلية الصورية تعني قيام الدولة باالقتراض من
وحدات الجهاز املصرفي التي تقوم بخلق مفتعل لقوة شرائية جديدة غير
حقيقية يترتب عليها زيادة كمية النقود وهذه القروض ال تختلف في
حقيقتها عن قيام الدولة بإصدار نقدي جديد.
أوال :اآلثاراالقتصادية للقروض الداخلية الحقيقية.
يترتب عليها تحويل جانب من االستثمارات الخاصة إلى
االستثمارات العامة ،حيث تقل رؤوس األموال املتجهة إلى االستثمارات
الخاصة مما يترتب عليه رفع سعر الفائدة من ناحية والتأثير على حجم
هذه االستثمارات من ناحية أخرى بما ينطوي عليه من اتجاه انكماش ي
يحد من قيام الدولة بتوجيه إنفاقها العام الذي يمول عن طريق القروض
إلى النحو الذي يزيد من معدل الدخل القومي.
يعتبر القرض العام الحقيقي أداة ال تقل فعالية عن الضرائب
للحد من التضخم ملا يؤدي إليه هذا القرض من امتصاص للزيادة في القوة
الشرائية دون تأثير على أصحاب الدخول الثابتة.
238
ثانيا :اآلثاراالقتصادية للقروض الداخلية الصورية.
يؤدي االقتراض من الجهاز املصرفي إلى قيام البنك املركزي بإصدار
نقد يوازي قيمة هذا القرض الذي سيؤدي حجمه األولي إلى زيادة
االحتياطيات لدى البنوك التجارية التي تمكنها من إحداث زيادات متتالية
في حجم االئتمان (خلق الودائع).
ال تختلف آثار هذه القروض عن اآلثار التضخمية لزيادة كمية
النقود ويتوقف مدى عمق هذه اآلثار على ظروف النشاط االقتصادي،
ففي حالة كان مستوى العمالة كامل والجهاز اإلنتاجي كان يتميز بدرجة
كافية من املرونة ،فإن هذه اآلثار تتمثل في انخفاض سعر الفائدة بحيث
يمكن استخدام هذا االنخفاض في تشجيع االستثمار وبالتالي زيادة الدخل
القومي.
أما في الحالة التي تكون فيها عناصر اإلنتاج قد حققت التشغيل
الكامل فإن مثل هذه القروض سوف تؤدي إلى رفع املستوى العام لألسعار
بشكل مستمر وستؤدي إلى إدخال االقتصاد الوطني في سلسلة متصلة من
املوجات التضخمية.
املطلب الثاني :آثارالقروض العامة في االستهالك واالدخار.
تؤثر القروض العامة على االستهالك واالدخار من خالل ما تؤدي
إليه من إعادة توزيع الدخل القومي .وعادة ما يتم هذا التوزيع لصالح امليل
لالدخار على حساب االستهالك .فالقروض تمنح العديد من املزايا
والضمانات والتسهيالت لصغار املدخرين ،من أجل تشجيعهم على
االدخار واالكتتاب في سندات القرض العام.
239
وبالنسبة لصغار املدخرين يكون توظيف مدخراتهم في السندات
الحكومية أكثر سهولة وأمنا وأقل خطرا من توظيفها في السندات
الخاصة ،مما يؤدي إلى رفع امليل لالدخار وانخفاض امليل لالستهالك.
وهنا نشير إلى أن انخفاض االستهالك في فترة االنكماش يكون ذا
آثار اقتصادية خطيرة ،إذ يؤدي إلى مزيد من الكساد .أما في حالة التضخم
فإن انخفاض امليل لالستهالك يترتب عليه حدوث نوع من التوازن
واالستقرار االقتصادي بمرور الزمن1 .
240
املطلب الرابع :آثارالقروض العامة في إعادة توزيع الدخل الوطني.
يتوقف أثر القروض على إعادة توزيع الدخل القومي على األمور
التالية1 :
.1أنس حاتم" ،آثار القروض العامة في النشاط االقتصادي الكلي"/ https://www.blogepoch.com ،
241
املطلب الخامس :أثرالقروض في توزيع العبء املالي العام.
يوزع القرض العام العبء املالي بين املقرضين واملكلفين
بالضرائب ،كما أنه يرتب نوعين من األعباء :عبء على الخزانة العامة
للدولة (التزامات الخزانة تجاه املقرضين أي حاملي السندات) ،وتتمثل في
دفع فوائد القرض ،ورد أصله واالمتيازات التي تقدمها الدولة للمكتتبين في
القرض العام ،ويسمى هذا العبء "بالعبء املالي للقرض".
أما النوع الثاني فهو عبء على االقتصاد القومي ،أي مدى ثقل
القرض على الحياة االقتصادية بكل جوانبها .ويعرف هذا العبء "بالعبء
االقتصادي للقرض" ،وال يمثل القرض عبئا اقتصاديا إال إذا كانت
أضراره تفوق منافعه.
وفي هذا السياق تجدر اإلشارة إلى أن العبء املالي للقرض يتحمله
الجيل الحالي املتمثل في املقرضين وتضحياتهم ،واألجيال القادمة املتمثلة
في املكلفين بدفع الضرائب املفروضة عليهم ،وأن توزيع العبء العام بين
األجيال املتالحقة ،يتوقف على طبيعة النفقات العامة التي تخصص
القروض لتغطيتها ،كما يلي1 :
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.267-264 .
242
.2القروض التي تستخدم في تغطية نفقات استثمارية تعطي دخال
يكفي لدفع فوائد القرض ولسداد أصله ،ال تحمل الجيل القادم
عبئا عاما ،في حين أنها تحمل الجيل الحالي عبئا حقيقيا.
243
الفصل الخامس
اإلص ـ ـ ـ ـ ــدارالنقـ ـ ـ ــدي كآلية
لتمويل عجزاملوازنة العامة
قد تضطر الدولة في حال عجز املوازنة ،إلى اللجوء آللية اإلصدار
النقدي ،وذلك في حالة العجز عن تغطية النفقات املتزايدة باالعتماد على
إيراداتها العادية كالرسوم والضرائب أو مصادر اإليرادات االئتمانية ،فيما
يعرف بالتمويل بالعجز أو ما بات يعرف بسياسة اإلصدار النقدي
(التمويل عن طريق التضخم) .وعليه ،نهدف من خالل هذا الفصل إلى
تسليط الضوء على سياسة اإلصدار النقدي ،مفهومها ،حدودها وآثارها
االقتصادية كآلية غير تقليدية لتمويل عجز املوازنة العامة وخاصة في
البلدان الريعية.
املبحث األول :مفهوم اإلصدارالنقدي الجديد.
تعمل الدولة عادة على تمويل العجز املوازني من خالل اإليرادات
العادية بمختلف أنواعها بما فيها الدين العام الداخلي والخارجي على حد
سواء ،لكن قد تلجأ الدولة في حالة عدم كفاية مواردها إلى آلية أخرى
لتمويل العجز املوازني ،فيما يعرف بسياسة التمويل بالعجز ،أو ما يعرف
بسياسة اإلصدار النقدي.
املطلب األول :تعريف اإلصدارالنقدي.
يعرف اإلصدار النقدي بأنه " :قيام الحكومة بإصدار نقود جديدة
خالل فترة معينة بنسبة تتجاوز نسبة الزيادة العادية في حجم املعامالت
في االقتصاد الوطني خالل نفس الفترة مع افتراض ثبات سرعة دوران
النقود"1 .
. 1محمد هاني ،ياسين مراح " ،حدود سياسة اإلصدار النقدي كآلية للتمويل غير التقليدي للموازنة -العامة في
الجزائر –دراسة تحليلية ملضمون القانون " ،مجلة املنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية ،العدد ،04
مارس ،2018ص.124 .
246
وبعبارة أخرى ،يقصد باإلصدار النقدي الجديد (التمويل
التضخمي) إصدار نقود جديدة توجه نحو اإلنفاق على مشروعات التنمية
دون أن يكون لهذه القوة الشرائية الجديدة مقابل موجود في االقتصاد
من سلع وخدمات .ويرى البعض أن إصدار نقود جديدة وسيلة لتمويل
التنمية االقتصادية تسمح بمعالجة ضعف النظام الضريبي ،ويرتكزون في
ذلك على عدة مبررات1 :
.1إنه يعتبر حافز على االستثمار ،وذلك أن ارتفاع األسعار يؤدي إلى
زيادة أرباح املنظمين ،ومنه التوسع في االستثمار وظهور فرص
جديدة لالستثمار ،وهو من ناحية أخرى يؤدي إلى توزيع الدخول
لصالح أصحاب الدخول املرتفعة وزيادة مدخراتهم الرتفاع ميلهم
الحدي لالدخار؛
.2استخدام سياسة التمويل التضخمي بقدر مقبول لتشجيع
التنمية يكفي لتشجيع املنظمين ،ويحول دون الخسائر التي قد
تتعرض لها بعض املشروعات ،وال يخش ى في نظرهم تحول
التضخم املعتدل إلى تضخم طليق ،طاملا كان في وسع السلطات
الحكومية اإلشراف على زيادة عرض النقود والسيطرة على املوارد
قبل أن تتجاوز األسعار نقطة الخطر.
247
وتتم عملية اإلصدار من طرف البنك املركزي بناء على طلب
الخزينة العمومية في كل دولة ،من خالل تقديم سندات حكومية تعطى
للمصرف املركزي كغطاء لعملية اإلصدار النقدي وفقا لقانون املالية
املصادق عليه من طرف الهيئة التشريعية ،بمعنى ضخ كتلة نقدية
يصدرها البنك املركزي دون أن يكون لها مقابل ،كما قد تتم عملية
اإلصدار عن طريق توسع البنوك التجارية في اشتقاق نقود الودائع مقابل
السندات الحكومية التي تصدرها الدولة لصالح هذه البنوك التي يحق لها
أن تعيد خصم هذه السندات لدى البنك املركزي ،والذي يقبلها من
البنوك التجارية باعتباره امللجأ األخير لإلقراض 1بالنسبة للبنوك
التجارية ،ويمول البنك املركزي طلبات هذه البنوك التجارية عن طريق
اإلصدار النقدي الجديد ،مما يزيد من كمية النقود املتداولة في
االقتصاد ،إال أنه نادرا ما يتم اللجوء إلى هذه اآللية على اعتبار أنها تؤثر
بشكل مباشر في تدني قيمة النقد املحلي 2 .وهو ما يشكل عبئا على دخول
وثروات األفراد.
.1مقرض املالذ األخير هو عبارة عن مؤسسة نقدية تعمل على املحافظة على الثقة في سيولة
املؤسسات واألسواق املالية ،وتلعب دورا مهما في عالج األزمات املالية ،وانتشال البنوك من أزمتها،
فهو املؤسسة التي تمتلك حق اإلصدار النقدي .أنظر في ذلك - :عمرو محي الدين ،أزمة النمور
اآلسيوية ( ،القاهرة :دار الشروق للنشر ،)2000 ،ص ص.291-290 .
- Michel Aglietta,”Le Préteur en Dernier Ressort International et la Réforme
du FMI”, Rapport du Conseil d’Analyse Economique," Crises de la Dette : Prévention et
Résolution", )Paris : la Documentation Française, 2003), P.72.
. 2يوب فايزة" ،سياسة اإلصدار النقدي كآلية للتمويل غير التقليدي في الجزائر" ،مجلة دراسات اقتصادية ،املجلد
،13العدد ،2019 ،03ص.487 .
248
فالحكومة تقوم بإصدار النقود مقابل أذونات الخزانة التي ال
تتجاوز في الحاالت العادية الـ 06أشهر ،وهي تشكل مصدرا تضخميا ،على
اعتبار أن هاته الكتلة النقدية ليس لها مقابل في االقتصاد الحقيقي ،وهي
سياسة مقصودة من الدولة ،من أجل تحقيق جملة أهداف اقتصادية
واجتماعية وسياسية1.
249
التشغيل الكامل ،أي عدم مرونة الجهاز اإلنتاجي ،فإنه يكون من غير
املالئم اللجوء إلى اإلصدار النقدي الجديد ،أي إلى التضخم كوسيلة
لتمويل أعباء النفقات العامة للدولة ،لتفادي اآلثار التضخمية الضارة
التي تحدث لهذا االقتصاد 1 .ويمكن حصر أسباب معارضة الفكر املالي
التقليدي لهذه الوسيلة التمويلية فيما يلي2 :
250
كبيرة ،بل تحقيق التوازن االقتصادي هو األهم ،حيث تضطر الدولة
أحيانا إلى إحداث "العجز املقصود" بشكل مؤقت .وعليه ،فالعجز في
امليزانية العامة يمكن أن يكون وسيلة لتحريك االقتصاد الراكد إما بالقيام
باستثمارات جديدة لزيادة اإلنتاج ،أو عن طريق خفض معدالت الضرائب
وبالتالي زيادة ما يسمح ملختلف العناصر االقتصادية بزيادة طلبها على
السلع والخدمات ،كما يمكن زيادة االستهالك عن طريق رفع األجور..إلخ.
املهم إذن هو تحقيق "التوازن االقتصادي العام" ،ألنه هو الضمانة إلعادة
توازن امليزانية في حال استخدام العجز املقصود املؤقت ،ومن خالل رقابة
فعالة تضمن التناسب مع زيادة النفقات العامة ،وخلق القوة الشرائية
من جهة أخرى ،وبين عناصر اإلنتاج العاطلة التي يراد بعث النشاط فيها
من جهة ثانية1 .
251
اإلصدار النقدي (التضخم املالي) يجب أن يتم في أضيق نطاق ممكن
وبحذر شديد لتجنب اآلثار السلبية التي قد تنتج عنها1.
252
حتى ال تؤدي إلى بروز قوى تضخمية تأتي على النمو االقتصادي
املستهدف؛
.3أن يكون الجهاز االنتاجي مرنا كفاية المتصاص هذه الزيادة ،على
اعتبار أن هذه الكتلة هي تضخمية ألنه ليس لها مقابل.
.4تضافر السياسات االقتصادية مثل سياسات االستثمار وسعر
الفائدة والضرائب ،وذلك لضمان السيطرة على اآلثار التضخمية
التي يسببها اإلصدار النقدي.
املطلب الثاني :مبررات اإلصدارالنقدي الجديد.
نظرا ملا لعملية اإلصدار النقدي من آثار سلبية على االقتصاد،
فإن الدول نادرا ما تلجأ إليها في عملية تمويل عجز املوازنة العامة ،وتستند
في القيام باإلصدار النقدي الجديد على سلطتها في االشراف على النظام
النقدي وتوجيهه ،وتقوم بتحديد القواعد التي يسير بمقتضاها وتحديد
كمية اإلصدار.
وغالبا ما تكون عملية اإلصدار النقدي الجديد أمرا متعمدا كأحد
وسائل السياسة امليزانية التي تستخدمه لتحقيق أهدافها االقتصادية
وأهمها تحقيق آثار توسعية على االقتصاد من أجل حثه على النمو
وتحقيق التشغيل ،كما يمكن أن تلجأ الدولة إليه من أجل استهالك
القروض العامة1 .
253
وعموما ،هناك مبررين لاللتجاء إلى وسيلة اإلصدار النقدي
الجديد1 :
األول :يعتبر حافزا على االستثمار ،ذلك أن اإلصدار الجديد يؤدي إلى
ضعف القوة الشرائية للنقود وبالتالي ارتفاع األسعار ،مما يؤدي إلى زيادة
األرباح والتوسع في االستثمار القائم وظهور فرص جديدة لالستثمار .كما
إنه يؤدي إلى توزيع الدخول لصالح أصحاب الدخول املرتفعة على حساب
أصحاب الدخول املحدودة ،مما يعني زيادة االدخار على حساب
االستهالك.
الثاني :إن اإلصدار النقدي يعتبر وسيلة ضرورية لتمويل االستثمار العام
والحصول على الوسائل الالزمة لبرامج التنمية ،ففي هذه الحالة يؤدي
اإلصدار النقدي إلى تكوين ادخار اجباري لتمويل مشروعات إنتاجية لها
أثر هام على معدالت التنمية االقتصادية .إال أن هذا األثر ال يمكن أن
يكون دائما ،فهو يرتبط بمدى قبول أو تحمل الطبقات االجتماعية التي
تعتبر ضحية للتضخم نتيجة انخفاض نصيبها من الناتج القومي ،أي أنه
ينتج أثره في الفترة التي ال تشعر فيها هذه الفئات بعبء التضخم عليها .أما
إذا انتبهت لهذا األثر وطالبت برفع دخولها ملواجهة الزيادة في تكاليف
املعيشة ،فإن اإلصدار الجديد يفقد أثره هذا.
وفي األخير يمكن القول أن سياسة اإلصدار لها آثار اقتصادية
سلبية ،فهي تؤدي إلى زيادة املعروض النقدي ،بما ينعكس مباشرة في
تضخم نقدي ،ويدخل االقتصاد في حلقة مفرغة –تمويل بالعجز -زيادة
254
املعروض النقدي -عدم وجود إيرادات تؤدي إلى اللجوء إلى إصدار آخر-
زيادة املعروض النقدي ،وهكذا دواليك إلى أن يصل االقتصاد إلى فقدان
قيمة النقد التي سرعان ما تتسارع بها االحداث لتأخذ اتجاه انهيار قيمة
العملة 1 .فرغم سهولة االلتجاء إلى هذه الوسيلة لتمويل عجز املوازنة
العامة ،إال أنه قد يترتب عليها اختالل اقتصادي ونقدي عميق.
كما أن اللجوء إلى سياسة التمويل بالعجز كوسيلة لتمويل
التنمية في البلدان النامية ،أي لإلسراع بعمليات تكوين رأس املال ،وذلك
على أساس أنه توجد في هذه الدول موارد عاطلة متنوعة مثل :األراض ي
الزراعية ،الثروات الطبيعية واأليدي العاملة العاطلة ،قد ثبت فشلها في
تحقيق أهدافها (تراكم رأس املال) ،بل إنها كانت مسؤولة في تفاقم عجز
امليزانية والوقوع في مشاكل التضخم واملديونية في عدد كبير من هذه
البلدان النامية؛ وذلك لعدة أسباب على رأسها عدم وجود جهاز إنتاجي
نام ومرن2 .
255
الباب الرابع
امليزانية العامة وأصولها
العلمية
الفصل األول
مفهوم امليزانية العامة،
قواعدها وخصائصها
تعد املوازنة العامة واحدة من أهم أدوات املالية العامة فعن طريقها
يمكن التعرف على السياسة املالية للدولة ،وأهم أهدافها .وفيما يلي عرض
ملفهوم امليزانية العامة وبيان لقواعدها وخصائصها.
املبحث األول :مفهوم امليزانية العامة.
املطلب األول :تعريف امليزانية العامة.
تعرف امليزانية العامة بأنها" :التعبير املالي لبرنامج العمل املعتمد
الذي تعتزم الحكومة تنفيذه في السنة القادمة تحقيقا ألهداف املجتمع1".
كما تعرف أيضا بانها ":نظرة توقعية لنفقات وإيرادات الدولة عن
مدة مقبلة تخضع إلجازة من السلطة املختصة2 ".
كما تعرف أيضا بأنها " :القانون السنوي الذي يتوقع ويرخص جميع
اإليرادات والنفقات التي يتعين على الدولة تنفيذها (على األموال العادية)
خالل السنة املالية التي تم التصويت عليها"4.
260
تتطلب االعتماد أو اإلجازة من طرف السلطة التشريعية ،إذ بواسطتها
تستطيع هذه األخيرة مراقبة أعمال الحكومة في جميع املجاالت1 .
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.276-273 .
.2دراوس ي مسعود ،مرجع سابق ،ص.224 .
ّ
-3محمد طاقة وهدى العزاوي ،اقتصاديات املالية العامة ،عمان :دار املسيرة للنشر والتوزيع ،ط ،2سنة،2010
ص.169
261
ثانيا :امليزانية العامة إجازة.
ً
تتطلب امليزانية العامة موافقة أو تفويضا من السلطة املختصة بما
يتفق مع توقعات الحكومة ،ويعتبر الترخيص من املكونات املميزة للموازنة
العامة عن املوازنة الخاصة وعنصر اإلجازة هو الذي يفرق امليزانية
الخاصة (ميزانية املشروع) ،عن امليزانية العامة (ميزانية الدولة) .فبينما
يتحد االثنان في أن كليهما يعد نظرة توقعية للمبالغ املنتظر إنفاقها
واملنتظر تحصيلها خالل فترة زمنية مقبلة (عام واحد) ،فإنهما يفترقان من
حيث إن األولى نظرة توقعية عامة ،بينما الثانية نظرة توقعية خاصة .هذا
فضال عن أن امليزانية العامة تتضمن عنصر إجازة السلطة التشريعية،
بينما ال تتطلب امليزانية الخاصة مثل هذه اإلجازة1.
وال يمكن للحكومة تنفيذ املوازنة إال إذا كانت مرخصة من السلطة
التشريعية ،حسب ما يتم اعتماده من قبل غالبية دول العالم ،وهي إحدى
أهم وسائل السلطة التشريعية في مواجهة السلطة التنفيذية ،حيث
يمكنها اإلطاحة بالحكومة من خالل رفض امليزانيات التي تقدمها.
املبحث الثاني :القواعد الفنية للميزانية لعامة وخصائصها.
تم وضع قواعد املوازنة العامة من قبل علماء املالية العامة
التقليدين خالل القرن التاسع عشر ،وتهدف قواعد املوازنة العامة إلى
وجوب مراعاة تطبيقاتها عند تحضير املوازنات ،إلى جـانب أن هذه القواعد
وضعت من أجـل الحفاظ على األموال العامة وعدم تبذيرها إال في أوجه
اإلنفاق العام الهامة وعدم اللجوء إلى تحصيل إيرادات تفوق حاجـة
262
الحكومة لإلنفاق ،ونظرا للتطور الكبير في وظيفة الحكومات وحاجتها
للتدخل في إدارة االقتصاد (خاصة بعد ظهور األزمات االقتصادية وظهور
العديد من النظريات التي تدعو إلى أهمية تدخل الحكومات إلدارة جوانب
الحياة االقتصادية) األمر الذي استدعى إعادة النظـر في تطبيـقات قواعد
املوازنة وإدخـال العديد من االستثناءات على تطبيقاتها ،وهذا بيان لذلك1:
263
يتطلب إعداد املوازنة وإجازتها وقتا طويال قد يمتد ألكثر من أربع
شهور من السنة ،و ِقصر الفترة الزمنية عن سنة قد يؤدي إلى إشغال
األجهزة التنفيذية عن القيام بمهامها األخرى ،بينما الفترة الزمنية ألكثر
من سنة قد تتسبب في عدم واقعية تقديرات املـوازنة لتغـير األوضاع
االقتصادية ما بين فترات االزدهار والكساد االقتصادي.
ثالثا :االعتبارات املالية.
املوازنة ألكثر من سنة قد تقود إلى صعوبة التقديرات بحجم
النفقات واإليرادات ،واملوازنة ألقل من سنة مالية واحدة قد يؤدي
تحضيرها واعتمادها إلى حدوث التفاوت في حجم اإليرادات والنفقات
إلمكانية حدوث التفاوت بين حجم اإليرادات والنفقات على مدار العام.
رابعا :بداية ونهاية السنة املالية.
تختلف تجارب الدول في تحديد موعد بداية ونهايـة السنة املالية
باختالف الظروف االقتصادية والسياسية واالجتماعية.
وعموما ،فإن القاعدة أن يتم تحضير وإعداد املوازنة العامة
ً
لسنة مالية كاملة ،أدخلت العديد من االستثناءات منها االستثناءات ألقل
من سنة وأخرى ألكثر من سنة مالية واحدة:
.1املوازنات واالعتمادات ألقل من سنة:
أ .املوازنة االثنا عشرية (املؤقتة):
هي التي يتم تحضيرها والعمل بها لجزء واحد (شهر واحد) من اثني
عشر جزءا من السنة ويعود ذلك إلى أسباب تأخر تصديق املوازنة ألسباب
اقتصادية أو سياسية أو تنظيمية ،ولضمان سير العمل تلجأ الحكومة إلى
264
إصدار موازنة مؤقتة تحدد أرقام اعتماداتها على أساس أخذ جزء من أثني
عشر جزء من أرقام املوازنة السابقة بجانبي اإليرادات والنفقات ،ويستمر
العمل شهر بشهر حتى صدور املوازنة الجديدة وال يؤخذ باملشاريع
الجديدة في تقدير أرقام املوازنة االثنا عشرية ،وإنما يتم الصرف على
النفقات املتكررة واإلدارية والتشغيلية ،وتعتبر اعتماداتها جزء من املوازنة
ً
الجديدة وتعامل وكأنها سلفه على املوازنة أيضا.
ب .املوازنات لبضعة شهور:
وهي املوازنات التي يتم إعدادها لفترة زمنية أقل من السنة لظهور
بعض الظروف االقتصادية أو السياسية ،وتشتمل على جميع بنود
النفقات في املوازنات ويتم اعتمادها من السلطة التشريعية.
ج .االعتمادات اإلضافية (التكميلية -االستثنائية):
االعتمادات التي تضـاف ألحد البنود لتغطيـة العجز ،وهـذه
االعتمادات من استثناءات قاعدة سنوية املوازنة على اعتبار إنها تبـدأ بعـد
بدايـة السنة املالية وتنتهي بنهايتها.
.2املوازنات واالعتمادات ألكثرمن سنة:
أ .املوازنات لسنتين أو أكثر (املوازنات الدورية):
تلجأ بعض الدول إلى إجازة موازناتها لعدة سنوات خروجا عن
قاعدة سنوية املوازنة وذلك ملوجهة بعض الظروف االقتصادية
والسياسية.
265
تحتوي املوازنة العامة على العديد من املشاريع العادية والتي ينتهي
تنفيذها واإلنفاق عليها بنهاية العام املالي ،كما تحتوي على املشاريع
اإلنمائية والتي قد يمتد تنفيذها لسنوات عديدة.
ج .االعتمادات الثابتة (الدائمة):
وهي االعتمادات التي تفتح ألكثر من سنة وتعد استثناء لقاعدة
ً
سنوية املوازنة ،ففي إنكلترا مثال ال تعرض الحكومة في كل سنة جميع
إيرادات الدولة ونفقاتها على السلطة التشريعية إلقرارها واإلذن
بتنفيذها ،بل هنالك قسم من االعتمادات تأذن الحكومة بجبايته
وإنفاقه ،والقصد منها عدم إضاعة الوقت في إقرار بعض النفقات التي ال
ً
تتغير من سنة ألخرى ،وال يستغنى عنها مطلقا ،وهي إن عرضت على
ً
املجلس فسيوافق عليها حتما ،لذا تعد الحكومة مأذونة بجبايتها وإنفاقها
ً
ضمنيا إال إذا عدلتها قوانين جديدة.
ً
ويمكن القول إن االعتمادات الدائمة أضحت مفهوما غير ذي
جدوى في ظل تنامي االنتفاضات الديمقراطية وتعمقها في أوساط الشعب،
فال مجال لحجب هذه االعتمادات عن ممثلي الشعب مهما كانت
املسوغات ،فرقابة الشعب يجب أن تكون شاملة ملالية الدولة بكل
انطالقا من مبدأ أن يحكـم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه1.ً
مستوياتها
الفرع الثاني :قاعدة عمومية املوازنة العامة (الشمول).
أن يدون في وثيقة املوازنة العامة جميع إيرادات ونفقات الدولة أيا
كان مصدرها وعدم السماح بخصم نفقات وزارة أو مصلحة من إيراداتها،
266
والهدف من هذه القاعدة يتمثل في أن تكون املوازنة شاملة لجميع
اإليرادات والنفقات وعدم السماح بإجراء ما يعرف (باملقاصة الذاتية) ألي
وزارة أو مؤسسة حكومية .وقاعدة عمومية املوازنة تتناقض مع القاعدة
التي سبقتها تاريخيا بالتطبيق (قاعدة الناتج الصافي) ،والتي تسمح بإجراء
املقاصة الذاتية وقيد الناتج الصافي من اإليرادات1.
.1محمود حسين الوادي ،زكريا أحمد عزام ،مبادئ املالية العامةّ ،
(عمان :دار املسيرة للنشر والتوزيع،)2007 ،
ص.162
267
تمنح املؤسسات التي تتمتع باستقالل إداري إلى جانب استقاللها
املالي (الشخصية املعنوية ،االعتبارية) مزايا لكي تتمكن من تطوير
أعمالها ،واالستثناء في ذلك يتمثل في أن إيراداتها ال يتم قيدها تفصيال
في موازنات الحكومة وال تتضمن وثيقة املوازنة العامة إال األرصدة
املدينة في حال ظهور العجز في موازناتها حيث يتم تغطية العجز بدعم
موازناتها ،أما األرصدة الدائنة وفائض موازنات املؤسسة فتحتفظ به
املؤسسة لتحسين خدماتها.
.2املوازنات امللحقة:
موازنات املؤسسات التي تغلب عليها الصفة التجارية أو الصناعية
أو التعليمية وتتمتع هذه املؤسسات باستقالل مالي وليس لها شخصية
اعتبارية (معنوية) ،وتظهر موازنات هذه املؤسسات في أجزاء ملحقة
بوثيقة املوازنة العامة للدولة ،واالستثناء على القاعدة في موضوع
املوازنات امللحقة يتمثل في أن إيرادات ونفقات املؤسسات التي تتمتع
باالستقالل املالي ال تدرج على وجه التفصيل في صلب وثيقة املوازنة العامة
وإنما تظهر أرصدتها الدائنة في حال وجد فائض لديها وكذلك أرصدتها
املدينة في حال ظهور العجز لتغطية نفقاتها.
.3بقايا قاعدة الناتج الصافي:
تطبق بعض الدول قاعدة الناتج الصافي ،ومن األمثلة على ذلك أن
يمنح لدافعي الضرائب إعفاء جزئي من قيمة الضريبة املفروضة ،ويتم
268
حسم مقدار الخصم من القيمة اإلجمالية للضريبة ويتم قيد املبلغ
الصافي للضريبة بعد الحسم1.
.1مزايا القاعدة:
أ .عرض املوازنة بشكل واضح يسهل من عملية التعرف على املركز
املالي.
ب .تساهم في سهولة ممارسة رقابة الجهاز التشريعي على أعمال الجهاز
التنفيذي.
.2استثناءات قاعدة وحدة املوازنة العامة:
نظرا للتطور الكبير لوظيفة الحكومات املعاصرة وامتداد
الوظيفة العامة إلى كافة جوانب الحياة التجارية والصناعية ظهر العديد
من املنادين بتعدد املوازنات ،بحيث يتم وضع موازنة لكل مؤسسة ذات
صبغة تجارية أو صناعية لتوضيح الوضع املالي لكل مؤسسة على حدة
وللحكم على مستوى أداء املؤسسات ،وتشمل االستثناءات التالي:
269
أ .املوازنات غيرالعادية:
تقسم نفقات الدولة (وفقا ملرئيات علماء املالية) إلى قسمين
أحدهما النفقات العادية وهي التي تتصف بالتكرار سنويا كنفقـات
تشغيل الجهـاز الحـكومي ،وأخرى هي النفقـات غير العاديـة وغير متكررة
(نفقات املشاريع اإلنمائية ونفقات مواجهة الكوارث الطبيعية) ،كما
تقسم إيرادات الدولة إلى إيرادات عادية (متكررة سنويا) وتشتمل على
إيرادات الرسوم والضرائب املباشرة وغير املباشرة ،وكذلك اإليـرادات غير
العادية (غير املتكررة) والتي تشتمل علـى القـروض واإلعانات واإلصدارات
النقدية ،واستنادا إلى ما سبق يرى علماء االقتصاد أهمية إصدار موازنتين
منفصلتين أحـدهما تحتوي على النفقات واإليرادات العادية وأخرى
للموازنات غير العادية.
ب .املوازنات املستقلـة:
تمنح املؤسسات التي تتمتع باستقالل إداري إلى جانب استقاللها
املالي (الشخصية املعنوية ،االعتبارية) مزايا لكي تتمكن من تطوير
أعمالها ،واالستثناء في ذلك يتمثل في أن إيراداتها ال يتم قيدها تفصيال في
موازنات الحكومة وال تتضمن وثيقة املوازنة العامة إال األرصدة املدينة في
حال ظهور العجز في موازناتها حيث يتم تغطية العجز بدعم موازناتها ،أما
األرصدة الدائنة وفائض موازنات املؤسسة فتحتفظ به املؤسسة لتحسين
خدماتها.
270
ج .املوازنات امللحقة:
موازنات املؤسسات التي تغلب عليها الصفة التجارية أو الصناعية
أو التعليمية ،وتتمتع هذه املؤسسات باستقالل مالي وليس لها شخصية
اعتبارية (معنوية) ،وتظهر موازنات هذه املؤسسات في أجزاء ملحقة
بوثيقة املوازنة العامة للدولة.
واالستثناء على القاعدة في موضوع املوازنات امللحقة يتمثل في أن
إيرادات ونفقات املؤسسات التي تتمتع باالستقالل املالي ال تدرج على وجه
التفصيل في صلب وثيقة املوازنة العامة وإنما تظهر أرصدتها الدائنة في
حال وجود فائض لديها وكذلك أرصدتها املدينـة في حال ظهور العجز
لتغطية نفقاتها1.
271
ورغم ذلك ،فإن هناك استثناءات بالنسبة لقاعدة عدم تخصيص
اإليرادات تتمثل في:
تخصيص بعض القروض لإلنفاق على مشاريع معينة ،ومن ذلك
اتفاق حكومتين إلقراض أحدهما األخرى وتخصيص قيمة
القرض ألغراض معينة؛
تخصيص بعض اإليرادات لسداد الدين العام؛
تخصيص بعض اإليرادات ملؤسسات عامة ذات شخصية
معنوية كالجامعات واملعاهد؛
التخصيص ألغراض اقتصادية كتخصيص حصيلة رسوم
اإلنتاج الصناعي لتطوير أنواع معينة من املنتجات؛
تخصيص أموال الهبات والوصايا لغايات معينة كهبة أو وصية
أصحاب رؤوس األموال لبناء املدارس أو املكتبات واملساجد1.
272
ً
حاالت االزدهار االقتصادي) فإن ذلك يعتبر مؤشرا على استخدام الدولة
لسلطتها لفرض وجباية الضرائب التي تفوق حاجتها مما يتسبب في زيادة
حجم اإلنفـاق العام وحصول ما يعرف باالنكماش االقتصادي لقلة
النفقات العامة عن حجم اإليرادات التي تم تحصيلها وجبايتها1.
ُ
لقد طبقت قاعدة توازن املوازنة العامة خالل القرن التاسع عشر
وبداية القرن العشرين إال أن الظروف االقتصادية (الكساد االقتصادي
العاملي 1929م) وكذلك نشوب الحرب العاملية الثانية والتطـور الكبير في
الدور الحكومي ساهم في ظهور العديد من االستثناءات على القاعدة
ملعالجة املشكالت االقتصادية 2،حيث أصبح اللجوء إلى سياسة العجز
املوازني ،وخاصة بعد ظهور الفكر الكينزي ،امليزة األساسية مليزانية
الدولة ،والتي من خاللها تتدخل في االقتصاد.
وتعتبر ظاهرة العجز في امليزانية العامة ظاهرة مركبة ومعقدة،
تعود إلى شبكة معقدة من العوامل واملؤثرات التي تسهم في حدوث العجز
وتفاقمه ،وهي عوامل ومؤثرات يعود بعضها إلى التغيرات التي تحدث في
النفقات العامة ،وبعضها اآلخر يتعلق بالتغيرات التي تحدث في املوارد
العامة للدولة ،وبمعنى آخر فإن العامل األول لحدوث عجز امليزانية
العامة يتمثل في تزايد معدالت نمو النفقات العامة من ناحية ،ألسباب
متنوعة منها ما هو ضروري (حالة الكوارث الطبيعية) ،ومنها ما هو غير
ضروري (الحفالت واملباني الفاخرة) ،أما العامل الثاني فيتمثل في تباطؤ
.1محمود حسين الوادي وزكريا أحمد عزام ،مرجع سابق ،ص ص.165-164:
.2رضا خالص ي ،مرجع سابق ،ص 139وما بعدها.
273
معدالت نمو اإليرادات العامة من جهة أخرى 1.ويمكن إبراز أهم العوامل
املتعلقة بعدم مواكبة اإليرادات العامة لتطور النفقات العامة فيما يلي2:
.1صبرينة كردودي ،سبرينة مانع ،سهام كردودي ،مرجع سابق ،ص.193 .
. 2يوب فايزة ،مرجع سابق ،ص.485 .
. 3محمد هاني ،ياسين مراح ،مرجع سابق ص.122 .
.4صبرينة كردودي ،سبرينة مانع ،سهام كردودي ،مرجع سابق ،ص.153 .
274
.3زيادة املدفوعات التحويلية التي تميزت بها دولة الرفاه لتمويل
الخدمات االجتماعية ومشروعات الضمان االجتماعي وإعانات
البطالة ومساعدة الفقراء وذوي الدخل املحدود؛
.4تأثير التضخم.
وعموما ،يمكن تقسيم العجزاملوازني إلى نوعين رئيسيين حسب
مدى مساهمة الدولة فيه ،كما يلي1 :
أوال :العجزاملفروض.
تتميز النفقات العامة بالزيادة املستمرة من سنة ألخرى ،وملواجهة
هذه الزيادة في األعباء تسعى مختلف الحكومات إلى زيادة اإليرادات
العامة ،وتعتبر الزيادة في النفقات ظاهرة عادية يمكن توقعها وحسابها
وبالتالي معالجتها ،إال أن األعباء التي تطرأ على الدولة في فترات االزمات
والكوارث هي التي تسبب العجز الحقيقي في امليزانية.
ثانيا :العجزاملتراكم (املقصود).
إن التوازن املالي في الوقت الحالي غير ضروري ،بل أصبحت
املوازنة العامة تعتمد العجز املالي املقصود (املتعمد) ،عندما تعاني من
أزمة اقتصادية وتخش ى على اقتصادها الدخول في مرحلة الركود
االقتصادي ،وهنا تسمح بعض الدول بإحداث عجز في موازناتها وفي حدود
معينة لعالج مشاكل االقتصاد على أن يتم تحقيق التوازن في سنوات
الحقة ،كأن تخفض الضرائب وتلجأ لالقتـراض للوفاء بالتزاماتها واستثمار
275
األموال في مشاريع عامة تهـدف إلحداث االنتعاش االقتصادي .وقد يحدث
نتيجة لذلك ما يعرف بالعجز املقصود ،ويشترط لتطبيق نظرية العجز
املتراكم (املقصود) عدم االستمرار في وضع عدم التوازن لسنوات طويلة
لحدوث التضخم وارتفاع األسعار الذي يصاحب االقتراض أو اإلصدار
1
النقدي.
والعجز املقصود في املوازنة يمكن من التخلص من العجز
االقتصادي الناتج عن البطالة وفتور النشاط االقتصادي ،وإذا تحقق
التوازن االقتصادي فإنه يميل إلى أن يعيد من نفسه توازن امليزانية (املالي).
كما أن للعجز املقصود حدود ،فال يجب يكون دائما ،وال يجوز تركه دون
رقابة ،إ ذ ينبغي على الدولة أن تتوقف عن استعمال العجز املقصود
عندما تصل إلى الحالة التي تتحقق فيها العمالة الكاملة2 .
276
جميع خواص القانون ،بل هي سند أو وثيقة أو صك أو برنامج أو انها عمل
إداري بحت .والحقيقة أن املوازنة تتألف من قانون املوازنة وبه تقدير
ملجموع اإليرادات والنفقات السنوية ،ومن جداول إجمالية وتفصيلية
ملحقة به ،وفيها تفصيل اإليرادات املقدرة واالعتمادات املرصودة
للنفقات.
ثانيا :املوازنة العامة خطة سنوية مستقبلية شاملة ومرنة
فاملوازنة العامة خطة سنوية ،وهي جزء من التخطيط املالي قصير
األجل لعمل الحكومة ملدة زمنية مقبلة تسمى السنة املالية .وهي خطة
عمل مستقبلية ،تستند إلى مجموعة من التنبؤات والتقديرات
واالجتهادات التي تتداخل خاللها املعطيات املؤكدة مع املعطيات غير
املؤكدة ،واألوضاع االقتصادية واالجتماعية والسياسية املحلية
واإلقليمية والدولية .كما تعتبر املوازنة العامة خطة شاملة تغطي آثارها
جميع النشاطات واملستويات التي تنظم سير املجتمع والدولة خالل السنة
املالية املحددة.
وأخيرا فإن املوازنة العامة هي خطة مرنة ،إذ يفترض في املوازنة
العامة أن تتميز باملرونة الكافية التي تجعلها قادرة على مواجهة أي تغييرات
قد تحدث أثناء السنة املالية التي تغطيها ،وهذه الخاصية افتقرت إليها
املوازنة التقليدية.
الفرع الثاني :املوازنة العامة أداة لتدخل الدولة.
لقد أصبحت املوازنة العامة أداة الدولة املعاصرة في تنظيم الحياة
االقتصادية واالجتماعية ،خاصة بعد تطور مفهوم الدولة وتوسع مجال
نشاطها ،مما أدى إلى مضاعفة احتياجاتها إلى مصادر جديدة وإضافية
للدخل نتيجة زيادة نفقاتها ،األمر الذي أدى إلى مضاعفة اآلثار املختلفة
277
التي تترتب على عمليتي تحصيل اإليرادات وصرف النفقات .ولعل أهم ما
يمكن أن تحدثه املوازنة العامة في هذا املجال هو1 :
278
املجتمعات الديمقراطية عن طريق فصل السلطات الثالث القضائية
والتشريعية والتنفيذية ،وخضوع الجميع ملبدأ الشرعية القانونية؛
.6تعتبر املوازنة العامة لعدة سنوات متعاقبة جزءا من التاريخ
االقتصادي للدولة ،حيث أنها تحتوي على جميع املعلومات املتعلقة
بالنشاط الحكومي في املاض ي والحاضر واملستقبل .كما تبرز املوازنة
العامة كأهم وثيقة يستطيع املرء من خاللها أن يتعرف على
اتجاهات السياسة العامة.
279
الفصل الثاني
أنـ ـ ـواع امليـ ـ ـ ـ ـزانية الع ـ ـ ـامة
ومراحله ـ ـ ـا
قبل التعرض ملراحل امليزانية العامة ،ينبغي معرفة أنواعها
وأشكالها ضمن ما يأتي:
املبحث األول :أنواع امليزانية العامة.
ً ً
مما ال شك فيه َّأن نوع امليزانية العامة وشكلها ،يؤدي دورا كبيرا في
تحديد منهج الدولة وآليات عملها في إدارة املال العام هذا من جهة ،كما
ً ً
جهةأنه يؤدي دورا مهما في تحديد توجهات الدولة وسياساتها التنموية من ٍ
أخرى .وفي هذا اإلطار يمكن اإلشارة إلى أهم أنواع امليزانيات املالية للدولة
كما يأتي1:
282
يتم فيها مراعاة التقسيم اإلداري، ولذلك َّ
فإن ميزانية الرقابة َّ
وذلك بما يتماش ى مع طبيعة الهياكل التنظيمية للوحدات اإلدارية
باعتبارها املسؤولة عن القيام بمختلف النشاطات اإلدارية.
وبموجب هذا النوع من امليزانيات يتم تقسيم النفقات على أساس
ثم يجري توزيعها على أساس فقرات رئيسية تتوزع الوحدات اإلدارية ،ومن َّ
إلى فقرات فرعية ،وتتوزع هذه الفقرات إلى بنود فرعية أخرى ،وهكذا .على
سبيل املثال ،األجور تتضمن الرواتب ،املكافآت ،املزايا العينية ...الخ.
يعتبر هذا النوع من امليزانيات من أقدم أنواع امليزانيات العامةَّ ،
تم
واسع ومازال ًيستعمل في الكثير من الدول ،وذلك نطاق ٍ استخدامها على ٍ
بسبب مجموعة من املزايا واإليجابيات منها:
-بساطة هذا النوع من امليزانيات وسهولته؛
َّ
-يوفر إمكانية كبيرة للمراقبة وتتبع األداء؛
-يوفر إمكانية أكبر للمناقشة التفصيلية للنفقات العامة.
يحدد لجهات التنفيذ سلطات محددة عن طريق خضوع عملياتها
للقواعد واإلجراءات التي تتضمنها األنظمة والتشريعات املالية واملحاسبية
التي تحدد طبيعة التصرف والسلوك اإلنفاقي.
َّأما سلبيات ميزانية الرقابة فهي كثيرة منها:
.1ال يتيح هذا النوع من امليزانيات التحقق من فاعلية استخدام
اإليرادات العامة في أوجه اإلنفاق املخصصة من أجل قياس مدى
كفاءة األداء عند ممارسة الحكومة لنشاطها املالي الحكومي؛
283
ّ
يركز على اإلنفاق الخاص بالوحدات اإلدارية .2هذا التبويب الذي ِ
جة كافية أهداف امليزانية العامة األخرى.
ال يوضح بدر ٍ
.3ال يوفر هذا النوع من التبويب إمكانية الربط بين اإلنفاق وبين
اآلثار والنتائج الناجمة عن هذا اإلنفاق.
املطلب الثاني :ميزانية األداء.
تحاول ميزانية األداء أن تتجنب القصور الذي يعتري ميزانية
الرقابة ،وذلك من خالل إظهار نفقات امليزانية العامة للدولة ،ليس فقط
من حيث نفقات الوحدات اإلدارية وما تحصل عليه من خدمات أو سلع
ّ
نتيجة هذا اإلنفاق ،بل إنها تركز على ما يتحقق نتيجة هذا اإلنفاق (بمعنى
التركيز على املنتج الذي يتحقق نتيجة إنفاق امليزانية) ،وبالتالي التركيز على
املنتج الذي يتحقق نتيجة هذا اإلنفاق.
ً
بمعنى آخر ،يتم التركيز كثيرا بموجب هذا النوع من امليزانيات على
املقارنة ما بين املدخالت التي يتم اإلنفاق عليها ،وبين املخرجات التي تتولد
أو تتحقق نتيجة هذا اإلنفاق الذي يتم من خالل امليزانية العامة للدولة.
ً ً
وبناء على ذلك يتحدد حجم اإلنفاق العام ووجهته اقتصاديا وإداريا ُوي َّتخذً
القرار بتخصيص النفقة أو عدم تخصيصها .ولذلك يطلق على هذا النوع
من امليزانيات اسم ميزانيات األداء أو ميزانيات البرامج أو ميزانيات اإلنجاز.
ويساعد تبويب امليزانيات وفق هذه الطريقة في الحكم على مدى فاعلية
تم تحقيقه من أدائها ،وذلك عن طريق الربط ما بين حجم اإلنفاق وبين ما ّ
بصورة كبيرة في الوقوف على جدوى اإلنفاق ٍ منتجات .وهذا يسهم
284
ومردوديته التنموية ،وليس فقط على ما تشتريه من السلع والخدمات من
خالل هذه النفقة.
بمعنى َّأن ميزانيات الرقابة تركز على الكم ،بينما ميزانيات األداء
ً
تركز على النوع والكم معا .ومن هنا يمكن القول َّأن ميزانيات األداء تساعد
في الوقوف على كفاءة األداء ،واملفاضلة بين البدائل املختلفة لإلنفاق
الختيار البديل األنسب الذي يحقق أكبر مردود ممكن لإلنفاق.
ً
إال أن الصعوبة في هذا النوع من امليزانيات تكمن عمليا فيما يلي:
-صعوبة تحديد ما يتحقق (يتم تنفيذه بالفعل) من األشياء التي
ُّ
يتم اإلنفاق عليها (أي نسبة التحقق أو التنفيذ الفعلي) ،بمعنى
صعوبة قياس النتائج التي تتحقق على األرض؛
-صعوبة تحديد وحدة القياس الكمي الدقيقة؛
-صعوبة تجميع عناصر اإلنفاق وبنوده التي ترتبط بأنشطة معينة
تقوم بها (أي بهذه األنشطة) جهات عديدة ،بمعنى ّأن اإلنفاق على
يتم من خالل جهات عديدة ،وليس من هذه األنشطة يمكن أن ّ
خالل جهة واحدة .وهذا ما يؤدي في الواقع إلى تداخل النتائج
وتشابكها ،ويوزع املهام ويضعف إمكانية إسناد أو تحديد مرجعية
املردود أو اإلنجاز.
جراء هذا اإلنفاق مباشرة فيفقد تكون النتائج التي تتحقق من َّ
مواقع معينة ،وغير مباشرة في مواقع أخرى ،وهذا ما يجعلنا نواجه
285
ً
صعوبة كبيرة في تحديد النتائج غير املباشرة حتى يصبح ممكنا مقارنتها مع
تم عقده لنقف على مستوى األداء أو اإلنجاز. حجم اإلنفاق الذي ّ
ً
باإلضافة إلى وجود آثار وانعكاسات ال يمكن قياسها كميا .وهذا ما
تؤكده الوقائع العملية حيث يوجد هناك الكثير من اآلثار وانعكاسات التي
ال يمكن قياسها من الناحية الكمية.
وهذه الصعوبة تظهر بوضوح في قطاعات األمن والدفاع الخارجي،
وتحقيق العدالة وفرض النظام ،حيث يصعب الوقوف بدقة على نتيجة
ً ً ً
علما َّ
بأن قسما كبيرا من إنفاق الدولة يتم في اإلنفاق في هذه القطاعات،
فإن ميزانية األداء تشكل من الناحية النظرية هذه القطاعات .ومع ذلكَّ ،
ً ً
والعملية/التطبيقية تقدما مهما باملقارنة مع ميزانية الرقابة.
وفي الواقع َّإن أهمية ميزانية األداء تتولد من كونها أداة أو طريقة
تساعد في:
تبين َّأنه ليس ذو جدوى معينة مطلوبة قد تكون -وقف اإلنفاق إذا َّ
اقتصادية أو اجتماعية أو مالية أو.......الخ ،وهذا سيساعد في
إصالح عمل اإلدارة الحكومية واستدراك األخطاء؛
-ترشيد استخدام املوارد املالية ،وضمان حسن استخدامها
وتوظيفها ،بما يحقق أعظم عائد مردودية؛
-ترشيد اإلنفاق الحكومي وتقليل الهدر والتكاليف إلى أدنى حد
ممكن؛
ً ً
-يساعد كثيرا في إصالح اإلدارة الحكومية وهيئاتها وخاصة ذات
الطابع االقتصادي؛
286
-تحقيق أهداف معينة اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة
أولويات معينة ،ومن خالل املفاضلة على
ٍ يتطلع إليها املجتمع وفق
أساس الجدوى املطلوبة بين عدة بدائل وخيارات.
املطلب الثالث :ميزانية التخطيط والبرمجة.
ً ً ُّ
تعد ميزانية التخطيط والبرمجة تطورا نوعيا باملقارنة مع ميزانية
تم التوجه نحو تبني هذا النوع من امليزانيات نتيجة الصعوبات األداء ،وقد َّ
العديدة التي رافقت تطبيق أسلوب ميزانيات األداء وهذه الصعوبات تتولد
في الواقع نتيجة:
-تطور دور الدولة؛
-زيادة درجة تدخلها في النشاط االقتصادي لتحقيق أهداف
اقتصادية واجتماعية.
وفي الحقيقة َّإن ما دفع باتجاه التحول نحو ميزانيات التخطيط
والبرمجة هو الحاجة للوقوف على ما هو أبعد من مسألة التركيز على
اإلنجازات وترشيد اإلنفاق وتحسين األداء الحكومي ،لجهود وجود خطة
معتمدة ،تقوم على أساس اختيار أفضل البدائل للبرامج التي تتضمنها
ً
الخطة ،وإنما اختيار األساليب األكثر تطورا ،وبالذات منها ما يتصل
ً
بالتحليل الكمي ،وخصوصا املرتبط منه بتحليل الكلفة/العائد أو املنفعة،
مع األخذ باالعتبار كافة العوامل التي قد تؤثر على ذلك.
وهنا يتم االختيار والتركيز على البدائل ذات العائد األكبر والتكلفة
وبصورة تجعل من ميزانية التخطيط خطة وبرنامج عمل يساعد في ٍ األقل،
287
اتخاذ القرارات ورسم السياسات الخاصة باإلنفاق الحكومي مع ترشيد
بصورة عامة.
ٍ اإلنفاق الحكومي
وبذلك يتم ضمان استخدام املوارد ضمن البدائل األفضل التي ّ
تم
اختيارها من بين البدائل العديدة للبرامج في التخطيط ،الذي تتضمنه
ميزانية التخطيط والبرمجة.
َّ
إال َّأن األخذ بأسلوب ميزانية التخطيط يواجه العديد من
الصعوبات منها:
-صعوبة تحديد األهداف التي يراد تحقيقها ،وما تتطلبه من
استخدامات وإنفاق الزم لها؛
-صعوبة إجراء املقارنة بين ما ّ
يتم إنفاقه وبين ما يتحقق نتيجة هذا
اإلنفاق في حزمة البرامج العديدة البديلة؛
-صعوبة تحديد العوائد املتوقعة للبدائل املختلفة وذلك كي
ً
نتمكن من اختيار األفضل منها ،خاصة في ظل عدم توفر
املعلومات والبيانات؛
-ضعف درجة توفر املعلومات والبيانات التي تتيح ذلك؛
-ضعف درجة التزام الجهات ذات العالقة ،وضعف حرصها على
ضمان الجدية في التعامل مع البرامج.
َّ
ويبقى القول َّأنه بالرغم من جميع الصعوبات إال َّأن هذا النوع من
َّ ً
توجها من أجل تطوير امليزانية بحيث تتضمن اختيار البرامج يتضمن
أفضل البرامج بين البدائل لهذه البرامج وفي إطار التخطيط لها.
288
املطلب الرابع :امليزانية الصفرية.
وهو الشكل األحدث باالستخدام في امليزانية ،وتقوم على فكرة
البدء من نقطة الصفر ،ولذلك يطلق عيها امليزانية الصفرية ،أي امليزانية
التي تقوم على أساس الصفر ،أو ذات األساس الصفري يستهدف هذا
النوع من امليزانيات الوصول إلى أفضل استخدام ممكن للموارد العامة،
وبالشكل الذي:
-يحقق أكبر قدر ممكن من أهداف املجتمع السياسية
واالقتصادية واالجتماعية،
-يلبي أهم احتياجاته ،في ظل املوارد واإلمكانات املتوافرة.
كل ما يتم تنفيذه وفكرة الصفرية هي في الواقع تعبير عن َّأن َّ
بموجب هذه امليزانية هو جديد (مشاريع ومنتجات جديدة) ،ال يستند إلى
ً
استكماال) ،حتى ولو َّ
تم تنفيذ أشياء مماثلة لها في نشاطات سابقة (ليس
ٍ
ميزانيات سابقة .ولذلك تجري دراسة النفقات وتخصيصها ملشاريع ،وكأنَّ
هذه املشاريع جديدة ،بصرف النظر عما يماثلها في ميزانيات سابقة ،بمعنى
ال تخصص هذه النفقات وال تحدد كزيادات أو استكماالت لنفقات
ً
سابقاً .
وبناء على نتائج الدراسة الجديدة تتم زيادة االعتماد ،أو مخصصة
إلغاء االعتماد نتيجة إلغاء النشاط أو البرنامج أو املشروع إذا ثبت عدم
جدواه (عوائده أقل من تكاليفه) ،وذلك بغض النظر عن املراحل
السابقة ،أو الخطوات املتخذة في إطاره ،وهنا يتم صرف النظر عن
ً ً
املشروع كليا ،وهذا من شأنه أن يتم ضبط اإلنفاق ،وعدم الذهاب بعيدا
289
في اإلنفاق على مشاريع غير ذات جدوى .أو يتم الطلب إلى الجهة طالبة
قدم ببدائل عديدة تتضمن: الت ُّالنفقة أو االعتماد َّ
ُ
-طلب الحد األدنى من االعتمادات (تقليص حجمها) ،كي تبرر
النفقة؛
-تحديد املستوى أو املرحلة الذي وصل إليها النشاط أو املشروع،
ُ
كي تبرر النفقة؛
التطور الذي قد يحصل نتيجة تخصيص التقدم أو َّ
ُّ -تحديد
ُ
اعتماد إضافي كي تبرر النفقة؛
ثم تخفيض حجم النفقة بنسبة -خفض التكاليف ومن َّ
معينة.......الخ
وفي الواقع َّإن هذا النوع من امليزانيات يساعد في إشراك جميع
الجهات في إعداد امليزانيات وذلك عن طريق تقييم النشاطات والبرامج،
ً التي ُت ّ
خصص لها االعتمادات وذلك استنادا إلى معايير واعتبارات
ً
يتبين َّأن
مسبقا .ومن خالل مقارنة بسيطة َّ ومعلومات موضوعية محددة
ً
هذا النوع من امليزانيات هو أقرب إلى مضمون ميزانية األداء ،خاصة لجهة
ما يتعلق باتخاذ القرار ،الذي يتطلب من الجهة ذات العالقة بأن تدرس
كافة النشاطات والبرامج سواء الحالية أو املقترحة ،وكذلك بدائلها ،وذلك
باالستناد إلى تحليل الكلفة أو العائد ،بحيث يكون القرار التمويلي صائب
بصورة كاملة.
ٍ
290
املبحث الثاني :دورة امليزانية العامة.
يطلق لفظ دورة امليزانية العامة على املراحل الزمنية املتعاقبة
واملتداخلة التي تمر بها ميزانية الدولة تحقيقا للمسؤوليات املشتركة بين
السلطات التنفيذية والتشريعية .فعمليات امليزانية العامة في دورة
مستمرة يتداخل فيها كل من املاض ي واملستقبل بالحاضر على مدار السنة
املالية.
ودورة امليزانية إلى جانب اتصافها بخاصية االستمرار والتداخل
تتصف أيضا بوجود مراحل مميزة تتعاقب زمنيا وتتكرر عام بعد عام،
ولكل منها خصائصها ومشاكلها ومتطلباتها 1.ولذلك تم تقسيم دورة
امليزانية العامة إلى أربعة مراحل هي التحضير واإلعداد ،االعتماد ،التنفيذ
والرقابة ،كما يلي2:
.1حامد عبد املجيد دراز ،سميرة إبراهيم أيوب ،مبادئ املالية العامة ،اإلسكندرية :الدار الجامعية ،2002 ،ص ص.
.74-73
.2أحمد الجبير ،مرجع سابق ،ص 265وما بعدها.
291
تعدد وتنوع األجهزة التي تتولى إعداد املشروع النهائي للميزانية .2
العامة مما ينعكس سلبا على إعداد ميزانية واقعية تقدر فيها
اإليرادات والنفقات بشكل منطقي وصحيح بما يساعد على اتخاذ
القرارات الصحيحة ،والواقعية التي تساهم في التنمية بشكل
أفضل؛
عدم املقدرة على معرفة القدر املتاح من املوارد بالدول النامية .3
ويتمثل ذلك بصورة أساسية في مشكلتين فرعيتين؛ األولى ،عدم
القدرة على جمع املعلومات والبيانات وتبويبها وتنظيمها وحفظها
وتداولها مما يؤدي إلى عجز املشرفين على إعداد امليزانيات عن
تحصيل املعلومات الالزمة لذلك .والثانية ،عدم املقدرة على بناء
جهاز ضريبي أو جهاز إدارة مالية كفء قادرة على القيام بتحصيل
جميع اإليرادات العامة باملقادير والنسب الحقيقية ،أو تنمية موارد
جديدة قادرة على تغطية االحتياجات املتزايدة إضافة إلى تفش ي
الرشوة والفساد اإلداري بين العاملين في هذه األجهزة؛
الزيادة املستمرة في النفقات الحكومية وما يرافق إنفاقها من ضعف .4
في درجة العقالنية والرشد ،بحيث أنها ال تتجه في معظم الحاالت
نحو املجاالت األكثر نفعا وتلبية احتياجات االقتصاد واملجتمع
وأفراده وبالذات األساسية منها؛
اتساع واجبات الدولة أدى إلى انتشار األفكار الحديثة حول .5
الديمقراطية وتطلع دول العالم الثالث إلى ممارسة الحياة املترفة
التي يتمتع بها سكان الدول الصناعية مما جعل الدول في العالم
292
الثالث بحاجة إلى مبالغ كبيرة تحصل عليها في شكل قروض بفوائد
عالية مما يترتب عليها أعباء مالية ضخمة ويؤدي ذلك إلى حصول
خلال في توازن البناء العام للميزانيات العامة في هذه الدول؛
.6القصور الواضح والشديد في تنفيذ امليزانية سواء ما يتصل منه
بتحصيل اإليرادات أو صرف النفقات ودفعها بسبب ضعف كفاءة
جهات التنفيذ وضعف الجدية واألمانة والحرص التي ترافق قيامها
بعمليات تنفيذ امليزانية؛
.7ضعف كفاءة األجهزة الرقابية وضعف فاعلية ما تقوم به من مهام
رقابية سواء ما يتصل منها برقابة السلطة التشريعية ،أو بالرقابة
الداخلية ،أو الرقابة الخارجية وحتى الرقابة املستقلة منها نتيجة
ضعف توفر القدرات والخبرات والتخصصات لديها.
وتلعب السلطة التنفيذية الدور األساس ي في هذه املرحلة ،ويرجع
ذلك إلى عدة اعتبارات هي1 :
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.347-283 .
293
.3هذه السلطة تعد أكثر السلطات معرفة باملقدرة املالية لالقتصاد
القومي.
294
أفضل ما يساعد على دقة وتقدير النفقات واإليرادات في ميزانية جديدة،
هي أرقام النفقات واإليرادات في ميزانيات السنوات السابقة ،وحساباتها
الختامية وبخاصة آخر حساب ختامي .وأن يكون تحضير امليزانية أقرب ما
يكون إلى بداية السنة املالية ،فكلما قصر الزمن بين التحضير والتنفيذ،
كلما كان التقدير أقرب إلى الدقة .وأال يسرف القائمون بتحضير امليزانية
في التفاؤل .كما يجب أن يراعى في البيان الحسابي للميزانية -والذي يشمل
تقديرات النفقات واإليرادات -تسهيل معرفة جملة املصروفات وجملة
اإليرادات والفرق بينهما ،بالنظر إلى أن ذلك ييسر اإلحاطة بالسياسة
االقتصادية واملالية للدولة من واقع البيان الحسابي املقدم .وكذلك ترتيب
الحاجات العامة واألولويات االجتماعية بصورة تحقق أكبر قدر ممكن من
املنفعة العامة وذلك في اإلطار الذي يحفظ على السياسة املالية وحدتها
ويضمن عدم إحداث تناقضات بداخلها ،والعمل على رفع مستوى الكفاءة
اإلدارية في هذا املجال عن طريق تخفيض مستوى النفقات اإلدارية ألدنى
حد ممكن .ولهذه االعتبارات فإنه يفضل عرض امليزانية بشكل يمكن من
إيضاح موارد ونفقات الدولة في مجموعها كما يفضل أن تخصص املوارد
ً
في مجموعها ملواجهة النفقات على نفس املستوى .هذا فضال عن ضرورة
مراعاة الدقة في إقامة التقديرات بأن تكون املعطيات التي اعتمد عليها
نابعة من واقع حقيقي تدعمه البيانات اإلحصائية الدقيقة ،والبعد عن
املبالغة في تقدير اإليرادات ،حتى ال تتداعى موازنة امليزانية عند التنفيذ1.
295
املطلب الثاني :اعتماد امليزانية العامة.
ال يعتبر مشروع امليزانية العامة موازنة تلتزم الحكومة بتنفيذها إال
بعد اعتماده من السلطة املختصة طبقا للنظام السياس ي لكل دولة.
والسبب الرئيس ي في ذلك ،أن امليزانية العامة تمثل تدفقات مالية يترتب
عليها إعادة توزيع الدخل القومي بين مختلف طبقات املجتمع ،وعليه
تحرص الدول املختلفة على ضرورة اعتماد السلطة املمثلة للشعب،
ملشروع املوازنة حتى يصبح قابال للتنفيذ1 .
.1سوزي عدلي ناشد ،املالية العامة ،مرجع سابق ،ص ص.347-283 .
296
التي تجريها اللجان املكلفة بذلك .وبعد املداوالت يتم اعتماد مشروع
امليزانية ،وقد يتم رفضه أو إدخال بعض التعديالت عليه1.
وإذا وافق املجلس التشريعي على مشروع املوازنة العامة ،فإنه يقوم
بإصداره بمقتض ى قانون يطلق عليه "قانون ربط املوازنة" ،وهو قانون
يحدد الرقم اإلجمالي لكل من النفقات العامة واإليرادات العامة .ويرفق به
جدوالن :يتضمن األول بيانا تفصيليا للنفقات ،والثاني بيانا تفصيليا
لإليرادات2.
297
املبلغ املستحق للدائن وخصمه من االعتمادات املقررة في امليزانية وتدعى
(تحديد النفقة) .والثالثة ،األمر الصادر من الجهات الرسمية إلى أمناء
الصناديق بدفع مبالغ مالية للدائنين وهي (اإلذن بالصرف) .والرابعة ،هي
(صرف النفقة) وذلك بصرف قيمة النفقة املحددة سابقا للشخص
املستفيد ،سواء نقدا أو بنوع من أنواع الشيكات.
أما بالنسبة لعمليات تحصيل اإليرادات العامة؛ فتقوم الجهات
الحكومية املختصة بتحصيل ما ورد في بنود اإليرادات العامة ،وال يجوز
تخصيص اإليرادات العامة بمعنى أن جميع اإليرادات التي تحصلها
الخزانة لحساب الدولة تكون في مجموعة واحدة تمول كافة النفقات
العامة للدولة دون تمييز بين إيراد وآخر.
وإذا كانت اإليرادات املحصلة أكبر من املتوقع فهناك فائض في
الخزينة العامة وبالتالي يتم تحويل هذا الفائض إلى احتياطي مالي .أما إذا
كانت اإليرادات املتوقعة أكبر من اإليرادات املحصلة فهناك عجز في
الخزينة العامة) ينبغي على الدولة تغطيته عن طريق مصادر جديدة
كالضرائب أو االقتراض أو اإلصدار النقدي1.
298
في امليزانية لكنها لم تكن كافية ،أو بفتح اعتمادات غير عادية ملواجهة
نفقات جديدة غير متوقعة لكنها لم ترد في امليزانية أثناء إعدادها1.
299
فمن حيث الجهة التي تتولى الرقابة هناك رقابة داخلية ورقابة
خارجية1:
.1رقابة قضائية:
حيث تتولى هيئة قضائية فحص الحسابات واكتشاف املخالفات
املالية وحوادث الغش والسرقة .وقد يعهد إليها بمحاكمة املسئولين عن
املخالفات املالية وإصدار العقوبات املنصوص عليها .أو قد تحدد مهمتها
في اكتشاف املخالفات املالية ومطالبة املسئولين بتدارك املوقف أو
.1عبد الكريم صادق بركات ومن معه ،مرجع سابق ،ص 441وما بعدها.
.2محمد جمال ذنيبات ،مرجع سابق ،ص 296وما بعدها.
300
إحالتهم للقضاء الجنائي إذا استدعى األمر .كما قد يطلب منها وضع تقرير
ً
سنوي لرئيس الجمهورية أو للسلطة التشريعية أو لالثنين معا تعرض فيه
ما اكتشفته من مخالفات مالية ،وما أمكن تالفيه ،واقتراحاتها للتقليل من
هذه املخالفات أو منعها في املستقبل .ومن أوضح األمثلة على هذا النوع
من الرقابة املالية محكمة املحاسبة في كل من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا
وغيرها.
.2رقابة تشريعية:
وهي تلك التي تتوالها الهيئة التشريعية بما لها من سلطة مطلقة في
الرقابة املالية .وتباشر السلطة التشريعية هذه املهمة بطرق مختلفة .فقد
تتم الرقابة عن طريق الهيئة التشريعية مباشرة أثناء السنة املالية أو بعد
فحصها للحساب الختامي عن طريق االستجواب والسؤال للوزراء
كممثلين للسلطة التنفيذية .وقد يترتب على اتباع هذا األسلوب مسئولية
الوزراء السياسية وطرح الثقة بالوزارة وإسقاطها إذا لم تحصل على
غالبية األصوات .وقد تتجاوز مسئولية الوزراء عن املخالفات املالية حدود
املسئولية السياسية لتشمل في بعض الدول مسئوليتهم املدنية والجنائية.
إال أنه سرعان ما اتضحت عيوب هذا األسلوب من أساليب الرقابة
ً
املالية نظرا لعدم إملام أعضاء الهيئة التشريعية بالضرورة باألصول
العملية للرقابة املالية ،أو لعدم توفر الخبرة والوقت الالزمين لهذه املهمة.
ولذلك فقد رؤى من األفضل تكليف لجنة مختصة تنتقي من بين أعضاء
الهيئة التشريعية وخاصة من أولئك الذين قد تتوافر فيهم املعرفة والخبرة
بشئون املالية العامة .ومثال ذلك لجنة الخطة وامليزانية في جمهورية مصر
301
العربية .وعلى هذه اللجنة أن تراقب تنفيذ امليزانية وأن تفحص الحساب
الختامي للدولة واملستندات املؤيدة له .وقد يكون من سلطتها استدعاء
اآلمرين بالصرف أو من تراه من موظفي الدولة ملناقشتهم وسؤالهم .ثم
ترفع هذه اللجنة تقريرها إلى السلطة التشريعية بكامل هيئتها حيث يتخذ
ً
هذا التقرير أساسا ملساءلة السلطة التنفيذية.
وعلى الرغم من أنه قد تتوافر بعض نواحي املعرفة والخبرة بالشئون
املالية ألعضاء هذه اللجنة إال أن صعوبة التفرغ لهذه املسائل وضخامة
الجهد الالزم ألدائها تجعل من املستحيل على مثل هذه اللجنة تأدية مهمتها
على وجه مرض ي .ولذلك فقد رأت معظم الدول أن تستعين الهيئة
التشريعية بهيئة فنية متخصصة ومستقلة تكرس خبراتها ووقتها للرقابة
املالية على السلطة التنفيذية .ومن أمثلة ذلك الجهاز املركزي للمحاسبات
في جمهورية مصر العربية.
ً
ومن الناحية العملية نجد أن كثيرا من الدول قد جمعت بين هذه
الطرق الثالثة للرقابة التشريعية .حيث تتولى هيئة فنية متخصصة
مراقبة تنفيذ امليزانية وفحص كل ما يتعلق بالعمليات املالية للدولة
والوقوف على املخالفات املرتكبة ورفع التقارير السنوية وغير السنوية إلى
السلطة التشريعية .فتقوم اللجنة املالية املنبثقة من السلطة التشريعية
ً
بدراسة هذه التقارير دراسة تفصيلية ثم تحليلها مرفقا بها مالحظاتها
واقتراحاتها إلى املجلس التشريعي بهيئته الكاملة ليتولى محاسبة السلطة
التنفيذية واتخاذ ما يلزم من إجراءات.
302
أما من حيث التوقيت الزمني فنجد أن الرقابة املالية تنقسم
إلى1:
.1عبد الكريم صادق بركات ومن معه ،مرجع سابق ،ص 441وما بعدها.
303
ً
االرتباط بااللتزام قد تمت وفقا للوائح والتعليمات املالية وأن البضاعة (أو
ً
موضوع النفقة) قد تم استالمها فعال وأن لجان االستالم ومحاضرها
وكذلك مستندات الصرف مطابقة للنظم املالية املعمول بها ...الخ.
ومن الواضح أن الرقابة السابقة إذا نفذت بنجاح تمنع ارتكاب
املخالفات املالية ولذلك يطلق عليها البعض اسم "الرقابة الوقائية أو
الرقابة املانعة" كما أنه يترتب على تطبيق نظام الرقابة قبل الصرف
للتخفيف من درجة املسئولية التي تتحملها الوزارات واملصالح املختلفة.
ً
ومع ذلك فال يخلو أسلوب الرقابة السابقة من عيوب ،فغالبا ما
ً
يصعب وفقا لهذا النظام مراجعة العملية املالية في مجموعها خاصة
بالنسبة لالرتباطات املالية الكبيرة واملشروعات اإلنشائية وإنما تتم
مراجعتها كأجزاء متفرقة كلما بدء بتنفيذ جزء منها .وبالتالي قد ال تتاح
الفرصة لجميع أجزاء العملية الواحدة ودراستها للكشف عما قد يكون
هناك من غش أو تالعب.
كما أن الرقابة قبل الصرف البد وأن تنجز في وقت قصير وإال أدت
إلى بطء في اإلجراءات وتعطيل لسير العمل مما قد يكلف الدولة والشعب
أضعاف ما قد ينجم عن الرقابة السابقة من مزايا .فإذا ما تمت عمليات
الرقابة السابقة عن طريق هيئة خارجية ومستقلة عن السلطة التنفيذية
فإن ذلك يؤدي وال شك إلى سلب هيئة الرقابة للكثير من اختصاصات
السلطة التنفيذية وظهور نوع من املركزية اإلدارية يؤدي إلى تعقيد في
اإلجراءات وتزايد الخالفات واملنازعات املستمرة بين الوزارات وهيئة
الرقابة.
304
وال يعني هذا االنتقاص من قدر أو أهمية الرقابة السابقة .وإنما
يعني ضرورة ترك مهمة الرقابة قبل الصرف إلى وحدات من داخل السلطة
التنفيذية سواء أكانت من نفس الجهة التي تقوم بالصرف أو من وزارة
املالية على أن تختص هيئات الرقابة الخارجية بعمليات الرقابة الالحقة.
وهذا ما أيدته التطبيقات العملية ألساليب الرقابة املالية في الدول
املختلفة.
ثانيا :رقابة الحقة.
وهي الرقابة التي تبدأ بعد انتهاء السنة املالية وقفل الحسابات
واستخراج الحساب الختامي للدولة .والرقابة الالحقة ال تشمل جانب
النفقات فقط كما هو الحال بالنسبة للرقابة السابقة ولكنها تمتد لتشمل
جانب اإليرادات العامة للتأكد من تطبيق السلطة التنفيذية للقوانين
وعدم تقاعس األخيرة عن تحصيل الضرائب املفروضة وأن كل ما حصل
ً
قد ورد بالفعل إلى خزانة الدولة .وتتخذ الرقابة الالحقة أشكاال متعددة،
فقد تقتصر على املراجعة الحسابية واملستندية لجميع العمليات املالية
لكشف املخالفات املالية التي ارتكبت ،وقد تمتد لتشمل بحث مدى كفاءة
الوحدة اإلدارية في استخدام األموال العامة.
ولكي تتوافر الجدية في عمليات الرقابة الالحقة ولكي تؤتي الثمار
املرجوة منها البد وأن تتم هذه الرقابة عن طريق هيئة خارجية مستقلة عن
السلطة التنفيذية وأن تمنح هذه الهيئة وموظفيها من السلطات
والضمانات ما يجعلها بمنأى عن أي إجراء تعسفي قد تحاول الحكومة
اتخاذه.
305
وأسلوب الرقابة الالحقة يتفادى ما في أسلوب الرقابة السابقة من
عيوب ،حيث يسهل مراجعة جميع أجزاء العملية الواحدة ودراستها دراسة
دقيقة ومستفيضة والكشف عن االختالسات والتالعب واألخطاء الفنية.
والرقابة الالحقة يتاح لها من الوقت ما يكفي إلتمام هذه الدراسات دون
أن يترتب على ذلك أي تعطيل لسير العمل الحكومي .كما أن الرقابة
الخارجية ال تؤدي إلى تدخل هيئة الرقابة في اختصاصات السلطة
التنفيذية .بل أن مجرد العلم بوجود رقابة خارجية الحقة سيدفع
املسئولين في السلطة التنفيذية إلى توخي الدقة في تنفيذ امليزانية وتطبيق
اللوائح والتعليمات املالية وبالتالي منع كثير من املخالفات املالية التي كان
من املمكن حدوثها لو لم يؤخذ بهذا األسلوب للرقابة املالية.
ولقد عاب البعض على الرقابة الالحقة أنها ال تمكن من اكتشاف
املخالفات املالية أو الغش واالختالس إال بعد أن تكون األموال العامة قد
ً
أنفقت فعال ،فهي وإن كانت تقلل من املخالفات املالية ال تمنع من ارتكابها
وإنما تقتصر على التنبيه إليها بعد وقوعها باإلضافة إلى أن اكتشاف هذه
املخالفات املالية قد يأتي بعد وقت طويل من ارتكابها يكون فيه املسئول
قد تغير مما يقلل من أهميتها.
ً
وال شك في أن كثيرا من هذه العيوب التي ألصقت بالرقابة الخارجية
الالحقة يسهل تفاديها إذا ما أعطيت لهيئة الرقابة بعض السلطات
القضائية مثل إنشاء محكمة تأديبية لتعزيز مهمة هيئة الرقابة مثل
النيابة اإلدارية في جمهورية مصر العربية حيث يظل املوظف العام أينما
306
كان مسئول عن أي مخالفة مالية أو إهمال في أداء واجبات الوظيفة
الحالية أو الوظائف السابقة.
وأما من حيث نوعية الرقابة؛ فتتم التفرقة بين1:
.1عبد الكريم صادق بركات ومن معه ،مرجع سابق ،ص 441وما بعدها.
307
كل ذلك في محاولة لتقييم النشاط الحكومي نفسه .فهي تبحث عن مدى
تحقيق أهداف امليزانية وبالتالي مدى تحقيق األهداف االقتصادية
واالجتماعية للمجتمع .فتقوم هيئة الرقابة التقييمية بدراسات للتكاليف
النمطية لكل وجه من أوجه النشاط العام .ثم تتابع ما تم تنفيذه وتكلفة
إنجاز كل عمل أو برنامج أو مشروع حكومي ومقارنة ذلك بالتكاليف
النمطية للكشف عما صاحب التنفيذ من إسراف أو سوء استخدام
للموارد االقتصادية التي أتيحت للقطاع العام .كما تهدف الرقابة
التقييمية في دراستها إلى الكشف عن مدى كفاءة الوحدات اإلدارية ووضع
املقترحات التي قد تراها ضرورية لالرتفاع بهذه الكفاءة اإلدارية وبالتالي
خفض تكاليف اإلنجاز أو تحسين مستوى الخدمة التي يقدمها القطاع
العام .وال تقتصر مهمة الرقابة التقييمية عند هذا الحد بل تتعداه إلى
قياس املنافع متى عادت على أفراد املجتمع وعلى االقتصاد القومي من
قيام الحكومة بهذه البرامج واملشروعات محاولة بذلك وضع التكاليف
واملنافع في مقارنة موضوعية يمكن عن طريقها تقييم إنتاجية وحدات
القطاع العام.
وتعتبر الرقابة التقييمية من أحدث أساليب الرقابة املالية ،حيث
بدأ التفكير فيها بعد الحرب العاملية الثانية .ومع ازدياد دور الدولة في
النشاط االقتصادي وبالتالي ازدياد حجم النفقات العامة وثقل العبء
الضريبي امللقى على كاهل املواطنين ،أصبحت الرقابة الحسابية وحدها
عاجزة عن الوفاء بمتطلبات الجماهير ،فهم بحاجة إلى معرفة أن ما فرض
عليهم من ضرائب لم يكن أزيد من الحاجة الفعلية ،وأن املوارد
308
االقتصادية التي حيل بينهم وبينها نتيجة لفرض هذه الضرائب قد
استغلت من قبل الحكومة أحسن استغالل ممكن ،وأن كفاءة الحكومة
في إدارة األعمال مرتفعة ،وأن نواحي اإلسراف تتقلص وتتضاءل سنة بعد
أخرى ،ومن هنا بدأت املحاوالت لوضع الرقابة التقييمية موضع التنفيذ،
ومع اعتناق الكثير من الدول ألساليب التخطيط االقتصادي ازدادت
الحاجة إلى الرقابة التقييمية كأسلوب أساس ي ملتابعة تنفيذ الخطة
الحالية ورسم الخطط االقتصادية للسنوات القادمة1.
309
قائمة املصادرواملراجع
قائمة املصادر واملراجع
أوال :املراجع بالغة العربية.
.Iالكتب
.1أحمد الجبير .املالية العامة والتشريع املاليّ ،
عمان :اآلفاق املشرقة
للنشر والتوزيع.2011،
.2أعاد حمود القيس ي ،املالية العامة والتشريع الضريبيّ ،
عمان :دار
الثقافة للنشر والتوزيع.2008 ،
املوسوي ،ضياء مجيد .النظرية االقتصادية التحليل االقتصادي .3
الكلي .الجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية.2005 .
بلعزوز بن علي ،محاضرات في النظريات والسياسات النقدية، .4
الجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية2004 ،
جمال الدين محمد بن مكرم أبو الفضل ابن منظور ،لسان .5
العرب ،بيروت :دار صادر للطباعة والنشر ،ط.2003 ،3
حسين العمر ،مبادئ املالية العامة ،الكويت :مكتبة الفالح للنشر .6
والتوزيع.2002 ،
حامد عبد املجيد داراز ،دراسات في السياسات املالية، .7
اإلسكندرية :الدار الجامعية1988 ،
حامد عبد املجيد دراز ،سعيد عبد العزيز عتمان ،مبادئ املالية .8
العامة ،اإلسكندرية :الدار الجامعية.2002 ،
حامد عبد املجيد دراز ،سميرة إبراهيم أيوب ،مبادئ املالية .9
العامة ،اإلسكندرية :الدار الجامعية2002 ،
310
رضا خالص ي ،شذرات املالية العامة ،الجزائر :دار هومة.2016 ، .10
رفعت املحجوب ،املالية العامة ،القاهرة :دار النهضة العربية، .11
.1979
زينب حسين عوض هللا ،مبادئ املالية العامة ،بيروت :الدار .12
الجامعية.1995 ،
سالمة محمد سلمان ،اإلدارة املالية العامة ،عمان :دار املعتز، .13
.2015
سوزي عدلي ناشد ،أساسيات املالية العامة ،بيروت :منشورات .14
الحلبي الحقوقية.2009 ،
صالح الرويلي ،اقتصاديات املالية العامة ،الجزائر :ديوان .15
املطبوعات الجامعية ،ط.1992 ،4
طاهر الجنابي ،علم املالية العامة والتشريع املالي ،بغداد :دار .16
الكتب للطباعة والنشر ،دت.
طارق الحاج ،املالية العامة ،عمان :دار صفاء للنشر.1999 ، .17
عادل أحمد حشيش ومصطفى رشدي شيحة ،مقدمة في .18
االقتصاد العام -املالية العامة ،اإلسكندرية :دار الجامعة
الجديدة للنشر.1998 ،
عبد املجيد قدي ،دراسات في علم الضرائب ،عمان ،األردن :دار .19
جرير للنشر والتوزيع.2011 ،
عادل فليح العلي ،مالية الدولة ،عمان :دار زهران للنشر والتوزيع، .20
دت.
311
عبد الكريم صادق بركات ومن معه ،املالية العامة ،بيروت :الدار .21
الجامعية.1986 ،
عمرو محي الدين ،أزمة النمور اآلسيوية ،القاهرة :دار الشروق .22
للنشر.2000 ،
عمان :مؤسسة عبد هللا إبراهيم نزال ،اإلدارة املالية العامةّ ، .23
الوراق للنشر والتوزيع.2014 ،
عبد الفتاح عبد الرحمان عبد املجيد ،اقتصاديات املالية العامة، .24
القاهرة :املطبعة الكمالية.1990 ،
علي زغدود ،املالية العامة ،الجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية، .25
.2005
غازي عناية ،املالية العامة والنظام املالي اإلسالمي ،بيروت :دار .26
الجيل.1995 ،
فليح حسن خلف ،املالية العامةّ ،
عمان :جدارا للكتاب العاملي، .27
.2008
فوزي عبد املنعم ،املالية العامة والسياسات املالية ،ط،4 .28
(الجزائر :ديوان املطبوعات الجامعية.)1992 ،
محمد دويدار ،مبادئ االقتصاد السياس ي –االقتصاد املالي، .29
اإلسكندرية :الدار الجامعية للطباعة والنشر ،دت.
محمد بن أبي بكر الرازي ،مختارالصحاح ،املستقبل ،دت. .30
محمد جمال ذنيبات ،املالية العامة والتشريع املالي ،عمان :الدار .31
العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع.2003 ،
312
محمد الصغير بعلي ويسرى أبو العال ،املالية العامة ،عنابة :دار .32
العلوم.2003 ،
محمد الطاهر سعودي ،املالية العامة ،باتنة :دار قانة للنشر .33
والتوزيع.2009 ،
محمد خالد املهايني وخالد شحادة الخطيب ،املالية العامة، .34
دمشق :مديرية الكتب واملطبوعات جامعة دمشق ،دت.
محمد خالد املهايني ،محاضرات في املالية العامة ،دمشق :املعهد .35
الوطني لإلدارة العامة.2013 ،
محمد ساحل ،املالية العامة ،الجزائر :جسور للنشر والتوزيع، .36
.2017
محمد شاكر عصفور ،أصول املوازنة العامةّ ،
عمان :دار املسيرة .37
للنشر والتوزيع ،ط.2014 ،6
محمد طاقة وهدى العزاوي ،اقتصاديات املالية العامةّ ،
عمان: .38
دار املسيرة للنشر والتوزيع ،ط.2010 ،2
محمد عبد صالح ،محاضرات مادة اقتصاديات الضرائب، .39
املرحلة الثالثة ،قسم إدارة االستثمار واملوارد ،كلية اقتصاديات
األعمال ،جامعة النهرين ،بغداد.2020 ،
محمود حسين الوادي وزكريا أحمد عزام ،مبادئ املالية العامة، .40
ّ
عمان :دار املسيرة للنشر والتوزيع.2007 ،
محمود حسين الوادي" ،مبادئ املالية العامة ،عمان :دار املسيرة .41
للنشر والتوزيع والطباعة.2010 ،
313
.42نوزاد عبد الرحمن الهيتي ومنجد عبد اللطيف الخشالي ،املدخل
الحديث في اقتصاديات املالية العامةّ ،
عمان :دار املناهج للنشر
والتوزيع.2017 ،
.43يحيى دنيدني ،املالية العمومية ،الجزائر :دار الخلدونية ،ط،2
.2014
.44يسرى محمد أبو العال ،املالية العامة والتشريع الضريبي ،مصر:
جامعة بنها ،د ت.
. IIاملذكرات واالطروحات.
.1بوزيان عبد الباسط" ،دور السياسة املالية في استقطاب االستثمار
األجنبي املباشر –دراسة حالة الجزائر خالل الفترة (،)2004-1994
مذكرة ماجيستير ،فرع نقود ومالية ،قسم العلوم االقتصادية،
جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف.2007-2006 ،
.2بوزيان عبد الباسط" ،دور السياسة املالية في استقطاب االستثمار
األجنبي املباشر –دراسة حالة الجزائر خالل الفترة (،)2004-1994
مذكرة ماجيستير ،فرع نقود ومالية ،قسم العلوم االقتصادية،
جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف.2007-2006 ،
.3البد لزرق" ،ظاهرة الهرب الضريبي وانعكاساتها على االقتصاد
الرسمي في الجزائر دراسة حالة –والية تيارت ،"-مذكرة ما جيستير،
تخصص تسيير املالية العامة ،جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان،
كلية العلوم االقتصادية والتسيير والعلوم التجارية.2012-2011 ،
314
.4محمد جمام" ،النظام الضريبي وآثاره على التنمية االقتصادية"،
أطروحة دكتوراه دولة في العلوم االقتصادية ،جامعة قسنطينة:
كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،سنة2009م2010/
.5مسعود دراوس ي" ،السياسة املالية ودورها في تحقيق التوازن
االقتصادي –حالة الجزائر .")2004-1990أطروحة دكتوراه ،كلية
العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،جامعة الجزائر.
.6نور طارق حسين العاني ،النظام القانوني للرسوم ،رسالة ماجستير
في القانون ،بغداد :جامعة النهرين ،سنة.2004
.IIIاملجالت والدوريات.
.1جمال لعمارة" ،تطور فكرة املوازنة العامة للدولة" ،مجلة العلوم
اإلنسانية ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،نوفمبر .2001
.2خالد علي ،عمر غنام " ،دليل العدالة الضريبية ملنظمات
املجتمع املدني في املنطقة العربية" ،تموز .2019
.3صبرينة كردودي ،سبرينة مانع ،سهام كردودي " ،أساليب تمويل
عجز امليزانية العامة واآلثار املترتبة عنها" ،مجلة نورللدراسات
االقتصادية ،مجلد ،04عدد ،07ديسمبر ،2018ص.194 .
.4صالح حسن كاظم" ،مكافحة التهرب الضريبي...ضرورة ملحة في
الحد من الفساد" .قسم البحوث والدراسات ،دائرة الشؤون
القانونية.2010 ،
315
.5عبيس تركي كاظم ،مدخل في الضريبة وعالقتها بالقانون ،مجلة
العلوم اإلنسانية ،مجلد ،19عدد ،3أوت.2011
.6محمد هاني ،ياسين مراح " ،حدود سياسة اإلصدار النقدي كآلية
للتمويل غير التقليدي للموازنة -العامة في الجزائر –دراسة تحليلية
ملضمون القانون " ،مجلة املنار للبحوث والدراسات القانونية
والسياسية ،العدد ،04مارس .2018
.7يوب فايزة" ،سياسة اإلصدار النقدي كآلية للتمويل غير التقليدي
في الجزائر" ،مجلة دراسات اقتصادية ،املجلد ،13العدد ،03
.2019
.8يسري مهدي حسن السامرائي ،زهرة خضير عباس العبيدي،
"تحليل أثر التغيرات في األسعار الضريبية على الحصيلة الضريبية
في النظام الضريبي العراقي للمدة ( ،)2010-1995مجلة جامعة
االنبارللعلوم االقتصادية واإلدارية ،املجلد ،5العدد .2013 ،10
. IVاملنشورات اإللكترونية.
.1أنس حاتم" ،آثار القروض العامة في النشاط االقتصادي الكلي"،
تم التحميل من املوقع/ https://www.blogepoch.com :
.2محمد حلمي مراد ،مالية الدولة( ،املكتبة القانونية .)1970 ،تم
التحميل من املوقع https://www.noor-book.com
ثانيا :املراجع باللغة األجنبية.
1. shwor Thapa, "Public Finance: Concept, Definition and
Importance for Country's Development",20 July, accessed
on 12/06/2021, in:
316
https://www.researchgate.net/publication/342886391_Publ
ic_Finance_Concept_Definition_and_Importance_for_Co
untry's_Development
2. Michel Aglietta,”Le Préteur en Dernier Ressort
International et la Réforme du FMI”, Rapport du Conseil
d’Analyse Economique," Crises de la Dette : Prévention et
Résolution", Paris : la Documentation Française, 2003.
3. Public Finance – Basic Concepts, Ties and Aspects,
accessed on 12/06/2021, in:
https://nb.vse.cz/~urbanek/Public%20Finance/PublicFinan
ce.pdf
4. Raymond Bausch, " Finances publiques", Institu national
d’administration publique, octobre 2019, P. 5. Visité le
08/06/2021. Sur : https://igf.gouvernement.lu/dam-
assets/fr/dossiers/formations/Cours-Finances-
publiques.pdf
5. " Qu'est-ce que les dépenses publiques ?", 04/07/ 2014/ ,
visité le : 30/06/2020. Sur :
https://www.capital.fr/economie-politique/qu-est-ce-que-
les-depenses-publiques-946279
317